الدال و المدلول لي ذكريات أيام للسياسة للعجيلي

Page 1

‫الدال و المدلول في ذكريات أيام السياسة للعجيلي ‪ /‬صالح الرزوق‬ ‫يستكمل العجيلي في ) ذكريات أيام السياسة ‪ -‬الجزء الثاني ‪ (2000 -‬رسم‬ ‫صورته الشخصية بأسلوب مباشر يقف في منتصف الطريق‪ ،‬بين القصة الفنية و‬ ‫القصة التسجيلية‪ .‬و لذلك بالنسبة لتحديد النوع يبدو الموضوع محسوما‪:‬‬ ‫‪ -1‬فهذا العمل مكتوب بشكل مذكرات‪ ،‬غير أنه ل يتفق مع السير الذاتية‬ ‫المعروفة‪ ،‬ل بالتوجه و ل السلوب‪ .‬إنه يختلف عن أيام طه حسين ) مثل( بصيغة‬ ‫الخطاب‪ .‬فاليام تستعمل ضمير الغائب بالنيابة و تبتعد ما أمكن عن المتكلم‪ .‬و‬ ‫تقف وراء ذلك اعتبارات أهمها الفاصل الزمني بين الواقعة و ذكرياتها‪ .‬إن هذا‬ ‫الفاصل هو فراغ‪ ،‬و يمكن أن يكون فضاء‪ ،‬و فيه يتم استعادة الحداث ليس كما‬ ‫جرت في الواقع و لكن كما تبدو في الذهن‪.‬‬ ‫و هذا يحض على التصورات و يترك مجال لعادة تفسير اللشعور و إعادة ترتيب‬ ‫الرموز و تفسيرها‪ .‬و قل نفس الشيء عن ) جمر و رماد ( هشام الشرابي‪.‬‬ ‫فالحداث لديه ليست قريبة‪ .‬و توجد مسافة ذهنية و عقائدية تفصل الشخص عن‬ ‫ماضيه‪ ،‬المر الذي يفتح الباب أمام الخطاء و المراوغات و ذكريات الحجاب التي‬ ‫ل تمتلك حيالها إل الصمت أو التفسيرات الوهمية‪.‬‬ ‫لقد كان هشام شرابي بعيدا ما أمكن عن حالته الفنية كذات منتجة لخصال من‬ ‫الماضي‪ ،‬و لكنه تحرك بموازاة الظواهر‪ .‬و هي منعطفات أساسية في سير‬ ‫الحداث‪ .‬و هكذا لم يعد هو مصدرا لها‪ .‬و لكنه أصبح مجرد حامل أو في أحسن‬ ‫الحوال منتج‪.‬‬ ‫و يصح ذلك أيضا على المذكرات التي اعتمدت طريقة الرواية الموضوعية للحداث‬ ‫كما هو الحال في البدايات ليعقوب زيادين‪ ،‬و البدايات لفايز إسماعيل‪ ،‬و على‬ ‫درب الشوك لفاروق نور الدين‪.‬‬ ‫إن هذه المذكرات تسجيل لحالة عامة بعيدة عن النرجسية الضرورية في السرد‬ ‫الفني‪ .‬إن التفاوت بين ما سلف و مذكرات العجيلي جوهري و أصيل‪ .‬فالمكان‬ ‫بنظر العجيلي هو الموضوع و ذات الموضوع كما يقول البنيويون ‪ ،‬بمعنى أنه‬ ‫مكان متكرر و لو اختلفت المواقع و السماء‪.‬‬ ‫و للتوضيح‪.‬‬ ‫ل أجد فارقا لديه بين بير زيت في فلسطين و بور سعيد في مصر و ميسلون في‬


‫سوريا‪ .‬فكلها عبارة عن ميدان لمعركة و مسرح مصمم خصيصا لدارة مواجهة‬ ‫مفتوحة ضد الغزو الجنبي و الحتلل‪.‬‬ ‫بينما الزمان هو البطل عند الخرين‪ ،‬فقد وضعوا ثقتهم بالماضي الجميل و‬ ‫المؤلم و بالفترة التي انقضت من العمر ‪ ،‬و لكن التي تستحق التوثيق و‬ ‫التسجيل‪.‬‬ ‫‪ -2‬و لن المذكرات تشبه بأسلوب عملها المفكرة ) من التفكير‪ ،‬تسجيل شوارد‬ ‫الذهن الراهن( تكون اللغة فيها محايدة ) فهي غالبا تعمل على استعادة ما جرى‬ ‫موضوعيا(‪.‬‬ ‫و تكون انطباعية ) تعمل على تفسير مجريات الحداث من وجهة نظر الكاتب(‪ .‬و‬ ‫هذا الشرط متوفر في عمل العجيلي فقط‪ .‬و لدى الشرابي بدرجات ضئيلة و‬ ‫متفاوتة‪ .‬و لذلك توزعت الحمولة اللغوية على وحدات الكتلة ) بعبارة أخرى توزع‬ ‫عدد المفردات و نسبتها على الفصول المختلفة للمفكرات( بشكل غير متسلسل‪،‬‬ ‫فالمراحل لم تأتي بالتعاقب و هي متداخلة‪.‬‬ ‫و على ما أعتقد الذي تحكم في ترتيب الحداث و الفصول هو ما يطيب لي أن‬ ‫أسميه البحث عن مصير الروح في الوجود‪ .‬إن الروح ذات قيمة رومنسية و‬ ‫طوباوية‪ .‬و قد أدى ذلك لتشعب في رواية الحداث وفق المسارات التالية‪:‬‬ ‫‪ -1‬عالم القيم و المثل العليا المعبرة عن العواطف و المشاعر النبيلة و عن‬ ‫الجوهر الساسي للمة‪ .‬و لذلك عملت من فوق كل الفكار السياسية و اقتربت‬ ‫كثيرا من التفسير الطوباوي لما ندعوه بالروح‪ .‬و أهم هذه المفردات‪ :‬قومية‪،‬‬ ‫عروبة‪ ،‬شخصية المة ‪ ،‬و سوى ذلك‪.‬‬ ‫‪ -2‬عالم الخطط و البرامج السياسية العامة‪ .‬و هي ذات علقة بالتطبيقات‬ ‫المباشرة و التفسير المرحلي لبعض العناوين و المبادئ‪ .‬و عليه إنها تحتمل‬ ‫التضاد و التصوير العكوس‪ .‬و على الغلب هي ضد سابقتها و لها اتجاه و ليست‬ ‫عامة‪ .‬بمعنى أنها تعابير مادية و منظورة و ليست روحية و شاملة‪ .‬و يدخل في‬ ‫هذا البند مفردات مثل‪ :‬وحدة‪ ،‬تجزيء‪ ،‬انفصال‪ ،‬إلخ‪..‬‬ ‫‪ -3‬أخيرا هناك مجموعة من المفردات التي لها علقة مباشرة بالحداث و‬ ‫الوقائع‪ ،‬و قد مر بها كاتب المذكرات نفسه‪ .‬إنها محتوى حياته الشخصية بما‬ ‫تنطوي عليه من مبادئ و أفكار و تجارب‪ .‬و لذلك غلبت عليها صيغة ضمير المتكلم‬ ‫و أسماء العلم و الماكن و التواريخ و أيام السبوع و الشهور و الديان و ما‬


‫شابه‪...‬‬ ‫و لمزيد من التحديد لقد توزعت تلك المفردات السمية وفق المخطط التالي‪:‬‬ ‫الوحدة ‪ 23 :‬مرة‪.‬‬ ‫النفصال‪ 22 :‬مرة‪.‬‬ ‫عروبة‪ ،‬أمة‪ ،‬قومية‪.10 :‬‬ ‫الشتراكية ‪.1 :‬‬ ‫اليهود‪.1 :‬‬ ‫المثالية‪ ،‬الدعاية‪ ،‬مثالي‪.3 :‬‬ ‫قطيعة‪.1 :‬‬ ‫تجزئة‪.1 :‬‬ ‫و إنه بنظرة سريعة لما سبق نستطيع أن نلحظ كيف أن لخط الحداث اتجاها‬ ‫سببيا‪ ،‬يربط بين العلة و المعلول برباط المنطق التاريخي و الحالة النفس ‪-‬‬ ‫اجتماعية‪ .‬لقد جاءت قراءة العجيلي لحداث عصره عمودية و ليست أفقية‪ .‬و‬ ‫عبرت عن حالة الفتخار و العتزاز كواحدة من الخصال العربية الصيلة و ما‬ ‫لحقها من انكسار و جروح نازفة أصابت مفهوم المة القوية و العريقة بالصميم‪.‬‬ ‫و لذلك أعقبت المفردات اليجابية ‪ :‬وحدة ‪ ،‬عروبة‪ ،‬مثل عليا‪ ،‬مفردات سلبية مثل ‪:‬‬ ‫انفصال‪ ،‬قطيعة‪ ،‬تجزئة‪ ،‬إلخ‪..‬‬ ‫جدول ) ‪ – ( 1‬توزيع الحمولة اللغوية على فصول الذكريات‬

‫الرقم المتسلسل‬

‫الكتلة اللغوية‬

‫النسبة المئوية ‪%‬‬

‫‪4‬‬

‫العنوان‬ ‫الفهرس‬ ‫تعريف‬ ‫دوافع الدخول‬ ‫في الوزارة‬ ‫آراء قبل الوحدة‬ ‫في وزارة الثقافة‬ ‫في وزارة‬ ‫الخارجية‬ ‫في وزارة العلم‬ ‫العقابيل‬ ‫ملحق‬ ‫الخاتمة‬ ‫فهارس‬

‫‪16.67‬‬ ‫‪5.56‬‬ ‫‪11.11‬‬ ‫‪44.44‬‬ ‫‪22.22‬‬

‫النسبة المئوية‬ ‫للمجموع‬ ‫‪12.95‬‬

‫‪100‬‬ ‫‪100‬‬

‫‪7.75‬‬ ‫‪15.87‬‬

‫‪100‬‬ ‫‪23.08‬‬ ‫‪41.03‬‬ ‫‪29.21‬‬ ‫‪8.97‬‬

‫‪35.79‬‬ ‫‪28.06‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬


‫و عليه إن فضاء الذكريات كما رسمه العجيلي متداخل و ليس متسلسل )جدول ‪1‬‬ ‫(‪.‬‬ ‫إنه غير مرتب بأسلوب تتابع كرونولوجي إن شئت الدقة‪ .‬و قد كان يحدوه لذلك‬ ‫على الرجح سببان‪:‬‬ ‫ تداخل الحداث المتواترة و التي تشهد نوعا من المد و الجزر‪ .‬من وحدة‬‫لنفصال ثم اتحاد و هكذا دواليك في حركة ترددية ل متناهية ترسم دوائر مفرغة‬ ‫و تجريبية و ميؤوسا من جدواها‪.‬‬ ‫ و السبب الثاني عدم ترتيب الحالة النفسية لية مرحلة سياسية أو إدارية‪.‬‬‫و لذلك أرى أن فضاء هذه الذكريات مونولوجي‪ ،‬و تخترقه خطوط الضاءة و‬ ‫القوة و الضغط‪ ،‬و ذلك تبعا لما يسمى اللوبي المؤثر‪ ،‬و تبعا لركود و نشاط‬ ‫الحياة السياسية و الجتماعية‪ .‬و بالخص أنه تحدث عن أمة عربية ‪ ،‬و هي أمة‬ ‫ليست متجانسة‪ ،‬و تعيش في عدة شرائح و على عدة مستويات‪ .‬بين أنظمة‬ ‫شمولية و عسكرية و أنظمة ملكية متشددة دينيا‪ ،‬و يغلب عليها التحفظ و التفسير‬ ‫الرجعي مقابل جيوب و كونتونات مرتبطة بالخارج الليبرالي و العلماني‪.‬‬ ‫و للتدليل على ذلك بلغة الرقام لقد ورد في الصفحات ) ‪ ،(38 -13‬و هذه مجرد‬ ‫عينة عشوائية‪ ،‬لفظ الوحدة ‪ 23‬مرة و مقابل ذلك تردد لفظ النفصال ‪ 22‬مرة‬ ‫‪ ،‬المر الذي يؤكد حالة التوازن بين المفردات و عدم قدرة أي طرف على حسم‬ ‫الصراع‪ .‬إن ذلك بكل بساطة مؤشر على الزدواجية في مضمون الذكريات و‬ ‫تجزئها بين روح ) ذات ( ‪ /‬مادة ) موضوع(‪.‬‬ ‫و قد دعمت هذه النظرة الشيزوفرانية لخيط الحداث الرحلت المكوكية التي‬ ‫يقوم بها العجيلي نفسه بين مسقط رأسه بلدة الرقة و العاصمة‪ .‬ناهيك عن‬ ‫التجزئة في البنية النفسية لشخصيته و هو ما يسميه في المذكرات بعبارة ) الجمع‬ ‫بين (‪ ،‬فقد أدى مهام عدة وزارات غير متشابهة في وقت واحد كوزارة الثقافة و‬ ‫الخارجية مثل‪ .‬ثم في مرحلة لحقة وزارة العلم و الخارجية‪.‬‬ ‫و حتى سلوكه ينم عن ازدواجية‪.‬‬ ‫فهو ) كما ورد في عدة مناسبات( يشرب فنجان قهوة الصباح في مقهى البرازيل‪،‬‬ ‫ثم يغادر ليداوم في مكتبه بالوزارة‪.‬‬ ‫أما أعراض الشيزوفرانيا‪ ،‬التي تحمل أثر بنية شخصية مفككة و متصارعة مع‬


‫نفسها‪ ،‬يمكن أن نراها في سلوكه السياسي‪ .‬فهو يتمسك إيديولوجيا بمبدأ الوحدة‬ ‫العربية‪ ،‬و بالخص وحدة سوريا و مصر‪ ،‬و لكنه يشارك في أول وزارة بدولة‬ ‫النفصال‪ .‬و أعتقد أن هذا التجزؤ هو في الحقيقة علمة على تثبيت طفالي و‬ ‫نكوص‪ .‬و كان يمنع الذات من الندماج مع عناصرها‪ .‬و ربما بسبب غياب دور‬ ‫السرة في المذكرات ) فهو لم يتحدث عن طفولته و ل عن الم و الب و الخوة(‬ ‫وضع أمامه ذكرى حجاب و بديل فرويديا هو بلدته الرقة و بيئته الصحراوية و‬ ‫ماضينا العروبي التليد‪ .‬و هذا الثلثي هو عنده بمثابة الم الطيبة و الب القوي و‬ ‫الخوة الحباء‪ .‬و على الرجح إن هذه طريقة للهروب من ذكريات خاصة مؤلمة‬ ‫أو مخجلة‪ ،‬و ل يود أن يخوض في غمارها‪ .‬شأنه في ذلك شأن كل من يتوارى‬ ‫وراء الرموز العامة‪ .‬و على أية حال إن الفن و الدب هما حالة تصعيد و تورية‪ .‬و‬ ‫الهدف النفسي يتلخص بإخفاء الرغبات الجنسية العارية‪.‬‬ ‫و كذلك كانت الذكريات فريدة من نوعها لنها ل تنص على اسم الزوجة و ل‬ ‫البناء‪ .‬و هذه أعراض ثابتة لدى العجيلي‪ .‬فهو في أدبياته الكثيرة و المتنوعة التي‬ ‫صور فيها عن رحلته في أرجاء العالم و مهنته تكفل بالحديث عن الصدقاء و‬ ‫المحبوبات و المرضى في العيادة دونما و لو إشارة واحدة لفراد عائلته‪.‬‬ ‫و في الذكريات اكتفى بالشارة لزوجته كشيء هلمي و غير محدد‪ ،‬و ذلك لثلث‬ ‫مرات فقط‪ ،‬و في مناسبات هامشية و ل يعتد بها ) مثل اتصال من مجهول‪ ،‬دعوة‬ ‫لحفلة غنائية‪.(...‬‬ ‫معنى الميثاق في الذكريات‪:‬‬ ‫إن ) ذكريات أيام السياسة ( حسب ميثاقها‪ ،‬العقد الذي أبرمته مع القارئ‪ ،‬هي‬ ‫مذكرات شخصية‪ .‬و الميثاق أو العقد الذي يحدد النوع يكون ) برأي شكري‬ ‫المبخوت ‪ (1992 ،‬على شكلين‪:‬‬ ‫‪ -1‬مضمر‪ :‬و به تتساوى الكتابة من حيث تسمية الضمير الغائب أو المنصوص عنه‬ ‫بـ ) هو ( أو ) أنت(‪ .‬و هذا يعود على الراوي المتكلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬أو أنه ظاهر‪ .‬و هذا ينص بصراحة و بسلطة مطلقة من الكاتب على الحالة‬ ‫للنوع‪ .‬أي أنه فيه يتم العلن عن الميثاق المعقود بين الطرفين‪ ،‬الحاضر ) فضاء‬ ‫الكتابة ( و الخر الحاضر ) فضاء القراءة(‪.‬‬


‫غير أن التمييز بين المذكرات و السيرة الذاتية يتطلب نوعا من التطابق بين الفعل‬ ‫و الفاعل‪ .‬و لكن هذا غير ضروري في حالة العجيلي لن المذكرات الشخصية‬ ‫سيرة حاضرة دائما‪.‬‬ ‫إن العلقة بين ذات الفاعل و ذات الفعل في السير الذاتية قد ل يكون على هذا‬ ‫القدر من الهمية‪ .‬و إن مباشرة الذات للموضوع هي بشكل مستمر و في جميع‬ ‫أنواع المرويات الحقيقية ) من سير و مذكرات( تقوم أساسا على المحاكاة و‬ ‫المماثلة‪ .‬و تساوي بين الحادثة و أسبابها‪ .‬إن سبب ما يحدث في الحقيقة هو‬ ‫الذات الواقعية الموجودة و التي لها اسم و تاريخ و اتصال‪ .‬و كل ما يؤسسه‬ ‫العقل أو تعيد العين تركيبه هو في حقيقة المر تحريك من طرف الكاتب و‬ ‫مثالياته للموضوع‪ .‬و هو ما نسميه بالحدوث أو ببساطة الفعل‪.‬‬ ‫إن العنصر الجوهري في المذكرات و السيرة و اللوحات القلمية جزء من الفعال‬ ‫التي تؤديها الذات‪ .‬أو أنه مباشرة من الذات للعالم‪ .‬كيف تحوله من شيء‬ ‫لمكانيات‪ .‬فالذي يتحقق فعل هو تحريك ذاتي و استجابة لعدد من المؤثرات و‬ ‫الرغبات المتراكمة‪ .‬و بعبارة أوضح‪ :‬هو مجرد تصور من الذات لما يجب أن‬ ‫ينفصل عنها و يضمن لها الستمرار‪ .‬فالذات موجودة في العالم قبل الخبرات‬ ‫الشخصية المؤجلة‪ ،‬و الفعال هي التي تتذكر الذات‪ ،‬و تحاول أن تجاريها فيما‬ ‫تفكر به‪.‬‬ ‫و لكن العجيلي أضاف لما سبق معنى الذات المتحولة و هي التي يكون لها‬ ‫وجود أداتي و أدائي‪.‬‬ ‫فهو لم يتوقف عند حدود رواية الوقائع‪ ،‬و ل عند حدود عالم المنيات و المثل و‬ ‫القيم العليا‪ ،‬و لكنه حاول قراءة العناوين العريضة لشجون تلك المرحلة من‬ ‫خلل علقته بها‪.‬‬ ‫و قد استعمل صيغة الماضي التام‪ ،‬لذلك غلب عليه الطبع و ليس التطبع‪ ،‬بناء‬ ‫الحكاية و ليس تصوير الوقائع‪.‬‬ ‫و كان ينظر لجميع المهام الموكلة له من زاوية بيئته البدوية القاحلة و البطيئة و‬ ‫غير المنتظمة و التي ل تكتنفها السرار‪ ،‬و إنما تحترق بالضوء و حرارة شمس‬ ‫الصحراء و المكائد‪.‬‬ ‫و هكذا نفهم لماذا تعامل مع الوظائف العامة‪ ،‬و كأنها تعبير عن أفكاره‬ ‫الشخصية‪ ،‬و ليس عن متطلبات و ضرورات العمل‪ .‬و لماذا كانت النقلبات و‬


‫المؤامرات هي الحدث الهم‪.‬‬ ‫و في هذا السياق نستطيع أن نقرأ قراره بتعيين نزار قباني سفيرا‪ ،‬و الثقة التي‬ ‫أولها لحكمة العسكر‪ ،‬و لسلوب التعيين عوضا عن النتخاب‪.‬‬ ‫معنى أسماء العلم في الذكريات‪:‬‬ ‫و لسم العلم قيمة سيميائية‪ .‬فهو يدل على الشيء و معناه و له وزن رمزي‬ ‫أيضا‪ .‬و الصلة بين السم و الصفة مثل العلقة بين العمل و النتيجة‪ .‬لذلك يمكن‬ ‫أن يكون السم هو الداء أو الدال على طبيعة الداء من ناحية‪ ،‬أو النعت ) و‬ ‫ربما خبر لمبتدأ محذوف تقديره في الذهن( من ناحية ثانية‪ .‬و عليه تكون أسماء‬ ‫العلم معرفة حتى لو أنها بل أداة تعريف أو أنها غير مضافة لمعرفة‪.‬‬ ‫و إن تواترها في جزئيات النص و وحداته الكبرى المضمرة‪ ،‬التي لها وجود في‬ ‫عالم المعاني‪ ،‬و الظاهرة الموجودة في الشريط اللغوي يدل على‪:‬‬ ‫أ‪ -‬العناصر و النماذج الولية لذات المتكلم‪.‬‬ ‫ب‪ -‬الجوهر الساسي لذات المتكلم نفسه‪.‬‬ ‫و بالنظر لذكريات العجيلي نلحظ أنها غير متوازنة من ناحية التوزيع و التخصيص‪.‬‬ ‫فهي و على الرغم من أنها تتألف من أربعة أقسام‪ :‬ثقافة‪ ،‬خارجية‪ ،‬إعلم‪ ،‬و‬ ‫سوى ذلك‪ ،‬يمكن تقسيمها عمليا إلى ثلثة اتجاهات متساوية‪:‬‬ ‫‪ -1‬الذات القريبة ) في الثقافة و الخارجية(‪.‬‬ ‫‪ -2‬الذات العامة التي لها دور في التخطيط و التربية ) في العلم(‪.‬‬ ‫‪ -3‬النا المجردة و الشخصية ) سوى ذلك(‪.‬‬ ‫و مثل هذا التوزيع لقسام المذكرات ل يعيد التوازن لبنائها و رؤيتها و حسب‪ ،‬بل‬ ‫يساعد على رؤية دور اللشعور في صياغة الهوية النهائية للعجيلي‪ .‬فالعرب غير‬ ‫السوريين في الحقيقة فاعلين غير أساسيين في ‪1‬و ‪ .2‬و إن اتصالته الحقيقية‬ ‫) كما نراها في ذاكرته( ليست عروبية‪ .‬و قد ركز في الثقافة و الخارجية على‬ ‫السوريين و الجانب‪ .‬و كأن المرحلة ‪ 1‬هي صورة بالمرآة للمرحلة ‪ .2‬بمعنى أنه‬ ‫لم يكن يعزو أي فرق لمهمته في مجال الثقافة و الخارجية‪.‬‬ ‫و هذا يصدق أيضا على اسم العجيلي الصريح‪ .‬فقد فهو ورد ذكره مرة واحدة‬ ‫في ‪ 1‬و مرتين في ‪ .2‬أي أن تواتره النسبي يتساوى في الفقرتين‪ .‬و تتعادل‬


‫الفقرة ‪ 3‬أيضا مع مجموع ‪1‬و ‪.2‬‬ ‫بوجيز العبارة إن ) الجدول ‪ ( 2‬يبين كيف أن كتلة السماء لم تتوزع بالعدل‪ .‬و‬ ‫هناك تأثير مهني عليها‪.‬‬ ‫جدول ) ‪ – ( 2‬توزيع أسماء العلم في فصول الذكريات‬

‫‪ 1‬في وزارة الثقافة‬ ‫‪58 - 37‬‬ ‫‪ 271 / 22‬ص‬ ‫الحجم ‪0.081‬‬ ‫الفئة‬ ‫مفكرون‬ ‫سياسيون و‬ ‫إداريون‬ ‫عسكر‬ ‫العجيلي‬ ‫المجموع‬

‫عرب‬ ‫‪1‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪7+4‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪19‬‬

‫‪ 3‬في وزارة العلم‬ ‫‪ 2‬في وزارة الخارجية‬ ‫‪200 - 103‬‬ ‫‪102 - 59‬‬ ‫‪ 271 / 97‬ص‬ ‫‪ 271 / 42‬ص‬ ‫الحجم ‪0.362‬‬ ‫الحجم ‪0.162‬‬ ‫أسماء العلم‬ ‫أجانب‬ ‫عرب ‪3‬‬ ‫أجانب عرب أجانب‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪ 20‬ب‬ ‫‬‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪ 24‬جـ ‪7 +‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪20+4‬‬ ‫‬‫‬‫‬‫‪21 = 2‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪ 30‬أ‬

‫‬‫‬‫‪34 = 4‬‬

‫‪6‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪ 59‬د‬

‫‬‫‬‫‪61 = 2‬‬

‫‪ 4‬سوى ذلك ‪- 201‬‬ ‫‪271‬‬ ‫‪ 271 / 70‬ص‬ ‫الحجم ‪0.395‬‬ ‫عرب ‪4‬‬

‫أجان‬ ‫ب‪4‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪ 75‬ز‬

‫‬‫‬‫‪=1‬‬ ‫‪76‬‬

‫‪ 10‬هـ‬ ‫‪ 47+5‬و‬

‫أ ‪ -‬منهم ‪ 2‬غير سوريين ‪ ،‬ب ‪ -‬منهم ‪ 2‬عرب‪ ،‬جـ ‪ -‬منهم ‪ 6‬عرب‪ ،‬د ‪ -‬منهم ‪ 11‬غير سوريين‪،‬‬ ‫هـ ‪ -‬منهم ‪ 6‬غير سوريين‪،‬‬ ‫و ‪ -‬منهم ‪ 14‬غير سوريين‪ ،‬ز ‪ -‬منهم ‪ 22‬غير سوريين‬

‫و قد كانت وزارة العلم هي الدعى للملحظة‪ .‬فقد حازت على نسبة كبيرة من‬ ‫أسماء العرب غير السوريين لتأخذ غطاء سياسيا عروبيا يساير البنية الذهنية‬ ‫للعجيلي و أحلمه في دولة عربية قوية تعيد أمجاد الحضارة السلمية و فجرها‬ ‫الذهبي لمسرح الحداث‪ .‬لقد كان العجيلي إن شئت الحقيقة عروبيا حقا‪ ،‬و يؤكد‬ ‫ذلك التركيز على العرب غير السوريين في المرحلة الرابعة ) سوى ذلك التي هي‬ ‫سيرة العجيلي غير المهنية(‪.‬‬ ‫جدول ) ‪ – ( 3‬النسبة المئوية لتوزيع أسماء العلم على فصول الذكريات‬ ‫الصفة‬ ‫أجانب‬ ‫عرب‬ ‫العجيلي‬

‫‪1‬‬ ‫‪0.095‬‬ ‫‪0.90‬‬ ‫‪0.048‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪0.118‬‬ ‫‪0.90‬‬ ‫‪0.059‬‬

‫‪3‬‬ ‫‪0.033‬‬ ‫‪0.97‬‬ ‫‪0.049‬‬

‫‪4‬‬ ‫‪0.013‬‬ ‫‪0.99‬‬ ‫‪0.080‬‬

‫و هذا دليل ل يقبل الشك على أن الذكريات هي تصور لعالم طوباوي تسيطر‬ ‫عليه و توجهه مفردات أساسية لها علقة بالعلم حيث المجال الكبر يكون‬


‫للشعارات و ليس للواقع المادي‪ .‬و من ذلك‪ :‬الوطن‪ ،‬المصلحة العليا‪ ،‬المصلحة‬ ‫القومية‪ ،‬الستقرار‪ ،‬التعقل‪ .‬و غير ذلك من عبارات رومنسية ساهمت إلى حد كبير‬ ‫في تضخيم العاطفة على حساب العقل ‪ ،‬و في توسيع القراءة الشخصية‬ ‫للحداث على حساب الواجبات و المنطق الموضوعي‪.‬‬ ‫و أعتقد أن الشعور العارم بالخسارة و الندم ثم الوقوف على الطلل و البكاء‬ ‫على المجاد الغابرة‪ ،‬هو قسط يسير من نتائج ذلك التفكير الوجداني و‬ ‫الشخصاني‪.‬‬ ‫و هذا هو شأن العجيلي دائما‪ .‬إنه يضع مبادئه و أحلمه في مواجهة نفسها‪ ،‬و‬ ‫يحول العالم إلى مرآة تعبير كبيرة نرى فيها أنفسنا فقط‪ ،‬و من خارج السياق‬ ‫العام للحداث‪ .‬فهو مثل يذكر في ‪ 3‬الدخال الجنبي لمرة واحدة في بند‬ ‫مفكرين و سياسيين و كأنه يحاول أن يلغي أثر الفقرتين السابقتين ‪1‬و ‪ 2‬اللتين‬ ‫غلبت عليهما الدخالت العجمية‪ .‬و هذا مفهوم في ضوء الفرق في الختصاص‪.‬‬ ‫فالخارجية و ل شك لها علقة بالجانب‪ .‬و قل نفس الشيء عن الثقافة‪ .‬أما‬ ‫العلم فهو غالبا آلة بروباغاندا موجهة للستهلك في السوق المحلية‪.‬‬ ‫لقد كان خط العجيلي في هذه الذكريات متحول و بنفس السلوب الذي طرأ على‬ ‫حياته و ثقافته‪ .‬فانتقاله من مجتمع عشيرة بدوية إلى عالم الفكار المخملية و‬ ‫التي أرى أنها أقرب للتفكير المديني قد شجع الطبقات العميقة من عالمه النفسي‬ ‫كي تنتقل لطور فاعل أو أنا‪.‬‬ ‫و يمكن أن نبرهن على ذلك من الجدول ‪ 2‬حيث نلحظ أن أسماء العلم العربية‬ ‫في الفقرة ‪ ، 4‬و هي الخاصة بأنا العجيلي ‪ ،‬تعادل بعددها مجموع الفقرات‬ ‫السابقة مجتمعة‪ .‬بالمقابل يرد ذكر اسم علم أجنبي واحد فقط في فقرة ‪4‬‬ ‫مقابل ‪ 8‬في الفقرات السابقة‪.‬‬ ‫باختصار لقد كان العجيلي في الحياة العامة و ملبسات حياته الشخصية أقرب‬ ‫لبن البادية المتمسك بالصول‪ .‬الذي يؤمن بالنظرة البطريركية للحياة و كأن‬ ‫المجتمع عشيرة و هي بحاجة لب أو قائد يدلها على الطريق المن‪.‬‬ ‫و لكنه في حياته الرسمية لديه ميول قوية تربطه بالحضارة و العالم المتطور‪ .‬لقد‬ ‫تعامل مع حياته الشخصية بعقلية أبوية متغطرسة‪ ،‬لكنه في مجال المهام‬ ‫المنوطة به تحلى بعقلية سياحية تؤمن بأهمية المثاقفة و التواضع و التعلم من‬ ‫الخرين‪ ،‬و خلف ستار رقيق تستطيع أن ترى " دقات قلبه " و هي توجه دفة‬


‫القارب‪ ،‬باعتبار أنه الربان‪.‬‬ ‫و هذا يدل على نفس الشيزوفرانيا التي تراها واضحة في المبدأ الساسي‬ ‫المحرك لكل شخصيته‪ ..‬أن ينادي بالوحدة و يشترك في قيادة ست وزارات‬ ‫أساسية في دولة النفصال‪.‬‬ ‫المراجع و المصادر‪:‬‬ ‫ عبدالسلم العجيلي ‪ ،‬ذكريات أيام السياسة ) ‪ .(2000‬رياض الريس للكتب و‬‫النشر‪ .‬بيروت‪278 .‬ص‪.‬‬ ‫ شكري المبخوت‪ ،‬سيرة الغائب ‪ /‬سيرة التي ‪ :‬السيرة الذاتية في كتاب اليام‬‫لطه حسين ) ‪ .(1992‬دار الجنوب للنشر‪ .‬تونس‪167.‬ص‪.‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.