سوريتنا | العدد الثامن والسبعون | 17 آذار 2013

Page 20

‫�أبو تي�سري‪� ..‬أنامل اجلنة‬ ‫نبض الروح ‪. .‬‬

‫لينا محمد‬

‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 17 | )78‬آذار ‪2013 /‬‬

‫ّ‬ ‫تفقد ما بقي من أنصاف األثاث‬ ‫المبعث��رة المرمي��ة داخ��ل وخ��ارج‬ ‫صالة الموبيليا‪ ،‬أخذ نفس��اً عميق ًا‪،‬‬ ‫وق��ال بثق��ةٍ يملؤها الوعي��د‪( :‬لما‬ ‫يس��قط‪ ..‬ك ّله بيتع��وّض‪ .‬قديش‬ ‫رح يض��ل يعن��ي؟ س��نتين؟ أربعة؟‬ ‫عش��رة؟؟ بك��رة ب��ـ س��نة واح��دة‪..‬‬ ‫بع��وّض كل ش��ي‪ .‬المص��اري م��ا‬ ‫له��ا قيمة ب�لا كرامة‪ ..‬ب��س ترجع‬ ‫الكرامة‪ ..‬بيهون كل شي)‪.‬‬ ‫قالها وه��و يرمي بنظ��ره إلى‬ ‫خش��ب صالته وقد ص��ار إلى رماد‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بع��د أن حوّله (الجي��ش العقائدي)‬ ‫حطب ليكسر بردَ مدن الغوطة‬ ‫إلى‬ ‫ٍ‬ ‫الش��رقية العصية على الذل‪ ،‬الذي‬ ‫اقتحمها بمصفحاته ودباباته‪.‬‬ ‫كان ذل��ك ف��ي الخري��ف األول‬ ‫للثورة‪.‬‬ ‫تاجر الموبيليا أبو تيسير وقف‬ ‫ِ‬ ‫بـ ح ّلته البيض��اء محدّقاً في وجوه‬ ‫أصحاب المح��ال المحاذية لصالته‪،‬‬ ‫ح��اول أن يعزّيه��م‪ ،‬لكنه كتم كل‬ ‫الكلمات‪ ،‬التي ل��م يعد لها معنىً‪..‬‬ ‫يقي��ن اآلن أن الوحش‬ ‫فه��و عل��ى‬ ‫ٍ‬ ‫ال��ذي يواجهون��ه س��يحوّل البالد‪،‬‬ ‫نهر من ال��دم ربما‬ ‫كل الب�لاد إل��ى ٍ‬ ‫يستحيل إلى فيضان شامل‪.‬‬ ‫وهذا ما كان‪..‬‬ ‫الش��تاء القاس��ي األول ال��ذي‬ ‫م��رّ عل��ى الب�لاد‪ ،‬اتس��عت خالله‬ ‫عائل��ة أبو تيس��ير عندما حوّل كل‬ ‫س��قفٍ يملكه أو (يم��ون عليه) إلى‬ ‫ملجأ ألكث��ر من مائة م��ن ضيوفٍ‬ ‫أع��زاء‪ ،‬الذوا بحياته��م من هول ما‬ ‫رأوا وم��ا ذاقوا‪ ،‬لمطالبتهم بـ حرية‬ ‫بدت أكب��ر مما يس��توعبه هوالكو‬ ‫عصرن��ا‪ ،‬لج��أوا‪ ..‬وترك��وا وراءهم‬ ‫ذكريات وتفاصيل ودماء وشهداء‪.‬‬

‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪20‬‬ ‫الصور من مدينة عربين من أرشيف الكاتبة‬

‫عائل��ة‪ ..‬كان له��ا أب��اً معي�ل ً‬ ‫ٌ‬ ‫ا‬ ‫وحارس��اً لبقاي��ا أحالمه��ا دون أن‬ ‫يسأل نفسه‪ ..‬إلى متى؟؟‬ ‫ف��ي ذات الش��تاء ص��ار تاج��ر‬ ‫الموبيلي��ا ذو الجالبي��ة البيض��اء‬ ‫ً‬ ‫صيدلية متنقلة‪،‬‬ ‫والوجه الممتل��ئ‬ ‫س��يار َة إس��عاف عاجل‪ ،‬ب��ات يجوب‬ ‫بل��دات الغوط��ة م��ن أقصاه��ا إلى‬ ‫أقصاه��ا يلمل��م أحزانه��ا ويضمد‬ ‫جراحًا مفتوحة تنزف‪.‬‬ ‫مّ��رَ الربي��ع الثان��ي مترافق�� ًا‬

‫بسيل متجددٍ من دماء زينة شباب‬ ‫الغوطة‪.‬‬ ‫ربيعٌ‪ ..‬لم يش��به ربي��ع الثورة‬ ‫األول‪ .‬ربي��عٌ كان الش��باب في��ه‬ ‫يتح ّلق��ون ف��ي س��احات الغوط��ة‬ ‫فاتحين صدورهم للموت‪ .‬ش��بابٌ‬ ‫خش��ب‬ ‫رفض��وا اآلن أن يكون��وا كـ‬ ‫ِ‬ ‫بلداته��م‪ ..‬حطب��ًا يحرق��ه ني��رون‬ ‫الجديد‪.‬‬ ‫بع��د ه��ذا الربي��ع توق��ف أب��و‬ ‫تيس��ير ع��ن ع��دّ الفص��ول‪ ..‬فقد‬

‫بات��ت األي��ام متش��ابهة‪ ..‬وكث��رُت‬ ‫أَسرّة أوالده التي عليه أن ّ‬ ‫يتفقدها‬ ‫ليل نه��ار‪ ،‬كما ك ُث��رت البيوت التي‬ ‫عليه أن يتفقد ركامها ع ّله يس��مع‬ ‫أنين مستغيث‪.‬‬ ‫أب��و تيس��ير الرج��ل المرب��وع‬ ‫بعظمه العريض ويديه المفتولتين‬ ‫اللتي��ن ل��م يس��تخدمهما لف��ك‬ ‫(الب��ارودة وتركيبه��ا) عم��ل جاهداً‬ ‫لـ ف��ك المخطوفين ظلم��ًا وخاصة‬ ‫م��ن (األقليات)‪ .‬يق��ول في كل مرة‬ ‫يدخ��ل خاللها وس��يطاً‪( :‬الخطف يا‬ ‫جماعة بياكل من الثورة نصها‪ ..‬إذا‬ ‫مو كله��ا)‪ .‬أغلب المخطوفين الذين‬ ‫فك أس��رهم ال يعرف��ون وجهه وال‬ ‫قامته‪.‬‬ ‫الرج��ل صاح��ب العيني��ن‬ ‫الملونتي��ن اللماعتي��ن كت��م م��ا‬ ‫اس��تطاع‪ ،‬دموعاً ف��ي وداع أصدقا َء‬ ‫وش��بانٍ هتف��ت حناجره��م يوم�� ًا‬ ‫أرض‬ ‫للحري��ة‪ ،‬ودافع��وا ع��ن‬ ‫ٍ‬ ‫احتضنته��م بترابه��ا المعشّ��ق‬ ‫بدمائهم‪.‬‬ ‫أبو تيسير‪..‬‬ ‫دموعُك عاندت كبرياؤك وأنت‬ ‫ت��ودّع أحباب��ك‪ّ ..‬‬ ‫تكفنه��م بأنامل‬ ‫الجنة‪..‬‬ ‫أب��و تيس��ير تاج��ر الموبيلي��ا‬ ‫البسيط‪ ،‬العاشق الفطري للحرية‪،‬‬ ‫ل��م تت��ح ل��ك الحي��اة أن تدخ��ل‬ ‫مدرسة‪ ..‬ال يهم‬ ‫أنت مدرس��ة‪ ..‬أنت المدرسة يا‬ ‫معلم‪.‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.