تلك ، أيضاً ، رعشة السكين صلاح فائق وفن الكولاج عبد الكريم كاظم

Page 1

1


2


Makhtootat press and publishing house Mauvelaan 67 2282 SW Rijswijk The Netherlands E-mail: nasirmounes@hotmail.com

) ‫ رعشة السكين ( صالح فائق وفن الكوالج‬، ً ‫ ايضا‬، ‫ تلك‬: ‫اسم الكتاب‬ ‫ عبد الكريم كاظم‬: ‫اسم المؤلف‬ ) ‫( العنوان مقتبس من قصيدة للشاعر صالح فائق‬ . ‫صورة الغالف كوالج للشاعر صالح فائق‬ ‫تصميم الغالف ناصر مؤنس‬ ‫الطبعة األولى‬ 2014 :‫سنة اإلصدار‬ ‫ دار مخطوطات‬: ‫الناشر‬

All rights reserved. No parts of this publication may be reproduced, stored in a retrieval system, or transmitted in any form or by any means, electronic, mechanical, photocopying, recording or other wise, without the prior permission, in writing, of the publisher.

3


4


5


‫ومع ذلك‪ ،‬ال تترك للغزاة‬ ‫تلك الورود الذهبية‬ ‫صالح فائق – من مجموعة ( رهائن ) – دمشق ‪5791‬‬

‫‪6‬‬


‫التكثيف الشعري الرمزي من خالل معنى الكوالج‬ ‫وداللته الفنية‬

‫‪7‬‬


‫بين قلة من الشعراء المعاصرين اختار الشاعر صالح‬ ‫فائق الكوالج مع النص‪ ،‬عالمان متناقضان ومتشابهان‬ ‫في نفس الوقت‪ ،‬وخالفًا لمعاصريه وجد في الكوالج‬ ‫طريقة مغايرة أخرى لكتابة تجربته الشعرية المتصلة‬ ‫بتجربته الوجودية والذاتية والجمالية‪ ،‬من هنا نرى شعر‬ ‫صالح في لحظيته مرآة ونافذة في ذات الوقت‪ ،‬ينظر‬ ‫من خالله إلى أعماق ذاته وإلى العالم دون فقدانه‬ ‫رؤية وهشاشة وعنف أو خراب الواقع‪ ،‬والشاعر هنا‬ ‫أيضًا يسكن كتائه تخومًا من المعاني المتناثرة في هذا‬ ‫الكوالج أو ذاك‪ ،‬مثلما فضاءات الداللة تقع بين عالمين‬ ‫متقاربين‪ :‬الكوالج والنص ‪.‬‬

‫‪8‬‬


‫يلجأ الشاعر إلى التكثيف الشعري‪ ،‬من خالل لغة النص‪،‬‬ ‫وإلى التكثيف الرمزي‪ ،‬من خالل معنى الكوالج ودالالته‬ ‫الفنية‪ ،‬ويمكننا القول أيضًا أن لفن الكوالج في نصوص‬ ‫صالح فائق إقامة دائمة لعالمات االستفهام ما يؤدي إلى‬ ‫عدم استطاعة قراءة نصوصه منفصلة عن الكوالج‪ ،‬إنه‬ ‫تشابك يخلق نصًا متميزًا ويؤكد لنا حقيقة أن كل نص يكتبه‬ ‫الشاعر تصنعه تجربة ما ويحمل بين دالالته الكثير من‬ ‫األسئلة الوجودية والكونية‪ ،‬ويمتزج النص الشعري‬ ‫بالمعنى الرمزي للكوالج ال المعنى التقليدي المعروف‬ ‫الذي يتضمن البعض من جذاذات الجرائد وأجزاء من‬ ‫الورق الملون المصنوع يدويًا وبعض الصور الفوتوغرافية‬ ‫وبعض األعمال الفنية‪ ،‬وبذلك يمنحنا هذا المزج طريقة‬ ‫جديدة للكشف عن المعنى المراد من النص والكوالج في‬ ‫نفس الوقت ‪.‬‬ ‫‪9‬‬


‫تستمد تجربة الشاعر مع هذا الفن البصري (الكوالج)‬ ‫ديمومته الجمالية خاصة وأن الشاعر سليل ثقافة‬ ‫عريقة وظفها جيدًا في تجربته الشعرية اإلبداعية التي‬ ‫حملت همًا معرفيًا وثقافيًا وفنيًا طغى على أي حالة‬ ‫أخرى‪ ،‬ويبدو صالح مشغوال ً‪ ،‬كما نلمس في أغلب‬ ‫نصوصه وطبيعة اختياره للكوالج‪ ،‬برغبته في أن يجعل‬ ‫قراءة المعنى حاضرة على نحو متواصل مثلما يجعلنا‬ ‫أن نفكر بطريقة جديدة إلقامة اتصال فني ـ جمالي‬ ‫مع فن الكوالج وهي فكرة مغايرة ترى أن تأثير‬ ‫الكوالج في النص الشعري شيء يتطلب التعاطي معه‬ ‫نقديًا‪ ،‬لكن الشاعر‪ ،‬رغم أساليبه المتنوعة في الكتابة‬ ‫الشعرية واختيار الكوالج‪ ،‬يؤمن كشاعر أنه من هذا‬ ‫الفن البصري يستطيع أن يصنع أفق نصوصه ورؤيته‬ ‫وانطباعاته‪،‬‬ ‫‪10‬‬

‫إذ بدون فهم يؤمن كشاعر أنه من هذا الفن البصري‬ ‫يستطيع أن يصنع أفق نصوصه ورؤيته وانطباعاته‪ ،‬إذ‬ ‫بدون فهم الكوالج لن يستطيع المتلقي أن يصل إلى‬ ‫المعنى الشعري الذي يطمح إليه الشاعر مثلما تطمح‬ ‫إليه القراءة النقدية ‪ .‬كما يسعى الشاعر إلى كتابة‬ ‫تأريخ العالم القديم ـ الجديد عبر مخيلة شعرية جامحة‬ ‫تمزج النص الشعري بالكوالج‪ ،‬كأن الشاعر هنا يريد أن‬ ‫يخلق عالمًا جديدًا ومغايرًا يعبر عن المستقبل‬ ‫ومقارباته ويرصد الراهن المسكون بالمفارقات ‪ .‬إننا ال‬ ‫نسعى من خالل هذه المالحظات‪ ،‬اعاله‪ ،‬إلى تقويم‬ ‫التجربة الشعرية المتصلة بفن الكوالج وحسب بل‬ ‫نستدعي االعتماد على متن متنوع بين النص والكوالج‬ ‫ونعتقد أن مثل هذا االستدعاء لم يتحقق بعد‪ ،‬ولكن‬ ‫قراءاتنا النقدية تُملي علينا القول بأنه لتطور فن‬ ‫الكوالج‬


‫ال بد من مشروع فني مشترك ونقصد بالمشروع‬ ‫المشترك توفر قناعة فكرية وجمالية بمعطيات شعرية‬ ‫أيضًا يسعى الناقد من خاللها إلى بلورة معرفة فنية ـ‬ ‫شعرية جديدة ومتصلة‪ ،‬ولن يتم ذلك إذا لم يكن هناك‬ ‫اختيار جمالي للكوالج وتجاوز ما هو متداول من خالل‬ ‫اقتراح لغة شعرية ورؤية جمالية تمليها التجربة المعرفية‬ ‫ـ الذاتية الرصينة‪ ،‬ألن وضع كوالج مع قصيدة ما ليس‬ ‫للمتعة البصرية وحسب بل لمحاورة القارئ وتحريضه‬ ‫الكتشاف المعنى أو البحث عنه ‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫أيها الهارب‬ ‫أنتَ مسؤول عن هذه اإلشارات‬ ‫تحدثها في األعماق اهواؤك الجميلة‪.‬‬

‫انظر إلى استدارة وحيدة على القماش‬ ‫نسيها جسد امرأة‬ ‫نهدان يزهوان‬ ‫كأن من حلمتيهما‬ ‫‪12‬‬


‫تتخضب الجذور والكتب‬ ‫الطيور والحمام‬ ‫الموانئ واالجناس‬ ‫ربما لهذا السبب‬ ‫سيبقى العالم مزهواً إلى األبد‬

‫‪.‬‬

‫صالح فائق – من مجموعة (تلك البالد ) ‪-‬لندن ‪8791-‬‬

‫‪13‬‬


‫عناق شعري بين النص و الكوالج‬

‫‪14‬‬


‫استكمل الشاعر مهمة االتصال الجمالي بين النص‬ ‫والكوالج بعدّة فكرية ونقدية وفنية ومخيلة مغايرة أكثر‬ ‫تماسكًا‪ ،‬وانطالقًا من ذات األسباب الفنية الكامنة في‬ ‫النص والكوالج معًا تحرر الشاعر من ربقة الثابت في‬ ‫الكتابة الشعرية المتصلة بالفنون األخرى ومنها الكوالج‪،‬‬ ‫بشكل خاص‪ ،‬ولعل هذا التحرر في الفكرة الشعرية‬ ‫واألسلوب وشكل االختيار عائد إلى طبيعة التجريب‬ ‫الشعري الذي يمارسه الشاعر في أغلب اختياراته‬ ‫المتصلة بالكوالج من جهة وبنصوصه الشعرية من جهة‬ ‫ثانية ‪.‬‬ ‫الكوالج الذي يتم اختياره من قبل الشاعر ينطلق‪ ،‬أيضًا‪،‬‬ ‫من مفهوم جمالي محض ليصل إلى بناء فكرة مجاورة‬ ‫للنص تعبر عن تطلعات ومتابعات وإشارات الشاعر في‬ ‫الحياة والموقف كما في الشعر‪،‬‬ ‫‪15‬‬


‫وال شك أن هذا االختيار لهذه المجموعة من الكوالجات ال‬ ‫تعني حكمًا على قيمتها الفنية وحسب بل لتثبيت منهجية‬ ‫الشاعر في التغيير‪ ،‬وأعني تغيير النظرة إلى العالم والكون‬ ‫‪ .‬لقد تشكلت هذه النظرة أيضًا في إطار انفتاح ـ تداخل‬ ‫الفنون على بعضها البعض‪ ،‬إال أن هذه النظرة كانت‪ ،‬على‬ ‫ما بينها من تداخل وانفتاح‪ ،‬تدعو إلى ما هو ذاتي وجمالي‬ ‫وراهني ‪ .‬ومثلما يحيل الذاتي على اإلنسان ـ الشاعر بصفته‬ ‫فردًا ال يجب أن تمنعه فرديته من تأكيد هويته الشعرية‬ ‫واإلنسانية معًا ومن انفتاحه على الفنون‪ ،‬كذلك يحيل‬ ‫الراهني على خصوصية تأريخه لزمن يشكّل التحرر من كل‬ ‫إضافة للجمالي الذي‬ ‫القيود المتقاطعة مع كل الفنون‪،‬‬ ‫يحيل على واقع الحياة اليومية وماهيتها ‪ .‬ثمة من يكتب‬ ‫الشعر مأخوذًا بجمالية الكوالج وراقصًا على جمال الكلمة‬ ‫وحيويتها والقها التعبيري الذي يأتلف مع المعنى مثلما يأتلف‬ ‫مع الكوالج في عناق شعري حميم‬ ‫‪16‬‬


‫ويبدو لي أن الشاعر (بول فاليري) قد أصاب المعنى في‬ ‫تعبيره الذي حدد من خالله (الشعر بالرقص) ولكن الشعر‬ ‫الذي هو رقص جميل مع الكلمة أو حوار راقص مع فن‬ ‫الكوالج قليل ونادر‪ ،‬قد يتسأل البعض بغرابة‪ :‬وما شأن‬ ‫الرقص بالشعر؟ سأضحك‪ ،‬ال لغرابة السؤال بل لطريقة‬ ‫صياغته فالشاعر الذي ال يجيد التعامل مع كلمات القصيدة‬ ‫أو الموجودات المحيطة به ليس بشاعر‪ ،‬إذن ال يكمن سر‬ ‫القصيدة في الشاعر بل باألشياء المحيطة به‪ ،‬الشعر‬ ‫موجود في كل شيء‪ ،‬الفلسفة والعلم والخيال‬ ‫واألسطورة والتوقع و كذلك الكوالج‪ ،‬ثمة أكذوبة قديمة‬ ‫ترسخت عنوة في ذهن البعض مفادها‪( :‬المعنى في قلب‬ ‫الشاعر) يا لها من كذبة سمجة ومحاولة نقدية مستهلكة‬ ‫لاللتفاف على معنى المعنى‪.‬‬ ‫‪17‬‬


‫اني أدفنُ طيوراً ميتة في وهاد‬ ‫تعرفون أين تقع ‪ ،‬في األرض‬ ‫أو في الذاكرة ‪.‬‬ ‫ضحكات باعة‬ ‫أراهم دائما يبحثون عن طريق ‪.‬‬

‫اني أصعدُ من وهاد‬ ‫تعرفون موقعها في األرض أو في الذاكرة‬ ‫‪18‬‬


‫في الدروب إبل ضائعة‬ ‫تهاجمها نسور‪.‬‬ ‫حين انتهي إلى مرتفع‬ ‫التقي صيادلة ينظرون إلي‬ ‫يقهقهون‪.‬‬ ‫صالح فائق –من مجموعة ( الطريق إلى البحر) – باريس ‪8711 -‬‬

‫‪19‬‬


‫عالقة الشعر بالكوالج‬

‫‪20‬‬


‫الكالم عن الشعر هو‪ ،‬في‬ ‫الشكل الفني‪ ،‬كالم عن رمزية‬ ‫الكوالج‪ ،‬ففي ضوء هذه‬ ‫الرمزية ترتسم عالقة الشعر‬ ‫بالكوالج كتطابق في السياق‪،‬‬ ‫وليست الرمزية هنا مقصودة‬ ‫لذاتها بل تعيننا على معاينة حيّز‬ ‫التطابق ولنقرأ‪ ،‬نقديًا‪ ،‬في هذا‬ ‫الحّيز معنى الشعرية المجردة‬ ‫وفي هذه الشعرية نقرأ‪ ،‬أيضًا‪،‬‬ ‫معناها اآلخر المتصل بالكوالج‬ ‫مثلما نصوغ سؤالها المرتبط‬ ‫بشكل خاص مع الكوالج‪،‬‬

‫‪21‬‬

‫ومن خالل صياغة السؤال ال‬ ‫تتعرض عالقة الشعر والكوالج‬ ‫لسوء القراءة أو عيوب النقل‬ ‫والمحاكاة وال تنزلق هذه العالقة‬ ‫إلى إفراغ المفاهيم الجمالية‬ ‫واللغوية من وظائفها الفنية‬ ‫والرمزية أو من معناها الذي هو‬ ‫ضرورتها‪ ،‬حتى لكأن الكوالج‬ ‫ليس مجرد تمرينًا في تطبيق‬ ‫الفكرة الجمالية بل تطابقًا معها‪.‬‬ ‫إن االستعانة أو اإلفادة من فن‬ ‫الكوالج من منطلق المعنى‬ ‫الجمالي وسؤاله الخاص أمر‬ ‫ينقلنا من الحوار إلى التلقّي‬ ‫وأعني‪ ،‬تلقّي المعنى الوافد‬


‫للنص ثم الدخول بحوار خاص مع المعنى المتصل‬ ‫بالكوالج‪ ،‬مع العلم بأن الحوار ليس اختيارًا أو انتقاء بل‬ ‫عملية تطابق تجيزها مرتكزات نقدية قائمة بين الشعر‬ ‫والكوالج ومفتوحة على أبواب التأويل المختلفة ‪.‬‬ ‫إن الكالم عن العالقة بين الشعر والكوالج هو كالم أيضًا‬ ‫عن حقل ثقافي ـ نقدي مختلف‪ ،‬أي على عالقات تشبه‬ ‫منظومات فكرية ومعتقدات جمالية مغايرة وقيم فنية‬ ‫معرفية‪ ،‬وبالنظر إلى هذه العالقة المتداخلة التي‬ ‫اسقطت معايير القراءة النقدية الجامدة والقارئ الواقف‪،‬‬ ‫بال حراك‪ ،‬أمام النص‪ ،‬عالقة تنتمي إلى الجمال الذي‬ ‫يتحكم‪ ،‬في بعض األحيان‪ ،‬بذائقتنا واختياراتنا‪ ،‬عالقة‬ ‫تستدعي نموذجية النقل وفنية المحاكاة‪ ،‬تحاكي المعنى‬ ‫الذي نتحدث أو نبحث عنه‪،‬‬

‫‪22‬‬


‫وتحاكي حياتنا أيضًا‪ ،‬قد يتساءل البعض‪ :‬كيف‬ ‫نحدد سؤال العالقة؟ نقول‪ ،‬ال ننفي مثل هذا‬ ‫السؤال ولسنا ضده‪ ،‬ولكن تحديد السؤال‪ ،‬في‬ ‫القراءة النقدية‪ ،‬يبدو ضروريًا ولعل ما تقدّم‪ ،‬من‬ ‫مالحظات او إشارات نقدية‪ ،‬يحمله أو على األقل‬ ‫يشير إليه ويلمح إلى جمالية العالقة المجردة‪ ،‬أي‬ ‫إلى كونه سؤاال ً عن ماهية الشعر في حقله الفني‬ ‫المتصل بالكوالج من جهة‪ ،‬وفي كونه من جهة‬ ‫ثانية سؤاال ً عن حيّز التطابق ‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫حقلٌ‬ ‫فيه أطباء‬ ‫وفيله‪.‬‬

‫كل فيل يحملُ مئات الكتب‬ ‫بعضها يحترق‬

‫خلف الفيلة واألطباء‬ ‫‪24‬‬


‫عجوز تقضمُ تفاحة‬ ‫أمامها صندوق خشبي‬ ‫يحوي رفات ابنها ‪.‬‬ ‫صالح فائق ‪ -‬من مجموعة ( مقاطعات و أحالم ) لندن ‪8711‬‬

‫‪25‬‬


‫البحث عن المعنى اآلخر‬

‫‪26‬‬


‫يقول أندريه بريتون‪( :‬الجمال يتداعى) وفي محاولة قراءتنا النقدية لهذه التداعيات‬ ‫الجمالية التي تنطوي على أسرارها وتلتبس فيها الدالالت بعد أن داخلتها‪ ،‬في الشعر‪،‬‬ ‫جمالية الكوالج ومالت إلى الصورة الرمزية وقاربت بين أطراف المعنى والداللة‪ ،‬من هنا‬ ‫يصنع الشاعر العراقي صالح فائق صورًا شعرية مغايرة وصادمة‪ ،‬صورًا هي أقرب إلى‬ ‫التركيب الذهني منها إلى التشكيل التجريدي وهو في ذلك انما يعبر عن إيمانه التلقائي‬ ‫لهاجسه الفني والجمالي واللغوي ‪ .‬النص الذي يكتبه صالح يدور حول الرموز والتفاصيل‬ ‫والوجود والذات والحياة ومشاهداته الخاصة‪ ،‬بل يمضي إليه مدفوعًا برغبة البحث عن‬ ‫المعنى اآلخر الذي يجعل القارئ النقدي واقفًا ما بين المعنى وطريقة العثور عليه أو ما‬ ‫بين الرمز والصورة الذهنية المكثفة المتصلة بالكوالج وما بين اللغة الشعرية وبالغتها ‪.‬‬ ‫هناك الصورة الشعرية التي يجترحها خيال الشاعر تذكرنا دائمًا بالمرئيات وخصوصًا‬ ‫مرئيات الرسام الفرنسي بول سيزان التي هي من الواقع وليست منه في الوقت ذاته‪،‬‬ ‫من هنا أيضًا يستعير صالح صوره من الحياة والواقع والكون والتفاصيل المحيطة به‬ ‫إضافة لحضور المشاهدة‪ ،‬كما أسلفنا‪ ،‬ونقلها كما هي عبر هذا المقطع الشعري على‬ ‫سبيل المثال‪( :‬وهناك ضرير يندفع من زقاق باحثًا عن هاتف) ليأخذنا الحقًا‪،‬‬ ‫‪27‬‬


‫من خالل هذه الصور‪ ،‬بمرجله االرتجالي إلى التنقيب عن المعاني والدالالت‪ ،‬إذن كل‬ ‫شيء في النص الشعري الذي يكتبه صالح يدعو للدهشة التي يحتاجها القارئ‪ ،‬في نصه‬ ‫أيضًا ال تخون اللغة الشعرية كلمات النص حين تذهب بقارئها النقدي إلى جوهر الشعر‬ ‫‪ .‬ثمة نصوص شعرية لصالح فائق كم تمنيت لو أنني كنت كاتبها‪ ،‬هذه األمنية‪ ،‬على ما‬ ‫يبدو للقراءة النقدية‪ ،‬هي المستوى اآلخر من المعنى‪ ،‬وهو المستوى المتعلق بجمالية‬ ‫النص الذي يتداعى أمام لذة القراءة وجماليتها أو غرابة الداللة التي تنتج‪ ،‬بدورها‪ ،‬دالالت‬ ‫إضافية وسط الكثير من المعاني الجوهرية واللغوية والرمزية المتصلة بمعنى الكوالج أو‬ ‫بجوهر النص الشعري نفسه ودالالته الفنية والجمالية ‪.‬‬ ‫نصوص الشاعر تقرأ من نهايتها كما تقرأ من بدايتها‪ ،‬أنها النصوص المفتوحة التي تتزامن‬ ‫فيها التفاصيل وتتقاطع‪ ،‬وتكشف معانيها من خالل صناعة هذه المعاني ومن خالل تلك‬ ‫الخيوط الرمزية التي توصلنا بالداللة‪ ،‬نصوصه تمد لغتها باتجاه عالم واسع‪ ،‬خارج حدود‬ ‫المرئيات أحيانًا‪ ،‬تنداح معانيه على سطح الحروف وااللفاظ والعبارات‪،‬‬

‫‪28‬‬


‫ثمة تطابق في بعض النصوص بحيث‬ ‫تلبس الكلمة المعنى والمعنى الكلمة‪،‬‬ ‫ولكن هذا التطابق قد ال نجده في‬ ‫أغلب مجاميعه الشعرية‪( :‬نملة تمشي‬ ‫في جنازة‪/‬آكل قصائدي في زقاق‬ ‫ضيق‪/‬في مدن مومياوات‪/‬شاعر نائم‬ ‫يكتب قصائد‪/‬ومضات‪/‬دببة في مأتم) ‪.‬‬

‫‪29‬‬


‫صورٌ تتداعى ‪ ،‬اتخيلها‬ ‫اكتبها ‪ ،‬أسردها على سجين‬ ‫اخلقه ‪ ،‬أوالً ‪ ،‬في زنزانة مبطنة بالصوف‬ ‫ثم أفتحُ له الباب‬ ‫ليرافقني‬

‫‪30‬‬


‫في أوقات‬ ‫أرويها على جاري المشلول‬ ‫الذي يراقبُ ‪ ،‬اآلن‬ ‫ثعباناً يحتضرُ في قنينة مغلقة ‪.‬‬ ‫صالح فائق ‪ -‬من مجموعة ( رحيل ) لندن ‪8719 -‬‬

‫‪31‬‬


‫الكشف عن طبيعة الخيال‬

‫‪32‬‬


‫يقول الشاعر الروسي الكسندر بوشكين‪:‬‬ ‫(سأذرف الدموع على الخيال) من هنا يالمس‬ ‫الشاعر في كتاباته الشعرية واحدة من أهم‬ ‫قضايا اإلبداع الشعري‪ ،‬وهو الخيال‪ ،‬ومن هنا‬ ‫نتساءل أيضًا‪ :‬أليس يبهرنا الشاعر عندما يخلق‬ ‫بواسطة خياله نصًا مغايرًا هو صورة أناس‬ ‫ومخلوقات وأشكال وتجارب؟ أنه يبهرنا ألنه ال‬ ‫يخفي عنا جمالية اللغة وغرابة المعاني‪ ،‬وإن‬ ‫المفردة الشعرية في تجربة صالح فائق تأتي‬ ‫استجابة‪ ،‬إضافة للمخيلة الصارمة‪ ،‬إلى قانون‬ ‫الرؤية الشعرية المتعلقة بتجربته نفسها‬ ‫وانعكاسًا لحالته الذاتية ـ الشعورية وبما أننا‬ ‫سبق أن رصدنا‪ ،‬في دراسة سابقة‪ ،‬الرؤية‬ ‫المتصلة بالمعنى التي تحكم إنتاج صالح الشعري‬ ‫‪33‬‬


‫وقيامها على التخلق من جدلية تقابليه بين‬ ‫المعنى والداللة أو بين المفردة والجملة ويمكن‬ ‫لنا تلمس هذا القانون‪ ،‬أيضًا‪ ،‬في أغلب نصوصه‬ ‫األخيرة التي يستخدم فيها المفردات اللغوية التي‬ ‫تجسد الحالتين المتقابلتين حتى وإن اختلفت‬ ‫المعاني والدالالت‪ ،‬إن الكشف عن طبيعة الخيال‬ ‫في جسد النص الشعري يقتضي متلقيًا بارعًا في‬ ‫مالمسة الشكل الداللي المتحرك في الصورة‬ ‫الشعرية مع طبيعة الخيال‪ ،‬وال يتأتى هذا الكشف‬ ‫إال بعد رصد المعنى الشعري‪ ،‬كما أن متابعة‬ ‫الخيال في باطن النص ال يكفي لمعرفة التبادل‬ ‫الداللي بين النص والصورة أو الكوالج وحسب‬ ‫بل ألن البناء اللغوي والرمزي والتشكيلي للنص‬ ‫الشعري نفسه‬ ‫‪34‬‬

‫يتسم بنسق خيالي يجمع بين خاصية التكثيف‬ ‫والترميز والتشكيل‪ ،‬ففي بعض النصوص يأتي‬ ‫خيال الشاعر مكثفًا وفي بعضها شفافًا وفي‬ ‫بعضها واضحًا ال أثر للرمز فيه‪ ،‬وهذه هي‬ ‫إحدى مهارات الشاعر في كيفية تركيب نصوصه‬ ‫المتصلة بالكوالج‪ ،‬وثمة انتقال مباغت من‬ ‫المعنى الشائع للنص إلى المعنى المتواري‬ ‫خلف الداللة أو المتزامن معه‪ ،‬وهنا ينقلنا‬ ‫الشاعر أيضًا عبر نقطة قائمة بين عالم المعنى‬ ‫األول الذي يمثله النص الشعري وعالم المعنى‬ ‫الثاني المتمثل بالكوالج‪ ،‬لكن عبر وسيط حسي‬ ‫يتصل بشكل مباشر مع مخيلة المتلقي وخيال‬ ‫الشاعر ‪.‬‬


‫الشاعر خاسر‬ ‫لنفهم السبب ‪ ،‬نحتاج تعابير أخرى‬ ‫بدونها ليس الشاعر‬ ‫إال واحداً من حشدٍ يتعثرُ بين‬ ‫قوارب‬ ‫صالح فائق ‪ -‬من مجموعة ( أعوام ) ‪3991‬‬

‫‪35‬‬


‫فضاء اللغة الشعرية‬

‫‪36‬‬


‫من البديهي أن اللغة إرث إنساني مشترك‪ ،‬وأن نصيب الشاعر منها يتحدد وفق‬ ‫اطالعه على دالالتها وتأمله لبنيتها وتضاريسها ومعرفته بمنعرجاتها‪ ،‬فالشعراء‬ ‫ال يتمايزون باللغة نفسها بل بتقنيات استخدامها وتوظيفها في سياقات جمالية‬ ‫وصور فنية مغايرة‪ ،‬كما أن اللغة الشعرية المغايرة ترتبط بمنابع معرفية متصلة‬ ‫بتجربة الشاعر وثقافته مثلما تُشكل األفق الفني لصوره ومخيلته ومنابع تجاربه‬ ‫أيضًا وقد تتسرب من تلك المنابع‪ ،‬في أغلب األحيان‪ ،‬الصورة الشعرية المتصلة‬ ‫بالمشهد التجريدي المجاور لالنطباع الذهني المجرد ‪.‬‬ ‫ال يخفى‪ ،‬على القارئ‪ ،‬أن النسيج اللغوي للنص الشعري أو الجملة والمقطع‬ ‫الذي يكتبه الشاعر يستدعي عناية فنية بين السياقات المتداخلة والتناظرات‬ ‫والتقارب بين التداخالت الجمالية للغة‪ ،‬إذ يتكئ الشاعر على صيغ لغوية‪ ،‬أقرب‬ ‫إلى الغرابة منها إلى البساطة‪ ،‬قوامها تعارضات شفافة متصلة بالحياة اليومية‪،‬‬ ‫من هنا أيضًا تأتي اللغة لتعبر عن رؤيا الشاعر الرائي الذي يدون مشاهداته‬ ‫اليومية بمهارة شعرية وتكون كما تريدها الحقيقة الشعرية المغايرة‪،‬‬ ‫‪37‬‬


‫ويمكننا القول كذلك‪ :‬الشاعر كون ال تخوم له تنبت في مخيلته االلفاظ مثلما‬ ‫األشجار وتتقاطع في مفرداته المخلوقات المتنوعة والعوالم المختلفة مثلما يلغي‬ ‫المسافة بين المعنى والداللة أو بين بداية النص ونهايته ‪.‬‬ ‫أسس صالح لغته الشعرية الخاصة‪ ،‬وخصوصيته اللغوية تأتي من حالة التقمص‬ ‫اللغوي الذي يمارسه الشاعر بطريقة االستئناف للغة شعرية أخرى تبعث في‬ ‫نص شعري الحق والتقمص‪ ،‬المشار إليه‪ ،‬هو نوع من الضمان لعملية االنبعاث‬ ‫اللغوي الذي يترجم التجربة ويُشير‪ ،‬بشكل رمزي‪ ،‬إلى خصوصية الكتابة الشعرية‬ ‫بكل تحوالتها اللغوية والفنية والرمزية ‪.‬‬

‫‪38‬‬


‫لغته أيضًا متعددة المستويات‪،‬‬ ‫تحريضية ومتجاوزة أو رومانسية‬ ‫أحيانًا وتأملية‪ ،‬ثمة نصوص شعرية‬ ‫تبدو لغتها مغلقة تدور حول نفسها‬ ‫مشدودة إلى بداية ونهاية‪ ،‬تلبيان‬ ‫شهوة القارئ في أن يكون ناطقًا‬ ‫شعريًا بآمال الشاعر نفسه‪ ،‬وثمة‬ ‫نصوص نتلمس في لغتها مرارة الفقد‬ ‫والنفي واالغتراب ‪.‬‬

‫‪39‬‬

‫وأخيرًا‪ ،‬اللغة وحدها ليست مقياسًا‬ ‫لفهم النص الشعري‪ ،‬اللغة تحتاج إلى‬ ‫حدس نقدي وهو عمل العقل النقدي‬ ‫وتجربته مع النصوص‪ ،‬وهو دور‬ ‫المخيلة النقدية أيضًا وطريقتها في‬ ‫االلتقاط والبحث‪ ،‬وهكذا يكاد خطاب‬ ‫العقل النقدي أن يحوّل الشعري إلى‬ ‫الطبيعي واإلنساني واليومي ويرد‬ ‫الداللة إلى المعنى ويبلور فهمًا جماليًا‬ ‫يجعل من كل إنجاز شعري طبيعي‬ ‫وإنساني‪ ،‬وكوني أيضًا ‪.‬‬


‫هذا الشاللُ هدية إلى محيط أمواجه‬ ‫تندفع نحو بركان ‪ ،‬حيث غرفتي‬ ‫صالح فائق ‪ -‬من مجموعة ( ومضات )‪ -‬الفيليبين‪2132 -‬‬

‫‪40‬‬


‫اللغة الالمرئية‪ :‬لغة في اللغة‬

‫‪41‬‬


‫أترانا‪ ،‬في القراءة النقدية‪ ،‬نبالغ بالقول إذ نعرض لهاجس شعري ـ فني مغاير‬ ‫في خطاب صالح فائق الشعري‪ ،‬في وقت يواجه الشعر اثباتًا واتصاال ً لوجوده‬ ‫الرمزي في فن الكوالج‪ ،‬لقد عرضنا في قراءة سابقة رأينا الذي يؤكد هذا‬ ‫االتصال الجمالي المشترك بين الشعر والكوالج فال نحتاج إلى تكرار ما قلناه‪،‬‬ ‫لكن قد ينطوي التكرار على إضافة ما تقوم في نزعة ذاتية وشعرية وجمالية‬ ‫قد توحّد على نحوٍ كبير وغير مفتعل بين هاجس النص الشعري وبين رمزية‬ ‫الكوالج‪ ،‬فنرى المعنى في النص مثلما نتلمسه في الكوالج ‪ .‬والحق‪ ،‬أننا لم‬ ‫نفتعل هذا الهاجس أو االتصال افتعاال ً ولم نحمل النص الشعري على قول ما‬ ‫لم يقله الكوالج‪ ،‬في مضمونه ورموزه أو لغته الالمرئية أو بتعبير الفرنسي‬ ‫لوكليزيو "لغة في اللغة"‪ ،‬ومع ذلك فأننا ال ننفي أن ليس هناك من انفصال ال‬ ‫حق بين هاجسنا النقدي وهاجس النص الشعري المتصل بالكوالج‪،‬‬ ‫‪42‬‬


‫وليس أمر كهذا محض مصادفة أو‬ ‫محاولة شعرية تجريبية عابرة‪ ،‬أنه‬ ‫هاجس المغايرة والتجريب والتجدد‬ ‫الذي عودنا عليه الشاعر‪ ،‬وآية ذلك‬ ‫نصوصه المتواصلة في حفر المعنى‬ ‫وترويض الداللة والتعاطي مع الكوالج‪،‬‬ ‫وقد انصبّ جهد الشاعر على وعي هذه‬ ‫التفاصيل المشتركة‪ ،‬المعنى والداللة‬ ‫والكوالج‪،‬‬ ‫بأشكال متعددة سواء أكان نصًا شعريًا‬ ‫مطعمًا بالكوالج أو كوالجًا مطعمًا‬ ‫بالمعاني ومندمجًا بالداللة‪،‬‬ ‫‪43‬‬


44


‫ويمكن اإلشارة لبعض عناوين هذه الكوالجات‬ ‫في مجموعته الشعرية (أحالم ومقاطعات)‬ ‫الصادرة عام ‪ 8711‬في لندن‪:‬‬ ‫(‪)knowing better and doing worse‬‬ ‫(‪)new chairman‬‬ ‫(‪)Europe and the Middel East‬‬ ‫(‪)The Devince comedy‬‬

‫إضافة لكوالجات تحتوي على قفص للعصافير‬ ‫وهيكل عظمي وطفل صغير يفترش األرض‪،‬‬ ‫أفعى وامرأة بجناحين ورجل بالزي العربي‬ ‫التقليدي وتلسكوب وعربة قديمة من القرون‬ ‫الماضية نساء عربيات بزي محلي وبرج ايفل‬ ‫وامرأة تحمل على رأسها ماكنة خياطة منزلية‬ ‫‪45‬‬


‫وحصان وصبي يحمل فأسًا مرآة يتوسطها خفاش ويحملها طفالن‪ ،‬فيله‬ ‫وحصان يسقط من السماء وآخر يجلس القرفصاء‪ ،‬وكوالج يجمع بين‬ ‫الشاعر صالح فائق وهو يشرب العصير وشخصيات قديمة تشبه ابن الهيثم‬ ‫والفارابي وابن رشد‪ ،‬وهناك كوالج يحمل الكثير من اإلشارات وهو عبارة‬ ‫عن لوحة العشاء األخير لإليطالي دافنشي المرسومة سنة ‪ 8171‬م وثمة‬ ‫جموع من البشر متراصفة خلف اللوحة بمالبس عربية‪ ،‬إضافة لكوالج عبارة‬ ‫عن عنبر أو مختبر كبير للهياكل العظمية مع الكثير من البشر الموزعين على‬ ‫اكثر من جانب والذين يحيطون بهذه الهياكل العظيمة وقد كتب تحت هذا‬ ‫الكوالج عبارة‪.)ministry of defence( :‬‬ ‫الكوالج‪ ،‬كما يبدو للقراءة النقدية‪ ،‬بوصفه فنًا متصال ً بالمعنى هو الذي يفسّر‬ ‫لنا طبي عة االتصال به لغويًا وفنيًا‪ ،‬كما يفسّر لنا هذا االتصال بصيغة خطاب‬ ‫شعري يخف لتغيير العالم أو البحث عن المعنى وليس فهمه وحسب‪،‬‬ ‫‪46‬‬


‫ولعمري أن هاجس الشعر الذي يتصل بفن الكوالج على هذا النحو الذي نلمسه‬ ‫في أعمال صالح فائق هو ذاته الذي وحّد على نحو كبير بين النص والكوالج‬ ‫فتحرر األخير من الشبهة التي ألصقها البعض‪ ،‬من النقاد‪ ،‬به أال وهي شبهة‬ ‫اإلقامة في السياسي‪ .‬ثمة وشائج قائمة بين النص الشعري والكوالج تنم عن‬ ‫إفرازات داللية وجمالية وفنية‪ ،‬بل وتجعل النص الشعري ككل إيقونًا مرتبطًا‬ ‫باستدراجات يتحكم فيها فن الكوالج الذي يوجه المعنى والداللة معًا‪ ،‬وهذه‬ ‫الوشائج تحقق التواصل واالتصال مع مفردات النص فتكون كتلة كوالجية ـ‬ ‫شعرية مغايرة بكل تموقعاتها الرمزية والبنيوية والبصرية ‪.‬‬

‫‪47‬‬


‫هذه وصايا لشاعر محبطٍ‬ ‫يتنقلُ بين ماضيهِ وحاضرهِ كما بين غرفة وغرفة ‪.‬‬ ‫ضحية اشراقات حتى أنقذه الكسلُ في فجر‬ ‫ورأى اليأس استعادة لشهوات الطفولة ‪.‬‬ ‫صالح فائق ‪ -‬من مجموعة ( ومضات )‪ -‬الفيليبين ‪2132 -‬‬

‫‪48‬‬


‫التواصل اللغوي بين الشعر والكوالج‬

‫‪49‬‬


‫ثمة تواصل لغوي بين الشعر والكوالج‪ ،‬أريد من هذا الكالم العودة للوراء‬ ‫كثيرًا وأعني إلى فكرة "أمين الريحاني في كتابه الصادر عن دار الريحاني‬ ‫عام ‪ 8791‬بطبعته الثانية والمعنون "أنتم الشعراء" التي مالت إلى اعتبار‬ ‫(الشعر تواصال ً مع الرموز والحياة والطبيعة) وأضيف رغبة في النفاذ إلى‬ ‫ما هو خلف مظاهر اللغة‪ ،‬المتواصلة مع فن الكوالج‪ ،‬الستكناه أسرارها‪،‬‬ ‫واللغة هنا يجب أن تالئم الحياة المعاصرة وتعبّر عن حاجاتنا الجمالية‪،‬‬ ‫لكي ال يحيا الشاعر أو القارئ في تناقض متصل مع حياته ورموزه‬ ‫س شيئًا ويقول أو يكتب شيئًا آخر ‪.‬‬ ‫والطبيعة المحيطة به‪ ،‬بمعنى آخر يح ّ‬ ‫إذن اللغة في نظر الشاعر هي المرجع األول ومنها تأتي المعاني‬ ‫والدالالت والرموز‪ ،‬وألن اللغة ليست كما يقول طه حسين في حديث‬ ‫األربعاء‪( :‬من وحي السماء وإنما هي ظاهرة من ظواهر االجتماع‬ ‫اإلنساني) وأضيف أيضًا هذا االجتماع المتصل مع كل الفنون اإلنسانية‬ ‫وبذلك ترتبط المعاني المتناثرة في فن الكوالج باللغة الشعرية‪،‬‬ ‫‪50‬‬


‫وألن اللغة ترتبط بالحياة فإن هذه المعاني تبدو ذات طابع إنساني‬ ‫اجتماعي مادي متغير تغيّر الحياة نفسها ومتواصال ً معها‪ ،‬ومع هذه‬ ‫المتغيرات‪ ،‬في نفس الوقت‪ ،‬كما تفضي موضوعة التواصل اللغوي إلى‬ ‫مقاربة النص الشعري بمعنى جمالي يتصل بما يسعى إليه معنى الكوالج‬ ‫وإلى تأكيد حركية المعاني وتعددها واختالفها ودالالتها‪ ،‬ويُفضي القول‬ ‫بنموذج الكوالج‪ ،‬الذي يختاره الشاعر‪ ،‬إلى تقريب اللغة من واقع فن‬ ‫الكوالج ومن واقع الحياة أيضًا وال يعود للغة‪ ،‬فقط‪ ،‬فضلٌّ في ابتكار‬ ‫المعاني ألن اللغة الشعرية في هذه الحالة مثلما هي مرهونة لصورة‬ ‫النموذج اللغوي الشعري‪ ،‬الجمالي والفني متصلة برمزية الكوالج‬ ‫ومتواصلة معه ‪.‬‬

‫‪51‬‬


‫هناك حفارون في جزيرة أسناني‬ ‫يبحثون عن علماء من قرون وسطى‬ ‫اختفوا بعد زالزل وأعاصير في بداية فمي‬ ‫صالح فائق ‪ -‬من مجموعة ( شاعر نائم يكتب قصيدة ) الفيليبين‪2132 -‬‬

‫‪52‬‬


‫ال شيء يقع خارج الشعر‬

‫‪53‬‬


54


‫ال بدّ لمن أراد القبض على تلك اللحظة السحرية في معنى الكوالج من‬ ‫استالل ذلك المعنى المتواري خلف دالالت النص الشعري‪ ،‬إذن ال شيء‬ ‫يقع خارج النص الشعري وال شيء يفلت من قبضة الكوالج‪ ،‬من هنا يمكننا‬ ‫القول عن رغبة الشاعر صالح فائق لتكوين صورة شعرية جديدة‪ ،‬مؤطرة‬ ‫بالكوالج أو صورة شعرية تشبه الكوالج المنشور في الصحف والمجالت ‪.‬‬ ‫واآلن‪ ،‬من يسعه االدعاء أن الكوالج يقع خارج الشعر؟ من يسعه االدعاء‬ ‫أن صورة شعرية أجمل يمكن المخيلة أو الكوالج اجتراحها؟‬

‫‪55‬‬


‫هناك كوالج يظهر فيه "حصان يسقط من السماء" لحظة مرعبة في شعريتّها‬ ‫وفي الجهة المقابلة هناك صورة شعرية مغايرة وغريبة من نص شعري‬ ‫لصالح يحمل عنوان "كلبي امير ينبح" ويقول فيه‪( :‬اكيلُ شتائم ضد اغنياء‬ ‫وحكام هذا العالم كتمرين صباحي لفمي) صورة أكبر من الفكرة ومعنى‪،‬‬ ‫يتصل بالكوالج‪ ،‬يضاهي الصورة‪ ،‬يبدو أن الشاعر قد تعمد‪ ،‬بقصدٍ أو بدونه‪،‬‬ ‫في وضع نصه والكوالج في كفتّي ميزان لتقدير أيهما األوزن‪ ،‬جماليًا وفنيًا‪،‬‬ ‫لكن للقول‪ ،‬في هذه التجربة الشعرية‪ ،‬أن ال وجود لكوالج خارج الشعر وال‬ ‫لشعر خارج الكوالج ‪.‬‬

‫‪56‬‬


‫أقدّمُ ما عندي هدايا‬ ‫إلى سكان األزقة الضيقة‬ ‫إلى نسر خجول‬ ‫إلى األبدية ألنها حرّرتني من احتكار الكالم‬ ‫عن المصانع و الصيادين‬ ‫وإلى يعسوب أرشدني إلى شاعر مكتظ بأوهام‬ ‫وطرقات تؤدي إلى ال مكان‬ ‫صالح فائق ‪ -‬من مجموعة ( دببه في مأتم ) ‪2131‬‬ ‫‪57‬‬


‫تغيير العالم ال يكون بالتمنّي بل بالمعرفة‬

‫‪58‬‬


‫المتعة البصرية في الوقت الراهن صارت أيضًا‬ ‫متعة فكرية‪ ،‬متعة اكتشاف الحقيقة والجمال‬ ‫والمعنى‪ ،‬متعة ممارسة التغيير أو القدرة على‬ ‫التغيير‪ ،‬إذن ال بدّ ألي عمل فني أدبي من‬ ‫إحكام الوسائل المعرفية للغاية الجمالية التي‬ ‫يهدف إليها‪ ،‬ومهما كانت العبارة أو الصورة‬ ‫واللوحة والكوالجات أنيقة والوصف غنيًا‬ ‫بالرموز واإلشارات والمعاني والدالالت فإن‬ ‫ذلك ال يُمتعنا قط إن لم يكن جزءًا من كل‪،‬‬

‫‪59‬‬


‫وإن يالئم التصميم األساسي‪ ،‬لمكونات الموضوع‪ ،‬كي ال يفقد المعنى‬ ‫معناه أو الجميل جماله وينقلب إلى تشويه‪ ،‬ومن هنا يؤكد الشاعر على‬ ‫وحدة العمل الفني والتآزر الوظيفي لكل عناصره المكوّنة والمتصلة‬ ‫بالنص والكوالج ‪.‬‬ ‫أهمية هذه الكوالجات المختارة في أنها ليست مجرّد عرض واعٍ لجوانب‬ ‫من الفهم السياسي لحركة العالم والمجتمع والفكر بل أكثر أهميتها في‬ ‫انها‪ :‬ممارسة تنويرية معرفية في حقل الثقافة أو الكتابة الشعرية بشكل‬ ‫خاص‪ ،‬وانطالقًا من قضايا أو كشوفات المجتمع الثقافي الحضاري‪ ،‬ذلك‬ ‫أن الكشوفات المعرفية ـ الحضارية المتنوعة في الثقافية العربية أو‬ ‫الكونية تدخل في النسيج المعرفي ـ اإلنساني العام لهذه الكوالجات‬ ‫المتصلة‪ ،‬بدورها‪،‬‬ ‫‪60‬‬


‫بالكتابة الشعرية‪ ،‬إضافة إلى كون هذه الكشوفات مَعْلمًا مهمًا من معالم‬ ‫حركة تكوّن وتطور هذا الفهم المعرفي الجمالي لحركة الكون والمجتمع‬ ‫والفكر‪ ،‬ثم بوصف كون تلك الكشوفات تشكل حلقات أو أمثلة متتابعة في‬ ‫حركة الثقافة والتحضر أو في جوهر حركية الجمال‪ ،‬ولعلّ في اختيارات‬ ‫الشاعر صالح فائق للكوالج تتمثل بوضوح الممارسة النقدية والفهم‬ ‫المعرفي لهذا النوع من الفن‪ ،‬وألن للشاعر موقفًا من الحياة والعالم‬ ‫واألفكار والصراعات الدائرة‪ ،‬فقد كان يلقي األضواء واإلشارات‬ ‫والتهكمات‪ ،‬من خالل الشعر والكوالج‪ ،‬على مواقف متنوعة‪ ،‬فهو في‬ ‫نفس الوقت ال يريد أن يعرض عليك هذا الكوالج أو ذاك وحسب بل‬ ‫يكشف‪ ،‬من خالل اختيارات‪ ،‬عن مضمون هذا الكوالج أو ذلك النص‪،‬‬ ‫وباألهمية نفسها يلقي األضواء على مختلف األشكال الجمالية المتصلة‬ ‫بالكوالج والتي تتجلى من خالل النص الشعري ‪.‬‬ ‫‪61‬‬


‫أنا النافخ في بوق قديم‬ ‫وكأني زنجي مدلل في مزرعة‬ ‫تتداعى صور كثيرة في رأسي‬ ‫أقوم ‪ ،‬أشدّها بسالسل من حديد‪.‬‬ ‫صالح فائق ‪ -‬من مجموعة ( دببه في مأتم ) ‪2131‬‬

‫‪62‬‬


63


64


2132

65


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.