Ya7elween June

Page 1

‫يا حلوين‬ ‫األمل‬ ‫د‪.‬حسن فرحات‪//‬‬ ‫جار النهاية والبداية‬

‫ضغط الدم املنخفض‬ ‫ورمضان‬ ‫د‪ .‬انتظار القييس‬

‫د‪.‬هويدا رشيف‬

‫أقواس قزح‬ ‫عمر شبيل‬

‫قراءة يف تجربة الفنان فيصل لعيبي‬ ‫د‪.‬رياض ابراهيم الدليمي‬

‫نفسيات‬ ‫مريم باجي‬


‫ا لمحتو يا ت‬

‫األمل‬ ‫د‪.‬حسن فرحات‪//‬‬ ‫صهيل الشعر‬ ‫منذر خلود‬

‫كوين فكانت‬ ‫حامد خضري الشمري‬ ‫بأية تهمة أعتقلت‬ ‫نهاد طاطاريان حبيب‬ ‫أيها املواطن‬ ‫راسم ابراهيم‬ ‫قراءة يف تجربة الفنان التشكييل‬ ‫فيصل لعيبي‬ ‫د‪.‬رياض ابراهيم الدليمي‬ ‫األنوثة امل ُ َؤلَّ َه ُة عند رياض‬ ‫الدليمي ‪ :‬قراء ٌة يف ديوانه ( آخ ُر‬ ‫ال ّناس)‬ ‫د‪ .‬أسامء غريب‬ ‫حكاية‬ ‫كتاب املستطرف‬ ‫أقواس قزح‬ ‫عمر شبيل‬

‫إعراب " حتى "‬ ‫عمر شبيل‬ ‫إليك امرأة ال تنتهي‬ ‫عمر شبيل‬ ‫نفسيات‬ ‫مريم باجي‬ ‫تغذيت اليوم‬ ‫كتاب الجاحظ‬ ‫حب عرب املوت‬ ‫ٌّ‬ ‫عمر شبيل‬ ‫وفاء العرب‬ ‫يا حلوين‬ ‫ترنيمة حياة أو كلمة يف ديوان‬ ‫د‪.‬جامل حسني زعيرت‬ ‫الكلمة الح ّرة‬ ‫د‪.‬هويدا رشيف‬ ‫مع الشاعر سليم حيدر يف خليقته‬ ‫عمر شبيل‬

‫وعادت الذكريات‬ ‫د‪.‬هويدا رشيف‬

‫مثل أكرم من حاتم الطايئ‬ ‫نوادر العرب‬ ‫ضغط الدم ورمضان‬ ‫د‪ .‬انتظار القييس‬


‫يا حلوين‬ All rights reserved. Copyright held by HSF Media Inc. 2018. No reproduction, copying or pasting without All rights reserved. Copyright HSF Media Inc. expressed consent held fromby HSF Media Inc. For permission 2018. No reproduction, copying or pasting without or writing oppurtunities please contact: submissions@ expressed consent from HSFya7elweenmagazine.com Media Inc. For permission or writing oppurtunities please contact: submissions@ ya7elweenmagazine.com Magazine Founder: Dr. Hassan A Farhat MD Co-Founder: April Khan Magazine Founder: Dr. Hassan A FarhatDinah MD Rashid Chief Content Manager: Co-Founder: Khan Senior April Arts Director: Saood Mukhtar Chief Content Manager: Dinah Rashid North African Corespondent: Meriem Badji Senior Arts Director: Saood Mukhtar Photographer: Hamouda Ben Jerad North African Corespondent: Meriem Badji Editorial: Reyad Al Dellamy Photographer: Hamouda Ben Jerad Editorial: Reyad Al Dellamy


‫أوجه إعراب «حتى» حتى‪:‬‬ ‫عمر شبلي‬

‫‪1‬ـ ت‬ ‫تأ� ت‬ ‫ح� ناصبة بأن المضمرة فيها‪:‬‬ ‫ي‬

‫جئتُ حتى أتعلّ َم‪ .‬حتى حرف نصب ‪ .‬أتعلم‪ :‬فعل مضارع بأن المضمرة‬ ‫بعد حتى‪ ،‬وعالمة نصبه الفتحة الظاهرة‪ .‬والتقدير‪ :‬جئت من أجل أن‬ ‫أتعلم‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪2‬ـ ت‬ ‫تأ� ت‬ ‫ح� حرف ابتداء‪ ،‬كما ي� قول امرئ القيس‬ ‫ي‬

‫بأرسان‬ ‫سريت بهم حتى تك َّل مطيُّه ْم وحتى الجيا ُد ما يُقَدن‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫حتى تك َّل‪ :‬حتى‪ :‬حرف نصب‪ ،‬تك َّل‪ :‬فعل مضارع منصوب بأن المضمرة‬ ‫بعد حتى‪ ،‬يعني سريت بهم إلى أن تك َّل مطيهم‬ ‫وحتى الجيادُ‪ :‬حتى هنا حرف ابتداء‪ .‬الجيا ُد مبتدأ مرفوع وعالمة رفعه‬ ‫الضمة الظاهرة‪.‬‬ ‫‪3‬ـ ت‬ ‫تأ� ت‬ ‫الطالب حتى أستاذُهم‬ ‫ح� حرف عطف‪ .‬كقولنا‪ :‬جاء‬ ‫ُ‬ ‫ي‬

‫الطالب مرفوع وهم مضاف إليه‪ .‬حتى‪ :‬حرف عطف أستاذهم‪ :‬أستاذ‬ ‫اسم معطوف عل‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫‪4‬ـ ت‬ ‫ت‬ ‫أسها‪ .‬أي إلى‬ ‫ر‬ ‫ح�‬ ‫السمكة‬ ‫أكلت‬ ‫‪:‬‬ ‫مثل‬ ‫‪.‬‬ ‫وجر‬ ‫غاية‬ ‫حرف‬ ‫ح�‬ ‫تأ�‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫رأسها‪ ،‬إلى غاية وصولي إلى رأسها‬




‫قراءة في تجربة الفنان التشكيلي فيصل لعيبي‬ ‫رياض ابراهيم الدليمي‬ ‫تتأصــل تجربــة ( فيصــل لعيبــي ) التشــكيلية بيــن مقــوالت افالطــون فــي فهمــه للفــن‬ ‫وفلســفته وعمــق المعنــى وايمانــه بالصــورة والنحــت علــى انهــا مكــون تجريــدي ظلــي‬ ‫للحيــاة كمــا فــي مقولتــه اي – افالطــون ‪ ( -‬ان الــذي أقصــده بجمــال االشــكال ال‬ ‫يعنــي مــا يفهمــه عامــة النــاس مــن الجمــال فــي تصويــر الكائنــات الحيــة ‪ ،‬بــل أقصــد‬ ‫الخطــوط المســتقيمة والدوائــر والمســطحات والحجــوم المكونــة بواســطة المســاطر‬ ‫والزوايــا ‪ ,‬واؤكــد ان مثــل هــذه االشــكال ليســت جميلــة جمــاال نســبيا وانمــا جمالهــا‬ ‫مطلقــا ) هــذه الحقيقــة الفلســفية والجدليــة مازالــت قائمــة لحــد االن ‪ ،‬والمقولــة االخــرى‬ ‫التــي تتماهــى معهــا رســوم ( فيصــل لعيبــي ) هــي مقولــة ( نيتشــه ) كمــا يشــير الــى‬ ‫ذلــك (معــزوز عبــد العالــي ) فــي دراســته (فلســفة الفــن عنــد نيتشــه وهيدجــر ) (إن‬ ‫الفـ�ن هـ�و قلـ�ب العدميـ�ة‪ ،‬واالنتقـ�ال مـ�ن إرادة النفـ�ي إلـ�ى إرادة اإلثبـ�ات( (�‪V/d’affir‬‬ ‫‪ :)mation‬إثبــات مفارقــات الحيــاة وتناقضاتهــا‪ ،‬وتحويلهــا إلــى ظاهــرة فنيــة وجمالية‬ ‫خلقيــة بــأن تعــاش ويعمــل فــي إطــار هــذه االســتراتيجية علــى ابتــداع ونحــت كوكبــة‬ ‫مــن المصطلحــات موجهــة للقضــاء علــى إرادة النفــي‪ :‬النشــوة‪ ،‬المــرح‪ ،‬الرقــص‪،‬‬ ‫الضحــك‪« .‬أيهــا النــاس الممتــازون تعلمــوا إذن الضحــك»‪ .‬الفــن يجعــل الحيــاة ممكنــة‬ ‫بــل وجديــرة بــأن تعــاش‪ ،‬إنــه خــاص (‪ )Salut‬ولكــن ليــس بالمعنــى المســيحي طالمــا‬ ‫أنــه ليــس هروبــا مــن رعــب الوجــود وعبثــه‪ :‬خــاص ليــس بمعنــى التعلــق بحقيقــة مــا‬ ‫فــوق الوجــود الحســي وإنمــا بمعنــى تحويــل رعــب الوجــود وعبثــه إلــى مظاهــر فنيــة‬ ‫يكــون بموجبهــا هــذا الرعــب جميــا‪ ،‬وهــذا العبــث ســخرية وضحــكا‪ ،‬وهــذا األلــم‬ ‫انتشــاء ) ‪.‬‬ ‫هنــا تكمــن تجربــة التشــكيلي ( فيصــل لعيبــي ) التــي رســخت الواقعيــة الفنيــة الحســية‬ ‫بتمثالتهــا ودالالتهــا االجتماعيــة والسياســية حيــث اتخــذت مــن موضوعــات الحيــاة‬ ‫اليوميــة تراجيديــا ســوداء ودعــوة الــى االبتســام بخــوف وقلــق ‪ ،‬وما آلت اليــه الظروف‬ ‫المأســاوية التــي عاشــها المواطــن العراقــي والعربــي علــى حــد ســواء مــن قهــر‬ ‫واســتالب ومصــادرة إلرادتــه وحقــه الحياتــي وأجبــر أن يخــوض حيــاة غيــر الحيــاة‬ ‫التــي يتمناهــا ويحلــم بهــا ‪ ،‬بــل ســيق الــى حــروب عبثيــة وحيــاة قســرية ‪ ،‬جــردت‬ ‫فعلــه االنســاني ومســخت وعيــه ودوره بالمشــاركة فــي صناعــة التاريــخ االنســاني‬ ‫المشــرق ‪ ،‬وحولتــه الــى آلــة ميكانيكيــة خانعــة لهــا ‪ ،‬وأحالتــه الــى انســان مســلوب‬ ‫االرادة والحريــة والقــدرة علــى الفعــل الجماعــي ‪ ،‬واتخــذت مــن ذاكرته وعاء تســجيليا‬ ‫لموروثهــا القائــم علــى تمجيــد االحاديــة والطغيــان والتســليم لــه وإلرادتــه وللمصيــر‬ ‫الــذي أوقعــه بــه دون مقاومــة ‪ ،‬وتــراه يقــول لعيبــي ( نحــن الجنوبيــن عندمــا نــزور‬


‫ذاتهــا بذاكــرة يقظــة وحيــة ومتجــذرة فــي وعيــه ومهيمنــة علــى فكــره بــذات الوقــت‬ ‫‪ ،‬وبفطنــة فنــان محتــرف وواع لمــا يريــد أن يجســده أو ينحــت فيــه باللــون والفكــرة‬ ‫واالســلوب وقــد شاكســت مكبــوت الرجــل الشــرقي المغــرم والولــه للمــرأة ولخصبهــا‬ ‫االنثــوي ‪ ،‬لــذا جــاءت رســوماته مختلفــة عــن الســائد متميــزة عــن اآلخــر أو عــن‬ ‫أقرانــه ‪.‬‬ ‫( فيصــل لعيبــي ) رســوماته توثــق الجمــال لألثــر والتــراث والواقــع اليومــي وللخــزان‬ ‫المعرفــي لديــه ورؤيــاه للوجــود ونظرتــه للتاريــخ والمســتقبل ‪ ،‬انهــا ذاكــرة حيــة‬ ‫تثيــر االســئلة وال تتــوارى خلفهــا بــل تضــع اجابــات ورؤى صريحــة لهــا وواثقــة‬ ‫ومتحديــة للوجــود والفنــاء وحلــوال أللغازهــا وأســرارها وغموضهــا ‪ ،‬وتفصــح عــن‬ ‫مضامينهــا وفلســفتها ‪ :‬بــأن الخلــود فيهــا ليــس بالبحــث عــن عشــبة نبتــت بالبحريــن أو‬ ‫فــي غابــات األرز أو ورقــة قــات اخضــرت فــي اليمــن ‪ ،‬بــل هــي قــدرة االنســان علــى‬ ‫تلقيهــا بصــدق وتفاعلــه معهــا بالفــرح والحــزن واألمــل ‪ ،‬وكذلــك مقــدار صدقــه معهــا‬ ‫ومــع ذاتــه ومــع اآلخــر ‪ ،‬واخالصــه لــكل دقائقهــا ‪ ،‬والســعي لتــرك أثــرا فيهــا ‪...‬‬ ‫عندمــا تنظــر الــى شــخوص لوحاتــه تجــد روح الدعابــة والفكاهــة وهــذا مــرده الــى‬ ‫أمريــن ‪ :‬األمــر االول اشــتغاله لفتــرة طويلــة برســم الكاريكاتيــر ومــن متطلباتــه أن‬ ‫تطغــى عليــه روح المــرح والمشاكســة فــي أغلــب االحيــان ‪ ،‬وقــد تكــون هنــا الدعابــة‬ ‫هــي ســخرية أو امتعــاض مــن واقــع مــا ‪ ،‬واألمــر الثانــي ‪ :‬هو تصويــر لمالمــح‬ ‫الشــخوص التــي عاشــت معــه فــي حياتــه وتفاصيلهــا مــن أجــواء مرحة بســيطة شــعبية‬ ‫تركــت أثــرا فــي نفســيته ووجدانــه ومازالــت عالقــة لحــد هــذا الوقــت فــي ضميــره ‪.‬‬ ‫يســتخدم التشــكيلي ( فيصــل لعيبــي ) اللــون الناصــع والمكثــف والمضــيء فتجــده فــي‬ ‫أغلــب لوحاتــه وكأنــه يســتدعي الذاكــرة الشــعبية الحياتيــة ويســتدعي الواقــع المعــاش‬ ‫فــي زمــن مضــى لكــي ال تســرقه الغربــة وتذيبــه بفعــل االلــم ‪ ،‬فلوحاتــه تعبــر عــن‬ ‫حنيــن وعاطفــة كبيــرة للمــوروث القديــم وللحيــاة التــي تركهــا خلفــه وهاجــر ليكتشــف‬ ‫ذاتــه وابداعــه وليتعــرف علــى عوالــم ليــس عوالمــه لكــي تضيف الــى خبرتــه وموهبته‬ ‫‪ ،‬وليطلــع علــى عظــام الفنانيــن ويتعــرف علــى تاريــخ الفــن بالدراســة والمشــاهدة ‪،‬‬ ‫لكــن لــم نلحــظ علــى ( فيصــل لعيبــي ) ميولــه وتشــبثه ألســلوب فنــي بعينــه وانمــا‬ ‫رســم بمختلــف االســاليب والمــدارس الفنيــة التشــكيلية وجــرب الكثيــر منهــا حتــى‬ ‫أصبحــت لوحاتــه تعبــر عــن اســلوبه الخــاص الــذي ال يختلــف عليــه اثنــان بــان لوحــة‬ ‫لعيبــي تفصــح عــن هويتــه وال تشــبه أحــدا مــن خــال ألوانهــا وتكنيكــه والحركــة‬ ‫االيقاعيــة لشــخوصه ‪.‬‬


‫بغــداد وكأننــا هبطنــا الــى قــارة أخــرى ) وهــو يصــور حجــم المأســاة والقهــر الــذي‬ ‫يعانيــه أهــل الجنــوب وكأن بغــداد فــي حينهــا تعيــش عصــرا آخــرا يختلــف عــن باقــي‬ ‫مــدن العــراق ‪ ،‬أي بمعنــى ان مــدن العــراق غيــر متســاوية فــي نظــرة الزعمــاء وهناك‬ ‫فــروق مجتمعيــة وطبقيــة بيــن مجتمعــات الشــعب العراقــي الواحــد وكأنهــم ينظــرون‬ ‫الــى األخــر بــازدراء ‪ ،‬لهــذا تركــوه مهمشــا مفتقــرا الــى أبســط ســبل العيــش والحيــاة‬ ‫الكريمــة ‪.‬‬ ‫لهــذا يصــور لنــا ( لعيبــي ) فــي مختلــف مراحــل حياتــه الفنيــة وقائــع ومشــاهداته‬ ‫اليوميــة ولمــا يعانيــه االنســان العراقــي والعربــي فهــو يرســم حجــم الخــراب الــذي‬ ‫تركتــه الحــروب علــى المــدن وعلــى الطبيعــة وعلــى االنســان فيقــول (المــدن مثــل‬ ‫االنسان أيضا تشيخ وتموت ‪ ...‬‬ ‫فأنظــر للطــرق والبيــوت واالزقــة وخاصــة المــدن االســامية فقــد شــوهت صورتهــا‬ ‫وتاريخهــا وفقــدت روحهــا ‪...‬‬ ‫المــدن القديمــة هــي حيــوات خاصــة مثــل القســطنطينية وعنابــة فيهــا نشــاط روحــي‬ ‫ومشــاعر جميلــة بــا نفعيــة ) ‪ ،‬لــذا نجــده يســتحضر المــدن المنســية التــي تركــت‬ ‫مهملــة وســلخت هويتهــا الحضاريــة واشــراقتها وضحكتهــا ممــا أصابهــا العبــث‬ ‫الممنهــج بفعــل االهمــال ‪ ،‬وتحولــت المدينــة الذاكــرة بمكوناتهــا الجماليــة التراثيــة‬ ‫كالمقاهــي والدكاكيــن الصغيــرة للحــرف اليدويــة واالزقــة الضيقــة والشناشــيل التــي‬ ‫تزيــن واجهــات البيوتــات كقطــع نحتيــة فقــد أحيلــت بفعــل ماكنــة التدميــر والعمــل‬ ‫العشــوائي الــى بيــوت خــراب تجتاحهــا المــواد البنائيــة الصناعيــة كالصــب والخرســان‬ ‫واالبــواب والنوافــذ الحديديــة التــي شــوهت منظرهــا وشــوهت ذائقــة أبنائهــا فيقــول‬ ‫بحرقــة ( بغــداد هــي األجنحــة التــي طــرت بهــا الــى العالــم ) ويقصــد هنــا عندمــا تــرك‬ ‫وطنــه وغــادره الــى اوربــا فاصطحــب معــه‬ ‫ذاكرتــه عــن مــدن العــراق الجميلــة وعاصمتــه مدينــة الســام والجمــال وعــاش فــي‬ ‫ظــل هــذه الذاكــرة اليقظــة وســجل حياتــه وقصصــه وحبــه االول الــذي شــاركه فيــه‬ ‫صديقــه ( نعمــان ) اللــذان عمــا معرضــا فنيــا مشــتركا لكــي تحضــر حبيبتهــم وتشــاهد‬ ‫مــا رســماه لهــا ‪ ،‬هــذا الحــب العفــوي الصــادق البــريء لالثنيــن كانــا يعيشــانه دون‬ ‫معرفــة حبيبتهمــا ‪.‬‬ ‫آمــن ( فيصــل لعيبــي ) بالمــرأة كآلهــة تســتمد ألوهيتهــا مــن خصبهــا وشــفيف روحهــا‬ ‫‪ ،‬اتخــذ مــن عنفــوان ثديهــا فرشــاة تلــون حياتــه وكائناتــه وشــخوصه ‪ ،‬ســطعت هاالتهــا‬ ‫علــى فضــاء لوحاتــه وتشــكالتها ممــا أعطاهــا بعــدا وجوديا فصيحــا ‪ ،‬أدهشــت ناظرها‬ ‫وأجبرتــه أن يقــف أمامهــا خاشــعا أللوانهــا الصاخبــة النورانيــة الكثيفــة لتعلــن عــن‬



‫إليك امرأةً ال تنتهي‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫عمر شبلي‬ ‫يا من رأى قمرا ً حزينا ً ضوؤهُ‬ ‫شاحب من حزنه‬ ‫قالوا لنا‪ :‬هو‬ ‫ٌ‬

‫األقمار‬ ‫تحار بأ ْف ِقها‬ ‫منه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫نهار‬ ‫فاعْجبْ للي ٍل ش َّع منه ُ‬

‫يغار‬ ‫فأجبتُه ْم‪ ،‬واللي ُل كان وشا َحه والضو ُء من ذاك الوشاحِ ُ‬ ‫األنوار‬ ‫ش ُع‬ ‫ي الوشاحِ إذا دجا‬ ‫ش ْع َ‬ ‫لي ٌل فمنه ت ُ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫قمر ُح َ‬ ‫سيْن ُّ‬ ‫ي‪ ،‬ومن ُ‬ ‫ش ُرفاتها‬ ‫هو بعلبك ٌّ‬

‫أنوار ِه تأتي فت ُ ُ‬ ‫دار‬ ‫شرق ُ‬

‫ْ‬ ‫فجاوبت‬ ‫وسألتُ عنه بعلبَ َّك‬ ‫وسألتُ فاطمةً فأعلنَ قلبُها‬

‫ّ‬ ‫أسرار‬ ‫إن الجما َل هنا له‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ينهار‬ ‫قى‬ ‫ُ‬ ‫أن الجما َل بال ت ُ ً‬

‫ْ‬ ‫مشت‬ ‫وقُوا ُمها كالخيزران إذا‬

‫ُ‬ ‫تتلفّتُ‬ ‫واألبصار‬ ‫األعناق‬ ‫ُ‬

‫وسألتُ يوما ً‬ ‫صدرها فأجابني‬ ‫َ‬

‫جدار‬ ‫بيني وبين اإلثم كان‬ ‫ُ‬

‫ورجوتُهُ أني أري ُد نوالَهُ‬

‫زار‬ ‫فأجابني‪ :‬يُرجى وليس يُ ُ‬

‫ب بالتقى‬ ‫يغلو الجما ُل إذا تَح َّج َ‬

‫إزار‬ ‫واحت ّل أبرا َج الجما ِل‬ ‫ُ‬ ‫ولثغرك الممنوع َّ‬ ‫مزار‬ ‫شط‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫النار‬ ‫هي جنّةٌ وتقي ُم فيها‬ ‫ُ‬ ‫ار‬ ‫ال يستطي ُع بلوغَها ال ُكفّ ُ‬

‫عليك ك َّل جمال ِه‬ ‫أرخى الجما ُل‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫بعلبك كأنّها‬ ‫تختا ُل فيها‬ ‫بصدر ِك‪ ،‬إنّما جنّاتُها‬ ‫نار‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬



‫ترنيمة حياة‬ ‫أو كلمة يف ديوان‬ ‫د‪.‬جامل حسني زعيرت‬

‫«آذان الح ـكّام لهــا حيطــان»‪ ،‬عنــوان ديــوان الشّ ــاعر عمــر شــبيل األخــر‪ ...‬وهو‪ ‬عنــوان يتق ـ ّدم نــص الديوان‪ ‬املؤلّــف مــن ثــاث مطــوالت‬ ‫شــعريّة‪ ‬ليفتتح مســرة من ـ ّوه‪ ،‬ويح ـ ّدد هويَّتــه‪ ،‬ويك ـ ّر ُس انتــا َءه‪ .‬إنّــه مدخــل عــار ِة النـ ِ‬ ‫ـاح با ِب ـ ِه‪ ،‬وضــو ُء ممراتِ ـ ِه املتشــابكة‪.‬‬ ‫ـص‪ ،‬ومفتـ ُ‬ ‫الســمة‪ ،‬والعالمــة‪ ،‬واألثــر‪ ...‬نسـ ّ‬ ‫ـتدل بــه عــى الــيء بوجــه مــن وجــوه التعريــض ال الترصيــح‪...‬؛ ألنّــه تعريــف‪ ،‬وفصــل‪،‬‬ ‫والعنــوان لغــة هــو ّ‬ ‫وتنويــه‪ ،‬وداللــة‪ ،‬وإظهــار‪ ،...‬أي كشــف محجــوب معنــى الديــوان بطريقــة إيحائيــة‪.‬‬ ‫وهــو عنــوان يصــدم القــارئ مــن الوهلــة األوىل؛ ألنّــه تقريــري مبــارش‪ ،‬مــن ناحية‪ ‬البنيــة الســطحية‪ ،‬ورمــزي يصــل إىل الرسيــايل مــن ناحيــة‬ ‫ـب هــذه املفاهيــم‬ ‫البنيــة العميقــة‪ .‬كــا أنّــه يقلِــب املفاهيــم اللغويــة واملجتمعيــة املتوارثــة مــن حيــث الثقافــة الشّ ــعبيّة‪« :‬الحيطــان لهــا آذان»‪ .‬وقَلْـ ُ‬ ‫يســتج ّر مجموع ـ َة معطيـ ٍ‬ ‫ـات يحملُهــا العنــوان‪ .‬وســأحاول يف هــذه العجالــة أن أحلِّلَهــا مــن خــال فكفكتــه‪ ،‬وربطــه بالقصائــد املوجــودة يف الديــوان‬ ‫حتّــى أعطي‪ ‬فكــر ًة واضحـ ًة عـ َّـا يتض َّم ُنـ ُه بــن دفَّتَيــه‪ .‬لــذا‪ ،‬ســأرشح رمزيــة مصطلحاتــه الثالثــة‪ ،‬أي آذان جمــع أذن‪ ،‬وحـكّام جمــع حاكــم‪ ،‬وحيطــان‬ ‫مبحصلــة وافيــة عــن أهم ّيــة ال ّديــوان‪ ،‬وقيمتــه األدبيــة واالجتامعيــة‪.‬‬ ‫جمــع حائــط حتّــى نســتطيع الخــروج ّ‬

‫‪ ‬رمزية األذن‬ ‫‪ ‬ترمز األذن إىل اإلدراك‪ ،‬واملشاركة يف الحياة االجتامعية‪ .‬وترمز إىل مادية الجسد‪ .‬كام ترمز إىل الرحم‪ ،‬والبشارة‪.‬‬ ‫كل مــا يُحي ـ ُط ِب ـ ِه مــن أصـ ٍ‬ ‫ـوات‪ ،‬و َمه ّمتُهــا مســاعد ُة‬ ‫‪ ‬واألذن حاســة مــن الحــواس الخمــس‪ ،‬تع ـ ُّد مي ـزان الجســمِ ورادا ُر الجسـ ِـد الــذي يلتقــط َّ‬ ‫ـلبي‪ ،‬مبــا أنّهــا عضــو التل ّقــي‪ ،‬باعتبــار أ ّن النطــق (اللســان) هــو رمــز التواصــل‬ ‫اإلنســانِ عــى اشـراكه يف الحيــاة االجتامعيــة‪ .‬وهــي رمـ ُز التّواصــلِ ّ‬ ‫السـ ّ‬ ‫اإليجــايب‪ ،‬مبــا أنّــه عضــو اإلرســال([‪.)]1‬‬ ‫السـ ْمعيّة‪،‬‬ ‫وتــرى الثّقافــات القدميــة‪ ،‬وال ســيام أســاطري قبائــل الدوغــون األفريقيــة‪ ،‬أ ّن األذ َن تعنــي العضـ َو الجنــي األنثــوي مــن خــال القناة َّ‬ ‫وتعنــي العضـ َو الجنــي الذكــري مــن خــال صيــوان األذن‪ .‬وهــذا يعنــي أ ّن األذن ترمــز إىل حيوانيــة الجســد([‪.)]2‬‬ ‫وتُ ثّــل األذن‪ ،‬يف األســاطري الهندوسـيّة القدميــة‪ ،‬القــدرة اإللهيــة؛ فقــوة اإللــه غانيشــا ابــن اإللــه شــيفا تتمثّــل باألذنــن القويتــن اللتــن تنســفان‬ ‫الصحيحــة‪ ،‬والكــال الروحــي‪ ،‬أي الحكمــة‬ ‫ـاب الـ ِ‬ ‫ـكالم الــرديء‪ .‬ولهــذا‪ ،‬تســمح األذنــان يف الثّقافــات اآلســيوية باالنطــاق نحــو املعرفــة ّ‬ ‫الفاســقني‪ ،‬وأصحـ َ‬ ‫والخلــود‪ .‬ولهــذا‪ ،‬أخــذ ال َحلَـ ُـق يف األذن يرمــز‪ ،‬يف بداياتــه‪ ،‬إىل االنتــاء إىل مجموعـ ٍة برشيّـ ٍة معينـ ٍة‪.‬‬ ‫وتــرى الثّقافــة اليهوديــة أ ّن املخلـ َ‬ ‫ـح كلمــة([‪ .)]3‬وتــرى أ ّن األذنــن‪،‬‬ ‫ـوق ال ميكــن أن ينفصـ َـل عــن َّ‬ ‫الس ـ ْمعِ؛ أل َّن األذ َن تعــو ُد باإلنســانِ ليصبـ َ‬ ‫([‪)]4‬‬ ‫والقســم األســفل مــن الوجــه‪ ،‬ترم ـزان إىل األعضــاء التناســلية لــدى املــرأة‪ .‬فاألذنــان ترتبطــان بالفــم كــا يرتبــط املبيــض بالفــرج ‪.‬‬ ‫وتــرى الثّقافــة املســيحية أ َّن األذ َن رمــز إدر ِ‬ ‫اك اإلنســانِ الــكال َم اإللهــي‪ ،‬واالمتثــال والخضــوع لــه؛ أل ّن العــذراء مريــم قــد ســمعت التّبلي ـ َغ‬ ‫([‪)]5‬‬ ‫ـمح للجسـ ِـد‬ ‫ر‪ ،‬واإلصغــا ِء الجيــد‪ .‬فكــا أ ّن األذ َن تسـ ُ‬ ‫باملعنــى املطلــق لــإدراك والتســليم‪ ،‬فولــدت املســيح ‪ .‬ولهــذا‪ُ ،‬يكننــا القــول إ ّن األذ َن رمـ ُز الـ ِّ‬ ‫بســا ِع األصـ ِ‬ ‫ـكالم اإللهــي؛ وأل ّن زكريــا مل يســم ْع الــكال َم اإللهــي‪ ،‬ومل يص ّدقْـ ُه كان عقابُـ ُه من َعـ ُه مــن الــكالم‪.‬‬ ‫ـمح لــه بســا ِع الـ ِ‬ ‫ـوات البرشيــة؛ فإنّهــا تسـ ُ‬ ‫يقــول القديــس لوقــا‪{ :‬فقــال زكريــا للمــاك‪« :‬بـ َم أ ْعـر ُِف هــذا وأنــا شَ ــي ٌخ كبــر‪ ،‬وامــرأيت طاعنـ ٌة يف الســن؟»‪ ،‬فأجابــه املــاك‪« :‬أنــا جربائيـ ُـل القائـ ُم لــدى‬ ‫اللــه‪ ،‬أُ ِ‬ ‫صاب بال َخـ َرس‪ ،‬فــا تســتطي ُع الــكالم إىل يــو َم يحـ ُدثُ ذلــك‪ ،‬ألنّــك مل تؤ ِمـ ْن بأقــوايل‪.)]6[(}»...‬‬ ‫رسـ ُ‬ ‫ـر َك بهــذه األمــور‪َ ،‬‬ ‫وسـتُ ُ‬ ‫ـلت إليــك ألُكلّ َمـ َـك وأُبـ ّ َ‬ ‫ـكالم إىل القلــب([‪ ...)]7‬وهــي رمــز «التي ّقــظ‬ ‫واألذ ُن يف الثّقافــة العربيــة اإلســامية هــي الطّريـ ُـق إىل القلـ ِ‬ ‫ـاب الوحي ـ ُد إليصــا ِل الـ ِ‬ ‫ـب‪ ،‬فهــي البـ ُ‬ ‫ـح باإلصغــا ِء‬ ‫السـ ْمعِ العــادي‪ ،‬ورمــز التبـ ّ‬ ‫واالنتظــار والتل ّقــي والفهــم»‪ ،‬باعتبــا ِر َّ‬ ‫ـر واإلدراك واالنســجام باعتبــار ســمع القلــب‪ .‬ولهــذا‪ ،‬فــإ َّن التَّصـ ّوف ينصـ ُ‬ ‫والصمـ ِ‬ ‫ـت‪« :‬خلــق اللــه لــك أذنــن اثنتــن ولســانًا واحـ ًدا لتســمع أكــر مــا تتكلّــم»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ـش ك ُْل ِذي َس ـ َم ْع َس ـ ِّمي ْع»‪ .‬كــا ت ُشــر إىل‬ ‫ـدم االك ـراث‪ِ « :‬مـ ْ‬ ‫وترمــز األذن يف الثّقافــة الشــعبية العربيــة إىل الفهــمِ والحكم ـ ِة‪ ،‬أو الجهــلِ وعـ ِ‬ ‫ـش كت ـ ْر بتســم ْع كت ـ ْر»([‪.)]8‬‬ ‫ـاب‪ ،‬والتّعلّــم‪« :‬عيـ ْ‬ ‫القــدرة عــى معاركــة ال ّدهــر‪ ،‬واالكتسـ ِ‬


‫‪ ‬‬ ‫فخذوا من حرشجة الصوت‬ ‫بال ًدا ال يخذلها معنى أن تو َج ْد([‪.)]12‬‬ ‫‪ ‬‬

‫رمزية الحائط‬

‫يرمز الحائط إىل الحامي واملانع‪ .‬ويرمز إىل العقبة‪ ،‬والحاجز‪ .‬كام يرمز إىل الح ّد الفاصل بني عاملني‪ ،‬بني فضائني‪.‬‬

‫ُجســد مســاحة خاصــة محميّــة متنــع اآلخريــن مــن دخولهــا‪ ،‬أو معرفــة مــا يجــري فيهــا‪ .‬ولهــذا‪ ،‬يصبــح‬ ‫والحائــط هــو وســيلة ت ّ‬ ‫الحائــط رم ـ ًزا للمنــع‪ ،‬والحجــب‪ ،‬والنــزاع‪ ...‬والنــزاع عــى صعيــد املجتمعــات هــو تصــارع بــن فريقــن‪ :‬منــع وصــد مــن ناحيــة‪ ،‬ومحاولــة‬ ‫اخــراق مــن الناحيــة الثانيــة‪ ،‬وعــى صعيــد الفــرد تعــارض بــن نــزوات املــرء ومحرمــات املجتمــع‪ :‬الحفــاظ عــى الســلطة‪ ،‬واملكتســبات‬ ‫ر‪...‬‬ ‫مــن ناحيــة‪ ،‬ومحاولــة الحصــول عليهــا أو عــى بعــض منهــا مــن الناحيــة املقابلــة‪ .‬لــذا‪ ،‬ميكننــا القــول إنّ‪ ‬الحائــط ُيثّــل رمزيــة الــ ّ‬ ‫كــا أن الحائــط يرمــز إىل بعــد حــا ٍّيئ‪ ،‬ويُشــر إىل القلعــة التــي تســمح مبقاومــة الحمــات املعاديــة‪ .‬ولك ـ ّن هــذه الحاميــة تفــرض‬ ‫االنحبــاس داخلهــا‪ ،‬أي االنحبــاس يف فضــاء مغلــق‪ ،‬منقطــع عــن العــامل اآلخــر‪ :‬العــامل الخارجــي‪.‬‬ ‫لذلــك‪ ،‬فهــو يرمــز باملطلــق إىل الحــدود الفاصلــة بــن عاملــن‪ ،‬بــن فضائني‪ .‬ويرمــز إىل الســد املحكــم بــن الســائل واملســؤول‪ .‬ويرمــز إىل‬ ‫الجموديــة‪ ،‬والســكونية‪ ...‬ولكــن قــد يتــآكل هــذا الحائــط بفعــل الزمــن‪ ،‬واســتمرارية الحيــاة‪ ،‬وتفاعالتهــا التغيرييــة‪ .‬إذن‪ ،‬ال بـ ّد مــن أن يفعــل الزمــن‬ ‫ـب الجمــود والســكون‪ ،‬والف ـراغ‪ .‬وإذا جمــد اإلنســان فــرغ مــن مقومــات الحيــاة‪.‬‬ ‫فعلَــه؛ أل َّن الحيــاة ال تحـ ّ‬ ‫ويأخــذ الحائــط يف هــذا الديــوان رمزيــة الحــدود الفارغــة‪ ،‬والــدارشة‪ ،‬رمزيــة اإلحبــاط‪ ،‬واملهانــة؛ ألنّــه ُيثّــل تحـ ّدي الزمــن‪ ،‬وانتفــاء الحاميــة‪،‬‬ ‫وانقطــاع الحيــاة‪ .‬كــا يأخــذ رمزية‪ ‬الهوة‪ ‬التي‪ ‬تف ّرق‪ ‬بني‪ ‬الشــعوب‪ ،‬وبني النــاس؛ ألنّــه وســيلة الفصــل بــن أفــراد املجتمــع‪ ،‬وبــن الحاكــم وعامــة‬ ‫الشــعب‪ .‬يقول الشّ ــاعر‪:‬‬ ‫أخت عليه!!!‬ ‫هل َّ‬ ‫ظل جدا ٌر يك نبيك يا ُ‬ ‫كم ُ‬ ‫أخجل من وطنِ ال جدرا َن له ّإل الكلامتْ‬ ‫‪.......................................‬‬ ‫وملاذا يا وطني يسكنك املوىت‬ ‫أكرث مام يسكنك األحياء([‪.)]13‬‬ ‫ويقول أيضً ا‪:‬‬ ‫ظل جدا ٌر يك نبيك يا قدس عليه‪.‬‬ ‫ما ّ‬ ‫ِ‬ ‫يصل الل ُه‬ ‫مسجدك املحزونِ ّ‬ ‫يف‬ ‫عىل الشّ هداء‪،‬‬ ‫ويصل الجوع مع الفقراء([‪.)]14‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ ‬‬ ‫ر‬ ‫مســاحة إعالنيــة إعالميــة تس ـطَّر فيهــا الشــعارات الوطنيــة أو صــور الشــهداء وأســاءهم‪ ،‬أو أوقــات املس ـرات واإلرضابــات‪ ،‬إنــه عن ـ ٌ‬ ‫متفاعـ ٌـل مــع األرض واإلنســان يف عمليــة املقاومــة اليوميــة للمحتــل‪.‬‬ ‫ولهــذا‪ ،‬انتقــل الحائــط الــذي كان يحمــي فلســطني إىل حــدود‪ ،‬وســدود تفصــل بــن املواطــن واملســؤول‪ ،‬بني املواطــن والزعيــم‪ ،‬بــن املواطــن‬ ‫واملوظّــف؛ أل ّن املسـ َ‬ ‫ـؤول‪ ،‬والزعيــم‪ ،‬واملوظّــف ينظــرون إىل مصالحهــم الخاصــة‪ ،‬فيذعنــون لألمــر الواقــع‪ ،‬ويستســلمون للغــازي املحتــل‪:‬‬


‫ـب األصـ ِّم‪ ،‬وال ّدهـ ِر القــايس‪ ،‬واإلحسـ ِ‬ ‫ـاس الخامـ ِـد‪ ،‬والكرامـ ِة املهــدورة‪...‬؛ ألنّهــا ال تتقصــد‬ ‫أ ّمــا يف ديــوان عمــر شــبيل فــإ ّن األذ َن ترمـ ُز إىل القلـ ِ‬ ‫الســاع الجيــد‪ ،‬أياســتعامل هــذه الحاســة ليصــل بهــا اإلنســان إىل مرتبــة اإلنســانية‪ ،‬ومنهــا إىل الكــال‪ .‬بــل بالعكس‪ ،‬تتطــارش‪ ،‬وال تعطــي اهتاممــا أو انتباهــا ملــا يُقــال‪.‬‬ ‫لذلــك‪ ،‬تحجــب األذن مــا ال تريــد ســاعه‪ ،‬وتصبــح صـ ّـاء كالحائــط؛ يقــول الشّ ــاعر‪:‬‬ ‫الص ِ‬ ‫مت أذا ْن‬ ‫يف َّ‬ ‫لك ْن أين اآلذان؟!!!‬ ‫أنا أخجل من ٍ‬ ‫يس َم ُع ُه‬ ‫صوت ال ْ‬ ‫َّإل األموات‬ ‫‪ ‬‬ ‫الســاع الج ّيــد يُشــر إىل اختــاط األمــور‪ ،‬وطمــس‬ ‫واألذن التــي ال تســتمع تصبــح سـ ًدا يحجــب عــن صاحبهــا الرؤيــا الصحيحــة؛ أل ّن عــدم ّ‬ ‫والنجســية‪ .‬فيصبــح صاحبهــا إل ًهــا‪ ،‬والشّ ــاعر‬ ‫الحقيقــة الواقعــة‪ ،‬ومجانبــة الصــواب الــذي يســعى إليــه املواطــن‪ .‬وهــذا يشــر إىل االعتــداد بال ّنفــس‪ّ ،‬‬ ‫يريــده إنســانًا؛ إذ يقــول‪:‬‬ ‫يا مري ُم نحن نري ُد يسو َع ب َن اإلنسان‪،‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫وقــد يصبــح تاجـ ًرا يبيــع عرضــه وكرامتــه للغــازي‪ ،‬أو ثعل ًبــا يـراوغ‪ ،‬وميكــر ليتالعــب بالنــاس‪ ،‬ويقتـ َـل فيهــم طريــق الصــاح يك يبقــى الحــال‬ ‫عــى مــا هــو عليــه‪ ،‬ويتن ّعــم هــو مبلــذات الحيــاة‪ ،‬وحــاوة العيــش‪ ،‬والشّ ــخصانية‪:‬‬ ‫يا مري ُم من جاء ليطع َمنا ِعنبًا‬ ‫الثعلب‪،‬‬ ‫كان‬ ‫ْ‬ ‫النخل ليطع َمنا رسق الله([‪.)]9‬‬ ‫من ه ّز َ‬ ‫‪ ‬‬ ‫ويقول أيضً ا‪:‬‬ ‫رش الساس ُة والتجا ُر عىل ِ‬ ‫األرض([‪.)]10‬‬ ‫وانت َ‬ ‫‪ ‬‬ ‫ولك ّن كلمة الحق ستنفذ‪ ،‬وتد ّمر هذه الحيطان؛ أل َّن املخلّص جاء؛ يقول عمر شبيل‪:‬‬ ‫وإذا ما ِ‬ ‫روح القدس‪،‬‬ ‫جاءك ُ‬ ‫لينف َخ ِ‬ ‫فيك ُم َخل َِّصنا‪،‬‬ ‫النخل‬ ‫فخذي بيديك الجذعَ‪ ،‬وه ّزي ْ‬ ‫يَ َّساق ْط بني ِ‬ ‫فلسطيني‬ ‫يديك‬ ‫ٌّ‬ ‫يعرف كيف يقو ُم‪ ،‬وكيف ميوتُ ‪،‬‬ ‫وال يُصل َْب‪.‬‬ ‫‪..............‬‬ ‫يف يد ِه حج ًرا س ُيعي ُد الل َه إىل املسجد([‪.)]11‬‬


‫بصدور عارية تتح َد ْون املوت‬ ‫ُ‬ ‫املمسك يف ِيد ِه حج َرا‬ ‫هذا الطفل‬ ‫هم مؤمت ٌر َو ْح َد ُه‬ ‫السكّني‪،‬‬ ‫يشح ُذ بالجر ِح ّ‬ ‫كل املؤمترين‬ ‫خاطب َّ‬ ‫ويُ‬ ‫ُ‬ ‫بعزم ال ينف ْد‬ ‫ٍ‬ ‫فخذوا من حرشجة الصوت‬ ‫بال ًدا ال يخذلُها معنى أن تو َج ْد([‪. )]18‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫ولهــذا‪ ،‬يبقــى اإلطــار العمــودي منفت ًحــا عــى األحــام‪ ،‬والتمن ّيــات‪ ،‬والنظــر املســتقبيل‪ ...‬ونحــن نعلــم أ ّن الثــورات تبــدأ بحلــم‪ ،‬ومتـ ٍّن‪ ...‬مــا‬ ‫يرفــد الحيــاة بطاقــة إيجابيــة رغــم الظــام الــذي يش ـكّله الحائــط ببعده‪ ‬الجامعي‪ ‬والتاريخــي‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫وبكلمــة نقــول‪ ،‬إ ّن الشــاعر عمــر شــبيل عــرف كيــف يصــوغ عنــوان ديوانــه‪ ،‬ويُخرجــه‪ ،‬ويكثّفــه بشــكل لوحــة ف ّنيــة تـ ّ‬ ‫ـدل عىل‪ ‬براعــة يف‬ ‫الوصــول إىل املطلــوب‪...‬‬


‫يا ولدي‪،‬‬ ‫جدران األوطا ْن‬ ‫الساس ُة باإلذعان‪ ،‬وبالطغيان‬ ‫ه ّد َمها ّ‬ ‫يا ولدي‪ ،‬إ ّن الطّغيا َن اب ُن اإلذعان‬ ‫‪ ‬من كرث ِة ما متنا‬

‫([‪)]15‬‬

‫را نفس ـ ًّيا حام ًيــا‪ ،‬واق ًيــا‪ ،‬ولكــن اتضــاع‪ ،‬وانحطــاط‪ ،‬وانقيــاد‪ ،‬وحقــارة‪ ،‬وخضــوع‪ ،‬وخنــوع‪ ،‬ودنــاءة‪ ،‬ورضــوخ‬ ‫ويتجـ ّـى الحائ ـ ُط هنــا عن ـ ً‬ ‫الساســة‪ ،‬ح ّولــوه إىل عكــس امل ُرتجــى منــه إذ هدمــوه بفعــل مالحقتهــم للمقاومــن‪ ،‬والثّ ـ ّوار‪ ،‬فحـ ّـل الكفــن محـ ّـل الحــاط الحامــي‪ ،‬وامل ُخــر أصبــح‬ ‫ّ‬ ‫والســجان أصبــح جــدا َر فصــلٍ بــن املقــاوم‪ ،‬واملحتــل؛ يقــول الشــاعر‪:‬‬ ‫الحاجــز‪ّ ،‬‬ ‫من كرث ِة ما متنا‬ ‫ما عاد لنا أكفا ْن‬ ‫ماذا يجدي وط ٌن!!!‬ ‫والسجانْ‪.‬‬ ‫يحك ُمه امل ُخ ُرب ّ‬ ‫‪.............................‬‬ ‫رص يف‬ ‫يا ولدي‪ :‬ال‪ ،‬لن تب َ‬ ‫هذا الوطن العر ِّيب الواسعِ‬ ‫والسجان‪،‬‬ ‫ّإل املخ َرب ّ‬ ‫‪........................‬‬ ‫السجنِ لنا([‪.)]16‬‬ ‫باب ّ‬ ‫يك َ‬ ‫يفتح َ‬ ‫‪ ‬‬ ‫ـح البعـ ُد ال ّرمــزي للحائــط أشـ ّد قســاوة وعن ًفــا مــن عمليــة منــع العبــور مــن جهــة إىل أخــرى‪ ...‬ألنّــه يغـ ّـر معادلـ َة نظرتِنــا إىل‬ ‫وهكــذا‪ ،‬يصبـ ُ‬ ‫اآلخــر‪ .‬ويجعــل نفسـ َّي َة اإلنســانِ تنظـ ُر إىل الحائـ ِ‬ ‫ـط عــى أنّــه انعــكاس لصــورة الخــوف‪ .‬فيصبــح الحائــط بحــد ذاتــه عامـ ًـا إيجاب ًيــا للمقــاوم‪ ،‬يشــحذ‬ ‫همتّــه إىل عمــل املزيــد‪ ،‬وعامـ ًـا ســلبيًا للبــاين‪ ،‬يُظهــر خوفــه‪ ،‬وضعفــه؛ مــع أ ّن فعــل بنــاء الحائــط هــو مــن أجــل الحاميــة‪ ،‬والراحــة‪ ،‬والســكينة‪...‬‬ ‫نع ٌم‪ ،‬وأما َم جدا ٍر ال يبيك‪،‬‬ ‫قُ ِت َل «املبىك»‬

‫([‪)]17‬‬

‫يهرب‪.‬‬ ‫قتلو ُه‪ ،‬ومل ْ‬ ‫‪ ‬‬ ‫وبالتايل‪ ،‬يُشــر عمــر شــبيل هنــا إىل عقــم الحيــاة؛ أل ّن بعضنــا يصـ ّد بضعنــا اآلخــر ومينعنــا عــن ولــوج بابهــا‪ ،‬أي بــاب الحيــاة‪ ...‬لنمــوت مــن‬ ‫جمــود الحركــة‪ ...‬ولكـ ّن هــذا الصـ ّد‪ ،‬وهــذا املنــع هــو يف إطــار أفقــي فقــط‪ ،‬أي جمــود جيــل أكلــه الصــدأ‪ ،‬والعهــر التفــاويض‪ ...‬ولهــذا‪ ،‬عــاد الصــدى‬ ‫را احتالل ًيــا ال دخــل لــه باملــكان‪ .‬وأخــذ الفلســطيني‬ ‫مــع األجيــال الناشــئة‪ ...‬مــع أطفــال فلســطني‪ ...‬علّهــا تحقــق أحالمهــا؛ أل َّن هــذا الجــدار أصبــح عنـ ً‬ ‫يتحـ ّداه ويتحـ ّدى املــوت ليصبــح مدمــاكًا يف جــدار وطنــه فلســطني؛ يقــول الشــاعر‪:‬‬ ‫أ ّما أنتم يا أطفال فلسطني‬



‫الحرة‬ ‫الكلمة‬ ‫ّ‬ ‫د‪ .‬هويدا شريف‬ ‫صدق زهير بن أبي سلمى حين قال‪:‬‬ ‫ونصف فؤاده‬ ‫نصف‬ ‫لسان الفتى‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫فلم يبق إال صورة اللحم والدم‬

‫المــرء نصفــه أداء لســاني ونصفــه االخــر ثــراء داخلــي ‪،‬فمــن قُيّــض لــه أن يجمــع بينهمــا كان مبدعـا ُ ‪،‬وســاهم إبداعــه فــي‬ ‫إثــراء الثقافــة ‪،‬والثقافــة تغتنــي باألفــراد ‪ ،‬وال تقــوم وتزدهــر ّال اذا اندرجــت فــي مشــروع جماعــي يعبّــئ طاقــات الجماعــة‬ ‫ـرة ‪.‬‬ ‫فــي ســبيل هــدف مشــترك ‪،‬وكيــف إذا كان الهــدف هــو الكلمــة ال ّ‬ ‫صحيحــة ‪ ،‬الكلمــة الحـ ّ‬ ‫ـرة‪،‬‬ ‫فالكلمــة هــي البريــد إلــى القلــب والعقــل ‪ ،‬وســبيل الوصــول إلــى اإلقنــاع والتّفاهــم ‪.‬ولكــن إلــى مــاذا تنتمــي الكلمــة الحـ ّ‬ ‫ومــا هــو جذرهــا‪ ،‬و َمـ ْ‬ ‫ســك بالكلمــة‬ ‫ـن يتَّخــذ منهــا منهج ـا ً وطريق ـا ً فــي الحيــاة‪ ،‬ومــا هــي النّتائــج التــي تتم ّخــض عــن التم ّ‬ ‫الحــرة ســلوكا ً وفكــراً؟‪ ،‬فــي المقابــل مــن الــذي ال يرغــب بهــا‪ ،‬ويعلــن العــداء لهــا قــوالً وفعـاً‪ ،‬وال يــرى فيهــا شــرطا ً أساسـا ً‬ ‫الســتمرار الحيــاة بصــورة أفضــل‪ ،‬فيناقضهــا‪ ،‬الــى حـدّ العــداء والصــراع المصيــري أيضــا؟‪.‬‬ ‫عنــد اإلجابــة عــن الســؤالين ‪ ،‬البـدّ أن نخــوض فــي عمــق التّناقــض الحاصــل بيــن (الكلمــة الحــرة ونقيضهــا)‪ ،‬حتّــى يمكــن‬ ‫نتوصــل الــى فهــم للجانبيــن المتقابليــن بضديّــة إزاء بعضهمــا اآلخــر‪ ،‬علــى أن يت ـ ّم تف ّحصنــا لألمــر بصــورة مســتقاة‬ ‫أن ّ‬ ‫ـرة تحــت مجهــر التأويــل والتف ّحــص‬ ‫مــن التّجــارب الماضيــة أوال‪ ً،‬وممــا يحــدث فــي الواقــع اآلن‪ ،‬فعندمــا نضــع الكلمــة الحـ ّ‬ ‫أو االســتبطان أو ال ّ‬ ‫الحريــة‪ ،‬وهــذا يؤ ّكــد لنــا ّ‬ ‫شــرح‪ ،‬فـ ّ‬ ‫ـرة‬ ‫ـإن البــادرة االولــى ســوف تذهــب بنــا نحــو مفهــوم‬ ‫أن الكلمــة الحـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫تنتمــي دونمــا أدنــى شــك‪ ،‬لمبــدأ عظيــم ومجيــد‪ ،‬قدّمــت البشــرية مــن أجــل ترســيخه مئــات اآلالف بــل المالييــن مــن الضّحايــا‬ ‫ي بيــن أصحــاب الحريــة ودُعاتهــا‪ ،‬وبيــن أصحــاب‬ ‫ي ودمــو ّ‬ ‫واألرواح والممتلــكات النفيســة‪ ،‬وجــرى ذلــك فــي صــراع فكــر ّ‬ ‫الســلطة وســاطينها وتوابعهــا وغوغائيهــا عبــر التّاريــخ‪.‬‬ ‫ـريرة‬ ‫ـرة وعلـ ّـو شــأنها‪ ،‬ودورهــا فــي ترويــض النفــوس والعقــول الشـ ّ‬ ‫ـرف يؤكــد عظمــة الكلمــة الحـ ّ‬ ‫ولعـ ّل هــذا اإلنتمــاء المشـ ّ‬ ‫ســلطة تبــدأ مــن مؤسســة العائلــة‬ ‫التــي تنتمــي للســلطة بــكل أنواعهــا وأشــكالها‪ ،‬السياســة أو اإلقتصاديــة أو اإلجتماعيــة‪ ،‬فال ّ‬ ‫الصغيــرة‪ ،‬بســلطة األب‪ ،‬وصــوالً وامتــدادا ً الــى ســلطة القائــد األعلــى‪ ،‬ومــا بيــن هاتيــن الســلطتين مئــات األنــواع واألشــكال‬ ‫مــن الســلطات‪ ،‬كلّهــا تنطــوي علــى قطبيــن‪ ،‬األول قطــب العدالــة والمســاواة والخيــر علــى وجــه العمــوم‪ ،‬والثانــي قطــب‬ ‫ســبل‪ ،‬هــذه‬ ‫الظلــم والشــر‪ ،‬وك ّل مــا ينضــوي تحــت خيمتــه‪ ،‬ممــا يســيء الــى اإلنســانية بشــتّى األدوات واألســاليب وال ّ‬ ‫ســلطات كلهــا اذا انحرفــت وشـ ّ‬ ‫صــواب‪ ،‬تقــف بالضــد منهــا الكلمــة الحــرة‪ ،‬مــن أجــل التصويــب‪ ،‬ومــن‬ ‫ال ّ‬ ‫ـطت عــن الجــادّة ال ّ‬


‫أنت وأنا!‬ ‫صائــب‬ ‫لذلــك أقــول لكــم يــا رســل الكلمــة الصحيحــة ‪،‬نحــن وأنتــم معـا ً لإلبداع‪،‬معـا ً نحــو صولجــان الموضوعيّــة والــرأي ال ّ‬ ‫معـا ً لبنــاء وطــن عــادل‪.‬‬


‫ـر‬ ‫أجــل إحقــاق الحــق‪ ،‬حتّــى لــو كانــت التكلفــة غاليــة ونفيســة‪ ،‬وهنــا تبــدأ – كمــا حــدث عبــر التاريــخ‪ -‬عمليــة صــراع ال يقـ ّ‬ ‫ســلطة‬ ‫لهــا قــرار بيــن نقيضيــن ال يمكــن أن يلتقيــا مــع بعضهمــا‪ ،‬الختــاف األهــداف والقيــم واألســاليب‪ ،‬فــإذا كانــت ال ّ‬ ‫المتجبــرة تتوشــح بــرداء الــدم والقتــل والقــوة الغاشــمة‪ ،‬فــإن الكلمــة الحــرة تتوشــح بــرداء الحــق والشــجاعة‪.‬‬ ‫وهكــذا أنتــم ‪،‬يــا رســل الكلمــة الحــرة (الجيــل الصاعــد واالمــل الواعــد) أمــام قطبيــن متضاديــن‪ ،‬أحدهمــا ينتمــي للحريــة‬ ‫بــكل مــا تعنيــه هــذه الكلمــة‪ ،‬واآلخــر ينتمــي الــى الســلطة بــكل مــا يعنيــه هــذا (الشــر) الــذي البــد منــه‪ ،‬ولعــل أصعــب مــا‬ ‫يواجــه البشــرية مــن اختبــارات‪ ،‬تكمــن فــي عــدم قدرتهــا علــى التخلــص مــن الســلطة‪ ،‬بــل لعــل االنســانية تبقــى مــا بقــي‬ ‫االنســان حيّــا يتوالــد علــى االرض‪ ،‬تحتــاج الــى الســلطة كــي ّ‬ ‫تنظــم حياتهــا‪ ،‬ولكــن المــأزق يتمثــل دائمــا بخــروج الســلطة‬ ‫عــن حدودهــا‪ ،‬فغالبــا مــا يكمــن فــي رحــم الســلطة وحــش‪ ،‬يُصعَــب ترويضــه‪ ،‬وفــي الوقــت نفســه ال منــاص لالنســان‬ ‫مــن التعامــل مــع هــذا الوحــش لضــرورات الحيــاة وديمومتهــا‪ ،‬هنــا يكمــن ســاحكم فــي هــذا المجــال ‪،‬هــو الكلمــة الحــرة‬ ‫الشــجاعة الجريئــة مــع االحتفــاظ دائمــا بســمة وصفــة التــوازن‪ ،‬حتــى تبقــى الكلمــة الحــرة فــي مأمــن مــن االنــزالق نحــو‬ ‫االنحــراف والزيــف‪.‬‬ ‫إذا ً يــا اصحــاب الكلمــة الحــرة ودعــاة الحريــة‪ ،‬يــا مــن ترفعــون علــم التقــدم والتطــور واالبــداع‪ ،‬وهــذا حــق مــن حقوقكــم‬ ‫لكــي تصلــوا الــى صنــع حيــاة كريمــة تــوازي قيمــة االنســان وحرمتــه‪ ،‬و غالبــا مــا تكــون هــذه الكلمــة فــي درجــات عاليــة‬ ‫مــن الســمو والقبــول واالحتــرام‪ ،‬فتهفــو لهــا قلــوب النــاس وعقولهــم‪ ،‬وتصطــف معهــا نصــرة ً للحــق والعلــم والحقيقــة‬ ‫والجمــال‪ ،‬عليكــم مواجهــة الطــرف اآلخــر الســلطة المنحرفــة‪ ،‬وادواتهــا‪ ،‬مــن األنانييــن الذيــن ال يعرفــون قيمــة الكلمــة‬ ‫الصحيحــة‪ ،‬فتراهــم يســتميتون للوصــول الــى اهدافــه عبــر التهريــج والتلفيــق وأســاليب أخــرى كثيــرة ترتكــز علــى التســقيط‬ ‫صــراع وهــذا الصــراع موجــود‬ ‫والقمــع وســلب‬ ‫الحريــات كلّهــا‪ ،‬حتــى حريــة الــكالم والــرأي تتــم مصادرتهــا‪ ،‬فينشــأ ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويســتمر بيــن طرفيــن لــم يغــب وجودهمــا عبــر التاريــخ والمســار البشــري المتواصــل‪.‬‬ ‫رواد الكلمــة الحــرة دائمــا‪ ،‬ومــن يؤازرهــا ويصطــف بقــوة الــى جانبهــا‪ ،‬مــن أماكنكــم علــى‬ ‫لــذا ال بــد مــن أن تكونــوا مــن ّ‬ ‫مقاعــد الدراســة‪ ،‬لكــي تســتطيعوا فــي المقابــل الوقــوف ومواجهــة الغوغائييــن‪ ،‬فالغلبــة للكلمــة الحــرة ومناصريهــا‪ ،‬ويكــون‬ ‫الخســران والخــذالن للســلطة الجائــرة المنحرفــة‪ ،‬هــذا مــا اخبرتنــا بــه تجــارب التاريــخ البشــري الطويــل‪ ،‬وأفصحــت عنــه‬ ‫االحــداث المنظــورة والقريبــة واآلنيــة‪ ،‬فــا غلبــة للظلــم علــى الحريــة‪ ،‬وليــت يفهــم هــذا ســاطين العصــر الراهــن‪ ،‬أولئــك‬ ‫الســاطين المتجبريــن الذيــن ال يــرون مــن الواقــع إال أنوفهــم ومصالحهــم وســلطانهم‪ ،‬ومــا عــدا ذلــك‪ ،‬فهــم منغمســون فــي‬ ‫صــراع مريــر مــع الحريــة ودعاتهــا‪ ،‬والكلمــة الحــرة‪ ،‬التــي لــم يســتطيع الغوغــاء كبــت صوتهــا علــى مــر التاريخ‪ .‬ألنــه‬ ‫تتقــد فــي قلوبكــم الشــابة‪ ،‬رغبــة فــي بنــاء عالــم افضــل‪.‬‬ ‫ولكــن يبقــى الســؤال‪ :‬مــن أيــن نبــدأ؟ ســأل أحدهــم االم تيريــزا يومـا ً مــا الــذي نحتــاج اليــه لنغيّــر الكنيســة‪:‬؟ فكانــت إجابتها‪:‬‬



‫مثل أكرم من حاتم الطائي‬ ‫قصة من نوادر العرب‬

‫ســأل رجــل حاتــم الطائــي‪ ،‬وهــو مضــرب أمثــال العــرب فــي الكــرم‪ ،‬فقــال‪ :‬يــا حاتــم هــل غلبــك‬ ‫أحــد فــي الكــرم؟ قــال‪ :‬نعــم غــام يتيــم مــن طــي نزلــت بفنائــه وكان لــه عشــرة أرؤس مــن الغنــم‪،‬‬ ‫فعمــد إلــى رأس منهــا فذبحــه‪ ،‬وأصلــح مــن لحمــه ‪ ،‬وقــدم إلــي وكان فيمــا قــدم إلــي الدمــاغ‬ ‫فتناولــت منــه فاســتطبته‪.‬‬ ‫فقلــت ‪ :‬طيــب وهللا ‪ ،‬فخــرج مــن بيــن يــدي وجعــل يذبــح رأس ـا ً رأس ـا ً ويقــدم لــي الدمــاغ وأنــا‬ ‫ال أعلــم ‪ ،‬فلمــا خرجــت ألرحــل نظــرت حــول بيتــه دمـا ً عظيمـا ً وإذا هــو قــد ذبــح الغنــم بأســره‬ ‫فقلت له ‪ :‬لم فعلت ذلك؟‬ ‫ســبة علــى العــرب قبيحة!‬ ‫فقــال‪ :‬يــا ســبحان هللا تســتطيب شــيئا ً أملكــه فأبخــل عليــك بــه ‪ ،‬إن ذلــك ل ُ‬ ‫قيل يا حاتم ‪ :‬فما الذي عوضته؟‬ ‫قال‪ :‬ثالثمائة ناقة حمراء وخمسمائة رأس من الغنم‬ ‫فقيل‪ :‬إذا ً أنت أكرم منه‬ ‫فقال‪ :‬بل هو أكرم‪ ،‬ألنه جاء بكل ما يملك وإنما جدت بقليل من كثير‪.‬‬



‫‪ ‬الحلم‪ ‬‬ ‫د‪ .‬حسن فرحات‬ ‫الحلم او القَ ْدر وما بينهما من واقع‪ . ‬من كان يدري ان تسري بي األيام حتى أكون ‪ ‬هنا‬ ‫انه ِ‬ ‫معك‪ ‬حبيبتي ومعكم‬ ‫ِ‬ ‫الحلم يعيش بعيدا ً عن الواقع‪.‬فأنا لم أكن ‪ ‬اعلم بل كنت أحس بأن‬ ‫احبتي‪.‬لقد كنت ارى ِ‬ ‫هناك‪ ‬شيئا ً مفقوداً‪ ‬في هذه الحياة‪ ،‬ودائما كنت اتساءل لماذا هذه الحياة معقدة ولماذا ال تشبهني‬ ‫أبدا ً ‪ ‬وال انا أشبهها ‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬فكل منا ال يفهم لغة االخر‪ ،‬فبعد ‪ ‬فلسفات خيالية وجدال بيزنطي عقيم ‪ ‬استمر زهاء عقدين من‬ ‫الزمن ‪ ‬منذ ان غادرت الوطن الجريح ووطأت قدماي ارض االجداد في األندلس ومن ثم الحقا‬ ‫بالد العم سام ‪ .‬وبعد كل هذا ‪ ‬الجدال ‪ ‬الذي اهلك كياني ‪ ‬وكسر قلبي وعذّب روحي ‪ ،‬عزمت‬ ‫امري على التحاور ‪ ‬و المصالحة ‪ ‬في ما بيننا‪ ،‬فانتجا ‪ ‬في ما بعد صلحا ‪ ‬أبديا ً ال رجعة ‪ ‬فيه‬ ‫الى الوراء ‪ ‬واتفقنا على ان نكمل هذاالمشوار الطويل والشاق معا ً ‪ ‬فال انا أزعجها وال هي تقف‬ ‫عثرة في إيصال ‪ ‬صوتي ‪ ‬الخافت ورسالتي ‪ ‬المتواضعة الى من أحب « يا حلوين» وأعشق ‪..‬‬ ‫لقد قذف بي القدر الى المجهول منذ الصغر‪ ،‬الى هذه الغربة القاتمة ‪ ، ‬المؤلمة والمجهولة‬ ‫النهاية‪.‬فقد ‪ ‬كنت عند اي معضلة تصادفني كنت ‪ ‬أتذكر الضيعة ‪ ،‬وكيف كنت ‪ ‬آنس باألهل ‪،‬‬ ‫والجيران ‪ ‬وبصياح الديك ‪ ‬ومتعة ‪ ‬سماع القرأن الكريم ‪ ‬عند ‪ ‬الفجر ‪ ‬وأصوات ‪ ‬أجراس كنيستنا‬ ‫التي تبعث على الطمأنينة والمحبة ‪ ،‬و زغردة ‪ ‬العصافير في ‪ ‬حديقتنا ‪ ‬الصغيرة ‪ ‬الجميلة ‪ ‬في‬ ‫نظري‪...‬فلهذا ‪ ‬كنت أتألم عند فقدان االحبة والجيران ولم أكن اعلم اني لن اراهم مرة ثانية‪،‬‬ ‫ولكن سيرتهم العطرة بقيت مالزمة و راسخة ‪ ‬في ذاكرتي ‪ ‬كما هي عند مغادرتي االولى للواقع‬ ‫«الضيعة» في ‪ ‬رحلة ‪ ‬الال نهاية‪.‬‬ ‫قد يبدو تحقيق الحلم في عالم االغتراب أمرا ً ‪ ‬سهل المنال الى كل من هاجر طوعا ً او قسرا ً‬ ‫‪ ،‬ولكن هذا من سابع المستحيالت ‪ ،‬وليس ممكنا ً ان نثق بهذه الحياة ‪ ‬الجديدة التي ال تشبه‬ ‫ابدا الحياة االولى ‪ ،‬قد يحقق ‪ ‬البعض بعضا ً من هذا الحلم ‪ ‬وان تهنأ بحياة كريمة ولكن داخلك‬ ‫يرفضها وال يهضمها ‪ ‬كطعام ال ترغب ‪ ‬بتناوله ‪ ‬ولكنك مجبر ‪ ‬على تناوله حتى يبقى جسدك‬ ‫ينمو ولكن بال روح ‪ ،‬الن الروح تسكن هناك ‪ ‬في ارض األنبياء والرسل ‪ ،‬وأرض االجداد‬ ‫واالبطال ‪.‬‬


‫ان لم تحقق حلمك في هذه المغامرة» الغربة» ‪ ‬غير المدروسة فال تدع ‪ ‬اليأس يدخل روحك‪،‬‬ ‫وافرح وابتسم دائما اذا رأيت او سمعت ان قريبا ً لك او صديقا ً حقق بعضا ً من هذا الحلم ‪ ،‬الن‬ ‫الحب ‪ ‬والتمنيات النابعة من القلب إلى القلب ‪ ‬هي عدوى صحية ‪ ‬للجسد والروح‪ .‬فاألمل في‬ ‫غد يزيل اليأس من القلب وما دمت تبحث عن الروح ‪ ،‬فالروح مالزمتك فال تدعها تنفصل عن‬ ‫عالمك الوجداني ‪ ،‬العاطفي والرومانسي ‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬اني اعتقد وآمل من ان هذه المجلة ‪ ‬المتواضعة « اليف ستايل « التي ‪ ‬تصفكم ب « يا حلوين‬ ‫« ‪ ‬ستشكل انطالقة ‪ ‬مشجعة لي ولكم ‪ ‬على امل ان تحقق بعضا ً ‪ ‬من حلمنا ‪ ‬جميعا في عالم‬ ‫االغتراب باالتكال على أنفسنا ‪ ،‬وعلى هللا ‪ ...‬‬




‫ٌّ عبر الموت‬ ‫حب‬ ‫عمر شبلي‬

‫الى بيروت الشاهدة‪،‬الشهيدة‬

‫ْ‬ ‫ُ فوق الماء قد مأل المفاصل بالتعب‬ ‫السير‬ ‫ْ‬ ‫ّه التعب الذي مأل المعابر بالصهيل‬ ‫لكن‬ ‫وأصيح في الشوط األخير‪:‬‬ ‫أنا الذبيح بن الذبيح‪ ،‬وتغرق األرسان في‬ ‫عنقي‪ ،‬وأبصر دون ماء األهل قبري‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫تمتد في قبري‬ ‫ساحة‬ ‫ثم أبصر‬ ‫وتحلم بالرجال‬ ‫من طول ما مارست موتي‬

‫ً‬ ‫ّوني دافئا‬ ‫ُ ليلة شيع‬ ‫صار يشبهني‪ ،‬وكان الرمل‬ ‫ُ أّ‬ ‫ٍ بقربي‬ ‫ن جنازة امرأة‬ ‫فحلمت‬ ‫ُ على الرمال‬ ‫فانسللت‬

‫ٍ تعاليْ‪ :‬لن يرانا العابرون‬ ‫يا أجمل امرأة‬

‫ُ أحزاني على ذاك الترابِ‪ ،‬وقلت‪ :‬يغفر لي‬ ‫ونشرت‬ ‫ألنيّ لم أمارس غير موتي‪،‬‬

‫والمدينة ليس تحبل من غبار الطلع أو ريح الجباليا‬ ‫ُ ألننا فقراُ‬ ‫ء‪،‬‬ ‫ٍ نموت‬ ‫َ امرأة‬ ‫أجمل‬ ‫والفقراُ‬ ‫ء في كل العصور هم الجنازة والطريق‪.‬‬ ‫ُ يا أغلى‬ ‫بيروت‬

‫ْ أعناقنا‬ ‫ّت‬ ‫القبور تأخر‬

‫عن أجمل الشرفات‪ ،‬وهي تغوص في دمك الوثير‪.‬‬

‫ُ يفتح في الصنوبر ثغرً‬ ‫ِنامن أين هذا‬ ‫ة لعناق‬ ‫والصوت‬ ‫ْن‪ ،‬ثم يصير إكليالً‬ ‫ُّ ينمو بين مقبرتي‬ ‫الحب‬ ‫ٍ‬ ‫لرأسِ مدينة‬


‫ْ من الشرفاتِ قبل نعاسها !!؟‬ ‫َت‬ ‫سقط‬ ‫وأمام موكبها ومملكة الجياع‬ ‫سقط الرهاُ‬ ‫ن على الفرح‬ ‫ْ‬

‫ٍ خضراَ‬ ‫ء تحت حطامها‬ ‫وبلهفة‬

‫ّالة المهر الصغير‬ ‫ْتِ عن سي‬ ‫مسّح‬

‫بعضَ الغبار‪ ،‬وما َ‬ ‫ْ‬ ‫َ من زهر التعب‬ ‫ْتِ جبينه المجروح‬ ‫مسَح‬ ‫َ لغير من‬ ‫ال تضفري هذا الصهيل‬ ‫ً عن مدينتهم‪،‬‬ ‫سقطوا دفاعا‬

‫فإّ‬ ‫ن الموت دون جنازة األحباب‬ ‫ملعبنا األخير‬ ‫ً يقّ‬ ‫دم في الجنازة‪،‬‬ ‫والمهر‪ ،‬يا أختاه‪ ،‬أحيانا‬ ‫وهو مجروحٌ‪،‬ويعصب جرحه‬ ‫منديل أمتنا الكبير‬

‫ ‬

‫آراك ‪-‬‬

‫‪1986‬‬




‫وفاء العرب‬ ‫ح َّ‬ ‫فــي عهــد الخالفــة العباســية‪ ،‬وفي مدينــة الكوفــة‪ ،‬ال َ‬ ‫جــاج بــن يوســف الثقفــي‬ ‫واض ـ ٌ‬ ‫ع ِرجــا ً علــى أخــرى وهــو يحملِــق بعينيــه فــي الس ـيَّاف الــذي يضــرب رقــاب‬ ‫أنـ�اس حاولـ�وا أن يتمـ� َّردوا علـ�ى أمـ�ر الخليفـ�ة األمـ�وي‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫الدمــاء تســيل علــى األرض وهــي تخــط خطوطًــا للطــول وأخــرى لل َعــرض؛ ل َر ْ‬ ‫ســم‬ ‫ح َّ‬ ‫مأســاة يتيمــة لهــؤالء النــاس الذيــن ينتظــر كل واحــد منهــم حتفــه علــى يــد ال َ‬ ‫جــاج‬ ‫اآلثمـ�ة‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫ن معل ًنا ُقرب صالة المغرب‪.‬‬ ‫في هذه األجواء ال َّراعبة يعلو صوت المؤ ِذّ ِ‬ ‫‪ ‬‬ ‫الحجاج ينادي بأعلى صوته‪ :‬يا ُقتيبة‪ ،‬يا ُقتَيبة‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫قتيبة‪ :‬لبيك وسعديك‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫الحجاج‪ُ :‬‬ ‫خ ْذ هذا الرجل‬ ‫وبكّ ْر به غ ًدا لينال ما ناله أقرانه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪ ‬‬ ‫قتيبة‪ :‬سم ًعا وطاعة‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫ـس جلبابــه األســود معل ًنــا انتهــاء ضيــاء النهــار‪ ،‬حينهــا يخــرج قتيبـ ُ‬ ‫بــدأ الكــون يلبَـ ُ‬ ‫ـة‬ ‫مــن قصــر الحجــاج متج ًهــا إلــى بيتــه‪ ،‬وبصحبتِــه األســير الــذي ُ‬ ‫يرفـ ُ‬ ‫ـل فــي القيــود‪،‬‬ ‫وهــو يمشــي بخطًــى تقــوده إلــى نهايتــه البائســة‪ ،‬وقــد تح َّ‬ ‫جــرت الدمــوع فــي عينيه‬ ‫ل مــا نــزل بــه مــن عـ ُ‬ ‫ـل‪ ،‬وهــو‬ ‫ط ْع أن تجــد لهــا أخــدو ًدا تجــري فيــه؛ لهــو ِ‬ ‫فلــم تســت ِ‬ ‫األعــزل الضعيــف‪ ،‬يكســر حاجــز الصمــت صــوت الرجــل الميــت الحــي‪ ،‬وهــو يقــول‬ ‫لقتيبـ�ة‪ :‬إنـ�ي سـ ُ‬ ‫�ائل َ‬ ‫ك طلبًـ�ا‪ ،‬فهـ�ل لـ�ك أن تجيبـ�ه لـ�ي؟‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫قتيبة‪ :‬وما هو طلبك يا أ َ‬ ‫خا العرب؟‬ ‫الرجــل‪ :‬أن ت ُفــ َّ‬ ‫ك قيــودي حتــى أذهــبَ إلــى أهلــي وأو ِدّ َعهــم‪ ،‬وأكتــبَ وصيتــي‪،‬‬


‫‪ ‬‬ ‫يســهب بعدهــا قتيبــة فــي قصــة صاحبــه‪ ،‬والحجــاج منصـ ٌ‬ ‫ـت إليــه فــي دهشــة‪ ،‬ولمــا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وهبــت لــك الرجــل ُ‬ ‫لحســن صنيعــه‪ ،‬فيخ ُرجــان‬ ‫الحجــاج‪ :‬قــد‬ ‫أتــم كالمــه قــال لــه‬ ‫بعدهــا مــن عنــد الحجــاج‪ ،‬والرجــل طــوا َ‬ ‫هللا علــى مــا أنعــم بــه‬ ‫ل الطريــق يشــكر َ‬ ‫عليــه‪ ،‬ولــم يقــل حتــى كلمــة شــكر لقتيبــة! فتع َّ‬ ‫جــب قتيبــة مــن فعلــه‪ ،‬ولكنــه الذ‬ ‫ت مطبــق‪ ،‬واكتفــى بمشــاهدة آثــار البشــرى التــي ارتســمت علــى وجــه‬ ‫بصمــ ٍ‬ ‫الرجـ�ل‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫ولكنه أس َّر شي ًئا في نفسه!‬ ‫بعــد ُمضــي ثالثــة أيــام يطــرق طــارق بــاب قتيبــة فيفتحــه‪ ،‬فيــرى أمامــه الرجــ َ‬ ‫ل‬ ‫والدمــوع تســيل علــى وجهــه؛ لترس ـ َ‬ ‫م أبــرع آيــات الشــكر الصامــت للرجــل الــذي‬ ‫ُ‬ ‫ت الكلمـ ُ‬ ‫كان لــه الفضـ ُ‬ ‫ـات‪ ،‬وتاهــت الحــروف‪،‬‬ ‫ـل بعــد هللا عــز وجــل فــي نجاتِــه‪ ،‬تلعثمـ ِ‬ ‫ـد ِر الرجـ ُ‬ ‫ولــم يَـ ْ‬ ‫ـل مــا يقــول‪ ،‬ولكنــه تمتــم بكلمــاتٍ رائعــة فقــال‪ :‬ال تظــن أننــي نســيت‬ ‫صني َعــك‪ ،‬ولكننــي خفـ ُ‬ ‫ك مــع هللا آ َ‬ ‫ـت أن أشــر َ‬ ‫خ ـ َر فــي شــكره‬


‫ُ‬ ‫وأصلـ� َ‬ ‫ح شـ�أني‪ ،‬وعلـ�ي عهـ� ٌد أن آتيَـ� َ‬ ‫الصبـ�ح‪.‬‬ ‫ك قبـ�ل أن ُيسـ� ِف َر‬ ‫‪ ‬‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫يائســا‪ ،‬حينهــا يخــر الرجــل‬ ‫قتيبــة ضحكــ ًة جعلــت اآلخــر يمتلــئ‬ ‫هنــا يضحــك‬ ‫ســحن ُته وهــو يرجــو قتيبـ َة أن يحقـ َ‬ ‫ـق لــه‬ ‫وسالســله جاثيًــا علــى األرض وقــد تغيَّــرت ِ‬ ‫معل ّـ�ق عينيـ�ه فـ�ي وجهـ�ه وهـ�و يرجـ�وه‪.‬‬ ‫طلبـ�ه‪ ،‬ولكـ�ن قتيبـ�ة صمـ�ت هنيهـ� ًة‪ ،‬واآلخـ�ر‬ ‫ِ‬ ‫‪ ‬‬ ‫ـل‪،‬‬ ‫فمــا كان مــن قتيبــة إال أن تــدرك الرحمــة قلبَــه‪ ،‬ويفــك قيــو َد الرجــل علــى عجـ ٍ‬ ‫ويذهــب هــذا إلــى ســبيله‪ ،‬وقتيبــة مــا زال واق ًفــا منتصبًــا فــي مكانــه لــم يحــ ِرّ ْ‬ ‫ك‬ ‫ســاك ًنا‪ ،‬وعينــاه تتبعــان الرجــل فــي صمــت‪ ،‬بينمــا هنــاك معركــة ال هــوادة فيهــا تــدور‬ ‫يفكّـ ُر ويقـ ّ‬ ‫فــي رأســه‪ ،‬وهــو‬ ‫در فيمــا أقــدم عليــه‪ ،‬فلمــا اختفــى الرجــل جعــل بعدهــا‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ينــادي بأعلــى صوتــه وقــد أســقط فــي يــده‪ ،‬ولكــن اآلخــر لــم يسـم َْعه وانصــرف إلــى‬ ‫سـ�بيله‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫فعلِم أنه أتى أمرًا ال جائز َة عليه إال سيف الحجاج!‬ ‫تطــاول الليــل‪ ،‬وغــارت نجو ُمــه‪ ،‬وقتيبــة محملـ ٌ‬ ‫ـق بعينيــه فــي الســماء‪ ،‬قــد ل ِبســه‬ ‫ًّ‬ ‫يــذ ْ‬ ‫جلبــاب األرق مــن أوســع أكمامــه‪ ،‬ولــم ُ‬ ‫عاضــا علــى‬ ‫ق جفنــاه النــوم‪ ،‬فبــات‬ ‫أصابــع النــدم ممــا أقــدَم عليــه‪ ،‬ســاب ً‬ ‫حا فــي خيالــه‪ ،‬ووخــز الســيف علــى رقبتِــه‬ ‫صلهــا عــن جســده؛ ليســبح فــي بركــة مــن الدمــاء الحمــراء القانيــة‪ ،‬فرثــى‬ ‫وهــو يف ِ‬ ‫ـمس تخ ـ ُر ُ‬ ‫ُ‬ ‫عهــا وهــي تمــأ‬ ‫لحالــه ومآلــه‪ ،‬وبعــد جهــد جهيــد بــدأت الشـ‬ ‫ج مــن مخد ِ‬ ‫الكــون ضيــا ًء‪ ،‬وعلــى أثــر ضيائهــا تزقــزق العصافيــر محلّقــة فــي الكــون الفســيح‪،‬‬ ‫معلنــة عــن بَــد ِء يــوم مشــرق باألمــل‪ ،‬وعلــى الجانــب اآلخــر‪ ،‬هنــاك مــن يــو ِدّ ُ‬ ‫ع أهلــه‬ ‫َّ‬ ‫ـن‪،‬‬ ‫بعينيــن متقرّحتيــن‪ ،‬كســاهما اليــأس مــن كل جانــب‪ ،‬قــد أثــر فيهــا ســه ٌر ُمضـ ٍ‬ ‫حتـ�ى ضاقـ�ت عليـ�ه األرض بمـ�ا رحبـ�ت‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫يهـ ُّ‬ ‫قتيبـ ُ‬ ‫ـة ُ‬ ‫ـم بالخــروج إلــى الحجــاج مبكـرًا‪ ،‬وقبــل ذلــك أخــذ جولــة أخيــرة فــي ردهــات‬ ‫ق البــابَ طـ ٌ‬ ‫ل ذلــك أهلــه‪ ،‬وفجــأة يطـ ُر ُ‬ ‫ً‬ ‫مودعــا جدرانــه‪ ،‬وق ْبـ َ‬ ‫ـارق‪ ،‬فيســرع مــن‬ ‫البيــت‬ ‫فــوره إلــى البــاب‪ ،‬فيــرى غريمــه واق ًفــا أمامــه‪ ،‬موفيًــا بعهــده ووعــده‪ ،‬فارتســمت‬ ‫بشــائ ُر الفــرح عليــه‪ ،‬وألقــى بثــوب الهــم جانبًــا‪ ،‬وهــو يفتــح ذراعيــه ليغــوص فــي‬ ‫فــوره ذ َ‬ ‫عجــل بعــد أن‬ ‫هــب إلــى قصــر الحجــاج علــى‬ ‫الرجــل بقــوة‪ ،‬ومــن‬ ‫أحضــان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ح َّ‬ ‫قتيبــة علــى ال َ‬ ‫أحكــ َ‬ ‫جــاج‬ ‫م القيــود فــي يــدي الرجــل‪ ،‬وفــي دار األميــر يســتأذن‬ ‫يرسـ ُ‬ ‫ُ‬ ‫فيـ�أذن لـ�ه‪ ،‬فيدخـ�ل أوال ً والرجـ�ل اآل َ‬ ‫�ف فـ�ي قيـ�وده‪.‬‬ ‫ف أثـ� َره وهـ�و‬ ‫خـ� ُر مقتـ� ٍ‬ ‫‪ ‬‬ ‫قتيبة مخاطبًا الحجاج‪ :‬أيها األمير‪ ،‬هل لي أن أحدثَ َ‬ ‫ك بأمر صاحبي؟‬ ‫ُ‬ ‫الحجاج‪ :‬ق ْ‬ ‫ل ما تريد‪.‬‬



‫المقامة الدينارية‬ ‫بديع الزمان الهمذاني‬ ‫صــد ُ‬ ‫ســى ب ُ‬ ‫علــى أ َ ْشــ َح ِذ‬ ‫ْــن ِه ٍ‬ ‫َّق ِبــ ِه َ‬ ‫َح َّدثَنَــا ِعي َ‬ ‫شــام قَــا َل‪ :‬اتَّفَــقَ لــي نَــ ْذ ٌر نَ َذ ْرتُــهُ فــي دِين ٍ‬ ‫َــار أَت َ َ‬ ‫ص ـ َّدقَ‬ ‫ي‪ ،‬فَم َ‬ ‫ع ْن ـهُ‪ ،‬فَ ُد ِل ْلــتُ َ‬ ‫ســأ َ ْلتُ َ‬ ‫َر ُج ـ ٍل بِبَ ْغ ـ َدا َد‪َ ،‬و َ‬ ‫ض ْيــتُ ِإلَ ْي ـ ِه ألَت َ َ‬ ‫اإل ْس ـ َك ْن َد ِر ِّ‬ ‫علــى أَبِــي الفَتْ ـ َح ِ‬ ‫اجت َ َمعَـ ْ‬ ‫ســانَ ‪ ،‬أَيُّ ُك ـ ْم‬ ‫علَ ْي ـ ِه‪ ،‬فَ َو َج ْدت ُـهُ ِفــي ُر ْفقَ ـةٍ‪ ،‬قَ ـ ْد ْ‬ ‫ـت َ‬ ‫ِب ـ ِه َ‬ ‫سا َ‬ ‫علَ ْي ـ ِه فــي َحلَقَ ـةٍ‪ ،‬فَقُ ْلــتُ ‪ :‬يَــا بَنــي َ‬ ‫ي‪ :‬أَنَــا‪َ ،‬وقَــا َل‬ ‫ص ْنعَتِ ـهَ‪ ،‬فَأُع ِ‬ ‫ـر ُ‬ ‫ف بِ ِسـ ْـلعَتِه‪َ ،‬وأ َ ْش ـ َحذُ فــي َ‬ ‫ْطي ـهُ ه ـ َذا ال ِدّينَـ َ‬ ‫أ َ ْعـ َ‬ ‫اإل ْس ـ َك ْن َد ِر ُّ‬ ‫ـار؟ فَقَــا َل ِ‬ ‫ع ـ ِة‪ :‬الَ‪ ،‬بَـ ْ‬ ‫احبَ ـهُ‪،‬‬ ‫ار َ‬ ‫ـل أَنَــا‪ .‬ث ُـ َّم تَنَاقَ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫آ َخـ ُ‬ ‫ـر ِمــنَ ال َج َما َ‬ ‫شــا ّحتَّــى قُ ْلــتُ ‪ِ :‬ليَ ْش ـت ُ ْم ُك ٌّل ِم ْن ُك َمــا َ‬ ‫شــا َوت َ َه َ‬ ‫ــز بَ َّ‬ ‫ع َّ‬ ‫ب‪َ ،‬و َم ْ‬ ‫فَ َم ْ‬ ‫ــن َ‬ ‫ــوز‪ ،‬يَــا ُك ْربَــةَ ت َ ُّمــوزَ ‪،‬‬ ‫ي‪ :‬يَــا بَ ْ‬ ‫ــن َ‬ ‫ســلَ َ‬ ‫غلَ َ‬ ‫ــب َ‬ ‫ــر َد العَ ُج ِ‬ ‫اإل ْســ َك ْن َد ِر ُّ‬ ‫ــز‪ ،‬فَقَــا َل ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ــوز‪ ،‬يَــا د ِْرهَمــا ً ال يَ ُج ُ‬ ‫ــوز‪ ،‬يَــا َحد َ‬ ‫ــب‬ ‫ســنَةَ البُ ِ‬ ‫ــوس‪ ،‬يَــا َك ْو َك َ‬ ‫يَــا َو َ‬ ‫ِيــث ال َم ِغّنيــنَ ‪ ،‬يَــا َ‬ ‫ســ َخ ال ُك ِ‬ ‫ــوس‪ ،‬يَــا َو َ‬ ‫ْــن‪ ،‬يَــا غَــ َداة َ‬ ‫ــوس‪ ،‬يَــا ت ُ ْخ َمــةَ َّ‬ ‫الــرؤ ِ‬ ‫طــأ َ الكابُ ِ‬ ‫النَّ ُح ِ‬ ‫ْــن‪ ،‬يَــا َر َمــ َد العَي ِ‬ ‫ُس‪ ،‬يَــا أ ُ َّم ُحبَي ِ‬ ‫ـن يَــا ِس ـ َمةَ ال َّ‬ ‫ش ـي ِْن‬ ‫ـن يَــا َم ْقت َـ َل ال ُح َ‬ ‫ـراقَ ال ُم ِحبَّ ْيــن‪ ،‬يَــا َ‬ ‫ـن‪ ،‬يَــا ِفـ َ‬ ‫س ـي ِْن يَــا ِثقَـ َل ال َّد ْيـ ِ‬ ‫ســاعةَ ال َح ْيـ ِ‬ ‫ْالبَ ْيـ ِ‬ ‫س ـنَةَ‬ ‫ـوم يَــا َ‬ ‫ـوم يَــا بَادِي ـةَ َّ‬ ‫يَــا بَري ـ َد ال ُّ‬ ‫ـوم يَــا َم ْن ـ َع ال َما ُ‬ ‫الزقُّـ ِ‬ ‫ـوم يَــا ث َ ِري ـ َد الثُّـ ِ‬ ‫ط ِري ـ َد اللُّـ ِ‬ ‫شـ ِ‬ ‫ـون يَــا َ‬ ‫عـ ِ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫الم ال ُم ِعيـدِ‪ ،‬يَــا أ ْقبَـ َح ِمـ ْ‬ ‫اضـ َع‬ ‫الطا ُ‬ ‫ـن َحتَّــى‪ ،‬فــي َم َو ِ‬ ‫عـ ِ‬ ‫ـي العَ ِبيـدِ‪ ،‬يَــا آيَـةَ َ‬ ‫الو ِعيـدِ‪ ،‬يَــا َك َ‬ ‫ـون يــا بَ ْغـ َ‬ ‫ـف‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ضيـ ِ‬ ‫صيـ ِ‬ ‫ش ـتَّى‪ ،‬يَــا دُو َدة َ ال َكنِيـ ِ‬ ‫ـف‪ ،‬يَــا فَـ ْ‬ ‫ـر َّ‬ ‫الر ِغيـ ُ‬ ‫ـف‪ ،‬يَــا تَن َْحنُ ـ َح ال ُم ِ‬ ‫ـر َوة ً فِــي ال َم ِ‬ ‫ـف ِإ َذا ُك ِسـ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُور‪ ،‬يَــا أ ْربُعَــا َء‬ ‫ــور‪ ،‬يَــا نَ ْك َهــة ال ُّ‬ ‫ُّور‪ ،‬يَــا ُخ ْذ ُروفَــةَ القُــد ِ‬ ‫ــور‪ ،‬يَــا َو ِتــ َد الــد ِ‬ ‫صق ُ ِ‬ ‫يَــا ُجشَــا َء ال َم ْخ ُم ِ‬ ‫ُور‪ ،‬يَــا َ‬ ‫ــان‪،‬‬ ‫ــو َل ِ‬ ‫الخ ْ‬ ‫الَ تَــد ُ‬ ‫ـور‪ ،‬يَــا َ‬ ‫ــان‪ ،‬يَــا بَ ْ‬ ‫ـر ال ِلّ َ‬ ‫ض َجـ َ‬ ‫ط َمــ َع ال َم ْق ُمـ ِ‬ ‫ــان‪ ،‬يَــا ُم َؤا َكلَ ـةَ العُ ْميَ ِ‬ ‫صيَ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ـازي‪ ،‬يَــا بُ ْخ ـ َل‬ ‫يَــا َ‬ ‫س ـب َ‬ ‫ْت ِ ّ‬ ‫ش ـفَا َ‬ ‫ـان‪ ،‬يَــا ِكتَـ َ‬ ‫عةَ العُ ْريَــان‪ ،‬يَــا َ‬ ‫ـر َ‬ ‫ـازي‪ ،‬يَــا قَـ َ‬ ‫ارة َ ال َمخـ ِ‬ ‫ـاب التَّعَـ ِ‬ ‫الص ْبيَـ ِ‬ ‫ـر ِازي‪ ،‬و ِ‬ ‫علَى‬ ‫ـت ِإ ْحـ َدى ِر ْجلَ ْيـ َ‬ ‫ض ْعـ َ‬ ‫األ َ ْهـ َـو ِازي‪ ،‬يَــا فُ ُ‬ ‫ضــو َل الـ َّ‬ ‫هللا لَـ ْـو َو َ‬ ‫ـرى َ‬ ‫ـك َ‬ ‫علــى أ َ ْر َو ْنـ َد‪َ ،‬واأل ُ ْخـ َ‬ ‫�ت ِإالَ َحالَّجـ�ا ً‪.‬‬ ‫ب ال َمال ِئ َكـ�ةَ‪َ ،‬مـ�ا ُك ْنـ َ‬ ‫س قُـ�زَ َح‪َ ،‬ونَ َد ْفـ َ‬ ‫ت ِبيَـ�د َ‬ ‫باو ْنـ� َد‪َ ،‬وأ َ َخـ� ْذ َ‬ ‫�م ِفـ�ي ِجبَـ�ا ِ‬ ‫ِك قَـ ْ�و َ‬ ‫ُد ْن َ‬ ‫�ت الغَ ْيـ َ‬ ‫ع َدم ـا ً فِــي ُو ُجــودٍ‪،‬‬ ‫ـرودِ‪ ،‬يَــا لَبُــو َد اليَ ُهــودِ‪ :‬يَــا نَ ْك َه ـةَ األ ُ ُ‬ ‫ـر‪ :‬يَــا قَـ َّ‬ ‫ـرا َد القُـ ُ‬ ‫َوقَــا َل اآل َخـ ُ‬ ‫ســو ِد ‪ ،‬يَــا َ‬ ‫ــاش‪ ،‬يَــا أَقَــ َّل ِم ْ‬ ‫الش‪ ،‬يَــا‬ ‫اش‪ ،‬يَــا ِق ْ‬ ‫ــن ٍ‬ ‫اش‪ ،‬يَــا قَرعيَّــةً ِب َم ٍ‬ ‫ــر ِ‬ ‫ــر ِ‬ ‫ــردا ً ِفــي ال ِف َ‬ ‫يَــا َك ْلبَــا ً ِفــي ال ِه َ‬ ‫ــث ِم َّم ْ‬ ‫لــك‪ ،‬يَــا أ َ ْخبَ َ‬ ‫ــن بَــا َء‬ ‫ــك‪ ،‬يَــا ِهــاَ َل ل ُه ِ‬ ‫ْــط‪ ،‬يَــا زَ َوا َل ال ُم ْل ِ‬ ‫اإلب ِ‬ ‫ُدخَــانَ النِّ ْف ِ‬ ‫ــط‪ ،‬يَــا ُ‬ ‫صنَــانَ ِ‬ ‫ــر َك العَ ْ‬ ‫ق‪ ،‬يَــا َو ْحــ َل َّ‬ ‫ِبــذُ ِّل َّ‬ ‫ــم‬ ‫ق‪َ ،‬و َم ْنــعِ ال َّ‬ ‫ق يَا ُم َح ِ ّ‬ ‫علــى ِ ّ‬ ‫ق‪ ،‬يَــا َمــا ًء َ‬ ‫ظ ِ‬ ‫الريــ ِ‬ ‫الط ِريــ ِ‬ ‫صــ َدا ِ‬ ‫الطــاَ ِ‬ ‫ـس‪ ،‬يَــا أَقَ ـ َّل ِمـ ْ‬ ‫ـر ِمـ ْ‬ ‫ـس‪،‬‬ ‫يَا ُمعَ ِ ّج ـ َل ال َه ْ‬ ‫ـن فَ ْلـ ٍ‬ ‫ـن قَ ْلـ ٍ‬ ‫ان‪ ،‬يَــا أ َ َجـ َّ‬ ‫َان‪ ،‬يَــا َو َ‬ ‫س ـ َخ اآل َذ ِ‬ ‫ضـ ِـم يــا قَلَ ـ َح األ َ ْس ـن ِ‬ ‫َ‬ ‫ـف‪ ،‬يَــا ك ِل َم ـةَ‬ ‫ـرةٍ‪ ،‬يَــا أ ْبغَــى ِمـ ْ‬ ‫ض ـ َح ِمـ ْ‬ ‫ـف‪ ،‬يــا َم ْد َر َج ـةَ األ َ ُكـ ّ ِ‬ ‫ب ال ُخـ ّ ِ‬ ‫ـرةٍ‪ ،‬يَــا َم َه ـ ّ ِ‬ ‫يَــا أ َ ْف َ‬ ‫ـن َ‬ ‫ـن ِإ ْبـ َ‬ ‫ع ْبـ َ‬ ‫ْــت‪ ،‬و ِ‬ ‫ْــت‬ ‫ــوم‪َ ،‬و َدلَّي َ‬ ‫ض ْع َ‬ ‫ْــت َو َكي َ‬ ‫ــف البيْــتِ‪ ،‬يَــا َكي َ‬ ‫لَي َ‬ ‫لــو َو َ‬ ‫ــت أ ْســت َ َك َ‬ ‫هللا ْ‬ ‫علَــى النُّ ُج ِ‬ ‫ْــت‪ ،‬يــا َو ْك َ‬ ‫ت ال ِ ّ‬ ‫ـت‬ ‫ســما َء ِم ْنـ َـواالً‪َ ،‬و ِح ْكـ َ‬ ‫شـ ْع َرى ُخفّـاً‪َ ،‬والث ُ َريَّــا َرفَّـاً‪َ ،‬و َجعَ ْلـ َ‬ ‫ـوم‪َ ،‬وات َّ َخـ ْذ َ‬ ‫ِر ْجلَـ َ‬ ‫ـت ال َّ‬ ‫ـك فــي الت ُّ ُخـ ِ‬ ‫ـ�ر َّ‬ ‫ـ�ت ِإالَّ َحائِـ�كا ً‪.‬‬ ‫ـ�ر‪ ،‬مـ�ا ُك ْن َ‬ ‫ـ�ر‪َ ،‬وأ َ ْل َح ْمتَـ�هُ بالفَلَ ِ‬ ‫ـ�وا َء ِس ْ‬ ‫ـ�رباالً‪ ،‬فَ َ‬ ‫ـ�ك الدَّائِ ِ‬ ‫الطائِ ِ‬ ‫سـ� َّد ْيتَهُ بِ ْالنَّ ْس ِ‬ ‫ال َه َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ســى ْبـ ُ‬ ‫ـام‪ :‬فَـ َـو ِ‬ ‫ـر؟! َو َمــا ِم ْن ُهمــا ِإالَّ بَدِيــع ال ـ َكالَ ِم‪،‬‬ ‫ي َّ‬ ‫ـن ِهشـ ٍ‬ ‫الر ُجلَيــن أو ِثـ ُ‬ ‫هللا َمــا َ‬ ‫قَــا َل ِعي َ‬ ‫ع ِل ْمــتُ أ َّ‬ ‫ص َر ْفــتُ َو َمــا أ َ ْد ِري َمــا‬ ‫ـار ُمشــا ٌ‬ ‫ع ِجيـ ُ‬ ‫ـام‪ ،‬أَلَ ـ ُّد ِ‬ ‫ـام‪ ،‬فَت َ َر ْكتُهمــا‪َ ،‬وال ِدّينَـ ُ‬ ‫َ‬ ‫صـ ِ‬ ‫ـب ال َمقَـ ِ‬ ‫ع بَ ْينَ ُه َمــا‪ ،‬وا ْن َ‬ ‫الخ َ‬ ‫�ر ِب ِه َمـ�ا‪.‬‬ ‫صنَـ� َع ال َّد ْهـ ُ‬ ‫َ‬



‫وعادت الذّكريات‬ ‫د‪ .‬هويدا شريف‬ ‫ومالي كرهته من كلمة‬ ‫وكأن احتمال السنين انهار‬ ‫في لحظات وعادت الذكريات‬ ‫حين أودى بي الى الطبيبة النفسية‬ ‫وتسبب لي بالعقاقير والمهدئات واالنهيار‬ ‫سنين من اللؤم واالستهزاء‬ ‫مره كالحساء صامته مبتسمة كعادتي كل مساء‬ ‫أتجرع ّ‬ ‫تذكرت حين عاملني كنصف انسانة‬ ‫بكل سفه ومهانة‬ ‫حكم عليي بكل أذية‬ ‫متناسيا حتى عيناي‬ ‫مالي هذا الكره كله اشتعل فيي‬ ‫لم أعد أكترث‬ ‫لو رحل من جديد‬ ‫ال فرق االن اكتفيت من األذية‬ ‫أنت‬ ‫فاألسى َ‬ ‫أنت‬ ‫والظلم َ‬ ‫أهديتك وردة‬ ‫فرميتني بالمزهرية‬ ‫بكل حقد وسخرية‬ ‫حتى ح ّل بي الكره مكان الحنية‬ ‫مجموعة في شخصك كم تعاملت معك كصديقة وفية‬ ‫وأنت لئيم‬ ‫أنصفتك بكل موقف‬ ‫وأنت عقيم وأكبرتك في عيني‬ ‫عاملتك بإنصاف وعاملتني بجحود وأنانية‬ ‫شيزوفرينيا الحروف‬



‫نفسيات‬ ‫مريم باجي‬ ‫فــي هــذا الكوكــب األزرق الواســع هنــاك بشــر غيــرك ‪ ،‬ممــا يجعــل بعــض البشــر فطريــا يحســون أحيانــا‬ ‫بالنقــص أو وجودهــم يشــبه عدمــه ‪ ،‬هــم يحســون بهــذه األحاســيس ألنهــم يفكــرون داخليــا أن هنــاك الكثيــر مــن‬ ‫األشــخاص الذيــن يســتطيعون تعويــض مكانهــم أو أن العالــم ال يحتــاج لهــم ألنهــم غيــر مميزيــن ‪ ،‬و تكثــر فــي‬ ‫داخلهــم أفــكار ســوداوية تخبرهــم داخليــا أن ال أحــد يهتــم لهــم ‪.‬‬ ‫فــي حقيقــة األمــر فــي داخــل كل فــرد منــا يتواجــد ذلــك الجوهــر الــذي يجعلــه مميــزا عــن غيــره لهــذا مــن‬ ‫الخطــأ أن يســمي الشــخص نفســه غيــر مميــز أو وجــوده يشــبه عدمــه فــي هــذا الكــون ‪ ،‬قــد يجلــب هــذا‬ ‫الجوهــر اهتمــام فئــة قليلــة مــن النــاس ‪ ،‬و قــد‬ ‫يجلــب اهتمــام العديــد مــن البشــر مــن هــذا الكــون ‪ ،‬و هــذا عائــد لمــا يتمتــع بــه الفــرد مــن صفــات تغــذي هــذا‬ ‫الجوهــر ‪ ،‬لهــذا الســبب عندمــا يحــس الكائــن البشــري أن ال أحــد يهتــم لــه يفســر ذلــك مباشــرة أنــه غيــر مميــز‬ ‫‪.‬‬ ‫كل البشــر فطريــا عندمــا يحاولــون جعــل أنفســهم مميزيــن لدرجــة عاليــة ‪ ،‬يفكــرون فــي فعــل أمــور تجلــب‬ ‫اهتمــام غيرهــم لهــم ‪ ،‬األذكيــاء و أصحــاب الشــخصيات القويــة أو الطيبــة غالبــا مــا يلجــؤون إلــى تطويــر‬ ‫مــا يتقنونــه أو االنطــاق مــن األمــور التــي يبدعــون فيهــا أو البحــث فــي العلــوم أو األحــوال االجتماعية للبشــر‬ ‫لكــي يبنــوا بمــا يملكونــه أو مــا اســتوعبوه طريقــا لتميــز ‪ ،‬و يكــون طموحهــم الداخلــي إمــا محاولــة للوصــول‬ ‫لشــهرة و إبــراز مواهبهــم و مــا يبرعــون فيــه لكــي يحســوا أن عــددا كبيــرا مــن النــاس يهتــم لهــم و إمــا يكــون‬ ‫طموحهــم إفــادة غيرهــم أو مســاعدتهم لكــي يحســوا بحاجــة غيرهــم إليهــم أو ليحســوا أنهــم قدمــوا إضافــة لهــذا‬ ‫العالــم ‪ ،‬أمــا مــن يمتلكــون ذكاء عاديــا أو شــخصية ســاذجة ســنجدهم متقلبــي المــزاج و الطبائــع و نلتمــس‬ ‫منهــم شــخصية متقلبــة و متعــددة األوجــه و أفعــاال متناقضــة و فــي كثيــر مــن األحيــان نجدهــم ال يعرفــون حتى‬ ‫فائــدة مــا يفعلونــه ‪ ،‬هــؤالء يكــون هدفهــم محاولــة لفــت االنتبــاه فقــط و إرضــاء جميــع النــاس الذيــن يتصادفون‬ ‫معهــم فــي محيطهــم ‪ ،‬هــم مســتعدون لفعــل أي شــيء و تقليــد أي شــخص حتــى دون دراســة العواقــب الســيئة‬ ‫لبعــض األفعــال ألنهــم داخليــا ســاذجون ال يهتمــون ألي شــيء كمــا أنهــم ليســوا أذكيــاء لــن يتعبــوا رؤوســهم‬ ‫فــي التفكيــر بأمــور مفيــدة بنــاءة لالنطــاق منهــا نحــو طريــق التميــز بــل عقولهــم ســتحاول البحــث و التفكيــر‬ ‫بمــا يحبــه النــاس ظانيــن أن الوصــول لمــا يحبــه النــاس و فعلــه ســيجعل الجميــع يلتــف حولهــم هــم ال يدركــون‬ ‫أن هــذا األمــر ســيتعبهم نفســيا و ســيجعل النــاس ينفــرون منهــم بســبب تناقضاتهــم و أفعالهــم المتقلبة ‪ ،‬ســنجدهم‬ ‫دائمــا ال يهتمــون إال بمــا يقولــه النــاس و التفكيــر بمــا يفعلونــه إلرضــاء النــاس حتــى لــو كان هــذا علــى حســاب‬ ‫حياتهــم و كرامتهــم لألســف ‪.‬‬ ‫و كمــا قلــت ســابقا فــي داخــل كل منــا جوهــر يجعلــه مميــزا عــن غيــره ‪ ،‬إذا كان الفــرد ذكيــا يريــد التميــز أو‬ ‫كان يعيــش فــي وســط أو مــع أشــخاص يريــدون التميــز لــه سيســطع جوهــره لينيــر حياتــه و لربمــا ســينير‬ ‫حيــاة العديــد مــن البشــر فــي هــذا الكــون ‪ ،‬أمــا إن همــش الفــرد جوهــره و قلــل مــن شــأنه أو شــأن مــا يملكــه‬ ‫مــن أمــور يتقنهــا أو يعرفهــا و إذا كان يعيــش فــي وســط أو يجالــس أناســا ســلبيين و يحطمــون كل جميــل فيــه‬ ‫فجوهــره ســيغرق فــي الظلمــات و ســيتأثر هــذا الشــخص بهــذه الظلمــات فنجــده خارجيــا غيــر واثــق مــن نفســه‬ ‫‪ ،‬متخــوف مــن النجــاح ! محبــط و يكــره نفســه و تدريجيــا إن تملكتــه هــذه الظلمــات إمــا أنــه ســيتحول لشــخص‬ ‫ســلبي أو مريــض نفســاني أو ينهــي حياتــه تحــت ضغــط صراعــات داخليــة مــع نفســه ســببها احتقــار لكيانــه ‪.‬‬ ‫علينــا دائمــا أن نكــون فخوريــن بأنفســنا حتــى و إن لــم نقــدم لهــذا الكــون أمــرا يجعلنــا أصحــاب فائــدة يكفــي‬


‫أننــا حاولنــا ‪ ،‬كمــا علينــا أن نؤمــن بأننــا مميــزون حتــى و إن لــم يلتفــت الكثيــرون حولنــا يكفــي أننــا نحــس‬ ‫بتميــز فــي داخلنــا أو أننــا مميــزون لــدى بعــض األشــخاص أو يكفــي حتــى شــخص واحــد يحــس بتميزنــا ‪،‬‬ ‫علــى كل فــرد منــا أن يــدرك جيــدا أن وجودنــا فــي هــذا الكــون لــه فائــدة و وراءه حكمــة لــم نخلــق عبثــا ‪،‬‬ ‫جميعنــا بــدون اســتثناء أي شــخص ‪ ،‬و عليــه مــن الخطــأ أن يفكــر أي شــخص أن وجــوده يشــبه عدمــه ‪.‬‬




‫جار النّهاية والبداية‬ ‫د‪ .‬هويدا شريف‬

‫الرواية‬ ‫ليتك كنت بطل ّ‬ ‫لساعدتني في ختم فصول تلك الحكاية‬ ‫لصبيّة ما عرفت يوما ً ّ‬ ‫فن الغواية‬ ‫ولكنّني جمعت بينك وبين ذاك الماضي‬ ‫خلطت أوراقي وتزاحمت أفكاري‬ ‫صرخت بي ّ‬ ‫فبت عاجزة عن اتّخاذ قراري‬ ‫مفر أين الهروب‬ ‫ال ّ‬ ‫تجمعني بك في ك ّل لحظة الدورب‬ ‫جار النّهايه والبداية‬ ‫ليتك تخط بالقلم كلمة النهاية‬ ‫فتغادر األحالم قبل الواقع‬ ‫تضيع تتوه في عالم هللا الواسع‬ ‫تنبذ خلفك حقدك وك ّل عقدك النّفسيّة‬ ‫ي من جديد‬ ‫وتعود‬ ‫ّ‬ ‫لتتعرف عل ّ‬ ‫دون نفع أو غاية‬ ‫ليتك بطلي الحقيقي يا صديقي‬ ‫تعال ّ‬ ‫نمزق اإلتفاق‬


‫نقسم أن ال نعود للفراق‬ ‫ونكتب معا ً أحداث جديدة‬ ‫لحكاية أليس في بالدها البعيدة‬ ‫سطر األول أحبك‬ ‫من ال ّ‬ ‫يا مجنون فدمي بدمك مسجون‬ ‫وأنفاسي لك راية‬ ‫يا حلم الواقع اإلنساني‬ ‫أيّها‪ ‬ال ّ‬ ‫ي االناني‬ ‫شرق ّ‬ ‫يا صاحب شيزوفرينيا الحروف‬




‫أيها املواطن‬ ‫راسم ابراهيم‬

‫ماذا أقص عليك‬ ‫ظل الموت‬ ‫أم ظل الخوف‬ ‫العصاف�‬ ‫أم فزع‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� ماتت‬ ‫ي‬ ‫عىل أرصفة الطريق‬ ‫تفتش عن تراب‬ ‫النخيل‬ ‫عن صدر شهيد‬ ‫عن بقايا هيكل قديم‬ ‫نامت عىل األرض‬ ‫جوعا‬ ‫ألقرأ اسمك‬ ‫عىل الجدار‬ ‫تهتف من جديد‬ ‫عىل قميصك المبلول‬ ‫تبحث عن طريق‬ ‫يتسع لكل األحياء‬ ‫يتدفق من بسمة طفلة‬


‫من هسيس عشب‬ ‫أم‬ ‫من دعاء ي‬ ‫ف‬ ‫ي� الصباح‬

‫لم تزل ترصخ‬ ‫أبحثوا عن وطن‬ ‫يتكامل الحب فيه‬ ‫ف‬ ‫ي� عيون‬ ‫الفقراء‬ ‫دياىل‪ /‬ر‪27‬‬ ‫مارس‬




‫ُ‬ ‫صهيل الشِّـعر‬ ‫خلود منذر‬ ‫ً‬ ‫ُ ُ‬ ‫قلت للقلب يوما‬ ‫ْ‬ ‫َك َ‬ ‫ُ‬ ‫ارحل عنك‬ ‫يف‬

‫ِّ‬ ‫الشعر ُ‬ ‫ن‬ ‫طارد�‬ ‫ي‬ ‫و صهيل كؤوس‬ ‫ي‬ ‫أحالم‬ ‫مع حقائب‬ ‫ي‬ ‫ُي ُ‬ ‫الليال‬ ‫صمت‬ ‫سامر‬ ‫ي‬ ‫َ ف‬ ‫َ‬ ‫مح� ت ي�‬ ‫�‬ ‫الصحوة‬ ‫قرع‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫تغري� الخطوات‪...‬‬ ‫ي‬ ‫بأن أوشم المدن بدمع القصائد‬ ‫ُل� ِّدد ّ‬ ‫الصدى طيف أشعاري‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫يرسم�‬ ‫يع� ب ي� و‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫عىل نبض الكلمات‬ ‫خلف أنهار الزوردية ث‬ ‫ين� ن ي�‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫و إذا غفلت أنغام النداء‬ ‫ال تحسب الوتر يبتسم‬ ‫فالهوى ض‬ ‫أ�م مساري‬ ‫ِّ‬ ‫و أصوات قيثارة الشعر‬ ‫ش ن‬ ‫يا�‬ ‫تجري ب� ي‬ ‫عنوانا ألسفاري‬ ‫أوقدت ستائر الفجر‬ ‫ف‬ ‫ي� زحمة األقدار‬


‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أطفأت ل َّجة الظنون‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫المنا�‬ ‫مرثية‬ ‫مزقت‬ ‫ي‬ ‫و أثواب ِاالنتظار‬

‫ف‬ ‫القوا�‬ ‫ليولد الصخب عىل طبول‬ ‫ي‬ ‫أكتب ث‬ ‫الن� من قطرة ُ‬ ‫السكر‬ ‫دوال المهجر‪،‬‬ ‫عىل‬ ‫ي‬ ‫يا قارئ أشعاري‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫منترص‬ ‫سنعلن ان نسيم الشعر‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬ ‫و يا عاشـق الحبـر َماذا تقول؟‬ ‫ْ َ َّ ْ ف َ َ َ‬ ‫ِإن صلـت ي� قلبك قصـائدي‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ق‬ ‫الت عىل حَ‬ ‫ا�‬ ‫ر‬ ‫أو‬ ‫ـدك‬ ‫ن‬ ‫ز‬ ‫ـة‬ ‫ف‬ ‫ا‬ ‫ـ‬ ‫وم‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫تنفست ت‬ ‫آها�‬ ‫مع خـدود الـورد‬ ‫ي‬ ‫َ َ‬ ‫كنت ألوان ُ‬ ‫الحقـول‬ ‫فإن سـ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫آمال‬ ‫غ ي� مـواويـل‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫َ‬ ‫عىل قيـد المـحبة نص يـل‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫الط ُ‬ ‫ـاق‬ ‫ب‬ ‫فيك‬ ‫ـيب‬ ‫و‬ ‫ٍ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫الك ْ‬ ‫ـالم‬ ‫و يل عـذب‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫فت ُ‬ ‫ـزهر ضفاف الخيـال‪،‬‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫يا قارئ أشـعاري‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ـالف ال َـم ْ‬ ‫الم‬ ‫ال تس ِـق الخ‬ ‫ُ‬ ‫ـب المُـ َتس نَ‬ ‫فالعشق ال يح ُ‬ ‫ـول�‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ـاب الزمان‬ ‫عىل اعت ِ‬




‫ن‬ ‫كو� فكانت‬ ‫ي‬ ‫حامد خضري الشمري‬ ‫كو� ! فأعجز ُ‬ ‫ن‬ ‫كنهها التأويال‬ ‫ي‬ ‫ُّ‬ ‫والرب عطر ثغرها تقبيال‬

‫ف‬ ‫لما رآها ي� الهيوىل اختارها‬ ‫ف‬ ‫سبحانه ي� عرشه إكليال‬ ‫ه لوحه المحفوظ فيها أودع الـ‬ ‫ي‬ ‫القرآن والتوراة واإلنجيال‬

‫دم فعذرتها‬ ‫قد أهدرت‬ ‫نفس ي‬ ‫ي‬ ‫فرط الهيام ولم ْ‬ ‫ألم قابيال‬ ‫عجبا إذا ما جئتها ورأيتها‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ج�يال‬ ‫أجد‬ ‫رس اإلله ولم‬ ‫ب‬ ‫كانت فكانت أول امرأة بال‬ ‫أبوين ال بل أنزلت نز‬ ‫ت�يال‬ ‫لم يخلق الرحمن ث‬ ‫غ�ها‬ ‫أن� ي‬ ‫بهرت عيون الناس جيال جيال‬ ‫تتلو المساجد والكنائس إسمها‬ ‫ويتمتمون حروفه ترتيال‬ ‫هبطت عىل أحىل الجنائن ف� ث‬ ‫ال�ى‬ ‫ي‬ ‫فزها العراق سواقيا ونخيال‬ ‫فكأنما المشكاة فيها أودعت‬ ‫وتألألت قسماتها قنديال‬ ‫لو أن أبرهة رآها مرة‬


‫عي� دمع بل ظ‬ ‫ما سال من ن َّ‬ ‫ل�‬ ‫ي‬ ‫صهر الجفون وأحرق المنديال‬

‫فيها أرى كل النساء ولم أجد‬ ‫ف‬ ‫صنوا سواها ي� الورى وبديال‬ ‫فم عسل الهوى‬ ‫إن ذاق من فمها ي‬ ‫َ‬ ‫أخش صعقة صور إرسافيال‬ ‫لم‬ ‫شتان ما ي ن‬ ‫ب� الحسان وبينها‬ ‫ُ‬ ‫وبدوت فيها قاتال وقتيال‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫يوسف قد غدا أعجوبة‬ ‫وقميص‬ ‫ُ‬ ‫وقميص صاحبنا دما مطلوال‬


‫لدعا إليها جنده والفيال‬ ‫فيها عصا موىس إذا ما ألقيت‬ ‫وبها الذي فعل الهوى أو قيال‬ ‫ٌ‬ ‫وبثغرها ورد إذا استنشقته‬ ‫َ‬ ‫غمر الفرات رحيقُـه والنيال‬ ‫ين‬ ‫عاشق� ت�ض َّ ما‬ ‫ندنو بلهفة‬ ‫ف‬ ‫ونذوب ي� ما بيننا تبجيال‬ ‫ُّ ُ‬ ‫ما ي ن‬ ‫تهجد عاشق‬ ‫ب� قلبينا‬ ‫جعل التبتل ديدنا وخليال‬ ‫ف‬ ‫قد حار ُّ‬ ‫رب الفن ي� تجسيدها‬ ‫فجثا وحطم دونها اإلزميال‬ ‫َ‬ ‫الحرير َ‬ ‫ُ‬ ‫وقوامها‬ ‫بهاءها‬ ‫لبس‬ ‫والشهد المس ثغرها ليسيال‬ ‫وتوضأ الماء الطهور بوجهها‬ ‫التكب� والتهليال‬ ‫يل�دد‬ ‫ي‬ ‫العين� إن تطأ ث‬ ‫ين‬ ‫ال�ى‬ ‫بدوية‬ ‫عبق القرنفل بكرة وأصيال‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫موسي� إذا داعبته‬ ‫والشعر‬ ‫رقص الوجود وأدمن التطبيال‬ ‫وإذا ترنم صوتها أصغت له‬ ‫وقل� هاديا ودليال‬ ‫ي‬ ‫روح ب ي‬ ‫أنىس الوجود بما به بوجودها‬ ‫وأرى الهداية دونها تضليال‬



‫األنوثة ال ُم َؤلَّ َهةُ عند رياض الدليمي‪:‬‬

‫آخر النّاس)‬ ‫قراءةٌ في ديوانه ( ُ‬ ‫د‪ .‬أسماء غريب‬

‫ُ‬ ‫العجيب! من ذا الّذي يعرفُها في ُكم؟ ال أحد‪ .‬إنّ َها ك ُّل ما‬ ‫الكائن‬ ‫األنثَى! يا إلهي‪ ،‬هذا‬ ‫ُ‬ ‫آن واحدٍ‪ :‬إنّها الخيا ُل‬ ‫ال يم ِكنُ َك أن تتخيّلهُ من التّناقُضات ال ُممكن ِة وال ُمستحيلة في ٍ‬ ‫ّ‬ ‫والط ُ‬ ‫س ُّر والبوح‪،‬‬ ‫ور‬ ‫الحضور‬ ‫والواقع‪،‬‬ ‫ين‪ ،‬ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫والغياب‪ ،‬ال ّ‬ ‫صمتُ والضّجيج‪ ،‬النّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫سكينةُ ّ‬ ‫سال ُم والحرب‪ ،‬الخديعة والوفا ُء‪،‬‬ ‫هار‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫والزلزالُ‪ ،‬ال ّ‬ ‫والحقدُ‪ ،‬ال ّ‬ ‫الحب ِ‬ ‫اللّيل والنّ ُ‬ ‫لكن َم ْن من ُك ْم أنصفَها‪ْ ،‬‬ ‫ِب وال ّدهَا ُء‪ ،‬إنّها ك ُّل هذا وأكثر‪ْ ،‬‬ ‫من من ُك ْم‬ ‫ص ْد ُق وال َكذ ُ‬ ‫وال ّ‬ ‫بل ْ‬ ‫غاص في أسرارها‪ْ ،‬‬ ‫من من ُكم َّ‬ ‫صيَةُ ال ُم ْم ِكنَةُ؛ فيها‬ ‫فك رموزَ هَا؟ ال أحد‪ .‬إنّها ال ُم ْست َ ْع ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫وهي ألج ِل هذا‬ ‫الطفلةُ والمرأة ُ النّاضجةُ‪ ،‬وفيها ال ُمرا ِهقَةُ النَّ ِزقَةُ وال ُم ِسنَّةُ الحكيمةُ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫حي ْ‬ ‫كبار المف ّكرين والفالسفة حتّى أنّهم سكبوا فيها بحارا ً من الحبر وما وصلوا‬ ‫ّرت َ‬ ‫شر ال ب َّد منه‪ ،‬أو إنّها حليفة إبليس لذا‬ ‫إلى شيءٍ ‪ ،‬بل كانَ من ُهم من قال فيها إنها ٌّ‬ ‫وجبَ ْ‬ ‫ق علي َها‪ ،‬وكبْتُ ك ّل ما فيها من فَ ْورة وثورة‪ ،‬حتّى ال‬ ‫ت محاربتُها وتشدي ُد الخنا ِ‬ ‫المتنورينَ ْ‬ ‫من أهل‬ ‫أمور البال ِد وال ِعباد‪ ،‬وما شذَّ عن هذا الموقف سوى‬ ‫ت وت ُ ْف ِس َد‬ ‫ت ْنفَ ِل َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫هللا وقدروه َّ‬ ‫حق ق ْدره‪ ،‬فقالوا عن المرأة‪ :‬إننا ال‬ ‫الحرف الوضيء‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫أولئك الّذين عرفُوا َ‬ ‫ُ‬ ‫ندري حقّا ً من‬ ‫ونواقص وفضائل‪،‬‬ ‫تكون حتّى تأ ِسرنَا هكذا بك ِّل ما تجمعُه من خصائل‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫فلربّما‬ ‫ذلك حقّاً‪ ،‬إذ ال أح َد مأل َ علينا حياتنَا ووجو َدنا‬ ‫تكون تج ٍّل من ربّنا ونحن ال نعل ُم َ‬ ‫المتنورين ال أستثني ال ّ‬ ‫شعرا َء‬ ‫ومن هؤالء‬ ‫وأنار قلوبَنا‬ ‫ّ‬ ‫ق كما تفع ُل هي! ِ‬ ‫ّ‬ ‫بالحب والعش ِ‬ ‫ْ‬ ‫اسمها‬ ‫الحظ ِر ع ْنها‪،‬‬ ‫طبعاً‪ ،‬ف َمن غير ُهم كانوا أش َج َع النّاس وأق َدر ُهم على رفع‬ ‫وحذف ِ‬ ‫ِ‬ ‫راف التي ت ُ ُ‬ ‫يوم إلى المذابح‪ ،‬ومن الئح ِة األمالك المنقولة وغير‬ ‫الخ ِ‬ ‫من قائمة ِ‬ ‫ساق ك َّل ٍ‬ ‫الحب‬ ‫تمارس‬ ‫المنقولة‪ ،‬وال ّد ُخو ِل بها وردة ً صوفيّةً على براق المحبّة إلى المدن التي‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ينتقض وضوؤُها!‬ ‫والحرب عالنيةً‪ ،‬وتخشى مصافحةَ المرأة حتى ال‬ ‫سراً‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ولع َّل رياض الدليمي يُعَ ُّد واحدا ً من هؤالء ال ّ‬ ‫البهاء الّذي‬ ‫المتو ِجين بإكليل‬ ‫شعراء‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ويكشف عن َها‬ ‫صرينَ‬ ‫استطاع أن يض َع هو اآلخر بصمتَه في لوح شعراء األنثى المتبَ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫بعين صوفيّ ٍة ترى‬ ‫الحجاب بعفّ ِة وخشوع العارفين ليُطلعنَا على الجانب المؤلَّ ِه فيها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫صالحة‪ ،‬واالبنةَ‬ ‫في المرأ ِة السيّدة َ العاشقةَ ال ُم ْل َه َمة وال ُم ْل ِه َمة‪ ،‬واأل َّم الرؤوم ّ‬ ‫والزوجةَ ال ّ‬ ‫واألخت الفاضلة والقديسةَ المب ّجلة التي لوال حضورها بك ّل‬ ‫زهرة الدّنيا واآلخرة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫أعاصير‬ ‫جردتْها‬ ‫تجلّياتها في أشعاره لظلّ ِ‬ ‫ت القصائ ُد في ديوانه بدونِها كنخل ٍة ش ّما َء ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫بئر فيها‪ .‬وك ّل‬ ‫الزمن وتقلّباته من ال ُج ّمار والثّمار‪ ،‬أو كصحراء جردا َء ال واحةَ وال َ‬


‫وقصيدتي الموجعة‬ ‫وه ٌم مستديم»‬

‫صغير لهُ‬ ‫ق‬ ‫أجل‪ ،‬هو معَها‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫حقائب ممتلئة باألحالم‪ ،‬ال يمكنُهُ أن يُ َح ِقّقَ َها على ور ِ‬ ‫النص‪ ،‬وهي الكتابةُ‪ ،‬وهي‬ ‫القصي ِد سوى بها أو معها‪ ،‬ألنّها هي القصيدة ُ وهي‬ ‫ُّ‬ ‫صدر ويقو ُد اإلنسانَ إلى مدارات القيامة‬ ‫التّاري ُخ‪ ،‬بل هي الوج ُع الّذي يولَ ُد بال ّ‬ ‫نص)‪:‬‬ ‫واالنبعاث كما يقو ُل رياض نفسه في (قيامة ّ‬ ‫«نص‬ ‫ٌ‬ ‫هو‬ ‫وج ٌع يولد بالصدر‬ ‫يكتمل بالفكر‬ ‫يتخذ من الليل مهدا‬ ‫على فمك قيامة‬ ‫وتنهيدة جفن‬ ‫أهديك إياه‬ ‫حروفا مخملية‬ ‫وسهادا‬ ‫خاليا من األضغاث‬ ‫وسنابل تبر‬ ‫تنظم قالدة سومرية‬ ‫سحرا‬ ‫وعبقا يجن‬ ‫ملحمة بربرية‬ ‫تدون على وسادة فجر‬ ‫عرسا لنص‬


‫وغادر ُ‬ ‫َ‬ ‫شطآنَها‬ ‫حدث‬ ‫كنف المرأة‪ ،‬وإذا‬ ‫شاعر كما رياض يظ ُّل وسيما ً أنيقا ً مادام في‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ش ْعر بأسنانه‪ّ ،‬‬ ‫فظةً‬ ‫يكتب ال ِ ّ‬ ‫ْ‬ ‫وأصبحت قصائدهُ كمن‬ ‫وفيافي َها شاخ فجأة ً وإلى األبد‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫قاسيّةً ف ّجةً ال حياة فيها‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ليست ضربا ً ِمنَ الوهم أو الخيال‪،‬‬ ‫والكتابةُ عن األنثى في ديوان رياض (آخر النّاس)‬ ‫ع منَ الوعي بالذّات‪ ،‬وبالحضرةِ اإللهيّة‪ ،‬لذلك ّ‬ ‫فإن المرأة َ ب ِه ومعهُ‬ ‫وإنّ َما هي نو ٌ‬ ‫تتجاوز ِم َحنَ التاريخ الذّكوري‪ ،‬وتخر ُج ْ‬ ‫ُ‬ ‫بعض‬ ‫تلك األقبيّة التي أسكنَها فيها‬ ‫من ك ِّل َ‬ ‫ُ‬ ‫رجال الدّين منذُ األزل وفي ك ّل الثقافاتِ‪ْ ،‬‬ ‫الر ُج ِل المتعالي‬ ‫لتظ َه َر ككينون ٍة ت ُ ْل ِغي زمنَ ّ‬ ‫في تو ُّحده ووحدت ِه الوجوديّة وت ُ ْد ِخلُه في زمنِها‪ ،‬ألنّ َها وح َدها العارفةَ التي صي ْ‬ ‫ّرت‬ ‫ْ‬ ‫رياضا ً سالكا ً ينه ُل من علومها وغي َّر ْ‬ ‫وقبضت معهُ‬ ‫نظام المجموعة الشمسية‬ ‫ت ب ِه‬ ‫َ‬ ‫على طريق اللبّانة إلى ْ‬ ‫سهُ نجمةً ال تأف ُل ّإل في حضر ِتها‪ ،‬وال تشتع ُل‬ ‫أن أصب َح ُه َو نف ُ‬ ‫أنقاض‬ ‫في َها شهوة ُ الكتاب ِة ّإل بوجودِها طوفانا ً جارفاً‪ ،‬وزلزاالً ُم َج ّدِدا ً وبانيا ً على‬ ‫ِ‬ ‫سؤا ِل ال ِ ّ‬ ‫ش ْعر األكبر قائلةً بكل ما فيها من وهجٍ‪:‬‬ ‫الو ْهم أبرا َج الحقيق ِة‪ ،‬و ُمفَ ِ ّجرا ً ل ُ‬ ‫القصيدة ُ أنثى‪ ،‬واألنثى مدرسة‪ ،‬وال ّ‬ ‫ٌ‬ ‫سالك ل ْم يهت ِد بع ُد إلى حروف الهجاء!‬ ‫اعر فيها‬ ‫ش ُ‬ ‫ُ‬ ‫وكون المرأة مدرسة‪ ،‬أمر واق ٌع يعي ِه جيّدا ً رياض‪ ،‬لذا تجده يقول في قصيدته (ليلى)‪:‬‬ ‫المنشطر‬ ‫« ليلى أنا‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫حلما ً بين السموا ِ‬ ‫وهزائم القرنف ِل‬ ‫ومواسم زيتون جفاء‬ ‫أصلي بعد ك ِّل هزةِ جذعٍ‬ ‫ثمر‬ ‫جني ٍ‬ ‫السوسن‬ ‫خاشع في مهد‬ ‫ِ‬ ‫أَشتع ُل بصفرة اليقطين‬ ‫شتائك‬ ‫لسال ِل‬ ‫ِ‬ ‫ب الصغار الملون ِة‬ ‫وحقائ ِ‬ ‫بأحالمي المجنون ِة‬ ‫ُ‬ ‫لنهار موعو ٍد‬ ‫نسابق خوفنا‬ ‫ٍ‬ ‫ت ليلة قدري‬ ‫ليلى أن ِ‬


‫مآذن ‪...‬‬ ‫و‬ ‫ٍ‬ ‫الزور ٌد أفو ُح في كأس ِه المشكاة‬ ‫ٌ‬ ‫فيروز‬ ‫حجر‬ ‫ٌ‬ ‫يُعاذُ ب ِه ك َّل مساءٍ‬ ‫يرقص بدندن ِة خلخال‬ ‫ي‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫درب َحرير ٌ‬ ‫هي أَحالمي ‪...‬‬ ‫ٌ‬ ‫وطن ُه َو‬ ‫ال تُغطيهُ سماء‬ ‫وال زالز ٌل و ُ‬ ‫شح ماء‬ ‫ٌ‬ ‫ال‬ ‫يمر منهُ المسافرونَ‬ ‫مكان ُّ‬ ‫س ٌ‬ ‫لطان يَشي سلطانا‬ ‫وال ُ‬ ‫يشان الحكاي ِة))‪.‬‬ ‫أو يقت ُل مولودا ً ِبنِ ِ‬ ‫‪.......................................‬‬


‫ومتعة لحرف»‬ ‫الموصلة إلى ملكوت البهاء‪ ،‬ورياض ِبها‬ ‫األنثى المؤلّهة هي نبع المحبّة المعراجيّة‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ي عن ك ّل منظور‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ومخروس عن ك ّل منطوق‪ ،‬و ُم ْغلَ ٌق قلبُه ع ّم ْن سواها‪ ،‬ومرم ٌّ‬ ‫معم ٌّ‬ ‫طيف سواها‪ ،‬هي التي يقو ُل فيها‪:‬‬ ‫ب الخيال‪ ،‬مادام ال خيا َل وال‬ ‫قفلُه في غياهب ُج ّ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫((احسبيها شطحةَ قل ٍ‬ ‫أو مراهقةُ‬ ‫خريف‬ ‫ْ‬ ‫ت حيرى‬ ‫ِل َم أن ِ‬

‫الروح؟‬ ‫وقَ ْد نَذرتُ األعيا َد قربانا ً ِللَيالي‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫أطفئي غ َ‬ ‫َضب البوحِ برف ٍ‬ ‫الهمس‬ ‫وت َ َه َجدي بصال ِة‬ ‫ِ‬ ‫القلب‬ ‫س ّ ِوري‬ ‫َ‬ ‫أَطلقي الي َد وال ت ُ َ‬ ‫ت تحلقينَ في‬ ‫وال تندمي وأن ِ‬ ‫َ‬ ‫سماوات الروحِ‬ ‫وأَنجمي ‪))...‬‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫كون ال أنثى فيه‪ ،‬وهو لهذا يبدو في ديوانه‬ ‫األكوان عند رياض‪ ،‬وال يبقى‬ ‫تتصاغر‬ ‫ُ‬ ‫ت المعرفة األولى باعتبارها داللة‬ ‫س َك بالمرأة كغاي ٍة من غايا ِ‬ ‫اس م ّم ْن تم َّ‬ ‫آخر النّ ِ‬ ‫صانع الّذي يتالشى أمامه ك ُّل شيء مصداقا ً لقوله ج ّل جالله‪ُ (( :‬ك ُّل‬ ‫على صنع ِة ال ّ‬ ‫اإل ْك َر ِام)) (الرحمن ‪ ،)27-26 /‬لذا ّ‬ ‫فإن‬ ‫َم ْن َ‬ ‫علَ ْي َها فَ ٍ‬ ‫ان‪َ ،‬ويَ ْبقَى َو ْجهُ َر ِبّ َك ذُو ْال َجال ِل َو ِ‬ ‫ّبط كما قال رياض في‬ ‫نظر إلى األنثى المؤلَّ َهة ال تتحقّ ُق لديه المعيّة‪ ،‬بالض ِ‬ ‫ك ّل من َ‬ ‫ص ِه (ألوذ إلى أسوار الماء) متحدّثا ً عنها بصيغة التذكير‪ ،‬ألنها هي وحدها من تجمع‬ ‫ن ّ‬ ‫الصفتيْن مادامت هي التجلّي األسمى للحضور اإللهي في أبهى وأرقى صورة‪:‬‬ ‫َالص‬ ‫(( ُهو الخ‬ ‫ُ‬ ‫ملجأ ٌ وحل ٌم ألوذُ إليه‬ ‫ك َّل مساءٍ‬ ‫ِنتهاء صالة‬ ‫بع َد ا ِ‬ ‫ألوذُ‬ ‫ألسوار الما ْء‬ ‫ِ‬ ‫إذن‬ ‫بال ٍ‬



‫بأية تهمة أعتقلت؟‬ ‫نهاد طاطاريان حبيب‬ ‫كفلفشة شعر المحظية ذات ليل طويل‬ ‫كنت مشاكسة بسوألي‬ ‫أشعل عقولكم بكلماتي‬ ‫أمدد الوقت دون استئذان‬ ‫ألجعلكم تعودون الى أيام خلت‬ ‫فتتأرجحون على ميزان التأويل‬ ‫فأرأقصكم على مسامير أحكامكم الجائرة‬ ‫وأصيب المحاباة الهائمة بين السطور‬ ‫على التشابيه التي دققتها في أيامكم البالية‬ ‫كثير هذا الكم في نص قصير مبتور‬ ‫ال تبحثوا عن السعادة تحت أجنحة الظالم‬ ‫صيحات الترجيح لن تعيد كلماتي الى مهدها‬ ‫تتطاير لتصيب مواقع األلم في حياتكم البائسة‬ ‫أنا في الشعر لم أعبر عتبة جبران الى مجد الكلمة‬ ‫كنت مشاكسة في كتابة النص فتميزت‬ ‫لم تعد اللغة تجدي نفعا‪...‬‬ ‫فبربكم أية جريمة ارتكبت؟‬



‫أقواس قزح‪:‬‬

‫بقلم‪ :‬عمر شبيل‬

‫جذوة من ثلوج جبل الشيخ‬ ‫ق‬ ‫الموسي� ضجيج‪،‬‬ ‫“ من دون الحب كل‬ ‫ك ُّل الرقص جنون‪ ،‬ك ُّل العبادات عبء»‬ ‫موالنا جالل الدين الرومي‬ ‫“‪”1‬‬ ‫حيــن أقــرأ عم ـاً شــعريا ً جمي ـاً أحــس مــع كاتــب هــذا الشــعر معاناتــه ومقــدار صعوب ـ ِة إيجــاد الكلمــات‬ ‫التــي نقرؤهــا نحــن بســهولة فــي شــعره‪ ،‬والتــي كان الشــاعر يطــارد ُم ْع ِوصاتهــا قســراً‪ ،‬وكنــت آنــذاك أرد ُد‬ ‫ئ كلماتــه‪:‬‬ ‫بيتـا ً لنــزار قبانــي يخاطــب بــه قــار َ‬ ‫تمر عليها‬ ‫ت ّ َذك َّْر‪ ،‬وأنتَ ُّ‬

‫عذاب الحروف لكي تو َجدا‬ ‫َ‬

‫ســلَّ ُم ْه»‪ .‬وإذا كانــت الكتابــة‬ ‫ـعر صعـ ٌ‬ ‫ـب وطويـ ٌل ُ‬ ‫وقديمـا ً أدرك «الحطيئــة» هــذه الصعوبــة حيــن قــال‪« :‬الشـ ُ‬ ‫ُّ‬ ‫والشــجر أقالمــا ً‬ ‫وحراشــا ً بكلمــا ٍ‬ ‫صيَــغ‬ ‫البحــر مــدادا ً لهــا‪،‬‬ ‫ت ال تنتهــي‪ ،‬ولــو كان‬ ‫معانــاة ونزيفــا ً ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫تخــط ِ‬ ‫اســتعمالها ودالالتهــا التــي ال تنضــب‪ .‬نعــم‪ ،‬إذا كانــت الكتابــة اإلبداعيــة قريبــة مــن مفهــوم القتــل واالنتحار‪،‬‬ ‫فلمــاذا نقــدم عليهــا‪ ،‬ونحــن نــدري أنهــا أشــبه بجــزر الســاحرات فــي األوذيســة التــي تغــري ســاحراتها‬ ‫البحــارة بغنائهـ ّ‬ ‫ي ِ الــذي ال يُقــاوم‪ ،‬والــذي يقودهــم قســرا ً إلــى هــذه الجزيــرة الملعونــة‪ ،‬ثــم ت ُ َحـ ّـو ُل‬ ‫ـن الشــج ّ‬ ‫الســاحراتُ البحــارة َ وقــودا ً الســتمرار شــجو غنائهــن الســاحر الــذي هــو أكثــر إغــرا ًء مــن الوصــول إلــى‬ ‫“إيتــاكا”‪ .‬وهــذا الشــجو اآلرس نفســه هــو الــذي يجعــل “بعــض الطيــور تغـنّ وه ُت ْح َت ـرضَ ُ ”‪ .‬ويظـ ُّـل اإللحـ ُ‬ ‫ـاح‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫مطروحـ ًـا بأبعـ َـد مــن صيغــة الســؤال‪ :‬لمــاذا‪ ،‬ولمــاذا؟‪ .‬واألغــرب أن الشــعر كان‪ ،‬كمــا يبــدو‪ ،‬الموجــود األول ي�‬ ‫ّ‬ ‫إن آدم ث‬ ‫صــدر اإلنســان األول‪ ،‬كمــا تــروي حكايــات األقدمـ ي ن‬ ‫ر� ابنــه‬ ‫ـ�‪ ،‬وليســت أســطورة بســيطة أن يقــال‬ ‫“هابيــل” شــع ًرا عندمــا قتلــه أخــوه “قابيــل”‪ .‬والمهــم هنــا ليــس حقيقــة حصــول هــذا الرثــاء مــن عدمــه‪ ،‬ولكــنّ‬ ‫ت‬ ‫ه البدء‪.‬‬ ‫داللة ما ترمز إليه هذه األســطورة لعالقة ال ًشــعر باإلنســان‬ ‫األول‪ ،‬ومنذ الكلمة ي‬ ‫ال� كانت ي‬ ‫األهم َ َ َ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ٌ‬ ‫ـوح نفســه ي�‬ ‫ســواء أحدثــت الروايــة أم لــم ت َحــدث‪ .‬وليــس غريبــا أن نســمع الشــعر ي� بــاد العــرب قبــل الـ ي‬ ‫مراحــل مــا قبــل اإلســام‪ ،‬ونســمع األقدمـ ي ن‬ ‫ـعر حتــى تتــركَ اإلبـ ُل الحنيــن»‪.‬‬ ‫ـ� يقولــون‪“ :‬لــن يتــرك العــرب الشـ َ‬ ‫وقــد حــاول وفــي كل األمــم فــي مــا وصــل إلينــا مــن قديــم الشــعر العربــي أن يجعلــوا للشــعر وحيـا ً يلقّـ ُ‬ ‫ـن‬ ‫الشــعراء ُ‬ ‫ـر َر أشــعارهم‪ ،‬فهوميــروس يفتتــح إلياذتــه بالتوســل بربــة الشــعر لتلهمــه نقــل االحتــدام الوبيــل‬ ‫غـ َ‬ ‫فــي حــرب طــروادة‪ ،‬وتخليــد بطولــة اليونانييــن بشــخصية بطلهــم األســطوري «أخيــل»‪ ،‬ويبــدأ ملحمتــه‬ ‫هكــذا‪:‬‬ ‫بن بيال»‬ ‫ربةَ الشعر عن «أخي َل ِ‬

‫ح ّدِثينا واروي احتداما ً وبيال‬

‫وخلــق العــرب «وادي عبقــر» ليوحــي للشــعراء تنزيلهــم‪ ،‬وجعلــوا لــكل شــاعر شــيطانه الــذي ينـ ِ ّ‬ ‫ـز ُل عليــه‬ ‫الشــعر‪ ،‬يقــول امــرؤ القيــس‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫الجن أشعارها‬ ‫تُلَ ِقّنُني‬

‫َّ‬ ‫شعرهن انتقَيْت‬ ‫فما شئتُ من‬

‫وكان الشــاعر يتباهــى بقــوة شــيطانه الــذي ينــزل عليــه الشــعر‪ ،‬ويفضلــه علــى شــيطان شــاعر آخــر‪:‬‬


‫الباكيــن حولــي»‪ .‬نعــم البــكاء هــو شــعر فــي النهايــة‪ .‬فالشــعر بــوح‪ ،‬والبــوح خــروج إلــى الضــوء‪ ،‬وال‬ ‫يكــون ذلــك إال بمقــدار مــا يســتطيع الشــعر أن يغــوص‪ .‬ولــذا فالشــعر هــو معــارك الداخــل مــع كل أســئلة‬ ‫الكــون‪ ،‬والشــاعر الحقيقــي هــو الــذي يشــعر بأنــه ســيموت إن لــم يكتــب‪ ،‬والمــوت هنــا خــروج مــن اآلنــي‬ ‫والعــادي‪ .‬المــوت ليــس فقــط التمــدد فــوق آلــة حدبــاء‪ .‬المــوت حيــن ينصــرف المبــدع عــن إخــراج حرائقــه‬ ‫ليحــرق كل مــا هــو مبتــذل فــي العالــم‪ .‬إن احمــرار الثمــار يحتــاج شمسـا ً حــارة‪.‬‬ ‫وهنــا تجــدر اإلشــارة إلــى أن اإلبــداع مهمــا ســطع فــي النتــاج الشــعري فإنــه يبقــى قاصــرا ً عــن بلــوغ‬ ‫المناطــق القصيــة فــي النفــس البشــرية‪ ،‬وهنــا ألــم آخــر يتعــرض لــه المبــدع‪ ،‬حيــث تظ ـ ُّل كلماتــه مرايــا‬ ‫ـهر الخلـ ُـق ّ‬ ‫للداخــل‪ ،‬وليســت الداخـ َل نفســه‪“ ،‬ويسـ ُ‬ ‫جراهــا ويختصـ ُـم”‪ ،‬حتــى ولــو نــام المتنبي عن شــواردها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـن إلنجــاز روائعــه‪ ،‬لقــد كان يطاردهــا فــي فلــوات روحــه كمــا‬ ‫ـهر طويـ ٍل وم ْ‬ ‫إن نومــه كان ممزوجـا ً بسـ ٍ‬ ‫ضـ ٍ‬ ‫ـر عنهــا بكلمــة‬ ‫يطــارد الصيــاد غــزاالً نافــراً‪ ،‬وهــو المعتــرف بقســوبة وصعوبــة تلــك المطــاردة‪ ،‬والتــي عبّـ َ‬ ‫«قســراً» فــي قولــه‪:‬‬ ‫الشعر قسرا ً‬ ‫أراكض ُم ْع ِوصات‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬

‫فأقتلُها وغيري في الطرا ِد‬

‫ويظــل الشــاعر يركــض وراء إدراك ذاتــه‪ ،‬ولكنــه ال يســتطيع‪ ،‬ولــذا تظــل القصيــدة األرقــى عنــد الشــاعر‬ ‫المبــدع هــي القصيــدة التــي لــم يكتبهــا‪ ،‬ويظــل ينتظــر مجيئهــا‪ ،‬ولكنهــا تأتــي وال تأتــي‪ .‬ومــن وجــع الشــعر‪:‬‬ ‫ـ� َمقـ ُ‬ ‫“ إذا القـ ُ‬ ‫ـول قبــل القائلـ ي ن‬ ‫ـول”‬ ‫وكمــا أن لآللــة وقــودا ً يحركهــا‪ ،‬فللشــعر وقــود أيضـاً‪ ،‬وهــو الحــب‪ ،‬فــا شــعر حيــث ال يوجــد حــب‪ ،‬وكلمــا‬ ‫خامــر الحــبّ وجــدان المبــدع تصبــح قطــوف قصائــده دانيــة أكثــر‪ ،‬ونقيــض الحــب كالكراهيــة والنفــور‬ ‫والقهــر ينابيعهــا العميقــة توجــد فــي أرض الحــب‪ْ .‬‬ ‫أن تُق َهــر مــن شــيء فهــو تعبيــر مقلــوب عــن شــدة رغبتــك‬ ‫بامتالكــه أوالنيــل منــه‪ّ .‬‬ ‫إن حــبّ امــرئ القيــس والـ َده أورثــه عــداوة وكراهيــة بنــي أســد الذيــن قتلــوا أبــاه‪،‬‬ ‫ق أ َهــل»‪ ،‬ويســيل‬ ‫وقلَبَــه مــن شــاعر متهتــك يعقــر للعــذارى مطيتــه إلــى شـ ٍ‬ ‫ـاعر ًحزيــن يــأرق «مســا ًء لبــر ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ـو اليــوم وال‬ ‫ـى بفعــل الحــب والكراهيــة فــي آن‪“ :‬ضيعـ ن يـ� صغـ يـرا‪ ،‬وحملـ ن يـ� دمــه كبيــراً‪ ،‬ال صحـ َ‬ ‫ـجى وأسـ ً‬ ‫شـ ً‬ ‫سـ ْك َر غــداً»‪ ،‬وهــذا مــا أدخلــه فــي وادي عبقــر ليُ ْعطــى بــه شــعرا ً خالــداً‪ ،‬ال يهــرم وال يدنــو منــه النســيان‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ـدي حمامـ ِة عســيب‪:‬‬ ‫كل ذلــك بفعــل الحــب والحــزن وعــذاب الرحلــة‪ ،‬والبــكاء بيــن يـ ْ‬ ‫أيا جارتا إنّا غريبان ههنا‬

‫نسيب‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫وك ُّل غري ٍ‬ ‫ب للغري ِ‬

‫مــن أيــن كان ينبــع هــذا الشــجى المؤثــر لــوال معــارك روحــه الداخليــة التــي نقلتــه مــن هــودج عنيــزة إلــى‬ ‫تلــك الــدروب الصعبــة حيــث «بكــى صاحبــه لمــا رأى الــدرب دونــه»‪ .‬الحــب واأللــم والغربــة واألحــزان‬ ‫ـرأة مــن األلــم كمــا يــرى بودليــر‪.‬‬ ‫هــي التــي تخلــق الخوالــد‪ ،‬حيــث ال عبقريــة ُمبَـ َّ‬ ‫“‪“ 2‬‬ ‫عــن طريــق الحــب وجدتنــي ســالكا ً دربـا ً تحــت أقــواس قــزح للشــاعر ســلمان زيــن الديــن‪ ،‬وأقــواس قــزح‬ ‫ـوس قــزح يــوم كنــا صغــارا ً فــي قرانــا الطينيــة‬ ‫فــي شــعره تمشــي ويمشــي تحتهــا تحتهــا‪ .‬وكــم كان يخلبنــا قـ ُ‬ ‫التــي لــم تكــن تئــن تحــت قســوة األســفلتُ وقتئ ـذٍ‪ ،‬كان قــوس قــزح يشــبه ثيــاب بنــات قرانــا‪ ،‬وكنــا نمــزج‬ ‫بيــن األلــوان فــي حرمــان جميــل‪ .‬ورغــم هــذا الحرمــان الجميــل‪ ،‬فقــد كنــا نتمنــى أالّ يــزول‪ ،‬ألنــه كان‬ ‫يغرينــا بالحبيبــة والســفر ومجالســة القلــب‪ ،‬كمــا يؤكــد شــاعرنا ســلمان زيــن الديــن‪“ :‬أنـ ث ُـر الفجـ َـر عــى هــام‬ ‫الزمــان‪ /‬أطلـ ُـق األحـ َ‬ ‫ـام مــن فــوق ســطوح القلــب‪ /‬أقـ َ‬ ‫ـواس قــزح” أقــواس قــزح ص ‪ ،8‬وكان هــذا الحضــور‬ ‫يقيــم عالقــة صوفيــة بيــن الزمــان والمــكان فــي حلــول مملــوء بالوجــد واإلقامــة فــي الذكــرى‪ ،‬وقتهــا يتحــول‬ ‫ممرعـا ً ألنــه يأخــذ خضرتــه مــن وجــدان الشــاعر‪ ،‬وفــي التفاتــة رائعــة‬ ‫القبــح إلــى جمــال‪ ،‬ويغــدو الوعــر ِ‬ ‫َ‬ ‫يلقــي شــاعرنا القبــض علــى الحــال‪ ،‬فيصبــح مســاهما فــي عمليــة خلــق المــكان والزمــان‪“ :‬أقـرأ الوعــر‪/‬‬


‫ـر»‪ .‬وكانــت القبائــل ترســل وفــودا ً لتهنئ ـ ِة قبيلــة نبــغ منهــا شــاعر‪ .‬ولشــدة‬ ‫«شــيطانه أنثــى وشــيطاني ذ َكـ ْ‬ ‫ي للشــعر‪ ،‬واتهمــوا الرســول العربــي بكونــه‬ ‫حضــور الشــعر فــي الــذات العربيــة نســبوا الوحــي القرآنــ َّ‬ ‫ـر وقــرآن‬ ‫شــاعراً‪ ،‬وجــاء فــي القــرآن نفيـا ً لهــذه التهمــة‪« :‬ومــا علَّمنــاه الشــعر ومــا ينبغــي لــه إن هــو إال ذكـ ٌ‬ ‫مبيــن” ســورة يسـ ي ن‬ ‫ـ�‪ .‬ولــم يســتطع اإلســام بــكل حضــوره الـ‬ ‫ـروح أن يل ـغ ي الشــعر مــن النفــس العربيــة‪،‬‬ ‫ي ً‬ ‫ـه�ة‪“ :‬بانــت ســعاد”‪،‬‬ ‫بقصيدتــه الشـ ي‬ ‫وكان الرســول قــد أفــرغ بردتــه عــى الشــاعر “كعــب بــن زهـ يـر” إعجابــا ً‬ ‫غ‬ ‫َ‬ ‫والعجيــب أنــه اســتهلها بالمقدمــة الغزليــة الطلليــة رغــم أنــه جــاء بهــا مادحــا النـ ب يـ� الــذي جــاء ليلـ ي الجاهليــة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ومعــروف اعتمــاد الرســول عــى شــاعر كبـ يـر هــو “حســان بــن ثابــت األنصــاري” للدفــاع عــن رســالة الســماء‬ ‫التغل�‪ ،‬وهو يذود‬ ‫تأث� ض�بة الســيف عىل النفســية العربية‪ ،‬كما قال األخطل‬ ‫بشــعر شــاعر‪ .‬وكان للشــعر ي‬ ‫بي‬ ‫بشــعره عــن األمويـ ي ن‬ ‫ـ�‪ ،‬يقــول‪:‬‬ ‫آو ْوا وهم نصروا‬ ‫بني أميّــــــــةَ قد ناضلـــــتُ دونكــ ُم‬ ‫قوم ه ُم َ‬ ‫أبنا َء ٍ‬ ‫مضض‬ ‫حتى استكانوا وهم مني على‬ ‫ٍ‬

‫والقو ُل ينفذُ مــــــا ال تنفذُ اإلبَ ُر‬

‫وقصــة الحطيئــة معروفــة حيــن ســجنه عمــر بــن الخطــاب بســبب هجائــه الزبرقــان بــن بــدر‪ ،‬ثــم بكــى‬ ‫الخليفــة عمــر حيــن ســمع شــعر الحطيئــة فــي ســجنه‪ ،‬وهــو يقــول مذ ِ ّكــرا ً الخليفــة بجــوع أطفالــه‪:‬‬ ‫ماذا تقو ُل ألطفـا ٍل بذي َم َرخٍ‬ ‫قعر ُمظ ِلم ٍة‬ ‫ألقيتَ كاسبَه ْم في ِ‬

‫شجر‬ ‫ب الحواص ِل ال ما ٌء وال‬ ‫ُز ْغ ِ‬ ‫ُ‬ ‫عمر‬ ‫هللا يا‬ ‫فاغفر عليــكَ سال ُم ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬

‫المــدون‬ ‫لقــد ظــل الشــعر تاريــخ العــرب الحقيقــي‪ ،‬وفيــه تــرى حياتهــم الحقيقيــة‪ ،‬بمنــأى عــن التاريــخ‬ ‫ّ‬ ‫المملــوء بالهــوى والظــن‪ .‬إنــك ال تســتطيع أن تفهــم الحالــة االجتماعيــة فــي العصــر األمــوي مــا لــم تقــرأ‬ ‫شــعر عمــر بــن أبــي ربيعــة‪ ،‬وإذا أردت فهــم روح تاريخهــم السياســي فــي ذلــك العصــر فعليــك أن تقــرأ‬ ‫والط ِر َّمــاح بــن حكيــم الطائــي وعبيــد هللا بــن قيــس الرقيّــات‬ ‫الفــرزدق واألخطــل وجريــرا ً والكميــت بــن زيــد‬ ‫ِ‬ ‫وغيرهــم‪ .‬إن الشــعر هــو التاريــخ الداخلــي للنفــس البشــرية‪ ،‬والــذي انعكــس خارجـا ً علــى الفعــل السياســي‬ ‫واالجتماعــي واالقتصــادي‪ ،‬والروحــي بشــكل أعمــق‪.‬‬ ‫اليونــان حتــى اليــوم يعتبــرون اإلليــاذة التــي خلّــد بهــا هوميــروس بطــوالت اليونانييــن وأمجادهــم فــي حــرب‬ ‫طــروادة كتابَهــم المقــدس‪ .‬والفــرس بنزعتهــم القوميــة يعتبــرون «الشــاهنامة» مــن أهــم خوالــد تاريخهــم‪.‬‬ ‫والفرنســيون يعتــزون بأنشــودة «روالن»‪ ،‬وكل األمــم تعتــز بنوابغهــا الشــعرية ألن الشــعر هــو تعبيــر عــن‬ ‫روح األمــة ونزعتهــا إلــى مــا هــو أبعــد مــن واقعهــا‪.‬‬ ‫ئ مــن راح يُن ّ‬ ‫ـر لمــوت الشــعر‪ ،‬وزوالــه‪ ،‬فالشــعر لصيــق النفــس اإلنســانية وحــا ٌّل فيهــا مـ ْذ وجــدتُ ‪،‬‬ ‫مخطـ ٌ‬ ‫َظـ ُ‬ ‫وســيبقى لــه وجــود وصــدى ومــدى ومـ ٌ‬ ‫ـب فــي الــذات البشــرية مــا دام هنــاك حيــاة تنبــض فــي جسـ ٍد‬ ‫ـكان رحـ ٌ‬ ‫آدمي‪.‬‬ ‫والســؤال الــذي ينبثــق مــن هــذا الــكالم هــو‪ :‬لمــاذا احتــل الشــعر‪ ،‬ولم يـ ْ‬ ‫ـزل محتَـاًّ دواخــل النفس اإلنســانية؟‪.‬‬ ‫وأنــا أرى مــن خــال تجربتــي مــع الحيــاة‪ ،‬واحتكاكــي الخشــن بهــا أن الشــعر هــو الموئــل األخــري لتفريــغ‬ ‫الجســد مــن األوجــاع واآلالم‪ ،‬إنــه البوابــة األبديــة لمغــادرة األحــزان الجاثمــة فينــا‪ ،‬ولنســتمع معـا ً إلــى قيــس‬ ‫بــن الملـ َّـوح‪ ،‬وهــو يقــول‪:‬‬ ‫أشرف اإليفاع إالّ صبابةً‬ ‫فلم‬ ‫ِ‬

‫ولم أنشد األشعار إال تداويا‬

‫قيــس هنــا ينفــرد فــي بريّــة روحــه ويعلــو مــا أيفــع مــن األرض ليــزداد صبابــة ألن الصبابــة هــي مــا يغريــه‬ ‫بالبثــاء‪ ،‬وهــو ينشــد الشــعر ليتــداوى مــن آالمــه‪ .‬المعانــاة شــديدة الحضــور فــي النفــوس الكبيــرة ومــن هنــا‬ ‫تأتــي أهميــة الشــعر‪ ،‬ألنــه بــكاء الــروح التــي ال تصــل إلــى صفائهــا إال بعــد ذرف مكنوناتها»ولــوال كثــرة‬


‫كلــه‪ ،‬وهــذه الــروح هــي الحــب المندلــع مــن معاشــرة المــكان والزمــان‪ ،‬وهمــا يشــكالن معـا ً ثنائيــة تتصــف‬ ‫بالتصاقهمــا مع ـا ً فــي وجــدان يحــاول اســتعادة الزمــان والمــكان مــن قطــار العمــر الميافــر دون توقــف‪،‬‬ ‫ـئ بأصــداء النــداء ال ُمت َ َو ِلّــه الــذي يمتــزج فيــه الذاتــي بالكونــي عبــر مــكان علــى مــدارج جبــل‬ ‫وغيــر عابـ ٍ‬ ‫الشــيخ‪ ،‬وعبــر زمــن يأبــى إالّ أن يصبــح ذكــرى يخترقهــا حــزن جميــل‪ ،‬بمســك بالمــكان والزمــان غــي‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫آن‪/ :‬ينازعـ نـ� الحنـ نُ‬ ‫د� مطمــورة ف� داخــ�‪ /‬فأمـ ُ‬ ‫ـ�‪ /‬إىل ن ً‬ ‫ـال الزمهريــر لعلهــا‪/‬‬ ‫ـارس‬ ‫ًي ً ي‬ ‫ٍ‬ ‫التقيـ ُـب عنهًــا‪ /‬ي� ل نيـ ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ـد� قطافــا دانيــا‪ /‬ولعلهــا‪ ،‬وأنــا الــذي‪ ،‬غطيطتهــا زمنــا تغطيـ يـ�‪ /‬أقــواس فــزح ص‬ ‫تــوري زنــادا كابيــا‪ /‬تـ ي‬ ‫ي الزمــان والمــكان فــي هــذه المجموعــة‪ .‬وســنالحظ ترابــط المــكان‬ ‫‪ .90‬ســأحاول بدايـةً الدخــو َل فــي بُعـ َد ْ‬ ‫والزمــان معـاً‪ ،‬فــإذا كان لإلقامــة مــكان‪ ،‬وللغربــة مــكان فــإن الحــب هــو الــذي يجمــع بينهمــا فــي حساســيات‬ ‫المــكان‪ ،‬وتوتــرات خواطــره وانعكاســاتها فــي جميــع قصائــد هــذه المجموعــة‪ .‬وســنالحظ مع ـا ً فــي هــذه‬ ‫المجموعــة أبضـا ً أن الزمــان يأخــذ صفــات المــكان بصفائــه وغيومــه‪ ،‬وبذبولــه وانتعاشــاته‪ .‬مــع مالحظــة‬ ‫ظاهــرة الحــزن المهيمنــة علــى المجموعــة‪ ،‬ولكنهــا ال تصــل إلــى حـ ّد الكآبــة‪ .‬الحــزن فــي هــذع المجموعــة‬ ‫شــفيف‪ ،‬ويحمــل طبيعــة المــكان والزمــان اللذ ْيــن أنتجــاه‪.‬‬ ‫ــ ‪ 3‬ــ‬ ‫المكان تحت قوس قزح‬ ‫ســنَ المــكان ومخلوقاتــه التــي تشــارك اإلنســان‬ ‫المــكان هنــا فــي هــذه المجموعــة لــم يبــق مكانـاً‪ ،‬وإنمــا تَأ ْن َ‬ ‫امتــاك األرض والعــودة إليهــا‪ .‬إن أنســنة األشــياء تعنــي أننــا نحــن فيهــا‪ ،‬إن حصــان عنتــرة بــن شــداد كان‬ ‫يكمـ ُل اآلخرفــي حالــة تســتدعي‬ ‫يعانــي مــن هــول المعركــة‪ ،‬وكان عنتــرة يحــس معاناتــه‪ ،‬ألن كليهمــا كان ِ‬ ‫التوحــد‪ ،‬وكلمــا ارتفــع تعايــش الحــاالت فــي قضيتيــن تكــون دواعــي المشــاركة أعلــى‪:‬‬ ‫فازور من وقع القنا بلبان ِه‬ ‫َّ‬

‫ي بعبر ٍة وت َ َح ْم ُح ِم‬ ‫وشكا إل ّ‬

‫المــكان فــي شــعر ســليمان زيــن الديــن ليــس خــارج الــذات‪ ،‬وإنمــا تحــول إلــى جغرافيــة داخليــة‪ .‬ولــذا‬ ‫ســنرى المــكان نفســه متكــررا ً فــي كل تفاصيــل المجموعــة‪ ،‬والــذي ينقــذه مــن ظاهــرة التكــرار انســفاح‬ ‫الــذات فيــه لدرجــة اختــاط الجســد بتــراب القريــة وأشــيائها‪ .‬المــكان كائــن يحكــي ويبــث نجــاواه مــن‬ ‫مزاميــر شــاعرنا ســلمان زيــن الديــن‪.‬‬ ‫كان ســلمان زيــن الديــن يــدرك إن الرســام يســتطيع وصــف تفاصيــل المــكان الطبيعــي أفض ـ َل منــه‪ ،‬ولــذا‬ ‫اســتعاض عــن دقــة وصــف الرســام بإذخــال الطبيعــة القرويــة فــي ذاتــه لتصــدر عنــه محمل ـةً بــه‪ ،‬لنــراه‬ ‫ـب فيهــا‪ .‬لقــد صــارع‬ ‫مســفوحا ً فيمــا يكتــب‪ .‬وبهــذا تتفــوق ريشــة الفنــان علــى دقــة آلــة التصويــر التــي ال قلـ َ‬ ‫القلــم الكاميــرا وتغلــب عليهــا بمقــدار مــا دلــق فــي ريشــة قلمــه مــن أحاسيســه‪ .‬لقــد جعلنــا اإلحســاس الغامــر‬ ‫ـأدق جزئياتــه‪ ،‬لــم تســتطع الكاميــرا مزاحمــة ريشــة‬ ‫نصــرف النظــر عــن الكاميــرا ودقــة نقلهــا المشــهدَ بـ ّ ِ‬ ‫وألــوان «ليونــارد ديفنتشــي»‪ .‬لقــد اســتطاع هــذا الرســام الخالــد أن يدخلنــا إلــى ذاتــه‪ ،‬لنســتجلي كوامنهــا‪،‬‬ ‫ولنغــوص أكثــر غــي قــراءة بــوح «الموناليزا»‪،‬ولنغــوص فــي اســتجالء األحاســيس المنســفحة علــى المــكان‬ ‫الــذي هــو الحبيــب األول‪ ،‬كمــا يقــول أبــو تمــام‪.‬‬ ‫ولكــن األرض عاشــقة شرســة‪ ،‬تقتلنــا كــي تســترج َع حالتهــا األنثــى‪ .‬وتســترجعنا لتثبــت تمل َكهــا‪ ،‬إنهــا تصنــع‬ ‫مــن وحولنــا أعضاءهــا‪ ،‬وتصنــع آلهــة لنعبدهــا مــن لزوجــة طينهــا فــي دورة أبديــة ال تبتــدئ مما نــدرك‪ ،‬وال‬ ‫تنتهــي فيمــا نــدرك‪ .‬هــي أنثــى‪ ،‬الرعــد تعبيــر عــن شــهوتها الخالقــة‪ ،‬ويجــيء البــرق لينقذهــا مــن شــهواتها‬ ‫الدنيــا‪ .‬هــي نحــن تكتمــل حيــن تســتعيدنا لتخرجنــا ثانيــة‪ .‬أريــج أزهارهــا لغتهــا‪ ،‬موتنــا حياتهــا‪ .‬مســتبدة‬ ‫دائمـاً‪ ،‬ومــع ذلــك نعبدهــا‪ .‬فيــا لهــا مــن عاشــقة شرســة‪ .‬شــهوتها لزوجــة مائهــا فــي رحــم الطيــن‪ .‬ويغــوص‬ ‫المــاء فــي رحمهــا لتلــد مخلوقاتهــا ‪ .‬وحلهــا يتكــور خبــزا ألوالدهــا‪ .‬وهــم يضاجعونهــا أحيــا ًء‪ ،‬موتــى‪.‬‬ ‫ورغــم رهبــة المــوت ال يتخلــى شــاعرنا عــن فرحــه بحلولــه فــي ذاتـــه الكبــرى‪ ،‬وتحوالتــه فــي مخلوقاتهــا‬


‫ف ف‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ـ�‬ ‫ـ‬ ‫غ‬ ‫وأ‬ ‫ـات‪/‬‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫الذكر‬ ‫ـوز‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫ـاه‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ثنا‬ ‫�‬ ‫ـا�‪ /‬أقــواس قــزح ص ‪ ،9‬إنهــا‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫اق‬ ‫ر‬ ‫ـأو‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـاري‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫ـجر‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ال‬ ‫وأخ ـ ي ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫صــورة أ ّخــاذة أن يغطــي الشــاعر عــري أشــجار العمــر بــأوراق الذكريــات التــي هــي الزمــن الحقيقــي‪ ،‬ومــا‬ ‫ممرعـا ً فعليــه أن يخلقــه فــي ذاتــه‪:‬‬ ‫عداهــا مجــاز‪ .‬وكان الشــاعر يــدرك أنــه إذا لُــم يســتطع أن َيجُــد روضـا ً ِ‬ ‫ـ� تحــارص الظلمــات قنديــ�‪ /‬ويجتــاح النعـ ُ‬ ‫‪/‬وحـ ي ن‬ ‫ـاس ذبالتــه‪ /‬فيعــى‪ /‬أشــهر الكلمــات قنديــا‪ /‬أقــواس‬ ‫ي‬ ‫قــزح ص ‪ ./54‬وقبلــه كان إيليــا أبــو ماضــي يقــول‪:‬‬ ‫إذا ما لم أج ْد روضا ً َمريعا ً‬

‫الروض في روحي وذهني‬ ‫خلقت‬ ‫َ‬

‫ـاعر ســمتُه المتحــدرة مــن تكوينــه الروحــي والبيئــي واالجتماعــي‪ ،‬وإذا كان القدمــاء‬ ‫ومــع ذلــك تبقــى لــكل شـ ٍ‬ ‫يقولــون‪« :‬قــد يقــع الخاطــر علــى الخاطــر كمــا يقــع الحافــر علــى الحافــر»‪ ،‬فــإن هــذا القــول يتصــف‬ ‫بالتعميــم غيــر الدقيــق‪ ،‬فليـ ُل امــرئ القيــس فــي معلقتــه غيــر ليــل النابغــة الذبيانــي الطامــع بمالعــق الذهــب‬ ‫علــى موائــد ملــك المنــاذرة النعمــان‪ .‬إنهمــا يلتقيــاان فــي وصــف الليــل‪ ،‬ويختلفــان فــي انعكاســاته الداخليــة‪،‬‬ ‫غامــر كمــوج البحــر‪ ،‬ولشــدة احتبــاس همومــه فــي صــدره يــرى أن الصبــاح ليــس‬ ‫ليــل امــرئ القيــس‬ ‫ٌ‬ ‫بأفضــل مــن الظــام عنــد اإلنســان المملــوء ه ّم ـا ً وغم ـاً‪« :‬ومــا اإلصبــاح منــك بأمث ـ ِل»‪ .‬أمــا ليــل النابغــة‬ ‫فقــد تطــاول ببــطء ســير كواكبــه باتجــاه ممدوحيــه الغساســنة‪ ،‬وليــل النابغــة يدخــل مباشــرة فــي المديــح‪:‬‬ ‫ي لعمــر ٍو نعمــةٌ بعــد نعمــة»‪ .‬فشــتان مــا بيــن ليليــن‪ ،‬أحدهمــا يفضــي إلــى صبــح مظلــم‪ ،‬وليـ ٍل يفضــي‬ ‫«علـ َّ‬ ‫إلــى نعمـ ٍة بعــد نعمــة‪ .‬أردت مــن هــذا الــكالم أن أؤكــد مقولــة الجاحــظ‪ ،‬وهــي أن المعانــي مطروحــة فــي‬ ‫الطريــق‪ ،‬وتبقــى قــوة الشــعرية نابعــة مــن صخــب الــذات فيــي صياغــة الكلمــات‪ .‬إن المتنبــي أخــذ كثيــرا ً‬ ‫ـس صخبــه فــي كلماتــه التــي تشــبه قصــف الرعــد‬ ‫ي ِ الــذي تحـ ُّ‬ ‫مــن ســابقيه‪ ،‬ولكنــه أنقــذ شــاعريته بذلــك الــدو ّ‬ ‫فــي الجبــل العالــي‪ .‬فالشــاعرية تتعلــق بقــدرة ســطوع التجربــة واألحاســيس فــي نتــاج الشــاعر‪ .‬وهــذا رغــم‬ ‫أهميتــه ال يقلــل مــن جــودة المعنــى‪ ،‬ولكــن الصياغــة العاليــة تتــرك تفاوتـا ً عاليـا ً فــي معنــى واحــد يتناولــه‬ ‫شــاعران‪.‬‬ ‫وفــي كل الحــاالت يظــل الشــعر الجيــد جرعــة دواء‪ ،‬ويتفــق شــاعرنا بهــذا مــع قيــس الــذي اهتــدى إلــى‬ ‫التــداوي باألشــعار»ولم أنشــد األشــعار إالّ تداويــا»‪ .‬وهــذا يثبــت أن الكلمــة الخارجــة مــن معامــل النفــس‬ ‫ي‪.‬‬ ‫الداخليــة ليســت ترفـاً‪ ،‬وإنمــا هــي مــادة حيــاة‪ ،‬ولقــد كانــت فــي البــدء لدورهــا فــي صنــع اإلنســان الســو ّ‬ ‫فالكلمــة الجيــدة تشــفي مــن األســى كالدمعــة نفســها‪.‬‬ ‫فالمــوت يكــون أيضـا ً فــي الحيــاة عندمــا تمــوت الكلمــة‪ ،‬والكلمــة ال تمــوت إال بمــوت الذكريــات‪ ،‬ألن الزمــن‬ ‫يغــدو قاحـاً‪ .‬ثــم إن الذكــرى لهــا قــوة خلــق الزمــن اآلخــر‪ ،‬زمــن الحلــم‪ ،‬وحيــن يمــوت الحلــم تبــدأ الغربــة‬ ‫ـب اإلنســان‪ ،‬وهــو الــذي يعطيــه معنــى‬ ‫الحقيقيــة‪ ،‬ويبــدأ المــوت فــي الحيــاة‪ .‬وال ُحلُـ ُم هــو اســتعمار الحــب قلـ َ‬ ‫أن يكــون‪ ،‬فالحــب كالتصــوف‪ ،‬ال يعرفــه إال الــذي يذوقــه‪ ،‬وقديمــا ذاق اإلنســان المكابــدة اللذيــذة فتمنــى‬ ‫اســتمرار المعانــاة‪ ،‬ألنــه كان يتمنــى أن يســتمر فــي الحيــاة‪ ،‬فــا حيــاة خــارج مراتــع الحــب فــي مســالك‬ ‫الحيــاة الوعــرة‪.‬‬ ‫وحيــن قــدَّم لــي صديقــي الشــاعر ســلمان زيــن الديــن مجموعتــه «أقــواس قــزح»‪ ،‬كنــت أدري أننــي‬ ‫ســأعاني وأكابــد‪ ،‬ولكنهــا معانــاة مغريــة‪ ،‬ومكابــدة أحبهــا للدخــول فــي تجربــة نَ َمــت فــي ريفنــا‪ ،‬أمــام‬ ‫صخــب جبــل الشــيخ وكبريائــه‪ ،‬وتعاليــه علينــا‪ ،‬ومحاوالتنــا الصاخبــة لتقليــد هــذا الجبــل الشــيخ المعت ـ ّد‬ ‫ببيــاض شــعره‪ ،‬والــذي يشــهد فــي كل فصولــه علــى تقليــد المنتشــرين علــى قــراه الجميلــة كبريــاءه وصخبــه‬ ‫واحتــدام عواصفــه وزمجــرة رياحــه وأنيــن نايــات رعاتــه الملتاعــة‪ .‬لقــد أعطــى هــذا الجبــل الشــاعر ســلمان‬ ‫زيــن الديــن القــدرة علــى ترجمــة تلــك العواصــف واختــزان أنيــن تلــك النايــات المســافرة باســتمرار حيــث‬ ‫المــدى ال ينتهــي‪ ،‬والحــب ال ينتهــي‪.‬‬ ‫لهــذا كلــه رأيــت أننــي مدفــوع للمشــي مــع ســير أقــواس قزحــه مــن خــال روح غامــرة تهيمــن علــى الكتــاب‬


‫ً‬ ‫ويبقــى الحــب شــرط الوجــود‪ ،‬وشــرط الــوالدة‪“ :‬ومــن آياتــه أن خلــق لكــم مــن أنفســكم أزواجــا لتســكنوا‬ ‫إليهــا‪ ،‬وجعــل بينكــم مــودة ورحمــة‪ ”..‬ســورة الــروم‪ .‬فالحــب هــو نســغ الكينونــة‪ ،‬وال بــد مــن أن ًيحتضنــه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫المــكان لينتــج شــعرا جيــدا‪ ،‬وأوســع مــكان ف ي� الكــون الســتيعاب الحــب هــو القلــب‪ً .‬فالقلــب مــكان أيضــا‪ ،‬ولكنــه‬ ‫كل األمكنــة‪ ،‬فهــو جغرافيــة مــا نــرى ومــا ال نــرى‪ .‬وال يكــون قلبــا إذا كان خـ ً‬ ‫مــكان أفـ ضـى مــن ّ‬ ‫ـواء مــن الحــب‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ـ� وجــوده بانتفــاء الحــب‪ ،‬وبالحــب وحــده يصبــح المــكان هــو الحبيــب‪ ،‬ولــو بغيــاب‬ ‫وكذلــك المــكان ينتـ ي‬ ‫الحبيــب‪ ،‬ألن الحلــول مــادة وجودنــا األول‪ .‬وصلــة وجودنــا باألشــياء‪ .‬فهــل كان قيــس بــن الملـ َّـوح مجنونـا ً‬ ‫ى حيــن يقــول فــي‬ ‫ـيس وأفـ ٍ‬ ‫كمــا يس ـ ّمونه؟ أم كان ُمع ِبّــرا ً عــن أعمــق مــا فــي الــروح مــن أحاسـ َ‬ ‫ـكار ورؤ ً‬ ‫مــكان حلّـ ْ‬ ‫ـت فيــه ليلــى يومـا ً فيــه‪:‬‬ ‫ديار ليلى‬ ‫ْ‬ ‫مررتُ على الديار ِ‬

‫الجدار وذا الجدارا‬ ‫أُقَ ِبّ ُل ذا‬ ‫َ‬

‫َ‬ ‫شغفن قلبي‬ ‫الديار‬ ‫حب‬ ‫وما ُّ‬ ‫ِ‬

‫َ‬ ‫سكن الديارا‬ ‫حب من‬ ‫ولكن ُّ‬

‫المــكان فــي أقــواس فــزح يمتــد مــن القريــة إلــى جبــل الشــيخ‪ ،‬الشــاب المنتصــب والشــيخ المكلــل بلحيتــه‬ ‫البيضــاء دائم ـاً‪.‬‬ ‫القريــة فــي شــعر ســلمان زيــن الديــن هــي هــو‪ ،‬كانتْــه فكانهــا‪ ،‬وفيهــا يحــل‪ ،‬حتــى لكأنهــا عقيــدة يمــارس فيها‬ ‫كهنوتــه األرضــي والســمائي فــي ْ‬ ‫آن‪ ،‬والقريــة تحمــل كل صفاتــه فهــي تنمــو معــه‪ ،‬وتنمــو فيــه‪ ،‬وال يســتطيع‬ ‫أن يخلعهــا‪ ،‬ولــو مغترب ـاً‪ ،‬إنهــا ق ـ َد ُره الــذي يحبــه حتــى الحلــول‪ ،‬والقريــة فــي شــعره والدة‪ ،‬ولــذا فهــي‬ ‫تتكلــم‪ ،‬وتغضــب وترضــى وتصحــو وتنــام‪ ،‬وهــذا يجعلهــا عاشــقة مســتهامة‪ ،‬فيمــارس حبــه أمامهــا عاريـا ً‬ ‫إال مــن أحاسيســه المتدفقــة‪ ،‬وشــهوته المســروقة مــن ثمارهــا‪ ،‬وتغــدو تفاصيلهــا امتــدادا ً ألعضائــه‪ .‬يشــاركها‬ ‫نضارتهــا وذبولهــا‪ ،‬وتصخــب علــى ضجيــج ذاتــه المزدحمــة بخَيـ ِل الصبــا‪ .‬إنهــا كتابــه الــذي تعــرف فيــه‬ ‫إلــى لغتهــا الخاصــة‪ ،‬وأتقــن أســماء جســدها‪ ،‬وأشــكال لبوســها‪ ،‬فهــي تحكــي بلغــة ال تحتــاج لترجمــان‪ ،‬إنهــا‬ ‫تدعــوه ليفهــم أســماء مواليدهــا‪ .‬وبالدربــة يحفظهــا عــن ظهــر قلــب‪:‬‬ ‫البري والزوفى وإكلي َل الجبلْ‪/‬‬ ‫الزعتر‬ ‫يته ّجى‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ب‪/‬‬ ‫ويعي عن ظهر قل ٍ‬ ‫للحو ِر‪/‬‬ ‫سر الري ُح‬ ‫ْ‬ ‫ما ت ُ ُّ‬ ‫لألزهار‪/‬‬ ‫وما تفضي به التربة‬ ‫ِ‬ ‫في عرس العبير‪ /‬أقواس قزح ص ‪./16/15‬‬ ‫أبجديــة الريــف تعبــق برائحــة الزوفــى وإكليــل الجبــل‪ .‬وألن الطبيعــة امتــدا ٌد لــه ومقيمــة فيــه كان يحفــظ‬ ‫لغتهــا التــي تظهــر فيــي نجــاوى الريــح مــع الحــور والجبــل والرعــاة والنهــر فــي جوقــة‪ ،‬ألحانهــا كلها تســكن‬ ‫فــي الشــاعر وتســافر فيــه أنّــى ارتحــل‪ .‬وألنــه عاشــق واقــف بيــن يــدي هــذه الطبيعــة العاشــقة المعشــوقة‬ ‫يتحــول عبيــر األزهــار إلــى عــرس‪ ،‬وزواج‪ ،‬فالعبيــر ال يصبــح عبيــرا ً حتــى يختــرق المســافة بيــن الجســد‬ ‫والــوردة‪ .‬إن عالقــة التربــة بالزوفــى وإكليــل الجبــل وعبيــر األزهــار هــي عمليــة والدة لــزواج الشــاعر‬ ‫ـدركُ مــدى تكرارهــا فــي هــذا الوجــود‬ ‫والطبيعــة‪ ،‬والنبثــاق البعــض مــن الــكل فــي مســيرة متكــررة‪ ،‬ال يُـ َ‬ ‫الــذي لــم يحــط بــه عقــل وال تصــور‪.‬‬ ‫“ “‬ ‫أن يــرى الشــاعر تفاصيــل القريــة وهــو غــاف هــو مــن أبــرز األدلــة علــى هيمنــة الطبيعــة علــى وجــدان‬ ‫الشــاعر حضورهــا الدائــم فــي ذاتــه حتــى‪ ،‬فمرحلــة الصحــو فيــه هــي امتــداد لوجودهــا المبكــر فيــه منــذ‬


‫المتكــررة‪:‬‬

‫ف‬ ‫روح‪/‬‬ ‫فردوس‬ ‫�‬ ‫‪/‬وأنا أرتع ي‬ ‫ي‬

‫األين وأوهام األوان‪/‬‬ ‫خارجا ً من شبهة‬ ‫ِ‬ ‫هو يومي مثل أمسي‪/‬‬ ‫وهنا مث ُل هناك‪/‬‬ ‫آن لي ربيع‪/‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫أين لي جنان‪ .‬أقواس قزح‪/‬ص ‪./10/9‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫إن تداخــل الزمــن فــي هــذه األبيــات يرافــق تداخــل المــكان نفســه فــي تصــور فكــري بحــت‪ .‬وفــي رأيــي‬ ‫أن الثقافــة أحيانـا ً كثيــرة تحــاول مزاحمــة اإلحســاس فــي حضورهــا‪ ،‬وهــذا جميــل‪ ،‬ولكــن علــى الثقافــة أن‬ ‫تكــون مؤدبـةً فــي حضــرة الشــعر‪ .‬أنــا مــن القائليــن إن الشــاعر الكبيــر هــو مثقــف كبيــر‪ ،‬ولكــن الوجــدان‬ ‫الشــعري يتمــرد علــى الحضــور الثقافــي ليذهــب بعيــدا ً فــي ســريالية محببــة‪ ،‬تغــري الــرو َح بالمغامــرة‪ ،‬حتى‬ ‫ولــو باتجــاه جــزر الســاحرات‪ ،‬وإغرائهـ َّ‬ ‫ي ِ المحكــوم بالمــوت قبــل الوصــول‬ ‫ـن «أوليــس» بالغنــاء الشــج ّ‬ ‫إلــى «إيتــاكا»‪ ،‬وعنــاق «بينلوبــا» التــي انتظرتــه عشــرين عامـاً‪ ،‬وهــي تطحــن الملــح‪ ،‬وتنقــض غزلهــا كل‬ ‫يــوم‪ .‬إن مقاومــة «أوليــس» كانــت ضروؤيــة للوصــول إلــى قلــب بينلوبــا» المملــوء بالشــعر أيضـاً‪.‬‬ ‫ولكــن شــاعرنا يعتبــر القصيــدة فردوســه متخليـا ً عــن تفــاح آدم وحانــة «ســيدوري»‪ ،‬رغــم غوايــة أطايــب‬ ‫الجنــة وحوائهــا‪ ،‬فالشــعر غايــة‪ ،‬ألنــه الدليــل األبقــى علــى بقــاء الحيــاة‪ ،‬فــرب قصيــدة تومــئ مــن بعيــد‬ ‫لشــاعرها تجعلــه يخــرج مــن جنــة النعيــم ليقضــم تفاحــة حــواء‪ .،‬إن الجنــة الحقيقيــة ســتبقى تحــت قدمــي‬ ‫حــواء‪ ،‬حتــى ولــو غضــب واعــظ القريــة‪:‬‬ ‫ُ ُ‬ ‫ف‬ ‫دم ترىع أيائله‪/‬‬ ‫‪/‬وآدم ي� ي‬ ‫فأقطف من بنات الحرف أطيبها‪/‬‬ ‫وأخسر جنة الفردوس‪/‬‬ ‫ُ‬ ‫الشعر‪ /‬أقواس قزح ص ‪./21/22‬‬ ‫أربح لعنة‬ ‫ِ‬ ‫ورغــم شراســة حــب األرض فــإن حبهــا يمنحــك التكامــل‪ ،‬وعــدم الخــوف‪ ،‬ألنهــا حاضنتــك حي ـا ً وميت ـاً‪.‬‬ ‫المســرة هنــا ناجمــة مــن أن المــوت ليــس عدمـاً‪ ،‬إنــه بدايــة حيــاة‪ ،‬أول مــا يمــوت فيهــا هــو المــوت نفســه‪.‬‬ ‫وهــذا اإليمــان العميــق بالحلــول والترقــي فــي الكينونــات المتعاقبــة‪ ،‬وهــو الــذي جعــل الحــاج يطــوف بيــن‬ ‫شــوق القلــب ولهفــة الدمــوع‪:‬‬ ‫أنتَ بين الشغاف والقلب تجري مثل جري ِ الدموع من أجفاني‬ ‫المــكان‪ ،‬والقريــة تحديــدا ً هــي التــي كانــت تقيــم فــي شــاعرنا أنّــى ارتحــ َل‪ ،‬وكانــت إذا أصيــب بغربــة‬ ‫المــكان تبعــث فيــه مرســات خفيــة ومثيــرة‪ ،‬فتخلــق فيــه الحساســيات المتحفــزة‪ .‬وت َ َحفُّـ ُ‬ ‫ـز الحساســيات هــو‬ ‫الــذي يعيــد للمــكان حضــوره‪ ،‬وهــي التــي تقتــل العاديــة فيــه‪ .‬والعاديــة هــي عــدو الشــعر األول‪ ،‬والمــكان‬ ‫فــي الشــعر حيــن يصبــح عادي ـا ً يغتــال الشــاعر‪ ،‬ولــذا فالمــكان دائم ـا ً مدهــش فــي وجــدان الشــاعر‪ ،‬وهــو‬ ‫ـب مــا كان فيــه قاحـاً‪ ،‬فــي ثنائيــة تكــون أحاديــة فــي حقيقتهــا ومســيرتها الكونيــة‪ .‬تمامـا ً كالشــجرة‬ ‫مخصـ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ـص ينبو ِعــه‪ .‬إنهــا تســرق النهــر‪ ،‬وتشــرب منــه‪ .‬ولكنهــا‬ ‫التــي يســافر عنهــا النهــر ولكنهــا تحمــل خصائـ َ‬ ‫ـر فيهــا باســتمرار‪.‬‬ ‫تعطيــه معنــى أن يكــون‪ .‬إنــه مض َمـ ٌ‬


‫لــه إالّ األمانــي‪ ،‬فهــل تتحقــق األمــان‪ ،‬ومــاذا يبقــى منهــا إذا تحققـ ْ‬ ‫ـت‪:‬‬ ‫ً‬ ‫قنديل‪/‬‬ ‫حول‬ ‫طويال‬ ‫‪/‬أين من طافوا‬ ‫ي‬ ‫وطافوا حول بيتي؟‪/‬‬ ‫أترى هل ش ّح زيتي؟ أقواس قزح ص ‪./25‬‬ ‫برحــه الشــوق‪ ،‬والتســاؤل فــي حقيقتــه أبعــد مــن االستفســار لمعرفــة المجهول‬ ‫التســاؤل هــو آخــر مطيــة لمــن ّ‬ ‫أحيــان كثيــرة‪ ،‬فقــد يكــون الســؤال أقســى أنــواع الخبــر‪ ،‬وأكثرهــا قرع ـا ً علــى شــغاف القلــب وهواجــس‬ ‫النفــس اإلنســانية‪ ،‬وكثيــر مــن األســئلة الــواردة فــي القــرآن الكريــم تحمــل أقســى األجوبــة فيمــا ترمــي إليــه‪:‬‬ ‫ـث الغاشــية»‪ ،‬و «ألـ ْم يأتِكـ ْم نذيــر»‪ .‬الســؤال هنــا تقريــع ونذيــر‪ ،‬وقــد يكــون الســؤال بوحـا ً‬ ‫«هــل أتــاك حديـ ُ‬ ‫وجواب ـا ً مريح ـاً‪ .‬وصيــغ الســؤال كثيــرة‪ ،‬ولكنهــا كلهــا تخــرج مــن نفــس تريــد شــيئاً‪ ،‬وكــم كان المتنبــي‬ ‫رائعـا ً يــوم قــال‪:‬‬ ‫ق‬ ‫وكثير من السؤا ِل اشتيا ٌ‬ ‫ٌ‬

‫وكثير من ر ّد ِه تعلي ُل‬ ‫ٌ‬

‫والســؤال قــد يكــون مؤلم ـا ً وهــو يســتنطق الجمــاد‪ ،‬أو ينتظــر منــه جواب ـاً‪ ،‬والظاهــرة الطلليــة فــي الشــعر‬ ‫العربــي القديــم تحمــل فائضــا ً شــعريا ً ال يقــل عــن الجــذب الصوفــي‪ ،‬وكمــا يقــف الصوفــي فــي الحالــة‬ ‫القصــوى مــن الوجــد مجذوبــا إلــى الواجــد‪ ،‬فــإن الشــاعر الجاهلــي كان يقــف أمــام طلــل الحبيبــة الــدارس‬ ‫نافخ ـا ً فيــه مــن روحــه ومســلما ً عليــه‪ ،‬حتــى لكأنــه الحبيبــة نفســها‪ ،‬يقــول امــرؤ القيــس‪:‬‬ ‫أال ِع ْم صباحا ً أيها الطلل البالي‬

‫ص ِر الخالي!!‬ ‫وهل ي ِع َم ْن من كان في العُ ُ‬

‫اســتنطاق الطلــل البالــي ص َّدتْـهُ قســاوة الســؤال العدمــي الفاجــع فــي جــواب الــذات علــى الــذات‪« ،‬وهــل‬ ‫ُ‬ ‫ي ِع َمـ ْ‬ ‫ـن مــن كان فــي العُ ُ‬ ‫صــر الخالــي! ّ!”‪ .‬المــكان هنــا مقفـ ُـر أصـ ّـم أعجــم “أخـىن عليــه الــذي أخـىن عــى ل َبـ ِـد”‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ـ� مــن الذيــن كانــوا‬ ‫ه الـ ت يـ� أيقظتــه‪ ،‬وبثــت فيــه الحياة‪.‬والمــكان اتخــذ صفــة اإلنســان الـ‬ ‫ي‬ ‫ول ُّكــن الذكــرى ي‬ ‫ت‬ ‫ض‬ ‫ن‬ ‫ـأ� عليهــم الزمــان‪ .‬ونمــن الصعــب هنــا التفريــق بـ يـ� ليــى الغائبــة والــدار الحــا�ة رغــم‬ ‫يحلــون بــه قبــل أن يـ ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫و�‬ ‫تحولهــا إىل أطــال‪ ،‬فالبــر والبصـ يـرة هنــا يتعاونــان ي� اســتحضار المضمــر‪ ،‬ويلغيــان‬ ‫عدميــة الحضــور‪ ،‬ي‬ ‫ف‬ ‫ـوم الجمــاد‪ ،‬ويصبــح “منــادى مفــرد علــم”‪ ،‬يخفــق ي� جمــاده إحســاس‬ ‫هــذا ف ٌالمجــال يصبــح المــكان خــارج مفهـ ً‬ ‫ف‬ ‫ٌ‬ ‫رض‬ ‫ـو� عميــق‪ ،‬ولنســتمع للمجنــون أيضــا‪ ،‬وهـ ًـو ي� ح ـ ة “جبــل التوبــاد”‪ ،‬الــذي كان فيــه قيــس يــرى ليــى‬ ‫فصـ ي‬ ‫ي� طفولتهمــا‪ ،‬وهمــا يرعيــان “غنــم األهــل معــا”‪ ً .‬لقــد عــاد إليــه قيــس بعــد زمــن لـ ي ُـرى ليــى العامريــة الغائبــة‬ ‫ـا�ة فيــه‪ ،‬وقتهــا لــم يعــد الجبــل أصـ َّـم بلقعــا‪ ،‬بــل راح يحــ�‪ ،‬وصــارت ّ‬ ‫الحـ ض‬ ‫حاســة النطــق‪ ،‬وحاســة البــر‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫حاســة واحــدة‪ ،‬يقــول قيــس بــن الملـ َّـوح‪:‬‬ ‫وكبَّ َر للرحمن حيــن رآنــــــي‬

‫وأجهشت للتوباد حين رأيتـــُه‬ ‫ْ‬ ‫وأذ َريْتُ د َْم َع ا ْلعَي ِْن لَ َّما َرأ ْيتُــــهُ‬

‫ونادى بأعلى صوتــه ودعاني‬

‫فقلتُ له أين الذيـــــــن عه ْدتُه ْم‬

‫زمان‬ ‫ب‬ ‫حواليكَ في خص ٍ‬ ‫ب وطي ِ‬ ‫ِ‬

‫فقال مضوا واستودعوني بالدهم‬

‫ّثان‬ ‫ومن ذا الذي يبقى على الحد ِ‬

‫ـس نفســه‪ .‬وفــي هــذا الشــعر‬ ‫الحــوار هنــا بيــن اثنيــن‪ ،‬بيــن قيــس وبيــن جبــل التوبــاد‪ ،‬ولكنــه بيــن قيــس وقيـ ٍ‬ ‫يُلغــى الزمــن‪ ،‬ألنــه يهــب للمــكان والزمــان روه ـا ً ويحضــر الصــوت بإيقــاع داخلــي منبجــس مــن أوديــة‬ ‫نفــس اســتطاعت أن تكــون خالقــة‪ .‬فالخلــق هنــا هــو القــدرة علــى صياغــة األشــياء وفــق مقتضــى دواخلنــا‪،‬‬ ‫وتغييرهــا اســتجابة لنــداء ال يمكــن الغــوص إلــى قــراره‪ ،‬فالحــب وحــده يســتطيع أن يتألّـهَ‪ ،‬ألنــه هــو روح‬ ‫هللا‪ .‬لقــد أبــدع الشــاعر بــدوي الجبــل حيــن قــال‪:‬‬


‫تكوينــه الجســدي ولثغتــه األولــى ‪:‬‬ ‫يرص ُد الينبوع في يقظتِ ِه من نوم ِه‪..‬‬ ‫حيوي للغوايات الكثير ْة‬ ‫الحواكير مجا ٌل‬ ‫ُ‬ ‫ٌّ‬ ‫حين‬ ‫يمتطيها ك َّل ٍ‬ ‫ليلُه فيها امتدا ٌد لنهار ْه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫‪ .....‬ولكم أودعها أرس َاره‬ ‫خبّأ فيها َ‬ ‫كنزهُ‬ ‫السر استوى‬ ‫حتى إذا‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫والكنز أعياه الظال ْم‪،‬‬ ‫يغزل اللي َل وشاحا ً وينام‪.‬‬ ‫وغدا ً يأتي إليها‬ ‫كنز ِه‬ ‫باحثا ً عن ِ‬

‫ْ‬ ‫الطفولة‬ ‫كان ذاك الطف ُل يلهو في فراديس‬ ‫س ِه المفقو ِد غير الذكرياتْ‬ ‫لم يعد يملكُ من فردو ِ‬ ‫أقواس قزح ص ‪/19/17/16/15‬‬ ‫اإللغــاء هنــا يعنــي الوجــود‪ ،‬والوجــود يُلغــى بانتفــاء العالقــة مــع القلــب‪ .‬فــإذا كانــت العبــادة ال تعنــي شــيئا ً‬ ‫إالّ بحضــور القلــب‪ ،‬فالمــكان أبضـا ً ال يكــون مكانـا ً إذا لــم يكــن لصيقـا ً بالحــا ِّل فــي المــكان‪ ،‬لقــد قلـ ٌ‬ ‫ـت فــي‬ ‫ـكان ال أحبُّــه‪:‬‬ ‫قصيــدة لــي وأنــا فــي مـ ٍ‬ ‫لنبع دون ظمأى‬ ‫وال معنى‬ ‫ٍ‬ ‫مكان‬ ‫وال معنى لكو ِنكَ في‬ ‫ٍ‬

‫وليس بها «الصويري»‬ ‫أرض‬ ‫وال‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫الحضور‬ ‫وقلبُـــــكَ ال يكونُ من‬ ‫ِ‬

‫*****‬ ‫والحب هو الذي يجعل األشياء غير منتهي ٍة أبداً‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫الطفل مفتونا بأشياء الحقول‪/‬‬ ‫‪ /‬كان ذاك‬ ‫يرص ُد الينبوع في يقظته من نومه‪.../‬‬ ‫يساورهُ األفول‪/‬‬ ‫لم يكن يشغلُه البحر كما الجدو ُل‪ ،‬والرجعى إليه ‪/‬كان نجما ً لم‬ ‫ْ‬ ‫أقواس قزح ص ‪/16‬‬ ‫وإذا كان البيــت مكان ـا ً فــي شــعر ســلمان زيــن الديــن‪ ،‬فالمــكان قندي ـ ٌل أيض ـاً‪ ،‬وفــي أســى شــفيف يتســاءل‬ ‫الشــاعرعن شــح القنديــل رامــزا ً بــه إلــى شـ ّحِ الحيــاة نفســها التــي لــم يعــد يومــض فيهــا ســوى ضــوء قنديــل‬ ‫تحــوم حولــه فراشــات العمــر بحســرة لــم يســتطع التســاؤل أن يطفــئ أســى الذكريــات االفلــة‪ .‬وقتهــا ال يبقــى‬


‫إنها قدرةُ ربي! أقواس قزح ص ‪/61‬‬ ‫ـرى خيــول الصبــا‪ ،‬يعــود الشــاعر ســلمان زيــن الديــن إلــى المــكان‬ ‫وحيــن تهــدأ عواصــف الشــباب وتُعـ ّ‬ ‫عرتــه معهــا‪ ،‬ولــذا راح يخاطبهــا ببــوح جميـ ٍل يحمــل فاجعــة رحيــل األشــياء‬ ‫حزينـاً‪ ،‬ألن الطبيعــة العاريــة ّ‬ ‫الجميلــة‪:‬‬ ‫األمر‬ ‫ص ّدِقْ ما رأى في بادئ‬ ‫لم يُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ولم يسبقْ له أن شاهد‬ ‫فود ْي ِه ك ُمحت َ ٍ ّل ثقيل‬ ‫الثل َج مقيما ً فوقَ ْ‬ ‫واألخادي ُد استدارتْ حول عين ْي ِه‬ ‫كأثالم الحقو ْل‬ ‫ِ‬ ‫أعراس البريق‬ ‫وخبَتْ في تينك العينين‬ ‫ُ‬ ‫كيف يمشي الكأل ُ‬ ‫ش ْعرا‬ ‫البري َ‬ ‫ُّ‬ ‫ش ْع َر سيفي ِْن‬ ‫كيف ري ُح‬ ‫العمر تذرو َ‬ ‫ِ‬ ‫الغمدين‬ ‫األسر في‬ ‫يضيقان بلي ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صدرا‪ .‬أقواس قزح ص ‪99/98‬‬ ‫ ‬ ‫“‬

‫“‬

‫ألوهة الجبل وعبودية العاشق‬ ‫يحضــر «جبــل الشــيخ» فــي شــعر ســلمان زيــن الديــن حضــورا ً أبعــد مــن ماديــة وانتصــاب جبــل عمــاق‪،‬‬ ‫يلبــس الثلــج‪ ،‬وت ِسـ ُّح مــن ســفوحه األنهــار‪ ،‬تلــك التــي لــم تنضــب رغــم كهولــة الجبــل االشــيخ‪ ،‬وال تصــاب‬ ‫ســفوحه بالجفــاف‪ .‬يحضــر هــذا الجبــل فــي شــعر ســليان زيــن الديــن إلهـا ً جديــرا ً بالعبــادة‪ ،‬وهــذا الحضــور‬ ‫اإللهــي العالــي ومصحوبـا ً بهــذا العطــاء السـ ّحاح يغــري الشــاعر بالتقليــد‪ ،‬فيحــاول أن يصعــد إلــى حضرتــه‬ ‫صعــودا ً محفوفــا ً بالعبــادة واالنحنــاء أمــام مــا فــي هــذا الجبــل مــن شــ َمم وكبريــاء‪ .‬وقبالــة هــذا الجبــل‬ ‫العمــاق ترقــد قريــة الشــاعر محدقــة باســتمرار برغبــة طاغيــة لتكــون «كوكبــة» حقيقيــة خــارج ترابيتهــا‬ ‫فــي صــدر هــذا الجبــل‪ ،‬إنهــا تحــاول أن تغــري هــذا الجبــل بخطبتهــا‪ ،‬وأن يكــون حليلهــا‪ ،‬كمــا أغــرت عشــتار‬ ‫«جلجامــش» لتجعلــه زوجهــا‪ .‬وهنــاك علــى الســفح تــرى فتــى قرويـا ً منحــازا ً لقريتــه‪ ،‬و ُمصليـا ً إللهــه جبــل‬ ‫الشــيخ البــاذخ‪ ،‬يحلــم وهــو فــي حالــة ذهــول أمــام المــدى‪ ،‬وأمــام عجــزه عــن تقليــد هــذا الجبــل‪ ،‬وهــذا‬ ‫ي جــداً‪ ،‬فلــو اســتطاع الســاعي أن يكــون هــو مــا يســعى إليــه لزالــت ألوهــة األعلــى‪ ،‬وهنــا يتجلــى‬ ‫طبيع ـ ٌّ‬ ‫الشــوق األزلــي فــي اإلنســان ليكــون إله ـا ً ولــو أضمــر ذلــك أمــام جبــروت إلهــه‪:‬‬ ‫‪/‬أعو ُد إليك‪/‬‬ ‫يا جبالً تعالى‪/‬‬ ‫مدى لجنحي‪/‬‬ ‫وأقطف من ذراك‬ ‫ً‬


‫سرهما‬ ‫الخافقان‪ ،‬وفوقَ‬ ‫الخلق ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سرائرنا‬ ‫كالهما انسكبت فيــــه‬ ‫ُ‬

‫كالهما للخلو ِد‬ ‫ُّ‬ ‫الحب وهللاُ‬ ‫وما شهدناهُ لكنّا عبــدْناهُ‬

‫وألن الحــبّ خالـ ٌ‬ ‫ـق فقــد اســتطاع حــبُّ المــكان أن يصــوغ شــاعرنا ســلمان زيــن الديــن كمــا يشــاء‪ ،‬حتــى‬ ‫ـرأت فــي أقــواس قزحــه تــراه مهاجــرا ً فــي كل‬ ‫لكأنــه شــيء مــن تفاصيــل المــكان‪ ،‬ولــو بعيــدا ً عنــه‪ .‬وأنَّــى قـ َ‬ ‫ق يصــوغ‬ ‫شــعاب وادي التيــم ومحدقـا ً ب َ‬ ‫شــعر شــيخ الجبــال األبيــض دائمـاً‪ ،‬فالمــكان ُمحت َـ ٌّل بقــدرة قلــب خالـ ٍ‬ ‫المــكان كيفمــا شــاء‪:‬‬ ‫تباشير الوالد ْة‬ ‫مع ِلنا ً بد َء‬ ‫ِ‬ ‫تض ُع الزهرةُ مولودا ً شهيّا ً‬ ‫‪.......‬‬ ‫تمن ُح المولو َد ْ‬ ‫قبلة‬ ‫ق‪،‬‬ ‫تنعس األورا ُ‬ ‫ُ‬ ‫يُغويها الكرى‪،‬‬ ‫وتهب الريحُ‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫األصفر في كل الذرا‬ ‫الذهب‬ ‫تذرو‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫تتعرى الشجر ْة‬ ‫أقواس قزح ص ‪/51‬‬ ‫وتنا ُم الثمر ْة ‪/‬‬ ‫ُ‬ ‫تحــوالت األشــياء فــي الطبيعــة هنــا هــي تحـ ّـو ٌ‬ ‫الت داخليــة قبــل ك ّل شــيء‪ ،‬وتتخــذ صفــة الضميــر البــارز‬ ‫ســها‪،‬‬ ‫المتصــل‪ ،‬نعــم متصــل بــذات الشــاعر التــي هــي متوحــدة بــك ّل هــذه التفاصيــل‪ ،‬إنــه يخلقهــا كمــا يح ُّ‬ ‫ال كمــا يراهــا‪ .‬إنــه عاشـ ٌ‬ ‫ـق والعاشــق هــو الــذي يخلــق الحبيبــة كمــا يشــاء‪ .‬لقــد دخلـ ْ‬ ‫ـت بثينـةُ علــى الخليفــة‬ ‫ـك بــه‬ ‫ـك شــيئا ً ممــا وصفـ ِ‬ ‫األمــوي عبــد الملــك بــن مــروان‪ ،‬فلمــا نظــر إليهــا قــال لهــا‪ :‬وهللا‪ ،‬إنــي ال أرى فيـ ِ‬ ‫ب مع َّمر»عاشــقه»‪ ،‬فنظـ ْ‬ ‫ي‬ ‫جميـ ُل ُ‬ ‫ـرت بثينــة إلــى الخليفــة‪ ،‬وقالــت لــه‪ :‬يــا أميـ َ‬ ‫ـر المؤمنيــن‪ ،‬إنــه كان ينظــر إلـ َّ‬ ‫ـك‪ .‬فالشــاعر هــو الــذي خلــق الجمــال كمــا أمرتــه بــه ذاتُــه الداخليــة‪ .‬والطبيعــة‬ ‫ـن لــم تكونــا فــي وجهـ َ‬ ‫بعينيـ ِ‬ ‫ي الجبــل الــذي راح يتوســل بيــن يديْهــا‬ ‫تخلــق الشــاعر أيض ـا ً وفــق إرادتهــا‪ ،‬كمــا صاغــت الحســناء بــدو َّ‬ ‫لتمنحــه الصبــر والهــدوء بعدمــا صنعـ ْ‬ ‫ـف وأعاصيــر‪ ،‬إنهــا خالقــة‪:‬‬ ‫ـت وجــوده مــن عواصـ َ‬ ‫ت قلبي من تجلُّ ِد ِه‬ ‫فكيف أهمل ِ‬

‫ت إبداعي وتصويري‬ ‫ل ّما تولّ ْي ِ‬

‫وهل تريدين روحي هدأةً‬ ‫أعاصير‬ ‫ت روحي من‬ ‫وونى‬ ‫فكيف أنشأ ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬

‫وكذلــك فعلــت طبيعــة «كوكبــة» بشــاعرها حيــن وقــف بيــن يديهــا مستســلما ً ســاكبا ً أحاسيســه بيــن يديهــا‪،‬‬ ‫لــم يجــد بــدا ً مــن التوســإليها‪ ،‬لعلهــا تعيــد خلقــه بــا أحــزان‪:‬‬ ‫العرس شابتْ نارهُ؟‬ ‫كيف ذاك‬ ‫ُ‬ ‫كيف ذوتْ‬ ‫أزهارهُ؟‬ ‫ُ‬ ‫إنها قدرةٌ ربي‪.‬‬


‫*****‬ ‫الزمن المصنوع من ذكريات المكان‬ ‫“ “‬ ‫قبــل كل شــيء أنــا أرى أننــي ال أســتطيع فصــل الزمــن عــن المــكان فــي أي عمــل شــعري دخلــت فــي‬ ‫ناســوته‪ ،‬وبذلــك يغــدو المحســوس والملمــوس ماديـا ً إحساسـا ً وجدانيـا ً خالصـاً‪ .‬إن الزمــن والمــكان فــي أي‬ ‫نتــاج فنــي إبداعــي يشــكالن كينونــة واحــدة‪ ،‬وليــس هــذا حصــرا ً فــي األدب‪ ،‬وإنمــا يمتــد ليشــمل كل مــا‬ ‫يخضــع للرؤيــة اإلنســانية‪ .‬لــو نظــرت إلــى بيــت قــروي قديــم‪ ،‬حجارتــه جــاء عليهــا الزمــن‪ ،‬فإنــك مــن‬ ‫خــال رؤيــة البيــت القديــم سترســم فــي وجدانــك زمنـا ً لــه‪ .‬فالزمــان والمــكان يجمعــان بيــن الرؤيــة والرؤيــا‪.‬‬ ‫وأنــا هنــا لــن أدخـ َل فــي مفهــوم الزمــن كمــا فعــل المفكــرون والفالســفة‪ ،‬ولكنــي ســأحاول اســتجالء كوامــن‬ ‫ـرون‬ ‫الزمــن الوجدانــي الــذي يعيــش فيــه أصحــاب القلــوب‪ ،‬أولئــك الذيــن لهــم أزمنتهــم الخاصــة‪ ،‬الذيــن يصـ ُّ‬ ‫ســه طقوســك‪ .‬ولــو‬ ‫علــى اإلقامــة فيمــا ال يبــرح‪ ،‬وال يتغيــر‪ .‬إن المــكان حيــن يكــون فيــك فإنــك فيــه‪ ،‬وطقو ُ‬ ‫ـر الرقــم الحســابي فيمــا نســميه ســيرورة وانتقــاالً‪ .‬وهــذا الزمــن نســميه شــعريا ً الذكريــات‪ ،‬والتــي كثّفهــا‬ ‫تغيَّـ َ‬ ‫ق‬ ‫ـو� يتنــاول مــن زمــن الذكريــات‬ ‫َ‬ ‫الشــاعر أحمــد شــوقي بقولــه‪« :‬والذكريــات صــدى‬ ‫الســنين الحاكــي”‪ .‬شـ ي‬ ‫ن‬ ‫ـاك”‪ .‬أمــا التعاقــب‬ ‫حضــوره قي‬ ‫اآل� الــذي ال يـ بـرح بتعاقــب األزمنــة‪ ،‬ويبعــث فيــه الحضــور بالصــوت “الحـ ي‬ ‫ـو� “الصــدى”‪ .‬وهــذا الصــدى مقيــم ال يـ بـرح‪ .‬إن الزمــن الشــعري ينتقــل إىل الكلمــة‪ ،‬ألنهــا مــرآة‬ ‫فيســميه شـ ي‬ ‫الــذات والــدرب إليهــا‪.‬‬ ‫يصــر زمنــه علــى‬ ‫يلجــأ الشــاعر ســليمان زيــن الديــن إلــى الزمــن فــي صيغــه الماضيــة‪ ،‬ورغــم ذلــك‬ ‫ّ‬ ‫مــاض وألنــه كينونــة فــي الوقــت ذاتــه‪:‬‬ ‫الحضــور ولــو غائبــاً‪ .‬إنــه يكثــر مــن فعــل «كان» ألنــه‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫يوم كنت طفال‪..../‬‬ ‫‪/‬ذات‬ ‫ٍ‬ ‫األرض فؤاشة‪/‬‬ ‫كانت‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫لروح‪ /‬أقواس قزح‪ /‬ص‪8/9/‬‬ ‫قمصانا‬ ‫‪....‬كانت األشياء‬ ‫ي‬ ‫ويغمــر الفعــل الماضــي معظــم المســاحات التــي يســير فيهــا شــعره‪ .‬وحضــور الماضــي يهيمــن علــى جســد‬ ‫الشــاعر وروحــه‪ ،‬ويظـ ُّل الفعـ ُل الماضــي حاضــرا ً بقــوة‪:‬‬ ‫من زمان‪/‬‬ ‫ْ‬ ‫الطفولة‪/‬‬ ‫كان ذاك الطف ُل يلهو في فراديس‬ ‫الرمادي بفودي ِه‪/....‬‬ ‫نزل الشيب‬ ‫ُّ‬ ‫كبرالطف ُل وأغوتْه الحياة‪/‬‬ ‫قضم التفاحة المرة حتى‪/‬‬ ‫لم يعد يملك من فردوسه المفقود غير الذكرياتْ ‪ /‬أقواس قزح ص ‪/19/18‬‬

‫ً‬ ‫ـتخدمه مقلوبــا إىل‬ ‫الفعــل الماضــي وحــده هــو الموجــود‪ ،‬وحيــن اســتخدم الفعــل المضـ‬ ‫ـارع «لــم يعــد” ا ضسـ ف‬ ‫ِّ‬ ‫ض‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫الما� ي� شعره يكون‬ ‫الما�‪ .‬ولكن‬ ‫ون� وقلب‪ .‬لقد قلبت الزمن إىل‬ ‫الما�‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫إن حرف “لم” في‬ ‫ه جزم ض ي‬ ‫نســغ الحـ ض‬ ‫إن‬ ‫ـا� الــذي ًهــو المـ‬ ‫ـا�‪ ،‬إنــه يعيــش ي� المـ‬ ‫ي‬ ‫ـكان‪ /‬القريــة‪ ،‬والــذي لــم ًيعــد لــه منــه غـ يـر الذكريــات‪ً .‬‬ ‫وه دائمــا تتجـ ّـول ف ي� المــكان والزمــان معــا‪ .‬وزمــن قصائــده قــروي أيضــا‬ ‫ـ� ف ي� شــعره‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ـ� وتحـ ي‬ ‫الذكــرى تحـ ي‬ ‫رض‬ ‫كالمــكان‪ .‬وقرويــة المــكان والزمــان تحمــل أبجديــات الواقــع الــذي يحيــط بالشــاعر‪ ،‬فالشــباب أخ ـ ريــان‬


‫ق‪/‬‬ ‫وأعش ُ‬ ‫في شموخكَ وجه ربي‪/‬‬ ‫ق‪/‬‬ ‫وأُشع ُل‪ /‬في هواكَ الشو ً‬ ‫نارا ً مقدسةً‪/‬‬ ‫لها قلبي وقودُ‪ /‬أقواس قزح ص ‪./68/67‬‬ ‫الشــاعر هنــا يحــاول أن يتحــد بالجبــل ليكونــه‪ ،‬وتبقــى ســعادته ليــس بالوصــول إلــى قمــة الجبــل‪ ،‬بــل تكمــن‬ ‫ســعادته الحقيقيــة فــي ذلــك المســعى الحثيــث للوصــول إلــى القمــة‪ .‬وكمــا يبــدو أن التســليم بألوهــة جبــل‬ ‫الشــيخ تهــب الواقــف أمــام جــال كبريائــه وتفــرده غســقا ً صوفي ـا ً عميــق التأثيــر إلــى درجــة يتمنــى فيهــا‬ ‫الشــاعر أن يكــون وقــودا ً مقدسـا ً للحالــة‪ ،‬وتجليــات الجبــل ال تحصــى لــو أر ْدنــا عدَّهــا‪ ،‬فهــو العمــاق الــذي ال‬ ‫يُدانــى‪ ،‬ولــذا يحــاول ســلمان زيــن الديــن أن يقطــف مــن هــذا المــدى الــذي ال يُ َحـدُّ مــدى لجنحــه‪ ،‬وهنــا تبــدو‬ ‫رغبــة الشــاعر فــي الوصــول لقمــة هــذا الجبــل‪ ،‬والــذي تُبديــه عظمــة هــذا الجبــل البــاذخ الط ّمــاح الذؤابــة‪.‬‬ ‫فالشــوق للوصــول فيــه الكثيــر مــن العبــادة‪ ،‬والعبــادة حــبٌّ تفرضــه عظمــة الواجــد علــى الموجــود‪ ،‬ورغــم‬ ‫صغرنــا أمــام جبــروت األلوهــة إالّ أن كل إنســان يضمــر حتــى فــي عبادتــه رغبــة أن يُعبـدَ هــو نفســه‪ ،‬ورغبة‬ ‫أن يتألَّ ـهَ‪ .‬وجبــل الشــيخ هــو المعشــوق الــذي ال يمكــن أن تنالــه‪ ،‬ولــذا ســيبقى ســلمان زيــن الديــن محــاوالً‬ ‫الوصــول إلــى قطــف وردة عشــقه‪ ،‬ولــو كلفــه ذلــك أن يجعــل قلبــه وقــودا ً لهــذه الرحلــة ذات النــار المقدســة‬ ‫كمــا يؤكــد ســلمان‪ ،‬فهــل هنــاك قربــى بيــن طــور موســى وجبــل الشــيخ‪ .‬إن ســلمان زيــن الديــن يؤمــن بذلــك‪،‬‬ ‫ودليلــه النــار المقدســة‪ .‬فهــل كان هــو يحلــم أن يكــون «الكليــم»‪ ،‬كمــا كان جبــل الشــيخ «طــوراً»‪ .‬كيــف‬ ‫يصنــع ذلــك‪ .‬إنــه التحـ ّـول الناتــج عــن فكــرة التقمــص التــي آمــن بهــا جبــران خليــل جبــران فــي «نب ِيّــه»‪،‬‬ ‫وكان يســعي ويتــردد كمــا فــي «مــرداد» ميخائئيــل نعيمــة إلــى أن يصبــح اإلنســان إلهـاً‪ .‬كيــف ذلــك ونحــن‬ ‫محكومــون ومســجونون فــي هيــكل الطيــن الــذي شــكا منــه رهيــن المحبســين‪»:‬وكون النفــس فــي الجســم‬ ‫الخبيــث»‪ .1‬ومــع ذلــك سيســتمر اإلنســان فــي محاولــة التألــه‪ .‬جميــل أن يكــون ابــن األرض مصنوع ـا ً مــن‬ ‫َو ْحـ ٍل وســماء‪ .‬وتســمو هــذه األرض لتصبـ َح أمـا ً وحبيبـةً وقضيــة‪ .‬وبالحــب وحــده نصــل إلــى قلــب هللا‪.‬‬ ‫الجبــل فــي بالدنــا يحمــل صفــات الــدرزي‪ ،‬اإلنســان‪ .‬ولعــل مجــاورة الجبــال والحلــول فيهــا‪ ،‬هــي التــي‬ ‫وهبــت كبرياءهــا وكرمهــا للــدروز الذيــن قــال فيهــم أحمــد شــوقي‪:‬‬ ‫ولكن ذادةٌ وقُراةُ‬ ‫ْ‬ ‫ضيف‬ ‫ٍ‬

‫كينبوع الصفا خشنوا ورقّوا‬

‫نعــم‪ ،‬لقــد كان جبــل الشــيخ قاســيا ً فــي درء عــوادي الزمــن عنــه‪ ،‬وكان كريمــا بــا نضــوب‪ ،‬ومــن كرمــه‬ ‫األنهــار التــي تتدفــق وتنبجــس مــن ســفوحه‪ ،‬كنهــر الحاصبانــي ونهــر األعــوج ونهــر الشــريعة‪ .‬وحيــن أراد‬ ‫الشــاعر القــروي «رشــيد ســليم الخــوري» أن يصــف النهــر المتحدرمــن جبــال لبنــان قــال فــي وصفــه‪:‬‬ ‫طورا ً له زأرةُ‬ ‫الدرزي ِ ثار على‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫وتارةً يمأل الوادي ترنُّ ُحهُ‬

‫جالّد ِه وإلى استقالله نفرا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫لبنان في أغالل ِه زفرا‬ ‫كأن‬

‫الجبـ�ل فيــ الش��عر روح مســكون باالنفعــاالت‪ ،‬وعواصفــه هــي ترجمــة انفعاالتــه‪ ،‬وال يصبــح المــكان روحـا ً‬ ‫ـدواً‪ ،‬وفــي كلتــا‬ ‫إالّ إذا ح ـ ّل فــي وجــدان إنســان معــذب‪ ،‬وقتهــا قــد يصبــح المــكان صديق ـاً‪ ،‬وقــد يغــدو عـ ّ‬ ‫ي‪ ،‬اســمه ســليمان‬ ‫ـدان فتــى قــرو ٌّ‬ ‫الحالتيــن يكــون ترجمـةً النفعــال‪ .‬وهــو ذلــك الحــي المملــوء روحـا ً فــي وجـ ِ‬ ‫زيــن الديــن‪ .‬وألن المــكان الــذي نحبــه روح فإننــا ندخلــه ونعيــش فيــه ونكلمــه ويكلمنــا‪ .‬إنــه إنسـ ٌ‬ ‫ـان بمقــدار‬ ‫مــا نحفــر فــي صخــوره مــن ذكريــات‪.‬‬


‫يدهش عيني‬ ‫ومكان لم يز ْل‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫أقواس قزح ص‪/26/‬‬ ‫وفــي شــعر ســلمان زيــن الديــن‪ ،‬تصبــح غربــة العمــر شــكوى مــن اآلخــر‪ ،‬إنــه فعــل الزمــن الــذي يأتــي‬ ‫علــى كل شــيء‪ ،‬فالطبيعــة تتغيــر‪ ،‬والصحــب يتغيــرون‪ ،‬والخريــف يغــزو الداخــل‪ ،‬ويبــدأ رفــاق األمــس‬ ‫يلقلــون حجارتهــم فــي بئــر الماضــي الــذي كان جمي ـاً وكان مــاؤه منه ـاً‪ ،‬فــي الصبــا كان الصحــب‪:‬‬ ‫يغسلون الرو َح بالسحر الحالل‬ ‫البئر عينا ً‬ ‫فتقر‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫الصحب نفسا ً‬ ‫ويطيب‬ ‫ُ‬ ‫ويجلّون مقام الماء‬ ‫حجر‬ ‫ال يرمون في البئر‬ ‫ْ‬ ‫أقواس قزح ص ‪/87‬‬ ‫أمــا فــي الخريــف فيتغيــر المــكان واإلنســان والزمــان‪ ،‬وســبب هــذا التغيــر هــو فصــول الجســد‪ ،‬وكــم كان‬ ‫فيرليــن رائعـا ً حيــن قــال‪« :‬إن الجســد لحزيــن»‪ .‬إن حــزن الجســد أفــرغ قتامتــه علــى الطبيعــة والصحــب‬ ‫فــي آن‪:‬‬ ‫وتولّى زمن كان سعيدا ً‬ ‫ت األغصانُ في العود فأمسى‬ ‫قلَّ ِ‬ ‫َ‬ ‫عريان وحيدا‬ ‫في مهب الريح‬ ‫البئر‬ ‫ونأى الصحب عن ِ‬ ‫رموا أحجارهم فيهان‬ ‫وساموها جحودا‬ ‫أقواس قزح ص ‪88/87‬‬ ‫إن اســتعمال فعــل «أمســى» لــه داللتــه الحــادة‪ ،‬لقــد اســتعمل الشــاعر فعــل «أمســى» ليقــول لنــا‪ :‬إن أوان‬ ‫الغــروب قــد حــان‪ ،‬ولــو اســتعمل فــي هــذا المــكان فعــل «أضحــى» ل َمــا وافــق الــكالم مقتضــى الحــال‪ .‬البــد‬ ‫مــن اســتعمال الكلمــات التــي تحكــي بدقــة مــا يدفــق مــن اإلحســاس‪ ،‬والصياغــة الجميلــة تقــوم علــى توافــق‬ ‫اللفــظ والمعنــى داللـةً وإيقاعـاً‪ ،‬حتــى‪ ،‬ولــو أغربــت الكلمــة فــي داللتهــا بعيــداً‪ ،‬يجــب أن يبقــى عالقــة قربــى‬ ‫بيــن اللفــظ ‪/‬الرمــز والمعنــى الــذي يريــد الشــاعر أن يصــل إليــه‪.‬‬ ‫ـب أفضــى مــكان يتحــرك فيــه الشــاعر‪ ،‬إن الدنيــا علــى ســعتها تضيــق أمــام ســعة القلــب فــي رأي‬ ‫ويبقــى القلـ ُ‬ ‫ســلمان زيــن الدين‪:‬‬ ‫هي الدنيا تحاصرني‬ ‫دنى أخرى‪،‬‬ ‫فأبحث عن ً‬


‫تتخــذ فيــه الطبيعــة ألوانـ ًـا خ ـرض َاء ّ‬ ‫ـول مرات ًــع تمــوج‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫والح‬ ‫ـا‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫بألوان‬ ‫ـري‬ ‫ـ‬ ‫غ‬ ‫وت‬ ‫‪،‬‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫بعب�‬ ‫ـوح‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ـار‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫فاألز‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ري‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ـ� المخصــب‪ ،‬وكهولــة الجســد تصحبهــا طبيعــة مماثلــة وزمــن شــاحب يشــبه خريفــا يابســا‪ ،‬إال مــن‬ ‫بنباتهــا الـ ي‬ ‫حــزن يحمــل إحســاس النهايــة القاتــم‪ ،‬فالجســد وحــده هــو الكــون‪ .‬وهــو الــذي يجعــل المــكان والزمــان مرايــا‬ ‫لــكل نوازعــه وأحاسيســه الـ ت يـ� هــي فــي حقيقتهــا اســتجابة حتميــة لفصــول الجســد وثمــاره وتقلباتــه التــي‬ ‫تصنعنــا‪ ،‬ونحــن نســميه زمنـاً‪ ،‬ولكنــه فــي حقيقتــه الجســد‪ ،‬الجســد وحــده‪ ،‬فــي ربيــع الجســد تصبــح الطبيعــة‬ ‫ـرى والوامقــة‪:‬‬ ‫خادمــة أمينــة لمكنوناتــه الحـ ّ‬ ‫وإذا الينبوع والجدو ُل‬ ‫ج‬ ‫والساقيةُ المغنا ُ‬ ‫صارت تتبارى‪،‬‬ ‫األنهار‬ ‫تمتطي‬ ‫َ‬ ‫يحدوها حنينُ الفرع لألص ِل‬ ‫وشوق االبن لألهل الحيارى‬ ‫وتح ِيّي ِه بأحلى قُبل ٍة‬ ‫كانت لديها‬

‫أقواس قزح ص ‪/42‬‬

‫ـفر دؤوب‪ ،‬ال‬ ‫ولكنــك ال تســتطيع أن تدخــل فــي نهــر الزمــان ّ‬ ‫مرتيــن‪ ،‬وال فــي النهــر المــكان‪ ،‬إننــا علــى سـ ٍ‬ ‫يلقــي رحالــه‪ ،‬مهمــا اســتب ّد بنــا الونــى‪ ،‬وجنــح بنــا البيــن فــي مرامــي تيهــه وصحــاراه‪ ،‬التــي ال مــاء فيهــا‬ ‫هرم ـةً‪ ،‬وتصبــح الكلمــات مرايــا‬ ‫غيــر ســراب يغــري‪ ،‬ورواحــل يمتطيهــا العمــر‪ ،‬وقتهــا تصبــح الطبيعــة ِ‬ ‫العمــر القاحــل إالّ مــن الذكريــات‪ ،‬وتغــدو الكلمــات غيــر كلمــات األمــس‪:‬‬ ‫الصيف يا لبنى‬ ‫وتولّى‬ ‫ُ‬ ‫وبتنا قاب قوسين من الريح وأدنى‬ ‫وغدا ً حين تهبُّ الريح‬ ‫تذرو ما جمعنا من حصاد‬ ‫أقواس قزح ص ‪/83‬‬ ‫إن مغــادرة القريــة فــي شــعر ســلمان زيــن الديــن صبغــت شــعره بحــزن شــفيف‪ ،‬إنهــا حنيــن إلــى العــودة‪،‬‬ ‫ومغــادرة الحاضــر لإلقامــة فــي الماضــي‪ ،‬والماضــي هــو القريــة‪ ،‬وهــو الفــردوس المفقــود‪ ،‬والزمــان‬ ‫ـور الشــيب الــذي نــزل بفوديــه‪ .‬والشــيب فــي حقيقتــه‬ ‫المفقــود أيض ـاً‪ .‬ويرافــق حــزنَ مغــادرة القريــة حضـ ُ‬ ‫غربــة ثانيــة‪ .‬وإذا كان باســتطاعة الشــاعر العــودة إلــى قريتــه‪ ،‬فإنــه غيــر قــادر أن يعــود إلــى زمــن الشــباب‪.‬‬ ‫ومــن هنــا كانــت أهميــة الذكــرى فــي شــعر ســلمان زيــن الديــن‪ ،‬ألنهــا قنديلــه األخيــر فــي ظــام العمــر‪،‬‬ ‫وألن الذكريــات «صــدى الســنين الحاكــي»‪ .‬وحيــن تــدق نواقيــس الذكريــات فــي صــدر الشــاعر يشــعر أن‬ ‫صوتـا ً يــوري حنينــه‪:‬‬ ‫لزمان‬ ‫ٍ‬ ‫لم يز ْل يفتنُ قلبي‬


‫*****‬ ‫لهم القروي وتأثيره على الحواس‬ ‫مادية ال ُم ِ‬ ‫ـاب األول واألغنــى واألكثــر‬ ‫فــي العمــر القــروي الزراعــي تكــون القريــة وعالمهــا المــادي والروحــي الكتـ َ‬ ‫حضــورا ً وتأثيــرا ً فــي الــذات طــوال مراحــل العمــر اإلنســاني‪ .‬إن القريــة هــي الصانعــة األولــى للشــخصية‬ ‫مكون ـةُ‬ ‫ـى فني ـا ً فــي حياتــه‪ .‬ولعــل مرحلــة الطفولــة هــي ّ ِ‬ ‫اإلنســانية‪ ،‬وبخاص ـ ٍة لــكل ابــن قري ـ ٍة نحــا منحـ ً‬ ‫العمريــة التــي تليهــا‪ .‬وقتهــا تبــدأ‬ ‫االســتعداد األول لخلــق االنطباعــات المؤثــرة‪ ،‬وباســتمرار علــى المراحــل ْ‬ ‫القريــة بــكل تفاصيلهــا بطباعــة صفحــات كتــاب العمــر‪ ،‬وتصبــح تلــك الصفحــات هــي العمــر الحقيقــي‬ ‫لإلنســان‪.‬‬ ‫وتآزرهــا لنقــل أقصــى مــا يشــعر بــه اإلنســان‪.‬‬ ‫وبتأم ـ ٍل رؤيــوي مــادي نــرى بوضــوح تداخــل الحــواس‬ ‫َ‬ ‫وتحديــدا ً مــاكان لــه حضــور مــادي مؤثــر علــى إنســان القريــة الطفــل‪ .‬وقتهــا النهــر يصبــح حكايــة ال تبــرح‬ ‫الوجــدان‪ .‬وهــا أنــا حتــى اآلن ال أزال أذكــر تلــك الصفحــة فــي كتــاب القــراءة األول فــي مدرســة القريــة‪،‬‬ ‫َ ْ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ألتبعــك‪ /‬أنــا‬ ‫ـر�‬ ‫والتــي كانــت فيهــا صــورة لطفــ ٍل واقــف يخاطــب النهــر‪“ :‬أيهــا‬ ‫النهــر ال ترس‪/‬وانتظـ ي‬ ‫ْ‬ ‫ٌ َ ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ـر� ألتبعــك‪ ./‬إىل اآلن وأنــا ي� الســبعينيات‪ ،‬وقــد مــررت بتجــارب‬ ‫ـ‬ ‫ظ‬ ‫فانت‬ ‫‪/‬‬ ‫ـك‬ ‫أخـ بـرت والــدي‪ /‬أنـ ن يـ� ذاهــب معـ‬ ‫ي‬ ‫بتأث�اتهــا‪ ،‬ومــع ذلــك مــا زلــت أذكــر تلــك الصــورة‪ ،‬وأردد بحنـ ي ن‬ ‫ـ� غامــر تلــك المناجــاة الحميمــة‬ ‫حياتيــة عجيبــة ي‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ال� يرجو بها الطفل النهر أن ينتظره ليســافر معه‪ ،‬واآلن أســأل‪ :‬ولكن إىل أين!!؟ وكل تفاصيل القرية لها‬ ‫ي‬ ‫تأثـ يـر ذلــك النهــر عــى وجــدان طفــل صغـ يـر‪ ،‬فالشــجرة تغــدو فتــاة مراهقــة متناســبة وناميــة مــع نمــو المراهقــة‬ ‫ف ي� بواكـ يـر حيــاة الطفــل‪ .‬وهــذه المعطيــات تكثفهــا تجربــة الحيــاة‪ ،‬إىل درجــة تعجــز فيهــا حاســة واحــدة عــى‬ ‫اكتنــاه كل تلــك المعطيــات الـ تـ� تراكمهــا التجــارب ف� الوجــدان اإلنسـ ن‬ ‫ـا�‪ .‬وقتهــا تكــون النفــس الشــاعرة أ كـ ثـر‬ ‫ي‬ ‫ف ي‬ ‫ي‬ ‫ًِ‬ ‫ْ ً‬ ‫ز‬ ‫التهامــا لخـ بـ� تلــك الطبيعــة‪ ،‬حيــث يغــدو كل مــا ي� القريــة قمــح حقــول الصبــا‪ ،‬وتغــدو الذكريــات ِمنجــا‬ ‫يحصــد مــا بـق ي بعــد جفــاف العمــر ورحيــل األشــياء‪.‬‬ ‫ـ� ّ‬ ‫ـر الريــح لل َحــور”‪ ،‬وبـ ي ن‬ ‫حاســة‬ ‫إن إزالــة الفواصــل‪ ،‬وتهديــم الجــدران الفاصلــة بيــن الصــوت‪« :‬مــا تتُسـ ُّ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫الشـ ّـم‪“ :‬مــا تفضــي بــه التربــة لألزهــار”‪ ،‬وبـ ي ن‬ ‫ـ� حاســة البــر‪“ :‬الزعــر الـ بـري والــزو� وإكليــل الجبــل”‪،‬‬ ‫نعــم إن تهديــم الحواجــز بيــن الحــواس المختلفــة «البصــر والشـ ّم والصــوت» هــي تفســير لكثافــة إحســاس‬ ‫الشــاعر فــي حضــرة عشــيقته الطبيعــة التــي تغريــه بوصالهــا وتظــل أبعــد مــن نوالهــا‪ ،‬وذلــك لشــدة هيمنتهــا‬ ‫علــى وجدانــه‪ .‬وقــد اســتعان المشــتغلون بالفنــون كافــة منــذ ال ِقــدم بتهديــم الجــدر بيــن الحــواس للتعبيــر‬ ‫الطاغــي علــى الوجــدان الــذي تعجــز كل الحــواس عــن نقلــه‪ .‬ولكــن الشــاعر الفرنســي «شــارل بودلــي»‬ ‫أفــاض فــي هــذا المجــال بســبب شــدة إلحــاح أحاسيســه علــى ذاتــه‪ ،‬ولنســتمع إليــه‪ ،‬وهــو يقــول محــاوالً‬ ‫الوصــول إلــى أقاصــي حالــة الشــعور التــي يخلقهــا تعــاون الحــواس‪:‬‬ ‫التحو ُل الروحاني‬ ‫أيها‬ ‫ُّ‬ ‫تحو َل حواسي كلها المنصهرة في حاسة واحدة‬ ‫يا ُّ‬ ‫َ‬ ‫سها يُبدع الموسيقى‬ ‫إن نَفَ َ‬ ‫مثلما يو ِلّ ُد صوتُها العطر‪.‬‬ ‫ورغــم شــهرة بودليــر فــي هــذه االســتجابة إللحــاح المشــاعر واألحاســيس علــى التســرب مــن شــقوق‬ ‫الحــواس المختلفــة فــإن شــعرنا العربــي نحــا هــذا المنحــى منــذ بواكيــر وجــوده‪ ،‬فامــرؤ القيــس شــبّه‬ ‫ـيء‬ ‫ـرض فيــه‪« :‬ولي ـ ٍل أقاســي ِه بطـ ِ‬ ‫الليــل بمــوج البحــر‪ ،‬والنابغــة الذبيانــي عانــى مــن الليــل حتــى لكأنــه مـ ٌ‬


‫تقيم هناك في قلبي‪،‬‬ ‫وتجري في شراييني‪.‬‬ ‫أقواس قزح ص ‪/95‬‬ ‫سـهُ‪ ،‬واألســئلة‬ ‫ـاعر نف ُ‬ ‫ســعة القلــب تجعــل الشــاعر منهمــكأ ً بإلقــاء األســئلة علــى المجــرد اآلخــر الــذي هو الشـ ُ‬ ‫هــي إيجــاد أمكنــة أخــرى فــي القلــب يبعثهــا األســى الــذي هــو الباعــث األكبــر لحضــور الشــعر‪ ،‬و»األســى‬ ‫يبعــث األســى» كمــا يقــول «متمــم بــن نويــرة»‪ .‬والســؤال يعبــر عــن كثافــة الزمــن فــي الــذات اإلنســانية‪،‬‬ ‫ـول الزمــن إلــى ذكــرى‬ ‫وال يمكــن للزمــن أن يتكــون فــي الشــعر إالّ بحضــور المــكان‪ ،‬والمــكان هــو الــذي يحـ ّ ِ‬ ‫تجهــش فــي األعمــاق‪ ،‬ثــم تتحـ ّـول إلــى أســئلة لعلهــا تجــد مخرجـا ً يخفــف االحتقــان‪ ،‬والســؤال كمــا رأينــا هــو‬ ‫ـرد ذاتــه‪ ،‬ليصبــح‬ ‫اشــتياق وتعليــل‪ .‬ولهــذا يصبــح الســؤال فــي الشــعر جوابـاً‪ ،‬كمــا يقــول أبــو تمــام وهــو يجـ ّ‬ ‫المنــادي والمنــادى أمــام ديــار األحبــة‪:‬‬ ‫فاسألَ ْنها‪ ،‬واجع ْل بكاكَ جوابا ً‬

‫تج ِد الدم َع سائالً ومجيبا‬

‫ـب نفســه ال ُم ِل ّحــة‪ ،‬والتــي تفتتــح فــي القلــب أمكنــة‬ ‫ويعتمــد الشــاعر ســلمان زيــن الديــن علــى الســؤال ليجيـ َ‬ ‫كثيــرة باألســئلة‪ ،‬وأســئلته فيهــا كثيــر مــن غمــام الحــزن‪ ،‬وكثيــر مــن بــروق العنــاد‪ ،‬والعنــاد هــو محاولــة‬ ‫جــادة ضــد المــوت‪ ،‬والعنــاد فــي أزمنــة الحــزن لــه ســمة االرتقــاء علــى مــا هــو كائــن‪ .‬ومــن هــذا المنطلــق‬ ‫يكــون العنــاد فــي األزمنــة العبــة فعـاً أخالقيـاً‪ ،‬والدهشــة أمــام تغيــر الجســد هــي مــن أســئلة العنــاد الكبــرى‬ ‫رغــم ز ّخــات الحــزن التــي تهطــل علــى الوجــه أمــام المــرآة‪ .‬ورغــم ذلــك ال يســتطيع الشــاعر أن يخلــع‬ ‫أحزانــه رغــم عنــاده أمــام المــرآة‪:‬‬ ‫كيف تغدو الشفةُ‬ ‫ُ‬ ‫المرجان ذكرى‪،‬‬ ‫ي شَعرا‬ ‫كيف يُمسي الكأل البر ُّ‬ ‫كيف ري ُح العمر تذرو شَعر سيفي ِْن‬ ‫األسر في الغمديْن صدرا‬ ‫يضيقان بليل‬ ‫ِ‬ ‫وانثنى الوجهُ على المرآة مشدوهاً‪،‬‬ ‫وقال‪:‬‬ ‫عينيك‬ ‫أين ما خبّأتُ في‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫وظالل؟‬ ‫من‬ ‫سحر وماءٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أين ما أودعتُكي ِه‬ ‫وقمر؟‬ ‫ونجوم‬ ‫من سماءٍ‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫أين تلك النظرة ُ‬ ‫السيف‬ ‫ُ‬ ‫وتلك البسمةُ‬ ‫الصيف‬ ‫ُ‬ ‫المطر؟‪.‬‬ ‫وأقواس‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫هنا أريد أن أشير إلى لقاء وجداني وموقف من تغيرات بين هذه القصيدة للشاعر سلمان زين الدين‬


‫رحلــة كونيــة مترقيــة‪ ،‬وحثيثــة الســير صــوب هللا‪.‬‬

‫يجــب أن تحتــوي القافيــة علــى عنصــر المفآجــأة لكــي تحــدث نوعــا مــن المتعــة والتشــويق‪ .‬وليــس بالضرورة‬ ‫أن يكــون األمــر غايــة فــي الغرابــة‪ ،‬يجــب أن يكــون هنالــك تــوازن متــى مــا لــزم اســتخدام غيــر المتوقــع‬ ‫المشــكلة لــدى الشــعراء الناشــئين هــي صعوبــة تصنيفهــم ووضعهــم فــي خانــة محــددة لموهبتهــم الشــعرية‬ ‫وإلنجازاتهــم‪ .‬قــد يــرى بعضهــم أنــه حقــق مــا يشــفع لــه بــأن يكــون شــاعرا‪ ،‬وهــذا التخبــط فــي الســاحة‬ ‫الشـ�عرية هـ�و مـ�ا جعـ�ل الجمهـ�ور يعـ�رض عـ�ن الشـ�عر الحديـ�ث‪.‬‬

‫كان الصهيل حاجة قصوى أمام جبل الشيخ‪ ،‬وال بد من الصهيل أن يصبح جسدا ً يتسلق‪.‬‬

‫‪ .١‬يجــب عــدم االلتفــات إلــى النقــد الصــادر مــن أشــخاص لــم يســبق لهــم أن انتجــوا أعمــاال جليلــة أو نبيلــة‪.‬‬ ‫أنظــر إلــى الفــارق األدبــي الكبيــر بيــن أعمــال اإلغريــق األوائــل مــن شــعراء ومســرحيين وبيــن مــن جــاءوا‬ ‫بعدهـ�م فـ�ي العهـ�د الرومانـ�ي الذيـ�ن كانـ�وا مجـ�رد شـ�ارحين ألعمـ�ال مـ�ن سـ�بقوهم مـ�ن األغريـ�ق العظـ�ام‪.‬‬ ‫‪ .٣‬ذلــك أن بعــض الكتــاب ال يعــي بــأن الشــيء الواقعــي والطبيعــي يحمــل فــي طياتــه مــا يكفــي مــن الرمــز‬ ‫لإلشــارة لشــيء آخــر تجنــب التشــبيهات والتعابيــر التــي تخلــط بيــن المجــاز التجريــدي والواقــع ألنــه يخلــق‬ ‫بعـ�ض الرتابـ�ة‪ .‬وسـ�بب‪.‬‬ ‫‪ .٤‬اجعــل مــن المجــاز التجريــدي عــدوك األول‪ .‬ومــا كتبتــه ببراعــة فــي شــكل نثــري واضــح ال تعــاود‬ ‫صياغتــه بأســلوب شــعري متواضــع المســتوى‪ .‬وال تظــن أن باســتطاعتك خــداع القــارئ الذكــي عــن طريــق‬ ‫الهـ�رب مـ�ن الجمـ�ال األصيـ�ل الممتنـ�ع للفـ�ن النثـ�ري إلـ�ى جمـ�ل شـ�عرية مبتـ�ورة‪.‬‬ ‫‪ .٥‬مــا قــد يمتعــض منــه الناقــد الخبيــر اليــوم ســوف بالتأكيــد لــن ينــال استحســان العامــة مــن القــراء فــي الغــد‪.‬‬ ‫ال تظــن بــأي حــال مــن األحــوال أن فــن الشــعر هــو أكثــر بســاطة مــن الفــن الموســيقي‪ ،‬أو تظــن أنــه بامكانــك‬ ‫إرضــاء الخبيــر بأمــور الشــعر بمجهــود أقــل ممــا يبذلــه العــازف علــى البيانــو الراغــب فــي احتــراف الفــن‬ ‫الموسيقي‪.‬‬ ‫ـش مــن التأثــر بأقصــى عــدد ممكــن مــن الشــعراء والفنانيــن الكبــار‪ ،‬ولكــن تحـ َّل باللياقــة الالزمــة‬ ‫‪ .٦‬ال تخـ َ‬ ‫لالعتــراف بفضلهــم عليــك‪ ،‬أو اجعــل هــذا الفضــل يتماهــى مختفيــا فــي عملــك‪ .‬وال تحصــر هــذا التأثــر فــي‬ ‫اســتخدام المزخرفــات اللفظيــة المأخــوذة مــن شــعرائك المفضليــن‪ ،‬ألنــه آجــا أم عاجــا ســوف يتــم القبــض‬ ‫عليـ�ك بالجـ�رم المشـ�هود‪.‬‬ ‫‪ .٧‬تجنب الزركشات اللفظية‪ ،‬الجيد منها والرديء‪.‬‬


‫ب»‪ .‬أنظــر إلــى لفظــة «أقاســيه»‪ ،‬الليــل هنــا صــار مرضـاً‪ .‬وداللــة قــول بشــار بــن بــرد الشــاعر‬ ‫الكواكـ ِ‬ ‫األعمــى واضحــة فــي تحويــل البصــر إلــى ســمع‬ ‫المحاجر من َمعَ ٍ ّد‬ ‫ودعجاء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫َّ‬ ‫الجنان‬ ‫ثمر‬ ‫كأن حديثَها ُ‬ ‫ِ‬

‫إن حديــث الفتــاة يصبــح ثمــرا ً مــن ثمــار النــة‪ ،‬وليــس تحويــل الحواســه وحــده هــو الرائــع فــي هــذا الشــعر‪،‬‬ ‫وإنمــا البديــع أيضـا ً هــو جعــل طعــم الــكالم كطعــم ثمــار الجنــة‪ ،‬الــذي هــو أعلــى الثمــار وأطيبهــا‪ .‬وهــذا مــا‬ ‫نــراه أيضـا ً فــي شــعر ســلمان زيــن الديــن‪ ،‬وذلــك حيــن يســتيقظ فيــه جمــال الطبيعــة‪ ،‬ويزدحــم الجمــال فــي‬ ‫ســة‪:‬‬ ‫ـف الجمــال ليختــرق أكثــر مــن حا ّ‬ ‫وجدانــه‪ ،‬فيتكثَّـ ُ‬ ‫‪/‬ه األشواق تطلع من قماقمها‪/،‬‬ ‫ي‬ ‫فيتَّس ُع المدى‪/.‬‬ ‫والصوت يزهر في خمائله‪/‬‬ ‫فيشتعل الصدى‪/‬‬ ‫هذا ربي ُع ْ‬ ‫األذ ِن‪/،‬‬ ‫َ‬ ‫ف سمعَكَ‬ ‫الظمآن‪/‬‬ ‫فأر ِه ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫األلحان‪ /‬أقواس قزح ص ‪./66/65‬‬ ‫واقطف أعذب‬ ‫ْ‬ ‫ب مــن حاســة إلــى‬ ‫ـر ُ‬ ‫إن ازدحــام الــرؤى واألحاســيس فــي صــدر الشــاعر جعــل حــراش األحاســيس يتسـ ّ‬ ‫أخــرى‪ .‬فاألشــواق المتقــدة فــي صــدر الشــاعر صــارت كالســوائل المعبّــأة فــي قماقمهــا‪ ،‬والصــوت بإيقاعــه‬ ‫ـان ربيعـي ٍ يصبــح الصــوت فيــه مزهــراً‪ ،‬وتصبــح‬ ‫المحبــب يتحــول خميلــة‪ ،‬والصــدى يشــتعل‪ ،‬فــي مهرجـ ٍ‬ ‫ـر بســمع‬ ‫الصــورة أكثــر تأثيــرا ً حيــن يحيلُهــا الشــاعر إلــى وجدانــه بأمـ ٍـر ال يحتمـ ُل التأجيــل‪ ،‬ويُسـ‬ ‫ُ‬ ‫ـتجاب األمـ ُ‬ ‫الشــاعر الظمــآن لشــرب الجمــال‪ ،‬وحيــن يظمــأ الســمع تكــون األعمــاق عطشــى لمطــر يخصــب الــروح‬ ‫ويغنيهــا‪ ،‬وفتهــا تتحــول األصــواتُ الحميمــة إلــى فاكهــة ال تختلــف عــن «ثمــر الجنــان» عنــد بشــار بــن‬ ‫بعضهــا علــى بعــض‪ ،‬وهــذا تفســير لكثافــة الشــعور الــذي‬ ‫بــرد‪ .‬واضـ ٌح فــي هــذا الــكالم انفتــاح الحــواس‪ِ ،‬‬ ‫ـوت‪،‬‬ ‫ال يمكــن نقلــه فــي حاســة واحــدة‪ .‬وتذهــب الصــورة فــي ســريالية جميلــة حيــن يُضــي ُء الصمــتُ الصـ َ‬ ‫ســةٌ واحــدة‪:‬‬ ‫وحيــن تقطــف اللــوزة الوقــت حتــى لــكأن الحــواس جميعهــا حا ّ‬ ‫ٌ‬ ‫لوزة تقطف ت‬ ‫وق�‪/‬‬ ‫‪/‬‬ ‫ي‬ ‫أغس ُل العينين فيها‪/‬‬ ‫فيضيء الصوتَ صمتٌ ‪ /‬أقواس قزح‪/‬ص ‪./46‬‬ ‫ـواس‪ ،‬فـ ّ‬ ‫ـإن ماديّــة داللتهــا تتغلــب علــى المضمــر منهــا فتبــرز الحاســة أكثــر‬ ‫وعلــى الرغــم مــن تداخــل الحـ ّ‬ ‫مــن مكونــات الطبيعــة‪ ،‬فنشـ ُّم شــذا الزهــرة أكثــر مــن رؤيتهــا فــي الواقــع‪ ،‬وهــذا مرتبــط بماديــة التــراث‪،‬‬ ‫ومرتبــط بتجســد األحاســيس‪ ،‬وعــدم القــدرة علــى منــع تدفقهــا‪ ،‬ومرتبــط أيضـا ً بطبيعــة البيئــة الريفيــة التــي‬ ‫نهــل ســلمان زيــن الديــن منهــا معارفــه الروحيــة‪ ،‬مــع وضــوح نظريــة وحــدة الوجــود التــي يتداخــل فيهــا‬ ‫العَقَــدي بتأثيــرات قامــوس البيئــة الرؤيــوي‪ .‬إن تداخــل األشــياء ونموهــا معـا ً فــي الداخــل اإلنســاني‪ ،‬وفــي‬ ‫عالمــه الرؤيــوي تجعلــه َمقُــودا ً لإليمــان بتكاثــر المخلوقــات ووحدانيــة الخالــق وســعيها الحثيــث للتوحــد بــه‪.‬‬ ‫إن إزالــة الفواصــل بيــن موجــودات الطبيعــة تحتــم اإليمــان بالحلــول المترقــي فــي مراحــل مــا نســميه زمنـاً‪،‬‬ ‫رغــم أن للزمــن تفســرا ً ال يمكــن حصــره بتعاقــب دقــات الســاعة‪ ،‬وهكذاســنبقى نمــارس ســعينا الــدؤوب فــي‬



‫‪ .٨‬دع قارئــك المحتمــل يمــأ نفســه بأرقــى اإليقاعــات الشــعرية التــي يمكــن أن يكتشــفها فــي نصــك‪ ،‬خاصــة‬ ‫وإن كان هــذا القــارئ ســيقرأ شــعرك بلغــة أجنبيــة‪ .‬وذلــك لكــي ال يشــتت تركيــزه عــن حركــة االيقــاع حينمــا‬ ‫يحــاول معرفــة معنــى الكلمــات‪ .‬مثــال علــى ذلــك بعــض األغانــي الشــعبية‪ ،‬شــعر دانتــي وقصائــد شكســبير‪.‬‬ ‫دعــه يحلــل شــعر غوتــه بــكل هــدوء ورويّــة حتــى يصــل إلــى عمــق المحتويــات القيمــة الصوتيــة واإليقاعيــة‬ ‫للجمــل واألبيــات الشــعرية‪ ،‬مهمــا كانــت قصيــرة أو طويلــة‪ ،‬ســواء بهــا تكثيــف نغمــي أم ال‪ ،‬ويصــل إلــى‬ ‫جـ�ذور الكلمـ�ات حتـ�ى يراهـ�ا بطبيعتهـ�ا اللغويـ�ة البحتـ�ة‪.‬‬ ‫‪ .٩‬ليــس بالضــرورة أن تعتمــد القصيــدة علــى موســيقاها الداخليــة‪ ،‬لكــن إن كان ذلــك هــو الحــال فيجــب أن‬ ‫تكـ�ون تلـ�ك الموسـ�يقى غايـ�ة فـ�ي الجـ�ودة بحيـ�ث تسـ�عد القـ�ارئ الخبيـ�ر‪.‬‬ ‫‪ .١٠‬اجعــل قارئــك الجديــد يشــعر بمعرفتــك فــي أصــول الشــعر وفنونــه مــن محســنات لفظيــة وســجعية‪،‬‬ ‫وتفنــن فــي أســلوب القافيــة وتعــدد األصــوات فــي النــص‪ ،‬فذلــك مــن ضروريــات الكتابــة تمامــا مثــل مــا‬ ‫تتوقــع أنــت أن يعــرف المؤلــف الموســيقي كل شــيء عــن حرفتــه ويتقنهــا‪ .‬كل وقــت هــو مناســب لالهتمــام‬ ‫بمثــل هــذه الجزيئــات ســواء كلهــا مجتمعــة أو كل واحــدة علــى حــدة‪ ،‬حتــى وإن كان الشــاعر ال يســتخدمها‬ ‫بكثـ�رة‪.‬‬

‫‪ .١٣‬عندمــا يتكلــم شكســبير عــن “فجــر ملتــف بعبــاءةٍ خمريــة اللــون” فهــو يبــرز شــيئا ليــس فــي مقــدور فنان‬ ‫الرســم إبــرازه‪ .‬يوجــد فــي هــذا البيــت العدمــي الشــيء المدعــو الوصــف‪ ،‬هــو شــيء تلقائــي‪ ،‬كل مــا علــى‬ ‫شكسـ�بير أو أي شـ�اعر محتـ�رف هـ�و تقديمـ�ه كمـ�ا هـ�و للقـ�ارئ‪.‬‬ ‫ـروج الــذي يحــاول بيــع صابــون‪ .‬فالعالــم ال‬ ‫‪ .١٤‬تعلــم منهــج رجــل العلــوم فــي عملــه عوضــا عــن منهــج المـ ّ‬ ‫ينتظــر أي احتفــاء حتــى يكتشــف شــيئا ذا قيمــة‪ .‬وهــو يبــدأ عملــه بدراســة مــا حققــه العلمــاء مــن قبلــه‪ .‬وهــو‬ ‫ال يعتمــد فــي عملــه علــى شــخصيته الســاحرة وال ينتظــر أن يصفــق لــه زمالئــه وهــو فــي المراحــل األوليــة‬ ‫لعملـ�ه أو عندمـ�ا يحقـ�ق اكتشـ�افات صغيـ�رة‪.‬‬ ‫‪ .١٥‬ال تبتــر نصــك إلــى قطــع مشــوهة عديمــة المالمــح‪ .‬وال تقــف عنــد نهايــة الســطر بصــورة تجعــل الفكــرة‬ ‫غيــر مكتملــة‪ .‬اجعــل بدايــة البيــت الشــعري متناغــم فــي الــوزن مــع ســابقه مــن األبيــات‪ ،‬إال إذا كنــت تريــد‬ ‫خلــق حالــة نفســية معينــة لــدى القــارئ بوقوفــك المفاجــئ‪ .‬وباختصــار تصــرف كأنــك موســيقي موهــوب‪،‬‬ ‫‪ .19‬الصــور الشــعرية التــي تحــث وتثيــر مخيلــة القــارئ لــن تُفقــد مطلقــا حيــن يترجــم الشــعر إلــى لغــة‬ ‫أخـ�رى‪ .‬ولكـ�ن الجـ�زء الـ�ذي يطـ�رب األذن يجـ�ب أن يُقـ�رأ بلغتـ�ه األصليـ�ة‪.‬‬ ‫‪ .20‬يمثــل شــعر (دانتــي) الوضــوح التــام فــي التعابيــر‪ ،‬فــي مقابــل أســلوب (ميلتــون) البالغــي المتعــدد‬ ‫المعانــي‪ .‬لكــي تكســر الرتابــة فــي شــعرك عليــك بقــراءة (وردورث) كثيــرا‪ .‬وإذا أردت أن تســتخلص‬ ‫بواطــن األمــور عليــك بـــ (ســافو) أو (كاتــاالوس) أو (فيلــون) أو (هايــن) فــي أحســن حاالتــه‪ ،‬أو (جاتييــر)‬ ‫عندمــا ال يكــون بــارد المشــاعر‪ .‬وليــس هنالــك أفضــل مــن الشــاعر الكبيــر (تشوســر) إذا أردت أن تكــون‬ ‫متعــدد اللهجــات واألصــوات‪ .‬وال يضــر إن قــرأت نثــرا جيــدا مــن حيــن آلخــر‪ ،‬وهــو األمــر الــذي قــد يعلمــك‬ ‫االنضبـ�اط فـ�ي الكتابـ�ة إن مارسـ�ته علـ�ى سـ�بيل التمريـ�ن‪.‬‬



‫مع الشاعر سليم حيدر يف «خليقته»‬

‫عمر شبيل‬ ‫ــ ‪ 1‬ــ‬ ‫‪.‬مل يعتـ ْد هــذا الــرق أن يكـ ّر َم نبغــاءه‪ ،‬وهــم أحيــاء‪ ،‬كان يتجاهلهــم‪ ،‬وهــم يهبونــه معنــى أن يكــون‪ .‬كانــوا ال ميوتــون يــوم موتهــم‪،‬‬ ‫ويتحولــون إىل أضــواء تبــزغ يف الكتــب والعقــول والقلــوب‪ ،‬كانــوا يحاولــون الدخــول يف صميــم األشــياء‪ ،‬وبفقدانهــم كان الــرق‬ ‫يخــر «الرائــد الــذي ال َيكْ ـ ِذ ُب أهلــه»‪ ،‬لكيــا يخدعــه ال ـراب عــن املــاء‪ ،‬وتبتعــد قوافلــه عــن الينابيــع مبقــدار اختــاف الظــأ‬ ‫عــن االرتــواء‪.‬‬ ‫الشــاعر ســليم حيــدر ضــوء مــن أضــواء الــرق التــي اخرتقــت ظلــات املســاحات الراكــدة فينــا‪ ،‬وكان ضــوؤه كاشــفاً يــوم كان‬ ‫الوطــن ُمعرِضـاً عــن فكــره املشــتبك مــع قضايــا الوجــود الكــرى‪ ،‬كان ســليم حيــدر مفكـرا ً عنيــدا ً وشــاعرا ً ُمجيــدا ً‪ .‬نشــأ يف جغرافيــة‬ ‫ـري مبــن تفهمــه كل اللغــات‬ ‫هــي تــوأم الشــعر‪ ،‬يف بقــاعٍ‪ ،‬أعمــدة بعلبكــه تراهــن عــى مــوت املــوت‪ ،‬وتخاطــب الخلــود بلســان حجـ ٍّ‬ ‫حــن تته ّجــى رمــوز هياكلهــا‪ ،‬وتســتنطق‪ ‬صمتهــا املتكلــم‪ .‬نشــأ ســليم حيــدر يف رحــاب «إلــه الشــمس» يعنــي إلــه الضــوء‪ ،‬فأغـراه‬ ‫هــذا اإللــه بالرؤيــة والرؤيــا‪ ،‬وأغ ـراه بإدمــان التحديــق خلــف الشــمس‪ ،‬والــذي ينشــأ يف الضــوء ال ميكــن أن يصــاب بالعمــى‪ ،‬مل‬ ‫يــرب الشــاعر ســليم حيدرمــاء القــرى البعلبكيــة املتدفقــة مــن رشايــن ليطانيهــا وعــروق ص ّنينهــا فحســب‪ ،‬وإمنــا رشب أيضـاً حكايــا‬ ‫قراهــا وجــال غيدهــا اللــوايت ورثــن مــن األعمــدة القــوام وســحر الحضــور ورسمديــة الجــال‪ .‬وعــى تفاصيــل البقــاع وعطاءاتــه‬ ‫التــي امتــدت لتطعــم رومــا‪ ،‬قــرأ الـراث قـراءة وجدانيــة مضيئــة فأعطتــه الحــدس املتولــد مــن ملعــان الداخــل‪ ،‬والشــعر يف بروقــه‬ ‫ـديس يومــض قبــل اللغــة الواضحــة‪ ،‬وبهــذا اللمعــان الحــديس يقــرب الشــعر مــن‬ ‫الخاطفــة يتخلــص مــن رقابــة الوعــي بلمعــان حـ ٍّ‬ ‫النبــوة بإيحائهــا املتولــد مــن صلــة الواجــد باملوجــود‪ ،‬والحــدس الداخــي هــو الــذي يؤســس للعمليــة الشــعرية املبدعــة‪ .‬وهــذا‬ ‫ال يلغــي العقــل حيــث يتصالحــان يف حــرة الضــوء كــا يتجــى يف شــاعرية كل شــاعر مقتــدر‪ .‬إن صعوبــة الرؤيــا تتعــب الكلمــة‬ ‫ر عــى التحديــق باألعــى‪،‬‬ ‫والتعبــر أحيانـاً كثــرة‪ .‬أومل يُص َعــق مــوىس يف حــرة ربــه فخـ ّر ســاجدا ً‪ ،‬فــا يؤثــم شــاعرنا أبــدا ً وهــو يـ ُّ‬ ‫حيــث تتعــب الكلمــة‪ ،‬عــى الرغــم مــن أنهــا كانــت يف البــدء‪ ،‬وملّــا تـ ْ‬ ‫ـزل‪ ،‬لســليم حيــدر خاصيتــه يف النســيج الشــعري الصياغــي‬ ‫ســيطرت عليهــا الفكــرة الكــرى‪ ،‬فكــرة التجــوال بــن القلــب والعقــل‪ ،‬وبــن نرثيــة الفكــرة وجــال الرؤيــا املغريــة بالســفر دامئـاً إىل‬ ‫الالهنــاك‪ .‬وهــذا ال يُقلِّـ ُـل مــن حضــور ســليم حيــدر أبــدا ً‪ .‬هــذا يجعــل منــه شــاعرا ً ال يقلِّــد إال ذاتــه الداخليــة الباحثــة ‪ ‬باســتمرار‬ ‫خــارج التأثــر اإللحاقــي‪.‬‬ ‫وعــى الشــاعر ســليم حيــدر التاريــخ وعي ـاً ذاتي ـاً حتــى لكأنــه موجــود يف كل العصــور وســبب ذلــك هــو توثــب وجدانــه املمتلــئ‬ ‫بالحــدس والعقــل يف آن‪ .‬إن التاريــخ يف «خليقــة» ســليم حيــدر لــه صــوت حــارض‪ ،‬حتــى لكأنــك تــرى الحــدث وتســمع تفاصيلــه‪،‬‬ ‫وتنفعــل بــه انفعــاالً منحــازا ً لجهــة دون أخــرى‪ ،‬وهــذا االنحيــاز متولــد مــن إرث أخالقــي رشبــه الشــاعر ســليم حيــدر مــن الـراث‬ ‫واملجتمــع القــروي الجميــل‪ ،‬ومــن عائلــة تــرب الثقافــة كــا تــرب املــاء‪.‬‬ ‫ــ ‪ 2‬ــ‬ ‫تناولــت يف محاولتــي هــذه كتــاب « الخليقــة» الــذي صيــغ شــعرا ً‪ ،‬وتجــاوزت بقيــة نتاجــه الوافــر ألنــه ال ميكــن أن يحــاط بــه مبقــال‬ ‫يف نــدوة‪ ،‬وأريــد أن أؤكــد أن شــاعرنا ســليم حيــدر ليــس مؤرخـاً‪ ،‬وإمنــا هــو شــاعر ومفكــر وحكيــم‪ ،‬وقــد كانــت مصــادر «خليقتــه»‬ ‫األساســية الكتــب املقدســة‪ :‬القــرآن والعهــد القديــم والجديــد‪ .‬وألن هــذه الكتــب املقدســة ليســت كتبـاً تاريخيــة يف غائيتهــا‪ ،‬فقــد‬


‫ــ ‪ 4‬ــ‬ ‫ويف هــذه امللحمــة نســر مــع الشــاعر بانجــذاب بــن رغبــات الطــن وأحــام الــروح التــي هي‪« ‬مــن أمــر ريب»‪ ،‬وألنهــا ليســت مــن‬ ‫ـح التســاؤالت‪ ،‬وتظــل تقــرع عــى أبــواب الغيــب الســتكناه رحلتهــا الكونيــة العجيبــة التــي ال يفــي العقــل بهــا إىل‬ ‫أمرنــا بـرا ً تلـ ُّ‬ ‫نتيجــة‪ ،‬قــال فيهــا أبونــا املتنبــي بتمــزق حــا ٍّد وداعي ـاً إىل االن ـراف عــن إدراك ماهيتهــا‪ ،‬ألنهــا ليســت مــن أمرنــا‪ ،‬وألن العقــل‬ ‫محــدود أمــام ال محدوديــة الكــون‪:‬‬ ‫الناس حتى ال َ‬ ‫الشجب‬ ‫ْف يف‬ ‫ِ‬ ‫اتفاق لهم‪ ‬إالّ عىل ش َج ٍب‪ ،‬وال ُخل ُ‬ ‫تخالف ُ‬ ‫العطب‬ ‫نفس املرء سامل ًة‪ ‬وقيل ترشك جسم املرء يف‬ ‫ِ‬ ‫فقيل ُ‬ ‫تخلص ُ‬ ‫والتعب‬ ‫ومن تفكّ َر يف الدنيا ومهجتـــ ِه‪ ‬أقامه الفك ُر بني العجز‬ ‫ِ‬ ‫وهــذا القلــق الــذي خالــط الحــأ املســنون يف مشــيمته هيمــن عــى القلــوب والعقــول منــذ اللثغــة األوىل حتــى الغرغــرة‪ ،‬لقــد حــار‬ ‫مفكــر كبــر وشــاعر كبــر كاملعــري يف أمــر الــروح‪ ،‬وابتعــد عــن مســالك الوصــول إىل كينونتهــا‪ ،‬الســتحالة ذلــك فقــال‪:‬‬ ‫األقب‬ ‫‪ ‬أرواحنا فينا وليس لنا بها‪ٌ ‬‬ ‫علم فكيف إذا احتوتها ُ ُ‬ ‫ويقول سليم حيدر‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫الكائنات‬ ‫‪ ‬مل أعد أشهد الحقيقة يف نفســــــــــــي فكيف الشهود يف‬ ‫ــ ‪ 5‬ــ‬ ‫تقصيهــم‪ ،‬إنهــم يحاولــون‪ ،‬ولكنهــم‬ ‫إن ال ُح ُجــب املســدلة بــن الــروح وطينهــا الــازب جعــل أصحــاب الفكــر العنيــد مســتمرين يف ّ‬ ‫ينهزمــون باســتمرار‪ ،‬وأروع مــا فيهــم هزامئهــم‪ ،‬ألن هــذه الهزائــم جعلــت العقــل اإلنســاين اقتحاميـاً ال يؤمــن بالرتاجــع‪ ،‬وكان العقــل‬ ‫اإلنســاين يتشــظى ويتمــزق كاملــوج‪ ،‬ولكنــه يتجمــع ثانيــة ليشــكل موجـاً جديــدا ً‪ ،‬ويف ثنايــا هــذه األمــواج أنتجــت البرشيــة حضارتهــا‪،‬‬ ‫وغــزت الوجــود ووســعت املجــال أمــام هزامئهــا املتكــررة‪ ،‬ولكــن أضــواء العقــل التــي ملعــت يف الكتــب تحولــت إىل فعــل إنســاين‬ ‫حضــاري‪ ،‬يضاهــي الخلــق وجــودا ً‪.‬‬ ‫يف «خليقــة» ســليم حيــدر يبــدو الشــك منطلقـاً للمســرة الطويلــة‪ ،‬إنــه يســر بــن ملكــوت الضــوء الغامــر وظلمــوت الشــك الــذي‬ ‫ـوي يف رحلــة رصاع الطــن والــروح‪ .‬شـكُّه عميــق لدرجــة مذهلــة‪ ،‬وإميانــه‬ ‫يقتلــع اســتقرار الــروح ويجعلهــا تجنــف عــن طريقهــا السـ ِّ‬ ‫مســتوطن يف تكوينــه‪ .‬إ ّن «اإلميــان موجــود يف الغرائز»‪ ‬كــا يــرى رهــن املحبســن أبــو العــاء املعــري‪ .‬ويقــول ســليم حيــدر معـرا ً‬ ‫عــن تناثــر كيانــه بــن ظلمــوت الشــك ونــور اإلميــان الكامــن يف تكويــن املخلــوق‪:‬‬ ‫‪ ‬وف َّك ْرتُ فيام وراء الوجود‪ ‬فآمن قلبي وعقيل كف ْر‬ ‫اإلميــان يف الغريــزة والتكويــن األول‪ ،‬والشــك يســتعمر العقــل ويحتــل مســاحاته الشاســعة‪ ،‬وســليم حيــدر يف هــذا التناقــض القائــم‬ ‫عليــه رس وجودنــا يف رحلتنــا الطينيــة يحــاول أن ينتقــل مــن شــك العقــل إىل قلبــه املؤمــن عــر إضــاءات الحــدس‪ ،‬تلــك اإلضــاءات‬ ‫التــي‪ ‬حملهــا الوجــد الصــويف‪ ،‬وعجــز عــن نقلهــا إىل الكلمــة‪ ،‬كــا جــاء يف مواقــف النفري‪« :‬كلــا اتســعت الرؤيــا ضاقــت‬ ‫العبارة»‪ .‬وع ْجـ ُز العبــارة عــن نقــل الرؤيــا ألجــأت الصوفيــن إىل القلــب‪ ،‬وهــم هاربــون مــن ظلــات العقــل‪ ،‬هنــاك يف القلــب أقــام‬


‫تنــاول التاريــخ منهــا تنــاوالً دالليـاً وشــعرياً هادفـاً إىل توضيــح دالالت مســرة البرشيــة عــر تاريخهــا الطويــل‪ ،‬ورصاع الخــر والــر‬ ‫يف ق َدريّــة ال متكــن اإلحاطــة بغائيتهــا النهائيــة‪ ،‬وهــو دامئـاً منحــاز للســر عــى جــادة الخــر مــع تبيــان حضــور الــر يف كل تفاصيــل‬ ‫ـس كآبــة الشــاعر ‪ ،‬وهــو‬ ‫وجودنــا الكــوين منــذ آدم وحتــى آخــر طفــل يــرخ وهــو خــارج مــن رحــم الوجــود‪ .‬وبدقــة ومتعــن تحـ ّ‬ ‫يــرى الــر مهيمن ـاً عليــه يف مــدارات كثــرة‪ ،‬وهــذا أعطــاه موقف ـاً غــر موافــق عــى حكايــة الــر املســتفحلة يف الوجــود الكــوين‬ ‫العابــر‪ ،‬ولــذا تـراه يف «خليقتــه» هــذه مشــفقاً عــى الضعــف البــري‪ ،‬ومعرتضـاً عــى اســتمرارية انتهــاك القيــم العليــا التــي هــي‬ ‫غايــة املســرة اإلنســانية بــن املشــيمة والكفــن‪.‬‬ ‫يف «خليقــة» ســليم حيــدر كان الــدم درب التاريــخ‪ ،‬وقــد حاولــت ِق َي ـ ُم األرض والســاء أن توقــف غــزو الــدم للتاريــخ‪ ،‬ولكنهــا مل‬ ‫تســتطع‪ ،‬عــى الرغــم مــن كونهــا مدعومــة بق ـرار إلهــي‪ ،‬فقــد جــاء يف القــرآن الكريم‪« :‬كتــب اللــه ألغل ـ َّن أنــا ورســي» آيــة ‪/21‬‬ ‫املجادلــة‪ .‬وبتســاؤ ٍل قلِــقٍ راح يســتفرس يف حــرة اللــه عــن حكمتــه يف تــازم الخــر والــر‪ ،‬وهــو يف أعامقــه يــرى أن الــر انتــر‬ ‫يف التاريــخ بالــدم وحــده‪ ،‬يقــول ســليم حيــدر مخاطبـاً ربــه‪ ،‬وهــو يقــرر أ ّن إميانــه حقيقــة دامئــة‪:‬‬ ‫ولست ُّ‬ ‫رش‬ ‫‪ ‬‬ ‫ُ‬ ‫أشك بأنك أنت الـــــوحي ُد املهيم ُن ُّ‬ ‫رب الب ْ‬ ‫رش‬ ‫‪ ‬ولكنني ما فهمت ملاذا‪ ‬تأبط آد ُم خريا ً و ْ‬ ‫ــ ‪ 3‬ــ‬ ‫‪ ‬إن شــاعرية ســليم حيــد الحقيقيــة توجــد يف ملحمتــه «الخليقــة» التــي هــدف منهــا إىل اإلســهام الفاعــل يف رحلــة العقــل البــري‬ ‫يف مســرته العميقــة‪ .‬وعــى طريقــة املالحــم القدميــة يطلــب ســليم حيــدر مــن خيالــه الحضــور ليم ـ ّده بالضــوء الكاشــف‪ ،‬وهــو‬ ‫يســتبدل آلهــة األوملــب وشــياطني عبقــر بالخيــال الخصــب‪ .‬يقــول يف مطلــع «خليقتــه»‪:‬‬ ‫‪ُ ‬م َّدين يا ُ‬ ‫خيال باإلرشاقِ ‪ ‬إ ْه ِدين يف تج ّه ِم اآلفاقِ‬ ‫ويقول أيضاً‪:‬‬ ‫‪ ‬يا مطايا الخيال ُح ِّل عقايل‪ ‬م ِّزقي بُ ْر َديتَّ فرعاً وأصال‬ ‫وتنصل الروح جذال‬ ‫َ‬ ‫فتضمحل الهيوىل‪ ‬يف كياين‬ ‫َّ‬ ‫‪ ‬إسحقيني‬ ‫وقبله هومريوس طلب يف إلياذته التي يعتربها اليونانيون كتابهم املقدس من ربة الشعر يف األوملب أن تساعده يف إلياذته‪:‬‬ ‫‪ ‬ربّة الشعر عن «أخيلِ » بن «فيال»‪ ‬ح ّدثينا واروي احتداماً وبيال‬ ‫أما امرؤ القيس فقد أعلن أنه يوحى إليه من شياطني عبق َر‪:‬‬ ‫شئت من ِشعره َّن انتقيت‬ ‫‪ ‬تلقنني الج ُّن أشعارها‪ ‬فام ُ‬ ‫األعــال الكــرى يف األدب اإلنســاين تلجــأ أحيان ـاً كثــرة إىل قــوى غيبيــة بعيــدة عــن اإلحاطــة بهــا‪ ،‬لتعطــي العمــل األديب صفــة‬ ‫الدهشــة التــي تتولــد مــن غرابــة الباعــث أحيان ـاً كثــرة‪ ،‬ومــن عنــارص فنيــة أخــرى ال بــد مــن توفرهــا يف أي نتــاج خالــد‪..‬‬


‫يريــد أبــو العــاء املعــري قــي هــذا البيــت القــايس أن يشــر إىل قــوة اإلميــان ورســوخه عنــد البســطاء‪ ،‬وإىل التنكــر القــايس أيض ـاً‬ ‫املتولــد عــن تقــي العقــل‪ ،‬وانهامكــه يف التعليــل املــاورايئ‪ ،‬الــذي هــو خــارج العقــل متامـاً‪ .‬وقصــة الـرازي معروفــة مــع تلــك املــرأة‬ ‫العجــوز‪ ،‬وكان ال ـرازي يســر بــن تالميــذه‪ ،‬وهــم يكتبــون كل مــا يقولــه‪ ،‬ورأت امــرأة عجــوز هــذا املوكــب‪ ،‬فتقدمــت مــن أحــد‬ ‫تالميــذ الـرازي‪ ،‬وســألته‪ :‬مــن هــذا الشــيخ؟‪ ،‬فأجابهــا تلميــذ الـرازي‪ :‬هــذا الــذي أقــام عــى وجــود اللــه ألــف دليــل ودليــل‪ .‬فقالــت‬ ‫العجــوز‪ :‬واللــه لــو مل يكــن يف قلبــه ألــف شــك وشــك ملــا أقــام ألــف دليــل ودليــل‪ .‬وحــن نقــل التلميــذ إىل الـرازي مــا قالتــه املــرأة‬ ‫العجــوز قــال‪ :‬اللهــم إميانـاً كإميــان العجائــز‪.‬‬ ‫ورغــم قتامــة شــك أيب العــاء فــإن قلبــه يعــود لينبــض بحتميــة وجــود مدبــر لهــذا النظــام الكــوين الالنهــايئ‪ ،‬وهــذا الشــك يعــود‬ ‫ليقــدح عــى زنــاد الحــدس فيقــول‪:‬‬ ‫الناس للبقاء فضل َّْت‪ ‬أم ٌة يحسبونهم للنفا ِد‬ ‫‪ُ ‬خلِ َق ُ‬ ‫‪ ‬إمنا ينقلون من دا ِر أعام‪ ‬لٍ إىل دار شقو ٍة أو رشا ِد‬ ‫ثم يعود ليق ّر بالدين تعبريا ً عن حدسه الرايئ‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫‪ ‬دعاكم إىل خريِ األمو ِر محمدٌ ‪ ‬وليس األعايل يف القنا كاألسافلِ‬ ‫وهــذا الشــك الحــادس يرافــق‪ ،‬بــل ويالحــق الشــاعر ســليم حيــدر مــن بدايــة‪ ‬ديوانــه «الخليقــة» إىل نهايتــه‪ .‬إنــه يغلــق ديوانــه يف‬ ‫آخــر شـكِّه ووميضــه‪ ،‬كصديقــه رهــن املحبســن متامـاً‪ ،‬يقــول الشــاعر ســليم حيــدر‪:‬‬ ‫‪ ‬عدت من رحلتي كأ َين مل ْ‬ ‫ُ‬ ‫أرحل فقلبي ما زال يهوى خفوقهْ‬ ‫‪ ‬قلقي واستكانتي واعتـــاليئ‪ ‬وامتشاقي تساؤاليت العتيق ْة‬ ‫ُّ‬ ‫كأيس حلْـــامً‪ ‬‬ ‫‪ ‬بيدَ أين ُ‬ ‫سأظل الحيا َة أحسو رحيقهْ‬ ‫مألت َ‬ ‫‪ ‬ما أل َّذ األحالم تلمع يف النفــــــــــس خياالً وتستق ُّر حقيقــــ ْة‬ ‫البيــت األخــر يضمــر عذاب ـاً ومتني ـاً إرشاقي ـاً‪ ،‬لــو حصــل الرتــاح صاحبــه مــن مالحقــة الشــك القاتــم واليقــن القلــق‪ .‬إن مناقشــة‬ ‫األســباب والبواعــث غــر مجديــة‪ ،‬حتــى األنبيــاء مل يلجــأوا إىل مناقشــة ق َدريــة الكــون‪ ،‬كــا يــرى ســليم حيــدر‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫البواعث‬ ‫‪ ‬آية األنبياء يف القدر املحتوم أالّ يناقشوا يف‬ ‫لقــد تأثــر ســليم حيــدر بــأيب العــاء املعــري تأث ـرا ً كب ـرا ً حتــى لكأنهــا الشــيخ ومريــده‪ ،‬ولعــل إعجــاب الشــاعر ســليم حيــدر‪ ‬‬ ‫باملعــري متأتيــة مــن موقــف متقــارب مــن قضابــا الحيــاة الفكريــة والروحــي‪ ،‬ومــن هيمنــة الشــك‪ .‬وكــا شــكا أبــو العــاء مــن‬ ‫جنايــة أبيــه عليــه‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫يل‪ ‬وما‬ ‫جنيت عىل أحدْ‬ ‫‪ ‬هذا جنا ُه أيب ع ّ‬ ‫شكا مثله الشاعر سليم حيدر‪:‬‬


‫ال ـراؤون الكبــار‪ ،‬ولكنهــم عجــزوا يف إيجــاد أجوب ـ ٍة لتســاؤالت العقــل القامتــة واملل ّحــة‪ ،‬هــذه التســاؤالت التــي جعلــت جلجامــش‬ ‫يذهــب عــر ميــاه املــوت املظلمــة إىل جــده «أتونباشــتم» يف رحلــة مضنيــة‪ ،‬مــا ّرا ً بواقعيــة «ســيدوري» وذاهب ـاً إىل قلقــه الكــوين‬ ‫ـي عــى التــايش يف حــواره مــع شــاماش حــن يســأله‪« :‬ملاذا تحــاول املســتحيل يــا جلجامــش‪ ،‬ويجيبــه جلجامــش إذا‬ ‫املســتمر والعـ ِّ‬ ‫ي أال أحــاول فلــاذا خلقــت يفَّ هــذه الرغبــة القلقــة؟»‪.‬‬ ‫كان ع ـ ّ‬ ‫إن أبــا العــاء املعــري كان صديــق ســليم حيــدر يف «خليقتــه»‪ ،‬وكأن الشــاعر ســليم حيــدر كان يحمــل املعــري معــه حيــث ارتحــل‪،‬‬ ‫وتحديــدا ً يف عمــر كتابتــه «الخليقــة»‪ .‬يقــول ســليم حيــدر معـرا ً عــن ظلمــة الرحلــة يف قصيــدة مهــداة إىل أيب العــاء‪:‬‬ ‫‪ ‬من غامض نسعى إىل ٍ‬ ‫غامض‪ ‬فنحن ندنو واملدى يبعدُ‬ ‫‪ ‬فهذه الظلمة ال تنجلـــــــــــي‪ ‬وهذه الجذوة ال تخمدُ‬ ‫يضج فيه الجوهر املفر ُد‬ ‫‪ ‬والفكر إرث العقل‬ ‫مستوضح‪ّ ‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪ ‬فكلام أوقـــــــــــــــــد فانوسه‪ ‬وسار شوطاً أطفئ املوقدُ‬ ‫‪ ‬زاغت برقص اآلل أبصــاره‪ ‬وقد نأى عن جفنه املِر َو ُد‬ ‫وقبله قال املعري‪:‬‬ ‫عنهم‪ ‬ومل تخربيني يا جه َني سوى الظ ِّن‬ ‫‪ ‬سألت يقيناً يا جهين ُة ُ‬ ‫‪ ‬فإن تعهديني ال أزال مسائالً‪ ‬فإ َين مل أُ َ‬ ‫عط اليق َني فأستغني‬ ‫كالهــا يحــاول أن يــرى‪ ،‬ثــم يصطــدم بســؤال عقلــه‪ :‬هــل رأيــت؟ والرؤيــة كانــت آخــر الوســائل لقتــل الشــك‪ ،‬وقــد عــاىن منهــا‬ ‫جميــع أصحــاب املــدارك العقليــة وأصحــاب األرواح املتلهفــة الخ ـراق الحجــاب‪ ،‬وحتــى األنبيــاء عانــوا مــن محاولــة الوصــول إىل‬ ‫ـم ريب أرين كيــف‬ ‫الرؤيــة لتصــدق الرؤيــا‪ .‬لقــد طلــب النبــي إبراهيــم مــن ربــه أن يريــه كيــف يحيــي املــوىت‪« :‬وإذ قــال إبراهيـ ُ‬ ‫رصه ـ َّن إليــك ثــم اجعــل عــى‬ ‫تحيــي املــوىت‪ .‬قــال‪ :‬أومل تؤم ـ ْن‪ .‬قــال بــى‪ ،‬ولكــن ليطمــن قلبــي‪ .‬قــال‪ :‬فخــذ أربعــة مــن الطــر ف ْ‬ ‫كل جبــل منهـ ّن جــزءاً‪ ،‬ثــم ادعهـ ّن يأتينــك ســعياً‪ ،‬واعلــم أن اللــه عزيــز حكيم»‪ ‬البقــرة‪ ،‬آيــة ‪ .260‬ومثلــه مــوىس طلــب مــن ربــه‬ ‫رب أرين أنظــر إليــك‪ ،‬قــال ل ـراين‪ ،‬ولكــن أنظــر إىل الجبــل فــإن اســتق ّر‬ ‫أن يــرى‪ « :‬وملــا جــاء مــوىس مليقاتنــا‪ ،‬وكلمــه ربــه‪ ،‬قــال ِّ‬ ‫مكانــه فســوف ت ـراين فلــا تجـ ّـى ربــه للجبــل جعلــه دكّاً‪ ،‬وخ ـ ّر مــوىس صعق ـاً‪ ،‬فلــا أفــاق قــال ســبحانك تبــت إليــك‪ ،‬وأنــا أول‬ ‫املؤمنني»‪ ‬األعـراف ‪ .143‬ومشــكلة الرؤيــة شــغلت أصحــاب القلــوب‪ ،‬يقــول موالنــا جــال الديــن الرومــي‪« :‬ال تعبــدوا حتــى تــر ْوا»‬ ‫وكالهــا‪ ،‬أعنــي رهــن املحبســن وســليم حيــدر‪ ،‬كان شــكه‪ ،‬رغــم قتامتــه‪ ،‬مدفوعـاً إىل اإلميــان‪ ،‬أبــو العــاء املعــري أعلــن أنــه ال ميلــك‬ ‫إال الظــن والحــدس‪ ،‬والحــدس يف نهايــة النفــق هــو ضــوء‪ ،‬يقــول أبــو العــاء مستســلامً لـراع الظــن والحــدس‪:‬‬ ‫‪ ‬أما اليق ُني‪ ،‬فال يق َني‪ ،‬وإمنا‪ ‬أقىص اجتهادي أن أظ َّن وأحدسا‬ ‫وينترص الظن فيه أحياناً كثرية فيرصخ متنكرا ً لكل إشعاع‪ ،‬مصدره الدين‪ ،‬ويقول‪:‬‬ ‫دين‪ ،‬وآخ ُر َديِّ ٌن ال َ‬ ‫عقل لهْ‬ ‫‪ ‬إثنان أهل األرض‪ ،‬ذو عقلٍ بال‪ٍ ‬‬


‫‪ ‬فامذا تريد بهذا الحساب‪ ‬وماذا يريد بنا املنتظ ْر‬ ‫شئت‪ ‬ورحنا وليس لدينا خ ْرب‬ ‫‪ ‬ونحن أتينا ألنك َ‬ ‫رش‬ ‫رب أشهى وأبهى‪ ‬‬ ‫َ‬ ‫‪ ‬أما كان يا ِّ‬ ‫وأسلم أالّ يكون الب ْ‬ ‫هــذا القلــق املحمــوم والتســاؤالت املل َّحــة‪ ،‬وعــدم انتصــار الحــق يف معظــم حلقــات التاريــخ البــري جعلــت القلــق ســوداوياً يف‬ ‫شــعر ســليم حيــدر‪ ،‬ونتيجــة لهــذا ســيطر كثــر مــن التشــاؤم عــى مفاصــل «خليقــة» الشــاعر ســليم حيــدر‪ .‬إنــه يــرى الــر متصـاً‬ ‫مــن آدم إلينــا‪ ،‬يقــول‪:‬‬ ‫‪ ‬لعنة الل ِه مل تقف عند قاي َني‪ ‬بل الكون كلّهُ ملعونُ‬ ‫وكثري من الشعراء واملفكرين رأوا أن الظلم طبيعة مخلوقة مع اإلنسان‪ ،‬يقول املتنبي‪:‬‬ ‫يظلم‬ ‫‪ ‬والظلم من شيم النفوس فإن تجدْ ‪ ‬ذا ع َّف ٍة فلعل ٍة ال ُ‬ ‫ومثله يقول عمر أبو ريشة‪:‬‬ ‫يجع فوق نهديها ملا ف ُِطام‬ ‫‪ ‬‬ ‫ُ‬ ‫والظلم يف النفس ال ُير َوى له ن َه ٌم‪ ‬لو مل ْ‬ ‫إن النفــس البرشيــة لهــا طقــوس وأنــواء كالطبيعــة نفســها‪ ،‬حينـاً تعصــف فيهــا الشــكوك إىل درجــة ال متكــن إزاحتهــا‪ ،‬وحينــا تلمــع‬ ‫فيهــا بــروق اليقــن‪ ،‬فتــرق بــإذن بارئهــا وتصبــح صافيــة‪ ،‬وهــذه الحــاالت م ـ ّر بهــا األصفيــاء واألوليــاء‪ ،‬فهــذا هــو املســيح اآليت‬ ‫مــن روح اللــه‪ ،‬يســأل أبــاه وهــو عــى الخشــبة‪« :‬ملــاذا تركتنــي؟»‪ .‬وعــى الرغــم مــن هــذه النظــرة الســوداوية يســتنهض الشــاعر‬ ‫ســليم حيــدر النفــس اإلنســانية لرتقــى وتصفــو وتــرق حتــى وهــي محاطــة بالظلــات‪ ،‬وهــذه هــي رســالة األديــب امللتــزم بقضايــا‬ ‫اإلنســان العليــا‪ ،‬وقتهــا يصبــح اإلنســان قســيم اللــه يف وجــوده‪ ،‬يقــول ســليم حيــدر‪:‬‬ ‫نفس‪ ‬مألتها الخطيئة البك ُر شينا‪ ‬‬ ‫‪ ‬أن نرى النور يف دياجري ٍ‬ ‫‪ ‬لقــد مــر أصحــاب األفــكار العاليــة بصحـراء القلــق‪ ،‬ولكــن شــعارهم كان دامئــا عــدم اليــأس لوثوقهــم بالصانــع األمهــر‪ ،‬يقــول عــي‬ ‫بــن أيب طالــب‪« :‬مــن وثــق مبــا ٍء مل يظــأ»‪ ،‬ومرحلــة الشــك التــي مل تطفــئ النــور مــر بهــا كثــرون‪ .‬قــال صاحــب الطالســم‪ ،‬إيليــا أبــو‬ ‫مــايض‪ ،‬ولكــن عــدم إدراكــه مل يقــده إىل تلــك األســئلة املقهــورة‪:‬‬ ‫صدري يا بح ُر ألرساراً عجابا‪ /‬نزل الس ُرت عليها وأنا كنت الحجابا‪/‬‬ ‫‪ ‬إنّ يف‬ ‫َ‬ ‫‪ ‬ولذا أزداد بعداً كلام ازددت اقرتابا‪ /‬وأراين كلام أوشكت أدري‪ /‬لست أدري‪/‬‬ ‫وقبلهــا كان عمــر الخيــام يغــوص يف ضبــاب معرفــة املجهــول الــذي عجــزت األفــكار عــن اإلحاطــة بــه بســبب ال نهائيتــه‪ ،‬ف ـراح‬ ‫يعاقــر الخمــرة ليطفــئ لظــى هــذه التســاؤالت التــي ال أجوبــة لهــا‪ ،‬يقــول عمــر الخيــام‪ /‬ترجمــة أحمــد رامــي‪:‬‬ ‫وحرت فيه بني ش ّتى ال ِفكَ ْر‬ ‫ُ‬ ‫ش‪ ‬‬ ‫ِ‬ ‫ثوب‬ ‫ُ‬ ‫‪ ‬لبست َ‬ ‫العيش مل أُس َت َ ْ‬


‫‪ ‬يجني عىل األبناء‬ ‫آباؤهم‪ ‬يف غمر ٍة يشقى بها األسعدُ‬ ‫ْ‬ ‫‪ ‬ـــ ‪ 6‬ــ‬ ‫والقلــق املســيطر عــى عقــل ســليم حيــدر مصــدره الشــك‪ ،‬وألن الشــك قاتــم فقــد تفــرع منــه احتجــاج قـ ٍ‬ ‫ـاس عــى عــدم اســتقرار‬ ‫عقلــه عــى وســادة قلبــه‪ ،‬وراح يجهــر مبــا مل يحــط بــه عل ـاً‪ ،‬وهــذا الجهــر مبــا يعتمــل يف ذاتــه كان متس ـاً بجــرأة عاليــة‪ ،‬فيهــا‬ ‫عتــاب ومـرارة‪ ،‬وفيهــا أنســنة اللــه يف اإلنســان‪ ،‬لقــد بــدأ يســأل أســئلة تــدل عــى ريــب وشـ ًّـك بالفعــل اإللهــي املتوخــى مــن الخلــق‪،‬‬ ‫إنــه يناقــش ربــه عــى لســان إبليــس‪ ،‬الــذي يعتــر نفســه غــر مســؤول عــن ناريّتــه الطاغيــة‪ ،‬والتــي يصيــب ســعريها أبنــاء آدم‪ ،‬وقــد‬ ‫صــاغ ســليم حيــدر هــذا االحتجــاج الرجيــم بتســاؤالت الرجيــم نفســه‪:‬‬ ‫سكبت يفَّ األذا َة‬ ‫َ‬ ‫جبلت من النــــــــــــار مزاجي‬ ‫َ‬ ‫‪ ‬أنت ك َّون َتني‬ ‫ثم أطلق َتني أغ ِّر ُر باإلنــــــــــــــــس وح َّذ ْرتَــــه النجا َة النجا َة‬ ‫‪ّ ‬‬ ‫جنيت‪ .‬غ ِّ َْيطباعي‪ِ ‬و ْج َه َة الخريِ أو أحلني مواتا‬ ‫ُ‬ ‫أي يش ٍء‬ ‫‪َّ ‬‬ ‫يف هــذا االحتجــاج تســاؤالت تثــر قلق ـاً‪ ،‬مــرده الحــرة‪ ،‬وليــس اســتجابة ملنطــق إبليــس‪ ،‬رمــز الــر املســكوب يف ناريتــه‪ ،‬والــذي‬ ‫يبعــث القلــق أكــر أن اللــه جعــل الشــيطان من‪« ‬املُنظَريــن» بعــد جــدل وكالم بينهــا‪ ،‬إن أبديــة وجــود إبليــس تكمــن فيهــا مأســاة‬ ‫اإلنســان الــذي ظــل محكوم ـاً بهــذه الثنائيــة‪ ،‬ثنائيــة الخــر والــر‪ .‬واملثــر أســئلة أكــر أن اللــه جعــل إبليــس مــن املنظريــن إىل‬ ‫يــوم يبعثــون‪ ،‬وهــو رمــز للــر وإقـراره بذلــك‪ ،‬وهــو يكلــم ربــه‪ ،‬وإعالنــه العصيــان كان ناتجـاً مــن قهــره وانســحاقه أمــام القــوة‬ ‫الكــرى‪ ،‬ووجهــة نظــره أنــه هــو أفضــل مــن آدم املصنــوع مــن حــأ مســنون‪ ،‬ويف القــرآن الكريــم‪ « :‬قــال مــا منعــك أن تســجد‬ ‫إذ أمرتــك‪ ،‬قــال أنــا خــر منــه خلقتنــي مــن نــا ٍر وخلقتــه مــن طــن‪ ،‬قــال فاهبـ ْ‬ ‫ـرج‬ ‫ـط منهــا فــا يكــون لــك أن تتكــر فيهــا‪ ،‬فاخـ ْ‬ ‫إنــك مــن الصاغريــن‪ 13‬قــال أنظــرين إىل يــوم يبعثــون‪ 14‬قــال إنــك مــن املنظريــن ‪ 15‬قــال فبــا أغويتنــي ألقعــدنّ لهــم رصاطــك‬ ‫املســتقيم‪ »16‬ســورة األعـراف‪ .‬هــذا الجــدل ملّــا يـ ْ‬ ‫ـزل ميــأ الوجــدان اإلنســاين بالقلــق واألســئلة الصعبــة‪ ،‬ولعــل أجوبتهــا أبعــد مــن‬ ‫مداركنــا‪ ،‬والذيــن حاولــوا فلســفتها ظلــوا مطا َرديــن بأســئلة ال تشــبع مــن اإللحــاح‪ ،‬بــل هنــاك مــن وقــف مبينـاً قــدرة القهــر حــن‬ ‫يســطع بنــاره وحــن يســتباح بلعنــة أزليــة‪ .‬يقــول املفكــر الفرنــي جــان بــول ســارتر‪« :‬إن الشــيطان املقهــور‪ ،‬الســاقط‪ ،‬املذنــب‪،‬‬ ‫املفضــوح مــن قبــل الطبيعــة كلهــا‪ ،‬القابــع يف الــدرك األســفل مــن مراتــب الكــون‪ ،‬املرهــق بذكــرى الغلطــة التــي ال كفــارة عنهــا‪،‬‬ ‫الــذي تتآكلــه صبــوة غــر مشــبعة‪ ،‬والــذي تخرتقــه نظــرة اللــه التــي تحجــره يف ماهيتــه الشــيطانية‪ ،‬املرغــم عــى أن يتقبــل حتــى يف‬ ‫أعــاق قلبــه بتفــوق الخــر‪ ،‬إن الشــيطان هــذا ليتغلــب عــى اللــه نفســه‪ ،‬ســيده وقاهــره‪ ،‬بأملــه بتلــك الشــعلة مــن عــدم الــرىض‬ ‫الحزيــن التــي تلمــع‪ ،‬يف اللحظــة التــي يقبــل فيهــا بهــذا االنســحاق بالــذات‪ ،‬كتوبيــخ ال تكفــر عنــه‪ .‬إن املقهــور هــو الــذي ينتــر‬ ‫يف النهايــة»‪ ‬جــان بــول ســارتر يف كتابــه‪ /‬بودلــر شــاعرا ً‪ /‬ترجمــة جــورج طرابيــي‪.‬‬ ‫‪ ‬فالجــدل عــايل النــرة‪ ،‬ومصحــوب بأســئلة حــادة مل يســتطع عقلــه أن يجــد لهــا جواب ـاً‪ ،‬يقــول شــاعر «الخليقــة» ســليم حيــدر‬ ‫مخاطب ـاً ربــه‪:‬‬ ‫وعقم القد ْر‬ ‫‪ ‬سئمت عىل عرشك املطمنئ‪ ‬فراغ الوجود‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وقلت لها يا شق ّي ُة كونــــــي‪ ‬فكانت وكان الصفا والكد ْر‬ ‫‪َ ‬‬ ‫جحيم سق ْر‬ ‫وقلت‪ :‬جنانٌ ألهل الصالح‪ ‬وللفاسقيـــــــــن‬ ‫‪َ ‬‬ ‫ُ‬


‫‪ ‬ــ‪ 8‬ــ‬ ‫أريــد أن أشــر‪ ،‬يف نهايــة هــذا البحــث املختــر يف شــاعر قــى نصــف قــرن مــن عمــره باحثـاً عــن أرسار خليقتــه‪ ،‬إىل نقــاط أعتربهــا‬ ‫جديــرة بالتبيــان يف هــذا اللقــاء التكرميــي لشــاعر مفكــر اســتطاع أن يقــف بــن الخالديــن بعقلــه وفكــره‪ ،‬وهــي‪:‬‬ ‫‪ 1‬ــــ إن تفكــر الشــاعر ســليم حيــدر يف كتابــه «الخليقــة» هــو تفكــر إميــا ٌّين بعي ـ ٌد عــن الحرصيــة الدينيــة يف اتجــاه معــن‪ ،‬لقــد‬ ‫تقصيــه وبحثــه عــى القــرآن الكريــم وعــى العهــد القديــم والعهــد الجديــد‪ ،‬وعــى ثقافــة تراثيــة خصبــة‪ ،‬غســلت فكــره‬ ‫اعتمــد يف ّ‬ ‫مــن كل أشــكال التعصــب التــي تعصــف باملجتمعــات املغلقــة‪ ،‬ونحــن اليــوم بحاجــة مل ّحــة لفكــر كهــذا ينتشــل مجتمعاتنــا الغرقــى‬ ‫يف وحــول املذهبيــات والطائفيــات‪ ،‬التــي «أودعتنــا أفانـ َن العداوات»‪ ‬كــا قــال رهــن املحبســن‪ .‬ســليم حيــدر كان أفــى وأوسـ َع‬ ‫مــن أن يتعصــب‪ ،‬وهــو الـرايئ املتطلــع إىل «رب العاملــن»‪ ،‬وليــس إىل رب فئـ ٍة دون أخــرى‪.‬‬ ‫‪ 2‬ــــ القلــق العقــي املســتبد بشــاعرنا مل يرب ْحــه أبــدا ً‪ ،‬وكان دامئـاً يهــرب إىل قلبــه املؤمــن كلــا عصــف بــه القلــق‪ .‬وقلقــه أدى إىل‬ ‫تســاؤالت كبــرة‪ ،‬وهــو يســائل خالقــه ملــاذا‪« :‬تأبــط آد ُم خـرا ً ورش»‪ .‬وصــل الشــاعر ســليم حيــدر إىل التســليم بعجــز العقــل‪ ،‬وهــذا‬ ‫العجــز كان مــن أهــم أســباب اســتمراره يف التســاؤل والنقــد‪ ،‬وهــو كأوكتافيــو بــاث متيقــن أن الزمــن الحديــث «هــو زمــن نقــدي»‪.‬‬ ‫والحداثــة تنتفــي مــن أي زمــن إذا مل يكــن نقديـاً‪ .‬وأعتقــد أنــه كان يســعى دامئـاً إلقامــة صلـ ٍح بــن العقــل والنقــل‪ ،‬ولكنــه مل يســتطع‬ ‫‪ .‬وهــذا شــأن املفكريــن الكبــار‪ .‬يقــول ســليم حيــدر حائـرا ً ومتســائالً مقـ َّرا ً بعجــز العقــل عــن إعطــاء الجــواب النهــايئ‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫عظات إىل العصور األوايت‬ ‫تحمل العصور الخوايل‪ ‬من‬ ‫‪ ‬ما عىس ُ‬ ‫ِ‬ ‫اإلثبات‬ ‫الجواب البلي ُغ يبقى افرتاضاً‪ ‬ويزو ُغ الكال ُم يف‬ ‫‪ ‬‬ ‫ُ‬ ‫ـفق عــى الضعــف البــري‪ ،‬ومتضايــق جــدا ً النتصــار الــر عــى الخري يف معظــم مراحــل التاريخ‪،‬‬ ‫‪ 3‬ــــ ســليم حيــدر يف «خليقتــه» مشـ ٌ‬ ‫ـم مــن شــيم النفــوس»‪ .‬هــذا الواقــع مــأ ســليم حيــدر‬ ‫وقــد ابتــدأ هــذا بقتــل قابيــل أخــاه هابيــل‪ .‬ومــن يومهــا إىل اليــوم «والظلـ ُ‬ ‫حزنـاً فظهــر ضبــاب الكآبــة يف نتاجــه انحيــازا ً للضعفــاء‪ ،‬وأمـاً بتحقــق اآليــة الكرميــة‪« :‬كتــب اللــهُ ألغلـ َّن أنــا ورســي»‪.‬‬ ‫‪ 4‬ــــ وأخـرا ً أريــد أن أقــول إن التـزام الشــاعر ســليم حيــدر بالــرد التاريخــي جعلــه يف شــعره يهتــم بالفكــرة أكــر مــن الصياغــة‪.‬‬ ‫وهــذه ســمة مــن ســات الــرد التاريخــي الــذي يجــر الشــاعر عــى االهتــام بالحــدث الـ ِّ‬ ‫ـدال أكــر مــن االهتــام بالصياغــة الفنيــة‬ ‫للشــعر‪ .‬وهنــا ال بــد مــن أن أعتــذر مــن شــاعرنا ســليم حيــدر‪ ،‬وأؤكــد أن هــذا ال يقلــل مــن األهميــة الكــرى لكتــاب ظــل يصــوغ‬ ‫أفــكاره مــا يقــارب نصــف القــرن‪ .‬إن هــذا القــول يجعلنــي أتصــور مــن ســيقرؤنا بعــد رحيلنــا مــن هــذه الفانيــة ناقــدا ً لنــا راحـاً‬ ‫ـاس‬ ‫وقاســياً ومنصفـاً وظاملـاً‪ ،‬وأردد املثــل الشــعبي الــذي بــدأ فيــه أديبنــا الكبــر ميخائيــل نعيمــة كتابــه‪« ‬الغربال»‪« :‬مــن غربــل النـ َ‬ ‫ـئ كلــا باضــت جارتُهــا»‪ .‬ألين أؤمــن‬ ‫نخلــوه»‪ ‬وال أريــد أن أردد مــع ميخائيــل نعيمــة نفســه قولــه‪« :‬الناقــد كالدجاجــة التــي تُ َق ْوقـ ُ‬ ‫أن الناقــد الجيــد واملنصــف هــو خالــق آخــر للنــص األديب الــذي ينقــده‪.‬‬ ‫وأقــول أخ ـرا ً‪ :‬علينــا أن نُ َي ِّســر ألطفالنــا وناشــئتنا ق ـراءة الشــاعر ســليم حيــدر لعمــق تفكــره وإميانــه بوحــدة اإلنســان الروحيــة‬ ‫املتنوعــة املســالك يف الوصــول إىل بارئهــا‪ .‬إنــه مــن رواد اإلصــاح الفكــري‪ ،‬وهــذه أهــم صفــة مــن صفــات االلتـزام األديب التــي يجــب‬ ‫أن تتوفــر يف كل مفكــر وأديــب ورا ٍء‪ .‬وقتهــا يصبــح النتــاج األديب جــزءا ً مــن النبــوة ومكمـاً لهــا‪ .‬ويف النهايــة أردد مــع شــاعرنا املفكــر‪،‬‬ ‫والــذي كان بلهفــة يتمنــى إرشاق روحــه الدائــم واخرتاقهــا املبهــات‪:‬‬ ‫متس عيني فتزهو‪ ‬يف حنايا بصرييت األضوا ُء‬ ‫‪ ‬ليت روحي ُّ‬ ‫‪ ‬وتنري املع َّم ِ‬ ‫يات لذهني‪ ‬يف اتساقٍ ما شا َبهُ إقوا ُء‬


‫جئت أين املفر!!‬ ‫الثوب عني ومل‪ ‬أدركْ ملاذا ُ‬ ‫‪ ‬وسوف أنضو‬ ‫َ‬ ‫القلــق الحــاد يف شــعر ســليم حيــدر ظــل يقــرع عــى أبــواب اللــه‪ ،‬عــى الرغــم مــن أنــه كان يقــرع بقبضــة مثخنــة بكوامــن نفســه‬ ‫التــي التمعــت يف شــعره عــر غيــوم كثيفــة‪ .‬إن أرسار الكــون ليســت مرتبطــة يف ال نهائياتهــا بقــوة العقــل ونضجــه‪ .‬إنهــا قدريــة‬ ‫غــر خاضعــة ملــا يحــدس بــه العقــل اإلنســاين املحــاط بهيــاكل مــن الطــن العــازل‪ .‬إن قدريــة «لســت أدري» هــي آخــر قــرع عــى‬ ‫أبــواب الغيــب‪.‬‬ ‫‪ ‬ــ ‪ 7‬ــ‬ ‫ولكــن كل الذيــن حــاروا يف تفســر لغــز الكــون ظلــوا خاضعــن ومنجذبــن لتأثــر تلــك القــوة العص ّيــة عــى التفســر واإلحاطــة بهــا‪.‬‬ ‫فقــد قرأنــا لرهــن املحبســن رغــم مناطــق الظــام التــي عــر فيهــا يف عمــره الـرايب‪ :‬أن البــر ينقلــون مــن دار أعــا ٍل إىل دار شــقوة‬ ‫أو رشــاد‪ .‬والخيــام مل يــرك بوحدانيــة اللــه‪ ،‬وكذلــك ســليم حيــدر‪ ،‬ألن تقــي النفــس مجهـ ِ‬ ‫ـوالت الكــون تجعــل اإلنســان يــدرك ســعة‬ ‫الكــون‪ ،‬ويف هــذه الســعة ملعــان ووميــض لحــاالت غــر مفهومــة‪ ،‬تقــذف يف القلــب عق ـاً لــه صفــات القلــب يحــس‪ ،‬وال يحيــط‪،‬‬ ‫متامـاً كــا حــدث مــع مــوىس عندمــا تجــى ربــه للطــور وخـ َّر مــوىس صعقـاً‪ .‬واإلقـرار بهــذه الــذات اإللهيــة تبقــى مهيمنــة حتــى‬ ‫عــى األرواح التــي خذلتهــا الــذات اإللهيــة‪ ،‬وتركتهــا‪ ‬تعــاين قدريتهــا بانســحاق كيل‪ ،‬كاملســيح مصلوبـاً‪ .‬إنــه مل يتخـ َّـل عــن تلــك األبــوة‬ ‫التــي تركتــه ينــزف روحــه مــن جراحــه‪ .‬وكذلــك النبــي يونــس الــذي كان يــرخ‪ ،‬وهــو يف جــوف الحــوت‪« :‬ســبحانك‪ ،‬إين كنــت مــن‬ ‫الظاملــن» ســورة األنبيــاء‪ /‬آيــة ‪ . 87‬الخــوف ال يصنــع اإلرشاق يف النفــس القلقــة‪ ،‬وإمنــا اليقــن املصنــوع مــن الضيــاء الــذي يالحــق‬ ‫قطــع الظــام يف النفــس فيبددهــا‪ .‬يقــول ســليم حيــدر‪:‬‬ ‫كل ف ِّن‬ ‫‪ ‬ريب سألتك بالجامل مح َّبباً يف ِّ‬ ‫إنس وج ِّن‬ ‫ألقيت من ِع ٍرب عىل ٍ‬ ‫َ‬ ‫رس ما‬ ‫‪ ‬وب ِّ‬ ‫الحق مني‬ ‫أمرت وما َ‬ ‫‪ ‬ومبا َ‬ ‫نهيت وما يريد ُّ‬ ‫‪ ‬ال تُ ْب ِعدَ ِّن عن هواك وأبعد الشيطان عني‬ ‫‪ ‬الشــيطان هنــا ماثـ ٌـل مبحاوالتــه الجافــة والدائبــة وبإغراءاتــه العقيمــة لــرف ســليم حيــدر عــن التحديــق بضــوء قلبــه املؤمــن‪.‬‬ ‫واضــح مبــا ال يقبــل الشــك أن الشــاعر ســليم حيــدر قلبــه مطمــن باإلميــان‪ ،‬وهــو غــر مكـ َر ٍه بذلــك‪ ،‬وليــس مــن فئــة الشــخص الــذي‬ ‫نزلــت فيــه اآليــة الكرميــة ّ‬ ‫‪« :‬إل مــن أُكـ ِرهَ‪ ،‬وقل ُبــه مطمـ ٌن باإلميان»‪ .‬وعقلــه يبحــث يف ماهيــة الكــون‪ ،‬وأخـرا ً أقامــه عقلــه «بــن‬ ‫ـوم قصيّــة‪ ،‬ولكنــه ظــل يحــاول‬ ‫العجــز والتعــب» كــا يقــول أبونــا املتنبــي‪ .‬والشــك هنــا ال يلغــي اإلميــان فقــد وصــل بالغـزايل إىل تخـ ٍ‬ ‫إحيــاء علــوم الديــن بفيــض شــعوري وضّ ــاء‪ .‬والشــك قــاد الخيــام إىل إضاعــة الطريــق‪ ،‬ولكــن ليــس إىل إضاعــة الضــوء الــذي ظــل‬ ‫قنديــل رباعياتــه وخمرياتــه الخالــدة‪ ،‬والشــك قــاد إيليــا أبــا مــايض إىل «لســت أدريــه» املعــرة عــن قلــق العقــل وإضــاءة القلــب يف‬ ‫تلــك املســالك العــذراء الوعــرة‪ ،‬والتــي ظــل الضــوء فيهــا يغــري بالتقــي‪.‬‬ ‫رس «الخليقــة»‪.‬‬ ‫ـني عمــره بحث ـاً عــن ّ‬ ‫‪ ‬هــذا التعــب الحيــدري هــو مضــار شــاعرنا املفكــر ســليم حيــدر‪ ،‬الــذي قــى معظــم سـ ِّ‬ ‫وهــذه اإلقامــة التــي ألزمتــه مــا ال يلــزم جعلتــه اللصيــق الروحــي لصديقــه األثــر رهــن املحبســن أيب العــاء املعــري‪ ،‬وأعتقــد‪،‬‬ ‫مبفهــوم الزمــن االفـرايض‪ ،‬أن الشــاعر ســليم حيــدر لــو كان معــارصا ً رهــن املحبســن ألخــذه معــه يف «رســالة الغفـران» بديـاً لـ»ابــن‬ ‫القــارح»‪ ،‬وطــاف بــه هنــاك يف الجنــة والنــار نائي ـاً بــه عــن إغ ـراءات الجنــة ورهبــة النــار ليحــاوال مع ـاً تفســر بعــض أرسار هــذا‬ ‫الكــون املغلــق‪.‬‬


‫أمامي األسام ُء‬ ‫الوضوح من نبعه الصــــــــايف وتُجىل‬ ‫فأعب‬ ‫َ‬ ‫‪ُّ ‬‬ ‫َ‬

‫‪/‬الصويري‪2017/2/26/‬‬




‫تغذيت اليوم‬ ‫كتاب الجاحظ‬ ‫تغ ّ‬ ‫ديت اليوم ؟‬ ‫حيلــة ماكــرة كان يلجــأ إليهــا أحــد الشــيوخ إذا أتــاه زائــر وأطــال جلوســه‬ ‫عنــده فيقــول لــه ‪ :‬تغ ّ‬ ‫ديــت اليــوم ؟ فــإن قــال نعــم ‪ ،‬قــال ‪ :‬لــوال أنــك تغديــت‬ ‫لغ ّ‬ ‫ديتــك بغــداء طيــب ‪ ،‬وإن قــال ال ‪ .‬قــال ‪ :‬لــو كنــت تغديــت لســقيتك‬ ‫خمس��ة أق��داح ‪ .‬ف�لا يصي��ر ف��ي ي��ده عل��ى الوجهي��ن قلي��ل وال كثي��ر ‪.‬‬ ‫تعليقــي‪ : ‬لــو كنــت مــكان الزائــر لقلــت لــه ‪ :‬ناولنــي األقــداح فســتكون خيــر‬ ‫غ��داء لخي��ر بط��ن ههه��ه ‪.‬‬ ‫الكندي أبخل خلق هللا‬ ‫حدثنــي عمــرو بــن نهيــوي قــال ‪ :‬تغديــت يومــا عنــد الكنــدي فدخــل عليــه‬ ‫رجــل كان لــه جــارا وكان لــي صديقــا ‪ ،‬فلــم يعــرض عليــه الطعــام ونحــن‬ ‫نــأكل ‪ .‬وكان أبخــل مــن خلــق هللا ‪ .‬فاســتحييت منــه ‪ ،‬فقلــت ‪ :‬ســبحان‬ ‫هللا ‪ ،‬لــو دنــوت فأصبــت معنــا ممــا نــأكل ! قــال ‪ :‬قــد وهللا فعلــت ‪ .‬فقــال‬ ‫الكنــدي ‪ :‬مــا بعــد هللا شــيء ! قــال عمــرو ‪َ :‬‬ ‫فك َّت َفــه وهللا كتفــاً ال يســتطيع‬ ‫معــه قبضــا وال بســطا ‪ ،‬وتركــه ‪ .‬ولــو مــد يــده لــكان كافــرا ‪ ،‬أو لــكان قــد‬ ‫جع��ل م��ع هللا – ج��ل ذك��ره – ش��يئا !‬ ‫تعليقي‪ : ‬وماذا أقول بعد الذي قيل ‪ ،‬وأي كالم يقال بعد ما قيل !‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫اقرأ ‪ :‬من قصص البخالء الطريفة ‪ :‬رجل بخيل لم يعرف الناس أبخل منه !‬ ‫بخل يسري في العروق‬ ‫كنــت عنــد شــيخ مــن أهــل مــرو وصبــي لــه صغيــر يلعــب بيــن يديــه فقلــت‬ ‫للصبــي إمــا عابثــا أو ممتحنــا ‪ :‬أطعمنــي مــن خبزكــم ‪ ،‬قــال ‪ :‬ال تريــده هــو‬ ‫مــر ‪ .‬فقلــت ‪ :‬فاســقني مــن مائكــم ‪ ،‬قــال ‪ :‬ال تريــده فهــو مالــح ‪ .‬قلــت ‪:‬‬ ‫هــات لــي مــن كــذا وكــذا ‪ ،‬قــال ‪ :‬ال تريــده هــو كــذا وكــذا ‪ .‬إلــى أن عــددت‬ ‫أصنافــا كثيــرة ‪ ،‬كل ذلــك يمنعنيــه أو يبغضــه إلــي‪ . ‬فضحــك أبــوه وقــال ‪ :‬مــا‬


‫ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ ‪ :‬ﻭﻟﻢ ﺫﺍﻙ ؟ ﻭﻛﻴﻒ ﻃﻤﻌﺖ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ؟ ﻭﻣﻦ ﺃﺑﺎﺡ ﻟﻚ ﻣﺎﻟﻲ ؟‬ ‫ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺮﺟﻞ ‪ :‬ﺃﻭﻟﻴﺲ ﻗﺪ ﺩﻋﻮﺗﻨﻲ ؟‬ ‫ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ ‪ :‬ﻭﻳﺤﻚ ‪ ،‬ﻟﻮ ﻇﻨﻨﺖ ﺃﻧﻚ ﻫﻜﺬﺍ ﺃﺣﻤﻖ ﻣﺎ ﺭﺩﺩﺕ ﻋﻠﻴﻚ ﺍﻟﺴﻼﻡ‪. ‬‬ ‫ﺍﻷﻣﺮ ﻫﻮ ﺃﻥ ﺃﻗﻮﻝ ﺃﻧﺎ ‪ :‬ﻫﻠﻢ ﻓﺘﺠﻴﺐ ﺃﻧﺖ ‪ :‬ﻫﻨﻴﺌﺎ ‪ ،‬ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻛﻼﻡ ﺑﻜﻼﻡ ‪ .‬ﻓﺄﻣﺎ‬ ‫ﻛﻼﻡ ﺑﻔﻌﺎﻝ ﻭﻗﻮﻝ ﺑﺄﻛﻞ ﻓﻬﺬﺍ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻹﻧﺼﺎﻑ ‪.‬‬


‫ذنبنــا ؟ هــذا مــن علّمــه مــا تســمع ؟ يعنــي أن البخــل طبــع فيهــم وفــي‬ ‫أعراقه��م وطينته��م ‪.‬‬ ‫تعليقي‪ : ‬لو كنت مكان الراوي لقتلت الصبي ضربا وألحقت أباه به !‪ ‬‬ ‫نقطع الضوء عن عينيك إذا لم تنفق !‬ ‫يــروي الجاحــظ أن جماعــة مــن أهــل خراســان اجتمعــوا فــي منــزل ليــا ‪،‬‬ ‫فأحجمــوا عــن إنــارة المصبــاح وصبــروا علــى الظلمــة مــا أمكنهــم الصبــر ‪،‬‬ ‫ولمــا اضطــروا إلــى اإلنــارة جمعــوا النفقــة الالزمــة لذلــك وأبــى واحــد منهــم‬ ‫أن يشــاركهم فــي النفقــة ‪ ،‬فكانــوا إذا جــاء المصبــاح شـ ّ‬ ‫دوا عينيــه بمنديــل‬ ‫إلــى أن ينامــوا ويطفئــوا المصبــاح فيفرجــون عــن عينيــه وذلــك حتــى ال‬ ‫يس��تفيد م��ن ن��وره ‪.‬‬ ‫تعليقــي‪ : ‬ال حــول وال قــوة إال بــاهلل …ههــه فــي الحقيقــة تذكّــرت أيــام‬ ‫دراســتي الجامعيــة حيــث كنــا نقتصــد بشــدة علــى النفقــة فــي األكل‬ ‫‪ ،‬بحكــم أننــا كنــا نقطــن فــي الحــي الجامعــي والمصاريــف آنــذاك كانــت‬ ‫بال��كاد تكفين��ا ‪ ،‬لك��ن قطع��ا ل��م نك��ن كجماع��ة خراس��ان !‬ ‫أكلي مع غيري زيادة في األصل‬ ‫وقــال أبــو نــواس ‪ :‬كان معنــا فــي الســفينة ‪ ،‬ونحــن نريــد بغــداد ‪ ،‬رجــل‬ ‫مــن أهــل خراســان ‪ ،‬وكان مــن عقالئهــم وفقهائهــم ‪ ،‬فــكان يــأكل وحــده‬ ‫ي فــي هــذا الموضــع‬ ‫‪ .‬فقلــت لــه ‪ :‬لــم تــأكل وحــدك ؟ قــال ‪ :‬ليــس علــ ّ‬ ‫مســألة إنمــا المســألة علــى مــن أكل مــع الجماعــة ‪ ،‬ألن ذلــك هــو التكلّــف‬ ‫‪ .‬و أكل��ي وح��دي ه��و األص��ل وأكل��ي م��ع غي��ري زي��ادة ف��ي األص��ل ‪.‬‬ ‫كالم بكالم وكالم بفعال !‬ ‫ﻭﻫﻨﺎ ﻗﺼﺔ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻟﺨﺮﺍﺳﺎﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﺄﻛﻞ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻮﺍﺿﻊ ‪ ،‬ﺇﺫ ﻣﺮ‬ ‫ّ‬ ‫ﻫﻠﻢ ﻋﺎﻓﺎﻙ ﻪﻠﻟﺍ ‪ .‬ﻓﺘﻮﺟﻪ‬ ‫ﺑﻪ ﺭﺟﻞ ﻓﺴﻠﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﺮﺩ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ‪:‬‬ ‫ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻧﺤﻮﻩ ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺁﻩ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻣﻘﺒﻼ ﻗﺎﻝ ﻟﻪ ‪ :‬ﻣﻜﺎﻧﻚ‪ ، ‬ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻌﺠﻠﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ‬ ‫ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ‪.‬‬ ‫ﻓﻮﻗﻒ ﺍﻟﺮﺟﻞ ‪ ،‬ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺍﻟﺨﺮﺳﺎﻧﻲ ‪ :‬ﻣﺎﺫﺍ ﺗﺮﻳﺪ ؟‬ ‫ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺮﺟﻞ ‪ :‬ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﺃﺗﻐﺬﻯ ‪.‬‬



‫الصائمون ومرض ضغط الدم‬ ‫د‪ .‬انتظار القيسي‬

‫ونحن نعيش أيام شهر رمضان المبارك أود أن أقدم بعض النصائح للصائمين الذين‬ ‫يعانون من اضطرابات في معدالت الضغط الدموي لتجنب الصائم من أية مخاطر‬ ‫في هذا الشهر الفضيل ‪.‬‬ ‫أوال ‪ :‬الضغط المنخفض‬ ‫مع ارتفاع درجات الحرارة وتزامنا مع شهر رمضان نجد الكثير ممن يعانون من‬ ‫أعراض انخفاض ضغط الدم أثناء الصيام كالخمول والدوار والصداع وقد يصل‬ ‫إلى اإلغماء في حالة االنخفاض الشديد للضغط ‪ ،‬لذلك يجب على مرضى ضغط‬ ‫الدم المنخفض اتباع بعض النصائح في الصيام وخاصة في فصل الصيف حيث يفقد‬ ‫الجسم الكثير من األمالح والسوائل‪ .‬اذا اليكم بعض النصائح الغذائية الواجب اتباعها‬ ‫خالل شهر رمضان‬ ‫‪ .1‬زيادة نسبة الملح في الطعام‪.‬‬ ‫ـ‪ .2‬ضرورة تناول كوب من العصير الطازج مع بداية اإلفطار‪.‬‬ ‫‪ .3‬اتباع نظام غذائي متوازن من اإلفطار للسحور فيجب أن يحتوى اإلفطار على‬


‫كربوهيدرات معقدة وبروتين خال من الدهون وخضروات متنوعة‪.‬‬ ‫‪ .4‬تناول القليل من الشاي والقهوة بعد اإلفطار‪.‬‬ ‫‪ .5‬شرب عصير عرق السوس يساعد على ارتفاع ضغط الدم‪.‬‬ ‫‪ .6‬تجنب المجهود الزائد والتعرض للشمس أثناء ساعات الصيام‪.‬‬ ‫‪ .7‬اإلكثار من تناول السوائل والعصائر‪.‬‬ ‫‪ .8‬عدم تناول كميات كبيرة من الطعام مما يؤدى إلى اندفاع الدم إلى المعدة ومن ثم‬ ‫انخفاض ضغط الدم‪.‬‬ ‫‪ .9‬تناول وجبة سحور بها كمية معتدلة من األمالح كشريحة من الجبن الرومي‬ ‫والزيتون وإضافة الملح إلى الفول‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬ارتفاع ضغط الدم‬ ‫من يشعر بارتفاع الضغط عليه ان يلتزم بنظام غذائي صحي وكما يلي ‪:‬‬ ‫‪ .1‬االفطار‬ ‫يجب أن تحتوي على السوائل والمياه وتناول طبق من الحساء ال يضاف له ملح‬ ‫وتناول الفواكه والخضروات ألنها تحتوي على نسبة عالية من األلياف الغذائية مثل‬ ‫الطماطم والبازالء والفاصوليا والملفوف اي اللهانه إلى جانب البروتين الموجود في‬ ‫األسماك مثل سمكة التونة وشريحة من الدجاج منزوعة الجلد‬ ‫ويمكن تناول الكربوهيدرات على أن تختار نوع من الكربوهيدرات المناسبة مثل‬ ‫المعكرونة والرز ‪.‬‬ ‫‪ .2‬السحور‬ ‫تناول في السحور البقوليات مثل الفول اي الباقالء والبروتين مثل الزبادي خالي‬ ‫الدسم اي اللبن الخاثر مع شرائح من خبز النخالة فهو نوع من الحبوب الكاملة الذي‬ ‫يساعدك على الشبع‪.‬‬ ‫يمكن تناول حفنة من المكسرات بحجم كف اليد عند الشعور بالجوع ‪ ،‬وكذلك‬ ‫تناول الفواكه المجففة مثل الخوخ والزبيب أو العنب المجفف والمشمش وتناول‬ ‫الفواكه الطازجة‬



‫ِ‬ ‫َ‬ ‫همومك ‪ ،‬أل ّن الهمو َم مصد ُر‬ ‫أحالمك بعيدا ً عن‬ ‫تب‬ ‫" ال ْ ِ‬ ‫األحال ُم"‬ ‫د‪.‬حسن فرحات‪//‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.