Momken issue 2

Page 7

‫ب الصيدَ ح ّبًا شديدً ا‪ ،‬حتى عرف ذلك كل من حوله؛ من‬ ‫أحَ َّ‬ ‫رافقه ومن عمل معه‪ ،‬ومن سمع عنه من بعيد‪ ،‬حتى ولو‬ ‫لم يره‪ ،‬إنه الملك الصياد‪ ،‬أصبح يُعرَ ف بهذا االسم بين‬ ‫الناس‪ ،‬من كثرة خروجه إلى الغابات والوديان يبحث عن‬ ‫دائما ما‬ ‫صيد يُطفئ به شهوته في الصيد‪ ،‬ولكن كانت‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫تواجهه مشكلة ُ‬ ‫القروح والجروح التي يعود بها في قدمه‪،‬‬ ‫فينتظر حتى تبرأ‪ ،‬ثم يعاود الخروج من جديد إلى الصيد‪،‬‬ ‫يوما مع وزرائه وحاشيته ومرافقيه‪ ،‬قائ ًلا‬ ‫حتى جلس‬ ‫ً‬ ‫لهم‪« :‬ماذا لو قمنا بفرش الجلد الخشن في كل الطرقات‬ ‫الموصلة إلى الغابة‪ ،‬وطرقات الغابة الوعرة من الداخل‪،‬‬ ‫حتى ال ُتصاب أقدامي و ُتجرح كما يحدث َّ‬ ‫كل مرة؟!»‪ ،‬فأثنى‬ ‫جلساء الملك كعادة أغلب جلساء الملك ‪-‬إال من رحم‬ ‫الملهمة العبقرية‪ ،‬حتى لو كلفت‬ ‫ربي‪ -‬على فكرة الملك‬ ‫ِ‬ ‫خزائن المملكة الكثيرَ والكثيرَ ‪ ،‬وإذ‬ ‫بوزير صالح يَصدَ ع في وجه الملك‬ ‫ٍ‬ ‫قائ ًلا‪« :‬ولماذا ال نقوم بوضع‬ ‫الجلد الخشن حول قدم جاللتكم‬ ‫و َنحميها من كل جرح أو ُقرح؟!»‪،‬‬ ‫فابتسم الملك وحزن الجلساء على‬ ‫والنصب‬ ‫مورد جديد لالنتفاع‬ ‫ضياع‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫واالحتيال‪.‬‬ ‫يقول التاريخ‪ :‬إن هذه كانت أول‬ ‫فكرة لصنع حذاء‪ ،‬ولكنها منهجية‬ ‫في التفكير تصلح لالقتداء‪.‬‬ ‫كم واحد منا يتبع نفس هذه‬ ‫المنهجية في التفكير؛ أن يبدأ‬ ‫التغيير من أي مكان حوله‪ ،‬وال يبدأ‬ ‫من عندي أنا‪ ،‬تفرش كل الطرقات‬ ‫بالجلد الخشن‪ ،‬مهما تكلفت من‬ ‫وأوقات ومجهود وعقبات‪ ،‬إال أن المهم‬ ‫أموال ومواردَ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الشخص ذاته ال يتغير وال يبدأ التغيير من عنده‪ ،‬إنه العنوان‬ ‫الدائم المستمر ألغلب المشكالت التي نواجهها في حياتنا‬ ‫«أن المشكلة ليست عندي أنا»‪ ،‬المشكلة عند الناس‪ ،‬عند‬ ‫زوجتي! عند أبنائي! عند الشعب! عند اإلخوة المواطنين!‬ ‫عند أمريكا! عند الصهيونية األمريكية العالمية! ولكن‬ ‫ليست عندي أنا‪.‬‬ ‫والحقيقة الواقعية المؤلمة أن اإلنسان طالما يعتقد أن‬ ‫المشكلة ليست تحت واقعه في نظره؛ إذن فالحل ً‬ ‫أيضا‬ ‫كذلك‪ ،‬ويتحول اإلنسان إلى قصة جديدة في أرشيف «أريد‬ ‫ح ً ّلا»‪ ،‬رغم أن قدمه بين يديه وأمام عينيه والحل أيسر‬ ‫وأقرب‪ ،‬ولكنها منهجية رديئة قديمة في التفكير‪.‬‬ ‫لذا؛ عالج القرآن الكريم هذه النفسية منذ أول يوم في‬ ‫أول هزيمة يتعرض لها المسلمون في غزوة أُحد‪ ،‬حين‬ ‫َّ‬ ‫وكل مسلم أتى‬ ‫خاطب ربنا المسلمين في ذلك الوقت‬

‫‪12‬‬

‫‪www.momkenmag.com/September2012‬‬

‫من بعدهم‪ ،‬حين حاول البعض فرْ ش الطرقات بالجلد‬ ‫َ‬ ‫والبحث عن الحل بعيدً ا عن نفسه‪ ،‬فقال لهم‬ ‫الخشن‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ناسفا لهذه‬ ‫قرآن يُتلى إلى يوم القيامة؛ ليكون القرآن‬ ‫في‬ ‫ٍ‬ ‫المنهجية في التفكير‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫م‬ ‫ص ْبت ْ‬ ‫صا َبتك ْ‬ ‫صيبَة قدْ أ َ‬ ‫(أول َّما أ َ‬ ‫من البداية‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬‬ ‫م ُم ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫م ِإ َّن ال َّلهَ عَ َلى‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫م أَ َّنى هَ َذا ُق ْل‬ ‫هُ‬ ‫ِم ْث َلي َ‬ ‫س ُك ْ‬ ‫ْها ُق ْل ُت ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ْ ِ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ُك ِّ‬ ‫ش ْي ٍء َق ِديرٌ) [آل عمران‪ ،]165 :‬وتظل «أ َّنى هذا»‪ ،‬كلمة‬ ‫متكررة عند كل مشكلة تواجههنا ويكون الحل الدائم‬ ‫لهذه المشكلة ُ‬ ‫م»‪.‬‬ ‫س ُك ْ‬ ‫«ق ْل هُ َو ِم ْن ِع ْن ِد أَ ْن ُف ِ‬ ‫عميقا في أيام خال فيها ُ‬ ‫ً‬ ‫القطر‬ ‫درسا‬ ‫تع َّلم المصريون‬ ‫ً‬ ‫المصري من رئيس‪ ،‬ولكن الرئيس مهما كانت قوته‬ ‫بال شعب يملك اإلرادة في التغيير ويكون هو «رئيس‬ ‫جمهورية نفسه» عند كل مشكلة؛‬ ‫فلن يحدث التغيير‪ ،‬فالدول‬ ‫المتقدمة تنشأ بمجموعة من‬ ‫المواطنين المتقدمين برئيس‬ ‫متقدم فقط‪ ،‬فكل واحد منا ال بد‬ ‫جزءا من الحل حين يعترف‬ ‫أن يكون‬ ‫ً‬ ‫أن المشكلة تبدأ من عنده هو في‬ ‫أيسر المشكالت ومن َثم أعمقها‪.‬‬ ‫ال يصح في مصر بعد الثورة أن نفكر‬ ‫بطريقة التفكير نفسها التي كنا‬ ‫نفكر بها في مصر ما قبل الثورة‪،‬‬ ‫فكل واحد منا مسؤول عن نفسه‪،‬‬ ‫وال بد أن يتيقن بذلك حتى يخرج‬ ‫من ثمرة يقينه هذه المواجهة‬ ‫الفعلية لما يحمله من مشكالت‪،‬‬ ‫س ِه‬ ‫قال تعالى‪( :‬ب َِل ا ْل ِإ ْن َ‬ ‫ان عَ َلى َن ْف ِ‬ ‫س ُ‬ ‫اذيرَ هُ ) [القيامة‪:‬‬ ‫َصيرَ ٌة‪َ .‬و َل ْو أَ ْل َقى َمعَ ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫‪ .]15-14‬قال الحسن البصري‪« :‬بصير بعيوب نفسه»‪.‬‬ ‫وتأمل في اللفظ القرآني‪« :‬ولو ألقى معاذيره»‪ ،‬وكأن األصل‬ ‫أن كل إنسان يبحث عن إلقاء العُ ذر قبل أن يبحث عن‬ ‫واحد منا يملك لنفسه‬ ‫الحل‪ .‬يقول علماء النفس‪ :‬إن كل‬ ‫ٍ‬ ‫نوعين من األعذار‪ ،‬العذر الحقيقي والعذر المنطقي‪ ،‬والعذر‬ ‫ُخبر به أحدً ا‪ ،‬أما المنطقي فهو الذي‬ ‫الحقيقي هو الذي ال ي ِ‬ ‫ُسوغ به إحجامه وبعده‬ ‫يقنع الناس به‪ ،‬ويحاول أن ي ِّ‬ ‫وتقصيره‪.‬‬ ‫يقول الرب ‪-‬جل وعال‪ -‬عن صنف متكرر من الناس‪:‬‬ ‫يم‬ ‫ين َت َو َّفاهُ ُ‬ ‫م َقا ُلوا ِف َ‬ ‫س ِه ْ‬ ‫م ا ْل َم َلا ِئ َك ُة َظا ِل ِمي أَ ْن ُف ِ‬ ‫( ِإ َّن ا َّل ِذ َ‬ ‫م) [النساء‪ ،]97 :‬فالمالئكة تسأل هؤالء الناس يوم‬ ‫ُك ْن ُت ْ‬ ‫القيامة أين كنتم؟! لماذا فررتم؟! لماذا ابتعدتم؟! لماذا‬ ‫لم تشاركوا الناس في النهوض من ظلمهم؟! فتأمل‬

‫‪13‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.