مجلة نصوص من خارج اللغة العدد الاول

Page 1

‫نصوص من خارج اللغة‬

‫العدد‬ ‫‪1‬‬

‫مجلة دورية تصدرها شبكة أطياف الثقافية‬

‫سركون بولص‪:‬‬ ‫جاءين الشعر مبكرا كالضربة‬ ‫التي مازلت اسرتجعها حتى‬ ‫هذا الزمن‪.‬‬

‫اللوحة للفنان اليمني هاشم عيل‬

‫ّ‬ ‫للمشقة‬ ‫من يكرتث‬

‫أحبُّكَ أكثر وأنا عارية‬

‫هاين الصلوي‬ ‫‪JULY 1, 2017‬‬ ‫شبكة أطياف الثقافية‬


‫اقرأ يف العدد‬

‫صالح فايق شاعر الدهشة‬

‫امحد الفالحي‬

‫سركون بولص وحوار الشعر‬ ‫كآبة لبودلير‬

‫ملف النصوص‬ ‫قراءة في كتاب المغامرة‬ ‫السريالية‬ ‫الفهم والتأويل ‪..‬‬

‫‪1‬‬


‫التحدي واالستجابة‬ ‫هذا العدد االول من مجلة نصوص من خارج اللغة والذي جاء نتيجة حتد‬ ‫واستجابة للواقع االدبي الراهن ‪،‬‬ ‫هذه اجمللة جاءت كفكرة مالزمة للصفحة على الفايسبوك وامتداد لها‪ ،‬وتعني‬ ‫باالدب والشعر بشكل خاص ‪،‬تأخذ على عاتقها النص اجليد وحتتفي به كما‬ ‫ميكن ان تأخذ ثيمة مخصصة بكل عدد‪،‬‬ ‫بني يديك هذا العدد والذي مت اخراجه بجهد ذاتي حيت مت االستفادة من‬ ‫النصوص املنشورة في الصفحة ناهيك عن االمكانيات الشحيحة التي ادت‬ ‫الى تأخير العدد كل هذه الفترة‪،‬‬ ‫إن الشعر على مختلف أنواعه في اساليب الكتابة يبقى هو النص املميز‬ ‫ويجب االحتفاء به وهذا ما نسعى اليه في هذه اجمللة‪،‬‬ ‫اجمللة تفتح ابوابها جلميع املبدعني بكل مشاربهم وثقافتهم شريطة أن‬ ‫يتحلى النص بدهشة الكتابة والفحوى‪،‬وألننا اطلقنا العدد من فحوى‬ ‫الصفحة الفايسبوكية فقد استخدمنا بعض املقاالت املنشورة في مجالت‬ ‫وصحف وذلك من اجل شخصية العدد واحلوار‪.‬‬ ‫نأمل في االعداد القادمة التفاعل املباشر مع اجمللة وأن تكون الكتابة خاصة‬ ‫بها‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫رئيس التحرير‬


‫لوحة وقصة‬ ‫‪3‬‬

‫اكنت اس بانيا غارقة يف احلرب ا ألهلية عندما لكفت حكومة امجلهورية الثاين يف اس بانيا بياكسو برمس‬ ‫لوحة كبرية ‪.‬غري ان بياكسو مل يبد أأ العمل الا بعد أأن عمل ابملذحبة اليت حدثت يف القرية الباسكية (‬ ‫الغرنياك ) يف ‪ 26‬ابريل عام ‪ 1937‬بسبب القصف الاملاين ‪ .‬بياكسو اذلي مل يزر هذه القرية من قبل‬ ‫‪ ،‬ومل يكن يعمل بوجودها حىت ‪ ،‬انفعل بعنف شديد ملعرفته ابلقتل العشوايئ ل ألبرايء وشعر بأأنه خيص‬ ‫لك احلروب يف العامل ‪،‬وامتد معهل لعدة اسابيع ‪ .‬قامت جدارية الغرنياك جبوالت يف احناء اورواب لتةعية‬ ‫الر أأي العام ابلوضع يف اس بانيا‪ ،‬وكرمز للنضال ضد الفاش ية‪....،‬وقامت اللوحة جبوالت يف احناء الوالايت‬ ‫املتحدة ا ألمريكية اىل ان اس تقرت فيفي متحف الفن احلديث يف نيويورك اىل أأن اس تعادهتا السلطات‬ ‫الاس بانية بعد مفاوضات عسرية مع املتحف ومع ورثة بياكسو ‪،‬واعتربت عودهتا رمزا للمصاحلة الوطنية‬ ‫يف اس بانيا يف الفرتة اليت اعقبت وفاة فرانكو ‪.‬‬


‫يس‬

‫ً‬ ‫أقرأ الشعر لنفس ي وأحيانا لكلبي ويبدو املحيط مسرورا حين‬ ‫َ‬ ‫أقرأ عنده‪ ،‬فيرش ّ‬ ‫علي بعضا من مياهه املالحة! لم أقرا في‬ ‫حياتي إال أربع مرات‪ ،‬آخرها كان في لندن قبل أسبوعين‪.‬‬


‫يعود الشاعرالعراقي صالح فائق‬ ‫الى املعترك الشعري‪ ،‬عبر صدور‬ ‫أعمال قديمة وجديدة له‬ ‫ً‬ ‫تصدرها دار الجمل تباعا‪ ،‬وهو‬ ‫كان اختفى فترة طويلة بعدما‬ ‫اختار الحياة في‬ ‫ً‬ ‫الفليبين‪ ،‬عازال‬ ‫نفسه ولكن من‬ ‫دون أن يتوقف عن‬ ‫الكتابة واملشاركة‬ ‫في تطوير القصيدة‬ ‫العربية الجديدة‪.‬‬ ‫هنا قراءة في جديده‬ ‫الشعري‪.‬‬ ‫< في الخريطة‬ ‫السياسية الراهنة‬ ‫تبدو‬ ‫للعراق‪،‬‬ ‫مدينة كركوك‪ ،‬قلب «املناطق‬ ‫املتنازع عليها» في الجسد العراقي‬ ‫املهدد ّ‬ ‫ّ‬ ‫حد الضياع واالستباحة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫لكنها في الخريطة الثقافية‪،‬‬ ‫ارتبطت بحركة شعرية‪ ،‬روافدها‬ ‫مجموعة من الشعراء الستينيين‬ ‫املنحدرين من تلك املدينة‬ ‫‪|5‬‬

‫الكوزموبوليتية‪ ،‬عرفت بجماعة‬ ‫كركوك‪ ،‬أغنت القصيدة‬ ‫الحديثة بجرعة جديدة من‬ ‫الجرأة واالختالف‪ ،‬كانت بحاجة‬ ‫إليها في وقت هيمنت ظالل‬

‫قصيدة ما ُعرف بجيل َّ‬ ‫الرواد‬ ‫على مجمل الشعرالعراقي‪.‬‬ ‫وفي قلق الهوية وتجاذباتها في‬ ‫مشهد النزاع على املدينة‪ ،‬يمثل‬ ‫صالح فائق الحالة األخرى‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫املتنوعة والصلبة‬ ‫الهوية‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫لكركوك بل للعراق عموما‪،‬‬ ‫«كـركوك أمتدحها اآلن‪َّ /‬‬ ‫ألنها‬

‫تركماني‪ُّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫وأمه‬ ‫منك»‪ ،‬فوالده‬ ‫َّ‬ ‫كردية‪ ،‬بينما ثقافته وعطاؤه‬ ‫اإلبداعي عربيان‪ ،‬فهو أحد أبرز‬ ‫شعراء قصيدة النثر العربية‬ ‫األحياء‪.‬‬ ‫ديوانه‬ ‫ومنذ‬ ‫األول «رهائن» (‬ ‫دمشق ‪،)1975 -‬‬ ‫َّ َ‬ ‫تجسد ذلك الغنى‬ ‫ُّ‬ ‫والتنوع في شعره‪،‬‬ ‫ً‬ ‫في‬ ‫اختالفا‬ ‫الصوت‪ ،‬ومغايرة‬ ‫في األداء الفني‬ ‫لقصيدته‪ّ ،‬‬ ‫كرسه‬ ‫دواوينه‬ ‫في‬ ‫الالحقة‪« :‬تلك‬ ‫ثم‬ ‫البالد»‬ ‫«مقاطعات وأحالم» و «رحيل» فـ‬ ‫ً‬ ‫«أعوام»‪ ،‬عاكفا على االستفاضة‬ ‫في تشكيل الصورة الشعرية‪،‬‬ ‫واالشتغال على اإليغال في تظهير‬ ‫الجانب اآلخر من املشاهدات‪ ،‬في‬ ‫فانتازيا ال تخلو من مهارة وذكاء‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫مستمدة من املزج بين طاقة‬


‫الحلم لدى السورياليين‪ ،‬وبين‬ ‫َّ‬ ‫العناية الفائقة بدقة الصورة‬ ‫َّ‬ ‫وحدتها لدى شعراء املدرسة‬ ‫اإليماجية في الشعر األميركي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لتظهير الفسيفساء املعقدة‬ ‫للباطن الشعوري‪.‬‬ ‫ففي «رهائن» و«تلك البالد»‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫نرى الفانتازيا متجهة نحو تهديم‬ ‫الحدود الوهمية بين اليومي‬ ‫والسوريالي‪ ،‬وبين الشخص ي‬ ‫ّ‬ ‫ومتجسدة في التباس‬ ‫والجماعي‪،‬‬ ‫املادة الشعرية بين الذاكرة‬ ‫واملخيلة‪« :‬فليس من السهل‬ ‫ُ‬ ‫نسيان الذكرى»‪ ،‬و «الدهشة لم‬ ‫ْ‬ ‫تعد سوى َّ‬ ‫هزة رأس في حانة»‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ومن هذا التصادم األخاذ تتوالد‬ ‫شحنة أخرى مغايرة في الصورة‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫والعبارة‪ ،‬وإن بدت مخففة قبل‬ ‫َّ‬ ‫أن تتكثف في دواوينه الالحقة‪،‬‬ ‫ربما كان هذان الديوانان‬ ‫املكتوبان بين العراق وسوريا‬ ‫ولبنان‪ ،‬أقرب الى الغنائية‬ ‫واإلنشاد‪ ،‬في استدعاء املاض ي‬ ‫للعبور عليه‪ ،‬حيث بقايا نبرة‬ ‫سياسية تحضر للمرة األخيرة في‬ ‫شعره‪« ،‬ملاذا املدرعات ترابط في‬ ‫الهواء وعلى البيوت رايات القادة‬ ‫َّ‬ ‫املبللة بإفرازات»‪ ،‬قبل أن يعبر‬ ‫‪|6‬‬

‫برهائنه صحراء «تلك البالد» إلى‬ ‫حدائق لندن‪ ،‬التي كتب فيها‬ ‫«رحيل» و «مقاطعات وأحالم»‬ ‫و«أعوام»‪ ،‬حيث انشغل خياله‬ ‫الشعري في هذه املرحلة‪ ،‬في إعادة‬ ‫تأهيل الذاكرة‪« .‬شاعر يتخيل‬ ‫املاض ي‪ /‬يتذكراملستقبل» و« بين‬ ‫حاضر وماض‪ /‬كل ما حدث يبدو‬ ‫َّ ً‬ ‫ً‬ ‫مكمما‪ /‬بين‬ ‫اآلن صراخا‬ ‫خصمين»‪ ،‬على َّ‬ ‫أن هذا التفاعل‬ ‫بين الذاكرة والخيال‪ ،‬يبقى‬ ‫بحاجة إلى حافز طارئ إليقاظ‬ ‫الجانب الثاوي من الذاكرة‪،‬‬ ‫ولذلك فهو يحيل األشياء‬ ‫الحقيقية من حوله إلى رموز‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ليخلق عاملا حلميا من عناصر‬ ‫الواقع نفسه‪ ،‬ففي جنوح خياله‬ ‫الشعري نحو الذاكرة‪ ،‬إعادة‬ ‫اكتشاف للواقع‪ ،‬واستحضاره‬ ‫قناع من الحلم‪.‬‬ ‫عبر ٍ‬ ‫وفي هذا املعنى‪ ،‬فإن شعره فيه‬ ‫من البصيرة أكثر مما فيه من‬ ‫البصر‪ ،‬فلكي تكتب القصيدة‬ ‫عليك أن « َّ‬ ‫تتمرس كالعميان في‬ ‫ّ‬ ‫التطلع إلى السماء» أو «أغمض‬ ‫عيني ألرى»‪ ،‬وهو شعر عرفان ال‬ ‫معرفة‪ ،‬انعكاس لصورة العالم‬ ‫ّ‬ ‫الحس‪ .‬صحيح‬ ‫بالحدس أكثر من‬

‫أن شعره مليء باملحسوسات‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ويكاد يغدو في ظاهره شعرا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫شيئيا‪ ،‬لكنه‪ ،‬عمقيا‪ ،‬ذو شحنة‬ ‫حدسية عالية في االنعكاس‬ ‫الشعوري لصوره الشعرية‪ .‬إنه‬ ‫أقرب إلى تلك الشطحات لدى‬ ‫امل ّ‬ ‫تصوفة‪ ،‬حيث يختل التوازن‬ ‫الذاتي حيال املوضوعي‪« ،‬إني في‬ ‫ُ‬ ‫أحرس نفس ي»‪« ،‬أشتري‬ ‫البيت‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫النسيان»‪ ،‬ومن‬ ‫عسال من سو ِّق ِّ‬ ‫هنا َّ‬ ‫فإن سورياليته ليست ّ‬ ‫غائية‬ ‫َّ‬ ‫موجهة‪ ،‬فهو يكتب من‬ ‫لكنها‬ ‫منطقة الالوعي بوصفها املنطقة‬ ‫ً‬ ‫األكثر التباسا في الخارج‪ ،‬لكنها‬ ‫ً‬ ‫صفاء في الباطن‪.‬‬ ‫األكثر‬ ‫تجربة روحية‬ ‫في دواوينه الالحقة‪ ،‬فترة إقامته‬ ‫في الفليبين‪ُ « :‬دببة في مأتم» و‬ ‫ً‬ ‫«نملة تمش ي في جنازة» وصوال إلى‬ ‫ديوانه الجديد «غيمة في غرفة‬ ‫ٌ‬ ‫نزوع مختلف‪،‬‬ ‫الضيوف»‪ ،‬ثمة‬ ‫إذ ال تكاد تخلو قصيدة منها من‬ ‫أسماء الحيوانات‪ ،‬غالبيتها‬ ‫ليست أليفة!‪ :‬طيور‪ ،‬زواحف‪،‬‬ ‫حشرات‪ ،‬كواسر‪ ،‬ضواري‪ !...‬إن‬ ‫هذا االستخدام املفرط لعوالم‬ ‫الحيوانات في شعر صالح فائق‪،‬‬


‫ظاه ــرة تسترعي االنتباه‪ ،‬فهو منذ‬ ‫ديوان «رهائن» يصغي الى ذلك‬ ‫الصوت الذي يصرخ به‪:‬‬ ‫َ‬ ‫استرج ْع صداقة الحيوان»‪.‬‬ ‫«‬ ‫ِّ‬ ‫ومن املهم التنويه هنا‪،‬‬ ‫بأن استخدام ذلك‬ ‫الغرائزي‬ ‫العالم‬ ‫املوازي‪ ،‬واملتداخل‬ ‫ً‬ ‫أحيانا مع التجربة‬ ‫لإلنسان‪،‬‬ ‫الروحية‬ ‫ً‬ ‫استخداما‬ ‫ليس‬ ‫ً‬ ‫وعظيا‪ ،‬كما في حالة‬ ‫«كليلة ودمنة»‪ ،‬وال‬ ‫يمكن ّ‬ ‫عده في سياق‬ ‫«األدب الديستوبي»‪،‬‬ ‫فليس ثمة ديستوبية‬ ‫خالصة كما لدى جورج‬ ‫أورويل‪ ،‬فنحن نعرف‬ ‫أن رمزية أورويل في‬ ‫«مزرعة الحيوانات» كانت‬ ‫ألغراض سياسية‪ ،‬لكن صالح‬ ‫فائق معني أكثر بالجانب‬ ‫الوجودي‪ ،‬بذلك التداخل‬ ‫املتلبس بين املدينة الفاضلة‬ ‫«يوتوبيا» واملدينة الفاسدة‬ ‫«ديستوبيا»‪ ،‬بمعنى آخر فإن‬ ‫استخداماته املفرطة تلك ليست‬ ‫تجريدات نهائية لرموز خارجية‬ ‫ٍ‬ ‫‪|7‬‬

‫شيئية‪ ،‬وحضورها ليس مجرد‬ ‫ولع باألشباح‪ ،‬لكنها تنطوي على‬ ‫فلسفة ّ‬ ‫تحول وحلول وتناسخ‪.‬‬ ‫ثمة تاريخ غامض لكل تلك‬

‫الحيوانات‪ ،‬ال يتوانى عن التلميح‬ ‫له‪« :‬أنحني على ذئب جاري‪،‬‬ ‫أهمس في أذنه أسرار هرب‬ ‫املمرضين من املستشفيات»‪،‬‬ ‫ولعلها هنا أقرب إلى ُّ‬ ‫تحول كافكا‪،‬‬ ‫في محاولته إلغاء املسافة‬ ‫الجذرية املعتادة بين اإلنسان‬ ‫والحيوان‪ ،‬ومع هذا القرب فهو‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ليس تحوال مسوخيا بالضرورة‪،‬‬

‫فالتناسخ له مراتب حلولية‬ ‫ّ‬ ‫متعددة ليست املسوخية إال‬ ‫واحدة من مراتبها‪.‬‬ ‫لكن الالفت أن صالح فائق ال‬ ‫يصادف حشود حيواناته في‬ ‫قرية أو غابة أو جزيرة‪ ،‬وهي‬ ‫ليست في «موسوعات أو‬ ‫متاحف» كما يقول‪ ،‬وإنما في‬ ‫شوارع املدن الحديثة‪ ،‬وفي‬ ‫ً‬ ‫بيته‪ ،‬وأحيانا في جيبه‬ ‫ً‬ ‫ومالبسه أيضا! ولهذا يبدو‬ ‫العالم الشعري لديه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫مواطن‬ ‫كسفينة نوح‪« :‬أنا‬ ‫هذا العالم‪ ،‬األر ُ‬ ‫ض‬ ‫سفينتي»‪ ،‬فقصيدته مثل‬ ‫سفينة هاربة من الطوفان‬ ‫يصطحب فيها مقتنيات‬ ‫ً‬ ‫شتى‪ ،‬لينش ئ بها عاملا‬ ‫ً‬ ‫جديدا‪ ،‬ما بعد الطوفان‬ ‫املستغرق في لحظتنا‪ ،‬ويؤثث بها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مشهدا مختلفا‪ ،‬على أهوائه‪ ،‬من‬ ‫رموز الفانتازيا‪ ،‬وعناصر‬ ‫الالمعقول‪ ،‬بعد أن أثبت‬ ‫َّ‬ ‫املعقول أنه عالم ملفق من‬ ‫البشاعة والفساد‪ .‬وال يواجه‬ ‫صالح فائق هذا الفساد‪،‬‬ ‫بالشتيمة واإلدانة املباشرة‪ ،‬إنما‬ ‫بالسخرية والتهكم‪ ،‬فيتجلى‬


‫الضحك بوصفه كوميديا ذكية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وليس تهريجا أو تسلية‪ ،‬بمعنى أنه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ال ّ‬ ‫يقدم شعرا فرحا‪« ،‬ولكن ُه‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ض ِّح ٌك كالبكا»‪ ،‬فالظرف‬ ‫الخارجي هو الذي يحدد فعل‬ ‫التهكم والهزل‪ ،‬ويحيله إلى‬ ‫الضحك كما يقول برجسون‪،‬‬ ‫وقصيدة صالح فائق في جوهرها‬ ‫قهقهة في كابوس‪ ،‬ذلك أن‬ ‫«الكوابيس ُروح مدينتك» و‬ ‫«مشيت في جنائز عسكريين قتلى‬ ‫ألني ُّ‬ ‫أحب املوسيقى!»‪.‬‬ ‫صورة شعرية‬ ‫ولهذا‪ ،‬قد ال نجد في شعره دراما‬ ‫الصورة‪ ،‬بمعنى أن الصورة‬ ‫الشعرية ال تؤدي إلى التصعيد‬ ‫املشهدي‪ ،‬فهو يعتمد على‬ ‫ُّ‬ ‫التدفق الصوري التلقائي‪َّ ،‬‬ ‫وكأن‬ ‫تلك األرخبيالت الغريبة من‬ ‫الصور الشعرية واحدة من‬ ‫ُ‬ ‫تقنيات تكريس الفكاهة امل َّرة التي‬ ‫ُ‬ ‫أختار‬ ‫يعتمدها في قصيدته‪«:‬ال‬ ‫ٌ‬ ‫فر َ‬ ‫صقور‬ ‫ائس في صوري‪ /‬هنالك‬ ‫ً‬ ‫َّ ُ‬ ‫تحوم‪ /‬تعلمت درسا من انتقال‬ ‫جبل إلى مدينة‪ /‬تلبية لنداء‬ ‫ٍ‬ ‫طفل»‪.‬‬

‫‪|8‬‬

‫في وصفه كما في تهكمه من‬ ‫العالم‪ ،‬ثمة بالغة من نوع آخر‪،‬‬ ‫ليست معجمية من بطون‬ ‫ً‬ ‫الكتب‪ ،‬فهو كثيرا ما يهجو الكتب‬ ‫ويسخر منها! «الكتب بال آمال‪،‬‬ ‫أحالم‪ ،‬بال حتى نساء‪ .‬هي جيدة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أعترف‪ ،‬لسرد أحوال الطقس»‪،‬‬ ‫بل بالغة الحواس‪ ،‬وقلب‬ ‫الدالالت‪ ،‬وخلق فوض ى جميلة في‬ ‫العالقة بين الش يء والش يء‪ ،‬ال‬ ‫بين الكلمة والكلمة فحسب‪،‬‬ ‫فيعمد إلى تأثيث قصيدته‬ ‫ّ‬ ‫وبرية في آن‪:‬‬ ‫بحيوانات أليفة ِّ‬ ‫ً‬ ‫اال من مأوى‬ ‫«اشتريت غز‬ ‫لأليتام»‪ ،‬ويؤنسن املجردات‬ ‫ويشخصنها‪« :‬ال أتخلى عن‬ ‫أوهامي ال أستطيع‪ /‬أحتفظ بها في‬ ‫خزانة مقفلة»‪ ،‬ويستدرج‬ ‫ً‬ ‫املتناقضات‪« :‬ربطت أعواما من‬ ‫حياتي إلى سكك الحديد»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ويجاور بين املتنافرات‪« :‬اقترضت‬ ‫ً‬ ‫ماال من قاطع طريق‪ /‬ألشتري‬ ‫أدوية وفيتامينات»‪ ،‬ليجعل من‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الوهم شيئا معقوال جدا‪ ،‬أما‬ ‫أبطاله فنكرات وهامشيون‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وهكذا يشكل عاملا كبيرا من‬ ‫عناصر صغيرة‪ ،‬بل محذوفة‬ ‫ومنسية‪ ،‬ليجعلنا نحتفل معه في‬

‫َّ‬ ‫املنسيات‪،‬‬ ‫أعياد طقوسية من‬ ‫ويلعب بحرية في الال معقول في‬ ‫مسرح موليري هو الحياة‬ ‫اليومية‪ ،‬ليعيد تشكيل النظام‬ ‫الصارم للحياة بنوع من الفوض ى‬ ‫املرحة‪« :‬أنا بال أمل حول روايتي‬ ‫ْ‬ ‫األخيرة‪ :‬هربت شخصيات منها‪،‬‬ ‫اختفت‪ /‬اعتقلوا بعضهم بعدما‬ ‫انخرطوا في مظاهرة َّ‬ ‫ضد باعة‬ ‫فستق!»‪.‬‬ ‫صالح فائق شاعر ذو حساسية‬ ‫صعبة ومختلفة وفريدة‪ ،‬ولغته‬ ‫شديدة الصلة بالعصر‪ ،‬وصوره‬ ‫ً‬ ‫اإلكزوتيكية أكثر تعبيرا عن قلق‬ ‫اللحظة‪ ،‬وقصيدته مليئة‬ ‫بالكوارث واملفاجآت غير‬ ‫املتوقعة‪ ،‬كأنه ٌ‬ ‫كائن فضائي‪ ،‬أو‬ ‫قادم من عصور سحيقة‪ ،‬من‬ ‫تلك الحضارات املطمورة‪ ،‬إلى‬ ‫عالم الحداثة الشاملة‪ ،‬في املدن‬ ‫الرقمية‪ ،‬ومن هنا فشله املستمر‬ ‫في التفاعل امليكانيكي مع العالم‪،‬‬ ‫لهذا يضع األشياء غيراملناسبة في‬ ‫املكان غيراملخصص لها‪ ،‬ويلتقط‬ ‫صورة شعرية‪ /‬تذكارية للمشهد!‬ ‫عن جريدة الحياة‬


‫لندن ‪ -‬رهائن هم البشر‪ .‬احليوانات ليست كذلك‪ .‬بداهة بقدميه‪ .‬وهو كالم جمازي‪ ،‬ذلك ألن صالح فائق وصل الفلبني‬ ‫عيش وخيال شعري ميتزجان عرب مسرية سنوات من الشقاء حملقا جبناحي شاعر‪.‬‬ ‫واألمل والعذاب والتأمل املضين لينتجا شاعرا‪ ،‬قرر منذ أيامه لقد متكّن منه الشعر‪ .‬من الصعب أالّ تراه طفال ال تزال‬ ‫األوىل أالّ يكون سوى ذلك الفرد الذي ال يشبه أحدا وال الزرافة تدهشه بعنقها الذاهب إىل السماء‪ .‬يُقال لك إنه‬ ‫أحد يشبهه‪.‬‬

‫كان حزبيا‪ .‬يُقال إنه كان يساريا‪ .‬ولكن صالح نفسه يسلم‬

‫الشعر بضحكة إنسان حزين‬

‫يساره إىل ميينه حني يتعلق األمر بالشعر‪ .‬ما يكتبه يؤكد أن‬

‫من كركوك إىل واحدة من جزر الفلبني مرورا ببغداد ودمشق ليس للعقائد من معىن‪ .‬اإلنسان وحده يلهو خارج القفص‪.‬‬ ‫ولندن مسافة ميكنها أن ختلق ماركو بولو جديدا‪ .‬أما صالح أهناك ما ال يسر يف تلك املعادلة؟‬ ‫فائق فإنه رحالة من نوع‬

‫قد ختطئ الوصول إليه‬

‫خيترع‬

‫حني تبحث عنه على‬

‫قارات من الكالم اليت‬

‫خارطة‬

‫الشعر‬

‫ميكنها أن تسلمنا يف النهاية‬

‫العراقي‪ .‬عربيا ميكننا‬

‫إىل ضحكة قنفذ‪ ،‬تبيضّ‬

‫أن خنطئ أيضا‪ .‬صالح‬

‫أسناننا بعدها‪.‬‬

‫فائق هو منوذج للشاعر‬

‫خمتلف‪.‬‬

‫خياله‬

‫أسالفه‬

‫يفرض عليك كثافة حزنه‬

‫الالمنتمي‪.‬‬

‫فيما خفته وكأنه شخص ال‬

‫موزّعون على خارطة‬

‫يُرى تقول شيئا خمتلفا‪.‬‬

‫اإلدريسي‪ ،‬يف أماكن‪،‬‬

‫ما فعله من أجل الشعر فعله الفرنسي رامبو من قبل‪ .‬الفرق البعض منها خيايل ومل يكتب فيه أحد شعرا مأثورا‪.‬‬ ‫بينهما أن األخري هرب من الشعر فيما ذهب األول إىل الشعر إنه قدمي حبداثته‪ ،‬كما لو أنه شارك يف البحث عن الذهب‬ ‫أو مرّ بالباحثني عنه مثل شبح‪ .‬أخذ من سركون بولص‬ ‫‪|9‬‬


‫(‪ 1944‬ــ ‪ )2007‬حضوره ومن جان دمو (‪ 1942‬ــ ‪ )2003‬ينشره من أشعار يوحي بنوع غرائيب‪ ،‬فريد من نوعه من‬ ‫غيابه‪ ،‬ومها شقيقا روحه‪.‬‬

‫احلياة‪.‬‬

‫شاعر اجلزر البعيدة‬

‫ليس من اليسر تصنيف شعر صالح فائق مدرسيا‪ .‬هناك مَن‬

‫ولد صالح فائق يف كركوك‪ ،‬مشال العراق عام ‪ .1945‬يف وقت يعتربه سرياليا لغرابته‪ ،‬غري أنه غالبا ما يقع بعيدا عن‬ ‫مبكر من حياته اخنرط يف العمل السياسي فكانت حياته شروط الكتابة السريالية‪ ،‬وباألخص حني جيد يف اليوميات‬ ‫اليت عاشها يف العراق جمموعة متالحقة من االختفاءات الشخصية مادته اليت يلتقطها كما لو كانت لقية‪ .‬وهو يلجأ‬ ‫القسرية‪ .‬عام ‪ 1963‬بدأ كتابة الشعر وبعدها بعام انضم يف ذلك إىل مزج الواقعة خبياهلا‪ ،‬فرياها يف مرآة ذلك اخليال‬ ‫إىل حلقة األدباء املحليني اليت عرفت يف ما بعد باالسم واقعة أخرى‪ ،‬عاشها بعمق وقوة ما تنطوي عليه من مشاهد‬ ‫الشهري “مجاعة كركوك”‪ ،‬بسبب ما حققه أفرادها من ال تظهر بشكل مباشر‪ ،‬غري أنه ال يعيننا على رؤيتها وحسب‪،‬‬ ‫شهرة‪ .‬يف بداية سبعينات القرن املاضي استقرت به احلال يف بل يسعى إىل أن يشركنا يف تأثري تلك املشاهد عليه‪.‬‬ ‫بغداد وعمل يف مصلحة السكك احلديدية وكان قد تعرض شعر هو أشبه بالرسم التعبريي الذي مل يعط ظهره‬ ‫قبلها لعملية اختطاف ألسباب سياسية‪.‬‬

‫لالنطباعية‪ .‬وهنا بالضبط يكمن سر وضوحه املفرط يف‬

‫عام ‪ 1974‬قرر أن يغادر العراق‪ .‬غري أنه مل يكن ميلك جواز إنسانيته‪ .‬هذا شاعر تتساوى أمامه الكائنات واألشياء‪.‬‬ ‫سفر‪ ،‬فساعده الشاعر عبدالوهاب البيايت يف احلصول عليه‪ .‬يرجتل أناشيده كمن حيكي جلارته وقائع ما جرى لقطّته‬ ‫فكانت دمشق وجهة سفره األوىل‪ ،‬حيث استقر هناك ونشر اليت هجرت املزنل‪ .‬هناك ألفة‪ ،‬مصدرها العيش العميق‬ ‫ديوانه األول “رهائن” عن احتاد الكتاب العرب‪.‬‬

‫والثقة باحلياة‪ .‬ما من شيء غامض‪ .‬احلياة كلها غامضة‪.‬‬

‫عام ‪ 1979‬غادر دمشق إىل لندن‪ ،‬حيث عمل مترمجا وحمررا ويف قلب ذلك الغموض األزيل هناك الكثري من الوضوح‪ .‬وهي‬ ‫يف عدد من املجالت‪ .‬اخنرط فائق يف احلياة الثقافية واحدة من أعظم وظائف الشعر‪ .‬نزعة صالح فائق اإلنسانية‬ ‫الربيطانية فكانت له عالقات متينة بعدد من الرسامني تقف وراء أنسنة احليوانات واألشياء والوقائع املتخيلة اليت‬ ‫والشعراء اإلنكليز وترمجت كتبه الشعرية إىل اللغة يضمها إىل ذكرياته‪.‬‬ ‫اإلنكليزية‪ ،‬غري أنه وألسباب سيشرحها يف ما بعد شعرا‪ ،‬قرر “حبا بشكسبري جئت إىل لندن صادفت ذات ظهرية يف‬ ‫الرحيل إىل الفلبني عام ‪ .1993‬ومن يومها وهو يقيم يف حديقة هاميستد أليوت واقفا على مصطبة يتطلع إىل‬ ‫إحدى اجلزر هناك‪ ،‬متلذذا بعزلته‪ .‬تلك العزلة اليت صارت مظالت تتساقط على املدينة”‪.‬‬ ‫مبثابة جنة لشعره الذي يعج بالكائنات وبالوقائع املتخيّلة‪ .‬ميكننا أن ننسب تلك الواقعة للشاعر باعتباره رائيا‪ ،‬غري أهنا‬ ‫ال يُعرف عن حياته الشخصية يف الفلبني الكثري‪ .‬غري أنّ ما واقعة ميكن أن يعيشها أيّ فرد آخر يف حلظة إهلام‪ .‬وهنا‬ ‫‪| 10‬‬


‫بالضبط يكمن معىن الشعر لدى صالح فائق‪ .‬وهو شعر ال احلياة مبا يكفي لكي يرتدّ بالسخرية على احلياة‪ .‬يف كل ما‬ ‫جيانب احلقيقة وال يكذب وال يبالغ‪ ،‬غري أنه يف الوقت نفسه يقوله هناك نوع من الدعابة اجلارحة اليت تضع احلياة كلها‬ ‫يضفي على أشيائه الصغرية هالة املعجزة‪ .‬لذلك يبدو على ميزان حرج‪.‬‬ ‫مفاجئا مبا يكتزنه من مشاعر حب تفتك بالعادي واملباشر أمجل ما يف صالح فائق أنه ال يزال يعترب نفسه شاعر‬ ‫والصريح‪ ،‬عاصفة بالقناعات النثرية‪“ .‬هناك شعر يف مكان‪ .‬اهلامش‪ .‬ومن أجل أن يؤكد تلك احلقيقة فإنه يلجأ أحيانا‬ ‫حىت وإن كان ذلك املكان حجرا مل يشق العشب صممه” هنا إىل نشر كتابه من خالل دور نشر هامشية‪ .‬فعل يبدو عبثيا‬ ‫بالضبط تكمن رسالة صالح فائق الشعرية‪.‬‬

‫ملَن هو حبجمه‪ ،‬غري أن ذلك الفعل يرحيه يف ظل رغبته يف‬

‫شاعر املناسبات املضادة‬

‫أن ال يتحول إىل صنم شعري كما هو حال صديقه ومعلم‬

‫يف حسابه على فيسبوك يضع صالح فائق صورة جتمع بني قصيدة النثر اللبناين أنسي احلاج‪ .‬لقد جنح صالح فائق يف‬ ‫سركون بولص وجان دمو بدال من أن يضع صورته‪ .‬مل يُعرف أن يكون أيقونة مضادة‪ .‬الشعر بالنسبة إليه مائدة شخصية‪،‬‬ ‫عن الشاعرين الراحلني أهنما عمال إال يف ما ندر من أجل أن الدعوة إليها عامة‪.‬‬ ‫يكسبا قوت يومهما‪ .‬كانا عاطلني إال من الشعر‪ .‬وهو شعر‪،‬‬ ‫تظل قيمته موضع التباس بالنسبة إىل دمو الذي مل يكتب‬ ‫إال القليل‪ ،‬غري أنه عاش حياته بعبث شاعر‪.‬‬ ‫وألن شاعرا حبجم صالح فائق ال يفعل شيئا بطريقة‬ ‫جمانية فإن استذكاره الدائم لصديقيه هو مبثابة ثناء على‬

‫أطرقُ باب ًا وأسألُ‪:‬‬ ‫ تعرفون صالح فائق؟‬‫ب امرأ ٌة متأنقةٌ‪.‬‬ ‫ نعم نعرفهُ‪ ،‬تُجي ُ‬‫‪ -‬أين يسكنُ؟‬

‫تلك التضحية الفريدة من نوعها‪ .‬أن يهب املرء حياته كلها‬

‫‪ -‬في الفلبين‪.‬‬

‫للشعر‪ .‬أهذا ما دفعه إىل الفرار من حياته الرتيبة يف لندن‬

‫***‬

‫باحثا عن املعجزات يف آخر األرض‪ ،‬مقتفيا أثر الرسام‬

‫ب جفاف األرياف‬ ‫مهي ٌ‬

‫الفرنسي بول غوغان الذي أهنى سنواته األخرية يف تاهييت؟‬

‫يؤذي الكهوف ومالئكة عصاة‬

‫سيكون ممتعا للقراء لو أهنم قرأوا مذكرات الشاعر اليت ال‬

‫ن فيها‬ ‫يختفو َ‬

‫أظن أنه سيكتبها نثرا‪ .‬ليس لدى صالح فائق استعداد‬

‫هدّدني حاك ٌم حشَّاش‬

‫الستهالك مغامرته يف احلياة من خالل حتويلها حكاية‬

‫باعتقالي في مصعد‬

‫للتسلية‪ .‬هناك ما يود قوله شعرا‪ .‬وهو يبدو مستعدا للدفاع‬ ‫عن حصانة أمله مبا ميلك من روح دعابة‪ .‬لقد سخرت منه‬ ‫‪| 11‬‬

‫ت أحداً بذلك‬ ‫إذا أخبر ُ‬


‫حاورته لمياء المقدم‬

‫أقامت مجلة “الجديد” في إطار حفل انطالقها بلندن يوم‬ ‫الـ‪ 12‬من شهر فبراير‪ ،‬أمسية تكريمية للشاعر صالح فائق‬ ‫صاحب “رهائن” و”تلك األيام” و”رحيل”‪ ،‬بمناسبة بلوغه‬ ‫السبعين‪ ،‬وذلك إعالنا منها عن سعيها إلى االحتفاء بعالمات‬ ‫رائدة ومؤثرة ‪-‬وإن تكن مهمشة‪ -‬في الثقافة العربية‪ .‬وقد‬ ‫أصدرت مجلة “الجديد” ديوان صالح فائق الجديد الموسوم‬ ‫بـ”غيمة في غرفة الضيوف” ليبلغ نتاجه الشعري مع هذا‬ ‫الديوان ‪ 23‬عمال شعريا‪ ،‬يشكل مجموعها محطات في‬ ‫تجربة رائدة لشاعر لطالما كان فريدا بين أقرانه السابقين‬ ‫‪| 12‬‬

‫منهم‪ ،‬والالحقين به من الشعراء الذين انضووا تحت لواء‬ ‫ما يسمى بـ”قصيدة النثر” أو “القصيدة الحديثة”‪.‬‬ ‫حضر األمسية جمع مختار من الشعراء واألدباء والفنانين‪،‬‬ ‫وقدّم صالح فائق الشاعر نوري الجراح‪ ،‬معتبرا أن فائق‬ ‫صوت فريد في الشعر العربي‪ .‬وفي مستهل األمسية ألقى‬ ‫الناقد خلدون الشمعة كلمة حول شعر صالح فائق بيّن‬ ‫مواطن القوة فيها‪ ،‬كاشفا عن موقعها وأهميتها في حركة‬ ‫الشعر العربي الحديث‪.‬‬


‫ث ّم قرأ صالح فائق من دواوينه المختلفة‪ ،‬ومن ديوانه‬ ‫الجديد‪ ،‬وتحدث عن حياته وتجربته‪ .‬وشارك في االحتفاء‬ ‫بفائق بقصائدهم وقصائده الشعراء‪ :‬العراقيان خزعل‬ ‫الماجدي وسالم سرحان والجزائري أزراج عمر والتونسية‬ ‫لمياء المقدم‪ ،‬وحيّاه فاروق يوسف بكلمة بديعة‪.‬‬ ‫لم تكن قاعة عادية‪ ،‬وال لقاء عاديا كالذي يجمع الشعراء‪.‬‬ ‫كانت “غيمة في غرفة الضيوف”‪ ،‬لندن البيت الذي احتضن‬ ‫الشاعر العراقي الكبير صالح فائق لمدة عشرين سنة‪،‬‬ ‫تستقبله اليوم زائرا‪ ،‬عابرا كغيمة في سمائها التي ال تصفو‬ ‫أبدا‪ .‬سماؤها التي دفعته‪ ،‬كما قال‪ ،‬إلى التحليق بعيدا‪،‬‬ ‫مطاردا شمسا منفية وراء بحار‪ ،‬فالشاعر العراقي الذي‬ ‫فضّل العيش في قرية نائية‪ ،‬في جزيرة نائية‪ ،‬في بلد ناء هو‬ ‫الفلبين‪ ،‬يأتي اليوم ليلتقي أصدقاءه‪ ،‬ويقرأ شعره‪ ،‬ويستمع‬ ‫ي‪.‬‬ ‫إليهم يقرؤون شعرهم احتفاء به‪ ،‬ويقدّم كلبه كقارئ وف ّ‬ ‫في كالمه مع أصدقائه‪ ،‬يذكر صالح فائق كلبه الذي تركه‬ ‫لدى جاره الفلبيني ليتسنى له القدوم إلى لندن ومشاركة‬ ‫تعود‬ ‫الجميع احتفالهم به‪ ،‬الكلب بعيد وصاحب الكلب‪ ،‬الذي ّ‬ ‫أن يقرأ شعره على كلبه فقط‪ ،‬يقرأ اليوم لفصيلة أخرى من‬ ‫الحيوانات‪ .‬فالعالم لدى صالح فائق حيواني بالدرجة‬ ‫األولى‪ ،‬وليس اإلنسان سوى حيوان من نوع آخر‪ ،‬ليس‬ ‫أكثر أو أقل أهمية من كلب تركه عند جار‪.‬‬ ‫يقول صالح فائق “عندما أقرأ شعري على كلبي يهز رأسه‬ ‫ي كأنه يفهمني”‪ ،‬هذه ليست وحدة بالمفهوم‬ ‫وينظر إل ّ‬ ‫التقليدي‪ ،‬بل صداقة األشياء‪ ،‬الحيوان‪ ،‬القرد والعقرب‪ ،‬كأنه‬ ‫منها‪ ،‬وكأنها منه‪ ،‬حتى أنك وأنت تنظر إليه ترى أحصنة‬ ‫وتماسيح وعقارب وثعابين وفراشات تعبره‪ .‬لقد غادرنا‬ ‫الشاعر‪ ،‬الذي يعيش بيننا‪ ،‬ونراه يمشي ويتكلم ويفكر‪ ،‬إلى‬ ‫عالم خاص‪ ،‬الفعل فيه درجة من درجات السكون‪ ،‬الحياة‬ ‫فيه وجه آخر للموت‪ ،‬حقيقي جدا‪ ،‬ووهمي‪ ،‬قريب وبعيد في‬ ‫آن‪ ،‬بيننا وليس بيننا‪.‬‬ ‫‪| 13‬‬

‫يمر به‬ ‫كل ما يلمسه صالح فائق يتحول إلى شعر‪ ،‬كل ما ّ‬ ‫يتحول إلى شعر؛ يعبر بنهر‪ ،‬فإذا النهر عرس أو جنازة‬ ‫واألسماك نساء‪ ،‬ينظر إلى السماء فإذا بها تتحول إلى بقرة‬ ‫أو تمساح‪ ،‬يأتي بأكله وقبل أن يلمسه تأخذه المخيلة إلى بيت‬ ‫عراقي وأب وأم وأبناء وذئاب جائعة في مكان ما‪ .‬يربط‬ ‫حذاءه فتغوص قدمه في صحراء حارة ودامية‪ ،‬مشاها ربما‬ ‫أو لم يمشها أبدا‪ ،‬إنه الشاعر الذي وجد الشعر ووجده‪ .‬ال‬ ‫يفكر‪ ،‬يكتب وال يعرف إلى أين يذهب‪ ،‬ال ينتظر القصيدة‬ ‫وال يبحث عنها وهو القائل “أكتب كنحات أو رسام‪ ،‬أبدأ وال‬ ‫أعرف ما سأنتهي إليه‪ ،‬الشعر اكتشاف”‪.‬‬ ‫في مستهل أمسيته التكريمية قال صالح فائق‪ :‬عندما بلغ‬ ‫ميخائيل نعيمة السبعين‪ ،‬كتب كتابه “سبعون”‪ ،‬وكأنه‬ ‫يستغرب من بلوغه هذه السن المتقدمة‪ ،‬أفكر في أن أكتب‬ ‫“ثمانون”‪.‬‬ ‫صالح فائق الذي طوى السبعين‪ ،‬ومازالت له روح طفل‬ ‫وعينا طفل‪ ،‬ليس بيننا حقا‪ ،‬لقد أخذه الشعر منذ زمن طويل‬ ‫إلى عالم ال يقاس بالزمن‪ ،‬وال أحد فيه يحيا أو يموت‪.‬‬ ‫في ظل أجواء التكريم أجرت الشاعرة لمياء المقدم حوارا‬ ‫مع صالح فائق حول الشعر والسفر والحب والحرية‬ ‫والحرب واالنتفاضات والمنافي‪ ،‬ننشره في ملف تحت‬ ‫عنوان "هذا الشاعر"‪ ،‬مواصلين االحتفاء بتجربة الشاعر‬ ‫الكركوكي الذي وصفته محاورته بأنه "شاعر كل ما يلمسه‬ ‫يتحول إلى شعر"‪.‬‬ ‫◄ كل ما تلمسه يتحول إلى شعر‪ .‬كيف تستطيع أن تكون‬ ‫هذا الشخص؟‬ ‫هذا ّ‬ ‫يحول الطين إلى‬ ‫ألن لي تاريخا مع الشعر‪ ،‬النحات ّ‬ ‫عمل فني‪ ،‬وكذا الشاعر‪ ،‬يتكلم مع الصخر كالنحات‪،‬‬


‫ويستمع لكل شيء‪ .‬تحتاجين للوصول إلى هذه الحالة زمنا‬ ‫طويال‪.‬‬

‫لم تحتمل وفرت منه‪ ،‬مثل رامبو أو لوترمايون‪ ،‬ألنهم شباب‬ ‫لم يحتملوا انفتاح الشعر المفاجئ أمامهم‪ .‬هربوا‪.‬‬

‫◄ هل وصلت إلى الشعر؟‬

‫الشعر إذا لم يتطور تطورا طبيعيا يصبح مخيفا‪ ،‬شيئا‬ ‫خارقا‪ ،‬مثل اإللهام‪ ،‬شيئا نبويا‪ .‬فجأة يكتشف الشخص الشعر‬ ‫بداخله وبسبب صعوبة االستمرار في هذا مع جسده وعمره‬ ‫يهرب ويترك كل شيء‪ .‬رامبو هرب وصار بائع أسلحة في‬ ‫أفريقيا‪ ،‬لكي يتخلص من الشعر‪.‬‬

‫أعتقد أنني وصلت إلى المجرة أو المكان أو فضاء أو أفق‬ ‫ما‪ ،‬هو الشعر‪ .‬نحن ال نذهب إلى الشعر‪ ،‬هو الذي يأتي‬ ‫إلينا‪ .‬هناك أعمال قمت بها في ماضي‪ ،‬ال احتملها اآلن‪،‬‬ ‫حسب تجربتي الحالية‪ .‬في وقتها كانت شيئا جديدا ومختلفا‪،‬‬ ‫هكذا يتم التطور واالنتقال إلى شكل جديد‪ .‬ال يوجد نص‬ ‫خارق‪ ،‬النص دائما منقوص‪ ،‬وكماله في نقصانه‪ .‬لست‬ ‫راضيا عن شعري إلى اآلن‪ ،‬ال يوجد رضا‪ ،‬هناك عملية‬ ‫مستمرة‪ ،‬ربما في العام القادم أكتب شيئا أفضل‪ ،‬أو ربما‬ ‫أصمت‪ ،‬هذه هي الحياة‪ ،‬الشعر والحياة شيء واحد‪ .‬ال أكره‬ ‫أعمالي‪ ،‬وليس من الصحي أن نكره عمال أنجزناه‪ ،‬ثم‬ ‫اعتبرناه ناقصا‪ ،‬كل نص هو توثيق مه ّم للتجربة وللحالة‬ ‫الذهنية التي يمر بها الشاعر في مراحله‪.‬‬ ‫◄ ما رأيك في الشعر والشعراء الموجودين اآلن في‬ ‫الساحة؟‬ ‫ال أعرف عنهم الكثير‪ ،‬ال أقرأ لهم‪ .‬ربما لواحد أو اثنين‪،‬‬ ‫لكن لألسف ال أرى أمال كبيرا في الكثير من الشعر‪ .‬كأنه‬ ‫ال يزال في ماض بعيد‪ .‬ما ينقص التجارب الحالية أن‬ ‫الشعراء ال يكتبون عن أنفسهم بل عن موضوعات‪.‬‬ ‫الموضوعات غير مهمة‪ ،‬ال أريدها‪ ،‬أنا أريد أن أعرفك‬ ‫أنت‪ .‬كيف مخيلتك؟ كيف حياتك؟ كيف طفولتك؟ كيف‬ ‫تنظرين إلى األشياء؟ يجب أن نكتب عن أنفسنا فقط‪ ،‬ومنها‬ ‫تطلع األشياء ويتشكل العالم من حولنا‪.‬‬ ‫الشعر ال يأتي دفعة واحدة‪ ،‬لكنه يتربّى لدينا‪ ،‬فال بد من‬ ‫تجارب كثيرة‪ .‬نماذج قليلة فاجأها الشعر مرة واحدة لكنها‬

‫‪| 14‬‬

‫ولوترمايون نفس الشيء‪ ،‬هذا الشاعر مذهل‪ ،‬خارق وأحبه‬ ‫أكثر من رامبو‪.‬‬ ‫خلق عالم خاص بك من خالل اللغة يحتاج زمنا طويال‪،‬‬ ‫وليس كتابا أو كتابين‪ .‬جالل الدين الرومي لديه كتاب واحد‬ ‫عبارة عن ‪ 10‬مجلدات وفي النهاية لديه جملة مدمرة يقول‬ ‫“توقف‪ ،‬فقد جف القلم”‪ .‬انتهى بعدها‪ ،‬ولم يكتب بعدها أبدا‪.‬‬ ‫استغرق كتابه ‪ 20‬سنة‪ ،‬في عالقة مع نفسه وماضيه واللغة‪.‬‬ ‫ووصل إلى مرحلة قال لنفسه “اذهب‪ ،‬فقد جف القلم”‪.‬‬ ‫الرسام مثال أو النحات‪ ،‬قد يصل إلى مرحلة الحديث مع‬ ‫الحجر وسماعه يتألم أو يتأوه تحت أصابعه‪ .‬وهكذا الشاعر‬ ‫في عالقته باألشياء‪.‬‬ ‫◄ هل لديك عادات مرتبطة بالكتابة؟‬ ‫في السابق نعم‪ ،‬كنت أدخن وأنا أكتب‪ ،‬وهذه عادة تعلمتها‬ ‫من الصحافة‪ ،‬لكن ال أقترح على أحد أن يدخن أو يشرب‬ ‫وهو يكتب‪ ،‬ألن في ذلك تشتيتا للتركيز‪ .‬أنا أحبّ مثال أن‬ ‫أسمع موسيقى وأنا أكتب فقط‪ ،‬ال أشرب أو أدخن‪.‬‬ ‫ال أعرف متى سأكتب‪ ،‬أبدا‪ ،‬الروائي يعرف ويلتزم ببرنامج‬ ‫طويل‪ ،‬الشعر ليس هكذا‪ .‬ال أنتظر الشعر‪ ،‬لكن معي دائما‬ ‫ورقة وقلم‪ ،‬وكلما أحسست أنني أريد أن أكتب أكتب‪ ،‬لكن‬


‫ال أفرض على نفسي شيئا‪ ،‬ألنه سيكون مفتعال‪ .‬ومشاعره‬ ‫ليست حقيقية‪.‬‬ ‫◄ كيف تصف الفلبين التي تقيم فيها منذ نحو عقدين؟‬ ‫ي‪ ،‬بها ‪ 9‬لغات‪ .‬ال عالقة لها‬ ‫الفلبين مجتمع ومتنوع وح ّ‬ ‫ببعضها‪ ،‬هناك ‪ 7200‬جزيرة في الفلبين‪ .‬وعبر التاريخ‬ ‫هذه الجزر كانت منعزلة فطورت لغاتها الخاصة‪ .‬هناك‬ ‫‪ 200‬لهجة وكل األديان موجودة‪ ،‬من البوذية إلى اإلسالم‪،‬‬ ‫واإلسبانية تُت َكلم هناك إلى اآلن‪ .‬يوجد تنوع مذهل‪ ،‬لغوي‬ ‫وديني وثقافي‪.‬‬ ‫أكره الشتاء‬ ‫◄ لم نسمع عن أسماء كبيرة في الشعر أو الفن هناك؟‬ ‫لديهم شعراء كبار يعيشون في أميركا ويكتبون باإلنكليزية‪،‬‬ ‫لكن داخل الفلبين يكتبون بلغات محلية ال أفهمها‪ .‬لألسف ال‬ ‫توجد ترجمات وهم ليسوا متقدمين في هذا المجال‪ ،‬تكلمت‬ ‫مع الكثيرين‪ ،‬وقلت لهم ال بد من إيجاد مركز ثقافي في كل‬ ‫جزيرة للتوثيق‪ ،‬لكن ال يوجد‪ .‬اآلن تغير األمر بسبب‬ ‫اإلنترنت وبدأ يظهر شيء منها‪ .‬الدولة لديهم غير مهتمة‬ ‫بالثقافة‪ ،‬هناك دور نشر‪ ،‬وصحف ومجالت لكن الدولة ال‬ ‫تهتم بالثقافة‪.‬‬ ‫أعيش هناك منذ ‪ 20‬سنة وأحيانا أشعر أن إقامتي طالت‬ ‫أكثر من الالزم‪.‬‬ ‫بقيت في لندن ‪ 20‬عاما قبلها‪ ،‬وال أرتاح في لندن ألنني‬ ‫ي رعب من‬ ‫أكره الشتاء‪ ،‬أينما يصلني الشتاء أهرب‪ ،‬لد ّ‬ ‫الشتاء‪ ،‬في الفلبين ال يوجد شتاء نهائيا‪ ،‬لديهم موسم أمطار‬ ‫لكن الحرارة ال تنخفض تحت العشرين أبدا‪.‬‬

‫‪| 15‬‬

‫خالل هذه األيام في لندن‪ ،‬لم أخرج من الفندق‪ ،‬ال أحب‬ ‫طقس لندن‪ ،‬ألنه يحدد لي أين أذهب‪ ،‬لكن في الشمس أنا‬ ‫حر وأختار المكان والوقت الذي يناسبني‪.‬‬ ‫في الصيف أحب أن آتي إلى لندن لبضعة أسابيع أو أشهر‬ ‫لكن سرعان ما أهرب‪.‬أحيانا وأنا أستقل الطائرة عائدا إلى‬ ‫الفلبين‪ ،‬أتساءل‪ ،‬ما الذي يرجعني إلى هناك؟ لكن ال أجد‬ ‫الجواب‪ .‬اخترت هذا المكان بنفسي‪ ،‬أحببت هذا البلد حبا‬ ‫عجيبا‪ ،‬بلد رائع ذو طبيعة مذهلة‪ ،‬كل جزيرة مختلفة عن‬ ‫الثانية‪ .‬في البدء كنت أنتقل من مكان إلى مكان‪ ،‬اآلن‬ ‫استقريت في مكان‪.‬‬ ‫جئت إلى هنا زائرا‪ ،‬وقلت في ذهني إنني إذا تقاعدت يوما‬ ‫فسأعيش هنا‪ ،‬بعد ثالث سنوات فقط أفلست شركتي‬ ‫ي‬ ‫واستقريت هنا‪ .‬أعيش هناك مع كلبي تشيري (فاكهة)‪ .‬ولد ّ‬ ‫ابنة في لندن اسمها هال‪ ،‬من هيفاء زنكنة‪ ،‬التي كانت‬ ‫شيوعية بالجبل ومقاتلة وسجنّا معا‪ .‬تزوجتها سنوات طويلة‪.‬‬ ‫هيفاء وهال تعيشان اآلن في لندن‪ ،‬كلتاهما متزوجة ولها‬ ‫حياة جديدة‪.‬‬ ‫◄ هل تتاب ُع أحداث العالم العربي‪ ،‬ما حدث في المنطقة‬ ‫وماذا ينتظرها في المستقبل؟‬ ‫حين كنتُ في بداية شبابي‪ ،‬في الشهر الثاني من ‪1963‬‬ ‫وقع انقالب عسكري في بغداد وقعت على إثره مجازر‬ ‫رهيبة ضد اليساريين‪ ،‬وفيما يعد شملت الكورد أيضا في‬ ‫حرب وحشية إلبادة الفالحين في قراهم‪ .‬كما قام االنقالبيون‬ ‫بإعدام أعدائهم في ساحات عامة في مشاهد احتفالية‪.‬‬ ‫في الثمانينات اعترف مسؤول حزب البعث قائد ذلك‬ ‫االنقالب الدموي بأنهم “جئنا إلى السلطة في قطار أميركي‪،‬‬ ‫وكان اسمه علي صالح السعدي‪ ،‬أنا بسبب خوفي من‬ ‫االعتقال والتعذيب‪ ،‬التحقتُ بقاعدة قتالية قرب مدينتي‬


‫كركوك‪ ،‬وكنت من مؤيدي الحزب الشيوعي آنذاك‪ .‬بقيتُ‬ ‫أطول من سنة ورأيت فضائع الحرب هناك أيضا‪ .‬منذ تلك‬ ‫البدايات لم يتغير الكثير في العراق وغيره‪ ،‬انقالبات في كل‬ ‫مكان‪ :‬اليمن ودخول الجيش المصري لدعم السلطة الجديدة‪،‬‬ ‫ودامت تلك الحرب لسنوات‪ ،‬ثم انقالب القذافي‪ ،‬انقالبات‬ ‫أخرى في العراق وسوريا‪ ،‬الجزائر والصومال‪ ،‬مصر‬ ‫وغيرها‪ .‬ثم كانت هناك حروب كبيرة‪ ،‬فاشلة‪ ،‬مع إسرائيل‪،‬‬ ‫إيران‪.‬‬ ‫وهكذا ما أقصده من هذه المقدمة المملة هو أنني لم أنعم‬ ‫بسنوات هانئة ومريحة في هذه الحياة‪ ،‬حتى هربتُ من‬ ‫وطني وبال عودة منذ أربعين عاما‪ .‬معنى هذا أني عشتُ‬ ‫معظم حياتي في بلدان أخرى‪ ،‬لذا فإني ال أستطيع أن‬ ‫أتب ّجح بمشاعر وطنية‪ ،‬إلى جانب أني قانونيا ً مواطن بلد‬ ‫آخر‪.‬‬ ‫إن ما رأيته وعشته في بداياتي ما زال مستمرا بأشد أشكاله‬ ‫عنفا‪ ،‬سوى أن العنف وصل إلى ذروته خالل السنوات‬ ‫األخيرة وال يبدو أنه سيتوقف قريبا‪ .‬على أوضاع كثيرة أن‬ ‫تتغير لتالئم رغبات ومصالح الدول الكبرى‪ ،‬هذا سيستغرق‬ ‫زمنا أطول من القتل اليومي وتدمير بنى هذه الدول العربية‬ ‫المبعثرة‪ ،‬من الخليج إلى المحيط‪.‬‬ ‫كان لي أمل أخير قبل أعوام وأثناء ما س ّمي بالربيع‬ ‫العربي‪ ،‬لكنه انتهى إلى نقيض بشع بل حتى أسوأ من‬ ‫األنظمة التي ثارت عليها جماعات وجماهير ذلك الربيع‬ ‫الفاشل‪ :‬انظروا ما حدث لليبيا‪ ،‬العراق‪ ،‬سوريا‪ ،‬اليمن‬ ‫وغيرها من البلدان العربية البائسة‪.‬لقد تم إنهاك هذه‬ ‫الشعوب تماما ً ولم يعد القتال الدائر في هذا البلد أو ذاك إال‬ ‫بين مجموعات تنفذ مخططات لصالح هذا النظام أو ذاك‬ ‫لهذه الجهة الدولية أو تلك‪ .‬ما سينتهي إليه الوضع الحالي‬ ‫في هذه البلدان هو األسوأ بعد‪.‬‬ ‫◄ ما هو موقفك من حريق المشرق العربي؟‬ ‫‪| 16‬‬

‫ماذا يمكن أن يكون موقفي سوى األسف والحزن‪ .‬لست في‬ ‫عمر مالئم لالنخراط في أي نشاط معارض أو ثوري‪ .‬إلى‬ ‫جانب أني بعيد جدا عن هذا المشرق‪ ،‬وقناعتي أن الكتابة‬ ‫ي نشاط إعالمي آخر‪ ،‬ال يمكنهما تعديل أو‬ ‫الصحفية وأ ّ‬ ‫تغيير أي شيء ذلك ألن إنهاك الناس في حروب وصراعات‬ ‫أدى إلى يأس تام‪ .‬ما كان مشهدا مليونيا انتهى إلى بضعة‬ ‫آالف من المقاتلين المحترفين هنا وهناك وتحت شعارات‬ ‫ي صلة إلى المطالب الجماهيرية‬ ‫طائفية أو دينية ال تمت بأ ّ‬ ‫السابقة‪.‬‬ ‫◄ كيف تقيّ ُم وضع إيران وعالقتها بما يجري في المنطقة؟‬ ‫ي دولة كبرى لها مصالح وطموحات في التوسع‬ ‫إيران مثل أ ّ‬ ‫والهيمنة على أرض ونفوس جاراتها العربيات‪ ،‬تساعدها‬ ‫في ذلك هيمنتها العنيفة على الشعوب اإليرانية‪ ،‬أموالها‬ ‫الطائلة وامتداداتها الطائفية في هذا البلد أو غيره‪ .‬إنها عمليا ً‬ ‫تحت ّل مناطق وجزرا عربية‪ ،‬هي تحتل العراق تماما ولها‬ ‫دورها الفعال قتاليا ً واقتصاديا ً وسياسيا ً في سوريا ولبنان‪.‬‬ ‫ما نراه في العراق هو أن األحزاب الطائفية وحكوماتها‬ ‫تابعة تماما ً إليران‪ .‬كما أن إيران تملك قوة عسكرية كبرى‬ ‫لدعم الحكومة العراقية‪ ،‬الفاشلة على كل مستوى وصعيد‪،‬‬ ‫وهي أيضا تشارك في القتال الدائر في العراق لحماية‬ ‫التركيبة السياسية والطائفية لهذه الحكومة‪.‬‬ ‫◄ وماذا عما يجري في سوريا‪ ،‬ما المخرج في نظرك؟‬ ‫المخرج هناك هو في إزالة هذه الطغمة الحاكمة‪ ،‬والتي‬ ‫تسببت حتى اآلن في قتل مئات اآلالف من أبناء هذا الشعب‬ ‫وتشريد الماليين منه في كل أنحاء العالم كانت بداية ثورة‬ ‫حولهما النظام إلى مجازر‬ ‫الشعب السوري سلمية واحتفالية‪ّ ،‬‬ ‫يومية منذ سنوات وال تبدو نهايتها قريبة في ظل الصمت‬ ‫الدولي أو في الحقيقة في مجرى تواطئه مع هذا النظام‬ ‫ورموزه في كل المجاالت‪.‬‬


‫◄ كيف سينهي الشعب السوري هذه المأساة؟‬ ‫لم يبق لهذا الشعب ما يخسره في نضاله ضد الظلم والقتل‬ ‫اليومي والقصف ببراميل البنزين وأمام أنظار كل المجتمع‬ ‫الدولي‪ ،‬الذي ال يريد إيقاف هذه المجزرة‪.‬‬ ‫◄ هل ساعدتك المسافة أن ترى األشياء بشكل أفضل؟‬ ‫صار سهالً أينما كنت أن ترى ما يجري في هذا العالم إذا‬ ‫توفر لك اإلنترنت أو الفيسبوك‪ .‬ما يساعد أيضا هو البعد‬ ‫عن مركز األحداث‪ ،‬مما يجعل فهم األحداث موضوعيا ً‬ ‫وليس عاطفيا‪.‬‬ ‫أنا بال تلفزيون أو راديو أو صحف هنا ألني أقيم منذ زمن‬ ‫طويل في جزيرة بعيدة وفي أبعد قرية فيها‪ .‬لكنّي منذ‬ ‫سنوات قليلة أملك كومبيوترا ً صغيرا ً يوفر لي كل ما أحتاجه‬ ‫من حيث االتصاالت أو المعلومات‪ .‬بهذه األجهزة العجيبة‬ ‫ي مجهول‪.‬‬ ‫صار العالم صغيرا ً ولم يعد فيه أ ّ‬ ‫تكتب كثيرا وكأنك في سباق مع الزمن‪ ،‬ما السبب؟‬ ‫◄‬ ‫ُ‬ ‫ليس األمر كذلك‪ .‬كتبتُ لحوالي عشر سنوات ولم أنشر‬ ‫حرفا واحدا‪ .‬أنا أقيم في الفلبين منذ عشرين سنة وليس في‬ ‫ي نشاط ثقافي أو شعري‪ :‬إنهم‬ ‫جزيرتي وال في قريتي أ ّ‬ ‫س ّماكون‪ ،‬مزارعون وهناك قراصنة أيضا ومنهم أصدقاء‬ ‫لي‪ .‬ثم إن النشر في الوطن العربي مثير لالشمئزاز‪.‬‬ ‫لخمسين سنة لم ينشروا لي إال ثالث مجموعات‪ :‬رهائن‪،‬‬ ‫أعوام ورحيل‪ ،‬واألخيرة كانت معبأة باألخطاء الطباعية‬ ‫وهذا أرغمني أن أعيد طبعها على حسابي في لندن في‬ ‫أواسط الثمانينات‪ .‬من حسن حظي أني احتفظت ببعض‬ ‫الصداقات المتميزة والوفية وكنت ألتقي هؤالء األصدقاء‬ ‫كلما زرت لندن كل عدة سنوات‪ .‬في العام ‪ ،2011‬استطاع‬ ‫صديقي الشاعر نوري الجراح وصديقي اآلخر‪ ،‬الشاعر‬ ‫‪| 17‬‬

‫صالح دياب‪ ،‬من ترتيب دعوة احتفائية لي في مدينة سيت‬ ‫في مناسبة مهرجانها السنوي للشعر‪.‬‬ ‫وفي هذه المناسبة طبعوا لي كتابا ً بترجمة مختارات من‬ ‫قصائدي القصيرة إلى الفرنسية‪ .‬هناك فوجئت باستمرار‬ ‫االهتمام بي وبشعري خالل كل تلك السنوات التي كنت‬ ‫أعيش فيها حياة منعزلة‪ .‬هكذا توفرت لي الفرصة ألعيد‬ ‫النظر في كومة كتابات وقصائد كانت ملقاة تحت سريري‪.‬‬ ‫وقد قام صديقي الشاعر خالد المعالي بنشر وإعادة نشر‬ ‫عدة مجموعات‪ ،‬كما نشرت دار صافي في واشنطن‬ ‫مختارات من مجموعاتي مترجمة إلى اإلنكليزية‪ ،‬ودعتني‬ ‫الدار إلى هناك لقراءات شعرية قمت بها‪.‬‬ ‫تم أيضا نشر كتبي‪ ،‬السنة الماضية والحالية من قبل عدة‬ ‫دور نشر‪ ،‬منها كراس جميل كتبه الشاعر والناقد العراقي‬ ‫عبدالكريم كاظم وهو عن كوالجاتي ونشره الصديق الشاعر‬ ‫ناصر مؤنس‪ ،‬صاحب دار مخطوطات‪ ،‬ومجموعة أخرى‬ ‫من قبل دار وراقون في البصرة‪ ،‬ومجموعة في القاهرة من‬ ‫قبل جماعة أنا اآلخر‪ .‬دار صافي في أميركا تنشر وتعيد‬ ‫نشر عشر مجموعات هذه السنة في خمسة كتب‪ ،‬وقد علمت‬ ‫أن مجموعاتي الجديدة ستظهر هذه السنة أيضا في مصر‪،‬‬ ‫بيروت وغيرها‪ .‬هذا النشر الكثير حصل بعد سنوات من‬ ‫االنتظار والعمل الدؤوب وأتمنى أن أواصله حتى النهاية‪.‬‬ ‫أخيرا نشرت لي المجلة الجديدة‪ ،‬في لندن مجموعتي‬ ‫األخيرة‪“ ،‬غيمة في غرفة الضيوف”‪ ،‬وقبل أسبوعين هل‬ ‫هذا سباق مع الزمن في مجال نشر كتبي؟ ال أعتقد ذلك‪،‬‬ ‫كان ينبغي أن يكون لي اآلن سبعين أو ثمانين مجموعة ألني‬ ‫أكتب منذ خمسين سنة‪ ،‬لكني لم أكن مكرسا إال القليل من‬ ‫وقتي للكتابة‪ .‬قرأت أن الشاعر الروسي يوفتشينكو له أكثر‬ ‫من ثمانين كتابا!‬ ‫◄ لمن تقرأ أشعارك؟‬


‫لنفسي وأحيانا لكلبي ويبدو المحيط مسرورا ً حين أقرأ عنده‪،‬‬ ‫ي بعضا َ من مياهه المالحة! لم أقرا في حياتي إال‬ ‫فيرش عل ّ‬ ‫أربع مرات‪ ،‬آخرها كان في لندن قبل أسبوعين‪.‬‬ ‫◄ هل أتاح لك الفيسبوك الفرصة للنشر بشكل يومي‬ ‫تقريبا؟‬ ‫نعم‪ .‬كنت في حاجة ماسة إلى هذه الوسيلة لتوثيق كتاباتي‪،‬‬ ‫تعلّم ترتيبها في نسخ الكترونية وإرسالها إلى أصدقائي‪،‬‬ ‫ولقاء أصدقاء قدامى وجدداً‪ .‬إنها توفّر إمكانية التعامل مع‬ ‫الكتابة المستمرة بشكل أكثر جدية‪ ،‬كما أنها تحرر الشاعر‬ ‫والكاتب من عذاب انتظار نشر كتبه ورقياً‪ ،‬ولها منافع‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫◄ أين هو جيلك من الشعراء‪ ،‬هل تلتقي بهم؟‬ ‫من المؤسف أن معظمهم رحل إلى األبدية‪ ،‬دون حتى‬ ‫إخباري‪ .‬ربما السبب هو بعدي وعدم توفر عنواني عندهم‬ ‫أثناء حياتهم‪ .‬هناك قلة قليلة منهم مازالوا في منافيهم وقد‬ ‫أبهجني لقاء بعضهم في قراءتي الشعرية األخيرة في لندن‪،‬‬ ‫منهم الشاعر المبدع خزعل الماجدي‪ ،‬ابن مدينتي‪ ،‬والرائع‬ ‫فاروق يوسف‪ .‬هناك آخرون أيضا‪ ،‬يواصلون نشاطهم‬ ‫اإلبداعي في بلدان أوروبية وشاعران ما زاال في العراق‪.‬‬ ‫◄ من هم أصدقاؤك؟‬ ‫ربما ليسوا أكثر من عشرة في هذا العالم‪ .‬في جزيرتي لي‬ ‫أصدقاء‪ ،‬منهم المحيط‪ ،‬القوارب التي تتمايل عند الساحل‪،‬‬ ‫النوارس الثرثارة‪ ،‬أشجار جوز الهند التي تشبه النخيل‪،‬‬ ‫هضاب وجبال قريبة‪ ،‬كما هناك ثعابين كبيرة‪ ،‬غير مؤذية‪،‬‬ ‫كسولة‪ ،‬تمتعني وهكذا فإن عالقاتي جيدة مع البيئة التي‬ ‫أعيش فيها‪ ،‬لكن اإلنسان في النهاية هو صديق نفسه األول‪،‬‬ ‫وهناك العزيز تشيري‪ ،‬كلبي‪.‬‬ ‫‪| 18‬‬

‫◄ من يطبخ لك‪ ،‬يغسل مالبسك وغير ذلك؟‬ ‫أنا أقوم بهذا كله يوميا في الساعات األولى من النهار‪ .‬من‬ ‫شروط أن تكون في منفى وتتحمله أيضا هو أن تكون منظما ً‬ ‫تحترم الوقت‪ ،‬تتذكر قليالً وتتخيل أكثر‪ .‬أي تصنع حياتك‬ ‫البديلة عبر الكتابة وتقتنع بذلك‪ .‬إنه عمل من أعمال المقاومة‬ ‫الشرسة ضد الراهن من األشياء والعالقات‪.‬‬ ‫◄ هل يسألك الفلبينيون ماذا تفعل هنا‪ ،‬هل يعرف جيرانك‬ ‫بأنك شاعر؟‬ ‫نعم يعرفون كل شيء عنّي‪ ،‬أنا أخبرتهم‪ .‬لم يزعجني أحد‬ ‫هنا طوال بقائي‪ ،‬ألني مهتم بنفسي وبحياتي الشخصية ال‬ ‫ي موضوع سياسي‬ ‫أتدخل في شؤون أحد وال أبدي رأيا في أ ّ‬ ‫وغيره‪ .‬إنهم رائعون في كل شيء‪ ،‬أحترمهم حقا ً وهم‬ ‫يعتبروني واحدا منهم‪ ،‬خصوصا وأني أعرف لغتهم جيدا‬ ‫وكذلك عاداتهم‪.‬‬ ‫◄ هل لديك صديقة؟‬ ‫كنت متزوجا هنا‪ ،‬لكني هربت من زوجتي قبل عشر‬ ‫سنوات وهي تعيش في جزيرة أخرى‪ .‬كانت لي صديقة بعد‬ ‫ذلك‪ ،‬اختفت في أحد األيام‪ ،‬وهكذا قدمت لي أفضل خدمة‬ ‫ومساعدة‪ ،‬ألني أتحمل منذ سنوات شروط العيش مع شخص‬ ‫آخر‪ ،‬وأنا بطبعي لست اجتماعيا ومتعتي األساسية هي‬ ‫القراءة والكتابة‪ ،‬الموسيقى وشتم كلبي أحيانا بسبب طلباته‬ ‫ي‪.‬‬ ‫الكثيرة ومحاوالته الشريرة في التدلل عل ّ‬ ‫◄ هل يحدث أن تسمع اللغة العربية بالصدفة في الشارع‬ ‫وماذا يكون ر ّد فعلك؟‬


‫ال عرب هنا لحسن حظي‪ .‬لذا أنا في أمان من مشاكلهم‬ ‫وعقدهم وليست لي مشاعر حنان أو تعاطف مع من يتكلم‬ ‫العربية أو غيرها من اللغات الكئيبة‪.‬‬ ‫كنت في مانيال العاصمة ذات مرة وسمعت عددا من الطلبة‬ ‫العرب أو السياح منهم يتناقشون بحماس وبأصوات عالية‬ ‫كان ذلك في مطعم ريفي‪ ،‬وانتبهت إلى أنهم يتكلمون حول‬ ‫مبغى‪ ،‬فخرجتُ بسرعة قبل أن يكتشفوني‪ ،‬ولم أزر مانيال‬ ‫مرة أخرى‪.‬‬ ‫حول كلبي‪ ،‬ال أتدخل في مزاجه‪ ،‬ينام أينما يشاء‪ ،‬على‬ ‫سريري أو تحته‪ ،‬على السلّم الذي يؤدي إلى السطح‪ .‬غالبا‬ ‫صين‬ ‫يحب النوم أمام البيت‪ ،‬وقد حماني حتى اآلن من ل ّ‬ ‫عضّهما فهربا نعم‪ ،‬رغم كل شيء‪ ،‬أشعر بالوحدة دائما ً‬ ‫مرض أيضا‪ ،‬أم حقيقة‬ ‫هل هناك عال ٌج لهذا الشعور؟ أهو‬ ‫ٌ‬ ‫عن مجلة الجديد‬ ‫كونيّة؟‬

‫ٌّ‬ ‫مكتظ بهياك ِل بشر‬ ‫شاطىء‬ ‫فيلةٌ تدفنها بصبر‪.‬‬ ‫أنا هنا أيضا ً ‪ ,‬أقرأ قصائد أجنبية‬ ‫باحثا ً فيها عن هورمونات‬ ‫وبلسم آلالم ظهري‪.‬‬ ‫*‬ ‫أمس ‪ ,‬عند منتصف الليل ‪ ,‬طرقَ أحدهم بابي‬ ‫يلو ُح بمسدس‬ ‫فتحتهُ ‪ ,‬فوجئتُ بلص ّ‬ ‫في هدوء ‪ ,‬وهو يبتس ُم‪,‬‬ ‫ع ‪ ,‬بأنامله الطويلة ‪ ,‬بعض ذكرياتي‬ ‫إنتز َ‬ ‫رتبها في حقيبة كبيرة ‪ ,‬وهرب‬ ‫خرجتُ ألشكره ‪ ,‬لم أجدهُ في اي مكان‬

‫‪| 19‬‬

‫ً‬ ‫أجلس َ‬ ‫ُ‬ ‫كلب‬ ‫عودة‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫منتظ‬ ‫‪,‬‬ ‫اب‬ ‫ب‬ ‫أمام‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الصباح ‪.‬‬ ‫من تجواله‬ ‫ُي‬ ‫أمس ‪ ,‬وكان الليل يوشك دخول‬ ‫بيب‪,‬‬ ‫ٌ ي‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أعياه بحث ال أدري عن ماذا‬ ‫ظهر‬ ‫ُ‬ ‫تصل اىل الميناء‬ ‫سفن‬ ‫او من انتظار ّ ٍ‬ ‫فهو يحب هذا المشهد‪.‬‬ ‫*‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اليوم ‪ ,‬ال أرى شيئا واضحا‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫حرب ما‬ ‫مواقع‬ ‫اىل‬ ‫تتجه‬ ‫غربان‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ذئب أو ضبع‬ ‫من‬ ‫ء‬ ‫ش‬ ‫فيك‬ ‫ً ٍ‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫هكذا تفكر عائدا اىل غرفتك عند‬ ‫الفجر‪ِ ,‬‬ ‫ًِ‬ ‫ً‬ ‫حامال رزمة ارغفة‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫جدول‬ ‫يقبل عليك‬ ‫الطريق‬ ‫يف‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫القوارب‬ ‫يسأل عن سبب هجر ِان‬ ‫هذا الشاىطء‪,‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫تجيب‪:‬‬ ‫تحتار وال‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫تفرك جبينك بكفك اليرسى‪.‬‬ ‫*‬


‫بالنياشني‬ ‫صالح فائق‬ ‫ابتعد الطائر األخري‬ ‫ابتعد العشب الذي ال يطاق‬ ‫ابتعد مطر و ابتدأ عقاب‬ ‫املسافرين‬ ‫ابتعدت العربات األخرية‪.‬‬ ‫إين يف سنة تراقب عقلي‬ ‫إين سارق الدُمى‬ ‫إين الذي كان يقرع الطبل‬ ‫و يف القتال كنت أنا الذي يوزع‬ ‫النبيذ‪.‬‬ ‫إذ أكتب اآلن‬ ‫ذلك ألن األفق ميت ّد‬ ‫أكتب ألن احلقول ال تقول ما‬ ‫تريد‪.‬‬ ‫و يف كل مرة ‪ ،‬حني يعود ذلك‬ ‫الضجيج الغريب‬ ‫ضجيج الزمن الزاحف ‪،‬‬ ‫حني أمسع أسئلة غري هبيجة‬ ‫و حني ألتقي يف املنعطفات‬ ‫مبوتى قدامى مزدانني‬ ‫‪| 20‬‬

‫يبتسمون ابتسامتهم املوروثة و‬ ‫قد وضعت األرصف ُة حتت‬ ‫تصرفهم‬ ‫أقسّم نفسي على األشجار مثل‬ ‫رجل مشبوه‬ ‫و ال يبقى يل سوى آخر‬ ‫احلوانيت‬ ‫ال يبقى غري زهو السجون‬ ‫بأمالكها‪.‬‬

‫بعد هذا ‪ ،‬هل أنسلّ إىل‬ ‫أحالمي‬ ‫هل أصري الصوت املهذب ‪ ،‬هل‬ ‫أقول ال شراشف ال أفواه ؟‬ ‫أوشكت أن أالئم‬ ‫أوشك انتباهي أن يصري ثكنات‬ ‫و متسابقني‪:‬‬ ‫يهبّ اهلواء و يرجع و نواح‬ ‫املرأة يف املباين‬ ‫يهب اهلواء و يرجع و نواح‬

‫***‬ ‫أيّ فصل مل يترك شقاءه حني‬

‫املرأة على ااجلسور‬

‫رحل ؟‬

‫يهب اهلواء و يرجع و موعد‬

‫كنت أجعل قهقهات الضيوف‬

‫املوت يف املساء‪.‬‬

‫مالذي‬

‫***‬ ‫يف الليل أفقد قبحي و أخرج‬

‫كنت أف ّر من املدن ‪ ،‬كنت أجرح‬ ‫أصابعي‪.‬‬ ‫هذه نزهة األعوام األخرية ‪:‬‬ ‫خملب يطفو مث خيتفي‬ ‫و ال أحد يلمس اجلدران‬ ‫ال أحد يتسلق الليل‬ ‫ال أحد يفهم براءة النهار‬ ‫و املظهر األنيق إمنا هو حمض‬ ‫جثة‪.‬‬

‫من غرفة‬ ‫ال ألتفت للمواكب ال أهتم مبلك‬ ‫نائم‬ ‫أحتفظ بأحداقي مفتوحة و‬ ‫أستمع ‪ ،‬أحيانا ‪ ،‬ملن يسرد آالم‬ ‫الزوجة‪.‬‬ ‫ال يرحيين الطقس و ال‬ ‫احلفالت ‪ :‬حيث اآلخرين‬


‫مسافة‬

‫قال ‪ :‬هبذا أفصل بني الزمن و‬

‫الرخام سقطت ‪ ،‬تكسرت ‪،‬‬

‫و الشوارع أرمالت يبحثن عن‬

‫الوقت ‪ ،‬هبذا أجرب االكتفاء‬

‫تفتتت أثناء القصف‪.‬‬

‫أشجار احلور‬

‫بربكان‪ .‬و حلم لو يستطيع ‪،‬‬

‫إمنا ‪ ،‬هنا ‪ ،‬على األمواج أن‬

‫إمنا أمتدد يف حديقة و أتامل‬

‫فوق ذلك كله ‪ ،‬إضافة " أحالم‬

‫ترتفع‬

‫نفسي يف ثالثة مقاطع‪:‬‬

‫الشتاء " لتشايكوفسكي حبيث‬

‫هنا ‪ ،‬علينا االقتناع بأن سطوح‬

‫) ‪1‬رجل تعب من األسفار‬

‫خترج منها األرواح و هي تطري‪.‬‬

‫املباين هي العتقال العذارى‬

‫إنه ‪ ،‬اآلن ‪ ،‬شاهد صامت ملا رآه‪.‬‬

‫مث مسع صراخ الوالدة ‪ ،‬فجلس‬

‫هنا ‪ ،‬علينا أن نرى‪.‬‬

‫) ‪2‬موتى كانوا ينقبون عن‬

‫و قام و ركض يبحث عمن‬

‫أكثر ما أخافه هو األمل‬

‫اآلثار‬

‫وطأ القرن‪.‬‬

‫أكثر ما أخافه هو أن أشوه‬

‫مرئيون يف شقة مزدمحة‬

‫رأى منظر طفل يف االفضاء ‪،‬‬

‫طريان الغر اب مبعزوفة‬

‫أذهب حنوهم ‪ ،‬فأفاجأ بعازف‬

‫رأى انعكاسه فوق‬

‫لذا ‪ ،‬سأتابع إصطفاف املنازل‬

‫كمان‪.‬‬

‫مياه قريبة‬

‫فقط‬

‫) ‪3‬عائلة مشردة تفكك الضوء‬

‫مسعهما يرفضان املجيء ‪،‬‬

‫سأجعل اخلادمة تضحك أمام‬

‫األبيض و انعكاساته على‬

‫التطابق ألن الكالم‬

‫حرية عصفور عجوز‬

‫أنقاض‬

‫ألن املسدس‪....‬‬

‫و سأسقط دعوايت و بطاقايت‬

‫قرى ‪ ،‬تفكك راية منصوبة يف‬

‫***‬ ‫تلك تفصيالت ضرورية ألبرر‬

‫يف األعماق‪.‬‬

‫هل تتسلني هكذا أيتها العائلة‬

‫افتتاحييت‬

‫قبو قدمي‪.‬‬ ‫املزججة ‪ ،‬هل ختلقني إشارة‬ ‫فقط ؟‬ ‫سؤال أرهب العصافري‬‫فنهض ذلك الرجل و حمى‬ ‫أشياء كثرية ‪ ،‬لكنه أبقى‬ ‫أنقاض القرى‪.‬‬ ‫‪| 21‬‬

‫ألفتتح عهدا هلواة الطوابع‬ ‫ألجد نفسي مأهولة‬ ‫باستعراض عسكري‬ ‫ألرقص ألشرب اخلمر‬ ‫الرخيص‬ ‫مث ألخرج و أرى كم من أعمدة‬

‫غري أين ‪ ،‬بني آن و آن ‪ ،‬سأفرح‬ ‫بثروايت الباقية ‪ :‬جداولُ‬ ‫تصرخ ‪ ،‬سفوحٌ تسري ‪ ،‬ال آفاق‬ ‫بل أسرى و ذكريات و هتامس‬ ‫أشجارٍ يصري رحيًا خفيفةً‬ ‫ك على ورقة‪.‬‬ ‫تتحر ُ‬ ‫‪1973‬‬


‫آ‬ ‫لو لم أكن ما أنا عليه ألن‬ ‫لكنت مزأرعة‬ ‫أسقي ألزهور بيدي‬ ‫هكذأ ينساب ألماء من بين أصابعي‬ ‫ممزوجا بقليل من ألحب و ألحزن‬ ‫هي تعرف أين ّتدس ألحب و كيف تخبئ ألحزن‬ ‫هذأ ما أفعله يوميا في شرفة بيتي‬ ‫ألتي أخبرتي ذأت مرة‬ ‫أنها تحب شعري و ملمس قدمي‬ ‫و من يومها و أنا أختال كسحابة فوقها‬ ‫أقرأ عليها أشعارأ لي و أخرى نسبتها لنفسي‬ ‫لعلها تحمل عني قليال عبء ألقصيدة‬ ‫و يتفتح زهرها أك ثر‬ ‫لم تنم أزهار على شرفتي ألقديمة ّ‬ ‫قط‬ ‫كانت مدمنة على أللون ألرمادي‬ ‫و تربي هموما صغيرة بين شقوقها‬ ‫و كنت ّكلما وطئتها‬ ‫ّ‬ ‫رج ْفتني كطفل ينالون من ثقته بنفسه‬ ‫كبرت ألهموم و أثقلت كاهلها حتى تدأعت‬ ‫كم كان قاسيا أن تكون لك شرفة دون أزهار و ورود‬ ‫ّتدس ألحب في بتالتها و تخبئ ألحزن تحت تربتها‬ ‫آ‬ ‫لو لم أكن ما أنا عليه ألن لكنت مزأرعة‬ ‫ل تتذكر من ألورد سوى رأئحة تربته بين ألصابع‬ ‫)شرفة بيتي في منطقة أليجا بسرأييفو(‬

‫‪| 22‬‬


‫كاذب صغري‬

‫قاسم سعودي العراق‬ ‫اللحظات الىت تسبق الوداع الوشيك‬ ‫قطرات العرق النازفة ىف اللقاء األخري‬ ‫األمنيات املعلقة على رقاب املسافرين‬ ‫اهلدايا الراكضة من قلوبنا لعيوهنم‬ ‫البكاء املندفع كغرامة فورية‬ ‫وسائل لقص األثر‬ ‫مث‬ ‫متارين إشباع الفراغ‬ ‫اإلغراق يف انشغاالت كاذبة‬

‫مراجعة الرسائل القدمية‬ ‫طمأنة القلب باحتماالت الصدف‬ ‫تفسري األحالم بطريقة عكسية‬ ‫ترديد قناعات خاطئة‬ ‫االلتفات للماضى بعيون مستعارة‬ ‫كأفعال دالة على الطمس‬ ‫مث‬

‫أنتَ يف صفاتكَ الباطلة‬ ‫تنظرُ إىل قدحِ املاء‬ ‫وتعرضُ عنهُ‬ ‫كما لو أنّه شريك جائرٌ‬

‫االستعداد لوداع جديد‬

‫يذكّركَ باخلسارات اليت غنمتها‬

‫بتقنيات تلفزيونية خادعة‬

‫حنيَ أسلمتَ شفتيكَ‬

‫ختفى عالمات التمرس ىف التجربة‬ ‫ترطب لدغات عقرب الوقت‬ ‫وحتتفى بدفعنا ملنتصف الدائرة‬

‫‪| 23‬‬

‫للنَّدى الالم ِع‬ ‫بنيَ جلدها وجلدك‬ ‫عبود اجلابري‬

‫عبود اجلابري‬


‫ثاء َ‬ ‫َف َاتني الر ُ‬ ‫لح ِالي‪...‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫رَّبما ذلك‪،‬‬ ‫َْ َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ َّ َ َ‬ ‫وقعتعلى‬ ‫التي‬ ‫ِ‬ ‫ألني و ِرثت السهو عن جد ِتي ِ‬ ‫َ​َ‬ ‫َ‬ ‫يت‪،‬‬ ‫عت ِبة الب ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ولبس ْتها العفا ِريت‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫يعرف‪،‬‬ ‫ال أحد ِ‬ ‫ُ‬ ‫هو خ َّلها َ‬ ‫َ َّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫هافي‬ ‫يأخذ‬ ‫ي‬ ‫الذ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫الو‬ ‫ِ ِ‬ ‫متى صارالس ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫املغارب إلى َنخيل َ‬ ‫العا ِئلة‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ُ‬ ‫ثم ُ‬ ‫يعود ِبها‪،‬‬ ‫َ َ َُ َ َ َ َ‬ ‫فح ِة املاء‪.‬‬ ‫إذا انعكس القمرعلى ص‬ ‫َ​َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫الص ِامت الذي ُينصت‬ ‫صارن ِد َيمها‬ ‫كيف‬ ‫ُ َ‬ ‫كملها‪.‬‬ ‫للحكايا ثم ي ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ً‬ ‫ال َ‬ ‫َ‬ ‫استحال املسكين مالكا‬ ‫أحد يعرف‪،‬كيف‬ ‫حا ِر ًسا‬ ‫النار ُكلما َش َّب ْت في جلبابها َّ‬ ‫ُيطف ُئ َ‬ ‫الد ِاكن‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َف َاتني الر ُ‬ ‫ثاء لحالي حتى َّ‬ ‫األيام‪،‬‬ ‫مرت ِبي‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫محر ً‬ ‫رت ُ‬ ‫مصان ك ِل‬ ‫وما ِمن تشمم ق‬ ‫وص‬ ‫' ِ‬ ‫ِ‬ ‫الذين رثوا ً‬ ‫يوما لحا ِلي‪.‬‬ ‫ً ُ‬ ‫ُ‬ ‫مقهى يخلو من تذكار ٍة‬ ‫لم يترك لي املوت‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫حافة ليل‪.‬‬ ‫تضع القلب على ِ‬ ‫َ‬ ‫ً َ‬ ‫يتر ْ‬ ‫ُ‬ ‫الروماتيزم صاح ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫اب‬ ‫د‬ ‫واح‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ِ ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫يمة‪،‬‬ ‫س ِل ٍ‬ ‫َّ ُ ُ‬ ‫حت ُأ َحاذ ُرفي َّ‬ ‫الم‪،‬‬ ‫الس‬ ‫حتى ر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪|24‬‬

‫ُ‬ ‫َ‬ ‫حاذ ُ‬ ‫الم‪...‬‬ ‫الك‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫وأ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫لحالي‪،‬‬ ‫ثاء‬ ‫الر‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ات‬ ‫ِ‬ ‫ف ِ ِ‬ ‫ُ َُ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫الذي تش َّو َهت‬ ‫وضيع ِتني صحبة السهو ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ظهيرة‪،‬‬ ‫ساق ُه ذات‬ ‫ٍ‬ ‫َ ُ َ َّ َ‬ ‫النيران‪.‬‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ة‬ ‫وهدة ِ‬ ‫ِ‬ ‫وهو يرفع الجد ِ‬ ‫َ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫فبات َي ُ َ ُ‬ ‫اب‬ ‫حجل وحده ِفي الشو ِار ِع مثل غر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ُح ِم َل ِبخطايا أسال ِف ِه‪،‬‬ ‫وبق َي ْت ُتطار ُد ُه َ‬ ‫اط ُ‬ ‫غصن‪،‬إلى‬ ‫من‬ ‫ير‬ ‫األس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫اهدة‪...‬‬ ‫حجر‪،‬إلى ش ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َف َاتني الر ُ‬ ‫ثاء‪،‬‬ ‫َِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫األحوال‪.‬‬ ‫وفات ِت‬


‫طفلة تشبهن‬ ‫ف الصورة طفلة رثة‬ ‫تشبهن‪،‬‬ ‫ئ‬ ‫تتك عىل سور هرم‬ ‫اميان اخلطايب‬ ‫ترقب دورها لتمآل ّ‬ ‫جرة بالماء‪.‬‬ ‫أنا لم أكن مثلها أحمل جرة ماء‪،‬‬ ‫كان الغول الذي يؤوين‬ ‫يرسلن لنبع الغابة البعيد ويوصين‪:‬‬ ‫ئ‬ ‫املن هذا الغربال بالماء‬ ‫وال تعودي به فارغا آخر المساء‪.‬‬

‫هــكـــذا‬

‫مرعب أن أحبك في عالم‬ ‫هش كهذا*‪..‬‬

‫‪|25‬‬

‫هكذا أبدو‬ ‫أحمل العناق عىل يدي‬ ‫وأردد نشيد النهار ‪،‬‬ ‫طاب يومك أيها المومأ إليه‪.‬‬ ‫يعود ثانية‬ ‫أحمله عىل كتف‬ ‫جناة عبداهلل‬ ‫طاب غيابك‬ ‫أعانق الكمان وتضحكي‬ ‫طاب يومك أيها الجنون‬ ‫سحقا‬ ‫أنا ف النع األخن من الوطن‬ ‫صه ‪ ..‬عاقلة ف النع األخن من الحب‬

‫هكذا قلتها ‪ ،‬فنبتت ابتسامة‬ ‫على ثغر األمنية‬ ‫امتد الدراع إلى وجه يتوق‬ ‫كي تستدير األغنية‬ ‫مازال الوقت يتحرى دقته‬ ‫كلما تاه في ارتباك اللحظة‬ ‫اآلتية‬ ‫هكذا انهار الحين‬ ‫و امتد الخراب‬ ‫و تسابقت الحرب‬ ‫تتلو نشيد الخوف‬ ‫و تعلي الرايات الداميات‬ ‫لتتزين البسمة بأساور‬ ‫الرعب‬

‫كي تغدو عروسا للقبر‬ ‫و تخفت البسمة القانية‬ ‫هكذا يرتب الحب قمصانه‬ ‫في خزانة الحرب ‪،‬‬ ‫كي تليق بالنار و الدم و‬ ‫الغبار ‪،‬‬ ‫و تغدو الصورة في صفحة‬ ‫األخبار‬ ‫أعتى و أفدح في االبهار‬ ‫حينها يتحجر الحب‬ ‫في مآقي الضوء‬ ‫و يغفو في الوقت الهارب‬ ‫و يغدو هشا رقيقا‬ ‫يليق باستحالة األمنية‪...‬‬


‫تتخفى ىف رائحة الورد‬ ‫تتكلم ىه عن الحب بجناىح‬ ‫عصفور‬ ‫قلن للطنان بعيدا‬ ‫بينما أنا أعد ى‬ ‫‪...‬‬ ‫ليس هناك عش سوى الجسد‬ ‫‪...‬‬ ‫ال نؤمن باألشجار الغريبة ى‬ ‫الن‬ ‫تصطادنا صدفة من مطاردة‬ ‫الشوارع‬ ‫ال نحس بها قريبة مثل وريد‬ ‫يشتعل بالرغبة‬ ‫وال نحفر فوقها اسمينا ليمر‬ ‫الزمن كذئب عجوز لم يعد‬ ‫يستطيع صيد األرواح‬ ‫‪...‬‬ ‫األشجار فكرة مجردة عن‬ ‫االحتماء‬ ‫ولكن الفخاخ متشابكة‬

‫أحبه كثيرا‬ ‫النه مولع بحكايات آخر الليل‬ ‫وألنه قوي ومشاكس مثلي‬ ‫النه عنيد ومكابر كأصحاب الجوزاء‬ ‫‪|26‬‬

‫‪...‬‬ ‫ال نرى سوى عناق األظافر‬ ‫وىه تنع الفاكهة عن الجوع‬ ‫ى‬ ‫الحقيف للحم‬ ‫ونحن نطبخ كل النهار بما ىبف‬ ‫من ملح الشمس‬ ‫‪...‬‬ ‫ال ئ‬ ‫ش يجعل البكاء صافيا وطاهرا‬ ‫مثل التعرى‬ ‫كل هذا الخوف‬ ‫كل هذا الهرب من القتل‬ ‫الغرائز‬ ‫ظل الجنود وهم يدهسون مدنا‬ ‫تتخف ف رائحة الورد‬

‫عبدالغفار العوض‬ ‫الحب المتكدس كغبار ف مخازن‬ ‫القلب‬ ‫الطائش كرمح ف حرب خارسة‬ ‫الهش كقطة ف حرب بي أفيال‬

‫‪...‬‬ ‫الحب الذى يظهر ويختف فجأة‬ ‫كاحتمال أخن للحياة أمام عي ال‬ ‫ترى‬ ‫‪...‬‬ ‫ى‬ ‫سوى رصاصة تقنب رسيعا من‬ ‫البكاء يجعل الحب عفويا‬ ‫ووحشيا كنمر خرج لتوه من غابة الحدقة!‬ ‫الغرائز‬

‫متقلب المزاج وعابث كالصغار‬ ‫أحبه النه مثابر ‪...‬‬ ‫يربط خيوطه من الداخل الى الخارج‬ ‫ومن الخارج الى الداخل‬ ‫هذا األلم الذي اعتادني واعتدت رفقته‬ ‫سأفتقده عندما يغيب‬


‫هاين الصلوي‬ ‫ــ سوف‬ ‫أتركـ لك حينما أنــفقُ‬ ‫تجاعيدي‪.‬‬ ‫كلها لتوزيعها على‬ ‫المنحدرين من النهر‪:‬‬ ‫الحــادة للصوص‬ ‫العســل المدببة‬ ‫للنحيفات ِ‪.‬الســـهلة‬ ‫للمصطافين المحمرة‬ ‫للغرقى ـ المحدثة للجداتِ ‪.‬‬ ‫الملساء لعازف البيانو‬ ‫المكتئب ِ‪.‬‬ ‫القصية للمطلقاتِ ‪.‬‬ ‫القهـوية ألبناء الفأرة سهام‪.‬‬ ‫اللواتي سيتبعنني إلى اللحد‬ ‫للمشيعين ‪ .‬البدائل ألشجار‬ ‫السنفِ والبنج البلدي ـــ‬ ‫المستعجلة للخـيالة ِ ‪.‬‬ ‫ال تبتعدي عن المحتاجين ـ‬ ‫سـوف أدع أنفي على‬ ‫برتقالة ِالبيت للمراقبة وإنقاذ‬ ‫الموقف ِ‬

‫‪|27‬‬

‫ـ قفاي لتضليل الشرطة ِ‬ ‫ودعاة الموت الرحيم ِ‬ ‫وشهادة وفاتي ‪.‬انحني في‬ ‫الشِّعب ِ بذكاء مفرِّطة ٍ ‪.‬‬ ‫تجلدي كما يليق بوصيةٍ‬ ‫وسأكرر كما يجدر بمحسن ٍ‬ ‫واهن ٍ ‪ .‬ارقصي في العزاء ِ‬ ‫كثكلى حقيقية ‪.‬كأم ٍ ‪.‬‬ ‫كأسطـونة ٍ محشوة ٍ بالفلفل ِ‬ ‫‪ .‬قولي لهم ‪ :‬عاش يحب‬ ‫أيوب طارش عبسي وجبريل‬ ‫‪ ،‬والثالثي الكوكباني إلى أن‬ ‫انفجرت امرأة في قلبه ِ عجز‬ ‫الحكماء عن شفطها منه بعد‬

‫تطايرالشظايا من باطن‬ ‫قدمه‪..‬إلى أن قلد اإلرهابيون‬ ‫المقتلةَ فراحوا يصافحوننا‬ ‫بالسكاكين والرصاص الحي ِّ‬ ‫ألجـل آلهة ٍ نزقة ٍ ومشارب‬ ‫تليدةٍ ‪ .‬شب وهو يرعى‬ ‫القيقب في أحشاء الغولة ٍ ‪.‬‬ ‫ألقمته العزلة ُ ثدييها‬ ‫خفية ًفاستأنسته ‪ .‬افتتح‬ ‫حياتة يكمن ألعقاب السجائر‬ ‫في أزقة ِ الحي ِّ يشتري بها‬ ‫فضول العذارى في الخدور‬ ‫وكتاب الجهة والفقيه ِ ‪.‬‬ ‫المنتظرات عند السائلة وهن‬ ‫يغسلن الثياب ويتأوهنَ ‪.‬‬ ‫يصالح بها رفاقه الطلبة‬ ‫وسالكي العشية ِ‪ .‬أخبريهم‬ ‫أنه حلم أنه يصنع الدرج من‬ ‫التبن القارس‬ ‫المثلج ِوالشعير وأنه رأى‬ ‫صنيعه يحترق أكثر من مرة ٍ‬ ‫على مرأى من الشتاء ِ ‪.‬أن‬ ‫قــالـــو البنات لم تكن‬ ‫ساذجةً إذ رأت يوسف‬


‫الزبيدي يعجن " القلب في‬ ‫حيرة ما بين حب ِ اثنين ‪".‬‬ ‫إذ ضبطته يغمز في الحلبة‬ ‫لألسمر واألبيض معـ ًا وهو‬ ‫يشكو منهما ‪ .‬احترسي وأنت‬ ‫تسلمي الجداول ألصحابها‬ ‫من المحتالين َ ذوي‬ ‫األعالم ِ‪ :‬سيبتدرونك‬ ‫بقيلولة ٍ وصليب ٍ ‪.‬‬ ‫وربما ألقــوا مظالمهم في‬ ‫السكـة ِ باكراً يلتمسون‬ ‫صيحة ً أو نتفة كحــل ‪.‬‬ ‫العدل أال تلتقتي أبـداً ‪.‬‬ ‫الوردة أال تبلغــي العطــر َ‬ ‫‪..‬النشيد أال يصل الصــوت ُ‬ ‫‪..‬فمي أال أكون مستفيضاً‬ ‫ثرثاراً ‪..‬أال أترك للساني‬

‫يُق ّ‬ ‫ط ُر هذا المساء الثواني‬ ‫ويجثو على راحتي ِه السكون‬ ‫وحيدا ً أراو ُ‬ ‫غ ما أغدقَ الصمت‬ ‫الكأس تصحو‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫حروف بهاه‬ ‫يعير‬ ‫نديم‬ ‫َ‬ ‫وال من ٍ‬ ‫ُ‬ ‫وال بو َح إال لناي ٍ كليم‬ ‫يغمغ ُم ‪ ..‬يهذي‬ ‫يصو ُل بكل الزاويا‬ ‫ق الغياب‪..‬‬ ‫ش َّ‬ ‫يُرت ّ ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫سدر ِة الشوق‬ ‫إلى ِ‬ ‫ُ‬ ‫القلوب أُسارى‬ ‫حيث‬ ‫ُ‬ ‫‪|28‬‬

‫فراغاً‪..‬‬ ‫الحــالج أن أحتاج مزرعة‬ ‫لدالفيني ‪ .‬الحصان سير ك‬ ‫راجلة ً ‪ .‬اتــركي المسألة َ‬ ‫في القدر ِ حتى تتوارى‬ ‫الخرق ‪..‬استديري من‬ ‫الناحية ِ األخرى إلى العزاء ِ‬ ‫‪..‬تجولي بشبحي في‬ ‫الساحاتِ‬ ‫أعيدي تدوير التركــة ِ كلما‬ ‫اعترضتك حكمة أو فكــاهة ُ‪:‬‬ ‫اللوم للمتذاكيين ـ الحناء‬ ‫للمتزوجين َمؤخرًا ‪..‬الكتب‬ ‫لألرصفة ِ ‪ ..‬حمليهم دمــي ‪..‬‬ ‫اقرئي عليهم محاضر‬ ‫الواقعة ِ منقوصة ً ‪ :‬مات‬ ‫فولد فمات فولد فمات‬

‫فمـــات فمــــات فمات‬ ‫فعــاش ‪ .‬أخبريهم أن‬ ‫مصائبه لم تكــن معطــوفة‬ ‫على آت ٍ ‪ :‬أنَّ تلك الضربة‬ ‫في تاريخه ِ مفترضةٌ ‪..‬أنه‬ ‫جنى على نفسه ِ بالتطيرِ ‪:‬‬ ‫أنه وقع على وجهه و هو‬ ‫يجني الخراف َ والزهــايمر‬ ‫في األساطير المزيفة ِ‬ ‫والمالحم ‪ .‬كرري عليهم‬ ‫ِ‪:‬‬ ‫محاضر الواقعة ِ‬ ‫مات فولد فمات فولد فمات‬ ‫فمـــات فمــــات فمات‬ ‫فعــاش‪.‬‬

‫الطيوف يمور‬ ‫ج‬ ‫ومو ُ‬ ‫ِ‬ ‫الرحال‬ ‫نش ُّد ِ ّ‬ ‫نقي ُم لقُدّاسنا مأتما ً باذخا ً‬ ‫طقوس الصاله‬ ‫ونحيي‬ ‫َ‬ ‫‪.‬هنالكَ ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫رب إال الحنين‬ ‫حيث ال ّ‬ ‫غير الدموع‬ ‫وال أنبيا َء َ‬ ‫سال ٌم على من تُصلّي له األنبياء‬ ‫سال ٌم على من توشّحهُ الغيب‬ ‫سال ٌم على روحه الطاهره‬ ‫‪.......‬‬


‫ـ أحتبين !‬ ‫شفتاي مل تترك‬

‫خصرٌ وطل‬

‫أنا ال أحبك حني أنسى الالم‬

‫ندوبا‬

‫فيدل حزين للتلذذ بالشقاء‬ ‫أنا ال أحب الصبح‬

‫مل تقبل شفتيك‬

‫يرشفك نبيذا‬

‫ـ أنا ال أحبك‪...‬‬

‫وأنا أبلل غصيت باملل ِح‬

‫ال تأبه بالشع ِر‬

‫أي ثغر يرتوي من ماء عينيه‬

‫هذا النشي ُد العاطفي‬

‫إين سئمت ولو ُج دمع العاشقني‬

‫ليس أكث ُر من توجع‬

‫وسئمت فوح اليامسني‬

‫خائفٍ‬

‫وسئمت حىت االشتهاء‬

‫مل جيرب دمعتني يف‬

‫أنا ال أحب تشابه األمساء‬

‫اخلفاء‬ ‫ق‬ ‫أنا ال أحب الشو َ‬

‫هندٌ وظل‬

‫واملصادفة الغريبة‬ ‫فأراك يف املقهى‪ ،‬ويف امللهى‬

‫محمد الصلوي‬

‫يهزمين فأرتاد الغناء‬

‫ويف املرآة يف املدن العتيقة‪ ،‬يف شورعنا الفسيحة‬

‫أنا ال أحب البح َر‬

‫يف الزوايا‪ ،‬يف احلكايا‬

‫يذكي البوح‪...‬‬

‫يف هتشم صوريت‬

‫يفضحين‬

‫يف رصيف مل يوثق رقصة البجع األخرية‬

‫أنا القاسي كيف أجهش بالكباء؟!‬

‫يف التسامح والضغينة‪ ،‬يف التناقض والتطابق‬

‫أنا ال أحب املقعد اخلزيف‬

‫يف ابتداع طريقيت‪ ،‬يف ابتهال األولياء‬

‫حيفظ وشاشات الليل‬

‫أنا ال أحبك حني أنسى الالم‬

‫مث يسمعين تودد مقلتيك‬

‫أنسى اهلل‪ ،‬أنسى احلرب تنهش إخويت‬

‫أنا ال أحب مقلتيك‬

‫مث أفتتح الغناء‬

‫تستفزان احلنني‬

‫إين أحبك‪،‬‬

‫مث ابدأ يف تفاصيل اللقاء‬

‫أحبك‬

‫أنا ال أحب الرم َل‬

‫أ ح ب‬

‫يرمسك‪...‬‬ ‫‪|29‬‬

‫ك‬


‫ماالذِي ُيخِي ُفنِي‬ ‫ما الذِي يُ ِخيفُنِي ؟‬ ‫يُربِ ُكنِي شَك ُل َ‬ ‫غدِي‬ ‫أ َ َراهُ‬ ‫اح َد ٍة‬ ‫ير بِ ِرج ٍل َو ِ‬ ‫يَ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫َو ِب ِرج ِل ِه ال َمق ُ‬ ‫ع ِة يُ َجر ِج ُر َو َرا َءهُ َ‬ ‫طو َ‬ ‫ض َحا َياهُ‬ ‫سيَكُو ُن ِمث ِليًّا ِب َال َريب‬ ‫َ‬ ‫ط ُر األَصبَا ُ‬ ‫تتَقَا َ‬ ‫ب فِي ِه‬ ‫غ ِمن ُك ِ ّل ثُق ٍ‬ ‫ف ِظ ِلّ ِه‬ ‫إرا ِديّا َ‬ ‫علَى نِص ِ‬ ‫يَتَبَ َّو ُل َال َ‬ ‫فَيَ َراهُ العَالَ ُم بِعَي ِن الشَّه َو ِة والفُضُو ِل‬ ‫سلّ ُل ِمن َحل ِقي‬ ‫يُر ِب ُك ِني َه َذا ال َح َي َوا ُن الذِي َيت َ َ‬ ‫ُومي‬ ‫امي ِمن ُوش ِ‬ ‫ِمن اب َه ِ‬ ‫يَفتِ ُل ِمن أَمعَائِي ُر ُم َ‬ ‫وزهُ‬ ‫َو ِمن ِع َ‬ ‫صولَ َجانَهُ‬ ‫امي َينحَتُ َ‬ ‫ظ ِ‬ ‫المرآ ِة‬ ‫يُ ِخيفُنِي شَك ِلي َ‬ ‫علَى ِ‬ ‫ي باالض ِمح َال ِل‬ ‫ُكلَّ َما َرأَيت ُ ِني ‪َ ...‬دعَوتُ َ‬ ‫علَ َّ‬

‫نزوة للغبار‬

‫‪.‬‬

‫‪|30‬‬

‫نبيل نعمة‬ ‫َُ‬ ‫ُ‬ ‫الجميع يز ُ‬ ‫اول حياته‬ ‫َ َ‬ ‫يلعبون كرة القدم‪.‬‬ ‫األطفال‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫البلدية يصبغ األرصفة‪.‬‬ ‫عامل‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫النسوة ُ‬ ‫الجنود‪.‬‬ ‫خلف‬ ‫الماء‬ ‫ترش‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫تتوقف‪ ،‬الحياة ال تتوقف‪.‬‬ ‫الحرب ال‬ ‫أبحث عن درب ن‬ ‫بي عينيها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الهاتف َ‬ ‫عابئة‬ ‫غي‬ ‫تقلب‬ ‫الت‬ ‫ٍ‬ ‫حبيبت ي‬ ‫ي‬ ‫بالطقس‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الشوق‬ ‫الن الطقس بيننا‪ ،‬منسوب‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫يصعد‪.‬‬ ‫الذي‬ ‫أك ن‬ ‫تف باإلشارة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫تفجرت ن‬ ‫أصابع‬ ‫بي‬ ‫مهتما إن‬ ‫لست‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫العبارة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫للبالد‪ ،‬ستعود البالد‬ ‫سيعود الجنود‬ ‫ِ‬ ‫للبالد‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫وستعود يل قدحة يف الرأس‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وجه‪ ،‬أحببت نصف‬ ‫أحببت نصف‬ ‫ي‬ ‫وجه‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫والفرق بين‬ ‫النصفي‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ن‬ ‫ونصف إجابة‪.‬‬ ‫‪،‬‬ ‫سؤاال‬ ‫أن نصفك كان‬ ‫ي‬ ‫هكذا أرتب تذكري‬ ‫عندما ترتفع بيننا درجات الحرارة‬


‫هل أنت سعيد أيها العامل‬ ‫محمود عبدو‬

‫قيس عبد المغني‬

‫‪|31‬‬

‫نحن سعدا ُء للغاي ِة أيّها العالم‬ ‫ع أر َ‬ ‫ضنا قمحا‬ ‫نزر ُ‬ ‫ح سنابلُه جماج َم ‪،‬‬ ‫فتطر ُ‬ ‫نقطف الور َد أل ّمها ِتنا في‬ ‫ُ‬ ‫عيدِهم‬ ‫َ‬ ‫الرصاص ‪،‬‬ ‫فيطلقون علينا ّ‬ ‫نحن طيّ َ‬ ‫بون للغاية أيّها العالم‬ ‫تأك ُل الغربا ُن أحال َمنا‬ ‫وال نردُّها ‪،‬‬ ‫لحومنا‬ ‫سكاكي ُن في‬ ‫ِ‬ ‫تمشي ال ّ‬ ‫وال ننزف ‪،‬‬ ‫صخور أحزانِنا‬ ‫نسير على‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ونبتسم‪,‬‬ ‫ننا ُم كما ينا ُم الحمام‬ ‫مدركين ّ‬ ‫أن حياتَنا تحت زنا ِد‬ ‫بندقيّة‬ ‫فهل أنتَ سعيد أيّها العالم ؟‬


‫دمية حممود‬

‫إبط الريح‬ ‫تنضوي الزهرة تحت ِ‬ ‫ق اللذة‬ ‫ق إبري ُ‬ ‫تقاوم نزعتَها للهبوب‪ ،‬والعَ َر ُ‬ ‫تم ُّ‬ ‫ط عنقَها كشريط ٍة حمراء في شعر طفل ٍة تقف‬ ‫في طابور الصباح‬ ‫ي‬ ‫وترد ُّد النشيد الوطن َ‬ ‫يقص ُمها الطوفا ُن فيغرقُه ال ّ‬ ‫طلع‬ ‫*‬ ‫أرض صلدة‬ ‫جعفر في‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬

‫انسياب ناع ٌم ض ّد الجرانيت واإلحداثيات‬ ‫ٌ‬ ‫الديكارتية‬ ‫ينقر في‬ ‫بار ٌد ٓككنيس ِة أ َ َح ٍد تطفو على‬ ‫ٍ‬ ‫طقس ُ‬ ‫سطوة‬ ‫الـ َمـلـ ِل وال ّ‬ ‫تطفئه الري ُح فيضيء‬ ‫*‬ ‫سنجاب ّ‬ ‫يخزن الكستناء في النار‬ ‫ٌ‬ ‫تذوي بين ال ُحل ُم والشهوة‬ ‫اللهب يغف ُل عن طقطقة الكستناء فَترب ُ‬ ‫طه في‬ ‫ُ‬ ‫قِماط‬ ‫تنبتُ شجرةٌ ضخمة‬ ‫*‬ ‫الكلمةُ معلقةٌ بخيط‬ ‫تحب ُل بالقصيدة من دون َر ُجل‬ ‫تنتظر اإلرث وال النّيشان‬ ‫قصيدةٌ يتيمةٌ ال‬ ‫ُ‬ ‫اب ٌن سفاحٌ‪ ،‬الخي ُ‬ ‫ط الذي صار مشنقة !‬ ‫*‬ ‫سحب الدم في المختبر‬ ‫ال ُحقَ ُن تأخذ شهيقا ً ِل َ‬ ‫صوب المجاز‬ ‫فُرقاطاتُ الدّم تح ُّج‬ ‫َ‬ ‫يُرجم َر ِح ُم القصيدة‬ ‫تنزف دمها‪ ،‬وتجفّف ساق التأويل‬ ‫ُ‬ ‫تعيش وتكتح ُل بالمكحلة !‬

‫بين األصابع الكسولة نص‬ ‫خجول ‪،‬‬ ‫خجول بما يكفي ليحلم لو انه‬ ‫بحيرة‪.‬‬ ‫بحيرة تغتسل فيها فاتنة ما ‪،‬‬ ‫فاتنة تُمدد عاجها ‪،‬‬ ‫ندي‬ ‫على عشب‬ ‫ٍ‬ ‫سطر ّ‬ ‫تُجفف عنّاب قلبها‪.‬‬ ‫لحوار حميم‬ ‫ال تأبه‬ ‫ٍ‬ ‫يدور بين أصابع قدميها‪...‬‬ ‫‪|32‬‬

‫النص الخجول ما زال يحلم‬ ‫السطر الندي ما زال يهذي‬ ‫الفاتنة ما زالت تُقشّر شمسها‬ ‫وحدها البحيرة‬ ‫ترسم دوائر مسحورة‬ ‫من أين لها كل هذه النعومة‬ ‫المترفة‬ ‫التي تغوص بين مراياها ؟!‬ ‫‪ ١٥‬حزيران ‪٢٠١٤‬‬


‫ك أكثر وأنا عارية _‬ ‫أحبُّ َ‬

‫أيروتك‬

‫شعر عاَنتي كما ُت ِح ّب‪ ،‬وقد‬ ‫هذه المرَة لن أ َ‬ ‫َحلق َ‬ ‫شارب ِ‬ ‫أمنح‪ ،‬هذه‬ ‫ين منه‪ ،‬وقد ال ُ‬ ‫أُرخي على بظري َ‬

‫قضيبك أي فرص ٍة لإلثارِة‪ ،‬قد‪ ،‬وهذا فعالً ما‬ ‫المرَة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫أِ‬ ‫أسمح‬ ‫ُح ّب‪،‬‬ ‫أن َّ‬ ‫تمر جيئ ًة وذهاباً‬ ‫إلصبع َك الوسطى ْ‬ ‫ُ‬ ‫شفرتي بظرَي‬ ‫ِ‬ ‫يثيرني‬ ‫على‬ ‫َ‬ ‫المستثار‪ ،‬وقد‪ ،‬وهذا ُ‬ ‫ُوجع َك‬ ‫أنقر بإصبعي على خصيتيك‪ ،‬وأ ُ‬ ‫أيضاً‪ُ ،‬‬

‫الفارس في هذا يا‬ ‫أنك‬ ‫وأُستثار‪ ،‬وحتى ال َّ‬ ‫تظن َ‬ ‫ُ‬ ‫بئرك و َأد ُع دلوي‬ ‫حبيبي‪،‬‬ ‫سألمس بإصبعي‪ ،‬برقةٍ‪َ ،‬‬ ‫ُ‬

‫بئرك‪،‬‬ ‫تسترسل في جوِفها‪ ،‬ب َئرك‪،‬‬ ‫أأسعدك أن ُ‬ ‫َ‬ ‫قلت‪َ :‬‬ ‫ُ‬ ‫طيزك؟!‬ ‫ثقبك‪َ ،‬‬ ‫ولم أقل َ‬

‫أحبه فيك‪،‬‬ ‫أكثر‬ ‫قلت لك أن‬ ‫ٍ‬ ‫شيء ُّ‬ ‫هل ُ‬ ‫َ‬ ‫ليس َ‬ ‫قضيبك َ‬ ‫أكثر وأنا عارية؟!‬ ‫وإني ُّ‬ ‫أحب َك َ‬ ‫لقضيبك قص ٌة أخرى‪ ،‬ولكن مع نهد َّي ِ‬ ‫اليان ِ‬ ‫عين‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫وكف َّي َّ‬ ‫َّ‬ ‫المبل ِ‬ ‫حش َف ِت ِه‬ ‫أفرُك ُه برحيقي من َ‬ ‫لتين بلساني‪ُ ،‬‬

‫ضعف َّ‬ ‫أصر ُخ وأنا أرى‬ ‫اللذ ِة في‬ ‫إلى ِخ َ‬ ‫َ‬ ‫صيتيه‪ ،‬و ُ‬ ‫المسلوب‪ ،‬ضع ُف َك قوتي‪ ،‬في هذا‬ ‫يك يا حبيبي‬ ‫عيَن َ‬ ‫َ‬ ‫الفراش‪.‬‬

‫هذه المرَة‪ ،‬لن ترى من أور ِ‬ ‫اق أنوثتي شيئاً‪ ،‬ولن‬ ‫تركن إلى َّ ِ‬ ‫أنت ِ‬ ‫وجانب‬ ‫وضع‬ ‫أي‬ ‫ٍ‬ ‫ف َّ‬ ‫الدعة و َ‬ ‫ٍ‬ ‫تعر ُ‬ ‫أدع َك َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫أي‬ ‫تعرف على أِّيها‬ ‫ُيريحني‪ ،‬لن‬ ‫سأنام َ‬ ‫َ‬ ‫معك‪ ،‬وال من ِّ‬ ‫ُ‬ ‫أي لذ ٍة‬ ‫إن‬ ‫أن‬ ‫ُريك َّ‬ ‫دخلت‪ْ ،‬‬ ‫َ‬ ‫تدخل‪ ،‬و ْ‬ ‫يدك ْ‬ ‫فتح ٍة أُر ُ‬ ‫لن أ َ‬ ‫َ‬ ‫لي في ُحِّبك‪ُ ،‬حُّبك يا حبيبي لي‪ ،‬ولذتي لي أيضاً‪،‬‬ ‫لحر ِ‬ ‫سأصر ُخ ِّ‬ ‫ية ُعريِي على َف ِخ َذيك‪ ،‬ال‬ ‫هذه المرَة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هبلي‪.‬‬ ‫لقيد قضي ِب َك على م َ‬ ‫بمؤخرِتك أكثر‪ ،‬وإن أردت أن أ ِ‬ ‫ُعطَي َك مؤخرتي‪،‬‬ ‫غب‬ ‫ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ َ َ‬ ‫أر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وصدر َك‪،‬‬ ‫وظهر َك‬ ‫غب بالتهامِ فخ َذْي َك من الخلف‪،‬‬ ‫وأر ُ‬

‫‪|33‬‬

‫ِ‬ ‫فيك‪ ،‬وإني‬ ‫ُ‬ ‫ُحب الثنيات الرقيق َة اللِّين َة َ‬ ‫أقلت َ‬ ‫لك إني أ ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وبيد َّي‬ ‫أ ُّ‬ ‫ُحب َد ْعك طيات بطن َك‪ ،‬بعانتي‪ ،‬وبطني‪َ ،‬‬ ‫أَكثر‪ِ ،‬‬ ‫الصغير الذي بدأ َّ‬ ‫يتهد ُل ليناً كأنثى‬ ‫وكرش َك‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫حريريةٍ؟! أنت يا حبيبي أُنثاي أنا‪.‬‬

‫كان‬ ‫غير َك‪ ،‬وهذا يثيرني كثي اًر؛‬ ‫ُّ‬ ‫أحب َ‬ ‫الرجل الذي َ‬ ‫فيك َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ينظر ل َف ِخ ِذي‬ ‫حك‬ ‫َي ُّ‬ ‫َ‬ ‫قضيب ُه خلس ًة في الباص‪ ،‬وهو ُ‬ ‫التنورة‪ ،‬وأ ِ‬ ‫تحت ُّ‬ ‫الصبي ذي‬ ‫مع‬ ‫ُح ُب ْ‬ ‫َ‬ ‫أنام َ‬ ‫فيك َ‬ ‫أن َ‬ ‫ِّ‬ ‫المنت ِع ِ‬ ‫ِ‬ ‫سطح الجيران‪ ،‬الفتا ُة التي‬ ‫ض على‬ ‫العضو‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫صارت تنام مع ِ‬ ‫بنات الجير ِ‬ ‫ان‬ ‫اشتهيتها مرًة‬ ‫كنت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫فيك‪،‬‬ ‫فيك‪ُّ ،‬‬ ‫أحب َك يا حبيبي‪ ،‬و ُّ‬ ‫أحب نومي معي َ‬ ‫أضاج ُعني ِب َك‪ ،‬ومؤخرتي على َّ‬ ‫ِ‬ ‫أضاجع‬ ‫يك‪ ،‬و‬ ‫كف َ‬ ‫ُ‬ ‫برز نهداها في الباب المجاور‪ ،‬وهي‬ ‫َّ‬ ‫الصبي َة التي َ‬ ‫ظهر َك‪ ،‬يا‬ ‫كل‬ ‫إليك بشهوٍة َّ‬ ‫تنظر َ‬ ‫ٍ‬ ‫امنحني َ‬ ‫ُ‬ ‫صباح‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يجوسان َك‪َ .‬د ْع‬ ‫المنتعضين‬ ‫نهد َّي‬ ‫حبيبي‪َ ،‬وَد ْع َ‬ ‫ِ‬ ‫أنت أنثى‪.‬‬ ‫َ‬ ‫حلمت َّي ُت َعّلِمان َك كم َ‬ ‫لريح ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫غبتك‪،‬‬ ‫باب مشرع ٍة ِ‬ ‫أكثر جموحاً من ٍ‬ ‫مهبلي ُ‬ ‫وه َو لي‪ ،‬كما أَنك لي‪ ،‬قد‪ ،‬وهذا‬ ‫مهبلي ُّ‬ ‫كل روحي ْ‬ ‫أحبه‪ ،‬أرغب ِّ‬ ‫ِ‬ ‫كل مهبلي‪،‬‬ ‫أيضاً ُّ‬ ‫بكفك َتق ِب ُ‬ ‫ُ‬ ‫ض على ّ‬

‫ِ‬ ‫اشف‬ ‫َتْقَل ُع ُه وال َي َنقلِ ُع ِم ْن مكانه‪ ،‬هل ُ‬ ‫لك إن الشر َ‬ ‫قلت َ‬ ‫قيدك في سريري‪ ،‬وهي روحي الهائج ُة على ِ‬ ‫ظهر‬ ‫ُ‬

‫فخ َذيك؟!‬

‫شتهيها‪ ،‬وأنا‬ ‫قلت لك إن‬ ‫السرير ُخدعتي التي َت َ‬ ‫هل ُ‬ ‫َ‬ ‫ظل فخ َذ َّي‬ ‫فحولتك البائسةَ؟!‬ ‫اود‬ ‫فحولتك ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أر ُ‬ ‫ِ‬ ‫المنفرجين على العالم‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تعال‬ ‫وك ِّسي‬ ‫الشبقة‪،‬‬ ‫تعال مستسلماً لروحي‬ ‫الشرس‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫المخبوء‬ ‫غب بعسلِ َك‬ ‫فلعاب ُه‬ ‫يسيل دماً زئبقياً‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫وير ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫تحت ِجْلدك‪.‬‬ ‫َ‬

‫‪16/06/2013‬‬


‫مر ى‬ ‫َك ُّفك ْ‬ ‫آت‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َْ ُِ‬ ‫َ‬ ‫َ ِحي أق ُرؤه أر ِات‪،‬‬ ‫َ ّ َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ور التجىل‪،‬‬ ‫فه ِب ِين َ ن‬ ‫ّ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ك أع ِرف ِن ف كف ِك‪،‬‬ ‫ح َ‬ ‫ي َأر ِات‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪ُ ُ َ.‬‬ ‫َ‬ ‫ىَ‬ ‫سآخذ ِزين ِن اآلن‪،‬‬ ‫ً‬ ‫يك ِأنيقا‪،‬‬ ‫و آت‬ ‫َ ِّ ُ ِ ْ ً‬ ‫أت ْقطر ِعشقا‪.‬‬ ‫ْ ُ‬ ‫فأن ِت إن تش ّم ِين‪،‬‬ ‫َ ْ َ‬ ‫الم ْر ِآة‪.‬‬ ‫أر عطري ِف ِ‬

‫إشاعة‬ ‫ُ‬ ‫ى‬ ‫كل القنابل الن سقطت ف دارنا محض إشاعة‬ ‫سواد تفسخ عىل جسدي‬ ‫كل‬ ‫ٍ‬ ‫بأظفر مقلوعة‬ ‫ناظورك‬ ‫كل حطام خاطه‬ ‫ِ‬ ‫ٌٍ‬ ‫ى‬ ‫كل نشيج ارتشفته عيناي ضماد للنمل‬ ‫كل الشوط المتعلقة بكش ذراع‬ ‫ئ‬ ‫الالت ندبن ويندبن وسيندبن محضُ‬ ‫كل األمهات‬ ‫إشاعة‬ ‫كل المحتطبي ف مراحلهم األولية يهيلون الدوار‬ ‫عىل ر َّ‬ ‫أش الشهوات‬ ‫كل الوفيات والوالدات والمرميات عيونهم عىل‬ ‫ُ‬ ‫محض‪...‬‬ ‫األرصفة‬ ‫ُ‬ ‫كل المائتي من األطفال محض أشعة‪.‬‬ ‫__________‬

‫‪|34‬‬

‫الشعر‬ ‫ال يقول لك كيف ستكون رائحة امرأة‬ ‫وه ترضع طفلها للمرة األول‬ ‫ي‬ ‫وكأن الزمن بال انتهاء‬ ‫‪.‬‬ ‫الشعر‬ ‫ال يعرف كيف يغيب فم الحبيبة وراء‬ ‫قلبها‬ ‫وه ترتفع بضعة سنتيميات عن‬ ‫ي‬ ‫العالم‬ ‫ن‬ ‫لتسقط كمالك يف قبلة‬ ‫‪.‬‬ ‫الشعر‬ ‫ئ ن‬ ‫ال يحيض مع الفتيات ويختت يف‬ ‫الورد‬ ‫ن‬ ‫ال يصاب برصاصة يف الحلم‬ ‫يبك عىل جدار مدرسة ألنه ال‬ ‫ال ي‬ ‫يحب األقفاص‬ ‫ن‬ ‫ال يشم رائحة الرغيف يف الصالة‬ ‫ن‬ ‫ال يعرف أن العري يف اللغة‬ ‫هو ما يكرس الماء بالماء‬ ‫‪.‬‬ ‫الشعر‬ ‫غريب مثلك‬ ‫كلما عاد من حانوت القمر‬ ‫يقول يل‪:‬‬ ‫ال سماء تسبق وجهك‬ ‫ال مفاتيح للغابة‬ ‫________‬


‫أعتذر للعصافير‬ ‫تشبهين يف انفجاراجلرح‬ ‫منترشا بني صوتني‬ ‫كنا ىلع وشك العناق يطوقنا باجلنون‪....‬‬ ‫هناك يف أاعيل اللغة نلتيق‪.....‬مفتونة بدم ابلابيل‬ ‫فأقرأ نارك علينا يف خرائط اتلاريخ ‪......‬‬ ‫اليت تعد والئم الفرح فينا‬ ‫وتنرشنا يف سقف الشمس المتعبة‬ ‫شفاف صمتك ايلتيم‪....‬تعتقله األغالل اقرتب‪.....‬‬ ‫يف مدخل السحابة الغائبة‬ ‫يف سقف القلب المهرتئ‪....‬‬ ‫قلبك اذلي يسيل زجاج يف ديم انلافر يف‬ ‫انلصوص‪....‬‬ ‫اقرتب‪ ....‬وأفتح يل بساتني الرنجس‬ ‫يوشك القلق أن يبدد من طفوليت لون المطر‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫ألنك األطياف القزحية يف قدم الغيمة‪...‬‬ ‫ألنّك األشاكل يف كف ّ‬ ‫الريح ‪.....‬‬ ‫أختم بايلاسمني يللك الشميع حني تشغلنا انلجمة‬ ‫عن اجلنون‪...‬‬ ‫و تشغلنا القناديل عن اتلفكري‪...‬‬ ‫‪|35‬‬


‫وداد نبي سوريا‬

‫ّ‬ ‫للمشقة‬ ‫من يكرتث‬ ‫يهم إن‬ ‫لن َّ‬ ‫عشت طويالً‬ ‫ُ‬ ‫عاما‬ ‫كم ّ‬ ‫عمرة يابانية ل‪ً 117‬‬ ‫ُ‬

‫أو ُّ‬ ‫مت اآلن صبية شاعرة في ‪29‬‬

‫عاما‬ ‫ً‬

‫فمن يكترث لألعوام الغبية‬

‫ككلب‬ ‫الحب بقلبي ٍ‬ ‫طالما سيموت ُ‬ ‫عجوز؟‬ ‫كالهما حياة متعفنة‬

‫سرير نظيف‬ ‫بهدوء على‬ ‫الموت‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بعمر السبعين وحولي األبناء‬ ‫واألحفاد‬

‫ان قهوة الصباح‬ ‫الجير ُ‬ ‫أو أكون عجو اًز وحيدة بمأو ًى‬ ‫للعجزة‬ ‫ورغمها من يكترث للمشّقة‬

‫ككلب‬ ‫طالما‬ ‫الحب بقلبي ٍ‬ ‫ُ‬ ‫سيموت ُ‬ ‫عجوز؟‬ ‫ليسَ باألمر الجوهري‬

‫رشح اسمي كشاعرٍة تكتب ِ‬ ‫الشعر‬ ‫أن ُي ّ‬ ‫ِ‬ ‫بلغة الفضة‬ ‫كأية سجالت‬ ‫أو ُتنسى قصائدي ّ‬ ‫مهملة بدائرة حكومية‬

‫والموت تحت أنقاض منزل سقط‬

‫ُصّنفت تحت بند المتلفات‬ ‫ككلب‬ ‫الحب بقلبي ٍ‬ ‫طالما سيموت ُ‬

‫ككلب‬ ‫طالما‬ ‫الحب بقلبي ٍ‬ ‫ُ‬ ‫سيموت ُ‬ ‫عجوز؟‬

‫ِ‬ ‫إعالن طرقي عابر‬ ‫كمشاهدة‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫لحبهم لي‬ ‫سيكون إعالن الرجال ّ‬

‫أن أنجب ثالثة أطفال‬

‫مزدحم‬

‫متفجر‬ ‫برميل‬ ‫عليه‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫فمن يعبأ ألكسسوا ارت الموت‬

‫تمرينان شا ّقان للشيخوخة‬

‫بيتا يشرب معي في حديقته‬ ‫و‬ ‫أبني ً‬ ‫َ‬

‫عجوز‬

‫كما لو أنني أقود سيارتي بأوتوستراد‬

‫‪|36‬‬

‫كجرو صغير‬ ‫فرحا‬ ‫ٍ‬ ‫أما أن أقفز ً‬ ‫ّ‬ ‫بسماع طرق يديك على جرس منزلي‬ ‫يجعل‬ ‫فهو فقط ما‬ ‫ُ‬ ‫ككلب عجوز‬ ‫الحب ال‬ ‫يموت بقلبي ٍ‬ ‫ُ‬

‫يصدمه‬ ‫مغرداً حتى‬ ‫ُ‬ ‫بل يبقى عصفو اًر ّ‬ ‫قطار ما‬ ‫ٌ‬ ‫قطار يدعى النسيان‪.‬‬ ‫ٌ‬

‫أي أثر‬ ‫ّ‬ ‫سيمر غزلهم أمامي دون ّ‬

‫االشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاعة‬ ‫الشائعة ترجف‬ ‫وهي تخرج من فم الحكاية‬ ‫تنساب إىل النهر‬ ‫النهر الذي يهدهد رئة الغابة‬ ‫الغابة التي تعصر الصنوبر‬ ‫الصنوبر الذي تستخدمينه‬

‫الحب بقلبي ككلب‬ ‫طالما‬ ‫ُ‬ ‫سيموت ُ‬ ‫عجوز‬

‫احمدالفالحي‬

‫َّ‬ ‫املقصف‬ ‫لشعرك‬ ‫الشعر الذي المسته يدي‬ ‫يدي الغائبة عن الوعي‬ ‫كيف تعي أال مصافحة تدوم‬ ‫وأال أنني يصاحب النهر‬ ‫وال وجع يلف االشاعة‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫مرآة خرافية‬

‫ألين وسيم‬ ‫ألني وسيم‪،‬‬ ‫فأنا أشكل خطورًة علي‪.‬‬

‫محمد قنور‬

‫طبع‬ ‫لكني ّلين ال ّ‬ ‫ِ‬ ‫ألقيد حريتي‬ ‫فأنا أصَن ُع س ْجناً كما أشتهي ّ‬ ‫وهناك على ِ‬ ‫طبة‬ ‫المص َ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫القيد‪،‬‬ ‫كسر ْ‬ ‫انتظر مطرقة االشتّياق ُلت ّ‬ ‫حاكمة كإجراء وقائي‬ ‫اد ُخ ُل ِزنزانتي ِبدون ُم َ‬

‫المجون‪،‬‬ ‫ُمتح ّفظا على رغبتي في الحياة من ُ‬ ‫ِ‬ ‫ضاحكا‬ ‫اد ُخ ُل‬ ‫أنتظر ُشروقها‬ ‫الحّرية شمسا‬ ‫لكي تكون ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫السديم من بين الُقضبان‬ ‫أثناء اندفاع ّ‬

‫ٌ َ‬ ‫غص ُبها‬ ‫أ‬ ‫أىه امرأة ِ‬ ‫كالصواب‪،‬‬ ‫لغة‬ ‫تناول ٍ‬ ‫عىل ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ىَ‬ ‫وأسالك ‪:‬‬ ‫ضبان‬ ‫عن ق‬ ‫ٍ‬ ‫ٍَ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫محمد عيد ابراهيم‬ ‫سأنام‪ ،‬قبلما أموت ‪.‬‬ ‫*‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫الغابات ‪:‬‬ ‫أفكر ف صبايا‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الع ُري ِكذبة‪ ،‬والصمت ِكذبة‪،‬‬ ‫وال أ ُ‬ ‫الليل‪،‬‬ ‫عن جناىح إىل‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ومرهوب‪ ،‬وف ّ‬ ‫اليقظة ‪.‬‬ ‫أتم‬ ‫مرغوب‬ ‫ِ‬ ‫*‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫طائر‪،‬‬ ‫تحت ظل‬ ‫ٍ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫منك‪،‬‬ ‫بجسم‪ ،‬آكل (ال مهرب) ِ‬ ‫وحدي‪ِ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫قديم‪َ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫مال ‪/‬‬ ‫ف رأش إله‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ ُ ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫بين !‬ ‫قال‪ :‬ثدي يلوح ىل‪ ،‬فأط ِلعن ح ى‬

‫وأثناء ان ِبعاث الضوء الذي ُيصدره صوت المفاتيح‪،‬‬

‫على ُكتل القرميد ُتطربني نغمة الحديد‬

‫للكلِمة‬ ‫انه َّ‬ ‫الصليل‪ ،‬فقد ثمة لِجام َ‬ ‫هكذا أثور وأهرب‪،‬‬

‫وطبعا ِ‬ ‫أعُد بالعودة‬ ‫السراح‬ ‫َ‬ ‫فبعد ّ‬

‫ابتكر حيالً وأالعيب ُمختلفة‬ ‫ُ‬ ‫العودة‬ ‫ألُتيح ُفرصة ْ‬ ‫من الباب الو ِ‬ ‫اسع‬

‫الحّرية‬ ‫فروحي دوما في حاجة إلى ُ‬

‫ويدي ِ‬ ‫سجن‬ ‫تح ُّن إلى رسم‬ ‫ٍ‬

‫ِ‬ ‫االنضباط‪.‬‬ ‫الوسامة على‬ ‫ْ‬ ‫لترويض هذه َ‬ ‫‪|37‬‬

‫معي أنت بخري‬ ‫العيون ُت ّ‬ ‫قبل أهدابها‬ ‫رمادية‬ ‫غيم‬ ‫ٍ‬ ‫سحائب ٍ‬ ‫أرعن‬ ‫حلم‬ ‫تغلق نوافذ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫بارد‬ ‫وتجد لإلرتماء ف حضن‬ ‫عائشة بركات‬ ‫ِ‬ ‫رسير ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫وشوشات خدر تعزفها كمنجات األوردة‬ ‫بات للذكريات عطر يغشاه اليباب‬ ‫ى‬ ‫فة‬ ‫لملمت ذيول هزيمتها‬ ‫كنبيلة من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كنياء متعملق كأناها‬ ‫ورمتها ف حضن ى‬ ‫بوداعة عىل كتفها‬ ‫ربتت‬ ‫ٍ‬ ‫و همست‪..‬‬ ‫اطمئن مع أنت بخن‬ ‫ً‬ ‫فعذرا يا ناي الوجع‬ ‫ىل ف حضتك ألف آه‬


‫يؤلمني ألمسمار‬ ‫حينما أ ّدقه‬ ‫في جدأر عزلتي‬ ‫***‬ ‫ألمسمار هذأ‬ ‫ّ‬ ‫أعتدت أ ْن ُأ َع ِّلق فوقه‬ ‫ألقميص ألوحيد‬ ‫ألذي َّقدته ألعزلة‬ ‫من قبل ومن ْدبر!‬ ‫َ‬ ‫ما ألذي سيقوله‬ ‫ذلك ألمسمار عني‬ ‫فيما لو ترك َته مرميا‬ ‫هكذأ دون أ ْن أضرب به‬ ‫َ‬ ‫وجه ألجدأر‬ ‫***‬ ‫ألمسمار‬ ‫مهامه أ ْن يخترقْ‬ ‫من أهم ّ‬ ‫صمت ألجدأر‪،‬‬ ‫ألجدأر من وأجباته أنْ‬ ‫يعزز ألعزلة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ويصد ألعابرين ألى ألنهار‬ ‫آ‬ ‫أه!‬ ‫كم أنفر من هذأ‬ ‫ألجدأر‬ ‫***‬ ‫َ‬ ‫من َ‬ ‫ألمسمار‬ ‫هامس‬ ‫أن ي ساضرب رأسه بقوة‬ ‫فيما لوأر َّتد‪،‬‬ ‫َ‬ ‫أستعصم‬ ‫أو‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أورفض ألولوج أبعد مما‬ ‫أريد!؟‬ ‫َ‬ ‫يالهذأ ألمسمار ألذي‬ ‫ليجروء أن يسال‬ ‫عن رأسه ألذي َّمرغوه !‬ ‫***‬ ‫‪|38‬‬

‫بلغة ألقوة‬ ‫تتعامل ألمطرقة مع‬ ‫ألمسمار‬ ‫ل أدري‬ ‫لغة أحاور‬ ‫با ّي ٍ‬ ‫ألجدأر؟‬ ‫****‬ ‫ل أدري عماذأ ستثمر تلك‬ ‫ألمسامير‬ ‫ألتي زرعتها في جسد‬ ‫ألجدأر؟؟‬ ‫***‬ ‫ألمسمار ألذي نصلب فوقهَ‬ ‫َ‬ ‫ألوقت‬ ‫هو غير ألمسمار ألذي ننخر‬ ‫ِّبه ألعزلة‬ ‫وهو ليس بالتاكيد نفس‬ ‫ألمسمار ألذي ع ِّ​ّل َقت به‬ ‫ألنجوم بالسماء‬ ‫ألغيوم َ‬ ‫وحدها ألتي ل‬ ‫تمتثل لقانون ألمسامير‬ ‫***‬ ‫قالها‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ألمسامير كلها‬ ‫ساترك‬ ‫مغروسة في ألجدأر‬ ‫وأنفذ‬ ‫لنجو بقميصي !‬ ‫قلت‪:‬‬ ‫َ‬ ‫لمسمار عندي‬ ‫أ ّعلق َ‬ ‫فوقه قميصي‬ ‫لذأ‬ ‫َ‬ ‫قميصي ألرصيف !‬ ‫َّقد‬ ‫***‬ ‫قالها‪:‬‬ ‫ألمسامير ميتة‬

‫عباس ألسالمي‬ ‫مادأمت ل تخترق ألجدأر‬ ‫قلتها‬ ‫ن حن كذلك أ ْن لم‬ ‫نفعلها‬ ‫***‬ ‫مابين ألجدرأن‬ ‫رأح يقلب ألمسامير ألتي‬ ‫كان عليه أن يرّتق بها‬ ‫عزلته‬ ‫***‬ ‫ألمسمار‬ ‫َ‬ ‫ألذي أدمن طرق ألمدماك‬ ‫ليس من حقه أبدأ‬ ‫أن يسال‬ ‫ألى أ َين تريدون بي؟‬ ‫***‬ ‫ياللغرأبة!‬ ‫ألمساميرعصية‪ ،‬عصية‬ ‫على ألطرق‬ ‫***‬ ‫ألن ألجدرأن‬ ‫تؤسس للعزلة‬ ‫رأحوأ ّ‬ ‫يدكونها‬ ‫بالمسامير؟؟‬ ‫***‬ ‫تاكدت فيما بعد‬ ‫أن ألمسمارألذي يخطيء‬ ‫ألجدأر‬ ‫سوف لن تخطئه سلة‬

‫ألمهمالت !‬ ‫***‬ ‫لجدأر‬ ‫سيلجه ألمسمار لول مرة‬ ‫قول‪:‬ستدك َ‬ ‫ّ‬ ‫جبهتك‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫لو أمتنعت عن تقبله ‪-‬‬‫مسامير أخرى‬ ‫***‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َمن قدر للمسمار‬ ‫أل يعمل أ ّل بالمطرقة؟‬ ‫***‬ ‫ل غرأبة!‬ ‫ألمطرقة تترأقص فوقَ‬ ‫ألمسمار‬ ‫أ ّن ى للمسمار‬ ‫أن يعرف‬ ‫أنه بمجرد قبوله بمسماريته‬ ‫َّ‬ ‫حل عليه ألعذأب‬ ‫***‬ ‫من أين للمسمار‬ ‫ّكل هذأ ألصبر؟‬ ‫***‬ ‫ماهذأ ألذي‬ ‫في مسامعي‬ ‫هل هو رنين ألمطرقة‬ ‫أ ْم هو أنين ألمسمار؟؟‬ ‫***‬ ‫مرة‬ ‫سمعت مسمارأ‬ ‫آ‬ ‫يهامس مسمارأ أخر‬ ‫يا أخي‪:‬‬ ‫كرهت تلك ألمطرقة ألتي‬ ‫آ‬ ‫ألمتني‬ ‫لكنني أحببت تلك أليد‬ ‫ألتي‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫سمرتني بجوأرك !‬

‫***‬ ‫باعلى وجعه‬ ‫َ‬ ‫صرخ مسمار في كوم من‬ ‫أبناء جنسه‬ ‫لماذأ ُّ‬ ‫توحدنا ألمطرقة‬ ‫وتفرقنا ألجدرأن؟؟‬ ‫***‬ ‫على ألجدأر هناك‬ ‫كان مسمار فار َغ ألحمولة‬ ‫حين هممت بخلعه‬ ‫توسلني هامسا‪،‬‬ ‫ل تجعل مني فائضا‬ ‫دعني أرجوك‬ ‫على ألقل‪-‬‬‫ل َ‬ ‫مال هذأ ألفرأغ !‬ ‫***‬ ‫هل هوألصبر‬ ‫أم هو ألخنوع‬ ‫ذأك ألذي يقود ألمسمار‬ ‫ألى ألمطرقة؟‬ ‫***‬ ‫قلت للمسمار‬ ‫دعني أ َ‬ ‫حررك‬ ‫وقبل أن يتمتم‬ ‫أنتفضت ألمطرقة !‬ ‫***‬ ‫ألمسمار ألذي بال رأس‬ ‫ل تطاله ألمطرقة !‬ ‫***‬ ‫صرخت ألمطرقة‬ ‫لم أتحسس في رأس‬ ‫ألمسمار‬ ‫أية فكرة هدأمة‬ ‫ِّل َم يسخرونني أذن‬ ‫لتعذيبه؟؟‬


‫أغنيات ال ّركح ّ‬ ‫الصغري‬

‫رهافة املاء‬ ‫حسني حبش‬

‫لم تسقط دمعة واحدة من ن ي‬ ‫عيت‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ولم أفكر بالهروب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الحش ن‬ ‫اشي‬ ‫سنواتهن مع‬ ‫بينما صبايا يدخ ين‬ ‫ي‬ ‫عندما صدحت النادلة بثمن القهوة‬ ‫ُ‬ ‫قلت‪ :‬ماذا سأفعل بالمئات الخمس ؟‬ ‫لم تسقط دمعة واحدة من ن ي‬ ‫عيت‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ولم أهرب متأبطا سلة مليئة بالقهقهات‬ ‫ً‬ ‫"الركح ي‬ ‫مرسعا من مقه ي‬ ‫الصغي"‬ ‫لم أخرج‬ ‫ّ‬ ‫بل ي‬ ‫قطعت سكر نف قهوت ي‬ ‫ْ‬ ‫المرة‬ ‫ذوبت‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫يي‬ ‫ّ‬ ‫سك نُ‬ ‫رقبت‬ ‫عىل‬ ‫ادلة‬ ‫الن‬ ‫كلمات‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫وأنا أتهدل مع أغنيات «شارل أزنافور»‬ ‫ي‬ ‫النادلة إسطوانة ر‬ ‫دم‬ ‫من‬ ‫وخة‬ ‫مرس‬ ‫سأمنح‬ ‫ي‬ ‫أو أصابع بعدد أيام الجوع‬ ‫أو لطخات موسيف‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫المياه يا «شارل أزنافور» ْ‬ ‫قبل جنون النادلة‬ ‫المياه‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫(ف آخر ركن يف المقه‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫قفص الصدري)‬ ‫امرأة تسدد ثمن قهوتي وتخرج من‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫تكف‬ ‫ابتسامات النادلة ال ي‬ ‫ي‬ ‫ألحدثها عن رمال عابرة‬ ‫ي‬ ‫عن أنهار تقلع الطحالب‬ ‫وسيوف تقطع الرقاب‬ ‫)‪(.....‬‬ ‫ي ن‬ ‫ْ‬ ‫بعد دروس شت يف فنون الموت‬ ‫ي‬ ‫النهر ‪.‬‬ ‫عيت ذلك‬ ‫‪|39‬‬

‫كأنك شمعة‬ ‫ن‬ ‫وكأت عود ثقاب أشعلك‪.‬‬ ‫ي‬ ‫كأنك حمامتان‬ ‫ن‬ ‫وكأت أفع أقضم مناقي نهديك‪.‬‬ ‫ي‬ ‫عال‬ ‫كأنك قبة قرص ٍ‬ ‫ن‬ ‫وكأت راية مرفوعة ألجلك‪.‬‬ ‫ي‬ ‫كأنك نابغة ُّ‬ ‫السكر‬ ‫ن‬ ‫وكأت مريض ُّ‬ ‫السكر‪.‬‬ ‫ي‬ ‫كأنك قرط ن يف أذن الري ح‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫اكضي‬ ‫وكأت سليل الر‬ ‫ي‬ ‫وراء الري ح‪ ..‬الري ح‪.‬‬ ‫كأنك بحة هللا‬ ‫ن‬ ‫وكأت أردد سعالك‬ ‫ي‬ ‫هللا‪...‬‬ ‫هللا‪...‬‬ ‫كأنك رهافة الماء‬ ‫ن‬ ‫وكأت النهرأجري مع الرمل إليك‪.‬‬ ‫ي‬ ‫كأنك النار الهامدة‬ ‫ن‬ ‫اللهت‬ ‫وكأت واقدك‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫كأنك أنك‬ ‫ن‬ ‫وكأت أنك‪.‬‬ ‫ي‬


‫حالة غري صالحة للنشر‬

‫ً‬ ‫عارية ِمن أي استقامة‪.‬‬ ‫يكتبني‬ ‫يف وقت متأخر‬

‫يف وقت متأخر‬ ‫ُ‬ ‫أُ ُ‬ ‫غريبة األطوار‬ ‫درك أنني‬

‫أعرتف بجميل كل العابرين‬ ‫ألن الحف مر التي تركوها خلفهم‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫حولت قلبي إىل غربال بعيون‬

‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫أحب إال‬ ‫أستطيع أن‬ ‫ال‬ ‫الحفارين‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أدرك أنني‬

‫واسعة‪.‬‬ ‫كل يشء فيه آيل للسقوط‪.‬‬

‫أفتق ُر ألصابع كافية‬ ‫ُ‬ ‫فؤوسهم‪.‬‬ ‫أواجه بظلها‪ ،‬مملعة‬ ‫ِ‬

‫ألنني أخريا‬ ‫بأصابع أقل‪ ،‬ودون ِظل‬

‫يف وقت متأخر‪،‬‬

‫صرت أرى‪.‬‬

‫أفهم أنني ‪...‬‬ ‫ال أنجح يف التخلص من طبيعتي‬

‫خديجة املسعودي‬

‫يف كل مرة ينصحني اآلخرون بذلك‪.‬‬ ‫ال أستطيع أن أكره نمو األشياء مائلة بقلبي‬ ‫ألن احتمال النمو وحده‬

‫سأقولها بعناية أكرب‬ ‫يبدو ّ‬ ‫ُ‬ ‫كربت‬ ‫أنني‬ ‫ُ‬ ‫صرت أبيك بصعوبة‬ ‫ّ‬ ‫وأحب بصعوبة أكرب‪,‬‬ ‫ُ‬ ‫صرت أقول الكلمات‬ ‫كما لو ُ‬ ‫كنت أملكها‬ ‫_تماماً_‬ ‫صرت واثقاً‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫يقني أجزم به‬ ‫وعندي‬ ‫وهذا مؤسف للغاية!‬ ‫وهذا ليس سيئاً‬ ‫أو جيداً‬ ‫ّ‬ ‫إنه يحدث بسهولة‬

‫‪|40‬‬

‫وهذا ما يجعل األمر‪..‬‬ ‫ً‬ ‫محزنا‪,‬‬ ‫يبدو ّ‬ ‫أنني أتألم‬ ‫أو ّ‬ ‫أود ذلك!‬ ‫دون سبب عىل األغلب‬ ‫ٌ‬ ‫سبب كاف‬ ‫وهذا‬ ‫ٌ‬ ‫رجل مثيل‬ ‫ليصمد‬ ‫إىل الثالثني‬ ‫وهذا ال يختلف كثرياً عن ّ‬ ‫الستني‪،‬‬ ‫مج ّرد ثالثني أخرى فقط‪,‬‬ ‫مج ّرد كلمات إضافيّة‬ ‫سأقولها بعناية أكرب‪,‬‬

‫جالل االحمدي‬ ‫مج ّرد صعوبة أخرى‬ ‫ّ‬ ‫الحب‪..‬‬ ‫يف‬ ‫ويف إطالق بضع دمعات‪,‬‬ ‫وحزن أكرث‬ ‫وأدفأ‪,‬‬ ‫وهذا ليس سيئاً‬ ‫أو جيداً‪,‬‬ ‫يبدو ّ‬ ‫أنني أتألم‬ ‫ً‬ ‫طلقا‪..‬‬ ‫وهذا ُم‬ ‫ال يحتاج إىل سبب‪.‬‬


‫ُ‬ ‫سأحاول هذي الليلة‬ ‫أن أكتب شعرا‬ ‫ال يفهمه ٌ‬ ‫أحد‬ ‫شعراً يحف ُر آباراً‬ ‫هاوية الالمعنى‬ ‫يف‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫الوردة باباً‬ ‫ّ‬ ‫سأسمي‬ ‫ُ‬ ‫أدخل منه‬ ‫ُ‬ ‫اإلنسان األول‬ ‫صدر‬ ‫وأرضع من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حربا‬ ‫النبض دخاناً‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫سأسمي‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫املحنية‬ ‫واألضالع‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫األهوج منفى‬ ‫القلب‬ ‫يك تحمي هذا‬ ‫ّ ُ‬ ‫األجوف‬ ‫الليل‬ ‫قلب‬ ‫ِ‬ ‫وأرتل يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫(والليل إذا يخفى)‬ ‫سورة‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫الدمعة حقالً‬ ‫ّ‬ ‫سأسمي‬ ‫ُ‬ ‫ت عشباً‬ ‫ُنب ُ‬ ‫يبزغ يف الجفنني وي ِ‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫الصخرة‬ ‫أسمي‬ ‫ورياحني‪.‬‬ ‫قطنا ُ‬ ‫ً‬ ‫وأسمي م‬ ‫ّ‬ ‫األرض‬ ‫رمل‬ ‫أحل ُجه‪.‬‬ ‫ِ‬

‫م‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫التحليق‬ ‫موهبة‬ ‫فقدت‬ ‫نوارس‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫م‬ ‫األنجم متكئات‬ ‫أسمي‬ ‫الليل ُ‬ ‫سكارى‬ ‫زرابي‬ ‫فوق‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫وأسمي الجم مر نبيذاً‬ ‫ّ‬ ‫فرط ُ‬ ‫كر‬ ‫من ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫ُ‬ ‫وأقبس نارا‬ ‫ّ‬ ‫املعدن ليال‬ ‫يتكو ُم بإنا ِء‬ ‫من ثلج‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫الشمس نهارا‬ ‫يك تمحوه‬ ‫ُ‬ ‫بالعينني‬ ‫وأسمع‬ ‫بالكفني‬ ‫سأرى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫الخمس‬ ‫وأميش فوق حوايس‬ ‫ُ‬ ‫لب ُ‬ ‫املستقبل‬ ‫يأت من‬ ‫س ما لم ِ‬ ‫وسأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫األمس‬ ‫أسمال‬ ‫ُ‬ ‫الروح‬ ‫وسأصرخ من أعىل جبل يف‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫الشمس‬ ‫خم مد نو مر‬ ‫أل ِ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫املنطق‬ ‫قصصا ال يقبلها‬ ‫وسأحيك‬ ‫وأُ ّ‬ ‫صد ُقني‬ ‫ُ‬ ‫وسأهتف باسمي‬ ‫رات الغيم األسو ِد‪ ،‬وأُ ّ‬ ‫قط ُعني‬ ‫يف ُح ُج ِ‬ ‫ِ‬

‫عبد الوهاب ابو زيد‬ ‫إر ًبا إربا‬ ‫ُ‬ ‫األرض األوىل‬ ‫وسأرجع نحو‬ ‫ِ‬ ‫نحو األم األوىل‬ ‫م‬ ‫تغرق عيناي بعينيها‬ ‫يك‬ ‫ألرى من أمري (من أمرينا) عجبا‬ ‫____‬ ‫السعودية‬

‫قصص قصرية‬ ‫رواية‬

‫رفعت نظري حنوها‪ ،‬كنتُ هي أنا أربت على كتف ابنيت‬

‫لذعتين سخونة القهوة‪ ،‬وضعت الفنجان على طرف‬

‫املنهمكة يف القراءة ‪.‬‬

‫الطاولة ‪.‬‬ ‫اندلقت القهوة على آخر سطر كتبته‪.‬‬ ‫وجوه سوداء تتقافز أمامي!‬

‫اسرتاق‬ ‫مل أشعر جبلوسها جبواري‪ .‬عيين‬

‫تابوت‬ ‫يف صالة املغادرة‪ ،‬جلست أرتقب تأشرية سفري إىل‬ ‫خارج الوطن‪.‬‬ ‫صوت هرج وبكاء يكتسح املكان‪ ،‬بفضول استرقت‬ ‫النظر حنو وجه اجلثة القادمة جبوف تابوت‪.‬‬

‫تلتهم الكتاب بنهم‪ ،‬ربتت على كتفي قائلة‪ :‬انتصار السري تفرست مالحمها‬ ‫كانت جثيت‪...‬‬ ‫‪-‬اعذريين فتايت الستراقي وقراءيت معكِ من كتابكِ‪.‬‬

‫‪|41‬‬


‫كـ ـآبة‬

‫حني تنيخ السامء الواطئة والثقيةل كغطاء‬ ‫فوق روح تنئ فريسة القلق‬ ‫الطويل‪،‬‬ ‫ومن ا ألفق اذلي يعانق الكون‬ ‫متطران بهنار أأسود أأشد حز ًان من الليل‪،‬‬ ‫حني تتحول ا ألرض اىل زنزانة رطبة‪،‬‬ ‫حيث يطري ا ألمل مثل وطواط‪،‬‬ ‫فيصدم اجلدران جبناحه اجلافل‬ ‫ويرضب رأأسه ابلسقوف املعفنة؛‬ ‫حني ينرش املطر حسبه الكبرية‬ ‫د‬ ‫مقّل ًا قضبان جسن فس يح‪،‬‬ ‫ويأأيت قطيع أأخرس من العناكب املقززة‬ ‫يأأيت لينصب ش باكه يف أأعامق أأدمغتنا‪،‬‬ ‫جفأأة تثب أأجراس غاضبة‬ ‫وتطلق حنو السامء عو ًاء منفر ًا‪،‬‬ ‫مثل أأرواح اتهئة بال وطن‬ ‫تغرق يف الشكوى بعناد رشس‪.‬‬ ‫وعرابت املوىت الطويةل‪ ،‬بال طبول وال موس يقى‪.‬‬ ‫تسري ببطء داخل رويح‪ ،‬و "ا ألمل"‪،‬‬ ‫ملربح الظامل‬ ‫املهزوم يبيك‪ ،‬و "القلق" ا د‬ ‫ينحين فوق مججميت الراخضة ويزرع رايته السوداء‬

‫______________‬ ‫ترمجة سلامن َع دزام“ديوان تأأمالت" شارل بودلري‬

‫‪| 42‬‬


‫قراءة يف كتاب املغامرة السريالية‬ ‫عرض هالة عثمان‬

‫في كتابه املغامرة السريالية مقاالت‬ ‫ونصوص ‪...‬يؤرخ الشاعر واملترجم العراقي‬ ‫عدنان محسن للسريالية بدءا من اصدار‬ ‫وثيقة ميالدها الرسمية من خالل صدور‬ ‫بيانها األول عام ‪ 1924‬وحتى اعالن شهادة‬ ‫وفاتها في مقال نشره الشاعر الفرنس ي في‬ ‫جريدة اللوموند عام ‪ 1969‬تحت عنوان‬ ‫النشيد الرابع اعلن فيه موت السريالية‬ ‫كحركة منظمة ‪ ،‬وذلك بعد وفاة زعيم‬ ‫الحركة ومنظرها اندريه بروتون عام‬ ‫‪.1966‬‬

‫‪| 43‬‬

‫مادة الكتاب تغطي الفترة مابين الحربين‬ ‫العامليتين وهي الفترة الذهبية للحركة‬ ‫حيث تحولت الى حركة عاملية وامتدت‬ ‫خارج حدود فرنسا واتسع معناها ليتجاوز‬ ‫مضمونه األول وصار يطلق على أي فعل‬ ‫خارج السائد واملألوف كلمة سريالي ‪.‬‬ ‫يقدم الكتاب مفهوم السريالية من خالل‬ ‫البيان األول الذي اصدره انريه بروتون‪،‬‬ ‫والذي عرف فيه السريالية بوصفها اسم‬ ‫مؤنث ( مذكر بالفرنسية ) بأنها آلية‬ ‫تلقائية نفسية خالصة ‪ ،‬يمكن من خاللها‬ ‫التعبير اما شفويا او كتابيا ‪ ،‬او بأي طريقة‬


‫اخرى عن عمل الفكر الحقيقي في غياب‬ ‫اي رقابة للعقل ‪ ،‬وخارج أي اهتمام جمالي‬ ‫وأخالقي‪.‬‬ ‫اراغون وبارون وبروتون وكاريف وكريفيل‬ ‫ودولتي وديسنوس وايلوار والمبور‬ ‫وومالكين وموريز ونول وبيريه وبيكون‬ ‫وسوبو وفيتراك‪،‬‬ ‫هم من قاموا بفعل سريالي مطلق من‬ ‫وجهة نظر بروتون‪،‬والجدير بالذكر ان من‬ ‫بين هذه االسماء كلها لم يواصل الرحلة‬ ‫السريالية مع بروتون حتى النهاية سوى‬ ‫بنجمان بيريه في حين طرد او انفض من‬ ‫حوله الباقون‪.‬‬ ‫يضم الكتاب مجموعة من املقاالت تبحث‬ ‫او توضح فحوى السريالية وعالقتها‬ ‫بالجمال والحب والفنون وانتقالها من‬ ‫الشعر واالدب الى الرسم والسينما ‪ ،‬كما‬ ‫يضم الكتاب مقاالت عن نقد السريالية ‪،‬‬ ‫ومحاكمات دادائية وااللعاب السريالية‬ ‫التي كانت طرقا للتعبير التلقائي لتخليص‬ ‫الشعر من الرقابة الداخلية‪....‬ومنها لعبة‬ ‫االسئلة ‪ ،‬ولعبة تبدأ بلو ‪ ،‬ولعبة التنويم‬ ‫املغناطيس ي ‪.‬‬ ‫‪|44‬‬

‫وهذه نماذج عن بعض االلعاب السريالية‬ ‫‪:‬‬ ‫حوارسوزان موزارواندريه بروتون‬ ‫بروتون ‪ :‬ماهي القبلة‬ ‫موزار‪ :‬انها هذيان ‪ ،‬الكل يترنح‬ ‫بروتون ‪ :‬ما هو اليوم ؟‬ ‫موزار‪ :‬امرأة عارية عند هطول الليل‬ ‫بروتون‪ :‬ماهي الحرية ؟‬ ‫موزار ‪ :‬عدد ال يحص ى من النقاط‬ ‫الصغيرة امللونة في األجفان‪.‬‬ ‫بيريه ‪ :‬لو ان الجذور ال تعرف أين هي‬ ‫ذاهبة بعد‬ ‫بروتون ‪ :‬لبدأ غطاء البطيخ بالرنين‬ ‫موزار ‪ :‬لو استبدلت بفوهات القناني‬ ‫عقارب حية‪.‬‬ ‫بيريه ‪:‬لقفزت الجرائد فوق الجبال‪.‬‬ ‫وفي الجزء الثاني من كتابه يقدم عدنان‬ ‫محسن عددا من النصوص السريالية‬ ‫الرائعة لشعراء السريالية قدم لها بمقولة‬ ‫جان لوي بيدوان‬ ‫"كما هو الشعر الحقيقي‪ ،‬الشعر السريالي‬ ‫واحد ومتعدد في آن واحد ‪ ،‬تنوعت طرقه‬ ‫واصواته املختلفة ‪ ،‬وال يحتاج املرء أن‬


‫يكون خبيرا في عامله امللموس كي يعرف‬ ‫الفرق وبشكل سريع بين شعر ايلوار وشعر‬ ‫بيريه‪ ،‬بين بروتون وبين شار ‪ ،‬بين آرتو وبين‬ ‫ديستوس‪".‬‬ ‫في الفصل األخير من الكتاب يورد املؤلف‬ ‫سيرة مختصرة عن ‪ 21‬شاعرا سرياليا ‪.‬‬ ‫ونورد هنا عددا من النصوص التي وردت‬ ‫في الكتاب ‪:‬‬

‫تريستان نزارا‬ ‫كيف تكتب قصيدة دادائية ‪:‬‬ ‫خذ جريدة ومقصا‬ ‫اختر من الجريدة مقاال بطول‬ ‫القصيدة التي تزعم كتابتها‬ ‫اقتطع املقال من الجريدة‬ ‫قص كل كلمة من هذا املقال بعناية‬ ‫ضع الكلمات في كيس‬ ‫حرك الكيس على مهلك‬ ‫واخرج الكلمات الواحدة بعد االخرى‬ ‫ثم استنسخ كل كلمة حسب خروجها‬ ‫من الكيس‬ ‫افعل هذا بعناية فائقة‬ ‫فالقصيدة ستشبهك‪.‬‬ ‫‪|45‬‬

‫لويس اراغون‬ ‫ما معنى الكالم ؟‬ ‫هو نثر الحص ى البيضاء التي ستأكلها‬ ‫الطيور‬ ‫ما الذي تخشاه أكثرفي هذا العالم‬ ‫حيوانات تسير ببطء تتنزه بعد‬ ‫منتصف الليل‬ ‫حول اشجارالضوء‪.‬‬

‫بول ايلوار ‪ -‬العاشقة‬ ‫واقفة فوق أجفاني‬ ‫شعرها في شعري‬ ‫لها شكل يدي‬ ‫لونها لون عيني‬ ‫ومثل حجارة في السماء‬ ‫تتالش ى في ظلي‬ ‫عيناها املفتوحتان على الدوام‬ ‫تمنعان النوم عني‬ ‫احالمها بملء الضياء‬ ‫تضحكني ‪ ،‬تبكيني ‪ ،‬ثم تضحكني‬ ‫وتجعلني أتكلم‬ ‫دون أن يكون لدي ما يقال‪.‬‬


‫حوار‬

‫حوار مع الشاعر سركون بولص‬ ‫نظرا لأهمية هذا الشاعر وما قدمه للشعر العربي فان مجلة نصوص من خارج اللغة تعيد‬

‫نشر هذا الحوار احتفاءا بهذا الشاعر الراحل وتقديم رؤيته للذين ينهلون من درب الادب‬

‫و يكتبون‪ ,‬الحوار نقلا عن مجلة نزوى العمانية أبر يل‪.1996,‬‬ ‫منذ فترة تزيد على عشرين عاما يقيم الشاعر‬ ‫العراقي سركون بولس في مدينة سان فرانسسكو‪،‬‬ ‫هذا الشاعر املنحدر من مدينة كركوك حاول مع‬ ‫أقرانه حين وصلوا الى بغداد في الستينات تغيير‬

‫خارطة الشعر العراقي‪ ،‬وفي‬ ‫إحداث ثورة بأساليبه‬ ‫وتقنياته ضمن مشروع‬

‫‪| 46‬‬

‫يريد تجاوز ما انتجه جيل الرواد الشعري جيل‬ ‫قصيدة التفعيلة‪.‬‬ ‫ومن بغداد حمل سركون مشروعه الشعري‪ ،‬حيث‬ ‫توقف في بيروت وتعرف على تجربة مجلة شعر‬

‫جاءين الشعر مبكرا كالضربة‬ ‫التي مازلت اسرتجعها حتى هذا‬ ‫الزمن‪.‬‬

‫اللبنانية وساهم في تحريرها وترجم‬ ‫العديد من النصوص الشعرية من‬ ‫اللغة االنجليزية‪ ،‬خصوصا لشعراء‬ ‫القارة االمريكية‪ ،‬الذين عبروا عن‬


‫روح جديدة تختلف عن الشعر االنجليزي املكتوب‬ ‫في بريطانيا تنسجم وفضاء القارة الجديدة على حد‬ ‫تعبير اكتافيو باز‪ .‬ربما هذا االكتشاف للشعر‬ ‫االمريكي الذي ساهم فيه شعراء عراقيون آخرون‬ ‫مثل جان دمر وفاضل العزاوي دفع سركون‬ ‫للذهاب الى موطن حركة الحداثة الثانية في الشعر‬ ‫االمريكي‪ ،‬فسان فرانسسكو هي املكان الذي أنعش‬ ‫حركة جيل البيكنس ومن هناك برز الشاعر ألن‬ ‫غينيسبرغ ولويس فرلينفتيني وغيري سنا يدر‬ ‫ومايكل ميكلير‪ ،‬إضافة الى بروز جاك كيرواك‬ ‫والكاتب وليم بروغ صاحب رواية «الغذاء العاري»‬ ‫التي أحدثت ضجة كبيرة في الوسط األمريكي‬ ‫وأصبحت في الستينات انجيل ذلك الجيل‪.‬‬ ‫في سان فرانسسكو تعرف سركون على مصادر‬ ‫الشعر االمريكي‪ ،‬وتعرف على بعض شخصيات‬ ‫جيل البيكنس‪ ،‬وتعرف على شعراء آخرين اختطوا‬ ‫ألنفسهم نزعة جمالية تتسم بالتأمل وبالنزوع‬ ‫الصوفي مثل الشاعر هيروين‪ .‬وخالل األعوام التي‬ ‫قضاها في سان فرانسسكو بقي سركون مخلصا‬ ‫للشعر ولترجمة الشعر‪ ،‬وأثناء تلك اإلقامة‬ ‫الطويلة التي قرر أن ينهيها بالذهاب الى أوروبا‬ ‫خصوصا الى لندن وباريس طور سركون تقنياته‬ ‫الشعرية‪ ،‬وصارت اللغة لديه أكثر حسية‪ .‬فهو‬ ‫بالرغم من اقامته الطويلة في الواليات املتحدة لم‬ ‫يتخلص من لهجته البغدادية وبقي نفس القروي‬ ‫ذلك القادم من كركوك‪.‬‬ ‫وكان اللقاء األول به في مقهى يقع في حي أغلب‬ ‫سكانه من املهاجرين القادمين من أمريكا الالتينية‬ ‫‪|47‬‬

‫بسان فرانسسكو‪ .‬وقال هذا أول لقاء له مع شخص‬ ‫عراقي من سان فرانسسكو له اهتمام بالكتابة‪ .‬ومن‬ ‫املقهى ذهبنا مع صديق لي صاحب مكتبة عربية في‬ ‫املدينة الى حانة شعبية صاحبها من املكسيك‬ ‫ويتحدث أغلب زبائن الحانة باالسبانية‪ .‬وكان‬ ‫سركون قد قرر وقف التدخين‪ ،‬فالجو كان غير‬ ‫مالئم في مكان يدخن فيه الجميع بكثافة وبعد‬ ‫ساعتين غادرنا الحانة وتوجهنا الى مطعم مكسيكي‬ ‫يبيع وجبات مكسيكية بهيئة ساندويش كبير‪ .‬وقبل‬ ‫ان ألتقي بسر كون في اليوم الثاني اشتريت آلة‬ ‫تسجيل صغيرة‪ ،‬واتفقنا على ايجاد محل هادىء‬ ‫الجراء الحوار‪ ،‬وبعد جوله طويلة شاركنا فيها طالب‬ ‫دراسات عليا من الكويت في هذه املدينة النائمة‬ ‫بوقاحة على لحف املحيط كما وصفها بقصيدة له‪،‬‬ ‫وجدنا مكانا هادئا في حانة شعبية لها ساحة ذات‬ ‫فضاء واسع لم يشاركنا فيها أحد في جلسة استمرت‬ ‫أكثر من ثالث ساعات وكان هذا الحوار‪.‬‬ ‫*كيف كانت البدايات وملاذا اختار سركون الشعر؟‬ ‫–أنا أعتقد أن الشعر يختار‪،‬وأحيانا دون ارادك‬ ‫وهذا يعني أن الشعر موقع خاص تصل اليه‬ ‫بشروط معينة تدفعك اليها تجربتك الحياتية‪.‬‬ ‫وجاءني الشعر مبكرا منذ كنت صغيرا‪ .‬وكان‬ ‫كالضربة التي مازلت استرجعها حتى في هذا الزمن‬ ‫املتأخر كلما حاولت أن أكتب قصيدة‪ .‬وفي مفهومي‬ ‫إن الشعر نوع من السحر الذي من املمكن أن يغير‬ ‫حياتك كاملة‪ ،‬كما قصد ذلك ريلكة في قصيدة له‬ ‫عندما قال "عليك اآلن أن تغير حياتك‪".‬‬


‫*متي تؤرخ ألول قصيدة كتبتها؟‬ ‫–كانت قصيدة عن صياد أذكر أني كتبتها وأنا في‬ ‫الثانية عشرة من عمري‪ ،‬وأنا لم أنس تلك القصيدة‬ ‫ألن فكرة الصيد هي مفهوم الشاعر الحقيقي‪ .‬أي‬ ‫أن الشاعر يجلس على البحر أو على الشاطىء كل‬ ‫صباح ويدلي بشصه في املاء لعل هناك سمكة عابرة‬ ‫فالشاعر هو صياد‪.‬‬

‫االكروبول" ثمة حضور ملدينة كركوك فكيف‬ ‫تصف لنا تجربة كركوك ؟‬

‫–هناك فرق كبير بين كركوك وبغداد‪ .‬فكركوك‬ ‫مدينة غريبة التركيب من حيث األجواء االجتماعية‬ ‫ومن حيث األقوام التي تسكن فيها‪ ،‬ذلك الخليط‬ ‫العجيب املتكون من العرب واآلشوريين واألكراد‬ ‫واألرمن والصابئة ومن االجناس العتيقة التاريخية‬ ‫التي وجدت نفسها في الشمال‪ ،‬حيث ان املدينة‬ ‫*اآلن تدرك هذه املعادلة فلماذا اخترت الصياد‬ ‫كانت دائما منبعا إنسانيا متنوع اللون والشكل‪ .‬وهو‬ ‫كمعادل للشاعر؟‬ ‫منبع ال ينتهي لغرابة اللغات املتبادلة بين تلك‬ ‫األقوام‪ ،‬بينما بغداد هي بغداد وهي ش يء آخر ولها‬ ‫–اخترت الصياد دون أي وعي وكنت أصغر من أن‬ ‫طابع يعرفه كل من عاش في تلك املدينة‪ .‬وكركرك‬ ‫اكون واعيا بما أفعل آنذاك‪ ،‬ولكنني أرى اآلن أن‬ ‫بالنسبة لي هي بداية‬ ‫الشعر بحر والشاعر‬ ‫الكتابة وكانت املنبع‬ ‫هو الصياد وهناك‬ ‫الحداثة مفهوم غامض وصعب‬ ‫واملكان الذي فتحت‬ ‫شبكة ما‪ .‬ولنقل أن‬ ‫التفسي ويعتمد عىل موقف الشاعر‬ ‫ر‬ ‫فيه عيني على مواقف‬ ‫الشبكة هي القصيدة‬ ‫والعالم‬ ‫الثقافة‬ ‫من‬ ‫الشخص‬ ‫‪.‬‬ ‫ي‬ ‫الشعر‪ .‬وعندما ذهبت‬ ‫وعليه (أي الشاعر) أن يخلق تلك الشبكة وهذا‬ ‫الى بغداد كان تركيبي الشعري قد ثبت وتصلب‬ ‫عمل يستغرق طيلة الحياة‪.‬‬ ‫تقريبا حتى ولو كانت بغداد هي املنبر الحقيقي‬ ‫واملكان األوسع روحا واالكثر امتالء بالحياة عندما‬ ‫وبعد ذلك‪..‬؟‬ ‫وجدت نفس ي فيها‪.‬‬ ‫–بعد ذلك‪ ،‬البدايات تستمر وال اعتقد أن ثمة‬ ‫*ما هي مالمح كركوك في تجربة سركون الشعرية ؟‬ ‫نهاية للشعر‪ ،‬فالشاعر هو دائما بداية‪ .‬ويؤكد كاتب‬ ‫ايطالي أجله كثيرا اسمه شيزارا بافيس ي يقول انه‬ ‫–لقد كتبت عن كركوك في كل كتبي وفي شكل‬ ‫«ليس لنا سوى أن نبدأ» وفي هذه الحال ليس لنا‬ ‫خاص في كتابي األخير «األول والتالي» وفيه قصيدة‬ ‫سوى أن نبدأ وهذا هو قول الشاعر الحقيقي‪.‬‬ ‫اسمها نهار في كركوك‪ .‬وهي قصيدة تعبر بالضبط‬ ‫عن صورة كركوك التي ال زالت تالزمني‪ ،‬وهي‬ ‫*انك من مدينة كركوك وانتقلت من كركوك الى‬ ‫قصيدة كتبت في أمريكا بسان فرانسسكو‪.‬‬ ‫بغداد وفي مجموعتك الثانية "الحياة قرب‬ ‫‪|48‬‬


‫*إذا أردنا أن نتعرف على مالمح ذلك الشاعر‬ ‫الشاب سركون بولص في كركوك كيف نتعرف عليه‬ ‫؟‬ ‫–طبعا…‪ .‬هذا الش يء ال يمكن أن أعبر عنه إال‬ ‫شعريا في قصيدة ولكن سأحاول (يضحك)‪.‬‬ ‫*بعد مرحلة كركوك تأتي تجربة بغداد كيف كانت‬ ‫تلك التجربة ؟‬ ‫–كانت بغداد بالنسبة الي الخروج من األحالم‬ ‫والسقوط في حلم آخر كبير‪ .‬فبغداد هي الحلم وكنا‬ ‫نحلم نحن شعراء املدن النائية كمدينة كركوك‬ ‫بتلك الروضة املليئة بالنيون واملليئة بامللذات كما‬ ‫كنا نتخيلها نحن القرويون تقريبا‪ ،‬ذلك ألن‬ ‫الكركوكي بالنسبة للبغدادي في الفترة التي أتحدث‬ ‫عنها وهي فترة الستينات كان نوعا من القروي‪ ،‬وهو‬ ‫يمثل التفكير الريفي بالنسبة للتفكير املديني الذي‬ ‫كان يجسده رجل العاصمة حيث الحانات وحيث‬ ‫االنفتاح من الناحية االجتماعية في الجنس والنساء‬ ‫والحب‪ .‬فبغداد أكثر تحررا من مدينة مغلقة‬ ‫اجتماعيا مثل مدينة كركوك‪ ،‬كبقية املدن األخرى‬ ‫الصغيرة حيث الحب مثال كان شيئا سريا وخفيا‬ ‫ومازال حتى اآلن‪ .‬وكنا نحلم ببغداد وكأننا إذا وصلنا‬ ‫سنكون قد وصلنا الى واحة كبيرة بالحياة‪.‬‬ ‫*في بغداد وجدت نفسك مع جيل شعري جديد‬ ‫كان يفكر بكتابة جديدة تتجاوز ما أنتجه جيل‬ ‫الرواد الشعري في العراق‪.‬‬

‫‪|49‬‬

‫–في تلك الفترة كانت بغداد مليئة بالشعراء وكان‬ ‫جيل الستينات الذي جاء من جميع أطراف العراق‬ ‫ربما كان مدفوعا بنفس الحلم ومتبعا نفس الخطي‬ ‫مكنا‪ .‬وجد ذلك الجيل نفسه في املقاهي حيث‬ ‫النقاش السياس ي والثقافي دائر ليل نهار‪ ،‬وكنت‬ ‫تجد نفسك في معركة سحرية جميلة يشارك فيها‬ ‫العشرات من الشباب وكانوا هم من أدرك إن‬ ‫الثقافة ليست مجرد لعبة ايديولوجية كما كانت‬ ‫مثال عند الرواد‪ ،‬وانما هي حلم أكبر من ذلك وأكبر‬ ‫من أن تتداول مفاهيم معينة كالثورة والثقافة‬ ‫والشعر‪ ،‬ألن العالم كان كله يلتهب ويفلي بالنسبة‬ ‫لهؤالء الشباب ويجعلهم يحسون أن طاقتهم‬ ‫جديدة تماما وينبغي أن تكون ثورية ومختلفة‬ ‫بشكل آخر بالنسبة عما سبقهم‪ .‬ونتيجة لذلك‬ ‫االحساس وليس التفكير الذي كان يشكل‬ ‫حساسية معينة كان هو الذي ميز شعراء‬ ‫الستينات عن الشعراء الذين سبقوهم وجعل‬ ‫شعرهم وكتاباتهم روضتهم الى عالم أكثر حداثة‬ ‫وانفتاحا‪.‬‬ ‫*في تلك الفترة ظهرت مستويات مختلفة من‬ ‫الكتابة التي تدرج ضمن مفهوم الحداثة‪.‬‬ ‫–الحداثة هي مفهوم غامض وصعب التفسير‬ ‫ويعتمد على موقف الشاعر الشخص ي من الثقافة‬ ‫والعالم بشكل عام‪ .‬أي إن الثقافة تجربة تقف وراء‬ ‫الشاعر والتي تقرر مدى فهم هذا الشاعر أو ذاك‬ ‫وعلى أي مستوى من ما نسميه بالحداثة‪ .‬وكانت‬ ‫حداثة الرواد تشكيال جديدا للتفكير الرومانس ي‬ ‫الذي هو ثوري أصال‪ .‬وكانت متأثرة بتقنيات شعراء‬


‫الحداثة في أوروبا كإليوت وستويل وعزرا باوند‬ ‫وأودن الذين خلقوا الحداثة األوروبية ز العشرينات‬ ‫والثالثينات من هذا القرن‪ ،‬في حين أن الشعراء‬ ‫الذين جاؤوا بعدهم – شعراء الستينات – كانوا‬ ‫يقرأ ون ألجيال أخرى جاءت ما بعد إليوت وباوند‬ ‫وأردن كشعراء البيكنس مكر ألن غينيسبرغ وجاك‬ ‫كيرواك وغيرهم من شعراء الحداثة الثانية في‬ ‫أوروبا وأمريكا‪ .‬فالتأثيرات التي فعلت فعلها في‬ ‫شعراء الستينات لم يعرف عنها شعراء الريادة‬ ‫األولى أي ش ي ء‪ ،‬ألن ثقافتهم توقفت عند حدود‬ ‫الحداثة البدائية األولى‪ ،‬حداثة إليوت وعزرا باوند‪.‬‬ ‫*هذا يعني حدوث قطيعة مع جيل الرواد؟‬

‫باوند‪ .‬فهو قد تأثر بإليوت فكريا وتقنيا ولكن ليس‬ ‫بشكل الكتابة الشعرية‪ .‬وعلي أن اعترف إن املسألة‬ ‫معقدة فإليوت وشعراء الحداثة األوروبية جاؤوا‬ ‫لكي يثوروا على شعر الرومانسية عند بايرون‬ ‫وكيتس وشيلي وووردزروث وعلى غيرهم من شعراء‬ ‫الرومانسية‪ ،‬وشعراء الرومانسية هؤالء قد تمكرا‬ ‫في شاعر سبق إليوت وباوند هو توماس هاردي‬ ‫الذي جاء واعتبر في الشعر االنجليزي أكبر وريث‬ ‫حديث للرومانسية‪ ،‬الذي نقاها وشكلها في قوالب‬ ‫أخرى‪ .‬أما شعراء العراق الذين سميناهم بالرواد‬ ‫فقد جاؤوا ليكتبوا قصيدة كما كتبها هاردي وليس‬ ‫كما يكتبها إليوت أو باوند وأردن وغيرهم من‬ ‫الشعراء الذين جاؤوا وثاروا على هاردي وريث‬ ‫الرومانسية‪.‬‬

‫–إن جيل الستينات كان جيل القطيعة ألنه تبنى‬ ‫أوال قصيدة النثر‪ ،‬وان قصيدة النثر هي ثورة‬ ‫*هل يصح مثل هذا الحديث على الجيل الثاني من‬ ‫حقيقية ورفض كامل ألسس معينة استند اليها‬ ‫الرواد مثل سعدي يوسف ؟‬ ‫ويحتمي بها الشعر العربي الكالسيكي والتي تفرع‬ ‫–هذا جيل أخر يضم كال من سعدي يوسف‬ ‫منها شعر الرواد‪ .‬فشعر الرواد كسر العمود‬ ‫ومحمود البريكان ورشدي العامل وشعراء أخرين‬ ‫الشعري وهذا ال يعني أبدا أن الشعر قد تحرر‪ ،‬ألن‬ ‫وقعوا تاريخيا بين الرواد‬ ‫القيود مازالت كما‬ ‫ر‬ ‫يف قصيدة النث ليس ثمة ما يقيد الشاعر سوى وبين الستينيين ونطلق‬ ‫كانت عند شعراء‬ ‫تجربته الخاصة وديمومة الصوت وااليقاع‪.‬‬ ‫عليهم شعراء الخمسينات‪.‬‬ ‫مكركيتس‬ ‫فسعدي يوسف مثال هو شاعر ذكي وواع‪ ،‬وكان في‬ ‫وووردزروث‪ .‬فالسياب مثال كتب بنفس النمط‬ ‫بداياته مدركا بشكل جيد لهذه املسائل‪ .‬والغريب‬ ‫الذي كان يكتب فيه كيتس‪ ،‬فهو أحدث الشعراء‬ ‫أنه قد قام بوثبات مذهلة بتقنياته في شعره الباكر‪،‬‬ ‫على االطالق وأعتبره أهم شاعر عربي وقد كتب‬ ‫لكن سعدي يوسف مازال يحمل ذلك النفس‬ ‫حسب أنماط موجودة في الشعر االنجليزي وكانت‬ ‫الرومانتيكي الحديث ألن شخصيته الشعرية الزالت‬ ‫ثقافته انجليزية بحتة واتبع نفس التقنيات‬ ‫تتراوح بين قطبين‪ ،‬قطب الحداثة املطلقة وقطب‬ ‫والقوانين التي كانت عند شعراء الرومانسية‬ ‫الحداثة املقيدة‪ .‬وف هذا املجال خلق سعدي‬ ‫االنجليزية ولم يتبع تقنيات شعر إليوت وعزرا‬ ‫‪|50‬‬


‫أنماطا جديدة في الشعر موسومة بطابعه‬ ‫الشخص‪ ،‬ألنك تستطيع أن تتعرف على قصيدة‬ ‫سعدي أينما وجدتها وهو شاعر كبير ولم يخلق‬ ‫قطيعة مع الرواد قطيعة كاملة وانه بحكم عمره‬ ‫وموقعه التاريخي كان مجددا حقيقيا‪.‬‬ ‫إننا عندما نتحدث عن التجديد املطلق الكامل أو‬ ‫عن القصيدة التي تذهب الى نهاية القطيعة ينبغي‬ ‫أن نتحدث عن قصيدة النثر إذا أردنا أن نفهم أين‬ ‫مستقبل الشعر العربي‪ .‬ونحن حين نقول قصيدة‬ ‫النثر فهذا تعبير خاطيء ألن قصيدة النثر في الشعر‬ ‫األوروبي هي ش يء آخر‪ .‬وفي الشعر العربي عندما‬ ‫نقول قصيدة النثر نتحدث عن قصيدة مقطعة‬ ‫وهي مجرد تسمية خاطئة‪ ،‬وأنا أسمي هذا الشعر‬ ‫الذي أكتبه بالشعر الحر كما كان يكتبا إليوت‬ ‫وأودن وكما يكتبه شعراء كثيرون في العالم اآلن‪.‬‬ ‫واذا كنت تسميها قصيدة النثر فأنت تبدي جهلك‬ ‫ألن قصيدة النثر هي التي كان يكتبها بودلير ورامبو‬ ‫وماالرميه وتعرف بـ )‪ (prose poem‬أي قصيدة غير‬ ‫مقطعة‪ .‬وأصبحت هذه املسألة معروفة اآلن‪.‬‬ ‫واعتقد أن النقاد العرب‪ ،‬يصرون على هذه‬ ‫التسميات كي يشككوا في قيمة قصيدة النثر لذا‬ ‫نحن نحتاج الى نقاد مستقبليين يتحررون من هذه‬ ‫العقدة أي عقدة الخوف وان يفهموا بعد دراسة‬ ‫حقيقية للشعر العاملي ماهية قصيدة الشعر الحر‪.‬‬ ‫ونأمل أن يأتي جيل جديد من النقاد يتميز بهذا‬ ‫الفهم‪ ،‬بهذا االنفتاح دون خوف وعقد‪ .‬ويبدو أن‬ ‫الكثير من كتبوا عن قصيدة النثر كتبوا عنها بشكل‬ ‫عدائي‪ ،‬وهناك فهم خاص في أن قصيدة النثر هي‬

‫‪|51‬‬

‫قطيعة نهائية وهذا صحيح وهذه القطيعة هي ضد‬ ‫الشعر وهذا أمر غير صحيح‪.‬‬ ‫*في الوطن العربي ظهر جيل بعد تجربة الرواد مثل‬ ‫جيل أدونيس ومحمود درويش وصالح عبد الصبور‬ ‫وآخرين هل أضاف هذا الجيل الى تجربة الشعر‬ ‫العربي الحديث ؟‬ ‫–طبعا دون شك‪….‬‬ ‫*أنت تتحدث عن قطيعة عن قصيدة التفعيلة‬ ‫لكن االتهام الذي يوجه الى جيلكم هو التأثر الكبير‬ ‫بتجربة أدونيس الذي لم يتحرر من قصيدة‬ ‫التفعيلة‪.‬‬ ‫–بالطبع إن جزءا من شعراء ذلك الجيل كانوا‬ ‫شعراء ايديولوجيين الذين وجدوا عند أدونيس‬ ‫ضالتهم املنشودة‪ .‬وان شعراء االيديولوجيا في‬ ‫الستينات والسبعينات في الشعر العربي هم من‬ ‫تأثر بأدونيس ألنه شاعر ايديولوجي وانا ال أقصد‬ ‫بذلك طعنا بأدونيس وانما أقصد أن ثمة جانبا‬ ‫كبيرا من التفكير االيديولوجي يسير شعر أدونيس‪.‬‬ ‫*هل شكت تجربة أدونيس إضافة الى الشعر‬ ‫العربي الحديث ؟‬ ‫–دون شك إن أدونيس شكل إضافة وهو شاعر‬ ‫عظيم وأنا ال أحب أي واحد أن يطعن بأدونيس وهو‬ ‫شاعر ال يحتاج الى شهادات وال يحتاج الى إثبات أي‬ ‫ش يء ألن نتاجه يقف هناك شامخا‪.‬‬


‫*من خالل تجربتك الخاصة كيف تنظر الى‬ ‫أدونيس؟‬ ‫–أنا من خالل تجربتي أختلف شخصيا ونهائيا عن‬ ‫تجربة أدونيس وأعرف شعر أدونيس واين يتجه‬ ‫واحترم ذلك االتجاه‪ ،‬لكن مفهومي الحقيقي للشعر‬ ‫هو‪ :‬إن كل شاعر ينبغي أن يبني عاملا كامال ألن كل‬ ‫شاعر مختلف في تقاسيمه وايقاعاته وفي تجربته‬ ‫التي يجترع منها تلك االيقاعات وتلك التقاسيم وأنا‬ ‫ال أعتقد أن أي شاعر يخرج هكذا ويقلد شاعرا ما‪،‬‬ ‫هذا األمر ليسر له أي معنى‪.‬‬ ‫*في الستينات كتبتم كثيرا ويبدو انكم مارستم نوعا‬ ‫من االستعجال في الكتابة ومن خالل االعمال التي‬ ‫نشرها أبرز ممثلي جيلكم هناك نوع من التخلي عن‬ ‫الكتابات التي يبدو عليها الحماس واالستعجال‬ ‫وأنت واحد منهم حيث نشرت كثيرا في مجلة شعر‬ ‫ومواقف ولم نجد الكثير من تلك النصوص في‬ ‫املجموعات الثالث التي نشرتها من شعرك‪.‬‬ ‫–هذا صحيح وعل أن أتحدث عن تجربتي‬ ‫الشخصية واستطيع أن أحكم عن شعراء آخرين‬ ‫وربما قد تكون لي أراء معينة في هذا املجال وأنا لم‬ ‫أتبع الطرق املعتادة التي يتبعها الشعراء اآلخرون‬ ‫ألن حياتي كانت مضطربة بشكل مهول وأنا لم أعش‬ ‫الحياة الجيدة اللطيفة الثابتة التي عاشها أغلب‬ ‫الشعراء بعد التخرج من الجامعات واصدار‬ ‫مجموعات شعرية منظمة والتعامل مع الناشرين‪.‬‬ ‫فأنا عشت الشعر وفي رأيي إن الشاعر املبدع هو أن‬ ‫يعيش ذلك الشعر الذي يريد أن يكتبه‪ .‬فالشاعر‬ ‫‪|52‬‬

‫بالنسبة لي هو متناحر مع تجربته الحياتية حقا‪،‬‬ ‫وتجد الكثير من القصائد إن لم يكن تسعون باملئة‬ ‫منها ال تعتمد على تجارب حياتية حقيقية رغم أن‬ ‫هذا ليس شرطا وال يهم القارىء في النهاية‪ .‬غير اني‬ ‫أجد أن الشعر بالنسبة الي حاجة عظيمة ومخيفة‬ ‫وسحرا أحتاجه لذلك فإن الشعر ال يعني أي ش يء‬ ‫عندما يكون مجرد نتاج وملء صفحتي كتاب لذلك‬ ‫لدى ثالثة كتب فقط‪ ،‬ولدي قصائد منشورة هنا‬ ‫وهناك وفي مجلة أدونيس "مواقف" لدي قصائد‬ ‫منشورة من املمكن أن تكون أكثر من كتاب ولكني‬ ‫لم أجمعها على االطالق وال تلك القصائد التي‬ ‫نشرتها في مجلة شعر والتي تتجاوز الخمسين‬ ‫قصيدة‪ .‬فأنا لست شاعرا نظاميا‪ ،‬أنا شاعر من نوع‬ ‫آخر‪.‬‬ ‫*في املجموعة األولى "الوصول الى مدينة أين " يحمى‬ ‫القاريء أن القصائد منتقدة من فترات معينة‬ ‫وليس ثمة تاريخ للقصائد فهل كنت متعمدا في هذا‬ ‫االختيار؟‬ ‫–إن قصائد "الوصول الى مدينة أين " هي قصائد‬ ‫متفجرة وهي قصائد الحيرة بدءا من العنوان وإذا‬ ‫فتحت الكتاب وقرأت الكلمة األولى وهي «وصلت»‬ ‫وقرأت الكلمة األخيرة في الكتاب "ذهبت " تجد في‬ ‫الكتاب أن فكرة الوصول الى مدينة أين محتجزة‬ ‫بين هاتين الكلمتين‪ .‬ففي البداية تصل ولكنك في‬ ‫النهاية تذهب ولم تصل الى أي مكان ألن ليس هناك‬ ‫أي مكان واملسألة هذه تلتقي مع قول القديس‬ ‫أوغسطين أنه "ليس هناك مكان نحاول أن نذهب‬


‫ونجيء اليه ولكن ليس ثمة مكان " التي كانت حاضرة‬ ‫في مجموعة الوصول الى مدينة أين‪.‬‬ ‫*هل تنطبق هذه املقولة على اختيار كل القصائد‬ ‫في املجموعة ؟‬ ‫–انا أختار القصائد لتشكل كتابا وليست مجموعة‬ ‫قصائد‪،‬وأنا أكتب كتابا له بداية ونهاية وتجد هذا‬ ‫في الكتاب الثاني "الحياة قرب األكروبول" فالكتاب‬ ‫الثالث "األول والتالي" يبدأ من الطفولة وينتهي في‬ ‫نيويورك وهو يضم سبعة أجزاء وهذا ينطبق على‬ ‫كتاب "الحياة قرب االكروبول" فكل البلدان التي‬ ‫عشت فيها واملدن التي تعرفت عليها والنساء التي‬ ‫شكت تجربتي تقولب نفسها كي تتخذ هذه األشكال‬ ‫وفي النهاية تصب في نوع نهائي هو الكتابة‪.‬‬ ‫*في نصوص «الوصول الى مدينة اين » تقنيات في‬ ‫الكتابة تكاد أن تتشابه‪ ..‬كيف تصف تلك التقنيات‬ ‫؟‬ ‫هذا الكتاب حاولت أن أجمع فيه جوهر األصوات‬‫املتعددة التي كنت أكتب فيها منذ بدء الستينات‬ ‫بكتاب جاء في الثمانينات أي بعد نشر الكثير من‬ ‫القصائد في املجالت العربية غير أني لم أجمع منها‬ ‫سوى النزر اليسير وركزت بدل ذلك على ما أسميه‬ ‫بالقصائد التفجيرية‪ ،‬ألني أردت أن يكون الكتاب‬ ‫األول مركزا على النثر بصورة كاملة دون أي تشبث‬ ‫بقصائد الوزن التقليدية كما كانت تكتب من قبل‬ ‫الرواد وان تكون قطيعة مطلقة من حيث الصوت‬ ‫ومن حيث االيقاع النثري الخالص مع الشعر‬ ‫السائد‪ .‬وأنا حين أنظر الى كل ذلك من خالل هذه‬ ‫‪|53‬‬

‫املسافة الزمنية أجد أن الجنون العاطفي وااليقاعي‬ ‫الذي يصل أحيانا الى حد الالوعي واالستغراق به في‬ ‫هذه القصائد هو دليل على ما كنت أعانيه عندما‬ ‫جئت الى الواليات املتحدة من بيروت وهو دليل على‬ ‫حيرتي إزاء هذا العالم الشاسع الوحش ي الذي‬ ‫وجدت نفس ي فيه وكيف يمكن لي أن أعبر عما كنت‬ ‫أعيشه وباي سبل‪ .‬كانت هناك ضرورة قصوى أن‬ ‫أجد أشكاال أخرى لتقمص التجربة االمريكية‬ ‫كامتداد لتجربتي في الستينات في كل من بغداد‬ ‫وبيروت وهكذا جاء كتاب "الوصول الى مدينة اين"‬ ‫وهو يعبر عن الالمكان الذي كنت أقف فيه آنذاك‪.‬‬ ‫*في املجموعة األولى نالحظ أن القصيدة تتكون من‬ ‫مقاطع قصيرة حيث تعتمد التقطيع‪ ،‬في حين‬ ‫نالحظ في املجموعة الثانية "الحياة قرب األكروبول‬ ‫" ان القصيدة تتكون من جمل طويلة وأحيانا تكون‬ ‫مقطعا كامال فكيف وصلت الى مثل هذه التقنية ؟‬ ‫–هذا سؤال رائع‪ ،‬بالطبع هناك قصيدة الضربة‪،‬‬ ‫منها مثال قصيدة الجالد في الكتاب األول التي تتكون‬ ‫من ثالثة أسطر وهي عن الطاغية الذي مازال‬ ‫شبحه يالحقنا حتى اآلن وهذه قصيدة كاملة‬ ‫وهناك قصائد أخرى من هذا النوع في الكتاب‪ ،‬إنها‬ ‫القصيدة الشرسة والصوت الذي يواجه املوضوع‬ ‫مباشرة ويطلق سهمه نحو الهدف‪ .‬ويضاف الى ذلك‬ ‫القصائد العنيفة أي تجربة قصائد النثر التي يمكن‬ ‫لها أن تدخل الالوعي بشكل عاصف حيث تدوخ‬ ‫اللغة العربية وتبدو أجنبية‪ .‬واللغة من املمكن ان‬ ‫تغرب بهذه الطريقة‪ .‬وفي الشعر الحديث إذا درسنا‬


‫صناعة الحداثة نجد أن تغريب اللغة هو أول‬ ‫األفعال لفصلها وقطعها عما سبقها بحيث تقف‬ ‫وحدها بلباس أجنبي لتبدو لغة أخرى‪ ،‬ومن هنا‬ ‫تبدأ هذه الصناعة‪ .‬لذا فإن لغة كتاب "الوصول الى‬ ‫مدينة أين" هي اللغة التي غربت نفسها قصدا ألن‬ ‫الهدف في كل الكتاب هو أن تقف على حدة من‬ ‫جميع ما هو سائد وهذا هو فعل الثورية الحقيقي‬ ‫العنيف الذي ربما فاق الحدود في رأيي‪ .‬بينما في‬ ‫الكتاب الثاني وجدت نفس ي أكثر هدوءا وأتعمق في‬ ‫التجربة الحياتية حيث إن الصوت شكل نوعا من‬ ‫الجملة املطولة التي ال تقف عند حد في حين كانت‬ ‫الجملة بالكتاب األول عنيفة وشرسة‪ .‬بينما‬ ‫أصبحت في "الحياة قرب األكروبول" أكثر امتدادا‬ ‫لتنال مدى أبعد‪.‬‬ ‫*هل جاء اختيار الجملة الطويلة ضمن خطة‬ ‫واعية أم أملتها التجربة الخاصة ؟‬ ‫–دون أي شك جاءت ضمن اختيارات واعية جدا‬ ‫وأنا واع جدا لعملية كتابة القصيدة‪ ،‬ففي الكتاب‬ ‫الثالث «األول والتالي » تخلصت من أشياء كثيرة‬ ‫كانت موجودة في الكتابين األولين‪ ،‬وجرت فيه – أي‬ ‫الكتاب الثالث – عملية تركيز مكثفة حيث أن‬ ‫الوعي يبرز أكثر في كل كلمة‪ .‬لذلك جاءت القصائد‬ ‫أقصر والديمومة تنال القصيدة بأكملها‪ .‬ففي‬ ‫القصائد األخيرة نجد ديمومة الصوت التي بدأت في‬ ‫الكتاب األول بشكل عنيف كما قلت ومن ثم‬ ‫تطورت وهدأت ونضجت أكثر في الكتاب الثاني‬ ‫حيث تنفرش على الساحة األصوات وااليقاعات‬ ‫وتعطيك خلفية كاملة ومطلقة وبتفاصيل حقيقية‬ ‫‪|54‬‬

‫تعتمد مرجعيا على التجربة الحياتية مثل الحياة في‬ ‫اليونان والتي استمرت – تلك التجربة االغريقية –‬ ‫في الكتاب الثالث وثمة قسم كامل لقصائد اليونان‬ ‫في "األول والتالي" متطورة تقنيا الى حد أن تتخذ‬ ‫القصيدة مشاهد العالم الحقيقي والتعابير‬ ‫واألشكال وااليقاعات التي يستنبطها الشاعر من‬ ‫ذلك العالم‪.‬‬ ‫*من أين تستمد االيقاع ؟ وأنت تؤكد أن التفعيلة‬ ‫تجعل من القصيدة ذات تركيب أفقي وذات شكل‬ ‫هندس ي من املمكن أن تتصوره قبل كتابة‬ ‫القصيدة‪ ،‬فأين تجربة محمود درويش الذي حاول‬ ‫أن يطوع التفعيلة ويمنح القصيدة أفقا مفتوحا من‬ ‫حيث االيقاع ؟‬ ‫–إن البحور العربية تفرض على الشاعر العربي –‬ ‫أي قبل أن يكتب قصيدة – أن يمش ي عبر الصفحة‬ ‫بشكل معين ودون حرية مطلقة‪ ،‬أي أن الشاعر‬ ‫مهما برع في السيطرة والسيادة على الوزن هناك‬ ‫دائما االيقاع الهندس ي الذي تفرضه شكلية البحر‬ ‫املختار لكتابة القصيدة‪ .‬واذا قررنا أن نكتب على‬ ‫إيقاع بحر الكامل مثال لوجدنا أنفسنا مجبرين على‬ ‫اختيار كلمات معينة ومطولة تتوافق مع متفاعلن‬ ‫ومستفعلن‪ .‬أي أن مجزوءات هذين الشكلين‬ ‫اللذين يؤلفان بحر الكامل سيفرضان علينا دائما‬ ‫طوال القصيدة أن نتقيد بالكلمات التي تنبني أو‬ ‫تنصب في هذين الصوتين‪ ،‬فـ(متفاعلن) يقابلها‬ ‫(متفجر) لذلك ستكون كل قصيدة تكتب على بحر‬ ‫الكامل ستكون على االطالق مؤلفة من كلمات يكون‬


‫الجزء األساس ي منها مشددا حيث ال تكون ثالثية أو‬ ‫رباعية وانما من كلمات خماسية وسداسية وأكثر‪.‬‬ ‫*يعتبر بحر الكامل من البحور التي تمتاز بالتعقيد‬ ‫فهو يجمع بين بحر الوجز والسريع واملتدارك‪ ،‬وثمة‬ ‫عدد قليل من شعراء التفعيلة الذين لجأوا الى‬ ‫استخدامه مثل أدونيس ومحمود درويش‪.‬‬ ‫–إذا كان األمر يتعلق بشاعر سيد على وزنه وسيد‬ ‫على قصيدته قد يكون مختلفا‪ ،‬فشعراء مثل‬ ‫أدونيس ومحمود درويش هؤالء يعرفون كيف‬ ‫يمسكون بالتيار وكيف يسيطرون على الدفق‪ .‬وأنا‬ ‫أتكلم عن أشياء مسبقة عن السيادة ومطلقة‬ ‫بالنسبة ألي شاعر يكتب بالوزن‪ ،‬أي ما أسميه‬ ‫بالقصيدة األفقية إذ يكون من الصعب كسر‬ ‫السطوح التعبيرية وااليقاعية فيها وأحيانا يكون‬ ‫صعبا بشكل استحالي‪ ،‬وعندما يتعلق األمر بالنثر‬ ‫وأنا أتحدث عن سيد نثره وسيد االيقاعات وهذا ال‬ ‫ينطبق على جميع الشعراء وانما ينطبق على قلة‬ ‫حيث يمكنك ان تخلق في النثر إيقاعات حقيقية‬ ‫وحرة تضرب في مجاالت ال يمكن للقصيدة املوزونة‬ ‫أن تطرقها‪.‬‬ ‫*كيف يمكن تحديد هذه االيقاعات ؟ وما هي‬ ‫إيقاعات القصيدة التي تكتبها؟‬ ‫–عندما نتحدث عن االيقاع املوزون وااليقاع‬ ‫النثري فإننا نتحدث عن شيئين مختلفين‪،‬ذلك ألن‬ ‫األذن العربية لفرط تعاملها مع الوزن قد صارت‬ ‫مخدرة وتعترف بإيقاعات خاصة معينة تنتج نوعا‬ ‫من الطرب وهي االيقاعات التي تحتويها البحور‬ ‫‪|55‬‬

‫العربية‪ .‬لذا يبدو أن األذن العربية تحتاج الى وقت‬ ‫طويل كي تتعود على ايقاعات النثر‪ ،‬وقصيدة النثر‬ ‫ال تعتمد على االيقاع فحسب بل هي تعتمد على‬ ‫أشياء كثيرة فاإليقاع هو عنصر واحد‪ .‬وهو في‬ ‫قصائد معينة يتبع دائما الثيمة واملوضوع والشكل‬ ‫واألشكال الشعرية األخرى التي ال تمتلكها قصيدة‬ ‫الوزن بكل بساطة لذا فإن التعقيد في هذا النوع‬ ‫من الشعر – شعر النثر – هو من أول الشروط‬ ‫الشعرية التي يتبعها الشاعر‪.‬‬ ‫*نالحظ أن تجربة جيل البيكنس االمريكي‬ ‫استفادت من إيقاعات معينة مثل الجاز حتى‬ ‫عندما نقرأ نثر جاك كورياك نجد إيقاعات الجاز‬ ‫حاضرة في نثره‪.‬‬ ‫–دون أي شك هناك إيقاعات الجاز والبلوز‬ ‫وااليقاعات التي استقاها والت ويتمن من التوراة‪،‬‬ ‫إضافة الى االيقاعات التي استوحاها واستنبطها‬ ‫ألن غينيسبرغ من ويتمن نفسه ومن الشعر‬ ‫العبراني‪ .‬واستنبط جاك كيرواك ايقاعات من‬ ‫موسيقى البلوز ومن ما يسمى بالبيب بوب في الجاز‬ ‫وايقاع الهايكو الياباني فهي تقنيات واشكال‬ ‫ساهمت في الخلق الشعري الحديث ما بعد إليوت‬ ‫والتي شكلت ما يسمى بما بعد الحداثة كحركة‪.‬‬ ‫*إذا أردنا أن نتحدث عن قصيدة النثر العربية فهل‬ ‫تمكنت من خلق إيقاعات موسيقية أخرى غير‬ ‫مصادر املوسيقى العربية التقليدية املتمثلة ببحور‬ ‫الخليل ؟‬


‫إن قصيدة النثر العربية الحاضرة هي قصيدة‬‫مغامرة انطلقت من عدم االقتناع بايقاعات‬ ‫القصيدة التقليدية وايقاعاتها مستمدة من شكل‬ ‫القصيدة ومن التجربة املوجودة فيها‪ .‬لذلك فإن‬ ‫االيقاعات غير ثابتة وغير ممكن أن تكون مقننة في‬ ‫قصيدة النثر‪ ،‬فكل قصيدة لها إيقاعها الخاص‬ ‫يضاف الى ذلك أن كل قصيدة لشاعر معين تمتلك‬ ‫إيقاعه الشخص الذي يدل عليه وهذا الش يء الذي‬ ‫ال يمكن لقصيدة الوزن أن تفعله على االطالق‪.‬‬ ‫بينما في قصيدة النثر ليس ثمة ما يقيد الشاعر‬ ‫سوى تجربته الخاصة وديمومة الصوت الذي‬ ‫تشتمل عليه القصيدة والتفاصيل األخرى التي‬ ‫ليس لها أية نهاية والتي تنضاف الى مسألة االيقاع‪.‬‬ ‫فاإليقاع ليسر منفصال في هذه الحالة عن التراكيب‬ ‫األخرى في قصيدة النثر‪.‬‬ ‫*لنعد مرة ثانية الى تجربتك في الكتابة‪ ،‬في كتابك‬ ‫األول «الوصول الى مدينة أين» نجد أنه يعتمد على‬ ‫الصورة حيث يبدو كل سطر صورة‪ ،‬في حين‬ ‫نالحظ أنك تحاول أن تتخلص من الصورة في‬ ‫كتابك الثاني «الحياة قرب األكروبول» وتلجأ الى‬ ‫السرد‪.‬‬ ‫–هذا صحيح ففي الكتاب األول كان اعتمادي على‬ ‫الصورة بشكل مبالغ فيه‪ ،‬ذلك آلني كنت منذهال‬ ‫بالصورة في ذلك الوقت‪ ،‬وبصورة مبسطة أكثر‬ ‫كانت الصورة املكثفة بالنسبة لي آنذاك هي جواز‬ ‫املرور الى عالم الالوعي وكنت مندهشا وأفكر‬ ‫صوريا الى أن تجاوزت هذا املوضوع ووجدت نفس ي‬ ‫في الكتاب الثاني اتخلص من الصورة قدر االمكان‪،‬‬ ‫‪|56‬‬

‫وأبسطها حيث أن الصورة تخدم شيئا آخر هو‬ ‫الحالة أو املشهد الشعري الداخلي الذي ينظر اليه‬ ‫كمرجع للخارج أي في الحياة املدرة واملتدفقة‪.‬‬ ‫فالصورة كانت في الكتابب األول سوريالية وحاولت‬ ‫أن أتخلص من آثار التصوير املباشر في الكتاب‬ ‫الثاني والثالث‪.‬‬ ‫*في الكتاب األول تلجأ كثيرا الى أدوات وحروف‬ ‫التشبيه هل كان هذا لضرورة فنية ؟‬ ‫–لقصيدة النثر تقنيات وأساليب تعتمد كثيرا على‬ ‫املقابلة وعلى تقابل األشياء وتصادمها‪ ،‬لذلك‬ ‫فالصدام بين األشياء والصور هو الذي يخلق‬ ‫الوديان الكالمية في الكتاب األول‪.‬‬ ‫*في «األول والتالي » يبدو أنك تحررت كثيرا من‬ ‫أدوات التشبيه‪.‬‬ ‫–أنا في الكتاب الثالث أكاد ال أشبه اال بطريقة غير‬ ‫مباشرة‪ .‬وهذا يعني أن عملية التشبيه تطورت الى‬ ‫حد أنها نفت نفسها فصار التقديم أو التجسيد هو‬ ‫الذي يحظى باهتمامي وهناك قصيدة في "األول‬ ‫والتالي" تتكون من اكثر من عشرين مقطعا عنوانها‬ ‫«تجاسيم» وهذه الكلمة اخترعتها وتفهم بمعنى‬ ‫"التجسيد" للحاالت‪ ،‬فصار التجسيد بدال من‬ ‫التقابل الصوري واللجوء الى أدوات التشبيه‪.‬‬ ‫*مفردة «العالم» نكاد نجدها تقريبا في كل‬ ‫نصوصك الشعرية فلماذا هذا االصرار على هذه‬ ‫املفردة ؟‬


‫–منذ وقت طويل وعند بداية مسيرتي تأثرت بفكرة‬ ‫جاء بها فيلسوف أملاني اسمه ليبيتن وهي فكرة عن‬ ‫املونولودجيا أي أن العالم يتكون من وحدات‬ ‫شكلية سماها باملونادات فكر ش يء هو موناد‪،‬‬ ‫فالقنينة هي موناد والعين موناد والكأس موناد‬ ‫وكذلك الشعر والقمر واملصباح والنجوم‪ .‬وهذه‬ ‫الفكرة تطورت اآلن في الوقت الحاضر بالفيزياء‬ ‫الحديثة خصوصا في فيزياء الاليقين عند هاينزبورغ‬ ‫حيث أن هذا العالم ال قيمة وال معنى له على‬ ‫االطالق‪ ،‬لم يكن هناك من يسمونه بالرقيب اي‬ ‫املشاهد الذي يقف في مكان ما من الكون ويقول‬ ‫هذا الش يء املعلق في الفضاء اسمه نجمة وذاك‬ ‫اسمه قمر وهذه هي مجرد اسماء ووحدات أو‬ ‫مونادات بالكون وهذه ببساطة فكرة الفيزياء‬ ‫الحديثة وأنا مؤمن بها ومنذ شبابي سيطرت على‬ ‫هذه الفكرة‪ .‬وأغلب القصائد التي كتبتها مليئة‬ ‫بالعشرات وربما باملئات من الوحدات املوجودة‬ ‫واقعيا في العالم التي تتركب مع بعضها البعض‬ ‫لتكون عاملا كامال مستقال بحيث أن هذه الوحدات‬ ‫واملونادات تتصادم مع بعضها في حقل ميدان من‬ ‫الطاقة حيث تكون القصيدة في النهاية ميدانا حيا‬ ‫من الطاقة الفيزيائية وهذه الطاقة تقرر شكل‬ ‫القصيدة‪.‬‬ ‫*في املجموعات األول نواك مشغوال بالفكرة كثيرا‬ ‫وربما هذا ما يفسرا للجوء الى الصورة في حين‬ ‫نشاهد في املجموعتين الثانية والثالثة ميال نحو‬ ‫الحسية واستفادة من فنون الكتابة األخرى‬ ‫كالرواية واملقالة‪.‬‬

‫‪|57‬‬

‫–ان قصيدة النثر هي التي تستغل وتغرف من كل‬ ‫الروافد ومن كل االنهار ومن طرائق الكتابة املقالية‬ ‫وتغرف من الكتابة الدينية ومن النص الصوفي ومن‬ ‫العلم ومن السينما والباليه والرقص وربما هذا‬ ‫الذي يشكل ايقاع قصيدة النثر‪ .‬فالشاعر عندما‬ ‫يكتب يكتب بكل حواسه وبكل سعرفته وال يكتب‬ ‫مثل الشاعر التقليدي الذي يحاول ان يطربنا‬ ‫ويهزنا أو يحاول أن يقنعنا بفكرة سياسية أو‬ ‫أيديولوجية‪ ،‬فالشاعر اآلن الذي يقف في مركز‬ ‫الكون وفي مركز التجربة الحياتية حينما يكتب‬ ‫تكون السياسة وااليديولوجية واملوسيقى وكل‬ ‫الفنون مصبوبة في نظرة ورؤيا وفي موقف حس ي‬ ‫وهدفه في النهاية ان يدخلك في هذا الحقل من‬ ‫الطاقة الحية وفي هذه العاطفة املطلقة كما قال‬ ‫عزرا باوند انه "ال ش يء غير العاطفة "‪ .‬والعاطفة‬ ‫هنا بمعنى )‪ (Passion‬الوجد الوجودي والكوني‬ ‫فالشاعر هو كائن يحترق كي تبرز هذه الطاقة ولكي‬ ‫يكون وقودا لهذه العاطفة ولهذا الوجد‪ .‬وانا ال أجد‬ ‫أي ش يء يمكنه أن يقنعني بأن قصيدة النثر مجرد‬ ‫شكليات أو مجرد تقنيات أو ضرورة تاريخية كما‬ ‫يتحدث عنها النقاد أو كتقليد سخيف لقصيدة‬ ‫الغرب‪ .‬فهذه القصيدة هي الضرورة وكان الشاعر‬ ‫العربي يتطور نحوها على االطالق منذ القرآن‬ ‫الكريم‪ .‬وتكاد أن تكون كل الكتب الدينية مكتوبة‬ ‫بالنثر وهي الكتب التي مازالت تهز البشر‪.‬‬ ‫*في كتاب " األول والتالي " ثمة استفادة من الشعر‬ ‫العربي القديم وحضور لشخصية النابغة الذبياني‬ ‫وللشاعر عمرو ابن أبي ربيعة‪ ،‬فهل تطمح في خلق‬


‫عالئق جديدة مع شخصيات من الشعر العربي‬ ‫القديم ؟‬ ‫–أحيانا أجد نفس ي أفكر بشروط زمانية معينة‬ ‫وتعطيني حسا ثابتا لتواريخ معينة‪ ،‬وأحيانا ارتبط‬ ‫مع التاريخ والتراث بشكل اعتباطي وليس شرطيا‬ ‫أبدا‪ .‬وهكذا يحدث أن أجد نفس ي أتحدث وأعيش‬ ‫جوا خاصا يربطني بشاعر معين قرأته في فترة ما‬ ‫وبقي جزء من شعره يغذيني في الحاضر‪ .‬إن بضعة‬ ‫أبيات للنابغة الذبياني قد بقيت في ذهني وهي‬ ‫تتحدث عن الكواكب وعن السهر واألرق في عهد‬ ‫امللك النعمان بن املنذر عندما كان النابهة شاعر‬ ‫البالط بالحيرة‪ .‬وجدت نفس ي ذات ليلة في سان‬ ‫فرانسسكو أرفا في ليلة مليئة بالنجوم‪ ،‬وكنت قريبا‬ ‫من البحر ومن الحس التاريخي وبصورة غير واعية‬ ‫أحسست بارتباطي بهذا الشاعر‪.‬‬ ‫وحدث ان اكتشفت أن األزمنة كلها متداخلة‪ ،‬وان‬ ‫الذبياني الذي عبر عن هذه الحالة موجود في كل‬ ‫األزمنة‪ ،‬ومن بينها الزمان الذي أعيش‪ ،‬والذي ولدت‬ ‫فيه قصيدة " كواكب الذبياني" وبشكل واع ربطت‬ ‫الذبياني بمدينة سان فرانسسكو وبليلة معينة من‬ ‫أوا خر القرن العشرين وبليلة ال أعرف بأي تاريخ‬ ‫كتب عنها الشاعر الذبياني‪.‬‬ ‫وأما بالنسبة للشاعر عمرو بن أبي ربيعة الذي‬ ‫أعده من أعظم شعراء الغزل في العالم وهو من‬ ‫أندر الشعراء الذين استعملوا السرد الزماني لخلق‬ ‫جو معين فيه حركة وطاقة‪ ،‬وينوع من التالعب‬ ‫والضحك وجدت نفس ي أشكو له عن حالتي مع‬ ‫‪|58‬‬

‫الحب والغزل واملرأة حيث كتبت له مرثية‪ .‬واملرثية‬ ‫هنا فيها من اللعب ألنها ليست بمرثية على االطالق‪،‬‬ ‫ألنني أرثي ملا أقول للموضوع الذي هو جرأة املرأة‬ ‫الحديثة التي تجرك للسرير بحيث تقطع امكانية‬ ‫الغزل كما كان األمر في حياة وزمن عمرو بن أبي‬ ‫ربيعة‪ .‬وأسمي هذه العالقة مع التراث أحيانا‬ ‫بالعالقة الشرطية وأحيانا بالعكسية والتي تتميز في‬ ‫بعض األوقات باللعب وعدم الجدية‪ ،‬وبالترابط‬ ‫الحي االنساني وليس بتجربة الكتابة فقط‪.‬‬ ‫*هل تفكر بإعادة مثل هذا اللعب مع شاعر عربي‬ ‫قديم آخر؟‬ ‫– لدي اآلن قصيدة عنوانها " الى امرىء القيس في‬ ‫طريقه الى الجحيم " وهي قصيدة أجري فيها حوارا‬ ‫مع امرىء القيس‪ ،‬وبالطبع في أمريكا وفي حالة‬ ‫معينة كانت تشبا حالة امرىء القيس عندما كان‬ ‫يهرب من املنذر بن ماء السماء الذي قتل أبده‬ ‫وحدث أن ذلك الزرد املسموم املشهور قد أهدي‬ ‫من قبل ملك الروم آنذاك الى امرىء القيس الذي‬ ‫كان سبب موته‪ .‬جعلتني هذه القصة وقراءة معلقته‬ ‫ذات ليلة أحس به حيا ضمن إطار تجاوز األزمنة‬ ‫وتداخلها‪ ،‬وأتحاور معه ليس كشخص وانما من‬ ‫خالل كوة الظل الشعري الذي نسميه امرأ القيس‬ ‫الشاعر‪ .‬وعليك أن ال تنس ى أن الشعراء حتى لو‬ ‫عاشوا في نهاية القرن العشرين فهم مسكونون‬ ‫باألجداد واألشباح واألطياف الشعرية والتاريخية‬ ‫وهذا األمر يردنا الى املونادات أو الوحدات‬ ‫الوجودية‪.‬‬


‫*قيل عنك أنك كنت تقطع نهر دجلة سباحة من‬ ‫أجل اللقاء مع الكاتب الراحل جبرا ابراهيم جبرا‪.‬‬ ‫« –يضحك» ان جبرا كان بالنسبة لي ولشباب‬ ‫آخرين أبا حقيقيا‪ .‬وكنت أسبح وأعبر جسر‬ ‫الجمهورية كل يومين أو ثالثة من االسبوع‪ ،‬كان‬ ‫بالنسبة لنا أيضا مصدر رزق حيث كان ينشر لي‬ ‫ولرهط من الشعراء املفلسين من بينهم جان دمو‬ ‫الذين كانوا يتوافدون يوميا على مكتب جبرا‬ ‫ابراهيم جبرا في مجلة‪ "،‬العاملون بالنفط‪".‬‬ ‫وكان جبرا أبا روحيا بالنسبة لي وكنت أتحدث معه‬ ‫ألنه كان واحدا من العقول النيرة التي استطيع أن‬ ‫أتحدث معها عن اكتشافاتي في األدب العاملي التي‬ ‫كنت أقرأه بنهم وكنت مذهوال باألدب الغربي‪ .‬وكان‬ ‫جبرا ابراهيم جبرا الكاتب واملترجم والشاعر‬ ‫شخصية فذة‪ ،‬كأنه واحد من شخصيات النهضة‬ ‫األوروبية العظيمة كدافنش ي‪ ،‬التي لها إحاطة‬ ‫بالعلم واألدب والفن والتيارات الفكرية األخرى‪ ،‬إنه‬ ‫ليس شاعرا أو كاتبا فقط وانما هو بالنسبة لي كان‬ ‫شخصية عاملية‪ .‬وانا عرفته عندما اكتشفت انه‬ ‫يحرر مجلة «العاملون بالنفط» وكنت آنذاك في‬ ‫كركوك وعرفت أن املجلة تدفع مكافأة مالية كانت‬ ‫متواضعة غير أنها بالنسبة لي آنذاك غير متواضعة‪،‬‬ ‫فالدنانير الثالثة أو الخمسة التي تدفعها كانت‬ ‫كافية لليلتين أو ثالث في حانة مع عشرة شعراء‬ ‫مفلسين‪.‬‬ ‫*هل ساهمت تلك العالقة مع جبرا في ترسيخ عملية‬ ‫الترجمة لديك ؟‬ ‫‪|59‬‬

‫–كان جبرا بالنسبة لي املثال العظيم وهو الذي قام‬ ‫بترجمة شكسبير وآخرين وكنت معجبا بترجماته‬ ‫لشكسبير فهو كان مثاال للمترجم الحق‪ .‬وأقول لك‬ ‫قصة أنه عندما تركت بغداد للذهاب الى بيروت‬ ‫والتقيت بجبرا ابراهيم جبرا في مكتبه ببغداد في‬ ‫كرادة مريم أعطاني مخطوطة امللك لير مطبوعة‬ ‫على اآللة الكاتبة كي أوصلها الى يوسف الخال‬ ‫ببيروت لغرض نشرها في دار النهار‪ .‬وكان جبرا ال‬ ‫يعرف وأقول هذا للمرة األولى بأنني كنت ماشيا عبر‬ ‫الصحراء على األقدام وكان يعتقد بأني ذاهب كأي‬ ‫مسافر بالطائرة أو بالسيارة الى بيروت‪ ،‬ولم يدر‬ ‫بخاطره هذا األمر حتى وفاته‪ .‬ولم أقل له بأني‬ ‫حملت مخطوطة امللك لير معي في حقيبتي عبر‬ ‫الصحراء وفي أحقر الفنادق بحلب وحمص‬ ‫ودمشق وعبر الحدود السورية اللبنانية ومع‬ ‫مهربين مغامرين حتى وصلت بيروت وسلمت‬ ‫مخطوطة امللك لير الى يوسف الخال ونشرتها دار‬ ‫النهار‪.‬‬ ‫*انت تقول انك تكاد تمارس الترجمة يوميا‬ ‫وترجمت العديد من النصوص‪ ،‬ما هو اثر الترجمة‬ ‫على نصك الشعري؟‬ ‫–التأثير كان كبيرا جدا‪ .‬والترجمة فن قائم بذاته‬ ‫وأنا عندما اترجم – خصوصا الشعر – أقوم‬ ‫بكتابة النص من جديد باللغة العربية محاوال أن‬ ‫أجد الصوت الكافل كما ينبغي أن يكون بالعربية‬ ‫لذلك الشاعر املترجم‪ .‬وهذا امتحان قاس جدا‪،‬‬ ‫والترجمة اليومية املستمرة هي نوع من التمرين‬ ‫بالنسبة لي‪ .‬وهذا التمرين هو ممارسة اللغة لكي‬


‫أجد البدائل في العربية ألقص ى وأدق التعابير في‬ ‫اللغة االنجليزية‪ .‬والتحدي هو أن تجد في اللغة‬ ‫العربية التعابير الدقيقة والتراكيب املعقدة التي‬ ‫تجدها أحيانا عند كبار الشعراء‪ .‬فمثال أحيانا أقوم‬ ‫بترجمة أبيات من جحيم دانتي‬ ‫ألني أحب أن أترجم‬ ‫املقاطع‬ ‫لنفس ي‬ ‫الصعبة ألمتحن‬ ‫اللغة العربية‬ ‫هل‬ ‫وأتساءل‬ ‫يمكن لهذه اللغة‬ ‫أن تعبر عن هذا‬ ‫الش يء أو ذاك كما‬ ‫أجده باللغة االنجليزية ألحد‬ ‫أعظم شعراء اللغة االيطالية‪.‬‬ ‫ويقود هذا التمرين أحيانا الى تجاوز نفسك واللغة‬ ‫الختراع نوع جديد من التراكيب الشعرية وكل هذا‬ ‫طبعا يؤثر في النهاية علي كشاعر عندما أكتب‪.‬‬ ‫*الشاعر االمريكي ميروين مهووس بالترجمة‪ ،‬وقد‬ ‫تلقي نصيحة من الشاعر عذرا باوند في بداياته‬ ‫الشعرية الذي حثه على الترجمة‪ ،‬واكتشف‬ ‫الشاعر ميروين أن لغته قبل القيام بالترجمة كان‬ ‫فقيرة وخالية من الدالالت‪ ،‬فهل توفر لديك نفس‬ ‫االكتشاف بعد ممارسة الترجمة ؟‬ ‫–عندما ترجم عزرا باوند للشعر الصيني أحدث‬ ‫ثورة كبيرة في اللغة االنجليزية على االطالق وما زالت‬ ‫أصداؤها تتردد حتى اآلن‪ ،‬وفي كتابه " ‪" Cathay‬‬ ‫الذي ترجم فيه ألربع عشرة قصيدة صينية‬ ‫‪|60‬‬

‫معروفة‪،‬عن الحرب وظهر في عام ‪ 1915‬حين كانت‬ ‫الحرب العاملية األولى جارية أثر في الشعر االنجليزي‬ ‫بعمق‪ ،‬ألنه قدم التراكيب أو " ‪" Ideographs‬‬ ‫الصينية‪ ،‬أي وحدات الفكر والتعبير بها في اللغة‬ ‫الصينية‪ .‬وعندما وجد لها باوند‬ ‫البديل باللغة االنجليزية‬ ‫أحدث ثورة ومن هذه‬ ‫الثورة خرج شعراء‬ ‫مثل غيري سنايدر‪،‬‬ ‫الذي لوال تأثره‬ ‫الصيني‬ ‫بالشعر‬ ‫والياباني ملا كتب كما‬ ‫يكتب االن وغيره من‬ ‫الشعراء من بينهم ميروين‬ ‫الذي هو مترجم عظيم‪ ،‬وعاش طوال‬ ‫حياته من الترجمة‪ ،‬وقدم العديد من شعراء‬ ‫األسبانية والفرنسية والبروفانسية الى قراء اللغة‬ ‫االنجليزية‪ .‬فالترجمة هي نوع من التلقيح‪ ،‬وهي نوع‬ ‫من الجسور التي تمتد عبر اللغات‪ ،‬وتجعل جميع‬ ‫اللغات والكتابات في النهاية تتشارك وتتداخل‬ ‫وتتالحم لتخلق شيئا جديدا‪.‬‬ ‫*هل تنصح الشعراء الشباب بالترجمة ؟‬ ‫–أنا أنصح كل شاعر أن يعرف لغة أخرى بشكل‬ ‫جيد وممتاز اذا أمكن وأن يحاول الترجمة حتى لو‬ ‫كان ذلك من أجل لذته الخاصة كتمرين‪.‬‬ ‫عن مجلة نزوى‬ ‫حاوره‪ :‬صالح عواد ( كاتب يعيش في نيويورك)‬


‫دراسة‬ ‫ترجمة‪ :‬حسن المودن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املفهومي الذي يحيط بتعريف الفهم والتأويل أن ينعكس على تعلـمات التالميذ الذين يسيئون‪،‬‬ ‫يمكن للغموض‬ ‫بسبب خلطهم بين أنماط إدراك النصوص‪َ ،‬‬ ‫فهم توجيهات القراءة التي يفرضها هذا النمط تارة‪ ،‬وذاك النمط‬ ‫تارة أخرى‪ .‬ويقودنا النظر من جديد في الكتابات املتوفرة الى اقتراح تمييزات يمكن أن ُت ّ‬ ‫ـوجـه الديداكتيكيين‬ ‫واملد ّرسين في تدريس القراءة األدبية‪َّ :‬إن املعنى الناتج عن الفهم َّ‬ ‫وإن الداللة الصادرة عن التأويل يمكن أن يغذي‬ ‫الواحد منهما اآلخر‪ ،‬بطريقة متالزمة‪ ،‬داخل دينامية تعيد باستمرار ر َ‬ ‫سم قراءة النص األدبي‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫إذا كان ضروريا أن ند ّرس للتالميذ َ‬ ‫فهم ّ‬ ‫نص ّ‬ ‫صعوبات مهمة‪ ،‬فمن الضروري كذلك أن نعيـن بوضوح‬ ‫أدبي يطرح‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫االنتظارات املرتبطة بهذا الفهم‪ .‬وإذا كان املد ّرس يحصر الفهم في تفكيك الكلمات والجمل والحبكة الرئيسة‪،‬‬ ‫فإنه في إطار هذه َّ‬ ‫املهمـات الصغرى ينحصر أغلب التالميذ في قراءاتهم‪ ،‬ألنهم يحتفظون بعمل االستنتاج للتأويل‬ ‫الذي ال يأتي‪ ،‬في تصور الكثيرين‪ ،‬إال بعد القراءة الكاملة للنص‪ .‬وإذن‪ ،‬فمن الالزم أن يكون املد ّرس‪ ،‬وهو يحدد‬ ‫ً‬ ‫مهمة من َّ‬ ‫بشكل واضح‪ :‬ما هي عتبات الكفاية التي ينبغي للتالميذ أن‬ ‫مهمـات القراءة‪ ،‬قاد ًرا على تعيين ما ينتظره‬ ‫ٍ‬ ‫يبلغوها بالضبط من أجل «فهم» النص املطروح للقراءة؟ وهل يأتي التأويل بالضرورة بعد عملية الفهم؟ ما‬ ‫الذي يقتضيه التأويل أكثر من ذلك؟‬ ‫هذه هي األسئلة التي يستحضرها التالميذ واملد ّرسون في أذهانهم‪ ،‬وهي التي سنحاول أن نجد لها جوابا من خالل‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫نقدي ملختلف األفكار امللتقطـة من املقاالت واملؤلـفات التي قامت بتحليل مجريات أنماط فهم‬ ‫تركيب‬ ‫تقديم‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫النصوص‪ .‬وسنركـز اهتمامنا بشكل خاص على النصوص األدبية‪ ،‬أو التي اع ُـتـب َـرت كذلك من طرف املؤسسة‬ ‫ُّ‬ ‫املدرسية‪َّ ،‬إمـا ً‬ ‫بناء على طريقة معالجتها للغة التي هي حاملة املعنى‪ ،‬وعلى تمثـلها الذاتي للتجربة االنسانية‪ ،‬وعلى‬ ‫الرابط الذي تقيمه بين املاض ي والحاضر‪ ،‬بين هنا وهناك‪ ،‬وعلى انتمائها الى بنيات َّ‬ ‫مؤسـسية وعلى القيمة‬ ‫ُ‬ ‫املؤسسة ُ‬ ‫نفسـها‪ّ ،‬‬ ‫وإمـا ً‬ ‫بناء على الدور النشيط الذي يلعبه القارئ فيها‪ ،‬باعتباره‬ ‫الرمزية التي تسندها إليها هذه‬ ‫الفاعل األول في إنتاج املعنى‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫وقبل إبراز املسالك الديداكتيكية املرتبطة بتعلـم الفهم والتأويل‪ ،‬يبدو لنا ً‬ ‫مفيدا أن نقوم بغربلة بين الكتابات‬ ‫الديداكتيكية التي ٌت ُ​ُ َ‬ ‫ـقترح في تعريف هذه املفاهيم‪ .‬وهكذا‪ ،‬فمشاريع التعريفات التي نقترحها هي بمثابة مدخل‬ ‫في تحليلنا النقدي نستخدمها كمنارات من أجل أن نسائل‪ ،‬في هذه البداية‪ ،‬االفتراضات القابلة للمناقشة‬ ‫وخاصة منها ما يتعلق بحدود الفهم والتأويل‪ .‬غير أنه ال يكفي أن نعرف ما ال يحدد هذه املفاهيم‪ ،‬بل ينبغي لنا‬ ‫أن نحاول تحديد خصائصها‪ ،‬واإلواليات التي تستخدمها‪ ،‬وهو ما سنسعى الى القيام به من خالل ُّ‬ ‫تفحـص بعض‬ ‫االقتراحات املتعلقة بالتصنيفات‪ .‬وإذا كانت مواقف بعض املؤلفين بخصوص أسبقية التأويل أو الفهم في‬ ‫‪| 61‬‬


‫نشاط القراءة ال تسمح ً‬ ‫أبدا بإبراز املسالك الخصبة بالنسبة الى تدريس ـ تعلم القراءة األدبية‪ ،‬فإننا سنحتفظ‬ ‫في النهاية بتصور تفاعلي لهذين النمطين في إدراك النص األدبي‪ ،‬وهو التصور الذي سنحاول توضيحه من خالل‬ ‫عمل قر ّ‬ ‫ملموس داخل القسم الدراس ي‪.‬‬ ‫ائي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫محاوالت أولية للتعريف‬ ‫ـنظر ً‬ ‫ّإن التراث الهرمينوطيقي‪ ،‬حسب كرستيان فاندردورب(‪ ،)1992‬كان َي ُ‬ ‫دوما الى التأويل باعتباره نشاطا‬ ‫ُّ‬ ‫قرائيا يأتي بعد الفهم‪ .‬وإذن‪َّ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫منظور إليه باعتباره كفاية يصعب التحكـم فيها‪ ،‬فهي تستدعي براعة‬ ‫فإن التأويل‬ ‫جدا‪ .‬ور ّدا على هذه الرؤية ذات النزعة الثنائية‪َّ ،‬‬ ‫في القراءة كبيرة ًّ‬ ‫فإن فاندردورب وديداكتيكيين آخرين يضعون‬ ‫تحل هذه التوزيعة الجديدة هذا املشكل؟ ٌ‬ ‫التأويل أسفل الفهم‪ .‬لكن هل ّ‬ ‫أكيد أن التأويل يغذي الفهم‪ ،‬لكن‬ ‫أيمكن لهذا السبب أن يتقدم عليه من الناحية املنهجية؟‬ ‫ليس بالضرورة‪ .‬سنرى أن القارئ الخبير يستخدم الفهم والتأويل بطريقة متالزمة‪ ،‬وهذه هي الخالصة األولية‬ ‫التي تنتج عن هاتين املحاولتين األوليين للتعريف اللتين اقترحناهما في البداية كمنارتين واليهما نستند في تطوير‬ ‫تفكيرنا النقدي‪:‬‬ ‫*من أجل أن نفهم‪ ،‬البد لنا من االبتعاد عن البنية املعجمية والتركيبية الصغرى كي نعيد تنظيم املعطيات في‬ ‫ً‬ ‫بنية عامة‪ ،‬تجعل املعطيات األساسية في محتوى النص واضحة‪ .‬ويسعى هذا التعميم إلى إبراز املعنى‪ ،‬هذه‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫عاما ّ‬ ‫وتمثـال ّ‬ ‫يحقـقه القارئ بواسطة معارفه‬ ‫حسيـا»‪،‬‬ ‫الكلمة األخيرة التي تتحدد ايتيمولوجيا باعتبارها «إدراكا‬ ‫داخل خطاب هو بالضرورة تفسير ّي‪ .‬ويسهم املعنى املد َرك في تحقيق توافق معين‪ ،‬وإذا ما استوفى الشروط من‬ ‫الناحية االجتماعية‪ ،‬فانه ال يتطلب صياغة خطابية ومواجهة اجتماعية من أجل االعتراف به‪.‬‬ ‫*من أجل التأويل‪ ،‬يصغي القارئ الى النص بانتباه شديد بقصد استكشاف العناصر املتكررة وإظهار إحدى‬ ‫ٌّ‬ ‫قط هو ما َّ‬ ‫يتعقـبه القارئ‪ ،‬بل الداللة‪ ،‬وهذه الكلمة تحيل مباشرة في‬ ‫الدوال املمكنة‪ .‬وهنا لم يعد املعنى‬ ‫َ‬ ‫االيتيمولوجيا على «فعل التعيين»‪ .‬وبهذا‪ ،‬تصبح القراءة تفعيال اجتماعيا لعالمة مبتكـرة‪ ،‬فهي لم تعد تمثال‬ ‫شخصيا فقط‪ ،‬بما أنه من الضروري أن َّ‬ ‫تمر من املواجهة االجتماعية من أجل أن تحصل على مشروعية ما‪.‬‬ ‫والنص املتعدد املعنى يتحول بهذه الطريقة الى مادة ّ‬ ‫ثمرة من إبداع‬ ‫نص‬ ‫ٍ‬ ‫جديد ـ املؤولة عند بورس ــ‪ ،‬أي إلى ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫القارئ الذي تجاوز النص األصلي‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ويتقرب منه (التأويل) من أجل أن يغير باستمرار منظوره‬ ‫في حركة متكررة‪ ،‬يبتعد القارئ عن النص (الفهم)‬ ‫وأن ّ‬ ‫يكيـفه في الوقت نفسه مع معارفه ومع العالمات املستخرجة من النص‪ .‬وهذه التعريفات املختلفة للفهم‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫والتأويل تذكـرنا حتما بهذا التوتر الدينامي واملحتوم بين رؤيتين‪ :‬الرؤية امل َـع ّـم َـمة‪ ،‬من جهة أولى‪ ،‬وهي تنطلق من‬ ‫النص من أجل االبتعاد عنه‪ ،‬والرؤية التجزيئية‪ ،‬من جهة ثانية‪ ،‬وهي تنطلق من خارج النص من أجل أن تخوض‬ ‫فيه وتستكشف البنيات الصغرى املتواترة ـ البنيات الصغرى التي يمكن أن تض يء النص بأكمله‪.‬‬ ‫بعض املفترضات القابلة للمناقشة استقاللية التالميذ املفترضة‪:‬‬ ‫‪|62‬‬


‫كيفما كان رأي الخبراء‪َّ ،‬‬ ‫فإن تالميذ التعليم الثانوي واإلعدادي ال يكتسبون االستقاللية الذاتية والكفايات التي‬ ‫تسمح لهم بإدراك املؤلفات األدبية الصعبة وتأويلها بطريقة إبداعية مع بقائهم أوفياء للنص‪ .‬وبهذا الصدد‪،‬‬ ‫يشير بيرتراند جيرفي(‪ )1993‬إلى أنه من السذاجة أن نعتقد أن القراءة مرسومة داخل النص وأن بإمكان ّ‬ ‫كل‬ ‫ّ‬ ‫قارئ الحصول عليها‪ ،‬وخاصة التالميذ الذين ُت َ‬ ‫ـعت َـب ُـر القراءة بالنسبة إليهم عمال مرهقا‪ .‬إننا ّ‬ ‫نعرض التعلـمات‬ ‫للخطر عندما نظن أنهم ينجحون كلهم في استدعاء املعارف الضرورية التي تفرضها قراءة مثالية باملعنى الذي‬ ‫يقصده أمبرتو إكو (‪ )1985‬باستحضار قارئها النموذجي‪ .‬ويشاطره بيير بيرتيي (‪ )1999‬هذا الرأي على نحو ظاهر‪:‬‬ ‫بما أن العالمة األدبية هي بالتحديد عائمة‪ ،‬فال يمكن الحصول على أية ضمانة بخصوص معناها‪ ،‬والشأن هنا‬ ‫هو شأن القارئ نفسه‪ .‬وهذه الحرية التي يثيرها بيرتيي من الصعب ًّ‬ ‫جدا هضمها بالنسبة إلى تلميذ في طور‬ ‫ّ‬ ‫التعلـم‪ ،‬ذلك ألنه ال يعرف كيف يضع لعمله في الفهم والتأويل منارات واضحة‪.‬‬ ‫فإن آن جورو (‪ )1999‬تساند تصورات فيجوتسكي التي فيها «يلعب الصر ُ‬ ‫وفضال عن ذلك‪َّ ،‬‬ ‫اع السوسيومعرفي‬ ‫التشاركي كما ُت ّ‬ ‫محتشما ًّ‬ ‫ً‬ ‫دو َر ّ‬ ‫ّ‬ ‫جدا للمد ّرس‪.‬‬ ‫ـقدمه جورو يكشف دو ًرا‬ ‫املحرك في التعلم»(ص‪ .)85‬غير أن التعلم‬ ‫ً‬ ‫وبعيدا عن تأكيد ما تذهب إليه جورو من َّأن « فهم النص (… ) ال ُيد ّرس «(ص‪ ،)86‬فإننا نعتقد أن‬ ‫وهكذا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫عمليات معرفية يجهلون‬ ‫وجودها «(جياسون‪،‬‬ ‫بإمكان املعلـم « أن ُيد ّرس للتالميذ كيف يستخدمون في قراءاتهم‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫بصوت مرتفع َّتتـضح من خاللها سيروراته املعرفية الخاصة‪.‬‬ ‫النص‬ ‫‪ ،1992‬ص‪ ،)21‬وخاصة عند قراءاتهم‬ ‫ٍ‬ ‫أمر ال ُّ‬ ‫يحد من حريته االبداعية‪ ،‬بل على العكس ً‬ ‫فاقتراح طرائق للقراءة على التلميذ ٌ‬ ‫تماما‪ ،‬ألن ذلك هو ما‬ ‫ّ‬ ‫يحس في داخله بأمان أكبر(تروانيي والفونتين‬ ‫يجعل تلك الحرية ممكنة‪ ،‬عندما نحدد له حقال لالشتغال‬ ‫ًّ‬ ‫وفانهول‪ .)1999 ،‬ذلك ألنه لن ُيظهر حريته التأويلية إال اذا كان يشعر باستناده إلى أسس صلبة نسبيـا‪ .‬وال‬ ‫ّ‬ ‫التأويلي الذي‬ ‫يمكنه إنشاء هذه األسس بطريقة مستقلة من دون مساعدة املد ّرس‪ .‬وال من دون هذا « التباين‬ ‫َّ‬ ‫يتدفـق ( من ) مجموعات العمل»(ص‪ ،)86‬كما وضحت ذلك آن جورو بدقة‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫مركزيـا في تعلم عمليات الفهم‪ :‬في بحث قامت‬ ‫وتوضح مارتين ريموند (‪ )1999‬هي األخرى أن املد ّرس يلعب دو ًرا‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫بإنجازه‪ ،‬الحظت أن التالميذ املد َّربين بطريقة ظاهرة على استراتيجيات الفهم ُيـط ّـورون آداءاتهم بطريقة دال ٍـة‬ ‫مقار ًنة بالتالميذ غير املد َّربين‪ .‬وتضيف َّأن االشتغال بمشاكل مطروحة بوضوح يساعد ً‬ ‫كثيرا على تعلم‬ ‫ٍ‬ ‫استراتيجيات الفهم‪ ،‬وهذه من النتائج التي تتطابق مع تلك التي انتهينا إليها في بحثنا للدكتوراه(فاالرادو‪،2000 ،‬‬ ‫ًّ‬ ‫حل املشاكل باعتباره ق ً‬ ‫بحث يطرح ّ‬ ‫مركزيـا في تعلم الفهم والتأويل‬ ‫طبا‬ ‫أ و ب)‪ .‬إال أن ماري توفيرون (‪ ،1999‬أ)‪ ،‬في ٍ‬ ‫في حصة القراءة بالتعليم االبتدائي‪ ،‬تبدو غير اغبة في أن ّ‬ ‫يقدم املعلم تفسيراته في حصة األدب‪ :‬إنه يملك‬ ‫ر‬ ‫بالتأكيد تأويله‪ ،‬لكنه لن يقوم بتبليغه‪ .‬وقد يستخدمه من أجل أن يحدد جزئيا توجهات الدرس من دون أن‬ ‫يتداخل ذلك مع استيعاب النص من طرف التالميذ‪ .‬وإجماال‪ ،‬فمن الضروري أن تبقى قراءة املعلم ّ‬ ‫مقنـعة‪ ،‬من‬ ‫أجل أن ال تعيق قراءة التالميذ‪ .‬غير أن فضائل هذه املقا بات ّ‬ ‫تبعا ُ‬ ‫تتغيـر ً‬ ‫املقنـعة َّ‬ ‫لعـمر التالميذ‪ :‬إذا كانت‬ ‫ر‬ ‫دينامية الجماعة وغياب الكوابح‪ ،‬مع أطفال في ّ‬ ‫ً‬ ‫انفتاحا‬ ‫سن السابعة إلى الثامنة‪ ،‬يسمحان بتبادالت أكثر‬ ‫‪|63‬‬


‫بخصوص النصوص‪َّ ،‬‬ ‫فإن األحكام املسبقة غير املناسبة للمراهقين وخوفهم من أحكام اآلخرين يستدعيان‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫مشاركة وتنشيطا أكثر حيوية من َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫النصوص‪.‬‬ ‫يستوعب التالميذ‬ ‫قبـل املعلـم من أجل أن‬ ‫ً‬ ‫َُ ّ‬ ‫نظر متباينة بخصوص اإلطار الذي ينبغي لنا اقتراحه على التالميذ من أجل‬ ‫يـقـدم الباحثون املذكورون وجهات ٍ‬ ‫والتأويل بقصد قيادة عملهم نحو هدف َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫محد ٍد‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فهذا التقييد الظاهر‬ ‫الفهم‬ ‫توجيههم خالل تعلمهم‬ ‫ٍ‬ ‫تنظيما وخصوبة‪ .‬وفي غياب التجربة‪َّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫فإن هذه الحرية التأويلية‬ ‫يسمح بإظهار الحرية التأويلية بطريقة أكثر‬ ‫إبداع ينطلق من القارئ‪ ،‬لكنه لن يأخذ النص‬ ‫بحاجة الى منارات‪ ،‬إذ من دونها ستكون أقرب إلى الفوض ى‪ ،‬وإلى‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫قط بعين االعتبار‪ .‬وينبغي َ‬ ‫العاملَـين املختلفين أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫بالتدرج‬ ‫يب ُمـراق ٍب‪ ،‬يسعى‬ ‫تد‬ ‫داخل‬ ‫من‬ ‫يتم‬ ‫للوصل بين هذين‬ ‫ر‬ ‫ٍ‬ ‫نحو استقاللية ذاتية للمتد ّربين‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫القراء تنمو شيئا فشيئا‪.‬‬ ‫دور األسئلة في الفهم‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫في القراءة‪ ،‬ينتظم الفهم في أغلب األحيان بواسطة األسئلة‪ .‬ألن األسئلة تمثـل فخـا محفوفا باملخاطر َيـصرف‬ ‫َ‬ ‫التلميذ عن الفهم الحقيقي للنص‪ « .‬نأسف‪ ،‬تقول جوسلين جياسون(‪ ،)1990‬على استخدام األسئلة أحيانا‬ ‫من أجل التأكد من قراءة التالميذ للنص‪ .‬ومع األسف‪َّ ،‬‬ ‫فإن هذه الطريقة في استعمال األسئلة تجعل التالميذ‬ ‫هدف شخص ّي»›ص‪ « .)223‬إنها ٌتـبقي‬ ‫يفهمون أن الغاية من القراءة هي االجابة عن األسئلة وليس السعي وراء ٍ‬ ‫ّ‬ ‫القارئ داخل كفاية سطحية»(نفسه)‪ ،‬ذلك ألنها ّ‬ ‫توجـهه نحو معلومات ثانوية‪ .‬وباختصار‪ ،‬فهي تعلـمه َّأن فهم‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫نص ما هو أن يتذكـر ما يفيد في االختبارات‪ ،‬من مثل األسماء والتواريخ‪ ،‬الخ‪ُ .‬ويبدي اروين وباكير(‪)1989‬‬ ‫ٍ‬ ‫التحفظات نفسها‪ :‬ان هذه األسئلة تشجع على عادات سيئة في القراءة‪ ،‬ذلك ألنها تدفع التلميذ إلى االحتفاظ‬ ‫بهذه العناصر غير املالئمة بالنسبة إلى الفهم العام‪ ،‬بل إنها تكتس ي أهمية كبيرة بالنسبة الى تقييم قراءاتهم‪.‬‬ ‫ٌ ُ‬ ‫منتج بين األهداف البيداغوجية للقراءة واملمارسة الفعلية التي يخضع لها التالميذ‪،‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬يحدث‬ ‫تفاوت غير ٍ‬ ‫ٌّ‬ ‫ذلك ألن هؤالء مؤطـرون بالعناصر التي يستثمرها األستاذ في حصة التمرين بأكملها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫شمولي‪ ،‬بحيث يستبعد املعلومات الجزئية من أجل رسم خطاطات عامة للنص‪،‬‬ ‫بما أن الفهم هو بالضرورة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فإنه َّ‬ ‫البد من دفع التالميذ إلى ممارسة هذا الفهم الكلـي من خالل األسئلة‪ .‬فالتذكير بالنص مرات عديدة هو‬ ‫من الفرص املمتازة بالنسبة إلى التالميذ ليعيدوا تنظيم املعلومة بطريقة عامة‪ .‬ومن الضروري كذلك أن يعمل‬ ‫األستاذ دائما على إدراج أسئلة االستنتاج املنطقي في أسئلة الفهم (اروين وباكير‪ ،)1989 ،‬من أجل أن يربط‬ ‫ُ‬ ‫التالميذ بين املعارف السابقة واملعطيات النصية‪ ،‬والغاية هي أن تلعب األسئلة دو َرها‪ ،‬ال في التقييم فحسب‪،‬‬ ‫املعرفي باألساس‪ .‬ولهذا يكون من الضروري‪ً ،‬‬ ‫ّ‬ ‫تبعا ألقوال دومورتيي(‪ ،)1991‬ربط « جدول األسئلة‬ ‫بل في التنظيم‬ ‫ُ‬ ‫باألهداف وباملتعلمين‪ ،‬وليس بالنصوص‪ .‬ألن هذه األخيرة ال َت ُ‬ ‫ـفرض‪ ،‬في الواقع‪َّ ،‬‬ ‫وتسمح بجميع‬ ‫أي سؤال…‬ ‫َ‬ ‫األسئلة»(ص‪ .)74‬وإذن‪ ،‬فمن الضروري أن تدفع األسئلة التلميذ‪ ،‬ال إلى تقييم قراءته فحسب‪ ،‬بل إلى تنظيمها‬

‫‪|64‬‬


‫ّ‬ ‫باألساس‪ .‬والبد أن تسمح له بالعثور‬ ‫مستقلة على البنيات النصية األساسية‪ :‬السارد‪ ،‬املؤلف‪،‬‬ ‫بطريقة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الشخصيات‪ ،‬األماكن‪ ،‬الزمن‪ ،‬الحبكة‪…،‬الخ‪.‬‬ ‫الحمولة املُـخ َـت َـزلة ًّ‬ ‫جدا التي نمنحها للفهم‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫التأويل املكانة التي تعود إليه داخل القراءة األدبية‪ ،‬قام فرانسيس جروسمان(‪)1999‬‬ ‫يسترد‬ ‫من أجل أن‬ ‫ّ‬ ‫بوضعه في مرتبة أعلى من الفهم الذي يحتفظ له بدو ٍر‬ ‫محدود قليال ما‪ .‬فهو ينظـم كل االستنتاجات داخل عمل‬ ‫ٍ‬ ‫التأويل‪ ،‬سواء كانت استنتاجات أولية ّ‬ ‫استنتاجات أكثر‬ ‫تهم املعلومات الضرورية في إدراك الحبكة أو كانت‬ ‫ٍ‬ ‫ـؤول أوال «(ص‪ ،)153‬ذلك ّ‬ ‫ً‬ ‫تعقيدا تقتض ي قد ًرا أكبر من االبداع من قبل القارئ‪ .‬وهو يقول ّإن « النصوص ٌت َّ‬ ‫ألن‬ ‫استنادا إلى النص وإلى معارفهم‪ .‬ومثل جروسمان‪َّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫فإن إيزابيل شوالر ـ ماندرو وآن‬ ‫القراء يقومون باستنتاجات‬ ‫ّ‬ ‫وتبعا لهؤالء املؤلفين الثالثة‪َّ ،‬‬ ‫جي داخل التأويل‪ .‬وهكذا‪ً ،‬‬ ‫ّ‬ ‫فإن‬ ‫ماري توفيرون (‪ )1998‬تنظـمان كل ٍ‬ ‫عمل استنتا ٍ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫الفهم باعتباره سيرورة يمكنها‬ ‫الفهم يمكن « اكتسابه « مرة واحدة ونهائية ومفصوال عن املضمر‪ .‬وبتحديدهم‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫يسلمون بمعنى ال يمكن اطالقًـا للتأويل أن ُيـغنيه‪ .‬ومن هذا املنظور‪ ،‬فإن ّ‬ ‫أقل مجهود‬ ‫أن تعرف االكتمال‪ ،‬فإنهم‬ ‫َ‬ ‫مرجعية سيكون صاد ًرا عن التأويل‪ ،‬وهذا‬ ‫ضمنية بمعارف‬ ‫معلومة‬ ‫مضمر أو ربط‬ ‫فكر ّي من أجل تعويض ش ٍيء‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ما ّ‬ ‫يحد قليال ما من سيرورة الفهم التي سنحاول تحديدها اآلن بطريقة أفضل‪ ،‬بعد أن ألقينا نظرة نقدية على‬ ‫هوامشها‪.‬‬ ‫كيف ّ‬ ‫نعرف الفهم؟‬ ‫ُمـك ّـوناته‪:‬‬ ‫إ ّن معنى النص هو أول ما يسعى الفهم إلى استخراجه‪ ،‬واملقصود ب ـ « معنى « ‪ sens‬فكرة أو مجموعة من األفكار‬ ‫الواضحة التي يدركها القارئ داخل النص ـ الجذر الالتيني ‪ sensus‬يحيل مباشرة على فكرة « اإلدراك ّ‬ ‫الحسـي‬ ‫الحسـي هو نشاط ذاتي يستلزم نوعا من العقلنة‪ .‬وهو ال ُي َ‬ ‫«‪ .‬واإلدراك ّ‬ ‫ترجـم بالضرورة إلى خطاب أو إلى ش يء ذي‬ ‫طابع اجتماعي‪ ،‬ومن هنا املفهوم الفرداني ًّ‬ ‫جدا لكلمة « معنى « التي تحيل على اإلدراك الحس ي الشخص ي للعالم‬ ‫والشم… وهكذا‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫محكي ما سيكون هو إعادة تنظيم املعنى من خالل‬ ‫فإن فهم‬ ‫الخارجي بواسطة النظر والسمع‬ ‫ٍ‬ ‫ًّ‬ ‫تفعيل ذاتي يستجيب ملا توافقت عليه جماعة من ّ‬ ‫القراء‪ ،‬أي أنه بناء ال ينبغي له أن ُي َّـبر َر بالضرورة اجتماعيـا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫توافق ما‪.‬‬ ‫صادر عن‬ ‫بالضبط ألنه‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫من الضروري أن يتفادى الفهم أو يتغلـب على الحواجز املوضوعة من طرف الشكل والبنية واألفكار‪ ،‬وأن «‬ ‫ّ‬ ‫يعين وضع الشخصيات ودورها‪ ،‬ويستخرج الخطوط العريضة للحبكة»(توفيرن‪ 1999 ،‬ب‪ ،‬ص ‪ .)17‬فالفهم‬ ‫يستدعي معارف القارئ‪ ،‬واملقصود بهذه األخيرة َّ‬ ‫كل املعارف النمطية‪ ،‬املعجمية‪ ،‬والتركيبية‪ ،‬والتاريخية‪،‬‬ ‫والسوسيوثقافية‪ ،‬والعملية‪ ،‬الخ‪ .‬التي يستعين بها القارئ من أجل دعم فهمه‪ « :‬ليس الفهم َّ َ‬ ‫نقل للنص‬ ‫مجرد ٍ‬ ‫إلى داخل رأس القارئ‪ ،‬بل إنه ٌ‬ ‫بناء يقوم هذا األخير بإنجازه» (جياسون‪ ،1990 ،‬ص‪ .)18‬وإذا عدنا إلى املنظور‬ ‫ً‬ ‫ً ًّ‬ ‫ّ‬ ‫الهرمينوطيقي‪َّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫فإن ّ‬ ‫قبليـا‪ ،‬أي بنية للتوق ُّـع هي بدورها موضوعة مسبـقـا من طرف التراث‬ ‫يتضمـن فهما‬ ‫كل فه ٍم‬ ‫‪|65‬‬


‫ّ‬ ‫‪.)1996‬‬ ‫بداخله»(جادامر‪،‬‬ ‫املؤول‬ ‫يعيش‬ ‫الذي‬ ‫كتوم‪:‬‬ ‫نص‬ ‫إذا ّ‬ ‫كنا نستهدف تطوير كفايات الفهم‪ ،‬فال بد للنص األدبي َّ‬ ‫ـبدي ً‬ ‫املقدم للتالميذ أن ُي َ‬ ‫نوعا من املقاومة‪ ،‬أي ّأن‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫حاجزا أمام امتالك القارئ للنص‪ ،‬بحيث ال يهتدي إلى اآلليات التي تشكـل عامله‬ ‫العالمات التي يستدعيها تخلق‬ ‫الفكري‪ .‬وتستخدم توفيرون(‪1999‬ب) عبارة «نص كتوم» من أجل تعيين النصوص التي تعرقل الفهم‪ ،‬سواء‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ص غير مألوف‪ ،‬أو بأفكار جديدة أو مخلخلة‪ ،‬أو‬ ‫بمعجم أو‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تركيب صعبين بالنسبة إلى القارئ‪ ،‬أو بعال ٍـم مشخ ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ات غامضة…الخ‪ .‬وإذن‪ ،‬من أجل االحاطة باملعنى‪ ،‬البد‬ ‫سردية متفجرة‪ ،‬أو‬ ‫ببنية‬ ‫بمنطق متناقض‪ ،‬أو باستعار ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫للقارئ من االلتفاف على الحواجز املتعددة األشكال التي توضع بين النص وبين معارفه املرجعية الخاصة‪.‬‬ ‫وبالطبع‪ ،‬فإن تفكيك املعلومات غير الظاهرة يدخل في إطار عملية إعادة التنظيم‪ ،‬ذلك ألنه البد لكل عنصر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ضروري في إدراك معنى النص أن يندرج في إطار عام‪ ،‬هو الذي ُيـترجم فكرة عامة معينة‪.‬‬ ‫ّإن مفهوم الصور النمطية التي وصفتها جياسون (‪ )1990‬تسمح بتوضيح أفضل للعمل الذي ينبغي للقارئ أن‬ ‫ينجزه من أجل فهم ّ‬ ‫نص كتوم‪ :‬أن يعمل على تكييف صوره النمطية الخاصة من أجل أن يعثر داخل صور‬ ‫النص النمطية على عالمات مألوفة تسمح له بتحويل املعنى إلى مستوى إدراكه‪ .‬فالضرورة تفرض أن ّ‬ ‫يتكيف‬ ‫الفهم مع ما ّ‬ ‫تسمـيه جورو «بيوغرافية القارئ»‪ ،‬التي ُتـعتبر ّ‬ ‫ممرا ضروريا لصور النص النمطية‪ :‬من دون تطابق‬ ‫ٌ‬ ‫يكون‬ ‫القارئ‬ ‫فهم‪.‬‬ ‫هناك‬ ‫لن‬ ‫النص‪،‬‬ ‫وعالم‬ ‫عالم‬ ‫بين‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫وعمل األستاذ أساس ّي في عملية الفهم‪ ،‬ذلك ألنه كلـما كان املؤلـف « ً‬ ‫ُ‬ ‫صعبا»‪ ،‬كلـما كان من الضروري أن َيـطو َل‬ ‫ُ‬ ‫التمهيد للقراءة «(كالفيز‪ ،1999 ،‬ص‪ ،)48‬وبالضبط من أجل إعداد هذه املطابقة في كفايات القارئ أثناء‬ ‫كل ّ‬ ‫التعلم‪ .‬واملقصود ّ‬ ‫بنص صعب‪ ،‬تبعا لبيير برتيي (‪ ،)1999‬هو ُّ‬ ‫نص يتموضع داخل عالم ال ّ‬ ‫يتعرف فيه القارئ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫التعرف إلى الكلمة» ضروريا بالطبع‪ ،‬لكنه ُ‬ ‫إلى ذاته‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬يكون « ّ‬ ‫كاف‪ .‬فمن أجل أن يحصل تعلم‬ ‫غير ٍ‬ ‫الفهم‪ ،‬البد للنصوص األدبية املقترحة على التالميذ أن تدفع إلى االشتغال ببناء ً‬ ‫معنى ّ‬ ‫مهم ً‬ ‫نسبيا‪ ،‬يستتبع حتما‬ ‫ً‬ ‫مجموعة من االستنتاجات‪ .‬ويطالب إيف روتير (‪ )1992‬من جهته باستعمال النصوص الصعبة‪ ،‬بغاية توليد‬ ‫ً‬ ‫«كوارث القراءة» (ص‪ )61‬التي ّ‬ ‫تعزز عملية التوضيع‪ ،‬وتسمح إذا باكتساب عمليات القراءة األكثر خصوبة‪.‬‬ ‫ُب ٌ‬ ‫اجتماعي‪:‬‬ ‫ـعد‬ ‫محكوما إلى ّ‬ ‫ً‬ ‫ينتمي ُّ‬ ‫كل قارئ إلى جماعة من ّ‬ ‫القراء وبداخلها يكون‬ ‫حد ما بإيديولوجيات عشيرته‪ ،‬وبالصور‬ ‫ٍ‬ ‫اجتماعيًـا التي تساهم في تشكيل خلفيته الثقافية‪ .‬وهكذا‪ ،‬وبما أن الفهم يكون إلى ّ‬ ‫ّ‬ ‫حد ما‬ ‫النمطية املقبولة‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫مشروطا من الناحية االجتماعية‪ ،‬فهو لذلك لن يكون مجرد عملية مكتفية بذاتها ـ فهذا ّ‬ ‫املكون االجتماعي يؤثر‬ ‫ّ‬ ‫ُم ً‬ ‫ـسبقا في الفهم‪ ،‬بما أنه يشكـله ولو جزئيا‪ .‬ويتجسد هذا البعد االجتماعي للفهم في كل مكونات الحقل التي‬ ‫شرحها إيف روتير وسوسيولوجيو األدب اآلخرون بغزارة‪ .‬ينبغي للتلميذ‪ ،‬مثال‪ ،‬أن يعمل على التفكير في أن‬ ‫«الوضع االعتباري للنصوص ّ‬ ‫مهمة في املعنى»‬ ‫يتغيـر تاريخيا و(أن) موقعها داخل املؤسسات يحدد متغير ٍ‬ ‫ات ٍ‬ ‫‪|66‬‬


‫َ‬ ‫ّ‬ ‫نظر قريبة من هذه األخيرة‪ ،‬فإن السوسيولوجيا ـ االثنولوجيا كما‬ ‫(روتير‪ ،1981 ،‬ص‪ .)11‬وإذا تبنـينا وجهة ٍ‬ ‫مارسها بريفا(‪ )1985‬تضع في املقدمة عوامل أخرى للفهم ال تتعلق بتاتا بالنص املوضوع للقراءة‪ :‬وعلى سبيل‬ ‫التمثيل‪ ،‬فإن « الفتيات الشابات من األوساط الشعبية وأبناء الطبقات امليسورة ال يستثمرون ال االنتظارات‬ ‫نفسها‪ ،‬وال الكفايات ذاتها»(ص‪ )137‬في ممارساتهم الثقافية‪ .‬ذلك ألن الفهم‪ ،‬والقراءة بشكل أكثر شموال‪« ،‬‬ ‫َّ‬ ‫لحظة فيها تتحقق هذه األخيرة‪ ،‬وإنما هو ٌّ‬ ‫أساس من املمارسات املنظمة واملتمايزة‬ ‫كل ينبني على‬ ‫ليس ُم َـج ّـر َد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اجتماعيا وثقافيا»(نفسه‪ ،‬ص‪ )142‬هي التي تحكم الى ّ‬ ‫حد كبير أنماطنا في إدراك النصوص‪.‬‬ ‫وإذن‪ّ ،‬‬ ‫اجتماعي وما هو اختبار ّي ّ‬ ‫ّ‬ ‫عملي‪ ،‬أي من خالل مكونات متحركة‬ ‫فإن الفهم يتحقق من خالل اندماج ما هو‬ ‫َ‬ ‫املستخرج‬ ‫متعددة بالضرورة‪ :‬لسانية‪ ،‬تاريخية‪ ،‬سوسيوثقافية‪ ،‬سيكولوجية‪ ،‬جيوسياسية‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فاملعنى‬ ‫القراء أن تعترف باملعنى َ‬ ‫بناء دالليا ً‬ ‫املقت َـرح باعتباره ً‬ ‫يتعلق بتوافق ما‪ :‬ينبغي لجماعة ّ‬ ‫وفيا للنص‪ .‬ومن خالل‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫عملية التوضيع هاته‪ ،‬يسعى القارئ الى بناء معنى مقبول اجتماعيا ال تخفيه الكلمات والجمل إال جزئيا‪.‬‬ ‫شرح واستذكار‪:‬‬ ‫يتحقق الفهم بإهمال املعطيات اللسانية‪ ،‬وبتعميق املحتويات وتوسيعها‪ :‬ينزاح القارئ عن الكلمة‪ ،‬والجملة‬ ‫(التي يهملها بسرعة كبيرة أيضا)‪ ،‬من أجل استذكار املعنى العام‪ « :‬وهكذا‪ ،‬فتطوير الفهم أثناء القراءة يعود إلى‬ ‫َّ ً‬ ‫تدريب التالميذ على القيام بمعالجة معرفية للمعطيات النصية تكون َّ‬ ‫ومعمقة ما أمكن ذلك»‬ ‫موسـعة‬ ‫ُ‬ ‫(فاندردورب‪ ،1992 ،‬ص‪ .)171‬ويستلزم مثل هذا العمل التصوري قوة نابذة تبعد القارئ عن جزئيات النص‬ ‫ّ‬ ‫بتبنـي رؤية شمولية للمعنى‪.‬‬ ‫من أجل حمله على إعادة صياغة النص‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّإن كتابات برتراند دوناي(‪ )1997‬عن استعادة الشرح باعتباره أداة في تعلم التفسير األدبي تشكل مثاال واضحا‬ ‫التخرج االعدادي بفرنسا‪ّ « ،‬‬ ‫ّ‬ ‫يمر تقييم الفهم بالضرورة من خالل إعادة‬ ‫في إعادة صياغة املحتوى النص ي‪ .‬فعند‬ ‫ُ ّ‬ ‫ـؤلف الفهم النص ي‪ .‬وهكذا ُي ّ‬ ‫صياغة شا حة»(ص‪ ،)100‬ذلك ّ‬ ‫ـقدم دوناي الشرح باعتباره شكال‬ ‫ألن الشرح هو م‬ ‫ٍ ر‬ ‫َ‬ ‫ُ ّ‬ ‫ـشيد عالقة فهم مع النص؛ وبعبا ات أخرى‪ّ ،‬‬ ‫خطابيا ماوراء نصيا ُي ّ‬ ‫فإن الشرح يـشكـل « خطابا حول املحتوى‬ ‫ر‬ ‫ٍ‬ ‫منفصال عن تحليل الشكل»(ص‪ ،)109‬هذا األخير الذي يتعلق أكثر من ذلك بالتأويل‪ .‬فالبعد الشرحي للفهم‬ ‫ُ‬ ‫صياغة للنص ذات طابع شمولي تبتعد عن‬ ‫يتوافق تماما مع الحركة النابذة التي وصفناها‪ ،‬يعني أنه إعادة‬ ‫ٍ‬ ‫املكونات اللسانية‪.‬‬ ‫ووحده هذا االبتعاد هو ما يسمح باستذكار طويل للمعطيات النصية‪َّ .‬‬ ‫وألن االستذكار والفهم مترابطان بشكل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫خاص بتخزين املعلومات املعرفية‪ّ .‬‬ ‫فكل املعارف املستحضرة أثناء‬ ‫فالبد من اهتمام‬ ‫وثيق(لوبران‪،)1987 ،‬‬ ‫َّ‬ ‫الفهم صادرة عن الذاكرة‪ ،‬ولذلك سيكون ًّ‬ ‫مهما توجيه معارف التلميذ بطريقة منظـمة‪ ،‬من أجل مساعدته في‬ ‫ُ‬ ‫عملية الفهم‪ .‬وبهذا املعنى‪ّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫العامل املركز َّي‬ ‫مجموع معارف القارئ‬ ‫فإن إروين وباكير(‪ )1989‬يطالبان بأن يكون‬ ‫ُّ‬ ‫التعلـمي‪ ،‬يتصور القارئ املحتوى املقروء‪َّ ،‬‬ ‫ويتنبـأ بما سيأتي منه‪ ،‬ويقارن ذلك بما‬ ‫في الفهم‪ .‬وفي مثل هذا السياق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫فهم أفضل‪ ،‬عن إضاءة املسالك‬ ‫كان يعرفه‪ ،‬ويسائل املضمون‪ ،‬ويقيـمه‪ ،‬ويعلـق عليه‪ ،‬ويركـبه‪ .‬إنه يبحث عن ٍ‬ ‫‪|67‬‬


‫ال تي يبدو فيها املعنى أو املنطق غامضا‪ .‬ومن أجل ذلك‪ ،‬يبتعد عن النص‪ ،‬ويخرج منه‪ .‬وإجماال‪ ،‬ينبغي له أن‬ ‫يبقى نشيطا على الدوام من أجل تحسين فهمه‪ ،‬وبالتالي استذكاره‪.‬‬ ‫أهمية املضمر في الفهم‪:‬‬ ‫عنصرا « ينطبق على ّ‬ ‫ً‬ ‫ٌّ‬ ‫منذ القرن السابع عشر‪َّ ،‬‬ ‫ضمني بالتقدير‪ ،‬من‬ ‫كل ما هو‬ ‫عرف فوروتيير املضمر باعتباره‬ ‫ً‬ ‫دون أن ُي َّ‬ ‫ـعب َر عنه صراحة»‪ .‬ومن الناحية االيتيمولوجية‪ ،‬فإن عبارة ‪ implicite‬مشتقة من‪، impliquer‬‬ ‫الخفي‪ّ ،‬‬ ‫‪emmeler. ،enchevêtrer‬ومن أجل الوصول الى املحتوى َّ‬ ‫ّ‬ ‫البد للقارئ من أن يستنتج‪ ،‬واملعنى‬ ‫املقدر‬ ‫األول لهذا الفعل يحيل على « فعل االستيالد‪ ،‬واإلضافة «‪ ،‬ومن هنا استخالص النتائج وخلق الروابط‪ .‬وإذن‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫تتضمنها الجملة والكلمات‪ .‬وهكذا‪،‬‬ ‫فالقارئ ُي َـع ّوض املعطيات الناقصة أو الصامتة‪ ،‬لكنها املعطيات التي‬ ‫فعملية االستنتاج التي يفرضها املضمر هي موجودة بشكل من األشكال داخل النص‪ .‬وال يمكن لتعريف الفهم‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫أن يستبعد َع َـرضـا املعطيات املضمرة وأن ينحصر في قراءة خطية تنقله من كلمة إلى كلمة أخرى‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫القراء ّ‬ ‫في الفهم‪ ،‬يكون ّ‬ ‫الجيـدون دومـا بصدد استنتاج معطيات مضمرة في النص‪ ،‬أي ما يسكت عنه املؤلف‬ ‫وينبغي للقارئ أن يمأله بنفسه‪ .‬وهذه االستنتاجات هي التي تعيد الربط بين الكلمات والجمل والوقائع‪ « :‬ليست‬ ‫َّ‬ ‫االستنتاجات مجرد كماليات يستخدمها التالميذ املمتازون كلـما فهموا النص‪ .‬فهي أساسية في فهم النص‬ ‫واستذكاره»(إروين وباكير‪.)1989 ،‬وإذن‪ ،‬فال يمكن أن نحصر الفهم في الدرجات الدنيا وأن نستبعد منه‬ ‫العمليات االستنتاجية‪ .‬وينبغي للقارئ‪ ،‬من أجل فهم دقيق‪ ،‬أن يكون على وعي « بضرورة الذهاب الى ما هو أبعد‬ ‫ً‬ ‫فهما حقيقيا»(ديروزيي ـ َ‬ ‫من املعلومة الظاهرة للنص كي يفهمه ً‬ ‫سبات‪ ،1992 ،‬ص‪ .)92‬ويعني هذا إذا أننا أمام‬ ‫عمل حقيقي في بناء املعنى يتدخل من خالل استراتيجيات القراءة من أجل ملء البياضات وإظهار املسكوت‬ ‫ً‬ ‫عنه‪ .‬فاالنحصار في املعنى الظاهر يعني أن ال يفهم القارئ‪ ،‬مثال‪ ،‬الرسالة املزدوجة في السخرية؛ فالبد له إذا‬ ‫من االستنتاج‪ ،‬ومن خلق رابط بين النص وبين معارفه السوسيوثقافية الخاصة التي تسمح له بتفكيك‬ ‫السخرية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫أفضل للعمليات التي يستحضرها أثناء‬ ‫فهم‬ ‫ومن أجل أن يكون التلميذ أثناء تعلم القراءة األدبية قادرا على ٍ‬ ‫عملية االستنتاج‪ ،‬فالبد لألستاذ أن يدفعه الى أن َّ‬ ‫يتحقـق من اللحظة التي يقوم فيها بذلك‪ « :‬ما هي املؤشرات‬ ‫النصية التي تقودك إلى هذا االستنتاج؟ وهل هذه املعلومة التي َّ‬ ‫تم استنتاجها مهمة بالنسبة إلى الفهم الشامل‬ ‫َّ‬ ‫للمحكي؟»‪ .‬وبهذه الطريقة‪ ،‬سيكون التلميذ فضال عن ذلك في املستوى الذي يسمح له بأن ُي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ـميـز ما يتعلـق‬ ‫ّ‬ ‫ُ ّ‬ ‫ـشكـل تأويال ُمـب َـت َـك ًـرا‪ ،‬ذلك ألن األمر ّ‬ ‫املهم هو أن ال يقوم بإبعاد العمل االستنتاجي كلـه إلى داخل‬ ‫بالفهم عن ما ي‬ ‫ً‬ ‫عمليات التأويل التي غالبا ما ُيـنظر إليها باعتبارها ترفا في القراءة‪.‬‬ ‫اقتر ٌ‬ ‫احات في التصنيف‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫بالتدرج « و « القراءة بالفهم «‪.‬‬ ‫يصف برتراند جيرفي(‪ )1993‬الفهم على محور ثنائي القطب‪ « :‬القراءة‬ ‫ويستحضر التوتر الضروري بين هذين القطبين‪ ،‬ألن القراءة َّ‬ ‫الفعالة ال يمكنها أن تستبعد أحد هذين األخيرين‪.‬‬ ‫‪|68‬‬


‫ُ ّ‬ ‫ـرك ًزا انتباهه على َّ‬ ‫فعند القراءة بالتدرج‪ ،‬يسعى القارئ إلى القيام َّ‬ ‫املهمـات التي‬ ‫بأقل ما يمكن من االستنتاجات‪ ،‬م‬ ‫َ‬ ‫فهم ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫للمـضمر‪.‬‬ ‫عمل في العمق‪ ،‬أي أنها‬ ‫تـضمن تد ُّر َجـه‪ .‬والقراءة بالفهم هي فوق ذلك‬ ‫إبعاد ّ‬ ‫كلي لآلخر‪:‬‬ ‫ويحدد جيرفي(‪ )1993‬بوضوح شديد كيف أنه ال يمكننا أن ننصرف إلى أحد هذين التدبيرين مع ٍ‬ ‫َ‬ ‫« أن نقرأ معناه أن َّ‬ ‫نفهم‪ ،‬واألهمية املمنوحة لهذا التدبير أو ذاك تتعلق بأهداف القارئ‬ ‫نتدر َج وأن‬ ‫وصالحياته»(ص‪ .)43‬وفضال عن ذلك‪ ،‬فهو يذهب الى أن القراءة األدبية « تظهر في الوقت الذي ينصرف فيه‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫بالتعرف الى النص‪ ،‬لصالح تدبير الفهم الذي يقوده‬ ‫بالتدرج‪ ،‬الذي سمح له في املرحلة األولى‬ ‫القارئ عن التدبير‬ ‫ّ‬ ‫الى تعميق معرفته بالنص»(نفسه‪ ،‬ص‪ )97‬وعلى األرجح‪ ،‬فهو يضع التدبيرين داخل لحظات متتالية ويرتبهما في‬ ‫ُّ‬ ‫الوقت نفسه داخل التعلـم‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ثانيا يجعله ّ‬ ‫تعل ًـما ً‬ ‫متمي ًزا عن «القراءة االخبارية» القريبة من القراءة بالتدرج عند‬ ‫ويقترح بيير بيرتيي(‪)1999‬‬ ‫جيرفي‪َّ « :‬إن تجميع املعلومات في الذاكرة (االحتفاظ)‪ ،‬وتعيين العالمات َّ‬ ‫املعينة فعال بالتخزين البصري‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫(االستكشاف)‪ ،‬وتصور البقية املحتملة للنص (التوقع)‪ ،‬هو ما يشكل خطاطة سيرورة «القراءة األولى»(ص‪.)25‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ َ‬ ‫كاف لقراءة مؤلف صعب‪.‬‬ ‫ويوضح أن تفكيك العالمات املكتوبة الذي يتعلق بالقراءة البسيطة قد اتضح أنه غير ٍ‬ ‫فهما للغة ً‬ ‫وإذن البد من اللجوء الى قراءة ثانية ـ ليست بالضرورة الحقة باألولى ـ تأتي ً‬ ‫بعيدا عن ما تحيل عليه‬ ‫ً‬ ‫ومفيدا‪ « :‬القراءة الثانية ذات‬ ‫مباشرة‪ .‬ويفرض هذا العمل إعادة بناء املعنى الذي ال يبدو على الفور واضحا‬ ‫مفعول جعي وال تعرف االكتمال ً‬ ‫ألن االستكشاف والتعيين هما على الدوام خائبان‪َّ .‬‬ ‫أبدا» (ص‪َّ ،)25‬‬ ‫ويتبنـى‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ـتقاطعا‬ ‫كـانفا (‪ )1999‬هو اآلخر تعريفا للفهم ثنائي القطب‪ُ ،‬مـتحدثا عن «الفهم الوظيفي» و«الفهم األدبي»‪ُ ،‬م‬ ‫في ذلك مع أفكار جيرفي وبيرتيي‪ ،‬مع وجود بعض الفروق بينهم‪.‬‬ ‫من الفهم َ‬ ‫الح ّ‬ ‫ـرفي الى الفهم االستـنتاجي‪:‬‬ ‫َّإن التصنيف األكثر صوابا هو الذي تقترحه جوسلين جياسون(‪ ،)1990‬ألنها ال تقوم بحبس الفهم داخل توتر‬ ‫ُّ‬ ‫بين شيئين‪ ،‬بل هي تضعه على محور هو ثنائي القطب لكنه َّ‬ ‫مت ٌ‬ ‫ـصل زيادة على ذلك‪ ،‬وهذا هو التمثل الدقيق‬ ‫كثيرا‪ .‬فهي ّ‬ ‫الذي يناسب نشاط الفهم ً‬ ‫تميز بين نمطين من الفهم‪ ،‬الحرفي واالستنتاجي‪ ،‬تقريبا على طريقة جيرفي‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫التعلم‪ .‬وهي ال ّ‬ ‫تميز بينهما إال في درجة‬ ‫تدبير آخر أثناء‬ ‫تدبير على ٍ‬ ‫إال أنها ال تقوم وال في لحظة واحدة بتقديم ٍ‬ ‫التعقيد‪ .‬فالفهم الحرفي يهتم بما هو موجود على سطح النص‪ ،‬بطريقة ظاهرة‪ ،‬ومن دون ّ‬ ‫أي استنتاج‪ .‬أما الفهم‬ ‫ً‬ ‫تعقيدا‪ ،‬فإنه ينظر باألحرى في الروابط التي ُت َ‬ ‫ـنسـج في األعماق؛ وهو بذلك يقود القارئ‬ ‫االستنتاجي‪ ،‬وهو األكثر‬ ‫الى ّ‬ ‫سد الثغرات والفراغات الخالية أو املضمرة معطياتها‪.‬‬ ‫ُوت ّ‬ ‫ـميز جياسون بين ثالثة أنماط من االستنتاجات‪ :‬االستنتاجات املنطقية‪ ،‬ومكوناتها واردة داخل النص؛‬ ‫واالستنتاجات التداولية‪ ،‬وهي تقوم على أساس املعارف والصور النمطية للقارئ؛ واالستنتاجات املبتكرة‪ ،‬وهي‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫تعقيدا‪ ،‬ألنها تتطلـب الكثير من املعارف املسبقة والصور النمطية املناسبة‪ .‬وهذا النمط من العمل‬ ‫األكثر‬ ‫الخاص بالتأويل‪ ،‬ذلك ألن َّ‬ ‫ّ‬ ‫حصـة املواد املستحضرة من خارج النص هي األكثر‬ ‫االستنتاجي قريب من االبداع‬ ‫‪|69‬‬


‫ً‬ ‫حضورا هنا‪ .‬لكن هذا النمط من العمل َّ‬ ‫يتميـز عن التأويل باعتبار أنه يسعى دائما الى اعادة بناء املعنى الشامل‬ ‫للنص من أجل الزيادة في وضوحه من خالل ملء البياضات‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫تبعا لتعقيداتها َّ‬ ‫اتبي إال ً‬ ‫ال يمكن أن نضع مستويات الفهم هذه على ُس َّـلم تر ّ‬ ‫املقدرة‪ ،‬فالفهم االستنتاجي يتطلـب‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫مستوى من التجريد أكثر ُعـل ًـوا‪ .‬وعلى عكس الخطابات السائدة‪ ،‬فان مستويات الفهم هذه ال تظهر بطريقة‬ ‫دياكرونية عند التلميذ املفروض فيه أن يتعلم قراءة كل أنماط النصوص باللجوء في الوقت ذاته الى عمليات‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫الحرفي واالستنتاجي‪ .‬وال يمكن أن نـلزم التلميذ بفهم املواد الظاهرة في النص فقط بحجة أنه ال يزال‬ ‫الفهم‬ ‫صغيرا ًّ‬ ‫جدا (توفيرون‪1999 ،‬ب)‪.‬‬ ‫كيف نعـ ّـرف التأويل؟‬ ‫مكوناته‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫تأمـال في « ُم َـت ّ‬ ‫بناء للمعنى انطالقا من العناصر الظاهرة وامل َ‬ ‫ُ‬ ‫ـضمـرة للنص‪ ،‬فإن التأويل سيكون ُّ‬ ‫الفهم ً‬ ‫ـعدد‬ ‫إذا كان‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫هيرمينوطيقيا‪ .‬وبما أن التأمل واالستكشاف لم يعودا ينتميان‬ ‫النص «(كـانفـا‪ ،1999 ،‬ص ‪ ،)103‬واستكشافا‬ ‫ُ‬ ‫الفهم‪ ،‬فإن التأويل سيسعى باألحرى وراء «داللة»‪،‬‬ ‫تفسير ما الذي يرمي إليه‬ ‫إلى مجال التوافق الجماعي على‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫الدوال املمكنة‪ .‬وإذا كان املعنى في جزء منه‬ ‫وهي تحيل ايتيمولوجيا على فعل «التعيين»‪ ،‬أي القيام باختيار بين‬ ‫بداخل النص‪ ،‬فإن الداللة توجد بخارجه‪ ،‬يبتكرها قارئ ُم ّ‬ ‫ـؤول يبحث عن إنتاج عالمات جديدة انطالقا من‬ ‫تلك التي يالحظها داخل النص‪ .‬وتسمي توفيرون(‪1999‬ب) «نصوصا ُم َـتـوالدة» هذه البنيات املتعددة املعنى التي‬ ‫تثير في الغالب عملية التأويل‪.‬‬ ‫عالمة ّ‬ ‫متكرر ٍة‪ ،‬يقترح تأويله الذي يقوم‬ ‫ّإن القارئ‪ ،‬وهو َيـد ُرس النص عن قرب‪ ،‬ويدرس مختلف تواردات‬ ‫ٍ‬ ‫يدل عليه‪ ،‬بل األحرى أننا ُّ‬ ‫بابتكاره‪ « :‬يقتض ي تأويل ّ‬ ‫نص ما أن ال أحد يعرف ما ُّ‬ ‫نظن أنه قد يعني هذا الش يء أو‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ذات ما (القارئ) حول ش ٍيء ما (النص)‪ ،‬حتـى عندما تقتنع‬ ‫ذاك‪ .‬وإذن‪ ،‬فالتأويل ُيـنظ ُـر إليه باعتباره وجهة نظر ٍ‬ ‫ُ‬ ‫الذات ّ‬ ‫بأن وجهة نظرها هي الوحيدة املمكنة «(أولسون‪ ،‬في‪ :‬جروسمان‪ ،1999 ،‬ص ‪ .)152‬إال أن وجهة نظره‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ـمكنات أخرى‪.‬‬ ‫ـمكن من ُم‬ ‫ٍ‬ ‫هذه لن تكون أبدا هي الوحيدة املمكنة‪ :‬ستكون دائما عبارة عن م ٍ‬ ‫ـوليًـا كما هو الحال بالنسبة إلى نظر القارئ في عملية الفهم‪ .‬فال يمكننا أن ُن ّ‬ ‫ّإن َن َـظ َـر املُ ّ‬ ‫ـؤول لم يعد ُش ُـم ّ‬ ‫ـؤو َل في‬ ‫ّ‬ ‫َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل مكونات ّ‬ ‫الوقت ذاته َّ‬ ‫وباألخص من أجل أن‬ ‫فاملؤول ُيـركز على العناصر التي تـش ُّـد اهتمامه‬ ‫نص ما‪ .‬وإذن‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ً‬ ‫داللة ال تظهر في النص َّ‬ ‫البد أن تـستوحى منه بطريقة ظاهرة‪ .‬وإذن‪ ،‬فإن هذا العمل‬ ‫لكنـها التي‬ ‫يستخرج منها‬ ‫تجز ّ‬ ‫يئي‪ ،‬ينجذب الى الداخل‪ ،‬ويعود الى النص ـ يسمح املعنى االيتيمولوجي لعبارة «داللة»‪ ،‬الذي يحيل على‬ ‫ّ‬ ‫الشمولي للبنيات املعجمية‬ ‫«التعيين»‪ ،‬بهذا النوع من التقارب‪ ،‬بينما نجد الفهم يؤدي الى التراجع‪ ،‬والى الصوغ‬ ‫والتركيبية ـ كأنه قوة ُتـبعدنا نحو الخارج‪ .‬ففي التأويل‪ّ ،‬‬ ‫يتم تكبير قرائن من النص داخل عملية استكشاف‬ ‫ُ‬ ‫عالمات أخرى من خارج‬ ‫ممكن من املمكنات‪ .‬وإذن‪ ،‬فإن املعنى املفهوم هو الذي يعرف التقطيع‪ ،‬ونجعله يواجه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬

‫‪|70‬‬


‫َ‬ ‫املؤ َّولة ُتـغني املعنى املُ َـش َّـيد‪ ،‬ألنها ُ‬ ‫َ‬ ‫عناصر النص عندما‬ ‫ستـغذي‬ ‫النص‪ .‬وعند العودة‪ ،‬فإن هذه العالمة الجديدة‬ ‫ّ‬ ‫وضع اعتبار ّ ٍي‬ ‫توافقي ما‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تحصل على ٍ‬ ‫إن التراث البيداغوجي يضع التأويل دائما في مرتبة أعلى من الفهم‪ :‬وال ينبغي األخذ بهذه التراتبية لحظة ظهورهما‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫تجريدا‬ ‫في املنهاج الدراس ي‪ ،‬بل هي ُت ُ​ُـؤخـذ بعين االعتبار في الكفايات املكتسبة بواسطة التأويل الذي يفرض‬ ‫ّ‬ ‫مجرد اختيار ً‬ ‫ً‬ ‫دق ًة من ّ‬ ‫معنى ما‪ .‬ذلك ألنه يستعين‪ ،‬من‬ ‫كفايات أكثر‬ ‫تعقيدا‪ .‬فاالبتكار يفرض‪ ،‬في الواقع‪،‬‬ ‫أكثر‬ ‫ٍ‬ ‫بين أشياء أخرى‪ ،‬بثقافة القارئ‪ ،‬ومعارفه‪ ،‬واستعداداته‪ ،‬وبعض مفاهيم التاريخ‪ ،‬أو األكثر من ذلك‪ ،‬أنه‬ ‫ّ‬ ‫يستعين‪ ،‬من داخل األدب‪ ،‬بالنظريات األدبية‪ .‬وينبغي للتلميذ أن يتعلم في وقت مبك ٍـر ّأن عملية التأويل ال ترمي‬ ‫ًّ‬ ‫َ‬ ‫دالالت‬ ‫يعمل على إبراز‬ ‫وفيـة ملضمونه‪ ،‬بل األولى أن‬ ‫الى استخدام النص لصالح فرضيات تأويلية ال تبقى‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫خاصـة بالتأويل يثير مسألة الحدود الهرمينوطيقية ً‬ ‫َ‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫ـستوحـى مباشرة من النص‪ .‬ذلك أن ابتكار‬ ‫ت‬ ‫ٍ‬ ‫عالمات ّ ٍ‬ ‫هذه الحدود التي بتجاوزها تتحول املغامرة الى مخاطرة‪ .‬وبالفعل‪ ،‬من الضروري أن َند ّرس أن التأويل هو أوال‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫وقبل ّ‬ ‫كل ش يء صوغ اجتماعي‪ ،‬وصوغ خطابي يستتبع بالضرورة مسؤولية‪ .‬ومن أجل منع هذه التجاوزات‬ ‫َ َ‬ ‫يؤسـس « التأويالت على ّ‬ ‫التأويلية‪ ،‬البد لألستاذ من أن ّ‬ ‫حد أدنى من القواعد»(كـانفـا‪ ،1999 ،‬ص‪ .)103‬ومع‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫مستمد ٍة من النظريات األدبية‪ :‬قد تؤدي‬ ‫أدوات‬ ‫جامد من‬ ‫قالب‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ذلك‪ ،‬ال ينبغي لهذه القواعد أن تبقى سجينة ٍ‬ ‫اللغة الواصفة لهذه األدوات في بعض األحيان الى ارتباك كبير بسبب طابع خطابها الغريب الذي غالبا ما‬ ‫َ‬ ‫ستخدم في القسم كمفاهيم جامدة(جورو‪.)1999 ،‬‬ ‫ُي‬ ‫ّ‬ ‫البد للدالالت َّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫الخاص بالفهم‪ .‬فمن واجب املعلم أن يبحث عن‬ ‫املقدمة أن تسعى نحو التفسير‪ ،‬ونحو التوافق‬ ‫ُ ّ‬ ‫نوع من التوضيع مع التالميذ بإخراجهم من تأويالتهم امل َـركزة على عواملهم الذاتية‪ .‬ومن أجل بلوغ ذلك داخل‬ ‫ٍ‬ ‫ًّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫وافر من املرجعيات السوسيوثقافية‪ ،‬مدرسية كانت‬ ‫القسم‪ ،‬البد أن نـبين للتالميذ أنه بإمكانهم استدعاء ٍ‬ ‫عدد ٍ‬ ‫أو غير مدر ّ‬ ‫سية‪ :‬تلفزيون‪ ،‬سينما‪ ،‬تناص‪ ،‬مرجعيات تاريخية أو معاصرة‪ ،‬صور نمطية مرتبطة باملحكيات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأخيرا‪ ،‬من أجل أن يكون التأويل متماسكا‪ ،‬البد‬ ‫والشخصيات واألفكار واألحداث واملوضوعات والرموز‪ ،‬الخ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫النص‪ ،‬ومع قدر َ‬ ‫من أن يتجاوب مع قدر َ‬ ‫أكبر من العالمات األدبية‪.‬‬ ‫أكبر من تشاكالت‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُت ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ـميـز توفيرون(‪1999‬ب) بين نمطين في العمل التأويلي‪ ،‬ينتمي األول ربما الى الفهم‪ « :‬ما نسمـيه « تأويل ‪»1‬‬ ‫ّ‬ ‫( تأ‪ )1‬هو سلسلة من االختيارات املحلية للمعنى فيها يوجد تعدد االختيارات التي تساهم في بناء تمث ٍـل (من بين‬ ‫ومتماسك للحبكة»(ص‪ .)20‬وبما أنها تستبعد قراءة املُ َ‬ ‫ـضمـر من الفهم‪ ،‬فال نستغرب إال‬ ‫شامل‬ ‫تمثالت أخرى)‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫خاصـة بالفهم‪ :‬انتقاء ً‬ ‫كفايات ّ‬ ‫معنى‪ّ .‬أما النمط الثاني الذي تقوم بتعريفه‪ ،‬وهو‬ ‫قليال أن نجد في تعريفها للتأويل‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫كل ّ‬ ‫كلية الى تعريفنا للتأويل‪ « :‬إننا نطرح أيضا ّأن ّ‬ ‫ّ‬ ‫نص يستدعي تأويال من‬ ‫خالص‪ ،‬فهو ينتمي‬ ‫إبداعي بشكل‬ ‫ٍ‬ ‫النمط ‪(2‬تأ‪ )2‬باملعنى الهرمينوطيقي للعبارة‪ ،‬وهو يأتي بعد الفهم‪ ،‬لكنه يستطيع أن ُي َـع ّدله بالعودة‪ ،‬ليس الى «‬ ‫ّ‬ ‫ما الذي يقوله النص؟»‪ ،‬بل الى « أبعد ّ‬ ‫النص لي؟ ما العبرة أو الدرس أو‬ ‫ممـا يقوله النص‪ ،‬الى ما الذي يقوله‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الحمولة الرمزية… التي يمكنني استخراجها منه؟»(ص‪ .)21‬فالتأويل الثاني (تأ‪ُ )2‬ي َـولد حركة معاكسة للتأويل‬ ‫‪|71‬‬


‫َ‬ ‫األول(تأ‪ )1‬بما أنه ّ‬ ‫تأم ٌل في املعنى املتعدد‪ .‬وإذن‪ ،‬فالتأويل يفرض حركة ذهاب وإياب بداخلها يحتفظ القارئ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بعناصر متعددة املعنى يقوم ببسطها على النص ً‬ ‫جية‪ّ :‬إنهما ـ أي التأويالن ـ يشتغالن ً‬ ‫معا في‬ ‫مانحا َّإياه داللة خار‬ ‫وئام‪ ،‬بحيث يغذي الواحد منهما اآلخر بطريقة ال تعرف االكتمال ً‬ ‫أبدا‪.‬‬ ‫ممتاز من أجل أن ّ‬ ‫ٌ‬ ‫َّإن إدراج الخطاب االيديولوجي داخل النصوص هو ٌ‬ ‫نوضح هذا التكامل في تدريس‬ ‫مثال‬ ‫َ‬ ‫التأويل‪ .‬فمن املؤكد أننا قادرون على فهم ايديولوجية ّ‬ ‫مساءلة‬ ‫موضع‬ ‫نص ما‪ ،‬لكن فقط عندما يكون ذلك‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫واضحة‪ .‬والحالة هي كذلك في املقال االفتتاحي(لجريدة ما) أيضا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ففي حالة الرواية‪ ،‬ال يمكن‬ ‫بطريقة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫أن نتحدث عن فهم االيديولوجية التي تـسند تشخيصا َّ‬ ‫معينا للواقع؛ واألجدر أن نؤولها‪ ،‬ذلك ألن القراءة‬ ‫ّ‬ ‫االيديولوجية ّ‬ ‫تتطلـب ابتكار عالمات ُم َـبـن َـي َـن ٍـة بواسطة معارف تقع خارج النص‪ .‬فهي ٌ‬ ‫نقل ملعطيات‬ ‫لنص ما‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫النص الى قراءة تتغذى من معايير خارجية‪ ،‬بالنظر الى النماذج اإليديولوجية التي َي ُ‬ ‫ّ‬ ‫ـنسـبها املـؤول الى النص‪ .‬فال‬ ‫ٍ‬ ‫وجود لهذه النماذج في داخل النص ولو حتى بطريقة مضمرة؛ فهي ال توجد بالضبط في موضع محدد في داخل‬ ‫ُ‬ ‫النص‪ ،‬وحضورها هو بشكل ّ‬ ‫عام أكثر انتثا ًرا ال يسمح بإسنادها الى الفهم‪ .‬وبالطريقة نفسها يمكن أن ننظ َـر الى‬ ‫ٍ ٍ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫النقد النفس ي الذي يستعين بمعارف ليست مـدونة داخل النص ّ‬ ‫شكل من األشكال‪.‬‬ ‫بأي‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫نحترس من حصر التأويل في مجال األدب وحده (جورو‪ .)1999 ،‬فهناك أنماط أخرى من‬ ‫من الضروري أن‬ ‫النصوص الالتخييلية‪ ،‬كاملقاالت االفتتاحية (للجرائد) واألفالم الوثائقية والكاريكاتورات والخطابات االشهارية‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫افتتاحي يمكن أن يرتسم موقف‬ ‫مقال‬ ‫والسياسية‪ ،‬الخ‪ ،.‬هي قابلة للتأويل أيضا‪ :‬خلف الرسالة التي تبلغنا من ٍ‬ ‫اكي أو مناهض للعقالنية‪ ،‬الخ‪ .‬ذلك ألن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جمهوري أو نيوليبر ّ‬ ‫ّ‬ ‫الي أو اشتر ّ‬ ‫عمومي‬ ‫خطاب‬ ‫كل‬ ‫استبدادي أو‬ ‫مذهب‬ ‫ذو‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫إال ويكون حامال للقيم واإليديولوجيات واملقاصد غير امل َـد ّونة داخل النص لكن من املمكن أن ن َـتـع َّـقـبها بواسطة‬ ‫ًّ‬ ‫املعارف واألدوات التي نمتلكها‪ُ .‬‬ ‫ٌّ‬ ‫خاصـا بالقراءة األدبية‪ ،‬بل هو باألحرى‬ ‫خاص بالبنيات‬ ‫وبناء الدالالت ليس‬ ‫تتحدد ّ‬ ‫املتوالدة التي َّ‬ ‫بتعددية معناها‪.‬‬ ‫ومثل أهل األدب‪ ،‬فالصحفيون ينصرفون ً‬ ‫ُ‬ ‫غالبا إلى العمل بالتأويل مع نتائج االنتخابات أو استطالعات الرأي‪.‬‬ ‫َ‬ ‫فأن َ‬ ‫نفهم أرقام استطالع رأي ٍُ ما ٌ‬ ‫أمر يعود الى قراءتها من أجل أن نعرف ما هي النسبة املئوية لهذا الجزء من‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫الساكنة الذي يدعم ً‬ ‫حزبا ما‪ ،‬وما هو أحد الجنسين الذي يدعم الجنس اآلخر‪ ،‬الخ‪ّ .‬أما التأويل فإنه يقود باألولى‬ ‫ّ‬ ‫لكنـها ُ‬ ‫الى داللة جديدة ال تظهر بوضوح داخل املعطيات املُ َـج َّـمـعة‪ّ ،‬‬ ‫تصد ُر عن تلك القراءة التي يقوم بها املُ َـحـلـلون‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫عديدة باعتباره ً‬ ‫تعبيرا عن‬ ‫أي‬ ‫لهذه املعطيات‪ .‬وهكذا‪ ،‬يمكن أن نؤول انخفاض‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫نسبة ما بعد استطالعات ر ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫ابتكار‪ ،‬فهي ال تظهر قط من خالل‬ ‫سياسة ما‪ .‬والداللة املسنودة الى هذه األرقام هي‬ ‫ناخب ما من‬ ‫استياء‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫املعطيات‪ ،‬وال ّ‬ ‫ملمكن من املمكنات املحتواة في أرقام استطالعات الرأي‪.‬‬ ‫حتى بطريقة ضمنية؛ ّإنها استكشاف‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ومن أجل بلوغ هذه الداللة‪ ،‬يستخدم املحلـلون معارفهم املتعلقة بالوضعية السياسية‪ ،‬أو بالتاريخ السابق‪ ،‬أو‬ ‫بالناخب‪ ،‬الخ‪ .‬وهكذا‪ ،‬تصبح األرقام َّ‬ ‫ماد ًة من أجل ّ‬ ‫نص جديد‪ .‬وال يمكن لهذا التأويل أن يطمح الى الحصول‬ ‫ٍ‬

‫‪|72‬‬


‫على الوضع االعتبار ّي للمعنى املقبول من طرف الجميع إال إذا استطاع أن يحصل على إجماع ّ‬ ‫نسبي‪ ،‬ويعني ذلك‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫تفسيرا معقوال‪.‬‬ ‫أن ُيـد َرك باعتباره‬ ‫السيميوزيس عند بورس‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ّإن التأويل‪ ،‬مثل الفهم‪ُ ،‬مـست ً‬ ‫ـوحى بالضرورة من بيوغرافية القارئ‪ :‬من تجاربه االجتماعية والثقافية‪ ،‬من‬ ‫معارفه‪ ،‬من أحاسيسه‪ ،‬من أذواقه‪ ،‬الخ‪ .‬و» ّ‬ ‫املؤوالت « عند شارل سندرس بورس (في‪ :‬فرانكور‪ ،1993 ،‬ص‪)43‬‬ ‫هي هذه العالمات املُ َ‬ ‫ـسترج ـعـة بواسطة عملية التأويل‪ .‬غير أنه من الضروري أن نحترس من َحصر التأويل في‬ ‫ّ‬ ‫َ ّ‬ ‫الحميمي للقارئ‪ ،‬ذلك ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألن معارفه كلـها هي نوع من الصوغ االجتماعي النشيط الذي ُيـشـك ُـل قراءاته بشكل‬ ‫العالم‬ ‫َ ُ​ُ‬ ‫ُمـع َـت َـبـر‪ .‬وإذن‪ ،‬فاإليديولوجية تلعب دو ًرا ً‬ ‫أساسا في عملية التأويل‪ ،‬ذلك ألنها تـحكـم القارئ‬ ‫ماكرة‪ ،‬من‬ ‫بطريقة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ َُّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫دون أن تكون مـسـماة‪ « :‬إن اإليديولوجيات‪ ،‬التي نـعـرفـها باعتبارها أنساقا إلنتاج املعنى وإلسناد الدالالت‪ ،‬هي‪،‬‬ ‫ُ ّ‬ ‫ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫مجموعات من العالمات املُ ّ‬ ‫ـؤولة التي ت َـنـظم الواقع وتسعى إلى تنظيمه في كـلـيته»(فرانكور‪،‬‬ ‫من منظور بورس‪،‬‬ ‫ً‬ ‫داللة ما‪.‬‬ ‫وحتما‪ ،‬فهذه العالمات الفردية والجماعية هي التي تساهم في تشييد‬ ‫‪ ،1993‬ص‪.)59‬‬ ‫ٍ‬ ‫تحتل ّ‬ ‫ّ‬ ‫املؤولة‪ ،‬بالنسبة الى بورس (في‪ :‬فرانكور‪ ،1993 ،‬ص‪ ،)43‬وضعين مختلفين‪ :‬من جهة‪ ،‬هناك العالمات‬ ‫َ‬ ‫الفردية والجماعية التي ُي ُ‬ ‫ـعيد القارئ تنشيطـها داخل تأويله؛ ومن جهة أخرى‪ ،‬هناك الداللة التي تخضع لها‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫جديدة باعتبار أنها عالمة جديدة مطروحة للتأويل‪ .‬وفي هذا العمل‪،‬‬ ‫تأويالت‬ ‫العالمة واملدعوة الى املساهمة في‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ـحو دالالت جديدة َسـت َ‬ ‫ـست ُ‬ ‫كل تأويل من خالل َرمي العالمة َن َ‬ ‫فاألنا املبتكرة تقوم ًإذا بإبالغ ّ‬ ‫ـعاد‪ ،‬هي األخرى‪ ،‬من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ـؤولين ُ‬ ‫طرف ُم ّ‬ ‫جد ٍد‪.‬‬ ‫ّ ّ ُ ُ‬ ‫تعال ًـقا مع مجموع التجارب التي عاشها املُ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ـؤول‪ ،‬سواء كانت أو‬ ‫ومثل هذه الطريقة في تأويل عالمات الفن تؤلـف‬ ‫َّ‬ ‫بكل ّ‬ ‫تتغذى منها ثقافته َّ‬ ‫لم تكن ذات طبيعة فنية‪ ،‬وهي أشبه ّ‬ ‫الحيـة‪ .‬وهذه التجربة‪،‬‬ ‫املؤوالت الجماعية التي‬ ‫َ‬ ‫املؤ َّول ُوم ّ‬ ‫َ ُ​ُ‬ ‫ؤوله واملوضوع الذي يتـح ّـمـل‬ ‫وإياب تنشأ بين العمل‬ ‫ذهاب ٍ‬ ‫تـنظـر اليها سيميوطيقا األدب كأنها حركة ٍ‬ ‫َ‬ ‫مسؤوليتـه(…)‪ .‬ولهذا َّ‬ ‫البد من اعتبار التجربة الفنية سيميوزيس‪ ،‬ويعني ذلك أنها عالمة دينامية‪،‬‬ ‫هذا األخير‬ ‫عل للتدالل‪ ،‬وإذن فهي ٌ‬ ‫وف ٌ‬ ‫فعل للتأويل(ص‪.)66‬‬ ‫َ‬ ‫ً ً‬ ‫ُ‬ ‫وإذن‪ ،‬فالسيميوزيس يستلزم أن نـعيد مرة ثانية وضرورية تداو َل الدالالت‪ ،‬فإنه بذلك نجعل السلسلة التأويلية‬ ‫ُ ُ ّ ُ ّ‬ ‫ً‬ ‫تعميم ضرور ٍية للقراءات‪.‬‬ ‫جديدا بما أنها تندرج ضمن عملية‬ ‫ـؤولة وتـغذي تأويال‬ ‫النهائية‪ :‬بال انقطاع‪ ،‬تبتكر امل‬ ‫ٍ‬ ‫صوغ اجتماعي ضروري للتأويل‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫ذات في قلب‬ ‫تحيين‬ ‫َي ُـم ُّـر التأويل بالضرورة من املواجهة االجتماعية التي تمنحه املشروعية‪ .‬فهو‬ ‫لداللة من طرف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عشيرة ما‪ ،‬بالقدر الذي تساهم به في السيميوزيس الذي ال ينقطع‪ّ « :‬إن تأويل النصوص يقوم بإبراز سيرورات‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫إجماع ولو‬ ‫الفهم عند القارئ»(جورو‪ ،1999 ،‬ص‪ .)99‬وأمـا املعنى فإنه مقبول ـ ألنه يحصل في األحوال كلها على‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫كان ً‬ ‫ً‬ ‫ومحددا ــ؛ وهو ال يحتاج الى النشر والذيوع من أجل أن يحصل على مشروعيته‪ .‬وباملقابل‪،‬‬ ‫وحيدا‬ ‫معنى‬ ‫ّ‬ ‫يستمد مشروعيته من هذا الصوغ االجتماعي‪ .‬ومن دون صوغ خط ّ‬ ‫ابي‪ ،‬ومن دون مواجهة مع اآلخر‪ ،‬ال‬ ‫فالتأويل‬ ‫‪|73‬‬


‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫الوضع‬ ‫للمؤول أن يسهر على أن يتجاوز تأويلـه‬ ‫يمكن االعتراف بالتأويل وسيبقى ابتكا ًرا شخصيـا‪ .‬ولهذا ينبغي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫االعتباري للعالمة الفردية من أجل أن يصبح عالمة اجتماعية‪ ،‬ومن أجل أن يكون قاد ًرا على املساهمة في تداول‬ ‫العالمات‪ ،‬أي في السيميوزيس‪.‬‬ ‫ُ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُيـم ّـيز جان مولينو(‪ )1989‬بين عمل املـؤول وعمل املـحـلل‪ ،‬هذا الذي ينبغي له أن يذهب بعيدا في تشييد تفسيره‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تفسيرا قابال للفحص‪ :‬و « الحدود للتأويل»(ص‪ ،)45‬ذلك ألنه‬ ‫ذلك ألنه ال يقوم باالبتكار فحسب‪ ،‬بل إنه يقترح‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫إبداع للداللة‪ّ .‬أمـا ُ‬ ‫تقرير عنه‪ .‬وبذلك‬ ‫عمل املحلـل فهو مختلف‪ « :‬إنه يرمي ال الى تأويل النص‪ ،‬بل الى تقديم‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫فاملحلـل َيـد ُرس « ّ‬ ‫واحد من األبعاد الثالثة (عالمات‬ ‫كل‬ ‫انفكاك بين التأويل والتحليل»(نفسه)‪.‬‬ ‫يحصل إذا‬ ‫ٍ‬ ‫ُ ّ‬ ‫النص‪ ،‬وعالمات املـؤلف والقارئ)‪ ،‬ويخلق باستمر ٍار مواجهة بين هذه وتلك»(نفسه)‪ .‬فاملفروض فيه هو الرؤية‬ ‫ً‬ ‫الشمولية التي ال يملكها ّ‬ ‫عشيرة من َّ‬ ‫القراء‪ ،‬وإذا كان األمر‬ ‫املؤول‪ ،‬بما أنه سيجعل عاجال أو آجال قراءته تواجه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫يستمد ّ‬ ‫يستمدها من تعقيد النص الذي‬ ‫املؤول ـ املحلـل صالحية عمله؟ يمكنه أن‬ ‫هكذا‪ ،‬فمن أين يمكن أن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫تحديدا بأنه ُم َـر َّك ٌب ومتعد ُد املعنى‪ ،‬وذلك بأن َ‬ ‫ُي َّ‬ ‫يقترح مسلكـا سيميوطيقيـا من أجل النفاذ الى هذا النص‪:‬‬ ‫ـعرف‬ ‫ّ‬ ‫املحل ُـل األسئلة على النص؛ وعليه أن يؤسس ويقترح النماذج ّ‬ ‫املحددة والصالحة من أجل ّ‬ ‫ـطرح ّ‬ ‫« َي ُ‬ ‫الرد‬ ‫املؤول ـ‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫من داخل النص»(ص‪ .)50‬وهكذا‪ ،‬يمكن أن ُت َـت َ‬ ‫علمي ـا‪.‬‬ ‫ـرج َـم خاصية املحـلـل على أنه يؤدي واجبا‬ ‫تكاملية الفهم والتأويل‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫وحيدة يكون املؤلف هو من يسعى الى‬ ‫سالة‬ ‫ال ينبغي إلعادة تنظيم املعنى املالزمة للفهم أن تكون مختزلة في ر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫الفهم بالنفاذ الى تمث ٍل للعالم‪ « .‬ما ينبغي لنا فهمه ليس هو الحياة النفسية ملن‬ ‫إبالغها‪ ،‬بل األولى أن يسمح‬ ‫يتحدث من وراء النص‪ ،‬بل هو هذا الش يء الذي يتحدث عنه النص(…)‪ ،‬هو هذا النوع من العالم الذي يسعى‬ ‫ُ َ َّ‬ ‫املـؤلف الى إظهاره»(بيرتيي‪ ،1999 ،‬ص‪ .)95‬وسيكون التأويل هو بالضبط هذه املحاولة في تفسير تعددية‬ ‫العوالم‪ .‬فهو يسعى الى أن « يستخرج عوالم األدب املمكنة من عالم الواقع الفردي واملابين ـ فردي»(نفسه)‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وإجماال‪ ،‬فإن القراءة تـؤسس عوالم؛ وإذا كانت تبحث عن فهم معنى النصوص بالتحايل على الحواجز‬ ‫يتغير ً‬ ‫املوضوعة في الطريق‪ ،‬أو بتأويلها من خالل منحها دالالت جديدة‪ ،‬فإن هدف القارئ ال ّ‬ ‫أبدا‪ :‬أن َيـعرض‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ن َ‬ ‫فسـه داخل عالم َ‬ ‫آخر من أجل أن َيـتـب َّـيـن من خالله صورة عن ذاته‪ ،‬وأن يشعر بالقليل من األلفة من خالل‬ ‫ٍ‬ ‫صوره النمطية‪.‬‬ ‫صعب أن ُن ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ـعين من بين املحطتين تلك التي لها األسبقية‪.‬‬ ‫وداخل هذا البناء للعوالم املمكنة‪ ،‬ي َّـتـضح كم هو‬ ‫ّ‬ ‫هل ينبغي لنا أن نفهم كي ُن ّ‬ ‫بجواب ُيـؤكده العديد من الباحثين‪ :‬إن عالمة‬ ‫ـؤول في ما بعد؟ لقد أتينا في هذه املقالة‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫بعيد عن الكلمة والجملة؛ ّأمـا عالمة التأويل‬ ‫الفهم خاضعة ملقاييس القارئ ومعارفه‪ ،‬من خالل صوغ‬ ‫مفهومي ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫وينتج عن ذلك أن هذه ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫املستم َّـدة من عمل التأويل تعود ُلتـغـذ َي‬ ‫املؤوالت‬ ‫جديدة‪.‬‬ ‫دالالت‬ ‫فهي مقذوفة نحو‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫النص َّ‬ ‫مجر ًدا منها قبل التحليل امل َـع َّـمق‪ .‬وكي ال نذهب‪ ،‬مثل فاندردورب(‪)19992‬‬ ‫فهمـنا لتعددية املعنى التي كان‬ ‫إلى أن الفهم يأتي بعد التأويل ـ ألن هذا السجال حول األسبقية الكرونولوجية ال يسمح بالتقدم ً‬ ‫كثيرا‪ ،‬فإننا‬ ‫‪|74‬‬


‫َّ‬ ‫نؤكد أنهما يشتغالن في تالزم‪ ،‬ويغترف ُّ‬ ‫اءة‬ ‫كل ٍ‬ ‫واحد من العالمات التي أنتجها اآلخر‪ .‬وهنا سيتحقـق تحديد قر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫مدعوة الى التأويل‪ ،‬ويكون من الضروري أن يـقـدم السجالن ً‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫معا في تالزمهما‬ ‫ومنتجة‪ :‬املعطيات املفهومة‬ ‫غني ٍـة‬ ‫ٍ‬ ‫منذ التعلمات األولى للقراءة‪ .‬وهكذا‪ ،‬يستكشف القارئ ممكنات عالمات النص من أجل أن َ‬ ‫يعود الى إغناء فهمه‬ ‫جديدة هو نفسه من ابتكرها ومنحها الصالحية من داخل النص‪.‬‬ ‫دالالت‬ ‫بواسطة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫َُّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫نظر حول»‪ ،‬بل سيعود تأويال‬ ‫والحاصل أن « الفهم قد يـمـثل استقرارا للتأويل‪ :‬فلن يعود قط مجرد «وجهة ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ومشترك (أولسون‪ ،‬في‪ :‬جروسمان‪ ،1999 ،‬ص ‪ .)152‬وقد َّ‬ ‫ُيـفترض أنه مقبول‬ ‫سمـي َـنا استقر َار التأويل هذا‪،‬‬ ‫االجتماعي‪ً « ،‬‬ ‫ً‬ ‫معنى»‪ ،‬ألنه يساهم في فهم جديد‪ .‬ويضاف الى ذلك أن املعنى ُ‬ ‫ّ‬ ‫مدع ٌـو‬ ‫تحديدا الى مجال‬ ‫الذي ينتمي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫باستمرار الى التحول‪ ،‬في ضوء املؤوالت الجديدة التي تـغـذيه‪ .‬فطابعه التوافقي هو ُ‬ ‫ّ‬ ‫الخطابي‬ ‫وليد الصوغ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫معيـنة‪ ،‬وأن َ‬ ‫َّ‬ ‫دالالت َّ‬ ‫للتأويالت املتالحقة التي ترمي‪ ،‬بعد أن َّ‬ ‫تتحصـن حول‬ ‫تلتزم الصمت‬ ‫يتم إثباتها‪ ،‬إلى أن‬ ‫ٍ‬ ‫بخصوص تفسير النص‪.‬‬ ‫امتدادات ديداكتيكية‬ ‫ً َ َّ ً‬ ‫ّ‬ ‫من أجل أن يكون تعل ُـم هذه الحركة الدينامية في القراءة األدبية يسيرا ومبـسطـا‪ ،‬وضعنا‪ ،‬في الجدول رقم ‪،1‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ـستخلـصة من مقالتنا ذات الطبيعة التركيبية النقدية‪َّ .‬‬ ‫والبد من قراءة هذا الجدول‬ ‫األقطاب الخمسة امل‬ ‫ً‬ ‫غير متقن أحيانـا‪ ،‬لألنشطة املُـت َ‬ ‫باعتباره تفكيكًـا‪َ ،‬‬ ‫ـض َّـمـنة في نشاط القراءة األدبية‪ ،‬في الفهم كما في التأويل‪ ،‬أي‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خطاطة ّ‬ ‫َ‬ ‫البد من ربطها طبعـا بمجموع ما تبلور في هذه املقالة بقصد التدقيق في النشاط الذي يستتبعه‬ ‫باعتباره‬ ‫ّ‬ ‫عنصر من عناصر الثنائيات‪.‬‬ ‫كل‬ ‫ٍ‬ ‫مثال‪ :‬رواية « زبد األيام « للكاتب بوريس فيان‬ ‫ّ‬ ‫موجزا ًّ‬ ‫ً‬ ‫جدأ من أجل تعلـم ـ تدريس الفهم والتأويل في النصوص األدبية من خالل‬ ‫وفي سبيل الختم‪ ،‬نقترح مثاال‬ ‫إطار‬ ‫ديداكتيكية‬ ‫متوالية‬ ‫استحضار‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫موضوعة من أجل تالمذة اإلعدادي بالكبيك(‪ 18‬ـ ‪ 19‬سنة)‪ .‬ومن أجل بناء ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً ُ‬ ‫للتعلـم‪ ،‬تصورنا مع التالميذ قبل القراءة وضعية ـ مشكلة نواتـها التأويلية هي تحريف شفرات الحكاية الخرافية‬ ‫ً ّ‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫بوضوح ال باعتباره خاتمة سعيدة متوقعة‪،‬‬ ‫مطروح‬ ‫من طرف الكاتب بوريس فيان في روايته‪ :‬زبد األيام‪ :‬فالزواج‬ ‫ٍ‬ ‫بل باعتبا ه الحدث الذي سيؤدي الى انطالق مصائب كوالن وعصابته‪ .‬وما أن ّ‬ ‫نتقدم بهذا املسلك التأويلي حتى‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫تنطلق ّ‬ ‫فعلي ـا عملية الفهم والتأويل‪ :‬قبل القراءة‪ ،‬يقرأ املـد ّر ُ‬ ‫مقاطع مستهدفة من داخل النص‬ ‫مرتفع‬ ‫بصوت‬ ‫س‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الخاصة محلــال‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬مشهد الزواج الغريب الذي سيظهر به‬ ‫ُيـبرز من خاللها عملياته االستنتاجية‬ ‫املرض ألول مرة‪ .‬والتالميذ مدعوون على الفور الى تأويل مقطع ثان ُي ّ‬ ‫ُ‬ ‫ـوضح العالم العدائي الذي نشأ فيه كوالن‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫عناصر النص باملسلك‬ ‫بمساعدة من ُمـد ّرسهم ورفاقهم‪،‬‬ ‫وبالتدرج‪ ،‬سيتعلـمون كيف يربطون‪،‬‬ ‫بعد زواجه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫واضح داخل الرواية‪.‬‬ ‫التأويلي الذي ال َيـظهر بشكل‬ ‫ٍُ‬ ‫أثناء القراءة الفردية‪ ،‬تتحدد ّ‬ ‫مهمـة التالميذ في تعميق التأويل الذي بدأت ترتسم معامله‪ ،‬مع مد ّرسهم‪ ،‬ساعين‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بقدر أكبر من التشاكالت‪ .‬وفي مثل هذا اإلطار الديداكتيكي‪ ،‬ال يفرض املد ّرس قراءة وحيدة‪ ،‬بل يسمح‬ ‫الى ربطه ٍ‬ ‫‪|75‬‬


،‫ ألن املتعلم ـ القارئ ال يمكنه‬،‫مطروحة منذ بداية االشتغال‬ ‫بمسألة‬ ‫عالقة‬ ‫للتالميذ ببناء كفاياتهم التأويلية في‬ ٍ ٍ ٍ ّ ‫ أن ينخرط في‬،‫بمفرده‬ ‫مالئمة تستجيب لخصائص النص من دون‬ ‫ لن يتم َّـكــن من عزل‬:‫مهمـة التأويل‬ ‫مسألة‬ ٍ ٍ ً ّ َ​َ ‫تأويل ُيـغذيه‬ ٍ ‫ ُيـؤلف التلميذ لنفسه فهم ـا يقوم في‬،‫ فأثناء القراءة الفردية‬،‫ وهكذا‬.‫انحراف ُمـبـتـد ٍع‬ ٍ ‫جزء منه على‬ ّ َّ ّ َ ‫قدر من تشاكالت‬ ٍ ‫ سـيتعلم كيف يستشعر أكبر‬،‫ وبارتباطه باملسألة املطروحة‬.‫شيئا فشيئا كلـما تقدم في النص‬ ّ ّ ‫ لفحص‬،‫ بواسطة العمل التشاركي‬،‫مستمرا داخل القسم‬ ‫ يبقى التعلـم‬،‫ وعند االنتهاء من القراءة‬.‫النص‬ ‫واحد أن يدافع عن استبصاراته التي تكون مترددة‬ ٍ ‫ واختبار التوافق الجماعي حيث ينبغي لكل‬،‫فرضيات القراءة‬ ‫ من أجل أن يفهم التالميذ كيف ينبغي‬،‫ وهكذا تت َّنقـل األسئلة الفردية للقاريء ـ الخبير داخل القسم‬.‫أحيانا‬ ّ ‫للقاريء‬ ‫ وهي العملية التي ينبغي‬،‫املؤول أن يثبت صالحية مسالكه التأويلية باإلحالة باستمر ٍار على النص‬ ُ ّ .‫التشاركي‬ ‫للمـد ّرس أن يوضحها ما أمكن ذلك بإلقاء الضوء على آليات التفاوض التي تجري داخل العمل‬ ُ ‫ أال يضع التأويل قبل الفهم؟ الشك في ّأن هذا ما تؤكده‬،‫ في استهاللها‬،‫وانطالق القراءة األدبية بهذا الشكل‬ َّ ‫املتوالية الديداكتيكية‬ ‫ لكن ال يمكننا أن نجزم بذلك في نشاط القراءة‬.‫تعلمية‬ ‫غايات‬ ‫ ومن أجل‬،‫املقدمة هنا‬ ٍ ٍ َ ّ َ ُ ً َ ‫ وما نعتقده هو ّأن‬.‫كما تمارسه الذات‬ ّ ‫فهم محتوى‬ ٌ ‫نص ما‬ ،‫أمر يجعل يسيرة عملية التأويل التي تـغــذي الفهم‬ ٍ ً ً ًّ َ ُ َ ‫أكثر دقة هو الذي… يبدو شرطـا ضروري ـا من أجل‬ ‫فهم‬ ٍ ‫ بإغناء التأويل الذي يـنـفــذ إلى‬،‫ بدوره‬،‫هذا الذي يقوم‬ ّ ّ .‫دة للقراءة األدبية‬ ‫انكشاف لذ ٍة‬ ٍ ٍ ‫دائمة ومتجد‬ ‫املراجع‬ Berthier, P. (1999). Le second apprentissage de la lecture. Paris: Anthropos. Calvez, V. (1999). Lire (et comprendre) Zadig de Voltaire ou comment y entrer?… et Comment (s’) en sortir ? Enjeux, 46, 47-56. Canvat, K. (1999). Comprendre, interpréter, expliquer, décrire les textes littéraires. Postures de lecture et opérations métacognitives. Enjeux, 46, 93-115. Chelard-Mandroux, I. et Tauveron, A.-M. (1998). Enseigner la lecture de l’œuvre littéraire au lycée. Paris: Armand Colin. Daunay, B. (1997). La paraphrase dans le commentaire de texte littéraire. Pratiques, 95,97-124. Desrosiers-Sabbath, R. (1992). L’inférence en lecture et le profil d’apprenants. In M. Lebrun et M.-C. Paret (dir.), L’hétérogénéité des apprenants (p. 91-96). Paris: Delachaux et Niestlé. Dumortier, J.-L. (1991). Questionnaires en question. Enjeux, 23, 71-87. Eco, U. (1985). Lector in fabula. Paris: Grasset. Falardeau, ?. (2002a). Pistes d’entrée pour la lecture de textes littéraires au collégial. Thèse de doctorat, Université Laval. Falardeau, ?. (2002b). La préparation à la lecture pour améliorer les compétences des élèves en littérature. Pédagogie collégiale, 16(1), 6-11. Francoeur, L. (1993). Grimoire de l’art, grammaire de l’être. Québec/Paris: Les Presses de l’Université Laval/Klincksieck. Gadamer, H.-G. (1996). Vérité et méthode. Les grandes lignes d’une herméneutique Philosophique (trad. P. Fruchon, J. Grondin et G. Merlio). Paris : aditions du Seuil. Gervais, B. (1993). ? l’écoute de la lecture. Montréal : VLB ?diteur. Giasson, J. (dir.) (1990). La compréhension en lecture. Boucherville: Gaëtan Morin. Giasson, J. (1992). Stratégies d’intervention en lecture: quatre modèles récents. In C. Préfontaine et M. Lebrun (dir.), La lecture littéraire (p.219-239). Montréal :Les ?ditions Logiques. Grossmann, F. (1999). Littératie, compréhension et interprétation des textes. Repères,19, 139-166. Irwin, J. et Baker, I. (1989). Promoting active reading comprehension strategies.Englewood Cliff,NJ: Prentice-Hall. Jorro, A. (1999). Le lecteur interprète. Paris : Presses universitaires de France. Lebrun, M. (1987). Vers un modèle intégré des critères de compréhension en lecture au collégial, Université Laval, Thèse de doctorat. Molino, J. (1989). Interpréter. In C. Reichler (dir.), L’interprétation des textes (p. 9-52). Paris : ?ditions de Minuit. Privat, J.-M. (1995). Sociologiques des didactiques de la lecture. In J.-L. Chiss, J. David et Y. Reuter (dir.), Didactiques du français. ?tat d’une discipline (p.133153).Paris: Nathan. Rémond, M. (1999). Apprendre à comprendre l’écriture. Psycholinguistique et métacognition :l’exemple de CM2. Repères, 19, 203-224. Reuter, Y. (1981). Le champ littéraire : textes et institutions. Pratiques, 32, 5-29. Reuter, Y. (1992). Enseigner la littérature. Recherches, 16, 55-70. Tauveron, C. (1999a). Des enfants de 6 à 10 ans en quête de sens. Enjeux, 46, 5-25. Tauveron, C. (1999b). Comprendre et interpréter le littéraire à l’école : du texte réticent au texte proliférant. Repères, 19, 9-38. Terwagne, S., Lafontaine, A. et Vanhulle, S. (1999). Lectures interactives d’Amos et Boris. Pour un apprentissage par étayage de l’interprétation d’œuvres littéraires. Enjeux, 46, 27-46. Vanderdorpe, C. (1992). Comprendre et interpréter. In C. Préfontaine et M. Lebrun (dir.), La lecture et l’écriture. Enseignement et apprentissage (p.159-182).Montréal: Les ditions Logiques. 1 ‫ــ النص األصلي‬: rick Falardeau :Compréhension et interprétation : deux composantes complémentaires de la lecture littéraire », Revue des sciences de l›éducation, vol. 29, n° 3, 2003, p. 673-694.

2016,‫نوفمبر‬27 ‫عن نزوى‬

|76


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.