التعايش في ظل التنوع العقائدي والثقافي كيف نجح الغرب وفشل المسلمون

Page 1


‫ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‬

‫ﻣﻮﺳﻮﻋﺔ ﺍﻟﺘﻜﺎﻣﻞ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺍﻷﻓﺮﻳﻘﻲ‬

‫ﺍﳌﺮﻛﺰ ﺍﳉﺎﻣﻌﻲ ﺍﻟﺪﻭﱄ‬

‫ﺍﻟﺘﻌﺎﻳﺶ ﰲ ﻇﻞ ﺍﻟﺘﻨﻮﻉ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﰲ‬ ‫)ﻛﻴﻒ ﳒﺢ ﺍﻟﻐﺮﺏ ﻭﻓﺸﻞ ﺍﳌﺴﻠﻤﻮﻥ(‬ ‫رﺳﺎﻟﺔ ﻣﻘدﻣﺔ ﻟﻧﯾل درﺟﺔ اﻟﻣﺎﺟﺳﺗﯾر ﻓﻲ اﻟدراﺳﺎت اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﻹﺳﻼﻣﯾﺔ‬

‫ﻣﻘدﻣﺔ ﻣن اﻟﺑﺎﺣث‬

‫ﻋﺑداﻟﻧﺎﺻر ﻓﺗﺣﻲ طﻪ ﻣﺳﻌود‬ ‫ﺗﺣت إﺷراف‬

‫ﺩﻛﺘﻮﺭ‪ /‬ﻃﻠﻌﺖ ﻋﻜﺎﺷﻪ ﻋﺎﻳﺪ‬ ‫أﺳﺗﺎذ اﻟدراﺳﺎت اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ واﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺑﺎﻟﻣرﻛز اﻟﺟﺎﻣﻌﻲ اﻟدوﻟﻲ‬ ‫ﻋﻣﺎدة اﻟﺑﺣث اﻟﻌﻠﻣﻲ واﻟدراﺳﺎت اﻟﻌﻠﯾﺎ ﻓﻲ ﻣوﺳوﻋﺔ اﻟﺗﻛﺎﻣل اﻻﻗﺗﺻﺎدي اﻟﻌرﺑﻲ‬ ‫اﻷﻓرﯾﻘﻲ ﻋﻧﺎﯾﺔ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟدول اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺑﺎﻟﺗﻌﺎون ﻣﻊ اﻟﻣرﻛز اﻟﺟﺎﻣﻌﻲ اﻟدوﻟﻲ‬

‫‪١٤٣٨‬ﻫـ‪٢٠١٧ /‬ﻡ‬ ‫ب‬


‫ﻟﺠﻨﺔ اﻟﺤﻜﻢ واﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ‬ ‫ﺍﻟﺘﻌﺎﻳﺶ ﰲ ﻇﻞ ﺍﻟﺘﻨﻮﻉ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﰲ‬ ‫)ﻛﻴﻒ ﳒﺢ ﺍﻟﻐﺮﺏ ﻭﻓﺸﻞ ﺍﳌﺴﻠﻤﻮﻥ(‬ ‫ﻟﺟﻧﺔ اﻟﻣﻧﺎﻗﺷﺔ واﻟﺣﻛم‪:‬‬

‫ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ‪ /‬ﻃﻠﻌﺖ ﻋﻜﺎﺷﻪ ﻋﺎﻳﺪ‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ﻣﺸﺮﻓﺎ ﻭﺭﺋﻴﺴﺎ‬

‫أﺳﺗﺎذ اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﻛﻠﯾﺔ دار اﻟﻌﻠوم ﺑﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻣﻧﯾﺎ‬

‫ً‬ ‫ﻋﻀﻮﺍ‬

‫ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ‪ /‬ﳏﻤﺪ ﺍﻟﻄﺎﻫﺮ‬ ‫أﺳﺗﺎذ ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺑﺣث ﺑﻛﻠﯾﺔ اﻟﺣﺎﺳب اﻵﻟﻲ ﺑﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻣﻧﺻورة‬

‫ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ‪ /‬ﻳﻮﺳﻒ ﺣﺴﻦ ﻳﻮﺳﻒ‬ ‫أﺳﺗﺎذ اﻹدارة ﺑﺄﻛﺎدﯾﻣﯾﺔ اﻟﺗﻣﯾز ﻟﺗدرﯾب واﻟﺑﺣث اﻟﻌﻠﻣﻲ ﺑﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻣﻧﺻورة‬

‫ج‬

‫ً‬ ‫ﻋﻀﻮﺍ‬


‫ﺷرك ﺑِ ِﻌﺑ َ ِ‬ ‫ﻓَﻣن َﻛﺎن ﯾرﺟو ﻟِﻘَ ِ ِ‬ ‫ﻌﻣل َﻋ َﻣﻼً ﺻﺎﻟِﺣﺎً َوﻻ ُﯾ ِ‬ ‫َﺣ َداً‪.‬‬ ‫ﺎدة َرﺑِﻪ أ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ﺎء َرﺑﻪ َﻓ ْﻠَﯾ َ‬ ‫َ‬ ‫)ﺳورة اﻟﻛﻬف‪ ،‬آﯾﺔ ‪(١١٠‬‬ ‫ﺻدق اﷲ اﻟﻌظﯾم‬

‫د‬


‫ﺍﻹﻫﺪﺍء‬ ‫إﻟﻰ اﻟﻌﻠﻣﺎء اﻟﻌﺎﻣﻠﯾن‪ ،‬واﻟدﻋﺎة اﻟﻣﺧﻠﺻﯾن‪،‬‬ ‫وطﻼب اﻟﻌﻠم اﻟﻣﺟﺗﻬدﯾن‪ ،‬وأﺑﻧﺎء اﻷﻣﺔ‬ ‫اﻟﻐﯾورﯾن‪:‬‬ ‫أﻫدي ﻫذا اﻟﻌﻣل اﻟﻣﺗواﺿﻊ ﺳﺎﺋﻼً اﻟﻣوﻟﻰ ﻋز وﺟل ﺑﺄﺳﻣﺎﺋﻪ‬ ‫اﻟﻌظﻣﻰ أن ﯾﺟﻌﻠﻪ ﺧﺎﻟﺻﺎً‬ ‫ُ‬ ‫اﻟﺣﺳﻧﻰ وﺻﻔﺎﺗﻪ ُ‬ ‫ﻟوﺟﻬﻪ اﻟﻛرﯾم‬

‫ه‬


‫اﻟﺷﻛر واﻟﺗﻘدﯾر‬ ‫أﺗوﺟﻪ ﺑﺎﻟﺷﻛر ﷲ اﻟﻌﻠﻲ اﻟﻌظﯾم اﻟذي وﻓﻘﻧﻲ ﻹﻧﺟﺎز ﻫذا اﻟﻌﻣل اﻟﻣﺗواﺿﻊ‪ ،‬واﻟذي‬ ‫أﺳﺋﻠﺔ أن ﯾﺟﻌﻠﻪ ﺧﺎﻟﺻﺎً ﻟوﺟﻪ اﻟﻛرﯾم‪ ،‬ﻛﻣﺎ أﺗوﺟﻪ ﺑﺎﻟﺷﻛر ﻟﻛل أﺳرﺗﻲ اﻟﻛرﯾﻣﺔ اﻟﺗﻲ‬

‫ﻟﻲ اﻟوﻗت واﻟﻣﺎل ﻹﻧﺟﺎز ﻫذا اﻟﺑﺣث‪ .‬ﻛﻣﺎ أﺗوﺟﻪ ﺑﺎﻟﺷﻛر ﻟﻸﺳﺗﺎذ‬ ‫ﺳﺎﻋدﺗﻧﻲ ووﻓرت ّ‬ ‫اﻟدﻛﺗور‪ /‬طﻠﻌت ُﻋﻛﺎﺷﺔ ﻋﺎﯾد‪ ،‬اﻟذي ﺳﺎﻋدﻧﻲ ﺑﺎﻟﺗوﺟﯾﻪ ﻣﻧذ اﺧﺗﯾﺎر اﻟﻣوﺿوع وﺣﺗﻰ‬ ‫اﻹﺧراج اﻟﻧﻬﺎﺋﻲ ﻟﻬذا اﻟﻌﻣل؛ ﻛﻣﺎ أﺗوﺟﻪ ﺑواﻓر اﻟﺷﻛر ﻟﻛل ﻣن اﻟدﻛﺗور‪ /‬ﻣﺣﻣد‬ ‫اﻟطﺎﻫر‪ ،‬واﻟدﻛﺗور‪/‬‬

‫ﯾوﺳف ﺣﺳن ﯾوﺳف‪ ،‬اﻟﻠذان واﻓﻘﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻧﺎﻗﺷﺔ ﻫذا اﻟﻌﻣل‬

‫اﻟﻣﺗواﺿﻊ‪.‬‬ ‫ﺑﻌد‪،،،،،،‬‬ ‫وﷲ اﻟﺣﻣد واﻟﺷﻛر ﻛﻣﺎ ﯾﻧﺑﻐﻲ ﻟﺟﻼل وﺟﻪ وﻋظﯾم ﺳﻠطﺎﻧﻪ ﻣن ﻗﺑ ُل وﻣن ُ‬

‫و‬


‫اﻟﻔﻬرس‬ ‫اﻟﺻﻔﺣﺔ‬

‫اﻟﻣــوﺿوع‬ ‫اﻟﻣﻠﺧص اﻟﻌرﺑﻲ‬

‫‪١‬‬

‫اﻟﻣﻘدﻣﺔ‬

‫‪٢‬‬

‫اﻟﻔﺻل اﻷول‪ :‬وﺣدة اﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻋﻘﯾدة وﻣﻧﻬﺞ‬

‫‪٦‬‬

‫اﻟﻣﺑﺣث اﻷول‪ :‬ﻣظﺎﻫر وﺣدة اﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻣﻧذ ﻓﺟر اﻟدﻋوة‪.‬‬

‫‪٦‬‬

‫اﻟﻣﺑﺣـــث اﻟﺛـــﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣظ ــﺎﻫر اﻧﻔﺻ ــﺎل اﻟﻣﺳ ــﻠﻣﯾن ﻋ ــن اﻟﻣﺣ ــﯾط اﻟﺟ ــﺎﻫﻠﻲ ﻓ ــﻲ‬

‫‪١٢‬‬

‫ﺑداﯾﺔ اﻟدﻋوة‬ ‫اﻟﻣﺑﺣث اﻟﺛﺎﻟث‪ :‬اﻟﻣﺳﻠﻣون أﻣﺔ واﺣدة ﻣن دون اﻟﻧﺎس‪.‬‬

‫‪٢٠‬‬

‫اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ :‬اﻟﻌواﻣل اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ اﻟﺗﻲ أدت ﻟﺗﻔرﯾق ﺻف اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‬

‫‪٢٦‬‬

‫ـﻠم ﻟﻠﻔرﻗــﺔ وﺗﺄﻛﯾــدﻩ ﻋﻠــﻰ‬ ‫اﻟﻣﺑﺣــث اﻷول‪ :‬ﻛراﻫﯾــﺔ اﻟﻧﺑــﻲ ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫ﻧﺑذﻫﺎ‪.‬‬

‫‪٢٦‬‬

‫اﻟﻣﺑﺣث اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ :‬ﺗﻔرق اﻷﻣﺔ ﺑﻌد اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻟراﺷدة واﺳﺗﻣرار ﻫذا اﻟﺗﻔرق‪.‬‬

‫‪٣٣‬‬

‫اﻟﻣﺑﺣث اﻟﺛﺎﻟث‪ :‬اﻟﻌﻬد اﻟﺣدﯾث وﺗﻔرق اﻷﻣﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ إﻟﻰ دوﯾﻼت ﺻﻐﯾرة‪.‬‬

‫‪٥٠‬‬

‫اﻟﻣﺑﺣث اﻟراﺑﻊ‪ :‬ﻣﺣﺎوﻻت رﻓض ﻫذا اﻟﺗﻔرق وﻣﺣﺎوﻻت اﻻﻧدﻣﺎج‪.‬‬

‫‪٦٣‬‬

‫اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻟـث‪ :‬ﻣﻔﻬـوم اﻟدوﻟـﺔ اﻟﻘوﻣﯾـﺔ وﻧﻬﺎﯾـﺔ ﻫـذا اﻟﻣﻔﻬـوم ﻋﻠـﻰ أرض‬

‫‪٧٦‬‬

‫اﻟواﻗﻊ‬ ‫اﻟﻣﺑﺣث اﻷول‪ :‬ﺗﻌرﯾف اﻟدوﻟﺔ اﻟﻘوﻣﯾﺔ‪ ،‬وﻧﺷﺄﺗﻬﺎ‪.‬‬

‫‪٧٦‬‬

‫اﻟﻣﺑﺣــث اﻟﺛــﺎﻧﻲ‪ :‬اﺗﻔﺎﻗﯾــﺔ ﺳــﯾﻛس ﺑﯾﻛــو وﺗﻘﺳـﯾم اﻟﻣﻧطﻘــﺔ اﻟﻌرﺑﯾــﺔ واﻟﻌــﺎﻟم إﻟــﻰ‬

‫‪٨٢‬‬

‫دول ﻛﺛﯾرة‪.‬‬ ‫اﻟﻣﺑﺣث اﻟﺛﺎﻟث‪ :‬ﻓﺷل ﺗطﺑﯾق اﻟﻘوﻣﯾﺔ ﻋﻠﻰ أرض اﻟواﻗﻊ‪.‬‬

‫‪٩٦‬‬

‫اﻟﻔﺻل اﻟراﺑﻊ‪ :‬ﺟواﻧب اﻟﺷﻘﺎق ﻓﻲ اﻟﻔﻛر واﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ وﻧﻣـﺎذج ﻣـن‬

‫‪١٠٧‬‬

‫اﻟﺳﻧوات اﻟﻌﺟﺎف ﻣن اﻟﺣروب اﻟﻐرﺑﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ‬

‫اﻟﻣﺑﺣث اﻷول‪ :‬أﺳﺑﺎب اﻟﺷﻘﺎق اﻟﻔﻛري واﻟﻌﻘﺎﺋدي ﻓﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ‪.‬‬

‫‪١٠٨‬‬

‫اﻟﻣﺑﺣــث اﻟﺛــﺎﻧﻲ‪ :‬اﻟﺣــروب اﻟﻐرﺑﯾــﺔ اﻟﻐرﺑﯾــﺔ ﻓــﻲ اﻟﻘــرون اﻟوﺳــطﻰ واﻟﻌﺻــر‬

‫‪١٢٤‬‬

‫اﻟﺣدﯾث‪.‬‬ ‫اﻟﻣﺑﺣــث اﻟﺛﺎﻟــث‪ :‬دﻋــوة اﻟﻣﻔﻛ ـرﯾن اﻟﻐ ـرﺑﯾﯾن ﻟﻧﺑــذ أﺳــﺑﺎب اﻟﺣــروب واﻻﺗﺟــﺎﻩ‬ ‫ز‬

‫‪١٤٠‬‬


‫إﻟﻰ اﻟﺗوﺣد‪.‬‬ ‫اﻟﻔﺻـــل اﻟﺧـــﺎﻣس‪ :‬اﻟـــدروس اﻟﻣﺳﺗﺧﻠﺻـــﺔ وﻛﯾﻔﯾـــﺔ ﻧﺑـــذ أﺳـــﺑﺎب اﻟﺧـــﻼف‬

‫‪١٦١‬‬

‫واﻟﻌودة إﻟﻰ وﺣدة اﻟﺻف‬ ‫اﻟﻣﺑﺣث اﻷول‪ :‬أﺳﺑﺎب اﻟﺧﻼف‪.‬‬

‫‪١٦١‬‬

‫اﻟﻣﺑﺣث اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ :‬وﺳﺎﺋل اﻟﻘﺿﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺧﻼف‪.‬‬

‫‪١٦٨‬‬

‫اﻟﺧﺎﺗﻣﺔ‬

‫‪١٨٩‬‬

‫اﻟﻣراﺟﻊ‬

‫‪١٩٢‬‬

‫اﻟﻣﻼﺣق‪ :‬اﺳﺗﻣﺎرة اﺳﺗﺑﯾﺎن‬

‫‪١٩٧‬‬

‫ح‬


‫اﻟﻣﻠﺧص اﻟﻌرﺑﻲ‬ ‫ﻧﺣــن ﻻ ُﯾﻣﻛــن ان ﻧﺷــك ﻟﻠﺣظــﺔ واﺣــدة وﻻ ﺣﺗــﻰ ﺟــزء ﻣــن ﻫــذﻩ اﻟﻠﺣظــﺔ اﻧــﻪ ﯾوﺟــد ﻓــرد‬ ‫ﻋﻠ ــﻰ ظﻬ ــر اﻷرض ﻣﺳ ــﻠﻣﺎً أو ﻋرﺑﯾـ ـﺎً وﻻ ﯾﻛ ــون ﺣزﯾﻧـ ـﺎً ﺑﺳ ــﺑب ﻣ ــﺎ وﺻ ــﻠت إﻟﯾ ــﻪ اﻷﻣ ــﺔ‬ ‫اﻟﻌرﺑﯾــﺔ واﻟﻣﺳــﻠﻣﺔ ﻟﺣﺎﻟــﺔ ﻟــم ﯾﺳــﺑق ﻟﻬــﺎ ﻣﺛﯾــل ﻣــن اﻟﺗﺷــرذم واﻟﺗﻔــرق ﻣــﺎ أدى ﺑﻬــﺎ إﻟــﻰ أن‬ ‫ﺗﻛــون ﻓــﻲ زﯾــل اﻷﻣــم‪ -‬ﺑــل ﺑﻌــد اﻟزﯾــل ﺑﻛﺛﯾــر‪ -‬وﻻ ﯾﻬﻣﻧــﺎ ﻫﻧــﺎ اﻟﺑﻛــﺎء ﻋﻠــﻰ ﻫــذا اﻟوﺿــﻊ‬ ‫اﻟﻣﺧﺟــل ﺑﻘـدر ﻣــﺎ ﯾﻬﻣﻧـﺎ ﻣــن ﻣﻌرﻓـﺔ اﺳــﺑﺎب ﻫـذا اﻟﺗﻔــرق وﻣـن ﺛــم ﻣﺣﺎوﻟـﺔ ﺗﻠﻣــس‬ ‫اﻟﻣـذري ُ‬ ‫اﻟطرﯾق ﻟﻛﻲ ﻧﻌود ﻛﻣﺎ ﻛﻧﺎ أﻣﺔ واﺣـدة ﻛﻣـﺎ أرادﻫـﺎ اﷲ وﻛﻣـﺎ ﻫﯾﺋﻬـﺎ ﻟـذﻟك ﺑﻔﺿـل وﺣدوﯾـﺔ‬ ‫اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟرﺑﺎﻧﻲ اﻟذي ﯾﺟب أن ﺗﺳﯾر وﻓق ﻫداﻩ‪.‬‬ ‫واﻟﺣﻘﯾﻘــﺔ إﻧــﻲ أرى ﻧﻔﺳــﻲ أﺿ ــﻌف ﻣ ــن أن أﻗــدم ﻫ ــذا اﻟط ــرح وﻟﻛــن أﺑ ــذل وأﻧ ــﺎدي ﺑﻬ ــذا‬ ‫اﻟﺻوت اﻟﺿﻌﯾف ﻓﻌﻠﯾﻧﺎ اﻟﻧداء وﻋﻠﻰ ﻣن ﯾﻣﻠك ﻣﻔﺎﺗﯾﺢ اﻟﻘﻠوب اﻟﺑﻼغ‪ٕ .‬واﻧﻲ ﻣـن ﺧـﻼل‬

‫ﻫذا اﻟﻌﻣل اﻟﻣﺗواﺿﻊ أﻧﺎدي ﺑﺄﻧﻪ إن ﻟم ﺗﻛن أداة ﻣن أدوات اﻟﺗﺟﻣﯾﻊ ﺑﯾن ﻣﻔردات اﻷﻣـﺔ‬ ‫ﻓﺈﯾــﺎك أن ﺗﻛــون أداة ﻣــن أدوات اﻟﺗﻔرﯾــق‪ .‬ﻫــذﻩ اﻷدوات اﻟﺗــﻲ ﺗﺣﻣــل ﻓــﻲ ﺑﻌــض ﺟواﻧﺑﻬــﺎ‬ ‫ادﻋــﺎءات دﯾﻧﯾــﺔ أو ﻣذﻫﺑﯾــﺔ أو طﺎﺋﻔﯾــﺔ أو وطﻧﯾــﺔ‪ .‬ﻓـﻼ ﻣﻧــﺎص ﻣــن أن ﻧﻌﺗــرف أن اﻟﺣــق‬ ‫واﺣــد وﻟﻛــن ﻛــل ﯾ ـراﻩ وﻓﻘ ـﺎً ﻟﻣــﺎ ﻣـ ّـر ﺑــﻪ ﻣــن ﺗﺟ ـﺎرب ﺣﯾﺎﺗﯾــﺔ ﺷــﻛﻠت ﻓــﻲ اﻟﻧﻬﺎﯾــﺔ ﻣﺳــﺗوى‬ ‫اﻟﻔﻛري واﻟﺛﻘﺎﻓﻲ وطرﯾﻘﺗﻪ ﻟﺗﻔﺳﯾر اﻷﻣور وﻣن ﺛم رﻓﺿﻬﺎ أو ﻗﺑوﻟﻬﺎ‪.‬‬ ‫ﻧﺣــن ﻫﻧــﺎ ﻓــﻲ ﻫــذا اﻟﺑﺣــث اﻟﻣﺗواﺿــﻊ ﻧﺣــﺎول ﻓﻘــط ﻧﺣــﺎول أن ُﻧﻠﻘــﻲ اﻟﺿــوء ﻋﻠــﻰ أﺳــﺑﺎب‬ ‫اﻟﺧــﻼف ودواﻓﻌــﻪ واﻷدوات اﻟﺗــﻲ ﯾﺗﺣــرك ﺑﻬــﺎ وﻣـ ّْـن ﻫــو اﻟﻛﺎﺳــب ﻓــﻲ ﻧﻬﺎﯾــﺔ اﻟﻣطــﺎف ﻣــن‬

‫اﺳﺗﻣرار ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺗﺷـرذم ﻫـذﻩ؛ ٕواذا ﻋرﻓﻧـﺎ ﻫـذﻩ اﻟﻌﻧﺎﺻـر ﺳـﻬل ﻋﻠﯾﻧـﺎ أن ُﻧﻘﻠـل ﻣـن ﺗﺄﺛﯾرﻫـﺎ‬ ‫إن ﻟ ــم ﻧﺳ ــﺗطﻊ أن ﻧﻘﺿ ــﻲ ﻋﻠﯾﻬ ــﺎ ﻓ ــﻲ ﻣﻬ ــدﻫﺎ ﻛ ــل ﻓ ــرد ﻋﻠ ــﻰ ﻗ ــدر ﻣﺳ ــﺗواﻩ وﻋﻠ ــﻰ ﻗ ــدر‬

‫ﻣوﻗﻌــﻪ‪ ،‬وﻛــل واﺣــد ﻣﻧــﺎ ﻋﻠــﻰ ﺛﻐــر ﻣــن ﺛﻐــور ﻫــذﻩ اﻷﻣــﺔ ﻓــﻼ ﯾﺟــب أن ﺗُــؤﺗﻰ اﻷﻣــﺔ ﻣــن‬ ‫ِﻗﺑﻠﻪ؛ واﷲ وﻟﻲ اﻟﺗوﻓﯾق وﻫو اﻟﻘﺎدر ﻋﻠﯾﻪ‪.‬‬

‫‪-١-‬‬


‫اﻟﻣﻘدﻣﺔ‬ ‫إن اﻟﻧﺎظر إﻟﻰ ﻋﺎﻟم اﻟﯾوم ﯾرى أﻣﺔ اﻹﺳﻼم أﻣﺔ ﺟﻣﻌﻬـﺎ اﻟـرﺣﻣن وﻓرﻗﻬـﺎ اﻟﺷـﯾطﺎن‪،‬‬ ‫ﯾــرى أﻣــﺔ ﻗــد أودع اﷲ ﻓﯾﻬــﺎ ﻣــن ﻋواﻣــل اﻟوﺣــدة واﻟﺗــﺂﻟف واﻟﺗـراﺣم ﻣــﺎ ﻟــم ﯾﻣﻧﺣــﻪ ﻟﻐﯾرﻫــﺎ‪،‬‬ ‫ﯾـرى ﻫـذﻩ اﻷﻣـﺔ وﻗـد ﺿــﻠت طرﯾـق اﻟوﺣـدة ﻓﺄﺻـﺑﺣت دول وﻛــل دوﻟـﺔ ﻟﻬـﺎ رﺋـﯾس وﺟــﯾش‬ ‫وﻣؤﺳﺳــﺎت‪ ،‬ﯾــرى ﻫــذﻩ اﻷﻣــﺔ وﻗــد ﺗﻔرﻗــت وﺗﺣوﻟــت إﻟــﻰ ﺟﻣﺎﻋــﺎت‪ ،‬وأﺣ ـزاب ﺷــﺗﻰ ﻟﻛــل‬ ‫ﺟﻣﺎﻋــﺔ أﻣﯾــر ُﻣطــﺎع وﻓــﻲ ﺑﻌــض اﻷﺣﯾــﺎن ﻟﻛــل ﺟﻣﺎﻋــﺔ ﺟــﯾش وﻗﺿــﺎة‪ ،‬ﯾــرى ﻫــذﻩ اﻷﻣــﺔ‬ ‫وﻗد دﺧﻠت ﻓﻲ ﻛﻬف ﺑﻐﯾض وﺗﯾﻪ وﻋظـﯾم؛ اﻟﻛـل ﯾﺑﺣـث ﻋـن اﻟطرﯾـق اﻟﻘـوﯾم ﻓﯾـرى دﻋـﺎة‬

‫ﻣن ﻛل ﺟﺎﻧب‪ ،‬ﻛ ُل ﯾزﻋم أن اﻟﻬدى ﻣﻌـﻪ وﯾﻧـﺎدي ﻛـل ﻣـن ﯾـرى "أن ا ْﺋﺗَِﻧـﺎ ﻓـﻧﺣن اﻟﻧـﺎس"؛‬

‫وﻋﻣ ــوم اﻟﻧ ــﺎس ﺣﯾ ــﺎرى ﻓﻠ ــﯾس ﻣﻌﻬ ــم ﻣ ــن اﻟﻌﻠ ــم اﻟﺷ ــرﻋﻲ ﻣ ــﺎ ﯾ ــردوا ﺑ ــﻪ ﻋﻠ ــﻰ ﻛﺛﯾ ــر ﻣ ــن‬

‫اﻟﺷﺑﻬﺎت اﻟﻣطروﺣﺔ وﻟﯾس ﻟﻬم ﻣن ﻋﻠوم اﻟدﻧﯾﺎ ﻣﺎ ﯾﺳﺗدﻟون ﺑﻪ ﻋﻠﻰ أي اﻟطُرق أﻓﺿل‪.‬‬ ‫ﻓﻼذ ﺑﻌض اﻟﻌﻘﻼء ﺑﺎﻟﺻﻣت واﻧﺟرف َﻣ ّن اﻧﺟرف ﻣن ﻋوام اﻟﻧﺎس وأﻧﺻﺎف اﻟﻣﺗﻌﻠﻣـﯾن‬ ‫ﻓـﻲ ﺟـدل ﻋﻘــﯾم ﻓﺎﻟﻛـل ﯾـزﻋم أن اﻟﻬــدى ﻣﻌـﻪ؛ وﺗطــور ﻫـذا اﻻﺧـﺗﻼف ﺣﺗــﻰ ﺻـﺎ ار ﺧﻼﻓـﺎً‬ ‫دﻣوﯾـ ـﺎً ﻓ ــﻲ ﺑﻌ ــض اﻷﺣﯾ ــﺎن وﺧﻼﻓـ ـﺎً ﻓﻛرﯾـ ـﺎً ﯾ ــدﻋوا ﻟﻣزﯾ ــد ﻣ ــن اﻟﺗﻔرﻗ ــﺔ ﺑ ــﯾن ﺻ ــف اﻷﻣ ــﺔ‬ ‫اﻟواﺣدة ﺣﺗﻰ رأﯾﻧﺎ ﻣن ُﯾ ِ‬ ‫ﺣرم اﻟزواج ﻣن ﺑﻌض اﻟﺟﻣﺎﻋﺎت أو اﻟﺗزوﯾﺞ ﻟﻬم‪ ،‬ورأﯾﻧﺎ ﺑﻌـض‬

‫اﻟﺟﻣﺎﻋﺎت ﺗﻘف ﻣﻊ ﻣن ﻫو ﻣﻌﻠوم أﻧﻪ ﻣن ﺧﺎرج ﺻف اﻷﻣﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ ﻣن اﻟﯾﻬـود ﻋﻠـﻰ‬ ‫ﺳﺑﯾل اﻟﻣﺛﺎل ﺿد اﻟﻣﺟﻣوﻋﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﺣﺎرب اﻟﯾﻬود اﻟﻣﺣﺗﻠﯾن‪ .‬ﻧـرى ﻫـذﻩ اﻷﺻـوات ﺗﻠﻘـﻲ‬ ‫ﺑﺎﻟﻠوم ﻋﻠﻰ َﻣ ّْن ُﯾﻘﺎوم ﻫذا اﻟﻣﺣﺗل وﻫو ﻣن أﺷد اﻟﻧﺎس ﻋداوة ﻟﻠذﯾن أﻣﻧوا وﻟﻬـم ﻓـﻲ ذﻟـك‬ ‫ﺣﺟــﺞ ﻛﺛﯾـرة أﺑﺳــطﻬﺎ أن ﻫــذﻩ اﻟﺟﻣﺎﻋــﺎت اﻟﻣﺣﺎرﺑــﺔ ﻟﻠﯾﻬــود ﻣﺑﺗدﻋــﺔ أو ﻟــم ﺗﺗﺑــﻊ اﻷﺳــﻠوب‬ ‫اﻷﻣﺛل ﻓﻲ إدارة اﻟﺻراع‪ .‬أي ﻣﺎ ﻧراﻩ ﻻ ُﯾﻣﻛن أن ُﯾوﺻف ﺑﻐﯾر اﻟﻔﺷل‪.‬‬ ‫وﻋﻠﻰ اﻟﺟﺎﻧـب اﻷﺧـر ﻧـرى ﺑـﻼد اﻟﻐـرب وﻗـد ﻧﺟﺣـت ﻓـﻲ إذاﺑـﺔ اﻟﺧﻼﻓـﺎت اﻟﺗـﻲ ﺑﯾﻧﻬـﺎ‬ ‫ﻓﻧرى ﻣﺗﺻﺎرﻋوا اﻷﻣس أﺻدﻗﺎء اﻟﯾوم وﻧرى اﻟﻘﺎرة اﻷورﺑﯾﺔ وﻗد أرﻫﻘت ﻧﻔﺳﻬﺎ ﺑـﺎﻟﺣروب‬ ‫اﻟداﻣﯾــﺔ اﻟﺗــﻲ ﯾﺷــﯾب ﻟوﺻــﻔﻬﺎ اﻟوﻟﯾــد ﻧ ارﻫــﺎ اﻟﯾــوم وﻻ ﺗوﺟــد ﺣــدود ﻗوﻣﯾــﺔ ﺑــﺎﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟﻘــدﯾم‬ ‫ﻓﯾﺳﺗطﯾﻊ اﻟﻔرد ﻣـن ﻫـذﻩ اﻟـﺑﻼد أن ﯾﻧﺗﻘـل دون ﻣﺳـوﻏﺎت رﺳـﻣﯾﺔ أو اﻟوﻗـوف ﻓـﻲ طـواﺑﯾر‬ ‫اﻟﺗﺄﺷﯾرات ﺑل ذﻫب اﻷﻣر إﻟﻰ أﺑﻌد ﻣن ذﻟك ﻓﻧرى وﺣدة ﻓﻲ اﻟﻌﻣﻠﺔ ووﺣدة ﻓﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳـﺔ‬ ‫اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ ووﺣدة إﻟﻰ ﺣد ﺑﻌﯾد ﻓـﻲ اﻟﻣﻧـﺎﻫﺞ اﻟﺗﻌﻠﯾﻣﯾـﺔ‪ .‬ﯾﺣـدث ﻫـذا رﻏـم اﺧـﺗﻼف اﻟﻌﻘﺎﺋـد‬ ‫‪-٢-‬‬


‫واﺧـﺗﻼف اﻷﻋـراق واﺧـﺗﻼف اﻟﻠﻐــﺎت‪ .‬وﻣــﺎ ﺣــدث ﻓــﻲ أورﺑــﺎ ﺣــدث ﻓــﻲ اﻟوﻻﯾــﺎت اﻟﻣﺗﺣــدة‬ ‫اﻷﻣرﯾﻛﯾﺔ اﻟدوﻟﺔ اﻷﻋظم ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟﻣﺎﺿﻲ وﺣﺗﻰ اﻵن‪.‬‬ ‫ﻣﻣﺎ ﺳﺑق ُﯾﻣﻛﻧﻧﺎ ﺻﯾﺎﻏﺔ ﻣﺷﻛﻠﺔ اﻟﺑﺣث ﻓﻲ اﻷﺳﺋﻠﺔ اﻵﺗﯾﺔ‪:‬‬ ‫‪ -١‬ﻫل ﺗوﺟد ﻣﻘوﻣﺎت ﻟﻠوﺣدة ﺑﯾن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن؟‬ ‫‪ -٢‬ﻟﻣﺎذا ﻓﺷل اﻟﻣﺳﻠﻣون رﻏم اﻣﺗﻼﻛﻬم ﻛل أدوات اﻟوﺣدة وﻧﺟﺢ اﻟﻐرب رﻏـم وﺟـود‬ ‫أﺳﺑﺎب اﻟﺷﻘﺎق؟‬ ‫‪ -٣‬ﻣن ﺧﻼل اﻋﺗراﻓﻧﺎ ﺑﺄﺳﺑﺎب اﻟﻔﺷل ﻫل ُﯾﻣﻛن ﺻﯾﺎﻏﺔ ﻧﻣوذج ﻟﻠﻧﺟﺎح؟‬ ‫وﺗــﺄﺗﻲ ﻫــذﻩ اﻟد ارﺳــﺔ ﻓــﻲ ﻣﻘدﻣــﺔ وﺧﻣﺳــﺔ ﻓﺻــول؛ ﯾــﺗﻛﻠم اﻟﻔﺻــل اﻷول ﻋــن وﺣــدة اﻷﻣــﺔ‬ ‫اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ ﻋﻘﯾــدة وﻣــﻧﻬﺞ‪ ،‬وﯾﺗﺣــدث اﻟﻔﺻــل اﻟﺛــﺎﻧﻲ ﻋــن اﻟﻌواﻣــل اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾــﺔ اﻟﺗــﻲ أدت‬ ‫ﻟﺗﻔرﯾـق ﺻــف اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن‪ ،‬وﯾـﺗﻛﻠم اﻟﻔﺻــل اﻟﺛﺎﻟــث ﻋــن ﻣﻔﻬــوم اﻟدوﻟــﺔ اﻟﻘوﻣﯾــﺔ وﻧﻬﺎﯾــﺔ ﻫــذا‬ ‫اﻟﻣﻔﻬ ــوم ﻋﻠ ــﻰ أرض اﻟواﻗ ــﻊ‪ ،‬وﯾ ــﺗﻛﻠم اﻟﻔﺻـــل اﻟراﺑـــﻊ ﻋ ــن اﻟﺳ ــﻣﺎت اﻟﻌﺎﻣ ــﺔ ﻓ ــﻲ اﻟﻔﻛ ــر‬ ‫واﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ وﻧﻣﺎذج ﻣن اﻟﺳﻧوات اﻟﻌﺟـﺎف ﻣـن اﻟﺣـروب اﻟﻐرﺑﯾـﺔ اﻟﻐرﺑﯾـﺔ‪ ،‬وﯾـدور‬ ‫اﻟﻔﺻــل اﻟﺧــﺎﻣس ﻋــن اﻟــدروس اﻟﻣﺳﺗﺧﻠﺻــﺔ وﻛﯾﻔﯾــﺔ ﻧﺑــذ أﺳــﺑﺎب اﻟﺧــﻼف واﻟﻌــودة إﻟــﻰ‬ ‫وﺣدة اﻟﺻف‪ ،‬ﺛم ﺗﺄﺗﻲ ﺑﻌد ذﻟك اﻟﺗوﺻﯾﺎت واﻟﻣراﺟﻊ‪.‬‬ ‫ﺧطﺔ اﻟدراﺳﺔ‪:‬‬ ‫اﻟﻔﺻل اﻷول‪ :‬وﺣدة اﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻋﻘﯾدة وﻣﻧﻬﺞ‬ ‫اﻟﻣﺑﺣث اﻷول‪ :‬ﻣظﺎﻫر وﺣدة اﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻣﻧذ ﻓﺟر اﻟدﻋوة‪.‬‬ ‫اﻟﻣﺑﺣث اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣظﺎﻫر اﻧﻔﺻﺎل اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻋن اﻟﻣﺣﯾط اﻟﺟﺎﻫﻠﻲ ﻓﻲ ﺑداﯾﺔ اﻟدﻋوة‬ ‫اﻟﻣﺑﺣث اﻟﺛﺎﻟث‪ :‬اﻟﻣﺳﻠﻣون أﻣﺔ واﺣدة ﻣن دون اﻟﻧﺎس‪.‬‬ ‫اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ :‬اﻟﻌواﻣل اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ اﻟﺗﻲ أدت ﻟﺗﻔرﯾق ﺻف اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‬ ‫وﺳﻠم وﺗﺄﻛﯾدﻩ ﻋﻠﻰ ﻧﺑذﻫﺎ‪.‬‬ ‫اﻟﻣﺑﺣث اﻷول‪ :‬ﺑداﯾﺔ اﻟﻔُرﻗﺔ ﻓﻲ ﻋﻬد اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫ْ‬ ‫اﻟﻣﺑﺣث اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ :‬ﺗﻔرق اﻷﻣﺔ ﺑﻌد اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻟراﺷدة واﺳﺗﻣرار ﻫذا اﻟﺗﻔرق‪.‬‬ ‫‪-٣-‬‬


‫اﻟﻣﺑﺣث اﻟﺛﺎﻟث‪ :‬اﻟﻌﻬد اﻟﺣدﯾث وﺗﻔرق اﻷﻣﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ إﻟﻰ دوﯾﻼت ﺻﻐﯾرة‪.‬‬ ‫اﻟﻣﺑﺣث اﻟراﺑﻊ‪ :‬ﻣﺣﺎوﻻت رﻓض ﻫذا اﻟﺗﻔرق وﻣﺣﺎوﻻت اﻻﻧدﻣﺎج‪.‬‬ ‫اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻟث‪ :‬ﻣﻔﻬوم اﻟدوﻟﺔ اﻟﻘوﻣﯾﺔ وﻧﻬﺎﯾﺔ ﻫذا اﻟﻣﻔﻬوم ﻋﻠﻰ أرض اﻟواﻗﻊ‬ ‫اﻟﻣﺑﺣث اﻷول‪ :‬ﺗﻌرﯾف اﻟدوﻟﺔ اﻟﻘوﻣﯾﺔ‪ ،‬وﻧﺷﺄﺗﻬﺎ‪.‬‬ ‫اﻟﻣﺑﺣث اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ :‬اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﺳﯾﻛس ﺑﯾﻛو وﺗﻘﺳﯾم اﻟﻣﻧطﻘﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﻟﻌﺎﻟم إﻟﻰ دول ﻛﺛﯾرة‪.‬‬ ‫اﻟﻣﺑﺣث اﻟﺛﺎﻟث‪ :‬ﻓﺷل ﺗطﺑﯾق اﻟﻘوﻣﯾﺔ ﻋﻠﻰ أرض اﻟواﻗﻊ‪.‬‬ ‫اﻟﻔﺻل اﻟراﺑـﻊ‪ :‬ﺟواﻧـب اﻟﺷـﻘﺎق ﻓـﻲ اﻟﻔﻛـر واﻟﺷﺧﺻـﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾـﺔ وﻧﻣـﺎذج ﻣـن اﻟﺳـﻧوات‬ ‫اﻟﻌﺟﺎف ﻣن اﻟﺣروب اﻟﻐرﺑﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ‬ ‫اﻟﻣﺑﺣث اﻷول‪ :‬أﺳﺑﺎب اﻟﺷﻘﺎق اﻟﻔﻛري واﻟﻌﻘﺎﺋدي ﻓﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ‪.‬‬ ‫اﻟﻣﺑﺣث اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ :‬اﻟﺣروب اﻟﻐرﺑﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻘرون اﻟوﺳطﻰ واﻟﻌﺻر اﻟﺣدﯾث‪.‬‬ ‫اﻟﻣﺑﺣث اﻟﺛﺎﻟث‪ :‬دﻋوة اﻟﻣﻔﻛرﯾن اﻟﻐرﺑﯾﯾن ﻟﻧﺑذ أﺳﺑﺎب اﻟﺣروب واﻻﺗﺟﺎﻩ إﻟﻰ اﻟﺗوﺣد‪.‬‬ ‫اﻟﻔﺻل اﻟﺧﺎﻣس ﻋن اﻟدروس اﻟﻣﺳﺗﺧﻠﺻﺔ وﻛﯾﻔﯾـﺔ ﻧﺑـذ أﺳـﺑﺎب اﻟﺧـﻼف واﻟﻌـودة إﻟـﻰ‬ ‫وﺣدة اﻟﺻف‬ ‫اﻟﻣﺑﺣث اﻷول‪ :‬أﺳﺑﺎب اﻟﺧﻼف‪.‬‬ ‫اﻟﻣﺑﺣث اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ :‬وﺳﺎﺋل اﻟﻘﺿﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺧﻼف‪.‬‬ ‫اﻟﺧﺎﺗﻣﺔ‬ ‫اﻟﺗوﺻﯾﺎت‬ ‫اﻟﻣراﺟﻊ‬ ‫اﻟﻣﻼﺣق‪ :‬اﺳﺗﻣﺎرة اﺳﺗﺑﯾﺎن‬

‫‪-٤-‬‬


‫ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻷﻭﻝ‬ ‫ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻷﻣﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻋﻘﻴﺪﺓ ﻭﻣﻨﻬﺞ‬

‫‪-٥-‬‬


‫اﻟﻣﺑﺣث اﻷول‬ ‫ﻣظﺎﻫر وﺣدة اﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻣﻧذ ﻓﺟر اﻟدﻋوة‬ ‫ﻛـﺎن ﻣــن اﻟواﺿــﺢ ﻟﻠﻌﯾـﺎن أن ﺗﻠــك اﻷﻣــﺔ اﻟوﻟﯾـدة ﻓــﻲ ﻣﻛــﺔ ﺗﺧﺗﻠـف اﺧﺗﻼﻓـﺎً ﺟــذرﯾﺎً‬ ‫ﻋـن ﻏﯾرﻫــﺎ ﻣـن اﻟﻘﺑﺎﺋــل‪ .‬ﻓﺎﻟﻣﺳـﻠﻣون اﻷواﺋــل ﻟﯾﺳـوا ﻗﺑﯾﻠــﺔ ﻟﻬـﺎ رﺋــﯾس ﺗـﺄﺗﻣر ﺑــﺄﻣرﻩ وﺗﻘــدس‬ ‫ﺧطــﺎﻩ؛ وﻟﻛــن ﻫــذﻩ اﻟﻔﺻــﯾﻠﺔ ﻣــن اﻟﻧــﺎس ﻟﻬــﺎ ﺷــﻌﺎﺋر ﻓــﻲ ﺗﻌﺑــدﻫﺎ ﺗﺧﺗﻠــف ﻋــن اﻟﺷــﻌﺎﺋر‬ ‫اﻟﻣوﺟــودة وﻟﻬــﺎ رﺋــﯾس ‪ ...‬ﻧﻌــم‪ُ ...‬ﻣطــﺎع‪ ...‬ﺷــﺄن ﻛــل رﺋــﯾس‪ ....‬وﻟﻛــن ﻫــﻲ ﻓــﻲ اﻟواﻗــﻊ‬ ‫ﻟﯾﺳت ﻛﻛل طﺎﻋﺔ ﻓﺎﻟطﺎﻋﺔ ﻫﻧﺎ ﻧﺎﺑﻌﺔ ﻣن ﺣـب ﻻ ُﯾوﺻـف واﻟطﺎﻋـﺔ ﻫﻧـﺎ اﺷـﺗﻣﻠت ﻋﻠـﻰ‬ ‫اﻟطﺎﻋﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺷط واﻟﻣﻛرﻩ وﻓﻲ اﻟﺳر واﻟﻌﻠن واﻟﺗﻘدﯾس ﻟﻬـذا اﻟـرﺋﯾس ﻟـﯾس ﻓـﻲ ﻟﺣظـﺎت‬

‫اﻟﻣواﺟﻬﺔ ورؤﯾﺔ اﻟﻌﯾن وﻟﻛن ﻛﺎن اﻟﻣﺳﻠم وﻻ زال ٌﯾرى ﺑﻬذﻩ اﻟطﺎﻋﺔ وﯾـدﺧل ﺗﺣـت ﻟواﺋﻬـﺎ‬

‫ﺣﺗــﻰ وﻫــو ﺧﺎﻟﯾـﺎً ﺑﯾﻧــﻪ وﺑــﯾن ﻧﻔﺳــﻪ ارﺿــﯾﺎً ﻣﺧﺗــﺎ اًر‪ .‬وﺑﻠــﻎ ﺑﺑﻌﺿــﻬم اﻟﺗﻌــذﯾب ﺣﺗــﻰ ﻣﻔﺎرﻗــﺔ‬ ‫اﻟﺣﯾـﺎة ﻣــن أﺟـل ﻣــﺎذا؟ ﻣـن أﺟــل أن ﯾﻧطـق ﺑﻛﻠﻣــﺔ ﻫﺟـﺎء أو ﺳــب ﻟﻬـذا اﻟـرﺋﯾس واﻟرﺳــول‬ ‫وﻟﻛن ﻫذ اﻷﻣر ﻟم ﯾﺣدث!!!!‬ ‫وﻣن أﻫم ﺗﻠك اﻟﻣظﺎﻫر ﺣب أﺻﺣﺎب اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـﻠّ ْم ﻟـﻪ ﺣﺗـﻰ أﻧﻬـم ُﻋـذﺑوا‬ ‫وﻧﻛل ﺑﻬم ﻓﻠم ﯾﻧﺣﻧوا وﻟم ﯾﻬﻧوا؛ وﻣن أﺑرز اﻷﻣﺛﻠﺔ ﻋﻠﻰ ذﻟك‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ﺑﻼ ل ﺑن رﺑﺎح ﺗﺣت ﺗﻌذﯾب أﻣﯾﺔ ﺑن ﺧﻠف‬ ‫)‪(١‬‬

‫ﺑــﻼل ﺑــن رﺑــﺎح اﻟﺣﺑﺷــﻲ‬

‫رﺿــﻲ اﷲ ﻋﻧــﻪ ﻛــﺎن ُﯾــردد وﻫــو ﺗﺣــت اﻟﺗﻌــذﯾب أَﺣـ ٌـد‬

‫ـذﯾﺑﺎ ﺑـدﻧﯾﺎ وﻣﻌﻧوﯾـﺎ ﻻ ﯾﻛـﺎد ﯾﻧﻘطـﻊ‪ .‬ﻓﻘـد ﻛـﺎن أﻣﯾـﺔ ﺑـن ﺧﻠـف‬ ‫ْ‬ ‫أﺣد‪ .‬ﺑﻼ ُل ﺑن رﺑﺎح ذاق ﺗﻌ ً‬ ‫ﯾﺿﻊ ﻓﻲ ﻋﻧﻘﻪ ﺣﺑﻼً‪ ،‬ﺛم ﯾﺄﻣر أطﻔﺎل ﻣﻛﺔ أن ﯾﺳﺣﺑوﻩ ﻓﻲ ﺷوارﻋﻬﺎ وﺟﺑﺎﻟﻬﺎ‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﻛـﺎن‬

‫ﺟوﻋــﺎ؛‬ ‫أﯾﺿــﺎ ﯾﻣﻧــﻊ ﻋﻧــﻪ اﻟطﻌــﺎم ﺣﺗــﻰ ﯾﻛــﺎد ﯾﻬﻠــك ً‬ ‫ﯾظﻬــر أﺛــر اﻟﺣﺑــل ﻓــﻲ ﻋﻧﻘــﻪ؛ وﻛــﺎن ً‬ ‫وﻛـﺎن ﯾﺄﺧـذﻩ إذا ﺣﻣﯾـت اﻟظﻬﯾـرة ﻓﯾطرﺣـﻪ ﻋﻠـﻰ اﻟﺻـﺧور واﻟرﻣـﺎل اﻟﻣﻠﺗﻬﺑـﺔ ﻓـﻲ ﺻـﺣراء‬

‫ﻣﻛــﺔ‪ ،‬ﺛــم ﯾــﺄﻣر ﺑﺎﻟﺻــﺧرة اﻟﻌظﯾﻣــﺔ ﻻ ﯾﻘــوى ﻋﻠــﻰ ﺣﻣﻠﻬــﺎ إﻻ ﻣﺟﻣوﻋــﺔ ﻣــن‬

‫)‪ (١‬ﺧﺎﻟد ﻣﺣﻣد ﺧﺎﻟد "رﺟﺎل ﺣول اﻟرﺳول" ‪ ،‬اﻟﻣﻛﺗﺑﺔ اﻟﻌﺻرﯾﺔ‪٢٠٠٦ ،‬م‪ ،‬ص‪.٢٣‬‬

‫‪-٦-‬‬

‫اﻟرﺟــﺎل‪،‬‬


‫ﻓﺗوﺿــﻊ ﻋﻠــﻰ ﺻــدرﻩ‪ ،‬ﺛــم ﯾﻘــول ﻟــﻪ‪ :‬ﻻ واﷲ ﻻ ﺗـزال ﻫﻛــذا ﺣﺗــﻰ ﺗﻣــوت أو ﺗﻛﻔــر ﺑﻣﺣﻣــد‬ ‫اﻟﻌزى)‪.(١‬‬ ‫وﺗﻌﺑد اﻟﻼت و ُ‬ ‫أﻟـم‪ ،‬وﺟـراح‪ ،‬ودﻣـﺎء‪ ،‬وﻓـﻲ ذات اﻟوﻗـت ﻛـﺎن ﻣـن ﺑـﻼل ﺻـﺑر‪ ،‬وﻋـزم‪ ،‬وﯾﻘـﯾن‪ ،‬ﺑـل وأﻣـل‬ ‫ﻓﻲ أن ﻫذﻩ ‪ -‬وﻻ ﺷك ‪ -‬دورة ﺳرﯾﻌﺔ ﻣن دورات اﻟﺑﺎطل‪ ،‬ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ﺗﺳﻠم اﻟ ارﯾـﺔ ﺑﻌـدﻫﺎ‬ ‫وﻓﻲ اﻟﻧﻬﺎﯾﺔ ﻟﻠﻣؤﻣﻧﯾن‪.‬‬ ‫ﻛﺎﻧــت ﺗوﺟﻌــﺎت وآﻫــﺎت ﺑــﻼل ﻓــﻲ ﻛ ـل ذﻟــك ﻟﯾﺳــت إﻻ‪ :‬أﺣـ ٌـد أﺣـ ْـد‪ .‬وﺣــﯾن ُﺳــﺋل‪:‬‬

‫ﻟﻣﺎذا ﻫذﻩ اﻟﻛﻠﻣﺔ ﺑﺎﻟذات؟! أﺟﺎب‪ :‬ﻷﻧﻬـﺎ ﻛﺎﻧـت أﺷـد ﻛﻠﻣـﺔ ﻋﻠـﻰ اﻟﻛﻔـﺎر‪ ،‬ﻓﻛـﺎن ﺑـﻼل ﺑـن‬ ‫رﺑﺎح رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﯾرﯾد أن ﯾﻐﯾظﻬم ﺑﻬﺎ‪.‬‬ ‫وﻓﻲ ﺻﺑر ﻋﺟﯾب ظل ﺑﻼل رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧـﻪ ﻓـﻲ ﻫـذا اﻟﺗﻌـذﯾب ﺣﺗـﻰ اﺷـﺗراﻩ أﺑـو‬ ‫وﻧﺳـﻲ اﻷﻟـم‪ ،‬وﻟﻛـن ﺑﻘـﻲ‬ ‫ﺑﻛر اﻟﺻدﯾق رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﺛم أﻋﺗﻘﻪ ﺑﻌد ذﻟك‪ .‬وﻣـرت اﻷﯾـﺎم ُ‬ ‫اﻷﺟر‪ ،‬ﻓﻛﺎﻧت ﻗﺎﻋدة‪ :‬ﯾذﻫب اﻷﻟم وﯾﺑﻘﻰ اﻷﺟر إن ﺷﺎء اﷲ‪.‬‬ ‫ﺻﺑر آل ﯾﺎﺳر‬ ‫ﻗﺻﺔ ًا‬ ‫)‪(٢‬‬

‫ﻛﺎن ﯾﺎﺳـر وزوﺟـﻪ ُﺳـﻣﯾﺔ‬

‫‪ -‬رﺿـﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﻣـﺎ‪ -‬واﻟـدا ﻋﻣـﺎر ﺑـن ﯾﺎﺳـر رﺿـﻲ‬

‫اﷲ ﻋﻧﻪ‪ ،‬ﻗد دﻓﻌﻬﻣﺎ اﻟﻘدر ﻷن ﯾﻘﻌـﺎ ﺗﺣـت ﯾـدي رأس اﻟﻛﻔـر ﻧﻔﺳـﻪ‪ ،‬أﺑـﻲ ﺟﻬـل ﻟﻌﻧـﻪ اﷲ‪،‬‬ ‫ـدﯾدا‪ ،‬وﻗــد زاد اﻟﻌــذاب وﺗﺟــﺎوز اﻷﻣــر اﻟﺣــدود ﺣﺗــﻰ وﺻــل‬ ‫ـذﯾﺑﺎ ﺷـ ً‬ ‫ﻓﻌــذﺑﻬﻣﺎ أﺑــو ﺟﻬــل ﺗﻌـ ً‬ ‫إﻟـﻰ إزﻫـﺎق أرواﺣﻬﻣـﺎ‪ ،‬ﻓﻘُﺗـل ﯾﺎﺳـر‪ ،‬وﻗُﺗﻠـت ُﺳـﻣﯾﺔ رﺿـﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﻣـﺎ‪ ،‬ﻗُـﺗِﻼ ﻓـﻲ ﺑﯾـت اﷲ‬ ‫ﺟراء اﻟﺗﻌذﯾب واﻟﺗﻧﻛﯾل‪.‬‬ ‫اﻟﺣرام ﱠ‬ ‫ﻣـﺎ ذﻧﺑﻬﻣـﺎ أن ُﯾﻌــذﺑﺎ ﺣﺗـﻰ ﺗُزﻫــق أرواﺣﻬﻣـﺎ؟! ﺑـﺄي ذﻧــب ﻗُـﺗﻼ؟! ﺳـؤال ﻧوﺟـﻪ ﻟﻣــن‬

‫َﺳـ ـﻠّﺢ ﯾ ــدﻩ ﺑﻛرﺑ ــﺎج أو ﺳ ــﯾﺎط‪ ،‬ﻣ ــﺎ ذﻧﺑﻬﻣ ــﺎ ﺣﺗ ــﻰ ُﯾﻘ ــﺗﻼ؟! ﻣ ــﺎ ﺟرﯾرﺗﻬﻣ ــﺎ؟! اﻟﻠﻬ ــم ﻟ ــﯾس إﻻ‬

‫)‪ (١‬ﻟﻠﻣزﯾد؛ اﻹﻣﺎم اﻟﺣﺎﻓظ أﺣﻣد ﺑن ﻋﻠﻲ ﺑن ﺣﺟر اﻟﻌﺳﻘﻼﻧﻲ اﻟﻣﺗوﻓﻲ ﺳﻧﺔ ‪٨٥٢‬ﻫـ ‪" ،‬اﻹﺻﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﺗﻣﯾﯾز‬ ‫اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ" دراﺳﺔ وﺗﺣﻘﯾق اﻟﺷﯾﺦ‪ /‬ﻋﺎدل أﺣﻣد ﻋﺑداﻟﻣوﺟود‪ ،‬دار اﻟﻛﺗب اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ‪ ،‬ﺑﯾروت‪ ،‬ﻟﺑﻧﺎن ص ‪٢٦٠‬‬ ‫)‪ (٢‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق "رﺟﺎل ﺣول اﻟرﺳول" ص )‪.(٧٨‬‬

‫‪-٧-‬‬


‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ون‪  ،(١)‬وﻣﺎ ﻧﻘﻣوا ﻣـﻧﻬم إﻻ أن ﯾؤﻣﻧـوا‬ ‫ﺎس َﯾﺗَ َ‬ ‫‪‬أ ْ‬ ‫طﻬﱠ ُر َ‬ ‫َﺧ ِر ُﺟوا آ َل ﻟُوط ﻣ ْن ﻗَ ْرَﯾﺗ ُﻛ ْم إِﱠﻧﻬُ ْم أَُﻧ ٌ‬ ‫ﺑﺎﷲ اﻟﻌزﯾز اﻟﺣﻣﯾد‪.(٢)‬‬ ‫ﻛﺎﻧت اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ﺗُﻌذب وﺗُﺣﺎﺻر وﺗﻘﺗل ﻫذﻩ اﻟﻧـواة اﻷوﻟـﻰ ﻟﻸﻣـﺔ اﻟﻣﺳـﻠﻣﺔ‬

‫ﻟ ــﯾس ﻟﻣﺟ ــرد أن ﻣﺟﻣوﻋ ــﺔ ﻣ ــن ﺿ ــﻌﻔﺎء اﻟﻧ ــﺎس ودﻫﻣ ــﺎﺋﻬم ﯾﺟﺗﻣﻌ ــون ﻓ ــﻲ ﻣﻛ ــﺎن ﻣ ــﺎ!!‬ ‫ﯾﺟﻠﺳــون إﻟــﻰ رﺟــل ﯾــزﻋم أﻧــﻪ ﻧﺑــﻲ ﻓﯾــﺄﺗﻣرون ﺑــﺄﻣرﻩ وﯾﻧﺗﻬــون ﻋــن ﻣــﺎ ﯾﻧﻬــﺎﻫم ﻋﻧــﻪ‪ ...‬ﺛــم‬ ‫ـﻧﻣﺎ وﻟـم ﯾﻣﻧﻌـوا أﺣــد ﻣــن ﻣوروﺛﺎﺗــﻪ اﻟﻘدﯾﻣــﺔ‪ ...‬ﻫــم‬ ‫إﻧﻬـم إﻟــﻰ ﻫــذﻩ اﻟﻠﺣظــﺔ ﻟــم ُﯾﺣطﻣـوا ﺻـ ً‬ ‫ﻓﻘــط اﻋﺗزﻟـوا ﻋﻣــوم اﻟﻧــﺎس ﻓــﻲ ﻣــﺎ ﯾﻌﺑــدون وﻓﯾﻣــﺎ ُﯾﻘدﺳــون‪ .‬ﻟﻛــن اﻟﺟﺎﻫﻠﯾــﺔ ﻟــم ﺗﻛــن ﺑﻬــذﻩ‬ ‫اﻟﺳذاﺟﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺗرك ﻫذﻩ اﻟﻧواة ﻟﺗﻛﺑر ﺷﯾﺋﺎً ﻓﺷﯾﺋﺎً ﻓﻬﻲ ﻋﻠﻰ ﯾﻘﯾن أن ﻛل ﻧﻣواً ﻟﻬذﻩ اﻟﻧـواة‬ ‫اﻟﺻــﻐﯾرة ﻫــو ﺣﺗﻣ ـﺎً ﻋﻠــﻰ ﺣﺳــﺎﺑﻬﺎ ﻟــﯾس ﻓﻘــط ﻓــﻲ اﻷرض وﻓــﻲ ﻋــدد أﺗﺑــﺎع ﻫــذﻩ اﻟﻧ ـواة‬ ‫اﻟﺟدﯾدة اﻟوﻟﯾدة وﻟﻛـن ﻓﯾﻣـﺎ ﺗﻣﻠﻛـﻪ ﻫـذﻩ اﻟﺟﺎﻫﻠﯾـﺔ ﻣـن رﺻـﯾد ﻓـﻲ ﻗﻠـوب اﻟﻧـﺎس ﻣـن ﻗرﯾـب‬ ‫وﻣن ﺑﻌﯾد)‪ .(٣‬أدرﻛـت اﻟﺟﺎﻫﻠﯾـﺔ ﻓـﻲ ﻓﺟـر اﻹﺳـﻼم ذﻟـك وﻣـﺎ ازﻟـت ﺗدرﻛـﻪ إﻟـﻰ ﯾوﻣﻧـﺎ ﻫـذا‬ ‫وﻟــن ﺗﺗﺧﻠــﻰ ﻋﻧــﻪ ﻣــﺎ ﺑﻘﯾــت اﻟﺳــﻣوات واﻷرض‪ .‬ﻗــد ﺗﺧﺗﻠــف أﺳــﺎﻟﯾب اﻟﻣواﺟﻬــﺔ وأﺳــﺎﻟﯾب‬ ‫إدارة اﻟﺻراع إﻻ إن اﻟﻌداء ﻣوﺟود ﻓﻛﻠﻣﺎ ردد اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻓﻲ ﺻﻠواﺗﻬم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ون)‪(٢‬‬ ‫ون )‪ (١‬ﻻ أ ْ‬ ‫َﻋ ُﺑ ُـد َﻣـﺎ ﺗَ ْﻌ ُﺑ ُـد َ‬ ‫‪ُ ‬ﻗ ْل َﯾﺎ أَﱡﯾﻬَـﺎ اْﻟ َﻛـﺎﻓ ُر َ‬ ‫اﻟﺳــﺑل ﯾﻣوﺗــون‬ ‫اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن ﻋﻠــﻰ ﺗﻣﺳــﻛﻬم ﺑﺗﻠــك اﻟﻌﻘﯾــدة وﻧﺑــذ اﻟﻌﻘﺎﺋــد اﻷﺧــرى ﻓﺗــرى دﻋــﺎة ُ‬ ‫ِ‬ ‫اﻟﻣوﺣ ـ ّد أو ﯾﻌﻠﻧــون اﻟﺣــرب واﻟﻌــداء ﻟﻣﺟــرد‬ ‫ﻛﻣــداً ﻓــﻲ ﺣﺎﻟــﺔ ﻗــوة وﺗوﺣــد اﻟﺻــف اﻟﻣﺳــﻠم‬ ‫)‪(٤‬‬

‫دل ذﻟـك ﻋﻠـﻰ إﺻـرار‬

‫ِ‬ ‫اﻟﻣوﺣ ـ ـ ّد ﻓـ ــﻲ ﺣﺎﻟـ ــﺔ ﺳـ ــﻣﺎح اﻟظـ ــروف ﺑـ ــﺈﻋﻼن اﻟﺣـ ــرب ﺑﺻ ـ ـراﺣﺔ‬ ‫ﺗﻣﺎﺳـ ــك ﻫـ ــذا اﻟﺻـ ــف‬

‫ووﺿوح)‪.(٥‬‬

‫)‪ (١‬ﺳورة اﻟﻧﻣل آﯾﺔ )‪(٥٦‬‬ ‫)‪ (٢‬ﺳورة اﻟﺑروج آﯾﺔ )‪(٨‬‬ ‫)‪ (٣‬ﺑﺗﺻرف؛ اﻟﺷﯾﺦ ﻣﺣﻣد ﻣﺗوﻟﻲ اﻟﺷﻌراوي "ﺗﻔﺳﯾر ﺳورة اﻟﻛﻬف"‪ ،‬أﺧﺑﺎر اﻟﯾوم‪ ،‬ﻣﺻر‪٢٠٠٦،‬م ص ‪.٤‬‬ ‫)‪ (٤‬ﺳورة اﻟﻛﺎﻓرون آﯾﺔ )‪(٢ ،١‬‬

‫)‪ (٥‬أﺑﻲ ﻋﺑداﷲ ﻣﺣﻣد ﺑن أﺑﻲ ﺑﻛر اﻟزرﻋﻲ)اﻟﻣﺷﻬور ﺑﺑن ﻗﯾم اﻟﺟوزﯾﺔ( "زاد اﻟﻣﻌﺎد ﻓﻲ ﻫدي ﺧﯾر اﻟﻌﺑﺎد" ‪١٩٩٩‬م‬ ‫ط‪٣٠‬ص ‪. ٢٠٣‬‬

‫‪-٨-‬‬


‫ﻛﺎﻧــت اﻷﻣــﺔ اﻟﻣﺳــﻠﻣﺔ ﻟﻬــﺎ ﻋﻼﻣــﺎت ﻣﻣﯾـزة ﻣﻧــذ ﻓﺟــر اﻟــدﻋوة وﻟﻛــن ﻛﻠﻣــﺎ ﺿــﻌﻔت‬ ‫اﻷﻣﺔ وﺗﺧﻠت ﻋن ﻣﺻﺎدر ﺗﻣﺎﺳﻛﻬﺎ ذاب ﻫذا اﻟﺧط اﻟﻔﺎﺻل ﺑﯾن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وﻏﯾـرﻫم ﻓـﻼ‬ ‫ﻧﻛــﺎد ﻧــرى ﻋﻧــد اﻟﻧظــر ﻣــن ﺑﻌﯾــد إﻟــﻰ اﻟﺟﻣــﻊ اﻟﻐﻔﯾــر ﻣــﺎ ُﯾﻣﯾــز ﻫــذا ﻋــن ذاك‪ .‬وﻟﻛــن رﻏــم‬ ‫ذﻟــك اﻟﻬ ـوان إﻻ أﻧــﻪ ﻣﺎزﻟﻧــﺎ ﻧــرى ﻫــذا اﻻﻧﻔﺻــﺎل واﻟرﻏﺑــﺔ ﻓــﻲ اﻟﻠﺟــوء إﻟــﻰ ذﻟــك اﻟﻛﯾــﺎن‬ ‫اﻟﺿ ــﺧم اﻟﻣﺗ ارﻣ ــﻲ اﻷطـ ـراف ﻓ ــﻲ اﻟزﻣ ــﺎن واﻟﻣﻛ ــﺎن ﻛﯾ ــﺎن ﺗﻠ ــك اﻟﻧـ ـواة اﻷوﻟ ــﻰ ﻧ ــرى ذﻟ ــك‬ ‫اﻟﺷــﻲء اﻟــذي ظــل ﻣوﺟــوداً ﻓــﻲ ﻧﻔــوس أﺗﺑــﺎع ﻫــذا اﻟــدﯾن ٕوان ﺿــﻌﻔت ﺟــذوة اﻟﻌﻘﯾــدة ﻓــﻲ‬

‫ﻧﻔوﺳــﻬم وﻣﺎﺗــت اﻟﻐﯾـرة أو ﻛــﺎدت ﻋﻠــﻰ اﻧﺗﻬــﺎك ﺣــوزة ﻫــذا اﻟــدﯾن وﺗــدﻧﯾس ﻣﻘدﺳــﺎﺗﻪ‪ .‬ظــل‬ ‫ﻫﻧــﺎك ﺷــﻲء ﻓــﻲ ﻧﻔــوس ﻫــذا اﻟﻧﺳــل اﻟﺿــﻌﯾف اﻟﻬزﯾــل ﻣــن ‪ -‬ﺗﻠــك اﻟﻧ ـواة اﻷوﻟــﻰ‪ -‬ﻫــذا‬ ‫اﻟﺷﻲء ﯾﻘول ﻟﻪ أﻧت ﻣن ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻛﺑﯾرة وﻣن أﺻل طﺎﻫر أﻧت أﻛﺑـر ﻣﻣـﺎ ﺗﺗﺧﯾـل أﻧـت ﻣـن‬ ‫أﺻــﺣﺎب ﻣﺟــد ﺗﻠﯾــد وﻟــن ﺗﺟــد ﻫــذا اﻟﻣﺟــد إﻟــﻰ ﻋﻧــدﻣﺎ ﺗﺗﺑــﻊ ﻣﻠــﺔ أﺑﯾــك إﺑ ـراﻫﯾم‪ .‬ﻓﻌﻧــدﻫﺎ‬ ‫ﺳﺗﻌود ﺟزء ﻣـن ﻛﯾـﺎن ﺿـﺧم ﻛﺑﯾـر؛ ﻛﯾـﺎن ﻟـﻪ ﻋﻘﯾـدة واﺣـدة وﻣـﻧﻬﺞ واﺣـد ﺑـل ووﺣـدة ﻓـﻲ‬ ‫ﺗﺻورات اﻟﺣﯾﺎة وطُرق اﻟﺗﻌﺎﻣل ﺑﯾن أﻓراد اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟداﺧﻠﻲ واﻟﺧﺎرﺟﻲ‪.‬‬ ‫ﻛﺎﻧـت اﻷﻣــﺔ اﻟﻣﺳــﻠﻣﺔ ﻣﻧــذ ﻣﯾﻼدﻫــﺎ ﻓـﻲ ﻣﻛــﺔ ﺗﺄﺧــذ ﺟﺎﻧﺑـﺎً ﻏﯾــر ﺟﺎﻧـب ﻣﻛــﺔ ﺑﻛــل ﻣــﺎ ﻓﯾﻬــﺎ‬ ‫ﻣــن ﻗﺑﺎﺋــل وﺟﺎﻫﻠﯾــﺎت ﺟﺎﻫﻠﯾــﺔ ﻗﺎﺋﻣــﺔ ﻓــﻲ ﻣﻛــﺔ ﻣﺗﻣﺛﻠــﺔ ﻓــﻲ ﻋﺑــﺎدة اﻷﺻـﻧﺎم وﺑﻘﯾــﺔ ﻣــن ﻣــﺎ‬ ‫ﺗرﻛ ـ ــت اﻟﻧﺑـ ـ ـوات ﻓ ـ ــﻲ اﻷزﻣﻧ ـ ـﺔ اﻟﻣﺎﺿ ـ ــﯾﺔ ﻣ ـ ــن ﺗﻘ ـ ــدﯾس ﻟﻠﺑﯾ ـ ــت اﻟﻌﺗﯾ ـ ــق ٕواﻛ ـ ـرام اﻟﺣﺟ ـ ــﯾﺞ‬ ‫واﻟﻣﻌﺗﻣ ـرﯾن‪ ،‬وﺟﺎﻫﻠﯾــﺔ ﺧــﺎرج ﻧطــﺎق ﻣﻛــﺔ ﻣــن ﻗﺑﺎﺋــل اﻟﻌــرب ﻛﺎﻧــت ﺗُﻘــدس اﻟﺑﯾــت اﻟﻌﺗﯾــق‬ ‫وﻟﻛــن ﻣــن ﺧــﻼل ﻋﻘﯾــدة ﻣﺷوﺷــﺔ ورؤﯾــﺔ ﻏﯾــر واﺿــﺣﺔ وﻣــﻧﻬﺞ أﻋــرج ﯾﺟﻌﻠﻬــم ﯾﺣﺗرﻣــون‬ ‫اﻟﻣﻧﺎﺳك وﯾﺗﻘﺎﺗﻠون ﻟﻣﺟرد اﻻﺧﺗﻼف ﻋﻠﻰ ﺳـﺑﺎق ﺧﯾـل ﻓﯾﺳـﺗﻣر اﻟﻘﺗـﺎل ﺳـﻧوات طـوال)‪.(١‬‬ ‫وﻛﺎﻧــت ﻫــذﻩ اﻟﺟﺎﻫﻠﯾــﺔ اﻟﺗــﻲ ﺗﻣــوج ﺑﻬــﺎ ﺟزﯾ ـرة اﻟﻌــرب وﻣ ــﺎ ﺣوﻟﻬــﺎ ﻻ ﺗﺧﻠ ـوا ﻣــن ﺑﻌــض‬ ‫ﻣﻛﺎرم اﻷﺧﻼق ﻛﺣق اﻟﺟوار ٕواﻛرام اﻟﺿﯾف واﻟﺷﺟﺎﻋﺔ‪ ،‬واﻟﻣروءة وﻏﯾرﻫـﺎ‪ .‬وﻓـﻲ اﻟﺑداﯾـﺔ‬

‫وﺣﺗﻰ ﻓﻲ ﻛل ﻣراﺣل ﺗطور اﻟﻔﻛر اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟـم ﯾﺣـدث ﺗﻌـﺎرض أو ﺣﺗـﻰ ﻣﺟـرد اﻟﺗﻘﻠﯾـل‬ ‫ـﯾم اﻟﻧﺑﯾﻠ ــﺔ ﺑ ــل إن اﻹﺳ ــﻼم ﺷ ــﺟﻌﻬﺎ وﻫ ــذﺑﻬﺎ ورﻓ ــﻊ ﻣ ــن ﺷ ــﺄﻧﻬﺎ ﻋﻠ ــﻰ‬ ‫ﻣ ــن ﻗﯾﻣ ــﺔ ﻫ ــذﻩ اﻟﻘ ـ ْ‬ ‫اﻋﺗﺑﺎرﻫــﺎ أﻣــر ﻓطــري ﻓطــر اﷲ اﻟﻧﻔــوس اﻟﺳــﻠﯾﻣﺔ ﻋﻠﯾﻬــﺎ؛ وﻟﻛــن ﻟﻛــﻲ ﻧﺿــﻊ اﻷﻣــور ﻓــﻲ‬ ‫)‪ (١‬اﺑن ﺳﯾد اﻟﻧﺎس )أﺑﻲ اﻟﻔﺗﺢ ﻣﺣﻣد ﺑن ﻣﺣﻣد ﺑن ﻋﺑداﷲ ﺑن ﻣﺣﻣد ﺑن ﯾﺣﯾﻰ ‪ -‬ت ‪٧٣٤‬ﻫـ( )ﻋﯾون اﻷﺛر ﻓﻲ‬ ‫ﻓﻧون اﻟﻣﻐﺎزي واﻟﺷﻣﺎﺋل واﻟﺳﯾر‪ ،‬ﺑﯾروت ‪ :‬دار اﻵﻓﺎق‪١٩٧٧ ،‬م‪ ،‬ص‪.٢٠٦‬‬

‫‪-٩-‬‬


‫ﻧﺻــﺎﺑﻬﺎ ﻓﻬــذﻩ اﻟﻣﺑــﺎدئ اﻟﻌﺎﻟﯾــﺔ واﻟﻘــﯾم اﻟﻧﺑﯾﻠــﺔ ﻟــم ﺗﻛــن وﻟــن ﺗﻛــون ﻗــﺎدرة ﻋﻠــﻰ ﺑﻧــﺎء أﻣــﺔ‬ ‫ﻣﺗراﻣﯾ ــﺔ اﻷطـ ـراف ﻗ ــﺎدرة ﻋﻠ ــﻰ ﺗﻠﺑﯾ ــﺔ ﻣطﺎﻟ ــب وطﻣوﺣ ــﺎت أﻓرادﻫ ــﺎ واﻟ ــدﻓﺎع ﻋ ــﻧﻬم ﺿ ــد‬ ‫ـﻠم ﻛﺛﯾـ اًر ﻋﻠـﻰ‬ ‫اﻟﻣﻌﺗدﯾن ﻣـن اﻟﺧـﺎرج‪ .‬ﻟـذﻟك ﻟـم ُﯾﻌ ّـول اﻟﻧﺑـﻲ اﻟﻌـدﻧﺎن ﺻـﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳ ْ‬ ‫ﻫــذﻩ اﻷﺧــﻼق اﻟﺗــﻲ ﺗﺗﻣﯾــز ﺑﻬــﺎ اﻟﺟﺎﻫﻠﯾــﺔ اﻟﻣﺣﯾطــﺔ وﻟــم ﯾﺟﻠــس ﻫــو واﻟﻣﺳــﻠﻣون اﻷواﺋــل‬ ‫رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬم ﻓﻲ ﺑﯾوﺗﻬم أو ﻓﻲ ﺗﺟﻣﻌﺎﺗﻬم ﯾﻛﺗﻔون ﺑﺎﻟﺑﻛﺎء ﻋﻠـﻰ ﺣـﺎﻟﺗﻬم ﻣـن اﻟﺿـﻌف‬ ‫واﻟﻬـ ـوان أو اﻟﺗﻐﻧ ــﻲ ﺑ ــﺄﺧﻼق اﻟﻛﻔ ــﺎر اﻟﺣﻣﯾ ــدة؛ وﻟﻛ ــﻧﻬم ﻛ ــﺎﻧوا ﯾﻌﻛﻔ ــون ﻋﻠ ــﻰ ﺑﻧ ــﺎء ﺗﻠ ــك‬ ‫اﻷﺧﻼق ﻋﻠﻰ ﻋﻘﯾدة ﺛﺎﺑﺗﺔ وﻋﻠﻰ ﻧﻔوس ﻻ ﺗﻠﯾن‪ ،‬ﻛﺎﻧوا ﯾﻌﻛﻔون ﻋﻠﻰ ﺑﻧـﺎء ﻫـذﻩ اﻷﺧـﻼق‬ ‫وﻣــﺎ ﯾﺗﻌﻠــق ﺑﻬــﺎ ﻣــن ﺳــﻠوﻛﯾﺎت ﻋﻠــﻰ أﺳــﺎس أن ﺗﻛــون ﻣوﺟﻬــﺔ ﷲ وﷲ وﺣــدﻩ ﻓﻘــد أﻋﻠــن‬ ‫ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ وﺳ ْﻠم أﻧﻪ ُﺑﻌث ﻟﻛﻲ ُﯾﺗﻣم ﻣﻛـﺎرم اﻷﺧـﻼق‪ ،‬وأن ﻣـن أﻗـوى ُﻋـرى اﻹﯾﻣـﺎن‬ ‫اﻟﺣب ﻓﻲ اﷲ‪ .‬ﻫﻛذا ﻛﺎﻧـت اﻷﻣـﺔ اﻟﻣﺳـﻠﻣﺔ ﺗﺗﺣـرك ﺣـول ﻣﺣـور طﺎﻋـﺔ‬ ‫اﻟﺑﻐض ﻓﻲ اﷲ و ُ‬ ‫ُ‬

‫وﺳﻠم)‪.(١‬‬ ‫اﷲ وطﺎﻋﺔ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫ْ‬

‫ﻣ ــن ﻫﻧ ــﺎ ﻧ ــرى أن ﻫ ــذﻩ اﻟﻧـ ـواة أﺻ ــﺑﺣت ُﻣﻣﯾـ ـزة؛ ُﻣﻣﯾـ ـزة ﻓ ــﻲ اﻟﻣ ــﻧﻬﺞ‪ُ ،‬ﻣﻣﯾـ ـزة ﻓ ــﻲ‬

‫ﺻـﻠﺣﻬﺎ‪ُ ،‬ﻣﻣﯾـزة‬ ‫اﻷﺧــﻼق‪ُ ،‬ﻣﻣﯾـزة ﻓــﻲ ﺗﺻــورات اﻟﺣﯾــﺎة‪ُ ،‬ﻣﻣﯾـزة ﺣﺗــﻰ ﻓــﻲ ﺧﺻــﺎﻣﻬﺎ وﻓــﻲ ُ‬

‫ﻓــﻲ ﺣرﺑﻬــﺎ وﻗﺗﺎﻟﻬــﺎ وﺳــﻠﻣﻬﺎ‪ُ ،‬ﻣﻣﯾ ـزة ﻓــﻲ أﻓراﺣﻬــﺎ وﻓــﻲ أﺣزاﻧﻬــﺎ ﺣﺗــﻰ ﻓــﻲ دﻓــن ﻣوﺗﺎﻫ ـﺎ‪،‬‬

‫ُﻣﻣﯾـزة ﻓـﻲ ﻧوﻋﯾــﺔ اﻟـدواﻓﻊ اﻟﺗـﻲ ﺗــدﻓﻌﻬم ﻷﻓﻌـﺎﻟﻬم‪ُ ،‬ﻣﻣﯾـزة ﺣﺗـﻰ ﻟـو ﻓﻌﻠـوا ﻧﻔـس اﻷﻓﻌــﺎل أو‬ ‫ﺳــﻠﻛوا ﻧﻔــس اﻟﺳــﻠوﻛﯾﺎت اﻟﺗــﻲ ﯾﺳــﻠﻛﻬﺎ اﻵﺧــرون‪ .‬ﻓﻘــد ﯾﺻــدق ﻏﯾــر اﻟﻣﺳــﻠم وﻟﻛــن ﻫــذا‬ ‫اﻟﺻدق ﯾﺧﺗﻠف ﻓﻲ اﻷﺳﻠوب وﻓﻲ اﻟﻣـﻧﻬﺞ وﻓـﻲ اﻟـداﻓﻊ اﻟـداﻋﻲ ﻟـﻪ ﻋﻧـﻪ ﻋﻧـد اﻟﻣﺳـﻠﻣﯾن‪،‬‬ ‫وﻟو ظﻠﻠﻧﺎ ُﻧﻌدد ﺟواﻧب ﻫـذا اﻟﺗﻣـﺎﯾز ﻟَﻣـﺎ اﺳـﺗطﻌﻧﺎ ﻟـﻪ ﻋـداً وﻣـﺎ اﺳـﺗطﻌﻧﺎ ﻟـﻪ ﺣﺻـ اًر‪ .‬ﻫـذا‬ ‫اﻟﺗﻣﺎﯾز ﻧﺗﺞ ﻋﻧـﻪ ﻧوﻋـﺎً َ◌ ﻣـن اﻻﻧﻌـزال واﻧﺣﺻـﺎر أﻓـراد اﻷﻣـﺔ اﻟﻣﺳـﻠﻣﺔ ﻓـﻲ أﺣـﺎد ﻣﻌـدودة‬ ‫إن ﻛﺎﻧوا ِﻗﻠﺔ وﺳط ﻣﺟﺗﻣﻊ ﻛﺑﯾر ﻣﺧﺎﻟف ﻟﻬم ﻓﻲ ﺗﺻورات اﻟﺣﯾﺎة‪ .‬ﻓﺄﻓراد اﻷﻣـﺔ اﻟﻣﺳـﻠﻣﺔ‬

‫ﯾــﺄﻛﻠون وﯾﺷـرﺑون وﯾﺗﻌــﺎﻣﻠون ﺑطرﯾﻘــﺔ ﻫــﻲ ﻓــﻲ اﻷﺳــﺎس ُﻣﻧﺑﺛﻘــﺔ ﻣــن ﻋﻘﯾــدة ﻻ إﻟــﻪ إﻻ اﷲ‬

‫ﻣﺣﻣد رﺳول اﷲ‪.‬‬

‫)‪ (١‬اﻟﺷﯾﺦ ﺻﺎﻟﺢ ﺑن ﻓوزان اﻟﻔوزان "اﻟﺗوﺣﯾد" اﻟﻣﻛﺗﺑﺔ اﻟﺗوﻓﯾﻘﯾﺔ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫرة‪ ،‬ﻣﺻر ‪٢٠٠٤‬م‪ ،‬ص ‪.١٢٠‬‬

‫‪- ١٠ -‬‬


‫ﻫـذا اﻟﺗﻣــﺎﯾز أدى ﻟﻧـوع ﻣــن اﻟﺗﺻــﻔﯾﺔ واﻟﺗﻧﻘﯾـﺔ واﻟﺧﻠــوص ﻓـﻼ ﯾﺳــﺗطﯾﻊ أن ﯾﺗﻣﺳــك‬ ‫ﺑﺗﻠــك اﻟﻌﻘﺎﺋــد ﻛــل اﻟﻧــﺎس وﻻ ﯾﺳــﺗطﯾﻊ أن ﯾــؤﻣن ﺑﻬــﺎ رﻏــم ﺑﺳــﺎطﺗﻬﺎ ﻛــل اﻟﻧــﺎس ﺣﺗــﻰ ﻓــﻲ‬ ‫اﻟﺻ ــف اﻟﻣﺳ ــﻠم ﻓﯾﺧﺗﻠ ــف اﻟﻧ ــﺎس ﻓ ــﻲ درﺟ ــﺎﺗﻬم ﻋﻧ ــد اﷲ ﻓ ــﺄﻛرم اﻟﻧ ــﺎس ﻋﻧ ــد اﷲ اﺗﻘ ــﺎﻫم‬ ‫ودرﺟﺔ اﻟﺗﻘوى ﻣن ﯾرى ﺗﻌﺎﻟﯾﻬﺎ وﺗـدﻧﯾﻬﺎ ﻓـﻲ اﻟﻧﻔـوس واﻟﻘﻠـوب ﻫـو ﻣ ّْـن ﯾﻌﻠـم اﻟﺳـر وأﺧﻔـﻰ‬ ‫اﻟــرﺣﻣن ﻋﻠ ــﻰ اﻟﻌ ــرش اﺳ ــﺗوى‪ .‬وﻟﻛ ــن ﯾﺑﻘــﻰ ﺻ ــﺎﺣب اﻟدرﺟ ــﺔ اﻟ ـ ُـدﻧﯾﺎ ﯾﺣﻠ ــم وﯾﺗطﻠ ــﻊ ﻷن‬

‫ﯾﺻــل ﻓــﻲ ﻣ ارﺗــب اﻹﯾﻣــﺎن إﻟــﻰ اﻟﻣ ارﺗــب اﻟﻌﻠﯾــﺎ ﻓــﺎﻟﻣؤﻣن اﻟﻘــوي ﺧﯾـ ُـر وأﺣــب إﻟــﻰ اﷲ ﻣــن‬ ‫اﻟﻣــؤﻣن اﻟﺿــﻌﯾف‪ .‬ظــل ﻛــل ﻣــن ﯾﻧﺗﺳــﺑون ﻟﻬــذا اﻟــدﯾن ﯾﻧظــرون إﻟــﻰ اﻟﻘﻣــم اﻟﺳــﺎﻣﻘﺔ ﻣــن‬ ‫اﻟﻌ ـﻼ‪ .‬وﻫ ـم ﻓــﻲ‬ ‫اﻷﻧﺑﯾــﺎء وأﺻــﺣﺎب اﻷﻧﺑﯾــﺎء وﻣــن ﺗــﺑﻌﻬم ُﺑﻐﯾــﺔ أن ﯾﺻــﻠوا إﻟــﻰ اﻟﻣ ارﺗــب ُ‬ ‫ذﻟك ﻟﻬم ﺻﻔﺎت ﻻ ُﯾﻣﻛن ﻟﻛل ذي ﻋﯾﻧﯾن أن ُﯾﻧﻛر ﻫذا اﻟﺗﻣﺎﯾز ﺑﯾﻧﻬم وﺑﯾن ﻏﯾرﻫم‪ .‬ﻫـذا‬ ‫اﻟﺻﻔﺎت اﻟﻣﻣﯾزة ﻻ ﺗﺧﺗﻠف ﺑـﺎﺧﺗﻼف اﻟـﺑﻼد وﻻ ﺑـﺎﺧﺗﻼف اﻟﺣﻛـﺎم وﻻ ﺑـﺎﺧﺗﻼف اﻷزﻣـﺎن‬ ‫ﻓﺎﻟﺷــﻲء اﻟﺣـرام ﻫﻧــﺎ ﻫــو اﻟﺣـرام ﻫﻧــﺎك ﻣﻬﻣــﺎ ﺑﻌــد ﻫــذا اﻟ ـ )ﻫﻧــﺎك( ﻓــﻲ اﻟــزﻣن أو اﻟﻣﻛــﺎن‪.‬‬ ‫ﻓﻛﺎﻧت ﻫذﻩ اﻷﻣﺔ واﺣـدة ﻣﻬﻣـﺎ ﺗﻘطﻌـت ﺑﻔﻌـل ﺻـراﻋﺎت ﺳﯾﺎﺳـﯾﺔ أو اﺣـﺗﻼﻻت ﻣـن ﻗـوى‬ ‫اﻟﺑﻐﻲ واﻟﺷرك ﺧﻼل ﻓﺗرات ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻣن ﺗﺎرﯾﺦ ﻫذﻩ اﻷﻣﺔ‪ .‬ﻓﻘد ظل اﻟﺳواد اﻷﻋظـم ﻣﻧﻬـﺎ‬ ‫ﻻ ﯾﻌﺗــرف ﺑﻬــذا اﻟﺗﻔــرق وﻫــذا اﻟﺗﺷــرذم وظــل اﻟﻣﺳــﻠم ﻋﻧــدﻣﺎ ﯾــذﻫب إﻟــﻰ ﺑﻠــد ﻣﺳــﻠم أﺧــر‬ ‫ﯾﺷﻌر ﺑﺄﻧﻪ وﺳط ﻣﺟﺗﻣﻌﻪ وﺑﯾن أﻫﻠﻪ ٕوان اﺧﺗﻠﻔت اﻟﺣﻛوﻣﺎت أو اﻷزﻣﺎن‪.‬‬

‫‪- ١١ -‬‬


‫اﻟﻣﺑﺣث اﻟﺛﺎﻧﻲ‬ ‫ﻣظﺎﻫر اﻧﻔﺻﺎل اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻋن اﻟﻣﺣﯾط اﻟﺟﺎﻫﻠﻲ ﻓﻲ ﺑداﯾﺔ اﻟدﻋوة‬ ‫ـﻠم إﻟــﻰ ﺗﻛــوﯾن دوﻟــﺔ أو أﻣــﺔ واﺣــدة ﻣــن دون‬ ‫ﻟــم ﯾــدﻋو اﻟﻧﺑــﻲ ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫اﻟﻧﺎس ﻓﻲ ﺑداﯾﺔ اﻟدﻋوة وﻟﻛن ﻛﺎن ﻛل اﻟﻣراﻗﺑون ﻣن اﻟﻘوى اﻟﻣﺣﯾطﺔ ﺑﻬـذﻩ اﻷﻣـﺔ اﻟوﻟﯾـدة‬ ‫ﯾــرون ذﻟــك واﺿــﺣﺎً‪ .‬ﻓــﻼ ﯾوﺟــد ﻣﻌﻧــﻰ ﻻﻋﺗﻘــﺎد اﻟﻧــﺎس ﺑــﺄن ﻻ إﻟــﻪ اﷲ ﻣﺣﻣــد رﺳــول اﷲ‬ ‫ﺑﻐﯾر اﻻﻧﻔﺻﺎل ﻋـن اﻟﺟﺳـد اﻟﺟـﺎﻫﻠﻲ اﻟﻣﺣـﯾط‪ .‬ﻫـذا اﻻﻧﻔﺻـﺎل ﻟـم ﯾﻛـن اﻧﻔﺻـﺎل ﺟﺳـدي‬ ‫ﻣﻛﺎﻧﻲ ﺑﻘدر ﻣﺎ ﻛﺎن اﻧﻔﺻﺎل ﻓﻛري ﻣﻌﻧوي إﻧﻪ اﻧﻔﺻﺎل اﻟﻘﻠوب واﻷرواح‪ .‬ﻛﺎﻧـت اﻟـدﻋوة‬ ‫اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ وﺻﺎﺣﺑﻬﺎ ﺑﻔﺿـل ﻣـﺎ أُوﺗـوا ﻣـن ﻗـوة وواﻗﻌﯾـﺔ ﻓـﻲ اﻟﻣـﻧﻬﺞ وﺑﺳـﺎطﺔ ﻓـﻲ أﺳـﻠوب‬ ‫اﻟﻌــرض ﻗ ــﺎدرﯾن ﻋﻠ ــﻰ اﺣــﺗﻼل ﻫ ــذﻩ اﻟﻧﻔ ــوس ﺣﺗــﻰ أﺷ ــد أﻋــداء اﻟــدﻋوة ﻓ ــﻲ ﺑــداﯾﺗﻬﺎ ﻟ ــم‬ ‫ﯾﺳـ ــﺗطﯾﻌوا أن ُﯾﺣﺎرﺑوﻫـ ــﺎ ﻓﻛرﯾ ـ ـﺎً ﻓﻛـ ــﺎن اﻟﻠﺟـ ــوء إﻟـ ــﻰ اﻟﺣـ ــرب اﻟﻘـ ــذرة اﻟﺗﺟوﯾـ ــﻊ واﻟﺣﺻـ ــﺎر‬

‫واﻟﺗﻌذﯾب واﻟﻘﺗل ﻓﻲ ﻏﯾـر ﻣﯾـﺎدﯾن ﻗﺗـﺎل؛ ﻟـم ﺗﻛـن ﻫـذﻩ اﻟﺟﺎﻫﻠﯾـﺔ اﻟﺑﺎﻟﯾـﺔ ﺗﻣﻠـك ﻏﯾـر ذﻟـك؛‬

‫وﻫﻛــذا ﻫــﻲ ﻓــﻲ ﻛــل زﻣــﺎن وﻣﻛــﺎن ﻻ ﺗﺳــﺗطﯾﻊ ﻗــوة ﻣــن اﻟﻘــوى أن ﺗﻘــف أﻣــﺎم ﻣــﻧﻬﺞ اﻟﻌﻠــم‬ ‫واﻟﻣﻧطــق واﻟرﺣﻣــﺔ‪ .‬ﻣــﻧﻬﺞ اﻟﻔط ـرة اﻟﺳــﻠﯾﻣﺔ ﻓﻛﺎﻧــت اﻟﺣﺟــﺞ اﻟﻣﺗﻛــررة واﻟﻠﺟﺎﺟــﺔ اﻟﻣﺗﺗﺎﻟﯾــﺔ‬

‫ﱠ‬ ‫ف ِﻣن أَر ِ‬ ‫ﺿَﻧﺂ‪ .(١)‬ظﻠت ﻫـذﻩ اﻟﻠﺟﺎﺟـﺔ رﻏـم اﺧـﺗﻼف‬ ‫ﺗﻘول ‪‬إِن ﱠﻧﺗﱠﺑِ ِﻊ ٱْﻟﻬُ َد ٰى َﻣ َﻌ َ‬ ‫ك ُﻧﺗَ َﺧط ْ ْ ْ‬ ‫ض وَﻧ ْﻛﻔُـ ُـر ﺑِ َـﺑ ْﻌ ٍ‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫ض‪ ،(٢)‬ﻛﺎﻧـت ﻫـذﻩ اﻷﻗـوال ﺗﺗﺳــﺎﻗط‬ ‫اﻷزﻣـﺎن واﻷﻣـﺎﻛن ﺗﻘـول ‪ُ‬ﻧ ْـؤﻣ ُن ﺑ َـﺑ ْﻌ َ‬ ‫ﻛﻣــﺎ ﯾﺗﺳــﺎﻗط اﻟﻔ ـراش اﻟﻣﺑﺛــوث أﻣــﺎم اﻷﻣــﺔ اﻟﻣﺳــﻠﻣﺔ وأﻣــﺎم ﻧﺑﯾﻬــﺎ ﻓﻠــم ﯾﻌرﻫــﺎ اﻫﺗﻣــﺎم ﻛــﺎن‬ ‫اﻻﻫﺗﻣﺎم اﻷول ﻟﻬذﻩ اﻟﺛُﻠﺔ اﻟﻣؤﻣﻧﺔ ﻫو ﺗﺻﺣﯾﺢ اﻟﺗﺻورات ﻓﻲ اﻟﻧﻔوس وﺷد اﻟﻘﻠوب إﻟـﻰ‬ ‫ﺧﺎﻟﻘﻬــﺎ وﺗﻧﻘﯾــﺔ ﻫــذﻩ اﻟﻧﻔــوس ﻣــن ﻋﻼﺋــق اﻟــدﻧﯾﺎ ودﻧﺎﯾــﺎ اﻷرض إﻟــﻰ ﻫــذا اﻷﻓــق اﻟوﺿــﻲء‬ ‫إﻟﻰ اﷲ ورﺳوﻟﻪ وﻣﺎ ﻋﻠق ﺑﻬﻣﺎ ﻣن ﻣﻧﻬﺞ ﻗوﯾم‪.‬‬ ‫ﻫ ــذا اﻟـ ـرﺑط اﻟﻔﻛ ــري واﻟﻧﻔﺳ ــﻲ أدى ﻟﺷ ــﻌور اﻟﻣﺳ ــﻠﻣﯾن ﺑ ــﺄﻧﻬم ﻏﯾ ــر ﻫ ــذا اﻟﻣﺣ ــﯾط‬ ‫اﻟﻣﺗراﻣﻲ ﻓﻲ اﻟﺟزﯾرة اﻟﻌرﺑﯾﺔ وﻣـﺎ ﺣوﻟﻬـﺎ ﻓﻬـم ﻣـن ﻧﺳـل ﺧﻠﯾﻔـﺔ اﷲ ﻓـﻲ اﻷرض آدم ﻋﻠﯾـﻪ‬ ‫)‪(٣‬‬

‫اﻟﺳﻼم ‪‬إﻧﻲ ﺟﺎﻋ ٌل ﻓﻲ اﻷرض ﺧﻠﯾﻔﺔ‪‬‬

‫ﻓﻬم ُﻣﺳﺗﺧﻠﻔون ﻓـﻲ اﻷرض ﯾـﺄﺗﻣرون ﺑـﺄواﻣر‬

‫)‪ (١‬ﺳورة اﻟﻘﺻص آﯾﺔ )‪.(٥٧‬‬ ‫)‪ (٢‬ﺳورة اﻟﻧﺳﺎء آﯾﺔ )‪.(١٥٠‬‬ ‫)‪ (٣‬ﺳورة اﻟﺑﻘرة آﯾﺔ )‪.(٣٠‬‬

‫‪- ١٢ -‬‬


‫ﻣ ــن اﺳ ــﺗﺧﻠﻔَﻬم وﯾﻧﺗﻬ ــون ﻋ ــن ﻣ ــﺎ ﯾﻧﻬ ــﺎﻫم ﻋﻧ ــﻪ ﻫ ــم ﻟﯾﺳـ ـوا ﻣﺟ ــرد ﻣﺟﻣوﻋ ــﺔ ﻣ ــن اﻟﻌﻣ ــﺎل‬ ‫اﻟﻣـ ــﺄﺟورون ﻋﻧـ ــد ﺻـ ــﺎﺣب ﻋﻣـ ــل ﺑـ ــل ﻫـ ــم ﻣـ ــﺄﺟورون ﻓﻌ ـ ـﻼً وﻟﻛـ ــن ﻋﻧـ ــد ﻣﻠـ ــك اﻷرض‬

‫واﻟﺳﻣﺎوات ﻓﻬم ﯾﺗرﻛون اﻷﺟر اﻟﻘرﯾب اﻟﻔﺎﻧﻲ وﯾطﻣﻌون ﻓﻲ اﻷﺟر اﻟﺑﻌﯾد اﻟﺑﺎﻗﻲ‪.‬‬ ‫ﻫــذا اﻟﻔﻛــر وﻫــذﻩ اﻟﻌﻘﯾــدة ﻓــﻲ اﻟﻧﻔــوس أدت ﻟظﻬــور أﻓـراد اﻷﻣــﺔ اﻟﻣﺳــﻠﻣﺔ ﺑﻣظﻬــر‬ ‫ُﻣﻣﯾــز ﻏﯾــر ﻛــل اﻟﻧــﺎس ﻓﻘــد ﯾــرى اﻟﻧــﺎس ﻓــﻲ ﻣــوطن ﻣﻌــﯾن أن أﻓﻌــﺎل اﻟﺛُﻠــﺔ اﻟﻣؤﻣﻧــﺔ ﻫــو‬ ‫اﻟﻬــﻼك واﻟﺧﺳ ـران اﻟﻣﺑــﯾن وﯾــرى اﻷﻓ ـراد اﻟﻣؤﻣﻧــون ﻣــن ﻫــذﻩ اﻷﻣــﺔ ﻫــذا اﻟﻌﻣــل ﻫــو ﻗﻣــﺔ‬ ‫اﻟﻧﺟـ ــﺎح واﻟﻔـ ــﻼح‪ .‬ظﻬـ ــر ذﻟـ ــك ﻓ ـ ـﻲ ﻣ ـ ـواطن ﻛﺛﯾ ـ ـرة ﻓﺄﺻـ ــﺣﺎب اﻷﺧـ ــدود ﻣﺟﻣوﻋـ ــﺔ ﻣـ ــن‬ ‫ـون ﻓ ــﻲ اﻷﺧﺎدﯾ ــد أﻓـ ـراداً‬ ‫اﻟﻣوﺣ ــدﯾن أﻣﻧـ ـوا ﺑﻬ ــذا اﻟﻔﻛ ــر واﻋﺗﻘ ــدوا ﻫ ــذﻩ اﻟﻌﻘﯾ ــدة ﻓﻛ ــﺎﻧوا ﯾﻠﻘ ـ َ‬ ‫وﻣﺟﻣوﻋﺎت وﻫـم ُﻣﻘﺑِﻠـون ﻋﻠـﻰ اﻟﺗّﺣرﯾـق واﻟﻣـوت اﻟﻣﺣﻘـق ﻻ ﻣﺣﺎﻟـﺔ دون أﻣـل ﻓـﻲ ﻧﺻـر‬ ‫دﻧﯾـوي أو ﻣﻛﺳـب ﻣـﺎدي ﻛـﺎﻧوا ُﯾﻘﺑِﻠـون ﻋﻠـﻰ ﻫـذا اﻟﺗّﺣرﯾـق ﺑﻧﻔـوس ارﺿـﯾﺔ ﻣطﻣﺋﻧـﺔ ﻷﻧﻬــم‬

‫ﯾؤﻣﻧون ﺑﻣﺟد ﻏﯾر اﻟﻣﺟد اﻟذي ﻧراﻩ وﯾؤﻣﻧون ﺑﻔوز ﻏﯾـر ﻫـذا اﻟـذي ﻧـراﻩ؛ وﯾؤﻣﻧـون ﺑﻌﻠـو‬ ‫وﻗــﯾم ﻏﯾــر ﻫــذا اﻟــذي ﻧ ـراﻩ ﻓــﻲ اﻟـ ُـدﻧﯾﺎ اﻟﻔﺎﻧﯾــﺔ واﻟﻧﺻــر اﻟــذي ﻫــو ٕوان ﺗﺣﻘــق ﻫــو ﻧﺻــر‬ ‫ﻣرﺗﺑط ﺑﺣدود اﻟزﻣﺎن واﻟﻣﻛﺎن اﻟذي ﺣدث ﻓﯾﻪ‪.‬‬

‫ﺑﻬذا اﻟﻔﻛر وﺗﻠـك اﻟﻌﻘﯾـدة واﺟـﻪ أﺻـﺣﺎب اﻟﻛﻬـف ُﻣﻌﺎﺻـرﯾﻬم وﻣـواطﻧﯾﻬم ﻓﺎﺗﺧـذوا‬

‫ﺳــﺑﯾل ﻏﯾــر اﻟﺳــﺑﯾل اﻟﻣﻌﻬــود وﻧﺑــذوا ﺗﻠــك اﻷﻓﻛــﺎر وﻫــم ﯾــرون اﻟﻛﻔــر واﻟﺟﺎﻫﻠﯾــﺔ ﺗﻣــوج ﻓــﻲ‬ ‫اﻷرض وﻓــﻲ اﻟﻧﻔــوس ﻓﻠــم ﯾﻛــن ﻫﻧــﺎك أدوات ﻟﻠﻣواﺟﻬــﺔ وﻛﺎﻧــت اﻟﻣﻧﺎﻗﺷــﺔ ﻫــﻲ ﻧــوع ﻣــن‬ ‫اﻟﺟدل اﻟﻌﻘﯾم ﻓﻣﺎذا ﯾﻔﻌل ﻫؤﻻء ِ‬ ‫اﻟﻔﺗﯾﺔ؟؟؟ ﻓﻛـﺎن اﻻﻋﺗـزال واﻟﻬـروب ﻣـن اﻟﻛﻔـر اﻟﻣﺗﻣرﻛـز‬ ‫اﻟﻣﻧﺗﺷــر‪ ،‬اﻟﻬ ـروب ﻻ إﻟــﻰ ﻫــدف ﻣﻌــﯾن ﻓﻬــم ﻓﻘــط ﯾرﯾــدون أن ﯾﺑﺗﻌــدوا ﻋــن ﻗــوﻣﻬم اﻟــذﯾن‬ ‫اﺗﺧــذوا ﻣــن دون اﷲ آﻟﻬــﺔ ﺑــدون ُﺳــﻠطﺎن َﺑـّﯾ ِن وﺑــدون دﻟﯾــل ﻣــن ﻋﻠــم أو ﻣﻧطــق‪ .‬ﻟﻘــد ﺑﻠــﻎ‬ ‫ﺿــﻼل اﻟﻘــوم ﻣــداﻩ وﻟــم ﯾﻛــن ﻓــﻲ ﯾــد ِ‬ ‫اﻟﻔﺗﯾــﺔ اﻟﻣؤﻣﻧ ـﺔ ﻏﯾــر ﻫــذا اﻻﻧﻔﺻــﺎل وذﻫﺑ ـوا ﻫﻧــﺎك‬ ‫اﻟﺑﻌــد ﻋــن ﻫــذﻩ اﻟﺟﺎﻫﻠﯾــﺔ‬ ‫ﺑﻌﯾــداً ﻋــن اﻟﻘــوم ودﺧﻠ ـوا ﻓــﻲ اﻟﻛﻬــف ﻛ ــﺎن ﻫﻣﻬــم اﻷول ﻫــو ُ‬ ‫أﻣﻧﻬم اﷲ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻛﻬف ﻣﺋﺎت اﻟﺳﻧﯾن ﻗﺑل أن ﯾﺑﺗﻌﺛﻬم ﻣن ﺟدﯾد‪.‬‬ ‫ﻓﺄﻧﺎﻣﻬم و ّ‬

‫ﻫــذﻩ اﻟﻘﺻــص وﻗﺻــص أﺧــرى ﻛﺛﯾ ـرة ذﻛرﻫــﺎ اﷲ ﻟﻸﻣــﺔ اﻟﻣﺳــﻠﻣﺔ ﺑﺻــورة ﻣــن اﻟﻣــدح وﻻ‬ ‫ﯾﺳ ــﺗطﯾﻊ ﻣ ــؤﻣن ﻣوﺣ ــد أن ﯾ ــﺗﻬم أﺑطـــﺎل ﻫ ــذﻩ اﻟﻘﺻـ ــص ﺑﺎﻟﺗﻘﺻ ــﯾر أو ﻋـ ــدم اﻟﺗﺻـ ــرف‬ ‫‪- ١٣ -‬‬


‫اﻟﻧﺑــل واﻟــذﻛﺎء ﺑــل ﻫــﻲ ُذﻛــرت ﻟﺗﻛــون ﻋﺑ ـرة ﻟﻣــن ﯾــﺄﺗﻲ ﺑﻌــدﻫﺎ وﻧﺑ ارﺳ ـﺎً‬ ‫ﺑﺄﺳــﻣﻰ درﺟــﺎت ُ‬

‫ﻧﻬﺗــدي ﺑــﻪ ﻋﻧــدﻣﺎ ﻧﻔﻘــد اﻟﺣــل وﻧﻔﻘــد اﻟﻘــدرة ﻋﻠــﻰ ﻣﻌرﻓــﺔ اﻟطرﯾــق‪ .‬ﻓطرﯾــق اﻷﻣــﺔ اﻟﻣﺳــﻠﻣﺔ‬ ‫ﻫــو ﻏﯾــر طرﯾــق اﻟﻧــﺎس ﻫــو طرﯾــق أﺻــﺣﺎب اﻟﻛﻬــف وطرﯾــق أﺻــﺣﺎب اﻷﺧــدود طرﯾــق‬

‫ط ِﻌ ُﻣ ُﻛـ ْـم ﻟِ َو ْﺟـ ِـﻪ‬ ‫اﻷﻧﺑﯾــﺎء واﻟرﺳــل طرﯾــق اﻟﻌطــﺎء وﻋــدم اﻧﺗظــﺎر اﻟﺟـزاء ﻣــن ﻣﺧﻠــوق‪ ‬إِﱠﻧ َﻣـﺎ ُﻧ ْ‬ ‫ور إِﱠﻧـﺎ َﻧ َﺧ ُ ِ‬ ‫وﺳـﺎ ﻗَ ْﻣطَ ِرﯾ ًـر‪ .(١)‬طرﯾـق‬ ‫ﯾد ِﻣﻧ ُﻛ ْم َﺟ َزاء َوﻻ ُﺷـ ُﻛ ًا‬ ‫اﻟﻠﱠ ِﻪ ﻻ ُﻧ ِر ُ‬ ‫ـﺎف ﻣـن ﱠرﺑَﱢﻧـﺎ َﯾ ْو ًﻣـﺎ َﻋ ُﺑ ً‬ ‫اﻷﻣــﺔ اﻟﻣﺳــﻠﻣﺔ ﻫــو طرﯾــق ﻣﺣﻔــوف ﺑﺎﻟﻣﻛــﺎرﻩ واﻟﺻــﺑر ﺑــﻼ ﺣــدود واﻟﻧظــر داﺋﻣ ـﺎً إﻟــﻰ ﻣــﺎ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك ﻣ ﱠِ‬ ‫ﻋﻧـد اﷲ ‪ ‬و ْ ِ‬ ‫ون َو ْﺟﻬَـﻪُ ۖ◌ َوَﻻ‬ ‫ون َرﱠﺑﻬُـم ﺑِﺎْﻟ َﻐ َـداة َواْﻟ َﻌﺷـ ﱢﻲ ُﯾ ِرﯾ ُـد َ‬ ‫ـﻊ اﻟـذﯾ َن َﯾ ْـد ُﻋ َ‬ ‫اﺻـﺑ ْر َﻧ ْﻔ َﺳـ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ك ﻋ ْـﻧﻬم ﺗُِرﯾ ُـد ِز َﯾﻧـﺔَ اْﻟﺣﯾ ِ‬ ‫ﱠ‬ ‫ـﻊ‬ ‫ـﺎة اﻟـ ﱡد ْﻧَﯾﺎ ۖ◌ َوَﻻ ﺗُ ِطـ ْﻊ َﻣ ْـن أ ْ‬ ‫َ​َ‬ ‫ﺗَ ْﻌ ُـد َﻋ ْﯾَﻧـﺎ َ َ ُ ْ‬ ‫َﻏ َﻔ ْﻠَﻧـﺎ َﻗ ْﻠَﺑـﻪُ َﻋـن ذ ْﻛ ِرَﻧـﺎ َواﺗَﺑ َ‬

‫ـﺎن أ َْﻣـ ُـرﻩُ ﻓُ​ُرطًــﺎ‪ .(٢) ‬ﻓﻛــﺎن اﻟﻧــﺎس داﺋﻣــﺎ ﻓــﻲ ﻋﻘﯾــدة اﻟﻣــؤﻣن اﻟﻣوﺣــد إﻣــﺎ ﯾرﯾــدون‬ ‫َﻫـ َـواﻩُ َو َﻛـ َ‬ ‫وﺟﻪ اﷲ ٕواﻣﺎ ﻏﻔﻠت ﻗﻠوﺑﻬم ﻋن ذﻛر اﷲ ﻓﻬذا طرﯾﻘﻬم ﻗوﯾم وﻫؤﻻء أﻣرﻫم ﻓُرطـﺎ وﻣﺗﻧـﺎﺛر‬ ‫ﻻ ﯾﺟﺗﻣﻌون ﻋﻠﻰ رأي وﻻ ﯾﺄﺗﻠﻔون ﻋﻠﻰ طرﯾﻘﺔ واﺣـدة ﻓـﻲ اﻟﺣﯾـﺎة‪ .‬ﻛـﺎن اﻟﻧـﺎس ﻓـﻲ ﻧظـر‬

‫اﻟﻣ ــؤﻣن اﻟﻣوﺣ ــد ﺣزﺑ ــﺎن؛ إﻣ ــﺎ ﺣ ــزب اﷲ وأوﻟﺋ ــك ﻫ ــم اﻟﻣﻔﻠﺣ ــون‪ٕ ،‬واﻣ ــﺎ ﺣ ــزب اﻟﺷ ــﯾطﺎن‬

‫وأوﻟﺋك ﻫم اﻟﺧﺎﺳـرون‪ .‬ﻛـﺎن اﻟﻧـﺎس ﻓـﻲ ﻧظـر اﻟﻣـؤﻣن اﻟﻣوﺣـد ﻓرﯾﻘـﺎن؛ ﻓرﯾـق ﻓـﻲ اﻟﺟﻧـﺔ‪،‬‬ ‫وﻓرﯾ ـ ــق ﻓ ـ ــﻲ اﻟﺳ ـ ــﻌﯾر‪ .‬ﻛ ـ ــﺎن اﻟﻧ ـ ــﺎس ﻓ ـ ــﻲ ﻧظ ـ ــر اﻟﻣ ـ ــؤﻣن اﻟﻣوﺣ ـ ــد داﺋﻣـ ـ ـﺎً وأﺑ ـ ــداً ﻓرﯾﻘ ـ ــﺎن‬ ‫ﻣﺧﺗﺻﻣون‪ .‬وﻓـﻲ ﻧﻔـس اﻟوﻗـت ﻛـﺎن ﻫﻧـﺎك ﻧـﺎس ﻓـﻲ ﻧظـر اﻟﻣـؤﻣن اﻟﻣوﺣـد ﻫـم ﻣﺟﻣوﻋـﺔ‬

‫اﻟﻣﻌ ــﯾن‬ ‫ﻣ ــن اﻟرﺟ ــﺎل واﻟﻧﺳ ــﺎء اﻟﻣﺳﺗﺿ ــﻌﻔﯾن اﻟﻣﻬﺿـ ـوﻣﯾن ﯾﺑﺣﺛ ــون ﻋ ــن اﻟﻧﺎﺻ ــر وﻋ ــن ُ‬

‫وﻣﻐﯾﺛـﺔ ﻟﻣـن اﺳــﺗﻐﺎث‬ ‫ﻓﻛﺎﻧـت اﻷﻣـﺔ اﻟﻣﺳـﻠﻣﺔ ﺗـرى ﻧﻔﺳـﻬﺎ ﺣﺎﻣﯾــﺔ ﺣﻣـﻰ اﻟﺣرﯾـﺔ اﻹﻧﺳـﺎﻧﯾﺔ ُ‬ ‫ﺑﻬــﺎ ﺑﻐــض اﻟﻧظــر ﻋــن ﻋﻘﯾــدة ﻫــؤﻻء اﻟﻣﺳﺗﺿــﻌﻔﯾن ‪ٕ ‬وان أﺣــد ﻣــن اﻟﻣﺷــرﻛﯾن اﺳــﺗﺟﺎرك‬ ‫ﻓﺄﺟرﻩ ﺣﺗﻰ ﯾﺳﻣﻊ ﻛﻼم اﷲ ﺛم أﺑﻠﻐﻪ ﻣﺄﻣﻧﻪ ذﻟك ﺑﺄﻧﻬم ﻗوم ﻻ ﯾﻌﻠﻣون‪.(٣)‬‬

‫ﻓﻠـم ﺗﻛـن اﻷﻣـﺔ اﻹﺳـﻼﻣﯾﺔ ﯾـوم ﻋزﻫــﺎ وﻣﺟـدﻫﺎ ﺑﺗﻠـك اﻷﻣـﺔ اﻟﺧﺎﻣﻠـﺔ وﻟﻛﻧﻬـﺎ ﻛﺎﻧــت‬ ‫أﻣــﺔ ﺗــداﻓﻊ ﻋــن ﻛــل اﻟﺟــﻧس اﻟﺑﺷــري وﻛﺎﻧــت ﺣروﺑﻬــﺎ ﻫــﻲ ﺣــروب ﺗﺣرﯾــر ﻟﻬــذا اﻟﺟــﻧس‬ ‫اﻟﺑﺷــري وﻟــﯾس ﻣــن أﺟــل اﺣــﺗﻼل أرض أو اﻣــﺗﻼك ﺛــروات ﻓﻠﻣــﺎ دﺧــل اﻟرﺳــول اﻷﻋظــم‬ ‫)‪ (١‬ﺳورة اﻹﻧﺳﺎن آﯾﺔ )‪.(٧٦‬‬ ‫)‪ (٢‬ﺳورة اﻟﻛﻬف )‪.(٢٨‬‬ ‫)‪ (٣‬ﺳورة اﻟﺗوﺑﺔ آﯾﺔ )‪.(٦‬‬

‫‪- ١٤ -‬‬


‫ـﻠم ﻣﻛــﺔ اﻟﻣﻛرﻣــﺔ وﺣطــم اﻷﺻــﻧﺎم ﻗ ــﺎل ﻷﻫﻠﻬــﺎ وﻫــم ﺑــﺎﻷﻣس ﻋــدو‬ ‫ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫اﻹﺳﻼم اﻷول وﺷوﻛﺔ اﻟﻛﻔر اﻟﺗـﻲ ﺻـﻌب ﻛﺳـرﻫﺎ ﻗـﺎل ﻟﻬـم اذﻫﺑـوا ﻓـﺄﻧﺗم اﻟطﻠﻘـﺎء‪ .‬وﻫﻛـذا‬ ‫ﻛــﺎن اﻟﻣﺣــﺎرﺑون ﻓــﻲ اﻹﺳــﻼم ﯾﺣــﺎرﺑون ﻣــن أﺟــل ﺗﺣرﯾ ـر اﻟﻧــﺎس ﻣــن ﻛــل اﻟﻌﻘﺎﺋــد اﻟﻛــﺎﻓرة‬ ‫وﺻور اﺳﺗﻌﺑﺎد اﻟﻧﺎس ﻟﻠﻧﺎس ﺛم ﯾﻘوﻟوا ﻗوﻟﺔ ﻧﺑﯾﻬم اﻷوﻟﻰ اذﻫﺑوا ﻓﺄﻧﺗم اﻟطﻠﻘـﺎء ﻣـن ﺷـﺎء‬ ‫ﻓﻠﯾؤﻣن وﻣن ﺷﺎء ﻓﻠﯾﻛﻔر‪.‬‬ ‫وﻛﺎن ﻋوام اﻟﻧﺎس ﯾﻧظرون إﻟـﻰ ﻫـذا اﻟﺟـﯾش اﻟـذي أزال ﺣﻛـﺎﻣﻬم وطـوﻏﯾﺗﻬم ﻓـﺈذا‬ ‫ـرة وﻻ ﺻ ــﺑﯾﺎً وﻻ ﯾﻘ ــﺎﺗﻠون إﻻ ﻣ ــن ﻧﺎﺻ ــﺑﻬم‬ ‫ﺑـ ـﺄﻓراد ﻫ ــذا اﻟﺟ ــﯾش ﻻ ﯾﻘﺗﻠ ــون ﺷ ــﯾﺧﺎً وﻻ اﻣ ـ أ‬ ‫اﻟﻌــداء وﻻ ﯾــذﺑﺣون إﻻ ﺑﻘــدر ﻣــﺎ ﯾــﺄﻛﻠون وﻫــم أﻧ ـزﻩ ﻣــﺎ ﯾﻛوﻧ ـوا ﻋــن دﻧﺎﯾــﺎ اﻟـ ُـدﻧﯾﺎ وﺷــﻬوات‬ ‫اﻟﻣﻠوك‪ .‬ﻓﻛﺎﻧت أﻧﺑﺎء ﺟﯾوش اﻟﺗوﺣﯾـد ﺗﻧﺗﺷـر ﻫﻧـﺎ وﻫﻧـﺎك ﻓﻛـﺎن اﺣـﺗﻼل اﻹﺳـﻼم ﻟـﻸرض‬

‫ﻫ ــو اﻟﺧط ــوة اﻷﺧﯾـ ـرة اﻟﺗ ــﻲ ﯾﺳ ــﺑﻘﻬﺎ ﺧطـ ـوات ﻣ ــن ﺑﯾﻧﻬ ــﺎ ﺳ ــﯾطرة اﻹﺳ ــﻼم ﻋﻠ ــﻰ اﻟﻧﻔ ــوس‬ ‫واﻟﺻدور وﺳﯾطرة اﻹﺳﻼم ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘول ﻛل ذﻟك ﻗﺑـل اﻟﺳـﯾطرة ﻋﻠـﻰ اﻷﺑـدان واﻷطﯾـﺎن؛‬ ‫ﻫــذا اﻟﺗﻣــﺎﯾز وﻫــذﻩ اﻟﺻــﻔﺎت ﻛﺎﻧــت ﻣظﻬ ـ اًر ﻻ ُﯾﻧﻛ ـرﻩ ﺣﺗــﻰ أﻋــداء اﻟــدﯾن اﻟــذﯾن ﻋ ـﺎدوﻩ ﻻ‬

‫ﻟﺷــﻲء إﻻ ﻷﻧﻬــم ﯾﻛرﻫــون ﻣﺑــﺎدئ اﻟﻌــدل واﻟرﺣﻣــﺔ واﻟﻣﺳــﺎواة اﻟﺗــﻲ ﻛــﺎن ﯾﻔرﺿــﻬﺎ اﻹﺳــﻼم‬

‫ﻋﻠﻰ اﻟﺣﺎﻛم ﻗﺑل اﻟﻣﺣﻛوم‪ .‬ﻛﺎﻧت أﻧﺑـﺎء ﻫـذا اﻟﺣـﺎﻛم اﻟﻘـﺎﺑﻊ ﻓـﻲ اﻟﻣدﯾﻧـﺔ اﻟـذي ﯾﺣﻛـم ﺗﻠـك‬ ‫ﻣرة ﻛﺎﻧت ﺗﺄﻛل اﻟﻘدﯾد ﻓـﻲ ﻣﻛـﺔ‪،‬‬ ‫اﻟﺟﯾوش اﻟﻐﺎزﯾﺔ ﺗروي ﻗﺻﺗﻪ‪ ،‬وﻫو ﯾﻘول إﻧﻣﺎ أﻧﺎ اﺑن ا أ‬

‫اﻟر َﺷـ ِ‬ ‫ـﺎد ‪‬‬ ‫َﻫـ ِـدﯾ ُﻛ ْم إِ ﱠﻻ َﺳ ـﺑِﯾ َل ﱠ‬ ‫ﻓﻬــو ﻟــﯾس ﻓرﻋــون ﯾﻘــول ‪َ ‬ﻣــﺎ أ ُِرﯾ ُﻛـ ْـم إِ ﱠﻻ َﻣــﺎ أ َ​َرى َو َﻣــﺎ أ ْ‬ ‫وﺑﻌــد اﻧﻘﺿــﺎء ﻓﺗ ـرة اﻟــوﺣﻲ وﺻــﻌود روح اﻟﻧﺑــﻲ اﻷﻋظــم إﻟــﻰ اﻟرﻓﯾــق اﻷﻋﻠــﻰ ﺻــﻠﻰ اﷲُ‬ ‫ﻋﻠﯾــﻪ وﺳــﻠم ظــل أﺻــﺣﺎﺑﻪ رﺿ ـوان اﷲ ﻋﻠــﯾﻬم ﻋﻠــﻰ ﻧﻬﺟــﻪ ﺣﺗــﻰ ﻗﺿــﻰ اﷲ أﻣ ـ اًر ﻛــﺎن‬ ‫)‪(١‬‬

‫؛‬

‫ﻣﻔﻌــوﻻ؛ ﻓﻛﺎﻧــت أﻧﺑــﺎء ﻫــذا اﻟﺣــﺎﻛم اﻟﻘــﺎﺑﻊ ﻓــﻲ اﻟﻣدﯾﻧــﺔ اﻟــذي ﯾﺣﻛــم ﺗﻠــك اﻟﺟﯾــوش اﻟﻐﺎزﯾــﺔ‬ ‫ﺗــروي ﻗﺻــﺗﻪ‪ ،‬وﻫــو ﯾﻘــول ﻷﺣــد وﻻﺗــﻪ ﻣﻧــذ ﻣﺗــﻰ اﺳــﺗﻌﺑدﺗم اﻟﻧــﺎس وﻗ ـد وﻟ ـدﺗﻬم أﻣﻬــﺎﺗﻬم‬ ‫أﺣـ ار ار)‪(٢‬؛ ﻛﺎﻧـت أﻧﺑـﺎء ﻫـذا اﻟﺣـﺎﻛم اﻟﻘـﺎﺑﻊ ﻓــﻲ اﻟﻣدﯾﻧـﺔ اﻟـذي ﯾﺣﻛـم ﺗﻠـك اﻟﺟﯾـوش اﻟﻐﺎزﯾــﺔ‬ ‫ﺗروي ﻗﺻﺗﻪ‪ ،‬وﻫو ُﯾﺣﺎﺳب وﻻﺗـﻪ ﻋﻠـﻰ أﻧﻬـم ﺑﻌﺛـوا ﻟﻬداﯾـﺔ اﻟﻧـﺎس وأن ﻣﺣﻣـداً ﺻـﻠﻰ اﷲُ‬ ‫)‪ (١‬ﺳورة ﻏﺎﻓر آﯾﺔ )‪.(٢٩‬‬ ‫)‪ (٢‬اﺑن اﻟﻘﯾم )ﻣﺣﻣد ﺑن أﺑﻲ ﺑﻛر أﯾوب اﻟزرﻋﻲ( ‪ :‬زاد اﻟﻣﻌﺎد ﻓﻲ ﻫدي ﺧﯾر اﻟﻌﺑﺎد ‪ ،‬ﺗﺣﻘﯾق‪ :‬ﺷﻌﯾب اﻷرﻧﺎؤوط ‪-‬‬ ‫ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر اﻷرﻧﺎؤوط‪ ،‬ﺑﯾروت – اﻟﻛوﯾت‪ :‬ﻣؤﺳﺳﺔ اﻟرﺳﺎﻟﺔ ‪ -‬ﻣﻛﺗﺑﺔ اﻟﻣﻧﺎر اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ‪-‬اﻟطﺑﻌﺔ اﻟراﺑﻌﺔ ﻋﺷر‪،‬‬ ‫‪١٤٠٧‬ﻫـ ‪١٩٨٦ -‬م‬

‫‪- ١٥ -‬‬


‫ـﻠم ُﺑﻌــث ﻫﺎدﯾ ـﺎً وﻟــم ُﯾﺑﻌــث ﺟﺎﺑﯾ ـﺎً‪ .‬ﻛﺎﻧــت أﻧﺑــﺎء ﻫــذا اﻟﺣــﺎﻛم اﻟﻘــﺎﺑﻊ ﻓــﻲ اﻟﻣدﯾﻧــﺔ‬ ‫ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫اﻟــذي ﯾﺣﻛــم ﺗﻠــك اﻟﺟﯾــوش اﻟﻐﺎزﯾــﺔ ﺗــروي ﻗﺻــﺗﻪ‪ ،‬وﻫــو ﯾﺳــﯾر ﻓــﻲ اﻟطُرﻗــﺎت وﯾﻣﺷــﻲ ﻓــﻲ‬ ‫اﻷﺳواق وﯾﺗﻌﺳس ﻓﻲ اﻟﻠﯾل ﻟﯾرى ﺑﻧﻔﺳﻪ أﺣوال رﻋﯾﺗﻪ اﻟﺗﻲ اﺳـﺗرﻋﺎﻩ اﷲ إﯾﺎﻫـﺎ ﺑـل ﻛﺎﻧـت‬ ‫اﻟﻘﺻــص ﺗــروى ﻋــن ﻋدﻟــﻪ ورﺣﻣﺗــﻪ وﻛﯾــف أدى ﺑــﻪ ذﻟــك ﻷن ﯾﻧــﺎم ﻓــﻲ ظــل ﺷــﺟرة ﻫﻛــذا‬ ‫دون ﺧوف ﻣن أﺣد ﺣﺗﻰ ﻗﺎل أﺣـد رﺳـل أﻋداﺋـﻪ وﻫـو ﻣـذﻫول ﺑﻣـﺎ ﯾـرى "ﺣﻛﻣـت ﻓﻌـدﻟت‬ ‫ﻓﺄﻣﻧـت ﻓﻧﻣــت ﯾـﺎ ُﻋﻣــر")‪ .(١‬ﻛﺎﻧــت أﻧﺑـﺎء ﻫــذا اﻟﺣــﺎﻛم اﻟﻘـﺎﺑﻊ ﻓــﻲ اﻟﻣدﯾﻧــﺔ اﻟـذي ﯾﺣﻛــم ﺗﻠــك‬ ‫اﻟﺟﯾوش اﻟﻐﺎزﯾﺔ ﺗﺗراﻣﻰ أﻣـﺎم أﻋﯾـﻧﻬم ﻓﯾـروا ﺣﺎﻛﻣـﺎً ﻟـﯾس إﻟﻬـﺎً وﻻ ﻧﺻـف إﻟـﻪ وﻟﻛﻧـﻪ رﺟـل‬

‫ﻣــن اﻟﻧــﺎس ﯾﻣﺷــﻲ ﻓــﻲ ﻏﺑـراﺋﻬم وﻻ ﯾﺄﻛــل ﺣﺗــﻰ ﯾــﺄﻛﻠون‪ ،‬ﻫــم ﻟﯾﺳـوا أﻧﺑﯾــﺎء وﻟﻛــﻧﻬم ﺗﺷــﺑﻬوا‬ ‫ﺑﻬم ﻗوﻻً وﻓﻌﻼً‪ .‬ﻋﻧدﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﺗطﺎﯾر ﺗﻠـك اﻷﺧﺑـﺎر وﺗﺗﻧـﺎﺛر ﻛﺣﺑـﺎت اﻟﻣطـر ﻋﻠـﻰ اﻟﻧﻔـوس‬ ‫اﻟﻘﺎﺣﻠﺔ ﻓﻲ ﺑـﻼد اﻟﻛﻔـر ﻓﻛﺎﻧـت ﺗُﻧﺑـت أول ﻣـﺎ ﺗُﻧﺑـت ﺧﻠﺧﻠـﺔ ﻟﺗﻠـك اﻟﻌﻘﺎﺋـد اﻟ ُﻛﻔرﯾـﺔ اﻟﺑﺎﻟﯾـﺔ‪،‬‬

‫ﺛــم ﺗُﻧﺑــت ﺑﻌــد ذﻟــك ﺣــب واﺳﺗﺷـراﻓﺎً ﻟﻬــذا اﻟــدﯾن وﻟﺣــﺎﻣﻠﻲ ﻫــذا اﻟــدﯾن ﻓﻛــﺎن ﻏــزو اﻷرض‬ ‫ﯾﺄﺗﻲ ﻓﻲ ﻣرﺣﻠﺔ ﻣﺗﺄﺧرة ﻣن ﻏزو اﻟﻧﻔوس واﻟﻘﻠوب واﻟﻌﻘول‪.‬‬

‫ﻛـل ﻫـذا اﻟﺗﻣـﺎﯾز واﻟوﺿــوح ﻓﯾﻣـﺎ ﺑـﯾن أﻣــﺔ اﻟﺗوﺣﯾـد وﻏﯾرﻫـﺎ ﻣــن اﻷﻣـم ﺟﻌـل وﺣــدة‬

‫ِ‬ ‫اﻟﻣوﺣدة ﻣن اﻟﺑدﯾﻬﯾﺎت اﻟﺗـﻲ ﻻ ﯾﺟـوز اﻻﻗﺗـراب ﻣﻧﻬـﺎ أو ﺣﺗـﻰ ﻣﻧﺎﻗﺷـﺗﻬﺎ؛‬ ‫اﻷﻣﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ‬ ‫وﻟــم ﯾﻛــن ﻟﯾــدور ﻓــﻲ ﺧﻠــد اﻟﻣــؤﻣﻧﯾن ﻓــﻲ ﺑداﯾــﺔ وﻧﺷــﺄة ﻫــذﻩ اﻷﻣــﺔ أﺑــداً أن ﯾﻧﻘﺳــم اﻟﺻ ـف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اﻟﻣوﺣـدة إﻟـﻰ ﺟﻣﺎﻋـﺎت‬ ‫ﺻﻔوف ﻣﺗﻧﺎﺣرة ﻣﺗﻘﺎﺗﻠﺔ وأن ﺗﻧﻘﺳـم اﻟﺟﻣﺎﻋـﺔ واﻷﻣـﺔ‬ ‫اﻟﻣﺳﻠم إﻟﻰ‬

‫ﺷﺗﻰ ودوﯾﻼت ﺻﻐﯾرة ﻣﺗﺻﺎرﻋﺔ ﻣﺗﻘﺎﺗﻠﺔ ﺑﺄﺳﻬم ﺑﯾـﻧﻬم ﺷـدﯾد وﺳـﯾوﻓﻬم ﻣﺷـرﻋﺔ وﻣﺳـﻠطﺔ‬

‫ِ‬ ‫اﻟﻣوﺣـد ﺑﻌــد ﻓﺗـرة ﻣــن اﻟﻘــوة‬ ‫ﻋﻠــﻰ رﻗــﺎب ﺑﻌﺿــﻬم اﻟــﺑﻌض؛ ﻫــذا ﻫــو ﺣــﺎل اﻟﺻــف اﻟﻣﺳــﻠم‬ ‫واﻟﻌ ـزة واﻟﻣﺟ ــد؛ أﻣ ــﺎ ﺣ ــﺎل أﻋ ــداﺋﻬم ﻓظﻠـ ـوا داﺋﻣـ ـﺎً وأﺑ ــداً ﻣﺷ ــﺟﻌﯾن ﻟﻬ ــذﻩ اﻟﺧﻼﻓ ــﺎت وﻫ ــذﻩ‬ ‫اﻟﺣروب ﺑل وﻓﻲ ﻛﺛﯾ اًر ﻣن اﻷﺣﯾﺎن ﻣن ﻣﻌﺎوﻧﻲ ﺗﻠك ِ‬ ‫اﻟﻔـرق ﻣـﺎ دام اﻟﻘﺎﺗـل واﻟﻣﻘﺗـول ﻣـن‬

‫اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن‪ .‬أﺻــﺑﺢ أﻋــداء اﻷﻣــﺔ اﻟﻣﺳــﻠﻣﺔ ﻓــﻲ ﻣــﺄﻣن ﻓﻬ ـم ﯾظﻠﻣ ـون ﻛﯾــف ﺷــﺎءوا وﯾﻘﺗﻠــون‬ ‫دون رادع ﻣــن ﺿــﻣﯾر أو ﻗــﺎﻧون ﻓﻬــم ‪‬ﻻ ﯾرﻗُﺑــون ﻓــﻲ ﻣــؤﻣن إﻻّ وﻻ ذ ﱠﻣــﺔ وأوﻟﺋــك ﻫــم‬

‫)‪ (١‬اﺑن ﻫﺷﺎم )أﺑو ﻣﺣﻣد ﺑن ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ( ‪ :‬اﻟﺳﯾرة اﻟﻧﺑوﯾﺔ ‪ ،‬دﻣﺷق ‪ :‬دار اﻟﻔﻛر‪ ،‬د‪ .‬ت‬

‫‪- ١٦ -‬‬


‫)‪(١‬‬

‫اﻟﻣﻌﺗــدون‪‬‬ ‫ﺑﻣرادﻩ)‪.(٢‬‬

‫أي ﻻ ﯾرﻗﺑــون ﻓــﻲ ﻣــؤﻣن ﻋﻬــداً وﻻ ﻣﯾﺛــﺎق وﻻ ﺣﻠــف وﻻ ﺟـوار واﷲ أﻋﻠــم‬

‫وﻣن ﻣظﺎﻫر وﺣدة اﻷﻣﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ وﺗﻣﺎﯾزﻫﺎ ﻋن ﻏﯾرﻫﺎ ﻓﻲ ﺑداﯾﺔ اﻟدﻋوة‪:‬‬ ‫أوﻻً‪ :‬ﺗﻌﺎﻣل اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻷواﺋل ﻛﻛﯾﺎن ﻣﺳﺗﻘل ﻋن اﻟﺑﯾﺋﺔ اﻟﻣﺣﯾطﺔ ﺑﻬـم وﻫـذا اﻷﻣـر ظﻬـر‬ ‫ـﻠم ﻓــﻲ ﻧﺷــر اﻟــدﻋوة ﻓﻣ ـرة ﯾــذﻫب إﻟــﻰ‬ ‫ﻓــﻲ ﻣﺣــﺎوﻻت اﻟرﺳــول ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫اﻟط ــﺎﺋف وﻣـ ـرة أﺧ ــرى ﯾ ــﺄﻣر اﻟﻣﺳ ــﻠﻣﯾن اﻷواﺋ ــل ﺑ ــﺎﻟﻬﺟرة إﻟ ــﻰ اﻟﺣﺑﺷ ــﺔ ﻫروﺑـ ـﺎً ﻣ ــن‬ ‫ﺿﻐوط ﻗرﯾش ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟﻛﯾﺎن اﻟﻣﺗوﺣد اﻟوﻟﯾد‪.‬‬ ‫ـﻠم ﻓــﻲ‬ ‫ﺛﺎﻧﯾـﺎً‪ :‬دﺧـول ﻛﻔـﺎر ﻗـرﯾش ﻓـﻲ ﻣﻔﺎوﺿــﺎت ﻣـﻊ رأس اﻹﺳـﻼم ﺻـﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳ ْ‬ ‫ﻣﻔﺎوﺿــﺎت وﻣﺣــﺎوﻻت اﺣﺗ ـواء ﻣﺗﻌــددة ﻟــﯾس ﻟﺷﺧﺻــﻪ اﻟﻛ ـرﯾم وﻟﻛــن ﻟﻛــل أﺗﺑﺎﻋــﻪ‬ ‫رﺿوان اﷲ ﻋﻠـﯾﻬم أﺟﻣﻌـﯾن؛ ﺣـدث ذﻟـك ﺑﻌـد أن أﺻـﺑﺢ اﻹﺳـﻼم ﯾﻧﺗﺷـر ﯾوﻣـﺎً ﺑﻌـد‬ ‫ﯾوم وﺗزداد ﻗوﺗﻪ ودﺧول ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن وﺟﻬﺎء ﻗرﯾش ﻓﻲ اﻟدﯾن اﻟﺟدﯾد‪.‬‬ ‫ﺛﺎﻟﺛﺎً‪ :‬ﻋﻧدﻣﺎ ﻫـﺎﺟر اﻟﻣﺳـﻠﻣون اﻷواﺋـل إﻟـﻰ اﻟﺣﺑﺷـﺔ ﻛـﺎﻧوا ﻛﯾـﺎن ﻣﺳـﺗﻘل ﻋـن إﻣﺑراطورﯾـﺔ‬ ‫اﻟﺣﺑﺷــﺔ ﻓــﻲ ذﻟــك اﻟوﻗــت وﺗﻌــﺎﻣﻠوا ﻛﻼﺟﺋــﯾن؛ ﻓﻬــم ﻣﺟﻣوﻋــﺔ ﻣــن اﻟﻧــﺎس ﻣــن ﻗـرﯾش‬ ‫وﻟﻛـﻧﻬم دﺧﻠـوا ﻓــﻲ اﻟــدﯾن اﻟﺟدﯾــد ﻓﺄﺻــﺑﺣوا أﻣــﺔ ﻣﺳــﺗﻘﻠﺔ ﻟﻬــﺎ ﻣــن اﻟﺻــﻔﺎت ﻣــﺎ ﻟــﯾس‬ ‫ﻓــﻲ ﻫــذا اﻟﻛﯾــﺎن اﻟﺟــﺎﻫﻠﻲ اﻟــذي ﯾﻣــوج ﻫﻧــﺎ وﻫﻧــﺎك‪ .‬ﻫــذا ﯾظﻬــر ﺑوﺿــوح ﻣــن ﺣـوار‬ ‫ﺟﻌﻔر ﺑن أﺑﻲ طﺎﻟب رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻣﻊ اﻟﻧﺟﺎﺷﻲ ﻓﻲ ﺣﺿور ﻋﻣرو ﺑن اﻟﻌـﺎص‬ ‫رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ وﻫو ﯾوﻣﺋذ ﻋﻠﻰ دﯾن ﻗوﻣﻪ ﺣﯾث ﯾﻘول ﺟﻌﻔر ﺑن أﺑﻲ طﺎﻟـب "أﯾﻬـﺎ‬ ‫ﻗوﻣــﺎ أﻫــل ﺟﺎﻫﻠﯾــﺔ‪ ،‬ﻧﻌﺑــد اﻷﺻــﻧﺎم‪ ،‬وﻧﺄﻛــل اﻟﻣﯾﺗــﺔ‪ ،‬وﻧــﺄﺗﻲ اﻟﻔـواﺣش‪،‬‬ ‫اﻟﻣﻠــك‪ ،‬ﻛﻧــﺎ ً‬ ‫وﻧﻘطﻊ اﻷرﺣﺎم‪ ،‬وﻧﺳﻲء اﻟﺟوار‪ ،‬ﯾﺄﻛل اﻟﻘوي ﻣﻧﺎ اﻟﺿﻌﯾف‪ .‬ﻓﻛﻧﺎ ﻋﻠـﻰ ذﻟـك ﺣﺗـﻰ‬ ‫ﺑﻌث اﷲ إﻟﯾﻧﺎ رﺳوﻻً ﻧﻌرف ﻧﺳﺑﻪ وﺻدﻗﻪ وأﻣﺎﻧﺗـﻪ وﻋﻔﺎﻓـﻪ‪ .‬ﻓـدﻋﺎﻧﺎ إﻟـﻰ اﷲ ﻟﻧوﺣـدﻩ‬ ‫وﻧﻌﺑدﻩ‪ ،‬وﻧﺧﻠـﻊ ﻣـﺎ ُﻛﻧـﺎ ﻧﻌﺑـد ﻧﺣـن وآﺑﺎؤﻧـﺎ ﻣـن دوﻧـﻪ ﻣـن اﻟﺣﺟـﺎرة واﻷوﺛـﺎن‪ ،‬وأﻣرﻧـﺎ‬ ‫ﺑﺻــدق اﻟﺣــدﯾث‪ ،‬وأداء اﻷﻣﺎﻧ ــﺔ‪ ،‬وﺻ ــﻠﺔ اﻟــرﺣم‪ ،‬وﺣﺳ ــن‬

‫اﻟﺟـ ـوار‪ ،‬واﻟﻛــف ﻋ ــن‬

‫)‪ (١‬ﺳورة اﻟﺗوﺑﺔ آﯾﺔ )‪.(١٠‬‬ ‫)‪ (٢‬ﺧواطر اﻟﺷﯾﺦ ﻣﺣﻣد ﻣﺗوﻟﻲ اﻟﺷﻌراوي ﺣول ﺻورة اﻟﺗوﺑﺔ‪ ،‬دار اﻟﺷروق ﻟﻠطﺑﻊ واﻟﻧﺷر‪٢٠٠٤ ،‬م ص ‪.١٦‬‬

‫‪- ١٧ -‬‬


‫اﻟﻣﺣــﺎرم واﻟــدﻣﺎء‪ ،‬وﻧﻬﺎﻧــﺎ ﻋــن اﻟﻔـواﺣش‪ ،‬وﻗــول اﻟــزور‪ ،‬وأﻛــل ﻣــﺎل اﻟﯾﺗــﯾم‪ ،‬وﻗــذف‬ ‫ـﯾﺋﺎ‪ ،‬وأﻣرﻧـﺎ ﺑﺎﻟﺻـﻼة واﻟزﻛـﺎة‬ ‫اﻟﻣﺣﺻـﻧﺔ‪ ،‬وأﻣرﻧـﺎ أن ﻧﻌﺑـد اﷲ وﺣـدﻩ ﻻ ﻧﺷـرك ﺑـﻪ ﺷ ً‬

‫واﻟﺻــﯾﺎم؛ ﻓﺻــدﻗﻧﺎﻩ‪ ،‬وآﻣﻧــﺎ ﺑــﻪ‪ ،‬واﺗﺑﻌﻧــﺎﻩ ﻋﻠــﻰ ﻣــﺎ ﺟــﺎء ﺑــﻪ‪ ،‬ﻓﻌﺑــدﻧﺎ اﷲ وﺣــدﻩ ﻓﻠــم‬ ‫ـﯾﺋﺎ‪ ،‬وﺣرﻣﻧــﺎ ﻣــﺎ ﺣـرم ﻋﻠﯾﻧــﺎ‪ ،‬وأﺣﻠﻠﻧــﺎ ﻣــﺎ أﺣــل ﻟﻧـﺎ‪ .‬ﺛــم أﺗﺑــﻊ ذﻟــك ﻓﻘــﺎل‪:‬‬ ‫ﻧﺷـرك ﺑــﻪ ﺷـ ً‬ ‫"ﻓﻌـ َـدا ﻋﻠﯾﻧــﺎ ﻗوﻣﻧــﺎ‪ ،‬ﻓﻌــذﺑوﻧﺎ وﻓﺗﻧوﻧــﺎ ﻋــن دﯾﻧﻧ ـﺎ‪ ،‬ﻟﯾردوﻧــﺎ إﻟــﻰ ﻋﺑــﺎدة اﻷوﺛــﺎن ﻣــن‬

‫ﻋﺑــﺎدة اﷲ‪ ،‬وأن ﻧﺳــﺗﺣل ﻣــﺎ ﻛﻧــﺎ ﻧﺳــﺗﺣل ﻣــن اﻟﺧﺑﺎﺋــث")‪ .(١‬ﻓــﻲ ﻫــذا اﻟﺣـوار ظﻬــر‬ ‫ﻫﻧــﺎك ﺛــﻼث ﻛﯾﺎﻧــﺎت‪ :‬اﻷﻣــﺔ اﻟﻣﺳــﻠﻣﺔ ﻛﻛﯾــﺎن ﻣﺳــﺗﻘل ﻟﻬــﺎ ﻣﺗﺣــدث رﺳــﻣﻲ ﯾــﺗﻛﻠم‬ ‫ي ً◌ﻧﻛــر ﻋﻠﯾــﻪ أﺣــد ذﻟــك ﻓــﻲ ﺧــﻼل اﻟﺣ ـوار وﺑﻌــد اﻟﺣ ـوار إﻟــﻰ ﯾــوم‬ ‫ﺑﺎﺳــﻣﻬﺎ وﻟــم ُ‬ ‫اﻟﻧــﺎس ﻫــذا؛ اﻟﻛﯾــﺎن اﻷﺧــر ﻫــو اﻟﻛﯾــﺎن اﻟﻣﺷــرك اﻟﻛــﺎﻓر اﻟــذي ﯾﺗﺣــدث ﻋﻧــﻪ ﻋﻣــرو‬ ‫ﺑــن اﻟﻌــﺎص رﺿــﻲ اﷲ ﻋﻧــﻪ؛ واﻟﻛﯾــﺎن اﻷﺧــر ﻫــﻲ ﻣﻠــك اﻟﺣﺑﺷــﺔ اﻟﻧﺟﺎﺷــﻲ اﻟــذي‬ ‫ﺟﻠــس ﻓــﻲ ﻣﺟﻠــس اﻟﻘﺎﺿــﻲ ﻟــﯾﺣﻛم ﺑــﯾن اﻟﺧﺻــﻣﯾن‪ .‬ﻋﻧــدﻣﺎ ﺗﻛﻠــم ﺟﻌﻔــر ﺑــن أﺑــﻲ‬ ‫طﺎﻟــب رﺿــﻲ اﷲ ﻋﻧــﻪ ﻟــم ﯾﻛــن ﯾــﺗﻛﻠم ﻋــن ﻣﺟﻣوﻋــﺔ ﺻــﻐﯾرة ﻣــن اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن ﻓــﻲ‬ ‫اﻟﺣﺑﺷﺔ وﻟﻛﻧـﻪ ﻛـﺎن ﯾـﺗﻛﻠم ﻋـن ﻛـل أﻓـراد اﻷﻣـﺔ اﻟﻣﺳـﻠﻣﺔ‪ ،‬وﻫـذا ﯾؤﻛـد رﺳـوخ ﻣﻔﻬـوم‬ ‫اﻟوﺣ ــدة ﺑ ــﯾن ﻫ ــذﻩ اﻷﻣ ــﺔ اﻟوﻟﯾ ــدة ‪ ....‬وﺣ ــدة اﻟﻣﻧﺑ ــﻊ اﻟ ــذي ﺗﺳ ــﺗﻣد ﻣﻧ ــﻪ ﺗﺻ ــوراﺗﻬﺎ‬ ‫وﺳــﻠوﻛﯾﺎﺗﻬﺎ ﻓــﻲ اﻟﺣﯾــﺎة اﻟﻣﺗﻣﺛــل ﻓــﻲ اﻟــوﺣﻲ اﻟﻣﻧــزل وﺳــﻧﺔ رﺳــول اﷲ ﺻــﻠﻰ اﷲُ‬ ‫ـﻠم‪ .....‬وﺣــدة اﻟﻌــدو اﻟــذي ﻫــو ﻋﻠــﻰ اﻟﻧﻘــﯾض ﻣﻣــﺎ ﺟــﺎء ﺑــﻪ رﺳــول اﷲ‬ ‫ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬

‫ـﻠم‪ ...‬وﺣــدة اﻟﻣﺻــﯾر اﻟﻣﺗﻣﺛــل ﻓــﻲ إﻋــﻼء ﻛﻠﻣــﺔ اﻟﺣــق واﻟﻘﺗــﺎل‬ ‫ﺻـﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫ﻣــن أﺟــل أن ﺗﻛــون ﻛﻠﻣــﺔ اﷲ ﻫــﻲ اﻟﻌﻠﯾــﺎ‪ .....‬وﺣــدة ﻓــﻲ ﺗﺻــور ﻣــﺎ ﺑﻌــد اﻟﻣــوت‬ ‫ﻓﻔرﯾق ﻓﻲ اﻟﺟﻧﺔ وﻓرﯾق ﻓﻲ اﻟﺳﻌﯾر‪.‬‬ ‫راﺑﻌـــﺎً‪ :‬اﻟﻣظﻬ ــر اﻟ ارﺑ ــﻊ ﻣ ــن ﻣظ ــﺎﻫر ﺑ ــروز اﻷﻣ ــﺔ اﻟﻣﺳ ــﻠﻣﺔ ﻛﻛﯾ ــﺎن واﺣ ــد ﯾﺧﺗﻠ ــف ﻋ ــن‬ ‫اﻟﻛﯾﺎﻧﺎت اﻟﻣﺣﯾطﺔ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﺑداﯾﺎت اﻟـدﻋوة ﻫـو ﺗﺻـرﻓﺎت اﻟرﺳـول ﺻـﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾـﻪ‬

‫ـﻠم ﻓﺎﻟرﺳــول ﻟــم ﯾﻛــن ﯾﺗﻌﺎﻣــل ﻣــﻊ اﻟﻘﺑﺎﺋــل اﻟﻣﺣﯾطــﺔ ﺑــﻪ واﻟﻘﺎدﻣــﺔ إﻟــﻰ ﻣﻛــﺔ ﻓــﻲ‬ ‫وﺳـ ْ‬ ‫ﺷﺧﺻـﺎ ﯾرﯾـد أن ﯾﺑﻧـﻲ ﻣﺟـداً ﻟـﻪ أو ُﯾرﯾـد ﺑﯾﻌـﺔ ﻟﯾﺻـﺑﺢ ﻣﻠ ًﻛـﺎ‬ ‫ﻣوﺳم اﻟﺣـﺞ ﻋﻠـﻰ أﻧـﻪ‬ ‫ً‬ ‫ﺋﯾﺳﺎ وﻟﻛﻧﻪ ﻛﺎن ﯾﻌرض ﻧﻔﺳـﻪ ﺑﺻـﻔﺗﻪ رﺳـول اﷲ وﻫـﻲ اﻟﺻـﻔﺔ اﻟﺗـﻲ ﺗﺳـﺗوﺟب‬ ‫أو ر ً‬

‫)‪ (١‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق؛ ﺧﺎﻟد ﻣﺣﻣد ﺧﺎﻟد‪" ،‬رﺟﺎل ﺣول اﻟرﺳول" ص ‪.١٠٧‬‬

‫‪- ١٨ -‬‬


‫ﻋﻠــﻰ ﻣ ــن ﺗﺑﻌ ــﻪ اﻟطﺎﻋــﺔ واﻟ ــدﺧول ﻣﻌــﻪ ﻓــﻲ ﻛﯾ ــﺎن اﻷﻣ ــﺔ اﻟﻣﺳــﻠﻣﺔ اﻟﺗ ــﻲ ﻟﻬ ــﺎ ﻣــن‬ ‫اﻟﺧﺻﺎﺋص واﻟﺻﻔﺎت ﻣﺎ ﻧﻌﻠﻣﻪ ﺟﻣﯾﻌﺎ‪.‬‬ ‫ﺧﺎﻣﺳ ـﺎً‪ :‬ﯾــﺄﺗﻲ ﺑﻌــد ذﻟــك ﺗﻌﺎﻣــل اﻟﻛﯾﺎﻧــﺎت اﻟﻣﺣﯾطــﺔ ﺑﺎﻷﻣــﺔ اﻟﻣﺳــﻠﻣﺔ ﻓــﻲ ﺑداﯾــﺔ اﻟــدﻋوى‬ ‫ﻓﺑﻌــد ﻓﺷــل ﻣ ارﺣــل اﻟﺗﻌــذﯾب واﻟﻘﺗــل ﻷﻓـراد ﻫــذﻩ اﻷﻣــﺔ ﻓــﻲ ﺟﻌــل اﻟﻧــﺎس ﯾﻧﻘﺿـوا ﻣــﺎ‬ ‫ـﻠم ﺑـدأت ﻫـذﻩ اﻟﻛﯾﺎﻧـﺎت ﻓـﻲ‬ ‫ﻫم ﻋﻠﯾﻪ ﻣن إﯾﻣﺎن ٕواﺗﺑﺎع ﻣﺣﻣـد ﺻـﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳ ْ‬ ‫اﻟﺗﻌﺎﻣــل ﻣــﻊ اﻷﻣــﺔ اﻟﻣﺳــﻠﻣﺔ ﻛﻛﯾــﺎن ﻣﺳــﺗﻘل ظﻬــر ذﻟــك ﻓــﻲ ﻣﻔﺎوﺿــﺎت ﻗـرﯾش ﻣــﻊ‬ ‫ـﻠم وﻓــﻲ ﻋروﺿــﻬم اﻟﻣﺳــﺗﻣرة ﻟــﻪ؛ ﻛﻣــﺎ ظﻬــر ذﻟــك ﻓــﻲ‬ ‫اﻟﻧﺑــﻲ ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫وﺳﻠم ﻣﻊ اﻟﻘﺑﺎﺋل اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ اﻧﺗﻬـت ﺑﺑﯾﻌـﺔ اﻟﻌﻘﺑـﺔ‬ ‫ﺗﻔﺎوض اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫ْ‬

‫اﻷوﻟ ــﻰ واﻟﺛﺎﻧﯾ ــﺔ ٕوارﺳ ــﺎل ُﻣﺻ ــﻌب ﺑ ــن ُﻋﻣﯾ ــر رﺿ ــﻲ اﷲ ﻋﻧ ــﻪ ُﻟﯾﻣﻬ ــد دار اﻟﻬﺟـ ـرة‬ ‫ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن ﻛﺎﻓﺔ‪.‬‬

‫‪- ١٩ -‬‬


‫اﻟﻣﺑﺣث اﻟﺛﺎﻟث‬ ‫اﻟﻣﺳﻠﻣون أﻣﺔ واﺣدة ﻣن دون اﻟﻧﺎس‬ ‫اﻧﺗﻬــت اﻟﻣرﺣﻠــﺔ اﻷوﻟــﻰ ﻣــن اﻟــدﻋوة اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ ﻓــﻲ ﻣﻛــﺔ وﺑــدأت اﻟﻣرﺣﻠــﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾــﺔ‬ ‫وﺳﻠم إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ اﻟﻣﻧورة‪ .‬ﻓﻛﺎﻧت ﻓﻛرة اﻷﻣـﺔ اﻟواﺣـدة أﻛﺛـر‬ ‫ﺑﻬﺟرة اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫ْ‬ ‫وﺿوﺣﺎً ظﻬر ذﻟـك ﻓـﻲ ﺳـﻠوﻛﯾﺎت اﻟﻣﺳـﻠﻣﯾن ﻓـﻲ أرض اﻟﻣﻬﺟـر ﻓﻛـﺎن ﻣـن أواﺋـل ﻣـﺎ ﻗـﺎم‬

‫وﺳﻠم ﻛﺗﺎﺑﺔ دﺳﺗور اﻟﻣدﯾﻧﺔ)‪ ،(١‬وﻗد ﺗﺣدث ﻓﻲ ﻫذا اﻟدﺳﺗور اﻟﻛﺛﯾـر‬ ‫ﺑﻪ ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫ْ‬ ‫ﻣن اﻟﻣؤرﺧﯾن واﻟﻣﺳﺗﺷرﻗﯾن ﻋﻠﻰ ﻣدار اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬واﻋﺗﺑـرﻩ اﻟﻛﺛﯾـرون ﻣﻔﺧـرة ﻣـن‬ ‫وﻣﻌﻠَ ًﻣـﺎ ﻣـن ﻣﻌـﺎﻟم ﻣﺟـدﻫﺎ اﻟﺳﯾﺎﺳـﻲ واﻹﻧﺳـﺎﻧﻲ‪ .‬ﻟﻣـﺎ ﯾﺗﻣﯾـز‬ ‫ﻣﻔﺎﺧر اﻟﺣﺿﺎرة اﻹﺳـﻼﻣﯾﺔ‪َ ،‬‬ ‫ﺑﻪ ﻫذا اﻟدﺳﺗور ﻣن ﻣزاﯾﺎ وﺻﻔﺎت أﻫﻣﻬﺎ‪:‬‬ ‫أوﻻً‪ :‬أن ﻫذا اﻟدﺳﺗور ﯾﻬدف ﺑﺎﻷﺳﺎس إﻟﻰ ﺗﻧظﯾم اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن ﺟﻣﯾﻊ طواﺋف وﺟﻣﺎﻋﺎت‬ ‫اﻟﻣدﯾﻧﺔ‪ ،‬وﻋﻠﻰ رأﺳﻬﺎ اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن واﻷﻧﺻﺎر واﻟﻔﺻـﺎﺋل اﻟﯾﻬودﯾـﺔ وﻏﯾـرﻫم‪ ،‬ﻛﻣـﺎ أﻗـر‬ ‫ﻫ ــذا اﻟدﺳ ــﺗور طرﯾﻘ ــﺔ ﺗﺻ ــدى اﻟﻣﺳ ــﻠﻣون واﻟﯾﻬ ــود وﺟﻣﯾ ــﻊ اﻟﻔﺻ ــﺎﺋل ﻷي ﻋ ــدوان‬ ‫ﺧﺎرﺟﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ‬ ‫ﺛﺎﻧﯾــﺎً‪ :‬ﺑــﺈﺑرام ﻫــذا اﻟدﺳــﺗور – ٕواﻗ ـرار ﺟﻣﯾــﻊ اﻟﻔﺻــﺎﺋل ﺑﻣــﺎ ﻓﯾــﻪ‪ -‬ﺻــﺎرت اﻟﻣدﯾﻧــﺔ دوﻟــﺔ‬

‫ـﻠم‪ ،‬وﺻـﺎرت اﻟﻣرﺟﻌﯾـﺔ اﻟﻌﻠﯾـﺎ ﻟﻠﺷـرﯾﻌﺔ‬ ‫وﻓﺎﻗﯾﻪ رﺋﯾﺳﻬﺎ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳ ْ‬ ‫اﻹﺳ ــﻼﻣﯾﺔ‪ ،‬وﺻ ــﺎرت ﺟﻣﯾ ــﻊ اﻟﺣﻘ ــوق اﻹﻧﺳ ــﺎﻧﯾﺔ ﻣﻛﻔوﻟ ــﺔ‪ ،‬ﻛﺣ ــق ﺣرﯾ ــﺔ اﻻﻋﺗﻘ ــﺎد‬ ‫وﻣﻣﺎرﺳــﺔ اﻟﺷــﻌﺎﺋر‪ ،‬واﻟﻣﺳــﺎواة واﻟﻌــدل‪ .‬ﯾﻘــول اﻟﻣﺳﺗﺷــرق اﻟروﻣــﺎﻧﻲ ﺟﯾورﺟﯾــو" ﻟﻘــد‬

‫ﺣـ ــوى ﻫـ ــذا اﻟدﺳـ ــﺗور اﺛﻧـ ــﯾن وﺧﻣﺳـ ــﯾن ﺑﻧـ ــداً‪ ،‬ﻛﻠﻬـ ــﺎ ﻣـ ــن رأي رﺳـ ــول اﷲ‪ .‬ﺧﻣﺳـ ــﺔ‬ ‫وﻋﺷـرون ﻣﻧﻬـﺎ ﺧﺎﺻـﺔ ﺑـﺄﻣور اﻟﻣﺳـﻠﻣﯾن‪ ،‬وﺳـﺑﻌﺔ وﻋﺷـرون ﻣرﺗﺑطـﺔ ﺑﺎﻟﻌﻼﻗـﺔ ﺑـﯾن‬

‫)‪ (١‬ﺳﻣﺎﻫﺎ اﺑن إﺳﺣﺎق وﻛﺗﺎب اﻟﺳﯾر اﻟﻘدﻣﺎء ‪ :‬اﻟﻣوادﻋﺔ‪ ،‬وﺳﻣﺎﻫﺎ اﻟﺻﻼﺑﻲ ‪ :‬اﻟوﺛﯾﻘﺔ أو اﻟﺻﺣﯾﻔﺔ‪ ،‬وﺳﻣﻬﺎ ﺻﻔﻲ‬ ‫اﻟرﺣﻣن اﻟﻣﺑﺎرﻛﻔوري ﻣﯾﺛﺎق اﻟﺗﺣﺎﻟف اﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬وﺳﻣﺎﻫﺎ اﻟﺣﻣﯾدي ‪:‬ﺻﺣﯾﻔﺔ اﻟﻣﻌﺎﻫدة ﺑﯾن أﻫل اﻟﻣدﯾﻧﺔ‪ ،‬وﺳﻣﺎﻫﺎ‬

‫اﻟﺑوطﻲ وﺛﯾﻘﺔ ﺑﯾن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وﻏﯾرﻫم ‪ ،‬واﺧﺗرﻧﺎ ﺗﺳﻣﯾﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟدﺳﺗور‪ ،‬ﻓﻬو اﻻﺳم اﻟﺣﺎﻟﻲ اﻟرﺳﻣﻲ ﻟﻠوﺛﯾﻘﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻧظم‬

‫اﻟﺷﺄن ﻟﻠدوﻟﺔ ‪ .‬ﻓﺎﻟﻣﻌﺎﻫدة ﺗﻧظم اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ ﺑﯾن دوﻟﺔ ودوﻟﺔ‪ ،‬أﻣﺎ اﻟدﺳﺗور ﻓﯾطﻠق ﻋﻠﻰ اﻟوﺛﯾﻘﺔ اﻟﺗﻲ‬ ‫ﺗﻧظﯾم اﻟﺷﺄن اﻟﻌﺎم اﻟداﺧﻠﻲ ﻟﻠدوﻟﺔ‬

‫ﻟﻠﻣزﯾد‪ ،‬اﻟرﺣﯾق اﻟﻣﺧﺗوم ﻟﺻﻔﻲ اﻟرﺣﻣن‪ ،‬طﺑﻌﺔ ﺑﯾروت‪٢٠٠٣ ،‬م‪،‬‬

‫ص‪.٢٠٤‬‬

‫‪- ٢٠ -‬‬


‫اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن وأﺻــﺣﺎب اﻷدﯾــﺎن اﻷﺧــرى‪ ،‬وﻻﺳــﯾﻣﺎ اﻟﯾﻬــود وﻋﺑــدة اﻷوﺛــﺎن‪ .‬وﻗــد ُدون‬

‫ﻫــذا اﻟدﺳــﺗور ﺑﺷــﻛل ﯾﺳــﻣﺢ ﻷﺻــﺣﺎب اﻷدﯾــﺎن اﻷﺧــرى ﺑــﺎﻟﻌﯾش ﻣــﻊ اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن‬ ‫ﺑﺣرﯾ ــﺔ‪ ،‬وﻟﻬ ــم أن ﯾﻘﯾﻣـ ـوا ﺷ ــﻌﺎﺋرﻫم ﺣﺳ ــب رﻏﺑ ــﺗﻬم‪ ،‬وﻣ ــن ﻏﯾ ــر أن ﯾﺗﺿ ــﺎﯾق أﺣ ــد‬ ‫اﻟﻔُرﻗﺎء‪ .‬وﺿﻊ ﻫذا اﻟدﺳﺗور ﻓﻲ اﻟﺳﻧﺔ اﻷوﻟﻰ ﻟﻠﻬﺟرة‪ ،‬أي ﻋﺎم ‪٦٢٣‬م‪ .‬وﻟﻛـن ﻓـﻲ‬

‫ﺣﺎل ﻣﻬﺎﺟﻣﺔ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻣـن ﻗﺑـل ﻋـدو ﻋﻠـﯾﻬم أن ﯾﺗﺣـدوا ﻟﻣﺟﺎﺑﻬﺗـﻪ وطـردﻩ)‪ ."(١‬وﻣـن‬ ‫ﺧــﻼل اﻟﻧظــر ﻓــﻲ ﻫــذا اﻟدﺳــﺗور ﻧﺳــﺗطﯾﻊ أن ﻧﺗﺑــﯾن ﻣﺟﻣوﻋــﺔ ﻣــن ﻣﻌــﺎﻟم اﻟﻘــﯾم‬ ‫اﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻧراﻫﺎ ﺟﻠﯾﺔ ﻓﻲ ﻫذا اﻟدﺳﺗور وأﻫﻣﻬﺎ‪:‬‬ ‫أ( اﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻓوق اﻟﻘﺑﻠﯾﺔ‪:‬‬ ‫ﻗــﺎل اﻟدﺳــﺗور ﻓــﻲ ذﻟــك"‪:‬إﻧﻬــم )أي اﻟﺷــﻌب اﻟﻣﺳــﻠم( أﻣــﺔ واﺣــدة ﻣــن دون اﻟﻧــﺎس" وﺑﻬــذا‬ ‫اﻟﺑﻧـد اﻧـدﻣﺞ اﻟﻣﺳـﻠﻣون ﻋﻠـﻰ اﺧـﺗﻼف ﻗﺑـﺎﺋﻠﻬم وأﻧﺳـﺎﺑﻬم إﻟـﻰ ﺟﻣﺎﻋـﺔ اﻹﺳـﻼم‪ ،‬ﻓﺎﻻﻧﺗﻣـﺎء‬ ‫ـﻠم‬ ‫ﻟﻺﺳــﻼم ﻓــوق اﻻﻧﺗﻣــﺎء ﻟﻠﻘﺑﯾﻠــﺔ أو اﻟﻌﺎﺋﻠــﺔ‪ ،‬وﺑﻬــذا ﻧﻘــل رﺳــول اﷲ ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫اﻟﻌرب ﻣن ﻣﺳﺗوى اﻟﻘﺑﯾﻠﺔ إﻟﻰ ﻣﺳﺗوى اﻷﻣﺔ‪.‬‬ ‫ب( اﻟﺗﻛﺎﻓل اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﺑﯾن ﻓﺻﺎﺋل ﻫذا اﻟﺷﻌب‪:‬‬ ‫وﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻘﯾﻣﺔ ُﻛﺗﺑت اﻟﺑﻧود اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ"‪ :‬اﻟﻣﻬـﺎﺟرون ﻣـن ﻗـرﯾش ﻋﻠـﻰ رﺑﻌـﺗﻬم ﯾﺗﻌـﺎﻗﻠون‬

‫ﺑﯾــﻧﻬم وﻫــم ﯾﻔــدون ﻋــﺎﻧﯾﻬم ﺑــﺎﻟﻣﻌروف واﻟﻘﺳــط ﺑــﯾن اﻟﻣــؤﻣﻧﯾن‪" .‬وﺑﻧــو ﻋــوف ﻋﻠــﻰ‬ ‫رﺑﻌﺗﻬم ﯾﺗﻌﺎﻗﻠون ﻣﻌﺎﻗﻠﻬم اﻷوﻟﻰ‪ ،‬وﻛـل طﺎﺋﻔـﺔ ﺗﻔـدي ﻋﺎﻧﯾﻬـﺎ ﺑـﺎﻟﻣﻌروف واﻟﻘﺳـط ﺑـﯾن‬ ‫اﻟﻣــؤﻣﻧﯾن‪ .‬ﺑﻧــو ﺳـ ِ‬ ‫ـﺎﻋ َدةَ ﻋﻠــﻰ رﺑﻌــﺗﻬم ﯾﺗﻌــﺎﻗﻠون ﻣﻌــﺎﻗﻠﻬم اﻷوﻟــﻰ‪ ،‬وﻛــل طﺎﺋﻔــﺔ ﺗﻔــدي‬ ‫َ‬ ‫ﻋﺎﻧﯾﻬـ ــﺎ ﺑـ ــﺎﻟﻣﻌروف‪ ،‬واﻟﻘﺳـ ــط ﺑـ ــﯾن اﻟﻣـ ــؤﻣﻧﯾن "وﺑﻧـ ــو ُﺟ َﺷـ ـ ٍـم ﻋﻠـ ــﻰ رﺑﻌـ ــﺗﻬم ﯾﺗﻌـ ــﺎﻗﻠون‬

‫ﻣﻌـﺎﻗﻠﻬم اﻷوﻟـﻰ‪ ،‬وﻛـل طﺎﺋﻔـﺔ ﺗﻔـدي ﻋﺎﻧﯾﻬـﺎ ﺑـﺎﻟﻣﻌروف‪ ،‬واﻟﻘﺳـط ﺑـﯾن اﻟﻣـؤﻣﻧﯾن‪ .‬ﺑﻧـو‬ ‫اﻟﻧﺑﯾ ـ ــت ﻋﻠـ ـ ــﻰ رﺑﻌ ـ ــﺗﻬم ﯾﺗﻌـ ـ ــﺎﻗﻠون ﻣﻌـ ـ ــﺎﻗﻠﻬم اﻷوﻟ ـ ــﻰ‪ ،‬وﻛـ ـ ــل طﺎﺋﻔ ـ ــﺔ ﺗﻔـ ـ ــدي ﻋﺎﻧﯾﻬ ـ ــﺎ‬

‫س ﻋﻠَ ــﻰ ِرْﺑﻌ ــﺗِ ِﻬم ﯾﺗَﻌ ــﺎ َﻗﻠُون ﻣﻌ ـ ِ‬ ‫ـﺎﻗﻠَﻬُ ْم‬ ‫ﺑـ ـﺎﻟﻣﻌروف‪ ،‬واﻟﻘﺳ ــط ﺑ ــﯾن اﻟﻣ ــؤﻣﻧﯾن؛َ َﺑ ُﻧ ــو ْاﻷ َْو ِ َ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ​َ‬

‫)‪ (١‬ﻛوﻧﺳﺗﺎﻧس ﺟﯾورﺟﯾو‪ :‬ﻧظرة ﺟدﯾدة ﻓﻲ ﺳﯾرة رﺳول اﷲ‪ ،‬ﺗﻌرﯾب ‪ :‬ﻣﺣﻣد اﻟﺗوﻧﺟﻲ‪ ،‬د‪ .‬م ‪ :‬اﻟدار اﻟﻌرﺑﯾﺔ‬ ‫ﻟﻠﻣوﺳوﻋﺎت‪ ،‬اﻟطﺑﻌﺔ اﻷوﻟﻰ ‪١٩٨٣‬م ص ‪.١٩٠‬‬

‫‪- ٢١ -‬‬


‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْاﻷُوﻟَــﻰ‪ ،‬و ُﻛ ـ ّل َ ِ ٍ ِ‬ ‫ﯾن " َ ٕوِا ّن‬ ‫طﺎﺋﻔَــﺔ ﻣـ ْـﻧﻬُ ْم ﺗَ ْﻔــدي َﻋﺎﻧَﯾﻬَــﺎ ﺑِــﺎْﻟ َﻣ ْﻌ ُروف َواْﻟﻘ ْﺳــط َﺑـ ْـﯾ َن اْﻟ ُﻣـ ْـؤ ِﻣﻧ َ‬ ‫َ‬ ‫وف ِﻓﻲ ِﻓ َد ٍ‬ ‫اْﻟﻣؤ ِﻣﻧِﯾن َﻻ ﯾﺗْرُﻛون ﻣ ْﻔرﺣﺎ ﺑ ْﯾَﻧﻬم أَن ﯾﻌطُوﻩ ﺑِﺎْﻟﻣﻌر ِ‬ ‫اء أو َﻋ ْﻘ ٍل"‬ ‫ُ ْ َ َ ُ َ ُ َ ً َ ُْ ْ ُ ْ ُ َ ْ ُ‬ ‫ج( ردع اﻟﺧﺎﺋﻧﯾن ﻟﻠﻌﻬود‪:‬‬ ‫وﻓﻲ ﻫذا اﻟﺣـق ُﻛﺗـب اﻟﺑﻧـد اﻟﺗـﺎﻟﻲ‪ٕ " :‬وان اﻟﻣـؤﻣﻧﯾن اﻟﻣﺗﻘـﯾن )أﯾـدﯾﻬم( ﻋﻠـﻰ )ﻛـل( ﻣـن‬

‫ﺑﻐــﻰ ﻣــﻧﻬم أو اﺑﺗﻐــﻰ دﺳــﯾﻌﺔ ظﻠــم أو إﺛﻣــﺎ أو ﻋــدواﻧﺎ أو ﻓﺳــﺎداً ﺑــﯾن اﻟﻣــؤﻣﻧﯾن‪ٕ ،‬وان‬ ‫أﯾدﯾﻬم ﻋﻠﯾﻪ ﺟﻣﯾﻌـﺎ‪ ،‬وﻟـو ﻛـﺎن وﻟـد أﺣـدﻫم‪ ،‬وﻓـﻲ ﻫـذا ﻧـص ﻓـﻲ ﺟـواز ﺣﻣـل اﻟﺳـﻼح‬

‫ﻋﻠ ــﻰ أي ﻓﺻ ــﯾل ﻣ ــن ﻓﺻ ــﺎﺋل اﻟﻣدﯾﻧ ــﺔ إذا اﻋﺗ ــدى ﻋﻠ ــﻰ اﻟﻣﺳ ــﻠﻣﯾن‪ ،‬وﺑﻣوﺟ ــب ﻫ ــذا‬ ‫اﻟﻧص ُﺣﻛـم ﺑﺎﻹﻋـدام ﻋﻠـﻰ ﻣﺟرﻣـﻲ ﻗرﯾظـﺔ – ﺑﻌـد ﻣﻌرﻛـﺔ اﻷﺣـزاب )ﻓـﻲ ذي اﻟﻘﻌـدة‬

‫‪ ٥‬ﻫ ــ‪/‬إﺑرﯾل ‪ ٦٢٧‬م (‪ ،‬ﻟﻣــﺎ ﺗﺣــﺎﻟﻔوا ﻣــﻊ ﺟﯾــوش اﻷﺣ ـزاب اﻟﻐﺎزﯾــﺔ ﻟﻠﻣدﯾﻧــﺔ‪ ،‬وﺑﻐ ـوا‬ ‫وﺧﺎﻧوا ﺑﻘﯾﺔ اﻟﻔﺻﺎﺋل‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أﻧﻬم أﺑﻧﺎء وطن واﺣد!‬ ‫د( اﺣﺗرام أﻣﺎن اﻟﻣﺳﻠم‪:‬‬ ‫وﺟﺎء ﻓﻲ ﻫذا اﻷﺻل اﻷﺧﻼﻗﻲ اﻟﺑﻧد اﻟﺗﺎﻟﻲ‪ٕ " :‬وان ذﻣﺔ اﷲ واﺣدة‪ ،‬ﯾﺟﯾـر ﻋﻠـﯾﻬم‬

‫أدﻧﺎﻫم‪ٕ ،‬وان اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ﺑﻌﺿﻬم ﻣواﻟﻲ ﺑﻌض دون اﻟﻧﺎس‪ .‬ﻷي ﻣﺳـﻠم اﻟﺣـق ﻓـﻲ ﻣـﻧﺢ‬

‫اﻷﻣﺎن ﻷي إﻧﺳـﺎن‪ ،‬وﻣـن ﺛـم ﯾﺟـب ﻋﻠـﻰ ﺟﻣﯾـﻊ أﻓـراد اﻟدوﻟـﺔ أن ﺗﺣﺗـرم ﻫـذا اﻷﻣـﺎن‪،‬‬ ‫ﻓﯾﺟﯾـر ﻋﻠـﻰ‬ ‫ـﻠم‪ ،‬وﻟـو ﻛـﺎن اﻟﻣﺟﯾـر أﺣﻘـرﻫم أو أﻗﻠﻬـم ﺷـﺄﻧﺎً‪ُ ،‬‬ ‫وأن ﺗﺟﯾر ﻣن أﺟـﺎر اﻟﻣﺳ ُ‬ ‫ـﻠم‪-‬‬ ‫اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن أدﻧــﺎﻫم‪ ،‬ﺑﻣــﺎ ﻓــﻲ ذﻟــك اﻟﻧﺳــﺎء‪ ،‬وﻗــد ﻗــﺎل اﻟﻧﺑــﻲ ‪ -‬ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫َﺟ ْر ِت َﯾﺎ أ ُّم َﻫﺎﻧِ ٍﺊ)‪"(١‬‬ ‫َﺟ ْرَﻧﺎ َﻣ ْن أ َ‬ ‫ﻷم ﻫﺎﻧﺊ‪ " :‬أ َ‬

‫ﻫـ( ‪ :‬ﺣﻣﺎﯾﺔ أﻫل اﻟذﻣﺔ واﻷﻗﻠﯾﺎت ﻏﯾر اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ‪:‬‬ ‫وﺟــﺎء ﻓــﻲ ﻫــذا اﻷﺻــل‪ٕ " :‬واﻧــﻪ ﻣــن ﺗﺑﻌﻧــﺎ ﻣــن ﯾﻬــود ﻓــﺈن ﻟــﻪ اﻟﻧﺻــر واﻷﺳــوة‪ ،‬ﻏﯾــر‬

‫ﻣظﻠوﻣﯾن وﻻ ﻣﺗﻧﺎﺻر ﻋﻠﯾﻬم" وﻫو أﺻل أﺻﯾل ﻓﻲ رﻋﺎﯾﺔ أﻫل اﻟذﻣـﺔ‪ ،‬واﻟﻣﻌﺎﻫـدﯾن‪ ،‬أو‬ ‫اﻷﻗﻠﯾﺎت ﻏﯾر اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﺗـﻲ ﺗﺧﺿـﻊ ﻟﺳـﯾﺎدة اﻟدوﻟـﺔ وﺳـﻠطﺎن اﻟﻣﺳـﻠﻣﯾن ‪ ..‬ﻓﻠﻬـم – إذا‬

‫)‪ (١‬ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز ﺑن ﻋﺑد اﷲ اﻟﺣﻣﯾدي ‪ :‬اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣواﻗف وﻋﺑر‪ ،‬اﻹﺳﻛﻧدرﯾﺔ ‪ :‬دار اﻟدﻋوة‪ ،‬اﻟطﺑﻌﺔ‬ ‫اﻷوﻟﻰ‪١٤١٨ ،‬ﻫـ ‪١٩٩٧ -‬م ص ‪.١١٠‬‬

‫‪- ٢٢ -‬‬


‫ﺧﺿﻌوا ﻟﻠدوﻟـﺔ – ﺣـق اﻟﻧﺻـرة ﻋﻠـﻰ ﻣـن رﻣـﺎﻫم أو اﻋﺗـدى ﻋﻠـﯾﻬم ﺑﻐﯾـر ﺣـق ﺳـواء ﻣـن‬ ‫اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن أو ﻣن ﻏﯾر اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‪ ،‬ﻣن داﺧل اﻟدوﻟﺔ أو ﻣن ﺧﺎرﺟﻬﺎ‪.‬‬ ‫و( اﻷﻣن اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ وﺿﻣﺎن اﻟدﯾﺎت‪:‬‬ ‫وﺟﺎء ﻓﻲ ﻫذا اﻷﺻل"‪ٕ :‬واﻧﻪ ﻣن اﻋﺗﺑط‬

‫)‪(١‬‬

‫ﻣؤﻣﻧـﺎ ﻗـﺗﻼً ﻋـن ﺑﯾﻧـﺔ ﻓﺈﻧـﻪ ﻗـود ﺑـﻪ إﻻ أن‬

‫ﯾرﺿــﻰ وﻟــﻲ اﻟﻣﻘﺗــول )ﺑﺎﻟﻌﻘــل(‪ٕ ،‬وان اﻟﻣــؤﻣﻧﯾن ﻋﻠﯾــﻪ ﻛﺎﻓــﺔ‪ ،‬وﻻ ﯾﺣــل ﻟﻬــم إﻻ ﻗﯾــﺎم ﻋﻠﯾــﻪ"‬ ‫وﺑﻬذا أﻗر اﻟدﺳﺗور اﻷﻣن اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪ ،‬وﺿﻣﻧﻪ ﺑﺿﻣﺎن اﻟدﯾﺎت ﻷﻫل اﻟﻘﺗﯾل‪ ،‬وﻓﻲ ذﻟك‬

‫ﺟﻣﯾﻌـﺎ ﺿـد‬ ‫إﺑطﺎل ﻟﻌﺎدة اﻟﺛﺄر اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﺔ‪ ،‬وأوﺿﺢ اﻟﻧص أن ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳـﻠﻣﯾن أن ﯾﻛوﻧـوا‬ ‫ً‬ ‫اﻟﻣﻌﺗـدي اﻟظـﺎﻟم ﺣﺗـﻰ ﯾﺣﻛـم ﻋﻠﯾـﻪ ﺑﺣﻛـم اﻟﺷـرﯾﻌﺔ" وﻻ ﺷـك أن ﺗطﺑﯾـق ﻫـذا اﻟﺣﻛـم ﯾﻧـﺗﺞ‬ ‫ﻋﻧﻪ اﺳﺗﺗﺑﺎب اﻷﻣن ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣﺎ طﺑق اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻫذا اﻟﺣﻛم‪.‬‬ ‫ز( اﻟﻣرﺟﻌﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺣﻛم إﻟﻰ اﻟﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ‪:‬‬ ‫وﺟﺎء ﻓﻲ ﻫذا اﻷﺻل‪ٕ " :‬واﻧﻛم ﻣﻬﻣﺎ اﺧﺗﻠﻔﺗم ﻓﯾـﻪ ﻣـن ﺷـﻲء ﻓـﺈن ﻣـردﻩ إﻟـﻰ اﷲ –‬

‫ﻋز وﺟل‪ٕ -‬واﻟﻰ ﻣﺣﻣد"‪ٕ ...‬واﻧـﻪ ﻣـﺎ ﻛـﺎن ﺑـﯾن أﻫـل ﻫـذﻩ اﻟﺻـﺣﯾﻔﺔ ﻣـن ﺣـدث أو اﺷـﺗﺟﺎر‬

‫ﯾﺧﺎف ﻓﺳﺎدﻩ ﻓﺈن ﻣرﱠدﻩ إﻟﻰ اﷲ‪ٕ ،‬واﻟﻰ ﻣﺣﻣد رﺳول اﷲ‪.‬‬

‫وﺳﻠم ﻓـﻲ اﻟﻣدﯾﻧـﺔ وﻓـﻲ أﯾﺎﻣـﻪ اﻷوﻟـﻰ‬ ‫ﻓﻲ ﺑداﯾﺎت ﺗواﺟد اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫ْ‬ ‫ُﻛﺗ ــب ﺑ ــﯾن ﯾدﯾ ــﻪ ﻫ ــذا اﻟدﺳ ــﺗور ﻓﯾﻣ ــﺎ ُﻋـ ـرف ﻓ ــﻲ ُﻛﺗ ــب اﻟﺗ ــﺎرﯾﺦ ﺑﺻ ــﺣﯾﻔﺔ اﻟﻣدﯾﻧ ــﺔ وﻫ ــﻲ‬ ‫ﺻــﺣﯾﻔﺔ ﺷــﺎﻣﻠﺔ ﺟﺎﻣﻌــﺔ ﺗُﺑــرز ﺗﻔــرد ﻫــذﻩ اﻷﻣــﺔ اﻟﻣﺳــﻠﻣﺔ ﻓﻠــم ﺗُﻛﺗــب ﻫــذﻩ اﻟﺻــﺣﯾﻔﺔ ﺗﺣــت‬

‫ﺿ ــﻐوط ﺷ ــﻌﺑﯾﺔ أو اﻧﺗظــرت ﺣ ــدوث ﺣ ـوادث ﻣﻌﯾﻧ ــﺔ ﻓﻧﺑ ــدأ ﻓــﻲ اﻟﺗﻔﻛﯾ ــر ﻓــﻲ ﻣ ــﺎذا ﻧﻔﻌ ــل‬ ‫ﻟﻣﺟﺎﺑﻬﺔ ﻫذﻩ اﻟﻣﺷﻛﻠﺔ أو ﺗﻠك‪.‬‬ ‫ـﻠم ﻫﻣـﺎ ﻣﺻــدر‬ ‫اﻟﻣّﻧـزل وﺳــﻧﺔ اﻟﻧﺑـﻲ ﺻـﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳ ْ‬ ‫ﻋﻠـﻰ اﻟـرﻏم ﻣـن أن اﻟـوﺣﻲ ُ‬ ‫ﺗﺣرﻛﺎت اﻷﻣﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة إﻻ أن ﺻﺣﯾﻔﺔ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﺟﺎءت ﻓﯾﻣﺎ ُﯾﺷﺑﻪ اﻟﻣﻌﺎﻫـدات‬ ‫اﻟدوﻟﯾــﺔ ﻏﯾــر أﻧﻬــﺎ اﺷــﺗﻣﻠت ﻋﻠــﻰ ﻣﺟﻣوﻋــﺔ ﻣــن اﻷﺳــس ﻓﯾﻣــﺎ ﯾﺧــص ﺗﻌﺎﻣــل اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن‬

‫ﻛﻛﯾ ــﺎن ﻣﺳ ــﺗﻘل ﻣوﺣ ــد ﻣ ــﻊ اﻟﻘ ــوى اﻷﺧ ــرى؛ وﺷ ــﻣﻠت ﻛ ــذﻟك ﻋﻠ ــﻰ ﻣﻛوﻧ ــﺎت ﻫ ــذا اﻟﻛﯾ ــﺎن‬ ‫)‪ (١‬أي ﻗﺗﻠﻪ دون ﺟﻧﺎﯾﺔ أو ﺳﺑب ﯾوﺟب ﻗﺗﻠﻪ‪ ،‬ﻣﻌﺟم اﻟﻌﯾن ﻟﻠﺧﻠﯾل اﺑن أﺣﻣد اﻟﻔراﻫدي‪ ،‬طﺑﻌﺔ دارة اﻟﺻﻔوة‪،‬‬ ‫ﻟﺑﻧﺎن‪١٩٨٠‬م‪ ،‬ﺑﺎب اﻷﻟف ﻣﻊ اﻟﻌﯾن‪ ،‬واﻟﺗﺎء‪ ،‬واﻟﺑﺎء‪ ،‬واﻟطﺎء‪.‬‬

‫‪- ٢٣ -‬‬


‫اﻟﻣﺳــﻠم دون أن ﺗُﻣﯾــز ﻣﺟﻣوﻋــﺔ ﻋــن اﻷﺧــرى‪ .‬ﺑﻣوﺟــب ﻫــذﻩ اﻟﺻــﺣﯾﻔﺔ أﺻــﺑﺣت اﻷﻣــﺔ‬ ‫اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ ﺗﺗﻣﯾز ﺑﻪ‪:‬‬

‫‪ (١‬أﻣﺔ واﺣدة ﻣن دون اﻟﻧﺎس‪.‬‬ ‫‪ (٢‬ﻛل أﻓراد اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻣﺳﻠم ﻣﺗﺳﺎوي ﻓﻲ اﻟﺣﻘوق واﻟواﺟﺑﺎت‪.‬‬ ‫‪ (٣‬أﻓراد اﻷﻣﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ ﯾﺗﻛﺎﻓﻠون ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﻬم ﻓﻲ دﻓﻊ اﻟدﯾﺎت ٕواﻧﻘﺎذ اﻟﻐﺎرﻣﯾن‪.‬‬ ‫‪ (٤‬أﻓراد اﻷﻣﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ ﯾداً واﺣدة ﻋﻠﻰ ﻣن ﻋﺎداﻫم أو ﺑﻐﻰ ﻋﻠﯾﻬم‪.‬‬ ‫‪ (٥‬اﻷﻣــﺔ اﻟﻣﺳــﻠﻣﺔ ﺗﻘﺑــل دﺧــول أﻣــم أﺧــرى ﻓــﻲ ﻛﯾﺎﻧﻬــﺎ أي أﻧــﻪ ﻛﯾــﺎن ﻗﺎﺑــل ﻟﻠﺗوﺳــﻊ‬ ‫واﻻﺣﺗواء‪.‬‬ ‫‪ (٦‬ﻻ ﯾوﺟــد ﻣﻌﻧــﻰ ﻟﻠﻘﺑﯾﻠــﺔ أو اﻟﻣــوطن ﻓﯾﻣــﺎ ﺑــﯾن أﻓ ـراد اﻷﻣــﺔ اﻟﻣﺳــﻠﻣﺔ إﻻ ﻟﻠﺗﻌــﺎرف‬ ‫واﻟﻣواﻻة ﻓﻲ اﻟﻣﻌروف وﺻﻠﺔ اﻟرﺣم‪.‬‬ ‫وظﻠت ﻫذﻩ اﻟﺻﺣﯾﻔﺔ وﻣﺎ ﺑﻬﺎ ﻣن ﺑﻧود ﺳﺎرﯾﺔ وﻣطﺑﻘﺔ ﻓﻲ ﺣﯾـﺎة اﻟرﺳـول ﺻـﻠﻰ اﷲُ‬ ‫وﺳﻠم وطوال اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻟ ارﺷـدة وﻟـم ﯾـﺗم ﺗﻌطﯾﻠﻬـﺎ إﻻ ﺧـﻼل ﻓﺗـرات اﻟﺿـﻌف واﻟﻬـوان‬ ‫ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫ْ‬

‫اﻟﺗـﻲ ﻟﺣﻘـت ﺑﺎﻷﻣـﺔ ﻛﻠﻬـﺎ ﻓﺑﻘﯾـت اﻟﻧﺻـوص وﺗﺧﻠـف اﻷﻓـراد ﻋـن اﻹﺗﺑـﺎع ﻓـدﺧﻠﻧﺎ ﻓـﻲ ﻫـذا‬ ‫اﻟﺗﯾﻪ اﻟﻌظﯾم وﻫذا اﻟﻠﯾل اﻟﺑﻬﯾم‪.‬‬

‫‪- ٢٤ -‬‬


‫ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ‬ ‫ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺍﻟﺘﺎﺭﳜﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺩﺕ ﻟﺘﻔﺮﻳﻖ ﺻﻒ‬ ‫ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ‬

‫‪- ٢٥ -‬‬


‫اﻟﻣﺑﺣث اﻷول‬ ‫وﺳﻠم ﻟﻠﻔرﻗﺔ وﺗﺄﻛﯾدﻩ ﻋﻠﻰ ﻧﺑذﻫﺎ‬ ‫ﻛراﻫﯾﺔ اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫ْ‬ ‫ذروﻫــﺎ ﻓﺈﻧﻬــﺎ ﻣﻧﺗﻧــﺔ)‪ -(١‬ﯾﻘﺻــد اﻟﻔرﻗــﺔ واﻟﺧــﻼف‪ -‬ﻗﺎﻟﻬــﺎ اﻟرﺳــول اﻟﻌــدﻧﺎن ﺻــﻠﻰ‬ ‫ـﻠم ﻓ ــﻲ ﺑداﯾ ــﺔ ظﻬ ــور ﺑـ ـوادر ﻟﻠﺷ ــﻘﺎق ﻋﻧ ــدﻣﺎ اﺧﺗﻠﻔ ــﺎ ﻏﻼﻣ ــﺎن أﺣ ــدﻫﻣﺎ ﻣ ــن‬ ‫اﷲُ ﻋﻠﯾ ــﻪ وﺳ ـ ْ‬ ‫اﻷﻧﺻﺎر واﻷﺧـر ﻣـن اﻟﻣﻬـﺎﺟرﯾن ﻓﻘـﺎل اﻷول ﯾـﺎ ﻟﻸﻧﺻـﺎر ‪ ،‬وﻗـﺎل اﻷﺧـر ﯾـﺎ ﻟﻠﻣﻬـﺎﺟرﯾن‬ ‫ﻛـل ُﯾﻧــﺎدي ﻗوﻣــﻪ وﻋﺷــﯾرﺗﻪ ﻟﯾﻧﺻــروﻩ ﻋﻠــﻰ اﻟﻔرﯾـق اﻷﺧــر وﻟﻛــن ﻛــﺎن رد اﻟرﺳــول ﺻــﻠﻰ‬

‫وﺳﻠم اﻟﺣﺎﺳم "ذروﻫﺎ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻣﻧﺗﻧﺔ" ﻓﻠم ﯾﻘل ﺳﯾﺋﺔ وﻟﻛﻧـﻪ ﺟـﺎء ﺑﻠﻔـظ ﻣﻧﺗﻧـﺔ ﻟﺗﻌﺑﯾـر‬ ‫اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫ْ‬ ‫ﻋــن ﺳــوء اﻟراﺋﺣــﺔ وﺳــوء اﻟﺟ ـوار وﺳــوء اﻟﺗﻌﺎﻣــل ﻣــﻊ اﻻﻓﺗ ـراق ﻓﺿ ـﻼً ﻋــن اﻟﺳــﻣﺎح ﻟــﻪ‬ ‫ـﻠم‬ ‫ﺑﺎﻟﺗﻣــدد واﻟظﻬــور‪ .‬وﻓــﻲ آﺛــﺎر ﻻ ُﯾﻣﻛــن ﺣﺻــرﻫﺎ ﻧﺟــد اﻟرﺳــول ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳ ـ ْ‬ ‫ﯾﺣس داﺋﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺑذ اﻟﺗﺧﺎﺻم واﻟﺗﺷﺎﺣن ﺑﯾن أﻓراد اﻟﺻف اﻟﻣﺳﻠم ﻓﺎﻹﺳﻼم ﺣﯾن ﺳـطﻊ‬ ‫ﻧورﻩ ﻓﻲ ﻣﻛﺔ اﻟﻣﻛرﻣﺔ وارﺗﻔﻊ ﺻوﺗﻪ ﻣـن اﻟﻣدﯾﻧـﺔ اﻟﻣﻧـورة ﺑﻌـد أن ﻫـﺎﺟر إﻟﯾﻬـﺎ رﺳـول اﷲ‬ ‫ـﻠم وﺟــد اﻟﻘﺑﯾﻠﺗــﯾن اﻟﻌظﯾﻣﺗــﯾن )اﻷوس واﻟﺧــزرج( اﻟﻠﺗــﯾن رﻓﻌﺗــﺎ ﻟ ـواء‬ ‫ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫ـﻠم ﻣﺗﻔ ـرﻗﺗﯾن‪ ،‬ﻓﺟﻣﻌﻬــم اﷲ ﺑﻬــداﻩ ﺑﻌــد‬ ‫اﻹﺳــﻼم وﻧﺻ ـرﺗﺎ رﺳــول اﷲ ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬

‫ـﻠم أن اﻹﺳــﻼم ﻻ ﯾﻘــوم ﻋﻠــﻰ اﻟﻌﻧﺻـرﯾﺔ‬ ‫ﻓـرﻗﺗﻬم‪ ،‬وﺑــﯾن ﻟﻬــم اﻟرﺳــول ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫أو اﻟﺷــﻌوﺑﯾﺔ وﻻ ﻋﻠــﻰ اﻟﻘوﻣﯾــﺔ واﻟﺟﻧﺳــﯾﺔ‪ ،‬وﻻ ﯾﻘــوم ﻋﻠــﻰ ﺗﻔــرق ﻓــﻲ اﻟﻌﻘﯾــدة أو اﻟ ـرأي أو‬ ‫اﻟوﺟﻬــﺔ‪ ،‬ﻓــﺈن اﻟــدﻋوة اﻟﻣﺷــوﺑﺔ ﺑــذﻟك ﯾﻛــون ﻣﺂﻟﻬــﺎ اﻟﻔﺷــل‪ ،‬وﻣﺻــﯾرﻫﺎ اﻟﻔﻧــﺎء‪ ،‬وﺑـ ّـﯾن اﻟﻧﺑــﻲ‬

‫ـﻠم اﻟطرﯾــق اﻟﺳــوي ﻟﺳــﻌﺎدة اﻟــدارﯾن‪ ،‬وﻋ ـرﻓﻬم أن دﯾــن اﻹﺳــﻼم ﺑﻧــﻲ‬ ‫ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫ـﺎس إِﱠﻧــﺎ‬ ‫ﻋﻠــﻰ اﻟﺣــق وﻣﺣــو ﻓرﻗــﺔ اﻟﺟﻧﺳــﯾﺔ‪ ،‬وﺗــﻼ ﻋﻠــﯾﻬم ﻗــول اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ‪َ  :‬ﯾــﺎ أَﱡﯾﻬَــﺎ اﻟﱠﻧـ ُ‬

‫َﺧﻠَ ْﻘﻧ ـ ــﺎ ُﻛم ِﻣـ ـ ـن َذ َﻛ ـ ـ ٍـر وأ ُْﻧﺛَـ ــﻰ وﺟﻌ ْﻠﻧ ـ ــﺎ ُﻛم ُﺷ ـ ــﻌوﺑﺎ وﻗَﺑﺎﺋِـ ـ ـ َل ﻟِﺗَﻌ ـ ــﺎرﻓُوا إِ ﱠن أَ ْﻛ ـ ــرﻣ ُﻛم ِﻋ ْﻧ ـ ـ َـد ِ‬ ‫اﷲ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫َ​َ​َ​َ ْ ُ ً َ َ‬ ‫َ​َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫أَﺗْﻘَﺎ ُﻛ ْم‪ ،(٢)‬وﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﺣدﯾث‪» :‬ﻛﻠﻛم ﻵدم وآدم ﻣن ﺗراب ﻻ ﻓﺿل ﻟﻌرﺑﻲ ﻋﻠﻰ ﻋﺟﻣـﻲ‬ ‫)‪(٣‬‬

‫إﻻ ﺑﺗﻘــوى اﷲ«‬

‫وﺑــﯾن ﻟﻬــم أن اﷲ واﺣــد‪ ،‬وأن ﻧﺑــﻲ اﻹﺳــﻼم واﺣــد؛ وﺳــﻧﺗﻪ واﺣــدة؛ وأن‬

‫اﻟﻘﺑﻠــﺔ واﺣــدة؛ وأن ﻛﺗــﺎب اﷲ واﺣــد؛ ﻻ ﯾﺟــوز اﻟﻌﻣــل ﺑﻐﯾــر ﻫــداﻩ‪ ،‬ﻓﻌﻠــﻰ ﻫــذا ﯾﺟــب أن‬ ‫)‪ (١‬رواﻩ ﻣﺳﻠم )‪.(٢٥٨٤‬‬ ‫)‪ (٢‬ﺳورة اﻟﺣﺟرات آﯾﺔ )‪.(١٣‬‬ ‫)‪ (٣‬رواﻩ اﻟﺑﺧﺎري )‪ ،(١٧٤١‬وﻣﺳﻠم )‪ (١٦٧٩‬ﻣن ﺣدﯾث أﺑﻲ ﺑﻛرة‪.‬‬

‫‪- ٢٦ -‬‬


‫ﺗﻛون ﻛﻠﻣﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن واﺣدة‪ ،‬ﻓﺟﻣﻊ اﷲ ﺷﻣﻠﻬم‪ ،‬ووﺣد ﻛﻠﻣﺗﻬم وﻗﺿﻰ ﻋﻠـﻰ اﻟﻔرﻗـﺔ اﻟﺗـﻲ‬ ‫ﻛﺎﻧت ﺑﯾﻧﻬم‪ ،‬وأﺻﺑﺣوا إﺧوة ﻣﺗﺣﺎﺑﯾن‪ ،‬ورﺟﺎﻻً ﻣـؤﻣﻧﯾن ﻛﻠﻣـﺗﻬم واﺣـدة‪ ،‬ووﺟﻬـﺗﻬم واﺣـدة‪،‬‬ ‫ﺗﺣت راﯾﺔ اﻹﺳـﻼم اﻟﻘوﯾـﺔ اﻟﺗـﻲ ﻻ ﺗﻔﺿـل أﺣ ًـدا ﻋﻠـﻰ أﺣـد إﻻ ﺑﺗﻘـوى اﷲ ﻋـز وﺟـل‪ ،‬ﻓﻘـد‬

‫اﻣــﺎ ﻛــﺎﻧوا ﻓــﻲ أﻋﻠــﻰ ﻗﻣــﺔ اﻟﻣﺟــد‬ ‫ـﻼم أﻗواﻣــﺎ ﻛــﺎﻧوا ﻓــﻲ ذﻟــﺔ وﻣﻬﺎﻧــﺔ‪ ،‬ووﺿــﻊ أﻗو ً‬ ‫رﻓــﻊ اﻹﺳـ ُ‬ ‫وﻣﻧﺗﻬﻰ اﻟﺳؤدد‪ ،‬ﻓﻠﻣﺎ ﻟم ﯾؤﻣﻧوا ﺑﺎﻹﺳﻼم وﺿﻌﻬم اﷲ ﻓﻛﺎﻧوا ﻓﻲ أﺳﻔل ﺳﺎﻓﻠﯾن‪ ،‬ﻓـﺎﻧظروا‬ ‫إﻟﻰ أي ﻣدى وﺻل ﺑﻼل ﺑن رﺑﺎح اﻟﺣﺑﺷـﻲ رﺿـوان اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﻫـو اﻟﻌﺑـد اﻟﻔﻘﯾـر ﻓﺟﻌﻠـﻪ‬ ‫ـﻠم وﺻـﺣﺎﺑﻲ ﻣـن ﺻـﺣﺎﺑﺗﻪ وواﺣـد ﻣـن ﻫـذﻩ‬ ‫اﻹﺳﻼم ﻣـؤذن ﻟﻠرﺳـول ﺻـﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳ ْ‬ ‫اﻷﻣـ ــﺔ اﻟﻌظﯾﻣـ ــﺔ اﻟﺗـــﻲ ﯾﺗﺳـ ــﺎوى ﻓﯾﻬـ ــﺎ وﺗﺣـ ــت ﻟواﺋﻬـ ــﺎ ﺑـ ــﻼل اﻟﺣﺑﺷـ ــﻲ وﺻـ ــﻬﯾب اﻟروﻣ ــﻲ‬ ‫وﺳﻠﻣﺎن اﻟﻔﺎرﺳﻲ ﻣﻊ ﻋﻣر ﺑن اﻟﺧطﺎب اﻟﻘرﺷﻲ وﻋﻠﻲ ﺑن أﺑﻲ طﺎﻟب اﻟﻬﺎﺷـﻣﻲ اﻟﻘرﺷـﻲ‬ ‫رﺿ ـوان اﷲ ﻋﻠــﯾﻬم أﺟﻣﻌــﯾن وﻋﻠــﻰ اﻟﺟﺎﻧــب اﻷﺧــر ﻧــرى ﻣــن ﺧــﺎﻟﻔوا اﻟﻧﺑــﻲ ﺻــﻠﻰ اﷲُ‬ ‫ـﻠم ﻗــد ﻧزﻟـوا إﻟــﻰ أدﻧــﻰ اﻟﻣﺳــﺗوﯾﺎت ﻓﻣــﺎذا اﻧﺗﻬــﻰ اﻷﻣــر ﺑﺳــﺎدة ﻗـرﯾش ﻣــن أﻣﺛــﺎل‬ ‫ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫أﺑو ﺟﻬل وأﺑو ﻟﻬب وﻏﯾرﻫم اﻟﻛﺛﯾر‪.‬‬

‫وﻋﻧـ ــدﻣﺎ ﻧﺗﺻـ ــﻔﺢ ﺗـ ــﺎرﯾﺦ اﻟـ ــدﻋوة اﻹﺳـ ــﻼﻣﯾﺔ ﻧﺟـ ــد اﻵﺛـ ــﺎر اﻟﺗـ ــﻲ ﺗﺣـ ــﺎرب اﻟﺗﻔـ ــرق‬ ‫واﻟﺗﺷرذم واﻟﺗﺣزب ﻛﺛﯾـرة ﻧـذﻛر‬

‫ﻣﻧﻬـﺎ ﻗـول اﷲ ﺗﻌـﺎﻟﻰ‪  :‬وا ْﻋﺗَ ِ‬ ‫ﺻ ُـﻣوا ﺑِ َﺣْﺑ ِـل‬ ‫َﺻَﺑ ْﺣﺗُ ْم‬ ‫اء ﻓَﺄَﻟﱠ َ‬ ‫إِ ْذ ُﻛ ْﻧﺗُ ْم أ ْ‬ ‫ف َﺑ ْﯾ َن ُﻗﻠُوﺑِ ُﻛ ْم ﻓَﺄ ْ‬ ‫َﻋ َد ً‬

‫ِ ِ‬ ‫ﯾﻌـﺎ َوﻻ‬ ‫اﷲ َﺟﻣ ً‬ ‫ﺑِﻧِ ْﻌ َﻣﺗِ ِـﻪ إِ ْﺧ َو ًاﻧـﺎ‬

‫ﺗَﻔَﱠرﻗُوا وا ْذ ُﻛروا ﻧِﻌﻣﺔَ ِ‬ ‫اﷲ َﻋﻠَْﯾ ُﻛ ْم‬ ‫َ ُ َْ‬ ‫َو ُﻛ ْﻧﺗُ ْم َﻋﻠَﻰ َﺷﻔَﺎ ُﺣ ْﻔ َـرٍة ِﻣ َـن اﻟﱠﻧـ ِ‬ ‫ﺎر ﻓَﺄ َْﻧﻘَـ َذ ُﻛ ْم ِﻣ ْﻧﻬَـﺎ‪ .(١)‬ﻓﻛـﺄن ﻋـدم اﻻﻋﺗﺻـﺎم ﺑﺣﺑـل اﷲ ﻫـو‬ ‫ﻧ ــوع ﻣ ــن إﻟﻘ ــﺎء اﻟ ــﻧﻔس ﻓ ــﻲ ﻫ ــذﻩ اﻟﺣﻔـ ـرة ﻣ ــن اﻟﻧ ــﺎر اﻟﺗ ــﻲ ُﻛﻧ ــﺎ ﻗﺑ ــل اﻹﺳ ــﻼم ﻧﻘ ــف ﻋﻠ ــﻰ‬ ‫وﺳﻠم »ﻻ ﺗﺑﺎﻏﺿوا وﻻ ﺗداﺑروا وﻛوﻧـوا ﻋﺑـﺎد اﷲ إﺧو ًاﻧـﺎ‪،‬‬ ‫ﺷﻔﺎﻫﻬﺎ‪ .‬وﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫ْ‬ ‫اﻟﻣﺳــﻠم أﺧــو اﻟﻣﺳــﻠم ﻻ ﯾظﻠﻣــﻪ وﻻ ﯾﺧذﻟــﻪ وﻻ ﯾﺣﻘـرﻩ‪ ،‬ﺑﺣﺳــب اﻣــرئ ﻣــن اﻟﺷــر أن ﯾﺣﻘــر‬

‫أﺧــﺎﻩ اﻟﻣﺳــﻠم‪ ،‬ﻛــل اﻟﻣﺳــﻠم ﻋﻠــﻰ اﻟﻣﺳــﻠم ﺣ ـرام دﻣــﻪ وﻣﺎﻟــﻪ وﻋرﺿــﻪ« ﻣﺗﻔــق ﻋﻠﯾــﻪ‪ .‬ﻫــذا‬ ‫اﻟﻧﻘــﺎء واﻟﺗﻧﻘﯾــﺔ ﻟﻠﺻــف اﻟﻣﺳــﻠم ﻣــن اﻟــداﺧل ﻣــن اﻟﺗﺑــﺎﻏض واﻟﺗــداﺑر واﻟﺣــث ﻋﻠــﻰ ﺗﻘوﯾــﺔ‬ ‫راﺑطــﺔ اﻷﺧــوة ﻓــﻲ دﯾــن اﷲ ﻛــل ﺗﻠــك اﻟﻌواﻣــل ﻣــن ﺷــﺄﻧﻬﺎ أن ﺗــدﻋم وﺗﻘــوي وﺣــدة اﻟﺻـف‬ ‫اﻟﻣﺳــﻠم‪ .‬ﻓﺎﻟﺷــرع اﻟﺣﻧﯾــف ﯾ ـﺄﻣر ﺑﻛــل ﻣــﺎ ﯾﻘــوي اﻷﻟﻔــﺔ وﯾزﯾــد ﻣــن اﻟﻣﺣﺑــﺔ‪ ،‬وﯾ ـدﻓﻊ اﻟﻌــداوة‬

‫)‪ (١‬ﺳورة آل ﻋﻣران آﯾﺔ )‪.(١٠٣‬‬

‫‪- ٢٧ -‬‬


‫واﻟﺑﻐﺿﺎء‪ ،‬وﻣﺎ ذاك إﻻ ﻟﻣﺎ ﻓـﻲ اﻻﺟﺗﻣـﺎع واﻻﺗﻔـﺎق ﻣـن اﻟﺧﯾـر اﻟﻛﺛﯾـر واﻟﺛﻣـرات اﻟﺟﻠﯾﻠـﺔ‬ ‫واﻟﺑرﻛﺔ واﻟﻘوة‪.‬‬ ‫ﻋﻠﻰ ﻧﻔس اﻟﺧطﻰ ﻧﺟد اﻟﺷرع اﻟﺣﻧﯾف ﯾﻧﺑذ اﻟﻔرﻗﺔ ﺑﻛـل ﺻـورﻫﺎ ﻓﻘـد ﻗـﺎل ﺗﻌـﺎﻟﻰ‪:‬‬ ‫)‪(١‬‬

‫ﯾﺣ ُﻛ ْم‪‬‬ ‫ب ِر ُ‬ ‫‪َ ‬وﻻ ﺗَ​َﻧ َﺎزُﻋوا ﻓَﺗَ ْﻔ َﺷﻠُوا َوﺗَ ْذ َﻫ َ‬ ‫اﻟﻧﺎﻓﻌــﺔ‪ ،‬وﻗــد ﺟﻣــﻊ اﷲ ﻓــﻲ ﻫــذﻩ اﻵﯾــﺔ اﻷﻣــر ﺑﺎﻟﺳــﻌﻲ ﻟﺗﺣﺻــﯾل اﻟﻘــوة اﻟﻣﻌﻧوﯾــﺔ ﺑﺎﻹﯾﻣــﺎن‬ ‫ﯾﻌﻧﻲ ﺗﺧﻠوا وﺗـذﻫب روﺣﻛـم اﻟﺣﻘﯾﻘـﺔ وﻣﻌﻧوﯾـﺎﺗﻛم‬

‫أﯾﺿـﺎ واﻟﻣﺎدﯾـﺔ ﻓـﻲ‬ ‫واﻟﺛﺑﺎت‪ ،‬واﻟﺻﺑر واﻻﺟﺗﻣﺎع وﻋدم اﻟﺗﻧﺎزع واﻟﺗﻔرق‪ ،‬وﺑـﺎﻟﻘوة اﻟﻣﻌﻧوﯾـﺔ ً‬ ‫ـﺎط اْﻟ َﺧﯾـ ِـل ﺗُرِﻫﺑــون ﺑِـ ِـﻪ ﻋـ ُـد ﱠو ِ‬ ‫َﻋـ ﱡدوا ﻟَﻬــم ﻣــﺎ اﺳــﺗَطَﻌﺗُم ِﻣــن ﻗُـ ﱠـوٍة و ِﻣــن ِرﺑـ ِ‬ ‫ﻗوﻟــﻪ ﺗﻌــﺎﻟﻰ‪  :‬أ ِ‬ ‫اﷲ‬ ‫ُْ َ ْ ْ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ْ ْ ُ َ‬ ‫)‪(٢‬‬ ‫وﺳﻠم ﻓﻣﺗـﻰ اﻣﺗﺛـل اﻟﻣﺳـﻠﻣون‬ ‫ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫اﷲ‬ ‫ﺻﻠﻰ‬ ‫ﻧﺑﯾﻪ‬ ‫ﯾق‬ ‫ر‬ ‫وط‬ ‫اﷲ‬ ‫ﯾق‬ ‫ر‬ ‫ط‬ ‫ﻫذا‬ ‫‪.‬‬ ‫َو َﻋ ُد ﱠو ُﻛ ْم‪‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫أﻣ ــر اﷲ وﺳ ــﻌوا ﻟﺣﺻ ــول اﻻﺗﻔ ــﺎق ٕوا ازﻟ ــﺔ اﻟﻌ ــداوات وأﺳ ــﺑﺎﺑﻬﺎ‪ ،‬وﻛ ــﺎﻧوا ﯾ ـ ًـدا واﺣ ــدة ﻧﺣ ــو‬

‫ﺗﺣﻘﯾــق ﻣﺻــﺎﻟﺣﻬم اﻟﻣﺷــﺗرﻛﺔ وﻣﻘﺎوﻣــﺔ اﻷﻋ ــداء‪ ،‬وﺑﺗﺣﺻــﯾل اﻟﻘــوة اﻟﻣﺎدﯾــﺔ ﺑﻛــل ﻣﻘــدور‬ ‫وﻣﺳ ــﺗطﺎع‪ ،‬وﻛ ــﺎن أﻣ ــرﻫم ﺷ ــورى ﺑﯾ ــﻧﻬم‪ ،‬ﻣﺗ ــﻰ ﻋﻣﻠـ ـوا ﻋﻠ ــﻰ ذﻟ ــك ﻛﻠ ــﻪ ﺣﺻ ــل ﻟﻬ ــم ﻗ ــوة‬ ‫ﻋظﯾﻣــﺔ ﯾﺳــﺗدﻓﻌون ﺑﻬــﺎ اﻷﻋــداء وﯾﺳــﺗﺟﻠﺑون ﺑﻬــﺎ اﻟﻣﺻــﺎﻟﺢ واﻟﻣﻧــﺎﻓﻊ‪ ،‬وﻋــﺎد ﺻــﻼح ذﻟــك‬ ‫إﻟــﻰ دﯾــﻧﻬم وﺟﻣﺎﻋــﺎﺗﻬم وأﻓ ـرادﻫم‪ ،‬وﻟــم ﯾ ازﻟ ـوا ﻓــﻲ رﻗــﻲ ﻣطــرد ﻓــﻲ دﯾــﻧﻬم ودﻧﯾــﺎﻫم وﻣﺗــﻰ‬ ‫أﺧﻠـوا ﺑﻣــﺎ أﻣــرﻫم ﺑــﻪ دﯾــﻧﻬم ﻋــﺎد اﻟﺿــرر اﻟﻌظــﯾم ﻋﻠــﯾﻬم ﻓــﻼ ﯾﻠوﻣـوا إﻻ أﻧﻔﺳــﻬم‪ .‬ﻓــﺎﷲ ﻗــد‬ ‫ﺑﯾن اﻟطرﯾق وﺑﯾن ﻋﺎﻗﺑﺔ اﻟﻣﺧﺎﻟﻔﺔ ﻓﻣن ذاق ﻣ اررة اﻟﺗﻔـرق أﺣـرى ﺑـﻪ أن ﯾﻌـود إﻟـﻰ ﺣـﻼوة‬ ‫اﻟوﺣ ــدة وظ ــﻼل اﻻﺋ ــﺗﻼف ﻓﻘ ــد وﻋ ــد اﷲ اﻟﻌ ــز واﻟﻧﺻ ــر ﻟﻣ ــن ﻗـ ـﺎﻣوا ﺑ ــﺎﻟﺗﻘوى واﻋﺗﺻ ــﻣوا‬

‫ع ﻟَ ُﻛـ ْـم ِﻣـ َـن‬ ‫ﺑﺣﺑﻠــﻪ وﺗﻣﺳــﻛوا ﺑدﯾﻧــﻪ‪ ،‬وأﺧﺑــر أن ﻫــذا دﯾــن ﺟﻣﯾــﻊ اﻟﻣرﺳ ــﻠﯾن‪ ،‬ﻗــﺎل ‪َ ◌َ ‬ﺷـ َـر َ‬ ‫ك وﻣـﺎ وﺻ ْ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ﱠِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اﻟ ﱢد ِ‬ ‫َن‬ ‫ﯾﺳـﻰ أ ْ‬ ‫ﯾن َﻣﺎ َوﺻﱠﻰ ﺑِﻪ ُﻧ ً‬ ‫وﺳـﻰ َو ِﻋ َ‬ ‫ﯾم َو ُﻣ َ‬ ‫ﱠـﯾَﻧﺎ ﺑـﻪ إ ْﺑ َـراﻫ َ‬ ‫وﺣﺎ َواﻟذي أ َْو َﺣ ْﯾَﻧﺎ إﻟَْﯾ َ َ َ َ‬ ‫أ َِﻗﯾﻣوا اﻟ ﱢدﯾن وﻻ ﺗَﺗَﻔَﱠرﻗُوا ِﻓ ِ‬ ‫ﯾﻪ‪.(٣)‬‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وﻗﺎل ﻋز ﻣن ﻗﺎﺋل‪‬وﻻ ﺗَ ُﻛ ُ ﱠِ‬ ‫ﺎت‪.(٤)‬‬ ‫ﯾن ﺗَﻔَﱠرﻗُوا َو ْ‬ ‫ﺎء ُﻫ ُم اْﻟَﺑﯾَﱢﻧ ُ‬ ‫وﻧوا َﻛﺎﻟذ َ‬ ‫اﺧﺗَﻠَﻔُوا ﻣ ْن َﺑ ْﻌد َﻣﺎ َﺟ َ‬ ‫َ‬

‫)‪ (١‬ﺳورة اﻷﻧﻔﺎل آﯾﺔ )‪.(٤٦‬‬ ‫)‪ (٢‬ﺳورة اﻷﻧﻔﺎل آﯾﺔ )‪.(٦٠‬‬ ‫)‪ (٣‬ﺳورة آل ﻋﻣران آﯾﺔ )‪.(١٠٥‬‬ ‫)‪ (٤‬ﺳورة اﻟﻧﺳﺎء آﯾﺔ )‪.(١٣‬‬

‫‪- ٢٨ -‬‬


‫ﻣن ﻫﻧﺎ ﻧﺟد أن ﻟزوم ﺟﻣﺎﻋﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻟﯾس ﺗرﻓﺎً وﻟﯾس أﻣـ اًر ﻗﺎﺑـل ﻟﻠﻧﻘـﺎش ﺣﺗـﻰ‬ ‫ٕوان ﻛﺎﻧ ــت ﺟﻣﺎﻋ ــﺔ اﻟﻣﺳ ــﻠﻣﯾن اﻟﻘ ــﺎﺋﻣﯾن ﻋﻠ ــﻰ ﻛﺗ ــﺎب اﷲ وﻣ ــﻧﻬﺞ رﺳ ــول اﷲ ﺻ ــﻠﻰ اﷲُ‬ ‫ـﻠم ﻟــﯾس ﻟــﻪ ﻧﺳــﯾﺞ واﺣــد ﻣﺗﻛﺎﻣــل؛ وﻋﻠــﻰ ﻛــل ﻣﺳــﻠم أن ﯾﻠــﺗﻣس ﺟﻣﯾــﻊ اﻷﺳــﺑﺎب‬ ‫ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫ﺷر‪.‬‬ ‫اﻟﻣﻘرﺑﺔ ﻟﻠﻘﻠوب وﻧﺑذ اﻟﻌداوات واﻟﺿﻐﺎﺋن اﻟﺗﻲ ﻻ ﺗﻛﺳب إﻻ ًا‬

‫وﯾﺟــدر ﺑﻧــﺎ وﻧﺣــن ﻓــﻲ ﻫــذا اﻟﺷــﺄن أن ﻧــذﻛر ﻣﺟﻣوﻋــﺔ ﻣــن اﻟــدرر اﻟﻧﺑوﯾــﺔ اﻟﺗــﻲ ﯾﻧــدر أن‬ ‫ﻧﺟد ﻣﺛﯾل ﻟﻬﺎ ﻟﻧﺑﻲ ﻣن أﻧﺑﯾﺎء اﷲ ﺻﻠوات اﷲ وﺳﻼﻣﻪ ﻋﻠﯾﻬم أﺟﻣﻌﯾن‪:‬‬ ‫ـﻠم ﻓــﻲ ﺣــدﯾث أﺑــﻲ اﻟــدرداء‪» :‬أﻻ أﺧﺑــرﻛم ﺑﺄﻓﺿــل ﻣــن‬ ‫‪ ‬ﻗوﻟــﻪ ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫درﺟــﺔ اﻟﺻــﻼة واﻟﺻــﯾﺎم واﻟﺻــدﻗﺔ«؟ ﻗــﺎﻟوا‪ :‬ﺑﻠــﻰ ﯾــﺎ رﺳــول اﷲ‪ ،‬ﻗــﺎل‪» :‬إﺻــﻼح‬ ‫ذات اﻟﺑﯾن ﻓﺈن ﻓﺳﺎد ذات اﻟﺑﯾن ﻫﻲ اﻟﺣﺎﻟﻘﺔ«)‪.(١‬‬ ‫وﺳﻠم ﻓﻲ اﻟﺣدﯾث اﻟذي أﺧرﺟـﻪ أﺣﻣـد وأﺑـو داود أن اﻟﻧﺑـﻲ‬ ‫‪ ‬ﻗوﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫ْ‬ ‫ـﻠم ﻗــﺎل‪» :‬ﻻ ﯾﺣــل ﻟﻣﺳــﻠم أن ﯾﻬﺟــر أﺧــﺎﻩ ﻓــوق ﺛــﻼث ﻓﻣــن‬ ‫ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫)‪(٢‬‬

‫ﻫﺟر ﻓوق ﺛﻼث ﻓﻣﺎت دﺧل اﻟﻧﺎر«‬

‫‪ ‬وﻗوﻟــﻪ ﻓــﻲ ﺣــدﯾث أﺑــﻲ ﺧ ـراش اﻟﺳــﻠﻣﻲ اﻟــذي أﺧرﺟــﻪ أﺑــو داود‪ ،‬أﻧــﻪ ﺳــﻣﻊ اﻟﻧﺑــﻲ‬ ‫وﺳﻠم ﯾﻘـول‪» :‬دب إﻟـﯾﻛم داء اﻷﻣـم ﻗـﺑﻠﻛم اﻟﺣﺳـد واﻟﺑﻐﺿـﺎء ﻫـﻲ‬ ‫ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫ْ‬ ‫اﻟﺣﺎﻟﻘﺔ ﻻ أﻗول‪ :‬ﺗﺣﻠق اﻟﺷﻌر وﻟﻛن ﺗﺣﻠق اﻟدﯾن«)‪.(٣‬‬ ‫ـﻠم ﻗـﺎل‪» :‬ﻣـن أﻛـل‬ ‫‪ ‬ﻓﻲ ﺣدﯾث اﻟﻣﺳﺗورد ﺑن ﺷـداد أن اﻟﻧﺑـﻲ ﺻـﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳ ْ‬ ‫ﺛوﺑــﺎ‬ ‫ﺑرﺟــل ﻣﺳــﻠم أﻛﻠــﺔ ﻓــﺈن اﷲ ﯾطﻌﻣــﻪ ﻣﺛﻠﻬــﺎ ﻣــن ﺟﻬــﻧم ﯾــوم اﻟﻘﯾﺎﻣــﺔ‪ ،‬وﻣــن ﻛﺳــﺎ ً‬ ‫ﺑرﺟــل ﻣﺳــﻠم ﻓــﺈن اﷲ ﯾﻛﺳــوﻩ ﻣﺛﻠــﻪ ﻣــن ﺟﻬــﻧم‪ ،‬وﻣــن ﻗــﺎم ﺑرﺟــل ﻣﺳــﻠم ﻣﻘــﺎم ﺳــﻣﻌﺔ‬ ‫ورﯾﺎء ﻓﺈن اﷲ ﯾﻘوم ﻟﻪ ﯾوم اﻟﻘﯾﺎﻣﺔ ﻣﻘﺎم ﺳﻣﻌﺔ ورﯾﺎء« )‪.(٤‬‬

‫)‪ (١‬رواﻩ أﺑو داود )‪ (٢١٨ /٥‬ﻛﺗﺎب اﻷدب‪ ،‬واﻟﺗرﻣذي )‪ (٦٦٣ /٥‬ﻛﺗﺎب ﺻﻔﺔ اﻟﻘﯾﺎﻣﺔ‪ ،‬وﻗﺎل‪ :‬ﻫذا ﺣدﯾث ﺻﺣﯾﺢ‪.‬‬ ‫)‪ (٢‬أﺣﻣد وأﺑو داود‪ٕ (٢١٥ /٥) :‬واﺳﻧﺎدﻩ ﺻﺣﯾﺢ‪.‬‬ ‫)‪ (٣‬اﻟﺗرﻣذي‪ (٦٦٤ /٤) :‬وأﺣﻣد وذﻛرﻩ اﻟﻬﯾﺛﻣﻲ ﻓﻲ ﻣﺟﻣﻊ اﻟزواﺋد وﻋزاﻩ إﻟﻰ اﻟﺑزار وﻗﺎل‪ :‬إﺳﻧﺎدﻩ ﺟﯾد‪.‬‬ ‫)‪ (٤‬أﺑو داود )‪ٕ (١٩٥ /٥‬واﺳﻧﺎدﻩ ﺿﻌﯾف‪.‬‬

‫‪- ٢٩ -‬‬


‫ـﻠم »اﻟﻣـ ــؤﻣن ﻟﻠﻣـ ــؤﻣن ﻛﺎﻟﺑﻧﯾ ـ ــﺎن ﯾﺷـ ــد ﺑﻌﺿ ـ ــﻪ‬ ‫‪ ‬وﻓـ ــﻲ ﻗوﻟ ـ ــﻪ ﺻـ ــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾـ ــﻪ وﺳـ ـ ْ‬ ‫ﺑﻌﺿﺎً«)‪.(١‬‬ ‫وﺳﻠم »ﻻ ﯾﺣل ﻟﻠﻣﺳﻠم أن ﯾﻬﺟر أﺧﺎﻩ ﻓوق ﺛﻼث«)‪.(٢‬‬ ‫‪ ‬وﻗوﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫ْ‬ ‫وﺳﻠم ﻋﻧﻬـﺎ ﻫـﻲ إﺗﺑـﺎع ﻣـﻧﻬﺞ ﻏﯾـر ﻣـﻧﻬﺞ‬ ‫وﻣن ﻋواﻣل اﻟﻔرﻗﺔ اﻟﺗﻲ ﻧﻬﻰ ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫ْ‬ ‫ـﻠم وﻣــن‬ ‫اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن ﻣــن ﻧﺑﻌﯾــﻪ اﻟﺻــﺎﻓﯾﯾن ﻛﺗــﺎب اﷲ وﺳــﻧﺔ رﺳــوﻟﻪ ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫اﻟﻠطــﺎﺋف ﻓــﻲ ﻫــذا اﻟﺷــﺄن ﻣــﺎ ﺟــﺎء ﻓــﻲ د ارﺳــﺔ ﺑﻌﻧ ـوان اﻻﻋﺗﺻــﺎم ﺑﺣﺑــل اﷲ ﺑــﯾن اﻟواﻗــﻊ‬

‫واﻟﻣﺑﺷرات)‪:(٣‬‬ ‫ﯾﻘــول اﻹﻣــﺎم ﻣﺣﻣــد اﻟطــﺎﻫر ﺑــن ﻋﺎﺷــور ‪ :‬ﺳــﯾﺎق اﻵﯾــﺔ ﻣــؤذن ﺑﺄﻧﻬــﺎ ﺟــرت ﻋﻠـﻰ‬ ‫ﺣﺎدﺛﺔ ﺣدﺛت وأن ﻟﻧزوﻟﻬـﺎ ﺳـﺑﺑﺎً‪ ،‬وﺳـﺑب ﻧزوﻟﻬـﺎ أن اﻷوس واﻟﺧـزرج ﻛـﺎﻧوا ﻓـﻲ اﻟﺟﺎﻫﻠﯾـﺔ‬ ‫ﻗد ﺗﺧﺎذﻟوا وﺗﺣﺎرﺑوا ﺣﺗﻰ ﺗﻔﺎﻧوا وﻛﺎﻧت ﺑﯾﻧﻬم ﺣروب ﻛﺎن آﺧرﻫﺎ ﯾوم ُﺑﻌﺎث اﻟﺗـﻲ اﻧﺗﻬـت‬

‫ﻗﺑــل اﻟﻬﺟ ـرة ﺑــﺛﻼث ﺳــﻧﯾن ‪ ،‬ﻓﻠﻣــﺎ اﺟﺗﻣﻌ ـوا ﻋﻠــﻰ اﻹﺳــﻼم ازﻟــت ﺗﻠــك اﻷﺣﻘــﺎد ﻣــن ﺑﯾــﻧﻬم‬ ‫وأﺻﺑﺣوا ُﻋدة ﻟﻺﺳﻼم‪ ،‬ﻓﺳﺎء ذﻟك ﯾﻬود ﯾﺛرب‪ ،‬ﻓﻘﺎم ﺷﺎس ﺑن ﻗﯾس اﻟﯾﻬودي وﻫـو ﺷـﯾﺦ‬ ‫ﻗــدﯾم ﻣــﻧﻬم ﺑﺈرﺳــﺎل ﺷــﺎب ﯾﻬــودي ﺟﻠــس إﻟــﻰ اﻷوس واﻟﺧــزرج ُﯾ ـذﻛرﻫم ﺣــروب ُﺑﻌ ــﺎث‪،‬‬ ‫ﻓﻛﺎدوا أن ﯾﻘﺗﺗﻠـوا‪ ،‬وﻧﺎدى ﻛل ﻓرﯾق ﯾﺎ ﻟﻸوس! ﯾﺎ ﻟﻠﺧزرج‪ ،‬وأﺧـذوا اﻟﺳـﻼح‪ ،‬ﻓﺟـﺎء اﻟﻧﺑـﻲ‬

‫ـﻠم ﻓــدﺧل ﺑﯾــﻧﻬم وﻗــﺎل ‪ :‬أﺗــدﻋون اﻟﺟﺎﻫﻠﯾ ـﺔ وأﻧــﺎ ﺑــﯾن أظﻬــرﻛم ﺛــم ﻗ ـ أر‬ ‫ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ﱠِ‬ ‫ِ‬ ‫ﱠِ‬ ‫ـﺎب َﯾـ ُـرﱡدو ُﻛ ْم َﺑ ْﻌـ َـد‬ ‫ﯾن أُوﺗُـوا اْﻟﻛﺗَـ َ‬ ‫ﯾﻌ ـوا ﻓَ ِرﯾﻘ ـﺎً ﻣـ َـن اﻟــذ َ‬ ‫ﻋﻠــﯾﻬم ‪َ  :‬ﯾــﺎ أَﱡﯾﻬَــﺎ اﻟــذ َ‬ ‫آﻣُﻧ ـوا إِ ْن ﺗُط ُ‬ ‫ﯾن َ‬

‫ـﺎت اﻟﻠﱠ ِـﻪ وِﻓـﯾ ُﻛم رﺳـوﻟُﻪ وﻣـن ﯾﻌﺗَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﺻ ْـم‬ ‫ﯾﻣﺎﻧِ ُﻛ ْم َﻛ ِﺎﻓ ِرﯾن‪َ ،‬و َﻛ ْﯾ َ‬ ‫ون َوأ َْﻧﺗُ ْم ﺗُْﺗﻠَﻰ َﻋﻠَ ْﯾ ُﻛ ْم َآﯾ ُ‬ ‫ف ﺗَ ْﻛﻔُ​ُر َ‬ ‫َ ْ َ ُ ُ َ​َ ْ َْ‬ ‫إَ‬ ‫ﺻر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﱠِ‬ ‫اط ُﻣ ْﺳﺗَِﻘ ٍﯾم‪.(٤)‬‬ ‫ﺑِﺎﻟﻠﻪ ﻓَﻘَ ْد ُﻫد َ‬ ‫ي إﻟﻰ َ‬ ‫ـﻠم ﺣﺗـﻰ أﻟﻘـوا اﻟﺳـﻼح‪ ،‬وﻋـﺎﻧق ﺑﻌﺿـﻬم ﺑﻌﺿـﺎً‪،‬‬ ‫ﻓﻣﺎ ﻓرغ ﻣﻧﻬﺎ اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳ ْ‬ ‫وﻗوﻟــﻪ‪" :‬وﻣــن ﯾﻌﺗﺻــم ﺑــﺎﷲ ﻓﻘــد ُﻫ ـدي إﻟــﻰ ﺻ ـراط ﻣﺳــﺗﻘﯾم‪ ،‬أي ﻣــن ﯾﺗﻣﺳــك ﺑﺎﻟــدﯾن ﻓــﻼ‬ ‫)‪ (١‬ﺻﺣﯾﺢ اﻹﻣﺎم اﻟﺑﺧﺎري )‪.(٥٦٨٠‬‬ ‫)‪ (٢‬ﺻﺣﯾﺢ اﻹﻣﺎم ﻣﺳﻠم )‪.(٨٠٧‬‬

‫)‪ (٢‬د‪.‬ﻣﺣﻣود ﻫﺎﺷم ﻋﻧﺑر اﻻﻋﺗﺻﺎم ﺑﺣﺑل اﷲ ﺑﯾن اﻟواﻗﻊ واﻟﻣﺑﺷرات‪ ،‬اﻟﺟﺎﻣﻊ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﺳﻧﺔ ‪٢٠٠٧‬م‪ .‬ﺑﺣث‬ ‫ﻣﻧﺷور‪ ،‬ص ‪.١٦٠‬‬ ‫)‪ (٣‬ﺳورة آل ﻋﻣران ‪ :‬اﻵﯾﺗﺎن ‪.١٠١ ، ١٠٠‬‬

‫‪- ٣٠ -‬‬


‫ُﯾﺧﺷﻰ ﻋﻠﯾـﻪ اﻟﺿـﻼل‪ ،‬وﻓـﻲ ﻫـذا إﺷـﺎرة إﻟـﻰ اﻟﺗﻣﺳـك ﺑﻛﺗـﺎب اﷲ ودﯾﻧـﻪ ﻟﺳـﺎﺋر اﻟﻣﺳـﻠﻣﯾن‬ ‫ـﻠم ﻷن ذﻟــك ﻫــو اﻟﺳــﺑﯾل ﻓــﻲ ﻋﺻــﻣﺔ‬ ‫اﻟــذﯾن ﻟــم ﯾﺷــﻬدوا ﺣﯾــﺎة اﻟﻧﺑــﻲ ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن ﻣــن ﻛﯾــد أﻋــداﺋﻬم ﻣــن اﻟﻣﺷــرﻛﯾن وأﻫــل اﻟﻛﺗــﺎب اﻟــذﯾن ﯾﺣــﺎوﻟون ﺟﺎﻫــدﯾن ﻓــﻲ‬

‫ـﻠم ﻫــم ﻋﻠــﻰ‬ ‫اﻹﯾﻘــﺎع ﺑــﯾن اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن ﻛﻣــﺎ ﻛــﺎﻧوا ﯾﻔﻌﻠــون زﻣــن اﻟﻧﺑــﻲ ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫دأﺑﻬم إﻟﻰ ﯾوم اﻟﻧﺎس ﻫذا)‪.(١‬‬ ‫ﻓطﺎﻋــﺔ أﻫــل اﻟﻛﺗــﺎب ﺗﺣﻣــل ﻣﻌﻧــﻰ اﻟﻬزﯾﻣــﺔ اﻟداﺧﻠﯾــﺔ‪ ،‬واﻟﺗﺧﻠــﻲ ﻋــن دور اﻟﻘﯾــﺎدة‬ ‫اﻟــذي ﻣــن أﺟﻠــﻪ أﻧﺷــﺋت اﻷﻣــﺔ اﻟﻣﺳــﻠﻣﺔ‪ ،‬وﻫــم أﯾﺿ ـﺎً ﻻ ﯾﺣرﺻــون ﻋﻠــﻰ ﺷــﻲء ﺣرﺻــﻬم‬ ‫ﻋﻠــﻰ إﺿــﻼل ﻫــذﻩ اﻷﻣــﺔ ﻋــن ﻋﻘﯾــدﺗﻬﺎ ٕواﺛــﺎرة اﻟﻔــﺗن واﻟﻘﻼﻗ ـل ﺑــﯾن أﺑﻧﺎﺋﻬــﺎ‪ ،‬وﯾﺑــذﻟون ﻓــﻲ‬

‫وﻋ ـدة‪ ،‬وﺣــﯾن ﯾﻌﯾــﯾﻬم أن ﯾﺣــﺎرﺑوا‬ ‫ﺳــﺑﯾل ذﻟ ـك ﻛــل ﻣــﺎ ﻓــﻲ وﺳــﻌﻬم ﻣــن ﻣﻛــر وﺣﯾﻠــﺔ وﻗــوة ُ‬

‫اﻹﺳــﻼم ﺑﺄﻧﻔﺳــﻬم ﯾﺟﻧــدون ﻣــن اﻟﻣﻧــﺎﻓﻘﯾن اﻟﻣﺗظــﺎﻫرﯾن ﺑﺎﻹﺳــﻼم‪ ،‬أو ﻣﻣــن ﯾﻧﺗﺳــﺑون زو اًر‬

‫إﻟﯾـﻪ ﻟﺗﻧﺧــر ﻟﻬــم ﻓــﻲ ﺟﺳــﻣﻪ وﺟﺳــم أﺗﺑﺎﻋـﻪ ﻣــن داﺧــل اﻟــدار‪ ،‬ﻓﺎﻻﻋﺗﺻــﺎم ﺑــﺎﷲ واﻻﻟﺗﻔــﺎف‬ ‫ﺣول دﯾﻧﻪ واﻟﺗﻣﺳك ﺑﻛﺗﺎﺑﻪ واﻟوﺛـوق ﺑوﻋـدﻩ ﯾﻌﺻـم اﻷﻣـﺔ ﻣـن ﻣﻛﺎﯾـدﻫم وﻣﺧططـﺎﺗﻬم ٕواذا‬

‫ـﻠم ﻗــد اﺳــﺗوﻓﻰ أﺟﻠــﻪ‪ ،‬واﺧﺗــﺎر اﻟرﻓﯾــق اﻷﻋﻠــﻰ‪ ،‬ﻓــﺈن‬ ‫ﻛــﺎن رﺳــول اﷲ ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫ـﻠم ﺑــﺎق‪ ،‬وﻧﺣــن اﻟﯾــوم ﻣﺧــﺎطﺑون‬ ‫آﯾــﺎت اﷲ ﺑﺎﻗﯾــﺔ‪ ،‬وﻫــدي رﺳــول اﷲ ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫ﺑﻬذا اﻟﻘرآن ﻛﻣﺎ ُﺧوطب ﺑﻪ اﻷوﻟون‪ ،‬وطرﯾق اﻟﻌﺻﻣﺔ ّﺑﯾن وﻟـواء اﻟﻌﺻﻣﺔ ﻣرﻓـوع‪ ،‬وﻣـن‬

‫ﯾﻌﺗﺻم ﺑﺎﷲ ﻓﻘد ﻫدي إﻟﻰ ﺻراط ﻣﺳﺗﻘﯾم)‪.(٢‬‬

‫ﻓﻣــﺎ ﻓﻌﻠــﻪ ﺷــﺎس اﻟﺷــﯾﺦ اﻟﯾﻬــودي ﯾﻔﻌﻠــﻪ اﻟﯾﻬــود اﻟﯾــوم وﻏﯾــرﻫم ﻣــن ﻣـ ّـن ﻻ ﯾرﯾــدون‬

‫ﻟﻠﺣﻣــﺔ ﻫــذﻩ اﻷﻣــﺔ أن ﺗﻠﺗــﺋم ﯾﻔﻌﻠــون ذﻟــك ﻣــن ﺧــﻼل إﺛــﺎرة اﻟﻧﻌ ـرات ﻓــﻲ وﺳــﺎﺋل اﻹﻋــﻼم‬ ‫ﻣن ﻫـم؛‬ ‫ﻗدﯾﻣﺎ ﻧﺎدى ﻣﻧﺎدي اﻟﻔﺗﻧﺔ ﻗﺎﺋﻼً ﯾﺎ ﻟﻸوس! ﯾﺎ ﻟﻠﺧزرج‪ ،‬وﻫم ّ‬ ‫اﻟﻣﺳﻣوﻣﺔ ٕوان ﻛﺎن ً‬ ‫ﻫ ـ ُـم اﻟ ــذﯾن أووا وﻧﺻ ــروا اﻟﻣﻬ ــﺎﺟرﯾن وﻫ ـ ُـم اﻟ ــذﯾن اﻗﺗﺳ ــﻣوا اﻟﻣ ــﺎل واﻟ ــدﯾﺎر وﺑ ــذﻟوا اﻟ ــﻧﻔس‬

‫ـﻠم؛ ﻓﻛﯾـف ﺑﻧــﺎ وﻧﺣـن اﻟﺟﯾــل‬ ‫واﻟﻧﻔـﯾس ﺣﺑـﺎً ﻟـدﯾن اﷲ وﻧﺻـرة ﻟرﺳــوﻟﻪ ﺻـﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـ ْ‬ ‫)‪ (١‬اﻟﺗﺣرﯾر واﻟﺗﻧوﯾر ‪ ،‬م‪ ، ٣‬ج‪ ، ٤‬ص‪ " ، ٢٨‬ﺑﺗﺻرف"‪.‬‬ ‫)‪ (٢‬اﻧظر‪ :‬ﻣﺣﻣد اﻷﻣﯾن ﺑن ﻣﺣﻣد ﺑن اﻟﻣﺧﺗﺎر اﻟﺟﻛﻧﻲ اﻟﺷﻧﻘﯾطﻲ‪ ،‬أﺿواء اﻟﺑﯾﺎن ﻓﻲ إﯾﺿﺎح اﻟﻘرآن ﺑﺎﻟﻘرآن‪،‬‬ ‫ﻣﻛﺗب اﻟﺑﺣوث واﻟدراﺳﺎت‪ ،‬دار اﻟﻔﻛر ﻟﻠطﺑﺎﻋﺔ واﻟﻧﺷر ‪ -‬ﺑﯾروت ‪١٩٩٥‬م‪ ،‬ص‪.٢٩٥‬‬

‫‪- ٣١ -‬‬


‫اﻟﺿﻌﯾف اﻟﻬزﯾل ﻣن أﺟﯾﺎل اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻧﺣن ﻻ ﻧﻣﻠك ﻗـوة ﻋﻘﯾـدﺗﻬم وﻻ ﺣـﺑﻬم ﻟرﺳـول اﷲ‬ ‫ـﻠم وﻻ ﻗــدرﺗﻬم ﻋﻠــﻰ اﻟﺑــذل واﻟﻌطــﺎء‪ ،‬ورﻏــم ذﻟــك ﻧﺳــﻣﻊ ﻟﻣﺋــﺎت ﻣﺛــل‬ ‫ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫ﺷــﺎس اﻟﺷــﯾﺦ اﻟﯾﻬــودي وأﺗﺑﺎﻋــﻪ ﻣــن ﯾطــل ﻋﻠﯾﻧــﺎ ﻣــن وﺳــﺎﺋل إﻋــﻼم اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن وﻣﻧــﺎﺑر‬ ‫وﯾﺿــﺧم ﻟﻧــﺎ أﺧطــﺎء ﺑﻌﺿــﻧﺎ ﺣﺗــﻰ ﻧﺳــﯾﻧﺎ ﻣﺣﺎﺳــﻧﻧﺎ‬ ‫اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن ﺛــم ﯾــذﻛرﻧﺎ ﺑﺛــﺎرات ﻗدﯾﻣــﺔ ُ‬ ‫وﺗذﻛرﻧﺎ ﻣﺳﺎوﺋﻧﺎ ﻓﺻرﻧﺎ ِﻓرق ﻛل ِﻓرﻗﺔ ﻛﺎﻟطود اﻟﻌظﯾم وﻣﺎ ﻫو ﺑﻌظـﯾم إن ﻫـو إﻻ ﻛﻐﺛـﺎء‬ ‫اﻟﺳﯾل واﻟﻛم اﻟﻣﻬﻣل ﻓﻘوة ﻫذﻩ ِ‬ ‫اﻟﻔرق ﻻ ﺗرﻫب ﻋدو وﻻ ﺗُﺳﻌد ﺻدﯾق إﻻ ﻣن رﺣم رﺑﻲ‪.‬‬

‫‪- ٣٢ -‬‬


‫اﻟﻣﺑﺣث اﻟﺛﺎﻧﻲ‬ ‫ﺗﻔرق اﻷﻣﺔ ﺑﻌد اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻟراﺷدة واﺳﺗﻣرار ﻫذا اﻟﺗﻔرق‬ ‫ﻛﺎﻧت اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻟراﺷدة اﻣﺗداد ﻟﻌﺻر اﻟرﺳﺎﻟﺔ اﻟﺧﺎﻟدة ﻋﻠﻰ ﺻـﺎﺣﺑﻬﺎ أﺗـم اﻟﺻـﻼة‬ ‫ـﻠم ﺑ ــﯾن أظﻬ ــر‬ ‫وأزﻛ ــﻰ اﻟﺗﺳ ــﻠﯾم وﻛﻣ ــﺎ ﻧﻌﻠ ــم ﻓﻘ ــد ﻋ ــﺎش اﻟرﺳ ــول ﺻ ــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾ ــﻪ وﺳ ـ ْ‬ ‫ﺻــﺣﺎﺑﺗﻪ وﻫــم ﯾﻌﻠﻣــون أﻧــﻪ ﻧﺑــﻲ ﯾﺄﺗﯾــﻪ اﻟــوﺣﻲ ﻣــن اﻟﺳــﻣﺎء ﻓﺗـرة ﺛﻼﺛــﺎ وﻋﺷـرﯾن ﺳــﻧﺔ ﻫــذﻩ‬ ‫وﯾرﺑــﻲ ﻓــﯾﻬم‬ ‫ـوم اﻟﻣﻌــوج وﯾﻧﺻــﺢ ُ‬ ‫اﻟﻔﺗـرة اﻟﺻــﻐﯾر اﻟﻘﻠﯾﻠــﺔ ﻓــﻲ ﻋﻣــر اﻟزﻣــﺎن ﻋــﺎش ﺑﯾــﻧﻬم ُﯾﻘـ ُ‬ ‫ﻛـل اﻟﻘـﯾم اﻹﺳـﻼﻣﯾﺔ ُﯾرﺑـﻲ ﻓـﯾﻬم ﻛـل ﻣـﺎ ﻣــن ﺷـﺄﻧﻪ أن ُﯾﻘـﯾم أﻣـﺔ اﻹﺳـﻼم وﻫـو ﺣـﻲ ﺑﯾــﻧﻬم‬

‫وﺑﻌد أن ُﯾرﻓﻊ إﻟﻰ اﻟرﻓﯾق اﻷﻋﻠﻰ‪ ،‬واﻣﺗد ﻋﺻر اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻟراﺷدة ﻟﻣدة ﺛﻼﺛﯾن ﺳﻧﺔ ﻓﻛـﺎن‬ ‫ﻣﺟﻣ ــوع ذﻟ ــك اﺛﻧ ــﯾن وﺧﻣﺳ ــﯾن ﺳ ــﻧﺔ وﻫ ــﻲ ﻓﺗـ ـرة ﻛﺎﻓﯾ ــﺔ ﻓﯾﻣ ــﺎ أرى ﻟﻛ ــﻲ ﯾوﻟ ــد ﺟﯾﻠ ــﯾن ﻣ ــن‬ ‫اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن وﻟﺣﻛﻣــﺔ ﯾﻌﻠﻣﻬــﺎ اﷲ وﺣﺳــب ﻣــﺎ ﻧــرى‪ -‬واﷲ أﻋﻠــم ‪ -‬أن ﻫــذﻩ اﻟﻣــدة ﻛﺎﻓﯾــﺔ ﻷن‬ ‫ـﻠم ﺛــم ﯾﺗﻧﺎﺳــل ﻣﻧــﻪ ﺟﯾــل آﺧــر‬ ‫ﯾﺗرﺑــﻰ اﻟﺟﯾــل اﻟــذي ﻋﺎﺻــر اﻟرﺳــول ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫ـﻠم أو ﻋﻠــﻰ‬ ‫وﯾﺗرﺑــﻰ ﻓــﻲ ﺑﯾﺋــﺔ اﻟــوﺣﻲ ﺳ ـواء ﺗرﺑــﻲ ﻋﻠــﻰ ﯾــد اﻟرﺳــول ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫ﺻــﻧﻌﺎن‬ ‫أﯾــدي اﻟﺧﻠﻔــﺎء اﻟ ارﺷــدﯾن رﺿــﻲ اﷲ ﻋــﻧﻬم أﺟﻣﻌــﯾن‪ ،‬ﻓﯾﻌــﯾش ﻫــذان اﻟﺟــﯾﻼن ُ‬ ‫وﯾ ْ‬ ‫وﺗﻌﻠﯾﻣـﺎ‪،‬‬ ‫وﺗﻌﻠﻣـﺎ‬ ‫وﺳﻠم إﯾﻣﺎﻧﺎ ٕواﺳـﻼﻣﺎ وﺗﺳـﻠﯾﻣﺎ‪،‬‬ ‫ﻋﻠﻰ ﻋﯾن اﻟﻧﺑﻲ اﻟﻛرﯾم ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ـﺎدا وﺳــﻠو ًﻛﺎ‪ ،‬ﻓﺑﻬــذا ﯾﻛــون ﻗــد ﺣﻘــق اﷲ ﻟﻬــذا اﻟــدﯾن أن ﯾﺗﺧــرج ﻣــن ﻣدرﺳــﺔ اﻟﻧﺑــوة‬ ‫واﻋﺗﻘـ ً‬

‫واﻟﺧﻼﻓــﺔ اﻟ ارﺷــدة ﺟــﯾﻼن ﺑﺷـرﯾﺎن ﻋﻠــﻰ أﻗــل ﺗﻘــدﯾر ﯾﺣﻣــﻼن اﻟــدﯾن اﻟﺣــق‪ ،‬ﻻ ﯾﻌرﻓــﺎن إﻻ‬ ‫اﻹﺳــﻼم اﻟﺻــﺣﯾﺢ واﻻﻋﺗﻘــﺎد اﻟﻣواﻓــق ﻟﻠﺣــق‪ ،‬وﻻ ﯾﺳــﻠﻛﺎن إﻻ طرﯾــق اﻟﻬــدى‪ ،‬ﺧﺎﻟﯾــﺎن ﻣــن‬ ‫ﻛــل دﻏــل وﺧطــل‪ ،‬ﻛﯾــف ﻻ وﻫــم أﺻــﻼ ﻓــﻲ ﺑﯾﺋــﺔ ﻟـم ﺗﻌــرف اﻟﺳﻔﺳــطﺔ اﻟﻔﻠﺳــﻔﯾﺔ اﻟﻌﻘﯾﻣــﺔ‪،‬‬ ‫وﻟم ﯾﺗﻠوث ﻫذان اﻟﺟﯾﻼن ﺑﺄي ﻣﻠوﺛﺎت ﻓﻛرﯾﺔ أو ﻋﻘﺎﺋدﯾﺔ)‪.(١‬‬ ‫ﻛﺎﻓﯾـ ـﺎ ﻟﺗطﺑﯾ ــق اﻹﺳ ــﻼم ﺑﻛ ــل ﺗﻔﺎﺻ ــﯾﻠﻪ‬ ‫ﻛﻣ ــﺎ إن ﻋﺻ ــر اﻟرﺳ ــﺎﻟﺔ واﻟﺧﻼﻓ ــﺔ ﻛ ــﺎن ً‬

‫وﺷــﻌﺎﺋرﻩ وأﺧﻼﻗـﻪ وﻫدﯾــﻪ‪ ،‬ﺑــل ﻫــذﻩ اﻟﻣــدة ﻛﻔﯾﻠــﺔ ﺑــﺄن ﺗظﻬــر ﻓﯾﻬــﺎ ﻛــل اﻟﺣــﺎﻻت اﻟﻣﺣﺗﻣﻠــﺔ‬ ‫ﻣن اﻧﺣراف أو ﻏﻠو أو إﻓراط أو ﺗﻔرﯾط أو ﺧطﺄ ﻣـردﻩ إﻟـﻰ اﻟﺿـﻌف اﻟﺑﺷـري ﺳـواء ﻛـﺎن‬ ‫)‪ (١‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ﻣﺣﻣد اﻷﻣﯾن ﺑن ﻣﺣﻣد ﺑن اﻟﻣﺧﺗﺎر اﻟﺟﻛﻧﻲ اﻟﺷﻧﻘﯾطﻲ‪ ،‬ص‪.١٢٠‬‬

‫‪- ٣٣ -‬‬


‫ﻫذا اﻟﺧطﺄ ﻧﺗﯾﺟﺔ ﺷﻬوة أو ﺷﺑﻬﺔ‪ ،‬وﻫذﻩ اﻟﻣدة ﻛﺎﻓﯾﺔ ﻟﺗﻘوﯾم ﻛل اﻋوﺟـﺎج‪ ،‬ورد ﻛـل ﺷـﺑﻬﺔ‬ ‫أو ﺷﻬوة ﺧﻔﯾﺔ أو ظﺎﻫرة‪ ،‬وﻟذا ﻗﻠﻣﺎ ﺗﺟد ﺷـﺑﻬﺔ أو اﻧﺣ ارﻓًـﺎ ظﻬـر ﻓـﻲ اﻷﻣـﺔ ﻓﯾﻣـﺎ ﺑﻌـد إﻻ‬

‫وﺗﺟد أﺻﻠﻪ أو ﻗرﯾﺑﺎً ﻣﻧﻪ ظﻬر ﻓﻲ ﻋﺻر اﻟرﺳـﺎﻟﺔ واﻟﺧﻼﻓـﺔ‪ ،‬وﻻ ﯾﺧﻔـﻰ أن ﺑـوادر اﻟﻐﻠـو‬ ‫ﻓــﻲ اﻟــدﯾن واﻹرﺟــﺎء واﻟﺗﺷــﯾﻊ ٕواﻧﻛــﺎر اﻟﻘــدر ظﻬــرت ﻓــﻲ ﻫــذا اﻟﻌﺻــر اﻟﻌظــﯾم ‪ -‬ﻓﻛﺎﻧــت‬ ‫ـﻠم‪ ،‬أو ﺗﺣــت ﻋــﯾن اﻟﺧﻠﻔــﺎء‬ ‫اﻟﻣﻌﺎﻟﺟــﺔ إﻣــﺎ ﺗﺣــت ﻋــﯾن اﻟﻧﺑــﻲ اﻟﻛـرﯾم ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫اﻟراﺷدﯾن رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬم وأرﺿﺎﻫم أو ﺗﺣت ﻋـﯾن ﺟﻣﻬـور اﻟﺻـﺣﺎﺑﺔ اﻷطﻬـﺎر اﻷﺧﯾـﺎر‬

‫رﺿ ـوان اﷲ ﻋﻠــﯾﻬم أﺟﻣﻌــﯾن‪ ،‬ﻓﻛــﺎن ﻫــذا اﻟﺗﻘــوﯾم واﻟﻌــﻼج ﺧﯾــر ﻗــدوة ﻟﻣــن أﺗــﻰ ﺑﻌــد ﻫــذا‬ ‫اﻟﻌﺻــر اﻟ ازﻫــر‪ ،‬وﻟــذا ﻛﺎﻧــت ُﺳـﻧﺔ اﻟﺧﻠﻔــﺎء ﻓــﻲ ﻣﻌﺎﻟﺟــﺔ اﻻﻧﺣـراف ﻫــﻲ اﻟﺳــﻧﺔ اﻟﺗــﻲ ﺳــﺎر‬ ‫ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻣ ْن ﺑ ِ‬ ‫ﻌدﻫم‪.‬‬ ‫َّ َ‬ ‫ﻫذﻩ اﻟﻣدة ﻛﺎﻓﯾﺔ ﻷن ﺗﺗرﺑﻰ أﻣﺔ اﻟﺗوﺣﯾد اﻟﺧـﺎﻟص واﻟﻣـﻧﻬﺞ اﻟرﺑـﺎﻧﻲ ﺗرﺑﯾـﺔ إﯾﻣﺎﻧﯾـﺔ‬ ‫راﺷدة ﻋﻠـﻰ اﻟـوﺣﻲ‪ ،‬وﺗﺗﺳـﺎﺑق ﻓـﻲ اﻟﺑـذل واﻟﻌطـﺎء ﻣـن أﺟﻠـﻪ‪ ،‬وﺗُﻌـﺎﻟﺞ ﻓـﻲ ﻫـذﻩ اﻟﻣـدة ﻛـل‬ ‫اﻟﻧـوازع اﻟﺳــﯾﺋﺔ ﻓــﻲ اﻟــﻧﻔس اﻟﺑﺷـرﯾﺔ‪ ،‬ﺣﺗــﻰ إذا اﻧﺗﻬــت ﻫــذﻩ اﻟﻣــدة ﻓــﺈذا ﻫــو ﻗــد ﺗﺧــرج ﻓﯾﻬــﺎ‬

‫آﻻف اﻟﺑﺷــر وﻛﺄﻧﻣــﺎ ُﺧﻠﻘ ـوا ﺧﻠﻘً ـﺎ آﺧــر ﺑــﺎﻟوﺣﻲ وﺑﺎﻟﺗرﺑﯾــﺔ ﻋﻠــﻰ ﯾــد اﻟرﺳــول ﺻــﻠﻰ اﷲُ‬ ‫روﺣـﺎ ﻣـن أﻣـر‬ ‫ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫وﺳﻠم وﻋﻠﻰ أﯾدي ﺧﻠﻔﺎﺋﻪ اﻟﻛرام رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬم‪ .‬ﻓﻠﻘد ﻛـﺎن اﻟـوﺣﻲ ً‬ ‫ْ‬ ‫اﷲ ﻓﺎﻟﺑﺷـر اﻟـذﯾن ﯾــدﺧﻠون دﯾـن اﷲ ﯾﺗﺣوﻟـون إﻟــﻰ ﺑﺷـ اًر آﺧـرﯾن‪ .‬ﻓﺎﻟﺑﺷــر اﻟـذﯾن ﻛـﺎﻧوا ﻓــﻲ‬

‫ﻣﻛ ــﺔ واﻟﻣدﯾﻧـ ــﺔ ﺣﯾـ ــث ﻛـ ــﺎن ﯾﺳﺗﺿـ ــﻌﻔﻬم اﻟﻔُـ ـرس واﻟـ ــروم وﻻ ﯾروﻣ ــون ﻷﻧﻔﺳـ ــﻬم ُﻣﻠﻛـ ــﺎ أو‬ ‫ﻧظﺎﻣ ــﺎ‪ -‬ﺗزﻛ ــو أﻧﻔﺳ ــﻬم‪ ،‬وﺗرﺗﻘ ــﻲ أﺧﻼﻗﻬ ــم‪ ،‬وﺗﺗﻬ ــذب طﺑ ــﺎﺋﻌﻬم‪ ،‬وﯾﻘﯾﻣ ــون ﺧﻼﻓ ــﺔ ارﺷ ــدة‬ ‫وﯾﺳوﺳــون اﻟﻌﺑــﺎد واﻟ ــﺑﻼد وﯾﺻ ــﺎرﻋون أﻋﺗــﻰ اﻟــدول ُﻋ ـدة وﻋﺗ ــﺎدا‪ ،‬وﻟﻣــﺎ ﺗوﺳــﻌت داﺋـ ـرة‬

‫ـداء‬ ‫اﻟﻔﺗوﺣ ـﺎت اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ ﺑﻬــر ﻫــؤﻻء اﻟرﺟــﺎل اﻷﻣــم اﻟﺗــﻲ ﻗﺻــدوﻫﺎ ﻓﺄﺳــﻠﻣت اﻟﺟﻣــوع اﻗﺗـ ً‬ ‫ﺑﻬـ ــذﻩ اﻟﻧﻣـ ــﺎذج اﻹﯾﻣﺎﻧﯾـ ــﺔ اﻟراﺋﻌـ ــﺔ‪ .‬ﻓﻛﺎﻧـ ــت طﺑـ ــﺎﺋﻊ اﻟرﺟـ ــﺎل وأﺧـ ــﻼق اﻟرﺟـ ــﺎل اﻟﻣﺳـ ــﻠﻣﯾن‬ ‫اﻟﻣوﺣــدﯾن ﺗﻐــزوا اﻟﻘﻠــوب واﻟﻌﻘــول وﺗُﺳــﯾطر ﻋﻠﯾﻬــﺎ ﻗﺑــل أن ﯾﻧﺳــل ﺳــﯾف أو ﺗﺻــﯾﺢ ﻓــرس‬ ‫أو ﺗوﺟف ﻋﻠﯾﻬﺎ ﺧﯾل وﻻ رﻛـﺎب ﻓـﻲ ﺗﻠـك اﻟـﺑﻼد اﻟﻣﻔﺗوﺣـﺔ‪ ،‬ﻓـﺈذا ﺑﻬـذﻩ اﻟﺳـﯾوف اﻟﻣﺷـرﻋﺔ‬

‫وﻧﻔوﺳﺎ ﻗﺎﺣﻠـﺔ ﺗرﯾـد أن ﺗﺷـرب ﻣـن ﻧﺑـﻊ اﻹﺳـﻼم ﻓـﻲ ﻣﻘﺎﺑـل ﺷـراﺋﻊ ﺑﺎﻟﯾـﺔ‬ ‫ﺗﺟد ﻗﻠوﺑﺎً ﺧﺎﻟﯾﺔ‬ ‫ً‬ ‫ﯾﺳﻬل اﺳﺗﺑداﻟﻬﺎ ﺑﺷرﯾﻌﺔ رب اﻟﻌﺑﺎد‪.‬‬ ‫‪- ٣٤ -‬‬


‫وﻟــم ﯾﻛــن ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﺔ وﺳــﻠم ﻓﺎرﺳ ـﺎً ﻣﻐ ـوا اًر وﻗﺎﺋــدة ﻋﺳــﻛرﯾﺎً ﯾؤﺳــس اﻟﺟﯾــوش‬ ‫ـﻠم ﻛــذﻟك‬ ‫وﯾﺿــﻊ اﻟﻘ ـواﻧﯾن وﯾؤﺳــس اﻹﻣﺑراطورﯾــﺎت ﻓﻘــط‪ ،‬ﻟــم ﯾﻛــن ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫أﻧﻔﺳـﺎ وﯾﺻـﻧﻊ رﺟـﺎﻻً أدواﺗـﻪ ﻓـﻲ ذﻟـك ﻛﺗـﺎب اﷲ وﺳـﻧﺗﻪ‪ .‬ﻟـذﻟك ﻧـرى أن‬ ‫وﻟﻛﻧـﻪ ﻛـﺎن ُﯾرﺑـﻲ ً‬

‫ـﻠم ﻟ ــم ﯾ ــؤﺛر ﻓﻘ ــط ﻓ ــﻲ اﻟﺟﯾ ــوش واﻟﺗﺷـ ـرﯾﻌﺎت‬ ‫ﻫ ــذا اﻟرﺟ ــل ﻣﺣﻣ ــداً ﺻ ــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾ ــﻪ وﺳ ـ ْ‬ ‫واﻹﻣﺑراطورﯾــﺎت واﻟﺷــﻌوب واﻷﺳــر اﻟﺣﺎﻛﻣــﺔ؛ وﻟﻛﻧــﻪ أﺛــر أﯾﺿــﺎ ﻓــﻲ ﻣﻼﯾــﯾن اﻟرﺟــﺎل‪ ،‬ﺑــل‬ ‫أﻛﺛر ﻣن ذﻟك ﻓﻘد أزاح ﻣذاﺑﺢ اﻟﻛﻧﺎﺋس وﻏﯾرﻫﺎ ﻣن اﻷﻧﺻﺎب واﻵﻟﻬﺔ واﻷدﯾـﺎن واﻷﻓﻛـﺎر‬ ‫واﻟﻣﻌﺗﻘدات اﻟزاﺋﻔﺔ واﻷﻧﻔس اﻟظﺎﻟﻣﺔ)‪.(١‬‬ ‫وﻗــد اﺧــﺗص اﷲ أﻫــل ﻫــذا اﻟﻌﺻــر ﺑﺧﺻــﺎﺋص ﻋظﯾﻣــﺔ ﻓــﻲ اﻟﺗﺻــدﯾق واﻹﺗﺑــﺎع‬ ‫واﻟﺑـذل واﻟﺗﺿـﺣﯾﺔ واﻟﺟﻬــﺎد واﻟﺗﺳـﻠﯾم واﻹﯾﻣــﺎن‪ ،‬ﺑـل ﯾﻛﻔــﻲ ذاك اﻟزﻣـﺎن أﻧـﻪ ﺗﻌطّـر ﺑﺄﻧﻔــﺎس‬ ‫ـﻠم‪ ،‬واﻓﺗﺧـر ﺑـﺄن ﻋـﺎش ﻓﯾـﻪ ﺧﯾـﺎر ﺧﻠـق اﷲ ﺑﻌـد اﻷﻧﺑﯾـﺎء‬ ‫اﻟﻣﺻطﻔﻰ ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳ ْ‬ ‫ـﻠم ورﺿ ــﻲ اﷲ ﻋـ ــﻧﻬم أﺟﻣﻌ ــﯾن‪ ،‬وﻣﻣـ ــﺎ‬ ‫وﻫ ــم ﺻ ــﺣﺎﺑﺔ رﺳ ــول اﷲ ﺻـ ــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾ ــﻪ وﺳـ ـ ْ‬ ‫اﺧﺗص اﷲ ﺑﻪ أوﻟﺋك اﻟﻘوم أﻣور ﻻ ﯾﺣﺻـﯾﻬﺎ ﺣﺻـر أو ﻋ ّـد ﻟﻛـن ﻧـذﻛر ﻣﻧﻬـﺎ ﻣـﺎ ﯾﺗطﻠﺑـﻪ‬ ‫ﻫذا اﻟﻣوﺿوع ﻓﻣن ذﻟك‪:‬‬

‫ـﻠم ﺣﯾــث ﻗــﺎل‪َ ):‬ﺧ ْﯾ ُر‬ ‫اﻷول‪ :‬أﻧﻬــم أﻓﺿــل اﻟﻘــرون ﺑﺷــﻬﺎدة اﻟرﺳــول ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫ﱠِ‬ ‫ﱠِ‬ ‫اﻟﱠﻧـ ِ‬ ‫ـوﻧﻬُ ْم()‪ .(٢‬ﻗــﺎل اﻟﻧــووي رﺣﻣــﻪ اﷲ‪) :‬وأن ﻗوﻟــﻪ‬ ‫ﯾن َﯾﻠُـ َ‬ ‫ﯾن َﯾﻠُـ َ‬ ‫ـوﻧﻬُ ْم ﺛُـ ﱠم اﻟــذ َ‬ ‫ـﺎس ﻗَ ْرﻧِــﻲ ﺛ ـ ﱠم اﻟــذ َ‬

‫ـﻠم‪" :‬ﺧﯾــرﻛم ﻗرﻧــﻲ" ﻋﻠــﻰ اﻟﺧﺻــوص ﻣﻌﻧــﺎﻩ ﺧﯾــر اﻟﻧــﺎس ﻗرﻧــﻲ أي‬ ‫ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫اﻟﺳﺎﺑﻘون اﻷوﻟون ﻣن اﻟﻣﻬـﺎﺟرﯾن واﻷﻧﺻـﺎر وﻣـن ﺳـﻠك ﻣﺳـﻠﻛﻬم‪ ،‬ﻓﻬـؤﻻء أﻓﺿـل اﻷﻣـﺔ‪،‬‬ ‫اﻟﻣرادون ﺑﺎﻟﺣـدﯾث()‪ ،(٣‬ﺑـل ﻫـذا اﻟﻘـرن ﻫـم ﺧﯾـر اﻟﻧـﺎس ﻛﺎﻓـﺔ ﻣﻧـذ ﺧﻠـق اﷲ آدم إﻟـﻰ‬ ‫وﻫم ُ‬ ‫أن ﺗﻘــوم اﻟﺳــﺎﻋﺔ ﻻ ﻛــﺎن وﻻ ﯾﻛــون ﻣــﺛﻠﻬم ﺑﻌــد اﻷﻧﺑﯾــﺎء ﻗــﺎل ﺷ ــﯾﺦ اﻹﺳــﻼم اﺑــن ﺗﯾﻣﯾــﺔ‬

‫ِ‬ ‫ِ​ِ ٍ‬ ‫رﺣﻣ ــﻪ اﷲ‪) :‬وﻣ ــن َﻧظَ ــر ِﻓ ــﻲ ِﺳ ـ ِ‬ ‫ـﯾرٍة‪َ ،‬و َﻣ ــﺎ َﻣ ـ ﱠـن اﷲُ َﻋﻠَ ـ ْـﯾ ِﻬم ﺑِ ـ ِـﻪ ِﻣ ـ َـن‬ ‫ـﯾرة اْﻟﻘَ ـ ْـوِم ﺑﻌ ْﻠ ــم َوَﺑﺻ ـ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ​َ‬

‫)‪ (١‬اﻟرﺳول اﻷﻋظم ﻓﻲ ﻣرآة اﻟﻐرب‪ ،‬ﻋﺑد اﻟراﺿﻲ ﻣﺣﻣد ﻋﺑد اﻟﻣﺣﺳن‪. ٩٩ ،‬‬ ‫)‪ (٢‬ﺻﺣﯾﺢ اﻟﺑﺧﺎري ‪ ،٢٢٤/٣‬وﺻﺣﯾﺢ ﻣﺳﻠم ‪.١٨٤/٧‬‬ ‫)‪ (٣‬ﺷرح اﻟﻧووي ﻋﻠﻰ ﻣﺳﻠم ‪.١٣٨/٣‬‬

‫‪- ٣٥ -‬‬


‫ِ‬ ‫ﺿــﺎﺋِ ِل؛ َﻋﻠِــم َﯾ ِﻘ ًﯾﻧــﺎ أَﱠﻧﻬُـ ْـم ِﺧ ْﯾـ ُـر اْﻟ َﺧ ْﻠ ـ ِ‬ ‫ـون ِﻣ ـ ْﺛﻠُﻬُ ْم‪َ ،‬وأَﱠﻧﻬُـ ُـم‬ ‫اْﻟﻔَ َ‬ ‫ـﺎن َوﻻ َﯾ ُﻛـ ُ‬ ‫ق َﺑ ْﻌـ َـد اﻷ َْﻧﺑَِﯾــﺎء؛ ﻻَ َﻛـ َ‬ ‫َ‬ ‫ون ﻫ ِذ ِﻩ اﻷُ ﱠﻣ ِﺔ اﻟﱠﺗِﻲ ِﻫﻲ َﺧﯾر اﻷُﻣِم وأَ ْﻛرﻣﻬﺎ ﻋﻠَﻰ ِ‬ ‫اﻟ ﱠ ِ‬ ‫اﷲ()‪.(١‬‬ ‫ﺻ ْﻔ َوةُ ﻣ ْن ﻗُ​ُر ِ َ‬ ‫َ ُْ َ َ َ ُ َ َ‬ ‫اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ :‬أﻧﻬم ﻋدول ﺛﻘﺎت ﺣﺎزوا ﻣن اﻹﯾﻣﺎن أﻓﺿﻠﻪ وأﻛﻣﻠﻪ وأوﻓﺎﻩ ﺣﺗﻰ أﺛﻧﻰ اﷲ ﻋﻠـﯾﻬم‬ ‫ﻓ ــﻲ آﯾ ــﺎت ﻛﺛﯾـ ـرة ﺗﺛﺑ ــت ﺻ ــدق إﯾﻣ ــﺎﻧﻬم‪ ،‬وﺑ ــذﻟﻬم ﻓ ــﻲ ﺳ ــﺑﯾل اﷲ‪ ،‬وﺗﺑﺷ ــرﻫم ﺑﻣﻐﻔـ ـرة اﷲ‬

‫ورﺿواﻧﻪ ﻋﻧﻬم ﻛﻣﺎ ﻓﻲ ﻗوﻟﻪ ﺟل ﺷﺄﻧﻪ‪ :‬واﻟﺳﱠﺎﺑِﻘُون ْاﻷ ﱠَوﻟُ ِ‬ ‫ﺻِ‬ ‫ـﺎر‬ ‫ـون ﻣ َـن اْﻟ ُﻣﻬَـﺎ ِﺟ ِر َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ﯾن َو ْاﻷ َْﻧ َ‬ ‫َ‬ ‫ﺿـﻲ اﻟﻠﱠــﻪ ﻋـ ْـﻧﻬم ورﺿـوا ﻋ ْﻧــﻪ وأَﻋـ ﱠد ﻟَﻬــم ﺟﱠﻧـ ٍ‬ ‫واﻟﱠـ ِـذﯾن اﺗﱠﺑﻌــوﻫم ﺑِ​ِﺈ ْﺣﺳـ ٍ ِ‬ ‫ـﺎت ﺗَ ْﺟـ ِـري ﺗَ ْﺣﺗَﻬَــﺎ‬ ‫ـﺎن َر َ ُ َ ُ ْ َ َ ُ َ ُ َ َ ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ ُْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ـﯾم ‪ .(٢) ‬وﻏﯾرﻫــﺎ ﻛﺛﯾــر‪ ،‬ﻗــﺎل ﻋﺑــداﷲ اﺑــن‬ ‫ﯾن ِﻓﯾﻬَــﺎ أَ​َﺑـ ًـدا َذﻟِ ـ َ‬ ‫ـﺎر َﺧﺎﻟــد َ‬ ‫ْاﻷ َْﻧﻬَـ ُ‬ ‫ك اْﻟﻔَـ ْـوُز اْﻟ َﻌظـ ُ‬ ‫ـﻠم‪،‬‬ ‫ﻣﺳﻌود رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻋن اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ‪) :‬أوﻟﺋـك أﺻـﺣﺎب ﻣﺣﻣـد ﺻـﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳ ْ‬ ‫ﻛـ ـﺎﻧوا أﻓﺿ ــل ﻫ ــذﻩ اﻷﻣ ــﺔ‪ ،‬أﺑرﻫ ــﺎ ﻗﻠوﺑ ــﺎ‪ ،‬وأﻋﻣﻘﻬ ــﺎ ﻋﻠﻣ ــﺎ وأﻗﻠﻬ ــﺎ ﺗﻛﻠﻔ ــﺎ‪ ،‬ﻗ ــوم اﺧﺗ ــﺎرﻫم اﷲ‬ ‫ﻟﺻــﺣﺑﺔ ﻧﺑﯾــﻪ ٕواﻗﺎﻣــﺔ دﯾﻧــﻪ‪ ،‬ﻓــﺎﻋرﻓوا ﻟﻬــم ﻓﺿــﻠﻬم‪ ،‬واﺗﺑﻌــوﻫم ﻓــﻲ آﺛــﺎرﻫم‪ ،‬وﺗﻣﺳــﻛوا ﺑﻣــﺎ‬

‫اﺳﺗطﻌﺗم ﻣن أﺧﻼﻗﻬم ودﯾﻧﻬم‪ ،‬ﻓﺈﻧﻬم ﻛﺎﻧوا ﻋﻠﻰ اﻟﻬدى اﻟﻣﺳﺗﻘﯾم()‪.(٣‬‬

‫وﺳﻠم ﺣﺗـﻰ ﻛـﺎن‬ ‫اﻟﺛﺎﻟث‪ :‬أﻧﻬم أﻋظم اﻟﻧﺎس اﺗﺑﺎﻋﺎً وﺗﺻدﯾﻘًﺎ ﻟرﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫ْ‬ ‫ـوب أﻋـــداﺋﻬم‪ ،‬وﻓ ــﻲ ﺧﺑـــر اﻹﺳ ـ ـراء أن‬ ‫ﺗﺻـ ــدﯾﻘﻬم ﻣﺿـ ــرب اﻟﻣﺛ ــل‪ ،‬وﺑﻬـ ــر ﺗﺻـــدﯾﻘُﻬم ﻗﻠ ـ َ‬

‫ـﻠم ﻟﻣــﺎ أﺧﺑــر ﻛﻔــﺎر ﻗـرﯾش ﺑﺧﺑـرﻩ ﻛــذﺑوﻩ وأﺗـوا إﻟــﻰ أﺑــﻲ ﺑﻛــر‬ ‫اﻟرﺳــول ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫ﻓﻘﺎﻟوا‪) :‬ﯾﺎ أﺑﺎ ﺑﻛر‪ ،‬ﻫل ﻟك ﻓﻲ ﺻﺎﺣﺑك؟ ﯾﺧﺑر أﻧﻪ أﺗﻰ ﻓﻲ ﻟﯾﻠﺗﻪ ﻫذﻩ ﻣﺳـﯾرة ﺷـﻬر‪ ،‬ﺛـم‬

‫رﺟﻊ ﻓﻲ ﻟﯾﻠﺗﻪ‪ .‬ﻓﻘﺎل أﺑـو ﺑﻛـر‪ ،‬رﺿـﻲ اﷲ ﻋﻧـﻪ‪ :‬إن ﻛـﺎن ﻗﺎﻟـﻪ ﻓﻘـد ﺻـدق‪ٕ ،‬واﻧـﺎ ﻟﻧﺻـدﻗﻪ‬

‫ﻓﯾﻣﺎ ﻫو أﺑﻌد ﻣن ﻫذا‪ ،‬ﻧﺻدﻗﻪ ﻋﻠﻰ ﺧﺑر اﻟﺳﻣﺎء()‪.(٤‬‬

‫وﻟــو ﺷــﺋﻧﺎ ﻟﺗﻛﻠﻣﻧــﺎ ﻓــﻲ ﻋﺟﺎﺋــب ﻻ ﯾﻛــﺎد ُﯾﺻــدﻗﻬﺎ ﻋﻘــل وﻻ ﺗﻧﺿــﺑط ﻋﻧــد ﻣﻧطــق‬

‫ـﻠم‬ ‫ﻋﻧدﻣﺎ ﻧﺗﻛﻠم ﻋن ﺣب أﺻﺣﺎب ﻟﺻﺎﺣﺑﻬم ﻛﺣب أﺻﺣﺎب اﻟﻧﺑﻲ ﺻـﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳ ْ‬ ‫ـﻠم(‬ ‫ﻟـﻪ ﻓﻌـن زﯾـد ﺑـن ﺛﺎﺑـت رﺿـﻲ اﷲ ﻋﻧـﻪ ﻗـﺎل ‪ :‬ﺑﻌﺛﻧـﻲ رﺳـول اﷲ )ﺻـﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳ ْ‬

‫ﯾوم أﺣد أطﻠب ﺳﻌد ﺑن اﻟرﺑﯾﻊ ﻓﻘـﺎل ﻟـﻲ إن رأﯾﺗـﻪ ﻓﺄﻗرﺋـﻪ ﻣﻧـﻲ اﻟﺳـﻼم وﻗـل ﻟـﻪ ﯾﻘـول ﻟـك‬ ‫)‪ (١‬اﻟﻌﻘﯾدة اﻟواﺳطﯾﺔ‪ ،‬ص‪.٢٢‬‬ ‫)‪ (٢‬ﺳورة اﻟﺗوﺑﺔ آﯾﺔ )‪.(١٠٠‬‬ ‫)‪(٣‬اﺑن أﺑﻲ اﻟﻌز اﻟﺣﻧﻔﻲ "ﺷرح اﻟﻌﻘﯾدة اﻟطﺣﺎوﯾﺔ" اﻟطﺑﻌﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ‪ ،‬ص‪.٣٨٣‬‬ ‫)‪ (٤‬ﺗﻔﺳﯾر اﺑن ﻛﺛﯾر ج )‪ ،(٥‬ص ‪.١٤‬‬

‫‪- ٣٦ -‬‬


‫وﺳﻠم ﻛﯾـف ﺗﺟـدك ؟ ﻗـﺎل ﻓﺟﻌﻠـت أطـوف ﺑـﯾن اﻟﻘﺗﻠـﻰ ﻓﺄﺗﯾﺗـﻪ‪،‬‬ ‫رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫ْ‬ ‫وﻫــو ﺑــﺂﺧر رﻣــق وﺑــﻪ ﺳــﺑﻌون ﺿـرﺑﺔ ﻣــﺎ ﺑــﯾن طﻌﻧــﺔ ﺑــرﻣﺢ وﺿـرﺑﺔ ﺑﺳــﯾف ورﻣﯾــﺔ ﺑﺳــﻬم‬ ‫وﺳﻠم ُﯾﻘـ أر ﻋﻠﯾـك اﻟﺳـﻼم وﯾﻘـول ﻟـك أﺧﺑرﻧـﻲ‬ ‫ﻓﻘﻠت ﯾﺎ ﺳﻌد إن رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫ْ‬ ‫وﺳﻠم اﻟﺳﻼم ﻗل ﻟﻪ ﯾـﺎ رﺳـول اﷲ‬ ‫ﻛﯾف ﯾﺟدك ؟ ﻓﻘﺎل وﻋﻠﻰ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫ْ‬ ‫أﺟــد رﯾــﺢ اﻟﺟﻧــﺔ‪ .‬وﻗــل ﻟﻘــوﻣﻲ اﻷﻧﺻــﺎر ﻻ ﻋــذر ﻟﻛــم ﻋﻧــد اﷲ أن ُﯾﺧﻠــص إﻟــﻰ رﺳــول‬

‫وﺳﻠم وﻓﯾﻛم ﻋﯾن ﺗطرف‪ ،‬وﻓﺎﺿت روﺣـﻪ ﻣـن وﻗﺗـﻪ)‪ .(١‬وﻧﺣـن ﻫﻧـﺎ أﻣـﺎم‬ ‫ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫ْ‬ ‫رﺟــل ُﯾﺻــﺎرع اﻟﻣــوت وﻓــﻲ ﺟﺳــدﻩ أﻛﺛــر ﻣــن ﺳــﺑﻌﯾن ﺿ ـرﺑﻪ وﻫــو ﻓــﻲ ﻫــذﻩ اﻟﺣﺎﻟــﺔ ﻣــن‬ ‫اﻟﻧزﯾف اﻟﻣﺳـﺗﻣر واﻷﻟـم وﻋـدم اﻟﻘـدرة ﻋﻠـﻰ اﻟﺗﻔﻛـر أو اﻟﺗـدﺑر وﻫـو ﻓـﻲ ﻫـذﻩ اﻟﺣﺎﻟـﺔ ُﯾطﻠـق‬

‫وﺻﯾﺗﻪ ﻟﻘوﻣﻪ‪ ....‬ﻗل ﻟﻘوﻣﻲ اﻷﻧﺻﺎر‪ ....‬ﻻ ﻋذر ﻟﻛم ﻋﻧد اﷲ أن ُﯾﺧﻠـص إﻟـﻰ رﺳـول‬ ‫وﺳﻠم وﻓﯾﻛم ﻋﯾن ﺗطرف‪ .‬ﻧﺳﻲ ﻫذا اﻟﻧﺎزف وﻫو ﻓﻲ أﺧـر ﻟﺣظـﺎت‬ ‫اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫ْ‬ ‫اﻟﺣﯾــﺎة وﻫــو ﻓــﻲ ﺳــﻛرات اﻟﻣــوت ﻧﺳــﻲ أﻫﻠــﻪ وﻣﺎﻟــﻪ ووﻟــدﻩ وﻟﻛﻧــﻪ ﺗــذﻛر أن ﯾوﺻــﻲ ﻗوﻣــﻪ‬

‫وﺳﻠم‪.‬‬ ‫ﺑﺎﻟدﻓﺎع ﻋن رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫ْ‬ ‫ـﻠم وﻧﻘــل اﻟــوﺣﻲ‬ ‫ﻓﻬـذا اﻟﺟﯾــل ﻣــن اﻟﺑﺷـرﯾﺔ اﻟﺗــف ﺣــول اﻟﻧﺑــﻲ ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫ـﻠم وﺳــﻛﻧﺎﺗﻪ وﻣـواطن رﺿــﺎﻩ وﻓرﺣــﻪ وﻣﺗــﻰ‬ ‫ﺑــل وﻧﻘــل ﺣرﻛــﺎت اﻟﻧﺑــﻲ ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫ُﯾﻘﺑــل ﺑوﺟﻬــﻪ وﻣﺗــﻰ ُﯾﻌــرض رﺿ ـوان اﷲ ﻋﻠــﯾﻬم أﺟﻣﻌــﯾن‪ .‬ﻫــذا اﻟﺟﯾــل ﻛــﺎن أﺣــرص ﻣــﺎ‬

‫ـﻠم ﻓﻠــم ﯾﺗﻔرﻗـوا وﻟــم ﯾﺗﺣوﻟـوا إﻟــﻰ‬ ‫ﯾﻛــون ﻋﻠــﻰ إﺗﺑــﺎع ﺻــﺎﺣب اﻟــدﻋوة ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫ـﻠم ﻛــﺎن ﺑﯾــﻧﻬم وﻛﺎﻧــت اﻟــدﻧﯾﺎ وﺣــب‬ ‫ﺷــﯾﻊ وﺟﻣﺎﻋــﺎت ﻷن اﻟرﺳــول ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫اﻟظﻬور واﻟﻧﻔﺎق وﺣب اﻟﺟﺎﻩ ﻟﯾﺳت ﻓﻲ ﺣﺳﺎﺑﺎﺗﻬم‪.‬‬

‫اﻟﺻراع ﺧﺎرج اﻟﺑﯾﺋﺔ اﻟﻧﺑوﯾﺔ ﺑﯾﺋﺔ اﻟوﺣﻲ‬ ‫ﻛﺎن ﻓﯾﻣﺎ ﺳﺑق ﺗﻘدﻣﻪ ﻻ ُﺑـد ﻟﻧـﺎ ﻣﻧﻬـﺎ ﺣﯾـث ذﻛرﻧـﺎ أن اﷲ ﺳـﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌـﺎﻟﻰ اﺧﺗـﺎر‬

‫ـﻠم‪ ،‬واﺧﺗ ــﺎر ﺻ ــﺣﺎﺑﺗﻪ‬ ‫ﻣﻛ ــﺎن اﻟرﺳ ــﺎﻟﺔ وزﻣﺎﻧﻬ ــﺎ‪ ،‬واﺧﺗ ــﺎر اﻟرﺳ ــول ﺻ ــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾ ــﻪ وﺳ ـ ْ‬ ‫رﺿـوان اﷲ ﻋﻠــﯾﻬم أﺟﻣﻌــﯾن‪ ،‬واﺧﺗــﺎر اﻟﺟــﻧس اﻟــذي ﺑﻌــث ﻓﯾــﻪ اﻟرﺳــول ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ‬ ‫وﺳﻠم واﻟﻠﻐﺔ اﻟﺗﻲ ﻧزل ﺑﻬﺎ اﻟﻘـرآن‪ ،‬ﻛـل ذﻟـك اﻻﺧﺗﯾـﺎر ﻛـﺎن ﻟﺣﻛ ٍـم ﻋظﯾﻣـﺔ ﻋﻠﻣﻧـﺎ ﺑﻌﺿـﻬﺎ‬ ‫ْ‬ ‫)‪ (١‬رواﻩ اﻟﺑﺧﺎري‪ ،٨٤٤ ،‬وﻣﺳﻠم ‪.٣٤٠٨‬‬

‫‪- ٣٧ -‬‬


‫وﻏﺎب ﻋﻧﺎ اﻟﻛﺛﯾر ﻣﻧﻬﺎ‪ ،‬وآﻣﻧﺎ ﺑﻬذﻩ وﺗﻠك ﻣﻣﺎ ﻋﻠﻣﻧـﺎ ﻣﻧـﻪ وﻣﻣـﺎ ﻟـم ﻧﻌﻠـم‪ .‬ﻓﻠـم ﯾﻛـن اﻟﻧﺑـﻲ‬ ‫ـﻠم وﻻ ﺻــﺣﺎﺑﺗﻪ ﻓـﻲ ﺑداﯾــﺔ اﻟــدﻋوة ﻓــﻲ ﺣﺎﺟـﺔ ﻷن ﯾﻛﺗﺑـوا اﻟﻘـرآن ﻣــﺛﻼً‬ ‫ﺻـﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫وﻟﻛــن اﻟﻔﺗوﺣــﺎت اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ ﺑﻌــد ﻋﺻــر اﻟﻧﺑــﻲ أوﺟﺑــت ﻣــﺎ ﻟــم ﯾﻛــن ﻣوﺟــوداً ﻓــﻲ ﻋﻬــدﻩ‬ ‫وﺳﻠم ووﻓق اﷲ اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ رﺿوان اﷲ ﻋﻠﯾﻬم أﺟﻣﻌﯾن إﻟﻰ إرﺳـﺎء ﺑﻌـض‬ ‫ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫ْ‬ ‫اﻟﻣﺑ ــﺎدئ واﻷﺳ ــس اﻟﺗ ــﻲ ﻟ ــم ﺗﻛ ــن ﻣوﺟ ــودة ﻣ ــن ﻗﺑ ــل‪ .‬ﻧ ــرى ذﻟ ــك واﺿ ــﺣﺎً ﻋﻧ ــدﻣﺎ ﺧ ــرج‬ ‫اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬم واﻟﺗﺎﺑﻌون إﻟﻰ ﺧﺎرج ﺟزﯾرة اﻟﻌـرب‪ ،‬وﺧـرج اﻟـوﺣﻲ إﻟـﻰ اﻟـﺑﻼد‬ ‫اﻟﺗﻲ ﻋﺷﺷت ﻓﯾﻬﺎ اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ‪ ،‬وﻓﺳدت ﻓﯾﻬﺎ اﻟﻌﻘـول‪ ،‬وﺗﺧﺑطـت ﻓﯾﻬـﺎ اﻷﻓﻬـﺎم‪ ،‬وﻓﺳـدت ﻓﯾﻬـﺎ‬ ‫اﻟﻔط ــرة اﻟﺑﺷ ـ ـرﯾﺔ‪ ،‬وﻛﺎﻧـ ــت ﺳ ــوق اﻟﻔﻠﺳ ــﻔﺔ واﻟﻣﻧطـ ــق ﻗﺎﺋﻣ ــﺔ وﺑﺿـ ــﺎﻋﺗﻬﺎ ﻧﺎﻓﻘ ــﺔ‪ ،‬وﺗﻐﯾـ ــرت‬ ‫ﻋﻘوﻟﻬم‪ ،‬واﺿطرﺑت ﻣﻘﺎﯾﯾﺳﻬم‪ .‬ﻫذﻩ اﻷﻧﻔس اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﻟـم ﯾﻛـن ﻟﻬـﺎ أن ﺗﻘﺑـل اﻟـوﺣﻲ ﺑـﻧﻔس‬ ‫اﻟﺳــﻬوﻟﺔ اﻟﺗــﻲ ﻗﺑﻠﺗــﻪ اﻟﻘﺑﺎﺋــل اﻟﻌرﺑﯾــﺔ وﻣــﺎ ﻛــﺎن ﻟﻐﯾــر اﻟﻌــرب أن ﯾﻧﺑﻬــروا ﺑﺑﻼﻏــﺔ اﻟﻘ ـرآن‬ ‫وﺳﻠم ﺑﻧﻔس اﻟﻣﺳﺗوى اﻟذي ﺣدث ﻣﻊ ﻗﺑﺎﺋـل اﻟﻌـرب‪ .‬ﻓﻠـم‬ ‫وﻓﺻﺎﺣﺔ اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫ْ‬ ‫ﺗﻘﺑل ﻫذﻩ اﻟﺷﻌوب وﻫـذﻩ اﻷﻧﻔـس اﻟـوﺣﻲ ﻛﻣـﺎ ﻗﺑﻠـﻪ اﻟﺻـﺣﺎﺑﺔ‪ ،‬وﻟـم ﯾﺳـﻠّﻣوا ﻟـﻪ ﻛﺗﺳـﻠﯾﻣﻬم‪،‬‬ ‫وﻟــم ﯾؤﻣﻧ ـوا ﺑــﻪ ﻛﺈﯾﻣــﺎﻧﻬم‪ ،‬وﻟــم ﯾﻧﺗﻔﻌ ـوا ﺑــﻪ ﻛﺎﻧﺗﻔــﺎﻋﻬم‪ ،‬ﺑــل ﻋﺎرﺿــوﻩ وﻧﺻــﺑوا ﻟــﻪ اﻟﻣﻧــﺎﻫﺞ‬ ‫اﻟﻣﻧﺣرﻓــﺔ اﻟﺗــﻲ أرادوا أن ُﯾرﻏﻣ ـوا اﻟــوﺣﻲ ﻋﻠــﻰ أن ﯾﻛــون ﺗﺎﺑﻌــﺎ ﻟﻬــﺎ‪ ،‬وأن ﯾﺧﺿــﻌوا أدﻟﺗــﻪ‬

‫وﺑراﻫﯾﻧــﻪ وﺣﻘﺎﺋﻘــﻪ وﻏﺎﯾﺎﺗــﻪ إﻟــﻰ ﻣــﺎ ﻋﻧــدﻫم ﻣــن اﻟﻌﻠــم اﻟﻣــرذول واﻟﻣﻧطــق اﻟﻣﺧــذول‪ ،‬ﻓﻣــﺎ‬ ‫واﻓـق أدﻟـﺗﻬم ﻣـن اﻟـوﺣﻲ ﻗﺑﻠـوﻩ‪ ،‬وﻣـﺎ ﺧﺎﻟﻔـﻪ ردوﻩ‪ ،‬ﺑـل ﻋـدوا ﻣـن آﻣـن ﺑـﻪ وﺳـﻠّم ﻟـﻪ ﻧــﺎﻗص‬ ‫اﻟﻌﻘ ــل‪ ،‬ﺿ ــﻌﯾف اﻟﻔﻬ ــم‪ ،‬ﻗﻠﯾ ــل اﻟﺣﻛﻣ ــﺔ‪ ،‬ﺿ ــﻌﯾف اﻹدراك‪ ،‬وﺗﻔرﻗ ــت اﻷﻣ ــﺔ إﻟ ــﻰ ﻣ ــدارس‬ ‫وﻣﻧﺎﻫﺞ وﻓـرق وأﺣـزاب‪ ،‬ﻛـل ﯾﻛﻔـر ﻣﺧﺎﻟﻔـﻪ‪ ،‬وﻛـل ﯾـزﻋم أﻧـﻪ ﻋﻠـﻰ اﻟﻬـدى اﻟﻣﺳـﺗﻘﯾم‪ ،‬وﻛـل‬ ‫ﯾرى أن اﻟﺣق ﯾﺳﻧدﻩ وﻫو ﯾﻧﺎﻓﺢ ﻋن اﻟﺣق‪ ،‬وﺻﻧﻔت ﻓـﻲ ذﻟـك اﻟﻛﺗـب اﻟﺗـﻲ ﺗؤﺳـس ﻟﻬـذا‬ ‫اﻟﺑﺎطل‪ ،‬وﻛل ﯾزﻋم أن اﻟﺣق ﻣﻌﻪ وأن ﻓرﻗﺗﻪ ﻫﻲ اﻟﻔرﻗﺔ اﻟﻧﺎﺟﯾﺔ)‪.(١‬‬ ‫ﺟذور اﻟﺷﻘﺎق‬ ‫ـﻠم ﺳـﺑب ﻟﻧﻘـﺎش ﺣـﺎد ﺑـﯾن اﻟﻣﺳـﻠﻣﯾن وﻗـد‬ ‫ﻛﺎن ﻟﻣوت اﻟرﺳـول ﺻـﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳ ْ‬ ‫أﻓرز ﻫذا اﻟﺧﻼف ﻋدة ﺗﯾﺎرات وﻓﺋﺎت طﺎﻟﺑت ﺑﺣق اﻟﺧﻼﻓﺔ ﻟﻧﻔﺳﻬﺎ‪.‬‬

‫)‪ (١‬ﻟﻠﻣزﯾد؛ اﺳﻣﺎﻋﯾل ﺑن ﻋﻣر ﺑن ﻛﺛﯾر "اﻟﺑداﯾﺔ واﻟﻧﻬﺎﯾﺔ" ط "اﻟﻣﻌﺎرف"‪ ،‬ﺑﯾروت ‪ ٢٠٠٩‬ج )‪ (١٢‬ص ‪.٥١٦‬‬

‫‪- ٣٨ -‬‬


‫اﻟﺗﯾﺎر اﻷول‪ :‬اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن أراد ﺣﺻر اﻟﺧﻼﻓﺔ ﻓﻲ ﻗرﯾش وﻋﻠﻰ رأس ﻫذا اﻟﺗﯾﺎر ﻛﺎن أﺑـو‬ ‫ﺑﻛر اﻟﺻدﯾق وﻋﻣر ﺑن اﻟﺧطﺎب وﺑﻌض اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن‪.‬‬ ‫واﻟﺗﯾﺎر اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ :‬اﻷﻧﺻـﺎر ﻫـو ذﻟـك اﻟﺗﯾـﺎر اﻟـذي أﻋطـﻰ ﺣـق اﻟﺧﻼﻓـﺔ ﻟﺟﻣﯾـﻊ اﻟﻣﺳـﻠﻣﯾن‪.‬‬ ‫ﻫــذا اﻟﺗﯾــﺎر ﺑــدأ ﺑﺎﻷﻧﺻــﺎر‪ ،‬وﺗﺑﻧﺗــﻪ ﻓﯾﻣــﺎ ﺑﻌــد ﻓرﻗــﺔ اﻟﺧ ـوارج اﻟﺗــﻲ اﻧﺷــﻘت ﻋــن ﺻــﻔوف‬ ‫ﺟ ــﯾش ﻋﻠ ــﻲ ﻓ ــﻲ ﻣوﻗﻌ ــﻪ ﺻ ــﻔﯾن‪ .‬ﻓﻛ ــﺎﻧوا ﯾ ــرون أن اﻟﺧﻼﻓ ــﺔ ﻻ ﯾﺟ ــب أن ﺗﻘﺗﺻ ــر ﻋﻠ ــﻰ‬ ‫اﻟﻘرﺷﯾﯾن أو اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن‪.‬‬ ‫أﻣﺎ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﺣﺟﺞ ﻛل ﺗﯾﺎر ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﺣﻘﻬم ﺑﺎﻟﺧﻼﻓﺔ ﻓﻛﺎﻧت‪:‬‬ ‫ﺣﺟﺞ اﻷ ﻧﺻﺎر‪:‬‬ ‫‪ (١‬ﻧﺻروا اﻟرﺳول وأﺻﺣﺎﺑﻪ وﺳﺎﻋدوﻩ وﻗت اﻟﺷدة وآووا اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن ﻓﻲ اﻟﻣدﯾﻧﺔ‪.‬‬ ‫‪ (٢‬ﻟﻬم ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻓﻲ اﻟدﯾن اﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬وﻓﺿﯾﻠﺔ ﻓﻲ اﻹﺳﻼم‪.‬‬ ‫‪ (٣‬داﻓﻌوا ﻋن اﻟرﺳول وأﺗﺑﺎﻋﻪ ﺿد اﻟﻛﻔﺎر وﺷﻬدوا ﻣﻌﻪ اﻟﻣواﻗﻊ ﻛﻠﻬﺎ‪.‬‬ ‫‪ (٤‬ﺗوﻓﻲ اﻟرﺳول وﻫو راض ﻋﻧﻬم‪.‬‬ ‫ﺣﺟﺞ اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن‪:‬‬ ‫‪ (١‬ﻟﻬم ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻓﻲ اﻹﺳﻼم‪.‬‬ ‫‪ (٢‬ﻣــﺎ ﺗﺣﻣﻠــوﻩ ﺑﺳــﺑب اﻟﻬﺟ ـرة وﺑــذﻟﻬم اﻟﻐــﺎﻟﻲ واﻟــرﺧﯾص ﻣــن أﺟــل إﻧﺟــﺎح اﻟــدﻋوة إﻟــﻰ‬ ‫درﺟﺔ اﻟﺗﺧﻠﻲ ﻋن ﺑﯾوﺗﻬم وأﻣﻼﻛﻬم ﻓﻲ ﻣﻛﺔ‪.‬‬ ‫‪ (٣‬اﻟﺻﺑر ﻣﻊ اﻟرﺳول ﻋﻠﻰ ﺷدة أذى ﻗوﻣﻬم ﻟﻬم‪.‬‬ ‫‪ (٤‬ﺷﻬدوا اﻟﻣواﻗﻊ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻊ اﻟرﺳول‪.‬‬ ‫ﻛﺎﻧــت ﻫــذﻩ ﻣﺟــرد ﻣوﺿــوﻋﺎت ﻟﻠﻧﻘــﺎش ﻓــﻲ اﻟﺑداﯾــﺔ وﻗــد ﺣﺿــر ﻓــﻲ ﺳــﻘﯾﻔﺔ ﺑﻧــﻲ‬ ‫ـﻠم وﻫ ـ ْـم ﻣ ـ ّـن ﻫ ـ ْـم ﻣ ــن‬ ‫ﺳ ــﺎﻋدة ﺟﻣ ــﻊ ﻏﻔﯾ ــر ﻣ ــن ﺻ ــﺣﺑﺔ اﻟرﺳ ــول ﺻ ــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾ ــﻪ وﺳ ـ ْ‬ ‫اﻟﻣﺑﺷرﯾن ﺑﺎﻟﺟﻧﺔ وﻣﻧﻬم ﻣن ﺷـﻬدوا ﺑـد اًر وﻛﻠﻬـم أﺻـﺣﺎب ﻓﺿـل وﺳـﺑق ﻓـﻲ دﯾـن اﷲ رب‬ ‫اﻟﻌــﺎﻟﻣﯾن‪ .‬ﻟــذﻟك ﻛــﺎن ﻣــن اﻟﺳــﻬل أن ﯾطﻠــب ﻋﻣــر ﺑــن اﻟﺧطــﺎب وأﺑــو ﻋﺑﯾــدة ﻋــﺎﻣر ﺑــن‬ ‫‪- ٣٩ -‬‬


‫اﻟﺟراح ﻣن أﺑﻲ ﺑﻛر أن ﯾﺑﺳط ﯾدﻩ ﻟﻛﻲ ُﯾﺑﺎﯾﻌﻪ ﻓﯾﺳﺗﺟﯾب أﺑو ﺑﻛر ﻓﯾﺑﺎﯾﻌﻪ ﻛـل اﻟﺣﺿـور‬

‫وﯾﺳــر؛ وﻟــم ﯾﺗﺧﻠــف أﺣــد ﻣــن اﻟﺻــﺣﺎﺑﺔ ﻏﯾــر ﻣﺟﻣوﻋــﺔ ُﺷــﻐﻠت ﺑﺗﺟﻬﯾــز ﺟﺛﻣــﺎن‬ ‫ﺑﺳــﻬوﻟﺔ ُ‬ ‫ـﻠم ﻟﻠــدﻓن وﻛــﺎن ﻣــن ﺑــﯾن اﻟﻣﺗﺧﻠﻔــﯾن ﻋﻠــﻲ ﺑــن أﺑــﻲ‬ ‫اﻟﻧﺑــﻲ اﻟطــﺎﻫر ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫طﺎﻟ ــب رﺿ ــﻲ اﷲ ﻋﻧ ــﻪ واﻋﺗﺑ ــر اﻟﻣؤرﺧ ــون أن ﺻ ــﻣت أﺑ ــﻲ اﻟﺣﺳ ــن وﻋ ــدم ﻣﻌﺎرﺿ ــﺗﻪ‬ ‫ﻟﺧﻼﻓﺔ أﺑـﻲ ﺑﻛـر وﻣـن ﺑﻌـدﻩ ﻋﻣـر رﺿـوان اﷲ ﻋﻠـﯾﻬم أﺟﻣﻌـﯾن ﻫـو رﺿـﺎ ﺑﺧﻼﻓـﺗﻬم ﻓﻬـو‬ ‫اﻟﻌﺎﺑــد اﻟ ازﻫــد وﻫــو ﻓــﻲ ﻛــل اﻷﺣ ـوال ﻛــﺎن ﺑﺟ ـوار اﻟﺧﻠﯾﻔــﺔ اﻷول واﻟﺛــﺎﻧﻲ وﺣﺳــب ﺑﻌــض‬

‫اﻟﻣﺻــﺎدر أﻧــﻪ ﺑــﺎﯾﻊ أﺑــو ﺑﻛــر ﺑﻌــد ﺳــﺗﺔ أﺷــﻬر أي ﺑﻌــد رﺣﯾــل اﻟزﻫـراء رﺿـوان اﷲ ﻋﻠﯾﻬــﺎ‬ ‫وﻛــﺎن ﺑﺟ ـوار اﻟﺧﻠﯾﻔــﺔ اﻟﺛﺎﻟــث ﺣﺗــﻰ ُﺑوﯾــﻊ ﻋﻠــﻲ ﺑﺎﻟﺧﻼﻓــﺔ ﺑﻌــد ﻣﻘﺗــل ﻋﺛﻣــﺎن ﺑــن ﻋﻔــﺎن‬ ‫رﺿوان اﷲ ﻋﻠﯾﻬم أﺟﻣﻌﯾن)‪.(١‬‬

‫ﻓﻠو ﻧظرﻧﺎ إﻟـﻰ طرﯾﻘـﺔ اﻧﺗﺧـﺎب أﺑـو ﺑﻛـر اﻟﺻـدﯾق ﻧﻼﺣـظ ﺷـﻲء ﻣـن اﻟﺗﺷـﺎﺑﻪ ﻓـﻲ‬ ‫اﻧﺗﺧــﺎب زﻋﻣــﺎء اﻟﻘﺑﺎﺋــل ﻓــﻲ اﻟﺟﺎﻫﻠﯾــﺔ ﺣﯾــث ﻛــﺎن أﺑــو ﺑﻛــر اﻟﺻــدﯾق أﻛﺑــر اﻟﺻــﺣﺎﺑﺔ ﺳــﻧﺎً‬ ‫وﯾﺗﻣﺗــﻊ ﺑﺎﻟــذﻛﺎء واﻟﺣﻛﻣــﺔ ﻛــذﻟك ﻛــﺎن ذو ﻣــﺎل وأﻧﻔــق ﻛﺛﯾــر ﻣــن أﻣواﻟــﻪ ﻓــﻲ ﺳــﺑﯾل اﻟــدﻋوة‬ ‫اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ‪.‬‬ ‫أﻣﺎ ﻋﻠﻰ اﻟدواﻓﻊ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻣن وراء اﻧﺗﺧﺎب اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ أﺑوﺑﻛر‪:‬‬ ‫ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻣن اﻷوﻟﯾن ﻓﻲ اﻹﺳﻼم‪.‬‬‫وﺳﻠم‪.‬‬ ‫ ﻛﺎن ﺻدﯾق اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ‬‫ْ‬ ‫ ﻫﺎﺟر ﻣﻊ اﻟرﺳول إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ‪.‬‬‫وﺳﻠم‪.‬‬ ‫ ﻛﺎن إﻣﺎم اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻋﻧد ﻏﯾﺎب اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ‬‫ْ‬ ‫ﺑﻌــد اﻧﺗﺧــﺎب أﺑــو ﺑﻛــر اﻟﺻــدﯾق رﺿ ـوان اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ ﻗــﺎم ﺑﺈﻟﻘــﺎء ﺧطﺑﺗــﻪ اﻟﺗــﻲ ﻣﯾــزت‬ ‫ﺳﯾﺎﺳــﺗﻪ اﻟﺗــﻲ ظﻬــر ﻓﯾﻬــﺎ ﺗواﺿــﻊ أﺑــو ﺑﻛــر وﺗﺣﻘﯾﻘــﻪ ﻟﻠﻌداﻟــﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ وﻛــذﻟك ﺗﻣﺳــﻛﻪ‬ ‫ﺑﺎﻟﺷ ـرﯾﻌﺔ اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ واﻟﺗرﻛﯾــز ﻋﻠــﻰ اﻟﺻــدق واﻷﻣﺎﻧــﺔ ﻓــﻲ ﻋﻼﻗــﺔ اﻷﻓ ـراد ﺑ ـﺎﻟزﻋﯾم ﻛــذﻟك‬ ‫ﺣث اﻟﻣﺳـﻠﻣﯾن ﻋﻠـﻰ اﻟﺟﻬـﺎد اﻟـدﯾﻧﻲ ﻛوﺳـﯾﻠﺔ ﻟﻧﺷـر اﻟـدﻋوة اﻹﺳـﻼﻣﯾﺔ‪ .‬واﺳـﺗﻣرت ﺧﻼﻓـﺔ‬ ‫)‪ (١‬د‪ /‬ﻣﺣﻣد ﺣﺳﺎن‪" ،‬اﻟﻔﺗﻧﺔ ﺑﯾن اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ‪ -‬ﻗراءة ﺟدﯾدة ﻻﺳﺗﺧراج اﻟﺣق ﺑﯾن رﻛﺎم اﻟﺑﺎطل"‪ ،‬ﻣﻛﺗﺑﺔ ﻓﯾﺎض ﻟﻠﺗﺟﺎرة‬ ‫واﻟﺗوزﯾﻊ‪ ،‬اﻟﻘﻬرة‪ ،‬ﻣﺻر‪٢٠٠٣ ،‬م ص‪.١٩٤‬‬

‫‪- ٤٠ -‬‬


‫أﺑو ﺑﻛر ﻋﻠﻰ ﻣﻧﻬﺎج اﻟﻧﺑـوة وﻋﻠـﻰ ﻧﻔـس اﻟـﻧﻬﺞ ﺻـﺎرت ﻣـن ﺑﻌـدﻫﺎ ﺧﻼﻓـﺔ ﻋﻣـر وﻋﺛﻣـﺎن‬ ‫رﺿ ـوان اﷲ ﻋﻠــﯾﻬم أﺟﻣﻌــﯾن إﻻ أﻧــﻪ ﻛﻠﻣــﺎ ﺑﻌــد اﻟﻧــﺎس ﻋــن ﻋﻬــد اﻟﻧﺑــوة ﺗﻐﯾــرت اﻟﻧﻔــوس‬ ‫ودﺧــل ﻓــﻲ اﻹﺳــﻼم ﺷــﻌوﺑﺎً وﻗﺑﺎﺋــل ﻣــن أﻋـراق ﺷــﺗﻰ وﻓــﻲ ﻧﻔــس اﻟوﻗــت ﻟــم ﯾﻛــن اﻟﺧﻠﯾﻔــﺔ‬ ‫اﻟﺛﺎﻟــث ﺑﺎﻟﺷــدة واﻟﺣــزم اﻟــذي ﺗﻣﯾــز ﺑﻬﻣـﺎ اﻟﻔــﺎروق ﻓطﺎﻟﺑــﻪ اﻟﻧــﺎس ﺑﺄﺷــﯾﺎء ﻟــم ﯾﺟرﺋـوا ﻋﻠــﻰ‬ ‫طﻠــب ﻣﻌﺷــﺎرﻫﺎ ﻣــن اﻟﻔــﺎروق رﺿـوان اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وﻛﺎﻧــت اﻟﻔــﺗن ﺗــؤﺟﺞ ﻓــﻲ ﻛــل ﻣﻛــﺎن ‪...‬‬ ‫وﺗﺻــور وﺗُﻔﺳــر ﻣــﺎ ﯾﻔﻌﻠــﻪ اﻟﺧﻠﯾﻔــﺔ ﺗﻔﺳــﯾ اًر وﺗــﺄوﯾﻼً ﯾﺧــدم ﻫــذﻩ اﻟﻧــﺎر اﻟﻣﺗﺄﺟﺟــﺔ ﻓطــﺎﻟﺑوا‬ ‫اﻟﺧﻠﯾﻔ ــﺔ ﺑﻌ ــزل ﺑﻌ ــض اﻟ ــوﻻة ﺛ ــم ﺗط ــور اﻷﻣ ــر ﻟﻣطﺎﻟﺑ ــﺔ ﻣﺟﻣوﻋ ــﺔ ﻣ ــن اﻟﻧ ــﺎس اﻟﺧﻠﯾﻔ ــﺔ‬

‫ﺑــﺎﻻﻋﺗزال وﻛــﺎن ﻋﺛﻣــﺎن زوج ﺑﻧﺗــﻲ اﻟﻧﺑــﻲ وﻣــن ﺟﻬــز ﺟــﯾش اﻟﻌﺳ ـرة وﻫــو ﻣــن ﻫــو ﻓــﻲ‬ ‫اﻹﺳــﻼم ﻫــو اﻟرﺟــل اﻟــذي ﺗﺳــﺗﺣﻲ ﻣﻧــﻪ اﻟﻣﻼﺋﻛــﺔ ﻫــذا اﻟﺻــﺣﺎﺑﻲ اﻟﺟﻠﯾــل اﻟــذي ﯾﺧﺟــل‬ ‫اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻣﺳﻠم ﻣن ﻣﺟرد اﻻﻗﺗراب ﻣن ﺷﺧﺻﻪ اﻟﻛرﯾم ﻛـﺎن ﻫـذا اﻟﺷـﯾﺦ اﻟﻛﺑﯾـر ﺑﻠـﻎ ﻣـن‬ ‫اﻟﺳــن ﻣــﺎ ﺑﻠــﻎ وﻟــم ﯾﻛــن ﻟــﻪ ﺳــﺎﺑﻘﺔ ﻣــن ﺳــﻧﺔ رﺳــول اﷲ ﻟﻛــﻲ ﯾﺧﻠــﻊ ﻗﻣﯾﺻ ـﺎً ﻗــد أﻟﺑﺳــﻪ اﷲ‬ ‫إﯾﺎﻩ‪ ...‬ﺛم ﯾﺗـرك اﻟﺧﻼﻓـﺔ ﻟﻣـن؟ وﻫـل ﺳﯾﺳـﺗﻘﯾم اﻷﻣـر ﻟـو ﻓﻌـل؟ وأﻏﻠـب اﻟظـن أن ﻋﺛﻣـﺎن‬ ‫رﺿ ـوان اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ ﻟــو ﻛــﺎن ﯾﻌﻠــم أن ﺗرﻛــﻪ ﻟﻠﺧﻼﻓــﺔ ﺳــﯾؤدي ﻟﻬــدوء ﻫــذﻩ اﻟﻐوﻏــﺎء اﻟﺛــﺎﺋرة‬ ‫ﻟﻔﻌل! ﻓﻬـو ﻻ ﯾرﯾـد ﻣـن ﻫـذﻩ اﻟـدﻧﯾﺎ اﻟﻘﻠﯾـل أو اﻟﻛﺛﯾـر!‪ ...‬وﻟﻛﻧﻬـﺎ اﻟﻔﺗﻧـﺔ اﻟﺗـﻲ ﺗﺳـﻠﻠت إﻟـﻰ‬ ‫وﺳﻠم‪.‬‬ ‫ﺑﯾت اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ وﻧﻘﻠﺗﻪ ﺷﻬﯾداً إﻟﻰ ﺟوار ﺣﺑﯾﺑﻪ ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫ْ‬ ‫ﺑﻌــد ﻣﻘﺗــل ﻋﺛﻣــﺎن ﺟــرى اﻟﻧــﺎس ﻓــﻲ اﻟﻣدﯾﻧــﺔ إﻟــﻰ ﻋﻠــﻲ ﺑــن أﺑــﻲ طﺎﻟــب وطــﺎﻟﺑوا ﻣﻧــﻪ أن‬ ‫ﯾﺑــﺎﯾﻌوﻩ ﺣﺗــﻰ ﻻ ﯾطﯾــر ﺧﺑــر ﻣﻘﺗــل اﻟﺧﻠﯾﻔــﺔ ﻓــﻲ اﻷﻣﺻــﺎر إﻻ وﻣﻌــﻪ اﺳــم اﻟﺧﻠﯾﻔــﺔ اﻟﺟدﯾــد‬ ‫وﺑﺎﻟﻔﻌل اﺳﺗﺟﺎب أﺑو اﻟﺣﺳن ﻋﻠﻲ اﺑن أﺑﻲ طﺎﻟـب رﺿـﻲ اﷲ ﻋﻧـﻪ ﻟﻸﻣـر‪ ،‬ﻟﻛـن ﻣﻌﺎوﯾـﺔ‬ ‫اﺑــن أﺑــﻲ ﺳــﻔﯾﺎن رﺿــﻲ اﷲ ﻋﻧــﻪ وﻫــو اﺑــن ﻋــم ﻋﺛﻣــﺎن طﺎﻟــب ﻣــن ﻋﻠــﻲ رﺿــﻲ اﷲ ﻋﻧــﻪ‬ ‫أن ﯾﺄﺗﯾـﻪ ﺑـدم ﻣــن ﻗﺗـل اﻟﺧﻠﯾﻔـﺔ ﻗﺑــل أن ﯾﺑﺎﯾﻌـﻪ ﻋﻠــﻰ اﻟﺧﻼﻓـﺔ ﻓوﻗـﻊ ﺧــﻼف اﻋﺗـزل أﻏﻠــب‬ ‫اﻟﺻــﺣﺎﺑﺔ ﻣــن اﻟــدﺧول ﻓﯾــﻪ ﻓﻣﻌﺎوﯾــﺔ ﻫــو ﻣــن أوﻟﯾــﺎء دم ﻋﺛﻣــﺎن ﺑﺣﻛــم ﻗراﺑﺗــﻪ ﻣﻧــﻪ رﺿــﻲ‬ ‫اﷲ ﻋﻧﻬﻣﺎ وﻣن ﺣﻘـﻪ اﻟﻣطﺎﻟﺑـﺔ ﺑﺎﻟﻘﺻـﺎص وﻓـﻲ ﻧﻔـس اﻟوﻗـت ﯾـرى ﻋﻠـﻲ اﺑـن أﺑـﻲ طﺎﻟـب‬ ‫أﻧﻪ ﻛﯾف ﯾﻘﺗل ﻣن ﻗﺗل اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ وﻫو ﻟﯾس ﺑﺧﻠﯾﻔـﺔ ﺛـم ﻛﯾـف ﯾﺑﺣـث ﻋـن ﻗﺎﺗـل ﻋﺛﻣـﺎن ﺑـﯾن‬ ‫اﻟﺟﻣوع وﻫو ﻟﯾس ﺑﺧﻠﯾﻔﺔ‪.‬‬ ‫‪- ٤١ -‬‬


‫ﻛﺎﻧت ﻫذﻩ اﻟﺑداﯾﺔ اﻟﻧﻛدة ﻟﺗﻔرق اﻟﺻف اﻟﻣﺳﻠم ﻓﺗواﺟﻪ اﻟﺟﯾﺷـﺎن ﺟـﯾش ﻋﻠـﻲ اﺑـن‬ ‫أﺑــﻲ طﺎﻟــب رﺿـوان اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وﺟــﯾش ﻣﻌﺎوﯾــﺔ رﺿــﻲ اﷲ ﻋﻧــﻪ وﺣﺳــب ﺑﻌــض اﻟﻣﺻــﺎدر‬ ‫ﻟم ﯾﻛن ﻫﻧﺎك دﻟﯾل ﯾﻘول أن اﻟﺟﯾﺷﺎن ﺳﯾﺗﻘﺎﺗﻼن وﻟﻛـن وﻗـﻊ اﻟﻘﺗـﺎل وﻛـﺎدت اﻟرﺣـﻰ ﺗـدور‬ ‫ﻟﺻــﺎﻟﺢ ﺟــﯾش أﺑــﻲ اﻟﺣﺳــن رﺿـوان اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وﻟﻛــن ﺟــﯾش ﻣﻌﺎوﯾــﺔ رﺿــﻲ اﷲ ﻋﻧــﻪ رﻓــﻊ‬ ‫اﻟﻣﺻﺎﺣف ﻋﻠﻰ أﺳﻧﺔ اﻟﺳﯾوف وطﺎﻟـب اﻟﺗﺣـﺎﻛم إﻟـﻰ ﻛﺗـﺎب اﷲ‪ .‬ﻫﻧـﺎ اﻧﻘﺳـم ﺟـﯾش ﻋﻠـﻲ‬ ‫اﺑن أﺑﻲ طﺎﻟـب إﻟـﻰ ﻣؤﯾـد ﻟﻔﻛـرة اﻟﺗﺣﻛـﯾم ﺣﻘﻧـﺎً ﻟﻠـدﻣﺎء وﻓرﯾـق ﯾـرى أن ﻫـذﻩ ﻣﺟـرد ﺧدﻋـﻪ‬ ‫ﻻ ﯾﺟــب اﻟﻧظــر إﻟﯾﻬــﺎ وﻫــذا ﻛــﺎن رأي ﻋﻠــﻲ ﺑــن أﺑــﻲ طﺎﻟــب رﺿــﻲ اﷲ ﻋﻧــﻪ‪ .‬وﻟﻛــن ﻓــﻲ‬ ‫اﻟﻧﻬﺎﯾﺔ واﻓق ﻋﻠﻲ ﺑن أﺑﻲ طﺎﻟب رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺣﻛﯾم ﻓرﻓﺿت ﻓرﻗﺔ ﻣن ﺟـﯾش‬ ‫ﻋﻠﻲ رﺿوان اﷲ ﻋﻠﯾﻪ ﻧﺗﯾﺟﺔ اﻟﺗﺣﻛﯾم ﻓرﻓض ﻋﻠﻲ أن ﯾﻧﺻﺎع إﻟﯾﻬم ﻣـرة أﺧـرى ﻓﺧرﺟـوا‬ ‫ﻋﻠــﻰ ﺟــﯾش ﻋﻠــﻲ رﺿـوان اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وﺗــﺄﻣروا ﺑﻘﺗــل ﻛــل ﻣــن ﻋﻠــﻲ‪ ،‬وﻣﻌﺎوﯾــﺔ وﻋﻣــرو ﺑــن‬ ‫اﻟﻌــﺎص رﺿــﻲ اﷲ ﻋــﻧﻬم أﺟﻣﻌــﯾن ﻟﻛــﻧﻬم ﻟــم ﯾﻧﺟﺣ ـوا إﻻ ﻓــﻲ ﻗﺗــل ﻋﻠــﻲ ﺑــن أﺑــﻲ طﺎﻟــب‬ ‫ﻓﻘط وﻧﺟﺎ اﻵﺧران‪ .‬ﻛﺎﻧت ﻫـذﻩ اﻟﻔرﻗـﺔ ﻫـﻲ اﻟﺧـوارج وﻫـﻲ أول ﻓرﻗـﺔ ظﻬـرت ﺗُﻛﻔـر ﻋﻣـوم‬

‫ـﻠم‪،‬‬ ‫اﻟﻣﺳـﻠﻣﯾن وﺗﺳـﺗﺑﯾﺢ دﻣـﺎﺋﻬم وأﻋ ارﺿـﻬم‪ ،‬وﻛﻔـروا أﺻـﺣﺎب اﻟﻧﺑـﻲ ﺻـﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳ ْ‬

‫واﻋﺗﻘدوا ﺟﻣﻠﺔ ﻣن اﻟﻌﻘﺎﺋـد اﻟﻣﻧﺣرﻓـﺔ ﻓـﻲ ﻫـذا اﻟﺑـﺎب‪ ،‬واﻧﻘﺳـﻣوا ﺑﻌـد ذﻟـك إﻟـﻰ ﻓـرق ﻋـدة‪،‬‬ ‫وﻟـﺑﻌض ﻓﻛـرﻫم ﺑﻘﯾـﺔ ﺑﺎﻗﯾـﺔ ﻓـﻲ ﻋﺻـرﻧﺎ اﻟﺣﺎﺿـر ﻣﺗﻣﺛﻠـﺔ ﻓـﻲ اﻹﺑﺎﺿـﯾﺔ وﺟﻣﺎﻋـﺔ اﻟﻬﺟـرة‬ ‫واﻟﺗﻛﻔﯾ ــر‪ ،‬واﻟﻧﺻ ــوص اﻟﺛﺎﺑﺗ ــﺔ ﻓ ــﻲ‬

‫ﺧ ــروﺟﻬم وذﻛ ــر ﺻ ــﻔﺎﺗﻬم واﻟﺗﺣ ــذﯾر ﻣ ــﻧﻬم ﻛﺛﯾـ ـرة‬

‫ـﻠم وأﺻ ــﺣﺎﺑﻪ اﻟﻛـ ـرام‪ .‬ﻋﻠ ــﻰ اﻟﺟﺎﻧ ــب اﻷﺧ ــر‬ ‫ﻣﺳﺗﻔﯾﺿ ــﺔ ﻋ ــن اﻟﻧﺑ ــﻲ ﺻ ــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾ ــﻪ وﺳ ـ ْ‬ ‫ـﻲ‬ ‫ظﻬـرت ﻓرﻗـﺔ أﺧـرى ﺗــرى أن ﻋﻠـﻲ اﺑـن أﺑــﻲ طﺎﻟـب ﻫـو اﻷوﻟـﻰ ﺑﺎﻟﺧﻼﻓــﺔ وﻟﻣـﺎ ﻗُﺗـل ﻋﻠـ ّ‬ ‫رﺿوان اﷲ ﻋﻠﯾﻪ ﻗﺎﻟوا إن اﻟﺧﻼﻓﺔ ﻻ ﯾﺟوز أن ﺗﺧرج ﻣن آل اﻟﺑﯾت أي ﺗﻛـون ﻓـﻲ ذرﯾـﺔ‬ ‫ﻋﻠﻲ وﻓﺎطﻣﺔ رﺿوان اﷲ ﻋﻠﯾﻬم أﺟﻣﻌﯾن‪ ،‬وﻫؤﻻء ُﺳﻣوا ﺑﺎﻟﺷﯾﻌﺔ‪.‬‬ ‫ﻣــن ﻫﻧــﺎ ﻧــرى أن ﻧﺷــﺄة ﻫــذﻩ اﻟﺟﻣﺎﻋــﺎت واﻟﻔــرق ﻛــﺎن ﻗــد ﺣــدث ﺑﻣﺟــرد وﻓــﺎة اﻟﺧﻠﯾﻔــﺔ‬ ‫اﻟ ارﺷــد ﻋﺛﻣــﺎن ﺑــن ﻋﻔــﺎن رﺿ ـوان اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ‪ .‬وﺣﺳــب اﻟﻣﺻــﺎدر اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾــﺔ ﻛﺎﻧــت اﻟﻔــرق‬ ‫اﻟﺛﻼﺛــﺔ اﻟﺗــﻲ ﺑــدأت ﻓــﻲ اﻟظﻬــور ﻓــﻲ ﻋﻬــد ﻋﻠــﻲ اﺑــن أﺑــﻲ طﺎﻟــب رﺿـوان اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ ﻫــﻲ‬ ‫ﻣﺻــدر ﺗﺷــﻌﺑت ﻣﻧــﻪ ﺑﻌــد ذﻟــك ﻋﺷ ـرات اﻟﻔــرق اﻟﺗــﻲ ﻓــﻲ ﺑﻌــض اﻷﺣﯾــﺎن ُﯾﻛﻔــر ﺑﻌﺿــﻬﺎ‬ ‫‪- ٤٢ -‬‬


‫ﺑﻌض وﻻ ُﯾﺻﻠﻲ ﺑﻌﺿﻬﺎ ﺧﻠف ﺑﻌـض؛ أي أﻧﻧـﺎ ﺑﻌـد ﻋﻬـد اﻟﺧﻠﯾﻔـﺔ ﻋﻠـﻲ ﺑـن أﺑـﻲ طﺎﻟـب‬ ‫رﺿوان اﷲ ﻋﻠﯾﻪ ﻛﺎن أﻣﺎﻣﻧﺎ)‪:(١‬‬ ‫‪ ‬أﻫل اﻟﺳﻧﺔ واﻟﺟﻣﺎﻋﺔ‪:‬‬ ‫وﻫم اﻟﺟﻣﻬور اﻟﻛﺑﯾر ﻣن اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ اﻟذﯾن ﻟـم ُﯾﺷـﺎرﻛوا ﻓـﻲ اﻟﺻـراع وﻓﺿـﻠوا اﻟﺻـﻣت‬

‫وﻟﻘـ ــب أﻫـ ــل اﻟﺳ ـ ـﻧﺔ واﻟﺟﻣﺎﻋـ ــﺔ ﯾﺗرﻛـ ــب ﻣـ ــن ﻣﻔـ ــردﯾن اﻷول اﻟﺳـ ــﻧﺔ‪ ،‬واﻟﺛـ ــﺎﻧﻲ اﻟﺟﻣﺎﻋـ ــﺔ‪،‬‬ ‫وﻟﺗﻌرﯾـف اﻟﻣرﻛـب ﻻﺑـد ﻣـن ﺗﻌرﯾـف ﻣﻔردﯾـﻪ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺳـﻧﺔ ﻓـﻲ اﻟﻠﻐـﺔ اﻟطرﯾﻘـﺔ وﻫـﻲ ﻫﻧـﺎ اﻷﺧـذ‬ ‫ـﻠم ظــﺎﻫ اًر وﺑﺎطﻧ ـﺎً‪ ،‬ﻓــﻲ اﻟﻘــول‪ ،‬واﻟﻌﻣــل‪ ،‬واﻻﻋﺗﻘــﺎد‪.‬‬ ‫ﺑﻣــﺎ ﺛﺑــت ﻋﻧــﻪ ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫ـدد ﻛــل ﺷـ ٍ‬ ‫ـﻲء وﻛﺛَْرﺗُــﻪ‪ ،‬واﺧﺗﻠــف اﻟﻌﻠﻣــﺎء ﻓــﻲ ﺗﺣدﯾــد ﻣﻌﻧﺎﻫــﺎ‬ ‫واﻟﺟﻣﺎﻋــﺔ ﻓــﻲ اﻟﻠﻐــﺔ ﻋـ ُ‬

‫اﺻـطﻼﺣﺎ ﻋﻠــﻰ أﻗـوال‪ :‬ﻓﻘﯾــل ﻫــم اﻟﺻــﺣﺎﺑﺔ‪ ،‬وﻗﯾــل‪ :‬أﻫــل اﻟﻌﻠــم‪ ،‬ﻗــﺎل اﻹﻣــﺎم اﻟﺗرﻣــذي"‪:‬‬

‫وﺗﻔﺳــﯾر اﻟﺟﻣﺎﻋــﺔ ﻋﻧــد أﻫــل اﻟﻌﻠــم ﻫــم أﻫــل اﻟﻔﻘــﻪ واﻟﻌﻠــم واﻟﺣــدﯾث"‪ ،‬وﻗﯾــل‪ :‬اﻟﺟﻣﺎﻋــﺔ ﻣــﺎ‬ ‫واﻓــق اﻟﺣــق وﻟــو ﻗــل اﻟﻣﺗﻣﺳــﻛون ﺑــﻪ‪ ،‬ﻛﻣــﺎ ﻗــﺎل اﺑــن ﻣﺳــﻌود‪ " :‬اﻟﺟﻣﺎﻋــﺔ ﻣــﺎ واﻓــق اﻟﺣــق‬ ‫وﻟـو ﻛﻧـت وﺣــدك"؛ وﻗـﺎل ﻧﻌـﯾم ﺑــن ﺣﻣـﺎد‪" :‬إذا ﻓﺳــدت اﻟﺟﻣﺎﻋـﺔ ﻓﻌﻠﯾـك ﺑﻣــﺎ ﻛﺎﻧـت ﻋﻠﯾــﻪ‬ ‫اﻟﺟﻣﺎﻋــﺔ ﻗﺑــل أن ﺗﻔﺳــد ٕوان ﻛﻧــت وﺣــدك ﻓﺈﻧــك أﻧــت اﻟﺟﻣﺎﻋــﺔ"‪ ،‬وﻗﯾــل اﻟﺟﻣﺎﻋــﺔ‪ :‬ﻫــﻲ‬ ‫اﻟﺳواد اﻷﻋظم اﻟﻣﺟﺗﻣﻌون ﻋﻠﻰ إﻣﺎم ﯾﺣﻛم ﺑﺎﻟﺷرع وﯾﺟﺎﻧب اﻟﻬوى واﻟﺑدﻋﺔ‪.‬‬

‫وﻟﻌل اﻟﻘول اﻟراﺟﺢ ﻓﻲ ﺗﻌرﯾف ﻣﺻطﻠﺢ اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ ﻫو ﻣﺎ ﯾﺷﻣل ﺟﻣﯾﻊ ﻫذﻩ اﻷﻗـوال‪،‬‬ ‫ﻓﻬــم اﻟﺻــﺣﺎﺑﺔ رﺿـوان اﷲ ﻋﻠــﯾﻬم ﺑﻣــﺎ ﺗﻣﺛﻠــوﻩ ﻣــن ﻣــﻧﻬﺞ اﻹﺳــﻼم اﻟﺣــق‪ ،‬وﻫــم اﻟﻌﻠﻣــﺎء‬ ‫واﻟﻔﻘﻬــﺎء ﻛــوﻧﻬم ﺣﺟــﺔ اﷲ ﻋﻠــﻰ اﻟﺧﻠــق‪ ،‬واﻟﻧــﺎس ﺗُﺑــﻊ ﻟﻬــم ﻓــﻲ أﻣــر اﻟــدﯾن‪ ،‬وﻫــﻲ ﺟﻣﺎﻋــﺔ‬ ‫اﻟﻣﺳـﻠﻣﯾن اﻟﻣﻧﺿـوﯾﺔ ﺗﺣـت ارﯾـﺔ إﻣـﺎم ﯾﺣﻛـم ﺑﺷـرع اﷲ وﯾﻘـﯾم ﺣـدودﻩ‪ ،‬وﻗـد ﻟﺧـص اﻹﻣـﺎم‬

‫وﻣـن‬ ‫اﺑـن ﺣـزم ﻫـذﻩ اﻷﻗـوال وﺟﻣﻌﻬـﺎ ﻓـﻲ ﻗـول‪" :‬وأﻫـل اﻟﺳـﻧﺔ اﻟـذﯾن ﻧـذﻛرﻫم أﻫـل اﻟﺣـق‪َ ،‬‬ ‫ك ﻧﻬﺟﻬم ﻣن ﺧﯾـﺎر اﻟﺗـﺎﺑﻌﯾن رﺣﻣﻬـم‬ ‫ﻋداﻫم ﻓﺄﻫل اﻟﺑدﻋﺔ؛ ﻓﺈﻧﻬم اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ‪ ،‬وﻛ ﱡل َﻣن َﺳﻠَ َ‬ ‫وﻣن اﺗﱠﺑﻌﻬم ﻣن اﻟﻔﻘﻬﺎء‪ ،‬ﺟﯾﻼً ﻓﺟـﯾﻼً إﻟـﻰ ﯾوﻣﻧـﺎ ﻫـذا‪،‬‬ ‫اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ‪ ،‬ﺛم أﺻﺣﺎب اﻟﺣدﯾث‪َ ،‬‬

‫وﻣن اﻗﺗدى ﺑﻬم ﻣن اﻟﻌوا ﱢم ﻓﻲ ﺷرق اﻷرض وﻏرﺑﻬﺎ"‪.‬‬ ‫َ‬

‫)‪ (١‬ﺳﻌد رﺳﺗم‪" ،‬اﻟﻔرق واﻟﻣذاﻫب اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻣﻧذ اﻟﺑداﯾﺎت‪ ،‬اﻟﻧﺷﺄة‪ -‬اﻟﺗﺎرﯾﺦ‪ -‬اﻟﺗﻧوع اﻟﺟﻐراﻓﻲ"‪ ،‬اﻷواﺋل ﻟﻠﻧﺷر‬ ‫واﻟﺗوزﯾﻊ‪ ،‬ﺳورﯾﺎ‪٢٠١٠ ،‬م‪ ،‬ص ‪ ١٧‬إﻟﻰ ص‪.٣٠‬‬

‫‪- ٤٣ -‬‬


‫ أﻟﻘﺎب أﻫل اﻟﺳﻧﺔ واﻟﺟﻣﺎﻋﺔ‪:‬‬‫ﻋــرف أﻫــل اﻟﺳــﻧﺔ واﻟﺟﻣﺎﻋــﺔ ﺑﺄﻟﻘــﺎب ﻫــﻲ ﻋﻼﻣــﺎت ﻋﻠــﻰ ﺻــﻔﺎﺗﻬم‪ ،‬وﻫــﻲ ﻓــﻲ ﻣﺟﻣﻠﻬــﺎ‬ ‫ﻣﺄﺧوذة ﻣن ﺣدﯾث اﻟﻧﺑﻲ‪ ،‬ﻓﻣن ﺗﻠك اﻷﻟﻘﺎب‪:‬‬ ‫‪ (١‬اﻟﻔرﻗﺔ اﻟﻧﺎﺟﯾﺔ‪ :‬وﻫذا اﻟوﺻف ﻣﺄﺧوذ ﻣن ﺣدﯾث ﻋﺑد اﷲ ﺑن ﻋﻣرو ﺑن اﻟﻌـﺎص ﻣـﺎ‬ ‫ـﺄﺗﯾ ﱠن ﻋﻠــﻰ أُ ﱠﻣﺗــﻲ ﻣــﺎ أﺗــﻰ ﻋﻠــﻰ ﺑﻧــﻲ إﺳ ـراﺋﯾ َل‬ ‫ﻗــﺎل رﺳــول اﷲ ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳ ـ ْﻠم "ﻟﯾـ َ‬ ‫َﺣ ْذ َو اﻟﻧﻌل ﺑﺎﻟﻧﻌل‪ ،‬ﺣﺗﻰ إن ﻛﺎن ﻣﻧﻬُم َﻣن أﺗﻰ أُ ﱠﻣﻪ ﻋﻼﻧﯾﺔ؛ ﻟﻛﺎن ﻓﻲ أُ ﱠﻣﺗﻲ َﻣـن ﯾﺻـﻧﻊ‬ ‫ﺗﻔرﻗــت ﻋﻠــﻰ ﺛﻧﺗــﯾن وﺳــﺑﻌﯾن ﻣﻠﱠــﺔ‪ ،‬وﺗﻔﺗــرق أُ ﱠﻣﺗــﻲ ﻋﻠــﻰ ﺛــﻼث‬ ‫ذﻟــك‪ٕ ،‬وا ﱠن ﺑﻧــﻲ إﺳـراﺋﯾل ﱠ‬

‫وﻣـن ﻫـﻲ ﯾـﺎ رﺳـول اﷲ؟ ﻗـﺎل‪ :‬ﻣـﺎ‬ ‫وﺳـﺑﻌﯾن ﻣﻠـﺔ؛ ﻛﻠﻬـم ﻓـﻲ اﻟﻧـﺎر؛ إﻻ ﻣﻠـﺔ واﺣـدة‪ .‬ﻗـﺎﻟوا‪َ :‬‬ ‫أﻧﺎ ﻋﻠﯾﻪ وأﺻـﺣﺎﺑﻲ)‪ .(١‬ووﺟـﻪ اﻟدﻻﻟـﺔ أﻧـﻪ وﺻـف اﻟﻔـرق ﻛﻠﻬـﺎ ﺑـﺎﻟﻬﻼك إﻻ واﺣـدة ﺣـﺎزت‬ ‫ﺻ ــﻔﺔ اﻟﻧﺟ ــﺎة واﺳ ــﺗﺑدت ﺑﻬ ــﺎ‪ ،‬وﻫ ــﻲ اﻟﺟﻣﺎﻋ ــﺔ اﻟﺗ ــﻲ اﺗﺻ ــﻔت ﺑﺎﺗﺑ ــﺎع ﻣ ــﻧﻬﺞ اﻟﺳ ــﻠف ﻓ ــﻲ‬ ‫اﻷﻗوال واﻷﻋﻣﺎل واﻻﻋﺗﻘﺎدات‪.‬‬ ‫‪ (٢‬اﻟطﺎﺋﻔـﺔ اﻟﻣﻧﺻـورة ‪ :‬وﻫـذا اﻻﺳـم ﻣـﺄﺧوذ ﻣـن ﺣـدﯾث ﺛوﺑـﺎن ﻋـن اﻟﻧﺑـﻲ ﺻـﻠﻰ اﷲُ‬ ‫ـﻠم أﻧــﻪ ﻗــﺎل "ﻻ ﺗـزال طﺎﺋﻔــﺔ ﻣــن أﻣﺗــﻲ ﯾﻘــﺎﺗﻠون ﻋﻠــﻰ اﻟﺣــق ظــﺎﻫرﯾن إﻟــﻰ ﯾــوم‬ ‫ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫اﻟﻘﯾﺎﻣﺔ")‪.(٢‬‬

‫ﺧﺻﺎﺋص ﻋﻘﯾدة أﻫل اﻟﺳﻧﺔ واﻟﺟﻣﺎﻋﺔ)‪:(٣‬‬ ‫اﻣﺗﺎزت ﻋﻘﯾدة أﻫل اﻟﺳﻧﺔ واﻟﺟﻣﺎﻋﺔ ﻋن ﻋﻘﺎﺋد ﻏﯾرﻫم ﻣن اﻟﻔرق ﺑﺧﺻﺎﺋص ﻣﻧﻬﺎ‪:‬‬ ‫‪ (١‬وﺣـــدة اﻟﻣﺻـــدر‪ :‬ﻓــﻼ ﻣﺻــدر ﯾﻌﺗﻣــدون ﻋﻠﯾــﻪ ﻓــﻲ ﺗﻘرﯾــر ﻋﻘﺎﺋــدﻫم‪ ،‬ﺳــوى اﻟﻛﺗ ــﺎب‬ ‫واﻟﺳﻧﺔ ٕواﺟﻣﺎع اﻟﺳﻠف‪ ،‬وﻻ ﯾﻌﺎرﺿون ﻣﺎ ﺛﺑت ﻣن ذﻟك ﺑﻘﯾﺎس أو رأي أو ﻫوى‪.‬‬ ‫‪ (٢‬ﻣواﻓﻘﺗﻬﺎ ﻟﻸدﻟﺔ اﻟﺻﺣﯾﺣﺔ ﻓطرة وﻋﻘﻼ وﻧﻘﻼ‪ :‬ﻓﻼ ﺷﻲء أرﯾﺢ ﻟﻠﻧﻔس وأطﻣن ﻟﻠﻘﻠب‬ ‫ﻣن ﻋﻘﺎﺋد اﻟﺳﻠف‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﺗﺗﻔـق ﺗﻣـﺎم اﻻﺗﻔـﺎق ﻣـﻊ اﻟﻔطـر اﻟﺳـﻠﯾﻣﺔ واﻟﻌﻘـول اﻟﻣﺳـﺗﻘﯾﻣﺔ‪،‬‬

‫)‪ (١‬ﺳﻧن اﻟﺗرﻣذي )‪. (٢٦٤١‬‬ ‫)‪ (٢‬ﺻﺣﯾﺢ ﻣﺳﻠم‪ ، (٣٥٥١)،‬ﻣﺳﻧد اﻹﻣﺎم أﺣﻣد )‪.(٢٢٣٢٠‬‬ ‫)‪ (٣‬د‪ .‬أﺣﻣد ﻓرﯾد "ﻋﻘﯾدة أﻫل اﻟﺳﻧﺔ واﻟﺟﻣﺎﻋﺔ"‪ ،‬ﻣﻛﺗﺑﺔ ﻓﯾض ﻟﻠﺗﺟﺎرة واﻟﺗوزﯾﻊ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫرة‪ ،‬ﻣﺻر‪ ،‬ط‪٢٠٠٥‬م‬ ‫ص‪ ،٢١٦‬وﻣﺎ ﺑﻌدﻫﺎ‪.‬‬

‫‪- ٤٤ -‬‬


‫وﻟــن ﺗﺟــد ﺑﺣﻣــد ﷲ ﻣﻌﺎرﺿــﺔ أي ﻣﻧﻬــﺎ ﻟﻣﻘــررات اﻟﻌﻘــول أو ﺻــﺣﯾﺢ اﻟﻣﻧﻘــول‪ ،‬ﻓــﻼ‬ ‫ُﯾﻣﻛن أن ﯾﺗﻌﺎرض ﻋﻘل ﺻرﯾﺢ ﻣﻊ ﻧﻘل ﺻﺣﯾﺢ ﺻرﯾﺢ ﻋﻠﻰ اﻹطﻼق‪.‬‬ ‫‪ (٣‬اﻟوﺿـــوح واﻟﺳـــﻬوﻟﺔ‪ :‬ﻓ ــﻼ ﺗﻌﻘﯾ ــد ﻓ ــﻲ ﻓﻬﻣﻬ ــﺎ وﻻ ﺻ ــﻌوﺑﺔ ﻓ ــﻲ ﺷ ــرﺣﻬﺎ‪ ،‬ﺑ ــل ﯾﻔﻬﻣ ــﺎ‬ ‫اﻟﺧــﺎص واﻟﻌــﺎم ﻣــن اﻟﻧــﺎس ﻋﻠــﻰ اﺧــﺗﻼف ﻣﺳــﺗوﯾﺎﺗﻬم‪ ،‬وﺗﻔــﺎوت درﺟــﺎﺗﻬم دون أدﻧــﻰ‬ ‫ﺻــﻌوﺑﺔ‪ ،‬وﻫــﻲ ﻟﯾﺳــت ﺑﺣﺎﺟــﺔ ﻓــﻲ ﻓﻬﻣﻬــﺎ ﺳــوى إﻟــﻰ ﺳــﻣﺎع آﯾﺎﺗﻬــﺎ وأﺣﺎدﯾﺛﻬــﺎ‪ ،‬ﻗــﺎل‬ ‫اﻹﻣــﺎم أﺑــو ﻣظﻔــر اﻟﺳــﻣﻌﺎﻧﻲ ﻓﯾﻣــﺎ ﻧﻘﻠــﻪ ﻋﻧــﻪ اﻟﺣــﺎﻓظ ﻓــﻲ اﻟﻔــﺗﺢ ‪ ٥٠٧/١٢‬ﻓــﻲ ﺑﯾــﺎن‬ ‫ﺳﻬوﻟﺔ اﻧﻘﯾـﺎد اﻟﻌﺎﻣـﺔ ﻻﻋﺗﻘـﺎد اﻟﺳـﻠف ٕواﻋ ارﺿـﻬم ٕواﺿـراﺑﻬم ﻋـن ﻋﻘﺎﺋـد أﻫـل اﻟﻛـﻼم‪:‬‬

‫"اﻟﻌوام ﺟﻣﯾﻌﺎ ‪ ..‬ﻻ ﯾﻌرﻓون إﻻ اﻹﺗﺑﺎع اﻟﻣﺟـرد‪ ،‬وﻟـو ﻋـرض ﻋﻠـﯾﻬم ﻫـذا اﻟطرﯾـق ‪-‬‬

‫طرﯾــق اﻟﻣﺗﻛﻠﻣــﯾن ‪ -‬ﻣــﺎ ﻓﻬﻣــﻪ أﻛﺛــرﻫم‪ ،‬ﻓﺿــﻼ ﻋــن أن ﯾﺻــﯾر ﻣــﻧﻬم ﺻــﺎﺣب ﻧظــر‪،‬‬ ‫ٕواﻧﻣـﺎ ﻏﺎﯾــﺔ ﺗوﺣﯾـدﻫم اﻟﺗـزام ﻣـﺎ وﺟــدوا ﻋﻠﯾــﻪ أﺋﻣـﺗﻬم ﻓــﻲ ﻋﻘﺎﺋــد اﻟـدﯾن واﻟﻌــض ﻋﻠﯾﻬــﺎ‬ ‫ﺑﺎﻟﻧواﺟذ‪ ،‬واﻟﻣواظﺑﺔ ﻋﻠﻰ وظﺎﺋف اﻟﻌﺑﺎدات‪ ،‬وﻣﻼزﻣﺔ اﻷذﻛﺎر ﺑﻘﻠـوب ﺳـﻠﯾﻣﺔ طـﺎﻫرة‬

‫ﻋـن اﻟﺷـﺑﻪ واﻟﺷـﻛوك‪ ،‬ﻓﺗـراﻫم ﻻ ﯾﺣﯾـدون ﻋﻣـﺎ اﻋﺗﻘـدوﻩ وﻟـو ﻗُطﻌـوا إرﺑـﺎً إرﺑـﺎً‪ ،‬ﻓﻬﻧﯾﺋـﺎ‬ ‫ﻟﻬم ﻫذا اﻟﯾﻘﯾن وطوﺑﻰ ﻟﻬم ﻫذﻩ اﻟﺳﻼﻣﺔ"‪.‬‬

‫‪ (٤‬اﻟﺛﺑﺎت واﻻﺳﺗﻣرار‪ :‬ﻓﻼ ﯾزﯾدﻫﺎ طﻌن اﻟطﺎﻋﻧﯾن إﻻ ﺑرﯾﻘـﺎ‪ ،‬وﻻ ﺗﺷـﻛﯾك اﻟﻣﺷـﻛﻛﯾن إﻻ‬ ‫ﻗوة وﺛﺑﺎﺗﺎ‪.‬‬

‫ﻋﻘﯾدة أﻫل اﻟﺳﻧﺔ واﻟﺟﻣﺎﻋﺔ)‪:(١‬‬ ‫ﻣــن ﻧﺎﻓﻠــﺔ اﻟﻘــول أن ﻧﻘــول أن أﻫــل اﻟﺳــﻧﺔ واﻟﺟﻣﺎﻋــﺔ ﻫــم اﻻﻣﺗــداد اﻟﺻــﺣﯾﺢ ﻟﻣــﻧﻬﺞ‬ ‫اﻟﻧﺑﻲ وﺻﺣﺎﺑﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﻠم واﻟﻌﻣل واﻟﺳﻠوك واﻻﻋﺗﻘﺎد‪ ،‬وﻣﺎ ﻧـذﻛرﻩ ﻣـن اﻋﺗﻘـﺎدات ﻫﻧـﺎ ﻫـو‬ ‫ﺑﻌض ﻣﺎ ﻛﺗﺑﻪ اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟطﺣﺎوي ﻓـﻲ ﻋﻘﯾدﺗـﻪ اﻟﺷـﻬﯾرة "اﻟﻌﻘﯾـدة اﻟطﺣﺎوﯾـﺔ"‪ ،‬واﻟﺗـﻲ ﺗﻠﻘﺎﻫـﺎ‬ ‫اﻟﻌﻠﻣﺎء ﺑﺎﻟﻘﺑول‪:‬‬

‫)‪ (١‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق د‪ .‬أﺣﻣد ﻓرﯾد "ﻋﻘﯾدة أﻫل اﻟﺳﻧﺔ واﻟﺟﻣﺎﻋﺔ"‪ ،‬ص‪.٢٠‬‬

‫‪- ٤٥ -‬‬


‫‪ (١‬اﻻﻋﺗﻘــﺎد اﻟﺟــﺎزم ﺑــﺄن اﷲ واﺣــد ﻻ ﺷـرﯾك ﻟــﻪ‪ ،‬وﻻ ﻣﺛﯾــل ﻟــﻪ وﻻ ﯾﻌﺟـزﻩ ﺷــﻲء‪ ،‬وﻻ إﻟــﻪ‬ ‫ﻏﯾرﻩ‪.‬‬ ‫اﻟﻌﻼ‪.‬‬ ‫‪ (٢‬اﻻﻋﺗﻘﺎد اﻟﺟﺎزم ﺑﺄن ﷲ اﻷﺳﻣﺎء اﻟﺣﺳﻧﻰ واﻟﺻﻔﺎت ُ‬ ‫‪ (٣‬إﺛﺑــﺎت ﻣــﺎ أﺛﺑﺗــﻪ اﷲ ﻟﻧﻔﺳــﻪ ﻣــن اﻷﺳــﻣﺎء واﻟﺻــﻔﺎت‪ ،‬أو أﺛﺑﺗــﻪ ﻟــﻪ رﺳــوﻟﻪ ﻣــن ﻏﯾــر‬ ‫ﺗﺣرﯾف وﻻ ﺗﻌطﯾل وﻻ ﺗﻣﺛﯾل وﻻ ﺗﻛﯾﯾف‪.‬‬ ‫‪ (٤‬اﻻﻋﺗﻘﺎد اﻟﺟﺎزم ﺑﺄن ﻣﺣﻣدا ﻋﺑداﷲ ورﺳوﻟﻪ‪ ،‬وأﻧﻪ ﺧﺎﺗم اﻷﻧﺑﯾـﺎء ٕواﻣـﺎم اﻷﺗﻘﯾـﺎء وﺳـﯾد‬

‫اﻟﻣرﺳﻠﯾن وﺣﺑﯾب رب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾن‪ .‬وﻛـل دﻋـوى اﻟﻧﺑـوة ﺑﻌـدﻩ ﻓﻐـﻲ وﻫـوى وﻫـو اﻟﻣﺑﻌـوث‬ ‫إﻟﻰ ﻋﺎﻣﺔ اﻟﺟن وﻛﺎﻓﺔ اﻟورى ﺑﺎﻟﺣق واﻟﻬدى وﺑﺎﻟﻧور واﻟﺿﯾﺎء‪.‬‬

‫‪ (٥‬اﻹﯾﻣﺎن ﺑﺎﻟﻣﻼﺋﻛﺔ واﻟﻧﺑﯾﯾن واﻟﻛﺗب اﻟﻣﻧزﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻣرﺳﻠﯾن‪.‬‬ ‫‪ (٦‬اﻻﻋﺗﻘـﺎد اﻟﺟـﺎزم ﺑﺎﻟﻘـدر ﺧﯾـرﻩ وﺷـرﻩ ﻣـن اﷲ ﺗﻌـﺎﻟﻰ وأن اﷲ ﺧﻠـق اﻟﺧﻠـق ﺑﻌﻠـم‪ ،‬وﻗـدر‬ ‫ـف ﻋﻠﯾـﻪ ﺷـﻲء ﻗﺑـل أن ﯾﺧﻠﻘﻬـم‪ ،‬وﻋﻠـم ﻣـﺎ ﻫـم‬ ‫ﻟﻬم أﻗدا ار وﺿرب ﻟﻬـم آﺟـﺎﻻ‪ ،‬وﻟـم ْ‬ ‫ﯾﺧ َ‬

‫ﻋﺎﻣﻠون ﻗﺑل أن ﯾﺧﻠﻘﻬم‪ ،‬وأﻣـرﻫم ﺑطﺎﻋﺗـﻪ وﻧﻬـﺎﻫم ﻋـن ﻣﻌﺻـﯾﺗﻪ‪ ،‬وﻛـل ﺷـﻲء ﯾﺟـري‬

‫ﺑﺗﻘدﯾرﻩ وﻣﺷﯾﺋﺗﻪ‪ .‬وﻣﺷﯾﺋﺗﻪ ﺗﻧﻔذ‪ ،‬ﻓﻣﺎ ﺷﺎء ﻛﺎن وﻣﺎ ﻟم ﯾﺷﺄ ﻟم ﯾﻛن‪.‬‬ ‫‪ (٧‬اﻻﻋﺗﻘــﺎد اﻟﺟــﺎزم ﺑــﺄن اﻟﻘــرآن ﻛــﻼم اﷲ‪ ،‬أﻧزﻟــﻪ ﻋﻠــﻰ رﺳــوﻟﻪ وﺣﯾــﺎ‪ ،‬وﺻــدﻗﻪ اﻟﻣؤﻣﻧــون‬ ‫ﻋﻠﻰ ذﻟك ﺣﻘﺎ‪.‬‬ ‫‪ (٨‬اﻹﯾﻣــﺎن ﺑﺎﻟﻣﻼﺋﻛــﺔ اﻟﻛ ـرام اﻟﻛــﺎﺗﺑﯾن‪ ،‬وأن اﷲ ﻗــد ﺟﻌﻠﻬــم ﻟﻌﺑــﺎدﻩ ﺣــﺎﻓظﯾن‪ .‬واﻹﯾﻣــﺎن‬ ‫ﺑﻣﻠــك اﻟﻣــوت اﻟﻣوﻛــل ﺑﻘــﺑض أرواح اﻟﻌــﺎﻟﻣﯾن؛ وﺑﻌــذاب اﻟﻘﺑــر ﻟﻣــن ﻛــﺎن أﻫــﻼ ﻟــﻪ‪.‬‬ ‫وﺳؤال ﻣﻧﻛر وﻧﻛﯾر ﻓﻲ ﻗﺑرﻩ ﻋن رﺑﻪ ودﯾﻧﻪ وﻧﺑﯾﻪ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺟـﺎءت ﺑـﻪ اﻷﺧﺑـﺎر ﻋـن‬ ‫رﺳـول اﷲ وﻋـن اﻟﺻـﺣﺎﺑﺔ رﺿـوان اﷲ ﻋﻠـﯾﻬم‪ .‬واﻟﻘﺑـر روﺿــﺔ ﻣـن رﯾـﺎض اﻟﺟﻧــﺔ أو‬ ‫ﺣﻔرة ﻣن ﺣﻔر اﻟﻧﯾران‪.‬‬ ‫‪ (٩‬اﻹﯾﻣـﺎن ﺑــﺎﻟﯾوم اﻵﺧــر وﺑﺎﻟﺑﻌــث ﺑﻌــد اﻟﻣـوت‪ ،‬وﺟـزاء اﻷﻋﻣــﺎل ﯾــوم اﻟﻘﯾﺎﻣــﺔ واﻟﻌــرض‬ ‫واﻟﺣﺳﺎب وﻗراءة اﻟﻛﺗﺎب واﻟﺛواب واﻟﻌﻘﺎب واﻟﺻراط واﻟﻣﯾزان‪.‬‬

‫‪- ٤٦ -‬‬


‫‪ (١٠‬اﻹﯾﻣ ــﺎن ﺑ ــﺄن اﻟﺟﻧ ــﺔ واﻟﻧ ــﺎر ﻣﺧﻠوﻗﺗ ــﺎن اﻵن ﻻ ﺗﻔﻧﯾ ــﺎن أﺑ ــدا وﻻ ﺗﺑﯾ ــدان‪ ،‬وأن اﷲ‬ ‫ﺧﻠق اﻟﺟﻧﺔ واﻟﻧﺎر ﻗﺑل اﻟﺧﻠق‪ ،‬وﺧﻠق ﻟﻬﻣﺎ أﻫﻼً‪ ،‬ﻓﻣن آﻣن وﻋﻣل اﻟﺻﺎﻟﺣﺎت أدﺧﻠـﻪ‬ ‫اﷲ اﻟﺟﻧﺔ ﺑﻔﺿﻠﻪ‪ ،‬وﻣن ﻛﻔر ﻣﻧﻬم أدﺧﻠﻪ إﻟﻰ اﻟﻧﺎر ﺑﻌدﻟﻪ‪ .‬واﻟﺣوض اﻟـذي أﻛـرم اﷲ‬ ‫ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻪ ﻧﺑﯾﻪ‪ .‬واﻟﺷﻔﺎﻋﺔ اﻟﺗﻲ ادﺧرﻫﺎ ﻟﻪ ﺣق‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﺛﺑت ﻓﻲ اﻷﺧﺑﺎر‪.‬‬ ‫‪ (١١‬اﻻﻋﺗﻘــﺎد اﻟﺟــﺎزم ﺑــﺄن اﻟﻣــؤﻣﻧﯾن ﯾــرون رﺑﻬــم ﻓــﻲ اﻟﺟﻧــﺔ ﻛﻣــﺎ ﻧطــق ﺑــذﻟك اﻟﻛﺗــﺎب‬ ‫واﻟﺳــﻧﺔ‪ ،‬ﻗــﺎل ﺗﻌــﺎﻟﻰ "وﺟــوﻩ ﯾوﻣﺋــذ ﻧﺎﺿـرة إﻟــﻰ رﺑﻬــﺎ ﻧــﺎظرة"‪ ،‬وﻗــﺎل ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ‬ ‫وﺳﻠم "إﻧﻛم ﺳﺗرون رﺑﻛم")‪.(١‬‬ ‫ْ‬

‫‪ (١٢‬اﻻﻋﺗﻘﺎد ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﺗﺟوز اﻟﺷﻬﺎدة ﻷﺣد ﻣن أﻫل اﻟﻘﺑﻠـﺔ ﺑﺟﻧـﺔ وﻻ ﺑﻧـﺎر إﻻ ﻣـن ﺷـﻬد‬ ‫ﻟﻪ اﻟﻧص ﺑﻌﯾﻧﻪ‪ ،‬ﻣﻊ رﺟﺎء اﻟﺛواب ﻟﻠﻣﺣﺳﻧﯾن ورﺟﺎء اﻟﻌﻔو ﻋن اﻟﻣﺳﯾﺋﯾن‪.‬‬ ‫‪ (١٣‬اﻹﯾﻣﺎن ﻫو اﻹﻗرار ﺑﺎﻟﻠﺳﺎن واﻟﺗﺻدﯾق ﺑﺎﻟﺟﻧﺎن واﻟﻌﻣل ﺑﺎﻟﺟوارح واﻷرﻛﺎن‪.‬‬ ‫‪ (١٤‬اﻹﯾﻣـﺎن ﺑــﺄن أﻫــل اﻟﻛﺑــﺎﺋر ﻣــن أﻣــﺔ ﻣﺣﻣــد ﻻ ﯾﺧﻠــدون ﻓــﻲ اﻟﻧــﺎر إذا ﻣـﺎﺗوا وﻫــم‬ ‫ﻣوﺣــدون‪ٕ ،‬وان ﻟــم ﯾﻛوﻧـوا ﺗــﺎﺋﺑﯾن‪ ،‬وﻫــم ﻓــﻲ ﻣﺷــﯾﺋﺔ اﷲ وﺣﻛﻣــﻪ‪ ،‬إن ﺷــﺎء ﻏﻔــر ﻟﻬــم‬

‫وﻋﻔﺎ ﻋﻧﻬم ﺑﻔﺿﻠﻪ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ذﻛـر ﻋـز وﺟـل ﻓـﻲ ﻛﺗﺎﺑـﻪ "وﯾﻐﻔـر ﻣـﺎ دون ذﻟـك ﻟﻣـن ﯾﺷـﺎء"‬ ‫إن ﺷــﺎء ﻋــذﺑﻬم ﻓــﻲ اﻟﻧــﺎر ﺑﻌدﻟــﻪ ﺛــم ﯾﺧــرﺟﻬم ﻣﻧﻬــﺎ ﺑرﺣﻣﺗــﻪ وﺷــﻔﺎﻋﺔ اﻟﺷــﺎﻓﻌﯾن ﻣــن‬ ‫أﻫل طﺎﻋﺗﻪ ﺛم ﯾدﺧﻠﻬم إﻟﻰ ﺟﻧﺗﻪ‪.‬‬

‫‪ (١٥‬وﻻ ﯾــرون اﻟﺧــروج ﻋﻠــﻰ وﻻة أﻣــور اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن ﻣ ــﺎ أﻗــﺎﻣوا اﻟﻛﺗــﺎب واﻟﺳــﻧﺔ‪ ،‬وﻻ‬ ‫ﯾﻧزﻋــون ﯾــداً ﻣــن طﺎﻋــﺔ‪ ،‬وﯾــرون طــﺎﻋﺗﻬم ﻣــن طﺎﻋــﺔ اﷲ ﻋــز وﺟــل ﻣــﺎ ﻟــم ﯾــﺄﻣروا‬ ‫ﺑﻣﻌﺻﯾﺔ‪.‬‬ ‫‪ُ (١٦‬ﺣب أﺻﺣﺎب رﺳول اﷲ ﻣن اﻹﯾﻣﺎن ﻣن ﻏﯾر إﻓراط وﻻ ﺗﻔرﯾط ‪.‬‬ ‫‪ (١٧‬اﻹﯾﻣﺎن ﺑﺄن اﻟﺧﻼﻓﺔ ﺑﻌد رﺳول اﷲ أوﻻ ﻷﺑﻲ ﺑﻛر اﻟﺻدﯾق‪ ،‬ﺗﻔﺿـﯾﻼ ﻟـﻪ وﺗﻘـدﯾﻣﺎ‬ ‫ﻋﻠـﻰ ﺟﻣﯾـﻊ اﻷﻣـﺔ‪ ،‬ﺛـم ﻟﻌﻣـر ﺑـن اﻟﺧطـﺎب‪ ،‬ﺛـم ﻟﻌﺛﻣـﺎن ﺑـن ﻋﻔـﺎن‪ ،‬ﺛـم ﻟﻌﻠـﻲ ﺑـن أﺑـﻲ‬ ‫طﺎﻟب‪ .‬وﻫم اﻟﺧﻠﻔﺎء اﻟراﺷدون واﻷﺋﻣﺔ اﻟﻣﻬدﯾون‪.‬‬

‫)‪ (١‬ﺻﺣﯾﺢ اﻹﻣﺎم اﻟﺑﺧﺎري )‪.(٥٢٩‬‬

‫‪- ٤٧ -‬‬


‫‪(١٨‬‬

‫اﻹﯾﻣ ــﺎن ﺑ ــﺄن ﻧﺑﯾـ ـﺎً واﺣ ــداً أﻓﺿ ــل ﻣ ــن ﺟﻣﯾ ــﻊ اﻷوﻟﯾ ــﺎء‪ ،‬ﻣ ــﻊ اﻹﯾﻣ ــﺎن ﺑﻛ ارﻣ ــﺎت‬

‫اﻷوﻟﯾﺎء وﻓﺿﻠﻬم‪.‬‬ ‫‪ (١٩‬اﻹﯾﻣ ــﺎن ﺑﺄﺷـ ـراط اﻟﺳ ــﺎﻋﺔ ﻣ ــن ﺧ ــروج اﻟ ــدﺟﺎل وﻧ ــزول ﻋﯾﺳ ــﻰ ﺑ ــن ﻣـ ـرﯾم ﻋﻠﯾ ــﻪ‬ ‫اﻟﺳﻼم‪ ،‬وطﻠوع اﻟﺷﻣس ﻣن ﻣﻐرﺑﻬﺎ وﺧروج داﺑﺔ اﻷرض ﻣـن ﻣوﺿـﻌﻬﺎ؛ وﻻ ﻧﺻـدق‬ ‫ﻛﺎﻫﻧﺎ وﻻ ﻋراﻓﺎ وﻻ ﻣن ﯾدﻋﻲ ﺷﯾﺋﺎ ﯾﺧﺎﻟف اﻟﻛﺗﺎب واﻟﺳﻧﺔ ٕواﺟﻣﺎع اﻷﻣﺔ‪.‬‬ ‫‪ (٢٠‬اﻹﯾﻣــﺎن ﺑــﺄن اﻹﺳــﻼم ﻫــو اﻟــدﯾن اﻟﺣــق اﻟــذي ﯾﺟــب إﺗﺑﺎﻋــﻪ‪ ،‬وأن إﺗﺑــﺎع ﻏﯾـرﻩ ﻣــن‬ ‫اﻷدﯾﺎن واﻟﻣذاﻫب ﺑﺎطل وﺿﻼل‪ ،‬ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ‪‬إن اﻟدﯾن ﻋﻧد اﷲ اﻹﺳﻼم‪ ،(١)‬وﻗـﺎل‬ ‫‪ ‬وﻣن ﯾﺑﺗﻎ ﻏﯾر اﻹﺳﻼم دﯾﻧﺎ ﻓﻠن ﯾﻘﺑل ﻣﻧﻪ وﻫو ﻓﻲ اﻵﺧرة ﻣن اﻟﺧﺎﺳرﯾن‪.(٢)‬‬ ‫ﻫــذﻩ اﻟﻣﻌﺗﻘــدات ﻫــﻲ اﻷﺳــﺎس اﻟــذي ﻗﺎﻣــت ﻋﻠﯾــﻪ أﻏﻠــب اﻟﺟﻣﺎﻋــﺎت اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ ﻓــﻲ‬ ‫ﻣﺻــر واﻟﻌــﺎﻟم اﻟﻌرﺑــﻲ وﻫــﻲ ﻧﻔــس ﻋﻘﯾــدة – ﻓﯾﻣــﺎ أرى واﷲ أﻋﻠــم‪ -‬اﻟﺳــﻠﻔﯾون وأﻏﻠــب ﻣــن‬ ‫أُطﻠق ﻋﻠﯾﻪ ﻓﻲ اﻵوﻧﺔ اﻷﺧﯾرة ﻣﺻطﻠﺢ "اﻹﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ" وﻫو ﻣﺻطﻠﺢ ﻏﯾر ﺻـﺣﯾﺢ‬ ‫ﻓﻣﻧﻬﺞ أﻫل اﻟﺳﻧﺔ ﯾؤﻣن ﺑﺄن رﺳول اﷲ ﺻـﻠﻰ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـﻠم وﺻـﺣﺎﺑﺗﻪ ﻣـن و ارﺋـﻪ رﺿـوان‬ ‫اﷲ ﻋﻠــﯾﻬم أﺟﻣﻌــﯾن ﻛــﺎﻧوا ﯾﻌﻣﻠــون ﻓــﻲ ﻛــل اﻟﻣﺟــﺎﻻت ﻓﻘــﺎدوا اﻟﺟﯾــوش وﻋﻘــدوا ﻣﺟــﺎﻟس‬ ‫اﻟﻘﺿــﺎء وﻣﺎرﺳ ـوا ﻛــل أﻣــور اﻟﺣﻛــم واﻟﺳﯾﺎﺳــﺔ ﻓﻬــذا ﻻ ﯾﻣﻧــﻊ ذاك؛ ﺑــل إن ﻣﻌرﻓــﺔ اﻟــدﯾن‬ ‫ﯾﺟ ــب أن ﺗﻛ ــون أﺻ ــل ﻣ ــن أﺻ ــول اﺧﺗﯾ ــﺎر اﻟﻌﻣ ــﺎل ﻓ ــﻲ اﻟﻔﻘ ــﻪ اﻹﺳ ــﻼﻣﻲ ﻓﺧﯾ ــر ﻣ ــن‬ ‫اﺳﺗﺄﺟرت اﻟﻘوي اﻵﻣﯾن‪.‬‬ ‫‪ ‬اﻟﺧوارج‪:‬‬ ‫ﻛﺎﻧـت ﻓرﻗـﺔ اﻟﺧـوارج ﻣﻧـذ ﺧروﺟﻬـﺎ ﻋﻠــﻰ اﻹﻣـﺎم ﻋﻠـﻲ رﺿـوان اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺣﺗـﻰ ﯾوﻣﻧــﺎ‬ ‫ﻫذا وﻣﺎ ﺗوﻟـد ﻣﻧﻬـﺎ ﻣـن ﺟﻣﺎﻋـﺎت وﻓـرق ﺷـﺗﻰ ﻟﻬـم ﺑﻌـض اﻟﻌﻘﺎﺋـد‪ .‬وﻓـﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘـﺔ ﻟـم ﯾﻛـن‬ ‫ﻟﻠﺧـوارج ﻋﻧــد ﺑــدء ظﻬــورﻫم ﺣﺳــب اﻟﻣﺻــﺎدر اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾــﺔ ﻣﻧظوﻣــﺔ أﻓﻛــﺎر ﺗُﺷــﻛل ﻣــذﻫﺑﻬم‬ ‫اﻟــذي ﻓــﺎرﻗوا ﺑــﻪ أﻫــل اﻟﺳــﻧﺔ‪ ،‬ﻓﻘــد ﻛﺎﻧــت ﻣﻔــﺎرﻗﺗﻬم ﻟﻠﻣﺳــﻠﻣﯾن ﻣﺗﻌﻠﻘــﺔ ﺑﺎﻋﺗ ارﺿــﻬم ﻋﻠــﻰ‬

‫)‪ (١‬ﺳورة آل ﻋﻣران آﯾﺔ )‪.(١٩‬‬ ‫)‪ (١‬ﺳورة آل ﻋﻣران آﯾﺔ )‪.(٨٥‬‬

‫‪- ٤٨ -‬‬


‫ﻣﺳــﺄﻟﺔ اﻟﺗﺣﻛــﯾم‪ ،‬إﻻ أن ﻣــذﻫب اﻟﺧ ـوارج اﺗﺳــﻊ ﻓــﻲ ﺑِ َد ِﻋــﻪ وﻣﺧﺎﻟﻔﺎﺗــﻪ‪ ،‬ﻧظـ اًر ﻟﻣــﺎ اﺳــﺗﺗﺑﻊ‬ ‫اﻋﺗراﺿﻬم اﻷول ﻣن اﻟﺗزاﻣﺎت‪ ،‬وﻣﺎ اﺳﺗﺟد ﻋﻠﯾﻬم ﻣن ﻣﺣدﺛﺎت‪ ،‬ﻓﻣن آراﺋﻬم‪:‬‬ ‫‪ (١‬اﻟﺧروج ﻋﻠﻰ اﻟﺣﻛﺎم إذا ﺧﺎﻟﻔوا ﻣﻧﻬﺟﻬم وﻓﻬﻣﻬم ﻟﻠدﯾن‪.‬‬ ‫‪ (٢‬ﺗﻛﻔﯾر أﺻﺣﺎب اﻟﻛﺑﺎﺋر‪.‬‬ ‫‪ (٣‬اﻟﺗﺑروء ﻣن اﻟﺧﻠﯾﻔﺗﯾن اﻟراﺷدﯾن ﻋﺛﻣﺎن وﻋﻠﻲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﻣﺎ‪.‬‬ ‫‪ (٤‬ﺗﺟوﯾز اﻹﻣﺎﻣﺔ اﻟﻌظﻣﻰ ﻓﻲ ﻏﯾر اﻟﻘرﺷﻲ‪ ،‬ﻓﻛل ﻣن ﯾﻧﺻﺑوﻧﻪ وﯾﻘـﯾم اﻟﻌـدل ﻓﻬـو‬ ‫ﻋﺟﻣﯾـﺎ أم ﻋر ًﺑﯾـﺎ‪ .‬وذﻫﺑـت طﺎﺋﻔـﺔ ﻣـﻧﻬم وﻫـم‬ ‫اﻹﻣـﺎم‪ ،‬ﺳـواء أﻛـﺎن ﻋﺑ ًـدا أم ﺣ ًـرا‪ ،‬أ ً‬ ‫)اﻟﻧﺟــدات( إﻟــﻰ ﻋــدم ﺣﺎﺟــﺔ اﻟﻧــﺎس إﻟــﻰ إﻣــﺎم‪ٕ ،‬واﻧﻣــﺎ ﻋﻠــﻰ اﻟﻧــﺎس أن ﯾﺗﻧﺎﺻــﻔوا‬ ‫ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﻬم‪ ،‬ﻓﺈن أروا أﻧﻪ ﻻﺑد ﻣن إﻣﺎم ﺟﺎز ﻟﻬم أن ﯾﻘﯾﻣوا ﻟﻬم إﻣﺎﻣﺎً‪.‬‬

‫‪ (٥‬إﺳــﻘﺎط ﺣــد اﻟــرﺟم ﻋــن اﻟ ازﻧــﻲ‪ٕ ،‬واﺳــﻘﺎط ﺣــد اﻟﻘــذف ﻋﻣــن ﻗــذف اﻟﻣﺣﺻــﻧﯾن ﻣــن‬ ‫اﻟرﺟﺎل دون ﻣن ﻗذف اﻟﻣﺣﺻﻧﺎت ﻣن اﻟﻧﺳﺎء‪.‬‬

‫‪ (٦‬إﻧﻛﺎر ﺑﻌﺿﻬم ﺳورة ﯾوﺳف‪ ،‬وﻫو ﻣن أﻗـﺑﺢ أﻗـواﻟﻬم وأﺷـﻧﻌﻬﺎ‪ ،‬وﻫـذا اﻟﻘـول ُﯾﻧﺳـب‬ ‫إﻟﻰ اﻟﻌﺟﺎردة ﻣﻧﻬم‪ ،‬ﺣﯾث ﻗﺎﻟوا ﻻ ﯾﺟوز أن ﺗﻛون ﻗﺻﺔ اﻟﻌﺷق ﻣن اﻟﻘرآن!!‬

‫‪ (٧‬اﻟﻘول ﺑوﺟوب ﻗﺿﺎء اﻟﺻﻼة ﻋﻠﻰ اﻟﺣﺎﺋض‪ ،‬ﻓﺧﺎﻟﻔوا اﻟﻧص واﻹﺟﻣﺎع‪.‬‬ ‫ﻋﻠﯾﺎ ﺑن أﺑﻲ طﺎﻟب رﺿوان اﷲ ﻋﻠﯾﻪ ﺑﻌث ﻟﻬم ﻋﺑداﷲ ﺑن ﻋﺑـﺎس رﺿـوان‬ ‫ورﻏم أن ً‬

‫اﷲ ﻋﻠﯾ ـﻪ وﻧﺎﻗﺷــﻬم ﺣﺗــﻰ ﺗ ارﺟــﻊ ﻛﺛﯾــر ﻣــﻧﻬم ﻋــن ﻫــذا اﻟﻔﻛــر اﻟﺷــﺎذ واﺿــطر ﻋﻠ ـﻲ إﻟــﻰ‬ ‫ﻗﺗــﺎﻟﻬم ﺣﺗــﻰ ﻓﻧـوا ﺗﻘرﯾﺑـﺎً إﻻ إن ﻫــذا اﻟﻔﻛــر ﯾظﻬــر ﻓــﻲ ﺑﻌــض اﻷﺣﯾــﺎن وﯾﺧﺗﻔــﻲ ﻓــﻲ ﺑــﻼد‬ ‫اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‪.‬‬ ‫ﻛﯾﻔﯾﺔ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻟﺧوارج‬ ‫ﻟﻘــد وﺿــﻊ أﻣﯾــر اﻟﻣــؤﻣﻧﯾن ﻋﻠــﻲ ﺑــن أﺑــﻲ طﺎﻟــب رﺿــﻲ اﷲ ﻋﻧــﻪ ﻣﻧﻬﺟــﺎ ﻗوﯾﻣ ـﺎً ﻓــﻲ‬ ‫اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ ﻫذﻩ اﻟطﺎﺋﻔﺔ‪ ،‬ﺗﻣﺛل ﻫذا اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻓـﻲ ﻗوﻟـﻪ رﺿـﻲ اﷲ ﻋﻧـﻪ ﻟﻠﺧـوارج‪ " :‬إﻻ إن‬

‫‪- ٤٩ -‬‬


‫ﻟﻛــم ﻋﻧــدي ﺛــﻼث ﺧــﻼل ﻣــﺎ ﻛﻧــﺗم ﻣﻌﻧــﺎ ‪ :‬ﻟــن ﻧﻣــﻧﻌﻛم ﻣﺳــﺎﺟد اﷲ‪ ،‬وﻻ ﻧﻣــﻧﻌﻛم ﻓﯾﺋــﺎ ﻣــﺎ‬ ‫ﻛﺎﻧت أﯾدﯾﻛم ﻣﻊ أﯾدﯾﻧﺎ‪ ،‬وﻻ ﻧﻘﺎﺗﻠﻛم ﺣﺗﻰ ﺗﻘﺎﺗﻠوﻧﺎ")‪.(١‬‬ ‫‪ ‬اﻟﺷﯾﻌﺔ‪:‬‬ ‫ـﺄﺛﯾر ﻓـﻲ ﺗﻔـرق اﻟﺻـف اﻟﻣﺳـﻠم ﻛﺎﻧـت ﻫـﻲ ﻓرﻗـﺔ‬ ‫اﻟﻔرﻗﺔ اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ اﻷﻛﺛـر ﺑـرو اًز واﻷﻛﺛـر ﺗ ًا‬ ‫اﻟﺷ ــﯾﻌﺔ أو ﻣ ــﺎ ُﻋرﻓ ــت ﺑﻌ ــد ذﻟ ــك ﺑﺎﻟﺷ ــﯾﻌﺔ اﻹﻣﺎﻣﯾ ــﺔ اﻹﺛﻧ ــﺎ ﻋﺷـ ـرﯾﺔ ﻫ ــم ﺗﻠ ــك اﻟﻔرﻗ ــﺔ ﻣ ــن‬

‫اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن اﻟــذﯾن زﻋﻣ ـوا أن ﻋﻠﯾ ـﺎً ﻫــو اﻷﺣــق ﻓــﻲ و ارﺛــﺔ اﻟﺧﻼﻓــﺔ دون اﻟﺷــﯾﺧﯾن وﻋﺛﻣــﺎن‬ ‫رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬم أﺟﻣﻌﯾن‪ .‬وﻗد أطﻠـق ﻋﻠـﯾﻬم اﻹﻣﺎﻣﯾـﺔ ﻷﻧﻬـم ﺟﻌﻠـوا ﻣـن اﻹﻣﺎﻣـﺔ اﻟﻘﺿـﯾﺔ‬ ‫وﺳ ـ ﱡﻣوا ﺑــﺎﻻﺛﻧﻲ ﻋﺷ ـرﯾﺔ ﻷﻧﻬــم ﻗــﺎﻟوا ﺑــﺎﺛﻧﻲ ﻋﺷــر إﻣﺎﻣ ـﺎً دﺧــل‬ ‫اﻷﺳﺎﺳــﯾﺔ اﻟﺗــﻲ ﺗﺷــﻐﻠﻬم‬ ‫ُ‬ ‫آﺧــرﻫم اﻟﺳــرداب ﺑﺳــﺎﻣراء ﻋﻠــﻰ ﺣــد زﻋﻣﻬــم‪ .‬ﻛﻣ ــﺎ أﻧﻬــم اﻟﻘﺳــم اﻟﻣﻘﺎﺑــل ﻷﻫــل اﻟﺳــﻧﺔ‬ ‫واﻟﺟﻣﺎﻋﺔ ﻓﻲ ﻓﻛرﻫم وآراﺋﻬم اﻟﻣﺗﻣﯾزة‪ ،‬وﻫم ﯾﻌﻣﻠون ﻟﻧﺷر ﻣذﻫﺑﻬم ﻟﯾﻌم اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ‬ ‫اﻟﺳﻧﺔ أن اﻟﺷﯾﻌﺔ أﻗرب ﻣﺎ ﯾﻛوﻧوا ﻟﻐﯾر اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‪.‬‬ ‫وﯾرى ﻓرﯾق ﻛﺑﯾر ﻣن ﻋﻠﻣﺎء أﻫل ُ‬

‫)‪ (١‬ﻟﻠﻣزﯾد ﺑرﺟﺎء اﻟرﺟوع إﻟﻰ اﻟﺑﯾﻬﻘﻲ واﺑن أﺑﻲ ﺷﯾﺑﺔ‬

‫‪- ٥٠ -‬‬


‫اﻟﻣﺑﺣث اﻟﺛﺎﻟث‬ ‫اﻟﻌﻬد اﻟﺣدﯾث وﺗﻔرق اﻷﻣﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ إﻟﻰ دوﯾﻼت ﺻﻐﯾرة‬ ‫ﻋﻧ ــدﻣﺎ ﻧ ــﺗﻛﻠم ﻋ ــن دوﻟ ــﺔ ﻣ ــن دول اﻹﺳ ــﻼم أو ﻣﻣﻠﻛ ــﺔ ﻣ ــن اﻟﻣﻣﺎﻟ ــك اﻹﺳ ــﻼﻣﯾﺔ‬ ‫وﻧﺣــﺎول ﺗﻣﺟﯾــد ﻫــذﻩ اﻟدوﻟــﺔ أو ﻫــذﻩ اﻟﻣﻣﻠﻛــﺔ ﺑــداﻓﻊ وطﻧــﻲ أو ﻋرﻗــﻲ أو داﻓــﻊ اﻟﺗﻌﺻــب‬ ‫ُ‬ ‫ﻟﻠﺗـراب اﻟـذي ُوﻟـد اﻹﻧﺳــﺎن ﻋﻠﯾـﻪ‪ ..‬ﻧﻘـول ﻋﻧــدﻣﺎ ﻧﻔﻌـل ذﻟـك‪ ...‬ﻓــﺈن ﻫـذا اﻷﻣـر ﻻ ُﯾﺧﯾــف‬ ‫أﻋداء اﻹﺳﻼم ﻣن ﻗرﯾب أو ﻣن ﺑﻌﯾد ﻷﻧﻬم ﯾﻌﻠﻣـوا أن ﻛـل ﺗﻠـك اﻟﺗﺟﻣﻌـﺎت اﻟﺑﺷـرﯾﺔ ﻫـﻲ‬

‫ﺗﺟﻣﻌﺎت ﻋﻠﯾﻠﺔ ﻣرﯾﺿﺔ ﻻ ﺗﻘوم ﻋﻠﻰ أﺳﺎس ﻣن ﻋﻘﯾـدة ﺗُـﻼزم اﻹﻧﺳـﺎن ﻓـﻲ ﺻـﺣوة وﻓـﻲ‬ ‫ﻧوﻣﻪ ﺑل وﺗﺣرﻛﻪ دون أن ﯾﺷﻌر ﻟﺣب ﻫذا أو ُﺑﻐض ﻫذا‪ .‬ﻓﻼ ُﯾﻣﺎﻧﻊ أﻋداء اﻹﺳـﻼم أن‬

‫ﺗﻣﺗﻠك دوﻟﺔ ﻣﺳـﻠﻣﺔ ﺛـروات وﻟـو ﻛﺎﻧـت ﻣﺛـل ﺛـروة ﻗـﺎرون أو ﻋﺗـﺎد ﺣرﺑـﻲ أو ﺟـﯾش ﺟـرار‬ ‫ُﻣﺳﻠﺢ ﺑﺄﺣدث ﻣﺎ وﺻل إﻟﯾـﻪ اﻟﻌﻠـم ﻣـن ﺗﺳـﻠﯾﺢ وﺗﺟﻬﯾـز ﻛـل ذﻟـك ﻻ ُﯾﺧﯾـف طﺎﻟﻣـﺎ ظﻠـت‬ ‫ﻫ ــذﻩ اﻟ ــدوﯾﻼت ﺗﺗﺻ ــرف ﻛﻌﻧﺎﺻ ــر ﻣﺳ ــﺗﻘﻠﺔ وﻛ ــل دوﻟ ــﺔ ﺗﺗﻐﻧ ــﻰ ﺑﺄﻣﺟﺎدﻫ ــﺎ وذﻛ ــﺎء وﻧﻘ ــﺎء‬ ‫أﺻــﻠﻬﺎ ﻫــذا ﻣــن ﻣﻧطﻠــق وطﻧــﻲ ﺷــﻌوﺑﻲ‪ .‬وﺑﻠــﻎ ﻣــن ﺑﻌــض اﻟﻣﺗﻌﺻــﺑﯾن ﻟﻠﻘوﻣﯾــﺎت ﺣــد‬ ‫ﺟـ ـواز إﻋ ــﻼن اﻟﺣ ــرب ﻓ ــﻲ ﺣﺎﻟ ــﺔ ﺗﻌ ــﺎرض اﻟﻣﺻ ــﺎﻟﺢ أو اﻻﺧ ــﺗﻼف ﻋﻠ ــﻰ اﻟﺛ ــروات ﻓ ــﻲ‬ ‫ﻣﻧﺎطق اﻟﺣدود اﻟﺗﻲ رﺳﻣﺗﻬﺎ اﻟدول اﻻﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ ﺑﯾن ﺗﻠك اﻟﺟﯾوش اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ وﺗﺧﺗﻔـﻲ ﻫﻧـﺎ‬ ‫اﻟﻌروة اﻷﺧوﯾﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ وﯾﺗﻼﻗﻰ اﻟﻣﺳﻠﻣﺎن وﺟﻬﺎً ﻟوﺟﻪ ﺑﺎﻟﺳﻼح‪ .‬أﻣﺎ ﻋﻧـد ﺑـروز ﻛﻠﻣـﺔ‬ ‫اﻷﻣ ــﺔ اﻟﻣﺳ ــﻠﻣﺔ ﺗﻠ ــك اﻟﻛﻠﻣ ــﺔ ﺗُﻣﺛ ــل ﻣﺻ ــطﻠﺢ ﻣﺧﯾ ــف وﻣ ــزﻋﺞ وﻣرﻋ ــب ﻷﻋ ــداء اﻷﻣ ــﺔ‪،‬‬

‫وﻟﺑﻼد اﻟﻐرب وﻟﻠﻣﺎﺳوﻧﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ‪ ،‬وﻟﻠﺻﻬﯾوﻧﯾﺔ وﻟذا ﻋﻣﻠت ﺟﺎﻫدة وﺑﻛل ﻣﺎ أوﺗﯾت ﻣـن‬ ‫ﻗوة وﻣﻛر وﺧﺑث ﻋﻠﻰ ﺗﻔﻛﯾك ﻫذﻩ اﻷﻣﺔ اﻟواﺣدة‪ ،‬وﺗﻔﺗﯾﺗﻬﺎ إﻟﻰ دوﯾـﻼت ﻟﯾﺳـﻬل اﻟﺳـﯾطرة‬ ‫ﻋﻠﯾﻬــﺎ‪ .‬وﻣــﺎ اﺟﺗﻣــﻊ اﻟﻐــرب اﻟﺻــﻠﯾﺑﻲ واﻟﺻــﻬﯾوﻧﻲ ﻋﻠــﻰ ﻣــﺎ ﺑﯾــﻧﻬم ﻣــن ﺗﺑــﺎﯾن اﻷﻫــداف‬ ‫ﻣﺛﻠﻣــﺎ اﺟﺗﻣﻌـ ـوا ﻋﻠ ــﻰ ﻫ ــذا اﻟﻬ ــدف‪ ،‬وﻣ ــﺎ ﺣــدﺛت ﻋﻣﻠﯾ ــﺔ ﺗﻘﺳ ــﯾم أو ﺗ ــم اﻟﺗﺧط ــﯾط ﻟﻬ ــﺎ إﻻ‬ ‫أﻋﻘﺑﻬــﺎ ﻣﺑﺎﺷ ـرة إﻧﺟــﺎز ﻟﻠﺻــﻬﯾوﻧﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾــﺔ‪ ،‬وﺗﺟﻠــت أول أﻋﻣــﺎﻟﻬم اﻟﺗﻘﺳــﯾﻣﯾﺔ ﻓــﻲ إﻧﻬــﺎء‬ ‫اﻟﺧﻼﻓـ ــﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾـ ــﺔ اﻟﺗـ ــﻲ ﻣﺛﻠـ ــت ﻋﻠـ ــﻰ ﺿـ ــﻌﻔﻬﺎ أﻫـ ــم اﻟرﻣـ ــوز اﻟﺳﯾﺎﺳـ ــﯾﺔ ﻟوﺣـ ــدة اﻷﻣـ ــﺔ‬ ‫اﻹﺳ ــﻼﻣﯾﺔ‪ ،‬وﺑﻌ ــد أن ﺗ ــداﻋﻰ اﻻﺳ ــﺗﻌﻣﺎر اﻷوروﺑ ــﻲ ﻋﻠ ــﻰ اﻟﺑﻠ ــدان اﻹﺳ ــﻼﻣﯾﺔ وﻻﺳ ــﯾﻣﺎ‬ ‫اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺗواﻓق ﻋﻠـﻰ ﺗﻘﺳـﯾم اﻟﺑﻠـدان اﻟﻌرﺑﯾـﺔ ﺿـﻣن ﻣﻌﺎﻫـدة ﺳـﺎﯾﻛس‪ -‬ﺑﯾﻛـو ﻋـﺎم ‪١٩١٦‬م‬ ‫‪- ٥١ -‬‬


‫)ﺳﯾﺄﺗﻲ ﺗﻔﺻﯾل ذﻟك ﻓﻲ ﻣﺑﺣث ﻻﺣق(‪ ،‬ﺣﯾـث ﺗـم ﺗرﺳـﯾم اﻟﺣـدود اﻟﺗﺟزﯾﺋﯾـﺔ ﺑـﯾن اﻟﺑﻠـدان‬ ‫ﻟﯾﺳــﻬل اﻻﺳــﺗﻔراد ﺑﻛــل ﻛﯾــﺎن ﺳﯾﺎﺳــﻲ ﻋﻠــﻰ أﻧــﻪ وﺣــدة ﻣﻧﻔﺻــﻠﺔ ﻋــن ﺑــﺎﻗﻲ ﺟﺳــد اﻷﻣــﺔ‬ ‫اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ ﻟﻪ ﻣﺻﺎﻟﺣﻪ اﻟﺗﻲ ﺗم ﺗدرﯾب ﺟﯾل ﻣن اﻟﻣﺛﻘﻔـﯾن واﻟﻌﻠﻣـﺎء ﻓـﻲ ﺑـﻼد اﻟﻐـرب ﯾـرون‬ ‫أن اﻟﻌـ ـزة ﻓ ــﻲ ﺗﻘﻠﯾ ــد اﻟﻐ ــرب اﻟﺻ ــﻠﯾﺑﻲ واﻻﻧﺧـ ـراط ﻓ ــﻲ اﻟﻌﺟﻠ ــﺔ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾ ــﺔ اﻟﺻ ــﻬﯾوﻧﯾﺔ وﻣ ــﺎ‬ ‫ﺗﺣﺗوﯾـﻪ ﻫــذﻩ اﻟﻌﺟﻠــﺔ ﻣــن ﻣﺑــﺎدئ ﺳﯾﺎﺳــﯾﺔ واﻗﺗﺻــﺎدﯾﺔ وﻣــﺎ ﯾﺳــﺗﺗﺑﻊ ذﻟــك ﻣــن ﺗــرك ﻟﻬوﯾﺗﻧــﺎ‬ ‫اﻟﻘﺎﺋﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺗوﺣﯾد اﻟﺧﺎﻟص ﷲ واﻟﺣب ﻓﯾﻪ واﻟ ُـﺑﻐض ﻓﯾـﻪ وأن ﻧﻌﺗﻘـد أن اﻟﻣﺳـﻠﻣﯾن أﻣـﺔ‬

‫واﺣـ ــدة ﻣـ ــن دون اﻟﻧـ ــﺎس‪ .‬ﻫـ ــذا اﻻﻧﺗﻣـ ــﺎء اﻟـ ــذي ﯾﺗﺟـ ــﺎوز اﻻﻧﺗﻣـ ــﺎء ﻟﻸوطـ ــﺎن ذو اﻟﺣـ ــدود‬ ‫اﻟﺿﯾﻘﺔ واﻻﻧﺗﻣﺎء ﻷﻣﺔ ﻋظﯾﻣﺔ ُﯾرﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻔس ﺷﻌور ﺑﺎﻷﺧوة واﻟﻘ ارﺑـﺔ ﺗﻔـوق ﻗ ارﺑـﺔ اﻟـدم‬

‫أو ﺗﻘﺎرب اﻟﺳﻛن واﻟﻣﺄوى إﻟﻰ اﻟرﺑط ﺑﯾن ﻛل أﻓراد ﻫذﻩ اﻷﻣﺔ ﺑرﺑـﺎط اﻟﺗوﺣﯾـد ﻓﺗـرى اﻟﻔـرد‬ ‫ُﯾﺣب ُرﺳل اﷲ أﺟﻣﻌﯾن ﻻ ﻟﺷﻲء إﻻ ﻷﻧﻬم ﺟﺎءوا ﻣـن ﻋﻧـد اﷲ وﯾﺣـزن ﻻﻧﺗﻬـﺎك ﻋـرض‬ ‫ﻣرة ﻣﺳـﻠﻣﺔ ٕوان ﺗﺑﺎﻋـدت اﻷوطـﺎن واﺧﺗﻠﻔـت اﻷزﻣـﺎن ﻫـذا اﻟﺣـزن ﻻ ﻟﺷـﻲء إﻟـﻰ ﺑﺳـﺑب‬ ‫ا أ‬ ‫اﻻﻧﺗﻣﺎء ﻟﻬذﻩ اﻟراﺑطﺔ اﻟﻣﻘدﺳﺔ راﺑطﺔ اﻟﺗوﺣﯾد اﻟﺧﺎﻟص)‪.(١‬‬

‫ـﻠم إﻟـﻰ اﻟﻣدﯾﻧـﺔ‪،‬‬ ‫وﻟﻘد ظﻬر ﻣﺻطﻠﺢ اﻷﻣﺔ ﺑﻌد ﻫﺟرة اﻟﻧﺑﻲ ﺻـﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳ ْ‬ ‫ﻛﻣــﺎ أوﺿــﺣﻧﺎ ﻓــﻲ وﻗــت ﺳــﺎﺑق؛ ﻓﻛــﺎن ﻣــن أﻫــم اﻷﻋﻣــﺎل اﻟﺗــﻲ ﻗــﺎم ﺑﻬــﺎ ﻛﺗﺎﺑــﺔ ﺻــﺣﯾﻔﺔ‬ ‫ﺗﺿــﻣﻧت ﻣﺑ ــﺎدئ ﻋﺎﻣــﺔ ﺗﻛــون ﺑﻣﺛﺎﺑــﺔ اﻟدﺳ ــﺗور اﻟــذي ﯾ ــﻧظم ﺣﯾــﺎة ﻛــﺎن ﻣــن ﯾﻌ ــﯾش ﻓــﻲ‬ ‫اﻟﻣدﯾﻧــﺔ ﻣــن اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن واﻟﯾﻬــود وﻏﯾــرﻫم‪ .‬ﺟــﺎء ﻓــﻲ طﻠﯾﻌــﺔ ﻫــذﻩ اﻟﻣﺑــﺎدئ ﺗﺣدﯾــد ﻣﻔﻬــوم‬ ‫اﻷﻣ ــﺔ‪ ،‬وﻛ ــﺎن ﻣﺻ ــطﻠﺣﺎً ﺟدﯾ ــداً ﻟ ــم ُﯾﺳ ــﻣﻊ ﺑ ــﻪ ﻣ ــن ﻗﺑـ ـ ُل‪ ،‬ﻓﺎﻷﻣ ــﺔ ﻓ ــﻲ اﻟﺻ ــﺣﯾﻔﺔ ﺗﺿ ــم‬ ‫اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن ﺟﻣﯾﻌ ـﺎً ﻣﻬــﺎﺟرﯾﻬم وأﻧﺻــﺎرﻫم وﻣــن ﺗــﺑﻌﻬم‪ ،‬ﻣﻣــن ﻟﺣــق ﺑﻬــم وﺟﺎﻫــد ﻣﻌﻬــم أﻣــﺔ‬

‫واﺣــدة ﻣــن دون اﻟﻧــﺎس‪ ،‬وﻫــذا ﺷــﻲء ﺟدﯾــد ﻛــل اﻟ ِﺟ ـ ّدﻩ ﻓ ـﻲ ﺗــﺎرﯾﺦ اﻟﺣﯾــﺎة اﻟﺳﯾﺎﺳــﯾﺔ ﻓــﻲ‬

‫ـﻠم ﻗوﻣــﻪ ﻣــن ﺷــﻌﺎر اﻟﻘﺑﻠﯾــﺔ واﻟﺗﺑﻌﯾــﺔ‬ ‫ﺟزﯾـرة اﻟﻌــرب‪ ،‬إذ َﻧﻘــل اﻟرﺳــول ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـ ْ‬ ‫ﻟﻬــﺎ‪ ،‬إﻟــﻰ ﺷــﻌﺎر اﻷﻣــﺔ اﻟﺗــﻲ ﺗﺿــم ﻛــل ﻣــن اﻋﺗﻧــق اﻟــدﯾن اﻟﺟدﯾــد‪ ،‬وﻗــد ﺟــﺎء ﺑــﻪ اﻟﻘ ـرآن‬ ‫اﻟﻛرﯾم ﻓﻲ ﻗول اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ‪ ‬إِ ﱠن ﻫ ِذ ِﻩ أُ ﱠﻣﺗُ ُﻛم أُ ﱠﻣﺔً و ِ‬ ‫ﺎﻋ ُﺑ ُدون‪(٢)‬؛ وأﺻـﺑﺣوا‬ ‫اﺣ َدةً َوأَ​َﻧﺎ َرﱡﺑ ُﻛ ْم ﻓَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أﻣﺔ واﺣدة ﺗرﺑط أﻓرادﻫﺎ راﺑطﺔ اﻟﻌﻘﯾدة وﻟﯾس اﻟدم‪ ،‬ﻓﯾﺗﺣد ﺷﻌورﻫم وﺗﺗﺣد أﻓﻛـﺎرﻫم وﺗﺗﺣـد‬

‫)‪ (١‬ﻣوﺳوﻋﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ‪ ،‬اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت واﻟﺷر اﻟﺟزء اﻟﺛﺎﻟث اﻟطﺑﻌﺔ اﻷوﻟﻲ‪ ،‬ﺑﯾروت‪ ١٩٨٣ ،‬ص‪١٢٠‬‬ ‫)‪ (١‬ﺳورة اﻷﻧﺑﯾﺎء آﯾﺔ )‪.(٩٢‬‬

‫‪- ٥٢ -‬‬


‫ﻗﺑﻠ ــﺗﻬم ووﺟﻬ ــﺗﻬم ووﻻؤﻫ ــم ﷲ وﻟ ــﯾس ﻟﻠﻘﺑﯾﻠ ــﺔ‪ ،‬واﺣﺗﻛ ــﺎﻣﻬم ﻟﻠﺷ ــرع وﻟ ــﯾس ﻟﻠﻌ ــرف‪ .‬ودﺧ ــل‬ ‫ـﺎس ﻓ ــﻲ ﻫ ــذﻩ اﻟراﺑط ــﺔ اﻟﺟدﯾ ــدة أﻓـ ـراداً وﺟﻣﺎﻋ ــﺎت دﺧﻠـ ـوا ﻓ ــﻲ ﻫ ــذﻩ اﻟراﺑط ــﺔ وﻣ ــﺎزاﻟوا‬ ‫اﻟﻧ ـ ُ‬ ‫ﯾدﺧﻠون إﻟﻰ ﯾوم اﻟﻧﺎس ﻫذا؛ وﻫم ﯾدﺧﻠون ﯾﻌﻠﻣون أﻧﻬم ﺑﻬـذا اﻟـدﺧول ﯾﻧﺳـﻠﺧون ﻣـن ﻛـل‬ ‫اﻧﺗﻣــﺎء وﯾﺿــﻌون ﺧﻠﻔﻬــم ﻛــل ﻋﺻــﺑﯾﺔ وﻛــل أﺧــوة وﯾﻘطﻌــون ﻛــل اﻟــرواﺑط وﯾرﺗﺑطــون ﻣﻌـﺎً‬ ‫ﺑﺎﻟراﺑطﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ اﻟﻣﺗﺟددة اﻟﺗﻲ ﻻ ﺗﺑﻠﻰ وﻻ ﺗﻧـدﺛر راﺑطـﺔ اﻟﺗوﺣﯾـد اﻟﺧـﺎﻟص ٕواﺗﺑـﺎع ﻛﺗـﺎب‬

‫اﷲ وأن ﺗﻛــون اﻟﻛﻠﻣــﺔ اﻟﻌﻠﯾــﺎ ﻓــﻲ ﻧﻔــس ﻣــن ﯾــدﺧل ﺗﺣــت ﻣظﻠــﺔ ﻫــذﻩ اﻷﻣــﺔ ﻫــﻲ ﻛﻠﻣــﺔ اﷲ‬ ‫وﺳﻠم‪.‬‬ ‫ٕواﺗﺑﺎع ﺳﻧﺔ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫ْ‬ ‫ﻣ ــن ﺧ ــﻼل ذﻟ ــك ُﯾﻣﻛ ــن ﻟﻛ ــل ذي ﻋﯾﻧ ــﯾن أن ﯾ ــرى أن ﻣﻔﻬ ــوم اﻷﻣ ــﺔ إذن ﻣﻔﻬ ــوم‬

‫ﻣﻔﺗــوح وﻏﯾــر ﻣﻧﻐﻠــق ﻋﻠــﻰ ﻓﺋــﺔ دون ﻓﺋــﺔ‪ ،‬ﺑــل ﻫــﻲ ﻣﻣﺗــدة ﻟﺗﺷــﻣل اﻹﻧﺳــﺎﻧﯾﺔ ﻛﻠﻬــﺎ‪ ،‬إذا ﻣــﺎ‬ ‫اﺳــﺗﺟﺎﺑت ﻟــدﯾن اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ اﻟــذي ارﺗﺿ ــﺎﻩ ﻟﺧﻠﻘــﻪ وﻟﺑﻧــﻲ آدم أﯾﻧﻣــﺎ ﻛــﺎﻧوا‪ .‬ﻓﺎﻷﻣــﺔ ﺗﻌﻧــﻲ‬ ‫اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ‪ ،‬واﻟﺟﻣﺎﻋﺔ إﻧﻣﺎ ﺗﻛﺗﺳب ﻗوﺗﻬﺎ وﻣﻛﺎﻧﺗﻬﺎ ﻻ ﻣن ﺣﯾث اﻟﻌـدد ﻓﺣﺳـب‪ ،‬وﻟﻛـن ﻣـن‬ ‫ﺣﯾــث اﻟﺗ ـراﺑط اﻟــذي ﯾ ـرﺑط ﺑــﯾن آﺣﺎدﻫــﺎ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻌــدد اﻟﻣﺟﻣــوع اﻟــذي ﻻ ﯾ ـرﺑط ﺑﯾﻧــﻪ ارﺑــط ﻻ‬ ‫ﯾﺳ ــﺗﺣق ﻟﻔ ــظ اﻷﻣ ــﺔ ٕوان ﻛﺛ ــرت أﻋ ــدادﻩ‪ .‬وأﻗ ــوى ارﺑ ــط ﯾـ ـرﺑط ﺑ ــﯾن اﻟﻧ ــﺎس ﻣ ــن اﻟﻣﻧظ ــور‬ ‫اﻟﺷرﻋﻲ ﻫو اﻟدﯾن‪ ،‬وﻟذا ﻓﺈن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن أﻣﺔ واﺣدة ٕوان اﺧﺗﻠﻔـت أﻋـراﻗﻬم أو أﺟﻧﺎﺳـﻬم أو‬

‫ﻟﻐــﺎﺗﻬم أو أوطــﺎﻧﻬم‪ .‬وﻣــن ﻫﻧــﺎ ﺟــﺎء ﻣــﺎ ﯾﺳــﻣﻰ ﺑﻬوﯾــﺔ اﻷﻣــﺔ اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ‪ .‬ﻓﻠﻛــل أﻣــﺔ ﻣــن‬ ‫اﻷﻣم ﺛواﺑت ﺗُﻣﺛل اﻟﻘﺎﻋدة اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻟﺑﻧﺎء اﻷﻣـﺔ‪ ،‬وﻓـﻲ طﻠﯾﻌـﺔ ﻫـذﻩ اﻟﺛواﺑـت ﺗـﺄﺗﻲ اﻟﻬوﯾـﺔ‬

‫ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرﻫﺎ اﻟﻣﺣور اﻟذي ﺗﺗﻣرﻛز ﺣوﻟﻪ ﺑﻘﯾﺔ اﻟﺛواﺑت‪ ،‬واﻟـذي ﯾﺳـﺗﻘطب ﺣوﻟـﻪ أﻓـراد اﻷﻣـﺔ‪.‬‬ ‫وﯾﻣﺎرﺳون ذﻟـك ﻋﻠـﻰ اﻋﺗﺑـﺎرﻫم أﻣـﺔ ﻣـن دون اﻟﻧـﺎس‬ ‫ﻓﺎﻟﯾﻬود ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﻣﺛﺎل ﯾﻌﺗﻘدون ُ‬ ‫ﻓﺎﻟﯾﻬودي اﻟذي ﯾﻌﯾش ﻓﻲ أي دوﻟﺔ ﻣن دول اﻟﻌﺎﻟم ﯾﻛون وﻻﺋـﻪ اﻷول واﻷﺧﯾـر ﻟﻠﻣﻧظﻣـﺔ‬ ‫اﻟﺻــﻬﯾوﻧﯾﺔ اﻟﺗــﻲ ﺗﺣرﻛــﻪ وﻟــﯾس ﻟﻠﺑﻠــد اﻟــذي وﻟــد ﻓﯾــﻪ وأﻛــل ﻣــن ﺧﯾـرﻩ وﺗﻌﻠــم ﻓــﻲ ﻣدارﺳــﺔ؛‬

‫ﻏﯾــر أن ﻫــذﻩ اﻷﻣــﺔ ﻣﻧﻐﻠﻘــﺔ ﺑﻣﻌﻧــﻰ أﻧــﻪ ﻻ ُﯾﻣﻛــن ﻷي ﻓــرد أن ﯾﻧﺿــم إﻟﯾﻬــﺎ؛ ﻓﻬــﻲ أﻣــﺔ‬

‫ﻋرﻗﯾﺔ ﯾﻌﺗﻘدون أﻧﻬم ﺷﻌب اﷲ اﻟﻣﺧﺗﺎر واﻟﻧﺎس ُﺧﻠﻘوا ﻟﻛﻲ ﯾﺧدﻣوا ﻫذا اﻟﺷـﻌب اﻟﻣﺧﺗـﺎر‬

‫وﺗوﻟــد ﻣــن ﻫــذا اﻻﻋﺗﻘ ــﺎد ﺟ ـواز اﻟﺧﯾﺎﻧــﺔ أو اﻟﺷــﻬﺎدة اﻟ ـزور ﻣــﺎ دام ذﻟــك ﯾﺧــدم ﺟﻣﺎﻋــﺔ‬ ‫اﻟﯾﻬود‪ .‬أﻣﺎ اﻟﻣﺳﻠم ﻓﻬو ﯾﺷﻬد وﯾﻘوم ﺑﺎﻟﺣق وﻟـو ﻛـﺎن ﻋﻠـﻰ ﻧﻔﺳـﻪ أو اﻟواﻟـدﯾن واﻷﻗـرﺑﯾن‪،‬‬ ‫ﯾﺧن ﻣن ﺧﺎﻧﻪ‪.‬‬ ‫واﻟﻣﺳﻠم أﻣﯾن ﻟﻣن اﺋﺗﻣﻧﻪ وﻻ ْ‬ ‫‪- ٥٣ -‬‬


‫اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ‬ ‫ﻛﺎﻧــت اﻟﺧﻼﻓــﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾــﺔ ﻫــﻲ أﺧــر رﻣــز ﻣــن رﻣــوز ﺗوﺣــد اﻷﻣــﺔ اﻟﻣﺳــﻠﻣﺔ ﺗﺣــت‬ ‫راﯾﺔ واﺣدة ﻓرﻏم ﻋﯾوب ﻫذﻩ اﻟﺧﻼﻓﺔ أو ﻣﺎ ُﯾﻘـﺎل ﻋﻧﻬـﺎ إﻻ أﻧﻧـﺎ ﻻ ﻧﺳـﺗطﯾﻊ أن ُﻧﻧﻛـر أﻧـﻪ‬ ‫ﺧﻼل ﻓﺗرة ﻣﺎ ﯾﻘرب ﻣن ﺳﺗﺔ ﻗرون ﻛﺎن اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﻲ ﻫو اﻹﻣـﺎم اﻷﻋظـم ﻟﻛـل أﺋﻣـﺔ‬ ‫اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وﻛﺎن ﻫذا اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ ﯾوﻟﻲ اﻟوﻻة وﯾﻌزﻟﻬم وﻓق ﻣﺎ ﯾﺗرائ ﻟﻪ ﻛﻣـﺎ إن ﻫـذﻩ اﻟﺧﻼﻓـﺔ‬ ‫ﺟــﺎءت ﺑﻌــد اﻟﺧﻼﻓــﺔ اﻟ ارﺷــدة واﻟﺧﻼﻓــﺔ اﻷﻣوﯾــﺔ واﻟﺧﻼﻓــﺔ اﻟﻌﺑﺎﺳــﯾﺔ واﻣﺗــدت ﻟﻔﺗـرة طوﯾﻠــﺔ‬ ‫ﻣ ــن اﻟ ــزﻣن ﺣﺗ ــﻰ ﺻ ــﺎر ﻋﻠﯾﻬ ــﺎ ﻣ ــﺎ ﯾﺻ ــﯾر ﻟﻛ ــل ﻣﻣﺎﻟ ــك اﻷرض ﻗ ــوة ‪ ...‬ﻓﺷ ــﺑﺎب ‪....‬‬ ‫ﻓﻛﻬوﻟﺔ ‪ .....‬ﻓﺷﯾﺧوﺧﺔ؛ ﺛم اﻧﻬﯾﺎر)‪.(١‬‬ ‫وﻧﺣــن ﻫﻧــﺎ ﻟﺳــﻧﺎ ﺑﺻــدد ﻣﻧﺎﻗﺷــﺔ ﻣﻣﯾ ـزات اﻟﺧﻼﻓــﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾــﺔ أو ﻋﯾوﺑﻬــﺎ وﻟﻛــن اﻟــذي‬ ‫ﯾﻬﻣﻧﺎ ﻓﻲ ﻫـذﻩ اﻟد ارﺳـﺔ أﻧﻬـﺎ ظﻠـت رﻣـ اًز ﻟﻛـل اﻟﻣﺳـﻠﻣﯾن أو ﻟﻐﺎﻟﺑﯾـﺔ أﻫـل اﻟﺳـﻧﺔ واﻟﺟﻣﺎﻋـﺔ‬ ‫وﻟم ﯾﻛن ﯾﻌرف اﻟﻣﺳﻠم ﺧﻼل ﺗﻧﻘﻠﻪ ﺑﯾن رﺑوع ﻫـذﻩ اﻟﺧﻼﻓـﺔ اﻟﻣﺗراﻣﯾـﺔ اﻷطـراف ﺣـدود أو‬ ‫ﺗﺄﺷﯾرة ﺗﺳﻣﺢ ﻟﻪ ﺑﺎﻟدﺧول ﻫﻧﺎ وﺗﻣﻧﻌﻪ ﻣـن اﻟـدﺧول ﻫﻧـﺎك‪ .‬وﻟﻛـن ﻫـذا اﻟﻛﯾـﺎن اﻟﺿـﺧم ﻗـد‬ ‫اﻧﻬﺎر ﻷﺳﺑﺎب ﻛﺛﯾرة ﻧذﻛر ﻣﻧﻬﺎ)‪:(٢‬‬ ‫‪ ‬إﻫﻣــﺎل اﻟﺗﺣــﺎﻛم إﻟــﻰ ﺷ ـرﯾﻌﺔ اﷲ؛ وﻣــﺎ ﺗﺑــﻊ ذﻟــك ﻣــن ﺗﻌﻠــم اﻟﻠﻐــﺔ اﻟﻌرﺑﯾــﺔ وﻋﻠــوم‬ ‫اﻟﺣدﯾث‪.‬‬ ‫‪ ‬ﺑــدأ اﻟﻧــﺎس ﯾﺑﺗﻌــدون ﻋــن اﻟــدﯾن ﺷــﯾﺋﺎً ﻓﺷــﯾﺋﺎ‪ ،‬وﺑــدأت ﺗﺄﺳــرﻫم ﻣﻼﻫــﻲ اﻟﺣﯾــﺎة‬ ‫واﻟدﻧﯾﺎ‪ ......‬ﺑدأوا ﯾﻠﺗﻔون ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺳﺎء وﻋﻠﻰ ﻣﻠذات اﻟﺣﯾﺎة!!!‪.‬‬ ‫‪ ‬ﻣ ـﻊ اﻧﺗﺷــﺎر اﻟﻠﻐــﺔ اﻟﺗرﻛﯾــﺔ‪ ،‬ﺑــدأ اﻟﻧــﺎس ﯾﺗرﻛــون اﻟﻠﻐــﺔ اﻟﻌرﺑﯾــﺔ وﻫــﻲ ﻟﻐــﺔ اﻟﻘ ـرآن‬ ‫اﻟﻛرﯾم‪.‬‬ ‫‪ ‬ﺑدأ اﻟﺟﯾش ﯾﺗدﺧل ﻓﻲ أﻣور اﻟدوﻟﺔ‪.‬‬ ‫)‪ (١‬طﺎش ﻛﺑري زاد "اﻟﺷﻘﺎﺋق اﻟﻧﻌﻣﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﻋﻠﻣﺎء اﻟدوﻟﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ"‪ ،‬دار اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻌرﺑﻲ‪ ،‬ﺑﯾروت‪ ،‬ﻟﺑﻧﺎن ‪١٩٩٠‬م‬ ‫ص‪.٥٢‬‬ ‫اﻟﻌﻠﯾﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ" ﺗﺣﻘﯾق‪ :‬اﻟدﻛﺗور إﺣﺳﺎن ﺣﻘﻲ‪ ،‬دار اﻟﻧﻔﺎﺋس‪،‬‬ ‫)‪(٢‬اﻷﺳﺗﺎذ ﻣﺣﻣد ﻓرﯾد ﺑك اﻟﻣﺣﺎﻣﻲ "ﺗﺎرﯾﺦ اﻟدوﻟﺔ ّ‬ ‫ﺑﯾروت‪ ،‬ﻟﺑﻧﺎن اﻟطﺑﻌﺔ اﻟﻌﺎﺷرة‪ ٢٠٠٦ :‬ص‪.٢٣٢‬‬

‫‪- ٥٤ -‬‬


‫‪ ‬أﺻــﺑﺢ اﻷﺳــﺎس ﻓــﻲ اﻟﻔﺗوﺣــﺎت ﻫــو ﻓــرض ﻫﯾﻣﻧــﺔ اﻟدوﻟــﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾــﺔ ﻋﻠــﻰ اﻷرض‬ ‫اﻟﻣﻔﺗوﺣﺔ وﻟﯾس إدﺧﺎﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟدﯾن اﻹﺳﻼﻣﻲ‪.‬‬ ‫‪ ‬ﺑدأت اﻟﺧزﻋﺑﻼت ﺗﻧﺗﺷر ﺑﯾن اﻟﻧﺎس ﻓﻲ اﻟدوﻟﺔ اﻹﺳـﻼﻣﯾﺔ ﺑﺳـﺑب اﻧﺗﺷـﺎر اﻟﻔـرق‬ ‫اﻟﺻوﻓﯾﺔ‪.‬‬ ‫‪ ‬ﺑدأ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﯾﺗزوﺟون ﻣن أﺟﻧﺑﯾﺎت‪.‬‬ ‫‪ ‬ﺑــدأت ﺗﻧﺗﺷــر ﺑــﯾن اﻟﻧــﺎس اﻟﻌﻣﺎﻟــﺔ واﻟﺧﯾﺎﻧــﺔ‪ ،‬اﻷﻣــر اﻟــذي ﺑــﺎت ﯾﻬــدد اﻷﻣــن‬ ‫واﻻﺳﺗﻘرار‪.‬‬ ‫‪ ‬ﻛﻣﺎ أن اﻟﺣروب اﻟﺻﻠﯾﺑﯾﺔ أﺿﻌﻔت اﻟدوﻟﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ ﻛﺛﯾ اًر‪.‬‬ ‫وﺧ ــﻼل ﻫ ــذﻩ اﻟﻣ ارﺣ ــل ﻛﺎﻧ ــت اﻹﻣﺑراطورﯾ ــﺎت اﻷورﺑﯾ ــﺔ ﺗﻣﺿ ــﻲ ﻓ ــﻲ ﺑﻧ ــﺎء ﻧﻬﺿ ــﺗﻬﺎ‬ ‫اﻟﺣدﯾﺛ ــﺔ وﺗُﺷ ــﺟﻊ اﻟﺣرﻛ ــﺎت اﻻﻧﻔﺻ ــﺎﻟﯾﺔ اﻟﺗ ــﻲ ﺗظﻬ ــر ﻓ ــﻲ ﺑ ــﻼد اﻟﻣﺳ ــﻠﻣﯾن ﻣﺛ ــل وﻗوﻓﻬ ــﺎ‬

‫ﺑﺟ ـوار ﻣﺣﻣــد ﻋﻠــﻰ ﺑﺎﺷــﺎ اﻟ ـواﻟﻲ اﻟﻌﺛﻣــﺎﻧﻲ ﻋﻠــﻰ ﻣﺻــر ﺣﺗــﻰ ﺟﻌﻠ ـوا وﻻﯾــﺔ ﻣﺣﻣــد ﻋﻠــﻲ‬ ‫ﻋﻠ ــﻰ ﻣﺻ ــر واﻟﺳ ــودان وﺑ ــﻼد اﻟﺣﺟ ــﺎز ﺷ ــﺑﻪ ﻣﻧﻔﺻ ــﻠﺔ ﻋ ــن اﻟﺧﻼﻓ ــﺔ اﻷم)‪(١‬؛ ﺑﺎﻹﺿ ــﺎﻓﺔ‬ ‫ﻟﺗﺷﺟﯾﻊ اﻟﺛورات ﻓﻲ ﻛل اﻟﺑﻼد اﻹﺳـﻼﻣﯾﺔ ﻣـﺎ داﻣـت ﺗﻧـﺎدي ﺑﺈﻧﺷـﺎء أي ﻛﯾـﺎن ﻋﻠـﻰ ﻏﯾـر‬ ‫أﺳﺎس دﯾﻧﻲ‪.‬‬ ‫ورﻏــم ﻫــذا اﻟﺿــﻌف اﻟــذي اﻧﺗﻬــﻰ ﺑﺎﻻﻧﻬﯾــﺎر إﻻ أن وﺟــود اﻟﺧﻼﻓــﺔ ﻛــﺎن ﯾﻣﻧــﻊ اﻟﻌدﯾــد ﻣــن‬ ‫اﻟﻧ ازﻋــﺎت اﻟﺷــﻌوﺑﯾﺔ ﻣــن اﻟظﻬــور وﻛــﺎن ﻋﻣــوم اﻟﻧــﺎس ﯾﻧظــرون إﻟــﻰ ﺑــﻼد اﻹﺳــﻼم ﻋﻠــﻰ‬ ‫أﻧﻬﺎ ﺑﻠد واﺣد‪.‬‬ ‫اﻟﻐرب وﻣﺣﺎوﻻت ﺗﻔﺗﯾت اﻟﺧﻼﻓﺔ‬ ‫ﺣﺳــب ﻣــﺎ ذﻫــب إﻟﯾــﻪ اﻟﻣــؤرخ ﺟﺳــﺗن ﻣﻛــﺎرﺛﻲ ) ‪ (Justin A. McCarthy‬أن‬ ‫اﻟدوﻟــﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾــﺔ ﻓــﻲ اﻟﻘــرن اﻟﺗﺎﺳــﻊ ﻋﺷــر ﻛﺎﻧــت ﻣطوﻗــﺔ ﺑﺧﺻــوم أﻗوﯾــﺎء ﻟــم ﯾﺗﯾﺣ ـوا ﻟﻬــﺎ‬ ‫"ﻓﺳﺣﺔ ﻟﻠﺗﻧﻔس" ﻟﺗرﺗﯾب ﺑﯾﺗﻬﺎ اﻟداﺧﻠﻲ ﺑﺑﻧﺎء دوﻟﺔ ﺣدﯾﺛﺔ وﺟﯾش ﻗوي واﻗﺗﺻـﺎد ﺻـﻧﺎﻋﻲ‪،‬‬ ‫واﺿــطروﻫﺎ ﻟﺧــوض ﺣــروب ﻣﺗﺗﺎﻟﯾــﺔ ﻓــﻲ اﻷﻋـوام اﻟﺗﺎﻟﯾــﺔ ﻛــﺎﻟﺣرب ﻣــﻊ روﺳــﯾﺎ )‪-١٨٠٦‬‬ ‫)‪ (١‬اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑق" ﻛﺗﺎب اﻟﺷﻘﺎﺋق اﻟﻧﻌﻣﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﻋﻠﻣﺎء اﻟدوﻟﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬ص‪ ٥٢‬ﻧﻘﻼً ﻋن ﺗﺎرﯾﺦ اﻟدوﻟﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ‪،‬‬ ‫ص‪.٤٣‬‬

‫‪- ٥٥ -‬‬


‫‪ (١٨١٢‬واﻟﺣرب اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻣـﻊ روﺳـﯾﺎ أﯾﺿـﺎً )‪ (١٨٢٩ -١٨٢٨‬واﻟﺣـرب ﻣـﻊ ﻣﺣﻣـد ﻋﻠـﻲ‬ ‫ﺑﺎﺷﺎ اﻟﺗﻲ أﺟﺟﺗﻬﺎ أوروﺑﺎ وﻣﻧﻌـت اﻟﺗﻔـﺎﻫم ﺑـﯾن طرﻓﯾﻬـﺎ )‪ (١٨٤٠ -١٨٣٩‬وﺣـرب اﻟﻘـرم‬ ‫ﻣ ــﻊ روﺳ ــﯾﺎ )‪ (١٨٥٦ -١٨٥٣‬واﻟﺣ ــرب اﻟراﺑﻌ ــﺔ ﻣ ــﻊ روﺳ ــﯾﺎ ﻛ ــذﻟك )‪(١٨٧٨ -١٨٧٧‬‬ ‫واﻟﺣ ــرب ﻣ ــﻊ اﻟﯾوﻧ ــﺎن )‪ (١٨٩٧‬وﺣ ــروب اﻟﺑﻠﻘ ــﺎن )‪ (١٩١٣ -١٩١١‬واﻟﺣ ــرب اﻟﻛﺑ ــرى‬ ‫اﻷوﻟ ــﻰ )‪ (١٩١٨ -١٩١٤‬وﺣ ــرب اﻻﺳ ــﺗﻘﻼل)‪١٩٢٣-١٩١٩‬م( إﺿ ــﺎﻓﺔ إﻟ ــﻰ ﺣـ ـوادث‬ ‫اﻟﻌﺻــﯾﺎن اﻟﻣﺳــﻠﺢ اﻟﻛﺑــرى ﻓــﻲ ﻣﺻــر ﻋــﺎم )‪١٨٠٤‬م(؛ واﻻﻧﺗﻔﺎﺿــﺔ اﻟﺻـرﺑﯾﺔ )‪-١٨١٥‬‬ ‫‪ (١٨١٧‬واﻟﺛـ ـ ــورة اﻟﯾوﻧﺎﻧﯾـ ـ ــﺔ )‪ (١٨٣٠ -١٨٢١‬واﻟﺛـ ـ ــورة ﻓـ ـ ــﻲ ﺟزﯾ ـ ـ ـرة ﻛرﯾـ ـ ــت )‪-١٨٦٦‬‬ ‫‪ (١٨٦٨‬واﻟﺛورة ﻓـﻲ ﺑﻠﻐﺎرﯾـﺎ )‪ (١٨٧٥‬و)‪ (١٨٧٦‬واﻟﺗﻣـرد اﻷرﻣﻧـﻲ )‪،(١٨٩٧ -١٨٩٦‬‬ ‫وﻫﻠﻛت اﻟﺟﯾوش اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻓﻲ طور اﻟﺗدرﯾب وأُﺟﺑرت ﻋﻠﻰ ﺧـوض اﻟﺣـروب‬ ‫وﻫﻲ ﻏﯾر ﻣﻬﯾﺄة‪ ،‬وأُﻧﻔﻘت اﻟﻣوارد اﻟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻼزﻣـﺔ ﻟﻠﺗﺣـدﯾث ﻋﻠـﻰ ﻫـزاﺋم أدت إﻟـﻰ ﺧﺳـﺎرة‬ ‫اﻷرض واﻟدﺧل‪ ،‬ﻓﻛـﺎن اﻟﺿـﻌف ﻫـو ﺳـﺑب ﺧﺳـﺎﺋر اﻟﻌﺛﻣـﺎﻧﯾﯾن اﻟﺗـﻲ أﺑﻘـﺗﻬم أﺿـﻌف ﻣـن‬ ‫اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻬوض)‪.(١‬‬ ‫ﻣــن ﻫﻧــﺎ ﻧــرى أن اﻟﻐــرب ﻟــم ﯾﻛــن ﻟﯾﺳــﻣﺢ ﻟﻠﺧﻼﻓــﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾــﺔ أن ﺗظﻬــر ﻣــن ﺟدﯾــد‬ ‫أو ﻟﯾﺳــﻣﺢ ﺑﺗﻛــوﯾن إﻣﺑراطورﯾــﺔ إﺳــﻼﻣﯾﺔ ﻓــﻲ أي ﻣﻛــﺎن ﻓﻣﻧــذ ظﻬــور ﻋﻼﻣــﺎت اﻟﺿــﻌف‬ ‫ﻋﻠــﻰ اﻟدوﻟــﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾــﺔ اﻟﺗــﻲ ﻛﺎﻧــت ﺗوﺣــد ﻛﯾــﺎن اﻟﺷــرق اﻟﻌرﺑــﻲ‪ ،‬ﻟــم ﺗﻛــن ﻣﺻــﺎﻟﺢ اﻟﻐــرب‬ ‫اﻟﺟﻣﻌﯾــﺔ ﺗﻧﺳ ــﺟم ﻣــﻊ ﺑ ــروز ﻛﯾ ــﺎن ﻗــوي ﻣـ ـرة أﺧــرى‪ ،‬وﻟﻬ ــذا ﻗﺎﻣ ــت اﻟــدول اﻟﻐرﺑﯾ ــﺔ ﻋﻠ ــﻰ‬ ‫اﺧﺗﻼﻓﻬ ــﺎ ﺑـ ـوأد أﯾ ــﺔ ﻣﺣﺎوﻟ ــﺔ ﻧﻬﺿ ــوﯾﺔ ﺗﺣ ــﺎول أن ﺗﺑﺗﻌ ــث ﻓﻛـ ـرة اﻷﻣ ــﺔ اﻟواﺣ ــدة ﻣ ــن دون‬ ‫اﻟﻧﺎس ﻣن ﺟدﯾد ﻓﻲ ﺑﻼدﻧﺎ ﻷﻧﻬﺎ ﺳﺗﻬدد اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻛﻣﺎ ﺷﺧﺻـﻬﺎ أﺻـﺣﺎﺑﻬﺎ‪ ،‬وﻗـد‬ ‫ﺗﻐﯾــرت ﻫــذﻩ اﻟﻣﺻــﺎﻟﺢ ﻣــﻊ ﺗﻐﯾــر اﻟظــروف اﻟﻌﺎﻟﻣﯾــﺔ وﻟﻛﻧﻬــﺎ ﻛﺎﻧــت ﺗﻘﺗﺿــﻲ ﺑﺎﺳــﺗﻣرار‬ ‫ﻋرﻗﻠﺔ ﻗﯾﺎم ﻛﯾﺎن ﻗوي‪ .‬ﺣﯾث أن ﻛل اﻟﻣؤﺷرات ﺗؤﻛد ﻋﻠﻰ أن ﻫذا اﻟﻛﯾـﺎن ﻟـن ﯾﻛـون ﻣـﻊ‬ ‫ﺗﻠك اﻟدول اﻻﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ ﺑﻛل ﻣﻛوﻧﺎﺗﻪ)‪.(٢‬‬

‫)‪ (١‬اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑق‪.‬‬ ‫)‪ (١‬ﻧور اﻟدﯾن ﺣﺎطوم "ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻘرن اﻟﺗﺎﺳﻊ ﻋﺷر أورﺑﺎ واﻟﻌﺎﻟم" ﺟـ‪ ،١‬دار اﻟﻔﻛر اﻟﻣﻌﺎﺻر‪ ،‬ﺑﯾروت ﻟﺑﻧﺎن‪١٩٩٥،‬م‪،‬‬ ‫ص‪.٨٦‬‬

‫‪- ٥٦ -‬‬


‫ﻓﻣوﻗـ ــﻊ اﻟﺷـ ــرق اﻟﻌرﺑـ ــﻲ ﻛـ ــﺎن ﻣﻧـ ــذ ﻗـــدﯾم اﻟـ ــزﻣن ﻣﻠﺗﻘـــﻰ طـ ــرق اﻟﺗﺟـ ــﺎرة اﻟﻌﺎﻟﻣﯾـ ــﺔ‬ ‫وﻣوﺿــﻊ اﻫﺗﻣــﺎم اﻟﻛﯾﺎﻧــﺎت اﻟﻘﺎﺋﻣــﺔ ﻋﻠــﻰ أط ارﻓــﻪ‪ ،‬وﻗــد اﺳــﺗﻣر ﻫــذا اﻻﻫﺗﻣــﺎم ﻓــﻲ اﻟﻌﺻــر‬ ‫اﻟﺣـ ــدﯾث‪ ،‬إذ أن ﻣوﻗـ ــﻊ اﻟدوﻟـ ــﺔ‬

‫اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾـ ــﺔ ﺑـ ــﯾن اﻟﺑﺣـ ــر اﻟﻣﺗوﺳـ ــط واﻟﻬﻧـ ــد‪ ،‬درة اﻟﺗـ ــﺎج‬

‫اﻟﺑرﯾطــﺎﻧﻲ‪ ،‬وﺿــﻌﻬﺎ ﻓــﻲ ﻣواﺟﻬــﺔ ﻣﺑﺎﺷـرة ﻣــﻊ ﺑرﯾطﺎﻧﯾــﺎ اﻟﺗــﻲ ﺗرﯾــد ﺿــﻣﺎن اﻟوﺻــول إﻟــﻰ‬ ‫ﻣﺳﺗﻌﻣرﺗﻬﺎ ﺑﺎﺣﺗﻼل ﻣواﻗﻊ ﻋﺛﻣﺎﻧﯾـﺔ ﻣﺛـل ﻋـدن )‪١٨٣٩‬م(‪ ،‬واﻟﺗﻣـدد داﺧـل اﻟﺧﻠـﯾﺞ‪ ،‬وﻫـذا‬ ‫ﻣﺎ ﺣﻔز ﺳﯾﺎﺳﺗﻬﺎ اﻟﻣﻌﺎرﺿﺔ ﻟﻣﺷروع ﻣﺣﻣد ﻋﻠﻲ ﺑﺎﺷـﺎ ﻓـﻲ اﻟـﺑﻼد اﻟﻌرﺑﯾـﺔ إذ ﻛﺎﻧـت ﺗُرﯾـد‬

‫اﻹﺑﻘﺎء ﻋﻠﻰ ﺿﻌف اﻟدوﻟﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ وﻋـدم ﺗﺟدﯾـد ﺷـﺑﺎﺑﻬﺎ ﻛـﻲ ﻻ ﺗﻛـون ﺣﺟـرة ﻋﺛـرة ﻓـﻲ‬ ‫طرﯾــق اﻟوﺻــول إﻟــﻰ اﻟﻬﻧــد‪ ،‬وﻟﻣــﺎ اﻛﺗﻣﻠــت اﻟﺛــورة اﻟﺻــﻧﺎﻋﯾﺔ وزاد رأس اﻟﻣــﺎل اﻷوروﺑــﻲ‬ ‫ﺳﻌت اﻟـدول اﻻﺳـﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾـﺔ ﻟﺗﺳـوﯾق ﺑﺿـﺎﺋﻌﻬﺎ واﺳـﺗﺛﻣﺎر أرﺳـﻣﺎﻟﻬﺎ ﻓـﻲ ﺑﻘﯾـﺔ اﻟﻌـﺎﻟم‬ ‫وﻫذا ﻣﺎ ﺟﻌل ﻟﻬﺎ ﻣﺻﻠﺣﺔ ﻓﻲ ﻋرﻗﻠﺔ أﯾﺔ ﺻﻧﺎﻋﺔ ﻣﺣﻠﯾﺔ ﺑﺎﻹﺿـﺎﻓﺔ إﻟـﻰ ﺣﺎﺟﺗﻬـﺎ ﻟﺗـﺄﻣﯾن‬ ‫وﺻـول اﻟﻣـواد اﻷوﻟﯾــﺔ إﻟـﻰ ﻣﺻــﺎﻧﻌﻬﺎ ﻓــﻲ اﻟﻐـرب‪ ،‬وﻟﻣــﺎ ُﺣﻔــرت ﻗﻧـﺎة اﻟﺳــوﯾس وأﺻــﺑﺣت‬ ‫طرﯾﻘـ ـﺎً ﻣﺧﺗﺻـ ـ اًر إﻟ ــﻰ اﻟﻬﻧ ــد اﻫﺗﻣ ــت ﺑرﯾطﺎﻧﯾ ــﺎ ﺑﺎﻟﺳ ــﯾطرة ﻋﻠﯾﻬ ــﺎ ﺑﻌ ــد ﺷـ ـراء أﺳ ــﻬﻣﻬﺎ ﻣ ــن‬ ‫اﻟﺧـدﯾوي إﺳـﻣﺎﻋﯾل اﻟـذي ورطﺗـﻪ اﻻﺳـﺗﺛﻣﺎرات اﻷﺟﻧﺑﯾـﺔ ﺑﺎﻟـدﯾون‪ ،‬ﻓﺄﺻـﺑﺢ ﻟﺑرﯾطﺎﻧﯾـﺎ ﻓـﻲ‬ ‫ﻣﺻر أﻛﺛر ﻣن ﻣﺻﻠﺣﺔ‪ :‬ﻗﻧﺎة اﻟﺳوﯾس ﺑﺻﻔﺗﻬﺎ ﻣﻌﺑ اًر ﻣﻼﺣﯾﺎً‪ ،‬وأﻣوال اﻟداﺋﻧﯾن‪ ،‬ﻓـﺎﻧﺗﻬﻰ‬ ‫وﺣﻛــﺎم ﻣﺻــر ﺳــﻧﺔ‬ ‫اﻷﻣــر ﺑﺎﺣﺗﻼﻟﻬ ـﺎ ﻟﻣﺻــر ﺑﺎﻹﺿــﺎﻓﺔ إﻟــﻰ ﺿــﻌف اﻟﺧﻼﻓــﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾــﺔ ُ‬

‫‪١٨٨٢‬م‪ ،‬ﻓــﻲ ﻧﻔــس اﻟوﻗــت ﻛــﺎن ﻫﻧــﺎك ﺗﺧطــﯾط أورﺑــﻲ ﻣﻧــذ ﻫزﯾﻣــﺔ ﻣﺣﻣــد ﻋﻠــﻲ ﺑﺈﻧﺷــﺎء‬ ‫ﻛﯾــﺎن ﯾﻬــودي ﻟﯾﻛــون ﺣــﺎﺟ اًز ﻓــﻲ وﺟــﻪ طﻣوﺣــﺎت اﻟ ـواﻟﻲ اﻟﻣﺻــري اﻟﻣﺳــﺗﻘﺑﻠﯾﺔ ﺛــم ﺣﺎرﺳ ـﺎً‬ ‫ﻟﻘﻧ ــﺎة اﻟﺳ ــوﯾس وطرﯾ ــق اﻟﻬﻧ ــد‪ ،‬ﻫ ــذا ﺑﺎﻹﺿ ــﺎﻓﺔ إﻟ ــﻰ اﻟﻛﯾ ــﺎن اﻻﺳ ــﺗﯾطﺎﻧﻲ اﻟﻔرﻧﺳ ــﻲ ﻓ ــﻲ‬ ‫اﻟﺟزاﺋر واﻟـذي ﻗـﺎم ﺑﺗﻠﺑﯾـﺔ ﻣﺟﻣوﻋـﺔ ﻣـن اﻟﻣﺻـﺎﻟﺢ اﻟﻣﺎدﯾـﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﯾـﺔ ﻟﻔرﻧﺳـﺎ‪ ،‬وﻛـﺎن ﻫﻧـﺎك‬ ‫أﯾﺿ ـﺎً اﻟﺣﺿــور اﻷﺟﻧﺑــﻲ اﻟﺛﻘــﺎﻓﻲ ﻻﺳــﯾﻣﺎ اﻟﻔرﻧﺳــﻲ واﻷﻣرﯾﻛــﻲ اﻟﻣرﻛــز ﻓــﻲ اﻹرﺳــﺎﻟﯾﺎت‬ ‫اﻟﺗﺑﺷ ــﯾرﯾﺔ واﻟﻣ ــدارس واﻟﻛﻠﯾـ ـﺎت واﻟﻣﺳﺗﺷ ــﻔﯾﺎت اﻷﺟﻧﺑﯾ ــﺔ واﻟﻣﺣ ــﺎوﻻت اﻻﺳ ــﺗﯾطﺎﻧﯾﺔ اﻟﺗ ــﻲ‬ ‫ﻛﺎﻧت طﻼﺋﻊ اﻟﻐزو اﻻﺳﺗﻌﻣﺎري واﻟﺗـﻲ ﺗﺗطﻠـب ﺣﻣﺎﯾـﺔ ﺧﺎﺻـﺔ ﺑﺻـﻔﺗﻬﺎ ﻣﺻـﺎﻟﺢ أﺟﻧﺑﯾـﺔ‪،‬‬ ‫ﻛﻣ ــﺎ ﻛﺎﻧـ ــت اﻻﻣﺗﯾـ ــﺎزات اﻷﺟﻧﺑﯾـ ــﺔ اﻟﺗـ ــﻲ ﻣﻧﺣﺗﻬـ ــﺎ اﻟدوﻟـ ــﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾـ ــﺔ زﻣـ ــن ﻗوﺗﻬـ ــﺎ ﻟﻠﺗﺟـ ــﺎر‬ ‫واﻟﻣ ـ ـواطﻧﯾن اﻷﺟﺎﻧـ ــب ﻣﺻـ ــﻠﺣﺔ ﺣﯾوﯾـ ــﺔ ﻟﻠـ ــدول اﻟﻐرﺑﯾـ ــﺔ وﻫـ ــﻲ ﻣﺳـ ــﺗﻌدة ﻟﻠﺗـ ــدﺧل ﺑـ ــﺎﻟﻘوة‬

‫‪- ٥٧ -‬‬


‫اﻟﻣﺳﻠﺣﺔ ﻟﻠﺣﻔﺎظ ﻋﻠﯾﻬﺎ‪ ،‬وﻗد أدت ﻫذﻩ اﻻﻣﺗﯾﺎزات إﻟﻰ ﺗوﺳﻊ آﺧر ﻓﻲ اﻟﻣﺻـﺎﻟﺢ اﻟﻐرﺑﯾـﺔ‬ ‫ﺑﺎﺗﺧﺎذ اﻷﻗﻠﯾﺎت اﻟدﯾﻧﯾﺔ واﻟﻘوﻣﯾﺔ ﻣوﺿﻌﺎً ﻟﻠﺣﻣﺎﯾﺔ اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ)‪.(١‬‬ ‫ﻫــذا ﻛﻠــﻪ ﻗﺑــل اﻛﺗﺷــﺎف اﻟــﻧﻔط‪ ،‬ﻓﻠﻣــﺎ اُﻛﺗﺷــف اﻟــﻧﻔط أﺻــﺑﺣت اﻟﺳــﯾطرة ﻋﻠــﻰ ﻣﺻــﺎدرﻩ‬ ‫اﻟﻣﺗرﻛـزة ﻓــﻲ اﻟﺷــرق اﻟﻌرﺑــﻲ ٕواﯾـران ﻣﺻــﻠﺣﺔ ﺟدﯾــدة ﻟﻠﻐــرب ﺗﻘﺗﺿــﻲ ﻋــدم اﻟﺗﻌﺎﻣــل ﻣــﻊ‬

‫ﺟﻬــﺔ ﺷ ـرﻗﯾﺔ واﺣــدة ﻗوﯾــﺔ ﺗــﺗﺣﻛم ﺑﺂﺑــﺎرﻩ أو ﺑﻌواﺋــدﻩ اﻟﺿــﺧﻣﺔ أو ﺑﺎﻻﺳــﺗﺛﻣﺎرات اﻷﺟﻧﺑﯾــﺔ‬ ‫واﻟﺗﺟــﺎرة اﻟﻌرﺑﯾــﺔ اﻟﺿــﺧﻣﺔ‪ ،‬وأﺻــﺑﺣت ﻗﻧــﺎة اﻟﺳــوﯾس ﻫــﻲ اﻟﻣﻌﺑــر اﻟ ـرﺋﯾس ﻟﻠــﻧﻔط إﻟــﻰ‬ ‫ﺑرﯾطﺎﻧﯾــﺎ وﻓرﻧﺳــﺎ واﻟﻐــرب ﻋﻣوﻣ ـﺎً اﻷﻣــر اﻟــذي ﺳـ ُـﯾﺑﻘﻲ ﻋﻠــﻰ أﻫﻣﯾﺗﻬــﺎ ﺣﺗــﻰ ﺑﻌــد اﺳــﺗﻘﻼل‬ ‫اﻟﻬﻧــد‪ ،‬ﻫــذا ﺑﺎﻹﺿــﺎﻓﺔ إﻟــﻰ ﻛوﻧﻬــﺎ ﻣﻌﺑـ اًر ﺑرﯾطﺎﻧﯾـﺎً وﻋﺎﻟﻣﯾـﺎً ﺗﻣﻠــك ﺑرﯾطﺎﻧﯾــﺎ ﻧﺻــف أﺳــﻬﻣﻪ‬

‫ﺗﻘرﯾﺑ ـﺎً‪ ،‬وﺑﻘﯾ ــﺎم‬

‫اﻟﺛــورة اﻟﺑﻠﺷــﻔﯾﺔ ﻓــﻲ روﺳــﯾﺎ )‪١٩١٧‬م( وﻓﺷــل اﻟﻌــدوان اﻟﻐرﺑــﻲ ﻋﻠﯾﻬــﺎ‬

‫ﻟوأدﻫـﺎ‪ ،‬أﺻـﺑﺢ اﻟﺣﻔـﺎظ ﻋﻠـﻰ ﺑﻼدﻧـﺎ ﺧـﺎرج اﻟﻧﻔـوذ اﻟﺷـﯾوﻋﻲ ﻣﺻـﻠﺣﺔ ﺟدﯾـدة ﻟﻠﻐـرب ﻓـﻲ‬ ‫ﺑﻼدﻧــﺎ اﻗﺗﺿــت إﻗﺎﻣــﺔ اﻟﻘواﻋــد اﻟﻌﺳــﻛرﯾﺔ اﻟﺗــﻲ ﻟــن ﯾﻘﺑــل ﺑﻬــﺎ ﻧظــﺎم ﻗــوي ﻣﺳــﺗﻘل؛ وﻟﻛــن‬ ‫أﻧظﻣــﺔ اﻟﺗﺟزﺋــﺔ وﻧظــﺎم اﻟــدوﯾﻼت ﺗرﺣــب ﺑﻬــﺎ ﺑﺻــﻔﺗﻬﺎ ﺣﻣﺎﯾــﺔ ﻟوﺟودﻫــﺎ وﻣﺻــد اًر ﻟرزﻗﻬــﺎ‬ ‫ﺣ ــﯾن ﺗﻘـ ــﺑض ﺛﻣـ ــن ﺗواﺟـ ــد ﻫـ ــذﻩ اﻟﻘواﻋـ ــد ﻋﻠـ ــﻰ أ ارﺿـ ــﯾﻬﺎ‪ ،‬ﻛﻣـ ــﺎ اﻗﺗﺿـ ــﻰ إﺑﻌـ ــﺎد اﻟﺧطـ ــر‬ ‫اﻟﺷﯾوﻋﻲ دﻋم اﻟﻛﯾﺎن اﻟﺻﻬﯾوﻧﻲ اﻟذي أﻗﯾم ﻓﻲ اﻟﺑداﯾﺔ ﻟﻐﺎﯾﺎت ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﺗﻣﺎﻣﺎً ُﯾﻣﻛن ذﻛـر‬ ‫أﻫﻣﻬﺎ)‪:(٢‬‬

‫‪ ‬ﺣﻣﺎﯾــﺔ اﻟﻣﺻــﺎﻟﺢ اﻟﺑرﯾطﺎﻧﯾــﺔ ﻓــﻲ اﻟﻣﺷــرق اﻟﻌرﺑــﻲ وﺗﺛﺑﯾــت اﻟوﺟــود اﻟﺑرﯾطــﺎﻧﻲ ﻓــﻲ‬ ‫ﻣﺻر‪.‬‬ ‫‪ ‬ﺗـ ــﺄﻣﯾن ﻗﻧـ ــﺎة اﻟﺳـ ــوﯾس واﻟطُ ـ ـرق اﻟﺗﺟﺎرﯾـ ــﺔ إﻟـ ــﻰ اﻟﺷـ ــرق‪ ،‬واﻟﺣﯾﻠوﻟـ ــﺔ دون ﺗﺣﻘﯾـ ــق‬ ‫اﻷطﻣﺎع اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ﻓﻲ ﺷرق اﻟﻣﺗوﺳط ٕواﻗﺎﻣﺔ ﺟﺳـر ﺑـﯾن اﻟﺑﺣـر اﻟﻣﺗوﺳـط وﺣﻘـول‬ ‫اﻟـ ـ ــﻧﻔط ﻓـ ـ ــﻲ اﻟﻌ ـ ـ ـراق)‪.(٣‬وﻛ ـ ــﺎن اﻟﻛﯾـ ـ ــﺎن اﻟﺻـ ـ ــﻬﯾوﻧﻲ وﻻ ﯾ ـ ـ ـزال ﻣﺣـ ـ ــﺗﻔظ ﺑﺄﻫﻣﯾﺗـ ـ ــﻪ‬

‫اﻻﺳــﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ اﻟﻣﺳــﺗﻣدة ﻣــن ﻛوﻧــﻪ طﻠﯾﻌــﺔ ﻟﻠﻐــرب ﻋﻠــﻰ أرض اﻟﺷــرق ﻛﻣــﺎ ﻛــﺎن‬ ‫)‪(١‬ﻣﺣﻣد ﺧرﯾﺳﺎت وآﺧرون‪" ،‬ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺣﺿﺎرة اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ" ﻣؤﺳﺳﺔ ﺣﻣﺎدة‪ ،‬ودار اﻟﻛﻧدي ﻟﻠﻧﺷر‪ ،‬اﻷردن‪٢٠٠٠‬م‪ ،‬ص‬ ‫‪.٢٠٦‬‬

‫)‪ (٢‬ﻋﻣر ﻋﺑداﻟﻌزﯾز "ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻣﺷرق اﻟﻌرﺑﻲ ‪١٥١٦‬م إﻟﻰ ‪١٩٢٢‬م" دار اﻟﻧﻬﺿﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠطﺑﻊ واﻟﻧﺷر‪ ،‬ﺑﯾروت‬ ‫ﻟﺑﻧﺎن‪٢٠١٣ ،‬م‪ ،‬ص‪.٣١٢‬‬ ‫)‪ (١‬اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑق ص ‪.٢٠٦‬‬

‫‪- ٥٨ -‬‬


‫ﯾطﻣﺢ ﻣﻧﺷـﺋوﻩ وﻟﻬـذا أﺻـﺑﺢ ﻓـﻲ ﺧدﻣـﺔ اﻷﻫـداف اﻟﻐرﺑﯾـﺔ ﻋﻣوﻣـﺎً ﻣﺛﻠﻣـﺎ ﺛﺑـت ﻓـﻲ‬ ‫ﺧدﻣﺗﻪ اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ إﺿﺎﻓﺔ ﻟﻠﺑرﯾطﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌدوان اﻟﺛﻼﺛـﻲ ﺳـﻧﺔ ‪١٩٥٦‬م‪،‬‬ ‫ﺛم ﻓﻲ وﻛﺎﻟﺗﻪ اﻟﻣﻔﺗوﺣﺔ ﻋن اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻷﻣرﯾﻛﯾﺔ ﺑﻌد ذﻟك‪.‬‬ ‫ﻣــن ﻫﻧــﺎ أﺻــﺑﺢ وﺟــود اﻟﻛﯾــﺎن اﻟﺻــﻬﯾوﻧﻲ ﻣﺻــﻠﺣﺔ ﺣﺿــﺎرﯾﺔ ﻏرﺑﯾــﺔ ﻣﺳــﺗﻘﻠﺔ ﻗﺎﺋﻣــﺔ‬ ‫ﺑذاﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣﻧطﻘﺔ اﻟﺣﯾوﯾﺔ ﺣﺗﻰ ﺑﻌـد زوال اﻻﺗﺣـﺎد اﻟﺳـوﻓﯾﯾﺗﻲ‪ ،‬وأﺻـﺑﺣت اﻟﻣﻼﺣـﺔ‬ ‫ﻓــﻲ ﻗﻧــﺎة اﻟﺳــوﯾس ﻣﺻــﻠﺣﺔ ﺣﯾوﯾــﺔ ﻟﻬــذا اﻟﻛﯾــﺎن اﻟــذي ﻫــو ﺑــدورﻩ ﻣﺻــﻠﺣﺔ ﻏرﺑﯾــﺔ أﺧــرى‬ ‫ﻗﺎﺋﻣــﺔ ﺑــذاﺗﻬﺎ وﯾﻘﺗﺿــﻲ ﺑﻣﻔــردﻩ ﺳــﻌﻲ اﻟﻐ ـرﺑﯾﯾن ﻟﺗرﻛﯾــﻊ ﻛــل ﻣﻧطﻘﺗﻧــﺎ ﻟﻘﯾﺎدﺗــﻪ ﻛﻣــﺎ ﺗُﺷــﯾر‬

‫ﻣﺷــﺎرﯾﻊ اﻟﺷــرق أوﺳــطﯾﺔ اﻟﻣﺗﻌﺎﻗﺑــﺔ ﻣــﻊ ﻣــﺎ ﯾﺳــﺗﻠزﻣﻪ ﻫــذا ﻣــن ﻋرﻗﻠــﺔ وﺣــدة ﺑﻼدﻧــﺎ وﻣﻧــﻊ‬ ‫اﻟﻘــوة ﺑﻛــل أﺷــﻛﺎﻟﻬﺎ ﻋﻧــﺎ ﻛــﻲ ﻻ ﻧﻘﺎوﻣــﻪ أو ﺣﺗــﻰ ﻧﻬــددﻩ ﻣــن ﺟﻬــﺔ وﻻ ﻧﻧﺎﻓﺳــﻪ ﻣــن ﺟﻬــﺔ‬ ‫أﺧــرى‪ ،‬وﻣــن ﻫﻧــﺎ ُﯾﻣﻛــن ﻓﻬــم اﻟﺗﻌﻬــد اﻷﻣرﯾﻛــﻲ واﻟﻐرﺑــﻲ اﻟﻌﻠﻧــﻲ واﻟﻣﺟﻣــﻊ ﻋﻠﯾــﻪ ﺑﺈﺑﻘــﺎء‬ ‫اﻟﻛﯾ ــﺎن اﻟﺻ ــﻬﯾوﻧﻲ ﻣﺗﻔوﻗـ ـﺎً ﻧوﻋﯾـ ـﺎً ﻋﻠ ــﻰ ﻣﺟﻣ ــوع اﻟ ــﺑﻼد اﻟﻌرﺑﯾ ــﺔ‪ ،‬وﻋﻠ ــﻰ ذﻟ ــك اﻟﻣﻧط ــق‬

‫اﻟﺗﻔﺗﯾﺗﻲ ﺳﺎرت ﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟﻐرب اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻛﻣﺎ ﺳﯾﺄﺗﻲ‪.‬‬ ‫ﻛﻣ ــﺎ اﺳ ــﺗﻣر اﻻﻫﺗﻣ ــﺎم اﻟﻐرﺑ ــﻲ ﺑﻣوﻗ ــﻊ "اﻟﺷ ــرق اﻷوﺳ ــط" ﺑ ــﯾن ﻗ ــﺎرات اﻟﻌ ــﺎﻟم اﻟﻘ ــدﯾم‬ ‫وﻛوﻧﻪ ﺣﻠﻘﺔ اﻟوﺻل ﺑﯾﻧﻬﺎ" وﻫو ﺑذﻟك ُﯾﻌﺗﺑر" ﻣن أﻫـم اﻟﻣﻧـﺎطق اﻻﺳـﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ ﻓـﻲ اﻟﻌـﺎﻟم"‬ ‫وﻟﻬذا ﻓﻧذﻛر ﺗﺻرﯾﺢ أﺣدﻫم "ﻧﺣن ﻣﻠزﻣون ﺑﺈﻋطﺎء اﻟﺷرق اﻷوﺳط أوﻟوﯾﺔ ﻋﺎﻟﯾـﺔ ﺟـداً‪،‬‬

‫وﻻ ﻧﺳــﺗطﯾﻊ أن ﻧﺗﺧﻠــﻰ ﻋــن وﺿــﻌﻧﺎ اﻟﺧــﺎص ﻓــﻲ اﻟﻣﻧطﻘــﺔ‪ ...‬واﻟﺳــﻣﺎح ﻟوﺿــﻌﻧﺎ ﺑــﺄن‬ ‫ﯾﻛون ﻗﺎﺋﻣـﺎً ﻋﻠـﻰ ﺗرﺗﯾﺑـﺎت ذات طـﺎﺑﻊ دوﻟـﻲ" ﻛﻣـﺎ ﻗـﺎل رﺋـﯾس اﻟـوزراء اﻟﺑرﯾطـﺎﻧﻲ اﻟﺳـﺎﺑق‬ ‫ـر ﻟﻠﺧﺎرﺟﯾــﺔ وﻋﺿ ـواً ﻓــﻲ ﻟﺟﻧــﺔ ﻗﻧــﺎة‬ ‫أﻧﺗــوﻧﻲ إﯾــدن ﻓــﻲ ﻣــذﻛرة ﺣﻛوﻣﯾــﺔ ﻋﻧــدﻣﺎ ﻛــﺎن وزﯾـ اً‬ ‫اﻟﺳـوﯾس‪ .‬رﺋـﯾس اﻟـوزراء اﻟﺑرﯾطـﺎﻧﻲ آﻧـذاك ﯾـرد ﻋﻠـﻰ اﻗﺗ ارﺣـﺎت اﻟﺗﺧﻠـﻲ ﻋـن اﻟﻣﺳــﺋوﻟﯾﺎت‬ ‫اﻹﻣﺑراطورﯾﺔ ﺳﻧﺔ ‪١٩٤٥‬م )‪.(١‬‬ ‫ﻻ ﯾﻧﺑﻐـ ــﻲ أن ﯾﻣـ ــر ﻋﻠﯾﻧ ـ ــﺎ ﻫـ ــذا اﻟﺗﺻ ـ ـرﯾﺢ دون اﻛﺗ ـ ـراث ﻓﻛـ ــﻼم اﻟرﺟـ ــل ﯾـ ــدل ﻋﻠـ ــﻰ‬ ‫اﻟﺗوﺟﻬ ـ ــﺎت اﻟﺑرﯾطﺎﻧﯾ ـ ــﺔ اﻟﺗ ـ ــﻲ ﺣﻛﻣ ـ ــت ﻓﯾﻣ ـ ــﺎ ﺳ ـ ــﺑق‪ ،‬ورﻓ ـ ــض اﻟﺗرﺗﯾﺑ ـ ــﺎت اﻟدوﻟﯾ ـ ــﺔ ﯾ ـ ــدل‬ ‫ﻋﻠـ ـ ــﻰ اﻟﻧزﻋـ ـ ــﺔ اﻻﺣﺗﻛﺎرﯾـ ـ ــﺔ اﻟﺗـ ـ ــﻲ ﺣﻛﻣـ ـ ــت اﻟﺳﯾﺎﺳ ـ ــﺔ اﻟﺑرﯾطﺎﻧﯾـ ـ ــﺔ ﻓـ ـ ــﻲ ﺑﻼدﻧـ ـ ــﺎ وﻋﻣﻠـ ـ ــت‬ ‫‪(1) Charles Issawi ،An Economic History of the Middle East and North Africa‬‬ ‫‪Routledge ،London ،2010 ،p. 66.‬‬

‫‪- ٥٩ -‬‬


‫ﻋﻠ ـ ـ ــﻰ اﺳ ـ ـ ــﺗﻣرار اﻟﺗﻔ ـ ـ ــرد ﺑﻬ ـ ـ ــﺎ‪ ،‬وﻓ ـ ـ ــﻲ ﺳ ـ ـ ــﻧﺔ ‪١٩٤٧‬م ﺣ ـ ـ ــدد ﻧ ـ ـ ــﺎﺣوم ﺟوﻟ ـ ـ ــدﻣﺎن اﻟ ـ ـ ــذي‬ ‫أﺻ ـ ــﺑﺢ رﺋ ـ ــﯾس اﻟﻣﻧظﻣ ـ ــﺔ اﻟﺻ ـ ــﻬﯾوﻧﯾﺔ أﻫﻣﯾ ـ ــﺔ ﻓﻠﺳ ـ ــطﯾن ﻗ ـ ــﺎﺋﻼً إن اﻫﺗﻣ ـ ــﺎم اﻟﯾﻬ ـ ــود ﺑﻬ ـ ــﺎ‬ ‫ﻟـ ـ ــﯾس ﻷﺳـ ـ ــﺑﺎب دﯾﻧﯾـ ـ ــﺔ أو اﻗﺗﺻـ ـ ــﺎدﯾﺔ "ﺑـ ـ ــل ﻷن ﻓﻠﺳـ ـ ــطﯾن ﻫـ ـ ــﻲ ﻣﻠﺗﻘـ ـ ــﻰ اﻟطُ ـ ـ ـرق ﺑـ ـ ــﯾن‬ ‫أوروﺑـ ــﺎ وآﺳـ ــﯾﺎ وأﻓرﯾﻘﯾـ ــﺎ‪ ،‬وﻷﻧﻬـ ــﺎ اﻟﻣرﻛـ ــز اﻟﺣﻘﯾﻘـ ــﻲ ﻟﻠﻘـ ــوة اﻟﺳﯾﺎﺳـ ــﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾـ ــﺔ‪ ،‬واﻟﻣرﻛـ ــز‬ ‫اﻟﻌﺳﻛري اﻻﺳﺗراﺗﯾﺟﻲ ﻟﻠﺳﯾطرة ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم")‪.(١‬‬ ‫وﻓ ـ ـ ــﻲ ﻧﻔ ـ ـ ــس اﻟﻌ ـ ـ ــﺎم أﺟﻣ ـ ـ ــﻊ ﻣوظﻔ ـ ـ ــو اﻟﺧﺎرﺟﯾ ـ ـ ــﺔ اﻟﺑرﯾطﺎﻧﯾ ـ ـ ــﺔ ﻋﻠ ـ ـ ــﻰ رﻓ ـ ـ ــض ﻓﻛـ ـ ـ ـرة‬ ‫اﻻﻧﺳ ـ ـﺣﺎب ﻣـ ــن اﻟﺷـ ــرق اﻷوﺳ ـ ــط ووﺻـ ــﻔوا ﺟﻌﻠـ ــﻪ ﺣﯾﺎدﯾ ـ ـﺎً ﺑﺎﻟﺣﻣﺎﻗـ ــﺔ)‪ .(٢‬اﻟ ـ ـرﻓض ﻫﻧـ ــﺎ‬ ‫ﻟﻣﺟ ـ ــرد ﻓﻛـ ـ ـرة اﻻﺳ ـ ــﺗﻘﻼل أي ﺗ ـ ــرك ﺑ ـ ــﻼد اﻟﺷ ـ ــرق اﻷوﺳ ـ ــط دون ﺗ ـ ــدﺧل ﻏرﺑ ـ ــﻲ ﻓﻣ ـ ــﺎ‬ ‫ﺑﺎﻟﻧـ ــﺎ ﺑﺑـ ــروز ﻗـ ــوة ﻣﺣﻠﯾـ ــﺔ ﻣﺳـ ــﺗﻘﻠﺔ؟!‪ ،‬وﻫـ ــو أﯾﺿ ـ ـﺎً ﻣـ ــﺎ ﯾﺷـ ــﯾر إﻟـ ــﻰ اﻟﻧزﻋـ ــﺔ اﻻﺳـ ــﺗﺋﺛﺎرﯾﺔ‬ ‫اﻟﺗﻲ ﺗﻣﯾزت ﺑﻬﺎ اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟﺑرﯾطﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﺷرﻗﻧﺎ زﻣﻧﺎً طوﯾﻼً‪.‬‬ ‫ﻛﻣ ـ ــﺎ ﺟ ـ ــﺎء ﻓ ـ ــﻲ اﺟﺗﻣ ـ ــﺎع ﻟﺣﻠ ـ ــف ﺷ ـ ــﻣﺎل اﻷطﻠﻧط ـ ــﻲ ﺳ ـ ــﻧﺔ ‪١٩٦٥‬م‪ ،‬ﻧ ـ ــرى ذﻟ ـ ــك‬ ‫ﻓ ــﻲ ﺧطـ ــﺎب اﻟﻣﻣﺛـ ــل اﻷﻣرﯾﻛـ ــﻲ ﺣﯾـ ــث ﻗـ ــﺎل "أن اﻟﺷـ ــرق اﻷوﺳـ ــط ﻫـ ــو اﻟﺟﻧـ ــﺎح اﻷﯾﻣـ ــن‬ ‫ﻷوروﺑـ ــﺎ ﻋﺳـ ــﻛرﯾﺎ وﯾﺣﺗـ ــوي ﻋﻠـ ــﻰ ﺛﻠﺛـ ــﻲ اﺣﺗﯾﺎطﯾـ ــﺎت اﻟـ ــﻧﻔط اﻟﻣﻌروﻓـ ــﺔ)‪ ،"(٣‬وﻛـ ــﺎن‬ ‫ﺻـ ـ ـﻧﺎع اﻟﺳﯾﺎﺳ ـ ــﺔ اﻟﺑرﯾط ـ ــﺎﻧﯾون واﻷﻣرﯾﻛﯾ ـ ــون ﻗ ـ ــد أﺷ ـ ــﺎروا ﻣﻧ ـ ــذ ﺳ ـ ــﻧﺔ ‪١٩٥٠‬م إﻟ ـ ــﻰ أن‬ ‫ُ‬ ‫اﻟـ ــﺗﺣﻛم "ﺑﺎﻟﺷـ ــرق اﻷوﺳـ ــط" ﯾﻌﻧـ ــﻲ اﻟـ ــﺗﺣﻛم ﻓـ ــﻲ اﻟوﺻـ ــول إﻟـ ــﻰ ﺛـ ــﻼث ﻗـ ــﺎرات)‪ .(٤‬آﺳـ ــﯾﺎ‬ ‫وأﻓرﯾﻘﯾﺎ وأورﺑﺎ‪ ،‬واﻟوﺻل ﻟدى ﻫؤﻻء اﻟﻧﺎس ﯾﻌﻧﻲ اﻟﺳﯾطرة‪.‬‬ ‫ﻫذﻩ اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ ﺗﺟﻌل ﻣن اﻟﻣﺳﻠﻣﺎت ﻓﻲ اﻟﻔﻛر اﻟﻐرﺑﻲ اﻟﻣﺳﯾﺣﻲ‬ ‫واﻟﺻﻬﯾوﻧﻲ واﻻﻗﺗﺻﺎدي ﻫو ﻋدم اﻟﺳﻣﺎح ﺑﻘﯾﺎم ﻛﯾﺎن واﺣد ﻗوي ﯾﺣﻛم ﺑﻼد اﻟﺷرق‬

‫ِ‬ ‫اﻟﻣﺳﺎﻋدة ﻋﻠﻰ ذﻟك ﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟﺗﻔﺗﯾت واﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ دوﯾﻼت‬ ‫اﻷوﺳط وﻣن أﺳﻬل اﻟطُرق‬ ‫)‪ (١‬ﻣﺎﯾﻛل أورﯾن‪ ،‬اﻟﻘوة واﻹﯾﻣﺎن واﻟﺧﯾﺎل‪ ،‬ﻛﻠﻣﺔ وﻛﻠﻣﺎت ﻋرﺑﯾﺔ‪ ،‬أﺑو ظﺑﻲ واﻟﻘﺎﻫرة‪ ،٢٠٠٨ ،‬ﺗرﺟﻣﺔ‪ :‬آﺳر ﺣطﯾﺑﺔ‪،‬‬ ‫ص ‪٣٣٥‬‬ ‫)‪ (٢‬ﺧﻠﯾل إﯾﻧﺎﻟﺟﯾك ودوﻧﺎﻟد ﻛواﺗرت )ﺗﺣرﯾر(‪ ،‬اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻻﻗﺗﺻﺎدي واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻟﻠدوﻟﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬دار اﻟﻣدار‬ ‫اﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﺑﯾروت‪ ،٢٠٠٧ ،‬ج ‪ ٢‬ص ‪.٤٩١‬‬

‫‪(3)Sevket Pamuk ،The Ottoman Empire and European capitalism ،1820- 1913 ،‬‬ ‫‪Cambridge University Press ،1987 ،p. 131- 132.‬‬ ‫)‪ (٤‬وﻫﯾب أﺑﻲ ﻓﺎﺿل‪ ،‬ﻣوﺳوﻋﺔ ﻋﺎﻟم اﻟﺗﺎرﯾﺦ واﻟﺣﺿﺎرة‪ ،‬ﻧوﺑﻠﯾس‪ ،٢٠٠٧ ،‬ج ‪ ٤‬ص ‪.١٥٢‬‬

‫‪- ٦٠ -‬‬


‫ﺻﻐﯾرة ﯾﺣﻛﻣﻬﺎ ﺣﻛﺎم ﺿﻌﺎف‪ .‬وﻓﻲ ﻧﻔس ﻫذا اﻟﺳﯾﺎق ُﯾﻣﻛﻧﻧﺎ أن ﻧﺿﯾف إﻟﻰ ﺳﻠﺳﻠﺔ‬ ‫اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ ﻗرب "اﻟﺷرق اﻷوﺳط" ﻣن أوروﺑﺎ ووﻗوﻋﻪ ﻓﻲ داﺋرة اﻷطﻣﺎع‬

‫ﺧﯾل ﻟﻔرﻧﺳﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺻر اﻟﺣدﯾث أن اﻟﺟزاﺋر ﺟزء ﻣﻧﻬﺎ‪ ،‬ﺣﯾث‬ ‫اﻹﻗﻠﯾﻣﯾﺔ ﻟدوﻟﻬﺎ ﺣﯾث ّ‬

‫ﻛﺎﻧوا ُﯾطﻠﻘون ﻋﻠﻰ اﻟﺟزاﺋر ﻓرﻧﺳﺎ ﻣﺎ وراء اﻟﺑﺣر ﻛﻣﺎ أن ﻟﻔرﻧﺳﺎ رواﺑط ﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﺑﺳورﯾﺎ‬

‫ﺗﻌود إﻟﻰ ﺣروب اﻟﻔرﻧﺟﺔ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﺣدث اﻷﻣر ﻧﻔﺳﻪ ﻹﯾطﺎﻟﯾﺎ ﻣﻊ ﻟﯾﺑﯾﺎ‪ ،‬ﻫذا إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ‬

‫أطﻣﺎع روﺳﯾﺎ ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﺑﻠﻘﺎن ﺑﺎﺳم اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺳﻼﻓﯾﺔ وﺑﺎﺳطﻧﺑول وﻣﺿﺎﯾﻘﻬﺎ ﺑﺣﺟﺞ‬ ‫دﯾﻧﯾﺔ ﺗﺧﻔﻲ أﺳﺑﺎﺑﺎً إﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ‪ ،‬وﺑﺷرق اﻷﻧﺎﺿول ﺑﺣﺟﺔ اﻷرﻣن رﻏم أﻧﻬﺎ ﺗﻘﻣﻌﻬم ﻓﻲ‬ ‫ﺑﻼدﻫﺎ‪ ،‬ﻟﻛن ﺗُوﻫﻣﻧﺎ أو ﺗوﻫم ﺿﻌﺎف اﻟﻌﻘل ﻣن اﻷرﻣن أﻧﻬﺎ ﺗداﻓﻊ ﻋﻧﻬم؛ وأطﻣﺎع‬ ‫أﯾﺿﺎ‪ٕ ،‬واﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ذﻟك أطﻣﺎع‬ ‫إﻣﺑراطورﯾﺔ اﻟﻬﺎﺑﺳﺑورج اﻟﻧﻣﺳﺎوﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺑﻠﻘﺎن‬ ‫ً‬ ‫اﻻﺳﺗﻌﻣﺎر اﻟﺗﻘﻠﯾدي ﻛﺄطﻣﺎع ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﻓﻲ ﻣﺻر واﻟﻌراق‪ ،‬وأطﻣﺎع ﻓرﻧﺳﺎ ﻓﻲ ﺗوﻧس‪.‬‬

‫ﻛــل ﻫــذﻩ اﻷطﻣــﺎع اﻹﻗﻠﯾﻣﯾــﺔ ﻛﻠﻔــت اﻟدوﻟــﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾــﺔ ﻗــدﯾﻣﺎً ﺣروﺑ ـﺎً طﺎﺣﻧــﺔ وﺛــورات‬ ‫ﻋﺎﺗﯾــﺔ وﻣﻌــﺎرك ﺣﺎﻣﯾــﺔ أدت إﻟــﻰ اﺳــﺗﻧزاﻓﻬﺎ وﻟــم ﯾﻛــن ﻣــن ﻣﺻــﻠﺣﺔ اﻟﻐــرب اﻷوروﺑــﻲ أن‬ ‫ﺗﻘف ﻫذﻩ اﻟدوﻟﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻗدﻣﯾﻬﺎ ﻣن ﺟدﯾد ﺑل ﻛﺎن اﻟﺣﻠم ﻓﻲ إﻋﻼن وﻓـﺎة ﻫـذا اﻟﻛﯾـﺎن‬ ‫اﻟﺿﺧم اﻟذي ﻫو رﻣـز ﻟﻠﺧﻼﻓـﺔ اﻹﺳـﻼﻣﯾﺔ وﺣـدة اﻟـدم واﻟﻌﻘﯾـدة‪ .‬اﻟﻛﯾـﺎن اﻟـذي ﻛـﺎن ﯾؤﻛـد‬ ‫ﻋﻠﻰ اﺣﺗﻣﺎل ظﻬور ﻣـن ُﯾﻧـﺎدي ﺑـﺄن اﻟﻣﺳـﻠﻣﯾن أﻣـﺔ واﺣـدة ﻣـن دون اﻟﻧـﺎس وأن اﻟوطﻧﯾـﺔ‬

‫اﻟﻌــرى ﺑــل ﻫــﻲ اﻟﻌــروة‬ ‫اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ واﻷﺧــوة اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ ﻫــﻲ اﻟراﺑطــﺔ اﻟﺗــﻲ ﺗﻌﻠـوا ﻋﻠــﻰ ﻛــل ُ‬ ‫اﻟوﺛﻘﻰ ﻓﺎﻟﻣﺳﻠم ﻟﻠﻣﺳﻠم ﻛﺎﻟﺑﻧﯾﺎن اﻟﻣرﺻـوص واﻟﺟﺳـد اﻟﻣﺳـﻠم ﻫـو ﺟﺳـد واﺣـد إذا ﺗـداﻋﻰ‬ ‫ﻣﻧﻪ ﻋﺿو أﺻﯾب ﻛل اﻟﺟﺳد ﺑﺎﻟﺣﻣﻰ واﻟﺳﻬر‪.‬‬ ‫ﻫ ــذﻩ ﻟﯾﺳ ــت رؤى ﯾ ارﻫ ــﺎ اﻟﻧ ــﺎﺋم ﻓ ــﻲ ﻧوﻣ ــﻪ وﻟﻛ ــن ﻣﺣﺎوﻟ ــﺔ إﺿ ــﻌﺎف وﻗﺗ ــل وﺗﺧرﯾ ــب‬ ‫اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ ﻟم ﺗﻛن ﺑﻌﯾدة أﺑداً ﻋن أﯾدي اﻟﺑﻼد اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﺑل ﻛﺎﻧت ﺣﻘﯾﻘـﺔ ﯾـراﻩ اﻟﻔـرد‬ ‫ﺳﺎرﺑﺔ ﺑﺎﻟﻠﯾل واﻟﻧﻬـﺎر؛ وﻣـن أدل اﻟوﻗـﺎﺋﻊ ﻋﻠـﻰ ذﻟـك رﻓـض أوروﺑـﺎ ﻣﺟﺗﻣﻌـﺔ ﺗـدﺧل ﻣﺣﻣـد‬ ‫ﻋﻠﻲ ﺑﺎﺷﺎ ﺑﺻﻔﺗﻪ واﻟﯾﺎً ﻋﺛﻣﺎﻧﯾﺎً ﻹﺧﻣﺎد اﻟﺛورة اﻟﯾوﻧﺎﻧﯾـﺔ ﺑﻘوﺗـﻪ اﻟﺻـﺎﻋدة وﻗﯾﺎﻣﻬـﺎ ﺑﺗﺣطـﯾم‬ ‫اﻷﺳطول اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﻲ اﻟﻣﺻري ﻓﻲ ﻣﻌرﻛـﺔ ﻧﺎﻓـﺎرﯾن )‪١٨٢٧‬م( وﻛﺎﻧـت ﻓرﻧﺳـﺎ اﻟﺗـﻲ دﻋﻣـت‬ ‫اﻟواﻟﻲ اﻟﻣﺻري ﺳﺎﺑﻘﺎً ﻋﻠﻰ رأس ﻣﻬﺎﺟﻣﯾﻪ ﻓﻲ اﻟﻣﻌرﻛﺔ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧت ﺗرﯾد ﻗوﺗﻪ ﻓﻲ ﺳـﺑﯾل‬ ‫‪- ٦١ -‬‬


‫ﻣﺻ ــﺎﻟﺣﻬﺎ)‪ ،(١‬ﻣ ــن اﻟﻣﺿ ــﺣﻛﺎت ﻓ ــﻲ ذﻟ ــك أن ﻓرﻧﺳ ــﺎ ﻟ ــم ﺗﺗوﻗ ــف ﻋ ــن اﺳ ــﺗﻘﺑﺎل اﻟطﻠﺑ ــﺔ‬ ‫اﻟﻣﺑﻌوﺛﯾن ﻣن ﻗﺑل اﻟواﻟﻲ اﻟﻣﺻري ﻟﻛﻲ ﯾﺗﻌﻠﻣوا ﻓـﻲ ﺟﺎﻣﻌـﺎت ﻓرﻧﺳـﺎ ﻓﻛـﺎن اﻟﻬـدف ﻟـﯾس‬ ‫ﺟﻌل ﻣﺣﻣد ﻋﻠﻰ أو ﻏﯾرﻩ ﻗوﯾﺎً أو ﻟـﻪ ﻗـ ار اًر ﻣﺳـﺗﻘﻼً وﻟﻛـن اﻟﻬـدف ﻫـو ﺟﻌـل واﻟـﻲ ﻣﺻـر‬ ‫ﺳواء ﻛﺎن ﻣﺣﻣد ﻋﻠﻲ أو ﻏﯾرﻩ أن ﯾﻛون ﻣﺣﺎﻓظﺎً ﻋﻠﻰ ﻣﺻﺎﻟﺢ ﺗﻠك اﻟﺑﻼد)‪.(٢‬‬

‫وﯾدور اﻟزﻣﺎن دورﺗﻪ وﯾظل اﻟﻌدو واﺣد ﺣﯾث ﺗدل ﺣوادث اﻟﺛورات اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻷﺧﯾـرة ﻋﻠـﻰ‬ ‫ﻣﺣــﺎوﻻت اﻟﻐــرب اﻟﺣﺛﯾﺛــﺔ اﻹﺑﻘــﺎء ﻋﻠــﻰ ﻧﻔــوذﻩ وﻋــدم إﺣــداث ﺗﻐﯾﯾ ـرات ﺛورﯾــﺔ ﺗﻐﯾــر ﻣــن‬ ‫أوﺿﺎﻋﻧﺎ اﻟﻧﺳﺑﯾﺔ ﻟﻪ‪ ،‬ﯾﺷﻬد ﻋﻠﻰ ﻫذا ﺑﻘﺎء ﻧﻔس اﻷطﻘم اﻟﻘدﯾﻣـﺔ ﻓـﻲ ﻣواﻗـﻊ اﺗﺧـﺎذ اﻟﻘـرار‬ ‫وﻫــﻲ اﻟوﺟــوﻩ اﻟﺗــﻲ اﻋﺗــﺎد اﻟﻐــرب ﻋﻠــﻰ اﻟﺗﻌﺎﻣــل ﻣﻌﻬــﺎ واﻻطﻣﺋﻧــﺎن إﻟﯾﻬــﺎ ﻓﯾﻣــﺎ ﺳــﺑق ﻣــن‬ ‫أﺣﻘﺎب اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻣﺗﺗﺎﻟﯾـﺔ وﻻ ُﯾﻐﯾـر ﻣـن اﻷﻣـر أن ﯾﻛـون ﺷـﺧص واﺣـد ﻣـن ﻫـذا اﻟطﻘـم أو‬

‫ذاك ﻗد اﻋﺗزل ﺣﺗـﻰ ﻟـو ﻛـﺎن رأس اﻟﻧظـﺎم‪ ،‬وﻟـو اﺳـﺗﻌﻣﻠﻧﺎ اﻟﺗﻌﺑﯾـر اﻟﻣﺎرﻛﺳـﻲ ﻓـﺈن أدوات‬ ‫اﻹﻧﺗــﺎج اﻟﻐرﺑﯾــﺔ "اﻟﺟدﯾــدة" ﻟــم ﺗــؤد إﻟــﻰ ﻋﻼﻗــﺎت إﻧﺗــﺎج ﺟدﯾــدة‪ ،‬وﻟﻛــن ﻧﻔــس اﻟﻣﻧــﺗﺞ ﺑــﻧﻔس‬ ‫آﻟﯾﺎت اﻹﻧﺗﺎج وﻫذﻩ اﻵﻻت ﻫـﻲ ﻧﻔﺳـﻬﺎ ﻣﺎ ازﻟـت ﻓـﻲ ﻛـل ﻣﻛـﺎن‪ ،‬وﻟﻬـذا ﻓـﺈن ﻫـذﻩ اﻷدوات‬ ‫اﻟﺗـﻲ ﯾﺳـﺗﻌﻣﻠﻬﺎ اﻟﻐـرب ﻓـﻲ إﺧﺿـﺎع أﻣﺗﻧـﺎ ﻟﯾﺳـت ﺟدﯾـدة ﻋﻠـﻰ اﻹطـﻼق‪ .‬وﻟﻛﻧﻬـﺎ ﻗدﯾﻣـﺔ‬ ‫ﻗدم اﻟﻠﯾل واﻟﻧﻬﺎر وﻻ ﯾزاﻟون ﯾﻘﺎﺗﻠوﻧﻛم ﺣﺗﻰ ﯾردوﻛم ﻋن دﯾﻧﻛم إن اﺳﺗطﺎﻋوا‪.‬‬ ‫وﺧﻼﺻﺔ اﻷﻣر أﻧﻪ رﻏم ﺗﻐﯾر اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﻧطﻘﺗﻧـﺎ‪ ،‬ﻣـن اﻟوﺻـول إﻟـﻰ‬ ‫اﻟﻬﻧــد واﻟﺷــرق اﻷﻗﺻــﻰ إﻟــﻰ ﺻــد اﻟﺗوﺳــﻊ اﻟروﺳــﻲ أو اﻟﺳــوﻓﯾﯾﺗﻲ إﻟــﻰ ﺗــﺄﻣﯾن وﺻــول‬ ‫إﻣــدادات اﻟــﻧﻔط إﻟــﻰ اﻟﻐــرب‪ ،‬ﻓﺈﻧﻬــﺎ ﻟــم ﺗﻔﻘــد ﺑرﯾﻘﻬــﺎ رﻏــم اﺳــﺗﻘﻼل اﻟﻬﻧــد وزوال اﻻﺗﺣــﺎد‬ ‫اﻟﺳـوﻓﯾﯾﺗﻲ وﺗطـور وﺳــﺎﺋل اﻟﻣواﺻـﻼت واﻷﺳــﻠﺣﺔ اﻟﺟوﯾـﺔ اﻟﺗــﻲ ﻗﻠﻠـت ﻣــن أﻫﻣﯾـﺔ اﻟﺣــدود‬ ‫اﻟﺑرﯾﺔ واﻟﺣواﺟز اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ‪ ،‬ﻛل ذﻟك ﻟم ﯾﺻـرف أﻧظـﺎر اﻟﻐـرﺑﯾﯾن ﻋـن ﺑﻼدﻧـﺎ ﺑـل ﺗطـورت‬ ‫ﻣﺻﺎﻟﺣﻬم ﺑﻣﺎ ﯾزﯾد ﻣن ﺗﺷﺑﺛﻬم ﺑﺎﻟﻬﯾﻣﻧﺔ ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻣﻊ ﻣرور اﻟﺳﻧﯾن وﺗﻐﯾـر اﻟﻼﻋﺑـﯾن‪ ،‬وﻓـﻲ‬ ‫ﻫذا اﻟﻣﺟﺎل ُﯾﺷﯾر اﻟﻣـؤرخ زﯾـن ﻧـور اﻟـدﯾن زﯾـن إﻟـﻰ "ﺧطـورة اﻟـدور اﻟـذي ﯾﻠﻌﺑـﻪ اﻟﻣوﻗـﻊ‬ ‫)‪ (١‬إرﯾك ﻫوﺑزﺑﺎوم‪ ،‬ﻋﺻر رأس اﻟﻣﺎل‪ ،١٨٧٥ -١٨٤٨ :‬اﻟﻣﻧظﻣﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠﺗرﺟﻣﺔ‪ ،‬ﺑﯾروت‪ ،٢٠٠٨ ،‬ﺗرﺟﻣﺔ‪:‬‬ ‫ﻓﺎﯾز اﻟﺻﯾﺎغ‪ ،‬ص ‪.٢١٥‬‬ ‫)‪ (١‬ﻣﺎﯾﻛل أورﯾن‪ ،‬اﻟﻘوة واﻹﯾﻣﺎن واﻟﺧﯾﺎل‪ ،‬ﻛﻠﻣﺔ وﻛﻠﻣﺎت ﻋرﺑﯾﺔ‪ ،‬أﺑو ظﺑﻲ واﻟﻘﺎﻫرة‪ ،٢٠٠٨ ،‬ﺗرﺟﻣﺔ‪ :‬آﺳر ﺣطﯾﺑﺔ‪،‬‬ ‫ص ‪.٣٣٥‬‬

‫‪- ٦٢ -‬‬


‫اﻟﺟﻐراﻓﻲ ﻓﻲ ﻣﺷﻛﻼت اﻟﻌﺎﻟم" وﻟﻬذا ﻛﺎن ﺟﻣﻠﺔ ﻣن اﻟ ُﻛﺗﺎب اﻟﺑـﺎرزﯾن ﯾؤﻣﻧـون أن د ارﺳـﺔ‬

‫اﻟﺟﻐراﻓﯾــﺎ أﻣــر ﺿــروري ﻟﻔﻬــم ﺗطــور أي ﺑﻠــد ﻣــن اﻟﺑﻠــدان‪ ،‬وﯾﺿــﯾف ﻗــﺎﺋﻼ إن "اﻟﺟﻐراﻓﯾــﺎ‬ ‫ﺗﻌد ﻣن أﻗل اﻟﻌواﻣل ﺗﻌرﺿﺎً ﻟﻠﺗﻐﯾر ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺷﻌوب)‪(١‬؛ﻷﻧﻪ إذا رﺑطﻧﺎ ﻣﺻـﺎﻟﺢ اﻷﻣـم‬ ‫ﺑﺎﻟوﺿــﻊ اﻟﺟﻐ ارﻓــﻲ ﻓﻬــذا ﯾﻌﻧــﻲ أن ﺗﻠــك اﻟﻣﺻــﺎﻟﺢ ﺳــﺗﻛون ﺛﺎﺑﺗــﺔ رﻏــم ﺗﻐﯾــر اﻷﺷــﺧﺎص‬ ‫واﻷزﻣﺎن أو ﺣﺗﻰ أﻧظﻣﺔ اﻟﺣﻛم ﻷن اﻟﺟﻐراﻓﯾـﺎ ﺛﺎﺑﺗـﺔ‪ ،‬ﻛﻣـﺎ إن د ارﺳـﺔ اﻟﺟﻐراﻓﯾـﺎ ﻓـﻲ ﻛﺛﯾـ اًر‬ ‫ﻣــن اﻷﺣﯾــﺎن ﺗﺷــﺗﻣل ﻋﻠــﻰ د ارﺳــﺔ اﻟﻣـوارد اﻟطﺑﯾﻌﯾــﺔ واﻟﻣﻧــﺎخ وﻛــل ﻫــذﻩ اﻟﻣﻛوﻧــﺎت ﺗُﻌﺗﺑــر‬ ‫ﻣن اﻟﺛواﺑت‪.‬‬

‫وﺧﻼﺻ ــﺔ اﻟﻘ ــول أﻧ ــﻪ إذا أردﻧ ــﺎ أن ﻧﻌ ــرف ﻟﻣ ــﺎذا ﯾﺣ ــرص اﻟﻐ ــرب ﻋﻠ ــﻰ اﺳ ــﺗﻣرار ﻧظ ــﺎم‬ ‫اﻟدوﯾﻼت؟ ﯾﺟب أن ﻧﻔﻬم ﻣﺎ ﻫﻲ اﻟﻣﺧﺎطر اﻟﺗﻲ ﺗﻬدد اﻟﻐرب ﺑل واﻟﻌﺎﻟم أﺟﻣـﻊ ﻣـن ﻗﯾـﺎم‬ ‫ﻧظﺎم ﻻ ﯾؤﻣن ﺑراﺑطﺔ ﻏﯾر راﺑطﺔ اﻟﺗوﺣﯾد وﯾﻌﺗﺑر أن ﻛل ﺑﻼد اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻫﻲ وطن ﻟﻬـذا‬ ‫اﻟﻧظﺎم وﻛل ﺑﯾوت اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻫﻲ ﺑﯾﺗﻪ اﻟذي إن ﻣﺎت دوﻧﻪ ﻓﻬو ﺷﻬﯾد؟‬

‫)‪ (١‬ﯾوﺟﯾن روﺟﺎن‪ ،‬اﻟﻌرب ﻣن اﻟﻔﺗوﺣﺎت اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﺣﺎﺿر‪ ،‬ﻛﻠﻣﺎت ﻋرﺑﯾﺔ ﻟﻠﺗرﺟﻣﺔ واﻟﻧﺷر‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫرة‪،‬‬ ‫‪٢٠١١‬م‪ ،‬ﺗرﺟﻣﺔ‪ :‬ﻣﺣﻣد إﺑراﻫﯾم اﻟﺟﻧدي‪ ،‬ص ‪.٢١٠‬‬

‫‪- ٦٣ -‬‬


‫اﻟﻣﺑﺣث اﻟراﺑﻊ‬ ‫ﻣﺣﺎوﻻت رﻓض ﻫذا اﻟﺗﻔرق وﻣﺣﺎوﻻت اﻻﻧدﻣﺎج‪.‬‬ ‫وﺿﺣﻧﺎ ﻓـﻲ اﻟﻣﺑﺎﺣـث اﻟﺳـﺎﺑﻘﺔ ﻛﯾـف أن اﻟﺗﻔـرق ﻣـذﻣوم وأن اﻟﺗوﺣـد أﻣـر ﻣرﻏـوب‬ ‫ﺑـل ﻫـو ﺿـرورة وﺟودﯾــﺔ وﻟـﯾس ﻣـن ﻗﺑﯾــل اﻟﺗـرف اﻟﻔﻛـري واﻷﻣــر ﻻ ﯾﺣﺗـﺎج إﻟـﻰ ﺳﻔﺳــطﺔ‬ ‫ﻛﺎذﺑﺔ‪ .‬ﻓﻬذا اﻷﻣر واﺿﺢ ﻟﻠﻌﯾـﺎن؛ ﻟـذﻟك ﻛـﺎن ﻣـن اﻟطﺑﯾﻌـﻲ أن ﯾﺳـﻌﻰ ﻫـذا اﻟﺷـﺗﺎت إﻟـﻰ‬ ‫اﻻﻟﺗﺋﺎم ﻣن ﺟدﯾد‪ ،‬ﻛﺎن ﻣن اﻟطﺑﯾﻌﻲ أن ﺗﺟد ﻫـذﻩ اﻷﻣـﺔ اﻟﻣﺑﻌﺛـرة وﻫـذا اﻟﻔـراش اﻟﻣﺑﺛـوث‬ ‫أن ﺗﺟــد َﻣـ ّـن ﯾﻧــﺎدي ﺑــﺎﻟﻌودة إﻟــﻰ ﻓﻛ ـرة اﻷﻣــﺔ اﻟواﺣــدة ﻣــن دون اﻟﻧــﺎس وأن اﻟﻣﺳــﻠم أﺧــو‬ ‫اﻟﻌﺑـد ﻓـﻲ ﻋـون أﺧﯾـﻪ‪ .‬ﻧﻌـم‬ ‫اﻟﻌﺑد ﻣﺎ ﻛﺎن ّ‬ ‫اﻟﻣﺳﻠم ﻻ ﯾظﻠﻣﻪ وﻻ ُﯾﺳﻠﻣﻪ‪ ،‬وأن اﷲ ﻓﻲ ﻋون ّ‬

‫ﻛﺎﻧــت ﻫﻧــﺎك دﻋ ـوات ﻫﻧــﺎ ودﻋ ـوات ﻫﻧــﺎك وﻧﺣــن ﻫﻧــﺎ ﺑﺻــدد إﻟﻘــﺎء اﻟﺿــوء ﻋﻠــﻰ ﺑﻌــض‬ ‫ﺳﻧرﻛز ﻋﻠﻰ ﻫـذﻩ اﻟﺣرﻛـﺎت ﻟﻣـﺎذا ﻗﺎﻣـت وﻣـﺎ‬ ‫اﻟﻣﺣﺎوﻻت اﻟﺗﺟﻣﯾﻌﯾﺔ اﻟﺗﻛﺎﻣﻠﯾﺔ؛ وﻧﺣن ﻫﻧﺎ ُ‬ ‫اﻟﻣﺷﺎﻫد‪.‬‬ ‫ﻫﻲ ﻣﺻﯾرﻫﺎ ﻣن ﺧﻼل اﻟواﻗﻊ ُ‬

‫أوﻻً‪ :‬ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟدول اﻟﻌرﺑﯾﺔ‬ ‫اﻟﺗﻌرﯾف ﺑﻬﺎ‪ :‬ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟدول اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻫﻲ ﻣﻧظﻣﺔ ﺗﺿم دول ﻓﻲ اﻟﺷرق اﻷوﺳط وأﻓرﯾﻘﯾﺎ‬ ‫وﯾﻌﺗﺑر أﻋﺿﺎﺋﻬﺎ دوﻻً ﻋرﺑﯾﺔ‪ ،‬ﯾﻧص ﻣﯾﺛﺎق اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻧﺳﯾق ﺑﯾن اﻟدول اﻷﻋﺿﺎء‬ ‫ﻓﻲ اﻟﺷؤون اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ‪ ،‬واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺗﺟﺎرﯾﺔ‪ ،‬واﻻﺗﺻﺎﻻت‪ ،‬واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ‪ ،‬وﻣﺎ‬ ‫ﯾﺧص اﻟﺟﻧﺳﯾﺎت ووﺛﺎﺋق وأذون اﻟﺳﻔر واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻟﺻﺣﺔ‪ .‬اﻟﻣﻘر اﻟداﺋم‬ ‫ﻟﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟدول اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻫو ﻣدﯾﻧﺔ اﻟﻘﺎﻫرة‪ ،‬ﺑﻣﺻر؛ وﺗﻘوم ﻛل دوﻟﺔ ﻣن اﻟدول اﻷﻋﺿﺎء‬ ‫ﺑﺗﻌﯾﯾن ﻣﻧدوب ﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ وﯾﻘوم ﻫؤﻻء اﻟﻣﻣﺛﻠﯾن ﺑﺎﺧﺗﯾﺎر اﻷﻣﯾن اﻟﻌﺎم ﻟﻠﺟﺎﻣﻌﺔ؛‬ ‫وﻋﻧدﻣﺎ ﯾﻧظر اﻟﻧﺎظر إﻟﻰ ﺧرﯾطﺔ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ ﻣﺟﺗﻣﻊ ُﯾﺧﯾل إﻟﯾﻪ أن ﻫﻧﺎك ﻧوع ﻣن‬ ‫اﻟوﺣدة ﺑﯾن ﻫذﻩ اﻟدول‪.‬‬

‫ﻧﺷﺄة اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‬ ‫ﻓﻲ ‪ ٢٩‬ﻣﺎﯾو ‪ ١٩٤١‬أﻟﻘﻰ أﻧﺗوﻧﻰ إﯾدن وزﯾر ﺧﺎرﺟﯾﺔ ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﺧطﺎﺑﺎ ذﻛر ﻓﯾﻪ‬ ‫"إن اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ ﻗد ﺧطﺎ ﺧطوات ﻋظﯾﻣﺔ ﻣﻧذ اﻟﺗﺳوﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻣت ﻋﻘب اﻟﺣرب‬ ‫اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﻣﺎﺿﯾﺔ‪ ،‬وﯾرﺟو ﻛﺛﯾر ﻣن ﻣﻔﻛري اﻟﻌرب ﻟﻠﺷﻌوب اﻟﻌرﺑﯾﺔ درﺟﺔ ﻣن درﺟﺎت‬ ‫‪- ٦٤ -‬‬


‫اﻟوﺣدة أﻛﺑر ﻣﻣﺎ ﺗﺗﻣﺗﻊ ﺑﻪ اﻵن‪ٕ .‬وان اﻟﻌرب ﯾﺗطﻠﻌون ﻟﻧﯾل ﺗﺄﯾﯾدﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﺳﺎﻋﯾﻬم ﻧﺣو‬

‫ﻫذا اﻟﻬدف وﻻ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻧﻐﻔل اﻟرد ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟطﻠب ﻣن ﺟﺎﻧب أﺻدﻗﺎﺋﻧﺎ وﯾﺑدو أﻧﻪ‬

‫ﻣن اﻟطﺑﯾﻌﻲ وﻣن اﻟﺣق وﺟود ﺗﻘوﯾﺔ اﻟرواﺑط اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ واﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ ﺑﯾن اﻟﺑﻼد اﻟﻌرﺑﯾﺔ‬ ‫وﻛذﻟك اﻟرواﺑط اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ أﯾﺿﺎً‪ ...‬وﺣﻛوﻣﺔ ﺟﻼﻟﺗﻪ )أي إﯾدن( ﺳوف ﺗﺑذل ﺗﺄﯾﯾدﻫﺎ اﻟﺗﺎم‬

‫ﻷي ﺧطﺔ ﺗﻠﻘﻰ ﻣواﻓﻘﺔ ﻋﺎﻣﺔ")‪ .(١‬وﻓﻰ ‪ ٢٤‬ﻓﺑراﯾر ‪١٩٤٣‬م‪ ،‬ﺻرح إﯾدن ﻓﻲ ﻣﺟﻠس‬ ‫اﻟﻌﻣوم اﻟﺑرﯾطﺎﻧﻲ ﺑﺄن اﻟﺣﻛوﻣﺔ اﻟﺑرﯾطﺎﻧﯾﺔ "ﺗﻧظر ﺑﻌﯾن اﻟﻌطف إﻟﻰ ﻛل ﺣرﻛﺔ ﺑﯾن‬ ‫اﻟﻌرب ﺗرﻣﻰ إﻟﻰ ﺗﺣﻘﯾق وﺣدﺗﻬم اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ واﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ"‪ .‬ﺑﻌد ﻋﺎم ﺗﻘرﯾﺑﺎ ﻣن‬ ‫ﺧطﺎب إﯾدان‪ ،‬دﻋﺎ رﺋﯾس اﻟوزراء اﻟﻣﺻري ﻣﺻطﻔﻰ اﻟﻧﺣﺎس ﻛﻼ ﻣن رﺋﯾس اﻟوزراء‬ ‫اﻟﺳوري ﺟﻣﯾل ﻣردم ورﺋﯾس اﻟﻛﺗﻠﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ اﻟﻠﺑﻧﺎﻧﯾﺔ ﺑﺷﺎرة اﻟﺧوري ﻟﺗﺑﺎﺣث ﻣﻌﻬﻣﺎ ﻓﻲ‬ ‫اﻟﻘﺎﻫرة ﺣول ﻓﻛرة "إﻗﺎﻣﺔ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻋرﺑﯾﺔ ﻟﺗوﺛﯾق اﻟﻌرى ﺑﯾن اﻟﺑﻠدان اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻣﻧﺿﻣﺔ‬ ‫ﻟﻬﺎ"‪ .‬وﻛﺎﻧت ﻫذﻩ أول ﻣرة ﺗُﺛﺎر ﻓﯾﻬﺎ ﻓﻛرة اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺑﻣﺛل ﻫذا اﻟوﺿوح ﺛم ﻋﺎد‬

‫ﺑﻌد ﻧﺣو ﺷﻬر ﻣن ﺗﺻرﯾﺢ إﯾدن أﻣﺎم ﻣﺟﻠس اﻟﻌﻣوم‪ ،‬ﻟﯾؤﻛد اﺳﺗﻌداد اﻟﺣﻛوﻣﺔ‬ ‫اﻟﻣﺻرﯾﺔ ﻻﺳﺗطﻼع آراء اﻟﺣﻛوﻣﺎت اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻓﻲ ﻣوﺿوع اﻟوﺣدة وﻋﻘد ﻣؤﺗﻣر ﻟﻣﻧﺎﻗﺷﺗﻪ‬ ‫وﻫﻰ اﻟﻔﻛرة اﻟﺗﻲ أﺛﻧﻰ ﻋﻠﯾﻬﺎ ﺣﺎﻛم اﻷردن ﻓﻲ ﺣﯾﻧﻪ اﻷﻣﯾر ﻋﺑد اﷲ‪ .‬وﻋﻠﻰ أﺛر ذﻟك‬ ‫ﺑدأت ﺳﻠﺳﻠﺔ ﻣن اﻟﻣﺷﺎورات اﻟﺛﻧﺎﺋﯾﺔ ﺑﯾن ﻣﺻر ﻣن ﺟﺎﻧب وﻣﻣﺛﻠﻲ ﻛل ﻣن اﻟﻌراق‬ ‫وﺳورﯾﺎ وﻟﺑﻧﺎن واﻟﻣﻣﻠﻛﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﺳﻌودﯾﺔ واﻷردن واﻟﯾﻣن ﻣن ﺟﺎﻧب آﺧر وﻫﻰ‬ ‫اﻟﻣﺷﺎورات اﻟﺗﻲ أﺳﻔرت ﻋن ﺗﺑﻠور اﺗﺟﺎﻫﯾن رﺋﯾﺳﯾﯾن ﺑﺧﺻوص ﻣوﺿوع اﻟوﺣدة‬ ‫اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻷول ﯾدﻋو إﻟﻰ ﻣﺎ ُﯾﻣﻛن وﺻﻔﻪ ﺑﺎﻟوﺣدة اﻹﻗﻠﯾﻣﯾﺔ اﻟﻔرﻋﯾﺔ أو اﻟﺟﻬوﯾﺔ وﻗواﻣﻬﺎ‬

‫ﺳورﯾﺎ اﻟﻛﺑرى أو اﻟﻬﻼل اﻟﺧﺻﯾب‪ .‬واﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﺛﺎﻧﻲ ﯾدﻋو إﻟﻰ ﻧوع أﻋم وأﺷﻣل ﻣن‬ ‫اﻟوﺣدة ﯾظﻠل ﻋﻣوم اﻟدول اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻣﺳﺗﻘﻠﺔ وﺗﺿﻣن ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ ﺑدورﻩ رأﯾﯾن ﻓرﻋﯾﯾن‪:‬‬ ‫اﻟرأي اﻷول ﯾدﻋو ﻟوﺣدة ﻓﯾدراﻟﯾﺔ أو ﻛوﻧﻔدراﻟﯾﺔ ﺑﯾن اﻟدول اﻟﻣﻌﻧﯾﺔ واﻵﺧر ﯾطﺎﻟب‬

‫)‪ (١‬ﻣﺣﻣد ﻋﻣﺎرة‪ ،‬اﻹﺳﻼم واﻟﻌروﺑﺔ واﻟﻌﻠﻣﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬دار اﻟوﺣدة‪ ،‬ﺑﯾروت‪ ،١٩٨١ ،‬ص ‪٥٥‬‬

‫‪- ٦٥ -‬‬


‫ﺑﺻﯾﻐﺔ وﺳط ﺗﺣﻘق اﻟﺗﻌﺎون واﻟﺗﻧﺳﯾق ﻓﻲ ﺳﺎﺋر اﻟﻣﺟﺎﻻت وﺗُﺣﺎﻓظ ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻧﻔﺳﻪ‬ ‫ﻋﻠﻰ اﺳﺗﻘﻼل اﻟدول وﺳﯾﺎدﺗﻬﺎ)‪.(١‬‬

‫وﺑﻌــد ﻣﺷــﺎورات ﻫﻧــﺎ وﻫﻧــﺎك ﺗــم اﻻﺗﻔــﺎق ﻋﻠــﻰ ﺗﺳــﻣﯾﺔ اﻟﻣظﻠــﺔ اﻟوﺣدوﯾــﺔ اﻟﺟدﯾــدة‬ ‫"ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟدول اﻟﻌرﺑﯾﺔ"‪ ،‬وﺗم اﻟﺗوﺻل إﻟﻰ ﺑروﺗوﻛـول اﻹﺳـﻛﻧدرﯾﺔ اﻟـذي ﺻـﺎر أول وﺛﯾﻘـﺔ‬ ‫ﺗﺧص اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ)‪.(٢‬‬ ‫وﻓﻲ اﻟﻧﻬﺎﯾﺔ اﺗﻔﻘت اﻟـدول اﻟﻣﻛوﻧـﺔ ﻟﻬـذا اﻟﻛﯾـﺎن اﻟﺟدﯾـد ﻋﻠـﻰ أن ﯾﻛـون ﻟﻛـل دوﻟ ٍـﺔ ﻋﺿ ٌـو‬ ‫ـوت واﺣـ ٌـد ﻓــﻲ ﻣﺟﻠــس اﻟﺟﺎﻣﻌــﺔ‪ ،‬وﻟﻛــن اﻟﻘ ـ اررات ﺗُﻠــزم اﻟــدول اﻟﺗــﻲ ﺻــوﺗت ﻟﻬــذﻩ‬ ‫ﺻـ ٌ‬ ‫اﻟﻘ اررات ﻓﻘط‪ .‬وﻛﺎن أول ﻣﯾﺛﺎق ﻟﻠﺟﺎﻣﻌﺔ ﻫو ﻣﺎ ُﻋرف ﻓﻲ اﻟﺗﺎرﯾﺦ ﺑﻣﯾﺛـﺎق أو ﺑروﺗوﻛـول‬

‫اﻹﺳﻛﻧدرﯾﺔ وﻫو‪:‬‬

‫‪ (١‬ﻗﯾ ــﺎم ﺟﺎﻣﻌ ــﺔ اﻟ ــدول اﻟﻌرﺑﯾ ــﺔ ﻣ ــن ﻣﺟﻣ ــوع اﻟ ــدول اﻟﻌرﺑﯾ ــﺔ اﻟﻣﺳ ــﺗﻘﻠﺔ اﻟﺗ ــﻲ ﺗﻘﺑ ــل‬ ‫اﻻﻧﺿ ــﻣﺎم إﻟﯾﻬ ــﺎ‪ ،‬وﯾﻛ ــون ﻟﻬ ــﺎ ﻣﺟﻠ ــس ﺗﻛ ــون ﻓﯾ ــﻪ اﻟ ــدول اﻟﻣﺷ ــﺗرﻛﺔ ﻋﻠ ــﻰ ﻗ ــدم‬ ‫اﻟﻣﺳﺎواة‪.‬‬ ‫‪ (٢‬ﻣﻬﻣﺔ ﻣﺟﻠـس اﻟﺟﺎﻣﻌـﺔ ﻫـﻲ‪ :‬ﻣ ارﻋـﺎة ﺗﻧﻔﯾـذ ﻣـﺎ ﺗﺑرﻣـﻪ اﻟـدول اﻷﻋﺿـﺎء ﻓﯾﻣـﺎ ﺑﯾﻧﻬـﺎ‬ ‫ﻣ ــن اﺗﻔﺎﻗﯾ ــﺎت وﻋﻘ ــد اﺟﺗﻣﺎﻋ ــﺎت دورﯾ ــﺔ ﻟﺗوﺛﯾ ــق اﻟﺻ ــﻼت ﺑﯾﻧﻬ ــﺎ واﻟﺗﻧﺳ ــﯾق ﺑ ــﯾن‬ ‫ﺧططﻬــﺎ اﻟﺳﯾﺎﺳــﯾﺔ ﺗﺣﻘﯾﻘ ـﺎً ﻟﻠﺗﻌــﺎون ﻓﯾﻣــﺎ ﺑﯾﻧﻬــﺎ وﺻــﯾﺎﻧﺔ اﺳــﺗﻘﻼﻟﻬﺎ وﺳــﯾﺎدﺗﻬﺎ ﻣــن‬ ‫ﻛــل اﻋﺗــداء ﺑﺎﻟوﺳــﺎﺋل اﻟﺳﯾﺎﺳــﯾﺔ اﻟﻣﻣﻛﻧــﺔ واﻟﻧظــر ﺑﺻــﻔﺔ ﻋﺎﻣــﺔ ﻓــﻲ ﺷــﺋون اﻟــﺑﻼد‬ ‫اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪.‬‬ ‫‪ (٣‬ﻗ ـ اررات اﻟﻣﺟﻠــس ﻣﻠزﻣــﺔ ﻟﻣــن ﯾﻘﺑﻠﻬــﺎ ﻓﯾﻣــﺎ ﻋــدا ﺑﻌــض اﻟﺣــﺎﻻت اﻟﺗــﻲ ﯾﻘــﻊ ﻓﯾﻬــﺎ‬ ‫ﺧــﻼف ﺑــﯾن دوﻟﺗــﯾن ﻣــن أﻋﺿــﺎء اﻟﺟﺎﻣﻌــﺔ ﻓــﺈن اﻟطرﻓــﺎن ﯾﻠﺟــﺄن إﻟــﻰ اﻟﻣﺟﻠــس‬ ‫ﻟﻔض اﻟﻧزاع ﺑﯾﻧﻬﻣﺎ‪ ،‬ﻓﻔﻲ ﻫذﻩ اﻷﺣوال ﺗﻛون ﻗ اررات اﻟﻣﺟﻠس ﻣﻠزﻣﺔ وﻧﺎﻓذة‪.‬‬ ‫)‪ (١‬راﺟﻊ‪ :‬ﻋﻠﻲ اﻟدﯾن ﻫﻼل‪ ،‬ﻣﯾﺛﺎق اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺑﯾن اﻟﻘطرﯾﺔ واﻟﻘوﻣﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ‪ :‬ﻋﻠﻲ ﻣﺣﺎﻓظﺔ )وآﺧرون(‪ ،‬ﺟﺎﻣﻌﺔ‬

‫اﻟدول اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ :‬اﻟواﻗﻊ واﻟطﻣوح‪ ،‬ﺑﯾروت‪ :‬ﻣرﻛز دراﺳﺎت اﻟوﺣدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬ط‪ ،١‬ﻧﯾﺳﺎن‪/‬أﺑرﯾل‪ ،١٩٨٣‬ص ‪-٧٧‬‬ ‫‪.٩٢‬‬

‫)‪ (٢‬ﻣﺣﻣد ﻋﺑداﻟوﻫﺎب اﻟﻛﯾﺎﻟﻲ‪" ،‬ﺗﺎرﯾﺦ ﻓﻠﺳطﯾن اﻟﺣدﯾث" اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠطﺑﻊ واﻟﻧﺷر‪ ،‬ط‪ ،٣‬ﺑﯾروت‬ ‫ﻟﺑﻧﺎن‪٢٠٠٠،‬م‪ ،‬ص‪.٢٠٤‬‬

‫‪- ٦٦ -‬‬


‫‪ (٤‬ﻻ ﯾﺟوز اﻻﻟﺗﺟﺎء إﻟﻰ اﻟﻘوة ﻟﻔض اﻟﻣﻧﺎزﻋﺎت ﺑﯾن دوﻟﺗﯾن ﻣن دول اﻟﺟﺎﻣﻌـﺔ ﻛﻣـﺎ‬ ‫ﻻ ﯾﺟوز إﺗﺑﺎع ﺳﯾﺎﺳﺔ ﺧﺎرﺟﯾﺔ ﺗﺿر ﺑﺳﯾﺎﺳﺔ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟدول اﻟﻌرﺑﯾﺔ أو أي دوﻟﺔ‬ ‫ﻣن دوﻟﻬﺎ‪.‬‬ ‫‪ (٥‬ﯾﺟــوز ﻟﻛــل دوﻟــﺔ ﻣــن اﻟــدول اﻷﻋﺿــﺎء ﺑﺎﻟﺟﺎﻣﻌــﺔ أن ﺗﻌﻘــد ﻣــﻊ دوﻟــﺔ أﺧــرى ﻣــن‬ ‫دول اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ أو ﻏﯾرﻫﺎ اﺗﻔﺎﻗﺎت ﺧﺎﺻـﺔ ﻻ ﺗﺗﻌـﺎرض ﻣـﻊ ﻧﺻـوص ﻫـذﻩ اﻷﺣﻛـﺎم‬ ‫وروﺣﻬﺎ‪.‬‬ ‫‪ (٦‬اﻻﻋﺗراف ﺑﺳﯾﺎدة واﺳﺗﻘﻼل اﻟدول اﻟﻣﻧظﻣﺔ إﻟﻰ اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑﺣدودﻫﺎ اﻟﻘﺎﺋﻣﺔ ﻓﻌﻼً‪.‬‬ ‫وﻛﺎﻧت أﻫداف اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻣﻌﻠﻧﺔ ﻓﻲ ﺳﻧﺔ ‪١٩٤٥‬م ﻫﻲ)‪:(١‬‬ ‫‪ ‬اﻟﺗﻌزﯾـ ـ ــز واﻟﺗﻧﺳـ ـ ــﯾق ﻓ ـ ـ ــﻲ اﻟﺑ ـ ـ ـراﻣﺞ اﻟﺳﯾﺎﺳـ ـ ــﯾﺔ واﻟﺑ ـ ـ ـراﻣﺞ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾ ـ ـ ــﺔ واﻻﻗﺗﺻـ ـ ــﺎدﯾﺔ‬ ‫واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﺑﯾن أﻋﺿﺎﺋﻬﺎ‪.‬‬ ‫‪ ‬اﻟﺗوﺳ ــط ﻓ ــﻲ ﺣ ــل اﻟﻧ ازﻋ ــﺎت اﻟﺗ ــﻲ ﺗﻧﺷ ــﺄ ﺑ ــﯾن دوﻟﻬ ــﺎ‪ ،‬أو اﻟﻧ ازﻋ ــﺎت ﺑ ــﯾن دوﻟﻬ ــﺎ‬ ‫وأطر ٍ‬ ‫اف ﺛﺎﻟﺛﺔ‪.‬‬

‫‪ ‬اﻟــدول اﻟﺗــﻲ وﻗﻌــت ﻋﻠــﻰ اﺗﻔــﺎ ِ‬ ‫ق اﻟــدﻓﺎع اﻟﻣﺷــﺗرك واﻟﺗﻌــﺎون اﻻﻗﺗﺻــﺎدي ﻓــﻲ ‪١٣‬‬ ‫أﺑرﯾل ‪١٩٥٠‬م ﻣﻠزﻣﺔٌ ﻋﻠﻰ ﺗﻧﺳﯾق ﺗداﺑﯾر اﻟدﻓﺎع اﻟﻌﺳﻛري‪.‬‬ ‫وﻓــﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘــﺔ ﻓﻘــد ﻟﻌﺑــت اﻟﺟﺎﻣﻌـﺔُ اﻟﻌرﺑﯾـﺔُ دو اًر ﻫﺎﻣــﺎ ﻓــﻲ ﺻــﯾﺎﻏﺔ اﻟﻣﻧــﺎﻫﺞ اﻟد ارﺳــﯾﺔ‪،‬‬ ‫واﻟﻧﻬوض ﺑدور اﻟﻣرأة ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬وﺗﻌزﯾز رﻋﺎﯾﺔ اﻟطﻔوﻟﺔ‪ ،‬وﺗﺷـﺟﯾﻊ ﺑـراﻣﺞ‬ ‫اﻟﺷﺑﺎب واﻟرﯾﺎﺿﺔ‪ ،‬واﻟﺣﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﺗراث اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ اﻟﻌرﺑﻲ‪ ،‬وﺗﻌزﯾز اﻟﺗﺑﺎدﻻت اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﺑـﯾن‬

‫ٍ‬ ‫ﻧﺳﺦ ﻟﻸﻋﻣـﺎل اﻟﻔﻛرﯾـﺔ‪،‬‬ ‫اﻟدول اﻷﻋﺿﺎء ﻓﻘد ﺗم إطﻼق‬ ‫ﺣﻣﻼت ﻟﻣﺣو اﻷﻣﯾﺔ‪ ،‬وﻋﻣﻠﯾﺎت ٍ‬

‫وﺗر ٍ‬ ‫ﺟﻣﺔ ﻟﻠﻣﺻـطﻠﺣﺎت اﻟﺗﻘﻧﯾـﺔ اﻟﺣدﯾﺛـﺔ ﻻﺳـﺗﺧداﻣﻬﺎ داﺧـل اﻟـدول اﻷﻋﺿـﺎء؛ ﻛﻣـﺎ ﺗﺷـﺟﻊ‬ ‫اﻟﺟﺎﻣﻌــﺔ اﺗﺧــﺎذ اﻟﺗــداﺑﯾر اﻟﻼزﻣــﺔ ﻟﻣﻛﺎﻓﺣــﺔ اﻟﺟرﯾﻣــﺔ وﺗﻌــﺎطﻲ اﻟﻣﺧــدرات‪ ،‬واﻟﺗﻌﺎﻣــل ﻣــﻊ‬ ‫اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟﻌﻣﺎﻟﯾﺔ)‪.(٢‬‬ ‫)‪(١‬إﺑراﻫﯾم ﺗوﻓﯾق اﻟراﺑﻲ "اﻟﻣﻧظﻣﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ‪ ،‬واﻹﻗﻠﯾﻣﯾﺔ اﻟﻣﺗﺧﺻﺻﺔ" ط‪ ٢‬ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻷزﻫر ‪٢٠٠٦‬م‪ ،‬ص ‪.٣٢‬‬ ‫‪(2) Internal Regulations of the Secretariat-General of the League". Model League of‬‬ ‫‪Arab States. Ed Haynes, Winthrop University. 1998-04-06‬‬

‫‪- ٦٧ -‬‬


‫وﻧﺣــن ﻫﻧــﺎ ﺑﻌــد ﻣــرور اﻟﺳــﻧون ﻫــل ﻟﻧــﺎ أن ﻧﺳــﺄل أﻧﻔﺳــﻧﺎ وﻧﺣــن ﻣــن أﻓـراد ﻫــذﻩ اﻷﻣــﺔ‬ ‫اﻟﻣﺗﻧــﺎﺛرة أن ﻧﺳــﺄل ﻟﻣــﺎذا ﻓﺷــل اﻟﺣﻠــم اﻟوﺣــدوي اﻟﻌرﺑــﻲ؟! ﻧﻘــول ذﻟــك وﻧﺣــن ﻧﻌ ـرف أن‬ ‫اﻟدوﯾﻼت اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻛﻠﻬـﺎ ﺗﺗﺣـدث ﻟﻐـﺔ واﺣـدة‪ ،‬ﻧﻘـول ذﻟـك وﻧﺣـن ﻧﻌـرف أن اﻟﺧـﺎﻟق اﻟﻌظـﯾم‬ ‫ﻗــد ﻣــﻧﺢ ﻫــذﻩ اﻟﻣﻧطﻘــﺔ ﻣــﺎ ﻟــم ﯾﻣﻧﺣــﻪ ﻟﻐﯾرﻫــﺎ ﻣــن اﻟﻌــﺎﻟم ﻓﻧــرى ﺑﻌــض اﻟــدول ﺑﻬــﺎ اﻟﻌﻣﺎﻟــﺔ‬ ‫واﻟﻌﻠــم واﻟﺧﺑـرة واﻟــﺑﻌض اﻷﺧــر ﻏﻧــﻲ ﺑﺛرواﺗــﻪ ﻓﻬــو ﻧــوع ﻣــن اﻟﺗﻛﺎﻣــل اﻟﻣﻔــروض‪ ،‬ﻓﺿ ـﻼً‬ ‫ﻋ ــن ﻣﻘوﻣ ــﺎت وﺣودوﯾ ــﺔ أﺧ ــرى ﻣﺛ ــل ﺗوﺣ ــد اﻟ ــدﯾن واﻟﻠﻐ ــﺔ واﻟﻌ ــرف ﺑ ــل وﺣﺗ ــﻰ اﻟﻌ ــﺎدات‬ ‫واﻟﺗﻘﺎﻟﯾد؛ ﻓﻠﻣﺎذا ﻫذا اﻟﻔﺷل‪:‬‬ ‫ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ أن أﺳﺑﺎب اﻟﻔﺷل أﻛﺛر ﻣن أن ﺗُﺣﺻﻰ وﻟﻛن ﯾﻛﻔـﻲ أن أول ﻣـن دﻋـﺎ إﻟـﻰ‬

‫إﻧﺷــﺎء ﻫــذا اﻟﻛﯾــﺎن ﻫــو إدن رﺋــﯾس وزراء اﻟدوﻟــﺔ اﻟﻣﺳــﺗﻌﻣرة ‪ -‬رﺋــﯾس وزراء ﺑرﯾطﺎﻧﯾــﺎ‪-‬‬ ‫ﻓﻬــذا ﯾﻛﻔــﻲ ﻷن ﻧﻌﻠــم أن ﻣﻧظﻣــﺔ اﻟﺟﺎﻣﻌــﺔ اﻟﻌرﺑﯾــﺔ ﻛﺎﻧــت ﻣﺟــرد أداة ﻟﺗﺳــﻠﯾﺔ ﻟــﯾس أﻛﺛــر‬ ‫وﻟﻛن ﻣﻊ ذﻟك ُﯾﻣﻛن رﺻد ﺑﻌض اﻷﺳﺑﺎب اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ اﻟﺗﻲ أدت إﻟﻰ ﻫذا اﻟﻔﺷل)‪:(١‬‬ ‫‪ (١‬أن اﻟﻔﺷل ﻟﻪ أﺳﺑﺎﺑﻪ اﻟداﺧﻠﯾﺔ ﻓﻲ ﻛل دوﻟﺔ ﻋرﺑﯾﺔ‪ .‬ﺣﯾث ﻧرى أن ﻛل دوﻟـﺔ ﻋرﺑﯾـﺔ ﻓـﻲ‬ ‫اﻟواﻗﻊ ﻟﯾﺳت ﻛﯾﺎن واﺣد ﯾـؤﻣن ﺑﻔﻛـرة اﻟوﺣـدة اﻟﻌرﺑﯾـﺔ ﻓـﺑﻌض اﻷﻓـراد اﻟﻌـرب ﯾـرون أﻧـﻪ‬ ‫ﻻ ﺟــدوى ﻣــن ﻫــذﻩ اﻟﻣﺣﺎوﻟــﺔ‪ .‬ﻫـذا ﻟــﯾس رأي اﻟرﺟــل اﻟﺑﺳــﯾط ﻓﻘــط وﻟﻛــن ﺗوﺟــد ﻗﯾــﺎدات‬ ‫ﻛﺛﯾرة ﺗُﻔﺿل اﻟﺗﻌﺎون ﻣﻊ دول ﻏﯾر ﻋرﺑﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ دوﻟﺔ ﻋرﺑﯾﺔ‪.‬‬ ‫‪ (٢‬أﻣــﺎ اﻷﺳــﺑﺎب اﻟﺧﺎرﺟﯾــﺔ ﻓﻬــﻲ أن ﻫﻧــﺎك وﺛــﺎﺋق ﻛﺛﯾ ـرة ﺗﻔﺿــﺢ اﻟــدور اﻷﻣرﯾﻛــﻲ واﻟــدور‬ ‫اﻹﺳراﺋﯾﻠﻲ ﻓﻲ إﻓﺷﺎل اﻟوﺣدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬وﺣدﯾﺛﺎً ظﻬـرت اﻟﻌدﯾـد ﻣـن اﻟوﺛـﺎﺋق واﻟﻣﻌﻠوﻣـﺎت‬ ‫اﻟﺗ ــﻲ ﺗؤﻛ ــد ﺟدﯾ ــﺔ اﻟﻣﺳ ــﺎﻋﻲ اﻷﻣرﯾﻛﯾ ــﺔ واﻹﺳـ ـراﺋﯾﻠﯾﺔ ﻹﻓﺷ ــﺎل اﻟدوﻟ ــﺔ اﻟوطﻧﯾ ــﺔ اﻟﻌرﺑﯾ ــﺔ‬ ‫وﺗﻔﻛﯾﻛﻬﺎ ٕواﻋﺎدة ﺗﻘﺳﯾﻣﻬﺎ؛ أي أن اﻟﺗﻘﺳﯾم اﻷول وﻗﺗل اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ ﻟﯾس ﻛﺎﻓﯾﺎً!!‬ ‫‪ (٣‬ﺗﻔﺗﯾـ ــت اﻟوﺟـ ــود اﻟﻌرﺑـ ــﻲ رأس اﻷﻫـ ــداف اﻟﺻـ ــﻬﯾوﻧﯾﺔ‪ :‬ﻓﻘـ ــد اﻟﺗﻘـ ــت ﺧطـ ــﺔ اﻻﺳـ ــﺗﻌﻣﺎر‬ ‫واﻹﻣﺑرﯾﺎﻟﯾﺔ ﻫذﻩ ﻣﻊ اﻟﺧطﺔ اﻟﺻﻬﯾوﻧﯾﺔ وأﻫداف اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﺻﻬﯾوﻧﯾﺔ ﻣﻧذ ﺑداﯾﺗﻬﺎ‪ ،‬ووﻟـد‬ ‫ﻣﻧذ ذﻟك اﻟﺣﯾن ﺣﻠف ﻣﺷﺗرك ﯾﺣﻣل ﻫدﻓﺎً ﻣﺷـﺗرﻛﺎً أﺳﺎﺳـﯾﺎً ﻫـو اﻟﺳـﻌﻲ اﻟـداﺋب ﻟﺗﻔﺗﯾـت‬ ‫)‪ (١‬اﺣﻣد اﻟرﺷﯾدي‪" ،‬ﺗﺣدﯾث ﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﻌﻣل اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﺷﺗرك ﻛﻣدﺧل ﻟﺑﻧﺎء ﻣﺷروع ﻗوﻣﻲ ﻋرﺑﻲ ﺟدﯾد" اﻟﻘﺎﻫرة‪:‬‬ ‫ﻣرﻛز اﻟﺑﺣوث واﻟدراﺳﺎت اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ‪١٩٩٧ ،‬م‪ ،‬ص ‪.١٠٥‬‬

‫‪- ٦٨ -‬‬


‫اﻟوﺟود اﻟﻌرﺑﻲ ﺑﺷﺗﻰ اﻷﺳﺎﻟﯾب‪ ،‬ﻋـن طرﯾـق اﺳـﺗﻐﻼل اﻻﻧﻘﺳـﺎﻣﺎت اﻟطﺎﺋﻔﯾـﺔ و ِ‬ ‫اﻟﻌرﻗﯾـﺔ‪،‬‬ ‫وﻋــن طرﯾــق إذﻛــﺎء اﻟﻣﺻــﺎﻟﺢ اﻟﻘُطرﯾــﺔ اﻟﺿــﯾﻘﺔ‪ ،‬ﺳ ـواء ﻛﺎﻧــت ﺳﯾﺎﺳــﯾﺔ أو اﻗﺗﺻــﺎدﯾﺔ‪،‬‬

‫ﺗﺣﻘﯾﻘﺎً ﻻﺳﺗﻘرار اﻟدوﻟﺔ اﻟﯾﻬودﯾﺔ وﺿﻣﺎﻧﺎً ﻷﻣﻧﻬﺎ‪.‬‬

‫‪ (٤‬دور اﻻﺳﺗﻌﻣﺎر واﻹﻣﺑرﯾﺎﻟﯾﺔ‪ُ :‬ﯾﺿﺎف إﻟﻰ ﻫذا أن اﻻﺳـﺗﻌﻣﺎر‪ ،‬وﻣـن ﺑﻌـدﻩ اﻹﻣﺑرﯾﺎﻟﯾـﺔ‪،‬‬ ‫ﻗــد ﺟﻌــﻼ ﻋﻠــﻰ رأس أﻫــداﻓﻬﻣﺎ إﺿــﻌﺎف اﻟوﺟــود اﻟﻌرﺑــﻲ ﻋــن طرﯾــق ﺗﺟزﺋﺗــﻪ وﺗﻔﺗﯾﺗــﻪ‪،‬‬

‫واﻟﺣﯾﻠوﻟــﺔ ﺑﯾﻧــﻪ وﺑــﯾن وﺣدﺗــﻪ وﺗﺿــﺎﻣﻧﻪ‪ ،‬وﻣﻧــﻊ ﺗﻘدﻣــﻪ ﺑﺎﻟﺗــﺎﻟﻲ‪ ،‬وﺗﻌطﯾــل أي ﺟﻬــد ﯾﻘــوم‬ ‫ﺑــﻪ ﻣ ــن أﺟ ــل ﺑﻧــﺎء ﻣﺷ ــروﻋﻪ اﻟﺣﺿ ــﺎري اﻟﻣﺗﻘــدم وﻛﯾﺎﻧ ــﻪ اﻟﻣوﺣ ــد اﻟﻘ ــﺎدر؛ وﻧــرى ذﻟ ــك‬ ‫واﺿ ــﺣﺎً ﻓ ــﻲ ﺗﺻـ ـرﯾﺣﺎت اﻟﻛﺛﯾ ــر ﻣ ــن أﻗط ــﺎب اﻟ ــدول اﻻﺳ ــﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ ﻣﻧ ــذ أﯾ ــﺎم ازدﻫ ــﺎر‬ ‫اﻻﺳﺗﻌﻣﺎر اﻟﺑرﯾطﺎﻧﻲ ﻓﻲ أواﺧر اﻟﻘرن اﻟﺗﺎﺳﻊ ﻋﺷر وﻣطﻠﻊ اﻟﻘرن اﻟﻌﺷرﯾن‪.‬‬ ‫‪ (٥‬اﺧ ــﺗﻼف اﻟﺗرﻛﯾﺑ ــﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳ ــﯾﺔ‪ -:‬أن دول اﻟﻌ ــﺎﻟم اﻟﻌرﺑ ــﻲ ﻣﺧﺗﻠﻔ ــﺔ اﺧﺗﻼﻓً ــﺎ ﺟوﻫرًﯾ ــﺎ ﻓ ــﻲ‬ ‫ﺗرﻛﯾﺑﺗﻬ ــﺎ‪ ،‬ﻋ ــن اﻟﺗرﻛﯾﺑ ــﺔ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾ ــﺔ ﻟﻛ ــل دوﻟ ــﺔ ﻣ ــن اﻟ ــدول اﻷﻋﺿ ــﺎء ﻓﻔ ــﻲ اﻻﺗﺣ ــﺎد‬ ‫اﻷوروﺑﻲ ﻧﺟد اﻟﺷرﻋﯾﺔ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ ﻟﻼﺗﺣﺎد اﻷوروﺑﻲ ﻣوﺟودة ﻋﻠـﻰ اﻟﻣﺳـﺗوى اﻟﻘـوﻣﻲ‬ ‫ﻣﻣﺎ أدى إﻟﻰ وﺟود اﺳـﺗﻘرار ﺳﯾﺎﺳـﻲ ﻧﺳـﺑﻲ ﻟـدى أﻧظﻣـﺔ دول اﻻﺗﺣـﺎد اﻷﻋﺿـﺎء‪ ،‬ﻫـذا‬ ‫اﻷﻣر ﻏﯾر ﻣوﺟود ﺷﻛﻼً وﻣﺿﻣوﻧﺎً ﻓﻲ اﻟﺑﻼد اﻟﻌرﺑﯾﺔ)‪.(١‬‬ ‫ﻛﻣــﺎ إن ﻣؤﺳﺳ ــﻲ ﻫــذا اﻟﻛﯾ ــﺎن أﻗــروا ﻓ ــﻲ ﺑروﺗوﻛــول اﻟﺗﺄﺳ ــﯾس ﻋﻠ ــﻰ أن اﻟﻘ ـ اررات ﺗؤﺧــذ‬ ‫ﺑﺎﻹﺟﻣﺎع وﻻ ﯾﻠﺗـزم ﺑﻬـﺎ إﻻ ﻣـن واﻓـق ﻋﻠﯾﻬـﺎ‪ ،‬وﻫـذا ﯾؤﻛـد أﻧـﻪ ﻻ ﺗوﺟـد آﻟﯾـﺔ ﻣﻌﯾﻧـﺔ ﺗﺟﻌـل‬ ‫اﻟدوﯾﻠﺔ اﻟﺗﻲ ﻟم ﺗواﻓق ﻋﻠﻰ ﻫـذا اﻟﻘـرار ﺗﻠﺗـزم ﺑـﻪ‪ .‬وﻣـن ﺧـﻼل ﻫـذﻩ اﻟﺗﺟرﺑـﺔ اﻟﺗـﻲ ﺷـﻐﻠت‬ ‫رؤوس اﻟﺟﻧس اﻟﻌرﺑﻲ وﺣﻠم ﺑﺳـطﺎء اﻷﻣـﺔ و ُﻛﻧـت أﻧـﺎ ﻣـﻧﻬم أن ﻫﻧـﺎك وﺣـدة ﺳـوف ﺗﻧﺷـﺄ‬

‫ﺑــﯾن ﻫــذﻩ اﻟــﺑﻼد اﻟﻌرﺑﯾــﺔ وﺳــﺗﻛون ﻫﻧــﺎك ﻗــوة ﻋرﺑﯾــﺔ ﻣﺷــﺗرﻛﺔ وﺳــوق ﻋرﺑﯾــﺔ ﻣﺷــﺗرﻛﺔ‪،‬‬ ‫وﻣﻧــﺎﻫﺞ ﺗﻌﻠﯾﻣﯾــﺔ ﻣﺷــﺗرﻛﺔ‪ ...‬إﻟــﻰ أﺧــر ﺗﻠــك اﻷﺣــﻼم وﺗﻠــك اﻟﺳ ـ ارﺑﺎت اﻟﺗــﻲ ﻻ ﺗﻠﺑــث أن‬ ‫ﺗُـرى ﻋﻠـﻰ ﺣﻘﯾﻘﺗﻬـﺎ ﻋﻧـد أول ﺗﺟرﺑـﺔ وﻋﻧـد أول ﻣﻼﻣﺳـﺔ ﻓـﻲ ﺗﺟرﺑـﺔ ﺗﻛـون اﻟﻣﻔﺎﺟﺋـﺔ ﻓﻬــذا‬ ‫اﻟﺳـراب ﻣــﺎ ﻫــو إﻻ رﻣــﺎ ُل ُ◌ ٌ◌ ﻗﺎﺣﻠــﺔ ﻟﻣﻌــت ﺗﺣــت ﺗــﺄﺛﯾر اﻟﺣــر واﻟﺟﻔــﺎف؛ ﻓﺎﻷﻏﻧﯾــﺎء ﻣــن‬

‫)‪(١‬ﻋﺑداﻟﻣﻧﻌم اﻟﺳﯾد ﻋﻠﻲ "اﻟدور اﻻﻗﺗﺻﺎدي ﻟﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟدول اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ :‬ﻣﺗﺎﺑﻌﺔ وﺗﻘﯾﯾم ‪ ،‬ﻓﻲ ‪:‬ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟدول اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻓﻲ‬ ‫ﻋﺻر اﻟﺗﻛﺗﻼت اﻹﻗﻠﯾﻣﯾﺔ"‪ ،‬ﺑﻐداد‪ :‬ﺑﯾت اﻟﺣﻛﻣﺔ‪٢٠٠٢،‬م‪ ،‬ص ص ‪.٣١٠:٣٠٠‬‬

‫‪- ٦٩ -‬‬


‫اﻟﻌرب ﯾرﻓﺿون ﻫذﻩ اﻟﺳوق اﻟﻣﺷﺗرﻛﺔ وﺗﻠك اﻟﻌﻣﻠﺔ اﻟﻣﺷﺗرﻛﺔ‪ ،‬ورأﯾﻧﺎ ﺟﯾش دوﻟﺔ ﻋرﺑﯾـﺔ‬ ‫وﯾطﺎﻟ ــب ﻣ ــن ﺑﻘﯾ ــﺔ اﻟ ــدول اﻟﻌرﺑﯾ ــﺔ ﺗﺄﯾﯾ ــدﻩ ﻓ ــﻲ ﻫ ــذا‬ ‫ﯾﺧﺗ ــرق ﺣ ــدود دوﻟ ــﺔ ﻋرﺑﯾ ــﺔ أﺧ ــرى ُ‬ ‫اﻟﻐــزو!!‪ .‬ﺣــدث ﻫــذا وﻟــم ﯾــﻧﺟﺢ ﻫــذا اﻟﻛﯾــﺎن اﻟﻬــش اﻟﻬزﯾــل أن ﯾوﻗــف اﻟﻌــدوان أو ﯾــﺄﻣر‬

‫ﻫــذا اﻟﺟــﯾش اﻟﻐــﺎزي ﺑﺎﻻﻧﺳــﺣﺎب؛ ٕواذا ﺗﺣــدﺛﻧﺎ ﻋــن ﻣوﻗــف ﻫــذا اﻟﻛﯾــﺎن‪ -‬ﺟﺎﻣﻌــﺔ اﻟــدول‬ ‫اﻟﻌرﺑﯾ ــﺔ‪ -‬ﻣ ــن اﺣ ــﺗﻼل أوﻟ ــﻰ اﻟﻘﺑﻠﺗ ــﯾن وﺛﺎﻟ ــث اﻟﺣ ــرﻣﯾن ﻫ ــو أﺷـ ـﺑﻪ ﺑﻔﺻ ــول اﻟﻛوﻣﯾ ــدﯾﺎ‬ ‫اﻟﺳــوداء ﻓﻣﻧــﺎداة ﻫﻧــﺎ وﻫﻧــﺎك ﺑﺎﻟﻣﻘﺎطﻌــﺔ أو ﺑﺎﻟﺗوﻋــد وﻋﻧــد ﻣﻼﻣﺳــﺔ اﻟواﻗــﻊ ﻧﺟــد ﻣــﺎ ُﯾﻌﻠــن‬

‫ﻣن ﺑﯾﺎﻧـﺎت ﻧﺎرﯾـﺔ ﻻ ﺗﻌـدوا ﻓﺻـل ﺗﻣﺛﯾﻠـﻲ ﻣـن ﻓﺻـول ﻫـذﻩ اﻟﻛوﻣﯾـدﯾﺎ اﻟﺳـوداء‪ ،‬ﻓﺎﻟﺣﻘﯾﻘـﺔ‬ ‫أن ﻋﻼﻗﺔ ﺑﻌض اﻟدوﯾﻼت اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺑدوﻟﺔ اﻟﻛﯾﺎن اﻟﺻﻬﯾوﻧﻲ ﻫﻲ أﻗوى ﻣن اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾﻧﻬـﺎ‬ ‫وﺑﯾن ﺑﻌض اﻟدوﯾﻼت اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻷﺧرى‪.‬‬ ‫ﻛﻣــﺎ إن ﺟﺎﻣﻌــﺔ اﻟــدول اﻟﻌرﺑﯾــﺔ ﻟــﯾس ﺗﺟﻣــﻊ ﻟﻛﯾﺎﻧــﺎت ﻣﺳــﺗﻘﻠﺔ ﻓﺣﻛوﻣــﺎت ﻫــذﻩ اﻟــدول ﻓــﻲ‬ ‫ﻏﺎﻟﺑﻬﺎ ﻟﯾﺳت ُﻣﻌﺑرة ﻋن اﻟﺷﻌوب ﻓﺎﻟﺷﻌوب واﺣدة ﺑﺣﻛم ﻣﺎ ﺗؤﻣن ﺑﻪ ﻣن ﻋﻘﯾدة واﺣـدة‪،‬‬ ‫أﻣﺎ اﻟﺣﻛوﻣﺎت ﻓﻬﻲ ﻏﯾر ﺗﻠـك اﻟﺷـﻌوب ﻓﻠـو ﻛﺎﻧـت ﻫـذﻩ اﻟﺣﻛوﻣـﺎت ﻣﻌﺑـرة ﻋـن اﻟﺷـﻌوب‬ ‫ﻟﻛﺎن ﻫﻧﺎك ﻣﺻﯾر أﺧر ﻟﻬذا اﻟﻛﯾﺎن اﻟﻬﻼﻣـﻲ اﻟﻬـش اﻟﻬزﯾـل اﻟـذي ُﻧﺳـﻣﯾﻪ ﺟﺎﻣﻌـﺔ اﻟـدول‬

‫اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ .‬وﻋﻧدﻣﺎ ﻧﻘول أن اﻟـدول اﻟﻌرﺑﯾـﺔ ﻏﯾـر ﻣﺳـﺗﻘﻠﺔ ﻧﻘﺻـد أن ﻗرارﻫـﺎ اﻟﺳﯾﺎﺳـﻲ ﺧـﻼل‬ ‫ﻣ ارﺣــل ﺗﺻــﻧﯾﻌﻪ ﻻ ُﺑــد أن ﯾﻣــر ﺑﺣﻠﻘــﺎت ﻣــن ﺑﯾﻧﻬــﺎ إرﺿــﺎء اﻟـ ُـدول اﻟ ُﻛﺑــرى واﻟﺗــﻲ ﺑــدورﻫﺎ‬

‫ﺣرﯾﺻﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺻﺎﻟﺣﻬﺎ وﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﻛﯾﺎن اﻟﺻﻬﯾوﻧﻲ اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻧﺎﻗض ﺑـﺎﻟﻘطﻊ ﻣـﻊ ﻣﺻـﺎﻟﺢ‬ ‫اﻟﺷﻌوب اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪.‬‬ ‫وﻟﻠﺣﻘﯾﻘﺔ ﻓﻘد ﻛﺎﻧت ﻫﻧـﺎك ﺗﺟـﺎرب أﺧـرى ﻻ ﺗﺳـﺗﺣق ﻋﻧـﺎء اﻟـذﻛر ﻓﻘـد ﻣﺎﺗـت ﻫـذﻩ‬ ‫اﻟﺗﺟﺎرب ﻓﻲ ﻣﻬدﻫﺎ ﻓﻬﻲ ﻟم ﺗﺣظﻰ ﺑﻬذا اﻟﻌدد اﻟﺿﺧم وﻻ ﺑﻬذا اﻟﺗواﻓق اﻟـذي ﺣظـﻲ ﺑـﻪ‬ ‫ﻛﯾﺎن ﻣﺎ ُﯾﺳﻣﻰ ﺑﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟدول اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪.‬‬ ‫ﺛﺎﻧﯾﺎً‪ :‬ﻣﻧظﻣﺔ اﻟﺗﻌﺎون اﻹﺳﻼﻣﻲ )أو راﺑطﺔ اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ(‬ ‫ﻛﺎن ﻟﺳﻘوط اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ ﺳﻧﺔ ‪١٩٢٤‬م‪ٕ ،‬واﻋﻼن ﺗرﻛﯾﺎ دوﻟـﺔ ﻣﺛـل ﺑﻘﯾـﺔ دول‬

‫اﻟﻌﺎﻟم وﺗﺧﻠﻲ اﻟﺣﻛوﻣﺔ ﻫﻧـﺎك ﻓـﻲ ذﻟـك اﻟوﻗـت ﺑﻘﯾـﺎدة ﻣﺻـطﻔﻰ ﻛﻣـﺎل أﺗـﺎﺗورك ﻋـن ﺑﻘﯾـﺔ‬ ‫اﻟﺷــﻌوب اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ‪ .‬ﻫــذا اﻷﻣــر ﻛــﺎن ﻟــﻪ ﻣــن اﻟﺗﺑﻌــﺎت اﻟروﺣﯾــﺔ واﻟﻧﻔﺳــﯾﺔ ﺑــل وﻛــﺎن ﻟــﻪ‬ ‫‪- ٧٠ -‬‬


‫ﺗﺑﻌ ـ ــﺎت ﻋﻠ ـ ــﻰ اﻟﻣﺳ ـ ــﺗوى اﻟﺗﻧﻔﯾ ـ ــذي ﻋﻠ ـ ــﻰ أرض اﻟواﻗ ـ ــﻊ ﺗﺑﻌ ـ ــﺎت ﺧطﯾـ ـ ـرة وﻣﺗﺗﺎﻟﯾ ـ ــﺔ ﺑ ـ ــل‬ ‫وﻣﺗﺿــﺎﻋﻔﺔ ﻓﻛﻠﻣــﺎ ﺣﻠــت ﻣﺷــﻛﻠﺔ ﻓــﻲ اﻟﻌــﺎﻟم اﻹﺳــﻼﻣﻲ ﻣﻧــذ ذﻟــك اﻟﺗــﺎرﯾﺦ ﺗﺑﻌﺗﻬــﺎ ﻣﺷــﺎﻛل‬ ‫ﻛﺛﯾ ـرة وﻛﻠﻣــﺎ ﺧــرج اﻟﻣﺳــﻠﻣون ﻣــن ظﻠﻣــﺔ دﺧﻠ ـوا ﻓــﻲ ﻏﯾرﻫــﺎ ﻓﻬــﻲ ظﻠﻣــﺎت ﺑﻌﺿــﻬﺎ ﻓــوق‬ ‫ﺑﻌــض ﻻ ﻧﻌــرف أوﻟﻬــﺎ ﻣــن أﺧرﻫــﺎ‪ .‬ﻓﻛﺎﻧــت ﻫﻧــﺎك ﻣﺣﺎوﻟــﺔ ﻟﺗﺟﻣﯾــﻊ اﻟﻧــﺎس ﺗﺣــت ﻣظﻠــﺔ‬ ‫اﻟــدﯾن واﻟــدﯾن ﻓﻘــط ﻓﻛﺎﻧــت ﻣطﺎﻟــب إﻧﺷــﺎء ﻣﻧظﻣــﺔ اﻟﺗﻌــﺎون اﻹﺳــﻼﻣﻲ‪ ،‬وﻫــذﻩ اﻟﻧــداءات‬ ‫أدت ﻹﻧﺷﺎء ﻣﻧظﻣﺔ اﻟﺗﻌـﺎون اﻹﺳـﻼﻣﻲ ﺳـﻧﺔ ‪١٩٢٦‬م‪ ،‬أي ﺑﻌـد ﺳـﻘوط اﻟﺧﻼﻓـﺔ ﺑﺳـﻧﺗﯾن‬ ‫ﻓﻘط؛ دﻋﺎ ﻟﻬذا اﻟﺗﺟﻣﻊ اﻟﻣﻠك اﻟﺳﻌودي ﻓﻲ وﻗﺗﻬﺎ وظل ﻫذا اﻟﻛﯾﺎن ﯾﺟﺗﻣـﻊ ﺗﺣـت رﻋﺎﯾـﺔ‬ ‫اﻟﻣﻣﻠﻛﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﺳﻌودﯾﺔ وﻛﺎن ﻣن أﻫم أﻫداﻓﻪ ﻫو ﺧدﻣﺔ ﻗﺿﺎﯾﺎ اﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ)‪.(١‬‬ ‫وﻓ ــﻲ ﺳ ــﻧﺔ ‪١٩٦٩‬م أﻗ ــدم اﻻﺣ ــﺗﻼل اﻟﺻ ــﻬﯾوﻧﻲ ﻋﻠ ــﻰ ﺣرﯾ ــق اﻟﻣﺳ ــﺟد اﻷﻗﺻ ــﻰ‬ ‫وﻫذﻩ ﻛﺎﻧت أول ﻣرة ﺗﺣدث ﻣﻧﺎداة واﻋﺗﺑﺎر أن ﻗﺿـﯾﺔ اﻷﻗﺻـﻰ ﻗﺿـﯾﺔ إﺳـﻼﻣﯾﺔ وﻟﯾﺳـت‬ ‫ﻋرﺑﯾﺔ ﻓﻘط‪ .‬ﻓﻲ ﻧﻔس ﻫذﻩ اﻟﺳﻧﺔ دﻋﺎ ﻣﻠـك اﻟﻣﻐـرب وﺣﻛوﻣـﺔ اﻟرﺑـﺎط رؤﺳـﺎء دول اﻟﻌـﺎﻟم‬ ‫اﻹﺳﻼﻣﻲ إﻟﻰ اﻻﺟﺗﻣﺎع ﻓﻲ اﻟرﺑﺎط وﻫذا ﻛﺎن أول اﺟﺗﻣـﺎع ﻋﻠـﻰ ﻣﺳـﺗوى رؤﺳـﺎء اﻟـدول‬ ‫اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ وﺑﺎﻟﻔﻌل ﺣدث اﻻﺟﺗﻣﺎع ﺑﻌد ﺷﻬر ﺗﻘرﯾﺑﺎً ﻣن ﺣرﯾق اﻟﻣﺳﺟد اﻷﻗﺻﻰ‪.‬‬ ‫ﺗﻌرﯾـف ﺑﺎﻟﻣﻧظﻣــﺔ‪ :‬ﻣﻧظﻣـﺔ اﻟﺗﻌـﺎون اﻹﺳــﻼﻣﻲ ﻫـﻲ ﺛـﺎﻧﻲ أﻛﺑــر ﻣﻧظﻣـﺔ ﺣﻛوﻣﯾــﺔ دوﻟﯾــﺔ‬ ‫ﺑﻌــد اﻷﻣــم اﻟﻣﺗﺣــدة‪ ،‬وﺗﺿــم ﻓــﻲ ﻋﺿــوﯾﺗﻬﺎ ﺳــﺑﻌﺎ وﺧﻣﺳــﯾن )‪ (٥٧‬دوﻟــﺔ ﻋﺿ ـواً ﻣوزﻋــﺔ‬ ‫ﻋﻠــﻰ أرﺑــﻊ ﻗــﺎرات‪ ،‬وﺗُﻌﺗﺑــر اﻟﻣﻧظﻣــﺔ ﻫــﻲ اﻟﺻــوت اﻟﺟﻣــﺎﻋﻲ اﻟوﺣﯾــد ﻟﻠﻌــﺎﻟم اﻹﺳــﻼﻣﻲ‬

‫وﺗﺳــﻌﻰ ﻫــذﻩ اﻟﻣﻧظﻣــﺔ ﻟﺣﻣﺎﯾــﺔ ﻣﺻــﺎﻟﺢ اﻟﻌــﺎﻟم اﻹﺳــﻼﻣﻲ واﻟﺗﻌﺑﯾــر ﻋﻧﻬــﺎ وﺗﻌزﯾ ـ اًز ﻟﻠﺳــﻠم‬

‫واﻟﺗﻧﺎﻏم اﻟدوﻟﯾﯾن ﺑﯾن ﻣﺧﺗﻠف ﺷﻌوب اﻟﻌﺎﻟم)‪.(٢‬‬

‫اﻟﻧﺷﺄة‪ :‬ﻗد أﻧﺷـﺋت اﻟﻣﻧظﻣـﺔ ﺑﻘـرار ﺻـﺎدر ﻋـن اﻟﻘﻣـﺔ اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾـﺔ اﻟﺗـﻲ ﻋﻘـدت ﻓـﻲ اﻟرﺑـﺎط‬ ‫ﺑﺎﻟﻣﻣﻠﻛﺔ اﻟﻣﻐرﺑﯾﺔ ﯾوم ‪ ١٢‬رﺟـب ‪ ١٣٩٨‬ﻫﺟرﯾـﺔ )اﻟﻣواﻓـق ‪ ٢٥‬ﺳـﺑﺗﻣﺑر ‪١٩٦٩‬م(؛ وﻗـد‬ ‫)‪(١‬ﻋﺑداﻟﻣﻧﻌم اﻟﺳﯾد ﻋﻠﻲ "اﻟدور اﻻﻗﺗﺻﺎدي ﻟﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟدول اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ :‬ﻣﺗﺎﺑﻌﺔ وﺗﻘﯾﯾم ‪ ،‬ﻓﻲ ‪:‬ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟدول اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻓﻲ‬ ‫ﻋﺻر اﻟﺗﻛﺗﻼت اﻹﻗﻠﯾﻣﯾﺔ"‪ ،‬ﺑﻐداد‪ :‬ﺑﯾت اﻟﺣﻛﻣﺔ‪٢٠٠٢،‬م‪ ،‬ص ص ‪.٣١٠:٣٠٠‬‬ ‫)‪ (٢‬إﺑراﻫﯾم ﻣﺣﻣد اﻟﻌﻧﺎﻧﻲ‪" ،‬اﻷﻣم اﻟﻣﺗﺣدة دراﺳﺔ ﻓﻲ ﺿوء اﻟﻧظﺎم اﻟﺛﺎﻧوي ﻟﻠﻣﻧظﻣﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ وأﻫم اﻟﻣﺷﻛﻼت‬ ‫اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗواﺟﻬﻬﺎ"‪ ،‬دار اﻟﻧﻬﺿﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪١٩٩٠ ،‬م ص‪.١٦‬‬

‫‪- ٧١ -‬‬


‫ﺗم ﻋﻘد ﻫذا اﻻﺟﺗﻣﺎع رداً ﻋﻠﻰ ﺟرﯾﻣﺔ إﺣـراق اﻟﻣﺳـﺟد اﻷﻗﺻـﻰ ﻓـﻲ اﻟﻘـدس اﻟﻣﺣﺗﻠـﺔ ﺛـم‬ ‫ﺗواﻟ ــت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋ ــﺎت ﺑﻌ ــد ذﻟ ــك ﺣﯾ ــث ُﻋﻘ ــد أول اﺟﺗﻣ ــﺎع ﻟﻠﻣﻧظﻣ ــﺔ ﻓ ــﻲ ﻋ ــﺎم ‪١٩٧٠‬م‬ ‫ﻟوزراء اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ ﻓﻲ ﺟدة وﻗرر إﻧﺷﺎء أﻣﺎﻧﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﯾﻛون ﻣﻘرﻫـﺎ ﻓـﻲ ﻣدﯾﻧـﺔ ﺟـدة وﯾ أرﺳـﻬﺎ‬ ‫أﻣﯾن ﻋﺎم ﻟﻠﻣﻧظﻣـﺔ؛ وأﻫـم ﻣـﺎ ﺟـرى ﻓـﻲ ﻫـذا اﻻﺟﺗﻣـﺎع ﻣﻧﺎﻗﺷـﺔ ٕواﻋـﻼن اﻟﻣﯾﺛـﺎق اﻟﺣـﺎﻟﻲ‬

‫ﻟﻣﻧظﻣـﺔ اﻟﺗﻌـﺎون اﻹﺳـﻼﻣﻲ ﻓـﻲ اﻟﻘﻣـﺔ اﻹﺳـﻼﻣﯾﺔ اﻟﺣﺎدﯾـﺔ ﻋﺷـرة اﻟﺗـﻲ ُﻋﻘـدت ﻓـﻲ دﻛـﺎر‬

‫ﯾــوﻣﻲ ‪ ١٣‬و‪ ١٤‬ﻣــﺎرس ‪٢٠٠٨‬م؛ وﻗــد ﺣــدد اﻟﻣﯾﺛــﺎق اﻟﺟدﯾــد أﻫــداف اﻟﻣﻧظﻣــﺔ وﻣﺑﺎدﺋﻬــﺎ‬ ‫وﻏﺎﯾﺎﺗﻬـﺎ اﻷﺳﺎﺳـﯾﺔ اﻟﻣﺗﻣﺛﻠـﺔ ﻓـﻲ ﺗﻌزﯾـز اﻟﺗﺿـﺎﻣن واﻟﺗﻌـﺎون ﻓﯾﻣـﺎ ﺑـﯾن اﻟـدول اﻷﻋﺿـﺎء؛‬ ‫وﻋﻠــﻰ ﻣــدى اﻟﺳــﻧوات اﻷرﺑﻌــﯾن اﻟﻣﺎﺿــﯾﺔ‪ ،‬ارﺗﻔــﻊ ﻋــدد اﻷﻋﺿــﺎء ﻣــن ﺧﻣــس وﻋﺷ ـرﯾن‬ ‫دوﻟ ــﺔ‪ ،‬وﻫ ــو ﻋ ــدد اﻷﻋﺿ ــﺎء اﻟﻣؤﺳﺳ ــﯾن‪ ،‬ﻟﯾﺑﻠ ــﻎ ﺳ ــﺑﻌﺎ وﺧﻣﺳ ــﯾن دوﻟ ــﺔ ﻋﺿـ ـوا؛ وﺗﻧﻔ ــرد‬ ‫اﻟﻣﻧظﻣــﺔ ﺑﺷــرف ﻛوﻧﻬــﺎ ﺟــﺎﻣﻊ ﻛﻠﻣــﺔ اﻷﻣــﺔ وﻣﻣﺛــل اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن اﻟــذي ُﯾﻌﺑــر ﻋــن اﻟﻘﺿــﺎﯾﺎ‬

‫اﻟﻘرﯾﺑﺔ ﻣن ﻗﻠوب ﻣﺎ ﯾزﯾد ﻋﻠﻰ ﻣﻠﯾـﺎر وﻧﺻـف اﻟﻣﻠﯾـﺎر ﻣﺳـﻠم ﻓـﻲ ﻣﺧﺗﻠـف أﻧﺣـﺎء اﻟﻌـﺎﻟم؛‬ ‫وﺗـرﺗﺑط اﻟﻣﻧظﻣــﺔ ﺑﻌﻼﻗــﺎت ﺗﺷــﺎور وﺗﻌــﺎون ﻣــﻊ اﻷﻣــم اﻟﻣﺗﺣــدة وﻏﯾرﻫــﺎ ﻣــن اﻟﻣﻧظﻣــﺎت‬ ‫اﻟدوﻟﯾـ ــﺔ اﻟﺣﻛوﻣﯾ ــﺔ ﺑﻬ ــدف ﺣﻣﺎﯾ ــﺔ اﻟﻣﺻ ــﺎﻟﺢ اﻟﺣﯾوﯾ ــﺔ ﻟﻠﻣﺳ ــﻠﻣﯾن واﻟﻌﻣ ــل ﻋﻠ ــﻰ ﺗﺳ ــوﯾﺔ‬ ‫اﻟﻧ ازﻋــﺎت واﻟﺻـراﻋﺎت اﻟﺗــﻲ ﺗﻛــون اﻟــدول اﻷﻋﺿــﺎء طرﻓ ـﺎً ﻓﯾﻬــﺎ‪ .‬وﻟﻘ ـد اﺗﺧــذت اﻟﻣﻧظﻣــﺔ‬ ‫ﺧطـوات ﻋدﯾــدة ﻟﺻــون اﻟﻘــﯾم اﻟﺣﻘﯾﻘﯾــﺔ ﻟﻺﺳــﻼم واﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن ٕوا ازﻟــﺔ اﻟﺗﺻــورات اﻟﺧﺎطﺋــﺔ‪،‬‬ ‫ﻛﻣ ــﺎ داﻓﻌ ــت ﺑﺷ ــدة ﻋ ــن اﻟﻘﺿ ــﺎء ﻋﻠ ــﻰ اﻟﺗﻣﯾﯾ ــز إزاء اﻟﻣﺳ ــﻠﻣﯾن ﺑﺟﻣﯾ ــﻊ أﺷ ــﻛﺎﻟﻪ؛ وﻓ ــﻲ‬ ‫اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻛﺎﻧت ﻫﻧﺎك ﻣﺣﺎوﻻت ﺟـﺎدة ﻣـن اﻟﻘﯾـﺎدات اﻟﻣﺧﻠﺻـﺔ واﻟطﯾﺑـﺔ اﻟﺗـﻲ ﺗﻬـدف ﻟـدﻣﺞ‬ ‫دول اﻟﻌـﺎﻟم اﻹﺳـﻼﻣﻲ ﻓــﻲ اﻟﻌـﺎﻟم أﺟﻣــﻊ؛ ﻫـذا اﻟﻬـدف رﻏــم ﻟﻣﻌﺎﻧـﻪ وﺑرﯾﻘــﻪ إﻻ إﻧـﻪ ﯾﻧﺑﻐــﻲ‬ ‫ﻋﻠﯾﻧــﺎ أن ﻧﺳــﺄل ﻫــل اﻟﻌــﺎﻟم ﻋﻠــﻰ اﺳــﺗﻌداد ﻟﻘﺑــول ﻛﯾــﺎن ﻣﺳــﺗﻘل ُﯾﻘــﺎل ﻟــﻪ ﻣﻧظﻣــﺔ اﻟﻌــﺎﻟم‬

‫اﻹﺳــﻼﻣﻲ؟ وﻫــل اﻟﻘــوى اﻟدوﻟﯾــﺔ ﻋﻠــﻰ ﻣﺳــﺗوى اﻟﻌــﺎﻟم ﻋﻠــﻰ اﺳــﺗﻌداد ﻟﻣﻌﺎﻣﻠــﺔ ﻫــذا اﻟﻛﯾــﺎن‬ ‫ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟﻧد ﻟﻠﻧد؟!!‬ ‫ﻟــذﻟك ﻛــﺎن ﺣﺗﻣ ـﺎً ﻋﻠــﻰ اﻟــدول اﻷﻋﺿــﺎء أن ﺗواﺟــﻪ ﺗﺣــدﯾﺎت ﻣﺗﻌــددة ﻓــﻲ اﻟﻘــرن اﻟﺣــﺎدي‬ ‫واﻟﻌﺷرﯾن‪ .‬وﻣن أﺟل ﻣﻌﺎﻟﺟﺔ ﻫذﻩ اﻟﺗﺣدﯾﺎت‪ ،‬وﺿﻌت اﻟدورة اﻻﺳﺗﺛﻧﺎﺋﯾﺔ اﻟﺛﺎﻟﺛـﺔ ﻟﻣـؤﺗﻣر‬ ‫اﻟﻘﻣـﺔ اﻹﺳـﻼﻣﻲ اﻟﺗـﻲ ُﻋﻘـدت ﻓـﻲ ﻣﻛـﺔ اﻟﻣﻛرﻣـﺔ ﻓـﻲ دﯾﺳـﻣﺑر ‪٢٠٠٥‬م‪ ،‬ﺧطـﺔ ﻓـﻲ ﺷــﻛل‬ ‫‪- ٧٢ -‬‬


‫ﺑرﻧــﺎﻣﺞ ﻋﻣــل ﻋﺷــري )أي ﻣﻘﺳــم ﻛــل ﻋﺷــر ﺳــﻧوات(‬

‫)‪(١‬‬

‫ﻫــذا اﻟﻌﻣــل ﯾﻬــدف إﻟــﻰ ﺗﻌزﯾــز‬

‫اﻟﻣﺷ ــﺗرك ﺑ ــﯾن اﻟ ــدول اﻷﻋﺿ ــﺎء ودﻋ ــم اﻟﺗﺳ ــﺎﻣﺢ واﻻﻋﺗ ــدال واﻟﺣداﺛ ــﺔ ٕواﺣ ــداث‬ ‫اﻟﻌﻣ ــل ُ‬ ‫إﺻ ــﻼﺣﺎت ُﻛﺑ ــرى ﻓ ــﻲ ﺟﻣﯾ ــﻊ ﻣﺟ ــﺎﻻت اﻟﻧﺷ ــﺎط‪ ،‬ﺑﻣ ــﺎ ﻓ ــﻲ ذﻟ ــك اﻟﻌﻠ ــوم واﻟﺗﻛﻧوﻟوﺟﯾ ــﺎ‪،‬‬

‫واﻟﺗﻌﻠ ــﯾم‪ ،‬وﺗﺣﺳ ــﯾن ﻣﺳ ــﺗوى اﻟﺗﺟ ــﺎرة؛ ﻛﻣ ــﺎ ُﯾﺷ ــدد اﻟﺑرﻧ ــﺎﻣﺞ ﻋﻠ ــﻰ أﻫﻣﯾ ــﺔ اﻟﺣﻛ ــم اﻟرﺷ ــﯾد‬

‫وﺗﻌزﯾــز ﺣﻘــوق اﻹﻧﺳــﺎن ﻓــﻲ اﻟﻌــﺎﻟم اﻹﺳــﻼﻣﻲ‪ ،‬وﻻﺳــﯾﻣﺎ ﻓﯾﻣــﺎ ﯾﺗﻌﻠــق ﺑﺣﻘــوق اﻟطﻔــل‪،‬‬ ‫واﻟﻣرأة‪ ،‬وﻗﯾم اﻷﺳرة اﻟﻣﺗﺄﺻﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ‪.‬‬ ‫وُﯾﻣﻛن ﺗﻠﺧﯾص اﻷﻫداف اﻟﺗﻲ ﻗﺎﻣت ﻣن أﺟﻠﻬﺎ ﻣﻧظﻣﺔ اﻟﻌﻣل اﻹﺳﻼﻣﻲ‪:‬‬ ‫أﻫداف اﻟﻣﻧظﻣﺔ‪:‬‬ ‫‪ ‬ﺗﻌزﯾز ودﻋم أواﺻر اﻷﺧوة واﻟﺗﺿﺎﻣن ﺑﯾن اﻟدول اﻷﻋﺿﺎء‪.‬‬

‫‪ ‬ﺻون وﺣﻣﺎﯾﺔ اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﻣﺷﺗرﻛﺔ‪ ،‬وﻣﻧﺎﺻرة اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟﻌﺎدﻟﺔ ﻟﻠدول اﻷﻋﺿﺎء‪،‬‬ ‫وﺗﻧﺳﯾق ﺟﻬود اﻟدول اﻷﻋﺿﺎء وﺗوﺣﯾدﻫﺎ ُﺑﻐﯾﺔ اﻟﺗﺻدي ﻟﻠﺗﺣدﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﺗواﺟﻪ‬ ‫اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺧﺎﺻﺔ واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟدوﻟﻲ ﻋﺎﻣﺔ‪.‬‬

‫‪ ‬اﺣﺗرام ﺣق ﺗﻘرﯾر اﻟﻣﺻﯾر وﻋدم اﻟﺗدﺧل ﻓﻲ اﻟﺷؤون اﻟداﺧﻠﯾﺔ ﻟﻠدول اﻷﻋﺿﺎء‪،‬‬ ‫واﺣﺗرام ﺳﯾﺎدة اﻟدول اﻷﻋﺿﺎء واﺳﺗﻘﻼل ووﺣدة أراﺿﻲ ﻛل دوﻟﺔ ﻋﺿو؛‬ ‫ﺿﻣﺎن اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻟﻠدول اﻷﻋﺿﺎء ﻓﻲ ﻋﻣﻠﯾﺎت اﺗﺧﺎذ اﻟﻘرار ﻋﻠﻰ‬ ‫اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﻌﺎﻟﻣﻲ ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺎﻻت اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻟﺿﻣﺎن‬ ‫ﻣﺻﺎﻟﺣﻬﺎ اﻟﻣﺷﺗرﻛﺔ؛ ﺗﺄﻛﯾد دﻋﻣﻬﺎ ﻟﺣﻘوق اﻟﺷﻌوب اﻟﻣﻧﺻوص ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻓﻲ‬ ‫ﻣﯾﺛﺎق اﻷﻣم اﻟﻣﺗﺣدة واﻟﻘﺎﻧون اﻟدوﻟﻲ)‪.(٢‬‬ ‫‪ ‬ﺗﻌزﯾز اﻟﺗﻌﺎون اﻻﻗﺗﺻﺎدي واﻟﺗﺟﺎري ﺑﯾن اﻟدول اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻣن أﺟل ﺗﺣﻘﯾق‬ ‫اﻟﺗﻛﺎﻣل اﻻﻗﺗﺻﺎدي ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﻬﺎ ﺑﻣﺎ ُﯾﻔﺿﻲ إﻟﻰ إﻧﺷﺎء ﺳوق إﺳﻼﻣﯾﺔ ﻣﺷﺗرﻛﺔ‪.‬‬ ‫)‪ (١‬اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑق ص‪.٢٠٠‬‬ ‫)‪ (٢‬ﺑطرس ﺑطرس ﻏﺎﻟﻲ‪ ،‬وﻣﺣﻣود ﺧﯾري ﻋﯾﺳﻰ‪" ،‬اﻟﻣدﺧل ﻓﻲ ﻋﻠم اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ" ط‪ ،٦‬ﻣﻛﺗﺑﺔ اﻷﻧﺟﻠو اﻟﻣﺻرﯾﺔ‪،‬‬ ‫اﻟﻘﺎﻫرة‪١٩٩٠ ،‬م‪ ،‬ص‪.٩٨‬‬

‫‪- ٧٣ -‬‬


‫‪ ‬ﺑذل اﻟﺟﻬود ﻟﺗﺣﻘﯾق اﻟﺗﻧﻣﯾﺔ اﻟﺑﺷرﯾﺔ اﻟﻣﺳﺗداﻣﺔ واﻟﺷﺎﻣﻠﺔ واﻟرﻓﺎﻩ اﻻﻗﺗﺻﺎدي ﻓﻲ‬ ‫اﻟدول اﻷﻋﺿﺎء‪.‬‬ ‫‪ ‬ﺣﻣﺎﯾﺔ ﺻورة اﻹﺳﻼم اﻟﺣﻘﯾﻘﯾﺔ واﻟدﻓﺎع ﻋﻧﻬﺎ واﻟﺗﺻدي ﻟﺗﺷوﯾﻪ ﺻورة اﻹﺳﻼم‬ ‫وﺗﺷﺟﯾﻊ اﻟﺣوار ﺑﯾن اﻟﺣﺿﺎرات واﻷدﯾﺎن‪.‬‬ ‫‪ ‬ا ُﻟرﻗﻲ ﺑﺎﻟﻌﻠوم واﻟﺗﻛﻧوﻟوﺟﯾﺎ وﺗطوﯾرﻫﺎ وﺗﺷﺟﯾﻊ اﻟﺑﺣوث واﻟﺗﻌﺎون ﺑﯾن اﻟدول‬ ‫اﻷﻋﺿﺎء ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣﺟﺎﻻت‪.‬‬ ‫ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ إن اﻟﻣﺗﻔﺣص ﻟﻬذﻩ اﻷﻫداف ﯾﻛﺎد ﯾرﻗص ﻓرﺣﺎً إﻋﺟﺎﺑﺎً ﺑﻬذﻩ اﻷﻫداف‬ ‫اﻟﺳﺎﻣﯾﺔ وﻟﻛن ﻫل ﺗﺳﺗﯾﻘظ اﻷﻣﺔ ﻣن ﻛﺑوﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﻛﻼم اﻟرﻧﺎن اﻟﺟﻣﯾل أم ﺑﺎﻹﺧﻼص‬ ‫وﺗﻧﻘﯾﺔ اﻟﻘﻠوب وﺗﻠﺧﯾص ﻫذﻩ اﻷﻫداف ﻓﻲ ﻫدف واﺣد وﻫو اﻟﻌودة إﻟﻰ ﻣﻔﻬوم اﻷﻣﺔ‬ ‫اﻟواﺣدة ﻣن دون اﻟﻧﺎس وﻻ ﻓرق ﺑﯾن ﻋرﺑﻲ وأﻋﺟﻣﻲ إﻻ ﺑﺎﻟﺗﻘوى واﻟﻌﻣل اﻟﺻﺎﻟﺢ‪،‬‬ ‫اﻟﺣﻠم اﻟﺟﻣﯾل ﺻﻌب ﺗﺣﻘﯾﻘﻪ وﻗد ﺗﻘطﻌت اﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ إﻟﻰ ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن‬ ‫وﻟﻛن ﻫذا ُ‬ ‫اﻟدوﯾﻼت اﻟﺗﻲ ﺗرﺑطﻬﺎ ﻋﻼﻗﺎت وﻣﺻﺎﻟﺢ ﻣﻊ دول اﻟﻌﺎﻟم اﻵﺧر‪.‬‬

‫وﻋﻠﻰ ﻛل اﻷﺣوال ﻛﺎﻧت ﻫﻧﺎك ﻣﺣﺎوﻻت ﻟﻠوﺻول إﻟﻰ اﻷﻫداف أﻧﻔﺔ اﻟذﻛر‪ ،‬ﺣﯾث‬ ‫أﻗرت اﻟدول اﻷﻋﺿﺎء أﻧﻪ ﻋﻠﻰ اﻟدول اﻷﻋﺿﺎء اﻟﺗﺻرف وﻓﻘﺎً ﻟﻠﻣﺑﺎدئ اﻵﺗﯾﺔ)‪:(١‬‬ ‫‪ ‬ﺗﻠﺗزم ﺟﻣﯾﻊ اﻟدول اﻷﻋﺿﺎء ﺑﻣﺑﺎدئ ﻣﯾﺛﺎق اﻷﻣم اﻟﻣﺗﺣدة وﻣﻘﺎﺻدﻩ‪.‬‬ ‫‪ ‬اﻟدول اﻷﻋﺿﺎء دول ذات ﺳﯾﺎدة وﺗﺗﺳﺎوى ﻓﻲ اﻟﺣﻘوق واﻟواﺟﺑﺎت‪.‬‬ ‫‪ ‬ﺗﻘوم ﺟﻣﯾﻊ اﻟدول اﻷﻋﺿﺎء ﺑﺣل ﻧزاﻋﺎﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟطرق اﻟﺳﻠﻣﯾﺔ‪ ،‬وﺗﻣﺗﻧﻊ ﻋن‬ ‫اﺳﺗﺧدام اﻟﻘوة أو اﻟﺗﻬدﯾد ﺑﺎﺳﺗﺧداﻣﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎﺗﻬﺎ‪.‬‬ ‫‪ ‬ﺗﺗﻌﻬد ﺟﻣﯾﻊ اﻟدول اﻷﻋﺿﺎء ﺑﺎﺣﺗرام اﻟﺳﯾﺎدة اﻟوطﻧﯾﺔ واﻻﺳﺗﻘﻼل ووﺣدة‬ ‫اﻷراﺿﻲ ﻟﻛل ﻣﻧﻬﺎ وﺑﻌدم اﻟﺗدﺧل ﻓﻲ اﻟﺷؤون اﻟداﺧﻠﯾﺔ ﻟﻶﺧرﯾن‪.‬‬

‫)‪ (١‬اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻣﻔﺗوﺣﺔ ﺑﺎﻟﻘدس "ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻌرب اﻟﻣﻌﺎﺻر"‪ ،‬ط‪ ،٣‬ﻋﻣﺎن‪٢٠٠٠ ،‬م ص ‪.١٠٤‬‬

‫‪- ٧٤ -‬‬


‫‪ ‬ﺗﻌزز اﻟدول اﻷﻋﺿﺎء وﺗﺳﺎﻧد ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾدﯾن اﻟوطﻧﻲ واﻟدوﻟﻲ اﻟﺣﻛم اﻟرﺷﯾد‬ ‫واﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ وﺣﻘوق اﻹﻧﺳﺎن واﻟﺣرﯾﺎت اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ وﺳﯾﺎدة اﻟﻘﺎﻧون‪.‬‬ ‫وﻣﺎ زاﻟت ﻫذﻩ اﻟﻣﻧظﻣﺔ ﻗﺎﺋﻣﺔ ﺣﺗﻰ اﻵن وﻧﺣن ﻧرى أن ﺟﻬود ﻫذﻩ اﻟﻣﻧظﻣﺔ ﻛﺗﺟﻣﻊ‬ ‫ﻛﺑﯾر ﻟﻠدول اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ إﻻ إن ﻫذﻩ اﻟﻣﺣﺎوﻻت واﻟﺗﻲ ﺑدأت ﻣﻧذ ﻣﺎ ﯾﻘرب ﻣن ﻣﺋﺔ ﻋﺎم‬ ‫ﺳﻧﺔ ‪١٩٢٦‬م ﻋﻠﻰ ﯾد اﻟﻣﻠك اﻟﺳﻌودي وﺑﻌد ﻋﺷرات اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﺎت ﻟم ﻧرى اﻟﻘدس‬ ‫ُﺣررت وﻻ ﺣﺗﻰ ﺗﻬدﯾد أﻣن اﻟﻛﯾﺎن اﻟﺻﻬﯾوﻧﻲ ﺣدث ﻟﻪ ﻣﺎ ُﯾﻌﻛر ﺻﻔوﻩ ﺑل ﻋﻠﻰ‬ ‫اﻟﻌﻛس ﻣن ذﻟك ﺗﻣﺎﻣﺎً‪ .‬ﻓﻘد رأﯾﻧﺎ اﻟدوﯾﻼت اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﺗﺿﻌف وﺗﺗﻬﺎوى واﺣدة‬

‫ﺑﻌد اﻷﺧرى وﺑﻧﻔس اﻟﻘدر ﺗزداد دوﻟﺔ اﻟﻛﯾﺎن اﻟﺻﻬﯾوﻧﻲ ﻗوة وﺗﻣﺎﺳﻛﺎً وﺗﻘدم‪ .‬ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ‬ ‫إﻟﻰ ﻫذا اﻟﺗﺟﻣﻊ اﻟﺿﺧم )‪ (٥٧‬دوﯾﻠﺔ ﺗﺣت ﻣظﻠﺔ اﻹﺳﻼم – ﻫﻛذا ﯾﻘوﻟون‪ -‬ﻟم‬ ‫ﺗﺳﺗطﯾﻊ ﻫذﻩ اﻟدول ﻣﻧﻊ اﻟﺻراﻋﺎت اﻟدﻣوﯾﺔ اﻟﻣﺳﻠﺣﺔ ﺑﯾن اﻟدول اﻷﻋﺿﺎء ﻧﻔﺳﻬﺎ ﻓﻠم‬ ‫ﺗﺣل اﻟﻣﺷﻛﻠﺔ اﻟﻌراﻗﯾﺔ اﻟﻛوﯾﺗﯾﺔ وﻟم ﺗﺣل أزﻣﺔ اﻟﺻﺣراء اﻟﻣﻐرﺑﯾﺔ وﻻ ﻏﯾرﻫﺎ‪ .‬وﻟﻌل‬ ‫اﻟﺳﺑب ﻓﻲ ذﻟك ﻫو طرﯾﻘﺔ ﺻﻧﺎﻋﺔ اﻟﻘرار ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟدوﯾﻼت اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻓﺎﻟﻘرار ﯾﻣر‬ ‫ﺑﻣراﺣل ﻣن ﺑﯾﻧﻬﺎ إرﺿﺎء اﻟدول اﻟ ُﻛﺑرى اﻟﺗﻲ ﺑدورﻫﺎ ﺗﺣﺎﻓظ ﻋﻠﻰ ﻣﺻﺎﻟﺣﻬﺎ وﻣﺻﺎﻟﺢ‬ ‫اﻟﻛﯾﺎن اﻟﺻﻬﯾوﻧﻲ اﻟذي ﺑدورﻩ ﯾﺗﻌﺎرض ﻣﻊ ﻣﺻﺎﻟﺢ اﻹﺳﻼم واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‪.‬‬

‫وﺧﻼﺻﺔ اﻟﻘول أن أﺳﺑﺎب اﻟﻔﺷل ﺗﺗﻣﺛل ﻓﻲ)‪:(١‬‬ ‫‪ (١‬ﻗﯾﺎم ﻫذﻩ اﻟﺗﺟﻣﻌﺎت ﺑﯾن دوﯾﻼت ﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﻛر واﻟرؤى وأﻧظﻣﺔ اﻟﺣﻛم‪.‬‬ ‫‪ (٢‬وﺟود ﻟﻛل دوﻟﺔ أﻫداف ﻓرﻋﯾﺔ ﻏﯾر اﻟﻬدف اﻟﻌﺎم ﻟﻬذا اﻟﺗﺟﻣﻊ‪.‬‬ ‫‪ (٣‬زﯾﺎدة درﺟﺔ اﻟﺗﻧﺎﻓر ﺑﯾن اﻟﺷﻌوب اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ وﺣﻛﺎﻣﻬﺎ ﻓﺎﻟﺣﻛﺎم أو اﻟﺣﻛوﻣﺎت ﻓﻲ‬ ‫واد واﻟﺷﻌوب ﻓﻲ و ِاد أﺧر‪.‬‬

‫‪ (٤‬ﺗﺧﻠﻲ ﻋﻠﻣﺎء اﻷﻣﺔ راﺿﯾن أو ﻣﻛرﻫﯾن ﻷن ﯾﻛوﻧوا ﺻﻣﺎم أﻣﺎن ﺑﯾن اﻟﺣﻛوﻣﺎت‬ ‫وﺑﯾن اﻟﺷﻌوب وأن ﯾﻘوﻣوا ﺑدورﻫم اﻟﻣﺗﻣﺛل ﻓﻲ ﺗﺣذﯾر اﻟﺣﻛﺎم واﻟﺣﻛوﻣﺎت ﻣن‬ ‫ﻣﻐﺑﺔ ظﻠم وﺗﻬﻣﯾش اﻟرﻋﯾﺔ واﻟﺑﻌد ﻋن اﻟﺗﺻورات واﻟﻔﻛر اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﺣﻛم‬

‫)‪ (١‬ﺻﻼح ﻋﺑداﻟرازق "اﻹﺳﻼم واﻷﻣم اﻟﻣﺗﺣدة" أطروﺣﺔ ﻣﺎﺟﯾﺳﺗﯾر ﻣﻧﺷورة‪ ،‬ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻟﯾون ﻫوﻟﻧدا ‪٢٠١٤‬م ص‪.٩٥‬‬

‫‪- ٧٥ -‬‬


‫اﻟﺷﻌوب وﻓﻲ ﻧﻔس اﻟوﻗت ﯾﺄﻣروا اﻟﻧﺎس ﺑﺎﻟﻣﻌروف وﯾﻧﻬوﻫم ﻋن اﻟﻣﻧﻛر‬ ‫وﯾﻌﻣﻠوا ﻋﻠﻰ زﯾﺎدة اﻟﻣﻧﺳوب اﻹﯾﻣﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻧﻔوس اﻟﻧﺎس‪.‬‬ ‫وﺑﻌد ﻓﺗرة ﻟﯾﺳت ﺑطوﯾﻠﺔ ﻧﺟﺣت اﻟﺣﻛوﻣﺎت ﻓﻲ اﺣﺗواء وﺗوظﯾف اﻟﺟﻣﻬور اﻟﻛﺑﯾر ﻣن‬ ‫اﻟﻌﺎﻟِم ﻟﻣﺟرد ﻣوظف ﯾرى ﻓﻲ ﻛل إﺷﺎرة ﺗﺣذﯾر ﻟﻣﺳﺋول ﻫو ﺧروج‬ ‫اﻟﻌﻠﻣﺎء ﻓﺗﺣول َ‬ ‫ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟﻣﺳﺋول وﺗدﻣﯾر ﻟﻠﻣﺟﺗﻣﻊ وﻫﻼك ﻟﻠﺣرث واﻟﻧﺳل‪ ،‬وﻧﺳﻲ ﻫؤﻻء أو ﺗﻧﺎﺳوا أن‬ ‫اﻟﻌدل أﺳﺎس اﻟﻣﻠك)‪.(١‬‬ ‫وﻛﺎن ﻣن ﻧﺗﯾﺟﺔ ﻫذﻩ اﻟﻌواﻣل ﺗﺣول اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ إﻟﻰ ﺟزر ﻣﺗﻧﺎﺛرة ﻻ ﯾرﺑطﻬﺎ راﺑط‬ ‫ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﻌﻣﻠﻲ اﻟرﺳﻣﻲ إﻻ أﻣور ﺷﻛﻠﯾﺔ ﻻ ﺗرﺗﻘﻲ إﻟﻰ اﻟرﻏﺑﺔ ﻓﻲ اﻻﻟﺗﺋﺎم ﻓﺿﻼً‬ ‫ﻋن اﻟﻔﺷل ﻓﻲ ﺗﺟﻧب ﺣﺎﻻت اﻟﺻراع‪ .‬ﻣن اﻟﻐراﺋب أن ﻧﺟد ﺣﻛوﻣﺎت ﻣﺻر ﻓﻲ‬ ‫ﺑﻌض اﻟﻣراﺣل ﺗﺳﻣﺢ ﺑﺎﻧﻔﺻﺎل اﻟﺳودان وﻫو طوال اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻘدﯾم واﻟﺣدﯾث ﻣﻊ اﻟﺟزء‬ ‫اﻟﺷﻣﺎﻟﻲ أو ﻣﺻر أرض واﺣدة وﺷﻌب واﺣد!! ﺛم ﺗﺳﻌﻰ ﻧﻔس اﻟﺣﻛوﻣﺎت ﻓﻲ ﻫذﻩ‬ ‫اﻟﻣرﺣﻠﺔ ﻟﻘﯾﺎم وﺣدة ﺑﯾن ﻣﺻر وﺳورﯾﺎ!! ﻓﺗﻔﺷل ﻫﻧﺎ وﺗﻔﺷل ﻫﻧﺎك!‪ .‬ﻋﻠﻰ اﻟﺟﺎﻧب‬ ‫اﻷﺧر ﻻ ﻧﺟد ُﻣﺑرر ﻻﺳﺗﻣرار ﺗﻘﺳﯾم ﺑﻼد اﻟﺷﺎم اﻷردن وﻟﺑﻧﺎن وﺳورﯾﺎ واﻟﻌراق‪.‬‬

‫)‪ (١‬أﺑﻲ ﺑﻛر ﻋﻠﻲ ﺑن ﻣوﺳﻰ اﻟﺑﯾﻬﻘﻲ )اﻟﻣﺗوﻓﻰ ﺳﻧﺔ ‪٤٥٨‬ﻫـ( ﺗﺣﻘﯾق د‪ .‬ﻋﻠﻲ ﻋﺑداﻟﺣﻣﯾد ﺣﺎﻣد‪ ،‬دار اﻟﻔﻛر‪ ،‬ط‪٣‬‬ ‫‪٢٠٠٩‬م‪ ،‬ص‪.٢٠٦‬‬

‫‪- ٧٦ -‬‬


‫ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ‬ ‫ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻭﻧﻬﺎﻳﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﳌﻔﻬﻮﻡ‬ ‫ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ‬

‫‪- ٧٧ -‬‬


‫اﻟﻣﺑﺣث اﻷول‬ ‫ﺗﻌرﯾف اﻟدوﻟﺔ اﻟﻘوﻣﯾﺔ‪ ،‬وﻧﺷﺄﺗﻬﺎ‬ ‫ﺗﻣﻬﯾــد‪ :‬ﻣﻧــذ أن ﺟــﺎء اﻹﻧﺳــﺎن ﻋﻠــﻰ ظﻬــر ﻫــذﻩ اﻷرض وﻫــو ﻣﺟﺑــول ﻋﻠــﻰ أن‬ ‫ﯾﻠﺟ ـﺄ إﻟــﻰ ﻧ ـواة ﯾــدور ﺣوﻟﻬــﺎ وﯾﻛــون ﻫــو ﻓــرد ﻣــن اﻷﻓ ـراد اﻟــذﯾن ﯾــدورون ﻓــﻲ ﻓﻠــك ﻫــذﻩ‬ ‫اﻟﻧ ـواة‪ .‬وﻛﺎﻧــت اﻟﻧ ـواة اﻷوﻟ ــﻰ ﻫــﻲ اﻷﺳ ـرة ﺑﻣﻔﻬوﻣﻬــﺎ اﻟﺿــﯾق اﻟﺻ ــﻐﯾر اﻟــزوج واﻟزوﺟــﺔ‬ ‫واﻷﺑﻧـ ــﺎء ﺛـ ــم ﺗطـ ــور اﻟوﺿـ ــﻊ واﺗﺳـ ــﻊ ﻧطـ ــﺎق اﻷﺳ ـ ـرة اﻟﺻـ ــﻐﯾرة ﻧﺗﯾﺟـ ــﺔ اﻟﺗ ـ ـزاوج واﻟﺗواﻟـ ــد‬ ‫ﻓﺄﺻــﺑﺣت ﻗﺑﯾﻠــﺔ ﻫــذﻩ اﻟﻘﺑﯾﻠــﺔ ﻟﻬــﺎ ﻗــﺎﻧون وﯾﻛــون اﻷب اﻷﻛﺑــر ﻫــو وﻟــﻲ أﻣــر اﻟﻘﺑﯾﻠــﺔ وﻣــن‬ ‫ﯾﻔﺻل ﻓﻲ اﻟﺧﻼﻓﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﻘﻊ ﺑﯾن أﻓراد اﻟﻘﺑﯾﻠﺔ؛ وﺑﻬـذا اﻟﻣﻔﻬـوم ﻓﻬـذﻩ اﻟﻘﺑﯾﻠـﺔ ﯾﻛـون وﻻء‬ ‫اﻷﻓـراد ﻓﯾﻬــﺎ ﻟﻠﻘﺑﯾﻠــﺔ اﻷﻣــﺔ وﻫــذﻩ اﻟﻘﺑﯾﻠــﺔ ﻓــﻲ ﺑداﯾــﺔ ظﻬورﻫــﺎ ﻛﺎﻧــت ﺗﻧﺗﻘــل ﻣــن ﻣﻛ ـﺎن إﻟــﻰ‬ ‫ﻣﻛﺎن ﻓﻼ ُﯾﻌرف ﻟﻬﺎ ﺑﻠد وﻻ ﻣﺄوي ﻓﻬـﻲ ﺗﺑﺣـث ﻋـن ﻣـواطن اﻟﻛـﻸ واﻟﻣـﺎء‪ .‬ﻛـﺎن ﻫـذا ﻫـو‬ ‫اﻟﻌرف واﻟﻘـﺎﻧون‬ ‫اﻟرﺣل ﻓﻲ ﺗﻠك اﻷﺣﻘﺎب ﻣن ُﻋﻣر اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﻛﺎن ُ‬ ‫اﻟﺷﻛل اﻟﻣﻌﻬود ﻟﻠﻘﺑﺎﺋل ُ‬ ‫اﻟﺳــﺎﺋد ﻫــو ُﻋــرف وﻗــﺎﻧون اﻟﻘﺑﯾﻠــﺔ واﻟﺗــﺎرﯾﺦ واﻟﺟﻐراﻓﯾــﺎ ﻫــو اﻟﻣﺣــﯾط اﻟــذي ﺗــدور ﻓﯾــﻪ ﺣﯾــﺎة‬ ‫اﻟﻘﺑﯾﻠﺔ)‪.(١‬‬

‫ﺛم اﺳـﺗﻘر اﻹﻧﺳـﺎن ﺑﻌـد ذﻟـك ﺣـول ﻋﯾـون اﻟﻣـﺎء أو ﻓـﻲ دﻟﺗـﺎ وودﯾـﺎن اﻷﻧﻬـﺎر ﻣـن‬ ‫ﻫﻧﺎ ﺗﻛوﻧت اﻟﺗﺟﻣﻌﺎت اﻟﺑﺷرﯾﺔ اﻟﻣرﺗﺑطﺔ ﺑـﺎﻷرض ﻫـذﻩ اﻟﺗﺟﻣﻌـﺎت ﻛﺎﻧـت ﺗﺟﻣﻌـﺎت ﻗﺑﻠﯾـﺔ‬ ‫وﻛﺎن ﻛﺛﯾ اًر ﻣﺎ ﯾﺣﺻل ﺧﻼف ﺑﯾﻧﻬﺎ ﻓﯾﻛون اﻟﻌودة إﻟـﻰ ﺷـﯾﺦ اﻟﻘﺑﯾﻠـﺔ ﻟﻛـﻲ ﯾﺣﻛـم وﯾﻔﺻـل‬ ‫ﻓﻲ اﻟﻧزاﻋﺎت وﻟﻛن ﻫذا اﻷﻣر ﺗطور ﻓظﻬرت ﻋﻠﻰ ﺿﻔﺎف اﻷﻧﻬﺎر ﻣﺛل ﻧﻬـر اﻟﻧﯾـل ﻓـﻲ‬ ‫ﻣﺻر وﻧﻬري دﺟﻠﺔ واﻟﻔرات ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﺷﺎم اﻟﺣﺿـﺎرات اﻟﻘدﯾﻣـﺔ اﻟﺗـﻲ ﯾﺣﻛـﻲ اﻟﺗـﺎرﯾﺦ ﻟﻧـﺎ‬ ‫أن ﻫذﻩ اﻟﺣﺿﺎرات ﻛﺎﻧت ﺗﺟﻣﻌﺎت ﻣﻧظﻣـﺔ ﺑﻣﻌﻧـﻰ أن ﻫﻧـﺎك ﻗـﺎﻧون ﯾﺣﻛـم ﺣرﻛـﺔ اﻟﻧـﺎس‬ ‫ﻓﻲ اﻟﻘرى واﻟﻣدن وﻫﻧﺎك ﻗﺎﻧون ُﯾﻔرض ﻋﻠﻰ ﻛل ﺳﻛﺎن اﻟﻣﻣﻠﻛـﺔ وﻛـﺎن اﻟﻣﻠـك واﺣـداً ﻣـن‬

‫ﻫـ ــذا اﻟﺗﺟﻣـ ــﻊ‪ .‬وﻋرﻓـ ــت اﻟـ ــدﯾﺎر اﻟﻣﺻ ـ ـرﯾﺔ ﺣﻛـ ــم اﻷﺳ ـ ـرات ﻣﻧـ ــذ زﻣـ ــن ﺑﻌﯾ ــد ﻓﻛـ ــﺎن اﻷب‬ ‫اﻟﻣؤﺳس ﯾﺣﻛم ﻣﻧطﻘﺔ ﻣن اﻷراﺿﻲ ﻟﯾس ﻟﻬﺎ ﺣدود ﻣﻌروﻓﺔ‪ ،‬وﻟﻛﻧﻬﺎ ﻋﻠـﻰ ﻛـل اﻷﺣـوال‬ ‫)‪ (١‬د‪ .‬ﺣﻠﯾم ﺑرﻛﺎت‪" ،‬اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ واﻟﻌداﻟﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪ :‬ﻓﻲ ﺳﺑﯾل إﻏﻧﺎء اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ"‪ ،‬اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﯾﺔ‬ ‫ﻟدراﺳﺎت اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ‪ ،‬رام اﷲ‪١٩٩٥ ،‬م‪ ،‬ص ‪.٦٥‬‬

‫‪- ٧٨ -‬‬


‫ﻛﺎﻧـت ﺑداﯾـﺔ ﻟظﻬـور ﺗﺟﻣــﻊ ﺑﺷـري ﻣـﻧظم ﻟﻣﺟﻣوﻋــﺔ ﻣـن اﻟﺑﺷـر ﻟﻬــم ﻗـﺎﻧون ﯾﺗﺣـﺎﻛﻣون ﺑــﻪ‬ ‫وﻟﻬم ﺟﯾش واﺣد وﻧظﺎم ﻟﻠﺗﻘﺎﺿﻲ‪.‬‬ ‫ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﯾﻌود ظﻬور اﻟدوﻟﺔ اﻟﻘوﻣﯾﺔ ﺑﻣﻼﻣﺣﻬﺎ اﻷوﻟﻰ ﺗﺎرﯾﺧﯾﺎً إﻟﻰ اﻟﻘرن‬ ‫اﻟراﺑﻊ ﻋﺷر اﻟﻣﯾﻼدي ﺣﯾث ﺗﻣﻛن ﻣﻠوك ﻓرﻧﺳﺎ ٕواﺳﺑﺎﻧﯾﺎ ﻣن إﺧﺿﺎع اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ واﻷﺳﯾﺎد‬

‫اﻹﻗطﺎﻋﯾﯾن أو اﻟﻧﺑﻼء إﻟﻰ ﺳﯾطرﺗﻬم‪ ،‬وﻗد أدى اﻟﻣﻠوك دو اًر أﺳﺎﺳﯾﺎً ﻓﻲ ﺑروز اﻟدوﻟﺔ‬ ‫اﻟﻘوﻣﯾﺔ‪ ،‬أي أﻧﻬم ﻛﺎﻧوا اﻟطرف اﻷﻫم ﻓﻲ ﺗﻛوﯾن ﻫذا اﻟﻣﻔﻬوم‪ .‬وﻣﻊ ظﻬور اﻟدوﻟﺔ‬ ‫اﻟﻘوﻣﯾﺔ ﻣﻧﺢ اﻷﻓراد ﺻﻔﺔ اﻟﻣواطﻧﺔ ﻟدوﻟﺔ ﻣﺣددة ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻛوﻧﻬم رﻋﺎﯾﺎ ﻟﻣﻠوﻛﻬم‪،‬‬ ‫ﺻﻠﺢ‬ ‫وﺗرﺳﺦ وﺟود اﻟدوﻟﺔ اﻟﻘوﻣﯾﺔ وﺳﯾﺎدﺗﻬﺎ ﻓﻲ أوروﺑﺎ ﺑﻌد ﻣﻌﺎﻫدة وﯾﺳﺗﻔﺎﻟﯾﺎ أو ُ‬ ‫وﯾﺳﺗﻔﺎﻟﯾﺎ )‪١٦٤٨ (Peace of Westphalia‬م اﻟﺗﻲ اﻋﺗرﻓت ﺑﺣدود اﻟدول اﻟﻘوﻣﯾﺔ‬ ‫وأﻗرت اﻻﺣﺗرام اﻟﻣﺗﺑﺎدل ﻟﺳﯾﺎدة ﻫذﻩ اﻟدول ﻋﻠﻰ أراﺿﯾﻬﺎ وﻣواطﻧﯾﻬﺎ‪.‬‬ ‫وﻫﻛــذا ﺑــدأ ﻫــذا اﻟﺷــﻛل اﻟﺳﯾﺎﺳــﻲ اﻟﻣﺣ ـدد اﻟــذي ُﻧطﻠــق ﻋﻠﯾــﻪ اﻟدوﻟــﺔ اﻟﺣدﯾﺛــﺔ أو‬

‫اﻟدوﻟ ــﺔ اﻟﻘوﻣﯾ ــﺔ ﻓ ــﻲ اﻟظﻬ ــور واﻟﺗﺑﻠ ــور ﺧ ــﻼل اﻟﻘ ــرون اﻷرﺑﻌ ــﺔ اﻟﻣﺎﺿ ــﯾﺔ ﻋﻠ ــﻰ اﻟﺳ ــﺎﺣﺔ‬ ‫اﻷوروﺑﯾــﺔ واﻟﺗــﻲ اﻋﺗﻣــدت ﻓــﻲ ﺗﻧظﯾﻣﻬــﺎ ﻋﻠــﻰ ﻧظــﺎم ﻣﻠﻛــﻲ ﻣطﻠــق‪ ،‬وﺟــﯾش وطﻧــﻲ ﻋــﺎم‪،‬‬ ‫وﻧظﺎم ﺿرﯾﺑﻲ ﻣوﺣد)‪.(١‬‬ ‫وﻟﻘــد أﺳﺳــت ﻟﻘﯾــﺎم اﻟدوﻟــﺔ ﺑﺷــﻛﻠﻬﺎ اﻟﻣوﺟــود اﻟﯾــوم ﺗﺟــﺎرب ﺗﺎرﯾﺧﯾــﺔ طوﯾﻠــﺔ أﻓــرزت‬ ‫ﺟﻣﻠـﺔ ﻣــن اﻵراء واﻟﻧظرﯾـﺎت واﻷﻓﻛــﺎر اﻟﺗـﻲ ﺳــﺎﻫﻣت ﻓـﻲ ﺗﺣدﯾــد ﻣﻼﻣـﺢ اﻟﺻــورة اﻟﺣﺎﻟﯾــﺔ‬ ‫ﻟﻬذﻩ اﻟدوﻟﺔ‪ .‬ﻓﻣن ﺧﻼل ﻣﺎ ﻋرف ﺑﻧظرﯾﺔ اﻟﻌﻘد اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ اﻟﺗﻲ ﻧﺳﻔت اﻟﺣـق اﻟطﺑﯾﻌـﻲ‬ ‫أٌرﺳــﯾت ﻓﻠﺳــﻔﺎت اﻟﺣﻛــم اﻟﺗــﻲ ﻧ ارﻫــﺎ ﻣــن ﺧــﻼل آراء ﻣﻔﻛ ـرﯾن ﻣﺛــل ﺗوﻣــﺎس ﻫــوﺑز وﺟــﺎن‬ ‫ﻟــوك وﻏﯾــرﻫم ﻣــن ﻓﻼﺳــﻔﺔ اﻟﻐــرب اﻟــذي اﺗﺟــﻪ ﻓﻛــرﻫم ﻓــﻲ ﺑــداﯾﺎت ﻋﺻــر اﻟﻧﻬﺿــﺔ إﻟــﻰ‬ ‫ﺗﻘــدﯾس ﻗﯾﻣــﺔ اﻟﻌﻘــل وﺗﻔﺿــﯾل اﻟﺗﻔﻛﯾــر اﻟﻌﻘﻠــﻲ وﻧﺗــﺎﺋﺞ اﻟﺗﺟــﺎرب اﻟﻌﻠﻣﯾــﺔ ﻋﻠــﻰ اﻟﻣوروﺛــﺎت‬ ‫اﻟﺛﻘﺎﻓﯾ ــﺔ ﻣ ــن وﺣ ــﻲ دﯾﻧ ــﻲ أو ُﻛﺗ ــب ﻣﻘدﺳ ــﺔ‪ .‬ﻫ ــذﻩ اﻷﻓﻛ ــﺎر ﻓ ــﻲ ﺟﻣﻠﺗﻬ ــﺎ أﺳﺳ ــت ﻟﻌﺻ ــر‬ ‫اﻟﻧﻬﺿﺔ وﺗﺣوﻻت أوروﺑﺎ اﻟﺗـﻲ ﺑـرزت ﻓﯾﻬـﺎ ﻣﻔـﺎﻫﯾم اﻟﺳـﯾﺎدة واﻟﺣرﯾـﺔ واﻟدﯾﻣﻘراطﯾـﺔ وﺣرﯾـﺔ‬

‫اﻟﻔــرد؛ وارﺗﺑطــت اﻟدوﻟــﺔ ﻛظــﺎﻫرة ﺗﺎرﯾﺧﯾــﺔ ﻏرﺑﯾــﺔ ﺑظﻬــور وﺗطــور وﺳــﯾﺎدة اﻟ أرﺳــﻣﺎﻟﯾﺔ ﺑﻌــد‬ ‫)‪. (١‬‬

‫‪- ٧٩ -‬‬


‫اﻧﺣﺳ ــﺎر اﻹﻗط ــﺎع واﺿ ــﻣﺣﻼﻟﻪ‪ ،‬وﺑﺣﻛ ــم ﻣرﻛزﯾ ــﺔ ﺗﺄﺛﯾرﻫ ــﺎ أﺷ ــﺎﻋت أوروﺑ ــﺎ اﻟﺗﺟرﺑ ــﺔ ﻓ ــﻲ‬ ‫اﻟﻌﺻــور اﻟﺣدﯾﺛــﺔ وأﺧــذ ﺷــﻛل اﻟدوﻟــﺔ اﻟﺣدﯾﺛــﺔ ﯾﻧﺗﺷــر ﺧــﺎرج أوروﺑــﺎ ﺣﺗــﻰ أﺻــﺑﺢ اﻟــﻧﻣط‬ ‫اﻟﺳﺎﺋد ﻓﻲ اﻟﻧظﺎم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ اﻟدوﻟﻲ‪ ،‬ﻓﺎﻟدوﻟﺔ ﺑﻣﺎ ﺗﺷـﺗﻣل ﻋﻠﯾـﻪ ﻣـن ﻣؤﺳﺳـﺎت ﻫـو اﻟﻧظـﺎم‬ ‫اﻟﺣدﯾث ﻟﻠﺗﺟﻣﻌﺎت اﻟﺑﺷرﯾﺔ)‪.(١‬‬ ‫وﺑﺷﻛل ﻋﺎم ﻓﺈن اﻟﻣﺗﺗﺑﻊ ﻟﻠﺗطـور اﻟﺗـﺎرﯾﺧﻲ ﻟﻠدوﻟـﺔ ﯾﺳـﺗطﯾﻊ اﻟﺗﻣﯾﯾـز ﺑـﯾن ﺛﻼﺛـﺔ ﺗﺻـورات‬ ‫رﺋﯾﺳﯾﺔ ﺑﺷﺄﻧﻬﺎ‪:‬‬ ‫‪ ‬اﻟﺗﺻ ــور اﻷول ﯾﻌ ــدﻫﺎ ﻧظﺎﻣـ ـﺎً ﻗﺎﻧوﻧﯾـ ـﺎً ﺗﺗـ ـراﺑط ﺑداﺧﻠ ــﻪ أﺟـ ـزاء اﻟﻣﺟﺗﻣ ــﻊ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔ ــﺔ‬ ‫ﺗراﺑطﺎً ﺳﯾﺎﺳﯾﺎً‪.‬‬ ‫‪ ‬اﻟﺗﺻــور اﻟﺛ ــﺎﻧﻲ ﯾﻧظــر إﻟــﻰ اﻟدوﻟــﺔ ﻛــﺄداة ﺳﯾﺎﺳــﯾﺔ ﺗﺳــﺗﺧدﻣﻬﺎ طﺑﻘــﺔ أو ﺟﻣﺎﻋــﺔ‬ ‫ﻣﺳ ــﯾطرة ﻟﻠ ــﺗﺣﻛم ﻓ ــﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣ ــﻊ ﺑﺄﻛﻣﻠـ ــﻪ‪ ،‬وذﻟ ــك ﺑوﺻ ــﻔﻬﺎ ﺗﻣﺛـ ــل اﻟﻘ ــوة اﻟﻌﻠﯾـ ــﺎ أو‬ ‫اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﻣطﻠﻘﺔ ﻟﻠﻣﻠك أو اﻟﺣﻛوﻣﺔ‪.‬‬ ‫‪ ‬اﻟﺗﺻور اﻟﺛﺎﻟث ﯾﻌﺗﺑرﻫﺎ ﻫﯾﺋﺔ أو ﺗﻧظﯾم ﯾﺳﺗﻌﯾن ﺑﻪ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳـﺎواة‬ ‫ﻓﻲ ﺗﺣﻘﯾق ٕواﻧﺟﺎز أﻫداﻓﻪ‪.‬‬ ‫ﻓﺎﻟدوﻟﺔ اﻟﯾوم ﻫﻲ ذروة ﻣـﺎ ﺗوﺻـل إﻟﯾـﻪ اﻟﻔﻛـر اﻟﺑﺷـري ﻓـﻲ اﻹدارة واﻟﺣﻛـم اﻟﺗـﻲ ﺗﺗـوج‬ ‫اﻟﺑﻧﯾــﺎن اﻻﺟﺗﻣــﺎﻋﻲ‪ ،‬وﺗﻛﻣــن طﺑﯾﻌﺗﻬــﺎ اﻟﺗــﻲ ﺗﻧﻔــرد ﺑﻬــﺎ ﻓــﻲ ﺳــﯾﺎدﺗﻬﺎ ﻋﻠــﻰ ﺟﻣﯾــﻊ أﺷــﻛﺎل‬ ‫اﻟﺗﺟﻣﻌــﺎت اﻷﺧــرى ﻣــن ﺣﯾــث وﺳــﺎﺋﻠﻬﺎ ﻓــﻲ ﻓــرض اﻟﻣﺑــﺎدئ اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﯾــﺔ وﺗﻧظــﯾم اﻟﺳــﻠوك‬ ‫اﻟﺑﺷري ﻓﺎﻟدوﻟـﺔ ﺗُﺻـدر اﻟﻘـواﻧﯾن وﺗُﻌﺎﻗـب ﻣـن ﯾﺧـرج ﻋﻧﻬـﺎ ﻛﻣـﺎ أﻧﻬـﺎ ﺗﻣﻠـك ﻓـرض اﻟﻧظـﺎم‬ ‫ﻟﺿــﻣﺎن طﺎﻋﺗﻬــﺎ ﻣــن ِﻗﺑــل اﻷﻓ ـراد واﻟﺟﻣﺎﻋــﺎت اﻟﻣﻧدرﺟــﺔ ﺗﺣــت ظﻠﻬــﺎ؛ وﺑﺎﻟﺗــﺎﻟﻲ ﺗُﺷــﻛل‬ ‫اﻟدوﻟﺔ اﻹطﺎر اﻟﻣﺄﻟوف ﻟﻣﻣﺎرﺳﺔ اﻟﺳﻠطﺔ ﺳـواء داﺧـل اﻟدوﻟـﺔ ﻧﻔﺳـﻬﺎ أو ﻓﯾﻣـﺎ ﺑﯾﻧﻬـﺎ وﺑـﯾن‬

‫اﻟـ ــدول اﻷﺧـ ــرى ﻋﻠـ ــﻰ ﻣﺳـ ــﺗوى اﻟﺟﻣﺎﻋـ ــﺔ اﻟدوﻟﯾـ ــﺔ ﻛﻛـ ــل؛ وﺗُﻌـ ــد اﻟدوﻟـ ــﺔ ظـ ــﺎﻫرة ﻣﺗﻌـ ــددة‬

‫اﻟﺟواﻧــب‪ ،‬وﻫ ــذا ﻣ ــﺎ ﺟﻌﻠﻬ ــﺎ ﻣوﺿ ــﻊ اﻫﺗﻣ ــﺎم ود ارﺳ ــﺔ ﻣ ــن ِﻗﺑ ــل ﻋﻠﻣ ــﺎء ﻣ ــن ﺗﺧﺻﺻ ــﺎت‬ ‫ﻣﺧﺗﻠﻔــﺔ وﻣﺗﻌــددة وﻣﺗﻣﯾ ـزة ٕوان ﺗﻛــن ﻣﺗﺻــﻠﺔ ﺑﻌﺿــﻬﺎ ﺑــﺑﻌض‪ ،‬ﻓﻬــﻲ ظــﺎﻫرة ﺗﺑﺣــث ﻓﯾﻬــﺎ‬ ‫)‪ (١‬ﻣﺣﻣد ﻗﺎﺳم‪ ،‬أﺣﻣد ﻫﺷﺎم‪ ،‬اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺣدﯾث واﻟﻣﻌﺎﺻر‪ ،‬دار اﻟﻣﻌﺎرف‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫرة ‪٢٠٠٦‬م‪ ،‬ص‪.٦٢‬‬

‫‪- ٨٠ -‬‬


‫ﻣﻌظم ﻓروع اﻟﻌﻠوم اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﻛﺎﻟﺳﯾﺎﺳﺔ واﻟﺗﺎرﯾﺦ واﻟﻘﺎﻧون واﻻﻗﺗﺻﺎد واﻻﺟﺗﻣﺎع وﻏﯾرﻫﺎ‪،‬‬ ‫وﻛــل ﻓــرع ﻣــن ﻫــذﻩ اﻟﻌﻠــوم ﯾﻧظــر ﻟﻠدوﻟــﺔ ﻣــن زاوﯾﺗــﻪ اﻟﺧﺎﺻــﺔ واﻟﺗــﻲ ﺗﺧﺗﻠــف ﻋــن زواﯾــﺎ‬ ‫اﻟﻔروع اﻷﺧرى)‪.(١‬‬ ‫ﻓﻌﻠــﻰ ﺳــﺑﯾل اﻟﻣﺛــﺎل ﻧﺟــد أن ﻋﻠــم اﻟﺳﯾﺎﺳــﺔ ﯾــدرس اﻟدوﻟــﺔ ﻣــن ﺣﯾــث اﻟﻘواﻋــد اﻟﻧظرﯾــﺔ‬ ‫واﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻘوم ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻧظﺎم اﻟﺣﻛم وﯾﻘﺎرن ﺑـﯾن ﺟـدوى أﻧظﻣـﺔ اﻟﺣﻛـم اﻟﻣﺧﺗﻠﻔـﺔ ﻟﯾﺛﺑـت‬ ‫أﯾﻬــﺎ اﻷﻛﺛــر ﺛﺑﺎﺗـﺎً واﺳــﺗﻘ ار اًر‪ ،‬ﻧﺟــد ﻋﻠــﻰ اﻟﺟﺎﻧــب اﻷﺧــر ﻋﻠــم اﻟﺗــﺎرﯾﺦ ﯾـدرس ﻧظــﺎم اﻟدوﻟــﺔ‬ ‫ﻣن ﺟﺎﻧب ﺗطور ﻧظـﺎم اﻟدوﻟـﺔ ﻛﻔﻛـرة وﻧظـﺎم وﯾﺗﻧـﺎول ﺣـﺎل وﻣﺻـﯾر اﻟـدول وأﺷـﻛﺎﻟﻬﺎ ﻓـﻲ‬ ‫ﻣﺧﺗﻠف اﻷوﻗﺎت واﻟﻌﺻور‪ .‬ﻓﻲ ﻧﻔس اﻟوﻗت ﻧـرى أن ﻋﻠـم اﻟﻘـﺎﻧون ﯾﻘـوم ﺑد ارﺳـﺔ اﻟﻘواﻋـد‬ ‫اﻟﻣﻠزﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﺗدور ﻓﻲ إطﺎرﻫﺎ أﻋﻣﺎل اﻟدوﻟﺔ وﻧﺷﺎطﺎﺗﻬﺎ ووﺳﺎﺋﻠﻬﺎ ﻟﺗﺣﻘﯾق أﻫداﻓﻬﺎ ٕواﻟزام‬

‫رﻋﺎﯾﺎﻫــﺎ ﺑطﺎﻋﺗﻬــﺎ واﻟﻧــزول ﻋﻧــد أواﻣرﻫــﺎ وﻓــﻲ اﻟوﻗــت ﻧﻔﺳــﻪ ﻧﺟــدﻩ ﯾﻬــﺗم ﺑد ارﺳــﺗﻬﺎ ﻛﺄﺣــد‬ ‫ﺷﺧﺻﯾﺎت ﻋﻠم اﻟﻘﺎﻧون اﻟدوﻟﻲ‪ .‬أﻣـﺎ ﻋﻠـم اﻻﻗﺗﺻـﺎد ﻓﻬـو ﯾﻬـﺗم ﺑـدور اﻟدوﻟـﺔ ﻓـﻲ اﻟﺷـؤون‬ ‫اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ ﻹﺷﺑﺎع اﻟﺣﺎﺟﺎت اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻟﻠﺷﻌب وﺣدود ﻫذا اﻟدور ﻓﻲ ﺿﯾﻘﻪ أو اﺗﺳـﺎﻋﻪ‬ ‫وﻛوﻧ ــﻪ ﻣﺑﺎﺷـ ـ اًر أو ﻏﯾ ــر ﻣﺑﺎﺷ ــر واﻗﺗﺻ ــﺎرﻩ ﻋﻠ ــﻰ ﻣﺟ ــرد اﻟﺗﻧظ ــﯾم أو اﻣﺗ ــدادﻩ إﻟ ــﻰ اﻟﻔﻌ ــل‬ ‫اﻟﻣﺑﺎﺷــر‪ ،‬ﻛــذﻟك ﻓــﺈن اﻟدوﻟــﺔ ﻛﺣﻘﯾﻘــﺔ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ ارﺳــﺧﺔ ﻫــﻲ ﻣــن اﻟﻣواﺿــﯾﻊ اﻟﻬﺎﻣــﺔ ﻓــﻲ‬ ‫د ارﺳ ــﺎت ﻋﻠ ــم اﻻﺟﺗﻣ ــﺎع واﻷﺧ ــﻼق وﻋﻠـ ـم اﻟ ــﻧﻔس اﻻﺟﺗﻣ ــﺎﻋﻲ وﻣﺧﺗﻠ ــف ﻓ ــروع اﻟﻌﻠ ــوم‬ ‫اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ)‪.(٢‬‬ ‫وﺧﻼﺻﺔ اﻟﻘول أن اﻟدوﻟﺔ ﻫﻲ ﺗﺟﻣﻊ ﻟﻌـدد ﺿـﺧم ﻣـن اﻷﻓـراد ﻫـؤﻻء اﻷﻓـراد ارﺗﺿـوا‬ ‫ﺑــﺄن ﺗﻛــون اﻟﺻــﻔﺔ اﻟﻣﻣﯾ ـزة ﻟﻬــم ﻫــﻲ اﻟﻣواطﻧــﺔ ﻧﺳــﺑﺔ إﻟــﻰ اﻷرض اﻟﺗــﻲ ﯾﻌﯾﺷــون ﻋﻠﯾﻬــﺎ‬ ‫وﻫذا اﻟوطن ﻟﻪ ﺣﻛوﻣﺔ وﻟﻪ ﻗواﻧﯾﻧﻪ وﻟﻪ ﺣدودﻩ اﻟﺗﻲ ﺗﻔﺻﻠﻪ ﻋن اﻟدول اﻟﻣﺟﺎورة‪.‬‬

‫)‪ (١‬د‪ .‬ﻋﺑداﻟوﻫﺎب اﻟﻣﺳﯾري‪" ،‬ﻧﻬﺎﯾﺔ اﻟﺗﺎرﯾﺦ"‪ ،‬دراﺳﺔ ﻓﻲ ﺑﻧﯾﺔ اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺻﻬﯾوﻧﻲ‪ ،‬اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت‬ ‫واﻟﻧﺷر‪ ،‬ﺑﯾروت‪١٩٨٠ ،‬م‪ ،‬ص ‪.٢٢٣‬‬ ‫)‪ (٢‬ﺑوﯾد ﺷﯾﻔر‪ ،‬ﺗرﺟﻣﺔ ﻋدﻧﺎن اﻟﺣﻣﯾري‪ ،‬اﻟﻘوﻣﯾﺔ ‪ -‬ﻋرض وﺗﺣﻠﯾل ‪ ) ،‬ﺑﯾروت ‪ ،‬دار ﻣﻛﺗﺑﺔ اﻟﺣﯾﺎة‪٢٠٠٦،‬م(‬ ‫ص‪٦٧‬‬

‫‪- ٨١ -‬‬


‫ﻓﺎﻟدوﻟﺔ اﻟﻘوﻣﯾﺔ ﯾﻛون وﻻء اﻷﻓراد ﻓﯾﻬﺎ ﻟﻠوطن ﻓﻘط ﻟﻸرض اﻟﺗﻲ ﯾﻌﯾﺷون ﻋﻠﯾﻬﺎ وﻗـد‬ ‫ﯾﻛوﻧ ـوا ﻣﺧﺗﻠﻔــﯾن ﻓــﻲ اﻟــدﯾن أو ﻓــﻲ اﻟﻌــرق وﻟﻛــن ﯾﻛــون اﻟــوﻻء ﻟﻠــوطن‪ ،‬ﻓــﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘــﺔ أن‬ ‫اﻟدوﻟﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻬﺎ ﻣﻣﯾزات ﻛﺛﯾرة أﻫﻣﻬﺎ‪:‬‬ ‫‪ (١‬ﻛل ﻓرد ﻣن أﻓراد اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﯾﻛون ﻟﻪ ﻧﻔس اﻟﺣﻘوق واﻟواﺟﺑﺎت‪.‬‬ ‫‪ (٢‬ﻻ ﯾوﺟد ﺗﻣﯾﯾز ﺑﯾن اﻷﻓراد ﻋﻠﻰ أﺳﺎس دﯾﻧﻲ أو طﺎﺋﻔﻲ‪.‬‬ ‫‪ (٣‬ﻓــﻲ اﻟــدول اﻟوطﻧﯾــﺔ اﻟﻣﺗﻘدﻣــﺔ ﻧﺟﺣــت ﻓــﻲ ﺟﻌــل ﻋﻼﻗــﺔ اﻟدوﻟــﺔ ﺑﺄﻓرادﻫــﺎ ﺗﻘــوم ﻋﻠــﻰ‬ ‫اﻻﺣﺗرام واﻻﺣﺗﯾﺎج اﻟﻣﺗﺑﺎدل‪.‬‬ ‫وﻫﻧــﺎك ﻣﻣﯾ ـزات أﺧــرى ﻛﺛﯾ ـرة ﺗﺗﻣﯾــز ﺑﻬــﺎ اﻟدوﻟــﺔ اﻟوطﻧﯾــﺔ‪ ،‬وﻟﻛــن ﻫــذا اﻟﻧظــﺎم ﻟــﻪ ﻋﯾــوب‬ ‫ﻗﺎﺗﻠﺔ؛ أﻫﻣﻬﺎ‪:‬‬ ‫‪ (١‬ﻫــذﻩ اﻟدوﻟــﺔ ﺗﻔﺻــل اﻷﻓــراد ﻋــن اﻟﻣﺣــﯾط اﻟــدوﻟﻲ اﻟــذي ﺗﻌــﯾش ﻓﯾــﻪ وﺗﺟﻌــل ﺻــﺎﻧﻌﻲ‬ ‫اﻟﻘرار ُﯾﻔﻛرون ﻓﻲ ﺣدود ﻫذﻩ اﻟدوﻟﺔ‪.‬‬ ‫‪ (٢‬اﻟدوﻟ ــﺔ اﻟﻘوﻣﯾ ــﺔ ﯾﺳ ــﻬل اﻟﺳ ــﯾطرة ﻋﻠﯾﻬ ــﺎ ﻣ ــن اﻷﻧظﻣ ــﺔ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾــﺔ اﻷﻛﺛ ــر ﻗ ــوة واﻷﻛﺛ ــر‬ ‫ﺗﻧظﯾﻣﺎً ﺑﺣﯾث ﯾﺳﻬل ﻋﻠﻰ اﻟﻘوى اﻟﻛﺑرى ﺟﻌل اﻟدول اﻟﺻﻐﯾرة ﺗدور ﻓﻲ ﻓﻠﻛﻬﺎ‪.‬‬ ‫‪ (٣‬اﻷﻓﻛﺎر اﻟوطﻧﯾﺔ اﻟﻣﺗطرﻓﺔ ﺗدﻋو إﻟـﻰ ﺗﻘـدﯾس اﻟـوطن واﻟـدﺧول ﻓـﻲ ﺻـراﻋﺎت ﺑﺳـﺑب‬ ‫اﻟﺗﻘدﯾس اﻟزاﺋد ﻟﻠﺑﻠد اﻟذي ﯾﻌﯾﺷون ﻓﯾﻪ‪.‬‬ ‫‪ (٤‬ﺑﻌض اﻟﻌﻠﻣﺎء ُﯾﺣﺎوﻟون ﺗطوﯾﻊ اﻟدﯾن ﻣن أﺟل ﺗﻘدﯾس اﻟـﺑﻼد اﻟﺗـﻲ ُوﻟـدوا ﻓﯾﻬـﺎ وﻛـﺄن‬ ‫ﻫذا ﺳﯾﻌطﯾﻬم ﻣﯾزة ﻟﯾﺳت ﻷﺑﻧﺎء اﻟﺑﻼد اﻷﺧرى‪.‬‬ ‫‪ (٥‬ﺑﻌض اﻟوطﻧﯾون اﻟﻣﺗطرﻓون ﻛﺎﻟﻧﺎزﯾﺔ وﻏﯾرﻫﺎ ﯾﻧظرون إﻟﻰ أﻫـل اﻟـﺑﻼد اﻷﺧـرى ﺑﻧـوع‬ ‫ﻣن اﻻﺣﺗﻘﺎر)ﺑﻌﺿﻬم ﯾرﻓض دراﺳﺔ ﺳﯾر اﻷﻧﺑﯾﺎء ﺑﺣﺟﺔ إﻧﻬم أﺟﺎﻧب(‪.‬‬ ‫‪ (٦‬اﻷﻓﻛﺎر اﻟوطﻧﯾـﺔ ﺗﻔﺻـل اﻟﻔـرد ﻋـن اﻟﺗﻌـﺎون ﻣـﻊ أﻫـل اﻟـﺑﻼد اﻷﺧـرى وﺗﻛـون اﻟﻌﻼﻗـﺔ‬ ‫ﻗﺎﺋﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺑﺎدل اﻟﻣﻧﻔﻌﺔ‪.‬‬ ‫‪ (٧‬ﻋﻧد دراﺳﺔ ﺣﺎﻟﺔ اﻷﻣﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ ﻧﺟد أن ﺧﺳﺎﺋر اﻧﺗﺷﺎر ﻣﻔﻬوم اﻟدوﻟﺔ اﻟوطﻧﯾـﺔ أﻛﺛـر‬ ‫ﻣن أن ﻧﺣﺻـﯾﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻧـرى ﻗﺿـﯾﺔ ﻣﺛـل اﺣـﺗﻼل اﻟﯾﻬـود ﻷوﻟـﻰ اﻟﻘﺑﻠﺗـﯾن وﺛﺎﻟـث اﻟﺣـرﻣﯾن‬ ‫‪- ٨٢ -‬‬


‫ﻫﻲ ﻣﺷﻛﻠﺔ ﺳﻛﺎن ﻓﻠﺳطﯾن وﻟﯾﺳت ﻣﺷـﻛﻠﺔ ﻛـل ﻣﺳـﻠم‪ ،‬وﻋﻧـدﻣﺎ ﻏـزت ﺟﯾـوش اﻟﻌـﺎﻟم‬ ‫أ ارﺿ ــﻲ اﻟﻌ ــﺎﻟم اﻟﻌرﺑ ــﻲ واﻹﺳ ــﻼﻣﻲ ﻟ ــم ﺗﺳ ــﺗطﯾﻊ دوﻟ ــﺔ ﻣ ــن دوﯾ ــﻼت اﻟﻌ ــﺎﻟم اﻟﻌرﺑ ــﻲ‬ ‫واﻹﺳــﻼﻣﻲ اﻟوﻗــوف ﺿــد ﻫــذا اﻟﻐــزو ﻓﺟــﯾش اﻟدوﻟــﺔ ﻫــو ﻟﻠــدﻓﺎع ﻋــن أ ارﺿــﯾﻬﺎ ﻓﻘـط‪.‬‬ ‫واﻷﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ ذﻟك ﻛﺛﯾرة)‪.(١‬‬ ‫ﻋﻠ ــﻰ اﻟﻣﺳ ــﺗوى اﻟﻌرﺑ ــﻲ واﻹﺳ ــﻼﻣﻲ ﻧﺟ ــد اﻧﺗﺷ ــﺎر ﻣﻔﻬ ــوم اﻟدوﻟ ــﺔ اﻟﻘوﻣﯾ ــﺔ ﻛ ــﺎن ﻫ ــو‬ ‫اﻟﺳـﺑب اﻟﻣﺑﺎﺷـر ﻓـﻲ اﻟﺻـراﻋﺎت اﻟﺣدودﯾـﺔ واﻟﻔﻛرﯾــﺔ ﺑـﯾن اﻟـدول اﻟﻣﺗﺟـﺎورة اﻟﺗـﻲ ﻫـﻲ ﻓــﻲ‬ ‫اﻷﺻل ﺑـﻼد واﺣـدة ﻓـﻲ اﻟﻌﻘﯾـدة واﻟﻣـﻧﻬﺞ واﻟـدم وﺗﺻـورات اﻟﺣﯾـﺎة‪ .‬ﻛﻣـﺎ أﺻـﺑﺣت ﻋﻼﻗـﺔ‬ ‫ﺑﻌــض دول اﻟﻌــﺎﻟم اﻟﻌرﺑــﻲ واﻹﺳــﻼﻣﻲ ﺑــدول اﻟﻌــﺎﻟم اﻟﻐرﺑــﻲ أﻗــوى ﻣــن ﻋﻼﻗﺗﻬــﺎ ﺑﻌﺿــﻬﺎ‬ ‫اﻟ ــﺑﻌض‪ ،‬ﻓﺎﻟﻌﻼﻗ ــﺔ ﺑ ــﯾن اﻟ ــدول ﺗﻘ ــوم ﻋﻠ ــﻰ اﻟﻣﺻ ــﺎﻟﺢ وﺗﺑ ــﺎدل اﻟﻣﻧﻔﻌ ــﺔ وﻣ ــن ﺛ ــم ﺗﻛ ــون‬ ‫ﻣﺻـ ــﺎﻟﺢ دول اﻟﻌ ـ ــﺎﻟم اﻟﻌرﺑـ ــﻲ واﻻﺳ ـ ــﻼﻣﻲ اﻟﻔﻘﯾـ ــر ﻓـ ــﻲ اﺣﺗﯾ ـ ــﺎج ﻟﻠﻌ ـ ــﺎﻟم اﻟﻐرﺑ ـ ــﻲ ﺑدوﻟ ـ ــﻪ‬ ‫وﻣؤﺳﺳــﺎﺗﻪ وﻫﯾﺋﺎﺗــﻪ اﻟﻣﺎﻟﯾــﺔ وﻏﯾــر اﻟﻣﺎﻟﯾــﺔ)‪ .(٢‬ﻣــن ﻫﻧــﺎ ﯾﺳــﻬل ﻋﻠــﻰ اﻟــدول اﻟﻐرﺑﯾــﺔ اﻟﺗــﻲ‬ ‫ﻫــﻲ ﻓــﻲ اﻟواﻗــﻊ ﻣرﺗﺑطــﺔ ﺑــﻧﻔس اﻟﻣﺻــﺎﻟﺢ – ﯾﺳــﻬل ﻋﻠــﻰ ﻫــذﻩ اﻟــدول‪ -‬اﻹﯾﻘــﺎع ﺑﻘﯾــﺎدات‬ ‫اﻟ ــدول اﻟﻌرﺑﯾ ــﺔ إﻣ ــﺎ إﻏـ ـراءاً أو ﺗﺧوﯾﻔـ ـﺎً ﻟﻠ ــدﺧول ﻓ ــﻲ ﺗﺣﺎﻟﻔ ــﺎت ﻣ ــﻊ ﺑ ــﻼد ﺧ ــﺎرج اﻟﻣﺣ ــﯾط‬ ‫اﻟﺟﻐ ارﻓـﻲ واﻟﺗــﺎرﯾﺧﻲ ﺑــل واﻟﻌﻘﺎﺋــدي ﻫــذﻩ اﻟﺗﺣﺎﻟﻔـﺎت ﺗﺳــﺗﻬدف إﺿــﻌﺎف اﻟدوﻟــﺔ اﻟﻣﺗﺣﺎﻟﻔــﺔ‬ ‫واﺳــﺗﺧداﻣﻬﺎ ﻛــﺄداة ﻟﺗﺧوﯾــف وﺗﻬدﯾــد اﻟــدول اﻟﻣﺟــﺎورة ﻟﻬــﺎ ﻓــﻲ ﺣﺎﻟــﺔ ﺧروﺟﻬــﺎ ﻋــن اﻟــﻧص‬ ‫اﻟﻣﺣﻔوظ واﻟﺧطط اﻟﻣزﻣﻊ ﺗﻧﻔﯾذﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل اﻟﻘرﯾب واﻟﺑﻌﯾد‪.‬‬

‫)‪ (١‬ﺑﺗﺻرف‪ ،‬ﻣﺣﻣد ﻋﺑداﻟوﻫﺎب اﻟﻛﯾﺎﻟﻲ‪" ،‬ﺗﺎرﯾﺦ ﻓﻠﺳطﯾن اﻟﺣدﯾث" اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت واﻟﻧﺷر‪ ،‬ط‪ ٩‬ص‬ ‫‪.٣٠٢‬‬ ‫)‪ (٢‬ﻋﺑد اﻟﻛرﯾم أﺣﻣد‪ ،‬اﻟﻘوﻣﯾﺔ واﻟﻣذاﻫب اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ )اﻟﻘﺎﻫرة ‪ ،‬اﻟﻬﯾﺋﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻧﺷر ‪٢٠٠٠،‬م ( ص‪٨٦‬‬

‫‪- ٨٣ -‬‬


‫اﻟﻣﺑﺣث اﻟﺛﺎﻧﻲ‬ ‫اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﺳﯾﻛس ﺑﯾﻛو وﺗﻘﺳﯾم اﻟﻣﻧطﻘﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﻟﻌﺎﻟم إﻟﻰ دول ﻛﺛﯾرة‬ ‫ﻣن ﻫو ﺳﯾﻛس وﻣن ﻫو ﺑﯾﻛو‪ :‬ﺳﯾﻛس ﻫو اﻟﻌﻘﯾد ﺳﯾر ﻣﺎرك ﺳﺎﯾﻛس‬ ‫ﻣﺳﺗﺷﺎر ﺳﯾﺎﺳﻲ ودﺑﻠوﻣﺎﺳﻲ وﻋﺳﻛري ورﺣﺎﻟﺔ ﺑرﯾطﺎﻧﻲ‪ .‬ﻛﺎن ﻣﺧﺗﺻﺎً ﺑﺷؤون اﻟﺷرق‬ ‫اﻷوﺳط وﻣﻧﺎطق ﺳورﯾﺎ اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ ﺧﻼل ﻓﺗرة اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ)‪.(١‬‬

‫أﻣﺎ ﺑﯾﻛو ﻫو ﻓراﻧﺳوا ﻣـﺎري دﯾﻧـﯾس ﺟـورج‪ -‬ﺑﯾﻛـو ﻓﻬـو ﺳﯾﺎﺳـﻲ ودﺑﻠوﻣﺎﺳـﻲ ﻓرﻧﺳـﻲ ﻛـﺎن‬ ‫ﻣﺳﺋوﻻً ﺧﻼل اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾـﺔ اﻷوﻟـﻰ وﻛـﺎن ﻣﺳـﺋوﻻً وﻣﻧـدوﺑﺎً ﻋـن اﻟﺟﺎﻧـب اﻟﻔرﻧﺳـﻲ ﺑﻌـد‬ ‫اﻟﺣـ ــرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾـ ــﺔ اﻷوﻟـ ــﻰ ﻻﻗﺗﺳـ ــﺎم ﻣﻧـ ــﺎطق اﻟﻧﻔـ ــوذ ﻣـ ــﻊ ﺑرﯾطﺎﻧﯾـ ــﺎ ﻓـ ــﻲ ﻣﻧطﻘـ ــﺔ اﻟﻬـ ــﻼل‬ ‫اﻟﺧﺻﯾب وأراﺿﻲ أﺧرى ﻛﺎﻧت ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﻺﻣﺑراطورﯾﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ‪.‬‬ ‫ﺧﻼل ﺳﻧﺔ ‪١٩١٥‬م وﺳﻧﺔ ‪١٩١٦‬م دارت ﻫﻧﺎك ﻣﻔﺎوﺿﺎت ﺑﯾن ﻛـل ﻣـن ﺳـﯾﻛس وﺑﯾﻛـو‬ ‫وﺑرﻋﺎﯾــﺔ روﺳــﯾﺎ ﻛﺎﻧــت ﻫــذﻩ اﻟﻣﻔﺎوﺿــﺎت ﺗﻬــدف ﻟو ارﺛــﺔ أ ارﺿــﻲ اﻹﻣﺑراطورﯾــﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾــﺔ‬ ‫وﺗﻘﺳــﯾﻣﻬﺎ ﺑــﯾن ﻓرﻧﺳــﺎ وﺑرﯾطﺎﻧﯾــﺎ اﻟﺗــﻲ ﻛــﺎن ﺳــﻘوطﻬﺎ ﻣﺳــﺄﻟﺔ وﻗــت ﺣﯾــث ﻛــﺎﻧوا ُﯾطﻠﻘــون‬ ‫ﻋﻠﯾﻬــﺎ "اﻟرﺟــل اﻟﻣ ـرﯾض"‪ .‬ﻛﺎﻧــت ﻫــذﻩ اﻟﻣﻔﺎوﺿــﺎت ﻓــﻲ ﺻــورة ﺳ ـرﯾﺔ ﺗﺎﻣــﺔ وﻓــﻲ ﺻــورة‬

‫اﻟﻌظﻣـﻰ وﺑﯾﻛـو ﻛﻣﻧـدوب ﻟﻔرﻧﺳـﺎ‬ ‫ﻟﺗﺑﺎدل اﻟوﺛﺎﺋق ﺑﯾن ﻛل ﻣـن ﺳـﯾﻛس ﻛﻣﻧـدوب ﻟﺑرﯾطﺎﻧﯾـﺎ ُ‬ ‫اﻟــﻧﺟم اﻷورﺑــﻲ اﻟﺻــﺎﻋد آﻧــذاك؛ وﻟﻘــد ﺗــم اﻟﻛﺷــف ﻋــن اﻻﺗﻔــﺎق ﺑوﺻــول اﻟﺷــﯾوﻋﯾﯾن إﻟــﻰ‬ ‫اﻟﺣﻛم ﻓﻲ روﺳﯾﺎ ﻋﺎم ‪١٩١٧‬م ﻓﯾﻣﺎ ُﻋرف ﺑﺎﻟﺛورة اﻟﺑﻠﺷﻔﯾﺔ)‪.(٢‬‬ ‫ﻫ ــذﻩ ﺑداﯾ ــﺔ ﻣﺧﺗﺻـ ـرة ﻟﺳ ــﯾﻛس ﺑﯾﻛ ــو ﺗﻠ ــك اﻻﺗﻔﺎﻗﯾ ــﺔ اﻟﻧﻛ ــدة اﻟﺗ ــﻲ ﻗﺳ ــﻣت اﻟﻌ ــﺎﻟم‬ ‫اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﺳﻠم اﻟواﺣد إﻟﻰ ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟـدوﯾﻼت اﻟﻣﺗﻧـﺎﺛرة؛ ﻣﺗﻧـﺎﺛرة ﻓـﻲ اﻟـرؤى وﻣﺗﻧـﺎﺛرة‬ ‫ﻓــﻲ اﻷﻫــداف وﻣﺗﻧــﺎﺛرة ﺣﺗــﻰ ﻓــﻲ اﻟﺗﻔﻛﯾــر ﻓــﻲ ﺣــل اﻟﻣﺷــﺎﻛل اﻟﻣﺗﻌﻠﻘــﺔ ﺑﺄﻣﻧﻬــﺎ اﻟﻘــوﻣﻲ‪.‬‬

‫)‪ (١‬ﻋﺑداﻟﻌزﯾز اﻟﺷﻧﺎوي‪" ،‬أورﺑﺎ ﻓﻲ ﻣطﻠﻊ اﻟﻌﺻور اﻟﺣدﯾﺛﺔ "‪ ،‬ﺟـ‪ ،٢‬ﻣﻛﺗﺑﺔ اﻷﻧﺟﻠو اﻟﻣﺻرﯾﺔ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫرة ‪١٩٧٧‬م‪،‬‬ ‫ص ‪.٣٠٤‬‬

‫)‪ (٢‬ﻋﺑداﻟﻌزﯾز ﺳﻠﯾﻣﺎن ﻧزار‪" ،‬أورﺑﺎ ﻣﻧذ اﻟﺛورة اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ﺣﺗﻰ اﻟﺣرب اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ اﻟﺑروﺳﯾﺔ"‪ ،‬دار اﻟﻔﻛر اﻟﻌرﺑﻲ‪،‬‬ ‫اﻟﻘﺎﻫرة‪٢٠٠٢ ،‬م‪ ،‬ص‪.٤٠١‬‬

‫‪- ٨٤ -‬‬


‫وﺷــﻣﻠت ﻫــذﻩ اﻻﺗﻔﺎﻗﯾــﺔ ﺑــﻼد أﺧــرى ﻏﯾــر ﺑــﻼد اﻟﺷــرق اﻷوﺳــط وﻟﻛــن ﻣــﺎ ﯾﻬﻣﻧــﺎ ﻫﻧــﺎ ﻫــو‬ ‫ﺗﻘﺳﯾم ﻣﻧطﻘﺗﻧﺎ‪.‬‬ ‫أﻫم اﻟظروف اﻟﺗﻲ ﻫﯾﺄت ﻟﺗوﻗﯾﻊ ﻫذﻩ اﻻﺗﻔﺎﻗﯾﺔ‪:‬‬ ‫ﻟم ﺗﻛن ﻟﻬذﻩ اﻻﺗﻔﺎﻗﯾﺔ وﻻ ﻟﻐﯾرﻫﺎ ﻣن ﻣﺣﺎوﻻت ﺗﻔﺗﯾت اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ واﻹﺳﻼﻣﻲ أن‬ ‫ﺗﻧﺟﺢ إﻻ ﻟوﺟود أرض ﺧﺻﺑﺔ ﺗؤدي ﻟﻧﺟﺎح ﺗﻠك اﻟﻣﺣﺎوﻻت اﻟﺷﯾطﺎﻧﯾﺔ‪ .‬ﻧﺣن ﻫﻧﺎ‬ ‫ﺳﻧذﻛر ﺑﻌض اﻟﻌواﻣل اﻟﺗﻲ ﻫﯾﺄت ﻟﻧﺟﺎح ﻫذﻩ اﻟﻣﺣﺎوﻟﺔ‪:‬‬ ‫‪ (١‬دﺧول اﻟدوﻟﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ إﻟﻰ ﺟﺎﻧب دول اﻟﻣﺣور‪،‬‬ ‫وﺑﺧﺎﺻﺔ أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ‪ :‬ﻛﺎن اﻧﺿﻣﺎم اﻟدوﻟﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ إﻟﻰ ﺟﺎﻧب أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ ﻓﻲ اﻟﺣرب‬ ‫اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣن أﻫم أﺑﻌﺎد اﻟﺗﻘﺎرب اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﻲ اﻷﻟﻣﺎﻧﻲ اﻟذي وﺻل إﻟﻰ اﻟﻘﻣﺔ‬ ‫ﻓﻲ ﻋﻬد ﺟﻣﻌﯾﺔ اﻻﺗﺣﺎد واﻟﺗرﻗﻲ‪ ،‬وﻗد ﻓﺷﻠت ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﻓﻲ إﻗﻧﺎع ُﺣﻛﺎم ﺗرﻛﯾﺎ‬ ‫ﺑﺎﻟوﻗوف إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺑﻬﺎ أو ﻋﻠﻰ اﻷﻗل اﻟوﻗوف ﻋﻠﻰ اﻟﺣﯾﺎد‪ ،‬ﻓﻛﺎن رد ﻓﻌل ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ‬ ‫أن اﺗﻔﻘت ﻫﻲ وﺣﻠﯾﻔﺎﺗﻬﺎ ﻓرﻧﺳﺎ وروﺳﯾﺎ اﻟﻘﯾﺻرﯾﺔ ﻋﻠﻰ إﻋﻼن اﻟﺣرب ﻋﻠﻰ اﻟدوﻟﺔ‬ ‫اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬وﺗوﻗﯾﻊ اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﺳﺎﯾﻛس ﺑﯾﻛو ﺑﻬدف ﺗﻘﺳﯾم أﻣﻼك اﻟدوﻟﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ ﺑﯾن‬ ‫اﻟدول اﻟﺛﻼث‪ ،‬وذﻟك ﺑﻌد اﻟﻘﺿﺎء ﻋﻠﻰ اﻟرﺟل اﻟﻣرﯾض )اﻟدوﻟﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ(‪ُ .‬ﻧﻼﺣظ‬

‫ﻫﻧﺎ أن ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﺗﺧﻠت ﻋن ﺳﯾﺎﺳﺗﻬﺎ ﺗﺟﺎﻩ اﻟدوﻟﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬وﻛذﻟك ﻧﺳت اﻟﻌداء‬ ‫اﻟﺗﻘﻠﯾدي ﺑﯾﻧﻬﺎ وﺑﯾن ﻓرﻧﺳﺎ)‪.(١‬‬

‫‪ (٢‬اﻟﺗﻘﺎرب اﻟﻔرﻧﺳﻲ اﻟﺑرﯾطﺎﻧﻲ واﻟروﺳﻲ ﻓﻲ أواﺋل اﻟﻘرن اﻟﻌﺷرﯾن‪ ،‬وﺗﻛوﯾن ﻣﻌﺳﻛر‬ ‫اﻟﺣﻠﻔﺎء ﻛرد ﻓﻌل ﻋﻠﻰ ﺗﻛوﯾن ﺣﻠف دول اﻟﻣﺣور‪ :‬ﻫذا اﻷﻣر أدى إﻟﻰ ﺗﻘﺎرب‬ ‫وﺟﻬﺎت اﻟﻧظر ﺑﯾن روﺳﯾﺎ اﻟﻌدو اﻟﺗﻘﻠﯾدي ﻟﻠرﺟل اﻟﻣرﯾض وﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﺑﺷﺎن ﺗﻘﺳﯾم‬ ‫اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ‪.‬‬ ‫أﻣﻼك اﻹﻣﺑراطورﯾﺔ ُ‬ ‫‪ (٣‬ﺗﺧوف ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺻﺎﻟﺣﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺷرق اﻷوﺳط‪ :‬ﻛﺎن ذﻟك واﺿﺣﺎً وﺑﺧﺎﺻﺔ‬ ‫ﺑﻌد اﻟﻣﺣﺎوﻻت اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ اﻟﻣدﻋوﻣﺔ ﻣن ﺟﺎﻧب أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ اﺧﺗراق ﻗﻧﺎة اﻟﺳوﯾس ﻓﻲ‬ ‫)‪(١‬اﻟﻣوﺳوﻋﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ اﻟﻣﯾﺳرة‪ ،‬ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣؤﻟﻔﯾن‪ ،‬ﻣﻛﺗﺑﺔ ﻟﺑﻧﺎن‪ ،‬ﺑﯾروت‪ ،‬ﻟﺑﻧﺎن ط‪١٩٨٥ ،٣‬م‪ ،‬ص‪.٨٥‬‬

‫‪- ٨٥ -‬‬


‫ﺑداﯾﺔ اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ‪ ،‬ﻓﻘد ﻗﺎم اﻟﺟﯾش اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﻲ ﺑﻣﺣﺎوﻟﺗﯾن ﻓﺎﺷﻠﺗﯾن‬ ‫ﻻﺧﺗراق ﻗﻧﺎة اﻟﺳوﯾس ﻓﻲ ﻋﺎم ‪١٩١٥‬م ﻟﻛن ﻫذﻩ اﻟﻣﺣﺎوﻻت ﻓﺷﻠت‪.‬‬ ‫‪ (٤‬ﺗﺧوف ﻓرﻧﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺻﺎﻟﺣﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻧطﻘﺔ اﻟﺷرق اﻷوﺳط‪ :‬ﻛﺎن اﻟﺑﺗرول ﻓﻲ ﺑداﯾﺔ‬ ‫ظﻬورﻩ واﻟﺛورات ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ﺗُرﯾد إﺧراج ﻓرﻧﺳﺎ ﻣن ﺑﻼد اﻟﻣﻐرب اﻟﻌرﺑﻲ وﻣﻧﺎطق‬ ‫أﺧرى ﻓﻲ ﺳورﯾﺎ وﻟﺑﻧﺎن؛ ﻛل ذﻟك دﻓﻊ ﻓرﻧﺳﺎ إﻟﻰ ﻋﻘد ﺻﻔﻘﺔ ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺔ ﻋرﺑﯾﺔ؛‬

‫وذﻟك ﺑﺳﺑب اﻟﻣﻔﺎوﺿﺎت اﻟﺑرﯾطﺎﻧﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬ﻟﻬذا ﻗﺎﻣت ﺑﺎﻻﺗﻔﺎق ﻣﻊ ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ‬ ‫ﻟﻠﺗﺄﻛﯾد ﻋﻠﻰ ﻣﺻﺎﻟﺣﻬﺎ ﻓﻲ ﺳورﯾﺎ وﻟﺑﻧﺎن‪.‬‬ ‫ﻣﺿﻣون اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﺳﺎﯾﻛس – ﺑﯾﻛو‪:‬‬ ‫اﺗﻔﻘت ﻛل ﻣن ﻓرﻧﺳﺎ وﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ وروﺳﯾﺎ اﻟﻘﯾﺻرﯾﺔ ﺳ اًر ﻋﻠﻰ اﻗﺗﺳﺎم أﻣﻼك‬ ‫اﻟرﺟل اﻟﻣرﯾض )اﻟدوﻟﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ( ﺑﻌد اﻟﻘﺿﺎء ﻋﻠﯾﻪ‪ ،‬وﺗم اﻻﺗﻔﺎق ﻋﻠﻰ أن ﺗﺣﺻل‬ ‫روﺳﯾﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻧطﻘﺔ أرﻣﯾﻧﯾﺎ اﻟﺗرﻛﯾﺔ اﻟﻐﻧﯾﺔ ﺑﺎﻟﻣﻌﺎدن‪ ،‬واﻟﻣﻧﺎﺟم‪ ،‬واﻟﻣﻠﺢ وﻣﻧﺎطق ﺣول‬ ‫اﺳطﻧﺑول‪ ،‬أﻣﺎ اﻷﻗﺎﻟﯾم اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬واﻟﺗﻲ ﺗﺷﻣل ﻣﻧطﻘﺔ اﻟﻬﻼل اﻟﺧﺻﯾب؛ ﻓﻘد اﺗﻔق ﻋﻠﻰ‬ ‫ﺗﻘﺳﯾﻣﻬﺎ ﺑﯾن ﻛل ﻣن ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ وﻓرﻧﺳﺎ‪ ،‬وذﻟك ﺣﺳب ﺛﻼﺛﺔ ﻣﺳﺗوﯾﺎت‪ :‬ﻧﻔوذ ﻣﺑﺎﺷر‪،‬‬ ‫وﻧﻔوذ ﻏﯾر ﻣﺑﺎﺷر‪ ،‬وﻣﻧطﻘﺔ دوﻟﯾﺔ‪ ،‬وذﻟك ﻛﻣﺎ ﯾﻠﻲ)‪:(١‬‬ ‫ﻧﺻﯾب ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ )ﻧﻔوذ ﻣﺑﺎﺷر وﻧﻔوذ ﻏﯾر ﻣﺑﺎﺷر(‪:‬‬ ‫أ( ﺗﺣﺻل ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺳم اﻟﺟﻧوﺑﻲ ﻣن اﻟﻌراق اﻟذي ﯾﻣﺗد ﻣن ﺷﻣﺎل ﺑﻐداد ﺣﺗﻰ‬ ‫ﻣﺻب دﺟﻠﺔ واﻟﻔرات ﺑﺻورة ﻣﺑﺎﺷرة‪ ،‬وأطﻠق ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟﻣﻧطﻘﺔ اﺳم اﻟﻣﻧطﻘﺔ‬ ‫اﻟﺣﻣراء‪.‬‬ ‫وﯾﺳﻣﺢ‬ ‫ب( ﺗﺣﺻل ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻔوذ ﻣﺑﺎﺷر ﻓﻲ ﻣﯾﻧﺎءي ﺣﯾﻔﺎ وﻋﻛﺎ ﻓﻲ ﻓﻠﺳطﯾن‪ُ ،‬‬ ‫ﻟﻔرﻧﺳﺎ ﺑﺎﺳﺗﺧدام ﻫذﯾن اﻟﻣﯾﻧﺎءﯾن‪.‬‬

‫ج( ﺗﺣﺻل ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻔوذ ﻏﯾر ﻣﺑﺎﺷر ﻓﻲ ﺷﻣﺎل اﻟﻌراق ﻣﺎ ﻋدا اﻟﻣوﺻل‪ ،‬ﻫذا‬ ‫ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﻧطﻘﺔ ﺷرق اﻷردن‪ ،‬وﺗُﺳﻣﻰ ﻫذﻩ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﺑﺎﻟﻣﻧطﻘﺔ )ب(‪ ،‬وﯾﺣق‬ ‫)‪ (١‬ﺧﻠﯾل ﻋﻠﻲ ﻣراد وآﺧرون‪" ،‬دراﺳﺎت ﻓﻲ اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻷورﺑﻲ اﻟﺣدﯾث واﻟﻣﻌﺎﺻر" ﺑﻐداد‪١٩٨٨ ،‬م‪ ،‬ص‪.٢٠٠‬‬

‫‪- ٨٦ -‬‬


‫ﻟﻠﻌرب أن ﯾﻘﯾﻣوا ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﺣﻛوﻣﺔ أو ﺣﻛوﻣﺎت‪ ،‬وﻟﻛن ﺑﺎﻟﺗﺷﺎور ﻣﻊ اﻟدوﻟﺔ‬ ‫ﺻﺎﺣﺑﺔ اﻟﻧﻔوذ ﻏﯾر اﻟﻣﺑﺎﺷر اﻟﺗﻲ ﺗﺳﺗطﯾﻊ اﺳﺗﻐﻼل واﺳﺗﺧدام اﻟﻣوارد اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ ﻓﻲ‬ ‫ﻫذﻩ اﻟﻣﻧطﻘﺔ)‪.(١‬‬ ‫ﻧﺻﯾب ﻓرﻧﺳﺎ ) ﻧﻔوذ ﻣﺑﺎﺷر وﻧﻔوذ ﻏﯾر ﻣﺑﺎﺷر(‪:‬‬ ‫أ( ﺗﺣﺻل ﻓرﻧﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻔوذ ﻣﺑﺎﺷر ﻓﻲ ﻣﻧطﻘﺔ ﺳورﯾﺎ اﻟﺳﺎﺣﻠﯾﺔ‪ ،‬ﻫذا ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ‬ ‫ﻣﻧطﻘﺗﻲ أﺿﻧﺔ وﻛﻠﯾﻛﯾﺔ اﻟﺗرﻛﯾﺗﯾن‪ ،‬وﺗُﺳﻣﻰ ﻫذﻩ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﺑﺎﻟﻣﻧطﻘﺔ اﻟزرﻗﺎء‪ .‬وﻣن‬ ‫اﻟﺟدﯾر ﺑﺎﻟذﻛر أن ﻣﯾﻧﺎء اﻷﺳﻛﻧدروﻧﺔ اﻟذي ﯾﻘﻊ ﺿﻣن ﻫذﻩ اﻟﻣﻧطﻘﺔ اُﺗﻔق ﻋﻠﻰ أن‬

‫ﯾﻛون ﺣ اًر وﻣﻔﺗوﺣﺎ أﻣﺎم اﻟﺳﻔن اﻟﺑرﯾطﺎﻧﯾﺔ‪.‬‬ ‫ب(‬

‫ﺗﺣﺻل ﻓرﻧﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻔوذ ﻏﯾر ﻣﺑﺎﺷر ﻓﻲ داﺧل ﺳورﯾﺎ‪ ،‬ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﻧطﻘﺔ‬

‫اﻟﻣوﺻل ﻓﻲ ﺷﻣﺎل اﻟﻌراق‪ ،‬وﺗُﺳﻣﻰ ﻫذﻩ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﺑﺎﻟﻣﻧطﻘﺔ )أ(‪ ،‬وﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣﻧطﻘﺔ‬

‫ُﯾﺳﻣﺢ ﻟﻠﻌرب إﻗﺎﻣﺔ إﻣﺎرات ﻋرﺑﯾﺔ ﺷﺑﻪ ﻣﺳﺗﻘﻠﺔ‪ ،‬وﻟﻛن ﺑﺎﻟﺗﺷﺎور ﻣﻊ اﻟدوﻟﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ‬ ‫ﺻﺎﺣﺑﺔ اﻟﻧﻔوذ ﻏﯾر اﻟﻣﺑﺎﺷر‪ ،‬واﻟﺗﻲ ﻻ ﺗﺳﺗطﯾﻊ اﺳﺗﻐﻼل واﺳﺗﺧدام اﻟﻣوارد اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ‬ ‫ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣﻧطﻘﺔ‪.‬‬ ‫اﻟﻣﻧﺎطق اﻟدوﻟﯾﺔ‪ :‬اﺗﻔﻘت اﻟدول اﻟﺛﻼث‪ :‬روﺳﯾﺎ‪ ،‬وﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ‪ ،‬وﻓرﻧﺳﺎ ﻋﻠﻰ أن ﺗﻛون‬ ‫ﻓﻠﺳطﯾن ﻣﻧطﻘﺔ دوﻟﯾﺔ ﻣﺎ ﻋدا ﻣﯾﻧﺎءي ﺣﯾﻔﺎ وﻋﻛﺎ‪ ،‬وﺗُﺳﻣﻰ ﻫذﻩ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﺑﺎﻟﻣﻧطﻘﺔ‬ ‫اﻟﺳوداء‪ .‬ﻧرى ﺟﻣﻠﺔ ﻫذﻩ اﻟﺗﻘﺳﯾﻣﺎت ﻓﻲ اﻟﺧرﯾطﺔ اﻟﻣوﺿﺣﺔ ﻓﻲ اﻟﺷﻛل رﻗم)‪(١‬‬

‫)‪ (١‬اﻧﺛروﺑوﻟوﺟﯾﺎ اﻟﺣدود ﻓﻲ اﻟوطن اﻟﻌرﺑﻲ‪ .‬اﻟﻣﺣرر‪ ،‬اﻟﻌدد ‪ ،٢١٨‬اﻟﻌدد ‪ ٢١٨‬اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ﻋﺷر ‪.٢٠٠٥‬‬

‫‪- ٨٧ -‬‬


‫اﻟﺷﻛل رﻗم )‪(١‬‬ ‫ﻧظرة ﺣول اﻟﻣﻌﺎﻫدة‪:‬‬ ‫إذا ﻧظرﻧﺎ إﻟﻰ ﻣﺿﻣون اﻟﻣﻌﺎﻫدة ﻧﺳﺗﻧﺗﺞ ﻣﺎ ﯾﻠﻲ‪:‬‬ ‫اﻟﻣﻌﺎﻫدة ﻗﺳﻣت اﻷﻗﺎﻟﯾم اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻘﻊ ﺿﻣن اﻟﻬﻼل اﻟﺧﺻﯾب إﻟﻰ ﻣﻧﺎطق‬ ‫ﻧﻔوذ ﻓرﻧﺳﯾﺔ وﺑرﯾطﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬وﻧﻼﺣظ أن ﻫذﻩ اﻻﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﻋﻛﺳت ﻣﺻﺎﻟﺢ ﻫﺎﺗﯾن اﻟدوﻟﺗﯾن‪ ،‬ﻓﻘد‬ ‫اﻫﺗﻣت ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﺑﺎﻟﻌراق وﻓﻠﺳطﯾن‪ ،‬أﻣﺎ ﻓرﻧﺳﺎ ﻓﻘد اﻫﺗﻣت ﺑﻣﺻﺎﻟﺣﻬﺎ ﻓﻲ ﺳورﯾﺎ‬ ‫وﻟﺑﻧﺎن‪.‬‬ ‫ﻧﻼﺣظ أن ﻫذﻩ اﻻﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﺗﺗﻌﺎرض ﻛﻠﯾﺎً ﻣﻊ ﺗﻌﻬدات ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﻟﻠﻌرب ﺣﺳب ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ‬ ‫ﻣﺣﺎدﺛﺎت ﻣﻛﻣﺎﻫون ﺣﺳﯾن‪ ،‬ﺗﺗﻌﺎرض ﻣﻊ اﻷﻣﺎﻧﻲ اﻟﻘوﻣﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻠﺧﺻت ﻓﻲ‬ ‫إﻗﺎﻣﺔ ﻣﻣﻠﻛﺔ ﻋرﺑﯾﺔ ﻣوﺣدة ﻋﻠﻰ اﻷﺟزاء اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻷﺳﯾوﯾﺔ‪.‬‬ ‫طر ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻻﺗﻔﺎﻗﯾﺔ‪:‬‬ ‫اﻟﺗﻌدﯾل اﻟذي أ‬ ‫اﻧﺗﻬت اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ﻋﺎم ‪١٩١٨‬م‪ ،‬وﻋﻘد ﻣؤﺗﻣر ﻓرﺳﺎي ﺳﻧﺔ‬ ‫‪١٩١٩‬م‪ ،‬وﺣﺿر ﻓﯾﺻل اﺑن اﻟﺷرﯾف ﺣﺳﯾن اﻟﻣؤﺗﻣر‪ ،‬وطﺎﻟب ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ ﻣﻣﻠﻛﺔ ﻋرﺑﯾﺔ‬ ‫ﻋﻠﻰ اﻷﺟزاء اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻷﺳﯾوﯾﺔ إﻻ أن ﻫذا اﻟﻣطﻠب ﻗد ُرﻓض ﻣن ِﻗﺑل ﻓرﻧﺳﺎ وﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ‬ ‫‪- ٨٨ -‬‬


‫اﻟﺗﻲ ﻟم ﺗﻔﯾﺎ ﺑﺗﻌﻬداﺗﻬﻣﺎ؛ وأﻗر اﻟﻣؤﺗﻣر ﻓﻛرة اﻻﻧﺗداب‪ ،‬ﻛذﻟك أﻗر ﻣﯾﺛﺎق ﻋﺻﺑﺔ اﻷﻣم‬ ‫ﻫذﻩ اﻟﻔﻛرة‪ .‬وﻓﻲ ﺳﻧﺔ‪١٩٢٠‬م‪ُ ،‬وﻗﻌت اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﺳﺎن رﯾﻣو اﻟﺗﻲ ﺟﺎءت ﻟﺗوزﯾﻊ اﻻﻧﺗداﺑﺎت‬ ‫ﻋﻠﻰ ﺑﻌض اﻷﻗﺎﻟﯾم اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﻷﺳﯾوﯾﺔ‪ ،‬واﻟﺗﻲ اﻧﺗزﻋت ﻣن اﻟدوﻟﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ ﺧﻼل‬ ‫اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ‪ ،‬وﻣن ﻫﻧﺎ ﺟﺎءت ﻣﻌﺎﻫدة ﺳﺎن رﯾﻣو ﻟﺗﻛرر ﻣﺎ اُﺗﻔق ﻋﻠﯾﻪ ﻓﻲ‬

‫ﻣﻌﺎﻫدة ﺳﺎﯾﻛس ﺑﯾﻛو ﻣﻊ ﺑﻌض اﻟﺗﻌدﯾﻼت اﻟطﻔﯾﻔﺔ)‪.(١‬‬ ‫وﻋد ﺑﻠﻔور‪١٩١٧ :‬م‬

‫وﻋد ﺑﻠﻔور‪ :‬ﻫو وﻋد وﺗﺻرﯾﺢ ﺗﺎرﯾﺧﻲ ﻗدﻣﻪ وزﯾر ﺧﺎرﺟﯾﺔ ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ )ﺑﻠﻔور( ﺳﻧﺔ‬ ‫‪١٩١٧‬م وﺑﺎﻟﻧﯾﺎﺑﺔ ﻋن اﻟﺣﻛوﻣﺔ اﻟﺑرﯾطﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬اﻟﺗﻲ وﻋدت ﺑﺈﻧﺷﺎء وطن ﻗوﻣﻲ ﻟﻠﯾﻬود ﻓﻲ‬ ‫ﻓﻠﺳطﯾن ﻣﺳﺗﻘﺑﻼً واﻟﻌﻣل ﻋﻠﻰ ﺣل ﻟﻣﺷﻛﻠﺗﻬم اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ اﻟﻣﺗﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﻬﺟﯾر‬ ‫واﻟﺷﺗﺎت‪.‬‬ ‫وﻟﻛن ﺑﺷروط‪:‬‬ ‫أ( ﻋدم اﻟﻣس ﺑﺎﻟﺣﻘوق اﻟدﯾﻧﯾﺔ واﻟﻣدﻧﯾﺔ ﻟﻠطواﺋف اﻟﻐﯾر ﯾﻬودﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ اﻷراﺿﻲ اﻟﺗﻲ‬ ‫ﺳﺗُﻣﻧﺢ ﻟﻠﯾﻬود‪.‬‬ ‫ب( ﻋدم اﻟﻣس ﺑﺎﻟﺣﻘوق اﻟدﯾﻧﯾﺔ‪ ،‬واﻟﻣدﻧﯾﺔ‪ ،‬واﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻟﻠﺟﺎﻟﯾﺎت اﻟﯾﻬودﯾﺔ ﻓﻲ دول‬ ‫اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬ ‫أﺳﺑﺎب إﺻدار وﻋد ﺑﻠﻔور‪:‬‬ ‫ﻋﻧدﻣﺎ ﻧﻧظر ﻣن ﺧﻠف ﻫذﻩ اﻟﻔﺗرة اﻟﻣﺗراﻣﯾﺔ ﻣﻧذ اطﻼق ﻫذا اﻟوﻋد وﺣﺗﻰ ﯾوﻣﻧﺎ ﻫذا‬ ‫ﯾﺟب أن ُﻧدرك أن ﻫذا اﻟوﻋد ﺻدر ﺑﺎﻟﺗواﻓق ﻣﻊ ﻣراﻛز ﺻﻧﺎﻋﺔ اﻟﻘرار واﻷﺑﺣﺎث‬ ‫اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺑﻼد اﻟﻐرﺑﯾﺔ أي أﻧﻪ ﺟﺎء ﻧﺗﯾﺟﺔ ﻟﺗواﻓق اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﯾﻬودﯾﺔ اﻟﺻﻬﯾوﻧﯾﺔ‬

‫واﻟﺻﻠﯾﺑﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻓﻲ وﻗت واﺣد‪ .‬ﻫذﻩ اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ ﻣﺎزاﻟت ﻗﺎﺋﻣﺔ إﻟﻰ اﻟﯾوم؛ وُﯾﻣﻛن‬ ‫إﺟﻣﺎل أﺳﺑﺎب ﺻدور ﻫذا اﻟوﻋد ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻠﻲ‪:‬‬

‫)‪ (١‬اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑق ص‪.٥٥‬‬

‫‪- ٨٩ -‬‬


‫‪ (١‬اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﺑرﯾطﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺷرق اﻷوﺳط‪ :‬إذ ﻗﺎل ﻫرﺑرت ﺻﻣوﺋﯾل‪" :‬ﻧﺣن ﻟﺑﯾﻧﺎ‬ ‫ﻣطﺎﻟب اﻟﯾﻬود ﻓﻲ ﻓﻠﺳطﯾن ﺑﻬذا ﻗد أوﺟدﻧﺎ ﺑﺟوار ﻣﺻر وﻗﻧﺎﺗﻬﺎ دوﻟﺔ ﻣواﻟﯾﺔ ﻟﻧﺎ"‪.‬‬ ‫ﻫﻧﺎ ﯾﻛﻣن اﻟﺳﺑب اﻟﺟوﻫري واﻟرﺋﯾﺳﻲ ﻹﺻدار وﻋد ﺑﻠﻔور‪ ،‬ﻓﻘد أرادت ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ‬ ‫اﻟﻣﺣﺎﻓظﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺻﺎﻟﺣﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺷرق اﻷوﺳط وﺣﺗﻰ اﻟﺷرق اﻷﻗﺻﻰ‪ ،‬وأن ﺗﺿﻊ ﻓﻲ‬ ‫ﻣﻧطﻘﺔ اﻟﺷرق اﻷوﺳط دوﻟﺔ ﺣﻠﯾﻔﺔ ﻣواﻟﯾﺔ ﻟﻬﺎ ﺗُﺣﺎﻓظ ﻋﻠﻰ ﻣﺻﺎﻟﺣﻬﺎ‪ ،‬وﺑﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ‬ ‫ﻣﻧطﻘﺔ ﻗﻧﺎة اﻟﺳوﯾس اﻟﺗﻲ ﺗرﺑطﻬﺎ ﺑﻣﺳﺗﻌﻣراﺗﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺷرق اﻷﻗﺻﻰ واﻟﻬﻧد)‪.(١‬‬

‫‪ (٢‬اﻟﺿﻐوط اﻟﺗﻲ ﻣﺎرﺳﻬﺎ اﻟﯾﻬود‪ :‬ﺗرﻛزت ﻫذﻩ اﻟﺿﻐوط ﻓﻲ ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ وﺧﺎرﺟﻬﺎ‪،‬‬ ‫وﺑﺧﺎﺻﺔ ﻣﺎ ﺑذﻟﻪ ﯾﻬود أﻣرﯾﻛﺎ‪ ،‬أﺻﺣﺎب اﻟﻣراﻛز اﻟﻬﺎﻣﺔ ﻓﻲ اﻟوﻻﯾﺎت اﻟﻣﺗﺣدة‪،‬‬ ‫وﻫؤﻻء ﻗﺎﻣوا ﺑﺎﻟﺿﻐط ﻋﻠﻰ اﻟرﺋﯾس اﻷﻣرﯾﻛﻲ )وﯾﻠﺳون( واﻟﻛوﻧﺟرس اﻷﻣرﯾﻛﻲ ﻟﻠﻘﯾﺎم‬ ‫ﺑﺎﻟﺿﻐط ﻋﻠﻰ ﺣﻛوﻣﺔ ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﻟﻣﻧﺢ اﻟﯾﻬود وطﻧﺎً ﻗوﻣﯾﺎ ﻓﻲ ﻓﻠﺳطﯾن‪.‬‬ ‫‪ (٣‬ﻣﻛﺎﻓﺋﺔ ﻟﻠﯾﻬود اﻟذﯾن وﻗﻔوا إﻟﻰ ﺟﺎﻧب ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﻓﻲ اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ‪ :‬ﻣن ﺧﻼل‬ ‫دراﺳﺔ اﻟﺳﯾرة اﻟذاﺗﯾﺔ ﻟﺣﺎﯾﯾم واﯾزﻣﺎن اﻟﺑروﻓﺳور ﻓﻲ اﻟﻛﯾﻣﯾﺎء اﻟذي اﺧﺗرع ﻣﺎدة‬ ‫اﻻﺳﺗون ﺷدﯾدة اﻻﻧﻔﺟﺎر وﻣﻧﺣﻬﺎ ﻟﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ دون ﻣﻘﺎﺑل أﺛر ﺑﺎﻟﻎ ﻓﻲ و ازرة اﻟﺣرب‬ ‫اﻟﺑرﯾطﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﺗﻌﺎطﻔﻬم ﻣﻊ ﻣﻧﺢ اﻟﯾﻬود ﻗطﻌﺔ أرض ﯾﻘﯾﻣوا ﻋﻠﯾﻬﺎ وطن ﻫو ﻓﻲ ﻧﻔس‬ ‫اﻟوﻗت اﻣﺗداد ﻟﻣﺻﺎﻟﺢ ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﺑﻼد‪.‬‬ ‫‪ (٤‬اﻟﻌطف ﻋﻠﻰ اﻟﯾﻬود‪ :‬ﺣﯾث ﯾﻌﺗﻘد اﻟﺑﻌض أن اﻟﺗﺻرﯾﺢ ﻛﺎن ﺑﻣﺛﺎﺑﺔ ﺗﺻرﯾﺢ ﻋطف‬ ‫ﻋﻠﻰ اﻟﯾﻬود‪ ،‬وذﻟك ﺑﺳﺑب ﺗﻌﺎظم اﻟﻼﺳﺎﻣﯾﺔ ﻓﻲ أواﺧر اﻟﻘرن اﻟﺗﺎﺳﻊ ﻋﺷر وﺑداﯾﺔ‬ ‫اﻟﻘرن اﻟﻌﺷرﯾن‪ ،‬وﺑﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺷرق أوروﺑﺎ وروﺳﯾﺎ ﺑﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻓﺗرة اﻟﻘﯾﺻر اﺳﻛﻧدر‬ ‫اﻟﺛﺎﻟث وﻧﯾﻘوﻻ اﻟﺛﺎﻧﻲ‪.‬‬ ‫‪ (٥‬أرادت ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﻛﺳب ﯾﻬود اﻟﻌﺎﻟم‪ :‬ﻓﻲ ذﻟك اﻟوﻗت وﺣﺗﻰ اﻵن ﻛﺎن اﻟﯾﻬود ﻫم‬ ‫اﻟﻣﺳﯾطرون ﻋﻠﻰ اﻟﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﻣﺎﻟﯾﺔ واﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ وﻣراﻛز اﻹﻋﻼم وﻫذا ﯾﻌﻧﻲ‬ ‫ﺳﯾطرﺗﻬم ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺣرﻛﺎت اﻟﺗﻧﻣوﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺳﯾطرﺗﻬم ﻋﻠﻰ ﻧﺗﺎﺋﺞ‬ ‫)‪ (١‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق‪ ،‬ﻋﻣر ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز‪.‬‬

‫‪- ٩٠ -‬‬


‫اﻻﻧﺗﺧﺎﺑﺎت ﻋن طرﯾق اﻟﺳﻣﺎح ﻟﻣواﻟﯾﻬم ﺑﺎﻟظﻬور ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟوﺳﺎﺋل وﺗﻠﻣﯾﻌﻬم‬ ‫ٕواظﻬﺎرﻫم ﺑﺎﻟﺻورة اﻟﺗﻲ ﺗﺟﻌل رﻋﺎﯾﺎﻫم ﯾﻧﺗﺧﺑوﻧﻬم وﯾﺻوﺗوا ﻟﺻﺎﻟﺣﻬم ﻓﻲ أي‬ ‫اﻧﺗﺧﺎﺑﺎت ﺣرة‪ .‬ﻣن ﻫﻧﺎ ﻧﺳﺗطﯾﻊ أن ﻧﺗﻔﻬم ﺳﺑب رﻏﺑﺔ ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﻓﻲ اﺟﺗذاب اﻟﯾﻬود‬ ‫ﻟﺻﻔﻬم وﻟﻼﻧﺿﻣﺎم إﻟﻰ ﺟﺎﻧب اﻟﺣﻠﻔﺎء ﺧﻼل اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ‪ ،‬أي أﻧﻬﺎ أرادت‬ ‫ﺗﺄﯾﯾد اﻟﯾﻬود داﺧل ﺣﻠف اﻟﻣﺣور)‪ ،(١‬ورﻏﺑت ﺑﺗﺄﯾﯾد ﯾﻬود روﺳﯾﺎ ﻛذﻟك‪ ،‬وﺑﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌد‬ ‫اﻟﺛورة اﻟﺷﯾوﻋﯾﺔ‪ ،‬ﻛﻣﺎ أرادت أﯾﺿﺎ ﻛﺳب ُود ﯾﻬود اﻟوﻻﯾﺎت اﻟﻣﺗﺣدة‪ ،‬ﻟﻬذا أﺳرﻋت‬ ‫ﺑﺈﺻدار ﻫذا اﻟوﻋد؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧت ﺗﺧﺷﻰ أن ﺗﻘوم أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ ﺑﺈﺻدار وﻋد ﻣﻣﺎﺛل‪ ،‬اﻷﻣر‬ ‫اﻟذي ﯾؤدي إﻟﻰ ﻓﻘدان ﺗﺄﯾﯾد ﯾﻬود اﻟﻌﺎﻟم ﻟﻬﺎ‪ .‬ﺳﺑﺣﺎن اﷲ ﺳﺑﺎق ﺑﯾن أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ وﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ‬ ‫اﻟﻌظﻣﻰ آﻧذاك‪.‬‬ ‫ﻋﻠﻰ إرﺿﺎء اﻟﯾﻬود ﻓﺗﻔوز ﺑﻬذا اﻟﺳﺑﺎق ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ُ‬ ‫أﻫﻣﯾﺔ اﻟوﻋد ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﺷﻌب اﻟﯾﻬودي‪:‬‬ ‫وﯾﻌﺗﺑر ﻧﻘطﺔ ﺗﺣول‬ ‫ﯾﺗﻼءم اﻟوﻋد ﻓﻲ ﻧظر اﻟﯾﻬود ﻣﻊ اﻷﻣﺎﻧﻲ اﻟﻘوﻣﯾﺔ اﻟﯾﻬودﯾﺔ‪ُ ،‬‬

‫ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺷﻌب اﻟﯾﻬودي‪ ،‬وﺑداﯾﺔ ﻟﺗﺣﻘﯾق اﻷﻣل اﻟﯾﻬودي ﻓﻲ إﻗﺎﻣﺔ اﻟدوﻟﺔ‪.‬‬ ‫اﻟوﻋد ﻓﻲ ﻧظر اﻟﻌرب‪:‬‬

‫ﯾﺗﻧﺎﻗض اﻟوﻋد ﻣﻊ اﻷﻣﺎﻧﻲ اﻟﻘوﻣﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬ذﻟك ﻷن ﻫذا اﻟوﻋد ﯾﺗﻧﺎﻗض ﻣﻊ‬ ‫ﻣﺣﺎدﺛﺎت ﻣﻛﻣﺎﻫون ﺣﺳﯾن ﻓﻲ ﻋﺎم ‪١٩١٥‬م‪ ،‬ذﻟك ﻷن ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﻛﺎﻧت ﻗد وﻋدت‬ ‫اﻟﺷرﯾف ﺣﺳﯾن ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ دوﻟﺔ ﻋرﺑﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﺟزاء اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻷﺳﯾوﯾﺔ‪ ،‬واﻋﺗﺑر اﻟﺷرﯾف‬ ‫ﺣﺳﯾن أن ﻓﻠﺳطﯾن ﻫﻲ ﺟزء ﻣن اﻷﻗﺎﻟﯾم اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬ﻟﻬذا اﻋﺗﺑر اﻟﻌرب أن وﻋد ﺑﻠﻔور ﻫو‬ ‫وﻋد ﻏﯾر ﺷرﻋﻲ؛ ﻷﻧﻪ وﻋد ﻟﻸﻣﺔ واﻟﺷﻌب اﻟﯾﻬودي ﻋﻠﻰ ﺣﺳﺎب اﻷﻣﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ أو‬ ‫اﻟﺷﻌب اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﻲ‪.‬‬ ‫ﻛذﻟك ﻧﻼﺣظ أن اﻧﺟﻠﺗ ار أرت ﻓﻲ اﻟﻌرب طواﺋف وﻟﯾس ﺷﻌب ﻛﻣﺎ ظﻬر ﻓﻲ ﻧص‬ ‫اﻟوﻋد‪ ،‬ﻫذا اﻟﺗﺻرﯾﺢ )اﻟوﻋد( ﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻟﻌرب اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﯾﯾن ﻛطواﺋف أو أﻗﻠﯾﺎت ﻓﻲ‬ ‫اﻟﺑﻼد وﻟﯾس ﺷﻌب‪ ،‬اﻷﻣر اﻟذي ُﯾﺧﺎﻟف واﻗﻊ اﻷﻣر؛ ﻻن اﻟﻌرب ﻓﻲ ﻓﻠﺳطﯾن ﻛﺎﻧوا‬ ‫)‪ (١‬ﺑﯾﺗر ﺗﺎﯾﻠور وﻛوﻟن ﻓﻠﻧت‪ ،‬اﻟﺟﻐراﻓﯾﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻟﻌﺎﻟﻣﻧﺎ اﻟﻣﻌﺎﺻر‪ ،‬ﺗرﺟﻣﺔ‪ :‬ﻋﺑد اﻟﺳﻼم رﺿوان ٕواﺳﺣﺎق‬ ‫ﻋﺑﯾد‪ ،‬ﺳﻠﺳﻠﺔ ﻋﺎﻟم اﻟﻣﻌرﻓﺔ‪ ،‬اﻟﻛوﯾت‪٢٠٠٣ ،‬م‪.‬‬

‫‪- ٩١ -‬‬


‫ﯾﺷﻛﻠون ‪ %٩١‬ﻣن اﻟﺳﻛﺎن ﻓﻲ ﺣﯾن أطﻠق اﻟﺗﺻرﯾﺢ ﻋﺑﺎرة )اﻟﺷﻌب اﻟﯾﻬودي( ﻋﻠﻰ‬ ‫اﻟﯾﻬود اﻟﻣﺷﺗﺗﯾن ﻓﻲ أﻧﺣﺎء اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬ ‫ﻧﺣن ﻧﻼﺣظ ﻓﻲ ﻫذا اﻟوﻋد‪:‬‬ ‫وﯾظﻬر أن‬ ‫ وﺟود اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻛﻠﻣﺎت اﻟﻣﺑﻬﻣﺔ اﻟﻐﺎﻣﺿﺔ ﻓﻲ ﻧص اﻟوﻋد‪ُ ،‬‬‫اﻟﻐﻣوض ُوﺿﻊ ﻋن ﻗﺻد‪ ،‬ﻟﻛﻲ ُﯾﻔﺳر ُﺑطرق ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪ ،‬وذﻟك ﺣﺳب رﻏﺑﺎت‬ ‫اﻷطراف اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪.‬‬

‫ ﻫﻧﺎك ﺑﻌض اﻟﻣؤرﺧﯾن اﻟﻌرب ﯾرون أن ﻫذا اﻟوﻋد ﻏﯾر ﻗﺎﻧوﻧﻲ وﻏﯾر ﺷرﻋﻲ؛‬‫ذﻟك ﻻن ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﻟم ﺗﻛن ﻟﻬﺎ أي ﺳﯾﺎدة ﻋﻠﻰ ﻓﻠﺳطﯾن ﺣﯾن ﺻدور اﻟوﻋد‪،‬‬ ‫اﻷﻣر اﻟذي ﯾﺟﻌل اﻟوﻋد ﺑﺎطﻼ ﻗﺎﻧوﻧﯾﺎ‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اﻟﻣؤﺗﻣرات وﺗﺳوﯾﺎت اﻟﺻﻠﺢ اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻷﻗطﺎر اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺑﻌد اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ‬ ‫اﻷوﻟﻰ‪:‬‬ ‫ﺑﻌد اﻧﺗﻬﺎء اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ﻋﻘدت دول اﻟﺣﻠﻔﺎء ﻣؤﺗﻣ اًر دوﻟﯾﺎً ﻟﻣﻌﺎﻟﺟﺔ‬ ‫اﻟﻣﺷﺎﻛل اﻟﺗﻲ ﺳﺑﺑت اﻧدﻻع اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ﻓﻘد ُﻋﻘد ﻫذا اﻟﻣؤﺗﻣر ﻓﻲ ﻗﺎﻋدة‬

‫ﻓرﺳﺎي ﻓﻲ ﺑﺎرﯾس ﻋﺎم ‪١٩١٩‬م‪ ،‬ﺣﺿر ﻫذا اﻟﻣؤﺗﻣر ﻛل ﻣن رﺋﯾس وزراء ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ‬ ‫ﻟوﯾد ﺟورج ورﺋﯾس وزراء ﻓرﻧﺳﺎ ﻛﻠﯾﻣﺎﻧﺻو واﻟرﺋﯾس اﻷﻣرﯾﻛﻲ وﯾﻠﺳون‪ .‬وﻟﻘد اﺧﺗﻠﻔت‬ ‫ﻣواﻗف اﻟﻣؤﺗﻣرون ﺣول ﺗﻘرﯾر ﻣﺻﯾر اﻷﻗطﺎر اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ‬ ‫اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ وذﻟك ﺑﺳﺑب ﻣﺷﺎﻛل ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﺗﻣﺛﻠت ﻓﻲ اﻟﺗﻧﺎﻗض ﻓﻲ اﻻﺗﻔﺎﻗﯾﺎت اﻟﻣﺑرﻣﺔ ﺑﯾن‬ ‫ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ وﺣﻠﻔﺎﺋﻬﺎ ﻣﺛل ﻣطﺎﻟب اﻟﯾﻬود واﻟﻌرب‪ .‬ﻋﻠق اﻟﻌرب آﻣﺎل ﻛﺑﯾرة ﻋﻠﻰ ﻣؤﺗﻣر‬ ‫ﻓرﺳﺎي إﻻ إن آﻣﺎﻟﻬم ﺧﺎﺑت ﻋﻧدﻣﺎ اﺗﺿﺢ ﻟﻬم أن ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ وﻓرﻧﺳﺎ ﻋﺎزﻣﺗﺎن ﻋﻠﻰ‬ ‫اﻟﺳﯾطرة ﻋﻠﻰ اﻷﻗطﺎر اﻟﻌرﺑﯾﺔ)‪.(١‬‬

‫)‪ (١‬ﺣﺳن ﻣؤﻧس "اﻟﺷرق اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺻر اﻟﺣدﯾث"‪ ،‬ﻣطﺑﻌﺔ ﺣﺟﺎزي اﻟﻘﺎﻫرة اﻟطﺑﻌﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ‪١٩٣٨ ،‬م ص‬ ‫‪.٢٠٦‬‬

‫‪- ٩٢ -‬‬


‫وﺣدﺛت ﻣؤﺗﻣرات ﻛﺛﯾرة ﻛﺎن اﻟﻬدف اﻟﻛﻠﻲ ﻣﻧﻬﺎ ﻫو اﻟﺑﺣث ﻓﻲ ُﺳﺑل إﻧﺟﺎح اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ‬ ‫ﺳﯾﻛس ﺑﯾﻛو أي اﻟﺣﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟدول اﻟ ُﻛﺑرى آﻧذاك‪.‬‬ ‫اﻟظروف اﻟﺗﻲ ﻫﯾﺄت ﻟﻌﻘد ﻫذا اﻟﻣؤﺗﻣر‪:‬‬ ‫‪ (١‬اﻧﺗﻬﺎء اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ﺑﺎﻧﺗﺻﺎر اﻟﺣﻠﻔﺎء‪ ،‬وﻫزﯾﻣﺔ أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ‪ ،‬واﻧﻬﯾﺎر‬ ‫اﻹﻣﺑراطورﯾﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬اﻷﻣر اﻟذي ﺳﺎﻋد ﻋﻠﻰ ﺗﻧﻔﯾذ اﻟﺧطط اﻟﺗﻲ وﺿﻌت ﺧﻼل‬ ‫اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ظﻬر ﻓﻲ اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﺳﺎﯾﻛس ﺑﯾﻛو‪.‬‬ ‫‪ (٢‬ﻋودة اﻟوﻻﯾﺎت اﻟﻣﺗﺣدة إﻟﻰ ﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟﻌزﻟﺔ‪ ،‬واﻟﺣﯾﺎد‪ ،‬وﻓﺷل اﻟرﺋﯾس وﯾﻠﺳون ﻓﻲ‬ ‫اﻻﻧﺗﺧﺎﺑﺎت‪ ،‬اﻷﻣر اﻟذي ﺳﻣﺢ ﻟﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ وﻓرﻧﺳﺎ أن ﺗﻘوم ﻛل ﻣﻧﻬﻣﺎ ﺑﺗﻧﻔﯾذ ﻣﺎ اﺗﻔق‬ ‫ﻋﻠﯾﻪ ﻓﻲ ﺳﺎﯾﻛس ﺑﯾﻛو ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻣﻧطﻘﺔ اﻟﻬﻼل اﻟﺧﺻﯾب ﻓﻲ اﻟﺷرق اﻷوﺳط‪.‬‬ ‫‪ (٣‬ظﻬور ﻋﺻﺑﺔ اﻷﻣم‪ ،‬وذﻟك ﺣﺳب اﻗﺗراﺣﺎت وﯾﻠﺳون ﻓﻲ ﻧﻘﺎطﻪ اﻟراﺑﻌﺔ ﻋﺷر‬ ‫ﺣﯾث وﺿﻊ ﻣﯾﺛﺎق ﻟﻬذﻩ اﻟﻌﺻﺑﺔ‪ ،‬وﻗد ﺗﻛﻠم اﻟﻣﯾﺛﺎق ﻋن ﻓﻛرة اﻻﻧﺗداب‪.‬‬ ‫‪ (٤‬ﺗوﺗر اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑﯾن ﺳورﯾﺎ وﻓرﻧﺳﺎ‪ ،‬وذﻟك ﺑﻌد ﻧﺟﺎح ﻓﯾﺻل اﺑن اﻟﺷرﯾف ﺣﺳﯾن‬ ‫ﺑﺗﺣرﯾر ﺳورﯾﺎ‪ ،‬واﻹﻋﻼن ﻋن ﻧﻔﺳﻪ ﻣﻠﻛﺎ ﻋﻠﻰ ﺳورﯾﺎ ﻣطﺎﻟﺑﺎ ﺑﺗﻧﻔﯾذ اﻟوﻋود اﻟﺗﻲ‬ ‫ﻗطﻌﺗﻬﺎ ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺳﻬﺎ‪ ،‬وذﻟك ﺣﺳب اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﻣﻛﻣﺎﻫون‪-‬ﺣﺳﯾن‪ ،‬وﻗد ﺗﺧوﻓت‬ ‫ﻓرﻧﺳﺎ ﻣن ﻫذﻩ اﻟﺗطورات‪ ،‬ﻓﺄرادت طرد ﻓﯾﺻل ﻣن ﺳورﯾﺎ‪ ،‬وﺗﻧﻔﯾذ ﻣﺧططﺎﺗﻬﺎ‬ ‫اﻻﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ ﻣﺗﺟﺎﻫﻠﺔ اﻷﻣﺎﻧﻲ اﻟﻘوﻣﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪.‬‬ ‫أﻫم ﻗ اررات ﻣؤﺗﻣر ﺳﺎن رﯾﻣو‪:‬‬ ‫اﺗﻔق ﻓﻲ ﺳﺎن رﯾﻣو ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺳﯾم ﻣﻧطﻘﺔ اﻟﻬﻼل اﻟﺧﺻﯾب‪ ،‬وﺗوزﯾﻊ اﻻﻧﺗداﺑﺎت ﻛﻣﺎ ﯾﻠﻲ‪:‬‬ ‫‪ (١‬ﺗﺣﺻل ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﻋﻠﻰ اﻧﺗداب اﻟﻌراق وﺷرﻗﻲ اﻷردن وﻓﻠﺳطﯾن وﻟﻛن ﻣﻊ ﻣراﻋﺎة‬ ‫وﻋد ﺑﻠﻔور‬ ‫‪ (٢‬ﺗﺣﺻل ﻓرﻧﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﺳورﯾﺎ وﻟﺑﻧﺎن ﻛﻣﻧﺎطق اﻧﺗداب‪.‬‬

‫‪- ٩٣ -‬‬


‫‪ (٣‬ﺗﺗﻧﺎزل ﻓرﻧﺳﺎ ﻋن ﻣﻧطﻘﺔ اﻟﻣوﺻل اﻟﻐﻧﯾﺔ ﺑﺎﻟﺑﺗرول ﻟﺻﺎﻟﺢ ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﺑﺷرط أن‬ ‫ﺗﺣﺻل ﻓرﻧﺳﺎ ﻋﻠﻰ ‪ ٢٥%‬ﻣن أﺳﻬم أو إﻧﺗﺎج اﻟﻧﻔط‪ ،‬وﺗﺳﻣﺢ ﺑﺿﺦ اﻟﻧﻔط ﻋﺑر‬ ‫اﻷﻧﺎﺑﯾب اﻟﺗﻲ ﺗﻣر ﻓﻲ ﺳورﯾﺎ وﻟﺑﻧﺎن ﺣﺗﻰ ﺷواطﺊ اﻟﺑﺣر اﻟﻣﺗوﺳط‪.‬‬ ‫‪ (٤‬ﺗم اﻻﻋﺗراف ﺑﺎﻟﺷرﯾف ﺣﺳﯾن ﻣﻠﻛﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﺣﺟﺎز ﻓﻘط‪ ،‬وﻟﯾس ﻋﻠﻰ اﻟﻌرب‪.‬‬ ‫طرت ﻋﻠﻰ اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﺳﺎﯾﻛس ﺑﯾﻛو ﻓﻲ ﺳﺎن رﯾﻣو‪:‬‬ ‫اﻟﺗﻌدﯾﻼت اﻟﺗﻲ أ‬ ‫‪ (١‬ﻧﻼﺣظ أن ﻣﻧطﻘﺔ اﻟﻣوﺻل ﻛﺎﻧت ﺿﻣن اﻟﻧﻔوذ اﻟﻐﯾر ﻣﺑﺎﺷر اﻟﻔرﻧﺳﻲ ﺣﺳب‬ ‫اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﺳﺎﯾﻛس ﺑﯾﻛو‪ ،‬أﻣﺎ ﻓﻲ ﺳﺎن رﯾﻣو ﻓﻘد ﺗﻧﺎزﻟت ﻓرﻧﺳﺎ ﻋن ﻫذﻩ اﻟﻣﻧطﻘﺔ‬ ‫ﻟﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﻣﻘﺎﺑل ‪ %٢٥‬ﻣن ﻋﺎﺋدات اﻟﺑﺗرول ﻓﻲ اﻟﻣوﺻل‪.‬‬ ‫‪ (٢‬اُﺗﻔق ﻋﻠﻰ أن ﺗﻛون ﻓﻠﺳطﯾن ﻣﻧطﻘﺔ دوﻟﯾﺔ ﺣﺳب اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﺳﺎﯾﻛس ﺑﯾﻛو‪ ،‬وﻓﻲ ﺳﺎن‬ ‫رﯾﻣو وﻗﻌت ﻓﻠﺳطﯾن ﺗﺣت اﻻﻧﺗداب اﻟﺑرﯾطﺎﻧﻲ وﻟﻛن ﻣﻊ ﻣراﻋﺎة وﻋد ﺑﻠﻔور‪.‬‬ ‫‪ (٣‬إذا ﻧظرﻧﺎ إﻟﻰ اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﺳﺎﯾﻛس ﺑﯾﻛو ُﻧﻼﺣظ أن اﻟﻌراق وﺷرﻗﻲ اﻷردن ﻛﺎﻧﺗﺎ ﺗﺣت‬ ‫اﻟﻧﻔوذ اﻟﻣﺑﺎﺷر واﻟﻐﯾر ﻣﺑﺎﺷر ﻟﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ‪ .‬أﻣﺎ ﻓﻲ ﺳﺎن رﯾﻣو ﻓﻘد أﺻﺑﺣت ﻫذﻩ‬ ‫اﻷﻗﺎﻟﯾم ﺗﺣت اﻻﻧﺗداب ﻟﺑرﯾطﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺗﻌدﯾل ﻫﻧﺎ ﻓﻲ ﻛﻠﻣﺔ اﻻﻧﺗداب ﻓﻘط‪.‬‬ ‫‪ (٤‬ﻧﻼﺣظ أﯾﺿﺎ أن ﺳورﯾﺎ وﻟﺑﻧﺎن أﺻﺑﺣﺗﺎ ﺗﺣت اﻻﻧﺗداب اﻟﻔرﻧﺳﻲ ﺑﯾﻧﻣﺎ اُﺗﻔق ﻓﻲ‬ ‫ﺳﺎﯾﻛس ﺑﯾﻛو ﻋﻠﻰ أن ﺗﻛون ﻫﺎﺗﺎن اﻟﻣﻧطﻘﺗﺎن ﺗﺣت اﻟﻧﻔوذ اﻟﻣﺑﺎﺷر واﻟﻐﯾر ﻣﺑﺎﺷر‬ ‫اﻟﻔرﻧﺳﻲ‪.‬‬ ‫ﻗررات ﺳﺎن رﯾﻣو‪:‬‬ ‫رد ﻓﻌل اﻟﻌرب ﻋﻠﻰ ا‬ ‫ﺟزت وﻗﺳﻣت اﻷﻗﺎﻟﯾم اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬ﻫذﻩ اﻟﻘ اررات ﺗﺗﻧﺎﻓﻰ ﻣﻊ‬ ‫ﻗ اررات ﺳﺎن رﯾﻣو أ‬ ‫اﻷﻣﺎﻧﻲ اﻟﻘوﻣﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬وﺗﺗﻧﺎﻗض ﻣﻊ اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﻣﻛﻣﺎﻫون‪-‬ﺣﺳﯾن‪ .‬ﻟﻬذا ﺷﻌر اﻟﻌرب‬ ‫ﺑﺎﻹﻫﺎﻧﺔ واﻟﻐدر‪ ،‬وﻣن ﻫﻧﺎ ﺑدأت اﻟﺗﻣردات‪ ،‬واﻻﺣﺗﺟﺎﺟﺎت‪ ،‬واﻟﻣظﺎﻫرات‪،‬‬ ‫واﻟﻣﺻﺎدﻣﺎت‪ ،‬واﻻﺷﺗﺑﺎﻛﺎت ﺑﯾن اﻟﻘوى اﻟوطﻧﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬وﺑﯾن ﺟﯾوش اﻻﻧﺗداب‪ .‬ﻓﻔﻲ‬ ‫اﻟﻌراق ﺣدﺛت ﻣﺻﺎدﻣﺎت ﻋﺳﻛرﯾﺔ‪ ،‬وﻛذﻟك ﻓﻲ ﻓﻠﺳطﯾن‪ ،‬أﻣﺎ ﻓﻲ ﺳورﯾﺎ ﻓﻘد ﺗﺣدى‬ ‫اﻟﺳورﯾون ﻗ اررات ﻣؤﺗﻣر ﺳﺎن رﯾﻣو‪ ،‬وﻋﯾﻧوا ﻓﯾﺻل ﻣﻠﻛﺎ ﻋﻠﯾﻬم‪ ،‬ورﻓﺿت ﻓرﻧﺳﺎ ذﻟك‪،‬‬ ‫‪- ٩٤ -‬‬


‫وﺟﺎءت ﺑﺟﯾوﺷﻬﺎ ﺑﻘﯾﺎدة اﻟﺟﻧرال ﺟورو‪ ،‬واﺷﺗﺑﻛت ﻫذﻩ اﻟﺟﯾوش ﻣﻊ اﻟﺟﯾش اﻟﺳوري ﻓﻲ‬ ‫ﺳﻬل ﻣﯾﺳﻠون ﺑﺎﻟﻘرب ﻣن دﻣﺷق‪ ،‬واﻧﺗﻬت ﻫذﻩ اﻟﻣﻌرﻛﺔ ﺑﻬزﯾﻣﺔ اﻟﺟﯾش اﻟﺳوري‪،‬‬ ‫واﺳﺗﺷﻬﺎد ﯾوﺳف اﻟﻌظﻣﺔ وزﯾر اﻟﺣرﺑﯾﺔ ﻓﻲ ﺣﻛوﻣﺔ ﻓﯾﺻل‪ .‬وﻫرب ﻓﯾﺻل ﻣن ﺳورﯾﺎ‬ ‫إﻟﻰ ﻟﻧدن‪ ،‬وﻫﻛذا اﻧﺗﻬﻰ اﻟﺣﻛم اﻟﻬﺎﺷﻣﻲ ﻓﻲ ﺳورﯾﺎ)‪.(١‬‬ ‫ﻛﺎﻧت ﻣﻌرﻛﺔ ﻣﯾﺳﻠون ﻓﺎﺗﺣﺔ ﻟﺳﻠﺳﻠﺔ ﻣن اﻟﺛورات اﻟوطﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻗﺎﻣت ﻓﻲ ﺳورﯾﺎ ﻓﻲ‬ ‫ﻓﺗرة اﻻﻧﺗداب اﻟﻔرﻧﺳﻲ‪.‬‬ ‫ﻣؤﺗﻣر اﻟﻘﺎﻫرة ‪:١٩٢١‬‬ ‫ﻧﺗﯾﺟﺔ ﻟﺗطورات واﻷﺣداث اﻟﺗﻲ ﺷﻬدﺗﻬﺎ اﻷﻗطﺎر اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺑﻌد اﻹﻋﻼن ﻋن‬ ‫ﻗ اررات ﻣؤﺗﻣر ﺳﺎن رﯾﻣو ﺗﺧوﻓت ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﻣن ﻫذﻩ اﻷﺣداث ﻓﻌﻠﻰ إﺛر ذﻟك ُﻋﻘد‬

‫ﻣؤﺗﻣر اﻟﻘﺎﻫرة ﺳﻧﺔ ‪١٩٢١‬م ﺑرﺋﺎﺳﺔ وﻧﺳﺗون ﺗﺷرﺗﺷل وزﯾر اﻟﻣﺳﺗﻌﻣرات اﻟﺑرﯾطﺎﻧﻲ‪،‬‬ ‫وﺣﺿر ﻫذا اﻟﻣؤﺗﻣر ﺑﻌض اﻟﻘﺎدة اﻟﻌرب‪.‬‬ ‫اﻷﺳﺑﺎب اﻟﺗﻲ أدت ﻟﻌﻘد ﻣؤﺗﻣر اﻟﻘﺎﻫرة‪:‬‬ ‫‪ (١‬ﺗﺧوف ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺻﺎﻟﺣﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻧطﻘﺔ اﻟﺷرق اﻷوﺳط ﻓﻲ أﻋﻘﺎب ﻗﯾﺎم‬

‫اﻻﺿطراﺑﺎت واﻟﻌﺻﯾﺎن ﻓﻲ اﻟﻌراق وﻓﻠﺳطﯾن اﺣﺗﺟﺎﺟﺎ ﻋﻠﻰ ﻗ اررات ﺳﺎن رﯾﻣو‪،‬‬ ‫ﻟﻬذا أرادت ﺗﻬدﺋﺔ اﻟﻌرب ﺑﻌد أن ﺧﺳرت ﺑﻌض ﻣن ﺟﻧودﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻌراق وﻓﻠﺳطﯾن‪.‬‬ ‫‪ (٢‬ﺗوﺗر اﻷوﺿﺎع ﺑﯾن ﻓرﻧﺳﺎ وﺳورﯾﺎ‪ ،‬وﻫزﯾﻣﺔ ﻓﯾﺻل ﻓﻲ ﻣﻌرﻛﺔ ﻣﯾﺳﻠون‪ ،‬وﻫروﺑﻪ‬ ‫إﻟﻰ ﻟﻧدن‪ ،‬وأرادت أن ﻻ ﯾﺣدث ﺗﺻﺎدم ﺟدﯾد ﺑﯾن ﻓرﻧﺳﺎ واﻟﻌرب اﻟذﯾن ﻛﺎﻧوا‬ ‫ﺣﻠﻔﺎﺋﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ‪ ،‬ﻓﻛﺎن ﻋﺑداﷲ ﻗد ﺟﻬز ﺟﯾﺷﺎً ﻟﻣﺣﺎرﺑﺔ ﻓرﻧﺳﺎ‬ ‫اﻟﺗﻲ طردت أﺧﯾﻪ ﻓﯾﺻل ﻣن ﺳورﯾﺎ‪.‬‬ ‫‪ (٣‬أرادت ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ إرﺿﺎء أﺑﻧﺎء اﻟﺷرﯾف ﺣﺳﯾن اﻟذﯾن ﺳﺎﻫﻣوا ﻓﻲ اﻻﻧﺗﺻﺎر ﻋﻠﻰ‬ ‫اﻟدوﻟﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ ﺧﻼل اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣن ﺧﻼل اﻟﺛورة اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻛﺑرى‪.‬‬ ‫)‪(١‬ﯾوﺳف اﻟﺛﻘﻔﻲ‪" ،‬دراﺳﺎت ﻣﺗﻣﯾزة ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑﯾن اﻟﺷرق واﻟﻐرب ﻋﻠﻰ ﻣر اﻟﻌﺻور"‪ ،‬دار اﻟﺛﻘﺔ‪ ،‬اﻟطﺑﻌﺔ‬ ‫اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ‪١٤١١ ،‬ﻫـ ص‪.٢٠١‬‬

‫‪- ٩٥ -‬‬


‫ﻗ اررات ﻣؤﺗﻣر اﻟﻘﺎﻫرة)‪:(١‬‬ ‫‪ (١‬ﺗﻌﯾﯾن ﻓﯾﺻل اﺑن اﻟﺷرﯾف ﺣﺳﯾن‪ ،‬واﻟذي طرد ﻣن ﺳورﯾﺎ ﺑﻌد ﻣﻌرﻛﺔ ﻣﯾﺳﻠون؛‬ ‫ﻣﻠﻛﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌراق‪ ،‬واﺳﺗﺑدال اﻻﻧﺗداب ﺑﻣﻌﺎﻫدة ﺗﺣﺎﻟف ﺗﺿﻣن ﻣﺻﺎﻟﺢ ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﻓﻲ‬ ‫اﻟﻌراق‪.‬‬ ‫‪ (٢‬ﺗﻌﯾﯾن ﻋﺑداﷲ اﺑن اﻟﺷرﯾف ﺣﺳﯾن أﻣﯾ ار ﻋﻠﻰ ﺷرﻗﻲ اﻷردن‪ ،‬واﺳﺗﺑدال اﻻﻧﺗداب‬ ‫ﺑﻣﻌﺎﻫدة ﺗﺣﺎﻟف اﻟﺗﻲ ﺗﺿﻣن ﻣﺻﺎﻟﺢ ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﻓﻲ ﺷرﻗﻲ اﻷردن‪.‬‬ ‫اﻟﺗﻌدﯾﻼت ﻓﻲ ﻣؤﺗﻣر اﻟﻘﺎﻫرة‪:‬‬ ‫‪ (١‬ﺗﻘرر ﻓﻲ ﺳﺎن رﯾﻣو أن ﯾﻛون اﻟﻌراق ﺗﺣت اﻻﻧﺗداب اﻟﺑرﯾطﺎﻧﻲ‪ ،‬وﻓﻲ ﻣؤﺗﻣر‬ ‫اﻟﻘﺎﻫرة اﺳﺗﺑدال اﻻﻧﺗداب ﺑﻣﻌﺎﻫدة ﺗﺣﺎﻟف‪ ،‬وﺗﻌﯾﯾن ﻓﯾﺻل ﻣﻠﻛﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌراق‪.‬‬ ‫‪ (٢‬ﺗﻘرر ﻓﻲ ﻣؤﺗﻣر ﺳﺎن رﯾﻣو أن ﯾﻛون ﺷرﻗﻲ اﻷردن ﺗﺣت اﻻﻧﺗداب اﻟﺑرﯾطﺎﻧﻲ‪،‬‬ ‫وﻓﻲ ﻣؤﺗﻣر اﻟﻘﺎﻫرة ﺗم اﺳﺗﺑدال ﻛﻠﻣﺔ اﻻﻧﺗداب ﺑﻣﻌﺎﻫدة ﺗﺣﺎﻟف وﺗﻌﯾﯾن ﻋﺑداﷲ‬ ‫أﻣﯾ ار ﻋﻠﻰ ﺷرﻗﻲ اﻷردن‪.‬‬ ‫ﻣن ﺧﻼ ل ﻣﺎ ﺳﺑق ُﯾﻣﻛن ﺗﻘﯾﯾم ﺗﻠك اﻷﺣداث‪:‬‬ ‫‪ُ (١‬ﻧﻼﺣظ أن اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﺳﺎن رﯾﻣو واﺗﻔﺎﻗﯾﺔ اﻟﻘﺎﻫرة ﺣﺳﻣت ﻛل ﻣﻧﻬﻣﺎ ﻣﺻﯾر اﻷﻗطﺎر‬ ‫اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪.‬‬

‫‪ (٢‬ﻧﻼﺣظ أﯾﺿﺎً أن اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ اﻟﻘﺎﻫرة ﻋدﻟت اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﺳﺎن رﯾﻣو ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺧص اﻟﻌراق‬ ‫وﺷرﻗﻲ اﻷردن ﻓﻘط‪ ،‬ﺣﯾث أﺻﺑﺢ ﻓﯾﺻل اﻟذي ُﺧﻠﻊ ﻋن ﻋرش ﺳورﯾﺎ ﻣﻠﻛﺎ ﻋﻠﻰ‬ ‫اﻟﻌراق ﻓﻲ ‪١٩٢١‬م‪ ،‬وأﺻﺑﺢ أﺧﺎﻩ ﻋﺑداﷲ اﺑن اﻟﺷرﯾف ﺣﺳﯾن أﻣﯾ اًر ﻋﻠﻰ ﺷرﻗﻲ‬

‫اﻷردن‪.‬‬

‫)‪(١‬ﻣﺣﻣــد اﻟﻌﻣروﺳــﻲ "اﻟﺣــروب اﻟﺻــﻠﯾﺑﯾﺔ ﻓــﻲ اﻟﻣﺷــرق واﻟﻣﻐــرب"‪ ،‬دار اﻟﻐــرب اﻹﺳــﻼﻣﻲ‪ ،‬ﺑﯾــروت‪ ،‬اﻟطﺑﻌــﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾــﺔ‪،‬‬ ‫‪١٩٨٢‬م ص ‪.١٠٥‬‬

‫‪- ٩٦ -‬‬


‫‪ (٣‬ﺻﺣﯾﺢ أن اﻟﻣﻠك ﻓﯾﺻل اﺑن اﻟﺷرﯾف ﺣﺳﯾن أﺻﺑﺢ ﻣﻠﻛﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌراق‪ ،‬وﻟﻛن‬ ‫ﯾﺟب أن ﻧؤﻛد أن اﻻﻧﺗداب اُﺳﺗﺑدل ﺑﻣﻌﺎﻫدة ﺗﺣﺎﻟف ﺑﯾن ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ واﻟﻌراق‪ ،‬وﻛﺎن‬ ‫ﻓﯾﺻل وﺣﻛوﻣﺔ ﻓﯾﺻل ﺗﻧﻔذ أواﻣر ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ اﻟﺗﻲ اﺣﺗﻔظت ﺑﻘواﻋد ﻋﺳﻛرﯾﺔ‬ ‫وﻣطﺎرات ﻋﺳﻛرﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌراق‪ ،‬ﻛذﻟك اﻫﺗﻣت ﺑوﺿﻊ ﻣﺳﺗﺷﺎرﯾن ﺑرﯾطﺎﻧﯾﯾن إﻟﻰ‬ ‫ﺟﺎﻧب وزراء اﻟﺣﻛوﻣﺔ اﻟﻌراﻗﯾﺔ‪ ،‬وﻛﺎن اﻟوزراء ﻻ ﯾﻧﻔذون ﺷﯾﺋﺎ إﻻ ﺑﻌد اﺳﺗﺷﺎرة‬ ‫ﻫؤﻻء اﻟﻣﺳﺗﺷﺎرﯾن اﻷﺟﺎﻧب‪ .‬وﻫﻛذا أﯾﺿﺎ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﺷرﻗﻲ اﻷردن‪ ،‬ﻓﻛﺎن اﻷﻣﯾر‬ ‫ﻋﺑداﷲ ُﯾﻧﻔذ أواﻣر ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ‪ ،‬ﺛم إن ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ اﺣﺗﻔظت ﺑﻘواﻋد ﻋﺳﻛرﯾﺔ ﻓﻲ اﻷردن‪،‬‬

‫واﺳﺗﺑدل اﻻﻧﺗداب اﻟﺑرﯾطﺎﻧﻲ ﺑﻣﻌﺎﻫدة ﺗﺣﺎﻟف ﺑﯾن ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ وﺷرﻗﻲ اﻷردن‪.‬‬

‫‪ (٤‬ﻫﻛذا اﺳﺗطﺎﻋت ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﻓﻲ ﻣؤﺗﻣر اﻟﻘﺎﻫرة ﺗﻬدﺋﺔ أﺑﻧﺎء اﻟﺷرﯾف ﺣﺳﯾن اﻟذﯾن‬ ‫ﺳﺎﻫﻣوا ﻓﻲ اﻟﺛورة ﺧﻼل اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ‪ ،‬وﻣﻧﻌت اﻟﺗﺻﺎدم ﺑﯾن ﻓرﻧﺳﺎ‬ ‫وأﺑﻧﺎء اﻟﺷرﯾف ﺣﺳﯾن ﺣﻠﻔﺎء ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﻓﻲ اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ‪.‬‬ ‫‪ (٥‬ﻟم ﺗﻛن ﻓرﻧﺳﺎ ﺷرﯾﻛﺔ ﻓﻲ ﻣؤﺗﻣر اﻟﻘﺎﻫرة‪ ،‬وﺗﻣﺳﻛت ﺑﻘ اررات ﺳﺎن رﯾﻣو اﻟﺗﻲ‬ ‫ﺗﺧﺻﻬﺎ‪ ،‬واﺳﺗﻣر اﻻﻧﺗداب اﻟﻔرﻧﺳﻲ ﻋﻠﻰ ﺳورﯾﺎ وﻟﺑﻧﺎن‪ ،‬ورﻓﺿت أي ﺗﻌدﯾل‬ ‫ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﺳورﯾﺎ وﻟﺑﻧﺎن‪ .‬ﻟﻛن ﯾﺟب أن ﻧؤﻛد أن اﻟﺳورﯾﯾن اﺳﺗﻣروا ﻓﻲ ﺛوراﺗﻬم‬ ‫وﻧﺿﺎﻟﻬم ﻣن أﺟل اﻻﺳﺗﻘﻼل ﺿد ﻓرﻧﺳﺎ وﻗ اررات ﺳﺎن رﯾﻣو‪ ،‬وﻛﺎﻧت اﻟﺛورة‬ ‫‪١٩٢٥‬م ﺑﻘﯾﺎدة اﻟﺳﻠطﺎن ﺑﺎﺷﺎ اﻷطرش ﻣن أﻫم اﻟﺛورات اﻟوطﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﺳورﯾﺎ اﻟﺗﻲ‬ ‫اﺳﺗﻘﻠت ﺑﻌد اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪١٩٤٦‬م‪.‬‬ ‫ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ وﻣن ﺧﻼل ﻣﺎ ﺳﺑق ﻧرى اﻟوﺿوح ﻓﻲ ﺗﺻرﻓﺎت اﻟدول اﻻﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ‬ ‫وﻣﺎ ﺗﺣﻣﻠﻪ ﻣن ﻋﻘﯾدة ﺻﻬﯾوﻧﯾﺔ ﺻﻠﯾﺑﯾﺔ ﺗﻬدف إﻟﻰ ﻫدف واﺣد وﻫو ﺗﻣزﯾق اﻟﻌﺎﻟم‬ ‫ﺿﻌف‬ ‫اﻹﺳﻼﻣﻲ وﺗﻣزﯾق وﺣدة اﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ‪ ،‬وﺗﻘﺳﯾﻣﻬﺎ إﻟﻰ دوﯾﻼت ﻣﺗﻧﺎﺛرة ﻟﺗَ ُ‬

‫ﻗوﺗﻬﺎ وﺗذﻫب رﯾﺣﻬﺎ‪ ،‬وﺗﺗﺷﺗت طﺎﻗﺎﺗﻬﺎ‪ ،‬وﻣن ﺛَﱠم ﯾﺳﻬل اﺣﺗواؤﻫﺎ واﻟﺳﯾطرة ﻋﻠﯾﻬﺎ‪ .‬ﻧرى‬ ‫ﱠ‬ ‫ﻓﯾﻣﺎ ﺳﺑق ﻛﯾف ﺗﻛوﻧت ﻣﺎ أُطﻠق ﻋﻠﯾﻪ ﺟﻣﻬورﯾﺔ اﻟﻌ ارق وﻣﺎ أُطﻠق ﻋﻠﯾﻪ اﻟﻣﻣﻠﻛﺔ‬ ‫اﻷردﻧﯾﺔ اﻟﻬﺎﺷﻣﯾﺔ‪ ،‬وﺑطرق ﻣﻣﺎﺛﻠﺔ ﺗﻛوﻧت ﻣﻣﺎﻟك ودول أﺧرى اﻟﺗﻲ ﻓﻲ ﻣﺟﻣﻠﻬﺎ ﺗُﺷﻛل‬

‫اﻹﻣﺑراطورﯾﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ‪ .‬ﺣﺗﻰ ﻫذﻩ اﻟدول اﻻﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ اﻻﺣﺗﻼﻟﯾﺔ ﻟم ﺗﻛن‬ ‫‪- ٩٧ -‬‬


‫ﻟﺗﺳﻣﺢ ﺑوﺟود دول ﻣﻧﺎﻫﺿﺔ ﻟﻬﺎ وﻟﻛﻧﻬﺎ أوﺟدت ﺳﺑب ﻟﻠﺷﻘﺎق ﻓﻲ داﺧل ﻛل دوﻟﺔ‬ ‫وﺳﺑب ﻟﻠﺻراع ﺑﯾن اﻟدوﻟﺔ واﻟدوﻟﺔ اﻟﻣﺟﺎورة ﻻﺳﺗدﻋﺎﺋﻬﺎ ٕواﺛﺎرﺗﻬﺎ‪ٕ ،‬واذﻛﺎء اﻟﺻراﻋﺎت‬ ‫اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻟﻌﺳﻛرﯾﺔ ﺣوﻟﻬﺎ‪ ،‬وذﻟك ﻣن أﺟل أن ﺗُﺗﱠﺧذ ﻫذﻩ اﻟﺑؤر اﻟﺧﻼﻓﯾﺔ ذرﯾﻌﺔ ﻟﻠﺗدﺧل‬ ‫ﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﻣﺗﻰ أرادوا ذﻟك‪ .‬وﻟﻛﻲ ﯾﺿﻣن اﻟﻐرب اﺳﺗﻣرار ﻫذا اﻟﺗﻣزق واﻻﺧﺗﻼف‬ ‫أﺛﺎر اﻟﻧـزﻋﺎت اﻟﻘوﻣﯾﺔ ﻟﯾﻔﺻل اﻟﻌرب ﻋن ﻋﻣﻘﻬم اﻟﻣﻌﻧوي وﻣﺣﯾطﻬم اﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﺛم‬ ‫زرع اﻟﻧﻌرات اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﯾﻌزل اﻟدول واﻟﺷﻌوب اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻋن ﺑﻌﺿﻬﺎ‪ .‬وﻟم ﯾﺗوﻗف اﻟﻣﺷروع‬ ‫اﻻﺳﺗﻌﻣﺎري ﻋﻧد ﻫذا اﻟﺣد‪ ،‬ﻓﺎﻟﻐرب ﯾﺳﺗﺛﻣر اﻟﻔرﺻﺔ ﺗِْﻠو اﻷﺧرى ﻟﺗﻣزﯾق اﻟﻣﻘﺳﱠم‬

‫ﻗوﺗﻪ وﻣﻘ ﱠدراﺗﻪ اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ واﻟﺗﻧﻣوﯾﺔ‪،‬‬ ‫ٕواﻧﻬﺎﻛﻪ ﺑﺎﻟﺻراﻋﺎت اﻻﻧﻔﺻﺎﻟﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺳﺗﻧـزف ﱠ‬ ‫وﺗﻐﻠق دوﻧﻪ ﻛل أﺑواب اﻟﺗﺣﺿر واﻟﻧﻣو)‪.(١‬‬

‫وﻣن اﻟﻣﺂﺳﻲ أن ﻫﻧﺎك ﻣﺷﺎرﯾﻊ أﺧرى ﻓﻲ اﻟﺳﻠﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﺗُﺛﺎر ﻋﻠـﻰ اﺳـﺗﺣﯾﺎء ﻣـن‬

‫وﻗ ــت ﻵﺧ ــر ﻣﺛ ــل‪ :‬ﻣﺷ ــروع ﺗﻘﺳ ــﯾم اﻟﺧﻠ ــﯾﺞ‪ ،‬وﻣﺷ ــروع إﻧﺷ ــﺎء دوﻟ ــﺔ ﻗﺑطﯾ ــﺔ ﻓ ــﻲ ﺟﻧ ــوب‬ ‫ﻣﺻر‪ ،‬وﻣﺷروع اﻧﻔﺻﺎل اﻟﺻﺣراء اﻟﻣﻐرﺑﯾﺔ‪ ،‬وﻣﺷـروع ﺗﻘﺳـﯾم دوﻟـﺔ ﺑﺎﻛﺳـﺗﺎن‪ .‬واﻟﺳﻠﺳـﻠﺔ‬ ‫طوﯾﻠﺔ‪.‬‬ ‫وﻫــذا اﻟﻐــرب اﻟــذي ﻗــﺎم ﺑﺎﻟﺗﻘﺳــﯾم وأﺷــرف ﻋﻠﯾــﻪ وﻧﻔــذﻩ ﺟﻌــل ﻫﻧــﺎك ﻧﻘــﺎط ﺣدودﯾــﺔ‬ ‫ﺑــﯾن ﻛــل دوﻟﺗــﯾن ﻋﺑــﺎرة ﻋــن ﻣﻧطﻘــﺔ ﻏﯾــر ﻣﺣــددة اﻟﻣﻌــﺎﻟم؛ ﻫــذا ﺟﻌــل ﻫــﺎﺗﯾن اﻟــدوﻟﺗﯾن‬ ‫اﻟﻣﺗﺟ ــﺎورﺗﯾن إﻣ ــﺎ ﯾ ــدﺧﻼن ﻓ ــﻲ ﻣﺑﺎﺣﺛ ــﺎت ﺗﺳ ــﺗﻐرق ﻋﺷـ ـرات اﻟﺳ ــﻧﯾن ﻟﺗرﺳ ــﯾم اﻟﺣ ــدود أو‬ ‫اﻟــدﺧول ﻓــﻲ ﺻ ـراع ﻣﺳــﻠﺢ ﺗﺳــﺗﻌﯾن ﻓﯾــﻪ ﻛــل دوﻟــﺔ ﺑﺄﺻــدﻗﺎﺋﻬﺎ ﻣــن اﻟﻐــرب ﻟﻛــﻲ ﺗﻣــدﻫﺎ‬ ‫ﺑﺎﻟﺳﻼح ﻟﻣواﺟﻬﺔ اﻷﺧوة اﻷﺷﻘﺎء ﻓﻲ اﻟدوﻟﺔ اﻟﻣﺟﺎورة؛ وﻣن ﻫﻧﺎ ﺣدﺛت ﻣﺷﺎﻛل ﺣدودﯾﺔ‬ ‫ﺑﯾن ﻛل دوﻟﺔ ﻋرﺑﯾﺔ واﻟدوﻟﺔ اﻟﻣﺟﺎورة ﻟﻬﺎ إﻻ ﻣﺎ رﺣم رﺑﻲ)‪.(٢‬‬

‫)‪ (١‬اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑق ص‪.٥٥‬‬ ‫)‪ (٢‬ﺻﻼح اﻟﻌﻘﺎد‪ ،‬اﻟﺗﯾﺎرات اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺧﻠﯾﺞ اﻟﻌرﺑﻲ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫرة‪ ،‬اﻟﻣطﺑﻌﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ‪١٩٧٤ ،‬م‪.‬‬

‫‪- ٩٨ -‬‬


‫اﻟﻣﺑﺣث اﻟﺛﺎﻟث‬ ‫ﻓﺷل ﺗطﺑﯾق اﻟﻘوﻣﯾﺔ ﻋﻠﻰ أرض اﻟواﻗﻊ‬ ‫ﺣﺗﻰ ﺑﻌد أن ﻗﺑل اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ واﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﻬذا اﻟﺗﻘﺳﯾم اﻟﻧﻛد‪ .‬ﻫـذا اﻟﺗﻘﺳـﯾم اﻟـذي ﺣـول‬ ‫اﻻﺳـرة اﻟواﺣــدة إﻟــﻰ دوﻟﺗــﯾن ﻣﺗﺟــﺎورﺗﯾن ﯾﻔﺻــل ﺑــﯾن ﻛــل ﻣﻧﻬﻣــﺎ ﺳــﻠك ﺷــﺎﺋك وﻓــﻲ ﺑﻌــض‬ ‫اﻷﺣﯾﺎن ﻻ ﺗوﺟد ﺣدود ﻣﻌروﻓﺔ‪ .‬إذاً ﻟﻣﺎذا ﻗﺑل اﻟﻌرب ﺑﻬذا اﻟﺗﻘﺳـﯾم؟ اﻟﻌـرب ﻗﺑﻠـوﻩ ﻛـﺄﻣر‬ ‫واﻗﻊ وﻛﻧوع ﻣـن اﻻﻗﺗـداء ﺑﺎﻟـدول اﻟﻐرﺑﯾـﺔ اﻟﺗـﻲ وردت إﻟـﻰ اﻟـﺑﻼد اﻟﻌرﺑﯾـﺔ ﻣﺟﻣوﻋـﺔ ﻛﺑﯾـرة‬ ‫ﻣ ــن اﻟﻣﻔﻛـ ـرﯾن اﻟﻌ ــرب واﻟﻣﺳ ــﻠﻣﯾن اﻟ ــذﯾن ﺗرﺑ ـوا ﻓ ــﻲ ﻣ ــدارس اﻟﻐرب‪/‬وﺟ ــﺎءوا إﻟ ــﻰ ﺑﻼدﻧ ــﺎ‬ ‫ﻛﻣﺑﺷرﯾن ﺑﺄن اﻟﻌداﻟﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾـﺔ واﻟرﺣﻣـﺔ ﺗﻛﻣـن ﻓـﻲ دوﻟـﺔ ﻗوﻣﯾـﺔ ﻛﻣـﺎ ﯾﻌرﺿـﻬﺎ اﻟﻐـرب‬ ‫ﻋﻠﯾﻧــﺎ؛ ﻛﺎﻧــت ﻛــل اﻟﻌواﻣــل ﺗُﺑﺷــر ﺑﻧﺟــﺎح اﻟﻧﻣــوذج اﻟﻐرﺑــﻲ ﻫﻧــﺎ‪ ،‬وزاد ﻣــن ﻗﺑــول اﻟﺷــﺎرع‬

‫اﻟﻌرﺑــﻲ ﻟﻬــذا اﻟــوﻫم ﻫـو اﻧﻬﯾــﺎر اﻟﺧﻼﻓــﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾــﺔ وﺗﺣــول اﻟﻣﻣﺎﻟــك اﻷورﺑﯾــﺔ إﻟــﻰ ﻣﻣﺎﻟــك‬ ‫دﺳ ــﺗورﯾﺔ ﯾﻛ ــون ﻟﻠﺷ ــﻌب ﻓﯾﻬ ــﺎ اﻟﺻ ــوت اﻷﻋﻠ ــﻰ واﻟﻧﺻ ــﯾب اﻷﻛﺑ ــر ﻓ ــﻲ إدارة ﻣؤﺳﺳ ــﺎت‬ ‫اﻟﺑﻼد)‪.(١‬‬ ‫ﻛﺎﻧــت اﻟﺑﻌﺛــﺎت اﻟﺗــﻲ ﺑــدأت ﺑــرﺣﻼت اﻟﻣﺗﻔــوﻗﯾن ﻣــن أﺑﻧــﺎء اﻟﻣﻣﻠﻛــﺔ اﻟﻣﺻـرﯾﺔ ﻓــﻲ‬ ‫ﻋﻬد ﻣﺣﻣد ﻋﻠـﻲ إﻟـﻰ ﻓرﻧﺳـﺎ ﻟﻛـﻲ ﯾﺗﻌﻠﻣـوا اﻟﻌﻠـوم اﻟﻐرﺑﯾـﺔ وﯾـﺄﺗون إﻟـﻰ ﻣﺻـر ﻣـرة أﺧـرى‬ ‫ﻟﺗﺣﻘﯾق ﺗﻧﻣﯾﺔ داﺧﻠﯾـﺔ ﻓـﻲ اﻟﻣﻣﻠﻛـﺔ اﻟﻣﺻـرﯾﺔ‪ ،‬ﻛـﺎن ﻟﻬـذﻩ اﻟﺑﻌﺛـﺎت دور ﻛﺑﯾـر ﻓـﻲ اﺣـداث‬ ‫ﺗﻘﺎرب وﻗﺑول ﻟﻠﻔﻛر اﻟﻐرﺑﻲ واﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻷراﺿﻲ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ ﺑﻌد ذﻟك‪.‬‬ ‫وﺑﻌد ﺣرﻛﺎت اﻟﺗﺣرر اﻟﺗﻲ ﺗﻠت ﻏﯾﺎب ﻣظﻠﺔ اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾـﺔ ﺗوﻟـدت ﻣﺟﻣوﻋـﺔ‬ ‫ﻣن اﻟدوﯾﻼت ﺗﺳﻣت ﺑﺄﺳـﻣﺎء ﻣﺧﺗﻠﻔـﺔ ﻣـن أﻫﻣﻬـﺎ‪ :‬ﺟﻣﻬورﯾـﺔ اﻟﻌـراق‪ ،‬اﻟﺟﻣﻬورﯾـﺔ اﻟﻌرﺑﯾـﺔ‬ ‫اﻟﻠﺑﻧﺎﻧﯾ ــﺔ‪ ،‬اﻟﻣﻣﻠﻛ ــﺔ اﻷردﻧﯾ ــﺔ اﻟﻬﺎﺷ ــﻣﯾﺔ‪ ،‬اﻟﺟﻣﻬورﯾ ــﺔ اﻟﻌرﺑﯾ ــﺔ اﻟﺳ ــورﯾﺔ‪ ،‬اﻟﻣﻣﻠﻛ ــﺔ اﻟﻌرﺑﯾ ــﺔ‬ ‫اﻟﺳـﻌودﯾﺔ‪ ،‬اﻟﻛوﯾـت‪ ،‬اﻹﻣـﺎرات اﻟﻌرﺑﯾـﺔ اﻟﻣﺗﺣـدة‪ ،‬ﻗطـر‪ ،‬ﻣﻣﻠﻛـﺔ اﻟﺑﺣـرﯾن‪ ،‬ﺳـﻠطﻧﺔ ﻋﻣـﺎن‪،‬‬ ‫ﺟﻣﻬورﯾـ ـ ــﺔ ﻣﺻـ ـ ــر اﻟﻌرﺑﯾـ ـ ــﺔ‪ ،‬ﺟﻣﻬورﯾـ ـ ــﺔ اﻟﺳـ ـ ــودان اﻟﻌرﺑﯾـ ـ ــﺔ‪ ،‬ﻟﯾﺑﯾـ ـ ــﺎ‪ ،‬ﺗـ ـ ــوﻧس‪ ،‬اﻟﻣﻐـ ـ ــرب‪،‬‬ ‫وﻣورﯾﺗﺎﻧﯾــﺎ‪ ،‬وﻏﯾرﻫــﺎ‪ .‬أﺻــﺑﺣت ﻫــذﻩ اﻟ ـدوﯾﻼت ﻟﻛــل دوﻟــﺔ رﺋــﯾس أو ﻣﻠــك وﺟــﯾش وﻧظــﺎم‬ ‫وﻋﻠم‪ ،‬وﻋﻣﻠﻪ وﻣؤﺳﺳﺎت ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ وﻣﺳﺗﻘﻠﺔ ﻋن اﻟدول اﻟﻣﺟﺎورة‪.‬‬ ‫‪(1) Tishkov, Valery (2000). "Forget the 'nation': post-nationalist understanding of‬‬ ‫)‪nationalism". Ethnic and Racial Studies. 23(4): 625–650 (p. 627‬‬

‫‪- ٩٩ -‬‬


‫ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻫذا اﻟوﺿﻊ اﻟﻐﯾر طﺑﯾﻌـﻲ أدى ﻟﺗوﻟـد ﻣﺷـﺎﻛل ﻻ ُﯾﻣﻛـن ﺣﺻـرﻫﺎ ﻓﻣـﺎ‬

‫ازﻟــت اﻟﺟﻣــﺎﻫﯾر اﻟﻌرﺑﯾــﺔ ﺗﺗﻧﺎﻗــل ﻣــن ﺑﻠــد إﻟــﻰ ﺑﻠــد ﻻ ﺗﻌﺗــرف ﺑﻬــذا اﻟﺗﻘﺳــﯾم اﻟﻣزﻋــوم وﻣــﺎ‬ ‫زاﻟت ﺣرﻛﺔ اﻟﺗزاوج ﺑﯾن اﻟﺟﺎﻟﯾﺎت اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺗﺣدث ﻛل ﯾوم وﻫذا أدى إﻟﻰ ﻣﯾﻼد أﺟﯾـﺎل ﻻ‬ ‫ﺗﻌﺗــرف ﺑﻬ ــذﻩ اﻟﺣ ــدود اﻟوﻫﻣﯾــﺔ إذ رأﯾﻧ ــﺎ اﻷب ﺳــوري واﻷم ﻟﺑﻧﺎﻧﯾ ــﺔ ورأﯾﻧــﺎ اﻷب ﻣﺻ ــري‬ ‫واﻷم ﻣﻐرﺑﯾﺔ وﻫﻛذا‪ .‬ﻫذا اﻟوﺿﻊ اﻟﺷﺎذ ﻛﺎن ﻻ ُﺑد أن ﯾوﻟد رﻏﺑـﺔ ﻓـﻲ ﻋـودة ﻫـذﻩ اﻟﻠﺣﻣـﺔ‬ ‫ﻣن ﺟدﯾد ﻓﻛﺎن ﻫذا ﺳﺑب ﻓﻲ ﺗوﻟد ﻓﻛرة اﻟﻘوﻣﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ)‪.(١‬‬

‫ﻓــﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘــﺔ اﻟــذﯾن دﻋ ـوا ﻟﻠﻘوﻣﯾــﺔ اﻟﻌرﺑﯾــﺔ ﻧﺳ ـوا أو ﺗﻧﺎﺳ ـوا أن اﻟﻌــرب ﻟــم ﯾﻛوﻧ ـوا‬ ‫ﻋرب إﻻ ﺑﻌد أن ﻛﺎﻧوا ﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻼ ُﯾﻣﻛن أن ﺗﻘوم وﺣدة ﻋرﺑﯾﺔ ﻗﺑل إﻋـﻼء ﺳـﺑب وﺟـود‬ ‫اﻟﻌــرب إﻟــﻰ ﻫــذﻩ اﻟﻠﺣظـﺔ‪ .‬ﻧﺣــن ﻧﻌﻠــم أن أﺻــل اﻟﻔﻛـرة ﻓﻛـرة اﻟﻘوﻣﯾــﺔ اﻟﻌرﺑﯾــﺔ وﻫــدﻓﻬﺎ ﻓــﻲ‬ ‫اﻟﺣﺎﻟﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻛﺎن ﺳﯾﺎﺳﯾﺎً ﺑﺎﻣﺗﯾﺎز‪ ،‬ﻟذا ﻟم ﺗﺑﺣث ﺑﻣﺎ ﯾﻛﻔﻲ ﻋن اﻟﻣﻘوﻣﺎت اﻷﺧـرى وﻣـﺎ‬ ‫إذا ﻛﺎﻧــت ﺗﺻــﻠﺢ ﻟﺧﻠــق ﻗوﻣﯾــﺔ ﻣﺳــﺗﻘﻠﺔ أو ﻣﺗﻣﯾ ـزة أم ﻻ‪ ،‬واﻓﺗرﺿــت ﻣﺳــﺑﻘﺎً أن اﻟﺷــﻌوب‬ ‫اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺗﺷﻛل ﻣﻌﺎً وﺑﺎﻟﺿرورة ﻗوﻣﯾﺔ واﺣدة ﻟﻣﺟرد أﻧﻬﺎ ﺗﺗﺣدث اﻟﻌرﺑﯾـﺔ وﯾﺟﻣﻌﻬـﺎ ﻧطـﺎق‬ ‫ﺟﻐ ارﻓــﻲ واﺣــد‪ .‬وﻓــﻲ ﻫــذا ﻣﻐﺎﻟطــﺔ ﻛﺑﯾ ـرة وﻣﺗﻌــددة اﻟﻣﺳــﺗوﯾﺎت‪ ،‬ﻓﺎﻟﻘواﺳــم اﻟﻣﺷــﺗرﻛﺔ ﺑــﯾن‬ ‫اﻟﻌــرب ﻛﻠﻬــﺎ ﻧﺎﻗﺻــﺔ أو ﺟزﺋﯾــﺔ؛ ﻓــﻲ ﺑﻌــض اﻟﻔﺗـرات ﻛــﺎن ﻟﻠﻌــرب ﺣﺿــور واﻣﺗــداد ﺛﻘــﺎﻓﻲ‬ ‫ﻣﺗﻣﯾــز وﻟــﻪ ﺧﺻــﺎﺋص ﻣﺗﻔــردة‪ ،‬ﻟﻛــن ﻗواﻣﻬــﺎ اﻷﺳﺎﺳ ـﻲ ﻛــﺎن اﻻرﺗﺑــﺎط ﺑﺎﻟــدﯾن اﻹﺳــﻼﻣﻲ‬ ‫وﻟﯾس ﺑﺎﻟﻌروﺑﺔ‪ .‬ﻛﻣﺎ أن اﻟﺧﺻﺎﺋص اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾـﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﯾـﺔ _ ﺑﻌـد اﺳـﺗﺑﻌﺎد اﻟ ُﺑﻌـد اﻟـدﯾﻧﻲ‬ ‫_ ﻟﯾﺳــت ﻣﺗطﺎﺑﻘ ــﺔ أﯾﺿـ ـﺎً‪ ،‬ﻓﺎﻟﻌ ــﺎدات واﻟﺗﻘﺎﻟﯾ ــد ﺗﺧﺗﻠ ــف ﻣ ــن اﻟﺧﻠــﯾﺞ إﻟ ــﻰ اﻟﻣﻐ ــرب وﻣ ــن‬ ‫اﻟﺟ ازﺋــر إﻟــﻰ اﻟﺳــودان إﻟــﻰ اﻟﺷــﺎم ﺑــل إن اﻟﻠﻐــﺔ ﻧﻔﺳــﻬﺎ‪ ،‬إذا ﺗﺣرﯾﻧــﺎ اﻟدﻗــﺔ‪ ،‬ﺳــﻧﻔﺎﺟﺄ أﻧﻬــﺎ‬ ‫ﺗﻘرﯾﺑﺎً ﻟﯾﺳت ﻟﻐﺔ واﺣدة‪ ،‬ﻓﺎﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺧﻠﯾﺞ واﻟﻌـراق ﺑﻌﯾـدة ﺗﻣﺎﻣـﺎً ﻋـن ﺗﻠـك اﻟﻣﺳـﺗﺧدﻣﺔ‬ ‫ﻓــﻲ اﻟﺟ ازﺋ ــر واﻟﻣﻐــرب )ﺑ ــﺎﻓﺗراض أن ﺗﻠ ــك اﻟﻠﻐ ــﺔ ﻫﻧ ــﺎك ﻋرﺑﯾ ــﺔ ﻣــن اﻷﺳ ــﺎس!( واﻷﻣ ــر‬ ‫أوﺿــﺢ ﻛﺛﯾ ـ اًر ﺑﺎﻟﻧﺳــﺑﺔ ﻟﻠﺻــوﻣﺎل وﻣورﯾﺗﺎﻧﯾــﺎ وﺟﯾﺑــوﺗﻲ؛ ﺑــل داﺧــل اﻟدوﻟــﺔ اﻟواﺣــدة ﺗوﺟــد‬

‫‪(1) Peter Radan (2002). The break-up of Yugoslavia and international law.‬‬ ‫‪Psychology Press 2010, p92.‬‬

‫‪- ١٠٠ -‬‬


‫اﻟﺟﻐرﻓـﻲ ﻟـم ﯾﻔﻠـﺢ وﺣـدﻩ‬ ‫ا‬ ‫أﻛﺛر ﻣن ﻟﻐـﺔ وﻟـﯾس ﻓﻘـط أﻛﺛـر ﻣـن ﻟﻬﺟـﺔ‪ ،‬ﻣﻌﺗﺑـ اًر أن اﻟﺗﺟـﺎور‬

‫ﻓﻲ ﺗﺟﻣﯾﻊ اﻟﻌرب ﻓﻲ أي ﻣرﺣﻠﺔ ﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﻻ ﻓﻲ اﻟﻣﺎﺿﻲ وﻻ ﻓﻲ اﻟﺣﺎﺿر)‪.(١‬‬ ‫اﻓﺗﻘﺎد اﻟﻣﻘوﻣﺎت‬

‫وﻣــن ﺧــﻼل اﻟﻧظ ـرة اﻟﻣﺗﻔﺣﺻــﺔ ﻧﺻــل إﻟــﻰ أن اﻟﻘوﻣﯾــﺔ اﻟﻌرﺑﯾــﺔ ﺗﻔﺗﻘــد ﻟﻠﻣﻘوﻣــﺎت‬ ‫اﻟﺿــرورﯾﺔ ﻟوﺟــود "اﻟﻘوﻣﯾــﺔ" ‪ .‬ﻟﻛــن ﻫــذا ﻻ ﯾﻣﻧــﻊ أن اﻟﻣﺣــﺎوﻻت اﻟﺗــﻲ ﺟــرت ﻟﺧﻠــق ﺗﻠــك‬ ‫اﻟﻘوﻣﯾــﺔ أو ﺑﻠــورة ﻓﻛ ـرة ﯾﺟﺗﻣــﻊ اﻟﻌــرب ﺣوﻟﻬــﺎ‪ ،‬وﻗوﺑﻠــت ﺑﻌراﻗﯾــل وﺟﻬــود ﻹﻓﺷــﺎﻟﻬﺎ‪ ،‬ﻣــن‬ ‫داﺧل اﻟﻣﻧطﻘﺔ وﻣن ﺧﺎرﺟﻬﺎ‪ .‬ﻣن داﺧﻠﻬـﺎ ﻷن ﺑﻌـض اﻟـدول ﺗـرﻓض اﻻﻧﺧـراط ﻓـﻲ ﻛﯾـﺎن‬ ‫أو ﻣﻧظوﻣــﺔ ﺟﻣﺎﻋﯾــﺔ ﺗﻔﻘــدﻫﺎ ﺗﻣﯾزﻫــﺎ وﻣوﻗﻌﻬــﺎ وﻧﻔوذﻫــﺎ‪ .‬وﻣــن ﺧــﺎرج اﻟﻣﻧطﻘــﺔ ﻷﻧــﻪ ﻟــﯾس‬ ‫اﻟﻣﺗﺻور أن اﻟدول ﻏﯾر اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺳواء ﻓﻲ اﻟﻌـﺎﻟم أو ﻓـﻲ اﻟﻣﻧطﻘـﺔ )إﺳـراﺋﯾل ٕواﯾـران(‬ ‫ﻣن ُ‬ ‫ﺳــﺗرﺣب ﺑﻛﯾــﺎن ﻋرﺑــﻲ واﺣــد ﺳــﺗﺗﻌﺎرض ﺑﺎﻟﺿــرورة ﻣﺻــﺎﻟﺣﻪ ﻣــﻊ ﻣﺻــﺎﻟﺣﻬﺎ وأﻫــداﻓﻬﺎ‪.‬‬ ‫ﻟﻛــن ﯾظــل اﻟﺳــﺑب اﻟﺟــوﻫري ﻓــﻲ اﻹﺧﻔــﺎق ﻫــو اﻓﺗﻘــﺎد اﻟﺟــذور اﻟﺣﻘﯾﻘﯾــﺔ واﻷﺳــس اﻟﻛﺎﻓﯾــﺔ‬ ‫ﻟﻣــﺎ ﯾﺳــﻣﻰ ﺑﺎﻟﻘوﻣﯾــﺔ اﻟﻌرﺑﯾــﺔ‪ .‬ﻓــرﻏم ﻫــذﻩ اﻟرﻏﺑــﺔ اﻟﻣﺣﻣوﻣــﺔ وﻣﺣﺎوﻟــﺔ ﺣﺷــر ﻫــذا اﻟﻣﻔﻬــوم‬ ‫ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟدراﺳﯾﺔ ﻓﻲ ﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺑﻼد اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﻟﺗﻐﻧﻲ ﺑﺄﻣﺟﺎد اﻟﻌرب ﻋﻠـﻰ اﻟﻣﺳـﺗوى‬ ‫اﻹﻋﻼﻣﻲ إﻻ أن ﻛل ﺗﻠك اﻟﻣﺣﺎوﻻت ﺑﺎءت ﺑﺎﻟﻔﺷل ﻓﻣﺎ ﻫﻲ أﺳﺑﺎب ﻫذا اﻟﻔﺷل؟‬ ‫وﺟواﺑﺎً ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟﺳؤال ﻻ ُﺑد ﻣن اﻟﺗوﻗف أﻣﺎم ﺟﻣﻠﺔ ﻣﻌوﻗﺎت داﺧﻠﯾﺔ‬

‫وﺧﺎرﺟﯾﺔ‪ ،‬ذاﺗﯾﺔ وﻣوﺿوﻋﯾﺔ ﺣﺎﻟت‪ ،‬وﻣﺎ ﺗزال‪ ،‬دون ﻗﯾﺎم أي ﺷﻛل ﻣن أﺷﻛﺎل اﻟوﺣدة‬

‫اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬ﺑل ﻟﻌﺑت دو اًر ﻓﻲ ﺗﺣطﯾم ﻛل ﻣﺎ ﻗﺎم ﻣن ﺻﯾﻎ وأﺷﻛﺎل وﻣﺑﺎدرات‪ ،‬ﺑﻣﺎ ﻓﯾﻬﺎ‬ ‫ﺻﯾﻎ اﻟﺗﺿﺎﻣن اﻟﻌرﺑﻲ ﻧﻔﺳﻪ وﻫو أدﻧﻰ أﺷﻛﺎل اﻟﻌﻣل اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﺷﺗرك ﻧﺎﻫﯾك ﻋن‬ ‫إﺳﻘﺎط أول ﺗﺟرﺑﺔ وﺣدوﯾﺔ ﻣﻌﺎﺻرة ﻗﺎﻣت ﻋﺎم ‪١٩٥٨‬م ﺑﯾن ﻣﺻر وﺳورﯾﺎ‪ٕ ،‬واﺟﻬﺎض‬

‫ﻛل اﻟﻣﺣﺎوﻻت اﻟوﺣدوﯾﺔ اﻷﺧرى وﻓﻲ ﻣﻘدﻣﻬﺎ وﺣدة ﻣﺻر واﻟﻌراق وﺳورﯾﺎ ﻓﻲ ﻣﯾﺛﺎق‬ ‫‪ ١٧‬أﺑرﯾل ‪١٩٦٣‬م‪ ،‬ﺛم اﺗﺣﺎد اﻟﺟﻣﻬورﯾﺎت اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻣﺗﺣدة ﻋﺎم ‪١٩٧١‬م‪ ،‬ﺛم ﻟﻘﺎء‬

‫)‪ (١‬ﺑﺗﺻرف‪ :‬ﻋﺻﻣت ﺳﯾف اﻟدوﻟﺔ‪" ،‬ﻋن اﻟﻌروﺑﺔ واﻹﺳﻼم" ﻣرﻛز دراﺳﺎت اﻟوﺣدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ .‬ﺑﯾروت‪ .‬اﻟطﺑﻌﺔ‬ ‫اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ‪ .٢٠٠٤ ،‬ص ‪.١٢٠‬‬

‫‪- ١٠١ -‬‬


‫اﻟﻌراق وﺳورﯾﺎ ﻓﻲ ﻣﯾﺛﺎق اﻟﻌﻣل اﻟﻘوﻣﻲ ﻓﻲ ﻧوﻓﻣﺑر ‪١٩٧٨‬م‪ .‬ﻓﻣﺎ ﻫﻲ أﺳﺑﺎب ﻫذا‬ ‫اﻟﻔﺷل)‪:(١‬‬ ‫‪ (١‬ﯾﺟب ﻋﻠﻰ ﻛل دارس ﻟﻠوﺿﻊ اﻟﻌرﺑﻲ وﺧﺎﺻﺔ ﻟرﻏﺑﺎت اﻟوﺣدة اﻟﻣﺣﻣوﻣﺔ أن‬ ‫ﯾﺗﺄﻛد ﻣن اﻟﺗﻼزم اﻟﻘوي ﺑﯾن اﻟﻌواﻣل اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ اﻟﻣﺗﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ‬

‫اﻟﻣﺷروع‬

‫اﻻﺳﺗﻌﻣﺎري اﻟﺻﻬﯾوﻧﻲ ﺑﻛل ﺗﻌﺎﺑﯾرﻩ وﻛل ﺟواﻧﺑﻪ؛ وﺑﯾن اﻟﻌواﻣل اﻟداﺧﻠﯾﺔ‪ ،‬ﻛﻲ‬ ‫ﻻ ﻧﻘﻊ ﻓﻲ ﺧطﺄ اﻧزﻟق إﻟﯾﻪ ﻛﺛﯾرون ﺣﯾن رﻛزوا ﻋﻠﻰ دور اﻻﺳﺗﻌﻣﺎر‬ ‫واﻟﺻﻬﯾوﻧﯾﺔ ﻣﺗﺟﺎﻫﻠﯾن اﻟﺛﻐرات اﻟﻛﺎﻣﻧﺔ ﻓﻲ واﻗﻌﻧﺎ ﻣن ﺗﺧﻠّف‪ ،‬واﺳﺗﺑداد‪،‬‬ ‫واﺳﺗﻐﻼل واﺣﺗﻛﺎر‪ ،‬وﻓﺳﺎد‪ ،‬واﻧﻘﺳﺎﻣﺎت أﻫﻠﯾﺔ ﻣﺗﻌددة اﻷﺷﻛﺎل واﻟﻣظﺎﻫر؛ ﻓﻬذا‬ ‫وﯾﻬﻣل ﺑﺎﻟﻛﺎﻣل دور اﻟﻘوى‬ ‫اﻟﻔرﯾق ُﯾرﻛز ﻋﻠﻰ ﻓﻲ اﻟﺣدﯾث ﻋن اﻟﻌواﻣل اﻟداﺧﻠﯾﺔ ُ‬

‫اﻻﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ اﻟﻘدﯾم اﻟﻣﺗﺟدد ﻫذا اﻟدور اﻟذي ﻓرض ﺳﯾطرﺗﻪ ﻋﻠﻰ طرﯾﻘﺔ وادوات‬

‫ﺻﻧﺎﻋﺔ اﻟﻘرار ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ واﻹﺳﻼﻣﻲ أﻣس واﻟﯾوم ٕواﻟﻰ ﻣﺎ ﺷﺎء اﷲ‪.‬‬

‫ﺗﺣﻛم اﻟﻘوى اﻻﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ ﻓﻲ ﺻﻧﺎﻋﺔ اﻟﻘرار ﻧﻌﻧﻲ ﺑﻬﺎ ُﻣدﺧﻼت وﻣﺧرﺟﺎت‬ ‫اﻟﻘ اررات اﻟﻣﺻﯾرﯾﺔ ﻓﻲ ﻛل ﻫذﻩ اﻟدوﯾﻼت اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﺑﺣﯾث أن ﺻﺎﻧﻊ‬ ‫اﻟﻘرار ﯾﺟد أﻣﺎﻣﻪ ﺧﯾرات ﻣﺣدودة وطُرق ﻣﺗﻔرﻗﺔ ﻣﺗﻧﺎﺛرة ﻛﻠﻬﺎ ﺗُؤدي إﻟﻰ اﻟدوران‬

‫ﻓﻲ ﻓﻠك اﻟﻘوى اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟواﻗﻌﺔ ﺑدورﻫﺎ ﺗﺣت ﺳﯾطرة اﻟﺻﻬﯾوﻧﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ‪ .‬ﺣدث‬ ‫ذﻟك ﻓﻲ اﻟﻣﺎﺿﻲ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻫدة ﺳﺎﯾﻛس ﺑﯾﻛو ﺳﻧﺔ ‪١٩١٦‬م وﻓﻲ وﻋد ﺑﻠﻔور‬ ‫ﺳﻧﺔ ‪١٩١٧‬م اﻟذي أﺳس ﻟﻘﯾﺎم اﻟﻛﯾﺎن اﻟﺻﻬﯾوﻧﻲ ﻛﺣﺎﺟز ﯾﻣﻧﻊ وﺣدة اﻟﻣﺷرق‬ ‫اﻟﻌرﺑﻲ ﻣﻊ اﻟﻣﻐرب اﻟﻌرﺑﻲ‪ .‬ﻫذا اﻟﻔرﯾق اﻟذي ُﯾرﻛز ﻋﻠﻰ اﻟﻌواﻣل اﻟداﺧﻠﯾﺔ‬

‫ﯾﻧﺳﻰ أو ﻻ ﯾﻌﻠم أو ﯾﺗﺟﺎﻫل ﺟﻣﻠﺔ ﺗوﺻﯾﺎت اﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ ﻗدﯾﻣﺔ أﺑرزﻫﺎ رﺳﺎﻟﺔ‬ ‫رﺋﯾس وزراء ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ اﻟﺳﺎﺑق ﺑﺎﻟﻣرﺳﺗون )‪(Palmerston‬‬

‫)‪(٢‬‬

‫ﻓﻲ أواﺳط اﻟﻘرن‬

‫اﻟﺛﺎﻣن ﻋﺷر اﻟذي ﺗﺑﻧﻰ ﺗوﺻﯾﺔ ﻗﻧﺻﻠﻪ اﻟﻌﺎم ﻓﻲ ﻓﻠﺳطﯾن ﺑﺿرورة ﻗﯾﺎم ﻛﯾﺎن‬ ‫)‪ (١‬ﻟﻠﻣزﯾد‪ ،‬د‪ .‬ﺧﯾر اﻟدﯾن ﺣﺳﯾب‪" ،‬آراء ﻧﻘدﯾﺔ ﻟﻠﻣﻌﺎﻟم اﻟوﺣدوﯾﺔ ﻓﻲ ﻓﻛر ﺳﺎطﻊ اﻟﺣﺻري"‪ ،‬ﻣرﻛز دراﺳﺎت اﻟوﺣدة‬ ‫اﻟﻌرﺑﯾﺔ ‪١٩٨١‬م‪.‬‬

‫)‪ (٢‬ﻫو ﺳﯾﺎﺳﻲ ﺑرﯾطﺎﻧﻲ )‪ ١٧٨٤‬إﻟﻰ ‪١٨٦٥‬م( ﺗوﻟﻰ ﻣﻧﺎﺻب ﻋدﯾدة ﻓﻲ اﻟﺣﻛوﻣﺔ اﻟﺑرﯾطﺎﻧﯾﺔ ﻣن ﺑﯾﻧﻬﺎ وزﯾر‬ ‫اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ ورﺋﯾس اﻟوزراء ﻟدورﺗﯾن ﻏﯾر ﻣﺗﺗﺎﻟﯾﺗﯾن‪..‬‬

‫‪- ١٠٢ -‬‬


‫ﯾﻬودي ﻋﺎزل ﻓﻲ ﻓﻠﺳطﯾن ﻛﻲ ﻻ ﺗﺗﻛرر ﺗﺟرﺑﺔ ﺗوﺣﯾد ﻣﺻر وﺑﻼد اﻟﺷﺎم ﻋﻠﻰ‬ ‫ﯾد ﻣﺣﻣد ﻋﻠﻲ ﺣﺎﻛم ﻣﺻر آﻧذاك واﺑﻧﻪ إﺑراﻫﯾم ﺑﺎﺷﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺻر اﻟﺣدﯾث أو‬ ‫ﺗﻛرار اﻟﻣﻣﺎﻟك اﻟﻣﺻرﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻗﺎﻣت ﻓﻲ ﻋﻬود ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻣﺛل ﻣﻣﻠﻛﺔ ﺻﻼح اﻟدﯾن‬ ‫وﻏﯾرﻫﺎ وﺣﺗﻰ اﻟﻣﻣﺎﻟك اﻟﺗﻲ ﻗﺎﻣت ﻓﻲ ﻋﻬد اﻟﻔراﻋﻧﺔ أﺑرزﻫﺎ ﻣﻣﻠﻛﺔ ﺗﺣﺗﻣس‬ ‫ورﻣﺳﯾس‪ ،‬واﻟﺗﺎرﯾﺦ ﯾﺣﻛﻲ ﻟﻧﺎ ﻣﺎ ﯾﺷﯾب ﻟﻪ اﻟوﻟﯾد أن ﺣدود اﻟﻣﻣﻠﻛﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ ﻟم‬ ‫ﯾﻛن ﺑﻬذا اﻟﺣﺟم اﻟﺻﻐﯾر إﻻ ﺑﻌد أن ﺗﺧﻠﯾﻧﺎ ﻋن اﻟﻘوﻣﯾﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ ﺛم اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ‬ ‫ﺛم اﻟﻌرﺑﯾﺔ أﺧﯾ اًر؛ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ أن اﻟﻣﻌوﻗﺎت اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ ﻛﺛﯾ اًر ﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﺗُﻐذي‬ ‫اﻟﻣﻌوﻗﺎت اﻟداﺧﻠﯾﺔ‪ ،‬وﻛﺎﻧت اﻟﻣﻌوﻗﺎت اﻟداﺧﻠﯾﺔ ﻓﻲ ذات اﻟوﻗت ﺗﺳﻣﺢ ﻟﻠﻔﺗن‬

‫اﻟﻣﺳﺗوردة ﻣن اﻟﻧﻣو واﻻزدﻫﺎر ﻟﻛﻲ ﺗﻘف ﻛﺣﺎﺋط اﻟﺻد اﻟذي ﯾﻣﻧﻊ ﻗﯾﺎم أي‬ ‫وﺣدة ﻋرﺑﯾﺔ ﻣن اﻟﻣﻣﻛن أن ﺗطور ﻟوﺣدة إﺳﻼﻣﯾﺔ‪.‬‬ ‫‪ (٢‬اﻟﻌﻧﺎﺻر اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺟزﺋﺔ اﻷﻣﺔ وﺗﻔﺗﯾﺗﻬﺎ أﺻﺑﺣت ﻣﻌروﻓﺔ‪ ،‬ﻣﺎ‬ ‫ﯾﺟﻌﻠﻧﺎ ﻧﻌود ﺑﺿرورة اﻟﺗﺄﻛﯾد ﻋﻠﻰ اﻟﻌواﻣل اﻟداﺧﻠﯾﺔ اﻟﺗﻲ ُﯾﻣﻛن أن ﺗﺗوزع ﻋﻠﻰ‬ ‫ﻋدة ﻣﺳﺗوﯾﺎت ﺑﻌﺿﻬﺎ ﯾﺗﺻل ﺑﻘﺿﺎﯾﺎ ﺛﻘﺎﻓﯾﺔ وﻓﻛرﯾﺔ‪ ،‬وﺑﻌﺿﻬﺎ ﺑﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟدوﻟﺔ‬

‫واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ‪ ،‬واﻟﺑﻌض اﻟﺛﺎﻟث ﯾﺗﺻل ﺑﺎﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪،‬‬ ‫ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أﻣور أُﺧرى ﻻ ﯾﺗﺳﻊ اﻟﻣﺟﺎل ﻟﻠوﻗوف ﻋﻧدﻫﺎ‪ .‬ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺎل اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ‬ ‫واﻟﻔﻛري ﻻ ُﺑد ﻣن اﻟوﻗوف أﻣﺎم ﺗﻧظﯾرات ﻓﻛرﯾﺔ‪ ،‬ﺗﺄﺧذ أﺑﻌﺎداً ﺛﻘﺎﻓﯾﺔ‪ ،‬ﺗﺷن ﻣﻧذ‬

‫ﻋﻘوداً ﺣروﺑﺎً ﻋﺳﻛرﯾﺔ وﺛﻘﺎﻓﯾﺔ واﻋﻼﻣﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟوﺣدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬وﻋﻠﻰ ﻣرﺗﻛزاﺗﻬﺎ‬

‫اﻟﻣوﺿوﻋﯾﺔ اﻟﻣﺗﻣﺛﻠﺔ ﺑﺎﻟﻘوﻣﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﺻﺎﻟﺢ اﻟﻛﯾﺎﻧﺎت اﻟﻘطرﯾﺔ واﻟﻌﺻﺑﯾﺎت‬ ‫اﻟطﺎﺋﻔﯾﺔ واﻟﻌرﻗﯾﺔ‪ ،‬واﻟﻣﺗﻣﺛﻠﺔ أﯾﺿﺎ ﺑﺎﻟﻬوﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ ﻟﺻﺎﻟﺢ ﻫوﯾﺎت‬ ‫ﺻﻐرى ﻣﺗﻧﺎﺣرة‪ ،‬ﻋﻠﻣﺎً ﺑﺄن اﻟوﺣدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟم ﺗﻘدم ﻧﻔﺳﻬﺎ ﯾوﻣﺎً ﻋﻠﻰ‬ ‫ﻓرﻋﯾﺔ أو ُ‬ ‫اﻟﺻﻌﯾد اﻟﻔﻛري ﻛﺈﻟﻐﺎء ﻟﻠوﺣدة اﻟوطﻧﯾﺔ‪ ،‬ﺑل اﻋﺗﺑرت ﻫذﻩ اﻟوﺣدة اﻷﺻﻐر‬ ‫ﺿﻣﺎﻧﺔ ﻟﻠوﺣدة اﻷﻛﺑر‪ ،‬ﺗﻣﺎﻣﺎً ﻛﻣﺎ ﻟم ﯾﻧف اﻟﻔﻛر اﻟوﺣدوي اﻟﻌرﺑﻲ اﺣﺗﻣﺎل أن‬ ‫ﺗﻛون وﺣدة اﻟﻌرب ﺧطوة ﻋﻠﻰ طرﯾق اﻟوﺣدة اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻷوﺳﻊ وﺻوﻻً ﻟﻠوﺣدة‬ ‫اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ اﻷﺷﻣل‪.‬‬ ‫‪- ١٠٣ -‬‬


‫‪ (٣‬ﻧﺣن ﻫﻧﺎ ﻋﻧدﻣﺎ ﻧﺗﻛﻠم ﻋن اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ أو اﻟوﺣدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻧﺗﺣدث ﻋن ﻫذﻩ‬ ‫اﻟوﺣدة ﻋﻠﻰ اﻋﺗﺑﺎرﻫﺎ اﻟﻧواة اﻷوﻟﻰ ﻟوﺣدة اﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ‪ .‬ﻓﺎﻷﻣﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻫﻲ‬ ‫ﺣﺎﻣﻠﺔ اﻟﻘرآن ﺗﺟوﯾداً وﺗرﺗﯾﻼً وﻛﺗﺎﺑﺔ وﺣﻔظﺎً وﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠق ﺑﻪ ﻣن ﻣﺧﺗﻠف ﻋﻠوم‬ ‫اﻷﻣﺔ اﻟواﺣدة‪ .‬ﻣن ﻫذا اﻟﻣﻧطﻠق ﻧﺟد أن اﻟﺣرب ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬ﻫﻲ‬ ‫اﻷﺷرس‪ ،‬ﻻن اﻟﻠﻐﺔ ﺗُﺷﻛل ﻋﻧﺻ اًر ﺟﺎﻣﻌﺎً ﻷﺑﻧﺎء اﻷﻣﺔ‪ ،‬ﺑل ﻫﻲ اﻟﺣﺎوﯾﺔ ﻟﻛل‬

‫ﻣﺎ ﺟﺎء ﻋﻠﻰ ﻟﺳﺎن اﻟرﺳول اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻛرﯾم ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم‪ ،‬ﺑل ﻫﻲ‬ ‫ﻋﻧﺻر ﺣﺎﺳم ﻓﻲ ﺗﺣدﯾد اﻟﻬوﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻺﻧﺳﺎن‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻧﺟد‪ ،‬ﺗﺑﻌﺎً ﻟذﻟك أن‬ ‫اﻟﺣرب ﻋﻠﻰ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ ﻫﻲ أﯾﺿﺎً ﺣرﺑﺎً ﻣن أﺷرس‬ ‫اﻟﺣروب ﻷﻧﻧﺎ ﻧرى أن ﻫذﻩ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ إﻧﺳﺎﻧﯾﺔ وﺟﺎﻣﻌﺔ‪ ،‬إﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﻻﻧﺑﺛﺎﻗﻬﺎ ﻣن أرض‬ ‫اﻟﺑﻌد اﻟﻌﺎﻟﻣﻲ‪ ،‬وﺟﺎﻣﻌﺔ ﻷن ﻫﻧﺎك ﻋرﺑﺎً‪،‬‬ ‫ﻫﻲ ﻣﻬد اﻟرﺳﺎﻻت اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ ذات ُ‬

‫ﻣﺳﻠﻣﯾن وﻏﯾر ﻣﺳﻠﻣﯾن‪ ،‬وﻋرﺑﺎً وﻏﯾر ﻋرب‪ ،‬ﺷﺎرﻛوا ﻓﻲ ﺑﻧﺎﺋﻬﺎ ﻟﺑﻧﺔ ﻟﺑﻧﺔ‪،‬‬ ‫وﺻرﺣﺎً ﺻرﺣﺎً‪ .‬ﻓﻧﺣن ﻧرى اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ ﻓﻲ ﻛل ﻣدارﺳﺔ ﻛﺗﺑﻪ اﻟﻌرب وﻏﯾر‬ ‫اﻟﻌرب‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﻫؤﻻء اﻟذﯾن ﻫﺎﺟروا إﻟﻰ ﺑﻼد اﻟﻐرب ظﻠوا ﻋﻠﻰ ﺛﻘﺎﻓﺗﻬم وﺣﺑﻬم‬ ‫ﻟﻬذﻩ اﻟﻠﻐﺔ‪ ،‬ﺑل إﻧﻧﺎ ﻧرى اﻟﺳواد اﻷﻋظم ﻣن ﻋﻠﻣﺎء اﻷﻣﺔ ﻣن ﻏﯾر اﻟﻌرب ﻓﻧﺟد‬ ‫اﻟﻧﯾﺳﺎﺑوري‪ ،‬واﻟﺧوارزﻣﻲ‪ ،‬واﻟﺑﺧﺎري‪ ،‬واﺑن ُرﺷد‪ ،‬واﻟﻘرطﺑﻲ‪ ...‬إﻟﻰ أﺧر ﻫذا‬ ‫اﻟرﻫط اﻟﻛرﯾم‪ ،‬ﻟم ﯾوﻟدوا ﻓﻲ ﺑﻼد أو ﻗﺑﺎﺋل ﻫﻲ ﻓﻲ اﻷﺻل ﻋرﺑﯾﺔ‪.‬‬ ‫‪ (٤‬ﻫﻧﺎك ﺟﺎﻧب أﺧر ﻻ ُﯾﻣﻛن إﻫﻣﺎﻟﻪ وﻫو اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻟدوﻟﺔ واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ؛ ﻧﺣن‬ ‫ﻧﻼﺣظ ان اﻟﺣرب ﻋﻠﻰ اﻟوﺣدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬ﺗﺄﺧذ ﺷﻛﻼً ﻣﺗزاﯾداً ﻓﻲ ﺗﻌﻣﯾق اﻟﺣواﺟز‬

‫ﺑﯾن اﻟدول اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻧﺟد داﺧل ﻛل دوﻟﺔ زﯾﺎدة اﻟﻣﺳﺎﻓﺔ ﺑﺎﺳﺗﻣرار ﺑﯾن‬ ‫اﻟﺣﻛوﻣﺔ واﻟﺷﻌب وﻫذﻩ اﻟﻔﺟوة ﺑﯾن رﻏﺑﺎت وطﻣوﺣﺎت اﻟﺷﻌوب واﺻرار‬ ‫اﻟﺣﻛوﻣﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﺑﻘﺎء ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟدوران ﻓﻲ ﻧﻔس ﻓﻠك اﻟﺣﻛوﻣﺎت واﻷﻧظﻣﺔ‬ ‫اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﺑﺎﺳﺗﺳﻼم ﻣﻬﯾن أدى وﺳﯾؤدي ﺣﺗﻣﺎً إﻟﻰ اﺣﺗﻘﺎﻧﺎت ﺗﺄﺧذ أﺷﻛﺎﻻ ﻋرﻗﯾﺔ‬ ‫ودﯾﻧﯾﺔ وطﺎﺋﻔﯾﺔ وﻣذﻫﺑﯾﺔ‪ ،‬وﺣﺗﻰ ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ وﺣزﺑﯾﺔ‪ ،‬وﻫﻲ اﻻﺣﺗﻘﺎﻧﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﺗﺣول‬ ‫ﺑﺳرﻋﺔ ﻣذﻫﻠﺔ ﻟﺗُﺻﺑﺢ ﺻراﻋﺎت أﻫﻠﯾﺔ دﻣوﯾﺔ ﺗُﻔﺟر اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت ﻣن داﺧﻠﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻓﯾﺻﺑﺢ ﺗوﺣﯾد اﻟﻛﯾﺎن اﻟوطﻧﻲ ذاﺗﻪ ﻣﺳﺗﺣﯾﻼً ﻓﻛﯾف ﺑوﺣدة اﻷﻣﺔ ﻛﻠﻬﺎ!!!‪.‬‬ ‫‪- ١٠٤ -‬‬


‫ﻓﺎﻟﻔﺳﺎد اﻟذي وﺻﻠﻧﺎ إﻟﯾﻪ ﻻ ﯾﺟب أن ﻧﻧظر إﻟﯾﻪ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻓﺳﺎد ﻣﺎﻟﻲ أو ﺛﻘﺎﻓﻲ‬ ‫وﻓﻘط ﻟﻛﻧﻪ اﻟﻔﺳﺎد اﻟﻣﻘرون واﻟﻣرﺗﻛز ﺑﺎﻟﺗﺑﻌﯾﺔ ﻟﻠﺧﺎرج وﻓﻲ أﻏﻠب اﻷﺣﯾﺎن‪ ،‬ﻻ‬ ‫ﯾﻛون ﺿﻣن ﻋﯾوﺑﻪ ﻣﺣﺎرﺑﺔ اﻟﺣرﯾﺔ وﺣﻘوق اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻘط‪ ،‬ﺑل إن ﻫذا اﻟﻔﺳﺎد‬ ‫ُﯾﺷﻛل ﺗﻬدﯾداً ﻟﻠوﺣدة اﻟوطﻧﯾﺔ واﻟﻘوﻣﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﺣد ﺳواء‪ ،‬وﻫذا ﻣﺎ ﯾﺟﻌﻠﻧﺎ ﻧﻣﯾل‬ ‫إﻟﻰ اﻻﻋﺗﻘﺎد ان اﻟدﯾﻛﺗﺎﺗورﯾﺎت اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻫﻲ ﺣﺎرﺳﺔ أﻣﯾﻧﺔ ﻟﻠﺗﺟزﺋﺔ‪ ،‬اذ ﯾﺧﺷﻰ‬

‫ٍ‬ ‫ﯾﺟﻧدون ﻛل طﺎﻗﺎﺗﻬم‬ ‫اﻟﻣﺗرﺑﻌون ﻓوق ﻋروﺷﻬﺎ ﻣن‬ ‫وﺣدة ﺗُﻬدد ﺗﺳﻠطﻬم‪ ،‬ﻛﻣﺎ ّ‬

‫اﻟﻣ ًﻣ ِزﻗﺔ ﻟوﺣدة‬ ‫ﻟﻠﺣﯾﻠوﻟﺔ دون ﻗﯾﺎﻣﻬﺎ وﯾﺟﻬدون ﻓﻲ إﺛﺎرة ﻛل اﻟﻧﻌرات واﻟﻌﺻﺑﯾﺎت ُ‬ ‫اﻷﻣﺔ ﺣﺗﻰ ﻟو أدى اﻷﻣر إﻟﻰ اﻟﻔوﺿﻰ اﻟﻌﺎرﻣﺔ‪.‬‬ ‫‪ (٥‬وﻣن ﻏراﺋب اﻷﻗدار أن اﻷﻧظﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﺣﻣﻠت ﻟواء اﻟوﺣدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﻟﻘوﻣﯾﺔ‬ ‫اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟم ﺗﻧﺟﺢ ﻓﻲ ﺗﻘدﯾم ﻧﻣﺎذج دﯾﻣﻘراطﯾﺔ ﺟﯾدة ﻓﻛﺎﻧت ﺗﻠك اﻷﻧظﻣﺔ ﻛﻣﺛل‬ ‫ﺻراخ ﻫﻧﺎ وﻫﻧﺎك ودﻋوات إﻟﻰ اﻟﺗﺣرر ﻣن اﻻﺳﺗﻌﻣﺎر؛‬ ‫ﻣن ﯾﻧﻌق ﺑﻣﺎ ﻻ ﯾﺳﻣﻊ ُ‬ ‫وﻫذﻩ اﻷﻧظﻣﺔ ﻓﻲ ذات اﻟوﻗت ﺗرﻓض اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﻣن ﺷﻌوﺑﻬﺎ أو اﻟﺳﻣﺎح ﺑﺄﺿﻌف‬ ‫درﺟﺎت اﻟﺣﻛم اﻟرﺷﯾد واﻟﺷورى أو اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﻧﻣﺎط اﻟﻐرﺑﯾﺔ‪ ،‬ﻫﻲ ﻓﻘط‬ ‫ﻛﺎﻧت أﻧظﻣﺔ ﻣﺳﺗﺑدة ﺗُﺳﯾطر ﻋﻠﻰ ﺷﻌوﺑﻬﺎ ﺑﺎﻟﺣدﯾد واﻟﻧﺎر؛ وﻫذا اﻷﺳﻠوب‬ ‫اﻟﻔرﻋوﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺣﻛم أدﺧل اﻷﻣﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺑﻌد ﻛﺎرﺛﺔ ﺳﻘوط اﻟﺧﻼﻓﺔ ﻓﻲ ﺣروب‬

‫ﻛﺎﻧت اﻻﻧﺗﺻﺎرات ﻣﺟرد أﻏﺎﻧﻲ وأﻓﻼم ﻓﻲ وﺳﺎﺋل اﻹﻋﻼم أﻣﺎ اﻟﺷﻌوب ﺑﻌد‬ ‫اﻧﻘﺿﺎء ﻋﻘود ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟﺻراﻋﺎت اﻟوﻫﻣﯾﺔ ﻓﻣﺎ زاﻟت ﺗﺑﺣث ﻋن اﻟﺣد اﻷدﻧﻰ‬ ‫ﻣن اﻟﺣﯾﺎة اﻟﻛرﯾﻣﺔ‪.‬‬ ‫‪ (٦‬ﻣن اﻟﻧﺎﺣﯾﺔ اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻠﯾس ﺳ اًر ﻋﻠﻰ أن ﻫﻧﺎك ﻓواﺋد ﻋدﯾدة‬ ‫أﻛﺛر ﻣن أن ﺗُﺣﺻﻰ اﻟﺗﻲ ﯾﻘدﻣﻬﺎ أي ﺷﻛل ﻣن أﺷﻛﺎل اﻟﺗﻌﺎﻣل أو اﻟوﺣدة ﻣن‬

‫ﻣﻛﺎﺳب واﻧﺟﺎزات ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾدﯾن اﻻﻗﺗﺻﺎدي واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪ ،‬إﻻ أن أﺣداً أﯾﺿﺎً‬ ‫ﻻ ﯾﺳﺗطﯾﻊ أن ُﯾﻧﻛر إن اﻟﺗﺟزﺋﺔ اﻟﺗﻲ ﻓرﺿﻬﺎ اﻟﻣﺳﺗﻌﻣر ﻋﻠﻰ ﺑﻼدﻧﺎ‪ ،‬واﻟﺗﻲ‬

‫وﺻﻠت إﻟﻰ ﺣد إﻗﺎﻣﺔ دوﯾﻼت ﻏﺎﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺻﻐر ﺣﺗﻰ إن ﺑﻌض ﻫذﻩ اﻟدوﯾﻼت‬ ‫ﻻ ﺗﺗﻌدى ﻣﺳﺎﺣﺗﻬﺎ أو ﻋدد ﺳﻛﺎﻧﻬﺎ ﻣﺳﺎﺣﺔ أو ﻋدد ﺳﻛﺎن ﺣﻲ ﻣن أﺣﯾﺎء‬ ‫اﻟﻣدن اﻟﻛﺑﯾرة وﻫﻲ ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟوﺿﻊ ﺗﻣﺗﻠك ﺛروات ﻗﺎروﻧﯾﺔ‪ ،‬وﻫذﻩ اﻟدوﯾﻼت‬ ‫ُ‬ ‫‪- ١٠٥ -‬‬


‫ﻧﺟﺣت ﻓﻲ أن ﺗﻘﯾم ﻟﺻﺎﻟﺣﻬﺎ ﺑﻣرور اﻟوﻗت ﻣﺻﺎﻟﺢ وطﺑﻘﺎت وﻋﺎﺋﻼت وﺣﺗﻰ‬ ‫أﺣزاﺑﺎً ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ وﻣرﺗﻛزات ﺗُداﻓﻊ ﻋﻧﻬﺎ ﺑﻛل ﺷراﺳﺔ‪ ،‬وﺗﺳﻌﻰ ﻟﺗدﻣﯾر ﻛل ﻣﻘوﻣﺎت‬ ‫اﻟوﺣدة ﻓﻲ اﻷﻣﺔ‪ ،‬ﺑﻣﺎ ﻓﯾﻬﺎ ﺗدﻣﯾر اﻟدول اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟ ُﻛﺑرى اﻟﺗﻲ ﺣﺎوﻟت اﻹﻓﻼت‬

‫ﻣن ﻗﺑﺿﺔ اﻟﻬﯾﻣﻧﺔ اﻻﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ واﻟﺻﻬﯾوﻧﯾﺔ ﺳواء ﺑﺎﻻﺳﺗﻘﻼل اﻟوطﻧﻲ أو‬

‫اﻟﻘوﻣﻲ‪ ،‬أو ﺑﺎﻟﺗﻧﻣﯾﺔ اﻟﻣﺳﺗﻘﻠﺔ‪ ،‬أو ﺑﺎﻟﻌداﻟﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪ ،‬أو ﺑﺎﻟﺗﺟدﯾد اﻟﺣﺿﺎري‪،‬‬ ‫أو ﺑﺷﻛل ﺧﺎص ﺑﺎﻟﺗوﺟﻪ ﻧﺣو اﻟﺗﻛﺎﻣل اﻟﻌرﺑﻲ‪ .‬ﻓﻣن اﻟﻣﻌﻠوم أن اﻟﺗﻛﺎﻣل اﻟﻌرﺑﻲ‬ ‫ﻣرﻓوض ﻣن ﻗوى اﻟﻬﯾﻣﻧﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻷﻧﻪ ﻣﻌﻠوم أن ﻫذﻩ ﻫﻲ اﻟﺧطوة اﻷوﻟﻰ ﻧﺣو‬ ‫ﺗوﺣد ﺻف اﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ وﻫذا ُﯾﻧﺎﻗض اﻟﺳﯾﺎﺳﺎت اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوى‬

‫اﻻﺳﺗراﺗﯾﺟﻲ‪.‬‬

‫‪ (٧‬ﻣن ﺧﻼل ﻓﻬم اﻟواﻗﻊ ودراﺳﺔ اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻘرﯾب‪ُ ،‬ﯾﻣﻛن اﻟﻘول إن اﻟﺗﺟزﺋﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‬ ‫ﻫﻲ اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟﺗﺣﺗﯾﺔ اﻟﺣﻘﯾﻘﯾﺔ ﻓﻲ ﺑﻼدﻧﺎ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻗﺎﻣت ﻓوﻗﻬﺎ ُﺑﻧﻰ اﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ‬

‫وﺛﻘﺎﻓﯾﺔ واﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﺗرﻋﺎﻫﺎ وﺗﺣﻣﯾﻬﺎ ﺗﻠك اﻟﻘوى اﻟﻐرﺑﯾﺔ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ُﯾﻣﻛن اﻟﻘول أن‬

‫اﻟطﺑﻘﺎت اﻹﻗطﺎﻋﯾﺔ واﻟرأﺳﻣﺎﻟﯾﺔ ﻓﻲ ﺑﻼدﻧﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ ﻟم ﺗﻧﻣو وﻟم ﺗﺻل‬

‫ِ‬ ‫اﻟﻣﻬﯾﻣﻧﺔ‪،‬‬ ‫إﻟﻰ ﻣﺎ وﺻﻠت إﻟﯾﻪ إﻻ ﺑﻔﺿل ﻋﻼﻗﺎت وﺻﻼت ﻣﻊ اﻟﻘوى اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ ُ‬

‫ﺑﺎﻟﺿﺑط ﻣﺛل اﻻﻗطﺎع اﻟذي ظﻬر ﻓﻲ ﻧﻬﺎﯾﺔ زﻣن اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ؛ وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ‬ ‫ﻓﺈن ﺛرواﺗﻬﺎ ﻟم ﺗﺄت اﺳﺗﺟﺎﺑﺔ ﻟﺗطور ﻓﻲ ادوات اﻻﻧﺗﺎج اﻟﻣﺣﻠﯾﺔ أﻧﺗﺞ ﺗطورات‬

‫ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎت اﻻﻧﺗﺎج‪ .‬ﻛﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﺣﺎل ﻓﻲ أوروﺑﺎ ﺣﯾث ِ‬ ‫وﻟدت ﻣرﺣﻠﺔ اﻻﻗطﺎع‬ ‫ﻣن رﺣم ﻣرﺣﻠﺔ اﻟرق وﺣﯾث وﻟدت اﻟرأﺳﻣﺎﻟﯾﺔ ﻣن رﺣم ﻣرﺣﻠﺔ اﻻﻗطﺎع‪ ،‬ﻓﻛﺎن‬ ‫اﻟﺗﺧﻠص ﻣن اﻟرق واﻹﻗطﺎع ﺳﺑب ﻟﺗطور وﻧﻣو ﺻﻧﺎﻋﺎت ورأﺳﻣﺎﻟﯾﺎت ﻣﺣﻠﯾﺔ‬ ‫ﻓﻲ أورﺑﺎ‪ ،‬أﻣﺎ اﻟوﺿﻊ ﻓﻲ اﻟﺑﻼد اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻓﯾﺧﺗﻠف ﻓﺎﻟرأﺳﻣﺎﻟﯾﺔ أو اﻟﺗطور‬ ‫اﻟﺻﻧﺎﻋﻲ إذا رأﯾﻧﺎﻩ ﻓﺈﻧﻪ ﻗﺎﺋم وﻣﺳﺗﻣر ﺑﻔﺿل ﺗﻣﺳﻛﻪ ﺑﺣﺑل ﻣن اﻟﺑﻼد اﻟﻐرﺑﯾﺔ‬ ‫واﻟﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ‪.‬‬ ‫اﻟﻣرﺗﺑطﺔ ﺑﺣﺑﺎﺋل اﻟﻐرب‬ ‫‪ (٨‬ﻫذﻩ اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ ﻟﻬذﻩ اﻟوﺣدات اﻟﺑرﺟوازﯾﺔ ُ‬ ‫ﺗﻌﻣل راﺿﯾﺔ أو ﻣﻛرﻩ ﺿد أي ﻣﺷروع وﺣدوي ﻋرﺑﻲ ﻷن ﻣﺻﺎﻟﺣﻬﺎ ﻣرﺗﺑطﺔ‬ ‫ﺑﺎﻟﻧظﺎم اﻟﻌﺎﻟﻣﻲ‪ .‬ﻧﺣن ﻧرى ذﻟك ﺑوﺿوح ﻓﻲ ﻓﺷل اﻟدﻋوات اﻟﺷﻌوﺑﯾﺔ واﻟﻧداءات‬ ‫‪- ١٠٦ -‬‬


‫اﻟﺟﻣﺎﻫﯾرﯾﺔ ﻟﻣﻘﺎطﻌﺔ ﺑﻌض اﻟﺳﻠﻊ أو اﻟﻣﻧﺗﺟﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺗﺟﻬﺎ دول أو ﺷرﻛﺎت‬ ‫ﺑﻌﯾﻧﻬﺎ‪ .‬ﻛﻣﺎ رأﯾﻧﺎ ﻓﺷل ﻋدة ﻣﺷﺎرﯾﻊ ﺗﻘوم ﺑﻬدف اﻟﺗﻌﺎون اﻻﻗﺗﺻﺎدي؛ ﻓﻣﺟﻠس‬ ‫اﻟﺗﻌﺎون اﻟﻌرﺑﻲ اﻟذي ﻗﺎم ﺑﯾن ﻣﺻر واﻟﻌراق واﻟﯾﻣن واﻻردن ﻓﻲ اواﺧر‬ ‫اﻟﺛﻣﺎﻧﯾﻧﺎت ﻣن اﻟﻘرن اﻟﻣﺎﺿﻲ ‪ُ ،‬ﺳرﻋﺎن ﻣﺎ إﻧﻬﺎر ﻣﻊ أول زﻟزال اﻗﻠﯾﻣﻲ ﻋﺎم‬ ‫‪١٩٩٠‬م‪ ،‬واﻻﺗﺣﺎد اﻟﻣﻐﺎرﺑﻲ اﻟﻌرﺑﻲ ﺑﻘﻲ ﻣﺣﺗﺟ اًز ﻓﻲ إطﺎر اﻟﺧﻼﻓﺎت اﻟﺛﻧﺎﺋﯾﺔ‬ ‫ﺑﯾن دول ﻻ ﺗﺟد أدﻧﻰ ﻣﺷﻛﻠﺔ ﻓﻲ أن ﺗُﻠﻘﻲ ﺑﻧﻔﺳﻬﺎ ﻓﻲ أﺣﺿﺎن اﻻﺗﺣﺎد اﻷورﺑﻲ‬

‫ﻓﻲ إطﺎر ﻣﺎ ُﺳﻣﻲ ﺑﺗﻌﺎون دول اﻟﺟﻧوب اﻻوروﺑﻲ )‪ (٥+٥‬ﻟﻛﻧﻬﺎ ﺗﺟد اﻟف‬ ‫ﻣﺑرر وﻣﺑرر ﻟﻌدم اﻧﻌﻘﺎد اﺟﺗﻣﺎﻋﺎت ﻣﺗواﺻﻠﺔ ﺑﯾن ﺧﻣﺳﺔ دول ﻣن دول‬ ‫اﻟﻣﻐرب اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻛل ﯾﻌرف ﺣﺟم اﻟﻣﺷﺗرﻛﺎت اﻟﺗﻲ ﺑﯾﻧﻬﺎ؛ ﺣﺗﻰ ﻣﺟﻠس اﻟﺗﻌﺎون‬ ‫اﻟﺧﻠﯾﺟﻲ‪ ،‬اﻟذي أﻓﻠت ﻣن اﻻﻧﻬﯾﺎر ﻛﻣﺎ ﻛﺎن ﺣﺎل ﻣﺟﻠس اﻟﺗﻌﺎون اﻟﻌرﺑﻲ‪ ،‬وﻣن‬ ‫اﻟﺗﻌﺛر واﻟﺟﻣود ﻛﺎﻻﺗﺣﺎد اﻟﻣﻐﺎرﺑﻲ اﻟﻌرﺑﻲ‪ ،‬ﻟم ﯾﻧﺟﺢ رﻏم اﻟﺗﻣﺎﺛل ﻓﻲ طﺑﯾﻌﺔ‬ ‫اﻟﺣﻛم ﻓﻲ ﻛل دول اﻟﻣﺟﻠس ﻓﻲ أن ُﯾﺣﻘق اﻧﺟﺎزات ﻣﻠﻣوﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑﯾن‬

‫أطراﻓﻪ‪ ،‬اﻟﻠﻬم إﻻ اذا ﻛﺎن "اﻻﻧﺟﺎز" ﻣوﻗﻔﺎً ﺳﻠﺑﯾﺎً ﻣن دوﻟﺔ ﻋرﺑﯾﺔ أو اﻗﻠﯾﻣﯾﺔ‬ ‫أﺧرى‪ ،‬ﺑل اﻧﻧﺎ ﻟم ﻧر ﺧط ﺳﻛﺔ ﺣدﯾد ﯾرﺑط ﺑﯾن ِ‬ ‫دوﻟﻪ رﻏم ﺗﺻﺎﻏر اﻟﻣﺳﺎﻓﺎت‬ ‫وﻋدم وﺟود ﺣدود ﺟﻐراﻓﯾﺔ طﺑﯾﻌﯾﺔ ﺗﺣول دون ذﻟك‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﻟم ﻧرى ﻋﻣﻠﺔ واﺣدة‬ ‫ﯾﺗداوﻟﻬﺎ أﺑﻧﺎء ﻫذﻩ اﻟدول‪ ،‬أو ﻣﺷﺎرﯾﻊ واﺣدة ُﻛﺑرى ﯾﺗﻌﺎوﻧون ﻋﻠﻰ ﺗﻧﻔﯾذﻫﺎ ﻓﺗرى‬ ‫ﺗﺑﻌﺎً ﻟذﻟك ﻣﺷﺎرﯾﻊ اﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ ُﻛﺑرى ﺗؤدي ﻟﻘوة ﻫذﻩ اﻟدوﯾﻼت‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﻧﻬﺎﯾﺔ ﻫذا اﻟﻣﺑﺣث رأﯾﻧﺎ ﻛﯾف أن اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ ﺑوﺿﻌﻪ اﻟﺣﺎﻟﻲ وﺣﺗﻰ ﻓﻲ‬ ‫اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل اﻟﻣﻧظور ﻏﯾر ﻣﻬﯾﺄ ﻟﻘﯾﺎم أي ﻣﺷروع ﻧﻬﺿوي وﺣدوي ﯾرﺑط ﺑﯾن دوﯾﻼﺗﻪ ﻣن‬ ‫اﻟﻣﺣﯾط إﻟﻰ اﻟﺧﻠﯾﺞ؛ ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻫذﻩ ﻟﯾﺳت دﻋوة ﻟﻠﯾﺄس ﺑﻘدر ﻣﺎ ﻫﻲ دﻋوة ﻟرؤﯾﺔ‬ ‫اﻟواﻗﻊ ﻛﻣﺎ ﻫو دون ﺗﺟﻣﯾل أو ﺗﻬوﯾل ﻟﯾﺳﻬل ﻋﻠﯾﻧﺎ اﻟﺗﻣﺎس طرﯾق اﻟﻧﺟﺎة‪ .‬ﻫذا اﻟطرﯾق‬ ‫ﻻ ﯾﻛون إﻟﻰ ﺑﺎﻟﻌودة إﻟﻰ اﻷﺳﺑﺎب واﻟﻣﻧﺎﺑﻊ اﻟﺗﻲ ﺟﻌﻠت اﻟﻌرب ﻛﻌرب اﺳم وﻣﻛﺎﻧﺔ‬ ‫ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺣﯾط اﻹﻗﻠﯾﻣﻲ وﻋﻠﻰ اﻟﻣﺣﯾط اﻟدوﻟﻲ وﻫو اﻟﻌودة إﻟﻰ أﺻول اﻻﺳﻼم ﺷرﻋﺔ‬ ‫وﻣﻧﻬﺎﺟﺎً وﻟﯾس ﻣﺟرد طﻘوس ﺗﻌﺑدﯾﺔ وأذان ُﯾردد ﻫﻧﺎ وﻫﻧﺎك دون رؤﯾﺔ ذﻟك اﻟدﯾن واﻗﻊ‬ ‫ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة ﻛﺳﻠوﻛﯾﺎت وﻗواﻧﯾن وأﻧظﻣﺔ ﺗﻌﺎﻣل ﻓﻲ ﺷﺗﻰ اﻟﻣؤﺳﺳﺎت ‪‬وﻟﻘد أﻧزﻟﻧﺎ إﻟﯾﻛم‬ ‫‪- ١٠٧ -‬‬


‫ﻛﺗﺎﺑﺎ ﻓﯾﻪ ذﻛرﻛم أﻓﻼ ﺗﻌﻘﻠون‪ ،(١) ‬ﻓﯾﻪ ذﻛرﻛم أﯾﻬﺎ اﻟﻣؤﻣﻧون أي ﻋزﻛم وﻣﺟدﻛم‪،‬‬ ‫وﻋﻧدﻣﺎ ﺗرﻛﻧﺎ ﻣﺻدر اﻟﻌز واﻟﻣﺟد أﺻﺑﺣﻧﺎ ﻛﻬﺷﯾم ﺗذروﻩ اﻟرﯾﺎح ﻓﻼ ﯾﺳﺗطﯾﻊ ﻫذا‬ ‫اﻟﻬﺷﯾم ﺣﺗﻰ اﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ ﺿد ﻫﺑﺎت اﻟﻧﺳﺎﺋم اﻟﺑﺳﯾطﺔ‪ .‬ﻓﺎﻟذي ﯾدﻋو إﻟﻰ ﺗوﺣد اﻷﻣﺔ‬ ‫اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻓﻲ ظل أﻧظﻣﺔ ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ وﺣﺗﻰ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻫﻲ ﺑﺎﻷﺳﺎس ﺗﺷرب‬ ‫وﺗﺗرﻋرع ﻓﻲ ظل ﻋﻼﻗﺎت ﻗوﯾﺔ ﻣﻊ أﻋداء اﻷﻣﺔ ﻫو واﻫم‪ ،‬ﻓﺎﻟﺣق اﻟﺣق ﺑﺎﻟﻌودة‬ ‫ﻹﺻﻼح اﻟﻧﻔوس ﻣن اﻟداﺧل واﻻﻋﺗﻣﺎد ﻋﻠﻰ اﻟذات وﺗوﻟﯾد ﻣؤﺳﺳﺎت وﺳﯾﺎﺳﺎت‬ ‫ووﺷﺎﺋﺞ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ وﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﺗﻛون ﻧﺎﺑﻌﺔ اﺳﺎﺳﺎً ﻣن اﻟﻛﺗﺎب واﻟﺳﻧﺔ‪ ،‬وﻋﻧدﻣﺎ ﺗﺗوﺣد‬ ‫اﻟﻘﻠوب ﺳﯾﻛون ﻣن اﻟﺳﻬل ﺗوﺣﯾد اﻷﺑدان واﻟﺑﻠدان ﺗﺣت دﻋوى اﺳﺗووا‪ ،....‬وﺳدوا‬ ‫اﻟﻔرج‪.....‬واﺳﺗﻘﯾﻣوا ﯾرﺣﻣﻛم اﷲ ‪ .....‬ﻛﻠﻣﺎت ﺑﺳﯾطﺔ ﻟﻛﻧﻬﺎ ﻣﻧﻬﺞ ﺣﯾﺎة‪ .‬ﻫذﻩ اﻟدﻋوة ﻻ‬ ‫ﺗﻌﻧﻲ اﻟدﺧول ﻓﻲ اﻟﺻراﻋﺎت ﻣﻊ اﻟذﯾن ﯾﻌﯾﺷون ﺑﯾن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺳواء ﻛﺎﻧوا ﻣﺳﻠﻣﯾن أو‬ ‫ﻏﯾر ﻣﺳﻠﻣﯾن وﯾﺧﺗﻠﻔون ﻣﻊ ﻣﻧﻬﺞ وﺣدوﯾﺔ اﻷﻣﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ ﻷن اﻹﺳﻼم ﻛدﯾن وﻛﻣﻧﻬﺞ‬ ‫ﺣﯾﺎة ﯾﺳﺗطﯾﻊ أن ﯾﺣﺗوي وﯾﺣﺗﺿن ﻛل اﻟﻣﺧﺎﻟﻔﯾن ﻟﻣﻧﻬﺟﻪ‪ .‬وﻟﻛن اﻹﺳﻼم ﯾﻬدف‬ ‫ﻟﺗﺟﯾﯾش ﻛل طﺎﻗﺎت اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﺑﻬدف زﯾﺎدة اﻟﻧﻣو واﻟﺗطور اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻟﯾﺷﻌر ﺑﻬذا‬ ‫اﻟرﺧﺎء ﻛل اﻟذﯾن ﯾﻌﯾﺷون ﻋﻠﻰ اﻷرض‪ ،‬واﻷﻣﺛﻠﺔ ﻋﻠﻰ ذﻟك ﻛﺛﯾرة ﻓﻘد اﺳﺗﻌﺎن ﺻﻠﻰ‬ ‫اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ رﺣﻠﺔ اﻟﻬﺟرة ﺑﻌﺑداﷲ اﺑن أُرﯾﻘط وﻫو ﻣن اﻟﯾﻬود‪ ،‬وأﻗر ﺑوﺟود‬ ‫اﻟﻣﺧﺎﻟﻔﯾن ﻓﻲ اﻟدﯾن داﺧل اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻓﻲ ﻣﺟﺗﻣﻊ ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻌﺎون وﻟﯾس اﻟﺗﻧﺎﺣر ﺑﯾن‬ ‫اﻷﻓراد؛ ﻧﻔس اﻟﺷﻲء ﻓﻌﻠﻪ ﻋﻣر ﺑن اﻟﺧطﺎب ﻓﻲ ﻋﻬدﻩ ﻟﻧﺻﺎرى ﺑﯾت اﻟﻣﻘدس‪ ،‬وﻏﯾرﻫﺎ‬ ‫ﻣن اﻟﻧﻣﺎذج اﻟزاﻫرة‪.‬‬

‫)‪ (١‬اﻷﻧﺑﯾﺎء آﯾﺔ رﻗم )‪(١٠‬‬

‫‪- ١٠٨ -‬‬


‫ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ‬ ‫ﺍﻟﺴﻤﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﰲ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ‬ ‫ﻭﳕﺎﺫﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻨﻮﺍﺕ ﺍﻟﻌﺠﺎﻑ ﻣﻦ ﺍﳊﺮﻭﺏ‬ ‫ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ‬

‫‪- ١٠٩ -‬‬


‫ﺗﻣﻬﯾد‪:‬‬ ‫ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﯾﺟب أن ُﻧﺷﯾر ﻫﻧﺎ إﻟﻰ أن ﻋﻣوم اﻟﻧﺎس ﯾﻌﺗﻘدون أن اﻟﺑﻼد اﻟﻐرﺑﯾﺔ‬ ‫أﺻﺣﺎب دﯾن أو ﻛﺗﺎب ُﻣﻧزل أو ﻣﺳﯾﺣﯾون‪ ،‬وﻟﻛن ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟدﯾن اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻓﻲ ﻫذﻩ‬ ‫اﻟﺑﻼد ﻫو اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟذاﺗﯾﺔ ﻓﻘد ﺗﺧﻠﺻوا ﻣن اﻟدﯾن ﺑﺎﻟﻛﻠﯾﺔ ﻣﻧذ ﺑداﯾﺎت ﻋﺻر اﻟﺛورة‬ ‫اﻟﺻﻧﺎﻋﯾﺔ ﻓﺎﻟدﯾن ﻋﻧدﻫم ﻣﺟرد أﻋﯾﺎد أو طﻘوس ﻻ ﯾﻔﻬم ﻫؤﻻء اﻟﻘوم ﻣدﻟوﻟﻬﺎ أو ﻣﺎ‬ ‫ﺗرﻧو إﻟﯾﻪ وﻓرق ﺷﺎﺳﻊ ﺑﯾن ﻣﺳﯾﺣﻲ اﻟﺷرق وﻣﺳﯾﺣﻲ اﻟﻐرب‪ .‬ﻫذا اﻟﺗﺧﻠص ﻣن‬ ‫اﻟﻣوروﺛﺎت اﻟدﯾﻧﯾﺔ ﺟﻌﻠت ﻫذﻩ اﻟﺑﻼد ذات طﺑﯾﻌﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪ .‬ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻓﻲ ﺗﻘﺑل اﻷﻣور‪،‬‬ ‫ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻓﻲ ﺗﺻور اﻷﺷﯾﺎء‪ ،‬ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﯾدة اﻟداﺧﻠﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺟﻌل اﻟﻔرد ﯾرﻓض أو‬ ‫ﯾﻘﺑل ﺷﻲء ﻣﺎ‪ .‬ﻫذا ﺣدث ﻣن اﻟﺑداﯾﺔ ﻓﻲ أورﺑﺎ ﺛم اﻧﺗﻘل ﻫذا اﻟﻔﻛر إﻟﻰ اﻣﺗدادات أورﺑﺎ‬ ‫ﻓﻲ أﻣرﯾﻛﺎ واﺳﺗراﻟﯾﺎ وﻏﯾرﻫﺎ‪.‬‬ ‫ﻧﺣن ﻧرى اﻟﯾوم اﻟﺑﻼد اﻟﻐرﺑﯾﺔ وﻧﻘﺻد ﺑﻬﺎ ﺗﺣدﯾداً اﻟدول اﻟﻐرﺑﯾﺔ أو دول اﻻﺗﺣﺎد‬ ‫اﻷورﺑﻲ ﺗﺗﺣرك ﻛﻛﺗﻠﺔ واﺣدة ﻓﻲ ﺷﺗﻰ اﻟﻣﺣﺎﻓل اﻟدوﻟﯾﺔ واﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺎت‪ .‬ﻫذا اﻟﺗﻛﺗل اﻟذي‬ ‫اﻗﺗرب ﻣن ﻧﻣوذج وﺣدوي ﻓﻲ ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺗﻌﻠﯾم واﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﺑل ووﺻل اﻷﻣر‬ ‫إﻟﻰ وﺣدة اﻟﻘواﻧﯾن اﻟﺟﻣرﻛﯾﺔ ٕواذاﻟﺔ اﻟﺣواﺟز ﺑﯾن ﻫذﻩ اﻟدول ﻓﯾﻧطﻠق اﻟﻘطﺎر ﻣن‬ ‫ﻋﺎﺻﻣﺔ اﺣدى اﻟدول ﻓﻼ ﯾﺗوﻗف إﻻ ﻓﻲ اﻟدوﻟﺔ اﻷﺧرى‪ .‬ﻫذا اﻟﻧﻣوذج ﻧﺟﺢ إﻟﻰ ﻫذﻩ‬ ‫اﻟﻠﺣظﺔ‪ .‬وﻧﺣن ﻫﻧﺎ ﯾﻬﻣﻧﺎ أن ﻧﻌﻠم ﺳﺑب ﻧﺟﺎح ﻫذا اﻟﺷﺗﺎت ﻓﻲ اﻻﻟﺗﻘﺎء ﻋﻠﻰ ﻏﯾر‬ ‫ﻣﻧﻬﺞ ﻓﻛري واﺣد أو ﻟﻐﺔ واﺣدة‪ ،‬ﻧﺣن ﻫﻧﺎ ﻧﺑﺣث ﻋن اﻷﺳﺑﺎب اﻟﺗﻲ وﻟدت ﻫذا‬ ‫اﻟﻧﻣوذج اﻟوﺣدوي اﻷورﺑﻲ‪.‬‬

‫‪- ١١٠ -‬‬


‫اﻟﻣﺑﺣث اﻷول‬ ‫ﺳﻣﺎت اﻟﻔﻛر واﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ‬ ‫ﻣﻣﺎ ﻻ ﺷك ﻓﯾﻪ أن اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻫو ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻷﻓراد اﻟﺗﻲ ﺗُﺷﻛل ﻓﯾﻣﺎ ﺑﻌد‬

‫ﻣﺟﻣوﻋﺔ اﻷﺳر وﻓﻲ اﻟﻧﻬﺎﯾﺔ ﻧﺟد ﻧﺳﯾﺞ ﻣﺟﺗﻣﻌﻲ ﻛﺎﻣل ﻓﺗﺻرﻓﺎت اﻷﻓراد ﻧﺎﺑﻌﺔ ﻣن‬ ‫اﻟﻣﺳﯾطر ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻷورﺑﻲ ﻫﻧﺎك‬ ‫طرﯾﻘﺔ ﺗﻔﻛﯾرﻫم ﻓﻠﻛﻲ ﻧﻔﻬم اﻟﻧﻣط اﻟﻌﺎم ُ‬ ‫ﺳﻣﺎت ﻋﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ﯾﺟب أن ﻧﻧظر إﻟﯾﻬﺎ ﻧظرة ﻋﻣﯾﻘﺔ أﻫﻣﻬﺎ‪:‬‬ ‫أوﻻً‪ :‬ﺗﻘدﯾس اﻟذات‬ ‫ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ أن ﺗﻘدﯾس اﻟذات ﺻﻔﺔ أﺳﺎﺳﯾﺔ ﻣن ﺻﻔﺎت اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻷورﺑﯾﺔ ﻟﻬﺎ‬ ‫ﺟذورﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻔﻛر اﻷورﺑﻲ ﻣﻧذ ﻋﺻر اﻟﻧﻬﺿﺔ‪ ،‬ﺣﯾث ﻛﺎن اﻟﺗرﻛﯾز ﻋﻠﻰ اﻟﻔردﯾﺔ وﺗﺄﻛﯾد‬ ‫اﻟذات‪ ،‬وﻣﻧذ أن ﻗﺎل دﯾﻛﺎرت‪) :‬أﻧﺎ أﻓﻛر ﻓﺄﻧﺎ ﻣوﺟود()‪ ،(١‬ﻛﺎن اﻻﻟﺣﺎح ﻋﻠﻰ )اﻻﻧﺎ(‬ ‫)‪ (Ego‬و)اﻟﻔرد( )‪ (Individual‬ورﻓﻊ اﻟﺷﻌور ﺑﺎﻟذات ﻋﻠﻰ ﻛل اﻷﺻﻌدة ﻫذا اﻟذي‬ ‫ﺗرﺗب ﻋﻠﯾﻪ ﺷﻌور اﻟﻔرد ﺑوﺣداﻧﯾﺗﻪ وﺟﺑروﺗﻪ‪ ،‬وﺳﻘط اﻵﺧرون ﻣن اﻟﻣﯾزان‪ ،‬وﻛﺎن ﻣن‬ ‫ﻧﺗﯾﺟﺔ ﻫذا أن أﺻﺑﺢ اﻹﻧﺳﺎن ﻣرﻛز ﻛل ﺷﻲء وﻣﻘﯾﺎﺳﺎً ﻟﻛل ﺷﻲء‪ ،‬وﺗﺣول ﻣرﻛز‬ ‫اﻟﻛون ﻣن اﷲ إﻟﻰ اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ ﺗﻛوﯾن اﻟوﻋﻲ اﻻورﺑﻲ اﻟﺣدﯾث)‪.(٢‬‬

‫وﻣن ﻫذﻩ اﻟﻣرﻛزﯾﺔ ﻛﺎن ﻓﻬم اﻟﻛون‪ ،‬وﻛﺎن ﺗﻘوﯾم اﻵﺧرﯾن‪ ،‬ﻓﺎﻟﻔرد ﺛم اﻟﻐرب ﻫو‬ ‫اﻟدﻧﯾﺎ ﻛﻠﻬﺎ‪ ،‬واﻟﻌﺎﻟم ﻛﻠﻪ واﻵﺧرون ﻣﻌﻪ أطراف ﻟﻠﻣرﻛز اﻻورﺑﻲ‪ ،‬وﻣن ﻫﻧﺎ ﻛﺎﻧت‬ ‫ﻣﺣور ُ‬ ‫اﻟﻬﯾﻣﻧﺔ اﻻورﺑﯾﺔ واﻻﺳﺗﻌﻼء اﻻورﺑﻲ‪ .‬وﻣن ﻫﻧﺎ ﻛﺎﻧت دراﺳﺗﻬم ﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺣﺿﺎرات‬

‫اﻻﻧﺳﺎﻧﯾﺔ‪ .‬ﻓﺎﻟﺗﺎرﯾﺦ ﻋﻧدﻫم ﯾﺑدأ ﻓﻲ أورﺑﺎ‪ ،‬واﻟﻌﺻور اﻻﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﺗﺑدأ ﻓﻲ أورﺑﺎ‪ ،‬ﻓﻬﻲ‬ ‫ﺗﻘﺳم إﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ ﻋﺻور‪ :‬اﻟﻌﺻور اﻟﻘدﯾﻣﺔ واﻟوﺳطﻰ واﻟﺣدﯾﺛﺔ‪ .‬واﻻﻧﺳﺎن اﻻورﺑﻲ ﻫو‬ ‫ﻣﺣور ﺣرﻛﺔ ﻫذﻩ اﻟﻌﺻور‪ ،‬ﻓﻬو اﻹﻧﺳﺎن اﻟﯾوﻧﺎﻧﻲ واﻟروﻣﺎﻧﻲ واﻟﻣﺳﯾﺣﻲ واﻟﺣدﯾث‪،‬‬ ‫ﻓﯾﻘوﻟون ان اﻟﺣﺿﺎرة اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻫﻲ وﻟﯾدة ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻧﺎﺑﻊ‪:‬‬ ‫أ( اﻟﻣﺟﺎل اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ واﻟﺣﻘوﻗﻲ‪ ،‬وﻫو ﺧﺎﺿﻊ ﻟﺗﺄﺛﯾر اﻟﻘﺎﻧون اﻟروﻣﺎﻧﻲ‪.‬‬ ‫)‪ (١‬د‪ .‬ﻣﺻطﻔﻰ‪ ،‬ﺷﺎﻛر‪ ،‬ﻣﻘﺎل )ﻋﺎﻟم اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻣﺗﺧﻠﻔﺔ(‪ ،‬ﻣﺟﻠﺔ ﻋﺎﻟم اﻟﻔﻛر ﻣﺞ‪ ،١٩‬ع‪٢٠٠٤ ،١‬م ‪ ،‬ص‪٨‬‬ ‫)‪ (٢‬د‪ .‬ﺣﺳن ﺣﻧﻔﻲ‪" ،‬ﻣﻘدﻣﺔ ﻓﻲ ﻋﻠم اﻻﺳﺗﻐراب"‪ ،‬اﻟدار اﻟﻔﻧﯾﺔ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫرة‪ ،٢٠٠٤ ،‬ص‪.٦٢٦‬‬

‫‪- ١١١ -‬‬


‫ب( اﻟﻣﺟﺎل اﻻﺧﻼﻗﻲ‪ ،‬وﻫو وﻟﯾد اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ‪.‬‬ ‫ت( اﻟﻣﺟﺎل اﻟﻔﻛري واﻟﻔﻧﻲ‪ ،‬وﻫو ﺛﻣرة اﻟﺗﻘﻠﯾد ﻟﺣﺿﺎرة اﻻﻏرﯾق)‪.(١‬‬ ‫ﺑل ان )ﻟﺳﻧﺞ( ﺗﺗم ﻋﻧدﻩ ﺗرﺑﯾﺔ اﻟﺟﻧس اﻟﺑﺷري ﻋﻠﻰ ﺛﻼث ﻣراﺣل ﺗﻘوم‬ ‫)‪(٢‬‬

‫ﺑﺎﻷﺳﺎس ﻋﻠﻰ اﻟﻣرﺗﻛزات اﻟﺛﻼث اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ‪ ،‬ﻓﻣن ﺧﻼل ﻗراءة ﻫذﻩ اﻟﯾﻧﺎﺑﯾﻊ اﻟﺛﻼث‬

‫ﻛﻣﺎ‬

‫أوردﻫﺎ ﺟﺎرودي ﻧﺟد أن اﻷورﺑﯾﯾن ﺑﻬذا ﯾﻧﻛرون اﻧﺟﺎزات اﻟﺣﺿﺎرات اﻷﺧرى‪ ،‬أو‬ ‫ﯾﻠﺣﻘوﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻷورﺑﻲ‪ ،‬ﻓﻼ أﺛر ﻋﻧدﻫم ﻟﺣﺿﺎرات ﻣﺎ ﺑﯾن اﻟﻧﻬرﯾن‪ ،‬وﻻ ﻟﺣﺿﺎرة‬ ‫اﻟﻬﻧد‪ ،‬وﻻ ﻟﺣﺿﺎرة ﻣﺻر أو اﻟﺻﯾن أو اﻟﺣﺿﺎرة اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﻋﻧدﻫم ﻫواﻣش‪ ،‬أو‬ ‫أطراف‪ ،‬رﺑﻣﺎ ﺗﻛون وﺟدت ﺑﺗﺄﺛﯾر أو إﯾﺣﺎء ﻣن إﻧﺟﺎزات اﻹﻧﺳﺎن اﻻورﺑﻲ اﻟذي ﻟم ﯾﻛن‬ ‫ﻣوﺟوداً أو ﻓﺎﻋﻼً ﺧﻼل ﻓﺗرة ﻧﻬﺿﺔ ﺗﻠك اﻟﺣﺿﺎرات‪ ،‬ﻓﻼ اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ وﻻ اﻟﻣﻧطق وﻻ اﻟﻌﻠم‬ ‫اﻟﺣﺿﺎرت إﻻ ﺑﻌد ﻓﺗوﺣﺎت اﻻﺳﻛﻧدر اﻷﻛﺑر‪ ،‬أو اﻟﺛورة‬ ‫ا‬ ‫وﻻ اﻟﻣﻧﻬﺞ ُﻋرف ﻓﻲ ﺗﻠك‬

‫اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺻر اﻷورﺑﻲ اﻟﺣدﯾث)‪ ،(٣‬ﺣﺗﻰ اﻟﻔن اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ اﻻﻧدﻟس‪ ،‬وﻓﻲ ﻗﺻر‬

‫اﻟﺣﻣراء ﺧﺎﺻﺔ‪ ،‬ﻫو أﺛر ﻣن آﺛﺎر اﻟروﻣﺎن‪ .‬ﯾﻘول أﺣد اﻟﻣﺳﺗﺷرﻗﯾن‪" :‬اﻟﺣﻣراء"‪ ،‬ﻣﺎذا‬ ‫ﺗﻛون اﻟﺣﻣراء؟‪ .‬ان ﻗواﻋد ﻓن اﻟﻌﻣﺎرة ﻓﯾﻬﺎ ﻗد دﺧﻠت ﺷﺑﻪ ﺟزﯾرة اﯾﺑﯾرﯾﺎ ﻣﻧذ ﻗﯾﺎم روﻣﺎ‬ ‫وﺑﯾزﻧطﺔ!!"‬

‫)‪(٤‬‬

‫أي ﻗﺑل ﻣﺟﯾﺊ اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻟﺑﻼد اﻷﻧدﻟس‪ ،‬وﯾرى ان زﺧرﻓﺔ اﻟﻣﺳﺎﺟد ﻓﻲ‬

‫اﻟﺣﺿﺎرة اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ذات أﺻول اﻓﻼطوﻧﯾﺔ‪.‬‬ ‫وﺑﻬذا ﯾﻛون اﻟﻐرب ﻗد أﺟﺎز ﻟﻧﻔﺳﻪ ﺗﻘوﯾم اﻵﺧرﯾن ﻣن ﺧﻼل ذاﺗﻪ وﺗﺄرﯾﺧﻪ‬ ‫اﻟﺧﺎص‪ ،‬وﻏﺎﯾﺎﺗﻪ وﻣﻌﺎﯾﯾرﻩ اﻟﺧﺎﺻﺔ‪ ،‬ﻓﻛل اﻟﺷﻌوب واﻟﺣﺿﺎرات واﻟﺛﻘﺎﻓﺎت واﻟﺗﻘﻧﯾﺎت‬ ‫ﺗﺑدو ﺑداﺋﯾﺔ ﻣﺗﺧﻠﻔﺔ اذا ﻗﯾﺳت ﺑﻣﺳﯾرة اﻟﻐرب أو ﻗورﻧت ﺑﺣﺿﺎرﺗﻪ وﺛﻘﺎﻓﺗﻪ وﻋﻠوﻣﻪ‪.‬‬ ‫ﻣن ﺧﻼل ذﻟك ﻧﺳﺗﺑﯾن طرﯾﻘﺔ ﻧظرة اﻟﺑﻼد اﻟﻐرﺑﯾﺔ أو اﻟﻣواطن اﻟﻐرﺑﻲ اﻟذي رﺿﻊ ﻫذﻩ‬ ‫)‪ (١‬روﺟﯾﻪ ﺟﺎرودي‪ ،‬ﺣوار اﻟﺣﺿﺎرات‪ ،‬ﻣﻧﺷورات ﻋوﯾدات‪ ،‬ﺑﯾروت‪ ،‬ط‪ ،٢٠٠٣ ،٤‬ص‪.١٧‬‬ ‫)‪ (٢‬ﺗرﺑﯾﺔ اﻟﺟﻧس اﻟﺑﺷري‪ ،‬ﺗرﺟﻣﺔ د‪ .‬ﺣﺳن ﺣﻧﻔﻲ‪ ،‬دار اﻟﺗﻧوﯾر‪ ،‬ﺑﯾروت‪ ،‬ط‪٢٠٠٢ ،١‬م‪ ،‬ص‪٨٤‬‬ ‫)‪ (٣‬ﻧرى ذﻟك ﺑوﺿوح ﻓﻲ ﻛﺗﺎب )ﺗﺎرﯾﺦ ﻋﻠم اﻟﻣﻧطق( ﻟﻠﻣؤﻟف اﻟروﺳﻲ اﻟﻛﺳﻧدر ﻣﺎﻛوﻓﻠﺳﻛﻲ‪ ،‬وﻫو ﯾﺧﺗﺻر ﺗﺎرﯾﺦ‬ ‫ﻫذا اﻟﻌﻠم دون أن ﯾﺷﯾر إﻟﻰ اﻧﺟﺎزات اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻌﻠم‪ ،‬وﯾﻘول‪) :‬إن اﻟﻬﻧود ﻟم ﯾﻌرﻓوا اﻟﻣﻧطق اﻟﯾوﻧﺎﻧﻲ‬

‫اﻟﻘدﯾم إﻻ ﺑﻌد ﻓﺗوﺣﺎت اﻻﺳﻛﻧدر اﻷﻛﺑر(‪ ،‬ص‪ .١٤‬ﺗرﺟﻣﺔ ﻧدﯾم ﻋﻼء اﻟدﯾن ٕواﺑراﻫﯾم ﻓﺗﺣﻲ‪ ،‬دار اﻟﻔﺎراﺑﻲ‪،‬‬ ‫ﺑﯾروت‪ ،‬ط‪٢٠٠٤ ،٢‬م‪.‬‬

‫)‪(٤‬روﺟﯾﻪ‪ ،‬ﺟﺎرودي‪ ،‬ﻣﺎ ﯾﻌد ﺑﻪ اﻹﺳﻼم‪ ،‬ﺗرﺟﻣﺔ ﻗﺻﻲ اﻻﺗﺎﺳﻲ‪ ،‬وﻣﯾﺷل اﻟﺣﻛﯾم‪ ،‬دار اﻟوﺛﺑﺔ‪ ،‬دﻣﺷق‪ ،‬طﺑﻌﺔ‬ ‫ﺑﯾروت ص‪٢٠٠٦ ١٨٢ ،١٨١‬م‪.‬‬

‫‪- ١١٢ -‬‬


‫اﻟﻌﻠوم ﻓﻲ اﻟﺗﻌﻠﯾم ﻣن ﻣرﺣﻠﺔ رﯾﺎض اﻷطﻔﺎل وﺣﺗﻰ ﻣراﺣل اﻟﺗﻌﻠﯾم ﻣﺎ ﺑﻌد اﻟﺟﺎﻣﻌﻲ‪.‬‬ ‫ﺑﻧﺎء ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ‬ ‫ﻧرى ﻧظرة ﻷﻫل اﻟﺷرق ﻋﺎﻣﺔ واﻟﻣﺳﻠم ﺧﺎﺻﺔ ﻧظرة اﺳﺗﻌﻼء‪ ،‬ﻓﻬم ـ ً‬ ‫اﻟﻧظرة ـ ُﺳذج‪ ،‬ﻏﺎﻓﻠون‪ ،‬ﻣﺣروﻣون ﻣن اﻟﺣﯾوﯾﺔ واﻻﺑداع‪ُ ،‬ﺧﻠﻘوا ﻷن ﯾﻛوﻧوا ﻣﺣﻛوﻣﯾن‬ ‫ﻟﻠﻐرب‪ .‬واﻟﻐرﺑﯾون ﯾﺗﺳﺎوون ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻧظرة‪ ،‬ﺳواء أﻛﺎﻧوا رأﺳﻣﺎﻟﯾﯾن أو ﺷﯾوﻋﯾﯾن‪ ،‬ﻓﻬذا‬

‫ﻛﺎرل ﻣﺎرﻛس وﻫو َﻣ ّْن ﻫو‪ ،‬ﻛﺎن ﯾرى )أن اﻟﺷرﻗﯾﯾن ﻋﺎﺟزون ﻋن ﺗﻣﺛﯾل أﻧﻔﺳﻬم‪،‬‬ ‫ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ُﯾﻣﺛﻠوا( )‪ ،(١‬وﻛﺎن ﯾرى أن اﻟﻔﺿل ﻹﻧﺟﻠﺗ ار ﻓﻲ ﺗﺻﻔﯾﺔ ﻧﻣط اﻻﻧﺗﺎج اﻵﺳﯾوي‬ ‫اﻟﻘدﯾم وارﺳﺎء اﻷﺳس اﻟﻣﺎدﯾﺔ ﻟﻠﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻐرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث‪.‬‬

‫وﻫذا اﻟﻣوﻗف ﻻ ُﯾﻣﻛن أن ُﯾؤدي إﻟﻰ اﻻﻋﺗراف ﺑﻔﺿل اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ إرﺳﺎء‬

‫ﻗواﻋد اﻟﺣﺿﺎرة اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﻋﻣوﻣﺎً‪ ،‬ﻓﺿﻼً ﻋن اﻻﻋﺗراف ﺑدورﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻧﻬﺿﺔ اﻷورﺑﯾﺔ‬ ‫اﻟﺣدﯾﺛﺔ‪ ،‬ﺑل ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻛس ﻣن ذﻟك ﯾﺗوارث اﻻورﺑﯾون ﺟﯾﻼً ﺑﻌد ﺟﯾل أﺣﻛﺎﻣﺎً ﻣﺷوﻫﺔ‬ ‫ﻋن اﻹﺳﻼم وأﻫﻠﻪ‪ ،‬وﻛﺎن ذﻟك ﻗﺑل اﻟﺣروب اﻟﺻﻠﯾﺑﯾﺔ وﺑﻌدﻫﺎ‪ ،‬وﺣﺗﻰ اﻟﯾوم‪ .‬وﺗﺳﺗطﯾﻊ‬ ‫دون ﻓﻲ اﻟﻛﺗب اﻟﻣدرﺳﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺗﻠﻘﺎﻫﺎ اﻻطﻔﺎل ﻓﻲ أﻣرﯾﻛﺎ ﻓﻲ‬ ‫أن ﺗﻘ أر ﻫذا اﻟﻧص اﻟذي ّ‬ ‫ﻫذا اﻟﻌﺻر‪) :‬إن دﯾن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻟذي ُﯾﻌرف ﺑﺎﺳم اﻹﺳﻼم ﺑدأ ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟﺳﺎﺑﻊ ﻋﻠﻰ‬

‫ﯾد ﺗﺎﺟر ﻏﻧﻲ ﻣن ﺷﺑﻪ ﺟزﯾرة اﻟﻌرب اﺳﻣﻪ ﻣﺣﻣد‪ ،‬وﻗد زﻋم ﻣﺣﻣد أﻧﻪ ﻛﺎن ﻧﺑﯾﺎً رﺳوﻻً‪،‬‬ ‫واﺳﺗطﺎع أن ﯾﺟﻣﻊ أﻧﺻﺎ اًر وأﺗﺑﺎﻋﺎً ﻣن ﺑﯾن اﻟﻌرب واﻵﺧرﯾن‪ ،‬ﺣﯾث أﻗﻧﻌﻬم ﺑﺄن اﷲ ﻗد‬ ‫اﺧﺗﺎرﻫم ﻟﻛﻲ ﯾﺣﻛﻣوا اﻟﻌﺎﻟم( )‪.(٢‬‬

‫ﺣدا ﺗﺟﺎﻫﻠت ﻓﯾﻪ ﻛل ﻗﯾﻣﺔ اﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﻟﻶﺧرﯾن‪،‬‬ ‫ﻟﻘد ﺑﻠﻐت ﻫذﻩ اﻟﻧظرة اﻻﺳﺗﻌﻼﺋﯾﺔ ّ‬

‫ﻓﻣن ﻛﺎن ﺧﺎرج اﻟﺗﻣرﻛز اﻻورﺑﻲ ﻻ ﯾﻌﻧﻲ ﺷﯾﺋﺎً‪ ،‬وﻻ ﯾﻣﺛل ﺷﯾﺋﺎً‪ ،‬ورﺑﻣﺎ ﺧرج ﻋن داﺋرة‬ ‫اﻻﻣﻛﺎﻧﺎت اﻟﺑﺷرﯾﺔ‪ .‬ﻓﻬذا وﻓد ﻣن )ﺳﯾﺎم( ﯾﺄﺗﻲ إﻟﻰ ﻓرﻧﺳﺎ ﻓﯾﺟﯾد اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋﻣﺎ ﯾرﯾدﻩ ﻓﻲ‬ ‫ﺑﻼط )ﻟوﯾس اﻟراﺑﻊ ﻋﺷر(‪ .‬ﻓﯾدﻫش اﻟﻔرﻧﺳﯾون‪ ،‬ﻛﯾف ﯾﺳﺗطﯾﻊ ﻏﯾرﻫم اﻻﻓﺻﺎح‬ ‫وﻋرض اﻟﺣﺟﺞ‪ ،‬وﻛﺄﻧﻬم ﻟﯾﺳوا ﻣن ﺟﻧس اﻟﺑﺷر!! )‪.(٣‬‬

‫)‪ (١‬د‪ .‬ﻋﻠﻲ اﻟﻘرﯾﺷﻲ‪ ،‬ﺑﺣث‪ :‬ﻧﺣن واﻟﻐرب‪ ،‬ﻗراءة ﻓﻲ اﻟﺗﻣرﻛز اﻷورﺑﻲ وﺗﺟﻠﯾﺎﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺎل اﻟﻌرﺑﻲ واﻻﺳﻼﻣﻲ‪،‬‬ ‫ﻣﺟﻠﺔ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل اﻟﻌرﺑﻲ‪ ،‬ع‪ ،١٩٩٥ ،١٩٦‬ص‪.١٤٥‬‬ ‫)‪ (٢‬د‪ .‬أﺣﻣد اﺑو زﯾد‪ ،‬ﻣﻘﺎل )اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ(‪ ،‬ﻋﺎﻟم اﻟﻔﻛر‪ ،‬ﻣﺞ‪ ،١٠‬ع‪ ،١٩٧٩ ،٢‬ص‪٩‬‬ ‫)‪(٣‬ﻣﺣﻣد ﻏﻧﯾﻣﻲ ﻫﻼل‪ ،‬اﻷدب اﻟﻣﻘﺎرن‪ ،‬ط‪ ،٣‬دار اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫرة‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪١٩٩٩ ١٨‬م‪.‬‬

‫‪- ١١٣ -‬‬


‫ﻓﻲ ﻫذا اﻟرﻛﺎم اﻟﻣﺗراﻛم وﻫذﻩ اﻟظﻠﻣﺎت اﻟﺗﻲ ﺑﻌﺿﻬﺎ ﻓوق ﺑﻌض ﻧﺟد ﻓﻲ‬ ‫اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻣﻧﺻﻔون وﻫم أﻗل ﻣن اﻟﻘﻠﯾل وﻟﻛن ﻟﻸﻣﺎﻧﺔ ﯾﺟب ذﻛر ﺑﻌض ﻫؤﻻء اﻟﺑﺎﺣﺛون‬ ‫اﻟﻣﻧﺻﻔون ﺣﯾث ﯾﻘوﻟون ﻛﻠﻣﺔ اﻟﺣق اﻟﻣﺟردة ﻣن اﻻﻏراض اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ‪ ،‬ﻣﺛل ﺟوﺳﺗﺎف‬ ‫ﻟوﺑون‪ ،‬وﺗوﯾﻧﺑﻲ‪ ،‬وﻏﯾرﻫﻣﺎ‪ ،‬ورﺑﻣﺎ ﺗﻌرض ﺑﻌض ﻫؤﻻء اﻟﻣﻧﺻﻔﯾن ﻟﻸذى ﻛﻣﺎ ﺣدث‬ ‫ﻟوﻟﯾﺎم وﻧﺳﺗون اﻟذي ﺧﻠف )ﻧﯾوﺗن( ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻛﻣﺑردج‪ ،‬ﺣﯾث طُرد ﻣن اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ ﻋﺎم‬ ‫‪١٧٠٩‬م‪.‬‬ ‫ﻋﻠﻰ ﻛل ﺣﺎل ﻛﻣﺎ ﯾرى روﺟﯾﺔ ﺟﺎرودي إن اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻷورﺑﯾﺔ ﻻ ﯾرﺟﻊ ﺗﻔوﻗﻬﺎ‬ ‫إﻟﻰ ﺗﻔوق اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻐرﺑﻲ ﻧﻔﺳﻪ‪ ،‬ﺑل إﻟﻰ اﺳﺗﺧدام ﺗﻘﻧﯾﺎت اﻟﺳﻼح واﻟﺑﺣر ﻷﻫداف‬ ‫ﻋﺳﻛرﯾﺔ وﻋدواﻧﯾﺔ)‪ ،(١‬وﻟم ﯾﻛن ﻫذا اﻹﻧﺳﺎن اﻷورﺑﻲ اﻧﺳﺎﻧﺎً ﻓوق اﻟﻌﺎدة أو ﺳوﺑرﻣﺎن‬ ‫ﺣﻘﺎً‪ ،‬وﻻ ﯾﻣﻠك ﻗوى ﺧﺎرﻗﺔ ﺗؤﻫﻠﻪ ﻷن ﯾﻛون ﺳﯾد ﻫذا اﻟﻛوﻛب ﺑﺛﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬وﻟﻛن ﺑﺎﺳﺗﺧداﻣﻪ‬ ‫ﻟوﺳﺎﺋل وطُرق ﻫﻲ ﻏﯾر اﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﺗُﻌﻠﻲ ﻣن ﻗﯾﻣﺔ اﻟﻔردﯾﺔ أو اﻷﻧﺎﻧﯾﺔ‪.‬‬ ‫ﺛﺎﻧﯾﺎً‪ :‬اﻟﻣﻛر واﻟﺧداع‬ ‫ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ وﻣن ﺧﻼل اﻟواﻗﻊ اﻟﻣﺷﺎﻫد أن اﻟﻐرﺑﯾﯾن ﯾﺗﻌﺎﻣﻠون ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﻬم ﺑﺎﻟﻣﻛر‬ ‫واﻟﺧداع وذﻟك ﺣدث ﺧﻼل اﻟﺣروب اﻟﻘوﻣﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺻر اﻟﺣدﯾث ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾن اﻟﻣﺎﻧﯾﺎ‬ ‫وﻓرﻧﺳﺎ‪ ،‬وﻓرﻧﺳﺎ وﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ‪ ،‬ﻓﻬم ﯾﺳﻠﻛون ﻛل ﺳﺑﯾل ﻣن أﺟل اﻟوﺻول إﻟﻰ أﻫداﻓﻬم ﺑﻛل‬ ‫أﺛرة وأﻧﺎﻧﯾﺔ‪) ،‬وﺳﯾﺄﺗﻲ ﺗﻔﺻﯾل ﻟﻬذﻩ اﻟﺣروب ﻓﻲ اﻟﻣﺑﺣث اﻟﺗﺎﻟﻲ( وﻣﺎ ﻛﻠﻣﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ‬ ‫ﻋﻧدﻫم إﻻ ﺗﻌﺑﯾر ﻣﻠطف ﻋن اﻟﺣﯾﻠﺔ واﻟدﻧﺎءة واﻟﺑﻬﺗﺎن واﻟزور وﻧﻛث اﻟﻌﻬود واﻟﻣﺧﺎﺗﻠﺔ‬ ‫واﻟﺧﯾﺎﻧﺔ وﻛل أﻧواع اﻟﻼﻣﻌﻘول واﻟﻼأﺧﻼﻗﻲ‪ .‬ﯾﻘول اﺣد ﺳﺎﺳﺗﻬم‪ ،‬وﻫو )ﺑﺳﻣﺎرك(‪) :‬ﻻ‬ ‫ﯾوﺟد ﻋﻠﻰ اﻷرض إﻻ ﻧﻔﺎق وﻛذب( )‪ ، (٢‬وﻫو ﯾرﯾد ﺳﯾﺎﺳﺎت اﻟدول اﻟﻐرﺑﯾﺔ‪ ،‬وﻟﻛﻧﻪ ﻻ‬ ‫ﺳﻧﺔ اﻟﻛذب‬ ‫ﯾﻌﻔﻲ ﻧﻔﺳﻪ ﻣن ﻣدﻟول ﻫذﻩ اﻟﻣﻘوﻟﺔ‪ .‬وﻟﻘد ﺳن ﻟﻬم )ﻣﯾﻛﺎﻓﯾﻠﻲ( اﻻﯾطﺎﻟﻲ ّ‬

‫واﻟﺧداع اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ‪ ،‬ﺳواء ﻓﻲ ﺗﻌﺎﻣل اﻟﺣﺎﻛم ﻣﻊ ﺷﻌﺑﻪ‪ ،‬أو ﺗﻌﺎﻣﻠﻪ ﻣﻊ ﻏﯾرﻩ ﻣن اﻟدول‬ ‫واﻟﺣﻛوﻣﺎت‪ ،‬وﺟﺎء ﺑﻣﻘوﻟﺔ اﻟﻐﺎﯾﺔ ﺗﺑرر اﻟوﺳﯾﻠﺔ‪ ،‬ﻓﻛل ﻣﺎ ﻓﻲ رؤوس اﻷورﺑﯾﯾن ﻣن‬ ‫)‪ (١‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق "ﻣﺎ ﯾﻌد ﺑﻪ اﻹﺳﻼم"‬ ‫)‪(٢‬أﺣﻣد رﺿﺎ ﺑك "اﻟﺧﯾﺑﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ﻟﻠﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺷرق"‪ ،‬ﺗرﺟﻣﺔ ﻣﺣﻣد ﺑورﻗﯾﺑﺔ‪ ،‬وﻣﺣﻣد اﻟﺻﺎدق اﻟزﻣرﻟﻲ‪،‬‬ ‫دار ﺑوﺳﻼﻣﺔ‪ ،‬ﺗوﻧس‪ ،‬ط‪٢٠٠٦ ،٢‬م ص‪.١٠٦‬‬

‫‪- ١١٤ -‬‬


‫ﻏﺎﯾﺎت ﻧﻬب وﺳﻠب واﺳﺗﺣواذ ﻋﻠﻰ ﻣﻘدرات اﻟﺷﻌوب‪ُ ،‬ﯾﻣﻛن اﻟﻠﺟوء ﻟﻛل ﻣﺎ ﻫو ﻏﯾر‬

‫أﺧﻼﻗﻲ ﻣن أﺟل ﺗﺣﻘﯾﻘﻬﺎ واﻟﻠﺟوء إﻟﻰ اﻟوﺳﺎﺋل اﻟﺷﯾطﺎﻧﯾﺔ اﻟدﻧﯾﺋﺔ‪ ،‬وﻋن )ﻣﯾﻛﺎﻓﯾﻠﻲ(‬ ‫ﻫذا أﺧذ )ﻫوﺑز( ﻓﻬﻣﻪ ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻟﺣﺎﻛم واﻟﻣﺣﻛوم ﻋﻠﻰ اﻧﻬﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻟذﺋب‬ ‫واﻟﺣﻣل!! أي ﻋﻼﻗﺔ ﻋداء ﻣﺗﺑﺎدل‪.‬‬ ‫اﻟﺧطﻰ وﺑﻧﻔس ﻫذا اﻟﻔﻛر اﻟﻣﺗدﻧﻲ ﺳﺎر اﻷورﺑﯾون ﻓﻲ ﺗﻌﺎﻣﻠﻬم ﻣﻊ‬ ‫وﻋﻠﻰ ﻫذﻩ ُ‬

‫ﺷﻌوب اﻟﺷرق ﺧﺎﺻﺔ‪ ،‬وﻣﻊ ﻛل اﻟﺷﻌوب اﻟﺗﻲ ﻗﻬروﻫﺎ‪ ،‬وﻋدوﻫﺎ ﻣن أﻣﻼﻛﻬم ﻟﻣﺟرد‬ ‫أﻧﻬم ﻛﺎﻧوا ﻓﻲ ﻣوﺿﻊ ﻗوة‪ ،‬وﻏﯾرﻫم ﻓﻲ ﻣوﺿﻊ ﺿﻌف‪ .‬ﻓﻘد ﻗﺎل ﻧﺎﺑﻠﯾون ﻟﻠﻣﺻرﯾﯾن ﻟﻣﺎ‬ ‫اﺣﺗل اﻻﺳﻛﻧدرﯾﺔ ﻋﺎم ‪١٧٩٨‬م‪) ،‬اﻧﻧﺎ ﻧﺣن اﻟﻣﺳﻠﻣون اﻟﺣﻘﯾﻘﯾون( )‪ ،(١‬ﻓﻲ ﻣﺣﺎوﻟﺔ‬ ‫ﻟﻠﺗﻣوﯾﻪ ﺑﺄن اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﯾن ﻻ ﯾﻣﺛﻠون اﻹﺳﻼم‪ ،‬واﻟذي ﯾﻣﺛﻠﻪ ﺗﻣﺛﯾﻼً ﺣﻘﯾﻘﯾ ًﺎ ﻫم اﻟﻐزاة‬ ‫اﻟﻔرﻧﺳﯾون!!‪ ،‬وﻣﺎ ﻫﻲ إﻻ ﻓﺗرة وﺟﯾزة‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﻗﻠب ﻧﺎﺑﻠﯾون ظﻬر اﻟﻣﺟن ﻟﻠﻣﺻرﯾﯾن‬ ‫ﻓﺄﻋﻣل ﺑﻘﺎدﺗﻬم اﻟﺳﯾف‪ ،‬ودﺧﻠت ﺧﯾوﻟﻪ اﻷزﻫر‪ ،‬وﻋﺎﺛت ﻓﺳﺎداً ﺑﻣﺻر ﻛﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻛﺎن‬ ‫ﻣﺳﻠﻣﺎً ﺣﻘﯾﻘﯾ ًﺎ!! ﻛﻣﺎ ﻗﺎل‪ ،‬وﻟم ﯾﺧرج ﻣﻧﻬﺎ إﻻ ذﻟﯾﻼً ﺑﻌد ﺛﻼﺛﺔ أﻋوام ﻣن اﻟﻔﺳﺎد‬ ‫واﻟﺗدﻣﯾر‪ ،‬وﻟﻛن ﻻ أدري ﻛﯾف اﻋﺗﺑرت اﻟﺣﻣﻠﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ﺗﺑﺎﺷﯾر ﺧﯾر‪ ،‬وﻋﻼﻣﺔ ﺑﺎرزة‬ ‫ﻣن ﻋﻼﻣﺎت اﻟﺧروج ﻣن اﻟظﻠﻣﺎت إﻟﻰ اﻟﻧور‪ ،‬ﻓﻌدﻫﺎ اﻟﻣﻐرﻣون ﺑﺎﻟﺣﺿﺎرة اﻷورﺑﯾﺔ‬ ‫ﺑداﯾﺔ ﻟﻌﺻر اﻟﻌﻠم واﻟﺗﻧوﯾر واﻟﺣداﺛﺔ!!‬ ‫وأﺛﻧﺎء اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ ﻋﻧدﻣﺎ دﺧل اﻟﺟﻧرال )ﻣود( ﺑﻐداد ﻋﺎم ‪١٩١٧‬م‪ ،‬ﻗﺎل اﻧﻪ‬ ‫ﺟﺎء ﻣﺣر اًر وﻟﯾس ﻓﺎﺗﺣ ًﺎ‪ ،‬واﻧﻪ ﺟﺎء ﻟﯾﺧﻠص أﻫل اﻟﻌراق ﻣن ظﻠم اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﯾن‪ ،‬وﻟﻛن‬ ‫اﻻﻧﺟﻠﯾز ﻧ ّﻛﻠوا ﺑﺎﻟﻌراﻗﯾﯾن ﺑﻌد ﻋﺎم واﺣد‪ ،‬واﻋدﻣوا أﺑطﺎل ﺛورة اﻟﻧﺟف ﻋﺎم ‪١٩١٨‬م ﻓﻲ‬ ‫وﺳط اﻟﻣدﯾﻧﺔ‪ ،‬وﻛﺎﻧت ﺟراﺋﻣﻬم ﺑﺷﻌﺔ ﻋﻧدﻣﺎ أﺧﻣدوا ﺛورة اﻟﻌﺷرﯾن ‪١٩٢٠‬م ﺑﺎﻟﺣدﯾد‬ ‫واﻟﻧﺎر‪.‬‬ ‫وﻫذا دﯾدﻧﻬم ﻣﻊ ﻛل اﻟﺷﻌوب اﻟﺗﻲ ﺧدﻋوﻫﺎ ﺑﺎﺳم اﻟﺗﺣﺿر واﻟﺗﺣرﯾر وﺗﻘرﯾر‬ ‫وﺣ ّﻛم ﻣﻧطق اﻟﺳﻼح واﻟدﻣﺎر‪ ،‬ﻓﻠﻘد‬ ‫اﻟﻣﺻﯾر‪ ،‬وﻟﻛن وﻋودﻫم ﻫذﻩ‪ ،‬ذﻫﺑت ادراج اﻟرﯾﺎح‪ُ ،‬‬

‫طﻠﻌوا ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم اﺑﺎن اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ﺑﻣﺻطﻠﺣﺎت ﻏﺎﻣﺿﺔ اﻧطﻠت ﻋﻠﻰ‬ ‫)‪ (١‬اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑق‪ ،‬ص ‪.٢١٠‬‬

‫‪- ١١٥ -‬‬


‫ﺑﻌض اﻟﻧﺎس ﻣن ﻗﺑﯾل اﻟﺣﻣﺎﯾﺔ واﻟوﺻﺎﯾﺔ واﻻﻧﺗداب‪ ،‬وﻛﺄن اﻟﺷﻌوب أطﻔﺎل ﻗﺎﺻرون‬ ‫ﯾﺣﺗﺎﺟون إﻟﻰ ﻣن ﯾرﻋﻰ أﺣواﻟﻬم ﻟﯾﺻﻠوا إﻟﻰ ﺳن اﻟرﺷد واﻟﺑﻠوغ‪ .‬وﻟﻛن أوﻟﯾﺎء اﻻﻣور‬ ‫ﻫؤﻻء ﻣن اﻻﻧﺟﻠﯾز واﻟﻔرﻧﺳﯾﯾن ﻛﺎﻧوا ﻟﺻوﺻﺎً وﻗطﺎع طرق ﻗد اﺳﺗﺣوذوا ﻋﻠﻰ ﻛل ﻣﺎ‬ ‫ﯾﻣﻠك أوﻟﺋك اﻟﻘﺎﺻرون‪ ،‬وﻣﺳﺧوا ﺣﺎﺿرﻫم‪ ،‬وﺷوﻫوا ﺗﺎرﯾﺧﻬم‪ ،‬وﺣﺎرﺑوا دﯾﻧﻬم وﻗﺿوا‬ ‫ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺎﻟﯾدﻫم‪ ،‬وﻧﺳﺑوﻫم ﺑﺎﻟﻘﺳر واﻻﻛراﻩ إﻟﻰ آﺑﺎء ﻟﯾﺳوا آﺑﺎءﻫم‪ ،‬واﻟﻰ ﺣﺿﺎرة ﻻ ﺗﻌرف‬ ‫اﻟرﺣﻣﺔ‪ ،‬ﺑل ﻫﻲ ﺣﺿﺎرة اﺳﺗﺋﺻﺎﻟﯾﺔ ﺗﻘﺿﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺣرث واﻟﻧﺳل وﺗﺗرك اﻷرض ﺑوا اًر‬ ‫إﻻ ﻣن ﻣﻔﺎﺳد اﻟﻐزاة‪ .‬ﻫﻧﺎ ﻧﻼﺣظ ﻓرﻗﺎً ﺑﺻورة ﻻ ﺗدﻋو ﻟﻠﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﯾن ﻓﺗﺢ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‬ ‫ﻟﻠﺑﻼد وﻧﺷرﻫم ﻟﻣﺑﺎدئ اﻟﻌدل واﻟرﺣﻣﺔ واﺣﺗﻼل اﻷورﺑﯾون ﻟﻠﺑﻼد ﻓﻣﺎذا ﻓﻌﻠوا ﻓﻲ ﺗﻠك‬ ‫اﻟﺷﻌوب اﻟﻣﺳﺗﺿﻌﻔﺔ ﻏﯾر اﻹﺑﺎدة وﻻ ﺷﻲء ﻏﯾر اﻹﺑﺎدة‪.‬‬ ‫اﻷورﺑﯾون ﺗﺣت ﺳﯾطرة ﻫذا اﻟﻔﻛر دﺧﻠوا ﻓﻲ ﺣروب ﻟم ﺗﻧﺗﻬﻲ ﺣﺗﻰ ﯾوم اﻟﻧﺎس‬ ‫ﻫذا ﻻ ﻫدف ﻟﻬم إﻻ اﻟﺳﯾطرة ﻋﻠﻰ اﻟﺛروات ٕواﺑﺎدة أﺻﺣﺎﺑﻬﺎ؛ وﺧﻼل ﻫذﻩ اﻟﺣروب‬

‫ﺗﺣﺎﻟﻔوا ﻣﻊ اﻟﯾﻬود‪ ،‬ووﻋدوﻫم ﺑﺄرض ﻟﯾﺳت ﻟﻬم ﻟﻘﺎء أﻣوال وﻣﺳﺎﻋدات ﻗدﻣﻬﺎ اﻟﯾﻬود‬ ‫ﻟﻬم ﻓﻲ ﺣﻣﻠﺗﻬم ﻋﻠﻰ دﯾﺎر اﻹﺳﻼم‪ .‬وﻟﻘد اﻧﺗﻬت ﺳﻧﯾن ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟﺣﻣﻠﺔ واﻟوﺻﺎﯾﺔ‬ ‫دون ان ﻧﺑﻠﻎ ﻧﺣن اﻟﻣﺳﻠﻣون أﺟل اﻟرﺷد ﺑﻌد‪ ،‬ﺣﺗﻰ اذا ﻣﺎ ﻛﺎن ﺿﻐط وﺗﻣﻠﻣل وﺧوف‬ ‫ﻣن ﺗﻣرد ﻫذا اﻟﺟﺳد اﻟﻣﺗﻬﺎﻟك اﻟذي ُﯾﻘﺎل ﻟﻪ ﺟﺳد اﻷﻣﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ‪ ،‬ﺧرﺟوا ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم‬

‫ﺑﻣﺳرﺣﯾﺔ ﺟدﯾدة أﻛﺛر ﻛذﺑﺎً وﺗﻣوﯾﻬﺎً‪ ،‬ﻫذﻩ اﻟﻣﺳرﺣﯾﺔ اﺳﻣﻬﺎ اﻻﺳﺗﻘﻼل‪ ،‬وﻫو ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ‬ ‫ﻛﺎن ﻋﺻر ﺑداﯾﺔ ﺗﻛوﯾن اﻟدوﯾﻼت‪ ،‬وﻟم ﯾرى اﻟﻣﺳﻠون ﺗﺣت ﺣﻛم ﻫذﻩ اﻟدوﯾﻼت‬ ‫اﺳﺗﻘﻼﻻً وﻻ ﺣرﯾﺔ‪ ،‬وﻟﻛﻧﻬﺎ اﻟﻌﺑودﯾﺔ واﻻﺳﺗﻌﻣﺎر ﺑوﺟﻪ ﺟدﯾد؛ وﺳرﻋﺎن ﻣﺎ ﺟﺎء ﺣﻛﺎم‬ ‫ﻣﺣﻠﯾون ﻣﻧﺻﺑون ﻣن و ازرات اﻟﻣﺳﺗﻌﻣرات وو ازرات ﻣﺎ وراء اﻟﺑﺣﺎر‪ ،‬وﻛﺎﻧوا أﻛﺛر ﻗﺳوة‬ ‫ﻋﻠﻰ ﺷﻌوﺑﻬم ﻣن اﻟﻣﺣﺗﻠﯾن أﻧﻔﺳﻬم‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﺻﺎر اﻟﻧﺎس ﯾﺗﻣﻧون ﻋودة اﻻﺣﺗﻼل‬ ‫اﻷﺟﻧﺑﻲ ﻋﻠﻰ ذﻟك اﻻﺳﺗﻘﻼل اﻟﻣﻣوﻩ‪ .‬وﻣﺎ زاﻟت اﻟﻠﻌﺑﺔ ﺗُﻣﺎرس ﺣﺗﻰ ﯾوم اﻟﻧﺎس ﻫذا‬

‫وﺑﺄﺳﻣﺎء ﺟدﯾدة وﺑرﻣوز ﺟدﯾدة‪ .‬وﻟوﻻ ﻧﺟﺎح اﻷورﺑﯾون ﻓﻲ ﺧداﻋﻧﺎ ﻟﻛﺎﻧوا ﻫم اﻟﻌدو‬ ‫اﻷول وﻟﻛﻧﻬم ﻓﺿﻠوا أن ﯾﺣرﻛوا اﻟﻘﯾﺎدات ﻣن ﺑﻌﯾد راﺿﯾﺔ أو ﻣﻛرﻫﺔ‪ ،‬وﻧﺣن ﺑدورﻧﺎ‬ ‫ﻧرى اﻟﻌدو اﻟظﺎﻫر وﻻ ﻧرى ذﻟك اﻟﻣﺣرك ﻣن ﺧﻠف اﻟﺳﺗﺎر ﻓﺈذا ﺳﻘط ﻫذا اﻟﻣﺗﺣرك‬ ‫ﺑدﻣﯾﺔ أﺧرى ﻟﺗُﻣﺎرس ﻧﻔس اﻟدور اﻟﻣرﺳوم‪ .‬وﻣن ﺻور ﺧداع اﻷورﺑﯾون ﻣﺎ ﻧراﻩ‬ ‫ﺟﺎءوا ُ‬ ‫‪- ١١٦ -‬‬


‫ﻣن اﺣﺗﻼل اﻟﻌراق واﻟﺻوﻣﺎل ٕواذﻛﺎء ﻧﺎر اﻟﻔﺗﻧﺔ ﺗﺣت دﻋﺎوي ﻧﺷر اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ‬

‫واﺳﺗﺋﺻﺎل اﻟﺣﻛﺎم اﻟﻔﺎﺳدﯾن‪ .‬ﻓﻬم ﯾﺣرﻗون اﻷرض وﯾﻘﺗﻠوا اﻷطﻔﺎل ﺛم ﯾﺳﻣﺣوا ﻟﻠﺟﺎن‬

‫اﻹﻏﺎﺛﺔ ﺑﺎﻟﺗﺣرك إذا ﺷﺎءوا ﯾﺳﻣﺣون ﺑﺎﻟﺗدﻣﯾر ﺛم ﯾﻌﻘدوا ﻣؤﺗﻣرات ﻹﻋﺎدة اﻹﻋﻣﺎر‪ٕ ،‬واذا‬

‫اﻟﻣﺑﻛﯾﺎت ﻣﺎ ﯾﺷﯾب ﻟﻪ اﻟوﻟﯾد‪.‬‬ ‫ﻗﻠﺑت ﻓﻲ ﺻﻔﺣﺎت اﻟﺣﺎﺿر ﺳﺗﺟد ﻣن ﻫذﻩ اﻟﻣﺿﺣﻛﺎت ُ‬

‫ﻧﻔس ﻫذا اﻟدور اﻟﻣﺧﺎدع اﻟﻣﺎﻛر ﺗُﻣﺎرﺳﻪ أورﺑﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﻣؤﺳﺳﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ‬

‫ﯾﻣﺎرﺳون اﻟﺧداع واﻟﻛذب‪ ،‬ﻓﻣﺎ اﻟﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﻸﻣم اﻟﻣﺗﺣدة إﻻ ادوات ﻣن أدوات‬ ‫ﻣﻛرﻫم واﺳﺗﺣواذﻫم‪ ،‬وﻫذﻩ اﻟﻣؤﺳﺳﺎت ﺗُﻌﻠن أﻧﻬﺎ ادوات ﻟﻠﺳﻠم وﺗطوﯾر اﻗﺗﺻﺎد اﻟﺑﻠدان‬

‫اﻟﻧﺎﻣﯾﺔ واﻟﻔﻘﯾرة‪ ،‬وﻣﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ إﻻ أدوات ﺗﺟﺎرﯾﺔ ﺗُﺷﻌل اﻟﺣروب ‪ .......‬ﺛم ﺗﺑﯾﻊ‬ ‫اﻟﺳﻼح ‪ .......‬ﺛم ﻣؤﺗﻣرات اﻹﻋﻣﺎر ﺛم اﻟدﯾون‪ ....‬ﺛم‪ ،‬ﺛم‪ ..‬إﻟﻰ آﻻف اﻟﻣرات‪ .‬وﻣﺎ‬

‫ﺣدﯾث ﺻﻧدوق اﻟﻧﻘد اﻟدوﻟﻲ وﻗروﺿﻪ ﻋﻧﺎ ﺑﺑﻌﯾد‪ ،‬ﻓﻬو وﺳﯾﻠﺔ ﺗرﻛﯾﻊ اﻟدول ﻟﻠﺳﯾﺎﺳﺔ‬ ‫اﻻﻣرﯾﻛﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻫﻲ ﻓﻲ اﻷﺳﺎس ﺗﻧﺗﻣﻲ ﻟﻠﻔﻛر اﻷورﺑﻲ‪ ،‬ووﺳﯾﻠﺔ ﻟﻣﺳﺦ اﻟﺷﺧﺻﯾﺎت‬ ‫اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠدول وﻓرض اﻟﺳﯾطرة ﻋﻠﯾﻬﺎ‪ .‬ﺑل إن أﻣوال اﻟﻘروض اﻟﺗﻲ ﯾﻘدﻣﻬﺎ ﻫذا‬ ‫اﻟﺻﻧدوق ﻏﺎﻟﺑﺎً ﻣﺎ ﺗذﻫب إﻟﻰ رؤﺳﺎء اﻟﺣﻛوﻣﺎت واﻟﺳﻣﺎﺳرة ﻣن اﻟﻣوظﻔﯾن‪ٕ ،‬واﻻ ﻛﯾف‬

‫ُﻧﻔﺳر اﻹﻋﺎﻧﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻠﻘﺎﻫﺎ ﻣﺻر ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﻣﺛﺎل ﻣﻧذ ﺗوﻗﯾﻊ اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ اﻟﺳﻼم ﺣﺗﻰ‬

‫ﯾوﻣﻧﺎ ﻫذا ﻓﻠم ﻧرى ﺗﻧﻣﯾﺔ وﻻ ازدﻫﺎ اًر وﻻ ﻧﻌﻠم ﻛﯾف ﺗﺄﺗﻲ ﻫذﻩ اﻷﻣوال وﻻ أﯾن ﺗذﻫب‪.‬‬ ‫وﻣﺎ ﻣﺻر إﻻ ﻧﻣوذج ﻟﻠدوﻟﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻠﻘﻰ اﻟﻣﻌوﻧﺎت ﻓﻠم ﻧرى ﺑﻠد واﺣد ﺣﻘق ﺗﻧﻣﯾﺔ ﺣﻘﯾﻘﯾﺔ‬ ‫ﻣن ﺧﻼل ﻫذﻩ اﻟﻣؤﺳﺳﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ وﺧﺎﺻﺔ اﻟﺑﻧك اﻟدوﻟﻲ‪.‬‬ ‫ﺛﺎﻟﺛﺎً‪ :‬اﻟﺣﻘد‬ ‫ﻻ ﯾﺗوﻟد اﻟﺣﻘد وﻫو ﺳﻠوك وﻓﻛر دﻓﯾن ﻓﻲ اﻟﻧﻔس اﻟﺑﺷرﯾﺔ إﻟﻰ ﺑﻛراﻫﯾﺔ اﻷﺧر‬ ‫ورؤﯾﺔ اﻷﺧر ﻏﯾر ﻣﺳﺗﺣق ﻟﻣﺎ ﻫو ﻓﯾﻪ ﻣن ﺧﯾر وﻋﺎﻓﯾﺔ‪ ،‬وﻻ ﯾﺗوﻟد ﻫذا اﻟﺷﻌور إﻻ ﺑﻌد‬ ‫رب ﻋﺎدل ٕواﻟﻪٌ ﻛرﯾم ُﯾﻌطﻲ وﯾﻌدل ﻓﻲ اﻟﻌطﯾﺔ‪ .‬ﻣن ﺧﻼل‬ ‫ﻧﺳﯾﺎن أن ﻫﻧﺎك ﻟﻬذا اﻟﻛون ٌ‬ ‫ذﻟك ﻧﺳﺗطﯾﻊ أن ُﻧﻔﺳر اﻟﺣﻘد اﻟﻣﺗدﻓق ﺑﻐ ازرة ﻣن ﺳﻠوﻛﯾﺎت اﻟﻐرب وﻣﺎ رأﯾﻧﺎﻩ ﻣن‬

‫ﺳﻠوﻛﯾﺎت اﻟﺧداع واﻟﻣﻛر وﻣﺎ ﺗرﺗب ﻋﻠﯾﻪ ﻣن ﺣروب ودﻣﺎر‪.‬‬

‫‪- ١١٧ -‬‬


‫ﻫذﻩ اﻷﺧﻼﻗﯾﺎت ﺗوﻟد ﺳﻠوك ﺣﺎﻗد ﻣﻌﺎدي ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ﻟﻺﺳﻼم اﻟوﺿﻲء ﻓﻛﺎن ﻫذا‬ ‫اﻟدﯾن ﺑﻣﺎ ُﯾﻣﺛﻠﻪ ﻣن طُﻬر وﻋﻔﺎف ﻣﺻدر رﻋب ﻟﻠﻣﻔﻛرﯾن واﻟﺳﺎﺳﺔ واﻟﻘﯾﺎدات اﻟﻐرﺑﯾﺔ‬

‫وﺻدﻣﺔ ﻣﺳﺗﻣرة ﻛﻠﻣﺎ ظﻬر ﻓﻲ أي ﺻورة ﻣن ﺻور اﻟظﻬور‪ ،‬وﻟذﻟك ﺗﻌﺎﻣﻠت ﻣﻌﻪ‬ ‫ﺑﺻور ﺷﺗﻰ ﻣن اﻟﺗﻌﺻب واﻟﻛراﻫﯾﺔ واﻟﻬﻣﺟﯾﺔ واﻟﺣﻘد‪ .‬ﻓﺎﻟﺧوف ﻣن اﻹﺳﻼم ﻫو‬ ‫اﻟﻘﺎﻋدة ﻓﻲ ﺗﻔﻛﯾرﻫم وﻓﻲ ﺛﻘﺎﻓﺗﻬم‪ٕ .‬وان اﻟﻘﺎرئ ﻟﻸدب اﻟﻐرﺑﻲ ﯾرى ذﻟك واﺿﺣﺎً ﻓﻲ‬

‫أدﺑﻬم ﻓﻬذا داﻧﺗﻲ ﻓﻲ اﻟﻛوﻣﯾدﯾﺎ اﻹﻟﻬﯾﺔ وﻫﻲ ﺗُﻌد ﻣن رواﺋﻊ اﻷدب اﻟﻐرﺑﻲ ﯾﺿﻊ اﻟﻧﺑﻲ‬ ‫ﺳﯾدﻧﺎ ﻣﺣﻣداً ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ ﻋداد اﻟﻬراطﻘﺔ اﻟذﯾن وﺿﻌﻬم ﻓﻲ اﻟدرك اﻟﺛﺎﻣن‬

‫ﻣن ﺟﺣﯾﻣﻪ اﻟﻣزﻋوم!! وﻛﺎﻧت اﻟﺗﻬم اﻟﻣوﺟﻬﺔ ﻟﻪ أﻧﻪ ادﻋﻰ ﻛذﺑﺎً)‪ .(١‬ﺣدث ذﻟك ﻣن‬ ‫ﻛﺎﺗب أورﺑﻲ ﯾﻌدوﻩ ﻣن ُﻛﺗﺎب ﻋﺻر اﻟﻧﻬﺿﺔ اﻟذﯾن ﺛﺎروا ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻛر اﻟﺗﻘﻠﯾدي اﻷورﺑﻲ‬

‫وﻋﻠﻰ ﻓﻛرة ﺳﯾطرة اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ ﻋﻠﻰ ﻛل أوﺟﻪ اﻟﺣﯾﺎة ﻫﻧﺎك ﻓﻛﯾف ﯾﻛون ﺣﺎل رﺟﺎل‬ ‫اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ اﻟذﯾن ﯾﻧظرون إﻟﻰ اﻟدﻧﯾﺎ ﻣن ﺳم اﻟﺧﯾﺎط وﻣن ﺧﻼل ﻣﺎ ﺗﻌﻠﻣوﻩ ﻣن ﻛذب‬ ‫وﺑﻬﺗﺎن ﻋن اﻹﺳﻼم ورﺳوﻟﻪ؟! ﺑل ﻛﯾف ﯾﻛون ﺣﺎل اﻟﻐوﻏﺎء واﻟدﻫﻣﺎء واﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﻻ‬ ‫ﺗﻌرف ﻏﯾر ﺗردﯾد ﻣﻘوﻻت رﺟﺎل اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ ﺣﺗﻰ ﻟو ﻛﺎﻧت ﻋﺎرﯾﺔ ﻣن أﯾﺔ ﺣﻘﯾﻘﺔ أو‬ ‫ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻷي ﻣﻧطق‪ ،‬ﻓﻘط ﻧرى اﻟﺣﻘد اﻷﻋﻣﻰ واﻟﻛراﻫﯾﺔ ﺑدون ﺳﺑب‪ .‬وﻻ ﯾﻛﺎد اﻟﺑﺎﺣث‬ ‫ﯾﺟد ﻓﻲ ُﻛﺗب ﻫؤﻻء ﻣﻘوﻟﺔ واﺣدة ﻟﻛﺎﺗب أورﺑﻲ ﯾذﻛر اﻟﻧﺑﻲ ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم‬ ‫ﺗﺣﻣل ﻣﻌﺎﻧﻲ إﯾﺟﺎﺑﯾﺔ إﻻ ﺑﺎﻟﻘدر اﻟﻘﻠﯾل اﻟذي ﻻ ﯾﻛﺎد ﯾﺑﯾن‪.‬‬ ‫وﻋﻧدﻣﺎ ﻧﻌود إﻟﻰ ﺷﻲء ﻣن اﻟﺗﺎرﯾﺦ ﻟﻧرى ﻧﺗﯾﺟﺔ اﻻﺣﺗﻛﺎك ﺑﯾن أورﺑﺎ واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‬ ‫ﻟﻧذﻫب إﻟﻰ أﻓﻌﺎﻟﻬم ﻓﻲ اﻷﻧدﻟس؛ ﻓﻘد ﻗﺎﻣت ﻣﺣﺎﻛم اﻟﺗﻔﺗﯾش ﺑﺗﻧﻔﯾذ أﺣﻛﺎم اﻟﻣوت ﺣرﻗﺎً‬ ‫ﺑـ)‪ ٧٠٠‬ﺷﺧص ﻓﻲ اﺷﺑﯾﻠﯾﺔ‪ ،‬و‪ ١١٣‬ﻓﻲ أﺑﻠﺔ‪ ،‬وﻓﻲ ﻣدﯾﻧﺔ طﻠﯾطﻠﺔ ﻣﺛل أﻣﺎم اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ‬ ‫أﻟف وﻣﺎﺋﺗﺎ ﺷﺧص ُﺣﻛم ﻋﻠﯾﻬم ﺑﺎﻹﻋدام ﻓﻲ ﺟﻠﺳﺔ اﯾﻣﺎن واﺣدة‪ .‬وﻛﺎن ُﯾطﻠب ﻣن‬

‫اﻟﻣﺗﻬم اﻟذي ﻫو ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺣﺎل ﻛﺎن ﻣﺳﻠم أن ﯾﺗرك اﻹﺳﻼم وﯾﻌﺗﻧق اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ‪ ،‬أو‬ ‫اﻟﻣوت ﺣرﻗﺎً‪ ،‬وﻣن ﻫﻧﺎ ﺟﺎءت اﻟﺗﺳﻣﯾﺔ ﺑﺟﻠﺳﺎت اﻹﯾﻣﺎن( )‪ .(٢‬وﻟم ﯾﻛﻔﻬم اﻻﻧﺗﻘﺎم ﻣن‬ ‫اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻛﺄﺷﺧﺎص‪ ،‬ﺑل ﺑﻠﻎ ﺣﻘدﻫم ﺣد اﻻﻧﺗﻘﺎم ﻣن اﻹﺳﻼم ـ اﻟﺣﺿﺎرة ﺣﯾث أﻣروا‬ ‫)‪ (١‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق "ﻣﺎ ﯾﻌد ﺑﻪ اﻻﺳﻼم"‬ ‫)‪ (٢‬زرﯾق ﻗﺳطﻧﺗﯾن‪"،‬ﻓﻲ ﻣﻌرﻛﺔ اﻟﺣﺿﺎرة" ط‪ ،٢‬دار اﻟﻌﻠم ﻟﻠﻣﻼﯾﯾن‪ ،‬ﺑﯾروت‪ ،‬ﻟﺑﻧﺎن ‪٢٠٠٦‬م ص‪.٤٠‬‬

‫‪- ١١٨ -‬‬


‫ﺑﺣرق اﻟﻣﺻﺎﺣف وﻛﺗب اﻟﻌﻠوم اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻓﻲ ﻣﺷﻬد ﻫﻣﺟﻲ ﻻ ﻣﺛﯾل ﻟﻪ ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ‬ ‫اﻟﺑﺷرﯾﺔ‪.‬‬ ‫أﻣﺎ ﻋن اﻟﻬﺟﻣﺎت اﻷورﺑﯾﺔ اﻟﻌﺳﻛرﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻧرى اﻹﺳراف ﻓﻲ‬ ‫اﻟﺗدﻣﯾر ﺑدون ﻣﺑرر ﻫو اﻟﻘﺎﻋدة اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺎﻣل ﺑﻬﺎ اﻟﻐرب اﻟﻣﺣﺗل ﻷراﺿﻲ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‪.‬‬ ‫ﻧرى ذﻟك ﺑوﺿوح ﺣﺗﻰ ﺑﻌد اﻷﺳر أو اﻹﺧﺿﺎع‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺣروب اﻟﺻﻠﯾﺑﯾﺔ وﻏﯾرﻫﺎ‪ .‬ﺣﺗﻰ‬ ‫ﺑﻌد اﺳﺗﻘﻼل اﻟﻣﺳﻠﻣون ﺷﻛﻠﯾﺎً وﺗﺣوﯾل اﻟﺑﻼد اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ إﻟﻰ دوﯾﻼت ﺻﻐﯾرة رأﯾﻧﺎ ﻫذا‬ ‫اﻟﺣﻘد ﺣﺗﻰ ﻓﻲ ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺗﻌﻠﯾم ﻟدﯾﻧﺎ وﻣﺎ ﺗُوﺣﯾﻪ ﻣن ﺗﻘدﯾس اﻟﻐرب واﺣﺗرام ﻣﻌﺗﻘداﺗﻪ‪.،‬‬

‫ورﻏم اﻟﺣﻘد اﻷورﺑﻲ اﻟظﺎﻫر ﻟﻠﻌﯾﺎن ﻧرى ﺗﺎرﯾﺦ اﻹﺳﻼم ﻣﻠﻲء ﺑﺎﻟﺗﺳﺎﻣﺢ ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل‬ ‫ﻣﻊ اﻷورﺑﯾﯾن ﺳواء ﻓﻲ ﻣرﺣﻠﺔ ﺗﻔوق اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ ﻋﺻر اﻟﻔﺗوﺣﺎت واﻻﻧﺗﺻﺎرات ﻓﻠم‬ ‫ﯾﻘﺗل اﻟﻣﺳﻠﻣون أﺣد ﻓﻲ ﻏﯾر ﻣﯾﺎدﯾن اﻟﻘﺗﺎل وﻟم ﯾﻧﺻﺑوا ﻣﺣﺎﻛم ﻹﻛراﻩ اﻟﻧﺎس ﻋﻠﻰ‬ ‫اﻟدﺧول ﻓﻲ اﻟدﯾن أو ﺗﻐﯾﯾر ﻣﻌﺗﻘداﺗﻬم وﻣﺎزاﻟت اﻟﻛﻧﺎﺋس واﻟﻣﻌﺎﺑد ﻋﺎﻣرة ﻓﻲ اﻟﺑﻼد اﻟﺗﻲ‬ ‫ﺳﯾطر ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟﻣﺳﻠﻣون إﻟﻰ ﯾوم اﻟﻧﺎس ﻫذا‪.‬‬ ‫راﺑﻌﺎً‪ :‬اﻟﻼدﯾﻧﯾﺔ‬ ‫ﻟﯾﺳت ﻣﺻﺎدﻓﺔ أن ﻧﺟد ارﺗﺑﺎط ﺑﯾن ﻛﻠﻣﺔ ﺛﻘﺎﻓﺔ )‪ (Culture‬وﺑﯾن ﻛﻠﻣﺔ اﻟزراﻋﺔ‬ ‫)‪(Agriculture‬‬

‫)‪(١‬‬

‫ﻓﻛﻼﻫﻣﺎ ﻣﺣﺳوس ﻓﺎﻷورﺑﯾون ﯾﻣﯾﻠون ﻟﻛل اﻟﻣﺣﺳوﺳﺎت وﯾﺑﺗﻌدون‬

‫ﺑطﺑﯾﻌﺗﻬم ﻋن اﻟﻌﻠوم اﻟﻼﻣﺣﺳوﺳﺔ ﻣﺛل اﻟﻐﯾﺑﯾﺎت وﻗد ﯾﻛون ذﻟك ﻫو ﺳﺑب رﻓﺿﻬم‬ ‫ﻟﻔﻛر اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﻘرون اﻟوﺳطﻰ اﻟذي ﻛﺎن ﯾﻌﺗﻣد ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻻﺳﺗﻘراﺋﻲ اﻟﻘﺎدم ﻣن‬ ‫اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻣﻘدس واﺗﺑﺎﻋﻬم ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺗﺟرﯾﺑﻲ‪ .‬وﻗد ﯾﻛون ﻫذا اﻟﺗﺣول ﻧﺎﺗﺞ ﻣن ﻓرط‬ ‫ﺳﯾطرة رﺟﺎل اﻟدﯾن طوال اﻟﻘرون اﻟوﺳطﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻷورﺑﻲ ﻣﺎ أدى ﻟﺛورة‬ ‫اﻷورﺑﯾﯾن ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻛر اﻟدﯾﻧﻲ اﻟﻘﺎدم ﻣن اﻟﺳﻣﺎء وﻧﺑذ ﻛل أﺷﻛﺎل اﻟدﯾن وﻣﺎ ﺗﺣﺗوﯾﻪ‬ ‫اﻷدﯾﺎن ﻗﺎطﺑﺔ‪ .‬وﻫﻛذا ﻧﺑﺗت اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ وﺗرﻋرﻋت!!‪ .‬ﻫذﻩ اﻟﺣﺿﺎرة اﻟﺣدﯾﺛﺔ‬ ‫وﻫذا اﻟﺗﻘدم ﻫو ﻧﺎﺑﻊ ﻣن ﺗﻠك اﻟﻣﺎدﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن وﺟود ﺑﻌض اﻟﻣﺣطﺎت اﻟﺗﺄ ُﻣﻠﯾﺔ‬ ‫)‪ (١‬ﻣﺣﻣد ﻋﺑداﻟﺳﻼم اﻟﺟﻔﺎﺋري "ﻣﺷﻛﻼت اﻟﺣﺿﺎرة ﻋﻧد ﻣﺎﻟك ﺑن ﻧﺑﻲ"‪ ،‬اﻟدار اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬ﻟﯾﺑﯾﺎ‪ ،‬ط‪٢٠٠٣ ،١‬م‪،‬‬ ‫ص‪١١٣‬‬

‫‪- ١١٩ -‬‬


‫اﻟﻣﺛﺎﻟﯾﺔ ﻟدى ﺑﻌض اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟﯾوﻧﺎﻧﯾﯾن‪ .‬وﻋﻧد اﻟﻧظر ﻟﻣراﺣل اﻟﺗدﯾن ﻓﻲ اﻟﺗﺎرﯾﺦ‬ ‫اﻷورﺑﻲ ﻧﺟد أن ﻣرﺣﻠﺔ اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺻر اﻟروﻣﺎﻧﻲ واﻟﻌﺻور اﻟوﺳطﻰ‬ ‫ﻋﻧدﻫم‪ ،‬ﻛﺎن ﻓﯾﻬﺎ إﻓراط ﻣﺑﺎﻟﻎ ﻓﯾﻪ ﻓﻲ اﻟروﺣﺎﻧﯾﺔ ﻛﻣﺎ أﺳﻠﻔﻧﺎ ﻫذا اﻹﻓراط وﺻل إﻟﻰ ﺣد‬ ‫اﻻﻧﺣراف ﻟدى طﺑﻘﺔ ﻣﺣدودة ﻣن اﻟﻧﺎس‪ ،‬وﻗد ﺻﺎﺣب ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ ﺗﻘﯾﯾد ﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻌﻘل‬ ‫واﺳﺗﻐﻼل اﻟدﯾن ﻟﺻﺎﻟﺢ طﺑﻘﺎت اﻷﺛرﯾﺎء‪ ،‬وﺗﻘﻠﯾب اﻟﻌﺎﻣﺔ ﺿد اﻟدﯾﺎﻧﺎت اﻷﺧرى ﻓﻲ‬ ‫ﺻور ﺑﺷﻌﺔ ﻣن اﻟﺣﻘد واﻟﻛراﻫﯾﺔ واﻟﺑﻐﺿﺎء واﻟﺗﻌﺻب‪ .‬وﺑﺎﻟﺟﻣﻠﺔ ﻟم ﺗﺳﺗطﻊ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ‬ ‫ﺗﻐﯾﯾر اﻟطﺎﺑﻊ اﻟﻣﺎدي واﻟﻧﻔﻌﻲ ﻓﻲ اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻷورﺑﯾﺔ‪ ،‬ﺑل اﺳﺗطﺎع اﻻورﺑﻲ أن ﯾوظف‬ ‫اﻟدﯾن ﻧﻔﺳﻪ ﻟﻣﺻﺎﻟﺣﺔ اﻟﻣﺎدﯾﺔ وﻧزﻋﺎﺗﻪ اﻟﻌدواﻧﯾﺔ ﺑﺈﻟﺑﺎس ﺗﻠك اﻟﻧوازع ﺛوﺑﺎً ﻣن اﻟﻘداﺳﺔ‬ ‫اﻟدﯾﻧﯾﺔ أو اﻟﺷﻌﺎرات اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬رأﯾﻧﺎ ذﻟك ﻓﻲ اﻟﺷﻌﺎرات اﻟﺗﻲ أُطﻠﻘت ﺧﻼل اﻟﺣروب‬ ‫اﻟﺻﻠﯾﺑﯾﺔ وﺟﻌﻠﻬﺎ ﺣروب ﻣﻘدﺳﺔ وﻫﻲ ﻓﻲ اﻷﺻل ﺗﻬدف ﻟﻠﺳﯾطرة ﻋﻠﻰ ﺑﻼد اﻟﻣﺷرق‬ ‫اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﺳﻠم وﻟم ﯾﻛن ﻟﻬﺎ أي ُﺑﻌد دﯾﻧﻲ‪.‬‬ ‫ﻫذا اﻟﺗطرف ﻓﻲ اﻟروﺣﺎﻧﯾﺎت واﻟدﻋوة إﻟﻰ اﻟرﻫﺑﻧﺔ أدى ﺑدورﻩ ﻟردة ﻓﻌل ﻋﻧﯾﻔﺔ‬ ‫ﺿد اﻷدﯾﺎن ﺑﺻﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﻋﺻر اﻟﻧﻬﺿﺔ وﻋﺻر اﻟﺗﻧوﯾر ﺣﯾث اﺳﺗﻬدف اﻟدﯾن‬ ‫ﻛﺳﺑب ﻣﺑﺎﺷر رآﻩ اﻷورﺑﯾون ﺳﺑب اﻟﺗﺧﻠف‪ ،‬ﻓﻛﺎﻧت ‪ ،‬اﻟﺛورة ﻋﻠﻰ اﻻﻗطﺎع واﻟﻛﻧﯾﺳﺔ‪،‬‬ ‫وﻛﺎن اﻟرﻓض ﺷﺎﻣﻼً ﻟﯾس ﻟﻺﻗطﺎع واﻟﻛﻧﯾﺳﺔ وﺣدﻫﺎ ﺑل ﻟدﯾﻧﻬﻣﺎ اﻟذي ﻛﺑل اﻟﺣرﯾﺎت‬ ‫وﻗﯾد اﻟﻌﻘل‪ ،‬ووﻗف ﺣﺎﺋط ﻣﻧﯾﻊ ﻓﻲ طرﯾق اﻟﺗطور اﻟﺑﺷري‪ ،‬وﻛﺎﻧت اﻟﺛورة ﻋﺎرﻣﺔ ﺿد‬ ‫اﻟﺗﻔﻛﯾر اﻟﻣﺗوازن‪ ،‬وﻫﻛذا ﺗﻛون ردود اﻷﻓﻌﺎل اﻟﺛورﯾﺔ ﻓﻲ ﻛل زﻣﺎن وﻣﻛﺎن ﺗﻛون ﻏﯾر‬ ‫ﻣﺣﺳوﺑﺔ وﺗﻛون ﻗوﯾﺔ ﺑﻘوة اﻟﻔﻌل ﻧﻔﺳﻪ أو أﺷد‪ ،‬ﻓﺑﻣﻘدار ﻣﺎ أُﺳﺗﻐل اﻟدﯾن ﻷﻏراض‬ ‫اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ واﻻﻗطﺎع‪ ،‬ﻛﺎن اﻟرﻓض ﻟﻠدﯾن ﺑﻛل ﻣﻛوﻧﺎﺗﻪ ﺷدﯾداً‪ ،‬وﺷﯾﺋﺎً ﻓﺷﯾﺋﺎً ﻗطﻊ‬ ‫اﻟﻣﺛﻠﻰ ﻓﻲ‬ ‫اﻷورﺑﯾون ﻋﻼﻗﺎﺗﻬم ﺑﺎﻟﺳﻣﺎء وﻟﺟﺋوا ﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻷرض ﻟﯾرﺳﻣوا ﻟﻬم طرﯾﻘﺗﻬم ُ‬ ‫اﻟﺣﯾﺎة‪.‬‬ ‫ﻛﺎﻧت ﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺗﺧﻠص ﻣن اﻟدﯾن وﺗﺣﺟﯾﻣﻪ ﻟﯾظل ﻓﻲ اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ أوﻻً‪ ،‬ﺛم ﺗطور‬ ‫اﻟوﺿﻊ إﻟﻰ اﻟﻧظر واﻟرﺑط ﺑﯾن اﻟدﯾن واﻟﺗﺧﻠف اﻟﺣﺿﺎري واﻟﻔﻛري زاد ﻣن اﻟﺗﺄﻛﯾد ﻋﻠﻰ‬ ‫ﻫذﻩ اﻟﻧظرة ﻟرﺟﺎل اﻟدﯾن اﻟﻣﺳﯾﺣﻲ اﻟﺗﻘدم اﻹﺳﻼﻣﻲ واﺟﺗﯾﺎح اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻷﺟزاء ﻛﺑﯾرة‬ ‫ﻣن أورﺑﺎ‪ .‬ﺣﯾث اﻷورﺑﯾون ﯾﻧظرون إﻟﻰ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻛﻛﻔﺎر اﺣﺗﻠوا ارﺿﻬم ﺣﺳب‬ ‫‪- ١٢٠ -‬‬


‫ﻋﻘﯾدﺗﻬم وﻛﺎﻧت اﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺣﺗﻣﯾﺔ ﺑﯾن اﻟﻛﻔر اﻟﻣﻧﺗﺻر واﻟدﯾن اﻟذي ﻋﻧدﻫم ﺗﺳﺑب ﻓﻲ‬ ‫اﻟﺳﯾطرة ﺛم اﻟﻘﺗل ﻟﻛل ﻋواﻣل اﻹﺑداع‪ .‬ﻫذﻩ وأﺳﺑﺎب أﺧرى ﻛﺛﯾرة أدت ﻟﻣﻌﺎداة اﻟدﯾن‬ ‫وﻣﺣﺎرﺑﺔ ﻣظﺎﻫرﻩ ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ واﻟﺳﺧرﯾﺔ ﻣن ﺗﺄﺛﯾرﻩ ﻓﻲ ﺳﻠوك اﻻﻧﺳﺎن‪ ،‬ﻓﺻﺎر اﻟﺗﻔﺳﺦ‬ ‫واﻟظﻬور ﺑﻣظﻬر اﻟراﻓض ﻟﻠﻣﺑﺎدئ اﻟدﯾن ﻋﻣوﻣﺎً ﻫو ﻋﻧوان اﻟﺗﻧوﯾر واﻟﺗﺣﺿر‪.‬‬ ‫دﺑرﻩ وﻟﯾس ﻟدﯾن اﻟﻣﺳﯾﺣﻲ ﻓﻘط وﻟﻛن ﻟﻛل‬ ‫واﻟﺷﺧص اﻟﻣﺗﺣﺿر ﻫو اﻟذي ﯾوﻟﻲ ﻟﻠدﯾن ُ‬ ‫ﻣن ُﯾﺣﺎول رﺑط اﻹﻧﺳﺎن ﺑﻣوﺿوﻋﺎت ﻏﯾﺑﯾﺔ ﺗﺣت أي ُﻣﺳﻣﻰ‪ .‬اﻟﻔرد ﺻﺎر ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ‬ ‫اﻟﺣﺎﻟﺔ وذﻫب ﻟﻠﻣﺟﺗﻣﻊ ﺑدون ﻗﯾم دﯾﻧﯾﺔ ذﻫب ﻟﯾﺻوغ ﻣﻌﺎﯾﯾر ﺗﻔﻛﯾرﻩ وأﺧﻼﻗﯾﺎﺗﻪ ﻓﻲ‬

‫ﺿوء اﻟواﻗﻊ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪ ،‬ﺑﻌﯾداً ﻋن أﯾﺔ ﻧظرﯾﺎت ُﻣﺳﺑﻘﺔ أو أي ﻫﯾﻣﻧﺔ ﻟﺳﻠطﺔ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‬ ‫أو دﯾﻧﯾﺔ‪ ،‬وﺻﺎرت ﻧﺳﺑﯾﺔ اﻟﺣﻘﺎﺋق ﻣظﻬ اًر ﻣن ﻣظﺎﻫر اﻟﺗﻔﻛﯾر‪ ،‬ﻓﻠﯾس ﻫﻧﺎك ﺣﻘﯾﻘﺔ‬ ‫ﻣطﻠﻘﺔ‪ ،‬ﺑل ﻫﻲ ﻗدر ﻣﺷﺗرك ﻟدى اﻟﻣﺗﺄﻣﻠﯾن ﺟﻣﯾﻌﺎً‪ ،‬ﻓﻼ ُﻣﺻﯾب وﻻ ُﻣﺧطﺊ ﻓﻲ ﻣﺟﺎل‬ ‫اﻻﺳﺗﻧﺗﺎج وﺻﯾﺎﻏﺔ اﻟﻧظرﯾﺎت‪ ،‬ﻓﺎﺧﺗﻠط اﻟﺣق ﺑﺎﻟﺑﺎطل‪ ،‬وﺿﺎﻋت اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻧﻔﺳﻬﺎ‪ .‬ﺣدث‬ ‫ﻫذا ﻟﻌﻣوم اﻟﻧﺎس؛ وﻟﻠﺣﻘﯾﻘﺔ ظﻬرت ﻓﻲ أوﻗﺎت ُﻣﺑﻛرة ﻣن ظﻬور اﻷﻓﻛﺎر اﻟﺗﺣررﯾﺔ‬ ‫وﻋﺑﺎدة اﻟﻌﻘل ظﻬرت أﺻوات ﺗﺣﺎول اﻟﻣوازﻧﺔ ﺑﯾن ذﻟك وذاك وﺑدأت ﺿﻌﯾﻔﺔ وﻟﻛﻧﻬﺎ‬ ‫ﺗﻘوى ﯾوﻣﺎً ﺑﻌد ﯾوم)‪ .(١‬ﻧﻘول ﻫذﻩ اﻷﺻوات ﺑدأت ﺿﻌﯾﻔﺔ ﺗﺣت وطﺄة ﻋﺻر اﻟﻧﻬﺿﺔ‬ ‫واﻟﺗﻧوﯾر وﻣﺎ ﺗﻼﻫﻣﺎ ﻣن ﻓﻠﺳﻔﺎت ﺣﺗﻰ اﻵن وﻟﻛﻧﻬﺎ ﻻ زاﻟت ﻣوﺟودة‪.‬‬ ‫ﻓﻲ ﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﺣﻛم وﻣراﻛز اﺗﺧﺎذ اﻟﻘرار ﻧﺟد أن "اﻟﻌﻠﻣﺎﻧﯾﺔ" ﻫﻲ طﺎﺑﻊ اﻟﻌﺻر‬ ‫اﻟﺣدﯾث ﻓﻲ أورﺑﺎ‪ ،‬واﻟﻌﻠﻣﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻣﺟﺎل ﺗﻌﻧﻲ اﻟﻼدﯾﻧﯾﺔ ﺗﻌﻧﻲ اﻟﻣﺳﺎواة ﻓﻲ ﻛل‬ ‫اﻷﻣور اﻟﻛوﻧﯾﺔ أو اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ‪ ،‬وﻣﻔﻬوم اﻟﻌﻠﻣﺎﻧﯾﺔ ﻟﯾس ﻣظﻬ اًر ﻣن ﻣظﺎﻫر اﻟﺗﻔﻛﯾر اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ‬ ‫ﻓﺣﺳب‪ ،‬ﺑل ﻣظﻬر ﻟﻛل ﺳﻠوك ﻓﻲ ﻣﺟﺎﻻت اﻟﺣﯾﺎة اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ‬ ‫واﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻷﺧﻼﻗﯾﺔ‪ .‬ﻓﺎﻟدﯾن ُﻣﺳﺗﺑﻌد ﻣن ﻛل ﻫذﻩ اﻟﻣﺟﺎﻻت‪ ،‬وﻻ ﯾﺗﻌدى ﻣﺟﺎﻟﻪ‬ ‫اﻟﺧﺎص ﻏﯾر اﻷﻣور اﻟﻼﻫوﺗﯾﺔ اﻟطﻘوﺳﯾﺔ اﻟﺗﻌﺑدﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻧﺣن ﻧﺟد اﻟﺗﻔﻛﯾر اﻟﻌﻠﻣﺎﻧﻲ ﺳﯾطر‬

‫)‪ (١‬ﻟﻠﻣزﯾد ﯾﻧظر‪" ،‬ﻓﻲ اﻟﻔﻛر اﻟﻐرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر"‪ ،‬د‪ .‬ﺣﺳن ﺣﻧﻔﻲ‪ ،‬دار اﻟﺗﻧوﯾر‪ ،‬ﺑﯾروت‪ ،‬ط‪٢٠٠٦ ،٢‬م‪.‬‬

‫‪- ١٢١ -‬‬


‫ﻋﻠﻰ ﻛل ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺣﯾﺎة‪ ،‬وﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻌﻠوم اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ‪ ،‬وﺣﺗﻰ اﻟﻌﻠوم اﻻﻧﺳﺎﻧﯾﺔ)‪(١‬؛ ﻓﻛﺎن‬ ‫اﻟﺑﻌد ﻋن اﻟدﯾن ﻫﻲ ﺳﻣﺔ ﻣن ﺳﻣﺎت اﻟﻔﻛر اﻷورﺑﻲ اﻟﺣدﯾث)‪.(٢‬‬ ‫ُ‬ ‫وﻣﻊ اﻟﺗﻘدم اﻷورﺑﻲ اﻟﺣدﯾث وﺣﯾث أن اﻟدﯾن ُﯾﻣﺛل ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻣن ﺣﻘﺎﺋق اﻹﻧﺳﺎن‬

‫واﺣﺗﯾﺎج ﻻ ُﯾﻣﻛن ﻧﻛراﻧﻪ ﻓﻧﺟد اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟﻐرﺑﯾون ﯾﺗﺄﺛرون ﺑﺎﻷﻓﻛﺎر اﻟدﯾﻧﯾﺔ‬ ‫ﺑﺻورة ﻣﺑﺎﺷرة أو ﻏﯾر ﻣﺑﺎﺷرة ﺧﺎﺻﺔ ﻋﻧدﻣﺎ ﯾﻘﺗرب اﻟﻛﻼم ﻣن اﻷﻫﻣﯾﺔ اﻟواﻗﻌﯾﺔ‬ ‫ﻟﻠﺻدق وﻣﺣﺎﺳن اﻷﺧﻼق ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ‪.‬‬ ‫ﻫذا اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻐرﺑﻲ اﻟذي رأى دﯾﻧﻪ ﺳﺑب اﻟﺗﺧﻠف ﻫو ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﯾﻧظر ﻟﻛل‬ ‫اﻷدﯾﺎن اﻷﺧرى ﺑﺻورة أﺷد اﺣﺗﻘﺎ اًر ﻣن ﻧظرﺗﻪ إﻟﻰ دﯾﻧﻪ؛ ﻓﻬو ﻻ ﯾرى ﻓﻲ ﻫذﻩ‬ ‫اﻟﻣظﺎﻫر اﻟدﯾﻧﯾﺔ إﻻ رواﺳب ﺑﺎﻟﯾﺔ ﯾﺗﻣﺳك ﺑﻬﺎ اﻟﻣﺻرون ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺧﻠف‪ .‬وﻣن اﻟﻐراﺋب‬ ‫اﻟﺗﻲ ﻻ ﯾﻛﺎد ُﯾﺻدﻗﻬﺎ ﻋﻘل أو ﯾﻘﺑﻠﻬﺎ ﻣﻧطق ﻫﻲ ﺗﻌﺎﻣل أورﺑﺎ ﻣﻊ اﻷدﯾﺎن ﻓﻬﻲ ﺗؤﻣن‬

‫ﺑﺣرﯾﺔ اﻟﺗدﯾن وﺣرﯾﺔ اﻻﻋﺗﻘﺎد وﻫذا أﻣر ﻣﻘدس ﻋﻧدﻫم‪ ،‬وﻟﻛن ﻋﻧدﻣﺎ ﻧﺄﺗﻲ إﻟﻰ اﻹﺳﻼم‬ ‫ﻧرى اﻟﺗﻔرﻗﺔ واﻻزدواﺟﯾﺔ ﻓﺣرﯾﺔ اﻟﻌﻘﯾدة ﻋﻧدﻫم ﻻ ﺗﻌﻧﻲ ﺗرك اﻟﻬﺎرﺑﯾن ﻣن ﺟﺣﯾم اﻟﻣﺎدﯾﺔ‬ ‫ﻓﻲ أورﺑﺎ ﯾدﺧﻠون ﻓﻲ دﯾن اﷲ أﻓواﺟﺎ‪ ،‬وﻻ ﺗﻌﻧﻲ ﺣرﯾﺔ اﻟﻔرد ﻋﻧدﻫم أن ﺗﻧزل اﻣرأة‬ ‫ﻣﺳﻠﻣﺔ ﺑﻠﺑﺎس ُﯾﻐطﻲ ﺟﺳدﻫﺎ اﻟﺑﺣر أو ﺗرﺗدي اﻟﺣﺟﺎب وﺗدﺧل ﻣؤﺳﺳﺎت اﻟدوﻟﺔ‬

‫ﺑﺎﻟﺻورة اﻟﺗﻲ ﺗﺟﻌل ﻛل ﻣن ﯾﻧظر إﻟﯾﻬﺎ ﯾﻌﻠم أﻧﻬﺎ ﻣﺳﻠﻣﺔ؛ ﻫذﻩ اﻟﺣرﯾﺔ ﻻ ﺗﻌﻧﻲ أن‬ ‫ﺗُرﻓﻊ اﻟﻣﺂذن ﻓﻲ ﺑﻼدﻫم‪ .‬ﺑل إن اﻟدوﻟﺔ ﻋﻧدﻫم ﻻ ﺗﺗدﺧل ﻓﻲ اﻟﺷؤون اﻟدﯾﻧﯾﺔ اﻟﺧﺎﺻﺔ‬

‫ﺑﺎﻟﻔرد ﻋﻧدﻫم‪ ،‬وﻟﻛﻧﻬﺎ ﺗﺗدﺧل ﻓﻲ اﻟﺷؤون اﻟدﯾﻧﯾﺔ اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﺣﯾﺎة اﻟﻔرد اﻟﻣﺳﻠم‪ ،‬ﻓﺗﺳن‬ ‫اﻟﻘواﻧﯾن اﻟﻣﺳﺗوﺣﺎة ﻣن اﻟﻘواﻧﯾن اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ أو اﻹﻧﺟﻠﯾزﯾﺔ واﻟﺗﻲ ﺗﺗﻌﺎرض ﻣﻊ اﻟﺷرﯾﻌﺔ‬

‫اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ؛ وﻣن أوﺿﺢ اﻷﻣﺛﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻻزدواﺟﯾﺔ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺗﻪ ﻓرﻧﺳﺎ أو دوﻟﺔ طﺑﻘت‬ ‫اﻟﻌﻠﻣﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﻓﻛرﻫﺎ وﻣؤﺳﺳﺎﺗﻬﺎ إﺑﺎن اﺣﺗﻼﻟﻬﺎ ﻟﻠﺟزاﺋر اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﺗرة ﻣن ‪١٨٣٢‬م‬ ‫وﺣﺗﻰ ‪١٩٦٢‬م‪ .‬ﻛﺎن ﻧظﺎم اﻟﺣﻛم اﻟﺟﻣﻬوري اﻟﻌﻠﻣﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻓرﻧﺳﺎ ﻻ ﯾﺗدﺧل ﻓﻲ‬ ‫اﻟﻣؤﺳﺳﺎت اﻟدﯾﻧﯾﺔ وﻻ ﯾﺣد ﻣن ﻧﺷﺎطﻬﺎ‪ ،‬وﻟﻛﻧﻪ ُﯾﺣﺎرب اﻟﻧﺷﺎط اﻟدﯾﻧﻲ‪ ،‬وﯾﺣظر‬ ‫)‪ (١‬ﻟﻠﻣزﯾد ُﯾرﺟﻊ إﻟﻰ‪ ،‬د‪ .‬ﻣﺣﻣد ﻋﻣﺎرة‪" ،‬اﻟﻐزو اﻟﻔﻛري وﻫم أم ﺣﻘﯾﻘﺔ"‪ ،‬ﻣﻧﺷورات ﺟﻣﻌﯾﺔ اﻟدﻋوة اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ‪،‬‬ ‫طراﺑﻠس‪ ،‬ﻟﯾﺑﯾﺎ‪ ،‬ط‪٢٠٠٤ ،٤‬م‪.‬‬ ‫)‪ (٢‬ﻣﻌن زﯾﺎدة "ﻣﻌﺎﻟم ﻋﻠﻰ طرﯾق ﺗﺣدﯾث اﻟﻔﻛر اﻻورﺑﻲ"‪ ،‬ﻋﺎﻟم اﻟﻣﻌرﻓﺔ‪ ،‬اﻟﻛوﯾت ﻋدد‪١٩٨٧ ،١١٥‬م‪.‬‬

‫‪- ١٢٢ -‬‬


‫اﻟﺗدرﯾس اﻟدﯾﻧﻲ واﻟﻣدارس اﻟدﯾﻧﯾﺔ وﯾﺗدﺧل ﻓﻲ اﻟﺗﺻرف اﻟدﯾﻧﻲ ﻟﻸﻓراد ﻷﻧﻪ ﯾرى أن‬ ‫ﻌﻣرة ﻛﻠﻬﺎ وﻟﯾس اﻟﺟزاﺋر )أو‬ ‫اﻟﻣﺳﺗَ َ‬ ‫اﻟدﯾن ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ُﯾﻬدد وﺟودﻩ ﻛﻣﺳﺗﻌﻣر ﻓﻲ اﻟﺑﻼد ُ‬ ‫ﻓرﻧﺳﺎ ﻋﺑر اﻟﺑﺣر ﻛﻣﺎ ﻛﺎﻧوا ُﯾطﻠﻘون ﻋﻠﯾﻬﺎ(‪ .‬ﻛﺎن اﻟﻧظﺎم اﻟﻔرﻧﺳﻲ ﯾرى أن اﻟﺗدﯾن ﻓﻲ‬ ‫اﻟﺟزاﺋر ﯾؤدي ﻟظﻬور ﺷﺧﺻﯾﺔ ﻣﺳﺗﻘﻠﺔ ﺗُﻬدد اﻟﻔﻛر اﻟﻐرﺑﻲ ﺑرﻣﺗﻪ)‪ .(١‬وﻣﺎ زاﻟت ﻫذﻩ‬

‫اﻟطرﯾﻘﺔ وﻫذﻩ اﻟﻧظرة ﻫﻲ اﻟﻣﺳﯾطرة ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻛر اﻟﻐرﺑﻲ إﻟﻰ اﻵن‪.‬‬ ‫ﺧﺎﻣﺳﺎً‪ :‬اﻟﻼأﺧﻼﻗﯾﺔ‬

‫ﻻ ُﯾﻣﻛن ﻷي ﻋﺎﻗل أن ﯾرﻓض اﻟدﯾن وﯾﻘﺑل اﻷﺧﻼق ﻓﺎﻟدﯾن واﻷﺧﻼق ﺻﻧوان‬

‫ﻻ ﯾﻔﺗرﻗﺎن وﻻ ﯾزدﻫر أﺣدﻫﻣﺎ إﻻ ﻓﻲ وﺟود اﻵﺧر‪ .‬ﻣن ﻫﻧﺎ ﻧﻔﻬم أن رﻓض اﻷورﺑﯾﯾن‬ ‫ﻟﻠدﯾن ﺳﯾؤدي ﺣﺗﻣﺎً ﻻﻧﻬﯾﺎر أﺧﻼﻗﻲ‪ .‬اﻟﻔرد اﻷورﺑﻲ ُﻣﺣب ﻟذاﺗﻪ ﯾﻧظر ﻟﻸﺧرﯾن ﻧظرة‬ ‫دوﻧﯾﺔ‪ .‬ﻫذا اﻟﻛﻼم ﺗؤﻛدﻩ ﺣروﺑﻬم وﺳﻠﻣﻬم ﻓﻬم ﻓﻲ اﻟﺣرب ﯾﻘﺗﻠون ﺣﺗﻰ اﻷطﻔﺎل‬ ‫واﻟﻧﺳﺎء دون ﺗﻣﯾﯾز ودون ﻣراﻋﺎة ﻋﻬد أو ﻣﯾﺛﺎق وﻣﺎ ﺣدث ﻟﻬﯾروﺷﯾﻣﺎ وﻧﺟﺎزاﻛﻲ ﺧﯾر‬ ‫اﻟﺣﻣر ﻣن ﻧﺟﺎزاﻛﻲ‬ ‫دﻟﯾل ﻋﻠﻰ اﻟﻼأﺧﻼﻗﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ‪ ،‬وﻟﯾس ﻣﺎ ﺣدث ﻟﻔﯾﺗﻧﺎم واﻟﻬﻧود ُ‬

‫وﻫﯾرﺷﯾﻣﺎ ﺑﺑﻌﯾد ﻓﻛﻠﻬﺎ ظﻠﻣﺎت ﻏرﺑﯾﺔ ﺑﻌﺿﻬﺎ ﻓوق ﺑﻌض‪ .‬ﻫذا وﻻ ُﯾﻣﻛن أن ﻧﻧﺳﻰ‬ ‫ﻫؤﻻء اﻟﺳود ﻣن اﻟﺑﺷر اﻟذﯾن ﻛﺎﻧوا ُﯾﺧﺎدﻋوﻧﻬم ﺣﺗﻰ ﯾﺻطﺎدوﻧﻬم ﻛﻣﺎ اﻟﺣﯾواﻧﺎت ﺛم‬

‫ُﯾرﺳﻠوﻧﻬم إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺟدﯾد ﻓﻲ أﻣرﯾﻛﺎ ﻓﻲ ﺗﺟﺎرة اﻟرﻗﯾق طﯾﻠﺔ ﻋﺷرات اﻟﺳﻧﯾن وﻟﻣﺎ‬ ‫اﻟﺣﻣر ﻓﻛﺎﻧوا أﺛر ﺑﻌد ﻋﯾن)‪ .(٢‬واﻟﻛﻼم ﻓﻲ‬ ‫ذﻫب اﻷورﺑﯾون إﻟﻰ أﻣرﯾﻛﺎ أﺑﺎدوا اﻟﻬﻧود ُ‬ ‫ﻫذا ﯾطول ﻓﻣن اﻟﯾﺎﺑﺎن إﻟﻰ ﻓﯾﺗﻧﺎم إﻟﻰ اﻟﻌراق وأﻓﻐﺎﻧﺳﺗﺎن واﻟﻌراق ﻧﺟد أن اﻟﻐرﺑﯾﯾن ﻟم‬

‫ﯾﻧزﻟوا ﺑواد إﻻ وﻛﺎن ﻣﻌﻬم اﻟدﻣﺎر وﺑﻌد أن ُﯾدﻣروا ﻣﺎ اﺳﺗطﺎﻋوا ﯾﺗرﻛون ﻣﺷﺎﻛل ﻣن‬ ‫اﻟﻌﺻﺑﯾﺎت واﻻﻗﺗﺗﺎل ﻋﻠﻰ اﻟﺣدود ﻓﻲ اﻟﺑﻼد اﻟﺗﻲ دﻣروﻫﺎ؛ وﯾﺟدر ﺑﻧﺎ ﻫﻧﺎ أن ﻧدرج‬

‫ﺷﻬﺎدة ﺑﻌض ﻣن ﺧﺑروا ﻫذﻩ اﻟﺣﺿﺎرة ﻋن ﻗُرب وﻋﺎﺷوا ﺑﯾن اﻷورﺑﯾﯾن‪ .‬اﻟﺷﻬﺎدة‬

‫اﻷوﻟﻰ ﻟﻠﺷﺎﻋر اﻟﻣﺳﻠم اﻟﺑﺎﻛﺳﺗﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻣﺣﻣد إﻗﺑﺎل ﺣﯾث ﺗﻧﻘل ﺑﯾن اﻟدول اﻷورﺑﯾﺔ ﯾﻘول‬ ‫"ﺻدﻗوﻧﻲ اذا أﻛدت ﻟﻛم أن أورﺑﺎ اﻟﯾوم ﻫﻲ أﻛﺑر ﻋﺎﺋق ﻓﻲ ﺳﺑﯾل رﻗﻲ اﻷﺧﻼق‬

‫)‪ (١‬ﻟﻠﻣزﯾد ُﯾﻧظر ﻓﻲ‪ ،‬د‪.‬ﺷﻠﺗﺎج ﻋﺑود "أﺛر اﻟﻘرآن ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث"‪ ،‬دار اﻟﻣﻌرﻓﺔ‪ ،‬دﻣﺷق‪ ،‬ط‪٢٠٠٤ ٤‬م‪.‬‬ ‫)‪ (٢‬ﻟﻠﻣزﯾد‪ :‬ﺷﻔﯾق‪ ،‬ﻣﻧﯾر‪ ،‬اﻹﺳﻼم ﻓﻲ ﻣﻌرﻛﺔ اﻟﺣﺿﺎرة‪ ،‬دار اﻟﻛﻠﻣﺔ‪ ،‬ﺑﯾروت‪ ،‬ط‪٢٠٠٣ ،٤‬م ص ‪.١٤٠‬‬

‫‪- ١٢٣ -‬‬


‫اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ")‪ .(١‬وﯾﺗﻔق ﻣﻊ ﻛﻠﻣﺔ إﻗﺑﺎل ﻛﻠﻣﺔ اﻟﻣﻧﺎﺿل اﻷﻓرﯾﻘﻲ )ﻓراﻧز ﻓﺎﻧون( اﻟذي ﻋﺎش‬ ‫ﻓﻲ ﻓرﻧﺳﺎ ودرس ﻓﯾﻬﺎ‪ ،‬وﺷﻬد ﺟراﺋﻣﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر‪ ،‬ﻓﺗطوع ﻟﻠﻘﺗﺎل ﻣﻊ اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ﺣﺗﻰ‬ ‫ﻣﺎت ﺑﯾن أﯾدﯾﻬم ﻓﻲ اﻟﺟﺑﺎل‪ .‬ﯾﻘول ﻓﺎﻧون ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ )ﻣﻌذﺑو اﻷرض(‪" :‬إﻧﻲ أﺑﺣث ﻋن‬ ‫اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ اﻟﺗﻛﻧﯾك اﻷورﺑﻲ واﻷﺳﻠوب اﻷورﺑﻲ‪ ،‬ﻓﻼ أرى إﻻ ﺳﻠﺳﻠﺔ ﻣن اﻹﻧﻛﺎرات‬ ‫)‪(٢‬‬

‫ﻟﻺﻧﺳﺎن‪ٕ ،‬واﻻ ﻣواﻛب ﻣن ﺟراﺋم ﻗﺗل اﻹﻧﺳﺎن"‬

‫]‪[٣٤‬؛ وﻻ ﯾﺟب ﻫﻧﺎ أن ﻧﻐﺗر ﺑﻣﺎ‬

‫وﺻﻠت إﻟﯾﻪ أورﺑﺎ ﻣن ﺗﻘدم ﺗﻘﻧﻲ ﻓﺎﻟرؤﯾﺔ ﻣن اﻟداﺧل ﺗﺧﺗﻠف ﻋن ﻫذا اﻟﻣظﻬر اﻟﻛذوب‪.‬‬

‫ﺳﺎدﺳﺎً‪ :‬اﻟﻌدواﻧﯾﺔ واﻟدﻣوﯾﺔ‬ ‫إذا اﺑﺗﻌد ﻗوم ﻋن اﻟدﯾن واﻷﺧﻼق ﻓﻣﺎذا ﺗﻧﺗظر ﻣن أﻓﻌﺎﻟﻬم‪ ،‬ﻏﯾر اﻟﻌﻧف‬ ‫واﻟﻌدواﻧﯾﺔ؟ اﻟﺷﻌب اﻷورﺑﻲ ﻫو ﻧﺎﺗﺞ ﻣن ﺳﻼﻟﺔ اﻟﻘﺑﺎﺋل اﻟﺟرﻣﺎﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗُﻐﯾر‬ ‫ﻋﻠﻰ اﻟﺑﻼد اﻟﻣﺗﺣﺿرة ﻣن وﻗت ﻷﺧر ﻓﺗُﻬﻠك اﻟﺣرث واﻟﻧﺳل وﻟم ﯾﻛن ﻟﻬم ﺣﺿﺎرة‬

‫ﻣﻌروﻓﺔ ﻗﺑل ﻋﺻر اﻟﻧﻬﺿﺔ‪ .‬ﻫذﻩ اﻟدﻣوﯾﺔ ﻟم ﺗُﻔرق ﺑﯾن ﻗرﯾب أو ﺑﻌﯾد ﻓﺧﻼل اﻟﺣروب‬ ‫اﻟﺻﻠﯾﺑﯾﺔ ﻛﻣﺎ ﯾﻘول‪ ،‬ﻛﺎﻓﯾن راﺑﻠﻲ "وﻫم ﻓﻲ طرﯾﻘﻬم إﻟﻰ اﻟﻘدس ﻟم ﯾﻛن ﯾﺄﺑﻬوا أن ﯾﻧﻬﺑوا‬ ‫اﻟﻘﺳطﻧطﯾﻧﯾﺔ أو اﻟﻘدس)‪ .(٣‬ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻛﺎﻧوا ﯾﻧﻬﺑون وﯾﺳﻠﺑون وﯾﺳﻔﻛون اﻟدﻣﺎء وﻫم‬ ‫ﻓﻲ اﺟواء ﺣرب ﻣﻘدﺳﺔ!! ﻫﻛذا ﻛﺎﻧوا ﻣﻊ اﺧواﻧﻬم وأﺑﻧﺎء ﺟﻠدﺗﻬم‪ ،‬وﯾﺗﺣدث اﻟﺗﺎرﯾﺦ ﻋن‬ ‫ﻫذﻩ اﻟدﻣوﯾﺔ ﺑﯾن ﺷﻌوﺑﻬم ﻷﺳﺑﺎب طﺎﺋﻔﯾﺔ ودﯾﻧﯾﺔ‪" ،‬إﻧﻬم اﺳﺗﺑﺎﺣوا اﻟﺟراﺋم اﻟواﺣدة ﺗﻠو‬ ‫اﻷﺧرى ﻟﺗﺣﻘﯾق أﻓﺿﻠﯾﺔ إﻟﻪ اﻟﻛﺎﺛوﻟﯾك ﻋﻠﻰ إﻟﻪ اﻟﺑروﺗﺳﺗﺎﻧت‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن إﯾﻣﺎن‬ ‫أﻏﻠﺑﻬم ﺑﺄﻧﻪ إﻟﻪ واﺣد؛ وﻫذا طﺑﯾﻌﻲ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ ﻗﺿت ﺳﺑﻌﺔ ﻋﺷر ﻗرﻧﺎً ﻓﻲ ﺗدﺑﯾر‬

‫)‪ (١‬ﻟﻠﻣزﯾد اﻧظر‪ :‬ﻋﺑداﻹﻟﻪ ﺑﻠﻘزﯾز‪ ،‬ﻣﺣﺎور‪ .‬اﻹﺳﻼم واﻟﺣداﺛﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎع اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ‪ :‬ﺣوارات ﻓﻛرﯾﺔ‪ .‬ـ ﺑﯾروت‪ :‬ﻣرﻛز‬ ‫دراﺳﺎت اﻟوﺣدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪٢٠٠٤ ،‬م‪) .‬ﺳﻠﺳﻠﺔ ﺣوارات اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل اﻟﻌرﺑﻲ‪.(١ :‬‬

‫)‪ (٢‬ﻣﺣ ﱠﻣد ﻣﺣ ﱠﻣد ﺣﺳﯾن‪ .‬اﻹﺳﻼم واﻟﺣﺿﺎرة اﻟﻐرﺑﯾﺔ‪ .‬ـ ط ‪ .٥‬ـ ﺑﯾروت‪ :‬ﻣؤﺳﺳﺔ اﻟرﺳﺎﻟﺔ‪١٤٠٢ ،‬ﻫـ‪١٩٨٢/‬م‪ .‬ـ‬ ‫‪ ٢٧٨‬ص‪.‬‬

‫)‪ (٣‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق‪ ،‬روﺟﯾﻪ ﺟﺎرودي‪" ،‬ﺣوار اﻟﺣﺿﺎرات" ﻣﻧﺷورات ﻋوﯾدات‪ ،‬ﺑﯾروت‪ ،‬ط‪١٩٨٢ ،٢‬م ص ‪.٢٠٦‬‬

‫‪- ١٢٤ -‬‬


‫اﻟﻔﺗن اﻟرﻫﯾﺑﺔ اﻟﺗﻲ زﻟزﻟت اﻟﻐرب‪ ،‬ﻓﻛﺎﻧت ﻣﻧﺑﻊ اﻟﺣروب واﻟﻌﻧف واﻻﺿطﻬﺎد‪ ،‬وﻓرﻗت‬ ‫ﺑﯾن اﻷﻣم")‪.(١‬‬ ‫ﻫﻛذا ﻛﺎﻧوا ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﻬم‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﺻﺎر ﯾﺿرب اﻟﻣﺛل ﺑﺣرب اﻟﻣﺋﺔ ﻋﺎم ﺑﯾن ﻓرﻧﺳﺎ‬ ‫وﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ )ﺗﺣﺳﺑﻬم ﺟﻣﯾﻌﺎً‪ ،‬وﻗﻠوﺑﻬم ﺷﺗﻰ( )‪.(٢‬‬ ‫ٕواذا ﻛﺎن اﻷﻣر ﻛذﻟك ﻣﻊ ﺑﻌﺿﻬم اﻟﺑﻌض‪ ،‬ﻓﻬم أﻛﺛر ﻋﻧﻔﺎً ودﻣوﯾﺔ وﻋدواﻧﯾﺔ‬

‫واﻧﺗﻘﺎﻣﺎً ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺗﻬم ﻣﻊ ﻏﯾرﻫم ﻣن اﻷﻣم وﻣﻊ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺧﺎﺻﺔ‪ ،‬ﻓﻘد ﻗﺗﻠوا ﻣﺋﺔ اﻟف‪،‬‬ ‫أو ﺳﺑﻌﯾن أﻟﻔﺎً ﻣن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‪ ،‬وﻛﺎن ﻣﻌظﻣﻬم ﻣن اﻟﺷﯾوخ واﻟﻧﺳﺎء واﻻطﻔﺎل‪ ،‬وذﻟك‬

‫ﺣﯾن دﺧﻠوا اﻟﻘدس ﻷول ﻣرة ﻓﻲ ﺣروﺑﻬم اﻟﺻﻠﯾﺑﯾﺔ)‪ ،(٣‬وﻛﺎﻧت ﻓظﺎﺋﻌﻬم وﺟراﺋﻣﻬم ﯾﻧدى‬ ‫ﻟﻬﺎ ﺟﺑﯾن اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﻓﻲ ﻛل أرض وطﺄﺗﻬﺎ أﻗداﻣﻬم ﻣن دﯾﺎر اﻹﺳﻼم‪ ،‬ﻓﻘد ﻛﺎﻧوا ﯾدﻣرون‬ ‫ﻣواﻧﺊ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ ﺳواﺣل إﻓرﯾﻘﯾﺎ وآﺳﯾﺎ ﺑﻣداﻓﻌﻬم ﻗﺑل أن ﯾﺣﺗﻠوﻫﺎ وﯾﻧﻬﺑوﻫﺎ ﻓﻲ‬ ‫ﻣرﺣﻠﺔ ﻣﺎ ُﺳﻣﻲ ﺑﺎﻟﻛﺷوﻓﺎت اﻟﺟﻐراﻓﯾﺔ‪ ،‬وﻣﺎ ﻫﻲ ﺑﺎﻟﻛﺷوﻓﺎت‪ ،‬ﺑل ﻛﺎﻧت ﺣروﺑﺎً‬ ‫اﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ ﻏﺎﯾﺗﻬﺎ ﻧﻬب ﺧﯾرات اﻷﻣم واﻟﺷﻌوب وﺗﺣوﯾﻠﻬﺎ إﻟﻰ أورﺑﺎ‪ ،‬ﻋﻠﻣﺎً ﺑﺄﻧﻬم ﻗد‬ ‫اﺳﺗﻔﺎدوا ﻣن اﻟﺑﺣﺎرة اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وﺗﺟﺎرﺑﻬم ﻓﻲ اﻟﺑﺣﺎر اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ‪ ،‬واﺳﺗﻔﺎدوا ﻣن ﺗﺟﺎرب‬ ‫اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ رﺳم اﻟﺧراﺋط وﺑﻌض اﻵﻻت اﻟﺗﻲ ﺗُﺣدد اﻟﻣوﻗﻊ ﻓﻲ اﻟﺑﺣﺎر‪ .‬وﻛﺎﻧت‬

‫اﻟﺳﻔن اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﺗﻐدوا إﻟﻰ أﻓرﯾﻘﯾﺎ ﻓﺎرﻏﺔ ﺛم ﺗروح إﻟﻰ ﺷواطﺊ أﻣرﯾﻛﺎ وأورﺑﺎ ﻣﺣﻣﻠﺔ‬ ‫ُ‬ ‫ﺑﺄﻻف ﻣن اﻟﻌﺑﯾد ﻟﻛﻲ ﯾﻌﻣﻠوا ﻫﻧﺎك ﻓﻲ اﻟﻣزارع واﻟﻣﺻﺎﻧﻊ وﻣن ﯾرﻓض ﻓﻼ دﯾن وﻻ‬ ‫أﺧﻼق ﯾﻣﻧﻊ ﻣن ﻗﺗﻠﻪ أو ﺗﺷوﯾﻬﻪ‪ .‬ﻫذﻩ ﻫﻲ اﻟﺣﺿﺎرة اﻟﺗﻲ ﯾدﻋﻲ أﻫﻠﻬﺎ إﻧﻬم ﺟﺎءوا‬ ‫ﻧﻌﻣﺔ ﻣن اﻟﺳﻣﺎء ﻟﺗﺣﺿﯾر اﻟﺟﻧس اﻟﺑﺷري وﻧﻘﻠﻪ ﻣن اﻟظﻠﻣﺎت إﻟﻰ اﻟﻧور! وﺗﺧﻠﯾص‬ ‫اﻟﺑﺷر ﻣﻣﺎ ﻫم ﻓﻲ ﻣن ﺗﺧﻠف ووﺿﺎﻋﺔ‪ .‬وﻟﯾس ﺳ اًر ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ اﻷﺳﺑﺎن ﻓﻲ ﻗﺑﺎﺋل اﻟﻬﻧود‬ ‫اﻟﺣﻣر ﻣن اﻻﻧﻛﺎ واﻟﻣﺎﯾﺎ واﻷزﯾﺗك )ﻣﻣن ﺣطم اﻻﺳﺗﻌﻣﺎر اﻻﺳﺑﺎﻧﻲ ﺣﺿﺎرﺗﻬم اﻟﻘدﯾﻣﺔ‪،‬‬ ‫ﻼ ﻋﻧﻬﺎ‪ ،‬ﻷن اﻻﺳﺗﻌﻣﺎر اﻷﺳﺑﺎﻧﻲ اﺳﺗﺧدﻣﻬم ﻋﺑﯾداً ﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﻣزارع‬ ‫وﻟم ﯾﻌطﻬم ﺑدﯾ ً‬ ‫)‪(١‬اﻧظر‪ :‬ﺟﻠﺑﯾر اﻷﺷﻘر‪ .‬ﺻ ــدام اﻟﻬﻣﺟﯾﺎت‪ :‬اﻹرﻫ ــﺎب‪ ،‬اﻹرﻫﺎب اﻟﻣﻘﺎﺑل واﻟﻔوﺿﻰ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾ ــﺔ ﻗﺑل ‪ ١١‬أﯾﻠول وﺑﻌدﻩ‪.‬‬ ‫ﻧﻘﻠﻪ إﻟﻰ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ :‬ﻛﻣﯾل داﻏر‪ ،‬ﺑﯾروت‪ :‬دار اﻟطﻠﯾﻌﺔ‪٢٠٠٢ ،‬م‪ ١٥٧،‬ص‪.‬‬

‫)‪ (٢‬ﺳورة اﻟﺣﺟر آﯾﺔ )‪(١٤‬‬ ‫)‪" (٣‬اﻟﻐرب واﻟﻌﺎﻟم"‪ ،‬ﺳﻠﺳﻠﺔ ﻋﺎﻟم اﻟﻣﻌرﻓﺔ‪ ،‬ع‪١٩٨٥ ،٩٠‬م‪ ،‬ﺣـ‪ ،١‬ص‪ ،١٩٧‬ﺗرﺟﻣﺔ د‪.‬ﻋﺑداﻟوﻫﺎب ﻣﺣﻣد اﻟﻣﺳﯾري‬ ‫ود‪.‬ﻫدى ﻋﺑداﻟﺳﻣﯾﻊ ﺣﺟﺎزي‪.‬‬

‫‪- ١٢٥ -‬‬


‫اﻟﻣدن‪ ،‬وأدﺧﻠﻬم اﻟﻘﺳﺎوﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﺑﺎﻻﺳم‪ ،‬دون أن ﺗدﺧل‬ ‫واﻟﻣﺻﺎﻧﻊ واﻟﻣواﻧﺊ و ُ‬ ‫اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻗﻠوﺑﻬم( )‪ .(١‬إﻛراﻩ اﻟﻧﺎس ﻋﻠﻰ اﻟدﺧول ﻓﻲ دﯾن اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ ﻛﺎن ﻣن اﻟطﻘوس‬ ‫اﻟﻣﻌروﻓﺔ‪ .‬ﻧرى ﻓﻲ ﻛل اﻟﻣﺣﺎﻓل ﺗﻐﻧﻲ ﺑﻬذا اﻟﺻﻧم اﻟﺟدﯾد اﻟﻣﺳﻣﻰ ﺑﺎﻟﺣﺿﺎرة اﻟﻐرﺑﯾﺔ‬ ‫وﻫذا اﻹﻟﻪ اﻟذي أﻧزل ﺷراﺋﻊ ‪......‬ﺣﻘوق اﻹﻧﺳﺎن‪ .....‬ﺣﻘوق اﻟطﻔل‪ ....‬ﺗﻛرﯾم‬ ‫اﻟﻣرأة‪ .....‬اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ‪ ،...‬وﻏﯾرﻫﺎ ﻣن اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﺗﻲ ُﯾظﻬرون اﻟﻘﻠﯾل ﻣن ﻣﻌﺎﻧﯾﻬﺎ‬

‫وﯾﺧﻔون اﻟﻛﺛﯾر ﻣن أﻏراض ﺗردﯾدﻫﺎ ﺑل وﻣﺣﺎوﻟﺗﻧﺎ ﺗطﺑﯾﻘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺟﺗﻣﻊ ﺷرﻗﻲ ﻣﺳﻠم‪.‬‬ ‫ﻓﻌﻧدﻣﺎ ﻧﺗﻛﻠم ﻋن ﺣﻘوق اﻹﻧﺳﺎن ﻧﺟد ُﻛﺗب ﻛﺛﯾرة ُﯾﻣﻛن ﺟﻣﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻠﻣﺎت ﺑﺳﯾطﺔ ﻫﻲ‬

‫ﻣن ﻣوروﺛﺎﺗﻧﺎ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﻣﺛل‪ ....‬ﻛﻠﻛم ﻣن آدم وآدم ﻣن ﺗراب‪ ......‬ﻻ ﻓﺿل ﻟﻌرﺑﻲ‬ ‫ﻋﻠﻰ أﻋﺟﻣﻲ إﻻ ﺑﺎﻟﺗﻘوى واﻟﻌﻣل اﻟﺻﺎﻟﺢ‪ ...‬إﻟﻰ أﺧر ﺗﻠك اﻟﻛﻠﻣﺎت اﻟزاﻫرة اﻟﺗﻲ ﺗﻧظر‬ ‫إﻟﻰ اﻹﻧﺳﺎن ﻛﺈﻧﺳﺎن ﺑﻐض اﻟﻧظر ﻋن اﻟدﯾن أو اﻟﻠﻐﺔ أو اﻟﺟﻧس أو أي ﻓروﻗﺎت أﺧرى‬ ‫اﻹﻧﺳﺎن ﻫو اﻹﻧﺳﺎن وﻓﻘط‪ .‬وﻓﻲ ﻫذا اﻟﺳﯾﺎق ﻻ ﯾﺟوز ﻟﻧﺎ أن ﻧﺳﺄل أﯾن ﺣﻘوق اﻹﻧﺳﺎن‬ ‫ﻓﻲ ﻓﯾﺗﻧﺎم؟ أو ﻓﻲ اﻟﻌراق؟ أو ﻓﻲ ﻏﯾرﻫﺎ‪ .....‬ﻋﻧدﻫﺎ ﻟن ﺗﺟد إﺟﺎﺑﺔ ﻏﯾر ﻣط اﻟﺷﻔﺎﻩ‬ ‫وﻫز اﻷﻛﺗﺎف‪.‬‬

‫)‪ (١‬د‪ .‬ﺣﺳﯾن ﻣؤﻧس‪" ،‬اﻟﺣﺿﺎرة"‪ ،‬ﺳﻠﺳﻠﺔ ﻋﺎﻟم اﻟﻣﻌرﻓﺔ‪ ،‬ع‪ ،١‬ط‪٢٠٠٤ ،٣‬م‪ ،‬ص‪٣٧٤‬‬

‫‪- ١٢٦ -‬‬


‫اﻟﻣﺑﺣث اﻟﺛﺎﻧﻲ‬ ‫اﻟﺣروب اﻟﻐرﺑﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻘرون اﻟوﺳطﻰ واﻟﻌﺻر اﻟﺣدﯾث‬ ‫ﺣرب اﻟﺛﻼﺛﯾن ﻋﺎﻣﺎً‬ ‫ﻣن ﺧﻼل اﻟﺗﺣﻠﯾل اﻟﺳﺎﺑق ﻟﻠﺷﺧﺻﯾﺔ اﻷورﺑﯾﺔ ﻧﺳﺗطﯾﻊ أن ﻧﺗوﻗﻊ ﺑﺳﻬوﻟﺔ ﻛﯾف‬ ‫ﺗﻛون اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺑﯾﻧﯾﺔ ﺑﯾن اﻷﻓراد واﻟﺟﻣﺎﻋﺎت ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻷورﺑﻲ اﻟﻛﺑﯾر؛ وﻧﺣن ﻫﻧﺎ‬ ‫ﻟن ﻧﺑﺣث ﻓﻲ اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻷورﺑﻲ اﻟﺑﻌﯾد ﻓﺎﻟﻘﺎرة اﻷورﺑﯾﺔ ﻟم ﺗﻛن ﺷﯾﺋﺎً ﻣذﻛو ار ﻓﻲ اﻟﻌﺻور‬ ‫اﻟﻘدﯾﻣﺔ‪ ،‬وﻻ ﯾﻬﻣﻧﺎ ﻫﻧﺎ اﻟﺑﺣث ﻓﻲ اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻷورﺑﻲ ذاﺗﻪ ﺑﻘدر ﻣﺎ ﯾﻬﻣﻧﺎ ﻣن اﻟﻧظر ﻓﻲ‬ ‫اﻟﺳﻧوات اﻟﻘﻠﯾﻠﺔ أو ﻓﻲ اﻟﻣﺋﺔ ﺳﻧﺔ اﻟﺗﻲ ﺳﺑﻘت ﻧﺷوء اﻻﺗﺣﺎد اﻷورﺑﻲ اﻟذي ﻧراﻩ اﻟﯾوم؛‬ ‫ذﻟك ﻷن اﻟﻬدف اﻟﻛﻠﻲ ﻟﻠﺑﺣث ﻣﻌرﻓﺔ ﻛﯾف ﺗﺟﺎوز اﻷورﺑﯾون ﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺻراع ﻋﻠﻰ ﻣﺎ‬ ‫ﺑﯾﻧﻬم ﻣن اﺧﺗﻼف واﻟدﺧول ﻓﻲ ﻣرﺣﻠﺔ اﻟوﺣدة واﻻﻧدﻣﺎج ﺑﺷﻛل ﺷﺑﻪ ﻛﺎﻣل‪ .‬ﻣن ﺧﻼل‬ ‫ذﻟك ﺳﻧﻌرج إﻟﻰ اﻷﺳﺑﺎب اﻟﺗﻲ ُﯾﻣﻛن أن ﻧﺳﺗﻔﯾد ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﺿوء اﺳﺗﻌﺎدت اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم‬ ‫اﻟوﺣدوﯾﺔ ﻓﻲ اﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ‪.‬‬

‫ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ أﻧﻪ ﻓﻲ ﻣرﺣﻠﺔ ﻗﺑﯾل اﻟﻌﺻر اﻟﺣدﯾث‪ ،‬اﻧدﻟﻌت ﺳﻠﺳﻠﺔ ﻣن اﻟﺣروب‬ ‫اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻣﻐﻠﻔﺔ ﺑﻐﻼف اﻟدﯾن ﻣﻧذ ﺑداﯾﺎت اﻟﻘرن اﻟﺧﺎﻣس ﻋﺷر)‪ ،(١‬ﺑﻠﻐت ذروﺗﻬﺎ ﻓﻲ‬ ‫اﻟﻘرﻧﯾن اﻟﺳﺎدس ﻋﺷر واﻟﺳﺎﺑﻊ ﻋﺷر اﻟﻣﯾﻼدي‪ ،‬ﻛﺎﻧت ﻫذﻩ اﻟﺣروب ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟب اﻷﻋم‬ ‫ﺗﺗوﺷﺢ ﺑﻠﺑﺎس اﻟدﯾن ﻣن أﺟل ﺗﺣﻘﯾق أﻫداف ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ‪ ،‬وﻣﺻﺎﻟﺢ ﺷﺧﺻﯾﺔ واﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ‬ ‫واﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪ ،‬ﻟم ﺗﻛن ﻣﻔﺎﺟﺋﺔ وﻻ وﻟﯾدة اﻟﻌﺻر اﻟﺣدﯾث؛ وﻟﻛﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧت ﺣروب ﻣﺳﺗﻣرة‬ ‫ﻣﻧذ ﻋﺻر ﻣﺎ ﻗﺑل اﻟﺣداﺛﺔ ﻏﯾر أﻧﻬﺎ أﺻﺑﺣت أﻛﺛر ﻓﺗﻛﺎً وﺗدﻣﯾ اًر ﺑﺳﺑب ﻣﺎ ﺗﻔﺗﻘت ﻋﻧﻪ‬ ‫اﻟﻌﻘول ﻣن اﻧﺗﺎج أﺳﻠﺣﺔ ﻣدﻣرة ﻟم ﺗﺳﺗﺧدﻣﻬﺎ أﻣﺔ ﻣن اﻷﻣم ﻓﻲ ﺣروﺑﻬﺎ ﻣن ﻗﺑل‪ .‬ﻛﻣﺎ‬ ‫اﻟﺑﻌد اﻟدﯾﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺻراﻋﺎت اﻟداﺧﻠﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺎرة اﻷورﺑﯾﺔ ﻷن‬ ‫ﻻ ﯾﺟب أن ﻧﻧﺳﻰ ﻫﻧﺎ ُ‬ ‫ذﻟك ُﯾﺳﻬل ﻋﻠﯾﻧﺎ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﻌد ﻛﯾﻔﯾﺔ ﺗﺳﻠﯾم ﻋﻣوم اﻷورﺑﯾون ﻓﻲ ﺑداﯾﺔ ﻋﺻر اﻟﻧﻬﺿﺔ‬

‫وﺣﺗﻰ ﯾوﻣﻧﺎ ﻫذا ﺑﺄن اﻟدﯾن ﺿرﻩ أﻛﺛر ﻣن ﻧﻔﻌﻪ‪ .‬ﻫذﻩ اﻟﺣروب اﺗﺳﻣت ﺑﺎﻟﺗﻌﺻب‬ ‫)‪ (١‬ﻫﻧﺎ ﯾﺟب اﻹﺷﺎرة أن ﺑداﯾﺎت ﻋﺻر اﻟﻧﻬﺿﺔ ﻓﻲ أورﺑﺎ ﻛﺎﻧت ﻣﻧذ اﻟﻘرن اﻟراﺑﻊ ﻋﺷر واﺳﺗﻣرت ﺣرﻛﺔ اﻟﺗﻧوﯾر‬ ‫واﻟﺻراﻋﺎت اﻟداﺧﻠﯾﺔ إﻟﻰ أن ﺗﺑﻠورت ﻓﻲ ﻧﻬﺎﯾﺎت اﻟﻘرن اﻟﺳﺎﺑﻊ ﻋﺷر‪.‬‬

‫‪- ١٢٧ -‬‬


‫اﻟﺷدﯾد ﺑﺷﺗﻰ أﺷﻛﺎﻟﻪ‪ :‬اﻟدﯾﻧﻲ واﻟﻘوﻣﻲ واﻟﻌﻧﺻري‪ ،‬واﺧﺗﻔت ﻓﯾﻬﺎ روح اﻟﺗﺳﺎﻣﺢ اﻟدﯾﻧﻲ‬ ‫ﺑﻛﺎﻓﺔ أﺷﻛﺎﻟﻪ‪ ،‬وﺗﻼﺷﻰ ﻣﺻطﻠﺢ اﻟﺗﺳﺎﻣﺢ ﻣن ﻗﺎﻣوس اﻟﻐرب اﻷورﺑﻲ؛ إﻻ ﻓﻲ ﻓﺗرات‬ ‫ﻗﻠﯾﻠﺔ‪ ،‬وﻟم ﯾظﻬر ﻣﺟدداً إﻻ ﺑﻌد ﻧﻬﺎﯾﺔ اﻟﺣروب اﻟدﯾﻧﯾﺔ وﺑداﯾﺔ ﻋﺻر اﻟﻧﻬﺿﺔ اﻷورﺑﯾﺔ‬ ‫اﻟﺣدﯾﺛﺔ‪ .‬ﻛﺎﻧت اﻟﺣروب ﻓﻲ اﻟﻘﺎرة اﻷورﺑﯾﺔ ﺻراﻋﺎً طﺎﺣﻧﺎً‪ ،‬وﻣﻌﺎرك داﻣﯾﺔ‪ ،‬وﺻراﻋﺎت‬ ‫واﻧﻘﺳﺎﻣﺎت واﺗﻬﺎﻣﺎت ﺑﺎﻟﻛﻔر واﻟزﻧدﻗﺔ واﻹﻟﺣﺎد‪ ،‬وأﺣﻛﺎﻣﺎً ﺑﺎﻟﻘﺗل واﻟﺗﻌذﯾب واﻟﺣرﻣﺎن‪،‬‬ ‫أدت إﻟﻰ ﻫدم ﺟﺳور اﻟﺛﻘﺔ‪ ،‬وﺳﺎد اﻟﺷك واﻟرﯾﺑﺔ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎت اﻟدول‪ ،‬ﺑﯾن اﻷﻓراد‬ ‫واﻟﺟﻣﺎﻋﺎت‪ ،‬واﺧﺗﻔﻰ اﻟﺣوار اﻟﻬﺎدف واﻻﺣﺗرام اﻟﻣﺗﺑﺎدل واﻟﺳﻼم واﻟﺗﻌﺎون‪ ،‬وﻋﺻﻔت‬ ‫ﺑﺄﻣﺎن اﻟﻧﺎس‪ ،‬وﺧﻠﻔت اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟدﻣﺎر واﻟﺧراب‪ ،‬وﺳﺎد اﻻﺿطراب واﻟﻔوﺿﻰ ﻓﻲ‬ ‫ﺷﺗﻰ اﻷرﺟﺎء‪ ،‬واﻧﺗﺷرت اﻻﺿطﻬﺎدات اﻟدﯾﻧﯾﺔ واﺿطرب اﻟﻣﻧﺎخ اﻟدﯾﻧﻲ‪ ،‬وﻋﺟز اﻟﻛﺛﯾر‬ ‫ﻋن ﺗﺄدﯾﺔ ﺷﻌﺎﺋرﻫم وطﻘوﺳﻬم ﻓﻲ أﻣﺎن‪ ،‬وﺗم إﺟﺑﺎر اﻟﻧﺎس ﻋﻠﻰ اﻋﺗﻧﺎق ﻣذاﻫب ﺗُﺧﺎﻟف‬ ‫ﻋﻘﯾدﺗﻬم اﻟدﯾﻧﯾﺔ‪ ،‬وراﺣت أﻓﺋدة اﻵﻻف ﻣن اﻟﻣﺿطﻬدﯾن واﻟﻣﻌذﺑﯾن ﻓﻲ اﻷرض اﻷورﺑﯾﺔ‬

‫ﻣن ﺧﯾرة اﻟﻌﻘول‪ ،‬وﻣن اﻟﻌﻣﺎل واﻟﺣرﻓﯾﯾن اﻟﻣﻬرة ﯾﺑﺣﺛون ﻋن ﻣﻼذ آﻣن‪ ،‬وراﺣوا‬ ‫ﯾﻠﺗﻣﺳون أﻣﺎﻛن ﯾﺟدون ﻓﻲ رﺣﺎﺑﻬﺎ اﻷﻣن واﻷﻣﺎن واﻟﻣﻼذ واﻟﺗﺳﺎﻣﺢ‪ ،‬وذﻟك ﻣﻊ اﻧﺗﺷﺎر‬ ‫ﺛﻘﺎﻓﺔ اﺿطﻬﺎد اﻟﻣﺧﺎﻟﻔﯾن ﻟﻠﻌﻘﯾدة ﻛﺷﻛل ﻗﺑﯾﺢ ﻣن أﺷﻛﺎل اﻟﻼﺗﺳﺎﻣﺢ‪ .‬ﻫذﻩ اﻟﺣروب‬ ‫أﻧﺗﺟت آﻻف اﻟﻘﺗﻠﻰ واﻟﻌدﯾد ﻣن اﻷزﻣﺎت اﻟداﺧﻠﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺎرﺗﻔﻌت اﻷﺳﻌﺎر‪ ،‬وﺗﺿور اﻟﻧﺎس‬ ‫ﺟوﻋﺎً‪ ،‬وزادت اﻟﺿراﺋب ﺑﺷﻛل ﯾﻔوق طﺎﻗﺔ اﻟﺑﺷر‪ ،‬واﻧﺗﺷر اﻟﻘﻣﻊ واﻟﺗروﯾﻊ‪ ،‬واﻹرﻫﺎب‬ ‫واﻟﺗﺧوﯾف‪ ،‬وﻋﻣت اﻟﻔوﺿﻰ أرﺟﺎء اﻟﺑﻠدان ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﻐرب اﻷورﺑﻲ‪ ،‬وزاد‬ ‫اﻻﺳﺗﯾﺎء ﺑﻌد أن ﻋﺎث اﻟﺟﻧود اﻟﻣرﺗزﻗﺔ ﻓﻲ ﺑﻠدان اﻟﺣروب ﻓﺳﺎداً‪ ،‬ﻓﻘطﻌوا اﻟطرق‪،‬‬ ‫ودﻣروا‪ ،‬وﺳﻠﺑوا وﻧﻬﺑوا‪ ،‬وﻟﺣﻘت ﺑﺎﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻣﯾدان اﻟﻣﻌﺎرك ‪ -‬ﻣﺛل أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ‬ ‫ أﺿرار ﺑﺎﻟﻐﺔ ﻓﻘد ﺗﻌطﻠت ﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﻧﺎس وأرزاﻗﻬم‪ ،‬وﺧرﺑت ﻗراﻫﺎ ﻗﺑل ﻣدﻧﻬﺎ‪ ،‬وﻋﻣﺗﻬﺎ‬‫اﻟﻔوﺿﻰ‪ ،‬وﺗﺻﺎﻋدت ﻣوﺟﺎت اﻟﺣﻘد واﻟﺣﺳد واﻟﻌداء اﻟﻣﺳﺗﺣﻛم ﺑﯾن ﺷﻌوب اﻟﻐرب‬ ‫اﻷورﺑﻲ‪ ،‬وﻛﺎﻧت ﺗﻠك اﻟﺣروب ﻣﺻد اًر ﻟﻠرﻋب واﻟﻬﻠﻊ‪ ،‬وﻛﺎﻧت ﺻراﻋﺎً دﻣوﯾﺎً ﺑﯾن‬ ‫اﻟﻛﺎﺛوﻟﯾك واﻟﺑروﺗﺳﺗﺎﻧت‪ ،‬أرﯾﻘت ﻓﯾﻪ دﻣﺎء اﻵﻻف ﻣن اﻟﺑﺷر‪ .‬اﺧﺗﻔﻰ اﻟﻬدوء واﻟﺳﻼم‬ ‫ﻣن ﺑﻘﺎع اﻟﻐرب اﻷوروﺑﻲ طوال ﻓﺗرات طوﯾﻠﺔ ﻣن اﻟزﻣﺎن‪ ،‬إﻻ ﻣن ﺑﻌض اﻟﻬدوء‬ ‫واﻟﺳﻼم اﻟﻣؤﻗت ﻏﯾر ﺛﺎﺑت اﻷرﻛﺎن‪ ،‬وأﺻﺑﺢ اﻟﻐرب اﻷورﺑﻲ ﻋﺎﻟم ﻻ ﺳﻼم ﻓﯾﻪ‪ ،‬ﻣﻊ‬ ‫‪- ١٢٨ -‬‬


‫اﻧﺗﺷﺎر اﻟﻣذاﺑﺢ واﻟﻘﺗل واﻹﻋدام‪ٕ ،‬واﺑﺎدة اﻟﻌدﯾد ﻣن ﺑﻧﻲ اﻟﺑﺷر‪ ،‬واﻧﺗﺷﺎر اﻟﺳﻠب واﻟﻧﻬب‬

‫واﻟﺗﺷرﯾد‪ ،‬وﻣوت وﻫﻼك ٕواﺑﺎدة اﻟﻛﺛﯾرﯾن‪ٕ ،‬واﺣراق اﻟﻧﺎس اﻟﻣﺧﺎﻟﻔﯾن ﻟﻠﻌﻘﯾدة أﺣﯾﺎء وﻗطﻊ‬ ‫اﻟرؤوس‪ ،‬واﻧﺗﺷﺎر اﻟﻣﻛﺎﺋد واﻟﻣؤاﻣرات‪ ،‬واﻟﺧﯾﺎﻧﺔ واﻟﺧدﯾﻌﺔ‪ ،‬واﺧﺗﻔﺎء اﻟﺣرﯾﺎت وﺣرق‬

‫اﻟ ُﻛﺗب واﻟﻣﻛﺗﺑﺎت‪ ،‬واﻟﻛﻧوز اﻟﻔﻧﯾﺔ واﻷدﺑﯾﺔ اﻟﺛﻣﯾﻧﺔ أدت إﻟﻰ ﻣﺣﺎﻛﻣﺔ ٕواﺣراق ﻋﻠﻣﺎء‬

‫اﻟدﯾن‪ ،‬وأرﺑﺎب اﻟﻔﻛر واﻟﻌﻠم‪ ،‬وﺗﻛﻣﯾم اﻷﻓواﻩ‪ ،‬واﻟرﻗﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺻﺣف واﻟﻣطﺑوﻋﺎت‬ ‫واﻧﺗﺷرت اﻟﻣﻣﺎرﺳﺎت اﻟﻬﻣﺟﯾﺔ‪ ،‬واﻟﺑرﺑرﯾﺔ واﻟوﺣﺷﯾﺔ‪ ،‬وﺻﻌد اﻟﻣﺗﻌﺻﺑون ﻟﻠﺣﻛم‪ .‬ﻟﯾت‬ ‫اﻷﻣر ﺗوﻗﻔت أﺛﺎرﻩ اﻟﻣدﻣرة ﻋﻠﻰ ﺑﻼد اﻟﻘﺎرة اﻷورﺑﯾﺔ وﻟﻛﻧﻪ اﻣﺗد إﻟﻰ ﻗﺎرات أﺧرى‪ ،‬ﻓﻣﻊ‬ ‫اﻻﺗﺷﺎح ﺑرداء اﻟدﯾن ﺧرج اﻷورﺑﯾون إﻟﻰ ﻣﺎ وراء اﻟﺑﺣﺎر‪ ،‬وأﺑﺎدوا ﺑﺎﺳم اﻟدﯾن ﻣﻼﯾﯾن‬ ‫اﻟﺑﺷر ﻓﻲ اﻟﻘﺎرة اﻷﻣرﯾﻛﯾﺔ واﻷﻓرﯾﻘﯾﺔ واﻵﺳﯾوﯾﺔ‪ ،‬وﻣﺎرﺳوا ﺗﺟﺎرة اﻟﻧﺧﺎﺳﺔ ﺑوﺣﺷﯾﺔ‪،‬‬ ‫وﻧﻬﺑوا ﺛروات ﺗﻠك اﻟﻘﺎرات)‪.(١‬‬ ‫وﻧﺣن ﻫﻧﺎ ﻧرﻏب ﻓﻲ ِدراﺳﺔ اﻟﺣروب اﻷورﺑﯾﺔ ﻣن اﻟداﺧل ﺣﯾث أن ﻫذﻩ‬ ‫اﻟﺣروب ﻟم ﯾﻛن اﻟﻣﺳﻠﻣون طرﻓﺎً ﻓﯾﻬﺎ إﻻ إذا ﻗﻠﻧﺎ أﻧﻪ ﺑﻌد اﻟﻔﺗﺢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟﺑﻼد‬ ‫اﻷﻧدﻟس ورؤﯾﺔ رﺟﺎل اﻟدﯾن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وﻫم ﯾﺳﯾرون ﻓﻲ ﻏﺑراء اﻟﻧﺎس ﻓﻬم ﻻ ﯾﻣﻠﻛون‬ ‫ﻣﻧﺢ اﻟﻐﻔران ﻷﺣد أو ﻣﻧﻊ اﻟﺑرﻛﺔ اﻹﻟﻬﯾﺔ ﻋن أﺣد؛ ﻓﻘط ﻛﺎﻧوا ﯾرددون ﻛﻼم رﺑﻬم‪.....‬‬ ‫ﺑﺷر ﻣﺛﻠﻛم‪ ...‬ﻫذﻩ اﻷﻓﻛﺎر ﺟﻌﻠت‬ ‫إذا ﺳﺄﻟك ﻋﺑﺎدي ﻋﻧﻲ ﻓﺈﻧﻲ ﻗرﯾب‪ .....‬ﻣﺎ أﻧﺎ إﻻ ُ‬ ‫اﻟﻣواطن اﻟذي ﯾﻌﯾش ﻓﻲ ظل ﻛﻧﯾﺳﺔ ﻻ ﯾﺳﺗطﯾﻊ أن ﯾﺧطب ﻓﺗﺎة ﻟﻠزواج ﺑﻬﺎ إﻻ ﺑﻣواﻓﻘﺔ‬ ‫اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ!‪ٕ ...‬واذا واﻓﻘت وﺗﺑﯾن ﻟﻠﻔﺗﺎة أو ﻟﻠﺷﺎب ﻋدم إﻛﻣﺎل ﻫذا اﻟزواج ﻓﻼ ﯾﺳﺗطﯾﻊ أي‬ ‫ﻣﻧﻬﻣﺎ اﻟﻔﻛﺎك ﻣن ﺗﻠك ِ‬ ‫اﻟﺧطﺑﺔ إﻻ ﺑﺎﻟﻌودة إﻟﻰ اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ! ﺣﺗﻰ اﻻﺧﺗراﻋﺎت واﻟﺑﺣث‬ ‫ﻻﺑد أن ﯾﻣر ﻣن ﺧﻼل ﻓﻠﺗر اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ ﻓﻣﺎ رأﺗﻪ‬ ‫اﻟﻌﻠﻣﻲ واﻟﺳﻣﺎح ﺑﻧﺷر أي ﻛﺗﺎب ﻛﺎن ُ‬ ‫ﺻﺎﻟﺢ ُﺳﻣﺢ ﺑﻧﺷرﻩ وﻣﺎ ارﺗﺄﺗﻪ ﻏﯾر ذﻟك ﻓﻠن ﯾﺗم ﺗداوﻟﻪ ﺑﯾن اﻟﻧﺎس‪ ،‬وﻗد ﯾﺗﻌرض‬ ‫اﻟﻛﺎﺗب أو اﻟﺑﺎﺣث ﻟﻠﻣوت دون ﺳﻘوط دﻣﺎء وﻫو ﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ ﻓﻲ ُﻋرف اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ اﻟﻘﺗل‬

‫)‪ (١‬زﯾﻧب ﻋﺻﻣت راﺷد‪" ،‬اﻟﻣﺧﺗﺻر ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ أورﺑﺎ اﻟﺣدﯾث"‪ ،‬ص‪ ١٥٥-١٤٤‬ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز ﻧوار‪ ،‬وﻋﺑد اﻟﺣﻣﯾد‬ ‫اﻟﺑطرﯾق‪ :‬ﺗﺎرﯾﺦ أورﺑﺎ اﻟﺣدﯾث‪ ،‬ص‪ ،١٨١ ،١٦٠‬اﻟﺳﻌﯾد رزق ﺣﺟﺎج‪ :‬اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻷورﺑﻲ اﻟﺣدﯾث‪ ،‬ص‪-٣١‬‬ ‫‪ ،١٨٠‬ﻣﺎﯾﻛل أﻧﺟﻠو ﯾﺎﻛوﺑﺗﺷﻲ‪ :‬أﻋداء اﻟﺣوار‪ ،‬ص‪ ،١٦٢ ،١٣‬ﻫـ‪.‬ج‪ .‬وﯾﻠز‪" :‬ﻣوﺟز ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻌﺎﻟم"‪ ،‬طﺑﻌﺔ‬ ‫ﺑﯾروت‪ ،‬ص‪.٢٦١-٢٥٨‬‬

‫‪- ١٢٩ -‬‬


‫ﺣرﻗﺎً؛ ﻧﺎﻫﯾك ﻋن اﻟﺿراﺋب اﻟﺗﻲ ﺗذﻫب إﻟﻰ رﺟﺎل اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ وﺣﺎﻟﺔ اﻟرﺿﺎ واﻟوﺋﺎم ﺑﯾن‬ ‫ﻣﻠوك أورﺑﺎ وﺑﺎﺑﺎوات اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ‪.‬‬ ‫ﻫذﻩ اﻷﻓﻛﺎر أدت إﻟﻰ ﺗﻣﻠﻣل اﻟﻔﻼح واﻟﺻﺎﻧﻊ‪ ،‬وﻫذﻩ اﻟﺣﺎﻟﺔ ﺗﺳﻠﻠت ﺷﯾﺋﺎً ﻓﺷﯾﺋﺎً‬ ‫إﻟﻰ ﺑﻌض رﺟﺎل اﻟدﯾن اﻟذﯾن ﻣﺎ ازل ﻓﯾﻬم ﺑﻘﯾﺔ ﻣن ﺗﻌﺎﻟﯾم ﻋﯾﺳﻰ اﻟﻣﺳﯾﺢ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم‪.‬‬ ‫ﺑدأت ﺣرﻛﺔ اﻹﺻﻼح داﺧل اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ اﻟﻛﺎﺛوﻟﯾﻛﯾﺔ ﻧﻔﺳﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻔﻲ ‪ ٣١‬أﻛﺗوﺑر ‪١٥١٧‬م‪ ،‬ﻗﺎم‬ ‫أﺳﺗﺎذ اﻟﻼﻫوت اﻟراﻫب ﻣﺎرﺗن ﻟوﺛر )‪١٥٤٦-١٤٨٣‬م( ﺑﺎﻹﻋﻼن ﻋن ﻣﺑﺎدﺋﻪ اﻟﺗﻲ‬ ‫ﻫﺎﺟم ﺑﻬﺎ ﺻﻛوك اﻟﻐﻔران‪ ،‬وﻓﺿﺢ ﻓﯾﻬﺎ ﻣﻔﺎﺳد اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ؛ وأﻋﻠن أن اﻹﻧﺳﺎن ﯾﻣﻛن أن‬ ‫ﯾﻧﺎل اﻟﺧﻼص ﻣن ﺧﻼل اﻹﯾﻣﺎن ﺑﺎﻟﻣﺳﯾﺢ‪ .‬وﻫو اﻋﺗﻘﺎد ُﯾﻧﺎﻗض ﺗﻌﺎﻟﯾم اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ ﺑﺷﺄن‬ ‫اﻟﻔﺿل اﻹﻟﻬﻲ‪ ،‬واﻟﻌﻣل اﻟﺻﺎﻟﺢ طرﯾﻘًﺎ ﻟﻠﻧﺟﺎة واﻟﺧﻼص‪ ،‬وﻧﺗﯾﺟﺔ ﻟذﻟك أﻋﻠن اﻟﺑﺎﺑﺎ ﻟﯾو‬

‫اﻟﻌﺎﺷر‪ ،‬طرد ﻟوﺛر وﻋ ﱠدﻩ ﻣﺎرﻗﺎً؛ وﺗﺑﻌ ـﺎً ﻟذﻟك أﻣر اﻹﻣﺑراطور ﺷﺎرل اﻟﺧﺎﻣس وأﻋﺿﺎء‬

‫ﻣﺟﻠﺳﻪ ﻟوﺛر ﺑﺎﻟرﺟوع ﻋن آراﺋﻪ‪ ،‬ﻓﺄﺟﺎب ﻟوﺛر ﻓﻲ ﺧطﺎب ﺷﻬﯾر ﻗﺎﺋﻼ‪" :‬إذا ﻟم ﺗﻘﻧﻌوﻧﻲ‬ ‫ﺑﺎﻟﻧﺻوص اﻟﻣﻘدﺳﺔ أو اﻟﻌﻘل واﻟﻣﻧطق اﻟواﺿﺢ‪ ،‬ﻓﺄﻧﺎ ﻣﻠﺗزم ﺑﺎﻟﻧﺻوص اﻟﻣﻘدﺳﺔ اﻟﺗﻲ‬ ‫ﻋﻠﻲ ﺿﻣﯾري اﻟذي ﻫو أﺳﯾر ﻟﻛﻠﻣﺔ اﷲ ﻷﻧﻲ ﻻ أﺛق ﻓـﻲ‬ ‫ذﻛرﺗﻬﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎً وﺑﻣﺎ ُﯾﻣﻠﯾﻪ ّ‬ ‫ﻏﺎﻟﺑﺎ ﻣﺎ ﯾﺧطﺋون وﯾﻧﺎﻗﺿـون أﻧﻔﺳﻬم)‪ .(١‬ﺗواﻟت‬ ‫اﻟﺑـﺎﺑﺎ أو اﻟﻣﺟﺎﻟس وﺣدﻫﺎ‪ ،‬ﻓﻬؤﻻء ً‬

‫ﻣﺣﺎوﻻت اﻹﺻﻼح ﻟﻠﻛﻧﯾﺳﺔ ﻣن اﻟداﺧل وﻟﻛن اﻟﻣﺳﺗﻔﯾدﯾن واﻟﻣﺗﻛﺳﺑﯾن ﻣن اﻟﻔﺳﺎد ﻛﺎﻧوا‬

‫ﯾﻘﻔون ﺑﺎﻟﻣرﺻﺎد راﻓﺿﯾن ﻋودة اﻟدﯾن ﻟﻠﺳﺑب اﻟذي أُﻧزل ﻣن أﺟﻠﻪ وﻫو اﺻﻼح ﺷﺋون‬ ‫اﻟﻧﺎس واﻟﺣﻛم ﺑﺎﻟﻌدل ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﺻﺎﻋد اﻟﺧﻼف إﻟﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ‪ ،‬إﻟﻰ ﻣﺳﺗوى‬ ‫ﻋﻠﻣﺎء اﻟدﯾن‪.‬‬ ‫ﻧﺣن ﻫﻧﺎ ﺳﻧرﺻد ﻓﺗرة ُﻋرﻓت ﻓﻲ اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻷورﺑﻲ ﺑﺻراﻋﺎت اﻟﺛﻼﺛﯾن ﻋﺎﻣﺎً اﻟﺗﻲ‬

‫اﻣﺗدت ﻓﻲ اﻟﻔﺗرة ﻣن ‪١٦١٨‬م وﺣﺗﻰ ‪١٨٤٨‬م‪ ،‬ﻓﻘد ﻛﺎن اﻟﺷﻘﺎق ﺑﯾن اﻟﺷﻌب اﻷورﺑﻲ‬ ‫اﻟذي ﯾدﯾن أﻏﻠﺑﻪ ﺑﺎﻟدﯾن اﻟﻣﺳﯾﺣﻲ وﻣﻌﻪ ﻗﻠﺔ ﻣن ﻋﻠﻣﺎء اﻟدﯾن ﻣن أﻣﺛﺎل ﻣﺎرﺗن ﻟوﺛر‬ ‫ﻣن ﺟﻬﺔ وﻣن ﺟﻬﺔ أﺧرى ظﻠت أﻏﻠب اﻟرؤوس اﻟﻛﻧﺳﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻛﺎﻧوا ﻋﻠﯾﻪ ﻛﺎﻧت‬ ‫اﻟﻬوة ﺗﺗﺳﻊ ﯾوﻣ ًﺎ ﺑﻌد ﯾوم ﻣﻣﺎ ُﯾﻧذر ﺑﺎﻧدﻻع ﺻراع ﺣﺗﻣﻲ ﺑﯾن اﻟﻣﻌﺳﻛرﯾن‪ .‬ﻛﺎن‬ ‫)‪ (١‬ﯾوﺳف اﻟﺣﺳن "اﻟﺑﻌد اﻟدﯾﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ اﻻﻣرﯾﻛﯾﺔ اﺗﺟﺎﻩ اﻟﺻراع اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺻﻬﯾوﻧﻲ"‪ ،‬ط‪ ،٤‬ﻟﺑﻧﺎن‪:‬ﻣرﻛز‬ ‫دراﺳﺎت اﻟوﺣدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪٢٠٠١،‬م‪ ،‬ص ص‪.٦٥ ،٦٤‬‬

‫‪- ١٣٠ -‬‬


‫اﻟﻣﻌﺳﻛر اﻟﺗﻘﻠﯾدي ُﯾﻌرف ﺑﺎﻟﻛﺎﺛوﻟﯾك وﻫم أﻫل اﻟدﯾن اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﯾن واﻟﻣﻌﺳﻛر اﻹﺻﻼﺣﻲ‬

‫ُﯾﻘﺎل ﻟﻪ ﻣﻌﺳﻛر اﻹﺻﻼﺣﯾﯾن أو اﻟﺑروﺗوﺳﺗﺎﻧت ﺑﻘﯾﺎدة ﻟوﺛر ﻛﯾﻧﺞ وﻣن ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻛﻠﺗﻪ‪.‬‬

‫وﺑﻌد ﺻراﻋﺎت ﺟﺎﻧﺑﯾﺔ ﻛﺎﻧت اﻹﻣﺑراطورﯾﺔ اﻷﻟﻣﺎﻧﯾﺔ ﺻﺎﺣﺑﺔ اﻟﺟزء اﻷﻛﺑر ﻓﻲ ﻫذا‬ ‫اﻟﺻراع ﺟﺎء اﻹﻣﺑراطور ﻓرﯾدﯾﻧﺎﻟد وواﺟﻪ ﺗﻠك اﻟﻣﺷﻛﻼت ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻷﻣر اﻟواﻗﻊ‪،‬‬ ‫وﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻟﺷﺟﺎﻋﺔ اﻷدﺑﯾﺔ‪ ،‬ﺳﻠم ﺑﺎﻻﻧﻘﺳﺎم اﻟدﯾﻧﻲ ﻛﺣﻘﯾﻘﺔ ﻻ ﺳﺑﯾل إﻟﻰ إﻧﻛﺎرﻫﺎ أو‬ ‫ﺗﺟﺎﻫﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻛﻣﺎ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﻣﻌﺎوﻧﺔ اﻟﺷﻌب ﻛﻠﻪ ﻣن ﻛﺎﺛوﻟﯾك وﺑروﺗﺳﺗﺎﻧت‬ ‫ﻟﻠﺗﻐﻠب ﻋﻠﻰ ﻫﺟﻣﺎت اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﯾن‪ ،‬وارﺗﻘﺎء ﻋرش اﻹﻣﺑراطور دون ﻣﻘﺎوﻣﺔ‪ ،‬وﻋﻠﻰ ﻫذا‬ ‫اﻷﺳﺎس وﺿﻊ ﺗﺳوﯾﺔ ﻧﻬﺎﺋﯾﺔ ﻓﻲ أوﺟزﺑرج ﺳﻧﺔ ‪١٥٥٥‬م وﻫذﻩ اﻟﺗﺳوﯾﺔ ُﺳﻣﯾت ﺑﺻﻠﺢ‬ ‫أوﺟزﺑرج أو ﺻوت اﻟﻌﻘل‪ .‬وأﻫم ﺑﻧود ﻫذﻩ اﻟﺗﺳوﯾﺔ‪:‬‬ ‫أ( ﻗرر ﺻﻠﺢ أوﺟزﺑرج اﻟﺣرﯾﺔ اﻟدﯾﻧﯾﺔ ﻟﻺﻣﺎرات اﻟﻠوﺛرﯾﺔ أو اﻟﺗﻲ ﺗدﯾن ﺑﺎﻟﻣذﻫب‬ ‫اﻟﺑروﺗﺳﺗﺎﻧﺗﻲ‪ ،‬ﻓﻘد ﺗﻌﻬد اﻹﻣﺑراطور واﻟﻣﻧﺗﺧﺑون )اﻟﺣﻛﺎم( واﻷﻣراء ﺑﺄن ﯾﺗرﻛوا‬ ‫اﻟوﻻﯾﺎت اﻟﺑروﺗﺳﺗﺎﻧﺗﯾﺔ ﺗؤدي ﺷﻌﺎﺋرﻫﺎ اﻟدﯾﻧﯾﺔ ﺑﻛل ﺣرﯾﺔ‪ ،‬وﺑﺄن ﻻ ﯾﺗﻌرﺿوا ﻟﻬم‬ ‫ﺑﺄي أذى‪ .‬ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ أن ﻫذا اﻟﻣﺑدأ ﻟم ﯾﻛن ﺟدﯾداً؛ وذﻟك ﻷن ﻣﺟﻠس ﺳﺑﯾر‬ ‫ﺳﻧﺔ ‪١٥٣٦‬م ﻗد ﻧص ﻋﻠﻰ إﻋطﺎء اﻟﺣرﯾﺔ اﻟدﯾﻧﯾﺔ ﻟﻛل أﻣﯾر ﻓﻲ أن ﯾﺧﺗﺎر‬ ‫اﻟﻣذﻫب اﻟذي ﯾروق ﻟﻪ ﻓﻲ إﻣﺎرﺗﻪ‪ ،‬وﯾرى ﺑﻌض اﻟﻣؤرﺧﯾن أن ﻫذا اﻟﻣﺑدأ ﻛﺎن‬ ‫ﻣن أﺧطر ﺳﻠﺑﯾﺎت ﺻﻠﺢ أوﺟزﺑرج؛ أﻧﻪ أﻋطﻰ ﻟﻸﻣراء ﺣرﯾﺔ اﻟﺗﺻرف ﻓﻲ‬ ‫أﺧطر اﻟﻣﺳﺎﺋل ﺷﺄﻧﺎً وﻗﺗﺋذ‪ ،‬وﻫﻲ اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟدﯾﻧﯾﺔ‪ ،‬وﻧﺗﺞ ﻋن ذﻟك ازدﯾﺎد ﻧﻔوذ‬ ‫اﻷﻣراء ﻋﻠﻰ ﺣﺳﺎب اﻹﻣﺑراطور واﻟﻛﻧﯾﺳـﺔ اﻟﻛﺎﺛوﻟﯾﻛﯾﺔ‪ ،‬إذ أﺻـﺑﺢ ﻟﻬم ﺣق‬ ‫ﺗﻘرﯾر اﻟﻣﺻﯾر اﻟدﯾﻧﻲ ﻓﻲ وﻻﯾﺎﺗﻬم‪ ،‬وﺣرم ﻣﻧﻬﺎ اﻷﻓراد وﺟﻣﻬور اﻟﻧﺎس‪.‬‬ ‫ب( ﻋﻠﻰ اﻟرﻋﺎﯾﺎ اﻟذﯾن ﯾرﯾدون اﻟﺑﻘﺎء ﺣﯾث ﻫم أن ﯾدﯾﻧوا ﺑﺎﻟﻣذﻫب اﻟذي اﺧﺗﺎرﻩ‬ ‫اﻟﺣﺎﻛم ﻓﻲ وﻻﯾﺗﻪ‪ٕ ،‬واﻻ ﻓﻠﻬم اﻟﺣق ﻓﻲ ﻣﻐﺎدرة اﻟوﻻﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻌﯾﺷون ﻓﯾﻬﺎ‪ ،‬وﻟﻛل‬

‫ﺷﺧص ﻣﻧﻬم اﻟﺣق ﻓﻲ أن ﯾﺄﺧذ ﻣﻌﻪ أﻣواﻟﻪ وﻣﻣﺗﻠﻛﺎﺗﻪ‪ ،‬دون اﻟﺗﻌرض ﻟﻪ ﺑﺄي‬ ‫اﻟﺻﻠﺢ ﺑﻬذا اﻟﺷﻛل ﻗد اﻋﺗرف ﺑﺑﻌض اﻟﺣرﯾﺔ‬ ‫أذى‪ ،‬وﯾرى ﺑﻌض اﻟﻣؤرﺧﯾن أن ُ‬ ‫ﻟﻠﻔرد ﻋﻧدﻣﺎ ﻧص ﻋﻠﻰ ﻋﻣﻠﯾﺔ ﺗﺳﻬﯾل اﻧﺗﻘﺎل اﻟﻔرد ﻣن وﻻﯾﺔ إﻟﻰ أﺧرى دون‬ ‫ﻣﺷﺎﻛل‪.‬‬ ‫‪- ١٣١ -‬‬


‫رأى ﺑﻌض اﻟﻣﺣﻠﻠون أن ﻫذا اﻟﺻﻠﺢ ﻛﺎن إﺟﺣﺎﻓﺎ ﺑﺣرﯾﺔ اﻟﻔرد رﻏم إﻋطﺎﺋﻪ ﺣرﯾﺔ‬ ‫اﻻﻧﺗﻘﺎل؛ وذﻟك ﻷن ﻣﺑدأ اﻟﺣرﯾﺔ اﻟدﯾﻧﯾﺔ ﻛﺎن ﻣﻘﺗﺻ اًر ﻋﻠﻰ اﻟﺣﻛﺎم‪ ،‬وﻟم ﺗﻣﺗد ﻫذﻩ‬ ‫اﻟﺣرﯾﺔ ﻟﺗﺷﻣل اﻷﻓراد‪ ،‬اﻟذﯾن ﻛﺎن ﻋﻠﯾﻬم اﻟﻬﺟرة إذا اﺧﺗﻠف ﻣذﻫﺑﻬم ﻣﻊ ﻣذﻫب‬ ‫اﻟوﻻﯾﺔ‪ ،‬أي أن اﻟﻣواطن اﻟﺑﺳﯾط أﻣﺎﻣﻪ أﺣد ﺧﯾﺎرﯾن إﻣﺎ أن ﯾدﯾن ﺑﻣذﻫب اﻷﻣﯾر‬ ‫أو ُﯾﻬﺎﺟر ﻣن ﻫذﻩ اﻟﺑﻼد‪.‬‬ ‫ﺣرب اﻟﺛﻼﺛﯾن ﻋﺎﻣﺎً )‪(١٦٤٨-١٦١٨‬‬ ‫ﻛﻣﺎ رأﯾﻧﺎ أن ﻫذﻩ اﻟﺗﺳوﯾﺔ ﺑﯾن اﻟﻔرﯾﻘﯾن اﻟﻣﺗﺻﺎرﻋﯾن ﻛﺎﻧت ﻏﯾر ﻋﺎدﻟﺔ ﻓﻬﻲ رﻏم‬ ‫إﻗرارﻫﺎ ﺑﺄن ﻛل ﻓرد ﻣن أﻓراد اﻟوﻻﯾﺎت اﻷﻟﻣﺎﻧﯾﺔ ُﺣر ﻓﻲ اﺧﺗﯾﺎر اﻟﻣذﻫب اﻟدﯾﻧﻲ إﻻ أﻧﻪ‬

‫ﻟﻛﻲ ُﯾﻣﺎرس ﺷﻌﺎﺋرﻩ ﻓﻌﻠﯾﻪ أن ُﯾﻬﺎﺟر ﻣن اﻟوﻻﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺣﻛﻣﻬﺎ أﻣﯾر ُﯾﺧﺎﻟﻔﻪ ﻓﻲ‬ ‫اﻟﻣذﻫب‪ .‬ﻣن ﻫﻧﺎ ﻧﺟد أن ﻫذﻩ اﻟﺗﺳوﯾﺔ ﻻ ﺗُرﺿﻲ ﻛل اﻷطراف‪ .‬ﻓﻠﻘد ﻓﺷل اﻹﻣﺑراطور‬

‫ﻓﻲ ﻓرض اﻟﻛﺎﺛوﻟﯾﻛﯾﺔ ﻓﻲ أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ‪ ،‬وﺗرك اﻟﺣرﯾﺔ ﻟﻠﺣﻛﺎم ﻓﻲ اﺧﺗﯾﺎر اﻟﻣذﻫب‪ ،‬وﻟم‬ ‫ﯾﻧﺻف اﻟﺻﻠﺢ اﻟﺑروﺗوﺳﺗﺎﻧت رﻏم ﻛﺛرﺗﻬم ﻓﻲ أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ)‪.(١‬‬ ‫ﻓﻲ ﻫذا اﻟوﻗت ﻗﺎﻣت اﻟﺛورة اﻟﻛﺎﺛوﻟﯾﻛﯾﺔ اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ اﻟﻣﺿﺎدة‪ ،‬اﻷﻣر اﻟذي ﺑﻌث‬ ‫اﻷﻣل ﻓﻲ اﺣﺗﻣﺎل اﻟﻘﺿﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺑروﺗﺳﺗﺎﻧت‪ ،‬وﻋودة أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ إﻟﻰ ﻛﻧف اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ‬ ‫اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬وﻗد ﻛﺎن ﺻﻠﺢ أوﺟزﺑرج ﻓرﺻﺔ ﻻﻟﺗﻘﺎط اﻷﻧﻔﺎس ﻟﻣدة ‪ ٦٣‬ﺳﻧﺔ‪ ،‬وﺗﻔﺟرت‬ ‫ﺑﻌدﻩ اﻟﻣﺷﺎﻛل ﺳﻧﺔ ‪١٦١٨‬م ﻓﻲ ﺣروب اﻟﺛﻼﺛﯾن ﻋﺎﻣﺎً اﻟﺗﻲ اﻧﺗﻬت ﺑﺻﻠﺢ وﺳﺗﻔﺎﻟﯾﺎ‪.‬‬ ‫وﻗد ﻛﺎن اﻷﻣراء اﻟﻛﺎﺛوﻟﯾك ﻓﻲ أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ ﯾﻛرﻫون اﻟﺑروﺗﺳﺗﺎﻧت‪ ،‬ﻟﻛﻧﻬم ﻛﺎﻧوا ﯾﻛرﻫون‬ ‫وﺟود إﻣﺑراطور ﻗوي ﻛذﻟك‪ ،‬وﻫذا ﺟﻌل ﻣواﻗف اﻷﻣراء اﻟﻛﺎﺛوﻟﯾك ﯾﺗﻐﯾر ﺧﻼل ﺣرب‬ ‫ﺗﻛون اﻻﺗﺣﺎد اﻟﺑروﺗﺳﺗﺎﻧﺗﻲ ﻣن اﻷﻣراء اﻟﺑروﺗﺳﺗﺎﻧت‬ ‫اﻟﺛﻼﺛﯾن ﻋﺎﻣﺎً‪ ،‬وﻓﻲ ﺳﻧﺔ ‪١٦٠٨‬م ّ‬ ‫ﺗﻛون اﻟﺣﻠف اﻟﻛﺎﺛوﻟﯾﻛﻲ ﺳﻧﺔ ‪١٦٠٩‬م‪ ،‬ﻓﺗﻬﯾﺄ‬ ‫ﻓﻲ اﻟﺷﻣﺎل واﻟﺟﻧوب‪ ،‬وﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑل ذﻟك ّ‬ ‫ﺑذﻟك اﻟﺟو ﻻﻧدﻻع ﺣرب دﯾﻧﯾﺔ ﻓﻲ أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ‪ ،‬وﺑدأت ﺣرب اﻟﺛﻼﺛﯾن ﻋﺎﻣﺎً‪ ،‬وﻛﺎﻧت‬

‫ﺑوﻫﯾﻣﯾﺎ أول ﻣﺳرح دارت ﻋﻠﯾﻪ ﺗﻠك اﻟﺣروب‪.‬‬

‫)‪ (١‬زﯾﻧب ﻋﺻﻣت راﺷد‪" :‬ﺗﺎرﯾﺦ أورﺑﺎ اﻟﺣدﯾث"‪ ،‬ج‪ ،١‬ﺑﯾروت‪٢٠١٣-‬م ص ‪.٢٠٦‬‬

‫‪- ١٣٢ -‬‬


‫وﯾﻣﻛن ﺗﻘﺳﯾم ﻫذا اﻟﺻراع اﻟدﻣوي إﻟﻰ أرﺑﻌﺔ ﻣراﺣل ﻫﻲ )‪:(١‬‬ ‫ﻫذا ُ‬ ‫أ( اﻟﺣرب اﻟﺑوﻫﯾﻣﯾﺔ ‪١٦٢٥-١٦١٨‬م‬ ‫ب( اﻟﺣرب اﻟدﻧﻣرﻛﯾﺔ ‪١٦٢٩-١٦٢٥‬م‪.‬‬ ‫ت( اﻟﺣرب اﻟﺳوﯾدﯾﺔ ‪١٦٣٥-١٦٣٠‬م‪.‬‬ ‫ث( اﻟﺣرب اﻟﺳوﯾدﯾﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ‪١٦٤٨-١٦٣٥‬م‪.‬‬ ‫ﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺣرب اﻟﺑوﻫﯾﻣﯾﺔ ‪١٦٢٥-١٦١٨‬م‪:‬‬ ‫اﻧطﻠﻘت اﻟﺷ اررة اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ﺑوﻫﯾﻣﯾﺎ وﻫﻲ أﺣد ﻣﻌﺎﻗل اﻟﺑروﺗﺳﺗﺎﻧت‪ ،‬ﻓﻔﻲ ﺳﻧﺔ‬ ‫‪١٦١٨‬م اﻧﺗﺧب ﻓردﯾﻧﺎﻧد أﻣﯾر اﻟﻧﻣﺳﺎ ﻣن أﺳرة ﻫﺑﺳﺑرج إﻣﺑراطو اًر ﺑﺎﺳم ﻓردﻧﯾﺎﻧد‬ ‫اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ ،‬وﻛﺎن ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻧﻔﺳﻪ ﻣﻠﻛﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﺑوﻫﯾﻣﯾﯾن‪ ،‬وﻛﺎن ﻓردﻧﯾﺎﻧد اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻣن ﻏﻼة‬ ‫اﻟﻛﺎﺛوﻟﯾك‪ ،‬وﻋﻧدﻣﺎ أﻣر ﺑﻬدم ﺑﻌض اﻟﻛﻧﺎﺋس اﻟﺑروﺗﺳﺗﺎﻧﺗﯾﺔ‪ ،‬ﺗظﻠم اﻟﻧﺎس وﺛﺎر اﻟﺷﻌب‬ ‫اﻟﺑروﺗﺳﺗﺎﻧﺗﻲ ﻓﻲ وﻻﯾﺔ ﺑراج‪ ،‬وأﻟﻘﻰ اﻟﻧﺎس ﺛﻼﺛﺔ ﻣن رﺟﺎل اﻟﺣﻛوﻣﺔ ﻛﺎﻧوا ﻣﺑﻌوﺛﯾن ﻣن‬ ‫ﻗﺑل اﻹﻣﺑراطور ﻣن ﻧﺎﻓذة اﻟﺑﻠدﯾﺔ‪ ،‬وﻛﺎﻧت ﻫذﻩ اﻟﺣﺎدﺛﺔ ﻓﺎﺗﺣﺔ اﻟﺣرب اﻟطﺎﺣﻧﺔ‪ ،‬ﺣﯾث‬ ‫ﺗﺣرﻛت ﻗوات ﻓردﻧﯾﺎﻧد ﻟﻘﻣﻊ اﻟﺛورة‪ .‬ﻓﻲ ﻧﻔس اﻟوﻗت اﺗﺟﻪ اﻟﺑروﺗﺳﺗﺎﻧت إﻟﻰ ﻓرﯾدرﯾك‬ ‫ﺣﺎﻛم وﻻﯾﺔ اﻟﺑﻼﺗﯾن‪ ،‬وﻫو اﺻﻼﺣﻲ )ﻛﺎﻟﻔﯾﻧﻲ( ﻓﻠﺑﻰ دﻋوﺗﻬم وﺗزّﻋم ﺣرﻛﺗﻬم‪ ،‬وﻗﺑل‬ ‫اﻟﺗﺎج اﻟﺑوﻫﯾﻣﻲ‪ ،‬وﻟُﻘّب ﻓرﯾدرﯾك اﻟﺧﺎﻣس‪ ،‬واﺳﺗﻘدم ﻗوات ﻣن اﻻﺗﺣﺎد اﻟﺑروﺗﺳﺗﺎﻧﺗﻲ‬

‫ﻟﺗﺣﺎرب ﻣﻊ اﻟﻘوات اﻟﺑوﻫﯾﻣﯾﺔ‪.‬‬

‫ﻓﻣن ﺟﻬﺔ أﺧرى؛ اﻹﻣﺑراطور ﻓردﯾﻧﺎﻧد ﻓﻘد ﺗﻠﻘﻰ ﻋوﻧﺎً ﻣﺎﻟﯾﺎً ﻣن اﻟﺑﺎﺑﺎ‪ ،‬واﺳﺗﻘدم‬ ‫ﻗوات إﺳﺑﺎﻧﯾﻪ ﻣن ﻣﯾﻼن‪ ،‬وﻗوات ﻛﺎﺛوﻟﯾﻛﯾﺔ ﻣن ﺑﺎﻓﺎرﯾﺎ‪ ،‬ﺛم اﺟﺗﺎح ﺑوﻫﯾﻣﯾﺎ ﺑﺟﯾش‬ ‫ﺗﻌدادﻩ ‪ ٥٠‬أﻟف ﻣﻘﺎﺗل‪ ،‬واﻧﺗﺻر ﺟﯾش ﻓردﯾﻧﺎﻧد ﻓﻲ ﻣوﻗﻌﺔ اﻟﺟﺑل اﻷﺑﯾض ﺑﺎﻟﻘرب ﻣن‬ ‫ﺑراج‪ ،‬وﻫرب ﻓرﯾدرﯾك ﺗﺎرﻛﺎً ﻗواﺗﻪ ﻷﺳوأ ﻣﺻﯾر‪ ،‬وأُطﻠق ﻋﻠﻰ ﻓرﯾدرﯾك "ﻣﻠك اﻟﺷﺗﺎء"‬ ‫ﻷﻧﻪ ﻟم ﯾﺗﻣﺗﻊ ﺑﺗﺎج ﺑوﻫﯾﻣﯾﺎ إﻻّ ﻓﺗرة اﻟﺷﺗﺎء‪ .‬اﺳﺗﺧدم ﻓردﯾﻧﺎﻧد اﻟﺑطش وﻧﻔﻲ ﻋدد ﻛﺑﯾر‬ ‫ﻣن أﻣراء اﻟﺑروﺗﺳﺗﺎﻧت‪ ،‬وﺣﺎول إرﻏﺎم اﻟﻧﺎس ﻋﻠﻰ اﻋﺗﻧﺎق اﻟﻛﺎﺛوﻟﯾﻛﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻬﺎﺟرت آﻻف‬ ‫‪(1) Murdoch, S.; Zickermann, K.; Marks, A. (2012). "The Battle of Wittstock 1636:‬‬ ‫–‪Conflicting Reports on a Swedish Victory in Germany". Northern Studies. 43: 71‬‬ ‫‪109‬‬

‫‪- ١٣٣ -‬‬


‫اﻷُﺳر اﻟﺑروﺗﺳﺗﺎﻧﺗﯾﺔ‪ ،‬وﺗدﻓق اﻟﯾﺳوﻋﯾون ﻋﻠﻰ اﻟﺑﻼد‪ ،‬وأﻧﺷﺋوا إرﺳﺎﻟﯾﺎت وﻣدارس‪،‬‬ ‫وأُﺧﻣدت أﻧﻔﺎس اﻟﺑروﺗﺳﺗﺎﻧت ﻓﻲ اﻟﻧﻣﺳﺎ ﻋﻧدﻣﺎ ﺛﺎر أﻫﻠﻬﺎ اﻧﺗﺻﺎ اًر ﻟﺑوﻫﯾﻣﺎ‪ ،‬وأدت‬ ‫اﻟﻧﻛﺳﺔ إﻟﻰ اﻧﺣﻼل اﻻﺗﺣﺎد اﻟﺑروﺗﺳﺗﺎﻧﺗﻲ ﺳﻧﺔ ‪١٦٢١‬م‪ ،‬واﻧﺗﻘﺎل زﻋﺎﻣﺔ اﻟﺑروﺗﺳﺗﺎﻧت‬ ‫إﻟﻰ ﯾد ﻣﻠك اﻟدﻧﻣرك‪ ،‬واﻧﺗﻬﻰ اﻟدور اﻷول ﻣن ﺣرب اﻟﺛﻼﺛﯾن ﺳﻧﺔ‪ .‬وﻛﺎﻧت اﻟﺟوﻟﺔ‬ ‫اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ‪.....‬‬ ‫ﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺣرب اﻟدﻧﻣرﻛﯾﺔ ‪١٦٢٩-١٦٢٥‬م)‪:(١‬‬ ‫ﻛﺎﻧت اﻟدﻧﻣرك وأﻟﻣﺎﻧﯾﺎ ﺗُﺗﺎﺑﻌﺎن ﺳﯾر اﻟﺣرب اﻟﺑوﻫﯾﻣﯾﺔ ﺑﻛل ﻗﻠق واﻫﺗﻣﺎم‪ ،‬وﻛﺎن‬

‫ﻟﻛرﺳﺗﯾﺎن اﻟراﺑﻊ ‪ -‬ﻣﻠك اﻟدﻧﻣرك ودوق إﻣﺎرة ﻫوﻟﺷﺗﯾن اﻟﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﻺﻣﺑراطورﯾﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ‬ ‫اﻟﻣﻘدﺳﺔ – ﻫﻧﺎ ﻧﺟد أن اﻟﺣرب ﻋﻠﻰ وﺷك اﻻﻧﻔﺟﺎر ﻷﻫداف ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ وﻷﻫداف ﻣذﻫﺑﯾﺔ‬ ‫ﺑﯾن أﺑﻧﺎء اﻟدﯾن اﻟواﺣد‪ ،‬ﻓﻘد ﻛﺎن دوق إﻣﺎرة ﻫوﻟﺷﺗﯾن ﯾرﯾد اﻻﺳﺗﯾﻼء ﻋﻠﻰ ﺑﻌض‬ ‫اﻷﺑرﺷﯾﺎت اﻷﻟﻣﺎﻧﯾﺔ ﻟﯾﺟﻌﻠﻬﺎ ﻣﻣﻠﻛﺔ ﺑﺎﺳم وﻟدﻩ‪ .‬ودﺧل ﻛرﺳﺗﯾﺎن اﻟراﺑﻊ اﻟﺣرب اﻋﺗﻣﺎداً‬ ‫ﻋﻠﻰ ﺗﺣﺎﻟﻔﻪ ﻣﻊ إﻧﺟﻠﺗ ار وأﻣراء ﺷﻣﺎل أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ‪ ،‬وﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺑذﻟﻪ ﻟﻪ اﻟوزﯾر رﯾﺷﻠﯾو ﻣن‬ ‫وﻋود ﺑﺎﻟﻣﺳﺎﻋدة‪ ،‬وﻫﻛذا ﺑدأ اﻟدور اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻣن ﺣرب اﻟﺛﻼﺛﯾن ﻋﺎﻣﺎً‪ ،‬وﻋﯾن اﻹﻣﺑراطور‬ ‫ﻋﻠﻰ رأس ﺟﯾﺷﻪ أﻋظم ﻗواد أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ آﻧذاك واﻟﻧﺷﺗﯾن واﺿطر ﻟﺟﻣﻊ اﻟﻣرﺗزﻗﺔ ﻟﻛﺳب‬ ‫اﻟﻣﻌرﻛﺔ‪ .‬وﻟﻘد ﻛﺎن ﻟﻪ ﻣﺎ أراد ﻓﻘد اﻧﺗﺻر واﻟﻧﺷﺗﯾن ﻋﻠﻰ ﻛرﺳﺗﯾﺎن اﻟراﺑﻊ‪ ،‬واﺣﺗل ﻣﻌظم‬ ‫أراﺿﻲ اﻟدﻧﻣرك‪ ،‬وأراد اﻟﺗوﺳﻊ ﻧﺣو اﻟﺳﺎﺣل ﻟﯾﺳﺗﻐل اﻟﻣواﻧﺊ ﺑﻔرض اﻟﺿراﺋب ﻹﻋﺎﻟﺔ‬ ‫اﻟﻣرﺗزﻗﺔ‪ ،‬وﻗد رﻓﺿت ﻣدﯾﻧﺔ ﺳﺗراﻟﺳﻧد اﻹذﻋﺎن واﺳﺗﺑﺳﻠت ﻓﻲ اﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ‪ ،‬ﻓﺣﺎﺻرﻫﺎ‬ ‫ﺧﻣﺳﺔ أﺷﻬر ﺳﻧﺔ ‪١٦٢٨‬م‪ ،‬وﺳﺎﻋدﻫﺎ ﻓﻲ اﻻﺳﺗﺑﺳﺎل أن اﻟﻣﺳﺎﻋدات ﻛﺎﻧت ﺗﺻﻠﻬﺎ ﻣن‬ ‫ﻓﺎﺿطر ﻟرﻓﻊ اﻟﺣﺻﺎر اﻟذي ﻛﺎن‬ ‫اﻟﺑﺣر ﻋن طرﯾق اﻷﺳطوﻟﯾن اﻟدﻧﻣرﻛﻲ واﻟﺳوﯾدي‪ُ ،‬‬

‫ﺑرﯾﺎً ﻓﻘط؛ واﻗﺗﻧﻊ اﻹﻣﺑراطور‪ ،‬وﻛرﺳﺗﯾﺎن ﻣﻠك اﻟدﻧﻣرك أﻧﻪ ﻻ ﺑد ﻣن اﻟﺻﻠﺢ ﻷن‬ ‫اﻷﺧﯾر ﯾﺋس ﻣن اﻟﻣﺳﺎﻋدة اﻟﺗﻲ وﻋدﻩ ﺑﻬﺎ ﺷﺎرل اﻷول ﻣﻠك ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ‪ ،‬أﻣﺎ اﻹﻣﺑراطور‬ ‫ﻓﺧﺷﻲ ﺗدﺧل ﻣﻠك اﻟﺳوﯾد ﻓﻲ اﻟﺣرب ﻟﺻﺎﻟﺢ اﻟﺑروﺗﺳﺗﺎﻧت‪ ،‬ﻓﻌﻘد اﻟطرﻓﺎن ﺻﻠﺢ ﻟوﯾك‬ ‫)‪(١‬ﻣورﯾس ﻛروزﯾﻪ‪ " ،‬ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺣﺿﺎرات اﻟﻌﺎم ‪ ،‬ﺗرﺟﻣﺔ ﻋوﯾدات‪،‬ج‪) ،١‬ﺑﯾروت‪ ،‬دار اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻌرﺑﻲ(‪،‬‬ ‫‪١٩٦٤‬م‪ ،‬ص ‪.١٥٠‬‬

‫‪- ١٣٤ -‬‬


‫ﺳﻧﺔ ‪١٦٢٩‬م ﻋﻠﻰ أن ﯾﺗﻧﺎزل ﻛرﺳﺗﯾﺎن ﻋن ﻛل ﻣﺎ ﯾدﻋﯾﻪ ﻓﻲ اﻷﺳﻘﻔﯾﺎت اﻷﻟﻣﺎﻧﯾﺔ‬ ‫ﻋﻠﻰ ﺷرط أن ﯾﺳﺗرد أﻣﻼﻛﻪ اﻟوراﺛﯾﺔ وﻫﻲ ﻫوﻟﺷﺗﺎﯾن وﺷﻠزوﯾﺞ وﺟﺗﻠﻧد‪.‬‬ ‫اﻟﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺳوﯾدﯾﺔ ‪١٦٣٥-١٦٣٠‬م‪:‬‬ ‫ﻛﺎن ﺟوﺳﺗﺎف أدوﻟف ﻣﻠك اﻟﺳوﯾد ﻣن أﻣراء أورﺑﺎ اﻟﻣﺷﻬود ﻟﻬم ﺑﺎﻟﻛﻔﺎءة ﻓﻲ اﻟﻘرن‬ ‫اﻟﺳﺎﺑﻊ ﻋﺷر‪ ،‬وﺟﻬّز ﺟﯾﺷﺎً ﻗوﯾﺎً‪ ،‬وﻗﺎم ﺑﻣﻐﺎﻣرﺗﻪ اﻟﺣرﺑﯾﺔ ﺿد اﻹﻣﺑراطور ﻟﻸﺳﺑﺎب‬ ‫اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ)‪:(١‬‬ ‫‪ (١‬ﻏﯾرﺗﻪ ﻋﻠﻰ طﺎﺋﻔﺔ اﻟﺑروﺗﺳﺗﺎﻧت اﻟذﯾن ﻛﺎﻧوا ﯾﻌﯾﺷون ﻓﻲ ﻣﺄﺳﺎة ﻛﺑرى ﻋﻘب‬ ‫ﻫزﯾﻣﺗﻬم ﻓﻲ أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ‪.‬‬ ‫‪ (٢‬ﻛﺎن ﺟوﺳﺗﺎف أدوﻟف ﯾﻬدف إﻟﻰ ﺣﻣﺎﯾﺔ ﺑﺣر اﻟﺑﻠطﯾق واﻟﺳﯾطرة ﻋﻠﯾﻪ‪ ،‬ﺣﯾث ﻛﺎﻧت‬ ‫اﻟﻣﻣﺗﻠﻛﺎت اﻟﺳوﯾدﯾﺔ ﺗﻣﺗد ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺣﻠﻪ اﻟﺷرﻗﻲ‪ ،‬وﻛﺎن ﺟوﺳﺗﺎف أدوﻟف ﯾﻌﺗﻘد أن‬ ‫اﻧﺗﺻﺎر اﻹﻣﺑراطور ﻓﻲ أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ ﻗد ﯾدﻓﻌﻪ إﻟﻰ اﻟﻘﯾﺎم ﺑﻣﻐﺎﻣرة ﺣرﺑﯾﺔ ﺿد دوﻟﺔ‬ ‫اﻟﺳوﯾد اﻟﺑروﺗﺳﺗﺎﻧﺗﯾﺔ ﻓﻲ ﺷﻣﺎل أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ‪.‬‬ ‫ودارت ﻋدة ﻣﻌﺎرك ﻋﻠﻰ أرض أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ‪ ،‬واﻧﻬزم ﻓﯾﻬﺎ اﻟﺟﯾش اﻹﻣﺑراطوري ﺑﻘﯾﺎدة‬ ‫واﻟﻧﺷﺗﯾن ﺳﻧﺔ ‪١٦٣٢‬م‪ ،‬وﻓﻲ ﻧﻔس اﻟوﻗت ﻗُﺗل ﻣﻠك اﻟﺳوﯾد‪ ،‬وﺣﺎول واﻟﻧﺷﺗﯾن اﻟﺗوﺻل‬ ‫وﻋﯾن‬ ‫إﻟﻰ اﺗﻔﺎق ﺳري ﻣﻊ اﻟﺳوﯾد ﻓﻐﺿب ﻣﻧﻪ اﻹﻣﺑراطور وأرﺳل ﻣن ﻗﺗل واﻟﻧﺷﺗﯾن‪ّ .‬‬

‫اﻹﻣﺑراطور اﺑﻧﻪ ﻓردﯾﻧﺎﻧد )اﻟذي ﻛﺎن ﻣﻠﻛﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺟر( ﻗﺎﺋداً ﻟﻠﺟﯾش وﻗﺎﺗل اﻟﺳوﯾدﯾﯾن‬ ‫وﻫزﻣﻬم ﻓﻲ ﻣدﯾﻧﺔ ﻧوردﻟﻧﺟن‪ :‬وﻧﺗﺞ ﻋن اﻟﻬزﯾﻣﺔ ﺧروج ﺳﻛﺳوﻧﯾﺎ ﻣن اﻟﺣرب‪ ،‬وﻋﻘدت‬ ‫ﺻﻠﺣﺎً ﻣﻧﻔرداً ﻣﻊ اﻹﻣﺑراطور ﻓﻲ ﻣﺎﯾو ﺳﻧﺔ ‪ ،١٦٣٥‬وﺣذت ﺣذوﻫﺎ اﻟوﻻﯾﺎت‬ ‫اﻟﺑروﺗﺳﺗﺎﻧﺗﯾﺔ اﻷﻟﻣﺎﻧﯾﺔ اﻷﺧرى‪ ،‬وﺳﺣﺑت ﺗﺄﯾﯾدﻫﺎ ﻣن اﻟﺗدﺧل اﻟﺳوﯾدي‪ ،‬وﻣﻘﺎﺑل ذﻟك‬ ‫أﻟﻐﻰ اﻹﻣﺑراطور ﻣﻌظم ﺑﻧود ﻣرﺳوم اﻹﻋﺎدة‪ ،‬ﻟﺗﻬدﺋﺔ روع اﻟﺑروﺗﺳﺗﺎﻧت وﺗﺄﻣﯾﻧﻬم ﻋﻠﻰ‬ ‫ﺣﯾﺎﺗﻬم اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ‪ ،‬وﻫﻛذا ﺗﺧﻠﻰ اﻷﻟﻣﺎن اﻟﺑروﺗﺳﺗﺎﻧت ﻋن ﻣﺳﺎﻋدة ﻣن ﺟﺎء‬

‫)‪ (١‬اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑق ﻛروزﯾﻪ ﻣورﯾس‪....‬اﻟﺦ‪ ،‬ص ‪.١٩٠‬‬

‫‪- ١٣٥ -‬‬


‫ﻟﻣﺳﺎﻋدﺗﻬم؛ وﻫﻧﺎ ﻗررت ﻓرﻧﺳﺎ ﺗﻠﺑﯾﺔ طﻠب اﻟوﺻﻲ ﻋﻠﻰ ﻋرش اﻟﺳوﯾد ﺑﺎﻟﺗدﺧل وأﺻﺑﺢ‬ ‫دور ﻓرﻧﺳﺎ ﻓﻲ ﺣرب اﻟﺛﻼﺛﯾن ﺳﻧﺔ إﯾﺟﺎﺑﯾﺎً ﺑﻌد أن ظل ﺳﻠﺑﯾﺎً ﻋدة ﺳﻧوات‪.‬‬ ‫اﻟﻣرﺣﻠﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ اﻟﺳوﯾدﯾﺔ ‪١٦٤٨-١٦٣٥‬م‪:‬‬ ‫ﻗرر رﯾﺷﻠﯾو إرﺳﺎل ﺟﯾش ﻟﻣﺣﺎرﺑﺔ آل ﻫﺑﺳﺑرج‪ ،‬وﻫﻛذا دﺧﻠت اﻟﺣرب طورﻫﺎ‬ ‫اﻷﺧﯾر واﻟﺣﺎﺳم‪ ،‬وﺗوﺣد اﻟﺑروﺗﺳﺗﺎﻧت واﻟﻛﺎﺛوﻟﯾك ﺿد اﻹﻣﺑراطورﯾﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬وﺣﺎرﺑت‬ ‫ﻛل ﻣن اﻟﺳوﯾد وﻓرﻧﺳﺎ ﻋﻠﻰ اﻷرض اﻷﻟﻣﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬وﻛﺎن رﯾﺷﯾﻠو ﯾﻬدف إﻟﻰ إﺿﻌﺎف‬ ‫ﺳﯾطرة إﺳﺑﺎﻧﯾﺎ ﻋﻠﻰ اﻷراﺿﻲ اﻟﻣﻧﺧﻔﺿﺔ ﻷن وﺟود إﺳﺑﺎﻧﯾﺎ ﻫﻧﺎك ﯾﻌﺗﺑر ﺗﻬدﯾداً داﺋﻣﺎً‬ ‫ﻟﻠﻌﺎﺻﻣﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ؛ وﻓﻲ ﺳﻧﺔ ‪١٦٣٥‬م ﻗرر رﯾﺷﯾﻠﯾو ﻣﺷﺎرﻛﺔ اﻟﺳوﯾد ﻓﻲ اﻟﺣرب‪،‬‬ ‫وﻛذﻟك دﻋم اﻟﺛوار اﻟﻬوﻟﻧدﯾﯾن اﻟذﯾن ﺟددوا ﺣرب اﻻﺳﺗﻘﻼل‪ ،‬ﺑﻌد اﻧﺗﻬﺎء ﻫدﻧﺔ اﻻﺛﻧﺎ‬ ‫ﻋﺷر ﻋﺎﻣﺎً ﺳﻧﺔ ‪١٦٢١‬م‪ ،‬وﻗد أﺻﺑﺣت اﻟﺣرب ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ ﺻراع ﻋﻠﻰ اﻟﺳﯾﺎدة‬ ‫ﺑﯾن آل اﻟﺑورﺑون وآل ﻫﺑﺳﺑرج ﺑﻔرﻋﯾﻬم اﻷﻟﻣﺎﻧﻲ واﻷﺳﺑﺎﻧﻲ؛ وﺗواﻟت اﻟﻬزاﺋم ﻋﻠﻰ‬ ‫اﻟﺟﯾش اﻷﻟﻣﺎﻧﻲ‪ ،‬وﻓﻲ ﻫذﻩ اﻷﺛﻧﺎء ﻣﺎت اﻹﻣﺑراطور ﺳﻧﺔ ‪١٦٣٧‬م وﺧﻠﻔﻪ اﺑﻧﻪ ﻓردﯾﻧﺎﻧد‬ ‫اﻟﺛﺎﻟث )ﺳﻧﺔ ‪١٦٣٧‬م – ﺳﻧﺔ ‪١٦٥٧‬م(‪.‬‬ ‫وﻧﺣن ﻧﺗﺻﻔﺢ ﻫذﻩ اﻟﺻﻔﺣﺎت اﻟﺳوداء ﻣن ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻘﺎرة اﻷورﺑﯾﺔ ﻧﺟد أن ﻫذﻩ‬ ‫ﺣرب ﻛﺎﻧت ﻣن أطول اﻟﺣروب ﻋﻣ اًر ﻓﻲ اﻟﻘﺎرة اﻷورﺑﯾﺔ وﻟم ﺗﻧﺗﻬﻲ إﻟﻰ ﺷﻲء ﻓوﻻﯾﺎت‬ ‫ﻗد أُﺣﺗﻠت ووﻻﯾﺎت ﺗﺣررت وﺑﻘﻲ اﻟﺻراع ﻓﻲ اﻟﻧﻔوس ﺑﻌد ﺳﻧوات ﻣن اﻹرﻫﺎق ٕوازﻫﺎق‬

‫اﻷرواح ﻓﻲ اﻟﻣﻌﺎرك‪ .‬ﻓﻣﺎذا ﯾﺳﺗﻔﯾد ﻋﻣوم اﻟﺑﺷر ﻣن ﻗﺗل ظﺎﻟم ﻟظﺎﻟم وﻗﺗل طﺎﻏوت‬ ‫ﻟطﺎﻏوت ﻓﻲ اﻟﻧﻬﺎﯾﺔ ﯾﺟد ﻋﻣوم اﻟﻧﺎس أﻧﻔﺳﻬم واﻗﻌﯾن ﺗﺣت ﺳﯾطرة ﺳﻠطﺎن ﻏﺷوم ﯾﺑدأ‬ ‫ﺻﻐﯾ اًر ﺛم ُﯾﺻﺑﺢ ﻓرﻋون ﺟدﯾد‪ .‬وﻟﻘد ﻛﺎن ﺳﺑب اﻟﺻراع واﺿﺢ وﻫو اﻟﺻراع اﻟدﯾﻧﻲ‬ ‫اﻟﻣذﻫﺑﻲ‪ .‬ﻣن ﻫﻧﺎ ﯾﺟب أن ُﻧﺷﯾر إﻟﻰ ﺣﻘﯾﻘﺔ أن اﻟﺻراع ﻓﻲ أورﺑﺎ ﻟم ﯾﻛن ﺑﻬدف ﻧﺷر‬

‫اﻟﻌدل واﻟﺳﻼم ﻓﻲ رﺑوع اﻟﻘﺎرة اﻷورﺑﯾﺔ وﻟﻛﻧﻪ ﻛﺎن ﺻراع ﻋﻠﻰ ﺣطﺎم اﻟدﻧﯾﺎ ﺑل وﻋﻠﻰ‬ ‫ﺣطﺎم اﻟﻔﻛر اﻟﻐرﺑﻲ اﻟﻣﺳﯾﺣﻲ اﻟذي ﻫو ﻓﻲ ﺣﻘﯾﻘﺗﻪ ﺑﻌﯾداً ﻛل ا ُﻟﺑﻌد ﻋﻠﻰ اﻷﻗل ﻓﻲ‬ ‫اﻟﺟواﻧب اﻟﺗطﺑﯾﻘﯾﺔ ﻋن روح اﻟوﺣﻲ أو اﻟﻛﺗﺎب اﻟذي أﻧزﻟﻪ اﷲ ﻋﻠﻰ ﻧﺑﯾﻪ ﻋﯾﺳﻰ ﺑن‬

‫‪- ١٣٦ -‬‬


‫ﻣرﯾم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم‪ ،‬ﻓﻠوﻻﯾﺎت اﻟﺗﻲ اُﺣﺗﻠت ﻣن ﻫذا اﻟﺟﯾش وﺗﺣررت ﻣن ﻫذا ﻻ ﻧﺟد ﻓﻲ‬ ‫اﻟﻣﺻﺎدر اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ أي ﻧﺷر ﻟﻸﻣن أو اﻟﺗﻘدم اﻟﺣﺿﺎري ﻓﯾﻬﺎ)‪.(١‬‬

‫اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ )‪١٩٣٩‬م‪١٩٤٥-‬م(‬ ‫ﻧﺣن ﻫﻧﺎ آﺛرﻧﺎ اﻟدﺧول ﻓﻲ أﺣداث اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻣﺑﺎﺷرة ﺣﯾث اﻋﺗﺑرﻧﺎ‬ ‫أن اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻫﻲ اﻣﺗداد ﻟﻠﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ واﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺑﯾن دول‬ ‫أورﺑﯾﺔ وأﺧرى أورﺑﯾﺔ وﻟم ﯾﻛن ﻟدول اﻟﺷرق اﻷوﺳط أو اﻟدول اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ ﯾد ﻓﯾﻬﺎ ٕوان ﻟم‬

‫ﯾﺳﻠﻣوا ﻣن ﻧﺗﺎﺋﺟﻬﺎ اﻟﻣدﻣرة اﻟﻣﺧرﺑﺔ‪ .‬ﻫذﻩ اﻟﺣرب ﻛﺎﻧت اﻟﺣرب اﻷﺿﺧم واﻷﻛﺛر‬ ‫ﺗدﻣﯾ اًر ﻋﺑر اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺑﺷري ﺑل إن اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻛﺎﻧت ﻫﻲ أﻛﺛر اﻟﺣروب‬ ‫اﻧﺗﺷﺎ اًر ﻣن ﺣﯾث ﻋدد اﻟﺟﯾوش اﻟﻣﺣﺎرﺑﺔ وﻋدد اﻟﻣدن اﻟﻣدﻣرة واﻷﻧﻔس اﻟﺗﻲ زﻫﻘت‬ ‫وﻛﺄن اﻟﻘﺎرة اﻷورﺑﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﺗﺳﺎع ﻣﺳﺎﺣﺗﻬﺎ وﻋدد ﻣﻠوﻛﻬﺎ ورؤﺳﺎﺋﻬﺎ ﻟم ﺗﻛن ﻛﺎﻓﯾﺔ‬ ‫ﻻﺣﺗواء ﻫذﻩ اﻟﺣرب اﻟﺿروس ﻓﺎﻣﺗدت ﻟﺗﺷﻣل ﺑﻘﯾﺔ ﻗﺎرات اﻟﻌﺎﻟم ﻣن أﺳﯾﺎ ﺷرق ﻣرو اًر‬ ‫ﺑﺄﻓرﯾﻘﯾﺎ وﺣﺗﻰ اﻷﻣﯾرﻛﺗﯾن ﻓﻲ أﻗﺻﻰ ﻏرب اﻟﻛرة اﻷرﺿﯾﺔ‪ .‬ﻫذﻩ اﻟﺣرب أودت ﺑﺣﯾﺎة‬ ‫أﻛﺛر ﻣن ‪ ١٧‬ﻣﻠﯾون ُﺟﻧدي‪ ،‬وﻫذا اﻟﻌدد اﻟﺿﺧم ﻣن اﻟﻘﺗﻠﻰ ﻟﻬو ﻧﺎﻓذﻩ ﻟﯾﺗﺧﯾل اﻟﻔرد‬

‫اﻟﻌﺎدي ﺣﺟم اﻟدﻣﺎر اﻟذي ﻟﺣق ﺑﺎﻟﺑﻼد اﻟﺗﻲ اﻣﺗدت إﻟﯾﻬﺎ ﻫذﻩ اﻟﺣرب وﺣﺟم اﻟﺗدﻣﯾر‬

‫اﻻﻗﺗﺻﺎدي ﺑل وﺣﺟم اﻟذﯾن ﺧرﺟوا ﻣن ﻫذﻩ اﻟﺣرب وﻫم ﻣﺷوﻫﯾن ﻣﻌﺎﻗﯾن )‪ %٢٥‬ﻣن‬ ‫ﺳﻛﺎن ﻓرﻧﺳﺎ أُﺻﯾﺑوا ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﺣرب( )‪.(٢‬‬ ‫ﻓﺑﻌد أن اﻧﺗﻬت اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ‪ ،‬أﻧﺷﺄت اﻟﺑﻠدان اﻟﻣﻧﺗﺻرة ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﺣرب ﻣﺎ‬ ‫أُطﻠق ﻋﻠﯾﻪ " ُﻋﺻﺑ َﺔ اﻷﻣم"‪ ،‬واﻟﺗﻲ ﺗﻬدف إﻟﻰ ﺣﻣﺎﯾﺔ اﻟﺳﻼم اﻟﻌﺎﻟﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﺣد زﻋﻣﻬم‪،‬‬

‫اﻟﻣﻌﻠن ﻣن إﻧﺷﺎء ُﻋﺻﺑﺔ اﻷﻣم ﻫو ﻣﻧﻊ اﻟﺻراﻋﺎت اﻟﻣﺳﻠﺣﺔ ﺑﯾن اﻟدول‪.‬‬ ‫ﻛﺎن اﻟﻬدف ُ‬ ‫ﻓﻲ ذﻟك اﻟوﻗت ﻛﺎﻧت اﻟوﻻﯾﺎت اﻟﻣﺗﺣدة اﻷﻣرﯾﻛﯾﺔ ﺑﻌﯾدة ﻋن ﻫذا اﻟﺻراع ﻓﻠم ﺗُﺷﺎرك‬

‫ﻓﻲ إﻧﺷﺎء ﻋﺻﺑﺔ اﻷﻣم‪ .‬ﻛﻣﺎ ﻫو ﻣﻌﻠوم ﻣن ﺗﺟﺎرب اﻟﺗﺎرﯾﺦ أن اﻟﻣﻧﺗﺻر ﯾﻔرض‬ ‫ﺷروطﻪ وﻣن ﺛم ﻓﺈن اﻟﻣﻬزوم ﯾظل ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣن اﻟﻐﻠﯾﺎن اﻟﺗﻲ ﻻ ﺗﻧﺗﻬﻲ إﻻ ﺑﺣرب‬

‫‪(1) Wallenstein Palace Gardens". prague-guide.co.uk. Archived from the original on 5‬‬ ‫‪April 2008. Retrieved24 May 2008,p420.‬‬ ‫)‪ (٢‬ﻋﻔت اﻟﺷرﻗﺎوي‪ " ،‬ﻓﻲ ﻓﻠﺳﻔﺔ اﻟﺣﺿﺎرة اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ"‪ ،‬ط‪ ، ٤‬ﺑﯾروت‪ ،‬دار اﻟﻧﻬﺿﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪١٩٩٠ ،‬م‪ ،‬ص‪.٢٠٦‬‬

‫‪- ١٣٧ -‬‬


‫أﺧرى ﯾﺄﺧذ ﻓﯾﻬﺎ ﻣﺎ ﯾراﻩ ﺣﻘﺎً ﻣن ﺣﻘوﻗﻪ – ﻛﺎﻧت اﻟﺣروب اﻻﺳﻼﻣﯾﺔ اﺳﺗﺛﻧﺎء ﻣن ﻫذﻩ‬ ‫اﻟﻘﺎﻋدة ﻓﻠم ﯾﻛن ﻓﯾﻪ ﻣﻬزوم‪ -‬وﻛﺄول ﺗﺟرﺑﺔ ﻟﻬذﻩ اﻟﻣﻧظﻣﺔ اﻟدوﻟﯾﺔ أو ُﻋﺻﺑﺔ اﻷﻣم ﻓﻲ‬

‫ﺳﻧﺔ ‪١٩٣١‬م ﻗﺎم اﻟﯾﺎﺑﺎﻧﯾون ﺑﻌﻣﻠﯾﺎت ﻋﺳﻛرﯾﺔ ﻏﯾر ﺷرﻋﯾﺔ ﺿد دول ﻣﺟﺎورة وﺑﺎﻟﺗﺣدﯾد‬ ‫ﻓﻲ ﻣﻧطﻘﺔ ﻣﻧﻛورﯾﺎ )‪ (Manchuria‬ﻓﻘﺎﻣت ُﻋﺻﺑﺔ اﻷﻣم ﺳﻧﺔ ‪١٩٣٣‬م ﺑﻣﻧﺎداة اﻟﯾﺎﺑﺎن‬

‫ﺑﺎﻻﻧﺳﺣﺎب ﻟﻛن اﻟﯾﺎﺑﺎن ﻟم ﺗﺳﺗﺟب ﻟﻼﻧﺳﺣﺎب ﺑل ﻗررت اﻻﻧﺳﺣﺎب ﻣن ﻣﻧظﻣﺔ‬ ‫ُﻋﺻﺑﺔ اﻷﻣم وأﻋﻠﻧت ﻣﻧطﻘﺔ ﻣﻧﻛورﯾﺎ وﻻﯾﺔ ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﻬﺎ‪ ،‬وﺧوﻓﺎً ﻣن ﺗﻔﺳﺦ وﺗﺣﻠل ﻫذا‬ ‫اﻟﻛﯾﺎن اﻟوﻟﯾد اﻟذي ﻫو ُﻋﺻﺑﺔ اﻷﻣم ﻟم ﺗﺗﺧذ ُﻋﺻﺑﺔ اﻷﻣم أي ﻗرار ﺿد اﻟﯾﺎﺑﺎن‬

‫وﺳﻛﺗت ﻋن ﺿم ﻣﻧطﻘﺔ ﻣﻧﻛورﯾﺎ‪ ،!!......‬ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻷﺛﻧﺎء ﻧﺟﺢ أدوﻟف ﻫﺗﻠر ﻓﻲ‬ ‫اﻧﺗﺧﺎﺑﺎت أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ ﺳﻧﺔ ‪١٩٣٣‬م وأﺻﺑﺢ ﻣﺳﺗﺷﺎر ﻷﻟﻣﺎﻧﯾﺎ‪ .‬وﻟﻠﻧظرة اﻟﺣﯾﺎدﯾﺔ ﻫﺗﻠر ﻛﺎن‬ ‫ُﯾﺣب ﺑﻼدﻩ ﻓﻘد ﻧﺎدى ﺑﺿرورة إﻋﺎدة ﺗﺳﻠﯾﺢ أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ وﺿرورة أن ﯾﻌود ﻷﻟﻣﺎﻧﯾﺎ ﻋزﻫﺎ‬

‫وﻣﺟدﻫﺎ اﻟﻘدﯾم ﻓﻲ دﻋوة ُﻋﻧﺻرﯾﺔ ﺗﻣﯾز اﻟﺟﻧس اﻷﻟﻣﺎﻧﻲ ﻋن ﻏﯾرﻩ ﻣن ﺷﻌوب‬ ‫اﻷرض‪ .‬دﻋوة ﻫﺗﻠر ﻟﺗﺳﻠﯾﺢ أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ ﺿد ﺷروط إﻧﻬﺎء اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ﻟذﻟك‬

‫ﻓﻣن اﻟطﺑﯾﻌﻲ أن ﺗُﻼﻗﻲ ﻫذﻩ اﻟدﻋوة ﻋداوة ﻣن اﻟدول اﻟﻣﻧﺗﺻرة ﻓﻲ اﻟﺣرب اﻷوﻟﻰ‬ ‫اﻟﺗﻲ ﻫﻲ ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ ﺗُﺷﻛل ُﻋﺻﺑﺔ اﻷﻣم‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﻧﻔس اﻟوﻗت ﻗﺎم اﻟدﯾﻛﺗﺎﺗور اﻹﯾطﺎﻟﻲ " ﺑﯾﻧﺗو ﻣوﺳﯾﻠﯾﻧﻲ " ﺑﺗطﺑﯾق ﻓﻛرﺗﻪ‬ ‫اﻟﻘدﯾﻣﺔ‪ ،‬وﺣﻠم إﯾطﺎﻟﯾﺎ ﻣﻧذ زﻣن ﺑﻌﯾد ﺑﻐزو أﺛﯾوﺑﯾﺎ! اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧوا ُﯾطﻠﻘون ﻋﻠﯾﻬﺎ‬

‫"اﻟﻣﺳﺗﻌﻣرة اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ"‪ُ .‬ﻋﺻﺑﺔ اﻷﻣم ﺑدورﻫﺎ ﻗﺎﻣت ﺑﺎﻟﺗﺻوﯾت ﺿد ﻏزو إﯾطﺎﻟﯾﺎ‬

‫ﻷﺛﯾوﺑﯾﺎ‪ .‬وﻋﺑﺛﺎً ﺣﺎوﻟت ﻛل ﻣن ﻓرﻧﺳﺎ وﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﻓﻲ ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﺟﻌل اﯾطﺎﻟﯾﺎ ﺗﺗراﺟﻊ ﻋن‬ ‫ﻗرار اﻟﻐزو‪ ،‬وﻓﻲ ﺳﻧﺔ ‪١٩٣٦‬م‪ ،‬أﺻﺑﺣت أﺛﯾوﺑﯾﺎ ﻣﺳﺗﻌﻣرة إﯾطﺎﻟﯾﺔ ﺑﺷﻛل ﺗﺎم‪ .‬ﻓﻲ ﺗﻠك‬ ‫اﻷوﻗﺎت ﻛﺎن ﺗﺳﻠﯾﺢ اﻟﺟﯾش اﻷﻟﻣﺎﻧﻲ ﯾزداد ﻗوة ﯾوﻣﺎً ﺑﻌد ﯾوم ﻣن ﺣﯾث اﻟﻌدد واﻟﺗﺳﻠﯾﺢ‪،‬‬ ‫وﺳﻌت ﻓرﻧﺳﺎ ﻟﻌﻘد ﺣﻠف ﻣﻊ اﻻﺗﺣﺎد اﻟﺳوﻓﯾﺗﻲ ﻟﺗﺣﺟﯾم اﻟﺧطر اﻷﻟﻣﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻧﻔس‬ ‫اﻟوﻗت ﺗﺣﺎﻟﻔت ﻓرﻧﺳﺎ ﻣﻊ اﻧﺟﻠﺗ ار ﻟﻧﻔس اﻟﻬدف‪ ،‬ﻟﻛن ﻛﺎﻧت ﺗﻛﺎﻟﯾف اﻟﺣرب ﻣﻊ أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ‬ ‫ﻣن ﺟدﯾد ﻏﯾر ﻣﺣدودة ﻣﻣﺎ ﺟﻌل ﻫذﻩ اﻟدول ﺗؤﺛر ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ أورﺑﺎ‪ .‬ﻛﺎن اﻟزﻋﯾم‬ ‫اﻟﻧﺎزي أودﻟف ﻫﺗﻠر ﯾرى ذﻟك وﯾرﻗﺑﻪ ﻣن ﺑﻌﯾد ﻓﺷﺟﻌﺔ ﺣﺎﻟﺔ ﺣرص اﻟدول اﻷﺧرى‬

‫ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﺔ ِ‬ ‫اﻟﺳ ْﻠم ﻓﺎﺣﺗل اﻟﻧﻣﺳﺎ ﻓﻲ ﻣﺎرس ‪١٩٣٨‬م‪ ،‬وﻫدد ﺗﺷﯾﻛوﺳﻠوﻓﺎﻛﯾﺎ وأﺻﺑﺣت‬ ‫‪- ١٣٨ -‬‬


‫اﻟﺣرب ﺑﯾن اﻟﺟﯾوش اﻷﻟﻣﺎﻧﯾﺔ وﺗﺷﯾﻛوﺳﻠوﻓﺎﻛﯾﺎ ﻗﺎب ﻗوﺳﯾن أو أدﻧﻰ‪ .‬ﻫﻧﺎ ﻗﺎﻣت ﻓرﻧﺳﺎ‬ ‫وﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﺑﻌﻘد ﻣؤﺗﻣر ﻣﻊ ﻫﺗﻠر وﻣوﺳﯾﻠﯾﻧﻲ ﻓﻲ ﻣدﯾﻧﺔ ﻣﯾوﻧﺦ‪ .‬ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻣؤﺗﻣر واﻓق‬ ‫اﻟﻣﺟﺗﻣﻌون ﻋﻠﻰ اﻟﺳﻣﺎح ﻷﻟﻣﺎﻧﯾﺎ ﺑﺎﺣﺗﻼل اﻗﻠﯾم ﺳﯾودﻧﺗﻼﻧد )‪ (Sudetenland‬وﻫو‬ ‫ﺟزء ﻣن دوﻟﺔ ﺗﺷﯾﻛوﺳﻠوﻓﺎﻛﯾﺎ‪ ،‬ﻟﻛن ﻟم ﯾﻛن ﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ﻣﺛل ﻫﺗﻠر أن ﯾرﺿﻰ ﺑﻬذا اﻟﺟزء‬ ‫اﻟﻣﻣﻧوح ﻓﻔﻲ ﻣﺎرس ﻣن ﺳﻧﺔ ‪١٩٣٩‬م‪ ،‬اﺣﺗﻠت اﻟﺟﯾوش اﻷﻟﻣﺎﻧﯾﺔ ﻛل ﺗﺷﯾﻛوﺳﻠوﻓﺎﻛﯾﺎ‬ ‫وﻣن ﺗﺷﯾﻛوﺳﻠوﻓﺎﻛﯾﺎ إﻟﻰ ﺑوﻟﻧدا ورﻏم ﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻟﺑوﻟﻧدﯾﯾن إﻻ أن اﻟﺟﯾوش اﻷﻟﻣﺎﻧﯾﺔ‬ ‫ﻧﺟﺣت ﻓﻲ اﺣﺗﻼل ﻛﺎﻓﺔ اﻷراﺿﻲ اﻟﺑوﻟﻧدﯾﺔ‪ .‬ﻓﻲ ﻧﻔس اﻟوﻗت ﻧﺟﺢ ﻫﺗﻠر ﻓﻲ ﻋﻘد ﻣﺎ‬ ‫ُﯾﺷﺑﻪ اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﺳﻼم ﻣﻊ اﻻﺗﺣﺎد اﻟﺳوﻓﯾﺗﻲ ﻋدوﻩ اﻟﻘدﯾم‪ ،‬ﻟﻛن ﻓرﻧﺳﺎ واﻧﺟﻠﺗ ار أﻋﻠﻧت‬

‫وﻗوﻓﻬﺎ ﺑﺟوار ﺑوﻟﻧدا ﻓﻲ ﺣرﺑﻬﺎ ﺿد أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ‬

‫ﺳﻧﺔ ‪١٩٣٩‬م‪ ،‬وأﻋﻠﻧﺗﺎ اﻟﺣرب ﻋﻠﻰ‬

‫أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ‪.‬‬ ‫ﻟم ﯾﻛن اﻟﺳﻼم اﻟﻣؤﻗت ﺑﯾن روﺳﯾﺎ وأﻟﻣﺎﻧﯾﺎ ﯾﻬدف إﻟﻰ ﻣﻬﺎدﻧﺔ أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ ﺑﻘدر ﻣﺎ‬ ‫ﻛﺎن اﻟروس ﯾرﯾدون اﻟﺗﻔرغ ﻫم اﻷﺧرﯾن ﻷطﻣﺎﻋﻬم اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﻓﻘد ﺗﺣرﻛوا ﻻﺣﺗﻼل اﻟﺟزء‬ ‫اﻟﺷرﻗﻲ ﻣن أوروﺑﺎ ﻓﻘد اﺣﺗﻠوا وﻻﺗﻔﯾﺎ‪ ،‬واﺳﺗوﻧﯾﺎ‪ ،‬وﻟﯾﺛوﻧﯾﺎ‪ ،‬ﻛﻣﺎ اﻣﺗدت أطﻣﺎﻋﻬم إﻟﻰ‬ ‫ﻓﻧﻠﻧدا‪ ،‬ورﻏم اﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻟﻌﻧﯾﻔﺔ اﻟﺗﻲ واﺟﻪ ﺑﻬﺎ اﻟﻔﻧﻠﻧدﯾون اﻟﺟﯾش اﻷﺣﻣر ﻓﻲ ﺣرب ﺷﺗﺎء‬ ‫‪١٩٣٩‬م إﻻ إن اﻟﻧﺻر ﻛﺎن ﻟروﺳﯾﺎ‪ .‬ﻟم ﺗﻛن اﻹﻣﺑراطورﯾﺔ اﻟﯾﺎﺑﺎﻧﯾﺔ ﻟﻠﺗرك ﻫذا اﻟﻌﺎﻟم‬ ‫اﻟﻣﺗﺻﺎرع وﺗﻘف ﻣﻛﺗوﻓﺔ اﻟﯾد ﻓﻘد ﺗﺣرﻛت اﻟﺟﯾوش اﻟﯾﺎﺑﺎﻧﯾﺔ ﻻﺣﺗﻼل أﺟزاء ﻛﺑﯾرة ﻣن‬ ‫اﻟﺻﯾن وﺳﻌت ﺣﺛﯾﺛﺎً ﻹﺳﻘﺎط اﻟﺻﯾن ﺗﻣﺎﻣﺎً‪ ،‬وﺳﻌت اﻟﯾﺎﺑﺎن ﻟﺗوﺳﯾﻊ إﻣﺑراطورﺗﯾﻬﺎ‬ ‫ﺷﻣﺎﻻً ﻓﻲ آﺳﯾﺎ وﻧﺟﺣت ﻓﻲ ﺿم ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﺟزر ﻏﻧﯾﺔ ﺷﻣﺎل ﻏرب اﻟﻣﺣﯾط اﻟﻬﺎدئ‪.‬‬ ‫ﻓﻲ ﺧﻼل ﻫذﻩ اﻟﺻراﻋﺎت ﻛﺎن اﻟزﻋﯾم اﻹﯾطﺎﻟﻲ ُﯾﺧطط ﻟﻼﻧﺿﻣﺎم إﻟﻰ ﺻدﯾﻘﻪ ﻫﺗﻠر‬

‫ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟﺣروب‪ .‬ﻓﻘد ﻧﺟﺣت أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ ﻓﻲ اﺣﺗﻼل ﺑوﻟﻧدا ﻓﻲ ﺳﻧﺔ ‪١٩٤٠‬م وﻟم ﺗﺟد‬ ‫ﻋﻧﺎء ﻓﻲ اﺣﺗﻼل اﻟﻧروﯾﺞ واﻟدﻧﻣﺎرك‪ .‬ﻛﺎن اﻟﺟﯾش اﻷﻟﻣﺎﻧﻲ أﻛﺛر اﻟﺟﯾوش ﺗﻧظﯾﻣﺎً‬ ‫وﺗﺳﻠﯾﺣﺎً ﻣﺎ ﺟﻌﻠﻪ ُﯾﺣﻘق ﻫذﻩ اﻻﻧﺗﺻﺎرات اﻷﺳطورﯾﺔ ﻓﻲ زﻣن ﻗﯾﺎﺳﻲ أﻓﺎﻗت ﺗوﻗﻌﺎت‬ ‫ﻫﺗﻠر ﻧﻔﺳﻪ)‪ .(١‬وﻓﻲ أﻗل ﻣن ﺷﻬرﯾن اﻧﺳﺣﺑت اﻟﻘوات اﻟﺑرﯾطﺎﻧﯾﺔ ﻣن اﻟﻘﺎرة اﻷورﺑﯾﺔ‪،‬‬

‫‪(1) Axelrod, Alan (2007) Encyclopedia of World War II, Volume 1. Infobase‬‬ ‫‪Publishing. Pp420.‬‬

‫‪- ١٣٩ -‬‬


‫واﺳﺗﺳﻠﻣت اﻟﻘوات اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ‪ ،‬ﺳرﻋﺔ اﻷﺣداث‪ ،‬ﻓﺎﺟﺄت ﻫﺗﻠر ﻧﻔﺳﻪ ﻛﻣﺎ ﻗﻠﻧﺎ‪ ،‬ﺣﺗﻰ أﻧﻪ ﻟم‬ ‫اﻟﺟزر اﻟﺑرﯾطﺎﻧﯾﺔ‪ .‬ﻛﺎﻧت اﻟﻘوات‬ ‫ﯾﻛن ﻣﺳﺗﻌداً ﻟﻛل ﻫذﻩ اﻟﻧﺟﺎﺣﺎت ﻓﻲ اﺣﺗﻼل ُ‬

‫اﻟﺑرﯾطﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟوﻗت ﻣﺗﻣرﻛزة ﻓﻲ اﻟﺟزﯾرة اﻟﺑرﯾطﺎﻧﯾﺔ وﻧﺟﺢ اﻟطﯾران اﻟﻣﻠﻛﻲ‬ ‫اﻟﺑرﯾطﺎﻧﻲ ﻓﻲ إﻟﺣﺎق ﻫزﯾﻣﺔ ﺑﺟﯾوش اﻟﻣﺎﻧﯾﺎ ﻫذﻩ اﻟﻬزﯾﻣﺔ اﻟﺑﺳﯾطﺔ ﻣﻧﻌت اﻟﻣﺎﻧﯾﺎ ﻣن‬

‫اﺣﺗﻼل اﻟﺟزﯾرة اﻟﺑرﯾطﺎﻧﯾﺔ‪ .‬وﻓﻲ ﻫﺟﻣﺔ ﺧﺎطﻔﺔ ﻧﺟﺢ ﻫﺗﻠر ﻓﻲ ﻣﺧﺎدﻋﺔ اﻟروس‬ ‫واﺳﺗطﺎع اﺧﺗراق دﻓﺎﻋﺎت روﺳﯾﺎ ﺣﺗﻰ وﺻل إﻟﻰ أﺳوار ﻣوﺳﻛو ﻓﻲ ﯾوﻧﯾﻪ ﺳﻧﺔ‬ ‫‪١٩٤٠‬م‪ .‬ﺗﺣرك ﻓﻲ ﻫذا اﻟوﻗت ﻣوﺳﯾﻠﯾﻧﻲ ﻟﺗﺣﻘﯾق ﺣﻠم اﻹﻣﺑراطورﯾﺔ اﻹﯾطﺎﻟﯾﺔ‬ ‫ﻓﺗﺣرﻛت اﻟﺟﯾوش اﻹﯾطﺎﻟﯾﺔ وﻧﺟﺣت ﻓﻲ اﺣﺗﻼل ﻟﯾﺑﯾﺎ‪ ،‬ﺑذﻟك اﻣﺗدت اﻟﺣرب إﻟﻰ أﻓرﯾﻘﯾﺎ‬ ‫وآﺳﯾﺎ‪.‬‬ ‫ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ اﻟﯾﺎﺑﺎﻧﯾون ﻓﻲ ﺷرق آﺳﯾﺎ ﻣﻬد ﻟﻬم ﻟﻛﻲ ﯾطﻣﻌوا ﻓﻲ ﺗوﺳﯾﻊ ﻧﻔوذﻫم‬ ‫ﻓﺿرﺑوا ﻣﯾﻧﺎء ﺑرﯾل ﻫﺎرﺑر اﻟﻣﯾﻧﺎء اﻷﻣرﯾﻛﻲ اﻟﺷﻬﯾر ﻣﺎ أﺟﺑر اﻟوﻻﯾﺎت اﻟﻣﺗﺣدة‬ ‫اﻷﻣرﯾﻛﯾﺔ ﻓﻲ اﻟدﺧول ﻓﻲ اﻟﺣرب‪ .‬ﺗﺣرﻛت روﺳﯾﺎ ﺿد أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ وﻛﻣﺎ ﻛﺎن اﻻﻧﺗﺻﺎر‬ ‫اﻷﻟﻣﺎﻧﻲ ﺳرﯾﻌﺎً ﻛﺎﻧت اﻟﻬزاﺋم اﻟﻣﺗﻼﺣﻘﺔ ﺳرﯾﻌﺔ أﯾﺿﺎً‪ ،‬أوﻻً ﻣن اﻟروس‪ ،‬وﺣﺗﻰ اﯾطﺎﻟﯾﺎ‪،‬‬ ‫وﺗراﺟﻌت اﻟﺟﯾوش اﻻﻟﻣﺎﻧﯾﺔ ﺣﺗﻰ ظﻠوا ﯾداﻓﻌوا ﺣول ﺑرﻟﯾن‪ .‬أﻣﺎ ﻋن اﻟﯾﺎﺑﺎن ﻓﻘد‬ ‫ﺗﺿﺎﻓرت ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻛل اﻟﺟﻬود اﻟﺗﻲ اﻧﺗﻬت ﺑﺿرب أﻛﺑر ﻣدﯾﻧﺗﯾن ﻓﻲ اﻟﯾﺎﺑﺎن ﺑﻘﻧﺑﻠﺗﯾن‬ ‫ذرﯾﺗﯾن أدﺗﺎ ﻟﺗدﻣﯾر اﻟﻣدﯾﻧﺗﯾن ﺑﺎﻟﻛﺎﻣل واﻧﺗﻬت ﺑﺎﺳﺗﺳﻼم اﻟﯾﺎﺑﺎن وأﻟﻣﺎﻧﯾﺎ ٕواﻧﻬﺎء ﻫذﻩ‬ ‫اﻟﺣرب اﻟطوﯾل اﻟﺿروس‪.‬‬

‫ﻣﻼﺣظﺎت ﺣول أﺣداث اﻟﺣرب‬ ‫ﻧﺣن ﻫﻧﺎ ﻻ ﯾﻬﻣﻧﺎ ﺳرد اﻷﺣداث اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﺑﻘدر ﻣﺎ ﯾﻬﻣﻧﺎ ﻣن ﺗﺣﻠﯾل اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ‬ ‫اﻟﻐرﺑﯾﺔ ورؤﯾﺔ ﻫذﻩ اﻟﺻراﻋﺎت اﻷورﺑﯾﺔ وﻣﺎ ﻫﻲ أﺧﻼﻗﯾﺎت اﻟﺣرب ﻫﻧﺎك ﻓﻧﺣن رأﯾﻧﺎ‬ ‫ﺣروﺑﺎً ﺑﻼ أﺧﻼق رأﯾﻧﺎ ﺑﺄس اﻟﻣﺗﺣﺎرﺑﯾن ﺑﯾﻧﻬم ﺷدﯾد ٕواذا ﻧزﻟوا ﺑﻘرﯾﺔ ﻓﺳﺎء ﺻﺑﺎح ﻫذﻩ‬

‫اﻟﻘرﯾﺔ ﻓﻠن ﯾﻧﺟوا ﻣن اﻟﻣوت ﻻ ﺣﺟر وﻻ ﺷﺟر ﻻ طﻔ ٌل رﺿﯾﻊ وﻻ اﻣرأة ﻋﺟوز‪ ،‬ﻟن‬

‫ﯾﻧﺟو ﻣن اﻟﻣوت طﺎﺋر وﻻ ﺷﺟر‪ ،‬رأﯾﻧﺎ ذﻟك ﻓﻲ ﻓﯾﺗﻧﺎم وﻓﻲ اﻟﯾﺎﺑﺎن ﺳواء ﻛﺎﻧوا‬

‫‪- ١٤٠ -‬‬


‫ﻣﻧﺗﺻرﯾن أو ﻣﻧﻬزﻣﯾن ﻓﻲ ﻫورﺷﯾﻣﺎ وﻧﺟﺎزاﻛﻲ‪ .‬اﻟﺣرب ﻫﻧﺎك ﺗﻬدف إﻟﻰ اﻟﺗدﻣﯾر‬ ‫واﻟﺳﯾطرة ﻋﻠﻰ ﺛروات اﻟﺑﻼد اﻟﻣﻬزوﻣﺔ وﻻ ﺷﻲء ﻏﯾر ذﻟك‪.‬‬ ‫وﻋﻧدﻣﺎ ﻧﻧظر إﻟﻰ اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻣن وراء ﺗﻠك اﻟﺳﻧون ﻧرى ﻣﺟﻣوﻋﺔ‬ ‫ﻣن ﺧﺻﺎﺋص ﻻ ُﯾﻣﻛن إﻫﻣﺎﻟﻬﺎ ﻓﻬذﻩ اﻟﺣرب اﻣﺗدت ﻣن أورﺑﺎ إﻟﻰ ﺑﻼد اﻟﻌرب ٕواﻟﻰ‬

‫ﻗﺎرة أﻓرﯾﻘﯾﺎ وآﺳﯾﺎ وأﺳﺗراﻟﯾﺎ واﻟوﻻﯾﺎت اﻟﻣﺗﺣدة اﻷﻣرﯾﻛﯾﺔ‪ ،‬ﻫذا اﻻﺗﺳﺎع ﻓﻲ اﻟﻣﯾﺎدﯾن أدى‬

‫ﻟزﯾﺎدة ﺣﺟم اﻟﺧﺳﺎﺋر اﻟﺑﺷرﯾﺔ واﻟﻣﺎدﯾﺔ ﻋﻧد ﻣﻘﺎرﻧﺗﻬﺎ ﺑﺧﺳﺎﺋر أي ﺣرب ﺳﺎﺑﻘﺔ أو ﺣﺗﻰ‬ ‫ﻻﺣﻘﺔ إﻟﻰ ﯾوﻣﻧﺎ ﻫذا‪ .‬ﻣن ﺧﺻﺎﺋص ﻫذﻩ اﻟﺣرب أﻧﻬﺎ اﺳﺗﺧدﻣت أﺳﻠﺣﺔ ﺣدﯾﺛﺔ ﻟم ﺗﻛن‬ ‫ﻣوﺟودة ﻗﺑل ذﻟك وﻛﺎﻧت ﻫذﻩ اﻷﺳﻠﺣﺔ أﻛﺛر ﻗدرةً ﻋﻠﻰ اﻟدﻣﺎر وأﻫﻣﺎ اﻟﺳﻼح اﻟذري‬ ‫اﻟذي اﺳﺗﺧدﻣﺗﻪ اﻟوﻻﯾﺎت اﻟﻣﺗﺣدة اﻷﻣرﯾﻛﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻠﺣظﺎت اﻟﺣﺎﺳﻣﺔ واﻟذي أدى‬

‫ﻹﺧﺿﺎع اﻟﯾﺎﺑﺎن؛ ﻛﺎﻧت ﻫذﻩ اﻟﺣرب ﻣدﻣرة ﺑﺷﻛل ﺟﻧوﻧﻲ ﺑﺳﺑب طﺑﯾﻌﺔ اﻷﺳﻠﺣﺔ‬ ‫اﻟﻣدن ﻓﻲ‬ ‫اﻟﺟدﯾدة وأﺳﻠوب اﻟﺣرب اﻟذي اﻋﺗﻣدﺗﻪ أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ‪ ،‬إذ اﻋﺗﻣدت ﻋﻠﻰ اﺳﺗﻬداف ُ‬ ‫ﻗﺻﻔﻬﺎ ﻹﻟﺣﺎق أﻛﺑر ﻋدد ﻣن اﻟﺧﺳﺎﺋر اﻟﺑﺷرﯾﺔ واﻟﻣﺎدﯾﺔ ٕواﺟﺑﺎر اﻟدول ﻋﻠﻰ‬

‫اﻻﺳﺗﺳﻼم؛ ﻣﻣﺎ اﺿطر اﻟدول اﻷﺧرى إﻟﻰ اﻟرد ﺑﻧﻔس ِ‬ ‫اﻟﺧطﺔ واﻷﺳﻠوب‪ .‬اﺳﺗﻣر‬ ‫اﻟدﻣﺎر ﻟﻣدة ﺗزﯾد ﻋن ﺛﻣﺎﻧﻲ ﺳﻧوات؛ ﻓﺑدأت اﻟﺣرب ﻓﻲ آﺳﯾﺎ ﺳﻧﺔ ‪١٩٣٧‬م واﻧﺗﻬت ﻓﻲ‬ ‫ﻋﺎم ‪١٩٤٥‬م؛‬

‫)‪(١‬‬

‫ﺣﯾث ﺷﻣﻠت ﻗﺎرة أوروﺑﺎ وﺷﻣﺎل أﻓرﯾﻘﯾﺎ وﺑﺎﻗﻲ دول اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬ﻋدد‬

‫اﻟﻘﺗﻠﻰ ﻓﻲ اﻟﺣرب ﺣواﻟﻲ ‪ ٦١,٨٢٠,٣١٥‬أي ﻣﺎ ﯾﻘرب ﻣن اﻻﺛﻧﯾن واﻟﺳﺗﯾن ﻣﻠﯾون‬ ‫!!!! ﺑﯾن ﻣدﻧﻲ وﻋﺳﻛري ﻣن ﻣﺧﺗﻠف اﻟدول اﻟﻣﺗﺣﺎرﺑﺔ ﻓﻛﺎﻧت ﺧﺳﺎﺋر دول اﻻﺗﺣﺎد‬ ‫ﻗدرت ﺧﺳﺎﺋرﻫﺎ اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﺑﺣواﻟﻲ‬ ‫اﻟﺳوﻓﯾﺗﻲ اﻷﻛﺛر ﻣن ﺑﯾن اﻟدول اﻟﻣﺗﺣﺎرﺑﺔ ﺣﯾث ّ‬

‫‪ ٢٧٠٠٠٠٠٠‬ﻗﺗﯾل ﺑﯾن ﻣدﻧﻲ وﻋﺳﻛري‪ ،‬وﺗﺄﺗﻲ ﻓﻲ اﻟﻣرﺗﺑﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﺑﻌدد اﻟﻘﺗﻠﻰ دوﻟﺔ‬

‫اﻟﺻﯾن ﺣﯾث ﺧﺳرت ﺣواﻟﻲ ‪ ١١,٣٢٤,٠٠٠‬ﻗﺗﯾل ﺑﯾن ﻣدﻧﻲ وﻋﺳﻛري‪ ،‬أﻣﺎ أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ‬ ‫واﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻫﻲ ﺑطﻠﺔ اﻟﺣرب ﻓﻲ ﺑداﯾﺎﺗﻬﺎ واﻟﺧﺎﺳرة ﻓﻲ اﻟﻧﻬﺎﯾﺔ ﻓﻘد ﺧﺳرت‬ ‫ﻗدر ﻋدد ﻗﺗﻼﻫﺎ ﺑﺣواﻟﻲ‬ ‫‪ ٧,٠٦٠,٠٠٠‬ﻗﺗﯾل‪ ،‬ﺗﺄﺗﻲ ﻣن ﺑﻌدﻫﺎ ﺑوﻟﻧدا ﺣﯾث ّ‬ ‫‪ ٦,٨٥٠,٠٠٠‬ﻗﺗﯾل‪ ،‬واﻟﯾﺎﺑﺎن ‪ ٢,٠٠٠,٠٠٠‬ﻗﺗﯾل‪ ،‬ﯾوﻏﺳﻼﻓﯾﺎ ﻛﺎﻧت ﺧﺳﺎﺋرﻫﺎ اﻟﺑﺷرﯾﺔ‬

‫‪(1) James A. Tyner (March 3, 2009). War, Violence, and Population: Making the‬‬ ‫‪Body Count, The Guilford Press; 1 edition.‬‬

‫‪- ١٤١ -‬‬


‫ﺑﺣدود ‪ ١,٧٠٦,٠٠٠‬ﻗﺗﯾل‪ ،‬وﺗﺗوزع ﺑﺎﻗﻲ اﻟﺧﺳﺎﺋر ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻣﺟﻣوﻋﻪ ‪ ٢٧‬دوﻟﺔ ﺷﺎرﻛت‬ ‫ﺑﻬذﻩ اﻟﺣرب‪ ،‬ﻫذﻩ ﻫﻲ اﻟﺧﺳﺎﺋر اﻟﺑﺷرﯾﺔ‪ ،‬أﻣﺎ اﻟﺧﺳﺎﺋر اﻟﻣﺎدﯾﺔ ﻓﻘد ﻛﺎﻧت أﻛﺑر؛ ﺣﯾث‬ ‫ُدﻣرت اﻟﻣﺻﺎﻧﻊ‪ ،‬وﺗوﻗف اﻹﻧﺗﺎج‪ ،‬وﻛﺛرت اﻟﺑطﺎﻟﺔ‪ ،‬وﺣدث ﻛﺳﺎد اﻗﺗﺻﺎدي ﺗﺄﺛرت ﺑﻪ‬ ‫ﺟﻣﯾﻊ دول أوروﺑﺎ‪.‬‬

‫ﻫذﻩ ﻫﻲ اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻟم ﯾﻛن اﻟﻣﺳﻠﻣون طرﻓﺎً ﻓﯾﻬﺎ ٕوان ﺟرت ﻓﻲ ﺑﻌض‬

‫ﺑﻼدﻫم ﻟﻛن ﻟم ﯾﻘل أﺣد ﻣن اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن أن ﻫﻧﺎك ﻗوة اﺳﻼﻣﯾﺔ ﺷﺎرﻛت ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﺣرب‬

‫ﻣن ﻗرﯾب أو ﻣن ﺑﻌﯾد‪ .‬ﻫذﻩ ﻫﻲ اﻟﺟﯾوش اﻷورﺑﯾﺔ رأﯾﻧﺎ ﻋﻧدﻣﺎ دﺧﻠت اﻟﺟﯾوش اﻻﻟﻣﺎﻧﯾﺔ‬ ‫ﺑوﻟﻧدا ﻣﺎذا ﻓﻌﻠت؟‪ ،‬وﻣﺎذا ﻓﻌﻠت ﺟﯾوش اﻟﯾﺎﺑﺎن ﻋﻧدﻣﺎ اﺣﺗﻠت ﻣﻧﺎطق ﻓﻲ ﺷرق آﺳﯾﺎ؟‪،‬‬ ‫وﻣﺎذا ﻓﻌﻠت اﻟﯾﺎﺑﺎن ﻓﻲ ﻣﯾﻧﺎء ﺑرﯾل ﻫﺎرﺑر؟‪ ،‬وﻣﺎذا ﻓﻌﻠت اﻟوﻻﯾﺎت اﻟﻣﺗﺣدة اﻻﻣرﯾﻛﯾﺔ‬ ‫ﻓﻲ اﻟﯾﺎﺑﺎن؟ وﻓﻲ ﻓﯾﺗﻧﺎم وﻓﻲ ﻏﯾرﻫﺎ‪ .‬ﻟم ﺗﻧﺷر دوﻟﺔ ﻣﻧﺗﺻرة اﻟﻌﻠم ﻫﻧﺎك وﻟم ﺗﺣﻛم‬

‫ﺑﺎﻟﻌدل وﻟﻛﻧﻪ ﻛﺎن ﺻراﻋﺎً ﺑﯾن اﻟظﺎﻟﻣﯾن ﺑﻌﺿﻬم وﺑﻌض ﻓﻘﺗل ﺑﻌﺿﻬم ﺑﻌﺿﺎً ﺷر ِﻗﺗﻠﺔ‬ ‫دون ﻣراﻗﺑﺔ ﻟﺣﻘوق اﻧﺳﺎن أو ﺣﺗﻰ رﻓﻘﺎً ﺑﺎﻟﺣﯾوان؟‪ .‬ﺣﺗﻰ ﺧرﺟت أورﺑﺎ ﻣن ﻫذا اﻟﺻراع‬ ‫ﻣﻧﻬﻛﺔ اﻟﻘوى ﻻ ﺗﻘدر ﺣﻛوﻣﺎﺗﻬﺎ ﺣﺗﻰ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﻔﺎق ﻋﻠﻰ اﻟﺷﻌوب وﺗوﻓﯾر ﻟﻬم اﻟﻣﺄﻛل‬ ‫واﻟﻣﻠﺑس واﻟﻌﻼج‪ ،‬وﻟﻛن اﻟﻌﻘل اﻷورﺑﻲ ظل ﻛﻣﺎ ﻫو ﻣﺗﺄﻣر ُﻣﺣب ﻟذاﺗﻪ ﯾﺧﺗﻠﻔون ﺣﺗﻰ‬ ‫ﯾﺻل اﻟﺧﻼف إﻟﻰ ﺣد اﻟﻘﺗﺎل ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﻬم ﻟﻛﻧﻬم ﯾﺗﻔﻘون ﻓﻲ ﻛراﻫﯾﺔ اﻹﺳﻼم واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‬ ‫واﻟﺧوف اﻟذي ﯾﺻل ﻟﺣد اﻟرﻋب ﻣن ﻫذا اﻟﻔﻛر اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟذي ﯾدﻋو ﻻﺣﺗرام اﻷﺧر‬ ‫ورﻓﻊ ﻣﺳﺗوى اﻷﺧﻼق‪ ،‬ﻫذا اﻻﺳﻼم اﻟذي ﯾﺗﺳﻠل ﻓﻲ ﻫدوء ﻓﯾﻧﺗﺷر ﺑﯾن أﺑﻧﺎﺋﻬم‬ ‫وﻣواطﻧﯾﻬم ﻓﯾدﺧﻠوﻩ ﻣﻘﺗﻧﻌﯾن ﻏﯾر ﻣﻛرﻫﯾن‪.‬‬ ‫اﻟﻣﺑﻛﯾﺎت أن ﻧﺟد ﻣن ﻣﺛﻘﻔﻲ وﻣﺗﻌﻠﻣﻲ ﺑل وﻋﻠﻣﺎء اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‬ ‫وﻣن اﻟﻣﺿﺣﻛﺎت ُ‬ ‫َﻣ ّْن ﯾﺗﻐﻧﻰ ﺑﺄﺧﻼق اﻷورﺑﯾﯾن وﺣﻔﺎظﻬم ﻋﻠﻰ ﺣﻘوق اﻹﻧﺳﺎن واﻟﺣﯾوان ﻫﻧﺎك‪ ،‬ﯾﺗﻐﻧﻰ‬ ‫ﻫذا اﻟﻣﺗُﻐﻧﻲ ﻧﺎﺳﯾﺎً ﻣﺎ ﯾراﻩ ﺑﻌﯾن رأﺳﻪ ﻣن أﻓﻌﺎﻟﻬم ﺣﺗﻰ ﻓﻲ اﻟﺑﻼد اﻟﺗﻲ اﺣﺗﻠوﻫﺎ وﻟم‬ ‫ﯾﻛن ﯾوﻣﺋذ اﺳﻼم ﻫﻧﺎك ﯾداﻓﻊ أو ُﯾﻌﻠن اﻟﺟﻬﺎد ﺿد اﻟﻐﺎﺻب اﻟﻣﺣﺗل‪ .‬ﻓﺄﺧﻼﻗﻬم ﻫذﻩ ﻟم‬

‫ﺗﻣﻧﻌﻬم ﻣن ﻗﺗل اﻷﺳرى اﻟﺑوﻟﻧدﯾﯾن وﺣرق اﻟﻔﻼﺣﯾن ﻓﻲ ﻓﯾﺗﻧﺎم وﻏﯾرﻫﺎ ﻣن ﻣﺧﺎزي‬ ‫اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺗﻲ ﻻ ﺗزال ﻣﺳﺗﻣرة ﺣﺗﻰ ﯾوم اﻟﻧﺎس ﻫذا‪.‬‬ ‫‪- ١٤٢ -‬‬


- ١٤٣ -


‫اﻟﻣﺑﺣث اﻟﺛﺎﻟث‬ ‫دﻋوة اﻟﻣﻔﻛرﯾن اﻟﻐرﺑﯾﯾن ﻟﻧﺑذ أﺳﺑﺎب اﻟﺣروب واﻻﺗﺟﺎﻩ إﻟﻰ اﻟﺗوﺣد‬ ‫ﺗﻣﻬﯾد‬ ‫ﻛﻣﺎ رأﯾﻧﺎ ﻫذا اﻟﺻراع اﻟداﻣﻲ ﺑﯾن اﻟﺑﻼد واﻟﻣﻣﺎﻟك اﻷورﺑﯾﺔ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﻬﺎ ﻓﻠم ﯾﻛن‬ ‫ﻟﯾدور ﺑﺧﻠد أﺣد أن ﯾﻧﺗﻬﻲ ﻫذا اﻟﺻراع ﻓﻲ أرﺑﻌﯾﻧﺎت اﻟﻘرن اﻟﻣﺎﺿﻲ ﻟﯾﻧﺗﻬﻲ ﺧﻼل‬ ‫ﺳﻧوات ﻗﻼﺋل ﺑﺈﻋﻼن اﻟوﺣدة اﻷورﺑﯾﺔ‪ .‬ﻫذا اﻟﻛﯾﺎن اﻷورﺑﻲ اﻟﺿﺧم اﻟذي ﯾﺿم ‪٢٥‬‬ ‫دوﻟﺔ ﻣن اﻟدول اﻷورﺑﯾﺔ ﻧﺳﯾت اﻟﺧﻼﻓﺎت اﻟﺗﻲ ﺑﯾﻧﻬﺎ وﻫذا اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻟدﻣوي ﻟﺗﺳﺗﺑدل ذﻟك‬ ‫ﺑﺎﻟﺗﻌﺎﯾش واﻻﻟﺗﺋﺎم ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﻬﺎ؛ وﻟﻘد ﻧﺟﺣت ﻫذﻩ اﻟﺗﺟرﺑﺔ ﻓﻲ ﺻﻧﺎﻋﺔ ﻧﻣوذج وﺣدوي ﺑﻌد‬ ‫ﻣراﺣل ﻛﺛﯾرة ﺗراﻛﻣت ﻓﯾﻬﺎ اﻷﺣداث واﻟﺗﻔﺎﻋﻼت اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ‪ .‬إذ‬ ‫ﻛﺎن ﻣن اﻟﺻﻌب ﻋﻠﻰ أﻛﺛر اﻟﻣﺗﻔﺎﺋﻠﯾن أن ﯾﺗﺻور أن اﻟﺗوﻗﯾﻊ ﻋﻠﻰ اﺗﻔﺎق ﻟﺗﺄﺳﯾس‬ ‫ﺳوق اﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ ﺗﺿم ﺳت دول أوروﺑﯾﺔ ﻓﻘط ﻓﻲ ﻋﺎم ‪١٩٥٧‬م‪ ،‬أي ﺑﻌد اﻧﺗﻬﺎء اﻟﺣرب‬ ‫اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ ﺑﺄﻗل ﻣن ﻋﻘد ﻣن اﻟزﻣﺎن وﻣﺎزاﻟت اﻟﺟروح ﺗﻧزف ﻟم ﯾﻛن ﻷﺣد أن ﯾﺗﺧﯾل أن‬ ‫ﻣﺟرد اﺗﻔﺎق ﺑﯾن ﺳت دول ﻓﻲ ﻣوﺿوﻋﺎت اﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ ﺳﯾﻧﺗﻬﻲ ﺑﺎﻟﺗوﻗﯾﻊ اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ اﻻﺗﺣﺎد‬ ‫اﻷورﺑﻲ‪ ،‬ﻫذا اﻻﺗﺣﺎد اﻟذي ُﯾراﻋﻲ اﻟﻔروق اﻟﻘوﻣﯾﺔ ﺑﯾن ﻛل دوﻟﺔ وأﺧرى وﻻ ُﯾﺣﺎول‬ ‫إﻟﻐﺎء ﻫذﻩ اﻟﺧﺻوﺻﯾﺎت ﺑل ﯾﻘوم ﺑدﻣﺟﻬﺎ ﻓﻲ ظل دﺳﺗور واﺣد‪.‬‬

‫ﻟم ﺗﻛن اﻟﻣؤﺷرات اﻷوﻟﻰ أو اﻟﺳواﺑق اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﺗؤﻛد ﻋﻠﻰ إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ ﻗﯾﺎم اﺗﺣﺎد‬ ‫أو ﺣﺗﻰ ﺗﻌﺎون ﺑﯾن ﺑﻼد اﻟﻘﺎرة اﻷورﺑﯾﺔ وﻟﻛﻧﻪ ﺣدث وﻣﺛّ َل ﻧﻣوذﺟﺎً ﻣﺧﺗﻠﻔﺎً وﻓرﯾداً ﻓﻲ‬

‫ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺗﺟﺎرب اﻟوﺣدوﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم أﺟﻣﻊ‪ ،‬ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑل ﻧﻣﺎذج اﻟﻔﺷل ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ‬ ‫واﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻧﻣﺎذج ﺗﻛوﯾن اﻹﻣﺑراطورﯾﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺳق اﻟﻘدﯾم ﻣﺛل اﺗﺣﺎد‬ ‫اﻟﺟﻣﻬورﯾﺎت اﻟﺳوﻓﯾﺗﯾﺔ اﻟذي ظل ﻗﺎﺋﻣﺎً ﻟﻣﺎ ﯾﻘرب ﻣن ﻧﺻف ﻗرن ﺛم ﺗﻔﺳﺧت دوﻟﻪ إﻟﻰ‬ ‫دوﯾﻼت ﺻﻐﯾرة‪ ،‬وﻏﯾرﻩ ﻣن اﻟﻧﻣﺎذج اﻟوﺣدوﯾﺔ‪ .‬أﺿف إﻟﻰ ذﻟك أن أﺣد ﻣﺻﺎدر ﺗﻣﯾز‬ ‫اﻟﺣر‪ ،‬ﺗﺳﻣﺢ ﻟﻛل دوﻟﺔ ﺑﺎﻻﻧدﻣﺎج‬ ‫اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻷوروﺑﯾﺔ ﯾﺗﻣﺛل ﻓﻲ ﺑﻧﺎء ﺻﯾﻐﺔ ﻟﻼﺧﺗﯾﺎر ُ‬ ‫اﻟﺣرة‪ ،‬أو اﻟﺗوﻗف ﻋﻧد‬ ‫ﻓﻲ ﻣﺷروع اﻟوﺣدة اﻷوروﺑﯾﺔ‪ ،‬واﻟﻣﺳﺎﻫﻣﺔ ﻓﻲ ﺑﻧﺎﺋﻪ ﺑﺈرادﺗﻬﺎ ُ‬

‫ﻣرﺣﻠﺔ ﻣﻌﯾﻧﻪ ﻣن ﻣﺳﯾرة ﺗطور ﻫذا اﻟﺑﻧﺎء‪ ،‬أو ﺣﺗﻰ اﻟﺧروج ﻣﻧﻪ إذا أرادت‪ .‬ﻓﻧﺟد‬ ‫‪- ١٤٤ -‬‬


‫اﻟﺣر وﻫو ﻫﻧﺎ ُﯾﻣﺎرس اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻘﺎﺋﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟواﻗﻊ‬ ‫اﻟﻣﺛﺎل اﻟواﺿﺢ ﻫﻧﺎ ﻣﺑدأ اﻻﺧﺗﯾﺎر ُ‬

‫ﻓﻼ داﻋﻲ ﻟوﺟود دوﻟﺔ أو ﻛﯾﺎن داﺧل أي ﻧظﺎم وﺣدوي وﻫﻲ ﺗﻌﻠم أن ﻫذا اﻟﻛﯾﺎن ﻻ‬

‫ُﯾﻣﺛﻠﻬﺎ ﻓﺎﻟﺗﺧﻠص ﻣﻧﻬﺎ أو إﺑﻌﺎدﻫﺎ إذا ﺟﺎز اﻟﺗﻌﺑﯾر أﻓﺿل ﻣن اﻟوﺟود اﻟﻘﺳري داﺧل‬ ‫اﻟﺣر ﯾﺳﻣﺢ ﺑﻣﺑدأ اﻟﺷﻔﺎﻓﯾﺔ وﻣﺑدأ‬ ‫اﻟﻛﯾﺎن اﻟوﺣدوي‪ ،‬ﻓﺿ ً‬ ‫ﻼ ﻋن أن ﻣﺑدأ اﻻﺧﺗﯾﺎر ُ‬ ‫اﻟﻣﺳﺎﺋﻠﺔ ﺑﺎﻟﺗﺄﻛﯾد ﻗﺑل أن ﺗﺄﺧذ دوﻟﺔ ﻗرارﻫﺎ ﺑﺎﻻﺑﺗﻌﺎد‪.‬‬

‫ﻫﻧﺎك ﺳﻣﺔ أﺧرى ﻣن ﺳﻣﺎت اﻻﺗﺣﺎد اﻷورﺑﻲ وﻫﻲ ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﺗطور اﻟﺑﻧﺎء‬ ‫اﻟﻬﺎدف ﻓﻲ اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻷوروﺑﯾﺔ‪ ،‬واﻟﺗﻲ ﺗﺣوﻟت ﻓﯾﻬﺎ ﻣن ﺳوق ﺗﺟﺎرﯾﺔ إﻟﻰ ﻣﺟﻣوﻋﺔ‬ ‫اﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﺛم إﻟﻰ اﺗﺣﺎد‪ .‬وﻧﺟﺣت ﻓﻲ ﺗﻘدﯾم رؤى ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺄﺛﯾر‬ ‫ﻓﻲ ﻛل ﻣرﺣﻠﺔ‪ ،‬ودﻓﻌﻬﺎ إﻟﻰ اﻷﻣﺎم ﺑﺻورة ﻟم ﺗﻛن ﻧﻘطﺔ اﻟﺑداﯾﺔ اﻟﺗﻲ اﻧطﻠﻘت ﻣﻧﻬﺎ‬ ‫ﺗُﺑﺷر ﺑﺎﻟوﺻول إﻟﻰ اﻟﺧطوة اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ‪.‬‬ ‫وﻧﺣن ﻫﻧﺎ ﺳﻧﺣﺎول أن ﻧﻌرف أو ُﻧﺣﻠل ﺑﺷﻲء ﻣن اﻟﺗﻔﺻﯾل اﻷﺳﺑﺎب اﻟداﺧﻠﯾﺔ‬

‫اﻟﺗﻲ أدت ﻟﻧﺟﺎح ﻧﻣوذج اﻟوﺣدة اﻷورﺑﯾﺔ‪ .‬ذﻟك ﺑﺻرف اﻟﻧظر ﻋن اﻟوزن اﻟدوﻟﻲ‬

‫ﻟﻼﺗﺣﺎد اﻷوروﺑﻲ‪ ،‬وﻣدي ﻗدرﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﻧﺎﻓﺳﺔ اﻟوﻻﯾﺎت اﻟﻣﺗﺣدة اﻷﻣرﯾﻛﯾﺔ ﻛﻛﯾﺎن‬ ‫ﻣوازي‪ .‬ﻫذا وﻗد ارﺗﯾﻧﺎ ﺗﻘﺳﯾم ﻫذا اﻟﻣﺑﺣث إﻟﻰ ﺛﻼث ﻧﻘﺎط اﻟﻧﻘطﺔ اﻷوﻟﻰ ﺗﺗﻛﻠم ﻋن‬ ‫ﺗﺟرﺑﺔ اﻟوﺣدة اﻷوروﺑﯾﺔ‪ ،‬واﻟﻧﻘطﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﺗﺗﻛﻠم ﻋن اﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺎت ﺻﻧﺎﻋﺔ اﻟوﺣدة‬ ‫اﻷوروﺑﯾﺔ‪ ،‬أﻣﺎ اﻟﻧﻘطﺔ اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ﻓﺗﺗﻛﻠم ﻋن اﻟﺗﺣدﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﺗواﺟﻬﻬﺎ ﺗﺟرﺑﺔ اﻟوﺣدة‬ ‫اﻷوروﺑﯾﺔ)‪.(١‬‬ ‫أوﻻً‪ :‬ﻫل أوروﺑﺎ اﻟﻣوﺣدة؛ واﻗﻊ ﺻﻧﯾﻊ اﻟﻠﺣظﺔ أم ﻋﻣﻠﯾﺔ ﺗطورﯾﺔ؟‬ ‫‪ (١‬اﻟﺧﻠﻔﯾﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟوﺣدة اﻷوروﺑﯾﺔ‬ ‫اﻟﺑﻌد اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧﻌﻧﻲ اﻟﺧﻠﻔﯾﺔ اﻟﻔﻛرﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺗﺣرك ﻣن‬ ‫ﻋﻧدﻣﺎ ﻧﺗﺣدث ﻋن ُ‬

‫ﺧﻼﻟﻬﺎ اﻟﻔﻛر اﻷورﺑﻲ ﻓﻣﻛوﻧﺎت اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻷورﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ ذﻛرﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺑﺣث ﺳﺎﺑق ﺗﻛﺎد‬ ‫ﺗﻛون ﻣﺗوﻓرة ﻓﻲ أﻏﻠب اﻟﺷﺧﺻﯾﺎت اﻷورﺑﯾﺔ‪ .‬ﻛﻣﺎ إن اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻷورﺑﻲ اﺷﺗرك ﻓﻲ ﻧوع‬ ‫واﺣد ﻣن اﻟظﻠم وﻫو ظُﻠم اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ ورﺟﺎﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻘرون اﻟوﺳطﻰ ﻓﻣن ﻫﻧﺎ ﻛﺎﻧت ﻫﻧﺎك‬ ‫‪(1) Wells, Anne Sharp (2014) Historical Dictionary of World War II: The War against‬‬ ‫‪Germany and Italy. Rowman & Littlefield Publishing. Pp160.‬‬

‫‪- ١٤٥ -‬‬


‫ﻗﺎﻋدة ﻓﻛرﯾﺔ وﺛﻘﺎﻓﯾﺔ واﺣدة أدت ﻟوﺟود اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟﻘواﺳم اﻟﻣﺷﺗرﻛﺔ ﺑﯾن اﻷورﺑﯾﯾن‪.‬‬ ‫ﻛﺛﯾر ﺿد ﻫﯾﻣﻧﺔ اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ‪ ،‬وﺿد اﻷﻓﻛﺎر‬ ‫ﻛﻣﺎ إن اﻟﻌدﯾد ﻣن ﻗﺎدة اﻟﻔﻛر اﻷورﺑﻲ ﻧﺎﺿﻠوا اً‬ ‫اﻟظﻼﻣﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎدﯾﺔ ﻟﻠﻌﻠم واﻟﺗﻘدم واﻟﺗﻲ أﻧﺗﺟت اﻟﻔﻛر اﻟﻌﻠﻣﺎﻧﻲ اﻟذي ﯾﻔﺻل اﻟدﯾن ﻋن‬ ‫اﻟﺣﻛم وﺑﯾن اﻟدﯾن وﻣﺟرﯾﺎت اﻟﺣﯾﺎة؛ ﻛﻣﺎ أن اﻟﺛورات اﻟﺑرﺟوازﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺷﻬدﺗﻬﺎ أوروﺑﺎ‬ ‫ُ‬

‫ﺑﺻور ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻗﺑل وﺑﻌد اﻟﺛورة اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ﺳﻧﺔ ‪١٧٨٩‬م واﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻓﻲ ﻣﺟﻣﻠﻬﺎ ﺗﻬدف‬ ‫ﻟﺑﻧﺎء ﻧﻣوذج ﻟﯾﺑراﻟﻲ ﻋﺻري ﻛﺎﻧت ﻣن اﻟﺳﻣﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﺷﻬدﺗﻬﺎ ﻣﻌظم ﺑﻠدان اﻟﻘﺎرة‬ ‫اﻷوروﺑﯾﺔ ﻣﻧذ اﻟﻘرن اﻟﺳﺎﺑﻊ ﻋﺷر وﺣﺗﻰ اﻟﻘرن اﻟﺗﺎﺳﻊ ﻋﺷر‪ .‬ﺣﯾث رأﯾﻧﺎ ﻛل اﻟﺛورات‬ ‫اﻟﺣﻛم واﻟﻣﻣﺎﻟك‬ ‫اﻷورﺑﯾﺔ ﻧﺎﺑﻌﺔ ﻓﻲ اﻷﺳﺎس ﻣن ﻣﺑﺎدئ اﻟﺛورة اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ﺣﺗﻰ أﻧظﻣﺔ ُ‬

‫اﻷورﺑﯾﺔ ﻏﯾرت وﺿﻌﻬﺎ ﻟﺗﺗواﻓق ﻣﻊ ﻣوﺟﺔ اﻟﺗﺣرر اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻣن ﻓرﻧﺳﺎ ﻓﺄﺻﺑﺣت اﻟﻣﻠﻛﯾﺔ‬ ‫إﻣﺎ َﻣﻠﻛﯾﺔ ﺑرﻟﻣﺎﻧﯾﺔ أو َﻣﻠﻛﯾﺔ دﺳﺗورﯾﺔ وﻫذﻩ اﻟﻣﺳﺗﺟدات ﻓﻲ ُﻣﺟﻣﻠﻬﺎ ﺗﺣد ﻣن ﺳﻠطﺎت‬ ‫اﻟﻣﻠك ﻓﻧرى اﻟﻣﻠك ﻟﻪ ﺑﻌض اﻟﺳﻠطﺎت وﯾﺗﻘﺎﺳم اﻟﺣﻛم ﻣﻊ آﺧرﯾن ﻫم ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ‬ ‫ُﻣﺧﺗﺎرﯾن ﻣن اﻟﺷﻌب‪ .‬وﻣن ﻫﻧﺎ‪ ،‬ﯾﻣﻛن اﻟﻘول إن اﻟﻐرب اﻷوروﺑﻲ ﻗد اﻣﺗﻠك ﻣﻛوﻧﺎت‬ ‫اﻟﻣطﻠﻘﺔ‬ ‫ﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﻣﺷﺗرﻛﺔ ﻣﻧذ ظﻬور اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ‪ ،‬وﻣرو اًر ﺑﻬﯾﻣﻧﺔ رﺟﺎل اﻟدﯾن واﻟﻣﻠﻛﯾﺎت ُ‬ ‫ﻓﻲ اﻟﻘرون اﻟوﺳطﻲ‪ ،‬واﻧﺗﻬﺎء ﺑﺳﯾﺎدة اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻔردﯾﺔ واﻟﻘﯾم اﻟﻠﯾﺑراﻟﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺻور‬ ‫اﻟﺣدﯾﺛﺔ‪ ،‬واﻟﺗﻲ ﺷﻛﻠت اﻟﻘﺎﻋدة اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ اﻟﻣﺷﺗرﻛﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻷورﺑﻲ)‪.(١‬‬ ‫ﻫذﻩ اﻟﻣﻛوﻧﺎت واﻟﻘﺎﻋدة اﻟﻣﺷﺗرﻛﺔ ﻛﺎﻧت ﻧﻘطﺔ اﻻﻧطﻼق اﻷوﻟﻲ ﻧﺣو ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺗطور‬ ‫اﻟﺣﺿﺎري واﻟﺛﻘﺎﻓﻲ اﻷوروﺑﻲ‪ ،‬وﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻫذﻩ اﻟﺗﺟﺎرب اﺧﺗﻠﻔت ﺑﯾن دوﻟﺔ وأﺧرى‬ ‫ﻓﺎﻻﻧﺗﻘﺎل إﻟﻰ اﻟﻌﻠﻣﺎﻧﯾﺔ أو ﺗﻘدﯾس اﻟﺣرﯾﺔ اﺧﺗﻠﻔت وﺳﺎﺋﻠﺔ وأدواﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﻣﺟر أو‬ ‫اﻟدﻧﻣﺎرك ﻋﻧﻪ ﻓﻲ ﻓرﻧﺳﺎ وﻟﻛن ﺗظل ﻫﻧﺎك ﻣﺷﺗرﻛﺎت ﻛﺛﯾرة؛ ﻫﻧﺎك ﻋﺎﻣل أﺧر وﻫو‬ ‫اﻟﺗﻘﺎرب ﺑﯾن اﻟﻠﻐﺎت اﻷورﺑﯾﺔ ﻓﻛل اﻟﻠﻐﺎت اﻷورﺑﯾﺔ ﻟﻬﺎ أﺻول ﻣﺷﺗرﻛﺔ ﻣﺛل اﻟﻼﺗﯾﻧﯾﺔ‪،‬‬ ‫واﻟﺟرﻣﺎﻧﯾﺔ…اﻟﺦ‪ .‬ﻫذا ﺟﻌل اﻟﺷﻌوب اﻷورﺑﯾﺔ ﺗﺗﻘﺎرب ﻓﻲ أﻏﻠب اﻟﺟواﻧب اﻟﻔﻛرﯾﺔ‪ .‬ﻣن‬ ‫ﺧﻼل ﻫذا اﻟﻣﻔﻬوم وﺑﻌد اﻟﻌﺻور اﻟداﻣﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻣرت ﺑﻬﺎ اﻟﺷﻌوب اﻷورﺑﯾﺔ ﻛﺎﻧت ﻓﻛرة‬ ‫اﻻﺗﺣﺎد اﻷورﺑﻲ اﻟذي ﯾﺗرك ﻟﻛل ﺑﻠد ﻫوﯾﺗﻪ وﺛﻘﺎﻓﺗﻪ وطرﯾﻘﺔ ﺣﻛﻣﻪ ﺛم ﯾﻛون ﻫﻧﺎك إطﺎر‬ ‫ﻋﺎم ﻟﻠﺗوﺣد ﻻ ﯾﺗم ﻓﯾﻪ اﻧﻛﺎر ﻫذﻩ اﻟﺧﺻوﺻﯾﺎت وﺗﻛون ﻛل دوﻟﺔ داﻋﻣﺔ ﻟﻸﺧرى ﺑدﻻً‬ ‫‪(1) Michael Meyer , The Death ( and) Birth of Europe , Newsweek ,23/12/2002 p140.‬‬

‫‪- ١٤٦ -‬‬


‫ﻣن أن ﺗﻛون ﻛل دوﻟﺔ ﻣﻧﺎﻓﺳﺔ وﻣﺗﺻﺎرﻋﺔ ﻣﻊ اﻻﺧرى؛ ﻫذﻩ اﻟﻣﺷﺗرﻛﺎت اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﺗم‬ ‫ﻣﺑرر ﻟﻬﺎ ﻏﯾر ﺗﺣﻘﯾق رﻏﺑﺎت‬ ‫ﺣﺟﺑﻬﺎ ﻋن اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻷورﺑﻲ ﺑﻔﻌل ﺣروب ﻟم ﯾﻛن ﻫﻧﺎك‬ ‫اً‬ ‫وطﻣوﺣﺎت اﻟﺣﻛﺎم واﻟﻣﻠوك‪ .‬ﻟذﻟك ﻛﺎن ﻣن أﻫم ﻧﺗﺎﺋﺞ اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻫﻲ‬ ‫اﻧﻬﺎك اﻟﺷﻌوب اﻷورﺑﯾﺔ وﺟﻌل ﻛل اﻷﻓراد ﯾﺗﺳﺄﻟون ﻟﻣﺎذا ﻧﺣﺎرب وﻣﺎ ﻫﻲ ﻧﺗﺎﺋﺞ‬ ‫اﻟﺻراﻋﺎت؟ ﻟﺗﻛون اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻻ ﺷﻲء ﺛم ﯾﻌرج اﻟﺟﻣﯾﻊ ﻟﻠﺳؤال ﻟﻣﺎذا ﻻ ﻧﺗﻌﺎون‪.‬‬ ‫ﻣن ﺧﻼل ﻫذا اﻟﻣﻧظور اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ ُﯾﻣﻛن ﻓﻬم ﺣﺎﻟﺔ اﻻﻧﻬﯾﺎر اﻟﺳرﯾﻊ ﻟﻠﻘطﯾﻌﺔ ﺑﯾن‬

‫ﺑﻠدان أوروﺑﺎ اﻟﺷرﻗﯾﺔ واﻟﻐرﺑﯾﺔ ﺑﻌد ﺳﻘوط ﺣﺎﺋط ﺑرﻟﯾن ﻷن ﻋدم وﺟود اﻟﻘطﯾﻌﺔ )ﺣﺎﻟﺔ‬ ‫اﻻﻧﻔﺻﺎل( ﻣﻌﻧﺎﻩ اﻟﻌودة إﻟﻰ اﻟوﺿﻊ اﻟطﺑﯾﻌﻲ اﻟذي ﻛﺎن ﺳﺎﺋداً ﺑﯾن اﻟﺟﺎﻧﺑﯾن ﻗﺑل‬ ‫اﻟﺑﻌض أﻧﻪ ُﯾﻣﻛن ﻓﻘط ﻟﻠﺣﻘل أو‬ ‫ﺗﻘﺳﯾﻣﺎت اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬واﻟﺗﻲ ﺗﺻور‬ ‫ُ‬ ‫اﻟﻣﻧﺎخ اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ـ اﻟﻣﺗﻣﺛل ﻓﻲ اﻟﻣﺎرﻛﺳﯾﺔ ـ أن ﯾﻣﻧﻊ ﺗﻠك اﻟﺑﻠدان ﻣن ﺗطورﻫﺎ‬

‫اﻟطﺑﯾﻌﻲ واﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ‪ ،‬اﻟذي ﻟم ﯾﺧﺗﻠف ﻛﺛﯾ اًر ﻗﺑل اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻋن ﺑﺎﻗﻲ‬ ‫اﻟﺑﻠدان اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻓﻲ أوروﺑﺎ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺟواﻧﺑﻪ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ‪ ،‬ﺣﯾث ﻛﺎﻧت اﻷﺣزاب اﻟﺷﯾوﻋﯾﺔ‬ ‫ﻓﻲ ﺑﻠدان أوروﺑﺎ اﻟﺷرﻗﯾﺔ ﺗﺣﺻل ﻋﻠﻲ ﻧﺳب ﻗرﯾﺑﺔ ﻣن ﺗﻠك اﻟﺗﻲ ﯾﺣﺻل ﻋﻠﯾﻬﺎ رﻓﺎﻗﻬﺎ‬ ‫ﻓﻲ ﻓرﻧﺳﺎ ٕواﺳﺑﺎﻧﯾﺎ وﻏﯾرﻫﺎ ﻣن دول أوروﺑﺎ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻗﺑل أن ﯾﻔرض اﻟﺟﯾش اﻷﺣﻣر‬

‫وﺻول ﻫذﻩ اﻷﺣزاب إﻟﻰ ُﺣﻛم ﺗﻠك اﻟﺑﻼد‪.‬‬

‫ﺑﺎﻟﻔﻌل ﻋﺎدت دول أورﺑﺎ اﻟﺷرﻗﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﺣﺎﺿﻧﺔ اﻷورﺑﯾﺔ ﺑﻌد اﻧﻬﯾﺎر ﺣﺎﺋط ﺑرﻟﯾن ﻟﺗﻌود‬ ‫ﺑرﻟﯾن ﻛﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﺑرﻟﯾن واﺣدة وﺗﺟر ﻣﻌﻬﺎ ﺑﻘﯾﺔ اﻟدول اﻷورﺑﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﺗوﺣد اﻟطﺑﯾﻌﻲ‪.‬‬

‫‪ (٢‬طﺑﯾﻌﺔ اﻟوﺣدة اﻷورﺑﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑل اﻟﻧﻣﺎذج اﻟﻌرﺑﯾﺔ‬ ‫ﻧﺣن اﻟﻌرب واﻟﻣﺳﻠﻣون ﻧﻌﺗﻘد أن اﻟوﺣدة ﺗﻌﻧﻲ ﺑﻠد واﺣد ودوﻟﺔ واﺣدة وﺟﯾش‬ ‫واﺣد إﻟﻰ ﺑﻘﯾﺔ ﻫذﻩ اﻟﻣﻔردات وﻟﻛن اﻟﻔﻛر اﻷورﺑﻲ ﻛﺎن ﻣﺧﺗﻠﻔﺎً ﻛﺛﯾ اًر ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻧﻘﺎط؛‬ ‫ﻓﻣن اﻟﺻﻌب اﻋﺗﺑﺎر ﺗﺟرﺑﺔ اﻟوﺣدة اﻷوروﺑﯾﺔ ﺗﺟرﺑﺔ وﺣدوﯾﺔ ﺑﺎﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟذي ﻋرﻓﻧﺎﻩ ﻓﻲ‬ ‫ﺑﻼد اﻟﻌرب‪ ،‬ﺗﻣﺎﻣﺎ ﻣﺛﻠﻣﺎ ﯾﺻﻌب وﺻﻔﻬﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻧﺗﺎج ﻟﻠﻔﻛر اﻟﻘوﻣﻲ اﻷوروﺑﻲ ﻛﻣﺎ ﺣدث‬ ‫‪- ١٤٧ -‬‬


‫أﯾﺿﺎ ﻓﻲ اﻟﺣﺎﻟﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ؛ ﻓﻘد اﻧطﻠﻘت اﻟوﺣدة اﻷورﺑﯾﺔ ﻣن اﻟواﻗﻊ اﻟﻌﻣﻠﻲ واﻟﻣؤﺳﺳﻲ‬ ‫اﻟﻣﻌﺎش ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻷورﺑﻲ ﻣن أﺟل ﺑﻧﺎء ﻫرم اﻟوﺣدة اﻷورﺑﻲ ﻣن اﻟﻘﺎﻋدة‬ ‫اﻟﻣوﺟود و ُ‬ ‫إﻟﻰ اﻟﻘﻣﺔ؛ ﻟﺗﻛون اﻟﻣؤﺳﺳﺎت ﻫﻲ اﻷم واﻟواﻟد اﻟطﺑﯾﻌﻲ ﻟﻠﻣؤﺳﺳﺎت اﻷورﺑﯾﺔ اﻟوﺣدوﯾﺔ؛‬ ‫ﻛﺎﻧت اﻟﻣؤﺳﺳﺎت اﻷورﺑﯾﺔ رﻏم وﺟود اﻟﺣدود اﻟﺟﻐراﻓﯾﺔ إﻻ أﻧﻬﺎ ﺗﻌﻣل ﻣن ﻣﻧطﻠﻘﺎت‬ ‫ﻓﻛرﯾﺔ واﺣدة‪.‬‬ ‫ﻣن ﻫذا اﻟﻣﻧظور وﻣن ﻫذا اﻟﻣﻧظور ﺗﺣدﯾداً ُﯾﻣﻛن ﻓﻬم ﺳﺑب اﻟﻧﺟﺎح ﻫﻧﺎك‬

‫وﺳﺑب اﻟﻔﺷل ﻫﻧﺎ ﺳﺑب ﻧﺟﺎح أورﺑﺎ وﻓﺷل اﻟﺑﻼد اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻓﻲ إﯾﺟﺎد ﻧﻣوذج وﺣدوي‬ ‫اﻟﻣﻌﺎش‪ ،‬وﻟم ﺗﺗﺟﺎﻫل‬ ‫ﺗﺣت أي راﯾﺔ ﻣن اﻟراﯾﺎت‪ .‬ﻓﺄوروﺑﺎ ﻟم ﺗﺗﻌﺎل ﻋن ﺗﻔﺎﺻﯾل اﻟواﻗﻊ ُ‬ ‫ﻣﻧذ اﻟﺑداﯾﺔ اﻟﺗﺑﺎﯾﻧﺎت‪ ،‬ﺑل وأﺣﯾﺎﻧﺎ اﻟﺗﻧﺎﻗﺿﺎت‪ ،‬اﻟﻣوﺟودة ﺑﯾن ﻛل دوﻟﻬﺎ ﺗﺣت ﺷﻌﺎرات‬ ‫اﻷﺧوة اﻷوروﺑﯾﺔ أو اﻟﻣﺻﯾر واﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻷوروﺑﻲ اﻟﻣﺷﺗرك‪ ،‬إﻧﻣﺎ اﻋﺗرﻓت ﺑﻬﺎ واﻋﺗﺑرت‬ ‫اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟواﻗﻌﻲ ﻣﻌﻬﺎ ﻫو ﻧﻘطﺔ اﻻﻧطﻼق ﻟﺗﺄﺳﯾس ﻣﺷروع اﻟوﺣدة اﻷوروﺑﯾﺔ‪ ،‬اﻟذي ﻟم‬ ‫ﯾﺣﻛﻣﻪ اﻟﺷﻌﺎر اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ إﻧﻣﺎ اﻹﻧﺟﺎز اﻻﻗﺗﺻﺎدي واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ واﻟﺛﻘﺎﻓﻲ اﻟذي‬ ‫ﺣﻛﻣﻪ إطﺎر وﺗﺻور ﺳﯾﺎﺳﻲ واﺳﻊ‪ ،‬وﻟﯾس ﻧﺻﺎً أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ ﻣﻐﻠﻘﺎً‪ .‬أي أن اﻟﺟﺎﻧب‬ ‫اﻻﻗﺗﺻﺎدي اﻟﻌﻣﻠﻲ ﻫو اﻟذي ﻛﺎن ﯾﻐﻠب ﻋﻠﻰ دﻋوات اﻟوﺣدة اﻷورﺑﯾﺔ وﻟﯾﺳت ﺷﻌﺎرات‬ ‫اﻟﻘوﻣﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻔﺎرﻏﺔ ﻣن أي ﻣﺿﻣون ﻋﻣﻠﻲ ﺣﻘﯾﻘﻲ؛ وﻧﺣن ﻧﻌﻠم ﻣدى أﻫﻣﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣل‬ ‫اﻻﻗﺗﺻﺎدي ﻛدﻟﯾل ﻛﺑﯾر إن ﻟم ﯾﻛن ﻫو اﻟدﻟﯾل اﻟوﺣﯾد ﻋﻠﻰ ﻧﺟﺎح أي ﻧظﺎم ﻟﻠﺣﻛم ﻣﻧذ‬ ‫اﻟﻘدم وﺣﺗﻰ ﯾوﻣﻧﺎ ﻫذا‪.‬‬ ‫ﻟم ُﯾﻧﻛر اﻟﻣؤﺳﺳون ﻟﻬذا اﻟﻛﯾﺎن اﻷورﺑﻲ اﻟﺿﺧم ﻣﻧذ اﻟﺑداﯾﺔ وﺟود ﻫذﻩ‬

‫اﻻﺧﺗﻼﻓﺎت أو ﺣﺗﻰ اﻟﺗﻧﺎﻗﺿﺎت ﺑﯾن اﻟﺛﻘﺎﻓﺎت اﻷورﺑﯾﺔ وﻟﻛن ﺗﻌﺎﻣﻠوا ﻣﻌﻬﺎ ﻛﺄﻣر واﻗﻊ‬ ‫ﻣوﺟود؛ واﻟﻣﻬﺎرة ﯾﺟب أن ﺗﻧﺻب ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻌﻪ‪ ،‬وﻟﯾس ﻹﺑراز ﻫذﻩ اﻟﺧﻼﻓﺎت ﺣﺗﻰ‬ ‫ﺗُﺧﻔﻲ ﺧﻠﻔﻬﺎ ﻛل ﻧﻘﺎط اﻟﺗواﻓق؛ وﻟﻌل ﻫذا ﻣﺎ ﺟﻌل ﻣﺷروع اﻟوﺣدة اﻷوروﺑﯾﺔ ﻣﻧذ‬ ‫اﻧطﻼﻗﻪ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪١٩٥٧‬م‪ ،‬وﻫو وﺣﺗﻰ ﻫذﻩ اﻟﻠﺣظﺔ ُﯾﺣﺎول ﺻﯾﺎﻏﺔ واﻗﻊ أوروﺑﻲ ﺟدﯾد‬

‫وﻣن ﺛم ﻓﻧﺣن ﻧراﻩ ﯾﺗﺟﻪ ﻧﺣو اﻟﺻﻌود واﻟﺗطور ﺑﺷﻛل ﻣﺗدرج وﺑﻧﺎء ﻣﻌﺎﯾﯾر أوروﺑﯾﺔ‬ ‫ظﻣﻬﺎ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ‬ ‫ﺷﺑﻪ ﻣوﺣدة ﺗُﺣﺎول ﻛل دوﻟﺔ أورﺑﯾﺔ أن ﺗُ ﱢﻛﯾف ُﻧ ّْ‬ ‫‪- ١٤٨ -‬‬


‫واﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ وﻓﻘﺎً ﻟﻬذا اﻟﻣﺷﺗرك اﻟرﺣب اﻟﻣﺗﺳﻊ)‪ .(١‬ﺗﻣﯾزت ﺗﻠك اﻟﻣﻌﺎﯾﯾر ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺗدﺧل‬ ‫ﻣﺑﺎﺷرة ﻓﻲ ﻧﺳﯾﺞ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ‪ ،‬وﺗﻌﻣل ﻋﻠﻰ ﺿﺑط أداء ﻣؤﺳﺳﺎﺗﻪ وﻓق ﻣﻌﺎﯾﯾر ﺗﻔﺻﯾﻠﯾﺔ‬ ‫ﺷﺎرك ﻓﻲ ﺻﯾﺎﻏﺗﻬﺎ ﺧﺑراء وﻣﺗﺧﺻﺻون ﻣن اﻟدول اﻷوروﺑﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻬﻧﺎك ﻣﻌﺎﯾﯾر ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ‬ ‫ﺗﺧص ﻗﺿﺎﯾﺎ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ وﺣﻘوق اﻹﻧﺳﺎن‪ ،‬وأﺧرى اﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ ﻻ ﺗﺗﻌﻠق ﻓﻘط ﺑﻣﺳﺗوى‬ ‫ﻣﻌﯾن ﻣن اﻟﻧﻣو اﻻﻗﺗﺻﺎدي‪ٕ ،‬واﻧﻣﺎ أﯾﺿﺎ ﺑﻘواﻧﯾن ﺗﺧص اﻹﻋﻔﺎءات اﻟﺟﻣرﻛﯾﺔ ﺑﯾن‬ ‫اﻟدول اﻷﻋﺿﺎء واﻟﺳوق اﻟﻣﺷﺗرﻛﺔ‪ ،‬وﺑﻘواﻧﯾن ﺗﻧظﯾم ﺗﺻدﯾر اﻟﺣﺎﺻﻼت اﻟزراﻋﯾﺔ ﺑﯾن‬

‫اﻟدول اﻷﻋﺿﺎء وﻋﻣﻠﯾﺔ ﺻﯾد اﻷﺳﻣﺎك‪ ،‬وأﺧﯾ اًر ﻗواﻧﯾن ﺗُﻧظم ﺣرﯾﺔ اﻟﻣﻌﻠوﻣﺎت واﻹﻋﻼم‬

‫واﻷﻧﺷطﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ واﻟﺗﻌﻠﯾم‪ .‬ﻫذا اﻟﻧﺟﺎح ﻓﻲ اﻟﺑداﯾﺔ ﺷﺟﻊ ﻋﻠﻰ ﻧﺟﺎﺣﺎت أﺧرى ﻻﺣﻘﺔ‪.‬‬ ‫ﻣن ﻫﻧﺎ أﺻﺑﺣت ﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟوﺣدة ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻣﺟﺗﻣﻌﯾﺔ وﻟﯾﺳت ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻧﺧﺑوﯾﺔ؛ أي أن ﻣﺳﺄﻟﺔ‬ ‫اﻟوﺣدة ﺗُﺧﺎطب اﻟﺷﻌوب وﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﺷﻌوب ﻓﺷﻌر ﺑﻬﺎ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ وأﻗﺑل ﻋﻠﯾﻬﺎ وﺗﻌﺎﻣل‬

‫ﻣﻌﻬﺎ‪ .‬أي أن اﻹطﺎر اﻟﻌﺎم ﻟﻼﺗﺣﺎد اﻷورﺑﻲ أﺻﺑﺢ ﻣطﻠب ﺷﻌﺑﻲ وﻟﯾس ﻣطﻠب ﻧﺧﺑوي‬ ‫أو اﻏﺎﻧﻲ ﺗُﻣﺟد ﻓﺗرات ﺳﺎﺑﻘﺔ أو ﺑطوﻻت ﻻ ﯾرى اﻟﻧﺎس ﻟﻬﺎ أﺛر ﻓﻲ واﻗﻊ اﻟﺣﯾﺎة‪.‬‬ ‫ﻋﻧﺎ ﻧﻧظر ﻫﻧﺎك ﺛم ﻧﻌود ﻟﻠﻧظر ﻫﻧﺎ وﻧﺳﺄل اﻟﺳؤال اﻟﻣﻌﻬود ﻟﻣﺎذا ﻓﺷﻠﻧﺎ؟‬ ‫رﻏﻣﺎً ّْ‬

‫ﻓﻘد ﺑدأت ﺗﺟﺎرب اﻟوﺣدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬واﻟﺧطﺎب اﻟﻘوﻣﻲ اﻟﻌرﺑﻲ أﯾﺿﺎً‪ ،‬وﻛﺄﻧﻪ ﻗﺿﯾﺔ‬ ‫ﻧﺧﺑوﯾﺔ ﺗُﻌﺎﻟﺞ اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟ ُﻛﺑرى ﻟﻸﻣﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻛﺎﻟﻧﻬﺿﺔ وﺗﺣرﯾر ﻓﻠﺳطﯾن وﺑﻧﺎء دوﻟﺔ‬ ‫اﻟﺑﻌد ﻋن ﻣﺻﺎﻟﺢ وﻣﺷﺎﻛل اﻟﻧﺎس اﻟﯾوﻣﯾﺔ‪،‬‬ ‫اﻟوﺣدة؛ ﻫذﻩ اﻟﺷﻌﺎرات اﻟﺟﻣﯾﻠﺔ ﺑﻌﯾدة ﻛل ُ‬ ‫ﻓﻬذﻩ اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ ﺗﻬم ﻓﺋﺔ ﻗﻠﯾﻠﺔ ﻣن ﻛل اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻌرﺑﻲ‪ .‬وذروﻧﺎ ﻧزﻋم أن ﻓﺷل ﺗﺟرﺑﺔ‬

‫اﻟوﺣدة اﻟﻣﺻرﯾﺔ اﻟﺳورﯾﺔ ﯾﻌﻛس ﻫذﻩ اﻷزﻣﺔ ﺑوﺿوح‪ ،‬ﻓرﻏم اﻛﺗﻣﺎل ﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻣﻌﺎﯾﯾر‬ ‫اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻟﻬذﻩ اﻟﺗﺟرﺑﺔ‪ ،‬وﻣن ﺑﯾﻧﻬﺎ اﻟﺷﻌﺑﯾﺔ اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﻟﻠراﺣل ﻋﺑد اﻟﻧﺎﺻر ﻓﻲ ﻣﺻر‬ ‫اﻟﻣﻌﻠن‬ ‫وﺳورﯾﺎ ووﺟود ﻣﺧﺎطر ﺣﻘﯾﻘﯾﺔ ﺗﺣﯾط ﺑﺎﻟﺑﻠدﯾن‪ ،‬أﻫﻣﻬﺎ اﻟﺧطر اﻟﺻﻬﯾوﻧﻲ ُ‬ ‫ﺑﺄرض اﻟﻣﯾﻌﺎد ﻣن اﻟﻧﯾل إﻟﻰ اﻟﻔرات؛ إﻻ أن اﻟذﯾن ﺻﺎﻏوا ﻫذﻩ اﻟوﺣدة ﺗﺟﺎﻫﻠوا ﻋن‬ ‫ﻋﻣداً أو ﻋن ﺟﻬل اﻟواﻗﻊ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ واﻟﺳﯾﺎﺳﻲ واﻟﺛﻘﺎﻓﻲ واﻻﻗﺗﺻﺎدي اﻟذي ﯾﻌﯾﺷﻪ‬ ‫اﻟﺷﻌﺑﺎن‪ ،‬واﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻌﻬﻣﺎ ﻛﺄﻧﻬﻣﺎ ﺷﻌب واﺣد وﻛﯾﺎن واﺣد ﻓﻲ أﻣﺔ ﻋرﺑﯾﺔ واﺣدة ﺟزأﻫﺎ‬ ‫"ﺻﻧﻊ اﻟﻘرار ﻓﻲ اﻻﺗﺣﺎد اﻷورﺑﻲ واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻷورﺑﯾﺔ"‪ ،‬ﻣرﻛز‬ ‫)‪ (١‬ﻣﺣﻣد ﻣﺻطﻔﻰ ﻛﻣﺎل‪ ،‬وﻣﺣﻣد ﻧﻬرا‪ُ ،‬‬ ‫دراﺳﺎت اﻟوﺣدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺑﯾروت ‪٢٠٠٤‬م ص‪.٦٤‬‬

‫‪- ١٤٩ -‬‬


‫اﻻﺳﺗﻌﻣﺎر‪ ،‬ﻫذا اﻷﻣر أدى ﻻﺧﺗزال ﻣﺷروع اﻟوﺣدة ﻓﻲ ﺟواﻧﺑﻪ اﻟﻧﺧﺑوﯾﺔ وظل ُﯾﺧﺎطب‬

‫ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﺟﺎﻟﺳﯾن ﻓﻲ ﻗﻣﺔ اﻟﻬرم اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ وﻟم ﯾرى رﺟل اﻟﺷﺎرع اﻟﺑﺳﯾط ﻣن‬ ‫ﺗﺄﺛﯾر ﻫذﻩ اﻟوﺣدة ﻋﻠﻰ ﺣﯾﺎﺗﻪ ﺷﻲء‪.‬‬ ‫ﻟﻘد اﻋﺗرف اﻟﻣؤﺳﺳون ﻫﻧﺎك ﺑﺎﻻﺧﺗﻼﻓﺎت ﺑﯾن اﻟدول اﻷﻋﺿﺎء ﻛﺣﻘﯾﻘﺔ واﻗﻌﺔ وﻟم‬ ‫ُﯾﻧﻛروﻫﺎ ﺑﺎﻟﺿﺑط ﻛﺿرورة اﻻﻋﺗراف ﺑﯾن اﻟزوﺟﯾن اﻟذﻛر واﻷﻧﺛﻰ أﻣﺎ إذا اﻧﻛرﻧﺎ ﻫذا‬

‫اﻻﺧﺗﻼف ﻓﻠن ﻧﺳﺗطﯾﻊ أن ﻧوﺟد أﺑﺳط أﻧواع اﻟﺗﻌﺎون ﺑﯾن اﻟﻧوﻋﯾن ﻓﺿﻼً ﻋن اﻟﺗﻌﺎون‬

‫ﺿرة اﻟﺗﻲ ﺗوﺷك أن ﺗﻣوت وﺗُﺻﺑﺢ أﺛر ﺑﻌد ﻋﯾن‪ .‬ﻫذﻩ‬ ‫اﻟﻣﺣﺗَ َ‬ ‫ﺑﯾن ﻫذﻩ اﻷﻧظﻣﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ُ‬ ‫اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم ﻫﻲ اﻟﺗﻲ أﺟﻬﺿت اﻟﻣﺷﺎرﯾﻊ اﻟﻘوﻣﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻣﺗﺗﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬وأدت ﺑﻬﺎ إﻟﻰ‬

‫اﻻﻧﺗﻛﺎس واﻟﺗراﺟﻊ‪ ،‬ﻷﻧﻬﺎ اﺧﺗزﻟت ﻧﻔﺳﻬﺎ ﻓﻲ اﻷدﺑﯾﺎت اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ دون أن ﺗُﺣﺎول‬ ‫اﻻﻗﺗراب ﻣن اﻟواﻗﻊ‪ ،‬ﻟﺗﻌرف أن اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ ﺑﻪ ﺗﺑﺎﯾﻧﺎت ﻛﺛﯾرة ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت‬ ‫اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ‪ ،‬وأن اﻻﻋﺗراف ﺑﻬذﻩ اﻟﺗﺑﺎﯾﻧﺎت ﯾﻔﺗﺢ اﻟﺑﺎب أﻣﺎم‬ ‫اﻛﺗﺷﺎف اﻟوﺳﺎﺋل اﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺔ ﻟﺗﻘﻠﯾﺻﻬﺎ‪.‬‬ ‫ﻓﻲ اﻟﺣﺎﻟﺔ اﻷوروﺑﯾﺔ ﻛﺎن اﻟوﺿﻊ ﻣﺧﺗﻠف ﺗﻣﺎﻣﺎً ﻓﻛﻣﺎ ﯾرى ﺟﯾن ﻣوﻧت ) ‪Jean‬‬ ‫اﻟﻣﺑﻛرة‬ ‫‪ ،(Monnet‬ﻓﻘد ﺗم ﺻﻧﺎﻋﺔ اﻟوﺣدة ﻣن ﺧﻼل ﺻﻧﺎﻋﺔ اﻟوﻋﻲ ﺑﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﺑداﯾﺎت ُ‬

‫ﻟﻠﺣدﯾث ﻋن اﻟوﺣدة اﻷوروﺑﯾﺔ واﻟوﻋﻲ اﻷوروﺑﻲ‪ .‬ووﻓق ﺗﻌﺑﯾر ﻣوﻧت ﻓﺈن أوروﺑﺎ ﻟم‬

‫ﺗوﺟد أﺑداً‪ ،‬ﻓﻠﯾس اﻧﺿﻣﺎم دول ﻛﺎﻣﻠﺔ اﻟﺳﯾﺎدة ﻟﻼﺟﺗﻣﺎع ﻓﻲ داﺧل ﻫﯾﺋﺔ ﻫو اﻟذي‬

‫ﯾﺻﻧﻊ ﻫوﯾﺗﻬﺎ‪ .‬ﻓﺎﻟﻬوﯾﺔ اﻟﻔردﯾﺔ ﻟﻛل ﺑﻠد أورﺑﻲ ﻣﺣﻔوظﺔ)‪ .(١‬وﻫذا رﺑﻣﺎ ﻣﺎ ﺣدث ﻣﻊ‬ ‫ﺗﺟرﺑﺔ اﻟوﺣدة اﻷوروﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺻﻧﻌﻬﺎ اﻟﺳﺎﺳﺔ واﻻﻗﺗﺻﺎدﯾون اﻷورﺑﯾون‪ ،‬وﻋرﻓت‬ ‫ﺗﺣوﻻت ﻣﺗﻌددة ﻣﻧذ اﻧطﻼق ﻗطﺎر اﻟوﺣدة اﻷوروﺑﯾﺔ ﻓﻲ ﺳﻧﺔ ‪١٩٥٧‬م وأدت ﻓﻲ‬ ‫اﻟﻧﻬﺎﯾﺔ إﻟﻰ وﺟود ﻛﯾﺎن ﻣﺎ ُﯾﺳﻣﻲ ﺑﺎﻻﺗﺣﺎد اﻷوروﺑﻲ اﻟذي وﺿﻊ ﻣﻌﺎﯾﯾرﻩ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ‬

‫واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﻪ‪ ،‬وﯾﺳﻌﻰ أﯾﺿﺎ ﻟوﺿﻊ ﻣﻌﺎﯾﯾر أوروﺑﯾﺔ ﻣوﺣدة‬ ‫ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻷﻗطﺎب واﻟدول اﻷﺧرى؛ ﻓﺎﻟﻬوﯾﺔ اﻟﻣﺣﻠﯾﺔ ﻛﺎﻧت ﺗطور ﻣﻊ ﺧﻠق‬ ‫اﻟﻬوﯾﺔ اﻷورﺑﯾﺔ؛ وﻗد ﺗﻣﯾزت ﺗﻠك اﻟﻣﻌﺎﯾﯾر ﺑﺎﻟﻣروﻧﺔ واﻟدﯾﻧﺎﻣﯾﻛﯾﺔ‪ ،‬ﺣﯾث ﺗﻐﯾرت ﻣن‬

‫)‪(١‬ﻣﺣﻣد ﺳﻌﯾد ﻋﻣﯾرة ‪" ،‬واﻗﻊ وآﻓﺎق ﻣﺎﺳﺗرﺧﯾت"‪ ،‬ﻋﻣﺎن ‪٢٠٠٢‬م‪ ،‬ص ‪.٣٠‬‬

‫‪- ١٥٠ -‬‬


‫ﻣرﺣﻠﺔ إﻟﻰ أﺧرى‪ ،‬وﻣن ﻋﺻر إﻟﻰ ﺛﺎن دون أن ﺗﻔﻘد ﺟوﻫرﻫﺎ ودون أن ﺗﻘف ﻋﻧد‬ ‫ﻧﻘطﺔ ﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﻣﺣددة‪.‬‬ ‫ﺛﺎﻧﯾﺎ‪ :‬اﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺎت ﺻﻧﺎﻋﺔ اﻟوﺣدة اﻷوروﺑﯾﺔ‬ ‫ﻛﻣﺎ رأﯾﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻧﻘطﺔ اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ أن اﻟوﺣدة اﻷورﺑﯾﺔ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﻣرﺗﻛزات اﻧطﻠﻘت ﻣﻧﻬﺎ‬ ‫وﻫذا اﻻﻧطﻼق ﻛﺎن ﻣﻧﺿﺑط ﺑﻣﻌﺎﯾﯾر ﺣﺗﻰ ﻻ ﯾﺷطط ﯾﻣﯾﻧﺎً أو ﺷﻣﺎﻻً وﻛﺎﻧت ﻟﻬذﻩ‬ ‫اﻻﻧطﻼﻗﺔ أﻫداف اﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺗﻐﯾر وﻓﻘﺎً ﻟﻣﺗطﻠﺑﺎت ﻛل ﻣرﺣﻠﺔ ﺗﺄﺗﻲ ﻓﻲ ﻗﺎﺑل‬ ‫اﻷﯾﺎم‪ .‬ﻣن ﻫﻧﺎ ﯾﺟب اﻟﺗﺄﻛﯾد ﻋﻠﻰ أن اﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺎت ﺑﻧﺎء اﻟوﺣدة اﻷوروﺑﯾﺔ ﻟﻪ ﺛﻼث‬ ‫ﺧﺻﺎﺋص رﺋﯾﺳﯾﺔ‪ .‬ﺗﻣﺛﻠت اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ اﻻﻧطﻼق ﻣن اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟﺻﻐرى واﻟﺟزﺋﯾﺔ إﻟﻰ‬ ‫اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟﻛﺑرى واﻻﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ‪ ،‬ﺑﻛل ﻣﺎ ﯾﺷﺗﻣل ﻋﻠﯾﻪ ﻫذا اﻟﺗوﺟﻪ ﻣن ﺧﻠق ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻧﺳﺑﯾﺔ‬ ‫ﻻ ﺗﻧﺗﻣﻲ إﻟﻰ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻣطﻠﻘﺔ اﻟﺗﻲ ﺳﺎدت ﺗﺟﺎرب وﺣدوﯾﺔ أﺧرى‪ .‬واﻟﻧﻘطﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﺗﻣﺛﻠت‬ ‫ﻛﻣﻌطﻰ أو ﻛﻧﺗﯾﺟﺔ ﯾﺟب اﻟﺗﺳﻠﯾم ﺑﻪ ﻣﻧذ اﻟﺑداﯾﺔ‪،‬‬ ‫ﻓﻲ ﻋدم اﻟﻧظر إﻟﻰ ﻗﺿﯾﺔ اﻟوﺣدة ُ‬ ‫وأﻣر ﻛرﯾﻪ ﯾﺟب ﻋﻠﻰ ﻛل اﻟﻣﻧﺿوﯾﯾن ﺗﺣﺗﻪ اﻟﺗﺣرك وﻓق إطﺎرﻩ اﻟﻌﺎم ﻓﻲ ﻣﻣﺎرﺳﺔ‬ ‫اﻟﺣﯾﺎة اﻟﯾوﻣﯾﺔ‪ ،‬ﺑﻘدر ﻣﺎ ظل ﻗﯾﻣﺔ ُﻋﻠﯾﺎ ُﯾﻣﻛن ﻟﻠدول اﻷﻋﺿﺎء أن ﺗﺻل إﻟﯾﻬﺎ ﺑﻣﺣض‬ ‫إرادﺗﻬﺎ وﻣن ﺧﻼل ﺗﻔﺎﻋﻼﺗﻬﺎ اﻟﺑﯾﻧﯾﺔ‪ .‬أﻣﺎ اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ﻓﻲ اﻋﺗﻣﺎد اﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ اﻟدﻣﺞ اﻟﺗﻲ‬

‫ﺗﻣﯾزت ﺑﻬﺎ ﺗﺟرﺑﺔ اﻻﺗﺣﺎد اﻷوروﺑﻲ‪ ،‬وﻧﺟﺎﺣﻪ ﻓﻲ اﻣﺗﻼك ﻫذا اﻟﻘطب اﻟﻣﻐﻧﺎطﯾﺳﻲ‬ ‫اﻟﺟﺎذب واﻟﻘﺎدر ﻋﻠﻰ دﻣﺞ دول داﺧل ﻗطﺎر اﻟوﺣدة اﻷوروﺑﯾﺔ‪ُ ،‬ﯾﺑذل ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ‬

‫ﺟﻬداً ﻣﺗﺑﺎدﻻً ﺑﯾن اﻟدول اﻟﺗﻲ أﺳﺳت اﻻﺗﺣﺎد اﻷوروﺑﻲ وﺑﯾن اﻟدول اﻟﻣرﺷﺣﺔ‬ ‫ﻟﻼﻧﺿﻣﺎم إﻟﯾﻪ‪ .‬ﻓﻛﺎﻧت اﻟﻧﺟﺎﺣﺎت اﻟﻣﺗﺗﺎﻟﯾﺔ ﻟﻧﻣوذج اﻻﺗﺣﺎد ﻋﺎﻣل ﺟذب ﻟﻠدول اﻷﺧرى‬ ‫ﻟﻠدﺧول ﺗﺣت ﻫذﻩ اﻟﻣظﻠﺔ راﺿﯾﺔ ُﻣﺧﺗﺎرﻩ‪.‬‬ ‫ﻣن ﺧﻼل ﻫذﻩ اﻟﺧﺻﺎﺋص اﻟﺛﻼث ُﯾﻣﻛن اﻟﺗﺣدث ﺑﺻورة أﻛﺛر ﺗﻔﺻﯾﻼً ﻋن ﺳﺑب‬ ‫اﻟﻧﺟﺎح ﻫﻧﺎك ﻓﻲ اﻻﺗﺣﺎد اﻷورﺑﻲ‪:‬‬

‫أ( ﺑﻧﺎء ﻣؤﺳﺳﺎت اﻻﺗﺣﺎد اﻷورﺑﻲ ﻛﺎﻧت ﻣن اﻟﻘﺎﻋدة إﻟﻰ اﻟﻘﻣﺔ‪:‬‬ ‫ﻗﻠﻧﺎ إن ﺗﺟرﺑﺔ اﻟوﺣدة اﻷورﺑﯾﺔ ﻫﻲ ﺗﺟرﺑﺔ ﺷﻌﺑﯾﺔ وﻟم ﺗﻛن ﯾوﻣﺎً ﺗﺟرﺑﺔ ﻧﺧﺑوﯾﺔ ﻓﺄﻫم ﻣﺎ‬ ‫ﻣﯾز ﺗﺟرﺑﺔ اﻟوﺣدة اﻷوروﺑﯾﺔ أﻧﻬﺎ ﺑدأت ﻣن أﺳﻔل ﺑدأت ﻣن اﻟﻘﺎﻋدة اﻟﺷﻌﺑﯾﺔ‪ ،‬ووﺿﻌت‬ ‫‪- ١٥١ -‬‬


‫أﻫداﻓﺎً ﻣﺗواﺿﻌﺔ ﻟم ﯾﺗوﻗﻊ ﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻣراﻗﺑﯾن أن ﺗﻛون ﻫﻲ اﻟطرﯾق ﻧﺣو إﻧﺟﺎز‬ ‫اﻟوﺣدة‪ ،‬ﻓﻠم ﺗﺑدأ ﺑﺎﻟﺗوﻗﯾﻊ ﻋﻠﻰ اﺗﻔﺎﻗﺎت وﺣدة ﺑﯾن ﻋدد ﻣن اﻟدول اﻷﻋﺿﺎء‪ ،‬وﻟم ﺗطرح‬ ‫ﻗﺿﺎﯾﺎ اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ واﻟدﻓﺎﻋﯾﺔ اﻟﻣﺷﺗرﻛﺔ ﻛﺄﻫداف ﻓورﯾﺔ ﻟﻠدول اﻟﻣﻧﺿﻣﺔ ﻟﻠوﺣدة‬ ‫اﻷوروﺑﯾﺔ‪ ،‬إﻧﻣﺎ ﺗرﻛت اﻟﺗﻔﺎﻋﻼت اﻻﺧﺗﯾﺎرﯾﺔ ﺑﯾن دول اﻟوﺣدة ﺣول ﻗﺿﺎﯾﺎ ﺟزﺋﯾﺔ ﻫﻲ‬ ‫اﻟﺗﻲ ﺗﻘود اﻟدول اﻷﻋﺿﺎء أو ﻣﻌظﻣﻬﺎ إﻟﻰ ﺧﯾﺎر اﻻﺗﺣﺎد‪ ،‬اﻟذي ظل ﻣﻧذ اﻟﺑداﯾﺔ ﻫدﻓﺎً‬ ‫وﻟﯾس ﻗﺎﻧوﻧﺎً ﺟﺑرﯾﺎً ُﯾﻔرض ﻣن أﻋﻠﻰ أو ﺑﻘرار ﺳﯾﺎدي ﻣن زﻋﯾم أو ﻣن ﺣﺗﻰ ﻧﺧﺑﺔ‬

‫ﺣﺎﻛﻣﺔ‪.‬‬

‫ﻧرى ذﻟك ﺑوﺿوح ﻣن ﺧﻼل ﻣﺳﺗوى وﻋﻲ اﻟﻣﺳﺋوﻟون اﻷوروﺑﯾون ﻟﻬذﻩ اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ ﻣﻧذ‬ ‫اﻟﺑداﯾﺔ‪ .‬ﻓﻌﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﻣﺛﺎل ﺻرح وزﯾر اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ اﻟراﺣل روﺑرت ﺷوﻣﺎن ﻓﻲ‬ ‫‪ ٩‬ﻣﺎﯾو ‪١٩٥٠‬م ﺑﺄن أوروﺑﺎ ﻟن ﺗُﺻﻧﻊ دﻓﻌﺔ واﺣدة‪ ،‬وﻻ ﺑﺑﻧﺎء ﺗﻛﺗل ﻣوﺣد‪ ،‬إﻧﻣﺎ ﻣن‬ ‫ﺧﻼل إﻧﺟﺎزات واﻗﻌﯾﺔ‪ ،‬ﺗﺧﻠق أوﻻ ﺗﺿﺎﻣن اﻟواﻗﻊ‪ ،‬ﻣﻌﺗﻣداً ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟوظﯾﻔﻲ وﻟﯾس‬ ‫اﻟدﺳﺗوري اﻟذي ﯾﻌﺗﻣد ﻋﻠﻰ دﺳﺗور ﻓﯾدراﻟﻲ ﻓﻲ ﺑﻧﺎء ﺗﺟرﺑﺔ اﻟوﺣدة اﻷوروﺑﯾﺔ‪ .‬وﯾﺿﯾف‬ ‫اﻟﻣﺳﺋول اﻟﻔرﻧﺳﻲ ﻓﻛرة أﺧرى ﻋﻠﻰ ﻗدر ﻛﺑﯾر ﻣن اﻷﻫﻣﯾﺔ‪ ،‬وذات دﻻﻟﺔ‪ ،‬ﻓﯾﺷﯾر إﻟﻰ أن‬ ‫اﻟدول اﻷوروﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻋﺎدت ﻟﺗﺣﺻل ﻋﻠﻰ ﺳﯾﺎدﺗﻬﺎ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺑﻌد اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ‪،‬‬ ‫ﻻ ﯾﺟب أن ﺗﺗرﻛﻬﺎ ﺑﺻورة ﻓورﯾﺔ ﻟﺻﺎﻟﺢ وﺣدة ﻓﯾدراﻟﯾﺔ أوروﺑﯾﺔ‪ ،‬إﻧﻣﺎ ﯾﺟب أن ﺗﺗﻌود‬ ‫اﻟدول اﻷوروﺑﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺧﻠﻲ اﻟطوﻋﻲ ﻋن ﺑﻌض ﺟواﻧب ﺳﯾﺎدﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﻌض اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ‪،‬‬ ‫ﻓﺎﻟﻣطﻠوب ﻫو اﻟﺗﻘﻠﯾص اﻟﻣﺗﺻﺎﻋد ﻓﻲ اﻟﺗﻧﺎﻗض ﺑﯾن اﻻﻧدﻣﺎج اﻷوروﺑﻲ واﻟدوﻟﺔ)‪.(١‬‬ ‫ﻫذﻩ اﻟرؤﯾﺎ ﻟم ﺗﻛن رؤﯾﺔ اﻟﻣﺳﺋول اﻟﻔرﻧﺳﻲ وﺣدة ﺑل ﻛﺎﻧت ﺷﺑﻪ ﻋﻘﯾدة ﻋﻧد ﻏﺎﻟﺑﯾﺔ‬ ‫اﻟﻣﺳﺋوﻟﯾن اﻷورﺑﯾﯾن اﻟﺧﺎرﺟﯾن ﻣن ﺣرب ﻣدﻣرة ﻟم ﺗﻧدﻣل ﺟراﺣﻬﺎ ﺑﻌد واﻟﺟﺳد اﻷورﺑﻲ‬ ‫اﻟداﻣﻲ اﻟﻣﺗﻬﺎﻟك ﯾﻧظر إﻟﻰ ﺑﻌﺿﻪ اﻟﺑﻌض ﻧظرة اﻟﺗوﺟس واﻟﺧوف ﻓﻛﺎن اﻟﺗﻌﺎون اﻟذي‬

‫)‪ (١‬ﻟﻠﻣزﯾد ﺣﺳن ﻧﺎﻓﻌﺔ‪ ،‬أورﺑﺎ ﻓﻲ ﻣطﻠﻊ ﻗرن ﺟدﯾد‪ :‬اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ واﻵﻓﺎق‪ ،‬ﻣؤﺳﺳﺔ ﻋﺑداﻟﺣﻣﯾد ﺷوﻣﺎن‪ ،‬ﻋﻣﺎن ‪٢٠٠٤‬م‬ ‫ص‪.٢٠٤‬‬

‫‪- ١٥٢ -‬‬


‫ﯾﺿﻣن ﻋدم اﻻﻗﺗﺗﺎل ﻣن ﺟدﯾد ﻫو اﻟﺣد اﻷدﻧﻰ اﻟﻣطﻠوب ﻫذا اﻟﺗوﺟﻪ ﻫو اﻷﻗرب‬ ‫ﻟﻠواﻗﻊ وﻟﯾس اﻟدﻣﺞ اﻟﻌﻧﯾف)‪.(١‬‬ ‫ﻫذﻩ اﻟرؤى اﻧﻌﻛﺳت إﻟﻰ ﺣد ﻛﺑﯾر ﻓﻲ ﻣﺳﺎر ﺗﺟرﺑﺔ اﻟوﺣدة اﻷوروﺑﯾﺔ‪ ،‬واﻟﺗﻲ أﻛدﻫﺎ‬ ‫ﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﯾن اﻷوروﺑﯾﯾن ﻓﻲ ﻓﺗرات زﻣﻧﯾﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪ ،‬وﻋﺑرت ﻋن وﻋﻲ ﻛﺎﻣل‬ ‫اﻟﻣﻌﺎش‪ ،‬وﺟﻌﻠت اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ ﻫذا اﻟواﻗﻊ ﻫو اﻟﻣدﺧل ﻹﻧﺟﺎز اﻷﻫداف‬ ‫ﺑﺗﻔﺎﺻﯾل اﻟواﻗﻊ ُ‬ ‫اﻟﻛﺑرى اﻟﻣﺗﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ اﻟوﺣدة‪ ،‬ﺑﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ أن اﻟﻐﺎﯾﺔ ظﻠت ﻗﯾﻣﺔ ُﻋﻠﯾﺎ ﯾﺟب اﻟﻌﻣل ﻋﻠﻰ‬ ‫اﻟوﺻول إﻟﯾﻬﺎ ﻋﺑر ﺣل اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺎت اﻟﻔرﻋﯾﺔ واﻟﺟزﺋﯾﺔ ﻻ ﺗﺟﺎﻫﻠﻬﺎ ﻟﺻﺎﻟﺢ ﻋﻣوﻣﯾﺎت‬

‫وﻏﺎﯾﺎت ُﻛﺑرى ﻻ ﯾوﺟد ﻟﻬﺎ ﺗﺟﻠﯾﺎت ﻣﻠﻣوﺳﺔ ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ اﻟﻌﻣﻠﻲ أو ﻓﻲ ﻣﺣﺳوﺳﺎت‬ ‫اﻟرﺟل اﻟﺑﺳﯾط؛ وﻣن ﺛم‪ ،‬ﻟم ﯾﻛن ﻏرﯾﺑﺎً أن ﺗﺑدأ رﺣﻠﺔ اﻟوﺣدة اﻷوروﺑﯾﺔ ﻣن ﺧﻼل‬

‫اﻟﺗوﻗﯾﻊ ﻋﻠﻰ اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ اﻟﻔﺣم واﻟﺻﻠب ﺑﯾن ﻋدد ﻣن اﻟدول اﻷوروﺑﯾﺔ ﻓﻲ ‪ ١٨‬أﺑرﯾل ﺳﻧﺔ‬ ‫‪١٩٥١‬م ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺻﻣﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ﺑﺎرﯾس‪ .‬ﻓﻘد ﻛﺎن اﻟﻬدف ﻣن ﻫذﻩ اﻻﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﻫو ﺗﺳﻬﯾل‬ ‫اﻻﺳﺗﺛﻣﺎر ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻣﺟﺎل‪ ،‬وﺗﺳﻬﯾل ﺣرﯾﺔ ﺣرﻛﺔ رأس اﻟﻣﺎل واﻟﻌﻣﺎﻟﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻌﻣل ﻓﻲ‬ ‫ﻣﺟﺎﻟﻲ اﻟﻔﺣم واﻟﺻﻠب‪ ،‬ﻟﻛﻲ ﺗﻌﺗﺎد اﻟدول اﻷوروﺑﯾﺔ اﻟﺛﻼث اﻟﺗﻲ وﻗﻌت ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ‬ ‫اﻻﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻓﻛرة اﻻﺳﺗﺛﻣﺎر اﻟﻣﺗﺑﺎدل‪ ،‬وﻋﻠﻰ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﺣرة ﻟرأس اﻟﻣﺎل؛ وﻟم ﺗﺗطرق‬ ‫ﻷي اﺗﻔﺎﻗﯾﺎت اﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ ﻣﺷﺗرﻛﺔ أو ﺣﺗﻰ ﻟﺳوق واﺣدة ﺗﺟﻣﻊ اﻟدول اﻷوروﺑﯾﺔ ﻟذﻟك‬ ‫اﻟﻌدد اﻟﻣﺣدود اﻟﻣوﻗﻊ ﻋﻠﻰ اﻻﺗﻔﺎﻗﯾﺔ‪.‬‬ ‫ﻟﻛن ﻧﺟﺎح ﻫذﻩ اﻟﺧطوة ﺷﺟﻌت اﻟدول ﻧﻔﺳﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺗوﻗﯾﻊ ﻋﻠﻰ ﺑﯾﺎن اﻻﺗﺣﺎد‬ ‫اﻷورﺑﻲ ﻓﻲ روﻣﺎ ﺳﻧﺔ ‪١٩٥٧‬م‪ ،‬واﻟذي ﯾﻌﺗﺑرﻩ اﻟﻛﺛﯾرون اﻟﺑداﯾﺔ اﻟﺣﻘﯾﻘﯾﺔ ﻟﺗﺑﻠور ﻣﺷروع‬ ‫اﻟوﺣدة اﻷوروﺑﯾﺔ؛ ﻓﻘد ﺟﺎء ﺑدورﻩ ﺗرﺟﻣﺔ ﻻﺗﻔﺎق ﻣﺎ ُﺳﻣﻲ ﺑﺎﻟﻣﺟﻣوﻋﺔ اﻷوروﺑﯾﺔ ﻟﻠطﺎﻗﺔ‬ ‫اﻟذرﯾﺔ‪ ،‬واﻟذي ﺳﻬل ﺗﺑﺎدل اﻟﺧﺑرات واﻟﻣﻌدات ﻓﻲ ﻣﺟﺎل اﻟطﺎﻗﺔ اﻟﻧووﯾﺔ‪ ،‬وﻛﺎن اﻟﻐطﺎء‬ ‫اﻟذي ﺧرﺟت ﻣﻧﻪ اﻟﺳوق اﻷوروﺑﯾﺔ اﻟﻣﺷﺗرﻛﺔ اﻟﺗﻲ وﻗﻌت ﻋﻠﯾﻬﺎ ﺳت دول أوروﺑﯾﺔ‪.‬‬ ‫ﻓﻛﺎن اﻟﻧﺟﺎح اﻻﻗﺗﺻﺎدي اﻟﻣﻠﻣوس ﻫو اﻟطرﯾق ﻟﻼﻧﺗﻘﺎل ﻧﺣو ﻧﺟﺎﺣﺎت أﺧرى؛ وﻟﻠﺣﻘﯾﻘﺔ‬ ‫أن اﻷﺳﺎس اﻻﻗﺗﺻﺎدي ﻓﻲ ﺗﺟرﺑﺔ اﻟوﺣدة اﻷوروﺑﯾﺔ ﻛﺎن رﺋﯾﺳﯾﺎً‪ ،‬ﺑل ﻫو اﻟﻣﺣور اﻟذي‬ ‫)‪ (١‬ﻋﺑد اﻟﻬﺎدي اﻟﺑﻛﺎر‪ ،‬ﻣﻘﺎل " ﻣﻠف أﺳرار اﻻﻧﻔﺻﺎل‪ ،‬أرﺑﻌون ﺳﻧﺔ ﻋﻠﻲ ﻓﺷل أول ﻧﻣوذج ﻟوﺣدة ﺑﻠدﯾن ﻋرﺑﯾﯾن "‬ ‫ﺻﺣﯾﻔﺔ اﻟزﻣﺎن اﻟﻌراﻗﯾﺔ اﻟﻠﻧدﻧﯾﺔ‪٢٠٠٢/١/١،‬م‪.‬‬

‫‪- ١٥٣ -‬‬


‫ﺗدور ﻋﻠﯾﻪ ﻛل اﻟﺑﻼد اﻷورﺑﯾﺔ رﻏم أﻧﻪ ﻟم ﯾﻛن اﻟﻌﺎﻣل اﻟوﺣﯾد وﻟﻛﻧﻪ ﻛﺎن اﻟﻌﺎﻣل اﻷﻫم‪.‬‬ ‫ﻓﻘد ﺣرﺻت اﻟﺗﺟرﺑﺔ ﻋﻠﻰ أن ﺗؤﺳس ﻧﻣوذﺟﺎ أوروﺑﯾﺎً ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ ﻧﺳﺞ ﺷﺑﻛﺔ ﻣﺻﺎﻟﺢ‬ ‫ﻣﺷﺗرﻛﺔ ﺑﯾن اﻟﺷﻌوب اﻷوروﺑﯾﺔ‪ ،‬دون أن ﯾﻌﻧﻲ ذﻟك اﺧﺗﻔﺎء ﺻراﻋﺎت اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ ﺑﯾن‬ ‫ﻫذﻩ اﻟدول أو ﺑﯾن ﺷراﺋﺢ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻣن ﺷﻌوب ﻛل دوﻟﺔ‪.‬‬ ‫إن ﺗﺟرﺑﺔ اﻟوﺣدة اﻷوروﺑﯾﺔ ﻗد دﻟت ﻋﻠﻰ أن اﻟوﺻول إﻟﻰ اﻷﻫداف اﻟﻛﺑرى ﻟن‬ ‫ﯾﺗم إﻻ ﺑﺈﻧﺟﺎز اﻷﻫداف اﻟﺻﻐرى‪ ،‬وأن ﺷﺑﻛﺔ اﻟﺗﻔﺎﻋﻼت اﻷﻓﻘﯾﺔ ﺑﯾن اﻟﺷﻌوب واﻟﺗﻲ‬ ‫ﺗﺣﻘق ﻟﻬم ﺟﺎﻧﺑﺎً ﻣن ﻣﺻﺎﻟﺣﻬم اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ وطﻣوﺣﺎﺗﻬم اﻟﻣﺎدﯾﺔ‪ ،‬وﺗﺳﻣﺢ ﺑﺎﺳﺗﻘﻼﻟﯾﺔ‬ ‫اﻟﻌﻣل اﻷﻫﻠﻲ وﻓﺎﻋﻠﯾﺗﻪ‪ ،‬وﺗُﺗﯾﺢ ﻟﻪ ﺣرﯾﺔ اﻟرأي واﻟﺗﻌﺑﯾر اﻟﻣﺳﺗﻘل‪ ،‬واﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻘد‪،‬‬

‫ﺑﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ أن أي اﻧﺗﻘﺎد ﻟدوﻟﺔ أوروﺑﯾﺔ ﺟﺎرة ﻓﻲ ظل ﻣﻧﺎخ وطﻧﻲ ﯾﺳﻣﺢ ﺑﺎﻟﻧﻘد واﻟﺗﻧوع‬ ‫ﻻ ﯾؤﺧذ ﺑﺣﺳﺎﺳﯾﺔ ﻛﻣﺎ ﻓﻲ ﺣﺎل ﻏﯾﺎب ﻫذا اﻟﻣﻧﺎخ)‪.(١‬‬ ‫وﻣن اﻟﻣؤﻛد أن اﻟﻌرب ﯾﻌﯾﺷون ﻓﻲ ظل أﺟواء ﺗﺗﻐﻧﻰ ﺻﺑﺎﺣﺎ وﻣﺳﺎء‪ ،‬ﺑﻌﺑﻘرﯾﺔ‬ ‫اﻟﺣﺎﻛم واﻟدوﻟﺔ واﻟﺷﻌب‪ ،‬وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ‪ ،‬أو ﺑﺎﻟﻧﺗﯾﺟﺔ‪ ،‬ﯾﺻﺑﺢ اﻧدﻣﺎﺟﻪ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎت وﺣدوﯾﺔ‬ ‫اﻟﺑﻧﻰ واﻟﻣؤﺳﺳﺎت‬ ‫ﻣﻊ دوﻟﺔ أﺧرى ﺷﻘﯾﻘﺔ ﻣﺟرد ﻣﺳﺄﻟﺔ رﻣزﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺳطﺢ ﻷن ﻛل ُ‬

‫اﻷﻓﻘﯾﺔ داﺧل ﻫذﻩ اﻟﺑﻠدان ﻗﺎﺋﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻘدﯾس ﻣن ﻫو ﻋﻠﻰ ﻗﻣﺔ اﻟﻬرم اﻹداري‬

‫واﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻓﻲ ﻛل دوﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺣدة‪ ،‬وﯾﻐﯾب ﻋﻧﻬﺎ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻧﻘد اﻟذاﺗﻲ وﻗﺑول اﻟﺗﻧوع‬ ‫اﻟداﺧﻠﻲ وﻗﯾم اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ‪ .‬وﻟذﻟك‪ ،‬ﻋﻧدﻣﺎ ﺗدﺧل دوﻟﺔ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺗﺿﺎﻣﻧﯾﺔ أو وﺣدوﯾﺔ‬ ‫ﻣﻊ دوﻟﺔ ﻋرﺑﯾﺔ ﺷﻘﯾﻘﺔ ﯾﺻﺑﺢ اﻟﺣدﯾث ﻋن اﻟوﺣدة واﻟﺳوق اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ اﻟﻣﺷﺗرﻛﺔ ﻣﺟرد‬ ‫اﻟﺑﻧﻰ اﻷﻓﻘﯾﺔ اﻟﻣﻌﻧﯾﺔ ﺑﺈﺗﻣﺎم ﻫذﻩ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻻ‬ ‫ﺣدﯾث رأﺳﻲ ﻟﻼﺳﺗﻬﻼك اﻟﻣﺣﻠﻲ‪ ،‬ﻷن ُ‬ ‫ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻬﺎ ﻋﻣﻠﯾﺎً ﺑﻣﺷﺎرﯾﻊ اﻟوﺣدة‪ ،‬ﺑل وﺗﻌﯾش ﻋﺎدة ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺗرﺑص داﺧﻠﻲ ﺗﺟﺎﻩ اﻟﺑﻠد‬

‫أو اﻟﺑﻼد اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻷﺧرى ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ إﻗدام ﺑﻠد أو ﻣﻧظﻣﺔ أو ﻛﺎﺗب ﻋرﺑﻲ ﻋﻠﻰ‬ ‫ﻧﻘد دوﻟﺔ أﺧرى أو اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ ﺑﻌض اﻟﺳﻠﺑﯾﺎت اﻟﻣوﺟودة‪ ،‬ﻓﯾﺗﺣول ﻫذا اﻟﺗرﺑص إﻟﻰ‬ ‫ﺳﻠوك ﻋدواﻧﻲ ﻗد ﯾؤدي إﻟﻰ ﻗطﻊ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑﯾن ﻫذﻩ اﻟدول‪ .‬ﻓﺄﺻﺑﺣت ﺣﺗﻰ اﻟﻌﻼﻗﺎت‬ ‫اﻟﺛﻧﺎﺋﯾﺔ ﻫﻲ ﻣﺟرد ﻟﻘﺎءات ﺑﯾن زﻋﺎﻣﺎت ﻫذﻩ اﻟدول وﺗﻐﻧﻲ ﻛل ﻣﻧﻬﻣﺎ ﺑﺻداﻗﺗﻪ ﻟﻶﺧر‬

‫)‪ (١‬ﺳﻠﯾﻣﺎن ﺗﻘﻲ اﻟدﯾن‪ ،‬ﻣﻘﺎل "اﻟﻌﻧﺎﺻر اﻟﺗﺄﺳﯾﺳﯾﺔ ﻟﻠﻔﻛر اﻟﻘوﻣﻲ اﻟﻌرﺑﻲ" ُﻧﺷر ﻓﻲ ‪ ٢٦‬ﯾوﻟﯾو ‪٢٠٠٩‬م‪.‬‬

‫‪- ١٥٤ -‬‬


‫وﻟم ﺗﻧﺟﺢ ﻫذﻩ اﻟﻠﻘﺎءات ﻓﻲ ﺑﻧﺎء رواﺑط اﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ وﺷﺑﻛﺔ ﻣن اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ ﺑﯾن اﻟﺷﻌوب‬ ‫اﻟﻌرﺑﯾﺔ وﺑﻌﺿﻬﺎ اﻟﺑﻌض‪ .‬ﻫذا ﻻ ﯾﻣﻧﻊ ﻣن وﺟود ﻣﺷﺎرﯾﻊ ﺑﯾن أﻓراد ﻫذﻩ اﻟﺷﻌوب‬ ‫وﻟﻛﻧﻬﺎ ﺟﻬود ﻓردﯾﺔ وﻻ ﺗﺣدث ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﻣؤﺳﺳﺎت اﻟرﺳﻣﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻼ ﯾوﺟد ﺗﻌﺎون أو‬ ‫ﺗوﺣﯾد ﻓﻲ اﻟﻘواﻧﯾن ﺑﯾن و ازرات اﻟﺗﻌﻠﯾم ﻓﻲ اﻟﺑﻼد اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﻣﺛﺎل ﻓﺿﻼً ﻋن‬ ‫ﺗوﺣﯾد اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟدراﺳﯾﺔ ﻛﻬدف اﺳﺗراﺗﯾﺟﻲ ﻧﺣﻠم ﺑﻪ وﯾﺟب أن ﻧﺳﻌﻰ إﻟﯾﻪ)‪.(١‬‬

‫وﻋﻧدﻣﺎ ﻧﺗرك اﻟزﻋﻣﺎء اﻟﻌرب وﺷﺄﻧﻬم وﻧﻧﺧﻔض ﻗﻠﯾﻼً ﻣن ﻗﻣﺔ اﻟﻬرم ﻧﺟد ﻓﻲ‬ ‫اﻟﻧﺧب اﻟﻌرب ﯾﻧﺎدون ﺑﺄﺷﯾﺎء ﺑﻌﯾدة ﻋن اﻟواﻗﻊ ﻓﯾطﻠﻘون‬ ‫ﻣوﻗﻊ ﻗرﯾب ﻣن اﻟﻘﻣﺔ ﻧرى ُ‬ ‫ﺷﻌﺎرات ﻋﺎﻣﺔ ﻛﺎﻟﺳوق اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ اﻟﻣﺷﺗرﻛﺔ‪ ،‬واﻟدﻓﺎع اﻟﻣﺷﺗرك وﻫذﻩ أﻫداف ﺟﻣﯾﻠﺔ‬

‫وﻟﻛﻧﻬﺎ ﺑﻌﯾدة اﻟﻣدى‪ ،‬ﯾﺟب أن ﯾﺳﺑﻘﻬﺎ ﺗﻔﺎﻋﻼت أﻓﻘﯾﺔ ﺑﯾن ﻣؤﺳﺳﺎت ﺻﻐﯾرة ذات‬ ‫أﻫداف ﻣﺣدودة‪ ،‬ﻛﺑﻧﺎء ﺗﺟﻣﻊ ﻟﺧطوط اﻟﻛﻬرﺑﺎء اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬أو ﻟﻠﻐﺎز أو ﺣﺗﻰ ﻟﻠﻬﺎﺗف‬ ‫اﻟﻣﺣﻣول‪ ،‬أو ﺗوﺣﯾد اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺗﻌﻠﯾﻣﯾﺔ ﺛم ﺗﺻﺑﺢ ﻫذﻩ اﻟﺗﺟﻣﻌﺎت ﻧواة ﻟﺷﺑﻛﺔ أﻛﺑر ﻣن‬ ‫اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ ﺗﻛون ﻓﻲ اﻟﻧﻬﺎﯾﺔ ﺑدورﻫﺎ ﻧواة ﻟوﺣدة ﻟﻬﺎ ﺟذور ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ وﻟﯾﺳت‬ ‫ﻣﺟرد ﺷﻌﺎرات ﺗﻬﺑط ﻣن اﻟﺳﻣﺎء‪.‬‬ ‫ﺑﻧﻔس ﻫذﻩ اﻟرؤﯾﺔ ُﯾﻣﻛن أن ﻧﻔﻬم اﻟﻔﺷل ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻘوﻣﯾون اﻟﻌرب‬ ‫اﻧﺷﻐﻠوا ﺑﻘﺿﺎﯾﺎ أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ وﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ذات طﺎﺑﻊ ُﻛﻠﻲ وﺿﯾق ﻣن ﻧوع ﺑﻧﺎء ﺗﻧظﯾم ﻗوﻣﻲ‬ ‫ﯾﺿم ﻛل اﻟﺛوار اﻟﻌرب اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ﺑﺎﻟوﺣدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬وﯾﺻﺑﺢ ﻫذا اﻟﺗﻧظﯾم ﻫو اﻟطرﯾق‬ ‫اﻟوﺣﯾد ﻹﻧﺟﺎز اﻟوﺣدة ﺑﺻرف اﻟﻧظر ﻋن ﻣوﻗف ﺑﺎﻗﻲ اﻷطﯾﺎف اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻣن أﺑﻧﺎء‬ ‫اﻟﺷﻌب اﻟﻌرﺑﻲ؛ ﻓﻛﺎن ﻫؤﻻء اﻟﻘوﻣﯾون ﯾﺗﻌﺎﻣﻠون وﻛﺄﻧﻬم ﻫم اﻟﺷﻌب وﻓﻲ اﻟواﻗﻊ ﻫﻧﺎك‬ ‫أﻧﺎس ﻻ ﯾﻌرﻓون ﻣﻌﻧﻰ اﻟﻘوﻣﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻣن اﻷﺳﺎس‪.‬‬ ‫ب( اﻟوﺣدة ﻛﺎﻧت ﻣن اﻟﺳوق إﻟﻰ اﻻﺗﺣﺎد‪:‬‬ ‫ﻛﺎﻧت اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ ﻫﻲ اﻟﻣﺣرك اﻻﺳﺎﺳﻲ ﻓﻲ ﻣﺷروع اﻟوﺣدة اﻷورﺑﯾﺔ‬ ‫وﻛﺎﻧت ﻫذﻩ اﻟرؤﯾﺔ واﺿﺣﺔ ﻣﻧذ اﻟﺑداﯾﺔ ﻓﻲ ذﻫن َﻣ ّن ﻋﻘد اﻻﺗﻔﺎق اﻷول ﻓﻲ ﺳﻧﺔ‬ ‫)‪ (١‬ﻣﻧﯾف اﻟرزاز "اﻟوﺣدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻫل ﻟﻬﺎ ﻣن ﺳﺑﯾل؟" ﻣﻘﺎل ﻧﺷرﺗﻪ اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت واﻟﻧﺷر‪ ،‬ﺑﯾروت‬ ‫‪١٩٧٤‬م‪.‬‬

‫‪- ١٥٥ -‬‬


‫‪١٩٥٧‬م‪ ،‬وﺑدأت اﻟﺑﻼد اﻷورﺑﯾﺔ ﺗﺗواﻓد ﻋﻠﻰ ﺑﺎب اﻟرﺧﺎء ﻫذا؛ راﺿﯾﺔ وراﻏﺑﺔ ﻓﻘد اﻧﺿم‬ ‫إﻟﻰ ﻫذا اﻟﺑﻧﺎء اﻟﺟدﯾد ﻓﻲ ﺳﻧﺔ ‪١٩٧٢‬م ﺛﻼث دول أوروﺑﯾﺔ ﺟدﯾدة ﻫﻲ ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ‬ ‫ٕواﯾرﻟﻧدا واﻟداﻧﻣﺎرك‪ ،‬ﺛم اﻟﯾوﻧﺎن ﻓﻲ ﺳﻧﺔ ‪١٩٨١‬م‪ ،‬ﺛم أﺳﺑﺎﻧﯾﺎ واﻟﺑرﺗﻐﺎل ﻓﻲ ﺳﻧﺔ‬ ‫‪١٩٨٦‬م‪ ،‬وأﺧﯾ اًر ﺟﺎء دور اﻟﺳوﯾد واﻟﻧﻣﺳﺎ وﻓﻧﻠﻧدا ﻟﯾﻧﺿﻣوا ﻓﻲ ﺳﻧﺔ ‪١٩٩٣‬م ﻟﯾرﺗﻔﻊ‬ ‫ﻋدد اﻟدول اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻣن اﺛﻧﺗﻲ ﻋﺷرة دوﻟﺔ إﻟﻰ ﺧﻣس ﻋﺷرة‪ .‬أﻣﺎ ﻣﺎ ﺣدث ﻓﻲ ﺳﻧﺔ‬ ‫‪٢٠٠٤‬م‪ ،‬ﻓﻘد ﻛﺎﻧت طﻔرة ﻛﺑﯾرة ﻓﻘد ارﺗﻔﻊ ﻋدد اﻟدول اﻷﻋﺿﺎء إﻟﻰ ﺧﻣس وﻋﺷرﯾن‬ ‫دوﻟﺔ ﺑﺎﻧﺿﻣﺎم ﻛل ﻣن إﺳﺗوﻧﯾﺎ وﻻﺗﻔﯾﺎ وﻟﯾﺗواﻧﯾﺎ وﺑوﻟﻧدا وﺟﻣﻬورﯾﺔ اﻟﺗﺷﯾك وﺳﻠوﻓﺎﻛﯾﺎ‬ ‫وﺳﻠوﻓﯾﻧﯾﺎ واﻟﻣﺟر وﻣﺎﻟطﺔ وﻗﺑرص‪.‬‬ ‫ﻣرة أﺧرى ﻧرى اﻟرﺟوع إﻟﻰ أﻫم ﺧﺻﯾﺻﺔ ﻣن ﺧﺻﺎﺋص ﻫذا اﻻﺗﺣﺎد وﻫﻲ‬ ‫اﻟﻣﻌﺎﯾﯾر ﻓﻘد وﺿﻊ اﻻﺗﺣﺎد اﻷوروﺑﻲ ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻣﻌﺎﯾﯾر اﻟﻣؤﺳﺳﯾﺔ واﻟﺗﻘﻧﯾﺔ‬ ‫اﻟﻣﺗﻔﺎوﺗﺔ ﻟﻘﺑول دول اﻟﺷﻣﺎل اﻷوروﺑﻲ اﻟﺗﻲ اﻧﺿﻣت إﻟﻰ ﻣﺳﯾرﺗﻪ‪ ،‬ﻛﻣﺎ وﺿﻊ ﻣﺟﻣوﻋﺔ‬ ‫ﻣن اﻟﻣﻌﺎﯾﯾر اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﻟﺿم دول اﻟﺷرق اﻷوروﺑﻲ‪ ،‬وأﺧرى أﻛﺛر ﺗﻌﻘﯾداً‬ ‫ﻻﺳﺗﯾﻌﺎب ﺗرﻛﯾﺎ‪ .‬ﻓﺑﯾﻧﻣﺎ ﻗﺑﻠت اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ اﻷوروﺑﯾﺔ ﻓﻲ ﻋﺿوﯾﺗﻬﺎ وﻓﻲ ﻓﺗرة ﻟم ﺗﺗﺟﺎوز‬ ‫اﻟﻌﺎم طﻠﺑﺎت اﻟﻌﺿوﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻗدﻣﺗﻬﺎ ﻛل ﻣن اﻟﺳوﯾد واﻟﻧﻣﺳﺎ وﻓﻧﻠﻧدا ﻣن أوروﺑﺎ اﻟﺷﻣﺎﻟﯾﺔ‬ ‫ﺑﺳﺑب اﻟﺗواﻓق ﻣﻊ اﻟﻣﻌﺎﯾﯾر اﻟﺗﻲ وﺿﻌﺗﻬﺎ اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ اﻷوروﺑﯾﺔ ﻟﻘﺑول اﻟدول اﻟﺟدﯾدة‪،‬‬ ‫ﺣﯾث ﻗدﻣت اﻟﻧﻣﺳﺎ ﻣﻠف طﻠب اﻟﻌﺿوﯾﺔ ﻓﻲ ﯾوﻟﯾو ﺳﻧﺔ ‪١٩٨٩‬م‪ ،‬ﺛم ﺗﺑﻌﺗﻬﺎ ﻛل ﻣن‬ ‫اﻟﺳوﯾد وﻓﻧﻠﻧدا ﻓﻲ ﻋﺎﻣﻲ ‪١٩٩١‬م و ‪١٩٩٢‬م ﻋﻠﻰ اﻟﺗواﻟﻲ؛ وﺑﻌد أﺷﻬر ﻗﻠﯾﻠﺔ ﻣن‬ ‫ﻓﺣص ﺗﻠك اﻟﻣﻠﻔﺎت أﺻدرت اﻟﻣﻔوﺿﯾﺔ اﻷوروﺑﯾﺔ ﻋدﻩ ﺗﻘﺎرﯾر ﻋﻠﻰ ﻣدار ﻋﺎم واﻓﻘت‬ ‫ﺑﻌدﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻧﺿﻣﺎم اﻟدول اﻟﺛﻼث‪ ،‬اﺳﺗﻧﺎدا إﻟﻰ أن أوﺿﺎﻋﻬﺎ اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ ﺗﺳﻣﺢ ﻟﻬﺎ‬ ‫ﺑﺎﻻﻧﺿﻣﺎم اﻟﻔوري إﻟﻰ اﻻﺗﺣﺎد ﺑﻌد اﻧﺗﻬﺎء اﻟﻣﻔﺎوﺿﺎت اﻟﺛﻧﺎﺋﯾﺔ ﺑﯾن اﻟﻣﻔوﺿﯾﺔ واﻟدول‬ ‫اﻟﺛﻼث؛ أﯾﺿﺎً ﻻ ﯾﻔوﺗﻧﺎ ﻫﻧﺎ ﺗﺳﺟﯾل أن اﻟﻣﺣﺎدﺛﺎت اﻟﺗﻲ أُﺟرﯾت ﺑﯾن اﻟدول اﻟﺛﻼث‬ ‫وﺑﺎﻗﻲ دول اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ اﻷوروﺑﯾﺔ ﺗرﻛزت ﺣول ﻣﺳﺎﺋل ﺗﻘﻧﯾﺔ ﺑﺎﻷﺳﺎس‪ ،‬ﻓﻲ ﺿوء اﻧطﺑﺎق‬ ‫اﻟﻣﻌﺎﯾﯾر اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ واﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﻣطﻠوب اﺳﺗﯾﻔﺎؤﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻠك اﻟدول‪.‬‬ ‫وﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﻣﺛﺎل‪ ،‬طﻠﺑت اﻟﺳوﯾد ﻣﺳﺎﻋدات ﻣن أﺟل ﺗﺣﺳﯾن أوﺿﺎع ﻣﻧﺗﺟﺎﺗﻬﺎ‬ ‫اﻟزراﻋﯾﺔ وﺣﻣﺎﯾﺔ ﺛرواﺗﻬﺎ اﻟﺳﻣﻛﯾﺔ ﻣن ﻣﺛﯾﻼﺗﻬﺎ اﻷوروﺑﯾﺔ‪ ،‬دون أن ﺗﺗطرق اﻟﻣﻔﺎوﺿﺎت‬ ‫‪- ١٥٦ -‬‬


‫ﻷي ﺷروط أﺧرى ذات طﺎﺑﻊ ﺳﯾﺎﺳﻲ أو ﺛﻘﺎﻓﻲ ﻛﻣﺎ ﻫو اﻟﺣﺎل ﻣﻊ ﺗرﻛﯾﺎ ذات اﻻﻏﻠﺑﯾﺔ‬ ‫اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ واﻟﻣرﺟﻌﯾﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ اﻻﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻟم ﺗﺳﺗطﻊ اﻟﻌﻠﻣﺎﻧﯾﺔ اﻷﺗﺎﺗورﻛﯾﺔ إﺧﻔﺎﺋﻬﺎ أو‬ ‫ﻗﺗﻠﻬﺎ طوال اﻟﻌﻘود اﻟﻣﺎﺿﯾﺔ)‪.(١‬‬ ‫اﻟوﺿﻊ ﻛﺎن ﺑﻪ ﺑﻌض اﻻﺧﺗﻼف ﻟدول أوروﺑﺎ اﻟﺷرﻗﯾﺔ ﻓﻘد طرﺣت دول اﻻﺗﺣﺎد‬ ‫اﻷوروﺑﻲ ﻣﻌﺎﯾﯾر أﺧرى ذات طﺎﺑﻊ اﻗﺗﺻﺎدي أﺳﺎﺳﺎً ﻟدﻣﺞ ﻫذﻩ اﻟدول داﺧل اﻻﺗﺣﺎد‬ ‫ﻣن ﺧﻼل ﻣﺎ ُﻋرف ﺑﺑرﻧﺎﻣﺞ اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻣﻊ ﺑﻠدان أوروﺑﺎ اﻟوﺳطﻰ واﻟﺷرﻗﯾﺔ‪ ،‬واﻟذي ﺿم‬ ‫ﺑﻠﻐﺎرﯾﺎ واﻟﻣﺟر وﺑوﻟﻧدا وﺟﻣﻬورﯾﺔ اﻟﺗﺷﯾك وروﻣﺎﻧﯾﺎ وﺳﻠوﻓﺎﻛﯾﺎ‪ ،‬إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺑﻠدان‬ ‫اﻟﺑﻠطﯾق اﻟﺛﻼﺛﺔ وﺳﻠوﻓﻧﯾﺎ وﻣﺎﻟطﺎ وﻗﺑرص‪ .‬وﻓﻲ اﻟﻣﻘﺎﺑل‪ ،‬رﻓﺿت دول اﻻﺗﺣﺎد‬ ‫اﻷوروﺑﻲ ﻓﻲ ﻗﻣﺔ ﺳﺎﻟوﻧﯾك ﻓﻲ ‪ ٢٣‬ﯾوﻧﯾو ‪٢٠٠٣‬م‪ ،‬ﺗﺣدﯾد ﺟدول زﻣﻧﻲ ﻻﻧﺿﻣﺎم‬ ‫أﻟﺑﺎﻧﯾﺎ وﻛرواﺗﯾﺎ واﻟﺑوﺳﻧﺔ واﻟﻬرﺳك وﻣﻘدوﻧﯾﺎ وﺻرﺑﯾﺎ‪ ،‬ﻣؤﻛدة ﻋﻠﻰ أن اﻟﺟدول اﻟزﻣﻧﻲ‬ ‫اﻟﻣﺣدد ﻫو ﻟﺗﺄﻛد ﻣن ﻣدى اﻟﺗزام ﻫذﻩ اﻟدول ﺑﺎﻹﺻﻼﺣﺎت اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ‬ ‫اﻟﻣطﻠوﺑﺔ ﻣﻧﻬﺎ‪ .‬ﻛﻣﺎ اﺷﺗرط اﻻﺗﺣﺎد اﻷورﺑﻲ ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟدول اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻹﺻﻼﺣﺎت‬ ‫اﻟﻣؤﺳﺳﯾﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﻘطﺎع اﻟﻣﺻرﻓﻲ‪.‬‬ ‫ﻣن ﺧﻼل اﻷﻣﺛﻠﺔ اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ ﻟطﻠﺑﺎت اﻟدول ﻟﻠدﺧول ﻓﻲ ﻫذا اﻻﺗﺣﺎد ﯾﺗﺿﺢ ﻟﻧﺎ‬ ‫ﻣدى ﻣروﻧﺔ اﻟﻣﻌﺎﯾﯾر اﻟﺗﻲ وﺿﻌﻬﺎ اﻻﺗﺣﺎد اﻷوروﺑﻲ ﻻﻧﺿﻣﺎم أﻋﺿﺎء ُﺟدد وﻫذا‬

‫ﺳﺑﺑﺎً رﺋﯾﺳﯾﺎ وراء ﻧﺟﺎح ﺳﯾﺎﺳﺗﻪ اﻻﻧدﻣﺎﺟﯾﺔ‪ ،‬وﻧﺟﺎﺣﻪ ﻓﻲ ﺿم ﻋﺷرة ﺑﻠدان أوروﺑﯾﺔ ﻓﻲ‬ ‫ﻋﺎم ‪٢٠٠٤‬م‪ ،‬ﺣﯾث ﻓرض ﻋﻠﯾﻬﺎ واﺟﺑﺎت وﻣﺳﺗوى ﻣﻌﯾﻧﺎً ﻣن اﻟﺗطور اﻻﻗﺗﺻﺎدي‬

‫واﻟدﯾﻣﻘراطﻲ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪ ،‬وﻟﻛﻧﻪ أﯾﺿﺎً ﻻ ﯾﺣرﻣﻬﺎ ﻣن اﻟﺣﻘوق‪ ،‬وﻣن ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻣﺳﺎﻋدات‬ ‫واﻟدﻋم ﻣن أﺟل ﺗوﺳﯾﻊ اﻻﺗﺣﺎد‪ .‬ﻓﻘد طﺑق اﻻﺗﺣﺎد اﻷوروﺑﻲ اﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت‬ ‫اﻟﻣﺗﻌددة‪ ،‬اﻟﺗﻲ ﻣﯾزت ﺑﯾن اﻟدول اﻷوروﺑﯾﺔ اﻟﻣرﺷﺣﺔ ﻟﻼﻧﺿﻣﺎم إﻟﻰ اﻻﺗﺣﺎد‪ ،‬وﺑﯾن دول‬ ‫ﺟﻧوب اﻟﻣﺗوﺳط اﻟﻣرﺷﺣﺔ ﻟﻠﺷراﻛﺔ ﻣﻌﻪ‪ ،‬وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻛﺎن ﻫﻧﺎك ﺗﻣﯾﯾز ﺑﺷﻛل واﺿﺢ ﺑﯾن‬ ‫اﻻرﺗﺑﺎط ﺑﺎﻟﻘﯾﻣﺔ اﻟﻌﻠﯾﺎ اﻟﺗﻲ ﺗﺗﺿﻣن اﻟﻣﻌﺎﯾﯾر واﻟﺷروط اﻷﻗﺻﻰ ﻓﻲ اﻻﻧدﻣﺎج داﺧل‬ ‫اﻻﺗﺣﺎد اﻷوروﺑﻲ وﻓق اﻟﻣﻌﺎﯾﯾر اﻷوروﺑﯾﺔ ـ ﺑﺎﻟﻣﻌﻧﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ واﻻﻗﺗﺻﺎدي واﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ـ‬

‫)‪ (١‬اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑق‪.‬‬

‫‪- ١٥٧ -‬‬


‫واﻟﺗﻲ ﯾﺟب اﻻﻟﺗزام ﺑﻬﺎ ﻣن أﺟل اﻻﻧﺿﻣﺎم إﻟﻰ ﻋﺿوﯾﺔ اﻻﺗﺣﺎد ﻛﻣﺎ ﺣدث ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ‬ ‫ﻟﺑﻠدان وﺳط وﺷرق وﺟﻧوب أوروﺑﺎ‪ ،‬واﻻرﺗﺑﺎط ﻣن ﺧﻼل اﻟﻣﺳﺗوي اﻷدﻧﻰ واﻟذي ﯾﺿم‬ ‫اﻟﺑﻠدان اﻟﻣرﺷﺣﺔ ﻟﻠﺷراﻛﺔ ﻣﻊ أوروﺑﺎ ﻓﻲ ﺟﻧوب اﻟﻣﺗوﺳط‪ .‬أي أن ﻣﻌﺎﯾﯾر اﻻﺗﺣﺎد‬ ‫ﺳﻣﺣت ﺑﺿم دول أورﺑﺎ اﻟﺷرﻗﯾﺔ ﻟﺗﻘﺎرﺑﻬﺎ ﺛﻘﺎﻓﯾﺎً وﻓﻛرﯾﺎً وﻓﻘط ﺳﻣﺣت ﺑﺎﻟﺗﻌﺎون واﻟﺷراﻛﺔ‬ ‫ﻣﻊ دول ﺟﻧوب اﻟﻣﺗوﺳط‪.‬‬ ‫ﻋﻠﻰ اﻟﺟﺎﻧب اﻵﺧر ﻧرى ﻣﺣﺎوﻻت ﺗرﻛﯾﺎ اﻟﻣﺳﺗﻣﯾﺗﺔ ﻟﻼﻧﺿﻣﺎم إﻟﻰ ﻫذا اﻟﻛﯾﺎن‬ ‫ﻧﻣوذﺟﺎ ﺑﺎر اًز ﻟﻠﺗﻌﻘﯾدات اﻟﺗﻲ ﺗواﺟﻪ ﻫذﻩ اﻟدوﻟﺔ ذات اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ واﻟﻣوﻗﻊ‬ ‫اﻟﺟﻐراﻓﻲ اﻟﻣﺗﻼﺣم ﻣﻊ أوروﺑﺎ‪ ،‬واﻟذي ُﯾﻣﺛل اﻧﺿﻣﺎﻣﻬﺎ ﺗﺣدﯾﺎً ﺣﻘﯾﻘﯾﺎ ﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻻﺗﺣﺎد‬

‫اﻷوروﺑﻲ ﻟﯾس ﻣن اﻟﺳﻬل ﺣﺳﻣﻪ؛ ﻓﻣن ﻣﻧظور ﺟﻐراﻓﻲ ﻧرى أن ﻫﻧﺎك ﺟزء ﺻﻐﯾر ﻣن‬ ‫ﺗرﻛﯾﺎ ﯾﻘﻊ داﺧل اﻟﻘﺎرة اﻷوروﺑﯾﺔ‪ ،‬وﻣن ﻣﻧظور ﺛﻘﺎﻓﻲ ﻧرى ﺗرﻛﯾﺎ ﻫﻲ اﻟدوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ‬ ‫اﻟوﺣﯾدة واﻻﺳﺗﺛﻧﺎﺋﯾﺔ اﻟﺗﻲ طﺑﻘت ﺗﺣوﻻً ﺛﻘﺎﻓﯾﺎً ﻋﻠﻣﺎﻧﯾﺎً ﻣﺗﺷدداً ﻣن أﻋﻠﻰ اﻟﺳﻠطﺔ ﻓﻲ‬ ‫ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻟﻠﻔﺻل ﺑﯾن اﻟدﯾن واﻟدوﻟﺔ‪ .‬وﻣﻊ ذﻟك ﻻزاﻟت ﺗُﻌﺎﻧﻲ ﻣن وﺿﻊ ﺧﺎص ﯾﺟﻌل‬

‫ﻫذﻩ اﻟدوﻟﺔ ﻓﻲ ﻣﺳﺗوى أﻗل ﻣن ﺟﯾراﻧﻬﺎ اﻷوروﺑﯾﯾن اﻟﺟﻧوﺑﯾﯾن ﻓﻲ ﻣﺎﻟطﺎ وﻗﺑرص‪،‬‬

‫وﯾﺿﻊ أﯾﺿﺎ ﺻﻌوﺑﺎت أﺧرى أﻣﺎم اﻧﺿﻣﺎﻣﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻘطﺎر اﻷوروﺑﻲ‪ ،‬وﻟﻛﻧﻬﺎ ﺗظل ﻓﻲ‬ ‫إطﺎر اﻟﺻﻌوﺑﺔ وﻟﯾس اﻻﺳﺗﺣﺎﻟﺔ‪ .‬ﻷن اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن ﯾرون أن اﻻﺗﺣﺎد اﻷورﺑﻲ‬ ‫ﻫو اﻷﺧر ﺑﺣﺎﺟﺔ ﻟدوﻟﺔ ﺑﺣﺟم ﺗرﻛﯾﺎ‪ .‬ﻓﻲ ﻫذا اﻹطﺎر وﺿﻌت أوروﺑﺎ ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن‬ ‫اﻟﺷروط واﻟﻣﻌﺎﯾﯾر أﻣﺎم اﻧﺿﻣﺎم ﺗرﻛﯾﺎ‪ ،‬ﺗﺿﻣﻧت ﺗﺣﺳﯾن أوﺿﺎع ﺣﻘوق اﻹﻧﺳﺎن‪،‬‬ ‫ٕواﺟراء ﻣزﯾد ﻣن اﻹﺻﻼﺣﺎت اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ‪ ،‬وأﺧﯾ اًر إﻋطﺎء ﻣزﯾد ﻣن اﻟﺣﻘوق اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ‬ ‫واﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻟﻸﻛراد وﻟﻛﺎﻓﺔ اﻷﻗﻠﯾﺎت اﻟﻌرﻗﯾﺔ‪ .‬وﻫذﻩ اﻟﺷروط ﻟﯾﺳت ﻣﺳﺗﺣﯾﻠﺔ اﻟﺗطﺑﯾق!‬

‫ﻣن ﺧﻼل ذﻟك ﻧرى أن واﻗﻌﯾﺔ اﻻﺗﺣﺎد اﻷورﺑﻲ وواﻗﻌﯾﺔ ﻣﻌﺎﯾﯾرﻩ ﻗد ﺗﺳﻣﺢ ﺑدﻣﺞ‬ ‫ﺗرﻛﯾﺎ داﺧل اﻻﺗﺣﺎد اﻷوروﺑﻲ وﻫذا ﯾﺗوﻗف إﻟﻰ ﺣد ﻛﺑﯾر ﻋﻠﻰ ﻗدرﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ إﺟراء‬ ‫اﻟﺗطور اﻟداﺧﻠﻲ اﻟﻣطﻠوب‪ ،‬وﻋﻠﻰ ﻗدرة اﻟﻧﻣوذج اﻷوروﺑﻲ ﻋﻠﻰ اﻻﻧﻔﺗﺎح اﻟداﺧﻠﻲ ﻋﻠﻰ‬ ‫ﺗﺟرﺑﺔ ﻣﻐﺎﯾرة ﻟﻪ ﺛﻘﺎﻓﯾﺎً‪ ،‬ﺑﺣﯾث ﺗُﺻﺑﺢ ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟدﻣﺞ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﺣﺎﻟﺔ ﻗﺎﺋﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﻼﻗﺔ‬

‫ﺟدﻟﯾﺔ ﻣن اﻟﺗﺄﺛﯾر واﻟﺗﺄﺛر ﺑﯾن اﻟﺟﺎﻧﺑﯾن‪ .‬وﻋﻠﯾﻪ‪ ،‬ﻓﺈن ﻗدرة اﻟﻧﻣوذج اﻷوروﺑﻲ ﻋﻠﻰ دﻣﺞ‬

‫دول ﺟدﯾدة‪ ،‬ﯾرﺟﻊ ﻓﻲ ﺟﺎﻧب رﺋﯾﺳﻲ ﻣﻧﻪ إﻟﻰ ﺧﺑرﺗﻪ اﻟداﺧﻠﯾﺔ ﻧﻔﺳﻬﺎ‪ ،‬وﻧﺟﺎﺣﻪ ﻓﻲ ﺑﻧﺎء‬ ‫‪- ١٥٨ -‬‬


‫ﻧﻣوذج ﺛﻘﺎﻓﻲ ـ ﺳﯾﺎﺳﻲ داﺧﻠﻲ‪ ،‬ﯾﻌﺗﻣد أﺳﺎﺳﺎ ﻋﻠﻰ دﻣﺞ اﻵﺧر داﺧل ﻧﺳﻘﻪ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‬ ‫واﻟﺳﯾﺎﺳﻲ‪ ،‬ﺳواء ﻛﺎن ﻫذا اﻵﺧر ﻣﺗﻣﺛﻼ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن اﻟذﯾن ﺗﺣول ﺟزء‬ ‫ﻛﺑﯾر ﻣﻧﻬم إﻟﻰ ﻣﺳﻠﻣﯾن أوروﺑﯾﯾن‪ ،‬أو ﺗﻣﺛل ﻓﻲ ﺗﯾﺎرات ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﺛورﯾﺔ وﯾﺳﺎرﯾﺔ‬ ‫رادﯾﻛﺎﻟﯾﺔ ﻧﺟﺢ اﻟﻧظﺎم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ اﻟدﯾﻣﻘراطﻲ اﻷوروﺑﻲ ﻓﻲ دﻣﺟﻬﺎ داﺧل ﻣؤﺳﺳﺎﺗﻪ‬ ‫اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ وﺗﺣوﯾل ﻣﻌظﻣﻬﺎ إﻟﻰ ﻗوى ﺳﻠﻣﯾﺔ ﺗﺗﺣرك داﺧل ﻗﯾم اﻟﺗواﻓق اﻟﻌﺎم‪.‬‬ ‫ﻓﺻﻧدوق اﻻﻧﺗﺧﺎﺑﺎت ﻋﻧدﻫم ﻫو اﻟﻔﯾﺻل ﻣﻊ اﻟﻣواﺋﻣﺔ ﺑﯾن ﺣﻘوق اﻷﻏﻠﺑﯾﺔ وﺣﻘوق‬ ‫اﻷﻗﻠﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﻌﯾش وﺳط اﻷﻏﻠﺑﯾﺔ‪.‬‬ ‫ج( اﻻﺗﺣﺎد اﻷوروﺑﻲ وﺗﺣوﻻت اﻟﺑﯾﺋﺔ اﻟدوﻟﯾﺔ‬ ‫ﺑﻌد اﻧﺗﻬﺎء اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﺧرﺟت اﻟﺑﻼد واﻟﻣﻣﺎﻟك اﻷورﺑﯾﺔ ﻣﻧﻬﻛﺔ اﻟﻘوى‬ ‫ﺧﺎوﯾﺔ اﻟوﻓﺎض ﻓﺎﻟﻔرق ﺑﯾن روﺳﯾﺎ اﻟﻣﻧﺗﺻرة وﻓﻛرﻫﺎ اﻟﺷﯾوﻋﻲ أو اﻻﺷﺗراﻛﻲ وﺑﯾن‬ ‫ﻓرﻧﺳﺎ واﻟﻣﻣﻠﻛﺔ اﻟﺑرﯾطﺎﻧﯾﺔ ذات اﻟﻔﻛر اﻟﻠﯾﺑراﻟﻲ اﻟﻣﺗﺣرر ﻓرق ﻻ ﯾﻛﺎد ُﯾذﻛر ﻓﺎﻟﺑﯾوت‬

‫ﻫﻧﺎ وﻫﻧﺎك ﻣﺣطﻣﺔ وﻋدد اﻷراﻣل واﻟﺛﻛﺎﻟﻰ واﻟﻣﻌﺎﻗﯾن ﻣن آﺛﺎر ﺗﻠك اﻟﺣرب اﻟﺿروس‬ ‫راﯾﺗﻬم أﯾﻧﻣﺎ وﻟﯾت ﻋﯾﻧﯾك‪ ،‬واﻧﻘﺳﻣت أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ اﻟﻣﻧﻬزﻣﺔ ﺑﯾن اﻟﻣﻌﺳﻛرﯾن‬

‫اﻟﻣﻌﺳﻛر‬

‫اﻟﺷرﻗﻲ ﺑﻘﯾﺎدة روﺳﯾﺎ واﻟﻣﻌﺳﻛر اﻟﻐرﺑﻲ ﺑﻘﯾﺎدة اﻟوﻻﯾﺎت اﻟﻣﺗﺣدة اﻷﻣرﯾﻛﯾﺔ – ﻛﺎﻧت‬ ‫اﻟوﻻﯾﺎت اﻟﻣﺗﺣدة ﻫﻲ ﻣن أﻗل اﻟﺑﻼد ﺗﺿر اًر ﻣن اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ‪ -‬ووﻗﻔت‬ ‫اﻟﺟﯾوش اﻟﻣﺗﺣﺎرﺑﺔ ﻣﺗواﺟﻬﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺻﻣﺔ اﻷﻟﻣﺎﻧﯾﺔ ﺑرﻟﯾن وﺗم ﻓض اﻻﺷﺗﺑﺎك وﺑﻧﺎء‬ ‫ﺳور ﻓﻲ وﺳط اﻟﻣدﯾﻧﺔ اﻷﻟﻣﺎﻧﯾﺔ ﺑرﻟﯾن ﻓﺎﻧﻘﺳﻣت أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ ٕوان ﺷﺋت ُﻗل اﻧﻘﺳﻣت اﻷُﺳر‬

‫اﻷﻟﻣﺎﻧﯾﺔ إﻟﻰ ﻧﺻﻔﯾن واﻹﺣﯾﺎء ﻓﻲ ﻣدﯾﻧﺔ ﺑرﻟﯾن إﻟﻰ ﻧﺻﻔﯾن ﻓﺄﺻﺑﺢ ﻟدﯾﻧﺎ ﺑرﻟﯾن‬ ‫اﻟﺷرﻗﯾﺔ وﺑرﻟﯾن اﻟﻐرﺑﯾﺔ‪ ،‬ﻫذا اﻟوﺿﻊ اﻟﻐﯾر طﺑﯾﻌﻲ واﻟﺷﺎذ ﻟم ﯾﺳﺗﻣر طوﯾﻼً ﻓﺄﻋﺗﻠﻰ‬ ‫اﻟﺷﻌب اﻷﻟﻣﺎﻧﻲ ﻫذا اﻟﺳور وﺣطﻣوﻩ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪١٩٨٩‬م وﺗﻧﺎﻗل اﻟﻧﺎس ﻣرة أﺧرى ﺑﯾن‬ ‫أﺣﯾﺎء اﻟﻣدﯾﻧﺔ اﻟواﺣدة دون ﻗﯾد أو ﺷرط‪ .‬ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻛﺎن ﻫذا اﻟﺗﺣطﯾم ﻟﻬذا اﻟﺳور‬ ‫ﻣﻧﻌطﻔﺎً ﻓﺎﺻﻼً ﺑﯾن ﻣرﺣﻠﺗﯾن ﺣﺎﺳﻣﺗﯾن ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ ﺗطور اﻟﻘﺎرة اﻷوروﺑﯾﺔ‪ ،‬ﺣﯾث اﻧﺗﻘل‬ ‫ﻣﺷروع اﻟوﺣدة اﻷوروﺑﯾﺔ ﻣن أﺟواء اﻟﺣرب اﻟﺑﺎردة ﻓﻲ ظل ﻧظﺎم اﻟﻘطﺑﯾﺔ اﻟﺛﻧﺎﺋﯾﺔ‪ ،‬إﻟﻰ‬ ‫أﺟواء اﻟﻧظﺎم اﻟﻌﺎﻟﻣﻲ اﻟﺟدﯾد اﻟذي ُﯾﻬﯾﻣن ﻋﻠﯾﻪ اﻟﻘطب اﻷﻣرﯾﻛﻲ اﻟواﺣد‪ .‬ﻋزز ﻣن‬ ‫ﺗوﺟﻪ اﻟﻌﺎﻟم إﻟﻰ اﻟدوران ﺣول اﻟﻘطب اﻷﻣرﯾﻛﻲ اﻟﺟدﯾد ﻋواﻣل ﻛﺛﯾرة ﻣﻧﻬﺎ اﻧﻬﯾﺎر‬ ‫‪- ١٥٩ -‬‬


‫اﻻﺗﺣﺎد اﻟﺳوﻓﯾﺗﻲ ﺑﻌد ﻓﺷﻠﻪ ﻓﻲ ﺣرب أﻓﻐﺎﻧﺳﺗﺎن وﺗﻔﻛﻛﻪ إﻟﻰ دول ُﻛل ﻣﻧﻬﺎ ﯾرﯾد أن‬

‫اﻟﺣر‪ ،‬ﻫذا اﻟﺗﺣول أدى ﻟﺗﺣول ﻣوازي ﻓﻲ ﻣﻔردات اﻟﻧظﺎم اﻟﻌﺎﻟﻣﻲ‬ ‫ﯾﻠﺣق ﺑﺎﻟﻌﺎﻟم اﻟﻐرﺑﻲ ُ‬ ‫وﻓﻲ ﺷﻛل اﻟﺻراﻋﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ‪ ،‬ﻣن ﻋﺎﻟم اﻟﺻراع اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﺑﯾن ﺣﺗﻣﯾﺎت اﻟﻣﺎرﻛﺳﯾﺔ‬ ‫وﺑﺎرﺟﻣﺎﺗﯾﺔ‬

‫)‪(١‬‬

‫اﻟرأﺳﻣﺎﻟﯾﺔ إﻟﻰ ﻋﺎﻟم ﯾﺣﺎول أن ﯾﻛون واﺣداً‪ ،‬وﯾﺣﺎول أﯾﺿﺎ طرح ﺧطﺎب‬

‫واﺣد ﯾؤﻛد ﻋﻠﻰ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ واﺣﺗرام ﺣﻘوق اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ ﺷﻣﺎل اﻟﻌﺎﻟم وﺟﻧوﺑﻪ‪ ،‬وﻫو ﻣﺎ‬ ‫ﯾﻌﻛس أﻫﻣﯾﺔ ﺗﺟرﺑﺔ اﻟوﺣدة اﻷوروﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺷﻬدت ﻣﻧذ اﻟﻧﺻف اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻣن ﻫذا اﻟﻘرن‬ ‫ﺗﺣوﻟﯾن رﺋﯾﺳﯾﯾن ﻋﺑ ار ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻋن ﻗدرة ﻫذﻩ اﻟﺗﺟرﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﺳﺗﯾﻌﺎب اﻟﻣﺳﺗﺟدات‬ ‫ﻫذﯾن اﻟﺗﺣوﻟﯾن ﻫﻣﺎ‪:‬‬ ‫اﻟﺗﺣول اﻷول‪ :‬ﯾﺟب ﻫﻧﺎ أن ﻧذﻫب إﻟﻰ ﻧﻘطﺔ اﻟﺑدء ﻓﻲ ﻧﺷﺄة اﻻﺗﺣﺎد اﻷوروﺑﻲ ﻓﻲ‬ ‫أﻋﻘﺎب اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ظل أﺟواء اﻟﺣرب اﻟﺑﺎردة اﻟﺗﻲ ﻓرﺿﻬﺎ اﻟﻧظﺎم‬ ‫اﻟدوﻟﻲ ﺛﻧﺎﺋﻲ اﻟﻘطﺑﯾﺔ‪ .‬ﻓﻲ ﺟو اﻟﺗرﺑص واﻟﺧوف اﺳﺗطﺎع ﻫذا اﻟﻛﯾﺎن اﻟوﻟﯾد أن ﯾﺟذب‬ ‫ﻟﻌﺿوﯾﺗﻪ دول ﺟدﯾدة ﻓﺎرﺗﻔﻌت ﻋﺿوﯾﺔ اﻻﺗﺣﺎد ﻣن ﺳت دول إﻟﻰ ﺗﺳﻊ دول)‪.(٢‬‬ ‫اﻟﺗﺣول اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ :‬اﻟﻧﻘطﺔ اﻟﻣﺣورﯾﺔ ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ اﻹﺗﺣﺎد اﻷورﺑﻲ ﺗﺗﻌﻠق ﺑﻘدرة اﻟﺑﻠدان‬ ‫اﻷوروﺑﯾﺔ ﻋﻠﻲ اﻟﺗﻛﯾف ﻣﻊ اﻟﺗﺣوﻻت اﻟﺗﻲ ﺷﻬدﻫﺎ اﻟﻌﺎﻟم ﻣﻧذ اﻟﺣرب اﻟﺑﺎردة وﺣﺗﻰ‬ ‫ظﻬور اﻟﻧظﺎم اﻟﻌﺎﻟﻣﻲ اﻟﺟدﯾد ﺑﻘﯾﺎدة اﻟوﻻﯾﺎت اﻟﻣﺗﺣدة‪ ،‬ﻓﺎﻻﺗﺣﺎد اﻷوروﺑﻲ ﻛﺎن ﻫو‬ ‫اﻟﻣﺷروع اﻷﺑرز ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻟذي ﺻﻣد ﻓﻲ وﺟﻪ اﻟﺗﺣوﻻت اﻟﺗﻲ ﺷﻬدﻫﺎ اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻲ ﻓﺗرة‬ ‫ﻣن أﺻﻌب اﻟﻔﺗرات ﻓﻠم ﯾﻛن ﺳﻘوط ﺳور ﺑرﻟﯾن وﻣﺎ ﺗﺑﻌﻪ ﻣن ﺗﻔﻛك اﻻﺗﺣﺎد اﻟﺳوﻓﯾﺗﻲ‬ ‫ﺑﺎﻟﺣدث اﻟﻬﯾن وﻟﻛن ﻓﻲ ظل ﻛل ﻫذﻩ اﻟﺗﻐﯾرات ﻧﺟﺢ اﻻﺗﺣﺎد اﻷورﺑﻲ ﻟﯾس ﻓﻘط ﻓﻲ‬ ‫اﻻﺳﺗﻣرار واﻟﺗﻛﯾف ﻣﻌﻬﺎ ٕواﻧﻣﺎ أﯾﺿﺎ ﻓﻲ اﻟﺗﺄﺛﯾر ﻓﯾﻬﺎ واﻻﻧﺗﻘﺎل اﻟﺳﻠس ﻣن اﻟﺗﻔﺎﻋل ﻣﻊ‬ ‫ﻧظﺎم اﻟﻘطﺑﯾﺔ اﻟﺛﻧﺎﺋﯾﺔ واﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻌﻪ ﺑدرﺟﺔ ﻋﺎﻟﯾﺔ ﻣن اﻟدﯾﻧﺎﻣﯾﻛﯾﺔ إﻟﻰ ﻧظﺎم ﻣﺗﻌدد‬ ‫اﻷﻗطﺎب ُﯾﻬﯾﻣن ﻋﻠﯾﻪ اﻟﻘطب اﻷﻣرﯾﻛﻲ اﻟﺟدﯾد‪.‬‬

‫)‪ (١‬ﻣﺑدأ ﻓﻠﺳﻔﻲ ﯾﻌﻧﻲ اﻟوﺻوﻟﯾﺔ أو اﻟﺗﺳﻠق ﻟﻠوﺻول ﻟﻠﻬدف‪.‬‬ ‫‪(2) Corbett, Richard; Jacobs, Francis; Shackleton, Michael (2011).The European‬‬ ‫‪Parliament (8th ed.). London: John Harper Publishing. ISBN 978-0956450852 p18.‬‬

‫‪- ١٦٠ -‬‬


‫ﻗﻠﻧﺎ أن اﻟوﻻﯾﺎت اﻟﻣﺗﺣدة ﺧرﺟت ﻣن اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ وﻫﻲ ﻣن أﻗل اﻟدول‬ ‫ﺧﺳﺎرة ﻓﺑدأت ﺗﺳﺗﺛﻣر ﻫذﻩ اﻟﻘوة ﻓﻲ ظل ﻋﺎﻟم ﯾﻣوج ﺑﺎﻟﺿﻌف ﻓﻛﺎن أول اﺳﺗﺛﻣﺎر ﻟﻬﺎ‬ ‫ﻓﻲ اﻟﻘﺎرة اﻷورﺑﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﻛﺔ ﻣﺷروع ﻣﺎرﺷﺎل اﻷﻣرﯾﻛﻲ )‪١٩٥٢ -١٩٤٨‬م( ﻫذا‬ ‫اﻟﻣﺷروع اﻟذي ﻛﺎن ﯾﻬدف ﻹﻋﺎدة ﺑﻧﺎء أوروﺑﺎ اﻗﺗﺻﺎدﯾﺎً ﻫذا اﻟﻣﺷروع ﺗﻣﺧض ﻋن‬ ‫ﻣﯾﻼد اﻟﻣﻧظﻣﺔ اﻷوروﺑﯾﺔ ﻟﻠــﺗﻌﺎون اﻻﻗﺗﺻــﺎدي ﻓﻲ اﻟﺳﺎدس ﻋﺷر ﻣن أﺑرﯾل اﺑرﯾل ﺳﻧﺔ‬ ‫‪١٩٤٨‬م‪ ،‬ﺛم ﻗﯾﺎم اﻟوﻻﯾﺎت اﻟﻣﺗﺣدة ﺑﺗﺳﻠﯾﺢ أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ اﻟﻐـرﺑﯾﺔ ﺗﺳﻠﯾـﺣﺎً ﻣﺣدوداً ﻓـﻲ أﻋﻘﺎب‬ ‫اﻟﺣرب اﻟﻛــورﯾﺔ ) ‪١٩٥٣-١٩٥٠‬م(‪ ،‬إﻻ أﻧﻪ ﻣن اﻟﺻﻌب اﻟﻘول إن ﻫذا اﻟدﻋم ﻗد‬ ‫اﺳﺗﻣر ﺑﻌد ظﻬور اﻻﺗﺣﺎد اﻷورﺑﻲ ﻓظﻬور اﻻﺗﺣﺎد اﻷورﺑﻲ أدى ﻟﺗﻘﻠص اﻟدﻋم‬ ‫اﻟﻣﺑﺎﺷر ﻟﻠﺑﻼد اﻷورﺑﯾﺔ وﻟﻛن ظﻠت اﻟﺷرﻛﺎت اﻷﻣرﯾﻛﯾﺔ ﺗﻌﻣل ﻫﻧﺎك‪ .‬ﻛﺎن‬ ‫اﻷﻣرﯾﻛﻲ ُ‬ ‫ﻋﻠﻰ اﻟﺟﺎﻧب اﻵﺧر ﻗﯾﺎدات وطﻧﯾﺔ ﺗُﺣﺎول اﻻﺳﺗﻘﻼل ﺑﺎﻟﻘرار اﻟوطﻧﻲ ﻋن اﻟﺗﺄﺛﯾرات‬ ‫اﻟﺷرﻗﯾﺔ ﻣﻣﺛل ﻓﻲ اﻻﺗﺣﺎد اﻟﺳوﻓﯾﺗﻲ وﻣن اﻟﺳﯾطرة اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻣﻣﺛل ﻓﻲ اﻟوﻻﯾﺎت اﻟﻣﺗﺣدة‬

‫اﻷﻣرﯾﻛﯾﺔ وﻣن أﺷﻬر ﻫذﻩ اﻟﻘﯾﺎدات اﻟوطﻧﯾﺔ ﺷﺎرل دﯾﺟول ﻓﻲ ﻓرﻧﺳﺎ ﻓﻛﺎﻧت ﺿﻣن‬ ‫أﻫداﻓﻪ اﻻﺳﺗﻘﻼل اﻷوروﺑﻲ ﻋن ﻫذا اﻟﻐطﺎء اﻷﻣرﯾﻛﻲ‪ .‬ﻫذا ﺳﺎﻫم أﯾﺿﺎً ﻓﻲ ﺟﻌل‬ ‫ﻣﺷروع اﻟوﺣدة اﻷوروﺑﯾﺔ ﯾﺣﻣل ﻧﻐﻣﺎت ﺧﺎﺻﺔ ﺣﺗﻰ ﻟو ظل ﻓﻲ إطﺎر اﻟﺗواﻓق‬ ‫اﻷﻣرﯾﻛﻲ ﺑﺳﺑب اﻋﺗﻣﺎد ﻛل ﻣن اﻟﺟﺎﻧﺑﯾن ﻋﻠﻰ اﻟرأﺳﻣﺎﻟﯾﺔ اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ ودﯾﻣﻘراطﯾﺔ‬ ‫اﻟﺣﻛم؛ ﻛﻣﺎ ﺣﺎوﻟت أوروﺑﺎ أن ﺗﺑﻧﻲ ﺻﯾﻐﺔ ﺛﺎﻟﺛﺔ ﺗﺗﺟﺎوز ﺑﻬﺎ ﻫﯾﻣﻧﺔ اﻟﻘطب اﻷﻣرﯾﻛﻲ‬ ‫واﻟﺳوﻓﯾﺗﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺳواء‪ ،‬ﻟﺗﺗواﻛب ﻣﻊ ﻣﺎ ﺟرى ﻓﻲ ﻛﺛﯾر ﻣن ﺑﻘﺎع اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬ ‫د( ﻗدرة اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻷوروﺑﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺣور وﻓﻘﺎً ﻟﻠﻣﺳﺗﺟدات‪:‬‬ ‫اﻟوﺣدة اﻷورﺑﯾﺔ ﻛﺎﻧت ﻣﺛل اﻟطﻔل اﻟﺻﻐﯾر ُوﻟد وﻻﻗﻰ رﻋﺎﯾﺔ ﻓﺗطور ﻣﻊ اﻟﺣﯾﺎة‬ ‫ﻓﻛﺎﻧت ﻛل ﻣرﺣﻠﺔ ﻣن ﻣراﺣل اﻟوﺣدة اﻷوروﺑﯾﺔ ﺗؤذن ﺑﺎﻟدﺧول ﻓﻲ اﻟﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻠﯾﻬﺎ‬ ‫أﻛﺛر ﺗﻘدﻣﺎ ﻣن ﺳﺎﺑﻘﺗﻬﺎ‪ ،‬ﺑﺻورة ﺟﻌﻠت ﻣﺷروع اﻟوﺣدة اﻷوروﺑﯾﺔ ﻧﺗﺎج ﻋﻣﻠﯾﺔ ﺗﻔﺎﻋﻠﯾﺔ‬ ‫اﻟﻣﺣﯾط‪ ،‬ﺑﺣﯾث ﯾﺻﻌب اﻟﻘول إن ﻫذﻩ اﻟوﺣدة‬ ‫ﺑﯾن أﻓﻛﺎر ﻛل ﻣرﺣﻠﺔ واﻟواﻗﻊ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ُ‬ ‫ﻧزﻟت ﻣن اﻟﺳﻣﺎء ﺑﻣﻌﺎﻫدات ﻧﻬﺎﺋﯾﺔ ﺑﯾن اﻟدول اﻷوروﺑﯾﺔ ﺗﻔرض ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟﺗوﺣد‬ ‫اﻻﻗﺗﺻﺎدي واﻟﺳﯾﺎﺳﻲ واﻟدﻓﺎﻋﻲ؛ ﻓﻠﻘد ﻛﺎﻧت ﻟﺣظﺔ ﻣﯾﻼد اﻟﻔﻛرة ﻓﻲ ﺻورة اﻟﺳوق‬ ‫اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ اﻟﻣﺷﺗرﻛﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺑدورﻫﺎ ﻧﺗﺎﺟﺎً ﻟﺗﻔﺎﻋﻼت ﺑﺳﯾطﺔ ﺳﺎﺑﻘﺔ ﺗﻣﺛﻠت ﻓﻲ‬ ‫‪- ١٦١ -‬‬


‫إﻗﺎﻣﺔ ﺷرﻛﺎت اﻟﻔﺣم واﻟﺻﻠب)‪ ،(١‬وﺿﻣت اﻟﺳوق ﻓﻲ اﻟﺑداﯾﺔ ﺳت دول ارﺗﻔﻌت إﻟﻰ‬ ‫ﺗﺳﻊ‪ ،‬ﺛم ﺗوﺳﻌت ﻣرة أﺧرى ﻟﺗﺻل إﻟﻰ ‪ ١٢‬دوﻟﺔ ُﻋرﻓت ﺑﺎﺳم اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ اﻷوروﺑﯾﺔ‪.‬‬

‫وﻛﺎﻧت اﻟﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻫﻲ ﺗوﻗﯾﻊ اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﻣﺎﺳﺗرﯾﺧت ﻟﻠوﺣدة اﻷوروﺑﯾﺔ ﻓﻲ ﻋﺎم‬ ‫‪١٩٩٢‬م‪ ،‬واﻟﺗﻲ ﺳﺑﻘﻬﺎ اﺗﻔﺎق آﺧر ﻣﺛل اﻟﺗﻣﻬﯾد اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ ﻻﺗﻔﺎﻗﯾﺔ اﻟوﺣدة اﻷوروﺑﯾﺔ ﻓﻲ‬ ‫وﻋرف ﺑﺎﺳم اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ اﻷداء اﻷوروﺑﻲ اﻟﻣوﺣد‪ ،‬وﻫو اﻻﺗﻔﺎق اﻟذي ﺣﻣل‬ ‫ﯾوﻟﯾو ‪١٩٨٧‬م‪ُ ،‬‬ ‫ﻛﺛﯾ اًر ﻣن اﻷﻓﻛﺎر اﻟﺗﻲ ﺳﺎﻫﻣت ﻓﻲ ﺗﻘﺑل اﻟدول اﻷوروﺑﯾﺔ ﻻﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﻣﺎﺳﺗرﯾﺧت‪.‬‬

‫ﻛﺎﻧت اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﻣﺎﺳﺗرﯾﺧت ﻫﻲ اﻷﺳﺎس اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻣﺳﯾرة اﻟوﺣدة اﻷوروﺑﯾﺔ ﺣﯾث ﻧﺻت‬ ‫ﻫذﻩ اﻻﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﺟواﻧب ﻋﻣﻠﯾﺔ ﻛﺛﯾرة ﻣﺛل إﻟﻐﺎء اﻟﺣدود ﺑﯾن اﻟدول اﻷوروﺑﯾﺔ ورﻓﻊ‬ ‫اﻟﻘﯾود اﻟﺟﻣرﻛﯾﺔ‪ ،‬واﻟﺑدء ﻓﻲ ﻣﺳﯾرة ﺗطﺑﯾق ﻧظﺎم اﻟﻌﻣﻠﺔ اﻟﻣوﺣدة اﻟﯾورو‪ ،‬ووﺿﻊ أﺳس‬ ‫ﻟﻧظﺎم ﻗﺎﻧوﻧﻲ وﺗﻌﻠﯾﻣﻲ وأﻣﻧﻲ ﻣﺗﺷﺎﺑﻪ ﺗﺣﻛﻣﻪ ﻣﻌﺎﯾﯾر واﺣدة‪ .‬اﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﺑدء ﻓﻲ‬ ‫اﻟﺗوﺟﻪ اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ اﻻﻋﺗراف ﺑﺎﻟﻣواطن اﻷوروﺑﻲ‪ ،‬ﻛﻔرد ﯾﺗﺟﺎوز ﻗواﻧﯾن ﻛل دوﻟﺔ ﻋﻠﻰ‬ ‫ﺣدة‪ ،‬وﻋﻠﻰ ﺣرﯾﺔ اﻟﺗﻧﻘل واﻟﻌﻣل ﻓﻲ ﻛل ﺑﻠدان اﻻﺗﺣﺎد اﻷوروﺑﻲ‪ .‬ﻛﻣﺎ ﻣﻬدت ﺗﻠك‬ ‫اﻻﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﻟﻠﻣﺣطﺔ اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ اﻟﻣﺗﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ ﺻﯾﺎﻏﺔ دﺳﺗور أوروﺑﻲ‪ ،‬وﺗطوﯾر ﻧظﺎم اﻟﺗﺻوﯾت‬ ‫داﺧل اﻟﻣﻔوﺿﯾﺔ اﻷوروﺑﯾﺔ‪ ،‬واﻟﺑدء ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻟﺟﺔ اﻟﺛﻐرﺗﯾن اﻟﻛﺑﯾرﺗﯾن اﻟﻠﺗﯾن أﺑرزﺗﻬﻣﺎ‬ ‫ﺑﺷﻛل واﺿﺢ ﺣرب اﻟﺧﻠﯾﺞ وﻫﻣﺎ اﻟﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﺗطوﯾر ﺳﯾﺎﺳﺔ ﺧﺎرﺟﯾﺔ ودﻓﺎﻋﯾﺔ أوروﺑﯾﺔ‬ ‫واﺣدة‪ ،‬وذﻟك ﻋن طرﯾق إﻗﺎﻣﺔ وﺣدة ﻓﯾدراﻟﯾﺔ ﺑﯾن ﻣﻌظم دول اﻻﺗﺣﺎد ﺣﯾث ﻛﺎﻧت‬ ‫ﻫﻧﺎك ردود ﻓﻌل ﻣﺗﺑﺎﯾﻧﺔ ﺣول ﺣرب اﻟﺧﻠﯾﺞ ﻓﻠم ﯾﻛن ﻫﻧﺎك ﻣوﻗف أورﺑﻲ واﺣد)‪.(٢‬‬ ‫ﻛﺎن اﻟﻧﺟﺎح ﻓﻲ اﻟﻣراﺣل اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ داﻓﻊ ﺟدﯾد ﻟﻠﻣراﺣل اﻟﻼﺣﻘﺔ ﻓﻘد وﻗﻌت دول‬ ‫اﻻﺗﺣﺎد ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﻫدﺗﯾن ﺟدﯾدﺗﯾن ﻋﻣﻘﺗﺎ ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﻣﺎﺳﺗرﯾﺧت ﻟﻠوﺣدة‬ ‫اﻷوروﺑﯾﺔ‪ ،‬وﻫﻣﺎ ﻣﻌﺎﻫدة أﻣﺳﺗردام ﺳﻧﺔ ‪١٩٩٧‬م‪ ،‬وﻣﻌﺎﻫدة ﻧﯾس ﻓﻲ ﺳﻧﺔ ‪٢٠٠٠‬م‪،‬‬ ‫ﺣﯾث ﻛﺎﻧﺗﺎ ﻫﺎﺗﯾن اﻻﺗﻔﺎﻗﯾﺗﯾن ﺗﻬدﻓﺎن ﻟﺗﻔﻌﯾل ﺳﯾﺎﺳﺔ اﻹﺗﺣﺎد اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ‪ ،‬وﻫﻛذا ﻧرى‬

‫‪(1) Klaus – Dieter Borchard , European Integration : The Origins and Growth of the‬‬ ‫‪European Union , European Documentation , Luxembourg : 2008.‬‬ ‫‪(2) Jones, Erik; Anand, Menon; Weatherill, Stephen (2012). The Oxford Handbook of‬‬ ‫‪the European Union. Oxford: Oxford University Press, pp240.‬‬

‫‪- ١٦٢ -‬‬


‫اﻟﻛﺎﺋن اﻷورﺑﻲ ﻛﺎﺋن ﻣﺗطور وﻗﺎﺑل ﻟﻠﻧﻣو واﻟﺣرﻛﺔ واﻟﻣﻧﺎورة وﻓﻘ ًﺎ ﻟﻣﻘﺗﺿﯾﺎت ﻛل‬ ‫ﻣرﺣﻠﺔ‪.‬‬ ‫رؤﯾﺔ اﻟﻧﻣوذج اﻷورﺑﻲ اﻟﻧﺎﺟﺢ ﻗد ُﯾظﻬر ﻟﻧﺎ ﺑﻌض ﻣن ﺳوأﺗﻧﺎ ﻓﻬذا اﻟﻧﺟﺎح‬

‫وﯾﺛﯾر ﺳؤاﻻً ﻟﻣﺎذا اﻟﻧﺟﺎح ﻫﻧﺎك واﻟﻔﺷل ﻫﻧﺎ؟ ﻫذا‬ ‫اﻟظﺎﻫر ﻣن ﺷﺄﻧﻪ أن ُﯾﻠﻔت اﻻﻧﺗﺑﺎﻩ ُ‬

‫اﻟﻧﺟﺎح ُﯾﻘدم رﺳﺎﻟﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ‪ ،‬رﺑﻣﺎ ﯾﺳﺗﻔﯾد ﻣﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﺎل إذا رﻏب ﻓﻲ ﺗطوﯾر‬

‫ﻗدراﺗﻪ اﻟداﺧﻠﯾﺔ واﻻﻋﺗراف ﺑﺗواﺿﻊ طﻣوﺣﺎﺗﻪ ورﻏﺑﺗﻪ ﻓﻲ اﻹﻧﺟﺎز وﻟو اﻟﻣﺣدود‪ ،‬وأن‬ ‫ﯾﺧرج ﻣن داﺋرة اﻟﺷﻌﺎرات اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﻣﻧﻌزﻟﺔ ﻋن اﻟواﻗﻊ‪ ،‬أو اﻻﺳﺗﺳﻬﺎل ﻓﻲ ﺗﻛرﯾس ﺛﻘﺎﻓﺔ‬ ‫اﻟﻣﻌوﻧﺎت اﻟﺗﻲ ﻟم ﺗرﺗﺑط ﻓﻲ ﻣﻌظم اﻷﺣﯾﺎن ﺑﺗﻌظﯾم ﻗدراﺗﻪ اﻟداﺧﻠﯾﺔ‪ ،‬وﺗطوﯾر ﻫﯾﺎﻛﻠﻪ‬ ‫اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ‪ ،‬وﯾﺗﺧﻠﻰ ﺻﺎﻧﻌﻲ اﻟﻘرار وﻛذﻟك اﻟﺷﻌوب ﻣن أن اﻟرﺧﺎء أو‬ ‫اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ أو ﻏﯾرﻫﺎ ﻣن اﻟﻛﻠﻣﺎت اﻟﺑراﻗﺔ ُﯾﻣﻛن ﻧﺷرﻫﺎ ﺑﻣﺟرد ﻗرار ﺳﯾﺎﺳﻲ‪ .‬ﺑل إن‬ ‫اﻟﻘﯾم واﻟﻣﺑﺎدئ ﺳوف ﺗظﻬر أﻗول ﺗظﻬر وﻟﯾس ﺗُوﻟد ﺑﻣﺟرد اﻟﺳﻣﺎح ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟظﻬور ﻷﻧﻬﺎ‬

‫ﻣوﺟودة ﻓﻲ ﺗراﺛﻧﺎ اﻟﻔﻛري واﻟدﯾﻧﻲ ﻓﻌﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﺷﻌوب ﻫﻧﺎك ﻣﻔردات ﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﺟﺎﻣﻌﺔ‬ ‫ﺳوف ﺗﻠﺗﺣم ﯾوﻣﺎً ﻣﺎ وﻛﻣﺎ ﺗﺣطم ﺳور ﺑرﻟﯾن ﺳوف ﺗﺧرج اﻟﺟﻣﺎﻫﯾر ﯾوﻣﺎً وﻋﻧدﻫﺎ‬ ‫ﺳﺗﻛون ﻣﺟرد ﺣدود وﻫﻣﯾﺔ ﺻﻧﻌﻬﺎ ﻛل ﻣن ﺳﯾﻛس وﺑﯾﻛو ﻻ ﺗﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻋﻧﺎء ﻓﻲ‬ ‫ﺗﺧطﯾﻬﺎ وﻋودة اﻟﻧﻬر اﻟداﻓق ﻟﻣﺟراﻩ اﻟطﺑﯾﻌﻲ‪.‬‬ ‫ﻓﻲ ﻛل اﻷﺣوال ﻻ ﯾوﺟد ﻣﺎ ﯾﻣﻧﻊ أن ﻧﻧظر ﻟﻠﺗﺟرﺑﺔ اﻷورﺑﯾﺔ أو ﻏﯾرﻫﺎ ﻣن‬ ‫اﻟﺗﺟﺎرب ﻋﺑر اﻟﺗﺎرﯾﺦ‪ ،‬ﻛﯾف ﺑدأت وﻛﯾف ﺗطورت ﺣﺗﻰ وﺻﻠت إﻟﻰ ﻫذﻩ اﻟﻣﺣطﺔ؟ ﻻ‬ ‫ﻣﺎﻧﻊ ﻣن ﻛل ذﻟك‪ .‬ﻓﺎﻟوﺣدة اﻷورﺑﯾﺔ ﻛﺎﻧت أﻛﺑر ﻣن ﺗﺣﺎﻟﻔﺎت اﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ أو ﻋﻼﻗﺔ ﺗﻘوم‬ ‫ﻋﻠﻰ ﻣﻧﺢ ﻣﺳﺎﻋدات ﻣن طرف ﻟطرف أﺧر وﻟﻛن اﻷﻣر ﻣﻧذ اﻟﺑداﯾﺔ ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﺑﺣث‬ ‫اﻟذي أﻋﻘﺑﻪ اﻟﻧﺟﺎح ﻓﻲ اﻟوﺻول إﻟﻰ ﻧﻘﺎط اﻟﺗﻼﻗﻲ وﺗﻌظﯾم اﻟﻣﺷﺗرﻛﺎت‪ .‬ﻓﺎﻟﺗﻔﺎﻋل ﻣﻊ‬ ‫ﻗﯾم ﺗﺟرﺑﺔ اﻟوﺣدة اﻷوروﺑﯾﺔ وﻣﺳﯾرﺗﻬﺎ ﻻ ﯾﻌﻧﻲ ﺗطﺎﺑق اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ ﻛﻠﯾﺎ ﻣﻌﻬﺎ‪ ،‬أو ﻓﻲ‬ ‫وﺟود ﺗواﻓق ﻛﺎﻣل ﻓﻲ اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ ﺑﯾن اﻟﺟﺎﻧﺑﯾن‪ ،‬ورﻏﺑﺔ ﻓﻲ إﺣﻼل ﻣﻬﯾﻣن أوروﺑﻲ ﻣﺣل‬ ‫أﻣرﯾﻛﻲ‪ ،‬إﻧﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ ﺗﺳﻠﯾط اﻟﺿوء ﻋﻠﻰ أﺑرز ﻗﯾم ﻫذﻩ اﻟﺗﺟرﺑﺔ ووﺳﺎﺋﻠﻬﺎ ﻟﻛﻲ ﺗﻔﯾد‬ ‫اﻟﻣﻧطﻘﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺑﺣث ﻋن ﺻﯾﻎ ﺟدﯾدة ﻟﻧﻬﺿﺗﻬﺎ ﺗﺗﺟﺎوز اﻻﻧﻌزال اﻹﻗﻠﯾﻣﻲ ﻟﻛل‬ ‫‪- ١٦٣ -‬‬


‫دوﯾﻠﺔ‪ ،‬ﻧﺣن ﻧرﯾد ﺑدﯾﻼً ﻋن ﺗﻠك اﻟﺷﻌﺎرات اﻟﺣﻧﺟورﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻻ ﺗﺗﺧطﻰ ﺣدود اﻟزﻣﺎن‬ ‫واﻟﻣﻛﺎن اﻟذي اﻧطﻠﻘت ﻣﻧﻪ‪.‬‬

‫‪- ١٦٤ -‬‬


‫ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﳋﺎﻣﺲ‬ ‫ﺍﻟﺪﺭﻭﺱ ﺍﳌﺴﺘﺨﻠﺼﺔ ﻭﻛﻴﻔﻴﺔ ﻧﺒﺬ ﺃﺳﺒﺎﺏ‬ ‫ﺍﳋﻼﻑ ﻭﺍﻟﻌﻮﺩﺓ ﺇﱃ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﺼﻒ‬

‫‪- ١٦٥ -‬‬


‫اﻟﻣﺑﺣث اﻷول‬

‫أﺳﺑﺎب اﻟﺧﻼف‬ ‫ﻟﻘد ذﻛرﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﺎ ﺳﺑق اﻷﺳﺑﺎب اﻟﺗﻲ أدت ﻻﻧﺷﻘﺎق اﻟﺻف اﻟﻣﺳﻠم ﻣﻧذ ﻋﻬد ﻣﺎ‬ ‫ﺑﻌد اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻟراﺷدة وﺣﺗﻰ ﺳﻘوط اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ ﺳﻧﺔ ‪١٩٠٨‬م أو ﺑﻌد ذﻟك وﻓﻘ ًﺎ‬ ‫ﻹﻋﻼن اﻟﺑرﻟﻣﺎن اﻟﺗرﻛﻲ ﻓﻲ ﻣﺎرس ﺳﻧﺔ ‪١٩٢٢‬م ﺑﺈﻟﻐﺎء ﻧظﺎم اﻟﺧﻼﻓﺔ وﻣن ﺛم إﻋﻼن‬ ‫ﻗﯾﺎم اﻟﺟﻣﻬورﯾﺔ اﻟﺗرﻛﯾﺔ‪ .‬ﻓﺑﻌد ﺳﻘوط اﻟﺧﻼﻓﺔ ﻟﻸﺳﺑﺎب اﻟﺗﻲ ذﻛرﻧﺎ ﺑﻌﺿﻬﺎ ﻛﺎﻧت‬ ‫اﻷرض ﻣﻣﻬدة ﻟﺗﻘﺑل أي وﺿﻊ ﺟدﯾد ﻓﻛﺎﻧت اﻟﺛورات اﻷورﺑﯾﺔ واﻟﺗﻘدم اﻟﻐرﺑﻲ واﻟﺑﻌﺛﺎت‬ ‫اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗذﻫب إﻟﻰ اﻟﺑﻼد اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﺑﻬدف دراﺳﺔ اﻟﻌﻠوم اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﺗﻌود إﻟﻰ ﺑﻼد اﻟﻌﺎﻟم‬ ‫اﻟﻌرﺑﻲ واﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣﻌﺟﺑﺔ ﺑﺎﻟﻧﻣﺎذج اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺣﻛم واﻹدارة وأﺻﺑﺢ ﺷﻐل ﻫذﻩ‬ ‫اﻟﻧﺧﺑﺔ اﻟﻣﺛﻘﻔﺔ اﻟﺗﻲ وﺻﻠت ﻟﻣراﻛز ﺻﻧﺎﻋﺔ اﻟﻘرار ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﻌرب واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن أﺻﺑﺢ‬ ‫ُ‬

‫ﻫدﻓﻬم ﻫو ﺗطﺑﯾق اﻟﻧﻣوذج اﻟﻐرﺑﻲ ﻓﻲ اﻹدارة واﻟﺣﻛم وﺷطط ﺑﻌﺿﻬم ﻓﻲ ﻣﺣﺎوﻟﺔ‬ ‫اﻟﻧظم اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎدات واﻷﺧﻼق‪ ،‬وﺗﺣت وطﺄة اﻟﻬزﯾﻣﺔ اﻟﻔﻛرﯾﺔ‬ ‫ﻟﺗطﺑﯾق ﺣﺗﻰ ُ‬

‫واﻟﺗﺧﻠف اﻟﻣدوي ﻟم ﺗﻛن ﻫﻧﺎك ﻣﻘﺎوﻣﺔ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺻدي ﻟﻠﺗﯾﺎر اﻟﺗﻐرﯾب اﻟذي ﻛﺎن‬ ‫ﯾﺟد ﻣﺑررات ﻛﺛﯾرة ﻛﺎن أﻫﻣﻬﺎ إﻋﻼن أﻧﺻﺎر ﻫذﻩ اﻟﺗﯾﺎرات اﻟﻣﺳﺗﻐرﺑﺔ اﻟرﻏﺑﺔ ﻓﻲ إﻧﻘﺎذ‬ ‫اﻟﺑﻼد واﻟﻌﺑﺎد وﺗطوﯾر اﻟﺑﻼد اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺳق اﻟﻐرﺑﻲ‪ .‬اﻟﺗﯾﺎرات‬ ‫اﻟﻣﺳﺗﻐرﺑﺔ ﻫذﻩ ﻛﺎﻧت ﻣﻧﻘﺳﻣﺔ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﻬﺎ إﻟﻰ ﺟﻣﺎﻋﺎت ﺷﺗﻰ ُﯾﻣﻛن إﺟﻣﺎﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟداﻋﯾن‬ ‫إﻟﻰ اﻟﻘوﻣﯾﺔ اﻟ ُﻛﺑرى ﻣﺛل اﻟﻘوﻣﯾﯾن اﻟﻌرب وﻫم ﯾرون أن راﯾﺔ اﻟﻘوﻣﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﻟﻠﻐﺔ‬

‫اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻣﻊ اﻟﻌواﻣل اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ ﻟﻠﻣﻧطﻘﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ ﺗﺟﻣﯾﻊ ﺷﺗﺎت اﻷﻣﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ؛‬ ‫وﻛﻣﺎ ذﻛرﻧﺎ وﺑﻌد ﻣرور ﻋﺷرات اﻟﺳﻧﯾن وﻣﺋﺎت اﻟﻣﺣﺎوﻻت اﻧﺗﻬﻰ ﻫذا اﻟﺗﯾﺎر ﻓﻌﻠﯾﺎً ﻋﻧد‬ ‫اﺣﺗﻼل دوﯾﻠﺔ اﻟﻌراق ﻟدوﯾﻠﺔ اﻟﻛوﯾت ﻓﻬذا اﻟﺗﯾﺎر ﻟم ﯾﺳﺗطﻊ ﻣﻧﻊ اﻟﻐزاة وﻟم ﯾﺳﺗطﻊ ﺣل‬ ‫اﻟﻣﺷﻛﻠﺔ وﻟﻛﻧﻪ ﻟﺟﺄ إﻟﻰ اﻟﺑﻼد اﻟﻐرﺑﯾﺔ واﻟﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻣن ﻣﺟﻠس اﻷﻣن واﻷﻣم‬ ‫اﻟﻣﺗﺣدة واﻟوﻻﯾﺎت اﻟﻣﺗﺣدة اﻷﻣرﯾﻛﯾﺔ واﻟﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﺻﻬﯾوﻧﯾﺔ ﻟﺟﺄ إﻟﻰ ﻛل ﻫؤﻻء ﻟﻛﻲ‬ ‫ُﯾﻧﻘذوﻩ ﻣن أﺧﯾﻪ اﻟذي أﺻﺑﺢ اﻟﯾوم اﻟﻐﺎﺻب اﻟﻣﺣﺗل‪ .‬ﻓﺎﻟﻣﻐﯾث واﻟﻣﺳﺗﻐﯾث اﺗﻔﻘوا‪.....‬‬ ‫اﺗﻔﻘوا ﻋﻠﻰ ﻣﺎذا ﻋﻠﻰ أن ﺗﻘوم اﻟﺑﻼد اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﺑﺎﺣﺗﻼل اﻟﺑﻼد اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻛﻲ ﺗوﻓر ﻟﻬﺎ‬ ‫اﻟﻐطﺎء اﻷﻣن ﻣن اﻻﺣﺗﻼل اﻟﻌرﺑﻲ ﻓﻲ وﻗت ﻻﺣق‪ ،‬وﻛﺎن ﻟﻬم ﻣﺎ أرادوا؛ ﻫذا ﻛﺎن‬ ‫‪- ١٦٦ -‬‬


‫ﻣﻌﻧﺎﻩ ﻣوت اﻟﻘوﻣﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻋﻠﻰ أرض اﻟواﻗﻊ واﻧﻬﯾﺎر ﻛل ﻣﺎ ﯾﻣت ﻟﻬذﻩ اﻟﻔﻛرة ﺑﺻﻠﺔ‬ ‫ﻣن اﺗﻔﺎﻗﯾﺎت ﺗﻌﺎون أو اﺗﻔﺎﻗﯾﺎت دﻓﺎع ﻋرﺑﻲ ﻣﺷﺗرك أو ﻏﯾرﻫﺎ‪ .‬وﻛﺎن ﻫﻧﺎك ﺗﯾﺎر أﺧر‬ ‫وﻫذا اﻟﺗﯾﺎر ُﯾﻌﻠﻲ ﻣن اﻟﻘوﻣﯾﺔ اﻟﻘُطرﯾﺔ وﻫذا اﻟﺗﯾﺎر ﯾﻌﺗرف ﺑﺣدود اﻟﻣﺳﺗﻌﻣر وﻣﺣﺎوﻟﺔ‬

‫ﺑﻧﺎء دوﻟﺔ ﻋﺻرﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﺣدود ﺳﯾﻛس ﺑﯾﻛو‪.‬‬

‫وﻛﻼً ﻣن اﻟﺗﯾﺎرﯾن ﻛﺎن ُﯾﻧﺎدي ﺑطرﯾﻘﺔ أو ﺑﺄﺧرى ﺑﺗطﺑﯾق اﻟﻧﻣوذج اﻟﻐرﺑﻲ ﻓﻲ‬

‫اﻟﻣؤﺳﺳﺎت ﻫذﻩ اﻟدﻋوات ظﻬرت واﺿﺣﺔ ﻓﻲ ﺻورﺗﯾن‪:‬‬

‫اﻟﺻورة اﻷوﻟﻰ‪ :‬ﺗﻣﺛﻠت ﻫذﻩ اﻟﺻورة ﻓﻲ ﺗﻘﻠﯾد أﻧﻣﺎط ﺳﻠوك اﻟﺣﯾﺎة اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻓﻘد ﻗﻠّد‬ ‫ﺑﻌض اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻟﻐرﺑﯾﯾن‪ ،‬وﺗﺄﺛروا ﺑﺑﻌض ﻋﺎداﺗﻬم ﻓﻲ اﻟطﻌﺎم واﻟﺷراب واﻟﻠﺑﺎس‪...‬‬ ‫اﻟﻣﻘﻠّدون ﻛﻠﻣﺎ ازدادوا اﻧﻐﻣﺎﺳﺎً ﻓﻲ‬ ‫إﻟﺦ‪ ،‬وﻧﻘﻠوا ﺑﻌض أﻧﻣﺎط ﺳﻠوﻛﻬم‪ ،‬وﻛﺎن ﻫؤﻻء ُ‬ ‫وﺗﻛﯾﻔ ًﺎ ﻣﻊ اﻫﺗﻣﺎﻣﺎﺗﻬﺎ‪ ،‬ازدادوا ُﺑﻌداً ﻋن أﻣﺗﻬم‪،‬‬ ‫اﻟﺣﯾﺎة اﻟﻐرﺑﯾﺔ‪ ،‬وﺗﻔﺎﻋﻼً ﻣﻊ ﺻورﻫﺎ‪ّ ،‬‬

‫واﻧﺳﻼﺧﺎً ﻋن ﻗﯾﻣﻬﺎ‪ .‬وﻗد ﻧﻔذت اﻟﻌﺎدات واﻟﺗﻘﺎﻟﯾد اﻟﻐرﺑﯾﺔ إﻟﻰ ﻋﻣوم اﻟﻧﺎس ﺑﺎﻟﺗدرﯾﺞ‪،‬‬ ‫اﻟﻣﻘﻠد ﻓﯾﻘﺗدي‬ ‫وﻣﺎ زاﻟت ﻣﺳﺗﻣرة إﻟﻰ اﻵن‪ .‬ﺣﯾث ظﻬر ﺟﯾل ﺟدﯾد ُﯾﻌﺟب ﺑﻬؤﻻء اﻟﻣﺳﺦ ُ‬ ‫ﺑﻬم وﯾﺳﺗﻣر ﻫذا اﻻﻧﺳﻼخ وﯾﻘوى ﺟﯾﻼً ﺑﻌد ﺟﯾل‪.‬‬ ‫اﻟﺻورة اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ‪ :‬ﺗﻣﺛﻠت ﻫذﻩ اﻟﺻورة ﻓﻲ ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻧﺳﺦ اﻟﺣﺿﺎرة اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﺣﯾث دﻋﺎ‬ ‫ﺑﻌض اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن إﻟﻰ أﺧذ اﻟﺣﺿﺎرة اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﺑﻛل ﺗﻔﺻﯾﻼﺗﻬﺎ‪ ،‬واﻋﺗﻣﺎد ﻓﻠﺳﻔﺗﻬﺎ‪ ،‬وﻗﯾﻣﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻛﻣﺎ دﻋوا إﻟﻰ ﺗﻌﻣﯾم ﻓﻧوﻧﻬﺎ‪ ،‬واﻻﻧﺣﯾﺎز إﻟﻰ ﺛﻘﺎﻓﺗﻬﺎ‪ ،‬وﻧﻣوذج ﺗﻔﻛﯾرﻫﺎ اﻟذي ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ‬ ‫ﺗﻧﺎﻗض اﻟﻌﻠم واﻟدﯾن‪ ،‬واﻷﺧذ ﺑﺄﺳﺎﻟﯾب ﺗرﺑﯾﺗﻬﺎ وﺑﻛل ُﻧظﻣﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺣﻛم واﻟﺳﯾﺎﺳﺔ‬

‫واﻟﻘﺎﻧون واﻟدﺳﺗور‪ ،‬واﻷﺧذ ﺑﻧﻣوذﺟﻬﺎ اﻻﻗﺗﺻﺎدي‪.‬‬

‫وﺧﻼﺻ ـ ــﺔ اﻟﻘ ـ ــول؛ ﻓﻘ ـ ــد ﻧ ـ ــﺎدى دﻋ ـ ــﺎة اﻟﺻ ـ ــورة اﻟﺛﺎﻧﯾ ـ ــﺔ ﺑﻧﻘ ـ ــل اﻟﺣﺿ ـ ــﺎرة اﻟﻐرﺑﯾ ـ ــﺔ ﺑﻛ ـ ــل‬ ‫وﻣرﻫ ــﺎ إﻟ ــﻰ ﺑ ــﻼد اﻟﻌ ــرب‪ ،‬وﻗ ــد ﻗ ــﺎم ﻋﻠ ــﻰ ﻫ ــذﻩ اﻟ ــدﻋوة‬ ‫ﺟﻣﺎﻟﻬ ــﺎ وﻗﺑﺣﻬ ــﺎ ﺑﻛ ــل ﺣﻠوﻫ ــﺎ ّ‬ ‫آﺣـ ــﺎد ﻣ ـ ــن اﻟﻧ ـ ــﺎس وأﺑ ـ ــرزﻫم‪ :‬اﻟﺧ ـ ــدﯾوي إﺳ ـ ــﻣﺎﻋﯾل ﺑﺎﺷ ـ ــﺎ‪ ،‬ﺧﯾ ـ ــر اﻟ ـ ــدﯾن ﺑﺎﺷ ـ ــﺎ اﻟﺗوﻧﺳ ـ ــﻲ‬ ‫ﻓ ـ ـ ـ ــﻲ اﻟﻘ ـ ـ ـ ــرن اﻟﺗﺎﺳ ـ ـ ـ ــﻊ ﻋﺷ ـ ـ ـ ــر‪ ،‬وط ـ ـ ـ ــﻪ ﺣﺳ ـ ـ ـ ــﯾن ﻋﻣﯾ ـ ـ ـ ــد اﻷدب اﻟﻌرﺑ ـ ـ ـ ــﻲ ﻓ ـ ـ ـ ــﻲ اﻟﻘ ـ ـ ـ ــرن‬ ‫اﻟﻌﺷـ ـ ـ ـرﯾن!! وﻟﻠﺣﻘﯾﻘ ـ ـ ــﺔ ﻓ ـ ـ ــﺈن دﻋ ـ ـ ــﺎة اﻟﺻ ـ ـ ــورة اﻟﺛﺎﻧﯾ ـ ـ ــﺔ ﻛ ـ ـ ــﺎن ﯾﻘ ـ ـ ــﺎﺑﻠﻬم دﻋ ـ ـ ــﺎة آﺧ ـ ـ ــرون‬ ‫ﯾﺗﻌ ـ ـ ــﺎﻣﻠون ﻣ ـ ـ ــﻊ اﻟﺣﺿ ـ ـ ــﺎرة اﻟﻐرﺑﯾ ـ ـ ــﺔ ﺗﻌ ـ ـ ــﺎﻣﻼً ﻣﺗوازﻧـ ـ ـ ـﺎً ﻓﯾ ـ ـ ــدﻋون إﻟ ـ ـ ــﻰ اﻟﺣ ـ ـ ــرص ﻋﻠ ـ ـ ــﻰ‬ ‫‪- ١٦٧ -‬‬


‫ﺛواﺑ ــت اﻷﻣ ــﺔ وأﺻ ــوﻟﻬﺎ واﻻﺳ ــﺗﻔﺎدة ﻓ ــﻲ اﻟوﻗ ــت ﻧﻔﺳ ــﻪ ﻣ ــن ﻣﯾـ ـزات اﻟﺣﺿ ــﺎرة اﻟﻐرﺑﯾ ــﺔ‬ ‫ٕواﯾﺟﺎﺑﯾﺎﺗﻬـ ــﺎ‪ ،‬وأﺑـ ــرز ﻫـ ــؤﻻء اﻟـ ــدﻋﺎة‬

‫‪:‬اﻟﻌﻠﻣـ ــﺎء‬

‫اﻟﻣﺗﺧرﺟـ ــون ﻣـ ــن ﺻـ ــروح اﻟﻣﻌﺎﻫـ ــد‬

‫اﻟﻌﻠﻣﯾ ـ ــﺔ اﻟﻌرﯾﻘـ ـ ــﺔ ﻛـ ـ ــﺎﻷزﻫر واﻟزﯾﺗوﻧـ ـ ــﺔ وﺑﻌـ ـ ــض اﻟﻌﻠﻣـ ـ ــﺎء اﻟـ ـ ــذﯾن ﺗﺧرﺟ ـ ـ ـوا ﻣـ ـ ــن اﻟﺗﻌﻠـ ـ ــﯾم‬

‫اﻟﺣﻛـ ـ ــوﻣﻲ وﻟﻛـ ـ ــن ﻛـ ـ ــﺎن ﻟﻬـ ـ ــم ﻧﻔـ ـ ــس اﻟﻧظ ـ ـ ـرة اﻟﻣﺗوازﻧ ـ ـ ــﺔ ﻓﻬ ـ ـ ــم ﻻ ﯾرﻓﺿ ـ ـ ــون اﻟﺣﺿـ ـ ــﺎرة‬ ‫اﻟﻐرﺑﯾ ـ ــﺔ ﺑﻛ ـ ــل ﻣﻛوﻧﺎﺗﻬ ـ ــﺎ وﻟ ـ ــم ﯾﻧﻬزﻣـ ـ ـوا أو ﯾﻧﺑﻬ ـ ــروا ﻓﯾﺗﻧ ـ ــﺎزﻟوا ﻋ ـ ــن ﺛواﺑ ـ ــت اﻷﻣ ـ ــﺔ‪ .‬ﻫ ـ ــذﻩ‬ ‫اﻟﻧظ ـ ـ ـرة اﻟﻣﺗوازﻧـ ـ ــﺔ ﻣﺎ ازﻟـ ـ ــت ﺗﻘـ ـ ــوى ﯾوﻣ ـ ـ ـﺎً ﺑﻌـ ـ ــد ﯾـ ـ ــوم ﺧﺎﺻـ ـ ــﺔ ﺑﻌـ ـ ــد إﻓـ ـ ــﻼس اﻟﺣﺿـ ـ ــﺎرة‬ ‫اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻧﻔﺳﻬﺎ ﻓﻲ أن ﺗوﻓر اﻵﻣﺎن اﻟﻧﻔﺳﻲ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻷﺻﺣﺎﺑﻬﺎ‪.‬‬ ‫وﯾﺟﯾب ﻋﻠﻰ اﻟﻌدﯾد ﻣن‬ ‫ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ وﺣﺗﻰ ﻧﻬرب ﻣن اﻟﺟدل اﻟﻌﻘﯾم اﻟذي ﯾﺳﺄل ُ‬

‫اﻷﺳﺋﻠﺔ اﻟﻣﻌروﻓﺔ‪ ،‬وﺣﺗﻰ ﻧﻣﺳك اﻟﻛﺑش ﻣن ﻗرﻧﯾﻪ ﻛﻣﺎ ﯾﻘول اﻟﻐرﺑﯾون‪ .‬ﻓﺈن ﺗﻔﻛك‬ ‫اﻟﻌرب واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﯾﻌود ﺑﺳﺑب ُﺑﻌدﻫم ﻋن اﻟدﯾن اﻟﺻﺣﯾﺢ وﺗرﻛﻬم اﻻﻋﺗﺻﺎم ﺑﺣﺑل اﷲ‬

‫ﺗﻌﺎﻟﻰ وﺳﻧﺔ رﺳوﻟﻪ ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم‪ ،‬ﻓﻠذﻟك ﺗﻛﺎﻟﺑت ﻋﻠﯾﻬم اﻷﻣم وﺿﻌﻔوا‬ ‫واﺳﺗﻛﺎﻧوا وﺗﻔرﻗوا ‪ٕ ..‬وان اﻟﺗرﻛﯾز ﻋﻠﻰ ﻓﻛرة اﻟﻘوﻣﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﻟﻌﺻﺑﯾﺔ واﻟﻌﻧﺻرﯾﺔ ﻫو‬ ‫اﻟذي أﺿﻌف اﻟﻌرب واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وﺷﺗﺗﻬم وأﺑﻌدﻫم ﻋن دورﻫم اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻓﻲ ﻗﯾﺎدة اﻟﻌﺎﻟم‬

‫اﻹﺳﻼﻣﻲ وﺗوﺣﯾدﻩ ﺗﺣت راﯾﺔ واﺣدة وﻣن ﺛم ﻗﯾﺎدة اﻟﻌﺎﻟم ﻛﻠﻪ‪ ..‬ﻧﻌم اﻹﺳﻼم ﻣﻧﺗﺷر‬ ‫وﻣﺎزال ﻛل ﯾوم ﯾﻛﺳب أراﺿﻲ ﺟدﯾدة وأُﻧﺎﺳﻲ ﻛﺛﯾر؛ اﻹﺳﻼم ﯾﻛﺳب ﻫذﻩ اﻟﻣﻌﺎرك‬ ‫ﺑﻔﺿل ﻣﻧطﻘﻪ اﻟﻔرﯾد وﺣﺟﺗﻪ اﻟﺑﺎﻟﻐﺔ ﺣﺗﻰ ٕوان ﺗﺧﻠﻰ ﻋﻧﻪ َﻣ ّْن ﻓﻲ اﻷرض أﺟﻣﻌﯾن‬ ‫ﻓﺿﻼً ﻋن ﺗﺧﺎذل دﻋﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﻌرب اﻟﻘﻠب اﻟﻧﺎﺑض ﻟﻺﺳﻼم‪ .‬وﻟﻛن ﻟﻠﺣﻘﯾﻘﺔ ﻓﻠﯾس‬ ‫ﻟﻺﺳﻼم دوﻟﺔ واﺣدة ﺗﺣﻣﯾﻪ وﺗُطﺑق ﺷرﯾﻌﺔ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻛﻣﺎ أﻣر وﺗوﺣد ﺟﻣوع اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‬

‫وﺗوﺟﻬﻬم إﻟﻰ اﻹﺑداع واﻟﺗﻘدم ﻓﻲ ﺷﺗﻰ ﻣﺟﺎﻻت اﻟﻌﻠوم ﻛﻣﺎ ﻛﺎن ﻓﻲ ﻋﺻر اﻟﺧﻼﻓﺔ‬ ‫اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻣﺎ ﻧراﻩ اﻟﯾوم ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻣﺟرد أﺷﻛﺎل ﺗﻌﺑدﯾﺔ وﺻﻠوات ﺗُﻘﺎم ﻫﻧﺎ‬

‫وﻫﻧﺎك وﻫذا ُﯾﻣﺛل ﻓﻘط ﺟزء ﻣن اﻹﺳﻼم اﻟذي دﻋﺎ أﺻﺣﺎﺑﻪ ﻟﯾﻛوﻧوا ﻓﺎﻋﻠﯾن ُﻣﻘﺑﻠﯾن‬ ‫ﻋﻠﻰ اﻟﺣﯾﺎة ُﯾؤﺛروا وﯾﺗﺄﺛروا أﻋزة ﻋﻠﻰ اﻟﻛﺎﻓرﯾن أذﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻣؤﻣﻧﯾن‪ ،‬وﻟﻛن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‬

‫ﺗﺧﻠوا ﻋن اﻟﺟزء اﻷﻛﺑر ﻣن ﻫذا اﻹﺳﻼم اﻟﻔﺎﻋل وﺗﻣﺳﻛوا ﻓﻘط ﺑﺎﻷﻣور اﻟﺗﻌﺑدﯾﺔ‪ ،‬ﺗﺧﻠوا‬

‫ﻋﻠﻰ أن ﯾﻛوﻧوا ﻗﺎدة ﻟﻠﻌﺎﻟم وﻫداة ﻟﻪ‪ ،‬ﺗﺧﻠوا ﻋن اﻟﺟﻬﺎد ﺑﻣﻔﻬوﻣﯾﻪ اﻷﻛﺑر واﻷﺻﻐر‪...‬‬ ‫ﻓﺣق ﻋﻠﯾﻬم ﻗول رﺑﻧﺎ ﻓﺗﯾﻬوا ﻓﻲ اﻷرض‪ ...‬وﻧﺣن اﻵن ﻓﻲ ﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺗﯾﻪ اﻟﻌظﯾم‪......‬‬ ‫‪- ١٦٨ -‬‬


‫ﻗﺎل رﺳول اﷲ ‪ -‬ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم"ﯾوﺷك اﻷﻣم أن ﺗداﻋﻰ ﻋﻠﯾﻛم ﻛﻣﺎ ﺗداﻋﻰ‬ ‫اﻷﻛﻠﺔ إﻟﻰ ﻗﺻﻌﺗﻬﺎ"‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﻗﺎﺋل‪ :‬أوﻣن ﻗﻠﺔ ﻧﺣن ﯾوﻣﺋذ؟ ﻗﺎل‪":‬ﺑل أﻧﺗم ﯾوﻣﺋذ ﻛﺛﯾر‪،‬‬ ‫وﻟﻛﻧﻛم ﻏﺛﺎء ﻛﻐﺛﺎء اﻟﺳﯾل‪ ،‬وﻟﯾﻧزﻋن اﷲ ﻣن ﺻدور ﻋدوﻛم اﻟﻣﻬﺎﺑﺔ ﻣﻧﻛم وﻟﯾﻘذﻓن ﻓﻲ‬ ‫ﻗﻠوﺑﻛم اﻟوﻫن" ‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﻗﺎﺋل ‪ :‬ﯾﺎ رﺳول اﷲ وﻣﺎ اﻟوﻫن ؟ ﻗﺎل‪ " :‬ﺣب اﻟدﻧﯾﺎ‪ ،‬وﻛراﻫﯾﺔ‬ ‫اﻟﻣوت")‪.(١‬‬ ‫إذاً ﻓﻧﺣن ﻓﻲ ﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺗﯾﻪ ﻓﻲ ﺻﺣﺎري اﻟﺿﻼل ﻛل ﻣﻧﺎ ﯾزﻋم أﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﺻواب‬ ‫ﻓﻣﺎ ﻫﻲ اﻟﻌواﻣل اﻟﺗﻲ ﺳﺎﻋدت ﻓﻲ اﻟوﺻول إﻟﻰ ﻫذا اﻟدرك‪ .‬ﻟﻘد رأﯾﻧﺎ ﺧﻼل اﻟﻘرﻧﯾن‬ ‫اﻟﺗﺎﺳﻊ ﻋﺷر واﻟﻌﺷرﯾن ﺣرﻛﺎت ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﺟر اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ إﻟﻰ ﺗﻘﻠﯾد اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت‬ ‫اﻟﻐرﺑﯾﺔ وﺣذر اﻟﻌﻠﻣﺎء وﻣﺎزاﻟوا ُﯾﺣذرون ﻣن ﻣﺧﺎطر اﻟﺗوﺟﻪ ﻧﺣو اﻟﻐرب ﻓﻬذا اﻟﺗوﺟﻪ ﻟﻪ‬

‫ﻣﺧﺎطرﻩ ﻓﻲ اﻟﺳﺎﺑق وﻓﻲ اﻟﺣﺎﺿر وﺣﺗﻰ ﯾﺄذن اﷲ ﺑﻘﯾﺎم ﻫذﻩ اﻷﻣﺔ ﻣن ﺟدﯾد وذﻟك‬ ‫ﻟﻌدة ﻋواﻣل‪:‬‬ ‫‪ ‬ﺗﻧوع وﺳﺎﺋل اﻻﺗﺻﺎل واﻹﻋﻼم‪ :‬ﻣن ﺳﯾﻧﻣﺎ ٕواذاﻋﺔ وﺗﻠﻔزﯾون وﻓﯾدﯾو وﻛﻣﺑﯾوﺗر‬ ‫ٕواﻧﺗرﻧت‪ ...‬إﻟﺦ‪ ،‬وﺳرﻋﺔ اﻧﺗﺷﺎرﻫﺎ‪ ،‬وﺳطوة ﺗﺄﺛﯾرﻫﺎ‪ ،‬وﺿﺧﺎﻣﺔ اﻻﻧﺟذاب إﻟﯾﻬﺎ‪.‬‬

‫‪ ‬اﺗﺳﺎع اﻟﻘطﺎع اﻟذي ﺗﺧﺎطﺑﻪ ﺗﻠك اﻟوﺳﺎﺋل وﻫم ﻣﻌظم اﻟﻧﺎس إن ﻟم ﯾﻛن‬ ‫ﻛﻠﻬم‪ :‬ﻓﻧرى ﻫذﻩ اﻟوﺳﺎﺋل ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ ﻣﺧﺎطﺑﺔ واﻟﺗﺄﺛﯾر ﻓﻲ ﺷﺑﺎب اﻷﻣﺔ وﻋوام‬ ‫ﻏﻧﯾﻬم وﻓﻘﯾرﻫم‪ ،‬ﺻﻐﯾرﻫم وﻛﺑﯾرﻫم‪.‬‬ ‫اﻟﻧﺎس ﻣﺗﻌﻠّﻣﻬم وﺟﺎﻫﻠﻬم‪ّ ،‬‬ ‫‪ ‬ﺗوﻗف اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟدﯾﻧﯾﺔ ﻋن اﻟﻧﻣو ﻣﻧذ ﻗرن وﻧﺻف ﺗﻘرﯾﺑﺎً‪ :‬ﻟﻘد ﺗوﻗﻔت ﺛﻘﺎﻓﺗﻧﺎ‬ ‫اﻟدﯾﻧﯾﺔ ﻋن اﻟﻧﻣو‪ ،‬واﻟﻧﻣو ﺑﻣﻌﻧﻰ اﻟﺗطور واﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ اﺣﺗواء اﻟﺗﻛﻧوﻟوﺟﯾﺎ‬ ‫اﻟﺣدﯾﺛﺔ وﺗطوﯾﻌﻬﺎ وﺗﺧرﯾﺞ ﺟﯾﻼً ﯾﻛون ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ إﻧﺗﺎج ﺗﻛﻧوﻟوﺟﯾﺎ ﻣﻧﺎﻓﺳﺔ‪ .‬ﻫذا‬ ‫اﻟﺗﺧﻠف اﻟدﯾﻧﻲ واﻟﻣﺟﺗﻣﻌﻲ ﻛﺎن ﻟﻌدة أﺳﺑﺎب ﻣﻧﻬﺎ‪:‬‬ ‫ إﻧﺷﺎء ﺗﻌﻠﯾم ﻣﻧﺎﻓس ﻟﻠﺗﻌﻠﯾم اﻟﺷرﻋﻲ‪ :‬اﺳﺗﺣدﺛت اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ و ازرة‬‫اﻟﻣﻌﺎرف اﻟﻌﻣوﻣﯾﺔ ﻋﺎم ‪١٨٤٧‬م‪ ،‬ﻣدارس ﻟﺗدرﯾس اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻐرﺑﯾﺔ وﻟﺗﻌﻣل وﻓق‬ ‫)‪ (١‬ﺧرﺟﻪ أﺑو داود ﻓﻲ ﺳﻧﻧﻪ )‪ (٢ ١٠/٢‬واﻟروﯾﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻣﺳﻧدﻩ )ج ‪ (٢/١٣٤/٢٥‬اﻟﺣدﯾث ﺻﺣﯾﺢ ‪).‬ﺗﺧرﯾﺞ‬ ‫اﻷﻟﺑﺎﻧﻲ(‬

‫‪- ١٦٩ -‬‬


‫اﻟﻧﺳق اﻟﻐرﺑﻲ وﺑﺎﻟذات ﻓرﻧﺳﺎ ﺣﯾث ﻛﺎﻧت أﻏﻠب اﻟﺑﻌﺛﺎت ﺗﺧرج ﻣﺗوﺟﻬﺔ ﻟﻔرﻧﺳﺎ‪،‬‬ ‫وﺑﺎﻟﻔﻌل ﻓﻘد أُﻧﺷﺋت ﻣدارس ﻓﻲ ﻛل أﻧﺣﺎء اﻟﺧﻼﻓﺔ ﻟﺗﻘوم ﺑﻬذﻩ اﻟﻣﻬﻣﺔ‪ .‬وﻛﺎن‬ ‫ﻣﺣﻣد ﻋﻠﻲ ﺑﺎﺷﺎ ﻓﻲ ﻣﺻر ﻗد ﺳﺑق اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ ﺑﻘﻠﯾل ﻋﻧدﻣﺎ أﻧﺷﺄ ﺗﻌﻠﯾﻣﺎً‬ ‫ﻋﻠﻰ ﻏرار اﻟﺗﻌﻠﯾم اﻷوروﺑﻲ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪١٨٢٠‬م أﺷرف ﻋﻠﯾﻪ أﺗﺑﺎع ﺳﺎن ﺳﯾﻣون‬ ‫اﻟﻔرﻧﺳﯾون‪ ،‬وﻗد اﻟﺗزﻣت اﻟﺣﻛوﻣﺗﺎن ﻓﻲ ﻛل ﻣن إﺳﺗﺎﻧﺑول وﻣﺻر أﻻّ ﺗوظّف –‬ ‫ﻋﯾﺔ ﻓﻘط‪ ،‬وﻫذا‬ ‫ﺗﻘرﯾﺑﺎً ﻣﻧذ ﻋﺎم ‪١٨٥٠‬م‪ ،‬إﻻّ اﻟﻣﺗﺧرﺟﯾن ﻣن اﻟﻣدارس ﻏﯾر اﻟﺷر ّ‬ ‫ﺟﻌل ﻟﻠﺗﻌﻠﯾم اﻟﻣدﻧﻲ اﻟﺗﺎﺑﻊ ﻟﻠﺗﻌﻠﯾم اﻟﻐرﺑﻲ ﺟﺎذﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ‪ ،‬وﻗد ﺟﺎءت‬ ‫ﺿرﺑﺔ أﺧرى ُﻟﻧظم اﻟﺗﻌﻠﯾم اﻟدﯾﻧﯾﺔ اﻟﺷرﻋﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﯾد ﻣﺣﻣد ﻋﻠﻲ ﺑﺎﺷﺎ ﻓﻲ ﻣﺻر‬

‫ﻋﻧدﻣﺎ أﻧﺷﺄ ﻣدرﺳﺔ اﻟﻘﺿﺎء اﻟﺷرﻋﻲ اﻟﺗﻲ ﺗُﺧرج ﻗﺿﺎة ﻟﻠﻣﺣﺎﻛم اﻟﺷرﻋﯾﺔ ﻓﻲ‬ ‫ﻣﺻر‪ ،‬ﻣﻣﺎ أُﻋﺗُﺑر ﺳﺣﺑﺎً ﻧﻬﺎﺋﯾﺎً ﻟﻠﺑﺳﺎط ﻣن ﺗﺣت اﻟﺗﻌﻠﯾم اﻟﺷرﻋﻲ)‪.(١‬‬

‫ ﺳﺣب اﻷوﻗﺎف اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗﻣد اﻟﺗﻌﻠﯾم اﻟدﯾﻧﻲ ﺑﺎﻷﻣوال اﻟﻼزﻣﺔ‪ :‬ﻛﺎﻧت ﻋﻣﻠﯾﺔ‬‫اﻟﺳﯾطرة ﻋﻠﻰ اﻷوﻗﺎف ﺗﻌﻧﻲ ﻋدم ﻗدرة اﻟﻣؤﺳﺳﺎت اﻟدﯾﻧﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺗﻘﻼل وﻫذا‬ ‫ﯾﻌﻧﻲ ﻋدم ﻗدرة اﻟﺟﻬود اﻟﻔردﯾﺔ أو ﺣﺗﻰ اﻟﻣؤﺳﺳﯾﺔ داﺧل اﻷوﻗﺎف ﻋﻠﻰ‬ ‫اﻟﺗطوﯾر اﻟذاﺗﻲ وﻟﻛن ﻛل ﺗطوﯾر ﯾﺟب أن ﯾﻛون ﺑﺗﺻرﯾﺢ ﻣن اﻟﺣﻛوﻣﺔ‬ ‫اﻟرﺳﻣﯾﺔ‪ .‬ﻟﻘد ﺑدأ ذﻟك ﻣﺣﻣد ﻋﻠﻲ ﺑﺎﺷﺎ‪ ،‬ﻓﻘد اﺳﺗوﻟﻰ ﻋﻠﻰ اﻷراﺿﻲ اﻟوﻗﻔﯾﺔ‬ ‫اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗﻣد اﻟﻣﺳﺎﺟد وﻣدارﺳﻬﺎ ﺑﺎﻷﻣوال اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻬﺎ‪ ،‬وﻛﺎﻧت ﺗﻠك اﻷوﻗﺎف‬ ‫ﺗﺑﻠﻎ ُﺧﻣس اﻷرض اﻟﻣزروﻋﺔ ﻓﻲ ﻣﺻر آﻧذاك‪ ،‬اﺳﺗوﻟﻰ ﻋﻠﯾﻬﺎ ﺑﺣﺟﺔ أﻧﻪ‬ ‫ﺳﯾﻧﻔق ﻋﻠﯾﻬﺎ ﺑﻌد ذﻟك ﻣن أﻣوال اﻟدوﻟﺔ‪ ،‬وﻛﺎن ﻗد ﺣدث اﻟﺷﻲء ﻧﻔﺳﻪ ﻓﻲ ﻛل‬

‫ﻣن ﺗوﻧس وﻣرﻛز اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ واﻟﺟزاﺋر‪ ،‬ﻋﻠﻣﺎً ﺑﺄن اﻷوﻗﺎف ﻛﺎﻧت ﺗُﻣﺛل‬ ‫رﺑﻊ ﺛروات اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬وأن ﺛﻠث ﻣﻧﺎزل اﻟﻌﺎﺻﻣﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ﻛﺎﻧت ﻣوﻗوﻓﺔ‬ ‫ﻟﻸﻋﻣﺎل اﻟﺧﯾرﯾﺔ ﻋﻧد اﻻﺣﺗﻼل اﻟﻔرﻧﺳﻲ ﻟﻬﺎ ﻋﺎم ‪١٨٣٠‬م‪ ،‬وأن رُﺑﻊ اﻷرض‬ ‫اﻟزراﻋﯾﺔ ﻓﻲ ﺗوﻧس ﻛﺎﻧت أوﻗﺎﻓﺎً ﻛذﻟك ﻗﺑل اﺣﺗﻼﻟﻬﺎ‪ .‬ﻋﻣﻠﯾﺔ ﺳﺣب اﻷوﻗﺎف‬

‫ﺑدون ﺷك أﺿﻌﻔت اﻟﺗﻌﻠﯾم اﻟدﯾﻧﻲ وأﻓﻘدﺗﻪ ﻣﺻدر اﻹﻧﻔﺎق ﻋﻠﯾﻪ ﻣﻣﺎ أﺿﻌف‬

‫)‪ (١‬ﺑﺗﺻرف‪ ،‬أﺳﺎﻣﺔ اﻟﺧوﻟﻲ‪ ،‬اﻟﻌرب واﻟﻌوﻟﻣﺔ‪ ،‬ﻣرﻛز دراﺳﺎت اﻟوﺣدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬ﺑﯾروت‪ ،‬ط‪١٩٩٨ ،١‬م‪ ،‬ص‪.١٢٠‬‬

‫‪- ١٧٠ -‬‬


‫ﻣؤﺳﺳﺎﺗﻪ اﻟﺗﻌﻠﯾﻣﯾﺔ‪ :‬اﻟﻣدارس واﻟﻣﻌﺎﻫد واﻟﻛﺗﺎﺗﯾب اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗﻣد اﻟﻣدارس‬ ‫واﻟﻣﻌﺎﻫد ﺑﻣﺎ ﺗﺣﺗﺎج إﻟﯾﻪ ﻣن دارﺳﯾن‪.‬‬ ‫ ﺿﻌف ﺣﯾوﯾﺔ اﻟﻣدارس واﻟﺟﺎﻣﻌﺎت اﻟﺷرﻋﯾﺔ وﻏﯾﺎب ﺗطوﯾرﻫﺎ ﻛﺎن ﻧﺗﯾﺟﺔ‬‫طﺑﯾﻌﯾﺔ ﻟﻠﻧﻘطﺗﯾن اﻟﺳﺎﺑﻘﺗﯾن‪ :‬ﻫذا أدى ﻹﻧﺷﺎء ﺗﻌﻠﯾم ﻣﻧﺎﻓس ﻟﻠﺗﻌﻠﯾم اﻟدﯾﻧﻲ‪،‬‬ ‫ﺗﻣوﻟﻪ وﺗﻐ ّذﯾﻪ ﺣﺗﻰ أﺻﺑﺣت اﻟﻣدارس واﻟﻣﻌﺎﻫد‬ ‫وﺳﺣب اﻷوﻗﺎف اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ّ‬ ‫اﻟﻣﻠﺣﻘﺔ ﺑﺎﻟﻣﺳﺎﺟد ﻛﺎﻷزﻫر واﻟزﯾﺗوﻧﺔ ﺿﻌﯾﻔﺔ اﻟﺣﯾوﯾﺔ‪ ،‬وذﻟك ﻟﻌدم‬ ‫واﻟﺟﺎﻣﻌﺎت ُ‬ ‫إﻗﺑﺎل اﻟﻧﺎس ﻋﻠﯾﻬﺎ؛ ﻧﺗﯾﺟﺔ ﻋدم أﺧذ ﻣﺗﺧرﺟﯾﻬﺎ ﻛﻣوظﻔﯾن ﻓﻲ اﻟﺣﻛوﻣﺔ ﻣن‬

‫ﺟﻬﺔ‪ ،‬وﻓﻘﯾرة ﻟﺳﺣب اﻷوﻗﺎف اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗﻣوﻟﻬﺎ‪ ،‬وﺗﺟﻌﻠﻬﺎ ﺗﺳﺗﻐﻧﻲ ﻋن‬ ‫اﻟﺣﻛوﻣﺎت ﻣن ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ‪ .‬إن ﻫذا اﻟﺿﻌف اﻟذي ﻛﺎﻧت أﺳﺑﺎﺑﻪ ﻣﺎ ذﻛرﻧﺎﻩ ﺳﺎﺑﻘﺎً‬ ‫وﻏﯾرﻫﺎ‪ ،‬ﺟﻌل ﻫذﻩ اﻟﺟواﻣﻊ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻻ ﺗﺳﺗﻔﯾد ﻣن طﻔرة اﻟﻌﻠوم اﻟﺗﻲ ﺷﻬدﺗﻬﺎ‬ ‫ﺗطورﻩ‪ ،‬وﺗﺳﺗﻔﯾد ﻣن ﺑﻌض‬ ‫اﻟﺣﺿﺎرة اﻟﻐرﺑﯾﺔ‪ ،‬ﻟﺗﻼﺣق اﻟﻐرب‪ ،‬وﺗﺳﺗﻛﺷف آﻓﺎق ّ‬ ‫اﻷﻣور واﻟﻧﺗﺎﺋﺞ اﻟطﯾﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﺣﺿﺎرة اﻟﻐرﺑﯾﺔ واﻟﺗﻲ ﻻ ﺗﺗﻌﺎرض ﻣﻊ اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم‬ ‫اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ وﻟﻛن وﻟﻸﺳف ﻟم ﺗﻘم ﺑﻛل ﻫذا ﻧﺗﯾﺟﺔ ﺿﻌف ﺣﯾوﯾﺗﻬﺎ‪ ،‬ﻟذﻟك ﺑﻘﯾت‬ ‫اﻟﻌﻠوم اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻓﻲ ﻛل اﻟﻣﺟﺎﻻت ﻛﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﻋﻠﯾﻪ ﻗﺑل ﻗرﻧﯾن أو أﻛﺛر دون‬ ‫ﺗﻐﯾر ﺣﺗﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﺧطﺎب اﻟدﯾﻧﻲ واﻟدﻋوي ظﻠﻠﻧﺎ ﻫﻧﺎك ﻧﺑﺣث ﻓﻲ‬ ‫أي ّ‬

‫ُﻛﺗب اﻟﺗراث دون اﺟﺗﻬﺎد أو ﺗﺟدﯾد إﻻ ﺑﻌض اﻟﺟﻬود اﻟﻔردﯾﺔ اﻟﺿﻌﯾﻔﺔ اﻟﺗﻲ ﻟم‬

‫ﺗﺳﺗطﻊ إﺧراج اﻷﻣﺔ ﻣن ﺗﯾﻬﻬﺎ اﻟﻌظﯾم‪ .‬وﻣﻣﺎ ﯾؤﻛد ﺿﻌف ﺣﯾوﯾﺔ ﻫذﻩ‬ ‫اﻟﺟﺎﻣﻌﺎت اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ أن ﻣﻌظم اﻹﺑداع اﻟذي ﺷﻬدﻧﺎﻩ ﻓﻲ اﻟﻘرﻧﯾن اﻟﻣﺎﺿﯾﯾن‬ ‫ﻛﺎن ﺧﺎرج ﻧطﺎق ﻫذﻩ اﻟﺟواﻣﻊ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ‪.‬‬ ‫ﻋﻠﻰ ﺿوء اﻟﺻورة اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ‪ ،‬ﻓﻣﺎ أﺑرز ﻣﺧﺎطر اﻟﺗﻐرﯾب)‪(١‬؟‬ ‫ ﺿﯾﺎع ﻗﺳم ﻣن أﺑﻧﺎء اﻷﻣﺔ‪ :‬ﺳﯾؤدي اﺻطراع اﻟﻘﯾم اﻟواﻓدة واﻟﻘﯾم اﻟﻣوروﺛﺔ‬‫إﻟﻰ ﺿﯾﺎع ﻗﺳم ﻛﺑﯾر ﻣن أﺑﻧﺎء اﻷﻣﺔ؛ ﻟﻌدم اﺳﺗطﺎﻋﺗﻬم ﺣل ﻫذﻩ اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺔ‬ ‫ﺑﺷﻛل ﺻﺣﯾﺢ ﻣن ﺟﻬﺔ‪ ،‬وﻟﻌدم ﺗﻼؤﻣﻬم ﻣﻊ اﻟﻘﯾم اﻟواﻓدة ﻣن ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬وﻟﻌدم‬ ‫)‪(١‬ﻋﺑد اﻟﺑﺎري اﻟدرة‪ ،‬اﻟﻌوﻟﻣﺔ واﻟﻬوﯾﺔ‪ ،‬أوراق اﻟﻣؤﺗﻣر اﻟﻌﺎﻟﻣﻲ اﻟراﺑﻊ ﻟﻛﻠﯾﺔ اﻵداب‪ ،‬ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻓﯾﻼدﻟﻔﯾﺎ‪ ،‬ط‪،٢‬‬ ‫‪١٩٩٩‬م‪.‬‬

‫‪- ١٧١ -‬‬


‫اﺳﺗطﺎﻋﺗﻬم اﻻﺣﺗﻔﺎظ ﺑﻘﯾﻣﻬم اﻟﻣوروﺛﺔ ﻣن ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻟﺛﺔ‪ ،‬وﻟﯾس ﻣن ﺷك ﺑﺄن‬ ‫ﺿﯾﺎع ﻗﺳم ﻣن أﺑﻧﺎء اﻷﻣﺔ ﺧﺳﺎرة ﻟﻧﺎ ﺑﻛل اﻟﻣوازﯾن‪.‬‬ ‫اﻟﻬوﯾﺔ‪ :‬ﻗد ﯾؤدي اﻟﺗﻐرﯾب وﻧﺟﺎﺣﻪ ﺿﻣن اﻟﺻورة اﻟﺗﻲ ﻋرﺿﻧﺎﻫﺎ إﻟﻰ‬ ‫ ﻓﻘدان‬‫ّ‬

‫ﻓﻘدان أﻣﺗﻧﺎ ﻟﻬوﯾﺗﻬﺎ‪ ،‬وﺗﺻﺑﺢ ﻣﺟرد ﺗﺎﺑﻊ ﻟﻠﻐرب ﯾدور ﻓﻲ ﻓﻠﻛﻪ‪ ،‬وﻫذا ﺧطر‬

‫ﺣﻘﯾﻘﻲ ﯾﻬدد أﻣﺗﻧﺎ ﻣﺎ ﻟم ﺗﺳﺗدرك ذﻟك ﺑزﯾﺎدة ﻋواﻣل ﻣﻧﺎﻋﺗﻬﺎ‪ ،‬وﻟﯾس أدل ﻋﻠﻰ‬ ‫ذﻟك ﻣن ﻗﻠّﺔ ﺣﺟم اﻹﺑداع اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ اﻟﻣﺳﺎﻫم ﻓﻲ اﻟﺣﺿﺎرة اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﺑﺎﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ ﻣﻊ‬ ‫دول وﺷﻌوب أﺧرى‪.‬‬ ‫ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻫذﻩ اﻟﻣﺧﺎطر ﻣﺎزاﻟت ﻗﺎﺋﻣﺔ وﻗد ﺗﻘوى ﺑﻔﻌل ﻋدم ﻣﻌرﻓﺗﻧﺎ ﻟﻬﺎ أو‬ ‫اﻋﺗراﻓﻧﺎ ﺑﻬﺎ‪ ،‬وﻓﻲ ﻧﻔس اﻟوﻗت ﻗد ﺗﺿﻌف ﺑﻔﻌل ﻧﻣو وﻋﯾﻧﺎ وﺗﻌﺎﻣﻠﻧﺎ ﻣﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ‬ ‫اﻟﻧﺣو اﻟﻣطﻠوب وﻗد ﺗﺿﻌف أﯾﺿﺎً ﺑﺳﺑب ﻣﺎ ﺗﺣﻣﻠﻪ ﻓﻲ داﺧﻠﻬﺎ ﻣن ﺑذور ﻻ‬ ‫ﺗﺗﻣﺎﺷﻰ ﻣﻊ اﻟﻔطرة اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ اﻟﺳوﯾﺔ‬

‫‪- ١٧٢ -‬‬


‫اﻟﻣﺑﺣث اﻟﺛﺎﻧﻲ‬ ‫وﺳﺎﺋل اﻟﻘﺿﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺧﻼف‬ ‫اﻟﻣﻬﺎن‪ ،‬وﻟﯾس ﻣن اﻟﺣﻛﻣﺔ‬ ‫ﻟﯾس ﻣن اﻟﺣﻛﻣﺔ أن ُﻧﻧﻛر أﻧﻧﺎ ﻓﻲ وﺿﻊ اﻟﻣﻬزوم ُ‬ ‫أن ﻧﻧﻔﻌل وﻧﻘول أﻧﻧﺎ ﻣﺳﻠﻣون ﻋﻠﻰ اﻟﺻورة اﻟﺗﻲ ﯾرﺿﻬﺎ اﷲ وﯾرﺿﻬﺎ رﺳوﻟﻪ‪ ،‬ﻓﻬذا أﻣر‬ ‫ﻟن ُﯾﻔﯾد‪ ،‬وﻟﻛن اﻻﻋﺗراف ﺑﺎﻟﻣرض ﻫو أول طرﯾق اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﻌﻼج وﺗﻘﺑل اﻟﻌﻼج‬

‫ﻣﻌﻧﺎﻩ ﺗﻘﺑل اﻟﻣﻌﺎﻧﺎة ﻓﻲ ﺗﻧﺎوﻟﻪ ﺑل ودﻓﻊ ﺗﻛﺎﻟﯾف ﻫذا اﻟﻌﻼج؛ وﻛﻠﻣﺎ ﻛﺎﻧت درﺟﺔ‬ ‫اﻹﯾﻣﺎن ﺑﺎﻟﻣرض ﻗوﯾﺔ ﻛﺎﻧت اﻟرﻏﺑﺔ واﻟﺗﺿﺣﯾﺔ ﻟﻠوﺻول إﻟﻰ اﻟﻌﻼج ﻋﻠﻰ ﻧﻔس‬ ‫اﻟدرﺟﺔ‪.‬‬ ‫ﻓﻧﺣن ﻫﻧﺎ ﺳﻧﺑﺣث ﻣﻊ اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن وﻫم ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ُﻛﺛر ﻓﻲ ﺳﺑﯾل ﻟﻠﺧروج ﻣن‬

‫ﻫذا اﻟﺗﯾﻪ اﻟﻌظﯾم واﻟﺳﺑﯾل اﻷﺟدى ﻫو ﺗﻌﻣﯾق اﻧﺗﻣﺎء اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن إﻟﻰ أﻣﺗﻬم اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ‬ ‫ﺑزﯾﺎدة ﻣﻌرﻓﺗﻬم ﺑدﯾﻧﻬم‪ ،‬وﺗﻣﺗﯾن ارﺗﺑﺎطﻬم ﺑﺈﺳﻼﻣﻬم ﻓﻲ ﻛل ﻣﺟﺎل‪ :‬ﻓﻲ اﻟﺗرﺑﯾﺔ‪،‬‬ ‫واﻻﻗﺗﺻﺎد‪ ،‬واﻻﺟﺗﻣﺎع‪ ،‬واﻟ ّﺷﺎرع‪ ،‬واﻟﻧﺎدي‪ ،‬واﻟﻣﻌﻬد واﻟﺳوق وﻓﻲ اﻟﺑﯾوت واﻟطرﻗﺎت‪...‬‬ ‫ﻫوﯾﺔ اﻷﻣﺔ‬ ‫إﻟﺦ‪ .‬إن ﻫذا اﻟﺗﻣﺗﯾن ﻟﻼرﺗﺑﺎط ﺑﺎﻹﺳﻼم ﻟﻪ ﺣﻛﻣﺔ أﺑﻌد ﻣن اﻟﻣﺣﺎﻓظﺔ ﻋﻠﻰ ّ‬

‫ﻓﻘط‪ ،‬ﺑل ﯾﺗﺧطﻰ ذﻟك إﻟﻰ إﻋطﺎء ﻓرﺻﺔ ﻷﻣﺗﻧﺎ ﻟﻠﻣﺳﺎﻫﻣﺔ ﻓﻲ إﻏﻧﺎء اﻟﺣﺿﺎرة‬ ‫ﺗﺣدث ﻋﻧﻬﺎ ﻋﻠﻣﺎء اﻟﻐرب‬ ‫اﻟﻣﻌﺎﺻرة إن ﻟم ﯾﻛن اﻟﻣﺳﺎﻫﻣﺔ ﻓﻲ إﻧﻘﺎذﻫﺎ ﻣن أزﻣﺗﻬﺎ اﻟﺗﻲ ّ‬

‫أﻧﻔﺳﻬم ﺗﻠك اﻟﺣﺿﺎرة اﻟﺗﻲ ﺗطﯾر ﻓﻲ اﻟﺳﻣﺎء ﺑﺟﻧﺎح واﺣد ﻓﻬﻲ ﺗﺗﺧﺑط رﻏم ﻋﻠوﻫﺎ‪.‬‬ ‫ﻓﺎﻟﺣﺿﺎرة واﻟﺗﻌﺎﻟﯾم اﻟﻘﺎدرة ﻋﻠﻰ إﻧﻘﺎذ أﻣﺔ اﻟﺗوﺣﯾد أوﻻً ٕواﻧﻘﺎذ اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﺛﺎﻧﯾﺎً ﻫﻲ اﻟﺣﺿﺎرة‬

‫اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﺑﻛل ﻣﻛوﻧﺎﺗﻬﺎ ﻷﻧﻬﺎ ﻻ ﺗرﻓض اﻟﺟدﯾد وﻻ ﺗﺗﺣﺟر ﻓﻲ ﺑوﺗﻘﺔ اﻟﻣﺎﺿﻲ ﺑل ﻫﻲ‬ ‫ﻣن اﻟﺟﺎﻧب اﻟﻔﻛري اﻟﻌﻣﻠﻲ ﻟﻘﺎدرة ﻋﻠﻰ اﺣﺗواء ﻛل ﺟدﯾد‪ .‬ﻧﺣن ﻫﻧﺎ وﻧﺣن ﻧﺣﺎول‬ ‫ﺗﻠﻣس طرﯾق اﻟﻌودة ﻓﻧﺣن ﻋﻠﻰ ﯾﻘﯾن ﺑﺄن اﻟﻧﺎس ﻋﺎﺋدون إﻟﻰ اﷲ؛ ﻋﺎﺋدون إﻟﻰ ﻣﻧﻬﺟﻪ‬ ‫ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﺣﯾﺎة؛ وأن اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ﻟﻬذا اﻟدﯾن ﻻ ﺷك ﻓﻲ ذﻟك‪ .‬ﻧﺣن ﻋﻠﻰ ﯾﻘﯾن ﻛذﻟك أن‬ ‫ﻛل اﻟﺟﻬود اﻟﺗﻲ ُﺑذﻟت أو ﺳوف ﺗُﺑذل ﻟزﺣزﺣﺔ ﻫذا اﻟدﯾن ﻋن طﺑﯾﻌﺗﻪ ﻛﻣﻧﻬﺞ ﻟﻠﺣﯾﺎة‬ ‫اﻟﺑﺷرﯾﺔ اﻟواﻗﻌﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﻛل ﻣﺟﺎﻻﺗﻬﺎ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ واﻟﺷﻌورﯾﺔ؛ ﺳوف ﺗﺑوء ﺑﺎﻟﻔﺷل واﻟﺧﯾﺑﺔ‪ .‬وﻗد‬

‫ﺑﺎﻧت ﺑوادر اﻟﻔﺷل واﻟﺧﯾﺑﺔ ﻟﻛل ذي ﻋﯾﻧﯾن‪ .‬ﻷن ﻫذﻩ اﻟﻌزﻟﺔ ﻟﯾﺳت ﻣن طﺑﯾﻌﺔ ﻫذا‬ ‫‪- ١٧٣ -‬‬


‫اﻟدﯾن‪ .‬اﻟدﯾِن ﻓﻲ أﺻﻠﻪ وﻓﻲ أﻫداﻓﻪ ﻣﻧﻬَﺞ َﺣَﯾﺎة ﻣﻧﻬﺞ ﺗﻌﺎﻣل ﺑﯾن اﻟﻧﺎس وﻣن ﺧﻼل‬ ‫ﻫذا اﻟﻣﻧظور ﻧﺟد أﻧﻪ ﻟم ﯾﻛن ﻫﻧﺎك دﯾن إﻟﻬﻲ ﻫو ﻣﺟرد ﻋﻘﯾدة وﺟداﻧﯾﺔ‪ ،‬ﻣﻧﻌزﻟﺔ ﻋن‬ ‫واﻗﻊ اﻟﺣﯾﺎة اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﻓﻲ ﻛل ﻣﺟﺎﻻﺗﻬﺎ اﻟواﻗﻌﯾﺔ‪ ،‬وﻻ ﻣﺟرد ﺷﻌﺎﺋر ﺗﻌﺑدﯾﺔ ﯾؤدﯾﻬﺎ‬ ‫اﻟﻣؤﻣﻧون ﺑﻬذا اﻟدﯾن ﻓرادى أو ﻣﺟﺗﻣﻌﯾن‪ ،‬وﻻ ﻣﺟرد ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻘواﻧﯾن اﻟﺗﻲ ﺗﺗﺻل‬ ‫ﺑﺎﻟزواج واﻟطﻼق وﺗوزﯾﻊ اﻟﺗرﻛﺎت ﻓﺎﻟدﯾن ﯾﺷﻣل ذﻟك وأﺷﯾﺎء أﺧرى ﻓﻼ ﯾﺟوز أن ﻧﺄﺧذ‬ ‫ﺑﻌض اﻟدﯾن ﻟﻠﺗﺣﺎﻛم ﺑﻪ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﻧﺎ ﺑﯾﻧﻣﺎ ﺗﺣﻛم ﺳﺎﺋر ﻧواﺣﻲ اﻟﺣﯾﺎة ﺷرﯾﻌﺔ أﺧرى‬ ‫ﻣﺳﺗﻣدة ﻣن ﻣﺻدر آﺧر‪ ،‬ﺗؤﻟف ﻣﻧﻬﺟﺎً آﺧر ﻟﻠﺣﯾﺎة ﻏﯾر ﻣﻧﺑﺛق اﻧﺑﺛﺎﻗﺎً ﻣن دﯾن اﷲ)‪.(١‬‬ ‫وﻟﻠﺣﻘﯾﻘﺔ ﻫذا اﻟطرح ﻟﯾس دﻋوة ﻟﻠﺛورة ﻋﻠﻰ اﻟوﺿﻊ اﻟﺣﺎﻟﻲ ﺑﻘدر ﻣﺎ ﻫﻲ دﻋوة‬ ‫ﻟﻠﺗﻌﺎﻣل ﻣﻌﻪ وﻓﻘﺎً ﻟﻣﺣددات ﻧراﻫﺎ ﻻ ﺗﺧرج ﻋن ﺷرﯾﻌﺔ اﻟرﺣﻣن‪ ،‬وﻧﺣن ﻫﻧﺎ ﯾﺟب أن‬ ‫ﻧﺳﺗﺣﺿر ﻛل ﻣﺎ ﻣن ﺷﺄﻧﻪ أن ُﯾﺳﺎﻋدﻧﺎ ﻓﻲ ﻫذا اﻟطرﯾق ﯾﺟب أن ﻧﺳﺗﺣﺿر ﺗﺟﺎرب‬ ‫اﻟﻣﺎﺿﻲ ﺑﻣﺎ ﻓﯾﻬﺎ ﻣن ﻓﺷل وﻧﺟﺎح وﻧﺳﺗﺣﺿر اﻟﺣﺎﺿر ﺑﻣﺎ ﻓﯾﻪ ﻣن ﻋواﻣل إﯾﺟﺎﺑﯾﺔ‬

‫وﻋواﻣل ﺳﻠﺑﯾﺔ وﻣؤﺛرات ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ وﻧﺣن ﻧﺗﺣرك ﻓﻲ اﻟﺑﺣث ﻋن ُﺳﺑل اﻟﻧﻬوض ﻻ ﯾﺟب‬ ‫أن ﻧﻧﺳﻰ أو ُﻧﻬﻣل اﻟﻧﻘﺎط اﻵﺗﯾﺔ‪:‬‬ ‫‪ ‬اﻟﻐرب ﺟزء ﻣن أﻣﺔ اﻟدﻋوة‪:‬‬ ‫ﻻ ﯾﺟب أن ﻧﻧظر إﻟﻰ ﻋﻣوم اﻟﻣواطﻧﯾن اﻟذﯾن ﯾﻌﯾﺷون ﻓﻲ اﻟﺑﻼد اﻟﻐرﺑﯾﺔ‬ ‫ﻋﻠﻰ أﻧﻬم أﻋداء ﺑل ﯾﺟب أن ﻧﺗذﻛر أﻧﻪ ﻣن اﻟﻣﻌﻠوم ﺑﺎﻟدﯾن ﺑﺎﻟﺿرورة ﻋﻣوم ﺑﻌﺛﺗﻪ‬ ‫ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم‪ ،‬ﻓﻬو رﺣﻣﺔ اﷲ ﻟﻠﻌﺎﻟﻣﯾن‪ ،‬ورﺳوﻟﻪ إﻟﻰ اﻟﻧﺎس أﺟﻣﻌﯾن‪،‬‬ ‫اﻟﻐرب واﻟﺷرق ﻓﻲ ذﻟك ﺳواء‪ ،‬وﻟﻬذا ﺷﺎع ﻓﻲ اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﺑﻌض‬ ‫اﻟﺗﻌﺑﯾرات ﻣﺛل‪ :‬أﻣﺔ اﻟدﻋوة وأﻣﺔ اﻹﺟﺎﺑﺔ‪ ،‬أﻣﺔ اﻟدﻋوة ﻫﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﺑﺄﺳرﻩ‪ ،‬وأﻣﺔ‬ ‫اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻫم ﻣن آﻣن ﺑﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم‪ ،‬واﺗﺑﻊ اﻟﻧور اﻟذي أﻧزل ﻣﻌﻪ‪،‬‬ ‫وﻟﻠﻐرب ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣﻧظوﻣﺔ ﻣن اﻟﺧﺻوﺻﯾﺔ ﻣﺎ ﻟﯾس ﻟﻐﯾرﻫم ﻣن ﺑﻘﯾﺔ ﻫذﻩ اﻷﻣﺔ‪،‬‬ ‫ﻓﺟذورﻫم ﺗرﺟﻊ ﻓﻲ اﻟﺟﻣﻠﺔ إﻟﻰ أﻫل اﻟﻛﺗﺎب‪ ،‬وﻷﻫل اﻟﻛﺗﺎب ﻣن اﻟﺧﺻوﺻﯾﺔ ﻣﺎ‬ ‫)‪ (١‬ﺳﯾﺎر اﻟﺟﻣﯾل‪" ،‬اﻟﻌوﻟﻣﺔ واﻟﻣﺳﺗﻘﺑل اﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ ﺗﻔﻛﯾر ﻣن أﺟل اﻟﻌرب واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟﺣﺎدي واﻟﻌﺷرﯾن"‪،‬‬ ‫ﻋﻣﺎن‪ ،‬اﻷﻫﻠﯾﺔ ﻟﻠﻧﺷر‪ ،‬ط‪٢٠٠٠ ،٢‬م‪ ،‬ص ‪.١٨٠‬‬

‫‪- ١٧٤ -‬‬


‫ﻟﯾس ﻟﻐﯾرﻫم‪ ،‬ﻓﻘد أﺑﺎﺣت اﻟﺷرﯾﻌﺔ طﻌﺎﻣﻬم‪ ،‬وأﺣﻠت ﻧﻛﺎح ﻧﺳﺎﺋﻬم‪ ،‬ﺑﻣﺎ ﻟم ﺗﺟزﻩ ﻣﻊ‬ ‫ﻓﺋﺔ أﺧرى ﻣن ﻏﯾر اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‪ ،‬وﻋﻘدت ﻷﻫل اﻟﻛﺗﺎب اﻷﻣﺎن ﻓﻲ ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻬﺎ‪،‬‬ ‫وأﻋطﺗﻬم ﻋﻠﻰ ذﻟك ذﻣﺔ اﷲ ورﺳوﻟﻪ‪ ،‬وﻟﻠﻧﺻﺎرى ﻣﻧﻬم اﻋﺗﺑﺎر أﺧص ورد ذﻛرﻩ ﻓﻲ‬

‫ﱠِ‬ ‫ِﱠ ِ‬ ‫ﯾن‬ ‫ﯾن َآ َﻣ ُﻧوا اﻟذ َ‬ ‫ﻛﺗﺎب اﷲ ﻋز وﺟل ﻋﻧدﻣﺎ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ‪َ  :‬وﻟَﺗَ ِﺟ َد ﱠن أَ ْﻗ َرَﺑﻬُ ْم َﻣ َوﱠدةً ﻟﻠذ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ك ﺑِﺄ ﱠ ِ‬ ‫ون‪ ،(١) ‬وﻗد‬ ‫ﺻ َﺎرى َذﻟِ َ‬ ‫ﯾن َوُرْﻫَﺑ ًﺎﻧﺎ َوأَﱠﻧﻬُ ْم َﻻ َﯾ ْﺳﺗَ ْﻛﺑِ ُر َ‬ ‫َن ﻣ ْﻧﻬُ ْم ﻗﺳﱢﯾﺳ َ‬ ‫ﻗَﺎﻟُوا إِﱠﻧﺎ َﻧ َ‬ ‫ﻛﺎﻧت دﻋوﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻫﻲ ﻓﻲ اﻷﺻل دﻋوة ﻟﺗﺣرﯾر اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﻛل‬ ‫اﻟﺑﺷرﯾﺔ‪ ،‬دﻋوة ﻟﺗﺣﻘﯾق ﺣﻘوق اﻹﻧﺳﺎن ﺟﻧس اﻹﻧﺳﺎن اﻟذي ﻫو ﺧﻠﯾﻔﺔ اﷲ ﻓﻲ‬ ‫أرﺿﻪ‪ ،‬ﺗﺧرﺟﻪ ﻣن ﻋﺑﺎدة اﻟﻌﺑﺎد إﻟﻰ ﻋﺑﺎدة اﷲ وﺣدﻩ‪ ،‬وﻣن ﺿﯾق اﻟدﻧﯾﺎ إﻟﻰ ﺳﻌﺔ‬ ‫اﻟدﻧﯾﺎ واﻵﺧرة‪ ،‬وﻣن ﺟور اﻷدﯾﺎن إﻟﻰ ﻋدل اﻹﺳﻼم وﻛﺎﻧت اﻟرﺳﺎﻟﺔ اﻷوﻟﻰ‬ ‫اﻟﻣﻧوطﺔ ﺑﻬذﻩ اﻷﻣﺔ ﻫﻲ ﺣﻣل ﻫذا اﻟﻧور اﻟﻧﺑوي إﻟﻰ ﻣﺧﺗﻠف أرﺟﺎء اﻷرض‪ ،‬وﻓﺗﺢ‬

‫ﻣﻐﺎﻟﯾق اﻟﻘﻠوب ﻟﻬذا اﻟﺣق‪ ،‬ﻓﺎﻷﻣر إذن ﻟﯾس ﺧﺻوﺻﯾﺔ ﻋداء ﻟﻠﻐرب‪ ،‬وﻻ‬ ‫ﺧﺻوﺻﯾﺔ ﻣواﻻة ﻟﻠﺷرق‪ ،‬ﻓﺈن ﻛﻼ ﻣن اﻟﻐرب واﻟﺷرق ﯾﺷﺗﻣل ﻋﻠﻰ اﻟﺑر واﻟﻔﺎﺟر‪،‬‬ ‫وﯾﻧﺗظم ﻓﻲ ﺳﻠﻛﻪ اﻟﻣﺳﻠم واﻟﻛﺎﻓر‪ ،‬وﻻ ﯾﻌﻘد وﻻء وﻻ ﺑراء ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ﻋﻠﻰ ﻏرب وﻻ‬ ‫ﺷرق‪ ،‬وﻻ ﻋﻠﻰ ﺟﻧﺳﯾﺔ أو اﻧﺗﻣﺎء ﻟﻘﺑﯾﻠﺔ أو ﺑﻠد ٕواﻧﻣﺎ ﯾﻧﻌﻘد اﻟوﻻء واﻟﺑراء ﻋﻠﻰ أﺳﺎس‬

‫اﻹﯾﻣﺎن ﺑﺎﷲ ورﺳوﻟﻪ‪ ،‬ﻓﻘد ﺣرر اﻹﺳﻼم ﺑﻧﻲ اﻟﺑﺷر ﻣن اﻟﺗﻌﺻب ﻟﻸﻋراق واﻷﻟوان‬ ‫واﻷﻟﺳﻧﺔ‪ ،‬وﻣﺣض وﻻءﻫم ﻟﻠﺣق اﻟذي ﻧزل ﻣن ﻋﻧد اﷲ‪ ،‬وأﻣرﻫم أن ﯾﻛوﻧوا ﻗواﻣﯾن‬ ‫ﺑﺎﻟﻘﺳط ﺷﻬداء ﷲ وﻟو ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺳﻬم أو اﻟواﻟدﯾن واﻷﻗرﺑﯾن‪ ،‬وﻫو ﺑﻬذا ﻻ ﯾﻔرق ﺑﯾن‬ ‫ﻣن ُﯾﻘﯾم ﻓﻲ دار اﻹﺳﻼم أو ﯾﻘﯾم ﺧﺎرﺟﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻬذﻩ ﺷرﯾﻌﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺗُﺧﺎطب اﻟﻣﺳﻠم أﯾﻧﻣﺎ‬ ‫ﻛﺎن‪ ،‬ﻓوق ﻛل أرض وﺗﺣت ﻛل ﺳﻣﺎء‪ ،‬ﻓﺎﻟﻣﺳﻠم ﻻ ﯾﻧﺻر أﺣدا ﻋﻠﻰ ﺑﺎطل‪ ،‬ﻣﺳﻠﻣﺎ‬

‫ﻛﺎن أو ﻏﯾر ﻣﺳﻠم‪ ،‬ﻓرداً ﻛﺎن أو ﻛﯾﺎﻧﺎً ﺳﯾﺎﺳﯾﺎ‪ ،‬ﻏرﺑﯾﺎ ﻛﺎن أو ﺷرﻗﯾﺎ‪ ،‬ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ‪:‬‬

‫ِ‬ ‫ﱠِ‬ ‫ون َﻣ ْن َﺣﺎ ﱠد اﻟﻠﱠﻪَ َوَر ُﺳوﻟَﻪُ َوﻟَ ْو َﻛ ُﺎﻧوا‬ ‫ون ﺑِﺎﻟﻠﻪ َواْﻟَﯾ ْوِم ْاﻵَﺧ ِر ُﯾ َوا ﱡد َ‬ ‫‪َ ‬ﻻ ﺗَ ِﺟ ُد ﻗَ ْو ًﻣﺎ ُﯾ ْؤ ِﻣ ُﻧ َ‬ ‫َآﺑﺎءﻫم أَو أ َْﺑَﻧﺎءﻫم أَو إِ ْﺧو َاﻧﻬم أَو ﻋ ِﺷﯾرﺗَﻬم أُوﻟَﺋِ َك َﻛﺗَ ِ‬ ‫ِ​ِ ِ‬ ‫ﺎن َوأَﱠﯾ َد ُﻫ ْم‬ ‫َ‬ ‫ﯾﻣ َ‬ ‫َ ُ ْ ْ َ ُْ ْ َ َ ُْ‬ ‫ب ﻓﻲ ﻗُﻠُوﺑﻬ ُم ْاﻹ َ‬ ‫َ َ ُْ ْ‬ ‫ﺎت ﺗَ ْﺟ ِري ِﻣن ﺗَ ْﺣﺗِﻬﺎ ْاﻷ َْﻧﻬﺎر َﺧﺎﻟِ ِدﯾن ِﻓﯾﻬﺎ ر ِ‬ ‫ﺑِرو ٍح ِﻣ ْﻧﻪ وﯾ ْد ِﺧﻠُﻬم ﺟﱠﻧ ٍ‬ ‫ﺿ َﻲ اﻟﻠﱠﻪُ َﻋ ْﻧﻬُ ْم‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ ُ ُْ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫)‪ (١‬ﺳورة اﻟﻣﺎﺋدة آﯾﺔ رﻗم )‪(٨٢‬‬

‫‪- ١٧٥ -‬‬


‫ِ‬ ‫ورﺿوا ﻋ ْﻧﻪ أُوﻟَﺋِ َك ِﺣ ْزب اﻟﻠﱠ ِﻪ أ َ​َﻻ إِ ﱠن ِﺣ ْز ﱠ ِ‬ ‫ون ‪‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ​َ ُ َ ُ‬ ‫ب اﻟﻠﻪ ُﻫ ُم اْﻟ ُﻣ ْﻔﻠ ُﺣ َ‬ ‫ﺑدﯾن اﻹﺳﻼم ﻻ ﯾوادون اﻟﻣﺣﺎدﯾن وﻟو ﻛﺎﻧوا ﻣن اﻷﻗرﺑﯾن ﺳواء ﻛﺎن ﻫذا اﻟﻘرب‬ ‫)‪(١‬‬

‫ﺎؤ ُﻛ ْم‬ ‫ﻗُرب ﻧﺳب أو دﯾﺎر‪ ،‬وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ‪ُ  :‬ﻗ ْل ِإ ْن َﻛ َ‬ ‫ﺎن َآَﺑ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ﺎد َﻫﺎ‬ ‫وﻫﺎ َوﺗِ َﺟ َﺎرةٌ ﺗَ ْﺧ َﺷ ْو َن َﻛ َﺳ َ‬ ‫اﺟ ُﻛ ْم َو َﻋﺷ َﯾرﺗُ ُﻛ ْم َوأ َْﻣ َوا ٌل ا ْﻗﺗَ​َرْﻓﺗُ ُﻣ َ‬ ‫َوأ َْزَو ُ‬

‫َﺣ ﱠ‬ ‫ب إِﻟَْﯾ ُﻛ ْم ِﻣ َن‬ ‫أَ‬ ‫َﻻ َﯾ ْﻬ ِدي اْﻟﻘَ ْوَم‬

‫أي أن اﻟﻣؤﻣﻧون‬

‫ﺎؤ ُﻛ ْم‬ ‫َوأ َْﺑَﻧ ُ‬ ‫وﻣﺳ ِ‬ ‫ﺎﻛ ُن‬ ‫َ​َ َ‬

‫ِ​ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﱠِ‬ ‫ﺻوا َﺣﺗﱠﻰ َﯾﺄْﺗِ َﻲ‬ ‫اﻟﻠﻪ َوَر ُﺳوﻟِﻪ َو ِﺟﻬَﺎد ﻓﻲ َﺳﺑِﯾﻠﻪ ﻓَﺗَ​َرﱠﺑ ُ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ﯾن‪ (٢)‬ﻓﺄﻣر ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻣﻌﺎداة ﻣن ﺣﺎد ﻋن‬ ‫اْﻟﻔَﺎﺳﻘ َ‬

‫َ ٕوِا ْﺧ َو ُاﻧ ُﻛ ْم‬ ‫ﺿ ْوَﻧﻬَﺎ‬ ‫ﺗَ ْر َ‬

‫ﱠ‬ ‫ﱠ‬ ‫اﻟﻠﻪُ ﺑِﺄ َْﻣ ِرِﻩ َواﻟﻠﻪُ‬ ‫اﻟﺣق ﻓطﻐﻰ‪،‬‬

‫واﺳﺗﺣب اﻟﻌﻣﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻬدى‪ ،‬وﻟو ﻛﺎن ﻣن أﻗرب اﻷﻗرﺑﯾن‪ ،‬ﻓﺎﻟﻘﺿﯾﺔ إذن ﻟﯾﺳت‬ ‫ﻣوﻗﻔﺎً ﯾﻘﻔﻪ اﻟﻣﺳﻠم ﺿد اﻟﻐرب ﻋﺎﻣﺔ‪ ،‬وﻻ ﺿد دوﻟﺔ ﺑﻌﯾﻧﻬﺎ ﻣﻧﻪ ﺑﺻﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ‪،‬‬ ‫ٕواﻧﻣﺎ ﻫو ﻣﻧﻬﺞ ﻋﺎم‪ ،‬اﻟﺷرق واﻟﻐرب ﻓﯾﻪ ﺳواء‪ ،‬ﻓﻠو أن أﺣدا ﻣن ﺑﻧﻲ ﻗوﻣﻪ ﺗﻌدى‬

‫وﺟﺎر‪ ،‬ﻓﺈن ﻧﺻرﺗﻪ ﻟﻪ أن ﯾﺿرب ﻋﻠﻰ ﯾدﻩ‪ ،‬وأن ﯾﻣﻧﻌﻪ ﻣن اﻟظُﻠم‪ ،‬ﻻ أن ﯾﺷﺎرﻛﻪ‬

‫إﻣﻌﻪ أو ﻛﺎﻟﺑﻌﯾر اﻟذي‬ ‫ﻓﯾﻪ‪ ،‬أو ﯾﻌﯾﻧﻪ ﻋﻠﯾﻪ‪ ،‬ﻓﺈن ﻣن ﻧﺻر ﻗوﻣﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺑﺎطل‪ ،‬ﻓﻬو ّ‬ ‫ﺗردى‪ ،‬ﻓﻬو ﯾﻧزع ﺑذﻧﺑﻪ!)‪ ،(٣‬أو ﻛﻣﺎ ﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم‪ ،‬ﻓﻧﺣن ﻧرى ﻫذﻩ‬ ‫اﻟﺻورة اﻟﺗﻲ ﯾﺻورﻫﺎ ﻟﻧﺎ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻫذا اﻟرﺟل اﻟذي ﯾﺳﯾر ﻓﻲ رﻛﺎب‬ ‫ﻗوﻣﻪ وﻫو ﯾﻧﺻرﻫم ﺑﺎﻟﺑﺎطل ﻛﻬذا اﻟﺑﻌﯾر اﻟذي ﺳﻘط ﻓﻬو ُﯾﺣرك ذﻧﺑﻪ وﻟﻛن ﻻ‬

‫ﯾﺳﺗطﯾﻊ اﻟﻔﻛﺎك ﻣن اﻟﻬوة اﻟﺗﻲ ﺳﻘط ﻓﯾﻬﺎ؛ وﻗد رأﯾﻧﺎ ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ اﻹﺳﻼم ﻣن ذﻟك‬ ‫اﻟﻌﺟب ورأﯾﻧﺎ أن ﻗﺎدة اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﯾﺧﺎﻓون ﻣن ُﻧﺻرة اﻟﻣﺳﻠم أو اﻟﻘرﯾب إذا ﻟم ﯾﻛن‬

‫اﻟﺣق ﻓﻲ ﺻﻔﻪ‪ .‬ﻟﻘد رأﯾﻧﺎ ﻛﯾف ﺣرر اﻹﺳﻼم أﺗﺑﺎﻋﻪ ﻣن وﺻﻣﺔ اﻟﺗﻌﺻب اﻷﻋﻣﻰ‬ ‫ﻟﻠﻘﺑﯾﻠﺔ أو اﻟﻌﺷﯾرة‪ ،‬ﺑل وﻷواﺻر اﻟﻧﺳب واﻟرﺣم واﻟﻘرﺑﻰ‪ ،‬ﻋﻧدﻣﺎ ﻻ ﺗﻛون ﻋﻠﻰ‬ ‫اﻟﺣق‪ ،‬وﻟﻘد ﻛﺎﻧت ﻏزوة ﺑدر اﻣﺗﺣﺎﻧﺎً ﻟﻬذا اﻟﻣﻌﻧﻰ ﻓﻲ ﻧﻔوس اﻟﻣؤﻣﻧﯾن‪ ،‬ﻓﺎﻧﺗﺻر‬ ‫اﻟوﻻء ﻟﻺﯾﻣﺎن ﻋﻠﻰ اﻟوﻻء ﻟﻛل ﻣﺎ ﺳواﻩ‪ ،‬وﻟن ﺗﻧﺳﻰ ذاﻛرة اﻟﺗﺎرﯾﺦ ﻣﺎ وﻗﻊ ﻓﻲ ﻓﺗﺢ‬ ‫ﺳﻣرﻗﻧد ﻋﻧدﻣﺎ ﻗﺎم أﻫﻠﻬﺎ ﺑرﻓﻊ ﺷﻛواﻫم إﻟﻰ اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ ﻋﻣر ﺑن ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎﺋد‬ ‫اﻟﻔﺎﺗﺢ‪ ،‬ﻷﻧﻪ دﺧل ﻋﻠﯾﻬم دﯾﺎرﻫم ﻗﺑل دﻋوﺗﻬم إﻟﻰ اﻹﺳﻼم‪ ،‬ﻓﺄﻣر ﻗﺎﺿﯾﻪ أن‬ ‫ﯾﻧﺻﻔﻬم‪ ،‬ﻓﻘﺿﻰ ﺑﺑطﻼن اﻟﻔﺗﺢ‪ٕ ،‬واﺧراج اﻟﺟﯾوش اﻟﻔﺎﺗﺣﺔ اﻟﻣﻧﺗﺻرة ﺧﺎرج ﺳﻣرﻗﻧد‪،‬‬ ‫)‪ (١‬ﺳورة اﻟﻣﺟﺎدﻟﺔ )‪(٢١‬‬ ‫)‪ (٢‬ﺳورة اﻟﺗوﺑﺔ آﯾﺔ )‪.( ٢٤‬‬ ‫)‪ (٣‬ﺳﻧن أﺑﻲ داوود‪ ،‬ﻣن طرﯾق ﺑن ﻣﺳﻌود )‪.(٤٤٥٦‬‬

‫‪- ١٧٦ -‬‬


‫ﺣﺗﻰ ﺗﺳﺗوﻓﻰ إﺟراءات اﻟﻔﺗﺢ ﻛﺎﻓﺔ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﺟﺎءت ﻓﻲ اﻟﻧﺻوص اﻟﺷرﻋﯾﺔ‪ ،‬واﻧﺳﺣﺑت‬ ‫اﻟﻘوات ﻓﻌﻼً‪ ،‬وﻛﺎن ذﻟك ﺳﺑﺑﺎ ﻓﻲ إﺳﻼم أﻏﻠب أﻫل ﺳﻣرﻗﻧد!‪ ،‬وﻟو ﻗﻠﺑﻧﺎ ﻓﻲ‬ ‫ﺻﻔﺣﺎت اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻣﺳﻠم وﻓﻲ اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟﺗﻲ ُرﻓﻌت ﻣن ﻋوام اﻟﻧﺎس أو ﺣﺗﻰ ﻣن‬ ‫ﻏﯾر اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺿد ﻗﻣم ﺳﺎﻣﻘﺔ ﻣن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻬم آﻧذاك وﻛﯾف ﺻﺎرت‬ ‫ﻫذﻩ اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ ﻟرأﯾﻧﺎ اﻟﺷﻲء اﻟﻌﺟﯾب‪.‬‬ ‫‪ ‬ﻟﯾﺳوا ﺳواء‬ ‫ﻼ وﻧﻬﺎ اًر ﺿد‬ ‫ﻧﻌم ﻫﻧﺎك ﺟﯾوش ﻣن اﻟﻛﻔﺎر ﺗُﺣﺎرﺑﻧﺎ وأﺟﻬزة ﻣﺧﺎﺑرات ﺗﻌﻣل ﻟﯾ ً‬

‫اﻹﺳﻼم وﻟﻛن ﻓﻲ اﻟﻣﺟﻣل ﻻ ﻧﺳﺗطﯾﻊ أن ﻧﺧرج ﻋن أﺻول دﯾﻧﻧﺎ ﻓﻬم ﻟﯾﺳوا ﺳواء ﻓﻲ‬

‫ﻫذﻩ اﻟﻌداوة ﻓﺄﻫل اﻟﻣﻠل اﻷﺧرى ﻓﻲ اﻟﻐرب أو ﻏﯾرﻩ ﻟﯾﺳوا ﺳواء‪ ،‬ﻓﻛﻣﺎ أن أﻫل اﻟﺑدع‬ ‫اﻟﻣواﻓﻘﯾن ﻟﻬذﻩ اﻷﻣﺔ ﻓﻲ أﺻل اﻟدﯾن وﻟﻛﻧﻬم ﯾﺧﺎﻟﻔوﻧﻬم ﻓﻲ ﺑﻌض اﻷﺻول اﻟﻛﻠﯾﺔ‬ ‫اﻟﻘطﻌﯾﺔ ﻟﯾﺳوا ﺳواء‪ :‬ﻓﻣﻧﻬم اﻟرؤوس واﻷﺋﻣﺔ وﻣﻧﻬم اﻟﻌﺎﻣﺔ وأﺷﺑﺎﻩ اﻟﻌﺎﻣﺔ وﺑﯾن ﻫؤﻻء‬ ‫اﻟﺑّﯾن أن‬ ‫وأوﻟﺋك ﻣراﺗب‪ ،‬وﻟﻛل ﻓرﯾق ﻣن اﻟﻣﻌﺎﻣﻠﺔ واﻷﺣﻛﺎم ﻣﺎ ﯾﺳﺗﺣﻘﻪ‪ ،‬وﻣن اﻟظﻠم َ‬ ‫ُﻧﻌﺎﻣل اﻟﺟﻣﯾﻊ ﺑطرﯾﻘﺔ واﺣدة وﻫﻧﺎ ﻧﺟد ﻗول ﻻﺑن اﻟﻘﯾم – رﺣﻣﻪ اﷲ – ﻓﻲ اﻟطرق‬

‫اﻟﺣﻛﻣﯾﺔ ﻧﻌﺗﻘد أﻧﻪ ُﻣﻔﯾد ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻣوﺿﻊ وﻫذا اﻟﻘول ﻫو ‪ :‬ﻓﺄﻣﺎ أﻫل اﻟﺑدع اﻟﻣواﻓﻘون‬ ‫ﻷﻫل اﻹﺳﻼم وﻟﻛﻧﻬم ﻣﺧﺎﻟﻔون ﻓﻲ ﺑﻌض اﻷﺻول ﻛﺎﻟراﻓﺿﺔ واﻟﻘدرﯾﺔ واﻟﺟﻬﻣﯾﺔ وﻏﻼة‬ ‫اﻟﻣرﺟﺋﺔ وﻧﺣوﻫم ﻓﻬؤﻻء أﻗﺳﺎم)‪:(١‬‬

‫اﻟﻣﻘﻠِد اﻟذي ﻻ ﺑﺻﯾرة ﻟﻪ ﻓﻬذا ﻻ ُﯾﻛﻔر وﻻ ُﯾﻔﺳق وﻻ ﺗرد ﺷﻬﺎدﺗﻪ إذا ﻟم‬ ‫ﻓﻣﻧﻬم اﻟﺟﺎﻫل ُ‬ ‫وﺣ ّﻛﻣﻪُ ﺣﻛم اﻟﻣﺳﺗﺿﻌﻔﯾن ﻣن اﻟرﺟﺎل واﻟﻧﺳﺎء واﻟوﻟدان‬ ‫ﯾﻛن ﻗﺎد اًر ﻋﻠﻰ ﺗﻌﻠم اﻟﻬدى ُ‬ ‫اﻟذﯾن ﻻ ﯾﺳﺗطﯾﻌون ﺣﯾﻠﺔ وﻻ ﯾﻬﺗدون ﺳﺑﯾﻼ ﻓﺄوﻟﺋك ﻋﺳﻰ اﷲ أن ﯾﻌﻔو ﻋﻧﻬم وﻛﺎن اﷲ‬

‫ﻋﻔواً ﻏﻔو اًر‪.‬‬ ‫وﻣﻧﻬم‪ :‬اﻟﻣﺗﻣﻛن ﻣن اﻟﺳؤال وطﻠب اﻟﻬداﯾﺔ وﻣﻌرﻓﺔ اﻟﺣق وﻟﻛن ﯾﺗرك ذﻟك اﺷﺗﻐﺎﻻ‬ ‫ﺑدﻧﯾﺎﻩ ورﯾﺎﺳﺗﻪ وﻟذﺗﻪ وﻣﻌﺎﺷﻪ وﻏﯾر ذﻟك ﻓﻬذا ﻣﻔرط ﻣﺳﺗﺣق ﻟﻠوﻋﯾد آﺛم ﺑﺗرك ﻣﺎ وﺟب‬ ‫ﻋﻠﯾﻪ ﻣن ﺗﻘوى اﷲ ﺑﺣﺳب اﺳﺗطﺎﻋﺗﻪ ﻓﻬذا ُﺣ ّﻛﻣﻪُ ﺣﻛم أﻣﺛﺎﻟﻪ ﻣن ﺗﺎرﻛﻲ ﺑﻌض‬ ‫)‪ (١‬ﻟﻠﻣزﯾد‪ ،‬اﺑن اﻟﻘﯾم "اﻟﺟواب اﻟﻛﺎﻓﻲ" ط‪٢٠٠٣ ،٦‬م ﺑﯾروت‪.‬‬

‫‪- ١٧٧ -‬‬


‫اﻟواﺟﺑﺎت ﻓﺈن ﻏﻠب ﻣﺎ ﻓﯾﻪ ﻣن اﻟﺑدﻋﺔ واﻟﻬوى ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻓﯾﻪ ﻣن اﻟﺳﻧﺔ واﻟﻬدى ُردت‬

‫ﺷﻬﺎدﺗﻪ ٕوان ﻏﻠب ﻣﺎ ﻓﯾﻪ ﻣن اﻟﺳﻧﺔ واﻟﻬدى ﻗُﺑﻠت ﺷﻬﺎدﺗﻪ‪.‬‬

‫وﻣﻧﻬم‪ :‬ﻣن ﯾﺳﺄل وﯾطﻠب وﯾﺗﺑﯾن ﻟﻪ اﻟﻬدى وﯾﺗرﻛﻪ ﺗﻘﻠﯾداً وﺗﻌﺻﺑﺎً أو ﺑﻐﺿﺎً أو ﻣﻌﺎداة‬

‫ﻷﺻﺣﺎﺑﻪ ﻓﻬذا أﻗل درﺟﺎﺗﻪ أن ﯾﻛون ﻓﺎﺳﻘﺎ وﺗﻛﻔﯾرﻩ ﻣﺣل اﺟﺗﻬﺎد وﺗﻔﺻﯾل)‪.(١‬‬

‫ﻧﻘول‪ :‬إذا ﻛﺎن ﻫذا اﻟﺗﻔﺻﯾل ﻓﻲ أﻫل اﻟﺑدع ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺣو اﻟذي أوﺿﺣﻬﺎ اﺑن اﻟﻘـﯾم رﺣﻣـﻪ‬ ‫اﷲ‪ ،‬ﻓــﺈن ﻫــذا اﻟﻣﺑــدأ ﯾــرد ﻓــﻲ أﻫــل اﻟﻣﻠــل اﻷﺧــرى‪ ،‬ﻓــﺈن أﻫــل اﻟﻣﻠــل اﻷﺧــرى اﻟﻣﺧــﺎﻟﻔﯾن‬ ‫ﻟﻬــذﻩ اﻷﻣــﺔ ﻓــﻲ أﺻــل اﻟﻣﻠــﺔ ﻟﯾﺳ ـوا ﺳ ـواء‪ :‬ﻓﻣــﻧﻬم اﻟﻣﺳــﺎﻟﻣون وﻣــﻧﻬم اﻟﻣﻌﺗــدون‪ ،‬وﻣــﻧﻬم‬ ‫اﻟﺟﻬــﻼء وﻣــﻧﻬم اﻟﻣﻌﺎﻧــدون‪ ،‬وﻟﻛــل ﻓرﯾــق ﺣﻛﻣــﻪ‪ ،‬وﻣــﺎ ﯾﻧﺎﺳــﺑﻪ ﻣــن أﻟ ـوان اﻟﺗﻌﺎﻣــل‪ ،‬وﻗــد‬ ‫ﺟﻌــل اﷲ ﻟﻛــل ﺷــﻲء ﻗــدرا‪ ،‬وﻟــم ﺗــﺄت ﺷـرﯾﻌﺔ اﷲ ﻋــز وﺟــل ﺑﺎﻟﺗﺳــوﯾﺔ ﺑــﯾن اﻟﻣﺧﺗﻠﻔــﯾن وﻻ‬ ‫ﺑــﺎﻟﺗﻔرﯾق ﺑــﯾن اﻟﻣﺗﻣــﺎﺛﻠﯾن‪ ،‬وﺑﺎﻟﻌــدل ﻗﺎﻣــت اﻟﺳــﻣﺎوات واﻷرض‪ ،‬وﻗــد ﺗﻔــﺎوت ﻫدﯾــﻪ ﺻــﻠﻰ‬ ‫اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳــﻠم ﻓــﻲ ﻣﻌﺎﻣﻠــﺔ أﻫــل اﻟﻣﻠــل اﻷﺧــرى ﻣــن اﻟﻘﺗــﺎل إﻟــﻰ اﻟﻣوادﻋــﺔ اﻟﻣطﻠﻘــﺔ أو‬ ‫اﻟﻣؤﻗﺗ ــﺔ ﺣﺳـ ــب ﻣـــﺎ ﯾﺳ ــﺗﺣﻘﻪ ﻛـــل ﻓرﯾـ ــق وﺣﺳ ــﺑﻣﺎ ﺗﻘﺗﺿ ــﯾﻪ اﻟﻣﺻـ ــﻠﺣﺔ اﻟﻌﺎﻣ ــﺔ ﻟﺟﻣﺎﻋـ ــﺔ‬ ‫اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‪ ،‬وﻫﻛذا ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻛون ﻣﺳـﻠك ﻣـن ﯾرﺛوﻧـﻪ وﯾﻘوﻣـون ﻓـﻲ اﻟﻧـﺎس ﻣﻘﺎﻣـﻪ‪ .‬وﻟﻬـذا‬ ‫ﻓﺈن ﻣن اﻟﺧطﺄ اﻟﺑﯾن ﻫذا اﻟﺗﻌﻣﯾم اﻟـذي ﻧﻠﻣﺳـﻪ ﻣـن ﺑﻌـض اﻟﻣﺷـﺗﻐﻠﯾن ﺑﺎﻟﻌﻣـل اﻹﺳـﻼﻣﻲ‬ ‫ﻓــﻲ ﺑﻌــض اﻟﻣواﺿــﻊ ﻋﻧــدﻣﺎ ﯾﺻــﻧف أﻣــﺔ ﺑﺄﻛﻣﻠﻬــﺎ أو ﻗــﺎرة ﺑﺄﻛﻣﻠﻬــﺎ ﻓــﻲ ﻣوﻗــف اﻟﻣﺣــﺎرب‬ ‫ﺑــﺈطﻼق أو اﻟﻣﺳــﺎﻟم ﺑــﺈطﻼق‪ ،‬ﻓﻠــم ﯾــزل ﻓــﻲ ﻛــل أﻣــﺔ اﻟﻣﺳــﺎﻟﻣون واﻟﻣﻌﺗــدون واﻟﺟﻬــﻼء‬ ‫واﻟﻣﻌﺎﻧـ ــدون‪ ،‬ﻓﺎﻟﺗﺳـ ــوﯾﺔ ﺑـ ــﯾن اﻟﻘـ ــﺎدة واﻟﻣﻘـ ــودﯾن واﻟﺗﺳـ ــوﯾﺔ ﺑـ ــﯾن اﻟرؤﺳـ ــﺎء واﻟﻣرؤوﺳـ ــﯾن‪،‬‬ ‫ٕواطــﻼق اﻟﻘــول ﺑــﺄن اﻟﺟﻣﯾــﻊ ﻣﺣــﺎرب واﻟﺟﻣﯾــﻊ ﻓــﻲ ﻣﻘــﺎم اﻟﺗﻬﯾــﯾﺞ ﻋﻠــﻰ ﻫــذﻩ اﻷﻣــﺔ ﻣــن‬ ‫اﻹطﻼﻗـ ــﺎت اﻟﻔﺎﺣﺷـ ــﺔ اﻟﺗـ ــﻲ ﺗﺣﺗـ ــﺎج إﻟـ ــﻰ ﻣراﺟﻌـ ــﺔ‪ ،‬وﻗـ ــد رأﯾﻧـ ــﺎ ﻣظـ ــﺎﻫرات ﺣﺎﺷـ ــدة ﻓـ ــﻲ‬

‫ﻣﺟﺗﻣﻌــﺎت ﻛﺛﯾـرة ﺗﻌﻠــن رﻓﺿــﻬﺎ ﻟﺳﯾﺎﺳــﺎت ﻗــﺎدة ﺑﻼدﻫــﺎ وﺗﺄﯾﯾــدﻫﺎ ﻟﺣــق اﻟﺷــﻌوب اﻟ ُﻣﻌﺗــدى‬ ‫ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻓﻲ اﻻﻧﺗﺻﺎر واﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ‪ ،‬وﻣن ﻫؤﻻء ﻣـن ﺣـوﻛم‪ ،‬وﺗﻌـرض ﻟﻌﻘوﺑـﺎت ﺟـﺎﺋرة ﺑﺳـﺑب‬ ‫ﻫــذﻩ اﻟﻣواﻗــف‪ ،‬واﻟــذي ﯾﻘﺗﺿــﯾﻪ اﻟﻌــدل وﺗﻘﺗﺿــﯾﻪ اﻟﻣﺻــﻠﺣﺔ اﻟﻌﺎﻣــﺔ ﻟﻺﺳــﻼم واﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن‬

‫)‪ (١‬د‪ .‬اﻟﺳﯾد ﯾﺳﯾن‪ ،‬اﻟﻌوﻟﻣﺔ واﻟطرﯾق اﻟﺛﺎﻟث‪ ،‬ﻣﯾرﯾت ﻟﻠﻧﺷر‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫرة‪١٩٩٩ ،‬م‪ ،‬ص‪.٢٣٠‬‬

‫‪- ١٧٨ -‬‬


‫ﺗﺛﻣــﯾن ﻣواﻗــف ﻫــؤﻻء‪ ،‬واﻟﺗﻣﯾﯾــز ﺑﯾــﻧﻬم وﺑــﯾن اﻟﻣﻌﺗــدﯾن ﻣــن ﺑﻧــﻲ ﺟﻠــدﺗﻬم‪ ،‬ﺑــل واﺳــﺗﺛﻣﺎر‬ ‫ﻣواﻗﻔﻬم ﻓﻲ ﻧﺻرة اﻟﺣق اﻹﺳﻼﻣﻲ‪ٕ ،‬واﻗﺎﻣﺔ اﻟﺣﺟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟذﯾن ظﻠﻣوا ﻣﻧﻬم!‬ ‫‪ ‬اﻟﺑر واﻟﻘﺳط ﻫو أﺳﺎس اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻟﻣﺳﺎﻟم ﻣن ﻏﯾر اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‬ ‫ﻟم ﺗﺳﺗطﯾﻊ أﻣـﻪ أن ﺗﺣﺗـوي اﻟﻣﺧـﺎﻟﻔﯾن ﻓـﻲ داﺧﻠﻬـﺎ واﻟﺳـﻣﺎح ﻟﻬـم ﺑـﺎﻟﻌﯾش داﺧـل اﻟﻣﺟﺗﻣـﻊ‬

‫ﱠِ‬ ‫ﱠ‬ ‫ﯾن ﻟَـ ْـم ُﯾﻘَــﺎﺗِﻠُو ُﻛ ْم ِﻓــﻲ‬ ‫اﻟﻣﺳــﻠم ﻣﺛــل اﻷﻣــﺔ اﻟﻣﺳــﻠﻣﺔ ﻓﻘــد ﻗــﺎل ﺗﻌــﺎﻟﻰ ‪َ ‬ﻻ َﯾ ْﻧﻬَــﺎ ُﻛ ُم اﻟﻠــﻪُ َﻋـ ِـن اﻟــذ َ‬ ‫)‪(١‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اﻟ ﱢد ِ‬ ‫وﻫ ْم َوﺗُ ْﻘ ِﺳـطُوا إِﻟَ ْـﯾ ِﻬ ْم إِ ﱠن اﻟﻠﱠـﻪَ ُﯾ ِﺣ ﱡ‬ ‫ﯾن‪‬‬ ‫َن ﺗَ​َﺑ ﱡر ُ‬ ‫ﯾن َوﻟَ ْم ُﯾ ْﺧ ِر ُﺟو ُﻛ ْم ﻣ ْن دَﯾ ِﺎرُﻛ ْم أ ْ‬ ‫ـب اْﻟ ُﻣ ْﻘﺳـط َ‬

‫ﻷﻣــﻪ وأﺑﯾــﻪ‪ ،‬وﻗــد ﻧــدﺑت إﻟﯾــﻪ‬ ‫واﻟﺑــر ﻫــو أﻋﻠــﻰ درﺟــﺎت ُﺣﺳــن اﻟﺧﻠــق‪ ،‬وﻣﻧــﻪ ﺑِـ ُر اﻹﻧﺳــﺎن ّ‬ ‫اﻵﯾــﺔ اﻟﻛرﯾﻣــﺔ ﻓــﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣــل ﻣــﻊ اﻟﻣﺳــﺎﻟﻣﯾن ﻣــن ﻏﯾــر اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن‪ .‬وﻗــﺎل ﺗﻌــﺎﻟﻰ‪  :‬ﻓَ ـِﺈ ِن‬ ‫اﻋﺗَ​َزﻟُو ُﻛ ْم َﻓﻠَ ْم ُﯾﻘَﺎﺗِﻠُو ُﻛ ْم َوأَْﻟﻘَ ْوا إِﻟَْﯾ ُﻛ ُم اﻟﺳﱠـﻠَ َم ﻓَ َﻣـﺎ َﺟ َﻌـ َل اﻟﻠﱠـﻪُ ﻟَ ُﻛ ْـم َﻋﻠَ ْـﯾ ِﻬ ْم َﺳـﺑِﯾ ًل‪‬‬ ‫ْ‬ ‫ﻛﻔﺎﻟــﺔ ﺣﻘــوﻗﻬم‪ ،‬وﺣﻔــظ ﻋﻬــودﻫم‪ ،‬وﻣواﺳــﺎﺗﻬم ﻓــﻲ ﻣﺻــﺎﺑﻬم‪ ،‬وﺗﻬﻧﺋــﺗﻬم ﻓﯾﻣــﺎ ﻟــم ﯾﻛــن ﻣ ـن‬ ‫ا)‪(٢‬‬

‫وﻣـن ذﻟـك‬

‫ﺧﺻوﺻــﯾﺎت دﯾــﻧﻬم ﻣــن ﻣﻧﺎﺳــﺑﺎت اﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ‪ٕ ،‬واﻗﺎﻣــﺔ اﻟﻌﻼﻗــﺎت اﻟﺳﯾﺎﺳــﯾﺔ واﻻﻗﺗﺻــﺎدﯾﺔ‬

‫واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪ ،‬وﺗﺑﺎدل اﻟﺧﺑرات ﻓﻲ ﻣﺧﺗﻠف ﻣﻧﺎﺣﻲ اﻟﺣﯾﺎة‪ ،‬وﻏﯾرﻩ)‪.(٣‬‬

‫وﻣن ﺻور اﻟﺑر واﻟﻘﺳط وﻗوع اﻟﺗﻌﺎون اﻟﻣﺛﻣر واﻟﻌﺎدل ﻣﻌﻬـم ﻓـﻲ ﻛـل ﻣـﺎ ﯾﻣﺛـل ﻣﺻـﻠﺣﺔ‬ ‫ﻣﺷــﺗرﻛﺔ ﻟﻠﻔ ـرﯾﻘﯾن‪ ،‬وﻗــد رأﯾﻧــﺎ ﺣــدﯾث اﻟﻧﺑــﻲ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳــﻠم ﻋــن ﺣﻠــف اﻟﻔﺿــول‬ ‫وﻛــﺎن ذﻟــك ﻓــﻲ اﻟﺟﺎﻫﻠﯾــﺔ‪ ،‬ﺣﯾــث اﺟﺗﻣــﻊ رؤﺳــﺎء ﻗ ـرﯾش وزﻋﻣﺎؤﻫــﺎ وﺗﻌﺎﻫــدوا ﻓﯾﻣــﺎ ﺑﯾــﻧﻬم‬ ‫ﻋﻠﻰ‪ :‬ﻣﺳﺎﻋدة اﻟﺿﻌﯾف‪ٕ ،‬واﻏﺎﺛﺔ اﻟﻣﻠﻬوف‪ ،‬وﻣﺳﺎﻋدة اﻟﻣﺣﺗﺎج‪ ،‬وﻟﻘد ﺣﺿـرﻩ رﺳـول اﷲ‬ ‫ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﯾوﻣﺋـذ وﻗـﺎل ﻓـﻲ اﻹﺳـﻼم ﺑﻌـد ذﻟـك‪" :‬ﻟﻘـد ﺷـﻬدت ﻓـﻲ دار ﻋﺑـد اﷲ‬

‫أن ﻟﻲ ﺑﻪ ُﺣﻣر اﻟﱢﻧﻌم‪ ،‬وﻟو أُدﻋﻰ ﺑﻪ ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ﻷﺟﺑت")‪.(٤‬‬ ‫ﺑن ُﺟدﻋﺎن ِﺣﻠﻔﺎً ﻣﺎ ّ‬ ‫أﺣب ّ‬

‫وﻗد ﺗﻧﺷﺄ ﺑﻌض اﻟوﺷﺎﺋﺞ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ ﻣﻊ ﻓرﯾق ﻣن ﻏﯾر اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻻﻋﺗﺑﺎرات‬ ‫اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻛﻘراﺑﺔ أو ﻣﺻﺎﻫرة أو ﻣﺻﻠﺣﯾﺔ ﻛﺗﺟﺎرة وﺗﺑﺎدل ﻣﻧﺎﻓﻊ وﻧﺣوﻫﺎ وﻫﻲ ﻻ ﺗزال‬ ‫ﻓﻲ إطﺎر اﻟﻌﻔو‪ ،‬ﻣﺎ ﻟم ﺗﺣﻣل ﻋﻠﻰ إﺑطﺎل ﺣق أو إﺣﻘﺎق ﺑﺎطل أو إﺳﻘﺎط واﺟب أو‬ ‫)‪ (١‬ﺳورة اﻟﻣﻣﺗﺣﻧﺔ اﻵﯾﺔ )‪.(٨‬‬ ‫)‪ (٢‬ﺳورة اﻟﻧﺳﺎء‪ ،‬اﻵﯾﺔ )‪(٩٠‬‬ ‫)‪(٣‬اﻟدﻛﺗور ﯾوﺳف اﻟﻘرﺿﺎوي‪" ،‬ﻏﯾر اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲ"‪ ،‬طﺑﻌﺔ ﺑﯾروت ‪٢٠٠٦‬م ص‪.٢٠٤‬‬ ‫)‪ (٤‬ﻣﺻدر ﺳﺎﺑق‪ ،‬ﺳﯾرة ﺑن ﻫﺷﺎم‪.‬‬

‫‪- ١٧٩ -‬‬


‫ﻓﻌل ﻣﺣرم أو ﺗزﯾن ﻣظﺎﻫرﺗﻬم ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‪ ،‬وﻛل ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﻘرآن ﻣن اﻟﻧﻬﻲ ﻋن‬ ‫ﻣوادة اﻟﻘوم إﻧﻣﺎ ﯾﻧﺻرف إﻟﻰ اﻟﻣﺣﺎرﺑﯾن ﻣﻧﻬم‪ ،‬وﻗد أﺟﺎز اﻹﺳﻼم اﻟزواج ﺑﺎﻟﻣﺣﺻﻧﺎت‬ ‫ﻣن اﻟذﯾن أوﺗوا اﻟﻛﺗﺎب‪ ،‬واﻟﻣﺻﺎﻫرة ﺗﻧﺷﺊ ﻣن اﻟوﺷﺎﺋﺞ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ ﻣﺎ ﻻ ُﯾﺟﺣد‪ ،‬وﻟﻛن ﻫذﻩ‬ ‫اﻟوﺷﺎﺋﺞ ﻟﯾﺳت ﻣن ﺟﻧس اﻟﺣب ﻓﻲ اﷲ اﻟذي ﺟﻌﻠﻪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ وﻗﻔﺎً ﻋﻠﻰ ﺟﻣﺎﻋﺔ‬ ‫اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‪ ،‬ﻓﺎﻟﻣﺳﻠم أخ اﻟﻣﺳﻠم‪ ،‬وﻟو ﻟم ﯾﻠﻘﻪ ﻓﻲ ﺣﯾﺎﺗﻪ‪ ،‬وﻟو ﻟم ﯾدﺧل ﻣﻌﻪ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ‬

‫ﻗط‪ ،‬وﻣﺣﺑﺗﻪ ﷲ ﻓﻲ اﷲ ﻻ ﺗزﯾﻠﻬﺎ اﻟﺧﻼﻓﺎت اﻟطﺎرﺋﺔ وﻻ اﻻﺧﺗﻧﺎﻗﺎت اﻟﻌﺎﺑرة‪ ،‬ﻓﻬﻲ راﺑطﺔ‬ ‫وﺛق اﷲ ﻋراﻫﺎ ﺑﯾدﻩ ﻓﻼ ﯾﺣل ﻷﺣد أن ﯾﻔﺻﻣﻬﺎ ﻛﺎﺋﻧﺎ ﻣن ﻛﺎن‪ ،‬أﻣﺎ ﻣﺣﺑﺔ ﻏﯾر اﻟﻣﺳﻠم‬ ‫ﻓﻬو اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺷﺋﻬﺎ ﻣﺛل ﻫذﻩ اﻻﻋﺗﺑﺎرات‪ ،‬ﺗوﺟد ﺑوﺟودﻫﺎ وﺗﻧﻬﻲ ﺑﺎﻧﺗﻬﺎﺋﻬﺎ)‪.(١‬‬ ‫‪ ‬ﺗﻌظﯾم ﻋﻘود اﻷﻣﺎن واﻟوﻓﺎء ﺑﻣﻘﺗﺿﯾﺎﺗﻪ‬ ‫ﻏﯾ ــر اﻟﻣﺳ ــﻠﻣﯾن ﯾ ــﺄﻣﻧون ﻋﻠ ــﻰ ﺣﯾ ــﺎﺗﻬم وﻣ ــﺎ ﯾﻣﻠﻛ ــون ﻓ ــﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣ ــﻊ اﻟﻣﺳ ــﻠم وﻣ ــن ﻣﻌ ــﺎﻟم‬ ‫اﻟﻌﻼﻗــﺔ ﻣــﻊ اﻟﻐــرب ﺧﺎﺻــﺔ أو ﻣــﻊ ﻏﯾــر اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن ﺑﺻــﻔﺔ ﻋﺎﻣــﺔ ﺗﻌظــﯾم ﻣــﺎ ﯾﻌﻘــد ﻣﻌﻬــم‬ ‫ﻣــن ﻋﻘــود اﻷﻣــﺎن واﻟﺗــﻲ ﺗﻣﺛﻠﻬــﺎ اﻟﻣﻌﺎﻫــدات واﻻﺗﻔﺎﻗــﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻـرة ﻋﻠــﻰ ﻣﺳــﺗوى‬ ‫اﻟدول‪ ،‬أو ﺗﺄﺷﯾرات اﻟدﺧول واﻻﺳﺗﻘدام ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻷﻓراد واﻷﻣـﺎن ﻋﻬـد ﺑﺎﻟﺳـﻼﻣﺔ ﻣـن‬ ‫اﻷذى‪ ،‬وﯾﻌرﻓــﻪ اﻟﻔﻘﻬــﺎء ﺑﺄﻧــﻪ ﻋﻘــد ﺑــﯾن اﻟﻣﺳــﻠم وﻏﯾــر اﻟﻣﺳــﻠم ﻋﻠـﻰ اﻟﺣﺻــﺎﻧﺔ ﻣــن ﻟﺣــوق‬ ‫اﻟﺿرر ﻣن ﻛل ﻣﻧﻬﻣﺎ ﻟﻶﺧر‪ ،‬ﺳواء ﻣﻧﻪ أو ﻣﻣـن وراءﻩ‪ ،‬إﻻ ﺑﺣﻘـﻪ‪ ،‬وﻣﺛﻠـﻪ اﻟﺟـوار‪ ،‬وﻗـد‬ ‫ذﻛــر اﻟﺑﺧــﺎري ﻓــﻲ ﺻــﺣﯾﺣﻪ ﻓﻘــﺎل‪) :‬ﺑــﺎب أﻣــﺎن اﻟﻧﺳــﺎء وﺟ ـوارﻫن( ﻓــﺈذا أﻋط ـوا اﻷﻣــﺎن‬ ‫ﻷﻫل اﻟﺣرب ُﺣرم ﻗﺗﻠﻬم واﻹﺿرار ﺑﻣﺎﻟﻬم أو اﻟﺗﻌرض ﻟﻬم‪.‬‬ ‫وﻧﺣن ﻟدﯾﻧﺎ ﻓﻲ ﻋﻘود اﻷﻣﺎن ﺛﻼﺛﺔ أﻗﺳﺎم ﻫﻲ ‪ :‬اﻷﻣﺎن‪ ،‬واﻟﻬدﻧﺔ‪ ،‬واﻟذﻣﺔ‪.‬‬ ‫ ﻓﺈن ﺗﻌﻠق اﻷﻣﺎن ﺑﻌدد ﻣﺣﺻور ﻓذﻟك اﻷﻣﺎن‪.‬‬‫ ٕوان ﻛﺎن إﻟﻰ ﻏﺎﯾﺔ ﻓﺗﻠك ﻫدﻧﺔ‪.‬‬‫ ٕوان ﻛﺎن ﻣؤﺑدا ﻓﻬذﻩ ﻫﻲ اﻟذﻣﺔ‪.‬‬‫واﻟﻬدﻧــﺔ واﻟذﻣــﺔ ﻣــن أﻋﻣــﺎل اﻟﺳــﯾﺎدة اﻟﺗــﻲ ﺗﻔــوض إﻟــﻰ اﻟﺳــﻠطﺔ اﻟﻌﺎﻣــﺔ‪ ،‬ﺑﺧــﻼف اﻷﻣــﺎن‬ ‫ﻓﺈﻧﻪ ﺣق ﻟﻬذﻩ اﻟﺳﻠطﺔ وﻟﻛل ﻣﺳﻠم ﺑﺎﻟﻎ ﻋﺎﻗل‪.‬‬ ‫)‪ (١‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق )دﻛﺗور اﻟﻘرﺿﺎوي( ص‪.٩٠‬‬

‫‪- ١٨٠ -‬‬


‫‪ ‬اﻟﻣﺣﺎﻓظﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺣرﻣﺎت ﺧﺎرج دﯾﺎر اﻹﺳﻼم‬ ‫ﻣن ﺳﻣﺎت اﻟﻣﺳﻠم ﻓﻲ ﺗﻌﺎﻣﻠﻪ ﻣﻊ ﻏﯾر اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺗواﺟدﻩ ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت‬ ‫اﻟﻐﯾر ﻣﺳﻠﻣﺔ أو اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﺑﻣﻔﻬوﻣﻧﺎ اﻟﺣدﯾث ﺑذل ﺣﻘوﻗﻬم ﻓﻲ اﻟدﻋوة إﻟﻰ‬ ‫اﷲ ﻋز وﺟل‪ ،‬وﺗﺄﻟف ﻗﻠوﺑﻬم ﻟﻺﺳﻼم ﺧﺎﺻﺔ ﻣﻣن ﯾﻘﯾم ﺑﯾن أظﻬرﻫم ﻣن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‪،‬‬ ‫ﻓﺈن ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﻠم اﻟﻣﻐﺗرب ﺧﺎرج دﯾﺎر اﻹﺳﻼم رﺳﺎﻟﺔ ﺳﺎﻣﯾﺔ ﺗﺗﻣﺛل ﻓﻲ ﺣﻔظ اﻹﺳﻼم‬ ‫ﻋﻠﻰ أﻫﻠﻪ ودﻋوة ﻏﯾر اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻟﻺﺳﻼم‪ ،‬وأول ذﻟك أن ُﯾﺣﺎﻓظ اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻋﻠﻰ‬

‫ﻫوﯾﺗﻬم ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت ﺑﺎﺟﺗﻣﺎﻋﻬم ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم وﺗﺣﺎﻛﻣﻬم إﻟﻰ اﻟﺷرﯾﻌﺔ‪ٕ ،‬واﻗﺎﻣﺔ‬ ‫ﻣﺎ ﯾﺗﺳﻧﻰ ﻟﻬم إﻗﺎﻣﺗﻪ ﻣن ﻣﻌﺎﻟم اﻟدﯾن وأن ﻻ ﯾﺳﺗﺑﯾﺣوا ﺷﯾﺋﺎ ﻣن اﻟﻣﺣرﻣﺎت ﺑﺣﺟﺔ‬ ‫اﻹﻗﺎﻣﺔ ﺧﺎرج دﯾﺎر اﻹﺳﻼم‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻣﺳﻠم ُﻣطﺎﻟب ﺑﺗﻘوى اﷲ ﺣﯾﺛﻣﺎ ﻛﺎن‪ ،‬واﻟدﻋوة ﺑﻠﺳﺎن‬ ‫اﻟﺣﺎل أﺑﻠﻎ ﻣن اﻟدﻋوة ﺑﻠﺳﺎن اﻟﻣﻘﺎل‪ ،‬ﻓﺈن ﺣﺎل واﺣد ﻓﻲ أﻟف واﺣد أﺑﻠﻎ ﻣن ﻣﻘﺎﻟﺔ‬ ‫أﻟف واﺣد ﻓﻲ واﺣد‪ ،‬وﻧﺣن ﻧؤﻛد ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟﻣﻌﻠم ﻧظ اًر ﻟﻣﺎ ﺷﺎع ﻓﻲ ﺑﻌض أوﺳﺎط‬ ‫ﺑﻌض اﻟﺟﺎﻟﯾﺎت اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﻣﻘﯾﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻣن اﻟﺗرﺧص ﻓﻲ ﺑﻌض‬ ‫اﻟﻣﺣرﻣﺎت اﻟﻘطﻌﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺷرﯾﻌﺔ ﺑدﻋوى أن اﻟﻣﺳﻠم ﻟﯾس ﻣﻠﺗزﻣﺎً ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ أﺣﻛﺎم اﻹﺳﻼم‬ ‫اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ واﻟﻣﺎﻟﯾﺔ ﺧﺎرج دﯾﺎر اﻹﺳﻼم‪ٕ ،‬واﻧﻪ ُﯾﺑﺎح ﻓﻲ دار اﻟﺣرب ﻣن اﻟﻌﻘود اﻟﻔﺎﺳدة‬

‫ﻣﺎ ﻻ ُﯾﺑﺎح ﻣﺛﻠﻪ داﺧل دﯾﺎر اﻹﺳﻼم‪ ،‬وﻗد ﺗرﺗب ﻋﻠﻰ ذﻟك اﺳﺗﺑﺎﺣﺔ ﻛﺛﯾر ﻣن ﻫذﻩ‬ ‫اﻟﺣرﻣﺎت ﻣﻣﺎ ﯾوﺷك أن ﺗﻧﺗﻘض ﻣﻌﻪ ُﻋرى اﻹﺳﻼم ﻋروة ﺑﻌد ﻋروة ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻷوﺳﺎط‬

‫وﻓﻲ ذﻟك ﻣن اﻟﺧطورة ﻋﻠﻰ ﺣﺎﺿر اﻟدﻋوة وﻣﺳﺗﻘﺑﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣواﻗﻊ ﻣﺎ ﻓﯾﻪ‪ ،‬اﻷﻣر‬ ‫اﻟذي ﯾﻘﺗﺿﻲ ﺿرورة اﻟﺗﻧﺑﯾﻪ واﻟﻧﻛﯾر‪ ،‬إذ ﻻ ﺷﻲء ﯾﺣﻣل اﻟﻧﺎس ﻋﻠﻰ اﻹﺻﻐﺎء ﻟدﻋوة‬ ‫اﻟﺣق ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت ﻣﺛل أن ﯾﻛون اﻟدﻋﺎة إﻟﯾﻪ واﻟﻣﺗﺑﻌون ﻟﻪ ﻣﻣن ﯾﻘﯾﻣوﻧﻪ ﻓﻲ‬ ‫ﺣﯾﺎﺗﻬم‪ ،‬ﻓﯾﺣﻠون ﺣﻼﻟﻪ وﯾﺣرﻣون ﺣراﻣﻪ‪ ،‬وﻛﻣﺎ ﻗﺎل اﻟﻔﺎروق ُﻋﻣر ﺑن اﻟﺧطﺎب أدﻋوا‬ ‫إﻟﻰ اﷲ وأﻧﺗم ﺻﺎﻣﺗون ﻗﺎﻟوا ﻛﯾف ذﻟك ﯾﺎ أﻣﯾر اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ﻗﺎل أدﻋوا إﻟﻰ اﷲ ﺑﺄﻋﻣﺎﻟﻛم‪.‬‬

‫ﻓﺄﻗﯾﻣوا اﻹﺳﻼم ﻓﻲ ﻧﻔوﺳﻛم ﺗﻔﺗﺢ ﻟﻪ أﺳﻣﺎع اﻵﺧرﯾن وأﻓﺋدﺗﻬم‪ٕ ،‬وان ﻣن أﻓﺿل وﺳﺎﺋل‬

‫اﻟﺑﻼغ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ إﻗﺎﻣﺔ ﺟﺎﻟﯾﺔ ﻣﺳﻠﻣﺔ ﻗوﯾﺔ ﺗﺣل اﻟﺣﻼل وﺗُﺣرم اﻟﺣرام وﺗﻘف‬

‫ﺣﯾث أوﻗﻔﻬﺎ اﷲ ورﺳوﻟﻪ‪ ،‬وﺗﻘدم ﻟﻠﻧﺎس ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت ﺷﻬﺎدة اﻟواﻗﻊ ﺑﻌد ﺷﻬﺎدة‬ ‫اﻟﻧﺻوص واﻷدﻟﺔ أن اﻟﺣﯾﺎة ﻓﻲ رﺣﺎب اﻹﺳﻼم ﻧﻌﻣﺔ ﻻ ﺗﻌدﻟﻬﺎ ﻧﻌﻣﺔ‪ ،‬وأﻧﻬﺎ ﻣﻣﻛﻧﺔ‬ ‫‪- ١٨١ -‬‬


‫وﻟﯾﺳت ﺿرﺑﺎً ﻣن اﻟﺧﯾﺎل أو ﺿﻐﺛﺎً ﻣن اﻷﺣﻼم! وﻻ ﯾﺧﻔﻰ أن اﻧﺗﺷﺎر اﻹﺳﻼم ﻓﻲ‬ ‫ﻛﺛﯾر ﻣن ﺑﻘﺎع اﻟﻌﺎﻟم ﻛﺎن ﻣن ﺧﻼل اﻟﺗُﺟﺎر اﻟدﻋﺎة اﻟذﯾن ﺣﻣﻠوا أﺧﻼق اﻹﺳﻼم إﻟﻰ‬

‫ﻫذﻩ اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت ﻓﻔﺗﺣوا ﺑﻬﺎ ﻗﻠوﺑﻬم واﺳﺗﻧﺎرت ﺑﻬﺎ ﺑﺻﺎﺋرﻫم واﺳﺗﺟﺎﺑت ﻟدﻋوة اﻟﺣق‪.‬‬

‫ﻓﻬﻧﺎك دول ﺑﻛﺎﻣﻠﻬﺎ ﻻ ُﯾﻌرف ﻟﻬﺎ ﻓﺎﺗﺢ وﻟﻛﻧﻬﺎ ﻓُﺗﺣت ﺑﻔﺿل اﻟﺗُﺟﺎر اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺣﯾث‬

‫ﻛﺎﻧت ﻣﻌﺎﻣﻼﺗﻬم ﺗُﻣﺛل أﺧﻼق اﻹﺳﻼم؛ ﻓﺈﻗﺎﻣﺔ اﻹﺳﻼم ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﺑﻼد ﯾﺗﺧطﻰ ﻣﺟرد‬ ‫اﻻﻣﺗﻧﺎع ﻋن ﺷرب اﻟﺧﻣر أو أﻛل اﻟﻣﯾﺗﺔ واﻟدم وﻟﺣم اﻟﺧﻧزﯾر‪ ،‬وﻟﻛﻧﻪ ﯾذﻫب إﻟﻰ‬ ‫اﻟﺗﻌﺎﻣﻼت ﺑﺷﻛﻠﻬﺎ اﻟﻛﺎﻣل ﻣن ﺻدق وأﻣﺎﻧﺔ وﻋﻔﺔ وﻏﯾرﻫﺎ)‪.(١‬‬ ‫‪ ‬إﻋﻼن اﻟﻧﻛﯾر ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻌﺗدﯾن‬ ‫ﻋﻧدﻣﺎ ﻧﺳﺗﻌرض ﻣﺎ ﺳﺑق ﻣن ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟﻣﺳﺎﻟم ﻷﻫل اﻹﺳﻼم ﻣن ﻏﯾر اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﺈن‬ ‫ﻟﻠذﯾن ظﻠﻣوا ﻣﻧﻬم ﻣﻧﻬﺟﺎ آﺧر ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﯾﺑدأ ﻣن إﻋﻼن اﻟﻧﻛﯾر واﻻﺣﺗﺟﺎج ﺑﺎﻟﻛﻠﻣﺔ‬ ‫ٕواﻋﻼن اﻟﻌداوة واﻟﻣﻘﺎطﻌﺔ وﻧﺣوﻩ‪ ،‬وﯾﻧﺗﻬﻲ ﺑﺎﻟﻘﺗﺎل ﺑﺣﺳب ﻣدى ﺗﺣﻘق اﻟﻘدرة وﺗوﻗﻊ‬ ‫اﻟظﻔر وﻏﻠﺑﺔ اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ‪ ،‬وﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺣرب ﻻ ﯾﺟب أن ﯾﻧﺳﻰ اﻟﻣﺟﺎﻫدون أﻧﻬم ﻓﻲ‬

‫ﻣﻬﻣﺔ أﺧروﯾﺔ ﻓﺎﻟﻬدف ﻣن اﻟﺟﻬﺎد واﻟﺷﻬﺎدة ﻫﻲ ﻧوال رﺿﺎ اﷲ وﺑذﻟك ﯾﺟب أن ﯾﻛون‬ ‫اﻟﻘﺗﺎل ﻣﻧﺿﺑط ﺑﺿواﺑط اﻟﺷرع اﻟﺣﻛﯾم‪.‬‬ ‫ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ إن اﻟﺑﯾﺎن اﻟﺳﺎﺑق ﻛﺎن ﻻ ُﺑد ﻣﻧﻪ ﻟﺗوﺿﯾﺢ ﻛﯾف ﯾﺗﻌﺎﻣل اﻟﻣﺳﻠم ﻣﻊ ﻫذا‬ ‫اﻟﻌﺎﻟم اﻟذي ﯾﻣوج ﺑﺎﻟﻛﻔر ﻓﻲ ﻛل ﻣﻛﺎن‪ ،‬ﻫذا اﻟﺑﯾﺎن اﻟﺳﺎﺑق ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻣﺑﺣث ﯾوﺿﺢ أن‬ ‫اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻣﺳﻠم ﻋﻠﯾﻪ أن ﯾﺗﺟﻧب ﻛل ﻣﺎ ﻣن ﺷﺄﻧﻪ أن ﯾﺗﺻﺎدم ﻣﻊ اﻵﺧرﯾن ﻓﺎﻟﻣﺳﻠم‬ ‫ﯾﺄﻟف وﯾؤﻟف واﻟﻣﺳﻠم ُﻣﺑﺎرك أﯾﻧﻣﺎ ﺣل‪ .‬اﻟﻣﺳﻠم ﯾﻌﺗﻘد أن رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ‬ ‫وﺳﻠم ُﺑﻌث رﺣﻣﺔ وﻫﺎدﯾ ًﺎ وﻹﻧﻘﺎذ ﻫذﻩ اﻟﺑﺷرﯾﺔ ووﺿﻊ اﻷﻏﻼل اﻟﺗﻲ أدﻣت اﻷﯾدي‬ ‫واﻷﻋﻧﺎق ﻟﯾﺳﯾر اﻟﺳﺎﺋر ﻋﻠﻰ ﻫدى ﻓﻲ ﺗواﻓق ﻣﻊ ﻓطرة اﷲ وﺗﻠك اﻟﻘواﻧﯾن واﻟﻧواﻣﯾس‬ ‫اﻟﻛوﻧﯾﺔ‪ ،‬ﻫذا اﻟﻣﺳﻠم ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﺗرﺑﯾﺔ ٕواﻋداد وﻻ ﯾﻛون ذﻟك إﻻ ﻓﻲ ظل وﺟود‬

‫ﻣؤﺳﺳﺔ ﺗﺗواﺟد ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻣﺳﻠم ﺑﻛﺛﺎﻓﺔ وﯾدﺧﻠﻬﺎ اﻟﻣﺳﻠم ﻓﻲ ﻛل وﻗت ﺻﻼة ﯾﺗردد‬ ‫ﻋﻠﯾﻬﺎ أﺑﻧﺎء اﻟﺣﻲ اﻟواﺣد ﻓﻲ اﻟﯾوم ﺧﻣس ﻣرات وأﺑﻧﺎء اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﻛل ﯾوم ﺟﻣﻊ وأﺑﻧﺎء‬ ‫)‪ (١‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق )دﻛﺗور اﻟﻘرﺿﺎوي( ص‪.١٢٠‬‬

‫‪- ١٨٢ -‬‬


‫اﻟﻘرﯾﺔ أو اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻓﻲ ﺻﻼة اﻟﻌﯾد ﻫذﻩ اﻟﻣؤﺳﺳﺔ ﻫﻲ اﻟﻣﺳﺟد‪ .‬ﻓﺎﻟﻣﺳﺟد ﻫو ﻋﻣود ﻣن‬ ‫أﻋﻣدة اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻣﺳﻠم وﻟن ﺗﻘوم ﻟﻬذﻩ اﻷﻣﺔ ﻗﺎﺋﻣﺔ إﻻ ﺑﻌد أن ﯾﻌود ﻟﻠﻣﺳﺟد دورﻩ اﻟذي‬ ‫ُﺑﻧﻲ ﻣن أﺟﻠﻪ‪ .....‬ﻓﻣﺎ ﻫو ﻫذا اﻟدور؟‬ ‫)‪(١‬‬

‫اﻟﻣﺳﺟد ﻓﻲ اﻹﺳﻼم‬

‫ﻛﺎن أول ﻣﺎ ﻗﺎم ﺑﻪ اﻟﻧﺑﻲ اﻷﻋظم ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻋﻧد ﻫﺟرﺗﻪ ﻟﻠﻣدﯾﻧﺔ اﻟﻣﻧورة‬ ‫ﻫو ﺑﻧﺎء اﻟﻣﺳﺟد وﻣﺎ ﻛﺎن ذﻟك إﻻ ﻹﯾﻣﺎﻧﻪ وﻋﻠﻣﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺄﻫﻣﯾﺔ ﻫذﻩ‬ ‫اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟ ُﻛﺑرى ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ﻓﺎﻟﻣﺳﺟد أﻛﺑر ﻣن أن ﯾﻛون دار ﻋﺑﺎدة ﺗﻌﺎﻟﻰ اﻟﻣﺳﺟد‬

‫ﻋن ذﻟك ﻋﻠواً ﻛﺑﯾ ار اﻟﻣﺳﺟد ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟﻪ أﻫﻣﯾﺔ ُﻛﺑرى ﻟﯾس ﻛﻣؤﺳﺳﺔ‬

‫ﺗُﻘﺎم ﻓﯾﻬﺎ اﻟﺟﻣﺎﻋﺎت ﻓﻘط وﻟﻛن ﻟﻠﻣﺳﺟد دور ﻓﻲ ﺗﻧﻣﯾﺔ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ وﺗرﺷﯾدﻩ‪ ،‬اﻟﻣﺳﺟد‬ ‫ﻟﻪ دور ﻓﻲ ﺗﺷﻛﯾل اﻟﻔرد اﻟﻣﺳﻠم‪ ،‬ﺑل إن اﻟﻣﺳﺟد ﻣﯾدان ﺗﻌﻠﯾم وﺗطﺑﯾق ﻓﻲ ﻟﺣظﺔ‬

‫واﺣدة‪ .‬وﻗد ﯾﻛون ﻫﻧﺎك ﻣﻠﻣﺢ أﺧر ﻓﻣن اﻟﺛﺎﺑت ﻋن اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم‬ ‫ﻗوﻟﻪ أن اﻷرض ُﺟﻌﻠت ﻣﺳﺟداً وطﻬو ار وﻫذا ﯾؤﻛد أن أﺧﻼق اﻟﻣﺳﻠم ﯾﺟب أن‬

‫ﺗﻛون ﻓﻲ ﻛل اﻷرض ﻷن ﻛل اﻷرض ﻫﻲ ﻣﻛﺎن ﻋﺑﺎدﻩ ﻫﻲ ﻣﺳﺟد ﻣﻔﺗوح‪ ،‬أﻣﺎ‬ ‫اﻟﻣﺳﺟد ﻓﻬو اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟﻣﻌﻧﯾﺔ ﺑﺗﻌﻠﯾم اﻟﻧﺎس وﺗﺧرﯾﺟﻬم وﺗﻌﻠﯾﻣﻬم ﻛﯾف ﯾﺗﻌﺎﻣﻠوا‬ ‫ﺧﺎرج اﻟﻣﺳﺟد‪ ،‬ﺗﻌﻠﯾﻣﻬم ﻛﯾف ﯾﻧﺿﺑطوا ﻓﻲ اﻟﺻﻔوف‪ .....‬ﻛﯾف ﯾﺳﺗﻘﯾﻣوا‪ ...‬وﻛﯾف‬ ‫ﯾﺳدوا اﻟﻔرج ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة ﺑﺻﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ‪.‬‬ ‫اﻟﻣﺳــﺟد ﻫــو اﻟﻣﻛــﺎن اﻟــذي ﯾﺗﻔــق ﻓــﻲ ﺗﻘدﯾﺳــﻪ واﺣﺗ ارﻣــﻪ اﻟﺟﻣﯾــﻊ؛ ﻷﻧــﻪ اﻟﻣﻛــﺎن اﻟﻼﺋــق‬ ‫اﻟذي ﯾﺟب أن ﯾﻛـون ﻣوﺿـوع إﺟـﻼل ﻣـن اﻟﺟﻣﯾـﻊ‪ ،‬وﻋﻠـﻰ اﻟﻧﺗـﺎﺋﺞ اﻟﺣﺎﺻـﻠﺔ ﻣـن ﻫـذا‬ ‫اﻟﺗطﺑﯾ ــق ﯾ ــﻧﻌﻛس ﻓ ــﻲ ﻧﻔﺳ ــﯾﺔ اﻟﻣﺳ ــﻠم وﻋﻠ ــﻰ ﺳ ــﻠوﻛﻪ ﻣـ ـﺎ ﯾﻬ ــدف إﻟﯾ ــﻪ اﻟﻣﺳ ــﺟد ﺧ ــﺎرج‬ ‫ﺣــدودﻩ‪ ،‬وﻫــذا ﻣــﺎ ﺟﻌــل ﻣــن اﻟﻣﺳــﺟد ﻣﻛﺎﻧ ـﺎً ﻫﺎﻣ ـﺎً ﻟــﻪ أﺛ ـرﻩ اﻷﻛﺑــر ﻓــﻲ ﺑﻧــﺎء اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ‬ ‫اﻹﺳﻼﻣﻲ‪ .‬ﻓﺎﻟﻣﺳﺟد ﻟﯾس ﻣﻌﺑـد وﻟـﯾس ﻣﻛﺎﻧـﺎً ﻷداء اﻟﺻـﻼة ﻓﻘـط‪ ،‬وﻟﻛـن اﻟﻣﺳـﺟد ﻫـو‬ ‫اﻟﻣﺳﺋول ﻋـن ﺗﻧﻣﯾـﺔ اﻟﻣﺟﺗﻣـﻊ وﺣـل ﻣﺷـﺎﻛﻠﻪ ﻓﻣـن ﻫﻧـﺎ ﯾﺟـب أن ﺗُﻔـﺗﺢ أﺑـواب اﻟﻣﺳـﺎﺟد‬ ‫ﻟﻠﺻﻼة‪ ،‬وﻟﺗوﺟﯾﻪ اﻟﻣﺟﺗﻣـﻊ ﺗوﺟﯾﻬـﺎً إﺳـﻼﻣﯾﺎً ﺳـواء ﻣـن ﺧـﻼل اﻟﻣﻧﺑـر أو ﺣﻠﻘـﺎت اﻟﻌﻠـم‬

‫)‪ (١‬اﻧظر‪ :‬ﻓﺻول وﻣﺳﺎﺋل ﺗﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﻣﺳﺎﺟد‪ ،‬ﻟﻠدﻛﺗور اﻟﻌﻼﻣﺔ‪ ،‬ﻋﺑد اﷲ ﺑن ﻋﺑد اﻟرﺣﻣن اﻟﺟﺑرﯾن‪ ،‬ﻣطﺑﻌﺔ اﻟﻣدﯾﻧﺔ‬ ‫اﻟﻣﻧورة‪٢٠٠٦ ،‬م ص ‪٩‬‬

‫‪- ١٨٣ -‬‬


‫واﻟدرس أو ﻟﻣﻧﺎﻗﺷﺔ اﻷﺣداث اﻟﺗـﻲ ﺗﺟـري ﻓـﻲ ﻣﺣـﯾط اﻟﻣﺳـﺟد وأن ﯾطﻠـب اﻹﻣـﺎم ﻣـن‬ ‫اﻟﻧــﺎس اﻟﻣﺷــورة ﻓــﻲ ﻛﯾﻔﯾــﺔ ﺣــل ﻣــﺎ ﯾواﺟــﻪ ﻫــذا اﻟﻣﺣــﯾط ﻣــن ﻣﺷــﻛﻼت‪ .‬ﻓــﻲ اﻟﻣﺳــﺟد‬ ‫ﯾرﺗﻔـ ــﻊ ﻣﻧﺳـ ــوب اﻹﯾﻣـ ــﺎن ﻓـ ــﻲ ﻧﻔـ ــس اﻟﻣﺳـ ــﻠم ﻓﻬـ ــو اﻟﻣﻛـ ــﺎن اﻟـ ــذي رﺿـ ــﯾﻪ اﷲ وﻫﯾﺋـ ــﻪ‬ ‫ﻟﻼﺟﺗﻣﺎع واﻟﺗﻌﺎرف‪ ،‬وﺗﻘوﯾﺔ اﻟرواﺑط اﻷﺧوﯾـﺔ ﺑـﯾن اﻟﻣﺳـﻠﻣﯾن‪ ،‬ﻓﺎﻟﺻـﻼة وﺣـدﻫﺎ واﻟﺗـﻲ‬ ‫ﯾظــن اﻟــﺑﻌض أﻧﻬــﺎ ﻋﻼﻗــﺔ ﺑــﯾن اﻟﻌﺑــد ورﺑــﻪ‪ ،‬ﻫــﻲ ﻓــﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘــﺔ ﺷــﺣﻧﺔ روﺣﯾــﺔ ﻫﺎﺋﻠــﺔ‬ ‫ودرس أﺧﻼﻗــﻲ واﺟﺗﻣــﺎﻋﻲ وﻧﻔﺳــﻲ ﯾــدﻓﻊ اﻹﻧﺳــﺎن إﻟــﻰ اﻟطرﯾــق اﻷﻓﺿــل ﻓــﻲ ﺣﯾﺎﺗــﻪ‬ ‫وﻋﻼﻗﺎﺗ ــﻪ ﻣ ــﻊ اﻵﺧـ ـرﯾن ﺑﺳ ــﻠوك ﯾﺗﺳ ــﺎﻣﻰ وﯾﺗﻌ ــﺎﻟﻰ ﻷﻧ ــﻪ ﯾﺳ ــﺗﻣد ﺗوﺟﯾﻬ ــﻪ ﻣ ــن اﻟﺗرﺑﯾ ــﺔ‬ ‫اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ‪.‬‬ ‫وﻓﻘﺎً ﻟذﻟك ﻓﺧﻼل اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﺣﺎﻓل ﻧﺟد أن اﻟﻣﺳﺟد ﻗد ﻗﺎم ﺑﺄدوار ﺗرﺑوﯾﺔ‬ ‫ﻣﺗﻌددة ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﻋﺻر اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﺧﻠﻔﺎﺋﻪ‬ ‫اﻟراﺷدﯾن ﺑﺷﻛل واﺿﺢ وﻣؤﺛر أﻛﺛر ﻣن أي ﻋﺻر ﻣر ﺑﻌد ذﻟك‪ ،‬وﺳﻧﻌرض ﻟﻬذﻩ‬ ‫اﻧﺗﻬﺎء ﺑﺎﻟﺗرﺑﯾﺔ اﻹﻋﻼﻣﯾﺔ وﺑﯾﺎن أﺳﺑﺎب‬ ‫اﻷدوار اﻟﺗرﺑوﯾﺔ ﺑدءاً ﺑﺎﻟﺗرﺑﯾﺔ اﻹﯾﻣﺎﻧﯾﺔ و ً‬ ‫ﻧﺟﺎح اﻟﻣﺳﺟد ﻓﻲ أداء ﻫذﻩ اﻷدوار‪.‬‬ ‫‪ ‬اﻟﺗرﺑﯾﺔ اﻹﯾﻣﺎﻧﯾﺔ ﻟﻠﻣﺳﺟد)‪:(١‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ﱠِ‬ ‫ِ ﱠِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﺎم‬ ‫ﻟﻘد ﻗﺎل ﺗﺑﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ‪‬إﱠﻧ َﻣﺎ َﯾ ْﻌ ُﻣ ُر َﻣ َﺳﺎﺟ َد اﻟﻠﻪ َﻣ ْن َآ َﻣ َن ﺑﺎﻟﻠﻪ َواْﻟَﯾ ْوم ْاﻵَﺧ ِر َوأَﻗَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ك أَن ﯾ ُﻛ ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﱠ‬ ‫ﱠﻼةَ وَآﺗَﻰ ﱠ‬ ‫ﯾن‪.(٢)‬‬ ‫اﻟزَﻛﺎةَ َوﻟَ ْم َﯾ ْﺧ َ‬ ‫ش إِ ﱠﻻ اﻟﻠﻪَ ﻓَ َﻌ َﺳﻰ أُوﻟَﺋ َ ْ َ‬ ‫وﻧوا ﻣ َن اْﻟ ُﻣ ْﻬﺗَد َ‬ ‫اﻟﺻ َ َ‬

‫وﻋﻧدﻣﺎ ﻧﺗﺣدث ﻋن ﻋﻣﺎرة اﻟﻣﺳﺟد ﯾﺟب أن ﯾﻧﺻرف اﻟذﻫن إﻟﻰ اﻟﻣﻔﻬوم اﻷول اﻟذي‬

‫وﻋﯾﻪ اﻟرﺳول اﻟﻛرﯾم ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﺻﺣﺎﺑﺗﻪ ﻓﻌﻣﺎرة اﻟﻣﺳﺎﺟد أﻛﺑر ﻣن ﺗﺷﯾﯾد‬ ‫اﻟﺟدران وﺑﻧﺎء اﻟﻣﺂذن وﻟﻛن ﯾﺟب أن ﯾﻧﺻرف اﻟذﻫن إﻟﻰ ﻋﻣﺎرة اﻟﻣﺳﺎﺟد ﺑﺎﻟﻌﺑﺎدة‬ ‫واﻻﺟﺗﻣﺎع ﻓﯾﻬﺎ ﻟﻠﺟﻣﺎﻋﺔ‪ ،‬وﺑﻘراءة اﻟﻘرآن واﻟذﻛر‪ ،‬واﻻﻋﺗﻛﺎف وﺗﻌﻠﯾم اﻟﺗوﺣﯾد اﻟﺻﺣﯾﺢ‬ ‫ﻫذا ﻫو اﻟﻣﻌﻧﻰ اﻷﻫم ﻓﻲ اﻟﻌﻣﺎرة‪ .‬إن ﻣﻬﻣﺔ اﻟﻣﺳﺎﺟد ﻫﻲ ﻛﻣﺎ ﺑﯾن اﷲ ﺳﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ‬

‫)‪(١‬ﻋﺑد اﻟرﺣﻣن اﻟﻧﺣﻼوي )‪١٤٠٣‬ﻫـ( "أﺻول اﻟﺗرﺑﯾﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ وأﺳﺎﻟﯾﺑﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺑﯾت واﻟﻣدرﺳﺔ واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ" ط‪،٢‬‬ ‫دﻣﺷق‪ ،‬دار اﻟﻔﻛر ص‪.٢٠٣‬‬ ‫)‪ (٢‬ﺳورة اﻟﺗوﺑﺔ اﻵﯾﺔ رﻗم )‪.(١٨‬‬

‫‪- ١٨٤ -‬‬


‫ِ‬ ‫ﱠ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﱢﺢ ﻟَﻪُ ِﻓﯾﻬَﺎ ﺑِﺎْﻟ ُﻐ ُد ﱢو‬ ‫ﺑﻘوﻟﻪ ‪‬ﻓﻲ ُﺑ ُﯾوت أَذ َن اﻟﻠﻪُ أ ْ‬ ‫اﺳ ُﻣﻪُ ُﯾ َﺳﺑ ُ‬ ‫َن ﺗُْرﻓَ َﻊ َوُﯾ ْذ َﻛ َر ﻓﯾﻬَﺎ ْ‬ ‫و ْاﻵَﺻ ِ‬ ‫ﺎل‪.(١)‬‬ ‫َ َ‬ ‫وذﻛ ــر اﷲ ﻓﯾﻬــﺎ "ﻋــﺎم" ﯾﺷــﻣل اﻟﺻــﻼة ﻧﻔﺳــﻬﺎ واﻷذان وﻗ ـراءة اﻟﻘ ـرآن واﻟﺗﺳــﺑﯾﺢ واﻟ ــدﻋﺎء‬ ‫واﻟﺗﺿــرع إﻟــﻰ اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ ﺑــل وطﻠــب اﻟﻌﻠــم اﻟــذي ﻓــﻲ ﻛــل ﻣﻧﻔﻌــﺔ ﻟﻠﻣﺟﺗﻣــﻊ اﻟﻣﺳــﻠم؛ وﻟــذا‬ ‫ﺣث اﻹﺳﻼم ﻋﻠﻰ ارﺗﯾﺎد اﻟﻣﺳﺎﺟد وﺣﺿـور اﻟﺟﻣﺎﻋـﺔ ﻓﺟﻌـل ﻣﻣـن ﯾظﻠﻬـم اﷲ ﺑظﻠـﻪ ﯾـوم‬ ‫ﻻ ظــل إﻻ ظﻠــﻪ – ﻣــن ﻛــﺎن ﻗﻠﺑــﻪ ﻣﻌﻠــق ﺑﺎﻟﻣﺳــﺎﺟد أي‪ ،‬ﺑــﺎﻟﺗردد ﻋﻠﯾﻬــﺎ ٕواﻗﺎﻣــﺔ اﻟﺻــﻼة‬ ‫ﻓﯾﻬ ــﺎ وﻋﻣﺎرﺗﻬ ــﺎ‪ .‬وروى ﻣﺳ ــﻠم ﻗ ــول رﺳ ــول اﷲ ﺻ ــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾ ــﻪ وﺳ ــﻠم "ﻣ ــن ﻏـ ــدا إﻟ ــﻰ‬ ‫اﻟﻣﺳــﺟد أو راح أﻋــد اﷲ ﻟــﻪ ﻧــزﻻً ﻓــﻲ اﻟﺟﻧــﺔ ﻛﻠﻣــﺎ ﻏــدا أو راح"؛ ﻛــل ﻫــذا ﻟﻣــﺎ ﻓﯾــﻪ ﻣــن‬ ‫اﺗﺻــﺎل اﻟﻌﺑــد اﻟﻣــؤﻣن ﺑﺧﺎﻟﻘــﻪ ﺟــل وﻋــﻼ وﻟﻣــﺎ ﻓﯾــﻪ ﻣــن اﻟﻘــوة اﻟروﺣﯾــﺔ اﻟﺗــﻲ ﯾﻔﺗﻘــر إﻟﯾﻬــﺎ‬ ‫اﻹﻧﺳــﺎن‪ ،‬واﺳــﺗﻣرار اﻟﺻــﻼة ﻓــﻲ اﻟﻣﺳــﺟد إﻣــداد ﻟﻠﺟﻣﺎﻋــﺔ اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ ﺑــﺎﻟﻘوى اﻟﺗــﻲ ﻻﺑــد‬ ‫ﻣﻧﻬﺎ ﻹﺻﻼح اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ؛ وﻟﯾس أﺛر اﻟﺻﻠوات ﻣﻘﺻو اًر ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧب واﺣـد ﻓﻘـط ﺑـل ﻫﻧـﺎك‬ ‫ﻋــدة ﺟواﻧــب ﻣﻧﻬــﺎ اﻟﻧﻔﺳــﻲ‪ ،‬واﻟﺟﺳــﻣﻲ‪ ،‬واﻟﻌﻘﻠــﻲ؛ ﻓﻣﻧﺎﺟــﺎة اﻟﻌﺑــد ﺑــﻪ وﺗــذﷲ إﻟﯾــﻪ واﻋﺗ ارﻓــﻪ‬ ‫ﺑﺧطﺎﯾﺎﻩ وطﻠب اﻟﻌﻔو واﻟﻣﻐﻔرة وﺗرك اﻟدﻧﯾﺎ ﺟﺎﻧﺑﺎً ﻋﻧد اﻟدﺧول إﻟﻰ اﻟﻣﺳـﺟد أﻣـور ﺗـدﺧل‬ ‫إﻟﻰ اﻟﻧﻔس طﻣﺄﻧﯾﻧﺔ وراﺣﺔ ﺗﺧﺗل ﻓﯾﻬـﺎ وﺗرﯾﺣﻬـﺎ ﻣـن ﻋﻧـﺎء اﻟﺗﻔﻛﯾـر ﻓـﻲ اﻟﺧطﯾﺋـﺔ واﻟـذﻧب‪.‬‬ ‫وﻛﻣــﺎ ﻫــو ﻣﻌﻠــوم ﻻ ﺻــﻼة ﺑﻐﯾــر وﺿــوء واﻟوﺿــوء طﻬــور ﯾﺣــرص ﻋﻠﯾــﻪ اﻟﻣــؤﻣن ﻛﻠﻣــﺎ‬ ‫ارﺗــﺎد اﻟﻣﺳــﺟد‪ ،‬واﻟﺻــﻼة اﻟﺗــﻲ أﻣرﻧــﺎ اﷲ ﺑﻬــﺎ ﻟﯾﺳــت ﻣﺟــرد ﺣرﻛــﺎت ﻣﻌﯾﻧــﺔ ﻓــﻲ أوﻗــﺎت‬ ‫ﻣﻌﯾﻧﺔ وﻟﻛﻧﻬﺎ ﺧروج ﻣن اﻟدﻧﯾﺎ وﻣﺎ ﻓﯾﻬﺎ ﻟﺑﻌض ﻟﺣظﺎت ﯾﻘـف ﻓﯾﻬـﺎ اﻟﻣـؤﻣن ﺑﺟـوار أﺧﯾـﻪ‬ ‫اﻟﺳــﻧﺔ اﻟﻣطﻬ ـرة ﻣﻣﺗﻠﺋــﺔ ﺑﺎﻹﺷــﺎرات إﻟــﻰ‬ ‫اﻟﻣــؤﻣن ﻟﯾﻘــﯾم اﻟﺻــﻼة وﻟــﯾس ﻟﯾؤدﯾﻬــﺎ! واﻟﻘ ـرآن و ُ‬ ‫أﻫﻣﯾــﺔ إﻗﺎﻣــﺔ اﻟﺻــﻼة وﻟــﯾس ﺗﺄدﯾﺗﻬــﺎ‪ ،‬وﻟﻛﻧــﻪ ﯾــﺄﻣر ﺑﺈﻗﺎﻣﺗﻬــﺎ وﺗﻌﺑﯾــر اﻹﻗﺎﻣــﺔ ﻟــﻪ ﻣــدﻟول‬ ‫ﻛﺑﯾر‪ ،‬ﻓﯾﻪ ﺣﺿور اﻟﻘﻠب ٕواﻋﻣـﺎل اﻟﻔﻛـر وﺻـﻔﺎء اﻟـروح وﺧﺷـوع اﻟﺟـوارح وطﻬـﺎرة اﻟـﻧﻔس‬

‫واﻟﺑدن‪ ،‬وﻫو اﻟﺟو اﻟذي ُﯾﺗﯾﺢ ﻟﻠﻘرآن أن ﯾﺻل إﻟﻰ ﻏﺎﯾﺗـﻪ‪ ،‬ﻓﯾﺗﺳـﺎﻣﻰ ﺑـﺎﻟﻧﻔس ﻓـوق دواﻓـﻊ‬ ‫اﻟﺟﺳــد‪ ،‬وﯾﺣررﻫــﺎ ﻣــن أﺳ ـرار ﺷــﻬواﺗﻬﺎ وﯾطﻬرﻫــﺎ ﻣــن اﻹﺛــم واﻟﻌــدوان‪ ،‬وﯾﺳــد ﻓﯾﻬــﺎ ﻣﻧﺎﻓــذ‬ ‫اﻟﺷﯾطﺎن وﯾﻛﯾف ﺳﻠﻛوﻫﺎ وﯾطﺑﻌﻪ ﺑطﺎﺑﻊ اﻟﻘرآن اﻟﻌظﯾم‪.‬‬

‫)‪ (١‬ﺳورة اﻟﻧور اﻵﯾﺔ )‪(٣٦‬‬

‫‪- ١٨٥ -‬‬


‫ﻻ ﺷك أن ﻓﻲ ﺗﻼﻗﻲ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ ﺷﺗﻰ ﺑﻘﺎع اﻷرض واﻟﺗﻔﺎﻓﻬم ﺣـول ﻣﺣـور واﺣـد ﻟﻬـو‬ ‫ﻣﻘﺻد ﻋظﯾم ﻣن ﻣﻘﺎﺻد اﻟﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ووﺣدة اﻟﻌﻘﯾدة واﻟﻛﻠﻣـﺔ وﻣـن ﺧـﻼل اﻟﺗـوارد‬ ‫ﻋﻠــﻰ اﻟﺻــﻠوات اﻟﻣﻛﺗوﺑــﺔ ﺟﻣﺎﻋــﺔ ﻓــﻲ اﻟﻣﺳــﺟد ﺗﺗرﺳــﺦ اﻟﻌﻘﯾ ــدة اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ ﻓ ــﻲ اﻟﻘﻠــوب‬ ‫وﺗﺗﻌﻣـ ــق روح اﻟﺗﻌـ ــﺎون وﺗﻘـ ــوى ُﻋ ـ ـرى اﻟﺗﻛﺎﻓـ ــل ﻓـ ــﻲ ﺣﯾـ ــﺎة اﻟﻣﺳـ ــﻠﻣﯾن‪ ،‬وﺗﻧﺑﺛـ ــق اﻷﺧـ ــﻼق‬ ‫اﻟﻛرﯾﻣﺔ وﺗﻧﺗﺷر‪ ،‬ﺑل وﺗﺗزاﯾد ﻓﻲ ظل اﻹﺧﺎء واﻟﺗﺳﺎﻣﺢ واﻟﺗﺳﺎوي اﻟـذي ﯾظﻬـر ﻓـﻲ أرﻛـﺎن‬ ‫اﻟﺻــﻼة أﻧــﻪ ﻻ ﻋﻧﺻـرﯾﺔ وﻻ طﺑﻘﯾــﺔ ﻓــﻲ اﻹﺳــﻼم ﺑــل اﻟﺟﻣﯾــﻊ ﺳواﺳــﯾﺔ ﻋﻧــد اﷲ ﻻ ﺗﻔرﯾــق‬

‫ﺑﯾــﻧﻬم إﻻ ﺑــﺎﻟﺗﻘوى وﻫــذا ﯾــؤدي ﻟﺗﺣﻘﯾــق اﻟﻣﺑــدأ اﻹﺳــﻼﻣﻲ اﻟﻌظــﯾم ‪‬إِ ﱠن أَ ْﻛـ َـرَﻣ ُﻛ ْم ِﻋ ْﻧـ َـد اﻟﻠﱠـ ِـﻪ‬ ‫ﱠ ِ‬ ‫ﯾر‪.(١)‬‬ ‫ﯾم َﺧﺑِ ٌ‬ ‫أَﺗْﻘَﺎ ُﻛ ْم إِ ﱠن اﻟﻠﻪَ َﻋﻠ ٌ‬ ‫اﻟدور اﻟﺗﻌﻠﯾﻣﻲ‪:‬‬ ‫ﻛــﺎن اﻟﻣﺳــﺟد أﻋظــم ﻣﻌﺎﻫــد اﻟﻌﻠﻣﯾــﺔ اﻟﺗــﻲ ﻓﯾﻬــﺎ ﺗُــدرس ﻛــل ﻋﻠــوم اﻟﻘـرآن واﻟﺣــدﯾث واﻟﻔﻘــﻪ‬ ‫واﻟﻠﻐــﺔ وﻏﯾرﻫــﺎ ﻣــن اﻟﻌﻠــوم‪ ،‬وأﺻــﺑﺢ ﻛﺛﯾــر ﻣــن اﻟﻣﺳــﺎﺟد ﻣ ارﻛــز ﻫﺎﻣــﺔ ﻟﻠﺣرﻛــﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾــﺔ‪،‬‬ ‫واﻧﺻــرف ﺑﻌــض ﻓﻘ ـراء اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن ﻟطﻠــب اﻟﻌﻠــم ﻓــﻲ اﻟﻣﺳــﺟد اﻟﻧﺑــوي؛ وﻟﻘــد ﻛــﺎن اﻟرﺳــول‬ ‫ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳـﻠم ﯾﺟﻠـس ﻓـﻲ اﻟﻣﺳـﺟد اﻟﻧﺑـوي ﺑﺎﻟﻣدﯾﻧـﺔ ﻟﺗﻌﻠـﯾم اﻟﻣﺳـﻠﻣﯾن أﻣـور دﯾـﻧﻬم‬ ‫وﺗﺑﺻــﯾرﻫم ﻋﺎﻗﺑــﺔ أﻣــرﻫم ﺣﺗــﻰ ﻛــﺎن ﻣﺟﻠﺳــﻪ ﺗﻧﺎﻓﺳ ـﺎً ﺑــﯾن اﻟﺻــﺣﺎﺑﺔ رﺿ ـوان اﷲ ﻋﻠــﯾﻬم‪،‬‬ ‫ﻛﻠﻬــم ﯾﺑﻐــﻲ اﻟﺳــﺑق إﻟــﻰ ﺣﺿــور ﻫــذا اﻟﻣﺟﻠــس اﻟﻌﻠﻣــﻲ واﻟظﻔــر ﺑﺎﻹﻧﺻــﺎت إﻟــﻰ اﻟــدروس‬ ‫اﻟﻧﺑوﯾﺔ‪ ،‬وﻛﺎن ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم إذا ﺻﻠﻰ اﻟﺻـﺑﺢ اﻧﺻـرف إﻟـﻰ ﻣوﺿـﻊ اﻷﺳـطواﻧﺔ‬ ‫اﻟﻣﺳــﻣﺎة اﻟﯾــوم أﺳــطواﻧﺔ اﻟﺗوﺑــﺔ إﺷــﺎرة إﻟــﻰ ﺗوﺑــﺔ أﺑــﻲ ﻟُﺑﺎﺑــﺔ ﺣﯾــث ﯾﺗﺣﻠــق ﺣوﻟــﻪ أﺻــﺣﺎﺑﻪ‬ ‫ﺣﻠﻘﺎً ﺑﻌﺿﻬﺎ دون ﺑﻌض وﻛﺎن ﯾﺣدﺛﻬم إﻟﻰ طﻠوع اﻟﺷـﻣس‪ .‬وﻛـﺎن ﻣـن اﻟطﺑﯾﻌـﻲ ﺑﺎﻟﻧﺳـﺑﺔ‬ ‫ﻟﺗطــور ﻣﻔﻬــوم اﻟﻌﻠــم ﻓــﻲ اﻹﺳــﻼم أن ﺗﻧﺷــﺄ اﻟﺑــذرة اﻷوﻟــﻰ دﯾﻧﯾــﺔ ﻣﺣﺿــﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻧــﺎس ﺑﺣﺎﺟــﺔ‬ ‫إﻟﻰ ﺗﻔﻬم اﻟدﯾن اﻟﺟدﯾد وﻣﻌرﻓﺔ ﻗواﻋدﻩ وأﺻوﻟﻪ‪ ،‬وﻓﻬم أﻫداﻓﻪ وﻣراﻣﯾﻪ‪ ،‬وﻣن ﺛم ﻓﺎﻟﻣﻛـﺎن‬ ‫اﻟﻣﻧﺎﺳب ﻟـذﻟك ﻫـو اﻟﻣﺳـﺟد‪ .‬ﻓﻛـﺎن اﻟﻣﺳـﺟد أول ﻣدرﺳـﺔ ﺟﻣﺎﻋﯾـﺔ ُﻣﻧظﻣـﺔ ﻋرﻓﻬـﺎ اﻟﻌـرب‬

‫ﻟﺗﻌﻠﯾم اﻟﻛﺑﺎر واﻟﺻﻐﺎر وﻟﺗرﺑﯾﺔ اﻟرﺟﺎل واﻟﻧﺳﺎء‪.‬‬

‫)‪ (١‬اﻟﺣﺟرات آﯾﺔ رﻗم )‪.(١٣١‬‬

‫‪- ١٨٦ -‬‬


‫ﻣــن ﺧــﻼل ﻫــذﻩ اﻟرؤﯾــﺔ ﻧــرى أن اﻟﻣﺳــﺟد ﻟــم ﯾﻛــن ﻟﻠﺻــﻼة ﻓﻘــط ﺑــل ﻛﺎﻧ ـت اﻟﺻــﻼة ﻫــﻲ‬ ‫ﺑﻌــض ﻣــﺎ ُﯾﻘدﻣــﻪ اﻟﻣﺳــﺟد ﻟﻠﻣﺟﺗﻣــﻊ اﻟﻣﺳــﻠم ﻓﻛــﺎن أﯾﺿ ـﺎً ﻣﻛﺎﻧ ـﺎً ﻟﻠﺗﻌﻠــﯾم وﻣدارﺳــﺔ اﻟﻘ ـرآن‬ ‫اﻟﻛ ـرﯾم وﺗﻔﻬــم ﻣﻌﺎﻧﯾــﻪ ﻋﻠــﻰ ﯾــدي رﺳــول اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ اﻟﺳــﻼم وأﺻــﺣﺎﺑﻪ اﻟــذﯾن ﺗﻌﻬــدوا ﻫــذا‬ ‫اﻟﻌﻣـل اﻟﻧﺑﯾــل ﻣــن ﺑﻌـدﻩ وﺣرﺻـوا ﻋﻠــﻰ اﺳـﺗﻣرار رﺳــﺎﻟﺔ اﻟﻣﺳــﺟد اﻟﻌﻠﻣﯾـﺔ اﺑﺗﻐــﺎء وﺟــﻪ اﷲ‬ ‫اﻗﺗداء ﻟﺳﻧﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم‪.‬‬ ‫و ً‬ ‫وﻣــن اﻟﺛﺎﺑــت أن أﻫــل اﻟﻌﻠــم ﻓــﻲ اﻟﻘــرون اﻷوﻟــﻰ ﻟــم ﯾﺗﻘﺎﺿـوا رواﺗــب ﻣــن اﻟﺣﻛوﻣــﺎت ﻓﯾﻣــﺎ‬ ‫ﻋدا ﻣﺎ ﻧﺳﻣﻊ ﻋﻧﻪ ﻣن اﻟﺟواﺋز واﻟﺻﻼت ﺑﯾن اﻟﺣﯾن واﻟﺣﯾن‪ ،‬وﻫذﻩ ﻟﯾﺳـت رواﺗـب‪ ،‬وﻗـد‬ ‫اﻋﺗﻣ ــد اﻟﻌﻠﻣ ــﺎء ﻋﻠ ــﻰ أﻧﻔﺳ ــﻬم وﻋﻠ ــﻰ اﻟﺟﻣﺎﻋ ــﺔ ﻓ ــﻲ ﺷ ــﺋون ﻣﻌﺎﺷ ــﻬم وﻻ ﺷ ــك ﻓ ــﻲ أن‬ ‫اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ ﺗﻛﻔﻠت ﺑﻣﻌﺎش اﻟﻣﻌﻠﻣﯾن‪ .‬ﻓﻛﺎن اﻟﻣﺳﺟد ﻫو اﻟﻣدرﺳﺔ اﻷوﻟـﻰ واﻟﺟﺎﻣﻌـﺔ اﻷوﻟـﻰ‬ ‫اﻟﺗﻲ ﻓﺗﺣت أﺑواﺑﻬﺎ ﻟﺟﻣﯾﻊ أﻓراد اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻓﻲ اﻟﻠﯾل واﻟﻧﻬﺎر ﻓﻲ اﻟﺻﯾف واﻟﺷﺗﺎء‪ ،‬وﻻ ﺗرد‬ ‫طﺎﻟﺑ ـﺎً ﺷــﯾﺧﺎً ﻛــﺎن أو ﺻــﺑﯾﺎً‪ ،‬وﻻ ﺗﺷــﺗرط رﺳــوﻣﺎً وﻻ ﺗﺄﻣﯾﻧ ـﺎً‪ ،‬وﻻ ﺗﺿــﻊ ﻗﯾــوداً وﻻ ﻋراﻗﯾــل؛‬ ‫وﻟم ﺗﻛن ﻣدرﺳﺔ اﻟﻣﺳﺟد ﻗﺎﺻرة ﻋﻠﻰ ﺗﻌﻠﯾم اﻟﻔﻘﻪ وﺗﻔﺳـﯾر اﻟﻘـرآن اﻟﻛـرﯾم ورواﯾـﺔ أﺣﺎدﯾـث‬ ‫اﻟرﺳــول ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳــﻠم وﺷــرﺣﻬﺎ وﺗـدارس ﺑﻌــض اﻟﻌﻠــوم اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ‪ ،‬ﺑــل ﺗطــورت‬ ‫اﻟﻣﺳﺎﺟد ﻣـﻊ ﺗطـور اﻷزﻣـﺎن وﻓﻘـﺎً ﻟﺣﺎﺟـﺎت اﻟﻣﺟﺗﻣـﻊ ﻓﺄﺻـﺑﺣت اﻟﻣﺳـﺎﺟد ﻣﻛـﺎن ﻟﺗـدرﯾس‬ ‫ﻛﺎﻓﺔ اﻟﻌﻠوم اﻷﺧرى ﻣﺛل اﻟﻛﯾﻣﯾﺎء واﻟﻔﯾزﯾـﺎء واﻟﻬﻧدﺳـﺔ واﻟﻔﻠـك واﻟطـب وﻏﯾرﻫـﺎ ﻣـن اﻟﻌﻠـوم‬ ‫اﻟﺗﻲ ﺗُدرس ﻓﻲ اﻟﺟﺎﻣﻌﺎت اﻟﺣدﯾﺛﺔ اﻵن‪.‬‬ ‫اﻟﺗرﺑﯾﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻟﻠﻔرد اﻟﻣﺳﻠم‬ ‫ﻋﻧــدﻣﺎ ﻧﺗﺣــدث ﻋــن اﻟﻔــرد اﻟﻣﺳــﻠم واﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ اﻟﻣﺳــﻠم ﻓــﻧﺣن ﻧﺗﺣــدث ﻋــن ﻣﺟﺗﻣــﻊ ﺧــﺎص‬ ‫ﻓــﺎﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻹﺳــﻼﻣﻲ ﻣﺟﺗﻣــﻊ ﻟــﻪ ﺧﺻوﺻــﯾﺗﻪ أﻧــﻪ ﻣﺟﺗﻣــﻊ ﻣــن ﺻــﻧﯾﻌﺔ ﺷ ـرﯾﻌﺔ اﻹﺳــﻼم‬ ‫اﻟﺗــﻲ ﺟ ــﺎءت ﻣ ــن ﻟ ــدن رب اﻟﻌ ــﺎﻟﻣﯾن ﻓﻔ ــﻲ اﻟﻣﺳ ــﺟد ﯾ ــﺗﻌﻠم إذا ﻏ ــﺎب أﺣ ــد اﻷﻓـ ـراد ﺗﻔﻘ ــدﻩ‬ ‫اﻟﻧــﺎس؛ وﻓــﻲ اﻟﻣﺳــﺟد ﯾــﺗﻌﻠم اﻟﻧــﺎس ﺑــر اﻟواﻟــدﯾن وﺻــﻠﺔ اﻷرﺣــﺎم وﺣــق اﻟﺟـوار وﺣــق اﺑــن‬ ‫اﻟﺳــﺑﯾل ﻓــﻲ اﻟﻣﺳــﺟد ﯾﺗرﺑــﻰ اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ ﺑﺄﻛﻣﻠــﻪ واﻟﻛــل ﯾﺧــرج ﻣــن اﻟﻣﺳــﺟد وﻫــو ارﺿــﻲ ﺑﻣــﺎ‬ ‫ﺳﻣﻊ ﺑل ﻣطﯾﻊ ﻋن رﻏﺑﺔ وﻋن ُﺣب ﻷﻧﻪ ﻟم ﯾـدﺧل إﻟـﻰ ﻗﺎﻋـﺔ اﻟﻣﺳـﺟد إﻻ ُﺣﯾـﺎً ﻓـﻲ ﻫـذﻩ‬

‫‪- ١٨٧ -‬‬


‫اﻟﺗﻌ ــﺎﻟﯾم واﺷـ ــﺗﯾﺎﻗﺎً إﻟﯾﻬ ــﺎ‪ ....‬ﻫﻛـ ــذا ﻛـ ــﺎن اﻟﻣﺳ ــﺟد وﯾﺟـ ــب أن ﯾﻛ ــون إذا أردﻧـ ــﺎ ﻧﺣـ ــن أن‬

‫ﻧﻛون)‪.(١‬‬

‫وﻣــﺎ ﻣــن ﻣﻛــﺎن ﯾﺗﺟﻠــﻰ ﻓﯾــﻪ ﻫــذا اﻟﻘــﺎﻧون اﻻﺟﺗﻣــﺎﻋﻲ ﺑﺻــورة ﺟﻠﯾــﺔ ﻣﺛــل اﻟﻣﺳــﺟد إذ ﯾﻘــف‬ ‫ﻟﺟﻣﯾــﻊ ﻓــﻲ ﺻــف واﺣــد ﻓــﻲ اﻟﺻــﻼة وﻗــد ذاﺑــت واﻧﺻــﻬرت ﺟﻣﯾــﻊ اﻟﻔ ـوارق اﻟﺗــﻲ ﺗﻣﯾــز‬ ‫ﺑﻌﺿــﻬم ﻋــن ﺑﻌــض؛ إن وﺣــدة اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ اﻹﺳــﻼﻣﻲ وﺗﻛﺎﺗﻔــﻪ وﻗوﺗــﻪ ﻣﺳــﺗﻣدة ﻣــن أﻣــور‬ ‫ﻣﻧﻬﺎ ﻋدم اﻟﺗﻔرﯾق ﺑﯾن اﻷﺟﻧﺎس واﻟطﺑﻘﺎت واﻷﻋﻣـﺎر‪ ،‬ﻟـذا أﺻـﺑﺢ ﻫـذا اﻟﻣﺟﺗﻣـﻊ ﻛﺎﻟﺟﺳـد‬ ‫اﻟواﺣــد إذا اﺷــﺗﻛﻰ ﻓﯾــﻪ ﻋﺿــو ﺗــداﻋﻰ ﻟــﻪ ﺳــﺎﺋر اﻟﺟﺳــد ﺑــﺎﻟﺣﻣﻰ واﻟﺳــﻬر‪ .‬ﻟــﯾس ﻫــذا ﻓــﻲ‬ ‫اﻟﺻﻼة ﻓﺣﺳب ﺑل ﺣﺗﻰ ﻓﻲ اﻟﻣﻌﺎﻣﻼت اﻟﺷرﻋﯾﺔ واﻟﺷﺧﺻﯾﺔ‪ ،‬واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾـﺔ ﻓـﻲ اﻟﺣﯾـﺎة‪.‬‬ ‫إن اﻟﻣﺳــﺟد ﻫــو اﻟﻣﻛــﺎن اﻟطﺑﯾﻌــﻲ اﻟــذي ﯾﺟﻣــﻊ اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن ﻟﻐــرض واﺣــد وﺑﻧﯾــﺔ ﺧﺎﻟﺻــﺔ‬ ‫ﺧﻠــف إﻣــﺎم واﺣ ـد ﻻ ﯾﺗﺧﻠﻔــون ﻋﻠﯾــﻪ‪ ،‬ﻫــذا اﻻﺟﺗﻣــﺎع اﻟــذي ﯾــوﺣﻲ ﺑﺎﻟﺗــﺂﻟف واﻟوﺣــدة‪ ،‬ﻫــو‬ ‫اﻟﺳﺑﯾل إﻟﻰ اﻟﺳﯾطرة ﻋﻠﻰ طﺑﺎﺋﻊ اﻟﻧﻔـوس وﻧزﻋﺎﺗﻬـﺎ ﻓﺑـداﺧل اﻟﻣﺳـﺟد ﯾﺗرﺑـﻰ اﻟﻣﺳـﻠم ﻋﻠـﻰ‬ ‫ﺗطﻬــر ﻧﻔﺳــﻪ وﺗﺻــﺣﯾﺢ ﻋﻘﯾدﺗــﻪ ﻓــﻲ اﻟﻘــرب ﻣــن رﺑــﻪ‪ ،‬ﺳـ اًر وﻋﻼﻧﯾــﺔ‪ ،‬وﻓــﻲ داﺧــل اﻟﻣﺳــﺟد‬ ‫ﯾﺗرﺑ ــﻰ اﻟﻣﺳ ــﻠم ﻋﻠ ــﻰ اﻻﺗﺻ ــﺎل ﺑﺈﺧواﻧ ــﻪ اﻟﻣﺳ ــﻠﻣﯾن واﻟﺳ ــؤال ﻋ ــﻧﻬم… وﺗﻘوﯾ ــﺔ اﻟ ــرواﺑط‬ ‫اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ ﺑﯾﻧــﻪ وﺑﯾــﻧﻬم ﻣﻣــﺎ ﯾﺟﻌﻠــﻪ ﯾﻬــﺗم ﺑﺟﻣﯾــﻊ ﺷــؤوﻧﻬم‪ ،‬وﻓــﻲ اﺟﺗﻣــﺎع اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن ﻓــﻲ‬ ‫اﻟﻣﺳـ ــﺟد ﯾﺷ ـ ــﻌر اﻟﺟﻣﯾ ـ ــﻊ ﺑ ـ ــﺎﻟﻘوة واﻻﻧﺗﻣ ـ ــﺎء ﻟﻠﺟﻣﺎﻋ ـ ــﺔ ﻣﻣ ـ ــﺎ ﯾﺟﻌ ـ ــل اﻟﻔ ـ ــرد ﻣ ـ ــﻧﻬم ﯾﺷ ـ ــﻌر‬ ‫ﺑﺎﻟطﻣﺄﻧﯾﻧﺔ وﯾﺣس ﺑﺎﻟراﺣﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ واﻟﻛراﻣﺔ واﻷﻣﺎن‪.‬‬ ‫وﯾﺗﺟﺳــد ﺧــﺎرج اﻟﻣﺳــﺟد ﻫــذا اﻟﺷــﻌور اﻻﺟﺗﻣــﺎﻋﻲ ﻓــﻲ ﺗﻌﺎﻣــل اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن وﺗﻔــﺎﻋﻠﻬم ﻓــﻲ‬ ‫ﺷﻛل أﻣﺔ واﺣدة داﺧل اﻟﻔرد اﻟواﺣد ﺑﺣﻛم ﻣﺎ اﻛﺗﺳﺑوﻩ ﻣن اﻟﻘﯾم واﻟﻔﺿﺎﺋل ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺟد‪.‬‬ ‫وﻣﻣ ــﺎ ﻻ ﺷ ــك ﻓﯾ ــﻪ أن اﻋﺗﯾ ــﺎد اﻟﻣﺳ ــﺟد واﻟﺗ ــردد ﻋﻠﯾ ــﻪ ﯾ ــﻧﻌﻛس ﻋﻠ ــﻰ ﺳ ــﻠوك اﻟﻔ ــرد ﻓ ــﻲ‬ ‫ﻣﺟﺗﻣﻌــﻪ وﺑــذﻟك ﯾﺣﻣــل اﻟﻔــرد اﻟﻣﺳــﻠم ﻓــﻲ ﺳــﯾرورة ﻧﻔﺳــﻪ روح اﻟﺟﻣﺎﻋــﺔ اﻟﺗــﻲ ﯾﻘــف ﻣﻌﻬــﺎ‬ ‫ﺑــﯾن ﯾــدي اﷲ ﻣﻣــﺎ ﯾﺟﻌﻠــﻪ ﯾﺳــﻌﻰ إﻟــﻰ اﻟﺣﻔــﺎظ ﻋﻠــﻰ ﻛﯾــﺎن اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ اﻟــذي ﻫــو ﺟــزء ﻣﻧــﻪ؛‬ ‫وﻣــﺎ اﻷﻣــﺔ إﻻ ﺗﻠــك اﻟﻣﺟﺗﻣﻌــﺎت اﻟﻣﻛوﻧــﺔ ﻣــن اﻷﻓـراد؛ ﻓﻔــﻲ اﻟﻣﺳــﺟد ﯾـرﺗﺑط اﻟﻔــرد اﻟﻣﺳــﻠم‬ ‫ﺑﻣﺟﺗﻣﻌــﻪ اﻟﻣﺣﻠــﻲ اﻟﺻــﻐﯾر ﺛــم ﯾﺟــد ﻧﻔﺳــﻪ ﯾرﺗﻘــﻲ ﻓــﻲ اﻟﺗﻔﻛﯾــر ﺣﺗــﻰ ﯾ ـرﺗﺑط ﺑﻛــل ﻗﺿــﺎﯾﺎ‬ ‫)‪ (١‬د‪ .‬ﺻﺎﻟﺢ ﺑن ﻏﺎﻧم اﻟﺳدﻻن "اﻷﺛر اﻟﺗرﺑوي ﻟﻠﻣﺳﺟد" ﺑﯾروت ﻟﺑﻧﺎن ‪٢٠٠٤‬م ص‪.١٨‬‬

‫‪- ١٨٨ -‬‬


‫اﻟﻣﺳـ ــﻠﻣﯾن ﺑـ ــل وﯾ ـ ـرﺗﺑط ﺑـ ــﺎﻟﺣﻲ واﻟﻣﯾـ ــت ﻣـ ــن اﻟﻣﺳـ ــﻠﻣﯾن وﻻ ﯾوﺟـ ــد ﻫـ ــذا إﻻ ﻣـ ــن ﺧـ ــﻼل‬ ‫اﻟﻣﺳﺟد؛ وﻋﻧدﻣﺎ ﻧﺗﻛﻠم ﻋن اﻟﻔرد اﻟﻣﺳﻠم وﻋﻼﻗﺗﻪ ﺑﺎﻟﻣﺳﺟد ﻓﻬذا اﻟﻔرد ﯾﺄﺗﻲ إﻟﻰ اﻟﻣﺳـﺟد‬ ‫دون ﺗﻣﯾﯾ ــز ﺑ ــﯾن ﻏﻧ ــﻲ وﻓﻘﯾ ــر أو ﺑ ــﯾن ذﻛ ــر وأﻧﺛ ــﻰ ﻓﻘ ــد دﺧ ــل ﻣﺳ ــﺟد اﻟﻧﺑ ــﻲ ﻛ ــل أﻓـ ـراد‬ ‫اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ‪.‬‬ ‫وﻧﺣــن ﻧــرى اﻟﻣﺳ ــﺟد اﻟﻧﺑــوي ﻣ ــن ﺧﻠــف ﻫــذﻩ اﻟﺳ ــﻧوات اﻟط ـوال ﻗ ــد ﻋﻠﻣﻧ ــﺎ ﻣــﺎ ﻟــم ﻧﻛ ــن‬ ‫ﻟﻧﺗﻌﻠﻣــﻪ ﻟــو ﻻ إﻧــﺎ ﻣﺳــﻠﻣون ﻋﻠﻣﻧــﺎ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳــﻠم أن اﻟﻣﺳــﺟد ﻗــﺎدر ﻋﻠــﻰ ﺗﻘــدﯾم‬ ‫اﻟرﻋﺎﯾــﺔ واﻟﻌﻧﺎﯾــﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ ﻟﻠﻣﻌــوﻗﯾن واﻟﻔﻘـراء واﻟﻣﻌــوزﯾن واﻟﻣرﺿــﻰ واﻟﻐرﺑــﺎء واﻟﯾﺗــﺎﻣﻰ‬ ‫وﻫــذا ﻣــﺎ ﯾﺣﺗــﺎج إﻟــﻰ ﺗﻌﻘﯾــدات ﺗﻘــوم ﺑﺟــزء ﻣﻧــﻪ اﻟﻣؤﺳﺳــﺎت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ ﻓــﻲ أرﻗــﻰ أﻣــم‬ ‫اﻟﻌﺎﻟم ﺗﻘدﻣﺎً وﺗطو اًر ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻣﺟﺎل‪.‬‬ ‫وﻻ ُﻧﺑـ ــﺎﻟﻎ إذا ﻗﻠﻧـ ــﺎ أن اﻟﻣﺟﺗﻣﻌـ ــﺎت اﻟﻣﺳـ ــﻠﻣﺔ ﺑﻘﯾـ ــت ﻗوﯾـ ــﺔ ﻣﺗﻣﺎﺳـ ــﻛﺔ ﻓـ ــﻲ ظـ ــل أﺻـ ــﻌب‬ ‫اﻟظروف ﺣﺗﻰ ﺑﻌـد أن اﻧـدﺛرت اﻟدوﻟـﺔ واﻧﻬـﺎرت اﻟ ُـﻧظم اﻹدارﯾـﺔ اﻟﺗـﻲ ﻛﺎﻧـت ﺗـﻧظم ﻟﻠﻧـﺎس‬

‫أﻣور ﻣﻌﺎﺷﻬم ﻷن ﻛل ﻓرد ﻣـن أﻓـراد اﻟﻣﺟﺗﻣـﻊ اﻹﺳـﻼﻣﻲ ﯾﺣﻣـل ﻓـﻲ أﻋﻣـﺎق روﺣـﻪ روح‬ ‫اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻔـرض ﻋﻠﯾـﻪ ﻣـد ﯾـد اﻟﻌـون ﻷﺧﯾـﻪ اﻟﻣﺳـﻠم دون أن ﯾﺳـﺄﻟﻪ ﻣـن ﻫـو أو ﻣـن‬ ‫أﯾن أو ﻣﺎ إﻟﻰ ذﻟك‪ ،‬ﺑل إن اﻟﻣﺳـﻠم ﻟﯾﺟـد ﻣﺗﻌـﺔ وﻫـو ﯾﺳـﯾر ﻟﺗﻔـرﯾﺞ ﻛـرب ﻣﺳـﻠم آﺧـر أﻧـﻪ‬ ‫ﯾدﯾن ﺑﻌﻘﯾدة اﻟﺗوﺣﯾد ﻣﺛﻠﻪ ﺳواء ﺑﺳواء؛ وﻣن ﻫﻧﺎ ﺟﺎءت ﻋظﻣﺔ ﻫـذا اﻟـدور اﻟـذي ﻗـﺎم ﺑـﻪ‬ ‫اﻟﻣﺳﺟد‪ .‬ﻓﺎﻟﻣﺳﺟد ﻣﻛﺎن ﻟﺗﻼﻗﻲ أﺟزاء اﻟﺟﺳد اﻟﺗﻧﺎﺛر ﻓﻲ اﻷﻋﻣﺎل واﻷﺷﻐﺎل ﻓـﺈذا ﻧـودي‬ ‫ﻟﻠﺻــﻼة ﺗــداﻋت أطـراف ﻫــذا اﻟﺟﺳــد ﻟﻠــدﺧول ﻓــﻲ اﻟﺻــﻼة ﯾﻛوﻧـوا ﻛﻣــﺎ ﻗــﺎل اﻹﻣــﺎم اﻷول‬ ‫ﻟﻬذﻩ اﻷﻣﺔ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻛﺎﻟﺟﺳد اﻟواﺣد إذا اﺷﺗﻛﻰ ﻣﻧﻪ ﻋﺿو ﺗداﻋﻰ ﻟﻪ ﺳﺎﺋر‬ ‫ﺑﺎﻟﺣﻣﻰ واﻟﺳﻬر‪ ....‬ﻫذا ﻫو اﻟﻣﺳﻠم ﯾﺷﻌر أﻧﻪ ﻓرد ﻓﻲ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻛﺑﯾرة وﻗﺑﻠﯾـﺔ ﻣﻣﺗـدة‬ ‫اﻟﺟﺳد ُ‬

‫ﻣن ﻟدن آدم إﻟﻰ أن ﯾرث اﷲ اﻷرض وﻣـن ﻋﻠﯾﻬـﺎ أﺳـﻣﻬﺎ ﻋﺎﺋﻠـﺔ إﺑـراﻫﯾم ‪ ....‬ﻣﻠـﺔ أﺑـﯾﻛم‬ ‫إﺑراﻫﯾم‪ ....‬ﻫو ﺳﻣﺎﻛم اﻟﻣﺳﻠﻣون‪ ..‬ﻫذﻩ اﻟراﺑطﺔ ﺗﻘذف ﻓﻲ ﻧﻔس اﻟﻣﺳﻠم ﺧﻠﯾط ﻣن اﻟﻌـزة‬ ‫وﺣب اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ‪ ...‬اﻟﺣب اﻟذي ُﯾﻌطﻲ وﻟﯾس ﺣب اﻟﻣﺗﺳول اﻟﻣﻧﺗظـر ﻟﻠﻌطـﺎء ﻓﻬـذا‬ ‫واﻟﻘوة ُ‬ ‫اﻟﻌﻠﯾﺎ ﺧﯾر ﻣن اﻟﯾد اﻟﺳﻔﻠﻰ وأن ﻣﻼﺋﻛﺔ اﷲ ﻓـﻲ ﻋﻠﯾﺎﺋـﻪ‬ ‫اﻟﻣﺳﻠم ﺗﻌﻠم ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺟد أن اﻟﯾد ُ‬ ‫ﺗﺣف طﺎﻟب اﻟﻌﻠم واﻟذاﻛرﯾن؛ ﻣن ﻫذا ﻛﻠﻪ ﯾﺗﺿﺢ ﻟﻧﺎ اﻟدور اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ اﻟذي ﻛـﺎن ﯾﻘـوم‬

‫ﺑﻪ اﻟﻣﺳﺟد ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرﻩ ﺟزءاً ﻣن دورﻩ اﻟﺗرﺑوي ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲ‪.‬‬ ‫‪- ١٨٩ -‬‬


‫اﻟﻣﺳﺟد دار ﻋﻼج وﺗطﺑﯾب‬ ‫اﺗﺧذ اﻟﻧﺑﻲ ‪ -‬ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ‪ -‬ﻣن اﻟﻣﺳﺟد ﻣﻛﺎﻧﺎً ﻟﻌﻼج اﻟﻣرﺿﻰ‪ ،‬ﻓﻔﻲ‬ ‫ﻏزوة اﻟﺧﻧدق ﻟﻣﺎ أﺻﯾب ﺳﻌد ﺑن ﻣﻌﺎذ ‪ -‬رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ‪ -‬ﺿرب اﻟﻧﺑﻲ ‪ -‬ﺻﻠﻰ‬ ‫اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ‪ -‬ﻟﻪ ﺧﯾﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺟد ﯾﻌﺎﻟﺞ ﻓﯾﻬﺎ ﻟﯾﻌودﻩ ﻣن ﻗرﯾب‪ ،‬وﻗﺎﻣت ﻋﻠﻰ‬ ‫ﺗطﺑﯾﺑﻪ رﻓﯾدة اﻷﺳﻠﻣﯾﺔ‪ .‬وﻧرى أن ﻫذﻩ اﻟﻣرأة ﻣﻛﺛت ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺟد ﻟﻛﻲ ﺗﻘوم ﺑﻌﻼج ﻫذا‬ ‫اﻟرﺟل اﻟﻣرﯾض اﻟﺟرﯾﺢ وﻏﯾرﻩ ﻣن اﻟﻣرﺿﻰ وﻧرى أن ﻫذا اﻟدور ﻗد ﺗطور ﻓﻼ ﻣﺎﻧﻊ ﻣن‬ ‫أن ﯾﻛون ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺎﺟد ﻣﺷﺎﻓﻲ وﻣدارس ﯾﻘوم ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻧﺳﺎء ﻟﻛﻲ ﺗُﻌﻠم ﻧﺳﺎء اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‬

‫ﺑﻌض اﻟﻣﻌﻠوﻣﺎت اﻟطﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻻ ﺗﺳﺗﻐﻧﻲ ﻋﻧﻬﺎ اﻷﻣﻬﺎت أو ﺗﻘوم اﻟﻣﺳﺎﺟد ﺑﻌﻼج‬ ‫ﻣرﺿﻰ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺑﺎﻟطرﯾﻘﺔ اﻟﺗﻲ ﯾراﻫﺎ أﻫل ﻛل ﺑﻠد وﻛل ﺣﻲ‪ .‬ﻛﻣﺎ ﯾﺗﺑﯾن ﻣن ﻫذا‬ ‫اﻷﻣر أﯾﺿﺎً ﻣﺷﺎرﻛﺔ اﻟﻣرأة ﻟﺟواﻧب اﻟﻌﻣل اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ دون ﺧدش ﻟﺣﯾﺎﺋﻬﺎ‪ ،‬أو ﺗﻔرﯾط‬ ‫ﻓﻲ دﯾﻧﻬﺎ)‪.(١‬‬

‫وﻣن اﻷﺷﯾﺎء اﻟﺗﻲ ﻻ ُﯾﻣﻛن ﻓﺻﻠﻬﺎ ﻋن اﻟﻣﺳﺟد ﺣرص ﻛل ﻣن ﯾذﻫب إﻟﻰ‬

‫اﻟﻣﺳﺟد ﺑﻧظﺎﻓﺗﻪ اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ﻓﻼ ﻣﺳﺟد ﺑﻐﯾر ﺻﻼة وﻻ ﺻﻼة ﺑﻐﯾر وﺿوء وﻻ وﺿوء‬ ‫ﺑﻐﯾر طﻬﺎرة ﻓﻛﺎﻧت ﻣن ﺳﻧﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم أن اﻟطﻬور ﺷﻛر اﻹﯾﻣﺎن‪ .‬ﻓﻠﻧﺎ أن‬ ‫ﻧﺗﺧﯾل ﻣﺟﺗﻣﻊ ﯾذﻫب أﻓرادﻩ إﻟﻰ اﻟﻣﺳﺟد ﻋﻠﻰ اﻷﻗل ﺧﻣس ﻣرات وﯾﺗطﻬرون‬ ‫وﯾﺗوﺿؤون وﯾﺳﺗﺎﻛون وﯾﻠﺑﺳون أﻓﺿل ﻣﺎ ﻋﻧدﻫم ﻣن اﻟﺛﯾﺎب ﻣﺎذا ﺳﯾﻛون ﺣﺎل ﻫذا‬ ‫ﻟﻣﺎز أو ﺳﺎرق‬ ‫اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻫل ﺳﺗﻧﺗﺷر ﺑﻪ اﻟﻔﺎﺣﺷﺔ أو اﻟرزﯾﻠﺔ أو ﺳﯾﻛون ﺑﯾﻧﻬم ﻧﻣﺎم أو ّ‬ ‫أو ﻣرﺗﺷﻲ‪ ...‬ﻧﻌم ﺳﯾﻛون وﻟﻛن ﻓﻲ أﻗل اﻟﺣدود‪ ...‬ﻓﻘد ﻛﺎن ﯾﻣر اﻟﺣول ﻛﺎﻣﻼً وﻻ‬ ‫ﺗُﺳﺟل ﺟرﯾﻣﺔ ﻣن ﻫذﻩ اﻟﺟراﺋم ﻋﻧدﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﻣﺳﺟد ُﯾدار ﺑﻬدي ﻣن اﷲ وﺑﺳﻧﺔ رﺳوﻟﻪ‬ ‫ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم‪.‬‬

‫اﻟﻣﺳﺟد ﻣﻛﺎن ﻟﻌﻘد اﻟزواج‬ ‫ﻓﻠﻘد ﺳن ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم أن ﯾﻌﻠن اﻟﻧﻛﺎح ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺟد‪ ،‬ﻓﻌن ﻋﺎﺋﺷﺔ ‪-‬‬ ‫رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ‪ -‬ﻗﺎﻟت‪ :‬ﻗﺎل رﺳول اﷲ ‪ -‬ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ‪" :-‬أﻋﻠﻧوا اﻟﻧﻛﺎح‪،‬‬ ‫)‪ (١‬ﻋﻠﻲ ﻋﺑد اﻟﺣﻠﯾم ﻣﺣﻣود‪" ،‬اﻟﻣﺳﺟد وأﺛرﻩ ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲ"‪ .‬اﻟﻘﺎﻫرة‪ ،‬دار اﻟﻣﻌﺎرف ‪١٩٩٠‬م‪ ،‬ص‪٦٠‬‬

‫‪- ١٩٠ -‬‬


‫واﺟﻌﻠوﻩ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺎﺟد‪ ،‬واﺿرﺑوا ﻋﻠﯾﻪ ﺑﺎﻟدﻓوف"‪ ،‬وﻟﻌل اﻟﺣﻛﻣﺔ ﻣن اﺳﺗﺣﺑﺎب ﺟﻌﻠﻪ ﻓﻲ‬ ‫اﻟﻣﺳﺟد ﻟﯾﺷﻬد اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻫذﻩ اﻟﻔرﺣﺔ‪ٕ ،‬واﻋﻼن اﻟزواج ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺎﺟد ﯾﺗﻣﺎﺷﻰ ﻣﻊ دورﻫﺎ‬

‫اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ اﻟراﺋد‪.‬‬

‫اﻟﻣﺳﺟد واﻟﺗرﺑﯾﺔ اﻟﻌﺳﻛرﯾﺔ‪:‬‬ ‫ﻛ ــﺎن اﻟﻣﺳ ــﺟد ﺑﺎﺧﺗﺻ ــﺎر ﺷ ــدﯾد ﻫ ــو اﻟﻣﻛ ــﺎن اﻟ ــذي ُﯾ ــدﯾر ﻛ ــل ﺣرﻛ ــﺎت اﻟﻣﺟﺗﻣ ــﻊ‬

‫اﻟﻣﺳــﻠم ﺣﺗــﻰ ﻗﺑــل أن ﺗوﺟــد اﻟــدول واﻟﻣؤﺳﺳــﺎت ﺑﻣﻔﻬوﻣﻬــﺎ اﻟﺣــدﯾث اﻟــذي ﻧﻌرﻓــﻪ ﻓﺑﻌــد أن‬ ‫ذﻛرﻧﺎ ﻣﺎ ﯾﻘوم ﺑﻪ اﻟﻣﺳﺟد ﻣن دور ﻓﻲ اﻟﺗﻌﻠﯾم وﻋﻘد ﺣﻠﻘﺎت اﻟﻌﻠم وذﻛرﻧـﺎ أﯾﺿـﺎً أﺛـرﻩ ﻓـﻲ‬ ‫ﺑﻧﺎء اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲ وﺗوﺟﯾﻪ ﻫذا اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ٕوارﺷﺎدﻩ ﻫذا إﻟﻰ ﺟﺎﻧب اﻟدور اﻟدﯾﻧﻲ ﻣـن‬ ‫إﻗﺎﻣ ــﺔ اﻟﺻ ــﻼة وﺗﻌﻠ ــﯾم اﻟﻘـ ـرآن اﻟﻛـ ـرﯾم ﺑﻌ ــد ﻫ ــذا ﻛﻠ ــﻪ ﻧ ــﺄﺗﻲ إﻟ ــﻰ دور ﻣﻬ ــم ﺟ ــداً ﻗ ــﺎم ﺑ ــﻪ‬ ‫اﻟﻣﺳــﺟد‪ ،‬ﻫــذا اﻟــدور ﻫــو اﻟــدور اﻟﻌﺳــﻛري "أو اﻟﺳﯾﺎﺳــﻲ واﻟﺣرﺑــﻲ" ﺣﯾــث أدى اﻟﻣﺳــﺟد‬ ‫دو اًر إﯾﺟﺎﺑﯾﺎ وﻓﻌﺎﻻً ﻓﻲ ﻫـذا اﻟﻣﺟـﺎل ﻓـﻲ اﻟوﻗـت اﻟـذي ﻟـم ﯾﻛـن ﻓﯾـﻪ ﺗﻧظـﯾم ﻋﺳـﻛري ﯾﺿـم‬ ‫اﻟﺟــﯾش أو اﻟﺷــرطﺔ وﻣــﺎ إﻟــﻰ ذﻟــك ﻣﻣــﺎ ظﻬــر ﺑﻌــد ﻋﻬــد اﻟرﺳــول ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳــﻠم‪،‬‬ ‫وﻛ ــل ﻣـ ــﺎ ﻫﻧﺎﻟـ ــك أن ﺗﺣ ــدد ﻣﺳ ــؤوﻟﯾﺔ ﻗﯾـ ــﺎدة اﻟﺟ ــﯾش ﻓ ــﻲ رﺟ ــل ﻣـ ــن اﻟﻣﺳـ ــﻠﻣﯾن وﯾﺧـ ــرج‬ ‫اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻣﻌﻪ ﻣﻠﺑﯾن داﻋﯾن ﻟﻠﺟﻬﺎد ﻓﻲ ﺳﺑﯾل اﷲ)‪.(١‬‬ ‫وﻟﻘد ﻛﺎن اﻟﻣﺳـﺟد اﻟﺛﻛﻧـﺔ اﻷوﻟـﻰ ﻓـﻲ اﻹﺳـﻼم؛ وﻣﻘـر اﻟﻘﯾـﺎدة اﻟﻌﺳـﻛرﯾﺔ واﻟﺣرﺑﯾـﺔ آﻧـذاك‪.‬‬ ‫ﻓﻘ ــد اﺗﺧ ــذ اﻟﻧﺑ ــﻲ ﻣ ــن ﻣﺳ ــﺟدﻩ ﻣﻘـ ـ اًر ﻟﻠﻘﯾ ــﺎدة‪ ،‬ﯾﻌ ــد ﻓﯾ ــﻪ اﻟﺧط ــط وﯾﻌﻘ ــد ﻣﺟ ــﺎﻟس اﻟﺟﻬ ــﺎد‪،‬‬ ‫وﯾﺻــدر اﻷواﻣــر وﯾﻧﺻــت إﻟــﻰ آراء اﻟﻣﺳﺗﺷــﺎرﯾن‪ ،‬وﻛــﺎن ﯾﺣﺷــد أﺻــﺣﺎﺑﻪ ﻓــﻲ اﻟﻣﺳــﺟد‪،‬‬ ‫وﯾﺷﺣﻧﻬم ﺑطﺎﻗﺎت ﻣﺎدﯾﺔ وﻣﻌﻧوﯾﺔ وﯾﺣرض اﻟﻣـؤﻣﻧﯾن ﻋﻠـﻰ اﻟﺛﺑـﺎت وﯾﻧﻬـﺎﻫم ﻋـن اﻟﻔـرار‪،‬‬ ‫وﯾﺣذرﻫم ﻣن اﻟﻔرﻗﺔ واﻟﻧزاع‪ ،‬وﯾﺄﻣرﻫم ﺑﺎﻟطﺎﻋﺔ واﻟﺿﺑط وﯾﺷﯾﻊ ﻓﯾﻬم اﻷﻟﻔﺔ واﻟﻧظﺎم‪.‬‬ ‫وﻛﺎﻧــت اﻟﻐــزوات واﻟﺳ ـراﯾﺎ ﺗﻧطﻠــق ﻣــن اﻟﻣﺳــﺟد وﺗﻌﻘــد – اﻟﺳ ـراﯾﺎت واﻷﻋــﻼم‪،‬‬ ‫واﻟﺑﻧ ــود ﻓ ــﻲ اﻟﻣﺳ ــﺟد ﻟﻠﻣﺟﺎﻫ ــدﯾن؛ "وﻛ ــﺎن أﺻ ــﺣﺎب رﺳ ــول اﷲ ﺻ ــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾ ــﻪ وﺳ ــﻠم‬ ‫ﯾﺟﺗﻣﻌون ﻓـﻲ اﻟﻣﺳـﺟد ﺣـﯾن ﯾـداﻫﻣﻬم اﻟﺧطـر‪ ،‬وﯾﻌـود اﻟﻣﺟﺎﻫـدون ﻣـن اﻟﻐـزوات واﻟﺳـراﯾﺎ‬ ‫)‪ (١‬ﻟﻠﻣزﯾد اﻧظر ﻓﻲ‪ :‬ﺷﯾت ﻣﺣﻣود اﻟﺧطﺎب‪" .‬اﻟوﺳﯾط ﻓﻲ رﺳﺎﻟﺔ اﻟﻣﺳﺟد اﻟﻌﺳﻛرﯾﺔ"‪ .‬ط‪١٩٩٠، ٧‬م‪ .‬اﻟﻘﺎﻫرة‪ ،‬دار‬ ‫اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﻟﻠطﺑﺎﻋﺔ واﻟﻧﺷر‪.‬‬

‫‪- ١٩١ -‬‬


‫إﻟــﻰ اﻟﻣﺳــﺟد وﺗﺿــﻣد ﺟــروح اﻟﻣﺻــﺎﺑﯾن‪ ،‬وﯾــﺗﻌﻠم اﻟﻣﺳــﻠﻣون أﺣﻛــﺎم اﻟﺟﻬــﺎد ﻓــﻲ اﻟﻣﺳــﺟد‪.‬‬ ‫وﻟم ﯾﻛـن دور اﻟﻣﺳـﺟد ﻣﻘﺻـو اًر ﻋﻠـﻰ إﻋـداد اﻟﺟـﯾش وﺗﺳـﯾﯾرﻩ وﻋﻘـد اﻷﻟوﯾـﺔ واﻟﻘﯾـود ﻋﻠـﻰ‬ ‫اﻟﻘﺎدة؛ ﺑل ﻛﺎن ﻣﻛﺎن اﺳﺗﻘﺑﺎل اﻟوﻓود اﻟﺗﻲ ﺗﻔد إﻟﻰ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـﻠم ﻓـﻲ‬ ‫ﺷــﺄن ﻣــن ﺷــﺋون اﻟدوﻟــﺔ أو إﻋــﻼن اﻹﺳــﻼم‪ ،‬أو طﻠــب ﻋﻘــد ﻣﻌﺎﻫــدة أو ﻣﻌوﻧــﺔ‪ .‬وﻛــﺎن‬ ‫اﻟﻣﺳــﺟد أﺷــﺑﻪ ﺑﻘﺎﻋــﺔ اﻻﺳــﺗﻘﺑﺎل اﻟرﺳــﻣﯾﺔ‪ ،‬ﻣﻔﺗوﺣــﺔ وﻣﻬﯾــﺄة ﻟﺟﻣﯾــﻊ اﻟواﻓــدﯾن‪ .‬وﻗــد اﺳــﺗﻘﺑل‬ ‫ﻓﯾ ــﻪ اﻟﻧﺑ ــﻲ ﺻ ــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾ ــﻪ وﺳ ــﻠم وﻓ ــد ﻧﺻ ــﺎرى ﻧﺟـ ـران‪ .‬ﻛﻣ ــﺎ ﺳ ــﺎﻫم اﻟﻣﺳ ــﺟد ﻓ ــﻲ ﺑﻧ ــﺎء‬ ‫اﻟﺟﯾش اﻹﺳﻼﻣﻲ وﻋﻘـد اﻷﻟوﯾـﺔ وﺣـث اﻟﻣﺳـﻠﻣﯾن ﻋﻠـﻰ اﻟﺻـﺑر وﻣﻼﻗـﺎة اﻟﻌـدو واﻟﺣـرص‬ ‫ﻋﻠﻰ إﻋﻼء ﻛﻠﻣﺔ اﻟﺗوﺣﯾد‪ ،‬ﻛذﻟك ﻛﺎن ﻣرﻛ اًز وﻣﻘ اًر ﻹدارة ﺷﺋون اﻟدوﻟﺔ أو اﻟوﻻﯾﺔ‪ ،‬وﻛـﺎن‬ ‫اﻟﻣﻧﺑر أﺷﺑﻪ ﺑﺎﻟﻌرش‪ ،‬ﯾﻠﻘـﻰ ﻣﻧـﻪ ﺑﯾـﺎن اﻟﺧﻠﯾﻔـﺔ ﻟﺳﯾﺎﺳـﺔ اﻟدوﻟـﺔ وﯾﻠﻘـﻲ ﻓﯾـﻪ ﺧطﺑﺗـﻪ اﻷوﻟـﻰ‬ ‫وﯾﺑﯾن ﻓﯾﻬﺎ ﺳﯾﺎﺳﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺣﻛم‪ .‬وﻓﻲ اﻟﻣﺳﺟد ﺗذاع اﻟﻘ اررات اﻟﻬﺎﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻌﻠـق ﺑﺎﻟﺻـﺎﻟﺢ‬ ‫اﻟﻌﺎم وﯾﺳﺗﻘﺑل اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ اﻟﺳﻔراء وﯾدﯾر ﺷﺋون اﻟدوﻟﺔ‪.‬‬ ‫ٕواﯾﻣﺎﻧﺎً ﺑﺄﻫﻣﯾﺔ اﻟﻣﺳـﺟد واﻟـدور اﻟـذي ﯾﻠﻌﺑـﻪ ﻋﻠـﻰ ﻣﺳـﺗوى اﻟﻘﺎﻋـدة اﻟﻌرﯾﺿـﺔ ﻣـن‬

‫ﺟﻣﺎﻫﯾر اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻛﺎن اﻟﻘﺎدة اﻟﻔﺎﺗﺣون ﺑﻣﺟرد ﻓﺗﺢ ﺑﻠد ﯾﺷرﻋون ﻓـﻲ ﺑﻧـﺎء ﻣﺳـﺟد ﻟﯾﻛـون‬ ‫ﻧﻘط ــﺔ اﻧط ــﻼق ﻟﻛ ــل أرﺟ ــﺎء اﻟﻣﺟﺗﻣ ــﻊ وﺗﺛﺑﯾﺗـ ـﺎً ﻟ ــدﯾن اﷲ رب اﻟﻌ ــﺎﻟﻣﯾن‪ ،‬ﻧﻘط ــﺔ اﻧط ــﻼق‬ ‫ﻹﺻﻼح اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﺑﻛل ﻣﻛوﻧﺎﺗﻪ)‪.(١‬‬ ‫اﻟﺗرﺑﯾﺔ اﻹﻋﻼﻣﯾﺔ ﻟﻠﻣﺳﺟد‪:‬‬ ‫ﻓــﻲ اﻟﻌﺻــر اﻟﺣــدﯾث أﺻــﺑﺢ اﻹﻋــﻼم ﺻــﻧﺎﻋﺔ وأﺻــﺑﺢ ﻟــﻪ ﻣــدارس ﯾدرﺳــون ﻓﯾﻬــﺎ‬ ‫ﻛﯾــف ﯾــؤﺛرون ﻋﻠــﻰ ﺗوﺟﻬــﺎت وأﻓﻛــﺎر اﻟﻧــﺎس ﺑــل وﻋــﺎداﺗﻬم ﺑــل أﺻــﺑﺢ اﻹﻋــﻼم ﻓــﻲ ﻫــذا‬ ‫اﻟﻌﺻــر ﻣ ـن أﻛﺑــر أدوات إﺛــﺎرة اﻟﻔــﺗن واﻟﻧﻌ ـرات اﻟﻌﺻــﺑﯾﺔ اﻟﻘﺎﺋﻣــﺔ ﻋﻠــﻰ ﻏﯾــر ﻫــدى‪ .‬أﻣــﺎ‬ ‫ﻋﻧــدﻣﺎ ﻧــﺗﻛﻠم ﻋــن اﻟــدور اﻹﻋﻼﻣــﻲ ﻟﻠﻣﺳــﺟد ﻓــﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ اﻟﻣﺳــﻠم ﻧــرى أن اﻟﻣﺳــﺟد أداة‬ ‫ﻟﻧﺷر اﻟﻔﺿﺎﺋل وﻛﺑﺢ اﻟﺷﺎﺋﻌﺎت وﺗﻌﻠﯾم اﻟﻧﺎس ﻛل ﺧﯾر ورﻓﻊ اﻟرﺑﺎط اﻟروﺣﻲ ﺑﯾن اﻷﻓراد‬ ‫ورﺑﻬــم ﻣــن ﺟﻬــﺔ وﻣــن ﺟﻬــﺔ أﺧــرى إﺻــﻼح ذات اﻟﺑــﯾن ﺑــﯾن اﻷﻓ ـراد وﺑﻌﺿــﻬم اﻟــﺑﻌض‬ ‫وﻫذﻩ ﺳﻣﺔ ﻣن ﺳﻣﺎت اﻹﺳﻼم‪ .‬ﻓﺎﻟﻣﺳﻠم ﯾدﺧل اﻟﻣﺳﺟد ﻟﻛﻲ ﯾرى أﻫﻠـﻪ وﺟﯾ ارﻧـﻪ ﺛـم ﺗـﺄﺗﻲ‬ ‫)‪ (١‬ﺳﻌﯾد إﺳﻣﺎﻋﯾﻠﻲ ﻋﻠﻲ‪" ،‬أﺻول اﻟﺗرﺑﯾﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ" ‪١٩٩٠‬م‪ .‬اﻟﻘﺎﻫرة‪ ،‬دار اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﻟﻠطﺑﺎﻋﺔ واﻟﻧﺷر ص‪٥٤‬‬

‫‪- ١٩٢ -‬‬


‫ﺧطﺑﺔ اﻟﺟﻣﻌـﺔ ﻟﻛـﻲ ﺗﺳـﺗﺟﯾش ﻓـﻲ ﻧﻔـوس أﻓـراد اﻟﻣﺟﺗﻣـﻊ ﻣـﺎ ﻗـد ﯾﻐﻔﻠـون ﻋﻧـﻪ ﻓﺗﻛـون أداة‬ ‫ﺗــذﻛﯾر وﺗﻧﺑﯾــﻪ ﻫــذا ﺑﺎﻹﺿــﺎﻓﺔ إﻟــﻰ اﻟــدروس واﻟﻧــدوات وﺟﻠﺳــﺎت اﻟﻣﺷــورة اﻟﺗــﻲ ﻗــد ﺗُﻌﻘــد‬ ‫ﺑﺻــورة دورﯾــﺔ ﻛــدروس ﺗﻌﻠــﯾم اﻟﻔﻘــﻪ واﻟﺳــﯾرة أو ﺗُﻌﻘــد ﺑﺻــورة ﻏﯾــر دورﯾــﺔ ﻛﺎﺟﺗﻣﺎﻋــﺎت‬ ‫اﻟﺗﺷﺎور واﻟﺗﻧﺎﺻﺢ واﻟﺑﺣث ﻋن طُرق ﺣل اﻟﻣﺷﻛﻼت اﻟﺗﻲ ﺗواﺟﻪ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﺑﺻﻔﺔ ﻋﺎﻣـﺔ‬

‫أو اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣـﻊ ﻣﺻـﯾﺑﺔ ﺣﻠـت ﺑـﺎﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﺑﻌﯾـداً ﻋـن ﺟـو اﻟﺷـﺎﺋﻌﺎت ٕواﺛـﺎرة اﻟﻔـﺗن‪ .‬ﻓـﺎﻷﻓراد‬

‫ﻓــﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ اﻟﻣﺳــﻠم ﻋﻧــدﻣﺎ ﯾﻠﺗــﺑس ﻋﻠــﯾﻬم أﻣــر ﯾــردوﻩ إﻟــﻰ اﷲ ورﺳــوﻟﻪ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ‬ ‫وﺳﻠم وﯾﺳﺄﻟوا أﻫل اﻟذﻛر ﻓﻲ ﻛل ﻛﺑﯾرة وﺻﻐﯾرة طﺎﻟﺑﯾن اﻟﻌﻠم ﻣن أﻫﻠﻪ)‪.(١‬‬ ‫ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺎت اﻟﻣﺳﺎﺟد ﯾﺟﺗﻣﻊ أﻓراد اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ وﻫم ﻋﻠﻰ اﺳـﺗﻌداد ﺑـدﻧﻲ وﻧﻔﺳـﻲ ﻓـﻲ‬ ‫ﺗﻠﻘــﻲ ﻛ ــل اﻟﻣﻌﻠوﻣ ــﺎت اﻟﺻ ــﺣﯾﺣﺔ ﻓﻔ ــﻲ اﻟﻣﺳ ــﺟد وﻣ ــن اﻟﻣﺳ ــﺟد ﺗﻧﺗﺷ ــر ﺗﻠ ــك اﻟﻣﻌﻠوﻣ ــﺎت‬ ‫وﺗﻣــوت اﻟﺷــﺎﺋﻌﺎت وﯾﻘــوم اﻟﻧــﺎس ﺑﻧﻘــل ﻛــل ﻣــﺎ ﺳــﻣﻌوﻩ ﻓﯾﺑﻠﻐـوا وﻟــو آﯾــﺔ‪ .‬ﻛﻣــﺎ ﻫﻧــﺎك إﺷــﺎرة‬ ‫أﺧرى وﻫﻲ أن إﻗﺎﻣﺔ اﻟﺣدود ﻛﺎﻧت ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺟد واﻹﻋﻼن ﻋن وﻓـﺎة أﺣـد واﻟﺻـﻼة ﻋﻠﯾـﻪ‬ ‫ﺗﻛ ــون ﻓ ــﻲ اﻟﻣﺳ ــﺟد وﻫ ــذا دور إﻋﻼﻣ ــﻲ اﺿ ــطﻠﻊ ﺑ ــﻪ اﻟﻣﺳ ــﺟد وﻓﯾ ــﻪ ﻣ ــﺎ ﻓﯾ ــﻪ ﻣ ــن ﺗﻘوﯾ ــﺔ‬ ‫اﻷواﺻر ﺑﯾن ﺟﻧﺑﺎت اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻣﺳﻠم‪.‬‬ ‫وﺑﻌــد ﻓﺎﻟﺗﺣــدث ﻋــن دور اﻟﻣﺳــﺟد ﻻ ُﯾﻣﻛــن أن ﯾﺣﺗوﯾــﻪ ﺑﺣــث ﺻــﻐﯾر ﻣﺗواﺿــﻊ‬

‫ﻫﻛــذا ﻷن اﻟﻣﺳــﺟد ﻓــﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ اﻟﻣﺳــﻠم ﻫــو رأس ﻛــل ﺗﻘــدم وﻫــو أﺳــﺎس ﻛــل ﺑﻧــﺎء وﻟﻛــن‬ ‫ﻓﻲ ﻣوﺿﻌﻧﺎ ﻫذا إﻧﻣﺎ ذﻛرﻧﻬﺎ ﻷن اﻟﻣﺳﺟد ﻫو اﻟطرﯾق اﻟذي ﻧرى أﻧﻪ ﻣن ﺧﻼﻟﻪ ﺳـﺗﻌود‬ ‫ﻫذﻩ اﻷﻣﺔ واﺣدة ﻛﻣﺎ أرادﻩ اﷲ‪.‬‬

‫)‪ (١‬ﻋﺑد اﷲ اﻟﺑﺷﯾر "اﻟﺗرﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺟد واﻟﻛﺗﺎب واﻟﺧﻠوة" ؛‪١٩٨٠‬م‪ .‬ﻣرﻛز اﻟﺑﺣوث اﻟﺗرﺑوﯾﺔ واﻟﻧﻔﺳﯾﺔ‪ ،‬ﻣﻛﺔ‬ ‫اﻟﻣﻛرﻣﺔ ص‪.١٢٠‬‬

‫‪- ١٩٣ -‬‬


‫اﻟﺧﺎﺗﻣﺔ‬ ‫ﻟﻘد طوﻓﻧﺎ ﺧﻼل ﻫذا اﻟﻌﻣـل اﻟﺻـﻐﯾر ﺑـﯾن اﻟﻌدﯾـد ﻣـن اﻷﺣـﻼم واﻟطﻣوﺣـﺎت اﻟﺗـﻲ ﻟﻣﻌـت‬ ‫ﻓﻲ رؤوس ﻏﺎﻟﺑﯾﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻟﻣوﺣدﯾن وﻫم ﯾﺗﺳﺎءﻟون؛ ﻟﻣﺎذا ﻫذا اﻟﺗﻔرق‪ ،‬ﻟﻣﺎذا ﻛل ﻫـذا‬ ‫اﻻﻗﺗﺗــﺎل؛ ﻟﻣــﺎذا ﻛــل ﻫــذا اﻟﻔﺷــل؟ ‪ ....‬وﻟﻸﺳــف اﻟﺷــدﯾد ﻻ ﺗﺟــد ﻣﺑــرر واﺣــد أو ﺟ ـواب‬ ‫ُﻣﻘﻧــﻊ ﻷي ﻣــن اﻷﺳــﺋﻠﺔ اﻟﻣطروﺣــﺔ‪ ..‬وﺑﺻــورة أﺧــرى ﻛﺎﻧــت ﻫﻧــﺎك أﺳــﺋﻠﺔ ﻋﻠــﻰ ﺷــﺎﻛﻠﺔ‬ ‫ﻟﻣــﺎذا ﺗوﺣــد اﻟﻐرﺑﯾــون‪ ،‬ﻟﻣــﺎذا ﻧــرى اﻟوﻻﯾــﺎت اﻟﻣﺗﺣــدة اﻷﻣرﯾﻛﯾــﺔ‪ ،‬واﻻﺗﺣــﺎد اﻷورﺑــﻲ؟ دول‬ ‫ﻣرﻫوﺑـﺔ اﻟﺟﺎﻧــب ﺻـﻌﺑﺔ اﻟﻣﻧــﺎل‪ .‬ﻧﻔـس اﻷﺳــﺋﻠﺔ وﻟﻛــن ﺑﺻـﯾﻎ ﻣﺧﺗﻠﻔــﺔ وﻻ ﻧﺟـد ﻟﻬــﺎ ﺟـواب‬ ‫ﺷﺎﻓﻲ أو رد ﺳدﯾد‪ .‬ﻧﺣن ﻫﻧـﺎ ﻓـﻲ ﻫـذا اﻟﺑﺣـث ﺣﺎوﻟﻧـﺎ أن ُﻧﻣـﯾط اﻟﻠﺛـﺎم ﻋـن ﺑﻌـض ﻣـﺎ ﻗـد‬

‫ﻧﻛــون ﻗــد ﺗــوارى ﺧﻠــف اﻻﺣــداث أو ﺧﻠــف ﺗﺣﻠــﯾﻼت اﻟﺳﺎﺳــﺔ واﻟﻌﻠﻣــﺎء؛ ﻟﻘــد ﺣﺎوﻟﻧــﺎ ﺷــرح‬ ‫اﻷﺳ ــﺑﺎب اﻟﺗ ــﻲ أدت ﻟﻔﺷ ــل ﻛ ــل اﻟﻣﺷ ــروﻋﺎت اﻟوﺣدوﯾ ــﺔ اﻟﺗ ــﻲ ﻧ ــﺎدى ﺑﻬ ــﺎ ﻋﻠﻣ ــﺎء ﻋ ــرب‬ ‫وﻣﺳــﻠﻣون ﻓــﻲ ﺑﻌــض اﻷﺣﯾــﺎن ﻛﺎﺟﺗﻬــﺎد ﺷﺧﺻــﻲ ﻣﺛــل ﻣــﺎ ﺣــدث ﻓــﻲ ﻣﻧظﻣــﺔ اﻟوﺣــدة أو‬ ‫اﻟﻣؤﺗﻣر اﻹﺳـﻼﻣﻲ‪ ،‬أو ﻣـﺎ ﺣـدث ﺑﺈﯾﻌـﺎز ﻣـن اﻟـدول اﻻﺳـﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ اﻟﻘدﯾﻣـﺔ واﻟﺣدﯾﺛـﺔ ﻣﺛـل‬ ‫ﻣــﺎ ﺣــدث ﻓــﻲ ﺗﺟﻣــﻊ ﻣــﺎ ُﯾﺳــﻣﻰ ﺑﺟﺎﻣﻌــﺔ اﻟــدول اﻟﻌرﺑﯾــﺔ‪ ،‬ﻛﻣــﺎ ﺗﻧﺎوﻟﻧــﺎ ﺑﻌــض اﻟﺗﺟــﺎرب‬ ‫اﻻﺻــﻐر ﺣﺟﻣـﺎً اﻟﺗــﻲ ﻛــﺎن ﻣﺂﻟﻬــﺎ ﺟﻣﯾﻌـﺎً إﻟــﻰ اﻟﻔﺷــل اﻟزرﯾــﻊ‪ .‬ﻓﻛــل ﺗﻠــك اﻟﻛﯾﺎﻧــﺎت ﻓﺷــﻠت‬

‫واﺣــدة ﺗﻠــو اﻷﺧــرى‪ .‬ﺛــم ﺗﻧﺎوﻟﻧــﺎ ﺑﺎﻟﺗﺣﻠﯾــل اﻟﺷﺧﺻــﯾﺔ اﻷورﺑﯾــﺔ وﻣــﺎ ﺗﺗﻣﯾــز ﺑــﻪ ﻣــن ﺻــﻔﺎت‬ ‫ﻋﻠ ــﻰ اﻋﺗﺑ ــﺎر أن اﻟﺛﻘﺎﻓ ــﺔ اﻷورﺑﯾ ــﺔ ﻫ ــﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓ ــﺔ اﻷم أو اﻟ ارﻓ ــد اﻻﺳﺎﺳ ــﻲ ﻟﻛ ــل اﻟﺛﻘﺎﻓ ــﺎت‬ ‫اﻷﺧــرى ﻣﺛــل اﻻﻣرﯾﻛﯾــﺔ وﻏﯾرﻫــﺎ؛ وﺷــرﺣﻧﺎ ﻟﻣــﺎذا ﻛــﺎن اﻟﻧﺟــﺎح اﻟظــﺎﻫري ﺣﻠــﯾﻔﻬم ﻫﻧــﺎك؛‬ ‫وﺑﻌــد ﻫــذا ﻓﻠــم ﯾﻛــن اﻟﻬــدف ﻣــن ﻫــذا اﻟﺑﺣــث ﻫــو ﺗﺷــﺧﯾص أو وﺻــف اﻟﻣﺷــﻛﻼت وﻟﻛــن‬ ‫ﻛــﺎن اﻟﻬــدف ﻫــو ﻣﻌرﻓــﺔ طرﯾــق اﻟﺧــﻼص؟‪ .‬ﻓــﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘــﺔ أﻧــﻲ أرى طرﯾ ـق اﻟﺧــﻼص ﻟــن‬ ‫ﺑﺎﻟﺑﻌــد ﻋــن اﻟﺷــﻌﺎرات اﻟﻧﺧﺑوﯾــﺔ أو ﺗﻼﻗــﻲ ﻗﻣــم اﻷﻫ ـرام اﻟﺳــﻠطوﯾﺔ ﻓــﻲ ﺑــﻼد‬ ‫ﯾﻛــون إﻟــﻰ ُ‬ ‫اﻟﻌــﺎﻟم اﻟﻌرﺑــﻲ أو اﻹﺳــﻼﻣﻲ وﻟﻛــن اﻟﺣــل ﺳــﯾﻛون ﻣــن ﺧــﻼل اﻧطــﻼق اﻟﻣﺳــﺎﺟد ﻟﺗُﻣــﺎرس‬

‫دورﻫﺎ اﻟطﺑﯾﻌﻲ اﻟﺗﻲ ﻣن أﺟﻠﻪ ﻗد ُﺑﻧﯾت ﻓﺎﻟﻣﺳﺟد وأﺧـﻼق اﻟﻣﺳـﺟد ﻫـﻲ اﻟﺗـﻲ ﺳـﺗُﺛﯾر ﻓـﻲ‬

‫ﻧﻔ ــوس اﻟﻧ ــﺎس اﻟرﻏﺑ ــﺔ ﻓـ ـﻲ اﻟﻌ ــودة إﻟ ــﻰ اﻟﻣﺎﺿ ــﻲ اﻟﺗﻠﯾ ــد‪ ،‬واﻟﻣﺳ ــﺟد وﻟ ــﯾس ﺷ ــﻲء ﻏﯾ ــر‬ ‫اﻟﻣﺳــﺟد ﻫــو اﻟﻘــﺎدر ﻋﻠــﻰ أن ﯾﻛــون ﺑــدﯾﻼً ﻟﺣــل ﻣﺷــﻛﻼت اﻷﺣﯾــﺎء اﻟﻔﻘﯾـرة ﻓــﻲ ﻛــل رﺑــوع‬ ‫اﻟﻌــﺎﻟم اﻹﺳــﻼﻣﻲ‪ ،‬وﻻ أﻋﺗﻘــد أن ﻫﻧــﺎك ﻣﺷــﻛﻠﺔ ﻣﺛــل اﻟﺗﻌﻠــﯾم أو رﻓــﻊ اﻟﻛﻔــﺎءة اﻟﻣﻬﻧﯾــﺔ‪ ،‬أو‬ ‫‪- ١٩٤ -‬‬


‫ﺗ ــوﻓﯾر اﻟﻌ ــﻼج‪ ،‬أو اﻟﻣﺳ ــﺎﻋدة ﻓ ــﻲ ﺗ ــزوﯾﺞ اﻟﺷ ــﺑﺎب‪ ،‬أو إﻋﺎﻟ ــﺔ اﻷﺳ ــر اﻟﻔﻘﯾـ ـرة ﻛ ــل ﻫ ــذﻩ‬ ‫اﻟﻣﺷــﻛﻼت ﻣــرو اًر ﺑﻣﺷــﻛﻼت اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ اﻟواﺳــﻊ ﻣــن ﻣﻘﺎوﻣــﺔ ﻟﻼﺳــﺗﯾراد وﺗﺷــﺟﯾﻊ اﻻﻋﺗﻣــﺎد‬ ‫ﻋﻠـﻰ اﻟــذات ﻛــل ذﻟــك ﻓــﻲ ظــﻼل ﻣﻧــﺎخ ﻣــن اﻟﻌــدل واﻟﻣﺳــﺎواة ﺑــﯾن ﻛــل اﻓـراد اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ‪...‬‬ ‫إذا ﻧﺟﺣﻧﺎ ﻓﻲ اﺳﺗﻌﺎدة ﻫذا اﻟدور ﻓﻬذا أو درﺟﺔ ﻣـن درﺟـﺎت ﺳـﻠم اﻟﺗوﺣـد ﻓﺑﺎﻟﻣﺳـﺟد ﺑـدأ‬ ‫ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳــﻠم ﻓــﻲ اﻟﻣدﯾﻧــﺔ وﻣﻧــﻪ ﺑــدأ اﻷﺑطــﺎل اﻟﻔــﺎﺗﺣون ﻓــﻲ ﻛــل اﻟﻌﺻــور‪...‬‬ ‫ﻓﺎﻟﻣﺳــﺟد اﻟﻣﺳــﺟد وﻟــن ﯾــﻧﺟﺢ ﺣﻠــم أو طﻣــوح ﺧﺎﺻــم اﻟﻣﺳــﺟد أو ﺧــرج ﺑــدون ﺗﻌﺎﻟﯾﻣــﻪ‬ ‫وﻫدﯾﻪ‪.‬‬ ‫اﻟﻧﺗﺎﺋﺞ‬ ‫ﻣن ﺧﻼل ﻫذا اﻟﺑﺣث ﻫﻧﺎك ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻧﺗﺎﺋﺞ اﻟﺗﻲ ﺗوﺻﻠﻧﺎ إﻟﯾﻬﺎ أﻫﻣﻬﺎ‪:‬‬ ‫‪ (١‬ﻟــم ﺗﻔﺷــل اﻟﻣﺷــروﻋﺎت اﻟوﺣدوﯾــﺔ ﺑــﯾن ﺑــﻼد اﻟﻌــﺎﻟم اﻟﻌرﺑــﻲ واﻻﺳــﻼﻣﻲ ﺑﺳــﺑب اﻟﻣــﻧﻬﺞ‬ ‫اﻟــذي ﺗﺑﻧﺗــﻪ أو اﻟطﻣوﺣــﺎت اﻟﺗــﻲ ﻛﺎﻧــت ﺗﺳــﻌﻰ إﻟﯾﻬــﺎ وﻟﻛــن اﻟﻔﺷــل ﺑﺳــﺑب ﻋــدم وﺟــود‬ ‫ﻗواﻋد ﺷﻌﺑﯾﺔ ﺗؤﯾد أو ﺗﻌﻲ ﻣراﻣﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣﺷروﻋﺎت‪.‬‬ ‫‪ (٢‬ﻛﺎن اﻟﻌدﯾد ﻣن ﻣﺷروﻋﺎت اﻟوﺣدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﺗﻘﻊ ﺗﺣت ﺳﻣﻊ وﺑﺻر اﻟﻘـوى‬ ‫اﻻﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ إن ﻟم ﯾﻛن ﺑﺎﻟدﻋم اﻟﻣﺑﺎﺷر ﻟﻬﺎ‪.‬‬ ‫‪ (٣‬ﻣ ـن أﺳــﺑﺎب ﻓﺷــل ﻣﺷــﺎرﯾﻊ اﻟوﺣــدة اﻟﻌرﺑﯾــﺔ أﻧﻬــﺎ ﺑﻌﯾــدة ﻋــن ﻣﺻــﺎﻟﺢ اﻟﺟﻣــﺎﻫﯾر‪ ،‬ﻓﻠــم‬ ‫اﻟﻣﺑﺎﺷر ﻣﻧﻬﺎ‪.‬‬ ‫ﺗﻛن ﻫذﻩ اﻟﺟﻣﺎﻫﯾر ﻣﺻدر ﻟﻬذﻩ اﻟﻣﺷﺎرﯾﻊ أو ﺣﺗﻰ اﻟﻣﺳﺗﻔﯾد ُ‬ ‫وﺑﻌــداً ﻋــن أﺧﻼﻗﯾــﺎت‬ ‫‪ (٤‬اﻟﺣــروب اﻟﺗــﻲ ﺣــدﺛت ﻓــﻲ اﻟــﺑﻼد اﻷورﺑﯾــﺔ ﻛﺎﻧــت أﻛﺛــر ﺗــدﻣﯾ اًر ُ‬ ‫اﻟﺣروب ﻓﻠم ُﯾراﻋوا ﻓﯾﻬﺎ ﻋﻬداً وﻻ ﻣﯾﺛﺎﻗﺎً‪.‬‬

‫‪ (٥‬ﻛﺎﻧــت اﻟﺣــروب اﻟﻐرﺑﯾــﺔ ﻫــﻲ ﺣــروب ﺗدﻣﯾرﯾــﺔ وﻟــم ﺗﻛــن ﻟﻬــﺎ أي أﻫــداف ﺳــﺎﻣﯾﺔ ﺣﺗــﻰ‬ ‫ٕوان ﺗﻣﺳﺣوا ﺑﺎﻟﻣﺳوﺣﺎت اﻟدﯾﻧﯾﺔ‪.‬‬ ‫‪ (٦‬ﺧرﺟت اﻟﺑﻼد اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻣن اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾـﺔ ﻣﻧﻬﻛـﺔ اﻟﻘـوى وﻟـم ﺗُﺣﻘـق أي دوﻟـﺔ‬ ‫ﻣن اﻟدول اﻟﻣﺗﺣﺎرﺑﺔ أي أﻫداف أو اﻧﺗﺻﺎرات ﺟراء ﺗﻠك اﻟﺣروب‪.‬‬

‫‪- ١٩٥ -‬‬


‫‪ (٧‬ﻣن اﻷﺳﺑﺎب اﻟﺗﻲ أدت ﻟﻧﺟﺎح ﻧﻣوذج اﻻﺗﺣـﺎد اﻷورﺑـﻲ ﻫـو ارﺗﺑﺎطـﻪ ﺑﺻـورة ﻣﺑﺎﺷـرة‬ ‫ﺑﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﺟﻣﺎﻫﯾر‪.‬‬ ‫‪ (٨‬ﻛﺎﻧ ــت اﻟ ــﺑﻼد اﻟﻌرﺑﯾ ــﺔ ﻣ ــن ﺿ ــﺣﯾﺎ اﻟﺣ ــرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾ ــﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾ ــﺔ ﻓﻘ ــد اﺳﺗﺳ ــﻠﻣت ﻟﻠﺗﻔﻛ ــك‬ ‫ورﺿــﯾت ﺑﺎﻟﺗﻘﺳــﯾﻣﺎت اﻟﺗــﻲ ﻓرﺿــﻬﺎ اﻟﻣﺳــﺗﻌﻣر ُﺑﻐﯾــﺔ اﻟﺗﻘــدم واﻻﺳــﺗﻘرار ﻓﻔﺷــﻠت ﻓــﻲ‬ ‫ﻛﻠﯾﻬﻣﺎ‪.‬‬

‫‪ (٩‬اﻟﺑﻼد اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺑﻣﺎ ﺗﺷﻣﻠﻪ ﻣن ﺛﻘﺎﻓـﺔ دﯾﻧﯾـﺔ ﺷـرﻗﯾﺔ ﯾﺳـﺗﺣﯾل ﻋﻠـﻰ ﺷـﻌوﺑﻬﺎ اﻟـذوﺑﺎن ﻓـﻲ‬ ‫اﻟﻧﻣﺎذج اﻟﻐرﺑﯾﺔ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪.‬‬ ‫اﻟﺗوﺻﯾﺎت‬ ‫‪ (١‬ﯾﺟب ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠﻣﺎء ﺗوﺿﯾﺢ ﻟﻠﻧﺎس أﻫﻣﯾﺔ دور اﻟﻣﺳﺎﺟد ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻣﺳﻠم‪.‬‬ ‫‪ (٢‬ﻋﻠــﻰ اﻟﻌﻠﻣ ــﺎء أن ﯾﺗﺟﻧﺑـ ـوا اﻟﻧﻘﺎﺷ ــﺎت اﻟﻔﻘﻬﯾ ــﺔ واﻻﺧﺗﻼﻓ ــﺎت اﻟﻔﻛرﯾ ــﺔ ﻋﻧ ــدﻣﺎ ﯾوﺟﻬ ــون‬ ‫ﺧطﺎﺑﻬم ﻟﻌﻣوم اﻟﻧﺎس‪.‬‬ ‫‪ (٣‬ﯾﺟب ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠﻣﺎء أن ﯾﻌﻠﻣوا اﻧﻬم ﻫم أول اﻟﻣﺳـﺋوﻟﯾن ﻋـن ﺗﺧﻠـف وﺗﺷـرذم اﻟﻣﺟﺗﻣـﻊ‬ ‫اﻟﻣﺳﻠم‪.‬‬ ‫‪ (٤‬ﻻ ُﺑد ﻣن ﺑﻧﺎء ﻣﺷروع اﻟوﺣدة ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻟﻘﺎﻋدة اﻟﺷﻌﺑﯾﺔ اﻟﻌرﯾﺿﺔ‪.‬‬ ‫‪ (٥‬ﻻ ُﯾﻣﻛن ﻧﺟﺎح أي ﻣﺷروع وﺣدوي ُﯾﺑﺎﻋـد ﺑـﯾن اﻟﻌـرب واﻟﻣﺳـﻠﻣﯾن وﻣـﺎ ُﻫ ّْـم ﻋﻠﯾـﻪ ﻣـن‬ ‫ﻋﻘﯾدة‪.‬‬ ‫‪ (٦‬رﻏ ــم ﺣﺎﻟ ــﺔ اﻟﺿ ــﻌف واﻟﻬـ ـوان اﻟ ــذي وﺻ ــﻠﻧﺎ إﻟﯾ ــﻪ إﻻ إن اﻷﻣ ــل ﻣﻌﻘ ــود ﻓ ــﻲ ﻋ ــودة‬ ‫اﻟﺗﻼﺣم ﺑﯾن أطراف اﻷﻣﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ وﻣن ﺛم اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻣن ﺟدﯾد‪.‬‬ ‫‪ (٧‬ﻻ ُﺑــد ﻣــن ﻋــودة دور اﻟﻣﺳــﺟد ﻛﻣؤﺳﺳــﺔ ﺗﻬــﺗم ﺑــﺈدارة ﺷــﺋون اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن ﻋﻠــﻰ ﻣﺳــﺗوى‬ ‫اﻟﻘﺎﻋدة اﻟﻌرﯾﺿﺔ ﻣن ﺟﻣﺎﻫﯾر اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‪.‬‬

‫‪- ١٩٦ -‬‬


‫اﻟﻣراﺟﻊ‬ ‫اﻟﻣراﺟﻊ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‬ ‫‪ (١‬اﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم‪.‬‬ ‫وﺳﻧن أﺑﻲ داوود واﻟﺗرﻣذي واﺑن ﻣﺎﺟﺔ‪.‬‬ ‫وﻣﺳﻠم ُ‬ ‫‪ُ (٢‬ﻛﺗب اﻷﺣﺎدﯾث اﻟﺑﺧﺎري‪ُ ،‬‬ ‫‪ (٣‬ﺧﺎﻟد ﻣﺣﻣد ﺧﺎﻟد "رﺟﺎل ﺣول اﻟرﺳول" ‪ ،‬اﻟﻣﻛﺗﺑﺔ اﻟﻌﺻرﯾﺔ‪٢٠٠٦ ،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٤‬اﻹﻣ ــﺎم اﻟﺣـــﺎﻓظ أﺣﻣ ــد ﺑ ــن ﻋﻠ ــﻲ ﺑ ــن ﺣﺟ ــر اﻟﻌﺳ ــﻘﻼﻧﻲ اﻟﻣﺗ ــوﻓﻲ ﺳ ــﻧﺔ ‪٨٥٢‬ﻫ ـ ـ ‪،‬‬ ‫"اﻹﺻــﺎﺑﺔ ﻓــﻲ ﺗﻣﯾﯾــز اﻟﺻــﺣﺎﺑﺔ" د ارﺳــﺔ وﺗﺣﻘﯾــق اﻟﺷــﯾﺦ‪ /‬ﻋــﺎدل أﺣﻣــد ﻋﺑــداﻟﻣوﺟود‪،‬‬ ‫دار اﻟﻛﺗب اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ‪ ،‬ﺑﯾروت‪ ،‬ﻟﺑﻧﺎن‪.‬‬ ‫‪ (٥‬اﻟﺷـ ـ ـ ــﯾﺦ ﻣﺣﻣـ ـ ـ ــد ﻣﺗـ ـ ـ ــوﻟﻲ اﻟﺷ ـ ـ ـ ـﻌراوي "ﺗﻔﺳ ـ ـ ـ ــﯾر ﺳـ ـ ـ ــورة اﻟﻛﻬـ ـ ـ ــف"‪ ،‬أﺧﺑ ـ ـ ـ ــﺎر اﻟﯾـ ـ ـ ــوم‪،‬‬ ‫ﻣﺻر‪٢٠٠٦،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٦‬أﺑﻲ ﻋﺒﺪﷲ ﻣﺤﻤ ﺪ ﺑ ﻦ أﺑ ﻲ ﺑﻜ ﺮ اﻟﺰرﻋﻲ)اﻟﻤﺸ ﮭﻮر ﺑ ﺒﻦ ﻗ ﯿﻢ اﻟﺠﻮزﯾ ﺔ( "زاد اﻟﻤﻌ ﺎد‬ ‫ﻓﻲ ھﺪي ﺧﯿﺮ اﻟﻌﺒﺎد" ‪١٩٩٩‬م ط‪.٣٠‬‬ ‫‪ (٧‬اﺑن ﺳﯾد اﻟﻧﺎس )أﺑـﻲ اﻟﻔـﺗﺢ ﻣﺣﻣـد ﺑـن ﻣﺣﻣـد ﺑـن ﻋﺑـداﷲ ﺑـن ﻣﺣﻣـد ﺑـن ﯾﺣﯾـﻰ ‪ -‬ت‬ ‫‪٧٣٤‬ﻫـ( )ﻋﯾون اﻷﺛـر ﻓـﻲ ﻓﻧـون اﻟﻣﻐـﺎزي واﻟﺷـﻣﺎﺋل واﻟﺳـﯾر‪ ،‬ﺑﯾـروت ‪ :‬دار اﻵﻓـﺎق‪،‬‬ ‫‪١٩٧٧‬م‪.‬‬ ‫‪ (٨‬اﻟﺷـ ــﯾﺦ ﺻـ ــﺎﻟﺢ ﺑـ ــن ﻓـ ــوزان اﻟﻔـ ــوزان "اﻟﺗوﺣﯾـ ــد" اﻟﻣﻛﺗﺑـ ــﺔ اﻟﺗوﻓﯾﻘﯾـ ــﺔ‪ ،‬اﻟﻘـ ــﺎﻫرة‪ ،‬ﻣﺻـ ــر‬ ‫‪٢٠٠٤‬م‪.‬‬ ‫‪ (٩‬اﺑن اﻟﻘﯾم )ﻣﺣﻣد ﺑن أﺑـﻲ ﺑﻛـر أﯾـوب اﻟزرﻋـﻲ( ‪ :‬زاد اﻟﻣﻌـﺎد ﻓـﻲ ﻫـدي ﺧﯾـر اﻟﻌﺑـﺎد ‪،‬‬ ‫ﺗﺣﻘﯾــق‪ :‬ﺷــﻌﯾب اﻷرﻧــﺎؤوط ‪ -‬ﻋﺑــد اﻟﻘــﺎدر اﻷرﻧــﺎؤوط‪ ،‬ﺑﯾــروت – اﻟﻛوﯾــت‪ :‬ﻣؤﺳﺳــﺔ‬ ‫اﻟرﺳﺎﻟﺔ ‪ -‬ﻣﻛﺗﺑﺔ اﻟﻣﻧﺎر اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ‪-‬اﻟطﺑﻌﺔ اﻟراﺑﻌﺔ ﻋﺷر‪١٤٠٧ ،‬ﻫـ ‪١٩٨٦ -‬م‬ ‫‪ (١٠‬اﺑ ــن ﻫﺷ ــﺎم )أﺑ ــو ﻣﺣﻣ ــد ﺑ ــن ﻋﺑ ــد اﻟﻣﻠ ــك ( ‪ :‬اﻟﺳ ــﯾرة اﻟﻧﺑوﯾ ــﺔ ‪ ،‬دﻣﺷ ــق ‪ :‬دار‬ ‫اﻟﻔﻛر‪١٩٩٠‬م‪.‬‬ ‫‪ (١١‬ﻛوﻧﺳ ــﺗﺎﻧس ﺟﯾورﺟﯾ ــو‪ :‬ﻧظـ ـرة ﺟدﯾ ــدة ﻓ ــﻲ ﺳ ــﯾرة رﺳ ــول اﷲ‪ ،‬ﺗﻌرﯾ ــب ‪ :‬ﻣﺣﻣ ــد‬ ‫اﻟﺗوﻧﺟﻲ‪ ،‬د‪ .‬م ‪ :‬اﻟدار اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠﻣوﺳوﻋﺎت‪ ،‬اﻟطﺑﻌﺔ اﻷوﻟﻰ ‪١٩٨٣‬م‪.‬‬ ‫‪ (١٢‬ﻋﺑـ ــد اﻟﻌزﯾـ ــز ﺑـ ــن ﻋﺑـ ــد اﷲ اﻟﺣﻣﯾـ ــدي ‪ :‬اﻟﺗـ ــﺎرﯾﺦ‬

‫اﻹﺳـ ــﻼﻣﻲ ﻣواﻗـ ــف وﻋﺑـ ــر‪،‬‬

‫اﻹﺳﻛﻧدرﯾﺔ‪ :‬دار اﻟدﻋوة‪ ،‬اﻟطﺑﻌﺔ اﻷوﻟﻰ‪١٩٩٧ ،‬م‪.‬‬ ‫‪ (١٣‬د‪ .‬ﻣﺣﻣ ــود ﻫﺎﺷ ــم ﻋﻧﺑ ــر اﻻﻋﺗﺻ ــﺎم ﺑﺣﺑ ــل اﷲ ﺑ ــﯾن اﻟواﻗ ــﻊ واﻟﻣﺑﺷـ ـرات‪ ،‬اﻟﺟ ــﺎﻣﻊ‬ ‫اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﺳﻧﺔ ‪٢٠٠٧‬م‪ .‬ﺑﺣث ﻣﻧﺷور‪.‬‬ ‫‪- ١٩٧ -‬‬


‫‪ (١٤‬ﻣﺣﻣــد اﻷﻣــﯾن ﺑــن ﻣﺣﻣــد ﺑــن اﻟﻣﺧﺗــﺎر اﻟﺟﻛﻧــﻲ اﻟﺷــﻧﻘﯾطﻲ‪ ،‬أﺿ ـواء اﻟﺑﯾــﺎن ﻓــﻲ‬ ‫إﯾﺿـﺎح اﻟﻘـرآن ﺑــﺎﻟﻘرآن‪ ،‬ﻣﻛﺗـب اﻟﺑﺣــوث واﻟد ارﺳـﺎت‪ ،‬دار اﻟﻔﻛــر ﻟﻠطﺑﺎﻋـﺔ واﻟﻧﺷــر ‪-‬‬ ‫ﺑﯾروت ‪١٩٩٥‬م‪.‬‬ ‫‪ (١٥‬اﺑن أﺑﻲ اﻟﻌز اﻟﺣﻧﻔﻲ "ﺷرح اﻟﻌﻘﯾدة اﻟطﺣﺎوﯾﺔ" اﻟطﺑﻌﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ‪.‬‬ ‫‪ (١٦‬اﺳﻣﺎﻋﯾل ﺑن ﻋﻣر ﺑن ﻛﺛﯾر "اﻟﺑداﯾﺔ واﻟﻧﻬﺎﯾﺔ" ط "اﻟﻣﻌﺎرف"‪ ،‬ﺑﯾروت ‪٢٠٠٩‬م‪.‬‬ ‫‪ (١٧‬د‪ .‬ﻣﺣﻣــد ﺣﺳــﺎن‪" ،‬اﻟﻔﺗﻧــﺔ ﺑــﯾن اﻟﺻ ــﺣﺎﺑﺔ‪ -‬ﻗ ـراءة ﺟدﯾــدة ﻻﺳ ــﺗﺧراج اﻟﺣــق ﺑ ــﯾن‬ ‫رﻛﺎم اﻟﺑﺎطل"‪ ،‬ﻣﻛﺗﺑﺔ ﻓﯾﺎض ﻟﻠﺗﺟﺎرة واﻟﺗوزﯾﻊ‪ ،‬اﻟﻘﻬرة‪ ،‬ﻣﺻر‪٢٠٠٣ ،‬م‪.‬‬ ‫‪ (١٨‬ﺳﻌد رﺳﺗم‪" ،‬اﻟﻔرق واﻟﻣذاﻫب اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻣﻧذ اﻟﺑـداﯾﺎت‪ ،‬اﻟﻧﺷـﺄة‪ -‬اﻟﺗـﺎرﯾﺦ‪ -‬اﻟﺗﻧـوع‬ ‫اﻟﺟﻐراﻓﻲ"‪ ،‬اﻷواﺋل ﻟﻠﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ‪ ،‬ﺳورﯾﺎ‪٢٠١٠ ،‬م‪.‬‬ ‫‪ (١٩‬د‪ .‬أﺣﻣــد ﻓرﯾــد "ﻋﻘﯾــدة أﻫــل اﻟﺳــﻧﺔ واﻟﺟﻣﺎﻋــﺔ"‪ ،‬ﻣﻛﺗﺑــﺔ ﻓــﯾض ﻟﻠﺗﺟــﺎرة واﻟﺗوزﯾــﻊ‪،‬‬ ‫اﻟﻘﺎﻫرة‪ ،‬ﻣﺻر‪ ،‬ط‪٢٠٠٥‬م ص‪ ،٢١٦‬وﻣﺎ ﺑﻌدﻫﺎ‪.‬‬ ‫‪ (٢٠‬ﻣوﺳ ــوﻋﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳ ــﺔ‪ ،‬اﻟﻣؤﺳﺳ ــﺔ اﻟﻌرﺑﯾ ــﺔ ﻟﻠد ارﺳ ــﺎت واﻟﺷ ــر اﻟﺟ ــزء اﻟﺛﺎﻟ ــث اﻟطﺑﻌ ــﺔ‬ ‫اﻷوﻟﻲ‪ ،‬ﺑﯾروت‪١٩٨٣ ،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٢١‬طــﺎش ﻛﺑــري زاد "اﻟﺷــﻘﺎﺋق اﻟﻧﻌﻣﺎﻧﯾــﺔ ﻓــﻲ ﻋﻠﻣــﺎء اﻟدوﻟــﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾــﺔ"‪ ،‬دار اﻟﻛﺗــﺎب‬ ‫اﻟﻌرﺑﻲ‪ ،‬ﺑﯾروت‪ ،‬ﻟﺑﻧﺎن ‪١٩٩٠‬م‪.‬‬ ‫اﻟﻌﻠﯾـ ــﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾـ ــﺔ" ﺗﺣﻘﯾـ ــق‪:‬‬ ‫‪ (٢٢‬اﻷﺳـ ــﺗﺎذ ﻣﺣﻣـ ــد ﻓرﯾـ ــد ﺑـ ــك اﻟﻣﺣـ ــﺎﻣﻲ "ﺗـ ــﺎرﯾﺦ اﻟدوﻟـ ــﺔ ّ‬ ‫اﻟدﻛﺗور إﺣﺳﺎن ﺣﻘﻲ‪ ،‬دار اﻟﻧﻔﺎﺋس‪ ،‬ﺑﯾروت‪ ،‬ﻟﺑﻧﺎن اﻟطﺑﻌﺔ اﻟﻌﺎﺷرة‪ ٢٠٠٦ :‬م‪.‬‬ ‫‪ (٢٣‬ﻧــور اﻟــدﯾن ﺣــﺎطوم "ﺗــﺎرﯾﺦ اﻟﻘــرن اﻟﺗﺎﺳــﻊ ﻋﺷــر أورﺑــﺎ واﻟﻌــﺎﻟم" ﺟـ ـ‪ ،١‬دار اﻟﻔﻛــر‬ ‫اﻟﻣﻌﺎﺻر‪ ،‬ﺑﯾروت ﻟﺑﻧﺎن‪١٩٩٥،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٢٤‬ﻣﺣﻣ ــد ﺧرﯾﺳ ــﺎت وآﺧ ــرون‪" ،‬ﺗ ــﺎرﯾﺦ اﻟﺣﺿ ــﺎرة اﻹﻧﺳ ــﺎﻧﯾﺔ" ﻣؤﺳﺳ ــﺔ ﺣﻣ ــﺎدة‪ ،‬ودار‬ ‫اﻟﻛﻧدي ﻟﻠﻧﺷر‪ ،‬اﻷردن‪٢٠٠٠‬م‪.‬‬ ‫‪ (٢٥‬ﻋﻣــر ﻋﺑــداﻟﻌزﯾز "ﺗــﺎرﯾﺦ اﻟﻣﺷــرق اﻟﻌرﺑــﻲ ‪١٥١٦‬م إﻟــﻰ ‪١٩٢٢‬م" دار اﻟﻧﻬﺿــﺔ‬ ‫اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠطﺑﻊ واﻟﻧﺷر‪ ،‬ﺑﯾروت ﻟﺑﻧﺎن‪٢٠١٣ ،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٢٦‬ﻣﺎﯾﻛل أورﯾن‪ ،‬اﻟﻘوة واﻹﯾﻣﺎن واﻟﺧﯾﺎل‪ ،‬ﻛﻠﻣﺔ وﻛﻠﻣﺎت ﻋرﺑﯾﺔ‪ ،‬أﺑو ظﺑـﻲ واﻟﻘـﺎﻫرة‪،‬‬ ‫‪ ،٢٠٠٨‬ﺗرﺟﻣﺔ‪ :‬آﺳر ﺣطﯾﺑﺔ‪.‬‬ ‫‪ (٢٧‬ﺧﻠﯾــل إﯾﻧﺎﻟﺟﯾــك ودوﻧﺎﻟــد ﻛ ـواﺗرت )ﺗﺣرﯾــر(‪ ،‬اﻟﺗــﺎرﯾﺦ اﻻﻗﺗﺻــﺎدي واﻻﺟﺗﻣــﺎﻋﻲ‬ ‫ﻟﻠدوﻟﺔ اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬دار اﻟﻣدار اﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﺑﯾروت‪٢٠٠٧ ،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٢٨‬وﻫﯾب أﺑﻲ ﻓﺎﺿل‪ ،‬ﻣوﺳوﻋﺔ ﻋﺎﻟم اﻟﺗﺎرﯾﺦ واﻟﺣﺿﺎرة‪ ،‬ﻧوﺑﻠﯾس‪٢٠٠٧ ،‬م‪.‬‬ ‫‪- ١٩٨ -‬‬


‫‪ (٢٩‬إرﯾـ ـ ــك ﻫوﺑزﺑـ ـ ــﺎوم‪ ،‬ﻋﺻـ ـ ــر رأس اﻟﻣـ ـ ــﺎل‪ ،١٨٧٥ -١٨٤٨ :‬اﻟﻣﻧظﻣـ ـ ــﺔ اﻟﻌرﺑﯾـ ـ ــﺔ‬ ‫ﻟﻠﺗرﺟﻣﺔ‪ ،‬ﺑﯾروت‪ ،٢٠٠٨ ،‬ﺗرﺟﻣﺔ‪ :‬ﻓﺎﯾز اﻟﺻﯾﺎغ‪.‬‬ ‫‪ (٣٠‬ﯾــوﺟﯾن روﺟــﺎن‪ ،‬اﻟﻌــرب ﻣــن اﻟﻔﺗوﺣــﺎت اﻟﻌﺛﻣﺎﻧﯾــﺔ إﻟــﻰ اﻟﺣﺎﺿــر‪ ،‬ﻛﻠﻣــﺎت ﻋرﺑﯾــﺔ‬ ‫ﻟﻠﺗرﺟﻣﺔ واﻟﻧﺷر‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫرة‪٢٠١١ ،‬م‪ ،‬ﺗرﺟﻣﺔ‪ :‬ﻣﺣﻣد إﺑراﻫﯾم اﻟﺟﻧدي‪.‬‬ ‫‪ (٣١‬د‪ .‬ﻣﺣﻣد ﻋﻣﺎرة‪ ،‬اﻹﺳﻼم واﻟﻌروﺑﺔ واﻟﻌﻠﻣﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬دار اﻟوﺣدة‪ ،‬ﺑﯾروت‪١٩٨١ ،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٣٢‬ﻋﻠــﻲ اﻟــدﯾن ﻫــﻼل‪ ،‬ﻣﯾﺛــﺎق اﻟﺟﺎﻣﻌــﺔ اﻟﻌرﺑﯾــﺔ ﺑــﯾن اﻟﻘطرﯾــﺔ واﻟﻘوﻣﯾــﺔ‪ ،‬ﻓــﻲ‪ :‬ﻋﻠــﻲ‬ ‫ﻣﺣﺎﻓظـ ــﺔ )وآﺧـ ــرون(‪ ،‬ﺟﺎﻣﻌـ ــﺔ اﻟـ ــدول اﻟﻌرﺑﯾـ ــﺔ‪ :‬اﻟواﻗـ ــﻊ واﻟطﻣـ ــوح‪ ،‬ﺑﯾـ ــروت‪ :‬ﻣرﻛـ ــز‬ ‫دراﺳﺎت اﻟوﺣدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬ط‪ ،١‬أﺑرﯾل‪١٩٨٣‬م‪.‬‬ ‫‪ (٣٣‬ﻣﺣﻣــد ﻋﺑــداﻟوﻫﺎب اﻟﻛﯾــﺎﻟﻲ‪" ،‬ﺗــﺎرﯾﺦ ﻓﻠﺳــطﯾن اﻟﺣــدﯾث" اﻟﻣؤﺳﺳــﺔ اﻟﻌرﺑﯾــﺔ ﻟﻠطﺑــﻊ‬ ‫واﻟﻧﺷر‪ ،‬ط‪ ،٣‬ﺑﯾروت ﻟﺑﻧﺎن‪٢٠٠٠،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٣٤‬إﺑـراﻫﯾم ﺗوﻓﯾــق اﻟ ارﺑــﻲ "اﻟﻣﻧظﻣــﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ‪ ،‬واﻹﻗﻠﯾﻣﯾــﺔ اﻟﻣﺗﺧﺻﺻــﺔ" ط‪ ٢‬ﺟﺎﻣﻌــﺔ‬ ‫اﻷزﻫر ‪٢٠٠٦‬م‪.‬‬ ‫‪ (٣٥‬أﺣﻣـ ــد اﻟرﺷـ ــﯾدي‪" ،‬ﺗﺣـ ــدﯾث ﻣؤﺳﺳـ ــﺎت اﻟﻌﻣـ ــل اﻟﻌرﺑـ ــﻲ اﻟﻣﺷـ ــﺗرك ﻛﻣـ ــدﺧل ﻟﺑﻧـ ــﺎء‬ ‫ﻣﺷروع ﻗوﻣﻲ ﻋرﺑﻲ ﺟدﯾد" اﻟﻘﺎﻫرة‪ :‬ﻣرﻛز اﻟﺑﺣوث واﻟدراﺳﺎت اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ‪١٩٩٧ ،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٣٦‬ﻋﺑداﻟﻣﻧﻌم اﻟﺳﯾد ﻋﻠﻲ "اﻟدور اﻻﻗﺗﺻـﺎدي ﻟﺟﺎﻣﻌـﺔ اﻟـدول اﻟﻌرﺑﯾـﺔ‪ :‬ﻣﺗﺎﺑﻌـﺔ وﺗﻘﯾـﯾم‬ ‫‪ ،‬ﻓ ـ ــﻲ ‪:‬ﺟﺎﻣﻌ ـ ــﺔ اﻟ ـ ــدول اﻟﻌرﺑﯾ ـ ــﺔ ﻓ ـ ــﻲ ﻋﺻ ـ ــر اﻟﺗﻛ ـ ــﺗﻼت اﻹﻗﻠﯾﻣﯾ ـ ــﺔ"‪ ،‬ﺑﻐ ـ ــداد‪ :‬ﺑﯾ ـ ــت‬ ‫اﻟﺣﻛﻣﺔ‪٢٠٠٢،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٣٧‬ﻋﺑداﻟﻣﻧﻌم اﻟﺳﯾد ﻋﻠﻲ "اﻟدور اﻻﻗﺗﺻـﺎدي ﻟﺟﺎﻣﻌـﺔ اﻟـدول اﻟﻌرﺑﯾـﺔ‪ :‬ﻣﺗﺎﺑﻌـﺔ وﺗﻘﯾـﯾم‬ ‫‪ ،‬ﻓ ـ ــﻲ ‪:‬ﺟﺎﻣﻌ ـ ــﺔ اﻟ ـ ــدول اﻟﻌرﺑﯾ ـ ــﺔ ﻓ ـ ــﻲ ﻋﺻ ـ ــر اﻟﺗﻛ ـ ــﺗﻼت اﻹﻗﻠﯾﻣﯾ ـ ــﺔ"‪ ،‬ﺑﻐ ـ ــداد‪ :‬ﺑﯾ ـ ــت‬ ‫اﻟﺣﻛﻣﺔ‪٢٠٠٢،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٣٨‬إﺑ ـ ـراﻫﯾم ﻣﺣﻣ ـ ــد اﻟﻌﻧ ـ ــﺎﻧﻲ‪" ،‬اﻷﻣ ـ ــم اﻟﻣﺗﺣ ـ ــدة د ارﺳـ ــﺔ ﻓ ـ ــﻲ ﺿـ ــوء اﻟﻧظ ـ ــﺎم اﻟﺛ ـ ــﺎﻧوي‬ ‫ﻟﻠﻣﻧظﻣــﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ وأﻫــم اﻟﻣﺷــﻛﻼت اﻟﻌﻠﻣﯾــﺔ اﻟﺗــﻲ ﺗواﺟﻬﻬــﺎ"‪ ،‬دار اﻟﻧﻬﺿــﺔ اﻟﻌرﺑﯾــﺔ‪،‬‬ ‫‪١٩٩٠‬م‪.‬‬ ‫‪ (٣٩‬طرس ﺑطرس ﻏﺎﻟﻲ‪ ،‬وﻣﺣﻣـود ﺧﯾـري ﻋﯾﺳـﻰ‪" ،‬اﻟﻣـدﺧل ﻓـﻲ ﻋﻠـم اﻟﺳﯾﺎﺳـﺔ" ط‪،٦‬‬ ‫ﻣﻛﺗﺑﺔ اﻷﻧﺟﻠو اﻟﻣﺻرﯾﺔ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫرة‪١٩٩٠ ،‬م‪ ،‬ص‪.٩٨‬‬ ‫‪ (٤٠‬اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻣﻔﺗوﺣﺔ ﺑﺎﻟﻘدس "ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻌرب اﻟﻣﻌﺎﺻر"‪ ،‬ط‪ ،٣‬ﻋﻣﺎن‪٢٠٠٠ ،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٤١‬ﺻﻼح ﻋﺑداﻟرازق "اﻹﺳﻼم واﻷﻣم اﻟﻣﺗﺣدة" أطروﺣﺔ ﻣﺎﺟﯾﺳﺗﯾر ﻣﻧﺷورة‪ ،‬ﺟﺎﻣﻌـﺔ‬ ‫ﻟﯾون ﻫوﻟﻧدا ‪٢٠١٤‬م‪.‬‬ ‫‪- ١٩٩ -‬‬


‫‪ (٤٢‬أﺑ ــﻲ ﺑﻛ ــر ﻋﻠ ــﻲ ﺑ ــن ﻣوﺳ ــﻰ اﻟﺑﯾﻬﻘ ــﻲ )اﻟﻣﺗ ــوﻓﻰ ﺳ ــﻧﺔ ‪٤٥٨‬ﻫـ ــ( ﺗﺣﻘﯾ ــق د‪ .‬ﻋﻠ ــﻲ‬ ‫ﻋﺑداﻟﺣﻣﯾد ﺣﺎﻣد‪ ،‬دار اﻟﻔﻛر‪ ،‬ط‪٢٠٠٩،٣‬م‪.‬‬ ‫‪ (٤٣‬د‪ .‬ﺣﻠــﯾم ﺑرﻛــﺎت‪" ،‬اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ واﻟﻌداﻟــﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ‪ :‬ﻓــﻲ ﺳــﺑﯾل إﻏﻧــﺎء اﻟﺗﺟرﺑــﺔ‬ ‫اﻟﻌرﺑﯾﺔ"‪ ،‬اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﯾﺔ ﻟدراﺳﺎت اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ‪ ،‬رام اﷲ‪١٩٩٥ ،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٤٤‬ﻣﺣﻣــد ﻗﺎﺳــم‪ ،‬أﺣﻣــد ﻫﺷــﺎم‪ ،‬اﻟﺗــﺎرﯾﺦ اﻟﺣــدﯾث واﻟﻣﻌﺎﺻــر‪ ،‬دار اﻟﻣﻌــﺎرف‪ ،‬اﻟﻘــﺎﻫرة‬ ‫‪٢٠٠٦‬م‪.‬‬ ‫‪ (٤٥‬د‪ .‬ﻋﺑــداﻟوﻫﺎب اﻟﻣﺳــﯾري‪" ،‬ﻧﻬﺎﯾــﺔ اﻟﺗــﺎرﯾﺦ"‪ ،‬د ارﺳــﺔ ﻓــﻲ ﺑﻧﯾــﺔ اﻟﺗــﺎرﯾﺦ اﻟﺻــﻬﯾوﻧﻲ‪،‬‬ ‫اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت واﻟﻧﺷر‪ ،‬ﺑﯾروت‪١٩٨٠ ،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٤٦‬ﺑوﯾد ﺷﯾﻔر‪ ،‬ﺗرﺟﻣﺔ ﻋدﻧﺎن اﻟﺣﻣﯾري‪ ،‬اﻟﻘوﻣﯾﺔ ‪ -‬ﻋـرض وﺗﺣﻠﯾـل ‪ ،‬ﺑﯾـروت‪ ،‬دار‬ ‫ﻣﻛﺗﺑﺔ اﻟﺣﯾﺎة‪٢٠٠٦،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٤٧‬ﻣﺣﻣد ﻋﺑداﻟوﻫﺎب اﻟﻛﯾﺎﻟﻲ‪" ،‬ﺗﺎرﯾﺦ ﻓﻠﺳطﯾن اﻟﺣدﯾث" اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت‬ ‫واﻟﻧﺷر‪ ،‬ط‪١٩٩٠ ،٩‬م‪.‬‬ ‫‪ (٤٨‬ﻋﺑ ــد اﻟﻛـ ـرﯾم أﺣﻣ ــد‪ ،‬اﻟﻘوﻣﯾ ــﺔ واﻟﻣـــذاﻫب اﻟﺳﯾﺎﺳ ــﯾﺔ‪ ،‬اﻟﻘ ــﺎﻫرة ‪ ،‬اﻟﻬﯾﺋ ــﺔ اﻟﻣﺻـ ـرﯾﺔ‬ ‫اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻧﺷر ‪٢٠٠٠،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٤٩‬ﻋﺑداﻟﻌزﯾز اﻟﺷﻧﺎوي‪" ،‬أورﺑﺎ ﻓـﻲ ﻣطﻠـﻊ اﻟﻌﺻـور اﻟﺣدﯾﺛـﺔ "‪ ،‬ﺟ ـ‪ ،٢‬ﻣﻛﺗﺑـﺔ اﻷﻧﺟﻠـو‬ ‫اﻟﻣﺻرﯾﺔ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫرة ‪١٩٧٧‬م‪.‬‬ ‫‪ (٥٠‬ﻋﺑ ــداﻟﻌزﯾز ﺳ ــﻠﯾﻣﺎن ﻧـ ـزار‪" ،‬أورﺑ ــﺎ ﻣﻧ ــذ اﻟﺛ ــورة اﻟﻔرﻧﺳ ــﯾﺔ ﺣﺗ ــﻰ اﻟﺣ ــرب اﻟﻔرﻧﺳ ــﯾﺔ‬ ‫اﻟﺑروﺳﯾﺔ"‪ ،‬دار اﻟﻔﻛر اﻟﻌرﺑﻲ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫرة‪٢٠٠٢ ،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٥١‬اﻟﻣوﺳوﻋﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ اﻟﻣﯾﺳرة‪ ،‬ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣؤﻟﻔﯾن‪ ،‬ﻣﻛﺗﺑﺔ ﻟﺑﻧـﺎن‪ ،‬ﺑﯾـروت‪ ،‬ﻟﺑﻧـﺎن ط‪،٣‬‬ ‫‪١٩٨٥‬م‪.‬‬ ‫‪ (٥٢‬ﺧﻠﯾــل ﻋﻠــﻲ ﻣ ـراد وآﺧــرون‪" ،‬د ارﺳــﺎت ﻓــﻲ اﻟﺗــﺎرﯾﺦ اﻷورﺑــﻲ اﻟﺣــدﯾث واﻟﻣﻌﺎﺻــر"‬ ‫ﺑﻐداد‪١٩٨٨ ،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٥٣‬اﻧﺛروﺑوﻟوﺟﯾ ــﺎ اﻟﺣ ــدود ﻓ ــﻲ اﻟ ــوطن اﻟﻌرﺑ ــﻲ‪ .‬اﻟﻣﺣ ــرر‪ ،‬اﻟﻌ ــدد ‪ ،٢١٨‬اﻟﻌ ــدد ‪٢١٨‬‬ ‫اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ﻋﺷر ‪٢٠٠٥‬م‪.‬‬ ‫‪ (٥٤‬ﺑﯾﺗــر ﺗــﺎﯾﻠور وﻛــوﻟن ﻓﻠﻧــت‪ ،‬اﻟﺟﻐراﻓﯾــﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳــﯾﺔ ﻟﻌﺎﻟﻣﻧــﺎ اﻟﻣﻌﺎﺻــر‪ ،‬ﺗرﺟﻣــﺔ‪ :‬ﻋﺑــد‬ ‫اﻟﺳﻼم رﺿوان ٕواﺳﺣﺎق ﻋﺑﯾد‪ ،‬ﺳﻠﺳﻠﺔ ﻋﺎﻟم اﻟﻣﻌرﻓﺔ‪ ،‬اﻟﻛوﯾت‪٢٠٠٣ ،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٥٥‬ﺣﺳـن ﻣــؤﻧس "اﻟﺷـرق اﻹﺳــﻼﻣﻲ ﻓــﻲ اﻟﻌﺻـر اﻟﺣــدﯾث"‪ ،‬ﻣطﺑﻌـﺔ ﺣﺟــﺎزي اﻟﻘــﺎﻫرة‬ ‫اﻟطﺑﻌﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ‪١٩٣٨ ،‬م‪.‬‬ ‫‪- ٢٠٠ -‬‬


‫‪ (٥٦‬ﯾوﺳــف اﻟﺛﻘﻔــﻲ‪" ،‬د ارﺳــﺎت ﻣﺗﻣﯾ ـزة ﻓــﻲ اﻟﻌﻼﻗــﺎت ﺑــﯾن اﻟﺷــرق واﻟﻐــرب ﻋﻠــﻰ ﻣــر‬ ‫اﻟﻌﺻور"‪ ،‬دار اﻟﺛﻘﺔ‪ ،‬اﻟطﺑﻌﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ‪١٤١١ ،‬ﻫـ‪.‬‬ ‫‪ (٥٧‬ﻣﺣﻣـ ــد اﻟﻌﻣروﺳـ ــﻲ "اﻟﺣـ ــروب اﻟﺻـ ــﻠﯾﺑﯾﺔ ﻓـ ــﻲ اﻟﻣﺷـ ــرق واﻟﻣﻐـ ــرب"‪ ،‬دار اﻟﻐـ ــرب‬ ‫اﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﺑﯾروت‪ ،‬اﻟطﺑﻌﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ‪١٩٨٢ ،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٥٨‬ﺻــﻼح اﻟﻌﻘــﺎد‪ ،‬اﻟﺗﯾــﺎرات اﻟﺳﯾﺎﺳــﯾﺔ ﻓــﻲ اﻟﺧﻠــﯾﺞ اﻟﻌرﺑــﻲ‪ ،‬اﻟﻘــﺎﻫرة‪ ،‬اﻟﻣطﺑﻌــﺔ اﻟﻔﻧﯾــﺔ‬ ‫اﻟﺣدﯾﺛﺔ‪١٩٧٤ ،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٥٩‬ﻋﺻﻣت ﺳﯾف اﻟدوﻟـﺔ‪" ،‬ﻋـن اﻟﻌروﺑـﺔ واﻹﺳـﻼم" ﻣرﻛـز د ارﺳـﺎت اﻟوﺣـدة اﻟﻌرﺑﯾـﺔ‪.‬‬ ‫ﺑﯾروت‪ .‬اﻟطﺑﻌﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ‪٢٠٠٤ ،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٦٠‬د‪ .‬ﺧﯾر اﻟدﯾن ﺣﺳﯾب‪" ،‬آراء ﻧﻘدﯾﺔ ﻟﻠﻣﻌﺎﻟم اﻟوﺣدوﯾﺔ ﻓﻲ ﻓﻛر ﺳﺎطﻊ اﻟﺣﺻـري"‪،‬‬ ‫ﻣرﻛز دراﺳﺎت اﻟوﺣدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ ‪١٩٨١‬م‪.‬‬ ‫‪ (٦١‬د‪ .‬ﻣﺻطﻔﻰ‪ ،‬ﺷﺎﻛر‪ ،‬ﻣﻘﺎل )ﻋﺎﻟم اﻟﺛﻘﺎﻓـﺔ اﻟﻣﺗﺧﻠﻔـﺔ(‪ ،‬ﻣﺟﻠـﺔ ﻋـﺎﻟم اﻟﻔﻛـر ﻣـﺞ‪،١٩‬‬ ‫ع‪٢٠٠٤ ،١‬م‪.‬‬ ‫‪ (٦٢‬د‪ .‬ﺣﺳن ﺣﻧﻔﻲ‪ ،‬ﻣﻘدﻣﺔ ﻓﻲ ﻋﻠم اﻻﺳﺗﻐراب‪ ،‬اﻟدار اﻟﻔﻧﯾﺔ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫرة‪٢٠٠٤ ،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٦٣‬روﺟﯾ ـ ــﻪ ﺟ ـ ــﺎرودي‪" ،‬ﺣـ ـ ـوار اﻟﺣﺿ ـ ــﺎرات‪ ،‬ﻣﻧﺷ ـ ــورات ﻋوﯾ ـ ــدات"‪ ،‬ﺑﯾ ـ ــروت‪ ،‬ط‪،٤‬‬ ‫‪٢٠٠٣‬م‪.‬‬ ‫‪ (٦٤‬ﺗرﺑﯾ ــﺔ اﻟﺟ ــﻧس اﻟﺑﺷ ــري‪ ،‬ﺗرﺟﻣ ــﺔ د‪ .‬ﺣﺳ ــن ﺣﻧﻔ ــﻲ‪ ،‬دار اﻟﺗﻧ ــوﯾر‪ ،‬ﺑﯾ ــروت‪ ،‬ط‪،١‬‬ ‫‪٢٠٠٢‬م‪.‬‬ ‫‪ (٦٥‬روﺟﯾﻪ ﺟﺎرودي‪" ،‬ﻣﺎ ﯾﻌد ﺑﻪ اﻹﺳﻼم"‪ ،‬ﺗرﺟﻣﺔ ﻗﺻـﻲ اﻻﺗﺎﺳـﻲ‪ ،‬وﻣﯾﺷـل اﻟﺣﻛـﯾم‪،‬‬ ‫دار اﻟوﺛﺑﺔ‪ ،‬دﻣﺷق‪ ،‬طﺑﻌﺔ ﺑﯾروت‪٢٠٠٦ ،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٦٦‬د‪ .‬ﻋﻠــﻲ اﻟﻘرﯾﺷــﻲ‪ ،‬ﺑﺣــث‪" ،‬ﻧﺣــن واﻟﻐــرب‪ ،‬ﻗـراءة ﻓــﻲ اﻟﺗﻣرﻛــز اﻷورﺑــﻲ وﺗﺟﻠﯾﺎﺗــﻪ‬ ‫ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺎل اﻟﻌرﺑﻲ واﻻﺳﻼﻣﻲ"‪ ،‬ﻣﺟﻠﺔ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل اﻟﻌرﺑﻲ‪١٩٩٥ ،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٦٧‬د‪ .‬أﺣﻣــد اﺑ ــو زﯾ ــد‪ ، ،‬ﻣﻘ ــﺎل )اﻟﺗﺟرﺑــﺔ اﻹﺳ ــﻼﻣﯾﺔ(‪ ،‬ﻋ ــﺎﻟم اﻟﻔﻛـ ـر‪ ،‬ﻣ ــﺞ‪ ،١٠‬ع‪،٢‬‬ ‫‪١٩٧٩‬م‪.‬‬ ‫اﻟﻣﻘــﺎرن‪ ،‬ط‪ ،٣‬دار اﻟﻌــﺎﻟم اﻟﻌرﺑــﻲ‪ ،‬اﻟﻘــﺎﻫرة‪ ،‬د‪.‬ت‪،‬‬ ‫‪ (٦٨‬ﻣﺣﻣــد ﻏﻧﯾﻣــﻲ ﻫــﻼل‪ ،‬اﻷدب ُ‬ ‫‪١٩٩٩‬م‪.‬‬ ‫‪ (٦٩‬أﺣﻣــد رﺿ ــﺎ ﺑ ــك "اﻟﺧﯾﺑــﺔ اﻷدﺑﯾ ــﺔ ﻟﻠﺳﯾﺎﺳ ــﺔ اﻟﻐرﺑﯾ ــﺔ ﻓ ــﻲ اﻟﺷ ــرق"‪ ،‬ﺗرﺟﻣــﺔ ﻣﺣﻣ ــد‬ ‫ﺑورﻗﯾﺑﺔ‪ ،‬وﻣﺣﻣد اﻟﺻﺎدق اﻟزﻣرﻟﻲ‪ ،‬دار ﺑوﺳﻼﻣﺔ‪ ،‬ﺗوﻧس‪ ،‬ط‪٢٠٠٦ ،٢‬م‪.‬‬ ‫‪- ٢٠١ -‬‬


‫‪ (٧٠‬زرﯾق ﻗﺳطﻧﺗﯾن‪"،‬ﻓﻲ ﻣﻌرﻛـﺔ اﻟﺣﺿـﺎرة" ط‪ ،٢‬دار اﻟﻌﻠـم ﻟﻠﻣﻼﯾـﯾن‪ ،‬ﺑﯾـروت‪ ،‬ﻟﺑﻧـﺎن‬ ‫‪٢٠٠٦‬م‪.‬‬ ‫‪ (٧١‬ﻣﺣﻣ ــد ﻋﺑداﻟﺳ ــﻼم اﻟﺟﻔ ــﺎﺋري "ﻣﺷ ــﻛﻼت اﻟﺣﺿ ــﺎرة ﻋﻧ ــد ﻣﺎﻟ ــك ﺑ ــن ﻧﺑ ــﻲ"‪ ،‬اﻟ ــدار‬ ‫اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬ﻟﯾﺑﯾﺎ‪ ،‬ط‪٢٠٠٣ ،١‬م‪.‬‬ ‫‪ (٧٢‬د‪ .‬ﺣﺳ ــن ﺣﻧﻔ ــﻲ‪" ،‬ﻓ ــﻲ اﻟﻔﻛ ــر اﻟﻐرﺑ ــﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻ ــر"‪ ،‬دار اﻟﺗﻧ ــوﯾر‪ ،‬ﺑﯾ ــروت‪ ،‬ط‪،٢‬‬ ‫‪٢٠٠٦‬م‪.‬‬ ‫‪ (٧٣‬د‪ .‬ﻣﺣﻣـ ــد ﻋﻣـ ــﺎرة‪" ،‬اﻟﻐـ ــزو اﻟﻔﻛـ ــري وﻫـ ــم أم ﺣﻘﯾﻘـ ــﺔ"‪ ،‬ﻣﻧﺷ ــورات ﺟﻣﻌﯾـ ــﺔ اﻟـ ــدﻋوة‬ ‫اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ‪ ،‬طراﺑﻠس‪ ،‬ﻟﯾﺑﯾﺎ‪ ،‬ط‪٢٠٠٤ ،٤‬م‪.‬‬ ‫‪ (٧٤‬ﻣﻌن زﯾـﺎدة "ﻣﻌـﺎﻟم ﻋﻠـﻰ طرﯾـق ﺗﺣـدﯾث اﻟﻔﻛـر اﻻورﺑـﻲ"‪ ،‬ﻋـﺎﻟم اﻟﻣﻌرﻓـﺔ‪ ،‬اﻟﻛوﯾـت‬ ‫ﻋدد‪١٩٨٧ ،١١٥‬م‪.‬‬ ‫‪ (٧٥‬د‪.‬ﺷـﻠﺗﺎج ﻋﺑــود "أﺛـر اﻟﻘـرآن ﻓـﻲ اﻟﺷــﻌر اﻟﻌرﺑـﻲ اﻟﺣــدﯾث"‪ ،‬دار اﻟﻣﻌرﻓـﺔ‪ ،‬دﻣﺷــق‪،‬‬ ‫ط‪٢٠٠٤ ،٤‬م‪.‬‬ ‫‪ (٧٦‬ﺷ ـ ــﻔﯾق ﻣﻧﯾ ـ ــر‪" ،‬اﻹﺳ ـ ــﻼم ﻓ ـ ــﻲ ﻣﻌرﻛ ـ ــﺔ اﻟﺣﺿ ـ ــﺎرة"‪ ،‬دار اﻟﻛﻠﻣ ـ ــﺔ‪ ،‬ﺑﯾ ـ ــروت‪ ،‬ط‪،٤‬‬ ‫‪٢٠٠٣‬م‪.‬‬ ‫‪ (٧٧‬ﻋﺑداﻹﻟـ ــﻪ ﺑﻠﻘزﯾـ ــز‪" ،‬ﻣﺣـ ــﺎور اﻹﺳ ــﻼم واﻟﺣداﺛ ــﺔ واﻻﺟﺗﻣـ ــﺎع اﻟﺳﯾﺎﺳـــﻲ"‪ :‬ﺣ ـ ـوارات‬ ‫ﻓﻛرﯾـ ــﺔ‪ .‬ـ ـ ـ ﺑﯾـ ــروت‪ :‬ﻣرﻛـ ــز د ارﺳـ ــﺎت اﻟوﺣـ ــدة اﻟﻌرﺑﯾـ ــﺔ‪ ،‬ﺳﻠﺳـ ــﻠﺔ ﺣ ـ ـوارات اﻟﻣﺳـ ــﺗﻘﺑل‬ ‫اﻟﻌرﺑﻲ‪٢٠٠٤،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٧٨‬ﻣﺣ ﱠﻣ ــد ﻣﺣ ﱠﻣ ــد ﺣﺳ ــﯾن‪" ،‬اﻹﺳ ــﻼم واﻟﺣﺿ ــﺎرة اﻟﻐرﺑﯾ ــﺔ"‪ ،‬ط ‪ ،٥‬ﺑﯾ ــروت‪ :‬ﻣؤﺳﺳـ ـﺔ‬ ‫اﻟرﺳﺎﻟﺔ‪١٩٨٢ ،‬م‪.‬‬

‫‪ (٧٩‬ﺟﻠﺑﯾـ ــر اﻷﺷـ ــﻘر‪ .‬ﺻ ـ ـ ــدام اﻟﻬﻣﺟﯾـ ــﺎت‪ :‬اﻹرﻫ ـ ـ ــﺎب‪ ،‬اﻹرﻫـ ــﺎب اﻟﻣﻘﺎﺑـ ــل واﻟﻔوﺿـ ــﻰ‬ ‫اﻟﻌﺎﻟﻣﯾ ـ ــﺔ ﻗﺑــل ‪ ١١‬ﺳ ــﺑﺗﻣﺑر وﺑﻌــدﻩ‪ .‬ﻧﻘﻠ ــﻪ إﻟــﻰ اﻟﻌرﺑﯾــﺔ‪ :‬ﻛﻣﯾــل داﻏــر‪ ،‬ﺑﯾــروت‪ :‬دار‬ ‫اﻟطﻠﯾﻌﺔ‪٢٠٠٢ ،‬م‪.‬‬ ‫‪" (٨٠‬اﻟﻐ ـ ــرب واﻟﻌ ـ ــﺎﻟم"‪ ،‬ﺳﻠﺳ ـ ــﻠﺔ ﻋ ـ ــﺎﻟم اﻟﻣﻌرﻓ ـ ــﺔ‪ ،‬ع‪١٩٨٥ ،٩٠‬م‪ ،‬ﺣ ـ ـ ـ‪ ،١‬ﺗرﺟﻣ ـ ــﺔ د‪.‬‬ ‫ﻋﺑداﻟوﻫﺎب ﻣﺣﻣد اﻟﻣﺳﯾري ود‪.‬ﻫدى ﻋﺑداﻟﺳﻣﯾﻊ ﺣﺟﺎزي‪.‬‬ ‫‪ (٨١‬د‪ .‬ﺣﺳﯾن ﻣؤﻧس‪ ،‬اﻟﺣﺿﺎرة‪ ،‬ﺳﻠﺳﻠﺔ ﻋﺎﻟم اﻟﻣﻌرﻓﺔ‪ ،‬ع‪ ،١‬ط‪٢٠٠٤ ،٣‬م‪.‬‬ ‫‪ (٨٢‬زﯾﻧــب ﻋﺻــﻣت ارﺷــد‪ :‬اﻟﻣﺧﺗﺻــر ﻓــﻲ ﺗــﺎرﯾﺦ أورﺑــﺎ اﻟﺣــدﯾث‪ ،‬ﻋﺑــد اﻟﻌزﯾــز ﻧ ـوار‪،‬‬ ‫وﻋﺑد اﻟﺣﻣﯾد اﻟﺑطرﯾـق‪ :‬ﺗـﺎرﯾﺦ أورﺑـﺎ اﻟﺣـدﯾث‪ ،‬اﻟﺳـﻌﯾد رزق ﺣﺟـﺎج‪ :‬اﻟﺗـﺎرﯾﺦ اﻷورﺑـﻲ‬ ‫‪- ٢٠٢ -‬‬


‫اﻟﺣ ــدﯾث‪ ،‬ﻣﺎﯾﻛ ــل أﻧﺟﻠ ــو ﯾﺎﻛوﺑﺗﺷـ ـﻲ‪ :‬أﻋ ــداء اﻟﺣـ ـوار‪ ،‬ﻫـ ــ‪.‬ج‪ .‬وﯾﻠ ــز‪" :‬ﻣ ــوﺟز ﺗ ــﺎرﯾﺦ‬ ‫اﻟﻌﺎﻟم"‪ ،‬طﺑﻌﺔ ﺑﯾروت‪٢٠٠٤ ،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٨٣‬ﯾوﺳ ــف اﻟﺣﺳ ــن "اﻟﺑﻌ ــد اﻟ ــدﯾﻧﻲ ﻓ ــﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳ ــﺔ اﻻﻣرﯾﻛﯾ ــﺔ اﺗﺟ ــﺎﻩ اﻟﺻـ ـراع اﻟﻌرﺑ ــﻲ‬ ‫اﻟﺻﻬﯾوﻧﻲ"‪ ،‬ﻟﺑﻧﺎن‪ :‬ﻣرﻛز دراﺳﺎت اﻟوﺣدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪٢٠٠١،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٨٤‬ﻣــورﯾس ﻛروزﯾــﻪ‪" ،‬ﺗــﺎرﯾﺦ اﻟﺣﺿــﺎرات اﻟﻌــﺎم" ﺗرﺟﻣــﺔ ﻋوﯾــدات‪،‬ج‪ ،١‬ﺑﯾــروت‪ ،‬دار‬ ‫اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻌرﺑﻲ‪١٩٦٤ ،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٨٥‬ﻋﻔت اﻟﺷرﻗﺎوي "ﻓﻲ ﻓﻠﺳﻔﺔ اﻟﺣﺿﺎرة اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ"‪ ،‬ﺑﯾروت‪ ،‬دار اﻟﻧﻬﺿﺔ اﻟﻌرﺑﯾـﺔ‪،‬‬ ‫‪١٩٩٠‬م‪.‬‬ ‫"ﺻـ ــﻧﻊ اﻟﻘ ـ ـرار ﻓـ ــﻲ اﻻﺗﺣـ ــﺎد اﻷورﺑـ ــﻲ‬ ‫‪ (٨٦‬ﻣﺣﻣـ ــد ﻣﺻـ ــطﻔﻰ ﻛﻣـ ــﺎل‪ ،‬وﻣﺣﻣـ ــد ﻧﻬ ـ ـرا‪ُ ،‬‬ ‫واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻷورﺑﯾﺔ"‪ ،‬ﻣرﻛز دراﺳﺎت اﻟوﺣدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺑﯾروت ‪٢٠٠٤‬م‪.‬‬ ‫‪ (٨٧‬ﻋﻣﯾرة ﻣﺣﻣد ﺳﻌﯾد‪" ،‬واﻗﻊ وآﻓﺎق ﻣﺎﺳﺗرﺧﯾت"‪ ،‬ﻋﻣﺎن ‪٢٠٠٢‬م‪.‬‬ ‫‪ (٨٨‬ﺣﺳن ﻧﺎﻓﻌﺔ‪ ،‬أورﺑﺎ ﻓـﻲ ﻣطﻠـﻊ ﻗـرن ﺟدﯾـد‪ :‬اﻟﻘﺿـﺎﯾﺎ واﻵﻓـﺎق‪ ،‬ﻣؤﺳﺳـﺔ ﻋﺑداﻟﺣﻣﯾـد‬ ‫ﺷوﻣﺎن‪ ،‬ﻋﻣﺎن‪٢٠٠٤ ،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٨٩‬ﻋﺑــد اﻟﻬــﺎدي اﻟﺑﻛــﺎر‪ ،‬ﻣﻘــﺎل " ﻣﻠــف أﺳ ـرار اﻻﻧﻔﺻــﺎل‪ ،‬أرﺑﻌــون ﺳــﻧﺔ ﻋﻠــﻲ ﻓﺷــل‬ ‫أول ﻧﻣوذج ﻟوﺣدة ﺑﻠدﯾن ﻋرﺑﯾﯾن " ﺻﺣﯾﻔﺔ اﻟزﻣﺎن اﻟﻌراﻗﯾﺔ اﻟﻠﻧدﻧﯾﺔ‪٢٠٠٢/١/١،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٩٠‬ﺳﻠﯾﻣﺎن ﺗﻘﻲ اﻟدﯾن‪ ،‬ﻣﻘـﺎل "اﻟﻌﻧﺎﺻـر اﻟﺗﺄﺳﯾﺳـﯾﺔ ﻟﻠﻔﻛـر اﻟﻘـوﻣﻲ اﻟﻌرﺑـﻲ" ُﻧﺷـر ﻓـﻲ‬ ‫‪ ٢٦‬ﯾوﻟﯾو ‪٢٠٠٩‬م‪.‬‬ ‫‪ (٩١‬ﻣﻧﯾ ــف اﻟ ــرزاز "اﻟوﺣ ــدة اﻟﻌرﺑﯾ ــﺔ ﻫ ــل ﻟﻬ ــﺎ ﻣ ــن ﺳ ــﺑﯾل؟" ﻣﻘ ــﺎل ﻧﺷـ ـرﺗﻪ اﻟﻣؤﺳﺳ ــﺔ‬ ‫اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت واﻟﻧﺷر‪ ،‬ﺑﯾروت ‪١٩٧٤‬م‪.‬‬ ‫‪ (٩٢‬ﺑﺗﺻ ــرف‪ ،‬أﺳ ــﺎﻣﺔ اﻟﺧ ــوﻟﻲ‪ ،‬اﻟﻌ ــرب واﻟﻌوﻟﻣ ــﺔ‪ ،‬ﻣرﻛ ــز د ارﺳ ــﺎت اﻟوﺣ ــدة اﻟﻌرﺑﯾ ــﺔ‪،‬‬ ‫ﺑﯾروت‪ ،‬ط‪١٩٩٨ ،١‬م‪.‬‬ ‫‪ (٩٣‬ﻋﺑد اﻟﺑﺎري اﻟدرة‪ ،‬اﻟﻌوﻟﻣﺔ واﻟﻬوﯾﺔ‪ ،‬أوراق اﻟﻣؤﺗﻣر اﻟﻌﺎﻟﻣﻲ اﻟراﺑﻊ ﻟﻛﻠﯾـﺔ اﻵداب‪،‬‬ ‫ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻓﯾﻼدﻟﻔﯾﺎ‪ ،‬ط‪١٩٩٩ ،٢‬م‪.‬‬ ‫‪ (٩٤‬ﺳ ـ ــﯾﺎر اﻟﺟﻣﯾ ـ ــل‪" ،‬اﻟﻌوﻟﻣـ ـ ــﺔ واﻟﻣﺳـ ـ ــﺗﻘﺑل اﺳـ ـ ــﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ ﺗﻔﻛﯾـ ـ ــر ﻣ ـ ــن أﺟـ ـ ــل اﻟﻌـ ـ ــرب‬ ‫واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟﺣﺎدي واﻟﻌﺷرﯾن"‪ ،‬ﻋﻣﺎن‪ ،‬اﻷﻫﻠﯾﺔ ﻟﻠﻧﺷر‪ ،‬ط‪٢٠٠٠ ،٢‬م‪.‬‬ ‫‪ (٩٥‬د‪ .‬اﻟﺳﯾد ﯾﺳﯾن‪ ،‬اﻟﻌوﻟﻣﺔ واﻟطرﯾق اﻟﺛﺎﻟث‪ ،‬ﻣﯾرﯾت ﻟﻠﻧﺷر‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫرة‪١٩٩٩ ،‬م‪.‬‬ ‫‪ (٩٦‬اﻟــدﻛﺗور ﯾوﺳــف اﻟﻘرﺿــﺎوي‪" ،‬ﻏﯾــر اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن ﻓــﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ اﻹﺳــﻼﻣﻲ"‪ ،‬طﺑﻌــﺔ‬ ‫ﺑﯾروت ‪٢٠٠٦‬م‪.‬‬ ‫‪- ٢٠٣ -‬‬


‫ ﻣطﺑﻌــﺔ‬،‫ ﻓﺻــول وﻣﺳــﺎﺋل ﺗﺗﻌﻠــق ﺑﺎﻟﻣﺳــﺎﺟد‬،‫( ﻋﺑــد اﷲ ﺑــن ﻋﺑــد اﻟــرﺣﻣن اﻟﺟﺑ ـرﯾن‬٩٧ .‫م‬٢٠٠٦ ،‫اﻟﻣدﯾﻧﺔ اﻟﻣﻧورة‬ ‫ﻫـ ــ( "أﺻ ــول اﻟﺗرﺑﯾ ــﺔ اﻹﺳ ــﻼﻣﯾﺔ وأﺳ ــﺎﻟﯾﺑﻬﺎ ﻓ ــﻲ‬١٤٠٣) ‫( ﻋﺑ ــد اﻟ ــرﺣﻣن اﻟ ــﻧﺣﻼوي‬٩٨ .‫ دار اﻟﻔﻛر‬،‫ دﻣﺷق‬،٢‫اﻟﺑﯾت واﻟﻣدرﺳﺔ واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ" ط‬ .‫م‬٢٠٠٤ ‫ ﺻﺎﻟﺢ ﺑن ﻏﺎﻧم اﻟﺳدﻻن "اﻷﺛر اﻟﺗرﺑوي ﻟﻠﻣﺳﺟد" ﺑﯾروت ﻟﺑﻧﺎن‬.‫( د‬٩٩ ‫ دار‬،‫ اﻟﻘـﺎﻫرة‬."‫ "اﻟﻣﺳﺟد وأﺛرﻩ ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻹﺳـﻼﻣﻲ‬،‫( ﻋﻠﻲ ﻋﺑد اﻟﺣﻠﯾم ﻣﺣﻣود‬١٠٠ .‫م‬١٩٩٠ ‫اﻟﻣﻌﺎرف‬ ،‫ اﻟﻘــﺎﻫرة‬،٧‫ ط‬."‫ "اﻟوﺳــﯾط ﻓــﻲ رﺳــﺎﻟﺔ اﻟﻣﺳــﺟد اﻟﻌﺳــﻛرﯾﺔ‬.‫( ﺷــﯾت ﻣﺣﻣــود اﻟﺧطــﺎب‬١٠١ .‫م‬١٩٩٠ ،‫دار اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﻟﻠطﺑﺎﻋﺔ واﻟﻧﺷر‬ ‫ دار اﻟﺛﻘﺎﻓـﺔ ﻟﻠطﺑﺎﻋـﺔ‬،‫ "أﺻول اﻟﺗرﺑﯾﺔ اﻹﺳـﻼﻣﯾﺔ" اﻟﻘـﺎﻫرة‬،‫( ﺳﻌﯾد إﺳﻣﺎﻋﯾﻠﻲ ﻋﻠﻲ‬١٠٢ .‫م‬١٩٩٠ ،‫واﻟﻧﺷر‬ ‫( ﻋﺑــد اﷲ اﻟﺑﺷــﯾر "اﻟﺗرﺑﯾــﺔ ﻓــﻲ اﻟﻣﺳــﺟد واﻟﻛﺗــﺎب واﻟﺧﻠــوة" ﻣرﻛــز اﻟﺑﺣــوث اﻟﺗرﺑوﯾــﺔ‬١٠٣ .‫م‬١٩٨٠‫ ﻣﻛﺔ اﻟﻣﻛرﻣﺔ؛‬،‫واﻟﻧﻔﺳﯾﺔ‬ 104) 105)

106)

107)

108) 109)

110)

‫اﻟﻣراﺟﻊ اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ‬ Charles Issawi ،An Economic History of the Middle East and North Africa Routledge ،London ،2010. Klaus – Dieter Borchard , European Integration : The Origins and Growth of the European Union , European Documentation , Luxembourg : 2008. Jones, Erik; Anand, Menon; Weatherill, Stephen (2012). The Oxford Handbook of the European Union. Oxford: Oxford University Press. Corbett, Richard; Jacobs, Francis; Shackleton, Michael (2011).The European Parliament (8th ed.). London: John Harper Publishing. ISBN 978-0956450852. Axelrod, Alan (2007) Encyclopedia of World War II, Volume 1. Infobase Publishing. James A. Tyner (March 3, 2009). War, Violence, and Population: Making the Body Count, The Guilford Press; 1 edition. Wells, Anne Sharp (2014) Historical Dictionary of World War II: The War against Germany and Italy. Rowman & Littlefield Publishing. - ٢٠٤ -


111) Michael Meyer , The Death ( and) Birth of Europe , Newsweek ,23/12/2002. 112) Wallenstein Palace Gardens". prague-guide.co.uk. Archived from the original on 5 April 2008. Retrieved24 May 2008. 113) Murdoch, S.; Zickermann, K.; Marks, A. (2012). "The Battle of Wittstock 1636: Conflicting Reports on a Swedish Victory in Germany". Northern Studies. 114) Tishkov, Valery (2000). "Forget the 'nation': postnationalist understanding of nationalism". Ethnic and Racial Studies. 115) Peter Radan (2002). The break-up of Yugoslavia and international law. Psychology Press 2010. 116) Internal Regulations of the Secretariat-General of the League". Model League of Arab States. Ed Haynes, Winthrop University 1998, 117) Sevket Pamuk ،The Ottoman Empire and European capitalism ،1820- 1913 ،Cambridge University Press ، 1987.

- ٢٠٥ -


‫ﻣﻠﺤﻖ ﺍﻻﺳﺘﺒﻴﺎﻥ‬

‫ﺗم ﺗوزﯾﻊ ﻫذا اﻻﺳﺗﺑﯾﺎن )ﻣن ﺗﺻﻣﯾم اﻟﺑﺎﺣث( ﻋﻠﻰ ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻌﺎﻣﻠﯾن ﻓﻲ ﻣﺟﺎل ﺗوﺟﯾﻪ اﻟرأي‬

‫ﻣن ﺧطﺑﺎء ﻣﺳﺎﺟد وﺑﻌض اﻟﻣوظﻔﯾن ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺎل اﻹﻋﻼﻣﻲ وﻋﻠﻰ ﻣن ﻟﻪ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺗوﺟﯾﻪ اﻟرأي‬ ‫اﻟﻌﺎم ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﻣﺣﻠﻲ وﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ واﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬وﺗم اﻟﺣﺻول ﻋﻠﻰ اﻹﺟﺎﺑﺎت‬

‫ﻣن ﺧﻼل اﻟﻣراﺳﻠﺔ ﺑﺎﻟﺑرﯾد أو اﻹﻧﺗرﻧت أو اﻟﻣﻘﺎﺑﻠﺔ اﻟﻣﺑﺎﺷرة‪......‬‬ ‫اﻟﺳﯾد اﻟﻣﺣﺗرم‪/‬‬

‫ﺍﻻﺳﺘﺒﻴﺎﻥ‬

‫ﺑرﺟﺎء ﻣن ﺳﯾﺎدﺗﻛم اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﺳﺋﻠﺔ اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ ﻣﻊ اﻟﺗﻌﻬد ﻟﻛم ﺑﺄن ﻫذﻩ اﻷﺳﺋﻠﺔ أو ﺑﯾﺎﻧﺎﺗﻛم اﻟﻣرﻓﻘﺔ‬

‫ﻟن ﯾﺗم اﺳﺗﺧداﻣﻬﺎ إﻻ ﻓﻲ أﻏراض إﺗﻣﺎم ﻫذا اﻟﺑﺣث‪.‬‬ ‫اﻻﺳم‪:‬‬

‫اﻟﺳن‪:‬‬

‫اﻟوظﯾﻔﺔ‪:‬‬

‫اﻟﻧوع‪:‬‬

‫اﻟﻣؤﻫل اﻟﻌﻠﻣﻲ‪ :‬دﻛﺗوراﻩ‪ /‬ﻣﺎﺟﺳﺗﯾر‪ /‬ﻣؤﻫل ﻋﺎﻟﻲ‪.‬‬ ‫ﺑرﺟﺎء وﺿﻊ ﻋﻼﻣﺔ )×( أﻣﺎم اﻹﺟﺎﺑﺔ اﻟﺗﻲ ﺗراﻫﺎ ﻣﻧﺎﺳﺑﺔ‬

‫‪٤‬‬ ‫‪٥‬‬ ‫‪٦‬‬ ‫‪٧‬‬ ‫‪٨‬‬ ‫‪٩‬‬

‫ﻫل ﯾﺷﻌر اﻟﻔرد اﻟﻣﺳﻠم ﺑﺎﻟﺣﻧﯾن ﻟﻸﺧوة اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ أﻛﺑر ﻣن ﺣﻧﯾﻧﻪ‬

‫ﻟﻠوﺷﺎﺋﺞ واﻟرواﺑط اﻷﺧرى؟‬

‫ﻫل اﻟﻘوى اﻻﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﯾد ﻓﻲ ﺗﻔﺗﯾت اﻷﻣﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﻹﺳﻼﻣﯾﺔ؟‬ ‫ﻫل اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟﻐرﺑﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﻣؤﺳﺳﺎت ﺗﻐﯾر ﻓﻲ اﻟﻔﻛر واﻷﺳﻠوب‬

‫ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ واﻹﺳﻼﻣﻲ؟‬

‫ﻫل اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟﻐرﺑﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﺷﻌﺑﻲ ﯾﺧﺗﻠف ﻓﻲ ﻧظرﺗﻪ ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن‬ ‫ﻋن اﻷﺟﯾﺎل اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ؟‬

‫ﻫل اﻟدﻋﺎة اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻣﻘﺻرون ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﺗﺟﺎﻩ ﺗﺻوﯾب ﺻورة‬

‫اﻹﺳﻼم ﻓﻲ ﻋﯾون اﻟﻐرب؟‬

‫ﻫل ﻋداء اﻟﻐرب ﻟﻺﺳﻼم ﺑﺳﺑب اﻹﺳﻼم وﻣﺎ ﯾﺷﺗﻣل ﻋﻠﯾﻪ ﻣن ﻣﺑﺎدئ؟‬ ‫ﻫل ﻋداء اﻟﻐرب ﻟﻺﺳﻼم ﺑﺳﺑب‪ ،‬اﻟﻣوروﺛﺎت اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﺗﺟﺎﻩ اﻷﻓﻛﺎر‬

‫اﻟدﯾﻧﯾﺔ ﺑﺻﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ؟‬

‫‪- ٢٠٦ -‬‬

‫أواﻓق‬

‫‪٣‬‬

‫ﻫل ﯾﺷﻌر اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻣﺳﻠم ﺑﺄﻧﻪ ﺟزء ﻣن أﻣﺔ ﻛﺑﯾرة؟‬

‫أواﻓق ﺑﺷدة‬

‫‪٢‬‬

‫واﻟﻌﺎﻟﻣﻲ؟‬

‫ارﻓض‬

‫‪١‬‬

‫ﻫل اﻟﺟﻣﺎﻫﯾر اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ ﻋﻠﻰ وﻋﻲ ﺑﺄﻫﻣﯾﺔ اﻟوﺣدة ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﻣﺣﻠﻲ‬

‫ارﻓض ﺑﺷدة‬

‫م‬

‫ﻻ أﻋرف‬

‫اﻟﺳؤال‬


‫‪١٠‬‬

‫ﻫل ﻛﺎن ﻟﺳﯾطرة اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻛل ﻣﻧﺎﺣﻲ اﻟﺣﯾﺎة ﺳﺑب ﻓﻲ‬

‫زراﻋﺔ ﺑذور ﻋﺎدات اﻟﻐرﺑﯾﯾن ﻟﻛل اﻷﻓﻛﺎر اﻟدﯾﻧﯾﺔ ﺑﺻﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ؟‬

‫‪ ١١‬ﻫل ﻣوﺟﺔ اﻟﻌداء اﻟﻐرﺑﻲ ﻟﻺﺳﻼم ﻓﻲ ﺗزاﯾد ﻣﺳﺗﻣر؟‬ ‫‪ ١٢‬ﻫل اﻹﻋﻼم ﻟﻪ ﺗﺄﺛﯾر ﻓﻲ ﺗﻐﯾﯾر ﻧظرة اﻟﻐرﺑﯾﯾن ﻟﻺﺳﻼم؟‬ ‫‪١٣‬‬

‫ﻫل ﻧﺟﺣت اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﺳﯾﻛس‪ ،‬وﺑﯾﻛو ﻟﺗرﺳﯾم اﻟﺣدود ﻓﻲ ﺗﻔﺗﯾت اﻟﻌﺎﻟم‬

‫اﻟﻌرﺑﻲ واﻹﺳﻼﻣﻲ؟‬

‫‪ ١٤‬ﻫل ﻛﺎن ُﯾﻣﻛن اﻟوﻗوف ﺿد اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﺳﯾﻛس و ﺑﯾﻛو ﻓﻲ وﻗﺗﻬﺎ؟‬ ‫ﻫل ﻣن اﻟطﺑﯾﻌﻲ أن ﺗﺗواﻓق ﺑﻼد اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻐرﺑﻲ ﺟﻣﯾﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺗﯾت‬ ‫‪١٥‬‬ ‫‪١٦‬‬ ‫‪١٧‬‬ ‫‪١٨‬‬

‫اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ؟‬ ‫ﻫل ﺗرى أن اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﺳﯾﻛس‪ ،‬وﺑﯾﻛو واﻟدول اﻟراﻋﯾﺔ ﻟﻬﺎ اﻣﺗداد‪ ،‬ﻟرﻏﺑﺔ‬ ‫اﻻﺳﺗﻌﻣﺎر؟‬ ‫ﻫل ﯾﺟب ﺗوﻋﯾﺔ اﻟﻧﺧﺑﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﺿد ﻣﺧﺎطر ﺗﻐرﯾب اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت‬ ‫اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ؟‬ ‫ﻫل ﻣن اﻟﻣﺻﺎدﻓﺔ ﺗﻣﺟﯾد اﻟﺑطوﻻت اﻟﻘوﻣﯾﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺣﺳﺎب إﻫﻣﺎل‬ ‫اﻟﺑطوﻻت اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ؟‬

‫ﻫل اﻟﻘوى اﻻﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ اﻛﺗﻔت ﺑﺄن ﺗُراﻗب ﻣﺎ ﯾﺣدث ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ‬ ‫‪١٩‬‬ ‫واﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣن ﺑﻌﯾد دون ﺗدﺧل؟‬ ‫اﻟﻌﻠﯾﺎ ﻓﻲ‬ ‫‪ ٢٠‬ﻫل ﺗواﻓق ﻋﻠﻰ أن اﻟﻘوى اﻻﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ اﻟﯾد ُ‬ ‫ﺗﻔﺗﯾت اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ واﻹﺳﻼﻣﻲ؟‬ ‫‪٢١‬‬

‫ﻫل ﯾﺟب ﺗوﻋﯾﺔ اﻟﻧﺎس ﺑﺄﻫﻣﯾﺔ اﻟوﺣدة ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﻘﺎﻋدة اﻟﻌرﯾﺿﺔ‬ ‫ﻣن اﻟﺟﻣﺎﻫﯾر اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ؟‬

‫‪ ٢٢‬ﻫل ﻫﻧﺎك ﻋﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻟوﺣدة اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ وﺗﻣﺳك اﻟﻧﺎس ﺑﻣﺑﺎدئ اﻟدﯾن؟‬ ‫‪٢٣‬‬ ‫‪٢٤‬‬

‫ﻫل ﺗرى أﻧﻪ ﯾﻧﺑﻐﻲ اﻻﻋﺗراف ﺑﺄن اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ واﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ إﯾﺟﺎد‬ ‫ﻧﻣوذج وﺣدوي‪ ،‬ﯾﺗﻣﺎﺷﻰ ﻣﻊ ﻣﺳﺗﺟدات اﻟﻌﺻر اﻟﺣدﯾث؟‬

‫ﻫل ﺗرى أﻧﻪ ﻣن اﻟﺿروري إﯾﺟﺎد ﻧﻣوذج وﺣدوي ﻟﻠﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ‬ ‫واﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﯾﺗﻣﺎﺷﻰ ﻣﻊ ﻣﺳﺗﺟدات اﻟﻌﺻر اﻟﺣدﯾث؟‬

‫ﻫل ُﯾﻣﻛن أن ﺗواﻓق اﻟﻘوى اﻻﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ ﺑﺳﻬوﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻣوذج وﺣدوي‬ ‫‪٢٥‬‬ ‫ﻟﻠﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ واﻹﺳﻼﻣﻲ؟‬ ‫‪ ٢٦‬ﻫل اﻟﻌﺎﻟم اﻟﯾوم ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﺳﺗﻌداد ﻟظﻬور ﻧﻣوذج إﺳﻼﻣﻲ ﺟدﯾد؟‬ ‫ﻫل ُﯾﻣﻛن أن ﯾﺣدث ﺗواﻓق ﺑﯾن دول اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺳق‬ ‫‪٢٧‬‬ ‫اﻟﻐرﺑﻲ )اﻻﺗﺣﺎد اﻷورﺑﻲ( ؟‬

‫‪- ٢٠٧ -‬‬


‫‪ ٢٨‬ﻫل ﻋﻠﻣﺎء اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻗﺎﻣوا ﺑدورﻫم ﺗﺟﺎﻩ ﻧﺑذ اﻟﺧﻼﻓﺎت اﻟﻔرﻋﯾﺔ؟‬ ‫‪٢٩‬‬ ‫‪٢٩‬‬

‫ﻫل ﺗرى أﻧﻪ ﻣن ﻏﯾر اﻟﻣﻔﯾد إﺛﺎرة أو ﻣﻧﺎﻗﺷﺔ اﻟﺧﻼﻓﺎت ﺑﯾن اﻟﻌﻠﻣﺎء‬ ‫واﻟﻣذاﻫب اﻟﻔﻛرﯾﺔ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﻌوام؟‬ ‫ﻫل ﺗرى أﻧﻪ ﯾﺟب ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠﻣﺎء دﻋوة ﻛل اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻟﻠﻣﺳﺎﻋدة ﻓﻲ‬ ‫اﺳﺗﻌﺎدة دور اﻟﻣﺳﺟد؟‬

‫‪ ٣٠‬ﻫل اﻟﻣﺳﺟد ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ﻣﺟرد دار ﻋﺑﺎدة؟‬ ‫وﯾﺳﺎﻫم ﻓﻲ ﺣل‬ ‫‪ ٣١‬ﻫل اﻟﻣﺳﺟد ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻣﺳﻠم ُﯾﻣﻛن أن ُﯾدﯾر ُ‬ ‫اﻟﻣﺷﺎﻛل اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﺑﻛل ﻣﻛوﻧﺎﺗﻬﺎ ﻣن ﺗﻌﻠﯾم وﺻﺣﺔ وﻏﯾرﻫﺎ؟‬ ‫‪ ٣٢‬ﻫل ُﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون اﻟﻣﺳﺟد ﺣﺎﺿﻧﺔ ﻟﻠﻔﻛر اﻟﻣﺗطرف؟‬ ‫‪ ٣٣‬ﻫل ُﯾﻣﻛن أن ﯾﻧﺟﺢ ﺗﻼءم ﻣﺟﺗﻣﻌﻲ دون أن ﯾﺄﺧذ اﻟﻣﺳﺟد دورﻩ؟‬ ‫‪٣٤‬‬

‫ﻫل ﺑﺎﻟﺿرورة أن ﯾﻘف اﻟﻣﺳﺟد ﺿد اﻟﺣﻛوﻣﺎت ﺣﺗﻰ ﯾﻧﺟﺢ ﻓﻲ ﻣﻣﺎرﺳﺔ‬

‫دورﻩ ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻣﺳﻠم؟‬

‫ﻫل ﻧﺟﺎح اﻟﻣﺳﺎﺟد ﻓﻲ إدارة اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت ُﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون ﺑداﯾﺔ ﻟﺗوﺣﯾد‬ ‫‪٣٥‬‬ ‫اﻟﺻف ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﻣﺣﻠﻲ‪ ،‬ﺛم ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﻌﺎﻟﻣﻲ؟‬ ‫‪٣٦‬‬ ‫‪٣٧‬‬

‫ﻫل اﻟﻌﺎﻣﻠﯾن ﻓﻲ و ازرات اﻷوﻗﺎف ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻋﻠﻰ دراﯾﺔ ﻛﺎﻓﯾﺔ‬ ‫ﺑدور اﻟﻣﺳﺟد ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻣﺳﻠم؟‬

‫ﻫل اﻟﻌﺎﻣﻠون ﺑﺈدارات اﻟﻣﺳﺎﺟد ﻓﻲ اﻟﻌﺻر اﻟﺣﺎﻟﻲ ﻣؤﻫﻠون ﻟﺟﻌل‬

‫اﻟﻣﺳﺟد ﯾﻌود إﻟﻰ دورﻩ اﻟطﺑﯾﻌﻲ؟‬

‫وﻗد ﻗﺎم اﻟﺑﺎﺣث ﺑﺈرﺳﺎل ﻫذا اﻻﺳﺗﺑﯾﺎن ﺑﺎﻟطرﯾﻘﺔ اﻟﻣوﺿﺣﺔ أﻋﻼﻩ‪ ،‬ﻓﻘد ﻗﺎم ﺑﺈرﺳﺎل‬ ‫‪ ٥٠٠‬ﻧﺳﺧﺔ ﻣن ﻫذا اﻻﺳﺗﺑﯾﺎن ﻋﻠﻰ اﻷﺷﺧﺎص اﻟﻣﺳﺗﻬدﻓﯾن ﻛﻌﯾﻧﺔ ﺑﺣﺛﯾﺔ وﺗﻠﻘﻰ ‪٣٠٠‬‬ ‫ُﻧﺳﺧﺔ ﻣﺟﺎب ﻋﻠﯾﻬﺎ وﺗﺑﯾن ﻣن ﺗﺟﻣﯾﻊ اﻟﺑﯾﺎﻧﺎت وﺗﺣﻠﯾﻠﻬﺎ ﻣﺎ ﯾﻠﻲ‪:‬‬ ‫‪ (١‬ﻏﺎﻟﺑﯾﺔ اﻟﻌﯾﻧﺔ اﻟﻣﺑﺣوﺛﺔ ﻻ ﺗﻌرف ﻣﻌﻠوﻣﺎت واﻓﯾﺔ ﻋن اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﺳﯾﻛس وﺑﯾﻛو‬ ‫)‪ ٢٥٠‬ﻓرد( أي ﺑﻧﺳﺑﺔ ‪ ،%٨٣.٣٣‬وﻫذا ﯾدل ﻋﻠﻰ ﻧﺳﺑﺔ اﻟوﻋﻲ اﻟﻣﺗدﻧﯾﺔ ﻓﻲ‬ ‫اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ واﻹﺳﻼﻣﻲ ﺣول ﻫذﻩ اﻻﺗﻔﺎﻗﯾﺔ وﻫذا ﯾؤﻛد ﻣﺎ ذﻫب إﻟﯾﻪ اﻟﺑﺎﺣث‪.‬‬ ‫‪ (٢‬اﺗﻔﺎق ﻏﺎﻟﺑﯾﺔ اﻟﻌﯾﻧﺔ ﻓﻲ أﻧﻪ ﻣن اﻟﺿروري إﯾﺟﺎد ﻧﻣوذج إﺳﻼﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﻏرار‬ ‫اﻻﺗﺣﺎد اﻷورﺑﻲ وﻟﻛن ﺑﺎﻻرﺗﻛﺎز ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ‪.‬‬ ‫‪ (٣‬اﺗﻔﺎق ﻏﺎﻟﺑﯾﺔ اﻟﻌﯾﻧﺔ ﻋﻠﻰ إن اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻐرﺑﻲ ﯾﻧظر إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ واﻹﺳﻼﻣﻲ‬ ‫ﺑﻧﻔس اﻟﻧظرة اﻻﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ‪.‬‬ ‫‪- ٢٠٨ -‬‬


‫‪ (٤‬ﻏﺎﻟﺑﯾﺔ أﻓراد اﻟﻌﯾﻧﺔ ﯾرون أن ﻫﻧﺎك ﺗﻘﺻﯾر ﻣن ﺟﺎﻧب اﻟدﻋﺎة اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‪.‬‬ ‫‪ (٥‬اﺗﻔﺎق ﻏﺎﻟﺑﯾﺔ اﻟﻌﯾﻧﺔ ﺑﻧﺳﺑﺔ ﺗﺗراوح ﻣن‬

‫‪ %٨٠‬إﻟﻰ ‪ %٨٥‬ﻓﻲ اﻟﻌدﯾد ﻣن‬

‫اﻷﺳﺋﻠﺔ اﻷﺧرى واﻟﺗﻲ ﺗُﻔﯾد ﺑﺄن اﻟﻣﺳﺎﺟد ﻻ ﺗﻘوم ﺑدورﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻌرﺑﻲ‬

‫واﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﺣﺎﻟﻲ‪ ،‬وﻫذا ﯾؤﻛد ﻧﺗﺎﺋﺞ اﻟدراﺳﺔ اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ اﻟﺗﻲ ﺗوﺻل ﻟﻬﺎ اﻟﺑﺎﺣث‪.‬‬

‫‪ (٦‬اﺗﻔﺎق ﻏﺎﻟﺑﯾﺔ اﻟﻌﯾﻧﺔ ‪ %٩٠‬ﻓﻲ أن اﺳﺗﻌﺎدة اﻟﻣﺳﺎﺟد ﻷدوارﻫﺎ ﺳﯾﻛون ﻟﻪ ﻓواﺋد‬ ‫ﻛﺑﯾرة ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾد اﻟﺧدﻣﻲ وﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾد اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﻲ وﻫذا ﻣن ﺷﺎﻧﻪ أن ﯾؤدي‬ ‫ﻟﺗوﺣد وﻧﻘﺎء اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲ‪.‬‬ ‫‪ (٧‬اﺗﻔﺎق ﻏﺎﻟﺑﯾﺔ أﻓراد اﻟﻌﯾﻧﺔ ‪ %٨٠‬ﻋﻠﻰ أن اﻟﻣﺳﺟد ﻻ ُﯾﻣﺛل ﺣﺿﺎﻧﺔ ﻣﻧﺎﺳﺑﺔ‬ ‫ﻟﻸﻓﻛﺎر اﻟﻣﺗطرﻓﺔ‪.‬‬

‫‪ (٨‬وﻓﻲ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﺳؤال ﻫل اﻟﻣﺳﺟد ﻣﺟرد دار ﻋﺑﺎدة ﻛﺎﻧت اﻹﺟﺎﺑﺔ ﺑـ)ﻻ‬ ‫أواﻓق( ﺗﻘﺗرب ﻣن ﺣﺎﻟﺔ اﻟرﻓض اﻟﻌﺎم )‪ (%٩٥‬وﻫذا ﯾؤﻛد ﻋﻠﻰ إن ﻋﻣوم‬ ‫اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﯾﺄﻣﻠون أن ﯾﻌود دور اﻟﻣﺳﺟد ﻟﺳﺎﺑق ﻋﻬدﻩ ﻟﻛﻲ ُﯾﻔﯾد اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ‬ ‫اﻟﻣﺣﻠﻲ اﻟﻣﺣﯾط ﺑﻪ‪.‬‬

‫‪- ٢٠٩ -‬‬


Summary When we look at the world today, we see the Islamic nation that gathered by God but and the Devil divided it. Muslim sees this isolated nation. Islamic nation states have become sporadic groups each group chairman. Muslim hates this matter and wishes to return the Muslim nation is one nation, as it was. Each group have supporters claim that the right with them. The common people are confusing in this situation. Some wise people are silent, and the other people speak without knowledge. The dispute became serious and not just a difference of ideas and visions, sometimes armed conflicts between some groups occur. Some groups do not marry each other. All these things make us admit with the failure that; we fell in it. On the other side we see Western countries have succeeded in dissolving differences between them and united. We see that the former enemies have become friends today and see the European continent exhausted itself in bloody wars. These countries are today under the banner of the European Union no national boundaries between these countries. From the above we see the research problem in the flowing questions: 1) Are there elements of unity among Muslims? 2) Why Muslims failed despite they possess all the tools of unity and the West succeeded despite the presence of the causes of discord? 3) Through our recognition of the reasons for this failure, could we formulate a model of success? This study consists of an introduction and five chapters; the first chapter speaks about the unity of the Islamic nation in the faith and in the curriculum. Chapter two speaks about the historical factors that led to disperse Muslims row. Chapter three speaks of the concept of the nation-state and the end of this concept on the ground. Chapter four speaks about the general characteristics in thought and personal of Western, some wars in the western country. Chapter five speaks about the learned lessons and the way back to the unity of Muslims. Then we see the recommendations and references.

- ٢١٠ -


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.