العدد 10 سيدة سوريا

Page 1

‫شـهرية مستقلـة تعنى بـاملرأة السـورية‬ ‫تصدر عن املركز السوري للصحافة والنشر‬ ‫كانون أول ‪ / 2014‬العدد (‪)10‬‬

‫الصورة النمطية للمرأة في المجتمع وانعكاساتها‬ ‫في اإلعالم النسائي‬ ‫سقف طموحاتها داخل جدران المنزل‬ ‫المرأة في اإلعالم العربي‬ ‫تحقيق‪:‬‬ ‫ من لم يمت بالكيماوي مات بغيره‬‫أمراض وأوبئة غي الغوطة الشرقية المحاصرة‬ ‫ النساء في ظل تنظيم الدولة‪ ..‬حرية معدومة‬‫وتطبيق أعرج للشرع‬ ‫لقاء صبا الحكيم‬ ‫رغم كل تضحياتها‬ ‫ما زالت المرأة تعاني االستالب السياسي في الثورة السورية‬ ‫الغالف‪ :‬تصوير مصطفى سلطان‬


‫العناوين‪:‬‬

‫‪24‬‬

‫افتتاحية‬ ‫من مل ميت ابلكيماوي مات بغريه‬ ‫أمراض وأوبئة يف الغوطة الشرقية احملاصرة‬ ‫• حتقيق‪ :‬نور مارتيين‬ ‫أفالمنا أمام املرآة‬ ‫• بسمة شيخو‬

‫صحة جنسية‬ ‫• د‪ .‬راميا مستو‬

‫املرأة يف األحباث والدراسات‬ ‫• صبحي فرجنية‬

‫ازدايد انتشار مرض التيفوئيد خالل األزمة السورية‬ ‫• هادية اخلطيب‬

‫السيــداو‬ ‫«اجلحيم ليس بعيداً أبداً»‬ ‫صبا احلكيم‬ ‫املسعفة اليت ختاطر حبياهتا من أجل حلب‬ ‫ما زالت املرأة تعاين االستالب السياسي يف الثورة السورية • فريق ترمجة سيدة سوراي‬ ‫• حاورهتا سيدة سوراي‬ ‫سرية قتال وحياة الـمرأة الكرديـة‬ ‫اتريخ احلركات النسوية عود على بدء‬ ‫• ريدي مشو‬ ‫• رهف موسى‬ ‫تسايل‬ ‫املساواة بني اجلنسني‬ ‫الصورة النمطية للمرأة يف اجملتمع‪ /‬اجلزء األول‬ ‫املرأة والعمل النقايب ضرورة لصيانة احلقوق وحتسني األداء‬ ‫• ترمجة‪ :‬د‪ .‬إنعام شرف‬ ‫• وجيهة عبد الرمحن‬

‫‪18‬‬ ‫مكتومو القيد‬ ‫كياانت على ذمة االعرتاف هبا‬ ‫• خومشان قادو‬ ‫النساء يف ظل تنظيم الدولة‬ ‫حرية معدومة وتطبيق أعرج للشرع‬ ‫• جالل زين الدين‬ ‫أفكار متهيدية حول حترر املرأة عن الوجه الطيب للحرية‬ ‫• ضحى عاشور‬ ‫لباس املرأة املسلمة ما بني الفرض السياسي والزي‬ ‫التقليدي والرمز الديين‬ ‫• سحر حوجية‬

‫كيف ندعم قطاع الدعم النفسي؟‬ ‫• أمرية اجلركس‬

‫رئيس التحرير‪:‬‬ ‫محمد ّ‬ ‫ملك‬ ‫مدير التحرير‪:‬‬ ‫ياسمني مرعي‬ ‫مدير عالقات عامة وترجمة‪:‬‬ ‫د‪ .‬إنعام رشف‬ ‫سكرتري تحرير‪:‬‬ ‫مراد عيد‬

‫هرب»‬ ‫املهربني والـ«ال َم َ‬ ‫ّ‬ ‫• وجدان انصيف‬ ‫شطرنج‬ ‫• جورجيت حنا‬

‫اإلمييل‪:‬‬

‫هن ـ ــاء إدور‬ ‫• فريق حترير سيدة سوراي‬ ‫هذا الرحيل أثقل من رضوى‬ ‫• سامر خمتار‬

‫الفيس بوك‪:‬‬ ‫‪www.facebook.com/‬‬ ‫‪saiedetsouria‬‬

‫أدب‪:‬‬ ‫ أحدث صديقيت اجلالسة جبواري اآلن‬‫• لوان العبد هللا‬ ‫• أمين سليمان‬ ‫ هذا بياضك‬‫‪ -‬فرح‬

‫املكتب الرئييس‪:‬‬ ‫تركيا ‪ -‬غازي عينتاب‬ ‫ت‪00905533679528:‬‬ ‫‪00905435322971‬‬ ‫‪00905347362458‬‬

‫يف املكان اهلادئ‬ ‫• علي األعرج‬

‫ما حك جلدك مثل ظفرك‬ ‫املرأة يف اإلعالم العريب‪ ..‬سقف طموحاهتا داخل جدران‬ ‫املنزل‬ ‫الصفحة األخرية عمالن للتشكيلية رىل محزة‬ ‫• جناح سفر‬ ‫ثورة على القوانني والتشريعات التقليدية‬ ‫• ملك قاسم‬ ‫سيمون دو بوفوار‬ ‫رائدة حركات التحرر والدفاع عن حقوق املرأة‬ ‫• فريق حترير سيدة سوراي‬ ‫‪2‬‬

‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪2014‬‬

‫‪46‬‬

‫السعر خارج سوريا‪ )5( :‬يورو‬ ‫توزع مجاناً داخل األرايض السورية‬


‫للكالم بقية‬ ‫كاريكتارات على هامش إقصاء النساء‬ ‫بني الكثريين الذين رشحوا أنفسهم ملنصب رائسة الوزراء يف احلكومة السورية املؤقتة‪ ،‬قُبِل ثالثة عشر امساً‪ ،‬هم (أمحد طعمة‪ ،‬إايد قدسي‪ ،‬حممد ايسني جنار‪ ،‬وليد‬ ‫اجتماع‬ ‫الزعيب‪ ،‬حممد رحال‪ ،‬صفاء زرزور‪ ،‬علي بدران‪ ،‬عبد الرمحن ددم‪ ،‬عبدو حسام الدين‪ ،‬غسان هيتو‪ ،‬هاين خباز‪ ،‬وامرأاتن مها ملياء حناس وصبا حكيم)‪ .‬وبعد‬ ‫ٍ‬ ‫صوتوا‪ ،‬تبع‬ ‫َ‬ ‫عب الكثري من العقبات واملعضالت واخلالفات واالنسحاابت‪ ،‬مت التصويت لصاحل الدكتور أمحد طعمة‪ ،‬بثالثة وستني صواتً‪ ،‬بني مخس ٍة وستني ممن ّ‬ ‫فصوِت حملمد وجيه مجعة وزيراً للصحة‪ ،‬حسني بكر لوزارة اإلدارة احمللية والالجئني‪ ،‬إبراهيم‬ ‫التصويت‪،‬‬ ‫أجل‬ ‫من‬ ‫املقرتحني‬ ‫حكومته‬ ‫أعضاء‬ ‫«طعمة»‬ ‫تقدمي‬ ‫ذلك‬ ‫ّ‬ ‫مريو لالقتصاد واملالية‪ ،‬قيس الشيخ لوزراة العدل‪ ،‬حممد ايسني جنار لالتصاالت والنقل والصناعة‪ ،‬الياس وردة وزيراً للطاقة‪ ،‬عوض العلي لوزارة الداخلية‪ ،‬وللدفاع‬ ‫سليم إدريس‪.‬‬ ‫وكان الدكتور أمحد طعمة رشح اسم الدكتورة «تغريد احلجلي» وزيرة الثقافة يف احلكومة السابقة‪ ،‬لشغل وزارهتا من جديد‪ ،‬لكن أصوات اهليئة العامة مل تشأ أن‬ ‫تبقي على وزارة املرأة الوحيدة يف التشكيلة القدمية‪ ،‬وهكذا ألغيت وزارة الثقافة برمتها من التشكيلة الوزارية اجلديدة‪ .‬لن يفوتنا هنا أن نبني كم الصراعات واإلعاقات‬ ‫أقرها أعضاء‬ ‫والتنافس الذي ال أيبه لشيء‪ ،‬إال لصوت الكتلة واملصلحة والذات‪ ،‬فقد أصدر حينها «هادي البحرة» رئيس االئتالف بياانً يلغي فيه كل القرارات اليت ّ‬ ‫اهليئة العامة يف الفرتة السابقة‪ ،‬مبا فيها التصويت على أعضاء حكومة «طعمة»‪ ،‬قبل أن تلغي اللجنة القانونية يف االئتالف‪ ،‬قرار «البحرة»‪ ،‬وتثبت قرار اهليئة العامة‪.‬‬ ‫اض شدي ٍد متكرٍر دام شهوراً حول ضآلة نسبة متثيل النساء فيها‪ ،‬اليت تكاد تكون معدومة يف اجملالس احمللية‪ ،‬وال تزيد عن أربعة ابملئة‬ ‫املعارضة السورية اليوم بعد اعرت ٍ‬ ‫يف االئتالف الوطين‪ ،‬والذي جيب أن يكون واجه ًة سياسي ًة‪ ،‬وعنواانً للحالة احلضارية اليت تعكسها املعارضة مقابل نظام آل األسد املتخلف اجملرم‪ ،‬خترج علينا هذه‬ ‫املعارضة حبكومة ال حتوي أية امرأ ٍة‪ ،‬وال تتضمن وزارة للثقافة‪.‬‬ ‫يف الوضع السوري حيث يعيش النظام واملعارضة على اهلبات واملنح حد التحكم ابلقرار‪ ،‬ال بد أن نذكر أن وزارة الثقافة‪ ،‬اليت هتتم مبلف اآلاثر والفن والفنانني‬ ‫واألدابء‪ ،‬وضمت حسب التصنيف السابق املرأة وشؤون األسرة‪ ،‬هي وزارة جيب أن جتلب املال للحكومة‪ ،‬والدعم ملشاريعها دون أن تكون عبئاً كبقية الوزارات‪،‬‬ ‫وحنسبها هنا كإحدى منظمات اجملتمع املدين‪ ،‬واليت صغرت أو كربت جتد ملشاريعها متويالً‪ ،‬ويبقى عملها قائماً‪.‬‬ ‫ين أو‬ ‫ويف الواقع الذي نعيشه اليوم‪ ،‬من تشتت القلة القليلة الباقية من ليربالية‪ ،‬حلساب تعاظم دور التطرف وامليليشيات من كل األطراف‪ ،‬ال فرق فيها بني تطرف س ٍ‬ ‫شيعي‪ ،‬واق ِع أن ماليني السوريني أُبعدوا عن وسائل عيشهم‪ ،‬أرضاً ومهناً وجتارًة‪ ،‬وابتوا ينتظرون قوهتم من تفّضل وعطف ومساعدة اآلخرين‪ .‬وفيما ال يكف الرجال‬ ‫عن قتل بعضهم بكل أسلح ٍة متاحة داخل سوراي‪ ،‬يُناط برجال آخرين يف اخلارج‪ ،‬أن يهتموا ابملرأة واألسرة السورية‪ ،‬وكلما عنّت ألحدهم فكرة متكني النساء‪ ،‬أو‬ ‫تعرف على املصطلح «حديثاً رمبا»‪ ،‬حبث هلن عن عمل وقوت يف احلياكة وخدمة املنازل‪ ،‬غسل الثياب‪ ،‬فرم اخلضار وحتضري الطعام‪ ،‬رمبا لعائالت رجال عادوا من‬ ‫مضن يف ختطيط شؤون الثورة‪ ،‬وإدارة مرافقها‪ ،‬هذا العمل الذي مل يقدان حىت اليوم‪ ،‬إال إىل مزيد من اخلسارات والشهداء يف ظل خالفات الرجال‪ ،‬وصراع بل‬ ‫عمل ٍ‬ ‫«تناطح الكباش» على املصاحل‪ ،‬وهاجس السكن يف رحم التاريخ‪ ،‬دون مراعاة لنوع هذا احلضور وما إذا سيكون فضائحياً حىت اخلزي‪.‬‬ ‫ترتاجع فرص حضور املرأة يف الثورة السورية اليوم بفعل عدة أسباب‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫ التضييق عليها من قبل ذكور املعارضة وشيوخها (ابملعنيني االجتماعي والفيزيولوجي) وتفردهم بكل الرؤية العتيقة اليت جاؤوا هبا‪ ،‬بنظرهتم األبوية املقيتة‪ ،‬واليت‬‫سن‪ ،‬انتقاماً من التهميش‪ ،‬ورمبا من القمع الذي مارسه نظام آل األسد عليهم‪،‬‬ ‫كبار ٍ‬ ‫ورثوها من مصطلح األب القائد‪ ،‬مضافة إىل الضعف الذي شبوا وشابوا عليه‪ُ .‬‬ ‫تراهم وقد هربوا لريمتوا يف أحضان كل أحد ميكن أن ميثل خطوة للخالص من آل األسد‪ ،‬متجاوزين اخلطوط احلمراء لإليديولوجيات‪ ،‬والصراع الطبقي‪ ،‬بل وحدود‬ ‫الشرعة الدولية‪ ،‬يظهر ذلك يف قبالت «ميشيل كيلو» (يف رحاب اجلزيرة السورية) العام املاضي‪ ،‬ويظهر يف عدم قلق «جورج صربا» من «جبهة النصرة» على مدينة‬ ‫حمردة وكنائسها‪ ،‬ويظهر يف القبول العجيب لـ «حسن عبد العظيم» و«قدري مجيل» و«علي حيدر»‪ ،‬لنظام بشار األسد‪ ،‬ويظهر أيضاً يف تناقض مواقف الكثريين‬ ‫منهم‪ ،‬واليت ال حتيل إال إىل احلرية والتخبط‪ .‬لكنهم بعد ذلك‪ ،‬كلما رأوا اسم أقلي ٍة أو مكو ٍن‪ ،‬أو خصوصية‪ ،‬أو لغة آلخرين‪ ،‬أو حق الشباب‪ ،‬وحق النساء‪ ،‬نفروا‬ ‫وخربوا وتكتلوا‪ ،‬رغم خالفاهتم ليبقوا وقد سدوا أفق األمل لثوار سوراي وشباهبا‪.‬‬ ‫نشاهدهم وهم يعيدون وجيرتون كالماً مسعناه‪ ،‬رؤية ال تتغري مهما تغري الظرف‪ ،‬بعيدين عن الواقع واألرض‪ ،‬ورؤاي الناس درجة الغربة‪ ،‬نشاهدهم أمثل ًة عن ذاكرةٍ‬ ‫تقادمت هبا السنوات‪ ،‬جيرتون ما فعلوا‪ ،‬ما مسعوا‪ ،‬وما عاشوا من ذل‪ ،‬مواقف جامدة وخطاب ّ‬ ‫بك ٌاء مذهو ٌل حممو ٌل على اإلسناد‪ ،‬وإن اعتمد بدل النصوص الدينية‪،‬‬ ‫رموزاً وقامات صدرهتا املرحلة السابقة‪ ،‬ال ختتلف عن حافظ األسد وأشباهه من املستحااثت كثرياً‪ ،‬يف عقم األيديولوجيا وخشبيّة اخلطاب‪.‬‬ ‫وسبب من حضور الواجهات النسائية املكرسة‪ ،‬والذي يبدو أقسى على املرأة من مضطهديها كافة‪ ،‬الفرص والضيق والغربة وخطط الكبار‪ ،‬نصادفهن يف أكثر من‬ ‫اتبعات‪ ،‬أجري ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ات‪ ،‬كسرهن الذل من جهة‪ ،‬وأحالم الوصول الذي ال يراعي قيماً وال ُمث ً‬ ‫ال‬ ‫مكرسات‪ ،‬انتهازايت استندن على أصوات «شبيحات» هلن‪ ،‬أو‬ ‫موقع‪،‬‬ ‫من جه ٍة أخرى‪ ،‬وقد فاهتن مجيعاً أهنن بقبول مهنة التسلق‪ ،‬يهدمن بلداً‪ ،‬ويدمرن كل جهد بذله السوريون‪.‬‬ ‫وسبب آخر من أَنـفَة النساء الفاعالت حقيق ًة‪ ،‬الكوادر احلقيقية للعمل الثقايف واالجتماعي واإلنساين‪ ،‬صاحبات االختصاص من نساء سوراي وشاابهتا‪ ،‬نراهن‪،‬‬ ‫صاحبات اخلربات والشهادات والدرجات األكادميية العالية‪ ،‬متكلمات اللغات األجنبية بطالقة العربية‪ ،‬الاليت نراهن يف مفاصل العمل الثوري على األرض‪ ،‬يف‬ ‫العمل اإلنساين‪ ،‬يف ِ‬ ‫الصالت مع املنظمات الدولية‪ ،‬يف الصحافة إعالميات خياطرن حبياهتن‪ ،‬وعارفات يعلمن ويطورن‪ ،‬وهن يؤدين أفضل اآلداء‪ ،‬ترفعن عن االهنماك‬ ‫هبذا املشهد السياسي املخجل‪.‬‬ ‫اآلن‪ ،‬وكلما نظران إىل هذا الكم من التدهور واالحندار‪ ،‬أحسسنا بضرورة دعوتكن أننت‪ ،‬أيتها املنكفآت حزانً‪ ،‬ترفعاً وقرفاً رمبا‪ ،‬ندعوكن لتع ّدلن ميزان القوى‪ ،‬لرتدمن‬ ‫هذه اهلوة من التخلف واالنتهازية والذكورية‪ ،‬لتنقذن هذه الثورة من نقصها وعرجها‪ ،‬وإال لن تصل بنا إىل مكان‪.‬‬ ‫رئيس التحرير‬ ‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪3 2014‬‬


‫من لم يمت بالكيماوي مات بغيره‬ ‫أمراض وأوبئة في الغوطة الشرقية المحاصرة‬ ‫وعجز الطواقم الطبية عن تلبية متطلبات مرضاهم‬ ‫منذ بداية الثورة‪ ،‬عمد النظام إىل التملّص من مسؤولياته جتاه معظم املدن‬ ‫والبلدات املعارضة له‪ ،‬على امتداد األرض السورية‪ ،‬اتركاً إايها للفوضى‪،‬‬ ‫ما أدى إىل غياب اخلدمات يف هذه املدن والبلدات لعدة أسباب‪ ،‬ليس‬ ‫أوهلا عجز القائمني على هذه املرافق اخلدمية عن اإليفاء ابلتزاماهتم‪ ،‬سواء‬ ‫بسبب عدم توافر مستلزمات عملهم أو خوفاً على حياهتم‪ ،‬ذلك أهنم ابتوا‬ ‫مستهدفني من كلتا اجلهتني‪ ،‬النظام عن طريق القنص‪ ،‬واملعارضة‪ ،‬حيث‬ ‫كانوا خيتطفون حبجة أهنم يعملون مع أجهزة النظام‪ ،‬والنتيجة غياب كامل‬ ‫للخدمات عن هذه القرى والبلدات‪.‬‬ ‫هذا الغياب للخدمات العامة‪ ،‬ولّد حاجة ملحة إىل وجود من يسد هذه‬ ‫الثغرة‪ ،‬فنشأت فكرة اجملالس احمللية‪ ،‬والــي كان أوج نشاطها خالل العام‬ ‫الثاين من الثورة‪ ،‬خاصة أن معظم املدن والبلدات كانت تشهد حراكاً مدنياً‬ ‫وسلمياً‪ ،‬ما أفرز حالة دعم هلذا النوع من النشاط املدين الذي تقوم به اجملالس‬ ‫احمللية‪ ،‬واليت استطاعت يف مرحلة ما أن تكون بدي ً‬ ‫ال حقيقياً ملؤسسات‬ ‫قوض أركــان هذه‬ ‫النظام‪ ،‬غري أن ّ‬ ‫توضح مالمح العسكرة يف سائر البالد ّ‬ ‫اجملالس‪ ،‬اليت ابت قرارها مرهتناً يف معظم األحيان للفصيل العسكري الذي‬ ‫يسيطر على مناطقها‪ ،‬وهنا عادت حالة اخلدمات لتتدهور‪ ،‬وتصبح أسوأ‬ ‫من السابق بكثري‪.‬‬ ‫مع كل هــذه املصاعب‪ ،‬كانت اجملالس احمللية‪ ،‬مبكاتبها اخلدمية متعددة‬ ‫االختصاصات‪ ،‬قــادرة على احلد من خطر اجلائحات املرضية على سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬أو منع تراكم القمامة يف الـشـوارع‪ ،‬أو حىت أتمني احلد األدىن من‬ ‫خدمات املياه والكهرابء‪ ،‬الكفيلة خبلق ظــروف حياة مقبولة‪ ،‬إىل أن قام‬

‫‪4‬‬

‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪2014‬‬

‫• حتقيق‪ :‬نور مارتيين‬

‫النظام بفرض سياسة احلصار على بعض املناطق‪ ،‬بغية تركيعها‪ ،‬ما جعل‬ ‫هذه اجملالس عاجزة متاماً عن التعامل مع كل هذه القضااي‪ ،‬وكان أمام الناس‬ ‫هنا أحــد اخليارين‪ :‬أن يـغــادروا هــذه املناطق الستحالة احلياة فيها ضمن‬ ‫هذه الظروف‪ ،‬أو يواجهوا املوت والفقر واجلوع واحلرمان‪ ،‬غري أن ّ‬ ‫كل هذه‬ ‫األشياء تبقى بسيطة أمام اجلائحات املرضية‪ ،‬مع انعدام األدويــة ووسائل‬ ‫الوقاية‪.‬‬ ‫يف عــددهــا الـعــاشــر‪ ،‬تطرح «سـيــدة س ــوراي» مسألة اجلــائـحــات املرضية يف‬ ‫الغوطة الشرقية احملاصرة‪ ،‬تلك اجلائحات اليت جاءت نتيجة طبيعية لغياب‬ ‫اخلدمات‪ ،‬ما أدى إىل ظهور أمراض كانت قد شارفت على االنقراض يف‬ ‫بعض األحيان‪ ،‬لتعود للظهور يف سوراي‪ .‬مل يكن «شلل األطفال» أول هذه‬ ‫األمراض‪ ،‬ولن يكون آخرها «النغف» يف ظل هذه الظروف!‬


‫بعد «شلل األطفال»‪« ..‬النغف» إىل الواجهة من جديد‬ ‫عادت بعض األمراض املنقرضة لتظهر يف سوراي‪ ،‬بعد أن كانت قد ختلّصت‬ ‫منها متاماً‪ ،‬من بني هذه األمـراض‪ ،‬مرض شلل األطفال الذي بدأ يظهر‬ ‫يف مدينة دير الزور خالل العام املنصرم‪ ،‬رغم أن سوراي كانت قد أعلنت‬ ‫أهنا ختلّصت من املرض بشكل هنائي عام ‪ ،1995‬والسبب يف عودته هو‬ ‫توقف عملية التلقيح ضد املرض‪.‬‬ ‫يف غوطة دمشق‪ ،‬ونتيجة احلصار اخلانق الــذي تشهده‪ ،‬وتوقف املرافق‬ ‫اخلدمية عن ممارسة أعماهلا‪ ،‬ما أدى إىل انتشار أكـوام القمامة مع عدم‬ ‫إمكانية ترحيلها ملكان آخر‪ ،‬ظهر مرض يدعى «النغف»‪ ،‬بعد أن كان يف‬ ‫طور االنقراض‪ ،‬يف معظم أحناء العامل‪ .‬وتتمثل أعراضه يف اإلنسان بقروح‬ ‫جلدية شــديــدة احلـكــة‪ ،‬تتطور إىل مــا يشبه الــدمــل‪ ،‬ويـكــون شــديــد األمل‬ ‫ُويرج إفرازات صديدية‪ .‬وعند إصابة اجلهاز اهلضمي فإن أعراضه‪ ،‬وحسب‬ ‫األطـبــاء‪ ،‬هي أمل ابلبطن‪ ،‬وقــيء وإسـهــال‪ ،‬وأحـيــاانً ال تظهر أيّــة أعـراض‪،‬‬ ‫مشريين إىل أنّه غالباً ما تصدر خملفات الريقات رائحة نتنة ومزعجة‪.‬‬ ‫أما أماكن اإلصابة فهي‪ ،‬وحسب األطباء‪ ،‬اجلهاز اهلضمي‪ ،‬اجللد‪ ،‬العني‪،‬‬ ‫األذن‪ ،‬البلعوم‪ ،‬اجلهاز البويل والتناسلي وأماكن اجلروح‪ ،‬ويتم عالج املرض‬ ‫إبجـبــار ال ــدودة على اخل ــروج إىل سطح اجلـلــد عــن طـريــق منع اهلـ ـواء من‬ ‫الوصول إليها‪.‬‬ ‫عن تشخيص املرض يقول الطبيب «ماجد أبو علي»‪ ،‬والــذي يعمل يف‬ ‫املكتب الطيب يف الغوطة الشرقية‪« :‬تشخيص املرض بسيط‪ ،‬وال يتواجد‬ ‫اشتباه دون اكتشاف‪ ،‬لكن بداية كان املرض جديداً على معظم الكوادر‬ ‫يتم تشخيصه‬ ‫الطبية‪ ،‬واألعـراض األولية تكون عبارة عن حكة‪ ،‬هلذا كان ّ‬ ‫يف مراحله األوىل على أنه أحد األمراض اجللدية‪ ،‬ولكن يف املراحل املتقدمة‬ ‫يصبح واضحاً جداً‪ ،‬وبعد ظهور احلاالت الثالث األوىل‪ ،‬أصبح يشتبه يف‬ ‫كل حالة حكة جلدية‪ ،‬وابلذات «التالية جلروح»‪.‬‬ ‫عن عدد احلاالت املوثقة‪ ،‬يقول الدكتور «ماجد»‪« :‬توجد عشر حاالت‬ ‫حىت اآلن‪ ،‬ولكن ال يوجد اشتباه دون أتكيد أو نفي‪ ،‬وهم موزعون على‬ ‫قرى وبلدات الغوطة الشرقية» مؤكداً أن «هذه احلاالت من شهادة عدة‬ ‫عيادات ونقاط طبية‪ ،‬وقد أشار أحد األطباء أن مريضه يقطن ابلقرب من‬ ‫مكب للقمامة‪ ،‬كما أشار أحد املمرضني إىل ظهور عدة حاالت نتيجة‬ ‫ّ‬ ‫اضطرار الكادر لتخريج بعض اجلرحى ابكـراً‪ ،‬وعدم تلقي املريض العناية‬ ‫الالزمة يف املنزل»‪.‬‬ ‫ويرى الدكتور ماجد أن «معاجلة املرض سهلة‪ ،‬وأ ّن عالج املرض وتشخيصه‬ ‫ليس معقداً‪ ،‬وأنه قلّما يشكل خطراً على احلياة‪ ،‬ولكن الفكرة أنه يعترب دلي ً‬ ‫ال‬ ‫صارخاً على اخنفاض السوية الصحية للمجتمع»‪ ،‬وهذه املعاجلة تتلخص‬ ‫بـ«تغطية املنطقة املصابة ابلفازلني لتخرج الديدان إىل خارج مكامنها ومن‬ ‫مث نزعها هبدوء بواسطة ملقط جراحي‪ ،‬أو ختدير موضعي‪ ،‬ونزع الديدان‬ ‫مباشرة‪ ،‬وتنظيف اجلرح‪ ،‬ومتابعته‪ ،‬وإعطاء صا ّدات حيوية»‪.‬‬ ‫أما العوامل املسببة للمرض‪ ،‬فهي حبسب الدكتور ماجد «إمجاالً الذابب‪،‬‬ ‫وهناك ذاببة تدعى الذاببة احللزونية تعترب مسبباً رئيسياً‪ ،‬ولكن من املمكن‬ ‫أن تنقل بيوض الذاببة نفسها بواسطة البعوض أو املياه امللوثة»‪.‬‬

‫املركز الطيب املوحد يف الغوطة‪ ..‬من قلب احلدث‬ ‫يعاين العاملون يف احلقل الطيب يف الغوطة احملاصرة معاانة شديدة ضمن‬ ‫مقومات احلياة وليس العمل‬ ‫ظروف عملهم‪ ،‬يف منطقة تكاد تنعدم فيها ّ‬ ‫فقط‪ ،‬ومع ذلك فهم حياولون بذل قصارى جهدهم إلنقاذ ما ميكن إنقاذه‪.‬‬ ‫املوحد يف الغوطة الشرقية‪ ،‬ومن خالل عياداته الطبية املتوزعة يف‬ ‫املركز الطيب ّ‬ ‫خمتلف مدن وقرى البلدات يعاين من نقص كبري يف التجهيزات واملعدات‪،‬‬ ‫فض ً‬ ‫ال عن معاانهتم من نقص املاء وانعدام الكهرابء‪ ،‬والوقود‪ ،‬وكافة وسائل‬ ‫التدفئة والنظافة‪ ،‬وحىت املواصالت‪ .‬غري أن الكارثة الكربى تكمن يف الزايدة‬ ‫الكبرية يف أع ــداد املــرضــى‪ ،‬ممــن يعجزون يف بعض األحـيــان عــن تزويدهم‬ ‫ابلعالج الالزم‪ ،‬أو من ظهور أمراض يصعب تشخيصها يف بعض األحيان‬ ‫لندرهتا‪.‬‬ ‫عن أهم األمراض اليت يواجهها املكتب الطيب‪ ،‬يقول أحد األطباء العاملني‬ ‫فيه‪« :‬نعاين كثرياً من األمراض الوابئية‪ ،‬ومن عودة انتشارها بسبب وجود‬ ‫بيئة مالئمة‪ ،‬مثل النغف‪ ،‬احلصبة‪ ،‬اجل ــدري‪ ،‬التيفوئيد واحلمى املالطية‪،‬‬ ‫إضافة لــأمـراض اجللدية املنتشرة بكثرة مثل األكتيميا‪ ،‬القمل‪ ،‬اجلــرب‪،‬‬ ‫القوابء‪ ،‬الدمامل‪ ،‬واألمخاج الفطرية بكافة أنواعها‪ ،‬لكن األخطر هو مرض‬ ‫السل (التدرن) والذي يعد كارثة حقيقية‪ ،‬ألنه مع ٍد بشدة»‪ .‬ويؤّكد الطبيب‬ ‫نفسه على وجود الظروف املالئمة النتشار مرض السل‪ ،‬كالتلوث البيئي‬ ‫وعدم توفر مياه صاحلة للشرب‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن ضعف املناعة لدى الكثريين‪،‬‬ ‫وقلة الوعي يف معرفة طرق العدوى‪ ،‬كاللمس املباشر مثالً‪ ،‬والسكن يف‬ ‫األقبية‪ ،‬ويف األجواء الرطبة‪.‬‬ ‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪5 2014‬‬


‫وحبـســب هــذا الطبيب‪ ،‬فــإنــه يـضــاف إىل ذلك‬ ‫«ازدايد حاالت السرطان بنسبة كبرية‪ ،‬وخاصة‬ ‫أورام ال ـث ــدي‪ ،‬ال ــرح ــم‪ ،‬امل ـب ـيــض والــروس ـتــات‪،‬‬ ‫ويلعب التغري اهلرموين دوراً كبرياً يف زايدة هذه‬ ‫األورام»‪ ،‬مشرياً إىل أن األطباء الحظوا ازدايد‬ ‫املـشــاكــل اهلــرمــونـيــة نتيجة س ــوء الـتـغــذيــة وتغري‬ ‫طبيعة الـعـمــل‪ ،‬الـقـيــام أبعـمــال جمـهــدة عضلياً‪،‬‬ ‫التوتر النفسي واألرق‪ ،‬إضافة ألمراض الدم مثل‬ ‫اللوكيميات واللمفومات‪ ،‬والــي يلعب العامل‬ ‫النفسي الــدور األكــر يف انتشارها‪ ،‬إضافة إىل‬ ‫التلوث الكيميائي واإلشعاع‪.‬‬ ‫ويــرى أعضاء املكتب الطيب املوحد أن البعض‬ ‫حيـ ّـمــل أفـ ـراد ال ـكــادر الـطــي مــا يـفــوق طاقتهم‪،‬‬ ‫حنمل املؤسسات‬ ‫فيؤّكدون على أنه جيب «أال ّ‬ ‫الـطـبـيــة ك ــل أع ـب ــاء احل ــد م ــن ان ـت ـشــار األمـ ـراض‬ ‫الــوابئ ـيــة‪ ،‬وإمن ــا تـقــع عـلــى عــاتــق اجملــالــس احمللية‬ ‫ـرش امل ـب ـيــدات‬ ‫م ـســؤول ـيــة ال ـن ـظــافــة ال ـع ــام ــة‪ ،‬ك ـ ـ ـَ ّ‬ ‫احلشرية‪ ،‬واملبيدات اخلاصة ابلقوارض يف حال‬ ‫توفرها ضمن الظروف احلالية‪ ،‬وترحيل احليواانت‬ ‫النافقة ودفنها بعيداً عن املناطق السكنية‪ ،‬وأتمني‬ ‫مياه صاحلة للشرب لكل التجمعات السكنية»‪،‬‬ ‫مؤّكدين أهنم حياولون قدر اإلمكان «نشر الوعي‬ ‫بني الناس حول النظافة الشخصية‪ ،‬للحد من‬ ‫انتشار هذه األمراض‪ ،‬لكن املنظفات واملعقمات‬ ‫واألدوي ــة غري متوفرة‪ ،‬وخاصة يف بعض مناطق‬ ‫الواقعة على أطـراف الغوطة‪ ،‬ونتمىن أال يتفاقم‬ ‫الوضع أكثر من ذلك»‪.‬‬ ‫وع ـمــا إذا كــانــت ال ـض ـربــة الـكـيـمــاويــة يف شهر‬ ‫آب م ــن ع ــام ‪ ،2013‬ق ــد أسـهـمــت بشكل‬ ‫مــا يف انتشار هــذه األم ـراض الــي تتخذ طابعاً‬

‫‪6‬‬

‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪2014‬‬

‫وابئ ـي ـاً يف بـعــض األحـ ـي ــان‪ ،‬ي ـقــول أح ــد أطـبــاء‬ ‫املركز الطيب املوحد‪« :‬إن نسبة اإلصابة مبرض‬ ‫ال ـســرطــان قــد ارت ـف ـعــت‪ ،‬وخــاصــة أورام الـثــدي‬ ‫والــرحــم واملـبـيــض والــروس ـتــات‪ ،‬إضــافــة ألم ـراض‬ ‫الــدم مثل اللوكيميات واللمفومات‪ ،‬وميكن أن‬ ‫يكون السالح الكيماوي سبباً رئيساً‪ ،‬وميكن‬ ‫كذلك أن يكون النظام قد استخدم األسلحة‬ ‫البيولوجية أو أخــرى إشعاعية جمهولة‪ ،‬كذلك‬ ‫خملفات األسلحة والدخان املتصاعد‪ ،‬والتعرض‬ ‫له بشكل كبري واستحصال حمروقات نتيجة حرق‬ ‫بعض امل ـواد البالستيكية‪ ،‬ومــا ختلفه من تلوث‬ ‫بيئي‪ ،‬كلها أسباب لإلصابة هبذه األمراض»‪.‬‬ ‫ذوي املرضى احملاصرين‪ ..‬وجع على وجع‬ ‫عن إصابة ابنته هبة «‪ 6‬سنوات» مبرض النغف‪،‬‬ ‫يقول والد الطفلة‪« :‬الحظنا أعراضاً غريبة على‬ ‫الطفلة‪ ،‬متمثلة حبكة وصداع شديدين‪ ،‬ومن مث‬ ‫ظهور وذمــة يف وجهها‪ ،‬راجعنا إحــدى النقاط‬ ‫الطبية يف منطقتنا‪ ،‬لكن لقلة االختصاصات‬ ‫أتخـران يف التشخيص والـعــاج‪ ،‬إىل أن راجعنا‬ ‫مركز دار الرمحة»‪.‬‬ ‫ـوصــل إىل التشخيص ك ــان ّ‬ ‫يشكل‬ ‫غــر أن ال ـتـ ّ‬ ‫جـزئـيــة بسيطة‪ ،‬خــاصــة وأن امل ــرض ال ّ‬ ‫يشكل‬

‫خطورة على حياة مرضاه‪ ،‬ولكن املشكلة األكرب‬ ‫تكمن يف أتمني العالج‪ ،‬حيث جلأ ذوو الطفلة‬ ‫هبة يف البداية وبعد استشارة الطبيبة إىل «املاء‬ ‫املغلي مع امللح للتعقيم‪ ،‬إىل أن وفــرت إحدى‬ ‫اجلـهــات ال ــدواء واملعقمات الــازمــة‪ ،‬لكن هذه‬ ‫املعقمات هي جزء من احلل يف ظل وجود تالل‬ ‫القمامة املنتشرة يف املنطقة»‪ ،‬مشرياً إىل أن ابنته‬ ‫حتسن‬ ‫املريضة اآلن يف «وضع‬ ‫صحي جيد‪ ،‬ويف ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫اتم بعد تلقيها العالج‪ ،‬حيث احتاجت إىل قرابة‬ ‫‪ 15‬يوم حىت تعافت بشكل اتم من املرض»‪.‬‬ ‫ويؤّكد والــد الطفلة أنــه «يف ظل احلصار‪ ،‬ولوال‬ ‫مـســاعــدة االخـتـصــاصـيــن يف املــركــز‪ ،‬ومـســاعــدة‬ ‫بـعــض اجل ـه ــات األه ـل ـيــة‪ ،‬مل ــا متـكـنــا م ــن معاجلة‬ ‫مريضتنا وملا متاثلت للشفاء»‪.‬‬ ‫تبقى أوضاع األهايل احملاصرين يف الغوطة‪ ،‬دلي ً‬ ‫ال‬ ‫واضحاً على حجم املعاانة السورية ككل‪ ،‬حيث‬ ‫إن املكتب الطيب املــوحــد قــد ذكــر يف إحصائية‬ ‫له أهنم سجلوا ثالث إصاابت مبرض النغف يف‬ ‫مــركــزهــم‪ ،‬وأن ال إحـصــائـيــات لــديـهــم عــن ابقــي‬ ‫امل ـراك ــز‪ ،‬غــر أن ــه ال تــوجــد وف ـيــات نتيجة هــذا‬ ‫املـ ــرض‪ .‬أم ــا ابلـنـسـبــة مل ــرض ال ـســل‪ ،‬فـقــد وصــل‬ ‫عدد احلاالت املسجلة لديهم إىل ‪ 100‬حالة‪،‬‬ ‫والتخوف من حــاالت مصابة وغــر مشخصة‪.‬‬ ‫تسجل أية وفيات نتيجة‬ ‫إال أنه حىت اللحظة مل ّ‬ ‫مرض السل‪ ،‬فيما سجلت ‪ 400‬إصابة مبرض‬ ‫السرطان‪ ،‬بني مرضى أورام صلبة وأم ـراض دم‪،‬‬ ‫مشريين إىل أنه هناك ‪ 25‬حالة وفاة‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن‬ ‫بعض احلاالت اليت انقطعت عن العالج‪ ،‬وهي‬ ‫جمهولة املصري‪.‬‬ ‫كما تشري اإلحـصــائـيــات إىل أن أكـثــر الفئات‬ ‫عرضة لإلصابة هي النساء‪ ،‬ومــن مث األطفال‪،‬‬ ‫ليأيت الرجال يف الدرجة الثالثة‪ ،‬وأن الوفيات يف‬ ‫مجيع الصفوف‪.‬‬ ‫م ــن الـ ـض ــروري اإلش ـ ــارة إىل أن مـعـظــم جـهــود‬ ‫اإلغاثة ترتكز على الالجئني يف املخيمات‪ ،‬غري‬ ‫أن النازحني داخــل ســوراي أيضاً حباجة لتسليط‬ ‫ال ـضــوء عـلــى مـعــاانهتــم‪ ،‬وه ــم حبــاجــة إىل م ـ ّد يد‬ ‫العون هلــم‪ ،‬خاصة إذا كانوا يقيمون يف مناطق‬ ‫حم ــاص ــرة‪ ،‬ال سـبـيــل فـيـهــا إىل وصـ ــول أي نــوع‬ ‫مــن اإلغــاثــة الـطـبـيــة‪ ،‬فـضـ ً‬ ‫ا عــن اخنـفــاض سوية‬ ‫تغذيتهم‪ ،‬ومـسـتــوى اخلــدمــات املـقـ ّدمــة هلــم‪ ،‬ما‬ ‫جيعلهم طريدة سهلة لألمراض واألوبئة‪.‬‬


‫أفالمنا أمام المرآة‬ ‫مـنــذ ف ــرٍة لـيـســت بـبـعـيــدة متـنـيــت لــو أنّ ــي كنت الــرومــانــس واحل ــب‪ .‬بــدأ االح ـراف يتسلل لتلك‬ ‫أسـكــن يف إح ــدى قــرى تشيلي يف أوائ ــل القرن املهنة اجلــديــدة‪ ،‬فقد بــدأت مــاراي ابالخـتــاء مع‬ ‫املــاضــي‪ ،‬تلك األمـنـيــة مل تـولــد عـبـثـاً‪ ،‬بــل كانت مــرآهتــا وال ـتــدرب على ن ـرات األصـ ـوات املتنوعة‬ ‫أت عن مهن ٍة غريب ٍة وممتعة يف آ ٍن معاً‪ ،‬والتكشريات املميزة‪ ،‬وب ــدأت بعدها ابالستيالء‬ ‫بعد أن قر ُ‬ ‫كانت منتشرًة يف بعض القرى التشيلية الفقرية‪ ،‬ع ـلــى ب ـعــض األغـ ـ ـراض لـ ــزوم ال ـع ــرض املـســرحــي‬ ‫يف مناطق مناجم ملح ال ـب ــارود‪ ،‬تُــدعــى «رواي ــة السينمائي‪ ،‬مسدسات إخوهتا اخلشبية وقبعة أبيها‬ ‫األفالم» واليت كانت حمور رواية للكاتب «إيرانن القدمية‪ ،‬مظلة عتيقة وبعض األكسسوارات‪ ،‬إال‬ ‫ري ـب ـرا لتيلري» بـعـنـوان «راويـ ــة األفـ ــام»‪ ،‬حتكي أن كـ ّـل ما مجعته مل يكن كافياً لتكمل «مــاراي»‬ ‫بيت من دون أبـواب‪ ،‬قفزهتا يف مســاء األف ــام‪ ،‬فـبــدأت تصنع العمائم‬ ‫عن حياة فتا ٍة صغرية يف ٍ‬ ‫هتــرول النقود خارجه كحصا ٍن جامح‪ ،‬فيحاول والرباقع لألفالم العربية واملراوح لألفالم اإلسبانية‪،‬‬ ‫أصحاب البيت اللحاق هبا زحفاً على البطون‪ ،‬سهاماً للهنود وسيوفاً للصينيني‪ ،‬خوذاً للمحاربني‪،‬‬ ‫يفشلون طبعاً‪ ،‬فيحلبون بعض النقود من جيوهبم قبعة لشاريل شابلن وقناعاً لــزورو‪ ...‬والعديد من‬ ‫ليجمعوا مثن تذكرٍة يتيمة للسينما‪ ،‬شغف األايم أدوات املبارزة ملعاركها السينمائيّة أمام اجلماهري‬ ‫اجلميلة‪ ،‬وجيلسون منتظرين منها (السينما) أن الــذيــن ب ــدؤوا يـتـوافــدون إليهم ملشاهدة «احلــوريّــة‬ ‫أتيت إليهم معبَّأ ًة يف جيوب ابنتهم املوهوبة «ماراي ديلسن» االسم الفين لـ «ماراي»‪.‬‬ ‫ـت قـلـيـ ً‬ ‫ا وبـ ــدأت أعـ ـ ّد األقـنـعــة والـسـيــوف‬ ‫مارغريتا» مندوبتهم لصال ِة السينما‪ ،‬تعود إليهم ســرحـ ُ‬ ‫لدي‪ ،‬املسدسات والبنادق‪ ،‬الرصاصات املتكومة‬ ‫ي‪ ،‬تعتلي صهوة الغرفة‬ ‫ّ‬ ‫متلبِّس ًة األفــام كأي جـ ّ‬ ‫الوحيدة‪ ،‬تقف جبرأ ٍة أمام اجلدار األبيض مواجه ًة يف حلقي‪ ،‬ثياب ماري أنطوانيت وقبعات الريش‬ ‫كــرســيّـاً ط ــوي ـ ًـا مي ـثّــل اجل ـمــاهــر ب ـكـ ّـل درج ــاهت ــا‪ ،‬من القرن املاضي‪ ..‬العباءة‪ ،‬الدشداشة‪ ،‬الشروال‪،‬‬ ‫مبتسم ًة للجريان املطلني من انفذة الغرفة‪ ،‬عفواً العقال والعديد من األكفان البيضاء الناصعة‪...‬‬ ‫قصدت «البلكون» كما يطلق عليه يف القاعات ال ينقصين ش ــيء‪ ،‬كـ ّـل هــذا مــوجــوٌد يف حمفظيت‬ ‫الـسـيـنـمــائــيّــة الـ َّـضـخـمــة‪ ،‬لـتـبــدأ ابج ـ ـرار أح ــداث الصغرية‪ ،‬أمحلها على كتفي‪ ،‬أضمها حتت إبطي‬ ‫الـفـيـلــم أمـ ــام األب ال ـعــاجــز واإلخ ـ ــوة اجلــوعــى‪ ،‬كسيّد ٍة من عشرينات القرن املاضي‪ ،‬وأجتــه حنو‬ ‫وب ـراء ٍة مضحكة حتــاول أن تقلّد إغـراء «مارلني‬ ‫مــونــرو» وحتاكي ال ـراءة عند «برجييت ابردو»‪.‬‬ ‫ـت عينيها عـلــى ق ــول أم ـهــا املـتـكــرر‬ ‫طـفـلـ ٌة فـتـحـ ْ‬ ‫أمــام املــرآة‪« :‬ملــاذا أرتضي أن أكــون جمرد حشرة‬ ‫ُحباحب مضيئة بينما مبقدوري أن أصري جنمة؟»‬ ‫دون أن تـعــرف ّأن ــا ستصري ظ ـ ًـا لـنـجــوٍم كثرية‬ ‫يف هــذه الـقـريــة‪ .‬كــانــت مــاراي تـغــوص يف قصص‬ ‫«جــن أوســري» و«كيد كولت»‪ ،‬وورثــت عن‬ ‫والدهتا ولعاً ال مثيل له ابملسلسالت اإلذاعـّـيــة‪،‬‬ ‫السر الــذي أخفته عن اجلميع (وهــو سبب‬ ‫أمــا ّ‬ ‫ولعها ابألفــام على األغـلــب)‪ ،‬فهو أن والدهتا‬ ‫تقص عليها أفالماً رومانسيّة قبل النوم‪،‬‬ ‫كانت ّ‬ ‫دوانً عن أخوهتا الذكور‪ ،‬فذاك شأ ٌن ٌّ‬ ‫أنثوي كما‬ ‫كانت ختربها‪.‬‬ ‫صارت حياهتا فيلماً مبشاهد طويلة‪ ،‬تتأرجح ما‬ ‫بني أفالم «الكاوبوي» واحلروب‪ ،‬وصوالً ألفالم‬

‫• بسمة شيخو‬ ‫املــرآة العظيمة يف غرفيت‪ ،‬ما بني طوهلا وعرضها‬ ‫ـور عريض‬ ‫يتجمع م ـئـ ٌ‬ ‫ـات مــن املـشــاهــديــن‪ ،‬مج ـهـ ٌ‬ ‫أقص عليه يوميايت‪ ،‬أو رمبا يومياته اليت‬ ‫ينتظر أن ّ‬ ‫نعيشها بشكل أف ــا ٍم كــومـيــديّــة م ــرة وتـراجـيــديّــة‬ ‫مرات‪ ،‬أأترجح معها ما بني امللهاة واملأساة‪ ،‬ويف‬ ‫اليس يتجمع فيها عشرات األبطال‬ ‫عمق مرآيت كو ٌ‬ ‫الستار‬ ‫والكومبارس‪ ،‬ينتظرون غمزًة مين ليزحيوا ِّ‬ ‫وي ـق ـفــزوا إىل ج ــان ــي‪ ،‬ويف ح ــال غ ـيــاب أحــدهــم‬ ‫أُصاب فجأ ًة ابنفصام يف الشخصيّة‪ ،‬وأبدأ أصرخ‬ ‫بـصـ ٍ‬ ‫ـوت رج ــويل يثري الـريـبــة يف قلب أيب‪ ،‬يهرول‬ ‫فاحتاً الباب‪ ،‬ال أحد سواان حنن األربعة‪ ،‬أان‪ ،‬هو‬ ‫وخـيــاالان يف امل ــرآة‪ ..‬يرتفع التصفيق‪ ،‬ال يسمعه‬ ‫خجلت منهم‪ ،‬بعد‬ ‫أيب وال ينحين للجماهري‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫بقص األفالم‬ ‫خروجه‪ ،‬اعتذرت وأكملت عملي ِّ‬ ‫ل ـع ـوامل امل ـ ـرااي‪ .‬أك ـثــر َم ــن يـعـشــق روايـ ــي لــأفــام‬ ‫اليوميّة هم أولئك األشخاص الذين يسكنونين‪،‬‬ ‫هـنــا فرصتهم الــوحـيــدة لـلـظـهــور‪ ،‬الــرقــص‪ ،‬الغناء‬ ‫والبكاااااء ح ّد الفجيعة‪.‬‬ ‫بكيت حبرقة‬ ‫كنت أمـاً ْ‬ ‫فقدت أبناءها‪ُ ،‬‬ ‫منذ أايم ُ‬ ‫حــى ج ـ َّ‬ ‫ـت أتــذكــرهــم واحـ ــداً تلو‬ ‫ـف ق ـلــي‪ ،‬ورحـ ـ ُ‬ ‫اآلخ ــر‪ ،‬مــوجــودون هــم داخــل امل ــرآة‪ ،‬وحـقـاً روى‬ ‫كنت عروساً يف سيارٍة‬ ‫ذلك فؤادي‪ .‬يف املرة التالية ُ‬ ‫فــارهــة‪ ،‬ورحــت أحــاكــي زمــامــر الـسـيَّــارات وأقلّد‬ ‫زغــاريــد الـنـســاء‪ ،‬فيما أصـ ـوات الـقــذائــف كانت‬ ‫ورقصت‬ ‫ـت‬ ‫ُ‬ ‫تعطي خلفيًّة صوتيًّة مناسبة‪ ،‬رقـصـ ُ‬ ‫حــى تعبت أق ــدام روحــي وارحت ــت على سريري‪.‬‬ ‫أحد األفالم جعلين كه ً‬ ‫ال بظه ٍر حمدودب كعالمة‬ ‫استفهام‪ ،‬ضاع ّ‬ ‫كل ما ميلكه‪ ،‬وراح حيكي لقربه‬ ‫عن موعدهم القريب‪ ،‬من قلب القرب نبتت شجرة‬ ‫ـت أابرك لــأغـصــان‬ ‫مليئة ابمل ـوال ـيــد اجلـ ــدد‪ ،‬رح ـ ُ‬ ‫نبت يل مع ّ‬ ‫كل مولود ابتسامة‪...‬‬ ‫محلهم اجلميل‪َ ،‬‬ ‫ـادرت السينما خــاصــي أطـفــأت حــزمــة الضوء‬ ‫غـ ُ‬ ‫ـت ال ـغ ـبــار امل ـراقــص‬ ‫املـنـبـثـقــة م ــن ج ـســدي ودع ـ ـ ُ‬ ‫داخ ـل ـه ــا‪ ،‬وّدع ـ ــت أبـ ـط ــال احلـ ـك ــاايت احنـنـيــت‬ ‫للجمهور‪ ،‬وأغلقت الباب على شاشيت السينمائية‬ ‫ـوت (أم ماراي‬ ‫(مــرآيت العزيزة) يف سريري راح صـ ُ‬ ‫راويــة األفــام) «ي ـ ّزِن» يف أذين «ملــاذا أرتضي أن‬ ‫أكون جمرد حشرة حباحب مضيئة بينما مبقدوري‬ ‫ين يل‪.‬‬ ‫أن أصري جنمة؟»‪ ،‬وبدأت أفكر ابس ٍم ف ٍّ‬ ‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪7 2014‬‬


‫المرأة في األبحاث والدراسات‬ ‫تثري مشكلة وجــود املـرأة يف املراكز القيادية يف‬ ‫اجملتمع العريب‪ ،‬والسياسية يف مؤسسات صنع‬ ‫الـقـرار‪ ،‬جــدالً واسـعـاً‪ ،‬ويتجلى هــذا اجلــدل يف‬ ‫نسبة التمثيل النسوية يف تلك امل ـراكــز‪ ،‬والــي‬ ‫تعترب مقارنة ابلدول األوروبية ضئيلة جداً‪ ،‬إال‬ ‫أهنا يف منظور الرجل العريب تكاد تكون أكثر‬ ‫مما تستحق املرأة يف هذا العامل‪.‬‬ ‫وبـعــض املــؤس ـســات ذهـبــت إىل ع ــدم مـشــاركــة‬ ‫املرأة يف هيئتها اإلدارية‪ ،‬واالستشارية‪ ،‬إمياانً من‬ ‫القائمني عليها أبن املرأة ليست أه ً‬ ‫ال للقيادة‪،‬‬ ‫أو أهن ــا خمـلــوقــة ألش ـيــاء أخ ــرى تـتـنــاســب ط ــرداً‬ ‫مــع تكوينها «الـنــاعــم» و«الـلـطـيــف»‪ .‬ووســط‬ ‫ك ــل هـ ــذا‪ ،‬ي ـقــف م ـف ـك ــرون وج ـه ـاً ل ــوج ــه مع‬ ‫هذه القناعات‪ ،‬وتطلق الدراسات االجتماعية‬ ‫سهام األدلــة على أن املـرأة قيادية‪ ،‬استشارية‪،‬‬ ‫وتفاوضية‪ ،‬وتشاركية بدرجات تفوق الرجل‪ ،‬بل‬ ‫وتتحداه فيها‪.‬‬ ‫يف دراسـ ــة قــامــت هبــا جــوديــت روزن ــز وســايل‬ ‫هلجسن ابس ــم «امل ـيــزة األن ـثــويــة»‪ ،‬استنتجت‬ ‫الـبــاحـثـتــان بـعــد ال ــدراس ــة‪ ،‬واملـطــابـقــة مــع آخــر‬ ‫الدراسات العلمية إىل أن املـرأة تتميز بصفات‬ ‫قيادية‪ ،‬نستعرض بعضها يف هذه املادة‪.‬‬ ‫املشاركة‪ ،‬حيث ال خيفى أن املرأة حتب املشاركة‬ ‫يف كــل ش ــيء‪ ،‬حــى يف األع ـمــال الــي تتطلب‬ ‫جهداً قليالً‪ ،‬وابلرغم من أن البعض يراها كس ً‬ ‫ال‬ ‫وقلة مسؤولية‪ ،‬إال أن علماء اإلدارة ينصحون‬ ‫كل اإلداريــن هبذه الصفة يف العصر احلديث‪،‬‬ ‫ملا حتمله تلك الصفة من دفع نفسي يف صف‬ ‫العاملني مع املدير أو القائد‪.‬‬ ‫التعاطف‪ ،‬تلك الصفة الــي طاملا كانت دليل‬ ‫نقص عند املرأة يف عاملنا العريب‪ ،‬إال أن الباحثني‬ ‫وعلماء النفس لديهم وجهة نظر أخرى مفادها‬ ‫أن ميزة التعاطف تساعد املدير أو القائد على‬ ‫بناء عالقات حقيقية وصادقة‪ ،‬وذلــك يساعد‬ ‫يف ج ــذب حمـبــة اجلـمـيــع‪ ،‬ورغـبـتـهــم يف التحرك‬ ‫طوعاً حنو األهداف املشرتكة‪.‬‬ ‫التفويض وإعـطــاء الصالحيات‪ ،‬وهــذه الصفة‬ ‫ال ــي يـفـتـقــدهــا الـ ـسـ ـواد األع ـظ ــم م ــن ال ــرج ــال‪،‬‬ ‫‪8‬‬

‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪2014‬‬

‫الــذيــن يتسمون ابلعناد والـتـفــرد‪ ،‬متتلكها املـرأة‬ ‫جبدارة وذلك يساعدها يف كسب ثقة الشركاء‪،‬‬ ‫وشعورهم مبكانتهم ودورهم يف املؤسسة‪ ،‬والذي‬ ‫بــدوره يقود إىل عمل أكثر مرونة وتشابكاً يف‬ ‫األدوار‪.‬‬ ‫االتصال‪ ،‬فاملرأة متتلك استعداداً أكثر للحوار‪،‬‬ ‫وخلصت أكثر الــدراســات إىل أن امل ـرأة تعترب‬ ‫احلوار أساسياً يف إدارة األعمال‪ ،‬ابإلضافة إىل‬ ‫أن املرأة أكثر انفتاحاً يف احلديث عن مشاعرها‬ ‫وقناعاهتا من الرجل‪ ،‬وذلك ما يساعدها على‬ ‫خلق عالقات أوسع‪ ،‬واكتساب معارف أكثر‪.‬‬ ‫ولــو أضفنا إىل تلك املـيـزات الــي انتهت إليها‬ ‫دراس ــة «املـيــزة األنـثــويــة‪ ،‬صـفــات أخ ــرى انتهى‬ ‫إليها علماء النفس واالجتماع‪ ،‬لكان إلدراكنا‬ ‫يف هذا اجلوهر «األنثى» هناية أخرى‪.‬‬

‫• صبحي فرجنية‬ ‫ف ــاإلب ــداع‪ ،‬ت ـلــك ال ـص ـفــة ال ــي تـعـتــر «كـعـبــة»‬ ‫العقالء‪ ،‬الكل حيج إليها‪ ،‬والكل حيلم ابمتالكها‪،‬‬ ‫هي بنت األنثى‪ ،‬وركيزة يف تركيبتها‪ ،‬فالعلماء‬ ‫يقولون إن نسبة اإلبداع عند املرأة تفوق نسبة‬ ‫إبداع الرجل بـ ‪ ، % 25‬ولو حاولنا استغالل‬ ‫ذلــك الـتـفــاوت يف اإلب ــداع داخ ــل مؤسساتنا‪،‬‬ ‫لكنا رمبا أفضل حاالً‪ ،‬وأكثر تقدماً‪.‬‬ ‫ولو زدانك من العطر نفحة‪ ،‬وقلنا لك إن كثرة‬ ‫السؤال لدى املرأة حول التفاصيل‪ ،‬وفضوهلا حنو‬ ‫معرفة املعلومات‪ ،‬ليس مشكلة‪ ،‬وليس عــادة‬ ‫سيئة‪ ،‬بل هو حجر أساس يف ميزة متتلكها املرأة‬ ‫أكثر من الرجل‪ ...‬هي بعد النظر‪..‬‬ ‫يق القياديني‪ ،‬وميزة اإلداريــن‪،‬‬ ‫وبعد النظر‪ ،‬طر ُ‬ ‫وهل كانت مأساة أكثر الشعوب اجتماعياً إال‬ ‫فقدان بعد النظر يف قياداهتا؟‪..‬‬ ‫ولـ ــو ن ـظ ـران الـ ـي ــوم ع ــامل ـي ـاً‪ ،‬ل ــوج ــدان أن معظم‬ ‫الشركات االقتصادية بــدأت تستجلب النساء‬ ‫يف التخطيط ملنتجاهتا‪ ،‬وطـريـقــة تسويق تلك‬ ‫املنتجات‪ ،‬فهل سألنا أنفسنا عن السبب؟‬ ‫الـسـبــب ه ــو صـفــة أخـ ــرى يف ط ـيــات األن ـثــى‪،‬‬ ‫إهن ــا «تـفـهــم احل ــاج ــات»‪ ،‬فـهــي ال ــي تستطيع‬ ‫تفهم احلاجة لدى النساء واألطفال‪ ،‬وهي اليت‬


‫تستطيع أن متسك عنق الزجاجة يف كيفية التسويق وجذب‬ ‫املستهلكني‪ .‬فكم من الشركات العربية اعتمدت تلك امليزة‬ ‫يف طريقها؟‬ ‫املشاركة‪ ،‬التعاطف‪ ،‬التفويض وإعطاء الصالحيات‪ ،‬االتصال‪،‬‬ ‫اإلبداع‪ ،‬وبعد النظر‪ ،‬تلك صفات متأصلة يف املرأة‪ ،‬وال حيتاج‬ ‫اجملتمع أكثر من تلك الصفات ليمتلك يف مؤسساته‪ ،‬مدارسه‪،‬‬ ‫وجامعاته ثورة تقدم‪ ،‬وجي ً‬ ‫ال مفعماً ابلذكاء‪.‬‬ ‫لكن ما يهم اليوم‪ ،‬ليس فقط قناعة الرجل بتلك احلقائق‪ ،‬بل‬ ‫أيضاً قناعة املرأة اليت أخصاها اجملتمع من التماس نقاط القوة‬ ‫يف نفسها‪ ،‬و إذكاء شعلة اإلبداع والثقة يف روحها‪.‬‬ ‫مــا يهم الـيــوم‪ ،‬هــو انتفاضة العقل األنـثــوي مــن الــركــود الــذي‬ ‫حبسه فيه العقل الذكوري يف اجملتمعات العربية‪ ،‬صرخة الروح‬ ‫األنثوية اليت كانت مقدسة يف زمن الـبــداايت‪ ،‬وكسر الزجاج‬ ‫عن نواة اإلبداع يف جنبات النفس األنثوية‪.‬‬ ‫من أجل متعته فقط‪ ،‬أوهم الرجل املرأة أن وجودها هو مجاهلا‬ ‫فقط‪ ،‬هو جسد يفيض عطراً فقط‪ ،‬هو عمل يف االستقبال‬ ‫فقط‪ ،‬هو أداة للرتويج فقط‪ ،‬هو ملهاة لشهواته فقط‪.‬‬ ‫ومن أجل اجملتمع واملستقبل‪ ،‬ينبغي أن نسرتجع حقنا يف أن‬ ‫تكون املرأة يف مراكز القيادة‪ ،‬وصناعة القرار‪.‬‬ ‫إحصائيات حنو إدراك آخر بدور املرأة‬ ‫قامت مراكز أحباث أمريكية إبحصائيات لدور املرأة يف جمتمعها‬ ‫وبنائه‪ ،‬نورد بعض ماانتهى البحث إليه‪:‬‬ ‫‪ % 11‬مــن ق ـي ــادات الـبـنــوك األمـريـكـيــة ن ـســاء‪ % 11 ،‬من‬ ‫ق ـيــادات دور الـنـشــر األمـريـكـيــة ن ـســاء‪ ،‬و‪ % 19‬مــن إداري ــي‬ ‫شركات األغذية األمريكية نساء‪.‬‬ ‫ونسبة قرار املرأة يف كثري من شؤون احلياة هي‪:‬‬ ‫‪ % 94‬شراء األاثث‪ % 92 ،‬حتديد مكان السفر‪% 91 ،‬‬ ‫اختيار املنزل‪ % 80 ،‬القضااي الصحية‪ % 51 ،‬اإللكرتونيات‪،‬‬ ‫و‪ % 50‬من مستخدمي اإلنرتنت‪.‬‬

‫السيــداو‬ ‫ألمهيتها‪ ،‬تقوم جملة «سيدة سوراي» بنشر اتفاقية السيداو على أجزاء‪ ،‬بدءاً من‬ ‫العدد الثاين‪.‬‬ ‫املادة ‪26‬‬ ‫‪ .1‬ألية دولــة طــرف‪ ،‬يف أي وقــت‪ ،‬أن تطلب إعــادة النظر يف هذه االتفاقية‪،‬‬ ‫وذلك عن طريق إشعار خطي يوجه إىل األمني العام لألمم املتحدة‪.‬‬ ‫‪ .2‬تقرر اجلمعية العامة لألمم املتحدة اخلطوات اليت تتخذ‪ ،‬عند اللزوم‪ ،‬إزاء مثل‬ ‫هذا الطلب‪.‬‬ ‫املادة ‪27‬‬ ‫‪ .1‬يـبــدأ نـفــاذ هــذه االتـفــاقـيــة يف الـيــوم الـثــاثــن ال ــذي يلي اتري ــخ إي ــداع صك‬ ‫التصديق أو االنضمام العشرين لدى األمني العام لألمم املتحدة‪.‬‬ ‫‪ .2‬أما الدول اليت تصدق هذه االتفاقية أو تنضم إليها بعد إيداع صك التصديق‬ ‫أو االنضمام العشرين‪ ،‬فيبدأ نفاذ االتفاقية إزاءهــا يف اليوم الثالثني الــذي يلي‬ ‫اتريخ إيداع هذه الدولة صك تصديقها أو انضمامها‪.‬‬ ‫املادة ‪28‬‬ ‫‪ .1‬يتلقى األمني العام لألمم املتحدة نص التحفظات اليت تبديها الدول وقت‬ ‫التصديق أو االنضمام‪ ،‬ويقوم بتعميمها على مجيع الدول‪.‬‬ ‫‪ .2‬ال جيوز إبداء أي حتفظ يكون منافياً ملوضوع هذه االتفاقية وغرضها‪.‬‬ ‫‪ .3‬جيوز سحب التحفظات يف أي وقت بتوجيه إشعار هبذا املعىن إىل األمني‬ ‫العام لألمم املتحدة‪ ،‬الــذي يقوم عندئذ إببــاغ مجيع الــدول بــه‪ .‬ويصبح هذا‬ ‫اإلشعار انفذ املفعول اعتباراً من اتريخ تلقيه‪.‬‬ ‫املادة ‪29‬‬ ‫‪ .1‬يعرض للتحكيم أي خالف بني دولتني أو أكثر من الدول األطراف حول‬ ‫تفسري أو تطبيق هذه االتفاقية ال يسوى عن طريق املفاوضات‪ ،‬وذلك بناء على‬ ‫طلب واحــدة من هذه الــدول‪ .‬فإذا مل تتمكن األطـراف‪ ،‬خالل ستة أشهر من‬ ‫اتريــخ طلب التحكيم‪ ،‬من الوصول إىل اتفاق على تنظيم أمر التحكيم‪ ،‬جاز‬ ‫ألي من أولئك األطراف إحالة النزاع إىل حمكمة العدل الدولية بطلب يقدم وفقاً‬ ‫للنظام األساسي للمحكمة‪.‬‬ ‫‪ .2‬ألية دولة طرف أن تعلن‪ ،‬لدى توقيع هذه االتفاقية أو تصديقها أو االنضمام‬ ‫إليها‪ ،‬أهنا ال تعترب نفسها ملزمة ابلفقرة ‪ /1/‬من هذه املــادة‪ .‬وال تكون الدول‬ ‫األطـراف األخرى ملزمة بتلك الفقرة إزاء أية دولة طرف أبدت حتفظاً من هذا‬ ‫القبيل‪.‬‬ ‫‪ .3‬ألية دولة طرف أبدت حتفظاً وفقاً للفقرة ‪ /2/‬من هذه املادة أن تسحب هذا‬ ‫التحفظ مىت شاءت‪ ،‬إبشعار توجهه إىل األمني العام لألمم املتحدة‪.‬‬ ‫املادة ‪30‬‬ ‫تــودع هــذه االتفاقية‪ ،‬الــي تتساوى يف احلجية نصوصها ابإلسبانية واإلنكليزية‬ ‫والروسية والصينية والعربية والفرنسية لدى األمني العام لألمم املتحدة‪.‬‬ ‫وإثـبــااتً لــذلــك‪ ،‬قــام املــوقـعــون أدانه‪ ،‬املـفــوضــون حسب األص ــول‪ ،‬إبمـضــاء هذه‬ ‫االتفاقية‪.‬‬ ‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪9 2014‬‬


‫صبا الحكيم‬

‫رغم كل تضحياتهاما زالت المرأة السورية تعاني االستالب السياسي‬

‫بعد قضائها سنوات من العمل يف اجملال الطيب‪ ،‬حينها فـكــرة مـفــادهــا أن غالبية الــذيــن خــرجـوا‬ ‫أدارت خالهلا صيدليتها اخلاصة يف مدينة إدلب‪ ،‬إىل ال ـشــارع هــم مــن الـبـسـطــاء‪ ،‬لــذلــك أردان أن‬ ‫ومــن مث انتقلت إىل ليبيا‪ ،‬حيث عملت لدى نثبت العكس فخرجنا يف املظاهرات‪ ،‬وأسسنا يف‬ ‫مــؤسـســات طـبـيــة يف مــديـنــي بـنـغــازي والـريـقــة‪ ،‬مدينة إدلب يوم ‪( 2/9/2011‬التجمع الوطين‬ ‫قــررت صبا احلكيم‪ ،‬يف حلظة مــا‪ ،‬تغيري مسار للشباب واملـثـقـفــن)‪ ،‬ضــم هــذا التجمع الـثــوري‬ ‫حياهتا املهنية‪ ،‬وبــدأت كناشطة يف جمال الدعم أطباء ومهندسني وحماميني وأساتذة وجامعيني‪،‬‬ ‫االجتماعي يف سوراي‪ ..‬استمر ذلك إىل أن بدأت وكنا جنتمع يف كل أسبوع ونصدر بياانت خاصة‬ ‫الثورة‪ ،‬اليت فرضت واقعاً جديداً يف البالد‪ ،‬وهو ابحلراك‪ .‬وكنا نتناقش ونتدارس وكان هناك عدد‬ ‫ما دفعها إىل خــوض جتــارب عديدة‪ ،‬تلخصها حمدود من النساء‪ ،‬ووصلنا يف مرحلة من املراحل‬ ‫احلـكـيــم يف حــديــث خ ــاص ل ــ«س ـيــدة س ــوراي»‪ .‬إىل ‪ 250‬عضواً‪.‬‬ ‫يف العام ‪ ،2004‬وجدت أن أوالدي كربوا‪ ،‬وأن يف تلك الـفــرة‪ ،‬دعيت إىل ح ـوار ّ‬ ‫نظمه النظام‬ ‫لدي طاقة وجهداً‪ ،‬وجيب أن أقوم بشيء خيدم مبــدي ـنــة إدل ـ ــب‪ ،‬ح ـضــره م ـس ــؤول ــون يف حـكــومــة‬ ‫اجملتمع‪ ،‬فاإلنسان الذي ميتلك الصحة والوقت الـنـظــام‪ ،‬وحينها تفاجأت أبن كــل مــن حضر‪،‬‬ ‫جيب أن يقوم بعمل خيدم فيه اجملتمع‪ .‬ومن هذا هم من التابعني له‪ ،‬ومن بينهم من خدم ثالثني‬ ‫املبدأ‪ ،‬قمنا كمجموعة من األشخاص‪ ،‬بتأسيس أو أربعني عاماً يف فــروع ومراكز حــزب البعث‪،‬‬ ‫مجـعـيــة أطـلـقـنــا عليها اس ــم «الــرعــايــة اإلنـســانـيــة وك ــذل ــك ش ـخ ـص ـيــات أم ـن ـي ــة‪ .‬يــوم ـهــا امـتـلـكــت‬ ‫لـلـمـعــاقــن» مبــدي ـنــة إدل ـ ــب‪ ،‬وب ـ ــدأان ال ـع ـمــل مع الشجاعة‪ ،‬وطــرحــت رؤي ــي وك ــان موقفهم أنــه‪:‬‬ ‫املعاقني‪ ،‬ممن لديهم متالزمة داون (املنغوليني)‪« ،‬ال جيوز أن هندم بلدان أو نشتم رئيسنا»‪ ،‬فقلت‬ ‫إضافة للتوحد وصعوابت النطق‪ .‬كنت عضواً هلم‪ :‬أنتم السبب‪ ،‬أنتم الذين حتكمون منذ أربعني‬ ‫يف جملس إدارة اجلمعية‪ ،‬سعيدة بعملي هــذا‪ ،‬عاماً احلزب والشبيبة والطالئع ومديرية الرتبية‪..‬‬ ‫ألننا كنا نقدم ثقافة العمل التطوعي‪ ،‬وهي ثقافة ملاذا هتمشون الشعب وال متنحونه حقوقه؟‪ ..‬أين‬ ‫مهمة لإلنسان والعمل االجتماعي‪ .‬خالل تلك املساواة واحلرية‪...‬؟»‬ ‫الفرتة شاهدت مآسي الناس واملعاقني‪ ،‬حضرت كما كنت يف تلك الفرتة‪ ،‬عضو اللجنة األهلية‪،‬‬ ‫مؤمترات عديدة طبية ودوائية وخاصة ابملعاقني‪ .‬خــرجـنــا مـ ـرات ع ــدي ــدة يف اع ـت ـصــامــات مــديـريــة‬ ‫الصحة وأمام القصر العديل يف إدلب‪ ،‬للمطالبة‬ ‫مل يكن لك أي نشاط سياسي حينها؟‬ ‫ال‪ ..‬مل أخض يف جمال العمل السياسي‪ ،‬أان ميالة ابإلفراج عن املعتقلني‪ ،‬وخاصة زمالئنا الصيادلة‬ ‫للعمل االجتماعي أكثر‪ .‬وحني اندلعت الثورة واألط ـب ــاء‪ .‬كـمــا ســامهـنــا يف تسهيل أم ــور بعثة‬ ‫الـســوريــة‪ ،‬خــرجـنــا وتـضــامـنــا‪ .‬وقــد ســوق النظام املراقبني العرب إىل سوراي حني كانوا يف إدلب‪،‬‬

‫‪ 10‬العدد (‪ )10‬كانون أول ‪2014‬‬

‫• حاورهتا سيدة سوراي‬

‫وح ــاول ـن ــا إي ـصــاهلــم إىل م ـنــاطــق عـ ــدة‪ ،‬لــدحــض‬ ‫ادعاءات النظام‪.‬‬ ‫يف الـعــاشــر مــن آذار ‪ ،2012‬دخ ـلــت ق ـوات‬ ‫النظام إىل إدلب‪ ،‬وحينها بدأ املواطنون يتسلحون‬ ‫ل ـلــرد عـلــى عـمـلـيــات قـتــل املـتـظــاهـريــن‪ .‬وابلــرغــم‬ ‫مــن ذلــك‪ ،‬واصلنا عملنا‪ ،‬لكن بشكل ســري‪.‬‬ ‫كما تواصلنا بشكل سري مع أعضاء من جلنة‬ ‫املراقبني‪ ،‬التابعة لألمم املتحدة‪ ،‬إىل سوراي‪ .‬ومع‬ ‫مرور الوقت‪ ،‬بدأت األمــور تسوء أكثر فأكثر‪،‬‬ ‫فقررت مـغــادرة البالد والتوجه إىل تركيا‪ .‬وحني‬ ‫وصلت إىل األراض ــي الرتكية‪ ،‬بــدأت ابلتواصل‬ ‫مع اجمللس الوطين الـســوري‪ ،‬وطلبنا (كتجمع)‬ ‫االنضمام للمجلس الوطين‪ ..‬رفض بعض أعضاء‬ ‫التجمع االنضمام‪ ،‬لذا قررت أان وبعض الزمالء‬ ‫االنضمام ابمسنا كنشطاء يف احلراك الثوري بتاريخ‬ ‫‪.2012 /4/11‬‬ ‫كيف سارت األمور يف مكتب املرأة ابجمللس‪..‬‬ ‫وما هو وضع املكتب يف االئتالف اليوم؟‬ ‫حــن أصـبـحــت عـضــو مكتب املـ ـرأة يف اجمللس‬ ‫الوطين‪ ،‬بقينا عدة أشهر نطالب بتفعيل املكاتب‬


‫ابلـنـظــام الــداخـلــي للمجلس الــوطــي‪ .‬وحينها‪،‬‬ ‫وع ـ ـ ــدوان يف اجمل ـل ــس أهنـ ــم س ـي ـض ـعــون هـيـكـلـيــة‬ ‫املكاتب وخاصة تلك العاملة ضمن األراضــي‬ ‫ال ـســوريــة‪ ،‬وظ ــل األم ــر عـلــى مــا هــو عليه لفرتة‬ ‫طويلة‪ .‬وبعد انتخاب «ج ــورج ص ـرا»‪ ،‬رئيساً‬ ‫للمجلس الــوطــي‪ ،‬مسعنا أن اجملـلــس قــد شكل‬ ‫امل ـكــاتــب‪ ،‬ول ـكــن مل نـعـلــم كـيــف تــرشــح رؤس ــاء‬ ‫املكاتب‪ ،‬إذ إهنم مل يتصلوا بنا كهيئة عامة‪ ،‬ومل‬ ‫خيربوان بشيء‪ ..‬تفاجأان كثرياً بعد حنو شهر من‬ ‫تشكيل املكتب‪ ،‬حني أخربوان يف اهليئة العامة‪،‬‬ ‫أهنم شكلوا مكتب املرأة برائسة الدكتورة «تغريد‬ ‫احلـجـلــي»‪ ،‬واملـكـتــب الصحي بـرائســة الدكتور‬ ‫«مصطفى حــاج حــامــد»‪ ..‬وحينها انضممت‬ ‫إىل مكتب املـرأة‪ ،‬وأصبحت رئيسة املكتب يف‬ ‫مدينة الرحيانية الرتكية‪.‬‬ ‫م ــاذا عــن تــرشـحــك كــام ـرأة لــرائســة احلكومة‬ ‫السورية املؤقتة؟‬ ‫تــرش ـحــت لـ ـرائس ــة احل ـك ــوم ــة امل ــؤق ـت ــة ك ـم ـبــادرة‬ ‫لتشجيع النساء‪ ،‬ولتسجيل موقف‪ ،‬ألننا كنساء‬ ‫نـنــادي دائـمـاً حبــق امل ـرأة يف املـشــاركــة‪ ،‬وبقدرهتا‬ ‫عـلــى تـبـوأ أعـلــى امل ـنــاصــب‪ ،‬لـكــن يف كـثــر من‬ ‫األحيان ال جنرؤ على اخلوض يف الشأن العام‪،‬‬ ‫إضافة إىل أسباب أخــرى كتقصري املعارضة يف‬ ‫إن ـصــاف املـ ـرأة مــع وج ــود الـكـثــر مــن ال ـك ـوادر‬ ‫ال ـقــادرة على العمل بــروح وطنية‪ ،‬وألنــي أريــد‬ ‫أن أعمل من الداخل‪ ،‬ومع مؤسسات الثورة‪،‬‬ ‫رغ ــم األخ ـطــاء والـتـقـصــر ال ــذي حـصــل منهم‪،‬‬ ‫فأان أؤمن أن اإلصالح جيب أن يكون ابلعمل‬ ‫مــن داخ ــل املــؤسـســة ولـيــس ابلـتـنـظــر والتهجم‬ ‫والنقد عرب الصحافة وعلى صفحات التواصل‬ ‫االج ـت ـم ــاع ــي‪ ،‬والس ـت ـك ـم ــال م ـس ــريت ال ـث ــوري ــة‬ ‫ابل ـت ـعــاون مــع كــافــة ال ـث ـوار وامل ـعــارضــن إلجنــاح‬ ‫احلكومة وإنقاذ سوراي من النظام الفاسد‪.‬‬ ‫هل كنت جزءاً من كتلة سياسية معينة‪ ،‬وكيف‬ ‫جرت األمور يف تلك االنتخاابت؟‬ ‫ال‪ ،‬مل أك ــن ج ــزءاً مــن أي كـتـلــة سـيــاسـيــة‪ ،‬أان‬ ‫عـضــو يف اجمل ـلــس الــوطــي ال ـس ــوري‪ ،‬ممـثـلــة عن‬ ‫احلراك الثوري‪ ،‬لقد انسحبت من االنتخاابت‪،‬‬ ‫لـكــي قــدمــت ب ـرانجمــي احلـكــومــي ولـقــي ترحيباً‬ ‫واس ـع ـاً مــن غــالـبـيــة األع ـض ــاء‪ ،‬وج ــاء انـسـحــايب‬ ‫نتيجة لعدم قناعيت جبدية االنتخاابت‪ ،‬بسبب‬ ‫ال ـت ـج ــاذابت واحمل ــاص ـص ــات احل ـزب ـيــة والـتـعـطـيــل‬ ‫وعــدم إنـصــاف املـ ـرأة‪ ..‬وأمتــى ملــن فــاز النجاح‬

‫وأن يعمل يف خدمة الشعب السوري يف هذه‬ ‫الظروف الصعبة‪.‬‬ ‫ك ـيــف تـنـظــريــن إىل م ـســألــة متـثـيــل املـ ـ ـرأة يف‬ ‫مؤسسات الثورة؟‬ ‫لألسف‪ ،‬التمثيل ضعيف جداً‪ ،‬بل هامشي‪..‬‬ ‫ابلرغم من أن دور املرأة يف الثورة كان ابرزاً وأهنا‬ ‫حتملت عبئاً كـبـراً‪ ،‬ومــازالــت مستمرة بتحمل‬ ‫هــذا الـعــبء‪ ،‬ال ت ـزال مسألة التمثيل هامشية‬ ‫جداً‪ ..‬أان ضد هذه السياسة‪ ،‬وحنن نعمل رغم‬ ‫واق ــع اإلق ـصــاء ه ــذا‪ .‬وأق ــول لــأســف إن هناك‬ ‫نساء يقصون بعضهن بعضاً‪ ،‬وهــذا حبــد ذاتــه‬ ‫مدعاة لالستغراب‪.‬‬ ‫قبل أن تبدأ فكرة اجملالس احمللية (وهذه كانت‬ ‫فكرتنا)‪ ،‬اجتمع أهايل إدلب‪ ،‬وانتخبوا عشرين‬ ‫ع ـض ـواً للمجلس احمل ـلــي إبدلـ ــب‪ ..‬وألول مــرة‬ ‫شـعــرت مبعىن االنـتـخــاابت الــدميـقـراطـيــة‪ .‬حضر‬ ‫االنتخاابت أكثر من ‪ 200‬شخص وانتخبوا‬ ‫ع ـش ـري ــن ع ـ ـض ـ ـواً‪ ،‬مخ ـس ــة م ـن ـهــن ن ـس ــاء كـنــت‬ ‫إحــداهــن‪ ،‬واستلمت رائســة املكتب الصحي‪.‬‬

‫كــانــت ال ـفــرة ق ـصــرة جـ ــداً‪ ،‬حــاول ـنــا أن ننظم‬ ‫املكتب يف ظل اإلمكاانت الضعيفة‪ ..‬حاولنا‬ ‫التواصل مع بعض املؤسسات الصحية هبدف‬ ‫الدعم‪،‬ولكم مل َّ‬ ‫نتلقى أي مساعدة‪.‬‬ ‫كيف تنظرين إىل دور التشكيالت النسائية‬ ‫اليت ظهرت يف ظل الثورة؟‬ ‫الـواقــع أنـنــا كنا نعيش يف صـحـراء‪ ،‬فيما خيص‬ ‫الـعـمــل الـنـســائــي‪ ،‬ال ــذي اقـتـصــر عـلــى مؤسسة‬ ‫شكلية هــي االحت ــاد الـنـســائــي‪ ،‬ال ــي ك ــان يتبع‬ ‫جلـهــة مـعـيـنــة‪ ،‬ذات ل ــون واح ــد‪ ،‬واتب ـعــة حلــزب‬ ‫معني‪ ..‬واتلـيـاً‪ ،‬ميكن القول إن امل ـرأة متعطشة‬ ‫للعمل‪ ،‬وهذا ما دفعها إىل أتسيس تشكيالت‬ ‫خــاصــة هبــا‪ .‬أعـتـقــد أهنــا ظــاهــرة ج ـيــدة‪ ،‬وكنت‬ ‫أمتــى أن تـكــون مفعلة أكـثــر‪ ،‬وأن تــاقــي هذه‬ ‫ال ـت ـش ـك ـيــات اه ـت ـم ــام ـاً م ــن ج ــان ــب املــؤس ـســة‬ ‫ال ـس ـي ــاس ـي ــة يف املـ ـع ــارض ــة‪ .‬هـ ـن ــاك مــؤس ـســات‬ ‫نسائية لديها الكثري لتقدمه‪ ،‬ويف املقابل هناك‬ ‫مؤسسات هــي جمــرد اســم فـقــط‪ ،‬ولـكــي تكون‬ ‫هــذه املؤسسات أكثر فاعلية‪ ،‬عليها أن تفتح‬ ‫أبـواهبــا للجميع‪ ،‬وتتجنب االقـتـصــار على فئة‬ ‫معينة‪.‬‬ ‫هــل مــن أفــق لـتـحــرر املـ ـرأة الـســوريــة يف ظل‬ ‫الواقع احلايل؟‬ ‫أان ال أطــالــب بتحرر امل ـرأه فـقــط‪ ،‬وإمنــا بتحرر‬ ‫اجملتمع مــن الفوضى والتبعية واهليمنة مــن قبل‬ ‫بعض األفراد أو االحزاب أو القوى العسكرية‪،‬‬ ‫م ــازال الـطـريــق شــاقـاً لـلــوصــول إىل دول ــة مدنية‬ ‫دمي ـق ـراط ـي ــة‪ ،‬دولـ ــة امل ـواط ـن ــة ال ــي حت ــرم حـقــوق‬ ‫اإلنسان وجترم العنف والتمييز ضد املرأة‪.‬‬ ‫برأيك‪ ،‬هل ميثل احل ـراك النسوي يف اخلــارج‬ ‫واقع السورايت داخل البالد؟‬ ‫املرأه السورية أثبتت فعالية يف كل جماالت الثورة‪،‬‬ ‫ابلرغم من الـظــروف الصعبة الــي تعرضت هلا‪،‬‬ ‫وال ت ـزال تعيشها‪ ،‬من انـعــدام األمــن واالقصاء‬ ‫والتهميش‪ ،‬وطغيان اجملتمع الــذكــوري وانتشار‬ ‫ال ـف ـك ــر املـ ـتـ ـط ــرف‪ ،‬ل ـك ـن ـهــا م ــاض ـي ــة يف حتـقـيــق‬ ‫هدفها‪ ..‬واحلراك النسوي احلاصل خارج سوراي‪،‬‬ ‫يعد واقعاً جديداً ختوضه املرأة‪ ،‬يساعدها لتزداد‬ ‫خربة وتعلّماً‪ ،‬وأتخذ دورها الذي كانت حمرومة‬ ‫منه لعقود‪ ،‬لتخدم قضيتها وثورهتا مبا متلك من‬ ‫قــوة‪ ،‬هناك حـراك نسوي داخــل املناطق احملــررة‬ ‫ال يــرقــى لـطـمــوحــاتـنــا‪ ،‬وه ــو حم ـفــوف ابملـخــاطــر‬ ‫والصعوابت وجيب دعمه‪.‬‬ ‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪11 2014‬‬


‫تاريخ الحركات النسوية‬ ‫عود على بدء‬

‫• رهف موسى‬

‫ارتبطت احلركات النسوية التحررية ابلتغريات السياسية العاملية‪ ،‬ألن ما قاسته‬ ‫املرأة خالل تلك التغيريات والفرتات اليت سبقتها من معاانة كان مضاعفاً‪ ،‬أوالً‬ ‫كوهنا تعيش هذا التغيري وتساهم فيه بدور ال يقل أمهية وصعوبة عن الرجل‪،‬‬ ‫واثنياً ألهنــا ام ـرأة يف جمتمع ذكــوري‪ ،‬حاملا ينتهي هــذا التغيري يعيد امل ـرأة إىل‬ ‫مكاهنا التقليدي يف املنزل‪ ،‬انسياً نضاهلا إىل جانبه أثناء مرحلة التغيري‪ ،‬هذا‬ ‫اجملتمع الذكوري يساهم بتفجري هذه احلركات بقوة الستعادة ما سلب من‬ ‫حقوق املرأة وإنسانيتها‪ ،‬فكما أن األرض ال تعود لوحدها إن سلبت‪ ،‬كذلك‬ ‫هي احلقوق حباجة ملن يهتف هبا‪.‬‬ ‫احلركات النسوية الغربية‬ ‫اتري ــخ احل ــرك ــة الـنـســويــة ه ــو س ــرد لـلـمـســار ال ــزم ــي ال ــذي م ــرت ب ــه احلــركــات‬ ‫واأليديولوجيات اهلــادفــة للحصول على حقوق املـســاواة للمرأة‪ .‬على الرغم‬ ‫من أن النسويني حول العامل يدعمون قضااي وأهداف خمتلفة تبعاً للفرتة الزمنية‬ ‫والثقافة والبلد‪ ،‬إال أن معظم مؤرخي احلركات النسوية الغربيني يؤكدون على أن‬ ‫أي حركة تسعى للحصول على حقوق املرأة جيب أن تعترب «نسوية» وإن مل‬ ‫تطلق على نفسها تلك التسمية‪.‬‬ ‫ينقسم اتريخ احلركات النسوية الغربية إىل ثالث فرتات أو «موجات» ركزت‬ ‫كل منها على جانب معني‪:‬‬ ‫املوجة األوىل من احلركات النسوية‬ ‫ظهرت هــذه احلركة يف هناية القرن التاسع عشر‪ ،‬وامتدت حىت بداية القرن‬ ‫العشرين‪ ،‬وكانت تطالب ابحلصول على حق التصويت والتعليم‪ ،‬واحلــق يف‬ ‫ظــروف عمل أفضل‪ ،‬ابإلضافة إىل إلغاء التمييز على أســاس اجلنس‪ .‬برزت‬ ‫هذه املوجة يف الوالايت املتحدة األمريكية يف ظل احلركات املعارضة للعبودية‪،‬‬ ‫فالتقارب بني القضيتني دفع الكثري من النساء لالجتهاد يف سبيل التخلص‬ ‫من الرق واحلصول على حقوقهن‪ .‬ومما كان مييز هؤالء النساء أهنن يساوين‬ ‫بني الرجال البيض والسود يف احلقوق‪ ،‬ونتج عن ذلك صدور وثيقة «سينيغا‬ ‫فيلز» واليت طالبت إبعطاء املرأة احلق يف التصويت االنتخايب‪ ،‬وحق الزواج‪،‬‬ ‫واحلق يف التملك‪ .‬وأطلق على أعضاء احلركات النسائية األوىل اسم «مناصري‬ ‫حقوق املـرأة»‪ .‬كان من أهداف املوجة األوىل للحركات النسوية انتزاع حق‬ ‫امل ـرأة يف حرية التعبري واملشاركة يف الفعاليات والنشاطات السياسية‪ ،‬وحق‬ ‫املرأة يف اإلدالء بصوهتا االنتخايب‪ ،‬ابإلضافة إىل تكوين جمتمع قائم على قيم‬ ‫أخالقية جديدة‪.‬‬ ‫املوجة الثانية من احلركات النسوية‬ ‫ظهرت املوجة الثانية يف بداايت الستينيات‪ ،‬واستمرت حىت هناية الثمانينيات‪.‬‬ ‫رأت نساء هذه املوجة أن التفرقة االجتماعية والسياسية مرتبطتان بقوة‪ ،‬وال‬ ‫ميكن احلديث عن التخلص من التفرقة السياسية على أســاس اجلنس دون‬ ‫التأثري يف أفـكــار اجملتمع‪ .‬حيث رأت نـســاء املــوجــة األوىل أبنــه ميكنهن أن‬ ‫يرتقني مبطالبهن وأن حيصلن على حقوقهن الشخصية‪ ،‬لكن نساء املوجة‬ ‫كن يتطلعن لنشر الوعي الفكري‬ ‫الثانية اعتقدن أبن هذا ال جيدي نفعاً‪ ،‬ألهنن ّ‬ ‫السليم‪ ،‬والوصول إىل مطالب املساواة يف احلقوق‪ .‬واستمرت أفكار وجهود‬ ‫‪ 12‬العدد (‪ )10‬كانون أول ‪2014‬‬

‫هذه الفرتة حىت املوجة النسوية الثالثة‪ .‬عملت هذه األخرية على حماولة إجياد‬ ‫حلول أكثر أتثرياً يف حل مشاكلهن‪ ،‬وذلك من خالل القيام ابلثورات الشعبية‬ ‫مثل الوقوف ضد حرب فيتنام‪.‬‬ ‫كان من نتائج هذه املوجة ظهور «حركات الرجال»‪ ،‬اليت وقفت يف وجه‬ ‫احلركات النسائية يف أواخر عام ‪ ،1960‬حيث اعترب املسار الذي رصد هذه‬ ‫احلركة مساراً رجعياً‪ ،‬فهذه احلركة كانت حمسوبة على تيار احملافظني امللقب‬ ‫بـ«الباكالش» (احلركة الرجعية) الذي ظهر عام ‪ ،1980‬وقامت هذه احلركة‬ ‫بتبنيه كرؤية معارضة للتيار النسائي‪.‬‬ ‫املوجة الثالثة من احلركات النسوية‬ ‫ظهرت هذه املوجة اجلديدة يف بداايت التسعينيات كرد فعل على ما اعتربته‬ ‫نساء تلك الفرتة فش ً‬ ‫ال للموجة الثانية‪ ،‬وأيضاً رداً على التيار الرجعي الذي كان‬ ‫معادايً ألفكار ونشاطات املوجة الثانية‪ .‬سعت املوجة الثالثة لتجنب تعريف‬ ‫املوجة الثانية األساسي لـ«النسوية» والــذي ابلغ ابلرتكيز على جتارب النساء‬ ‫البيض من الطبقات املتوسطة العليا‪ .‬ومتركزت معظم أيديولوجيات النساء يف‬ ‫هذه املوجة حول تفسري معىن اجلندر واجلنسانية خارج نطاق ثنائية الذكورة‬ ‫واألنوثة‪.‬‬ ‫تيارات احلركة النسوية‬ ‫نشأت خالل هذه الفرتات ثالثة تيارات متحورت حوهلا احلركات النسائية‪،‬‬ ‫متثلت بتيار «النسوية اإلصالحية الليربالية» املنتسب خلط الـثــورة الفرنسية‬ ‫وامتداداهتا الفكرية‪ ،‬ويستند على مبادئ املساواة واحلرية واملطالبة حبقوق للمرأة‬ ‫مساوية حلقوق الرجل يف خمتلف جماالت احلياة‪ .‬ويتميز هذا التيار إبميانه بنجاح‬ ‫النظام الرأمسايل يف أتمني حقوق وفرص متساوية للمرأة والرجل‪ .‬التيار الثاين هو‬ ‫«النسوية املاركسية» الذي اعترب أن معاانة املرأة وقهرها بدأا مع انتشار امللكية‬ ‫اخلاصة‪ ،‬وعلى عكس «النسوية الليربالية» آمن هذا التيار أبن اخنراط املرأة يف‬


‫سوق العمل ونضاهلا يف الصراع الطبقي سيساعد‬ ‫يف اهنيار النظام الرأمسايل وإزالة الطبقية‪ .‬أما التيار‬ ‫الثالث فهو «النسوية الراديكالية»‪ ،‬والــذي عمل‬ ‫على التعويض عــن نـواقــص التيارين اآلخـريــن عن‬ ‫طريق أتكيد طابع التمييز العام ضد النساء بغض‬ ‫النظر عن املنطقة والثقافة‪ ،‬واملستقل عن الطبقات‪.‬‬ ‫اقتبس هذا التيار مقولة املفكرة الفرنسية «سيمون‬ ‫دو بــوفـوار»‪« :‬ال خنلق نساء‪ ،‬بل نصري نساء»‪،‬‬ ‫وجعله أبرز شعاراته‪.‬‬ ‫نضال املثليات والسوداوات والبيئيات‬ ‫ظهر يف السبيعينيات تـيــاران جــديــدان ســاعــدا يف‬ ‫توسيع جمال تفكري ونشاط احلركات النسوية‪ ،‬كان‬ ‫أوهلما «تيار النسوية املثلية»‪ ،‬الــذي اخــرق مجيع‬ ‫احلركات النسوية من وجهة نظر أن التمييز يكمن‬ ‫يف العالقة بــن اجلنسني‪ ،‬وتتم حماربته عــن طريق‬ ‫االنسحاب مــن هــذه العالقة واللجوء إىل عالقة‬ ‫مثلية يتساوى مجيع أطـرافـهــا‪« .‬حــركــة النسوايت‬ ‫السوداوات» كانت التيار الثاين الذي كان له األثر‬ ‫األكرب يف إثراء احلركات النسوية وصب يف مصلحة‬ ‫املدرسة النسوية الراديكالية «األكثر تطرفاً»‪ .‬محل‬ ‫هذا التيار جتديداً يف احلركة النسوية متثل يف نشوئه‬ ‫يف أوساط الناشطني السود مضيفاً البعد العنصري‬ ‫لـلـمـعــادلــة ال ــي سـبــق أن مشـلــت الـبـعــديــن اجلنسي‬ ‫وال ـط ـب ـقــي‪ .‬وع ـمــل ه ــذا ال ـت ـيــار عـلــى امل ـقــاربــة بني‬ ‫أساليب التمييز العنصري والتمييز اجلنسي ووضعها‬ ‫يف خانة واحدة‪.‬‬ ‫مع تصاعد الكوارث البيئية يف الثمانينات‪ ،‬نشطت‬ ‫احل ــرك ــات ال ـنـســويــة يف اجملـ ــال الـبـيـئــي‪ .‬وت ـصــدرت‬ ‫النسوية اهلندية «فــانــداان شيفا» تـيــاراً نسوايً بيئياً‬ ‫زادت شعبيته يف دول الـعــامل الـثــالــث‪ ،‬وقــد اندى‬ ‫بـفـكــرة أن املـ ـرأة كالطبيعة‪ ،‬تـتـعــرض ل ــذات أن ـواع‬ ‫االسـتـغــال ال ــذي تتعرض لــه املـ ـوارد الطبيعية من‬ ‫قبل النظام الرأمسايل ورجاله‪ .‬لذا فالثقافة السلمية‬ ‫واملعادية للرأمسالية واحملرتِمة للشعوب والطبيعة هي‬ ‫القادرة على إلغاء االستغالل والتمييز الذي تتعرض‬ ‫له املرأة‪.‬‬ ‫املرأة واألنظمة السياسية العربية‬ ‫عملت األنظمة االستبدادية العربية‪( ،‬وبذريعة حماربة‬ ‫إسرائيل واإلمربايلية ومن بعدها اإلرهاب) على قمع‬ ‫واحتواء احلركات املنادية ابحلرية واملساواة يف الدول‬ ‫العربية‪ ،‬واستطاعت جتنيد اآلالف من املستضعفني‬ ‫والبسطاء‪ ،‬وحولتهم إىل جالدين وحوش وظيفتهم‬ ‫تعذيب املعتقلني لتأديبهم وسلب االعرتافات منهم‬ ‫يف معتقالت تنتشر على ام ـتــداد الــوطــن الـعــريب‪.‬‬

‫ابإلضــافــة إىل تعزيزها منظومة الــديــن والتقاليد‪،‬‬ ‫للحيلولة دون انكسار قيود التحرر املفروضة على‬ ‫اجملتمع وخاصة املرأة‪ .‬وقفت احلركة القومية العربية‬ ‫حائ ً‬ ‫ال دون تطور احلركة النسوية ابستخدامها القمع‬ ‫املتواصل‪ ،‬وحاولت احتواءها وتفريغها من حمتواها‬ ‫الذي يهدف للمساواة‪ ،‬جبعل املنظمات النسوية‬ ‫جـ ــزءاً م ــن األن ـظ ـمــة الـقــومـيــة احلــاك ـمــة وإج ـبــارهــا‬ ‫على ترديد شعاراهتا ضد االستعمار والصهيونية‪،‬‬ ‫مث راحــت تعمل على حتريف نضاالهتا مــن أجل‬ ‫حقوقها املستقلة بتوجيهها خلــدمــة مـصــاحل هذه‬ ‫األنـظـمــة‪ .‬لقد سامهت احلــركــة القومية العربية يف‬ ‫وضع عصا غليظة يف عجلة تطور احلركة النسوية‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫احلركات التحررية الغربية والعربية‬ ‫تعيش املرأة العربية حالة اغرتاب عن جسدها الذي‬ ‫ال تشعر ابمـتــاكــه وح ـريــة الـتـصــرف ب ــه‪ ،‬فاحلركة‬ ‫النسوية العربية مــازالــت ضعيفة يف مواجهة هذه‬

‫املسألة جب ـرأة أمــام اجملتمع‪ ،‬وتـعــاين مــن صعوابت‬ ‫وع ـرقــات كـبــرة يف اسـتـصــدار تـشـريـعــات داعـمــة‬ ‫حلقوق املـرأة يف امتالك جسدها‪ ،‬إال على نطاق‬ ‫ضيق‪ ،‬وال ميكن وصفها أبهنا تشريعات منصفة‪،‬‬ ‫لوجود ثغرات فيها تنفي وجودها أساساً‪ .‬يف حني‬ ‫أن احلركات النسوية الغربية استطاعت قطع أشواط‬ ‫يف هــذا اجمل ــال‪ ،‬ومتكنت مــن أن جتــر حكوماهتا‬ ‫على سن تشريعات حتفظ حقوقها‪ .‬وكمثال على‬ ‫ذلــك «قــانــون املضايقة» الــذي يعاقب كــل رجل‬ ‫ينظر نظرة ازدراء أو إهانة جنسية المرأة وإن كانت‬ ‫زوجته‪ ،‬ويعاقب كذلك على أي حتــرش جنسي‪،‬‬ ‫ابتداء من كلمة مسيئة وحىت التحرش اجلسدي‪.‬‬ ‫ومبوجب هذا القانون حيرم الرجل أيضاً من ممارسة‬ ‫اجلنس مع زوجته أو صديقته ابإلكراه‪.‬‬ ‫لكن يبدو أن احلركات النسوية الغربية مل تكن ذات‬ ‫أثر واضــح على اجملتمع العريب‪ ،‬وذلــك الختالف‬ ‫ال ـواقــع الـعــريب عــن ال ـغــريب‪ .‬لكن كما استطاعت‬ ‫ال ـن ـس ــاء ال ـغ ـرب ـي ــات ان ـ ـت ـ ـزاع ح ـقــوق ـهــن بـنـضــاهلــن‬ ‫وجهودهن لسنني مطولة‪ ،‬والقني حماربة من اجملتمع‬ ‫والــدولــة‪ ،‬إبمـكــان النساء العربيات القيام بذلك‬ ‫بــدورهــن‪ ،‬فــا خيفى على أحــد اتريــخ املمارسات‬ ‫الرببرية للكنيسة القروسطية جتاه النساء‪ ،‬وكذلك‬ ‫عـنــدمــا ط ــرح م ـشــروع ســن قــانــون ملـنــع اسـتـخــدام‬ ‫العنف جتــاه النساء يف برملان مقاطعة «كوبيك»‬ ‫يف فرنسا يف عام ‪ ،1967‬القى هذا الطرح الكثري‬ ‫من السخرية واالستهزاء داخل أروقة الربملان‪ ،‬وعلق‬ ‫أحد أعضائه مستغرابً‪« :‬كيف ال تُضرب املرأة؟»‪.‬‬ ‫وهذا يدل على أن واقع املرأة الغريب مل يكن أفضل‬ ‫بكثري من واقع املرأة احلايل‪ ،‬وأنه ابلنضال واملطالبة‬ ‫ابحلقوق ميكن انتزاعها‪ ،‬فال وجود للواقع اليوم لوال‬ ‫نضال البشرية لتغيري ما كانت عليه‪.‬‬ ‫وبينما تعيش الدول العربية هذه األايم ربيعاً حالكاً‪،‬‬ ‫مل تتوقف حــركــات امل ـرأة التحررية الـفــرديــة أحـيــاانً‬ ‫واجلمعية أحياانً أخــرى‪ ،‬والــي يف معظم األوقــات‬ ‫تتسم ابلـعـفــويــة‪ .‬فــامل ـرأة ال ـيــوم هــي مــع الــرجــل يف‬ ‫اخلط األول يف االحتجاجات ويف ميادين الدفاع‬ ‫عن حقوق اإلنسان والدفاع املدين والعناية الطبية‬ ‫وحىت يف ساحات القتال‪ ،‬وتعاين كالرجل من قمع‬ ‫األنـظـمــة واجل ـمــاعــات امل ـت ـوالــدة عـنـهــا‪ .‬والـتـحــدي‬ ‫الكبري الذي ستواجهه بعد انقشاع غمامة األنظمة‬ ‫الدكتاتورية هــو رفــض الـعــودة إىل الـرفــوف املنزلية‬ ‫واملـهــام التقليدية‪ ،‬والتمرد كذلك على رفاقها يف‬ ‫النضال‪ ،‬وانتزاع حقوقها املهدورة‪ ،‬واجرتاح اعرتاف‬ ‫من الرجل بنديتها‪.‬‬ ‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪13 2014‬‬


‫المساواة بين الجنسين‬ ‫الصورة النمطية للمرأة في المجتمع وانعكاساتها في اإلعالم النسائي‪/‬الجزء األول‬

‫• ترمجة‪ :‬د‪ .‬إنعام شرف‬ ‫فريق ترمجة سيدة سوراي‬

‫تشكل الطريقة اليت يتعامل هبا اإلعالم مع املرأة وقضية مساواهتا ابلرجل‪ ،‬وكذلك قضااي الظلم االجتماعي والعنف‪ ،‬مصدر قلق للكثري من النساء يف‬ ‫العامل‪ .‬وتطرح املرأة اليوم العديد من التساؤالت حول طرق متثيلها‪ ،‬وحول الصورة النمطية املقدمة عنها يف وسائل اإلعالم املختلفة‪ .‬كما أن عدداً كبرياً‬ ‫منهن‪ ،‬ما زال يعرب عن عدم االرتياح حيال طريقة تعامل اإلعالم مع املرأة والتناقضات اليت تشوب هذه الطريقة‪ ،‬وخاص ًة تلك املتعلقة مبسائل ختصها‪.‬‬ ‫املساواة بني اجلنسني‪ :‬إحصائيات ونتائج متباينة‬ ‫صحيح أن املرأة استطاعت خالل القرن املاضي حتقيق الكثري وإحراز تقدم‬ ‫واضح فيما يتعلق بقضية مساواهتا ابلرجل‪ ،‬لكن يف املقابل‪ ،‬علينا االعرتاف‬ ‫أبنه ما زال الطريق طوي ً‬ ‫ال وشاقاً أمامها‪ ،‬وإليكم بعض األمثلة‪:‬‬ ‫ ما يزال حضور املرأة يف سوق العمل‪ ،‬مقارن ًة حبضور الرجل‪ ،‬أقل أمهي ًة‪،‬‬‫كما أن متثيلها يف الوظائف العليا ومراكز صنع القرار‪ ،‬ما يـزال ضعيفاً‪.‬‬ ‫قارن األجور اليت تتقاضاها املرأة بتلك اليت يتقاضاها الرجل‪ ،‬فإن‬ ‫وإذا ما ّ‬ ‫هذا لوحده يقدم دلي ً‬ ‫ال قاطعاً على االستمرار يف سياسة عدم املساواة بني‬ ‫اجلنسني‪ .‬وقد أظهرت بعض الدراسات أن ‪ % 58.3‬من مجيع النساء‬ ‫هن نساء انشطات يف جمال‬ ‫الاليت ترتاوح أعمارهن بني ‪ 15‬و‪ 64‬عاماً ّ‬ ‫العمل‪ .‬أما نسبة الرجال يف سوق العمل‪ ،‬ما بني صاحب عمل أو ٍ‬ ‫ابحث‬ ‫عن عمل‪ ،‬فهي ‪ ،% 73.6‬وهي حقاً نسبة تفوق بكثري نسبة النساء‪.‬‬ ‫هن نساء غري عامالت‪،‬‬ ‫أربع نساء من عشرة‪ ،‬أي ما يعادل ‪ّ ،% 41.7‬‬ ‫مقابل رجل واحد من أربعة‪ ،‬أي ‪ .% 26.4‬كما وأظهرت اإلحصائيات‬ ‫أن ‪ % 52.7‬من النساء الاليت يف سن العمل ميتلكن وظيفة‪ ،‬بينما لدى‬ ‫الرجال الذين ترتاواح أعمارهم بني ‪ 15‬و‪ 64‬عاماً‪ ،‬فإن هذه النسبة تصل‬ ‫إىل ‪.% 68‬‬ ‫ يف الفضاء اخلــاص‪ ،‬وعلى الرغم من بعض التقدم احلاصل على هذا‬‫الصعيد‪ ،‬فقد أظهرت معظم الدراسات أن األعمال املنزلية وحتمل مسؤولية‬ ‫األطفال وتربيتهم والعناية الصحية هبم‪ ،‬ما تزال تقع ابلدرجة األوىل على‬ ‫أعمارهن ما‬ ‫عاتق املرأة‪ .‬وحبسب اإلحصائيات‪ ،‬فإن النساء الاليت ترتاوح‬ ‫ّ‬ ‫يكرسن ابملتوسط ‪10‬ساعات يف األسبوع لألعمال‬ ‫بني ‪ 19‬و‪ 65‬عاماً‬ ‫ّ‬ ‫أطفاهلن‪ ،‬بينما الساعات الــي يكرسها‬ ‫املنزلية‪ ،‬وساعتني لتعليم‬ ‫ّ‬ ‫الرجال هلذا النوع من األنشطة هي أقل بكثري‪ .‬لكن‪ ،‬ومقارن ًة‬ ‫بسنوات السبعينيات‪ ،‬يعد هذا الفارق ضئي ً‬ ‫ال جداً‪.‬‬ ‫ وأخرياً‪ ،‬إذا كانت الصورة النمطية‪ ،‬والسلوكيات الذكورية‪،‬‬‫وكذلك السلوكيات القائمة على أســاس اجلنس وسلوكيات‬ ‫أخ ــرى‪ ،‬ذاهـبــة يف الـتـضــاؤل‪ ،‬فــإن هــذا ال مينع مــن استمرار‬ ‫وجودها يف كثري من اجملتمعات‪ ،‬خاص ًة الذكورية منها‪.‬‬ ‫أتمالت يف الصورة النمطية للمرأة يف اإلعالم النسائي‪:‬‬ ‫متـثـيــل املـ ـ ـرأة يف اإلع ـ ــام ال ـن ـســائــي يـعـكــس بـشـكــل جـلـ ّـي‬ ‫صــورة املرحلة واجملتمع الــذي تعيش فيه‪ .‬فمنذ بــداايتــه‪،‬‬ ‫يف منتصف القرن الثامن عشر‪ ،‬لعب اإلعالم النسائي‬ ‫افقهن‬ ‫دوراً مهماً يف حياة أجيال كاملة من النساء‪ ،‬ور ّ‬ ‫وتغي آليات التفكري يف اجملتمعات‪.‬‬ ‫يف مسرية التطور ّ‬ ‫‪ 14‬العدد (‪ )10‬كانون أول ‪2014‬‬

‫مقوى‬ ‫لقد بــدأت اجملــات النسائية أتخــذ شكلها احل ــايل‪ ،‬مطبوعة على ورق ّ‬ ‫وموضحة بصور‪ ،‬يف ثالثينيات القرن الفائت‪ ،‬وأخذت الصورة املتداولة عن املرأة‬ ‫عرب النشر النسائي ابلتغري‪ ،‬والذهاب أكثر حنو التطابق مع طبيعة املرحلة‪ .‬فدور‬ ‫املرأة مل يعد من اليوم فصاعداً يقتصر على الزوجة أو ربة األسرة‪ ،‬وإمنا أصبحت‬ ‫قــادرة على مغادرة القطاع األســري اخلــاص لتعمل يف قطاع اخلدمات العامة‪.‬‬ ‫وأصبحت أنشطتها يف ازدايد مضطرد‪ ،‬ما أدى إىل تغيري صورهتا النمطية والتزام‬ ‫اإلعــام النسائي بتقدمي هذه الصورة‪ ،‬ليس فقط يف إطــار املـرأة الزوجة‪ ،‬ولكن‬ ‫أيضاً يف إطار املرأة املستقلة والعملية‪.‬‬ ‫إن حترر املرأة من الضغوط العديدة اليت قد تواجهها جيعلها قادرة بشكل حتمي‬ ‫على العبور من الفضاء اخلاص إىل الفضاء العام‪ ،‬وغالباً دون التخلي عن الفضاء‬ ‫األول‪ ،‬ولكن ابلتوفيق فيما بينهما‪ .‬هذه املرأة القادرة على التوفيق بني الفضائني‪،‬‬ ‫متكن (ابإلضافة‬ ‫أصبحت بعداد النساء املوصوفات ابخلارقات‪ ،‬أي النساء الاليت ّ‬ ‫أنشطتهن غري االعتيادية خارج‬ ‫ارهن التقليدية يف احلياة)‪ ،‬من ممارسة‬ ‫ّ‬ ‫إىل لعب أدو ّ‬ ‫اإلطار األسري‪ .‬وتعزيز هذا النموذج ال يتطلب فقط وجود النساء‪ ،‬وإمنا أيضاً‬ ‫الشاابت والفتيات من اجليل اجلديد‪ .‬وعليه‪ ،‬أصبحت الصورة املقدمة عن املرأة‬ ‫العصرية يف وسائل اإلعالم هي صورة املرأة اخلارقة‪ ،‬اليت مبقدورها التوفيق بنجاح‬ ‫بني أنشطتها املهنية اليت تغنيها وتثري جتربتها يف احلياة‪ ،‬وأنشتطتها االعتيادية‬ ‫والتقليدية‪ ،‬املتمثلة يف تعليم أطفاهلا وواجباهتا الزوجية واملنزلية‪ .‬ومنذ سبعينيات‬ ‫القرن الفائت‪ ،‬أصبحت صورة املرأة اخلارقة هي املعتمدة واملتداولة يف اجملالت‬ ‫النسائية‪.‬‬


‫توجد اليوم الكثري من اجملالت النسائية‪ ،‬وغالبية عناوينها تستهدف النساء‬ ‫بشكل رئيسي‪ .‬البعض منها يتوجه إىل الشاابت يف سن العشرين‪ ،‬والبعض‬ ‫منهن‪.‬‬ ‫اآلخر موجه أو يستهدف النساء األكرب سناً‪ ،‬وال سيما األربعينيات ّ‬ ‫كن شــاابت يف العشرينيات أو أكثر نضجاً وعمراً‪ ،‬أو رابت بيوت‬ ‫وسـواء ّ‬ ‫أنفسهن يف اجملالت النسائية‪،‬‬ ‫فجميعهن على األغلب جيدن‬ ‫أو انشطات‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫طموحاهتن‪ ،‬وعن الصورة الاليت‬ ‫وجيدن أن هذه اجملالت تعرب بطريقة ما عن‬ ‫ّ‬ ‫يرغنب ابلظهور من خالهلا يف اجملتمع واحلياة العامة‪.‬‬ ‫وغالباً ما تشرتك هذه اجملالت ببعض الصفات‪:‬‬ ‫ االهتمام بتقدمي صورة منوذجية عن املرأة‪.‬‬‫ العمل على حمتوى يستجيب بشكل أساسي لألمور الثالثة التالية‪ :‬الرتفيه‪،‬‬‫اإلعالم وتقدمي النصح واملشورة‪.‬‬ ‫حياهتن اليومية‪ ،‬والرغبة يف أن‬ ‫ومساعدهتن يف‬ ‫ إرادة صرحية مبرافقة النساء‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تكون هذه اجملالت مبثابة مصدر النصح وموضع ثقة لدى النساء‪.‬‬ ‫ تطوير حمتوى فكري‪ ،‬سواء كان بشكل معلن أو مبطن‪ ،‬يصب بشكل‬‫أساسي يف مصلحة املرأة‪.‬‬ ‫واحملتوى الفكري يف هذه اجملالت لديه أيضاً العديد من أوجه التشابه‪:‬‬ ‫ عناوين تعاجل وتقدم املشورة حول موضوعات مصنفة بشكل منطي على‬‫أهنا موضوعات نسائية‪ :‬التنحيف‪ ،‬اجلمال‪ ،‬الرجل‪ ،‬احلياة اجلنسية‪ ،‬املطبخ‪،‬‬ ‫النظام الغذائي والتسوق‪ ..‬إخل‪.‬‬ ‫ ألعاب‪ ،‬اختبارات‪ ،‬مقاالت ثقافية‪ ،‬أبراج وهواايت‪ ..‬إخل‪.‬‬‫ مقاالت أو ملفات حول قضااي تتعلق ابملرأة‪ ،‬كاملرأة يف أفغانستان‪ ،‬وختان‬‫الفتيات يف إفريقيا‪ ،‬أو يف أحسن احلاالت عن معاانة املرأة يف العمل واجملتمع‪.‬‬ ‫وهذا ال مينع من وجود بعض اجملالت النسائية الثائرة‪ ،‬اليت تعاجل موضوعات‬ ‫على درجة عالية من احلساسية اجملتمعية واألمهية‪ .‬إذ ال ترتدد بعض اجملالت‬ ‫من نشر مقاالت نقدية تتعلق ابملوسيقى اليوم مثالً‪ ،‬أو مقاالت عن النساء‬ ‫الشاذات جنسياً‪ ،‬أو تقارير عن احلــرب مت إعدادها من مراسالت يف دول‬ ‫تعيش حروابً أو صراعات‪ .‬وهذا النوع من املوضوعات يعد من األمور النادرة‬ ‫اليت تتم معاجلتها يف هذا النوع من اجملالت‪ ،‬ال سيما تلك اليت تكرس غالبية‬ ‫صفحاهتا ملوضوعات املوضة واجلمال‪ .‬لكن وبشكل عــام‪ ،‬ما زال اإلعالم‬ ‫النسائي بعيداً عن معاجلة قضااي حقيقية تتعلق ابملرأة وبوضعها‪ ،‬وهنا نتحدث‬ ‫عن حقوق ومتكني املرأة ووضعها املهين واألســري‪ ،‬وهذا القصور يف املعاجلة‬ ‫يعود على األغلب إىل موضوع التمويل‪ ،‬حيث تفضل الكثري من اجلهات‬ ‫املمولة الرتكيز على موضوعات الديكور املنزيل‪ ،‬املاكياج‪ ،‬الصحة وإىل ما‬ ‫هنالك من القضااي السطحية‪ ،‬اليت ال تقدم وال تؤخر أي شيء يف حياة املرأة‪.‬‬ ‫التمثيل النسوي واخلطاابت املتضاربة‪:‬‬ ‫أو ًال‪ -‬يف اجملتمع‪:‬‬ ‫منذ سنوات عديدة أصبحت صــورة امل ـرأة العصرية‪ ،‬كما أسلفنا‪ ،‬تتمثل‬ ‫ابملرأة القادرة على التوفيق بنجاح بني حياهتا اخلاصة وحياهتا املهنية‪ .‬لكن‬ ‫حــى تكون امل ـرأة «خــارقــة»‪ ،‬حسب الــوصــف‪ ،‬ال يكفي أن تكون امـرأة‬ ‫عصرية‪ ،‬وإمنــا هــذا يتطلب جمموعة من العوامل واملمارسات األخــرى اليت‬ ‫قد تكون صعبة التحقيق أو التطبيق‪ ،‬وذلك ألن هذه العوامل واملمارسات‬ ‫تكشف عن جمموعة من اخلطاابت املتضاربة اليت تسمعها املرأة وتعاين منها‬ ‫يف حياهتا اليومية‪:‬‬

‫ يف كثري من األحيان تكون املرأة ذكية وقادرة على التصرف‪ ،‬لكنها تكون‬‫يف الوقت ذاته عاطفية وخاضعة‪.‬‬ ‫ ميكن أن تكون رايضية‪ ،‬لكن الطابع األنثوي يغلب على تصرفاهتا‪.‬‬‫ ميكن أن تكون أماً وربة منزل‪ ،‬وانجحة يف حياهتا املهنية‪ ،‬وهذه تركيبة ما‬‫زالت الكثري من اجملتمعات جتد صعوبة يف تقبلها‪.‬‬ ‫وتظهر بعض الدراسات أن الوضع اليوم مل حيرز تقدماً ملحوظاً للتقليص من‬ ‫حجم هذه التناقضات أو حلها‪ ،‬فمث ً‬ ‫ال أن تكون املرأة أماً وربة منزل وانجحة‬ ‫يف حياهتا املهنية‪ ،‬يشكل اليوم العقدة األساسية يف شرط األنوثة‪ .‬كيف ميكن‬ ‫أن تنجح املرأة يف التوفيق بني هذه االلتزامات؟ لألسف‪ ،‬ميكن هلا أن تنجح‬ ‫من خالل جتنبها مشاكل تتعلق بتوزيع املهام املنزلية بينها وبني زوجها‪ ،‬أو‬ ‫ابستقدام خادمة لتقوم هبذه األعمال عنها‪ .‬وعندما تكون املرأة عاجزة عن‬ ‫استقدام املساعدة من اخلارج‪ ،‬هذا يعين أهنا تنتمي للطبقة الشعبية الفقرية‪.‬‬ ‫ومع انتشار العمل اجلزئي‪ ،‬أصبحت لدى النساء فرصة أكرب للتوفيق بني‬ ‫احلياة األسرية واحلياة املهنية‪ ،‬لكن هذا على حساب تقليص األجر الذي‬ ‫تتقاضاه‪ ،‬ابإلضافة إىل ازدايد األعباء املنزلية‪ .‬وهذا ما قد يتسبب للكثري من‬ ‫النساء حباالت االكتئاب ونوابت الغضب‪.‬‬ ‫كانت املرأة يف سبعينيات القرن الفائت‪ ،‬تنادي حبقوقها وتريد احلصول على‬ ‫كل شــيء‪ .‬اليوم‪ ،‬ال تـزال املـرأة تنادي حبقوقها وترغب ابحلصول على كل‬ ‫شيء‪ ،‬ولكن ليس أبي مثن‪ ،‬فهي ال تريد أن تصل إىل هناية النهار وهي جاثية‬ ‫على ركبتيها‪ ،‬لكنها تريد كسب عيشها بعرق جبينها‪ ،‬ومن حقها أن يكون‬ ‫هلا وقت خمصص تقضيه مع أطفاهلا وزوجها‪ .‬والسؤال الذي يطرح نفسه‪ ،‬ملا‬ ‫ال تستطيع املرأة احلصول على كل شيء ترغب به‪ ،‬يف الوقت الذي حيصل‬ ‫فيه الرجل على كل ما يريده؟‬ ‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪15 2014‬‬


‫اثنياً ‪ -‬يف اجملالت النسائية‪:‬‬ ‫إن اخلطاابت املتضاربة اليت تظهر يف اجملتمع‪ ،‬جتد‬ ‫أيضاً صداها يف اجملالت النسائية‪ ،‬وإليكم بعض‬ ‫األمثلة‪:‬‬ ‫ ختفيض الــوزن أو ال شيء‪ .‬هناك تقريباً إمجاع‬‫معلن على موضوع ختفيض الوزن‪ ،‬وذلك جلي من‬ ‫خالل حجم التعبري عنه وحجم الصور اليت تؤكد‬ ‫عليه‪ .‬واهل ــوس هبــذا املــوضــوع ال خيلو مــن املعىن‪،‬‬ ‫فهو ال يعرب فقط عن احلاجة للكمال الشكلي‪،‬‬ ‫وإمنا أيضاً عن احلاجة للتأكيد على ديناميكية هذا‬ ‫اجلسد األنثوي وعلى قدرته على املشاركة الفعالة‬ ‫يف جمتمع العمل ويف الفضاء الـعــام‪ .‬فالنحف ال‬ ‫يتعلق فقط بزايدة املفاتن لدى املرأة‪ ،‬وإمنا جبوانب‬ ‫أخرى كالرشاقة يف احلركة والتعبري عن االستقاللية‪.‬‬ ‫ففي عامل املوضة واألزايء‪ ،‬تكرس اجملالت النسائية‬ ‫جل اهتمامها على التأكيد على أن النحافة هي‬ ‫عنصر أساسي من عناصر اجلمال‪ .‬وهلــذا يكاد‬ ‫ال خيلو عدد من األعــداد يف اجملالت النسائية أو‬ ‫عـنـوان‪ ،‬مــن نصائح وإرشـ ــادات ومـقــاالت تتعلق‬ ‫آبليات التنحيف والنظام الغذائي املتوازن‪ ،‬الذي‬ ‫حيافظ على رشاقة املـرأة وحيويتها‪ .‬وهي اجملالت‬ ‫نفسها اليت تكاد أيضاً ال ختلو يف أي عدد منها‬ ‫من وصفات الطعام وطرائق حتضري الطعام الشهي‬ ‫والوالئم للعائلة واألصدقاء‪ .‬كيف ميكن للمرأة أن‬ ‫حتافظ على رشاقتها وحنفها‪ ،‬وهي تستمر يف تناول‬ ‫خمتلف أنـواع األطعمة واألطباق الشهية؟ إىل أي‬ ‫موضوع جيب أن تنجذب املرأة‪ ،‬وصفات التنحيف‬ ‫أم وصفات الطعام املقدمة يف اجملاة نفسها؟‬ ‫ موضوع املظهر‪ ،‬جيب على املرأة أن تظهر دائماً‬‫ابملظهر احلسن‪ .‬االجتــاه احلايل هو أن تبقى املرأة‬ ‫«على طبيعتها»‪ ،‬لكن دون التخلص مــن مـواد‬ ‫العناية ابلبشرة واملاكياج‪ .‬ظهرت خالل السنوات‬ ‫األخ ــرة منتجات جتميلية طبيعية أو بيولوجية‪،‬‬ ‫وس ـواء كانت هــذه املنتجات أو مل تكن صديقة‬ ‫للبيئة‪ ،‬فإن التسويق هلا يتم على أساس أهنا الطريقة‬ ‫الرائعة والبسيطة للمحافظة على اجلمال الطبيعي‪.‬‬ ‫كيف ميكن للمرأة أن تكون مجيلة وبنفس الوقت‬ ‫على طبيعتها بطريقة مفربكة؟‬ ‫ سلوك نسائي؟ جتد املرأة نفسها يف القرن الواحد‬‫والعشرين تغوص يف حبر من الضغوط واملشاكل‬ ‫النفسية الــي ال تنتهي‪ .‬لكن املـطـلــوب منها أن‬ ‫تتعامل مــع هــذه الضغوط بكل ســاســة ورحــابــة‬ ‫‪ 16‬العدد (‪ )10‬كانون أول ‪2014‬‬

‫ص ــدر وهب ــدوء اتم‪ ،‬وأن حتــافــظ عـلــى ابتسامتها‬ ‫واسرتخائها مهما كانت الظروف‪.‬‬ ‫هذه األمثلة ال تعرب عن كل شيء‪ ،‬فما زال هناك‬ ‫الكثري من نوعها‪ ،‬مثالً‪ :‬أنفقي‪/‬ادخري‪ ،‬األانقــة‬ ‫ليست مهمة‪/‬األانقة مهمة جداً‪ ،‬اهتمي بنفسك‪/‬‬ ‫أاننية ِ‬ ‫عليك االهتمام ابآلخرين‪ ...‬إخل‪.‬‬ ‫لقد خضعت اخلطاابت املتضاربة‪ ،‬اليت نواجهها‬ ‫على مجيع الصعد يف اجملتمع‪ ،‬إىل خمتلف أن ـواع‬ ‫الــدراســات يف علم الـنـفــس‪ ،‬وال سيما تلك اليت‬ ‫نواجهها يف بيئة العمل‪ .‬وتظهر هــذه الدراسات‬ ‫أن الصحة النفسية لــدى الفرد اخلاضع لضغوط‬ ‫مضاعفة أو لـضـغــوط متناقضة‪ ،‬بشكل متكرر‬ ‫وع ـل ــى امل ـ ــدى ال ـب ـع ـيــد‪ ،‬مي ـكــن أن ت ـتــأثــر ب ـصــورة‬ ‫كبرية‪ .‬وقد تــؤدي هذه الضغوط إىل التسبب يف‬ ‫نوابت قلق مستمر‪ ،‬معاانة وإرهاق ذهين وشعور‬ ‫ابلعجز‪ ،‬ال بل بعدم الفعالية‪ ،‬وكذلك حبالة من‬ ‫االكتئاب وما إىل هنالك من هذه األعراض‪ .‬وهذه‬ ‫املالحظات تنطبق متاماً على املرأة‪ ،‬ال سيما املرأة‬ ‫اليت جتد نفسها يف مواجهة جمموعة من اخلطاابت‬ ‫املتضاربة‪ ،‬واليت متت اإلشارة إليها سابقاً‪.‬‬

‫يتبع يف اجلزء الثاين‪:‬‬ ‫ اجملالت النسائية واحلركة النسوية‪.‬‬‫ اجملالت النسائية واملرأة اليت تشعر ابلذنب‪.‬‬‫ ليس كل ما يلمع ذهباً‪.‬‬‫دراســة أعدها قسم اخلدمات التعليمية املستدامة‬ ‫وقضااي الصحة‪ /‬وزارة اجملتمع‪-‬فرنسا‬ ‫املصدر‪:‬‬ ‫‪http://www.questionsante.be/‬‬ ‫‪outils/images_femme.html‬‬


‫مكتومو القيد‬

‫كيانات على ذمة االعتراف بها‬ ‫جيرب أح ٌد شعور جتريده من اجلنسية فجأ ًة‪ ،‬يف حلظة ما‪ ،‬تغدو ضحية إحصا ٍء مل يشملك‬ ‫رمبا مل ّ‬ ‫َ‬ ‫يسعك ويسع وجــودك‪،‬‬ ‫حبجة أنّــك أتخــرت مثالً! كيف ستُعامل حينها يف وطـ ٍـن مل يستطع أن‬ ‫وط ٌن مل يرتك لك سوى األمل والشقاء يف هذه احلياة‪ .‬من ميلك احلق أن حيرم أي إنسان حق امتالك‬ ‫اهلوية أو االنتماء؟! من الصعب جداً أن تفقد يف يوٍم واحد كل شيء حىت ما يُثبت هوية وجودك‪.‬‬ ‫يف اخلامس من شهر تشرين األول عام ‪ 1962‬أقدمت السلطات احلاكمة يف سوراي آنذاك‪ ،‬على‬ ‫إجراء إحصاء استثنائي يف حمافظة احلسكة حصراً‪ ،‬مت مبوجبه جتريد عشرات اآلالف من املواطنني‬ ‫الكرد يف هذه احملافظة من جنستهم السورية بشكل عشوائي واعتباطي‪ ،‬حيث مت تقسيمهم إىل‬ ‫فئتني‪ ،‬الفئة األوىل‪ :‬سجلوا يف سجالت ُسيت بـ«سجالت أجانب حمافظة احلسكة»‪ ،‬والفئة‬ ‫الثانية‪ :‬مل يسجلوا يف أية سجالت رمسية سورية ومسوا بـ«مكتومي القيد»‪.‬‬ ‫وكــان اإلحصاء املذكور وفقا للمرسوم اجلمهوري التشريعي رقم (‪ )93‬يف ‪ 23‬آب ‪ 1962‬يف‬ ‫سوراي‪ ،‬يف عهد رئيس اجلمهورية «انظم القدسي» ورئيس جملس الوزراء «بشري العظمة» واملتضمن‬ ‫قراراً سياسياً إبجراء اإلحصاء االستثنائي للسكان الكرد يف منطقة اجلزيرة‪ ،‬لتحديد هوية كل مواطن‬ ‫وحتــديــداً الـكــرد‪ ،‬حيث استند املــرســوم اآلنــف الذكر على املــرســوم التشريعي رقــم (‪ )1‬وامل ــؤرخ يف‬ ‫‪ ،1962 /30/4‬وعلى القرار الصادر عن جملس الوزراء رقم (‪ )106‬واملؤرخ يف ‪.1962 /22/8‬‬ ‫«فلك أمحد» امرأة يف األربعني من العمر‪ ،‬تسكن يف مدينة قامشلي‪ ،‬وتعترب من إحدى الضحااي‬ ‫الذين ابتوا يُعرفون مبكتومي القيد‪ ،‬متزوجة من رجل مواطن (حيمل اهلوية السورية)‪ ،‬ولديهما أوالد‬ ‫مل يعانوا مثل والدهتما يف حق املواطنة واحلقوق األخرى‪ ،‬هذه السيدة كانت والتزال تعاين الكثري‬ ‫من اآلاثر السلبية اليت تركها احلرمان من اهلوية السورية‪ .‬تقول السيدة أمحد‪« :‬ولدت وأان مكتومة‬ ‫القيد‪ ،‬ابلتأكيد حني أدركــت ماهية هذه املقولة شعرت أبنين ُجــردت حىت من إنسانييت‪ ،‬كيف‬ ‫ال‪ ،‬وأان ال أملك ما حيفظ يل حقوقي يف هذا الوطن؟!»‪ .‬الكثري من هؤالء كانوا من املتفوقني‬ ‫والطموحني يف دراستهم‪ ،‬إال أهنم مل يستطيعوا حتقيق رغباهتم الطبيعية‪ ،‬واليت تعترب حقوقاً بسيطة‬ ‫لكل املواطنني يف دوهلم‪ ،‬ختربان السيدة أمحد عن معاانهتا ومعاانة أخيها يف الدراسة‪« :‬أخي الكبري‪،‬‬ ‫بعد إهنائه املرحلة اإلعدادية أكمل دراسته يف اثنوية الصناعة‪ ،‬وكان األول على مستوى القطر‪،‬‬ ‫لكنّه مل يستطع أن يكمل الدراسة اجلامعية ألنه بكل بساطة مكتوم القيد‪ ،‬كما أنين كنت أنوي‬ ‫إكمال دراسيت ألصبح معلم ًة مدرسية‪ ،‬على الرغم من أنين كنت جمتهدة يف دراسيت‪ ،‬لكن والدي‬ ‫مستقبل دراسي ملكتومي القيد‪ ،‬إذ إنين ال أستطيع أن أتوظف‬ ‫منعين من الدراسة بسبب عدم وجود‬ ‫ٍ‬ ‫وال أن أكمل دراسيت»‪.‬‬ ‫مئات اآلالف اآلن ال حيملون اهلوية السورية‪ ،‬حيث تسبب ذلك اإلحصاء يف حرمان ضحاايه‬ ‫من ممارسة مجيع حقوقهم الطبيعية املرتتبة على احلق يف اجلنسية‪( :‬املدنية‪ ،‬االجتماعية‪ ،‬االقتصادية‪،‬‬ ‫الثقافية والسياسية… إخل)‪ ،‬مما أفقدهم أهم عوامل ومستلزمات ممارسة حياهتم االعتيادية‪ ،‬مثل‬ ‫حقهم يف العمل‪ ،‬التوظيف‪ ،‬التعليم‪ ،‬السفر‪ ،‬حق التملك واالنتفاع ابألراضــي وحق املشاركة يف‬ ‫احلياة العامة للبالد‪.‬‬ ‫مث حتدثت يل السيدة أمحد عن املشاكل اليت تعانيها هي وآخرون مثلها‪« :‬أوىل هذه املشاكل هي‬ ‫احلرمان من التعليم‪ ،‬حىت وإن درسوا فهم ال يستطيعون أن يكملوا دراستهم‪ ،‬ال يستطيعون السفر‪،‬‬ ‫ليس هلم حق التملك»‪.‬‬ ‫إن هذا اإلحصاء االستثنائي ترك الكثري من املعاانة واملشاكل يف جمتمع منطقة اجلزيرة‪ ،‬وكان النواة‬ ‫الرئيسة خللق شعور بعدم قبول هذه الدولة هلؤالء املواطنني الذين يعيشون على أرضهم‪ ،‬ذلك من‬ ‫خالل احملاولة لسلب كل ما جيعلهم مواطنني وهلم كامل احلقوق‪.‬‬ ‫تصمت السيدة أمحد لدقائق‪ ،‬وتقول‪ ،‬وهي منهكة من هذا املوضوع‪« :‬حىت إن استطعت إكمال‬ ‫دراسيت اجلامعية‪ ،‬هذا الشيء كان سيسبب يل نوعاً من الدونية واإلحساس ابلنقص‪ ،‬ففي النهاية‬

‫• خومشان قادو‬

‫سيكون البيت هو حيزي األخــر‪ ،‬حينها ال أستطيع‬ ‫مساعدة أهلي وال زوجي مستقبالً»‪.‬‬ ‫نـتـيـجــة ه ــذا اإلح ـص ــاء ال ـع ـش ـوائــي‪ ،‬ظـهــر يف الـعــائـلــة‬ ‫أب مواطن (حامل للجنسية) وأبناء أجانب‬ ‫الواحدة ٌ‬ ‫(غــر حاملني للجنسية)‪ ،‬ظهر يف العائلة الـواحــدة‬ ‫«األب أجنيب» و«األبناء مواطنون»‪ ،‬أجيا ٌل أبكملها‬ ‫مل تسلم مــن تلك السياسة الــي مــورســت على أبناء‬ ‫هذه املنطقة‪.‬‬ ‫تتنهد السيدة فلك أمحد قلي ً‬ ‫ال بعد أن نرتشف القليل‬ ‫مــن الـقـهــوة‪« :‬اآلن وبـعــد ه ــذا الـعـمــر‪ ،‬أح ــاول قــدر‬ ‫اإلمكان املساعدة يف تعليم أوالدي‪ ،‬حىت ال يعيشوا‬ ‫مــا عشته أان أو جيلي‪ ،‬كنت حزينة والزل ــت»‪ ،‬مث‬ ‫تردف‪« :‬ال أعرف ملاذا كان هذا اإلحصاء‪ ،‬وملَ منعوان‬ ‫من التعليم‪ ،‬ما كــان حيزنين وأان عائدة من املدرسة‪،‬‬ ‫حني كنت أرى املعلمة خترج من املدرسة مرهقة‪ ،‬كنت‬ ‫أمتىن أن أكون مثلها يف املستقبل‪ ،‬وأن أعيش حالتها‬ ‫وحىت تعبها أيضاً‪ ،‬ألنه ابلتأكيد شعور ممتع‪ .‬لكن كان‬ ‫قدران أن ال تتحقق أحالمنا»‪.‬‬ ‫كــان هــذا اإلج ـراء مــن إحــدى املـمــارســات الشوفينية‬ ‫لتلك الفئة احلاكمة حبــق املـواطـنــن الـكــرد‪ ،‬وخلّفت‬ ‫وراءها قصصاً عديدة وأجهضت أحالماً كحلم فلك‬ ‫أمحد‪ ،‬ومنعتهم من متلّك حىت أحالمهم‪ .‬إىل جانب‬ ‫الكثري مــن املـمــارســات الــي كــانــت هتــدف إىل تغيري‬ ‫دميغرافية املنطقة كمشروع احل ـزام العريب‪ ،‬ولــه حكاية‬ ‫أخرى وغريها من املشاريع الشوفينية‪.‬‬ ‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪17 2014‬‬


‫النساء في ظل تنظيم الدولة‬ ‫حرية معدومة وتطبيق أعرج للشرع‬

‫مازالت املرأة السورية تدفع ضريبة ما جيري يف سوراي‪ ،‬فكانت‬ ‫الشهيدة‪ ،‬أم الشهيد‪ ،‬زوجته‪ ،‬أخته وابنته‪ ،‬وتعرضت لالعتقال‬ ‫والتعذيب مثل الرجل‪ ،‬بل ومحلت السالح‪ .‬واليوم مع سيطرة‬ ‫تنظيم الدولة‪ ،‬تعاين املرأة السورية ضغوطاً جديدة من نوع آخر‪،‬‬ ‫ابللباس والعمل والتعليم وحرية احلركة‪ ،‬واحلياة االجتماعية‪،‬‬ ‫فقد تدخل التنظيم بكل تفاصيل احلياة‪.‬‬ ‫ومــا إن فــرض تنظيم الــدولــة سيطرته العسكرية‪ ،‬حــى أتبعها بفرض‬ ‫إيديولوجيته‪ ،‬وفهمه اخلاص للدين اإلسالمي‪ ،‬وكان للمرأة النصيب‬ ‫األكرب من هذه اإليديولوجيا‪ ،‬فقد دخل اخلوف قلب املرأة مع دخول‬ ‫تنظيم الدولة للمدن السورية الشمالية‪ ،‬فصورة املرأة ابلسواد مل تفارق‬ ‫خميلتها‪ ،‬وكــذلــك اخل ــوف مــن املستقبل اجملـهــول ودخ ــول املنطقة يف‬ ‫صراعات ال تنتهي رمبا بعشرات السنني‪ ،‬يرافقها الفقر واجلهل وويالت‬ ‫حرب تكون املرأة فيها الضحية األوىل‪.‬‬ ‫لـقــد كــانــت مــديـنــة جـرابـلــس احل ــدودي ــة يف ري ــف حـلــب الـشــرقــي أوىل‬ ‫املناطق يف تطبيق اللباس الشرعي وتقييد حرية امل ـرأة يف هناية العام‬ ‫املــاضــي‪ ،‬وتبعتها الــرقــة وبـعــض مناطق إدل ــب‪ ،‬مث كــامــل ريــف حلب‬ ‫الشرقي ودير الزور‪.‬‬ ‫ب ــدأ التنظيم بتطبيق قـوانـيـنــه وأف ـك ــاره عـلــى اجملـتـمــع ال ـس ــوري‪ ،‬وأوهل ــا‬ ‫إجبار النساء االلتزام ابللباس الشرعي وفق فهم التنظيم‪ ،‬ال كما تعود‬ ‫ال ـســوريــون‪ .‬تـقــول «أم عـمــار» مــن مــديـنــة جـرابـلــس‪« :‬عـنــدمــا دخــل‬ ‫التنظيم بــدأ بفرض احلجاب الــذي يغطي الوجه والعينني‪ ،‬ومل يرض‬ ‫حبجاب آخــر‪ ،‬حىت النقاب رفضه‪ ،‬األمــر الــذي سبب معاانة كربى‬ ‫للنساء الـلـوايت تعودت غالبيتهن الساحقة لبس الغطاء الــذي خيفي‬ ‫شعر الرأس فقط‪ ،‬أما تغطية الوجه‪ ،‬فقد تسببت ابلكثري من املعاانة‪،‬‬ ‫خصوصاً ملن تعودن لبس البنطال طيلة حياهتن»‪ ،‬فالتنظيم يريد تطبيق‬ ‫فهمه اخلــاص للحجاب دون مهادنة‪ ،‬ويعد هــذه األمــور من عوامل‬ ‫النصر اليت ال تقل أمهية عن القتال يف أرض املعركة‪ ،‬ألنه يعتقد أ ّن‬ ‫جناح دولته بتطبيق أفكاره بكل تفاصيلها دفعة واحدة‪ ،‬وإال َّ‬ ‫فإن هذه‬ ‫الدولة (احللم) ستفشل‪ .‬يقول «أبــو حممد األنـصــاري» أحد عناصر‬ ‫التنظيم يف ريف حلب الشرقي‪« :‬إن تنصروا هللا ينصركم‪ ،‬فإقامة الشرع‬ ‫سبب للنصر‪ ،‬وشــرع هللا ال جي ـزأ‪ ،‬وال جيــوز أن جي ـزأ‪ ،‬وال حيــل لنا أن‬ ‫ذم‬ ‫خنتار وننتقي من الشرع ما يوافق األهواء‪ ،‬فهذا ليس شرعاً‪ ،‬وقد َّ‬ ‫هللا من يتخذ إهلــه ه ـواه‪ ،‬واحلـجــاب جــزء بسيط من الشرع الــذي ال‬ ‫ميكن التفريط به»‪.‬‬ ‫‪ 18‬العدد (‪ )10‬كانون أول ‪2014‬‬

‫• جالل زين الدين‬

‫«مشكلتنا ليست مع الشرع فهو اتج على رؤوسنا‪ ،‬مشكلتنا فهم التنظيم‬ ‫له»‪ ،‬هذا ما يقوله «حسن احملمد» املدرس يف إحدى اثنوايت ريف حلب‬ ‫الشرقي‪ ،‬ويتابع قائالً‪« :‬فرض اللباس الكامل مع غطاء العينني سبب (عند‬ ‫بداية فرضه يف املدارس قبل أن يتم فصل املدرسني عن املدرسات الحقاً)‬ ‫الكثري من احلوادث‪ ،‬كوقوع املدرسات على الدرج وسبب هلن الكثري من‬ ‫احلـوادث احملرجة‪ ،‬فوقوع مثل هذه احلـوادث يف املدرسة كان أيخذ طابعاً‬ ‫كــومـيــدايً‪ ،‬وبـعــض التعليقات األخــويــة‪ ،‬فــاملــدرســون واملــدرســات يعيشون‬ ‫كأسرة واحدة‪ ،‬أما حصول هذه احلوادث يف الشارع وأمام الناس‪ ،‬فكان‬ ‫يسبب هلن إحـراجـاً كبرياً جــداً‪ ،‬إضافة إىل مواقف شعرن فيها ابإلذالل‬ ‫واملهانة عندما تشاهد إحداهن جلد زوجها يف الساحة العامة على املأل‪،‬‬ ‫ألسباب بسيطة مثل عدم وضع غطاء على العينيني أو اخلــروج بال قفاز‬ ‫لليدين‪.‬‬ ‫ومنع التنظيم كل مظاهر االختالط‪ ،‬حىت إنه منع املعلمات من تدريس‬ ‫الصف األول االبـتــدائــي‪ ،‬معترباً ذلــك نوعاً من االخـتــاط الــذي ال يقره‬ ‫الـشــرع! وأدى تشدد التنظيم مــع النساء‪ ،‬وال سيما يف األس ـواق لتهرب‬ ‫الرجال من مرافقة زوجاهتم‪ ،‬فالعقوبة تطاهلم قبل النساء تروي لنا «هنادي»‪،‬‬ ‫وهي ربة منزل‪ ،‬كيف أهنا خرجت مع زوجها وأختها يف أحد األايم‪ ،‬وأثناء‬ ‫جتـواهلــم لـشـراء قطعة لـبــاس ألحــد أطـفــاهلــم الـتـقـوا يف الـســوق مـصــادفــة مع‬ ‫أحــد أصــدقــاء زوجـهــا‪ ،‬وبينما كــان زوجـهــا يتبادل احلــديــث مــع صديقه‪،‬‬ ‫سألت البائع عن سعر قطعة اللباس‪ ،‬ليلمحها أحد عناصر احلسبة وهي‬ ‫تتكلم معه‪ ،‬فيقوم بتوجيه أقسى العبارات هلا وللبائع بسبب حتدثهما مع‬ ‫بعضهما‪ ،‬متهماً إايمها بقلة الدين والرتبية ابلرغم من أهنا شرحت له أهنا‬ ‫كانت تسأل عــن السعر ال أكـثــر‪ ،‬إال أن ذلــك جعله يصرخ أكـثــر‪ ،‬ومل‬ ‫جيرؤ زوجها على احلديث مع العنصر ملعرفته أن السجن سيكون مصريه‬ ‫إذا عــرف أن هــذه امل ـرأة مــن إحــدى قريباته‪ .‬مثل هــذه احل ـوادث جعلت‬ ‫الكثري من الرجال يتجنبون السماح لزوجاهتم أو بناهتم ابخلروج لالختالط‬ ‫واالندماج ابجملتمع‪ ،‬مما سبب هلن عزلة‪ ،‬إذ بدأت بعضهن يشعرن وكأهنن‬


‫عــالــة عـلــى األسـ ــرة‪ ،‬أو أن وج ــوده ــن يشكل‬ ‫خطراً على اجملتمع‪.‬‬ ‫وتعرضت املرأة األم لألمل األكرب‪ ،‬فقد وصلت‬ ‫األوضـ ـ ــاع ألس ـ ـوأ م ـراح ـل ـهــا إث ــر ق ـي ــام الـتـنـظـيــم‬ ‫إبص ــدار فـتــوى تكفر أهــل أي مـقــاتــل مينعون‬ ‫اب ـن ـه ــم م ــن االلـ ـتـ ـح ــاق ب ـص ـف ــوف امل ـق ــات ـل ــن‪،‬‬ ‫(واملـقــاتــل هنا قــد يكون طف ً‬ ‫ال مل يكمل عامه‬ ‫الـثــالــث عـشــر)‪ ،‬مثل قصي مــن مدينة اع ـزاز‪،‬‬ ‫وهــو طفل يف احلــاديــة عـشــرة‪ ،‬انزح إىل مدينة‬ ‫اتدف‪ ،‬انضمامه للتنظيم مــن دون علم أهله‬ ‫أاثر عــاص ـفــة م ــن خــوف ـهــم‪ ،‬وت ــده ــورت حــال‬ ‫أمــه إثــر مساعها نبأ قيام طفلها مببايعة الدولة‬ ‫والتحاقه ابلــدورة الشرعية مبدينة الباب‪ .‬ولقد‬ ‫فـعــل األب املـسـتـحـيــل إلق ـنــاع امل ـســؤولــن أبن‬ ‫ح ـيــاة أم ــه يف خ ـطــر‪ ،‬فـتــم إع ـف ــاؤه مــن ال ــدورة‬ ‫ليقوم األب فــوراً أبخــذ العائلة لرتكيا حبثاً عن‬ ‫عمل وحفاظاً على أسرته من التشتت‪ .‬وحتكي‬ ‫لنا «أم ف ــادي» قصتها مــع ابنها الـبــالــغ ‪16‬‬ ‫عاماً‪ ،‬والــذي التحق بصفوف جيش اإلسالم‬ ‫ال ــذي رفـضــه ف ــوراً بـعــد مـعــرفــة قـيــاديــن فـيــه أن‬ ‫أهــل فــادي ال يرغبون بــذهــاب ابنهم للقتال‪.‬‬ ‫ومــع دخــول الــدولــة للمدينة قــام مببايعتهم فتم‬ ‫قبوله فــوراً‪ ،‬ولــدى قيام والــده بـزايرهتــم وشرحه‬ ‫املوضوع هلم أبنه وحيدهم‪ ،‬متَّ هتديده ابلسجن‬ ‫يف حال عدم املغادرة فــوراً‪ .‬لقد فجع التنظيم‬ ‫قلوب األمهات‪.‬‬ ‫وأخ ـطــر مــا يـتـعــرض لــه اجملـتـمــع عـمــومـاً واملـ ـرأة‬ ‫خـصــوصـاً هــو الـتـجـهـيــل‪ ،‬فـقــد حــرمــت مئات‬ ‫ال ـطــال ـبــات م ــن إك ـم ــال تـعـلـيـمـهــن اجلــام ـعــي‪،‬‬ ‫وحرمت اآلالف من دخول اجلامعة‪ ،‬فالتنظيم‬ ‫منع سفر املـرأة من دون حمرم‪ ،‬وأغلق جامعيت‬ ‫«ح ِرْم ُت من‬ ‫الرقة واالحتــاد‪ ،‬تقول «فاطمة»‪ُ :‬‬ ‫احلصول على الشهادة اجلامعية بعد أن وصلت‬ ‫للسنة األخرية‪ ،‬فالتنظيم مينع سفر النساء دون‬ ‫حمــرم‪ ،‬مــا منعين ومعظم زمـيــايت مــن الــذهــاب‬ ‫للجامعة»‪ ،‬وسـتــرك هــذه اخلـطــوة آاثراً سلبية‬ ‫على اجملتمع واملرأة‪.‬‬ ‫أ ّم ــا يف بيئة الـعـمــل فـقــد أصـبــح الــوضــع خـطـراً‬ ‫واملـعــاانة أكثر‪ ،‬فمع حتــرمي تبادل احلديث بني‬ ‫الــرجــل وامل ـرأة يف كــل مـكــان‪ ،‬مبــا يف ذلــك بيئة‬ ‫العمل‪ ،‬أضحى اجلميع مضطرين لاللتفات مييناً‬

‫ويساراً عند تبادل احلديث مع اجلنس اآلخر‬ ‫ألي س ـب ــب‪ .‬ك ـمــا س ــبّــب ال ـل ـب ــاس امل ـف ــروض‬ ‫من قبل التنظيم مشاكل كثرية‪ ،‬الشابة فرايل‬ ‫الــي تعمل يف عيادة أطفال‪ ،‬متّ اقتياد والدها‬ ‫للسجن ابعتباره و ّ‬ ‫يل أمرها‪ ،‬أل ّن عناصر التنظيم‬ ‫وجــدوهــا كاشفة عــن وجهها داخ ــل الـعـيــادة‪.‬‬ ‫ومثل هذه التصرفات التعسفية جعلت النساء‬ ‫يفضلن اجللوس يف البيت‪.‬‬ ‫ويـسـعــى رج ــال الـتـنـظـيــم مــن خ ــال الضغط‬ ‫االقتصادي على األسر اليت تعيش يف املناطق‬ ‫املـسـيـطــر عـلـيـهــا‪ ،‬ح ــى ي ـق ــوم ال ـن ــاس مبـبــايـعـتــه‬ ‫لقبض روات ــب مـرتـفـعــة نـسـبـيـاً‪ .‬إال أن غالبية‬ ‫ال ـعــائــات رف ـضــت إرسـ ــال أوالده ـ ــا لـلـمــوت‪،‬‬ ‫أمــا يف بـعــض الـعــائــات الـفـقــرة ج ــداً‪ ،‬فنجد‬ ‫أن الـنـســاء رمب ــا دفـعــن أح ـيــاانً الـثـمــن األكـثــر‪،‬‬ ‫هل ــذا األم ــر ألن احل ـلــول املـتــاحــة هلــن لتحسني‬ ‫وضعهن االقتصادي تصبح يف اجملهول‪ .‬وهذه‬ ‫ق ـصــة ال ـس ـي ــدة «أم ح ـس ــن» وه ــي س ـي ــدة يف‬ ‫اخلامسة والثالثني من عمرها‪ ،‬انزحة من مدينة‬

‫حلب‪ ،‬تكسب رزق أسرهتا بقيامها بتنظيف‬ ‫املنازل‪ ،‬وذلك ابلذهاب مع ابنها ذي العشر‬ ‫سنني‪ ،‬فتقوم ابملرور على بعض البيوت لتقوم‬ ‫بتنظيفهـا‪ ،‬وهـ ــي تعيش مــع عائلتها يف شقة‬ ‫غري جاهزة من دون أبواب وال شبابيك‪ ،‬وقد‬ ‫تسبب الــرد الشديد يف هــذا الشتاء القارس‬ ‫ابلكثري من املعاانة خصوصاً أن لديها مخسة‬ ‫أطفال حتت ‪ 12‬سنة‪ .‬ويف أحد األايم شكت‬ ‫حــاهلــا لــزوجــة أحــد رجــال التنظيم املهاجرين‪،‬‬ ‫ف ـعــرضــت عـلـيـهــا مـبــايـعــة الـتـنـظـيــم وال ـع ـمــل يف‬ ‫الشرطة النسائية‪ ،‬مقابل أتمني سكن جيد هلا‪،‬‬ ‫وملــا مسعت زوجــة املهاجر الــرفــض‪ ،‬مت طــرد أم‬ ‫حسن مباشرة من العمل يف ذاك املنزل‪ ،‬لتقدم‬ ‫تلك امل ـرأة منوذجاً حياً عن املواطنة الشريفة‪،‬‬ ‫يف حني يقوم الكثري غريها من رجال أو نساء‬ ‫بتقدمي خدماهتم‪ ،‬ابلرغم من أن وضعهم املادي‬ ‫جيد مقارنة مع هذه العائلة اليت تعاين يف كل‬ ‫يوم أكثر من السابق‪.‬‬ ‫هــذا جــزء بسيط ممــا تعانيه امل ـرأة الـســوريــة يف‬ ‫ظ ــل ت ـن ـظ ـيــم الـ ــدولـ ــة‪ ،‬ال ـ ــذي ح ـك ـم ـهــا ابس ــم‬ ‫الــديــن وادعــى حتريرها مــن اجلاهلية واإلابحـيــة‬ ‫واالسـتـعـبــاد‪ ،‬متجاه ً‬ ‫ال حقيقة وجــوهــر الدين‬ ‫اإلســامــي احلنيف‪ ،‬الــذي أعلى مكانتها أماً‬ ‫وزوجــة وابنة‪ ،‬وجعل هلا شخصيتها املستقلة‪،‬‬ ‫ومكنها مــن لعب دور ابرز يف تـقــدم األمــة‪،‬‬ ‫واه ـتــم التنظيم ابلـقـشــور‪ ،‬وغ ــاب عـنــه جوهر‬ ‫اإلس ـ ـ ــام الـ ـ ــذي سـ ـ ــاوى ب ــن املـ ـ ـ ـرأة وال ــرج ــل‬ ‫ابإلنسانية‪.‬‬ ‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪19 2014‬‬


‫أفكار تمهيدية حول تحرر المرأة‬ ‫عن الوجه الطيب للحرية‬

‫• ضحى عاشور‬

‫منذ أايم بكت على صــدري شابة تشتكي هجر‬ ‫رفـيـقـهــا‪ ،‬وه ــي ت ـقــول‪ :‬مهّ ــي ال حتمله ج ـبــال‪ ،‬رمبــا‬ ‫تستطيعني أن تكتيب عنه رواي ــة!‪ .‬ويف التفاصيل‬ ‫وعدهتا أن أكتب «بوستاً» صغرياً عن قصتها يف‬ ‫الفايسبوك‪ .‬كتبت البوست املتعاطف مــع امل ـرأة‬ ‫(طـبـعـاً) على ورق ــة وأان يف القطار ال ــذي أيخــذين‬ ‫إىل دورة اللغة الفرنسية يف منفاي اجلديد‪ .‬يف هناية‬ ‫الدرس الطويل كنا نستمع إىل أغنية فرنسية حتكي‬ ‫عــن اهل ـج ـران وآالم ــه‪ ،‬وك ــان األس ـتــاذ يرتمجها لنا‪،‬‬ ‫لفتين أنه يرتمجها بصيغة املذكر‪ ،‬أي أن الذي يعاين‬ ‫من اهلجر هو رجــل‪ ،‬استوضحته وعقلي مشغول‬ ‫ابلـلـغــة الفرنسية وق ـواعــدهــا‪ :‬هــل ه ــذه الكلمات‬ ‫بصيغة املــذكــر ف ـع ـاً؟ فــاجــأين األس ـت ــاذ (املـتـطــوع‬ ‫اللطيف) ّبرده القاطع‪« :‬أكيد‪ ،‬ليش عمرك شفيت‬ ‫حــدا يتعذب وينتحر مــن احلــب غــر الــرجــال!»‪.‬‬ ‫وحتت وطأة صدميت وأان املرأة الوحيدة يف الدورة‪،‬‬ ‫أجبته (حماولة جتنب الدخول يف معركة مع حميط‬ ‫كله رج ــال)‪« :‬كـثـرات من النساء يتعذبن ومينت‬ ‫بصمت أو ينتحرن‪ ،‬وطبيعي ما عم يعملوا هيك‬ ‫شي ألنــو الطبخة انتزعت مثلما يشاع عــادة!»‪.‬‬ ‫ابتسمنا مجيعاً وأكملنا الدرس‪..‬‬ ‫هذه احلادثة استب ّدت يب‪ ،‬وجعلتين أنسى أمر نشر‬ ‫البوست عن الصبية املهجورة! ألعــود إىل القصة‬ ‫العويصة إايهــا‪ :‬هل الرجل هو الــذي يظلم املـرأة‪،‬‬ ‫أم أن املـرأة هي اليت تتالعب ابلرجل؟ أيهما أوالً‬ ‫الــدجــاجــة أم الـبـيـضــة؟ ول ـكــم أن جت ــدوا عـشـرات‬ ‫النقاشات واجلداالت املشاهبة اليت تستهلك الكثري‬ ‫من الوقت واجلهد واألعصاب‪ ،‬وتستطيع أن تظل‬ ‫تدور يف الدائرة نفسها إىل ما ال هناية ودومنا طائل‪،‬‬ ‫رغم أن لدى كل من الطرفني الكثري من اإلثبااتت‬ ‫والوقائع اليت تؤكد صوابية رأيه‪.‬‬ ‫التحرر من األفكار املسبقة والصور النمطية‪:‬‬ ‫بعد حنو أربع سنوات من خروجنا للمطالبة ابحلرية‬ ‫والكرامة‪ ،‬أعتقد أن الكالم والتنظري استهلك نفسه‬ ‫واستهلكنا‪ ،‬مع تقديري أننا حباجة لتأسيس نظري‬ ‫جــديــد عـلــى ض ــوء الـتـجـربــة‪ ،‬لـكــن بعجالة أق ــول‪:‬‬ ‫مشكلتنا أننا نتعامل مع احلرية والكرامة (وكذلك‬ ‫الـثــورة) مبا هي فـضــاءات فضفاضة (عموميات)‪،‬‬ ‫مل تتحول إىل أهــداف واضحة تقتضي أن يكون‬ ‫‪ 20‬العدد (‪ )10‬كانون أول ‪2014‬‬

‫هلا وسائلها وخططها ودليل عملها وأدواهتا‪ .‬احلرية‬ ‫والـكـرامــة تكتسبان‪ ،‬تنتزعان‪ ،‬ابلـتــدريــج والـراكــم‬ ‫والـعـمــل الـ ــدؤوب (الـ ـث ــورة)‪ ،‬اهل ــادف إىل اقتحام‬ ‫اجملالني العام واخلاص‪ ،‬وكسر حلقات االستبداد أو‬ ‫تفكيكها وردم الفراغات وملئها ابجلديد املرجتى‪.‬‬ ‫نقرأ ونتظاهر ونتحاور‪ ،‬مث نعود إىل أطفالنا لنحدثهم‬ ‫عن اجلنيّات وفضائل البقاء يف املنزل‪ ،‬ويف أحسن‬ ‫األح ـوال نسئمهم مبواعظ عن حماسن كبح مجاح‬ ‫الــرغـبــة وامل ـغــامــرة ووأد ال ـف ـضــول‪ .‬نـطــالــب ابحلـريــة‬ ‫والـكـرامــة والـعــدالــة للجميع‪ ،‬مث نـعــود لـنــردد على‬ ‫مسامع إخوتنا الرجال وأوالدان الذكور‪ ،‬ولنُسمع‬ ‫أزواجنا أيضاً‪ ،‬أوصافاً متييزية منطية عن مجال فالنة‬ ‫ودقة خصرها ومقاس وركها وقدمها رمبا‪ ،‬ومهارهتا‬ ‫يف الطبخ واملسح‪ ،‬ونصمت عن حمبتها لآلخرين‬ ‫ومـســاعــدهتــا هل ــم‪ ،‬ونـتـجــاهــل بشاشتها وذكــاءهــا‬ ‫واستقالليتها وقــدرهتــا على املـبــادرة وإجيــاد احللول‬ ‫للمشكالت‪ .‬يغمران احلنان جتاه ولدان «الكسول»‬ ‫وخنــرع له الــذرائــع وامل ــررات‪ ،‬ونــرد أوالد اآلخرين‬

‫أبلسنتنا ونـظـراتـنــا ورفـضـنــا مصاحبتهم ألوالدان‪.‬‬ ‫نشرتك مجيعاً رجــاالً ونساء يف عدم تقبّل أخطاء‬ ‫الطبيعة يف مقاييس اجلسد أو توزيع العقل أو لون‬ ‫نقرع اآلخرين على تفاهاهتم‪ ،‬وهندر أوقاتنا‬ ‫البشرة‪ّ ،‬‬ ‫يف متابعة األقــاويــل والـثـرثـرات‪ .‬نـعــاين يف املراهقة‬ ‫والصبا من أمهاتنا وجمتمعنا‪ ،‬مث ال نلبث أن نصبح‬ ‫شرطيات ّ‬ ‫فظات جلفات مع بناتنا‪ .‬نبكي عزوف‬ ‫أزواجنا عن االهتمام بنا‪ ،‬ونضعها حلقة يف أذن‬ ‫االب ــن واألخ‪« :‬اهـجــروهــن يف املـضــاجــع» واقطع‬ ‫رأس القط من الليلة األوىل‪ ،‬ننظف بيوتنا ألجل‬ ‫الغريب الــذي ميكن أن يدوسه‪ ،‬ونرمي األوســاخ‬ ‫يف طريق غريب آخر مادام لن يسعى إلينا‪ ،‬نلبس‬ ‫كما حيدد لنا السوق واإلعالن ورجال الدين‪ ،‬ومنأل‬ ‫أدراجنا مبساحيق التجميل وال حيلة لنا يف تعزيل‬ ‫نفوسنا مــن خملفات االسـتـبــداد‪ .‬نكاد نفعل كل‬ ‫شيء حسب إرادة مفروضة علينا‪ ،‬مدفوعني برغبة‬ ‫االنــدمــاج ابجملتمع‪ ،‬ومــع ذلــك نضيع يف الــزمحــة‪،‬‬ ‫فــا اجلـمــاعــة تلتفت إلـيـنــا‪ ،‬وال حنــن نـكــاد نعرف‬


‫أنفسنا لشدة ما نشبه بعضنا البعض‪ .‬ال أننس لقريب وال حلبيب‪ ،‬فال تكاد‬ ‫تنتهي زايرة أو اجتماع أو لقاء حىت تبدأ النميمة والسخرية واالنتقاد والبحث‬ ‫والتنقيب فيما وراء الكالم والسلوك‪ .‬لكي نتقرب من الرجال نلوم النساء‬ ‫ونغرق يف رحلة الكشف عن أسـرار مكائدهن‪ ،‬ولنكسب وّد النساء نشتم‬ ‫السر والفطرة‪ ..‬إن مل تكن هذه هي العبودية‪،‬‬ ‫الرجال يف العلن ونسعى إليهم يف ّ‬ ‫فما هي إذن؟!‬ ‫ونتيجة «لثقافتنا» نتعلق ابملـعـجـزات واحل ـلــول الـسـحـريــة ال ــي ستنهي كل‬ ‫املشكالت ابلضربة القاضية‪ ،‬وال أسهل من أن نردد‪ :‬جمرد أن يسقط النظام‬ ‫كل شــيء سينحل! واحلقيقة أنــه هبــذا التبسيط لن يسقط شــيء‪ ،‬وحــى إن‬ ‫سقط فلن ينحل أي شيء من تلقاء نفسه‪.‬‬ ‫أما على مستوى حترر امل ـرأة‪ ،‬فكلنا قناعة أن «الكوات» النسائية هي احلل!‬ ‫شر رجايل وخري نسائي (الثورة أنثى)؟! أليست النساء‬ ‫وكأن العامل منقسم إىل ّ‬ ‫َ‬ ‫املضطهدات هن أشد املدافعات عن العبودية؟ ألسن هن من يربني الذكور‬ ‫على القسوة والعنف جتاه األضعف‪ ،‬وعلى التصاغر والطاعة أمام أويل األمر‬ ‫تبعاً ملا تفرضه عليهن ثقافة االستبداد‪ .‬ألسن هن املوكالت حبراسة استمرار‬ ‫تدفق وسراين قيم اهليمنة اليت جتعل حىت من الوطن سيداً متعالياً متغطرساً ال‬ ‫يتواىن عن تعذيبنا وقتلنا‪ ،‬وما علينا إال أن نظهر له الوالء والوفاء!‬ ‫رمبا تصبح النصوص الدستورية والقوانني و«الكوات» النسائية حلوالً جمدية‪،‬‬ ‫عندما تكون نتاج حركة نسائية نشطة ويقظة وفعالة‪ ،‬قادرة على استقطاب‬ ‫النساء والرجال لصاحل عدالة املطالب اإلنسانية اليت تنطوي عليها‪ .‬فاحلرية‬ ‫والكرامة والـثــورة معنية ابإلنـســان دون متييز‪ ،‬مع مـراعــاة خصوصية اجلنس‪.‬‬ ‫وطاملا ابتعدان عن هــذا السياق‪ ،‬سيبقى موضوع حتــرر امل ـرأة حـراً على ورق‬ ‫كما هو احلال يف كثري من دول العامل‪ .‬كما أن «الكوات» النسائية يف جتارب‬ ‫عديدة سرعان ما يتم استيعاهبا واحتواؤها‪ ،‬أو هتميشها وتفتيتها من قبل الكتل‬ ‫واألحـزاب السياسية‪ .‬الضمان الوحيد لفعالية وأتثري أي إجناز على املستوى‬ ‫القانوين واملؤسسايت هو السعي اليومي املواظب على كشف مظاهر التمييز‬ ‫والتسلط وحماربتها‪ ،‬والعمل على إجياد البدائل وتكريسها بقوة الوعي واإلقناع‬

‫واحملاولة وضرب املثل لتكتسب قوة العادة والعرف‪ .‬هذا العمل‪ ،‬رغم صعوبته‬ ‫وضرورة استمراريته وتوفري سبل دميومته‪ ،‬إال أنه ينطوي على جانب احتفايل‪:‬‬ ‫متارين على فرح االكتشاف‪ ،‬على امتحان قدرة البشر وكفاءهتم يف استئصال‬ ‫وتسممها‪ ،‬على العمل اجلماعي املبدع‬ ‫جذور العبودية اليت تتغلغل يف حياتنا‬ ‫ّ‬ ‫واملتكامل‪ ،‬على احملاولة والتجريب يف استنبات ثقافة جديدة بعقول حرة وإرادة‬ ‫متفائلة صادقة حتتفي ابإلنسان وإمكاانته وحتفز حماوالته وآماله‪.‬‬ ‫التحرر يعين مــن مجلة مــا يعنيه‪ ،‬أن نفتح ذاك ــرة احلـكــاايت ونعيد تشذيب‬ ‫تفاصيلها‪ ،‬أن نغربل أمثالنا الشعبية ونثريها مبعارفنا وخرباتنا‪ ،‬أن نرفض تداول‬ ‫النكات والشتائم اليت تقلل من شأن املـرأة‪ ،‬وتربز عدوانية الرجل‪ ،‬أن حنتفل‬ ‫أبغاين احلب واحلياة والعمل وندع اللوعة والفراق واخلداع للتندر والتاريخ‪ ،‬أن‬ ‫ندعو حلل املسائل احلسابية أبكثر من طريقة‪ ،‬وأن منارس النشاطات املدرسية‬ ‫واحلياتية املتعلقة بتوليد هناايت خمتلفة ومتعددة للقصص‪ ،‬أن نستعني ابملعرفة‪،‬‬ ‫وإن تعذرت فبالعودة للحس السليم الذي أينف الظلم واجلور وأيلف الصدق‬ ‫والطيبة‪ ،‬أن نرفض تسطيح العقل والسذاجات الدارجة اليت حتشر البشر يف‬ ‫إعالء لشأن الفرقة واحلروب أبنواعها‪ :‬رجل مقابل امرأة‪ ،‬أسود‬ ‫خنادق متعادية ً‬ ‫مقابل أبيض‪ ،‬مشال مقابل جنوب‪ ،‬دميقراطية ضد اإلرهــاب‪..‬إخل‪ .‬وأن نتعلم‬ ‫اإلصغاء واحلوار مع النفس واآلخر‪ ،‬والبحث يف املشرتكات واملمكنات إلغناء‬ ‫التنوع اإلنساين وإعادة حلمته مبا يضمن العدالة والوفرة والسالم للجميع‪ ،‬وقبل‬ ‫كل شيء أن نقرر االنفتاح على شريك احلياة أابً وزوجاً وابناً وأخاً وصديقاً‪،‬‬ ‫اهلم نفسه‪ :‬نعاين الظلم واحلرمان وعدم الفهم واللوم واليأس‬ ‫فنحن شركاء يف ّ‬ ‫ال ــذي م ــازال يستعبدان عــر ذاك ــرة مـؤملــة جنــرهــا بــا هنــايــة‪ ،‬وال حتمل لنا إال‬ ‫اخلذالن وكأنه حقيقة وهناية ليس منها ب ّد‪.‬‬ ‫التحرر أن نفتح عيوننا لنرى اآلخر الذي أمامنا وحولنا كما هو‪ ،‬ال أن جنرت‬ ‫صورته املسبقة يف ذاكرتنا‪ ،‬أن نفك قيود أنفسنا اليت م ّزقها االستبداد املديد‬ ‫وجعلها تتشظى يف حروب شرسة مفتعلة بني اجلسد والروح والعقل والرغبات‪،‬‬ ‫وأن نستعيد قابليتنا للنمو والتجدد كما الطبيعة ومثل احلياة اليت نستحقها‬ ‫معاً رج ً‬ ‫ال وامرأة‪.‬‬

‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪21 2014‬‬


‫لباس المرأة المسلمة ما بين الفرض السياسي‬ ‫والزي التقليدي والرمز الديني‬ ‫يـعــود لـبــاس امل ـرأة إىل الــواجـهــة‪ ،‬على الرغم‬ ‫مــن امل ـع ــارك ال ـضــاريــة ال ــي تعيشها س ــوراي‪،‬‬ ‫ومـصــائــب ومه ــوم الـشـعــب ال ـســوري وأزمــاتــه‬ ‫الــي ال تعد وال حتصى‪ ،‬مــرة ابســم املقدس‪،‬‬ ‫وم ـ ــرة ابسـ ــم ال ـس ـل ـطــة‪ ،‬ح ـيــث ي ـصــر قـيــاس‬ ‫والء امل ـ ـرأة للسلطة ولـلــديــن ره ــن لباسها‪.‬‬ ‫ه ــذا م ــا جي ــري يف امل ـنــاطــق ال ــي يـسـيـطــر عليها‬ ‫املتشددون‪ ،‬خاصة يف أماكن سيطرة «داعش»‪،‬‬ ‫فهناك قصص كـثــرة حــول فــرض قـســري ملظهر‬ ‫حمدد‪ ،‬وعلى مجيع النساء االلتزام به‪ ،‬يف الشارع‬ ‫واألماكن العامة‪ ،‬وصلت حد التجرمي‪ ،‬واعتقال‬ ‫طــالـبــات مــن ال ـرقــة ال يـعــرف مـصــرهــن‪ .‬أم ــا يف‬ ‫املـنــاطــق الــي تقع حتــت سيطرة الـنـظــام‪ ،‬يف ظل‬ ‫ضبابية مسار احلراك‪ ،‬واخلوف الشديد من النظام‬ ‫ال ــذي يـشــدد الـرقــابــة على املـواطـنــن‪ ،‬حــى إنــه‪،‬‬ ‫وألتـفــه األسـبــاب‪ ،‬ميكن توقيف رجــل أو ام ـرأة‪،‬‬ ‫والشكل أو اللباس قد يكون شبهة‪ .‬لكن الصورة‬ ‫هنا خمتلقة‪ ،‬إذ نالحظ مي ً‬ ‫ال لالنعتاق والتحرر‬ ‫على مستوى املظهر‪ ،‬واألسباب ميكن تلخيصها‬ ‫إببعاد شبهة التعاطف مع املتشددين من جهة‪،‬‬ ‫وعكس متغريات عميقة يف واقع األسرة السورية‬ ‫بسبب احلــرب ومــا حلــق املـواطـنــن الـســوريــن من‬ ‫قتل ودمار شتت األسر من جهة أخرى‪ ،‬ونتيجة‬ ‫ل ـف ـقــدان املـعـيــل أو وفــاتــه أو س ـفــره أو سجنه‪،‬‬ ‫وبسبب من ضغوط النظام ورقابته الشديدة على‬ ‫حافالت النقل‪ ،‬حتت ذريعة االلتحاق ابخلدمة‬ ‫اإللزامية‪ ،‬أو البحث عن إرهابيني‪ ،‬حيث أصبح‬ ‫الرجال ال يتنقلون إال مشياً على األقــدام وعند‬ ‫الضرورة فقط‪ .‬هذه األسباب وغريها أعطت املرأة‬ ‫دوراً كبرياً يف حياة األسرة‪ ،‬هبدف محاية الذكور‪،‬‬ ‫وأتمني وسائل العيش لألسرة‪ ،‬فهي اليت تذهب‬ ‫إىل السوق لتأمني حاجات املنزل‪ ،‬وتعمل لتأمني‬ ‫قوت أبنائها‪ .‬كما أتثرت األسرة السورية نتيجة‬ ‫ال ـن ــزوح‪ ،‬وازدح ـ ــام ال ـب ـيــوت‪ ،‬حـيــث الـبـيــت يضم‬ ‫جمموعة من األســر‪ ،‬وحتولت احلدائق العامة إىل‬ ‫بيت مــن ال بيت لــه‪ .‬كما أن ظــاهــرة احلـواجــز‬ ‫وسلطتها على األهــايل يف األحـيــاء‪ ،‬سامهت يف‬ ‫انتشار ظاهرة التحرش ومصاحبة النساء ابلرضى‬ ‫‪ 22‬العدد (‪ )10‬كانون أول ‪2014‬‬

‫أو اإلكـ ـراه‪ ،‬إضــافــة إىل ظــاهــرة الـطــاق الواسعة‬ ‫نـتـيـجــة أزم ــة املـعـيـشــة وال ـس ـكــن‪ .‬كــل ذاك أاثر‬ ‫حفيظة رجال الدين‪ ،‬فما يثري االنتباه أن خطب‬ ‫اجلمعة ختصص جزءاً مهماً منها يف احلديث عن‬ ‫لـبــاس املـ ـرأة‪ ،‬يف مـعــرض حديثهم عــن االحنــال‬ ‫األخالقي الذي يسود اجملتمع‪ ،‬يطالبون الذكور‬ ‫ابل ـتــدخــل يف ل ـبــاس بـنــاهتــن ون ـســائ ـهــن‪ .‬وع ــرض‬ ‫تفاصيل الـلـبــاس املـطـلــوب مــن وجـهــة نظر هذا‬ ‫اخلطيب أو ذاك‪ ،‬مع العلم أن هذه اخلطب أتخذ‬ ‫املوافقة من السلطة قبل أن يتم إلقاؤها‪ ،‬ليس يف‬ ‫عدم منعها عجب مهما كانت اإلساءة للمرأة‪،‬‬ ‫ألن املهم ابلنسبة للسلطة أن تكون املرأة سبب‬ ‫االحن ــال والفوضى واألزم ــة‪ ،‬املهم أن ال تكون‬ ‫األزم ــة وال ـفــوضــى مــن الـسـلـطــة ورج ــاهل ــا‪ ،‬وليس‬ ‫مــن مــانــع ل ــدى الـنـظــام يف قـمــع املـ ـرأة ومراقبتها‬ ‫مــن قـبــل رج ــال األسـ ــرة‪ ،‬ل ـ ـزايدة الـتــوتــر العائلي‬ ‫وإهلــاء املواطنني مبشاكلهم العائلية‪ ،‬واهلــروب من‬ ‫حقيقة أن جمتمعنا السوري يعاين الفقر الشديد‪،‬‬ ‫احلــاجــة‪ ،‬الـفـقــد‪ ،‬الـفــوضــى وغـيــاب الـقــانــون‪ .‬إن‬ ‫مظاهر االحنالل ما هي إال أحد املظاهر الالزمة‬ ‫ل ـل ـظ ــروف ال ـقــائ ـمــة‪ ،‬ه ــذه الـ ـظ ــروف ال ــي تـولــد‬ ‫التفكك األسري‪ ،‬ومشاكل أخرى كثرية‪ ،‬لكنها‬ ‫يف الوقت ذاته تساهم يف انعتاق املرأة واستقالهلا‪.‬‬ ‫فــإن كانت حجج األط ـراف املــذكــورة‪ ،‬تعرب عن‬ ‫قلق اجملتمعات املسلمة واسـتـبــداد اهلـواجــس هبا‬ ‫ح ــول اجلـنـســانـيــة األن ـثــويــة ووســائــل الـتـحـكــم هبا‬ ‫والسيطرة عليها‪ ،‬على اعتبارها جمتمعات ذكورية‬ ‫السيطرة وامليول‪ ،‬هبدف صون احلياة االجتماعية‬ ‫خوفاً من االحنــال‪ ،‬فإ ّن هذا االجتاه ميثل وجهة‬ ‫نظر احملافظني اإلسالميني‪ ،‬واملتشددين‪ ،‬ويلتقون‬ ‫يف إقصاء املرأة وقصر مهامها‪ ،‬يف ظروف تفرتض‬

‫• سحر حوجية‬

‫وضعاً مغايراً‪ ،‬وحاجات الواقع تفرض شروطها‪،‬‬ ‫فيصبح القسر واإلكـ ـراه والعنف الوسيلة لتقرير‬ ‫الـواقــع‪ ،‬واقــع اجتماعي يسحق فيه الفرد خارج‬ ‫الــوجــود‪ ،‬وال جمــال للكالم فيه عــن حـريــة‪ .‬فهل‬ ‫الــديــن اإلســامــي مـســؤول عــن حــال امل ـرأة هــذا؟‬ ‫مع أن القرأن الكرمي يشكل ابلنسبة للمسلم مسألة‬ ‫مركزية مرجعية هلا موثوقية مطلقة‪ ،‬ال يشك بصحة‬ ‫مــا ورد فـيــه‪ ،‬بينما امل ـصــادر اإلســامـيــة األخــرى‬ ‫سـواء السنة واألحــاديــث واملذاهب فهي نسبية‪.‬‬ ‫كما أنه وفقاً للنظرة اإلسالمية‪ ،‬ال ميكن إبدال‬ ‫القرآن أبي حديث ميكن أن يناقضه أو يتعارض‬ ‫معه‪ .‬فيما يتعلق مبسألة احلـجــاب‪ ،‬كما وردت‬ ‫يف القرآن مسألة خاضعة لالجتهاد‪ ،‬نالحظ أن‬ ‫أغلب رجال الدين أيخذون أدلتهم من أحاديث‬ ‫أو مصادر شرعية غري القرآن‪ ،‬ابلعودة إىل القرآن‬ ‫جند أن مسألة احلجاب مل ترد إال يف آايت حمدودة‬ ‫يفهم منها ال ـت ـواضــع واالح ـت ـشــام‪ ،‬جت ــاه الــرجــال‬ ‫والنساء‪ .‬كما ورد يف سورة النور‪« /30،31/‬قل‬ ‫للمؤمنني يغضوا من أبصارهم وحيفظوا فروجهم‬ ‫وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن وحيفظن‬ ‫فروجهن وال يبدين من زينتهن إال ما ظهر منها»‪،‬‬ ‫ويف جزء آخر من اآليــة‪« :‬وال يضربن أبرجلهن‬ ‫ليعلم ما خيفني من زينتهن وتوبوا إىل هللا مجيعاً أيها‬


‫املؤمنون لعلكم تفلحون»‪ .‬أمــا ما ورد يف اآلية‬ ‫‪ /60/‬من ســورة النور خماطباً النساء الكبريات‬ ‫ابلسن‪« :‬والقواعد من النساء الــايت ال يرجون‬ ‫نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثياهبن غري‬ ‫متربجات بزينة وأن يستعففن خري هلن وهللا مسيع‬ ‫عليم»‪ ،‬جند أن أهم ما ورد يف هذه اآلايت هو‬ ‫مطالبة النساء أبال يتزين أو تظهر زينتهن‪ ،‬والزينة‬ ‫ليست شيئاً رابنياً بل مصطنعاً‪ ،‬أما اآلية األخرية‬ ‫فهي اآلي ــة ‪ /59/‬مــن س ــورة األحـ ـزاب‪« :‬أييها‬ ‫النيب قل ألزواجك وبناتك ونساء املؤمنني يدنني‬ ‫عليهن من جالبيبهن ذلــك أدىن أن يعرفن فال‬ ‫يــؤذيــن وك ــان هللا غـفــوراً رحـيـمـاً»‪ .‬يف هــذه اآليــة‬ ‫محاية النساء مــن األذى حــى ال يعرفن‪ ،‬وليس‬ ‫اهلدف فرض لباس حمدد على املرأة‪ .‬يف جمتمعات‬ ‫كــان ينظر لـلـمـرأة كـهــدف جنسي‪ .‬ومــن أجل‬ ‫متييز امل ـرأة املسلمة مــن سـواهــا‪ ،‬غــر أن القصد‬ ‫القرآين كان يعترب النساء خملوقات إنسانية كاملة‬ ‫الـعـقــل وال ــدي ــن‪ ،‬وهل ــم حــق االخـتـيــار وال تفرض‬ ‫قواعد من اخلــارج عليهن‪ .‬كما أنه ال يوجد يف‬ ‫القرآن ما يربر احلجب والعزل الذي فرض على‬ ‫املرأة املسلمة يف اجملتمعات اإلسالمية‪ ،‬مل يطالب‬ ‫القرآن بتحجيب النساء كلياً‪ ،‬وإال ملاذا طلب من‬ ‫الرجال أن يغضوا أبصارهم‪.‬‬ ‫احلجاب كرمز سياسي‬ ‫عندما انتفض الشعب اإليراين ضد الشاه‪ ،‬حتول‬ ‫ال ـشــادور األس ــود إىل رمــز لتحدي الـشــاه الــذي‬ ‫أصــدر أبــوه مرسوماً منذ عام ‪ 1936‬مينع منعاً‬ ‫اباتً ارتــداء الـشــادور‪ ،‬حيث طبق املرسوم بعنف‬ ‫بعد متزيق أي غطاء تضعه النساء على رؤوسهن‪،‬‬ ‫ومنع احلجاب منعاً هنائياً وقسرايً‪ .‬عندما فرض‬ ‫الشاه على النساء نــزع الـشــادور كــان يعتقد أنه‬ ‫حيررهن من التقاليد البالية‪ ،‬وعندما انتفض الشعب‬ ‫يف إيـ ـران ضــد ال ـشــاه‪ ،‬ك ــان الــافــت مـنــذ بــدايــة‬ ‫االنتفاضة‪ ،‬أن مجيع اإليـرانـيــات لبسن الشادور‬ ‫سـ ـواء امل ـت ـحــررات‪ ،‬أو غــر امل ـت ـحــررات‪ ،‬يف حت ـ ٍّد‬ ‫للشاه وقراره التعسفي مبنع احلجاب‪ ،‬وازداد لبس‬ ‫الشادور مع تعاظم احلـراك الذي مشل كل فئات‬ ‫الشعب اإليراين‪ .‬كان الشادور حينها رمزاً تقليدايً‬ ‫للباس اإليرانينات‪ ،‬لكن عندما حتولت االنتفاضة‬ ‫ابجتاه ديين أخذت هذه الرموز أتخذ طابعاً دينياً‪،‬‬ ‫من تقليد إىل هوية إسالمية‪ ،‬مث إىل عبودية ضد‬

‫النساء‪ .‬بعد عودة اخلميين من املنفى وبناء الدولة‬ ‫اإلســام ـيــة‪ ،‬حت ــول ال ـش ــادور إىل مـســألــة مــركـزيــة‬ ‫مفروضة‪ ،‬ومل تعد تكتيكاً‪ ،‬ابلنسبة ملن لبسنه عن‬ ‫غري قناعة‪ ،‬فرق حراس الثورة تظاهرات شاركت‬ ‫فيها آالف النساء ممن ال يرتدين الشادور يف عام‬ ‫‪ ،1979‬وضـربـوا النساء املتظاهرات ابلعصي‪،‬‬ ‫كما سجلت حوادث عنف أخرى وصلت حد‬ ‫التشويه برمي األسيد على اللوايت رفضن الشادور‪.‬‬ ‫استمرت النساء مرتدايت الـشــادور بعد سيطرة‬ ‫اخلميين على مقاليد احلكم يف إيـران‪ ،‬ابستخدام‬ ‫شعارات إلاثرة العواطف ولفرض قناعتهن على‬ ‫األخرايت أبهنن يرتدين الشادور عن قناعة دون‬ ‫إكراه‪ ،‬عندما فرض الشادور كان اخلميين يعتقد‬ ‫أنه حيمي النساء من كوهنن أهدافاً جنسية‪ ،‬وكأن‬ ‫النساء دمى ال عالقة هلا ابألخالق‪.‬‬ ‫يف ســوراي‪ ،‬وحتديداً يف فرتة الصراع بني اإلخـوان‬ ‫املسلمني والـسـلـطــة‪ ،‬قــامــت سـ ـرااي الــدفــاع بنزع‬

‫احلـجــاب مــن على رؤوس الـنـســاء يف ال ـش ـوارع‪،‬‬ ‫ومتزيقه وإهانة احملجبات‪ .‬رغم أنه مل يصدر مرسوم‬ ‫بذلك‪ ،‬بل فــرض انتقاماً وهبــدف إاثرة املشاعر‬ ‫الطائفية‪ ،‬واعتباره رمزاً سياسياً وليس زايً أو رمزاً‬ ‫دينياً‪ .‬وعندما صدر مرسوم ينص على منع ارتداء‬ ‫احلـجــاب يف امل ــدارس‪ ،‬حــرم الكثري مــن األهــايل‬ ‫بناهتن الذهاب إىل املدرسة‪.‬‬ ‫كـلـمــة أخـ ــرة‪ ،‬إن ف ــرض ل ـبــاس م ــا عـلــى املـ ـرأة‪،‬‬ ‫يناقض مبدأ حـراك ثــوري يف اجملتمعات العربية‪،‬‬ ‫تشارك فيه املرأة مشاركة فعالة‪ ،‬تؤكد على قرارها‬ ‫املـسـتـقــل‪ .‬فـهــل يعقل أن مــن ت ـواجــه األنـظـمــة‪،‬‬ ‫ليست قادرة على الدفاع عن نفسها وجسدها؟!‬ ‫ألـيــس مــن غ ـرائــب األم ــور أال متـلــك املـ ـرأة حرية‬ ‫االختيار يف لباسها‪ ،‬وأال تكون لديها القدرة يف‬ ‫تقرير مصري جسدها؟ فهي ليست دمية للعبث‬ ‫كما يعتقدون‪ ،‬هكذا تظهر صورة املرأة املسلمة‬ ‫ملتبسة يف اإلعالم‪ ،‬على املستوى العاملي‪.‬‬

‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪23 2014‬‬


‫ما حك جلدك مثل ظفرك‬ ‫المرأة في اإلعالم العربي‪ :‬سقف طموحاتها داخل جدران المنزل‬

‫• جناح سفر‬

‫«اقعدي اي هند‪ ...‬هللا ينتقم من اللي جاب الكوات حتت هالقبة»‪ ...‬صرخة أطلقها عضو جملس الشعب األردين يف وجه النائب «هند الفايز» ألن‬ ‫صوهتا عال قلي ً‬ ‫ال يف مواجهة من تعدى على حرية تعبريها حتت قبة الربملان األردين‪( ،‬الربملان الذي يعترب أعلى ٍّ‬ ‫جتل للدميقراطية يف العامل)‪ ،‬وراحت‬ ‫تلك الصرخة مث ً‬ ‫ال يف وسائل التواصل االجتماعي واإلعالم العريب بشكل عام‪ .‬فكيف هو وضع املرأة إذن خارج الربملان‪ ،‬وكيف جسدت وسائل‬ ‫اإلعالم العربية اليت حتتل املرأة اجلزء األكرب منها‪ ،‬سواء عرب اإلذاعة‪ ،‬التلفزيون‪ ،‬الصحف أو املواقع اإللكرتونية واقع حترر املرأة العربية؟‬ ‫من خــال تتبعنا لإلعالم العريب نالحظ أنــه يتم‬ ‫الرتكيز على املـرأة من خالل برامج ثقافية‪ ،‬برامج‬ ‫درامية وأخــرى إعالنية‪ .‬لكن هل عكس اإلعالم‬ ‫الـعــريب فـعـ ً‬ ‫ا واق ــع املـ ـرأة أو ق ــارب حــى موضوعة‬ ‫حتررها‪ ،‬اليت تقاتل من أجلها يومياً‪ ،‬حىت انقلب‬ ‫السحر على الساحر وابتت «لعنة» تالحقها؟‬ ‫تربز مشكلة حترر املرأة وتتجسد يف جمالني أساسني‪:‬‬ ‫األول يف تقدميها بوسائل اإلعالم املختلفة إجيابياً‪،‬‬ ‫واآلخــر يف استغالل صورهتا سلبياً‪ .‬فأهم الربامج‬ ‫الــي توجه اإلس ــاءة للمرأة تعدها وسائل اإلعــام‬ ‫واالت ـصــال‪ ،‬س ـواء كــانــت يف التلفزيون‪ ،‬ال ـراديــو‪،‬‬ ‫الصحافة‪ ،‬اإلنرتنت أو حىت املسرح والسينما‪ .‬لقد‬ ‫تعاملت اإلعــاانت مع املرأة كسلعة مثرية لرتويج‬ ‫املـنـتـجــات ال ــي هــي مبجملها سـلــع استهالكية‪،‬‬ ‫فثالثون اثنية إعالنية كافية لرتويج الصورة السلبية‬ ‫للمرأة اليت مت استغالهلا لتسويق السلع واخلدمات‬ ‫عتب‬ ‫على حـســاب إنسانيتها وكـرامـتـهــا‪ ،‬لــذلــك يُ َ‬ ‫اإلع ــا ُن التجاري امل ــاد َة األكـثــر تكريساً للصورة‬ ‫الذهنية املشوهة عن املرأة‪.‬‬ ‫الربامج النسائية‪ :‬جتنب التابوهات‬ ‫أما الربامج النسائية‪ ،‬اليت ال تكاد ختلو منها قناة‬ ‫فتنصب نفسها كمدافع عن‬ ‫تلفزيونية أو إذاعية‪ِّ ،‬‬ ‫قضااي املرأة والعمل على متكينها اقتصادايً‪ ،‬سياسياً‬ ‫واجتماعياً‪ .‬لكن هل جنحت تلك الـرامــج فع ً‬ ‫ال‬ ‫بـطــرح قضية حتــرر امل ـرأة بشكل مــوضــوعــي؟ وهل‬ ‫كانت لديها اجلرأة على طرح حقيقة املشاكل اليت‬ ‫تعاين منها املرأة العربية‪ ،‬أم المستها من بعيد خوفاً‬ ‫من اتبوهات اجملتمع؟‬ ‫تقدم بعض الـرامــج امل ـرأة بصورة إجيابية وانجحة‬ ‫من خالل عرضها لصورة املرأة العاملة‪ ،‬اإلعالمية‪،‬‬ ‫املـنـتـجــة‪ ،‬الـطـبـيـبــة‪ ،‬املـهـنــدســة‪ ،‬احملــامـيــة‪ ،‬اجلـنــديــة‪،‬‬ ‫الشرطية‪ ،‬الفالحة‪ ،‬الفنانة واألديبة‪ ،‬واليت تفوقت‬ ‫‪ 24‬العدد (‪ )10‬كانون أول ‪2014‬‬

‫يف كثري من األنشطة العلمية واملهنية على الرجل‪،‬‬ ‫وإبمكاهنا تغطية مساحات جغرافية خمتلفة وشاملة‬ ‫للبلدان العربية والعاملية‪.‬‬ ‫لكن برامج أخرى مثل «كالم نواعم» على قناة‬ ‫‪ ،mbc‬و«الستات ما يعرفوش يكدبوا» على قناة‬ ‫احلـيــاة‪ ،‬و«دنـيــاان» على ‪ ،BBC‬و»هــن» على‬ ‫قناة احلرة‪ ،‬و«ست الستات» على تلفزيون رواتان‬ ‫سينما‪ ،‬و«بنات حوا» على قناة ‪ LBC‬اللبنانية‪،‬‬ ‫و«سـوالـفـنــا حـلــوة» على تلفزيون ديب‪ ،‬معظمها‬ ‫برامج مل أتخذ التفاوت يف املشاكل اليت تعاين منها‬ ‫املرأة يف خمتلف الدول العربية بعني االعتبار‪ ،‬فهناك‬ ‫دول حصلت فيها املـرأة على حقوقها األساسية‬ ‫وتقاتل لتنال حقوقها السياسية وتطالب إبلغاء‬ ‫مجيع أشكال التمييز ضدها‪ ،‬إال أن املرأة يف دول‬ ‫أخرى ال تزال تطالب أبدىن حق من حقوقها مثل‬ ‫قيادة السيارة‪ ،‬ابإلضافة إىل مشاكل تعاين منها‬ ‫املرأة املتزوجة من أجنيب مثالً‪ .‬كما أن فكرة تلك‬ ‫الربامج مأخوذة عن برامج غربية‪ ،‬لكن مل يؤخذ‬ ‫بعني االعتبار أن هامش احلرية يف طرح املشاكل‬ ‫اخلاصة واحلساسة لدى املرأة العربية معدوم‪ ،‬قياساً‬ ‫ابهلامش العريض لــدى امل ـرأة الغربية‪ ،‬الــي ال جتد‬

‫حرجاً يف احلديث عنها علناً يف الربامج التلفزيونية‪،‬‬ ‫وتسعى حللها بشىت الطرق‪ ،‬وجعلها قضية عامة‬ ‫يهتم هبا القاصي وال ــداين‪ .‬ابإلضــافــة إىل خضوع‬ ‫تلك ال ـرامــج ألشـكــال متنوعة مــن الـرقــابــة ذات‬ ‫الطابع السياسي‪ ،‬االجتماعي والديين‪ ،‬مث التجاري‬ ‫واإلع ــاين‪ ،‬لــذا ميكننا القول إن الربامج النسائية‬ ‫العربية ال تكاد تتعدى السطح يف مناقشة القضااي‬ ‫املهمة للمرأة العربية‪.‬‬ ‫املسلسالت‪ :‬تكريس للعالقة الشرعية‬ ‫أم ــا ابلـنـسـبــة للمسلسالت الـعـربـيــة‪ ،‬فـرمبــا تالقي‬ ‫املسلسالت السورية رضــى عــامـاً عــن طــرح حرية‬ ‫املـ ـرأة فيها‪ ،‬فهي تقدمها بشكل واقـعــي وبــدون‬ ‫رتوش‪ ،‬سواء كانت املرأة العاملة أم الطالبة أم ربة‬ ‫املنزل بكل التعقيدات احلياتية‪ ،‬ويتم الرتكيز يف كثري‬ ‫مــن املسلسالت على املـ ـرأة املتعلمة الــي تسعى‬ ‫الكتساب حقوقها‪.‬‬ ‫لكن بشكل عــام‪ ،‬ظـهــرت امل ـرأة يف املسلسالت‬ ‫العربية بــدور املتزوجة‪ ،‬املطلقة‪ ،‬األرمـلــة‪ ،‬العانس‬ ‫والعزابء‪ ،‬بينما مل تظهر بدور «العشيقة» إال بنسبة‬ ‫قليلة جداً‪ ،‬مما يدل على أن العالقة املسموح هبا‬


‫بني املرأة والرجل يف اجملتمعات العربية هي العالقة‬ ‫الشرعية املتمثلة يف الزواج فقط‪ ،‬أما عالقة احلب‬ ‫وال ـصــداقــات الــي غــالـبـاً مــا جتــري قبل ال ــزواج يف‬ ‫البلدان الغربية‪ ،‬فهي عالقات حمرمة يف اجملتمعات‬ ‫يعب‬ ‫العربية حبجة احملافظة على العرض والشرف‪ّ .‬‬ ‫ذلك عن أزمــة احلرية الشخصية اليت تفتقر إليها‬ ‫املـ ـرأة يف جمـتـمـعــات ال ـعــامل الـثــالــث ع ـمــوم ـاً‪ ،‬كما‬ ‫تعرب عن اجلمود الفكري يف امل ــورواثت‪ ،‬والتقيد‬ ‫ابلنصوص املتخلفة عن الواقع املوضوعي‪.‬‬ ‫وهكذا اقتصر دور اإلعالم العريب بشكل عام يف‬ ‫الرتكيز على العالقة املسموح هبا بني املرأة والرجل‬ ‫يف اجملتمعات العربية‪ ،‬أي العالقة الشرعية املتمثلة‬ ‫يف الـ ــزواج وتـكــويــن األس ــرة وال ــدف ــاع عــن حقوق‬ ‫املرأة املتزوجة‪ ،‬والتأكيد على حرية االختيار للفتاة‬ ‫ابلنسبة لشريك املستقبل‪.‬‬ ‫وقلة هــي الـرامــج واملسلسالت الــي ركــزت على‬ ‫املــوضــوعــات الــي تعد مــن التابوهات يف اجملتمع‬ ‫العريب‪ ،‬واملتمثلة ابجلنس والسياسة والدين‪ ،‬وحماولة‬ ‫طرق الكثري من األبواب املغلقة يف موضوعة املرأة‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫هناك جانب آخر يف تركيز وسائل اإلعــام على‬ ‫امل ـرأة الــي تسكن العاصمة‪ ،‬رغــم أهنــا ال تتجاوز‬ ‫الـ ــ‪ 20%‬قـيــاسـاً لتلك الــي تسكن الـريــف والــي‬ ‫جتــاوزت نسبتها الــ‪ ،46%‬وبذلك فإن أكثر من‬ ‫نصف جمموع النساء يف جمتمعات العامل الثالث مل‬ ‫يتمتعن حبقوق متساوية مع الرجل ابلقياس على‬ ‫ما تتمتع به النساء يف العاصمة واملــدن األخرى‪،‬‬ ‫وهو ما يعين أن املرأة الريفية تعيش يف ظل مستوى‬ ‫اجتماعي وثقايف متد ٍّن‪ ،‬جيعل منها امرأة مقهورة‬ ‫قليلة الوعي اتبعة للرجل‪ ،‬فقدت هويتها اإلنسانية‬ ‫واستقالليتها وإرادهت ــا احلــرة‪ ،‬فثقافة امل ـرأة يف مثل‬ ‫هذه اجملتمعات تتناسب عكسياً مع بعدها وقرهبا‬ ‫مــن السكن يف العاصمة وامل ــدن‪ ،‬حيث تتمركز‬ ‫املـعـرفــة‪ .‬وه ــذا يشري إىل حمــدوديــة حـريــة املـ ـرأة يف‬ ‫ال ـواق ــع امل ـع ــاش‪ ،‬وه ــو م ــا مت عـكـســه م ــن خــال‬ ‫األعمال الدرامية‪.‬‬ ‫ثنائية االستسالم واالنفالت‬ ‫وق ــع اإلعـ ــام ال ـع ــريب مبـعـظـمــه يف ف ــخ ثـنــائـيــة أن‬ ‫امل ـرأة إمــا مستسلمة أو لعوب‪ .‬لكن األمــر ليس‬ ‫هب ــذه ال ـب ـســاطــة‪ ،‬فـلـيـســت ك ــل ال ـن ـســاء الـعـربـيــات‬ ‫إمــا «سـتــات بـيــوت» أو منفلتات مــن الضوابط‬ ‫االجتماعية‪ ،‬فاملرأة هلا أدوار سياسية واقتصادية‬

‫وثـقــافـيــة وعلمية وتـنــويـريــة ملموسة وم ـعــرف هبا‬ ‫من القاصي والــداين‪ ،‬جعلتها شريكاً أساسياً يف‬ ‫صناعة احلياة‪ ،‬األمر الذي مل يربزه اإلعالم العريب‬ ‫جبالء‪ ،‬حيث جتاهل املرأة العاملة والعاملة واملسؤولة‬ ‫وربــة املنزل املبتكرة وغري التقليدية‪ ،‬وآثــر تكريس‬ ‫الصورة الشائعة يف األذهان‪ ،‬وقدم اإلعالم املرئي‬ ‫منه املرأة يف صورهتا النمطية‪ ،‬تلك الصورة اليت ال‬ ‫تعين غري املرأة التقليدية‪.‬‬ ‫مقابل ال ـصــورة السلبية السابقة لتحرر املـ ـرأة يف‬ ‫اإلعــام‪ ،‬توجد صورة إجيابية يف بعض النتاجات‬ ‫اإلعالمية‪ ،‬رغم أن تلك اإلجيابية اقتصرت على‬ ‫أم ــور بسيطة واعـتـيــاديــة‪ ،‬ودون احلــد األدىن من‬ ‫مكانة املرأة يف خمتلف مناحي احلياة‪ ،‬فهي تظهرها‬ ‫بدور هامشي ومتد ٍّن يف عملية التنمية اإلنتاجية‪،‬‬ ‫وأق ــل مــن دور الــرجــل بكثري‪ .‬فــرغــم اإلمكانيات‬ ‫الـفـكـريــة املـتـقــدمــة للكثري مــن الـكـتــاب املبدعني‬ ‫يف كتابة الدراما‪ ،‬واإلمكانيات الفنية للممثالت‬ ‫وع ـم ــوم ال ـقــائ ـمــن أبدوار االتـ ـص ــال اجل ـمــاهــري‬ ‫املطلوب‪ ،‬ظلت الدراما فكراً وفناً دون الطموح‪.‬‬ ‫ما احلل؟‬ ‫على امل ـرأة أال تعتمد فقط على الرجل يف قضية‬ ‫حتقيق حريتها‪ ،‬بل عليها تبين قضاايها األساسية‬ ‫بنفسها‪ ،‬والتأكيد على دوره ــا يف إع ــداد منهاج‬ ‫عمل متكامل لتلك القضااي‪ ،‬وذلك لتغيري الصورة‬ ‫السائدة يف اإلعــام العريب‪ ،‬سواء كانت الصورة‬ ‫النمطية أو الصور املشوهة هلا على وجه اخلصوص‪.‬‬ ‫كـمــا يـقــع عـلــى عــاتــق اإلعـ ــام ال ـعــريب مسؤولية‬ ‫إنشاء جلان متخصصة من املبدعني واألكادمييني‬ ‫واخلـ ـراء وعـلـمــاء الـنـفــس‪ ،‬لــإش ـراف على إعــداد‬ ‫برامج الفضائيات‪ ،‬لتكون فع ً‬ ‫ال برامج ترفع الوعي‬ ‫وتطور قدرات املتلقني‪ ،‬واختيار شخصيات مثقفة‬ ‫ورموز ثقافية لتقدم أو تع ّد أو تشرف على إعداد‬ ‫برامج وسائل االتصال عامة والفضائيات بشكل‬ ‫خ ــاص‪ ،‬وإع ــداد م ـواد إعــامـيــة بـواسـطــة الفيديو‬ ‫كوسيلة إعالمية ترسل للمناطق الريفية واملناطق‬ ‫النائية‪ ،‬وتوظيف القنوات الفضائية العربية لبث‬ ‫ب ـرام ــج ت ـعــزز دور امل ـ ـرأة مب ــا يـتـنــاســب وامل ـت ـغ ـرات‬ ‫املتسارعة‪ ،‬وإدمــاج دور املـرأة يف التنمية‪ .‬فضرورة‬ ‫املرحلة تتطلب وجود برامج تعىن أبشياء جوهرية‬ ‫يف حياة امل ـرأة‪ ،‬مثل انتقاد بعض التصرفات اليت‬ ‫متــارس ضدها يف جمتمعاتنا‪ ،‬وإدان ــة التمييز بينها‬ ‫وبني الرجل‪ ،‬وضرورة مساواهتا به‪.‬‬ ‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪25 2014‬‬


‫ثورة على القوانين والتشريعات التقليدية‬

‫• ملك قاسم‬

‫ما زالت املرأة السورية جتمع شظااي ما انكسر من أحالمها وما ال ميكن امل ـواد التمييزية الــي ال تنصف املـ ـرأة‪ ،‬ومنها على سبيل املـثــال مــا يتعلق‬ ‫كسره‪ ،‬لتفرض واقعاً ومستقب ً‬ ‫ال يليق هبا‪ .‬فمنذ أسطورة عشتار آهلة ابلوالية‪ ،‬الوصاية‪ ،‬الطالق أبنواعه‪ ،‬احلضانة‪ ،‬العدة‪ ،‬النفقة‪ ،‬الشهادة وتعدد‬ ‫اخلصب واجلمال‪ ،‬مروراً مبلحمة جلجامش اليت صورت املرأة يف أمسى الزوجات‪.‬‬ ‫وأرقى مكانة هلا‪ ،‬فهي املعلمة واملروضة‪ ،‬وهي جزء مباشر أو غري مباشر يف‬ ‫صناعة اخليال والوعي اجلمعي واجملتمع يف تقدمه على املستوى الروحي الوالية‪:‬‬ ‫واحلـضــاري‪ ،‬بل وحــى يف صناعة الوجود الشرعي وتقدم اإلنسانية‪ .‬تتمتع املرأة بوالية انقصة‪ ،‬فهي ال تستطيع أن تزوج نفسها إال إبذن وليها‬ ‫منذ ذلك الوقت حىت اآلن‪ ،‬ومفهوم اإلنسان ال ينحصر يف الرجل وإن كانت ابلغة‪ ،‬املادة (‪ )88‬من قانون األحوال الشخصية السوري تنص‬ ‫«الــذكــر»‪ ،‬وليست الــذكــورة مـرادفــة لــإنـســان‪ ،‬وليست امل ـرأة جنساً على «أن الــزواج يتوقف على إجــازة الــويل‪ ..‬فــإذا أجــاز الــزواج ُعـ َّـد انفــذاً‪،‬‬ ‫آخر أو نوعية أدىن من البشر‪ .‬الذكورة واألنوثة مها البعدان اجلوهراين وإذا رفض ُعـ َّـد ابط ـاً»‪ .‬و«يف حال مت الدخول دون إجــازة ويل األمــر يف‬ ‫لـلــوجــود الـبـشــري‪ ،‬لـكــل منهما خصائصه ومســاتــه ودوره‪ ،‬وتتكامل هذه احلالة يعد زواج املرأة حبكم الفاسد»‪ .‬وللويل أن يطلب فسخ النكاح‬ ‫مجيعها يف سائر جوانب احلضارة اإلنسانية‪ .‬وعلى املرأة أن ال تنسى طبقاً لنص املادة (‪ )27‬من القانون نفسه‪« :‬إذا زوجت الكبرية نفسها من‬ ‫أهنا ليست أقل من الرجل‪ ،‬وأهنا ليست شبيهاً له‪ ،‬واختالفهما حق غري موافقة الويل‪ ،‬فإن كان الزوج كفؤاً ألزم العقد‪ ،‬وإال فللويل طلب فسخ‬ ‫وعنصر إغناء للمجتمع وحلقوق املرأة‪.‬‬ ‫النكاح»‪ ،‬واملقرتح بتعديل هذه املادة‪ ،‬أن تعطى للمرأة والية كاملة ختوهلا‬ ‫إذاً هل ميكن حل وضع املرأة ابلصراع مع الرجل وابلتناقض والتخندق‪ ،‬احلق يف تزويج نفسها‪.‬‬ ‫أم ابلتعاون والتفاهم إللغاء التمييز الواقع على املرأة‪ ،‬وهو تغيري مزدوج أما املادة (‪ )21‬من قانون األحوال الشخصية‪ ،‬فتنص على أن «الويل يف‬ ‫ومركب‪ ،‬حبكم االستبداد الذي يعاين منه اجملتمع ككل؟‬ ‫الزواج هو العصبة بنفسه على ترتيب اإلرث بشرط أن يكون حمرماً»‪ .‬وهذه‬ ‫ال شك أبن هناك العديد من املعوقات اليت تقف عائقاً أمام إنصاف املادة أيضاً تنتهك حق املرأة بشكل كامل‪ ،‬إذ يرتتب عليها إذا أرادت الزواج‬ ‫امل ـرأة‪ ،‬مــن هــذه املـعــوقــات‪ :‬معوقات اجتماعية‪ ،‬سياسية‪ ،‬اقتصادية بعد وفاة زوجها‪ ،‬أو طالقها منه وهلا ولد ابلغ راشد أن يكون وليها هو ابنها‬ ‫وقانونية‪ ،‬ومجيعها املعوقات تتداخل فيما بينها‪ ،‬ومن الصعوبة الفصل ومن بعده حفيدها‪ ،‬وإذا مل يوجد أو كانت بكراً‪ ،‬فأولياؤها ابلرتتيب‪ :‬األب‬ ‫بينها‪ .‬وما سنبحثه هنا من مجلة هذه املعوقات هو اجلانب القانوين‪ ،‬فاجلد الصحيح‪ ،‬فلو كان للمرأة حق يتضمن احلقوق الشرعية والقانونية اليت‬ ‫ابعتباره اجلانب الذي حيدد العالقة بني األفراد‪ ،‬وسنسلط الضوء على حترتم إنسانيتها ودورها يف اجملتمع اإلنساين‪ ،‬ملا كانت هذه املادة يف قانون‬ ‫وضع املرأة يف التشريعات السورية‪ ،‬وال شك هناك صور متعددة لظلم األحوال الشخصية السوري‪ .‬وعلى خالف ذلك سار املشرع التونسي يف‬ ‫املرأة يف القوانني السورية‪ ،‬من قانون العقوابت‪ ،‬إىل قانون اجلنسية‪ ،‬تطوير نظام األسرة واعتبار املرأة أه ً‬ ‫ال لتزويج نفسها دون والية من أحد‪.‬‬ ‫وانتهاء بقانون األحوال الشخصية‪ ،‬وسنتناول هذه املواد اليت تنطوي‬ ‫عـلــى الـتـمـيـيــز حلـقــوق املـ ـرأة يف قــانــون األح ـ ـوال الـشـخـصـيــة ال ـصــادر‬ ‫ابملرسوم التشريعي رقم ‪ /59/‬لعام ‪ ،1953‬إذ ال ميكن مشل قانون‬ ‫األحوال الشخصية ضمن القانوين املدين‪ ،‬وذلك نتيجة التنوع الديين‬ ‫يف جمتمعاتنا‪ .‬إن التوظيف السياسي سـواء كان من قبل السلطات‬ ‫احلاكمة أو احلركة اإلسالمية السياسية يقف عائقاً أمام إعادة النظر‬ ‫يف الكثري من مواده‪ .‬إن مشول قانون األحوال الشخصية يف القانون‬ ‫امل ــدين حبــاجــة إىل جمـتـمــع م ــدين حـقـيـقــي‪ ،‬ولـيــس فـقــط لـنــاشـطــن أو‬ ‫حقوقيني‪ ..‬وال بد من موافقة اجملتمع بشكل كامل‪ ،‬إذ إن «القوانني‬ ‫هي ترمجة إلرادة اجملتمع وقوننة هلذه اإلرادة»‪.‬‬ ‫إن تعديل قانون األحوال الشخصية ال يتم مبرسوم مجهوري أو مبشروع‬ ‫يذهب بــه إىل قبة الـرملــان «جملس الـشـعــب»‪ ،‬بــل حيتاج إىل حشد‬ ‫مجاهريي ومحالت جمتمعية أهلية منظمة‪ ،‬ومؤمترات توعية ملندرجات‬ ‫قــانــون األح ـوال الشخصية‪ ..‬وفتح ح ـوار مــع معارضيه للتوصل إىل‬ ‫صيغة توافقية بني اجلميع‪« ،‬إن تعديل القانون حيتاج ثقافة جمتمعية»‪.‬‬ ‫نـعــود إىل تسليط الـضــوء على قــانــون األحـ ـوال الشخصية وتوضيح‬ ‫‪ 26‬العدد (‪ )10‬كانون أول ‪2014‬‬


‫تعدد الزوجات‪:‬‬ ‫امل ــادة (‪ )17‬مــن الـقــانــون املــذكــور تنص على أن «للقاضي أال أيذن‬ ‫للمتزوج أن يتزوج على امـرأتــه إال إذا كــان لديه مسوغ شرعي‪ ،‬وكان‬ ‫الزوج قادراً على نفقتها»‪ ،‬وهذا إقرار صريح وواضح من املشرع يف الزواج‬ ‫من أكثر من امـرأة واجلمع بينهن ابلشروط املذكورة بنص املــادة‪ ،‬وهي‬ ‫إمكانية اإلنفاق‪ ،‬موافقة الزوجة األوىل وتوفري مسكن مستقل‪ .‬لكن كل‬ ‫هذه الشروط يتم االلتفاف عليها عملياً وعدم تطبيقها‪ ،‬إذا كان إبمكان‬ ‫الزوجة الثانية إقامة «دعوى تثبيت زواج» أمام احملكمة الشرعية املختصة‬ ‫دون التقيد ابلشروط اليت أوردها املشرع‪ .‬واجلدير ابلذكر هنا أن املشرع‬ ‫التونسي منع تعدد الزوجات‪.‬‬ ‫املادة (‪ )19‬تقول‪« :‬إذا كان اخلاطبان غري متناسبني سناً‪ ،‬ومل تكن يف‬ ‫هذا الزواج مصلحة‪ ،‬فللقاضي أال أيذن به»‪ ،‬هذه املادة أفرغت الزواج‬ ‫العريف من مضمونه‪ ،‬هذا من انحية‪ ،‬ومن انحية أخرى هي ال حترتم إرادة‬ ‫وحرية الزوجني يف االختيار‪ ،‬وتناقض أساس املبدأ الذي يقوم عليه عقد‬ ‫الزواج‪ ،‬وهو اإلجياب والقبول‪.‬‬ ‫أيضاً من امل ـواد التمييزية‪ ،‬املــادة (‪ )73‬الــي تنص على‪« :‬يسقط حق‬ ‫الزوجة يف النفقة إذا عملت خارج البيت دون إذن زوجها»‪.‬‬ ‫الوصاية على األطفال واحلضانة‪:‬‬ ‫صدر قانون بتعديل سن احلضانة والذي يضمن حضانة الطفل الذكر‬ ‫حىت سن ‪ /13/‬سنة بدالً من ‪ /9/‬سنوات‪ ،‬والطفلة األنثى ‪ /15/‬سنة‬ ‫بدالً من ‪ /11/‬سنة‪.‬‬ ‫واحلضانة يف قانون األحوال الشخصية هي حق وواجب‪ ،‬ومل ينص قانون‬ ‫األحوال الشخصية السوري على إجبار األم على احلضانة‪ ،‬حيث أخذ‬ ‫ابملذهب احلنفي الذي يفيت إبجبار األم على احلضانة إذا مل توجد للطفل‬ ‫حاضنة غريها من احملارم‪ ،‬وإذا تعدد أصحاب حق احلضانة‪ ،‬فللقاضي‬ ‫حق اختيار األصلح‪.‬‬ ‫جند أبن هذه املادة مل تر ِاع حق اختيار األم يف حضانة طفلها‪ ،‬وُقـيِّد هذا‬ ‫احلق ابختيار األصلح بصالحيات احملكمة وتقديرها‪ ،‬ما يشكل إجحافاً‬ ‫حبق احلاضنة واحملضون معاً‪.‬‬ ‫وامل ــادة األكـثــر إجـحــافـاً حبــق األم أبمومتها وحبــق احملـضــون‪ ،‬هــي املــادة‬ ‫(‪ )318‬من قانون األحوال الشخصية‪ ،‬إذ تنص على «أن زواج احلاضنة‬

‫بغري قريب حمرم من احملضون يسقط حضانتها»‪.‬‬ ‫تقييد حرية احلركة والسكن‪:‬‬ ‫املــادة (‪ )66‬تنص على اآليت‪« :‬على الــزوجــة بعد قبض معجلها أن‬ ‫تسكن مع زوجها»‪.‬‬ ‫املادة (‪« :)74‬إذا نشزت املرأة فال نفقة هلا»‪.‬‬ ‫املادة (‪« :)75‬الناشز هي اليت ترتك دار الزوجية بال مسوغ شرعي أو‬ ‫متنع زوجها من الدخول إىل بيتها قبل طلبها النقل إىل بيت آخر»‪ ،‬كما‬ ‫تنص على‪« :‬جترب الزوجة على السفر مع زوجها‪ ..‬إخل»‪.‬‬ ‫املادة (‪« :)148/1‬ليس لألم أن تسافر بولدها أثناء الزوجية إال إبذن‬ ‫أبيه»‪.‬‬ ‫كل هذه املواد هي قيود على حرية احلركة والتنقل‪ ،‬وحتتاج إىل تعديالت‬ ‫تنصف امل ـرأة وحتــرم حقوقها وإرادهت ــا‪ ،‬وهــو النهج الــذي هنجه املشرع‬ ‫التونسي يف ضمان حق حرية التنقل والسفر وحتمل املسؤوليات‪.‬‬ ‫الطالق‪:‬‬ ‫هو إهنــاء الرابطة الزوجية‪ ،‬وقد نظم قانون األحـوال الشخصية أحكام‬ ‫الطالق وآاثره يف املواد من (‪ ،)127 – 85‬وقبل أن أنيت على سرد‬ ‫املواد‪ ،‬ال بد من اإلشارة إىل أنواع الطالق‪:‬‬ ‫‪ .1‬الطالق إبرادة الزوج املنفردة‪.‬‬ ‫‪ .2‬املخالفة الرضائية (الطالق على بدل ابتفاق الزوجني)‪.‬‬ ‫تنص املــادة (‪ )85‬مــن قــانــون األح ـوال الشخصية الـســوري على «أن‬ ‫يكون الرجل متمتعاً ابألهلية الكاملة للطالق يف متام الثامنة عشرة من‬ ‫عمره»‪ ،‬جند أن هــذه املــادة أعطت احلــق للزوج وحــده إبيقاع الطالق‬ ‫إبرادة منفردة بغض النظر عن الدواعي واألسباب‪ ،‬بينما ال متلك الزوجة‬ ‫هذا احلق مبوجب نص هذه املادة‪ ،‬وما عليها إذا أرادت الطالق إال أن‬ ‫تقيم دعوى بذلك أمام احملاكم الشرعية املختصة‪ ،‬وضمن شروط وقيود‬ ‫حمددة وإجراءات معقدة وطويلة‪.‬‬ ‫أم ــا امل ــادة (‪ 87‬الـفـقــرة ‪ ،)2‬فـتـنــص عـلــى أن «ل ـلــزوج أن يــوكــل غــره‬ ‫ابلتطليق‪ ،‬وأن يفوض املـرأة بتطليق نفسها»‪ ،‬ورغــم إجيابية هذه املادة‬ ‫ابلنسبة للمرأة‪ ،‬إال أن األعراف والتقاليد املوروثة أفرغتها من مضموهنا‬ ‫وجوهرها‪ ،‬إذ ال جترؤ املرأة على طلب إدراج هذا الشرط يف عقد الزواج‪،‬‬ ‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪27 2014‬‬


‫كما أن الزوج ال يقبل مبثل هذا الشرط‪.‬‬ ‫ال ـط ــاق الـتـعـسـفــي املـ ــادة (‪ :)117‬تنص‬ ‫ع ـلــى أن ــه «إذا ط ـلــق ال ــرج ــل زوج ـت ــه وتـبــن‬ ‫ل ـل ـقــاضــي أن ال ـ ــزوج مـتـعـســف يف طــاقـهــا‬ ‫دون سبب معقول‪ ،‬وأن الــزوجــة سيصيبها‬ ‫بذلك بؤس وفاقة‪ ،‬جاز للقاضي أن حيكم‬ ‫على مطلقها حبسب حالة ودرجــة تعسفه‪،‬‬ ‫بتعويض ال يتجاوز مبلغ نفقة ثالث سنوات‬ ‫ألمثاهلا فرق نفقة العدة‪ ،‬وللقاضي أن جيعل‬ ‫دفــع هــذا التعويض مجلة أو شـهـرايً حبسب‬ ‫مقتضى احلال»‪.‬‬ ‫جند أن املادة (‪:)117‬‬ ‫‪ .1‬اشرتطت احلكم ابلتعويض شــرط حتقق‬ ‫وقوع الزوجة يف بؤس وفاقة‪ ،‬وهو ما يصعب‬ ‫إثباته أمــام احملاكم‪ ،‬وابلتايل عدم استفادهتا‬ ‫من التعويض‪.‬‬ ‫‪ .2‬كما أهنا حددت سقف التعويض بثالث‬ ‫سنوات مهما كان القرار ابلغاً‪.‬‬ ‫‪ .3‬وأجازت للقاضي أن حيكم أبقل من ثالث‬ ‫س ـن ـوات‪ ،‬كـمــا أن نــص امل ــادة جيـيــز للقاضي‬ ‫تقسيط مبلغ التعويض‪.‬‬ ‫ك ــل م ــا أت ــى يف حــرفـيــة ن ــص املـ ــادة (‪)117‬‬ ‫يشكل ظلماً كبرياً للمرأة‪ ،‬خاصة أن الرجل‬ ‫يستخدم حقه ابلطالق دون أي سبب‪.‬‬ ‫ونوضح أن العصمة ميكن أن تكون يف يد املرأة‬ ‫وفــق نــص امل ــادة (‪ )187‬يف حــال االش ـراط‬ ‫يف عـقــد ال ـ ــزواج‪ ،‬ول ـكــن ذل ــك ال يـعـيــق قــدرة‬ ‫الـ ــزوج ع ـلــى ال ـط ــاق‪ .‬وإن قـ ــدرة امل ـ ـرأة على‬ ‫تطليق نفسها ال تعين عــدم قــدرة الرجل على‬ ‫الطعن هبذا الطالق‪ ،‬وإعادهتا إىل منزل الزوجية‬ ‫وإل ـزام ـهــا ابملـتــابـعــة‪ ،‬ويف ح ــال ع ــدم رضــوخـهــا‬ ‫لــذلــك‪ ،‬تعترب انش ـزاً وتفقد حقوقها الزوجية‪.‬‬ ‫إضافة إىل أن الزوجة إبمكاهنا الطعن ابلطالق‬ ‫وفقاً لنص املادة (‪ ،)117‬وضمن إجراءات‬ ‫تقاضي معقدة وطويلة‪.‬‬ ‫الطالق الرجعي – مراجعة املطلقة بدون‬ ‫رضاها‪:‬‬ ‫تـنــص امل ــادة (‪ / 118‬الـفـقــرة ‪ )1‬عـلــى أن‬ ‫«الـطــاق الرجعي ال يزيل الزوجية‪ ،‬وللزوج‬ ‫أن ي ـراجــع مطلقته أث ـنــاء ال ـعــدة ابل ـقــول أو‬ ‫‪ 28‬العدد (‪ )10‬كانون أول ‪2014‬‬

‫ه ــذه اإلن ـســانــة ال ــي قــد يـكــون نصيبها من‬ ‫الـتـعــب يف بـنــاء مـسـكــن الــزوج ـيــة أكـثــر من‬ ‫ال ــرج ــل مب ــا ال يـ ـق ــاس‪ .‬هلـ ــذا ذهـ ــب امل ـشــرع‬ ‫التونسي إىل إقرار نظام االشرتاك يف األمالك‬ ‫بني الزوجني كنظام تكميلي اختياري‪ ،‬وفيما‬ ‫يـتـعـلــق ابل ـع ـق ــارات دون امل ـن ـق ــوالت‪ ،‬وعـلــى‬ ‫أن يـشــرط ذل ــك يف عـقــد الـ ــزواج‪ ،‬الـقــانــون‬ ‫التونسي رقم‪ /61/‬لعام ‪.1998‬‬

‫الفعل‪ ،‬وال يسقط هذا احلق ابإلسقاط»‪.‬‬ ‫نالحظ يف هذه املادة كم اإلجحاف حبق املرأة‬ ‫املطلقة‪ ،‬من خالل جتاهل إرادهتا ورغباهتا‪ ،‬فهي‬ ‫ال تستطيع االمـتـنــاع عــن ال ـعــودة إىل مطلقها‬ ‫أثناء العدة‪ ،‬بينما يستطيع الزوج مراجعتها دون‬ ‫رضــاهــا‪ ،‬وهــو ما خيالف األصــل يف إب ـرام عقد‬ ‫الزواج‪ ،‬وهو «اإلجياب والقبول»‪.‬‬ ‫أما املشرع التونسي‪ ،‬فقد اعترب الرتاضي مبدأ‬ ‫أســاسـيـاً لقيام عقد ال ــزواج وإخ ـضــاع الطالق‬ ‫ملراقبة القاضي‪ ،‬أي ال ميكن للزوج يف القانون‬ ‫التونسي أن يطلق إبرادة منفردة‪.‬‬ ‫املسكن‪:‬‬ ‫ح ــرم امل ـش ــرع يف ق ــان ــون األح ـ ـ ـوال الـشـخـصـيــة‬ ‫السوري الزوجة مع أوالدها من مسكن الزوجية‬ ‫عند إهناء احلياة الزوجية لسبب من األسباب‪،‬‬ ‫ويف ذلــك متييز كبري وعنف ال حــدود لــه جتاه‬

‫العدة‪:‬‬ ‫املادة (‪ :)127‬انتقال املرأة املطلقة يف حالة‬ ‫وفــاة ال ــزوج مــن عــدة ال ــزواج الرجعي (ثالثة‬ ‫أشهر) إىل عدة الوفاة (أربعة أشهر وعشرة‬ ‫أايم) هــو إض ـرار ابمل ـرأة املطلقة وإطــالــة ملدة‬ ‫العدة‪ ،‬وابلتايل متييز حبقها‪ ،‬دون وجود أي‬ ‫مربرات قانونية أو شرعية بذلك‪ ،‬وخاصة مع‬ ‫تطور العلم والطب ووجــود الوسائل الــي تربر‬ ‫براءة الرحم‪.‬‬ ‫م ــن خ ــال ه ــذا ال ـس ــرد ال ـب ـس ـيــط‪ ،‬يـتـضــح لنا‬ ‫أن قــانــون األح ـوال الشخصية الـســوري ميس‬ ‫حياة الناس بشكل مباشر منذ الــوالدة‪ ،‬مروراً‬ ‫مبرحلة الطفولة‪ ،‬امتداداً إىل ما بعد الوفاة‪ ،‬وما‬ ‫ينجم عن ذلك من آاثر وعالقات متشابكة‪،‬‬ ‫كالنسب واملرياث‪ ..‬إخل‪ ،‬كل ذلك حيتاج إىل‬ ‫عمل كبري تشارك فيه كل أطياف اجملتمع‪.‬‬ ‫وما نقرتح من توصيات هو‪:‬‬ ‫ ضرورة العمل على مراجعة القوانني الدولية‬‫حلـ ـق ــوق اإلن ـ ـس ـ ــان‪ ،‬وس ـ ــن ت ـش ـري ـع ــات حتـقــق‬ ‫اإلنصاف واملساواة بني أفراد اجملتمع‪.‬‬ ‫العمل على إلغاء حتفظات النظام السوري على‬ ‫اتفاقية القضاء على مجيع أشكال التمييز ضد‬ ‫املرأة «السيداو»‪ ،‬وتعديل القوانني الداخلية مبا‬ ‫يتالءم مع هذا اإللغاء‪.‬‬ ‫ إجياد منظمات نسوية مستقلة غري اتبعة‬‫ل ـل ـن ـظــام‪ ،‬لـيـتـســى هل ــا ال ـق ـيــام بـ ــدور الـتــوعـيــة‬ ‫والدفاع عن حقوق املرأة‪ ،‬حىت ال تكون أداة‬ ‫بيد السلطة السياسية‪.‬‬ ‫ ومبــا أننا منــر يف ســوراي مبرحلة تغيري‪ ،‬فال‬‫بد من التنويه أبن أي ثــورة ال تعىن حبقوق‬ ‫املرأة وإنصافها هي ليست ثورة‪ ،‬بل استبدال‬ ‫استبداد ابستبداد أخطر‪.‬‬


‫سيمون دو بوفوار‬

‫رائدة حركات التحرر والدفاع عن حقوق المرأة‬ ‫إحدى رائدات احلراك النسوي يف العامل ومن أوائلهن‪ ،‬ولدت دوبوفوار‬ ‫يف ابريس يف ‪ ،1908 /9/1‬ألسرة كاثوليكية ميسورة‪ .‬تلقت تعليمها‬ ‫االبتدائي يف مدارس ابريس اخلاصة‪ ،‬حيث اراتدت معهداً دينياً منذ سن‬ ‫السادسة حىت سن الرابعة عشرة إذ انسحبت منه بعد أن «فقدت إمياهنا»‪،‬‬ ‫ليكون هذا االنسحاب مقدمة حتوهلا إىل اليسارية‪.‬‬ ‫حصلت دوبوفوار على رتبة األستاذية ابلفلسفة عام ‪ 1929‬وعينت‬ ‫أستاذة لتدريس الفلسفة‪ ،‬لكنها استقالت عام ‪.1943‬‬ ‫ارتبط اسم سيمون دوبوفوار بقضية الدفاع عن حقوق املرأة منذ وقت مبكر‬ ‫يف حياهتا‪ ،‬واندت حبق النساء يف اختاذ القرار ورفض األوضاع اليت تظلمهن‪،‬‬ ‫ساندت حركات حترر املرأة يف خمتلف أحناء العامل‪ ،‬وكانت هلا مسامهة يف‬ ‫مؤمتر حركة السالم الذي عقد يف مدينة هلسنكي‪.‬‏‬ ‫أما عن أعماهلا‪ ،‬فقد أصدرت دوبوفوار روايتها األوىل «املدعوة» عام‬ ‫‪ ،1943‬ويف عام ‪ 1945‬أصبحت عضواً يف اللجنة األوىل إلصدار‬ ‫جملة «األزمنة احلديثة»‪ .‬وبني عامي ‪ 1946 ،1943‬أصدرت دوبوفوار‬ ‫جمموعة من الرواايت هي (العنيفة‪ ،‬أنت لتبقى‪ ،‬دم اآلخرين‪ ،‬أفواه واجلنس‬ ‫الثاين)‪ ،‬متحورت كلها حول قضية احلرايت يف مواجهة املسؤولية وإمكانية‬ ‫التضحية احلقيقية من أجل الصاحل العام‪ ،‬وأوضاع املرأة يف العصر احلديث‪،‬‬ ‫وقد أاثرت روايتها «اجلنس الثاين» جدالً واسعاً‪.‬‏‬ ‫كما كتبت ما بني عامي ‪ 1958-1974‬سريهتا الذاتية يف أربعة أجزاء‪:‬‬ ‫«مذكرات ابنة مطيعة» عام ‪« ،1958‬ربيع احلياة» و«قوة الظروف»‬ ‫أرخت‬ ‫عام ‪ ،1960‬وأخرياً «كل شيء قيل وحدث» عام ‪ ،1974‬وقد ّ‬ ‫سيمون لثالثني عاماً من احلياة الفكرية يف فرنسا‪.‬‬ ‫‏ قامت سيمون دوبوفوار برحالت عديدة إىل دول أوربية عديدة‪ ،‬الصني‪،‬‬ ‫الربازيل‪ ،‬االحتاد السوفيييت والوالايت املتحدة األمريكية‪.‬‏‬ ‫أما الفيلسوف الوجودي «جان بول سارتر»‪ ،‬فقد تعرفت به عام ‪1926‬‬ ‫يف جامعة السوربون حيث بدأ التواصل الفكري بينهما‪ ،‬فكاان يقضيان‬ ‫الوقت يف حماورات ومناقشات فلسفية عميقة ومطولة‪ ،‬لتتحول الصداقة‬ ‫الفكرية إىل عالقة حب‪ ،‬فدخال يف شراكة فكر وحب مل تنته إال ابملوت‪.‬‬ ‫وقد ارتبطت سيمون بسارتر بعالقة حب سرية مل تتكشف إال بعد وفاهتما‪،‬‬ ‫كما ارتبطت سيمون بعالقات أخرى لكنها مل متتد لفرتات طويلة كعالقتها‬ ‫ابألديب األمريكي «نيلسون ألفرين»‪ ،‬كذلك كان سارتر‪ ،‬وكاان يف هناية‬ ‫املطاف يعودان ليلتقيا‪.‬‬ ‫يذكر أن سيمون دي بوفوار املثقفة والناشطة الثقافية والسياسية مل حتبس‬ ‫نفسها يف حيز النسوية‪ ،‬فرغم رؤيتها اخلاصة اليت امتازت هبا أطروحاهتا يف‬ ‫كتاب «اجلنس الثاين»‪ ،‬ورغم النجاح الواسع الذي حققه الكتاب‪ ،‬إال أنه‬ ‫كان جمرد حمطة يف مسرية دي بوفوار الغنية‪.‬‬

‫• فريق حترير سيدة سوراي‬

‫كان من بني إجنازاهتا املهمة مشاركتها يف أتسيس جملة «األزمنة‬ ‫احلديثة» اليت أسستها مع سارتر وخنبة من املثقفني الفرنسيني‪ ،‬لتتحول‬ ‫يف سنوات ما بعد احلرب العاملية الثانية إىل منارة للفكر املتحرر ومنصة‬ ‫للمناقشات الفلسفية‪.‬‬ ‫انلت روايتها «املثقفون» (‪ )1954‬جائزة غوزكور‪ ،‬ويف هذه الرواية‬ ‫تظهر سيمون نفسها يف دور الزوجة اليت تعمل حمللة نفسانية‪ .‬كما‬ ‫يظهر سارتر وألبري كامو ابلقسط األدىن من التمويه‪ ،‬الرواية اليت تزخر‬ ‫ابحلوارات الفلسفية ليست سرية ذاتية‪ .‬لكن شخوصها حقيقيون‬ ‫وأمهيتها أتيت من قدرهتا على التغلغل يف أعماق الوسط الثقايف الفرنسي‬ ‫أو ما كان يعرف ب «الضفة الغربية»‪ .‬وقد متكنت دي بوفوار بفضل‬ ‫معايشتها لذلك الوسط وحساسيتها املفرطة يف التقاط مساته ومميزاته‪،‬‬ ‫أن جتعل من هذه الرواية صرحاً خيلد احلياة الثقافية يف حقبة ما بعد‬ ‫احلرب يف فرنسا ويعكس الصراع بني أبراج املثقفني العاجية وبني احلاجة‬ ‫اىل مشاركة فعالة من قبلهم يف النضال السياسي‪.‬‬ ‫من بني كتب دي بوفوار املهمة كتاهبا «الشيخوخة» الذي صدر‬ ‫عام‪ ،1970‬وقد أعطت فيه دي بوفوار للشيخوخة ما سبق هلا أن‬ ‫اعطته للنساء يف كتاب «اجلنس الثاين»‪ ،‬تناولت موقف احلضارات‬ ‫املختلفة من التقدم يف السن وكيف يستحيل اإلنسان بفعل الشيخوخة‬ ‫إىل كم مهمل ال دور له سوى انتظار املوت‪ .‬وهو أول كتاب جاد‬ ‫يكسر حاجز الصمت املفروض على هذا اجلانب من املعاانة اإلنسانية‪.‬‬ ‫توفيت يف ‪ 14‬نيسان ‪ ،1986‬اتركة وراءها إراثً متميزاً يف حقلي‬ ‫الفلسفة والتحرر‪.‬‬

‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪29 2014‬‬


‫صحة جنسية‬ ‫مــع ات ـســاع حـضــور وســائــل اإلع ــام واالت ـص ــال‪ ،‬كــال ـرامــج التلفزيونية‬ ‫وصفحات اإلنرتنت واهلواتف احملمولة‪ ،‬ودخوهلا إىل حياة كل شخص‬ ‫ضمن األسرة الواحدة‪ ،‬بشكل خاص ومنفرد وبعيداً عن مراقبة األبوين‪،‬‬ ‫أصـبــح مــن ال ـضــروري طــرح قضية التثقيف اجلنسي بـطــرق مــدروســة يف‬ ‫األسرة واملدرسة‪ ،‬وأن ال يقتصر الدور على وسائل اإلعالم‪ ،‬اليت غالباً ما‬ ‫تعرض هذه الربامج بغاية التسويق وبيع املنتجات‪ ،‬وليس تزويد اليافعني‬ ‫والشباب مبا حيتاجون معرفته حلياة جنسية صحية ومفيدة‪.‬‬ ‫ويف ظــل االنـفـتــاح الـواســع الــذي يشهده اجملتمع الـعــريب يــومـاً بعد يــوم‪،‬‬ ‫أصبحت الرتبية اجلنسية ضرورة لتزويد اجملتمع‪ ،‬بكافة شرائحه‪ ،‬بكل ما‬ ‫جتب معرفته عن اجلنس‪ ،‬لضمان سلوك جنسي متوازن حيقق االستقرار‬ ‫اجلسدي والروحي لألفراد‪ ،‬وحيميهم من االستغالل واالغتصاب واألمراض‬ ‫املنقولة جنسياً‪ ،‬إضــافــة إىل احلمل غــر املقصود‪ ،‬ومــا يتبعه مــن عملية‬ ‫إجهاض أو والدة أفراد جمهويل اهلوية‪ ،‬وما إىل ذلك من نتائج سلبية على‬ ‫الفرد واجملتمع‪.‬‬ ‫إن مفهوم الرتبية اجلنسية عند الكثري من العائالت يقتصر على بعض‬ ‫األمور‪ ،‬كمعرفة البلوغ‪ ،‬وكيف يتم اإلخصاب والوالدة‪ ،‬إال أن موضوع‬ ‫الرتبية اجلنسية أوسع وأمشل‪ ،‬وحيتاج ملنهاج مدروس مبا يتناسب والتطورات‬ ‫اجلسدية‪ ،‬العاطفية والفكرية لألفراد‪ .‬لقد بينت أحــدث الدراسات أنه‬ ‫جيب البدء ابلرتبية اجلنسية يف السنوات العمرية األوىل‪ ،‬فالطفل بعمر‬ ‫السنتني جيب أن يكون قــادراً على تسمية مجيع أعضاء جسمه‪ ،‬مبا يف‬

‫‪ 30‬العدد (‪ )10‬كانون أول ‪2014‬‬

‫• د‪ .‬راميا مستو‬

‫ذلك التناسلية منها‪ ،‬وجيب أن يعرف الفرق بني الذكر واألنثى‪.‬‬ ‫ويف مرحلة الطفولة املبكرة يبدأ الطفل ابالستفسار عن احلمل وكيفية‬ ‫اإلجنــاب‪ ،‬ويف هــذه املرحلة جيب أن يعطى الطفل خطوطاً عريضة عن‬ ‫عملية اإلجناب‪ ،‬وأن املولود أييت من األبوين‪ ،‬وينمو يف رحم األم‪ .‬وال مانع‬ ‫من معرفة الطفل لبعض األمور عن عملية الوالدة فيما لو تشكل عنده‬ ‫هذا التساؤل‪ .‬وجيب عدم لفت انتباه الطفل ألي موضوع مل يكن قد‬ ‫شكل عنده أي استفسار‪ ،‬ومن جانب آخر ال جيب أن هتمل تساؤالت‬ ‫األطفال‪ ،‬إذ ال بد من مناقشتها بطريقة مفهومة ومقبولة لديهم‪ .‬ولعل‬ ‫أهم ما جيب تعليمه لألطفال يف هذه املرحلة هو خصوصية أجسامهم‪،‬‬ ‫وأن اآلخرين جيب أن ال يلمسوا هذه اخلصوصية أبي طريقة‪ ،‬فال بد أن‬ ‫يعي الطفل مسؤوليته عن محاية جسمه وعدم السماح لآلخرين بضربه‪،‬‬ ‫أو التقرب منه أو العبث جبسمه‪ ،‬وهنا البــد من التأكيد على أن فهم‬ ‫الطفل خلصوصية جسمه حتميه من التحرش الــذي يتعرض له األطفال‬ ‫يف هذه املرحلة‪.‬‬ ‫أمــا يف مرحلة الطفولة املتوسطة‪ ،‬فال بد من توضيح أكثر عن العالقة‬ ‫الــزوج ـيــة‪ ،‬ومـفـهــوم اسـتـمـرار الـنـســل‪ ،‬وعــاقـتــه املـبــاشــرة ابقـ ـران الــزوجــن‬ ‫ووج ــودمه ــا م ـع ـاً‪ .‬كـمــا جيــب تعليم الـطـفــل مـســألــة خـصــوصـيــة اآلخـريــن‬ ‫واحرتامها (كأن يستاذن قبل الدخول)‪ ،‬إذ إنه يف مراحل عمرية سابقة‬ ‫أدرك خصوصية جسمه‪ ،‬وأصبح مفهوم العري عنده أكثر وضوحاً‪ ،‬وهنا‬ ‫يتعلم الطفل احـرام اآلخرين يف العالقات‪ .‬وال بد من وعي الطفل مع‬ ‫هناية هذه املرحلة بكل األساسيات املتعلقة بتطورات البلوغ‪ ،‬خاصة أن‬ ‫عالمات البلوغ تظهر عند العديد من األطفال قبل سن العاشرة‪.‬‬ ‫أما عن املراحل املتقدمة‪ ،‬فال بد من إعطاء شرح أكثر وتفاصيل أدق عن‬ ‫األمــور املتعلقة ابجلنس‪ ،‬إذ جيب شرح اجلنس اآلمن وإعطاء صورة عن‬ ‫األمراض املنتقلة ابجلنس‪ ،‬وعن ضرورة استخدام الواقي الذكري ووسائل‬ ‫منع احلمل‪ ،‬وشرح معىن اخلصوبة واإلابضة واجلماع‪ ،‬إضافة إىل الطمث‬ ‫وااللتهاابت‪ ،‬وإعطاء إجاابت واضحة عن اجلنس الشرجي الذي يعترب‬ ‫شائعاً يف هــذه املــرحـلــة‪ ،‬إضــافــة إىل إعـطــاء صــورة صحيحة عــن اجلنس‬


‫واحلياة اجلنسية‪ ،‬كما هي يف احلقيقة‪ ،‬ال كما‬ ‫تصورها وسائل اإلعالم كوهنا أشد ما يتأثر به‬ ‫الطفل اليافع يف هذه املرحلة‪.‬‬ ‫قــد يـظــن الـبـعــض أن مـنــاقـشــة هـكــذا تفاصيل‬ ‫يف هــذه املرحلة العمرية مبكر نوعاً مــا‪ ،‬واحلق‬ ‫أن األبوين مها األكثر قــدرة على حتديد النمو‬ ‫ال ــروح ــي والـنـفـســي ألط ـفــاهلــم‪ ،‬إض ــاف ــة إىل أن‬ ‫مسؤولية األبوين هي إجياد اإلجاابت ألطفاهلم‬ ‫يف املراحل األوىل لتشكل االستفسارات‪ ،‬قبل‬ ‫أن يلجأ الطفل لصديق أو حيصل على اإلجابة‬ ‫بطريقة أخرى‪.‬‬ ‫ولعل دور الرتبية اجلنسية يبدو جلياً يف مرحلة‬ ‫املراهقة‪ ،‬اليت تعترب األكثر حساسية‪ ،‬فاجلنس‬ ‫أصبح أكثر وضــوحـاً عند املـراهــق‪ ،‬إضــافــة إىل‬ ‫أنــه وجــد إجــابــة ملعظم اسـتـفـســاراتــه‪ .‬ويف هذه‬ ‫املرحلة يبدو دور الرتبية اجلنسية جليا ً‪ ،‬ملساعدة‬ ‫املراهق على تقوية ثقته بنفسه الختاذ قرار إنشاء‬ ‫الـعــاقــة‪ ،‬مــع حفظ احـرامــه ل ــذوات اآلخـريــن‪،‬‬ ‫مشاعرهم‪ ،‬أجسامهم وقراراهتم‪.‬‬ ‫إن مناقشة اجلنس مع املراهقني يف هذه املرحلة‬ ‫هو نوع من االتصال املفتوح بني املراهق وأبويه‪،‬‬ ‫تتيح له فرصة التحدث عن التجارب األخرى‬ ‫الـ ــي ق ــد ي ـت ـع ــرض هلـ ــا‪ ،‬ك ـت ـعــاطــي املـ ـخ ــدرات‬ ‫والكحول والعالقات اجلنسية مع الطرف اآلخر‬

‫أو املثلية‪ ،‬إذ تعترب العالقات املثلية هي األكثر‬ ‫شيوعاً يف هذه املرحلة العمرية‪ ،‬وهبذا سيحتمي‬ ‫املراهق بوالديه عندما سيواجه صعوبة أو خطورة‬ ‫يف عالقاته‪ .‬وهنا البد من اإلشارة إىل خماوف‬ ‫الوالدين من طرح موضوع اجلنس مع أبنائهم يف‬ ‫هذا العمر‪ ،‬إذ جيدون أن تناول هذا املوضوع قد‬ ‫يثري رغبة الستطالع لدى اليافعني ويدفعهم إىل‬ ‫خوض التجربة اجلنسية‪ ،‬إال أن هذه املخاوف‬ ‫ال ق ـي ـمــة هلـ ــا‪ ،‬فــال ـيــافــع س ـي ـب ـحــث ع ــن إجــابــة‬ ‫السـتـفـســاراتــه بـطــرق أخ ــرى غــالـبـاً مــا ستكون‬

‫غــر صحيحة‪ .‬إضــافــة إىل أن الـربـيــة اجلنسية‬ ‫ال تقتصر على اجلنس وكيفية ممارسته‪ ،‬بقدر‬ ‫اهـتـمــامـهــا بـتــوضـيــح اجلـنــس اآلم ــن والطبيعي‪،‬‬ ‫وحتديد عدد الشركاء‪ ..‬وغري ذلك من األمور‬ ‫اليت من الواجب على اليافع معرفتها‪.‬‬ ‫ال بــد إذن مــن التأكيد على أن احلــديــث بني‬ ‫األب ــوي ــن وأط ـف ــاهل ــم ع ــن األم ـ ــور اجلـنـسـيــة منذ‬ ‫ال ـط ـف ـولــة ه ــي االس ـرات ـي ـج ـيــة األف ـض ــل لـلـربـيــة‬ ‫والتثقيف اجلنسي‪ ،‬فهي تساعد على إعطاء‬ ‫املعلومات الصحيحة والـضــروريــة‪ ،‬منذ مرحلة‬ ‫الطفولة وحىت املراهقة‪ ،‬كما أهنا تساعد الشباب‬ ‫ليكونوا آمنني صحياً واجتماعياً‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن أهنا‬ ‫تــزودهــم ابملـعـلــومــات الــازمــة حلياهتم اجلنسية‪،‬‬ ‫وتطمئن الـوالــديــن أن أطفاهلم لــن يتلقوا تلك‬ ‫الثقافة من األشخاص غري املناسبني وال بطرق‬ ‫غري مناسبة‪.‬‬ ‫إن األطـفــال الــذيــن يتلقون الرتبية اجلنسية يف‬ ‫امل ـنــزل‪ ،‬هــم يف ال ـواقــع أقــل عــرضــة لــاخن ـراط يف‬ ‫ال ـن ـشــاط اجلـنـســي احمل ـف ــوف ابمل ـخــاطــر‪ ،‬وعليه‬ ‫فــا بــد مــن الــركـيــز على هــذا اجلــانــب الـربــوي‬ ‫املهم‪ ،‬والذي جيب أن يبدأ من األسرة ابلدرجة‬ ‫األوىل‪ ،‬بعيداً عن وسائل االتصال واألصدقاء‪،‬‬ ‫والتأكيد على دور املدارس اليت جيب أن تطرح‬ ‫هذا املوضوع بطريقة ممنهجة ومدروسة‪.‬‬

‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪31 2014‬‬


‫ازدياد انتشار مرض التيفوئيد خالل األزمة السورية‬ ‫ما هو مرض التيفوئيد؟‬ ‫هو مرض وابئي مع ٍد‪ ,‬يعرف حبمى التيفوئيد‪,‬‬ ‫تـسـبـبــه ب ـك ـتــراي «ال ـســاملــون ـيــا اتي ـف ــي»‪ ,‬متــوت‬ ‫هــذه البكترياي ابلغليان‪ ،‬لكنها تـقــاوم اجلفاف‬ ‫والتجميد‪ ،‬وتستطيع أن تعيش يف املاء لعدة أايم‪,‬‬ ‫وميكنها التكاثر داخل احلليب ومشتقاته‪,‬كما‬ ‫ميكن حلاملي هذا املرض أن ينقلوا العدوى إىل‬ ‫أشخاص آخرين قبل أن تظهر عليهم أعـراض‬ ‫املرض‪.‬‬ ‫كيفية انتقال املرض‪:‬‬ ‫ينتقل التيفوئيد من الفم إىل األمعاء عن طريق‬ ‫الطعام أو الشراب امللوث ببول أو الرباز املصاب‬ ‫هبــذا امل ــرض‪ ,‬أو ميـكــن أن ينتقل مــن الـيــد إىل‬ ‫الفم عند مالمسة مرحاض ملوث هبذه البكرتاي‬ ‫وع ــدم غسل الـيــديــن ج ـيــداً‪ ,‬فيحدث التهاب‬ ‫ابألم ـعــاء‪ ،‬وميـكــن أن تصيب الكبد والطحال‬ ‫واجلهاز اللمفاوي‪.‬‬ ‫أعراض املرض‬ ‫تظهر األع ـ ـراض عـلــى امل ـصــاب بـعــد انتقال‬ ‫العدوى إليه على ثالث مراحل‪:‬‬ ‫املرحلة األوىل‪ :‬خالل األسبوع األول‬ ‫ ارتفاع حـرارة اجلسم بشكل تدرجيي يستمر‬‫ملدة أسبوع‪ ،‬وتكون درجة احلرارة مرتفعة تصل‬ ‫إىل ‪ 40‬درجة مئوية‪.‬‬ ‫ صداع‬‫‪ 32‬العدد (‪ )10‬كانون أول ‪2014‬‬

‫• هادية اخلطيب‬

‫ احتقان يف احللق‬‫التيفوئيد‪:‬‬ ‫ أمل يف البطن‬‫ فقدان الوعي وجفاف شديد‪.‬‬‫ ضعف وإرهاق‬‫ الـتـهــاب ابلكلى واحلــويـصـلــة امل ـراريــة وجهاز‬‫ إقياء‬‫التنفس واجلهاز العصيب‪.‬‬ ‫ إسهال أو إمساك مع انتفاخ يف البطن‬‫ نزيف معوي شديد يؤدي إىل حدوث ثقب‬‫املــرحـلــة الـثــانـيــة‪ :‬خ ــال األس ـب ــوع ال ـث ــاين من يف األمعاء‪.‬‬ ‫اإلصابة‬ ‫ تظهر بقع زهرية اللون على اجللد‬‫تشخيص املرض‬ ‫ هذاين‬‫هناك عدة وسائل لتشخيص املرض‪ ،‬وذلك عن‬ ‫ نقص يف الوزن وجفاف‬‫طـريــق أخــذ عينة دم أو بـ ـراز‪ ،‬وزراعـتـهــا ملعرفة‬ ‫ اخنفاض يف ضرابت القلب‬‫اجلـرثــومــة املسببة لـلـمــرض‪ .‬أو عــن طـريــق أخذ‬ ‫ احتمالية حدوث تضخم ابلطحال‬‫عينة من خنــاع العظم‪ ،‬ومــن خــال هــذه العينة‬ ‫املرحلة الثالثة‪ :‬خالل األسبوع الثالث‬ ‫ميكن كشف اجلـرثــومــة‪ ،‬حــى وإن كــان املريض‬ ‫إن مل حتـصــل مـضــاعـفــات أخ ــرى بـسـبــب عــدم أيخذ مضادات حيوية‪.‬‬ ‫الـعــاج‪ ،‬فستزول هــذه احلمى تدرجيياً ويتعاىف‬ ‫املصاب ابلتيفوئيد‪.‬‬ ‫عالج املرض‬ ‫املـضــاعـفــات ال ــي ميـكــن أن حتـصــل بسبب ‪ -‬جيب على املريض تناول املـضــادات احليوية‬

‫فيروس التيفوئيد‬


‫املناسبة هلذه البكترياي‪.‬‬ ‫ تناول السوائل بكثرة لتعويض اجلسم ما فقده‬‫مــن س ـوائــل‪ ,‬ولـكــن احل ــرص عـلــى أن ــت تكون‬ ‫السوائل مغلية ومعقمة‪.‬‬ ‫ ال ـراحــة‪ ،‬ببقاء املـريــض يف فـراشــه حــى زوال‬‫احلرارة‪.‬‬ ‫ كمادات ابردة خلفض احلرارة‪.‬‬‫ تناول األطعمة املغذية‪.‬‬‫ إذا ظهر دم يف براز املريض جيب نقله إىل‬‫املسشفى فوراً‪.‬‬ ‫الوقاية من املرض‬ ‫ احل ـ ـ ــرص ع ـل ــى أخ ـ ــذ الـ ـلـ ـق ــاح ضـ ــد م ــرض‬‫التيفوئيد‪ ,‬هناك نوعني من اللقاح (اللقاح عن‬ ‫طريق الفم‪ ،‬واللقاح عن طريق احلقن حتت اجللد‬ ‫أو عضلياً)‪.‬‬ ‫ االمـتـنــاع عــن شــرب املـيــاه وت ـنــاول األطعمة‬‫امللوثة واحلــرص على تناول األطعمة املطبوخة‬ ‫جيداً وشرب املياه بعد غليه وخاصة للمصابني‬ ‫أو للمناطق اليت تكثر فيها حاالت التيفوئيد‪.‬‬ ‫ احلرص على النظافة الشخصية‪ ،‬والتأكد من‬‫غسل اليدين جيداً بعد اخلروج من املرحاض‪.‬‬ ‫ احلرص على أن تكون املراحيض بعيدة عن‬‫مصادر مياه الشرب‪.‬‬ ‫ ل ـض ـم ــان عـ ــدم ان ـت ـش ــار ال ـ ـعـ ــدوى‪ ،‬يـنـبـغــي‬‫عــزل املـصــاب يف غــرفــة خــاصــة‪ ،‬واالمـتـنــاع عن‬ ‫استخدام األطباق اليت يستخدمها‪.‬‬ ‫خطر التيفوئيد بني السوريني خــال األزمــة‬ ‫السورية‬ ‫كثرياً ما تظهر اإلصاابت مبرض التيفوئيد بعد‬ ‫الفياضاانت والـكـوارث‪ ،‬اليت تــؤدي إىل تلوث‬

‫املياه واألطعمة‪.‬‬ ‫وهذا ما يعاين منه السوريون يف خمتلف األماكن‬ ‫وخميمات الالجئني اليت ازدادت فيها اإلصاابت‬ ‫يف األسابيع األخرية‪ ،‬وذلك بسبب املياه امللوثة‪,‬‬ ‫لعدم وجود مياه جارية واالستعاضة عنها مبياه‬ ‫اآلابر واألهنــار‪ ,‬ابإلضافة إىل تعطل كامل يف‬ ‫شبكة مياه الصرف الصحي يف بعض املناطق‪.‬‬ ‫ومــا يـزيــد الــوضــع س ــوءاً عــدم وج ــود عالجات‬ ‫وحـ ـل ــول ل ـل ـحــد م ــن ان ـت ـش ــار امل ـ ــرض يف ه ــذه‬ ‫املناطق‪ ،‬ابلتايل‪ ،‬حيتم على سكان هذه املناطق‬ ‫الـعــاج ال ــذايت‪ ,‬مــن تــوفــر الـراحــة للمريض يف‬ ‫الفراش والغذاء املناسب للمريض مثل السوائل‬ ‫الكثرية املغلية‪.‬‬ ‫كما أن هذه املناطق املكتظة ابلسكان تفتقر‬ ‫ل ــإج ـراءات الــوقــائـيــة مــن ه ــذا امل ــرض‪ ،‬وذلــك‬ ‫ب ـس ـبــب ان ـت ـش ــاره ب ــن ال ـس ـك ــان‪ ،‬وهـ ــو مــرض‬ ‫مـعـ ٍد‪ ،‬وبسبب عــدم وجــود حــل ملشكلة املياه‬ ‫املـلــوثــة وشـبـكــة ال ـصــرف الـصـحــي حــالـيـاً‪ ،‬فــإن‬ ‫انـتـشــار امل ــرض ي ــزداد‪ ،‬كـمــا أن ان ـعــدام الــدعــم‬

‫الطيب واألدويــة للشفاء منه‪ ،‬يؤدي إىل وصول‬ ‫املصابني وحالتهم حرجة يف كثري من األحيان‪.‬‬ ‫لذلك ينصح مبقاومة هذا املرض قدر اإلمكان‪،‬‬ ‫حبسب مايتوفر لدى املصاب ومن حوله مثل‪:‬‬ ‫ احل ـف ــاظ ع ـلــى ال ـن ـظــافــة الـشـخـصـيــة بشكل‬‫كـبــر ‪،‬مــن خــال احل ــرص عـلــى غـســل اليدين‬ ‫دائـمـاً بعد دخــول املــرحــاض وبعد التعامل مع‬ ‫الشخص املصاب‪.‬‬ ‫ ع ــدم اسـتـخــدام أط ـبــاق الـشـخــص املـصــاب‬‫الــي أيكــل أو يشرب هبــا‪ ،‬وغسلها جيداً قبل‬ ‫استخدمها‪.‬‬ ‫ حماولة عزل املصاب عن بقية األفراد احمليطني‬‫به‪.‬‬ ‫ توفري الراحة للمصاب‪ ،‬واالستمرار بوضع‬‫الكمادات الباردة له طوال فرتة ارتفاع حرارته‪،‬‬ ‫وتــوفــر الـسـوائــل لــه ابسـتـمـرار لتعويض فقدان‬ ‫السوائل‪.‬‬ ‫ الـتــأكــد مــن غـلــي امل ـيــاه ج ـيــداً قـبــل تقدميها‬‫للمصاب‪ ،‬وملن يعيشون يف نفس املنطقة‪.‬‬

‫لمزيد من االطالع نورد الروابط اآلتية‪:‬‬

‫شبكة األنباء اإلنسانية ‪-‬إيرين‪ ،‬انتشار األمراض في سوريا بسبب انهيار شبكات المياه‬ ‫والصرف الصحي‬ ‫‪http://www.dostor.org/679095‬‬ ‫جريدة الدستور‪ ،‬د‪.‬محمد عفيفي‪ :‬إهمال عالج التيفوئيد يسبب النزيف الدماغي‬ ‫‪http://hfa.mawared.org/?q=node/3894‬‬ ‫الصحة للجميع‪ ،‬حمى التيفوئيد‬ ‫‪http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D9%85%D9%89_%D8‬‬ ‫‪%AA%D9%8A%D9%81%D9%8A%D8%A9‬‬ ‫ويكيبيديا‪ ،‬حمى التيفوئيد‬ ‫‪http://mawdoo3.com/%D9%85%D8%B1%D8%B6_%D8%A7%‬‬ ‫‪D9%84%D8%AA%D9%8A%D9%81%D9%88%D8%A6%D9%8‬‬ ‫‪A%D8%AF‬‬ ‫القاموس الطبي‪ ،‬التيفوئيد‬

‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪33 2014‬‬


‫«الجحيم ليس بعيدًا أبدًا»‬ ‫المسعفة التي تخاطر بحياتها من أجل حلب • فريق ترمجة سيدة سوراي‬

‫أم عـبــدو واح ــدة مــن الـنـســاء ال ـس ــورايت الـلـوايت‬ ‫خ ــرج ــن ب ـف ـعــل الـ ـث ــورة وق ــوهت ــا م ــن عـ ـب ــاءة امل ـ ـرأة‬ ‫الـتـقـلـيــديــة‪ ،‬واسـتـطـعــن ال ـص ـمــود يف وج ــه الـنـظــام‬ ‫واحلرب وقسوة احلياة يف واحدة من أخطر املدن‬ ‫يف العامل‪ .‬ال لتكون جمرد امـرأة صامدة يف املنزل‪،‬‬ ‫بــل مقاتلة ومسعفة ومـنـقــذة ح ـي ـوات‪ .‬شخصية‬ ‫دفعت صحيفة «ال ـغ ــارداين» الربيطانية للكتابة‬ ‫عنها والتحدث إليها وإىل آخرين مازالوا صامدين‬ ‫مثلها‪.‬‬ ‫فقدت أم عبدو زوجها وابناً هلا يف الثورة السورية‪،‬‬ ‫لكن املـ ـرأة الــي تتقلد مـســدسـاً تـرفــض أن هتجر‬ ‫مدينتها ال ــي حتـتــدم فيها املـعــارك‪.‬كـلـمــا مسعت‬ ‫صــوت املروحية‪ ،‬تستنفر أم عبدو وجتمع عدهتا‬ ‫الطبية وهترع عرب أزقة حلب القدمية حنو املستشفى‬ ‫الوحيد يف احلي‪ .‬إنه الروتني اليومي‪ :‬صوت دوران‬ ‫شـفـرات املــروحـيــة‪ ،‬صــوت انفجار الربميل الــذي‬ ‫تلقيه قوات النظام من األعايل‪ ،‬وصوت خطوات‬ ‫أم عبدو إىل املبىن املؤلف من أربعة طوابق‪ ،‬والذي‬ ‫سيستقبل من دون شك ضحااي وأشــاء اجملزرة‪.‬‬ ‫املبىن ليس آمناً ابلطبع‪ ،‬فمعظم املباين الكبرية حوله‬ ‫طمست مالحمها بسبب الرباميل نفسها اليت يزن‬ ‫الواحد منها نصف طن‪ ،‬حىت تشكل انطباع لدى‬ ‫الذين يعملون ويعيشون وميــوتــون داخــل اجلــدران‬ ‫امللطخة ابليود‪ ،‬أبهنم هم اهلدف احلقيقي‪.‬‬ ‫تقول أم عبدو وهــي تسرتيح على نقالة مدولبة‬ ‫تُستخدم يف نقل املصابني‪« :‬ليس اجلحيم ببعيد‬ ‫أبداً»‪ ،‬فهي املرأة الوحيدة على األرض‪ ،‬بلباسها‬ ‫األسود تعمل إىل جانب ثالثة شبان مرهقني يف‬ ‫معاجلة معظم ضحااي القصف على املنطقة‪.‬‬ ‫‪ 34‬العدد (‪ )10‬كانون أول ‪2014‬‬

‫مــازالــت أم عبدو صامدة لسبب آخــر‪ ،‬أال وهو‬ ‫امل ـس ــدس الـ ـف ــوالذي ال ــذي حتـمـلــه عـلــى جنبها‪،‬‬ ‫ح ــى أث ـن ــاء تـقـطـيــب اجلـ ــروح وتـضـمـيــد إص ــاابت‬ ‫املــرضــى أبانق ــة مـسـتـمــدة مــن عملها الـســابــق يف‬ ‫خياطة أثواب األعراس‪ ،‬ال تستطيع العمل بدونه‪.‬‬ ‫وتعرتف أبن «إحقاق احلق هذه األايم ابت مبثابة‬ ‫كفاح شخصي ابلنسبة هلا»‪.‬‬ ‫كل من يبقى يف اجلزء الشرقي من املدينة املثقلة‬ ‫ابل ـص ـراع لــديــه مــا يقصه عــن احلــرمــان واخل ـســارة‪.‬‬ ‫ومعظم الـنــاس مثل أم عـبــدو‪ ،‬وج ــدوا طريقة ما‬ ‫للتعايش مع الواقع يف أرض اخلراب هذه‪ ،‬حيث‬ ‫الوجود مستمر واحلياة توقفت‪ .‬تقول أم عبدو‪:‬‬ ‫«استخدمت السالح‪ ،‬ومن مث عاجلت اجلرحى»‪.‬‬ ‫مل يـعــد ه ـنــاك أمه ـيــة لـلـتـنــاقــض هـنــا يف ع ــامل أييت‬ ‫فيه املــوت غالباً مــن السماء‪ .‬الرباميل املتفجرة‪،‬‬ ‫أقسى أن ـواع األسلحة يف احلــرب الـســوريــة‪ ،‬وهي‬ ‫أيضاً القاتل الذي ال مييز بني الناس‪ .‬بينما يتقدم‬ ‫النظام ببطء وانتظام‪ ،‬ويستمر يف تضييق اخلناق‬ ‫يف خاصرة املدينة الشمالية الشرقية‪ ،‬بينما تفرغ‬ ‫قذائفه املدينة من املدنيني واملقاتلني واألمل‪.‬‬ ‫قُتل ولدها يوسف يف القصف منذ ثالثة أشهر‪،‬‬ ‫وكان ذلك أثناء سفره إىل املستشفى اآلخر الوحيد‬ ‫يف شرق املدينة‪ .‬يومها قتل اهلجوم ‪ 35‬شخصاً‪،‬‬ ‫وحفر حفرة كبرية يصعب متييزها اليوم حتت أكوام‬ ‫األنـقــاض املنتشرة والــي يزيد ارتفاعها غالباً عن‬ ‫عشرات األمتار‪.‬‬

‫تقول أم عبدو وهــي جالسة يف غرفة معتمة من‬ ‫بيتها الـواقــع على طــرف املدينة الـقــدميــة‪« :‬كــان‬ ‫ذل ــك ال ـيــوم أسـ ـوأ أايم ح ـي ــايت»‪ .‬ي ـقــول عـبــد هللا‬ ‫وهــو ابنها الــذي جنا واجلالس جبانبها‪« :‬تشاركنا‬ ‫نفس السرير ‪ 17‬عاماً‪ ،‬فعلنا كل شيء معاً‪ ،‬لعبنا‬ ‫وحلمنا وكربان معاً‪ ،‬ماذا ميكن للمرء أن يقول؟»‪.‬‬ ‫يف الـشـقــة الـصـغــرة ال ــي تتشاركها مــع أوالده ــا‪،‬‬ ‫وضـعــت أم عـبــدو ثــاثــة ألـعــاب مــن الــدبـبــة على‬ ‫خمدهتا‪ ،‬علمني للجيش احلر وعلماً إسالمياً على‬ ‫احلــائــط فــوق سـريــرهــا‪ ،‬ومسدسها على الـفـراش‬ ‫وأدويتها جممعة ابلقرب من السرير‪.‬‬ ‫يف األايم األوىل مــن ال ـث ــورة‪ ،‬وال ــي بعثت األمــل‬ ‫بــدايــة لكنها أدت إىل ث ــاث سـنــن مــن احلــرب‬ ‫اليت ال حدود لوحشيتها وعدد قتلى يقدر أبكثر‬ ‫من ‪ 200‬ألف‪ ،‬قتل زوجها على يد قناص اتبع‬ ‫للنظام‪ .‬وقـبــل مثانية عشر ش ـه ـراً‪ ،‬وبينما كانت‬ ‫حتاول أن تسحب مصاابً من مكان مهجور قرب‬ ‫منزهلا‪ ،‬كادت أن تقتل‪ ،‬فقد اخرتقت رصاصات‬ ‫القناص فمها وفـخــذهــا‪ .‬تقول معلقة‪« :‬كانت‬ ‫اإلص ــاب ــة يف ال ـل ـحــم‪ ،‬وك ــل ش ــيء يـعـمــل بشكل‬ ‫طبيعي اآلن»‪.‬‬ ‫الثوار املقاتلون الذين يعملون جنباً إىل جنب مع أم‬ ‫عبدو يف املدينة يقولون أبن خليط القتال والطبابة‬ ‫معاً فريد من نوعه يف حالة أم عبدو‪ ،‬اندراً ما جتد‬ ‫شخصاً مثلها جيــازف حبياته إىل هذا احلد وينقذ‬ ‫هــذا الـعــدد مــن األرواح‪ ،‬كما أكــد أحــد الـقــادة‬


‫احملليني والذي يدعى «أبو جود» ويساعد أم عبدو يف أتمني الطعام لعائلتها‪.‬‬ ‫خياطبها أبو جود قائالً‪« :‬حنن مدينون لك كثرياً‪ ،‬وحلب كذلك مدينة لك»‪.‬‬ ‫أولئك الذين بقوا يف اجلزء الشرقي من املدينة (حوايل مخسني ألفاً من أصل‬ ‫مليون شخص كانوا يعيشون هنا)‪ ،‬مجيعهم يتحدثون بصراحة مقلقة عن‬ ‫أمهات وأخــوة وآابء وأبناء قتلوا خالل األحــداث‪ .‬يقول مقاتل من اجلبهة‬ ‫اإلسالمية رافعاً كتفيه‪« :‬أعدمت داعش ثالثة من أقاريب‪ ،‬بعد أن أمسكوهم‬ ‫على حاجز تفتيش»‪.‬‬ ‫جيلس هــذا املقاتل يف دائــرة مكونة من مثانية رجــال‪ ،‬كل منهم لديه قصة‬ ‫مشاهبة مل يعتربوا أبهنا تستحق املشاركة إىل أن مت سؤاهلم عنها‪.‬‬ ‫يـقــول مقاتل آخ ــر‪« :‬قُـتـلــت أخــي الـعــام املــاضــي يف مدينة ال ـبــاب‪ ،‬وابنها‬ ‫كذلك»‪ ،‬وأضاف بعد أن عرض على هاتفه صوراً البن أخته‪« :‬لقد أحببته‬ ‫كثرياً»‪ .‬يقول رجل آخر هبدوء‪« :‬ماتت والديت يف منزهلا ودفنتها كخمسة‬ ‫أجزاء‪ ،‬قالت يل أبهنا تفضل املوت هنا على أن تعيش ذليلة يف تركيا»‪.‬‬ ‫كثرية هي اخلسارات اليت ال تنتهي يف املستشفى‪ .‬يقول جراح عصيب مصري‬ ‫حيــاول يومياً معاجلة املصابني األكثر تـضــرراً‪« :‬معظم من يعاجلون يف هذه‬ ‫املستشفى يصلون ممزقني‪ ،‬لكنين ال أملك جهاز أشعة مقطعية يعمل‪ .‬هل‬ ‫ميكنك أن تتخيل مدى صعوبة القيام بعمل جراحي دون وجوده؟»‪ .‬ولكن‬ ‫مع ذلك حقق هذا اجلـراح بعض النجاح‪ ،‬فقد عاجل منذ مدة مدنياً تلقى‬ ‫رصاصة يف الرأس اخرتقت الدماغ‪ ،‬لكن اآلن إبمكانه أن يتحدث ويتفاعل‬ ‫مع من هم حوله بصعوبة‪ ،‬وكذلك مع ابنته اليت تبلغ من العمر مخسة أعوام‬ ‫وجتالس والدها على السرير املقابل له‪ .‬وابلقرب منهم امرأة يف الثالثني من‬ ‫عمرها تعاين من جرح بليغ يف الفخذ بسبب قذيفة وليس برمي ً‬ ‫ال متفجراً‪.‬‬ ‫تتساقط العديد من القذائف العشوائية على حلب القدمية يومياً‪ .‬الحقاً يف‬ ‫ذلك اليوم حدث انفجار يصم اآلذان جبانب كشك الفواكه‪ ،‬فال البائع وال‬ ‫املشرتي يهتمان مبا حدث‪ ،‬بل ويتمان عملية البيع والشراء بسالسة‪ .‬الفاكهة‬ ‫معبأة يف سالت مرتبة‪ ،‬الربتقال والتفاح واملوز والشمام‪ ،‬انبضة ابحلياة على‬ ‫عكس حلب الكئيبة يف بداية الشتاء‪ ،‬إهنا صدمة مفاجئة من األلوان الزاهية‬ ‫على خلفية رمادية‪ .‬إن أولئك القادرين على شراء الطعام ال ميوتون جوعاً‪،‬‬ ‫لكن املدينة كلها مدمرة تقريباً‪.‬‬ ‫عند سؤال ابراهيم خطان (‪ 48‬سنة) الصامد يف حلب مع أطفاله السبعة عن‬

‫سبب بقاء الناس هنا أجاب‪« :‬لقد ولدت هنا وسأموت هنا‪ ،‬وإن حاصروان‬ ‫فسنزرع البطاطا يف احلقل وأنكــل الــدجــاج»‪ ،‬وأشــار جملموعة من الدجاج‬ ‫والبط الذين تقوم ابنته إبطعامهم عند حائط اجلامع‪ .‬وأضاف‪« :‬العامل بدون‬ ‫أطفال ال معىن له‪ ،‬أكرب أطفايل بعمر العشرين وأصغرهم عمره ثالثة أشهر‪.‬‬ ‫ال ميكنين أن أخرجهم من هنا»‪.‬‬ ‫قريباً من هنا حتمي اجلبهة اإلسالمية عيادة ميدانية تعاجل هبا املقاتلني اجلرحى‬ ‫على إثر اشتباكات مع جنود النظام حول القلعة األثرية على بعد ميل أو أقل‪.‬‬ ‫أتيت أم عبدو إىل هنا بشكل دوري‪ ،‬عرب الطريق املرصوفة أبحجار مبتلة ابملطر‬ ‫لتعتين أبيب أسد‪ ،‬وهو قائد حملي يتعاجل من إصابة بطلق انري يف الفخذ‪.‬‬ ‫تتحدث أم عبدو عن نفسها قبل الثورة‪« :‬قبل األحداث كنت أعمل خياطة‬ ‫فساتني أعراس‪ ،‬عائليت بكاملها من هذه املنطقة‪ ،‬هذا املكان مرتبط هبوييت»‪.‬‬ ‫وعند سؤاهلا عن السبب الذي قد يغري رأيها ويدفعها للذهاب مع من تبقى‬ ‫من أبنائها‪ ،‬الذي يعمل أحدهم معها يف نفس املستشفى‪ ،‬إىل بر األمان يف‬ ‫تركيا‪ ،‬أجابت أم عبدو قائلة‪« :‬إذا مل تتحد جمموعات الثوار املقاتلة للنظام‪،‬‬ ‫سأقتل نفسي»‪ .‬فــرد عليها أحــد املتفرجني مستغرابً‪« :‬هــذا لن حيــدث اي‬ ‫أخــي»‪ .‬فتجيبه اببتسامة اندرة الوجود يف هــذا املكان‪« :‬أنــت حمــق‪ ،‬لكن‬ ‫عليهم أن يتحدوا مجيعاً‪ .‬مجيعنا حنتاح أن ندعم بعضنا البعض»‪.‬‬ ‫الحقاً يف تلك الليلة اجنلت الغيوم اليت منعت مروحيات النظام من التحليق‬ ‫يف أجواء حلب‪ ،‬وزاد خطر اهلجمات ابلرباميل املتفجرة‪ .‬بينما ميهد الفجر‬ ‫الـطـريــق لـضــوء الـنـهــار‪ ،‬بــدا أن تــوقُّــف سـيــارة إسـعــاف صـفـراء فاقعة بقرب‬ ‫املستشفى هو داللــة مناسبة للطائرات لقصف املشفى بسهولة‪ .‬مع ذلك‬ ‫بقيت السماء فــارغــة‪ ،‬وتــردد صــوت توقف عمل املـولــدات الــي تــزود احلي‬ ‫ابلكهرابء على طول املمر الضيق‪ ،‬ودفعت نسمة رايح الباب املكسور ابجتاه‬ ‫احلــائــط احلـجــري‪ .‬يتحرك املقاتلون األمــامـيــون للجبهة اإلسالمية ببطء يف‬ ‫شـوارع املدينة القدمية‪ ،‬وقد اختــذوا هلم ملجأ يف دهليز ضخم بقرب معمل‬ ‫صابون والفتة مطوية الزوااي تقول أبنه معلم أثري‪.‬‬ ‫امللجأ الــذي اخ ـتــاروه يُـعــرف أبنــه كــان مستشفى للمعاقني عقلياً بُــي عام‬ ‫‪ 1354‬ميالدية‪ .‬يقول أحد الثوار يف وسط الدمار والتشرد‪« :‬ال يوجد أحد‬ ‫جمنون هنا‪ ،‬أولئك املدنيون الذين مازالوا يف الشوارع هم اجملانني»‪.‬‬

‫‪http://www.theguardian.com/world/2014/dec/02/-sp-female-medic-aleppo-syria-war-umm-abdu‬‬

‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪35 2014‬‬


‫سيرة قتال وحياة‬

‫• ريدي مشو‬

‫الـمرأة الكرديـة‬ ‫ع ـنــد الـ ـك ــام ع ــن املـ ـ ـ ـرأة‪ ،‬مي ـك ـنــي الـ ـق ــول إن‬ ‫احلديث عن والــديت خيتصر فصوالً طويلة من‬ ‫اتريــخ وحضور املـرأة الكردية يف احلياة العامة‬ ‫والنضال‪ ،‬فقد حضرت يف ساحات القتال بني‬ ‫الفالحني يف ستينات القرن املاضي إىل جانب‬ ‫والدي وعمي‪ ،‬وقاتلت بضراوة الرجال‪ ،‬حىت‬ ‫إهن ــا أصـيـبــت بـطـلـقــة مــن بـنــدقـيــة صـيــد أسـفــل‬ ‫ع ـي ـن ـهــا‪ .‬كـ ــان والـ ـ ــدي ي ـغ ـيــب ع ــن املـ ـن ــزل أو‬ ‫يـبـقــى ه ــارابً بـسـبــب عـمـلــه الـسـيــاســي آن ــذاك‪،‬‬ ‫وكــانــت هــي تقوم بكل مــا ينبغي أن يقوم به‬ ‫رب األسـ ــرة‪ ،‬تستقبل الـعـش ـرات مــن الــرجــال‬ ‫احلزبيني‪ ،‬وتقوم بواجبها على أكمل وجه وهي‬ ‫سعيدة‪ ،‬ومثلها املئات من األمهات الاليت ال‬ ‫يتوقف عطاؤهن حلظة واحــدة‪ .‬املـرأة الكردية‬ ‫ال ترتاجع خطوة إىل الــوراء إن حضر الرجل‪،‬‬ ‫ال ختـ ــاف ع ـل ــى ن ـف ـس ـهــا حبـ ـض ــوره وال ختـتـبــئ‬ ‫خلف اجلدران‪ ،‬وال يقودها إال صيتها النضايل‬ ‫ال ـطــويــل حـيـنـمــا كــانــت تــديــر ش ــؤون الـقـبــائــل‬ ‫والعشائر الـكــرديــة إىل وقــت قـريــب مــن القرن‬ ‫املنصرم‪ .‬ويف هــذه األايم يبدو أن صيتها بدأ‬ ‫يتعاىل إثــر وقوفها إىل جانب الــرجــل يف أشد‬ ‫معارك احلياة قسوة‪ ،‬لتربهن بذلك على أصالة‬ ‫انتمائها دون أن تتنازل عــن حقوقها كــامـرأة‬ ‫يف وجــه الــرجــل‪ .‬وال يعين كــامــي الـســابــق أن‬ ‫الكرد يسبقون الشعوب األخــرى بكثري فيما‬

‫‪ 36‬العدد (‪ )10‬كانون أول ‪2014‬‬

‫يتعلق بقضااي املـرأة‪ ،‬فاملرأة الكردية تعاين من‬ ‫التهميش ويقلل شأهنا يف كثري من األحيان يف‬ ‫ساحات االقتصاد والعمل السياسي‪ ،‬وكذلك‬ ‫تعرضت للتعذيب‪ ،‬الضرب وحىت القتل‪ ،‬حتت‬ ‫مـسـمــى «ج ـرائــم ال ـش ــرف»‪ ،‬ول ــو ب ـصــورة أقــل‬ ‫بـكـثــر مــن احملـيــط ال ـعــريب اجملـ ــاور‪ ،‬لـكــن تبقى‬ ‫ميزة اجملتمع الكردي يف االنفتاح االجتماعي‬ ‫بدرجة كبرية على قضااي النساء‪ ،‬وعليه ميكننا‬ ‫ال ـق ــول إن امل ـ ـرأة يف اجملـتـمــع ال ـك ــردي ميكنها‬ ‫أن ختتصر ع ـ ّدة خـطـوات حنــو حتــررهــا وتتقدم‬ ‫بصورة أسرع‪ ،‬فليس هناك الكثري من األعراف‬ ‫والتقاليد الــي حتــد مــن شــأن امل ـرأة اجتماعياً‪.‬‬ ‫ويف هذا الزمن الثوري ازداد انفتاح اجملتمع على‬ ‫املرأة ونضاهلا بشكل كبري‪ ،‬والصورة اجللية هي‬ ‫الكفاح املسلح الذي تقوم به املرأة الكردية يف‬ ‫املدن والبلدات الكردية ضد «داعش»‪.‬‬ ‫حضور امل ـرأة يف ســاحــات القتال عــادة قدمية‬ ‫لدى الكرد‪ ،‬وال أعين بذلك امـرأة أو اثنتني‪،‬‬ ‫بــل جم ـمــوعــات ك ـبــرة‪ ،‬فـفــي األغـ ــاين الـكــرديــة‬ ‫هـ ـن ــاك الـ ـع ــدي ــد م ــن امل ــاح ــم ال ـ ــي ت ـت ـحــدث‬ ‫عــن امل ـرأة املـقــاتـلــة‪ ،‬الــي بــذلــت حـيــاهتــا ألجــل‬ ‫قضيتها‪ ،‬ومنهن مــن تفوقن يف النضال على‬ ‫الرجال وتعالت صورهن فوق صورهم‪.‬‬ ‫ت ـت ـم ـيــز م ـش ــارك ــة امل ـ ـ ـرأة ال ـك ــردي ــة يف جـبـهــات‬ ‫ال ـ ـق ـ ـتـ ــال‪ ،‬ب ـك ـي ــاهن ــا وت ـش ـك ـي ــاهت ــا وقـ ـي ــاداهت ــا‬

‫العسكرية املستقلة عــن الــرجــل بشكل كبري‪،‬‬ ‫ليس هـنــاك أولـيــاء عليهن يف نضاهلن‪ ،‬يقمن‬ ‫ابلسري عشرات الكيلومرتات يف الليل ملواجهة‬ ‫«داع ــش» دون أن يتبعهن الــرجــال حلمياهتن‬ ‫أو محاية شرفهن!‪ .‬امل ـرأة الكردية املقاتلة إمنا‬ ‫هتدم يوماً بعد يوم وصاية الرجل عليها‪ ،‬تتمثل‬ ‫هــذه الــرؤيــة يف صــورة الفتاة املقاتلة «آريــن»‪،‬‬ ‫فـهــي مــن تــديــر غــالـبـيــة الـعـمـلـيــات الـعـسـكـريــة‬ ‫يف «ك ـ ـ ــوابين»‪ ،‬وال ــرج ــال ي ـت ـب ـعــون تـعـلـيـمــاهتــا‬ ‫وتوجيهاهتا وعـقــوابهتــا دون أي تــذمــر‪ ،‬كيف‬ ‫ميكنهم أن يتذمروا وهي املقاتلة اليت خاضت‬ ‫املـعــارك على عــدة جـبـهــات؟ وهـنــا ميكنين أن‬ ‫أذكر املناضلة اجلزائرية «اللة فاطمة نسومر»‪،‬‬ ‫الـ ــي قـ ـ ــادت امل ـ ـعـ ــارك وأشـ ــرفـ ــت ع ـل ـي ـهــا ضــد‬ ‫الفرنسيني بشجاعة وحنكة‪.‬‬ ‫علينا االنتباه إىل أن وجــود امل ـرأة يف جبهات‬ ‫القتال ضد «داعش» يؤثر يف نفسية عناصره‬ ‫بشكل كبري‪ ،‬فمقاتلو التنظيم خيشون املــوت‬


‫على يد فتاة‪ ،‬وعدد الفتيات املقاتالت مع قوات محاية املرأة يف كوابين‬ ‫يشكل ‪ % 30‬من جمموع القوات املقاتلة‪.‬‬ ‫كـيــف ميـكــن ل ـل ـم ـرأة أن تـسـتـفـيــد مـسـتـقـبـ ً‬ ‫ا مــن ح ـضــورهــا الـعـسـكــري‬ ‫املستقل‪ ،‬وأركــز على حضورها العسكري املستقل؟ هــذا تساؤل مهم‬ ‫ينبغي أن تستفيد منه شرحية كبرية من النساء الـســورايت‪ ،‬وهو درس‬ ‫ينبغي أال يفقد رونقه أو أصالته‪.‬‬ ‫عند انتهاء الثورات‪ ،‬كل الثورات‪ ،‬تكون املرأة يف الرتتيب األخري من‬ ‫أولوايت الثورة والدستور اجلديد‪ ،‬وتنال يف النهاية من احلقوق ما يتنازل‬ ‫الرجل عنه أساساً كما تقول «سيمون دي بوفوار»‪ ،‬والوضع يف سوراي‬ ‫ليس بعيداً جداً عن هذه احلالة‪ ،‬ال بل هو أعقد من أي ثورة حدثت‬ ‫يف التاريخ املعاصر‪.‬‬ ‫يبدو أن املـرأة لن تنال ما نتكلم عنه يف حضور اإليديولوجيات اليت‬ ‫وتفوقه أساساً‪ ،‬وهنا ميكننا االنتقال إىل صورة‬ ‫تقوم على فكر الرجل ّ‬ ‫كفاح املرأة الكردية‪ ،‬وكيف أن حضورها يف تشكيالت عسكرية جمهزة‬ ‫بعتاد‪ ،‬ال يقل عدداً ونوعية عما متتلكه تشكيالت الرجل العسكرية‪،‬‬

‫وهذا يقودان إىل أنه ال ميكن جتاهل املرأة وحقوقها يف املرحلة الالحقة‬ ‫للثورة‪ ،‬كوهنا متتلك صواتً مسلحاً وقوايً سيدافع عنها يف املنابر السياسية‬ ‫واالجتماعية‪.‬‬ ‫للمرأة منظماهتا املستقلة اليوم يف املناطق الكردية‪ ،‬تتدخل يف شؤون‬ ‫األسر بكل بساطة حينما تشتكي امرأة على زوجها‪ ،‬يتم إحضار الزوج‬ ‫وحياكم‪ ،‬نعم يف املناطق الكردية تشتكي املرأة على زوجها إن ضرهبا‪،‬‬ ‫وهذا ما أحتدث عنه كتجربة فريدة حىت ابلنسبة يل أان‪ ،‬مل أتصور يوماً‬ ‫أن تقوم مثل هذه املنظمات‪ ،‬وهبذه القوة اليت تدفع ابلرجل إىل إعادة‬ ‫حساابته إن أخطأ حبق زوجته!‪.‬‬ ‫بـرأيــي أن جتربة امل ـرأة يف املناطق الكردية الـيــوم هــي التجربة األنسب‪،‬‬ ‫اليت ميكن اللجوء إليها لتطويرها وتعديلها إن توجب ذلك‪ ،‬وهي دعوة‬ ‫يف الوقت نفسه للنساء يف املناطق األخــرى لتنظم أنفسهن اجتماعياً‬ ‫وسياسياً وعسكرايً‪ ،‬فلم تعد وظيفة املرأة الوقوف خلف جبهات القتال‬ ‫واالكتفاء ابلزغاريد لتشجيع الرجال يف املعركة‪ ،‬املعركة اليت هي معركتها‬ ‫كذلك‪ ،‬بل رمبا ختوض معركتني يف آن معاً‪ ،‬حتريرين يف وقت واحد‪.‬‬

‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪37 2014‬‬


‫احلمل (‪ 21‬آذار ‪ 20 -‬نيسان)‬

‫فرص وجناح على الصعيد املايل‪ ،‬عروض شراكات خاصة‪،‬‬ ‫انتبهي من اختاذ القرارات السريعة‪ .‬حتدايت يف العمل تتجاوزينها‬ ‫مع هناية الشهر‪ ،‬فرصة حلب انتظرته طويالً‪ ،‬تزداد عالقتك العاطفية‬ ‫قوة مع الشريك‪ ،‬والوائم خييم على حياتك األسرية‪.‬‬

‫اجلوزاء (‪ 21‬أاير ‪ 21 -‬حزيران)‬ ‫أموال تصلك مع بداية الشهر‪ ،‬فرص لشراكات جيدة‪،‬‬ ‫اعتمدي على جتاربك وخربتك لتقرري‪ .‬جتتازين ظروفاً‬ ‫قاسية يف العمل‪ ،‬ما يشعرك ابلرضى‪ ،‬صديق قدمي‬ ‫يفاجئك ابحلب لكنك تفكرين يف آخر‪ .‬للمتزوجات سعادة‬ ‫يف احلب‪ ،‬انتبهي من تقصري يف مسؤولياتك األسرية‪.‬‬

‫األسد (‪ 23‬متوز ‪ 22 -‬آب)‬

‫مترين هذا الشهر أبزمة مالية‪ ،‬خييب ظنك ببعض‬ ‫األصدقاء‪ ،‬أقرب الناس حياول استغاللك‪ ،‬حيمل الفلك‬ ‫إليك فرصاً هامة بعد منتصف الشهر‪ .‬تتحسن عالقتك‬ ‫مع احلبيب بعد خالفات‪ ،‬وختططني لبناء أسرة انجحة‪،‬‬ ‫أزمة مع الزوج بسبب قصة من املاضي أو نزوة ارتكبتها‪.‬‬

‫امليزان (‪ 23‬أيلول ‪ 22 -‬تشرين أول)‬

‫قرارات خاطئة تتخذينها مع بداية الشهر تؤثر‬ ‫على وضعك املادي‪ ،‬ومع منتصف الشهر يتحسن‬ ‫وضعك املهين‪ ،‬بعض مواليد امليزان تسرق األضواء‬ ‫لعمل تقوم به‪ ،‬تبحثني عن حب حقيقي واضح‪.‬‬ ‫شيء من الراحة يف عالقتك الزوجية خاصة يف‬ ‫اإلطار االجتماعي‪.‬‬

‫القوس (‪ 22‬تشرين اثين ‪ 20 -‬كانون أول)‬

‫اختبار لقوة إرادتك أمام الظروف الصعبة‪ ،‬تنهضني من سقوط‬ ‫تعرضت له‪ ،‬مهنياً سالحك هذا الشهر هو الصرب وليست‬ ‫القرارات‪ ،‬حتتفظني ابحلبيب رغم معارضة األهل وتنجحني‬ ‫بذلك‪ ،‬خذالن من بعض األصدقاء لكن التزام الشريك يقدم‬ ‫لك األمان‪،‬سعادة على مستوى األسرة‪.‬‬

‫الدلو (‪ 20‬كانون اثين ‪ 18 -‬شباط)‬

‫يدعمك الفلك هذا الشهر بفرص مادية جيدة‪،‬‬ ‫أخبار من اخلارج حتسن وضعك املايل‪ ،‬تواجهني‬ ‫حتدايت العمل بثقة كبرية دون تقدمي التنازالت‪.‬‬ ‫فرصة عاطفية مهمة جتعلك أكثر تفاؤالً‪ ،‬دفاعك عن‬ ‫استقالليتك جيعل الشريك يبتعد عنك‪ ،‬جتنيب التقصري‬ ‫يف واجباتك األسرية‪.‬‬ ‫‪ 38‬العدد (‪ )10‬كانون أول ‪2014‬‬

‫الثور (‪ 21‬نيسان ‪ 20 -‬أاير)‬

‫يدعمك الفلك لتحسني وضعك املايل‪ ،‬بعد عقبات‬ ‫تواجهك مع بداية الشهر‪ .‬حتققني جناحات كبرية على‬ ‫صعيد العمل‪ ،‬نظمي أمورك استعداداً لفرص قادمة‪.‬‬ ‫تعانني من خالفات مع احلبيب‪ ،‬بسبب حالتك النفسية‪،‬‬ ‫وللمتزوجات‪ ،‬تبدأ حياتكن العاطفية ابلتحسن‪.‬‬

‫السرطان (‪ 22‬حزيران ‪ 22 -‬متوز)‬

‫يصلك مال ال تتوقعينه‪ ،‬ندم على فرصة تضيعينها‪،‬‬ ‫ترقية يف العمل بفضل جهدك‪ ،‬يدعمك احلظ لتحقيق‬ ‫أهدافك‪ ،‬تبتعدين عن احلبيب‪ ،‬اعتمدي على عقلك‬ ‫ونفذي قناعتك‪ ،‬مترين بتجربة حب من طرف‬ ‫واحد‪ ،‬للمتزوجات الشريك ينتظر منك الكثري ليعود‬ ‫االستقرار إىل حياتك‪.‬‬

‫العذراء (‪ 23‬آب ‪ 22 -‬أيلول)‬ ‫يدعمك الفلك للحصول على أموال غري متوقعة مع أول‬ ‫الشهر‪ ،‬لكن ال تتوقعي جناحات على الصعيد املهين‪ ،‬يعود‬ ‫احلظ ليدعمك مهنياً يف هناية الشهر‪ ،‬يتحول إعجاب‬ ‫أحدهم بك إىل حب يصل لالرتباط‪ ،‬تكتشفني يف األسرة‬ ‫مالذاَ وملجأ وقت األزمات‪.‬‬

‫العقرب (‪ 23‬تشرين أول ‪ 21 -‬تشرين اثين)‬ ‫أزمة مالية تسبب بعض التوتر‪ ،‬تتالشى مع هناية الشهر‪،‬‬ ‫تستلمني بعض املال من أحد األقارب أو األصدقاء يف‬ ‫اخلارج‪ ،‬ابتعدي عن التهور يف العمل ونظمي أمورك‬ ‫بدون ضجيج‪ ،‬تضحيتك أمام احلبيب جتعله اتكالياً‪،‬‬ ‫اجتماع عائلي وخطوات ملساعدة أحد أفراد األسرة‪.‬‬

‫اجلدي (‪ 20‬كانون أول ‪ 19 -‬كانون اثين)‬

‫تتجاوزين أخطاراً هتدد استقرارك‪ ،‬احذري من أوهام‬ ‫احلصول على الثروة ابملغامرات‪ ،‬واهتمي ابلعروض‬ ‫اجلدية‪ ،‬التحليل الدقيق للظروف يقودك للنجاح على‬ ‫صعيد العمل‪ .‬حيملك الفلك على مشاعر ورغبات‬ ‫فتعيشني قصة حب فريدة‪ ،‬ال تدعي غريزة التملك‬ ‫هتدد عالقتك ابلشريك‪.‬‬

‫احلوت (‪ 19‬شباط ‪ 20 -‬آذار)‬

‫اقتصدي ابملصاريف‪ ،‬حاويل السري خبططك ابلتتايل‪ ،‬فأنت‬ ‫على موعد مع الثروة‪ ،‬الوقت مناسب التفاقات مهنية بعيدة‬ ‫عن اخلضوع والتنازل‪ ،‬تبدئني عالقة بدافع الرغبة فقط‪ ،‬لكنها‬ ‫تتحول إىل حب‪ .‬خففي من الغرية‪ ،‬اتركي للشريك حرية‬ ‫التصرف وامنحيه الثقة‪.‬‬


‫الكلمات المتقاطعة‬ ‫أفقي‬

‫‪ -1‬منظمة سورية تدعم األطفال‬ ‫والنساء يف املناطق املحررة‬ ‫‪ -2‬أظهر السبب‪ -‬بت (معكوسة)‪-‬‬ ‫عكس نهار‬ ‫‪ -3‬آداة للبحث يف األعامق‬ ‫(معكوسة)‪ -‬مرتفع (معكوسة)‬ ‫‪ -4‬ما تصنعه الكامرية‪ -‬عملة عربية‬ ‫(معكوسة)‬ ‫‪ -5‬يضع خلسة‪ -‬تنقل اإلحساس‬ ‫‪ -6‬مخرج سيناميئ سوري‬ ‫‪ -7‬طعم العلقم‪ -‬نايئ (معكوسة)‪ -‬اسم‬ ‫موصول‬ ‫‪ -8‬تسحب (معكوسة)‪ -‬ضد الباطل‪-‬‬ ‫انساب‬ ‫‪ -9‬حجر كريم (معكوسة)‪ -‬حلويات‬ ‫(معكوسة)‬ ‫‪ -10‬سارق‪ -‬موطن (معكوسة)‪ -‬ج ّود‬ ‫‪ -11‬واضع علم التطور (معكوسة)‪-‬‬ ‫ُأب ِعد (معكوسة)‬ ‫‪ -12‬ناشطة ومعارضة سورية‪ -‬رقد‬

‫سودوكو‪ :‬هي لعبة منطقية مبنية عىل وضع األرقام يف املكان‬ ‫املناسب‪ .‬الهدف هو ملء ال ‪ 9*9‬مربعات بأرقام بحيث أن كل‬ ‫عمود وصف ومربع من املربعات التسعة (والتي تدعى مناطق)‬ ‫تحتوي عىل األرقام من واحد إىل التسعة دون تكرار‪.‬‬

‫كـلمـة الســـــــر‬

‫سودوكـــــــو‬

‫عامودي‬

‫‪ -1‬شاعرة ومعارضة سورية‬ ‫‪ -2‬اهتم‪ -‬كوكب (معكوسة)‪ -‬دق‬ ‫الجرس (معكوسة)‬ ‫‪ -3‬ضد األعمى‪ -‬تزويد بالسالح‬ ‫‪ -4‬دولة عربية‪ -‬أسدد‬ ‫‪ -5‬مكان الرسم‪ -‬أحد الوالدين‬ ‫‪ -6‬مادة قاتلة‪ -‬يشري‪ -‬مرض‬ ‫‪ -7‬بهي الطلعة‪ -‬أربك وشتت‬ ‫صحح (معكوسة)‬ ‫(معكوسة)‪ّ -‬‬ ‫‪ -8‬غادر‪ -‬من أبراج الحظ‬ ‫‪ -9‬دمى‬ ‫‪ -10‬نهر سوري‪ -‬غاز سام‬ ‫‪ -11‬آداة نداء‪ -‬قبول وساطة طرف‬ ‫ثالث (معكوسة)‬ ‫‪ -12‬رواية لتولستوي‬

‫كلمة الرس مؤلفة من ثالثة عرش حرفاً‪ :‬ممثلة ومعارضة سورية‬ ‫أحبابنا خلف الحدود ينتظرون يف أىس ولهفة مجيئنا أذرعهم مفتوحة لضمنا‬ ‫لشمنا قلوبهم مراجل األمل تدق يف متزق أصم تحار يف عيونهم ترجف يف شفاههم‬ ‫أسئلة عن موطن الجدود غارقة يف أدمع العذاب والهوان والندم أحبابنا خلف‬ ‫الحدود ينتظرون حبة من قمحهم كيف حال بيتنا الرتيك يف‬

‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪39 2014‬‬


‫المرأة والعمل النقابي‬

‫ضرورة صيانة الحقوق وتحسين األداء‬

‫• وجيهة عبد الرمحن‬

‫على مر التاريخ تكاثفت جهود املرأة لنيل حقوقها وإمكانية إدماجها كنوع يف عملية التمنية ومتكينها من الوصول إىل مراكز القرار‪ .‬وال خيفى‬ ‫علينا أنَّه منذ بداية مرحلة العقد العاملي للمرأة‪ ،‬من بداية ‪ 1975‬وصوالً إىل «مؤمتر بكني» ‪ ،1996‬بدأ العامل يهتم بقضية املرأة‪ ،‬ومل يتم تناوهلا‬ ‫من منطلق املساواة‪ ،‬بقدر ما مت تناوهلا من انحية تنمية املرأة‪ ،‬ومتكينها من أداء دورها بفعالية فائقة‪ ،‬األمر الذي سيمكنها من اختاذ القرارات‬ ‫املناسبة يف خمتلف جماالت احلياة (االقتصادية‪ ،‬االجتماعية‪ ،‬الثقافية والسياسية)‪ ،‬وصوالً إىل اجملال النقايب كحالة إدماج النساء يف احلقل النقايب‪،‬‬ ‫وذلك عرب تنظيم حلقات تدريبية‪ ،‬لتسليط الضوء على هذا اجلانب املهم‪ ،‬عرب وسائل اإلعالم املرئية واملسموعة‪.‬‬ ‫هذا االهتمام العاملي ال شك واكبه اهتمام الكثري من الــدول واهليئات‬ ‫واملنظمات الدولية واإلقليمية‪ ،‬كدليل على االهتمام بدور املرأة واحلرص‬ ‫على متكينها من دورها الفعال واحلقيقي‪ ،‬دون وجود وصاية قانونية أو‬ ‫شرعية‪َّ ،‬‬ ‫ألن قلة من النساء فقط موجودات يف املواقع احلقيقية والقيادية‬ ‫املؤثرة‪ ،‬سواء يف النقاابت أو يف أي جمال آخر إن مل يكن وجودهن شبه‬ ‫معدوم‪ ،‬ابلرغم من صــدور إعــان منظمة العمل الدولية بشأن املبادئ‬ ‫واحلقوق األساسية يف العمل‪ ،‬يف جنيف عام ‪ ،1998‬والــذي تضمن‬ ‫أربعة مبادئ أساسية يفرتض ابلــدول األعـضــاء يف املنظمة أن حترتمها‬ ‫ينص اخلاص ابلقضاء على التمييز يف‬ ‫وتعززها‪ ،‬وأمهها البند(‪ )4‬الذي ُّ‬ ‫االستخدام أو املهنة‪ ،‬ويعين ذلك القضاء على التمييز ضد املرأة‪ .‬وبناء‬ ‫عليه جــاء اإلعــان العاملي للحقوق األساسية يف العمل‪ ،‬بعد سلسلة‬ ‫من املبادئ واإلعالانت واملواثيق الدولية املتعلقة حبقوق اإلنسان بشكل‬ ‫عام‪ ،‬واملرأة بشكل خاص‪ ،‬حىت إنَّه عرف بـ «إعالن حقوق املرأة»‪ ،‬ألنَّه‬ ‫تضمن مواد هامة تكفل املساواة احلقيقية بني الرجل واملرأة‪ ،‬وخاصة يف‬ ‫مسائل العمل وتطبيقاته وميادينه املتعددة‪.‬‬ ‫إقصاء املرأة عن النقاابت‬ ‫من خالل ما متَّ سرده نستطيع القول إن الصورة ابتت أوضح حول أمهية‬ ‫ضمان حق امل ـرأة من خــال عملها املؤسسايت( النقايب)‪ ،‬ففي الوقت‬ ‫ال ــذي جنــد فيه تتوجه أنـظــار احلــركــات النسوية إىل املـشــاركــة يف العمل‬ ‫السياسي‪ ،‬ودخول املعارك االنتخابية‪ ،‬نصادف يف املقابل جبهة نسائية‬ ‫أخ ــرى استسلمت ملـصــرهــا‪ ،‬بسبب إمهــاهلــا وع ــدم حتصينها ابالهتمام‬ ‫الكايف والرعاية املستمرة‪ ،‬هذا اجلانب هو العمل النقايب الذي يتم تغييب‬ ‫النساء عنه هبدف توظيفه ملصاحل شخصية وحزبية‪.‬‬ ‫وقد عمدت بعض األطراف إىل إقصاء النساء عن هذا العمل احليوي‪،‬‬ ‫الــذي يعرب عن املطالب العادلة للعامالت والعاملني على حد سـواء‪،‬‬ ‫وي ـعــزو بـعــض املـهـتـمــن ابل ـشــأن الـنـقــايب لـلـمـرأة ه ــذا اإلق ـص ــاء‪ ،‬إىل أن‬ ‫املؤسسات النسوية من مجعيات واحتادات‪ ،‬ورغم أهنا توجهت يف براجمها‬ ‫للمرأة العاملة‪ ،‬إال َّأن هذا التوجه بقي ضمن إطاره النظري‪ ،‬دون جتسيده‬ ‫‪ 40‬العدد (‪ )10‬كانون أول ‪2014‬‬

‫عرب األنشطة واآلليات‪ ،‬فلم يتم توجيه العضوات العامالت يف املؤسسات‬ ‫النسوية لالنتساب إىل النقاابت يف أطرها املتخصصة‪ ،‬وممارسة أنشطتها‬ ‫بشكل منهجي وخمطط لتحقيق مطالبهن النقابية‪.‬‬ ‫من مجلة األسباب أيضاً َّأن ضعف مشاركة املرأة يف احلياة النقابية مرتبط‬ ‫بعوامل ذاتية تتعلق ابمل ـرأة‪ ،‬كتأثري احلياة املهنية على املشاركة النقابية‪،‬‬ ‫وضعف نسبة القوى العاملة النسائية الرمسية يف سوق العمل احمللي الرمسي‪.‬‬ ‫وهناك العوامل املوضوعية لإلقصاء‪ ،‬وهي ما تعكسه هذه النقابة أو تلك‪،‬‬ ‫من جانب اهليكلية وهتميش النساء‪ ،‬واخلشية من املضايقات من قبل‬ ‫أصحاب العمل‪ ،‬وأتثري اجملتمع فيما يتعلق ابملهام االجتماعية والعائلية‬ ‫وتقسيم األدوار‪ ،‬وغـيــاب الــدميـقـراطـيــة املتمثلة يف االنـتـخــاابت وت ــداول‬ ‫السلطة‪.‬‬ ‫ولن نغفل انعدام االهتمام اجلدي من قبل قطاع نسوي واسع‪ ،‬ابالنضمام‬ ‫إىل النقاابت وإدراك أمهيتها يف الدفاع عن حقوقهن‪ ،‬وتعزيز مكانتهن‬ ‫يف اجملـتـمــع‪ ،‬وكــذلــك سـطــوة ال ـعــادات والتقاليد يف اجملتمعات الشرقية‪،‬‬ ‫واعتبار مهمتها تنتهي يف املنزل‪ .‬على أن النقاابت بدورها أمهلت املشاركة‬ ‫النسائية‪ ،‬ومل تقدم للنساء أي حافز لتحريضهن للمشاركة‪ ،‬بل عملت‬ ‫دائماً على تكريس عامل اإلقصاء‪ ،‬معللة ذلك ابخنفاض نسبة النساء‪،‬‬ ‫وعدم رغبتهن يف املشاركة ابلعمل النقايب‪.‬‬


‫مجلة من األسباب هلا األثر البالغ من األضرار‬ ‫الــي حلقت ابلنساء‪ ،‬جـراء غياهبن وإقصائهن‬ ‫عن العمل النقايب‪ ،‬األمــر الــذي أسقط قضااي‬ ‫امل ـرأة مــن بـرامــج الـنـقــاابت‪ ،‬وه ــذا ب ــدوره أفقد‬ ‫العمل النقايب زمخاً وفعالية يف القطاع النسوي‪،‬‬ ‫ال ـ ــذي ي ـع ــاين ال ـت ـم ـي ـيــز احل ـق ــوق ــي واملـ ـ ــايل ويـتــم‬ ‫اس ـت ـغــالــه‪ ،‬وخ ــاص ــة يف ال ـق ـطــاع غ ــر املـنـظــم‪،‬‬ ‫كالعامالت يف التمريض والسكراترية والزراعة‪،‬‬ ‫وخــادمــات الـبـيــوت‪ ،‬والـكـثـرات ممــن يتعاقدن‬ ‫بعقود غري قانونية‪.‬‬ ‫غـيــاب املـ ـرأة ي ــؤدي إىل تـضــرر اجملـتـمــع‪ ،‬الــذي‬ ‫يـبــدأ الـضــرر فيه مــن األس ــرة‪ ،‬انـتـهــاء ابهليئات‬ ‫القيادية اليت تصنع قرارات اجملتمع‪َّ ،‬‬ ‫ألن اجملتمع‬ ‫ينظر نظرة دونية للمشاركة النسائية يف العمل‬ ‫النقايب‪ ،‬وقد ساهم يف تكريس هذه النظرة ما‬ ‫تلعبه الـنـقــاابت هب ــذا ال ـصــدد مــن دور منغلق‬ ‫ومنغمس يف الـعـمــل اإلداري‪ ،‬فـلــم تعمد إىل‬ ‫بلورة حركة اجتماعية ضاغطة وحقيقية للدفاع‬ ‫عن حقوق النساء العامالت‪.‬‬ ‫املرأة مسامهة يف اإلقصاء‬ ‫الشك أن املرأة تتحمل جزءاً كبرياً من مسؤولية‬ ‫غياهبا عــن العمل النقايب‪ ،‬أخــص ابلــذكــر هنا‬ ‫احلــركــة الـنـســويــة‪ ،‬ألهنــا مل تعمل على التنسيق‬ ‫مع املؤسسة النقابية للوصول إىل نقطة التقاء‪،‬‬ ‫كما واجملتمع مسؤول أيـضـاً‪ ،‬فاحلركة النسوية‬ ‫مل تطلب مــن النساء االنتساب إىل النقاابت‬ ‫على أساس برانجمها القطاعي املطليب‪ ،‬وضرورة‬ ‫التشبيك والتنسيق مع هذه النقاابت لدعمها‬ ‫ورعاية مصاحلها‪ ،‬مث إن احلركة النسوية مل تعمل‬ ‫عـلــى تثقيف ك ـوادره ــا أبمهـيــة الـعـمــل الـنـقــايب‪،‬‬ ‫لتحسني وضعها وحتقيق مكاسبها على أساس‬ ‫إجنــازات هلا عالقة بقوانني العمل ابلتالزم مع‬ ‫حقوقها‪.‬‬ ‫ولن خيفى علينا أن التشكيالت النقابية هي‬ ‫عبارة عن جمموعة كتل حزبية‪ ،‬وهــي األخــرى‬ ‫عملت على هتميش املرأة‪ ،‬واآلراء حول ذلك‬ ‫التـزال متضاربة‪ ،‬فالبعض َّ‬ ‫محل النقاابت ذاهتا‬ ‫كــامــل مـســؤولـيــة هتـمـيــش امل ـ ـرأة وتـغـيـيـبـهــا عن‬ ‫العمل النقايب‪ ،‬ألهنا مل تعمل على تفعيل الدور‬ ‫النسوي يف النقاابت‪ ،‬مع إشارهتا إىل أن ذلك‬

‫اليعفي احلركة النسوية اليت تقاعست عن إيالء‬ ‫العمل الـنـقــايب أمهـيــة‪ ،‬وه ــذا مــؤشــر سليب ألنه‬ ‫ال يشجع النساء على دخــول املـعــرك النقايب‬ ‫الذي ميهد للمشاركة السياسية‪ ،‬ابإلضافة إىل‬ ‫التشكيك بـقــدراهتــا واالن ـت ـقــاص مــن مكانتها‬ ‫معللة ذلك بنقص املؤهالت والكفاءة‪.‬‬ ‫إن إطــاق مثل هــذه األحـكــام هــو جــزء من‬ ‫تنميط ال ــرؤى واألفـكــار والــذرائــع دون العودة‬ ‫إىل األسباب والتحليالت اليت متكننا من الفهم‬ ‫املوضوعي جململ األسباب‪.‬‬ ‫وأشري هنا إىل أنه حبكم التجربة واملالحظة جند‬ ‫أن الـنـســاء الـعــامــات ق ــادرات عـلــى االخن ـراط‬ ‫يف الـعـمــل الـنـقــايب يف ح ــال تــوفــر بـيـئــة داعـمــة‬ ‫هلن‪ ،‬وهذا ما يتطلب إحداث نوع من التوازن‬ ‫اجلندري يف اهلياكل النقابية‪.‬‬ ‫املطلوب لتفعيل دور املرأة نقابياً‬ ‫ تـثـقـيــف وتــوع ـيــة امل ـ ـرأة وال ـت ــدري ــب لـلـنـســاء‬‫العامالت‪.‬‬ ‫ تعريف النساء حبقوقهن النقابية‪ ،‬وضــرورة‬‫مشاركتهن يف العمل النقايب‪.‬‬ ‫ تفعيل مشاركة املرأة يف العمل النقايب خللق‬‫قيادات نقابية مجاهريية قادرة على التأثري‪.‬‬ ‫ إصدار قوانني وتشريعات عادلة تصون حرية‬‫التنظيم النقايب للعامالت والعمال دون متييز‪.‬‬ ‫ زايدة دور املرأة يف تطبيق التشريعات العمالية‬‫وتعديلها الــذي يتطلب زايدة دورهــا يف احلياة‬ ‫العامة‪.‬‬ ‫ زايدة متثيلها يف املواقع القيادية يف املنظمات‬‫العمالية والنقابية‪.‬‬ ‫ ض ــرورة التوجه إلج ـراء انـتـخــاابت يف جممل‬‫النقاابت‪ ،‬مبوجب محلة تنسيب للمرأة العاملة‬ ‫واملهنية ودفعها للرتشح لعضوية اهليئات‪.‬‬ ‫يف النهاية علينا القول إن حتقيق هذه األهداف‬ ‫ل ـيــس م ـســؤول ـيــة املـ ـ ـرأة وح ــده ــا‪ ،‬ب ــل مـســؤولـيــة‬ ‫جمتمع كــامــل‪ ،‬مبــا فيه منظمات اجملتمع املــدين‬ ‫واملـنـظـمــات الـنـســائـيــة والـسـيــاسـيــة‪ ،‬لـكــن تظل‬ ‫مـســؤولـيــة الـنـقــاابت واالحتـ ــادات العمالية هي‬ ‫ال ـع ــام ــل األهـ ــم يف ت ـع ـزيــز ث ـقــة امل ـ ـرأة بـنـفـسـهــا‬ ‫لدخول املعرتك النقايب‪.‬‬ ‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪41 2014‬‬


‫كيف نعزز قطاع الدعم النفسي؟‬ ‫يف ظل ظروف احلرب القاسية اليت تعيشها بالدان‪،‬‬ ‫ونقص إمكاانت الدعم النفسي والداعمني‪ ،‬البد‬ ‫من اإلشارة إىل الداعمني النفسيني واألفراد املعيلني‬ ‫ألس ــره ــم مم ــن ي ـقــومــون بــرعــايــه األسـ ــر امل ـت ـضــررة‪،‬‬ ‫وضرورة دعمهم‪ ،‬ألهنم وحتت وطأة ضغوط العمل‬ ‫واإلرهــاق ووظــروف املعيشة القاسية اليت فرضت‬ ‫عليهم قد ينهارون أو يتعرضون للشدة النفسية‪.‬‬ ‫ومجيعنا يتذكر منظر املسعف يوم جرمية الكيماوي‬ ‫يف دمشق‪ ،‬كيف اهنــار ابكياً ومل يستطع متالك‬ ‫نفسه ومتابعة قيامه بعمله‪.‬‬ ‫مسر‪ ،‬إحدى املتخصصات ابلدعم النفسي‪ ،‬واليت‬ ‫هلا ابع طويل يف هذا اجملــال‪ ،‬تقول إهنا خسرت‬ ‫وظـيـفــة تـقــدمــت هبــا إلح ــدى املـنـظـمــات العاملة‬ ‫ابلــدعــم الـنـفـســي‪ ،‬وذل ــك «بـسـبــب دمــوعــي الــي‬ ‫مل أستطع منعها عند مشاهديت ألبناء بلدي يف‬ ‫املـخـيــم»‪ ،‬تــداعــت حلظتها إثــر مشاهد ذهلــم وما‬ ‫آلت إليه حاهلم‪.‬‬ ‫تضيف مسر «حنــن بشر وننفعل وتغلبنا عواطفنا‬ ‫يف حل ـظ ــات ض ـع ـف ـنــا»‪ ،‬ت ـض ـيــف‪« :‬ك ـ ــان جيب‬ ‫علي أن أكــون أقــوى حلظتها‪ ،‬لكين كنت أعاين‬ ‫أيضاً من ضغوط خمتلفة‪ ،‬ومل أكن مهتمة بنفسي‬ ‫فـقــط‪ ،‬كنت داعـمــه لعائليت وآلخ ـريــن‪ ،‬ونسيت‬ ‫دع ـمــي ل ـ ــذايت»‪ .‬وتـ ــرى مس ــر أن ـنــا مجـيـعـنــا حبــاجــة‬ ‫للدعم النفسي‪« ،‬مجيع الشعب الـســوري حباجة‬ ‫للدعم أطفاالً ونساء ورجاالً‪ .‬نعيش ظروفاً قاسية‬ ‫استثنائية»‪.‬‬ ‫أمــا أبــو مصطفى‪ ،‬وهــو الالجئ الــذي يعيش يف‬ ‫خميم قريب مــن بلدته احملــاذيــة للحدود السورية‪،‬‬ ‫فيحكي قصته لكل مــن يصادفه ليس مــن ابب‬ ‫الثرثرة‪ ،‬ولكن ليفرغ ما انء صدره حبمله‪ .‬تعرض‬ ‫منزله لربميل متفجر‪ ،‬خسر ثالثة من أطفاله يومها‬ ‫وخسرت زوجته قدمها‪.‬‬ ‫خسر أخته اليت كانت تقيم مبنزله حينها‪ ،‬واثنني‬ ‫من أبنائها‪ ،‬وتركت له ثالثة أطـفــال‪ .‬كما أدى‬ ‫اهنيار منزله اجملــاور ملنزل أخيه الــذي تضرر أيضاً‬ ‫إىل استشهاد زوج ــة أخـيــه وابـنــه وأنـقــذت طفلته‬ ‫أبعجوبة‪.‬‬ ‫وأثناء إسعاف من تبقى من هذه العوائل الثالثة‪،‬‬

‫‪ 42‬العدد (‪ )10‬كانون أول ‪2014‬‬

‫ت ـعــرض ـوا لـقــذيـفــة وه ــم يف طـريـقـهــم إىل املـشـفــى‪،‬‬ ‫استشهدت زوجـتــه وزوج أخـتــه‪ ،‬وأصـيـبــت ابنته‬ ‫إصــابــة ابلـغــة‪ ،‬مت إسعافها ونقلها ملخيم اللجوء‬ ‫القريب من احلدود‪.‬‬ ‫يقول أبــو مصطفى‪« :‬سبعة أطفال‪ ،‬اثنان منهم‬ ‫معاقان وأخي غري املبايل‪ ،‬الذي يعيش معنا ولكنه‬ ‫اليهتم واليتكلم واليعمل‪ ،‬يبقى جالساً ليل هنار‪،‬‬ ‫غري آبــه ال أبطفاله وال يب»‪ ،‬ويضيف‪« :‬مل خنرب‬ ‫أطـفــايل مبــوت والــدهتــم‪ ،‬وه ــذا مــايـزيــد مهــي‪ ،‬فهم‬ ‫مازالوا ابنتظارها‪ .‬مل يتح يل الوقت ألحزن على من‬ ‫استشهد‪ ،‬دخلت دوامة وال أستطيع اخلروج منها‪،‬‬ ‫أتمني طعام وعالج وإدارة األطفال واملنزل‪ ،‬أطفال‬ ‫وخيمة صغرية بال سيدة تدير شؤوننا‪ ،‬وسط صراخ‬ ‫األطفال وشجارهم وتلبية طلباهتم»‪.‬‬ ‫«ت ـص ــرخ اب ـنــي وي ـنــك اي أم ـ ــي‪ ..‬وال أع ـلــم م ــاذا‬ ‫أجيبها»‪.‬‬ ‫وأش ــار أبــو مصطفى إىل أن «األط ـفــال يذهبون‬ ‫إىل مــركــز ال ــدع ــم الـنـفـســي م ـرتــن يف األس ـب ــوع‪،‬‬ ‫ليعودوا بعدها لطلباهتم وشجارهم وصراخهم»‪،‬‬ ‫ويتابع حديثه حول هول مصيبته قائالً‪« :‬مشاهد‬ ‫امل ــوت‪ ،‬وبيتنا ال ــذي تـكــوم ح ـجــارة قــاسـيــة على‬ ‫أجساد أطفايل‪ ،‬الصراخ‪ ،‬مازال كل ذلك حاضراً‪،‬‬ ‫أتناساها أحياانً‪ ،‬لكنها متنعين من النوم أو الراحة‬ ‫يف أغلب األحيان»‪.‬‬ ‫أبو مصطفى واحد من الداعمني الذين حيتاجون‬ ‫للدعم النفسي اجلاد ابلتوازي مع ابقي أفراد أسرته‪،‬‬ ‫ليستمر يف العناية هبم‪ ،‬حيث يعاين من اضطراب‬ ‫نفسي وعصيب‪.‬‬ ‫حول احتياجات الداعم‬ ‫رنيم‪ ،‬شابة اختارت العمل التطوعي بعد األحداث‬ ‫املؤملة اليت تعرضت هلا بلدهتا‪ ،‬تقول‪« :‬يف البداية‬ ‫كنت أعــاين من نــوابت قلق وحــزن وتوتر وعدم‬ ‫قدرة على النوم كانت الكوابيس تالحقين كل ما‬ ‫أغمضت عيين‪ ،‬وذلــك بعد كــل حــادثــة تفجري‪،‬‬ ‫ك ــان ذل ــك يستمر ف ــرة طــويـلــة‪ ،‬إىل أن أصــابــي‬ ‫ال ــوه ــن واالكـ ـتـ ـئ ــاب‪ ،‬واجت ـه ــت إىل اخـتـصــاصــي‬ ‫نفسي‪ .‬وبعد فرتة خضعت لعدة دورات تدريبية‬

‫• أمرية اجلركس‬

‫منها دورة يف االسعاف النفسي‪ ،‬طبقت ما تعلمته‬ ‫عـلــى نـفـســي‪ ،‬تعلمت كـيــف أدع ــم ذايت‪ ،‬واآلن‬ ‫وكلما أحسست حبــزن أو ضيق آخــذ قسطاً من‬ ‫الراحة‪ ،‬أجته لالسرتخاء والتأمل‪ ،‬أجته الصدقائي‪،‬‬ ‫أحتــاور معهم ونناقش سوية األع ـراض الــي تنتابنا‬ ‫ونتبادل اخلربات‪ ،‬نقدر ونثين على مانقوم به‪ ،‬نرفه‬ ‫عن أنفسنا‪ ،‬نتبادل األحــاديــث البعيدة عن جو‬ ‫احلــرب نلقي النكات‪ ،‬نستشعر املستقبل‪ ،‬ندعم‬ ‫بعضنا‪ ،‬نتقاسم العمل فيما بيننا نعمل كفريق‬ ‫بقلب واحد‪.‬‬ ‫حيـتــاج الــداعــم إىل أصــدقــاء يقضي معهم بعض‬ ‫الوقت‪ ،‬يتبادل معهم أطراف احلديث‪ ،‬يشاركهم‬ ‫اخلربات ويساند بعضهم بعضاً‪ ،‬كما حيتاج للقيام‬ ‫بنزهة أو فرتة اسرتخاء أو القيام بنشاط جسدي‬ ‫ممتع‪ ،‬وجيلب له شعوراً ابلسعادة‪.‬‬ ‫كما أن الداعم حباجة ألن يفكر بذاته وبتحقيق‬ ‫أحالمه‪ ،‬وآماله ومشاعره‪ ،‬أن يعيد ترتيب أولياته‪،‬‬ ‫أن يقوم ببعض األنشطة الروحية اليت يراتح عند‬ ‫القيام هبا‪ ،‬وذلك ليعزز ما لديه من تفاؤل وأمل‪،‬‬ ‫وال يضريه أن يتذكر ما أوصتنا به الــدايانت من‬ ‫فوائد الصرب واالمتحان والعطاء‪.‬‬ ‫يف اخلــاصــة‪ ،‬حنــن أيـضـاً يتوجب علينا تشجيع‬ ‫الــداع ـمــن لـ ـ ـزايرة مـكــاتــب االس ـت ـش ــارات وأخ ــذ‬ ‫ال ـ ـن ـ ـصـ ــائـ ــح‪ ،‬وأن نـ ـس ــاع ــد يف كـ ـس ــر احل ــاج ــز‬ ‫االجتماعي املوجود لديهم جتاه مفاهيم كالعالج‬ ‫النفسي‪ ،‬والــدعــم النفسي وغــرهــا‪ .‬كما يتوجب‬ ‫على املنظمات واهليئات العاملة بشؤون التازحني‬ ‫وامل ـت ـضــرريــن االه ـت ـمــام بــدعــم الـكـبــار والــداعـمــن‬ ‫ابلتوازي مع دعم األطفال والنساء‪ ،‬لدرء اهلوة اليت‬ ‫حتدث عند دعم شرحية من اجملتمع دون األخرى‪،‬‬ ‫عسى أن يتجاوز الشعب السوري حمنته منتصراً‪.‬‬


‫هرب»‬ ‫المه ّربين والـ«ال َم َ‬ ‫كــان يتحدث بكليّة جسده الضخم‪ ،‬يــداه وعيناه وحــى تواتر اهتزاز‬ ‫ركبتيه يوحي أبن وراء خشونة يديه وألفاظه رجل مقهور وخائف‪.‬‬ ‫ «أان شخص سيء‪ ..‬ال أستحق زايرتكم‪ .‬وال حىت (احلمد هللا على‬‫السالمة) أستحقها‪»!..‬‬ ‫قريبنا هذا قا َط َعنا منذ ثالث سنوات‪ ،‬ألننا اختلفنا معه ابلرأي‪ ..‬بعضنا‬ ‫يعترب االختالف ابلرأي إهانة موجهة ضده شخصياً!‬ ‫يكمل حديثه بدون أن يوقف اهتزاز ركبتيه ولو للحظة‪:‬‬ ‫«كنت أظن أين أدافع عن قرييت‪ ..‬لكين ما عدت أريد ذلك‪ .‬أان أيضاً‬ ‫أستطيع اجللوس يف بييت ومشاهدة ما حيدث من بعيد‪.»..‬‬ ‫تـبــدو اجلملة األخ ــرة غــر جــديــدة على مستمعيه‪ ،‬فهو منذ سنتني‬ ‫يعترب سلوكه كمرابط على حدود البلدة ضد األعداء سلوكاً نبيالً‪ ،‬فيما‬ ‫جلوس اآلخرين ورفضهم حلمل السالح هو سلوك شائن‪!.‬‬ ‫ «يلزمنا مصح نفسي مجاعي»‪ ..‬هتمس صديقيت يف أذين‪.‬‬‫«كـنــت على وشــك امل ــوت‪ ..‬عــرت الطلقة على بعد مليمرتات من‬ ‫رأس ـ ــي‪ ..‬هللا س ـ ــر!»‪ُ ..‬ي ـســك رأس ــه بـكـلـتــا يــديــه كــأنــه يـعـيــش تلك‬ ‫اللحظات املرعبة من جديد‪ ،‬مث يتمالك نفسه ويتابع‪:‬‬ ‫«كذب‪ ..‬كل ما قالوه لنا كذب يف كذب‪ ..‬تكتشف فجأة أنك جمرد‬ ‫يضحون بك يف حركة‬ ‫حجر شطرنج بني أيديهم‪ ،‬ال إرادة لك وال قيمة‪ّ ،‬‬ ‫استباقية فاشلة لالعب فاشل‪ ،‬بدون أية حساابت لوجودك اإلنساين»‪.‬‬ ‫«‪ ..‬أعدت هلم البدلة العسكرية والسالح وكل شيء‪ ،‬ما عدت أرغب‬ ‫بدور احلارس (ألنه ما بعرف مني عم أحرس)‪ ،‬ومل أعد أريد أن أطلق‬ ‫الرصاص (ألنه ما بعرف على مني عم قوص)‪ .‬كل الوقت نليب نداءاهتم‬ ‫حلماية حدود القرية‪ ،‬نفزع من كل االجتاهات‪ ،‬بثياب نومنا أحياانً‪..‬‬ ‫(معليش) قريتنا يعين عرضنا وشرفنا وجيب أن منوت ألجلهما‪ ..‬لكن‬ ‫هذه املرة رأينا شيئاً خمتلفاً‪ ،‬اتصلنا ابجلهات الرمسية وقلنا هلم هناك شيء‬ ‫يريدون هتريبه إىل داخل املدينة‪ ،‬قد يكون سالحاً أو قد تكون سيّارة‬ ‫مفخخة ال مسح هللا‪ ..‬شيء خمتلف عن كل مرة‪ ..‬بدأ كل منا يتخيل‬ ‫حجم الكارثة الــي ميكن أن حتصل يف املدينة املــزدمحــة‪ ..‬انتظران الــرد‬ ‫واملساندة‪ ..‬انتظران بدون جدوى‪.»..‬‬ ‫«منذ سنتني وحنن نعمل معهم‪ ..‬كلما أرادوا التغطية على هتريب بضاعة‬ ‫ما‪ ،‬يطلقون رصاصاً خطاطاً فتلتمع السماء أبلوان محراء متفرقة‪ .‬تنطلق‬ ‫الرصاصات املخططة يف اجتاه حمدد‪ ،‬وبعدها تتجمع بعض السيارات‬ ‫وحتدث جلبة غري مفهومة‪ ،‬وينقطع التيار الكهرابئي يف املنطقة‪ ،‬فنعرف‬ ‫أهنا جمرد (هتريبة)‪ ..‬غالباً ما يسبق ذلك فقدان ألحد املـواد التموينية‬ ‫املهمة يف احملــافـظــة‪ ،‬مث يف الـيــوم الـتــايل ميتلئ الـســوق ابمل ــادة املفقودة‪،‬‬ ‫لكن بسعر ٍ‬ ‫عال جداً هذه املــرة‪ .‬عادة تكون هذه املـواد أساسية جداً‬

‫• وجدان انصيف‬ ‫والدولة مسؤولة عن توزيعها‪ ،‬لكنها تصبح بقدرة قادر يف اليوم التايل‬ ‫على األرصفة‪ .‬يبيعها لصوص حــروب وجتــار دم‪ ..‬عند بوابة احملافظة‬ ‫الشمالية يتواجد العديد من ابئعي املــازوت املهرب والـغــاز‪ ،‬ويقومون‬ ‫ببيعها أبسعار ابهظة وحتت محاية رجال األمن‪ ،‬بينما يفتقدها الناس‬ ‫يف القرى القريبة األخــرى‪ ...‬طيب كيف أقوم حبمايتهم وأتمني تغطية‬ ‫لعمليات هتريبهم ليالً‪ ،‬وهم يقومون يف اليوم التايل بسرقة ما تبقى يف‬ ‫جييب ويف جيوب إخــويت؟ لطاملا سألت نفسي هــذا الـسـؤال‪ ،‬وعدت‬ ‫يف الـيــوم الـتــايل ألق ــول يف نفسي أبن الـعــرض وال ـشــرف أهــم مــن هذه‬ ‫التفاصيل»‪.‬‬ ‫«لكن يف النهاية طلعوا كلهم متفقني على شيء واحد هو (التهريب)‪.‬‬ ‫يبدو يل أن كل شــيء منذ البداية‪ ،‬بــدءاً بقصة العصاابت املسلحة‪،‬‬ ‫املتطرفني‪ ،‬اإلرهابيني‪ ،‬اخلاطفني‪ ،‬املؤامرة‪ ،‬داعش والطائفية‪ ..‬كل هذه‬ ‫الكلمات جــاءت لتغطي على كلمة وحيدة هي (الت ّهريب)»‪« ،‬هي‬ ‫مــلء جيوب رجــال مافيات لن يشبعوا من دمنا‪ ،‬ولــو أهنــم استطاعوا‬ ‫يهربون كل شيء ممكن أن تتخيلوه‪:‬‬ ‫بيع عظام من يف القبور لفعلوا‪ّ ..‬‬ ‫حمروقات‪ ،‬سالح‪ ،‬خمدرات‪ ،‬آاثر وبشر‪ ...‬كل شي»‪.‬‬ ‫«مـبــارح (فقعت معي)‪ ..‬أحسست أبن (الت ّهريبة) هــذه املــرة ليست‬ ‫مرة وقررت أن أخالف األوامر وأطلق النار‪ ..‬قررت أن ال أقبل‬ ‫مثل كل ّ‬ ‫بدخول املوت إىل أهلي‪ ،‬لكين ابلكاد أطلقت رصاصة حىت فوجئت‬ ‫ابلــرصــاص يندفع إىل زاوي ــي مــن كــل االجتــاهــات‪ .‬طلعنا عــم حنرسهن‬ ‫وبعدين يقوصوان‪.»!..‬‬ ‫يسكت الرجل فجأة وتلمع دمعة يف عينه‪ ..‬ال يكمل احلكاية وال أحد‬ ‫سيكملها‪ ،‬ألن تكملة احلكاية هي احلكاية حب ّد ذاهتا واجلميع يعرف‬ ‫ذلك‪« ..‬لكن ما اجلدوى؟»‪.‬‬ ‫يعيد مجله األخرية ويكررها‪ ،‬بدون أن يلحقها أبي مجلة جديدة‪:‬‬ ‫السيارة اليت جتاوزت‬ ‫«ملا رفضت األوامــر وقــررت أن أطلق النار على ّ‬ ‫علي النار‬ ‫احلاجز (ومعروف أهنا حتمل سالحاً فتاكاً جلهة ما)‪ ..‬أطلقوا ّ‬ ‫وكدت أموت‪ .‬كدت أموت من أجل لريات أحدهم»‪.‬‬ ‫ «يبدو الشغلة بدها تعزيل»‪ ..‬تقول امرأة تستمع للحكاية‪.‬‬‫ «كان الزم نعزل من زمان»‪.‬‬‫يدور حديث عن «التعزيل» متناسني مشكلة عدم توفر املياه‪!.‬‬ ‫ «كل اآلفات واألمراض واألوبئة دخلت منازلنا ألن اجلو الءمها»‪.‬‬‫ سننتظر يوماً مشمساً‪.‬‬‫ «التعزيل» يتطلب أي ٍد نظيفة‪.‬‬‫ينظرون إىل أيديهم ويتفحصوهنا‪ ..‬وإىل الـســاعــة‪ ..‬هــل مــا زال هناك‬ ‫متسع من الوقت؟‬ ‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪43 2014‬‬


‫شطرنج‬

‫• جورجيت حنا‬

‫مل يقف الفن السوري عموماً منذ انطالقة الثورة وصرختها األوىل يف درعا‪ ،‬يف ّ‬ ‫انتفض َ‬ ‫آمن ابحلراك‬ ‫الظل‪ ،‬بل وعلى العكس متاماً َ‬ ‫مثل ّ‬ ‫أي سوري َ‬ ‫الشعيب مطالباً ابحلرية والعدالة‪ ،‬ورافضاً مجيع أنواع التسلط العسكري وآلة القمع األمنية‪ .‬إذ أخذت الفنو ُن حيزاً واسعاً وحضوراً كثيفاً يسلط الضوء‬ ‫ِ‬ ‫وعمق اإلنسان «اجملازف» الذي يشهر أصابعه فقط‪ ،‬يف وجه الرصاص واملوت‪.‬‬ ‫املساحات عتم ًة‬ ‫على أكث ِر‬ ‫َ‬ ‫ليكشف كن َه االستبدا ِد ومتاديه‪َ ،‬‬ ‫اايت ِ‬ ‫منابر مرئيّة تض ُع العاملَ‬ ‫قصص ورو ٍ‬ ‫فكا َن إضاف ًة لثورة ِ‬ ‫األدب املقروء من ٍ‬ ‫وشعرٍ‪ ،‬ثورة أخرى محلت عبء الصعوِد أبمل السوريني وأحالمهم‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫الشاشات الصغرية كأفال ٍم سينمائي ٍة قصرية‪ ،‬ذات‬ ‫أمج َع أما َم حقيق َة ما جيري برمزي ٍة ساخرة أحياانً‪ ،‬وجاد ٍة موجع ٍة أحياانً أخرى‪ ،‬مترأت على‬ ‫ٍ‬ ‫غاايت وطني ٍة متمدنة‪.‬‬ ‫«امللك ال ميوت»‪:‬‬ ‫سينمائي قصري‪ ،‬يروي قصة حقيقية حدثت يف إحدى املعتقالت‬ ‫فيلم‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫عرت حقيق َة النظا ِم‬ ‫اليت‬ ‫ه‬ ‫كتاابت‬ ‫ة‬ ‫ضحي‬ ‫كان‬ ‫ائي‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫شاب‬ ‫قصة‬ ‫ية‪.‬‬ ‫ر‬ ‫السو‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫خلف القضبا ِن أس ـراً كنتيجة حتمية ألي‬ ‫احلــاكـ ِم وجــروتــه‪ ،‬فقضى َ‬ ‫ٍ‬ ‫وقوف ثوري رافض يف وجه السلطة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫مفاصل هامة يف شخصيتني رئيسيتني‪ :‬األوىل‪ ،‬هي السجني‬ ‫جيسد الفيلم‬ ‫صاحب الشخصية القوية املتمردة‪ ،‬بتكوينها اإلجيايب وفلسفتها الرافضة‬ ‫أشهر‬ ‫للخضوع‪ ...‬السجني الذي اختذ قر َار املواجهة‪ ،‬منذ بدأَ الكتابة و َ‬ ‫ٍ‬ ‫حساب للعو ِ‬ ‫اقب‪ ،‬املعروف ِة سلفاً‪ ،‬يف‬ ‫صوته يف وجـ ِه احملتل‪ ،‬دو َن أدىن‬ ‫دول ٍة حتكمها شريعة املسدس‪ .‬هكذا يبقى على موقف ِه الواح ِد والذي‬ ‫ي ــزدا ُد رفـضـاً ومتـسـكـاً مبـبــادئــه ومفاتيح قضيته كلما غــاىل الـسـجــا ُن يف‬ ‫التسلط والسلطة‪.‬‬ ‫السجان‪ ،‬بطبيعته املركبة اليت ال تقبل اجلدل أو احلوار‪،‬‬ ‫أما الثانية‪ ،‬فهي ّ‬ ‫مكتمل لن َ‬ ‫يقبل‪ ،‬مطلقاً‪ ،‬تسوي ًة‬ ‫مل حتمية ومفهوٍم‬ ‫ٍ‬ ‫الكائن املعبّأ جبُ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫تيب أو تغيريَ صياغته‪ٍ ،‬‬ ‫مجــل يرتمجها أفـعــاالً وواقـعـاً‪ ،‬دو َن أدىن‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫تعي ُد َ‬ ‫حيّ ٍز من ّ‬ ‫التفكرِ‪ ،‬لتأخ َذ املشاه َد لبيئت ِه (أي السجان)‪ ،‬ورمبــا لتدخله‬ ‫ٍ‬ ‫تساؤالت عن حجم السلطة املاثل ِة ابملسدس َ‬ ‫أسفل‬ ‫بيته أيضاً فتطرَح‬ ‫خاصرته‪ ،‬وبوجه ِه املتجهم وصراخه الــذي لن يكف‪ ،‬ومبقارن ٍة بسيطة‬ ‫تلك االمتياز ِ‬ ‫عن دور كل َ‬ ‫ات الوهم‪ ،‬يف ارتدا ِء الوحش وخل ِع اإلنسان‪.‬‬ ‫يبدأ الفيلم بينما يلعب كل من السجان والسجني لعبة «الشطرنج»‪،‬‬ ‫حيضر لــه عــدداً‬ ‫وخــاهلــا يطلب السجني مــن األخــر تنفي َذ وعــده أبن َ‬

‫‪ 44‬العدد (‪ )10‬كانون أول ‪2014‬‬

‫السجان أن يروي السجني حكاي ًة للطفل‬ ‫من األوراق للكتابة‪ ،‬فيشرتط ّ‬ ‫الذي ُولِ َد يف الزنزان ِة اجملاورة‪ ،‬من أ ٍّم تقضي أسرها يف ِ‬ ‫ذات املعتقل‪ ،‬ويف‬ ‫هذ ِه األثناء بينما يتابعا ِن اللعبة‪ ،‬يطلق السجني مجلة ترتع ُد هلا فرائس‬ ‫السجان‪:‬‬ ‫«انتبه‪ ..‬امللك كش!!»‬ ‫ليقف األخ ـ ُـر غــاضـبـاً ويـقــوَد السجني لـلـزنـزانـ ِة اجمل ــاورة لتنفي ِذ الـشــرط‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فيدخلها ويبدأ حكايته للطفل بقوله‪:‬‬ ‫«ك ــان يف عـصـفــور‪ ..‬كــان يف مس ــا‪ ..‬إخل» فيقاطع ُه الطفل املــولــود يف‬ ‫املعتقل‪ ،‬كما أشران‪ ،‬أبسئل ٍة غريبة‪:‬‬ ‫ـ ما هو العصفور؟‬ ‫ـ ماهي السماء؟‬ ‫وينتهي كــل شــيء أبن َ‬ ‫يطلب الطفل مــن الـسـجــان أن يــرى العصافريَ‬ ‫والسماء‪ ،‬ليصرَخ األخريُ بكامل سلطت ِه‪:‬‬ ‫«مايف شي امسه مسا‪ ..‬مايف شي امسه كش ملك‪ ..‬امللك ما بيموت!!»‬ ‫فـيـعــود الـسـجــن إىل زن ـزان ـتــه‪ ،‬وي ـضــرب امل ـلـ َ‬ ‫ـك امل ـفــرض مــن عـلــى رقـعـ ِة‬ ‫الشطرنج بيد ِه‪ ...‬ليرتنّ َح ساقطاً‪.‬‬ ‫نقف كـثـراً على‬ ‫بـقـراء ٍة أو مشاهد ٍة جــاد ٍة ومـســؤولـ ٍة للفيلم‪ ،‬الب ـ ّد أن َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫وإسقاطات سياسية واضحة‪ ،‬أراد هلا‬ ‫كمقوالت‬ ‫مفاصل مهمة متـرأت‬ ‫ِ‬ ‫الكشف لع ِ‬ ‫ني احلقيقة‪ ،‬فتعري‬ ‫صنّ ُاع الفيلم أن تكو َن أذرعاً توجه أصابع‬ ‫فصل عـبــاءتـ ُه وحاكها‬ ‫مــا ُيفي الـواقـ ُع املـشـ ّـوُه مــن لــبْـ ٍ‬ ‫ـس‪ ،‬الـواقــع الــذي ّ‬


‫هنـــــاء إدور‬

‫• فريق حترير سيدة سوراي‬

‫سجن واس ـ ٍع ال حتيطه جــدرا ٌن أو‬ ‫أسـ ـي ــاد ُه ال ـط ـغــاة مب ــا ي ـنــاســب سـلـطـتـهــم ال ــزور أنفسهم يف ٍ‬ ‫السجا ِن يف ِ‬ ‫تغييب‬ ‫وي ـض ـمــن ب ـق ــاءه ــم املـ ـش ــروط ب ـع ـصـ ِ‬ ‫ـب األع ــن نوافذ‪ ،‬سج ٌن حبجم إراد ِة ّ‬ ‫ِ‬ ‫أي مفرد ٍة تشي ابحلرية أو العدالة‪،‬‬ ‫فضح يهد ُد سالم َة سلطاهنم‪.‬‬ ‫العقول عن ّ‬ ‫وتعميتها عن ِّ‬ ‫أي ٍ‬ ‫حيث يتعرض الفيلم يف مشهد ِه األول للعبة فـكــانـوا‪ ،‬كما أُريـ ـ َد هلــم‪ ،‬أدا ًة طيع ًة يف أيــدي‬ ‫ُ‬ ‫ال ـش ـط ـرن ــج ال ـ ــي مي ــارس ـه ــا ك ــل م ــن ال ـس ـجـ ِـن اجلهل والقبول وأخص (السياسي)‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بكلمات تشري إىل احلرية‪،‬‬ ‫والسجان‪ ،‬ولكن مبفهوٍم خمتلف‪ ،‬األول املعتقل وما إن مس َع (الطفل)‬ ‫الذي يستطي ُع‪ ،‬دائماً‪ ،‬هتدي َد (امللك) املفرتض‪ ،‬حىت ر َاح يصرخ يف وج ِه السجان مطالباً حبريته‬ ‫يف ك ـ ّـل فــرص ـ ٍة ســاحن ـ ٍة دو َن م ـهــاب ـ ٍة أو خــوف املتمثلة ابلطيور والـسـمــاء واألجـنـحــة‪ ،‬إبشــارٍة‬ ‫يض‬ ‫إبشــارٍة تبدو واضحة على قــدرة اإلنسان احلر صــرحيـ ٍة أيـضـاً لــدور املثقف الـواعــي يف حتر ِ‬ ‫تقويض مملك ِة الطاغية‪ ،‬وإن كــا َن يــرزُح اجملـتـمــع ال ـفــات ـ ِر مب ـف ـ ٍ‬ ‫ـردات بـسـيـطــة هلــا دالالهت ــا‬ ‫على‬ ‫ِ‬ ‫طلب األور ِ‬ ‫اق إال كسر العميقة‪.‬‬ ‫حتت وط ِء القيد‪ ،‬وما ُ‬ ‫صــارخ جلــدا ِر الصمت املفروض بقوِة السالح ب ـ ردة ف ـع ـ ِـل ال ـس ـ ّـج ــان «امل ـم ـث ــل ال ـص ـريــح‬ ‫إثر مساع ِه‪ ،‬وللمرِة األوىل‪ ،‬ألفاظاً قد‬ ‫والتنكيل‪ .‬أما اثنياً‪ ،‬فهو ّ‬ ‫السجان‪ ،‬أو املُعت ِقل‪ ،‬للطاغية»‪َ ،‬‬ ‫والذي بدوره يدف ُع جبمي ِع اجلنود واحلاشية (من هتد ُد سلطته وابلتايل سلطة امللك‪ ،‬فر َاح يصرُخ‬ ‫استطاع بعبار ٍ‬ ‫ات كا َن قد حفظها سلفاً ودون عناء‪:‬‬ ‫اس) كــي ينأى مــا‬ ‫ـاع وح ـ ّـر ٍ‬ ‫َ‬ ‫وزر َاء وق ـ َ‬ ‫ابمل ـل ــك ب ـع ـي ــداً ك ـل ـمــا ح ـ ـ ّد َق خ ـط ـ ٌـر‪ ،‬حمــاف ـظ ـاً «م ــايف شــي امس ــه مس ــا‪ ..‬م ــايف شــي امس ــه كش‬ ‫بذلك‪ ،‬إضاف ًة على حياة امللك‪ ،‬على سلطت ِه ملك!!»‬ ‫ُ‬ ‫ني أخ ـراً‪ ،‬وكنهاي ٍة ف ـ ّذ ٍة للفيلم‪،‬‬ ‫ستزول حتماً بــزو ِال األول‪ ،‬ولذا كان من‬ ‫اليت‬ ‫ليذهب السج ُ‬ ‫َ‬ ‫يح َ‬ ‫امللك بيد ِه‪ ،‬كدالل ٍة على قوِة‬ ‫ائس السجا ِن ويفق َد إىل زنزانته‪ ،‬ويز َ‬ ‫الطبيعي جداً أن ترتع َد فر َ‬ ‫احلصار واثقاً‪.‬‬ ‫الفعل مهما كا َن‬ ‫توازنه كلما خاطبه السجني‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫وال ب ّد أخـراً من اإلشــارِة للشكل الفين الذي‬ ‫«انتبه‪ ..‬امللك كش !!»‪.‬‬ ‫حتقيق‬ ‫حيث‬ ‫مــن جه ٍة أخــرى‪ ،‬أكـثـ ُـر املشاه ِد تـســاؤالً ورمبــا خــرَج ب ِه الفيلم‪ُ ،‬‬ ‫استطاع صنّاعه َ‬ ‫َ‬ ‫جـ ــدالً‪ ،‬ت ـلـ َ‬ ‫حيث اإلعداد‪،‬‬ ‫ـرض لـلـطـفـ ِـل ال ــذي ال أكمل الشروط السينمائية من ُ‬ ‫ـك ال ــي ت ـت ـعـ ُ‬ ‫يعرف شيئاً عــن األجنحة والـطـيــور والسماء‪ ،‬اإلض ـ ــاءة وم ــوق ــع ال ـت ـصــويــر‪ ،‬وص ـ ــوالً لـلـتـمـثـيـ ِـل‬ ‫َ‬ ‫الشكل الفقري الذي‬ ‫ين بذلك‬ ‫كنتيج ٍة منطقية لوالدت ِه داخـ َـل السجن‪ ،‬وهنا واإلخراج‪ ،‬كاسر َ‬ ‫الب ّد من اإلشارِة إلسقاط ِ‬ ‫خرجت به معظم األفالم القصرية‪ ،‬اليت كانت‬ ‫ني رئيسيني‪:‬‬ ‫آـ ُ‬ ‫ميثل هذا الطفل‪ ،‬من وجهة نظر الكاتب‪ ،‬وستبقى مجيعها منرباً ومرآ ًة تعكس روح احلقيقة‬ ‫أنياب القاتل‪.‬‬ ‫ش ــرحي ـ ًة واسـ ـعـ ـ ًة م ــن ال ـس ــوري ــن ال ــذي ـ َـن وج ــدوا وتكشف عن َ‬

‫عراقية ومناضلة يسارية‪ ،‬انشطة يف جمال حقوق‬ ‫إنـســان ومــدافـعــة عــن حـقــوق املـ ـرأة وسـكـرتــرة‬ ‫مجيعة األمــل‪ ،‬إحــدى منظمات اجملتمع املدين‬ ‫يف ال ـع ـراق‪ .‬مثلّت يف هناية الستينات وبداية‬ ‫الـسـبـعـيـنــات م ــن ال ـق ــرن امل ــاض ــي راب ـط ــة املـ ـرأة‬ ‫العراقية يف اهليئة التنفيذية الحتاد النساء العاملي‬ ‫مع «نزيهة الدليمي» اليت كانت أول وزيرة يف‬ ‫اتريخ العراق والوطن العريب‪.‬‬ ‫ول ــدت ه ـنــاء يف ال ـب ـصــرة يف ج ـنــوب ال ـع ـراق‪،‬‬ ‫مت اعتقاهلا بعد االنـقــاب البعثي األول عام‬ ‫‪ .1963‬ه ـربــت إىل ال ـش ـمــال لتتحصن يف‬ ‫جـبــال كــردسـتــان ال ـع ـراق عــام ‪ .1979‬وبعد‬ ‫مخس سنوات من الكفاح املسلح ضد النظام‬ ‫ضـمــن احل ــزب الـشـيــوعــي انـتـقـلــت إىل دمشق‬ ‫لتعمل كمدير تنفيذي ألكرب جملة يسارية عربية‬ ‫وهي جملة «النهج»‪ ،‬ويف نفس الوقت عملت‬ ‫كعضو يف اهلـيـئــة اإلداريـ ــة ملــؤسـســة «امل ــدى»‬ ‫اإلعالمية‪ .‬وهي إحدى اخلبريات اليت تعتمدها‬ ‫املنظمة العاملية حلقوق اإلنسان وأسست مجعية‬ ‫األمل يف عام ‪.1992‬‬

‫اشتهرت يف وسائل اإلعالم بعد حتديها لنوري‬ ‫املــالـكــي وتوزيعها بــوس ـرات مطالبة بتحسني‬ ‫وضــع حقوق اإلنـســان وامل ـرأة يف الـعـراق‪ ،‬ورد‬ ‫نـواب الربملان العراقي للرواتب الــي استلموها‬ ‫قـبــل تشكيل احلـكــومــة‪ ،‬ألهن ــم مل يـقــومـوا أبي‬ ‫عمل يستأهلون عليه املال‪.‬‬ ‫حائزة على جائزة مكتب السالم العاملي شون‬ ‫ماكربايد يف عام ‪ .2011‬كما حصلت هناء‬ ‫أدورد على لقب «امل ـرأة العربية األوىل» لعام‬ ‫‪ 2013‬عن جهودها املدنية للمرأة العراقية‪.‬‬ ‫حتـســب هلـنــاء مشاركتها يف أكـثــر مــن نشاط‬ ‫نسوي عـراقــي وعــريب ودويل‪ ،‬وعــرض جتربتها‬ ‫وخـراهتــا على اجلميع‪ ،‬كما تعترب واحــدة من‬ ‫أهم النساء العربيات الفاعالت‪.‬‬ ‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪45 2014‬‬


‫هذا الرحيل «أثقل من رضوى»‬

‫• سامر خمتار‬

‫رحلت الكاتبة الروائية املصرية رضوى عاشور( ‪ )1964‬عن عاملنا منذ أايم قليلة (‪ 30‬نوفمرب ‪ ) 2014‬اتركة أثراً بليغاً داخل نفوس‬ ‫وقلوب كل من حوهلا‪ .‬قائمة األحباب ال تنتهي‪ ،‬بدءاً من احلبيب ورفيق الدرب والزوج الشاعر الفلسطيين «مريد الربغوثي»‪ ،‬واالبن الشاعر‬ ‫الشاب «متيم الربغوثي»‪ ،‬مروراً بصديقتها الكاتبة املصرية «أهداف سويف»‪ ،‬والقائمة ال تنتهي‪ ،‬من أصدقاء‪ ،‬زمالء‪ ،‬أساتذة جامعة‪ ،‬طالب‬ ‫وطالبات جامعة‪ .‬رضوى اليت اجتمعت بشخصيتها صفات اندراً ما جتتمع يف شخص واحد‪ ،‬الكاتبة الروائية‪ ،‬املناضلة‪ ،‬أستاذة اجلامعة‪،‬‬ ‫األنثى واألم‪ .‬ويبدو أن احلال كما جاء على لساهنا يف (ثالثية غرانطة) حني قالت‪« :‬تبدو املصائب كبرية تقبض الروح مث أييت ماهو أعىت‪،‬‬ ‫وأشد فيصغر ما بدا كبرياً وينكمش متقلصاً يف زاوية من القلب واحلشا»‪ .‬ويبدو أن رحيل رضوى هو الذي كان أعىت وأشد‪ ،‬هو الذي كان‬ ‫فع ً‬ ‫ال ما عنونت به كتاهبا األخري «أثقل من رضوى»!‬ ‫مل ختيب رضــوى ظن قرائها هبا‪ ،‬ومل ختن رضوى‬ ‫ماخطه قلمها‪ ،‬ومانطقه لساهنا على مدى اتريخ‬ ‫حياهتا‪ ،‬مل ختن قضااي كثرية آمنت هبا‪ ،‬مل ختيب‬ ‫ظنها بنفسها كإنسانة انضلت مــن أجــل حياة‬ ‫يكون فيها اإلنسان له قيمة‪ .‬وجاء كتاهبا األخري‬ ‫«أثقل من رضوى» ليكمل مابدأته الكاتبة الشابة‬ ‫ملـســرة أره ـقــت كاهلها لكنها مل تـتــوقــف‪ ،‬منذ‬ ‫صــدور كتاب «الرحلة‪ :‬أايم طالبة يف أمريكا»‬ ‫(‪ )1983‬الذي يعترب سرية ذاتية أوىل‪ ،‬وهو عن‬ ‫الفرتة اليت قضتها يف أمريكا أثناء دراستها األدب‬ ‫األفريقي األمريكي من جامعة «ماساشوستس»‬ ‫ابلوالايت املتحدة حيث حصلت على الدكتوراه‬ ‫ابألدب عــن نفس التخصص يف عــام ‪1975‬‬ ‫إذا قــالــت رضـ ــوى «ع ـنــدمــا غ ـ ــادرت طـفـولــي‪،‬‬ ‫وفـتـحــت امل ـنــديــل امل ـع ـقــود ال ــذي تــركـتــه يل أمــي‬ ‫وع ـم ــي‪ ،‬وجـ ــدت بــداخ ـلــه هـزميـتـهـمــا‪ ،‬بـكـيــت‪،‬‬ ‫ولكين بعد بكاء وتفكري أيضاً ألقيت ابملنديل‬ ‫وســرت‪ ،‬كنت غاضبة»‪ .‬عدت للكتابة عندما‬ ‫اصطدمت ابلسؤال‪( :‬ماذا لو أن املوت دامهين؟)‬ ‫ساعتها قــررت أين سأكتب كــي أتــرك شيئًا يف‬ ‫منديلي املعقود‪ ،‬وأيضاً ألنين تنبهت‪ ،‬وكنت يف‬ ‫الرابعة والثالثني من عمري‪ ،‬أن القبول ابلنسيب‬

‫‪ 46‬العدد (‪ )10‬كانون أول ‪2014‬‬

‫أكثر حكمة من التعلق ابملطلق‪ ،‬وأن الوقت حان‬ ‫علي أن آيت مبا مل‬ ‫للتحرر من ذلك الشعور أبن َّ‬ ‫ِ‬ ‫كربايء»‪.‬‬ ‫أيت به األوائل أو أدير ظهري خوفًا و ً‬ ‫ويف الـعــودة إىل اخلـتــام‪ ،‬ختام التجربة يف كتاب‬ ‫«أثقل من رضــوى» واملقصود من العنوان كما‬ ‫ج ــاء يف ال ـك ـتــاب ه ــو ج ـبــل ي ـقــع ابل ـق ــرب من‬ ‫املدينة املنورة «تضرب به العرب املثل يف الرسوخ‬ ‫فتقول (أثـقــل مــن رض ــوى) ألن اجلـبــل يف واقــع‬ ‫األمر‪ ،‬سلسلة من اجلبال املمتدة إىل الشرق من‬ ‫َيـْنـبُع‪ ،‬هبا جــداول ماء وشعاب وأوديــة‪ ،‬ووعول‬ ‫وغ ـ ـزالن‪ُ ،‬ت ـلِّــق يف أرجــائ ـهــا ال ـن ـســور والـصـقــور‬ ‫وال ـ َق ـ َـط ــا واحل ـ ـمـ ــام»‪ ،‬ت ـســرد م ــن خــالــه رض ــوى‬ ‫عاشور مقتطفات من سريهتا الذاتية من جانب‪،‬‬ ‫ومــن جانب آخــر تــرواح فصول الكتاب مابني‬ ‫يوميات‪ ،‬ومــذكـرات‪ ،‬وكــأن هــذا املــزج بني ثالثة‬ ‫أن ـواع مــن الكتابة يف كتاب واحــد يشبه طبيعة‬ ‫املــرحـلــة األخ ــرة الــي عاشتها الكاتبة يف الفرتة‬ ‫األخ ـ ــرة‪ ،‬أي مـنــذ بــدايــة رحـلـتـهــا الـعــاجـيــة يف‬ ‫أمريكا الــي سبقت «ثــورة ‪ 25‬يناير» ‪2011‬‬ ‫بفرتة قصرية‪ ،‬وتزامناً مع انطالق املظاهرات يف‬ ‫تــونــس‪ .‬يسبق هــذيــن احلــدثــن‪ ،‬ح ــداثن آخ ـران‬ ‫كــان هلما األث ــر على رض ــوى ومهــا وف ــاة أخيها‬

‫األك ــر «ط ـ ــارق»‪ ،‬وم ــن مث وف ــاة وال ــدهت ــا‪ .‬كل‬ ‫هذا املفاجآت اليت نصبتها احلياة للكاتبة كانت‬ ‫ابلنسبة للكاتبة عصية على الـفـهــم‪ ،‬وهــي اليت‬ ‫تقول يف الفصل اخلــامــس مــن الكتاب‪ ،‬والــذي‬ ‫جــاء بعنوان (تــونــس‪ ..‬إذا الشعب يــومـاً)‪« :‬ال‬ ‫أفهم الـ ُّـص ـ َدف‪ .‬أأتملها وأفـشــل يف فهمها‪ .‬وال‬ ‫أعين الصدفة كظاهرة‪ ،‬بل تصادف تواريخ أمرين‬ ‫ْدالَّــن‪ ،‬أو تصادف حدوث أمر حزين مع آخر‬


‫سعيد (أو العكس) يف اليوم نفسه من ذات السنة أو بعدها بسنوات‪ ،‬كأن‬ ‫يتعرض صديقنا رسام الكاريكاتور انجي‬ ‫أفقد والدي يوم عيد زواجي‪ ،‬وأن ّ‬ ‫العلي لالغتيال يف التاريخ نفسه‪ ،‬وأن يرحل طارق يف يوم ميالده السابع‬ ‫والستني‪ .‬كل منها صدفة ال أفهمها»‪ .‬ورغم أن هذه املصادفات اليت ابتت‬ ‫حمط أتمل الكاتبة‪ ،‬إال أهنا حتاشت الفصل بني تفاصيل وأحداث حتدث‬ ‫على الصعيد الشخصي‪ ،‬وأحداث كبرية حتدث يف تلك البالد اليت جاءت‬ ‫منها‪ ،‬وإىل حدث هام‪ ،‬اتريخ نضاهلا كله كان من أجل هذا احلدث الذي‬ ‫قد يكون بداية لتغيري مــا»‪ ،‬تصادف إذن أن أكــون يف مسرح العمليات‬ ‫اح ْي يُعمالن مشارطهما ومعارفهما يف رأسي‪ ،‬وتونس تشتعل‬ ‫بني أيدي جر َ‬ ‫بعد أن أحرق البوعزيزي نفسه‪ .‬ال عالقة بني األمرين‪ ،‬ولكنين أربط بينهما‬ ‫بسبب التاريخ‪ ،‬وألن ك ٍّ‬ ‫خيصين بشكل مباشر‪ ،‬ويؤثر يف فعل‬ ‫ال من احلدثني ُّ‬ ‫احلياة وشكل استمرارها‪».‬‬ ‫حالة من القلق رافقت رحلة رضوى إىل العالج‪ ،‬وجعلتها معلقة مابني مصري‬ ‫حياهتا‪ ،‬ومصري بلدها اليت اشتعلت به الثورة‪ .‬مصريان يتصارعان‪ ،‬ليأخذ‬ ‫واحــد منها احليز األكــر من مساحة اهلواجس والتفكري‪ ،‬والتنبأ ابللحظة‬ ‫القادمة « أويــت إىل فراشي بسؤال جديد‪ .‬هل ينتهي األمــر بعد يوم أو‬ ‫يومني من اإلحتجاج‪ ،‬على طريقة حريق القاهرة يف ‪ 26‬يناير ‪ 52‬أو هبّة‬ ‫‪ 77‬؟ ( وهنا تقصد الكاتبة اإلنتفاضة الشعبية يف ‪)1977/1 / 19 ،18‬‬ ‫ال بد من االنتظار للغد‪ .‬ليلة أخرى من النوم املتقطع‪ .‬بعدها صباح اخلري‬ ‫وكوب القهوة‪ ،‬واألخبار‪ .‬املظاهرات مستمرة‪ .‬هل هي فع ً‬ ‫ال ثورة ؟ ايرب «‬ ‫يف التوازي مع سرد تفاصيل رحلة العالج‪ ،‬ومن بعدها فرد فصول كاملة‬ ‫تسرد فيها الكاتبة يوميات عاشتها فــور وصـوهلــا الـقــاهــرة‪ ،‬ومــاتــاهــا من‬ ‫أحداث ثورة ‪ 25‬يناير‪ .‬إال أهنا تفرد بعض املساحات من الكتاب لتحكي‬ ‫عن جتربتها يف اجلامعة‪ ،‬إذ أن رضوى عاشور أستاذ بكلية اآلداب جامعة‬ ‫عني مشس‪ ،‬وانتخبت من زمالئها مقررة للجنة العلمية الدائمة لرتقية أساتذة‬ ‫اللغة اإلجنليزية وآداهبا يف أقسام اللغة اإلجنليزية وآداهبا يف اجلامعات املصرية‬ ‫مــن الـعــام ‪ 2001‬إىل الـعــام ‪ .2008‬وهــي الــي أشـرفــت على عشرات‬ ‫الــرســائــل اجلامعية املـقــدمــة لنيل املاجستري والــدك ـتــوراة‪ ،‬وقيمت عشرات‬ ‫األحباث املقدمة للحصول على درجة األستاذية‪ .‬وهي من املؤسسني حلركة‬ ‫‪ 9‬مارس الستقالل اجلامعات‪.‬‬ ‫أمــا قصة احلــب الــي مجعت رض ــوى ابلشاعر واألدي ــب الفلسطيين مريد‬ ‫الربغوثي جتعلنا حنلق بعيداً خــارج دفــي الكتاب األخــر‪ ،‬إىل حياة رجل‬ ‫وإمـرأة مل يتوقف حبها رغم هذا الفراق األخــر‪ .‬تقول رضوى أن أول مرة‬ ‫تلتقي فيها مريد كــان على سلم جامعة القاهرة‪ ،‬حيث كــان يلقى على‬ ‫أصدقائه أحد قصائده‪ ،‬فانتبهت له وشعرت بكلماته خترتقها‪ ،‬حيث أهنا‬ ‫كانت تكتب الشعر أايمها‪ ،‬ولكن بعد أن مسعت قصائد مريد‪ ،‬تركت‬ ‫الشعر‪ ،‬ألن الشعر أحــق أبهله وذوي ــه‪ ،‬حسب تعبريها‪ .‬وقــد مـ َّـرت هذه‬ ‫العالقة ابلكثري من الصعوابت‪ ،‬كانت بدايتها يف رفض والد رضوى ملريد‬ ‫يف بداية تقدمه هلا للزواج‪ ،‬لكن وافق بعدما التقى به‪ ،‬ووجد بداخله كل‬ ‫هذا احلب واملسئولية جتاه ابنته ويعلق مريد على ذلك ‪« :‬طوال عمري منذ‬ ‫أن تعرفنا وإىل األبد مل أشعر أبي لوم أو عتب على موقفهم جتاهي»‪ .‬لكن‬

‫الصعوابت اشتدت حني أعلن مريد اعرتاضه على زايرة السادات إسرائيل‪،‬‬ ‫وبسبب هذا املوقف مت منع مريد الربغوثي من دخول مصر ملدة ملدة ‪17‬‬ ‫عا ًما‪ ،‬وليخرج مريد من مصر تزامناً مع والدة ابنهما الشاعر متيم الربغوثي‪.‬‬ ‫ويف تلك الـفــرة الصعبة كتبت رضــوى ذات مــرة تعرب عــن م ـرارة الشوق‪،‬‬ ‫ختاطب فيها مريد ‪ :‬وكم مرة ايمريد افرتقنا ؟‪ ،‬وكم مرة سوف نلتقي ؟ وتلك‬ ‫الغصة يف احللق ساعة ميضي واحــدان إىل داخــل املنطقة اجلمركية ليجلس‬ ‫متجاه ً‬ ‫ال ذلك الثقل املتزايد أبسفل املعدة يف انتظار اإلعــان عن موعد‬ ‫الطائرة‪ .‬وملــاذا كل مرة نفرتق أو نلتقي فيها تبقى صورتك هكذا حاضرة‬ ‫التفاصيل‪ ،‬مشيتك‪ ،‬لفتة رأسك‪ ،‬قصة شعرك‪ ،‬نظرة عينيك الصغريتني من‬ ‫وراء زجاجة نظارتك ورموشك‪ ،‬حىت شكل حذائك ولون جوربك ؟»‪.‬‬ ‫أما مريد فقط كتب قصيدة بعنوان «رضوى» ونشرت يف أوائل السبعينات‬ ‫نشرت على ثالث أجزاء يف جملة «الكاتب»‪ ،‬وكتبت وقتها الكاتبة لطيفة‬ ‫الزايت مقدمة للقصيدة قالت فيها‪« :‬إننا قرأان يف الشعر القدمي قصائد غزل‬ ‫لكننا مل نقرأ قصائد حب»‪ ،‬وعلق مريد على ذلك‪« :‬الناس تظن أن الكالم‬ ‫العسلي اللطيف (املعسول) يساوي شاعر حب‪ ،‬الكالم احللو لوحدوا ما‬ ‫يعملش ما نسميه الشعر»‪.‬‬ ‫وخنتم يف وداع رضوى عاشور مقطع من قصيدة مريد‪:‬‬ ‫كما يدخل املاء جوف الصخور‬ ‫بقريتنا يف فصول الشتاء‬ ‫يشق له ألف درب بباطن أعلى اجلبال‬ ‫وخيلد فيها كالثعلبة ترقب‬ ‫ويصغى لوقع خطى املزارعني‬ ‫وشق احملاريث لالرض عاما فعاما‬ ‫وخيرج هنراً ونبعاً وانفورة تسكب‬ ‫ويهتف كالطفل‪:‬‬ ‫ها قد أتيت‪ ،‬تعالوا اشربوا‬ ‫فيشرب منه اليمام وأهل القرى‬ ‫وقوافل ضلت‪ ،‬وسنجابة تلعب‬ ‫وتنغمر االرض ابلربتقال‬ ‫وحتمر فيها الورود‪ ،‬وتنضج كل الثمار الوليدة‬ ‫ّ‬ ‫كذلك حبك يدخلىن‬ ‫ويشرق وجه القصيدة‪.‬‬ ‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪47 2014‬‬


‫أحدث صديقتي الجالسة بجواري اآلن‬

‫• لوان العبد هللا‬

‫السبت‪ 2014 /5/24‬من وراء القضبان‬ ‫تفرقنا ي ُد‬ ‫أريد أن أكتب ألطفال دمشق‪ ..‬أيكفيين الكالم ألولئك املالئكة ّ‬ ‫الصغار؟! أعـوا ٌم مل ّ‬ ‫القدر‪ ..‬يد دمشق كانت أقوى‪ ..‬بعض األمل يُغرى به‪ ..‬ليس هذا النوع على أي حال‪ ..‬يف قلب‬ ‫جزء ال ميلكه سوى ذاك الكائن اخلارج من أحشائها‪ ..‬من رحم ذكرايت مل يعرفها‪ ..‬من‬ ‫كل أ ّم ٌ‬ ‫وحضن جيرب كسر التحا ٍم داخلي فقد أواصره مرغماً ملتحفاً كذبة‬ ‫صرخ ٍة للحياة تنذر ابملستقبل‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫احلياة»‪..‬عمر ال ختتزله كلم ٌة ولــو كانت مق ّدسة‪ ..‬ال تكفيه صــاةٌ ولــو كانت مبحراب‬ ‫«سنّة‬ ‫ٌ‬ ‫األنبياء‪ ..‬ال حيتويه مكا ٌن ولو كان فردوساً‪ ..‬وحدة القلب النابض به يلملم أشتاته ويعيد جتميع‬ ‫طفل ابسم ودمعة حنني تروي نبضه ضحكة من‬ ‫أجزائه املبعثرة‪ ..‬ويرسم يف أخاديد جراحه وجه ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بكلمات مل أدركها سابقاً‪ ..‬ملس ٌة منكم جتعل قصائدي مألى مبعا ٍن‬ ‫شفاهكم متأل معجم مفردايت‬ ‫ُ‬ ‫مل أشعرها قبالً‪ ..‬كلم ٌة لكم ترِس ّ‬ ‫كل اللغات وهتبين لغ ًة جديدة مل أتكلّمها قبل وجودكم‪ ..‬أسأل‬ ‫منجز‪ ..‬صالةٌ دو َن ُطهر‪ ..‬الكتابة لكم يف مساف ِة اغرت ٍ‬ ‫اب‬ ‫نفسي اآلن‪ ..‬أ ّن الكتابة لكم عم ٌل غريُ َ‬ ‫جتعلين مسافراً دون زاد‪ ،‬يسري حايف القدمني فوق أشو ِاك ٍ‬ ‫اب واح ٍة خضراء‪.‬‬ ‫شوق مالحقاً سر َ‬ ‫اإلثنني‪ –2014 /5/26‬من وراء القضبان‬ ‫ِ‬ ‫الغائب يف قليب‪ ..‬لوج ِه ٍ‬ ‫حبيب يُشبه مدينيت الغائرة ابلقدم‪ ..‬كأجبديّة نطقتها بعد‬ ‫أكتب للفرِح‬ ‫اص‬ ‫صرخة احلياة األوىل‪ ..‬أكتب لك أنت‪ ..‬من وراء القضبان‪ ..‬ال أعلم كيف للحروف أن ترت ّ‬ ‫عن‪ ..‬عن تلك الغائبة املتوارية عن أنظاري حني هريب إليك منهم وآثرت اختيارك علي‪..‬‬ ‫لتخربَ َك ّ‬ ‫مشوخ املآذن إذ تعانق األرو َاح اهلائمة‪ ..‬كأخادي ٍد ْ‬ ‫حفرتا ي ُد الزمن إبتقا ٍن جبوار‬ ‫أنت الذي تُشبِه َ‬ ‫بسميت‪ ..‬تسكن يف حوافّها ّ‬ ‫أنس‪ -‬بك‪ ..‬أمحل سالحي يف وجه الوقت املمت ّد‬ ‫لتذكرين ‪-‬أان اليت مل َ‬ ‫ٍ‬ ‫يت يثريُ سخرية من ال يفق ُه شيئاً عن‬ ‫على طول املسافة الواصلة إليك‪ ..‬فأبدو‬ ‫كمحارب دنكشو ّ‬ ‫احلب يف زمن احلرب‪ ..‬أخسر جولة وأربح أخرى‪ ..‬وأنتظر بفارغ األمل معركيت األخرية‪ ..‬أكتب‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫لتجعل عطر اجلعة املألى‬ ‫مؤجل ٍة للنصر وقضيّ ٍة مجعتْين بك‪..‬‬ ‫لك أنــت‪ ..‬ألخربك عن مواعي َد ّ‬ ‫خيوط عـ ٍ‬ ‫وجتعل َ‬ ‫ـاص بــك‪َ ..‬‬ ‫ـرق متسحه عن جب ٍ‬ ‫ني‬ ‫الرصاص أمجـ َـل من رائحة اآلرمــا ّ‬ ‫ين اخلـ ّ‬ ‫بفوارغ ّ‬ ‫امتألت يداك به أدفأ من صدرك املتّسع يل‪..‬‬ ‫حيرتف الكرامة أل ّذ من قبلة خ ّدك‪ ..‬وغباراً‬ ‫ْ‬ ‫األربعاء‪ –2014 /6/19‬من وراء القضبان‬ ‫لوطن ال يعرف االغرتاب‪ ..‬اي‬ ‫أكتب لك أنت‪ ..‬أنت اجملنّد منذ أعوا ٍم لقضيٍّة ال تعرف اهلزمية‪ٍ ..‬‬ ‫أشتم رائحة احلريّة من هنا‪..‬‬ ‫رجل الغد املرتقب‪ ..‬ال تنهزْم يب ‪..‬فأان بك ّ‬ ‫أكتب أل ّم ال تعرف لليأس مساف ًة ولو كانت ‪ 30‬سم بني ِش ٍ‬ ‫باك حديديّة وأخرى تفصلين عنها‪..‬‬ ‫قهر املدينة وطرقاهتا املقطوعة و ِ‬ ‫أتيت لتخربيين كم ِأنــت فخورة يب‪..‬‬ ‫أكتب لك اي من حت ّديْ ِت َ‬ ‫اإلنس يف شيء‪..‬‬ ‫وجهك اآلن ال يشبه ابقي األ ّمهات‪ ..‬ال يشبه القمر أو ّ‬ ‫الشمس‪ ..‬ال يشبه َ‬ ‫عطر ِك يف‬ ‫وجهك اي مالكي يشبهك فقط‪ ..‬وأنت ال شبيه لك‪ ..‬كشجرِة زيتو ٍن عتيقة‪ ..‬ميت ّد ُ‬ ‫ِ‬ ‫لقلب ُ‬ ‫يتسر ُب من حتت القضبان فيعي ُد النّبض ٍ‬ ‫حيرتف األمل‪ ..‬أختلى‬ ‫مسافات احلنني فيملؤها‪ّ ..‬‬ ‫اآلن عن ّ‬ ‫كل كربايئي أمام يدين كانتا أرجوحيت يوماً‪ ،‬فأركع هلما وأصلّي صاليت يف حمراهبما‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫صدر ِك لرتوي ظمأ شهوٍر‬ ‫أمامك فقط سيّديت أض ُع أسلحيت جانباً وأعرتف أنين جمرُد طفل ٍة حتتاج َ‬ ‫من احلرمان ِ‬ ‫منك‪ ..‬أمامك فقط اي مدينيت‪ ..‬أشعر بسوِر املدينة املغلًق يف وجهي وتنتزعين من ذايت‬ ‫ِ‬ ‫فوحدك القادرة على‬ ‫علي‪ ..‬أستحلفك يب أال أتيت لزايريت بعد اآلن‪..‬‬ ‫أصوات األقفال املوصدة ّ‬ ‫حمارب صام ٍد أمام ظلم العابثني بكرامته طف ً‬ ‫جعل ٍ‬ ‫ال ال حول له وال قوة‪..‬‬ ‫‪ 48‬العدد (‪ )10‬كانون أول ‪2014‬‬


‫• أمين سليمان‬

‫هذا بياضك‬

‫«فرح»‬

‫ال أدري كيف وجدتين وبيدي علبة ماء‪ ،‬والغريب أنين كنت يف‬ ‫عين يف ضوء بعيد جداً‪ ،‬فتأخذين خطوايت إىل‬ ‫نفس الوقت أحبث َّ‬ ‫حشد من الناس يف فناء داران‪ ،‬بعضهم أعرفهم جـيــداً‪ ،‬والبعض‬ ‫اآلخر ال أعرفه‪ ..‬منهم أموات ومنهم أحياء‪ ،‬فصرت أأتمل أيديهم‬ ‫احملرتقة وهي تتحضر حلمل جنازيت بكفن من ملح‪..‬‬ ‫عما كنت أحبث‪ ..‬ورحت أفتِّش عن وجه أمي بني وجوه‬ ‫نسيت َّ‬ ‫مــوِّدعــي ج ـنــازيت‪ ،‬قلّبت كــل الــوجــوه تلك الـواقـفــة عند احلطب‪،‬‬ ‫املتجمعة عند التنور‪ ،‬واجلالسة بتعب عند اجلنازة‪..‬‬ ‫حتسست علبة املاء اليت بيدي‪ ،‬فوجدت نفسي فجأة عند ضفة‬ ‫هنر جاف يبعد قلي ً‬ ‫ال عن املقربة‪ ،‬يشبه هنراً أعرفه لكين ال أتذكر‬ ‫امســه‪ ،‬عندها َّ‬ ‫امتدت يد أنثى هلا حضور النخيل‪ ،‬ورائحة الزعرت‬ ‫الربّ ِِّي‪ ،‬ويف أحد أصابعها خامت عليه رسم كنيسة‪ ،‬فأمسكت بيدي‬ ‫وأفرغنا ماء العلبة على عطش النهر‪..‬‬ ‫حركت أصابعي ابرختاء‪..‬‬ ‫فقالت يل‪:‬‬ ‫ إىل أين‪..‬؟‬‫أحلق اجلنازة‪.‬‬‫ُ‬ ‫ ومالك هبا؟‬‫ أحبث عينَّ‪ ...‬عن وجه أمي!‬‫فوضعت يدها األخرى على قليب وقالت‪:‬‬ ‫ هذا بياضك‪ ..‬هذه روحك‪.‬‬‫ واجلنازة؟‬‫ روحك املزيفة‪.‬‬‫ والسائرون وراءها؟‬‫ كذلك هي أرواح مزيفة‪..‬‬‫فضغطت أبصــابـعـهــا الــدافـئــة على‬ ‫الـتـفــت ألرى وجـهـهــا ج ـيــداً‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫أصابعي املرختية‪ ،‬لتتربعم من بني أصابعنا مشعة بيضاء‪ ،‬عندها تلون‬ ‫شعرها األسود بلون أخضر ندي‪ ،‬ارتعش جسدي‪ ،‬التقت عيوننا‬ ‫كضوء حزين‪ ،‬تنفسنا نفساً واحداً عميقاً‪ ،‬مث بكينا دمعاً كحب‬ ‫الرمان‪..‬‬ ‫استفقت‪..‬‬ ‫وأان أحبث عن أمي يف الدار‪ ،‬ويف حلقي صدى للبكاء‪.‬‬

‫يعربين صوت أمي‪...‬‬ ‫ الدرب طويل‪ ...‬اي ولدي‪.‬‬‫ اي أمي‪ :‬منجل املواسم خانته بيادر اجلفاف‪.‬‬‫يــورق قلب أمــي ابلــدعــاء‪ ،‬فيغيب الـصــوت‪ ،‬وي ـراءى ضــوء ال يلتفت إىل‬ ‫الــوراء حي ـ ِّدق يب بعيون كثرية بلهاء‪ ،‬لكنه حيمل يف تالوينه حـزانً عميقاً‪،‬‬ ‫أتسلق ذاكــريت وأجلس على أكثر أغصاهنا دفئاً مث أمسك أوراق اغرتايب‬ ‫من غابة البكاء‪ ،‬هذا ما متلكه أانملي يـراودين احللم ماسحاً خماط األايم‬ ‫املمطرة‪...‬‬ ‫«مزنة‪ ..‬مزنة»‬ ‫ انتظرتك طوي ً‬‫ال اي «فرح»‬ ‫ كنا سنلتقي‪ ...‬مازلت بذات القلب‬‫ تعايل إذاً نرقص‪..‬‬‫لكن الدرب طويل‪..‬‬ ‫ ّ‬‫ الروح حاملة ابلطريان اي «فرح»‬‫ لكنهم شوهوا ذاكريت‬‫شوهوا أنفسهم‪ ....‬ليذهبوا للريح‬ ‫ َّ‬‫يغيب احللم‪ ،‬فتأيت التفاصيل بغتة تنزوي يف الظل ومتارس دور اجلمر من‬ ‫عمق‪ ...‬لتحضر األزقة املزدانة بعبث الطفولة ومنظر األرصفة وهي حتمل‬ ‫جوع اليتامى وعناوين املشردين… واحلقيقة كما هي‪ ..‬درب ملّته األقدام‪،‬‬ ‫والـغـبــار مل يــرك بصمة حــذاء واحــد لـلـعــودة‪ ،‬وعندما يـنــده الــوقــت ابـتــداء‬ ‫احلنني‪ ،‬أحبث يف منفى القلب عن ضفة هادئة‪ ،‬أسرتق السمع إليك وأنت‬ ‫تغنني من شرفة احللم الفائت‪ ،‬عن خطى العابرين خلسة درب العمر‪..‬‬ ‫خيضر‬ ‫وهم يلمون من حوافه رسائل العشق واخليبة والقهر‪ ...‬تغنني حىت ّ‬ ‫بكاء‬ ‫احلنني ً‬ ‫تفتح «فرح» قلبها ليطري احلمام‪..‬‬ ‫فريتسم مشهد اتكاء الغرابء على ابب احللم‬ ‫يلملم املنتظر حنينه‪....‬‬ ‫ليعود الصوت من ضفة املاضي‪:‬‬ ‫‪ -‬اي بين‪ ....‬حليب األم تراب‪.‬‬

‫خلقتك مث انتميت ِ‬ ‫ِ‬ ‫إليك»‬ ‫«إين‬ ‫ممدوح عدوان‬

‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪49 2014‬‬


‫في المكان الهادئ‬ ‫أنت»‪.‬‬ ‫«كن َ‬ ‫مل يعش حياة مضطربة‪ ،‬لذا‪ ،‬مل يؤمن يوماً بقول الشاعر‪ْ :‬‬ ‫غيم داكـ ٌن خيفي األفــق‪ .‬كل‬ ‫يوم شتوي‪ ،‬ال غـرابن تُشئِ ُم الوقت‪ ،‬وال َ‬ ‫ويستحمون‬ ‫يشتمون الزنبق‪،‬‬ ‫شيء ٌ‬ ‫ّ‬ ‫هادئ‪ ،‬مثل أرواح موتى قضوا حنبهم ّ‬ ‫هادئ‪ ..‬منزٌل صغريٌ ٍ‬ ‫أباثث ٍ‬ ‫عتيق‪ ،‬منهك من‬ ‫مباء‬ ‫تقليدي‪ .‬كل شيء ٌ‬ ‫ٍّ‬ ‫موت فيه إال إذا أراد األانم ّ‬ ‫املولون ابخلراف ِة أن‬ ‫الوحدة كأصحاب ِه‪ ،‬ال َ‬ ‫تفاصيل اليأس‪ ..‬مثالً‪:‬‬ ‫يرتّلوا مق ّدسات الريح يف‬ ‫ِ‬ ‫أن يـقــف ال ـوال ـ ُد‪ ،‬وهــو الـقـريــب مــن الـسـتــن ومــن امل ــوت ذاك ــرًة‪ ،‬على‬ ‫بقليل من االنتعاش‬ ‫الشرف ِة الضيقة فجراً‪ ،‬ير ُ‬ ‫تشف قهوة الصباح ويشعر ٍ‬ ‫والنعاس اخلفيف بني األهداب‪ ،‬يدمد ُم حلناً جنائزايً‪ُ ،‬متمعناً يف األطيا ِن‬ ‫ِ‬ ‫عالمات اخلطو اجلريح ألقدام ٍ‬ ‫إانث عرب َن قبل ليل ٍة‬ ‫ويصي‬ ‫تجمد ِة‪ُ ،‬‬ ‫املُ ّ‬ ‫من هناك‪.‬‬ ‫الفتيات املُتغنّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫جات‬ ‫املشوهة يف الوجه بنصل اجل ّد‪ ،‬كل‬ ‫أو أن تشتم ُّ‬ ‫األم ّ‬ ‫أردافهن الطريّة‪ ،‬وهي ّ‬ ‫تقطع اخلضار‪ ،‬لتصنع‬ ‫عهراً‪،‬‬ ‫بنهودهن الصغريِة و َّ‬ ‫َّ‬ ‫احلساء كطعا ٍم أليتا ِم املوتى‪ ..‬ولتطهو جلود ضحااي احلرب القادمة يف‬ ‫تفاصيل الغبار الصحراوي‪.‬‬ ‫أو أن يقرأ األخ املُصاب بسرطان الكب ِد‪ ،‬ألنه مل أيكل البصل اجملفف‪،‬‬ ‫قصص اجلس ِد املُثار‪ُ ،‬‬ ‫لكتّ ٍ‬ ‫اب يئسوا من شهرة املاء‪ ،‬فأتقنوا مهنة السرد‬ ‫تدرجات الشهوة‪،‬‬ ‫وألّفوا املتون الفصيحة كمقدسات‪ ،‬ورتّبوا طقوس ّ‬ ‫سرطن مني ُه على أغلف ٍة ال تنف ُع ســوى أن تكون ملصقات‬ ‫ليذرف املُ ُ‬ ‫جدرا ٍن للملحدين‪.‬‬ ‫كل شيء هادئ‪ ،‬واجلميع يتأ ّم ُل ابندهاش السحرة كيف أ ّن السماء‬ ‫فتوسد الرابع أريك ًة ُمغربّة‪ُ ،‬كسرت يف ميينها‪،‬‬ ‫بغرت‪ ،‬من نوافذ املنزل‪ّ ،‬‬ ‫ين‬ ‫أل ّن األب نكح األم عليها ذات يــوم‪ ،‬عندما قــررا أن أيتيا بثمرة م ٍ‬ ‫صاحلة‪ ،‬فقال الرابع الصغري للثالثة‪ ،‬وهو يُتبّغ الرئة‪:‬‬ ‫‪ -‬يـئـســت مــن ان ـت ـصــارات الـكـتــب‪ ،‬وم ــن كــل ه ــذا الـصـمــت الـطــاغــي‬

‫‪ 50‬العدد (‪ )10‬كانون أول ‪2014‬‬

‫• علي األعرج‬ ‫كــأحــام ديـكـتــاتــور‪ ،‬يئست مــن حبيبة أصبحت مــومـسـاً لــدى ســادة‬ ‫ـرصــد يب كلما جــاهــرت بـنــزقــي‪ .‬أشعر‬ ‫الــوطــن‪ ،‬لتحميين مــن م ــوت يـ ّ‬ ‫علي‪ ،‬وأب ّن اإلله منشغ ٌل بتربئ ِة نفس ِه أمام‬ ‫بكامل القرف‪ ،‬وبثقل الريح ّ‬ ‫البشريني الذين ال ميلكون وقتاً إال حلسد اإلله على عزلت ِه‪ .‬سأذهب‪،‬‬ ‫وقد أعود يوماً ُم ّم ً‬ ‫ال ابالنكسار أو بقليل من الز ِ‬ ‫أعلم‬ ‫ئبق يف الد ِم‪ ..‬ال ُ‬ ‫لكن كذب َة التاريخ تؤرقين‪.‬‬ ‫كيف سأكون‪ّ ،‬‬ ‫مل يلتفت أحد إىل ُك ّل ما قيل‪ ،‬فاجلميع ُمولٌّه ابنسدال املاء من الغيم‬ ‫الداكن‪ .‬هنض الرابع‪ ،‬ارتدى معطفاً‪ ،‬محل حقيب ًة‪ ،‬وغادر‪.‬‬ ‫صـبــاحـاً اسـتـيـقــظ‪ ،‬فـلــم يـعــرف أيــن هــو أو م ــاذا يفعل يف هــذا املـكــان‬ ‫ومرن احلنجرة على‬ ‫الغريب عنه‪ ..‬شرب قهوًة سريع ًة يف املكان الغريب‪ّ ،‬‬ ‫الصياح‪ ،‬كان مكاانً هادائً كمنزله‪ ،‬لكنه أكثر رأفة وحنيناً للحل ِم‪ ،‬صور‬ ‫معلّق ٌة‪ ،‬طالسم حاملني على اجلدران‪ ،‬ثياب مبعثرة‪ ،‬شرائط شع ٍر كثريٍة‪،‬‬ ‫غامض غري مرئي‪.‬‬ ‫ربطات عنق‪ ،‬ورائحة د ٍم ٍ‬ ‫هبط َ‬ ‫املنزل الغريب إىل الشارع‪ ،‬والتقى الغرابء الذين يشبهونه بلمعة‬ ‫العيون‪ ،‬كان يشعر بكل الفوضى‪ ،‬وبرائحة األجساد املتعرقة من رعب‬ ‫األحالم املنبثق ِة‪ ،‬ومسع كل األبدان املرتطمة يف األرض مواتً‪.‬‬ ‫مل يطل بــه حــال الـصــدمــة‪ ،‬فـهــرب مــن ولــع األرض ابملــوتــى‪ ،‬أســرع يف‬ ‫لكن اخلطوات بقيت‬ ‫األزقة‪ ،‬وخ ّفف وطأة املسري يف الشوارع الرئيسية‪ّ ،‬‬ ‫بناء‪ُ ،‬مسرعاً إىل حتف ِه االختياري‪ ،‬كــان ينبض‬ ‫تالحق ظلّه‪ ..‬صعد ً‬ ‫ابلـنــد ِم وبشجاعة املـصــر‪ ..‬ويف العلو‪ ،‬كــان قريباً مــن الـسـمــاء‪ ،‬رمى‬ ‫فن النجاة‪ ..‬وأل ّن اجلاذبية أقوى من حلم ِه‪،‬‬ ‫طائر ال يتقن ّ‬ ‫جبسده كأنه ٌ‬ ‫األرض‪ ،‬فمات‪.‬‬ ‫سقط حنو ِ‬ ‫حل جثماانً إىل منزل ِه‪ ،‬ال صالبة فيه‪ ،‬فهشاشة العظام رغبته‪.‬‬ ‫ليالً‪ُّ ،‬‬ ‫حـ ّدق الثالثة يف منزله إليه‪ ،‬هتامسوا يف موته‪ ،‬وقــرؤوا عليه بعضاً من‬ ‫مسجى على بالطه‪ ،‬فالسماء مازالت تبغث‪.‬‬ ‫آايت الرمحن‪ ،‬وتركوه ّ‬


‫العدد (‪ )10‬كانون أول ‪51 2014‬‬


‫عمالن للتشكيلية رلى حمزة‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.