بحث القابسي3

‫اململكة العربية السعودية‬ ‫وزارة التعلمي العايل‬ ‫اجلامعة الإسالمية ابملدينة املنورة‬ ‫لكية ادلعوة وأصول ادلين‬ ‫قسم الرتبية الإسالمية‬

‫القابيس (ت ‪423‬ه ‪549-‬م)‬ ‫وأمه أراؤه الرتبوية‬ ‫إعداد الطالب‪ /‬عبدالرزاق عبدهللا ابوطربوش‬

‫إشراف فضيلة األستاذ الدكتور ‪ /‬عيد بن حجيج الجهني‬

‫الفصل الدراسي الثاني‬ ‫‪4141/4141‬هـ‬

‫املقدمة‬ ‫احلمد هلل والصالة والسالم على رسول اهلل وبعد‪:‬‬ ‫هدفت الدراسة إىل التعريف بصاحب "الرسالة المفصلة ألحوال المتعلمين‬ ‫مرب قريواين‪ ،‬من القرن الرابع‬ ‫وألحكام المعلمين والمتعلمين"‪ ،‬أبو احلسن علي القابسي‪ٍّ ،‬‬

‫اهلجري‪ ،‬وبيان أهم أفكاره الرتبوية من خالل استقراء ما ُكتب عنه يف الكتب‪ ،‬ومن خالله‬ ‫رسالته اليت أفردها لشئون التعليم يف اإلسالم‪.‬‬

‫وقد اشتملت الدراسة على فصلني‪ ،‬تناول الفصل األول التعريف بالعامل والفقيه أبو‬ ‫احلسن القابسي‪ ،‬والفصل الثاين خصصته لبيان أهم أفكاره الرتبوية من خالل رسالته‬

‫"الرسالة المفصلة ألحوال المتعلمين وألحكام المعلمين والمتعلمين"‪ ،‬ومشلت ع ّدة‬

‫مباحث تضمنت جمموعة من املفاهيم والقيم‪ ،‬مع الوقوف على الفوائد الرتبوية اليت احتوهتا‬ ‫واستنباطها‪.‬‬

‫تساؤالت الدراسة‪:‬‬ ‫‪ .1‬من هو املؤلف "أبو احلسن علي القابسي"؟‬ ‫‪ .2‬ما أمهية كتاب القابسي "الرسالة املفصلة ألحوال املتعلمني وألحكام املعلمني‬ ‫واملتعلمني"؟‬ ‫‪ .3‬ما أهم أفكاره الرتبوية واليت تضمنتها رسالته الشهرية "الرسالة املفصلة ألحوال‬ ‫املتعلمني وألحكام املعلمني واملتعلمني"؟‬ ‫‪ .4‬ما أهم املضامني الرتبوية املستنبطة من رسالة القابسي؟‬

‫‪2‬‬

‫أهداف الدراسة‪:‬‬ ‫‪ .1‬معرفة السرية الذاتية املختصرة عن العامل والفقيه أبو احلسن علي القابسي رمحه اهلل‪.‬‬ ‫‪ .2‬معرفة أمهية كتاب "الرسالة املفصلة ألحوال املتعلمني وألحكام املعلمني واملتعلمني"‪،‬‬ ‫ومضمونه الرتبوي‪.‬‬ ‫‪ .3‬استنباط أهم أفكار القابسي الرتبوية‪.‬‬ ‫حدود البحث‪ :‬كتاب "الرسالة املفصلة ألحوال املتعلمني وألحكام املعلمني واملتعلمني"‪،‬‬ ‫للمؤلف أبو احلسن علي القابسي رمحه اهلل‪.‬‬ ‫منهج البحث‪:‬‬ ‫‪ .1‬اتبعت املنهج االستقرائي‪ ،‬والتحليلي‪ ،‬والوصفي‪ ،‬ملا ذُكر يف كتاب "الرسالة املفصلة‬ ‫ألحوال املتعلمني وألحكام املعلمني واملتعلمني"‪.‬‬ ‫‪ .2‬عزو األدلة القرآنية واحلديثية إىل مصادرها‪.‬‬ ‫‪ .3‬عزو األقوال املستنبطة إىل قائليها قدر املستطاع‪.‬‬ ‫‪ .4‬التعريف باملصطلحات الواردة يف البحث من الناحية اللغوية واالصطالحية‪.‬‬ ‫مصطلحات البحث‪:‬‬ ‫التربية هي‪ ":‬الرب يف ألصل مبعىن الرتبية‪ ،‬وهي تبليغ الشيء إىل كماله شيئاً فشيئاً" (‪،)1‬‬ ‫وقيل‪ " :‬الرب يف األصل الرتبية‪ ،‬وهو إنشاء الشيء حاالً فحاالً إىل ح ّد التمام" (‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬البيضاوي‪ ،‬ناصر الدين أبو سعيد عبد اهلل بن عمر بن حممد الشريازي‪ ،‬أنوار التنزيل وأسرار التأويل‪ ،‬حتقيق‪:‬‬ ‫حممد عبد الرمحن املرعشلي‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب – بريوت‪ ،‬ط‪ 1411 ،1:‬هـ‪.)21/1( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫محتوى البحث‬ ‫‪ ‬خلفية الدراسة‪ ،‬وفيها‪:‬‬ ‫المقدمة‪ ،‬تساؤالت البحث‪ ،‬أهداف البحث‪ ،‬حدود البحث‪ ،‬منهج البحث‪.‬‬ ‫‪ ‬تقسيمات البحث‪:‬‬ ‫‪ ‬المبحث األول‪ :‬نشأته وحياته‪ ،‬وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬ ‫‪ ‬المطلب األول‪ :‬التعريف بالعالم الفقيه "القابسي"‪.‬‬ ‫‪ ‬المطلب الثاني‪ :‬نشأته وحياته‪.‬‬ ‫‪ ‬المطلب الثالث‪ :‬أقوال العلماء فيه‪.‬‬ ‫‪ ‬المبحث الثاني‪ :‬نشاطه العلمي‪ ،‬شيوخه وتالمذته‪ ،‬وأهم مؤلفاته‪ ،‬وفيه ثالثة‬ ‫مطالب‪:‬‬

‫‪ ‬المطلب األول‪ :‬نشاطه العلمي‪.‬‬ ‫‪ ‬المطلب الثاني‪ :‬شيوخه وتالمذته‪.‬‬ ‫‪ ‬المطلب الثالث‪ :‬أهم مؤلفاته‪.‬‬ ‫‪ ‬الفصل الثاني‪ :‬التعريف بكتاب "الرسالة المفصلة ألحوال المتعلمين وألحكام‬ ‫المعلمين والمتعلمين"‪ ،‬وفيه مبحثين‪:‬‬ ‫ المبحث األول‪ :‬التعريف بمحتوى الكتاب‪.‬‬‫ المبحث الثاني‪ :‬أهم األفكار التربوية المستنبطة من الكتاب‪.‬‬‫‪ ‬الخاتمة‪ ،‬وفيها أهم النتائج والتوصيات‪.‬‬ ‫‪ ‬الفهارس‪.‬‬

‫(‪ )1‬األصفهاىن‪ ،‬أبو القاسم احلسني بن حممد املعروف بالراغب‪ ،‬المفردات في غريب القرآن‪ ،‬حتقيق‪ :‬صفوان عدنان‬ ‫الداودي‪ ،‬دار القلم‪ ،‬الدار الشامية ‪ -‬دمشق ‪ -‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1412 ،1:‬هـ‬ ‫‪4‬‬

‫الفصل األول‪ :‬ترجمة للعالم والفقيه أبو الحسن علي القابسي‪،‬‬ ‫وفيه مبحثين‪:‬‬ ‫‪ ‬المبحث األول‪ :‬نشأته وحياته‪ ،‬وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬ ‫‪ ‬المطلب األول‪ :‬التعريف بالعالم الفقيه "القابسي"‪.‬‬ ‫‪ ‬المطلب الثاني‪ :‬نشأته وحياته‪.‬‬ ‫‪ ‬المطلب الثالث‪ :‬أقوال العلماء فيه‪.‬‬ ‫‪ ‬المبحث الثاني‪ :‬نشاطه العلمي‪ ،‬شيوخه وتالمذته‪ ،‬وأهم مؤلفاته‪،‬‬ ‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬ ‫‪ ‬المطلب األول‪ :‬نشاطه العلمي‪.‬‬ ‫‪ ‬المطلب الثاني‪ :‬شيوخه وتالمذته‪.‬‬ ‫‪ ‬المطلب الثالث‪ :‬أهم مؤلفاته‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫المبحث األول ‪ /‬نشأته وحياته‪.‬‬ ‫المطلب األول‪ /‬التعريف بالعالم الفقيه "القابسي"‪:‬‬ ‫هو أبو احلسن علي بن حممد بن خلف املعافري القروي‪ ،‬املعروف بابن القابسي؛ الفقيه‬ ‫املالكي‪ ،‬من فقهاء القريوان‪ ،‬زاهد مشهور عندهم‪ ،‬وكانت والدة أيب احلسن املذكور يف يوم‬ ‫(‪)1‬‬

‫االثنني‪ ،‬لست مضني من رجب‪ ،‬سنة أربع وعشرين وثالمثائة‪.‬‬ ‫القابسي احلافظ احملدث الفقيه اإلمام عالمة املغرب‪ ،‬أبو احلسن علي بن حممد بن خلف‬ ‫املعافري‪.‬‬

‫(‪)2‬‬

‫من أهل القريوان‪ ،‬نسبته إىل " املعافرين " من قرى قابس‪ ،‬رحل إىل املشرق (سنة ‪)352‬‬ ‫وعاد إىل القريوان (‪ )353‬وتوىل الفتيا مكرهاً‪ ،‬وتويف هبا‪ ،‬وكان أعمى (أو عمي يف كربه)‪.‬‬ ‫قيل له‪ :‬القابسي ألن عمه كان يشد عمامته شد أهل قابس‪.‬‬

‫(‪)3‬‬

‫(‪)4‬‬

‫قال أبو بكر الصقلي‪ :‬قال يل أبو احلسن القابسي‪ :‬كذب علي وعليك‪ ،‬مسوين بالقابس‬ ‫وما أنا بقابسي‪ ،‬وإمنا السبب يف ذلك أن عمي كان يشد عمامته شدة قابسية‪ ،‬فقيل لعمي‬ ‫قابسي‪ ،‬واشتهرنا بذلك‪ ،‬وإال فأنا قروي‪ ،‬وأنت فدخل أبوك مسافرا إىل صقلية نسب‬ ‫(‪)5‬‬

‫إليها‪.‬‬

‫(‪ )1‬ابن خلكان‪ ،‬أبو العباس مشس الدين أمحد بن حممد بن إبراهيم بن أيب بكر‪ ،‬وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان‪،‬‬ ‫حتقيق‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬دار صادر – بريوت‪ ،)323/3( ،‬وانظر‪ :‬الذهيب‪ ،‬مشس الدين أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن‬

‫عواد معروف‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‬ ‫عثمان‪ ،‬تاريخ اإلسالم َوَوفيات المشاهير َواألعالم‪ ،‬حتقيق‪ :‬الدكتور بشار ّ‬ ‫ط‪ 2333 ،1:‬م‪ ،‬عدد األجزاء‪ ،)11/9( ،15 :‬وانظر‪ :‬ابن ماكوال‪ ،‬سعد امللك‪ ،‬أبو نصر علي بن هبة اهلل بن‬

‫جعفر‪ ،‬اإلكمال في رفع االرتياب عن المؤتلف والمختلف في األسماء والكنى واألنساب‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪-‬‬ ‫بريوت‪-‬لبنان‪ ،‬ط‪1411 ،1:‬ه – ‪ 1993‬م‪ ،‬عدد األجزاء‪.)313/1( ،3 :‬‬

‫(‪ )2‬الذهيب‪ ،‬مشس الدين أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن عثمان‪ ،‬تذكرة الحفاظ‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت –‬ ‫لبنان‪ ،‬ط‪1419 ،1:‬هـ ‪ 1991 -‬م‪ ،‬عدد األجزاء‪.)111/3( ،4 :‬‬

‫(‪ )3‬الزركلي‪ ،‬خري الدين بن حممود بن حممد بن علي بن فارس‪ ،‬األعالم‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬ط‪ 2332 ،15:‬م‪،‬‬ ‫(‪.)321/4‬‬ ‫(‪ )4‬الذهيب‪ ،‬تذكرة الحفاظ‪.)111/3( ،‬‬

‫(‪ )5‬الصفدي‪ ،‬صالح الدين خليل بن أيبك بن عبد اهلل‪ ،‬الوافي بالوفيات‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد األرناؤوط‪ ،‬وتركي مصطفى‪،‬‬ ‫دار إحياء الرتاث – بريوت‪1423 ،‬هـ ‪2333 -‬م‪ ،‬عدد األجزاء‪.)332/21( ،29 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫المطلب الثاني‪ /‬نشأته وحياته‪:‬‬ ‫قضى أبو احلسن حياته يف قريوان‪ ،‬وتوىل هبا خطة اإلفتاء اليت فُرضت عليه‪ ،‬حيث أصبح‬

‫بعد وفاة "ابن أيب زيد القرواين" (‪ )1‬رئيساً للمدرسة املالكية باملغرب اإلسالمي‪ ،‬وهي املدرسة‬ ‫(‪)3( )2‬‬

‫اليت أسسها العامل اجلليل واملريب "سحنون بن سعيد" ‪.‬‬

‫ويف الفرتة اليت ولد فيها (‪324‬ه) وحىت وفاته (‪433‬ه) عاش جزءاً كبرياً من حياته‬ ‫حتت احلكم الشيعي الفاطمي‪ ،‬وبعد أن مت فتح مصر على يد جوهر الصقلي بات القابسي‬ ‫يف العاصمة اجلديدة‪ ،‬فكان مثل سلفه "ابن أيب زيد القرواين" صاحب شخصية واسعة اآلفاق‬ ‫(‪)4‬‬

‫وطويلة الباع يف املذهب املالكي املتصارع مع املذهب الشيعي املتطرف بالقريوان‪.‬‬

‫تويف ليلة األربعاء‪ ،‬ثالث شهر ربيع اآلخر سنة ثالث وأربعمائة‪ ،‬ودفن يوم األربعاء وقت‬ ‫العصر بالقريوان‪ ،‬وبات عند قربه من الناس خلق عظيم‪ ،‬وضربت األخبية‪ ،‬وأقبل الشعراء‬ ‫باملراثي‪ ،‬رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬

‫(‪)5‬‬

‫(‪")1‬ابن أبي زيد القرواني"‪ :‬اإلمام العالمة القدوة الفقيه‪ ،‬عامل أهل املغرب‪ ،‬أبو حممد‪ ،‬عبد اهلل بن أيب زيد‪ ،‬القريواين‬ ‫املالكي‪ ،‬ويقال له‪ :‬مالك الصغري‪ ،‬وكان أحد من برز يف العلم والعمل‪ .‬انظر‪ :‬الذهيب‪ ،‬مشس الدين أبو عبد اهلل حممد‬ ‫بن أمحد بن عثمان بن قَ ماْياز‪ ،‬سير أعالم النبالء‪ ،‬دار احلديث ‪ -‬القاهرة‪1423 ،‬هـ‪2331-‬م‪ ،‬عدد األجزاء‪،11 :‬‬ ‫(‪.)493/12‬‬

‫(‪" )2‬سحنون بن سعيد"‪ :‬قال أبو العرب‪ :‬ومن شيوخ أهل إفريقية‪ :‬أبو سعيد سحنون بن سعيد بن حبيب التنوخي‪،‬‬ ‫من صليبة العرب‪ ،‬وأصله من الشام من أهل محص‪ ،‬وأبوه سعيد قدم مع اجلند‪ ،‬وهو من جند أهل محص‪ ،‬كان جامعا‬ ‫للعلم‪ ،‬فقيه البدن‪ ،‬اجتمعت فيه خالل ما اجتمعت يف غريه‪ :‬الفقه البارع‪ ،‬والورع الصادق‪ ،‬والصرامة يف احلق‪ ،‬والزهادة‬ ‫يف الدنيا‪ ،‬والتخشن يف امللبس واملطعم‪ ،‬والسماحة والرتك‪ ،‬ال يقبل من السلطان شيئاً‪ ،‬وكان حافظا للعلم‪ ،‬ومل يكن‬ ‫يهاب سلطانا يف حق يقيمه‪ ،‬انتهت الرياسة إليه يف العلم باملغرب‪ ،‬وويل القضاء بالقريوان‪ .‬انظر‪ :‬أبو العرب‪ ،‬حممد بن‬ ‫أمحد بن متيم التميمي املغريب اإلفريقي‪ ،‬طبقات علماء إفريقية‪ ،‬وكتاب طبقات علماء تونس‪ ،‬دار الكتاب اللبناين‪،‬‬

‫بريوت – لبنان‪( ،‬ص ‪ ،)132-131‬وانظر‪ :‬الشريازي‪ ،‬أبو اسحاق إبراهيم بن علي‪ ،‬طبقات الفقهاء‪ ،‬هذبهُ‪ :‬حممد‬ ‫بن مكرم ابن منظور‪ ،‬حتقيق‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬دار الرائد العريب‪ ،‬بريوت – لبنان‪ ،‬ط‪1933 ،1:‬م‪( ،‬ص ‪.)151‬‬

‫(‪ )3‬القابسي‪ ،‬أبو احلسن علي بن حممد‪ ،‬الرسالة المفصلة ألحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين‪،‬‬ ‫حتقيق‪ :‬أمحد خالد‪ ،‬الشركة التونسية للتوزيع‪ ،‬ط‪1911 ،1:‬م‪( ،‬ص‪.)1‬‬

‫(‪ )4‬القابسي‪ ،‬الرسالة المفصلة ألحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين‪( ،‬ص‪.)1‬‬ ‫(‪ )5‬ابن خلكان‪ ،‬وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان‪.)323/3( ،‬‬ ‫‪7‬‬

‫المطلب الثالث ‪ /‬أقوال العلماء فيه‪:‬‬ ‫بفضله‪.‬‬

‫اهدا‪ ،‬وِرعا‪ ،‬يقظًا‪ ،‬مل أر بال َق مريوان إال مع ِرتفًا‬ ‫سي فقال‪ :‬كان ز ً‬ ‫ذكره حامت األطمَرابـُلُ ّ‬

‫(‪)1‬‬

‫قال أبو الفضل القاضي عنه‪ " :‬كان أبو احلسن من اخلائفني الورعني املشتهرين‬ ‫بإجابة الدعوة‪ ،‬سلك يف كثري من أموره مسلك شيوخه من صلحاء فقهاء القريوان املتقللني‬ ‫من الدنيا‪ ،‬البكائني‪ ،‬املعروفني بإجابة الدعاء وظهور الرباهني‪ ... ،‬وقال بعض أصحابه كان‬ ‫أبو احلسن إذا دخل حمرابه وانتفخت عيناه وامحرت‪ ،‬وجلأ اىل اهلل عز وجل ورأينا ذلك منه‬

‫انتظرنا إجابة دعائه‪ ،‬وكانت اىل ثالثة أيام" (‪.)2‬‬

‫كان واسع الرواية عاملاً باحلديث وعلله ورجاله‪ ،‬فقيهاً أصولياً متكلماً مؤلفاً جميداً‪ .‬وكان‬ ‫من الصاحلني املتقني الزاهدين اخلائفني‪ ،‬وكان أعمى ال يرى شيئاً وهو مع ذلك من أصح‬ ‫الناس كتباً وأجودها ضبطاً وتقييداً‪ .‬يضبط كتبه بني يديه ثقات أصحابه‪ ،‬والذي ضبط له يف‬ ‫البخاري مساعه على أيب زيد مبكة أبو حممد األصيلي خبط يده‪ .‬قال الشريازي‪ :‬وجلس جملس‬ ‫ابن شبلون بعد وفاته‪ ،‬وكان أبو سعيد ابن أخي هشام يعظم الشيخ أبا احلسن ويقول‪:‬‬ ‫الشيخ أبو احلسن ال حياسب على مكيال وال ميزان‪ .‬وإن كان ال يدخل اجلنة إال مثل أيب‬ ‫احلسن فما يدخلها منا أحد" (‪.)3‬‬

‫وقال حامت الطرابلسي صاحبه‪" :‬كان أبو احلسن فقيهاً عاملاً حمدثاً ورعاً متقلالً من الدنيا‪،‬‬ ‫مل َأر أحداً ممن يشار إليه بالقريوان بعلم إال وقد جاء امسه عنده وأخذ عنه‪ ،‬يعرتف اجلميع‬ ‫حبقه وال ينكر فضله‪ .‬وقال حممد بن عمار اهلوزين ‪ -‬يف رسالته ‪ -‬وذكره فقال‪ :‬متأخر يف‬ ‫زمانه متقدم يف شأنه العلم والعمل والرواية والدراية‪ ،‬من ذوي اجلتهاد يف العباد والزهاد جماب‬

‫(‪ )1‬الذهيب‪ ،‬تذكرة الحفاظ‪.)111/3( ،‬‬

‫(‪ )2‬اليحصيب‪ ،‬أبو الفضل القاضي عياض بن موسى‪ ،‬ترتيب المدارك وتقريب المسالك‪ ،‬حتقيق‪ :‬سعيد أمحد‬ ‫أعراب‪ ،‬مطبعة فضالة ‪ -‬احملمدية‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪1913-1911 ،1:‬م‪ ،‬عدد األجزاء‪.)91/3( ،1 :‬‬

‫(‪ )3‬اليحصيب‪ ،‬ترتيب المدارك وتقريب المسالك‪.)91 -92/3( ،‬‬ ‫‪8‬‬

‫الدعوة‪ ،‬له مناقب يضيق عنها الكتاب‪ .‬عاملاً باألصول والفروع واحلديث وغري ذلك من‬ ‫الرقائق‪ ،‬وذكره أبو عبد اهلل ابن أيب صفرة فقال‪ :‬كان فقيه الصدر" (‪.)1‬‬ ‫"كان واسع الرواية عاملاً باحلديث وعلله ورجاله فقيهاً أصولياً متكلماً مؤلفاً جميداً‪ ،‬وكان‬ ‫من الصاحلني املتقني وكان أعمى ال يرى شيئاً وهو مع ذلك من أصح الناس كتباً وأجودهم‬ ‫ضبطاً وتقييداً يضبط كتبه بني يديه ثقات أصحابه والذي ضبط له البخاري‪ - :‬مساعه على‬

‫أيب زيد مبكة ‪ -‬أبو حممد األصيلي" (‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬اليحصيب‪ ،‬ترتيب المدارك وتقريب المسالك‪.)91 -92/3( ،‬‬

‫(‪ )2‬اليعمري‪ ،‬إبراهيم بن علي بن حممد‪ ،‬ابن فرحون‪ ،‬برهان الدين‪ ،‬الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء‬ ‫المذهب‪ ،‬حتقيق وتعليق‪ :‬الدكتور حممد األمحدي أبو النور‪ ،‬دار الرتاث للطبع والنشر – القاهرة‪ ،‬عدد األجزاء‪،2 :‬‬ ‫(‪.)132-131/2‬‬ ‫‪9‬‬

‫المبحث الثاني‪ /‬نشاطه العلمي‪ ،‬شيوخه وتالمذته‪ ،‬وأهم مؤلفاته‪.‬‬ ‫المطلب األول ‪ /‬نشاطه العلمي‪:‬‬ ‫كان إماماً يف علم احلديث ومتونه وأسانيده ومجيع ما يتعلق به‪ ،‬وكان للناس فيه اعتقاد‬ ‫كثري‪ ،‬وصنف يف احلديث كتاب " امللخص" مجع فيه ما اتصل إسناده من حديث مالك بن‬ ‫أنس‪ ،‬رضي اهلل عنه‪ ،‬يف كتاب " املوطأ " رواية أيب عبد اهلل عبد الرمحن بن القاسم املصري‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫وهو على صغر حجمه جيد يف بابه‪.‬‬ ‫ُصوليًّا متكلّ ًما‪ ،‬مصنّـ ًفا‪ ،‬صاحلًا متقياً‪ ،‬وكان‬ ‫فقيها أ ُ‬ ‫وكان حافظًا للحديث ِو َعلله ورجاله‪ً ،‬‬ ‫ثقات‬ ‫أصح النّاس ُكتُبا‪ ،‬وأجودهم ت مق ً‬ ‫ييدا‪ ،‬يضبط ُكتُبه ُ‬ ‫أعمي ال يرى شيئًا‪ ،‬وهو َم َع ذلك من ّ‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ي " مب ّكة رفيقه أبو حممد األصيلي‪.‬‬ ‫أصحابه‪ ،‬والّذي ضبط لَهُ " صحيح المبُ َخا ِر ّ‬ ‫دهرا‪ ،‬مث قطَ َع اإلقراء ملا بلغه أ ّن بعض أصحابه أقرأَ الوايل‪ ،‬مثّ أعمل‬ ‫"أقرأ القرآن بالقريوان ً‬ ‫نفسه يف درس الفقه ورواية احلديث‪ ،‬إىل أن رأس فيهما‪ ،‬وبرع‪ ،‬وصار إمام عصره ِ‬ ‫وفاضل‬ ‫َ‬

‫دهره"(‪.)3‬‬

‫قال أبو عمرو املقري يف طبقات القراء وذكره فقال‪" :‬أخذ عن ابن الدهن‪ ،‬وأقرأ القرآن‬ ‫بالقريوان دهراً‪ ،‬مث قطع القراءة ملا بلغه أن بعض أصحابه استقراه الوايل فقرأ عليه‪ ،‬ودرس‬

‫احلديث والفقه إىل أن رأس فيهما‪ ،‬وبرع اىل أن صار إمام عصره وفاضل دهره"‪.‬‬

‫(‪)4‬‬

‫أسا يف‬ ‫بصريا بالرجال عارفًا باألصلني ر ً‬ ‫وقال عنه الذهيب‪ ":‬كان حافظًا للحديث والعلل ً‬

‫الفقه وكان ضر ًيرا وكتبه يف هناية الصحة‪ ،‬كان يضبطها له ثقات أصحابه‪ ،‬والذي ضبط له‬ ‫الصحيح مبكة على أيب زيد صاحبه أبو حممد األصيلي‪ ،‬وذكره حامت الطرابلسي فقال‪ :‬كان‬ ‫أحدا إال معرتفًا بفضله" (‪.)5‬‬ ‫ورعا مل أر بالقريوان ً‬ ‫ز ً‬ ‫اهدا ً‬

‫(‪ )1‬ابن خلكان‪ ،‬وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان‪.)323/3( ،‬‬ ‫(‪ )2‬الذهيب‪ ،‬تذكرة الحفاظ‪.)111/3( ،‬‬ ‫(‪ )3‬املرجع السابق‪.)111/3( ،‬‬

‫(‪ )4‬اليحصيب‪ ،‬ترتيب المدارك وتقريب المسالك‪.)99/3( ،‬‬ ‫(‪ )5‬الذهيب‪ ،‬تذكرة الحفاظ‪.)111/3( ،‬‬

‫‪01‬‬

‫المطلب الثاني ‪ /‬شيوخه وتالمذته‪:‬‬ ‫‪ ‬أوالا‪ /‬شيوخه‪:‬‬ ‫بدهن"‪.‬‬

‫ضا َع من أَِيب الفتح بن‬ ‫قَ َال أبو َع ممرو ال ّداينّ‪" :‬أبو احلسن ابن‬ ‫عر ً‬ ‫القابسي أخذ القراءة م‬ ‫ّ‬ ‫(‪)1‬‬

‫مسع من رجال إفريقية‪" :‬أيب العباس اإلبياين‪ ،‬وأيب احلسن بن مسرور الدباغ‪ ،‬وأيب عبد‬ ‫اهلل بن مسرور الغسال‪ ،‬وأيب حممد بن مسرور احلجام‪ ،‬ودراس بن امساعيل الفاسي‪،‬‬ ‫فحج ومسع مبصر ومكة من محزة بن حممد الكناين‪ ،‬وأيب احلسن التلباين‪،‬‬ ‫والسدري‪ ،‬ورحل ّ‬ ‫وابن أيب الشريف‪ ،‬وابن زيد املروزي‪ ،‬وأيب احلسن ابن حبونه النيسابوري‪ ،‬وأيب احلسن بن أيب‬ ‫هالل‪ ،‬وأيب احلسن بن شعبان الطحان‪ ،‬وأيب احلسن بن هاشم‪ ،‬وأيب الطاهر حممد بن عبد‬ ‫الغين‪ ،‬وأيب احلسن األسيوطي‪ ،‬وأيب بكر أمحد بن عبد اهلل بن عبد املؤمن‪ ،‬وأيب أمحد بن‬ ‫املفسر‪ ،‬وأيب الفتح بن يرمني‪ ،‬وأيب إسحاق عبد احلميد بن أمحد بن عيسى" (‪.)2‬‬

‫رحل إىل املشرق (سنة ‪ )352‬فحج ومسع من محزة بن حممد الكناين‪ ،‬وأيب احلسن‬ ‫القلباين‪ ،‬وأيب زيد املروزي ومجاعة‪.‬‬

‫(‪)3‬‬

‫ومن أشهر شيوخه‪:‬‬ ‫‪ .1‬أبو العباس اإلبياني التميمي (‪352‬ه)‪ ،‬هو فقيه شافعي من مدينة تونس‪ ،‬كان‬ ‫القابسي يعتربه من أملع املشايخ املغاربة واملشارقة ورمبا أعلمهم‪.‬‬

‫‪ .2‬ابن مسرور الدباغ (‪359‬ه)‪ ،‬هو أبرز شيوخ القابسي‪.‬‬

‫(‪ )1‬الذهيب‪ ،‬تذكرة الحفاظ‪.)111/3( ،‬‬

‫(‪ )2‬اليحصيب‪ ،‬ترتيب المدارك وتقريب المسالك‪ ،)92/3( ،‬وانظر‪ :‬اليعمري‪ ،‬إبراهيم بن علي‪ ،‬الديباج المذهب‬ ‫في معرفة أعيان علماء المذهب‪ ،)132-131/2( ،‬وانظر‪ :‬الذهيب‪ ،‬تذكرة الحفاظ‪.)111/3( ،‬‬

‫(‪ )3‬اليعمري‪ ،‬الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب‪ ،)132-131/2( ،‬وانظر‪ :‬الزركلي‪ ،‬األعالم‪،‬‬ ‫(‪.)321/4‬‬ ‫‪00‬‬

‫‪ .3‬أبو عبداهلل بن مسرور العسال (‪ ،)341‬هو وجه بارز من وجوه املالكية بالقريوان‪،‬‬ ‫وكان شيخ "ابن أيب زيد القريواين" أيضاً‪.‬‬ ‫‪ .4‬ابن الحجاج (‪341‬ه) موسوعي العرفة‪ ،‬خلف بعد موته مكتبة ضخمة أهم‬ ‫رصيدها كان خبط يده‪.‬‬

‫‪ .5‬أبو الحسن الكانشي (‪343‬ه)‪ ،‬عامل ورع‪ ،‬وأديب رقيق‪.‬‬ ‫املواز‪.‬‬ ‫‪ّ .1‬‬ ‫دراس بن إسماعيل الفاسي (‪353‬ه)‪ ،‬فقيه أشعري‪ ،‬كان يدرس كتاب ابن ّ‬

‫‪ .3‬أبو القاسم زياد بن يونس الدري (‪311‬ه)‪ ،‬كان متضلعاً يف الفقه‪ ،‬وقد رفض‬ ‫تورعاً‪.‬‬ ‫خطة القضاء ّ‬ ‫‪ .1‬ابن زكرون (‪333‬ه)‪ ،‬فقيه متزهد‪ ،‬صنّف العديد من املؤلفات خاصة يف التشريع‬ ‫التصوف‪.‬‬ ‫و ّ‬ ‫‪ .9‬أبو إسحاق الجبنياني (‪319‬ه)‪ ،‬من العبّاد‪ ،‬اشتهر بابتهاالته‪ ،‬وكان القابسي وابن‬ ‫أيب زيد القرواين يبجالنه‪.‬‬

‫‪.13‬‬

‫أبو القاسم حمزة بم محمد الكناني‪ ،‬عامل مصري كان له فيا يبدو أكرب‬

‫األثر يف تكوين تلميذه القابسي‪ ،‬وإليه نقل كتاب النسائي‪.‬‬ ‫‪.11‬‬

‫أبو زيد محمد بن أحمد المروزي (‪359‬ه)‪ ،‬أخذ عنه القابسي صحيح‬

‫البخاري مبكة‪.‬‬ ‫‪ ‬تالمذته‪:‬‬

‫ِ‬ ‫وسي‪ ،‬وغريهم" (‪.)1‬‬ ‫وعتيق ُّ‬ ‫بيدي‪َ ،‬‬ ‫تفقه عليه‪" :‬أبو عمران الفاسي‪ ،‬وأبو القاسم اللّ ّ‬ ‫الس ّ‬ ‫األنصاري الفقيه من شيوخ‬ ‫وممّن روى عنه‪" :‬أبو حممد عبد اللَّه بن الوليد بن سعد‬ ‫ّ‬

‫ازي" (‪.)2‬‬ ‫الر ّ‬ ‫أيب عبد اهلل ّ‬

‫(‪ )1‬الذهيب‪ ،‬تذكرة الحفاظ‪.)111/3( ،‬‬ ‫(‪ )2‬الذهيب‪ ،‬تذكرة الحفاظ‪.)111/3( ،‬‬ ‫‪02‬‬

‫ومن أشهر تالمذته‪:‬‬ ‫‪ .1‬أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن (‪432‬ه)‪ ،‬هو أجنب تالميذ القابسي‪ ،‬وقد أجازه‬ ‫لإلفتاء يف حياته‪.‬‬ ‫‪ .2‬اللبيدي‪ ،‬عبدالرحمن‪ ،‬اشتهر هذا اإلمام املالكي الكبري خاصة بكتابه املشهور‬ ‫"الشرح والتفصيل ملسائل املدونة"‪ ،‬وهو جامع ل "موطأ" مالك‪ ،‬و"نوادر" ابن أيب‬ ‫زيد القريواين‪.‬‬ ‫بالخواص‪ ،‬فقيه متزهد‪.‬‬ ‫‪ .3‬أبو عبداهلل محمد بن عباس األنصاري‪ ،‬المعروف ّ‬

‫‪ .4‬أبو عبداهلل الحسين بن أبي العبا األجدابي‪ ،‬املؤرخ صاحب كتاب "املناقب"‪.‬‬ ‫‪ .5‬أبو محمد مكي بن أبي طال المقرئ القيسي‪ ،‬له العديد من كتب يف القراءات‬ ‫منها خاصة كتاب " التبصرة"‪.‬‬ ‫‪ .1‬أبو بكر عاتق بن خلف النجيبي‪ ،‬صاحب كتاب " االفتخار يف مناقب فقهاء‬ ‫القريوان"‪.‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ /‬أهم مؤلفاته‪:‬‬ ‫"وألّف تواليف بديعة ككتاب " املمهد " يف الفقه‪ ،‬و" أحكام الديانات " و" املنقذ من‬ ‫للفطَن من غوائل ِ‬ ‫شبه التأويل وكتاب " املنبه ِ‬ ‫لخص املوطّأ "‪ ،‬وكتاب "‬ ‫الف َ​َت "‪ ،‬وكتاب " ُم َّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ك من التّصانيف‪.‬‬ ‫املناسك "‪ ،‬وكتاب " االعتقادات "‪ ،‬وسوى َذل َ‬ ‫وجاء يف أيضاً يف ذكر مؤلفاته‪" :‬أليب احلسن تواليف بديعة مفيدة ككتابه‪ :‬املهذب يف‬ ‫الفقه‪ ،‬وأحكام الديانة‪ ،‬وكتاب املنقذ من شبه التأويل‪ ،‬وكتابه املنبه للفطن من غوائل الفَت‪،‬‬ ‫والرسالة املعظمة ألحوال املتقني‪ ،‬وأحكام املتعلمني واملعلمني‪ ،‬وكتاب االعتقادات‪ ،‬وكتاب‬ ‫مناسك احلج‪ ،‬وكتاب الذكر والدعاء‪ ،‬ورسالة كشف املقالة يف التوبة‪ ،‬وكتاب ملخص املوطأ‪،‬‬ ‫(‪ )1‬الذهيب‪ ،‬تذكرة الحفاظ‪.)111/3( ،‬‬ ‫‪03‬‬

‫وكتاب رتب العلم وأحوال أهله‪ ،‬وكتاب أمحية احلصون‪ ،‬ورسالة تزكية الشهود وجترحيهم‪،‬‬

‫ورسالة يف الورع" (‪.)1‬‬

‫الخالصة‪:‬‬ ‫كان القابسي عاملاً ضريراً فقهاً ورعاً‪ ،‬وله مؤلفات كثرية كلها يف الفقه واحلديث واملواعظ‪،‬‬

‫باستثناء واحد أفرده القابسي لشئون التعليم يف اإلسالم هي "رسالته المفصلة ألحوال‬ ‫المتعلمين‪ ،‬وأحكام المعلمين والمتعلمين"‪ ،‬وقد صنفها يف النصف الثاين من القرن الرابع‪،‬‬ ‫وضاع األصل وبقيت منه نسخة خطية فريدة ترجع إىل عام ستة وسبعمائة‪ ،‬وهي حمفوظة‬ ‫باملكتبة القومية بباريس‪ ،‬ومكتوبة خبط مغريب مجيل‪.‬‬

‫وهذه الرسالة أكرب يف حجمها من رسالة ابن سحنون‪ ،‬وقد تأثر مبا كتبه ابن سحنون‪،‬‬ ‫ونقل عنه نقالً حرفيّاً يف بعض األحيان‪ ،‬كما نقل أيضاً عن فقهاء الذين أخذ عنهم ابن‬ ‫سحنون كابن القاسم وابن وهب إال أن للقابسي فضل التوسع واالستفاضة يف األبواب‬ ‫واملعاجلة‪.‬‬

‫(‪ )1‬اليحصيب‪ ،‬ترتيب المدارك وتقريب المسالك‪ ،)91/3( ،‬وانظر‪ :‬الزركلي‪ ،‬األعالم‪.)321/4( ،‬‬ ‫‪04‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬التعريف بكتاب "الرسالة المفصلة ألحوال المتعلمين‬ ‫وألحكام المعلمين والمتعلمين"‪ ،‬وفيه مبحثين‪:‬‬ ‫‪ ‬المبحث األول‪ :‬التعريف بمحتوى الكتاب‪.‬‬ ‫‪ ‬المبحث الثاني‪ :‬أهم األفكار التربوية المستنبطة من الكتاب‪.‬‬

‫‪05‬‬

‫المبحث األول‪ :‬التعريف بمحتوى الكتاب‬ ‫ذكر احملقق للكتاب معلقاً على حمتواه‪ ،‬أنه من خالل دراسته ل ـ "الرسالة املفصلة‬ ‫تبني له أن مؤلفها ‪ -‬القابسي – أعاد‬ ‫ألحوال املتعلمني وألحكام املعلمني واملتعلمني"‪ّ ،‬‬ ‫العديد من فقرات كتاب " آداب املتعلمني" حملمد بن سحنون بصياغة تكاد تكون مماثلة‬ ‫لصياغة الفقرات املنقولة من ذلك الكتاب‪ ،‬مضيفاً إليها شروحات وتعاليق إضافية‪ ،‬غري أن‬ ‫فجمع‬ ‫القابسي كان حريصاً على النسق املنطقي يف بناء النص‪ ،‬ويف تسلسل أبوابه وفصوله‪َّ ،‬‬ ‫يف املساق واملتماسك ما كان منه مبعثراً يف كتاب "آداب املتعلمني"‪ ،‬كما أشار إىل ذلك‬ ‫(‪)1‬‬

‫املستشرق "جريار لوكونت" الذي نقل كتاب "حممد بن سحنون" إىل اللغة الفرنسية‪.‬‬

‫كما أن املالحظ أن كتاب "حممد بن سحنون" وكتاب َخلَ ِفه "أيب احلسن على‬ ‫القابسي القرياوين" يُعاجلان إمجاالً نفس املوضوع‪.‬‬ ‫بيد أن طرافة رسالة القابسي ال تنحصر فقط يف النسق املنهجي ألبواهبا وفصوهلا‬ ‫فحسب‪ ،‬بل تظهر خصوصاً يف التفاصيل الثمينة عن العقوبة يف الكتاتيب بإفريقية يف العصر‬ ‫الوسيط‪ ،‬ويف مناهج التعليم وبراجمه هبا كما كانت تُطبق يف ذلك الوقت‪ ،‬ويف إرشادات تربوية‬ ‫وقضائية جداً مفيدة‪.‬‬ ‫أما عن مادة الرسالة‪ :‬فهي مكونة من أجوبة القابسي عن أسئلة طرحها عليه أحد‬ ‫خماطبيه‪ ،‬واملوضوع أغلبه جمموعة فتا ٍو‪ ،‬وبذلك تكتسب الرسالة أمهية قضائية ومهنية‪،‬‬ ‫باإلضافة إىل ما احتوته من نظرات مثينة تستحق ‪ -‬دون شك – مقاربة جديدة نفسانية على‬ ‫ضوء دراسة مقاربة‪ ،‬وتستحق حتليالً آخراً للمفاهيم املذهبية فيها وتكون تتمة للرسالة‪.‬‬

‫(‪)2‬‬

‫فرسالته تعترب كتاباً جيمع مبادئ الرتبية اإلسالمية املتبعة يف الكتاتيب‪ ،‬وللرسالة ثالثة‬ ‫أبواب كربى‪:‬‬ ‫(‪ )1‬القابسي‪ ،‬أبو احلسن علي بن حممد‪ ،‬الرسالة المفصلة ألحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين‪،‬‬ ‫(ص‪.)4‬‬ ‫(‪ )2‬املرجع السابق‪( ،‬ص‪.)1‬‬ ‫‪06‬‬

‫‪ ‬الباب األول‪:‬‬ ‫وهو يف تفسري اإلْيان‪ ،‬واإلسالم‪ ،‬واإلحسان‪ ،‬واالستقامة‪ ،‬وصفة الصالح‪ .‬ويق ّدم فيه‬ ‫القابسي أصول التعليم األخالقي يف اإلسالم‪ ،‬ويرسم للمعلمني خطاً سلوكياً مستوحى من‬ ‫املبادئ الدينية املستهدفة إلبقاء املسلمني يف حدود عقيدة أهل السنة‪ ،‬فيقول‪" :‬إن خري ما‬ ‫يُقتدى به هو النيب حممد عليه الصالة والسالم‪ ،‬ويدعو أولياء التالميذ إىل تعليم أبنائهم‬ ‫الصغار القرآن‪ ،‬وجييب ُخماطبه يف فصل طويل عن أسئلة طرحها عليه يف فضائل القرآن‪ ،‬وما‬ ‫ملن تعلّمه وعلّمه من الفضل‪ ،‬وما يُصحب به القرآن‪ ،‬وعن آداب حامله‪ ،‬ومن ضيعه حىت‬ ‫نسيه‪ ،‬وما ملن علّمه ولده‪ ،‬وهل ذلك يف الصغري واجب على أبيه أو على غري‪ ،‬ومن يُعلّم‬ ‫اإلناث؟ ‪.‬‬ ‫ويتضح منه أولوية العامل الديين يف التعليم االبتدائي بإفريقية يف القرون الوسطى‪،‬‬ ‫املؤدب يُلقن التالميذ القراءة والكتابة وخاصة حفظ القرآن‪ ،‬ويأيت مؤكداً على ذلك‬ ‫فاملعلّم أو ّ‬

‫ابن خلدون يف مقدمته‪ " :‬وأما أهل أفريقية فيخلطون يف تعليمهم للولدان القرآن باحلديث يف‬ ‫الغالب‪ ،‬ومدارسة قوانني العلوم‪ ،‬وتلقني بعض مسائلها‪ ،‬إال أن عنايتهم بالقرآن‪ ،‬واستظهار‬ ‫الولدان إياه‪ ،‬ووقوفهم على اختالف رواياته وقراءاته أكثر مما سواه‪ ،‬وعنايتهم باخلط تبعاً‬

‫لذلك"(‪.)1‬‬

‫خالصة الباب األول‪ :‬اإلجابة عن أسئلة السائل فيما يخص‪:‬‬ ‫‪ .1‬ما يأخذه املعلّمون على املتعلمني وسنة ذلك‪.‬‬ ‫‪ .2‬ما يصلح أن يعلّم للصبيان مع القرآن‪.‬‬ ‫‪ .3‬ما على املعلّم أن يعلّمه للصبيان من سائر مصاحلهم‪.‬‬ ‫‪ .4‬ما ال ينبغي للمعلم أن يأخذ عليه أجراً من الصبيان إن علّمهم إياه على االنفراد‪.‬‬ ‫‪ .5‬هل يعلّم املسلم النصراين؟ أو يرتك النصارى يعلّمون املسلمني؟‬ ‫‪ .1‬هل يشرتط املعلّم حلذقه القرآن أجالً معلوما؟‬ ‫(‪ )1‬ابن خلدون‪ ،‬عبدالرحمن‪ ،‬المقدمة‪ ،‬دار التراث العربي – بيروت‪( ،‬ص ‪.)531‬‬ ‫‪07‬‬

‫‪ ‬الباب الثاني‪:‬‬ ‫يذكر فيه سياسة معلّم الصبيان وقيامه عليهم‪ ،‬وعدله فيهم‪ ،‬ورفقه هبم‪ ،‬وهل يستعني‬ ‫بيهم فيما بينهم‪ ،‬أو لنفسه‪ ،‬وهل يوليهم غريه إن احتاج إىل ذلك‪ ،‬وهل يشتغل مع غريه‬ ‫معهم أو يشتغل له‪ ،‬وكيف يرتّب هلم أوقاهتم لدرسهم وكتابتهم‪ ،‬وكيف حموهم ألواحهم‬ ‫وأكتافهم‪ ،‬وأوقات بطالتهم لراحتهم‪ ،‬وحد أدبه إياهم‪ ،‬وعلى من اآللة اليت يؤدهبم‪ ،‬واملكان‬ ‫الذي فيه يعلمهم‪ ،‬وهل يكون ذلك يف مسجد‪ ،‬وهل يشرتك معلمان أو أكثر‪ ،‬وهل يدرس‬ ‫ويعلّمون‬ ‫الصبيان يف حزب واحد جمتمعني‪ ،‬وهل ْيسون املصحف وهم على غري طُهر‪َ ،‬‬ ‫الوضوء ملس املصحف‪ ،‬ويصلون يف مجاعة يؤمهم أحد؟ ‪.‬‬ ‫خالصة الباب الثاني‪ :‬توضيح سياسة التعليم وذلك في‪:‬‬ ‫‪ .1‬يف كيفية قيام املعلّم على الصبيان وتعامله معهم بالعدل والرفق‪.‬‬ ‫‪ .2‬يف كيفية االستعانة بالطالب‪ ،‬أو تكليف الغري بأمرهم وقت الزوم‪.‬‬ ‫‪ .3‬يف كيفية تنظيم وقت الدراسة والراحة‪.‬‬ ‫‪ .4‬يف كيفية تنظيف وحمو األلواح واألكتاف اليت يتعلم عليها الطالب‪.‬‬ ‫‪ .5‬يف حتديد أوقات اإلجازة والراحة للطالب‪.‬‬ ‫‪ .1‬يف حتديد مكان التعلم للطالب‪.‬‬ ‫‪ .3‬يف كيفية دراسة الطالب يف املكان احملدد هلم جمتمعني‪.‬‬ ‫‪ .1‬يف حتديد آلة التأديب للطالب‪.‬‬ ‫‪ .9‬يف املسجد‪ ،‬وشروط مس املصحف‪.‬‬ ‫‪ ‬الباب الثالث‪:‬‬ ‫حيتوي فضالً عن التفاصيل التشريعية واملهنية املتعلقة بإجارة املعلم واهلدايا املباحة‪ ،‬مبادئ‬ ‫تربوية طريفة ومفيدة جداً تتعلق خاصة بالعقوبة يف الكتاتيب بإفريقية يف العصر الوسيط‪.‬‬ ‫‪08‬‬

‫ويف ختام رسالته يوجد حبث يف القراءات القرآنية املتفق عليها شرعاً‪.‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬أهم األفكار التربوية المستنبطة من الكتاب‪.‬‬ ‫تصدى القابسي يف رسالته إىل الكالم عن تعليم الصبيان من حيث أغراضه ومناهجه‬ ‫وطرق تدريسه وأماكنه ومراحله‪ ،‬كما حتدث عن بعض األحكام اخلاصة باملعلم‪ ،‬وقد تناول‬ ‫القابسي يف اجلزء األول من رسالته فضل تعلم القرآن وتعليمه‪ ،‬وهو هبذا يشرتك مع ابن‬ ‫سحنون‪ ،‬بل أنه ينقل نفس األحاديث النبوية إال أنه يتوسع يف الكالم‪.‬‬

‫(‪)1‬‬

‫الغرض من التعليم عند القابسي‪:‬‬ ‫كما وضح يف رسالته أن الغرض من التعليم معرفة الدين علماً وعمالً‪ ،‬فجعل‬ ‫هاماً لتعليم الصبيان‪ ،‬فالقرآن ضرورة ملعرفة الدين‪ ،‬والصالة‬ ‫القابسي من تعليم القرآن غرضاً ّ‬ ‫ال تتم إال بقراءة شيء من القرآن وهي مفروضة على املسلمني؛ ألهنا ركن من أركان الدين‪،‬‬ ‫وهو يتفق مع غريه من علماء املسلمني يف أن الغرض األول من تعليم الصبيان هو معرفة‬ ‫الدين علماً وعمالً‪ ،‬أو نظراً وتطبيقاً وممارسة‪.‬‬

‫المذهب التربوي عند القابسي‪:‬‬ ‫‪ .1‬المهمة األساسية للمعلم التلقين‪:‬‬ ‫أما ما خيص املذهب الرتبوي عند القابسي‪ ،‬فنجد أن املؤلف يضعنا يف جو الكتاتيب‬ ‫أو املدارس االبتدائية يف زمانه‪ ،‬ويبني لنا أن املهمة األساسية للمعلم تتمثل يف تلقني الصبيان‬ ‫القراءة والكتابة‪ ،‬وقبل كل شيء تالوة القرآن الكرمي‪.‬‬ ‫(‪ )1‬جهود القابسي التربوية‪،‬‬ ‫الرابط‪https://sites.google.com/site/altrbytealaslamyte/Home/jhwd-alqabsy-altrbwyte :‬‬ ‫‪09‬‬

‫كما نصح القابسي املعلمني بتلقني احلساب للصبيان ألمهيته‪ ،‬ولكنه مل يعتربه‬ ‫إجباري يف براجمهم إال إذا اشرتطه األولياء‪ ،‬فهو يقول‪ " :‬وينبغي له – أي املعلم – أن‬ ‫يعلمهم احلساب‪ ،‬وليس ذلك بالم له إال أن يشرتط عليه ذلك‪ ،‬وكذلك الشعر والغريب‬ ‫والعربية ومجيع النحو‪ ،‬هو يف ذلك متطوع‪ ،‬وال بأس أن يعلمهم الشعر مما ال يكون فيه‬

‫فُحش‪ ،‬ومن كالم العرب وأخبارها‪ ،‬وليس ذلك بواجب عليه" (‪.)1‬‬

‫دون يف كتابه قوانني طرائق التعليم‪ ،‬وبني فيها قوة التأثري الديين‪،‬‬ ‫كما جنده قد ّ‬ ‫فالصبيان يبدؤون حبفظ القرآن عن ظهر قلب‪ ،‬وأما عن دراسة الشريعة وسائر العلوم األخرى‬ ‫فإهنا تقوم على الفهم ال احلفظ‪.‬‬

‫‪ .2‬البرنامج التعليمي عند القابسي‪:‬‬ ‫الشكل‪ ،‬واهلجاء‪،‬‬ ‫يشتمل برنامج التعليم كما ضبطه القابسي على‪ :‬إعراب القرآن‪ ،‬و ّ‬ ‫واخلط‪ ،‬والقراءة احلسنة بالتوقيف والرتتيل‪ ،‬والصالة وعدد ركوعها وسجودها‪...‬حىت يعلمهم‬ ‫أمور دينهم‪.‬‬

‫‪ ‬النقد التربوي لبرنامج القابسي التعليمي‪:‬‬ ‫هو برنامج تعليمي تقليدي يقرتحه القابسي يف رسالته‪ ،‬فهو ينصح املعلمني بتعليم‬ ‫الصبيان القرآن قبل كل شيء‪ ،‬وينقده ابن خلدون يف مقدمته فهو يرى وجوب تعليم العربية‬ ‫والشعر قبل املواد األخرى فقال يف مقدمته عن ذلك‪ " :‬أما أهل األندلس فمذهبهم تعليم‬ ‫القرآن والكتاب من حيث هو‪ ،‬وهذا هو الذي يراعونه يف التعليم‪ ،‬إال أنه ملا كان القرآن‬ ‫أسه ومنبع الدين والعلوم‪ ،‬جعلوه أصالً يف التعليم‪ ،‬فال يقتصرون لذلك عليه‬ ‫أصل ذلك و ّ‬ ‫(‪ )1‬القابسي‪ ،‬أبو احلسن علي بن حممد‪ ،‬الرسالة المفصلة ألحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين‪،‬‬ ‫(ص‪.)21‬‬ ‫‪21‬‬

‫فقط بل خيلطون يف تعليمهم للولدان رواية الشعر يف الغالب‪ ،‬والرتسل‪ ،‬وأخذهم بقوانني‬ ‫العربية وحفظها‪ ،‬وجتويد اخلط والكتابة‪ ،‬وال ختتلط عنايتهم يف التعليم بالقرآن دون هذه‪ ،‬بل‬ ‫عنايتهم فه باخلط أكثر من مجيعها‪ ،‬إىل أن خيرج الولد من البلوغ إىل الشبيبة‪ ،‬وقد شدا بعض‬ ‫الشيء يف العربية والشعر والبصر هبما‪ ،‬وبرز يف اخلط والكتابة وتعلّق بأذيال العلم على‬

‫اجلملة" (‪.)1‬‬

‫مما سبق يتضح لنا أن فكرة القابسي يف تعليم الطفل أوالً القرآن الكرمي كونه مصدر‬

‫الدين واملعارف هي فكرة سديدة‪ ،‬وجبانب تعلمه العربية والشعر واخلط والكتابة‪ ،‬فكلها من‬ ‫العناصر األساسية يف تكوين املعرفة لدى الطفل‪.‬‬ ‫أما عن سبب انتقاد ابن خلدون لفكرة القابسي السابقة؛ فبجانب كونه إنساين‬ ‫التأمل الصائب والغوص يف اجلوهر‪ ،‬مبعىن‬ ‫املنزع‪ ،‬وأن الذي يهمه قبل كل شيء هي األفكار و ّ‬ ‫أن يسمح لإلنسانية بأن تتطور وتعرف نفسها‪ ،‬ولكن كيف السبيل إىل إدراك املعىن العميق‬ ‫لكتابة ما إن كنا جنهل العناصر املكونة لتلك اللغة؟‪ ،‬ولشعوره هبذه الضرورة كان ابن خلدون‬ ‫يلوم سكان املغرب وباألخص سكان إفريقية على اقتصارهم يف تعليم الولدان على حتفيظ‬ ‫القرآن الكرمي فقط‪ ،‬فهو على ح ّد قوله‪ " :‬ال خيلطون ذلك بسواه يف شيء من جمالس‬ ‫تعليمهم‪ ،‬ال من حديث وال من فقه وال من شعر وال من كالم العرب" (‪.)2‬‬

‫ويستفاد مما ّقرره ابن خلدون أن تعليق األمهية على تعليم القرآن أوالً وبالذات بدون‬

‫التفات إىل إعداد الصبيان لفهمه بتلقينهم القراءة والكتابة كان من نتيجته أن أعاق أهل‬ ‫إفريقية واملغرب عموماً عن امتالك ناصية اللغة العربية‪ ،‬فنجده يقول يف ذلك‪ " :‬فأما أهل‬ ‫أفريقية واملغرب فأفادهم االقتصار على القرآن القصور عن ملكة اللسان مجلة‪ ،‬مث يعلل‬ ‫قصورهم بقوله‪ :‬أن القرآن ال ينشأ عنه يف الغالب ملكة ملا أن البشر مصروفون عن اإلتيان‬ ‫مبثله‪ ،‬فهم مصروفون لذلك عن االستعمال على أساليبه واالحتذاء هبا‪ ،‬وليس هلم ملكة يف‬

‫(‪ )1‬ابن خلدون‪ ،‬المقدمة‪( ،‬ص ‪.)531‬‬ ‫(‪ )2‬ابن خلدون‪ ،‬المقدمة‪( ،‬ص ‪.)531‬‬ ‫‪20‬‬

‫غري أساليبه‪ ،‬فال حيصل لصاحبه ملكة يف اللسان العريب وحظه اجلمود يف العبارات وقلة‬

‫التصرف يف الكالم" (‪.)1‬‬

‫فالسبب يف خمالفة ابن خلدون للقابسي يف جعله القرآن أصالً يف تعليم الصبيان ألنه‬ ‫منبع الدين‪ ،‬جنده جواب مقنع وذلك يف قوله السابق‪ " :‬أن القرآن ال ينشأ عنه يف الغالب‬ ‫ملكة ملا أن البشر مصروفون عن اإلتيان مبثله‪ ،‬فهم مصروفون لذلك عن االستعمال على‬ ‫أساليبه واالحتذاء هبا‪ ،‬وليس هلم ملكة يف غري أساليبه‪ ،‬فال حيصل لصاحبه ملكة يف اللسان‬

‫العريب وحظه اجلمود يف العبارات وقلة التصرف يف الكالم" (‪.)2‬‬

‫كما أن السبب الذي ذكره ابن خلدون وهو إعجاز القرآن الكرمي وصعوبة حماكاته‬ ‫يف تقدمي تعليم العربية على تعليم القرآن للصبيان‪ ،‬فاملقصود منه هو جنوحه إىل نظام األولوية‬ ‫يف مواد التدريس‪ ،‬فهو حريص على تكوين العقل قبل حشوه باحلفظ‪ ،‬لذلك هو يرى أن من‬ ‫رداءة التعليم ذهاب أعمار فئة من الناس – الصبيان – يف العناية يف احلفظ فقط‪.‬‬ ‫‪ ‬منهج ابن خلدون ورؤيته في سياسة تعليم الصبيان‪:‬‬

‫‪ .1‬يفضل أن تكون الكتابة هي أول ما يُبتدئ الصيب بتعلمها قبل حفظ القرآن‪ ،‬معلالً‬ ‫ذلك بقول‪ " :‬أكثر إفادة لزيادة العقل وتقوية ملكات اإلدراك واالنتقال" (‪.)3‬‬ ‫‪ .2‬أن ينقل الصيب من تعلم القراءة والكتابة إىل تعلم احلساب لسبب تربوي هام؛ وهو‬ ‫أن احلساب يصقل العقل ويهيئه لتقبّل سائر العلوم األخرى‪ ،‬فهو عل حد قوله‪:‬‬ ‫"معارف متضحة وبراهني منتظمة‪ ،‬فينشأ عنها يف الغالب عقل مضيئ درب على‬

‫الصواب"(‪ ،)4‬كما أن سبب تقدْيه للحساب على سائر العلوم األخرى يف املنهج‬

‫الرتبوي عنده سبباً أخالقياً؛ ألن الصيب ينشأ على الصدق بتعلم احلساب أوالً بعد‬ ‫القراءة والكتابة‪ ،‬مث يليها مجيعاً حفظ القرآن‪ ،‬فذكر هذا السبب بقوله‪ ":‬من أخذ‬ ‫(‪ )1‬ابن خلدون‪ ،‬المقدمة‪( ،‬ص ‪.)539‬‬ ‫(‪ )2‬املرجع السابق‬

‫(‪ )3‬ابن خلدون‪ ،‬المقدمة‪( ،‬ص ‪.)429‬‬ ‫(‪ )4‬ابن خلدون‪ ،‬المقدمة‪( ،‬ص ‪.)413‬‬ ‫‪22‬‬

‫نفسه بتعلم احلساب أول أمره أنه يغلب عليه الصدق؛ ملا يف احلساب من صحة‬

‫املباين ومناقشة النفس‪ ،‬فيصري ذلك ُخلُقاً ويالزمه مذهباً" (‪.)1‬‬

‫‪ ‬الخالصة من مذهب ابن خلدون التربوي‪:‬‬

‫غايته هي صقل العقول‪ ،‬وتدريبها على الصواب‪ ،‬ال حشوها باملعلومات‪ ،‬ويقول‬ ‫معقباً بأسفه لتعليم الصبيان القرآن أوالً يف البيئة املغربية آنذاك‪ ،‬بقوله‪ " :‬يا غفلة أهل‬ ‫بالدنا يف إن يؤخذ الصيب بكتاب اهلل يف أول أمره يقرأ ما مل يفهمه"‪.‬‬ ‫‪ ‬الفرق بين مذهب القابسي التربوي ومذهب ابن خلدون‪:‬‬ ‫إن النظام الرتبوي الوارد يف "الرسالة املفصلة ألحوال املتعلمني وأحكام املعلمني‬ ‫واملتعلمني" أليب احلسن القابسي‪ ،‬خيتلف عن نظام ابن خلدون يف منحاه العقالين‪ ،‬العتماد‬ ‫القابسي أصول الرتبية التقليدية ذات اهلدف الديين الصرف‪ ،‬فنظامه مع ّد لتعليم أبناء‬ ‫املسلمني كتاب اهلل ومبادئ دينهم‪.‬‬ ‫فنظام القابسي نظام تقليدي قائم على العرف والعادة‪ ،‬ونظام ابن خلدون الرتبوي‬ ‫عقالين‪ ،‬ثوري صاحل لكل زمان ومكان‪ ،‬وهذا ليس استنقاص ملذهبه وإمنا توضيحاً للفرق‬ ‫بينهم‪.‬‬ ‫‪ .3‬نصائح القابسي للمعلم (‪:)2‬‬ ‫جنده ينصح املعلم بتوخي اإلنصاف‪ ،‬وتوقي املغريات املادية يف معاملة الصبيان‬ ‫يفضل بعضهم على‬ ‫وتعليمهم‪ ،‬فيقول‪ " :‬ومن حقهم عليه أن يعدل بينهم يف التعليم‪ ،‬وال ّ‬ ‫بعض‪ ،‬وإن تفاضلوا يف اجلُعل – اإلجارة أو أجرة التعليم – وإن كان بعضهم يكرمه باهلدايا‬ ‫واألرفاق إال أن يفضل من أحب تفضيله يف ساعة راحته بعد تفرغه من العدل بينهم"‪.‬‬ ‫(‪ )1‬ابن خلدون‪ ،‬المقدمة‪( ،‬ص ‪.)413‬‬

‫(‪ )2‬القابسي‪ ،‬أبو احلسن علي بن حممد‪ ،‬الرسالة المفصلة ألحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين‪،‬‬ ‫(ص‪.)25‬‬ ‫‪23‬‬

‫‪ .4‬رأيه في عملية التعليم الجماعي (‪:)1‬‬ ‫أما عن رأيه يف عملية التعليم جنده يُبدي سخطه على طريقة التعليم اجلماعي‪،‬‬ ‫خصوصاً إذا كان الطالب يتدارسون القرآن بصوت مجاعي؛ ألنه يرى أهنا متنع املعلم من‬ ‫التمييز بني قوي احلفظ وضعيفه‪ ،‬غري أنه ال حيكم عليها حكما مربماً إذ يذهب إىل حد‬ ‫السماح للمعلم باستعماهلا مىت شاء شريطة أن يتبع ُخطى كل تلميذ على حدة‪ ،‬فيقول يف‬ ‫وسألت هل للصبيان أو الكبار البالغني أن يقرؤوا يف سورة واحدة وهم مجاعة على‬ ‫ذلك‪ُ " :‬‬ ‫وجه التعليم؟‪ ،‬فإن كنت تريد يفعلون ذلك عند املعلم‪ ،‬فينبغي على املعلم أن ينظر فيما هو‬ ‫أصلح لتعلمهم‪ ،‬فيأمرهم به‪ ،‬ويأخذ عليم فيه‪ ،‬ألن اجتماعهم يف القراءة حبضرته ُخيفي عنه‬ ‫قوي احلفظ من الضعيف‪ ،‬ولكن إن كان على الصبيان من ذلك خفة‪ ،‬فيخربهم أنه سيعرض‬ ‫كل واحد منهم يف حزبه‪ ،‬فيؤدبه على ما كان من تقصري"‪.‬‬ ‫رأي القابسي في العقاب كوسيلة من وسائل التربية (‪:)2‬‬ ‫حيث القابسي املريب على اللجوء قبل الضرب إىل العدل والتقريع بالكالم الذي فيه‬ ‫التّوعد من غري شتم وال سب لعرض‪" ،‬كقول من ال يعرف ألطفال املؤمنني حقاً فيقول‪ :‬يا‬ ‫قرد فال يفعل هذا وال ما كان مثله يف القبح‪ ،‬فإن قلت له واحدة فلتستغفر اهلل‬ ‫مسخ! يا ّ‬ ‫ولتنته عن معاودهتا"‪.‬‬ ‫فينهي عن العقوبة الفاضحة بالشتم ومبتذل الكالم؛ إذ يرى أن قبيح اللفظ ال يفوه‬ ‫به املريب الورع إال إذا كان يف حالة غضبة أفقدته اتزانه‪ ،‬وقد تفضي به هذه احلالة النفسية إىل‬ ‫تسليط العقاب املادي على ضحيته بدافع االنتقام وتصريف الطاقة االنفعالية املكبوتة‪ ،‬وهذا‬ ‫من صميم علم النفس الرتبوي‪ ،‬فيقول يف ذلك‪ " :‬إمنا جتري األلفاظ القبيحة من لسان التقي‬ ‫إذا متكن الغضب من نفسه‪ ،‬وليس هذا مكان الغضب‪ ،‬وقد هنى الرسول عليه السالم أن‬ ‫(‪ )1‬القابسي‪ ،‬أبو احلسن علي بن حممد‪ ،‬الرسالة المفصلة ألحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين‪،‬‬ ‫(ص‪.)21-23‬‬

‫(‪ )2‬القابسي‪ ،‬أبو احلسن علي بن حممد‪ ،‬الرسالة المفصلة ألحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين‪،‬‬ ‫(ص‪.)33 -32‬‬ ‫‪24‬‬

‫يقضي القاضي وهو غضبان‪ ،‬وأمر عمر بن عبدالعزيز رمحه اهلل بضرب إنسان‪ ،‬فلما أقيم‬ ‫للضرب‪ ،‬قال‪ :‬اتركوه‪ ،‬فقيل له يف ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬وجدت يف نفسي غضباً عليه‪ ،‬فكرهت أن‬ ‫أضربه وأنا غضبان‪ ،‬قال أبو احلسن‪ :‬كذا ينبغي ملعلم األطفال أن يُراعي منهم حىت ُخيلص‬ ‫أدهبم ملنافعهم"‪.‬‬ ‫ويرى القابسي أنه من العدل أن يسقط املريب حب االنتقام من أغراض العقوبة‬ ‫التأديبية‪ ،‬فيقول يف ذلك‪ " :‬كذا ينبغي ملعلم األطفال أن يُراعي منهم حىت خيلص أدهبم‬ ‫ملنافعهم‪ ،‬وليس ملعلمهم يف ذلك شفاء من غضبه‪ ،‬وال شيء يريح قلبه من غيضه‪ ،‬فإن ذلك‬ ‫إن أصابه فإمنا ضرب أوالد املسلمني لراحة نفسه"‪ ،‬وما ذكره قبل ألف عام هو نظرية حديثة‬ ‫لعلماء النفس يف تفسري دوافع العقاب‪ ،‬فالرأي عندهم أن بعض املربني يعاقبون مدفوعني‬ ‫بالتنفيس غ=عن عقدة التسلط واخلضوع اليت تكونت يف صغرهم عندما كانوا مثل تالميذهم‬ ‫هدفاً للعقاب والقسوة من جاين أوليائهم ومعلميهم‪.‬‬ ‫وإن كان البد من العقاب املادي فينبغي أن يكون "رقيقاً وقصرياً"‪ ،‬فيحدد القابسي‬ ‫بإحلاح كبري عدد الضربات من واحدة إىل ثالث‪ ،‬وإذا زاد على ثالث فالرأي عنده أنه البد‬ ‫من استئذان ويل أمر الصيب قبل جتاوز احلد الشرعي‪ ،‬فيقول يف ذلك‪ " :‬إن اكتسب الصيب‬ ‫ُجرماً من أذى ولعب وهروب من الكتّاب وإدمان بطالة‪ ،‬فينبغي للمعلم أن يستشري أباه أو‬ ‫وصيّه إن كان يتيماً‪ ،‬ويعلمه جبرمه إذا كان يستاهل من األدب فوق الثالث‪ ،‬فتكون الزيادة‬ ‫على ا يوجبه التقصري يف التعليم عن إذن من القائم بأمر هذا الصيب"‪.‬‬ ‫وجند القابسي يشرتط شروط دقيقة يف حالة جتاوز املؤدب حدود العقاب الشرعي‪،‬‬ ‫وهذا للتضييق على من يلجأ إىل التأديب بالعنف‪ ،‬إذ مهما يكن األمر فال يُزاد عن ثالث‬ ‫ضربات إال إذا كان الصيب يف نظر القابسي " يُناهز االحتالم‪...‬سيء الرعية‪ ،‬غليظ اخلُلق‪،‬‬ ‫ال يُريعه وقوع عشر ضربات عليه‪ ،‬ويرى للزيادة عليه مكاناً وفيه حمتمل مأمون"‪.‬‬

‫‪25‬‬

‫الشروط التي يجب أن يلتزم بها المعلم في حالة تجاوزه الثالث ضربات‪:‬‬ ‫وضعها القابسي للتضييق على املؤدب واملريب يف حالة جتاوزه ثالث ضربات‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫‪ .1‬املطالبة مبعرفة نفسية الصيب املعاقب من جهة‪ ،‬وبتأك ّده من احتماله يف أمان أكثر‬ ‫من ذلك املقدار من الضرب‪ ،‬وهو أمر صعب ألنه يستوجب على املؤدب أن يكون‬ ‫دارساً للرتكيب الداخلي يف األجسام‪.‬‬ ‫‪ .2‬التعريف بنوعية الضرب املباح وهو‪" :‬ما مل يؤمل‪ ،‬وال يتعدى األمل إىل التأثري املشنع أو‬ ‫املضر"‪.‬‬ ‫الوهن ّ‬ ‫‪ .3‬تقنينه آللة الضرب‪ :‬هي الدرة (السوط)‪ ،‬والفلقة‪ ،‬كما ْينع استعمال اللوح أو العصا‬ ‫املؤذية‪ ،‬ويصف الدرة بقوله‪ " :‬ينبغي أن تكون رطبة مأمونة لئال تؤثر أثر سوء"‪ ،‬أما‬ ‫ما سواها فمحجر عليه استعماله‪ ،‬ألنه مل يؤذن للمعلم أن يضرب الصيب بعصا وال‬ ‫بلوح‪.‬‬ ‫‪ .4‬ال يستبيح القابسي الضرب إال يف الرجلني؛ "ألهنما أمحل لألمل يف سالمة"‪ ،‬أما رأس‬ ‫الصيب ووجه فينبغي جتنب ضرهبما‪ ،‬ويف هذا يستشهد القابسي بقول اإلمام‬ ‫سحنون‪":‬ال جيوز له أن يضرب فيهما‪ ،‬وضرر الضرب فيهما ّبني‪ ،‬قد يوهن الدماغ أو‬ ‫يطرف العني أو يؤثر أثراً قبيحاً فليتجنبا"‪.‬‬ ‫‪ .5‬يشرتط العدالة يف العقوبة‪ ،‬وذلك بأ‪ ،‬يناسب الضرب مع جسامة اجلُرم‪ ،‬ودرجة‬ ‫املسؤولية‪ ،‬فاملعلم وقتها يتعلم مع أكباد املسلمني فهو ملزم باحرتام أعراضهم‬ ‫وأبشارهم‪ ،‬فيقول يف ذلك‪ " :‬ويف بعض األحايني يُوقع الضرب‪ ...‬بقدر االستئهال‬ ‫الواجب يف ذلك اجلرم‪ ،‬لكنه يستدرك لتضييق جمال اإلجارة يقوله‪" :‬وإمنا هيا أعراض‬ ‫املسلمني وابشارهم فال يتهاون بغري احلق الواجب"‪.‬‬ ‫‪ .1‬يبيح القابسي دم املعلم شرعاً للقصاص اجلايف الذي يقسو يف تعنيف الصيب إىل ح ّد‬ ‫القتل‪.‬‬ ‫كل ما سبق من التشديد على املؤدب واملعلم بالعنف إمنا يُراد به نصحه باجتناب‬ ‫التشفي واالنتقام يف اإلصالح حىت ال ينقلب إصالحه إجرام‪.‬‬ ‫‪26‬‬

‫وسياسة العقوبة اليت وضعها القابسي كان القصد منها اتباع سياسة اللني يف التعليم‪،‬‬ ‫ملا يف العقوبة من أضرار نفسانية وجسدية حتيد هبا عن غرضها األصلي يف الرتبية وهو‬ ‫إصالح الفرد‪ ،‬كما أن من خملفاته زرع اخلوف يف النفس‪ ،‬واملباعدة بني املريب والطالب‪،‬‬ ‫فينقطع بذلك احلوار البناء بينهما‪ ،‬ويفقد املأخوذ بالشدة شيئاً فشيئاً ثقته بنفسه وشعوره‬ ‫بكرامته‪.‬‬

‫خالصة آراء القابسي التربوية‪:‬‬ ‫‪ .1‬وجوب تعليم الصبيان‪.‬‬ ‫‪ .2‬تعليم البنت حق‪ ،‬وبشروط‪.‬‬ ‫‪ .3‬منهج الدراسة‪ ،‬يذهب إىل أن الغاية الدينية هي اليت حتدد العلوم اليت يدرسها‬ ‫الصبيان‪ ،‬فيلزم الصبيان بتعلم القرآن أوالً وقبل كل شيء‪.‬‬ ‫‪ .4‬الدين أصل األخالق الرتبوية وذلك للمعلم واملريب والطالب‪.‬‬ ‫‪ .5‬توجيه الصبيان إىل العادات احلسنة وإبعادهم عن رذائل األخالق‪.‬‬ ‫‪ .1‬توجيه الصبيان إىل الطاعة والنظام‪.‬‬ ‫‪ .3‬احلث على اتباع سياسة اللني والرفق عند التعليم‪.‬‬ ‫‪ .1‬مشروعية العقوبة يف الرتبية والتعليم ولكن بشروط معقدة للحد من أثار العقوبة على‬ ‫الطالب‪ ،‬والنهي عن االنتقام يف العقاب‪ ،‬وأن تكون العقوبة على قدر الذنب‪ ،‬وال‬ ‫تتجاوز الثالث ضربات‪.‬‬ ‫‪ .9‬شروط اختيار املعلم‪:‬‬ ‫اشرتط القابسي يف املعلم عدة شروط‪:‬‬ ‫‬‫‬‫‪-‬‬

‫معرفته للقرآن الكرمي‪.‬‬ ‫معرفته للنحو والشعر وأيام العرب‪.‬‬ ‫صاحب شخصية دينية ومسعته الطيبة‪.‬‬ ‫‪27‬‬

‫‬‫‪-‬‬

‫‪-‬‬

‫‬‫‬‫‬‫‪-‬‬

‫يطالب املعلم بعدم االنشغال عن تعليم الصبيان‪.‬‬ ‫يطالب املعلم بعدم طلب اهلدايا من الطالب‪ ،‬أو إرسال تالميذهم يف قضاء‬ ‫حوائجهم‪ ،‬واحلصول على طعام بامسهم يف مناسبات األفراح‪.‬‬ ‫ال جيوز للمعلم أن يرتك عمله للصالة على اجلنازة أو السري فيها‪ ،‬أو عيادة املرضى‪،‬‬ ‫أو قبول شهادة البيع والنكاح‪ ،‬ورمبا من هنا جاءت فكرة عدم قبول شهادة املعلم‬ ‫الصبية ال لنقص فيه‪ ،‬ولكن؛ ألنه منهي عن االنشغال عن التعليم وهو واجبه‬ ‫بأعمال أخرى‪.‬‬ ‫أن يأخذ املعلم أجراً نظري عمله إما مشاهرة أو مساناة‪.‬‬ ‫إعطاء املعلم سلطة كبرية على الصيب تساوي سلطة الوالد‬ ‫حتميل املعلم املسئولية والنتيجة النهائية لعمله‪.‬‬ ‫ليس للمعلم أن يعتذر عن فساد النتيجة بنقص سلطته‪ ،‬أو إلقاء اللوم على الصبيان؛‬ ‫وهلذا صح عقاب املعلم وحماسبته على التقصري يف أعماله‪ ،‬وقد يصل العقاب إىل‬ ‫حد منعه من االشتغال بالتعليم‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫الخاتمة‬ ‫تبني أن ما كتبه‬ ‫مما سبق ومن خالل االستقراء حول موضوعات الرتبية احلديثة ّ‬ ‫العلماء واملربني األجالء واألفاضل هي وثائق تربوية كربى بالنسبة إىل العصور اليت ُكتبت‬ ‫فيها‪ ،‬وجتلّت منها ناحية ال يستهان هبا من نواحي تفكريهم‪ ،‬كما وجدنا عندهم وإن بُليت‬ ‫بعض آرائهم مبادئ ونظريات يف الرتبية صاحلة لزماننا‪ ،‬وحريّة بأن تبقى سنداً قوياً للرتبية‬ ‫العربية اإلسالمية‪ ،‬وأن حتتل مكانتها يف تاريخ املذاهب الرتبوية العاملية‪ ،‬وأن تدخل ميداهنا‬ ‫من الباب الكبري‪ ،‬وأن تلهمنا مواصلة السري يف طلب األمثل واألحسن‪.‬‬ ‫كما استفدنا فوائد مجّة من " "الرسالة المفصلة ألحوال المتعلمين وألحكام‬ ‫المعلمين والمتعلمين" أليب احلسن علي بن حممد بن خلف املعافري القابسي القرياوين‪،‬‬ ‫توضح لنا حياة كاملة للعامل الصغري الزاخر باحلركة يف‬ ‫فرسالته عبارة عن وثيقة قانونية تربوية‬ ‫ّ‬ ‫الكتاتيب حيث مل تتغري أساليب التعليم باملغرب واملشرق منذ القرون األوىل لإلسالم اللهم‬ ‫إال يف بعض احلاالت القليلة حينما يسعى املؤدبون أو الساهرون على حتفيظ كتاب اهلل يف‬ ‫تعصري أماكن الدرس‪.‬‬

‫تم بحمد اهلل‬

‫‪29‬‬

‫النتائج والتوصيات‬ ‫أوالا ‪ /‬النتائج‪:‬‬ ‫‪ .1‬وجوب تعليم الصبيان‪ ،‬والفتيات‪.‬‬ ‫‪ .2‬أن الغاية الدينية هي اليت حتدد العلوم اليت يدرسها الصبيان‪ ،‬فيلزم الصبيان بتعلم‬ ‫القرآن أوالً وقبل كل شيء‪.‬‬ ‫‪ .3‬أن الدين أصل األخالق الرتبوية وذلك للمعلم واملريب والطالب‪.‬‬ ‫‪ .4‬وجوب توجيه الصبيان إىل العادات احلسنة وإبعادهم عن رذائل األخالق‪.‬‬ ‫‪ .5‬وجوب توجيه الصبيان إىل الطاعة والنظام‪.‬‬ ‫‪ .1‬احلث على اتباع سياسة اللني والرفق عند التعليم‪.‬‬ ‫‪ .3‬مشروعية العقوبة يف الرتبية والتعليم ولكن بشروط‪.‬‬ ‫‪ .1‬شروط اختيار املعلم واملريب‪.‬‬

‫ثانيا ‪ /‬التوصيات‪:‬‬ ‫ أن يتم االستفادة من مثل هذه الرسالة‪ ،‬وذلك من خالل استنباط املضامني الرتبوية‬‫منها‪ ،‬وحمالة تطويرها لالستفادة منها يف الوقت احلاضر‪.‬‬ ‫ عمل مقارنات بني سياسات العلماء املربني يف الرتبية‪ ،‬واستخالص أهم املناهج‬‫الرتبوية منها‪.‬‬

‫‪31‬‬

‫المصادر والمراجع‬ ‫‪ ‬القرآن الكرمي‪.‬‬ ‫‪ ‬ابن خلدون‪ ،‬عبدالرحمن‪ ،‬المقدمة‪ ،‬دار التراث العربي – بيروت‪.‬‬ ‫‪ ‬ابن خلكان‪ ،‬أبو العباس مشس الدين أمحد بن حممد بن إبراهيم بن أيب بكر‪ ،‬وفيات األعيان‬ ‫وأنباء أبناء الزمان‪ ،‬حتقيق‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬دار صادر – بريوت‪.‬‬ ‫‪ ‬ابن ماكوال‪ ،‬سعد امللك‪ ،‬أبو نصر علي بن هبة اهلل بن جعفر‪ ،‬اإلكمال في رفع االرتياب عن‬ ‫المؤتلف والمختلف في األسماء والكنى واألنساب‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪-‬بريوت‪-‬لبنان‪،‬‬

‫ط‪1411 ،1:‬ه – ‪ 1993‬م‪ ،‬عدد األجزاء‪.3 :‬‬

‫‪ ‬أبو العرب‪ ،‬حممد بن أمحد بن متيم التميمي املغريب اإلفريقي‪ ،‬طبقات علماء إفريقية‪ ،‬وكتاب‬ ‫طبقات علماء تونس‪ ،‬دار الكتاب اللبناين‪ ،‬بريوت – لبنان‪.‬‬ ‫‪ ‬األصفهاىن‪ ،‬أبو القاسم احلسني بن حممد املعروف بالراغب‪ ،‬المفردات في غريب القرآن‪،‬‬ ‫حتقيق‪ :‬صفوان عدنان الداودي‪ ،‬دار القلم‪ ،‬الدار الشامية ‪ -‬دمشق ‪ -‬بريوت‪ ،‬ط‪1412 ،1:‬‬ ‫هـ‪.‬‬ ‫‪ ‬البيضاوي‪ ،‬ناصر الدين أبو سعيد عبد اهلل بن عمر بن حممد الشريازي‪ ،‬أنوار التنزيل وأسرار‬ ‫التأويل‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عبد الرمحن املرعشلي‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب – بريوت‪ ،‬ط‪،1:‬‬ ‫‪ 1411‬ه‪.‬‬ ‫‪ ‬جهود القابسي التربوية‪،‬‬

‫‪https://sites.google.com/site/altrbytealaslamyte/Home/jhwd-‬‬

‫‪. alqabsy-altrbwyte‬‬

‫‪ ‬الذهيب‪ ،‬مشس الدين أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن عثمان بن قَ ماْياز‪ ،‬سير أعالم النبالء‪ ،‬دار‬ ‫احلديث ‪ -‬القاهرة‪1423 ،‬هـ‪2331-‬م‪ ،‬عدد األجزاء‪.11 :‬‬

‫‪ ‬الذهيب‪ ،‬مشس الدين أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن عثمان‪ ،‬تاريخ اإلسالم َوَوفيات المشاهير‬

‫عواد معروف‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي ط‪ 2333 ،1:‬م‪ ،‬عدد‬ ‫َواألعالم‪ ،‬حتقيق‪ :‬الدكتور بشار ّ‬ ‫األجزاء‪15 :‬‬

‫‪ ‬الذهيب‪ ،‬مشس الدين أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن عثمان‪ ،‬تذكرة الحفاظ‪ ،‬دار الكتب‬ ‫العلمية – بريوت – لبنان‪ ،‬ط‪1419 ،1:‬هـ ‪ 1991 -‬م‪ ،‬عدد األجزاء‪.4 :‬‬ ‫‪ ‬الزركلي‪ ،‬خري الدين بن حممود بن حممد بن علي بن فارس‪ ،‬األعالم‪ ،‬دار العلم للماليني‪،‬‬ ‫ط‪ 2332 ،15:‬م‪.‬‬ ‫‪30‬‬

‫‪ ‬الشريازي‪ ،‬أبو اسحاق إبراهيم بن علي‪ ،‬طبقات الفقهاء‪ ،‬هذبهُ‪ :‬حممد بن مكرم ابن منظور‪،‬‬ ‫حتقيق‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬دار الرائد العريب‪ ،‬بريوت – لبنان‪ ،‬ط‪1933 ،1:‬م‪.‬‬ ‫‪ ‬الصفدي‪ ،‬صالح الدين خليل بن أيبك بن عبد اهلل‪ ،‬الوافي بالوفيات‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد‬ ‫األرناؤوط‪ ،‬وتركي مصطفى‪ ،‬دار إحياء الرتاث – بريوت‪1423 ،‬هـ ‪2333 -‬م‪ ،‬عدد‬ ‫األجزاء‪.29 :‬‬

‫‪ ‬القابسي‪ ،‬أبو احلسن علي بن حممد‪ ،‬الرسالة المفصلة ألحوال المتعلمين وأحكام المعلمين‬ ‫والمتعلمين‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد خالد‪ ،‬الشركة التونسية للتوزيع‪ ،‬ط‪1911 ،1:‬م‪.‬‬ ‫‪ ‬اليحصيب‪ ،‬أبو الفضل القاضي عياض بن موسى‪ ،‬ترتيب المدارك وتقريب المسالك‪ ،‬حتقيق‪:‬‬ ‫سعيد أمحد أعراب‪ ،‬مطبعة فضالة ‪ -‬احملمدية‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪1913-1911 ،1:‬م‪ ،‬عدد‬ ‫األجزاء‪.1:‬‬ ‫‪ ‬اليعمري‪ ،‬إبراهيم بن علي بن حممد‪ ،‬ابن فرحون‪ ،‬برهان الدين‪ ،‬الديباج المذهب في معرفة‬ ‫أعيان علماء المذهب‪ ،‬حتقيق وتعليق‪ :‬الدكتور حممد األمحدي أبو النور‪ ،‬دار الرتاث للطبع‬

‫والنشر – القاهرة‪ ،‬عدد األجزاء‪.2:‬‬

‫‪32‬‬

‫فهرس الموضوعات‬ ‫م‬

‫الموضوع‬

‫الصفحة‬

‫‪1‬‬

‫املقدمة‪......................................................‬‬

‫‪2‬‬

‫‪2‬‬

‫الفصل األول‪ :‬ترمجة للعامل والفقيه أبو احلسن علي القابسي‪.......‬‬

‫‪5‬‬

‫‪3‬‬

‫املبحث األول ‪ /‬نشأته وحياته‪.................................‬‬

‫‪6‬‬

‫‪4‬‬

‫املطلب األول‪ /‬التعريف بالعامل الفقيه "القابسي"‪.................‬‬

‫‪6‬‬

‫‪5‬‬

‫املطلب الثاين‪ /‬نشأته وحياته‪...................................‬‬

‫‪7‬‬

‫‪6‬‬

‫املطلب الثالث ‪ /‬أقوال العلماء فيه‪.............................‬‬

‫‪8‬‬

‫‪7‬‬

‫املبحث الثاين‪ /‬نشاطه العلمي‪ ،‬شيوخه وتالمذته‪ ،‬وأهم مؤلفاته‪....‬‬

‫‪11‬‬

‫‪8‬‬

‫املطلب األول ‪ /‬نشاطه العلمي‪................................‬‬

‫‪11‬‬

‫‪9‬‬

‫املطلب الثاين ‪ /‬شيوخه وتالمذته‪...............................‬‬

‫‪11‬‬

‫‪ 11‬املطلب الثالث ‪ /‬أهم مؤلفاته‪..................................‬‬

‫‪13‬‬

‫‪ 11‬الفصل الثاين‪ :‬التعريف بكتاب "الرسالة املفصلة ألحوال املتعلمني‬

‫‪15‬‬

‫وألحكام املعلمني واملتعلمني"‪.................................‬‬ ‫‪ 12‬املبحث األول‪ :‬التعريف مبحتوى الكتاب‪........................‬‬

‫‪16‬‬

‫‪ 13‬املبحث الثاين‪ :‬أهم األفكار الرتبوية املستنبطة من الكتاب‪........‬‬

‫‪19‬‬

‫‪ 14‬اخلامتة‪.......................................................‬‬

‫‪29‬‬

‫‪ 15‬النتائج والتوصيات‪............................................‬‬

‫‪31‬‬

‫‪ 15‬املصادر واملراجع‪.............................................‬‬

‫‪31‬‬

‫‪ 16‬فهرس املوضوعات‪............................................‬‬

‫‪33‬‬

‫‪33‬‬