بحث تاريخ التربية الاسلامية

Page 1

‫المملكة العربية السعودية‬ ‫وزارة التعليم العالي‬ ‫الجامعة اللسلمية بالمدينة المنورة‬ ‫كلية الدعوة وأصول الدين‬ ‫قسم التربية‬ ‫ماجستير مسائي‬

‫عنوان البحث‬

‫إن بعض الظن ‪ ..‬أثم !‬ ‫في مادة ‪/‬تاريخ التربية اللسلمية‬ ‫إعداد الطالب ‪/‬يولسف ملسلم صالح البلدي‬ ‫بأشراف الدكتور‪ /‬عيد حجيج عيد الفايدي الجهني‬

‫حفظه ا ورعاه‬

‫التستاذ المشارك بقتسم التربية بكلية الدعوة بالجامعة التسلمية بالمدينة المنورة‬

‫الملستوى الثالث– الشعبة الولى‬

‫العام الجامعي‬ ‫الفصل الدرالسي الول‬ ‫‪ 1434‬ـ ‪ 1435‬هـ‬

‫‪1‬‬


‫شكر وتقدير‬ ‫الحمد لله وحده والصلة والسلم على من ل نبي بعده‪ ,‬وعلى آله وصحبه ومن تبعه‬ ‫وبعد‪:‬‬ ‫ل يسعني بعد اكتمال هذا البحث المعنون له بـــ ) إن بعض الظن ‪ ..‬اثم !( إل أن أحمد‬ ‫ا سبحانه وتعالى وأشكره على‬

‫عظيم نعمته‪ ,‬وجليل منته‪ ,‬وأسأله تعالى أن يبارك‬

‫لي فيها‪ ,‬وأن يجعلها عونا لي على طاعته‪ ,‬ومحبته ومرضاته‪ ,‬وإنني لشكر بعد شكر ا‬ ‫تعالى أستاذي القدير سعادة الدكتور عيد حجيج الفائدي الجهني الستاذ في قسم‬ ‫التربية بكلية الدعوة وأصول الدين الذي لم يدخر وسعا في تقديم المادة بأسلوب شيق‬ ‫وعرض جيد ‪ ،‬ويوزع اهتمامه على جميع زملئي الدارسين ‪ ،‬ويعطي كل جليس نصيبه‬ ‫من الكلم والحترام والتقدير ‪ ،‬وفي اغلب أوقات المحاضرة يكون مبتسما مع الدارسين‬ ‫م المربي‪ ,‬ولقد كان لرائه‬ ‫ع َ‬ ‫م الستاذ و ِن ْ‬ ‫ع َ‬ ‫‪ ,‬ولقد استفدت من خلقه وعلمه الكثير فكان ِن ْ‬ ‫جع لي على إتمام هذا البحث‪ ,‬فله مني‬ ‫ش ّ‬ ‫القيمة‪ ,‬ولرحابة صدره‪ ,‬وطيب معاملته‪ ,‬أكبر ُم َ‬ ‫جزيل الشكر ومن ا المثوبة والجر‪.‬‬

‫‪2‬‬


‫فهرس المحتويات‬ ‫الصفحة‬

‫الموضوع‬ ‫‪ -‬المقدمة‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫‪ -‬موضع الدرالسة‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫‪ -‬ألسئلة الدرالسة‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫‪ -‬أهمية الدرالسة‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫‪ -‬أهداف الدرالسة‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫‪ -‬التمهيد‬

‫‪5‬‬

‫‪ -‬منهج الدرالسة‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫‪ -‬مصطلحات الدرالسة‪.‬‬

‫‪6‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪7‬‬

‫الفصل الول‬ ‫ المبحث الول‪ :.‬ظن السوء في ضوء القران الكريم‬‫ المبحث الثاني‪: .‬ظن السوء في ضوء السنة‬‫المبحث الثالث‪ :‬سوء الظن في ضوء موقف السلف‬‫الصالح منه‬

‫الفصل الثاني‬

‫ آثار ظن السوء‪.‬‬‫الفصل الثالث ‪ :‬علج ظن السوء‬ ‫ المبحث الول‪ :‬عل ج المجتمع‪.‬‬‫‪ -‬المبحث الثاني‪ :‬عل ج المظنون به‬

‫‪8‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪12-16‬‬ ‫‪17-21‬‬ ‫‪22-24‬‬ ‫‪25‬‬

‫‪ -‬الخاتمة‪ :‬النتائج‬

‫‪26‬‬

‫‪ -‬المصادر والمراجع‪.‬‬

‫‪3‬‬


‫بسم ا الرحمن الرحيم‬ ‫المقدمة‪:‬‬ ‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن‬ ‫سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده ا فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهد أن‬

‫محمد عبده ورسوله ‪.‬‬ ‫فهذا بحث موجز حول مسألة خطيرة‪ ،‬أل وهي إساءة الظن ‪ .‬وقد شاعت هذه‬ ‫المسألة إلى ح ٍد كبير جدا بين الناس ‪ ،‬فأصبح الحديث في العراض والحرمات‬ ‫والمعتقدات حديث يؤنس به في المجالس والعياذ بالله ‪.‬‬ ‫ل‪ ،‬فكل من خطر بباله خاطر‪ ،‬أو جالت‬ ‫فالحرمات أصبحت عند الكثير أمرا هينا سه ً‬ ‫بخلده فكرة‪ ،‬أو رأى زلة‪ ،‬أو وجد له مخالف‪ ،‬ظن به الظنون الزائفة‪ ،‬ثم حكم على‬ ‫أساسها أحكاما ج ّد باطلة ‪ .‬وا المستعان ‪ .‬وهذا المر هو أهم المور التي‬ ‫ل ا أن ينفعني به أو ل ً ‪،‬وينفع به من قرأه أو‬ ‫جعلتني أكتب في هذا الموضوع ع ّ‬ ‫أطلع عليه ؛ وا ولي ذلك والقادر عليه ‪.‬‬ ‫أهمية البحث) الدراسة( ‪:‬‬ ‫‪ -1‬تكمن في تربية الفرد والسرة والمجتمع فيما نتناوله من اقسام الظن في صورة‬ ‫تطبيقية بالواقع الذي نحياه‬ ‫‪ -2‬تغير الواقع والسلوك من سلوك غير سوي الى سلوك سوي في التعامل مع افراد‬ ‫المجتمع ‪.‬‬ ‫أهداف الدراسة ‪:‬‬ ‫‪ /1‬التعرف على نظرة السلم لمفهوم الظن بأنواعه‪.‬‬ ‫‪ /2‬ربط حياة المسلم بكل سكناته بمنهج مصدره كتاب ا وسنة نبيه ليحصل على سعادة‬ ‫الدارين ‪.‬‬ ‫وقد تسعت الدراتسة إلى الجابة عن التسئلة التالية ‪:‬‬ ‫‪ /1‬ما تعريف الظن وحالته وأقتسامه ؟‬ ‫‪/2‬ماذا تعرف عن ظن في ضوء القران الكريك والتسنة المطهرة ؟‬ ‫‪ /3‬ماهي اثار الظن على الفرد والمجتمع؟‬ ‫‪4‬‬


‫‪ /4‬ماهي كيفية علج ظن السوء؟‬ ‫منهج البحث ‪:‬‬ ‫اتخذت في هذا البحث منهجا علميا استقرائي وصفي تحليلي لليات القرآنية والحاديث‬ ‫النبوية وما وقف عليه علماء السلف الصالح ‪.‬‬

‫وقد كانت خطتي فيه على النحو التي ‪:‬‬ ‫او ل ً‪ -‬التمهيد ‪ :‬ويشمل ثلثة محاور‪:‬‬ ‫المبحث الول‪ :‬تعريف الظن ‪.‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬حالت الظن‪.‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬أقسام الظن ‪،‬والمراد منه في البحث‪.‬‬ ‫ثاني ا‪ -‬الموضوع ‪:‬‬

‫إن بعض الظن ‪ ..‬أثم !‬

‫‪ .‬ويشمل ثلث فصول ‪:‬‬ ‫الفصل الول‪ :‬المبحث الو ل‪ /‬ظن السوء في ضوء القرآن الكريم ‪.‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ /‬ظن السوء في ضوء السنة النبوية‪.‬‬ ‫المبحث الثالث ‪ /‬ظن السوء و موقف السلف الصالح منه‪.‬‬ ‫الفصل الثاني ‪ :‬آثار ظن السوء ‪.‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬علج ظن السوء ‪ :‬المبحث الو ل‪ /‬لزالته من المة ‪.‬‬ ‫المبحث الثاني‪ /‬علج المبتلى‬ ‫وذلك فيما يتعلق بالمتهم نفسه أي المضنون به‪ ،‬ولشك في أن موقف‬ ‫المضنون به مما أصابه يعين على إزالته بشكل عام‪ ،‬وبشكل خاص أيضا ‪.‬‬ ‫قد يجعل المضنون به فيما لو كان ضعيفا جزعا؛ يحيد عن الطريق ‪.‬‬ ‫ الخاتمة ‪ :‬نتائج البحث ‪.‬‬‫– المراجع والمصادر‬ ‫‪5‬‬


‫التمهيد‪:‬‬ ‫اوًل‪ :‬تعريف الظن‬ ‫تعريف الظن ‪ :‬هو التردد الراجح بين طرفي العتقاد الغير جازم‪( 1) .‬‬ ‫وقال ابن منظور ‪ :‬هو شك ويقين إل أنه ليس بيقين عيانًا ‪ ،‬إنما هو يقين تدبر ‪ ،‬فأما يقين العيان فل يقال فيه إل علم ‪.‬‬ ‫)‪( 2‬‬ ‫الّظنة ‪ :‬بالكتسرة التهمة ‪.‬‬ ‫والظنن ‪ :‬المتهم الذي تظن به التهمة ‪.‬‬ ‫والّظنون‪ :‬الرجل التسيُئ الظّن‪ .‬وقيل‪ :‬التسيئ الظن بكل أحد‪.‬‬ ‫وأظنه‪ :‬أتهمه‪.‬‬ ‫والّتظني ‪ :‬إعمال الظن وأصله الّتَظُنُن‪.‬‬ ‫وأظننته‪ :‬عرضته للتهمة‪.( 3).‬‬ ‫أما تعريف الصوليين‪:‬‬ ‫قال المدي‪ :‬هو ترجح أحد الحتمالين في النفس من الرخر من غير قطع‪. ( 4).‬‬ ‫وقيل‪ :‬ما عنه ذكٌر حكمي ‪ ،‬يحتمل متعلُقُة النقيض بتقديره )أي لو قّدر الذاكر النقيض لكان محتملً عنده( مع كونه‬ ‫راجحًا‪( 5) .‬‬ ‫وعرفه ابن عثيمين ‪-‬رحمه ا‪ : -‬إدارك الشيء مع احتمال ضد مرجوح‪( 6).‬‬ ‫ثانيا‪ :‬حالت الظن‪:‬‬ ‫‪6‬‬


‫‪ -1‬حالة تعرف وتقوى بوجه من وجوه الدلة فيجوز الحكم بها وأكثر أحكام‬ ‫الشريعة مبنية على غلبة الظن كالقياس ‪ ....‬وغير ذلك من قيم المتلفات وأروش‬ ‫الجنايات‪.‬‬ ‫‪ -2‬أن يقع في النفس شيء من غير دللة فل يكون ذلك أولى من ضده فهذا هو‬ ‫الشك فل يجوز الحكم به وهو المنهي عنه)‬

‫‪(7‬‬

‫ثالثا‪ :‬أقسام الظن‬

‫‪ -1‬محمود‪ :‬هو ما سلم معه دين الظان من المظنون به عند بلوغه‪.‬‬ ‫‪ -2‬مذموم‪ :‬ضده‪.‬‬

‫‪ -3‬بدللة قوله تعالى‪ ) :‬إن بعض الظن إثم( ] الحجرات‪ [12 :‬وقوله تعالى‪ ) :‬ولول‬ ‫إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا( ] النور‪ [12 :‬وقوله تعالى‬ ‫) وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا( ] الفتح‪ [12 :‬وقال النبي صلى ا عليه وسلم‪:‬‬ ‫‪(8‬‬

‫)) إذا كان أحدكم مادحا فليقل أحسب كذا ول أزكي على ا أحدا(( ‪.‬‬ ‫وأكثر العلماء على أن الظن القبيح بمن ظاهره الخير ل يجوز وأنه ل حرج في‬ ‫)‪(9‬‬

‫الظن القبيح بمن ظاهره القبح قاله المهدوي‬

‫وبعضهم من قسمه إلى ثلثة‬

‫أقسام فقط‪:‬‬ ‫‪ -1‬مباح‪ :‬كالظن في المور المعاشية‪.‬‬ ‫‪ -2‬واجب‪ :‬كالظن حيث ل قاطع فيه من العمليات الواجبة الثابتة بغير دليل قطعي‬ ‫وحسن الظن بالله‪.‬‬ ‫‪ -3‬محرم‪ :‬كالظن في اللهيات والنبوات وحيث يخالفه قاطع وظن السوء‬ ‫بالمؤمنين‬

‫)(‪.‬‬

‫وجميع هذه التقسيمات متقاربة إل أن أوضحها وأشملها الول وا أعلم‬ ‫‪.‬‬ ‫والمقصود‬

‫بالبحث إن بعض الظن ‪ ..‬أثم ‪.‬‬ ‫‪7‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫)‪(1‬‬

‫)‪(2‬‬ ‫)‪(3‬‬ ‫)‪(4‬‬ ‫)‪(5‬‬ ‫)‪(6‬‬

‫القاموس المحيط ‪ .‬الفيروز ابادي ص ‪. 1213 :‬‬ ‫لسان العرب لبن منظور ‪ .‬ص ‪. 2762-2712 :‬‬ ‫القاموس المحيط ص‪.1213 :‬‬ ‫الحكام في أصول الحكام للمدي ص‪.15 :‬‬ ‫شرح الكوكب المنير ج ‪ 1‬ص‪ .76 :‬أي مفهوم الكلم الخبري‪.‬‬ ‫الصول من علم الصول لبن عثيمين ص‪.13 :‬‬

‫)‪ (7‬تفسير القرطبي ‪.16/330‬‬ ‫ل رج ل ً كفاه‪ .3/158 .‬كتاب الدب باب‬ ‫)‪ (8‬أخرجه البخاري في كتاب الشهادات باب إذا زكى رج ً‬ ‫مايكره من التمادح ‪ .7/87‬مسلم‪ :‬كتاب الزهد‪ .‬باب النهي عن المدح إذا كان فيه افراط‬ ‫وخيف منه فتنة على الممدوح ‪ .18/125‬أبو داوود كتاب الدب‪ ،‬باب في كراهية التمادح‬ ‫‪ ، 4/255‬وابن ماجة ابواب الدب‪ ،‬باب المدح ص‪ ، 2/323 3789 :‬مسند المام أحمد‬ ‫‪ .47 ، 46 ، 45 ، 5/41‬عن أبي بكرة‪.‬‬ ‫)‪ (7‬تفسير القرطبي ‪.16/331‬‬ ‫)‪ (9‬تفسير ابي السعود ‪، 8/122‬روح المعاني لللوسي ‪.26/176‬‬

‫الفصل الول‬ ‫المبحث الول ‪ :‬ظن السوء في ضوء القرآن الكريم‬ ‫قال تعالى‪ ) :‬يا أيها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم‬ ‫ول تجسسوا ول يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا‬ ‫فكرهتموه واتقوا ا إن ا تواب رحيم((‬

‫)‪(1‬‬

‫‪ ).‬يا أيها الذين ءامنوا(‪ :‬نداء من‬

‫ا عز وجل لعباده المؤمنين وتصدير الحكم بهذا النداء يدل على‪ :‬أهميته‪.‬‬ ‫‪ -2‬إن نداء المؤمنين باسم اليمان يدل أن هذا العمل من اليمان‪ ،‬وأن‬ ‫مخالفته مما ينقص اليمان‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)(‬

‫سورة الحجرات‪.12 :‬‬

‫‪8‬‬


‫‪ -3‬الغراء‪ :‬يعني الحث على التزام الحكم‬

‫)‪(2‬‬

‫‪.‬‬

‫فيقول ا تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن‪ ،‬وهو التهمة‬ ‫والتخون للهل والقارب والناس في غير محله ‪،‬لن بعض ذلك يكون إثما‬ ‫محضا فليتجنب كثيرا منه احتياطا‬

‫)‪(3‬‬

‫‪.‬‬

‫) اجتنبوا(‪ :‬أي تباعدوا عنه‪ ،‬وأصله اجتنبه‪ ،‬أي كان على جانب منه ثم شاع في‬ ‫التباعد اللزم له‪.‬‬

‫)‪(4‬‬

‫يقال جنبه الشر‪ :‬إذا أبعده عنه ‪،‬وحقيقته جعله في جانب‪ ،‬فيعدى إلى‬ ‫مفعولين‪.‬‬ ‫قال تعالى‪ )) :‬واجنبني وبني أن نعبد الصنام(( ومطاوعه اجتنب الشر فنقص‬ ‫مفعو ل ً والمأمور باجتنابه بعض الظن)‪.(5‬‬ ‫وقوله ) كثيرا( جاءت نكرة ليحتاط في كل ظن ‪،‬ويتأمل حتى يعلم أنه من أي‬ ‫القبيل فإن من الظن ما يباح اتباعه كالظن في المور المعاشية‪ ،‬ومنه ما يجب‬ ‫كحسن الظن بالله‪ ،‬ومنه ما يحرم كالظن في اللهيات والنبوات‪ ،‬وحيث يخالفه‬ ‫قاطع‪ ،‬وظن السوء بالمؤمنين‪ .‬وفي الحديث ما يدل على أن ا حرم من‬ ‫المسلم دمه وعرضه وأن يظن به إل خيرا‪.‬‬

‫)‪(6‬‬

‫وعن عائشة رضي ا عنها‬

‫مرفوعا ) من أساء الظن بأخيه فقد أساء بربه الظن ‪ ،‬إن ا تعالى يقول‬ ‫) اجتنبوا كثيرا من الظن( )‪.....(7‬‬ ‫) من الظن(‪ :‬الظن هنا مجرد التهمة التي ل سبب لها يوجبها كمن يتهم بشيء‬ ‫من الفواحش ولم يظهر عليه ما ينفي ذلك)‪.(7‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪7‬‬

‫تفسير سورة النور لبن عثيمين‪.‬‬ ‫)(‬ ‫تفسير ابن كثير ج ‪.6/398‬‬ ‫)(‬ ‫روح المعاني ج ‪.26/176‬‬ ‫)(‬ ‫تفسير القرآن الجليل ج ‪.3/398‬‬ ‫)(‬ ‫يدل عليه حديث رواه ابن ماجه في كتاب الفتن باب حرمة دم المؤمن وماله ‪، 2/364‬‬ ‫)(‬ ‫ح د‪ 398/‬فعن عبد ا بن عمرو رضي ا عنه أنه راى رسول ا صلى ا عليه وسلم يطوف‬ ‫بالكعبة ويقول )ما أطيبك ‪ ،‬وأطيب ريحك ‪،‬ما أعظمك وما أعظم حرمتك ‪ ،‬والذي نفس محمد بيده‬ ‫ن به إل خيرا(‪ .‬وذكره مسلم في كتاب‬ ‫ظ َّ‬ ‫لحرمة المؤمن أعظم عند ا حرمًة منك ماله ودمه‪ ،‬وأن َن ُ‬ ‫البر‪ ،‬وابو داوود في كتاب الدب‪ ،‬والترمذي في البر وأحمد بن حنبل بألفاظ أخرى ليس فيها وأن نظن‬ ‫به إل خيرا (‪.‬‬ ‫ذكره السيوطي في الدر المنثور وقال أخرجه ابن مردويه وابن النجار ‪.566-6/565‬‬ ‫)(‬ ‫‪9‬‬


‫ودليل كون الظن هنا بمعنى التهمة قوله تعالى‪ ) :‬ول تجسسوا( وذلك أنه يقع‬ ‫له خاطر التهمة ابتداء‪ ،‬ويريد أن يتجسس خبر ذلك ويبحث عنه‪ ،‬ليتحقق له ما‬ ‫وقع له من تلك التهمة‪.‬‬ ‫والذي يميز الظن الذي يجب اجتنابه عما سواه‪ ،‬أن كل ما لم تعرف له إمارة‬ ‫صحيحة وسبب ظاهر كان حراما‪ ،‬وهذا يكون فيما لو كان المظنون به ممن‬ ‫شوهد منه التستر والصلح ‪،‬وأونست منه المانة في الظاهر‪ ،‬فظن الفساد به‬ ‫والخيانة محرم‪.‬‬ ‫بخلف من اشتهر بين الناس بالفساد والمجاهرة بالخبائث‬

‫)‪.(8‬‬

‫) إن بعض الظن إثم(‪ :‬تعليل لما قبلها من المر باجتناب كثير من الظن‪ ،‬وهذا هو ظن‬ ‫السوء بأهل الخير‬

‫)‪( 9‬‬

‫‪.‬‬

‫والمعيار في ذلك هو عرض هذا الظن على ما بينته الشريعة في أ حكامها‬ ‫من الكتاب والسنة‪ ،‬وما أجمعت عليه علماء المة‪ ،‬وما دل عليه الجتهاد‬ ‫الصحيح‪ ،‬ومقاصد الشريعة ‪ ،‬فيمكن من خلل ذلك معرفة من هو أهل لسوء‬ ‫الظن ممن سواه‪.(10) .‬‬ ‫وقد أمرنا ا بذلك لعلمه – سبحانه‪ -‬ما يترتب على ذلك المر من شرور‬ ‫عظيمة‪ ،‬وأخطار جسيمة قد تسري إلى المة بأسرها‪.‬‬ ‫وذلك أن سوء الظن الذي في القلب ل يزال بصاحبه حتى يقول ما ل ينبغي‪ ،‬ويفعل ما ل‬ ‫ينبغي‪.‬‬ ‫) إثم(‪ :‬هو ما يستحقه الظان من العقوبة‪ ،‬وهو إثم كبير لما قد يترتب عليه من قول باطل‬ ‫أو فعل سوء أو تعطيل معروف‬

‫)‪(11‬‬

‫‪.‬‬

‫ونحن مسئولون أمام ا – تعالى‪ -‬عن كل ما نقول أو نفعل‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫)(‬

‫‪9‬‬

‫)(‬

‫‪10‬‬

‫)(‬

‫‪11‬‬

‫)(‬

‫تفسير القرطبي ‪ .16/320‬وتفسير الشوكاني‪5/64 :‬‬ ‫تفسير الشوكاني‪.5/64 :‬‬ ‫تفسير التحرير والتنوير‪.26/251 :‬‬ ‫تفسير الشوكاني‪ ،5/64 :‬تفسير الجزائري‪.4/295 :‬‬ ‫‪10‬‬


‫فل ينبغي أن يكون قولنا السيئ مبني على جهل وظن ووهم‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬ ‫)) ول تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه‬ ‫مسئول(( ] السراء‪[36 :‬‬ ‫فذم الخرين بما ليس للمرء به علم ‪ ،‬وتتبع الحدس والظنون والقذف‬ ‫بالباطل‪ ،‬كل ذلك داخل في هذا النهي)‪.(12‬‬ ‫والمرء يوم القيامة يسأل عن أفعال جوارحه‪ ،‬فيقال له ‪ :‬لم سمعت ما ل يحل‬ ‫لك سماعه! ؟ ولم نظرت إلى ما ل يحل لك النظر إليه! ؟ ولم عزمت على ما لم‬ ‫يحل لك العزم عليه! ؟‪...‬‬ ‫ويدل على هذا المعنى آيات كثيرة في كتاب ا – تعالى‪ -‬منها قوله عز وجل ))‬ ‫ولتسألن عما كنتم تعملون(( ] النحل‪ .[93 :‬ونحو ذلك من اليات‬

‫)‪(13‬‬

‫‪.‬‬

‫ومما سبق يتبين لنا أن موقف الكتاب من سوء الظن بالمسلمين كان موقفا‬ ‫واضحا‬

‫بارزا‬ ‫جليا ل ينبغي الستهانة أو التساهل به‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬ ‫ظن السوء في ضوء السنة‪:‬‬ ‫إن السنة المطهرة كذلك كان لها موقفا حاسما مع ظن السوء فها هو رسول‬ ‫ا صلى ا عليه وسلم يقول‪ ) :‬إ َّياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث(‬

‫)‪.(14‬‬

‫ففي هذا الحديث نهي صريح عن ظن السوء بالمسلم السالم في دينه‬ ‫وعرضه‪.‬‬

‫‪12‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪14‬‬

‫‪15‬‬

‫)‪(15‬‬

‫تفسير القرطبي‪.258-1/257 :‬‬ ‫)(‬ ‫تفسير الشنقيطي‪.590-3/589 :‬‬ ‫)(‬ ‫البخاري‪ ،‬كتاب الدب‪ ،‬باب ما ينهى من التحاسد والتدابر )يا أيها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيرا من‬ ‫)(‬ ‫الظن( ‪،10/484‬حد‪6066-6064 :‬ـ‬ ‫فتح الباري ‪،484 ،10/481‬حد ‪.6066 ،6064‬‬ ‫)(‬ ‫‪11‬‬


‫ومعنى الحديث‪ :‬أن ظن السوء غالبا يكون خلف الواقع فيكون أكذب‬ ‫الحديث‪ ،‬أي من أحاديث النفس التي تقع في القلب بل مستند لها يجوز اتباعها‬ ‫)‪(16‬‬

‫‪.‬‬

‫ومعنى كونه أكذب الحديث ‪،‬مع أن الكذب خلف الواقع‪ ،‬فل يقبل النقص‬ ‫وضده‪ ،‬أي أن الظن اكثر كذبا ‪ ،‬أو أن إثم هذا الظن أزيد من إثم الحديث‬ ‫الكاذب‪ ،‬أو أن المظنونات التي يقع الكذب فيها أكثر من المجزومات‪.‬‬

‫)‪(17‬‬

‫وقد خاف رسول ا صلى ا عليه وسلم على أصحابه رضي ا عنهم من‬ ‫سوء الظن به ووسوسة الشيطان مما قد يفضي إلى هلكهم‪ ،‬فقال عندما‬ ‫لقيه صحابيان وقد كان خرج من معتكفه يوصل صفية – رضي ا عنها‪ )-‬إنها‬ ‫صفية( فقال‪ :‬يا رسول ا – سبحان ا‪ -‬قال‪ ) :‬إن الشيطان يجري من ابن آدم‬ ‫مجرى الدم‪ ،‬وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا فتهلكا(‬

‫)‪(18‬‬

‫وإذا كان هذا الحال بالنسبة للصحابة – رضوان ا عليهم‪ -‬وهم خير هذه‬ ‫المة‪ ،‬فينبغي لنا نحن الحذر أكثر من مغبة هذا المر‪،‬ومراعاة حرمة المؤمن‪،‬‬ ‫فهي حرمة عظيمة قال عنها رسول ا – صلى ا عليه وسلم‪ )) :-‬إن دماءكم‬ ‫وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في‬ ‫بلدكم هذا((‬

‫‪16‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪18‬‬

‫‪19‬‬

‫)‪(19‬‬

‫‪.‬‬

‫بذل المجهود في حل أبي داوود ‪.19/158 :‬‬ ‫)(‬ ‫تحفة الحوذي‪.6/106 :‬‬ ‫)(‬ ‫فتح الباري‪ ،10/484 :‬تخريج حديث البخاري كتاب الدب باب التكبير والتسبيح عند العجب ‪،10/958‬‬ ‫)(‬ ‫‪ ،6219‬مسلم كتاب السلم ‪ ،‬باب من رؤي خاليا بامرأة كانت زوجه ‪،4/156‬حد ‪.25 -24‬‬ ‫البخاري‪ :‬كتاب التوحيد‪ .‬باب قول ا تعالى )وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة( ‪، 13/424‬‬ ‫)(‬ ‫‪ ،7447‬مسلم ‪ :‬كتاب القسامة‪ .‬باب تغليظ تحريم الدماء والعراض والموال ‪.30 ،11/170‬‬ ‫‪12‬‬


‫المبحث الثالث‬ ‫سوء الظن في ضوء موقف السلف الصالح منه‬ ‫لقد كان السلف الصالح – رضوان ا عليهم‪ -‬عاملين بما في الكتاب والسنة من‬ ‫النهي عن ظن السوء‪،‬مانعين منه أنفسهم‪ ،‬محذرين منه غيرهم‪.‬‬ ‫فهاهم – رضوان ا عليهم ‪ُ-‬تنقل عنهم جملة من القوال والفعال الدالة على‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫فمن أقوالهم الدالة على التحذير من ظن السوء ‪ ،‬قول عمر بن الخطاب‬

‫)‪(20‬‬

‫–‬

‫رضي ا عنه‪ ) :-‬من تعرض للتهمة فل يلومن من أساء به الظن‪ ،‬ومن كتم‬ ‫سره كان الخيار إليه‪ ،‬ومن أفشاه كان الخيار عليه‪،‬وضع أمر أخيك على‬ ‫أحسنه‪ ،‬حتى يأتيك منه ما يغلبك‪ ،‬ول تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إل‬ ‫خيرا ‪،‬وأنت تجد لها في الخير محم ل ً (‬ ‫)‪(22‬‬

‫وكذا قال بن عباس‬

‫يظن بالمؤمن شرا(‬

‫)‪(23‬‬

‫)‪(21‬‬

‫‪.‬‬

‫– رضي ا عنه وعن أبيه‪ ) :-‬نهى ا تعالى المؤمن أن‬ ‫‪.‬‬

‫وقال سعيد بن جبير)‪ – (24‬رحمه ا‪ -‬في تفسيره لية الحجرات‪ ) :‬هو الرجل‬ ‫ء‪ ،‬أو يدخل مدخ ل ً ل يريد به سوء فيراه‬ ‫يسمع من أخيه كلما ل يريد به سو ً‬ ‫أخوه المسلم فيظن به سوء( )‪.(25‬‬

‫‪20‬‬

‫‪21‬‬ ‫‪22‬‬

‫‪23‬‬ ‫‪24‬‬

‫‪25‬‬

‫عمر بن الخطاب‪ :‬هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن كعب بن لؤي أول‬ ‫)(‬ ‫خليفة ُدعي بأمير المؤمنين‪ ،‬وأول من كتب التاريخ للمسلمين‪ ،‬وأول من جمع الناس على التراويح‪...‬‬ ‫توفي ‪23‬هـ )صفة الصفوة‪.(1/746 :‬‬ ‫الدر المنثور‪.7/566 :‬‬ ‫)(‬ ‫ابن عباس هو عبد ا بن عباس ابن عم رسول ا × ولد قبل الهجرة بثلث سنين وتوفي‬ ‫)(‬ ‫النبي –×‪-‬وهو ابن ثلث عشرة سنة وكان حبر المة توفي ‪68‬هـ )صفة الصفوة‪.(1/746 :‬‬ ‫تفسير ابن كثير‪.6/379 :‬‬ ‫)(‬ ‫سعيد بن جبير‪ :‬هو سعيد بن جبير بن هشام السدي أحد أعلم التابعين‪ ،‬أخد العلم عن ابن‬ ‫)(‬ ‫عباس وابن عمر‪ ،‬قتله الحجاج‪ ،‬قال أحمد بن حنبل عنه‪ :‬قتل الحجاج سعيد بن جبير وما على وجه‬ ‫الرض أحد إل وهو مفتقر إلى علمه توفي سنة ‪ ،95‬وقيل ‪) ،94‬وفيات العيان ‪ ،2/371‬صفة الصفوة‬ ‫‪.(4/77‬‬ ‫زاد المسير‪.7/469 :‬‬ ‫)(‬ ‫‪13‬‬


‫الفصل الثاني‪ :‬آثار ظن السوء‬ ‫ظن السوء له آثار خطيرة وجسيمة على الفرد والمجتمع والمة‪ ،‬ومن هذه‬ ‫الثار‪:‬‬ ‫‪ -1‬العداوة والبغضاء‪ :‬وهو أمر عظيم وخطير‪ ،‬حيث أن إساءة الظن توجب‬ ‫بغض المظنون به وعداوته والمرء مأمور بخلفها‪.‬‬ ‫وفي هذا يقول الشيخ عبد الرحمن ناصر السعدي)‪ –(26‬رحمه ا‪ )) :-‬نهى ا‬ ‫عن كثير من الظن السيئ بالمؤمنين حيث قال تعالى‪ ) :‬إن بعض الظن إثم(‬ ‫وذلك كالظن الخالي من الحقيقة والقرينة‪ ،‬وكظن السوء الذي يقترن به كثير‬ ‫من القوال والفعال المحرمة‪ ،‬فإن بقاء ظن السوء بالقلب ل يقتصر صاحبه‬ ‫على مجرد ذلك‪ ،‬بل ل يزال به حتى يقول ما ل ينبغي ويفعل ما ل ينبغي وفي‬ ‫ذلك أيضا إساءة ظن بالمسلم وبغضه وعداوته المأمور بخلفها منه((‬

‫)‪(27‬‬

‫نعم المأمور هو الولية والمحبة فيما بين المؤمنين‪ ،‬فالمؤمن ولي المؤمن‬ ‫كل واحد منهما يحب الخر‪ ،‬وينصره‪ ،‬ويتعاون معه‪ ،‬ول يدعي عليه دعوى‬ ‫باطلة‪ ،‬هكذا المؤمنون والمؤمنات أولياء)‪.(28‬‬

‫‪26‬‬

‫‪27‬‬ ‫‪28‬‬

‫عبد الرحمن ناصر السعدي‪ :‬هو ابو عبد ا عبد الرحمن بن ناصر بن عبد ا آل سعدي من‬ ‫)(‬ ‫قبيلة تميم ولد في عنيزة عام ‪1307‬هـ‪ .‬من مصنفاته‪ :‬تسير الكريم الرحمن في تفسير كلم المنان‪،‬‬ ‫ارشاد أولي البصائر واللباب لمعرفة الفقه بأقرب الطرق وأيسر السباب‪ ،‬الدرة المختصرة في‬ ‫محاسن السلم وفاته ‪1376‬هـ و)تفسيره‪ 1/5 :‬معجم المؤلفين ‪.(13/396‬‬ ‫تيسير الكريم الرحمن‪.7/137 :‬‬ ‫)(‬ ‫اخلق المؤمنين و المؤمنات شريط لبن باز‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪14‬‬


‫ول يجوز تحكيم الهوى المجرد‪ ،‬والظنون الباطلة الناتجة عن وهم وحدس‬ ‫في هذا المبدأ أل وهو الولء و البراء‪ ،‬بل يجب تحكيم دين ا في كل شيء‪.‬‬ ‫يقول الشيخ ابن باز )‪ –(29‬رحمه ا‪ ) :-‬يجب على المسلم أن يتمسك بالسلم‬ ‫كله‪ ،‬وأن يحذر أسباب الفرقة والختلف في جميع الحوال‪ ،‬فعليك أن تحكم‬ ‫شرع ا‪ ..‬مع العدو والصديق‪ ، ..‬دين ا يجب أن يحكم في كل شيء‪ ،‬وإياك‬ ‫أن توالي أخاك ‪،‬لنه وافقك في كذا‪ ،‬وتعادي الخر لنه خالفك في رأي أو‬ ‫مسألة‪ ،‬فليس هذا من النصاف فالصحابة – رضي ا عنهم‪ -‬اختلفوا في‬ ‫مسائل‪ ،‬ومع ذلك لم يؤثر ذلك في الصفاء بينهم والموالة والمحبة‪ ،‬فالمؤمن‬ ‫يعمل بشرع ا ويدين بالحق ويقدمه على كل أحد بالدليل‪ ،‬ولكن ل يحمله‬ ‫ذلك على ظلم أخيه‪ ،‬وعدم إنصافه إذا خالفه في الرأي في مسائل الجتهاد‬ ‫التي قد يخفى دليلها(‬

‫)‪(30‬‬

‫‪.‬‬

‫‪ -2‬تفويت المنفعة‪ :‬فمن ظن بأحد سوء وكان الخر ذا علم وفضل ترك‬ ‫الستفادة منه‪ ،‬مما يفوت عليه منفعته‪،‬فيخسر النتفاع بمن ظنه ضارا ‪ ،‬أو‬ ‫ل‪ ،‬أو تحصيل علم ممن ظنه جاه ل ً ونحو ذلك‬ ‫الهتداء بمن ظنه ضا ً‬

‫)‪(31‬‬

‫‪.‬‬

‫‪ -3‬الضيق والحزن‪ :‬فظن السوء يؤدي إلى الضيق والحزن فالنسان الذي‬ ‫يسيء الظن هو الذي يتضايق ويحزن ‪.‬‬ ‫وذلك قد يمثل فيما لو مث ل ً نظر أحدهم للخر نظرة غريبة أو لم يبال حين‬ ‫سلم عليه‪ ،‬أو لم يأت منزله أو نحو ذلك‪ ،‬فيظن الخر أنه كاره له‪ ...‬أو نحو ذلك‬ ‫من الظنون فيضيق ويحزن ‪ ،‬فحسن الظن يؤدي إلى طمأنينة القلب بعكس‬ ‫سوء الظن‬

‫‪29‬‬

‫‪30‬‬ ‫‪31‬‬ ‫‪32‬‬

‫)‪. (32‬‬

‫عبد العزيز بن باز‪ :‬هو أبو عبد ا عبد العزيز بن باز ولد في الرياض ‪1330‬هـ من مشايخه‪:‬‬ ‫)(‬ ‫محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ‪ ،‬سعد بن محمد العتيق وهو رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية‬ ‫والفتاء اليوم من مؤلفاته‪ :‬الفوائد الجلية في المباحث الفرضية‪ ،‬التحذير من البدع‪ ،،‬العقيدة الصحيحة‬ ‫وما يضادها )المم الشيخ عائض القرني(‪.‬‬ ‫مجموع فتاوى ومقالت ‪ 347 – 346‬بإختصار ‪.‬‬ ‫)(‬ ‫تفسير التحرير والتنوير‪.26/251 .‬‬ ‫)(‬ ‫انظر الحزن والكتئاب على ضوء الكتاب والسنة‪.41-4 :‬‬ ‫)(‬ ‫‪15‬‬


‫‪ -4‬القطيعة‪ :‬فظن السوء يؤدي إلى الشقاق والخلف والقطيعة في صفوف‬ ‫المسلمين‪ ،‬وقد حذرنا ا من ذلك فقال تعالى‪ )) :‬واعتصموا بحبل ا جميعا‬ ‫ول تفرقوا((] آل عمران‪[1:‬‬ ‫فل ينبغي أن يجعل لسوء الظن سبي ل ً للتفرقة بين أفراد المة‪.‬‬ ‫وقد حذرنا من ذلك رسول ا – صلى ا عليه وسلم‪ -‬فقال‪ ) :‬تفتح أبواب الجنة‬ ‫يوم الثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد ل يشرك بالله شيئا إل رج ل ً كانت‬ ‫بينه وبين أخيه شحناء( )‪.(33‬‬ ‫وهذا المر له خطورته فيما لو كان المظنون به امرء مسلما فحسب‪ ،‬ولكن‬ ‫يزداد المر خطورة فيما لو كان المظنون به من ذوي الرحام والقارب‪ ،‬وقد‬ ‫أمرنا ا بصلة الرحام فقال تعالى‪ )) :‬واتقوا ا الذي تساءلون به‬ ‫والرحام((] النساء‪[1 :‬‬

‫وحذرنا من قطيعتها فقال تعالى‪ )) :‬فهل عسيتم إن‬

‫توليتم أن تفسدوا في الرض وتقطعوا أرحامكم‪،‬‬ ‫– صلى ا عليه وسلم‬

‫] محمد‪[23 ، 22 :‬‬

‫وقال الرسول‬

‫ل يدخل الجنة قاطع رحم( )‪.(34‬‬ ‫‪)-‬‬

‫‪ -5‬الغيبة والنميمة‪ :‬والغيبة أمر يترتب على سوء الظن في كثير من أحيانه‪،‬‬ ‫وقد ذكر ا في آية الحجرات إساءة الظن وأردف بالنهي عن الغيبة‪.‬‬ ‫فقال تعالى‪ )) :‬ول يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا‬ ‫فكرهتموه(( ] الحجرات‪.[12 :‬‬ ‫وفي هذه الية يقول ابن القيم‬

‫)‪(35‬‬

‫– رحمه ا‪ ) :-‬هذا من أحسن القياس‬

‫التمثيلي فإنه شبه تمزيق عرض الخ بتمزيق لحمه‪،‬ولما كان المغتاب عاجزا‬ ‫عن دفعه عن نفسه بكونه غائبا عن مجلس ذمه‪ ،‬كان بمنزلة الميت الذي‬ ‫يقطع لحمه ول يستطيع أن يدفع عن نفسه ولما كان مقتضى الخوة التراحم‬ ‫والتواصل والتناصر‪ ،‬فعلق عليها المغتاب ضد مقتضاها من الذم والعيب‬ ‫والطعن‪ :‬كان ذلك نظير تقطيع لحم أخيه‪ ،‬والخوة تقتضي حفظه وصيانته‬ ‫‪33‬‬ ‫‪34‬‬

‫‪35‬‬

‫)( مسلم ‪ :‬كتاب البر والصلة والداب باب النهي عن الشحناء ‪.36-35 ،16/122‬‬ ‫البخاري‪ :‬كتاب الدب‪ ،‬باب إثم القاطع ‪ ،5984 ،10/414‬مسلم‪ :‬كتاب البر والصلة والداب‪ ،‬باب‬ ‫)(‬ ‫صلة الرحم وتحريم قطيعتها ‪،19-18 ،114-16/113‬‬ ‫ابن القيم‪ :‬هو محمد بن أبي بكر بن أيوب ثم الدمشقي الحنبلي ولد سنة ‪ 691‬وله مؤلفات‬ ‫)(‬ ‫عديدة منها زاد المعاد في هدي خير العباد‪ ،‬إغاثة اللهفان من مكايد الشيطان أعلم الموقعين وغيرها‬ ‫)معجم المؤلفين ‪) (9/106‬البداية والنهاية ‪(7/246‬‬ ‫‪16‬‬


‫والذب عنه‪ .‬ولما كان المغتاب متمتعا بعرض أخيه متفكها بغيبته وذمه‪ ،‬متحليا‬ ‫بذلك شبه بآكل لحم أخيه بعد تقطيعه‪.(36) (...‬‬ ‫ا ورسوله‬ ‫وقال الرسول ا – صلى ا عليه وسلم‪ ) :-‬أتدرون ما الغيبة؟ قالوا ‪:‬‬ ‫أعلم‪ ،‬قال‪ :‬ذكرك أخاك بما يكره‪ ،‬فقيل‪ :‬أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟‬ ‫فقال‪ :‬إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته( )‪.(37‬‬ ‫وكذا سوء الظن يؤدي إلى نشر النميمة‪ ،‬فهذا يظن ظنا مشينا يسير به بين‬ ‫الناس‪ .‬وأمر النميمة خطير جدا وقد حذرنا ا منها فقال تعالى‪ )) :‬ول تطع‬ ‫كل حلف مهين هماز مشاء بنميم(( ] القلم‪ [11-10 :‬وقال الرسول صلى ا‬ ‫ل يدخل الجنة نمام((‬ ‫عليه وسلم ))‬

‫)‪.(38‬‬

‫‪ -6‬التحقير والسخرية‪ :‬وهو أثر آخر لساءة الظن فيسيء الظن ثم يحتقر‬ ‫ل يسخر قوم من قوم عسى‬ ‫ويسخر متناسيا إثم ذلك ومغبته‪ ،‬قال تعالى ‪)) :‬‬ ‫أن يكونوا خيرا منهم‪ ] ((...‬الحجرات‪[11 :‬‬ ‫وقال رسول ا – صلى ا عليه وسلم‪ )-‬بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه‬ ‫المسلم((‬

‫)‪.(39‬‬

‫‪ -7‬التحسس والتجسس‪ :‬أمر قد يكون الحركة التالية للظن‪ ،‬وقد يكون حركة‬ ‫ابتدائية لمن كانت هوايته البحث عن الستار والكشف عن العورات – والعياذ‬ ‫بالله‪-‬‬ ‫وا تعالى نهى عن هذا العمل الدنيء فقال تعالى‪ )) :‬ول تجسسوا((‬ ‫] الحجرات‪.[12 :‬‬ ‫وقال الرسول – صلى ا عليه وسلم‪ ) :-‬يا معشر من أسلم بلسانه‪ ،‬ولم يفض‬ ‫اليمان إلى قلبه‪ ،‬ل تؤذوا المسلمين ول تعيروهم‪ ،‬ول تتبعوا عوراتهم‪ ،‬فإنه‬ ‫من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع ا عورته‪ ،‬ومن يتبع ا عورته يفضحه ولو‬ ‫‪36‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪39‬‬

‫أعلم الموقعين ‪170-1/169‬ـ‪.‬‬ ‫)(‬ ‫مسلم كتاب البر والصلة والداب‪ ،‬باب تحريم الغيبة ‪.70 ،16/142‬‬ ‫)(‬ ‫مسلم كتاب اليمان‪ ،‬باب بيان غلظ تحريم النميمة ‪.168 ،1/142‬‬ ‫)(‬ ‫مسلم كتاب البر والصلة والداب ‪ ،‬باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله‬ ‫)(‬ ‫‪.32-16/120‬‬ ‫‪17‬‬


‫في جوف رحله(‬

‫)‪(40‬‬

‫وفي هذا الحديث وعيد شديد لمن كان هذا ديدنه‬

‫وسلوكه‪.‬‬ ‫كما قد ورد عن السلف الصالح – رضوان ا عليهم‪ -‬ما يدل على عنايتهم‬ ‫باجتناب هذا المر ‪،‬فعن ابن مسعود‬

‫)‪(41‬‬

‫– رضي ا عنه‪ -‬أنه أتي برجل‪ ،‬فقيل‬

‫له‪ :‬هذا فلن تقطر لحيته خمرا‪ ،‬فقال عبد ا‪ ) :‬قد نهينا عن التجسس ولكن‬ ‫إن يظهر لنا شيء نأخذ به(‬

‫)‪.(42‬‬

‫‪ -8‬شيوع الفاحشة‪ :‬وذلك أن كثرة الحديث عن الفواحش والذنوب والثام‪،‬‬ ‫وإن كانت غير صحيحة وإنما مبناها على ظنون وأوهام هي سبب كبير في‬ ‫تفشى الفاحشة وشيوعها‪.‬‬ ‫فل يزال يتكرر حديث الفحش حتى يصبح أمرا مألوفا ل يستنكره أحد‪ ،‬بل قد‬ ‫يزيد حتى يستمرئ الحديث‬ ‫ولذا كان موقف السنة حاسما من المجاهرة بالفواحش والذنوب فقال‬ ‫الرسول – صلى ا عليه وسلم‪ ) :-‬كل أمتي معافى إل المجاهرون(‬

‫)‪(43‬‬

‫‪ ،‬وما‬

‫كان ذلك التوعد إل لعظم خطره ‪ ،‬وكبير أثره ‪.‬‬ ‫‪ -9‬الطعن في النساب وانتهاك العراض‪ :‬وهكذا فإن الظنون الواهية قد‬ ‫تصبح سببا في الطعن في النساب‪ ،‬وانتهاك العراض فبين يوم وليلة؛ قد‬ ‫يصبح المرء متهم في عرضه‪ ،‬مقدوح في نسبه ‪ ،‬وما ذاك إل لنه في اليوم‬ ‫الول قال فلن‪ :‬أظن فلنا زانيا‪ ،‬أو خبيثا‪ ،‬وفي اليوم التالي‪ :‬أصبح ذاك يقينا‪.‬‬ ‫وهكذا يتناسى الناس ويتغافلون عن هذه الجرائم‪ ،‬تاركين المنهج السديد‪ ،‬قال الرسول‬ ‫– صلى ا عليه وسلم‪ ) :-‬اثنتان هما بالناس كفر‪ :‬الطعن في النسب‪ ،‬والنياحة عل الميت(‬

‫‪40‬‬ ‫‪41‬‬

‫‪42‬‬ ‫‪43‬‬

‫صحيح الترمذي‪ :‬كتاب البر‪ ،‬باب ما جاء في تعظيم المؤمن ‪.1655 ،2/200‬‬ ‫)(‬ ‫ابن مسعود‪ :‬هو عبد ا بن مسعود يكنى أبا عبد الرحمن‪ ،‬أسلم قبل دخول الرسول –×‪-‬دار‬ ‫)(‬ ‫الرقم‪ ،‬وهاجر إلى الحبشة الهجرتين‪ ،‬وشهد بدرا والمشاهد كلها‪ ،‬وكان صاحب رسول ا –×‪-‬ووساده‬ ‫وسواكه ونعليه وكان عالما‪ ،‬مات سنة ‪32‬هـ )صفة الصفوة ‪.(1/395‬‬ ‫تفسير ابن كثير ‪.60/379‬‬ ‫)(‬ ‫البخاري‪ :‬كتاب الدب‪ ،‬باب ستر المؤمن عن نفسه ‪ .6069 ،10/486‬مسلم كتاب الزهد‪ ،‬باب‬ ‫)(‬ ‫النهي عن هتك النسان ستر نفسه ‪.52 ،18/119‬‬ ‫‪18‬‬


‫)‪(44‬‬

‫‪ .‬وقال عليه الصلة والسلم‪ ):‬إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام‪ ،‬كحرمة يومكم‬

‫هذا في شهركم هذا‪ ،‬في بلدكم هذا(‬

‫)‪(45‬‬

‫‪.‬‬

‫ومن كان هذا صنيعه فأين هو من هذا المنهج السديد ‪ .‬وا المستعان‪.‬‬ ‫‪ -10‬التكفير والتفسيق‪ :‬هو أمر أخطر مما سبقه‪ ،‬ينبغي التنبه إليه‪ ،‬والحذر‬ ‫منه‪ ،‬قال الرسول – صلى ا عليه وسلم‪ )-‬ل يرمي رجل رج ل ً بالفسوق‪ ،‬ول يرميه‬ ‫بالكفر إل ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك(‬

‫)‪(46‬‬

‫‪.‬‬

‫نعم هو أمر خطير ل ينبغي التساهل فيه‪ ،‬وترك العنان له يسير في المة كيف‬ ‫يشاء؟ يسير بل ضابط سليم‪ ،‬ول أساس صحيح؟ يسير وفق هوى مجرد‪ ،‬وظن‬ ‫موهم‪.‬‬ ‫فإذا رأى أحدهم من يخالفه‪ ،‬ولو في أمر هين يسير‪ ،‬كفره أو فسقه‪.‬‬ ‫قال ابن تيمية– رحمه ا‪ ) :-‬وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه‬ ‫المسائل‪ ،‬ولم يشهد أحد منهم على أحد بكفر ول بفسق ول معصية‪، ...‬كمسألة‬ ‫رؤية النبي – صلى ا عليه وسلم‪ -‬ربه‪ ،‬ومسألة سماع الميت كلم الحي‬ ‫‪،‬وتعذيب الميت ببكاء أهله‪ ،‬وغير ذلك( )‪ .(47‬وهذا فيما عدا الواجبات‬ ‫والمحرمات‪ ،‬وما كان من شرائع السلم الظاهرة‪ ،‬فهذا بل شك‪ ،‬يكفر الواحد‬ ‫بجحودها بل يقاتل‬

‫)‪.(48‬‬

‫وإذا كان المر بهذا الخطورة كان لزاما التثبت فيه‪ ،‬والسير على منهج سديد‬ ‫فيه‪ ،‬وهذا النهج هو كما يذكره لنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين‬

‫)‪(49‬‬

‫– رحمه‬

‫ا‪ -‬حيث قال‪ ) :‬الحكم بالتكفير والتفسيق ليس إلينا بل هو إلى ا – تعالى‪-‬‬ ‫ورسوله – صلى ا عليه وسلم‪ -‬فهو من الحكام الشرعية التي مردها إلى‬ ‫الكتاب والسنة ‪ ،‬فيجب التثبت فيه غاية التثبت‪ ،‬فل يكفر ول يفسق إل من دل‬ ‫‪44‬‬ ‫‪45‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪47‬‬ ‫‪48‬‬ ‫‪49‬‬

‫مسلم‪ :‬كتاب اليمان‪ ،‬باب إطلق اسم الكفر على الطعن في النسب والنياحة ‪.121 ،1/57‬‬ ‫)(‬ ‫سبق تخريجه ص‪:‬‬ ‫)(‬ ‫البخاري‪ :‬كتاب الدب‪ ،‬باب النهي عن السباب والفسوق ‪.6045 ،10/464‬‬ ‫)(‬ ‫مجموع الفتاوى‪ .231-3/229 :‬بتصرف يسير واختصار‪.‬‬ ‫)(‬ ‫دحض شبهات على التوحيد من سوء الفهم لثلثة أحاديث‪.55-53 :‬‬ ‫)(‬ ‫محمد بن صالح العثيمين‪ :‬هو محمد بن صالح بن محمد بن عثمين الوهيبي‪ ،‬ولد في عنيزة‬ ‫)(‬ ‫عام ‪1347‬هـ من مشايخه‪ ،‬عبد الرحمن السعدي‪ ،‬وابن باز‪ ،‬من مؤلفاته تلخيص الجزرية‪ ،‬تفسير آيات‬ ‫الحكام شرح عمدة الحكام‪ ،‬نيل الرب في قواعد ابن رجب )علماؤنا فهد البورابي‪ ،‬فهد البراك(‬ ‫‪19‬‬


‫الكتاب والسنة على كفره أو فسقه‪ ،‬والصل في المسلم الظاهر العدالة بقاء‬ ‫إسلمه‪ ،‬وبقاء عدالته حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي‪،‬‬ ‫ول يجوز التساهل في تكفيره أو تفسيقه‪ ،‬لن في ذلك محذورين عظيمين‪:‬‬ ‫الول‪ :‬افتراء الكذب على ا في الحكم وعلى المحكوم عليه في الوصف‬ ‫الذي نبزه به‪.‬‬ ‫والثاني‪ :‬الوقوع فيما نبز به أخاه إن كان سالما منه‪ ...‬وعلى هذا فيجب قبل‬ ‫الحكم على المسلم بكفر أو فسق أن ينظر في أمرين‪ :‬أحدهما‪ :‬دللة الكتاب‬ ‫والسنة على هذا القول أو الفعل الموجب للكفر أو الفسق‪.‬‬ ‫ولخر‪ :‬انطباق هذا الحكم على القائل المعين ‪ ،‬أو الفاعل المعين بحيث تتم‬ ‫شروط التكفير و التفسيق في حقه وتنتفي الموانع‪.(50) (..‬‬ ‫‪ -11‬إزهاق النفس وإهدار الموال‪ :‬فكم نفس أزهقت‪ ،‬وأموال أهدرت‬ ‫بكلمة زور وبهتان خرجت – وا المستعان‪ -‬وقتل النفس من أبشع الجرائم‬ ‫قال تعالى‪ )) :‬من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الرض فكأنما قتل الناس‬ ‫جميعا(( ] المائدة‪.[32 :‬‬ ‫ل يزال المرء في فسحة من دينه ما لم‬ ‫وقال الرسول – صلى ا عليه وسلم ‪) :-‬‬ ‫يصب دما حراما(‬

‫)‪.(51‬‬

‫وكذا غرم الناس أموا ل ً طائلة بظنون خاطئة‪ ،‬والمال له حرمة ل تخفى‪ ،‬قال‬ ‫تعالى‪ )) :‬ول تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل((] النساء‪[29 :‬‬ ‫وقال الرسول – صلى ا عليه وسلم‪ ) :-‬من ظلم قيد شبر من الرض طوقه من‬ ‫سبع أرضين(‬

‫)‪(52‬‬

‫‪.‬‬

‫‪ -12‬استغلل العداء لهذا المر والستفادة منه‪:‬‬

‫‪50‬‬ ‫‪51‬‬

‫‪52‬‬

‫القواعد المثلي في صفات ا وأسمائه الحسنى‪. 89-78 :‬‬ ‫)(‬ ‫البخاري‪ :‬كتاب الديات‪ ،‬باب قوله ا تعالى‪)) :‬ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم((‬ ‫)(‬ ‫‪.6862 ،12/1871‬‬ ‫البخاري‪ :‬كتاب المظالم‪ ،‬باب إثم من ظلم شيئا من الرض ‪ ،2453 ،5/13‬مسلم ‪ :‬كتاب‬ ‫)(‬ ‫المساقاة ‪.142 ،11/50‬‬ ‫‪20‬‬


‫قد يستغل العداء هذا المر في التفرقة بين المسلمين وإثارة الشكوك بين‬ ‫الصفوف‪ ،‬ومن ثم اجتذاب ضعاف النفوس إلى جانبهم‪ ،‬والتغلب عليهم‪.‬‬ ‫وهذا يتضح جليا من حادثة الفك‪ ،‬فمن آثارها ما أراد سوى التفرقة بين‬ ‫المسلمين والنيل منهم‪.‬‬ ‫وكذا يتضح من محنة ابن تيمية‬

‫)‪(53‬‬

‫– رحمه ا‪ -‬حيث حسد بعض العلماء ذلك‬

‫العالم الجليل وقد وجد الحسد الحطب الذي ينفث فيه النار وتحرق بها‬ ‫المحسود‪.‬‬ ‫فقول الحق الذي كان يجري على لسانه‪ ،‬الطوائف الكثيرة أغضبها ذلك‬ ‫وأغضبها محاربته لهل الباطل كالشيعة والصوفية‪ ...‬فكان هؤلء ممن ثاروا‬ ‫وأوغروا الصدور‪ ،‬وأزعجوا المراء بالشكوى منه المرة بعد المرة‪ ،‬وأثاروا‬ ‫الغبار حوله‪ ...‬لينالوا ما يريدون)‪.(54‬‬ ‫وكذا الحال بالنسبة للشيخ – محمد بن عبد لوهاب)‪ -(55‬رحمه ا‪ -‬فلما اشتهر‬ ‫الشيخ وكتب الكتابات الكثيرة‪ ،‬وألف المؤلفات القيمة ونشرها بين الناس‬ ‫ظهر جماعة كبيرة من حساده ومخالفيه‪ ،‬وظهر أيضا أعداء آخرون وصار‬ ‫أعداؤه وخصومه قسمين‪ :‬قسم عادوه باسم العلم واليمان وقسم عادوه‬ ‫باسم السياسة‪ ،‬ولكن تستروا باسم العلم والدين ؛ فتارة يقولون عنه أنه من‬ ‫الخوارج‪ ،‬وتارة يخرق الجماع‪ ...‬وهكذا)‪.(56‬‬ ‫الفصل الثالث ‪ :‬علج ظن السوء‬ ‫المبحث الول‪ :‬علج المجتمع‪.‬‬ ‫يكون بأمور‪ :‬المر الول‪ ) :‬معرفة عظم هذا المر(‬

‫‪53‬‬

‫‪54‬‬ ‫(‪ (53‬انظر‪ :‬ابن تيمية حياته وعصره وآراؤه وفقهه‪.51-50 :‬‬ ‫‪ (54)55‬محمد بن عبد الوهاب‪ :‬هو محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي زعيم النهضة الدينية‬ ‫الصلحية الحديثة في جزيرة العرب ولد ‪1115‬هـ ونشأ في العيينة بنجد وله مصنفات أكثرها رسائل منها‪:‬‬ ‫كتاب التوحيد ورسالة كشف الشبهات وتفسير الفاتحة وتفسير شهادة أن ل إله إل ا‪ ،‬توفي ‪1206‬هـ )العلم‬ ‫للزركلي ‪.(7/137‬‬ ‫‪ (55)56‬مجموع فتاوى ومقالت لبن باز‪.369-1/368 :‬‬

‫‪21‬‬


‫فمعرفة عظم هذا المر‪ ،‬ومدى خطورته وأثره‪ ،‬وحكم الشرع قبل ذلك فيه‪،‬‬ ‫بل شك سبب عظيم في تركه واجتنابه‪.‬‬ ‫فل بد دوما من معرفة الداء حتى يعرف الدواء‪.‬‬ ‫فإذا علم هذا المر‪ ،‬وما موقف الكتاب والسنة‪ ،‬وما كان من نهج السلف‬ ‫الصالح فيه‪ ،‬وما مدى تأثيره البالغ وأذاه الجسيم؟ أمكن تسطير العلج‬ ‫وذكره ومن ثم العمل به – بأذن ا‪.-‬‬ ‫المر الثاني‪ ) :‬التقوى والورع والمراقبة(‬ ‫فالتقوى والورع والمراقبة‪ ،‬كل هذه أساسيات في عمل كل طاعة‪ ،‬وترك كل‬ ‫معصية‪.‬‬ ‫فمتى اتقى ا المرء هذب أقواله وأفعاله‪ ،‬وحرص أن يكون كل ما يصنعه‬ ‫في مرضاة ا – تعالى –‪.‬‬ ‫ولو أحس كل فرد أن ا معه يحصي حركاته‪ ،‬ويسجل أعماله فلبد أن ينضبط‬ ‫سلوكه وفكره‪ ،‬وينضبط شعوره وقلبه‪ ،‬ل لن الناس معه‪ ،‬وهو مضطر‬ ‫إزاءهم أن يكون تقيا ومنضبطا‪ ،‬وإنما لن ا معه )) إل هو معهم أينما‬ ‫كانوا(( ] المجادلة‪.[7 :‬‬ ‫والتاريخ السلمي حافل بنماذج من الرجال والنساء الذين صفت أنفسهم‪،‬‬ ‫وطهرت سرائرهم‪ ،‬ولم يكن في مقدور الفرد منهم أن ينال من غيره في‬ ‫غيبته‪ ،‬وهو يعلم أن كلمه يكتب‪ ،‬وحديثه يسجل )) ما يلفظ من قول إل لديه‬ ‫رقيب عتيد(( ] ق‪ [18 :‬رقيب مسجل كل حركة كل همسة‪ ،‬كل كلمة‪ )) ...‬إن‬ ‫السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئول(( ] السراء‪[36 :‬‬

‫)‪(57‬‬

‫فهو موقن بأنه سيسأل يوم القيامة عن أفعال جوارحه كلها‪.‬‬ ‫المر الثالث‪ ) :‬عدم استدعاؤه(‪:‬‬

‫‪57‬‬

‫)( انظر الجتهاد في الشريعة السلمية‪ ،‬وبحوث أخرى من البحوث المقدمة لمؤتمر الفقه السلمي‬ ‫الذي عقدته جامعة المام محمد بن سعود‪.291-290 /‬‬ ‫‪22‬‬


‫فالظن يبدأ غالبا كخاطرة؛ فهو يحصل في خاطر النسان اضطرارا عن غير‬ ‫اختيار)‪.(58‬‬ ‫وقد قال ابن القيم – رحمه ا‪ )-‬واعلم أن ورود الخواطر ل يضر‪ ،‬وإنما يضر‬ ‫استدعاؤه ومحادثته‪ ،‬فالخاطر كالمار على الطريق‪ ،‬فإن لم تستدعه وتركته‬ ‫مر وانصرف عنك‪ ،‬وإن استدعيته سحرك بحديثه‪ ،‬وخدعه‪ ،‬وغره‪ ،‬وهو أخف‬ ‫شيء على النفس الفارغة الباطلة‪ ،‬وأثقل شيء على القلب والنفس الشريفة‬ ‫السماوية المطمئنة(‬

‫)‪.(59‬‬

‫وحيث كان المر كذلك‪ ،‬لزم مراعاة الخواطر‪ ،‬وعدم تركها كما تشاء تلهو‬ ‫بعقل المرء وقلبه‪ ،‬فيحكم بها على مال سند له ول استدلل عليه‪.‬‬ ‫المر الرابع‪ ) :‬صون الذن عن استماع الغمز(‬ ‫ول شك أن استماع الغمز واللمز‪ ،‬مما يورث مساوئ الظنون‪ ،‬وما من جارحة‬ ‫هي أشد ضررا على العبد بعد لسانه من سمعه‪.‬‬ ‫وقد صدق القائل‪:‬‬ ‫فإنك عند استماع القبيح‬ ‫وقد قال ابن حجر‬

‫)‪(61‬‬

‫شريك لقائله فانتبه‬

‫)‪(60‬‬

‫– رحمه ا‪ -‬ضمن ما ذكره من فوائد حادثة الفك‪:‬‬

‫) وفيه ذم الغيبة‪ ،‬وذم سماعها‪ ،‬وزجر من يتعاطاها لسيما إن تضمنت تهمة‬ ‫المؤمن بما لم يقع منه( )‪.(62‬‬ ‫المر الخامس ‪ ):‬الشتغال بعلج عيوب النفس واللتفات إليها دون عيوب‬ ‫الخرين( فاللتفات إلى عيوب الخرين وتفصيلها بل داع‪ ،‬أو مبرر‪ ،‬أنما هو‬ ‫هوى دافع لساءة الظنون‪.‬‬

‫‪58‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪61‬‬

‫‪62‬‬

‫)( تفسير التحرير والتنوير ‪.260/251‬‬ ‫)( الجواب الكافي‪.138 :‬‬ ‫)( أدب الدنيا والدين‪.274 :‬‬ ‫)( ابن حجر‪:‬هو أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلني الشافعي ‪،‬محدث مؤرخ أديب شاعر ولد‬ ‫عام ‪ 773‬وتوفي ‪ 852‬زادت تصانيفه التي معظمها في الحديث والتريخ والدب والفقه على مائة‬ ‫وخمسين مصنفا منها ‪:‬فتح الباري ‪،‬الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة)تذكرة الحفاظ ‪(5/326‬‬ ‫)( فتح الباري‪.8/482 :‬‬ ‫‪23‬‬


‫وقد قال ابن القيم – رحمه ا‪ ) :-‬من عرف نفسه اشتغل بإصلحها عن عيوب‬ ‫الناس‪ ،‬ومن عرف ربه اشتغل به عن هوى نفسه( )‪.(63‬‬ ‫نعم من عرف نفسه اشتغل بإصلحها وتهذيبها وتقويمها عن تتبع أخطاء‬ ‫الناس وزلتهم‪ ،‬ولما كان حاله كما ذكر أبو هريرة‬

‫)‪(64‬‬

‫– رضي ا عنه‪ )-‬يبصر‬

‫أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذع في عين نفسه( )‪.(65‬‬ ‫وقال أبو حاتم)‪ ) :(66‬وإذا كان من السلمة ترك التجسس على عيوب الناس‪،‬‬ ‫مع الشتغال بإصلح عيوب نفسه‪ ،‬فإن اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره‪ ،‬أراح‬ ‫بدنه ولم يتعب قلبه‪ ،‬فكلما اطلع على عيب لنفسه هان عليه ما يرى مثله من‬ ‫أخيه‪ ،‬ومن اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه‪ ،‬عمى قلبه‪ ،‬وتعب بدنه‪،‬‬ ‫وتعذر عليه ترك عيوب نفسه( )‪.(67‬‬ ‫المر السادس ) ستر عيوب الناس(‬ ‫فإذا ظهر لحد عيب في أخيه فعليه ستره‪ ،‬وعدم إشاعته وإذاعته ‪،‬أو التكلم‬ ‫به في كل حين وفي كل مجلس‪.‬‬ ‫وكل ذلك منهي عنه قال تعالى‪ )) :‬إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في‬ ‫الذين ءامنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والخرة وا يعلم وأنتم ل تعلمون((‬ ‫] النور‪[19 :‬‬ ‫وهذا تأديب لمن سمع شيئا من الكلم السيئ‪ ،‬فقام بذهنه شيء منه ‪،‬وتكلم‬ ‫به‪ ،‬فل يكثر منه‪ ،‬ول يشيعه ول يذيعه‪.‬‬ ‫وتوعد ا من فعل ذلك بالعذاب الليم في الدنيا والخرة‪ ،‬وأمرهم برد المور‬ ‫كلها إليه ليرشدوا‪.‬‬ ‫‪63‬‬ ‫‪64‬‬

‫‪65‬‬ ‫‪66‬‬

‫‪67‬‬ ‫‪68‬‬

‫)‪(68‬‬

‫الفوائد‪.104 :‬‬ ‫)(‬ ‫ل‪ ،‬وأشهرها عبد شمس بن عامر‬ ‫أبو هريرة‪ :‬اختلفوا في اسمه واسم أبيه على ثمانية عشر قو ً‬ ‫)(‬ ‫فسمي في السلم عبد ا‪ ،‬وكان له هرة صغيرة فكنى بها‪ ،‬وهو من أكثر المحدثين توفي سنة ‪57‬هـ‬ ‫وقيل تسع وخمسين )صفة الصفوة ‪.(1/685‬‬ ‫الدب المفرد للبخاري‪.13 :‬‬ ‫)(‬ ‫أبو حاتم‪ :‬محمد بن حبان بن أحمد السبتي محدث حافظ مؤرخ فقيه لغوي واعظ من تصانيفه‬ ‫)(‬ ‫الثقات‪ ،‬المسند الصحيح في الحديث‪ ،‬معرفة القبلة توفي ‪354‬هـ )تذكرة الحفاظ ‪ ،3/920‬سير أعلم‬ ‫النبلء ‪.(1/166‬‬ ‫روضة العقلء ونزهة الفضلء‪.125 :‬‬ ‫)(‬ ‫تفسير ابن كثير ‪.5/70‬‬ ‫)(‬ ‫‪24‬‬


‫وقال ابن تيمية– رحمه ا‪ )-‬وفي الية نهي عن تلقي مثل هذا باللسان ‪،‬ونهي‬ ‫عن أن يقول النسان ما ليس له به علم ‪،‬لقوله تعالى‪ )) :‬ول تقف ما ليس لك‬ ‫به علم((] السراء‪ [36 :‬وا جعل في فعل الفاحشة والقذف من العقوبة ما‬ ‫لم يجعله في شيء من المعاصي(‬

‫)‪.(69‬‬

‫المر السابع ) تقديم الظن الحسن(‬ ‫وهذا امتثا ل ً لقوله تعالى‪ )) :‬لول إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات‬ ‫بأنفسهم خيرا وقالوا هذا أفك مبين((] النور‪.[12:‬‬ ‫فيجب على المؤمنين إذا سمعوا سوء عن إخوانهم أن يقدموا الظن الحسن‬ ‫والخير بهم‪ ،‬ويقولون هذا أفك مبين‪.‬‬ ‫المر الثامن‪ ) :‬التثبت والتمحيص والتشكك في صدقه إلى أن يتبين موجبه(‬ ‫المر التاسع‪ ) :‬أن يعرضه على ما بينته الشريعة(‬ ‫وهو أمر تابع لما سبقه‪ ،‬فإن المرء إذا وجد شيئا قادحا كما يراه‪ ،‬ل يكتفي‬ ‫برؤيته هو‪ ،‬بل عليه أن يعرضه على ما بينته الشريعة ‪،‬قبل أن يقرر القرار‬ ‫النهائي‪.‬‬ ‫وفي هذا يقول الشيخ ابن عثيمين– رحمه ا ‪ )-‬يجب قبل الحكم على المسلم بكفر أو‬ ‫فسق‪ ،‬أن ينظر في أمرين‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬دللة الكتاب أو السنة على أن هذا القول أو الفعل موجب للكفر أو‬ ‫الفسق‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬انطباق هذا الحكم على القائل المعين أو الفاعل المعين‪(...‬‬

‫)‪.(70‬‬

‫المر العاشر ) عدم التحقق والتجسس(‬ ‫وقد يظن أن هذا يخالف ما سبق من حث على التثبت والتمحيص‪ ،‬ولكن المر ليس كذلك‪،‬‬ ‫فالتثبت والتمحيص يكون بعد ظهور أمر يوجبه‪ ،‬أما التجسس المقصود هنا فهو البحث‬ ‫عن الخبايا والستار‪ ،‬دون أن يكون هناك ما يوجبه‪ ،‬بل كل ما في المر أوهام وخواطر‬ ‫وظنون ‪،‬ل أساس لها بل باطلة‪.‬‬

‫‪69‬‬

‫)(‬

‫‪70‬‬

‫)(‬

‫الفتاوى‪.15/331 :‬‬ ‫القواعد المثلى في صفات ا وأسمائه الحسنى‪.89-87 :‬‬ ‫‪25‬‬


‫وهذا السلوك وهو التحسس والتجسس كثيرا ما يلجأ إليه من يتهم غيره بسوء‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫سأحاول أن أتحقق فيتجسس على غيره بغير حق‪ ،‬وبذلك يرتكب ذنبا آخر‪ ،‬وأحيانا بعد‬ ‫التجسس ‪،‬يصل إلى نتيجة تحقق له ظنه‪ ،‬فيغتاب أخاه المسلم‪ ،‬ويذكره بسوء‪ ،‬فيرتكب‬ ‫ثلث آثام‪ ،‬وهكذا يجر ظن السوء إلى آثام عديدة ‪،‬إن لم يبتره المرء‪ ،‬ويقطع مادته من‬ ‫جذورها‪ .‬ولذلك نهى ا عن التجسس والغيبة ‪،‬بعد النهي عن سوء الظن ‪،‬تنبيها للمسلم‪،‬‬ ‫وتحذيرا له من التورط فيما يجره سوء الظن بالمسلم الظاهر العدالة المستور‪.‬‬

‫)‪(71‬‬

‫المر الحادي عشر ) عدم العمل بموجبه والتحدث به(‬ ‫وفي هذا المر يقول ا تعالى‪ )) :‬ولول إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن‬ ‫نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم((] النور‪ .[16 :‬فهذا تأديب من ا للمرء‬ ‫إن علق بنفسه شيء من ظن السوء على أخيه‪ ،‬وسوسة‪ ،‬أو خيال‪ ،‬فل ينبغي‬ ‫أن يتكلم به‬

‫)‪.(72‬‬

‫ويستهين كثير من الناس في هذا المر‪ ،‬فكل من وسوس له الشيطان بشيء‪،‬‬ ‫أو خطر بباله خاطر أخذ يحدث به‪ ،‬ويذيعه بين الناس بغير تحفظ أو احتراز أو‬ ‫اعتبار‪ ،‬وهذا من المور العجيبة‪ ،‬إذ أنه قد يسهل على هؤلء‪ ،‬ويهون عليهم‬ ‫التحفظ من أكل الحرام والظلم والزنى والسرقة وشرب الخمر‪ ...‬وغير ذلك‪،‬‬ ‫ويصعب عليهم التحفظ من حركة اللسان حتى أننا نرى الواحد منهم يشار إليه‬ ‫ل‪،‬‬ ‫بالدين والزهد والعبادة‪ ،‬وهو يتكلم بالكلمة من سخط ا ل يلقي لها با ً‬ ‫يزل بالكلمة الواحدة منها أبعد ما بين المشرق والمغرب‪ ،‬وكم نرى من متورع‬ ‫عن الفواحش والظلم ؛ولسانه يفري في أعراض الناس الحياء والموات ‪،‬ول‬ ‫يبالي ما يقول‪ .‬ومما يدل على ذلك قوله – صلى ا عليه وسلم‪ ) :-‬قال رجل‪ :‬وا ل‬ ‫يغفر ا لفلن‪ ،‬فقال ا – عز وجل‪ -‬من ذا الذي يتألى علي أني ل أغفر لفلن؟ قد غفرت‬ ‫له وأحبطت عملك(‬

‫)‪.(73‬‬

‫فهذا العابد الذي عبد ا ما شاء أن يعبده‪ ،‬أحبطت هذه الكلمة الواحدة عمله كله؟‬

‫‪71‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪73‬‬

‫)( السلوك الجتماعي في السلم‪.92 :‬‬ ‫)( تفسير ابن كثير‪.5/70 :‬‬ ‫)( مسلم‪ :‬كتاب البر والصلة والداب‪ ،‬باب النهي عن تقنيط النسان من رحمه ا تعالى‪:‬‬ ‫‪.16/174،137‬‬ ‫‪26‬‬


‫فمن سمع قائ ل ً يقول سوء في أحد فل يخبر به‪ ،‬ويحدث لسيما إذا كان القائل عيابة‬ ‫وقاعا في الناس ‪،‬سليط اللسان‪ ،‬أو دافع معرة عن نفسه ‪ ،‬يريد أن يكثر أمثاله في‬ ‫الناس وهذا كثير جدا‪.‬‬

‫)‪(74‬‬

‫وبالجملة فل يحدث النسان إل بالحق‪.‬‬

‫)‪(75‬‬

‫المر الثاني عشر‪ ) :‬علج أهم السباب الدافعة إلى إساءة الظن(‬ ‫من أهم السباب الدافعة إلى إساءة الظن أمور أربعة‪:‬‬

‫‪ -1‬الهوى ‪ -2‬الجهل ‪ -3‬العجب بالنفس ‪ -4‬الحسد‬ ‫أما الهوى ‪ :‬فما خالط شيئا إل أ فسده‪ ،‬وإذا وقع في القوال والخبار كان‬ ‫دافعا إلى الكذب والفتراء وسوء الظن ؛قال تعالى)) إذ تلقونه بألسنتكم‬ ‫وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند ا عظيم((‬ ‫] النور‪.[15:‬‬ ‫وأما الجهل والحسد‪ :‬فهما سببان لسوء الظن كذلك‪ ،‬وقد كان من أهم‬ ‫السباب التي دفعت في أساءة الظن‪ ،‬وإثارة الشكوك حول الشيخ محمد بن‬ ‫عبد الوهاب– رحمه ا‪ -‬حيث يقول الشيخ عبد العزيز بن‬

‫باز– رحمه ا‪ -‬أثناء ذكره‬

‫قصته‪ ) :‬فأجاب دعوته كثيرون من العلماء في نجد‪ ،‬وعلماء الحرمين وعلماء اليمن‬ ‫وغيرهم ‪ ،‬وكتبوا إليه بالموافقة‪ ،‬وخالفه آخرون ‪،‬وعابوا ما دعى إليه وذموه‪ ،‬ونفروا عنه‬ ‫وهم بين أمرين‪:‬‬

‫ما بين جاهل خرافي ل يعرف دين ا‪ ،‬ول يعرف التوحيد‪ ،‬وإنما يعرف ما هو‬ ‫عليه آباؤه وأجداده من الجهل والضلل والشرك‪ ،‬والبدع والخرافات ‪،‬كما قال‬ ‫ا – عز وجل‪ -‬عن أمثال أولئك )) إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم‬ ‫مقتدون((] الزخرف‪.[23:‬‬ ‫وطائفة أخري ردوا عنادا وحسدا لئل يقول العامة‪ :‬ما بالكم لم تنكروا علينا‬ ‫هذا الشيء؟ لماذا جاء ابن عبد الوهاب وصار على الحق وأنتم علماء ولم‬ ‫تنكروا هذا الباطل؟! فحسدوه وخجلوا من العامة‪ ،‬وأظهروا العناد للحق‪،‬‬

‫‪74‬‬

‫)(‬

‫‪75‬‬

‫)(‬

‫الجواب الكافي‪.138 :‬‬ ‫مداواة النفوس وتهذيب الخلق والزهد في الرذائل‪.39 :‬‬ ‫‪27‬‬


‫إيثارا للعاجل على الجل‪ ،‬واقتداء باليهود في إيثارهم الدنيا على الخرة‪،‬‬ ‫نسأل ا العافية والسلمة(‬

‫)‪.(76‬‬

‫وهذا المران وهما الجهل والحسد ‪،‬بل شك سببان عظيمان من أسباب إساءة الظنون‬ ‫وإثارتها وإشاعتها‪.‬‬

‫أما بالنسبة للعجب بالنفس‪ :‬فذلك أن أكثر من يصاب بهذا المرض‪ ،‬ذوو‬ ‫المناصب والوجاهات والغنياء؛ والمترفون والمشتركون في عمل واحد)‪.(77‬‬ ‫وأما علج هذه المور الربعة باختصار شديد فكما يلي‪:‬‬ ‫فأما الهوى والعجب بالنفس فعلجه‪ :‬أن يصلح المرء باطنه‪ ،‬ويحرص على‬ ‫استقامة قلبه وطهارته ‪،‬وعليه بخشية ا وخوفه ومراقبته‪ ،‬والخلص له‬ ‫واليمان به‪.‬‬ ‫وأما بالنسبة للجهل‪ :‬فعلجه هو طلب العلم النافع‪.‬‬ ‫وأما بالنسبة للحسد‪ :‬فعلجه كما يذكره شيخ السلم ابن تيمية– رحمه ا‪:-‬‬ ‫) فمن وجد في نفسه حسدا لغيره ‪،‬فعليه أن يستعمل معه التقوى والصبر‪،‬‬ ‫فيكره ذلك من نفسه‪ ،‬وكثير من الناس الذين عندهم دين ل يعتدون على‬ ‫المحسود‪ ،‬فل يعينون من ظلمه‪ ،‬ولكنهم أيضا ل يقومون بما يجب من حقه‪،‬‬ ‫بل إذا ذمه أحد لم يوافقوه على ذمه‪ ،‬ولم يذكروا محامده‪ ،‬وكذلك لو مدحه‬ ‫أحد لسكتوا‪ ،‬وهؤلء مدينون في ترك المأمور في حقه‪ ،‬مفرطون في ذلك ل‬ ‫معتدون عليه ‪،‬وجزاؤهم أنهم يبخسون حقوقهم فل ينصفون أيضا في‬ ‫مواضع‪ ،‬ول ينصرون على من ظلمهم‪ ،‬كما لم ينصروا هذا المحسود ‪،‬وأما من‬ ‫اعتدى بقول أو فعل فذلك يعاقب( )‪.(78‬‬ ‫المبحث الثاني‬ ‫علج المظنون به‬ ‫المر الول ) التقوى(‬

‫‪76‬‬

‫)(‬

‫‪77‬‬

‫)(‬

‫‪78‬‬

‫)(‬

‫مجموع فتاوى ومقالت‪ 363-1/362 :‬بتصريف يسير‪.‬‬ ‫انظر السلوك الجتماع في السلم‪.92 :‬‬ ‫مجموع الفتاوى ‪.10/125‬‬ ‫‪28‬‬


‫فمن اتقى ا جعل له مخرجا من مضائق الدنيا ومضائق الخرة‪ ،‬فالتقوى باب‬ ‫لتفريج كل الكرب‪ ،‬ومنها كربة الظلم والبهتان؛ قال تعالى‪ )) :‬ومن يتق ا يجعل‬ ‫له مخرجا((] الطلق‪.[2 :‬‬ ‫المر الثاني‪ ) :‬الصبر والحتساب(‬ ‫الحياة الدنيا دار ابتلء وفناء‪ ،‬والخرة هي دار الجزاء والبقاء‪ ،‬وقد قال‬ ‫تعالى‪ )) :‬أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا وهم ل يفتنون((] العنكبوت‪:‬‬ ‫‪.[2‬‬ ‫وقد حثنا ا على مقابلة هذا البتلء بالصبر والثبات والحتساب‪ ،‬وعدم الجزع‬ ‫أو السخط أو النحراف‪.‬‬ ‫ول بد من العلم الجازم بأن لله تعالى حكما عظيمة في هذا البتلء ‪،‬وفي‬ ‫هذا يقول ابن القيم– رحمه ا‪ ) :-‬وإذا تأملت حكمته – سبحانه‪ -‬فيما ابتلى به‬ ‫عباده وصفوته ‪ ،‬بما ساقهم به إلى أجل الغايات‪ ،‬وأكمل النهايات التي لم‬ ‫يكونوا يعبرون إليها إل على جسر من البتلء والمتحان ‪.‬‬ ‫وكان ذلك البتلء والمتحان عين المنهج في حقهم والكرامة ‪،‬فصورته صورة‬ ‫ابتلء وامتحان‪ ،‬وباطنه فيه الرحمة والنعمة‪ ،‬فكم لله من نعمة جسيمة ومنة‬ ‫عظيمة‪ ،‬تجنى من قطوف البتلء ولمتحان(‬

‫)‪(79‬‬

‫فالبتلء للمؤمن كالدواء له ‪،‬يستخرج منه الدواء‪ ،‬وتظهر به عبوديته وذله لله‬ ‫وانكساره له وافتقاره إليه)‪.(80‬‬ ‫المر الثالث ) الدعاء(‬ ‫وهذا سبب عظيم لحصول المطالب والمقاصد‪ ،‬يغفل عنه كثير من‬ ‫الناس‪،‬فالله أمرنا بالدعاء وواعدنا بالستجابة فقال – عز من قائل‪ ))-‬أدعوني‬ ‫استجب لكم((] غافر‪.[60 :‬‬ ‫المر الرابع‪ ) :‬مقابلة من أساء بالحسنى(‬

‫‪79‬‬

‫)(‬

‫‪80‬‬

‫)(‬

‫مفتاح دار السعادة‪ 301-1/299 :‬بتصريف يسير‬ ‫إغاثة اللهفان‪.149-2/148 :‬‬ ‫‪29‬‬


‫وفي هذا المر يقول الشيخ محمد المين الشنقيطي‬

‫)‪(81‬‬

‫– رحمه ا‪ )) :-‬ولما‬

‫كان المجتمع ل يسلم فرد من أفراده كائنا من كان من مناوىء يناؤه ‪ ،‬ومعاد‬ ‫يعاديه‪ ،‬من مجتمعه النسي والجني‪ ،‬ليس يخلو من ضد ولو حاول العزلة في‬ ‫رأس الجبل‪ ،‬وكان كل فرد محتاجا إلى علج هذا الداء الذي عمت به البلوى‪،‬‬ ‫أوضح – تعالى‪ -‬علجه في ثلثة مواضع من كتابه بين فيها أن علج مناوأة‬ ‫النسي هو‪ :‬العراض عن إساءته‪ ،‬ومقابلتها بالحسان‪ ،‬وأن شيطان الجن ل‬ ‫علج لدائه إل الستعاذة بالله من شره‪.‬‬ ‫الموضع الول‪ :‬قوله تعالى في أخريات العراف في النسي‪ )) :‬خذ العفو‬ ‫وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين((] العراف‪.[169 :‬‬ ‫الموضع الثاني‪ :‬في سورة المؤمنين قال فيه في الية ‪ )) :‬ادفع بالتي هي‬ ‫أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون((] المؤمنون‪.[96 :‬‬ ‫الموضوع الثالث‪ :‬في فصلت وقد زاد فيه تعالى التصريح بأن ذلك العلج‬ ‫السماوي يقطع ذلك الداء الشيطاني‪ ،‬وزاد فيه أيضا أن ذلك العلج السماوي‬ ‫ل يعطي لكل الناس بل ل يعطاه إل صاحب النصيب الوفر والحظ الكبر قال‬ ‫فيه في الية‪ )) :‬ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي‬ ‫حميم((] فصلت‪ [34:‬ومن عمل ذلك حصل على خير كثير(()‪.(82‬‬ ‫وقال الشيخ عبد الرحمن ناصر السعدي– رحمه ا‪ ) :-‬ولما كان ل بد للعبد من‬ ‫أذية الجاهلين له بالقول أو الفعل‪ ،‬أمر ا بالعراض عنهم ‪ ،‬وعدم مقابلة‬ ‫الجاهلين بجهلهم‪ ،‬فمن آذاك بقوله أو فعله فل تؤذه‪ ،‬ومن حرمك فل تحرمه‪،‬‬ ‫ومن قطعك فصله‪ ،‬ومن ظلمك فاعدل معه‪.‬‬ ‫فبذالك يحصل لك من الثواب من ا‪ ،‬ومن راحة القلب وسكونه‪ ،‬ومن السلمة‬ ‫من الجاهلين‪ ،‬ومن انقلب العدو صديقا‪ ،‬ومن التبوء من مكارم الخلق‬ ‫أعلها أكبر حظ‪ ،‬وأوفر نصيب( )‪.(83‬‬ ‫‪81‬‬

‫‪82‬‬ ‫‪83‬‬

‫محمد المين الشنقيطي‪ :‬اسمه محمد المين ولقبه‪ :‬آبا‪ ،‬واسم أبيه‪ :‬محمد المختار بن عبد‬ ‫)(‬ ‫القادر بن محمد بن المختار‪ ،‬ولد عام ‪1325‬هـ من القطر المسمى شنقيط وهو دولة موريتانيا‬ ‫السلمية الن‪ ،‬درس في المسجد النبوي‪ ،‬وكان أحد هيئة كبار العلماء‪ ،‬وكان عضو المجلس التأسيسي‬ ‫للرابطة‪ ،‬من مؤلفات‪ :‬مذكرة الصول على روضة الناظر‪ ،‬رفع إيهام الضطراب من آي الكتاب‪ ،‬ومنع‬ ‫جواز المجاز في المنزل للتعبد والعجاز توفي ‪1393‬هـ )أضواء البيان الجزء ‪(1‬‬ ‫السلم دين كامل‪.6 :‬‬ ‫)(‬ ‫)( تيسير اللطيف المنان‪.43-42 :‬‬ ‫‪30‬‬


‫المر الخامس ) التأسي بمن قد سلف(‪:‬‬ ‫من أنفع المور للمبتلى بهذا المر ‪،‬أو ما سواه من البتلءات ‪،‬التأسي بمن‬ ‫سبق وسلف‪.‬‬ ‫وليعلم أنه ما من قرية أو مدينة‪ ،‬بل ول في أي بيت من لم يصب‪ ،‬بل لبد أن‬ ‫يكون هناك من أصيب‪ ،‬فمنهم من أصيب مرة‪ ،‬ومنهم من أصيب مرارا ؛وليس‬ ‫ذلك بمنقطع حتى يأتي على الجميع‪.‬‬ ‫حتى نفس المصاب‪ ،‬فيصاب أسوة بأمثاله ممن تقدمه‪ ،‬فإنه إن نظر يمنة فل‬ ‫يرى إل محنة‪ ،‬وإن نظر يسرة فل يرى إل حسرة‪ ،‬فلو علم المصاب أنه لو فتش‬ ‫العالم لم ير فيهم إل مبتلى‪ ،‬أما بفوات محبوب أو حصول مكروه‪ ،‬فسرور‬ ‫الدنيا أحلم نوم‪ ،‬أو كظل زائل‪ ،‬إن أضحكت قلي ل ً أبكت كثيرا‪ ،‬إن علم ذلك‬ ‫سلت نفسه وتصبرت‬

‫)‪.(84‬‬

‫فإن ا ابتلى آدم ونوحا وموسى وعيسى ومحمد – صلوات ا وسلمه عليهم‬ ‫أجمعين‪ -‬فلما صبروا مكنهم ‪،‬فل يظن أحد أنه يخلص من اللم البتة وهذا‬ ‫أصل عظيم ينبغي معرفته)‪.(85‬‬ ‫وقد ابتلي بهذا المر خاصة كثير ممن هم من خير هذه المة‪ ،‬مما يوجب التسلية‬ ‫والصبر والتعزية‪.‬‬ ‫وهذه ثلث نماذج من أولئك‪:‬‬ ‫أو ل ً‪ :‬عائشة‬

‫)‪(86‬‬

‫– رضي ا عنها‪ :-‬فها هي أم المؤمنين زوج رسول ا – صلى‬

‫ا عليه وسلم‪ -‬بنت أبي بكر الصديق – رضي ا عنه‪ -‬هاهي ذي ترمي في‬ ‫أمانتها ووفائها‪ ،‬ترمى وهي بريئة غافلة ل تحتاط لشيء ول تتوقع شيئا‪ ،‬فل‬ ‫تجد ما يبرؤها مما رميت به‪ ،‬والوحي يتلبث مدة لحكمة يريدها ا‪ ،‬وهي في‬ ‫مثل هذا الموقف الخطير‪ ،‬وهذا البتلء العظيم‪.‬‬ ‫‪84‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪86‬‬

‫)( انظر‪ :‬تسلية أهل المصائب‪.21-20 :‬‬ ‫)( انظر الفوائد‪.155-154 :‬‬ ‫عائشة –رضي ا عنها‪-‬هي أم المؤمنين زوج رسول ا –صلى ا عليه وسلم‪-‬تزوجها بمكة‬ ‫)(‬ ‫قبل الهجرة بثلث سنين‪ ،‬وكان لها ست سنين‪ ،‬وقبض عنها وهي بنت ثمان عشر سنة تكنى أم عبد ا‪،‬‬ ‫وكانت عالمة فقيه‪ ،‬دفنت بالبقيع‪ ،‬في خلفة معاوية سنة ‪58‬هـ )صفة الصفوة ‪ ،2/15‬وفيات العيان‪:‬‬ ‫‪(.3/16‬‬ ‫‪31‬‬


‫ويا لله لها ورسوله – صلى ا عليه وسلم‪ -‬يقول لها‪ ) :‬أما بعد‪ :‬فإنه قد بلغني‬ ‫عنك كذا وكذا‪ ،‬فإن كنت بريئة فسيبرؤك ا – تعالى‪ -‬وإن كنت ألممت بذنب‬ ‫فاستغفري ا وتوبي إليه‪ ،‬فإن العبد إذا أعترف بذنبه ثم تاب‪ ،‬تاب ا عليه(‬ ‫)‪.(87‬‬ ‫وها هو ذا أبو بكر الصديق – رضي ا عنه‪ -‬في وقاره وحساسيته‪ ،‬وطيب‬ ‫نفسه يلزمه اللم‪ ،‬وهو يرمي في عرضه‪ ،‬في ابنته‪...‬‬ ‫وها هو ذا رسول ا – صلى ا عليه وسلم ‪ -‬يرمى في زوجه – بل أحب‬ ‫زوجاته إليه‬

‫)‪(88‬‬

‫ومهما أردنا أن نصور ذلك المر لن نستطع‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬ابن تيمية – رحمه ا‪ :-‬فها هو ذا شيخ السلم ابن تيمية – رحمه ا‪-‬‬ ‫ينسب تارة إلى التجسم‪ ،‬وتارة إلى الزندقة‪ ،‬وتارة يقال عنه أن يسعى‬ ‫للمامة الكبرى‪ ،‬وتارة يقال أنه مبتدع‪ ...‬وهو من ذلك كله بريء)‪.(89‬‬ ‫ثالثا‪ :‬محمد بن عبد الوهاب وهذا الشيخ الفاضل أيضا نسب إليه بغض‬ ‫الولياء والنبياء‪ ،‬وقيل فيه أنه ضال مضل‪ ،‬جاهل بمعنى ل إله إل ا‪ ،‬وأنه‬ ‫أتى المة من الباب الضيق وهو تكفيرها‪ ،‬ولم يأتها من الباب الواسع ؛إلى‬ ‫غير ذلك من الفتراءات‬

‫)‪.(90‬‬

‫وهذه ثلث نماذج ممن افتري عليهم‪ ،‬وظن بهم ظن السوء – والعياذ بالله‪-‬‬ ‫فليكن كل مبتلى متأسيا بهؤلء ‪،‬ومن سواهم من الخيار ممن لم يذكروا –‬ ‫وا المستعان‪.-‬‬

‫‪87‬‬

‫)(‬

‫‪88‬‬

‫)(‬

‫‪89‬‬

‫)(‬

‫‪90‬‬

‫)(‬

‫البخاري كتاب التفسير‪ ،‬باب قول ا تعالى‪)) :‬لول إذ سمعتموه قلتم ما يكون ‪.8/452 ((..‬‬ ‫في ظلل القرآن ‪.2499-4/2498‬‬ ‫حياة شيخ السلم‪.47-43 :‬‬ ‫مجموع فتاوى مقالت ‪ ،1/369‬الرسائل المفيدة ‪.298‬‬ ‫‪32‬‬


‫الخاتمة‬ ‫الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على أفضل المرسلين نبينا‬ ‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬ ‫أما بعد‪:‬‬ ‫فبعد استعراضنا في هذا البحث الموجز ظن السوء نستنتج أمور عدة‬ ‫منها‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫أن ظن السوء بالمسلم الظاهر العدالة محرم‪.‬‬

‫‪-2‬‬

‫أن ظن السوء هو ما كان مبنيا على وهم أو هوى مجرد‪،‬مما ل أساس له‬ ‫يعتمد عليه سوى أباطيل زائفة ‪.‬‬

‫‪-3‬‬

‫أن للكتاب والسنة موقف حازم وحاسم من هذا المر‪ ،‬فقد نهى ا عنه‪،‬‬ ‫وأكد نهيه بأمور عدة ‪،‬ونهى عن ذلك نبينا محمد – صلى ا عليه وسلم ‪-‬‬ ‫وبين مدى كذبه وبهتانه‪ ،‬وبعض دوافعه ومن أهمها هو الشيطان الذي‬ ‫يجري من ابن آدم مجرى الدم‪.‬‬

‫‪-4‬‬

‫أن السلف الصالح – رضوان ا عليهم‪ -‬ممن التزموا بالمنهج السديد‬ ‫السليم‪ ،‬كان لهم كذلك موقفا صحيح ُا تجاه هذا المر‪ ،‬فحذروا منه‬ ‫غيرهم‪ ،‬واجتنبوه هم بأنفسهم ووضعوا مقاييس دقيقة تحدد لهم ظن‬ ‫السوء من غيره‪.‬‬

‫‪-5‬‬ ‫‪-6‬‬

‫آثاره‪ :‬وهي كثيرة وخطيرة جداعلى هذه المة‪.‬‬ ‫العلج‪ :‬وهو علج للمة لتجتث جذور هذا الذنب من أصولها‪ ،‬وتستطيع‬ ‫التغلب على ذلك ‪،‬وعلج آخر للمجتمع لكي ل يضعف ويخور ويتغلب على‬ ‫الباطل مهما كان‪.‬‬ ‫والحمد لله رب العالمين ‪،‬والصلة والسلم على أفضل المرسلين نبينا‬ ‫محمد وعلى آله وصحبه‪.‬‬ ‫‪33‬‬


‫المصادر والمراجع‬ ‫‪/1‬ابن كثير‪,‬تفتسير القرآن الكريم‪1403,‬هـ‪,‬ط ‪ ,4‬دار المعرفة ‪,‬لبنان‪,‬بيروت‬ ‫‪/2‬ابن تسعدي ‪,‬عبدالرحمن بن ناصر ‪,‬تيتسير الكريم الرحمن في تفتسير كلم المنان‪,‬المؤتستسة التسعدية‬ ‫‪,‬الرياض‬ ‫‪/3‬ابن عاشور‪,‬محمد الطاهر‪,‬تفتسير التحرير والتنوير‪1988,‬م‪,‬ط ‪,2‬الدار التونتسية للنشر ‪,‬تونس‬ ‫‪/4‬ابي داوود‪,‬تسنن ابي داوود‪,1408,‬ط‪,‬دار الريان‪,‬لبنان‪,‬بيروت‬ ‫‪/5‬الفيروزابادي‪,‬مجدالدين محمد‪,‬القاموس المحيط‪1989,‬م‪,‬دار الكتاب العربي‪,‬القاهرة ‪,‬مصر‬ ‫‪/6‬ابن عثيمين‪,‬محمد صالح‪,‬الصول في علم الصول‪,‬ط ‪,,1409,2‬دار طيبة ‪,‬الرياض‬ ‫‪/7‬ابو الحتسن الماوردي‪,‬علي بن محمدالبصري‪,‬أدب الدنيا والدين‪1398,‬م‪,‬ط ‪,4‬دار الكتب‬ ‫العلمية‪,‬بيروت‬ ‫‪/8‬ابوالحتسن اللمدي‪,‬علي محمد‪,‬الحكام في اصول الحكام‪1978,‬م‪,‬ط ‪,1‬دارالحديث‪,‬القاهرة‪,‬مصر‬ ‫‪/9‬ابوحاتمبن حبان البتسنفي‪,‬روضة العقلء ونزهة الفضلء‪1337,‬هـ‪,‬دار الكتب العلمية‪,‬بيروت ‪,‬لبنان‬ ‫‪/10‬ابن النجار‪,‬محمد بن احمد التنوحي ‪,‬شرح الكوكب المنير‪1400,‬هـ‪,‬ط‪,‬جامعة ام القرى مكه المكرمة‬ ‫‪/11‬ابن القيم الجوزية‪,‬محمد بن ابي بكر‪,‬الفوائد‪,1987,‬ط ‪,1‬دار الريان للتراث ‪,‬القاهرة ‪,‬مصر‬ ‫‪/12‬الجتهاد في الشريعة التسلمية ‪,‬من البحوث المقدمة لموتمر الفقه التسلمي‪ ,‬جامعة المام محمد بن‬ ‫تسعود‬ ‫‪/13‬عبدا لعزيز بن باز‪,‬مجموعة فتاوي ومقالت ‪1407,‬هـ‪,‬ط ‪,2‬موتستسة ابن باز الرخيرية ‪,‬الرياض‬ ‫‪/14‬ابن باز‪,‬أرخل ق المؤمنين والمؤمنات‪,‬درس علمي متسجل ‪,‬الموقع الرتسمي لشيح عبدالعزيز بن باز‬ ‫رحمه ا‬ ‫‪/15‬ابن حميد‪,‬صالح عبدا بن حميد‪,‬تسوء الظن‪,‬محاضرة متسجلة‪,‬الموقع الرتسمي لشيخ صالح بن حميد‬

‫‪34‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.