28_كلنا سوريون العدد

Page 1

‫مؤتمرات‬ ‫التصنيف‬

‫ص‪2‬‬

‫أربع سنوات على الصرخات األولى‬ ‫ص‪7- 6- 5‬‬

‫سياسية ثقافية نصف شهرية‬

‫السنة الثانية‬

‫‪ /3‬نيسان ‪2015 /‬‬

‫المدني‬ ‫بُعيد التحرير‪ ،‬الوضع‬ ‫ّ‬ ‫في إدلب‬

‫ص‪3‬‬

‫حناول أن تكون فضا ًء إعالميّاً مفتوحاً على الشأن السور ّي‪ ،‬وتشارك السوريّني‬ ‫حياتهم يف بالد النزوح‪ ،‬ونسعى ألن تكون ساحة لتبادل الرأي وتبادل املعلومة‪،‬‬ ‫حماولة جادّة للمساهمة يف صناعة إعالم سور ّي جديد وج ّدي‪ ،‬يساهم بدوره‬ ‫يف صياغة وعي وط ّ‬ ‫ين سور ّي جامع‪ ،‬يؤ ّسس لصياغة اهلويّة الوطنيّة اجلامعة ‪.‬‬

‫العدد ‪- 28 -‬‬

‫‪newspaper.allsyrians.org‬‬

‫‪ 12‬صفحة‬

‫سفير‬ ‫الغناء‬ ‫راوي‬ ‫الجزّ ّ‬

‫عريس‬ ‫صفقة‬

‫ص‪11‬‬

‫ص‪10‬‬

‫سورّيون في السويد‬

‫ص‪8‬‬

‫انتقام ‪...‬‬ ‫بالمصادرة‬

‫ص‪9‬‬

‫ص‪11‬‬

‫سوريالّيات‬ ‫إدلب‪ ..‬هنانو‪ ..‬المبعوجة‬

‫وإن اختلف الس ّجان‬ ‫‪ ...‬السجن واحد‬ ‫ص‪9‬‬

‫ص‪5‬‬ ‫‪6-‬‬

‫ّ‬

‫ص‪3‬‬

‫‪7-‬‬

‫يمكن ال��ق��ول إنّ أيّ إض��ع��اف لتحالف‬ ‫«النظام – إيران» وتوابعهما هو انتصار أكيد‬ ‫للشعب السوريّ ‪ ...‬ولمستقبل سورية ‪ ...‬لكن‬ ‫هل يكفي هذا القول لتكتمل المقولة؟؟؟ ‪ ...‬ال ب ّد‬ ‫لنا من إضافة وجه آخر لها لكي تتضح وهو‪:‬‬ ‫أنّ أيّ انتصار للقوى غير المدنيّة والديمقراطيّة‬ ‫هو إضعاف لسوريّة القادمة‪ ،‬وعقبة أخرى أمام‬ ‫صيغة عقدها االجتماعيّ القادم‪ ،‬أي الصيغة‬ ‫المدنيّة الديمقراطيّة التع ّدديّة ‪ ...‬التي حلم بها‬ ‫السوريّون وثاروا من أجلها‪.‬‬ ‫يمكن القول أيضاً‪ ،‬إنّ ك ّل هذا العفن الذي‬ ‫رفعت الثورة السوريّة الغطاء عنه وفضحته‬ ‫‪ ...‬وال��ذي كان يتغلغل عميقا ً ويصيب ك ّل‬ ‫مفاصل الحياة في سورية‪ ،‬هو نتاج طبيعيّ‬ ‫لعقود القمع والتهميش وسحق الحياة المدنيّة‬ ‫والسياسيّة داخ��ل المجتمع السوريّ وداخل‬ ‫مؤسّساته وهيئاته المدنيّة‪ ،‬والتي عمل عليها‬ ‫النظام السوريّ بمنهجيّة فائقة ‪ ....‬وهنا أيضا ً‬ ‫ال يكفي هذا القول‪ ،‬إذ ال ب ّد من إضافة أخرى‪،‬‬ ‫وهو أ ّنه ال انتصار على هذا العفن بإحياء عفن‬ ‫بديل ‪ ...‬فسورية القادمة لكي تنتصر ال ب ّد لها‬ ‫أن تنتصر على العفن مهما تع ّددت وجوهه‪.‬‬ ‫ما يحاول الكثيرون فعله هو إغراقنا ‪ -‬نحن‬ ‫السوريّين ‪ -‬في التفاصيل اليوميّة التي يبدعون‬ ‫ويتف ّننون بصناعتها ‪ ...‬تفاصيل تنسينا في‬ ‫غمرة األلم حقيقة ما نريده وما ُثرنا من أجله‬ ‫‪ ...‬ننسى في تفاصيل موتنا اليوميّة أ ّننا قمنا‬ ‫بثورتنا ألنّ النظام كان يمنع ع ّنا أيّ وجه للحياة‬ ‫‪ ...‬ولم نقم لكي نتقاتل على تخوم طوائفنا‪ ...‬لم‬ ‫نقم لنبني دولة دينيّة‪ ،‬وال إلحياء حروب طائفيّة‬ ‫‪ ...‬ولم نقم لمناصرة دولة تبحث عن مصالحها‬ ‫في سورية ض ّد دولة أخرى تبحث أيضا ً عن‬ ‫مصالحها ‪ ...‬لماذا إذاً ننسى ما قمنا من أجله‬

‫‪ ...‬ونستبدل سوريّتنا الحلم بتفاصيل تبعدنا ك ّل‬ ‫يوم عن حلمنا؟؟‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫إنّ تحرير إدلب ‪ ...‬ال يكفي للقول‪ :‬إننا‬ ‫انتصرنا ‪ ...‬فالر ّقة تحرّ رت منذ زمن طويل‪،‬‬ ‫لك ّنها في الحقيقة ال تزال غير محرّ رة ‪...‬‬ ‫لنعترف إذاً‪ ،‬أنّ إخراج النظام من أيّة بقعة‬ ‫سوريّة هو انتصار للحلم السوريّ بالتأكيد‪،‬‬ ‫لك ّنه ليس نصراً مح ّققا ً كما يشتهيه السوريّون‪،‬‬ ‫ولكي يكتمل هذا االنتصار فعلينا أن نشرع‬ ‫بالتأسيس للخطوة الثانية التي ال تق ّل كثيراً‬ ‫ّ‬ ‫والمتمثلة في هزيمة‬ ‫عن أه ّميّة الخطوة األولى‬ ‫النظام وإخراجه منها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫إدلب اليوم هي مسؤوليّتنا جميعا في منع‬ ‫تكرار تجربة الر ّقة ‪ ...‬فليس التطرّ ف ما نريده‬ ‫مهما تب ّدلت أسماؤه ‪ ...‬وتحطيم تمثال هنانو بالغ‬ ‫الداللة ‪...‬ال أل ّنه فقط تمثال لشخصيّة وطنيّة‬ ‫سوريّة لها رمزيّتها في وجدان السوريّين‪ ...‬إ ّنه‬ ‫باختصار تكثيف شديد لصراع ثقافتين وفهمين‬ ‫متناقضين لسوريّة التي يريدها السوريّون‪...‬‬ ‫وإنّ مجزرة قرية «المبعوجة» ليست‬ ‫في عدد ضحاياها وال في انتماءاتهم الطائفيّة‬ ‫فقط‪ ...‬إ ّنها تكثيف الصراع بين فهمين وثقافتين‬ ‫وصيغتين ‪ ...‬والحياد هنا وفي ك ّل هذا الصراع‬ ‫بين هاتين الثقافتين هو مساهمة في إجهاض‬ ‫حلم السوريّين‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫لم يبق أمامنا نحن السوريّين متسع وال دم‬ ‫يكفي لكي نتريّث في تسمية أعدائنا‪ ،‬ح ّددنا‬ ‫عدونا الواضح والصريح عندما ُثرنا على‬ ‫هذا النظام‪ ،‬وألحقنا به ك ّل من سانده‪ ،‬علينا‬ ‫اآلن أن نح ّدد أعداءنا الملتبسين والمق ّنعين‬ ‫والذين هم بوضوح وبملء الصوت ك ّل أشكال‬ ‫التطرّ ف واإلقصاء والقتل مهما تع ّددت تسمياته‬ ‫ومرجعيّاته‪.‬‬ ‫بسام يوسف‬

‫صغار سورّيون‬ ‫في ماردين‬ ‫ص‪8‬‬

‫األوضاع العسكرّية في مدينة‬ ‫إدلب وما حولها‬


‫‪2‬‬

‫العدد ‪28‬‬

‫السنة الثانية‬

‫‪ / 3‬نيسان ‪2015/‬‬

‫حوار العدد مع‬

‫الرسمي باسم الحكومة السورّية المؤ ّقتة‪.‬‬ ‫«أحمد الرمح» الناطق‬ ‫ّ‬ ‫ ‪-‬‬ ‫ ‬‫‪ -‬‬

‫نن ّسق مع جيش الفتح لتقديم اخلدمات للمدنيّني‬ ‫إدارة إدلب مدنيّة من خالل الكوادر الوطنيّة من أبنائها‬ ‫نناشد اجملتمع الدول ّي ليطبّق حظر جوّ ّي ومنطقة آمنة‬

‫يتداول السوريّون الكثير من التساؤالت حول‬ ‫األوض��اع الراهنة في مدينة إدلب ومستقبلها‪.‬‬ ‫والستيضاح موقف الحكومة السوريّة المؤ ّقتة‪،‬‬ ‫نقلت صحيفة «كلّنا سوريّون» بعضا ً من هذه‬ ‫التساؤالت إلى الناطق الرسميّ باسم الحكومة‬ ‫األستاذ «أحمد الرمح» فكان الحوار التالي‪:‬‬ ‫قوات األسد منذ‬ ‫• ‬ ‫تحررت مدينة إدلب من ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أ ّيام‪ ،‬هل يوجد للحكومة السور ّية المؤقتة‪ ،‬اآلن‪،‬‬ ‫أي دور داخل المدينة؟‬ ‫ّ‬ ‫الرمح‪:‬‬ ‫سعت الحكومة المؤ ّقتة منذ اللحظات األولى‬ ‫لتحرير إدلب للتواصل مع الجهات‬ ‫المعنيّة هناك للقيام بدورها وواجبها‬ ‫تجاه أهلنا في إدلب؛ وقامت باستنفار‬ ‫ك ّل طاقتها ووجهت ك ّل مديريّاتها‬ ‫للقيام بواجبهم حيال المواطنين‬ ‫هناك لتأمين ما يمكن تقديمه من‬ ‫خدمات مدنيّة وإنسانيّة؛ وجرى‬ ‫تواصل مع المجلس المحلّيّ لمدينة‬ ‫إدلب لرفع تقريره عن احتياجات‬ ‫المدينة لتنفيذها على وجه السرعة‪.‬‬ ‫وقد ت ّم إرسال دفعة من الحبوب‬ ‫حصّة شهر نيسان ‪ 4250‬طن‬ ‫من الحبوب على أن تكون حصّة‬ ‫شهر أيّار ‪ 8000‬طن سيت ّم إرسالها من أصدقاء‬ ‫الشعب السوريّ من خالل الحكومة المؤ ّقتة؛‬ ‫كذلك ت ّم تسليم مبنى مديريّة التربيّة في إدلب من‬ ‫حركة أحرار الشام لمديريّة التربية الحرّ ة التابعة‬ ‫للحكومة المؤ ّقتة‪ ،‬وقد م ّددت الحكومة المؤ ّقتة‬ ‫م ّدة التسجيل المتحانات الشهادة الثانويّة عشرة‬ ‫أيّام وستتك ّفل بنفقات االمتحانات وتقوم باإلشراف‬ ‫عليها؛ وهناك فريق يقوم اآلن بزيارة إدلب‬ ‫لالطالع على واقعها وتقديم تقريره للحكومة‬ ‫عن االحتياجات اإلنسانيّة وخصوصا ً ما يتعلّق‬ ‫بالناحية الصحّ يّة والتعليميّة والمعاشيّة‪.‬‬ ‫ك ّل ذلك يت ّم من خالل التنسيق مع قيادة جيش‬ ‫الفتح؛ لتسهيل تقديم الخدمات للمدنيّين من جانب‬

‫الحكومة‪.‬‬ ‫يتخوف الكثيرون من تكرار ما حدث‬ ‫• ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫في مدينة الرقة من سيطرة «داعش» ما هي‬ ‫الخطط المستقبل ّية للحكومة المؤ ّقتة في إدارة‬ ‫مدينة إدلب؟‬ ‫الرمح‪:‬‬ ‫حال ّيا ً مجلس ال��وزراء في حالة انعقاد دائم‬ ‫لوضع ك ّل إمكانات الحكومة المتواضعة في‬ ‫خدمة مدينة إدلب المشهود لها بالنضال ومقاومة‬ ‫االستبداد والمعروفة ببسالة أهلها وتفانيهم‬ ‫والتحامهم بالثورة منذ اليوم األوّ ل لها‪ .‬وكما ُ‬ ‫قلت‬

‫ستؤدّي الحكومة وظائفها؟ وماذا عن انتقالها‬ ‫السوري؟‬ ‫إلى الداخل‬ ‫ّ‬ ‫الرمح‪:‬‬

‫نحن نناشد المجتمع ال��دول��يّ لكي يضغط‬ ‫باتجاه حظر جوّ يّ ونطالب بمنطقة آمنة لتكون‬ ‫مالذاً للمدنيّين من القصف الهمجيّ وغاز الكلور‬ ‫السا ّم وطائرات النظام التي تدمّر وتقتل األطفال‬ ‫والنساء والشيوخ وته ّدم البنى التحتيّة وتعمل‬ ‫على إف��راغ المدن من أهلها كما نطالبه للقيام‬ ‫بواجبه ودوره حيال المدنيّين ليثبت مصداقيّة‬ ‫دعواه في حماية المدنيّين وحقوق اإلنسان وليق ّدم‬ ‫االحتياجات األساسيّة لهم من خالل دعم يجعل‬ ‫هؤالء المرابطين في الداخل يعيشون بكرامة في‬ ‫بيوتهم ومناطقهم‪.‬‬ ‫وأمّا مسألة الحماية فالحكومة تأسّست لتمارس‬ ‫عملها بالداخل وما يجري على من هم بالداخل‬ ‫يجري على طواقمها والب�� ّد من أن تتحمّل‬ ‫مسؤوليّاتها في ذلك ‪ -‬وهذا واجبها‬ ‫ لكي تكون قريبة من الواقع‬‫وسريعة في التجاوب مع المطالب‬ ‫الشعبيّة الخدماتيّة اإلنسانيّة‪.‬‬ ‫وهي حال ّيا ً ستكون متواجدة من‬ ‫خالل مديريّاتها ومجلسها المحلّيّ‬ ‫باإلضافة إلى الزيارات الميدانيّة‬ ‫لوزرائها ومسؤوليها وتعمل لكي‬ ‫تؤمّن تواجدها في إدلب على الوجه‬ ‫المطلوب‪.‬‬

‫ت ّم توجيه مديريّات الحكومة المؤ ّقتة لتكون على‬ ‫األرض ح ّتى تعرف عن قرب احتياجات المدينة؛‬ ‫ونحن حريصون على تكون إدل��ب نموذجا ً‬ ‫ّ‬ ‫يستحق الحرّ يّة‬ ‫يثبت أنّ الشعب السوريّ شعب‬ ‫والكرامة وهو قادر على إدارة مؤسّسات الدولة‬ ‫بشكل مدنيّ ليؤسّس دولته المدنيّة الديمقراطيّة‬ ‫التع ّدديّة؛ وقد ت ّم اال ّتفاق مع قيادة جيش الفتح على‬ ‫أن تكون إدارة إدلب مدنيّة من خالل الكوادر‬ ‫الوطنيّة من أبناء المدينة المشهود لهم بالكفاءة‬ ‫والوطنيّة والتضحيات وبحماية عسكريّة يتولاّ ها‬ ‫جيش الفتح‪.‬‬ ‫ي فوق‬ ‫جو ّ‬ ‫• في حال لم يت ّم تنفيذ حظر ّ‬ ‫المحررة‪ ،‬أو إيجاد مناطق آمنة‪ ،‬كيف‬ ‫المناطق‬ ‫ّ‬

‫ختاماً‪ ،‬نحن نبارك ألهل إدلب‬ ‫تحرّ رهم من الطغيان واالستبداد‬ ‫ّ‬ ‫ونحث الفصائل كي تبقى متوحّ دة فقوّ تهم‬ ‫ونطالب‬ ‫في توحّ دهم ونقدر ونثمّن لهم بطوالتهم وتفانيهم‬ ‫وإخالصهم‪ ،‬وإدلب معروفة تاريخ ّيا ً بنضالها‬ ‫وبطولتها وأهل إدلب قادرون على إدارتها مدن ّيا ً‬ ‫بمساعدة الحكومة على أكمل وجه كما نتم ّنى‬ ‫للجرحى والمصابين الشفاء العاجل ونترحّ م على‬ ‫أرواح الثوار األبطال الذين ضحّ وا بدمائهم من‬ ‫أجل هذه اللحظة التاريخيّة وندعو هللا أن يمنّ‬ ‫علينا بالنصر والتحرير لك ّل المحافظات السوريّة‪.‬‬ ‫الرسمي‬ ‫ • األستاذ أحمد الرمح الناطق‬ ‫ّ‬ ‫باسم الحكومة السور ّية المؤ ّقتة‪ ،‬شكراً جزيالً‬ ‫لكم‪.‬‬

‫حاوره ّ‬ ‫بشار فستق‬

‫مؤتمرات التصنيف‬

‫إنّ ما تشهده األوساط‬ ‫ال��س��ي��اس� ّي��ة وال��ث��وريّ��ة‬ ‫ال��س��وريّ��ة ه���ذه األيّ���ام‬ ‫يمكن أن يوضع تحت‬ ‫عنوان عريض مختصر‪:‬‬ ‫«الهرج والمرج»‪ ،‬ففي‬ ‫الوقت ال��ذي تح ّقق فيه‬ ‫الثورة انتصارات ميدانيّة‬ ‫كبرى مثل تحرير إدلب‬ ‫والتق ّدم الكبير للجيش‬ ‫األوّ ل في الجنوب‪ ،‬في‬ ‫الوقت ذاته نرى تراجعا ً‬ ‫كبيراً للفعل السياسيّ السوريّ لدى المعارضة‬ ‫وصل إلى مرحلة اإلفالس السياسيّ بعد تفريغه‬ ‫من مضمون التمثيل الشرعيّ «سياس ّياً» بعدم‬ ‫دعوة االئتالف الوطنيّ لحضور مؤتمر القمّة‬ ‫العربيّة في القاهرة‪ ،‬بل ووض��ع علم النظام‬ ‫الديكتاتوريّ أمام الكرسيّ الفارغ للجمهوريّة‬ ‫العربيّة السوريّة‪ ،‬الذي رغم فراغه أوصل بذاك‬ ‫ّ‬ ‫العلم تغيّر نظرة الجامعة العربيّة‬ ‫للممثل الشرعيّ‬ ‫للسوريّين‪ ،‬يرافق ذلك إفالس ما ّديّ ‪ ،‬حيث هناك‬ ‫حالة من تجفيف الدعم الرسميّ من قبل المجتمع‬ ‫الدوليّ للجهات «الرسميّة» للمعارضة السوريّة‬ ‫ّ‬ ‫المتمثلة بالحكومة المؤ ّقتة واالئتالف الوطنيّ ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫منظمات المجتمع المدنيّ الناشئة‪،‬‬ ‫وح ّتى باقي‬ ‫وذلك التجفيف ليس مرتهنا ً باألوساط المدنيّة‪ ،‬بل‬ ‫بالفصائل المقاتلة على األرض‪ ،‬ذلك االضطراب‬ ‫الذي أحدثه اإلفالس السياسيّ والماديّ أ ّدى إلى‬ ‫حالة الهرج والمرج وح ّتى إلى حالة من االنفصام‬ ‫عن الواقع السياسيّ والميدانيّ ‪ ،‬فاالئتالف الوطنيّ‬ ‫يصدر مرسوما ً برفع حالة الطوارئ في سورية!‬ ‫بينما حكومة الطعمة تعلن أ ّنها ستنتقل إلى الداخل‬ ‫لتمارس عملها من مدينة إدلب؛ رغم أنّ أجزاء‬ ‫كبيرة من حلب محرّ رة قبل ح ّتى نشوء الحكومة!!‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫وبعيداً عن مدى قبول الفصائل التي حرّ رت‬ ‫المدينة وعلى رأسها جبهة النصرة وأحرار الشام‬ ‫لهذا الطرح من عدمه‪ ،‬فإنّ الحكومة المؤ ّقتة هي‬ ‫مفلسة تماما ً اليوم‪ ،‬األمر الذي يعلمه القاصي‬ ‫والداني‪ ،‬فما الذي تستطيع فعله؟‬ ‫إنّ طروحات االئتالف الوطنيّ والحكومة‬ ‫الدونكيشوتيّة لألسف ال تعبّر إلاّ عن حالة واحدة‬ ‫نطلق عليها في أدبيّاتنا الفلكلورية «صحوة‬ ‫الموت»‪ .‬في ظ ّل هذا التخبّط والعطلة السياسيّة‬ ‫للمعارضة‪ ،‬ومع انشغال المجتمع الدوليّ (على‬ ‫األق ّل الجزء الفاعل منه في القضيّة السوريّة)‬ ‫بالمعركة العسكريّة القائمة حول اليمن‪ ،‬والسياسية‬ ‫القائمة حول الملفّ النوويّ اإليرانيّ وحالة‬ ‫االضطراب التي خلقها اإلهمال المتعمّد للوضع‬ ‫السوريّ هناك العديد من الخيارات المرميّة أمام‬ ‫السوريّين‪ ،‬مؤتمر موسكو‪ ،‬ومؤتمر القاهرة‪ ،‬وما‬ ‫ّ‬ ‫سيتمخض عنه ديمستورا‪ ،‬لم ك ّل ذلك؟ أي ما‬ ‫الذي سينتجه مؤتمر مصر السيسي مختلفا ً عن‬ ‫مؤتمر روسيا بوتين‪ ،‬وهل من اختالف؟ أم أنّ‬ ‫طبيعة العواصم وموروثها من التعامل مع القضيّة‬ ‫السوريّة هو المختلف؟ هل من الممكن أن تكون‬ ‫تلك المؤتمرات مؤتمرات تصنيف للمعارضة‬ ‫السوريّة؟ أي أنّ من يرفض سقف موسكو قد‬

‫يقبل بسقف القاهرة‪ ،‬ومن‬ ‫يرفض سقف القاهرة‬ ‫قد يقبل بالح ّل األمميّ‬ ‫(جنيف) وم��ن يرفض‬ ‫التفاوض بمجمله‪ .‬وبذلك‬ ‫ت��ص�� ّن��ف ال��م��ع��ارض��ة‬ ‫السوريّة إلى مجموعات‬ ‫ال يبقى على المجتمع‬ ‫الدولي إلاّ أن يختار منها‬ ‫ما يتناسب مع الطرح‬ ‫الذي يتصوّ ره‪ ،‬ليمارس‬ ‫على المجموعة المختارة‬ ‫نوعا ً من «االصطفاء الطبيعيّ » بطريقة معكوسة‬ ‫فيجعل من المجموعة المصطفاة المجموعة‬ ‫األق���وى‪ ،‬من خاللها يكون الدعم العسكريّ‬ ‫والمدنيّ وبعض الدعاية السينمائيّة وكاريزما‬ ‫جيّدة للبعض‪ ،‬وتصبح األكثر وطنيّة‪.‬‬ ‫إنّ س��وري��ة ال��ي��وم ف��ي ظ�� ّل م��ا تعانيه من‬ ‫الديكتاتوريّة والتطرّ ف من قبل النظام إلى جانب‬ ‫مفرزات الفوضى األصوليّة والشموليّة هي‬ ‫أكثر ما تحتاج إلى جسد سياسيّ جديد قادر على‬ ‫التواصل مع المجموع الثوريّ ومع باقي أبناء‬ ‫المجتمع السوريّ ليصيغ مشروعا ً وطن ّيا ً ِّ‬ ‫ممثالً‬ ‫بشكل فعليّ لك ّل أبناء سورية‪ ،‬مشروعا ً ليس على‬ ‫قياس فصيل‪ ،‬وال على قياس ح ّتى ثورة‪ ،‬ولكن‬ ‫على قياس وطن‪ ،‬كما على هذا الجسد أن يدرك‬ ‫المصالح الدوليّة في ذلك الموقع الجيوسياسيّ‬ ‫المه ّم لسورية‪ ،‬وأن يعمل لكي يجعل تقاطع تلك‬ ‫المصالح تناسب مشروعه الوطنيّ ال العكس‪،‬‬ ‫فيح ّقق الثنائيّة الذهبيّة للح ّل في سورية‪ .‬األمر‬ ‫ال يحتاج إلى مثاليّة‪ ،‬وإ ّنما يحتاج إلى رجال‬ ‫يحترمون أنفسهم ويقرؤون السياسة بشكل صحيح‬ ‫ويخلصون في العمل‪.‬‬

‫رعد أطلي‬

‫قراءة سياسية‬

‫في معارك التحرير‬ ‫المستمرّة‪..‬‬ ‫مع دخول الثورة السوريّة عامها الخامس‪ ،‬تخبو األحاديث عن‬ ‫الحلول السياسيّة‪ ،‬وتتصاعد لغة السالح دون أيّة مؤ ّ‬ ‫شرات على‬ ‫حسم عسكريّ ‪ ،‬متغيّرات متالحقة على األرض‪ ،‬وتضارب في‬ ‫النظرة إليها ح ّتى بين أبناء الموقف الواحد‪ ،‬فما حصل في بصرى‬ ‫الشام من تحرير هادئ‪ ،‬وما تبعه في إدلب من تحرير مصحوب‬ ‫بك ّل ذلك الضجيج‪ ،‬وما حصل في محيط مدينة سلميّة من ضرب‬ ‫لحواجز النظام‪ ،‬وما تبعه من مجازر مروّ عة في قرية المبعوجة‪،‬‬ ‫وما قد يحصل الحقا ً في مناطق مختلفة‪ ،‬يحمل العديد من الدالالت‬ ‫على توجّ ه المشهد السوريّ باتجاهات متباينة‪ ،‬قد يكون بغير‬ ‫االتجاه المؤ ّدي نحو الخالص‪ ،‬اتجاهات الب ّد من تحديد مالمحها‪،‬‬ ‫وأسباب وجودها‪ ،‬وعوامل استمرارها‪ ،‬كي ال يكون الطريق نحو‬ ‫الخالص مبهماً‪ ،‬وكي يتم ّكن جميع الباحثين عن خالص فعليّ من‬ ‫السير نحوه‪.‬‬ ‫ك بأنّ ما أقدم عليه النظام منذ بداية الثورة وح ّتى اليوم‪،‬‬ ‫الش ّ‬ ‫من قتل للمدنيّين‪ ،‬وتصفيات للمعتقلين‪ ،‬وتدمير للتجمّعات السكنيّة‪،‬‬ ‫يجعل من ك ّل معركة تؤ ّدي إلخراج ذلك النظام من أرضها‪ ،‬معركة‬ ‫تحرير جزئيّة في سياق معركة تحرير شامل‪ ،‬من ذلك النظام‬ ‫اإلجراميّ ‪ ،‬ومن ك ّل المحتلّين‪ ،‬الذين استدعاهم لحمايته‪ ،‬أو الذين‬ ‫شرّ ع لدخولهم عبر عنفه المفرط‪ ،‬من إيرانيّين وعراقيّين ولبنانيّين‪،‬‬ ‫ومن تونسيّين وشيشان وجهاديّين آخرين؛ كذلك فإنّ ما يُقدم عليه‬ ‫النظام من قصف همجيّ للمنطقة التي يفقد السيطرة عليها‪ ،‬في ظ ّل‬ ‫رادع عربيّ أو دوليّ ‪ ،‬ال يلغي ضرورة االستمرار‬ ‫الغياب أليّ‬ ‫ٍ‬ ‫في عمليّات التحرير‪ ،‬إلى جانب الضغط بك ّل الوسائل لحماية‬ ‫المدنيّين من تلك الهجمات الوحشيّة‪ ،‬في ظ ّل الضعف المستمرّ لقوّ ة‬ ‫النظام البشريّة‪ ،‬وتراجعاته المتالحقة في السيطرة على األرض‬ ‫ّ‬ ‫مؤخراً‪ ،‬باالستمرار في‬ ‫السوريّة‪ ،‬والتي عبّر عنها رأس النظام‬ ‫القتال من أجل كسب السوريّين‪ ،‬ال من أجل األرض والمواقع‪،‬‬ ‫كسبا ً على طريقته اإلجراميّة‪ ،‬التي خلّفت ح ّتى اآلن‪ ،‬مئات اآلالف‬ ‫من الضحايا‪ ،‬والماليين من النازحين والمشرّ دين‪.‬‬ ‫إنّ تلك المعارك التي يخوضها العديد من أبناء الشعب السوريّ ‪،‬‬ ‫والدماء التي تق ّدم من أجلها‪ ،‬ال يمكن النظر إليها من خالل‬ ‫الشعارات والرايات ذات الطابع الدينيّ المتش ّدد فحسب‪ ،‬فإذا‬ ‫كانت تلك المناطق المحرّ رة من قبضة النظام تشهد العديد من‬ ‫التحوّ الت السلبيّة‪ ،‬بفعل السيطرة الجديدة للتنظيمات المسلّحة التي‬ ‫تقود عمليات التحرير‪ ،‬ولغياب القوى المدنيّة القادرة على إدارتها‪،‬‬ ‫حيث سادت الفوضى المخيفة‪ ،‬في معظم المناطق التي سيطرت‬ ‫عليها الكتائب واأللوية المنضوية تحت مسمّى الجيش الحرّ ‪ ،‬وحيث‬ ‫طبّقت أحكام القرون الغابرة الظالميّة‪ ،‬في المناطق التي سيطرت‬ ‫عليها «داع��ش»‪ ،‬وحيث يمكن أن ال تخرج عن تلك السياقات‬ ‫المشابه‪ ،‬المناطق التي تتم ّدد سيطرة جبهة النصرة عليها اليوم‪ ،‬فإنّ‬ ‫تلك التحوّ الت قد ال تكون سوى تحوّ الت عابرة‪ ،‬إذا كان القائمون‬ ‫عليها من وافدين وبعض السوريّين‪ ،‬ليسوا أكثر من بضعة آالف‪،‬‬ ‫يفرضون بقوّ ة السالح‪ ،‬ك ّل ما هو بعيد عن قناعات السوريّين‬ ‫وحياتهم االجتماعيّة‪ ،‬وإنّ ذلك االنفالت المرعب‪ ،‬ليس إلاّ نتيجة‬ ‫للتماهي الذي كان سائداً بين مؤسّسات الدولة وأجهزة النظام‪ ،‬والذي‬ ‫ال يعوّ ل على بقائها طويالً وعلى امتداد األرض السوريّة‪ ،‬في ظ ّل‬ ‫ذلك التآكل المتصاعد ألجهزة النظام‪ ،‬والذي لن يُحلّ‪ ،‬سوى عبر‬ ‫البدء بمؤسّسات دولة جديدة‪ ،‬ال عبر إقامة مؤسّسات أهليّة ضيّقة‪،‬‬ ‫أو شرعيّة وفقا ً لرؤية من يحميها من مسلّحين‪.‬‬ ‫الشعب السوريّ وعلى اختالف مكوّ ناته وتوجّ هاته‪ ،‬لم يدخل ‪-‬‬ ‫وكما تظهر الوقائع ‪ -‬في أيّ صراع أهليّ عام‪ ،‬فعلى الرغم من‬ ‫ك ّل ما حدث‪ ،‬في السنوات األربع الماضية‪ ،‬من تجييش طائفيّ‬ ‫وعرقيّ ‪ ،‬ومن مجازر ومآسي كبرى‪ ،‬ظ ّل الشعب وبك ّل أطيافه‬ ‫بعيداً عن أيّ صدام مباشر‪ ،‬وبقي شعبا ً مسالما ً باحثا ً عن لقمة عيشه‬ ‫وكرامته‪ ،‬رغم الجوع والقتل والتشريد‪ ،‬وإذا كان قسم مه ّم من أبنائه‬ ‫قد لجأ إلى حمل السالح‪ ،‬في مواجهة أعتى أنواع الدكتاتوريّات‬ ‫في العالم‪ ،‬وأكثرها عنفا ً وإجراماً‪ ،‬فإنّ ما يصدر عن البعض من‬ ‫مواقف إسالميّة متش ّددة‪ ،‬رعتها ّ‬ ‫وغذتها التنظيمات الجهاديّة الوافدة‬ ‫وداعميها‪ ،‬لم تصل إلى حدود التطرّ ف والتكفير واإلرهاب‪ ،‬كسلوك‬ ‫غريب ومستهجن في المجتمع السوريّ ‪ ،‬وكسلوك مرتبط بالوافدين‬ ‫القادمين باسم الجهاد‪ ،‬من تلك المجتمعات اإلسالميّة والغربيّة‬ ‫التي نشأ وترعرع فيها‪ ،‬كما تدلّل تلك الحوادث المتعلّقة بذلك‪،‬‬ ‫ومنها ما يتعلّق بتحطيم تماثيل الرموز التي يجلّها ك ّل سوريّ ‪،‬‬ ‫من المعريّ إلى هنانو‪ .‬كذلك‪ ،‬فإنّ ذلك القسم من أبناء المجتمع‬ ‫السوريّ الذي اختار الدفاع عن بقاء النظام‪ ،‬ملتجئا ً إلى المشاركة‬ ‫في أساليبه العنفيّة واإلجراميّة‪ ،‬من تشبيح وذبح وقتل‪ ،‬أو مسانداً‬ ‫الستمراره في المناطق التي يسيطر عليها‪ ،‬سعيا ً إلى المزيد من‬ ‫المكاسب الشخصيّة‪ ،‬أو خوفا ً من حكم إسالميّ قادم‪ ،‬فإ ّنه الب ّد على‬ ‫ّ‬ ‫تتلطخ يده بدماء أبناء وطنه‪ ،‬أن يعيد النظر في‬ ‫من يرفض أن‬ ‫رؤيته لحقيقة ذلك النظام‪ ،‬لكي يخرج من دائرة الموت التي يرميه‬ ‫النظام إليها‪ ،‬في تحديه ّ‬ ‫الفظ لك ّل ح ّل سياسيّ ‪ ،‬وأن يشارك مع ك ّل‬ ‫السوريّين في بناء دولتهم الجديدة‪.‬‬ ‫بك ّل هذه المؤ ّ‬ ‫شرات التي ال يمكن القفز عليها‪ ،‬ال تبدو إمكانات‬ ‫الشعب السوريّ قادرة على تلمّس طريق الخالص‪ ،‬ما لم تتو ّفر لهم‬ ‫المساعدة الحقيقيّة والعربيّة أو الدوليّة‪ ،‬ففي ظ ّل نظام يمتلك ك ّل‬ ‫وسائل الدعم المطلقة‪ ،‬من مال وسالح‪ ،‬ومن ميليشيات حقد طائفيّ‬ ‫تستهدف وجود أكثر من ثلثيّ الس ّكان‪ ،‬وفي ظ ّل تنظيمات إسالميّة‪،‬‬ ‫تبحث عن سيادة على مناطق سوريّة مح ّددة‪ ،‬رغما ً عن قاطنيها‬ ‫المتم ّتعين بالنظرة األكثر اعتداالً للدين من ك ّل شعوب المنطقة‪،‬‬ ‫مساعدة تخضع للعديد من التوازنات التي يجري إعادة رسمها في‬ ‫المنطقة‪ ،‬توازنات لم يعد مجديا ً الرمي بعيداً لرؤيتها‪ ،‬كمحاربة‬ ‫لإلمبرياليّة وربيبتها‪ ،‬التي خرق أبواق النظام آذاننا بها طيلة عقود‬ ‫طويلة من الزمن‪ ،‬في ظ ّل وقائع يجري تنفيذها بشكل فعليّ ‪ ،‬في‬ ‫العراق وسورية ولبنان واليمن‪.‬‬

‫لؤي حاج بكري‬

‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫قراءات‬

‫العدد ‪28‬‬

‫‪ / 3‬نيسان ‪2015/‬‬

‫‪3‬‬

‫السنة الثانية‬

‫األوضاع العسكرّية في مدينة إدلب وما حولها‬ ‫المرحلة الثانية بدأت ومعها بدأ‬ ‫االنهيار السريع لمعظم الحواجز‬ ‫وخ��اصّ��ة ف��ي الجبهة الشرقيّة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫والمتمثلة ب��ح��واج��ز (س��ادك��وب‬

‫بعد تحرير معسكريّ (وادي الضيف والحامديّة)‬ ‫ّ‬ ‫كخط دفاعيّ بعيد عن مدينة إدلب‪ ،‬تش ّكلت غرفة عمليّات‬ ‫جيش الفتح التي استطاعت وضع ّ‬ ‫خطة محكمة راعت‬ ‫خطوط دفاع النظام المتوسّطة والقريبة‪ ،‬وبدراسة متقنة‬ ‫شملت ك ّل مفاصل القوّ ة للنظام والميليشيات الشيعيّة‬ ‫المتع ّددة التي تسانده‪ ،‬كانت الخطوات األولى إلعالن‬ ‫«غزوة» إدلب التي أطلقها جيش الفتح في محافظة‬ ‫إدلب وريفها لتحرير المدينة التي استعصت على أكثر‬ ‫من محاولة لتحريرها‪.‬‬ ‫المعركة ّ‬ ‫خططت لمراحل وبدأت مرحلتها األولى‬ ‫بتمهيد مدفعيّ وبمئات الفوّ هات من األسلحة الصاروخيّة‬ ‫ّ‬ ‫والمدفعيّة والهاون‪ ،‬واستهدفت فصل‬ ‫الخط الدفاعيّ‬ ‫األوّ ل البعيد المحيط بإدلب عن ّ‬ ‫خط الدفاع الثاني‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الخط الدفاعيّ األوّ ل الذي وضعه النظام‬ ‫يتمثل‬

‫عن مدينة إدل��ب بمعسكر المسطومة على االتجاه‬ ‫الجنوبيّ وحاجز القرميد والتنمية وحاجز ب ّنش على‬ ‫االتجاه الشرقيّ إضافة إلى حاجز معمل الكونسروة‬ ‫ّ‬ ‫على االتجاه الغربيّ ‪ ،‬أمّا ّ‬ ‫والمتمثل‬ ‫خط الدفاع الثاني‬ ‫بـ (‪ )30-25‬حاجزاً صغيراً تتموضع على كورنيشها‬ ‫الذي يحيط بالمدينة من جهاتها األربعة‪.‬‬ ‫العزل بالنيران الذي ح ّققته الفصائل المهاجمة‬ ‫وقطع الشريانين األساسيّين إلمداد قوّ ات النظام‪ ،‬إن‬ ‫كان عبر ّ‬ ‫خط أريحا ‪ -‬المسطومة ‪ -‬إدلب‪ ،‬أو عبر‬ ‫الشريان الواصل من قريتي الفوعة وكفريا‪ ،‬واللتان‬ ‫تحويان معظم الشيعة القادمة من حزب هللا والحرس‬ ‫الثوريّ اإليرانيّ والباسيج وأيضا ً كا ّفة المرتزقة الشيعة‬ ‫القادمين من بلدان أسيويّة مختلفة‪ ،‬هذا العزل والقطع‬ ‫م ّكن فصائل جيش الفتح من التق ّدم والوصول إلى‬ ‫تخوم المدينة واقتحام الدفاعات المباشرة للنظام‪ ،‬وساهم‬ ‫بانطالق المرحلة الثانية واالنتقال نحو حدود المدينة‬ ‫ّ‬ ‫المتوزعة على‬ ‫والبدء بالتعامل مع الحواجز الصغيرة‬ ‫مداخل المدينة األربعة‪.‬‬

‫بعد معارك عنيفة استطاعت الفصائل المنضوية‬ ‫تحت مسمّى جيش الفتح أن تبسط سيطرتها على كامل‬ ‫مدينة إدلب‪ ،‬وكانت الخشية أن يتكرّ ر في إدلب بعد‬ ‫تحريرها سيناريو أغلب المناطق المحرّ رة‪ ،‬وما حدث‬ ‫فيها بعد التحرير من تخريب ونهب للممتلكات العامّة‬ ‫والخاصّة وعدم مراعاة حقوق المدنيّين في أمنهم‬ ‫وأمانهم وتبديد مخاوفهم‪ ،‬بل وأحيانا ً إلحاق األذى بهم‪.‬‬ ‫لكن ما حصل في إدلب مختلف ج ّداً والوقائع كما هي‪،‬‬ ‫يلزم أن تقال‪.‬‬ ‫تأمين المدنيّين والمؤسّسات والممتلكات‬ ‫كانت الخطوة األولى في ّ‬ ‫خطة المقاتلين هي إجالء‬ ‫المدنيّين خوفا ً من القصف وتمكينهم من الخروج‪ ،‬وذلك‬ ‫بتأمين وسائل نقل خاصّة تقلّهم إلى البلدات والقرى‬ ‫المجاورة‪ ،‬حيث شهدت المدينة نزوحا ً شبه كامل لمعظم‬ ‫الس ّكان‪ ،‬ويقول المقاتل سهيل‪ :‬من جيش الفتح المشارك‬ ‫في معركة إدلب لقد كان تأمين خروج المدنيّين من‬ ‫أصعب المهام التي واجهتنا في هذه المعركة‪ ،‬فقد كان‬ ‫همّنا تأمين وسائل النقل الخاصّة بهم وحمايتهم لقد‬ ‫وقع على كاهلنا تحمّل المسؤوليّة مضاعفة‪ ،‬بحمايتهم‬ ‫وتأمين خروجهم‪ ،‬وكان البعض م ّنا مكلّف بهذه المهمّة‬ ‫رسم ّياً»‪ .‬تقول سارة وهي طالبة جامعيّة تسكن في‬ ‫إدلب «كنت خائفة ج ّداً‪ ،‬لكنّ مخاوفي غادرتني مباشرة‬ ‫نتيجة مساعدة الثوّ ار لي ولجميع من كان معي من‬ ‫األهالي وعمل المقاتلون بشكل دؤوب وأسلوب لطيف‬ ‫دون أيّ إزعاج لتسهيل خروجنا‪ ،‬وهذا ما ب ّدد جميع‬ ‫مخاوفي‪ ،‬لقد أمّنوا لي وألختي الحماية الكافية لساعة‬ ‫ركوبنا في السيارة التي أقلّتنا إلى بلدتنا»‪ .‬ولدى سؤالنا‬ ‫لها‪ ،‬هل حصل من تخريب لمؤسّسات الدولة والممتلكات‬ ‫العامّة أو الخاصّة؟ أجابت سارة‪ :‬إ ّنها لم تشاهد أيّ‬ ‫تخريب على أيّ مستوى كان‪ ،‬وأضافت أ ّنها سمعت أنّ‬ ‫هنالك قراراً بمنع التخريب أليّ من المؤسّسات العامّة‪،‬‬ ‫وعدم المساس باألمالك الخاصّة تحت طائلة العقوبة‬ ‫الشديدة‪ ،‬وأضافت سارة‪ :‬بأنّ معظم س ّكان المدينة كان‬ ‫شعورهم نفس شعورها عندما شاهدوا كيفيّة تعامل‬ ‫الثوّ ار معهم وتأمين ك ّل ما يحتاجونه‪ ،‬وتضيف‪ :‬لقد‬ ‫عملوا على التخفيف قدر اإلمكان من مخاوف األهالي‪،‬‬ ‫فكانوا ينادون بالمكبّرات لطمأنتنا‪ ،‬حينها بدأ األهالي‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫واإلن���ش���اءات والمحلج والمسلخ‬ ‫ومعمل ال��غ��زل ال��ق��دي��م والجديد‬ ‫واألع�ل�اف)‪ ،‬ممّا سهّل االندفاع‬ ‫نحو الداخل والبدء بحرب عصابات‬ ‫وحرب شوارع يتقنها الثوّ ار أكثر من‬ ‫غيرهم‪ ،‬والجبهة الشماليّة إلدلب التي‬ ‫تض ّم حواجز (صباح قطيع والرام‪،‬‬ ‫والسكن الشبابيّ والجامعة) لم تكن بأفضل من مثيالتها‬ ‫في الشرق‪ ،‬فسرعان ما انهارت تحت ضربات الثوّ ار‬ ‫ومهّدت لهم بالدخول نحو بقيّة األحياء السكنيّة‪ ،‬وبهذا‬ ‫الخرق من القطاع الشماليّ والشرقيّ ولحق بهما فيما‬ ‫بعد تق ّدم ميدانيّ من الجهة الغربيّة التي استعصت‬ ‫باليومين األوليّين ث ّم ما لبث أن تق ّدمت كتائب جيش‬ ‫الفتح إلى داخل أسوار إدلب وبدأت الحرب من الداخل‪.‬‬ ‫أهالي قريتي الفوعة وكفريا الذين أع ّدهم النظام‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ضخه‬ ‫كخزان بشريّ وقالع عسكريّة بما‬ ‫واعتبرهم‬ ‫داخلهما من آليّات عسكريّة ثقيلة وميليشيات شيعيّة من‬ ‫حزب هللا وإيران والمرتزقة‪ ،‬خذلوه ومنعوا أيّة مساندة‬ ‫أو مؤازرة تخرج إلدلب ليس وقوفا ً مع الثورة‪ ،‬ولكن‬ ‫إلدراكهم أنّ أيّ دعم للنظام لن يغيّر بمصير المعركة‪،‬‬ ‫وأنّ أيّة قوّ ة تتوجّ ه إلدلب لدعم النظام فإ ّنها لن تعود‬ ‫وستحاصر أو تدمّر هناك‪ ،‬هذا الموقف كان له موقفا ً‬ ‫مشابها ً له في شوارع وأحياء الالذقيّة التي اشتبكت فيها‬ ‫شبّيحة ميليشيات الدفاع الوطنيّ مع مخابرات النظام‬ ‫باألسلحة الر ّ‬ ‫شاشة وخاصّة في حيّ (دعتور بسنادا)‬ ‫بعد امتناعهم عن تشكيل قوّ ات مؤازرة للنظام تتوجّ ه‬ ‫إلى إدلب‪ ،‬بعد سماعهم ألصوات سيّارات اإلسعاف‬ ‫وهي تدخل المدينة قادمة من إدلب‪ ،‬محمّلة بعشرات‬ ‫الجثث والمصابين‪ ،‬أو عبر أصوات السيّارات التي‬ ‫تجوب شوارع المدينة طالبة من األهالي التبرّ ع بالدم‬ ‫في المشافي العسكريّة والمدنيّة هناك‪.‬‬ ‫طائرات النظام التي لم تغادر سماء إدلب وألقت‬ ‫بصواريخها الفراغيّة وبراميل موتها على ك ّل ما‬ ‫يتحرّ ك تحتها‪ ،‬وكثيراً ما أخطأت أهدافها وأصابت‬ ‫مواقع النظام‪ ،‬كما حصل عندما استهدفت مبنى فرع‬ ‫المرور في إدلب‪ ،‬وعندما كانت تعجز تلك الطائرات‬ ‫والحوّ امات عن اكتشاف أماكن تموضع الثوّ ار‪،‬‬ ‫كانت تذهب لالنتقام من المدنيّين في القرى المحرّ رة‬

‫بإمطارهم بك ّل ما تحمل من ذخائر لتستهدف الشيوخ‬ ‫والنساء واألطفال اآلمنين في القرى والبلدات المحيطة‬ ‫إلدلب مثل (سرمين وب ّنش‪ ،‬وسراقب وقميناس)‪ ،‬وح ّتى‬ ‫السالح الكيميائيّ ت ّم استخدامه لمرّ تين عندما استهدفت‬ ‫حوّ امات النظام قرى (سرمين وب ّنش) ببراميل تحمل‬ ‫غاز الكلور في خرق جديد يضاف لـ (‪ )361‬خرقا ً‬ ‫سابقا ً لقرارات مجلس األمن‪ ،‬األمر الذي أوقع الكثير‬ ‫من المصابين بحاالت اختناق ت ّم نقلهم ألقرب المشافي‬ ‫الميدانيّة وأصحاب الحاالت الخطرة ت ّم إسعافهم‬ ‫للمشافي التركيّة عبر بوابة باب الهوى‪.‬‬ ‫بعد السيطرة على الجوانب‪ ،‬تابعت المعارك لتدور‬ ‫قريبا ً من المربّعات األمنيّة في الجهة الجنوبيّة‪ ،‬وليصبح‬ ‫الطريق مؤمّنا ً وسالكا ً نحو إكمال التحرير وتخليص‬ ‫إدلب من براثن عصابات مجوسيّة صفويّة أسديّة‬ ‫أذاقت أهل إدلب الويالت‪ .‬وبتق ّدم متزن من المحاور‬ ‫الثالث شرقا ً وشماالً وغربا ً مع ترك الجبهة جنوبيّة‬ ‫تحت السيطرة ومنفذاً لهروب قوّ ات النظام‪ ،‬وهذا ما‬ ‫تسبّب بانهيار سريع في منظومات الدفاع العسكريّة‬ ‫واألمنيّة والمدنيّة‪ ،‬ومهّدت لهروب القيادات العسكريّة‬ ‫واألمنيّة من داخل إدلب إلى معسكر المسطومة (مقرّ‬ ‫القيادة العسكريّ الرئيسيّ )‪ ،‬وفرار القيادات المدنيّة إلى‬ ‫جسر الشغور‪ ،‬وأثناء هروبها ارتكبت عصابات النظام‬ ‫آخر ما استطاعت من إجرام بقتل ك ّل سجناء فرع‬ ‫األمن العسكريّ بإعدامهم ميدان ّيا ً في زنازينهم‪.‬‬ ‫هذا الواقع‪ ،‬أوجد حالة من االرتباك والفوضى‬ ‫والتش ّتت على قوّ ات النظام ساهم بسرعة التحرير‬ ‫وح ّقق نصراً أق ّل ما يقال عنه إ ّنه نصر استراتيجيّ‬ ‫سيغيّر من المعادالت العسكريّة على األرض‪،‬‬ ‫وسيكون له ارتدادات سياسيّة تقلب األوضاع وتغيّر‬ ‫من كا ّفة الموازين التي كانت تتح ّكم بالثورة السوريّة‬ ‫عرب ّيا ً وإقليم ّيا ً ودول ّياً‪.‬‬ ‫اآلن‪ ،‬إدلب تعيش فرحة تحريرها وجيش الفتح‬ ‫مزهو بنشوة االنتصار‪ ،‬اآلن تستكمل العمليّات‬ ‫العسكريّة التي تدور اآلن حول معسكر المسطومة‬ ‫وحاجز معمل القرميد وأريحا إلبعاد النظام عن كامل‬ ‫مدينة وريف محافظة إدلب‪ ،‬لكن وبعد هدوء غبار‬ ‫المعركة التي لم تنقشع بعد‪ ،‬الب ّد أن تكون هناك صورة‬ ‫مشرقة نق ّدمها للمجتمع الدوليّ عن كيفيّة إدارة أهل‬ ‫الثورة لمناطقهم المحرّ رة عبر حراك مدنيّ ومجالس‬ ‫محليّة من الداخل تقوم بتسيير أمور المدينة وترعى‬ ‫مصالح أهلها‪.‬‬ ‫هناك بوادر طيّبة ظهرت من غرفة عمليّات جيش‬

‫المدني في إدلب‬ ‫بُعيد التحرير‪ ،‬الوضع‬ ‫ّ‬

‫ممّن يريد النزوح بالخروج وطلب المساعدة‪ ،‬لقد‬ ‫كانت فرق اإلنقاذ منتشرة في معظم أحياء وشوارع‬ ‫المدينة‪ ،‬وتحاول إسعاف المصابين ونقلهم إلى البلدات‬ ‫المجاورة‪.‬‬ ‫صحّ ّياً‪:‬‬ ‫ويقول أحد المشاركين في معركة التحرير‪ :‬لقد‬ ‫شاركت جميع فرق الدفاع المدنيّ في سراقب وب ّنش‬ ‫وسرمين بإنقاذ المدنيّين وكان لهم الدور األكبر في‬ ‫إنقاذ ونقل الكثير من المدنيّين المصابين ألقرب‬ ‫المشافي الميدانيّة أو إلى سراقب وسرمين‪ ،‬أمّا الحاالت‬ ‫الخطرة فت ّم إسعافهم للمشافي التركيّة عبر معبر باب‬ ‫الهوى‪ ،‬فقد استهدف القصف الجويّ عدداً من المشافي‬ ‫ومعظم النقاط الطبيّة في المدينة وهذا بدوره أ ّدى إلى‬ ‫إغالق المشافي المستهدفة وتو ّقفها عن العمل كالمشفى‬ ‫الوطنيّ في المدينة ومشفى الهالل األحمر ومبنى‬ ‫العيادات الشاملة‪ ،‬إنّ قوّ ات النظام تسعى لتدمير البنى‬ ‫التحتيّة الصحيّة الموجودة في المدينة‪ ،‬وهذا الوضع‬ ‫يجعل الثوّ ار يواجهون تح ّديات كبيرة كالقدرة على‬ ‫حماية المنشآت العامّة والحفاظ على األجهزة الطبيّة‬ ‫والقدرة على إقامة نقاط طبيّة تق ّدم خدمات إسعافيّة‬ ‫أوليّة ورعاية صحّ يّة لعيادات األطفال والتوليد‬

‫والنسائيّة ومراكز غسل الكلى واألمراض المزمنة‪،‬‬ ‫كما يُرمى على عاتقهم توفير كا ّفة األجهزة الطبيّة في‬ ‫النقاط والمشافي‪ ،‬باإلضافة إلى القلق الدائم والمستمرّ‬ ‫من ش ّدة القصف الذي يؤ ّدي إلى صعوبة وتعقيد تسيير‬ ‫األمور الطبيّة والمدنيّة في إدلب‪.‬‬ ‫الغذاء والمأوى والشعانين‬ ‫أمّا بالنسبة للموا ّد الغذائيّة فقد ت ّم ذلك بشكل طوعيّ‬ ‫من جميع البلدات المجاورة‪ ،‬حيث ق ّدم ك ّل من أهالي‬ ‫سرمين وسراقب وب ّنش الموا ّد األوّ ليّة كتأمين الخبز‬ ‫وبعض المواد األخرى‪ ،‬يقول أبو مجد‪« :‬ت ّم العمل‬ ‫من األهالي بشكل طوعيّ ونودي في المساجد لجمع‬ ‫التبرّ عات من األهالي الذين لبّوا النداء وجمعنا ما‬ ‫استطعنا من موا ّد غذائيّة حيث ت ّم التنسيق مع الثوّ ار‬ ‫لوصول ما ّدة الخبز إلى داخل المدينة وتوزيعها‪ ،‬كما‬ ‫ت ّم بنفس الطريقة جمع التبرّ عات من األهالي للنازحين‬ ‫الجدد»‪.‬‬ ‫أمّا بالنسبة لتأمين المأوى للعائالت التي نزحت إلى‬ ‫المناطق المجاورة فقد ت ّم تأمين السكن لهم وتأمين ك ّل‬ ‫ما يحتاجونه من أغطية وفرش‪ ،‬وتعاون في ذلك جميع‬ ‫األهالي‪ ،‬وهنا يمكن اإلشارة إلى أنّ مدينة إدلب التي‬ ‫تض ّم ‪ 400‬ألف شخص شهدت نزوحا ً في االتجاهين‪،‬‬

‫الفتح من خالل إصدار بيان بالحفاظ على مؤسّسات‬ ‫الشعب وحمايتها ومنع تشكيل أيّة مقرّ ات عسكريّة‬ ‫للفصائل المسلّحة داخل إدلب ومنع أيّ مظاهر مسلّحة‬ ‫بمجرّ د استتباب األمن داخل المدينة‪ ،‬وكانت هناك لفتة‬ ‫من جبهة النصرة التي أعلنت عن حماية المسيحيّين‬ ‫المتواجدين داخل إدلب‪ ،‬بل ووضعت على عاتقها‬ ‫حماية احتفاالتهم بعيد الشعنينة الذي يصادف هذه‬ ‫األيّام‪ ،‬أيضا ً البيان الذي أصدرته حركة أحرار الشام‬ ‫من أ ّنه لن تكون هناك أيّة إمارة أو خالفة وأنّ إدلب‬ ‫سيقودها حراك مدنيّ من أهل إدلب فقط‪.‬‬ ‫وكان االئتالف وكذلك الحكومة المؤ ّقتة أعلنوا عن‬ ‫إمكانيّة انتقالهم للداخل‪ ،‬ولكن ال أعتقد أنّ لهذا اإلعالن‬ ‫أيّة قدرة على التنفيذ نظراً لفقدانهما أيّة مصداقيّة لدى‬ ‫الشعب السوريّ بالداخل‪ ،‬وأنّ رصيدها في الداخل ال‬ ‫يزيد عن رصيد «إبليس بالج ّنة»‪.‬‬ ‫بيانات غرفة عمليّات جيش الفتح تبعث بشيء‬ ‫من الطمأنينة بالنفوس وتبقى العبرة بالتطبيق‪ ،‬فالنظام‬ ‫الذي يض ّخ هالة إعالميّة كبيرة مر ّدداً أنّ ما سيحصل‬ ‫بإدلب سيكون مشابها ً لوضع أهل الر ّقة في ربط خبيث‬ ‫بين جيش الفتح ومجرمي تنظيم الدولة اإلسالميّة‬ ‫«داع��ش»‪ ،‬ويقوم النظام اآلن بحرب انتقام همجيّة‬ ‫ّ‬ ‫تمثلت بعشرات الغارات الجويّة وببراميل الموت‬ ‫المحمّلة بغاز الكلور إضافة إلى صواريخ السكود الذي‬ ‫تسبّب أحدها بته ّدم ثالث أبنية على من فيها‪ ،‬مع العلم‬ ‫أنّ مدينة إدلب يعيش فيها اآلن ما يزيد عن ‪ 200‬ألف‬ ‫مدنيّ معظمهم من الشيوخ والنساء واألطفال‪.‬‬ ‫بالطبع ه��ذا التغيير العسكريّ لميزان القوى‬ ‫وخارطة التوضّع سيكون له انعكاسات وارتدادات على‬ ‫الصعيدين العسكريّ والسياسيّ ‪ .‬عسكر ّيا ً – ميدان ّياً‪،‬‬ ‫الوضع الجديد سيضيق الخناق على النظام في جبهة‬ ‫حلب التي تصبح فيها قوّ ات النظام شبه معزولة وبعيدة‬ ‫عن أيّ خطوط إمداد بريّة ويبقى مطار حلب متن ّفسه‬ ‫الوحيد‪ ،‬وأيضا ً ستش ّكل تلك القوى التي تحرّ رت من‬ ‫جبهات القتال في إدلب جهوداً عسكريّة قتاليّة تضاف‬ ‫إلى جبهات حلب وحماه والساحل‪.‬‬ ‫على الصعيد السياسيّ بالطبع سيكون لتحرير إدلب‬ ‫تغيّرات يفرضها الواقع الجديد‪ ،‬يضعف من قوّ ة النظام‬ ‫ّ‬ ‫تتمثل‬ ‫ويقوّ ي من موقف الثورة‪ ،‬ولكن هناك مشكلة‬ ‫بتأمين الدفاع والحماية الجويّة عن المدينة فهذه معضلة‬ ‫ستقلق المجتمع الدوليّ ‪ ،‬فال يمكن ترك مدينة بكاملها‬ ‫تحت رحمة طيران وصواريخ سكود األسد‪.‬‬

‫العميد الركن أمحد ر ّحال‬

‫إذ عاد الجئون من تركيّة وريف إدلب إلى بيوتهم‬ ‫لتف ّقدها بعد غياب استمرّ ألكثر من ثالث سنوات كما‬ ‫عاد كثيرون من إقليم هاتاي التركيّ ‪ ،‬ونزح آخرون‬ ‫من المدينة تخوّ فا ً من غارات متو ّقعة على المدينة‪ ،‬أو‬ ‫تحسّبا ً من ممارسات قد يقوم بها بعض المسلّحين‪ ،‬لذلك‬ ‫ظهرت مناشدات لعدم التعرّ ض للمدنيّين في المدينة‬ ‫التي تض ّم عدداً من أبناء الديانة المسيحيّة ومراعاة‬ ‫طقوسهم وشعائرهم الدينيّة خاصّة عيد الشعنينة الذي‬ ‫يصادف هذه األيّام‪.‬‬ ‫التربية واإلدارة المحلّية‬ ‫أمّا بالنسبة لما يتعلّق بمديريّة التربية‪ ،‬وبعد أن ت ّم‬ ‫تحرير المدينة بالكامل فقد ذكرت مصادر صحفيّة من‬ ‫داخل إدلب أ ّنه كان من أولويّات الخطط التي وُ ضعت‬ ‫قيد التنفيذ بعد تحرير المدينة وبالفعل قام الثوّ ار بتسليم‬ ‫مديريّة التربية لمدير التربية الحرّ ة التابع للحكومة‬ ‫المؤ ّقتة في إدلب «جمال شحّ ود» كما قامت حركة‬ ‫أحرار الشام بتسليم مكتب المديريّة التابعة لحكومة‬ ‫النظام سابقا ً وسلّمتهم األجهزة والمستندات والوثائق‬ ‫الرسميّة فيها دون أن يحدث أيّ تخريب لها‪ ،‬كما قاموا‬ ‫بتمديد فترة التسجيل للتق ّدم إلى امتحانات الشهادة الثانويّة‬ ‫الصادرة عن الحكومة المؤ ّقتة لم ّدة عشرة أيّام‪ ،‬وأ ّنهم‬ ‫يسعون للحصول على اعتراف دوليّ بالشهادة‪ ،‬إضافة‬ ‫ّ‬ ‫الموظفين الذين كانوا يعملون في المديريّات‬ ‫إلى أنّ‬ ‫والمدارس التابعة لحكومة النظام هم جزء من العمليّة‬ ‫التعليميّة والتربويّة وال يمكن االستغناء عنهم‪ ،‬وهنا ال‬ ‫ب ّد من اإلشارة إلى أ ّنه كان من الواضح أنّ ما حصل‬ ‫في معركة تحرير إدلب ال ب ّد أن يكون هناك رؤية‬ ‫واضحة نموذجيّة يق ّدمها الثوّ ار للمجتمع الدوليّ عن‬ ‫كيفيّة إدارتهم وتسييرهم للمناطق المحرّ رة وهذا ّ‬ ‫يتمثل‬ ‫بالحراك المدنيّ عن طريق إقامة مجالس محليّة تعمل‬ ‫على تسيير أمور المدينة من الداخل‪ ،‬وهذا يمنع بدوره‬ ‫قيام أيّة إمارة أو خالفة ويؤ ّكد أنّ المدينة سيقودها‬ ‫حراك مدنيّ من األهالي فقط‪.‬‬ ‫وأخيراً‪ ،‬فإنّ ك ّل المؤ ّ‬ ‫شرات تد ّل على أنّ هنالك‬ ‫نوايا وتوجّ هات لدى جهات على األرض‪ ،‬أن تكون‬ ‫إدلب نموذجا ً إيجاب ّيا ً للمناطق المحرّ رة‪.‬‬

‫ف‪ .‬اخلالد‬

‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫‪4‬‬

‫العدد ‪28‬‬

‫السنة الثانية‬

‫‪ / 3‬نيسان ‪2015/‬‬

‫تحرير إدلب‪ :‬هل من جديد؟‬ ‫بكر صدقي ‪ -‬عن صحيفة القدس العرب ّي‬

‫قد يمكن القول عن معركة إدلب التي حسمها «جيش‬ ‫الفتح» في بضعة أيّام‪ ،‬وانتهت بطرد قوّ ات النظام‬ ‫الكيماويّ وميليشياته منها‪ ،‬إ ّنها توجّ ت مساراً متصاعداً‬ ‫من انتصارات المجموعات المعارضة على النظام‪،‬‬ ‫بالنظر إلى سيطرة مجموعات معارضة أخرى على‬ ‫بصرى الشام في الجبهة الجنوبيّة‪ ،‬والخسائر الكبيرة‬ ‫التي يتكبّدها حزب هللا اللبنانيّ وميليشيات شيعيّة‬ ‫أخرى متع ّددة الجنسيّات في جبهات القلمون وحوران‬ ‫وجبهات أخرى‪.‬‬ ‫تشير هذه المعارك‪ ،‬عموماً‪ ،‬إلى تراجعات كبيرة‬ ‫لقوّ ات النظام وحلفائه على األرض‪ ،‬وإل��ى هزال‬ ‫مقاومته حين يتعرّ ض لهجمات منسّقة‪ .‬وقد أثبتت‬ ‫معركة تحرير إدلب أنّ هزيمة النظام ليست باألمر‬ ‫الصعب حين تتو ّفر غرفة عمليّات منسجمة كحال‬ ‫«جيش الفتح» وبعض السالح الثقيل والمتوسّط‪.‬‬ ‫لكنّ المدينة الصغيرة التي ظلّت‪ ،‬طوال السنوات‬ ‫األربع الماضية‪ ،‬تحت سيطرة النظام بخالف ريفها‬ ‫الذي كان من أولى المناطق التي خرجت عن سيطرته‪،‬‬ ‫لم تهنأ بالتحرير أكثر من يومين‪ ،‬فكما هو متو ّقع بدأت‬ ‫غارات النظام الجوّ يّة التي استهدفت قبل ك ّل شيء‬ ‫مبنى المشفى الوطنيّ ‪ ،‬واستخدمت البراميل القاتلة‬ ‫المزوّ دة بغاز الكلور إليقاع أكبر عدد من المدنيّين‬ ‫انتقاما ً لخسارته المدينة‪ .‬ذلك أنّ المبدأ الرائز لحرب‬ ‫النظام لم يتغيّر منذ بداية الثورة‪ :‬إذا خرجت منطقة‬ ‫ّ‬ ‫تستحق البقاء! بل تدميرها على‬ ‫عن سيطرته‪ ،‬فهي ال‬ ‫رؤوس َمن فيها‪ ،‬كما ينقل على لسان رفيق الحريري‬

‫في لقائه األخير مع ّ‬ ‫جزار دمشق الذي ه ّدده حرف ّيا ً بـ‬ ‫«تكسير لبنان فوق رأسه»‪ .‬وإذا كان قرار مجلس األمن‬ ‫رقم ‪ 1559‬القاضي بخروج جيش النظام الكيماويّ من‬ ‫لبنان قد حمى هذا البلد من «التكسير» (لكنّ الحريري‬ ‫نفسه‪ ،‬وساسة ومث ّقفين لبنانيّين آخرين‪ ،‬دفعوا الثمن‬ ‫اغتياالً) فالفيتو المزدوج «الروسيّ –الصينيّ » من‬ ‫جهة‪ ،‬والمباالة المجتمع الدوليّ من جهة أخرى‪ ،‬سمحا‬ ‫بتحطيم سورية تماماً‪.‬‬ ‫بهذا المعنى يصبح «تحرير» إدلب خسارة محضة‬ ‫ألهاليها ولسورية عموماً‪ ،‬ما دام غير مندرج في إطار‬ ‫استراتيجيّة وطنيّة عامّة لإلطاحة بالنظام‪ ،‬في إطار‬ ‫زمنيّ معقول‪ .‬فك ّل منطقة يخسرها النظام معرّ ضة‬ ‫للتحوّ ل إلى ركام فوق رؤوس من يتب ّقى من س ّكانها‬ ‫بعد نزوح معظمهم إلى مناطق أخرى‪ ،‬داخل سورية‬ ‫أو خارجها‪ ،‬بحثا ً عن األمان‪.‬‬ ‫الواقع أنّ عمليّات النزوح الجماعيّة هذه تشير إلى‬ ‫مدى االنقالب الذي يجري في أولويّات الس ّكان‪ .‬فمقابل‬ ‫إرادة الحرّ يّة التي أخرجتهم إلى الشوارع وواجهوا‬ ‫رصاص قوّ ات النظام وشبّيحته بأيديهم العزالء‪ ،‬نرى‬ ‫اليوم مجموعات خائفة هائمة على وجوهها من مكان‬ ‫إلى آخر طلبا ً لألمان الوجوديّ فقط‪ .‬هذه هي األرضيّة‬ ‫الخسيسة التي تنطلق منها دعوات ما يسمّى بالتيّار‬ ‫الثالث أو مبادرات «المجتمع المدنيّ » المموّ لة دول ّيا ً‬ ‫أو‪ ،‬أخيراً‪ ،‬مبادرات سياسيّة عقيمة كمبادرة «دي‬ ‫ميستورا» التي وأدها النظام قبل أن ترى النور في‬ ‫ّ‬ ‫المحطمة‪.‬‬ ‫أحد أحياء حلب‬ ‫هذا ما يدفعنا إلى رسم مالمح من المشهد اإلقليميّ‬ ‫الدوليّ الذي في إطاره جاءت معركة تحرير إدلب‪.‬‬ ‫ففي الوقت الذي يقترب فيه الموعد النهائيّ للمفاوضات‬ ‫النوويّة بين إيران ومجموعة ‪ 1+5‬في لوزان‪ ،‬من غير‬

‫مؤ ّ‬ ‫شرات مؤ ّكدة إلى نتيجتها‪ ،‬سلبا ً أو إيجاباً‪ ،‬تتضارب‬ ‫األنباء حول حسم معركة تكريت بعدما دخلت طائرات‬ ‫ّ‬ ‫خط المعركة مقابل انسحاب‬ ‫التحالف الدوليّ على‬ ‫قوّ ات الحشد الشعبيّ الشيعيّة الم ّتهمة بارتكاب أعمال‬ ‫انتقاميّة ض ّد س ّكان المدينة من الس ّنة‪ ،‬فيما تم ّكنت‬ ‫السعوديّة وحلفاؤها في عمليّة «عاصفة الحزم» من‬ ‫الحصول على دعم القمّة العربيّة والجامعة العربيّة من‬ ‫غير اعتراضات ظاهرة‪ ،‬فضالً عن دعم الدول الغربيّة‬ ‫الرئيسيّة بما في ذلك الواليات الم ّتحدة‪.‬‬ ‫للمقارنة‪ ،‬كانت الشروط اإلقليميّة والدوليّة مختلفة‬ ‫تماما ً حين بدأت عمليّة تحرير حلب‪ ،‬صيف العام‬ ‫‪ ،2012‬وكان النظام في إحدى أضعف لحظاته بعد‬ ‫تفجير خليّة األزمة وعدد من االنشقاقات المهمّة في‬ ‫منظومته العسكريّة والدبلوماسيّة‪ ،‬ولم يكن تنظيم‬ ‫«داع��ش» موجوداً‪ .‬مع ذلك تحوّ ل تحرير نصف‬ ‫المدينة إلى كارثة عليها‪ ،‬س ّكانا ً وعمراناً‪ ،‬فضالً عن‬ ‫ّ‬ ‫بحق الس ّكان‪ .‬أمّا اآلن‪ ،‬فنحن في‬ ‫انتهاكات الجيش الحرّ‬ ‫زمن يتح ّدث فيه وزير الخارجيّة األمريكيّة جون كيري‬ ‫عن ضرورة التفاوض مع األسد‪ ،‬ويقوم برلمانيّون‬ ‫فرنسيّون وبلجيكيّون بزيارات إلى س ّفاح دمشق‪ ،‬وفي‬ ‫ظ ّل حرب تقودها واشنطن ض ّد «داعش»‪ ،‬من غير‬ ‫أيّ احتكاك مع طائرات النظام التي تلقي ببراميل‬ ‫الموت على المدنيّين‪ .‬وفي الوقت الذي أصبحت فيه‬ ‫معركة اليمن ض ّد الحوثيّين على رأس جدول أعمال‬ ‫دول الخليج‪ ،‬ليتراجع االهتمام بالمأساة السوريّة إلى‬ ‫الخلف عرب ّيا ً ودول ّياً‪.‬‬ ‫ك ّل هذا ولم نتح ّدث عن طبيعة المجموعات المسلّحة‬ ‫التي اجتمعت في غرفة عمليّات «جيش الفتح»‪.‬‬ ‫فالعمود الفقريّ لهذا الجيش إ ّنما يتش ّكل من جبهة‬ ‫ّ‬ ‫لمنظمة القاعدة‪ ،‬وأحرار الشام التي‬ ‫النصرة التابعة‬

‫ميلودراما الحرب‬ ‫المستشفيات‪،‬‬ ‫الفاصلة بين‬ ‫إسهاما ً في‬ ‫هذه حصيلة‬

‫فوّاز حداد ‪ -‬عن موقع املدن اإللكرتون ّي‬ ‫إذا أردنا التعليق على األحداث اليوميّة في أرجاء‬ ‫األرض السوريّة‪ ،‬بعدما تراجع االهتمام بها إثر‬ ‫«عاصفة الحزم»‪ ،‬فال يمكن تجاهل التق ّدم الذي أحرزته‬ ‫كتائب المعارضة المسلّحة في بصرى الشام وإدلب‪،‬‬ ‫وأيضا ً ما تحدثه آلة حرب النظام والميليشيات المذهبيّة‬ ‫من فجائع على مدار الساعة‪ ،‬إذ لم تتو ّقف طوال‬ ‫السنوات األربع الماضية عن العنف والتدمير‪ ،‬فالقتل‬ ‫بأصنافه المتع ّددة مورس على السوريّين‪ :‬العشوائيّ‬ ‫والمبرمج‪ ،‬شمل قنص المدنيّين ولم يستثن األطفال‬ ‫والنساء والكبار في السنّ ‪ ،‬العقوبات جماعيّة‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى حصارات «الركوع أو التجويع»‪ ،‬والتعذيب ح ّتى‬ ‫الموت‪ .‬هناك من األهالي من دفنوا أبناءهم سرّ اً خوفا ً‬ ‫من المالحقات‪ ،‬وصل اإلجرام بأجهزة األمن والشبّيحة‬

‫إلى نبش المقابر‪ ،‬وسرقة الجثث من‬ ‫ليجري تشويهها ورميها على الحدود‬ ‫األحياء المتجاورة والمختلفة طائف ّياً‪،‬‬ ‫التخويف والدفع إلى مناوشات ثأريّة‪.‬‬ ‫إعالن النظام الحرب على الشعب‪.‬‬ ‫ليس هناك جريمة لم ترتكب في سورية‪ ،‬ارتكبت‬ ‫عن عمد وتصميم‪ ،‬لمجرّ د القيام بأعمال كان أغلبها‬ ‫في جوهره إنسان ّياً‪ ،‬وتعاضداً اجتماع ّياً؛ توصيل‬ ‫إعانات إغاثيّة للجرحى‪ ،‬إيواء منش ّقين‪ ،‬تقديم الطعام‬ ‫والدواء‪ ...‬مخالفات يعاقب عليها في أقبية أجهزة األمن‬ ‫ومراكز االعتقال‪ ،‬يقوم عليها بحقد وكفاءة زبانية‬ ‫الهمجية الجدد‪ ،‬أوالد وأحفاد زبانية مرتكبي مجازر‬ ‫حماة وتدمر وجسر الشغور في الثمانينات‪ ،‬يستنسخون‬ ‫جرائمهم منها على نحو مماثل‪ .‬فالوحشيّة أيضاً‪ ،‬توّ رث‬ ‫مثل السلطة المغتصبة‪.‬‬ ‫هذه المعلومات متوافرة ومتاحة للجميع‪ ،‬لكن هناك‬ ‫ّ‬ ‫االط�لاع عليها‪ ،‬لئال‬ ‫من ينكرها‪ ،‬وال يرغبون في‬ ‫يعرفوا‪ ،‬المعرفة اتهام‪ ،‬يفضّلون ألاّ يعلموا‪ ،‬ليقنعوا‬ ‫أنفسهم أنْ ال شيء يحدث‪ .‬هذا ما اجترحه مسؤولو‬ ‫النظام من كبيرهم إلى صغيرهم‪ :‬اإلنكار‪ ،‬بينما اإلجرام‬ ‫يوميّ ‪.‬‬

‫يزعم رج��ال النظام ومؤيّدوهم‪ ،‬أ ّنهم منذ بداية‬ ‫الثورة يواجهون هجمة إرهابيّة تكفيريّة‪ ،‬لئلاّ يؤّ رقوا‬ ‫ضمائرهم بالبراميل المتفجّ رة وراجمات الصواريخ‬ ‫والدبّابات والطائرات والكيماويّ ‪ ،‬حسب ا ّدعائهم‪ ،‬تقتل‬ ‫التكفيريّن وتدمّر البيئات الحاضنة‪.‬‬ ‫هناك أيضا ً المث ّقفون الذين يقفون على الحياد‪ ،‬لدواع‬ ‫إنسانيّة‪ ،‬فهم ليسوا مع النظام‪ ،‬لك ّنهم تخصّصوا في‬ ‫انتقاد أداء فصائل المعارضة المسلّحة والسياسيّة‪،‬‬ ‫وهو أمر محمود وضروريّ ‪ ،‬حسب ا ّدعائهم أيضا ً ال‬ ‫يعلمون بما يقع في سورية‪ ،‬فلم يعرفوا بالمجازر‪ ،‬وال‬ ‫بالكيماويّ وال ب ‪ 11000‬سوريّ قُتلوا تحت التعذيب‪.‬‬ ‫وإن كانوا غير راضين عما يجري من تجاوزات‪.‬‬ ‫يعلّلون الجرائم بأ ّنها متبادلة‪ ...‬ث ّم أ ّنها الحرب‪ .‬ما يبيح‬ ‫لهم عدم االلتفات إلى الضحايا المدنيّين األبرياء‪ ،‬فهم‬ ‫مجهولون‪ ،‬كانوا في المجهول وذهبوا إلى المجهول‪ ،‬لم‬ ‫يمرّ وا في هذا العالم‪ ،‬إلاّ ليسجّ لوا كضحايا مغمورين‪،‬‬ ‫ال أحالم لهم‪ ،‬ولم يرغبوا في الحياة‪ ،‬طريقهم إلى‬ ‫الموت مح ّدد منذ ُخلقوا‪ .‬أمّا أساليب موتهم فتد ّل على‬ ‫أ ّنهم يستح ّقون هكذا مصير‪ ،‬ال ب ّد اقترفوا جريمة‬ ‫ما‪ ،‬فيصبح مبرّ راً اإلجهاز على شبّان موثقة أيديهم‬ ‫بالضرب بالبوط العسكريّ المق ّدس‪.‬‬

‫من الصحف‬

‫مؤخراً صقور الشام‪ ،‬وهما ّ‬ ‫ّ‬ ‫منظمتان‬ ‫أدمجت في بنيتها‬ ‫سلفيّتان جهاديّتان من بيئة القاعدة نفسها‪ ،‬إيديولوج ّيا ً‬ ‫على األقلّ‪ .‬وعلى رغم تصريحات الناطق باسم أحرار‬ ‫الشام «الدبلوماسيّة» حول تشجيع إدارة مدنيّة للمدينة‬ ‫«تق ّدم نموذجا ً إيجاب ّياً» فالواقع على األرض يشير إلى‬ ‫تنازع الفصائل على الحصص في اإلدارة المفترض‬ ‫أ ّنها مدنيّة‪ .‬وعلى رغم تطمينات الناطق باسم جبهة‬ ‫النصرة بشأن مصير العائالت المسيحيّة في المدينة‪،‬‬ ‫تتح ّدث أنباء عن إعدام رجل مسيحيّ وابنه بدعوى‬ ‫بيعهما للخمور‪ ،‬فضالً عن أنّ التطمينات المذكورة‬ ‫ال تشمل أولئك الذين تعاونوا مع «العدو النصيريّ »‬ ‫حسب تعبير عبد هللا المحيسني من شرعييّ جبهة‬ ‫النصرة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫المنظمات الجهاديّة على‬ ‫وال تقتصر المشكلة مع‬ ‫موضوع انتهاكاتها الفظيعة ّ‬ ‫بحق الس ّكان‪ ،‬أو قتالها ض ّد‬ ‫فصائل غير إسالميّة أقرب إلى تعريف الجيش الحرّ ‪،‬‬ ‫بل تتجاوز ذلك إلى كونها ال تعترف بسورية الوطن‬ ‫ً‬ ‫مستبدلة إيّاهما بمشروع الدولة اإلسالميّة‪،‬‬ ‫واالنتماء‪،‬‬ ‫وموقفها االستئصاليّ من األقليّات المذهبّية غير‬ ‫السنيّة‪ .‬ك ّل ذلك يجعل من «ثورتها» غير ثورة سائر‬ ‫السوريّين‪ ،‬ومن دولتها غير الدولة التي من أجلها خرج‬ ‫السوريّون في مبدأ ثورتهم‪.‬‬ ‫بالمقابل‪ ،‬ال يخفي كثير من السوريّين فرحتهم بأيّة‬ ‫هزيمة يتل ّقاها النظام وحلفاؤه‪ ،‬بصرف النظر عن‬ ‫ّ‬ ‫الجهة التي ألحقتها به‪ ،‬خاصّة وقد بلغ‬ ‫التدخل اإليرانيّ‬ ‫المباشر وغير المباشر‪ ،‬عبر الميليشيات الشيعيّة متع ّددة‬ ‫الجنسيّات‪ ،‬مبلغا ً تحوّ لت فيه الثورة ض ّد النظام القاتل‬ ‫إلى حرب تحرير وطنيّ في نظر كثيرين‪.‬‬

‫يبدو الموت العاديّ تافهاً‪ ،‬ليس هذا وقته‪ ،‬ليس موتا ً‬ ‫غير هذا الموت بالجملة‪ ،‬يستم ّد تميّزه من الرصاص‬ ‫والقصف‪ ،‬وتف ّتت األجساد في فضاءات الغبار‪،‬‬ ‫وانسحاقها تحت الركام‪ ،‬جثث ال مالمح لها‪ ،‬مشوّ هة‬ ‫ومحترقة‪ ،‬مغمّسة بالوحل وال��دم‪ .‬قتل تتجلّى خ ّفته‬ ‫وجبروته في سقوط برميل متفجّ ر‪ ،‬لينكشف الدخان عن‬ ‫بشر مذعورين يتراكضون‪ ،‬وعشرات الجثث مبعثرة‬ ‫فوق األرض‪ ،‬أو دفنت تحت األرض‪ ...‬مناظر يوميّة‬ ‫يجري تعميمها‪ ،‬على أ ّنها عاقبة ك ّل من يف ّكر أو يثور‬ ‫طلبا ً للحرّ يّة‪ ،‬ح ّتى لو كان بالمصادفة في المكان غير‬ ‫المناسب‪ ،‬بعد أن بات ليس هناك من مكان مناسب‪،‬‬ ‫وك ّل زمان هو الزمان الخطأ‪.‬‬ ‫يؤوّ ل المث ّقفون اإلنسانيّون هذه المشاهد على أ ّنها‬ ‫قضيّة ميلودراميّة تستثمر في الحرب الستدرار‬ ‫العواطف والدموع‪ .‬بينما األزمة السوريّة تستعصي‬ ‫يوما ً بعد ي��وم على الحلول السياسيّة والضغوط‬ ‫االقتصاديّة والتهديدات الدوليّة‪ ،‬كلّها جوفاء‪ ،‬طالما أنّ‬ ‫الحرب ما زالت مفتوحة على جميع أنواع الموت‪.‬‬ ‫حال ّيا ً والجهود تبذل في محاولة لتوحيد كلمة العرب‪،‬‬ ‫ال تنسوا سورية‪.‬‬

‫السوري‬ ‫مجزرة «المبعوجة» تحت أعين النظام‬ ‫ّ‬ ‫عبسي مسيسم – عن «العرب ّي اجلديد»‬

‫ارتفعت حصيلة قتلى الهجوم الذي ش ّنه مقاتلون‬ ‫تابعون لتنظيم «داعش» على قرية المبعوجة في ريف‬ ‫حماة الشرقيّ ‪ ،‬يوم اإلثنين‪ ،‬إلى نحو ‪ 70‬قتيالً‪ ،‬معظمهم‬ ‫من المدنيّين‪ ،‬وال يزال نحو ‪ 30‬مدن ّيا ً مختطفين لدى‬ ‫عناصر التنظيم‪ ،‬في وقت ّ‬ ‫تدخلت فيه بعض عناصر‬ ‫الدفاع الوطنيّ «الشبّيحة»‪ ،‬من مدينة صبّورة بعد‬ ‫الحادثة‪ ،‬لسرقة بيوت القرية‪.‬‬ ‫وأ ّكد أحد الناجين من المجزرة‪ ،‬فضّل عدم ذكر‬ ‫اسمه‪ ،‬لـ»العربي الجديد»‪ ،‬أنّ «مسلّحي (داعش)‬ ‫حشدوا عدداً من الدبّابات قبل الهجوم بساعتين‪ ،‬انطالقا ً‬ ‫من قريتي صلبة وقليب الثور‪ ،‬وكانت الدبّابات مرئيّة‬ ‫لقوّ ات النظام الموجودة في صبّورة‪ ،‬التي تبعد نحو‬ ‫أربعة كيلومترات عن المبعوجة‪ ،‬ولك ّنهم لم يحرّ كوا‬ ‫ساكناً»‪.‬‬ ‫وأضاف «بحكم امتالكي سيّارة‪ ،‬تم ّكنت من الهرب‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫مع عائلتي أثناء الهجوم‪ ،‬الذي وقع حوالي الساعة‬ ‫‪ 12‬ليالً‪ ،‬إلى قرية عقارب الصافية»‪ .‬وتابع «هاجم‬ ‫عناصر التنظيم بيوت القرية‪ ،‬وقتلوا وذبحوا وحرقوا‬ ‫عائالت بأكملها»‪ .‬وكشف أنّ «معظم العائالت التي‬ ‫أُبيدت‪ ،‬معروفة بمعارضتها للنظام كآل معمار‪ ،‬الذين‬ ‫أُسر نحو ‪ 11‬فرداً منهم‪ ،‬وقُتل إمام جامع القرية وأمّه‪،‬‬ ‫قبل أن ينسحبوا باتجاه القرى التي أتوا منها»‪.‬‬ ‫وت��اب��ع «ه��رب جميع عناصر ال��دف��اع الوطنيّ‬ ‫الموجودين في القرية بمجرّ د بدء الهجوم‪ ،‬كما أنّ‬ ‫وحدات الجيش المتمركزة في صبّورة وقرية برّ ي لم‬ ‫تتحرّ ك‪ ،‬وهرب عناصر الشبّيحة من الحواجز التي‬ ‫تفصل بيننا وبين القرى التي حصل الهجوم منها قبل‬ ‫بدء الهجوم‪ ،‬ما سهّل وقوع المجزرة»‪.‬‬ ‫وتعيش معظم قرى ريف حماة الشرقيّ ‪ ،‬المحاذية‬ ‫لمواقع «داعش» حالة رعب حقيقيّ ‪ ،‬في ظ ّل قدرة‬ ‫التنظيم على اقتحامها في أيّ وقت يشاء من جهة‪،‬‬ ‫وفي عدم قدرة س ّكانها على الهرب إلى معظم مناطق‬ ‫المعارضة من جهة ثانية‪ .‬كما يتعامل معها النظام‬ ‫كمناطق درجة ثانية‪ ،‬بسبب تنظيمها تظاهرات ض ّده‬ ‫منذ بداية الثورة في عام ‪ ،2011‬ويالحق شبابها من‬ ‫أجل التجنيد اإلجباريّ ‪.‬‬

‫ويبدو أنّ النظام يتعامل مع المناطق ذات األغلبيّة‬ ‫اإلسماعيليّة‪ ،‬والتي تحوي خليطا ً طائف ّيا ً متنوّ عاً‪،‬‬ ‫الستخدامها كورقة ضغط على المجتمع الدوليّ ‪ ،‬إذ‬ ‫يستطيع استدراج «داعش» لدخول تلك المناطق‪ ،‬من‬ ‫أجل المتاجرة بس ّكانها كـ «أقليّات» وقعت «ضحيّة‬ ‫إرهاب التنظيم»‪ ،‬وذلك بهدف تثبيت نفسه كشريك‬ ‫أساسيّ ضمن التحالف الدوليّ لمحاربة اإلرهاب‪ .‬كما‬ ‫يبدو أنّ النظام ي ّتبع سياسة «السكوت» على عمليّات‬ ‫االختراق التي يقوم بها «داعش» لبعض القرى التي‬ ‫تقع تحت سيطرته‪ ،‬إلفهام س ّكانها بأنّ أيّ بديل للنظام‬ ‫القائم‪ ،‬سيكون على شاكلة التنظيم‪ ،‬األمر الذي يدفع‬ ‫األهالي إمّا إلى الهجرة خارج البلد‪ ،‬أو إلى التطوّ ع في‬ ‫صفوف الدفاع الوطنيّ ‪ ،‬فيستخدمهم كرأس حربة في‬ ‫عمليّاته العسكريّة‪ ،‬سواء ض ّد فصائل المعارضة أو‬ ‫ض ّد «داعش»‪.‬‬ ‫وأ ّكد ناشط إعالميّ من قرية عقارب الصافية لـ‬ ‫«العربي الجديد»‪ ،‬أنّ «عدداً من قرى ريف حماة‬ ‫الشرقيّ ‪ ،‬التي تخضع لسيطرة النظام كالمبعوجة‬ ‫وعقارب الصافية‪ ،‬هي قرى ينظر إليها النظام على‬ ‫أ ّنها قرى معارضة‪ ،‬وتقع على حدود مناطق سيطرة‬ ‫«داعش» من دون حماية‪ ،‬وكأ ّنها متروكة لقدرها مع‬

‫التنظيم»‪.‬‬ ‫وكشف أنّ «معظم فصائل المعارضة‪ ،‬تحديداً‬ ‫اإلسالميّة منها‪ ،‬تحسب مدينة سلميّة وريفها على‬ ‫النظام‪ ،‬ألسباب متعلّقة بانجرار معظمها خلف الحالة‬ ‫الطائفيّة التي عمل عليها النظام‪ ،‬علما ً بأنّ مناطقنا هي‬ ‫أولى المناطق التي ثارت ض ّد النظام»‪.‬‬ ‫وسبق أن هاجم التنظيم حاجزاً للنظام في منطقة‬ ‫الشيخ هالل‪ ،‬بريف سلميّة الشرقيّ ‪ ،‬فقتل حوالي ‪60‬‬ ‫فرداً منهم‪ ،‬ينتمي معظمهم إلى مدينة سلميّة وريفها‪،‬‬ ‫األم��ر ال��ذي أث��ار موجة من التساؤالت لدى س ّكان‬ ‫المنطقة عن سبب استهداف هذا الحاجز بالذات‪ ،‬وكيف‬ ‫ت ّم تجاوز مختلف الحواجز قبل الوصول إليه من دون‬ ‫مقاومة‪ ،‬ولماذا ت ّم استهداف س ّكان سلميّة بالذات‪ ،‬وا ّتهم‬ ‫البعض النظام بـ»وقوفه وراء الحادث»‪.‬‬ ‫كما قتل مسلّحون في منطقة كللي‪ ،‬شمال إدلب‪،‬‬ ‫أربعة ناشطين من سلميّة‪ ،‬أثناء محاولتهم العبور إلى‬ ‫تركيّا هربا ً من النظام‪ .‬وعثر عناصر الدفاع المدنيّ‬ ‫على جثثهم التي يظهر عليها آثار تعذيب قبل تصفيتهم‪،‬‬ ‫ولم يتبنَّ أيّ فصيل مسؤوليّة قتلهم‪ ،‬في حين وُ جّ هت‬ ‫اال ّتهامات نحو «جبهة النصرة» التي تسيطر في تلك‬ ‫المنطقة‪.‬‬

‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫العدد ‪28‬‬

‫ملف العدد‬

‫‪ / 3‬نيسان ‪2015/‬‬

‫‪5‬‬

‫السنة الثانية‬

‫أربع سنوات‬ ‫على الصرخات األولى‬

‫أربع سنوات كاملة تفصل ما بني الصرخات األوىل «الشعب السوري ما بينذل» و «سوريا‬ ‫بدها ح ّريّة» و «واحد واحد واحد‪ ،‬الشعب السوري واحد»‪ ،‬وما بني الواقع الصعب الذي‬ ‫تعيشه سورية‪ ،‬من اقتتال‪ ،‬وانتشار الفكر السلف ّي األصول ّي‪ ،‬وارتفاع وترية الطائفيّة‪،‬‬ ‫وسيطرة العمل املسلّح‪ ،‬وضياع املعارضة السياسيّة يف أروقة الدول الكربى‪ ،‬والتخبّط يف‬ ‫أجنداتها‪..‬‬ ‫بعد أربع سنوات‪ ،‬ما هي املآالت اليت وصلت إليها احلالة السوريّة؟ هل ما زالت هناك ثورة؟‬ ‫وهل دخلت سورية ورقة اقتتال اآلخرين على أرضها؟ وهل من املمكن اسرتجاع ألق الثورة‬ ‫الشعبيّة يف بداياتها؟ هل سورية ذاهبة إىل التقسيم؟‬ ‫أسئلة كثرية تطرحها علينا ذكرى انطالق الثورة‪ ...‬وقد قامت صحيفة «كلّنا سوريّون»‬ ‫بطرح بعض من هذه األسئلة أمالً يف تقديم تصوّرات وانطباعات وآراء تساعدنا يف تلمّس‬ ‫املستقبل وصياغة خطاب وط ّ‬ ‫ين جديد‪.‬‬ ‫وها حنن ننشر على مساحة الصفحات الثالث التالية ما جاءنا من ردود وآراء‪.‬‬

‫ّ‬ ‫والحل في الثورة السورّية‬ ‫المصطلح‬

‫باسل اجلنيدي (املدير العامّ ملركز الشرق‬ ‫للسياسات ‪ -‬غازي عنتاب)‬ ‫تكمن المشكلة األساسيّة في أن مصطلح «ثورة»‬ ‫مصطلح فضفاض‪ ،‬يُستخدم في وصف طي ٍ‬ ‫ف واسع‬ ‫من التغيرات التاريخيّة‪ ،‬أغلبها «حروب أهليّة» و‬ ‫تزامن مع‬ ‫«انقالبات عسكريّة» بالتزامن أو بدون‬ ‫ٍ‬

‫غ ّسان مفلح‬

‫أ ّتهم نفسي قبل اآلخ��ري��ن‪ ،‬من أ ّننا لم نكن على‬ ‫مستوى ث��ورة شعبنا كمعارضة وكنخب‪ .‬انطالق‬ ‫الثورة من حوران في ‪ 18‬آذار ‪ ،2011‬كان نقطة‬ ‫تحوّ ل في تاريخ سورية المعاصرة ومنطقة الشرق‬ ‫األوسط عموماً‪ ،‬لم يشهد التاريخ الحديث والمعاصر‬

‫بكري كعكة‬ ‫هي ثورة السوريّن بجميع أطيافهم وأعراقهم دون‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫في هزيمة النظام‪ ،‬فإ ّننا اليوم محكومون بالخارج‪،‬‬ ‫وبالتغيّرات السياسيّة على مستوى اإلقليم والعالم‪،‬‬ ‫وبهذا المعنى فإ ّنه لم يعد من المفيد انتظار «العدالة‬ ‫اإللهيّة» أو «الشرعيّة الدوليّة»‪ ،‬ولم تعد أحقيّة مطالبنا‬ ‫واألثمان التي دفعناها من أجلها هي الحكم‪ ،‬بل‪ ،‬إنّ ك ّل‬ ‫ذلك هو جزء من صيرورة تاريخيّة ستحدث ‪ -‬لحسن‬ ‫الحظ ‪ -‬تغيّيراً حتم ّياً‪ ،‬بعد أن أدرك العالم أ ّنه ال يستطيع‬ ‫ترك األمور تتع ّفن داخل الجغرافيّة السوريّة‪ ،‬وأنّ هذا‬ ‫«العفن» ال ب ّد أن يتص ّدر وسينتج له إرهابا ً انتقام ّيا ً لم‬ ‫يشهد له مثيالً‪ ،‬وسيكسر حدود الدول‪ ،‬وسيخلق تو ّترات‬ ‫على مستوى األمن القوميّ لدول اإلقليم‪ ،‬وحروبا ً يشبه‬ ‫فتيلها فتيل الحروب العالميّة‪.‬‬ ‫السياسة‪ ،‬بجشعها وانحطاطها وتسبّبها بك ّل ما نحن فيه‬ ‫اليوم‪ ،‬لألسف‪ ،‬هي الحلّ‪ ،‬النوايا الطيّبة لم تكفِ ‪ ،‬وهي‬ ‫صدمة وجوديّة لنا كشع ٍ‬ ‫ب ال أبالغ إن قلت إ ّنها سبّبت‬ ‫أمراضا ً نفسيّة مزمنة فينا قد ال نشفى منها‪ ،‬أعتقد هنا‬ ‫ت سياسيّة وطنيّة وشبابيّة ّ‬ ‫أ ّننا اليوم بحاجة لكيانا ٍ‬ ‫تمثل‬ ‫الثورة‪ ،‬وتلعب بخبثٍ‪ ،‬قد تكون هي المنفذ الوحيد ليكون‬ ‫للوطن السوريّ مكان في التسويات القادمة‪ ،‬إن نجحنا‬ ‫بتحقيق تلك التسوية العادلة فسيكون ك ّل «التطرف»‬ ‫و»اإلرهاب» الذي في سورية اليوم مجرّ د غبار‪ ،‬أل ّننا‬ ‫سنشفى نفس ّيا ً بعض الشيء!‪.‬‬

‫تغييرات جوهريّة في توزيع الثروة وعالقات اإلنتاج‪،‬‬ ‫ووفق هذا المنطلق فإنّ الثورة اإلسالميّة في إيران‬ ‫ثورة‪ ،‬وثورة الثامن من آذار ثورة‪ ،‬والثورة الفرنسيّة‬ ‫ثورة‪ ،‬والثورة الصناعيّة ثورة‪ ،‬بغضّ النظر عن القيم‬ ‫«اإليجابية» أو «السلبيّة»‪« ،‬التق ّدميّة» أو «الرجعيّة»‬ ‫التي حملتها تلك التغيّرات التاريخيّة لمجتمعاتها‪ .‬الفكرة‬ ‫هنا أنّ مصطلح «الثورة» بح ّد ذاته يحمل قيمة إيجابيّة‪،‬‬ ‫وألنّ المنتصر هو من يكتب التاريخ فهو يحرص دوما ً‬ ‫على وصف انتصاراته بهذا المصطلح‪.‬‬ ‫أعتقد أنّ استعجالنا في منح وسام «الثورة» في‬ ‫وصف الحراك واالنتفاضة المجتمعيّة التي حدثت‬ ‫وتحدث في سورية ‪ -‬وأنا شخص ّيا ً من المتحمّسين لهذا‬ ‫المصطلح «الثورة السوريّة» ‪ -‬يعود لرغب ٍة فينا للتأكيد‬ ‫على جوانب أساسيّة‪ :‬االنتفاضة السوريّة هي عمل‬ ‫بطولي يقوم بها أصحاب ّ‬ ‫حق‪ ،‬يكاد فيها المنتفضون‬ ‫يواجهون ك ّل العالم‪ ،‬تهدف إلحداث تغييرات جوهريّة‬ ‫على مستوى ‪ -‬النظام‪ ،‬الدولة‪ ،‬المجتمع ‪ -‬ال مجرّ د‬ ‫تغييرات مطلبيّة بسيطة‪ ،‬كما أ ّنها انتفاضة ذات أبعاد‬ ‫«وطنيّة» تلتزم بالدولة ‪ -‬األمّة السوريّة‪.‬‬ ‫لذا‪ ،‬فإنّ مصطلح «الثورة السوريّة» هو باألصل‬ ‫مصطلح «رغبويّ » لم ينتظر التاريخ‪ ،‬والمنتصرين‬ ‫في هذا التاريخ‪ ،‬ح ّتى يمنحوه هم ذاتهم هذا الوسام‪،‬‬ ‫وبهذه «الرغبويّة» بالذات كسر الثوّ ار حاجز الخوف‬

‫وانتفضوا أمام الرصاص وكسّروا أصنام الرئيس ث ّم‬ ‫حملوا السالح في مواجهة جيشه‪ ،‬ودفعوا أثمانها مئات‬ ‫األلوف من األرواح والمعتقلين وماليين المهجّ رين‪،‬‬ ‫بمعنى آخر هناك طاقة مجتمعيّة تد ّفقت لصنع التاريخ‪،‬‬ ‫أُوصّفها بالثورة‪ ،‬وسيوصّفها غيري بـ «الحرب‬ ‫األهليّة» أو «الطائفيّة» أو «األزمة السوريّة» أو مهما‬ ‫يكن‪ ،‬بالنهاية توصيفي لها بهذا المعنى هو تعبير عن‬ ‫طاقة أصبح عمرها ‪ ٤‬سنوات‪ ،‬إذا ما هُزمت مستقبالً‬ ‫وخارت فسأكون‪ ،‬بك ّل بساطة‪ ،‬مهزوماً‪ ،‬وستتكرّ س‬ ‫مصطلحات اآلخرين‪.‬‬ ‫ بعيداً عن «الرغبويّة»‪ ،‬فإنّ تأمّل الوضع السوريّ‬‫اليوم يشير لنا بوضوح أنّ القوى الذاتيّة للمجتمع‬ ‫السوريّ لم تتم ّكن من إح��داث التغيير المطلوب‪،‬‬ ‫وتص ّدرت األزمة لإلقليم لدرجة أ ّنها كسرت «جغرافيا»‬ ‫المنطقة‪ ،‬كسر هذه الحدود لم يقم به «داعش» وحده‪،‬‬ ‫بل سبقة دورة اقتصاديّة تعتمد بحكم األمر الواقع على‬ ‫الدول المجاورة‪ ،‬الشمال مع تركيا والساحل ودمشق‬ ‫مع لبنان والجنوب مع األردن والشرق مع العراق‪،‬‬ ‫وأصبحت الحرب حربا ً إقليميّة بالوكالة تدور أغلب‬ ‫أحداثها في سورية‪ ،‬بل تصاعدت الحتماالت انتهاء‬ ‫«حروب الوكالة» على األراضي السوريّة ونشوب‬ ‫حرو ٍ‬ ‫ب مباشرة بين دول اإلقليم في المستقبل القريب‪.‬‬ ‫في سياق آخر‪ ،‬وبعد فشل القوى الذاتيّة السوريّة‬

‫خروج شعب على حاكم بهذه الحشود من المواطنين‪،‬‬ ‫لم نشهد ثورة تخرج خالل شهرين أكثر من ‪%60‬‬ ‫من مدن وقرى بلد ض ّد نظام مجرم ومتسلّط‪ ،‬مثلما‬ ‫شهدت مدن وقرى سورية‪ ،‬باستثناء قرى الساحل‪،‬‬ ‫وبعض القرى المسيحيّة‪ ،‬العتبارات يعرفها الجميع‪.‬‬ ‫تبق مدينة أو قرية في سورية إلاّ‬ ‫استثناء هذه القرى لم َ‬ ‫وخرجت فيها تظاهرات ض ّد آل األسد‪ ،‬بغضّ النظر‬ ‫عن األعداد في ك ّل مدينة وقرية‪ ،‬لكن لم َ‬ ‫تبق مدينة في‬ ‫سورية إلاّ وخرجت فيها تظاهرات بعد درعا‪ ،‬حلب‬ ‫إدلب ودمشق‪ ،‬الالذقيّة وطرطوس‪ ،‬جبلة وبانياس‪،‬‬ ‫حمص وحماة‪ ،‬دير الزور‪ ،‬الر ّقة‪ ،‬القامشلي‪ ،‬الحسكة‪،‬‬ ‫البوكمال والميادين‪ .‬تظاهرات في السويداء وشهبا رغم‬ ‫قوّ ة التشبيح هناك‪ ،‬أكبر دليل على ما نقول‪ ،‬هو عدد‬ ‫الالجئين والنازحين السوريّين الذي يفوق ثلث س ّكان‬ ‫سورية‪ ،‬إضافة لمئات المدن الصغيرة ومثلها‪ ،‬وأكثر‬ ‫قرى أيضا ً ريفي حلب ودمشق لوحدها يش ّكالن ثقالً‬ ‫س ّكان ّيا ً كبيراً‪ ،‬ما أردت قوله بالمختصر من هذه الجولة‬ ‫السريعة‪ ،‬أ ّنه ال نجد في تاريخ الشعوب ثورة امت ّدت‬

‫سلم ّيا ً بهذا الشكل وهذه السرعة‪ ،‬وهذه الحشود مثلما‬ ‫شهدت سورية‪ .‬إ ّنها ثورة لم يشهد التاريخ الحديث‬ ‫والمعاصر مثل وقائعها‪ .‬هذا جانب والجانب اآلخر‬ ‫والذي يع ّد سببا ً مباشراً في مأساة شعبنا مع هذا النظام‬ ‫المجرم‪ ،‬هي باختصار ودون الدخول في تفاصيل‬ ‫الموقف الدوليّ عموماً‪ ،‬هو الموقف األمريكيّ عموما ً‬ ‫واألوب��ام��يّ الحقير خصوصاً‪ .‬لقد كتب لي صديق‬ ‫أمريكيّ صحفيّ مقرّ ب من أجواء اإلدارة األمريكيّة‪،‬‬ ‫أنّ أوباما منذ أكثر من عام‪ ،‬طلب من مستشاريه عدم‬ ‫إدخال أيّ تقرير يخصّ الوضع في سورية‪ ،‬وخاصّة‬ ‫ما يقوم به نظام األسد من قتل في الشعب السوريّ ‪،‬‬ ‫لهذا قلت الموقف األوباميّ الحقير‪ ،‬أوباما ا ّتخذ قراره‬ ‫إسرائيل ّيا ً لك ّنه زاود فيه على اإلسرائيليّين بتغطية األسد‬ ‫وجرائمه‪ ،‬أوباما يتحمّل تماما ً مأساة شعبنا كما يتحمّله‬ ‫آل األسد بنفس الدرجة والطريقة والشكل والمحتوى‪،‬‬ ‫صحيح أنّ روسيا شريكة في القتل لك ّنها حليف تافه من‬ ‫حيث الوزن في الشرق األوسط‪ ،‬وإيران أيضا ً شريكة‬ ‫كقاتل مأجور‪ ،‬ال أكثر وال أقلّ‪ ،‬لكنّ أوباما هو الشريك‬

‫الفعليّ لألسد في مأساة شعبنا‪ .‬هذه أكتبها للتاريخ‬ ‫الذي سيكشف ربّما تفاصيل أكثر بشاعة عن موقف‬ ‫أوباما ووزير خارجيّته جون كيري‪ .‬تفاصيل عن حجم‬ ‫التواطؤ والمشاركة في القتل عندما ا ّتخذ أوباما قراراً‬ ‫بتحويل سورية إلى بؤرة من العنف المزمن‪ ،‬وساعد‬ ‫في تخريب الوضع في ليبيا‪ ،‬وجلب اإلخوان للحكم‬ ‫في مصر ث ّم انقلب عليهم لكي يجعل قمّة الفساد تقوم‬ ‫بانقالب في مصر بقيادة السيسي‪ ،‬الذي يعتبر رمزاً‬ ‫تافها ً النتصار العسكر والفساد في العالم العربيّ ‪ ،‬ليس‬ ‫هذا موضوعنا اآلن لكنّ الشيء بالشيء يُذكر‪ .‬مأساة‬ ‫شعبنا يتحمّلها آل األسد أوّ الً وأوباما ثانياً‪ ،‬استمرار‬ ‫سورية بؤرة صوملة ألغى ثورتها‪ ،‬لكن بالمقابل علينا‬ ‫ألاّ نرى اللوحة من وجه واحد بعض قوى الثورة‬ ‫ساهمت في الصوملة أيضاً‪ .‬سورية ليست معرّ ضة‬ ‫للتقسيم لك ّنها مطروحة للتلغيم االجتماعيّ السياسيّ في‬ ‫بنية الدولة تماما ً كالعراق ولبنان‪ ،‬وهذا المخيف في‬ ‫األمر األوباميّ ‪..‬مع ك ّل هذا التكالب على شعبنا‪ ،‬شعبنا‬ ‫اليزال ح ّيا ً ويريد حريّته وكرامته‪.‬‬

‫جدال أو نقاش وأكبر إثبات على ذلك ‪ ..‬بطش العصابة‬ ‫األسديّة وإجرامها الذي لم يفرّ ق بين ُس ّنيّ أو علويّ ‪،‬‬ ‫بين مسيحيّ أو مسلم‪ ،‬بين شيعيّ أو درزيّ ‪ ..‬عربا ً‬ ‫كانوا أم كرداً أم تركمانا ً وغيرهم‪ ،‬الك ّل ذاق عبر‬ ‫أربعين عاما ً المرار والظلم من تلك العصابة الطاغية‪.‬‬ ‫بعد أرب��ع سنوات على انطالقتها ما زال��ت الثورة‬ ‫مستمرّ ة ومازالت في قلوب السوريّين الحقيقييّن على‬ ‫مبادئها وميثاقها الحقيقيّ ‪ ،‬وما يحصل اآلن من اقتتال‬ ‫ونزاعات وصرخات طائفيّة هي ليست إلاّ مكائد أرادها‬ ‫لنا األسد وأسياده ليحوّ لوها من ثورة شعب وحقوق إلى‬ ‫عصابات إرهابيّة تعبث في أمن البلد وتزرع البغض‬ ‫بين الطوائف وبين شرائح السوريّين‪ ،‬كما يسوّ ق لذلك‬ ‫منذ أوّ ل خطاب له ‪ ..‬عندها كان يتح ّدث عن عشرات‬ ‫ومئات اآلالف من اإلرهابيّين !! ك ّنا نهزئ منه‪ ،‬ولم‬

‫نكن نعلم حينها ما يضمر لنا من مكر ومكائد ‪ ..‬كان‬ ‫حينها يح ّدثنا عمّا سيقوم بفعله إلخماد ثورتنا العظيمة‬ ‫‪...‬األسد ما هو إلاّ صبيّ إليران التي لديها مشروع‬ ‫عقائديّ وسياسيّ واقتصاديّ في الشرق األوسط‬ ‫ولألسف أصبحت سورية بعد انطالق ثورتها (التي‬ ‫عجّ لت بتسارع بعض األحداث) إحدى أوراق الضغط‬ ‫والربح أو الخسارة إلعادة توزيع القوى والحصص‬ ‫بين إيران وأمريكا في الشرق األوسط‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬فلنعلم نحن والعالم بأسره‪ ،‬أنّ سبب صمود الثورة‬ ‫و ثبات السوريّين في وجه الحرب التي أعلنتها عليهم‬ ‫إيران وخادمها األسد وحلفاؤهم وميليشياتهم ك ّل هذه‬ ‫الم ّدة هي صمود أسود المقاومة الوطنيّة السوريّة (جيش‬ ‫حر‪ ،‬سياسيّين‪ ،‬ناشطين‪ ،‬إعالميّين‪ ،‬أطبّاء‪ ،‬عاملين في‬ ‫ّ‬ ‫منظمات‪ ،‬وك ّل الفاعلين) نعم هؤالء هم أبطال المقاومة‬

‫الوطنيّة السوريّة‪ ،‬ال بل‪ ،‬والعربيّة أيضا ً الذين يقاتلون‬ ‫ويق ّدمون ويستنزفون في سبيل تحرير وطنهم من تلك‬ ‫العصابة وردع االحتالل اإليرانيّ وإفشال مشروعهم‬ ‫في المنطقة الذي سيطال رؤوس العرب من كبيرهم‬ ‫ح ّتى صغيرهم ‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫للحق‬ ‫معركة التحرير والحرّ يّة ستطول‪ ،‬ولكن النصر‬ ‫وألصحاب األرض وك ّل ما يحصل اآلن من أخطاء‪،‬‬ ‫ومن ظلم البعض للبعض اآلخر‪ ،‬ومن ظهور بعض‬ ‫أصحاب العقول السوداء‪ ،‬وك ّل هذه العشوائيّة‪ ،‬ليست‬ ‫إلاّ مرحلة‪ ،‬ونهايتها ال��زوال‪ ،‬هي أشبه بالمخاض‬ ‫الذي ستنتج بعده حياة جديدة لسورية المستقبل لك ّل‬ ‫السوريّين‪.‬‬ ‫«بالنهاية‪ ،‬مهما حصل و مهما جرى اإلنسان «بيرجع‬ ‫ألصلو ‪ ..‬والسوري أصلو دهب والدهب ما بيتغير‪»...‬‬

‫العام الخامس للثورة السورّية‬

‫«ثورة شعب أراد الحياة»‬

‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫‪6‬‬

‫السنة الثانية‬

‫العدد ‪28‬‬

‫‪ / 3‬نيسان ‪2015/‬‬

‫ثورة تحت الرماد‬

‫تحويل الحالة الثوريّة الشعبيّة التي قام بها سوريّون‪،‬‬ ‫نسوا إنسانيّتهم لعقود طويلة‪ ،‬وفجأة شعروا بذواتهم‬ ‫وبوطنهم وبتقاطع مصالحهم مع بعضهم‪ ،‬ومع قيم‬ ‫الحرّ يّة والكرامة والعدالة التي نادوا بها فطر ّيا ً عام‬ ‫‪ ،2011‬إلى حالة تداعي وانهيار للوطن‪.‬‬ ‫تلك القوى صارت لها مصالح مشتركة في استدامة‬ ‫التدمير البنيويّ لسورية‪ ،‬وبنفس الوقت تتقاطع في‬ ‫ّ‬ ‫المتمثل برأسه‬ ‫حرصها‪ ،‬حال ّيا ً على وجود النظام‬ ‫تحديداً ضمانا ً لشرعنة ّ‬ ‫تدخلها وتأمين مكتسباتها في‬ ‫الجسد السوريّ ‪ ،‬ومن ناحية أخرى هي حريصة على‬ ‫بقاء التنظيمات القاعديّة والمتطرّ فة شمّاعة ّ‬ ‫لتدخلها‪.‬‬

‫خالد قنوت‬ ‫الرابعة رحلت دامية وقاسية‪ ،‬والخامسة ابتدأت‬ ‫باستعادة راية الثورة‪ ،‬وهذه لرمزيتها الوطنيّة تعطي‬ ‫إش��ارات جيّدة لما حملته الثورة السوريّة من قيم‬ ‫وأهداف هي الراسخة اليوم في الضمائر الحرّ ة وسط‬ ‫رياح السموم التي تعصف بالوطن‪.‬‬ ‫إنّ عمليّة مسح جيوسياسيّة على امتداد الوطن‬ ‫السوريّ ‪ ،‬قد تعطينا مؤ ّ‬ ‫شرات سيّئة وحزينة لمستقبل‬ ‫سورية‪ ،‬ساهمت قوى دوليّة وإقليميّة ومحلّيّة في‬

‫اليوم‪ ،‬وبمقاييس السياسات الدوليّة‪ ،‬وربّما بالمقياس‬ ‫الوطنيّ السوريّ ليس هناك سيناريو قدريّ التح ّقق‬ ‫لمآالت الحدث السوريّ ‪ ،‬فبقاء النظام األس��ديّ أو‬ ‫سقوطه‪ ،‬بما يعني سقوط متالزمة مؤسّسات الدولة‬ ‫والنظام في مقابل الحالة العبثيّة العسكريّة والسياسيّة‬ ‫القائمة على األرض‪ ،‬وهو معنى وحيد لفشل الدولة‬ ‫السوريّة ولوقوعها تحت رزح قرارات أمميّة ملزمة‬ ‫قادمة سوف لن تخرج منها سورية لعقود‪.‬‬ ‫نعم‪ ،‬وبقدر ما نكون صادقين مع أنفسنا وبقدر‬

‫الصدمة‪ ،‬علينا أن نرى ببصائرنا مصائر دول الربيع‬ ‫العربيّ بحكم أ ّننا نتقاطع كثيراً كدول وشعوب‪ .‬هذا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫التدخالت الدوليّة‪ ،‬حيث يمكن‬ ‫إذا استبعدنا نظر ّيا ً جميع‬ ‫ربط ك ّل سيناريو بتجربة دولة من دول الربيع العربيّ ‪:‬‬

‫ إنّ غياب رأس النظام األسديّ اليوم عن سورية‬‫سيصل بنا إلى حالة أكثر دمويّة من الحالة الليبيّة‪ ،‬بسبب‬ ‫الكثافة الس ّكانيّة وتنوّ عها وطبيعة سورية الجغرافيّة‪،‬‬ ‫إضافة النتشار التنظيمات المتطرّ فة ونصف المتطرّ فة‬ ‫على كامل الخارطة السوريّة وتواضع وزن القوى‬ ‫الوطنيّة العسكريّة بعد حصارها وعزلها من قبل النظام‬ ‫والدول الفاعلة وحتى المعارضات الخارجيّة الطامعة‬ ‫بالسلطة كهدف مباشر‪.‬‬ ‫ إنّ بقاء رأس النظام في سورية سيصل بنا لحالة‬‫أكثر عنفا ً وطائفي ًّة من الحالة اليمنيّة حيث اإلمكانيّات‬ ‫الماليّة الضخمة‪ ،‬وارتباطات عائلة ونظام األسد سوف‬ ‫لن تدع السوريّين يهنؤون بيوم سالم واحد كما يفعل‬ ‫الرئيس علي عبد صالح باليمن‪.‬‬ ‫ إنّ غياب رأس النظام وبقاء النظام بتركيبته األمنيّة‬‫البوليسيّة سوف تصل بنا للحالة المصريّة‪ ،‬حيث‬ ‫سيستخدم النظام العسكريّ قدراته ويفرض حالة دولة‬

‫ملف العدد‬

‫تحت الحكم العسكريّ واألمنيّ من جديد‪.‬‬ ‫ إنّ التغيّر الجذريّ في النظام وغياب العائلة األسديّة‬‫عن المشهد السوريّ سوف يعوّ م الحالة اإلخوانيّة‬ ‫التي عملت سنين طويلة في المنفى وتعمل منذ أربعة‬ ‫سنوات على تثبيت قواها على األرض عسكر ّيا ً‬ ‫ّ‬ ‫وسياس ّيا ً‬ ‫متمثلة في االئتالف الوطنيّ والمجلس من‬ ‫قبله‪ ،‬وتطرح نفسها كإسالم معتدل مقبول أمريك ّيا ً‬ ‫مقابل إسالم متطرّ ف منتشر ودمويّ ‪ ،‬سيصل بنا إلى‬ ‫الحالة التونسيّة اإلقصائيّة التي حاولت القوى اإلخوانيّة‬ ‫فرضها قبل االنتخابات‪.‬‬ ‫إنّ العامل الذاتيّ الستمرار الثورة هو جمرها القابع‬ ‫تحت رماد المدن والقرى واألحياء المدمّرة يظهر بين‬ ‫الحين واآلخر بمظاهرات السوريّين بين استراحات‬ ‫القصف الجوّ يّ األسديّ واقتحامات القوى المتطرّ فة‪،‬‬ ‫اللتان تشتركان في نشر العنف والرعب بين المدنيّين‪.‬‬ ‫ستشهد سورية ثورات عديدة ح ّتى بعد سقوط رأس‬ ‫النظام أو النظام نفسه‪ ،‬بدءاً بثورة الجياع وانتها ًء بثورة‬ ‫الهويّة‪ ...‬ووجود األجندة الوطنيّة حقيقة‪ ،‬أليّة قوى‬ ‫سياسيّة تضطلع بمهمّة القيادة‪ ،‬هو الشراع الذي سينقذ‬ ‫سورية والسوريّين من عواصف قويّة قادمة‪.‬‬

‫ربيع عام ‪ 2011‬كنت هناك بعيدة‬ ‫للمعترض‪ ،‬فكانت الثورة باب الفرج الذي أطلّت منه‬ ‫الوجوه المتعبة واألصوات التي صرخت‪ :‬حرّ يّة‪..‬‬ ‫حرّ يّة‬

‫في ربيع عام ‪ 2011‬كنت هناك بعيدة عن المكان‬ ‫قريبة من سماع صوت االستغاثات عبر مكبّرات‬ ‫الجامع العمريّ وأص��وات أزي��ز الرصاص كانت‬ ‫البنادق والليل البهيم وانقطاع الكهرباء واال ّتصاالت‬ ‫يفصلنا عن معرفة ما حدث‪ ،‬وكانت دموعنا وقهرنا‬ ‫صرخات جلجلت في فضاء ليل مخيف عانقت عنان‬ ‫السماء‪ :‬هللا أكبر‪.‬‬

‫ماجدولني الرفاعي (كاتبـة وصحفيّـة‬ ‫مقيمة يف هولندا) ‪.‬‬ ‫في البداية كانت الدهشة تأخذ شكل انفعاالت فوضويّة‪،‬‬ ‫إذ بعد سنوات من القهر الممضّ وكم األفواه وسيادة‬ ‫عناصر األمن والمخابرات على الشعب المسالم الذي‬ ‫أبقته الدكتاتوريّة في دوامة البحث عن الرغيف وسبل‬ ‫العيش مع ترديد شعارات لم يكن يلمس تنفيذها على‬ ‫أرض الواقع‪ ،‬ولك ّنه كان يستمرّ في ترديدها خوفا ً من‬ ‫السجن واالعتقال‪ ،‬فسيادة الحزب الواحد األوحد ال‬ ‫تقبل أيّة مهادنة أو نقد وكان التدجين يبدأ من رياض‬ ‫األطفال وانتهاء بالجامعات ثم ينتقل إلى العمل وويل‬

‫في اليوم التالي‪ ،‬ع ّم السكون والوجوم المدينة‪،‬‬ ‫استشهد شيخ الجامع ومن معه ود ّنس المكان باألحذية‬ ‫ّ‬ ‫المستفزة وسال الدم الطاهر فوق سجّ اد‬ ‫والشعارات‬ ‫الصالة‪ ،‬ممّا زاد الثورة توهّجا ً وكثرت المظاهرات‬ ‫وتكاتف الجميع بطريقة حماسيّة رائعة فطلاّ ب الحرّ يّة‬ ‫يُقتلون على مرآى ومسمع العالم وال مجير لهم غير هللا‬ ‫وتماسكهم‪ ،‬فانطلقت الهتافات المعبّرة عن خيبة طلاّ ب‬ ‫الحرّ يّة بالعالم وباألش ّقاء في الوطن العربيّ بشكل عام‪.‬‬ ‫يا هلل مالنا عيرك يا هلل‪ ،‬هي هلل ال للثورة وال للجاه‪ ،‬من‬ ‫حوران هلّت البشاير‪ ..‬وغيرها من هتافات توضح أنّ‬ ‫الهدف من الثورة نيل الحرّ يّة والكرامة التي أهدرها‬ ‫نظام األسد األب واالبن‪.‬‬ ‫وبعدها جاء حصار درعا بالدبّابات حيث عشنا‬ ‫حاالت قهر جماعيّة مع منع التجوال وتفتيش البيوت‬ ‫واعتقال الشباب والرجال ومنع المواد الغذائيّة من‬ ‫ك الحصار‬ ‫الدخول للمدينة‪ ،‬ومع محاولة الريف ف ّ‬ ‫ارتكب النظام أفظع المجازر على تخوم درعا من جميع‬ ‫جهاتها فكانت مجزرة صيدا وإزرع واليادودة التي‬

‫ذهب ضحيتها المئات من الشهداء الذي كان سالحهم‬ ‫ح ّتى اللحظة رغيف الخبز وأغصان الزيتون وهتافاتهم‬ ‫ك الحصار عن أخوتهم‪ ،‬وكان من بينهم مجموعة من‬ ‫بف ّ‬ ‫األطفال منهم حمزة الخطيب وثامر الشرعي‪ ،‬حيث‬ ‫ت ّم اعتقالهما وقتلهما تحت التعذيب بوحشيّة يندى لها‬ ‫جبين اإلنسانيّة ‪.‬‬

‫في تلك المرحلة من الثورة سادت حالة مدهشة من‬ ‫التالحم االجتماعيّ فالطعام والشمع والماء يتقاسمه‬ ‫الجميع عن طيب خاطر وحبّ ‪..‬‬ ‫عندما زادت عنجهيّة النظام ووحشيّته في قمع‬ ‫الثورة واعتقال المئات من الثوّ ار وامتداد الثورة إلى‬ ‫كا ّفة المحافظات السوريّة ومدنها وبدأت مرحلة الكفاح‬ ‫المسلّح فتو ّقفت المظاهرات وانتشرت الحواجز وبدأ‬ ‫نفير الحرب ودخلت الثورة مرحلة جديدة‪ ،‬إذ بدأت‬ ‫االشتباكات وتحرير المدن والقرى وبدأت االنشقاقات‬ ‫في صفوف الجيش ت��زداد وتيرتها‪ ،‬وعلى الصعيد‬ ‫السياسيّ تش ّكلت مجموعة من األحزاب والتنظيمات‬ ‫السياسيّة وعلى رأسها االئتالف والحكومة االنتقاليّة‬ ‫وبدأ ض ّخ المال والسالح من جهات ودول مختلفة‬ ‫وبدأت تظهر معالم الحرب الطائفيّة‪ ،‬وزاد النظام من‬ ‫قبحه فراح يحرق البيوت ويقصف االحياء بأسلحة‬ ‫مختلفة‪ ،‬البراميل والكيماويّ والقنابل العنقوديّة ويعتقل‬ ‫الشعب بالمئات‪ ،‬ولع ّل صور الشهداء التي سرّ بت من‬ ‫المعتقالت خير دليل على وحشيّته‪ .‬ك ّل تلك العوامل زاد‬ ‫ت من حركة النزوح واللجوء دون أن تح ّل المؤتمرات‬ ‫التي عُقدت بكا ّفة مسمّياتها المشكلة‪ ،‬فالنظام متمسّك‬ ‫بكرسيّه والعالم ال يريد أن ترجح ك ّفة على أخرى فيم ّد‬ ‫الثورة بالسالح الخفيف ويهادن النظام‪ ،‬وما زاد الطين‬

‫بلّة ظهور الكتائب اإلسالميّة الس ّنيّة المسلّحة بكا ّفة‬ ‫مسمّياتها وأكثر عناصرها من خارج سورية (داعش‬ ‫‪،‬النصرة‪ ،‬غرباء الشام‪ )..‬وعلى الجانب اآلخر راح‬ ‫حزب هللا وايران وكتائب أبو الفضل العبّاس العراقيّة‬ ‫الشيعيّة بالقتال إلى جانب النظام تحوّ لت سورية إلى‬ ‫ساحة حرب الشعب هو الضحيّة الوحيدة فيها فأصبح‬ ‫الموت خبزهم اليوميّ وال أمل لهم في الخالص وهم‬ ‫يتابعون اختالف الفصائل المسلّحة فيما بينها من جهة‬ ‫واختالف المعارضة الخارجيّة على المال والكراسي‬ ‫من جهة أخرى وما بينهما النظام يزداد شراسة‪ ،‬وهم‬ ‫بين قتيل وجريج ومهجّ ر بين الخيام ودول اللجوء بينما‬ ‫العالم يمطرهم بالشفقة والفرجة ‪..‬‬

‫قد تكون النظرة سوداويّة لواقع الثورة السوريّة‬ ‫العظيمة‪ ،‬لك ّنه واقع الحال الذي يلقي بظالله على‬ ‫يوميّات جميع السوريّين في ك ّل مكان فالسوريّ في‬ ‫الخارج يبكي على وطن ضاع منه والسوريّ في‬ ‫الداخل يحاصره الموت والغالء والنزوح وانقطاع‬ ‫كا ّفة وسائل الحياة ورغم عرض آمالنا‪ ،‬إلاّ أ ّننا ال نرى‬ ‫شكل النهاية وال ملمحها‪ ،‬فالدول الكبرى المتصارعة‬ ‫هي من سترسم خارطة سورية وحدودها بعد انتهاء‬ ‫م ّدة صالحيّة النظام عندهم‪ ،‬وبعد استثمار موتنا خير‬ ‫استثمار وسرقة خيراتنا وآثارنا‪ ،‬فها هي بصرى الشام‬ ‫تتحرّ ر بعد سيطرة النظام وإيران عليها منذ بداية الثورة‬ ‫فقد انتهوا من نهبها وسرقة آثاره كما باقي األوابد‬ ‫األخرى‪ ،‬وال أستبعد أبداً أن تعرض تلك المسروقات‬ ‫في إيران بشكل علنيّ وليس لنا إلاّ هللا وأملنا بالنصر‬ ‫والحرّ يّة‪.‬‬

‫الوطني؟‬ ‫الثورة من األزمة إلى المشروع‬ ‫ّ‬

‫أمحد الرمح (الكتلة الوطنيّة‬ ‫الدميقراطيّة)‬ ‫مع دخول العام الخامس من عمر الثورة السوريّة؛‬ ‫الب ّد من مرور سريع على ما نتج في عامها الرابع‬ ‫من ّ‬ ‫تعثر ثوريّ وسياسيّ جعله أكثر أعوامها خيبة‬ ‫لألمل؛ ممّا أدخل المجتمع السوريّ بحالة إحباط نتيجة‬ ‫االنتكاسات السياسيّة والعسكريّة! ولتوصيف ما سبق‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫من عمر الثورة يمكننا أن نقسّم الثورة في األعوام‬ ‫السابقة إلى ثالث مراحل‪:‬‬

‫العراقيّة أن تفعله مع البعثيّين أو الموالين للنظام‬ ‫العراقيّ السابق!‪.‬‬

‫مرحلة السلميّة‪ :‬وهي أرقى وأنقى مراحلها‪ .‬ث ّم‬ ‫مرحلة العسكرة‪ :‬وه��ي مرحلة اندفع فيها بعض‬ ‫الثوريّين لحمل السالح إليمانهم بأنّ الح ّل العسكريّ هو‬ ‫األسرع واألنجع مع هكذا نظام‪ .‬فالمرحلة الداعشيّة‪:‬‬ ‫وهي مرحلة تغلغل تنظيمات متطرّ فة خطفت الثورة‬ ‫لمصالحها اآليديولوجيّة وعرقلتها وحرفت البندقيّة‬ ‫باالتجاه الخاطئ‪.‬‬

‫وهذا أمر طبيعيّ في السياسة‪ ،‬إذ أنَّ ك ّل ثورة لها‬ ‫هدف اجتماعيّ وثقافيّ وبالتالي سياسيّ تعمل على‬ ‫تحقيقه‪ ،‬ولهذا ممّا يدور ويُطرح ما بين التك ّتالت‬ ‫السياسيّة؛ أنّ ما يحصل من معارك دمويّة على أرض‬ ‫الوطن سينتهي بال رابح وال خاسر للطرفين كما يبدو‬ ‫المشهد عسكر ّياً!؟‪ .‬ولكنّ األكيد أنّ الوطن والمجتمع‬ ‫هما الخاسر األكبر‪.‬‬

‫وإنْ صح هذا التقسيم الزمني للثورة؛ وح ّتى ال ندخل‬ ‫في دوّ امة اليأس واإلحباط‪ ،‬فإ ّننا نظنّ لما لهذه المرحلة‬ ‫األخيرة من سيئات وفواحش ثوريّة فإنّ لها حسنات‬ ‫تصبّ في مصلحة الثورة‪ .‬إذ أ ّنها ساهمت بعودة الوعي‬ ‫الثوريّ لك ّل الفرقاء العاملين في الحقل الثوريّ ‪ ،‬فقد‬ ‫عمل ما‬ ‫أيقن ج ُّل العاملين في خدمة الثورة أ ّنه الب ّد من‬ ‫ٍ‬ ‫إلنقاذ الثورة مما ْ‬ ‫آلت إليه!‬

‫إنَّ أخطر ما في هذه المعارك الطاحنة الخاضعة‬ ‫ألجندات خارجيّة وتصبّ في مصلحتها؛ أنَّ الطبقة‬ ‫الوسطى التي تع ّد صمام أمان أيّة أ ّم��ة؛ ومحرّ كها‬ ‫اإلبداعيّ والتنمويّ والثقافيّ ‪ ،‬أصبحت مسحوقة! وهذا‬ ‫نذير اجتماعيّ خطير ج ّداً‪.‬‬

‫لذلك خرجت وتعالت أصوات تبحث في هذا األمر؛‬ ‫وتؤمن بالوقت نفسه أنّ ما يُسمى بعلم السياسة (المعادلة‬ ‫الصفريّة) لم تعد حلاّ ً عاقالً وال في مصلحة الوطن‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ب��دأت ج� ّد ّي�ا ً بالبحث عن مخرج لألزمة‬ ‫ولذلك‬ ‫ّ‬ ‫يتمثل بح ّل سياسيّ لها؛ ال يجعل تضحيات المجتمع‬ ‫تذهب هباء؛ وال يجعل من إلغاء اآلخر (فيزيولوجيا‬ ‫وسيكولوجيا) هدفا ً ممكن التحقيق؛ كما حاولت التجربة‬

‫أضف إلى ذلك‪ ،‬سيطرة ثقافة العسكرة على المجتمع‬ ‫بمختلف أعماره وتك ّتالته‪ .‬من هنا يجب أن نتنبه إلى‬ ‫مسألة في غاية األه ّميّة‪ ،‬أنَّ اله َّم األكبر لنا يجب أن‬ ‫ينصبّ ال على إسقاط النظام أو إعادة اإلعمار فحسب‪،‬‬ ‫إ ّنما بإعادة المجتمع إلى ثقافة المدنيّة التي كان يتحلّى‬ ‫بها قبل سيطرة ثقافة العسكرة‪ .‬وهذا أمر ليس بالهيّن‬ ‫أو السهل إنْ فكرنا بالمجتمع استراتيج ّياً‪.‬‬ ‫ناهيك عن بعض األصوات والمبادرات الخارجيّة‬ ‫التي بدأت تطرح أفكاراً للحلّ؛ تجعل ك ّل طرف يبقى‬

‫بموضعه الذي يسيطر عليه عسكر ّيا ً ومن َث َّم تشكيل‬ ‫مجالس وإدارات لك ّل جهة مع وقف إلطالق النار‬ ‫ّ‬ ‫(خطة دي ميستورا) وهذه صوملة‬ ‫واعتراف متبادل‬ ‫ّ‬ ‫ملطفة وتقسيم مناطقيّ قد يؤ ّدي إلى تقسيم سياسيّ ؛‬ ‫علما ً بأنّ صقور النظام والجماعات المتش ّددة لن تقبل‬ ‫بهكذا مبادرة‪ ،‬وبذا يستمرّ النزيف السوريّ إلى ما ال‬ ‫نهاية! ليغدو في المستقبل أمراً واقعا ً علينا التعايش‬ ‫معه‪.‬‬

‫من هنا‪ ،‬بدأ البحث عن حلول واقعيّة لح ِّل األزمة؛‬ ‫توقف التدمير والتهجير؛ وتعيد الثورة لمسارها الحقيقيّ‬ ‫ّ‬ ‫المتمثلة بالحرّ يّة والكرامة‬ ‫إلحياء أهدافها الوطنيّة‬ ‫للوصول إلى دولة المواطنة لتحقيق ثقافة الديمقراطيّة‬ ‫والعدالة االجتماعيّة والمساواة بين الجميع على أساس‬ ‫الكفاءة وليس الوالء‪ ،‬لينبثق عن ذلك دستور حضاريّ‬ ‫مدنيّ يكفل حقوق الجميع ؛ فيتولّد عنه قانون يخضع‬ ‫الجميع له دون استثناء؛ وعلى هذا فإ ّنه يمكننا القول‬ ‫إنْ ك ّنا جا ّدين بالبحث عن ح ٍّل لألزمة وإنقاذ الثورة؛‬ ‫ال ب ّد من برنامج يعمل على وحدة عمل المعارضة‪،‬‬ ‫وليس وحدتها ‪ -‬ألنّ ذلك ثبتت استحالته ‪ -‬يخرج بوثيقة‬ ‫شرف وطنيّ ‪ ،‬تأسّس لورقة مبادئ بين ك ّل الفرقاء؛‬ ‫يتنادى من أجلها الجميع نحو مؤتمر وطنيّ شامل‬ ‫للقوى السياسيّة؛ ح ّتى تستطيع نقل الثورة من األزمة‬ ‫إلى المشروع الوطنيّ ‪ ،‬الذي يمكن أن يُنقذ ما تبقى‬ ‫إلنقاذه من الوطن‪.‬‬

‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫ملف العدد‬

‫العدد ‪28‬‬

‫‪ / 3‬نيسان ‪2015/‬‬

‫‪7‬‬

‫السنة الثانية‬

‫بعض االستنتاجات بمناسبة الذكرى الرابعة للثورة السورّية‬ ‫والتحليالت الموضوعيّة‪ .‬فما هي أه ّم األمور السلبيّة‬ ‫واإليجابيّة‪ ،‬التي وواجهتها الثورة؟‬ ‫األمور السلبيّة ونتائجها‪:‬‬ ‫ عدم توافق القيادات الوطنيّة السياسيّة والعسكريّة‬‫على رؤية واحدة‪ ،‬وميثاق وطنيّ وبرنامج عمل؛ فقدان‬ ‫قيادة سياسيّة فاعلة للثورة على األرض‪ ،‬وفقدان قيادة‬ ‫عسكريّة موحّ دة تعمل تحت قيادة سياسيّة‪ ،‬ثورة بدون‬ ‫برنامج وبدون قيادة‪.‬‬ ‫ عدم توحّ د (توافق) فصائل الحركة السوريّة‬‫الكرديّة السياسيّة والعسكريّة‪ ،‬أدى إلى صعوبات كبيرة‬ ‫في عمليّات التنسيق السياسيّة والعسكرية ‪...‬وأدى إلى‬ ‫معارك على األرض وشهداء‪ ،‬وهذا يصبّ في مصلحة‬ ‫النظام‪.‬‬

‫حميي الدين حمروس‬ ‫ما هي أه ّم االستنتاجات وال��دروس المستفادة من‬ ‫الثورة السوريّة خالل األربع سنوات من استمرارها‪،‬‬ ‫وتقديم الشهداء‪ ،‬ودفع فاتورة كبيرة من المعتقالت‬ ‫والمعتقلين‪ ،‬والمخطوفات والمخطوفين‪ ،‬والمغتصبات‪،‬‬ ‫والتهجير والنزوح‪ ،‬والدمار الشامل للبلد؟‬ ‫بالطبع‪ ،‬ال يمكن كتابة ك ّل هذه االستنتاجات ألربع‬ ‫سنوات من عمر الثورة‪ ،‬من خالل مقالة واحدة‪ .‬حيث‬ ‫سيكتب المف ّكرون والباحثون الكتب حولها‪ ،‬ليت ّم تدريسها‬ ‫مستقبالً في المدارس والجامعات وعلم الثورات‪.‬‬ ‫ال ب� ّد من االنطالق من الحقائق والوقائع على‬ ‫األرض‪ ،‬إلى تش ّكل المعطيات أله� ّم االستنتاجات‬

‫ هيمنة اإلخوان المسلمين على المجلس الوطنيّ ‪،‬‬‫وبالتالي على االئتالف الوطنيّ ‪ ،‬أ ّدت إلى نتائج سلبيّة‬ ‫على المستوى الداخليّ واإلقليميّ والدوليّ ‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫صعوبة توافق القوى الوطنيّة السوريّة معهم‪ ،‬نتيجة‬ ‫سياسة اإلقصاء التي مارسوها ويمارسونها إلى يومنا‬ ‫هذا‪ ،‬ح ّتى أنّ دخول بعض الشخصيّات الديمقراطيّة‬ ‫لالئتالف‪ ،‬لم يؤ ِّد لعمليّة إصالحه‪ ،‬نتيجة تركيبته‪ ،‬جزء‬ ‫من الجماهير التي كانت مع الثورة في بدايتها‪ ،‬ا ّتخذ‬ ‫موقف الحياد‪ ،‬لعدم تأييده لإلخوان‪ .‬كذلك أ ّدى لتحجيم‬ ‫الدعم الدوليّ لالئتالف طالما بقي بقيادة اإلخوان‪ ،‬هذا‬ ‫عدا عن أنّ العديد من الدول ‪ -‬بشكل مستق ّل ‪ -‬ت ّتخذ‬ ‫موقف الحذر من تقديم أيّة مساعدة عسكريّة‪ ،‬عن‬ ‫طريق اإلخوان‪ ،‬والقيادات العسكريّة المتطرّ فة‪.‬‬ ‫‪ -‬إعطاء ضوء أخضر من قبل المجلس الوطني‬

‫والجيش الحرّ ‪ ،‬لدخول المجاهدين من مختلف الدول‬ ‫العربيّة ودول العالم‪ ،‬وح ّتى تب ّني الدفاع عن بعض‬ ‫ّ‬ ‫المنظمات المعروفة لدى العالم بأ ّنها تابعة للقاعدة‪،‬‬ ‫مثل جبهة النصرة و «داعش» وأخواتها‪ ،‬وأعطى‬ ‫المبرّ رات للنظام المستب ّد‪ ،‬الستدعاء الميليشيات‬ ‫اإليرانيّة والعراقيّة وكتائب حزب الشيطان‪.‬‬ ‫ تسليح الثورة‪ ،‬وال أقصد بهدف الدفاع عن النفس‪،‬‬‫فهو ّ‬ ‫حق مشروع في ك ّل القوانين والشرائع الدينيّة‪،‬‬ ‫وإ ّنما في تحرير مناطق دون تأمين حماية جوّ يّة لها‪،‬‬ ‫أ ّدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيّين‪.‬‬

‫الثورة المسلّحة تعني إطالة المعارك لسنوات طويلة؛‬ ‫لع ّدة أسباب ومنها‪ :‬عدم التوازن العسكريّ بين فصائل‬ ‫مسلّحة (غير موحّ دة)‪ ،‬وجيش نظاميّ منذ عشرات‬ ‫السنين له ميزانيّة كبيرة للتسليح والتدريب‪.‬‬ ‫إضافة لذلك‪ ،‬ليس ك� ّل مواطنة ومواطن بقادر‬ ‫على حمل السالح‪ ،‬ممّا يعني قلّة عدد المشاركات‬ ‫والمشاركين في الثورة‪ ،‬بدالً من أن تكون جماهيريّة‬ ‫وشعبيّة‪.‬‬ ‫ خضوع بعض الفصائل العسكريّة للضغوط العربيّة‬‫ولالبتزاز (لحاجة السالح والتمويل)‪ ،‬ألسلمة تسمياتها‬ ‫وشعاراتها‪ ،‬ولحرفها عن أهداف الثورة السياسيّة إلى‬ ‫حروب دينيّة‪.‬‬ ‫األمور اإليجابيّة ونتائجها‪:‬‬ ‫ التحقت الثورة السوريّة بثورات الربيع العربيّ ‪،‬‬‫وحافظت ألشهر عديدة على سلميّتها‪ ،‬وهو العصر‬ ‫الذهبيّ ‪ ،‬رغم وحشيّة النظام في التعامل معها‪.‬‬

‫ اكتسبت الثورة التأييد الواسع من الدول العربيّة‬‫وتركيا والعديد من دول العالم والتنظيمات الدوليّة‪.‬‬ ‫وص��والً إل��ى مجموعة أصدقاء الشعب السوريّ ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫كممثل للشعب السوريّ (هذا له‬ ‫واالعتراف باالئتالف‬ ‫سلبيّاته أيضاً)‪ .‬هذا التأييد انخفض فيما بعد ألسباب‬ ‫داخليّة تتعلّق بالثورة وقياداتها‪ ،‬وألسبا ٍ‬ ‫ب أخرى تتعلّق‬ ‫بالمصالح الدوليّة‪.‬‬

‫ استمرار مسيرة الثورة رغم استخدام النظام لكا ّفة‬‫األسلحة‪ ،‬وازدياد عدد القتلى والمعتقلين والمُهجّ رين‪...‬‬ ‫أجبر العالم على البحث عن ح ّل سياسيّ ‪ ،‬فت ّم عقد‬ ‫جنيف‪ 1‬بهدف إدارة األزمة السوريّة‪ ،‬ومن ث ّم جنيف‪٢‬‬ ‫للوصول إلى ح ّل سياسيّ ‪ ،‬يؤ ّدي لمرحلة انتقاليّة‪،‬‬ ‫مخاض عسير)‪.‬‬ ‫وموافقة االئتالف على التفاوض (بعد‬ ‫ٍ‬ ‫ تشكيل العديد من األحزاب والتنظيمات السياسيّة‬‫والمدنيّة داخ��ل الوطن وخارجه‪ ،‬وعلى صفحات‬ ‫التواصل االجتماعيّ ‪ ،‬ممّا أعطى دفعا ً سياس ّيا ً وثقاف ّياً‪،‬‬ ‫وأتاح ممارسة حرّ يّة التعبير عن الرأي‪ ،‬التي كان‬ ‫الشعب السوريّ محروما ً منها‪.‬‬ ‫ ثورة في الوعي االجتماعيّ السوريّ ‪ ،‬في رفضه‬‫لك ّل أشكال االستبداد السياسيّ والدينيّ ‪ ،‬هذا التحوّ ل‬ ‫النوعيّ هو الضمانة الستمراريّة الثورة ح ّتى تحقق‬ ‫أهدافها‪ ،‬مهما بلغت التضحيات‪.‬‬ ‫لألسف‪ ،‬العديد من المحلّلين يميل إلى رمي أسباب‬ ‫اإلخفاقات للعوامل الخارجيّة‪ ،‬تبعا ً لنظريّة المؤامرة‪.‬‬ ‫ال أنفي تأثير هذه العوامل الخارجيّة‪ ،‬لكنّ األساس هو‬ ‫االنطالق من العوامل الداخليّة في التحليل‪.‬‬ ‫الثورة مستمرّ ة وستنتصر‪.‬‬

‫نعم كلّنا متألّمون لما آل إليه الحال‬ ‫الحال في البدايات‪ ،‬ولكن من هم الذين سيقومون بذلك‬ ‫وإلى أيّ ح ّد هم مستع ّدون لدفع ثمن استعادة روح‬ ‫الثورة وألقها األوّ ل؟‬ ‫بالنسبة لي لم يعد لديّ أيّة ثقة بأيّة جهة أو شخص‬ ‫يطالب بهذا األمر وهو خارج الحدود بدون سبب‬ ‫منطقيّ يقنع من هو مستع ّد لدفع حياته ثمنا ً لذلك؟‬ ‫ت ّتهمون اإلسالميّين بسرقة الثورة؟! طيب تعالوا‬ ‫نقارن بين ما فعله اإلسالميّون لتحقيق أهدافهم وبين ما‬ ‫فعله الوطنيّون والديمقراطيّون والقوميّون والليبراليّون‬ ‫واليساريّون واليمينيّون واألمميّون وووإلخ؟‬

‫عقيل حسني – صحفي وناشط‬ ‫نعم يمكن إعادة ألق الثورة الشعبيّة كما كان عليه‬

‫لقد كان أصحاب المشاريع اإلسالميّة يتزاحمون على‬ ‫التشبّث بالميدان‪ ،‬بينما لم يبق من أصحاب المشاريع‬ ‫األخرى من يقبل ح ّتى بدعم الذين يعتقدون بمشروعه‬ ‫ممّن تب ّقى على األرض‪ ،‬بعد أن استشهد الكثير منهم أو‬ ‫أصبح معاقا ً مرم ّيا ً ال يسأل عنه أحد!‬ ‫ماذا قدم ك ّل طرف لمشروعه غير الكالم واألحالم‪،‬‬ ‫بينما يقاتل اآلخرون من أجل مشروعهم؟! ث ّم عندما‬

‫نتح ّدث عن التسلّح والسالح باعتبار أ ّنه ت ّم توظيفه‬ ‫في الكثير من األحيان خارج أهداف الثورة أو ح ّتى‬ ‫كسالح لمعارك اآلخرين على األرض السوريّة‪ ،‬فهل‬ ‫هذا يُعفي معارضي التسلّح من مسؤوليّة ترك الساحة‬ ‫ألصحاب السالح يرزحون تحت ثقل هذه األحمال‪ ،‬إذا‬ ‫ما اعتبرناهم أصحاب نيّة حسنة‪ ،‬أو في حال اعتبرناهم‬ ‫غير ذلك‪ ،‬فلماذا لم يت ّم التكاتف للوقوف بوجه أيّ‬ ‫انحراف للسالح؟!‬ ‫طبعاً‪ ،‬ج��رى ذل��ك من خ�لال اإلع�لام وصفحات‬ ‫التواصل االجتماعيّ ‪ ،‬ولعمري فإنّ هذا موقف‪ ،‬الر ّد‬ ‫عليه باالعالم وعبر وسائل التواصل االجتماعيّ هو‬ ‫أكثر ما يستح ّقه‪.‬‬ ‫نعم‪ ،‬كلّنا متألّمون لما آل إليه الحال في الثورة‪،‬‬ ‫وجميعنا لم يكن يريد أن نصل إلى ما وصلنا إليه‪ ،‬بمن‬ ‫فينا المخطئون والمتجاوزون‪ ،‬بل‪ ،‬وإذا قلنا المنحرفون‪،‬‬ ‫ولكن متى كان الندب والتباكي عن بعد هو الحلّ؟!‬ ‫أعرف العشرات ممن بقوا في حلب متمسّكين بالثورة‬

‫الثورة كذكرى‬

‫لم يبق من الثورة السوريّة التي اندلعت ض ّد نظام‬ ‫االستبداد األسديّ الذي شهد تحوّ الت فاشيّة في سياق‬ ‫الثورة‪ ،‬سوى حطام يحمل في جوف مأساته توق‬ ‫السوريّين للتحرّ ر‪.‬‬ ‫باتت ثورة الحرّ يّة والكرامة السوريّة منفيّة بعد أن‬ ‫استنزف النظام طاقتها الثوريّة وقتل وسجن وأرهب‬ ‫رعيلها األوّ ل‪ ،‬ما هيّأ في سورية المناخات المالئمة‬ ‫الزدهار نبتة التطرّ ف الشيطانيّة التي التهمت الثورة‬ ‫والحرّ يّة والكرامة معاً‪ .‬الثورة السوريّة اليوم ال‬ ‫حضور كثيفا ً لها سوى في رموزها األولى‪ .‬واليوم‬ ‫بات الثوّ ار السوريّون المنفيّون والمشرّ دون في أصقاع‬ ‫األرض يمارسون طقوسا ً إحيائيّة من الخارج متوسّلين‬ ‫هذه الرموز في طقوسيّة توهن األمل فيما هي تسعى‬ ‫إلى إحياء الذكرى‪.‬‬

‫راتب شعبو (نزيه شعبان)‬ ‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫خارج سورية‪ ،‬حيث للسالم أرض يستقرّ عليها‪،‬‬ ‫بدأ السوريّون بإشادة مسرح لخالفاتهم المزمنة بعيداً‬ ‫عن صوت المدافع والرصاص‪ ،‬وبعيداً عن صراع ال‬ ‫تمثيل فعل ّيا ً لهم فيه‪ .‬وداخل سورية‪ ،‬آلة الحرب تطحن‬ ‫ك ّل شيء‪ ،‬ح ّتى يصعب على المرء أن يفهم من أين‬

‫يأتي الفرح «بانتصار» عسكريّ هنا أو هناك‪ ،‬في‬ ‫حين يبدو جل ّيا ً أنّ االنتصار الحاسم ليس في متناول أيّ‬ ‫طرف‪ .‬وأ ّنه إذا مالت الك ّفة لصالح طرف‪ ،‬فإنّ «العالم‬ ‫الحرّ » سوف يستعيد توازن التآكل من جديد‪ ،‬كما ظ ّل‬ ‫يحدث طوال ثماني سنوات من الحرب بين العراق‬ ‫وإيران‪ ،‬حين كان يراد إرهاق الطرفين‪.‬‬

‫ما يؤلم الروح أنّ الثورة المنفيّة لم تعد ثورة إلاّ‬ ‫باعتبارها ذكرى وفولكلور‪ .‬وقد تعلّمنا من الثورة‬ ‫الفلسطينيّة كيف تجري المبالغة في الرموز كتعويض‬ ‫عن االحباطات الفعليّة المتواترة‪ .‬وكيف ت ّتخذ الخيبة‬ ‫والعجز شكل اإلكثار من إشارات النصر ومن تكرار‬ ‫«مستمرّ ون» ومن رفع النبرة التفاؤليّة والتأكيدات‬ ‫الثوريّة الخاوية‪.‬‬ ‫قد يسقط نظام االستبداد األسديّ ‪ ،‬وهو سيسقط ولو‬ ‫بعد حين‪ ،‬ولكنّ هذا لن يعني بعد اآلن أنّ الثورة‬ ‫انتصرت‪ .‬الذي سينتصر هو القوّ ة التي تم ّكنت من‬ ‫إسقاط نظام األسد وال يوجد قوّ ة بيد الحالمين بالحرّ يّة‬ ‫والكرامة قادرة على إنجاز هذه المهمّة‪ .‬يمكن أن يسقط‬ ‫نظام األسد بيد قوى إسالميّة متطرّ فة‪ ،‬عندئذ فالنصر‬

‫ومبادئها إلى اليوم‪ ،‬ولكنّ هؤالء ال عون لهم وال سند‪،‬‬ ‫يتألمّون بمفردهم ويسعون وحيدين أل ّنهم لم يقبلوا أن‬ ‫يكونوا أداة بيد أحد‪ ،‬وال أن ين ّفذوا أجندات أحد‪ ،‬وال أن‬ ‫يبيعوا مبادئهم لداعم أو ّ‬ ‫منظمة أو غيرها‪.‬‬ ‫ت ّم تشكيل العديد من المؤسّسات الثوريّة المدنيّة من‬ ‫قبل ناشطين على األرض‪ ،‬لك ّنها لم تجد من يق ّدم لها‬ ‫أيّ دعم ما دامت هذه المؤسّسات نقيّة ال تقبل التجيير‬ ‫وال التسييس‪ ،‬فبقيت بال تأثير‪ ،‬واضمحل دورها‪ ،‬ث ّم‬ ‫عاد شبابها لالنزواء والبكاء بحرقة قبل أن يفقد الكثير‬ ‫منهم األمل!‬ ‫نعم‪ ،‬يمكن استعادة ألق الثورة وروحها األولى‪،‬‬ ‫ولكن بالعمل والتضحيات الجماعيّة‪ ،‬وليس باالنتهازيّة‬ ‫وال��ك�لام والتباكي وانتظار اآلخ��ري��ن أن يق ّدموا‬ ‫التضحيات من أجل مشاريع ال يؤمنون بها‪ ،‬ومن كان‬ ‫يؤمن بمشروعه‪ ،‬فليتفضّل إلى األرض وليعمل من‬ ‫أجله ويضحّ ي في سبيله‪ ،‬ويق ّدم من ماله وجهده ووقته‬ ‫وأمنه ورفاهيته لألهداف التي يسعى من أجلها‪.‬‬

‫لها ولداعميها على حساب الحرّ يّة والكرامة بال شكّ‪.‬‬ ‫وإذا سقط بيد قوى خارجيّة فالنصر لها على حساب‬ ‫أوجاع الشعب السوريّ وتضحياته‪ .‬الشعب السوريّ‬ ‫الذي أشعل ثورته األولى على أمل التحرّ ر‪ ،‬بات خارج‬ ‫حسبان الجميع بعد أن خذله المحلّلون وناشطو السياسة‬ ‫وسلّموه إلى ناشطي اإلغاثة‪ .‬بات الشعب السوريّ‬ ‫موضوعا ً للبطش بدعوى «البيئات الحاضنة»‪ ،‬وما ّدة‬ ‫للتجنيد اإللزاميّ والحشد وحسب‪.‬‬ ‫بك ّل بساطة‪ ،‬لم تعد الحرّ يّة والكرامة هي الدافع‬ ‫ك احتكار‬ ‫المحرّ ك للصراع السوريّ اليوم‪ ،‬ولم يعد ف ّ‬ ‫السلطة واالنتقال إلى شكل دولة تداوليّة حديثة هو‬ ‫هدف أيّ من أطراف الصراع الفاعلين الذين يطمح‬ ‫ك ّل منهم إلى إشادة استبداده الخاصّ ‪.‬‬ ‫هذا واقع ف ّج ال يكلّف المراقب عبء االستنتاج‪.‬‬ ‫الصراع اليوم بين أطراف بعضها يحتقر الديموقراطيّة‬ ‫وبعضها اآلخر يك ّفر الديموقراطيّة‪ .‬ما من دولة إقليميّة‬ ‫أو عالميّة دعمت الثورة السوريّة‪ ،‬إلاّ كما يدعم حبل‬ ‫المشنقة عنق المشنوق‪ ،‬حسب التعبير الشهير لزعيم‬ ‫الثورة البلشفيّة في روسيا‪ .‬هيئة التحرير‬

‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫‪8‬‬

‫السنة الثانية‬

‫سورّيون في السويد‬

‫خاص ‪ -‬استوكهومل ‪ -‬كلّنا سوريون‬ ‫منذ أن قرّ ر النظام السوريّ أنّ طريقه الوحيد للح ّل‬ ‫في سورية هو اإليغال في قمع السوريّين بك ّل الطرق‬ ‫ومهما تكن النتائج‪ ،‬بدأت حكاية الرحيل السوريّ تكتب‬ ‫حروفها بمأساويّة‪ ،‬رحيل بدأ داخل سورية من حيّ‬ ‫إلى حيّ ‪ ،‬ومن قرية إلى قرية‪ ،‬ث ّم من مدينة إلى مدينة‬ ‫لكنّ الموت الذي زرعه النظام في وجوههم أينما ذهبوا‬ ‫دفعهم إلى اللجوء لخارج سورية‪.‬‬ ‫على الحدود التي تحيط بسورية انتصبت خيام‬ ‫السوريّين ونام أبناؤها في العراء ليبدأ الفصل الثاني من‬ ‫المأساة السوريّة‪ ،‬في الدول التي هربوا إليها في البداية‬ ‫كان مكسبهم الوحيد أ ّنهم لم يعودوا يموتون بالقصف‬ ‫والقنص‪ ،‬بل أصبح موتهم ب��رداً وجوعا ً ومرضاً‪،‬‬ ‫وهكذا بدأ السوريّون البحث عن أرض تمنحهم شروطا ً‬ ‫أفضل للحياة فغادروا إلى البعيد‪.‬‬ ‫تق ّدر دائرة الهجرة السويديّة أنّ عدد السوريّين الذين‬ ‫وصلوا إلى السويد منذ بداية األحداث وح ّتى الشهر‬ ‫العاشر من عام ‪ ،2014‬بـ ‪ 36‬ألف سوريّ وصلوا برّ اً‬ ‫وبحراً وجوّ اً ‪...‬بهجرة شرعيّة وغير شرعيّة‪.‬‬ ‫ينصّ قانون التعليم السويديّ على أنّ لجميع األطفال‬ ‫واألحداث ّ‬ ‫حق الحصول على فرص متساوية للتعليم‪،‬‬ ‫بغضّ النظر عن الجنس أو مكان عيشهم أو أيّة عوامل‬ ‫اجتماعيّة أو اقتصاديّة أخرى‪ ،‬إنّ الحضور في المدرسة‬ ‫إلزاميّ لك ّل األطفال ح ّتى العام الدراسيّ التاسع ويداوم‬ ‫اليوم تقريبا ً جميع األطفال في الصفوف التمهيديّة‬ ‫غير اإللزاميّة في سنّ السادسة‪ ،‬وعمل ّياً‪ ،‬يعني هذا إنّ‬ ‫األطفال يتل ّقون عشرة أعوام من التعليم إجماالً‪.‬‬ ‫ستقوم جريدة كلّنا سوريّون بتحقيقات متتالية ترصد‬ ‫فيها حياة هؤالء السوريّين الذين وصلوا إلى السويد‪.‬‬ ‫سوري في «فيمربي»‪:‬‬ ‫يوم من حياة طفل‬ ‫ّ‬ ‫اسمي‪ :‬أوس‪ ،‬عمري ‪ 12‬عاماً‪ ،‬وصلت إلى السويد‬ ‫في نهاية عام ‪ 2014‬أوّ ل ما شاهدته في السويد هو‬

‫الثلج أحسّست ببرد شديد وحلمت بالعودة لسورية‪....‬‬ ‫«سورية أدفى»‪.‬‬ ‫أذه���ب اآلن إل��ى ال��م��درس��ة ص � ّف��ي اس��م��ه صف‬ ‫(االنترناشونال) وهو تابع لمدرسة «أستريد ْ‬ ‫لندجرين‬ ‫‪ »* Astrid Lindgren‬فيه ‪ 18‬طالباً‪ ،‬ثالثة‬ ‫عشر منهم سوريّون‪ ،‬أ ّم��ا اآلخ��رون فقد قدموا من‬ ‫«قرغيزستان‪ ،‬وتايوان‪ ،‬وأفغانستان وصربيا» هنا‬ ‫نتعلّم اللغة السويديّة ونتعلّم أيضا ً لغتنا األ ّم‪.‬‬ ‫ي��������ولاّ‬ ‫‪Ulla‬‬ ‫مدرّ سة في الصفّ‬ ‫الدوليّ تقول‪ :‬نحن‬ ‫حريصون على أن‬ ‫يبقى الطالب على‬ ‫ت��واص��ل م��ع لغته‬ ‫األ ّم‪ ،‬ل��ذل��ك نتعب‬ ‫ك��ث��ي��راً ف��ي تأمين‬ ‫مدرّ سين للغة األم‪،‬‬ ‫لدينا ثالثة مدرّ سين‬ ‫ي����درّ س ك��� ّل منهم‬ ‫طالبا ً واحداً‪.‬‬ ‫يبدأ يومنا‬ ‫ ‬‫في الثامنة والربع‬ ‫صباحاً‪ ،‬يقول أوس‪ ،‬ويضيف‪ :‬لك ّل م ّنا خزانته الخاصّة‪،‬‬ ‫كأس الشايّ والحذاء الخاصّ الذي نلبسه داخل الصفّ‬ ‫‪ ...‬الصفّ هنا أقرب للبيت فيه مطبخ ومكتبة وخزائن‬ ‫األلعاب‪ ...‬نتعلّم حروف اللغة السويديّة ومفرداتها‬ ‫ونلعب ‪ ...‬في الحادية عشر صباحا ً نذهب إلى مطعم‬ ‫المدرسة ‪ ..‬مطعم كبير ونظيف نخدم أنفسنا ونقف على‬ ‫الدور لنمأل صحوننا من بوفيه مفتوح‪ ،‬هناك يجتمع ك ّل‬ ‫الطلاّ ب السويديّين وغير السويديّين على طعام الغداء‪،‬‬ ‫لم أستسغ الطعام السويديّ في البداية لك ّنني شيئا ً فشيئا ً‬ ‫بدأت أحبّه‪.‬‬

‫العدد ‪28‬‬

‫‪ / 3‬نيسان ‪2015/‬‬

‫ب���ع���د أش���ه���ر م��ن‬ ‫وج��ودن��ا ف��ي الصفّ‬ ‫ال��دول��يّ سننتقل إلى‬ ‫ال��م��درس��ة ال��ع��اد ّي��ة‪،‬‬ ‫هناك سيكون ك ّل م ّنا‬ ‫في الصفّ المناسب‬ ‫له وهناك سنكون مع‬ ‫طلبة سويديّين وغير‬ ‫سويديّين‪.‬‬ ‫ال ي��ذه��ب األط��ف��ال‬ ‫فقط إلى المدارس‪ ،‬بل‬ ‫تذهب العائلة بكاملها‬ ‫لتعلّم اللغة السويديّة وأشياء أخرى تعلّمهم القوانين‬ ‫السويديّة وكيف يفتحون بوابة االندماج مع المجتمع‬ ‫الجديد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫صا للقادمين‬ ‫تطبّق الحكومة السويديّة برنامجا خا ّ‬ ‫الجدد الذين تزيد أعمارهم عن ‪ 18‬سنة يسمّونه في‬ ‫السويد (برنامج الترسيخ) م ّدة هذا البرنامج سنتان‬ ‫وهو متع ّدد المستويات‪ ،‬يبدأ من المستوى ‪ A‬وينتهي‬ ‫في مستوى ‪ D‬يهدف‬ ‫ه��ذا ال��ب��رن��ام��ج إلى‬ ‫تعليم الكبار اللغة‬ ‫السويديّة للمهاجرين‪،‬‬ ‫وه���و م��س��ت��وى من‬ ‫اللغة يؤمّن لهم الح ّد‬ ‫األدنى من المفردات‬ ‫والقواعد التي تسمح‬ ‫لهم بالعيش والعمل‬ ‫داخ������ل ال��م��ج��ت��م��ع‬ ‫السويديّ ‪ ،‬ويعلّمهم‬ ‫أيضا ً مهارات عمليّة‬ ‫متوافقة مع األعمال‬ ‫التي كانوا يقومون بها في بالدهم‪ ،‬وكذلك يعرّ فهم‬ ‫بالقوانين السويديّة األساسيّة التي يحتاجونها في السويد‪.‬‬ ‫تدفع الحكومة السويديّة راتبا ً شهر ّيا ً مقابل التحاق‬ ‫المهاجرين بهذه المدارس‪.‬‬ ‫والكبار إلى المدرسة‬ ‫«أبو زياد» سوريّ قادم مع عائلته من مدينة الحسكة‬ ‫عمره ‪ 58‬عاما ً يذهب إلى المدرسة مع ابنه وزوجته‬ ‫يضحك قائالً‪« :‬بعد ما شاب ودوه ع الك ّتاب»‪ ،‬ويكمل‪،‬‬ ‫اللغة السويديّة صعبة لم يعد لديّ القدرة على تعلّم لغة‬ ‫جديدة لك ّنني أحاول‪ ،‬ابني وزوجتي أفضل م ّني في‬ ‫المدرسة في البيت يسخرون من محاوالتي في قراءة‬

‫ملف العدد‬

‫السويديّة‪ ،‬أظنّ أ ّنني سأبقى طويالً بمستوى ‪.A‬‬ ‫«عليّ » عمره ‪ 25‬عاما ً هو اآلن في المستوى ‪C‬‬ ‫يقول‪ :‬البرنامج ّ‬ ‫مكثف ومتعب‪ ،‬لك ّنهم يق ّدمون ك ّل ما‬ ‫نحتاجه لكي نتعلّم سريعاً‪ ،‬سأنهي المستوى ‪ D‬وبعدها‬ ‫أف ّكر في إكمال دراستي الجامعيّة‪.‬‬ ‫في برنامج الترسيخ المخصّص للكبار تجتمع جنسيّات‬ ‫كثيرة من العالم ‪ ...‬ويش ّكل السوريّون اآلن النسبة‬ ‫األعلى بينهم ‪ ....‬وأنت تجلس في المطعم ‪...‬تسمع‬ ‫السوريّون بلهجاتهم المتع ّددة وبصخبهم وباختالفاتهم‬ ‫السياسيّة ‪ ....‬وبضحكاتهم ‪....‬‬ ‫ّ‬ ‫موظف سويديّ يعمل في إدارة‬ ‫يقول ماتس‪ - :‬وهو‬ ‫شؤون المهاجرين ‪ -‬من الضروريّ أن يحاول الجميع‬ ‫االستفادة من برنامج الترسيخ الذي يستغرق سنتين‬ ‫‪..‬أل ّنه سيكون بوابة القادم إلى حياته واستقراره‪.‬‬ ‫أحمد سوريّ من حلب ‪ ...‬ال يهت ّم كثيراً بتعلّم اللغة‬ ‫وال ببرنامج الترسيخ ‪ ...‬يقول‪ :‬سأبقى سنتين هنا أل ّنني‬ ‫بحاجة إلى الراتب الشهريّ ‪ ...‬وبعدها سيستمرّ ون‬ ‫بمساعدتي ‪...‬سأعيش على المساعدة االجتماعيّة‪.‬‬ ‫من هي ‪Astrid Lindgren‬؟‬ ‫ول ْ‬ ‫ِدت «أستريد لندجرين» في مدينة فيمربي في‬ ‫‪ 14‬نوفمبر ‪1907‬م‪ ،‬مؤلّفة وأديبة مرموقة وكاتبة‬ ‫سيناريو سويديّة األصل‪ ،‬تخصّصت في أدب الطفل‪،‬‬ ‫لتكون بذلك الكاتبة السويديّة الوحيدة التي وضعت‬ ‫عالمة هامّة ومميّزة على أدب األطفال في العالم‪.‬‬ ‫بدأت حياتها المهنيّة كمحرّ رة صحافيّة‪ ،‬ولُقبت بـ‬ ‫«معلّمة األجيال»‪ ،‬كما ت ّم تصنيفها كالكاتبة الثامنة‬ ‫عشرة في العالم‪ ،‬من حيث كثرة عدد أعمالها المُترجمة‪،‬‬ ‫وبلغ عدد كتبها أكثر من ‪ 100‬قصّة وكتاب‪ ،‬ترجمت‬ ‫غالبيتها إلى ‪ 76‬لغة من لغات العالم المعروفة‪ ،‬وت ّم‬ ‫بيع ماليين النسخ منها حول العالم (ما يقرب من ‪145‬‬ ‫مليون نسخة)‪ ،‬ل ُتع ّد بذلك من أب��رز ك ّتاب قصص‬ ‫األطفال خالل القرن العشرين‪.‬‬

‫صغار سورّيون في ماردين‬

‫يجتمعون حولك ليحكي ك ّل واحد منهم معاناته في‬ ‫العمل وتركه لمدرسته وأصدقائه والشارع الذي كان‬ ‫يلعب فيه‪ ،‬بالمقابل ولصغر س ّنهم ترى أحدهم يسألك‪:‬‬ ‫ألن تجبرونا على العودة إلى سورية في هذه األوضاع؟‬ ‫فنشرح لهم عملنا بأ ّننا جريدة «كلّنا سوريّون» ننقل‬ ‫معاناتكم للداخل السوريّ وللعالم الخارجيّ ‪ .‬حينها‬ ‫ينادي بعضهم بعضا ً فترى مجموعة كبيرة من الصغار‬ ‫السوريّين حواليك‪ ،‬وأنت كنت تظنّ بأنّ هذا السوق ال‬ ‫يوجد فيه إلاّ اثنين أو ثالثة من صغارنا الذين أجبروا‬ ‫على مغادرة الوطن مع ذويهم واضطرّ وا للعمل في‬ ‫أعمال شا ّقة وبساعات طويلة بدل الجلوس على مقاعد‬ ‫الدراسة‪.‬‬ ‫ساعات عمل طويلة وأجرة قليلة‬ ‫سوق البقر في ماردين القديمة سوق قديمة تحوي‬ ‫دكاكين عديدة ومتنوّ عة وأسعار المواد فيها مقبولة‬ ‫مقارنة بغيرها من المحلاّ ت في السوق الجديدة التقينا‬ ‫فيها بعدد من الصغار حيث تح ّدث لنا ك ّل منهم بالتالي‪:‬‬ ‫أحمد داود‪ :‬أنا من مدينة عامودا عمري (‪ )15‬سنة‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫أتيت لماردين منذ ثالث سنوات أعمل في دكان للخضرة‬ ‫بأجر‬ ‫من الساعة السابعة صباحا ً وح ّتى الخامسة مسا ًء‬ ‫ٍ‬ ‫يوميّ قدره عشر ليرات تركيّة والعمل صعب ولكن‬ ‫ماذا أفعل فأنا مجبر وال أستطيع العودة لبلدي وأتم ّنى‬ ‫العودة كي أدرس مثل غيري من األطفال‪.‬‬ ‫محمّد حيدو‪ :‬أنا من قامشلو عمري (‪ )13‬سنة‪ ،‬منذ‬ ‫سنة أتيت إلى هنا أعمل في د ّكان للسجاد من الساعة‬ ‫التاسعة صباحا ً ح ّتى الرابعة عصراً بأجر يوميّ قدره‬ ‫سبع ليرات تركيّة وعملي ليس صعبا ً ولكن أجرتي‬ ‫قليلة وقد كنت في الصفّ الخامس‪.‬‬ ‫أحمد محمود‪ :‬أنا من قامشلو عمري (‪ )15‬سنة‪،‬‬ ‫منذ سنتين أتيت إلى هنا وفي سورية كنت أعمل لدى‬ ‫قصّاب وهنا عملت في أعمال عديدة من فرن إلى د ّكان‬ ‫للبهارات إلى ماركيت واآلن أعمل لدى قصّاب من‬ ‫الساعة السادسة صباحا ً وح ّتى الخامسة مسا ًء بعشر‬ ‫ليرات تركيّة والعمل صعب وظهري تؤلمني ولك ّنني‬ ‫أعمل ألجل عائلتي فأبي أيضا ً يعمل ولكن المصروف‬ ‫ثقيل على أبي وأريد العودة لسورية (هللا يط ّفي هل‬

‫النار) لنعود إلى بيوتنا‪.‬‬ ‫محمود حميرة‪ :‬أنا من محافظة الحسكة‬ ‫من مدينة تل تمر عمري (‪ )12‬سنة‪ ،‬منذ‬ ‫ُ‬ ‫كنت في الصف الرابع‬ ‫سنتين وأنا هنا وقد‬ ‫في تل تمر أمّا هنا فعملت في مطعم ث ّم لدى‬ ‫خيّاط واآلن في د ّكان خضرة من السابعة‬ ‫صباحا ً ح ّتى السادسة مسا ًء بأجر يوميّ‬ ‫ّ‬ ‫ست ليرات تركيّة وأتم ّنى أن أعود‬ ‫قدره‬ ‫إلى بلدي وأذهب إلى مدرستي فقد اشتقت‬ ‫لها‪.‬‬ ‫عبدالوهاب حميرة‪ :‬أنا من مدينة تل تمر‬ ‫في محافظة الحسكة عمري (‪ )14‬سنة‪،‬‬ ‫منذ ثالث سنوات وأنا هنا ولم أكن أدرس‬ ‫في سورية وهنا أعمل في مقهى من الثامنة‬ ‫صباحا ً وح ّتى الخامسة مسا ًء وبعشرين‬ ‫ليرة تركية ولكن ضجرت وأريد العودة‬ ‫إلى بلدي‪.‬‬ ‫أحمد حميرة‪ :‬أنا من تل تمر عمري (‪)13‬‬ ‫سنة كنت في الصفّ الخامس وقد تركت‬ ‫مدرستي وأتيت مع عائلتي إلى ماردين‬ ‫وأعمل في مطعم من الثامنة صباحا ً ح ّتى‬ ‫الخامسة مسا ًء بأجر يومي قدره خمسة‬ ‫عشر ليرة تركيّة والعمل صعب ومتعب‬ ‫ولك ّنني مجبر وأريد العودة لسورية (أموت‬ ‫وأعود إلى سوريا)‬ ‫رأي مواطن تركي‬ ‫اسمي (بكر أول��غ��اج) م��واط��ن تركي‬ ‫من ماردين لدي د ّكان خضرة ومن الحرام أن يفعل‬ ‫أصحاب األعمال ذلك باألطفال السوريّين فيجب أن‬ ‫نهت ّم بهم ونراعي وضعهم فسبع ليرات وعشر ليرات‬ ‫ال يفعالن شيئا ً وال قيمة لهما وال أريد أن يعمل األطفال‬ ‫فضميري ال يحتمل ذلك‪.‬‬ ‫وعند سؤالنا له‪ :‬لو حدث لكم ما حدث لنا وأتيتم إلى‬ ‫سورية وتعاملنا مع صغاركم كما تتعاملون مع صغارنا‬ ‫وكنتم مجبرين على تشغيل صغاركم ماذا كنتم تقولون‬ ‫ع ّنا؟‬

‫أجاب‪ :‬بالنسبة لي‪ ،‬ال أقبل أن يعمل أطفال أبداً ولكن‬ ‫كما تقولون لو اضطررت لذلك لقلت أمري هلل وحسبنا‬ ‫هللا ونعم الوكيل‪.‬‬ ‫للسوري اّإل الريح‬ ‫ليس‬ ‫ّ‬ ‫كما قال الشاعر الكبير محمود درويش‪ :‬ليس للكورديّ‬ ‫إلاّ الريح‪.‬‬ ‫فقد أصبح السوريّ وحيداً في عالم صامت لذلك لن‬ ‫ننادي أحداً‪ ،‬بل سندعوا هللا أن يخلّصنا من طاغية‬ ‫دمشق‪ ،‬لنعود إلى بالدنا ونعمّرها وتزدهر بالمحبّة‬ ‫احملامي علي كولو‬ ‫وحسبنا هللا ونعم الوكيل‪.‬‬

‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫اقتصاد و قانون‬

‫العدد ‪28‬‬

‫‪9‬‬

‫السنة الثانية‬

‫‪ / 3‬نيسان ‪2015/‬‬

‫القضاء في ّ‬ ‫ظل الثورة بين واقعه وتداعياته‬ ‫كلّنا يعلم الدور الحيويّ للقضاء في أيّ مجتمع أو بيئة‪،‬‬ ‫كما نعلم جميعا ً مدى خطورة الجانب القضائيّ في حياة‬ ‫الشعوب حيث يعتبر مقياسا ً رئيس ّيا ً وها ّما ً ج ّداً لمعرفة‬ ‫مدى تق ّدمها ورُقيّها من خالل القوانين المعمول بها‬ ‫واإلجراءات القضائيّة المتبعة ومدى احترامها لحقوق‬ ‫اإلنسان وقدرتها على تحقيق العدالة في المجتمع‪.‬‬ ‫ولكن في سورية‪ ،‬وفي ظ ّل ما تشهده المناطق‬ ‫الخارجة عن سلطة النظام من قتل وتدمير مستمرّ ومن‬ ‫ّ‬ ‫يمت للدين‬ ‫تفشي خطاب دينيّ متخلّف ومريض ال‬ ‫اإلسالميّ أو أيّ دين سماويّ آخر بأيّ صلة وال يحمل‬ ‫في مفرداته سوى الجهل والشموليّة وإقصاء اآلخر‪.‬‬ ‫محاكم أم هيئات؟‬ ‫في ظ ّل هذا الواقع‪ ،‬وفي ظ ّل غياب مفهوم الدولة‬ ‫ومؤسّساتها في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام‪،‬‬ ‫كان ال ب ّد من قيام محاكم كي تعمل ولو بالح ّد األدنى‬ ‫على ملء ذلك الفراغ الذي ال ب ّد من ملئه بأيّ حال‬ ‫من األح��وال‪ ،‬ولكن كنتيجة طبيعيّة لما تق ّدم لم يكن‬ ‫للقضاة والحقوقيّين في تلك المحاكم أيّ دور يذكر‪،‬‬ ‫وت ّم إقصاؤهم وتهميشهم من قبل من يسمّون أنفسهم‬ ‫اليوم (الشرعيّين) ال بل ومحاربتهم بتهمة أ ّنهم «أزالم‬ ‫النظام السابقين» وبحجّ ة أ ّنهم يعملون وفقا ً للقوانين‬ ‫الوضعيّة التي تخالف الشريعة اإلسالميّة‪ ،‬وأ ّنهم دعاة‬ ‫علمانيّة ومعادين للمشروع اإلسالميّ ‪.‬‬ ‫ومنذ قرابة العام أصدرت الهيئة الشرعيّة في حلب‬ ‫قراراً يمنع الترافع أمام القضاة من أجل الم ّتهمين من‬ ‫قبل المحامين‪ ،‬ث ّم أصدرت قراراً بمنع دخول المحامين‬ ‫(غير الملتحين) إلى الهيئة الشرعيّة وع��دم قبول‬ ‫دعاويهم أو مرافعاتهم‪.‬‬ ‫وبذلك‪ ،‬خلت تلك المحاكم والتي أيضا ً أصبح اسمها‬ ‫(هيئات شرعيّة) من القضاة والحقوقيّين وأصحاب‬ ‫الكفاءة في هذا المجال‪ ،‬وبالتالي فقدت أدنى معايير‬

‫المهنيّة في عملها القضائيّ ‪.‬‬ ‫ك ّل هذا‪ ،‬كان ثمرة ذلك الخطاب الدينيّ المقيت‬ ‫الذي استطاع أسلمة الثورة بطيف كبير منها واستطاع‬ ‫استجرار عواطف الثوّ ار من الجيش الحرّ لالنجرار‬ ‫خلف ذلك الخطاب‪ ،‬حيث بدأت تلك الفصائل بتشكيل‬ ‫تلك الهيئات الشرعيّة للعب دور القضاء في المناطق‬ ‫الخاضعة لسيطرتها‪.‬‬ ‫بنية الهيئات الشرعيّة‪:‬‬ ‫تتألّف تلك المحاكم أو الهيئات من أشخاص ملتحين‬ ‫يسمّونهم المشايخ أو الشرعيّين ينتمي ك ّل منهم لفصيل‬ ‫عسكريّ معيّن أو في أحسن األحوال يكون محسوبا ً‬ ‫على ذلك الفصيل ويت ّم تعيينهم من قبل ق��ادة تلك‬ ‫الفصائل وفقا ً لنظام محاصصة معيّن بينها‪ ،‬وهم من‬ ‫يلعبون دور القضاة في محاكم ال يحكمها أيّ قانون‬ ‫وتصدر فيها أحكام بنا ًء على فتوى الشيخ حسب مدى‬ ‫فهمه هو للشريعة اإلسالميّة ال أكثر‪ ،‬وغالبا ً ما يكونون‬ ‫أشخاصا ً ال يحملون ح ّتى إجازات جامعيّة بالشريعة‬ ‫اإلسالميّة‪.‬‬

‫وعندما تختلف بعض الفصائل مع فصائل أخرى‬ ‫ش ّكلت هيئة شرعيّة معيّنة‪ ،‬تقوم تلك الفصائل الغير‬ ‫مشاركة بتشكيل محكمة شرعيّة في منطقة نفوذها وال‬ ‫تعترف بالمحكمة األخرى‪ ،‬و ُتصدر أحكامها ضمن‬ ‫المناطق الخاضعة لنفوذها‪.‬‬ ‫أمثلة عن أبرز رؤساء تلك الهيئات الشرعيّة‪:‬‬ ‫(حسن الكيّاري) رئيس الهيئة الشرعيّة والتي كانت‬ ‫تسمى الرباعيّة – نسبة الشتراك أربعة فصائل رئيسيّة‬ ‫في حلب بتشكيلها – كان يحمل شهادة االبتدائية فقط‪،‬‬ ‫وكان يعمل أعماالً حرّ ة بسيطة ليكسب قوت يومه قبل‬ ‫الثورة‪.‬‬ ‫(أبو جابر) وهو من جبهة النصرة‪ ،‬أيضا ً أصبح‬ ‫رئيسا ُ للهيئة الشرعيّة لفترة ما وال أحد يعرف اسمه أو‬ ‫مدى كفاءته‪.‬‬ ‫(عبد القادر فلاّ س) اآلن هو رئيس الهيئة الشرعيّة‬ ‫بحلب وأيضا ً ال يحمل إجازة بالشريعة‪ ،‬ولك ّنه من‬ ‫جماعة أهل الدعوة‪.‬‬ ‫وغيرهم الكثير من األمثلة التي ال مكان لحصرها‬

‫هنا‪ ،‬من األشخاص الذين ال يحملون أيّة كفاءة علميّة‬ ‫مطلقاً‪ ،‬واآلن هم قضاة في تلك الهيئات الشرعيّة‪.‬‬ ‫القانون المعمول به في تلك الهيئات‪:‬‬ ‫ال وجود لقانون يرتكز عليه هؤالء الشرعيّين في‬ ‫إص��دار أحكامهم بزعم منهم أنّ القوانين الوضعيّة‬ ‫تخالف الشريعة اإلسالميّة وعليهم أن يطبّقوا شرع‬ ‫هللا من خالل القرآن و ُس ّنة نبيّه محمّد عليه الصالة‬ ‫والسالم‪.‬‬ ‫لك ّننا عندما نرى أنّ لك ّل هيئة من تلك الهيئات أحكاما ً‬ ‫تختلف عن أحكام الهيئة األخرى‪ ،‬وأحيانا ً يكون لك ّل‬ ‫قاض منهم‪ ،‬حكم يختلف عن حكم القاضي اآلخر في‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫نفس القضيّة ضمن نفس الهيئة – علما أنّ الجميع‬ ‫ي ّدعون أ ّنهم يطبّقون شرع هللا – نتساءل‪ ،‬أيّ شرع من‬ ‫تلك الشرائع المطبّقة هو شرع هللا؟!‬ ‫وفي سابقة أخرى أيضاً‪ ،‬لم يشهد القضاء مثلها‪ ،‬فإنّ‬ ‫القضاة أو الشرعيّين ال يلعبون دور القاضي فقط والذي‬ ‫يحاول أن يكون على أعلى درجات الحياديّة والنزاهة‪،‬‬ ‫وإ ّنما قد يقوم أحدهم بلعب دور المح ّقق والقاضي معا ً‬ ‫فيقوم بنفسه باستجواب المعتقلين وإدانتهم والحكم‬ ‫عليهم بالوقت ذاته‪.‬‬ ‫المحاكم الشرعيّة ليست مجرّ د محاكم!!!‬ ‫في الغالب لم تكن تلك المحاكم هي مجرّ د محاكم‪،‬‬ ‫وإ ّنما كان هؤالء الشرعيّين يتقنون أعماالً أخرى‬ ‫كاستصدار أوراق إذن المرور للبضائع والسيّارات‪،‬‬ ‫وبيع وشراء ما تت ّم مصادرته بقرار قضائيّ صادر‬ ‫عنهم واصدار شهادات االنشقاق للعسكريّين المنش ّقين‬ ‫عن النظام وإصدار شهادات الوفاة والميالد‪ ،‬كما كانت‬ ‫تلك الهيئات تض ّم مكاتب خدميّة ما كان يسمّى مكتب‬ ‫الخدمات اإلسالميّة‪ ،‬كما أنّ وظيفتها إصدار الفتاوى‬ ‫لقادة الفصائل بجواز القيام بعمل ما أو عدمه‪.‬‬

‫انتقام‪ ...‬بالمصادرة‬

‫وإن اختلف الس ّجان‬ ‫‪ ...‬السجن واحد‬

‫عن جهة قضائيّة ولم‬ ‫يكن من ضمن الحاالت‬ ‫التي ح � ّدده��ا القانون‬ ‫يعتبر باطل‪.‬‬

‫المنقولة لك ّل من يرتكب إحدى الجرائم اإلرهابيّة‪،‬‬ ‫ولكن بشرط أن يكون هناك دالئل كافية‪ ،‬وتحديد‬ ‫ما إذا كانت الدالئل كافية أم ال يعود للنائب العا ّم‬ ‫ّ‬ ‫يحق أليّة جهة غير قضائيّة أن تأمر‬ ‫حصراً‪ ،‬وال‬ ‫بتجميد األموال‪.‬‬

‫المصادرة هي نزع‬ ‫م���ال م��ن ي��د صاحبه‬ ‫لصالح السلطة العامّة‪،‬‬ ‫وال��م��ص��ادرة ن��وع��ان‪:‬‬ ‫مصادرة عامّة وتميل‬ ‫معظم التشريعات إلى‬ ‫الغائها‪ ،‬ومصادرة تقع‬ ‫على مال معيّن بذاته‪ ،‬والمصادرة بنوعيها يجب‬ ‫أن تكون قانونيّة وقضائيّة‪.‬‬

‫وبحسب القانون ينصّ حكم اإلدان��ة بمصادرة‬ ‫ّ‬ ‫للمنظمة‬ ‫األموال المنقولة أو غير المنقولة العائدة‬ ‫اإلرهابيّة وبمفهوم المخالفة ال يجوز أن تصادر‬ ‫األم��وال ما لم يصدر حكم باإلدانة عن الجهة‬ ‫القضائيّة‪.‬‬

‫المصادرة‬

‫اع ُتقل عبد القادر ح ّداد‪ ،‬المعروف باسم عبود ح ّداد‪ ،‬في ‪26‬‬ ‫حزيران ‪ ،2013‬على يد «داعش» في منطقة ريف إدلب بينما‬ ‫كان في طريقه إلى تركيّة‪.‬‬ ‫أصبح ح ّداد مصوّ راً ّ‬ ‫يوثق االنتهاكات المرتكبة في سورية منذ‬ ‫كانون األوّ ل ‪ ،2011‬حيث عمل متعاونا ً مع العديد من وسائل‬ ‫اإلعالم السوريّة واألجنبيّة‪ ،‬وبينما ال تزال أسباب اختطافه‬ ‫مجهولة ح ّتى اآلن‪ ،‬لم َ‬ ‫تتلق عائلته أيّة معلومات عنه منذ ذلك‬ ‫الحين‪.‬‬ ‫عبد القادر الح ّداد من مواليد مدينة دمشق ‪ ،1992/1/1‬والدته‬ ‫المع ّدة والكاتبة فاتن عجّ ان ووالده الصحفيّ والناقد المسرحيّ‬ ‫راتب الح ّداد‪.‬‬ ‫درس في دمشق وتعلّم الموسيقى كما قام بكتابة وتلحين‬ ‫ع ّدة أغاني‪ ،‬حيث ت ّم تسجيلها في بيروت وذلك بسبب رفض‬ ‫االستديوهات في دمشق من تسجيلها لمحتواها الذي يتح ّدث عن‬ ‫التمايز الطبقيّ في المجتمع السوريّ ‪.‬‬ ‫توفي والد عبود ح ّداد عندما كان عمره عام ونصف العام‪ ،‬مّما‬ ‫اضطرّ والدته للعمل تعويضا ً لفقدان األب وضاعفت جهدها في‬ ‫العمل كي تؤمّن مستقبل أفضل ألوالدها‪.‬‬ ‫ناشدت الصحفيّة السوريّة فاتن عجّ ان والدة البغداديّ زعيم‬ ‫تنظيم «داعش» وزوجته‪ ،‬إطالق سراح ابنها عبد القادر‪ ،‬المعتقل‬ ‫لدى التنظيم‪ ،‬وذلك في رسالة وجّ هتها عبر أثير إذاعة «روزنة»‪،‬‬ ‫وطلبت من والدة البغداديّ وزوجته أن يتبادلن األدوار مع أمّهات‬ ‫المعتقلين والمخطوفين‪ ،‬ويشعرن بلوعة فراق األبناء والخوف‬ ‫عليهم‪ ،‬وتساءلت عن سبب االستمرار في اعتقالهم طوال هذه‬ ‫الفترة‪ ،‬بالرغم من أنّ ابنها لم يمارس أيّ نشاط عسكريّ ‪ ،‬وبأنّ‬ ‫عمله كان يقتصر على تصوير الحاالت اإلنسانيّة وعن معاناة‬ ‫األطفال والنساء خالل الحرب‪ ،‬وذلك بعد انشقاقه من الخدمة‬ ‫العسكريّة في جيش النظام السوريّ ‪ ،‬وذ ّكرت فاتن عجّ ان بالعديد‬ ‫من المعتقلين كعبيدة بطل ومحمّد العمر وسمر صالح وعبود‬ ‫العتيق والمهندس حسام الدين وغيرهم من المغيّبين في سجون‬ ‫التنظيم‪ .‬يبقى السجن واحد وإن اختلف السجّ ان‪.‬‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫حممّد قنطار‬

‫خائن!!! تهمة مع ّدة مسبقا ً لك ّل من يقف في‬ ‫المقلب اآلخر سياس ّياً‪ .‬طبعا ً للتهمة تبعات شخصيّة‬ ‫كالتشهير واالعتقال وقد تصل للقتل‪ ،‬واقتصاديّة‬ ‫كالحجز على أموال المعارض أو مصادرتها‪.‬‬ ‫وبدون أيّ مستند قانونيّ أو شرعي مارست‬ ‫ك ّل أطراف الصراع في سورية المصادرة بنا ًء‬ ‫على الموقع السياسيّ للشخص الذي تمّت مصادرة‬ ‫أمواله‪ ،‬داعش تصادر أو تحرق أموال من يخالفها‬ ‫والنظام يصدر ق��رارات بالحجز أو المصادرة‬ ‫ّ‬ ‫بحق معارضيه وفصائل المعارضة تصادر أموال‬ ‫بعض المواطنين والتهمة جاهزة لمصادرة أمواله‬ ‫(شبّيح)‬ ‫سنحاول تسليط الضوء على ما قام به النظام من‬ ‫مصادرة أو حجز ألموال المعارضين السوريّين‬ ‫سواء أكانوا سياسيّين أو رجال أعمال أو ضبّاط‬ ‫منش ّقين أو ف ّنانين‪.‬‬ ‫الحجز‬

‫وتعني قانونيّة المصادرة‪ :‬أن ينصّ عليها في‬ ‫قانون العقوبات أو أيّ قانون خاصّ آخر‪ ،‬وبذلك‬ ‫ال يجوز مصادرة أموال أيّ شخص الرتكابه فعل‬ ‫مباح أي غير مجرّ م‪ ،‬مهما كان هذا الفعل ال يوافق‬ ‫السلطات الحاكمة وقناعاتها‪.‬‬ ‫أمّا قضائيّة المصادرة فيعني‪:‬‬ ‫أ ّنه ال يجوز مصادرة أموال أيّ شخص بدون‬ ‫حكم قضائيّ مبرم صادر وفقا ً لألصول القانونيّة‬ ‫ّ‬ ‫يحق أليّة جهة‬ ‫عن جهة قضائيّة مختصّة‪ ،‬وال‬ ‫إداريّة أو أمنيّة أن تقوم بفعل المصادرة ألنّ ذلك‬ ‫يعتبر خرقا ً للقوانين وتع ّديا ً فاضحا ً يعرّ ض تلك‬ ‫الجهات للمساءلة القانونيّة‪.‬‬ ‫إرهاب وغسيل أموال‬

‫يعرّ ف القانون السوريّ الحجز االحتياطيّ بأ ّنه‪:‬‬ ‫وضع مال المدين تحت يد القضاء لمنعه من‬ ‫القيام بأي عمل يؤ ّدي إلى استبعاد المال من دائرة‬ ‫الضمان العام للدائن الحاجز‪.‬‬ ‫ولم يسمح القانون السوريّ بالحجز االحتياطي‬ ‫باالستناد إلى المواقف السياسيّة وإ ّنما ع ّددَ حاالت‬ ‫واضحة ومح ّددة يجوز فيها الحجز االحتياطيّ على‬ ‫أموال المدين‪ .‬ويشترط قانون أصول المحاكمات‬ ‫السوريّ أن يصدر قرار الحجز عن جهة قضائيّة‬ ‫ويُحدد في قرار القاضي األموال التي يجب أن يقع‬ ‫عليها الحجز وح ّدد القانون بعض األموال التي ال‬ ‫يجوز أن يقع عليها الحجز؛ إذاً ك ّل حجز ال يصدر‬

‫معظم قرارات الحجز أو المصادرة كانت تحت‬ ‫مظلّة قانون اإلرهاب أو غسيل األموال‪ ،‬حيث ينصّ‬ ‫قانون اإلرهاب على تجميد األموال المنقولة وغير‬

‫وقانون غسيل األموال وتمويل اإلرهاب ينصّ‬ ‫أيضا ً على مصادرة األموال الناجمة عن جرائم‬ ‫غسل األموال وتمويل اإلرهاب؛ ويستفاد ممّا تق ّدم‬ ‫أ ّنه ال يجوز مصادرة األموال قبل صدور حكم‬ ‫مبرم من المحكمة‪.‬‬ ‫إنّ ك ّل من قانون اإلره��اب وغسيل األم��وال‬ ‫وتمويل اإلرهاب لم يسمحا بحجز أموال المواطنين‬ ‫بدون قرار صادر عن جهة قضائيّة كما أ ّنهما منعا‬ ‫مصادرة أموال المواطنين بدون حكم مبرم صادر‬ ‫عن جهة قضائيّة مختصّة‪.‬‬ ‫وبذلك تكون ك ّل قرارات الحجز أو المصادرة‬ ‫التي ص��درت عن النظام السوريّ وبعيداً عن‬ ‫القضاء‪ ،‬هي أعمال بلطجة تدخل تحت بند االنتقام‬ ‫والتش ّفي والتي تعيدنا إلى عهود ما قبل الدولة إلى‬ ‫عصر البربريّة‪.‬‬ ‫الخاتمة‬ ‫تركيزنا على قرارات النظام بالحجز والمصادرة‬ ‫ال يعني ب��أيّ شكل أنّ الجهات‬ ‫األخ��رى بريئة‪ ،‬فاألحداث على‬ ‫األرض تثبت أن ك � ّل الجهات‬ ‫ارتكبت جرائم مصادرة وحرق‬ ‫ألم��وال المواطنين ب��دون أحكام‬ ‫قضائية‪.‬‬ ‫والمصادرة بدون مستند شرعيّ‬ ‫هي قرصنة ولصوصيّة أ ّيا ً كان‬ ‫من يطبّقها معارضة أم نظام أم‬ ‫«داعش» وك ّل الخطابات والتهم‬ ‫السياسيّة لألفراد المصادرة أموالهم لن يغيّر من‬ ‫حقيقة الفعل‪.‬‬

‫احملامي حممّد محو‬ ‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫‪10‬‬

‫السنة الثانية‬

‫العدد ‪28‬‬

‫‪ / 3‬نيسان ‪2015/‬‬

‫الخوف الساكن في عيونهم‬ ‫(أطفالنا في دول اللجوء)‬

‫كلمة مختصرة‬ ‫في مسألة إنكار‬ ‫الطائفّية‬ ‫من المسؤول؟‬ ‫مرشدة اجتماعيّة تعمل في إحدى‬ ‫المدارس السوريّة في لبنان تقول‪ :‬إنّ‬ ‫الوضع النفسيّ لألطفال السوريّين‬ ‫ّ‬ ‫لمنظمات عالميّة‬ ‫خطير وهم بحاجة‬ ‫تكفل عالجهم‪.‬‬ ‫وتتابع القول‪:‬‬

‫ما يزال الخوف مرافقا للسوريّين أينما حلّوا‪ ،‬فمن‬ ‫قال إنّ جدار الخوف قد كسر لديهم؟! الخوف قابع في‬ ‫أعماق السوريّين‪ ،‬وخاصّة السوريّ الالجئ في البلدان‬ ‫التي ت ّدعي األخوّ ة وت ّدعي وحدة الحال (سابقاً)‪.‬‬ ‫السوريّ هو السوريّ ‪ ،‬الذي ال انتماء له إلاّ ضمن‬ ‫حدود بلده والتشبيح يح ّل عليه في ك ّل مكان يح ّل به‪.‬‬ ‫قصة واقع ّية‬ ‫ّ‬ ‫هكذا كانت عيون الطفلة السوريّة «ري��م» تقول‬ ‫عندما ُسئِلت عن بلدها‪ ،‬لم تجب بأيّة كلمة فقد كانت‬ ‫عيناها تجيبان بك ّل صدق‪ ،‬خافت النطق ح ّتى بكلمة‬ ‫سورية هي بلدي‪ ،‬وأنا من إحدى المناطق التي ّ‬ ‫تتكثف‬ ‫بها الحرب‪.‬‬ ‫عيون األطفال كفيلة بأن تروي قصصهم‪ ،‬معاناتهم‪،‬‬ ‫وألمهم الصادق‪ .‬يكفي أن ترى لباسهم ح ّتى تدرك أ ّنهم‬ ‫غادروا بلدهم مسرعين هربا ً من الموت الذي يطال ك ّل‬ ‫شيء في سورية وخاصّة روح اإلنسان التي تعبت من‬ ‫الصمود أمام هول األحداث وتساقط الدماء‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الرثة‬ ‫كانت تبكينا قصّة بائعة الكبريت لثيابها‬

‫وازرقاق يديها من البرد وعيونها المتوسّلة‪ .‬لقد تكرّ ر‬ ‫المشهد ذاته لكن بقصّة واقعيّة أكثر لنا‪ ،‬إ ّنها حكاية‬ ‫الطفل السوريّ ‪ ،‬فقد أصبح لك ّل منهم حكايته المبكية‬ ‫التي ترويها عيونهم وك ّل خليّة من جسدهم‪ ،‬لم يغادر‬ ‫ّ‬ ‫توطن فيها‬ ‫الخوف أرواح السوريّين‪ ،‬بل على العكس‬ ‫مع ك ّل صوت مروحيّة‪ ،‬أو صفارة إنذار عابرة‪ ،‬لسيارة‬ ‫إسعاف تمرّ على عجل‪ ،‬وح ّتى صوت المفرقعات بات‬ ‫يثير الهلع في نفوس السوريّين الهاربين من الحرب‪.‬‬

‫فكيف إذاً‪ ،‬بإقحامهم في أسئلة كانت بديهيّة للجميع‪،‬‬ ‫وليست بديهيّة فحسب ومدعاة للتفاخر‪ ،‬السؤال عن‬ ‫الموطن واالنتماء هذا السؤال البديهيّ أصبح يشكل‬ ‫ارتيابا ً لدى السوريّ ال��ذي عانى األمرّ ين في بلده‬ ‫هجره‪ ،‬فانعكست معاناته بطرق أخرى وخاصّة في‬ ‫بلدان اللجوء التي ّ‬ ‫كثفت خوفه وكسرت شيئا ً ما بداخله‪،‬‬ ‫فهم اآلن بشر بال انتماء بال هويّة بال وطن يحميهم‪،‬‬ ‫أصبحوا عراة من ك ّل شيء‪ ،‬فهويّتهم في وجوههم في‬ ‫بريق عيونهم وسلوكهم الخجول‪.‬‬ ‫عالم بال إحساس‬ ‫إحدى البائعات اللبنانيّات تر ّد على الحالة المأساويّة‬ ‫ألطفال سورية‪ :‬هللا يلعن يالّي كان السبب‪..‬‬ ‫السبب هو الذي أوصل السوريّ للذ ّل في بلده‪ ،‬وهو‬ ‫نفسه السبب الذي جعل السوريّ يهرب من الذ ّل في‬ ‫وطنه ليُذ ّل في مكان آخر‪ ،‬اختلف المكان والخوف واحد‬ ‫والمعاناة واحدة وماتزال عيون األطفال تتكلّم وتتكلّم‬ ‫ليصمت ك ّل من رآها ويعرف حكايتها حكاية ألم وخوف‬ ‫وهروب بدون التطرّ ق إلى السؤال‪.‬‬ ‫ماذا نفعل نحن السوريّين لنمحي خوفنا الذي صنعه‬ ‫تاريخنا وأ ّكده حاضرنا ومرافقا ً لنا في هروبنا؟ ماذا‬ ‫نفعل والعالم كلّه يرى ويسمع لك ّنه فاقد اإلحساس‬ ‫نحونا‪ ،‬فقط نحونا نحن السوريّين؟‬ ‫هذه الطفلة السوريّة في صمت عيونها‪ ،‬تكلّمت أكثر‬ ‫ممّا تكلّم العالم كلّه في حربنا وموتنا المستمرّ ين‪ ،‬فعيون‬ ‫األطفال ال ت ّكذب‪ ،‬عيون األطفال تعكس قمّة المأساة‬ ‫التي وصل إليها اإلنسان السوريّ والطفل السوريّ‬ ‫اليوم في القرن الواحد والعشرين‪.‬‬

‫ثقافة‬

‫مثال على ذلك أنّ فتاة في التاسعة من‬ ‫العمر قد سحبت سكين وبدأت تصرخ‬ ‫وتركض بالشارع فما كان م ّني إلاّ أن‬ ‫لحقت بها ‪ -‬أي المرشدة ‪ -‬ولم تكفّ‬ ‫الطفلة عن الصراخ بل زاد حين حاولت‬ ‫االقتراب منها ومعرفة سبب سلوكها‬ ‫العنيف‪ ،‬أخذت تصرخ بك ّل قوّ تها تريد‬ ‫أن تقتل نفسها أمامي‪ ،‬فما كان م ّني إلاّ‬ ‫أن حاولت تهدئتها وأنا في صدمة من‬ ‫هكذا سلوك يبدر عن طفلة‪ ،‬فالذي دفعها‬ ‫لمثل هكذا سلوك هو ليس حالة نفسيّة‬ ‫بسيطة فاألطفال السوريّون قد رزحوا تحت ضغوط‬ ‫هائلة إن كان في بلدهم جرّ اء الحرب أو ح ّتى هنا في‬ ‫لبنان‪ ،‬وقد مرّ وا بظروف صعبة جعلت من سلوكهم إمّا‬ ‫عنيفا ً نتيجة العنف الذي كان محيطا ً بهم أو انطوائيّين‪،‬‬ ‫و أحيانا ً قد ينفجرون فجأة بدون أيّ سبب واضح‪.‬‬ ‫فمن المسؤول بشكل مباشر عن معاناة األطفال في‬ ‫بالد العرب أوطاني؟ ومن المسؤول عن معاناة الطفل‬ ‫السوريّ بشكل خاصّ داخل أو خارج سورية؟؟‬ ‫لن نستطيع ‪ -‬مهما حاولنا ‪ -‬الوصول إلى قلب الطفل‬ ‫السوريّ الذي حُرم من ك ّل شيء‪ ،‬فكم من األطفال ُي ّتموا‬ ‫نتيجة الحرب‪ ،‬وكم من األطفال ُ‬ ‫شرّ دوا لذات السبب‬ ‫وكم من أطفال سوريّين يعيشون بال منازل تحميهم أو‬ ‫مدارس تعلّمهم؟!‬ ‫ولكن!‬ ‫إلى متى ستبقى عيون أطفالنا حبيسة الدمعة؟ ونبقى‬ ‫نحلم بالهروب ألوطان أخرى لنحمي أطفالنا فيها من‬ ‫ذ ّل بالدنا العربيّة؟ ربّما نكون غرباء في تلك البالد‬ ‫األجنبيّة لك ّننا على األق ّل نعامل كبشر فيها وهذا هو‬ ‫المه ّم‪ ،‬واأله ّم ألطفالنا هو العيش في مكان بعيد ك ّل‬ ‫البعد عن األرض العربيّة أرض اإلذالل ودم��وع‬ ‫األطفال‪ ،‬لكن هيهات فالقلّة القليلة تستطيع الوصول‬ ‫إلى تلك البالد األخ��رى‪ ،‬ومن يبقى الجئا ً في إحدى‬ ‫دول الجوار سيستمرّ في معاناته وذلّه في أجحار تشبه‬ ‫البيوت وأماكن تشبه األوطان‪ ،‬لك ّنها بعيدة ك ّل البعد عن‬ ‫اإلنسانيّة‪.‬‬

‫يارا جرعتلي‬

‫ّ‬ ‫تتوزع اآلراء حول مسألة الطائفيّة في سورية‬ ‫بين من يراها واقعا ً موجوداً وبُعداً أساس ّيا ً مح ّدداً‬ ‫لما يحصل منذ آذار من عام ‪ ،2011‬وبين من‬ ‫ينكر وجودها تماماً‪.‬‬ ‫ينقسم الفريق األوّ ل إلى فئتين‪ :‬فئة ت ّتهم النظام‬ ‫بالطائفيّة (كعلويّ ) وبالتالي ت ّتهم الطائفة العلويّة‬ ‫بأكملها بالطائفيّة‪ .‬وفئة ثانية‪ ،‬وهي على األغلب‬ ‫مؤيّدة للنظام‪ ،‬ت ّتهم الثورة والمعارضة بالطائفيّة‬ ‫وال ترى محرّ كا ً لهما سوى السلفيّة التكفيريّة‬ ‫وكره األقلّيّات الدينيّة‪.‬‬ ‫أمّا الفريق الثاني‪ ،‬الذي يُنكر وجود الطائفيّة ‪-‬‬ ‫على األغلب ‪ -‬هذا الفريق‪ ،‬مكوّ ن من أشخاص‬ ‫لديهم دوافع وطنيّة مثاليّة زائدة تمنعهم من أن‬ ‫يكونوا واقعيّين (الشعب السوريّ واحد) ومن‬ ‫االعتراف بوجود هذه الظاهرة (ربّما تسبّب لهم‬ ‫جرح نرجسي)‪ .‬ضمن هذا الفريق أيضا ً هناك‬ ‫أشخاص يحاولون إنكار الطائفيّة بأيّ شكل كان‪،‬‬ ‫ح ّتى أصبحوا مهووسين في هذا االنكار وي ّتهمون‬ ‫ك ّل من يختلف معهم في هذه القضيّة بالطائفيّة‪.‬‬ ‫هؤالء المهووسون في إنكار الطائفيّة غالبا ً ما‬ ‫ينخرطون في تحليالت إيديولوجيّة ماركسيّة‬ ‫وتحليالت طبقيّة عقيمة وبعيدة ك ّل البعد عن الواقع‬ ‫أو في كتابات مطوّ لة ومع ّقدة ومفلسفة ومتفلسفة‬ ‫بحيث تقرؤها مرّ ة ومرّ تين وثالث وال تفهم ما‬ ‫يريدون منها! وربّما هذا التعقيد والتفلسف الزائد‬ ‫في تناول هذه المسألة هو استراتيجيّة دفاعيّة‬ ‫ومحاول للهروب من مواجهة الواقع‪.‬‬ ‫أغلب الظنّ ‪ ،‬أنّ االنكار بهذا الشكل العُصابيّ‬ ‫المرضيّ ليس إلاّ لدوافع طائفيّة دفينة (االنتماء‬ ‫بالالشعور لطائفة ُم ّتهمة بالطائفيّة)‪ ،‬فأكثر من‬ ‫ينكر اضطهاد المرأة من قبل الرجال هم أولئك‬ ‫الرجال الذين يشعرون أوّ الً أ ّنهم من فئة الرجال‪.‬‬ ‫ظاهرة الطائفيّة موجودة وهي من أخطر الظواهر‬ ‫التي يعاني منها المجتمع السوريّ قبل وبعد‬ ‫الثورة‪ ،‬ولكن ال يمكن اعتبارها أبداً وال بأيّ شكل‬ ‫«كبعد أوحد يحرّ ك األفراد السوريّين والفئات‬ ‫االجتماعيّة والقوى السياسيّة»‪ .‬على العكس‪،‬‬ ‫يتداخل هذا البعد مع غيره من األبعاد والعوامل‬ ‫السياسية واالقتصاديّة والثقافيّة واالجتماعيّة‬ ‫والنفسيّة ويزداد تعقيداً بتشابكه معها‪.‬‬ ‫إنكار ظاهرة الطائفيّة كما يفعل بعض «مث ّقفي»‬ ‫أو باألحرى متثاقفي اليســار الماركسـيّ ليـس‬ ‫حـلاّ ً لها‪ ،‬وإ ّنما تهرّ ب فاضـح من مواجهـة‬ ‫مشــكلة تتطلّب م ّنا الجرأة والهدوء والوعي‬ ‫في التحليل‪ .‬عالج أيّ مرض يبدأ باالعتراف‬ ‫بوجوده ومن ث ّم البحث عن أســبابه وتحليل‬ ‫العوامل المتشــابكة التي أ ّدت لنشــوئه‪ ،‬ومن ث ّم‬ ‫اقتراح حلول علميّـة وعمليّـة؛ توصيف الواقع ال‬ ‫يعني أبداً االنحياز له‪.‬‬ ‫ّ‬

‫عزام أمني‬

‫عريس صفقة‬ ‫المرأة السوريّة أو الجنس اآلخر بعد الرجال أو‬ ‫كما يحلو للبعض أن يسمّيها الضلع القاصر أو الواقعة‬ ‫تحت قيامة الذكر‪ ،‬شاركت في الثورة منذ بدايتها وفي‬ ‫ك ّل مجاالت العمل المدنيّ ودفعت ضريبة ال تق ّل عن‬ ‫الرجل على أيدي نظام الطاغية استشهدت واع ُتقلت‪،‬‬ ‫أعيقت وك��أيّ مواطن مظلوم ومستعبد استبشرت‬ ‫بالثورة أل ّنها ثورة حرّ يّة ولكن خاب أملها‪ ،‬إن كان في‬ ‫الداخل أو الخارج‪ ،‬ففي الداخل وبعد سيطرت كتائب‬ ‫اإلسالم السياسيّ على أغلب المناطق المحرّ رة وجدت‬ ‫المرأة نفسها تحت حيف من نوع آخر وتختلف وطأته‬ ‫حسب تش ّدد هذا الفصيل المسيطر أو ذاك‪.‬‬ ‫طفالت للزواج‬ ‫في المناطق المحرّ رة بدأ الخوف والقلق ينتشر بين‬ ‫األمّهات اللواتي فقدن المعيل وفُرض عليهنّ مسؤوليّة‬ ‫لم تكن بالحسبان‪ ،‬تقول أمل‪( :‬أ ّم لخمسة أطفال من‬ ‫سراقب عاشت في حلب ث ّم نزحت عائدة إلى سراقب)‬ ‫عن وضعها «بعد استشهاد األب وما وصلت إليه‬ ‫األحوال في مدينة حلب قرّ ُ‬ ‫رت العودة مع بناتي إلى‬ ‫بلدتي‪ ،‬وهنا بدأت المشاكل بالتزايد فالبنات كبرت‬ ‫وأصبحت األنظار تتوجّ ه إليهنّ وهذا الوضع تسبّب لنا‬ ‫بع ّدة مشاكل ممّا جعلني أقرّ ر تزويجهنّ ألوّ ل عريس‬ ‫يتق ّدم لخطبتهنّ » وعند سؤالنا لها عن أعمار الفتاتين‬ ‫التوءمين بدأت تتهرّ ب من الجواب بقولها «صاروا‬ ‫صبايا ‪ ...‬اسم هللا عليهن والزم ينستروا ألنو والد‬ ‫الحرام كتروا هاأليام» وتضيف «خوفي على التوءم‬ ‫أن تصاب إحداهما بأذى‪ ،‬أو أن يتح ّدث الناس علينا‬ ‫جعلني أ ّتخذ هذا القرار إضافة إلى أ ّننا ال معيل لنا‬ ‫يحمينا من عوائد الزمن في هذه األيّام الصعبة‪ ،‬وكما‬ ‫ّ‬ ‫محط أنظار‬ ‫تعرفون أنّ الفتاة في سنّ الزواج تكون‬ ‫الجميع ولكي أحميها من أن تكون ضحيّة في مكان‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫ال يرحم أحد» وهنا تروي لنا أمل قصّة جارتها التي‬ ‫تعرّ ضت ابنتها لمضايقات من البعض وكيف بدأ الناس‬ ‫يتداولون قصّتها ممّا أدى بها إلى فضيحة جعلت أهلها‬ ‫يغادرون البلدة‪ ،‬و «أنا ال أريد أن أصل إلى ما وصلوا‬ ‫إليه»‪ .‬غيداء وسناء التوءمان اللتان لم يتجاوز عمرهما‬ ‫‪14‬عاماً‪ ،‬هكذا تقول المعلّمة ندى‪« :‬عندما عادت أ ّم‬ ‫التوءم إلى البلدة كان عمر الفتاتين ‪ 12‬عاماً‪ ،‬جاءت‬ ‫إلى المدرسة وسجّ لت البنتين‪ ،‬وبعد فترة بدأ التوءم‬ ‫بالغياب المتكرّ ر عن المدرسة ح ّتى في األحوال العاديّة‬ ‫التي لم يكن فيها قصف‪ ،‬عندها قرّ ُ‬ ‫رت الذهاب لزيارتهم‬ ‫ومعرفة سبب الغياب‪ ،‬أفاجأ ب��أنّ والدتهما قرّ رت‬ ‫منعهما من الذهاب للمدرسة ليس بسبب القصف وإ ّنما‬ ‫ألسباب أخرى تتعلّق بسمعة البنتين‪ ،‬وكانت الصدمة‬ ‫كبيرة عندما سمعت ا ّنها قد زوّ جتهما ألوّ ل عريس تق ّدم‬ ‫لهما‪ ،‬لقد زوّ جت الفتاتين‪ ،‬إ ّنها كانت سعيدة بهذا الفعل‬ ‫وكانت تقول‪« :‬زوّ جتهم وارتحت من همّهم ‪ ...‬بال‬ ‫فضايح وبال رجم»‬ ‫هذا الوضع ال يقتصر على غيداء وسناء فقط فمعظم‬ ‫األهالي في الداخل المحرّ ر يتوقون لتزويج بناتهم‬ ‫في سنّ مب ّكرة ألسباب عديدة منها عدم القدرة على‬ ‫تحمّل المسؤوليّة واأله ّم من ذلك الخوف من الفضائح‬ ‫وبالتالي التعرّ ض للمساءلة‪ ،‬إضافة إلى صعوبة إكمال‬ ‫الفتاة تعليمها في الجامعات والمخاطر التي قد تتعرّ ض‬ ‫لها أثناء ذهابها إلى الجامعة ومخاطر الطرق وصعوبة‬ ‫المواصالت‪...‬‬ ‫صفقات الخوف‬ ‫هذا غيض من فيض‪ ،‬عن وضع الفتاة في الداخل‪،‬‬ ‫أمّا ما تتعرّ ض له المرأة في الخارج فهو أمر آخر‪،‬‬ ‫«أح�لام» المرأة النازحة من «دوم��ا»‪ ،‬أ ّم لطفلين‪،‬‬

‫تح ّدثنا ع��ن مأساتها ونزوحها‬ ‫األوّ ل‪ ،‬قائلة‪ :‬بعد أن أدركت تماما ّ‬ ‫أ ّنني إن بقيت في دوم��ا فسوف‬ ‫تكون حياتي مه ّددة بالخطر وبعد‬ ‫أن علمت بأنّ زوجي قد ت ّم اعتقاله‬ ‫قرّ رت الهروب بأيّة وسيلة كانت‪،‬‬ ‫ذهبت إلى لبنان وسكنت في البقاع‬ ‫حيث وجدت مكانا ً أقمت فيه مع‬ ‫الطفلين‪ ،‬بدأت أبيع قطع مصاغي‬ ‫الذهبي قطعة ‪ ..‬قطعة‪ ،‬هكذا ح ّتى‬ ‫نفذ ك ّل ما عندي من مال‪ ،‬وعندها‬ ‫لم أجد أمامي إلاّ سالل اإلغاثة‪،‬‬ ‫فكانت مصدري الوحيد لتأمين قوتنا‬ ‫اليوميّ ‪ .‬تضيف «أحالم» قائلة‪ :‬أطفالي صغار ج ّداً‬ ‫ال أستطيع تركهم والبحث عن عمل – هذا إن وجدت‬ ‫– وبدأت معاناتي عندما طلبت من الشخص الذي يق ّدم‬ ‫لنا سلّة اإلغاثة المساعدة في البحث عن عمل‪ ،‬فبدأ‬ ‫بالتحرّ ش بالكالم الواضح‪ ،‬يقول لي‪« :‬لو تسمعين مني‬ ‫فقط فأجعلك ال تحتاجين شيء‪ ،‬بل وأكثر من ذلك»‬ ‫وتخبرني أنّ ذلك تكرّ ر لع ّدة مرّ ات بل وطلب مني أن‬ ‫أخرج معه بسيّارته الفخمة المفيّمة ولن أحتاج ألحد‬ ‫بعد ذلك‪ ،‬تقول أحالم «عندها بدأت أشعر بالخوف‬ ‫والقلق وبدأ يتبادر لذهني ما يمكن أن يفعله وخصوصا ً‬ ‫أ ّنني وحيدة‪ ،‬هنا قرّ رت ترك مغادرة المكان والهروب‬ ‫رغم مخاطر الطريق إلى تركيّة ألعيش مأساة من نوع‬ ‫آخر»‪ .‬هذا عن أحالم الدومانيّة‪.‬‬ ‫الشيخ والسلعة‬ ‫أمّا ما تعرّ ضت له «هبة» فهذا شأن آخر‪ ،‬وهي‬ ‫فتاة في مقتبل العمر نزحت من حلب لوحدها إلى تركيّا‬ ‫لتسكن مع قريبة لها في أنطاكية‪ ،‬وبعد أن استقرّ ت‬

‫عندها‪ ،‬بدأت تحلم بعمل يجعلها تعتمد على نفسها‪ ،‬فما‬ ‫كان من قريبتها إلاّ أن منعتها من البحث عن عمل‪،‬‬ ‫تروي لنا «هبة» قصّتها كالتالي‪« :‬عندما بدأت بالبحث‬ ‫عن عمل شعرت أنّ قريبتي فقدت صوابها‪ ،‬في البداية‬ ‫لم أعلم لماذا وسرعان ما تبيّن لي األمر لقد كانت‬ ‫ّ‬ ‫تخطط ألشياء أخرى»‪ ،‬وعند سؤالنا لها عن ماهيّة‬ ‫هذه األشياء لم تصرّ ح بها في بداية األمر‪ ،‬لقد كانت‬ ‫تخجل من الحديث عنها‪ ،‬بعدها قرّ رت الحديث بعد أن‬ ‫اطمأ ّنت أ ّننا لن ننشر اسمها الحقيقيّ ‪ ،‬لتخبرنا قائلة‪:‬‬ ‫«لقد كانت في ك ّل يوم تدعو أشخاصا ً لزيارتها‪ ،‬يأتي‬ ‫هؤالء األشخاص لبيتها‪ ،‬وفي ك ّل يوم أجدها قد وجدت‬ ‫لي العريس (اللقطة) طبعا ً والشيخ معها ومستع ّد دائما ً‬ ‫لعقد الزواج أو باألحرى للصفقة‪ ،‬هذا الزواج الذي لن‬ ‫يستمرّ إلاّ ألشهر «بالمشرمحي بيع سلعة»‪ ،‬وبعدها‬ ‫يت ّم طالقي على ي ّد نفس الشيخ ألباع من جديد وبصفقة‬ ‫جديدة‪ ،‬حاولت الهروب منها ونجحت في ذلك‪ ،‬لك ّني‬ ‫اآلن ب��دون عمل وب��دون م��أوى أسكن عند إحدى‬ ‫صديقاتي وال أعرف إلى أين ستصل بي األمور؟؟؟‬

‫فلك اخلالد‬ ‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫ثقافة‬

‫العدد ‪28‬‬

‫‪11‬‬

‫السنة الثانية‬

‫‪ / 3‬نيسان ‪2015/‬‬

‫دروس التفكيك‪ ،‬اﻹنسان والعدمّية في اﻷدب المعاصر‬ ‫كتاب “دروس التفكيك – اإلنسان والعدميّة يف ااألدب املعاصر”‬ ‫الذي يعاجل فيه الدكتور حسام نايل نقديّاً ثالثيّة الروائي إدوار اخل ّراط‪« :‬رامة والتنّني‪،‬‬ ‫الزمن اآلخر‪ ،‬يقني العطش» من منظور مفاهيم التفكيك ومفاهيم يبتكرها مثل‪ :‬أنطووجودي‪،‬‬ ‫أنطوبالغي‪ ،‬أنطوزماني‪.‬‬ ‫يبدأ الناقد الدكتور حسام نايل نقده في كتابه‬ ‫«دروس التفكيك‪ ،‬منشورات دار التنوير ‪ »2014‬من‬ ‫لحظة هجرانه دروس النقد اﻷدبيّ الرتيبة في جامعة‬ ‫القاهرة‪ ،‬تلك الدروس التي تسكن إلى نظام التشابه ‪-‬‬ ‫أو المطابقة ‪ -‬الذي يُشيع االطمئنان في وحدة الوجود‬ ‫وسكونه القارّ إلى االكتمال المكتمل لنظام الحقيقة‬ ‫ولتمام المعنى والحضور‪ ،‬تأسيسا ً على التطابق بين‬ ‫ال��دا ّل والمدلول‪ ،‬فالتطابق بين العالمات واﻷشياء‪.‬‬ ‫فينحذف الناقد في قلقه إلى قراءات كثيفة في اﻷدب‬ ‫والفلسفة ح ّتى عثر على بهجته التي تنسكب في الكتاب‬ ‫من أوّ له إلى آخره‪ ،‬والتي ّ‬ ‫تمثلت في التعرّ ف المتزامن‬ ‫إلى نصوص الروائيّ إدوار الخرّ اط التي هي ‪ -‬بحسب‬ ‫الناقد ‪ -‬أفاع تفكيكيّة‪ ،‬وإلى كتابات جاك دريدا وغيره‬ ‫في التفكيك التي نشأت ونمت في محاوﻻتها تقويض‬ ‫فلسفة الحضور التي هيمنت على الفكر األوربّيّ منذ‬ ‫أفالطون إلى هيجل‪ ،‬وهي التي اشتغلت على أنّ فكر‬ ‫اﻹنسان هو مركز الكون‪ ،‬فالوعي ‪ -‬والحالة هذه ‪ -‬ﻻ‬ ‫يعترف ّإﻻ بما يحضر فيه‪ ،‬فيأخذ شكل الداللة والمعنى‬ ‫والقانون والهويّة فيتطابق مع مقوﻻته‪.‬‬ ‫هذا التفكيك الذي سعى إلى تقويض الميتافيزيقا‬ ‫فأنشأ فلسفة الغياب‪ ،‬التي تشتغل من اﻵخر المغاير‬ ‫الذي يستمرّ في نأيه عبر صيرورة االختالف الذي‬ ‫هو ‪ -‬بحسب دريدا ‪ -‬أصل اﻷشياء المر ّكب والمختلف‬ ‫الذي ﻻ يخضع لشروط سابقة عليه‪ ،‬والذي ﻻ يمكن‬ ‫الذهاب أبعد منه‪ ،‬والذي يتضمّن معنى اﻹرجاء ومعنى‬

‫اﻷثر‪ ،‬وبالتالي ﻻ يمكن التي ّقن ممّا نقول‪ ،‬ﻷنّ اللغة‬ ‫محكومة باالختالف بين الدا ّل والمدلول‪ ،‬وﻷنّ المعنى‬ ‫والحضور مسكونان باﻹرجاء وغياب المعنى‪.‬‬ ‫والناقد يبتكر ‪ -‬إضافة إلى توظيفه مفاهيم التفكيك‬ ‫ مفاهيم مثل‪ :‬العودة الجدليّة‪ ،‬التفاوض‪ ،‬أنطوزماني‪،‬‬‫أنطولغويّ الذي يعني عنده‪ :‬أن الوجود ﻻ يظهر إلاّ في‬ ‫اللغة «فاللغة مسكن الوجود ومقرّ ه»‪ ،‬وعلى هذا فإنّ‬ ‫«بنيات المكتوب هي نفسها بنيات وجود الموجود»‬ ‫هذه العالقة التي يعبّر عنها بمفهوم «أنطوبالغي»‪،‬‬ ‫دون أن ينشغل بالكيفيّة التي ولّد فيها هذه المفاهيم‬ ‫من نسق مفاهيم التفكيك‪ ،‬وبالتوافق أو بالتعارض مع‬ ‫مفاهيم الميتافيزيقا‪ ،‬وهو باإلضافة إلى هذا يشترط على‬ ‫قارئ نصّه‪ :‬أن يكون قارئا ً للنقد اﻷدبيّ حاذقا ً ومخلصا ً‬ ‫و «له خلفيّة فلسفيّة معيّنة» وكأ ّنه قد كان يتبع أثر‬ ‫إدوار الخرّ اط الذي كان قد رأى‪ :‬أنّ قارئ أعماله ﻻ ب ّد‬ ‫أن يكون قارئا ً للفلسفة وللشعر لكي يتم ّكن من التفاعل‬ ‫مع نصّه في النظر ﻻ في النظريّة‪.‬‬ ‫بهذه المحموﻻت يتناول الناقد ثالثيّة الروائيّ‬ ‫إدوار الخرّ اط‪« :‬رامة والتنين‪ ،‬الزمن اﻵخر‪ ،‬يقين‬ ‫العطش» فيرى أ ّنها تنبني على تجربة العشق بين‬ ‫الرجل ميخائيل والمرأة رامة‪ ،‬هذه التجربة العشقيّة التي‬ ‫تعطي للنصّ كامل طاقته‪ ،‬والتي تظهر وتتشابك منها‬ ‫وفيها أسئلة المعنى والحضور والحقيقة‪ ،‬هذه اﻷسئلة‬ ‫التي تثار في كينونة العاشق المشدود بحبال القدر إلى‬ ‫اﻵخر المعشوق الذي ﻻ يحضر ّإﻻ لكي يغيب‪ ،‬وعلى‬

‫هذا فتجربة العشق تنهض وتنكتب من قراءة العاشق‬ ‫لألثر المنقوش في ذاكرة دواخله اﻷليفة فينشئ بقراءته‬ ‫وكتابته تبادالً بين بنيات حرفيّة وبنيات مجازيّة تقوده‬ ‫إلى قصده الذي يسعى إليه بدأب وإصرار‪ ،‬وهو اكتمال‬ ‫المعنى وتماميّة الحضور في االلتحام الجسديّ الشهويّ‬ ‫بين العاشقين الذي يسمّيه الناقد «كينونة الواحد» الذي‬ ‫هو إشكال ميتافيزيقيّ يتح ّكم ببنيات النصّ من البداية‬ ‫إلى الختام‪ ،‬والذي يمسك به – الناقد ‪ -‬من رصده‬ ‫لتمفصالت النصّ البنيويّة التي تشير كذلك إلى حيدان‬ ‫النصّ عن قصده بضالل يقوده منذ البدء ويصمّمه‪.‬‬ ‫وهو يؤ ّكد قراءته باقتباسات مطوّ لة أو قصيرة‬ ‫من نصّ الخرّ اط الذي بتكوينه ﻻ يطاوع االقتباس‪،‬‬ ‫ﻷنّ االقتباس منه سيترك ثغرة فاغرة ﻻ تردم‪ ،‬هذا‬ ‫باالتفاق مع إدوار الخرّ اط الذي كان قد وصف نصّه‬ ‫ّ‬ ‫بخط اﻷرابيسك في تشابكاته وامتداداته المفتوحة على‬ ‫الالنهائيّ ‪ ،‬وبالتوافق ‪ -‬أيضا ً ‪ -‬مع الدكتور حسام نايل‬ ‫الذي قرّ ر أنّ نصّ إدوار الخرّ اط‪ :‬أفاع تفكيكيّة‪ ،‬الذي‬ ‫يعني فيما يعنيه أ ّنه نصّ يختلف عن النصّ التقليديّ‬ ‫المبنيّ على نظام المعنى والحضور والحقيقة‪ ،‬والذي‬ ‫يمكن االجتزاء منه دون خلخلة معناه‪ ،‬مادام الجزء فيه‬ ‫يعبّر عن الك ّل في معماره الصاعد‪.‬‬ ‫والناقد ‪ -‬إلى ذلك ‪ -‬قد تجاهل بنيات النصّ‬ ‫السرديّة‪ ،‬وتمازج النثريّ بالمجازيّ ‪ ،‬واختالطات‬ ‫اﻷزمنة التي تتجسّد في الحضور الالفت للماضي‬ ‫والحاضر والمستقبل في ك ّل فقرة‪ ،‬وروغان المعنى‬ ‫الذي يغيب عن الذي يحدث‪ ،‬ويتأ ّكد في الذي لم يحدث‪،‬‬ ‫وفي الذي ﻻ يمكن أن يحدث أبداً‪ .‬ث ّم اإلفقار النقديّ‬ ‫لحضور «رام��ة» المتع ّدد في النصّ وال��ذي يمكن‬ ‫أن يوحي أ ّنها تكثيف موحّ د لتع ّدد الوجوه والتواريخ‬ ‫واللغات في تجارب ميخائيل العشقيّة والتي أحضرها‬

‫الغناء اآلش��وريّ ‪ :‬وهو األق��دم واألصعب غناء‪ ،‬ويكاد‬ ‫يقترب سلّمه الموسيقيّ من السلّم الخماسيّ ‪ ،‬وهناك مجمّع‬ ‫كبير أللحانه وموسيقاه التاريخيّة منذ القدم‪ ،‬فكتاب «الخدرا»‬ ‫مثالً فيه عدد ال يحصى من األغاني واأللحان لجميع األشكال‪،‬‬ ‫األغاني الدينيّة الموغلة في القدم الدينيّة‪ ،‬وأه ّم ما يميّز الغناء‬ ‫اآلشوريّ هو (الراوي)‪ ،‬وله أنواع عديدة أهمّها الديوانيّ ‪،‬‬ ‫وهناك عدد ال يُستهان به من أغاني الدبكات المتنوّ عة مثل‬ ‫أغاني دبكة (الشيخاني وأغاني دبكة الباكية ودبكة شرا)‪.‬‬ ‫وأمّا بالنسبة للغناء السريانيّ ‪ :‬فهناك بحر من األلحان‬ ‫واألغاني وباألخصّ التراتيل الدينيّة‪ :‬فهناك مدارس لألغنية‬ ‫السريانيّة القديمة والحديثة‪ ،‬فالقديمة منها مدرسة «مار أفرام»‬ ‫السريانيّ األبّ الروحيّ لأللحان السريانيّة الذي ألّف ولحّ ن‬ ‫اآلالف من األلحان السريانيّة‪ ،‬وهناك كتاب بأجزائه مجمع‬ ‫لأللحان السريانيّة يسمّى (البيت كاز)‪ .‬وأيضا ً هناك بعض‬ ‫ال��روّ اد الجدد للموسيقى السريانيّة والغناء‪ ،‬فمنهم الباحث‬ ‫الكبير األستاذ نوري إسكندر الذي دوّ ن موسيق ّيا ً كتاب بيت‬ ‫كاز‪ ،‬وسهّل دراسته‪ ،‬ووضعه بين أيدي الموسيقيّين للبحث‬ ‫والدراسة‪.‬‬ ‫وعن الغناء باللغة األرمنيّة لغة أجداده يقول إبراهيم‪ :‬أتى‬ ‫األرمن من موطنهم‪ ،‬وحملوا معهم فلكلورهم وتراثهم الشعبيّ‬ ‫ورقصاتهم الجميلة وآالتهم الموسيقيّة قبل أن تح ّل عليهم‬ ‫المآسي‪ ،‬وهناك كبار الموسيقيّين األرمن الذين وضعوا الكثير‬ ‫من األلحان ّ‬ ‫وأثروا بشكل واضح في الموسيقى الشرقيّة‪ ،‬منهم‬ ‫طاطيوس أفندي وكيورك أفندي‪ ،‬وقد كتبوا مؤلّفاتهم على‬ ‫ع ّدة صيغ وقوالب موسيقيّة ومؤلّفات رائعة أمّا بالنسبة للغناء‬ ‫العربيّ فيقول ‪:‬هناك ع ّدة ألوان للغناء العربيّ في محافظة‬ ‫الجزيرة (الحسكة) منها الماردينيّ (الماردللي)‪ :‬فهناك القديم‬ ‫منه‪ ،‬والكثير من أغانيه كك ّل الغناء الشعبيّ ال يُعرف له‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫وبعد ه��ذا‪ ،‬هل انبنى الضالل النقديّ ‪ ،‬الذي‬ ‫انحرف عن قصده‪ ،‬على فكرة غير مف ّكر فيها‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫أنّ األنساق الفكريّة في العالم جميعها متماثلة وتنحكم‬ ‫بنسق الفلسفة اﻷورو ّبيّة؟ الحال الذي دفعه إلى معالجة‬ ‫النصّ اﻹبداعيّ كأ ّنه منظومة فلسفيّة من منظور فلسفيّ‬ ‫فكانت النتيجة اختزاالً وإفقاراً وعنفا ً مفرطاً‪ ،‬كان قد‬ ‫أ ّكده الدكتور نايل حين كتب‪« :‬نحن ‪ -‬شاء الكاتب أم‬ ‫أبى ‪ -‬أمام ذات تتغ ّنى بذاتها»‪ ،‬األمر الذي يفرض‬ ‫على القارئ أن يختم قراءته بالتساؤل‪ :‬هل كان الناقد‬ ‫وف ّيا ً لرهانه الذي بدأ به الكتاب؟ ذلك الرهان الذي سماه‬ ‫«اﻹخالص المزدوج» الذي يعنى به إخالصا ً للنصّ‬ ‫وللقارئ في الوقت عينه‪.‬‬

‫فاضل الفاضل‬

‫مدينتي‬

‫الجزراوي‬ ‫سفير الغناء‬ ‫ّ‬

‫تعتبر الجزيرة السوريّة مهداً ألقدم‬ ‫الحضارات اإلنسانيّة التي خلّفت المه ّم‬ ‫من التراث الغنائيّ ‪ ،‬ويعتبر الف ّنان‬ ‫ّ‬ ‫الجزراويّة‪،‬‬ ‫إبراهيم كيفو سفير األغنية‬ ‫فعدا عن كونه يغ ّني بع ّدة لغات فهو كذلك‬ ‫مل ّم بتفاصيل الغناء بهذه اللغات‪ ،‬ويح ّدثنا‬ ‫عن الغناء باللغة الكرديّة فيقول‪ :‬أكثر‬ ‫ما يتميّز به الغناء الكرديّ هو الغناء‬ ‫أغان ملحميّة طويلة‬ ‫الملحميّ ‪ ،‬فهناك‬ ‫ٍ‬ ‫ملحّ نة‪ ،‬وت��ؤ ّدى بد ّقة فريدة من حيث‬ ‫شعرها ولحنها‪ ،‬ولها أنواع منها‪ :‬أغاني‬ ‫تحكي قصص حبّ وعشق وحرمان‪،‬‬ ‫مثل ملحمة (مموزين) الشهيرة وملحمة‬ ‫(سيامند وخ��ج��ه) وأغ���ان أق��رب إلى‬ ‫األساطير تتح ّدث عن حروب ومعارك‬ ‫وأبطال شعبيّين‪ ،‬وتسمّى شارا مثل (درويش عبدي)‪ ،‬وهذه‬ ‫األغاني غالبا ً ما تكون غير مو ّقعة وأغاني الحزن والمآتم‬ ‫وكذلك أغاني المديح واألغاني الدينيّة باللغة الكرديّة (الديانة‬ ‫اإلسالميّة واإليزيديّة والمسيحيّة)وأغاني األفراح واألعراس‬ ‫والتي غالبا ً ما تكون إيقاعاتها سريعة راقصة وجملها‬ ‫الموسيقيّة سهلة الحفظ واألداء‪.‬‬

‫الفقدان بعد أن غابت‪ ،‬فتجسّدت في «رامة» التي خلقها‬ ‫الروائيّ ونجح في إيهامنا أ ّنها هي الوحيدة الواحدة‪.‬‬

‫عبدالباسط الصوفي‬

‫كاتب كلمات وال ملحّ ن‪ ،‬ولكن هذا الغناء ّ‬ ‫منظم بشكل متماسك‬ ‫وعلى إيقاعات متنوّ عة بسيطة ومر ّكبة‪ ،‬فمثالً هناك أغنية‬ ‫مشهورة ج ّداً (صبيحة) إيقاعاتها من فصيلة السماعي الثقيل‬ ‫(‪ )8/10‬أحد أهم الضروب في الموسيقى الشرقيّة‪ ،‬ويسمّى‬ ‫هذا اإليقاع (الجورجينا)‪ ،‬وأيضا ً هناك مئات األغاني الشعبيّة‬ ‫والفلكلوريّة بهذه اللهجة المحبّبة‪ ،‬أمّا القسم الثاني من الغناء‬ ‫العربيّ البدويّ الجميل وبأنواعه الكثيرة‪ :‬فهناك بعض األغاني‬ ‫الخاصّة بمنطقة الجزيرة‪ ،‬ويتميّز تميّزاً واضحا ً بموسيقاه‬ ‫وإيقاعاته ألنّ كثيراً من عرب محافظة الحسكة دخلوا في‬ ‫حالة استقرار‪ ،‬وبنوا البيوت الحديثة اإلسمنتيّة على ضفاف‬ ‫نهر الخابور ومناطق المالكيّة والقحطانيّة وعلى ضفاف نهر‬ ‫صا ً في الغناء بعيداً عن ّ‬ ‫التأثر نوعا ً‬ ‫دجلة‪ ،‬فعملوا لهم لونا ً خا ّ‬ ‫ما بالغناء العراقيّ ‪ ،‬مثال ذلك األغنية الشهيرة الجزراويّة‬ ‫(ك ّل الهال بالناهي)‪ ،‬أمّا باقي األلوان مثل (الموليّا والسويحلي‬ ‫والعتابات و النايل) النفحة العراقيّة واضحة فيها وجزء ال‬ ‫ّ‬ ‫يتجزأ منها‪ ،‬ويتابع هناك تفاوت في مستوى أداء األغنية‬ ‫الجزراويّة باللغات السابقة والسبب األه ّم ليس هو ضعف‬ ‫المؤ ّدي أو المطرب‪ ،‬ولكن هناك عوامل ع ّدة‪ ،‬أهمّها ندرة‬ ‫ك ّتاب كلمات األغاني في الجزيرة باللغات (العربيّة‪ ،‬الكرديّة‪،‬‬ ‫اآلشوريّة‪ ،‬السريانيّة)‪ ،‬وهناك تقصير إعالميّ في ترويج هذا‬ ‫النوع من األغاني في الجزيرة من قِبل وسائل اإلعالم إن كان‬ ‫في اإلذاعة أو التلفزيون‪ ،‬والتواصل الصحيح بين صاحب‬ ‫االختصاص والجمهور غير جيّد وغير متاح بسهولة‪ ،‬وعن‬ ‫أه ّم األسماء التي ساهمت في ترويج األغاني وتطويرها فيقول‬ ‫إبراهيم‪ :‬في مجال األغنية العربيّة وألوانها‪ ،‬أذكر مثالً الف ّنان‬ ‫(جان كارات باألغنية الماردليّة) (الف ّنان فوزي البكري باللون‬ ‫البدويّ ) والف ّنان (آرام ديكران وسعيد يوسف باللون الكرديّ )‬ ‫والف ّنانين( أدور موس ويوسف إيشو بالغناء األشوريّ ) وفرقة‬ ‫(الكرونك للغناء األرمنيّ بمدينة القامشلي)‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الجزراويّة أغانيه‬ ‫حمل الف ّنان إبراهيم كيفو سفير األغنية‬ ‫بك ّل اللغات السابقة‪ ،‬اآلتي من عمق حضارة الجزيرة ليق ّدمها‬ ‫على المسارح المحلّيّة والعالميّة ولسان حاله هذه هي سورية‬ ‫التاريخ والحضارات والعراقة‪ ،‬وأل ّنه كذلك حصد جوائز‬ ‫محليّة وعالميّة أكثر من أن ي ّتسع لتعدادها هذا المقال‪.‬‬

‫أسعد شالش‬

‫ولد الشاعر في مدينة حمص‪ ،‬وتو ّفي في‬ ‫مدينة كوناكري (عاصمة غينيا)‪.‬‬ ‫الجامعي في مدينة‬ ‫أنهى مراحل تعليمه قبل‬ ‫ّ‬ ‫حمص عام ‪ ،1950‬ث ّم التحق عام ‪1952‬‬ ‫وتخرج‬ ‫بالمعهد العالي للمع ّلمين بدمشق‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فيه من قسم اآلداب ‪.1956‬‬ ‫مدرسا ً للغة العرب ّية في مدارس مدينة‬ ‫عمل ّ‬ ‫المتوسطة والثانو ّية‪ ،‬وفي مدينة‬ ‫حمص‬ ‫ّ‬ ‫دير الزور‪ ،‬ث ّم بعثته وزارة التربية إلى‬ ‫غينيا لتدريس اللغة العرب ّية‪ ،‬وهناك أصيب‬ ‫عصبي أدّ ى به إلى االنتحار‪.‬‬ ‫بانهيار‬ ‫ّ‬ ‫أعيد جثمانه إلى مدينة حمص ودفن بها بعد‬ ‫شهرين من وفاته‪.‬‬ ‫ومن قصائده‪:‬‬ ‫نحن وأنتم‬ ‫تقـولـون‪َ :‬فجَّ َر أحقـــــــــــــــــــادَ هُ وألقى‪،‬‬ ‫إلى الريح أصـفـــــــــــــــادَ هُ‬ ‫بـالقبضتـيـــــــــــــن‬ ‫تقـولـون‪ :‬لـوَّ َح‬ ‫ِ‬ ‫وتـنـتظ ُر الشمسُ ‪ ،‬مـيعــــــــــــــــاده‬ ‫ُّ‬ ‫يـهـز الـمســـــــــــو ُد عـلى‬ ‫تقـولـون‪ :‬كـيف‬ ‫ّ‬ ‫الـحق أسـيـــــــــــــــاده؟‬ ‫صخرة‬ ‫ويـهدر فـي لُ ِّج طـوفــــــــــــــــــان ِه ويأخذ‪،‬‬ ‫مـن لهــــــــــــــــــبٍ‪ ،‬زاده؟‬ ‫يـقـولــــــــــــــــــــون‪َّ :‬‬ ‫مز َق آال َم ُه ومِنْ‬ ‫م َِز ٍق‪ ،‬صـاغ أكبـــــــــــــــــــادَ ه‬ ‫ُ‬ ‫أيفلـت هـذا القطـــــــــــــــي ُع يـقـود‪،‬‬ ‫قطـي ٌع‬ ‫إلى الـذبح‪َ ،‬منْ قــــــــــاده!؟‬ ‫القــــــــــــــــرون وتلطم‬ ‫أعبـ ٌد‪ ،‬يُزيح ظال َم‬ ‫ِ‬ ‫ك ّفاه‪ ،‬جالّدَ ه‬ ‫ُ‬ ‫أيأبق‪َ ،‬منْ كـان‪ ،‬فــــــــــــــــي َط ْو ِق ِه يـقـ ِّدم‪،‬‬ ‫للس َّْوط‪ ،‬أجســــــــــــــــاده!!‬ ‫بـالـمستحــــــــــيل‬ ‫هـو الشعب‪ ،‬يـهـزأ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫الـبطـوالت أمـجــــــــــــــادَ ه‬ ‫وتبنـي‬ ‫سال ٌم‪ ،‬عـلى حـاقـدٍ‪ ،‬فـي الشعــــــــــا ِ ‬ ‫ب‬ ‫بأوراس‪َ ،‬فجَّ َر أحقـــــــــــــــــــــاده‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫سال ٌم‪ ،‬عـلى‬ ‫ثـائر‪ ،‬فـي الجنـــــــــــو ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يُروِّ ض‪ ،‬للثأر‪ ،‬أجـيـــــــــــــــــــاده‬ ‫خن‪ ،‬فـي‬ ‫العــــــــــــراق تلفُّ‬ ‫سال ٌم‪ ،‬عـلى م ُْث ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫الخـيـانـات بـــــــــــــــــغداده‬ ‫معصـم‪ ،‬فـي الـحديــــــــــ ِد‬ ‫سال ٌم‪ ،‬عـلى‬ ‫ٍ‬ ‫يـقـ ِّي ُد‪ ،‬بـالعـــــــــــــــــار‪ ،‬ح ّداده‬ ‫سال ٌم‪ ،‬عـلى جـارفٍ‪ ،‬فـي الـمحـيــطِ يجـمِّع‬ ‫فـي الصخر ْ‬ ‫إزبــــادَ ه‬ ‫الخلــــــــــــيج عـلى‬ ‫عـلى نخلةٍ‪ ،‬فـي رمـال‬ ‫ِ‬ ‫شـاعــــــــــــــــــر‪ ،‬ض ّم أوراده‬ ‫ٍ‬ ‫وطن خـالــــــــــــــــــــ ٍد ير ّد‪،‬‬ ‫سال ٌم عـلى‬ ‫ٍ‬

‫(‪)1960 – 1931‬‬

‫لعـدنـان‪ ،‬أحفـــــــــــــــــاده‬ ‫َ‬ ‫العـنفـــــــــــــــوان‪ ،‬مع‬ ‫تفلّت‪ ،‬فـي صرخة‬ ‫ِ‬ ‫هللا‪ ،‬أبعـــــــــــــــــــاده‬ ‫مدينتي‬ ‫َّ‬ ‫مديـنـتـي‪ ،‬ال تـمـل ُ‬ ‫الـــــــــــــذرّ هْ‪،‬‬ ‫ك‬ ‫مديـنـتـي‪ ،‬طـي ٌ‬ ‫ّبة‪ ،‬حــــــــــــــــــرَّ ْه‬ ‫اإلنسـان فـــــــــــــــي آل ٍة أو‬ ‫ال تصلـب‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫تـمض ُغ األحقـادَ ‪ ،‬فـــــــــــــي فِكره‬ ‫ُ‬ ‫نـبضـات قـيثـــــــــــــار ٍة حـيـناً‪،‬‬ ‫مديـنـتـي‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وحـيــــــــــــــــنا ً‬ ‫ضحكة ثرَّ ه‬ ‫ٌ‬ ‫قـديـمة‪ ،‬كـالـحـبِّ ‪ ،‬مـيال ُدهــــــــــــا لـمّـا‬ ‫صحـا درب الهـــــــــــــــوى َمرَّ ه‬ ‫ٌ‬ ‫أرجـوحة‪ ،‬أفـيـاؤُ هـا الــــــــــــواجفهْ ‪،‬‬ ‫مـواكبٌ ‪ ،‬أضـواؤُ هـــــــــــــــا الزاحفه‬ ‫قـد ُك ِّدس الـور ُد ب ُ‬ ‫شرفـاتِهـــــــــــــــا‪ ،‬مـا‬ ‫أرهـب ْتهـا السحـبُ العـاصــــــــــفه‬ ‫تد َّف ْ‬ ‫قت‪ ،‬والفجـرُ‪ ،‬فــــــــــــــــي مه ِدهِ‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫وارتعـشـت عــــــــــــــــاطفه‬ ‫أغنـي ًّة‪،‬‬ ‫قـلـب أطفـالهــــــــا‪ ،‬ولـوّ ِن‬ ‫يـا دفءُ‪ ،‬لـمـلـ ْم‬ ‫َ‬ ‫الـدنـيــــــــــــــا‪ً ،‬‬ ‫رؤى وارفه‬ ‫مديـنـتـي‪ ،‬تش ُّد أوتــــــــــــــــــاري‬ ‫ً‬ ‫النــــــــــــــــار‬ ‫ص ِل‬ ‫مـجـدولة‪ ،‬مـن ُخ َ‬ ‫ِ‬ ‫ضلـوعُهـا‪ ،‬حصْ نـي‪ ،‬وأســـــــــــــــواري‬ ‫وقـلـبُهـا‪ ،‬بـيـتـي وأزهـــــــــــــاري‬ ‫ٌ‬ ‫تـمـرَّ ْ‬ ‫جـبــــــــــــــــــهة‬ ‫دت‪ِ ،‬ك ْبرُهـا‬ ‫أقـــــــــــــــــــــدار‬ ‫ولـوَّ حت‪ ،‬قبض َة‬ ‫ِ‬ ‫مديـنـتـي‪ ،‬بعضُ حكـايـاتهــــــــــــــا‪ :‬أقـام‬ ‫ّار‬ ‫مـجـدي‪ ،‬ألفُ جـــــــــــــــــب ِ‬ ‫انطالق‬ ‫ال تسألـيـنـي‪ ،‬أن أه ِّد َم جـبـهتـــــــــي‬ ‫ُ‬ ‫وأشهق!‬ ‫بـالظنـــــــــــون‬ ‫أأسـير خلفكِ ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وأش ّد أعصـابـي‪ ،‬إلى قـيثـــــــــــــارٍ ة‬ ‫ّ‬ ‫يـتـــــــــــمزق؟‬ ‫وتـرً ا‪ ،‬بأنغام الهـوى‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ‬ ‫وأجفلـــــــــــــت‬ ‫أغلقت الضلـوع‬ ‫أغلقت‬ ‫ك ّفي‪ ،‬عـلى صدري‪ ،‬وقـلـبـــــــــــي مُغلق‬ ‫أسطـورةُ الـحـبِّ الـمـج ّنح عِ ف ُتهــــــــــا‬ ‫ونثرت أوراقـي‪ ،‬ومـات الزنـــــــــــبق!‬ ‫ال تسألـيـنـي أن أمـرِّ َغ مقـلـتـــــــــي‬ ‫أيذوب فـي عـيـنـي الضـيـــــــاء ويُخنق؟‬ ‫َ‬ ‫بنـت مـاضـيَّ الـذي شــــــــــــيَّع ُته‬ ‫يـا‬ ‫لـم َ‬ ‫يبق‪ ،‬فـي جفـنـيكِ حـلـ ٌم مشــــــــرق‬ ‫تستـنزفـيـن الـوهـم فـي سأم الــــــدجى‬ ‫و ُت ْ‬ ‫الجــــــــــــــرح‪ ،‬وهْ و ي َُح ِّدق‬ ‫هدهِديـن‬ ‫َ‬ ‫مـن أنـتِ؟ أنـت هـنـا حطـا ُم قصـيــــــد ٍة‬ ‫سـودا َء الهثةٍ‪ ،‬وحـرفٌ مـــــــــــــــر َهق‬

‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫‪12‬‬

‫السنة الثانية‬

‫العدد ‪28‬‬

‫مقامات‬

‫‪ / 3‬نيسان ‪2015/‬‬

‫السوري‬ ‫ّ‬ ‫يموت‬

‫بدنا حنكي‬ ‫ألم نقل لكم؟؟!!‬

‫أال تذكرون؟ حذرناكم ولم تنتبهوا! إ ّنكم تسلّمون البلد للظالميّين‪ ،‬وتشاركون في حمّام‬ ‫الدم المتفجّ ر في سورية‪...‬‬ ‫هذه وغيرها من التخاريف التي بات يطالعنا فيها ك ّل يوم بقايا اليسار المتورّ م‪ ،‬وبقايا‬ ‫اليسار المهزوم‪ ،‬وجمع الثوّ ار الفيسبوكيّين المنتشرين في بقاع أوربّا‪..‬‬ ‫الزمتكم هذه‪ ،‬ونصائحكم المعلّبة مسبقة الصنع‪ ،‬ما عادت تنفع‪ ،‬قبل أن‬ ‫صد ّقوني‪ِ ،‬‬ ‫تقولوا لنا وتذ ّكرونا متنا‪ ،‬وبعد أقوالكم االستشرافيّة ووصاياكم الخالدة متنا!‬ ‫السوريّ يموت في ك ّل مكان‪،‬‬ ‫في البحر وفي النهر‪ ،‬في الجبل وفي السهل‪ ،‬في الملجأ‪ ،‬وتحت األنقاض‪ ،‬يموت‬ ‫في معركة‪ ،‬ويموت وهو يهرب من معركة‪ ..‬يموت وهو يغازل زوجته‪ ،‬ويموت وهو‬ ‫يعاكس ابنة الجيران‪ ،‬يموت وهو يحمل الكاميرا ويموت وهو يحمل المدفع‪ ،‬السوريّ‬ ‫يموت‪..‬‬ ‫السوريّ الباحث عن حرّ يّته ومواطنته يموت‪،‬‬

‫ّ‬ ‫لكل‬ ‫مقام‬ ‫مقال‬

‫أبو الشمقمق‪،‬‬ ‫وشيخ الدجاج‬

‫تروي كتب التاريخ فيما تروي عن‬ ‫شاعر هجّ اء يدعى «أبو الشمقمق»‬ ‫عاش بين البصرة وبغداد أيّام هارون‬ ‫الرشيد‪ ،‬ورغ��م معاصرته لشعراء‬ ‫شار بن برد وأبو العتاهية‪ ،‬إلاّ‬ ‫أمثال ب ّ‬ ‫أنّ صيته لم يذع مثلهم‪ ،‬ولع ّل ذلك يعود لمواقفه المعارضة من‬ ‫أهل السياسة والحكم ووالتهم من الوعّاظ والفقهاء معاً‪ .‬يُذكر‬ ‫أ ّنه كان يجلس مرّ ة في منتصف جسر الرصافة ببغداد يأكل بين‬ ‫المارّ ة‪ ،‬إذ صادفه فقيه بغداديّ ممتعضاً‪ ،‬فخاطبه؛ كيف تجرّ أت يا‬ ‫أبا الشمقمق أن تأكل في وسط الشارع‪ ،‬والمؤمنون يمروّ ن بك‪..‬‬ ‫اخجل من نفسك قليالً‪.‬‬ ‫أجابه «أبو الشمقمق»‪ :‬ال أرى مؤمنين يا شيخ أنا لوحدي على‬ ‫الجسر! ح ّدق الفقيه بعينيه وأخذ يتأ ّفف من عناده وجدله‪.‬‬ ‫صاح «أبو الشمقمق»‪ :‬أال تص ّدقني؟ فلتنظر اذاً‪ ،‬ث ّم صعد إلى‬ ‫حافة الجسر ونادى بأعلى صوته‪ :‬أيّها الناس هلمّوا لقد روي عن‬ ‫النبيّ أ ّنه قال من أخرج لسانه وأوصله إلى أرنبة أنفه كان من‬ ‫أهل الج ّنة‪.‬‬ ‫سارع ك ّل من سمعه بإخراج لسانه في منظر ساخر تجد فيه‬ ‫األلسن تتصارع كي تصل لألرنبة‪ ،‬ولكن دون جدوى‪.‬‬ ‫التفت «أبو الشمقمق» إلى الفقيه وسأله‪ :‬هل هؤالء مؤمنون ح ّقاً؟‬ ‫تعال اجلس لنأكل سويّة‪.‬‬ ‫يبدو أنّ انتكاب المجتمع العربيّ بوعاظ السالطين ‪ -‬فكرهم‬ ‫وثقافتهم – أعظم أثراً وأضرب عمقا ً في التاريخ ممّا يعتقده‬ ‫البعض‪ ،‬فذاتها الجماهير التي كانت ترفع ألسنتها لتالمس أرنبة‬ ‫أنفها‪ ،‬تجلس اليوم إلى شيخ يتح ّدث عن دروسه المجيدة للدجاج‪،‬‬ ‫وحكاياته معهم‪ ،‬وتعليمهم الفقه والحديث‪ ،‬بل وتجد مثل هذه‬ ‫المشايخ من يدافع عنهم وعن قصصهم ويحاول جاهداً كي يجد‬ ‫لها مبرّ رات وتخاريج مختلفة‪.‬‬ ‫إذ ال تحتاج مثل هذه الجماهير لتقتنع بصواب الشيء وصدقه‪،‬‬ ‫سوى بادئة قدسيّة مثل‪ ،‬قال هللا ورسوله‪ ،‬أو قال الشيخ الفالنيّ ‪،‬‬ ‫ح ّتى تعتبر ما يرد بعدها حقيقة مطلقة الصواب‪ ،‬سديدة المنطق‪،‬‬ ‫عظيمة الحجّ ة‪ .‬وقد كان مستبدو ك ّل عصر أوّ ل زبائن هذه‬ ‫العقليّة‪ ،‬نظراً النتفاعهم الكبير منها في تبرير حكمهم وتمرير‬ ‫ثقافة السمع والطاعة‪ ،‬نرى ذلك في رواج سوق مشايخ الدجاج‬ ‫وعمائم حسّون وصوفيّات البوطيّ إبان حكم آل األسد‪ ،‬حيث‬ ‫يلتفّ ألوف الناس على حلقاتهم التي تناقش مواضيع مختلفة تبدأ‬ ‫من المذاهب العشرة في كيفيّة الوضوء وح ّتى المراتب العشرة‬ ‫في الحبّ اإللهيّ ‪ ،‬منسلخين عن واقع كان يع ّج بالمعطيات التي‬ ‫تتطلّب من يتص ّدى لها‪ ،‬في غياب واضح متعمّد أليّة قوى فكريّة‬ ‫وثقافيّة أخرى على الساحة االجتماعيّة‪ ،‬إذ اقتصرت المنابر في‬ ‫سورية األسد على الدينيّة منها كمرحلة أولى‪ ،‬ث ّم ليجري تفريغها‬ ‫من أيّ مضمون حقيقيّ في مرحلة الحقة‪ ،‬ممّا ش ّكل فراغا ً يم ّكن‬ ‫ك ّل مستب ّد من استمراره في الحكم‪ ،‬فبينما ينشغل هو بشؤون‬ ‫الحكم والسياسة‪ ،‬يتف ّقه الشعب مسائل الطهارة والتصوّ ف‪.‬‬ ‫من هنا يمكن أن نفهم دور الخطاب الدينيّ السائد في رسم الوضع‬ ‫ّ‬ ‫المتأخر للعالم العربيّ ‪ ،‬وأن نرى أهميّة الدعوات المعاصرة‬ ‫لنقد التراث و بناء عقليّة عربيّة بديلة تستند على أسس منطقيّة‬ ‫وعلميّة‪ ،‬ورغم ما يظ ّنه البعض من أنّ مثل هذه الدعوات تقف‬ ‫بمواجهة مع اإلرث اإلسالميّ ‪ ،‬إلاّ أ ّنها في الحقيقة تش ّكل طوق‬ ‫النجاة له‪ ،‬فمع ك ّل التطوّ رات التي تعصف بالمنطقة وثقافتها‬ ‫اليوم‪ ،‬يقف الفكر الدينيّ أمام تح ّد هو األكبر من نوعه منذ قرون‪،‬‬ ‫إذ لم يعد من الممكن نقل هذا الفكر إلى عصر جديد بدأت تلوح‬ ‫آفاقه دون عمليّات مراجعة جذريّة تستند في أسسها إلى معطيات‬ ‫العلم وأسلوب التفكير العلميّ ‪ ،‬وإلاّ فإنّ جلوس «أبو الشمقمق»‬ ‫وصاحبه على الجسر لن يكون له نهاية قريبة‪ .‬طريف العتيق‬

‫رئيس التحرير‬ ‫بسام يوسف‬ ‫َ‬

‫هيئة التحرير‬ ‫ّ‬ ‫بشار فستق ‪ -‬غزوان قرنفل‬ ‫ثائر موسى ‪ -‬عزّة البحرة‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫مصباح مصنوع من ما ّدة “عجيبة”‬

‫في أيّام السلميّة مات‪ ،‬في أيّام العسكرة مات‪ ،‬ببراميل الموت مات‪ ،‬وبجرار جهنم‬ ‫مات‪ ،‬بغاز الكلور مات‪ ،‬في الزنازين‪ ،‬تحت التعذيب مات‪ ،‬في فراشه وبين أوالده مات‪،‬‬ ‫السوريّ يموت‪..‬‬ ‫طالما أنّ هناك دكتاتوراً فاقد الصالحيّة في سورية سنموت ونموت‪..‬‬ ‫وطالما أنّ هناك من ينصّب نفسه إلها ً صغيراً باسم هللا سنموت ونموت‪...‬‬ ‫وطالما أنّ هناك متقوّ لين يتفاصحون حين يحلو لهم‪ ،‬ويخوّ نون حين يحلو لهم‪،‬‬ ‫ويصرعون رأسنا بمعلّقات من تحليالت مريضة‪ ،‬سنموت ونموت‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫نتشظى كثيراً‪..‬‬ ‫تعالوا ال‬ ‫تعالوا ال نختبئ خلف قراءات متخيّلة‪..‬‬

‫طوّ ر باحثون بريطانيّون مصباحا ً يستهلك ‪ 10‬بالمائة من‬ ‫الطاقة التي تستهلكها المصابيح العاديّة‪ ،‬ويحتوي المصباح خافت‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أبناء الثورة‪ ،‬يحبّون الحياة‪ ،‬هم ضد الطاغية والدكتاتور معا‪ ،‬ضد الظالميّين‬ ‫اإلضاءة الجديد على تقنية إضاءة ثنائيّة الصمام (إل إي دي)‬ ‫مغطى بما ّدة الغرافين‪ ،‬التي توصف بأ ّنها واإلرهابيّين‪ ،‬هم ما زالوا يسعون نحو هدفهم األوّ ل نحو سورية الجديدة‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫على شكل فتيل دقيق‬ ‫«عجيبة»‪ .‬ومن المتو ّقع أن يُطرح مصباح الغرافين في األسواق‬ ‫هم ما عادوا يتحمّلون دروسكم الغبيّة!!!‪...‬‬ ‫حسني برو‬ ‫بسعر أق ّل من المصابيح السابقة‪.‬‬

‫القاسم المشترك األعظم في موتنا هو الدكتاتور األبله‪..‬‬

‫مرايا سورّية في «بيتنا»‬

‫أقيمت في «بيتنا سوريا» مجموعة من النشاطات من‬ ‫خالل أسبوع «مرايا سوريّة» في الفترة من الخميس ‪٢٦‬‬ ‫آذار إلى اإلثنين ‪ ٣٠‬آذار‪.‬‬ ‫واف ُتتحت فعّاليّات أسبوع «مرايا سوريّة» بأمسية‬ ‫موسيقيّة لـ ميترا أستينج وأسامة دادا وعدنان هورو‪ ،‬في‬ ‫السابعة مسا ًء في مبنى «بيتنا سوريا» واستمرّ ت حتى‬ ‫الثامنة والنصف‪.‬‬ ‫في اليوم التالي – ‪ 27‬آذار ‪ -‬والذي وافق اليوم العالميّ‬ ‫للمسرح‪ ،‬أقيمت أمسية‪ ،‬في صالة «بيتنا سوريا» قرئت‬ ‫فيها كلمة للمخرج البولونيّ كريستوف ورليكوفسكي‬ ‫الخاصّة بهذه المناسبة‪ ،‬ث ّم قُ ّدمت ق��راءات مسرحيّة‬ ‫لنصوص عالميّة وسوريّة‪ ،‬واستمع الحضور إلى عزف منفرد على العود‪.‬‬ ‫أمّا اليوم الثالث من الفعّاليّة‪ ،‬فأقيم في قاعة المؤتمرات في بلديّة الشهيد‬ ‫كامل التابعة لمدينة غازي عينتاب‪ ،‬عُرض فيها فيلم دفاتر الع ّ‬ ‫شاق أو (حيطان‬

‫«ليبيريا» تدعو إلى االمتناع عن الجنس‬ ‫دعت ليبيريا الناجين‬ ‫م��ن م���رض اإلي��ب��وال‬ ‫إل��ى االل��ت��زام الصارم‬ ‫بفترة من االمتناع عن‬ ‫الجنس بعد التعافي من‬ ‫ال��م��رض‪ ،‬وذل��ك وسط‬ ‫م��خ��اوف م��ن أن آخر‬ ‫حالة إصابة بالمرض‬ ‫في البالد ربّما تكون قد نجمت عن االتصال الجنسيّ ‪ .‬وكان أكثر من ‪10300‬‬ ‫شخصا ً قد أصيبوا بالمرض في ليبيريا وغينيا وسيراليون ح ّتى اآلن‪.‬‬ ‫ألوّ ل مرّ ة يمرّ رأس‬ ‫السنة (أكيتو) ونينوى‬ ‫دون أهلها‪ ،‬والخابور‬ ‫وضفافه في عويل على‬ ‫أح���ف���اد ف���رس���ان جيش‬ ‫النهرين‪ ،‬وكبرئيل موشي‬ ‫وللسنة الثانية بعيد بعيد عن أكيتو‪ .‬الوطن‪ ،‬ك ّل‬ ‫الوطن في ح��زن المأساة‪ .‬لكن رغ��م األه��وال‬ ‫وجراحها لنا األمل‪ ،‬كامل األمل‪ ،‬بانبعاثه وبألوانه‬ ‫الذهبيّة‪ .‬لك ّل الوطن أكيتو بريخو‪ .‬لك ّل المعتقلين‬ ‫أكيتو‬ ‫أكيتو بريخو‪ .‬ك ّل أكيتو وأنتم بخير‪.‬‬

‫االخراج الفني‬ ‫منير األيوبي‬

‫سراقب) بعرضه األوّ ل في السابعة من مساء الـ ‪28‬‬ ‫آذار‪.‬‬ ‫وكان للشعر يوم الـ ‪ 29‬منه في صالة «بيتنا سوريا»‬ ‫حيث ألقى في هذه األمسية ك ّل من‪ :‬وداد نبي ووائل قيس‬ ‫نصوصا ً شعريّة‪ ،‬كما شارك الشاعر عبدالسالم حلّوم‬ ‫ببعض من قصائده‪.‬‬ ‫وعرض فيلم ماء الفضّة‪ ،‬الذي نال العديد من الجوائز‬ ‫العالميّة‪ ،‬لوئام بدرخان والمخرج أسامة محمّد‪ ،‬في نفس‬ ‫الصالة‪ ،‬اإلثنين ‪ ٣٠‬آذار‪.‬‬ ‫وعلى مدى أ ّي��ام فعّاليّات «مرايا سورية» استمرّ‬ ‫معرض لمجموعة «سوريّات»‬ ‫لألشغال الف ّنيّة اليدويّة من الصوف والكروشيه والكنفا‪ ،‬في صالة معارض‬ ‫«بيتنا سوريا» في غازي عينتاب التركيّة‪.‬‬

‫المدن المحرّرة‬

‫صدر حديثا ً عن دار رياض الريّس‪،‬‬ ‫كتاب «سورية‪ ،‬تجربة المدن المحرّ رة»‬ ‫ويتألّف من س ّتة أق��س��ام‪ ،‬على شكل‬ ‫مجموعة من الدراسات الميدانيّة لك ّتاب‬ ‫سوريّين‪ ،‬من إع��داد صبر دروي��ش‪.‬‬ ‫تسعى األبحاث إلى سبر تجربة التحرير‬ ‫من خالل المناطق السوريّة التي خرجت‬ ‫عن سيطرة النظام‪ ،‬في محاولة لقراءة‬ ‫هذه التجربة نقد ّياً‪ ،‬وتقديم دراس��ات‬ ‫وش��ه��ادات ووث��ائ��ق عن أوض��اع تلك‬ ‫المناطق‪.‬‬

‫(فيديو؛ ‪ 5‬دقائق) شهادة‬ ‫خير‪ ،،‬سالم ‪ ،،‬أمن‪....‬‬ ‫ط��ب � ّي��ة ألب��ط��ال ال��دف��اع‬ ‫تسامح ‪ ..‬محبّة ‪ ،،‬تعايش‬ ‫المدنيّ على مشارف مدينة‬ ‫‪ ،،‬ازدهار‪ ،،‬صدق‪ ،،‬بناء‪،،‬‬ ‫إدل��ب‪ 40 – 30 ،‬إصابة‬ ‫ن��م��اذج م��ن ‫‪#‬‏كذبة_‬ ‫بين المدنيّين أغلبهم من‬ ‫نيسان‬ ولكم حرّ يّة االختيار‪‬.‬‬ ‫األط��ف��ال‪ ،‬بعد استهداف‬ ‫روال إبراهيم‬ ‫ياريت يلّي عم بصير بسلميّة ‪ ...‬سلميّة الثورة سرمين وب ّنش وما حولهما‬ ‫السوريّة كذبة متل كذبات نيسان ‪#‬سلميّة ‪#‬سوريا ثالث مرّ ات بالبراميل المتفجّ رة المحمّلة بغاز الكلور‬ ‫السا ّم‪ ،‬بواسطة طيران األسد؛ نداء على الضمائر‬ ‫‪Abed-Alrahman‬‬ ‫القادة العرب ا ّتفقوا على إنشاء قوّ ة عسكريّة اإلنسانيّة‪ :‬ال نملك إلاّ كمامات عادية‪ ،‬وهي غير‬ ‫كافية‪.‬‬ ‫مشتركة لتحرير سورية من الطاغية ب ّ‬ ‫شار األسد‪...‬‬ ‫‪https://www.youtube.com/watch?v=D8EaZ247ZGY‬‬ ‫‪ . . . . . .‬كذبة نيساااان‪ .‬إبداعات الثورة السوريّة‬

‫فريق العمل‬ ‫هلّ‬ ‫العبدال‬ ‫سكرتاريا ‪ :‬نور‬ ‫التدقيق اللغوي ‪ :‬فلك الخالد‬ ‫الموقع اإللكتروني ‪ :‬باسل العبداهلل‬

‫اآلراء الواردة في كلّنا سورّيون تعبّر عن رأي الكاتب‬ ‫و ال تعبّر بالضرورة عن رأي الصحيفة‬

‫‪www.allsyrians.org‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.