الطهطاوي وـخير الدين التونسي للغرب والصلح---.وقد عمل الصلحيون على مقاربة الموضوع عبر موضوَعي العدل الجتماعي وسيادة القانون ،رابطين هذين المرين بجملة مباحث ترتبط بمباحث دولة الـخلفة والحكام السلطانية وفقه الحسبيات ،إلى أن جاءت تجربة ما سّمي السلم السياسي الذي مّثلت حركة الـخوان المسلمين طليعته بتأثيراتها السنّية والشيعية .تجربة قّدمت أفكارًا عن الدولة السلمية كجزء من المنظومة الدينية ،كما هو عند المام حسن البّنا ،أو دولة الـخلفة، كما عند النبهاني ،أو حكم الدولة على تجسيد للطروحة السلمية ،كما عند حزب الدعوة---.ورأى البعض أّن القوة في الفرز بين السلم والجاهلية هي قيمة القيم، كما هو المنقول عن سيد قطب ومن تأثر به .ومنهم من رأى أن القانون والمدنية المعنونة بالمواطنة هما القيمة التي تفرز بين المواطن والرعايا ،وبين أهل الدولة ومن هم ـخارجها من المة الواحدة أو المم المتعّددة--.وبهذا المعنى فقد أـخذت القراءات السلمية لجماعات السلم السياسي تفّرق بين الدولة السلمية والدولة الدينية .فمما جاء عن القرضاوي »الدولة السلمية كما جاء بها السلم ،وكما عرفها تاريخ المسلمين دولة مدنية تقوم السلطة فيها على البيعة والـختيار والشورى … ومن حق كل مسلم ،بل كل مواطن أن ُينكر على رئيس الدولة نفسه إذا رآه اقترف منكرًا أو ضّيع معروفا ً … أما الدولة الثيوقراطية التي عرفها الغرب في العصور الوسطى ،والتي يحكمها رجال الدين … فهي مرفوضة في السلم« )---.(7هذا الموقف ينّم عن نظرة لموضوعة الدين والدولة ترى أّن مشروعية الدولة وانتظامها يعودان إلى مرجعية شرعية وأـخرى تاريـخية ،بمعنى أّن النص والسير البشري هما العاملن المفضيان إلى تحديد الموقف من الدولة وشكلها ودورها .وهذا ما يسمح بالمؤالفة بين القيم الشرعية والقيم الوضعية ،وإعطاء الدولة طابع المدنية ،بما هي في مقابل الدولة الدينية ،أو دولة الستبداد الديني … وـخاصة أّن محاسبة الحاكم وشورى الحكم وحرية التغيير وتغيير السلطان كلها مؤشرات إلى نزع البعد القدسي في الدولة ،وهذا ما عّبر عنه الشيخ القرضاوي بالمدنية .ثم إّن هناك إشارة ثانية إلى كون الدولة الدينية الثيوقراطية هي نموذج غربي ،وليس إسلميًا ،يضاف إلى ذلك نقطة ثالثة ،وهي أّن الدولة المدنية في السلم هي دولة المواطنة التي تجمع المسلم وغير المسلم---.أما كيف يمكن الدولَة المدنية في السلم ،أو دولة المواطنة أن تجمع المسلم وغيره ،فهذا ما شرحه سليم العوا ،إذ فّرق بين )شرعية الفتح( ،و)شرعية التحرير( ،ليعتبر أّن غير المسلم في فترة دولة الفتح ل يعّد مواطنًا ،لّنه ليس شريكا ً في النجاز ،أما في فترة دولة التحرير ،فإّن مساهمة غير المسلم في بناء الدولة تجعله شريكا ً حقيقياً في المواطنة ،بل إّن طارق البشري يطّور النقاش ليقول :إّنه في الدولة الديموقراطية ل يملك أحٌد السلطة المطلقة ،والكل ُيجري السلطة على مقتضى القانون والمصلحة ،لذا ،يمكن غيَر المسلم أن يحصل على كامل الحقوق التي يحصل عليها المسلم------.بناًء عليه ،أمكن صل إلى ضرورة التصالح مع فكرة الدولة المدنية على أساس من فهمها كدولة مواطنة القول :إّن امتداد السلم الصلحي ،في جزء من حراك السلم السياسي ،تو ّ يشرعنها السلم----.إل أّن هذا الطرح جاء في مقابل تنامي الموقف السلبي لجزء آـخر من السلم السياسي الذي مّثلته حركات الثورة النقلبية ،أو حركات العنف التكفيري ،بل بعض الحركات التي انبثقت عن سيادة حركات الدعوة والدولة .حركات وإن أمسكت بسلطة السلم السياسي التقليدي ،إل أّنها كانت تـختزن قوة هائلة من العنف الذي ينتظر الفرص لينفجر على شكل توترات مسّلحة وأعمال تدميرية ترفض الواقع إل على صورة الماضي السالف----.يبقى أّن نقاشاً دـخل الساحة السلمية العالمية على قاعدة أطروحة الدولة المستقلة عن الشرق والغرب ،ونقصد به الجتهاد الذي يتجاوز في حراكه البعد الفقهي وحده ،فض ً ل عن أحادية الجتهاد المذهبي؛ كما أّنه اجتهاد اشترط على صاحبه )المجتهد( أن يتحلى بالفاعلية العملية والمعرفة بمقتضيات الزمن واحتياجاته )المعاصرة( .وهاتان الميزتان كانتا أصلً في تحديد نوعية الجتهاد السلمي لدى الفقيه ،أو ما اصطلح عليه )الولي الفقيه( في الوساط الشيعية .وإذا كانت هذه الطروحة قد أطلقها المام الـخميني ـــــ قده ـــــ فإّن ما ساعد على انتشارها وقوة اندفاعتها جملة أمور---.أوًل :إّنها أطروحة أقامت ثورة كان لها ِعَبُرها العملية في الحياة الفقهية ،وفي التعاطي مع التعّدد اليديولوجي والمظاهر المتمّثلة بالقوى الحزبية الشعبية ،ثم بنت كيانا ً لسلطة واءمت بين الشريعة ومظهر تجلّ حداثوي هو دولة الجمهورية السلمية ،ما سمح لول سس لمفردات من البناء المجتمعي يلحظ البعد المدني والمواطنية في مّرة للوعي السلمي المعاصر بأن يدـخل سجال الحيوية العملنية مع المعاصرة والحداثة ،وأن يؤ ّ الحياة السياسية السلمية على أساس جغرافي )القليم( يضاف للبعد العقيدي ،ويقّدم مفهوم المة من داـخل سياق الدولة ل من ـخارجها دون أن يتـخاصم مع مفهوم المة ـخارج الدولة---.ثانيًا :استطاع هذا النموذج أن يتثاقف مع النموذج السياسي السني في حراك فقهه السياسي الذي ُبني على أصول ـخوض غمار التجربة ليثير تداـخلت العلقة في الحكم بين الشورى والولية بمفهوم جديد أطلق عليه اسم »الديموقراطية الدينية«---.ثالثًا :عدم اقتصار الفعل السياسي على بناء الدولة أو الثورة وحدها ،وإمكان دـخول جماعات المة في وفاق مع السلطات الحاكمة على أساس من قيم تتبناها الطروحة كقيم ل تشترط تمثلها في مرجعية الدولة السلمية وحدها، إذ المهم أن تكون الدولة قادرة على حماية مواطنيها وحفظ استقللهم ،وعادلة في رعايتهم ،ما يسمح لهذه الجماعات بالندماج معها حتى ولو كانت دولة علمانية في المسارات العامة للحياة السياسية الموائمة بين مدنية المجتمع وحرية النتماءات الهلية والتقليدية ،وحاضنة قيادة الدولة---.رابعًا :أفرزت هذه الطروحة على ضفافها جملة اجتهادات منها :تعددية المرجعية القيادية للمشروع السلمي بحسب اـختلف القطار ،والبحث عن اتحاد إسلمي أشمل ،أو التفريق بين إسلمية المعتقد وإسلمية الدولة ،إذ الولى وإن حملت الكثير من الـخصوصية الفردية ،إل أّن الثانية تتجاوز حدود النتماء الفرداني السلمي إلى النتماء المواطني ،الذي يتجاوز المذاهب شرط اللتزام بثوابت القيم السلمية الحاكمة في شأن الجماعة النسانية ،وليس من هذه الثوابت اللزام بدين أو معتقد محّدد ،أي أّنها النقطة القرب لما يسّمى أـخلقية حرية الضمير---.ومنها ما أثاره الشيخ محمد مهدي شمس الدين من ولية المة على نفسها ،واعتبرها أطروحة في مقابل أطروحة ولية الفقيه .وهي أطروحة من الواضح حجم تأثرها بولية الفقيه ،بحيث إّنها تعرض نفسها ول تسعى إلى الحلول مكان ولية الفقيه .وبسبب شدة اقتراب هذا الطرح من الطبيعة اللبنانية ،إل أننا سنفرد له مكانا ً ـخاصًا---.المام شمس الدين وولية المة على نفسها---إّن أّول فاصلة منهجية وضعها الشيخ شمس الدين في فقهه السياسي هي تلك التي مّيز فيها بين المة والدولة في حقل المعالجة السلمية ،وذلك عندما رأى أّنه »ليس في الفقه السلمي على الطلق ـخطابات شرعية موّجهة إلى الدولة، فهي كائن مـخلوق للمة ،وهي ليست تعبيرًا عن المة ،في مقابل الفكرة الهيغيلية التي تعتبر الدولة تجريدًا عاليًا ،أو تجريدًا مقّدسا ً للمة والمجتمع ،بحيث إنها تعّبر عن روح المة وعن روح المجتمع .هذه الفكرة الهيغيلية غريبة تماما ً عن السلم دينا ً وشريعة ،أو فقهاً وفكرًا .الدولة في الفكر والفقه السلميين ل تتمتع بهذه المنزلة على الطلق .ففوق المة ل يوجد تجريد آـخر ،ول يوجد تركيب أو تشكيل آـخر .الحقيقة المجتمعية المطلقة ،والحقيقة التنظيمية المطلقة في السلم هي حقيقة المة … وتاريخ السلم في الحقيقة إذا حذفنا منه تاريخ المة ،فإّن الدول السلمية التي تعاقبت على هذه المة ل يبقى لها شيء على الطلق … الدولة لها وظائف ،وللمة موقف أساسي منها )---.(8فالحقيقة المقّدسة عند شمس الدين هي الّمة ،أما الدولة فل مقّدس فيها ،ويجري عليها حكم الوظائفية .فبمقدار اقترابها من المة ومصالحها ومقّدساتها يتم احترام الدولة .وبناًء على هذه المقولةُ ،يصبح بناء الدولة وهويتها إنما يعود إلى ما هو ـخارج عنها ،وهو هنا )المة( .أي أّنه وبقراءة تحليلية لطروحته ،فإّن الدولة إنما ُتبنى بغاية وأصول ـخارجة عنها .وهو يبالغ في ذلك إلى درجة الستعاضة الكاملة عن الدولة بالمجتمع أو المة---.ثم يعمد الى توظيف الفكرة في مفاد عملي مفتوح على قبول حكم وسلطة أي دولة ،بما أّنها تمثل مصالح الناس العادلة ،ول يشترط في ذلك أن تكون الدولة إسلمية---. من هنا جاءت دعوته إلى المساكنة ،بل وانـخراط الشيعة مع الحكومات والدولة التي يقطنونها ،وـخاصة أّنه عند قراءته لردود فعل المة تجاه الدولة ،لحظ أّنها تنقسم إلى ردود فعل ثلثة هي :علقة ولء بين المة والدولة في عصر الراشدين؛ علقة حذر وترّبص في ما بعد عصر الراشدين إلى نهاية الدولة العثمانية والصفوية؛ وعلقة عداء في صيغة الدولة الحديثة … أيضا ً إّن هذه المواقف اتـخذتها المة من الدولة بمقدار درجة تمثيلها للسلم وتطبيقها لمشروع العدالة في المجتمع ) سن ،إذ في الدولة الحديثة يصبح معيار صلحيتها مدى أمانة الحاكم في ممارسة شؤون ----.(9إل أنه يعود ليعتبر أّن صيغة العلقة مع الدولة الحديثة يمكن أن تتح ّ الحكم والقانون ،منتقدًا مجريات العلقة التي كانت سائدة بين المة والدولة الحديثة ،التي قامت على الغربة والتباعد والتنابذ بين الثنين ،بحيث إّن هذه الدول لم تحمل مشروعا ً إسلميًا ،ول غيره أص ً ل .مما يمكننا أن نـخلص معه إلى أّن المطلوب هو أن تحمل الدولة دورها في إنعاش الحياة المدنية لمواطنيها ،وتحفظ لهم حقوقهم وحضورهم في العالم والمحيط-----.إل أّن الشيخ شمس الدين ،برغم كل هذا التمايز ،قد أولى موضوعة الدولة اهتمامات استثنائية تقوم بحقيقة المر على أصول من بناء المجتمع المدني الذي ل يغترب عن قيمة الهلية المحلية أو الوطنية .وهنا يمكن أن نقّدم ملحظة مفادها أّن أطروحة ولية الفقيه وأطروحة ولية صل إلى نحو من التوافق اللفت على الصعيد التطبيقي الذي يرفضان فيه أن تقوم الدولة المة على نفسها ،وإن تغايرتا في مقّدمات الطرح ،إل أّنهما تكادان أن تتو ّ على ما يفارق النتماءات الهلية والدينية ،في الوقت الذي يفّرقان فيه بين دولة الكراه ،وهي دولة السلطة الممقوتة ،ودولة القدرة التي تجعل الرادة الشعبية في صلب أولوياتها---.إل أّن المائز بحسب الطروحتين في الشأن اللبناني ،أّن أصحابهما وإن اعتبرا أّن من حق المسلمين فيهما لو كان المجتمع إسلميًا ،ويريد إقامة ي الديان والمعتقد ،فعليه أن ل يفرض الدولة والحكم السلمي، دولته ،أن يقيمها على أساس السلم .إل أّن المجتمع كما هي الحال في الوضع اللبناني لو كان تعّدد ّ وذلك حسب شمس الدين ،من ـخلل الدولة المدنية التي يعتقد أّنها دولة بل دين ،وأّن علينا الفصل بين اهتمامات الدولة والمجتمع الهلي ،كما الفصل بين الدين والمجتمع السياسي ،إذ يقتصر دور الدين ،حسب رأيه ،على المجتمع الهلي والثقافي ،دون أن يعني ذلك موافقته على توصيف هذه الحالة بالعلمانية؛ ذلك أّنه يرى سر الدولة المدنية بأّنها تلك الدولة المهتمة في العلمانية ما يتجاوز فصل العلقة بين الدولة والدين إلى حيثيات في الرؤية والمعرفة والمجتمع ،ما يجعلنا نشعر بأّنه يف ّ بالحراك السياسي ،وتقوم على أصول دستورية وقانونية وسياسية تحفظ المواطنة وحقوق المواطنين وكرامتهم داـخل قطرها الجغرافي .وإذا كانت الحركات السلمية في لبنان تعتقد أن وجود دولة وطنية ضرورة ،إل أّنها لم تتحّدث كما تحّدث شمس الدين عن لبنان الكيان ،بل هي اعتبرت كما الطروحات القومية أّن لبنان الدولة ل يعني الكيانية النهائية ،بل هو معبٌر نحو الدولة القومية أو السلمية .وهذا ما التزمته جماعات أطروحة ولية الفقيه عند التأسيس والبدايات ،بسبب انبهارهم من جهة بصعود مشروع الدولة السلمية ،وبسبب مثقلتهم الثقافية التي كانوا يحملونها قبل التزامهم مبدأ ولية الفقيه .إل أّنهم بعد سيرهم في هذا السياق الجتهادي