ب الصيدَ ح ّبًا شديدً ا ،حتى عرف ذلك كل من حوله؛ من أحَ َّ رافقه ومن عمل معه ،ومن سمع عنه من بعيد ،حتى ولو لم يره ،إنه الملك الصياد ،أصبح يُعرَ ف بهذا االسم بين الناس ،من كثرة خروجه إلى الغابات والوديان يبحث عن دائما ما صيد يُطفئ به شهوته في الصيد ،ولكن كانت ٍ ً تواجهه مشكلة ُ القروح والجروح التي يعود بها في قدمه، فينتظر حتى تبرأ ،ثم يعاود الخروج من جديد إلى الصيد، يوما مع وزرائه وحاشيته ومرافقيه ،قائ ًلا حتى جلس ً لهم« :ماذا لو قمنا بفرش الجلد الخشن في كل الطرقات الموصلة إلى الغابة ،وطرقات الغابة الوعرة من الداخل، حتى ال ُتصاب أقدامي و ُتجرح كما يحدث َّ كل مرة؟!» ،فأثنى جلساء الملك كعادة أغلب جلساء الملك -إال من رحم الملهمة العبقرية ،حتى لو كلفت ربي -على فكرة الملك ِ خزائن المملكة الكثيرَ والكثيرَ ،وإذ بوزير صالح يَصدَ ع في وجه الملك ٍ قائ ًلا« :ولماذا ال نقوم بوضع الجلد الخشن حول قدم جاللتكم و َنحميها من كل جرح أو ُقرح؟!»، فابتسم الملك وحزن الجلساء على والنصب مورد جديد لالنتفاع ضياع ْ ٍ واالحتيال. يقول التاريخ :إن هذه كانت أول فكرة لصنع حذاء ،ولكنها منهجية في التفكير تصلح لالقتداء. كم واحد منا يتبع نفس هذه المنهجية في التفكير؛ أن يبدأ التغيير من أي مكان حوله ،وال يبدأ من عندي أنا ،تفرش كل الطرقات بالجلد الخشن ،مهما تكلفت من وأوقات ومجهود وعقبات ،إال أن المهم أموال ومواردَ ٍ ٍ الشخص ذاته ال يتغير وال يبدأ التغيير من عنده ،إنه العنوان الدائم المستمر ألغلب المشكالت التي نواجهها في حياتنا «أن المشكلة ليست عندي أنا» ،المشكلة عند الناس ،عند زوجتي! عند أبنائي! عند الشعب! عند اإلخوة المواطنين! عند أمريكا! عند الصهيونية األمريكية العالمية! ولكن ليست عندي أنا. والحقيقة الواقعية المؤلمة أن اإلنسان طالما يعتقد أن المشكلة ليست تحت واقعه في نظره؛ إذن فالحل ً أيضا كذلك ،ويتحول اإلنسان إلى قصة جديدة في أرشيف «أريد ح ً ّلا» ،رغم أن قدمه بين يديه وأمام عينيه والحل أيسر وأقرب ،ولكنها منهجية رديئة قديمة في التفكير. لذا؛ عالج القرآن الكريم هذه النفسية منذ أول يوم في أول هزيمة يتعرض لها المسلمون في غزوة أُحد ،حين َّ وكل مسلم أتى خاطب ربنا المسلمين في ذلك الوقت
12
www.momkenmag.com/September2012
من بعدهم ،حين حاول البعض فرْ ش الطرقات بالجلد َ والبحث عن الحل بعيدً ا عن نفسه ،فقال لهم الخشن، ً ناسفا لهذه قرآن يُتلى إلى يوم القيامة؛ ليكون القرآن في ٍ المنهجية في التفكير. َ َ ُ ُ َ ْ َ ٌ م ص ْبت ْ صا َبتك ْ صيبَة قدْ أ َ (أول َّما أ َ من البداية ،قال تعالىَ : م ُم ِ َ ُ ْ ْ م ِإ َّن ال َّلهَ عَ َلى ف ن أ د ن ع ن م و م أَ َّنى هَ َذا ُق ْل هُ ِم ْث َلي َ س ُك ْ ْها ُق ْل ُت ْ َ ِ ِ ْ ِ ِ ل َ ُك ِّ ش ْي ٍء َق ِديرٌ) [آل عمران ،]165 :وتظل «أ َّنى هذا» ،كلمة متكررة عند كل مشكلة تواجههنا ويكون الحل الدائم لهذه المشكلة ُ م». س ُك ْ «ق ْل هُ َو ِم ْن ِع ْن ِد أَ ْن ُف ِ عميقا في أيام خال فيها ُ ً القطر درسا تع َّلم المصريون ً المصري من رئيس ،ولكن الرئيس مهما كانت قوته بال شعب يملك اإلرادة في التغيير ويكون هو «رئيس جمهورية نفسه» عند كل مشكلة؛ فلن يحدث التغيير ،فالدول المتقدمة تنشأ بمجموعة من المواطنين المتقدمين برئيس متقدم فقط ،فكل واحد منا ال بد جزءا من الحل حين يعترف أن يكون ً أن المشكلة تبدأ من عنده هو في أيسر المشكالت ومن َثم أعمقها. ال يصح في مصر بعد الثورة أن نفكر بطريقة التفكير نفسها التي كنا نفكر بها في مصر ما قبل الثورة، فكل واحد منا مسؤول عن نفسه، وال بد أن يتيقن بذلك حتى يخرج من ثمرة يقينه هذه المواجهة الفعلية لما يحمله من مشكالت، س ِه قال تعالى( :ب َِل ا ْل ِإ ْن َ ان عَ َلى َن ْف ِ س ُ اذيرَ هُ ) [القيامة: َصيرَ ٌةَ .و َل ْو أَ ْل َقى َمعَ ِ ب ِ .]15-14قال الحسن البصري« :بصير بعيوب نفسه». وتأمل في اللفظ القرآني« :ولو ألقى معاذيره» ،وكأن األصل أن كل إنسان يبحث عن إلقاء العُ ذر قبل أن يبحث عن واحد منا يملك لنفسه الحل .يقول علماء النفس :إن كل ٍ نوعين من األعذار ،العذر الحقيقي والعذر المنطقي ،والعذر ُخبر به أحدً ا ،أما المنطقي فهو الذي الحقيقي هو الذي ال ي ِ ُسوغ به إحجامه وبعده يقنع الناس به ،ويحاول أن ي ِّ وتقصيره. يقول الرب -جل وعال -عن صنف متكرر من الناس: يم ين َت َو َّفاهُ ُ م َقا ُلوا ِف َ س ِه ْ م ا ْل َم َلا ِئ َك ُة َظا ِل ِمي أَ ْن ُف ِ ( ِإ َّن ا َّل ِذ َ م) [النساء ،]97 :فالمالئكة تسأل هؤالء الناس يوم ُك ْن ُت ْ القيامة أين كنتم؟! لماذا فررتم؟! لماذا ابتعدتم؟! لماذا لم تشاركوا الناس في النهوض من ظلمهم؟! فتأمل
13