إن اﳌﺪﻳﻨﺔ ،ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻌﺪد ﻛﺒري ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،ﻫﻲ ﻣﻜﺎن ﱡ ٍ ﺗﻐري ﴎﻳﻊ .ﻓﻠﻌﻠّﻬﺎ أول ﻣﺮة ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ أن ﻳﺼﺒﺢ أﻛرث ﻣﻦ ﺧﻤﺴني ﺑﺎﳌﺌﺔ ﻣﻦ اﺟامﱄ ﺳﻜﺎن اﻟﻌﺎمل ﻣﻦ ﻗﺎﻃﻨﻲ اﳌﺪن ،ﻣام ﻳﻌﻨﻲ وﺟﻮد ﺿﻐﻮط ﻋﲇ اﳌﺼﺎﻟﺢ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ،وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ﻳﻌﻨﻲ ﺿﻐﻮﻃﺎً ﻋﲇ اﻟﺘﻘﺪم واﻟﺘﻘﻨﻴﺎت اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ .ﻓﺮمبﺎ ﻟﻜﻞ ﻫﺬه اﻷﺳﺒﺎب ،اﺻﺒﺢ اﻟﺸﺊ اﳌﺆﻛﺪ ﻫﻮ أن اﳌﺸﺎرﻛﺔ ﰲ اﻟﺤﻮار اﻟﻌﻤﺮاين ﺗﻌﺘﱪ ﻇﺎﻫﺮة ﻣﺴﺘﻌﺮﺿﺔ وﻣﺘﺰاﻳﺪة .مل ﺗﻌﺪ اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت و اﳌﺆﺳﺴﺎت اﻟﻜﱪي و ﺣﻜﻮﻣﺎت اﳌﺪن ﻫﻢ ﻣﻦ ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﻌﻤﻞ اﻷﺑﺤﺎث ﻋﻦ ﻗﻀﺎﻳﺎ اﳌﺪﻳﻨﺔ واﻟﻌﻤﺮان ﻓﺤﺴﺐ ،وإمنﺎ أﻳﻀﺎً ﻗﺎﻃﻨﻲ اﳌﺪﻳﻨﺔ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﺎﳌﺸﺎرﻛﺔ ﺑﻔ ّﻌﺎﻟﻴﺔ ﰲ اﳌﻨﺎﻇﺮات اﻟﺘﺨﻄﻴﻄﻴﺔ ،وﻳﻌﺘﱪون اﳌﺪﻳﻨﺔ ﻣﻜﺎﻧﺎً ﻟﻠﻤﺒﺎدرات اﻟﻌﺎﻣﺔ .ﻓﺎﳌﻮاﻃﻨﻮن ﻳﻠﺘﻘﻮن ﻣﻦ ﺧﻼل ﻟﺠﺎن ،وﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﺘﻜﻮﻳﻦ ﻋﻼﻗﺎت ،وﻣﺸﺎرﻛﺔ اﻟﺮؤي ،وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ﻳﺤﺪدون ﺗﻄﻠﻌﺎﺗﻬﻢ وأﻫﺪاﻓﻬﻢ ﻣﻌﺎً و ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﺘﺼ ّﻮر اﻟﺴﻴﻨﺎرﻳﻮﻫﺎت اﳌﺴﺘﻘﺒﻠﻴﺔ .وﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻷﺣﻴﺎن ﻧﺠﺪ أن اﻷﻓﺮاد أﻳﻀﺎً وﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ اﻟﺨﱪاء ﻫﻢ ﻣﻦ ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﺘﻜﻮﻳﻦ ﺷﺒﻜﺎت اﺟﺘامﻋﻴﺔ ،وﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﺎﳌﺒﺎدرة واﻟﺘﻄﻮﻳﺮ ﳌﴩوﻋﺎت ﻣﺒﺘﻜﺮة ﻣﻦ أﺟﻞ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﻔﺮاﻏﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ. إن اﻧﻀامم اﻃﺮاف ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ اﱄ اﻟﺤﻮار اﻟﻌﻤﺮاين ﻻ ﻳﻌﺪ اﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﺴﻴﺎﺳﺎت اﻟﺘﻄﻮﻳﺮ اﻟﺪوﻟﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺗﺠﺎه اﻷراﴈ واﳌﺪن ﻓﺤﺴﺐ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻳﺆدي اﱄ اﻧﺸﺎء ﻇﺎﻫﺮة ﻋﻔﻮﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪة ،ميﻜﻦ ﻣﻼﺣﻈﺘﻬﺎ ﰲ أي ﺷﺒﻜﺔ اﺟﺘامﻋﻴﺔ ،أو ﻣﻮﻗﻊ اﻟﻴﻜﱰوين ﻳﻘﻮم ﻋﲇ اﳌﺸﺎرﻛﺎت ،أو ﻣﴩوع ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﲇ اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ اﻻﺟﺘامﻋﻲ .وﻛﻞ ذﻟﻚ ﻳﻈﻬﺮ ﺑﻔﻀﻞ اﺳﺘﺨﺪام ﺗﻘﻨﻴﺎت »اﳌﺼﺪر اﳌﻔﺘﻮح« واﻟﺬي ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ أﺻﺒﺢ ﺗﺒﺎدل اﳌﻌﻠﻮﻣﺎت واﻷﻓﻜﺎر أﻛرث ﺳﻬﻮﻟﺔ .ﻫﺬه اﳌﻌﻠﻮﻣﺎت واﻻﻓﻜﺎر ﺗﺘﺤ ّﻮل ﺑﺪورﻫﺎ اﱄ ٍ ﻗﺼﺺ ﻋﻦ ﻋﻤﺮان اﳌﺪﻳﻨﺔ ﺛﻢ اﱄ ﻓﻴﺾ ﻣﻦ اﻟﺘﻐﻴريات اﻟﺼﻐرية ﺗﺘﻌﻠّﻖ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت اﻟﻔﺮاﻏﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ .ﻛﻞ ﺗﻐﻴري ﺻﻐري ميﺜﻞ ﺗﻮاﻓﻘﺎً ﻣﻊ اﻟﺤﺎﺟﺔ ﻟﺠﻌﻞ اﻻﻣﺎﻛﻦ أﻛرث ﺧﺼﻮﺻﻴﺔ وﺣﻤﻴﻤﻴﺔ .ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻐﻴريات ﺗُﺤ ّﻮل ﺣﻲ وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ﺗﻘﻮم ﺑﺎﻟﺘﺸﺠﻴﻊ ﻋﲇ اﻟﺘﻔﻜري ﰲ ﻣﴩوﻋﺎت أﻛرث وﻋﻴﺎً ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﻌﺎﻣﺔ .ﰲ ﻣﻘﺎل ﺑﺠﺮﻳﺪة -ﻗﺎرئ اﳌﺪﻳﻨﺔ اﱄ ﻛﺎﺋﻦ ّ اﳌﺪﻳﻨﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ) - New City Readerﻋﺪد:١٥ﻣﺤﲇ( ﻗﺎﻣﺖ ﻋﺎﳌﺔ اﻻﺟﺘامع واﻟﺒﺎﺣﺜﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ ،ﺳﺎﺳﻜﻴﺎ ﺳﺎﺳني ،ﺑﺘﻮﺿﻴﺢ ﻛﻴﻒ ميﻜﻦ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺘﺪاﺧﻼت اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ اﳌﺘﻌﺪدة واﻟﺘﻐﻴريات اﻟﺼﻐرية ،اذا ﺗﻢ ﻣﻼﺣﻈﺘﻬﺎ ﰲ اﳌﺠﻤﻞ ،ان ﺗﻀﻴﻒ دﻻﻟﺔ اﱄ ﻓﻜﺮة ﻋﺪم اﻛﺘامل اﳌﺪن ،آي ﻗﺪرة اﳌﺪن ﻋﲇ اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ،ﻣام ﻳﺆدي اﱄ ﻧﺸﺄة ﻋﺪد أﻛﱪ ﻣﻦ اﻟﻜﻴﺎﻧﺎت اﻟﻘﻮﻳﺔ ،وﻫﻜﺬا ﻳﺤﺪث اﻟﺘﻐﻴري. ﻐريﻫﺎ ﺑﻔ ّﻌﺎﻟﻴﺔ ،وﻫﺬا ﻳﻌﻴﺪ اﱄ اﻷذﻫﺎن ﺗﺮﻳﻨﺎﱄ ﻣﻴﻼﻧﻮ اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ ﰲ ،١٩٦٨ ﻓﺎﻟﺠﻤﻬﻮر ﻳﻌﻜﺲ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑني اﳌﺪﻳﻨﺔ و اﻟﻌامرة و اﳌﺠﺘﻤﻊ وﻳُ ّ ﻣﻦ ﺗﺼﻤﻴﻢ وﺗﻨﻈﻴﻢ ﺟﻴﺎﻧﻜﺎرﻟﻮ دي ﻛﺎرﻟﻮ ،واﻟﺬي ﻗﺎﻣﺖ ﺑﺎوﻻ ﻧﻴﻜﻮﻟني ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻣﺆﺧﺮا ً ﰲ ﻛﺘﺎب »ﺑﻴﺖ ﻣﻦ ورق« )ﺳﺘﻮدﻳﻮ ﻗﻮدﻟﻴﺒﺖ، ﻣﺎﺳرياﺗﺎ .(٢٠١١اﻟﻔﻜﺮة اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ ﻟﻠﻤﻌﺮض – »اﻟﻌﺪد اﻟﻜﺒري« – ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﻗُﺪّﻣﺖ ﻛﻤﴩوع ﺣﻮار ﻣﻊ اﳌﺠﺘﻤﻊ ،ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﺳﺘﺨﺪام ﺗﺠﻬﻴﺰات ﻣﺮﻛﺒﺔ ﻟﻠﺘﻔﺎﻋﻞ ﻣﻊ اﻟﺠﻤﻬﻮر ،وﴎد ﺗﺤ ّﻮﻻت اﳌﺪﻳﻨﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ .وﻟﻜﻦ ﻣﻊ اﻷﺳﻒ مل ﻳﺴﺘﻄﻊ اﻟﺠﻤﻬﻮر ﻣﺸﺎﻫﺪة اﻟﻌﺮض ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻻﺣﺘﺠﺎﺟﺎت أﻗﻴﻤﺖ ﻳﻮم اﻻﻓﺘﺘﺎح وأدّت اﱄ إﻏﻼﻗﻪ .وﻗﺪ ﺗﻢ ﺗﺪﻣريه ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﳌﻌامرﻳني واﳌﻔﻜﺮﻳﻦ واﻟﺬﻳﻦ ﻋﲇ اﻷرﺟﺢ ﻗﺪ ﺧﺸﻮا ﻣﻦ أن ﻓﻜﺮة اﳌﴩوع اﻟﺘﺸﺎ ُريك ﺳﺘﻈﻬﺮ ﺣﻘﺎﺋﻘﺎً ﻋﻦ اﳌﺪﻳﻨﺔ ﺑﻌﻴﺪة ﻛﻞ اﻟﺒﻌﺪ ﻋﻦ اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻷﻛﺎدميﻴﺔ. إن »اﳌﺸﺎرﻛﺔ« ،ﻫﻲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺘﻐﻴري ﰲ أﺳﻠﻮب »ﺻﻨﺎﻋﺔ اﳌﺪﻳﻨﺔ« .وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ﻳﺄيت اﳌﻮاﻃﻨﻮن ﻗﺒﻞ اﻟﺨﱪاء ،وﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﴬورة اﻧﺘﻬﺎء اﻟﺘﺨﺼﺺ .إﻧﻬﺎ ﻓﻘﻂ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﺤﻮار واﳌﻌﺮﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﻟّﺪ اﻟﺘﻄﻠﻌﺎت و اﻟﺮؤي و اﳌﴩوﻋﺎت اﻟﺠﻴﺪة ،وﺑﻼ ﺷﻚ ﺗﺆﻛﺪ ﻋﲇ ﻣﺴﺌﻮﻟﻴﺔ اﳌ ُﺼ ّﻤﻢ ﺗﺠﺎه اﳌﺠﺘﻤﻊ .إن ﺗﻘﻨﻴﺎت اﻟﺘﺒﺎدل اﻟﻌﺎﻣﺔ واﳌﺼﺪر اﳌﻔﺘﻮح ﺗﺪﻋﻢ اﻟﺘﻐﻴري وﺗﻌ ّﺠﻞ ﻣﻨﻪ ،ﻓﻬﻲ ﺗﻀﻤﻦ ﴎﻋﺔ اﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎت اﳌﺴﺘﺨﺪﻣني و ﺗﺄﺳﺲ ﻗﻮاﻋﺪ ﻣﻦ اﻟﺒﻴﺎﻧﺎت اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻌﻤﺮان اﳌﺪﻳﻨﺔ .وﻟﻜﻦ اذا مل ﻳﺘﻢ ﺻﻴﺎﻏﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻴﺎﻧﺎت ﺑﺸﻜﻞ ﻧﻬﺎيئ ومل ﺗﻮﺿﻊ ﺣﻴﺰ اﻟﺘﻨﻔﻴﺬ ،ﻓﺈن اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺗﺼﺒﺢ ﻓﻘﻂ ﺗﺠﻤﻴﻌﺎً ﺑﻼ ﺟﺪوي ﳌﻌﻠﻮﻣﺎت ﻋﻦ أﻫﺪاف وﻧﻮاﻳﺎ ﻃﻴﺒﺔ .إن ﺧﱪاء اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ،واﳌﺨﻄﻄني ،واﻟﻔﻨﺎﻧني ﻗﺪ ﺑﺪأوا ﰲ اﺑﺘﻜﺎر وﺳﺎﺋﻞ ﳌﴩوع ﺣﻮاري ﻣﻊ اﳌﺠﺘﻤﻊ وﺗﻘﻨﻴﺎت اﻟﺮﺑﻂ اﻻﺟﺘامﻋﻲ .وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈن ﺗﻠﻚ اﳌﺠﻬﻮدات ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺎﻟﻜﺎﻓﻴﺔ ﻟﺘﺄﺳﻴﺲ ﻣﻔﺮدات ﺗﺨﻄﻴﻄﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة .ﻓﺈن اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺗﺘﻄﻠﺐ أﻣﺎﻛﻦ وأدوات ﻣﻦ أﺟﻞ اﻻﺳﺘامع و اﻟﻔﻬﻢ و اﻇﻬﺎر ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻣﺒﺪﻋﺔ ﻟﻠﻮﺻﻮل اﱃ ﻣﺪﻳﻨﺔ أﻛرث ﺛﺮا ًء وأﻛرث ﺟﻤﻌﺎً .وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ﻓﺎﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أﻧﻪ ﺗﻮﺟﺪ ﺣﺎﺟﺔ ﻣﻠﺤﺔ ﻟﻠﻮﺳﻄﺎء.
٢٥٣
253
ﻋﺪد ﻻ ﻳﺤﴡ ﻣﻦ اﻟﺘﻐريات اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ .ﻧﻴﻜﻮﻟﻮ ﺟﻮﺑﻴﻨﻰ