البقاء يف العمارة والعمارة يف البقاء العمارة ..مسيرة تاريخ وتعبير حضارة ،قد تستمر مع االنسان ما استمرت العوارض الذاتية الطبيعية المحركة لها مع تتابع التاريخ واختالف المجتمعات وتغير الحضارات ..قد تبقى بعد االنسان ما بقيت لالنسان ارادة البقاء المشكلة لها رغم تنوع االبداعيات وثراء التشكيالت ،وقد تتجمد العمارة او تقف عند مرحلة تاريخية معينة لفقدانها العوارض الذاتية بتغير طبيعة المكان والزمان ،واختالف سلوك االنسان وفهمه ووعيه ،بتنازله عن ارادته وهروبه من فطرته ..حتى يعود هذا االنسان فتعود معه وبه العمارة .. وقد تموت وتندثر العمارة عند نقطة تحول تاريخي او حضاري معينة ،لغياب االنسان او لغياب قدراته على االبداع وفشله في تحمل المسئولية التي حملها راضيا .. وهكذا دائما العمارة هي ظل االنسان على االرض ..تحمل معها احالمه وتحقق احتياجاته ..ترتقي برقيه وتندثر باندثاره ..تكون احيانا هي الرؤيا وهي الحلم وتكون احيانا مجرد وسيلة او وعاء يحمل الرؤيا والحلم .وبقدر ما تصاحبه في حياته على تلك االرض ،تشاركه طموحاته وتعبر به ومعه من آفاق عالم الى عالم ..ومن رحاب مكان الى مكان ..بل وحتى تتلون كما لون بشرته عندما ينتقل من ظالل الوادي الى قلب الصحراء ..وتتغير كما يتغير تكوين جسده عندما يهاجر من بقعه الى اخرى اال انها غالبا ما تبقى بعد االنسان لتحكي قصته ..قصة وجوده او غيابه ..علمه او جهله ،عدله او ظلمه .انسجامه او نفوره .. حقا ان العمارة تبقى دائما بعد رحيل االنسان لتكون شاهدا على رحلته وممثال لحضارته ..ناقال لرسالتة عبر االجيال .. بنفس الصورة التي شكلت فيها في حياته وجدانه ورسمت مالمح عالقته بمن حوله ،،وكانت فيها الناظم والمنظم لعالقاته بما ومن حوله ..هي الحلقة التي تربط االنسان الفرد بجماعة البشر التي ينتمي اليهم وبالبيئة الطبيعية التي يحيا في ربوعها ..وتجعل منهما جميعا نسيجا غير قابل للحل ..والواقع ان االنسان الفرد غير موجود ..وعمارة االنسان هي نتاج اجتماعي يقوم بالتعاون والتفاهم بين افراد الجماعة ،وتتجسد فيها روح المجموع بالرغم من انها تبدو تعبيرا فرديا ..فالعمارة تحمل نفس الجدل الديالكتيكي الذي يعيشه االنسان بين نزعاته الفردية الذاتية واحتياجاته الجمعية ..ويترنم االنسان والمجتمع والبيئة والمكان ..وتبقى لكل هؤالء عمارتهم ..فتبقى للصحراء عمارتها ،ويبقى النسان الصحراء عمارته تعبيرا عن ارادته في البقاء ،وتجسيدا لقدرته التي فطره اهلل بها في تسخير الطبيعة وتطويعها ..تعبيرا عن ذاتيته ومجتمعه وزمانه ..تعبيرا عن انسجامه وتناغمه مع بيئته وتطلعاته .. وذلك التشابك في العالقات بين االنسان وبيئته وزمانه وعمارته يجعل من المستحيل حقا فهم اي منهما بمعزل عن اآلخر ، كما يستحيل على االذن االستمتاع بنغمة منفردة بصورة تنفصل فيها عن السيمفونية التي تحتويها ..
37