حماية البيئة

Page 1

‫الحماية الجنائية للبيئة‬ ‫المستشار الدكتور ‪ /‬أسامة عبد العزيز‬ ‫أصبحت قضية إنقاذ البيئة تشكل أقصي تحديات النسان في القرن الجديد ‪ ،‬فهو الذي صنع بيده مشكلة تلويث البيئة وهو‬ ‫وحده الذي عليه إنقاذها ‪ ،‬لذا يتطلب العصر القادم ثقافة جديدة يطلق عليها ثقافة البقاء‬

‫الاماية الانائية للبيئة‬

‫أصبحت قضية إنقاذ البيئة تشكل أقصي تحديات النسان في القرن الجديد ‪ ،‬فهو الذي صنع‬ ‫بيده مشكلة تلويث البيئة وهو وحده الذي عليه إنقاذها ‪ ،‬لذا يتطلب العصر القادم ثقافة جديدة‬ ‫يطلق عليها ثقافة البقاء ‪ ، Culture of Permanence‬وقوامها أن يفي الجيل الحالي للبشرية‬ ‫باحتياجاته دون إضاعة الفرصة علي الجيال القادمة ‪ ،‬ولكي يستمر بقاء الجنس البشري في هذه‬ ‫الرض يتطلب المر مراجعة والتزام بتغيير موقف النسان من الطبيعة وعلقته معها ‪ ،‬علها أن‬ ‫تكون دعوة للعودة إلي قداسة الطبيعة وتقوية الرابطة العاطفية بينها وبين البشر جميعا‪.‬‬

‫]‪[1‬‬


‫الحفاظ على البيئة أصبح قيمة ل يمكن تجاهلها‬

‫إن احترام البيئة ل بد وأن ينبع من أساس إنساني يتمثل في دور النسان في مراجعة وتغيير‬ ‫مواقفه حيال الطبيعة وعلقته معها ‪ ،‬وذلك من خلل قواعد متفق عليها تمثل الحد الدني لما‬ ‫يمكن أن يبذله الفرد في المجتمع في السهام في الحفاظ علي تلك البيئة‪.‬‬ ‫وكثيرا ما ذهب البعض إلي عدم ملءمة استخدام القانون الجنائي أداة لتقرير حماية البيئة علي‬ ‫أساس أن هذا القانون يواجه السلوك الفردي بينما ينبع العتداء علي البيئة من سلوك جماعي‬ ‫تراكمي أكثر مما ينتج عن سلوك فردي ‪ ،‬وبالتالي يكون القانون الداري وفقا لهذا الرأي هو الكثر‬ ‫ملءمة لتقرير هذه الحماية ‪ ،‬فقد مال الراجح من الرأي إلي غير ذلك مؤكدا علي أن القانون‬ ‫الجنائي هو المنوط بتقرير تلك الحماية ‪ ،‬باعتباره القانون الذي يعبر أصدق تعبير عن المصالح‬ ‫والقيم الجتماعية الساسية ويواجه المساس بها ‪ ،‬مما يتطلب اعتبار العتداء علي البيئة جريمة‬ ‫يعاقب عليها القانون ]‪. [1‬‬

‫]‪[2‬‬


‫حماية البيئة حماية لقيمة جوهرية في المجتمع‬

‫وإذا كان القانون الجنائي‪ -‬عموما‪ -‬يستهدف حماية القيم الجوهرية للمجتمع والمصالح الساسية‬ ‫للفراد ‪ ،‬سواء كانت هذه القيم أو المصالح جديرة في ذاتها بالحماية ‪ ،‬أم اعتبرها المشرع كذلك‬ ‫بالنظــر لجملــة إعتبـــارات معقــدة يقـــدرهــا هو ‪ ،‬فقانون العقوبات يحمي الحق في الحياة‬ ‫والحق في سلمة البدن )بتجريم القتل و الضرب والجرح وإحداث العاهات( ‪ ،‬وكذا يحمي الشرف‬ ‫والعتبار )بتجريم السب والقذف وإفشاء السرار( ‪ ،‬وكذلك يصون الملكية الفردية )بتجريم السرقة‬ ‫والنصب وخيانة المانة( ‪ ،‬فكل المثلة السابقة ‪ ،‬وإن كانت تمثل قيـــما جوهرية ‪ ،‬فإن المر ل يخلو‬ ‫من حماية بعض القيم أو المصالح المعتبرة من وجهة نظر المشرع جديرة بالحماية بحسب ظروف‬ ‫الزمان والمكان ]‪.[2‬‬

‫وبينما كانت الجرائم التي يتضمنها القانون الجنائي يشترط أن تصيب نوعا من الثبات‬ ‫والستقرار ‪ ،‬وخاصة فيما يتعلق بعناصر التجريم ‪ ،‬وهي ما كان يطلق عليها الجرائم الطبيعية التي‬ ‫ل تتغير بتغير الزمان والمكان ‪ ،‬لذا فقد وجدت مكانها الطبيعي في المدونة العقابية منذ زمن بعيد‬ ‫في معظم النظمة القانونية ‪ ،‬بيد أن المر جد مختلف فيما يتعلق بجرائم البيئة ذلك أن تلك الجرائم‬ ‫لم يكتشف ضررها إل في وقت حديث نسبيا ‪ ،‬فكل النشطة التي تعتبر اعتداء علي البيئة مما يسبب‬ ‫مسئولية جنائية ‪ ،‬مسائل متغيرة ‪ ،‬تتوقف كثيرا علي ما يقرره العلم والبحاث الحديثة ‪ ،‬وطبيعي أن‬ ‫جرائم مثل تلك من الممكن أن تتغير في أي وقت وتحت أي ظروف بيد أن ذلك ل يمنع من ضرورة‬ ‫احتوائها جنائيا ‪ ،‬وبذلك يكون المجال مفتوحا بشكل أكثر وضوحا في القوانين الجنائية الخاصة ]‪.[3‬‬

‫]‪[3‬‬


‫أنشطة العتداء على البيئة مسائل متغيرة تخضع لما يقرره العلم والبحاث الحديثة‬

‫فعندما تتفاقم الخطار التي تهدد بيئة النسان ‪ ،‬فل بد أن يتدخل القانون الجنائي لبسط حمايته‬ ‫علي المجالت التي يحيا فيها وبها النسان ‪ ،‬وتكون محركا لغرائزه الداخلية العدائية التي تترجمها‬ ‫جوارحه في أعمال عدوان علي ما عداه من مخلوقات ‪ ،‬سواء كانت حيوانات أو نباتات أو حتي‬ ‫أشياء جامدة ]‪ ، [4‬فبدون الجزاء الجنائي لن تتحقق لي من القوانين التنظيمية الفعالية الكافية‬ ‫لمواجهة كافة أفعال العتداء علي هذه القيمة الساسية من قيم المجتمع )البيئة( ]‪.[5‬‬

‫وإذا كانت النظم القانونية تعهد لقواعد قانون العقوبات بحماية الحقوق الجديرة بالرعاية‬ ‫ذات الهمية الجتماعية فإن تدخل هذه القواعد بتجريم المساس بالبيئة المحيطة أصبح أمـــــرا‬ ‫جوهريا وحتميا نظرا للضرار التي يخلفها التلوث البيئي علي حقوق النسان ‪ ،‬لذا فقد ذهب الراجح‬ ‫من الرأي ‪ ،‬وبحق ‪ ،‬إلي اعتبار هذا النوع من الفعال يشكل إخلل ً بركيزة أولية للوجود الجتماعـي‬ ‫في ذاته ‪ ،‬نظرا لمساسه بالصحة العامة لفراد المجتمع ‪ ،‬ومن ثم وجب أن يتدخل القانون الجنائي‬ ‫في حمايته ]‪ ، [6‬فركيزة الوجود الجتماعي لبد في سبيل صيانتها علي نحو فعال ‪ ،‬من أن يمتد‬ ‫العقاب ل إلي السلوك المخل بها مباشرة فحسب ‪ ،‬وإنما إلي كل سلوك يعد خطوة في الطريق‬ ‫إلي ذلك الخلل المباشر ]‪.[7‬‬

‫]‪[4‬‬


‫ولما كنا ل ننتظر من النص الجنائي‪ -‬وليس من وظيفته ‪ -‬أن يغير أو يمحو من الوجود‬ ‫السباب و العوامل الدافعة للجرام ‪ ،‬تلك العوامل الجتماعية أو القتصادية أو النفسية أوالبيئية ‪،‬‬ ‫لن النص الجنائي لم يوضع أصل َ لمكافحة هذه العوامل ‪ ،‬بل ما قد يترتب عليها من آثار إجرامية ‪،‬‬ ‫لذا فقد كان لزاما ًمعالجة تدخل القانون الجنائي لمثل هذه العوامل بطريقة خاصة تضمن تحقيق‬ ‫الهدف المنشود وهو ) توفير بيئة ملئمة صالحة لحياة النسان( ]‪ ،[8‬وذلك بتجريم الصور المختلفة‬ ‫للعتداء علي البيئة ‪ ،‬حيث إن المشرع غالبا ما يضطر إلي العتمـــــــاد علي الجزاء الجنائي‬ ‫لضمان احترام المكلفين بالقواعد القانونية ‪ ،‬وخاصة الكثر خطورة والمتعلقة بالمشاكل البيئية ]‪. [9‬‬

‫وبهذا يبدو دور القانون الجنائي كحارس لركائز الكيان الجتماعي ومربي مهذب للشعوب ]‬ ‫‪ ، [10‬كما يأتي دوره في حماية البيئة بحسبانها أحد القيم المجتمعية الجديدة التي برزت علي‬ ‫الساحة والتي أصبحت ترقي علي غيرها من بعض القيم التي يحميها القانون الجنائي‪ ،‬فالحال هنا‬ ‫ل يتعلق بحق فردي أو حتى بحقوق مجموعة من الفراد‪ ،‬بل أصبح يتعلق بحق الجماعة بأسرها ‪،‬‬ ‫يمس أسس بقائها وشرائط استمرارها وعوامل وجودها وتطورها ]‪.[11‬‬

‫البيئة النظيفة حق من حقوق النسان‬

‫]‪[5‬‬


‫وتأكيدا لهذا التجاه جاء قرار المجلس الوزاري الوربي لقانون البيئة ‪ ،‬والمتعلق بمساهمة‬ ‫القانون الجنائي في حماية البيئة ‪ ،‬حيث تقضي المادة الولي منه أن " البيئة تشكل قيمــــــة‬ ‫أساســـية كالحياة أو الملكية الخاصة أو العامة ‪ ،‬لذلك يجب حماية البيئة بذات القدر في القانون‬ ‫الجنائي ‪ ،‬وبجانب القتل والسرقة ‪ ،‬يجب أن يتضمن كل قانون عقوبات تجريما أو أكثر للتلوث‬ ‫وللضرار والنتهاكات الخري للطبيعة " ]‪.[12‬‬

‫وتنبغي الشارة إلي أن هذا القانون يتحلي بذاتية خاصة تنطبع علي نصوصه ‪ ،‬لذا تسمي‬ ‫"بقانون عقوبات البيئة " ‪ ،‬وذلك علي غرار العديد من فروع قانون العقوبات الحديثة ‪ ،‬ذلك أن‬ ‫التخصص النوعي قد امتد إلي ميدان القانون الجنائي ‪ ،‬حيث ظهر القانون الجنائي الضريبي ‪،‬‬ ‫والقانون الجنائي لحماية المستهلك ‪ ،‬والقانون الجنائي للعمال ‪ ،‬والقانون الجنائي الطبي ‪ ،‬فإنه‬ ‫يبدو من المقبول ‪ ،‬القول بوجود القانون الجنائي البيئي وهو يعني بدراسة الظاهرة الجرامية‬ ‫التي تشكل اعتداء غير مشروع علي البيئة ‪ ،‬بالمخالفة للقواعد النظامية التي تحظر ذلك العتداء ‪،‬‬ ‫كما يهتم ببيان العقوبات المقررة للعمال غير المشروعة من الناحية البيئية ‪.[13‬‬ ‫ومرجع نشأة هذا الفرع من فروع القانون )القانون الجنائي البيئي ( إلي تغلغل الجزاء‬ ‫الجنائي في قوانين حماية البيئة ‪ ،‬ولقد كان موضوع دور القانون الجنائي في حماية البيئة والطبيعة‬ ‫ضمن أعمال المؤتمر الثامن للمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين الذي عقد في هافانا‬ ‫‪ ، 1990‬حيث نص أحد قرارات المؤتمر الخاصة علي أن " أن المؤتمر يدرك وجود حماية البيئة في‬ ‫حد ذاتها بمختلف مكوناتها بوصفها دعامة الحياة وقوامها‪.‬ومع الخشية من حدوث كوارث بيئية نتيجة‬ ‫الضطرابات في النظام اليكولوجي ‪ ،‬يدرك ضرورة بذل جهود دولية مكثفة من أجل إنقاذ البيئة‬ ‫وحمايتها من التدهور ‪ ،‬فمن الواجب اتخاذ التدابير اللزمة في ميدان القانون الجنائي إلي جانــب‬ ‫التدابيـــر المنصــــــوص عليها في القانون الداري والمدني ‪.‬‬ ‫ويتأتي ذلك بإصدار قوانين جنائية وطنية تستهدف حماية الطبيعة والبيئة والشخاص‬ ‫المهددين بتدهورهما ‪ ،‬أو بتعديل ما هو موجود من هذه القوانين من جهة ‪ ،‬وتنفيذ ما هو قائم من‬ ‫قوانين تتعلق بحماية البيئة من جهة أخرى ]‪ . [14‬ويعني هذا القانون بدراسة الظاهرة الجرامية‬ ‫ء غير مشروع ضد البيئة بالمخالفة للقواعد النظامية التي تحظر هذا العتداء ‪.‬‬ ‫التي تشكل اعتدا ً‬

‫]‪[6‬‬


‫شعار المحكمة الجنائية الدولية‬

‫كما برز في المؤتمر التاسع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين الدور الذي يمكن أن يضطلع‬ ‫به القانون الجنائي في حماية البيئة على الصعيدين الوطني والدولي باعتبار أن البيئة تمثل قيمة‬ ‫أساسية يجب صيانتها لهميتها القتصادية‬ ‫كما يشار إلى أن اعتبار العبث بالبيئة في بعض صوره أضحى من قبيل جرائم الحرب التي‬ ‫تستوجب تدخل المجتمع الدولي بأسره للتصدي لها ‪ ،‬فنجد أن نظام روما الساسي للمحكمة‬ ‫الجنائية الدولية قد انتظم في مادته الثامنة تحت عنوان جرائم الحرب في الفقرة )‪)(2‬ب( ‪ 4/‬والتي‬ ‫تجري علي أن " يكون للمحكمة اختصاص فيما يتعلق بجرائم الحرب ‪ ،‬ول سيما عندما ترتكب في‬ ‫إطار خطة أو سياسة عامة أو في نطاق عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم )‪ (2‬لغرض‬ ‫هذا النظام الساسي تعني جرائم الحرب أ‪.....................-‬‬ ‫)ب( النتهاكات الخطيرة الخرى للقوانين والعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة‬ ‫في النطاق الثابت للقانون الدولي ‪ ،‬أي فعل من الفعال التية ‪:‬‬ ‫‪4‬ـ تعمد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الرواح أو عن‬ ‫إصابات بين المدنيين أو عن إلحاق أضرار مدنية أو إحداث أثر واسع النطاق وطويل الجل وشديد‬ ‫للبيئة الطبيعية يكون إفراطه واضحا بالقياس إلي المكاسب العسكرية المتوقعة الملموسة‬ ‫المباشرة ]‪.[15‬‬

‫ول يفوتنا أن نشير إلى أنه بالنسبة إلي التجاه الذي غلب القانون الجنائي كأداة لتقرير حماية البيئة‬ ‫عن غيره من القوانين ‪ ،‬فقد ذهب إلي إخضاع هذه الحماية إلي أحكام خاصة قد ل تتفق مع‬ ‫الحكام العامة لقانون العقوبات في مجملها ‪ ،‬وهذه الحكام الخاصة تكون علي مستوى‬ ‫المسئولية الجنائية أو علي مستوى العقوبات و التدابير ‪ ،‬مما قد يتطلب إضفاء ذاتية خاصة علي‬ ‫نصوصه ‪.‬‬

‫]‪ [1‬د‪.‬أحامد فتحي سرور ‪ ،‬كلامته في التؤتر السادسس للجامعية الرصرية للقانون الانائي ص ‪.12‬‬

‫]‪[7‬‬


‫]‪ [2‬في هذاس العاني ‪ ،‬د‪.‬سليامانس عبد الانعم ‪ ،‬الانظرية العامةس لقانون العقوباتس ‪ ،‬دارس الامعةس الديدةس للانشر ‪ ، 2000،‬ص ‪. 18‬‬ ‫]‪ [3‬د‪ .‬نور الدين هانداوي ‪ ،‬الاماية الانائية للبيئة ‪ ،‬دراسة مقارنةس ‪ ،‬دار الانهضة العربية ‪ ، 1985 ،‬ص ‪. 35‬‬ ‫]‪ [4‬د‪ .‬محامد متؤنس محب الدين ‪ ،‬البيئة في القانون الانائي ‪،‬ص ‪6‬‬

‫]‪ [5‬د‪ .‬نور الدين هانداوي ‪ ،‬السياسة التشريعية والدارة التانفيذية لاماية البيئة ‪ ،‬تقرير مقدمس الي التؤتر الول للقانونيي الرصريي عن الاماية القانونية للبيئة ‪ ،‬مجاموعة أعامال التؤتر ‪ ،‬فبراير ‪ 1992‬ص ‪6‬‬ ‫]‪ [6‬د‪ .‬عرصام أحامد محامد ‪ ،‬ال ق في بيئة ملئامة كأحد حقوق النسانس ‪ ،‬ص ‪. 172‬‬

‫]‪ [7‬د‪ .‬رمسيس بهانام ‪ ،‬نظرية التجري في القانون الانائي ‪ ،‬معيارس سلطة العقاب تشريع ًا وتطبيق ًا ‪ ،‬مانشأةس العارف ‪ 1971 ،‬ص ‪. 20‬‬ ‫]‪ [8‬د‪ .‬محامدس متؤنس محب الدين ‪ ،‬الرهاب الرصامت ‪ ،‬العتداء علي البيئة ‪ ،‬بحث مانشور في مجلة الشرطة العددس الامسس عشر‪ ،‬ص ‪.210‬‬

‫]‪ [9‬د‪ .‬سحر حافظس ‪ ،‬الاماية الانائية للبيئة ‪ ،‬دراسة مقارنة ‪ ،‬بحث مانشور في الجلة الانائية القومية ‪ ،‬الجلدس ‪ ،1992 ، 35‬العددس الول ‪ ،‬ص ‪. 2‬‬ ‫]‪ [10‬د‪ .‬رمسيس بهانام ‪ ،‬نظرية التجري في القانون الانائي ‪،‬ص ‪.28‬‬

‫]‪ [11‬د‪.‬نور الدين هانداوي ‪ ،‬الاماية الانائية للبيئة ‪ ،‬دار الانهضة العربية ‪ ،‬القاهرةس ‪ ، 1985‬ص ‪. 11‬‬ ‫‪[12] C.E. Comite Europeen pour les Prolemes Criminels, la Contribution du Droit Penal a la protection de‬‬ ‫‪Lenvironnement, puplication de C.E.,Strasbourg 1978,p12.‬‬ ‫]‪ [13‬د‪ .‬أحامد عبد الكري سلمةس ‪ ،‬قانون حاماية البيئة ‪ ،‬ص ‪.27‬‬ ‫]‪ [14‬كاماس أضافس القرار أنه "س ويجب أن تتضامن هذه التدابيرس ضامانس قيام الهيئاتس العامةس والاصةس التي تباشر أنشطة خطرة علي البيئة بوضع الشواغل البيئية ضامن أهدافهاس القترصاديةس والالية ‪ ،‬وأن تتخذس ماس يلزمس من‬

‫إجراءات لعادةس البيئة ‪ ،‬إذا ماس أصيبت بأضرارس إلي حالتها الصلية ‪ ،‬كاماس يجب أن يتحق ق النسجام بيس القواني علي الستوييس الوطاني والدوليس ‪ ،‬ولسياما في البلدس التي تانتامي إلي نظام أيدلوجي واحدسعي ًا إلي الوصول‬

‫إلي أعلي الستوياتس في حاماية البيئة ‪.‬‬

‫]‪ [15‬الادةس الثامانة من نظام روماس الساسي للامحكامة الانائية الدولية ‪.‬‬

‫المصدر ‪http://knol.google.com/k/dr-osama-abdelaziz/%D8%A7%D9%84%D8%AD :‬‬ ‫‪%D9%85%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC‬‬ ‫‪%D9%86%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%A8%D9%8A‬‬ ‫‪%D8%A6%D8%A9/rdiijgelgcrh/33#‬‬

‫]‪[8‬‬


‫مبدأ إقليمية القانون الجنائي‬ ‫إن من أهم الموضوعات التي تندرج تحت مسألة السيادة الوطنية هي سيادة الدولة علي إقليمها ورعاياها ‪ ،‬والتي يمكن‬ ‫التعبير عنها في المجال الجنائي بالولية القضائية علي ما يرتكب في إقليمها من جرائم ‪ ،‬ويعد هذا المبدأ من أهم ركائز‬ ‫الختصاص الجنائي في جميع أنظمة العدالة الجنائية ‪ ،‬ويسمي مبدأ إقليمية القانون الجنائي ‪ ،‬ومؤداه سيادة قوانين الدولة‬ ‫الوطنية علي إقليمها واستبعاد أي قانون أجنبي آخر ]‪.[1‬‬

‫‪ ،‬ومبدأ القليمية‬ ‫هو المبدأ القائل بتطبيق وسريان التشريع الجنائي الوطني علي الجرائم المرتكبة علي إقليم الدولة دون غيرها بصرف‬ ‫النظر عن جنسية الجاني أو المجني عليه سواء كان وطنيا أم أجنبيا ‪ ،‬وبصرف النظر أيضا عن المصلحة التي أهدرتها‬ ‫الجريمة ‪ ،‬ولو كانت تخص مصلحة دولة أجنبية ‪ ،‬فلمبدأ القليمية شقان ‪ ،‬شق إيجابي مؤداه وجوب تطبيق التشريع الجنائي‬ ‫علي كل جريمة تقع في إقليم الدولة ول يجوز ادعاء تطبيق تشريع أجنبي علي هذا القليم ‪ ،‬وشق سلبي مؤداه انحسار‬ ‫تطبيق التشريع الجنائي الوطني خارج إقليم الدولة ]‪. [2‬‬

‫وتقع الجريمة – أو تعتبر واقعة – علي إقليم الدولة في الحالت التية ‪:‬‬

‫وقوع الجريمة بكامل ركنها المادي علي إقليم الدولة ‪:‬‬ ‫]‪[9‬‬


‫ويشمل الركن المادي عناصر ثلثة ‪ ،‬السلوك ‪ ،‬والنتيجة ‪ ،‬وما يربط بينهما من صلة سببية‪.‬‬ ‫تحقق أحد عناصر الركن المادي فحسب علي إقليم الدولة ‪.‬‬ ‫حيث تعتبر الجريمة مرتكبة علي إقليم الدولة ولو تحققت النتيجة الجرامية في خارج القليم ‪.‬‬ ‫تحقق جزء من عنصر السلوك علي إقليم الدولة‬ ‫وتمثل هذه الحالة مظهرا ملحوظا للتوسع في إعمال مبدأ القليمية ‪ ،‬إذ يكفي وقوع السلوك في جزء منه في‬ ‫إقليم الدولة ولو تحقق باقي السلوك في دولة أخري ]‪.[3‬‬

‫ولقد كان من أهم النتائج السلبية لمبدأ القليمية أن باتت الدول تعاني من هروب الجناة خارج اقليمها مستغلة في ذلك‬ ‫سهولة عبور الحدود ‪ ،‬وما قد يحصلون عليه من حماية قضائية من خلل الدول التي يفرون إليها لسيما إذا حصلوا علي‬ ‫حق اللجوء السياسي في هذه الدول ‪.‬‬

‫ولقد انعكست هذه النتائج السلبية علي وسائل الملحقة القضائية ‪ ،‬فأضحت الدول ل تستغني عن التفاقيات الثنائية في‬ ‫تسليم المجرمين ونقل المحكوم عليهم خارج النطاق القليمي للدولة ‪ ،‬سيما في مجال الجرائم التي نحن بصددها فهي‬ ‫جرائم ل حدود لها ‪ ،‬فجرائم تلوبث البيئة علي نحو ما ذكرنا هي جرائم تمتد آثارها لتعبر حدود الدولة التي ارتكبت فيها ‪،‬‬ ‫فقد يمارس النشاط الملوث في مكان وتتحقق النتيجة في مكان آخر ‪ ،‬سواء كان هذا المكان في ذات الدولة أو في دولة‬ ‫أخري ‪ ،‬وهذه الملحظة عن المتداد المكاني للنتيجة دعت الدول لحل هذه المشكلة ‪ ،‬وذلك بعقد التفاقيات الدولية‬ ‫لتنظيم سبل مكافحة هذا النوع من الجرام ‪.‬‬

‫]‪[10‬‬


‫مؤتمر هامبورج بشأن الحماية الجنائية للوسط‬ ‫الطبيعي‬

‫قرر مؤتمر هامبورج بشأن الحماية الجنائية للوسط الطبيعي ]‪ [4‬المنعقد في سبتمبر من عام ‪ " 1979‬أنه ل تستقيم‬ ‫المور بمحاولة الحمابة الجنائية للبيئة علي المستوي القومي ‪ ،‬ولكن ل بد أن يتعدي ذلك إلي المستوي الدولي لمواجهة‬ ‫كل صور الضرار بالبيئة ‪ .‬والذي يمكن ان يصيب بالضرر دول ً أخري غير التي مورس بها النشاط ‪.‬‬

‫كما أوصي المؤتمر أيضا باعتبار جرائم البيئة التي تسبب ضررا بالغا للحياة الطبيعية من الجرائم الدولية وتقدر‬ ‫لها العقوبات اللزمة ‪ ،‬وتدخل ضمن اتفاقيات دولية لحماية البيئة إلي جانب ضرورة إيجاد نوع من التعاون‬ ‫الدولي في هذا المجال يتمثل في تبادل المعلومات الهامة ومحاولة حل أي تنازع في القوانين المنظمة لحماية‬ ‫ـلـــ مبـدـأ‬ ‫ـدــ اعترافـاــ صــــرـيحا بفش‬ ‫وهـــا يع‬ ‫ـاـــء الـدـولي ]‪ ، [5‬ـذ‬ ‫ـاـــء الـوـطني أو القض‬ ‫ـتـــوي القض‬ ‫ـوـــاء علـيـ مس‬ ‫البيئـةـ ‪ ،‬س‬ ‫القليمــــية وحده في مواجهة جــــــرائم تلويث البيئة ‪.‬وهو المر الذي يصير معه الخذ بمبدأ القليمية وحده‬ ‫في صدد المصلحة المحمية في جرائم تلويث البيئة أمرا غير كاف ‪ ،‬بل ينبغي أن تتكامل معه التفاقيات الدولية‬ ‫في مجال تسليم المجرمين ونقل المحكوم عليهم واتفاقيات العتراف بالحكام الجنبية الصادرة في دول أخري‬ ‫]‪.[6‬‬ ‫]‪[11‬‬


‫]‪ [1‬عادل ماجدس ‪ ،‬الكامة الانائية الدولية والسيادةس الوطانية ‪ ،‬مركز الدراسات الستراتيجية بالهرامس ‪ ، 2001 ،‬ص ‪.17‬‬ ‫]‪ [2‬د‪.‬سليامانس عبد الانعم ‪ ،‬الانظرية العامةس لقانون العقوباتس ‪ ،‬مرجع ساب قس ‪ ،‬ص ‪. 96‬‬ ‫]‪ [3‬د‪ .‬سليامان عبد الانعم ‪ ،‬الانظرية العامةس لقانون العقوباتس ‪ ،‬مرجع ساب ق ‪ ،‬ص ‪. 98‬‬ ‫]‪ [4‬أنظر في ذلك بتفرصيل ‪ ،‬د‪ .‬نور الدين هانداوي ‪ ،‬الاماية الانائية للبيئة ‪ ،‬دارس الانهضة العربية ‪ ، 1985 ،‬ص ‪ & 100‬وهو يشير إلي ماس تضامانته التوصيات من العاشرة إلي السابعة عشر محاولةس حل مشاكلس‬ ‫‪Rev. sc . crim.1980 P. 254 :‬‬

‫الاماية الانائية للبيئة من الوجهة الدولية & وأنظر أيض ًا التوصياتس مانشورة في‬ ‫]‪ [5‬د‪ .‬نور الدين هانداوي ‪ ،‬الاماية الانائية للبيئة ‪ ،‬مرجع ساب ق ‪ ،‬ص ‪. 100‬‬

‫]‪ [6‬والدير بالذكرس أن الشرع الرصري ل يعتامد علي مبدأس القليامية وحده في قانون العقوباتس بل يعتامد أيض ًا علي مبدأ العيانية ‪ ،‬حبث حدد أيضا الرائم التي تخضع للقانون الرصري أيا كانس مكانس ارتكابهاس وجانسية‬

‫مرتكبيها ‪ ،‬وذلكس في الفقرةس الثانية من الادةس الثانية من قانون العقوباتس ‪ ،‬لكن= = ذلك شريطة أن تكونس الرية الرتكبة ماسة برصالحس أساسية للدولة ‪ ،‬بيدس أنه حددس الرائم الاسة بالرصالحس الساسية للدولةس ‪ ،‬وبطبيعة الالس‬ ‫لم يكن من ضامانها جرائم تلويث البيئة‬

‫]‪[12‬‬


‫المصلحة المحمية في جرائم تلويث البيئة‬

‫يهدف القانون الجنائي إلي حماية المصالح الساسية والجوهرية في المجتمع ‪ ،‬سواء كانت مصالح عامممة أو‬ ‫ذخاصة ‪ ،‬وذلك وفق ًا لهميتها في إشباع حاجات معينة تمس أسس وقيم كل المجتمع ‪ ،‬مع الذخذ في العتبار تطور هذه‬ ‫المصالح والحاجات باذختلف الزمان والمكان في ضوء التغيرات القتصادية والجتماعية ‪ ،‬وتتعدد تجريمات الضرر‬ ‫والخطر بحسب قيمة هذه المصالح المعتبرة ‪.‬والجريمة وإن كانت كسلوك ل تخل بشممرط جمموهري مممن شممروط كيممان‬ ‫المجتمع ‪ ،‬فإنها في القليل تمس بظرف مكمل لشرط من هذه الشروط ‪ ،‬ومعني دلك أن أساس التجريممم فممي الجريمممة ‪،‬‬ ‫هو إذخللها إما بركيزة أولية للوجود الجتماعي وإما بدعاممة مكملة ومعززة لهذه الركيزة ]‪.[1‬‬

‫وينبغي التأكيد أنه ل يمكن إنكار وجود مجني عليه في جرائم تلويث البيئممة أضممير مباشممرةً مممن الفعممل غيممر‬ ‫المشممروع ‪ ،‬فهممذه الجرائممم تنطمموي دائم م ًا علممي مجنممي عليممه ‪،‬فممرد كممان أو جماعممة ‪ ،‬تطمماله أضممرارها أو تحممدق بممه‬ ‫أذخطارها ‪ ،‬غير أن العتراف بوجود مجني عليه في تلك الجرائم ‪ ،‬ل ينفي صعوبة تحديد الحق المعتدي عليه في هذه‬ ‫الجرائم في بعض الصور ]‪.[2‬‬

‫]‪[13‬‬


‫ولقد استقر الفقه الجنائي المعاصر علي أهمية الحماية الجنائية للبيئة ‪ ،‬باعتبارها ركيزة أساسية للوجـــــود‬ ‫الجتمـــاعي أو بالقليل دعامة مكمـــلة لهذه الركيزة ‪ ،‬فالقانون ل يوجد كغاية في ذاته أو لذاته وإنما كخدمة لمصالح‬ ‫الجماعة ‪ ،‬فهو ل يعدو أن يكون خدمة لهدافه وغاياته بوجه عام ‪ ،‬وإذا كانت هذه هي أهداف القانون بوجه عام ‪ ،‬فإن‬ ‫للقانون الجنائي بوجه خاص أهدافا ً أكثر خصوصية من هدف القانون بوجه عام ‪ ،‬تتمثل في الدفاع عن المصالح‬ ‫‪].‬الجديرة بالحماية من بين مجموعة المصالح الجوهرية ‪ ،‬أو بالحري الحيوية ]‪3‬‬

‫وتتعدد أوجه الحماية القانونية للمصالح المحمية وتتخذ صوراً شتي بحسب طبيعة هممذه المصممالح ‪ ،‬وتتعممدد‬ ‫صور وأشكال الحماية البيئية بسبب المصالح التي يحميها كل قانون وما يستهدفه من أغراض ‪ ،‬وفي القانون الجنممائي‬ ‫تتعدد أوجه حماية البيئة من ذخلل حمايته للمصالح المعنية بالتجريم ‪ ،‬بيد أن الفقه الجنائي ما زال محتممدما ً فممي تنمماوله‬ ‫للمصلحة المحمية في تجريم العتداء علي البيئة ‪ ،‬لما في ذلك من اعتبارات فلسفية عديدة ‪ ،‬لممذا فلسمموف نعممرض فممي‬ ‫المبحث الول إلي الرأي الذي ينادي بأن غاية التجريم هي حماية البيئممة ذاتهمما ‪ ،‬ثممم نعممرض فممي المبحممث الثمماني إلممي‬ ‫الرأي القائل بأن المصلحة المحمية تكمن في حماية النسان ‪ ،‬لذا سنعمممممممممرض وجهتي النظر السابقتين علممي النحممو‬ ‫الذي سيرد به هذين المبحثين ‪.‬‬

‫المبحث الول‬ ‫البيئة‬ ‫يستهدف الشارع بالنص غرضا ً معينماً ‪ ،‬هممو كفالممة التنظيممم القممانوني لموضمموع معيممن ‪ ،‬ويسممتهدف النممص‬ ‫الجنائي كفالة حق من الحقوق رآه الشارع كفيلً بالرعاية ‪ ،‬فيضع نصوصاً تعاقب من يعتدي عليه ‪ ،‬ذلك الحق هو ممما‬ ‫]‪[14‬‬


‫يمكن أن نطلق عليه المصلحة المحمية ‪ .‬ولقد نادت بعض الراء باعتبار البيئة ذاتها هي الضحية في جرائممم البيئممة ‪،‬‬ ‫بينما ذهب البعض الذخر إلي اعتبار جرائمم البيئممة هممي جرائمم اعتمداء علممي النسمان ورأي البعممض أنهما جرائمم بل‬ ‫ضحية ]‪.[4‬‬

‫ووفقا ً للتجاه الول ‪ ،‬فالبيئة بعناصرها المختلفة من ماء وهواء وأرض بحار ونبات وحيوان وذخلفمه همي موضموع‬ ‫الحماية الجنائية ‪ ،‬وأن المصمملحة الساسمية الممتي يسمعي المشممرع إلمي حمايتهما بمقتضممي نصموص التجريمم الخاصمة‬ ‫بالتلوث البيئي هي البيئة ذاتها كقيمة من قيم المجتمع ‪ ،‬منفصلة عن النسان ]‪ ، [5‬بل أنها سممابقة فممى وجودهمما علممى‬ ‫وجود النسان على سطح الكرة الرضية‪.‬‬

‫وحيث عرفها الكثير بمفاهيم واسعة تشمل العناصر الطبيعية والمادية للبيئمة إلممي جممانب ممما تحمموي مممن قيممم‬ ‫مادية وغير مادية وثقافية وغير ذلك مما يميزها عن الممتلكممات العامممة والصممحة العامممة وحقمموق الفممرد فممي السمملمة‬ ‫الجسدية الشخصية ]‪ ، [6‬وفي رأيهم ‪ ،‬أنه إذا كان تخصيص مصطلح الضممحية يممدل بصممورة أصمملية علممي النسممان‬ ‫كشخص في الغالب العم ‪ ،‬فهذا ليمنع من امتداده ليشمل غيمر النسمان مثمل المجتممع ككيمان والبيئمة الطبيعيمة المتي‬ ‫تحيط بالنسان ‪ ،‬فليست حقوق المجتمع أو حقوق البيئة أقل شأناً من حقوق النسان بالنظر إلي الدور الهام الذي يقمموم‬ ‫به في حياته وبعد أن سممجلت الوقممائع أن السممموم والتلوثممات بمماتت تهممدد الحيمماة النسممانية بممالزوال إذا اسممتمر العبممث‬ ‫والعتداء علي البيئة ]‪.[7‬‬

‫]‪[15‬‬


‫ووفق ًا لهذا الرأي يكون الحديث عن قانون البيئة أمام قاعدة تسعي إلي حماية أحد مكوناتها سمواء بتفممادي الضمرار أو‬ ‫بمعارضة تدميرها أو إزالتها ]‪، [8‬م كما تسعي أيضاً إلي تحسين إطار المعيشة ونوعيتهمما بالرتقمماء بهمما ‪ ،‬واتقمماء‬ ‫المضار التي تحدثها المنشآت الصناعية أو يمكن أن تنشأ عن الشعاعات اليونية أو النفايات وكذا المواد الكيماوية أو‬ ‫بوجه عام حماية الطبيعة والحفاظ علي الحيوانات والنبات والطيور والبقاء علي التوازن البيولوجي والمحافظة علممي‬ ‫الموارد الطبيعية من جميع أسباب التدهور ‪ ،‬وبذا يمكن مواجهة تلك الذخطار ‪ ،‬سيما تلك التى رتبهما القمرن العشمرين‬ ‫الذي تركت الحضارة والتقدم العلمي بصماتها عليه ‪ ،‬وهي مصلحة أفراد المجتمع في العيش في بيئة طبيعيممة ملئمممة‬ ‫لحياتهم‪ ،‬ذخالية من التلوث ومخاطره علي جميع أنشطة النسان وعلي عناصر حقه في السلمة الجسدية ]‪.[9‬‬

‫والدليل علي ذلك أن القانون البيئي يأذخذ طابع القانون المر ‪ ،‬فل تكتفي القمموانين البيئيممة بممإلزام الجمماني بممدفع غرامممة‬ ‫نتيجة الضرار التي أحدثها بالبيئة ‪ ،‬بل يطالبه القانون بإعادة البيئة إلي ما كممانت عليممه ‪ ،‬حيممث إن البيئممة ليسممت ملممك‬ ‫الفرد ولكنها ملك للدولة ‪ ،‬بل ليست ملك اً للدولة فقط وإنما ملمك للجيمال القادممة ‪ ،‬واليموم يتطمور همذا المفهموم أيضماً‬ ‫لتصبح البيئة ملك للمجتمع النساني كله ‪ ،‬حتي أن الشعار الذي يرفع الن " أن العالم كله دولة واحدة " ‪ ،‬وما دمنا قد‬ ‫وصلنا إلي هذا المفهوم ‪ ،‬فلقد تعدي مفهوم القانون البيئي المستوي الوطني إلي المسممتوي المدولي ‪ ،‬بمل إلممي المسمتوي‬ ‫العالمي ]‪.[10‬‬

‫]‪[16‬‬


‫أما الذين ينكرون علي البيئة أن تكون ضحية يمكن حمايتهمما فقممد ارتكنمموا إلممي اعتبممار جرائممم البيئممة جرائممم ذخطممر ل‬ ‫جرائم ضرر ]‪ ، [11‬استناد ًا إلي أن بعض الشخاص ل يشعرون بخطورة الضرار ممما يعيشممون فيممه مممن بيئممات‬ ‫طبيعية ‪ ،‬وما يتجرعونه من ملوثات في الممماء والهممواء والغممذاء كمقومممات ضممرورية لحيمماتهم ‪ ،‬ولكممن يممري البعممض‬ ‫الذخر أن صعوبة تحديد الضحية في جرائم التلويث ل يمنع ول ينفي وجودها ]‪.[12‬‬

‫المبحث الثاني‬ ‫النسان‬ ‫اهتمت التشريعات منذ أقدم العصور بمماحتواء العنصممر البشممري بحمايتهمما الجنائيممة باعتبممار النسممان أسمماس المجتمممع‬ ‫وعموده الفقري ]‪ ، [13‬وهو صانع التنمية ومحورها ‪ ،‬وإليه يرتد عائدها ]‪.[14‬‬

‫]‪[17‬‬


‫ويمثل النسان وفقاً لهذا التجاه ‪ ،‬محور ًا للحماية الجنائية ‪ ،‬وبالتالي تربط نصمموص القممانون بشممكل رئيسممي‬ ‫بين التلوث وصحة النسان ‪ ،‬ومن ثم فهي تجرم التلوث من زاويمة تمأثيره علممي الصمحة والسمملمة العامممة للنسممان ‪،‬‬ ‫ووفق ًا لهذا النظر فإن غاية المشرع من وراء تجريم أفعال تلويث البيئة هي حماية النسممان كفممرد أو جماعممة ‪ ،‬والممذي‬ ‫يبرز باعتبار المقصود بالحماية الجنائية التي يوفرها نص التجريم الخاص بالتلوث البيئي ]‪.[15‬‬

‫]‪[18‬‬


‫ويقود هذا التجاه إلي تصور حماية البيئة كأنها وسيلة غير مباشــرة لحماية صحة النسان ‪ .‬ولقد‬ ‫انطلقت تلك التجاهات من المبدأ الذي نادي به القائلـــون بأن الفرد هو المركز الذي‬ ‫ـلــ في‬ ‫ـاـــن هوالفاع‬ ‫وجودهـــ ] ‪ ، [16‬وأنه إذا كـاــن النس‬ ‫ـا‬ ‫ـتـــمد أيـةـ قيمة أخري سبب‬ ‫منه تس‬ ‫الجريمة البيئية فهو أيضا الضحية عاجل ً أم آجل ً ‪ ،‬بل من المنطق أن نخاطب النسان‬ ‫علي أنه الفاعل والضحية لعل هذه المخاطبة يكون لها أعظم الثر في منع الجرائم ]‬ ‫‪ ، [17‬وأن القيم الجتماعية التي يعمل القانون علي حمايتها تستمد أهميتها من مدي‬ ‫تأثيرها علي بقاء النسان ورفاهيته ‪ ،‬فالنسان هو هدف الحماية القانونية بوجه عام‬ ‫والجنائية بوجه خاص ] ‪.[18‬‬

‫الخلصة ‪:‬‬ ‫الطبيعة المختلطة للحق المعتدي عليه‬ ‫دائم اً ما كان ينظر إلي البيئة ‪ ،‬علممي مممر التاريممخ ‪ ،‬باعتبارهمما كيانما ً منفصم ً‬ ‫ل عممن الجنممس البشممري ‪ .‬وهممذه‬ ‫النظرة النفصالية مسئولة ‪ ،‬جزئياً ‪ ،‬عن الحالة المتدهورة لكوكب الرض ‪ ،‬ومن حسمن الحمظ أن المجتممع بمدأ يتنبمه‬ ‫ببطء إلي أن الجنس البشري ل يمثل سوي جزء صغير جدًا من المنظومة البيئية العملقة علي وجه الكممرة الرضممية‬ ‫]‪.[19‬‬

‫]‪[19‬‬


‫وكما استعرضنا فقد رأي البعض أن المصلحة المحمية في قانون البيئة هي حماية الوسمط الطممبيعي المذي يعيمش فيمه‬ ‫النسان من النشطة التي قد تؤدي إلي اذختلل التوازن الطبيعي القائم ‪،‬بشكل يهدد بتدهور الحياة النسانية ‪ ،‬أو يممؤدي‬ ‫للقضاء عليها ‪ ،‬أي أن المصلحة المحمية في قممانون البيئمة تتحصممل فممي رأيهمم فمى حمايمة البيئممة ذاتهما ‪ ،‬بينممما يمري‬ ‫البعض الذخر أن تلك الحماية بهدف أسمي و أبعد من ذلك ‪ ،‬أل وهو حماية النسان والحياة النسانية بحسبانهما الغاية‬ ‫العظمي لهداف القانون الذي ما شرع إل لحماية بني البشر ‪ ،‬وأن القانون إذا شممرع لحمايممة أي شمميء آذخممر فلتتممأتي‬ ‫تلك الحماية إل للحفاظ علي النسان وصيانة حقوقه من أجل استمرار تلك الحياة النسانية في أفضل صورها ‪.‬‬

‫]‪[20‬‬


‫هذه الصعوبة قادت البعض إلي القول بأن حماية البيئة ‪ ،‬تعكس حماية مصلحة جماعية تختلط فيها المصلحة الفرديممة‬ ‫) الصحة والسلمة الفردية ( والمصلحة العامة ) الحفمماظ علممي مصممادر الممثروة الطبيعيممة للدولممة وحقمموق الجيممممممال‬ ‫) ‪Environment Integrity‬‬ ‫القادممممة ( ‪ ،‬وقد ذهمممب البعمممممض إلي اعتبممممار سلمة البيئمممة‬ ‫( من عناصر التراث المشترك للنسانية حيث تمثل تراثاً للجيال القادمة بالضافة إلي الجيممال الحاضممرة ‪ ،‬ممممممما‬ ‫صار يسممتلزم حمايتمممممممها مممن السممتنفاد والتلمممموث ‪ ،‬وانتمممهي إلممي اعتبممممممارها مممن حقممممموق الملكيممة ) ‪Property‬‬ ‫‪ ( rights‬بالمفهوم الجديد البديل عن الفكار التقليدية الخاصة بالملكية الخالصة كمفاهيم الملكية القديمة الفوضوية ]‬ ‫‪.[20‬‬

‫ونحن مع الرأي القائل بأن الحماية مزدوجة ‪ ،‬فهي حماية أوًل للنسان من خل ل حماية البيئة وهي‬ ‫ثاني ًا للوظائف اليكلوجيننة للبيئنة والنتي تتضننمن مجموعننة مننن القواعنند النتي تسنتهدف حمايننة مكوننات‬ ‫الطبيعة ) ماء وهواء وأرض ( بما تشتمل عليه من عناصر مثل الغابات والنباتات والطيننور والحيوانننات‬ ‫والمياه الجوفية وما إليها ‪ ،‬وأن المشرع قد تدخل لحماية مكونات البيئننة ولننم يسننتهدف حمايتهننا لننذاتها‬ ‫وإنما لضرورتها في استمننننرار الحياة النسننانية في الحاضر والمستقبل ‪ ،‬وهننو مننا ل يمكننن تحقيقننه إل‬ ‫عن طريق حماية الوظائف اليكلوجية التي يتفاعننل معها النسننننننننان في حياته ]‪. [21‬‬

‫]‪ [1‬د‪ .‬رمسيس بهنام ‪ ،‬نظرية التجريم في القانون الجنائي ‪ ،‬ص ‪.20‬‬ ‫]‪ [2‬د‪.‬محمد مؤنس محب الدين ‪ ،‬البيئة في القانون الجنائي ‪ ،‬ص ‪. 22‬‬ ‫]‪ [3‬د‪.‬محمد مؤنس محب الدين ‪ ،‬البيئة في القانون الجنائي‪،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.23‬‬ ‫]‪ [4‬وقد شكل هذا التجاه صعوبة بالغة مع أنصار علم الضحية ‪ Victimologie‬وعلماء الجرام ‪ Criminologie‬بما يستعصي علي تقوية العوامل المانعممة‬ ‫من الجرام ) د‪ .‬محمد مؤنس محب الدين ‪ ،‬الرهاب الصامت ‪ ،‬العتداء علي البيئة ‪ ،‬بحمث منشمور بمجلمة بحموث الشمرطة ‪ ،‬العمدد ‪، 15‬ينماير ‪ ، 1999‬ص‬ ‫‪ ، (216‬وهو يشير إلي‬ ‫‪R.Kessler ; A victimless Crimes analysis ; criminal law bulletin vol.16 no:2 , 1980 p.131‬‬ ‫ولقداحتل علم ضحايا الجريمة اهتماما ً واسع ًا في ذختام هذا القرن ‪ ،‬حين بدأت المحافل الدولية في إلقاء الضوء عليه ‪ ،‬وتوسيع نطاق الدراسات التي من الممكن‬ ‫أن تكشف دور المجني عليه في الجريمة ‪ ،‬وسبل معالجة السلبيات التي من الممكن أن يساهم فيها الضحايا لتسهيل دور الجناة فمي إدارات العممل الجراممي د‪.‬‬ ‫عبد الصمد سكر‪ ،‬المبادئ الساسية لحماية ضحايا الجريمة ‪ ،‬ودور الشرطة في دعمها ‪ ،‬بحث منشور في مجلة المن العممام ‪ ،‬المجلممة العربيممة لعلمموم الشممرطة‬ ‫العدد ‪ 168‬عدد تذكاري بمناسبة عيد الشرطة ( ‪.‬‬ ‫]‪ [5‬د‪ .‬محمد مؤنس محب الدين ‪ ،‬البيئة في القانون الجنائي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.186‬‬ ‫]‪ [6‬د‪ .‬عصام أحمد محمد ‪ ،‬الحق في بيئة ملئمة كأحد حقوق النسان ‪ ،‬ص ‪. 19‬‬ ‫]‪ [7‬د‪ .‬محمد مؤنس محب الدين ‪ ،‬الرهاب الصامت ‪ ،‬العتداء علي البيئة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 215‬‬ ‫]‪ [8‬د‪ .‬فرج صالح الهريش ‪،‬جرائم تلويث البيئة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪& 74‬‬

‫]‪[21‬‬


‫وأنظر في أنصار هذا الرأي أيض ًا ‪ ،‬د‪ .‬سلوي توفيق بكير ‪ ،‬الحماية الجنائية للبيئة ‪ ،‬وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪2001 ،‬‬ ‫ص ‪.67‬‬ ‫]‪ [9‬د‪ .‬عصام أحمد محمد ‪ ،‬الحق في بيئة ملئمة كأحد حقوق النسان ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 192‬‬ ‫‪[10] R.Kessler ; A victimless Crimes Analysis ; Criminal Law bulletin ,op.cit. p.131.‬‬ ‫مشار إليه في د‪.‬محمد مؤنس محب الدين‪ ،‬الرهاب الصامت ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 215‬‬ ‫]‪ [11‬د‪ .‬محمد مؤنس محب الدين ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ذات الموضع ‪.‬‬ ‫]‪ [12‬مجموعة أعمال المؤتمر الدولي الثاني عشر لقانون العقوبات المنعقد في مدينة هامبورج في الغترة من ‪ 22 – 16‬سبتمبر ‪. 1979‬‬ ‫]‪ [13‬د‪.‬مرفت محمد البارودي‪ ،‬المسئولية الجنائية للستخدامات السلمية للطاقة النووية ‪. 136 ،،‬‬ ‫]‪ [14‬د‪.‬محمد عبد الفتاح القصاص ‪ ،‬النسان والبيئة والتنمية دار المعارف ‪ ،‬طبعة ‪ ، 2000‬ص ‪.33‬‬ ‫]‪ [15‬د‪.‬فرج صالح الهريش ‪ ،‬جرائم تلويث البيئة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 68‬‬ ‫]‪ [16‬د‪.‬مأمون محمد سلمة ‪ ،‬الفكر الفلسفي وأثره في التجريم والعقاب ‪،‬محاضرات ألقيت علي طلبة دبلوم العلوم الجنائية بكلية الحقوق جامعة القاهره ‪،‬‬ ‫‪ ، 1997‬ص ‪.27‬‬ ‫]‪ [17‬د‪.‬محمد مؤنس محب الدين ‪ ،‬الرهاب الصامت ‪ ،‬العتداء علي البيئة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 224‬‬ ‫]‪ [18‬د‪ .‬ميرفت محمد البارودي ‪ ،‬المسئولية الجنائية للستخدامات السلمية للطاقة النووية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.120‬‬ ‫]‪ [19‬ترافس واجنر ‪ ،‬البيئة من حولنا ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 19‬‬ ‫]‪ [20‬د‪.‬محمد مؤنس محب الدين ‪ ،‬البيئة في القانون الجنائي‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 95‬‬ ‫]‪ [21‬د‪ .‬سحر محمد حافظ ‪ ،‬الحماية الجنائية للبيئة ‪ ،‬دراسة مقارنة ‪ ، ،‬مقال منشور في المجلة الجنائية القومية ‪ ،‬المركز القومي لبحوث الجتماعية‬ ‫والجنائية ‪ ،‬المجلد الخامس والثلثين ‪ ،‬العدد الول ‪ ،‬مارس ‪ ، 1992‬عدد ذخاص عن البيئة ‪ ،‬ص ‪4 -3‬‬

‫صلة السببية بين السلوك والنتيجة الجرامية‬ ‫في جرائم تلويث البيئة‬ ‫يرتبط السلوك الجرامي في جرائم تلويث البيئة بنتيجة محظورة تسبب إخلل ً أو تغييرا في البيئة‬ ‫أو الوسط الطبيعي ) مائي ‪ ،‬هوائي ‪ ،‬غذائي (‪ ،‬ويترتب الضرر أو الخطر كنتيجة من مسببات‬ ‫السلوك النساني وبما يحــــدثه هذا الســــبب من اختلل في التوازن الفطري الطبيـــعي أو‬ ‫النوعي بين مختلف عناصــــر ومكونات البيئة ‪ ،‬وإذا كان الركن المادي للجرائم الماسة بالبيئة يتكون‬ ‫من أفعال تطال أيا من عناصرها أو أكثر بالتلويث ‪ ،‬فإنه يشترط للقول باكتمال هذا الركن لعناصره‬ ‫أن تنسب هذه النتيجة إلي ذلك النشاط المادي الصادر عن فاعله ‪ ،‬بمعني أن يكون بين النتيجة‬ ‫‪].‬والنشاط المادي صلة سببية ]‪1‬‬

‫]‪[22‬‬


‫والصل أن الضرر الواقع ينسب إلي الفاعل كلما أمكن لنسان عادي في مثل ظروف‬ ‫الفاعل أن يحيط بالعوامل السابقة علي فعله أو المعاصرة إياه وأن يتوقع العوامل اللحقة له ‪،‬‬ ‫فيعد الفاعل سببا للضرر ولو كان يجهل هذه العوامل أو كان يتوقع النتيجة اللحقة منها متي كان‬ ‫في وسع شخص عادي أن يعلمها أو يتوقع هذه الخيرة ]‪.[2‬‬

‫ول يثير بحث صلة السببية صعوبة ما إذا كان سلوك الجانى هو العامل الوحيد‬ ‫الذى أدى إلى النتيجة ‪ ،‬وهو ما يفترض كفايته لحداثها ‪ ،‬وتوصف السببية في هذه‬ ‫الحالة بالسببية المباشرة ‪ ، Causalite directe‬غير أنه كثيرا ما يحدث أل يكون‬ ‫سلوك الجانى سببا مباشرا فى حدوث النتيجة ‪ ،‬ويتحقق ذلك إذا كان هذا السلوك غير‬ ‫كاف بمفرده لحداثها ‪،‬ولكنه يؤدى إليها بسبب تدخل عوامل أخرى مستقلة عنه‬ ‫وتتضافر معه بحيث يمكن القطع بأنه لول تدخل هذه العوامل ماحدثت النتيجة ]‪. [3‬‬

‫]‪[23‬‬


‫وجوهر فكرة السببية تحديد معيار الصلة التى تربط بين واقعتين ‪ ،‬فتجعل من السائغ القول‬ ‫بأن أحدهما سبب للخرى ‪ ،‬وهذا التحديد كان موضع خلف فى الفقه ‪ ،‬فمنهم من قال بنظرية‬ ‫السبب المباشر ومضمونها أل يسأل الفاعل عن النتيجة إل إذا كان نشاطه هو السبب المباشر لها‬ ‫كما قدمنا ‪ ،‬ومنهم من قال بالمساواة بين جميع العوامل التى ساهمت فى إحداث النتيجة ‪ ،‬فكل‬ ‫منها تقوم بينه وبين النتيجة علقة سببية ‪ ،‬وتطبيق ذلك على القانون – فى نظرهم – يقتضى‬ ‫القول بأن علقة السببية تقوم بين فعل الجانى والنتيجة الجرامية إذا ثبت أنه عامل ساهم فى‬ ‫إحداثها ولو كان نصيبه فى المساهمة محدودا ‪ ،‬وشاركت معه فى ذلك عوامل تفوقه فى الهمية‬ ‫على نحو ملحوظ وهو ما يسمى بنظرية تعادل السباب ‪.[L'equivalence des condition [4‬‬

‫ومنهم من ذهب إلى التفرقة بين عوامل النتيجة الجرامية والعتداد ببعضها دون البعض الخر ‪،‬‬ ‫ومؤداها أنه ل يكفى إعتبار سلوك ما سببا فى النتيجة أن يكون قد ساهم فيها بنصيب ما على نحو‬ ‫ما تذهب إليه نظرية تعادل السباب ‪ ،‬وإنما يلزم فضل ً عن ذلك أن يكون هذا السلوك مما يؤدى‬ ‫إلى النتيجة وفقا للمجرى العادى للمور فتعد علقة السببية متوافرة بسببين السلوك والنتيجة ولو‬ ‫ساهمت معه فى إحداثها عوامل أخرى سابقة عليه أو متعاصرة معه أو لحقة له ما دامت هذه‬ ‫العوامل مألوفة ومتوقعة طبقا لما يحدث فى الحياة عادة ‪ ،‬أما حيث يتضافر مع سلوك الجانى فى‬ ‫إحداث النتيجة عامل شاذ غير مألوف فأنه ينفى علقة الســـــببية بينها وبين ســــلوك الجانى الذى‬ ‫ل يمــــكن تبعــــا أن تقتصــــر فى مســـئوليته حد الشــــروع فى الجريمة على فـــــرض توافر‬ ‫‪ ) La cause adequate [5].‬القصــــد الجنائى لديـه ‪،‬وهس س سسذاس ما يسمى ) بنظـــــرية السبب الملئم‬

‫ومنهم من قال بضرورة التمييز بين الجرائم العمدية وغير العمدية ‪ ،‬وإستلزام علقة السببية‬ ‫المباشرة فى النوع الول والكتفاء بالسببية غير المباشرة فى النوع الثانى ]‪.[6‬‬

‫والراجح فى رأينا القول بأن معيار السببية هو العتداد بالسبب الذى لوله ما تحققت النتيجة‬ ‫فهناك من العوامل ما قد يتدخل زمنيا فى التسلسل السببى فى إحداثها ‪ ،‬بيد أنه ل يكون له ثمة أثر‬ ‫فعال فى إحداثها ‪ ،‬فكيف يمكن اعتباره سببا لوقوعها ‪ ،‬وهو مجرد حادث تزامن معها فقط ولم‬ ‫يكن له أى دخل فى إحداثها ‪.‬‬

‫]‪ . [1‬محامد متؤنس محب الدين ‪ ،‬البيئة في القانون الانائي ‪ ،‬مرجع ساب قس ‪ ،‬ص ‪. 78‬‬

‫]‪[24‬‬


‫]‪ [2‬د‪ .‬رمسيس بهانام ‪ ،‬الانظرية العامةس للقانونس الانائي ‪ ،‬مرجع ساب قس ‪ ،‬ص ‪.564‬‬ ‫]‪. Naguib Hosni : le lien de causalite en Droit penal ) paris . 1952 , imp.umiversite de caire 1955 [3‬‬ ‫مشار إليه في ‪ ،‬د‪ .‬عامر السعيد رمضانس ‪ ،‬شرح قانون العقوباتس ‪ ،‬القسم العام ‪ ،‬مرجع ساب قس ‪ ،‬ص ‪. 171‬‬ ‫وأنظر أيض ًا د‪ .‬رمزى رياضس عوض ‪ ،‬نظرية الانتيجة التجاوزة القرصد ‪ ،‬دراسة مقارنة ‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪ ،‬كلية القوق جامعة القاهرةس ص ‪. 69‬‬ ‫]‪ [4‬د‪ .‬محامودس نيب حسانى ‪ ،‬شرح قانون العقوباتس ‪ ،‬القسم العامس ‪ ،‬مرجع ساب ق ‪ ،‬ص ‪ 289‬وهو يشير إلى‬ ‫‪Guter Spendel : Die Kausalitatsffrmel der Bedingungsthearie fur Handlumgs deliket‬‬ ‫‪( 1948 ) s.2‬‬ ‫]‪ [5‬د‪ .‬عامر السعيد رمضانس ‪ ،‬شرح قانون العقوباتس ‪ ،‬القسم العام ‪ ،‬مرجع ساب قس ‪.173 ،‬‬ ‫]‪ [6‬أنظر فى ذلك ‪ ،‬د‪ .‬عامر السعيد رمضان ‪ ،‬مرجع ساب قس ‪172 ،‬‬

‫جرائم العتداء على البيئة و مبدأ شخصية القانون الجنائي‬ ‫]‪[25‬‬


‫تقديم‬ ‫مبدأ شخصية العقوبة‬ ‫مسئولية الشخص المعنوي‬ ‫مبدأ التضامن في المسئولية بين الشخصين الطبيعي والعتباري‬ ‫النظريات التي أرساها الفقه في مجا ل المسئولية الجنائية‬

‫تقديم ‪:‬‬ ‫) في مبدأ شخصية العقوبة (‪:‬‬ ‫الصل ‪ :‬كقاعدة عامة ‪ ،‬ل يسأل عن الجريمة إل النسان بحسبانه الشخص الوحيد الذي يتوافر‬ ‫لديه عنصرا المسئولية ‪ .‬وذلك إعمال لمبدأ شخصية العقوبة المعترف به على مستوى الفقه الجنائية‬ ‫والذي يعد نتيجة طبيعية لمبدأ الشرعية ) شرعية الجرائم والعقوبا ت ( ‪ ،‬والذي ينص على أنه ل‬ ‫جريمة ول عقوبة إل بناء على نص ‪ ،‬ومن نتائجه أل يسأل جنائيا سوى النسان الذي تسبب في‬ ‫الجريمة ‪.‬‬

‫مسئولية الشخص المعنوي‪:‬‬ ‫ولئن كانت الجرائم ضد البيئة يمكن أن تقترف بواسطة مجموعة أو جمعية أو شخص معنوي أو‬ ‫أحد الشخاص العامة بل وعن طريق الدارة ‪ ،‬ويظهر ذلك بوضوح في النشطة القتصـادية‬ ‫والتجـارية التي تباشر علي نطاق واسع بواسطة تلك الشركات والمشروعات والشخــــــاص وآليات‬ ‫النقل البري والبحري ‪ ،‬فإنه ليس ما يمنع من إسناد المســـــئولية الجنائية لمدراء هذه المجموعات‬ ‫القانونية إلي جانب مسئولية الشخص المعنوي ذاته ‪ ،‬وإن أتت العقـوبة التي يواجـــه بها كل منهم‬ ‫مغايرة علي نحو يتفق مع طبيعته ‪ ،‬فالمدير يســـــــاءل عما اقترفه من جرائم باســـــــم‬ ‫ولمصلــــــــحة الشخص المعنوي رغــــم عــــــدم اســـــتفادته منها شخصيا ‪ ،‬وهي قد تكون عن‬ ‫جرائم عمدية أو خطئية ‪ ،‬ومن ثم يسأل عن تعمده الجريمة في الحالة الولي ولتقصيره عنعدم‬ ‫مراعاة ما تقضي به القوانين واللوائح في الحالة الثانية ولعدم قيامه بواجب الرقابة علي مرءوسيه‬ ‫]‪.[1‬‬ ‫]‪[26‬‬


‫تلوث البيئة الهوائية الناتج عن المصانع‬

‫أما الشخص المعنوي فيسأل عن جرائم تابعيه وأعضائه التي تقترف باسمه ولمصلحته عن‬ ‫الخطأ في حسن اختيارهم ‪ ،‬وعدم بسط رقابته اللزمة علي تصرفاتهم ومسالكهم التي‬ ‫أفضت إلي أحــــد الجرائم البيئية ‪ ،‬ويعاقب الشخص المعنوي بما يلئم طبيعته من‬ ‫العقوبات ‪ ،‬فذاتية المشروع الجماعي تعد الفكرة الملئمة لمساءلة الشخص معنوي جنائيا‬ ‫في مجال الجرائم البيئية ]‪.[2‬‬ ‫وعلي ذلك فقد يري أنه قد أصبح من الضروري التخلي جزئيا عن مبدأ شخصية العقوبة بالمعني‬ ‫التقليدي الذي كان دارجا من قبل والتعامل مع هذا المبدأ من منظور نفعي بحت ‪.‬‬

‫]‪[27‬‬


‫تلوث البيئة المائية الناتج عن تسرب المخلفات‬

‫مبدأ التضامن في المسئولية‬

‫‪:‬‬

‫ونري أن القانون المصري قد بدأ يأخذ بمبدأ يؤكد هذا القول ‪ ،‬وهو مبدأ التضامن في المسئولية ‪،‬‬ ‫والذي كان من الطبيعي أن يثور الحديث عنه في مجال المسئولية المدنية ‪ ،‬بيد أن المشرع المصري‬ ‫قد أقر هذا المبدأ في مجال استحقاق الغرامات الجنائية ‪ ،‬وهنا تمتد المسئولية التضامنية لهذه‬ ‫‪.‬‬ ‫العقوبة‬ ‫شخصية‬ ‫مبدأ‬ ‫علي‬ ‫سافرا‬ ‫خروجا‬ ‫يعد‬ ‫مما‬ ‫العقوبة‬ ‫كما كان لتعدد المدارس الجنائية دور هام في ذلك حيث شهد القرن التاسع عشر تغيرا في‬ ‫المعتقدات ومناقشات حامية حول القانون والخلق ‪ ،‬حيث كان الفقه يدور في ثلثة نظريات ‪:‬‬

‫النظريات التي أرساها‬ ‫المسئولية الجنائية ‪:‬‬ ‫]‪[28‬‬

‫الفقه‬

‫في‬

‫مجال‬


‫الولي هي النظرية الخلقية ‪:‬‬

‫وهي التي تحصر هدف القانون الجنائي في عقاب المذنب وتبرئة غير المذنب أخلقيا حيث يتعادل‬ ‫الثم القانوني في مفهوم هذه النظرية مع اللوم الخلقي باعتبار هذا الخير شرطا ضروريا وكافيا‬ ‫للمسئولية ‪.‬‬

‫والحقيقة أن الثورة الفرنسية عندما نادت بالفصل بين القانون والخلق وأصبح‬ ‫ليس بالضرورة أن كل ما هو غير أخلقي أن يكون غير قانوني ‪ ،‬فقد أدي ذلك‬ ‫الفصل إلي نتائج عدة أهمها ‪:‬‬

‫‪ -1‬الفصل بين الجريمة والخطأ ‪ :‬فقد أصبح الخطأ القانوني و الذي كان‬ ‫يتماثل مع الخطأ الخلقي قبل ذلك ) في القانون الكنسي ( مجرد فعل يشير إليه‬ ‫النص القانوني دون حاجة لن يكون في أساسه شعورا لدي مرتكبه بالخطأ بعد‬ ‫أن كان في حقيقته ليس سوي انعكاسا للنظرة الدينية للخطيئة التي تستوجب‬ ‫التكفير والتوبة ‪ ،‬أو كما كنا نسميه بالذناب الذي يعد أكبر معبر عن الخطيئة ‪،‬‬ ‫وأصبح من الجرائم التنظيمية أو كما تسمي بالجرائم القانونية المحضة ‪delit ،‬‬ ‫‪ ، purement legaux‬ما يتفوق كثيرا علي الجرائم الطبيعية التي تتكون من‬ ‫أفعال تنهي عنها الخلق المطلقة السائدة في كل زمان ومكان ‪ ،‬مما ساعد علي‬ ‫محو شعور العامة بالثم حال ارتكابهم لتلك الجرائم التي ل تمثل قيمة ما في‬ ‫الضمير العام للنسانية ‪ ،‬علي عكس ما كان الحال في الجرائم الطبيعية ‪ ،‬وهو‬ ‫ذاته ما أودي بعد ذلك إلي خلق جرائم مادية بحتة دون خطأ ‪ ،‬دون ركن معنوي‬ ‫أي دون إذناب‪.‬‬

‫‪ -٢‬ثانيا ظهور الشخص المعنوي ‪ :‬فكما انفصل الخطأ عن الجريمة فقد‬ ‫كان من الطبيعي أن تنسب الجرائم إلي أشخاص قد ل يكون من السهل التسليم‬ ‫بخطئها أو بتوافر مفاهيم الذناب في حقها ‪ ،‬كالشخص المعنوي ‪.‬‬

‫أما الثانية فهي نظرية الشرعية الجامدة ‪:‬‬ ‫والتي كانت تري عدم مد نطاق قانون العقوبات خارج النص الموضوع ‪ ،‬وإل ترتب علي ذلك‬ ‫المساس بقانون العقوبا ت وكانت تذكر الرتباط الحتمي بين الثم القانوني واللوم الخلقي تأسيسا‬ ‫علي أن العقل المذنب شرط ضروري لحترام مبدأ الشرعية بينما يمثل اللوم الخلقي شرطا غير‬ ‫كاف للمسئولية ‪ ،‬ومن ثم يتعين تفسير قاعدة التجريم وفقا لقاعدة لزوم الركن المعنوي للجريمة ‪،‬‬ ‫وبالتالي فإن استبعاد ذلك الركن حل خاطئ ليس لنه ينطوي علي عقاب البرئ ولكن لن ذلك يخالف‬ ‫مبدأ الشرعية لنه يسمح بالعقاب علي فعل لم يدرك فاعله وقت إتيانه أنه يشكل جريمة ‪.‬‬ ‫]‪[29‬‬


‫أما النظرية الثالثة فهي النظرية الوضعية ‪:‬‬ ‫وهي تلك التي كانت تبحث عن غرض المشرع بغض النظر عن أي اعتبار أخلقي ]‪.[3‬‬

‫]‪ [1‬حاتم بكار ‪ ،‬مشكلت المسئولية الجنائية والجزاءات في مجال الضرار بالبيئة وموقف التشريع الليبي تجاهها ‪ ،‬بحث منشور في مجموعة أعمال المؤتمر‬ ‫السادس للجمعية المصرية للقانون الجنائي ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪ . 267‬وقد ثبت سعي بعممض الشممركات المتعممددة الجنسمميات لنقممل التكنولوجيمما الملوثممة إلممي دول‬ ‫العالم الثالث ‪ ،‬د‪ .‬أحمد هاني عبد الحميد ‪ ،‬الحرب البيئية ‪ ،‬مقال منشور بمجلة الدفاع ‪ ،‬العدد ‪ ، 170‬سبتمبر ‪ ، 2000‬ص ‪. 33‬‬ ‫]‪ [2‬التقرير المصري المقدم للمؤتمر الدولي التاسع لمكافحة الجريمة ومعاملة المجرمين ‪ ،‬مجموعة أعمال المؤتمر‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 8‬‬ ‫]‪ [3‬د‪ .‬أحمد عوض بلل ‪ ،‬الجرائم المادية والمسئولية الجنائية بدون ذخطأ ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 33‬وما بعدها‬

‫]‪[30‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.