ﺍﺒﻥ ﺘﻴﻤﻴﺔ ﺍﻟﻔﻘﻴﻪ ﺍﻟﻤﻌﺫﺏ
ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺭﺤﻤﻥ ﺍﻟﺸﺭﻗﺎﻭﻯ
١
ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻘﻮﺍﻧﲔ ﺍﳌﻠﻜﻴﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ א
אא
א
א
א
אא
.
)ﻋـﱪ ﺍﻻﻧﱰﻧـﺖ ﺃﻭ
א
ﻟﻠﻤﻜﺘﺒــﺎﺕ ﺍﻻﻟﻜﱰﻭﻧﻴــﺔ ﺃﻭ ﺍﻷﻗــﺮﺍﺹ ﺍﳌﺪﳎــﺔ ﺃﻭ ﺍﻯ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺃﺧﺮﻯ (
.
א
א
א
א א
.
ﻓﻬﺮس اﻟﻔﺼﻞ اﻷول اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ
٢٣١
اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ﻋﺎش ﺣﻴﺎة ﻣﻨﺘﻘﻀﺔ ﻣﺘﻮﺗﺮة ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎرك اﻟﻤﺘﺼﻠﺔ ..ﺣﺎرب ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﻠﻢ وﺑﺎﻟﻠﺴﺎن ،وﺣﺘﻰ ﺑﺎﻟﺴﻴﻒ ﻧﻔﺴﻪ! آﺎﻧﺖ ﻣﻌﺎرآﺔ ﺗﻬﺪأ ﻓﻰ ﺑﻌﺾ اﻻﺣﺎﻳﻴﻦ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻨﻘﻄﻊ ﻋﻨﻪ ﻗﻂ! وهﻰ ﺣﺘﻰ إذا ﺗﻮﻗﻔﺖ ،أﺛﺎرهﺎ هﻮ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﺧﻼل رأي ﻳﺨﺎﻟﻒ ﺑﻪ ﻣﺎ أﻟﻔﻪ اﻟﻨﺎس ،أو ﺣﺪة ﻳﺼﺪم ﺑﻬﺎ أﺣﺪ ﻣﺠﺎدﻟﻴﻪ، أو ﺣﻤﻠﺔ ﻳﺸﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺮاﻩ ﺑﺪﻋﺔ أو ﻣﺨﺎﻟﻔًﺎ ﻟﻠﺴﻨﺔ. وﻣﺎ أآﺜﺮ ﻣﺎ ﺷﺎﻋﺖ اﻟﺒﺪع واﻟﺨﺮوج ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻨﺔ ﻓﻰ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﺎن! أي ﻋﺼﺮ ﻏﺮﻳﺐ ذﻟﻚ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺬي ﺗﺤﺪاﻩ ،واﺳﺘﻨﻔﺮﻩ! .. وﻟﺪ أﺣﻤﺪ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﻋﺎم ٦٦٠هـ ﻓﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺣﺮان ﺑﺴﻮرﻳﺎ ..وﻓﻲ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻩ أﻏﺎر اﻟﺘﺘﺎر ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، ﻓﻬﺎﺟﺮت أﺳﺮﺗﻪ إﻟﻰ دﻣﺸﻖ ،ﺣﻴﺚ اﺳﺘﻘﺮ ﺑﻬﺎ اﻟﻤﻘﺎم.. اﻣﺘﻸت ﻧﻔﺲ اﻟﺼﻐﻴﺮ ﺑﺈﺣﺴﺎس ﻣﺮﻳﺮ ﺑﺎﻟﻘﻬﺮ واﻟﻐﻴﻆ ،وهﻮ ﻳﺮى ﺻﻔﻮﻓًﺎ ﻣﻀﻄﺮﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء واﻷﻃﻔﺎل واﻟﺮﺟﺎل ،ﻳﻔﺮون ﻣﺬﻋﻮرﻳﻦ أﻣﺎم زﺣﻒ اﻟﺘﺘﺎر :اﻷﺣﻤﺎل ﻋﻠﻰ اﻟﻈﻬﻮر اﻷﺟﺴﺎد ﻳﺪﻓﻊ ﺑﻌﻀﻬﺎ اﻟﺒﻌﺾ ،واﻟﻤﺮﺿﻰ ﻳﺘﺴﺎﻗﻄﻮن ..وﻋﻮﻳﻞ اﻟﻨﺴﺎء وﺻﺮﺧﺎت اﻷﻃﻔﺎل ﻣﻞء اﻹذان ..وﻓﻲ اﻟﻘﻠﻮب رﻋﺐ هﺎﺋﻞ ﻣﻦ ٢
إﺷﻔﺎق ﺣﺰﻳﻦ ﻣﻦ
اﻟﺘﺘﺎر اﻟﺰاﺣﻔﻴﻦ ﺑﻜﻞ ﺷﺮاﺳﺔ وﺣﺸﻴﺘﻬﻢ، اﻟﻤﺠﻬﻮل! وأﻗﺴﻢ اﻟﺼﺒﻲ أﻧﻪ ﺣﻴﻦ ﻳﻜﺒﺮ ﻟﻦ ﻳﺴﻤﺢ ﺑﺄن ﻳﺤﺪث هﺬا أﺑﺪًا! ... وﺿﺮب ﺑﺬراﻋﻪ اﻟﺼﻐﻴﺮة اﻟﻤﻨﻬﻜﺔ اﻟﻬﻮاء ﻓﻲ ﺗﺤﺪ ،وهﻮ ﻳﻌﺎهﺪ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻋﻠﻰ أن ﻳﺸﻬﺮ اﻟﺴﻴﻒ واﻟﻘﻠﻢ واﻟﻠﺴﺎن ،ﻳﻨﺎﺿﻞ ﻟﻜﻲ ﺗﺮﺗﻔﻊ هﺎﻣﺔ اﻹﻧﺴﺎن ،وﻟﻜﻴﻼ ﺗﻨﻬﺶ وﺣﻮش اﻟﻐﺰاة ﻟﺤﻮم اﻷﻃﻔﺎل ،وﻟﻜﻲ ﻳﻨﻘﺬ اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء واﻟﺤﻴﺎة ﻣﻦ اﻟﻬﻮان! وآﺎن أﺑﻮﻩ رﺟﻞ ﻋﻠﻢ ﻳﺪرس ﻟﻠﻨﺎس اﻟﻔﻘﻪ اﻟﺤﻨﺒﻠﻰ ﻓﻰ ﺣﺮان ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺢ ﺷﻴﺨﻬﺎ ..وﻟﻘﺪ اﺳﺘﻤﻊ أﺣﻤﺪ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ إﻟﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﺪروس اﻟﺘﻰ آﺎن ﻳﻠﻘﻴﻬﺎ أﺑﻮﻩ ،وﺑﻬﺮﻩ اﻟﻔﻘﻪ وﻣﺎ ﻳﻀﻲء ﺑﻪ اﻟﻌﻠﻢ ﻧﻔﻮس اﻟﺮﺟﺎل! وﻟﻜﻨﻪ وهﻮ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻣﻦ ﺣﺮان إﻟﻰ دﻣﺸﻖ ﻳﻜﺎد ﻳﺨﻨﻘﻪ اﻟﺰﺣﺎم وﺗﺪوﺳﻪ اﻷﻗﺪام اﻟﻔﺎرة اﻟﻤﺮﺗﻌﺪة أﺧﺬ ﻳﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﺟﺪوى آﻞ اﻟﻜﻠﻤﺎت.. ﻣﺎ ﺟﺪوى اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻔﻘﻪ ،وآﻞ اﻟﻜﻠﻤﺎت ،إن ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ أن ﺗﻨﺘﺸﻞ اﻹﻧﺴﺎن ،وﺗﺤﻤﻲ ﺷﺮف اﻟﺤﻴﺎة؟! ﻣﺎ ﺟﺪوى آﻞ ﺷﻲء إن آﺎن اﻟﺬﻋﺮ ﻳﻄﺎرد اﻷﻣﻦ ،واﻟﺒﺎﻃﻞ ﻳﻐﺸﻲ اﻟﺤﻖ ﺑﺪﺧﺎن اﻟﺒﺎرود واﻟﺒﻬﺘﺎن؟!
٣
إن اﻟﺼﺒﻲ ﻟﻴﺸﻌﺮ ﻓﻲ أﻏﻮار ﻧﻔﺴﻪ ،أﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻬﺪم آﻞ ﻦ ﻋﺎﻟﻤًﺎ ﺟﺪﻳﺪًا ﺟﺪﻳﺮًا ﺑﺄن ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻪ ،ﻟﻴﺒﻨﻴﻪ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ..ﻓﻠﻴﺒ ِ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻴﻪ اﻟﻨﺎس ﻏﻴﺮ ﻣﺮوﻋﻴﻦ.. ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺸﺘﺪ ﻋﻮدﻩ ﻟﻦ ﻳﺴﻜﺖ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻃﻞ أو ﻇﻠﻢ. . وﺣﻴﻦ ﻳﻌﻤﺮ ﻗﻠﺒﻪ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ اﻟﺬى ﻳﺤﻤﻠﻪ أﺑﻮﻩ وآﺎن ﻳﺤﻤﻠﻪ ﺟﺪﻩ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ..هﺬا اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺬى ﺗﺤﺘﻮﻳﻪ اﻷﺳﻔﺎر وهﻲ أﻋﺰ ﻣﺎ ﺣﻤﻠﺘﻪ اﻷﺳﺮة اﻟﻤﻬﺎﺟﺮة ﻣﻦ ﻣﺘﺎع.. ﻋﻨﺪهﺎ ﺳﻴﺠﻌﻞ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻓﻰ ﻣﻀﺎء اﻟﺴﻴﻮف! ٭٭٭ وﻓﻲ دﻣﺸﻖ ﺑﺪأ أﺑﻮﻩ ُﻳﺪرس ﻓﻲ أآﺒﺮ ﻣﺪارﺳﻬﺎ ،وآﺎﻧﺖ ﺷﻬﺮﺗﻪ ﻗﺪ ﺳﺒﻘﺘﻪ. وأﻟﺤﻖ اﺑﻨﻪ أﺣﻤﺪ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻤﻜﺘﺐ )آﺘﺎب( ﻳﺤﻔﻆ ﻓﻴﻪ اﻟﻘﺮﺁن ،وﻳﺘﻠﻘﻰ ﻣﺒﺎدئ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺤﺴﺎب واﻟﺨﻂ. . ﺗﻌﻬﺪﻩ أﺑﻮﻩ وﻟﻢ ﻳﻜﺘﻒ ﺑﻤﺎ ﻳﺘﻠﻘﺎﻩ اﺑﻨﻪ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎب. واﺷﺘﻬﺮ اﻟﺼﺒﻲ ﺑﻴﻦ أﻗﺮاﻧﻪ ﺑﺎﻟﺬآﺎء ،وﺳﺮﻋﺔ اﻟﺒﺪﻳﻬﺔ ،وﻗﻮة اﻟﺤﺎﻓﻈﺔ ،وﺷﺎع ﻋﻨﻪ أﻧﻪ ﻟﻪ ﺣﺎﻓﻈﺔ ﺧﺎرﻗﺔ ،ﺣﺘﻰ أن أﺣﺪ ﻣﺸﺎﻳﺦ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﺑﺤﻠﺐ ﻗﺪم إﻟﻰ دﻣﺸﻖ وﻗﺎل" :ﺳﻤﻌﺖ ﻓﻲ اﻟﺒﻼد ﺑﺼﺒﻲ ﻳﻘﺎل ﻟﻪ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ،وأﻧﻪ ﺳﺮﻳﻊ اﻟﺤﻔﻆ ،وﻗﺪ ﺟﺌﺖ ﻗﺎﺻﺪًا ﻟﻌﻠﻲ أراﻩ" ﻗﺎل ﻟﻪ ﺧﻴﺎط" :هﺬﻩ ﻃﺮﻳﻖ آﺘﺎﺑﻪ ،وهﻮ إﻟﻰ اﻵن ﻣﺎ ﻼ، ﺟﺎء ،ﻓﺎﻗﻌﺪ ﻋﻨﺪﻧﺎ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻳﺠﻲء" ﻓﺠﻠﺲ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﺠﻠﻴﻞ ﻗﻠﻴ ً ﻓﻤﺮ ﺻﺒﻴﺎن ﻓﻘﺎل اﻟﺨﻴﺎط ﻟﻠﺸﻴﺦ اﻟﺤﻠﺒﻲ" :هﺬا اﻟﺼﺒﻰ اﻟﺬي ﻣﻌﻪ ٤
اﻟﻠﻮح اﻟﻜﺒﻴﺮ هﻮ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ" ﻓﻨﺎداﻩ اﻟﺸﻴﺦ ﻓﺠﺎء إﻟﻴﻪ ،ﻓﺘﻨﺎول اﻟﺸﻴﺦ اﻟﻠﻮح ،ﻓﻨﻈﺮ ﻓﻴﻪ ،ﺛﻢ ﻗﺎل" :ﻳﺎ وﻟﺪي اﻣﺴﺢ ﺣﺘﻰ أﻣﻠﻲ ﻋﻠﻴﻚ ﺷﻴﺌًﺎ ﺗﻜﺘﺒﻪ" ﻓﻔﻌﻞ .ﻓﺄﻣﻠﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻣﺘﻮن اﻷﺣﺎدﻳﺚ أﺣﺪ ﻋﺸﺮ أو ﺛﻼﺛﺔ ﻋﺸﺮ ﺣﺪﻳﺜًﺎ ،ﻓﻘﺎل" :اﻗﺮأ هﺬا" ﻓﻠﻢ ﻳﺰد ﻋﻠﻰ أن ﺗﺄﻣﻠﻪ ﻣﺮﻩ ﺑﻌﺪ آﺘﺎﺑﺘﻪ اﻳﺎﻩ ،ﺛﻢ رﻓﻌﻪ إﻟﻴﻪ ،وﻗﺎل" :اﺳﻤﻌﻪ" ﻓﻘﺮأﻩ ﻋﻠﻴﻪ .ﻓﻘﺎل اﻟﺸﻴﺦ ﻳﺎ وﻟﺪى" :اﻣﺴﺢ هﺬا" ﻓﻔﻌﻞ ،ﻓﺄﻣﻠﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﺪة أﺳﺈﻧﻴﺪ اﻧﺘﺨﺒﻬﺎ ﺛﻢ ﻗﺎل" :اﻗﺮأ هﺬا" ﻓﻨﻈﺮ ﻓﻴﻪ آﻤﺎ ﻓﻌﻞ أول ﻣﺮة. ﻓﻘﺎم اﻟﺸﻴﺦ وهﻮ ﻳﻘﻮل" :إن ﻋﺎش هﺬا اﻟﺼﺒﻲ ﻟﻴﻜﻮﻧﻦ ﻟﻪ ﺷﺄن ﻋﻈﻴﻢ .ﻓﺈن هﺬا ﻟﻢ ﻳ َﺮ ﻣﺜﻠﻪ" ٭٭٭ وﻓﻲ اﻟﺤﻖ أن أﺣﻤﺪ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ورث اﻟﻤﻮهﺒﺔ واﻟﻌﻠﻢ ﻋﻦ أﺑﻴﻪ ﺷﻬﺎب اﻟﺪﻳﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻠﻴﻢ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺴﻼم ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ،وﻋﻦ ﺟﺪﻩ ﻣﺠﺪ اﻟﺪﻳﻦ أﺑﻲ اﻟﺒﺮآﺎت ﻋﺒﺪ اﻟﺴﻼم ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ اﻟﺤﺮإﻧﻲ ﺷﻴﺦ اﻹﺳﻼم ..وآﺎﻧﺖ أﻣﻪ ﺗﻴﻤﻴﺔ اﻣﺮأة ﻣﺘﻔﻘﻬﺔ ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻦ ،ﺗﻌﻆ اﻟﻨﺴﺎء واﻟﺮﺟﺎل ،وآﺎﻧﺖ ﻏﺰﻳﺮة اﻟﻌﻠﻢ، ﻓﺎﻧﺘﺴﺒﺖ إﻟﻴﻬﺎ اﻷﺳﺮة :اﺑﻨﻬﺎ ﻣﺠﺪ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺬي أﺻﺒﺢ ﺷﻴﺨًﺎ ﻟﻺﺳﻼم ،ﺛﻢ اﺑﻨﻪ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻠﻴﻢ ،ﺛﻢ ﺣﻔﻴﺪﻩ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ. وآﺎﻧﺖ أم ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺗﻬﺘﻢ ﺑﺪارﺳﺘﻪ ،آﻤﺎ آﺎن ﻳﻬﺘﻢ أﺑﻮﻩ.. وآﺎﻧﺖ ﺗﻌﻨﻰ ﺑﻤﻠﺒﺴﻪ وﻣﺄآﻠﻪ ،وﺑﺄن ﻳﺒﺪو ﺣﺴﻦ اﻟﻬﻴﺌﺔ ﺑﻴﻦ أﺗﺮاﺑﻪ ﻣﻦ ﺻﺒﻴﺎن اﻟﻜﺘﺎب ،آﻤﺎ آﺎن ﻳﻔﻮﻗﻬﻢ ﻋﻠﻤﺎ وذآﺎء ،وآﺎﻧﺖ ﺗﺪارﺳﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻠﻘﺎﻩ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب. ٥
وﻟﻘﺪ ﻋﻨﻰ ﺑﻪ أﺑﻮﻩ ،ﻓﺄﺣﻔﻈﻪ آﺜﻴﺮًا ﻣﻦ اﻵﺛﺎر ،ودﻓﻌﻪ إﻟﻰ دراﺳﺔ ﻋﻠﻮم اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﺁداﺑﻬﺎ ،ﻓﺤﻔﻆ ﻣﻨﺬ ﻧﺼﺎرة ﺻﺒﺎﻩ آﺜﻴ ًﺮا ﻣﻦ اﻷﺷﻌﺎر.. وﻓﺘﺢ ﻟﻪ أﺑﻮﻩ ﺧﺰاﻧﺔ آﺘﺒﻪ اﻟﺘﻰ اﺷﺘﺮاهﺎ واﻟﺘﻰ ورﺛﻬﺎ ﻣﻦ أﺑﻴﻪ ﺷﻴﺦ اﻹﺳﻼم ،وآﺎﻧﺖ ﺗﻀﻢ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﺁن اﻟﻜﺮﻳﻢ آﻞ آﺘﺐ اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ،واﻟﺤﺪﻳﺚ وﻋﻠﻮم اﻟﻠﻐﺔ وﺁداﺑﻬﺎ ،واﻟﺴﻴﺮ واﻟﺘﺼﻮف، واﻟﺘﺎرﻳﺦ ،وﻋﻠﻮم اﻟﻔﻘﻪ ،واﻻﺣﻴﺎء ،وﻋﻠﻮم اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ،واﻟﻜﻼم، واﻟﻔﻠﻚ وﺳﺎﺋﺮ ﻣﺎ ﺻﻨﻔﻪ اﻟﺴﻠﻒ ودوﻧﻮﻩ وﺗﺮﺟﻤﻮﻩ ﻓﻰ آﻞ أﻟﻮان اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﻤﺎ ورﺛﻪ ﻋﺼﺮ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ.. وآﺎن اﻟﺼﺒﻲ ﺣﻴﻦ ﻳﻌﻮد ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب ﻻ ﻳﻠﻌﺐ ﻣﻊ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ اﻟﺼﺒﻴﺎن ،ﺑﻞ ﻳﻌﻜﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺘﺒﺔ أﺑﻴﻪ ﻳﻘﺮأ وﻳﺤﺎول أن ﻳﻔﻬﻢ ﻓﺈن اﺳﺘﻌﺼﻰ ﻋﻠﻴﻪ أﻣﺮ ﺳﺄل أﻣﻪ ،ﻓﺈن ﻟﻢ ﺗﺴﻌﻔﻪ اﻧﺘﻈﺮا ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻮد أﺑﻮﻩ ﻓﺴﺄﻻﻩ . .ﻓﻴﺸﺮح اﻷب وﻳﺴﺘﺮﺳﻞ ،وﻳﻨﺘﻘﻞ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻓﻦ إﻟﻰ ﻓﻦ ..ﻳﻔﺴﺮ ﻟﻪ اﻟﻘﺮﺁن ﺑﺎﻟﻘﺮﺁن أو ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺚ ،وﻳﺜﻴﺮ هﺬﻩ اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ اﻟﻔﻘﻬﻴﺔ أو ﺗﻠﻚ ،ﺛﻢ ﻳﻄﻮف ﺑﻪ ﻓﻰ ﺷﺮح ﻣﻌﺎﻧﻰ اﻷﻟﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﺮآﻪ اﻷوﻟﻮن ﻣﻦ ﺷﻌﺮ وﺁﺛﺎر ،وﻳﺘﻮﻗﻒ ﺑﻪ ﻋﻨﺪ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﺋﻞ اﻟﻨﺤﻮ ،أو ﻧﻜﺘﻪ ﺑﻼﻏﻴﺔ أو ﻗﻀﻴﺔ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ.. وﺧﻼل هﺬﻩ اﻟﺮﺣﻼت اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ،ﻳﺜﻴﺮ ﺧﻴﺎل اﻟﺼﺒﻲ ،وﻳﻐﺮﻳﻪ ﺑﺎﻟﺘﺄﻣﻞ واﻟﻘﺮاءة واﻟﺤﻔﻆ ،وﻳﺴﺘﻨﻔﺮﻩ إﻟﻰ اﻟﺤﻮار ،وﻳﻌﻠﻤﻪ ﻣﻘ ﺎﻃﻊ اﻟﺤﺠ ﺞ واﻟﺒ ﺮاهﻴﻦ ،وﻳﺸ ﺤﺬ ﻋﻘﻠ ﻪ وﻳﺪرﺑ ﻪ ﻋﻠ ﻰ ﻓﻨ ﻮن اﻹﻗﻨ ﺎع واﻟﻤﻨ ﺎﻇﺮة ..وﺷ ﺐ اﻟﺼ ﺒﻲ ﻋ ﻦ اﻟﻄ ﻮق ،وأﻧﻬ ﻰ اﻟﺪراﺳ ﺔ ٦
ﺑﺎﻟﻜﺘ ﺎب ،ﻓﺄﻟﺤﻘ ﻪ أﺑ ﻮﻩ ﺑﺎﻟﻤﺪرﺳ ﺔ ،وأﺧ ﺬﻩ إﻟ ﻰ ﻣﺠ ﺎﻟﺲ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء، وﺷﺠﻌﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺎﻇﺮة اﻟﻜﺒﺎر... ٭٭٭ ﺨﺎ ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﻓﻲ دﻣﺸﻖ ،وﻟﻪ اﻟﻤﻜﺎﻧﺔ آﺎن أﺑﻮﻩ ﻗﺪ أﺻﺒﺢ ﺷﻴ ً اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ أآﺒﺮ ﻣﺪرﺳﺔ ﺑﻬﺎ ،وﻗﺪ ﻟﻘﻦ اﺑﻨﻪ ﻓﻘﻪ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ ﺣﺘﻰ أﺗﻘﻨﻪ ،وﻇﻞ ﺑﻪ ﺣﺘﻰ أﺗﻘﻦ ﺗﻔﺴﻴﺮ اﻟﻘﺮﺁن ،وﺣﻔﻆ آﺜﻴﺮًا ﻣﻦ اﻷﺣﺎدﻳﺚ اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ،ﺛﻢ درس ﻓﻘﻪ اﻷﺋﻤﺔ اﻷرﺑﻌﺔ ،وأﺻﻮل اﻟﻔﻘﻪ ﻓﻲ ﺷﺘﻰ اﻟﻤﺬاهﺐ ،ودرس ﻓﻘﻪ اﻟﺸﻴﻌﺔ ،ووﺟﻬﻪ إﻟﻰ دراﺳﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ وﺁراء اﻟﻤﺪارس اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ. ﺛﻢ رأى أﺑﻮﻩ أن ﻳﺪرﺑﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺘﻴﺎ ،وآﺎن ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﻳﻘﺘﺮب ﻣﻦ اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ،ﻓﺄﻓﺘﻰ ﻋﻠﻰ ﻋﻴﻦ أﺑﻴﻪ ،وﺷﺠﻌﻪ أﺑﻮﻩ ،ﻓﻘﺪ آﺎﻧﺖ اﻟﻔﺘﺎوى ﺻﺎﺋﺒﺔ ..وﻇﻞ ﺑﻪ ﻳﺘﻌﻬﺪﻩ وﻳﻨﺎﻗﺸﻪ ﻓﻰ ﻓﺘﺎواﻩ ،ﺣﺘﻲ اﻃﻤﺄن ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﺘﺮآﻪ ﻳﻔﺘﻰ وﺣﺪﻩ. وأﻋﺠﺐ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻣﻦ أﺻﺪﻗﺎء أﺑﻴﻪ ﺑﻐﺰارة ﻋﻠﻢ اﻟﺸﺎب، وﻋﻤﻖ ﻧﻈﺮﻩ ،وﺣﺴﻦ اﺳﺘﺪﻻﻟﻪ. ﻏﻴﺮ أن أﺑﺎﻩ ﻻﺣﻆ ﻓﻴﻪ ﺣﺪة ﻋﻨﺪ اﻟﺠﺪل ،ﻓﻨﺼﺤﻪ أن ﻳﻌﺪل ﻋﻦ ﺣﺪﺗﻪ ،ﻓﺎﻟﺤﺪة ﻓﻰ اﻟﺠﺪل ﺗﻮﻟﺪ اﻟﺨﺼﻮﻣﺔ ،وﺗﺜﻴﺮ ﻋﻨﺎد اﻟﻤﺠﺎدل وﺗﻀﻴﻊ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺘﻲ هﻲ هﺪف اﻟﻤﻨﺎﻇﺮة اﻟﺸﺮﻳﻔﺔ. ﻏﻴﺮ أن ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ آﺎﻧﺖ ﺗﺄﺧﺬﻩ اﻟﺤﻤﻴﺔ ﻟﻤﺎ ﻳﻌﺘﻘﺪ أﻧﻪ اﻟﺤﻖ، ﻓﻼ ﻳﺒﺈﻟﻰ ﺑﻤﻦ ﻳﺠﺎدﻟﻪ. ٧
وهﻮ ﻓﻲ ﺣﺪﺗﻪ ﻗﺪ ﻳﺨﺪش وﻗﺎر ﻋﺎﻟﻢ أآﺒﺮ ﻣﻨﻪ ﺳﻨًﺎ ،ﻓﻴﻮﻏﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﺻﺪر هﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ أو ذاك.. وﻟﻘﺪ ﻋﻠﻢ أﺑﻮﻩ أﻧﻪ ﺟﺎدل ﻋﺎﻟﻤًﺎ ﻣﻦ ﺧﺼﻮم اﻟﻔﻘﻪ اﻟﺤﻨﺒﻠﻲ، وآﺎن ذﻟﻚ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﺘﺤﻴﺰًا ﻟﻤﺬهﺐ اﻟﺸﺎﻓﻌﻰ وﺁراء اﻷﺷﻌﺮي، ﻓﺄﺧﻄﺄ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﻟﻜﻦ ﺣﺪة ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ اﺳﺘﻔﺰت اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻓﻈﻞ ﻳﺪاﻓﻊ ﻋﻤﺎ هﻮ ﺧﻄﺄ ،ﻓﻘﺎل ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ" :إﻧﻪ ﻟﻠﻌﻨﺎد أو اﻟﺠﻬﻞ ﺑﺎﻟﺴﻨﺔ!" آﺎن اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﻲ ﻧﺤﻮ اﻟﺨﻤﺴﻴﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻩ وﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﻗﺪ ﺟﺎوز اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﺑﺸﻬﻮر. ﻼ" :أﺗﻘﻮل ﻟﻌﺎﻟﻢ أﺳﻦ ﻣﻨﻚ :هﺬا ﻋﻨﺎد وروع أﺑﻮﻩ وﻧﻬﺮﻩ ﻗﺎﺋ ً أو ﺟﻬﻞ؟ ﻓﻬﺬا ﻣﻨﻚ ﻗﻠﺔ أدب وإن آﻨﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻮاب" ﻓﺒﻜﻰ اﻟﻔﺘﻰ ،وﻗﺎم ﻳﻘﺒﻞ ﻳﺪ أﺑﻴﻪ ورأﺳﻪ .وذهﺐ إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻪ ﻳﻌﺘﺬر ﻟﻪ ﻋﻤﺎ ﺑﺪر ﻣﻨﻪ ،واﺳﺘﺮﺿﺎﻩ ﺣﺘﻰ رﺿﻲ. وﻋﺎد ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺰل ،ﻓﺤﻜﻰ ﻷﻣﻪ ﻣﺎ آﺎن ،وﺟﺎﺷﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﺪم ،ﻓﺒﻜﻰ ﻋﻠﻰ آﺘﻔﻬﺎ ﺷﺎآﻴًﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﺮﻳﻪ آﻠﻤﺎ أﺣﺲ أن ﻏﻴﺮﻩ ﻳﺘﻤﺴﻚ ﺑﺎﻟﺨﻄﺄ ،ﻓﺘﻨﻔﻠﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻨﻪ آﻠﻤﺎت ﺗﺠﺮح !!.. وﻃﻴﺒﺖ أﻣﻪ ﺧﺎﻃﺮﻩ ،وﻋﺎد أﺑﻮﻩ إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺰل ﻓﻨﺼﺢ ﻟﻪ أن ﻳﺠﺎدل اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﺘﻲ هﻲ أﺣﺴﻦ ،وأن ﻳﺪﻋﻮ إﻟﻰ ﺳﺒﻴﻞ رﺑﻪ ﺑﺎﻟﺤﻜﻤﺔ واﻟﻤﻮﻋﻈﺔ اﻟﺤﺴﻨﺔ ،ﻓﻬﺬا هﻮ ﻣﺎ أﻣﺮ ﺑﻪ اﷲ ورﺳﻮﻟﻪ.. وهﻜﺬا آﺎن اﻟﺮﺳﻮل ،وﻋﻠﻰ ﺳﻨﺘﻪ ﺳﺎر اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ. . ٨
وﺗﻌﻬﺪ اﻟﻔﺘﻲ ﻷﺑﻴﻪ وأﻣﻪ ،أن ﻳﻜﻮن آﻤﺎ ﻳﺤﺒﺎن ﻟﻪ ،وأن ﻳﻠﺘﺰم اﻟﺴﻨﺔ ﻓﻴﺠﺎدل ﺑﺎﻟﺘﻲ هﻰ أﺣﺴﻦ.. ﺛﻢ ﻣﺎت أﺑﻮﻩ! . . وهﺎ هﻮ ذا ﻓﺘﻰ رﺑﻌﺔ ﻻ ﺑﺎﻟﻄﻮﻳﻞ وﻻ ﺑﺎﻟﻘﺼﻴﺮ ،ﻣﺘﻴﻦ اﻟﺒﻨﻴﺎن ،ﻣﻬﻴﺐ اﻟﻄﻠﻌﺔ ،أﺑﻴﺾ اﻟﻮﺟﻪ ،ﺷﺪﻳﺪ ﺳﻮاد اﻟﺮأس واﻟﻠﺤﻴﺔ ،ﻳﻨﺴﺪل ﺷﻌﺮﻩ إﻟﻰ ﺷﺤﻤﺘﻲ أذﻧﻴﻪ ،ﺟﻬﻴﺮ اﻟﺼﻮت ،ﺑﻌﻴﺪ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻨﻜﺒﻴﻦ ،ﻻﻣﻊ اﻟﻌﻴﻨﻴﻦ آﺄن ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻟﺴﺎﻧﺎن ﻧﺎﻃﻘﺎن، ﺗﻌﺘﺮﻳﻪ اﻟﺤﺪة ﻓﻴﻘﻬﺮهﺎ ﺑﺎﻟﺤﻠﻢ ،ﻓﺼﻴﺢ اﻟﻠﺴﺎن ،ﻧﺸﻴﻂ اﻟﺤﺮآﺔ ﻓﻲ وﻗﺎر ،ﻋﻠﻰ ﺳﻤﺎﺗﻪ ﻣﺨﺎﻳﻞ اﻟﺬآﺎء واﻟﺠﺪ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻣﺎ ﻋﺒﻮس، وﻓﻲ وﺟﻬﻪ اﻟﺒﺸﺎﺷﺔ ،وﻟﻘﺪ ﺗﻐﺸﺎﻩ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺳﺤﺎﺑﺎت اﻟﻬﻤﻮم! هﺎ هﻮ ذا ﻳﺠﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻄﺎﻟﺒًﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﻪ ﺑﺄن ﻳﻌﻮض أﻣﻪ ﻋﻦ ﻓﻘﺪ رﻓﻴﻖ ﻋﻤﺮهﺎ وﺷﻴﺨﻬﺎ.. وآﺎن ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﻓﻲ اﻟﺤﻖ ﺑ ًﺮا ﺑﻮاﻟﺪﺗﻪ ،وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺷﻤﻮﺧﻪ أﻣﺎم اﻵﺧﺮﻳﻦ ،ﻓﻘﺪ ﺗﻌﻮد أن ﻳﺨﻔﺾ ﻟﻬﺎ ﺟﻨﺎح اﻟﺬل ﻣﻦ اﻟﺮﺣﻤﺔ.. هﺎ هﻮ ذا اﻟﻔﺘﻰ ﻓﻲ اﻟﺤﺎدﻳﺔ واﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ،ﻳﺠﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﻋﺎﻟﻢ ﺟﻠﻴﻞ ،هﻮ أﺑﻮﻩ ..وﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻤﻸ اﻟﻔﺮاغ ﻓﻲ ﻣﺪرﺳﺔ اﻟﺤﺪﻳﺚ ،وﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻷﻣﻮي ﺑﺪﻣﺸﻖ ،ﺣﻴﺚ آﺎن واﻟﺪﻩ ﻳﻠﻘﻲ ﻼ ﻳﺬهﻞ اﻟﺪروس ..ﻏﻴﺮ ﻣﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ أوراق ،وﻳﺘﺮﺳﻞ ﺗﺮﺳ ً اﻟﺤﺎﺿﺮﻳﻦ ﺑﺄﻧﺼﻊ ﺑﻴﺎن وأﻓﺼﺢ ﻟﺴﺎن.. ٩
أﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻨﻬﺾ ﺑﻤﺎ آﺎن ﻳﻨﻬﺾ ﺑﻪ أﺑﻮﻩ وﺟﺪﻩ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ.. وأن ﻳﺠﻠﻮ ﻟﻠﻄﻼب دﻗﺎﺋﻖ اﻟﻔﻘﻪ اﻟﺤﻨﺒﻠﻲ ،وأن ﻳﻨﺎﻓﺦ ﻋﻦ اﻟﺴﻨﺔ، وأن ﻳﺤﺎرب اﻟﺒﺪع ﺑﺎﻟﺤﺠﺔ اﻟﺒﻴﻨﺔ واﻟﻤﻮﻋﻈﺔ اﻟﺤﺴﻨﺔ آﻤﺎ آﺎن ﻳﻔﻌﻞ أﺑﻮﻩ ﺷﻴﺦ اﻟﻔﻘﻪ اﻟﺤﻨﺒﻠﻲ!؟ إﻧﻪ ﻟﻴﺸﻌﺮ أن ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻮق هﺬا آﻠﻪ أن ﻳﺤﺎرب اﻟﻈﻠﻢ ،وأن ﻳﺪاﻓﻊ ﻋﻦ اﻟﻤﻈﻠﻮﻣﻴﻦ ،ﻓﻘﺪ ﺗﻌﻠﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﻗﺮأ ﻋﻠﻰ أﺑﻴﻪ ﻣﻦ أﻗﻮال اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ أن ﻣﻦ ﺣﻔﻆ ﺣﺪﻳﺜًﺎ وﻟﻢ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﻪ ﻓﻘﺪ ﺧﺎﻟﻒ اﻟﺮﺳﻮل. وﻗﺪ ﺣﻔﻆ ﻓﻴﻤﺎ ﺣﻔﻆ ﻣﻦ اﻟﺴﻨﺔ ﺣﺪﻳﺜًﺎ ﺷﺮﻳﻔﺎ ﻳﻘﻮل" :إن اﻟﻨﺎس إذا أوا اﻟﻈﻠﻢ ﻓﻠﻢ ﻳﺄﺧﺬوا ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻳﻪ ،أوﺷﻚ أن ﻳﻌﻤﻬﻢ اﷲ ﺑﻌﻘﺎﺑﻪ" .وﺣﺪﻳﺜًﺎ ﺷﺮﻳﻔًﺎ ﺁﺧﺮ ﺟﺎء ﻓﻴﻪ " :ﻟﺘﺄﻣﺮون ﺑﺎﻟﻤﻌﺮوف وﺗﻨﻬﻮن ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ ،أو ﻟﻴﻮﺷﻜﻦ اﷲ أن ﻳﺒﻌﺚ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻋﻘﺎﺑًﺎ ﻣﻨﻪ ﺛﻢ ﺗﺪﻋﻮﻧﻪ ﻓﻼ ﻳﺴﺘﺠﺎب ﻟﻜﻢ". وﻗﺮر أن ﻳﺸﺮع ﻣﻦ ﻓﻮرﻩ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﺑﻬﺬﻳﻦ اﻟﺤﺪﻳﺜﻴﻦ اﻟﺸﺮﻳﻔﻴﻦ ،ﺗﺤﺖ راﻳﺔ ﺣﻜﻤﺔ ﻳﺤﻔﻈﻬﺎ ﻋﻦ اﻹﻣﺎم ﻋﻠﻲ" :ﻻ ﺗﻌﺮف اﻟﺤﻖ ﺑﺎﻟﺮﺟﺎل ،ﺑﻞ اﻋﺮف اﻟﺤﻖ ﺑﺄهﻠﻪ" . .وإﻧﻪ ﻟﻴﻨﻈﺮ ﻓﻴﻤﺎ ﺣﻮﻟﻪ ﻣﻦ ﺷﻲءون اﻟﺤﻴﺎة واﻟﻨﺎس ﻓﻴﺘﺬآﺮ ﻣﺎ ﻳﺤﻔﻈﻪ ﻋﻦ ﻋﻤﺮ ":اﻟﻠﻬﻢ إﻧﻲ أﺷﻜﻮ إﻟﻴﻚ ﺟﻠﺪ اﻟﻔﺎﺟﺮ وﻋﺠﺰ اﻟﺜﻘﺔ". وﻟﻜﻦ اﻟﺤﻴﺎة ﻟﻦ ﺗﺼﻔﻮ ﻟﻠﻨﺎس ،وﻟﻦ ﻳﻨﺘﺼﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﻖ واﻟﺨﻴﺮ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﺠﺰ اﻟﻔﺠﺮة ،وﻳﺼﺒﺢ اﻟﺜﻘﺎت هﻢ أهﻞ اﻟﺠﻠﺪ ! ١٠
وهﻮ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺄﺧﺬ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ اﻟﻈﺎﻟﻢ ،وﻟﻦ ﻳﺼﻐﻲ أﺣﺪ إﻟﻰ دﻋﻮﺗﻪ ﻟﻠﻤﻌﺮوف وﻧﻬﻴﻪ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ ،ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮن ﻗﺪ ﺣﺼﻞ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻮم ﻣﺎ ﻳﻘﻨﻊ اﻟﻨﺎس ﺑﻬﻴﺒﺘﻪ وﺻﺤﺔ رأﻳﻪ، وﻳﻌﻮض ﺻﻐﺮ ﺳﻨﻪ ..وهﺬﻩ اﻷﻣﺔ ﻟﻦ ﺗﻠﻘﻲ اﻟﺮﻋﺐ ﻓﻰ ﻗﻠﻮب اﻷﻋﺪاء ﻓﻼ ﻳﻌﺪون ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻌﺪ ،إﻻ أن ﻗﻮﻳﺖ أﺟﺴﺎم ﺷﺒﺎﺑﻬﺎ، وﺻﻠﺢ إﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ،وﺻﺤﺖ ﻓﻲ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ أﺻﻮل اﻟﺪﻳﻦ وﻗﻴﻤﻪ. ﻻﺑﺪ ﻟﻜﻲ ﺗﺮﺗﻘﻲ هﺬﻩ اﻷﻣﺔ أن ﺗﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﺳﻴﺎج ﻣﻦ اﻷﻣﻦ واﻟﻌﺪل ..ﻳﺠﺐ أن ﻳﺤﺸﺪ آﻞ ﻃﺎﻗﺎﺗﻪ وﻳﻌﻤﻞ ﻟﻜﻴﻼ ﻳﺘﻌﺬب أﻃﻔﺎل ﺁﺧﺮون وﺁﺑﺎء وأﻣﻬﺎت وﺷﻴﻮخ ﻋﺠﺎﺋﺰ ،آﻤﺎ ﺗﻌﺬب هﻮ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺔ اﻟﺬﻋﺮ وآﻤﺎ ﺗﻌﺬب ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻔﺎرﻳﻦ ﻣﻦ ﺣﺮان إﻟﻰ دﻣﺸﻖ أﻣﺎم ﻏﺰو اﻟﺘﺘﺎر! . . وﻋﻜﻒ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺮﺁن واﻷﺣﺎدﻳﺚ ﻳﺪرس ﻣﺎ أﻣﺮ اﷲ ﺑﻪ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﺗﺮﺑﻴﺔ اﻟﻨﻔﺲ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺎرم اﻷﺧﻼق ﻟﺘﺘﻬﺬب، وﺗﺮﺑﻴﺔ اﻟﺠﺴﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻓﻴﺔ ﻟﻴﻘﻮى ..وﻧﻈﺮ ﻓﻲ اﻵﺛﺎر ﺣﻴﻦ آﺎن اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻗﻮة ﻳﺮهﺒﻬﺎ أﻋﺪاء اﻹﺳﻼم ،ﻓﺼﺢ ﻋﻨﺪﻩ أن ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ اﻷواﺋﻞ ﻣﻦ آﺎﻧﻮا أﺋﻤﺔ ﻟﻠﻬﺪى وﻓﺮﺳﺎن اﻟﻮﻏﻲ ﻓﻲ ﺁن واﺣﺪ ..ووﺟﺪ أن أآﺜﺮ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺗﻘﻮى وأوﻓﺮهﻢ ﻋﻠﻤًﺎ آﺎﻧﻮا هﻢ أﻗﻮاهﻢ ﺳﺎﻋﺪًا ،وﻗﺪ ﺣﻘﻘﻮا اﻻﻧﺘﺼﺎرات ﻓﻲ زﻣﻦ اﻟﺮﺳﻮل ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم ،وﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺮاﺷﺪﻳﻦ ..هﻜﺬا آﺎن أﺑﻮ ﺑﻜﺮ وﻋﻤﺮ وﻋﻠﻲ وﺑﻼل وأﺑﻮ ﻋﺒﻴﺪة رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻬﻢ.. ١١
ووﺟﺪ أن اﻟﺮﺳﻮل آﺎن ﻳﺄﻣﺮ ﺻﺤﺎﺑﺘﻪ ﺑﺄن ﻳﻌﻠﻤﻮا أوﻻدهﻢ ﻓﻨﻮن اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ﻟﺘﺼﻠﺢ أﺑﺪاﻧﻬﻢ ،وﻟﻴﺘﻘﻮوا ﺑﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﻬﺎد دﻓﺎﻋًﺎ ﻋﻦ دﻳﻦ اﷲ. وآﺎن هﻮ ﻧﻔﺴﻪ ﻗﺪ ﺗﻌﻠﻢ آﻞ أﻟﻮان اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ اﻟﺘﻲ أﻣﺮ ﺑﻬﺎ اﻟﺮﺳﻮل ..وﻟﻜﻨﻪ ﺣﻴﻦ اﻧﺸﻐﻞ ﺑﻄﻠﺐ اﻟﻌﻠﻢ ،وأآﺐ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻲ ﻟﻤﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ،ﻓﻌﺎد ﻳﻤﺎرﺳﻬﺎ، وﻳﺪﻋﻮ اﻟﺸﺒﺎب إﻟﻰ ﺗﻌﻠﻢ اﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ واﻟﺮﻣﺎﻳﺔ واﻟﺴﺒﺎﺣﺔ واﻟﻤﺼﺎرﻋﺔ واﻟﺠﺮي ..ﻓﻘﺪ آﺎن اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم وﺻﺤﺎﺑﺘﻪ وأﺑﻨﺎؤهﻢ ﻳﺘﻘﻨﻮن ﻓﻨﻮﻧًﺎ آﺜﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ اﻟﺒﺪﻧﻴﺔ، وﻳﺆ َﺛﺮ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ،أﻧﻪ آﺎن ﻳﺘﻘﻦ رآﻮب اﻟﺨﻴﻞ ،ورﻳﺎﺿﺔ اﻟﺠﺮي ،واﻟﺮﻣﺎﻳﺔ ،وهﻮ أﺷﺮف اﻟﻤﺮﺳﻠﻴﻦ وﺳﻴﺪ اﻟﺨﻠﻖ ،وﺣﺎﻣﻞ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ،وأﻋﻠﻢ اﻟﻨﺎس وأروﻋﻬﻢ وأﺗﻘﺎهﻢ ..وﻣﺎ ﺿﻴﻌﺖ اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ﻣﻨﻪ وﻗﺘﻪ اﻟﻤﺨﺼﺺ ﻟﻠﻬﺪاﻳﺔ وإﺑﻼغ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ..وﻗﺪ أﻣﺮ اﷲ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺑﺄن ﻳﻜﻮن ﻟﻬﻢ ﻓﻲ رﺳﻮل اﷲ أﺳﻮة ﺣﺴﻨﺔ.. ﻇﻠﺖ ﻓﻜﺮة اﻻهﺘﻤﺎم ﺑﺎﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ﺗﺠﺬب اﻧﺘﺒﺎهﻪ ،ﺣﺘﻰ ﻟﻘﺪ أﻓﺘﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻘﺪم ﺑﻪ اﻟﻌﻤﺮ أن اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ﺛﻼث: أوﻟﻬﺎ :ﻣﺎ أﻣﺮ ﺑﻪ اﷲ ورﺳﻮﻟﻪ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻘﻮي اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺠﻬﺎد ﻣﺜﻞ ﺗﻌﻠﻢ اﻟﻤﺒﺎرزة واﻟﺮﻣﺎﻳﺔ ورآﻮب اﻟﺨﻴﻞ ،وأدوات اﻟﺤﺮب اﻟﻤﺘﺎﺣﺔ ﻓﻲ آﻞ ﻋﺼﺮ .ﻷن هﺬﻩ اﻷﻟﻮان ﻣﻦ اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻴﻬﺎ أﻣﺮ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﺪﻳﻦ واﻷﻣﺔ. ١٢
وﺛﺎﻧﻴﻬﺎ :ﻣﺎ ﻧﻬﻰ ﻋﻨﻪ اﷲ ورﺳﻮﻟﻪ ﻣﺜﻞ اﻟﻤﻴﺴﺮ. وﺛﺎﻟﻬﺎ :ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﻪ اﷲ ورﺳﻮﻟﻪ ﻟﻌﺪم اﺣﺘﻴﺎج اﻟﺪﻳﻦ ،وﻟﻢ ﻳﺠﺊ ﻧﻬﻰ ﻋﻨﻪ إذ ﻻ ﻣﻔﺴﺪة ﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﻬﻲ ﻣﺒﺎﺣﺔ ،وﺑﻌﻀﻬﺎ آﺎن اﻟﺮﺳﻮل ﻳﻤﺎرﺳﻪ آﺮﻳﺎﺿﺔ اﻟﻤﺼﺎرﻋﺔ واﻟﺠﺮي. وﻗﺴﻢ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ وﻗﺘﻪ ﺑﻴﻦ اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ،واﻟﺘﺪرﻳﺲ ،واﻟﻘﺮاءة، واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ.. آﺎن ﻳﺠﻬﺪ ﻧﻔﺴﻪ ،ﺣﺘﻰ ﻟﻘﺪ آﺎﻧﺖ أﻣﻪ ﺗﻨﻬﺾ اﻟﻠﻴﻞ ﻟﺘﻨﺼﺤﻪ ﻣﺸﻔﻘﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺄن ﻳﺴﺘﺮﻳﺢ ،ﻓﻜﺎن ﻳﻬﺶ ﻓﻲ وﺟﻬﻬﺎ ،وﻳﺬآﺮهﺎ ﺑﻘﻮل اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ" :ﻣﻊ اﻟﻤﺤﺒﺮة ﺣﺘﻰ اﻟﻤﻘﺒﺮة" . .ﺛﻢ ﻳﺸﺮح ﻟﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻨﺘﻈﺮﻩ ﻣﻦ ﻣﻬﻤﺎت ﺟﺴﺎم ﻳﺠﺐ أن ﻳﺴﻠﺢ ﻟﻬﺎ ﻋﻘﻠﻪ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ، وﺟﺴﻤﻪ ﺑﺎﻟﻘﻮة. ﻟﻜﺄﻧﻪ ﻳﺸﻌﺮ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﻪ أﻧﻪ ﻣﺴﺌﻮل ﻋﻦ إﺻﻼح آﻞ ﻣﻈﺎﻟﻢ وﻣﻔﺎﺳﺪ ﻋﺼﺮﻩ ..ﻓﻌﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ آﺜﺮة اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﻔﻘﻬﺎء ﻟﻢ ﻳﺘﺼﺪ ﻟﻠﻤﻬﻤﺔ إﻻ أﻗﻞ ﻣﻦ اﻟﻘﻠﻴﻞ! .. وﻳﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻬﻤﺔ . .وﻳﺎ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻋﺼﺮ! ٭٭٭ آﺎﻧﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻗﺪ ﺗﻤﺰﻗﺖ إﻟﻰ دوﻳﻼت ،وآﺎن اﻟﺘﺘﺎر -ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ هﺰﻳﻤﺘﻬﻢ ﻓﻲ ﻋﻴﻦ ﺟﺎﻟﻮت ﻗﺒﻞ أن ﻳﻮﻟﺪ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ – ﻣﺎزاﻟﻮا ﻳﻐﻴﺮون ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎم ..واﻟﺼﻠﻴﺒﻮن ﻣﺎزاﻟﻮا ﻳﺤﻠﻤﻮن ﺑﺎﻣﺘﻼك أرض اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ.. ١٣
واﻟﻌﺼ ﺮ ﻣﻠ ﻲء ﺑﺎﻟﻔﺴ ﺎد :ﻓ ﺎﻟﻮﻻة ﻳﺮﺗﺸ ﻮن ،وﻻ ﻳ ﺆدون اﻷﻣﺎﻧﺔ وﻳﺒﻄﺸﻮن ﺑﻤﻦ ﻳﻘﺎوﻣﻬﻢ ،وﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻣﻦ ﻳﻨ ﺎﻓﻘﻬﻢ ﻃﻤﻌ ًﺎ ﻓ ﻲ اﻟﻌﻄ ﺎء !! وﻣ ﺎ ﻋ ﺎد رﺟ ﺎل آ ﺎﻟﻌﺰ ﺑ ﻦ ﻋﺒ ﺪ اﻟﺴ ﻼم ﻳﻔ ﺮض ﻋﻠ ﻴﻬﻢ هﻴﺒ ﺔ اﻟ ﺪﻳﻦ ،وﻻ آ ﺎﻟﻨﻮوي ﻳﻨﺼ ﺢ اﻟﺤ ﺎآﻢ ﻓ ﺈذا رﻓ ﺾ اﻟﺤﺎآﻢ ﻧﺼﻴﺤﺘﻪ ﺟﺎﺑﻬﻪ ﺑﺄﻧﻪ ﻣﻤﻠﻮك ﻳﻨﻬﺐ ﻣﺎ ﻟﻴﺲ ﻟ ﻪ ،وﻋﻠﻴ ﻪ أن ﻳ ﺬﻋﻦ ﻟ ﺮأي أه ﻞ اﻟﺘﻘ ﻮى ..اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ..واﻟﺠﻤ ﻮد ﻳﺒﺴ ﻂ ﺳ ﻠﻄﺎﻧﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘﻮل ،ﻓﻼ أﺣﺪ ﻳﻔﻜ ﺮ ﺧ ﺎرج اﻟﻤ ﺬاهﺐ اﻟﻔﻘﻬﻴ ﺔ اﻟﻤﺘﻮارﺛ ﺔ، وآ ﻞ ﺣ ﺰب ﻳﺘﻌﺼ ﺐ ﻟﻤﺬهﺒ ﻪ وﻳﻘﻠ ﺪ اﻟﺴ ﻠﻒ ،وﻳﻜﻴ ﺪ آ ﻞ واﺣ ﺪ ﻷﺧﻴﻪ.. دور اﻟﻠﻬﻮ واﻟﻔﺴﺎد واﻟﺨﻤﺎرات أﺻﺒﺤﺖ أآﺜﺮ ﻋﺪدًا ﻣﻦ اﻟﻤﺪارس ..واﻟﻤﺸﻌﻮذون اﻟﻤﻨﺘﺴﺒﻮن إﻟﻰ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﻳﺒﻬﺮون اﻟﻌﺎﻣﺔ ﺑﻔﻨﻮن اﻟﺸﻌﻮذة ،وﻳﺆﺛﺮون ﻋﻠﻴﻬﻢ ،وﻳﺸﻴﻌﻮن اﻟﻔﺴﺎد. اﻷﻣﺮاء ،وآﻠﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ اﻟﻤﺠﻠﻮﺑﻴﻦ ،ﻟﻬﻢ ﻗﺎﻧﻮن ﺳﺮي ﺧﺎص ﻏﻴﺮ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﺗﻮارﺛﻮﻩ ﻋﻦ ﺟﻨﻜﻴﺰﻳﺎن!!.. اﻟﺪوﻳﻼت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺗﺘﻄﺎﺣﻦ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ ،وﺑﻌﺾ أﺻﺤﺎب هﺬﻩ اﻟﻮﻻﻳﺎت ﻳﻤﺎﻟﺊ اﻟﺘﺘﺎر أو اﻟﻔﺮﻧﺞ اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻦ وﻳﻈﺎهﺮهﻢ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻲ وﻃﻨﻪ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ! وﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎب ﻣﻦ ﻳﺮﺧﻲ اﻟﺸﻌﺮ ﺗﺸﺒﻬًﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺎء ،وﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﺘﺴﺒﻮن إﻟﻰ ﻋﻠﻮم اﻟﺪﻳﻦ ﻣﻦ ﻳﺤﻠﻞ اﻟﺤﺮﻣﺎت ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻤﺎرس اﻟﻤﺠﻮن ،ﺣﺘﻰ ﻳﻔﺘﻀﺢ أﻣﺮﻩ، ﻓﻴﻀﻄﺮ ﻗﺎﺿﻲ اﻟﻘﻀﺎة إﻟﻰ اﻟﺤﻜﻢ ﺑﺈﻋﺪاﻣﻪ. ١٤
وﺑﻌﺾ اﻟﻤﻨﺘﺴﺒﻴﻦ إﻟﻰ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﻳﺰﻋﻢ أﻧﻪ ﻗﺪ اﺗﺤﺪ ﻓﻲ اﷲ ﻓﺮﻓﻊ ﻋﻨﻪ اﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ،ﻓﻼ ﻳﻨﻬﺾ ﻷداء أرآﺎن اﻹﺳﻼم ..ﻻ ﺻﻼة وﻻ ﺻﻴﺎم وﻻ زآﺎة ! ﺑﻞ ﻳﺴﺘﺒﻴﺢ اﻟﻤﺤﺮﻣﺎت وﺗﻌﺎﻃﻲ اﻟﺤﺸﻴﺶ!! ﻞ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺮﺿﺎﻩ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ .ﻓﻨﻔﻮذ واﻟﺤﻴﺎة اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ زاﺧﺮة ﺑﻜ ﱢ ﻼ ،وأﺻﺒﺢ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﺎم ﻣﻦ ﻻ ﻳﺨﺮج اﻟﻤﺘﺼﻮﻓﺔ ﻗﺪ أﺻﺒﺢ هﺎﺋ ً ﻋﻦ أﻣﺮهﻢ ،ﺣﺘﻰ ﻟﻘﺪ ﺷﻜﺎ ﺑﻌﺾ أﺣﺪ اﻟﻤﻨﺘﺴﺒﻴﻦ إﻟﻰ اﻟﺘﺼﻮف آﺎن ﻳﻌﻆ اﻟﻨﺎس ﻓﻴﻠﺤﻦ ﻟﺤﻨًﺎ ﻓﺎﺣﺸًﺎ ..وﻳﺼﺪر اﻟﺴﻠﻄﺎن إﻟﻴﻪ أﻣﺮًا ﺑﺎﻻﻣﺘﻨﺎع ﻋﻦ اﻟﺨﻄﺎﺑﺔ واﻟﻮﻋﻆ ،ﻓﻴﻬﺪدﻩ اﻟﺮﺟﻞ! . .وﻳﻘﻊ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺗﺤﺖ ﺗﺄﺛﻴﺮ اﻟﺘﻬﺪﻳﺪ ﺣﺘﻰ إذا ﺧﻼ ﺑﻨﻔﺴﻪ ،ﺧﻴﻞ إﻟﻴﻪ أن أﺳﺪًا ﻳﻨﻘﺾ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻴﻔﺘﺮﺳﻪ ،ﻓﻴﻌﻴﺪ اﻟﺮﺟﻞ إﻟﻰ اﻟﻮﻋﻆ واﻟﺨﻄﺄ. . وﻣﺨﺎﻟﻔﻮ ﻣﺬهﺐ اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ ،ﻣﻦ اﻟﻤﺘﻌﺼﺒﻴﻦ ﻟﻐﻴﺮﻩ ﻣﻦ اﻟﻤﺬاهﺐ ،ﻟﻬﻢ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ. ودارﺳﻮ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻳﻨﺸﺮون ﺁراءهﻢ ،وﻳﺮﻳﺪون أن ﻳﺴﺘﺪﻟﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﺄدﻟﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ..وهﺬا ﻓﻲ رأي اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﺴﻨﺔ ،وﻻ ﻣﻤﺎ ﺟﺎء ﺑﻪ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ واﻟﺘﺎﺑﻌﻮن ..ﻓﻤﺎ آﺎﻧﻮا ﻗﺪ ﻋﺮﻓﻮا ﻣﻨﻄﻖ أرﺳﻄﻮ ،وآﺎن آﻞ ﺷﻲء ﺑﺨﻴﺮ آﻤﺎ ﻳﺮى اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ،ﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﻬﺾ أﺻﺤﺎب اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ،ﻓﻴﻘﻴﻤﻮا أدﻟﺘﻬﻢ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ، ﺑﺄدوات ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻖ أرﺳﻄﻮ.. واﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﻳﺄﺳﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﺪل ،ﻳﻠﺘﻤﺴﻮن اﻟﻌﺪل واﻟﺒﺮآﺔ ﻣﻦ أﺿﺮﺣﺔ اﻷوﻟﻴﺎء ...ﺣﺘﻰ اﺗﺨﺬوا ﺻﺨﺮة ﻳﺘﺒﺮآﻮن ﺑﻬﺎ ،وﺣﺘﻰ ١٥
ﻟﻘﺪ آﺎﻧﻮا ﻳﻘﺪﻣﻮن اﻟﻤﻈﺎﻟﻢ ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ إﻟﻰ أﺿﺮﺣﺔ اﻷوﻟﻴﺎء واﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ. وﺑﻌﺾ اﻟﻤﻨﺘﺴﺒﻴﻦ إﻟﻰ اﻟﺸﻴﻌﺔ ،ﻳﺘﻌﺎﻃﻮن اﻟﺤﺸﻴﺶ وﻳﻌﺘﺼﻤﻮن ﺑﺎﻟﺠﺒﺎل ..وﻣﺎزاﻟﻮ ﻳﺆﻟﻬﻮن اﻹﻣﺎم ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ آﺮم اﷲ وﺟﻬﻪ. وﻣﺎ زال هﺬا اﻟﻀﻼل ﻗﺎﺋﻤ ًﺎ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺟﺒﺎل ﺳﻮرﻳﺎ ،ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻤﺎ ﺻﻨﻌﻪ اﻹﻣﺎم ﻋﻠﻲ ﻣﻊ أﺳﻼﻓﻬﻢ ..إذ اﺳﺘﺘﺎﺑﻬﻢ ﻓﻠﻢ ﻳﺘﻮﺑﻮا ،ﻓﺠﺎهﺪهﻢ آﻤﺎ ﻳﺠﺎهﺪ اﻟﻜﻔﺎر ،وﺣﻴﻦ ﻇﻔﺮ ﺑﻬﻢ أﻋﺪم ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﺘﺐ إﻟﻰ اﷲ وﻳﺮﺟﻊ إﻟﻰ اﻹﺳﻼم. وهﻨﺎك ﺧﺼﻮم ﺁﺧﺮون ﻳﺮاهﻢ ﺧﺎرﺟﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻨﺔ ﻓﻬﻢ ﻳﺆوﻟﻮن ﺁﻳﺎت اﻟﻘﺮﺁن اﻟﻜﺮﻳﻢ ،وﻳﻨﻜﺮون أن اﷲ ﻳﺴﺘﻮي ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮش ،وأﻧﻪ ﻳﻨﺰل ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ،وأن ﻟﻪ ﻳﺪًا وﻋﻴﻨًﺎ آﻤﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن ..وﻳﺰﻋﻤﻮن أن ﻓﻬﻢ اﻵﻳﺎت ﺑﻈﺎهﺮهﺎ ﺗﺸﺒﻴﻪ ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺎﻻﻧﺴﺎن وهﻮ ﻣﻨﺰﻩ ﻋﻦ اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ !! وإذن ﻓﺎﻟﺮﺟﻞ ﻣﻄﺎﻟﺐ ﺑﺄن ﻳﺴﺘﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ ،وﺑﺄن ﻳﺪرس وﻳﺪرس وﻳﺘﺄﻣﻞ وﻳﺘﺪﺑﺮ ،وﻳﺘﻘﻦ أدوات اﻟﺠﺪال ،وﻳﺴﺘﻮﻋﺐ ﺑﺮاهﻴﻦ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ وأدﻟﺘﻬﻢ ،وﻃﺮاﺋﻖ أهﻞ اﻟﻜﻼم ﻓﻲ اﻟﻔﻬﻢ واﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ،ﻟﻴﺠﺎدل ﻋﻤﺎ ﻳﻌﺘﻘﺪ أﻧﻪ وﺣﺪﻩ ﻣﻦ اﻟﺴﻨﺔ ،وأن آﻞ ﻣﺎ ﻋﺪاﻩ ﻣﻦ ﺗﺄوﻳﻞ ﺑﺎﻃﻞ وﺧﻄﺄ.. ﻳﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻬﻤﺔ !! وﻳﺎ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻋﺼﺮ !! ١٦
وﻟﻜﻦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻳﻘﻀﻲ اﻟﺴﻨﻮات داﺋﺒﺎ ﻳﺪرس، وﻳﺤﻔﻆ ،وﻳﺸﺤﺬ اﻟﻘﺮﻳﺤﺔ ﻟﻤﺼﺎوﻟﺔ ﻣﺨﺎﻟﻔﻲ ﻣﺎ ﻳﻌﺘﻨﻖ ﻣﻦ أﻓﻜﺎر، وﻟﻠﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻌﺘﻘﺪ أﻧﻪ ﺑﺪع وﺿﻼﻻت ،وﻳﺮوض اﻟﻨﻔﺲ ﻋﻠﻰ ﻗﻤﻊ ﺣﺪﺗﻪ ﺑﺎﻟﺤﻠﻢ ﻟﻴﻜﻮن أآﺜﺮ إﻗﻨﺎﻋ ًﺎ.. آﺎن ﻳﻌﺮف أﻧﻪ ﺳﻴﻠﻘﻰ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ أداء ﻣﻬﻤﺘﻪ ﺑﻼء آﺜﻴﺮًا، وﻟﻜﻨﻪ آﺎن ﻳﺪرك أﻧﻪ ﺑﻼء ﻓﻲ اﷲ ،ﻓﻬﻮ ﺟﻬﺎد ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ ! وﻟﻢ ﻳﺪر ﺑﺄي اﻟﺨﺼﻮم ﻳﺒﺪأ . .وﻗﺪ ﺗﺴﻠﺢ اﻵن ﺑﻜﻞ ﻓﻘﻪ ﺗﺮآﻪ اﻟﺴﻠﻒ ،ﻻ ﻓﻘﻪ اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ وﺣﺪﻩ . .وﺗﺴﻠﺢ ﺑﺪراﺳﺔ ﻋﻠﻮم اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ وﻋﻠﻢ اﻟﻜﻼم ،وأدﻟﺔ اﻟﻘﺮﺁن واﻟﺴﻨﺔ واﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ،وأﺗﻘﻦ ﺣﻔﻆ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺣﺘﻰ ﻟﻘﺪ ﻗﺎل أﺣﺪ اﻟﻤﺘﺤﻤﺴﻴﻦ ﻟﻪ " :آﻞ ﺣﺪﻳﺚ ﻟﻢ ﻳﺤﻔﻈﻪ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻟﻴﺲ ﺑﺤﺪﻳﺚ"! ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻣ ﻊ آ ﻞ هﻤﻮﻣ ﻪ ،ﻟ ﻢ ﻳﻌﺘ ﺰل اﻟﻨ ﺎس ،ﻓﻘ ﺪ آ ﺎن ﻳﺠ ﺪ اﻟﻮﻗﺖ ﻟﻴﻤﺸﻲ ﻓﻲ اﻷﺳﻮاق ،ﻳﺘﻌﺮف اﻟﺤﺎﺟﺎت ،ﻋﻠ ﻰ اﻟ ﺮﻏﻢ ﻣ ﻦ أﻧ ﻪ ﻟ ﻢ ﻳﻜ ﻦ ﻳﻤﻠ ﻚ إﻻ راﺗﺒ ﻪ اﻟ ﺬي ﻳﺘﻘﺎﺿ ﺎﻩ ﻣ ﻦ اﻟﻤﺪرﺳ ﺔ ،وه ﻮ راﺗﺐ ﻻ ﻳﻜﻔﻞ ﻟﻪ اﻟﺮﻓﺎهﻴﺔ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻳﻜﻔﻞ اﻟﻌﻴﺶ اﻟﺤﺴﻦ.. ﻗﺎﺑﻞ ﻣﺮة ﻃﺎﻟﺐ ﻋﻠﻢ ﻳﻤﺸﻲ ﺷﺎرد اﻟﺬهﻦ ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻤﻠﻚ ﻧﻔﻘﺔ ﻳﻮﻣﻪ ،ﻓﺎﺳﺘﻮﻗﻔﻪ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ،وأﻋﻄﺎﻩ ﻣﺎﻻ دون أن ﻳﺴﺄﻟﻪ، وﻗﺎل ﻟﻠﻄﺎﻟﺐ" :أﻧﻔﻖ ﻣﻦ هﺬا اﻟﻤﺎل وأﺧﻞ ﺧﺎﻃﺮك ،واﻧﺸﻐﻞ ﺑﻄﻠﺐ اﻟﻌﻠﻢ" ﺑﺄي اﻟﻤﻌﺎرك ﺗﺒﺪأ ﻳﺎ ﺗﻔﻲ اﻟﺪﻳﻦ ،وآﻞ ﻣﺎ ﺗﺮاﻩ ﻳﺤﺘﺎج ﻣﻨﻚ إﻟﻰ ﻣﻌﺮآﺔ..؟! ١٧
ﺑﺚ هﻤﻮﻣﻪ ﻷﻣﻪ اﻟﺮءوم ﻓﻨﺼﺤﺘﻪ ﺑﺄﻻ ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻣﻌﺎرك، وأن ﻳﻘﻮل آﻠﻤﺘﻪ وﻳﻤﻀﻲ ،وﻳﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎﻟﺪﻋﻮة إﻟﻰ اﻟﻤﻌﺮوف واﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ. آﻴﻒ ﻳﺎ أم واﻟﻔﺴﺎد ﻳﻌﻢ ،واﻟﺴﻨﺔ ﺗﻬﺪر ،واﻟﻤﺨﺎﻟﻔﻮن ﻳﺴﺘﻘﻮون..؟! ﻋﻠﻰ أن ﺗﻔﻜﻴﺮﻩ ﻟﻢ ﻳﻄﻞ ،ﻓﻘﺪ ﻓﺮﺿﺖ اﻟﻤﻌﺮآﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺨﺘﺎر!! ..
١٨
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻰ ﻃﺎل ﻟﻴﻞ "ﺳﺖ اﻟﻨﻌﻢ" ﻏﻴﺮ أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻨﻢ ! ﻟﻜﻢ ﺗﺸﻔﻖ ﻋﻠﻰ وﻟﺪهﺎ "أﺣﻤﺪ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ" ﻣﻤﺎ هﻮ ﻣﻘﺒﻞ ﻋﻠﻴﻪ !!. .إﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﺪ ﻳﺤﺘﻞ ﻣﻜﺎن أﺑﻴﻪ ﻓﻲ دار اﻟﺤﺪﻳﺚ واﻟﺠﺎﻣﻊ اﻷﻣﻮي ،ﺑﻌﺪ ﻋﺎم واﺣﺪ ﻣﻦ وﻓﺎة أﺑﻴﻪ ،ﺣﺘﻰ أﻧﻜﺮﻩ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻣﻦ آﺒﺎر اﻟﺴﻦ !.. ﻣﻦ اﻟﺤﻖ أن ﻋﻠﻤﺎء ﺁﺧﺮﻳﻦ ﻓﺮﺣﻮا ﺑﻪ ،وﺷﺠﻌﻮﻩ ،ورأوا ﻓﻴﻪ ﻓﺎرﺳًﺎ ﻟﻠﻜﻠﻤﺔ ،ﺷﺠﺎﻋ ًﺎ ﻳﺤﻤﻲ اﻟﺪﻳﻦ وﻳﺤﻴﻰ اﻟﺴﻨﺔ ،وأآﺒﺮوا ﻏﺰارة ﻋﻠﻤﻪ ،ﻋﻠﻰ ﻧﻀﺎرة ﺳﻨﻪ.. وﻟﻜﻦ هﺆﻻء اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﻘﺒﻠﻮا ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑﻌﺪ هﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺸﺎب، أﻳﻌﺮﻓﻮن آﻢ ﻳﻜﺎﺑﺪ ﻓﻲ ﺗﺤﺼﻴﻞ اﻟﻌﻠﻢ؟! . .أﻳﻌﺮﻓﻮن آﻢ ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺎت اﻟﻨﻬﺎر واﻟﻠﻴﻞ ﻳﻘﻀﻲ ﺑﻴﻦ اﻟﻜﺘﺐ ،ﻳﺤﻔﻆ وﻳﻘﺮأ وﻳﺘﺄﻣﻞ، ﻟﻴﺴﺘﻮﻋﺐ آﻞ ﻓﻨﻮن اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﻦ ﻋﻠﻮم اﻟﺪﻳﻦ واﻟﺪﻧﻴﺎ..؟! ﻻ ﻣﻦ أن ﻳﻨﻜﺮوﻩ!! ﻟﻮ أﻧﻬﻢ ﻋﺮﻓﻮا ﻷآﺒﺮوا ،ﺑﺪ ً إﻧﻬﻢ ﻟﻴﺘﻬﻤﻮﻧﻪ ﺑﺎﻟﺨﻴﻼء واﻟﻐﺮور ،ﻷﻧﻪ ﻳﻠﻘﻲ اﻟﺪروس ﺑﻼ أوراق أو آﺘﺐ !... وﻟﻜﻦ . .هﻜﺬا آﺎن أﺑﻮﻩ إﻣﺎم اﻟﻔﻘﻪ اﻟﺤﻨﺒﻠﻲ ،وهﻜﺬا آﺎن ﺟﺪﻩ أﻋﻠﻢ اﻟﻔﻘﻬﺎء اﻟﺤﻨﺎﺑﻠﺔ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻩ.
١٩
إن ﺗﻘ ﻲ اﻟ ﺪﻳﻦ ﻳﺸ ﻌﺮ أن اﻟﻜﺘ ﺐ ﺗﻘﻴ ﺪﻩ! وه ﻮ أﺛﻨ ﺎء إﻟﻘﺎﺋ ﻪ اﻟ ﺪروس ﻓ ﻲ دار اﻟﺤ ﺪﻳﺚ ﺑﺎﻟﻤﺪرﺳ ﺔ اﻟﺴ ﻜﺮﻳﺔ أو ﻓ ﻲ اﻟﺠ ﺎﻣﻊ، ﻳﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻓﻦ إﻟﻰ ﻓﻦ ﻣﻦ ﻓﻨﻮن اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،ﺣﺮًا ﻃﻠﻴﻘًﺎ آﺎﻟﺮﻳﺢ !!.. ﻣﺎ ﺣﺎﺟﺘﻪ إﻟﻰ أن ﻳﺮﺟﻊ إﻟﻰ آﺘﺎب ﺧﻼل إﻟﻘﺎﺋﻪ اﻟﺪروس، وهﻮ ﻳﺤﻔﻆ آﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺮﺟﻊ ﻓﻴﻪ إﻟﻰ اﻟﻜﺘﺐ ؟! إن ﻟﻪ ﻣﻦ ﺣﻀﻮر اﻟﺬهﻦ ،وﺻﻔﺎء اﻟﻨﻔﺲ ،وﺣﺮارة اﻹﻳﻤﺎن وﺣﺪة اﻟﺬآﺎء ،وﺛﺮاء اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،وﻗﻮة اﻟﻌﺎرﺿﺔ ..إن ﻟﻪ ﻣﻦ آﻞ هﺬﻩ اﻟﻤﻮاهﺐ ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻞ آﻞ ﻣﺎ ﺣﺼﻠﻪ وﻣﺎ ﻳﺴﺘﻨﺒﻄﻪ ﻣﺮﺗﺒًﺎ ﻓﻲ ﻋﻘﻠﻪ ﻋﻠﻰ أﺟﻤﻞ ﻧﺴﻖ !.. ﺣﻤﺎك اﷲ ﻳﺎ وﻟﺪي ﺗﻔﻲ اﻟﺪﻳﻦ! ..إﻧﻲ ﻷﻋﻴﺬك ﺑﺎﷲ ﻣﻦ اﻟﺸﻴﻄﺎن اﻟﺮﺟﻴﻢ ،وﻣﻦ ﺷﺮ ﺣﺎﺳﺪ إذا ﺣﺴﺪ !!.. . ﻟﻴﺘﻚ ﺗﻌﺪل ﻋﻦ ﺣﺪﺗﻚ اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﻨﻔﺮهﺎ ﻓﻴﻚ ﻣﺎ ﺗﺮاﻩ ﻣﻦ ﺟﺤﻮد اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﺸﻴﻮخ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﻜﺮوﻧﻚ ،وﻻ ﻳﻌﺘﺮﻓﻮن ﺑﻚ، ﺣﺴﺪًا ﻣﻦ ﻋﻨﺪ أﻧﻔﺴﻬﻢ !! إﻧﻚ ﻳﺎ وﻟﺪي ﻟﺘﻘﺮأ "اﺑﻦ ﺣﺰم" وﺳﻴﺮﺗﻪ ،ﻓﻴﻤﺎ ﺗﻘﺮأ ﻣﻦ ﻓﻘﻪ ﺁﺧﺮ ﻏﻴﺮ اﻟﻔﻘﻪ اﻟﺤﻨﺒﻠﻲ ،ﻓﻠﻌﻠﻚ ﺗﺪرك ﻣﺎ ﺟ ﱠﺮت اﻟﺤﺪة ﻋﻠﻰ "اﺑﻦ ﺣﺰم" !.. ﻟﻌﻠﻚ ﺗﺪرك أن "اﺑﻦ ﺣﺰم" آﺎن ﻳﺸﻜﻮ هﺬﻩ اﻟﺤﺪة ،وﻳﺤﺎول أن ﻳﺘﺨﻠﺺ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻃﺒﻌًﺎ ﻓﻴﻪ ،ﺑﻞ ﻋﻦ ﻣﺮض ﻳﻌﻴﺒﻪ!. ٢٠
وأﻗﺒﻞ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﻋﻠﻰ أﻣﻪ ﺑﻌﺪ أن ﺻﻠﻰ اﻟﻔﺠﺮ ،وﺟﻠﺲ ﻳﻔﻄﺮ ﻣﻌﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺎم ﻓﻘﺒﻞ ﻳﺪهﺎ واﺗﺠﻪ إﻟﻰ اﻟﺒﺎب ﻟﻴﺨﺮج. . ﻗﺎﻟﺖ "ﺳﺖ اﻟﻨﻌﻢ" :إﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﻄﻌﻢ ﺑﻤﺎ ﻳﻘﻮﻳﻚ ﻋﻠﻰ إﻟﻘﺎء دروﺳﻚ ﻓﻲ اﻟﻤﺪرﺳﺔ.. ﻗﺎل :أﺗﺬآﺮﻳﻦ ﻗﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻘﺪﻳﻢ: ي؟!" "وﺣﺴﺒﻚ ﻣﻦ ﻏﻨﻰ ﺷﺒﻊ ور ّ ﻗﺎﻟﺖ" :هﺬا ﻃﻌﺎم اﻟﺰاهﺪﻳﻦ .إﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﺸﺒﻊ ﻳﺎ ﺑﻨﻰ". ﻓﻀﺤﻚ" :اﻷﻣﺮ ﻟﻚ ﺳﺂآﻞ ﺣﺘﻰ ﺗﺮﺿﻲ؟" وﻋﺎد إﻟﻰ اﻟﻄﻌﺎم ُﻳﻜﺮﻩ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﻨﺎوﻟﻪ إرﺿﺎء ﻷﻣﻪ! ﻼ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ" :ﻟﻜﻢ أﺧﺸﻰ ﻋﻠﻴﻚ ﻳﺎ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺷﺮدت أﻣﻪ ﻗﻠﻴ ً ﻣﻦ ﺣﺴﺪ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻜﺒﺮوﻧﻚ ﺳﻨًﺎ!! ﻻ ُﺗﺜﺮهﻢ ﻓﻲ ﺧﻼﻓﻚ ﻣﻌﻬﻢ واذآﺮ ﻧﺼﻴﺤﺔ أﺑﻴﻚ! . .ﺛﻢ ﻳﺎ وﻟﺪى ..هﺬﻩ اﻟﻤﻌﺮآﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻣﻦ اﻟﻬﻤﻮم ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﺨﻮﺿﻬﺎ ..ﺁﻩ ﻳﺎ ﺑﻨﻰ آﺈﻧﻲ أﺣﻤﻞ ﺟﺒﺎ ً إﺷﻔﺎﻗًﺎ ﻋﻠﻴﻚ !!" ﻗﺎل ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ" :أﺗﺮﺿﻴﻦ ﻟﻲ أن أﺳﻜﺖ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻃﻞ!؟" ﻗﺎﻟﺖ" :ﻣﻌﺎذ اﷲ !! ..ﻧﺤﻮ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮات ﻗﺪ ﻣﺮت ﻣﻨﺬ أﺧﺬت ﻣﻜﺎن أﺑﻴﻚ ﻓﻲ دار اﻟﺤﺪﻳﺚ واﻟﺠﺎﻣﻊ اﻷآﺒﺮ ،وهﻢ ﻻ ﻳﻬﺪأون ﻋﻨﻚ وأﻧﺖ ﻻ ﺗﻬﺪأ ﻋﻨﻬﻢ!! ﺳﻴﺘﻜﺎﺛﺮ ﻋﻠﻴﻚ اﻟﺨﺼﻮم وأﻧﺖ وﺣﻴﺪ !" ﻗﺎل " :ﻣﻦ ﺧﺼﻮﻣﻲ ﻳﺎ أﻣﺎﻩ؟! . .إﻧﻬﻢ اﻟﻤﻘﻠﺪون اﻟﺠﺎﻣﺪون، وﻣﺨﺎﻟﻔﻮ اﻟﺴﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء !! ﺛﻢ أهﻞ اﻟﺒﺪع واﻷهﻮاء!! أﻓﺄﺳﻜﺖ ٢١
ﻋﻨﻬﻢ ؟ . .وأهﻞ اﻟﻔﺴﺎد واﻟﻔﺴﺎق ،واﻟﻈﺎﻟﻤﻮن ،واﻟﻤﺸﻌﻮذون واﻟﺪﺟﺎﻟﻮن!؟ أﻓﺘﺮﻳﻦ ﻟﻲ أن أﺳﻜﺖ ﻋﻨﻬﻢ؟! أﻓﺘﺮﺿﻴﻦ ﻟﻲ اﻟﺪﻧﻴﺔ ﻓﻲ دﻳﻨﻰ؟!" ﻗﺎﻟﺖ " :وﻣﺎ أﺷﺪ ﻋﺬاب أم ﺗﻌﺮف أن اﺑﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﻖ وأﻧﻪ ﻳﺠﺐ أن ﻳﺸﻘﻰ وﻳﻌﺈﻧﻲ ﻟﻜﻲ ﻳﻨﺎﻓﺢ ﻋﻨﻪ ،وهﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺗﺸﻔﻖ ﻣﻦ اﻟﻬﻮل اﻟﻘﺎدم اﻟﻨﺎﻃﺢ ﺑﻘﺮﻧﻴﻪ!!" ﻗﺎل" :ذآﺮت اﻟﺨﺼﻮم وهﻢ آﺜﻴﺮ ،أﻓﺘﻨﺴﻴﻦ اﻟﺼﺤﺎب ﻣﻦ اﻷﺗﻘﻴﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺄﺧﺬون اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻘﻮة ،وﻻ ﻳﺨﺸﻮن ﻓﻲ اﷲ ﻟﻮﻣﺔ ﻻﺋﻢ؟! اذآﺮﻳﻬﻢ أﻳﻀًﺎ ..وآﻢ ﻣﻦ ﻓﺌﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻏﻠﺒﺖ ﻓﺌﺔ آﺜﻴﺮة ﺑﺈذن اﷲ !!" ﻗﺎﻟﺖ :ﺻﺪق اﷲ اﻟﻌﻈﻴﻢ. وﻓﺮغ ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎم ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ ﻣﺒﺘﺴﻤًﺎ" :أرﺿﻴﺖ ﻋﻦ ﻃﻌﺎﻣﻲ؟" ﻗﺎﻟﺖ" :هﻜﺬا ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن ﻃﻌﺎم اﻟﻤﺠﺎهﺪﻳﻦ" واﺗﺠﻪ إﻟﻰ اﻟﺒﺎب ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ وآﺄﻧﻬﺎ ﺗﺬآﺮت ﺷﻴﺌًﺎ" :ﻗﺒﻞ أن ﺗﺬهﺐ إﻟﻰ دار اﻟﺤﺪﻳﺚ واﻟﺠﺎﻣﻊ اﻷﻣﻮي ﻓﺘﻠﻘﻲ درﺳﻚ ،ﺛﻢ ﺗﺠﺎدل ﻋﻠﻤﺎء أآﺒﺮ ﻣﻨﻚ ﺳﻨًﺎ وأﻗﻞ ﻋﻠﻤًﺎ ،أرﺟﻮ أن ﺗﺤﻤﺪ اﷲ أﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﻌﺶ ﻓﻲ ﺑﻼد ﻣﺎ وراء اﻟﻨﻬﺮ ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻓﺘﺘﺤﺖ أول ﻣﺪرﺳﺔ !" ﻓﻀﺤﻚ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ وأآﻤﻞ " :ﺣﻴﻦ ﻇﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء أن اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺳﺘﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﺣﻠﻘﺎت اﻟﻌﻠﻢ ﺑﻌﺪ اﻓﺘﺘﺎح اﻟﻤﺪارس ،ﻓﺄﻗﺎﻣﻮا ﻣﺄﺗﻤ ًﺎ ﻟﻠﻌﻠﻢ ﺗﻠﻘﻮا ﻓﻴﻪ اﻟﻌﺰاء!؟ ٢٢
ﻗﺎﻟﺖ ﺿﺎﺣﻜﺔ" :أﺣﻤﺪ اﷲ ﻋﻠﻰ أﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ هﻨﺎك ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﺎن!! ﻓﻤﺎ ﻋﺴﺎك آﻨﺖ ﺻﺎﻧﻌًﺎ ﺑﻬﺬا اﻟﺼﻨﻒ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء؟!" ﻗﺎل وهﻮ ﻳﻐﻠﻖ اﻟﺒﺎب وراءﻩ" :ﻣﺎزال هﻨﺎك ﺑﻘﻴﺔ ﻣﻦ ﺳﻼﻟﺔ أوﻟﺌﻚ اﻟﻌﻠﻤﺎء ..اﻟﺴﻼم ﻋﻠﻴﻚ ورﺣﻤﺔ اﷲ وﺑﺮآﺎﺗﻪ ..أﺳﺄﻟﻚ اﻟﺪﻋﺎء ﻳﺎ أﻣﺎﻩ ،ﻓﺮﺿﺎك ﻣﻦ رﺿﺎ اﷲ" ﻗﺎﻟﺖ" :رﺑﻰ وﻗﻠﺒﻰ راﺿﻴﺎن ﻋﻠﻴﻚ ..اذهﺐ ﺑﺮﻋﺎﻳﺔ اﷲ. . ﺣﻤﺎك اﷲ ﻣﻦ ﺣﺴﺪ اﻟﺤﺎﺳﺪﻳﻦ ،وآﻴﺪ اﻟﻜﺎﺋﺪﻳﻦ ،وأﺗﻢ ﻧﻌﻤﺘﻪ ﻋﻠﻴﻚ وﺳﺪد ﺧﻄﺎك" وﺣﻴﻦ ﺧﺮج اﻧﺴﻜﺒﺖ دﻣﻮع إﺷﻔﺎق ﻇﻠﺖ ﺗﻐﺎﻟﺒﻬﺎ ..ﺛﻢ دﺧﻠﺖ إﻟﻰ ﺧﺰاﻧﺔ اﻟﻜﺘﺐ ،ﺗﻠﺘﻤﺲ اﻟﺮاﺣﺔ واﻟﻘﻮة ﻓﻲ ﺗﻼوة اﻟﻘﺮﺁن اﻟﻜﺮﻳﻢ ،ﻓﻮﺟﺪت أوراﻗًﺎ ﻣﺘﻨﺎﺛﺮة أودﻋﻬﺎ "ﺗﻘﻰ اﻟﺪﻳﻦ" ﺑﻴﻦ اﻟﺼﻔﺤﺎت ..ﻣﺎ هﺬﻩ اﻷوراق؟ واﻓﺮﺣﺘﺎ !! . .إﻧﻬﺎ ﻣﺤﺎوﻻت ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺑﻌﺾ ﺁﻳﺎت اﻟﻘﺮﺁن اﻟﻜﺮﻳﻢ . .اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ؟! ﻟﻴﺲ ﺑﻌﺪ ﻳﺎ ﺳﺎ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة وأﺣﻮاﻟﻬﺎ ،وﺣﺘﻰ ﺑﻨﻲ؟! . .اﻧﺘﻈﺮ ﺣﺘﻰ ﺗﺰداد ﺗﻤﺮ ً ﻼ ﻣﻦ اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ،ﻓﻼ ﻳﺜﻮر ﻳﺠﻠﻞ اﻟﺸﻴﺐ رأﺳﻚ ،وﺗﺼﺒﺢ آﻬ ً ﻋﻠﻴﻚ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﺤﺎﺳﺪون ﻣﻦ اﻟﻜﻬﻮل! ﺣﻤﺎك اﷲ وﻗﻮاك ﻳﺎ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ !.. وﻋﺎدت ﺗﺘﻠﻮ اﻟﻘﺮﺁن اﻟﻜﺮﻳﻢ ،ﺑﻘﻠﺐ ﺧﺎﺷﻊ ،وﺻﻮت رﺧﻴﻢ. . ٭٭٭ ٢٣
ﻣﻀﻰ ﻳﺘﺄﻣﻞ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،ﺛﻢ ﻳﺬاآﺮ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﺳﻴﻠﻘﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﻃﻼب ﻣﺪرﺳﺔ اﻟﺤﺪﻳﺚ ،ﺛﻢ ﻋﻠﻰ رواد ﺣﻠﻘﺘﻪ ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻊ. اﺗﺴﻌﺖ ﺣﻠﻘﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺘﺨﻴﻠﻪ.. ﻟﻢ ﺗﻘﻔﺮ ﺑﻘﻴﻪ اﻟﺤﻠﻘﺎت ،وإن آﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﺿﺎﻗﺖ ﻋﻠﻰ ﺷﻴﻮﺧﻬﺎ ! ..وأوﻏﺮ هﺬا ﺑﻌﺾ اﻟﺼﺪور!. . ن اﺗﺴﺎع ﺣﻠﻘﺘﻪ وﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﺣﻴﻠﺘﻪ؟ . .ﻣﺎ ﺷﺎء اﷲ آﺎن .. .وإ ّ ﻟﻴﻠﻘﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺴﺌﻮﻟﻴﺔ اﻹﺗﻘﺎن ،واﻟﺘﺰود ﺑﻜﻞ أﻟﻮان اﻟﻤﻌﺎرف ﻟﻴﻮاﺟﻪ ﻓﺠﺎءات اﻷﺳﺌﻠﺔ واﻻﻓﺘﺮاﺿﺎت!.. وﺷﺎﻋﺖ ﻓﻲ وﺟﻬﻪ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ،وهﻮ ﻳﺘﺬآﺮ ﻋﻠﻤﺎء ﻣﺎ رواء اﻟﻨﻬﺮ ،وﺟﺰﻋﻬﻢ ﻣﻦ إﻧﺸﺎء اﻟﻤﺪارس !.. هﺎ هﻲ ذي اﻟﻤﺪارس ﺗﻤﻸ ﻣﺪن اﻟﺸﺎم وﻣﺼﺮ ،وهﻲ ﻟﻢ ﺗﺴﻠﺐ ﻣﻦ رواد ﺣﻠﻘﺎت اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ أﺣﺪًا ..ﻣﺎزاﻟﺖ ﺑﻴﻮت اﷲ آﻤﺎ آﺎﻧﺖ ﻗﺒﻞ إﻧﺸﺎء اﻟﻤﺪارس دور ﻋﺒﺎدة ،ودور ﻋﻠﻢ ،ﻳﺘﻠﻘﻰ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺮواد ﻋﻠﻮم اﻟﺪﻳﻦ واﻟﻠﻐﺔ ،واﻟﻤﺪارس زاﺧﺮة ﺑﺎﻟﻄﻠﺒﺔ ،ﻳﺪرﺳﻮن ﻓﻴﻬﺎ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻋﻠﻮم اﻟﺪﻳﻦ ،ﻋﻠﻮم اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻦ ﻃﺐ ،ورﻳﺎﺿﻴﺎت، وﻓﻠﻚ ،وﻃﺒﻴﻌﺔ ،وآﻴﻤﻴﺎء ،إﻟﻰ ﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻴﻪ اﻷﻣﺔ ﻟﻌﻤﺎرة اﻷرض ،وﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ،ودﻓﻊ اﻟﻤﻀﺮة ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺤﻴﺎة.
٢٤
ﻟﻘﺪ ﻏﻨﻴﺖ اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻟﺸﺎم وﻣﺼﺮ ﻣﻨﺬ ﺣﻴﻦ ﺑﻌﻠﻮم اﻟﺪﻳﻦ واﻟﺪﻧﻴﺎ ..وأﺻﺒﺤﺖ ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم هﻲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة اﻟﻜﺒﺮى، ﺑﻌﺪ أن ﺗﻤﺰﻗﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ إﻟﻰ دوﻳﻼت ﻣﺘﻨﺎﺛﺮة ﻣﺘﻨﺎﻓﺮة. وﻗﺪ ﻋﻨﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺴﻼﻃﻴﻦ ﺑﺈﻧﺸﺎء اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ واﻟﻤﺪارس واﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻴﺎت ،ﻓﻘﺎﻣﺖ ﺷﺎﻣﺨﺔ ﺗﺤﻘﻖ ﻣﺼﺎﻟﺢ اﻷﻣﺔ ،ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺷﻴﻮع دور اﻟﻠﻬﻮ واﻟﻔﺴﺎد! وهﺎ هﻲ ذي ﻣﺪن اﻟﺸﺎم وﻣﺼﺮ ،ﻗﺪ أﺻﺒﺤﺖ ﻣﻨﺎرات ﻟﻠﻌﻠﻢ.. هﺎ هﻲ ذى ﺗﺰﺧﺮ ﺑﻜﻞ أﻟﻮان اﻟﻤﻌﺎرف ،وﺗﺒﺬﻟﻬﺎ ﻟﻤﻦ ﻳﻨﺸﺪهﺎ.. ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺘﺤﺎور اﻷﻓﻜﺎر ،وﺗﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﻘﺮاﺋﺢ ،وﺗﺘﺒﺎرى اﻟﻤﺬاهﺐ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﺸﺮق اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وﻣﻐﺮﺑﻬﺎ. ﻋﻤﺮت ﻣﺪن اﻟﺸﺎم وﻣﺼﺮ ﺑﺎﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﻔﻘﻬﺎء ﻣﻦ أهﻠﻬﺎ، وﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻻذوا ﺑﻬﺎ ،ﻣﻨﺬ زﺣﻒ اﻟﺘﺘﺎر ﻋﻠﻰ ﺑﻼد اﻹﺳﻼم، ﻓﺎﺳﺘﻮﻟﻮا ﻋﻠﻰ ﺑﻐﺪاد ،وﻣﺎ أآﺜﺮ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﻴﺸﻮن ﺑﻤﺼﺮ واﻟﺸﺎم ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎء اﻷﻧﺪﻟﺲ واﻟﻤﻐﺮب ﻣﻨﺬ ﻣﺰﻗﺘﻬﺎ اﻟﺨﻼﻓﺎت اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ، ﻓﺈﻧﻬﺎرت دوﻟﺔ اﻹﺳﻼم ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ..وﺑﻄﺶ ﺣﻜﺎم اﻟﻤﻐﺮب ﺑﻤﻦ ﻳﺨﺎﻟﻔﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﺬهﺐ !! إن ﻓﻲ هﺬا اﻟﺤﺸﺪ اﻟﺤﺎﺷﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﻨﺎزﺣﻴﻦ ﻟﺜﺮاء ﻟﻠﺤﻴﺎة اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ! ٢٥
هﺎ هﻲ ذي ﺗﻤﻮج ﺑﺎﻷﻓﻜﺎر واﻵراء ..وﻳﺸﺘﺪ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺠﺪال ﺑﻴﻦ أﺗﺒﺎع اﻟﻤﺬاهﺐ اﻟﻔﻘﻬﻴﺔ . .ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻘﻠﺪﻳﻦ ،واﻟﻤﺠﺪدﻳﻦ ..ﺑﻴﻦ أهﻞ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻣﻦ أﺗﺒﺎع اﻟﺴﻠﻒ ،وأهﻞ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﺼﻮﻓﺔ. . ﺑﻴﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ،وﻋﻠﻤﺎء اﻟﺪﻳﻦ ،وﺑﻴﻦ أهﻞ ﻋﻠﻮم اﻟﺪﻧﻴﺎ!! .. ٭٭٭ ﻓﻲ ﻏﻤﺮات هﺬا اﻟﻌﺠﻴﺞ اﻟﺼﺎﺧﺐ ﻣﻦ اﻵراء واﻷﻓﻜﺎر، آﺎن ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻳﻠﻘﻲ دروﺳﻪ ﻋﻠﻰ ﻃﻼﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﺪرﺳﺔ وﺟﻪ اﻟﻨﻬﺎر ،وﻋﻠﻰ أهﻞ ﺣﻠﻘﺘﻪ ﺑﻌﺪ ﺻﻼة اﻟﻈﻬﺮ أو اﻟﻌﺼﺮ، ﻻ ﻋﻨﻪ ﻣﺘﺒﻌًﺎ ﻣﺬهﺐ اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ ﻣﺠﺘﻬﺪًا ﻓﻴﻪ ،ﻋﺎد ً أﺣﻴﺎﻧًﺎ إﻟﻰ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﻣﺬاهﺐ اﻷﺋﻤﺔ اﻵﺧﺮﻳﻦ ،إن ﻟﻢ ﻳﻘﺪﻩ اﺟﺘﻬﺎدﻩ ﻋﻠﻰ ﻣﺬهﺐ إﻣﺎﻣﻪ إﻟﻰ ﺣﻜﻢ ﻳﻄﻤﺌﻦ إﻟﻴﻪ ﻓﻲ ﻗﻀﻴﺔ ﻣﺴﺘﺤﺪﺛﻪ. وﻓﻲ اﻟﺤﻖ أﻧﻪ ﺑﻬﺮ ﻃﻼب اﻟﻤﺪرﺳﺔ وأهﻞ اﻟﺤﻠﻘﺔ ﺑﺤﺴﻦ إﻟﻘﺎﺋﻪ ،وﺣﻀﻮر ﺣﺠﺘﻪ ،وﻗﻮة اﺳﺘﺪﻻﻟﻪ ،وﺑﻼﻏﺘﻪ.. آﺎن ﺻﺪﻗﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻘﻮل ﻗﻮي اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻤﻌﻴﻦ.. ﻓﺎﻟﻜﻼم ﻳﺨﺮج ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻪ وﻳﻔﻴﺾ ﻣﻦ ﻋﻘﻠﻪ ،ﻟﻴﺼﻞ إﻟﻰ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻓﺘﻄﻤﺌﻦ ﺑﻪ ،وإﻟﻰ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ ﻓﺘﺴﻜﻦ إﻟﻴﻪ. ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ ﻓﻲ اﻟﻤﺪرﺳﺔ ،أو ﺷﻬﻮد ﺣﻠﻘﺘﻪ ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻊ ﻣﻦ أﺗﺒﺎع اﻟﻔﻘﻪ اﻟﺤﻨﺒﻠﻰ ﻓﺤﺴﺐ ..ﺑﻞ آﺎن ﻓﻴﻬﻢ أﺗﺒﺎع ﻟﻸﺋﻤﺔ اﻵﺧﺮﻳﻦ. ٢٦
وﻟﻘﺪ ﻳﻨﺎﻇﺮﻩ أﺣﺪ اﻟﻤﺴﺘﻤﻌﻴﻦ – وآﺎن هﻮ ﻳﺤﺮآﻬﻢ ﻟﻤﻨﺎﻇﺮﺗﻪ -ﻓﻴﺮد ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻠﺴﺎن ﻓﺼﻴﺢ ،وﺑﻴﺎن ﻧﺎﺻﻊ ،وﻓﻲ رﻗﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ أﻟﻔﻬﺎ ﻣﻊ ﻃﻼب اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،وﻣﺎ ﻳﺰال ﺑﻤﻨﺎﻇﺮﻩ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺄﻟﻒ ﻗﻠﺒﻪ ،وﻳﻘﻨﻌﻪ ﺑﺤﺠﺘﻪ! إﻧﻪ ﻳﺘﺬآﺮ ﻧﺼﺎﺋﺢ أﺑﻴﻪ وﻳﺴﺘﺤﻀﺮ إﺷﻔﺎق أﻣﻪ ﻓﻴﻘﻤﻊ ﺣﺪﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺠﺪال! ﺣﻘﺎ إن ﻓﻲ اﻟﺠﺪال ﺑﺎﻟﺘﻲ هﻰ أﺣﺴﻦ ﻃﺎﻋﺔ ﷲ ورﺳﻮﻟﻪ.. ﻓﻘﺪ أﻣﺮ اﷲ ﺑﺎﻟﺪﻋﻮة إﻟﻰ ﺳﺒﻴﻠﻪ ﺑﺎﻟﺤﻜﻤﺔ واﻟﻤﻮﻋﻈﺔ اﻟﺤﺴﻨﺔ.. هﻜﺬا آﺎن ﻳﻔﻌﻞ اﻟﺮﺳﻮل ﻣﻊ اﻟﻤﺸﺮآﻴﻦ ،ﻓﻜﻴﻒ ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﻇﺮة ﻣﻊ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ !؟. ﻟﻘﺪ اهﺘﺪى ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ إﻟﻰ أن اﻟﺮﻗﺔ واﻟﺤﻜﻤﺔ واﻟﺤﺴﻨﻰ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻇﺮة واﻟﺠﺪال ،إﻧﻤﺎ هﻲ ﺳﻨﺔ واﺟﺒﺔ اﻻﺗﺒﺎع .وهﻮ ﻳﺴﺘﺸﻌﺮ ﻣﻨﺬ ﺣﻴﻦ أﻧﻪ ﻣﺴﺌﻮل ﻋﻦ إﺣﻴﺎء اﻟﺴﻨﺔ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ ﺗﻐﺸﺎﻩ اﻟﺒﺪع واﻟﻀﻼﻻت واﻷﺑﺎﻃﻴﻞ. وهﻜﺬا أﺣﺒﻪ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ ﻓﻼزﻣﻮﻩ ،وأﺣﺒﻪ ﺷﻬﻮد ﺣﻠﻘﺘﻪ ﻣﻦ ﻃﻼب اﻟﻌﻠﻢ ﻓﺄآﺒﺮوﻩ. آﺎن ﻳﺪﻋﻮهﻢ ﺟﻤﻴﻌًﺎ إﻟﻰ ﻣﻘﺎوﻣﺔ ﻣﺎ ﻳﺸﻮﻩ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻟﺪﻳﻦ وإﻟﻰ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ،وإﻟﻰ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻄﻬﻴﺮ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﻦ اﻟﺮذاﺋﻞ ،وإﻟﻰاﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮوف واﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ ،ﻓﻬﺬا واﺟﺐ آﻞ ﻣﺴﻠﻢ ،وإﻟﻰ اﻟﻌﻮدة ﺑﺸﺒﺎب هﺬﻩ اﻷﻣﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ آﺎن ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺸﺒﺎب ﻓﻰ ﻋﺼﻮر اﻹﺳﻼم اﻟﺰاهﺮة اﻷوﻟﻰ ،ﻣﻦ ﻓﺘﻮة ،وﻗﻮة، ٢٧
وﻧﺠﺪة ..ﻓﺎﻟﺸﺒﺎب هﻢ ﺣﻤﺎة اﻟﺪﻳﻦ واﻷﻣﺔ ﺑﺠﻬﺎدهﻢ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ، إذا ﻋﺪا ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻼد اﻟﻌﺎدون .هﻢ ﺑﻨﺎة اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﺬى ﺗﺴﺘﻬﺪﻓﻪ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ.. ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ ﺣﺾ اﻟﺸﺒﺎب ﻋﻠﻰ ﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ، وأﻣﺮهﻢ ﺑﺘﻘﻮﻳﺔ أﺟﺴﺎدهﻢ ،وﻧﻬﺎهﻢ ﻋﻦ اﻟﻤﺒﺎﻟﻐﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺰﻳﻦ ،أو اﻟﺘﺸﺒﻪ ﺑﺎﻟﻨﺴﺎء ،وأﺛﺎر ﻓﻴﻬﻢ اﻟﺤﻤﺎﺳﺔ ،وﻗﺎدهﻢ ﻓﻲ ﻃﺮﻗﺎت دﻣﺸﻖ ،ﻓﺈن ﺻﺎدف ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻓﺘﻰ ﻳﺮﺳﻞ ﺷﻌﺮﻩ آﺎﻟﻨﺴﺎء ،ﻧﺼﺤﻪ ﺑﺄن ﻳﺤﻠﻘﻪ وﺑﺄن ﻳﺨﺸﻮﺷﻦ ،ﻓﺈن أﺑﻰ اﻟﻔﺘﻰ أﻣﺮ ﺑﻪ ﻓﺠﺮوﻩ إﻟﻰ أﻗﺮب ﺣﻼق ﻟﻴﺤﻠﻖ ﺷﻌﺮﻩ ﻗﻬﺮًا ! وهﻜﺬا ﻃﻬﺮ ﻃﺮﻗﺎت دﻣﺸﻖ ﻣﻦ هﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎب. ﺛﻢ إﻧﻪ أﻣﻌﻦ اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻬﺪد اﻟﺒﻼد ،وﻓﻲ أﺣﻮال أهﻠﻬﺎ، ﻓﻮﺟﺪ اﻟﻔﺴﺎد ﺷﺎﺋﻌًﺎ ،واﻟﻈﻠﻢ ﻳﺤﻴﻖ ﺑﺎﻟﻤﺴﺘﻀﻌﻔﻴﻦ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﺎﺳﺘﻨﻔﺮ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎب ،وﺳﺎر ﻋﻠﻰ رأﺳﻬﻢ ﻳﻨﻬﻲ أﺻﺤﺎب اﻟﺤﺎﻧﺎت ودور اﻟﻠﻬﻮ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ ،ﻓﺈن ﺗﺎﺑﻮا دﻋﺎ ﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟﺨﻴﺮ ،وإن أﺻﺮوا ﻋﻠﻰ ﻣﺎ هﻢ ﻓﻴﻪ ،أﻣﺮ أﺗﺒﺎﻋﻪ ﻓﺄراﻗﻮا اﻟﺨﻤﻮر!. . وأﻗﺮﻩ أوﻟﻮاﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻓﻌﻞ ..ذﻟﻚ أﻧﻬﻢ آﺎﻧﻮا ﻳﻌﺮﻓﻮن ﻣﺎ أﺻﺒﺢ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس.. ﺛﻢ إﻧﻬﻢ ﻟﻴﻮﻗﺮوﻧﻪ ،وﻳﺤﻀﺮون ﺣﻠﻘﺘﻪ ،وﻳﻌﺠﺒﻬﻢ ﻓﻴﻪ اﻟﻐﻴﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻨﺔ ،واﻟﺤﺮص ﻋﻠﻰ إﺣﻴﺎﺋﻬﺎ ..وهﻢ آﻠﻬﻢ ﻣﻦ أهﻞ اﻟﺴﻨﺔ ..وهﻮ ﻻ ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻨﺼﺒًﺎ ﺑﻌﺪ ،وﻳﺮﻓﺾ ﻋﻄﺎﻳﺎهﻢ، ٢٨
ﻣﻜﺘﻔﻴًﺎ ﺑﺮاﺗﺒﻪ ﻣﻦ دار اﻟﺤﺪﻳﺚ وهﻮ ﻻ ﻳﺆذﻳﻬﻢ وﻻ ﻳﺆﻟﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﻨﺎس !.. آﺎﻧﻮا ﻣﻦ اﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ ،وﻟﻜﻨﻪ آﺎن ﻻ ﻳﻌﻴﺮهﻢ ﺑﻬﺬا ،أو ﻳﻔﺘﻲ ﺑﺨﻠﻌﻬﻢ ..واﻟﻌﻬﺪ ﻏﻴﺮ ﺑﻌﻴﺪ ﺑﻤﻮﻗﻒ "اﻟﻌﺰ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺴﻼم" ،ﺣﻴﻦ أﻓﺘﻰ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ وﻻﻳﺔ ﻟﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ وهﻢ ﻣﻤﺎﻟﻴﻚ ﻋﺒﻴﺪ ﻓﻼﺑﺪ ﻣﻦ ﻋﺘﻘﻬﻢ ﻟﻴﺤﻖ ﻟﻬﻢ أن ﻳﺤﻜﻤﻮا!.. ﻣﺎ آﺎن اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻋﻠﻰ هﺬا اﻟﺮأي ،ﺑﻞ آﺎن ﻳﺪﻋﻮ اﻟﻨﺎس إﻟﻰ ﻃﺎﻋﺔ أوﻟﻰاﻷﻣﺮ ﻣﺎ اﺳﺘﻘﺎﻣﻮا ،ﻓﺈذا ﻋﺼﻮا اﷲ ﻓﻼ ﻃﺎﻋﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﺼﻴﺔ. إﻧﻪ ﻟﻴﺮى ﻓﻲ هﺆﻻء اﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ ﻣﺤﺎرﺑﻴﻦ أﺷﺪاء ،ﻳﺤﻤﻮن اﻟﺜﻐﻮر ،وﻳﺪاﻓﻌﻮن ﻋﻦ اﻟﺪﻳﻦ واﻷﻣﺔ ﻣﻦ ﻏﺰوات اﻟﺘﺘﺎر واﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻦ.... ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ اﺣﺘﺮﻣﻪ اﻟﻮﻻة واﻷﻣﺮاء وهﺎﺑﻮﻩ ،وأﻗﺮوا آﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﻤﻠﻪ ،وأﻋﻠﻨﻮا أﻧﻪ ﻳﻨﻔﺬ إرادﺗﻬﻢ ﻓﻲ اﻹﻏﻼق اﻟﺤﺎﻧﺎت ،ودور اﻟﻠﻬﻮ ،وﺑﻴﻮت اﻟﻔﺴﺎد ،وﺗﻄﻬﻴﺮ اﻟﺸﺒﺎب ﻣﻦ ﻣﻈﺎهﺮ اﻟﺘﺨﻨﺚ واﻟﺘﺸﺒﻪ ﺑﺎﻟﻨﺴﺎء!! ٭٭٭ أﺛﺎرت ﻣﻜﺎﻧﺘﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﻮﻻة ﺣﻘﺪ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻠﻤﺎء ..وآﺎن ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻤﺪ ﻳﺪﻩ ﻟﻌﻄﺎﻳﺎ اﻟﻮﻻة ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻄﻠﺐ اﻟﻤﻨﺎﺻﺐ ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻜﺘﺐ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن ﻣﺴﺘﻌﻄﻔًﺎ ﻣﻌﻠﻨًﺎ أﻧﻪ ﻳﻘﺒﻞ اﻷرض ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ ﻟﻴﺠﺮى ﻋﻠﻴﻪ رزﻗًﺎ أوﺳﻊ !! ٢٩
واﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﻳﻀﻴﻖ ﺑﻜﻞ هﺬا ،وﻳﺤﺬر ﺻﺤﺒﻪ وأﺗﺒﺎﻋﻪ ﻣﻦ ﻣﺜﻞ هﺆﻻء اﻟﻌﻠﻤﺎء ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﺘﻮرع ﻋﻦ اﻟﻮﺳﺎﻃﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻮﻻة ﻟﺬوي اﻟﺤﺎﺟﺎت ،ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻣﺎل ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﻟﻘﺪ أﺻﺒﺢ ﺑﻌﻀﻬﻢ واﺳﻊ اﻟﻐﻨﻰ ،وآﻠﻤﺎ اﺗﺴﻊ ﻏﻨﺎﻩ ﺿﺎق أﻓﻘﻪ ،واﺷﺘﺪ ﺣﻘﺪﻩ ﻋﻠﻰ زهﺪ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ اﻟﺬي ﻳﻨﻔﻖ ﻣﻌﻈﻢ راﺗﺒﻪ ﻋﻠﻰ ﻓﻘﺮاء اﻟﻄﻼب. وﻣﻦ اﻟﻮﻻة ﻣﻦ ﻳﺒﻄﺶ ،وﻳﺄآﻞ ﻣﺎل اﻟﻐﻴﺮ ،وﻻ ﻳﻌﻴﻦ أﺣﺪًا ﻓﻲ ﻣﻨﺼﺐ إﻻ إن رﺷﺎﻩ ..وﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻣﻦ أﺑﺎح اﻟﺮﺷﻮة ﻟﻘﻀﺎء اﻟﺤﺎﺟﺔ. ﻓﻤﺎ آﺎن ﻟﻠﺸﻴﺦ أن ﻳﺴﻜﺖ ﻋﻠﻰ هﺬا آﻠﻪ! وﻗﻒ ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻊ ﻳﻔﺘﻲ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ هﺬا ﺟﻤﻴﻌًﺎ ..ﻗﺎل ":ﻳﺠﺐ أن ﻳﻮﻟﻲ ﻓﻲ آﻞ ﻣﺮﺗﺒﺔ أﺻﻠﺢ ﻣﻦ ﻳﻘﺪر ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وأن ﻳﺮزق أﺣﻖ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ،وأﻧﻔﻌﻬﻢ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ" . .وأﺧﺬ ﻳﻔﻴﺾ ﻓﻲ ﺷﺮح ﻓﺘﻮاﻩ ﻣﺘﺒﻌًﺎ ﻓﻴﻬﺎ رأي اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ ،واﺟﻤﺎع اﻟﻔﻘﻬﺎء ..ﻓﺈذا ﻻ أو هﺪﻳﺔ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺗﻌﻴﻴﻦ أﺣﺪ ﻓﻲ ﻣﻨﺼﺐ ﻓﻬﻲ ﻗﺒﻞ اﻟﻮاﻟﻲ ﻣﺎ ً اﻟﺮﺷﻮة ،واﻟﻄﺮﻓﺎن ﺁﺛﻤﺎن ...أﻣﺎ اﻟﻮﺳﻄﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺸﻔﻌﻮن ﻋﻨﺪ اﻟﻮﻻة ﻟﺼﺎﺣﺐ اﻟﺤﻖ ،ﻓﺎﻹﺟﻤﺎع ﻣﻨﻌﻘﺪ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻻ ﻳﺤﻖ ﻟﻬﻢ أن ﻳﺄﺧﺬوا ﻣﺎﻻ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺷﻔﺎﻋﺘﻬﻢ ،واﺳﺘﺸﻬﺪ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺸﺮﻳﻒ" :ﻣﻦ ﺷﻔﻊ ﻷﺧﻴﻪ ﺷﻔﺎﻋﺔ ،ﻓﺄهﺪى ﻟﻪ هﺪﻳﺔ ﻓﻘﺒﻠﻬﺎ ،ﻓﻘﺪ أﺗﻲ ﺑﺎ ًﺑﺎ ﻋﻈﻴﻤ ًﺎ ﻣﻦ أﺑﻮاب اﻟﺮﺑﺎ" ..ﻓﺈذا آﺎﻧﺖ هﺬﻩ اﻟﺸﻔﺎﻋﺔ ﻟﻐﻴﺮ ﺻﺎﺣﺐ ﺣﻖ، ﻓﻬﻲ إﺛﻢ ﻣﻀﺎﻋﻒ ،واﻟﺪﻟﻴﻞ ﻗﻮل اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﻋﻦ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﺴﺤﺖ ٣٠
اﻟﺬي ورد ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن" :اﻟﺴﺤﺖ هﻮ أن ﺗﺸﻔﻊ ﻷﺧﻴﻚ ﺷﻔﺎﻋﺔ ﻓﻴﻬﺪي ﻟﻚ هﺪﻳﺔ ﻓﺘﻘﺒﻠﻬﺎ" .ﻓﺴﺄﻟﻮﻩ" :أرأﻳﺖ إن آﺎﻧﺖ هﺪﻳﺔ ﻓﻲ ﺑﺎﻃﻞ؟" ﻓﻘﺎل اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد" :ذﻟﻚ آﻔﺮ"] .وﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﺤﻜﻢ ﺑﻤﺎ أﻧﺰل اﷲ ﻓﺄوﻟﺌﻚ هﻢ اﻟﻜﺎﻓﺮون[. وأﺿﺎف اﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ إن ﻣﻦ أﻓﺘﻰ ﺑﺠﻮاز اﻟﺮﺷﻮة ﻋﻦ اﻟﺸﻔﺎﻋﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻮﻻة ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﺣﻖ وﺟﻌﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﺠﻌﺎﻟﺔ )أي اﻷﺟﺮ( ،ﻓﻬﻮ ﻳﺨﺎﻟﻒ اﻟﺴﻨﺔ وأﻗﻮال اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ واﻷﺋﻤﺔ ﺟﻤﻴﻌًﺎ" .ﻷن هﺬا اﻟﻌﻤﻞ – أي اﻟﺸﻔﺎﻋﺔ ﻟﺼﺎﺣﺐ اﻟﺤﻖ – ﻣﻦ اﻟﻤﺼﺎﻟﺢ اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻜﻮن اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻬﺎ ﻓﺮﺿًﺎ" " ..وﻣﺘﻰ ﺷﺮع أﺧﺬ اﻟﺠﻌﻞ ﻋﻦ ﻣﺜﻞ هﺬا ﻟﺰم أن ﺗﻜﻮن اﻟﻮﻻﻳﺔ وإﻋﻄﺎء أﻣﻮال اﻟﻔﻲء وﻏﻴﺮهﺎ ﻟﻤﻦ ﻳﺒﺬل ﻓﻲ ذﻟﻚ ،وﻟﺰم أن ﻳﻜﻮن آﻒ اﻟﻈﻠﻢ ﻋﻤﻦ ﻳﺒﺬل ،واﻟﺬي ﻻ ﻳﺒﺬل ﻻ ﻳﻮﻟﻰ وﻻ ﻳﻌﻄﻰ ،وﻻ ﻳﻜﻒ ﻋﻨﻪ اﻟﻈﻠﻢ ،وإن آﺎن أﺣﻖ اﻟﻨﺎس ،وأﻧﻔﻊ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ". . أﻣﺎ ﻣﻦ ﻳﻌﻄﻲ وﻳﻬﺐ ،ﻓﻬﻮ إﻣﺎ أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﺑﺼﺎﺣﺐ ﺣﻖ ،ﻓﻤﺎ ﻳﻌﻄﻴﻪ أو ﻳﻬﺒﻪ رﺷﻮة ﻳﺄﺛﻢ ﺑﻬﺎ اﻟﺠﺎﻧﺒﺎن. ﻓﻘﺪ ﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺸﺮﻳﻒ" :ﻟﻌﻦ اﷲ اﻟﺮاﺷﻲ واﻟﻤﺮﺗﺸﻲ" وﻳﻠﺤﻖ ﺑﻬﺬﻩ اﻟﺤﺎل ﻣﻦ دﻓﻊ ﻣﺎﻻ ﻃﻠﺒﺎ ﻟﻠﻮﻻﻳﺔ )أي اﻟﻤﻨﺼﺐ( ﻓﻴﻘﻮل" :ﻃﻠﺐ اﻟﻮﻻﻳﺔ ﻣﻨﻬﻲ ﻋﻨﻪ ﻓﻜﻴﻒ ﺑﺎﻟﻌﻮض؟!" وأﻣﺎ أن ﻳﻜﻮن ﻣﻦ ﻳﻌﻄﻲ أو ﻳﻬﺐ ﺻﺎﺣﺐ ﺣﻖ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺼﻞ إﻟﻴﻪ ﺑﺎﻹﻗﻨﺎع ،وﻟﻜﻨﻪ وﺟﺪ ﻓﻲ اﻟﻬﺒﺔ ﻃﺮﻳﻘﺎ أﺳﺮع ،ﻓﻬﻮ ٣١
ﻳﻘﺘﺮف اﻟﺮﺷﻮة وهﻲ ﺣﺮام .وﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻨﺎﺿﻞ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺣﻘﻪ، ﻓﻨﻀﺎﻟﻪ هﺬا ﺟﻬﺎد ﻳﺜﺎب ﻋﻠﻴﻪ. وأﻣﺎ أن ﻳﻜﻮن ﻣﻦ ﻳﻌﻄﻲ أو ﻳﻬﺐ ﺻﺎﺣﺐ ﺣﻖ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻪ إﻻ ﺑﺎﻟﺮﺷﻮة ﻟﻮﺳﻴﻂ أو ﻟﻤﻦ ﺑﻴﺪﻩ اﻷﻣﺮ، ﻓﻬﻮ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ اﻟﻤﻀﻄﺮ ﻻ ﺟﻨﺎح ،وﻟﻜﻦ اﻟﻄﺮف اﻵﺧﺮ ﺁﺛﻢ ﻟﻘﺒﻮﻟﻪ اﻟﺮﺷﻮة ..وﻗﺪ ﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺸﺮﻳﻒ " :ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ: ﻟﻢ ﺗﻌﻄﻴﻬﻢ؟" ﻗﺎل" :ﻳﺄﺑﻮن إﻻ أن ﻳﺴﺄﻟﻮﻧﻲ ،وﻳﺄﺑﻰ اﷲ ﻟﻲ اﻟﺒﺨﻞ" ﻓﺈذا آﺎن ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻳﻌﻄﻲ ﺧﺠﻼ وﺣﺮﺟًﺎ ﻣﻦ اﻹﻟﺤﺎح ،ﻓﻴﻜﻒ ﺑﻐﻴﺮﻩ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ؟! ﺛﺎر ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺨﺎﻟﻔﻮﻧﻪ ﺛﻮرة ﻋﺎرﻣﺔ، وأﺧﺬوا ﻳﺘﺮﺑﺼﻮن ﺑﻪ .ﻓﻘﺪ ﺳﺪ أﻣﺎﻣﻬﻢ أﺑﻮﺑًﺎ واﺳﻌﺔ ﻟﻠﻐﻨﻰ ،إذ آﺎﻧﻮا ﻳﺮﺑﺤﻮن أرﺑﺎﺣًﺎ ﻃﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ ﻋﻄﺎﻳﺎ أﺻﺤﺎب اﻟﻤﻈﺎﻟﻢ واﻟﺤﺎﺟﺎت وهﺒﺎﺗﻬﻢ ،ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﺸﻔﺎﻋﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻮﻻة.. أﻣﺎ أﺻﺤﺎب اﻟﻤﻈﺎﻟﻢ واﻟﺤﺎﺟﺎت ﻓﻘﺪ اﻟﺘﻔﻮا ﺣﻮﻟﻪ ﻳﻜﺮﻣﻮﻧﻪ وﻳﺴﺘﻔﺘﻮﻧﻪ.. وﻟﻘﺪ زاد ﺿﻴﻖ ﻣﺨﺎﻟﻔﻴﻪ ﺑﻪ أﻧﻪ آﺎن ﻳﺘﻄﻮع ﻟﺮﻓﻊ اﻟﻈﻠﻢ وﻗﻀﺎء اﻟﺤﺎﺟﺎت ﻣﻬﻤﺎ ﻳﺨﺾ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻏﻤﺮات ! ٭٭٭ ﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﺠﺎﻣﻊ ذات ﻣﺴﺎء ﻋﺎﺋﺪًا إﻟﻰ ﻣﻨﺰﻟﻪ ،وﺣﻮﻟﻪ وﻣﻦ ﺧﻠﻔﻪ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﻄﻼب وﻣﺮﻳﺪى اﻟﺤﻠﻘﺔ ،ﻳﺴﺘﻔﺴﺮون ﻣﻨﻪ ٣٢
ﻋﻤﺎ أﻟﻘﺎﻩ ،وﻳﻮاﺻﻠﻮن اﺳﺘﻴﻀﺎﺣﻪ واﺳﺘﻔﺘﺎءﻩ ،آﻤﺎ أﻟﻔﻮا ﻣﻨﺬ ﻧﺤﻮ ﺳﺘﺔ ﻋﺸﺮ ﻋﺎﻣًﺎ ،وهﻮ ﻳﻮﺿﺢ وﻳﻔﺘﻲ ﻓﻲ أﻧﺎة ،وﻳﻜﺮر ﻣﺎ ﺷﺮح. وﺗﻘﺪم ﺧﻄﻮات وإذ ﺑﺮﺟﻞ ﻳﻘﺘﺤﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ هﻠﻊ وهﻮ ﻳﺼﻴﺢ: "اﻧﺎ ﻓﻲ ﺟﺎﻩ اﻟﻨﺒﻲ أﻏﺜﻨﺎ ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ !! أدرآﻮﻧﺎ ﻳﺎ أهﻞ اﻟﺒﻴﺖ ! ﻳﺎ أوﻟﻴﺎء اﷲ اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ! أﻏﺜﻨﻰ ﻳﺎ ﺷﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ . .ﺑﺮآﺎﺗﻚ ﻳﺎ ﺷﻴﺦ !" ﻓﻘﺎل اﻟﺸﻴﺦ" :اﺳﺘﻐﺚ اﷲ ﻳﺎ رﺟﻞ ﻓﻘﺪ أﻣﺮﻧﺎ إﻻ ﻧﺴﺘﻐﻴﺚ ﺳﻮاﻩ" وﻧﻈﺮ اﻟﺬﻳﻦ ﺣﻮﻟﻪ إﻟﻴﻪ ،وﻧﻈﺮ ﺑﻌﻀﻬﻢ إﻟﻰ ﺑﻌﺾ ﻳﺘﺴﺎءﻟﻮن ..وﺳﺄﻟﻮا ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ" :آﻴﻒ ﻻ ﻳﺴﺘﻐﺎث ﺑﺮﺳﻮل اﷲ ؟!" وﻟﻜﻦ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻤﺮوع اﻧﺪﻓﻊ ﻳﻘﻮل ":ﻳﺎ ﻣﻮﻻﻧﺎ اﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ! ..ﻗﻄﻠﻮ ﺑﻚ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻇﻠﻤﻨﻲ ،واﻧﺘﺰع ﺣﻘﻲ ،وﻟﻢ أﺟﺪ أﺣﺪًا ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻳﺴﺘﺸﻔﻊ ﻟﻲ ﻋﻨﺪﻩ ،ﻓﻜﻠﻬﻢ ﻳﺨﺎﻓﻪ ..وﻟﻤﺎ ذهﺒﺖ إﻟﻴﻪ أﺳﺘﻌﻄﻔﻪ أﻣﺮ ﺑﺠﻠﺪي .. .أﻧﻈﺮ أﺛﺮ اﻟﺴﻴﺎط!" وآﺸﻒ اﻟﺮﺟﻞ ﻋﻦ آﺘﻔﻴﻪ وﻇﻬﺮﻩ ،ورأى اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺎ ﺷﻮﺗﻪ اﻟﺴﻴﺎط!! ﻧﻈﺮ اﻟﺤﺎﺿﺮون إﻟﻰ اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ إﺷﻔﺎق ﻳﺨﺎﻟﺠﻪ اﻟﻐﻀﺐ ،وﺻﺎح أﺣﺪهﻢ ":ﻟﻤﺎذا ﺗﺰج ﺑﺸﻴﺨﻨﺎ ﻓﻲ أﻣﺮ ﻣﻦ أﻣﻮر هﺬا اﻟﺠﺒﺎر اﻟﻤﺘﻐﻄﺮس"
٣٣
وﺻﺎح ﺁﺧﺮ" :ﻳﺎ ﺷﻴﺨﻨﺎ ..ﻻ ﺷﺄن ﻟﻚ ﺑﻬﺬا اﻟﻤﻐﺘﺼﺐ اﻟﺸﺮس ،ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﺮﻋﻰ اﷲ وﻗﺎرًا ،وﻧﺤﻦ ﻧﻀﻦ ﺑﻚ ﻋﻠﻰ اﻹهﺎﻧﺔ أو اﻷذى" ﻓﻘﺎل ﻟﻬﻢ اﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ" :ﺗﻌﻠﻤﻮا ﻳﺮﺣﻤﻜﻢ اﷲ أن ﻣﻦ ﻳﺨﺎف اﷲ ﻻ ﻳﺒﺎﻟﻲ ﺑﺎﻟﺠﺒﺎرﻳﻦ اﻟﻌﺘﺎة .إﻧﻲ ذاهﺐ إﻟﻴﻪ اﻵن ﻓﻤﺴﺘﺮد ﻣﻨﻪ ﺣﻖ هﺬا اﻟﻤﺴﺘﻀﻌﻒ اﻟﻤﻈﻠﻮم ﺑﺈذن اﷲ" ووﺟﻞ ﻣﺤﺒﻮﻩ ،وﺻﻤﻤﻮا ﻋﻠﻰ أﻻ ﻳﺬهﺐ ،ﻓﺈذا أﺑﻰ، ﻓﻠﻴﻤﻬﻠﻬﻢ ﻟﻴﺘﺴﻠﺤﻮا وﻳﺬهﺒﻮا ﻣﻌﻪ ! وﻟﻜﻨﻪ دﻋﺎهﻢ إﻟﻰ اﻻﻧﺼﺮاف.. ذهﺐ وﺣﺪﻩ إﻟﻰ ﻗﺼﺮ ذﻟﻚ اﻷﻣﻴﺮ ،وﻣﻌﻪ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﻈﻠﻤﺔ. اﺳﺘﻘﺒﻠﻪ ﻗﻄﻠﻮ ﺑﻚ ﻣﺮﺣﺒﺎ ،ﻓﻘﺪ آﺎن ﻳﻌﺮف ﻣﻜﺎﻧﺘﻪ ﻋﻨﺪ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،وﺳﺎﺋﺮ اﻷﻣﺮاء ..،وﻋﻨﺪ ﺳﻮاد اﻟﻨﺎس. وﺗﺤﺪث اﻟﺸﻴﺦ ﻓﻲ أﻣﺮ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﻈﻠﻤﺔ ،ﻓﺎآﻔﻬﺮ وﺟﻪ اﻷﻣﻴﺮ ،وهﻢ ﺑﺄن ﻳﻐﻠﻆ ﻟﻪ ،وﻟﻜﻨﻪ آﻈﻢ ﻏﻴﻈﻪ. ﻗﺎل ﻟﻪ ﻣﺴﺘﻬﺰﺋًﺎ " :وﻟﻤﺎذا أﺗﻌﺒﺖ ﻳﺎ ﺷﻴﺦ ﻧﻔﺴﻚ .أﻧﺎ آﻨﺖ أﺟﻲء ،إﻟﻴﻚ ﺗﺎﺋﺒًﺎ ﻣﺴﺘﻐﻔﺮًا! ﻷﻧﻚ ﻋﺎﻟﻢ زاهﺪ"! .. . ﻓﻘﺎل اﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﻣﻘﺎﻟﺔ اﻹﻣﺎم اﻟﺤﺴﻴﻦ ﻟﻌﻤﺮ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﻗﺎﺋﺪ اﻟﺤﻤﻠﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ آﺮﺑﻼء" :ﻻ ﻋﻠﻴﻚ ..ﻣﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم آﺎن ﺧﻴﺮًا ﻣﻨﻲ ،وﻓﺮﻋﻮن آﺎن ﺷﺮًا ﻣﻨﻚ ،وآﺎن ﻣﻮﺳﻰ ﻳﺠﺊ ٣٤
ﻻ ﻟﻴﻨﺎ ﻟﻌﻠﻪ ﻳﺬآﺮ أو ﻓﺮﻋﻮن آﻞ ﻳﻮم ﺛﻼث ﻣﺮات ،ﻓﻴﻘﻮل ﻟﻪ ﻗﻮ ً ﻳﺨﺸﻰ!" ﻓﺒﻬﺖ اﻷﻣﻴﺮ. وﻣﺎ زال اﻟﺸﻴﺦ ﺑﻪ ﺣﺘﻰ رد اﻟﻤﻈﻠﻮم ﺣﻘﻪ ،وﻋﻮﺿﻪ ﻋﻦ اﻟﺠﻠﺪ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎط ،وأرﺿﺎﻩ. وآﺎن أﻧﺼﺎر اﻟﺸﻴﺦ ﻳﻘﻔﻮن ﻏﻴﺮ ﺑﻌﻴﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺮ ،دون أن ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻬﻢ ﺷﻴﺨﻬﻢ. ﺧﺮج اﻟﺸﻴﺦ وأﻣﺎﻣﻪ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺸﻜﻮى ،ﻳﺠﺮى وﻳﺪﻋﻮ اﷲ أن ﻳﻨﺼﺮ اﻟﺸﻴﺦ ..وأن ﻳﻌﺰ ﺑﻪ اﻹﺳﻼم واﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ واﻟﻤﺴﺘﻀﻌﻔﻴﻦ واﻟﻤﻈﻠﻮﻣﻴﻦ ..وروى ﻷﺻﺤﺎب اﻟﺸﻴﺦ آﻞ ﻣﺎ ﺟﺮى ..ﺛﻢ ﻣﻀﻰ ﻓﻲ ﻓﺮﺣﻪ اﻟﻌﺎرم ﻳﺮوى اﻟﻘﺼﺔ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﻳﻌﺮﻓﻪ وﻣﻦ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻪ. ﺣﺘﻰ إذا أﻗﺒﻞ اﻟﺼﺒﺎح آﺎﻧﺖ دﻣﺸﻖ آﻠﻬﺎ ﺗﺘﺤﺪث ﺑﻤﺎ آﺎن ﺑﻴﻦ اﻟﺸﻴﺦ واﻷﻣﻴﺮ. وزاد اﻟﺰﺣﺎم ﻋﻠﻰ ﺣﻠﻘﺘﻪ ،آﻞ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻨﻌﻢ ﺑﻄﻠﻌﺔ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﺠﺴﻮر. ٭٭٭ ﺷﻌﺮ اﻟﺸﻴﺦ أن رواد اﻟﺤﻠﻘﺔ ﻓﻲ إآﺒﺎرهﻢ إﻳﺎﻩ وإﻋﺠﺎﺑﻬﻢ ﺑﻪ ﻳﻐﻤﺰون اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﻣﺨﺎﻟﻔﻴﻪ ،وﻳﺤﺎوﻟﻮن أن ﻳﺰروا ﻼ" :ﻟﻦ ﺗﺨﻠﻮ اﻷرض ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎء ﻳﺄﺧﺬون ﻋﻠﻴﻬﻢ ..ﻓﻐﻀﺐ ﻗﺎﺋ ً ٣٥
ﻋﻠﻰ ﻳﺪ اﻟﻈﺎﻟﻢ .ﻻ ﺗﻬﻴﻨﻮا ﻋﻠﻤﺎءآﻢ ﻣﻬﻤﺎ ﻳﺨﻄﺌﻮا ..ﻓﻘﺪ ذﻟﺖ أﻣﺔ ﺗﺰري ﺑﻌﻠﻤﺎﺋﻬﺎ. واذآﺮوا ﻣﻮاﻗﻒ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﻌﺰ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺴﻼم رﺣﻤﻪ اﷲ وإن آﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﻌﺎﺻﺮﻩ ،واذآﺮوا ﻣﻮﻗﻒ اﻟﻔﻘﻴﻪ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﻨﻮوي ﻣﻦ اﻟﻈﺎهﺮ ﺑﻴﺒﺮس ،وﻗﺪ أدرآﻪ ﺑﻌﻀﻜﻢ ،وﺗﻠﻘﻴﺖ أﻧﺎ ﻣﻨﻪ ﺑﻌﺾ ﻓﻘﻪ اﻹﻣﺎم اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ،وﻣﺎت وأﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻋﺸﺮة.. واذآﺮوا ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء ..إﻧﻲ إذا اﺧﺘﻠﻔﺖ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻠﻤﺎء، وﻧﺒﺖ ﻣﻨﻲ آﻠﻤﺔ أو ﻋﺒﺎرة ،آﺎﺗﻬﺎم أﺣﺪهﻢ ﺑﺎﻟﺠﻬﻞ أو ﺳﻮء اﻟﻔﻬﻢ أو اﻟﻐﻠﻆ ،ﻓﻬﻮ ﺧﻼف ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻢ ،وإن آﻨﺖ ﻷﻧﺪم ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﺠﺎرﺣﺔ ،وأود ﻟﻮ أﻣﺤﻮهﺎ ..ﻻ ﺗﺄﺧﺬوا ﺑﺂراﺋﻬﻢ أو ﻓﺘﺎواهﻢ إذا ﻟﻢ ﺗﻘﺒﻠﻬﺎ ﻋﻘﻮﻟﻜﻢ ،وﻟﻜﻦ ﻻ ﺗﺠﻌﻠﻮهﻢ هﺪﻓًﺎ ﻟﻠﻤﻄﺎﻋﻦ ،ﺣﺘﻰ إذا ﻟﻢ ﺗﺮﺿﻮا ﻋﻦ ﺳﻴﺮﺗﻬﻢ ،ﻓﺄﻧﺘﻢ ﻟﺴﺘﻢ ﻗﻀﺎﺗﻬﻢ".. اﺳﺘﻮﻟﻰ اﻟﺨﺠﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺣﺎوﻟﻮا اﻹزراء ﺑﺎﻟﻌﻠﻤﺎء ﻣﻦ ﻣﺨﺎﻟﻔﻲ اﻟﺸﻴﺦ ،ﻣﻤﻦ ﻻ ﻳﻨﺎﺿﻠﻮن ﻋﻦ ﻧﺼﺮة اﻟﻤﻈﻠﻮم ،وﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﻀﻌﻴﻒ. وهﻢ اﻟﺸﻴﺦ ﺑﺎﻻﻧﺼﺮاف ،ﻓﺎﺳﺘﻮﻗﻔﺘﻪ أﺻﻮات" :وﻟﻜﻨﻚ ﻟﻢ ﺗﺤﺪﺛﻨﺎ ﻋﻦ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﻨﻮوي ..ﻣﺎذا آﺎن ﻣﻦ أﻣﺮ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﻨﻮوي.. ﻣﻦ ﻋﺎﺻﺮﻩ ﻣﻨﺎ ﻣﺎ ﻳﺰال ﻳﻜﺒﺮﻩ" ٭٭٭ ﻣﻀﻰ اﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﻳﺮوي ﻟﻬﻢ ﻣﺎ آﺎن ﺑﻴﻦ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﻨﻮوي ،واﻟﻈﺎهﺮ ﺑﻴﺒﺮس ،وآﺎن ﺣﺎآﻤ ًﺎ ﻗﻮﻳًﺎ وﻓﺎرﺳ ًﺎ ﺷﺠﺎﻋ ًﺎ ٣٦
داﻓﻊ ﻋﻦ اﻷﻣﺔ واﻟﺴﻨﺔ ،وأﺑﻄﻞ اﻟﻤﻨﻜﺮات ،وأﻏﻠﻖ اﻟﺨﻤﺎرات ﻦ اﻟﺘﻮﺑﺔ ﻓﺰوﺟﻬﻦ... ودور اﻟﻔﺴﺎد ،وﺳﺠﻦ اﻟﺨﺎﻃﺌﺎت ﺣﺘﻰ أﻋﻠ ّ وﻟﻜﻦ آﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻳﻨﺰع إﻟﻰ اﻣﺘﻼك ﻣﺎ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ وﻻ ﻳﻄﻴﻖ ﻣﻦ ﻳﺨﺎﻟﻔﻪ !! وﺣﻴﻦ ﻏﺰا اﻟﺘﺘﺎر ﺑﻼدﻧﺎ ،ووﺻﻠﻮا إﻟﻰ دﻣﺸﻖ ،أراد أن ﻻ ﻣﻦ أهﻞ اﻟﺸﺎم ،ﻟﺘﻌﻴﻨﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﺮب. ﻳﺠﺒﻲ أﻣﻮا ً واﺳﺘﻔﺘﻰ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ ﺑﻌﻀﻬﻢ ،ورﻓﺾ اﻟﺒﺎﻗﻮن ،ﻓﻘﺘﻞ ﻋﺪدًا ﻣﻦ اﻟﺮاﻓﻀﻴﻦ ،ﻓﻌﺪل ﻣﻦ ﺑﻘﻲ ﻣﻨﻬﻢ ،وأﻓﺘﻮﻩ ﺑﺠﻮاز أﺧﺬ اﻟﻤﺎل ﻣﻦ اﻟﺮﻋﻴﺔ. وﺳﺄل اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﻴﺒﺮس" :هﻞ ﺑﻘﻲ أﺣﺪ ﻻ ﻳﺠﻴﺰ" ﻗﺎﻟﻮا: "ﻧﻌﻢ ﺑﻘﻲ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻲ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻨﻮوي" ﻓﻄﻠﺒﻪ ﻟﻴﻔﺘﻲ ﺑﺠﻮاز أﺧﺬ اﻟﻤﺎل ﻣﻦ اﻟﺮﻋﻴﺔ ،ﻓﺎﻣﺘﻨﻊ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﻨﻮوي ،وأﻓﺘﻰ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﻮز. ﻓﺎﻧﻔﺠﺮ ﻏﻀﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن وﺳﺄﻟﻪ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ اﻣﺘﻨﺎﻋﻪ ﻋﻦ اﻟﻔﺘﻮى. وأﻳﻘﻦ اﻟﺤﺎﺿﺮون أن اﻟﺸﻴﺦ هﺎﻟﻚ إن ﻟﻢ ﻳﺠﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن إﻟﻰ ﻃﻠﺒﻪ. وﻗﺎل اﻟﺸﻴﺦ اﻟﻨﻮوي ":أﻧﺎ أﻋﺮف أﻧﻚ آﻨﺖ ﻓﻲ اﻟﺮق ﻣﻤﻠﻮآًﺎ ﻟﻸﻣﻴﺮ اﻟﺒﻨﺪﻗﺪار ،وﻟﻴﺲ ﻟﻚ ﻣﺎل ،ﺛﻢ ﻣﻦ اﷲ ﻋﻠﻴﻚ، وﺟﻌﻠﻚ ﻣﻠﻜًﺎ .وﺳﻤﻌﺖ أن ﻋﻨﺪك أﻟﻒ ﻣﻤﻠﻮك ﻳﺘﺤﻠﻮن ﺑﺎﻟﺬهﺐ وﻟﻚ ﻣﺎﺋﺘﺎ ﺟﺎرﻳﺔ ﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﻦ ﺟﻮاهﺮ ﻏﺎﻟﻴﺔ ،ﻓﺈذا أﻧﻔﻘﺖ ذﻟﻚ آﻠﻪ، ٣٧
وﺑﻘﻲ ﻣﻤﺎﻟﻴﻜﻚ ﺑﻤﻼﺑﺴﻬﻢ دون اﻟﺬهﺐ ،وﺑﻘﻴﺖ ﺟﻮارﻳﻚ ﺑﺜﻴﺎﺑﻬﻦ دون اﻟﺤﻠﻲ ،وﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻓﻲ ﺑﻴﺖ اﻟﻤﺎل ﺷﻲء ﻣﻦ ﻧﻘﺪ أو ﻣﺘﺎع أو أرض ،أﻓﺘﻴﺘﻚ ﺑﺄﺧﺬ اﻟﻤﺎل ﻣﻦ اﻟﺮﻋﻴﺔ .ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻳﺴﺘﻌﺎن ﻋﻠﻰ
اﻟﺠﻬﺎد ﺑﺎﻻﻓﺘﻘﺎر إﻟﻰ اﷲ ،واﺗﺒﺎع ﺁﺛﺎر ﻧﺒﻴﻪ ." ﻓﻘﺎل ﻟﻪ اﻟﺴﻠﻄﺎن" :اﺧﺮج ﻣﻦ ﺑﻠﺪي" ﻓﺨﺮج اﻟﺸﻴﺦ ﻣﻦ دﻣﺸﻖ إﻟﻰ ﻗﺮﻳﺘﻪ ﻧﻮى ﻣﻦ أﻋﻤﺎل ﺣﺮان. وﺳﺌﻞ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﻦ اﻣﺘﻨﺎﻋﻪ ﻋﻦ ﻗﺘﻞ اﻟﺸﻴﺦ ﻓﻘﺎل" :آﻠﻤﺎ هﻤﻤﺖ ﺑﻘﺘﻠﻪ وهﻮ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺬﻋﺮ ،وآﺈﻧﻲ أرى ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻘﻪ ﺳﺒﻌﻴﻦ ﻳﺮﻳﺪان اﻓﺘﺮاﺳﻲ" وﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ اﻟﺴﻠﻄﺎن أن ﻳﺠﺒﻲ اﻟﻤﺎل ﻣﻦ اﻟﺮﻋﻴﺔ ،ﺑﻞ ﺑﺎع ﻣﺎ ﻋﻨﺪ ﻣﻤﺎﻟﻴﻜﻪ ﻣﻦ ذهﺐ ،وﻣﺎ ﻋﻨﺪ ﺟﻮارﻳﻪ ﻣﻦ ﺟﻮاهﺮ وﺣﻠﻲ، ﻻ آﻔﺎﻩ ﻧﻔﻘﺔ اﻟﺤﺮب. ﻓﺤﺼﻞ ﻣﺎ ً ﻋﻠﻰ أن اﻟﺸﻴﺦ ﻟﻢ ﻳﺴﻜﺖ ﻋﻦ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻗﻂ. ﻓﺒﻌﺪ أن هﺰم اﻟﺘﺘﺎر ،وأﺟﻼهﻢ ﻋﻦ أرض اﻟﺸﺎم ،أراد أن ﻳﺴﺘﻮﻟﻲ ﻋﻠﻰ أرض اﻟﻐﻮﻃﺔ ﻓﻲ ﻇﺎهﺮ دﻣﺸﻖ ،وهﻲ أرض آﺎن اﻟﺘﺘﺎر ﻓﻲ ﻏﺰوهﻢ ﻗﺪ أﺧﺬوهﺎ ﻏﺼﺒ ًﺎ ،ورﻣﻮا ﺑﺄهﻠﻬﺎ ﻟﻠﻌﺮاء واﻟﺠﻮع. ووﺟﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﻴﺒﺮس ﻣﻦ ﻳﻔﺘﻴﻪ ﺑﺄن هﺬﻩ اﻷرض ﺗﺤﻞ ﻟﻪ، إﻻ أن ﻳﻘﺪم أﺣﺪهﻢ ﺳﻨﺪًا ﺑﻤﻠﻜﻴﺔ اﻷرض.. ﻓﻜﺘﺐ اﻟﺸﻴﺦ إﻟﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻳﻌﻈﻪ ﺑﺄن ﻳﻌﻴﺪ اﻷرض ﻷهﻠﻬﺎ، ﻓﻬﻲ ﻻ ﺗﺤﻞ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن ﻋﻨﺪ أﺣﺪ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ. ٣٨
وأرﺳﻞ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺘﻪ ﻧﻮى آﺘﺎﺑًﺎ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ اﻟﺬي أﺣﻠﻬﺎ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻳﻄﺎﻟﺒﻪ ﺑﺄن ﻳﺘﻘﻲ اﷲ ،وأن ﻳﺮﺟﻊ إﻟﻰ أﺣﻜﺎم اﻟﺪﻳﻦ ،وإﺟﻤﺎع اﻷﺋﻤﺔ. ﻓﻐﻀﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن وأﻣﺮ ﺑﺄن ﻳﺨﻠﻊ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﻦ ﻣﻨﺼﺒﻪ ،وﻟﻜﻨﻪ وﺟﺪﻩ ﺑﻼ ﻣﻨﺼﺐ !!. واﺳﺘﺪﻋﺎﻩ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،وﺳﺄﻟﻪ ﻟﻢ ﻟﻢ ﻳﺒﺪ هﺬﻩ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻏﺘﺼﺐ اﻟﺘﺘﺎر ﺗﻠﻚ اﻟﺒﺴﺎﺗﻴﻦ؟ .. .ﻓﻘﺎل اﻟﺸﻴﺦ :آﺎن اﻟﺘﺘﺎر ﻏﺰاﻩ ﻏﺎﺻﺒﻴﻦ ،وآﺎن اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻳﺠﺎهﺪوﻧﻬﻢ ،أﻣﺎ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻓﻬﻮ وﻟﻴﺎﻷﻣﺮ اﻟﺸﺮﻋﻲ اﻟﺬي ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻘﻴﻢ اﻟﻌﺪل ،وﻳﻨﺼﻒ اﻟﺮﻋﻴﺔ.. ﺛﻢ ﻧﺼﺢ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﺴﻠﻄﺎن أن ﻳﺘﺬآﺮ ﻧﻌﻤﺔ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ إذا آﺎن ﻣﻤﻠﻮآًﺎ ﻓﺂﺗﺎﻩ اﻟﻤﻠﻚ ،وﻣﻦ ﺷﻜﺮ اﻟﻨﻌﻤﺔ أﻻ ﻳﻐﺼﺐ ﺣﻖ أﺣﺪ!. ﻓﻐﻀﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن وﻃﺮدﻩ ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻪ. وﻣﻀﻰ اﻟﺸﻴﺦ . .وﻗﺪ أﻗﺴﻢ أﻻ ﺗﺠﻤﻌﻪ أرض ﺑﻬﺬا اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺬي ﻳﺴﻠﺐ اﻟﻤﺴﺘﻀﻌﻔﻴﻦ ،وﻻ ﻳﺼﻐﻲ إﻟﻰ ﻧﺼﻴﺤﺔ ،واﻟﺪﻳﻦ اﻟﻨﺼﻴﺤﺔ. ﻏﻴﺮ أن اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﺎت ﺑﻌﺪ ﺷﻬﺮ واﺣﺪ ﻣﻦ رﺣﻴﻞ اﻟﺸﻴﺦ! وﻳﻘﺎل إﻧﻪ ﻣﺎت ﻏﻴﻈًﺎ ،ﺣﺴﺮة وآﻤﺪًا ،ﻷﻧﻪ اﺿﻄﺮ إﻟﻰ إﻋﺎدة اﻷرض إﻟﻰ أهﻠﻬﺎ ﺧﺸﻴﺔ أن ﻳﺜﻮر ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻨﺎس ،وﻷﻧﻪ ﻋﺠﺰ ﻋﻦ اﻟﺸﻴﺦ!! ٣٩
أآﺒﺮ اﻟﻄﻼب ورواد اﻟﺤﻠﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ أﻧﻪ ﻳﻜﻔﻬﻢ ﻋﻦ اﻟﻨﻴﻞ ﻣﻦ ﺧﺼﻮﻣﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء ،وﻳﻄﺎﻟﺒﻬﻢ ﺑﺘﻮﻗﻴﺮهﻢ وﻳﻀﺮب اﻷﻣﺜﺎل ﺑﺸﺠﺎﻋﺔ ﻋﻠﻤﺎء ﺳﻠﻔﻮهﻢ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﻣﺬهﺐ إﻣﺎﻣﻪ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ ،ﺑﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺬهﺐ اﻹﻣﺎم اﻟﺸﺎﻓﻌﻰ. وﻣﺎ آﺎن أﺣﺪ ﻓﻲ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﻤﻀﻄﺮب ﻳﻤﺘﺪح ﻋﺎﻟﻤًﺎ ﻳﺨﺎﻟﻔﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﺬهﺐ ..وﺑﻤﺜﻞ هﺬﻩ اﻟﺴﻴﺮة ﺑﻴﻦ ﻃﻼﺑﻪ ورواد ﺣﻠﻘﺘﻪ ،آﺎن ﻳﺰداد ﻧﻔﻮذا ،وﻳﻌﻤﻖ ﺗﺄﺛﻴﺮﻩ ﻓﻲ اﻟﻨﺎس ﻳﻮﻣًﺎ ﺑﻌﺪ ﻳﻮم. ٭٭٭ اﺳﺘﻤﺮ اﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﻓﻲ اﻟﺘﺪرﻳﺲ ﺑﺪار اﻟﺤﺪﻳﺚ ،وﻓﻲ ﺣﻠﻘﺘﻪ ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻊ اﻷﻣﻮي ،ﻣﻨﺎﺿﻼ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺔ وﻏﺰارة اﻟﻌﻠﻢ ،ﻟﻜﻲ ﻳﻌﻴﺪ إﻟﻰ اﻹﺳﻼم ﻧﻀﺎرﺗﻪ اﻷوﻟﻰ ،ﻗﺒﻞ أن ﺗﺘﺴﻠﻞ إﻟﻴﻪ اﻹﺳﺮاﺋﻴﻠﻴﺎت وﻓﻠﺴﻔﺔ اﻟﻴﻮﻧﺎن ،وأﻓﻜﺎر اﻟﻬﻨﺪ واﻟﻔﺮس. ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﺸﻴﺦ ﻗﺪ ﺟﺎوز اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ واﻟﺜﻼﺛﻴﻦ ،وﻗﺪ اﻋﺘﺮف ﻟﻪ ﻋﺪد ﺻﺎﻟﺢ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎء ﻋﺼﺮﻩ ﺣﺘﻰ ﻣﺨﺎﻟﻔﻴﻪ ،ﺑﺎﻟﺰﻳﺎدة واﻟﺼﻼح واﻟﺘﻔﻮق. ﻗﺎل ﻋﻨﻪ اﺑﻦ دﻗﻴﻖ اﻟﻌﻴﺪ ،وهﻮ أﻋﻠﻢ أهﻞ اﻟﻌﺼﺮ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺚ وﻣﻦ ﻣﺨﺎﻟﻔﻲ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺬهﺐ واﻟﺮأي" :ﺟﻤﻊ اﻟﻌﻠﻮم آﻠﻬﺎ ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ ،وﻳﺪع ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ" وﻗﺎل ﻋﻨﻪ اﻟﺬهﺒﻲ ":أﻧﺎ ﻣﺨﺎﻟﻒ ﻟﻪ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺋﻞ أﺻﻠﻴﺔ وﻓﺮﻋﻴﺔ ،وهﻮ ﻣﻊ ﺳﻌﺔ ﻋﻠﻤﻪ ،وﻓﺮط ﺷﺠﺎﻋﺘﻪ ،وﺳﻴﻼن ذهﻨﻪ، وﺗﻌﻈﻴﻤﻪ ﻟﺤﺮﻣﺎت اﻟﺪﻳﻦ ،ﺗﻌﺘﺮﻳﻪ ﺣﺪة ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺚ ،وﻏﻀﺐ ٤٠
وﺻﺪﻣﺔ ﻟﺨﺼﻮﻣﺔ ﺗﺰرع ﻟﻪ ﻋﺪاوة ﻓﻲ اﻟﻨﻔﻮس ،وﻟﻮﻻ ذﻟﻚ ﻟﻜﺎن آﻠﻤﺔ إﺟﻤﺎع ،ﻓﺈن آﺒﺎرهﻢ ﺧﺎﺿﻌﻮن ﻟﻌﻠﻮﻣﻪ ،ﻳﻌﺘﺮﻓﻮن ﺑﺄﻧﻪ ﺑﺤﺮ ﻻ ﺳﺎﺣﻞ ﻟﻪ ،وآﻨﺰ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻧﻈﻴﺮ ،وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻳﻨﻘﻤﻮن ﻻ ،وآﻞ ﻳﺆﺧﺬ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ وﻳﺘﺮك". ﻻ وأﻓﻌﺎ ً ﻋﻠﻴﻪ أﻗﻮا ً أﻣﺎ ﻏﻼة ﺧﺼﻮﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﺎﻧﺌﻴﻦ واﻟﺤﺎﺳﺪﻳﻦ ،وﻣﻦ اﺳﺘﻨﻔﺮﺗﻬﻢ ﻃﻬﺎرﺗﻪ ،وآﺒﺮﻳﺎؤﻩ ،واﻧﺘﺸﺎر أﻣﺮﻩ ،وﺗﻌﻈﻴﻢ اﻟﻨﺎس واﻟﻮﻻة ﻟﻪ ..ﻓﻘﺪ ﻧﺴﺒﻮﻩ إﻟﻰ اﻟﻜﻔﺮ!!. ٭٭٭ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻣﻀﻰ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﻻ ﻳﺒﺎﻟﻲ ،ﻳﺤﺎرب اﻟﺒﺪع ،وﻳﺤﻲ اﻟﺴﻨﺔ ،ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻖ اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ ،ﻣﺠﺘﻬﺪًا ﻓﻲ اﻟﻤﺬهﺐ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎع. وآ ﺎن ﻓ ﻲ آ ﻞ ﻧﻬ ﺎر وﻟﻴ ﻞ ﻳﺘﻮﻗ ﻊ ﻣﻌﺮآ ﺔ ﺣﺎﺳ ﻤﺔ ﻣ ﻊ ﺧﺼﻮﻣﻪ وﺣﺎﺳﺪﻳﻪ ..وﻗﺪ أﻋﺪ ﻟﻬﺎ آﻞ أﺳ ﻠﺤﺘﻬﺎ ﻣ ﻦ دراﻳ ﺔ آﺎﻣﻠ ﺔ ﺑ ﺎﻟﻘﺮﺁن وﻋﻠﻮﻣ ﻪ ،وﺑﺎﻟﺴ ﻨﺔ وﻋﻠﻮﻣﻬ ﺎ ،وأﻗ ﻮال اﻟﺼ ﺤﺎﺑﺔ، وﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻓ ﺔ اﻟﻌﻤﻴﻘ ﺔ ﺑ ﺄدوات اﻟﻤﻨﺎﻃﻘ ﺔ واﻟﻔﻼﺳ ﻔﺔ وﻋﻠﻤ ﺎء اﻟﻜ ﻼم ﻓﻲ اﻟﺠﺪال .وﻗﺪ درب اﻟﻨﻔﺲ ﻋﻠﻰ دﺣﺾ ﻣﻘﺎﻃﻊ اﻟﺤﺠﺔ ﻣﻨﻬﻢ. وﺟﺎء اﻟﻴﻮم اﻟﺬي ﻓﻴﻪ ﻓﺮﺿﺖ اﻟﻤﻌﺮآﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ ..إذ ﺟﺎءﻩ ﻣﻦ "ﺣﻤﺎة" إﺣﺪى ﻣﻨﺎﺋﺮ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ اﻟﺸﺎم ،ﻧﻔﺮ ﻳﺤﻤﻠﻮن إﻟﻴﻪ آﺘﺎﺑًﺎ ﻳﺴﺄﻟﻪ ﻓﻴﻪ أهﻞ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺮأي ﻓﻲ اﻵﻳﺎت اﻟﺘﻲ وﺻﻒ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻬﺎ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن اﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﺜﻞ اﻵﻳﺎت اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮش اﺳﺘﻮى .وﺟﺎء رﺑﻚ واﻟﻤﻠﻚ ﺻﻔ ًﺎ ٤١
ﺻﻔ ًﺎ و ﻳﺪ اﷲ ﻓﻮق أﻳﺪﻳﻬﻢ ..إﻟﻰ ﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺁﻳﺎت اﻟﺼﻔﺎت.. وآﺎﻧﺖ اﻵراء اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺗﺘﻼﻃﻢ ﻓﻲ ﻣﻀﻄﺮب اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻣﻨﺬ ﺣﻴﻦ . .وآﺎن اﻟﺘﻌﺼﺐ ﻳﻄﻤﺲ اﻟﺒﺼﺎﺋﺮ ،وﻳﻌﻄﻞ اﻟﻌﻘﻮل ،ﺣﺘﻰ ﻟﻘﺪ آﺎن أﺗﺒﺎع اﻟﻤﺬاهﺐ اﻟﻔﻘﻬﻴﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻻ ﻳﺼﻠﻲ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﺧﻠﻒ إﻣﺎم ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﻣﺬهﺒﻪ. واﻵراء ﺣﻮل ﻣﺎ وﺻﻒ اﷲ ﺑﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﺗﺘﺼﺎرع ،واﻟﺴﺎﺋﺪ هﻮ رأي اﻷﺷﺎﻋﺮة اﻟﺬي أرﺳﺎﻩ ﺣﺠﺔ اﻹﺳﻼم اﻹﻣﺎم اﻟﻐﺰاﻟﻲ ﻣﻨﺬ ﺣﻴﻦ. . وهﻮ ﻳﺬهﺐ إﻟﻰ أن هﺬﻩ اﻟﺼﻔﺎت ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻔﻬﻢ ﺣﺮﻓﻴًﺎ، ﺑﻞ ﻳﺠﺐ ﻓﻬﻤﻬﺎ ﺑﺄدوات اﻟﺒﻴﺎن اﻟﻌﺮﺑﻰ ،وﻣﻨﻬﺎ إﻳﺠﺎز اﻟﺤﺬف ،أو ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺗﺄوﻳﻠﻬﺎ ﺗﻨﺰﻳﻬًﺎ ﻟﻠﺬات اﻟﻌﻠﻴﺔ ،وﺗﺄوﻳﻞ اﻟﻨﺺ هﻮ اﻟﻌﺪول ﻋﻦ ﻇﺎهﺮ اﻟﻤﻌﻨﻰ إﻟﻰ ﻣﻌﻨﻰ ﺧﻔﻲ ﻷﺳﺒﺎب ﺗﻮﺟﺐ هﺬا اﻟﻌﺪول.. ﻓﺎﻵﻳﺔ "اﺳﺘﻮى ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮش" ﻻ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻗﻌﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﻌﻮد اﻟﺤﺴﻲ ،ﺑﻞ اﻻﺳﺘﻴﻼء ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮش ..وﺗﻔﺴﻴﺮ ﺟﺎء رﺑﻚ واﻟﻤﻠﻚ ﺻﻔًﺎ ﺻﻔ ًﺎ ﻓﻴﻬﺎ إﻳﺠﺎز ﺣﺬف ،وﻣﻌﻨﺎهﺎ ﺟﺎء أﻣﺮ رﺑﻚ. و ﻳﺪ اﷲ ﻓﻮق أﻳﺪﻳﻬﻢ ﻣﻌﻨﺎهﺎ ﻗﺪرﺗﻪ ﻓﻮق ﻗﺪرﺗﻬﻢ. ﻓﻤﻦ أﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﻌﺮب "وﺿﻊ اﻷﻣﻴﺮ ﻳﺪﻩ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ" وإن آﺎن ﻣﻘﻄﻮع اﻟﻴﺪﻳﻦ !! أي ﺑﺴﻂ ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ وﻗﺪرﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ. أﻣﺎ اﻟﺮأي اﻵﺧﺮ ﻓﻴﺬهﺐ إﻟﻰ أن هﺬﻩ اﻵﻳﺎت ﻳﺠﺐ أن ﺗﻔﻬﻢ ﺣﺮﻓﻴًﺎ ،ﺑﻈﺎهﺮ اﻟﻨﺺ ..ﻓﺎﻻﺳﺘﻮاء ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮش ﺟﻠﻮس آﺠﻠﻮس ٤٢
اﻟﻤﻠﻮك ﻋﻠﻰ ﻋﺮوﺷﻬﻢ ،وﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺟﺎء رﺑﻚ .. .ﻣﻌﻨﺎهﺎ أن اﷲ ﻳﺠﻲء ﺑﺬاﺗﻪ اﻟﻌﻠﻴﺔ. و ﻳﺪ اﷲ . .هﻰ ﻳﺪ ﺣﻘﺎ. وآﺬﻟﻚ ﺳﺎق اﷲ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ :ﻳﻮم ﻳﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺳﺎق وﻳﺪﻋﻮن إﻟﻰ اﻟﺴﺠﻮد ﻗﺎل أﺣﺪ ﻣﻔﺴﺮﻳﻬﻢ" :إﻧﻬﺎ ﺳﺎق ﺣﻘﻴﻘﺔ" ﺛﻢ ﺿﺮب ﻋﻠﻰ ﺳﺎﻗﻪ وﻗﺎل "آﺴﺎﻗﻰ هﺬﻩ" ورﻣﻰ أﺻﺤﺎب هﺬا اﻟﺮأي ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻳﺸﺒﻬﻮن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺎﻻﻧﺴﺎن ،وﻳﺠﺴﻤﻮﻧﻪ ،وهﻮ ﻣﻨﺰﻩ ﻋﻦ اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ واﻟﺘﺠﺴﻴﻢ.. وأﻃﻠﻘﻮا ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﻤﺸﺒﻪ واﻟﻤﺠﺴﻤﺔ. وآﺎن هﻨﺎك رأي ﺛﺎﻟﺚ ﻳﺬهﺐ إﻟﻰ ﻋﺪم اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ هﺬﻩ اﻵﻳﺎت :ﻓﻼ أﺣﺪ ﻏﻴﺮ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﺪرك ﻣﻌﻨﺎهﺎ ..ﻓﻬﻲ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻬﺎت ،وﻗﺪ ﻧﻬﻲ اﻟﺮﺳﻮل ﻋﻦ اﻟﺴﺆال ﻋﻨﻬﺎ ،وآﺎن ﻋﻤﺮ ﻳﻀﺮب ﻣﻦ ﻳﺴﺄل ﻋﻨﻬﺎ.. ورأي راﺑﻊ ﻳﺮى أن اﻟﺮﺳﻮل ﺑﻴﻦ وﻓﺴﺮ آﻞ ﺁﻳﺎت اﻟﻘﺮﺁن وﻋﻠﻤﻬﺎ ﺻﺤﺎﺑﺘﻪ ..وﻟﻜﻨﻪ ﻧﻬﻰ ﻋﻦ اﻟﺴﺆال ﻓﻲ اﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻬﺎت اﺑﺘﻐﺎء اﻟﻔﺘﻨﺔ ،أﻣﺎ إن آﺎن ﻳﻄﻠﺐ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻓﻴﺠﺎب، وﻟﻬﺬا ﺿﺮب ﻋﻤﺮ اﻟﺴﺎﺋﻞ ﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺆال ﺑﻞ ﻋﻠﻰ ﻧﻴﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﺴﺆال ،ﻷﻧﻪ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ أدرك أن اﻟﺴﺎﺋﻞ ﻳﺮﻳﺪ إﺛﺎرة اﻟﻔﺘﻨﺔ.
٤٣
ﻓﺎﻻﻣﺘﻨﺎع ﻋﻦ اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻵﻳﺎت ﺑﺰﻋﻢ أن اﷲ وﺣﺪﻩ هﻮ اﻟﺬي ﻳﻌﻠﻤﻬﺎ ،اﺗﻬﺎم ﻟﻠﺮﺳﻮل ﺑﺄﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺒﻴﻦ اﻟﻘﺮﺁن ،وﺑﺄﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺒﻠﻎ رﺳﺎﻟﺘﻪ !! ﺛﻢ آﺎن اﻟﺮأي اﻟﺬي ﻳﻘﻮل إﻧﻪ ﻳﺠﺐ اﻹﻳﻤﺎن ﺑﻬﺬﻩ اﻵﻳﺎت، وﺗﺼﺪﻳﻖ ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻧﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﻜﻴﻔﻴﺔ . .آﻴﻔﻴﺔ اﻻﺳﺘﻮاء ،وآﻴﻔﻴﺔ اﻟﻴﺪ ،وآﻴﻔﻴﺔ اﻟﺴﻤﻊ واﻟﺒﺼﺮ.. آﺎﻧﺖ هﺬﻩ اﻵراء ﺟﻤﻴﻌ ًﺎ ﺗﺼﻄﺮع ،وﻳﺘﺒﺎدل أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ اﺗﻬﺎﻣﺎت ﺗﺼﻞ إﻟﻰ ﺣﺪ اﻻﺗﻬﺎم ﺑﺎﻟﻜﻔﺮ أو ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﺑﺎﻟﺰﻳﻎ واﻟﻀﻼل!! ٭٭٭ ﺣﻴﻦ وﺻﻞ اﻟﺴﺆال إﻟﻰ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ،اﺗﺨﺬ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻊ، وأﻣﻠﻰ رﺳﺎﻟﺘﻪ إﻟﻰ أهﻞ ﺣﻤﺎة.. ﺑﺪأهﺎ ﺑﻌﺪ ﺻﻼة اﻟﻈﻬﺮ ،وﺧﺘﻤﻬﺎ ﻗﺒﻴﻞ ﺻﻼة اﻟﻌﺼﺮ، وأﺳﻤﺎهﺎ "اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﺤﻤﻮﻳﺔ" ﺷﺮح ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻬﻤﻪ ﻣﻦ ﺁﻳﺎت اﻟﺼﻔﺎت وأﺳﻤﺎء اﷲ اﻟﺤﺴﻨﻰ، وﺳﺎر ﻓﻲ هﺬا اﻟﻔﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺬهﺐ اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ . .ﻓﺄﻧﻜﺮ ﺗﺄوﻳﻞ هﺬﻩ اﻵﻳﺎت ،أو ﺗﻔﺴﻴﺮهﺎ ﻋﻠﻰ أن اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻣﺠﺎزي آﻤﺎ ﻗﺎل اﻷﺷﺎﻋﺮة واﻹﻣﺎم اﻟﻐﺰاﻟﻲ. وأﻧﻜﺮ ﻓﻬﻤﻬﺎ ﺑﺤﺮﻓﻴﺔ اﻟﻨﺺ ،وﺗﺸﺒﻴﻪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎن ﺑﻞ "ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺼﺪق آﻞ ﻣﺎ وﺻﻒ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻼ ٤٤
ﺗﺄوﻳﻞ أو ﺗﺠﺴﻴﺪ أو ﺗﺸﺒﻴﻪ ..ﻓﻬﺬا آﻠﻪ ﺗﺤﺮﻳﻒ ﻟﻠﻜﻠﻢ ﻋﻦ ﻣﻮاﺿﻌﻪ" وﻣﺬهﺐ اﻟﺴﻠﻒ ﻓﻲ رأﻳﻪ أﻧﻬﻢ" :ﻻ ﻳﻤﺜﻠﻮن ﺻﻔﺎت اﷲ ﺻﻔﺎت ﺧﻠﻘﻪ ،آﻤﺎ ﻻ ﻳﻤﺜﻠﻮن ذاﺗﻪ ﺑﺬوات ﺧﻠﻘﻪ ،وﻻ ﻳﻨﻔﻮن ﻋﻨﻪ ﻣﺎ وﺻﻒ ﺑﻪ ﻧﻔﺴﻪ ،أو وﺻﻔﻪ ﺑﻪ رﺳﻮﻟﻪ ،ﻓﻴﻌﻄﻠﻮا أﺳﻤﺎء اﷲ اﻟﺤﺴﻨﻰ وﺻﻔﺎﺗﻪ اﻟﻌﻠﻴﺎ" وﻳﻔﻴﺾ ﻓﻲ ﺷﺮﺣﻪ أن ﺁﻳﺎت اﻟﺼﻔﺎت ﻳﺠﺐ أن ﺗﻔﻬﻢ أﻟﻔﺎﻇﻬﺎ وﻋﺒﺎراﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻇﺎهﺮهﺎ ،ﻻ ﻣﺆوﻟﺔ آﻤﺎ ﻳﻘﻮل اﻟﻐﺰاﻟﻲ وﺳﺎﺋﺮ اﻷﺷﺎﻋﺮة ،وﻻ هﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻈﺎهﺮ اﻟﺤﺴﻲ آﻤﺎ ﻳﻘﻮل اﻟﻤﺠﺴﻤﺔ واﻟﻤﺸﺒﻬﺔ. ﺑﻞ هﻲ ﻋﻠﻰ ﻇﺎهﺮهﺎ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﺬاﺗﻪ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ..أي ﻣﻦ ﻏﻴﺮ آﻴﻒ .ﻓﻘﺪ ﻗﺎل اﻹﻣﺎم ﻣﺎﻟﻚ" :اﻻﺳﺘﻮاء ﻣﻌﻠﻮم ،واﻟﻜﻴﻒ ﻣﺠﻬﻮل ،واﻹﻳﻤﺎن ﺑﻪ واﺟﺐ ،واﻟﺴﺆال ﻋﻨﻪ ﺑﺪﻋﺔ" وﻗﺎل اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ " :اﺳﺘﻮى ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮش آﻴﻒ ﺷﺎء ،وآﻤﺎ ﺷﺎء وﻻ ﺣﺪ وﻻ ﺻﻔﺔ ﻳﺒﻠﻐﻬﺎ واﺻﻒ" وهﺬا ﺗﻔﻮﻳﺾ وﺗﻨﺰﻳﻪ ،وﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﺗﺨﺮﻳﺞ ﻟﻠﻔﻆ ﻋﻠﻰ اﻟﻈﺎهﺮ ،وﻻ ﻏﻴﺮ اﻟﻈﺎهﺮ. ٭٭٭ ﻋﻨﺪﻣﺎ أذاع اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ رأﻳﻪ هﺬا ﻗﺎﻣﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ . .اﺗﻬﻤﻪ اﻟﻤﺠﺴﻤﺔ واﻟﻤﺸﺒﻪ ﺑﺎﻟﻜﻔﺮ. ٤٥
واﺗﻬﻤﻪ اﻷﺷﺎﻋﺮة ﺑﺎﻟﺰﻳﻎ ،وﺑﺄﻧﻪ ﻳﺮى رأي اﻟﻤﺠﺴﻤﺔ واﻟﻤﺸﺒﻬﺔ!!.. واﻧﺘﻬﺰ ﺣﺴﺎدﻩ اﻟﻔﺮﺻﺔ ،ﻓﺎﻧﻄﻠﻘﻮا ﻓﻲ ﺷﻮارع دﻣﺸﻖ، وﻣﻌﻬﻢ ﺣﺸﺪ ﻣﻦ أﺗﺒﺎﻋﻬﻢ ،ﻳﺸﻬﺮون ﺑﺎﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ،وﻳﺄﻣﺮون اﻟﻨﺎس أﻻ ﻳﺄﺧﺬوا ﺑﻤﺎ أﻣﻼﻩ اﻟﺸﻴﺦ ﻓﻲ "اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﺤﻤﻮﻳﺔ" أﻣﺎ هﺬا اﻟﻨﻔﺮ ﻣﻦ أهﻞ "ﺣﻤﺎة" ،ﻓﻘﺪ أﺧﺬوا ﻣﻌﻬﻢ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻣﺼﺪﻗﻴﻦ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ،وأﺧﻔﻮهﺎ ﻓﻲ ﻃﻴﺎت ﺛﻴﺎﺑﻬﻢ هﺎرﺑﻴﻦ إﻟﻰ ﺣﻤﺎة. وﻗﺎم ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻣﻦ ﻣﺨﺎﻟﻔﻲ اﻟﺸﻴﺦ وﺣﺴﺎدﻩ، ﻓﻄﻠﺒﻮا ﻣﺤﺎآﻤﺘﻪ أﻣﺎم اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻟﺤﻨﻔﻲ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺴﺘﺠﻴﺐ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻟﻬﻢ . .ﻷﻧﻪ آﺎن ﻻ ﻳﺜﻖ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻘﺎﺿﻲ ..ﻓﺄﺟﻠﺒﻮا ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ واﻟﻄﺮﻗﺎت ،ﻳﺴﻔﻬﻮن رأﻳﻪ ،وﻳﻜﻴﻠﻮن ﻟﻪ اﻟﺴﺒﺎب. وﻣﺎ ﻋﺎد ﺷﻲء ﻳﺸﻐﻞ دﻣﺸﻖ إﻻ هﺬﻩ اﻟﺨﺼﻮﻣﺔ ! واﻟﺘﺘﺎر ﻳﺰﺣﻔﻮن ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ!! . . ﻏﻴﺮ أن أﺣﺪ اﻷﻣﺮاء ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺠﺒﻴﻦ ﺑﺎﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻟﻢ ﻳﻌﺠﺒﻪ هﺬا اﻟﻬﺠﻮم اﻟﻀﺎري ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻴﺦ ،وﻣﺤﺎوﻟﺔ إﺛﺎرة اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﺎﻣﺘﻄﻰ ﺟﻮادﻩ ،وﻗﺎد ﻣﻤﺎﻟﻴﻜﻪ ،واﻧﻄﻠﻖ ﻓﻲ ﻃﺮﻗﺎت دﻣﺸﻖ، ﻳﻀﺮب اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺸﻬﺮون ﺑﺎﻟﺸﻴﺦ . .ﻓﺎﺧﺘﻔﻰ ﻣﻨﻬﻢ آﺜﻴﺮون. . ورﺿﻲ اﻟﺸﻴﺦ أن ﻳﻨﺎﻇﺮﻩ ﻓﻲ رأﻳﻪ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﻬﺎء اﻟﻔﻀﻼء ،ﻣﻦ ذوي اﻟﻤﻌﺘﻘﺪ اﻟﺤﺴﻦ ،واﻟﻤﻘﺼﺪ اﻟﺼﺎﻟﺢ ،ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﺧﻼﻓﻬﻢ ﻣﻌﻪ. . ٤٦
وﺟﻤﻊ ﻟﻪ اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻟﻘﺰوﻳﻨﻲ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ أآﺜﺮ اﻟﻔﻘﻬﺎء ورﻋًﺎ وﻋﻠﻤًﺎ وﺗﻘﻮى ﻣﻦ اﻟﻤﺬاهﺐ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ. ﻓﺴﺄﻟﻮﻩ ﻓﻲ ﻣﻮاﺿﻊ ﻣﻦ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﺤﻤﻮﻳﺔ ،ﻣﻤﺎ ﻳﺸﻨﻊ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ. ﻓﺸﺮح ﻟﻬﻢ اﻟﺸﻴﺦ رأﻳﻪ ﻓﻲ ﺟﻮ ﻳﺠﻠﻠﻪ وﻗﺎر ﻟﻠﻌﻠﻢ ،وﺣﺐ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ. ﻗﺎل ﻟﻬﻢ " :إن ﻣﻦ اﻹﻳﻤﺎن ﺑﺎﷲ اﻹﻳﻤﺎن ﺑﻤﺎ وﺻﻒ ﺑﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ آﺘﺎﺑﻪ ،وﺑﻤﺎ وﺻﻔﻪ ﺑﻪ رﺳﻮﻟﻪ ﻣﺤﻤﺪ ،ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺗﺤﺮﻳﻒ وﻻ ﺗﻌﻄﻴﻞ )أى ﺗﻌﻄﻴﻞ ﻟﺼﻔﺎت اﷲ( ،وﻻ ﺗﻜﻴﻴﻒ وﻻ ﺗﻤﺜﻴﻞ .ﺑﻞ ﻧﺆﻣﻦ ﺑﺎﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻴﺲ آﻤﺜﻠﻪ ﺷﻲء ،وهﻮ اﻟﺴﻤﻴﻊ اﻟﺒﺼﻴﺮ ،ﻻ ﻧﻨﻔﻲ ﻋﻨﻪ ﻣﺎ وﺻﻒ ﺑﻪ ﻧﻔﺴﻪ ،وﻻ ﻧﻠﺤﺪ ﻓﻲ أﺳﻤﺎء اﷲ اﻟﺤﺴﻨﻰ ،وﻻ ﻧﻜﻴﻒ أو ﻧﻤﺜﻞ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﺑﺼﻔﺎت ﺧﻠﻘﻪ " واﻧﺘﻬﺖ اﻟﻤﺤﺎآﻤﺔ اﻟﺘﻲ آﺎﻧﺖ ﻓﻲ اﻟﺤﻖ ﻣﻨﺎﻇﺮة ﺑﻴﻦ ﻋﻘﻮل ﻣﺴﺘﻨﻴﺮة ﺑﺎﺣﺜﺔ ﻋﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ . .وأﺟﻤﻊ اﻟﻜﻞ ﻋﻠﻰ ﺑﺮاءة ﺳﺎﺣﺔ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﻤﺎ ﺷﻨﻊ ﺑﻪ ﻋﻠﻴﻪ. . وﻗﺎل اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻟﻘﺰوﻳﻨﻲ اﻟﺬي آﺎن ﻳﺮأس ﺟﻠﺴﺔ اﻟﻤﺤﺎآﻤﺔ : " ﻣﻦ ﻗﺎل ﻋﻦ اﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺷﻴﺌًﺎ ﻋﺰرﻧﺎﻩ" وﺧﺮج اﻟﺸﻴﺦ ﻳﺤﻒ ﺑﻪ أﻧﺼﺎرﻩ ،وﻣﻀﻰ إﻟﻰ ﺑﻴﺘﻪ ،ﻟﻴﺠﺪ رﺳﺎﻟﺔ أﺧﺮى ﻣﻦ أهﻞ "واﺳﻂ" ﺗﺴﺄﻟﻪ رأﻳﻪ ﻓﻲ ﺁﻳﺎت اﻟﺼﻔﺎت. . ﻓﺸﺮع ﻳﺮد ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ،ﺑﺮأﻳﻪ اﻟﺬي ﻗﺎﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﻤﻮﻳﺔ وﺑﺴﻄﻪ ٤٧
أﻣﺎم ﻣﺤﺎآﻤﻴﻪ ،وأﺳﻤﻰ ردﻩ "اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﻮاﺳﻄﻴﺔ" وﻇﻬﺮت ﺑﻌﺪ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﺤﻤﻮﻳﺔ ﺑﺸﻬﻮر. . وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﻬﺪأ ﻋﻨﻪ ﺧﺼﻮﻣﻪ أو ﺣﺴﺎدﻩ ،ﻓﻘﺪ ﻇﻠﻮا ﻳﺤﺎوﻟﻮن اﻟﻜﻴﺪ ﻟﻪ ،وﻳﺸﻐﻠﻮن اﻟﻨﺎس ﺑﺘﻮﺟﻴﻪ اﻟﻤﻄﺎﻋﻦ إﻟﻴﻪ، واﻟﺸﻐﺐ ﻋﻠﻴﻪ. . وﺣﺪﺛﺖ ﻣﻼﺣﺎة ﺑﻴﻦ اﻟﺨﺼﻮم واﻷﻧﺼﺎر .. .واﻟﺘﺘﺎر ﻳﺰﺣﻔﻮن وﻳﺰﺣﻔﻮن ،وآﺎﻧﻮا هﺬﻩ اﻟﻤﺮة ﻏﻴﺮ ﺑﻌﻴﺪ! . . ودﻣﺸﻖ ﻣﺎ ﺑﺮﺣﺖ ﻣﺸﻐﻮﻟﺔ ﺑﻤﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﺸﻴﺦ وأﻧﺼﺎرﻩ ﻣﻦ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠﺔ ،وﺑﻴﻦ ﺧﺼﻮﻣﻪ وﺣﺴﺎدﻩ.. . وﺑﻐﺘﺔ ،ارﺗﻔﻌﺖ اﻷﺻﻮات ﻓﻲ ﻓﺰع "اﻟﺘﺘﺎر ﻋﻠﻰ أﺑﻮاب دﻣﺸﻖ ..ﻋﺎد اﻟﺘﺘﺎر ".. .
٤٨
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﺎد اﻟﺘﺘﺎر! .. . ﻋﺎد اﻟﺘﺘﺎر ﺑﻜﻞ أﻟﻮان اﻟﻔﺠﻮر !! واﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻣﻤﺰﻗﻮن :أﻣﺮاؤهﻢ ﻳﺘﻨﺎﺣﺮون ،ﻓﺼﺎر ﺑﺄﺳﻬﻢ ﺷﺪﻳﺪًا ﺑﻴﻨﻬﻢ . .ﺣﺘﻰ إذا ﺟﺎء اﻟﻌﺪو ﺑﺨﻴﻠﻪ وﺑﺮﺟﻠﻪ ،ﻟﻢ ﻳﻨﻬﻀﻮا ﻟﺠﻬﺎدﻩ . .واﺛﺎﻗﻠﻮا ﻟﻸرض ﻣﻦ ﺣﺐ اﻟﺤﻴﺎة . .أو ﺻﺎﻧﻌﻮﻩ ﻓﻲ اﻟﺨﻔﺎء وﺟﺎهﺪوﻩ ﺑﺎﻟﺤﻨﺎﺟﺮ !! ﻳﺎ ﻟﻠﺮﻋﺎة اﻟﺨﺎدﻋﻴﻦ اﻟﺴﺎرﻗﻲ ﻗﻮت اﻟﺮﻋﻴﺔ ! واﻟﺮﻋﻴﺔ ﺗﺴﺘﺒﺎح وﺗﻨﺘﻬﻚ !! ﻳﺎ ﻟﻠﺮﻋﺎة اﻟﻤﺘﺨﻤﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﺎع ! واﻟﺮﻋﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻀﻴﺎع ! ﻓﻴﻢ اﻟﺨﺼﻮﻣﺔ ﺑﻴﻨﻜﻢ ،وﻟﻢ اﻟﺼﺮاع ،وآﻠﻜﻢ ﻣﺴﺘﻬﺪف ،ﻻ ﻓﺮق ﺑﻴﻦ ﻗﺮﻳﺒﻜﻢ وﺑﻌﻴﺪآﻢ ؟! ﺑﻞ ﻻ ﻧﺠﺎة ﻟﻜﻢ ﺑﻐﻴﺮ اﻻﺗﺤﺎد . .أﻳﻦ اﺗﺤﺎد اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ !؟ أﺗﺰﻳﻔﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻋﻴﺔ ﻳﺎ رﻋﺎة اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ؟! اﻧﻈﺮ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ أﺣﻮال اﻟﺮﻋﻴﺔ ..هﺎ هﻢ أوﻻء :ﺳﻮادهﺎ ﻳﺘﻠﻤﺴﻮن اﻟﻌﻮن ﻓﻲ اﻷﺣﻴﺎء ﻣﻦ ﻗﺎداﺗﻬﻢ ،ﺣﺘﻰ إذا ﻣﺎ اﺳﺘﻴﺄﺳﻮا اﻟﺘﻤﺴﻮا اﻟﻤﻌﻮﻧﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻮر اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ !.. ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻷﻣﺮاء هﺒﻮا ﻟﻠﺠﻬﺎد !! ..أﺗﺰﻳﻔﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻋﻴﺔ ﻳﺎ رﻋﺎة اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ؟! اﻟﻨﺎر ﺗﺰﺣﻒ ﻧﺤﻮآﻢ ،وﺗﻜﺎد ﺗﺄآﻞ دورآﻢ.. . ٤٩
اﻟﻨﺎر ﺣﻴﻦ ﺗﺸﺐ ﺗﻠﺘﻬﻢ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻮاء.. هﻲ ﻟﻦ ﺗﻔﺮق ﺑﻴﻦ أآﻮاخ اﻟﻀﻴﺎع وﻻ ﻗﺼﻮر اﻷﻏﻨﻴﺎء ! ﻳﺎ ﻟﻠﺮﺟﺎل ! ..دﻋﻮا اﻟﺨﺼﻮﻣﺔ ﺑﻴﻨﻜﻢ.. ﻟﻴﺲ اﻟﺮﻋﻴﺔ ﻣﻦ ﺗﻬﺪد وﺣﺪهﺎ ﺑﻞ أﻣﻨﻜﻢ ،وﺣﻴﺎﺗﻜﻢ، وﺻﻐﺎرآﻢ ،وﻧﺴﺎؤآﻢ !! ﻳﺎ ﻟﻠﺮﺟﺎل ! ﺗﺤﺮآﻮا ﻟﺘﺪاﻓﻌﻮا ﻋﻦ ﻋﺮﺿﻜﻢ ،وﺣﻴﺎﺗﻜﻢ ! زﺣﻒ اﻟﺘﺘﺎر ﺑﻜﻞ أﻟﻮان اﻟﻔﺠﻮر!! . . ﻋﺎدوا ﺑﻐﺎﺷﻴﺔ اﻟﺪﻣﺎر.. . ﻳﺎ وﻳﻠﺘﺎ أﻳﻦ اﻟﺮﺟﺎل ؟! أﻳﻦ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﺼﺎﻣﺪون أوﻟﻮ اﻟﻌﺰﻳﻤﺔ واﻟﺒﺼﺎﺋﺮ!! أﻳﻦ اﻟﺮﺟﺎل ذوو اﻟﻀﻤﺎﺋﺮ ؟! ﻣﺎ ﻋﺪت أﻟﻘﻰ ﻏﻴﺮ ﻓﺮﺳﺎن اﻟﺤﻨﺎﺟﺮ !! . .ﻳﺎ روح "ﺑﺪر" أﻳﻦ أﻧﺖ؟! . .ﻳﺎ روح "ﺣﻄﻴﻦ" اﻣﻠﺌﻲ اﻟﻘﻠﺐ اﻟﻤﺮوع ﺑﺎﻟﺠﺴﺎرة !! أم ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﻤﺸﻲ ﻋﻠﻰ أرض اﻟﺒﻄﻮﻟﺔ ﻏﻴﺮ ﻓﺮﺳﺎن اﻟﺪﻋﺎرة. .؟! ﻗﻢ ﻳﺎ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﻓﻠﺘﺤﺸﺪ ﺻﺤﺎﺑﻚ واﻟﺸﺒﺎب اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ.. أﺣﻔﺎد أﺑﻄﺎل اﻟﻤﻌﺎرك ﻓﻲ اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت اﻟﻌﻈﺎم ...أﺑﻄﺎل ﺣﺮب "اﻟﻘﺎدﺳﻴﺔ"... أﺣﻔﺎد ﻣﻦ آﺎﻧﺖ ﺳﻴﻮﻓﻬﻢ ﻋﻠﻰ "اﻟﻴﺮﻣﻮك" ﺗﺸﺮق ﺑﺎﻟﻌﺪاﻟﺔ.. أﺣﻔﺎد ﻣﻦ ﺻﻨﻌﻮا اﻟﺤﻀﺎرة ﻓﻲ رﺑﻮع اﻷﻧﺪﻟﺲ.. ٥٠
ﻳﺎ ﻳﻮم "ﻋﻴﻦ ﺟﺎﻟﻮت" ﻣﻦ ﻟﻲ ﺑﺎﻟﺼﻨﺎدﻳﺪ اﻷﺷﺎوس !!؟ ﻣﺎ زال ﻓﻲ هﺬا اﻟﺰﻣﺎن ﺑﻘﻴﺔ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻨﻔﺮ اﻟﻌﻈﺎم.. ﻗﻢ ﻳﺎ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ..ﻗﻢ ﻓﺎﺳﺘﻞ ﺳﻴﻔﻚ ! ﻗﻢ ﺟﺎهﺪ اﻷﻋﺪاء ﺟﺎهﺪهﻢ ﻓﺈﻧﻚ ﻟﺴﺖ وﺣﺪك ! ﻗﻢ ﻳﺎ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺟﺎهﺪهﻢ ،ﻓﻤﺎ ﺟﺪوى اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ واﻟﻘﺮاءة واﻟﻜﻼم ؟ واﻟﻮﺣﺶ ﻳﻨﺸﺐ ﻇﻔﺮﻩ ﻓﻲ آﻞ ﻗﻠﺐ ؟ ﻓﺈذا ﺑﺄﺣﻮاض اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺗﺴﺘﺒﺎح.. وإذا اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻗﺪ ﻏﺪت ﻣﺜﻞ اﻟﺴﺒﻴﺔ ﺗﻐﺘﺼﺐ !! ﻳﺎ ﻟﻠﺮﺟﺎل !! ..ﻳﺎ ﻟﻠﺮﺟﺎل ذوي اﻟﻀﻤﺎﺋﺮ واﻟﺒﺼﺎﺋﺮ واﻟﻌﺰﻳﻤﺔ واﻟﻤﻀﺎء!! ﻋﺎد اﻟﺘﺘﺎر . .ﻋﺎدوا ﺑﻐﺎﺷﻴﺔ اﻟﺪﻣﺎر ! ٭٭٭ ﻋﺎد اﻟﺘﺘﺎر إﻟﻰ اﻟﺸﺎم ﺳﻨﺔ ٦٩٩هﺠﺮﻳﺔ ،واﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﻧﺤﻮ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ واﻟﺜﻼﺛﻴﻦ ،ودﻣﺸﻖ ﻣﺸﻐﻮﻟﺔ ﺑﺎﻟﺤﻮار ﺣﻮل ﺻﻔﺎت اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ واﻷﺳﻤﺎء اﻟﺤﺴﻨﻰ ! واﻟﺤﻮار ﻳﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﻣﺸﺎﺣﻨﺎت ،وﻳﻤﺘﺪ إﻟﻰ اﻟﻘﺎهﺮة وﺳﺎﺋﺮ اﻟﻤﺪاﺋﻦ ! وﻣﺎ آﺎن هﺬا اﻻﻋﺘﻘﺎد أو ذاك ،ﻟﻴﺰﻳﺪ أو ﻳﻨﻘﺺ ﻣﻦ إﻳﻤﺎن اﻟﻤﺴﻠﻢ اﻟﺤﻖ ،اﻟﺬى ﻳﻘﻮم إﺳﻼﻣﻪ ﻋﻠﻰ اﻷرآﺎن اﻟﺨﻤﺴﺔ ،واﻟﺬي ﻳﻄﻴﻊ اﷲ ورﺳﻮﻟﻪ ،وﻳﻤﺘﺜﻞ ﻷﻣﺮ اﷲ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮوف ،وأﻣﺮﻩ ﺑﺎﻟﻌﺪل ٥١
واﻻﺣﺴﺎن وإﻳﺘﺎء ذي اﻟﻘﺮﺑﻰ ،وﻧﻬﻴﻪ ﻋﻦ اﻟﻔﺤﺸﺎء واﻟﻤﻨﻜﺮ واﻟﺒﻐﻲ. . آﺎن ذﻟﻚ اﺳﻢ اﻟﺘﺘﺎر آﺎﻓﻴًﺎ ﻹﺛﺎرة اﻟﻔﺰع ﻓﻲ اﻟﻘﻠﻮب ،إﻻ ﻟﻤﻦ آﺎﻧﺖ ﻟﻬﻢ ﻗﻠﻮب ﻳﻔﻘﻬﻮن ﺑﻬﺎ ! ذﻟﻚ أن اﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،آﺎﻧﺖ ﻣﺎ ﺗﺰال ﺗﺬآﺮ ﻓﻈﺎﺋﻊ اﻟﺘﺘﺎر ،وﻏﺰواﺗﻬﻢ اﻟﻤﺘﻼﺣﻘﺔ ﻟﻠﺒﻼد اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ. اﻧﻘﻀﻮا ﻣﻦ أﻗﺼﻰ اﻟﺸﺮق ،ﻓﺎﺟﺘﺎﺣﻮا أﻣﺎﻣﻬﻢ آﻞ اﻟﻤﻤﺎﻟﻚ، وأﺣﺮﻗﻮا ،وﺳﻠﺒﻮا ،وﻧﻬﺒﻮا ،واﺳﺘﺒﺎﺣﻮا آﻞ ﺷﻲء. . وهﻜﺬا ﻣﻀﻮا ﻳﺪﻣﺮون ،وﻳﻨﺘﻬﻜﻮن ،ﻓﻲ أﻋﺪاد آﺜﻴﻔﺔ، وﻳﺴﻮﻗﻮن أهﻞ اﻟﺒﻼد اﻟﻤﻔﺘﻮﺣﺔ ،ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﺟﻴﻮﺷﻬﻢ ،ﺣﺘﻰ ﻟﻴﺨﻴﻞ ﻟﻤﻦ ﻳﺮاهﻢ ﻋﻦ ﺑﻌﺪ ،أن ﻋﺪة ﺟﻴﻮﺷﻬﻢ ﻻ ﺗﺤﺼﻰ ،وﻻ ﻗﺒﻞ ﻷﺣﺪ ﺑﻬﺎ !! وﺻﻔﻬﻢ ﻣﻌﺎﺻﺮوهﻢ ﺑﺄﻧﻬﻢ آﺎرﺛﺔ ﻣﻦ آﻮارث اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ آﺎﻟﺰﻟﺰال ،ﺗﻬﺰ اﻷرض هﺰًا ﻋﻨﻴﻔًﺎ ! وﺷﺎﻋﺖ أﺧﺒﺎر ﻓﻈﺎﺋﻌﻬﻢ ،ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﺖ أﻗﺼﻰ ﺷﻤﺎل أوروﺑﺎ، ﻓﺎﻣﺘﻨﻊ اﻟﺼﻴﺎدون ﻓﻲ اﻟﺴﻮﻳﺪ ،ﻋﻦ اﻟﺨﺮوج ﻟﻠﺼﻴﺪ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺷﻮاﻃﺊ اﻧﺠﻠﺘﺮا ،آﻤﺎ أﻟﻔﻮا ﻣﻦ ﻗﺒﻞ.. . اﺳﺘﻮﻟﻮا ﻋﻠﻰ ﺑﻐﺪاد ،وأﺳﻘﻄﻮا اﻟﺨﻼﻓﺔ ،وارﺗﻜﺒﻮا ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﻈﺎﺋﻊ ،ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﺮﻓﻪ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ! . . ﺣﺪث هﺬا ﻗﺒﻞ أن ﻳﻮﻟﺪ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﺑﺴﻨﻮات ﻗﻼﺋﻞ. . ٥٢
ﺑﻠﻎ ﺗﺄﺛﻴﺮ هﺬﻩ اﻟﻔﻈﺎﺋﻊ اﻟﺘﻲ ﻋﺼﺮت اﻟﻘﻠﻮب ،أن ﺟﻒ اﻟﻤﺪاد ﻣﻦ أﻗﻼم اﻟﻜﺘﺎب ،ﻟﺘﺴﻴﻞ اﻟﺪﻣﻮع ! ﺧﺮﺳﺖ اﻷﻟﺴﻨﺔ ،وﺟﻤﺪت ﻓﻲ اﻷﻓﻮاﻩ ،ﻟﺘﻨﻄﻠﻖ اﻟﺰﻓﺮات !! وﻓﻲ هﺬا ﻳﻘﻮل اﻟﻤﺆرخ اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﺜﻘﺔ اﺑﻦ اﻷﺛﻴﺮ " :ﻟﻘﺪ ﺑﻘﻴﺖ ﻋﺪة ﺳﻨﻴﻦ ﻣﻌﺮﺿًﺎ ﻋﻦ ذآﺮ هﺬﻩ اﻟﺤﺎدﺛﺔ ،اﺳﺘﻌﻈﺎﻣًﺎ ﻟﻬﺎ آﺎرهًﺎ ﻟﺬآﺮهﺎ ،ﻓﺄﻧﺎ أﻗﺪم إﻟﻴﻬﺎ رﺟﻼ وأؤﺧﺮ أﺧﺮى ،ﻓﻤﻦ اﻟﺬي ﻳﺴﻬﻞ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻜﺘﺐ ﻧﻌﻲ اﻹﺳﻼم واﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ؟! ﺛﻢ رأﻳﺖ أن ﺗﺮك ذﻟﻚ ﻻ ﻳﺠﺪي .إن هﺬا اﻟﻔﺼﻞ ﻳﺘﻀﻤﻦ ذآﺮ اﻟﺤﺎدﺛﺔ اﻟﻌﻈﻤﻰ واﻟﻤﺼﻴﺒﺔ اﻟﻜﺒﺮى اﻟﺘﻲ ﻋﻘﻤﺖ اﻷﻳﺎم واﻟﻠﻴﺎﻟﻲ ﻋﻦ ﻣﺜﻠﻬﺎ .ﻋﻤﺖ اﻟﺨﻼﺋﻖ ،وﺧﺼﺖ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ .ﻗﺎل ﻗﺎﺋﻞ :ان اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻨﺬ ﺧﻠﻖ اﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ إﻟﻰ اﻵن ﻟﻢ ﻳﺒﺘﻞ ﺑﻤﺜﻠﻬﺎ ،ﻟﻜﺎن ﺻﺎدﻗًﺎ ،ﻓﺈن اﻟﺘﻮارﻳﺦ ﻟﻢ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﻣﺎ ﻳﻘﺎرﺑﻬﺎ وﻻ ﻣﺎ ﻳﺪاﻧﻴﻬﺎ. وﻟﻌﻞ اﻟﺨﻠﻖ ﻻ ﻳﺮون ﻣﺜﻞ هﺬﻩ اﻟﺤﺎدﺛﺔ إﻟﻰ أن ﻳﻨﻘﺮض اﻟﻌﺎﻟﻢ.. . وهﺆﻻء ﻟﻢ ﻳﺒﻘﻮا ﻋﻠﻰ أﺣﺪ ،ﺑﻞ ﻗﺘﻠﻮا اﻟﻨﺴﺎء واﻟﺮﺟﺎل واﻷﻃﻔﺎل ،وﺷﻘﻮا ﺑﻄﻮن اﻟﺤﻮاﻣﻞ ،وﻗﺘﻠﻮا اﻷﺟﻨﺔ. . ﻓﺈن ﻗﻮﻣًﺎ ﺧﺮﺟﻮا ﻣﻦ أﻃﺮاف اﻟﺼﻴﻦ ﻓﻘﺼﺪوا ﺑﻼد ﺗﺮآﺴﺘﺎن ،ﺛﻢ ﻣﻨﻬﺎ إﻟﻰ ﺑﻼد ﻣﺎ وراء اﻟﻨﻬﺎر ﻣﺜﻞ ﺳﻤﺮﻗﻨﺪ وﺑﺨﺎرى وﻏﻴﺮهﻤﺎ ،ﻓﻴﻤﻠﻜﻮﻧﻬﺎ وﻳﻔﻌﻠﻮن ﺑﺄهﻠﻬﺎ ﻣﺎ ﻧﺬآﺮﻩ ،ﺛﻢ ﺗﻌﺒﺮ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻨﻬﻢ إﻟﻰ ﺧﺮاﺳﺎن ﻓﻴﻔﺮﻏﻮن ﻣﻨﻬﺎ ﺗﺨﺮﻳﺒًﺎ وﻗﺘﻼ ٥٣
وﻧﻬﺒًﺎ ﺛﻢ ﻳﺘﺠﺎوزوﻧﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺮى وهﻤﺬان وﺑﻠﺪ اﻟﺠﺒﻞ وﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺒﻼد إﻟﻰ ﺣﺪ اﻟﻌﺮاق ﻓﻲ أﻗﻞ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ .. .هﺬا ﻣﺎ ﻟﻢ ﻧﺴﻤﻊ ﺑﻤﺜﻠﻪ وﻣﻀﺖ ﻃﺎﺋﻔﺔ أﺧﺮى ﻏﻴﺮ هﺬﻩ إﻟﻰ ﻏﺰﻧﺔ وأﻋﻤﺎﻟﻬﺎ وﻣﺎ ﻳﺠﺎورهﺎ ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﻬﻨﺪ وﺳﺠﺴﺘﺎن وآﺮﻣﺎن ،ﻓﻔﻌﻠﻮا ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺜﻞ ﻓﻌﻞ هﺆﻻء وأﺷﺪ .هﺬا ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻄﺮق اﻷﺳﻤﺎع ﻣﺜﻠﻪ. ﻓﺈن اﻻﺳﻜﻨﺪر ،اﻟﺬى اﺗﻔﻖ اﻟﻤﺆرﺧﻮن ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻣﻠﻚ اﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻟﻢ ﻳﻤﻠﻜﻬﺎ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺴﺮﻋﺔ ،إﻧﻤﺎ ﻣﻠﻜﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﺤﻮ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻴﻦ ،وﻟﻢ ﻳﻘﺘﻞ أﺣﺪًا ،إﻧﻤﺎ رﺿﻲ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﻄﺎﻋﺔ .وهﺆﻻء ﻗﺪ ﻣﻠﻜﻮا ﻼ، أآﺜﺮ اﻟﻤﻌﻤﻮر ﻣﻦ اﻷرض وأﺣﺴﻨﻪ وأآﺜﺮﻩ ﻋﻤﺎرة وأه ً وأﻋﺪل أهﻞ اﻷرض أﺧﻼﻗ ًﺎ وﺳﻴﺮة ﻓﻲ ﻧﺤﻮ ﺳﻨﺔ ،وﻟﻢ ﻳﺒﺖ أﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﻄﺮﻗﻮهﺎ إﻻ وهﻮ ﺧﺎﺋﻒ ﻳﺘﻮﻗﻌﻬﻢ وﻳﺘﺮﻗﺐ وﺻﻮﻟﻬﻢ ..أﻣﺎ دﻳﺎﻧﺘﻬﻢ ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﺴﺠﺪون ﻟﻠﺸﻤﺲ ﻋﻨﺪ ﻃﻠﻮﻋﻬﺎ، وﻻ ﻳﺤﺮﻣﻮن ﺷﻴﺌًﺎ ،ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﺄآﻠﻮن ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺪواب ﺣﺘﻰ اﻟﻜﻼب. . وﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮن ﻧﻜﺎﺣًﺎ )زواﺟ ًﺎ( ﺑﻞ اﻟﻤﺮأة ﻳﺄﺗﻴﻬﺎ ﻏﻴﺮ واﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﺈذا ﺟﺎء اﻟﻮﻟﺪ ﻻ ﻳﻌﺮف أﺑﺎﻩ " هﻜﺬا آﺎن اﻟﺘﺘﺎر. . ﻣﻠﻜﻮا أرض اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺣﺘﻰ اﻟﻌﺮاق ،ﺛﻢ اﺳﺘﻮﻟﻮا ﻋﻠﻰ ﺣﻠﺐ ودﻣﺸﻖ وﺳﺎﺋﺮ دﻳﺎر اﻟﺸﺎم ﺣﺘﻰ ﻏﺰة ،وهﻢ ﺣﻴﺜﻤﺎ ﺳﺎروا، ﻳﻔﺴﺪون وﻳﻨﻬﺒﻮن وﻳﻘﺘﻠﻮن ﺑﻼ رﺣﻤﺔ. . وأرﺳﻞ ﻣﻠﻜﻬﻢ هﻮﻻآﻮ إﻟﻰ ﺳﻠﻄﺎن ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم ﺳﻔﺮاء ﻳﺤﻤﻠﻮن أﻣﺮًا ﺑﺎﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ،واﻟﻤﺠﺊ إﻟﻴﻪ ﺻﺎﻏﺮًا" :ﻓﺄي أرض ٥٤
ﺗﺄوﻳﻜﻢ ،وأي ﻃﺮﻳﻖ ﻳﻨﺠﻴﻜﻢ ،وأي ﺑﻼد ﺗﺤﻤﻴﻜﻢ ؟ ﻓﻤﺎ ﻟﻜﻢ ﻣﻦ ﺳﻴﻮﻓﻨﺎ ﺧﻼص ". . ﻓﺄرس إﻟﻴﻪ اﻟﺴﻠﻄﺎن "ﻗﻄﺰ" ردًا ﻣﻨﻜﺮًا ﻳﻠﻴﻖ ﺑﺎﻟﺮﺳﺎﻟﺔ. وﺟﻤﻊ ﻣﺠﻠﺴ ًﺎ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎء ﻣﺼﺮ وﻓﻘﺎﺋﻬﺎ وأﻣﺮاﺋﻬﺎ ،وﻗﺎدﺗﻬﺎ وأهﻞ اﻟﻤﺸﻮرة واﻟﺮأي ﻓﻴﻬﺎ ،وأﺟﻤﻌﻮا ﻋﻠﻰ أن ﻳﺠﺎهﺪوا اﻟﺘﺘﺎر. وﺧﺮج إﻟﻴﻬﻢ ﻋﻠﻰ رأس ﺟﻴﺶ ،آﺎن أﺑﺮزﻩ ﻗﻮادﻩ اﻟﻈﺎهﺮ ﺑﻴﺒﺮس ،ﻣﻦ رﺟﺎل ﻳﺆﺛﺮون اﻵﺧﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻧﻴﺎ ،وﻣﻌﻬﻢ ﻋﻠﻤﺎء وﻓﻘﻬﺎء ﻳﻤﺘﻄﻮن اﻟﺼﻬﻮات ،وﻳﻌﻤﺮون اﻟﻘﻠﺐ ﺑﺎﻷﻣﻞ ﻓﻲ ﻧﺼﺮ اﷲ. ﺻﺎح ﻓﻴﻬﻢ اﻟﺴﻠﻄﺎن "واﺳﻼﻣﺎﻩ" ! وﺷﺪوا ﺟﻤﻴﻌًﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺘﺎر ،ﻓﺄذهﻠﻮهﻢ ،واﻧﺨﻠﻊ ﻗﻠﺐ اﻟﺘﺘﺎر، ﻓﻤﺎ ﻟﻘﻮا ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺟﻴﺸًﺎ آﻬﺬا .وﺗﻄﺎﻳﺮت رؤوس ﻗﺎدة اﻟﺘﺘﺎر، وﺳﻘﻂ اﻟﻌﺪﻳﺪون ﻣﻨﻬﻢ ﺗﺤﺖ ﺳﻨﺎﺑﻚ اﻟﻔﺮﺳﺎن اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ ،وﺳﻘﻂ ﻗﺎﺋﺪ ﺟﻴﺶ اﻟﺘﺘﺎر ،ﻓﻼذوا ﺑﺎﻟﻔﺮار ،وﻻﺣﻘﻬﻢ اﻟﻤﺼﺮﻳﻮن ﺣﺘﻰ أﺟﻠﻮهﻢ ﻋﻦ اﻟﺸﺎم .ﻋﻦ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ دﻣﺸﻖ ،وﻋﻦ آﻞ أرض اﻟﺸﺎم. ﺣﺪث هﺬا ﻋﺎم ٦٥٨ﻗﺒﻞ أن ﻳﻮﻟﺪ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻌﺎﻣﻴﻦ. وﻓﻲ اﻟﺤﻖ أن ﺑﻐﺪاد ﻣﺎ آﺎﻧﺖ ﻟﺘﺴﻘﻂ ﺗﺤﺖ ﻏﺰوات اﻟﺘﺘﺎر، ﻟﻮﻻ اﻟﺘﻮاﻃﺆ! ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻞ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ رﺟﻞ واﺳﻊ اﻟﺤﻴﻠﺔ ،ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺪهﺎء ،ﺑﺎرع اﻟﻨﻔﺎق ،ﻳﻨﻜﺮ اﻟﻴﻮم ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﺑﺎﻷﻣﺲ ،وﻳﻘﻮل ﻏﺪًا ٥٥
ﻏﻴﺮ ﻣﺎ أﻗﺴﻢ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻴﻮم ،ﻣﻨﺎﻓﻘًﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ،ﻣﻨﺤﻨﻴًﺎ أﻣﺎم اﺗﺠﺎﻩ اﻟﺮﻳﺢ !! وﻣﺎ زال ﺑﺎﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻄﻴﺐ ،ﻳﺪاهﻨﻪ ﻓﻲ ذآﺎء ،وﻳﻨﺎﻓﻘﻪ ﻓﻲ ﺣﺬق ،ﺣﺘﻰ ﻋﻴﻨﻪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ وزﻳﺮﻩ اﻷول ،وأﻟﻘﻰ إﻟﻴﻪ ﺑﻤﻘﺎﻟﻴﺪ اﻷﻣﻮر ﺟﻤﻴﻌًﺎ ! ﺷﻌﺮ اﻟﻮزﻳﺮ اﻷول أﻧﻪ أﺣﻖ ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ ﻣﻦ ﺳﻴﺪﻩ ،وأراد ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ أن ﻳﻀﺮب ﺧﺼﻮﻣﻪ ﻣﻦ أﻋﺪاء ﻣﺬهﺒﻪ اﻟﺪﻳﻨﻲ. . واﻟﻜﻞ ﻣﺴﻠﻤﻮن ! آﺎﺗﺐ اﻟﺘﺘﺎر ﺳﺮًا ،واﺳﺘﻘﺪﻣﻬﻢ ،وﻓﺘﺢ ﻟﻬﻢ اﻷﺑﻮاب اﻟﺘﻰ اؤﺗﻤﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ .وﻇﻞ ﻳﻨﺎﻓﻖ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ وﻳﺨﺪﻋﻪ ،واﻟﺘﺘﺎر ﻳﺰﺣﻔﻮن، ﻓﺰﻳﻦ ﻟﻪ أن ﻳﺼﺎﻟﺤﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﺼﻒ ﺧﺮاج اﻟﻌﺮاق ،وﻧﺼﺢ ﻟﻘﺎﺋﺪهﻢ هﻮﻻآﻮ أن ﻳﺮﻓﺾ ! وﻓﻮﺟﺊ أهﻞ اﻟﻌﺮاق ﺑﺎﻟﺘﺘﺎر ﻳﺴﺘﻮﻟﻮن ﻋﻠﻰ ﺑﻐﺪاد ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺨﻼﻓﺔ ،وﻳﻘﺘﻠﻮن اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ،وﻳﻨﻬﺒﻮن وﻳﺴﻔﻜﻮن ،ﺣﺘﻰ ﻟﻘﺪ أﺻﺒﺤﺖ ﻟﻴﺎﻟﻲ ﺑﻐﺪاد ﺣﻤﺮاء ﺑﻠﻬﺐ اﻟﺤﺮاﺋﻖ ،وأﺻﺒﺢ ﻣﺎء دﺟﻠﺔ ﻗﺎﻧﻴًﺎ ﺑﻠﻮن اﻟﺪم ،وﺗﻌﻄﻞ ﻣﺠﺮاﻩ ﻟﻜﺜﺮة ﻣﺎ أﻟﻘﻲ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺟﺜﺚ اﻟﻀﺤﺎﻳﺎ ،وﻣﻦ اﻵﻻف اﻟﻤﺆﻟﻔﺔ ﻣﻦ أوراق ﻣﻜﺘﺒﺎت ﺑﻐﺪاد !!.. ﺛﻢ وﻟﻮا اﻟﻮزﻳﺮ اﻷول ﻣﻜﺎن اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ،ﺗﺤﺖ ﺳﻠﻄﺎن اﺣﺘﻼﻟﻬﻢ.. وﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎع اﻟﺘﺘﺎر أن ﻳﻔﺘﺤﻮا أي ﺑﻠﺪ ﻋﺮﺑﻰ أو اﺳﻼﻣﻲ، إﻻ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ،اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﺘﻮﻟﻮن ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻮل ﺳﺎداﺗﻬﻢ، ٥٦
وﻳﻜﺎﺗﺒﻮن اﻟﺘﺘﺎر ﺳﺮًا ،وﻳﻔﺘﺤﻮن ﻟﻬﻢ اﻷﺑﻮاب اﻟﻤﻐﻠﻘﺔ ﺧﻴﺎﻧﺔ وﻏﺪرًا. هﻜﺬا آﺎن اﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻮن ..وآﺬﻟﻚ ﻳﻔﻌﻠﻮن !.. وﻟﻘﺪ ﺷﻬﺪ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﺻﺒﺎﻩ زﺣﻒ اﻟﺘﺘﺎر ﻋﻠﻰ ﺣﺮان، وﻋﺎﻳﻦ ﻓﺰع اﻟﻨﺎس ،وهﻢ ﻳﻔﺮون. . ٭٭٭ آﺎن ﺳﻠﻄﺎن ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم هﻮ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻗﻼوون، وﺣﻴﻦ ﻋﻠﻢ ﺑﺰﺣﻒ اﻟﺘﺘﺎر ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎم ﺗﺤﺪث ﻣﻊ أهﻞ ﻣﺸﻮرﺗﻪ ﻣﻦ اﻷﻣﺮاء ﻓﺮأى ﺑﻌﻀﻬﻢ أن ﻳﺴﺎﻟﻤﻮا اﻟﺘﺘﺎر وﻳﻌﺎهﺪوهﻢ ﻓﻬﻢ اﻵن ﻣﺴﻠﻤﻮن!! . . واﺳﺘﺸﺎر اﻟﺴﻠﻄﺎن أﺻﺤﺎب اﻟﻔﺘﻴﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﻘﻀﺎء واﻟﻔﻘﻬﺎء ،ﻓﺄﻓﺘﻮﻩ أن اﻟﺘﺘﺎر ﻣﺴﻠﻤﻮن ﺣﻘﺎً ،إﻻ أﻧﻬﻢ أﺻﺒﺤﻮا ﺑﺰﺣﻔﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺑﻼد ﻏﻴﺮهﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ،ﻏﺰاة ﺑﻐﺎة ،ﻳﺠﺐ ﻗﺘﺎﻟﻬﻢ ﺷﺮﻋًﺎ. وﺧﺮج ﻋﺴﻜﺮ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻳﻘﻮدﻩ أﻣﺮاء ﺗﻤﺰﻗﻬﻢ اﻟﺨﻼﻓﺎت واﻷﻃﻤﺎع ..وهﺞ اﻟﺸﻤﺲ ﻋﻠﻰ ﺧﻮذاﺗﻬﻢ ،وﻋﻠﻰ اﻟﺪروع واﻟﻤﻼﺑﺲ اﻟﻤﻮﺷﺎة ﺑﺎﻟﺬهﺐ ،وﻻ ﺷﻲء ﻓﻲ اﻟﺼﺪور ﻏﻴﺮ هﻮاﺟﺲ اﻟﺪﺳﺎﺋﺲ ،وأﺣﻼم اﻟﺴﻠﻄﺔ . .و اﻟﻘﻠﻮب ﺧﻮاء ! واﻧﻜﺴﺮ ﺟﻴﺶ اﻟﺴﻠﻄﺎن أﻣﺎم اﻟﺘﺘﺎر . .وﻓﺮ اﻷﻣﺮاء ﺑﺄﺣﻼﻣﻬﻢ ،ﻳﻘﻮدون ﺟﻨﺪًا ﻟﻢ ﻳﺤﺎرﺑﻮا إﻻ ﻣﻌﺮآﺔ واﺣﺪة أﺑﻠﻮا ﻓﻴﻬﺎ ٥٧
أﺣﺴﻦ اﻟﺒﻼء ،وﻟﻜﻦ أﻣﺮاءهﻢ ﻟﻢ ﻳﺜﺒﺘﻮا ،وﻓﺮوا ﺣﺮﺻًﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ،وﻗﺎدوهﻢ ﻋﻠﻰ أﺑﻮاﺑﻬﺎ. ﺳﻴﻄﺮ اﻟﺬﻋﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس ،وﻓﺮ آﻞ ﻣﻦ ﻓﻲ دﻣﺸﻖ ﻣﻦ أوﻟﻲ اﻷﻣﺮ ،ﺣﺘﻰ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﻔﻘﻬﺎء !! وﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺠﻮن ﺣﺮاس ،ﻓﺨﺮج اﻟﻠﺼﻮص اﻟﻜﺒﺎر واﻟﻔﺘﺎك ﻳﻨﻬﺒﻮن وﻳﻌﺘﺪون ! ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻓﻲ دﻣﺸﻖ إﻻ ﻧﻔﺮ ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ آﺒﺎر رﺟﺎﻟﻬﻢ ،وﻋﻠﻰ رأﺳﻬﻢ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ. وﺧﻼل هﺬا اﻟﻤﻀﻄﺮب ،ﻃﺎف ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﻄﺮﻗﺎت واﻟﺠﻮاﻣﻊ ﻳﺤﺾ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻬﺎد. . وأﻣﺮ أﺗﺒﺎﻋﻪ ﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎب اﻟﺬﻳﻦ ﻋﻮدهﻢ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﻮﻳﺔ أﺑﺪاﻧﻬﻢ ﺑﺎﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ،أن ﻳﻨﻬﻀﻮا ﻟﻠﻘﺒﺾ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﺼﻮص واﻟﻔﺘﺎك اﻟﺬي هﺮﺑﻮا ﻣﻦ اﻟﺴﺠﻮن ،ﻓﻴﺠﺐ أن ﻳﺄﻣﻦ آﻞ ﻣﻦ ﺑﻘﻲ ﻓﻲ دﻣﺸﻖ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﻟﻪ وﻋﺮﺿﻪ ! وﻋﻠﻰ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺮﻳﺪون ﺟﻬﺎد اﻟﺘﺘﺎر ﻷﻧﻬﻢ ﻣﺴﻠﻤﻮن ،أن ﻳﺪرآﻮا أن اﻟﺘﺘﺎر ﺧﻮارج وﻗﺪ أوﺟﺐ اﷲ ﻗﺘﺎﻟﻬﻢ . .وﻗﺪ ﻗﺎﺗﻞ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ أﻣﺜﺎﻟﻬﻢ .وﻗﺎل آﺮم اﷲ وﺟﻬﻪ " :ﺳﻤﻌﺖ رﺳﻮل اﷲ ﻳﻘﻮل :ﺳﻴﺨﺮج ﻗﻮم ﻓﻲ ﺁﺧﺮ اﻟﺰﻣﺎن أﺣﺪاث اﻷﺳﻨﺎن ﺳﻔﻬﺎء اﻷﺣﻼم :ﻳﻘﻮﻟﻮن ﻣﻦ ﺧﻴﺮ ﻗﻮل اﻟﺒﺮﻳﺔ ،ﻻ ﻳﺠﺎوز إﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ﺣﻨﺎﺟﺮهﻢ ،ﻳﻤﺮﻗﻮن ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻦ آﻤﺎ ﻳﻤﺮق اﻟﺴﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺮﻣﻴﺔ ،ﻓﺄﻳﻨﻤﺎ ﻟﻘﻴﺘﻤﻮهﻢ ﻓﺎﻗﺘﻠﻮهﻢ ،ﻓﺈن ﻓﻲ ﻗﺘﻠﻬﻢ أﺟﺮًا ﻟﻤﻦ ﻗﺘﻠﻬﻢ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ" .وﻓﻲ رواﻳﺔ ﻟﻤﺴﻠﻢ ﻋﻦ ﻋﻠﻲ ٥٨
رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ﻗﺎل" :ﺳﻤﻌﺖ رﺳﻮل اﷲ ﻳﻘﻮل :ﻳﺨﺮج ﻗﻮم ﻣﻦ أﻣﺘﻲ ﻳﻘﺮءون اﻟﻘﺮﺁن ،ﻟﻴﺲ ﻗﺮاءﺗﻜﻢ إﻟﻰ ﻗﺮاءﺗﻬﻢ ﺑﺸﻲء، وﻻ ﺻﻼﺗﻜﻢ إﻟﻰ ﺻﻼﺗﻬﻢ ﺑﺸﻲء ،وﻻ ﺻﻴﺎﻣﻜﻢ إﻟﻰ ﺻﻴﺎﻣﻬﻢ ﺑﺸﻲء ،ﻳﻘﺮءون اﻟﻘﺮﺁن ﻳﺤﺴﺒﻮن أﻧﻪ ﻟﻬﻢ وهﻮ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،ﻻ ﺗﺠﺎوز ﻗﺮاءﺗﻬﻢ اﻟﺴﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺮﻣﻴﺔ " ﻗﺎل ﻋﻦ أﻣﺜﺎﻟﻬﻢ " :ﻳﻘﺘﻠﻮن أهﻞ اﻹﻳﻤﺎن ،وﻳﺪﻋﻮن أهﻞ اﻷوﺛﺎن ،ﻟﺌﻦ أدرآﻬﻢ ﻷﻗﺘﻠﻨﻬﻢ ﻗﺘﻞ ﻋﺎد " ﻓﺎﻟﻨﺒﻲ ﺣﺮض ﻋﻠﻰ ﻗﺘﺎل اﻟﺬﻳﻦ اﺳﺘﺤﻠﻮا دﻣﺎء ﺳﻮاهﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ . .ﻓﻬﺆﻻء هﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺘﻠﻬﻢ أﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻠﻲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ. ٭٭٭ وﻃﺎف اﻟﺸﻴﺦ ﺑﺘﺠﺎر اﻟﺴﻼح ،ﻳﻔﺘﻴﻬﻢ أن ﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻟﺘﺘﺎر ﺟﻬﺎد ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ . .ﻓﻠﻴﺠﺎهﺪ هﺆﻻء اﻟﺘﺠﺎر ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ ﺑﺄﻣﻮاﻟﻬﻢ ،وﻟﻬﻢ أﺟﺮ اﻟﺠﻬﺎد ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ . .ﻓﻴﺒﺬﻟﻮا اﻟﺴﻼح ﻟﻤﻦ ﻳﺮﻳﺪ ﺑﻼ ﻣﻘﺎﺑﻞ ،أو ﺑﺜﻤﻦ ﺑﺨﺲ! .. . وﻓﻲ ﺳﺎﻋﺎت ﻗﻼﺋﻞ ،اﺳﺘﻄﺎع ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ أن ﻳﺴﺘﻨﻔﺮ ﺳﻮاد اﻟﻨﺎس ،ﻓﺄﻏﻠﻘﻮا أﺑﻮاب دﻣﺸﻖ ،ووﻗﻔﻮا دوﻧﻬﺎ ﻣﺴﻠﺤﻴﻦ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا ،وﻋﻠﻰ رأﺳﻬﻢ أﺗﺒﺎع ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎب اﻟﻤﺪرﺑﻴﻦ. .
٥٩
وأﻣﺴﻚ هﺆﻻء اﻟﺸﺒﺎب ﺑﺎﻟﻠﺼﻮص واﻟﻔﺘﺎك اﻟﺬﻳﻦ ﻓﺮوا ﻣﻦ اﻟﺴﺠﻮن ،وأﻋﺎدهﻢ إﻟﻴﻬﺎ ،وﻋﻴﻨﻮا ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺣﺮاﺳًﺎ ﻣﻦ أﺷﺪ ﺷﺒﺎب دﻣﺸﻖ ﺻﻼﺣ ًﺎ وﺻﻼﺑﺔ وﻗﻮة. . واﻃﻤﺄن آﻞ ﻣﻦ ﻓﻲ دﻣﺸﻖ ﻋﻠﻰ ﻋﺮﺿﻪ وﻣﺎﻟﻪ ! أﺻﺒﺢ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ هﻮ ﺣﺎآﻢ دﻣﺸﻖ اﻟﻔﺮد اﻟﻤﻄﺎع، ﻓﺄﻣﺮ ﺑﺈﻏﻼق اﻟﺤﺎﻧﺎت ،ودور اﻟﻔﺴﺎد وإراﻗﺔ اﻟﺨﻤﻮر. وﻣﻀﻰ اﻟﺸﻴﺦ ﻳﻔﺘﺶ ﻋﻦ أﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﻬﺎء ،وأهﻞ اﻟﺸﻮرى واﻷﻋﻴﺎن ،واﻷﻣﺮاء ووﻻةاﻷﻣﺮ ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺪ أﺣﺪًا ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺸﺎورﻩ ! ﻓﺮوا ﺟﻤﻴﻌًﺎ ﺧﺎرج دﻣﺸﻖ ،وﺗﺮآﻮا اﻟﺮﻋﻴﺔ وﺣﺪهﺎ ﺗﻮاﺟﻪ اﻟﺘﺘﺎر! . . أﻳﻦ هﺆﻻء اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﻔﻘﻬﺎء اﻟﺬﻳﻦ آﺎﻧﻮا ﻳﺠﻠﺒﻮن ﻋﻠﻴﻪ، وﻳﺘﻬﻤﻮﻧﻪ ﺑﺎﻟﺰﻳﻎ واﻟﻀﻼل واﻟﻜﻔﺮ ،ﻷﻧﻪ أﻓﺘﻰ ﻓﻲ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﺤﻤﻮﻳﺔ ﺑﻮﺟﻮب اﻹﻳﻤﺎن ﺑﺼﻔﺎت اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،وأﺳﻤﺎﺋﻪ اﻟﺤﺴﻨﻰ، آﻤﺎ ﺟﺎءت ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن واﻟﺤﺪﻳﺚ ﺑﻜﻴﻔﻴﺔ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻬﺎ إﻻ اﷲ ورﺳﻮﻟﻪ ؟! أﻳﻦ ﻣﺨﺎﻟﻔﻮﻩ ؟! وﺣﺘﻰ اﻟﺬﻳﻦ اﻧﺘﺼﺮوا ﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﻔﻘﻬﺎء . .أﻳﻦ هﻢ ؟! ﻻ أﺣﺪ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق :ﻻ اﻟﺨﺼﻮم وﻻ اﻷﻧﺼﺎر!! . . آﻠﻬﻢ ﻓﺮ ﻧﺎﺟﻴ ًﺎ ﺑﻨﻔﺴﻪ وﻣﺎﻟﻪ . .ﺣﺘﻰ اﻟﻔﻀﻼء!! . . ﻼ ﻣﻦ اﻷﻋﻴﺎن ،ﻓﺎﺟﺘﻤﻊ ﺑﻬﻢ ،ﻳﺘﺪﺑﺮون وأﺧﻴﺮا وﺟﺪ ﻧﻔﺮًا ﻗﻠﻴ ً اﻷﻣﺮ. ٦٠
وﻋﻠﻢ ﻣﻨﻬﻢ أن ﺑﻌﺾ وﻻةاﻷﻣﺮ واﻟﻔﻘﻬﺎء ،ﻗﺪ أﺳﺮﻋﻮا إﻟﻰ ﻣﻌﺴﻜﺮ اﻟﺘﺘﺎر ،ﻳﺮﺣﺒﻮن ﺑﺴﻠﻄﺎﻧﻬﻢ ﻗﺎزان ،وﻳﻌﻠﻨﻮن ﻟﻪ اﻟﻮﻻء، ﻓﻬﻮ ﺳﻠﻄﺎن ﻣﺴﻠﻢ ،ﻣﺎ ﻏﺰا اﻟﺸﺎم ،وﻃﺮق ﻋﺎﺻﻤﺘﻪ ،إﻻ ﻹﺻﻼح ﻣﺎ ﻓﺴﺪ ﻣﻦ أﻣﻮر اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ! . .ﻳﺎ ﻟﻠﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ! . . ﻳﻌﺮﻓﻮن ﻣﻦ أﻳﻦ ﺗﺆآﻞ اﻟﻜﺘﻒ . .وآﺬﻟﻚ ﻳﻔﻌﻠﻮن! . . وﻋﻠﻢ أن هﺆﻻء اﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ،ﻳﻄﺎﻟﺒﻮن ﻗﺎﺋﺪ اﻟﻘﻠﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻲ دﻣﺸﻖ ﺑﺄن ﻳﺴﻠﻢ اﻟﻘﻠﻌﺔ ﻟﻠﺘﺎر ﺣﻘﻨًﺎ ﻟﺪﻣﺎء اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ :أهﻞ اﻟﺸﺎم واﻟﺘﺘﺎر ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻮاء ! آﺎن ﻋﻠﻰ رأس هﺆﻻء "ﺳﻴﻒ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻤﻨﺼﻮري" وهﻮ رﺟﻞ ﻣﻦ أهﻞ اﻟﺴﻄﻮة واﻟﻨﻔﻮذ ﻓﻲ دﻣﺸﻖ ،وأﺣﺪ اﻟﺬﻳﻦ أﻟﺒﻮا اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ "اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ" ،اﺣﺘﺠﺎﺟًﺎ ﻋﻠﻰ "اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﺤﻤﻮﻳﺔ" وﺳﺄل اﻟﺸﻴﺦ ﻋﻦ "ﺳﻴﻒ اﻟﺪﻳﻦ" ﻓﻌﻠﻢ أﻧﻪ ﻋﻠﻰ رأس اﻟﺬﻳﻦ أﺳﺮﻋﻮا إﻟﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن "ﻗﺎزان" ﻟﻴﺮﺣﺒﻮا ﺑﻪ ،وﻳﻌﻠﻨﻮا ﻟﻪ اﻟﻮﻻء، وﻳﻔﺎوﺿﻮﻩ ﻋﻠﻰ ﺗﺴﻠﻴﻢ اﻟﻘﻠﻌﺔ واﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﻼ ﻗﺘﺎل !! ﻓﺄرﺳﻞ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ إﻟﻰ ﻗﺎﺋﺪ اﻟﻘﻠﻌﺔ رﺳﺎﻟﺔ ﻋﺎﺟﻠﺔ " :ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻓﻲ اﻟﻘﻠﻌﺔ إﻻ ﺣﺠﺮ واﺣﺪ ﻓﻼ ﺗﺴﻠﻢ ذﻟﻚ اﻟﺤﺠﺮ إن اﺳﺘﻄﻌﺖ" واﺳﺘﻘﻮى ﻗﺎﺋﺪ اﻟﻘﻠﻌﺔ ﺑﻨﺼﻴﺤﺔ اﻟﺸﻴﺦ ورﻓﺾ اﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ،ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ إﻟﺤﺎح أآﺜﺮ اﻷﻋﻴﺎن واﻟﻔﻘﻬﺎء ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻠﻘﻲ اﻟﺴﻼح وﻳﺬﻋﻦ وﻳﺴﺘﺴﻠﻢ . .واﻟﺼﻠﺢ ﺧﻴﺮ !! ٭٭٭ ٦١
ﻧﻈﺮ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ وﻣﻦ اﺟﺘﻤﻊ ﺑﻬﻢ ﻓﻴﺎﻷﻣﺮ آﻠﻪ ﻓﻮﺟﺪوا أن اﻟﺘﺘﺎر ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن أن ﻳﺤﺎﺻﺮوا دﻣﺸﻖ ،ﺣﺘﻰ ﻳﻬﻠﻚ أهﻠﻬﺎ ﺟﻮﻋًﺎ.. وﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن ﺑﺄدواﺗﻬﻢ اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ أن ﻳﺤﺮﻗﻮهﺎ وﻳﺪﻣﺮوهﺎ ،وﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻏﻴﺮ اﻟﺴﻴﻮف واﻟﺤﺮاب وﻗﻀﺒﺎن اﻟﺤﺪﻳﺪ ،وﻗﻄﻊ اﻟﺤﺠﺎرة !! وﻟﻜﻨﻪ رأى أن ﻣﻦ ﺑﻘﻮا ﻓﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻳﺠﺐ أﻻ ﻳﺴﺘﺴﻠﻤﻮا، وأن ﻳﻘﺎﺗﻠﻮا ﺣﺘﻰ ﺑﺎﻷﻇﻔﺎر !! ﻓﺈن اﻗﺘﺤﻢ اﻟﺘﺘﺎر دﻣﺸﻖ ،ﻻﻗﻮا ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺠﺤﻴﻢ ﻓﻲ آﻞ ذراع ﻣﻦ اﻷرض ،وﻓﻲ آﻞ دﻓﻘﺔ ﻣﻦ اﻟﻬﻮاء . .وﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻗﺘﺤﻢ اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻮن ﻣﺪﻳﻨﺔ "اﻟﻤﻨﺼﻮرة" ﻓﻲ ﺷﻤﺎل ﻣﺼﺮ ،ﻓﻘﺎوﻣﻬﻢ أهﻞ اﻟﻤﻨﺼﻮرة ﺑﺎﻟﺤﺮاب واﻟﺴﻴﻮف واﻟﻘﻀﺒﺎن اﻟﺤﺪﻳﺪ ،واﻟﺤﺠﺎرة ،وﺑﺎﻟﺰﻳﺖ اﻟﻤﻐﻠﻲ ﺗﺼﺒﻪ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﻦ ﻓﻮق أﺳﻄﺢ اﻟﻤﻨﺎزل . .وأﻣﺴﻚ اﻟﻨﺎس ﺑﺨﻨﺎق ﻗﺎﺋﺪ اﻟﺤﻤﻠﺔ ﻟﻮﻳﺲ اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻓﻲ أﺣﺪ ﻃﺮﻗﺎت اﻟﻤﻨﺼﻮرة ﻓﺄﺳﺮوﻩ ،وﻓﺮ ﺟﻨﺪﻩ، وﻟﻜﻦ اﻟﺠﻴﺶ اﻟﻤﺼﺮي ﻗﻄﻊ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻔﺮار . .وﺳﺠﻦ اﻟﻤﻠﻚ ﻟﻮﻳﺲ اﻟﺘﺎﺳﻊ ،وﻟﻢ ﻳﻔﻜﺮ اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻮن ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻓﻲ ﻣﻐﺎﻣﺮة آﺘﻠﻚ!! . . ﺳﺘﻘﺎوم دﻣﺸﻖ ،وﺗﻈﻞ ﺗﻘﺎوم ،إﻟﻰ أن ﺗﻬﺐ ﺟﻴﻮش اﻟﻌﺮب واﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻟﻨﺠﺪﺗﻬﺎ ،وﺳﻴﻨﺼﺮ اﷲ ﻣﻦ ﻳﻨﺼﺮﻩ. وﻟﻜﻦ أﻳﻦ هﻢ اﻟﻌﺮب واﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ؟! ﻟﻦ ﻳﻬﺐ ﻣﻨﻬﻢ أﺣﺪ ! أهﻢ ﻳﻨﺼﺮون اﷲ ﺣﻘ ًﺎ ،ﻟﻴﻨﺼﺮهﻢ اﷲ . .؟! ٦٢
إن ﺑﺄﺳﻬﻢ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻟﺸﺪﻳﺪ ،ﻓﻘﺪ ﻣﺰﻗﺘﻬﻢ اﻟﺨﻼﻓﺎت اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ، ﻓﺸﻐﻠﻮا ﺑﻬﺎ ،وﻟﻦ ﻳﺸﻬﺮ أﺣﺪهﻢ ﺳﻴﻔًﺎ ﻟﻨﺼﺮة إﺧﻮاﻧﻬﻢ اﻟﻤﻜﺮوﺑﻴﻦ ،وإن رﻓﻌﻮا اﻷﺻﻮات ﺑﺎﻟﻨﻜﻴﺮ ! . .آﻠﻤﺎت ﻟﻦ ﺗﻨﻘﺬ أرﺿًَﺎ ،أو ﺣﻴﺎة إﻧﺴﺎن واﺣﺪ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺴﺘﻨﻔﺮ اﻟﺘﺘﺎر ﻟﻠﻐﻠﻮ ﻓﻲ اﻟﺒﻄﺶ! . . ﺳﻴﺪك اﻟﺘﺘﺎر دﻣﺸﻖ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻓﻴﻬﺎ ،وﺳﻴﺴﻔﻜﻮن وﻳﺴﻔﻜﻮن إﻟﻰ ﺁﺧﺮ ﻗﻄﺮة ﻓﻲ دﻣﺎء أﺻﻐﺮ ﻃﻔﻞ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء دﻣﺸﻖ ،وﻣﺎ ﻣﻦ ﻣﺴﻠﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﺸﺮق أو اﻟﻤﻐﺮب ﻳﺸﻬﺮ ﺳﻴﻔﻪ ﻟﻠﻨﺠﺪة ! . .ﻳﺎ ﻟﻠﺮﺟﺎل !! وإذن ﻓﻼﺑﺪ ﻣﻦ ﺣﻞ ﺁﺧﺮ ! ﻟﻘﺪ أﻋﻠﻦ اﻟﺘﺘﺎر إﺳﻼﻣﻬﻢ ،وﺳﻠﻄﺎﻧﻬﻢ ﻗﺎزان ﻳﺰﻋﻢ أﻧﻪ ﺣﺴﻦ اﻹﺳﻼم ! وإذن ﻓﻠﺘﺬهﺐ إﻟﻴﻪ ﻳﺎ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ،ﻓﺘﻘﻨﻌﻪ ﺑﺄن ﺣﻜﻢ اﻟﺸﺮع ﻳﻨﻬﺎﻩ ﻋﻦ ﻏﺰو ﺑﻼد اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ،وﻋﻦ أن ﻳﻔﺴﺪ ﻓﻴﻬﺎ ،وﻳﺴﻔﻚ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺪﻣﺎء! . . ﻟﻘﺪ ﺻﺎﻟﺢ اﻟﺮﺳﻮل آﻔﺎر ﻗﺮﻳﺶ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺒﻴﺔ ،ﺣﻴﻦ وﺟﺪ أن اﻟﺼﺪام ﻳﻌﻨﻲ اﻟﻜﺎرﺛﺔ . .ﻓﺎﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﺟﺎءوا ﺣﺠﺎﺟﺎ ورﻋﻴﻦ ﺑﻼ ﺳﻼح ،وﻗﺮﻳﺶ ﻓﻲ اﻟﻌﺪة واﻟﻌﺪﻳﺪ!! .. . وهﻜﺬا ﻧﺠﺎ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﺑﺤﻜﻤﺔ اﻟﺮﺳﻮل ،وأﺛﺎﺑﻬﻢ اﷲ ﻓﺘﺤ ًﺎ ﻗﺮﻳﺒًﺎ. . ٦٣
ﻟﻴﺲ اﻟﺸﺠﺎع ﻣﻦ ﻳﺼﺮع ﻏﻴﺮﻩ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻣﻦ ﻳﻤﻠﻚ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻨﻪ اﻟﻐﻀﺐ . .هﻜﺬا ﻋﻠﻤﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم. اﻟﻠﻬﻢ أذهﺐ ﻏﻴﻆ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ،وأﺷﻒ ﺻﺪور ﻗﻮم ﻣﺆﻣﻨﻴﻦ ! ﻣﺎ أﻋﻈﻢ أﺟﺮ ﻣﻦ ﻳﺴﻌﻰ ﻓﻲ ﻋﻤﺎرة اﻷرض ،ورﻓﻊ اﻟﺒﻼء ﻋﻨﻬﺎ !! وإذن ﻓﻠﺘﺬهﺐ ﻳﺎ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ،إﻟﻰ ﺳﻠﻄﺎن اﻟﺘﺘﺎر ،ﺗﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﺻﻠﺤًﺎ ﻣﺸﺮﻓ ًﺎ :أن ﻳﻜﻒ ﻳﺪﻩ ﻋﻦ دﻣﺸﻖ ،وأن ﻳﺴﺤﺐ ﺟﻴﻮﺷﻪ وﻳﻌﻮد إﻟﻰ ﺑﻼدﻩ ،وإﻻ ﻳﻌﺪو وﻻ ﻳﺒﻐﻲ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﻋﻠﻰ إﺧﻮاﻧﻪ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ . .ﻓﻬﺬا هﻮ ﻗﻀﺎء إﻻﺳﻼم اﻟﺤﻖ !.. ﻓﺈن ﻗﺒﻞ ﻗﺎزان ،ﻓﻘﺪ اﻣﺘﺜﻞ ﻟﺤﻜﻢ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ،وإن أﺑﻰ واﺳﺘﻜﺒﺮ ،ﻓﻬﻲ اﻟﻘﺎرﻋﺔ! . . ﻓﻠﺘﻜﻦ اﻟﻘﺎرﻋﺔ ،ﻓﻼ ﻣﻨﺎص ،وﺳﻨﻘﺎوم ﺣﺘﻰ ﺁﺧﺮ ﻧﻔﺲ ﻣﻦ ﺣﻴﺎة!! . . وﺗﺤﺪث اﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ إﻟﻰ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﻤﻸ ﻣﻦ ﻗﻮﻣﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻔﻜﺮ ﻓﻴﻪ ،ﻓﻔﺰﻋﻮا ﻣﻦ ﻟﻘﺎء ﺳﻠﻄﺎن اﻟﺘﺘﺎر ،وﺧﺸﻮا أن ﺗﺴﻘﻂ رؤوﺳﻬﻢ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺮﻓﻊ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺻﻮﺗﻪ ﺑﻜﻠﻤﺔ واﺣﺪة ! إﻧﻪ ﻟﻴﺸﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻔﺲ اﻷﺑﻴﺔ ،أن ﺗﺴﻌﻰ إﻟﻰ اﻟﺼﻠﺢ ﻣﻊ هﺆﻻء اﻟﻮﺣﻮش اﻟﺒﻐﺎة ،وﻟﻜﻦ إن آﺎن هﺬا اﻟﺴﻌﻲ ﺳﻴﺮﻓﻊ اﻟﺒﻼء اﻟﻮاﻗﻊ ،وﻳﻨﺘﺞ ﻋﻨﻪ اﻧﺴﺤﺎﺑﻬﻢ ،ﻓﻬﻮ ﺟﻬﺎد ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ. أﺗﺨﺎﻓﻮن اﻟﻘﺘﻞ إن ذهﺒﺘﻢ إﻟﻰ ﻗﺎزان . .ﻓﻤﺎذا إن ﺑﻘﻴﺘﻢ ؟! ﺳﺘﻬﺘﻚ ﺣﺮﻣﺎﺗﻜﻢ ،وأﻧﺘﻢ ﺗﻨﻈﺮون ،وﻳﻔﺴﻖ ﺑﺒﻨﺎﺗﻜﻢ ووﻟﺪاﻧﻜﻢ ٦٤
وأﻧﺘﻢ ﺻﺎﻏﺮون . .ﺛﻢ ﺗﻘﺘﻠﻮن !! . .ﻓﻠﻨﺮآﺐ إﻟﻰ "ﻗﺎزان" ﻋﺴﻰ اﷲ أن ﻳﻜﻒ ﻋﻨﺎ ﺑﺄس اﻟﺘﺘﺎر ،وﻟﻠﺮاآﺐ ﻓﻲ أﻣﺮ آﻬﺬا أﺟﺮ ﻣﺠﺎهﺪ ! ﻓﺈن أﺑﻮا إﻻ اﻟﺤﺮب ،ﻓﺴﺘﺪاﻓﻊ دﻣﺸﻖ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺣﺘﻰ اﻟﻤﻮت ! ورآﺒﻮا ﺣﺘﻰ إذا ﺑﻠﻐﻮا ﻣﻌﺴﻜﺮ اﻟﺘﺘﺎر ،ﺗﻘﺪﻣﻬﻢ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ. وﻧﻈﺮ ﻓﻲ وﺟﻮﻩ أﺻﺤﺎﺑﻪ ،ﻓﻮﺟﺪهﺎ ﻣﻤﺘﻘﻌﺔ ،وﺧﻴﻞ إﻟﻴﻪ أﻧﻬﻢ ﻳﺮﺗﻌﺪون ! ودﻋﺎ اﷲ أن ﻳﺜﺒﺖ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ،ﻓﻼ ﻳﺨﺎﻓﻮا وﻻ ﻳﺤﺰﻧﻮا. وﻗﺎل وهﻮ ﻳﺪﺧﻞ ﺧﻴﻤﺔ اﻟﺴﻠﻄﺎن " :ﺗﻘﺪﻣﻮا وراﺋﻲ ،وﻻ ﻳﻠﺤﻆ ﻗﺎزان ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺷﻴﺌًﺎ ﻓﻴﻐﺮﻳﻪ ﺑﻜﻢ وﺟﻠﻜﻢ ﻣﻨﻪ ! ﻧﺤﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻖ واﷲ ﻣﻌﻨﺎ ،واﷲ ﺧﻴ ٌﺮ ﺣﺎﻓﻈًﺎ وهﻮ أرﺣﻢ اﻟﺮاﺣﻤﻴﻦ " وﺗﻘﺪم ﻓﺴﻠﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻗﺎزان ،ﻓﻮﺟﺪ ﻋﺪدًا ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎء دﻣﺸﻖ وأﻣﺮاﺋﻬﻢ ،وﻋﻠﻰ رأﺳﻬﻢ ﺳﻴﻒ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻤﻨﺼﻮري . .أﺷﺪ أهﻞ دﻣﺸﻖ ﻓﻈﺎﻇﺔ وﻗﺴﻮة ! آﺎﻧﻮا ﻳﺪاهﻨﻮن ﺳﻠﻄﺎن اﻟﺘﺘﺎر !! أﻳﻦ ﺷﻮآﺘﻜﻢ وﺗﺸﺎﻣﺨﻜﻢ وﺣﻤﻴﺘﻜﻢ ﺑﺎﻷﻣﺲ ؟ آﻨﺘﻢ ﺗﻐﺮون ﺑﻲ اﻟﻌﺎﻣﺔ ،زاﻋﻤﻴﻦ أﻧﻜﻢ ﺗﻐﻀﺒﻮن ﷲ ؟! أﻻ ﻏﻀﺐ ﷲ ﺑﻌﺪ ؟!.. وﺗﻜﻠﻢ اﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ،ﻓﺤﻤﺪ اﷲ وأﺛﻨﻰ ﻋﻠﻴﻪ ،وﺻﻠﻰ وﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ رﺳﻮﻟﻪ اﻟﺬي ﺟﺎء ﺑﺎﻟﻌﺪل ،واﻟﻬﺪى ،وإﻻﺧﺎء ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس. ٦٥
آﺎﻧﺖ اﻟﻤﻬﺎﺑﺔ ﺗﻌﻠﻮ اﻟﺸﻴﺦ ،وﺗﺸﻊ ﻣﻨﻪ هﻴﺒﺔ ﺗﻔﺮض ﻋﻠﻰ اﻟﺮاﺋﻲ إآﺒﺎرﻩ ،وﻓﻲ ﺻﻮﺗﻪ وﻓﻲ ﻣﻼﻣﺤﻪ آﻠﻬﺎ ﺛﻘﺔ راﺳﺨﺔ. . ﺗﻠﻚ اﻟﺜﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻨﺤﻬﺎ اﻹﻳﻤﺎن ،واﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ اﻟﻤﺆﻣﻦ اﻟﺤﻖ ﻻ ﻳﺨﺎف ﻏﻴﺮ اﻟﺤﻖ !.. ﺗﻼ اﻟﺸﻴﺦ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ :واذآﺮوا ﻧﻌﻤﺔ اﷲ ﻋﻠﻴﻜﻢ إذ آﻨﺘﻢ أﻋﺪاء ﻓﺄﻟﻒ ﺑﻴﻦ ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ ﻓﺄﺻﺒﺤﺘﻢ ﺑﻨﻌﻤﺘﻪ إﺧﻮاﻧ ًﺎ وﻣﻀﻰ اﻟﺸﻴﺦ ﻳﺸﺮح ﻣﻌﻨﻰ اﻵﻳﺔ ،وﺣﻜﻢ اﷲ ﻓﻲ اﻟﻔﺌﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻐﻲ ﻋﻠﻰ ﻓﺌﺔ ﻣﺴﻠﻤﺔ أﺧﺮى . .ﻟﻘﺪ أﻣﺮ اﷲ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ أن ﻳﻘﺎﺗﻠﻮا اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻐﻲ ،ﺣﺘﻰ ﺗﻔﻲء إﻟﻰ أﻣﺮ اﷲ. . وهﺆﻻء اﻟﺘﺘﺎر ﻓﺌﺔ ﻣﺴﻠﻤﺔ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺣﻴﻦ ﺗﻐﺰو أرض اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻃﻤﻌًﺎ ﻓﻲ ﺟﺎﻩ اﻟﺪﻧﻴﺎ ،ﻓﻘﺪ ﺑﻐﺖ وأﺻﺒﺤﺖ ﻣﻦ اﻟﺨﻮارج ،ﻓﻴﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻗﺘﺎﻟﻬﻢ . .هﻜﺬا ﻗﺎﺗﻠﻬﻢ أﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ . .ﻓﺈن ﺟﻨﺤﻮا ﻟﻠﺴﻠﻢ ﻓﺎﺟﻨﺢ ﻟﻬﺎ. ورأى اﻟﺸﻴﺦ ﻋﺪدًا ﻣﻦ اﻟﺒﺎﻃﻨﻴﺔ اﻟﻤﻨﺘﺴﺒﻴﻦ ﻟﻠﺸﻴﻌﺔ ،ﻓﺮوى ﻋﺪدًا ﻣﻦ اﻷﺣﺎدﻳﺚ اﻟﺘﻰ رواهﺎ اﻹﻣﺎم ﻋﻠﻲ آﺮم اﷲ وﺟﻬﻪ ﻓﻲ إﻳﺠﺎب ﻗﺘﺎل اﻟﺨﻮارج ،وهﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﺣﺎدﻳﺚ اﻟﺘﻲ ﺷﺮﺣﻬﺎ اﻟﺸﻴﺦ ﻷهﻞ دﻣﺸﻖ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺨﺮج ﻟﻠﻘﺎء ﻗﺎزان . .ﻟﻌﻞ اﻟﻤﻨﺘﺴﺒﻴﻦ إﻟﻰ اﻟﺸﻴﻌﺔ ﻳﺨﺠﻠﻮن! . .
٦٦
أﺧﺬ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻗﺎزان ﺑﻬﻴﺒﺔ اﻟﺸﻴﺦ . .وآﻠﻤﺎ ﺗﺮﺟﻢ ﻟﻪ اﻟﻤﺘﺮﺟﻢ ﻋﺒﺎرة ،آﺒﺮت ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﻣﻬﺎﺑﻪ اﻟﺸﻴﺦ ،ﻓﻼن ﻗﻠﺐ ﻗﺎزان ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺳﻄﻮﺗﻪ وﺟﺒﺮوﺗﻪ !! وﺻﻒ أﺣﺪ اﻟﺤﺎﺿﺮﻳﻦ ﻣﺎ دار" :ﺟﻠﺲ اﻟﺸﻴﺦ إﻟﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻗﺎزان ﺣﻴﺚ ﺗﺠﻢ اﻷﺳﻮد ﻓﻲ ﺁﺟﺎﻣﻬﺎ ،وﺗﺴﻘﻂ اﻟﻘﻠﻮب داﺧﻞ أﺟﺴﺎﻣﻬﺎ ،ﺧﻮﻓًﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺴﺒﻊ اﻟﻤﺨﺘﺎل ،واﻟﻨﻤﺮود اﻟﻤﺤﺘﺎل، واﻷﺟﻞ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺪﻓﻊ ﺑﺤﻴﻠﺔ ﻣﺤﺘﺎل . .ﺟﻠﺲ إﻟﻴﻪ ،وأوﻣﺄ ﺑﻴﺪﻩ إﻟﻰ ﺻﺪرﻩ ،وواﺟﻬﻪ ودرأ ﻓﻲ ﻧﺤﺮﻩ " وﻋﺠﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻗﺎزان ﻟﻬﺬا اﻟﺸﻴﺦ اﻷﻋﺰل ! ﻟﻜﺄﻧﻪ هﻮ اﻟﻤﻨﺘﺼﺮ واﻟﺴﻠﻄﺎن أﺳﻴﺮ ذﻟﻴﻞ !! إﻧﻪ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺘﻚ ﻳﺎ ﻗﺎزان ،وﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺄﻣﺮ ﺑﻘﺘﻠﻪ، وأﻣﺮاء ﺟﻴﻮﺷﻚ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻚ ﻳﻨﻈﺮون ﻓﻲ ﺗﺮﺑﺺ ﻳﺨﺎﻟﺠﻪ اﻟﺬهﻮل !! ﻣﺎ اﻟﺬي ﻳﻜﻒ ﻳﺪﻳﻚ ﻋﻨﻪ ؟! إﻧﻚ ﻟﺘﻤﻠﻚ آﻞ ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳﺜﻴﺮ ﻓﻴﻪ اﻟﺮﻋﺐ ،وهﻮ ﻻ ﻳﻤﻠﻚ ﺷﻴﺌًﺎ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق ! أى ﺳﺮ ﻓﻲ هﺬا اﻟﺸﻴﺦ ﻳﺠﻌﻠﻚ ﺗﺤﺘﻤﻠﻪ ،وﺗﻨﺘﺤﻰ ﻓﻰ ﺟﻠﺴﺘﻚ ،آﻠﻤﺎ دﻓﻊ ﺑﻴﺪﻩ ﻓﻲ ﺻﺪرك ،أو ﻟ ّﻮح ﺑﺬراﻋﻴﻪ ﻓﻲ وﺟﻬﻚ ؟!
٦٧
ﻣﺎ ﺑﺎل هﺬا اﻟﺸﻴﺦ ﻳﺼﻨﻊ ﺑﻚ ،ﻣﺎ ﻳﺼﻨﻊ اﻟﻤﺪرب اﻟﺤﺎذق ﺑﺎﻟﺴﺒﻊ اﻟﻜﺎﺳﺮ ،ﻳﺮوﺿﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺨﻀﻌﻪ ،وﻳﺼﺒﺢ آﺎﻟﻘﻂ إﻻﻟﻴﻒ !!.. إﻧﻚ ﻟﻤﺴﻠﻢ ﻣﺜﻠﻪ ﻳﺎ ﻗﺎزان ،وأﻧﺖ ﺑﻌﺪ ﺳﻠﻄﺎن ﻗﺎهﺮ ،ﻳﺨﻠﻊ اﺳﻤﻚ ﻗﻠﻮب اﻵﺧﺮﻳﻦ !! وارﺗﻔﻊ ﺻﻮت اﻟﺸﻴﺦ " :اﷲ اﻟﻘﺎهﺮ ﻓﻮق ﻋﺒﺎدﻩ ..ﺻﺪق اﷲ اﻟﻌﻈﻴﻢ " وﻧﻈﺮ إﻟﻴﻪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﺘﻬﻴﺒًﺎ. . أى إﻳﻤﺎن ﺑﺎﷲ ﻳﺠﻌﻞ هﺬا اﻟﺸﻴﺦ ﻳﺸﻌﺮ ﻓﻲ أﻏﻮار ﻧﻔﺴﻪ ،أﻧﻪ أﻗﻮى ﻣﻦ آﻞ هﺬﻩ اﻵﻻف اﻟﻤﺆﻟﻔﺔ اﻟﻤﺪﺟﺠﺔ ﺑﺎﻟﺴﻼح ؟! إﻧﻚ أﻧﺖ ﻧﻔﺴﻚ ﻟﺘﺘﺰاﻳﻞ أﻣﺎﻣﻪ إﻟﻰ اﻷﻋﻤﺎق ﻳﺎ ﺳﻠﻄﺎن اﻟﺘﺘﺎر ! واﺳﺘﻤﺮ اﻟﺸﻴﺦ ﻳﻘﻮل ﻟﻠﻤﺘﺮﺟﻢ " :ﻗﻞ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن إﻧﻚ ﺗﺰﻋﻢ أﻧﻚ ﻣﺴﻠﻢ ،وﻣﻌﻚ ﻗﺎض وإﻣﺎم وﺷﻴﺦ وﻣﺆذن ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺑﻠﻐﻨﺎ، وأﺑﻮك وﺟﺪك آﺎﻧﺎ آﺎﻓﺮﻳﻦ ،وﻣﺎ ﻋﻤﻼ اﻟﺬي ﻋﻤﻠﺖ ،ﻋﺎهﺪا ﻓﻮﻓﻴﺎ ،وأﻧﺖ ﻋﺎهﺪت ﻓﻐﺪرت ،وﻗﻠﺖ ﻓﻤﺎ وﻓﻴﺖ ،وﺟﺮت ".... هﺎ هﻮ ذات ﻳﺘﻬﻤﻚ ﺑﺨﻴﺎﻧﺔ اﻟﻌﻬﺪ وﺑﺎﻟﻐﺪر واﻟﺠﻮر ،أﻣﺎم رﺟﺎﻟﻚ وأﺗﺒﺎﻋﻚ واﻟﻼﺋﺬﻳﻦ ﺑﻚ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎء دﻣﺸﻖ وأﻣﺮاﺋﻬﺎ ووﺟﻬﺎﺋﻬﺎ . .؟!! ﻣﻦ ﻟﻚ ﺑﺒﻄﺶ ﺟﻨﻴﻜﺰﺧﺎن ،وهﻮﻻآﻮ ؟! وﺗﺤﺪث ﺣﺴﺎد اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ وﺧﺼﻮﻣﻪ ،ﻓﺎﺗﻬﻤﻮﻩ ﺑﺎﻟﻐﺮور واﻟﺼﻠﻒ ،وﺣﺎوﻟﻮا ﻓﻲ ﻧﻔﺎﻗﻬﻢ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن ،أن ﻳﻐﺮوﻩ ﺑﻪ ،ﻟﻴﻘﺘﻠﻪ ٦٨
ﺗﻨﻔﻴﺬًا ﻟﺤﻜﻢ اﷲ ﻓﻴﻤﻦ ﻳﺨﺮج ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،وﻳﺒﻐﻲ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻓﻲ اﻷرض ،وﻳﻔﺮق آﻠﻤﺔ اﻷﻣﺔ اﻟﺘﻲ اﺟﺘﻤﻌﺖ اﻟﻴﻮم ﻋﻠﻰ اﻟﻮﻻء ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻗﺎزان!! .. . وﻟﻜﻦ اﻟﺴﻠﻄﺎن أﻗﺒﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻴﺦ ،ﻣﺼﻐﻴًﺎ ﻟﻪ ،ﺷﺎﺧﺼًﺎ إﻟﻴﻪ، وﻗﺪ أوﻗﻊ اﷲ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﻣﺤﺒﻪ ﻟﻠﺸﻴﺦ وﻣﻬﺎﺑﺔ . .وإن ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺎرة ﻟﻤﺎ ﻳﺸﻘﻖ ﻓﻴﺨﺮج ﻣﻨﻪ اﻟﻤﺎء !! ﻗﺎل اﻟﺴﻠﻄﺎن " :ﻟﻢ أر ﻣﺜﻞ اﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ،وﻻ أﺛﺒﺖ ﻗﻠﺒًﺎ ﻣﻨﻪ" وأراد اﻟﺴﻠﻄﺎن أن ﻳﺘﻘﺮب إﻟﻰ اﻟﺸﻴﺦ ،وﻳﻜﺮﻣﻪ ،ﻓﺄﻣﺮ ﺑﺎﻟﻄﻌﺎم. ﺻﻔﺖ اﻟﻤﻮاﺋﺪ ﺑﺄﺷﻬﻰ اﻟﻤﺄآﻮﻻت ،وأﻗﺒﻞ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻴﺦ ﻟﻴﺄآﻼ ﻣﻌًﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺋﺪة واﺣﺪة ..وﻣﻌﻬﻢ اﻟﻨﻔﺮ اﻟﺬﻳﻦ ﺟﺎءوا ﻣﻊ اﻟﺸﻴﺦ ،أﻣﺎ ﻋﻠﻤﺎء دﻣﺸﻖ وأﻣﺮاؤهﺎ وأﻋﻴﺎﻧﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﻻذوا ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺎن ،وﺟﺎءوﻩ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،ﻓﻘﺪ ﺗﻔﺮﻗﻮا ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﺋﺪ أﺧﺮى، ﺑﻌﻴﺪًا ﻋﻦ اﻟﺴﻠﻄﺎن. . وﺑﺪأ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻳﺄآﻠﻮن إﻻ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ. . ﺳﺄل اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﻦ ﺳﺒﺐ اﻣﺘﻨﺎﻋﻪ ،ﻓﻘﺎل اﻟﺸﻴﺦ "آﻴﻒ ﺁآﻞ ﻣﻦ ﻃﻌﺎﻣﻚ ،وآﻠﻪ ﻣﻤﺎ ﻧﻬﺒﺘﻢ ﻣﻦ أﻏﻨﺎم اﻟﻨﺎس . .وﻃﺒﺨﺘﻤﻮﻩ ﺑﻤﺎ ﻗﻄﻌﺘﻢ ﻣﻦ أﺷﺠﺎر اﻟﻨﺎس؟!" ﻓﻜﻒ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﻦ اﻟﻄﻌﺎم . .وﻧﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺸﻴﺦ. . وﺳﺎد ﺻﻤﺖ ﻣﺘﻮﺗﺮ! . . ٦٩
وﻳﺼﻒ أﺣﺪ ﻣﺼﺎﺣﺒﻴﻪ ﺑﻤﺎ ﺣﺪث ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﻤﺮهﻔﺔ : "آﻨﺎ ﻣﻌﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺋﺪة اﻟﺴﻠﻄﺎن ،ﻓﺄﺧﺬﻧﺎ ﻧﺠﻤﻊ ﺛﻴﺎﺑﻨﺎ ،ﺧﻮﻓ ًﺎ ﻣﻦ أﻳﻦ ﻳﻘﺘﻞ ﻓﻨﻄﺮﻃﺶ ﺑﺪﻣﻪ " وﺑﻐﺘﻪ . .ﺧﺮج اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﻦ ﺻﻤﺘﻪ ،ﻓﻄﻠﺐ ﻣﻦ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﺪﻋﺎء!. . دﻋﺎ اﻟﺸﻴﺦ " :اﻟﻠﻬﻢ ان آﻨﺖ ﺗﻌﻠﻢ أﻧﻪ إﻧﻤﺎ ﻗﺎﺗﻞ ﻟﺘﻜﻮن آﻠﻤﺔ اﷲ هﻲ اﻟﻌﻠﻴﺎ ،ﻓﺄن ﺗﻨﺼﺮﻩ ،وأن آﺎن ﻟﻠﻤﻠﻚ واﻟﺪﻧﻴﺎ واﻟﺘﻜﺎﺛﺮ، ﻓﺄن ﺗﻔﻌﻞ ﺑﻪ وﺗﺼﻨﻊ". وأﻣﻦ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻋﺎء! . . وﻣﺎزال اﻟﺸﻴﺦ ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺎن ،ﺣﺘﻰ وﻋﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،ﺑﺄﻧﻪ ﺳﻴﺴﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﻨﺎس ﺳﻴﺮة ﻣﺴﻠﻢ ﺣﺴﻦ اﻹﺳﻼم ،وﺳﻴﺴﺤﺐ ﺟﻴﻮﺷﻪ اﻟﺠﺮارة وﻳﻘﻔﻞ راﺟﻌًﺎ إﻟﻰ ﺑﻼدﻩ. وﺧﺮج ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﻣﻌﺰزًا ﻣﻜﺮﻣًﺎ .أﻣﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺻﺤﺒﻮﻩ ،ﻓﻘﺪ ﺧﺎﻓﻮا أن ﻳﺮﺳﻞ اﻟﺴﻠﻄﺎن وراءهﻢ ﻣﻦ ﻳﻨﻘﻀﻮن ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻏﻴﻠﺔ، وﻳﻘﺘﻠﻮﻧﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌًﺎ .. .وآﺎن اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﻌﺮوﻓًﺎ ﺑﺎﻟﺒﻄﺶ واﻟﺪهﺎء آﻐﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﻣﻠﻮك اﻟﺘﺘﺎر.. ﻗﺎل أﺣﺪ اﻟﺬﻳﻦ ﺻﺤﺒﻮﻩ " :ﻟﻤﺎ ﺧﺮﺟﻨﺎ ﻗﻠﻨﺎ ﻟﻪ :آﺪت ﺗﻬﻠﻜﻨﺎ ﻣﻌﻚ .وﻧﺤﻦ ﻣﺎ ﻧﺼﺤﺒﻚ ﻣﻦ هﻨﺎ .ﻓﻘﺎل اﻟﺸﻴﺦ :وأﻧﺎ ﻻ أﺻﺤﺒﻜﻢ .ﻓﺎﻧﻄﻠﻘﻨﺎ ﻋﺼﺒﺔ ،وﺗﺄﺧﺮ ﻓﺄﺗﺎﻩ أﻣﺮاﻩ اﻟﺘﺘﺎر ﻣﻦ آﻞ ﻓﺞ، وﺻﺎروا ﻳﺘﻼﺣﻘﻮن ﺑﻪ ﻟﻴﺘﺒﺮآﻮا ﺑﺮؤﻳﺘﻪ .ﻓﻤﺎ وﺻﻞ دﻣﺸﻖ إﻻ ٧٠
ﻓﻲ ﻧﺤﻮ ﺛﻠﺜﻤﺎﺋﺔ ﻓﺎرس ﻓﻲ رآﺎﺑﻪ ،وأﻣﺎ ﻧﺤﻦ ﻓﺨﺮج ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺟﻤﺎﻋﺔ )ﻣﻦ ﻗﻄﺎع اﻟﻄﺮﻳﻖ( ﻓﺸﻠﺤﻮﻧﺎ ". ٭٭٭ ﻋﺎد اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ إﻟﻰ دﻣﺸﻖ ،ﻓﺄﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،وﺣﻤﻞ إﻟﻴﻬﻢ وﻋﺪ ﻗﺎزان أﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﺪﺧﻞ دﻣﺸﻖ ،ﺑﻞ ﺳﻴﺮﺣﻞ ﻋﻦ اﻟﺸﺎم آﻠﻪ. وﻣﺎ أن اﻧﺼﺮف اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ ﻗﺎزان .ﺣﺘﻰ اﺟﺘﻤﻊ ﺑﻘﻮادﻩ وﺗﺸﺎوروا ﻓﻲ اﻷﻣﺮ ،ﺛﻢ أرﺳﻞ ﻣﻨﺸﻮرًا إﻟﻰ أهﻞ دﻣﺸﻖ ﻳﺆﻣﻨﻬﻢ ﻓﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ وأﻣﻮاﻟﻬﻢ وأﻋﺮاﺿﻬﻢ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻃﻠﺐ ﻣﻨﻬﻢ أن ﻳﺴﻠﻤﻮﻩ ﻣﺎ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻣﻦ ﺳﻼح وﺧﻴﻞ وأﻣﻮال ! وﺣﺮﺿﻬﻢ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻋﻠﻰ أﻻ ﻳﺴﻠﻤﻮا ﺷﻴﺌًﺎ ،ﻓﻘﺪ وﻋﺪﻩ اﻟﺴﻠﻄﺎن أﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﺪﺧﻞ دﻣﺸﻖ ،وﻟﻢ ﻳﺸﺘﺮط ﻋﻠﻴﻪ ﺷﻴﺌًﺎ. . واﻧﺘﻈﺮ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻳﻮﻣﺎ ﻓﻴﻮﻣﻴﻦ.. . وﻣﺮت ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ أﻳﺎم ،وﻟﻢ ﻳﻒ ﻗﺎزان ﺑﻮﻋﺪﻩ ،ﺑﻞ اﻧﻄﻠﻖ ﺑﻌﺾ ﺟﻨﻮدﻩ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ أﻓﺮاد ﻣﻦ اﻟﺒﺎﻃﻨﻴﺔ واﻟﺤﺸﺎﺷﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺣﺎﻟﻔﻮا اﻟﺘﺘﺎر ،ﻓﻬﺎﺟﻤﻮا أﻃﺮف دﻣﺸﻖ ،وأﺣﺮﻗﻮا وأﺗﻠﻔﻮا ،وﺳﺒﻮا اﻟﻨﺴﺎء ،وﻗﺘﻠﻮا اﻟﺮﺟﺎل . .آﻞ ذﻟﻚ ﺗﺤﺖ راﻳﺔ اﻹﺳﻼم !!. . وﺧﺮج اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻣﺮة أﺧﺮى إﻟﻰ ﻗﺎزان ،ﻳﺸﻜﻮ إﻟﻴﻪ ﻋﺪوان ﺟﻨﺪﻩ ﻋﻠﻰ دﻣﺸﻖ ،ﺑﻌﺪ أن وﻋﺪ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﻳﺪﺧﻠﻬﺎ ! وﻣﺎ زال اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻳﺠﺎدل اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻗﺎزان ،ﺣﺘﻰ وﻋﺪﻩ ﺑﺄن ﺳﻴﻨﺴﺤﺐ اﻵن ﺑﺠﻴﺸﻪ . .ﻓﻄﺎﻟﺐ ﺑﻔﻚ اﻷﺳﺮى ،ﻓﻔﻚ ﻗﺎزان اﻷﺳﺮى ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ. ٧١
وﻟﻜﻦ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ أﻗﻌﻨﻪ أن ﻳﻄﻠﻖ اﻷﺳﺮى ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ واﻟﻴﻬﻮد ،ﻓﻜﻠﻬﻢ ﻣﻦ أهﻞ اﻟﺸﺎم ،وهﻢ أهﻞ ذﻣﺔ ،ﻓﻲ ذﻣﺔ اﷲ ورﺳﻮﻟﻪ. وأﻃﻠﻖ ﻗﺎزان اﻷﺳﺮى ﺟﻤﻴﻌًﺎ ،وأذن ﺑﺎﻟﺮﺣﻴﻞ ،وﺗﺮك دﻣﺸﻖ ،واﻟﺸﺎم ﺟﻤﻴﻌًﺎ. . ﻋﺎد اﻟﺸﻴﺢ إﻟﻰ دﻣﺸﻖ ،وﻣﺮ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﺑﺎﻟﻘﻠﻌﺔ ﻓﻬﻨﺄ ﻗﺎﺋﺪهﺎ ﺑﺎﻧﺴﺤﺎب اﻟﺘﺘﺎر ،وﺣﻴﺎﻩ ﻋﻠﻰ ﺛﺒﺎﺗﻪ وﺷﺠﺎﻋﺘﻪ ،ودﺧﻞ دﻣﺸﻖ ﺑﺎﻟﺒﺸﺮى " :اﻧﺴﺤﺐ اﻟﺘﺘﺎر" ﺿﺠﺖ دﻣﺸﻖ ﺑﺎﻟﻔﺮح ،وﺧﺮج اﻟﻨﺴﺎء ﺑﺄﻃﻔﺎﻟﻬﻦ ﻣﻬﻠﻼت، وأﻗﻴﻤﺖ اﻟﺰﻳﻨﺎت .وﻋﺎﺷﺖ دﻣﺸﻖ أﻳﺎﻣًﺎ وﻟﻴﺎﻟﻲ ﺗﺤﺘﻔﻞ ﺑﺎﻧﺘﺼﺎرهﺎ دون أن ﺗﺮﻳﻖ ﻣﻦ دﻣﺎء ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻧﻘﻄﺔ واﺣﺪة ! واﺗﺠﻬﺖ اﻟﻘﻠﻮب ﺑﺎﻹآﺒﺎر ﻟﻠﺸﻴﺦ . .ﺣﺘﻰ ﻟﻘﺪ أﺻﺒﺢ ﻣﻠﻚ دﻣﺸﻖ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺘﻮج. ﻓﻄﺎﻟﺐ اﻟﻨﺎس أن ﻳﻨﺼﺮﻓﻮا إﻟﻰ أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ،واﻧﺼﺮف هﻮ ﻳﺪرس وﻳﻌﻆ ،وﻳﻘﺮأ ،وﻳﻜﺘﺐ. وﻋﻜﻒ ﻳﺠﻤﻊ اﻵﻳﺎت واﻷﺣﺎدﻳﺚ اﻟﺘﻲ ﻧﺼﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻬﺎد، وﻳﺤﺎول أن ﻳﺴﺘﻨﺒﻂ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﻜﻤًﺎ ﻋﺎﻣ ًﺎ ،وﻳﺪرس ﻓﻲ ذﻟﻚ آﻞ ﻣﺎ ﺧﻠﻔﻪ اﻟﺴﻠﻒ ،وﺑﺼﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ. . أﻣﺎ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﻔﻘﻬﺎء وأوﻟﻮاﻷﻣﺮ اﻟﺬﻳﻦ آﺎﻧﻮا ﻗﺪ هﺮﺑﻮا ،ﻓﻘﺪ ﻋﺎدوا ﻣﻨﻜﺴﺮﻳﻦ ! ٧٢
وهﺪأ اﻟﺤﺴﺎد واﻟﺨﺼﻮم ،ﻓﻤﺎ آﺎن أﺣﺪ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻔﻮﻩ ﺑﻜﻠﻤﺔ أو ﻧﺴﺒﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﺬي أﺻﺒﺢ ﻣﻞء اﻟﺴﻤﻊ واﻟﺒﺼﺮ واﻟﻘﻠﺐ ،ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﺟﻤﻴﻌًﺎ.. ورأى ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻻذوا ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺎن ﻗﺎزان ،أﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ دﻣﺸﻖ ﺑﻌﺪ ،ﻓﺂﺛﺮوا أن ﻳﺼﺤﺒﻮﻩ وﻳﻠﺰﻣﻮﻩ، وذهﺒﻮا ﻣﻌﻪ ،وآﺎن ﻋﻠﻰ رأﺳﻬﻢ ﺳﻴﻒ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻤﻨﺼﻮري. ٭٭٭ وﻓﻲ اﻟﻘﺎهﺮة ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ،آﺎن اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻗﻼوون ﻣﻨﺬ ﻋﺎد ﺑﺎﻟﺠﻴﺶ اﻟﻤﻨﻜﺴﺮ ،ﻳﻌﺪ اﻟﻌﺪة ﻟﻜﺮة أﺧﺮى ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺘﺎر. . آﺎن داﺋﻢ اﻟﺒﻜﺎء ،ﻣﻨﺬ اﻧﺴﺤﺐ ﺑﺎﻟﺠﻴﺶ ،ودﺧﻞ دﻣﺸﻖ ﻓﻲ ﻓﻠﻮل ﻣﻨﻬﺰﻣﺔ ﻋﺎﺋﺪًا إﻟﻰ اﻟﻘﺎهﺮة ! ﻣﺎزاﻟﺖ ﺗﻌﺬﺑﻪ ﺻﻮر ﻧﺴﺎء دﻣﺸﻖ ،وﻗﺪ ﺧﺮﺟﻦ ﺣﻮاﺳﺮ ﻳﻌﺘﺼﺮهﻦ اﻟﺬﻋﺮ ،وﻓﻲ اﻷﺣﻀﺎن أﻃﻔﺎل ﻳﺼﺮﺧﻮن ! ﻣﺎزال ﻳﺬآﺮ ازراء اﻟﻨﺎس ﺑﻪ وﺑﺠﻴﺸﻪ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻔﺮار واﻻﻧﻜﺴﺎر ﻣﻦ دﻣﺸﻖ إﻟﻰ اﻟﻘﺎهﺮة ! ﻣﺮاﺋﻲ اﻟﻬﺰﻳﻤﺔ ﺗﻤﺮ أﻣﺎم ﻋﻴﻨﻴﻪ ،ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺪﻣﻮع ،ﻓﻲ آﻞ ﻧﻬﺎر وﻟﻴﻞ. وإﻧﻪ ﻟﻴﺬآﺮ ﺗﺤﺖ وﻃﺄة اﻹﺣﺴﺎس ﺑﺎﻟﻌﺎر واﻟﻤﻬﺎﻧﺔ ،أن ﺑﻌﺾ اﻟﻔﺮﺳﺎن اﻷﺷﺎوس ﺧﻠﻌﻮا ﻣﻼﺑﺴﻬﻢ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ،وﺗﻨﻜﺮوا، ﻟﻴﺘﻔﺎدوا زراﻳﺔ اﻟﻨﺎس وﺳﺨﻄﻬﻢ! . . ٧٣
وﻟﻬﻮ ﻳﺒﻜﻲ وﻳﺘﺒﻬﻞ إﻟﻰ اﷲ أﻻ ﻳﺠﻌﻞ وﻻﻳﺘﻪ ﻧﺤﺴًﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﻣﺔ ،إذ ﺑﺎﻟﺤﻤﺎم اﻟﺰاﺟﻞ ﻳﺤﻤﻞ إﻟﻴﻪ رﺳﺎﻟﺔ ﻋﺎﺟﻠﺔ ﻣﻦ دﻣﺸﻖ،أن اﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ،أﺣﺪ آﺒﺎر اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻓﻲ دﻣﺸﻖ ﻗﺪ أﻗﻨﻊ اﻟﺘﺘﺎر ﺑﺎﻻﻧﺴﺤﺎب ﻓﺎﻧﺴﺤﺒﻮا. . ﻣﻦ اﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ هﺬا ؟! ﻟﻘﺪ ﺻﻨﻊ وﺣﺪﻩ ﻣﻌﺠﺰة ﻟﻢ ﻳﻘﺪر ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﺴﻜﺮ ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم ﺟﻤﻴﻌ ًﺎ ﺑﻘﻴﺎدة اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻧﻔﺴﻪ !! وأﻣﺮ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﺎﻟﺪﻋﺎء ﻻﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ،وأﻗﺴﻢ أن ﻳﻜﺎﻓﺌﻪ أﺟﺰل ﻣﻜﺎﻓﺄة ،وﻟﻜﻦ أﺣﺪ اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻗﺎل ﻟﻪ إﻧﻪ ﻻ ﻳﻘﺒﻞ اﻟﻤﻨﺎﺻﺐ وﻻ اﻟﻬﺒﺎت أو اﻟﻌﻄﺎﻳﺎ . .ﻓﺄﻋﻠﻦ اﻟﺴﻠﻄﺎن أﻧﻪ ﺳﻴﺠﻌﻞ ﻻﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻘﺎﻃﻌﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺸﻴﺮ ﺑﻪ ،وﺳﻴﻜﻮن ﻟﻪ اﻟﺮأي اﻟﺤﺎﺳﻢ ﻓﻴﻤﻦ ﻳﺘﻮﻟﻮن اﻟﻤﻨﺎﺻﺐ اﻟﻜﺒﻴﺮة. وﺑﻌﺪ أﻳﺎم أرﺳﻞ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻗﺎزان إﻟﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻗﻼوون وﻓﺪًا ﻣﻦ ﺛﻼﺛﺔ رﺟﺎل آﺒﺎر :ﻋﺮاﻗﻲ هﻮ ﻗﺎﺿﻲ اﻟﻤﻮﺻﻞ ،واﻟﺜﺎﻧﻲ إﻳﺮاﻧﻲ ،واﻟﺜﺎﻟﺚ ﺗﺮآﻲ ،وهﻤﺎ أﻣﻴﺮان. وأﻣﺮ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻓﺰﻳﺖ اﻟﻘﺼﺮ ﺑﺎﻟﺸﻤﻮع وأﻗﻴﻢ اﺣﺘﻔﺎل راﺋﻊ ﻻﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻬﻢ ،ﺷﻬﺪﻩ ﻓﻘﻬﺎء ﻣﺼﺮ وﻗﻀﺎﺗﻬﺎ وأﻣﺮاؤهﺎ وأﻋﻴﺎﻧﻬﺎ ﻓﻲ أﻓﺨﺮ ﺛﻴﺎﺑﻬﻢ . .وﺳﻄﻌﺖ أﺿﻮاء اﻟﺸﻤﻮع ﻋﻠﻰ ﻣﻼﺑﺲ اﻷﻣﺮاء اﻟﻤﺰرآﺸﺔ اﻟﻤﺤﻼة ﺑﺎﻟﺬهﺐ.. ٧٤
رﺣﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﺎﻟﻮﻓﺪ ﺗﺮﺣﻴﺒًﺎ ﺣﺎرًا ،وﺧﻄﺐ اﻟﻤﻮﺻﻠﻲ، ﻓﺬآﺮ أن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ أﻣﺮﻧﺎ ﺑﺎﻟﻤﺴﺎﻟﻤﺔ ،وﺟﻌﻞ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ إﺧﻮاﻧًﺎ، ﺛﻢ دﻋﺎ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻﺮ وأﻣﺮاء ﻣﺼﺮ ،وﺳﻠﻢ رﺳﺎﻟﺔ ﻣﺨﺘﻮﻣﺔ، ﻓﺄﺧﺬهﺎ اﻟﺴﻠﻄﺎن وﻓﻀﻬﺎ ،ﻓﺈذا اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻗﺎزان ﻳﻨﻬﻲ إﻟﻴﻪ ﻓﻴﻬﺎ أﻧﻪ ﻣﺎ زﺣﻒ إﻟﻰ ﺑﻼد اﻟﺸﺎم ﻏﺎزﻳًﺎ أو ﺑﺎﻏﻴًﺎ ،وﻟﻜﻦ ردًا ﻋﻠﻰ ﻋﺪوان ﻋﺴﻜﺮ اﻟﺸﺎم اﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻﺮ ،ﻓﻘﺪ آﺎﻧﻮا ﻏﺰوا أﻃﺮاف ﺑﻼدﻩ وﻧﻬﺒﻮهﺎ وأآﺜﺮوا ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻔﺴﺎد ،ﻓﺨﺮج ذاﺋﺪًا ﻋﻦ ﺣﻮض اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ،وزﺣﻒ ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻎ دﻣﺸﻖ ،وآﺎن ﻓﻲ وﺳﻌﻪ أن ﻳﻔﺘﺤﻬﺎ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻋﺎد إﻟﻰ وﻃﻨﻪ ﺣﻘﻨًﺎ ﻟﻠﺪﻣﺎء ،وﺣﺮﺻًﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻼد أﻻ ﺗﺨﺮب ! وهﻮ اﻵن ﻳﻄﻠﺐ اﻟﺼﻠﺢ ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺎن ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم ،ﻓﺈذا أﺑﻰ إﻻ اﻟﺤﺮب ﻓﻬﻲ اﻟﺤﺮب ،وﻟﻜﻦ اﻟﺼﻠﺢ ﺧﻴﺮ.. . وﺧﺮج اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻﺮ إﻟﻰ ﻗﺎﻋﺔ أﺧﺮى ،وﻣﻌﻪ ﻋﺪد ﻣﻦ ﻋﻠﻴﺔ اﻷﻣﺮاء وأهﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﻳﺘﺸﺎورون. . وﺑﻌﺪ ﻗﻠﻴﻞ دﻋﺎ إﻟﻴﻪ اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻟﻌﺮاﻗﻲ رﺋﻴﺲ وﻓﺪ ﻗﺎزان وﻗﺎل ﻟﻪ " :أﻧﺖ ﻣﻦ أآﺎﺑﺮ اﻟﻌﻠﻤﺎء ،واﻟﺪﻳﻦ اﻟﻨﺼﻴﺤﺔ ،وﻧﺤﻦ ﻣﺎ ﻧﻘﺎﺗﻞ إﻻ ﻟﻘﻴﺎم اﻟﺪﻳﻦ ،ﻓﺈن آﺎﻧﺖ اﻟﺪﻋﻮة إﻟﻰ اﻟﺼﻠﺢ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ اﻟﺤﻴﻠﺔ واﻟﺪهﺎء ،ﻓﻨﺤﻦ ﻧﺤﻠﻒ أن ﻣﺎ ﺳﺘﻘﻮﻟﻪ ﻟﻨﺎ ﺳﻴﺒﻘﻰ ﺳﺮًا ﺑﻴﻨﻨﺎ، ﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﺑﻪ أﺣﺪ ﺳﻮاﻧﺎ" ﻓﺄﻗﺴﻢ اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻟﻌﺮاﻗﻲ أن اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻗﺎزان ،راﻏﺐ ﻓﻲ اﻟﺼﻠﺢ ﺣﻘًﺎ وﺻﺪﻗًﺎ. . ٧٥
وآﺘﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻﺮ ردًا إﻟﻰ ﻗﺎزان ،ﻧﻔﻰ ﻓﻴﻪ أن ﻋﺴﻜﺮﻩ ﺑﺎﻟﺸﺎم ﻗﺪ اﻋﺘﺪوا ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻋﻠﻰ أﻃﺮاف دوﻟﺔ ﻗﺎزان. . ورﺣﺐ ﺑﺎﻟﺼﻠﺢ "واﺳﺘﻘﺮار ﻗﻮاﻋﺪﻩ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺮﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ورﺳﻮﻟﻪ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم " .ودﻋﺎ إﻟﻰ اﻟﺘﺤﺎﻟﻒ ﻟﻘﻤﻊ أهﻞ اﻟﺸﺮك ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻤﻤﺎﻟﻚ. وأﻗﺎم اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻟﻀﻴﻮﻓﻪ اﺣﺘﻔﺎﻻت آﺜﻴﺮة ،وﺧﺮج ﺑﻬﻢ ﻣﻊ ﺣﺎﺷﻴﺘﻪ واﻷﻣﺮاء ﻟﻠﺼﻴﺪ ﻓﻲ اﻟﺨﻼء ،ﻓﺄﻗﺎﻣﻮا أﻳﺎﻣ ًﺎ وﻟﻴﺎﻟﻲ ،ﺑﻬﺮهﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺬخ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،وﻣﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺼﺮ ﻣﻦ ﺛﺮاء. . آﺎﻧﺖ اﻟﺨﻴﺎم أروع ﻣﻦ اﻟﻘﺼﻮر ،واﻟﻠﻴﻞ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ﻳﻀﻲء ﺑﺎﻟﻤﺸﺎﻋﻞ ،ﺣﺘﻰ ﻟﻜﺄﻧﻪ اﻟﻨﻬﺎر !.. واهﺘﻢ اﻟﻮﻓﺪ ﺑﺎﻟﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ ﺟﻴﺶ ﻣﺼﺮ ،وأﺑﺪى إﻋﺠﺎﺑﻪ ﺑﻨﻈﺎم اﻟﺠﻴﺶ. . وﻋﻨﺪﻣﺎ اﻧﺘﻬﺖ اﻟﺰﻳﺎرة ﺣﻤﻠﻬﻢ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﺎﻟﻬﺪاﻳﺎ اﻟﻔﺨﻤﺔ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن ﻗﺎزان ،وأﻧﻌﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺎﻷﻣﻮال واﻟﻌﻄﺎﻳﺎ واﻷﻟﻄﺎف، وزودهﻢ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻴﻪ اﻟﻄﺮﻳﻖ .ﺛﻢ ﺧﺘﻢ رﺳﺎﻟﺘﻪ ﺑﺨﺎﺗﻢ اﻟﺪوﻟﺔ وﺳﻠﻤﻬﺎ إﻟﻰ رﺋﻴﺲ اﻟﻮﻓﺪ :اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻟﻌﺮاﻗﻲ. ٭٭٭ ﻋﺎد أﻋﻀﺎء اﻟﻮﻓﺪ إﻟﻰ ﺳﻠﻄﺎﻧﻬﻢ ﻗﺎزان ﻳﺼﻔﻮن ﻟﻪ ﻣﺎ ﺷﺎهﺪوا ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻣﻦ ﻏﻨﻰ ،وﻣﺎ ﻋﻴﻨﻮﻩ ﻣﻦ دﻗﺔ ﻓﻲ ﻧﻈﺎم اﻟﺠﻴﺶ ،وﻣﺎ أﺗﻴﺢ ﻟﻬﻢ أن ﻳﺘﻌﺮﻓﻮا ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ أﺳﺮار أﺧﺮى! . . آﺎﻧﻮا آﻠﻬﻢ ﺟﻮاﺳﻴﺲ! . . ٧٦
وﻓﻲ اﻟﺤﻖ أن ﻗﺎزان ،آﺎن ﻳﻄﻤﻊ ﻓﻲ اﻻﺳﺘﻴﻼء ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ وﻣﺎ ﻳﻠﻴﻬﺎ ﻟﻴﺤﻜﻢ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺎهﺮة ،ﻓﺄرﺳﻞ هﺬا اﻟﻮﻓﺪ ﻟﻴﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ آﺴﺐ ﺛﻘﺔ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،وﻳﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ آﻞ ﻣﺎ ﺗﺤﺘﺎﺟﻪ ﺧﻄﺔ اﻟﻐﺰو، وأرﺳﻞ ﻣﻊ هﺆﻻء اﻟﺜﻼﺛﺔ ﺣﺮﺳًﺎ ﺿﺨﻤًﺎ وﻓﻴﺮ اﻟﻌﺪد ،آﻠﻬﻢ ﺟﻮاﺳﻴﺲ ،وزودهﻢ ﺑﺎﻟﻤﺎل ﻟﻴﺼﻄﻨﻌﻮا اﻷﻋﻮان . .ﻓﺎﻧﻄﻠﻘﻮا ﻳﺪرﺳﻮن آﻞ ﺷﻲء ،وآﻞ ﻣﻜﺎن. . ٭٭٭ ﻟﻢ ﻳﻜﺪ ﻳﻤﻀﻲ ﻋﺎم ﻋﻠﻰ اﻧﺴﺤﺎب ﻗﺎزان ﺑﻌﺴﻜﺮﻩ ،ﺣﺘﻰ ﺷﺎع أﻧﻪ ﻳﺴﺘﻌﺪ ﻟﻐﺰو ﻣﺼﺮ واﻻﺳﺘﻴﻼء ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮ اﻟﺴﻠﻄﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺎهﺮة ،وﻳﺰﺣﻒ إﻟﻰ اﻟﻐﺮب ﻓﻴﺴﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻐﺮب وأﺳﺒﺎﻧﻴﺎ وأورﺑﺎ ! . .وأﻧﻪ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﻏﺰوﻩ ﺳﻴﺠﺘﺎح اﻟﺸﺎم ! وﻳﻀﻊ ﻳﺪﻩ ﻋﻠﻰ دﻣﺸﻖ! . . ﻣﺎ آﺎن اﻧﺴﺤﺎﺑﻪ ﻋﻦ اﻟﺸﺎم ،أو دﻋﺎؤﻩ ﺑﺎﻟﺼﻠﺢ إﻻ ﺧﺪﻋﺔ، إﻟﻰ أن ﻳﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ ودروﺑﻬﺎ ،وﻳﺤﺸﺪ ﻟﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻘﻬﺮهﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺪة واﻟﻌﺪﻳﺪ . .ﻓﻴﺴﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎهﺮة ﻋﺎﺻﻤﺔ دوﻟﺔ ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم . .وﻣﻨﻬﺎ ﻳﺤﻜﻢ اﻟﻌﺎﻟﻢ آﻠﻪ ! ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻳﺴﻮد اﻟﺬﻋﺮ أهﻞ دﻣﺸﻖ واﻟﺸﺎم . .ﻓﺈذا ﺑﺎﻟﻨﺎس ﻳﺮﺣﻠﻮن ،وإذا أهﻞ دﻣﺸﻖ ﻳﺘﺰاﺣﻤﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﻜﺒﻴﺮ ،ﺣﻴﺚ أﻟﻒ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ أن ﻳﻠﻘﻲ دروﺳﻪ ،وﻓﺘﺎواﻩ. . وﻟﻢ ﻳﻠﻖ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ دروﺳًﺎ ﺑﻌﺪ ،ﺑﻞ ﺣﺾ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻬﺎد. . ٧٧
ﺧﺮج إﻟﻰ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻳﺨﻄﺐ اﻟﻨﺎس . .واﻧﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻣﺴﺠﺪ إﻟﻰ ﻣﺴﺠﺪ . .ﻳﺤﺮض اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺘﺎل . .وﻳﻘﻨﻌﻬﻢ أن اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻗﺎزان ﻻ ﻋﻬﺪ ﻟﻪ ،وهﻮ ﻏﺎدر ﻓﺎﺗﻚ ،ﻳﻘﻮد ﻓﺌﺔ ﺧﺎرﺟﺔ ﻋﻦ اﻹﺳﻼم ،وﻣﻦ واﻻهﻢ ﻓﻬﻮ ﻣﻨﻬﻢ ،وﻣﻦ ﺧﺎﻓﻬﻢ ،ﻓﻘﺪ ﻋﺼﺎ اﷲ ورﺳﻮﻟﻪ. ﻗﺎل :ﻟﻘﺪ أذن اﷲ ﻟﻠﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺑﺎﻟﻘﺘﺎل ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ : أذن ﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﻘﺎﺗﻠﻮن ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻇﻠﻤﻮا ،وان اﷲ ﻋﻠﻰ ﻧﺼﺮهﻢ ﻟﻘﺪﻳﺮ اﻟﺬﻳﻦ أﺧﺮﺟﻮا ﻣﻦ دﻳﺎرهﻢ ﺑﻐﻴﺮ ﺣﻖ إﻻ أن ﻳﻘﻮﻟﻮا رﺑﻨﺎ اﷲ ،وﻟﻮﻻ دﻓﻊ اﷲ اﻟﻨﺎس ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﺒﻌﺾ ﻟﻬﺪﻣﺖ ﺻﻮاﻣﻊ وﺑﻴﻊ وﺻﻠﻮات وﻣﺴﺎﺟﺪ ﻳﺬآﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﺳﻢ اﷲ آﺜﻴﺮًا ،وﻟﻴﻨﺼﺮن اﷲ ﻣﻦ ﻳﻨﺼﺮﻩ ،إن اﷲ ﻟﻘﻮي ﻋﺰﻳﺰ .اﻟﺬﻳﻦ إن ﻣﻜﻨﺎهﻢ ﻓﻲ اﻷرض أﻗﺎﻣﻮا اﻟﺼﻼة وﺁﺗﻮا اﻟﺰآﺎة وأﻣﺮوا ﺑﺎﻟﻤﻌﺮوف ،وﻧﻬﻮا ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ ،وﷲ ﻋﺎﻗﺒﺔ اﻷﻣﻮر. ﺛﻢ إن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أوﺟﺐ اﻟﻘﺘﺎل :آﺘﺐ ﻋﻠﻴﻜﻢ اﻟﻘﺘﺎل وهﻮ آﺮﻩ ﻟﻜﻢ ،وﻋﺴﻰ أن ﺗﻜﺮهﻮا ﺷﻴﺌﺎ وهﻮ ﺧﻴﺮ ﻟﻜﻢ، وﻋﺴﻰ أن ﺗﺤﺒﻮا ﺷﻴﺌًﺎ وهﻮ ﺷﺮ ﻟﻜﻢ .واﷲ ﻳﻌﻠﻢ وأﻧﺘﻢ ﻻ ﺗﻌﻠﻤﻮن .وأآﺪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ إﻳﺠﺎب اﻟﻘﺘﺎل ،وﻋﻈﻢ أﻣﺮ اﻟﺠﻬﺎد، ﻓﻲ ﻋﺎﻣﺔ اﻟﺴﻮر اﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ،وذم اﻟﺘﺎرآﻴﻦ ﻟﻪ ،ووﺻﻔﻬﻢ ﺑﺎﻟﻨﻔﺎق وﻣﺮض اﻟﻘﻠﻮب ﻓﻘﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ :ﻗﻞ إن آﺎن ﺁﺑﺎؤآﻢ وأﺑﻨﺎؤآﻢ وإﺧﻮاﻧﻜﻢ وأزواﺟﻜﻢ وﻋﺸﻴﺮﺗﻜﻢ وأﻣﻮال اﻗﺘﺮﻓﺘﻤﻮهﺎ وﺗﺠﺎرة ﺗﺨﺸﻮن آﺴﺎدهﺎ وﻣﺴﺎآﻦ ﺗﺮﺿﻮﻧﻬﺎ ،أﺣﺐ إﻟﻴﻜﻢ ﻣﻦ اﷲ ٧٨
ورﺳﻮﻟﻪ وﺟﻬﺎد ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻠﻪ ﻓﺘﺮﺑﺼﻮا ﺣﺘﻰ ﻳﺄﺗﻲ اﷲ ﺑﺄﻣﺮﻩ ،واﷲ ﻻ ﻳﻬﺪي اﻟﻘﻮم اﻟﻔﺎﺳﻘﻴﻦ .وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ :إﻧﻤﺎ اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ﺑﺎﷲ ورﺳﻮﻟﻪ ،ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﺮﺗﺎﺑﻮا وﺟﺎهﺪوا ﺑﺄﻣﻮاﻟﻬﻢ ،وأﻧﻔﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ ،وأوﻟﺌﻚ هﻢ اﻟﺼﺎدﻗﻮن وهﺬا آﺜﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن. ﺛﻢ ﺗﻌﻈﻴﻤﻪ اﻟﺠﻬﺎد وﺗﻌﻈﻴﻢ أهﻠﻪ ﻓﻲ ﺳﻮرة اﻟﺼﻒ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻬﺎ :ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا هﻞ أدﻟﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﺗﺠﺎرة ﺗﻨﺠﻴﻜﻢ ﻣﻦ ﻋﺬاب أﻟﻴﻢ .ﺗﺆﻣﻨﻮن ﺑﺎﷲ ورﺳﻮﻟﻪ وﺗﺠﺎهﺪون ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ ﺑﺄﻣﻮاﻟﻜﻢ وأﻧﻔﺴﻜﻢ ،ذﻟﻜﻢ ﺧﻴﺮ ﻟﻜﻢ إن آﻨﺖ ﺗﻌﻠﻤﻮن .ﻳﻐﻔﺮ ﻟﻜﻢ ذﻧﻮﺑﻜﻢ وﻳﺪﺧﻠﻜﻢ ﺟﻨﺎت ﺗﺠﺮى ﻣﻦ ﺗﺤﺘﻬﺎ اﻷﻧﻬﺎر ،وﻣﺴﺎآﻦ ﻃﻴﺒﺔ ﻓﻲ ﺟﻨﺎت ﻋﺪن ،ذﻟﻚ اﻟﻔﻮز اﻟﻌﻈﻴﻢ. . وﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ :ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ﻣﻦ ﻳﺮﺗﺪ ﻣﻨﻜﻢ ﻋﻦ دﻳﻨﻪ ،ﻓﺴﻮف ﻳﺄﺗﻲ اﷲ ﺑﻘﻮم ﻳﺤﺒﻬﻢ وﻳﺤﺒﻮﻧﻪ أذﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ، أﻋﺰة ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ ﻳﺠﺎهﺪون ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ وﻻ ﻳﺨﺎﻓﻮن ﻟﻮﻣﺔ ﻻﺋﻢ ذﻟﻚ ﻓﻀﻞ اﷲ ﻳﺆﺗﻴﻪ ﻣﻦ ﻳﺸﺎء .وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ :ذﻟﻚ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺼﻴﺒﻬﻢ ﻇﻤﺄ وﻻ ﻧﺼﺐ وﻻ ﻣﺨﻤﺼﺔ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ ،وﻻ ﻼ ،إﻻ آﺘﺐ ﻳﻄﺄون ﻣﻮﻃﺌ ًﺎ ﻳﻐﻴﻆ اﻟﻜﺎﻓﺮ ،وﻻ ﻳﻨﺎﻟﻮن ﻣﻦ ﻋﺪو ﻧﻴ ً ﻟﻬﻢ ﺑﻪ ﻋﻤﻞ ﺻﺎﻟﺢ ،إن اﷲ ﻻ ﻳﻀﻴﻊ أﺟﺮ اﻟﻤﺤﺴﻨﻴﻦ ،وﻻ ﻳﻨﻔﻘﻮن ﻧﻔﻘﺔ ﺻﻐﻴﺮة وﻻ آﺒﻴﺮة ،وﻻ ﻳﻘﻄﻌﻮن وادﻳًﺎ إﻻ آﺘﺐ ﻟﻬﻢ ،ﻟﻴﺠﺰﻳﻬﻢ اﷲ أﺣﺴﻦ ﻣﺎ آﺎﻧﻮا ﻳﻌﻤﻠﻮن. هﺬا هﻮ ﺑﻌﺾ ﻣﺎ آﺎن ﻳﻘﻮﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ ﻟﻠﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﺠﻮاﻣﻊ واﻟﻄﺮﻗﺎت. ٧٩
وهﻜﺬا ﻋﺎش اﻟﺸﻴﺦ أﻳﺎﻣﻪ وﻟﻴﺎﻟﻴﻪ ﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﺻﻔﺮ ﺳﻨﺔ ٧٠٠ هـ ،ﻳﺴﺘﻨﻔﺮ اﻟﻨﺎس ﺣﻴﺜﻤﺎ اﺟﺘﻤﻌﻮا ،ﻟﻘﺘﺎل اﻟﺘﺘﺎر ،ﻟﻴﻈﻔﺮوا ﺑﺎﻟﺴﻠﻢ واﻷﻣﻦ ،ﻓﺎﻟﺤﺮب أﻧﻔﻰ ﻟﻠﺤﺮب. ﻼ " :اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﺠﻬﺎد ،وذآﺮ وﻣﺎ اﻧﻔﻚ ﻳﺘﺤﺪث ﻋﻦ اﻟﺠﻬﺎد ﻗﺎﺋ ً ﻓﻀﺎﺋﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﺔ ،أآﺜﺮ ﻣﻦ أن ﻳﺤﺼﺮ ،وﻟﻬﺬا آﺎن أﻓﻀﻞ ﻣﺎ ﺗﻄﻮع ﺑﻪ اﻹﻧﺴﺎن ،وآﺎن ﺑﺎﺗﻔﺎق اﻟﻌﻠﻤﺎء أﻓﻀﻞ ﻣﻦ اﻟﺤﺞ واﻟﻌﻤﺮة ،وﻣﻦ اﻟﺼﻼة اﻟﺘﻄﻮع ،واﻟﺼﻮم اﻟﺘﻄﻮع ،آﻤﺎ دل ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻗﺎل رﺳﻮل اﷲ ) :رأﺳﺎﻷﻣﺮ اﻹﺳﻼم ،وﻋﻤﻮدﻩ اﻟﺼﻼة ،وذروة ﺳﻨﺎﻣﻪ اﻟﺠﻬﺎد( .وﻗﺎل) :إن ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ ﻟﻤﺎﺋﺔ درﺟﺔ ،ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﺪرﺟﺔ آﻤﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﺴﻤﺎء واﻷرض ،أﻋﺪهﺎ اﷲ ﻟﻠﻤﺠﺎهﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻠﻪ( .وﻗﺎل) :ﻣﻦ اﻏﺒﺮت ﻗﺪﻣﺎﻩ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ ﺣﺮﻣﻪ اﷲ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎر( .رواﻩ اﻟﺒﺨﺎري.. . وﻓﻲ اﻟﺴﻨﻦ ) :رﺑﺎط ﻳﻮم ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ أﻟﻒ ﻳﻮم ﻓﻴﻤﺎ ﺳﻮاﻩ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺎزل( .وﻗﺎل ) :ﻋﻴﻨﺎن ﻻ ﺗﻤﺴﻬﻤﺎ اﻟﻨﺎر :ﻋﻴﻦ ﺑﻜﻴﺖ ﻣﻦ ﺧﺸﻴﺔ اﷲ ،وﻋﻴﻦ ﺑﺎﺗﺖ ﺗﺤﺮس ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ (. . وﻓﻲ ﻣﺴﻨﺪ اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ " :ﺣﺮس ﻟﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ ،أﻓﻀﻞ ﻣﻦ أﻟﻒ ﻟﻴﻠﺔ ﻳﻘﺎم ﻟﻴﻠﻬﺎ ،وﻳﺼﺎم ﻧﻬﺎرهﺎ " . .وهﺬا ﺑﺎب واﺳﻊ ،ﻟﻢ ﻳﺮد ﻓﻲ ﺛﻮاب اﻷﻋﻤﺎل وﻓﻀﻠﻬﺎ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ورد ﻓﻴﻪ ،وهﻮ ﻇﺎهﺮ. . ﻓﺈن ﻧﻔﻊ اﻟﺠﻬﺎد ﻋﺎم ﻟﻔﺎﻋﻠﻪ وﻟﻐﻴﺮﻩ ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻦ واﻟﺪﻧﻴﺎ . .وﻣﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﻮاع اﻟﻌﺒﺎدات اﻟﺒﺎﻃﻨﺔ واﻟﻈﺎهﺮة ،ﻓﺈﻧﻪ ﻣﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺒﺔ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،واﻹﺧﻼص ﻟﻪ ،واﻟﺘﻮآﻞ ﻋﻠﻴﻪ وﺗﺴﻠﻴﻢ اﻟﻨﻔﺲ ٨٠
واﻟﻤﺎل ﻟﻪ ،واﻟﺼﺒﺮ واﻟﺰهﺪ ،واﻟﻘﺎﺋﻢ ﺑﻪ ﺑﻴﻦ إﺣﺪى اﻟﺤﺴﻨﻴﻴﻦ داﺋﻤﺎ ،إﻣﺎ اﻟﻨﺼﺮ واﻟﻈﻔﺮ ،وإﻣﺎ اﻟﺸﻬﺎدة واﻟﺠﻨﺔ" . . هﻜﺬا آﺎﻧﺖ دروس اﻟﺸﻴﺦ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم. ﺛﻢ ﻳﻌﻮد إﻟﻰ أﻣﻪ ﻣﻨﻬﻜًﺎ ،ﻓﺘﻄﻌﻤﻪ ﻓﺮﺣﺔ ﺑﻪ ،داﻋﻴﺔ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺨﻴﺮ واﻟﺴﺪاد. واﻟﻤﺮﺟﻔﻮن ﻓﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻳﺸﻴﻌﻮن أن اﻟﺘﺘﺎر ﻗﺪ اﺳﺘﻮﻟﻮا ﻋﻠﻰ "ﺣﻠﺐ" ﻓﻲ ﺷﻤﺎل اﻟﺸﺎم. وﻳﻔﺰع ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ،وﻳﻠﻮذون ﺑﺎﻟﻔﺮار ﻣﻦ دﻣﺸﻖ . .أﻣﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺛﺒﺖ اﷲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ،وأﺛﺮ ﻓﻴﻬﻢ آﻼم اﻟﺸﻴﺦ ،ﻓﻘﺪ ﺣﻤﻠﻮا اﻟﺴﻼح ،وآﺎن ﻋﻠﻰ رأس هﺆﻻء ﺗﻼﻣﻴﺬ اﻟﺸﻴﺦ وأﺗﺒﺎﻋﻪ ،وﻟﺤﻘﻮا ﺑﻌﺴﻜﺮ اﻟﺸﺎم اﻟﺬي راﺑﻂ ﺧﺎرج دﻣﺸﻖ ،ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ﻗﺪوم اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻋﻠﻰ رأس ﺟﻴﺶ ﻣﺼﺮ.. . وذهﺐ اﻟﺸﻴﺦ إﻟﻰ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺬى آﺎن ﻳﻘﻮد ﻋﺴﻜﺮ اﻟﺸﺎم ،وﺧﻄﺐ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺪ ،ﺷﺎﺣﺬا هﻤﻤﻬﻢ ،وﺗﻼ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ : وﻣﻦ ﻋﺎﻗﺐ ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﻋﻮﻗﺐ ﺑﻪ ،ﺛﻢ ﺑﻐﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻴﻨﺼﺮﻧﻪ اﷲ ،إن اﷲ ﻟﻌﻔﻮ ﻏﻔﻮر وﺑﺎت ﻟﻴﻠﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ. وﻗﺒﻞ أن ﻳﻌﻮد إﻟﻰ دارﻩ ﺑﺪﻣﺸﻖ ،ﻃﻠﺐ ﻣﻦ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن أن ﻳﺄﻣﺮ ﺑﺄﻻ ﻳﺒﺮح أﺣﺪ دﻣﺸﻖ ،ﻓﺼﺪر أﻣﺮﻩ ﺑﻬﺬا.
٨١
وﻋﺎد اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ إﻟﻰ أﻣﻪ اﻟﺘﻲ ﺑﺎﺗﺖ ﻟﻴﻠﺘﻬﺎ ﻗﻠﻘﺔ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻪ اﺳﺘﺄذﻧﻬﺎ ﻓﻲ أن ﻳﺒﻴﺖ ﻟﻴﻠﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ ،ﻓﺄذﻧﺖ ﻟﻪ. وﺧﺮج إﻟﻰ درﺳﻪ. وﻟﻜﻦ اﻟﺬﻋﺮ ﻳﻐﺸﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،ﻓﻘﺪ أﺷﺎع اﻟﻤﺮﺟﻔﻮن ﻓﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،أن ﺳﻠﻄﺎن ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم ،ﺑﻌﺪ أن ﺗﺤﺮك ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻪ إﻟﻰ اﻟﺸﺎم ﻟﻤﻼﻗﺎة اﻟﺘﺘﺎر ،ﻋﺎد ﺑﻌﺴﻜﺮﻩ إﻟﻰ اﻟﻘﺎهﺮة ! ﻓﻠﻦ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﺠﻴﺸﻪ ﻟﻴﺼﺪ اﻟﺘﺘﺎر ،ﺧﻮﻓ ًﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺮﺷﻪ ! وﺧﺸﻴﺔ أن ﻳﻨﻜﺴﺮ اﻟﺠﻴﺶ أﻣﺎم ﻗﺎزان آﻤﺎ ﺣﺪث ﻣﻨﺬ ﻋﺎم !! ٭٭٭ وﻓﻲ اﻟﺤﻖ أن اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻗﻼوون ،ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﺪ ﺧﺮج ﺑﻌﺴﻜﺮ ﻣﺼﺮ ﺛﻢ ﻋﺎد ،آﻤﺎ أﺷﺎع اﻟﻤﺮﺟﻔﻮن ﻓﻲ دﻣﺸﻖ ،وﻟﻜﻨﻪ آﺎن ﻣﺎ ﻳﺰال ﻳﻌﺪ اﻟﻌﺪة ﻟﻠﺨﺮوج . .ﻟﻢ ﺗﺰاﻳﻠﻪ ﻗﻂ ﻣﺮارة اﻟﻬﺰﻳﻤﺔ اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ أﻟﺤﻘﻬﺎ ﺑﻪ اﻟﺘﺘﺎر ،ﻓﻘﺮر أن ﻳﺤﺸﺪ ﻟﻬﻢ أﺳﻠﺤﺔ ﺟﺪﻳﺪة وﺟﻴﺸًﺎ ﺿﺨﻤًﺎ ﻳﺮهﺒﻬﻢ ،وﻳﻬﺰﻣﻬﻢ هﺰﻳﻤﺔ ﺳﺎﺣﻘﺔ ﺗﻘﻀﻲ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،ﻓﺘﺄﻣﻨﻬﻢ ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم إﻟﻰ ﺁﺧﺮ اﻟﺰﻣﺎن. . وآﺎن ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺆﻣﻦ ﻇﻬﺮﻩ ،ﻓﻼ ﻳﻨﻘﺾ أﺣﺪ ﻣﻨﺘﻬﺰًا ﻓﺮﺻﺔ ﻏﻴﺎﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺮآﺔ ،ﻓﻴﺜﻞ ﻋﺮﺷﻪ ﻣﻨﻪ. إﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﻨﺴﻰ ذﻟﻚ اﻷﻣﻴﺮ اﻟﺬي ﻃﺮدﻩ واﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻋﺮﺷﻪ . .آﺎن اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻣﺎ ﻳﺰال ﺻﻐﻴﺮًا. ٨٢
ﻗﺒﺾ ﻋﻠﻴﻪ ذﻟﻚ اﻷﻣﻴﺮ وﻗﺒﺾ ﻋﻠﻰ أﻣﻪ ،وﺳﺠﻨﻬﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﻠﻌﺔ ،وأﻋﻠﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﺳﻠﻄﺎﻧًﺎ!! . . وذا ﺑﺄﻣﻴﺮ ﺁﺧﺮ آﺎن ﺷﺮﻳﻜًﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺆاﻣﺮة ،ﻳﻨﻘﺾ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻓﻴﻘﺘﻠﻪ ،وﺣﻴﻦ رأى ﺣﺐ اﻟﻨﺎس ﻟﻠﻨﺎﺻﺮ وأﻣﻪ وإﺷﻔﺎﻗﻬﻢ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ،أﻃﻠﻖ ﺳﺮاﺣﻬﻤﺎ ،وأﻋﺎد اﻷم إﻟﻰ ﻗﺼﺮهﺎ ﻣﻌﺰزة ﻣﻜﺮﻣﺔ ،وﻧﻔﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻗﻼوون إﻟﻰ اﻟﻜﺮك زاﻋﻤًﺎ أﻧﻪ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻈﻞ ﺑﻌﻴﺪًا ﻋﻦ أﻣﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻟﻠـﻪ ،ﻟﻴﺮﺑﻰ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ، ﺛﻢ ﻳﻌﻮد ﺣﻴﻦ ﻳﺸﺐ وﻳﺼﻠﺐ ﻋﻮدﻩ ،وﻳﺨﺸﻮﺷﻦ ! وﺻﻠﺐ ﻋﻮد ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻗﻼوون ،وأﺻﺒﺢ ﺷﺎﺑًﺎ ﺟﻠﺪًا ﻳﺠﻴﺪ ﻓﻨﻮن اﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ ،ﻓﻮﺛﺐ أﻣﻴﺮ ﺛﺎﻟﺚ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن وﻗﺘﻠﻪ ،ودﻋﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻗﻼوون ﻟﺘﻮﻟﻲ اﻟﻌﺮش ! وﻟﻢ ﺗﺄﻣﻦ أﻣﻪ ﺣﺘﻰ أﺧﺬت ﻣﻮﺛﻘًﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﻔﻘﻬﺎء، واﻷﻣﺮاء ،وﻋﺎﻣﺔ اﻟﺸﻌﺐ ،أن ﻳﺤﻤﻮا وﻟﺪهﺎ ﻣﺤﻤﺪًا. .
ﻧﺎﻗﺺ ﺻﻔﺤﺘﻴﻦ ﻣﻦ اﻷﺻﻞ ص ٨٠ ٨١ ، وﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻪ إﻟﻰ اﻟﻘﺎهﺮة ،ﻧﺰل ﺑﻐﺰة ،ﺑﻠﺪ اﻹﻣﺎم اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ، ﺷﻴﺦ اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ . .ﻻﺑﺪ ﻣﻦ وﻗﻔﺔ ﻋﻠﻰ هﺬا اﻟﺜﺮى اﻟﻌﺰﻳﺰ اﻟﺬي ﺷﻬﺪ ﻃﻔﻮﻟﺔ اﻹﻣﺎم اﻟﻌﻈﻴﻢ !! رﺣﺐ ﺑﻪ أهﻞ ﻏﺰة ،وأﺧﺬوا ﻳﺘﺒﺮآﻮن ﺑﻪ ،وأﻟﻘﻰ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺧﻄﺎﺑًﺎ ﻓﻲ ﻓﻀﺎﺋﻞ اﻟﺠﻬﺎد. ٨٣
وﻓﻲ اﻟﻘﺎهﺮة اﺳﺘﻘﺒﻠﻪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻗﻼوون ﺑﺤﻔﺎوة ﻋﻈﻴﻤﺔ ،وأﻇﻬﺮ ﺑﻪ اﻟﻮد واﻹآﺒﺎر.. واﺟﺘﻤﻊ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،وأﺟﻠﺴﻪ اﻟﺴﻠﻄﺎن إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻪ، وأﺛﻨﻰ ﻋﻠﻴﻪ. . وﺗﺤﺪث اﻟﺸﻴﺦ ﻋﻦ ﺣﻤﻠﺔ اﻟﺘﺘﺎر ،ﻓﺄﻓﻬﻤﻪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻌﺠﻞ ﺑﺎﻟﺨﺮوج ﻗﺒﻞ أن ﻳﺘﻢ اﻻﺳﺘﻌﺪاد ،ﻟﺌﻼ ﺗﺘﻜﺮر اﻟﻬﺰﻳﻤﺔ !! ورأى اﻟﺸﻴﺦ ﻓﻲ رد اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺗﻘﺎﻋﺴًﺎ ﻋﻦ ﻧﺠﺪة أهﻞ اﻟﺸﺎم وهﻢ رﻋﻴﺘﻪ ،ﻓﻘﺎل" :إن آﻨﺘﻢ أﻋﺮﺿﺘﻢ ﻋﻦ اﻟﺸﺎم وﺣﻤﺎﻳﺘﻪ ،أﻗﻤﻨﺎ ﻟﻪ ﺳﻠﻄﺎﻧًﺎ ﻳﺤﻮﻃﻪ وﻳﺤﻤﻴﻪ وﻳﺴﺘﻐﻠﻪ ﻓﻲ زﻣﻦ اﻷﻣﻦ" ﺛﻢ ﺳﻜﺖ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻜﻤﻞ" :وﻟﻮ ﻗﺪر أﻧﻜﻢ ﻟﺴﺘﻢ ﺣﻜﺎم اﻟﺸﺎم ،وﻻ ﻣﻠﻮآﻪ، واﺳﺘﻨﺼﺮآﻢ أهﻠﻪ ،وﺟﺐ ﻋﻠﻴﻜﻢ اﻟﻨﺼﺮ ،ﻓﻜﻴﻒ وأﻧﺘﻢ ﺣﻜﺎﻣﻪ وﺳﻼﻃﻴﻨﻪ ،وهﻢ رﻋﺎﻳﺎآﻢ وأﻧﺘﻢ ﻣﺴﺌﻮﻟﻮن ﻋﻨﻪ .. .ﻓﺈن ﺗﺨﻠﻴﺘﻢ ﻋﻦ اﻟﺸﺎم وﻧﺼﺮة أهﻠﻪ واﻟﺬب ﻋﻨﻬﻢ ،ﻓﺈن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﻘﻴﻢ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻳﻨﺼﺮﻩ ﻏﻴﺮآﻢ ،وﻳﺴﺘﺒﺪل ﺑﻜﻢ ﺳﻮاآﻢ . .ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ :وإن ﺗﺘﻮﻟﻮا ﻳﺴﺘﺒﺪل ﻗﻮ ًﻣﺎ ﻏﻴﺮآﻢ ﺛﻢ ﻻ ﻳﻜﻮﻧﻮا أﻣﺜﺎﻟﻜﻢ .وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ : أﻻ ﺗﻨﻔﺮوا ﻳﻌﺬﺑﻜﻢ ﻋﺬاﺑًﺎ أﻟﻴﻤًﺎ وﻳﺴﺘﺒﺪل ﻗﻮﻣﺎ ﻏﻴﺮآﻢ ،وﻻ ﺗﻀﺮوﻩ ﺷﻴﺌًﺎ ﺻﺪق اﷲ اﻟﻌﻈﻴﻢ. واﺳﺘﺤﺴﻦ اﺑﻦ دﻗﻴﻖ اﻟﻌﻴﺪ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ،ﻓﺄﺛﻨﻰ ﻋﻠﻰ ﺷﺠﺎﻋﺘﻪ وﺣﺴﻦ اﺳﺘﻨﺒﺎﻃﻪ. ٨٤
وﻟﻢ ﻳﻐﻀﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن . .ﻓﻬﻮ ﻣﺎزال ﻳﺬآﺮ ﻣﺎ ﺳﻤﻌﻪ ﻋﻦ ﻣﻮﻗﻒ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻣﻊ ﻗﺎزان ،وهﻮ ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ ﻳﺠﻠﻪ وﻳﻜﺒﺮﻩ وﻳﺤﺘﺮم ﻓﻴﻪ اﻟﺼﺪق واﻹﺧﻼص وﺷﺠﺎﻋﺔ اﻟﻘﻠﺐ واﻟﻐﻀﺐ ﻟﻠﺤﻖ. أﺧﺬ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻳﺸﺮح ﻟﻠﺸﻴﺦ ﺧﻄﺮ اﻟﻤﺒﺎدرة ﺑﻤﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺘﺘﺎر ﺑﺠﻴﺶ ﻳﻘﻞ ﻋﺪة وﻋﺪدًا ﻋﻦ ﺟﻴﺸﻬﻢ ،وأﻧﻪ ﻳﺤﺸﺪ اﻟﺠﻴﻮش اﻟ ُﻤﺠﻴﺸﺔ ،ﻟﻴﻨﺰل ﺑﺎﻟﺘﺘﺎر هﺰﻳﻤﺔ ﺗﻤﺤﻘﻬﻢ ﺑﺎذن اﷲ إﻟﻰ اﻷﺑﺪ. . وﻗﺒﻞ أن ﻳﺮد اﻟﺸﻴﺦ ،ﺟﺎء اﻟﺤﻤﺎم اﻟﺰاﺟﻞ ﻳﺒﺸﺮ اﻟﺴﻠﻄﺎن أن اﻟﺘﺘﺎر ﻋﺎدوا أدراﺟﻬﻢ ،ﻓﻘﺪ ﻋﺮﻓﻮا أﻧﺒﺎء اﻻﺳﺘﻌﺪادات ﻓﻲ اﻟﻘﺎهﺮة ! وﻟﻜﻨﻬﻢ رﺑﻤﺎ ﻋﺎدوا ﺑﻌﺪ ﺣﻴﻦ ،ﺑﻌﺪ أن ﻳﻌﺪوا ﺟﻴﺸًﺎ ﻳﻮاﺟﻪ ﺟﻴﻮش اﻟﺴﻠﻄﺎن. ﻋﻤﺖ اﻟﻔﺮﺣﺔ ،وأﻗﻴﻤﺖ اﻷﻓﺮاح ،وﺳﻄﻌﺖ ﻟﻴﺎﻟﻲ اﻟﻘﺎهﺮة ﺑﺎﻷﺿﻮاء ..آﻤﺎ أﺿﺎءت ﻟﻴﺎﻟﻲ دﻣﺸﻖ ﺑﺎﻟﺒﻬﺠﺔ. أﻣﺎ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻓﻘﺪ ﻋﺰم ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ دﻣﺸﻖ . .وﺣﺎول اﻟﺴﻠﻄﺎن أن ﻳﻘﻨﻌﻪ أن ﻳﺒﻘﻲ ﻓﻲ اﻟﻘﺎهﺮة ﻋﺪة أﺷﻬﺮ . .وﻟﻜﻨﻪ ﺷﻜﺮ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،ﻓﻼ ﺑﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ دﻣﺸﻖ :إﻟﻰ أﻣﻪ، واﻟﺼﺤﺎب ،واﻟﻄﻼب. . ﻟﻘﺪ ﺟﺎء ﻣﻊ اﻟﺒﺮﻳﺪ ،وﺳﻴﻌﻮد ﻣﻊ اﻟﺒﺮﻳﺪ . .إﻟﻰ اﻟﺪرس ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ. . ٨٥
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ﺗﺮك اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ اﻟﻘﺎهﺮة ،واﻟﻠﻬﻔﺔ ﺗﻀﻄﺮم ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﻪ ،ﻓﻬﻮ ﻣﺸﻮق إﻟﻰ أﻣﻪ اﻟﺮءوم ،وإﻟﻰ ﺻﺤﺎﺑﻪ وﻃﻼﺑﻪ ،وإﻟﻰ أﺷﻴﺎﺋﻪ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺒﻬﺎ :ﺧﺰاﻧﺔ آﺘﺒﻪ ،وﻣﺠﻠﺴﻪ ﻓﻲ درس اﻟﺤﺪﻳﺚ ،وﺣﻠﻘﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻷﻣﻮي. . ﺁﻩ ﻟﻮ أﻧﻪ ﺳﺎﻓﺮ ﻋﻠﻰ أﺟﻨﺤﺔ اﻟﺤﻤﺎم !! وﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ﻻﺣﺖ ﻟﻪ ﻣﺂذن دﻣﺸﻖ وﻗﺒﺎﺑﻬﺎ ،ﺗﺴﻄﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺿﻮاء اﻟﻤﺸﺎﻋﻞ ،وﺗﻨﺎهﺖ إﻟﻰ أذﻧﻴﻪ أﺻﺪاء اﻷﻏﺎرﻳﺪ واﻷﻧﺎﺷﻴﺪ ،وﺻﻴﺤﺎت اﻟﻔﺮح . .ﻣﺎزاﻟﺖ دﻣﺸﻖ ﺗﺤﺘﻔﻞ آﻤﺎ اﺣﺘﻔﻠﺖ اﻟﻘﺎهﺮة .ﻻ ﺿﻴﺮ ،ﻓﻬﺬا ﺧﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻈﻠﻤﺎت ،ورﺟﻊ اﻟﺼﺮﺧﺎت !! وﺧﺎض اﻟﻠﻴﻞ اﻟﻤﺘﻸﻟﻰء ﺑﺎﻟﺸﻤﻮع ،اﻟﺨﺎﻓﻖ ﺑﺎﻟﻔﺮﺣﺔ. . ﻣﺴﺮﻋًﺎ إﻟﻰ أﻣﻪ. . ورﺁﻩ اﻟﻤﺤﺘﻔﻠﻮن ﻓﺘﺰاﺣﻤﻮا ﻋﻠﻴﻪ ،ﻳﻬﺘﻔﻮن ﺑﺎﺳﻤﻪ ،وﻳﺪﻋﻮن ﻟﻪ ،وﻳﺘﺒﺮآﻮن ﺑﻪ. . إﻧﻪ وﺣﺪﻩ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﻤﻸ ﻣﻦ أهﻞ دﻣﺸﻖ ،هﻮ اﻟﺬي ﻳﺘﻘﺪم ﻹﻧﻘﺎذ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،وﻧﺼﺮة اﻟﻨﺎس ! هﻜﺬا ﺻﻨﻊ ﻣﻨﺬ ﻋﺎم ،ﻓﺄﺟﻠﻰ ﻗﺎزان وﺟﻨﻮدﻩ ﻋﻦ أﺑﻮاب دﻣﺸﻖ. . ٨٦
وهﺎ هﻮ ذا اﻟﻴﻮم ﻳﺬهﺐ إﻟﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻓﻲ اﻟﻘﺎهﺮة ﻳﺴﺘﻨﻔﺮﻩ. ﻓﻤﺎ ﻳﻜﺎد اﻟﺘﺘﺎر ﻳﻌﻠﻤﻮن أن اﻟﻘﺎهﺮة ﺗﺴﺘﻌﺪ ﺑﺠﻨﻮد ﻻ ﻗﺒﻞ ﻟﻬﺎ ﺑﻬﺎ، ﺣﺘﻰ ﻳﻮﻟﻮا اﻷدﺑﺎر! ﺗﺄﻣﻞ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ اﺣﺘﻔﺎء اﻟﻨﺎس ﺑﻪ ،وﻣﻮﻗﻌﻪ ﻣﻨﻬﻢ ،ﻓﺪﻋﺎ اﷲ أن ﻳﺠﻨﺒﻪ اﻟﻐﺮور . .ﻓﻼ ﻳﺠﺘﻤﻊ اﻟﻐﺮور واﻹﻳﻤﺎن ﻓﻲ ﻗﻠﺐ رﺟﻞ واﺣﺪ. . وﺳﺄل اﷲ أن ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺧﺪﻣﺔ إﻻﺳﻼم واﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ،وﻗﻬﺮ أﻋﺪاء اﻟﺪﻳﻦ ،واﻟﻌﻮدة ﺑﻪ إﻟﻰ ﻧﻀﺎرﺗﻪ اﻷوﻟﻰ. . وﻟﻢ ﻳﺨﺮج ﻟﻴﻠﺘﻪ ﻣﻦ ﺑﻴﺘﻪ ،ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻟﺤﺎح اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻘﺪ أﺣﺴﻦ أن ﻣﻦ اﻟﺒﺮ ﺑﺄﻣﻪ ،أن ﻳﺒﻘﻰ ﻣﻌﻬﺎ ،وﻣﻊ أﺧﻮﻳﻪ. . ٭٭٭ وﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح آﺎن ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺴﻪ ﻣﻦ دار اﻟﺤﺪﻳﺚ ،ﺛﻢ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﺘﻪ ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻊ اﻷﻣﻮي ،ﻓﻄﻼﺑﻪ ورواد اﻟﺤﻠﻘﺔ ،هﻢ أﺻﺤﺎب اﻟﺤﻖ اﻷول ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻌﺪ أﻣﻪ. . وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓﺮغ ﻣﻦ ﺣﻠﻘﺘﻪ ،رآﺐ ﻓﺮﺳﻪ إﻟﻰ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن. واﺳﺘﻘﺒﻠﻪ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﺤﺘﻔﻴًﺎ ﺑﻪ ،ﻣﺘﻮاﺿﻌًﺎ ﻟﻪ ،وأﻇﻬﺮ ﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﻮدة وإﻻآﺒﺎر ،ﻟﻢ ﻟﻢ ﻳﺒﺪﻩ ﻗﻂ ﻷﺣﺪ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﺸﺎم أو أﻣﺮاﺋﻪ.
٨٧
ﻗﺎل ﻟﻪ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﺒﺘﺴﻤًﺎ " :رﺿﻴﻨﺎ ﻣﻨﻚ ﻳﺎ ﺷﻴﺨﻨﺎ ﺑﺄن ﻧﻜﻮن ﺑﻌﺪ اﻷم اﻟﺮءوم . .وﻟﻜﻦ أﻻ ﺗﺤﺴﺒﻨﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺮﻳﺪﻳﻦ وﻃﻼب ﻋﻠﻤﻚ ؟ ". ﻓﻀﺤﻚ اﻟﺸﻴﺦ" :أﻧﺖ اﻟﺮاﻋﻲ وﺗﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺼﺒﺮ ،أﻣﺎ اﻟﻄﻼب ورواد اﻟﺤﻠﻘﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﻋﻴﺔ ﻓﻼ ﻳﺼﺒﺮون " آﺎن اﻷﻣﺮاء واﻟﻔﻘﻬﺎء واﻷﻋﻴﺎن ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر اﻟﺸﻴﺦ ﻋﻨﺪ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،ﻓﻘﺪ ﺟﻤﻌﻬﻢ ﻣﻨﺬ أرﺳﻞ إﻟﻴﻪ اﻟﺸﻴﺦ أﻧﻪ ﺳﻴﺠﻴﺌﻪ ﺑﻌﺪ اﻧﺘﻬﺎء ﺣﻠﻘﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻷﻣﻮي. . هﺆﻻء ﺟﻤﻴﻌًﺎ آﺎﻧﻮا ﻗﺪ ﻓﺮوا ﻣﻦ دﻣﺸﻖ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣﺎﺻﺮهﺎ اﻟﺘﺘﺎر ﻣﻨﺬ ﻋﺎم إﻻ ﻗﻠﻴﻼ ،ﻓﻴﻬﻢ ﻗﺎﺋﺪ اﻟﻘﻠﻌﺔ ! وﻣﻦ هﺆﻻء اﻟﺤﺎﺿﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﻻذوا ﺑﺎﻟﺘﺘﺎر ﺣﻴﻨﺬاك! . آﺎن اﻟﺤﺎﺿﺮون ﻓﻲ أﺑﻬﻰ ﺣﻠﻠﻬﻢ ،ﺗﻠﻮح ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻈﺎهﺮ اﻟﻐﻨﻰ اﻟﻔﺎﺣﺶ ،وأﻣﺎرات اﻟﺮﺿﺎ ﻋﻦ اﻟﻨﻔﺲ ،آﺄﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻘﺘﺮﻓﻮا ذات ﻳﻮم ﻣﺎ ﻳﺸﻴﻦ اﻟﺮﺟﺎل ! . .ﻣﺎ أﺻﺒﺮهﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎر! . . وﺳﺄﻟﻪ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﻦ أﺧﺒﺎر اﻟﻘﺎهﺮة ،ﻣﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺤﻤﻠﻪ اﻟﺒﺮﻳﺪ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺸﻴﺦ ﻟﻢ ﻳﺠﺒﻪ ،ﻓﻘﺪ آﺎن ﻻ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻘﻮل ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻩ ،أﻣﺎم هﺆﻻء اﻟﺮﺟﺎل ،اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺪ ﻳﻔﺮون ﻋﻨﺪ اﻟﺮوع إﻟﻰ اﻟﻌﺪو ،ﺑﻤﺎ ﻋﺮﻓﻮﻩ ﻣﻦ أﺳﺮار! . . ﻟﻢ ﻳﻘﻞ اﻟﺸﻴﺦ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ أﺧﺒﺎر اﻟﺴﻠﻄﺎن ،وﻟﻜﻨﻪ ذآﺮﻩ ﺑﺎﻟﺨﻴﺮ ،ودﻋﺎ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻨﺼﺮ ،وﻗﺎل إﻧﻪ ﺗﺮك اﻟﻘﺎهﺮة ،واﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﻜﻴﻦ وأﻣﺮاؤهﺎ وﻋﻠﻤﺎؤهﺎ ﻓﻲ أﺣﺴﻦ ﺣﺎل. ٨٨
وذآﺮ ﻃﺮاﺋﻒ ﻋﻦ أهﻞ اﻟﻘﺎهﺮة وهﻢ ﻳﺤﺘﻔﻠﻮن ﺑﻌﺪول اﻟﺘﺘﺎر ﻋﻦ ﻏﺰو اﻟﺸﺎم. . وأدرك ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﺎ ﻳﻘﺼﺪﻩ اﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﺴﺄﻟﻪ ،وﺑﻌﺪ ﻗﻠﻴﻞ ﻓﺾ اﻟﻤﺠﻠﺲ واﺳﺘﺒﻘﻰ اﻟﺸﻴﺦ. . ﺧﺮج ﺧﺼﻮم اﻟﺸﻴﺦ وﺣﺴﺎدﻩ ،واﻟﻐﻴﻆ ﻳﺄآﻞ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻣﻦ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن واﻟﺸﻴﺦ ﺟﻤﻴﻌًﺎ. وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺧﻼ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﺎﻟﺸﻴﺦ ،ﺣﺪﺛﻪ ﻋﻤﺎ اﻃﻠﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ اﻟﻘﺎهﺮة ﻣﻦ أﻋﺪاد ﻟﻠﻌﺪو ،وﻃﻠﺐ ﻣﻨﻪ أن ﺗﻨﺸﻂ ﻣﺼﺎﻧﻊ اﻟﺴﻼح ﻓﻲ دﻣﺸﻖ ﻻﺑﺘﻜﺎر أدوات ﺣﺮﺑﻴﺔ ﺣﺪﻳﺜﺔ ،آﻤﺎ ﻳﻔﻌﻠﻮن ﻓﻲ اﻟﻘﺎهﺮة ،ﻓﺎﻟﺘﺘﺎر ﻻ رﻳﺐ ﺳﻴﺰﺣﻔﻮن ،ﻳﻮم ﻳﺴﺘﻜﻤﻠﻮن اﺳﺘﻌﺪادهﻢ، وﻻ ﺧﻼص ﻣﻨﻬﻢ إﻻ أن ﻳﻀﺮﺑﻬﻢ ﻋﺴﻜﺮ ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم ﺿﺮب رادﻋﺔ ،ﺗﻜﻮن هﻰ اﻟﻘﺎﺿﻴﺔ !! وأﺧﺬ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﻨﺼﻴﺤﺔ اﻟﺸﻴﺦ. . ﺛﻢ ﻃﻠﺐ ﻣﻨﻪ اﻟﺸﻴﺦ إﺑﻄﺎل اﻟﺒﺪع واﻟﻤﻨﻜﺮات ،وﺷﻦ ﺣﻤﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎﻃﻨﻴﺔ اﻟﻤﻨﺘﺴﺒﻴﻦ ﻟﻠﺸﻴﻌﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻇﺎهﺮوا اﻟﺘﺘﺎر ﻣﻨﺬ ﻋﺎم، وﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮهﻢ ﻣﻤﻦ ﻳﻜﺎﺗﺒﻮن اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﻗﺒﺮص، وﻳﻨﺎﺻﺮوﻧﻬﻢ ﻋﻠﻰ إﺧﻮاﻧﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻮﻃﻦ واﻟﺪﻳﻦ! . . وﻟﻜﻦ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن رأى أن ﺗﺤﺘﺸﺪ آﻞ اﻟﻘﻮى اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ اﺳﺘﻌﺪادًا ﻟﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﻔﺎﺟﺌﻬﻢ ﺑﻪ اﻟﺘﺘﺎر .ﻓﻼ ﻳﺘﺸﺘﺖ اﻟﺠﻴﺶ ﻓﻲ أآﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻴﺪان ! أﻣﺎ ﻋﻦ إﺑﻄﺎل اﻟﺒﺪع واﻟﻤﻨﻜﺮات ،ﻓﺄﻣﺮ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻨﻪ، ﻟﺘﻨﺸﻐﻞ اﻷﻣﺔ ﺑﻤﺎ هﻮ أﺟﺪى ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وأﻧﻔﻊ ﻟﻬﺎ ،وﻟﻴﻜﻮن آﻞ ٨٩
أﻓﺮادهﺎ أﻗﻮﻳﺎء أﺻﺤﺎء اﻟﻨﻔﻮس واﻷﺑﺪان ،ﺻﺎﻟﺤﻴﻦ ﻟﻠﺠﻬﺎد آﻤﺎ ﻳﻘﻮل اﻟﺸﻴﺦ. . واﻟﺸﻴﺦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻨﻬﺾ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﺟﻤﻴﻌًﺎ ،وهﻮ ﻓﻲ هﺬا ﻳﻨﻮب ﻋﻦ وﻟﻲ اﻷﻣﺮ ،وﻣﻦ أﺗﺒﺎﻋﻪ ﺷﺒﺎن أﻗﻮﻳﺎء ﻣﺴﻠﺤﻮن ،وهﻢ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن ﺗﺄدﻳﺐ أﻧﺼﺎر اﻟﺘﺘﺎر واﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ ،وإﺑﻄﺎل اﻟﺒﺪع واﻟﻤﻨﻜﺮات. وأذن اﻟﺸﻴﺦ ﻓﻲ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ وأﺻﺤﺎﺑﻪ وأﺗﺒﺎﻋﻪ ،أن ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،رﺧﺺ ﻟﻬﻢ أن ﻳﻘﻮﻣﻮا ﺑﺈﺑﻄﺎل اﻟﺒﺪع واﻟﻤﻨﻜﺮات، وﻓﻲ ردع ﻣﻦ ﺧﺮﺟﻮا ﻋﻠﻰ اﻷﻣﺔ ،وﻇﺎهﺮوا اﻷﻋﺪاء ﻋﻠﻴﻬﺎ. . وﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ اﻧﻄﻠﻖ أﺗﺒﺎﻋﻪ ﻳﺮﻳﻘﻮن اﻟﺨﻤﻮر ﻓﻲ اﻟﺤﺎﻧﺎت، وﻳﻬﺎﺟﻤﻮن دور اﻟﻔﺴﺎد ،وﻳﺴﻠﻤﻮن ﻣﻦ ﻓﻴﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﻀﺎة ! وﻣﻀﻰ أﺗﺒﺎع اﻟﺸﻴﺦ ﻳﻌﻈﻮن زوار ﻗﺒﻮر اﻷوﻟﻴﺎء ،أﻻ ﻳﺘﻮﺳﻠﻮا ﺑﻬﺎ ،وﻳﻔﻀﺤﻮن أﻻﻋﻴﺐ اﻟﻤﺸﻌﻮذﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺪﻋﻮن اﻟﺰهﺪ واﻟﺘﺼﻮف ،وﻳﻌﺮﺿﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس اﻟﻤﺘﺤﻠﻘﻴﻦ ﺣﻮﻟﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻗﺎت واﻟﻤﻴﺎدﻳﻦ أﻟﻌﺎﺑﻬﻢ اﻟﺴﺤﺮﻳﺔ ،آﺎﻟﺪﺧﻮل ﻓﻲ اﻟﻨﺎر وﻣﺪاﻋﺒﺔ اﻷﻓﺎﻋﻲ ،ﻓﻴﺸﻐﻠﻮن اﻟﻨﺎس ﻋﻦ ﺟﺪ اﻷﻣﻮر ،وﻳﺴﺘﻮﻟﻮن ﻋﻠﻰ أﻣﻮاﻟﻬﻢ ﻓﻲ زﻣﻦ ﺻﻌﺐ ﻟﻢ ﻳﺼﻠﺢ ﻟﻠﻬﺰل ﺑﻌﺪ ! وﻣﻀﻰ أﺗﺒﺎع اﻟﺸﻴﺦ ﻣﻦ اﻷﺗﻘﻴﺎء اﻷﻗﻮﻳﺎء ،ﻳﺘﺮﺑﺼﻮن ﺑﻤﻦ ﻳﺸﺎع ﻋﻨﻪ أﻧﻪ ﻳﻘﺒﺾ اﻟﺮﺷﻮة ﻓﺈذا ﺗﺄآﺪ ﻟﻬﻢ ﻣﺎ أﺷﻴﻊ ،ﺷﻜﻮﻩ ﻟﻠﻘﺎﺿﻲ. . ٩٠
وآﺎن اﻟﺸﻴﺦ ﻳﻘﻮد أﺗﺒﺎﻋﻪ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ،وﻳﻨﺼﺤﻬﻢ أﻻ ﻳﻐﻠﻈﻮا ﻣﻊ هﺆﻻء ﺟﻤﻴﻌًﺎ . .ﻓﻠﻴﺒﺪؤهﻢ ﺑﺎﻟﻨﺼﻴﺤﺔ ،ذﻟﻚ أﻧﺎﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮوف واﻟﻨﺎهﻲ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ ﻳﺠﺐ أن ﻳﺒﻴﻦ ﺣﻜﻢ اﻟﺸﺮع ﺑﺎﻟﻤﻮﻋﻈﺔ اﻟﺤﺴﻨﺔ ،ﻓﺈذا ﻟﻢ ﻳﺘﻌﻆ اﻟﻤﺨﺎﻟﻔﻮن ،ﺣﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﻌﻘﺎب. . واﻟﻌﻘﺎب ﺣﻖ ﺧﺎﻟﺺ ﻟﻮﻟﻴﺎﻷﻣﺮ وﺣﺪﻩ ،وﻟﻜﻦ اﻵﻣﺮﻳﻦ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮوف واﻟﻨﺎهﻴﻦ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ ﻳﺴﺎﻋﺪوﻧﻪ. وﻟﻬﺬا أوﺟﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺸﻴﺦ أﻻ ﻳﻌﺎﻗﺒﻮا أﺣﺪًا ،وﻳﻘﺪﻣﻮﻩ ﺑﺎﻟﺸﻬﺪاء ﻋﻠﻴﻪ إﻟﻰ اﻟﻘﺎﺿﻲ ،ﻟﻴﻘﻀﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻤﺎ أﻧﺰل اﷲ. ﺛﻢ ﺧﺮج وﻣﻌﻪ ﺧﻠﻖ آﺜﻴﺮ إﻟﻰ اﻟﺠﺒﻞ ،ﺣﻴﺚ ﻳﻌﺘﺼﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻧﺎﺻﺮوا اﻟﺘﺘﺎر وآﺎﺗﺒﻮا اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ .ﻓﻠﻤﺎ أﺣﺴﻮا ﺑﺎﻟﺸﻴﺦ وﺣﻤﻠﺘﻪ اﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ،ﺟﺎء ﺷﻴﻮﺧﻬﻢ ﻧﺎدﻣﻴﻦ ﻋﻤﺎ ﺑﺪر ﻣﻨﻬﻢ ،ﻓﻜﻠﻤﻬﻢ ﻓﻲ ﻋﻘﺎﺋﺪهﻢ ،واﺳﺘﺘﺎﺑﻬﻢ ﻓﺘﺎﺑﻮا" . .وﺣﺼﻞ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺧﻴﺮ آﺜﻴﺮ " وﺿﺞ ﻗﻮم ﻓﻲ دﻣﺸﻖ ﻣﻤﺎ ﻳﺼﻨﻌﻪ اﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ وأﺗﺒﺎﻋﻪ ،واﺳﺘﻬﺎل ﺣﺴﺎدﻩ أن ﻳﺄﻣﺮ اﻟﺸﻴﺦ وﻳﻨﻬﻲ ،وﻳﺘﺨﺬ ﻣﻦ أﺗﺒﺎﻋﻪ ﺷﺮﻃﺔ وﻋﺴﻜﺮًا... وﺟﺎؤا ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،ﻳﺸﻜﻮن اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ. ﻗﺎﻟﻮا :ﻟﻘﺪ دﺧﻞ اﻟﻐﺮور اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ،ورآﺒﻪ اﻟﺼﻠﻒ ،ﻓﺤﺴﺐ ﻧﻔﺴﻪ وﻟﻲ اﻷﻣﺮ. ﻓﻘﺎل ﻟﻬﻢ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن " :إﻧﻪ ﻳﻔﻌﻞ هﺬا ﺑﺈذﻧﻲ وﻧﻴﺎﺑﺔ ﻋﻨﻲ " ﻓﺎﻧﺼﺮﻓﻮا ﻏﺎﺿﺒﻴﻦ ،ﻣﺘﺮﺑﺼﻴﻦ ﺑﺎﻟﺸﻴﺦ !.. ٩١
٭٭٭ ﺗﻮاري أهﻞ اﻟﻔﺴﺎد ،ﻓﻬﺪأ اﻟﺸﻴﺦ وأﺗﺒﺎﻋﻪ. . ﻋﺎد اﻟﺸﻴﺦ ﻳﻘﻀﻲ آﻞ وﻗﺘﻪ ﺑﻴﻦ اﻟﺒﻴﺖ ،واﻟﻄﻼب ورواد اﻟﺤﻠﻘﺔ. آﺎﻧﺖ اﻟﺤﻠﻘﺔ ﻣﺰدﺣﻤﺔ ﺑﺮوادهﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻌﻮدوا ارﺗﻴﺎدهﺎ، وﺑﺂﺧﺮﻳﻦ آﺎن ﻋﺪدهﻢ ﻳﺰداد ﻓﻲ آﻞ ﻳﻮم ،ﻣﻨﻬﻢ اﻷﻣﺮاء واﻷﻋﻴﺎن ،وﺑﻌﺾ ﻣﺨﺎﻟﻔﻴﻪ. ﺟﻠﺲ ﻓﻲ اﻟﺤﻠﻘﺔ ﻳﺸﺮح ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ اﻷﺛﺮ :ﻣﻦ ﺑﺎت ﺁﻣﻨًﺎ ﻓﻲ ﺳﺮﺑﻪ ،ﻣﻌﺎﻓﻰ ﻓﻲ ﺑﺪﻧﻪ ،ﻋﻨﺪﻩ ﻗﻮت ﻳﻮﻣﻪ ،ﻓﻜﺄﻧﻤﺎ ﺣﻴﺰت ﻟﻪ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺤﺬاﻓﻴﺮهﺎ. ﻗﺎﻃﻌﻪ أﺣﺪ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻣﻦ ﺧﺼﻮﻣﻪ ﺳﺎﺧﺮًا " :ﺑﺎﻷﻣﺲ آﻨﺖ ﺗﺘﺼﺮف آﺄﻧﻚ وﻟﻴﺎﻷﻣﺮ ! ﻓﻬﻞ أﺻﺒﺤﺖ ﻣﻨﺬ اﻟﻴﻮم زاهﺪًا ؟!" واﺣﺘﺪ اﻟﺸﻴﺦ " :زهﺪ اﻟﺸﺎآﺮ اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﻌﺎﻗﻞ اﻟﻤﺘﻮآﻞ ﻋﻠﻰ اﷲ ،وهﺬا هﻮ ﻣﺎ أﻣﺮﻧﺎ ﺑﻪ ،ﻻ زهﺪ اﻟﻤﺘﻨﻄﻊ اﻟﻤﺘﻮاآﻞ اﻟﺬي ﻧﻬﺎﻧﺎ ﻋﻨﻪ . .وﻻ زهﺪ اﻟﻤﺒﺘﺪﻋﻴﻦ آﺒﻌﺾ أﺻﺤﺎﺑﻚ ﻣﻤﻦ ﻳﻨﺘﺴﺒﻮن إﻟﻰ اﻟﺘﺼﻮف !" ... وﺣﺎول ﻣﻘﺎﻃﻌﻪ أن ﻳﺮد ،وﻟﻜﻦ أهﻞ اﻟﺤﻠﻘﺔ أﺳﻜﺘﻮﻩ ،ﻓﻤﺎ ﺟﺎءوا إﻻ ﻟﻴﺴﻤﻌﻮا اﻟﺸﻴﺦ ﻻ ﻣﺨﺎﻟﻔﻴﻪ!. . ﻼ وهﻮ ﻳﻌﺎهﺪ اﷲ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻪ وﺑﻴﻦ ﻧﻔﺴﻪ ،أن ﺻﻤﺖ اﻟﺸﻴﺦ ﻗﻠﻴ ً ﻳﺸﻦ اﻟﺤﻤﻠﺔ ﻋﻠﻰ هﺆﻻء ﺟﻤﻴﻌًﺎ ...ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺠﻲء اﻟﻮﻗﺖ ،ﺣﻴﻦ ﻳﻔﺮغ ﻣﻦ ﻗﺮاءة آﻞ ﻣﺎ آﺘﺒﻪ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ واﻟﻤﺘﺼﻮﻓﺔ!. . ٩٢
وﻋﺎد ﻳﻜﻤﻞ ﺷﺮح ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ اﻷﺛﺮ ،ﻓﺬم آﻨﺰ اﻟﻤﺎل ،وﻓﻲ اﻷﻣﺔ ذوو ﺣﺎﺟﺔ ،وﺿﺮب اﻷﻣﺜﺎل ﻣﻦ زهﺪ اﻟﺮﺳﻮل ، وﺻﺤﺎﺑﺘﻪ . .ﺛﻢ اﺳﺘﻄﺮد ﻳﺸﺮح ﻣﺴﺌﻮﻟﻴﺔ وﻟﻴﺎﻷﻣﺮ ﻋﻦ إﺧﺮاج اﻷﻣﻮال ﻗﻬﺮًا ﻣﻦ آﺎﻧﺰﻳﻬﺎ ،إذا اﺣﺘﺎﺟﺖ اﻷﻣﺔ ،أو آﺎن ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﺼﻞ إﻟﻰ ﺣﺪ اﻟﻜﻔﺎﻳﺔ. . وﻟﻴﺎﻷﻣﺮ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﺰاهﺪﻳﻦ اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﻻ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺮﻓﻴﻦ .ﻓﻤﺎ ﻣﻦ أﺣﺪ ﻓﻲ اﻟﺮﻋﻴﺔ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺴﺘﺠﻴﺐ ﻟﻮﻟﻲ ﻼ ﻳﺤﺘﺬى ،ﻓﻴﻔﺮض هﻴﺒﺘﻪ ﻋﻠﻰ اﻷﻣﺮ ،إﻻ إذا آﺎن هﻮ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻣﺜ ً ﻗﻠﻮب اﻟﺮﻋﻴﺔ. . وﺧﻴﺮ ﻣﺎ ﻳﺘﺤﻠﻰ ﺑﻪ هﻮ أن ﻳﻈﻬﺮ اﻟﻄﺎﻋﺔ ﷲ ورﺳﻮﻟﻪ ،ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻠﻲ ﻣﻦ أﻣﻮر اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ . .وهﻨﺎ ﻏﻨﻰ ﻟﻮﻟﻴﺎﻷﻣﺮ ﻋﻦ اﻟﻤﺸﺎورة . .ﻓﺎﻟﺸﻮرى ﺗﻮﻓﺮ ﻟﻪ اﻹﻟﻤﺎم ﺑﻤﺼﻠﺤﺔ اﻷﻣﺔ ،وﺗﻀﻤﻦ ﻟﻪ اﻟﺮأي اﻟﺴﺪﻳﺪ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻘﻀﻲ ﺑﻪ ،وﺗﻀﻤﻦ ﻟﻪ ﻗﺒﻮل اﻟﺮﻋﻴﺔ ﻷواﻣﺮﻩ وﻧﻮاهﻴﻪ. . واﻟﺸﻮرى ﻻزﻣﺔ ﻷوﻟﻴﺎﻷﻣﺮ ﺟﻤﻴﻌًﺎ ،ﻻ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن واﻷﻣﺮاء وﺣﺪهﻢ" : . .وأوﻟﻮاﻷﻣﺮ ﺻﻨﻔﺎن :اﻷﻣﺮاء واﻟﻌﻠﻤﺎء ،وهﻢ اﻟﺬﻳﻦ إذا ﺻﻠﺤﻮا ﺻﻠﺢ اﻟﻨﺎس .ﻓﻌﻠﻰ آﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ أن ﻳﺘﺤﺮى ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ وﻳﻔﻌﻠﻪ ﻃﺎﻋﺔ ﷲ ورﺳﻮﻟﻪ . .ﻋﻦ أﺑﻰ هﺮﻳﺮة أﻧﻪ ﻗﺎل " :ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﺣﺪ أآﺜﺮ ﻣﺸﻮرة ﻷﺻﺤﺎﺑﻪ ﻣﻦ رﺳﻮل اﷲ "وﻗﺪ ﻗﻴﻞ إن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ أﻣﺮ ﺑﻬﺎ ﻧﺒﻴﻪ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ :ﻓﺄﻋﻒ ﻋﻨﻬﻢ واﺳﺘﻐﻔﺮ ﻟﻬﻢ ٩٣
وﺷﺎورهﻢ ﻓﻲ اﻷﻣﺮ ﻟﻴﺘﺄﻟﻒ ﻗﻠﻮب أﺻﺤﺎﺑﻪ ،وﻟﻴﻘﺘﺪي ﺑﻪ أوﻟﻮاﻷﻣﺮ ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻩ ،وﻟﻴﺴﺘﺨﺮج اﻟﺮأي ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻨﺰل ﺑﻪ وﺣﻲ ﻣﻦ أﻣﺮ اﻟﺤﺮوب واﻷﻣﻮر اﻟﺠﺰﺋﻴﺔ وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ. ﻓﺄوﻟﻮاﻷﻣﺮ ﺑﻌﺪ رﺳﻮل اﷲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم ،أوﻟﻰ ﺑﺎﻟﻤﺸﻮرة .وﻗﺪ أﺛﻨﻰ اﷲ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ :وﻣﺎ ﻋﻨﺪ اﷲ ﺧﻴﺮ وأﺑﻘﻰ ﻟﻠﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا وﻋﻠﻰ رﺑﻬﻢ ﻳﺘﻮآﻠﻮن .واﻟﺬﻳﻦ ﻳﺠﺘﻨﺒﻮن آﺒﺎﺋﺮ اﻹﺛﻢ واﻟﻔﻮاﺣﺶ وإذا ﻣﺎ ﻏﻀﺒﻮا هﻢ ﻳﻐﻔﺮون. واﻟﺬﻳﻦ اﺳﺘﺠﺎﺑﻮا ﻟﺮﺑﻬﻢ و أﻗﺎﻣﻮا اﻟﺼﻼة وأﻣﺮهﻢ ﺷﻮرى ﺑﻴﻨﻬﻢ وﻣﻤﺎ رزﻗﻨﺎهﻢ ﻳﻨﻔﻘﻮن ﻓﻮﺿﻌﻬﺎ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻊ اﻹﻳﻤﺎن ﺑﻪ وإﻗﺎم اﻟﺼﻼة وإﻳﺘﺎء اﻟﺰآﺎة . .وإذا اﺳﺘﺸﺎر وﻟﻲ اﻷﻣﺮ ،ﻓﺒﻴﻦ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻳﺴﺘﺸﻴﺮهﻢ ،ﻣﺎ ﻳﺠﺐ اﺗﺒﺎﻋﻪ ﻣﻦ آﺘﺎب اﷲ وﺳﻨﻪ رﺳﻮﻟﻪ أو إﺟﻤﺎع اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ،ﻓﻌﻠﻴﻪ اﺗﺒﺎع ذﻟﻚ .وﻻ ﻃﺎﻋﺔ ﻷﺣﺪ ﻓﻲ ﺧﻼف ذﻟﻚ .وإن آﺎن ﻋﻈﻴﻤًﺎ ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻦ واﻟﺪﻧﻴﺎ .ﻓﺎﻟﺸﻮرى ﻣﻠﺰﻣﺔ واﺗﺒﺎع ﻣﺎ ﻳﺸﺎر ﺑﻪ ﻣﻠﺰم " وأﻋﺎد ﺻﻴﺎﻏﺔ هﺬا اﻟﺮأي ﻓﻲ ﻓﺼﻞ ﻣﻦ آﺘﺎﺑﻪ ﻋﻦ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻓﻲ إﺻﻼح اﻟﺮاﻋﻲ واﻟﺮﻋﻴﺔ. . وﺗﻬﺎﻣﺲ ﺧﺼﻮﻣﻪ . .ﻣﺎ ﻣﻌﻨﻰ ﻗﻮﻟﻪ":إن ﻋﻠﻰ وﻟﻴﺎﻷﻣﺮ أن ﻳﺘﺒﻊ ﻣﺎ ﻳﺸﺎر ﺑﻪ ﻋﻠﻴﻪ ،وﻻ ﻃﺎﻋﺔ ﻟﻪ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ،وإن آﺎن ﻋﻈﻴﻤًﺎ ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻦ واﻟﺪﻧﻴﺎ " وﻓﺴﺮوا ﻗﻮﻟﻪ هﺬا ﺑﺄﻧﻪ ﻳﻐﻤﺰ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،أو ﺑﺎﻟﻘﻠﻴﻞ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن !! إن اﻟﺸﻴﺦ ﻟﻴﺸﺘﻐﻞ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ،ﻓﻴﺮهﺐ اﻟﺤﻜﺎم، ٩٤
وﻳﺘﻘﺮب إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻣﺔ ،وﻳﺮوح وﻳﺠﺊ ،وﻳﻨﻬﻰ وﻳﺄﻣﺮ !! ﻟﻌﻠﻪ ﻳﻄﻤﻊ ﻓﻲ أن ﻳﻜﻮن ﺳﻠﻄﺎﻧًﺎ!! . . ﻇﻞ ﺣﺴﺎدﻩ وﻣﺨﺎﻟﻔﻮﻩ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻓﻲ ﺗﺮﺑﺼﻬﻢ ﺑﻪ ،ﻳﻨﺎﻟﻮن آﻼﻣﻪ وﺗﺼﺮﻓﺎﺗﻪ ،ﻋﺴﻰ أن ﻳﺠﺪوا ﺳﻘﻄﺔ أو ﻣﻄﻌﻨ ًﺎ ﻓﻴﻘﻀﻮا ﻋﻠﻴﻪ ،وﻳﺴﺘﺮﻳﺤﻮا! .. إﻧﻪ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﻮﻃﺄة ﻋﻠﻴﻬﻢ ،ﻳﺴﻠﻘﻬﻢ ﺑﻜﻠﻤﺎﺗﻪ ،وهﻮ ﺣﺘﻰ إن ﻟﻢ ﻳﻘﻞ آﻠﻤﺔ ،ﻳﺰري ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﻨﻈﺮاﺗﻪ ،وآﺄﻧﻪ ﻳﻌﻴﺮهﻢ ﺑﺄن ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ هﺮﺑﻮا ﻳﻮم اﻟﺮوع ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻻذوا ﺑﺎﻟﺘﺘﺎر ! ٭٭٭ وذات ﻣﺴﺎء ﺗﻠﻘﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن رﺳﺎﻟﺔ ﺗﺘﻬﻢ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﻜﺎﺗﺐ اﻟﺘﺘﺎر ﺳﺮًا ،وأﻧﻬﻢ ﺳﻴﻮﻟﻮﻧﻪ ﻋﻠﻰ دﻣﺸﻖ أو ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻠﻄﻨﺔ آﻠﻬﺎ!! . . وروع ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﻦ هﺬا اﻻﺗﻬﺎم ! . .إﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻠﻖ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻣﻨﺬ ﻣﺪة ﻃﻮﻳﻠﺔ ،هﺬا ﺣﻖ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻳﻌﺮف آﻞ ﺣﺮآﺎﺗﻪ وﺳﻜﻨﺎﺗﻪ . .ﻓﻠﻠﺪوﻟﺔ ﻋﻴﻮن ﻻ ﺗﻨﺎم ،وهﻲ ﺗﺮﺻﺪ ﺑﺼﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ هﺆﻻء اﻟﺸﺎﻣﺨﻴﻦ اﻟﻤﺘﺮﻓﻌﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻬﻢ ﻓﻲ ﻗﻠﻮب اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣﻜﺎﻧﺔ ﺧﺎﺻﺔ . .وأوﻟﻬﻢ وﺁﺧﺮهﻢ هﻮ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ. . إﻧﻪ ﻟﻴﻌﺮف ﻋﻦ اﻟﺸﻴﺦ أﻧﻪ ﺑﻌﺪ اﻟﻔﺮاغ ﻣﻦ ﺣﻠﻘﺘﻪ ﻓﻲ ﻼ ،ﺛﻢ ﻳﻌﻜﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺘﺒﺘﻪ اﻟﺠﺎﻣﻊ ،ﻳﻌﻮد إﻟﻰ أﻣﻪ ﻓﻴﺘﺤﺪﺛﺎن ﻗﻠﻴ ً ﻓﻴﻘﺮأ!! أي ﻣﻨﺼﺐ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻄﻤﻊ ﻓﻴﻪ اﻟﺸﻴﺦ وﻟﻪ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻤﺴﻤﻮﻋﺔ ﻋﻨﺪ أﺻﺤﺎب اﻟﻤﻨﺎﺻﺐ واﻟﻬﻴﺒﺔ وﻟﻬﺎﻷﻣﺮ اﻟ ُﻤﻄﺎع ؟! ٩٥
أهﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻔﻘﻴﻪ اﻟﺠﻠﻴﻞ اﻟﻤﺠﺎهﺪ ،ﻳﻜﺎﺗﺐ اﻟﺘﺘﺎر ،وﻳﺘﺂﻣﺮ ﻣﻌﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن ؟! أدرك ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻤﻜﻴﺪة. . ﻟﻦ ﻳﺴﻜﺖ ﻋﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻣﻜﺮوا ﺑﺎﻟﺸﻴﺦ هﺬا اﻟﻤﻜﺮ اﻟﺴﻴﺊ. . وﺑﺎت ﻟﻴﻠﺘﻪ ﻳﻔﻜﺮ ﻓﻲ أي ﺧﺼﻮم اﻟﺸﻴﺦ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻴﺪ ﻟﻪ هﺬا اﻟﻜﻴﺪ اﻟﻤﻨﻜﺮ ! وﻋﺎد ﻳﺘﺄﻣﻞ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ . .إﻧﻪ ﻟﻴﻌﺮف ﺧﻄﻮط اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻣﻦ ﺧﺼﻮم اﻟﺸﻴﺦ ،وﻻ ﺧﺼﻮم ﻟﻪ ﻏﻴﺮهﻢ !! ﻃﺎﻟﻤﺎ دﺑﺞ هﺆﻻء اﻟﺨﺼﻮم رﺳﺎﺋﻞ ﻳﻄﻠﺒﻮن ﻓﻴﻬﺎ هﺒﺔ أم ﻣﻨﺼﺒًﺎ!! .. ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ أن ﻳﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ آﺎﺗﺐ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ . .ﻓﻬﺬا اﻟﺨﻂ ﻏﺮﻳﺐ ﻋﻠﻴﻪ . .ﻟﻴﺲ ﺧﻂ أﺣﺪ اﻟﻌﻠﻤﺎء !! وأﺻﺒﺢ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،ﻓﺤﺸﺪ ﻣﻦ ﻳﺄﺗﻤﻦ ﻣﻦ اﻷ واﻟﻌﻴﻮن، ﻟﻴﺘﺤﺮوا ﻟﻪ اﻷﻣﺮ. ﻓﻠﻴﺸﻴﻌﻮا ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎﻟﺲ اﻟﺨﺎﺻﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻘﺪهﺎ ﺣﺴﺎد اﻟﺸﻴﺦ، أن ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻠﻘﻰ ﻣﻦ آﺸﻒ ﻟﻪ ﻋﻮرة اﻟﺸﻴﺦ ﻟﻴﻤﻨﺤﻪ ﻣﻨﺼﺒ ًﺎ آﺒﻴﺮًا وﻣﻜﺎﻓﺄة ﺳﺨﻴﺔ ! وﺑﻌﺪ أﻳﺎم ﺟﺎءوا ﺑﻜﺎﺗﺐ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ! . . واﻋﺘﺮف اﻟﺮﺟﻞ أن اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺑﺨﻄﻪ ﺣﻘًﺎ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺬي أﻣﻼهﺎ ﻋﻠﻴﻪ ،هﻮ أﺣﺪ اﻟﻌﻠﻤﺎء ! وﻗﻄﻊ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻳﺪ آﺎﺗﺐ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ .وأﻣﺎ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﻘﺪ ﺟﻠﺪ ،وﺳﻴﻖ ﻣﻘﻠﻮﺑًﺎ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ ﺣﻤﺎر ،وﺣﻮﻟﻪ اﻟﺼﺒﻴﺔ ٩٦
ﻳﺴﺨﺮون ! واﻟﻤﻨﺎدى ﻳﺬﻳﻊ اﻟﻤﻜﻴﺪة ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس ،وﻳﻌﻠﻨﻬﻢ أن هﺬا هﻮ ﺟﺰاء ﻣﻦ ﻳﻜﻴﺪ ﻟﻠﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ !!.. وﺑﻐﺘﺔ ﺿﺎع ﺻﻮت اﻟﻤﻨﺎدي ،وﺧﻔﺘﺖ ﺿﺤﻜﺎت اﻻﺳﺘﻬﺰاء !! ﻏﻤﺮﺗﻬﺎ ﺻﺮﺧﺎت اﻟﻔﺰع " :اﻟﺘﺘﺎر ﻳﺰﺣﻔﻮن"!! . . وﻃﻴﺮ اﻟﺨﺒﺮ ﻋﻠﻰ أﺟﻨﺤﺔ اﻟﺤﻤﺎم اﻟﺰاﺟﻞ إﻟﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻓﻲ اﻟﻘﺎهﺮة. ﻟﻜﻦ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻗﻼوون ﺻﺎﺣﺐ ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم ،ﻻ ﻳﺒﺎﻟﻲ هﺬﻩ اﻟﻤﺮة ﺑﺰﺣﻒ اﻟﺘﺘﺎر! . . ﻟﻘﺪ أﻋﺪ ﻟﻬﻢ اﻟﻌﺪة واﻟﻌﺪﻳﺪ. . ﻟﻘﺪ وﻋﻰ آﺜﻴﺮًا ﻣﻦ اﻟﺪروس. أﻧﻀﺠﺘﻪ اﻟﻤﺤﻨﺔ ،وﻣﺼﺎوﻟﺔ اﻷﺣﺪاث. . ﻓﻰ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ﺧﺮج وهﻮ ﺑﻌﺪ ﺷﺎب ﺻﻐﻴﺮ ،ﻳﻘﻮد ﺟﻴﺸﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ ،وﺣﻮﻟﻪ أﻣﺮاء ﻳﺮﻳﺪون أن ﻳﺜﺒﻮا ﻋﻠﻴﻪ ،ﻟﻴﺴﻠﺒﻮﻩ اﻟﻤﻠﻚ ! ﻓﻠﻤﺎ ﻃﺎﻟﺐ اﻟﻌﺮب واﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ،أن ﻳﻬﺒﻮا ﻟﻨﺠﺪﺗﻪ ،ﻟﻢ ﻳﻨﺠﺪﻩ أﺣﺪا !! أﻣﺎ اﻟﻴﻮم ،ﻓﻘﺪ أدرك أﻧﻪ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻘﻮد اﻟﺠﻴﺶ ﺗﺤﺖ راﻳﺔ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ،وأﻣﺮﻩ ﻧﺎﻓﺬ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ،وﻃﺎﻋﺘﻪ واﺟﺒﺔ ،ﻓﻬﻮ أﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ! . . ﻋﺎﻣﻴﻦ ﻣﺎرس ﻓﻴﻬﻤﺎ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻤﻠﻚ ،ﻓﺘﺪرب ،وﺗﻌﻠﻢ ! ٭٭٭ ٩٧
ﻋﻨﺪﻣﺎ آﺎﻧﺖ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻓﻲ ﺑﻐﺪاد ،آﺎﻧﺖ اﻟﺪول واﻟﺪوﻳﻼت إﻻﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﺗﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﻮﻻء ﻟﻠﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ.. وﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ اﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ اﻟﻔﻌﻠﻲ ،أو ﺗﻤﺮد ﺳﻼﻃﻴﻨﻬﺎ وأﻣﺮاﺋﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻤﺎ آﺎن أﺣﺪ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻬﺠﺮ ﺑﺎﻟﻌﺼﻴﺎن أو اﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ ،ﻷﻧﻪ ﺣﻴﻨﺌﺬ ﻳﺨﺮج ﻋﻦ إﺟﻤﺎع اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ،وﻳﻌﺼﻰ وﻟﻴﺎﻷﻣﺮ اﻟﺸﺮﻋﻲ ! ﻓﻠﻤﺎ اﺳﺘﻮﻟﻰ اﻟﺘﺘﺎرﻋﻠﻰ ﺑﻐﺪاد ،وﻗﺘﻠﻮا اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ، ﻋﺎﺷﺖ اﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﻼ ﺧﻠﻴﻔﺔ! أﻣﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﻧﺠﻮا ﻣﻦ ﺑﻨﻲ اﻟﻌﺒﺎس ،ﻓﻘﺪ اﺗﺨﺬوا اﻟﻘﺎهﺮة ﻣﺴﺘﻘﺮًا وﻣﻘﺎﻣ ًﺎ ،وﻟﻘﻮا ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺮﺣﻴﺐ واﻹﺷﻔﺎق ،ﻣﺎ ﺣﻤﻞ ﻟﻬﻢ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﺰاء! . . وﺣﻴﻦ اﺳﺘﻮﻟﻰ اﻟﻈﺎهﺮ ﺑﻴﺒﺮس ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻠﻚ ،رأى أن ﻳﺒﺴﻂ ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ اﻟﺮوﺣﻲ ،ﻋﻠﻰ آﻞ اﻟﺒﻼد اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﻓﺎﺻﻄﻨﻊ أﺣﺪ أﻗﺎرب اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻤﻘﺘﻮل ،وﺑﺎﻳﻌﻪ ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ ،وﺑﺎﻳﻌﻪ ﻣﻌﻪ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻷﻣﺮاء واﻟﻤﻸ ﻣﻦ أهﻞ ﻣﺼﺮ. . آﺎﻧﺖ ﺧﻄﺔ اﻟﻈﺎهﺮ ﺑﻴﺒﺮس ،أن ﻳﻜﻮن اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ رﻣﺰًا.. . هﻮ اﻟﺬي ﻳﻌﻴﻦ ﺳﻠﻄﺎن ﻣﺼﺮ ،ﻓﻴﻜﺘﺴﺐ ﺑﻬﺬا اﻟﺘﻌﻴﻴﻦ ﺷﺮﻋﻴﺔ ﺗﻘﻮي ﻗﺒﻀﺘﻪ ﻋﻠﻰ اﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺟﻤﻴﻌًﺎ. . ﻏﻴﺮ أن اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،أﺧﺬ اﻷﻣﻮر ﺑﺠﺪ ،وﻟﻢ ﻳﺮض أن ﻳﻜﻮن ﻣﻠﻜًﺎ ﻳﻤﻠﻚ وﻻ ﻳﺤﻜﻢ . .ﻳﺪﻩ ﻣﻐﻠﻮﻟﺔ ،ﻟﺘﻨﻄﻠﻖ ﻳﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﻴﺒﺮس ،ﻓﻴﺼﻨﻊ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ! . . ٩٨
وﺿﺎق اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﻴﺒﺮس ﺑﺘﺪﺧﻞ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻓﻲ ﺷﺌﻮن اﻟﻤﻠﻚ، وﺧﺸﻲ أن ﻳﺒﻄﺶ ﺑﻪ ،ﻓﺘﺜﻮر اﻟﻔﺘﻨﺔ . .ﻓﺄﻗﻨﻊ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺑﺎﻟﺰﺣﻒ ﻋﻠﻰ ﺑﻐﺪاد ،ﻟﻴﺤﺮرهﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺘﺎر ،وﻳﺴﺘﺮد ﻋﺮﺷﻪ ،وﺟﻬﺰ ﻟﻪ ﺟﻴﺸًﺎ. وأوﻋﺰ ﺑﻴﺒﺮس إﻟﻰ اﻟﺨﻠﺼﺎء ﻣﻦ أﻣﺮاء اﻟﺠﻴﺶ – وآﺎﻧﻮا ﻣﻤﺎﻟﻴﻜﻪ – أن ﻳﻨﺴﺤﺒﻮا ﺑﺎﻟﺠﻴﺶ ،وﻳﺘﺮآﻮا اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ وﺣﺎﺷﻴﺘﻪ، ﻳﻮاﺟﻬﻮن اﻟﺘﺘﺎر وﺣﺪهﻢ! ﻓﺎﻧﻘﺾ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺘﺘﺎر ،وﻗﺘﻠﻮهﻢ ﺟﻤﻴﻌًﺎ ،واﺳﺘﻮﻟﻮا ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺣﻤﻠﻪ ﻣﻦ أﻣﻮال ﻃﺎﺋﻠﺔ ،وﺳﺒﻮا اﻟﻨﺴﺎء. . ﻼ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ اﻟﻌﺒﺎس ،ﺧﻠﻴﻔﺔ وﺑﺎﻳﻊ اﻟﻈﺎهﺮ ﺑﻴﺒﺮس رﺟ ً وأﻣﻴﺮًا ﻟﻠﻤﺆﻣﻨﻴﻦ وﻟﻜﻨﻪ اﺷﺘﺮط ﻋﻠﻴﻪ ﻗﺒﻞ اﻟﺒﻴﻌﺔ أﻻ ﻳﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ أﻣﺮ ﻣﻦ أﻣﻮر اﻟﺪوﻟﺔ ،وﻳﻜﺘﻔﻲ ﺑﺄن ﻳﻜﻮن رﺋﻴﺴًﺎ روﺣﻴ ًﺎ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ! ورﺿﻲ اﻟﺮﺟﻞ ،وﻣﻨﺢ اﻟﻈﺎهﺮ ﺑﻴﺒﺮس ﺑﺮآﺘﻪ ،وأﺳﻤﺎﻩ ﻗﺴﻴﻢ أﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ،أي ﺷﺮﻳﻜﻪ ﻓﻲ وﻻﻳﺔ اﻷﻣﺮ ،ﻟﺘﻜﻮن آﻞ ﺗﺼﺮﻓﺎت اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻈﺎهﺮ ﺑﻴﺒﺮس ﺷﺮﻋﻴﺔ ،ﺑﻤﻮﺟﺐ هﺬﻩ اﻟﺸﺮآﺔ ،ﻓﻼ ﻳﺘﻬﻤﻪ أﺣﺪ ﺑﺄﻧﻪ ﺳﻠﺐ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺣﻘﻪ اﻟﺸﺮﻋﻲ ﻓﻲ وﻻﻳﺔ اﻷﻣﺮ! . . وهﻜﺬا أﺻﺒﺢ اﻟﺴﻠﻄﺎن هﻮ وﻟﻲ اﻷﻣﺮ اﻟﺸﺮﻋﻲ ،ﺣﺎآﻤًﺎ ﻓﺮدًا ،أﻣﺎ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻓﻬﻮ اﻟﻘﺎﺋﺪ اﻟﺮوﺣﻲ ،ﻳﺪﻳﻦ ﻟﻪ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﺑﺎﻟﻮﻻء، وﻳﺴﻤﻮﻧﻪ أﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ .وأﻧﺰﻟﻪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻓﻲ ﻗﺼﺮ ﺿﺨﻢ ﻓﺨﻢ، ٩٩
ﻋﺎﻣﺮ ﺑﺎﻟﺠﻮاري اﻟﺸﺮآﺴﻴﺎت اﻟﺤﺴﺎن ،وﻣﻤﺎﻟﻴﻚ ﻳﺨﺪﻣﻮﻧﻪ وﻳﺘﺠﺴﺴﻮن ﻋﻠﻴﻪ. وأﻋﻄﺎﻩ راﺗﺒ ًﺎ ﺿﺨﻤ ًﺎ ،وﺗﺤﻤﻠﺖ اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﺌﻮﻧﺔ اﻟﻘﺼﺮ وﺗﻜﺎﻟﻴﻔﻪ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ هﺒﺎت اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻟﻤﻦ ﻳﺸﺎء . .وأﺻﺒﺢ آﻞ ﺣﻈﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﻠﻚ أن ﻳﺼﻠﻲ ﺑﺎﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﻬﺎﻣﺔ.. ٭٭٭ ﻋﻠﻰ هﺬا اﻟﻨﺤﻮ ﺳﺎرت اﻷﻣﻮر ﻣﻨﺬ ﻋﻬﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﻴﺒﺮس. . وﻟﻜﻦ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻗﻼوون رأى أن ﻳﻨﺘﻔﻊ ﺑﺎﻟﺨﻠﻴﻔﺔ، وﻧﻔﻮذﻩ اﻟﺮوﺣﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ أﻗﻄﺎر آﺜﻴﺮة. ﻓﺪﻋﺎﻩ إﻟﻰ أن ﻳﻘﻮد ﺟﻴﺶ اﻟﺠﻬﺎد. واﺳﺘﻨﻔﺮ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﺑﻦ ﻗﻼوون ،ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ،أن ﻳﻬﺒﻮا ﻟﻼﻧﻀﻤﺎم إﻟﻰ ﺟﻴﺶ ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم ،اﻟﺬى ﻳﺨﺮج ﻟﻠﻘﺎء ﺟﻴﺶ اﻟﺘﺘﺎر ،ﺗﺤﺖ ﻗﻴﺎدة أﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ. وأرﺳﻞ ﺑﻬﺬا رﺳﺎﺋﻞ ﺑﺎﻟﺤﻤﺎم اﻟﺰاﺟﻞ ،إﻟﻰ اﻟﻤﻠﻮك واﻷﻣﺮاء اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ،ﻓﺨﺠﻠﻮا أن ﻳﺘﺨﻠﻔﻮا ﻋﻦ ﻧﺼﺮة ﺟﻴﺶ اﻟﺠﻬﺎد ﺑﻘﻴﺎدة أﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ،وأرﺳﻞ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻣﻦ ﻣﺌﻮﻧﺔ إﻟﻰ ﺟﻴﺶ اﻟﺠﻬﺎد. . وﻟﻜﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﺎﻃﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﺟﺒﺎل اﻟﺸﺎم ،وﻣﻦ واﻻهﻢ ﻣﻦ اﻷﻋﺮاب ،أﻋﻠﻨﻮا أﻧﻬﻢ ﻳﺮﺣﺒﻮن ﺑﺎﻟﺘﺘﺎر ،زاﻋﻤﻴﻦ أن اﻟﺘﺘﺎر ﻻ ،وأﻧﻬﻢ ﻣﺎ أﺣﺴﻦ إﺳﻼﻣ ًﺎ ﻣﻦ ﻏﻴﺮهﻢ ،وﺣﻜﺎﻣﻬﻢ أآﺜﺮ ﻋﺪ ً ١٠٠
ﺟﺎءوا ﺑﻐﻴًﺎ ﻋﻠﻰ أﺣﺪ ،وﻟﻜﻦ ﻟﻴﻨﻘﺬوا اﻟﺸﺎم وﻣﺼﺮ ،ﻣﻦ ﺟﻮر اﻟﺴﻠﻄﺎن واﻷﻣﺮاء اﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ ،اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻈﻠﻤﻮن اﻟﺮﻋﻴﺔ ،وﻳﻨﻬﺒﻮن أﻣﻮاﻟﻬﺎ – ﻟﻴﻨﻔﻘﻮهﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺰوﺟﺎت واﻟﺠﻮاري واﻟﻐﻠﻤﺎن ،وﻋﻠﻰ ﻣﻠﺬاﺗﻬﻢ وﺷﻬﻮاﺗﻬﻢ!! . . وﻃﺎﻟﺒﻮا اﻟﻨﺎس ﺑﺄن ﻳﻨﻘﻀﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﺨﺰاﺋﻦ اﻟﺴﻠﻄﺎﻧﻴﺔ، وﻗﺼﻮر اﻷﻣﺮاء ،ﻓﻴﺴﺘﺮدوا أﻣﻮاﻟﻬﻢ ،اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮﻟﺖ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﻘﺼﻮر إﻟﻰ ﺟﻮاهﺮ وﺣﻠﻲ ﺗﺮﺻﻊ أﺣﺬﻳﺔ اﻟﻨﺴﺎء !! ﺛﻢ إﻧﻬﻢ دﻋﻮا اﻟﻨﺎس ،إﻟﻰ اﻟﺨﺮوج ﺑﺄﺳﻠﺤﺘﻬﻢ ،ﻟﻼﻧﻀﻤﺎم إﻟﻰ اﻟﺘﺘﺎر ،ﻓﻤﻦ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ،ﻓﻠﻴﻠﻖ ﺳﻼﺣﻪ ،وﻳﻠﺰم ﺑﻴﺘﻪ ،ﻓﻴﺄﻣﻦ ! ﻓﻌﻠﺖ هﺬﻩ اﻷﻗﻮال أﻓﺎﻋﻴﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺴﺘﻀﻌﻔﻴﻦ واﻟﻔﻘﺮاء ﻣﻦ أهﻞ دﻣﺸﻖ. . ﻻ ﻣﻦ أن ﻳﻨﺘﺸﻮا اﻟﺴﻼح ﻟﺠﻬﺎد اﻟﺘﺘﺎر ،أﺧﺬوا ﻓﺒﺪ ً ﻳﺘﺼﺎﻳﺤﻮن ﻋﻠﻰ اﻷﻣﺮاء ،وﻳﺴﺒﻮﻧﻬﻢ ،ﻣﺘﺴﺎﺋﻠﻴﻦ :آﻴﻒ ﻳﻜﻮن ﻓﻲ دﻣﺸﻖ ﻣﻦ ﻻ ﻳﺠﺪ اﻟﻄﻌﺎم أو اﻟﻤﻠﺒﺲ إﻻ ﺑﺸﻖ اﻟﻨﻔﺲ ،وﻓﻲ أﻗﺪام ﺑﻌﺾ ﻧﺴﺎء اﻟﻘﺼﻮر ﻗﺒﺎﻗﻴﺐ ﺗﺮﺻﻌﻬﺎ ﺟﻮاهﺮ وﺣﻠﻲ، ﻳﻜﻔﻲ ﺛﻤﻦ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﺎﺟﺔ أﺳﺮة ﻓﻘﻴﺮة إﻟﻰ ﺁﺧﺮ اﻟﻌﻤﺮ!! . .؟ ٭٭٭ وهﺎ هﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﻳﻌﻆ اﻟﻨﺎس ،وﻳﺬآﺮهﻢ ﺑﺄن ﺟﻬﺎد اﻟﺘﺘﺎر ﺟﻬﺎد ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ ،وﺣﻤﺎﻳﺔ ﻷرواﺣﻬﻢ وأﻋﺮاﺿﻬﻢ، وأﻣﻮاﻟﻬﻢ. . ١٠١
أي ﻣﺎل ﻟﻨﺎ ﻳﺎ ﺷﻴﺨﻨﺎ ﺳﻨﺤﻤﻴﻪ ،إﻧﻤﺎ هﻲ أﻣﻮال اﻷﻣﺮاء ؟!.. . أﻧﻤﻮت دﻓﺎﻋًﺎ ﻋﻨﻬﺎ ،أم ﻋﻦ ﻇﻠﻤﻬﻢ ﻟﻨﺎ . .؟ . .ﻣﺎ ﻋﺴﺎﻧﺎ ﻧﺨﺴﺮ ؟! ﺳﻴﻔﺮون أﻣﺎم اﻟﺘﺘﺎر ،آﻤﺎ ﻓﺮوا ﻣﻨﺬ ﺣﻴﻦ ،وﻳﺘﺮآﻮﻧﻨﺎ !.. ﻓﻠﻨﺴﺎﻟﻢ اﻟﺘﺘﺎر ،ﻓﻬﺬا ﻳﻀﻤﻦ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ وﻳﺤﻤﻲ ﺣﺮﻣﺎﺗﻨﺎ !! ﻓﻠﻴﺬهﺒﻮا هﻢ وﻣﻤﺎﻟﻴﻜﻬﻢ ﻟﻴﺤﺎرﺑﻮا . .أﻣﺎ ﻧﺤﻦ ،ﻓﺈﻧﺎ هﺎ هﻨﺎ ﻗﺎﻋﺪون. . وذهﺐ رﺟﺎل إﻟﻰ اﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ،ﻳﺴﺄﻟﻮﻧﻪ اﻟﺮأي :ﻟﻤﺎذا ﻳﺪاﻓﻌﻮن ﻋﻦ اﻷﻣﺮاء ،وﻣﺎ ﻋﺮﻓﻮا ﻣﻨﻬﻢ إﻻ اﻟﺠﻮر واﻟﻐﻄﺮﺳﺔ واﻏﺘﺼﺎب اﻟﺤﻘﻮق ؟ أﻗﻨﻌﻬﻢ اﻟﺸﻴﺦ ﺑﺄﻧﻬﻢ إﻧﻤﺎ ﻳﺪاﻓﻌﻮن ﻋﻦ أﻧﻔﺴﻬﻢ وأهﻠﻬﻢ . .ﻋﻦ ﺑﻼدهﻢ وأﻋﺮاﺿﻬﻢ . .وﻳﺬودون ﻋﻦ ﺣﻮض اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ! ذهﺒﻮا إﻟﻰ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء وﻋﺎدوا ﻳﻘﻮﻟﻮن ﻟﻪ إن اﷲ أﻣﺮ ﺑﻘﺘﺎل اﻟﻜﻔﺎر وﺣﺪهﻢ ،وهﺆﻻء ﻟﻴﺴﻮا آﻔﺎرًا. . ﻗﺎل اﻟﺸﻴﺦ " :إن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻢ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﻘﺘﺎل اﻟﻜﻔﺎر ﻷﻧﻬﻢ آﻔﺎر ،وﻟﻜﻦ ﻷﻧﻬﻢ اﻋﺘﺪوا . .ﻓﺎﻻﻋﺘﺪاء ﻻ اﻟﻜﻔﺮ هﻮ ﺳﺒﺐ اﻟﻘﺘﺎل. ﻷﻧﻨﺎ أﻣﺮﻧﺎ ﺑﺄﻻ ﻧﻜﺮﻩ أﺣﺪًا ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم :ﻻ إآﺮاﻩ ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻦ، ﻗﺪ ﺗﺒﻴﻦ اﻟﺮﺷﺪ ﻣﻦ اﻟﻐﻲ ﺻﺪق اﷲ اﻟﻌﻈﻴﻢ .وﻟﻮ آﺎن اﻟﻜﺎﻓﺮ ﻳﻘﺎﺗﻞ ﺣﺘﻰ ﻳﺴﻠﻢ ،ﻟﻜﺎن هﺬا أﻋﻈﻢ اﻹآﺮاﻩ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻳﻦ ،وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻧﻘﺎﺗﻞ ﻟﺮد اﻟﻌﺪوان .ﻳﻘﻮل ﺗﻌﺎﻟﻰ :وﻗﺎﺗﻠﻮا ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﺎﺗﻠﻮﻧﻜﻢ ،وﻻ ﺗﻌﺘﺪوا إن اﷲ ﻻ ﻳﺤﺐ اﻟﻤﻌﺘﺪﻳﻦ ،واﻗﺘﻠﻮهﻢ ﺣﻴﺚ ١٠٢
ﺛﻘﻔﺘﻤﻮهﻢ وأﺧﺮﺟﻮهﻢ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ أﺧﺮﺟﻮآﻢ واﻟﻔﺘﻨﺔ أﺷﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﺘﻞ وﻻ ﺗﻘﺎﺗﻠﻮهﻢ ﻋﻨﺪ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺤﺮام ﺣﺘﻰ ﻳﻘﺎﺗﻠﻮآﻢ ﻓﻴﻪ ﻓﺈن ﻗﺎﺗﻠﻮآﻢ ﻓﺎﻗﺘﻠﻮهﻢ آﺬﻟﻚ ﺟﺰاء اﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ .ﻓﺈن اﻧﺘﻬﻮا ﻓﺈن اﷲ ﻏﻔﻮر رﺣﻴﻢ، وﻗﺎﺗﻠﻮهﻢ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻜﻮن ﻓﺘﻨﺔ وﻳﻜﻮن اﻟﺪﻳﻦ ﷲ ﻓﺈن اﻧﺘﻬﻮا ﻓﻼ ﻋﺪوان إﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ .اﻟﺸﻬﺮ اﻟﺤﺮام ﺑﺎﻟﺸﻬﺮ اﻟﺤﺮام واﻟﺤﺮﻣﺎت ﻗﺼﺎص ﻓﻤﻦ اﻋﺘﺪى ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻓﺎﻋﺘﺪوا ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ اﻋﺘﺪى ﻋﻠﻴﻜﻢ واﺗﻘﻮا اﷲ واﻋﻠﻤﻮا أن اﷲ ﻣﻊ اﻟﻤﺘﻘﻴﻦ ﻓﺎﻟﻘﺘﺎل ﻓﺮض ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻟﺪﻓﻊ اﻟﻤﻌﺘﺪﻳﻦ ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻜﻮن ﻓﺘﻨﺔ .وهﺆﻻء ﺟﺎءوا ﻣﻌﺘﺪﻳﻦ ،ﻓﻤﺘﻰ ﻳﺠﺐ اﻟﻘﺘﺎل ﻋﻠﻴﻨﺎ إن ﻟﻢ ﻳﺠﺐ اﻟﻴﻮم ؟! وﺧﺮج اﻟﺮﺟﺎل ﻣﻦ ﻋﻨﺪ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ،وﺗﺮآﻮﻩ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﺘﻪ ،ﺛﻢ ﻋﺎدوا ﻳﻘﻮﻟﻮن " :ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻠﻤﺎء أﻓﺘﺎﻧﺎ أن ﺁﻳﺔ ﻻ إآﺮاﻩ ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﻣﻨﺴﻮﺧﺔ". ﻓﻘﺎل ﻟﻬﻢ " :ﺟﻤﻬﻮر اﻟﺴﻠﻒ ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺨﺼﻮﺻﺔ وﻻ ﻣﻨﺴﻮﺧﺔ .ﺑﻞ ﻳﻘﻮﻟﻮن إﻧﺎ ﻻ ﻧﻜﺮﻩ أﺣﺪًا ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم ،وإﻧﻤﺎ ﻧﻘﺎﺗﻞ ﻣﻦ ﺣﺎرﺑﻨﺎ ،ﻓﺈن أﺳﻠﻢ ﻋﺼﻢ دﻣﻪ وﻣﺎﻟﻪ وإن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ أهﻞ اﻟﻘﺘﺎل ﻟﻢ ﻧﻘﺘﻠﻪ . .وآﺎن رﺳﻮل اﷲ ﻳﻘﻮل ﻟﺠﻨﺪﻩ : )اﻧﻄﻠﻘﻮا ﺑﺎﺳﻢ اﷲ وﺑﺎﷲ وﻋﻠﻰ ﻣﻠﺔ رﺳﻮل اﷲ .وﻻ ﺗﻘﺘﻠﻮا ﺷﻴﺨ ًﺎ ﻼ ،وﻻ اﻣﺮأة ،وﻻ ﺗﻐﻠﻮا ،وﺿﻤﻮا ﻏﻨﺎﺋﻤﻜﻢ، ﻓﺎﻧﻴ ًﺎ ،وﻻ ﻃﻔ ً وأﺻﻠﺤﻮا وأﺣﺴﻨﻮا إن اﷲ ﻳﺤﺐ اﻟﻤﺤﺴﻨﻴﻦ ( .وﻟﻘﺪ ﻣﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم ﺑﺎﻣﺮأة ﻣﻘﺘﻮﻟﺔ ﻓﻘﺎل ) :ﻣﺎ آﺎﻧﺖ هﺬﻩ ﻟﺘﻘﺎﺗﻞ( ! ﻓﻘﺘﻠﻬﺎ ﺣﺮام ﻷﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻌﺘﺪ وﻟﻢ ﺗﻘﺎﺗﻞ .إﻧﻪ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم ﻟﻢ ﻳﻜﺮﻩ ١٠٣
أﺳﻴﺮًا ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم .ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻘﻮﻟﻮن إن اﻵﻳﺔ ﻣﻨﺴﻮﺧﺔ ،وآﻞ ﻣﻦ هﺎدﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻜﻔﺎر ﻟﻢ ﻳﻘﺎﺗﻠﻪ ،وهﺬﻩ آﺘﺐ اﻟﺴﻴﺮة واﻟﺤﺪﻳﺚ واﻟﺘﻔﺴﻴﺮ واﻟﻔﻘﻪ واﻟﻤﻐﺎزي ﺗﻨﻄﻖ ﺑﻬﺬا ،وهﺬا ﻣﺘﻮاﺗﺮ ﻣﻦ ﺳﻴﺮﺗﻪ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم ،ﻓﻬﻮ ﻟﻢ ﻳﺒﺪأ أﺣﺪ ﺑﻘﺘﺎل. وﻧﻬﺾ اﻟﺮﺟﺎل ﻟﻴﻐﺎدروا اﻟﺤﻠﻘﺔ ،وﻟﻜﻨﻪ اﺳﺘﻮﻗﻔﻬﻢ ،وﻗﺪ ﻋﺮﺗﻪ اﻟﺤﺪة ﻏﻀﺒًﺎ ﻣﻦ اﻟﻠﺠﺎﺟﺔ ﻓﻲ أﻣﺮ آﻬﺬا ،واﻟﺘﺘﺎر ﻳﺰﺣﻔﻮن. . وﺳﺄل ﻋﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﺬﻳﻦ أﻓﺘﻮهﻢ ؟! ﻟﻌﻠﻬﻢ هﻢ هﺬا اﻟﻨﻔﺮ اﻟﺬﻳﻦ ﻓﺮوا ﻳﻮم ﺣﺼﺎر دﻣﺸﻖ ﻣﻨﺬ ﻋﺎﻣﻴﻦ ،أو ﻟﻌﻠﻬﻢ هﻢ هﺆﻻء اﻟﺬﻳﻦ رﺁهﻢ أﻳﺎﻣﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﻗﺎزان، ﻳﺘﺰﻟﻔﻮن ،ﻣﻨﻜﺴﺮﻳﻦ ﺗﻘﺮﺑًﺎ إﻟﻴﻪ !! وأدرك اﻟﺸﻴﺦ أن اﻟﻔﺘﻨﺔ ﺗﻮﺷﻚ أن ﺗﺸﺘﻌﻞ ،واﻟﺘﺘﺎر ﻳﺰﺣﻔﻮن !! ﻓﻨﺸﻂ إﻟﻰ اﻟﻨﺎس ﺣﻴﺜﻤﺎ ﺗﺠﻤﻌﻮا ﻓﻲ اﻟﺠﻮاﻣﻊ واﻟﻄﺮﻗﺎت ﻳﻌﻈﻬﻢ ،وﻳﻌﺪهﻢ ﺑﻌﺪل اﻷﻣﺮاء و ﺑﺤﻴﺎة أﻓﻀﻞ ،ﺑﻌﺪ أن ﻳﻨﻬﺰم اﻟﺘﺘﺎر ﻋﻨﻬﻢ. ﻓﻠﻴﺲ هﺬا وﻗﺖ ﺣﺴﺎب اﻷﻣﺮاء ..وﻻ هﻮ وﻗﺖ اﻟﻠﺠﺎﺟﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ واﻟﻔﻘﻪ ،وﻻ وﻗﺖ اﺧﺘﻼف اﻟﻌﻠﻤﺎء !! إن اﻟﺴﻨﺔ وإﺟﻤﺎع اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ أن ﻃﺎﻋﺔ أوﻟﻲ اﻷﻣﺮ، ﻓﻲ زﻣﻦ اﻟﺠﻬﺎد واﺟﺒﺔ ﻻزﻣﺔ ،ﺣﺘﻰ وﻟﻮ آﺎﻧﻮا ﺟﺎﺋﺮﻳﻦ ! ١٠٤
ﻋﻠﻰ أﻧﻨﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻳﺘﺤﻘﻖ ﻟﻨﺎ ﻧﺼﺮ اﷲ ،ﺳﻨﻘﻮﻣﻬﻢ ،ﻓﻨﺤﻤﻠﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺪل ،وإﻧﺼﺎف اﻟﺮﻋﻴﺔ ،واﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮوف ،واﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ. . وﺧﻔﺖ ﻏﻀﺒﺔ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ اﻷﻣﺮاء ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺨﺘﻠﻒ ! ﻇﻠﺖ آﺎﻟﻨﺎر ﺗﺤﺖ اﻟﺮﻣﺎد ،ﻳﺤﺲ وهﺠﻬﺎ ،وﻻ ﻳﺮى أﺟﻴﺠﻬﺎ! . . ﺛﻢ رأى اﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻌﺾ زﻋﻤﺎء اﻷﻋﺮاب ﻓﻲ ﺣﻠﻘﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻷﻣﻮي ،وﻋﻠﻰ رأﺳﻬﻢ أﻣﻴﺮهﻢ ﺣﺴﺎم ﺑﻦ ﻣﻬﻨﺎ ﺑﻦ ﻋﻴﺴﻰ. . وهﻮ ﻓﺎرس ﺷﺠﺎع ،ﺣﺴﻦ اﻟﺮأي ،ﻣﺤﺐ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ،ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺘﻘﻮى. ﻟﻜﻢ اﺳﺘﺮﻋﻰ اﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﺑﺤﺴﻦ اﻟﻔﻄﻨﺔ ،وﻗﻮة اﻻﺳﺘﻴﻌﺎب، وﺳﺮﻋﺔ اﻟﺒﺪﻳﻬﺔ وﺧﻔﺔ اﻟﻈﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻇﺮة! . . وﻟﻘﺪ هﻢ اﻟﺸ ﻴﺦ أن ﻳﻜﻠﻤﻬ ﻢ ﻓ ﻲ ﺗﻌﺎه ﺪهﻢ ﻣ ﻊ اﻟﺒﺎﻃﻨﻴ ﺔ ﻋﻠ ﻰ ﻣﺤﺎﻟﻔﺔ اﻟﺘﺘﺎر ،ﻓﻴﺒﻴﻦ ﻟﻬﻢ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻋﻬ ﺪهﻢ ه ﺬا ﻣ ﻦ ﻣﺨﺎﻟﻔ ﺔ ﻟﻠﺸ ﺮع واﻟﻄﺒ ﻊ .ﻓﻬ ﻢ أه ﻞ اﻟﻤ ﺮوءة واﻟﻨﺠ ﺪة ﻣ ﻦ أﺑﻨ ﺎء اﻟﺸ ﺎم ،ﻓﻜﻴ ﻒ ﻳﻨﺼﺮون ﻋﻠﻴﻪ ﻋﺪوًا ﻏﺎزﻳًﺎ ﺑﺎﻏﻴًﺎ ؟! وﻟﻜﻨﻪ ﺧﺸﻲ أن ﻳﺸﺘﺪ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﻌﺾ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ ﻣ ﻦ اﻟﻤﺘﺤﻤﺴ ﻴﻦ ﻵراﺋﻪ ،أو أن ﻳﺨﺮج أﻣﻴﺮهﻢ ﺣﺴﺎم ﺑﻦ ﻣﻬﻨﺎ ﺑﻦ ﻋﻴﺴﻰ ،واﻷﻣﻴﺮ ﺣﺴﺎم ﺑﻦ ﻣﻬﻨﺎ ﻓﻴﻪ اﻟﺤﻴﺎء ،ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺟﺴﺎرﺗﻪ !! ١٠٥
ﻟﻘﺪ أﻣﺮﻧﺎ اﷲ ورﺳﻮﻟﻪ أن ﻧﺪﻓﻊ اﻟﺤﺮج. . ﺛ ﻢ إن ﻣﻨ ﺎﻇﺮة اﻷﻣﻴ ﺮ وﺻ ﺤﺒﻪ أﻣ ﺎم اﻵﺧ ﺮﻳﻦ ،وإﻟ ﺰاﻣﻬﻢ اﻟﺤﺠ ﺔ ،ﻗ ﺪ ﻳﺜﻴ ﺮ اﻟﻌﻨ ﺎد ،ﻓﺘﺘﺤ ﻮل اﻟﻤﻨ ﺎﻇﺮة إﻟ ﻰ ﻟﺠ ﺎج ،وﺗﻀ ﻴﻊ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ! واﻟﺘﻔﺖ اﻟﺸﻴﺦ ﺑﺎﺳﻤﺎ إﻟﻰ اﻷﻣﻴﺮ " :آﻴﻒ ﺣﺎل اﻷﻣﻴﺮ ﺣﺴﺎم وﺻ ﺤﺒﻪ اﻷﻣﺠ ﺎد ؟ . .إﻧ ﻲ ﻣﺼ ﻞ ﺑﻜ ﻢ اﻟﻌﺼ ﺮ واﻟﻤﻐ ﺮب ﻏ ﺪًا، ﻓﻄﺎﻋﻢ ﻋﻨﺪك إن ﺷﺎء اﷲ " وﺿﺞ اﻷﻣﻴﺮ وﺻﺤﺒﻪ ﻣﺮﺣﺒﻴﻦ ﻓﻲ ﻋﺒﺎرات ﺣ ﺎرة ،ﺗ ﺪاﺧﻞ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ،ﻣﻦ ﺷﺪة اﻟﺴﺮور ! ﻓﻠﻤﺎ آﺎن اﻟﻐﺪ ،ﻟﻢ ﻳﻨﺸﻐﻞ اﻷﻋﺮاب وأﻣﻴ ﺮهﻢ ﺑﻐﻴ ﺮ اﺳ ﺘﻘﺒﺎل اﻟﺸﻴﺦ وﻣﺄدﺑﺘﻪ.. وﺟﺎءﻩ ﺑﻌﺾ آﺒﺎر ﻣﺸﺎﻳﺨﻬﻢ ﻟﻴﺼﺤﺒﻮﻩ إﻟ ﻰ دﻳ ﺎرهﻢ ،ﻓﻮﺟ ﺪ اﻷﻣﻴ ﺮ ﻓ ﻲ اﺳ ﺘﻘﺒﺎﻟﻪ ﻋﻠ ﻰ ﻣﺸ ﺎرف اﻟ ﺪﻳﺎر ،وﻣﻌ ﻪ ﻓﺮﺳ ﺎن ﻣ ﻦ أﻣﻬ ﺮ ﻓﺮﺳ ﺎﻧﻬﻢ . .ﻓﻘ ﺪﻣﻮا أﻣ ﺎم اﻟﺸ ﻴﺦ رﻗﺼ ﺔ اﻟﺴ ﻴﻒ ،وﺑﻌ ﺾ أﻟﻌﺎب اﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ ،اﺑﺘﻬﺎﺟًﺎ ﺑﻤﻘﺪﻣﺔ. ﺛﻢ ﻧﺤﺮت اﻟﺬﺑﺎﺋﺢ ﺗﺤﺖ ﻗﺪﻣﻲ اﻟﺸﻴﺦ ﺗﻜﺮﻳﻤًﺎ وﺗﺮﺣﻴﺒًﺎ. وﺑﻌﺪ ﺻﻼة اﻟﻌﺼﺮ ﻓﻲ ﻣﺴﺠﺪهﻢ ﺑﺪأ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﻮﻋﻈﺘﻪ.. ﺗﺤﺪث ﻋ ﻦ اﻟﻘﺘ ﺎل ،وﺣﻜﻤ ﺔ اﻟﺠﻬ ﺎد ،وواﺟ ﺐ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ إذا اﻋﺘ ﺪى ﻋﻠ ﻴﻬﻢ ﻏﻴ ﺮ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ ،أو إذا ﻏ ﺰا أرﺿ ﻬﻢ ﻣﺴ ﻠﻤﻮن ﺁﺧﺮون ﺑﻐﻴًﺎ وﻋﺪواﻧًﺎ . .وﻃﻠﺐ أﻻ ﻳﻨﺎﺻ ﺮوا اﻟﺒﻐ ﻲ ،وإﻻ أﺛﻤ ﻮا ١٠٦
آﺎﻟﺒﻐﺎة ،وأﻻ ﻳﺤﺮﺿﻮا اﻟﺮﻋﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺼﻴﺎن ﻓﻲ زﻣ ﻦ اﻟﺠﻬ ﺎد، ﻓﻬﺬا اﺑﺘﻐﺎء ﻟﻠﻔﺘﻨﺔ ،وﺗﺨﺬﻳﻞ ﻋﻦ ﻧﺼﺮة اﻟﺪﻳﻦ !! ﻓﺴﺄﻟﻪ أﻣﻴﺮ اﻟﻌﺮب :ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻋﺎهﺪﻧﺎ اﻟﺒﺎﻃﻨﻴﺔ ،وﺣﺎﻟﻔﻨﺎهﻢ ﻋﻠﻰ أن ﻧﻈﺎهﺮ اﻟﺘﺘﺎر ﺟﻤﻴﻌًﺎ ،وﻗﺪ ﻋﻠﻤﺘﻨﺎ أن اﻟﺮﺳ ﻮل اﷲ ﻗ ﺎل إن ﺁﻳﺎت اﻟﻤﻨ ﺎﻓﻖ ﺛ ﻼث ﻣﻨﻬ ﺎ أﻧ ﻪ إذا ﻋﺎه ﺪ ﻏ ﺪر ،وإذا وﻋ ﺪ ﺧﻠ ﻒ، ﻓﻬﻞ ﺗﺮﺿﻰ ﻟﻲ ﻳﺎ ﺷﻴﺨﻨﺎ أن أﺟﻤﻊ ﺧﺼﻠﺘﻴﻦ ﻣ ﻦ ﺁﻳ ﺎت اﻟﻤﻨ ﺎﻓﻖ، وأﻧﺖ اﻟ ﺬي ﻋﻠﻤﺘﻨ ﺎ ﻓﻴﻤ ﺎ ﻋﻠﻤﺘﻨ ﺎ أن اﻟﻨﻔ ﺎق ﻣ ﻦ اﻟﻜﺒ ﺎﺋﺮ ،وأن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺟﻌﻞ اﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺪرك اﻷﺳﻔﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﺎر ؟!" واﻧﺘﻈ ﺮ اﻟﺠﻤﻴ ﻊ رد اﻟﺸ ﻴﺦ ،ﻓﺄﺟ ﺎب " :أﻧ ﺎ أﻋﻠ ﻢ أﻧ ﻚ إذا ﻋﺎهﺪت أﻳﻬﺎ اﻷﻣﻴﺮ وﻓﻴﺖ ،وإذا وﻋ ﺪت أﻧﺠ ﺮت ،وأﻋ ﺮف ﻓﻴ ﻚ اﻟﺘﻘﻮى واﻟﻐﻴﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻳﻦ ،وإﻏﺎﺛﺔ اﻟﻀﻌﻴﻒ ،وﻧﺠﺪة اﻟﻤﻠﻬ ﻮف. أﻧﺎ أﻋﺮف آﻞ ﺳﺠﺎﻳﺎك اﻟﺤﻤﻴﺪة ﻳﺎ أﻣﻴﺮ اﻟﻌﺮب ،وأﺟﺪ ﻓﻴ ﻚ رﻳ ﺢ اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ اﻷواﺋﻞ ،ﻣﻦ ﻓﺮﺳﺎن اﻟﻨﻬﺎر ورهﺒ ﺎن اﻟﻠﻴ ﻞ ،وﻟﻜ ﻦ أي ﻋﻬﺪ هﺬا اﻟﺬي ﻋﺎهﺪت ،وأي وﻋﺪ وﻋ ﺪت ؟! ﻟ ﺌﻦ ﻟ ﻢ ﺗﻨﺠ ﺰ ه ﺬا اﻟﻮﻋﺪ وﻟﻢ ﺗﻒ ﺑﻬﺬا اﻟﻌﻬﺪ ،ﻓﻤﺎ أﺧﻠﻔﺖ ،وﻣﺎ ﻏﺪرت ! إﻧﻚ ﺗﻌﺎه ﺪ ﻗﻮﻣًﺎ ﺑﻐ ﺎة ﻋ ﺎدﻳﻦ ﺁﺛﻤ ﻴﻦ ،وﻻ ﻋﻬ ﺪ ﻓ ﻲ ﻣﻌﺼ ﻴﺔ ! وﻗ ﺪ ﻧﻬﺎﻧ ﺎ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻋ ﻦ اﻟﺘﻌ ﺎون ﻋﻠ ﻰ اﻹﺛ ﻢ واﻟﻌ ﺪوان ،وﻗ ﺎل ﺗﻌ ﺎﻟﻰ : وﺗﻌ ﺎوﻧﻮا ﻋﻠ ﻰ اﻟﺒ ﺮ واﻟﺘﻘ ﻮى ،وﻻ ﺗﻌ ﺎوﻧﻮا ﻋﻠ ﻰ اﻹﺛ ﻢ واﻟﻌﺪوان ﻓﻤﻦ اﻟﺒﺮ واﻟﺘﻘﻮى أن ﺗﺠﺎهﺪ اﻟﻐﺰاة اﻟﺒﻐﺎة ﺗﺤﺖ راﻳﺔ ﻗﻮﻣﻚ أهﻞ اﻟﺸﺎم .وﻧﻘﺾ ﻣﺜﻞ هﺬا اﻟﻌﻬ ﺪ اﻟ ﺬي ﻋﺎه ﺪت ه ﻮ ﻣ ﻦ ١٠٧
ﺑﺎب اﻟﺘﻮﺑﺔ اﻟﻨﺼﻮح .ﻓﺘﻮﺑﻮا إﻟﻰ اﷲ ﻳ ﺮﺣﻤﻜﻢ اﷲ .وﺟﺎه ﺪوا ﻓ ﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ ﺑﺄﻧﻔﺴﻜﻢ وأﻣﻮاﻟﻜﻢ ،وداﻓﻌﻮا ﻋﻦ دﻳﺎرآﻢ ". وأﻋﻠ ﻦ أﻣﻴ ﺮ اﻟﻌ ﺮب أﻧ ﻪ ﻳﺘ ﻮب إﻟ ﻰ اﷲ ه ﻮ وﻗﻮﻣ ﻪ، وﻳﻀﻌﻮن أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺗﺤﺖ راﻳ ﺔ ﺟ ﻴﺶ اﻟﺸ ﺎم ،وﺷ ﻴﻮخ اﻟﻌ ﺮب ﻣ ﻦ ﺣﻮﻟﻪ ﻳﺴﺘﻐﻔﺮون اﷲ ﻋﻤﺎ ﺳﻠﻒ ﻣﻨﻬﻢ ،وﻳﻬﻠﻠﻮن وﻳﻜﺒﺮون. . وﺻﻠﻰ اﻟﺸﻴﺦ ﺑﻬﻢ اﻟﻤﻐﺮب ،ﺛﻢ ﻃﻌﻤﻮا.. . ورآ ﺐ اﻟﺸ ﻴﺦ ،ﻳﺼ ﺤﺒﻪ اﺑ ﻦ ﻣﻬﻨ ﺎ أﻣﻴ ﺮ اﻟﻌ ﺮب ،ﺗﺘﻘ ﺪﻣﻬﻤﺎ اﻟﻤﺸ ﺎﻋﻞ ،وﻣ ﻦ ﺧﻠﻔﻬﻤ ﺎ آﻮآﺒ ﺔ ﻣ ﻦ ﺷ ﻴﻮخ اﻟﻌ ﺮب وﻓﺮﺳ ﺎﻧﻬﻢ، ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻎ اﻟﺸﻴﺦ دارﻩ. . وأﻣ ﺎم ﺑ ﺎب اﻟ ﺪار ،ﻗ ﺪم ﻟ ﻪ اﻷﻣﻴ ﺮ ﻓﺮﺳ ًﺎ ﻗ ﺎل إﻧ ﻪ ﺧﻴ ﺮ ﻣ ﺎ ﻋﻨﺪهﻢ ﻣﻦ اﻟﺨﻴﻞ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻷﺻﻴﻠﺔ ،وأﻗﺴ ﻢ ﻋﻠ ﻰ اﻟﺸ ﻴﺦ أن ﻳﻘﺒ ﻞ اﻟﻔﺮس ،ﻓﻬﻮ ﻟ ﻴﺲ ﻋﻄ ﺎء ﺳ ﻠﻄﺎن ،وﻻ هﺪﻳ ﺔ أﻣﻴ ﺮ ﻣﻤﻠ ﻮآﻲ ﻣ ﻦ أوﻟﻲ اﻷﻣﺮ !! وﻗﺒﻞ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﻬﺪﻳﺔ ﺷﺎآﺮًا ،وﺳﺄﻟﻮﻩ اﻟﺼﻔﺢ ﻋ ﻨﻬﻢ ،واﻟ ﺪﻋﺎء ﻟﻬﻢ ،واﻧﺼﺮﻓﻮا ﻋﺎﺋﺪﻳﻦ. . ٭٭٭ ﺧﺮج ﻋﺴﻜﺮ اﻟﺸﺎم ﺑﻘﻴﺎدة ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،وأﻗﺒﻞ ﻋﺴﻜﺮ ﻣﺼﺮ ،ﻳﻘﻮدهﻢ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،وإﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ واﻷﻣﻴﺮان، ﺳﻼر ،وﺑﻴﺒﺮس اﻟﺠﺎﺷﻨﻜﻴﺮ ،وهﻤﺎ أﺷﺪ أﻣﺮاء اﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ ﺑﺄﺳﺎ وﺳﻄﻮة ،ودراﻳﺔ ﺑﻔﻨﻮن اﻟﻘﺘﺎل ،وﻣﻌﻬﻢ أﺣﺪث اﻵﻻت اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ، واﻟﻘﺮاء ﻳﺘﻠﻮن اﻟﻘﺮﺁن ،وﻳﺮددون ﺁﻳﺎت اﻟﺠﻬﺎد ،ﻣﺴﺘﺜﻴﺮﻳﻦ ١٠٨
ﺣﻤﺎﺳﺔ اﻟﺠﻨﺪ ،وأﺻﺪاء اﻟﻨﻔﻴﺮ اﻟﻌﺰاف ،ودﻗﺎت اﻟﻄﺒﻮل، وﺣﻤﺤﻤﺔ اﻟﺨﻴﻞ ،ﺗﺮج اﻵﻓﺎق.. واﻟﻨﺪاءات ﺗﺘﻌﺎﻟﻰ "اﷲ أآﺒﺮ . .اﷲ أآﺒﺮ"!!. . واﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻳﺨﻄﺐ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ" :ﻳﺎ ﻣﺠﺎهﺪون ،ﻗﺎﺗﻠﻮا ﻋﻦ دﻳﻦ ﻧﺒﻴﻜﻢ ﻣﺤﻤﺪ ،وﻋﻦ ﺣﺮﻳﻤﻜﻢ" واﻧﻀﻢ اﻟﻌﺮﺑﺎن ﺑﻘﻴﺎدة اﻷﻣﻴﺮ ﺣﺴﺎم ﺑﻦ ﻣﻬﻨﺎ إﻟﻰ ﻋﺴﻜﺮ اﻟﺸﺎم ،وﺟﻌﻠﻮا ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﺧﺎﺻ ًﺎ ﻗﺮب أﺣﺪ ﺟﻨﺎﺣﻲ اﻟﺠﻴﺶ. . ووﻗﻒ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﻬﻮة ﺟﻮادﻩ ﻓﻲ ﻣﻼﺑﺲ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ، ﻳﺸﺪ أزر اﻟﺠﻤﻴﻊ.. وﺳﻤﻊ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻨﻪ أﺣﺪ رﺟﺎل اﻟﺠﻴﺶ ﻳﻬﻤﺲ ﻟﺼﺎﺣﺒﻪ : "آﻴﻒ ﻧﻘﺎﺗﻞ اﻟﺘﺘﺎر وهﻢ ﻣﺴﻠﻤﻮن ﻣﺜﻠﻨﺎ" . .ﻓﺨﻄﺐ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺴﻜﺮ " :ﻣﺎ زال ﻳﻬﺠﺲ ﻓﻲ ﺻﺪور ﺑﻌﻀﻜﻢ هﺎﺟﺲ ﻳﻮﺳﻮس ﻟﻪ أن اﻟﺘﺘﺎر ﻣﺴﻠﻤﻮن ﻣﺜﻠﻨﺎ ،ﻓﻼ ﻳﺠﻮز ﻗﺘﺎﻟﻬﻢ .وهﺬﻩ وﺳﻮﺳﺔ اﻟﺸﻴﻄﺎن .ﻓﻬﺆﻻء ﻣﻦ ﺟﻨﺲ اﻟﺨﻮارج اﻟﺬﻳﻦ ﺧﺮﺟﻮا ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ وﻣﻌﺎوﻳﺔ ،ورأوا أﻧﻬﻢ أﺣﻖ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﻣﻨﻬﻢ ،ﻓﺤﺎرﺑﻬﻢ أﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ .هﺆﻻء ﻳﺰﻋﻤﻮن أﻧﻬﻢ أﺣﻖ ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ اﻟﺤﻖ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ،و ﻳﻌﻴﺒﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﺎ هﻢ ﻣﺘﻠﺒﺴﻮن ﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎﺻﻲ واﻟﻈﻠﻢ ،وهﻢ ﻣﺘﻠﺒﺴﻮن ﺑﻤﺎ هﻮ أﻋﻈﻢ ﻣﻨﻪ ﺑﺄﺿﻌﺎف ﻣﻀﺎﻋﻔﺔ . .ﻓﺎن ١٠٩
ذﻟﻚ
اﻟﺠﺎﻧﺐ
وﻋﻠﻰ
رأﺳﻲ
ﻣﺼﺤﻒ
رأﻳﺘﻤﻮﻧﻲ ﻓﻲ ﻓﺎﻗﺘﻠﻮﻧﻲ !" ... . ﺛﻢ اﺳﺘﻄﺮد : "اﻧﻬﻢ ﺟﺎءوﻧﺎ ﻣﻌﺘﺪﻳﻦ ﻳﻐﺰون أرﺿﻨﺎ وﻳﺒﻐﻮن ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻓﺠﺎهﺪوهﻢ ،ﻓﻘﺪ وﻋﺪآﻢ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺎﻟﻨﺼﺮ .وﻣﻦ ﺑﻐﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻴﻨﺼﺮﻧﻪ اﷲ "... . وأﺧﺬ اﻟﺸﻴﺦ ﻳﻄﻮف ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺴﻜﺮ ﺻﺎﺋﺤ ًﺎ " :ﺟﺎهﺪوا ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ ﺑﻌﺰﻳﻤﺔ ﺳﻠﻔﻜﻢ اﻟﺼﺎﻟﺢ ،وإﻧﻜﻢ ﻟﻤﻨﺼﻮرون . .إﻧﻜﻢ ﻣﻨﺼﻮرون" ﻓﻘﺎل ﻟﻪ اﻷﻣﺮاء ":ﻗﻞ إن ﺷﺎء اﷲ" ﻓﻘﺎل اﻟﺸﻴﺦ " :أﻗﻮﻟﻬﺎ ﺗﺤﻘﻴﻘ ًﺎ ﻻ ﺗﻌﻠﻴﻘًﺎ" وﺳﺮى ﻗﺒﺲ ﻣﻦ اﻟﻠﻬﺐ اﻟﺬي ﻳﺘﺄﺟﺞ ﻓﻲ أﻋﻤﺎق اﻟﺸﻴﺦ ،إﻟﻰ ﻗﻠﻮب اﻟﻤﺘﺮددﻳﻦ ،ﻓﺎﺷﺘﻌﻠﺖ اﻟﺤﻤﺎﺳﺔ واﻟﺤﻤﻴﺔ. . وﻃﻠﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﻦ اﻟﺸﻴﺦ أن ﻳﻜﻮن إﻟﻰ ﺟﻮارﻩ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺐ ﺟﻴﺶ ﻣﺼﺮ ،ﻓﻘﺎل اﻟﺸﻴﺦ" :اﻟﺴﻨﺔ أن ﻳﻘﻒ اﻟﺮﺟﻞ ﺗﺤﺖ راﻳﺔ ﻗﻮﻣﻪ ،وﻧﺤﻦ ﻣﻦ ﺟﻴﺶ اﻟﺸﺎم ﻻ ﻧﻘﻒ إﻻ ﻣﻌﻬﻢ ". وﻣﺎل اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﻠﻰ أذن اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ،ﻳﺴﺘﺄذﻧﻪ أن ﻳﺄﻣﺮ ﺟﻴﻮش ﻼ ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم ﺑﺎﻟﻤﺴﻴﺮ ﻟﻤﻼﻗﺎة اﻷﻋﺪاء ،ﻓﺄذن اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻗﺎﺋ ً ﻟﻠﺠﻨﻮد" :ﻳﺎ ﻣﺠﺎهﺪون .داﻓﻌﻮا ﻋﻦ دﻳﻦ ﻧﺒﻴﻜﻢ ﻣﺤﻤﺪ ،وﻋﻦ ﺣﺮﻳﻤﻜﻢ " وﺗﺤﺮك اﻟﺠﻴﺶ. .. ١١٠
وﻻﺣﻆ اﻟﺸﻴﺦ ﺷﻌﻮر اﻟﺠﻨﻮد ﺑﺎﻹﻋﻴﺎء واﻟﻔﺘﻮر. . آﺎن اﻟﻮﻗﺖ رﻣﻀﺎن ،واﻟﺤﺮ ﺷﺪﻳﺪًا ،ووﻃﺄة اﻟﺼﻴﺎم وﺣﻤﺎرة اﻟﻘﻴﻆ واﻟﻌﻄﺶ ﺗﺮهﻖ اﻷﺑﺪان. . ﻓﻮﻗﻒ اﻟﺸﻴﺦ ﻳﻔﺘﻲ اﻟﻨﺎس ﺑﻮﺟﻮب اﻹﻓﻄﺎر ﻟﻴﺘﻘﻮوا ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻬﺎد ،ﻓﻬﺬﻩ هﻲ اﻟﺴﻨﺔ. . وذآﺮهﻢ ﺑﻤﺎ ﺻﻨﻌﻪ رﺳﻮل اﷲ ﻓﻲ ﻏﺰوة ﻓﺘﺢ ﻣﻜﺔ، وآﺎن اﻟﻮﻗﺖ رﻣﻀﺎن واﻟﺤﺮ ﺷﺪﻳﺪًا. ﻼ: أﻓﻄﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم ،وأﻣﺮ اﻟﻨﺎس أن ﻳﻔﻄﺮوا ﻗﺎﺋ ً "إﻧﻜﻢ ﻣﻼﻗﻮا اﻟﻌﺪو ،واﻟﻔﻄﺮ أﻗﻮى ﻟﻜﻢ " واﻋﺘﻠﻰ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻣﺮﺗﻔﻌًﺎ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺮاﻩ اﻟﺠﻤﻴﻊ ،وأﺧﺬ ﻳﺄآﻞ وﻳﺸﺮب أﻣﺎﻣﻬﻢ.. واﺗﺒﻊ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻨﺔ اﻟﺮﺳﻮل ،ﻓﻮﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﺻﻬﻮة ﺟﻮادﻩ ﻟﻴﺮاﻩ اﻟﺠﻤﻴﻊ ،وأآﻞ وﺷﺮب ،وﺟﺎل ﺑﻴﻦ ﺻﻔﻮف اﻟﺠﻨﺪ ﻳﺄآﻞ وﻳﺸﺮب ،وﻳﺄﻣﺮهﻢ ﺑﺎﻹﻓﻄﺎر.. وأﻓﻄﺮوا ،ﻓﺸﻌﺮوا ﺑﻌﺪ أن أآﻠﻮا وﺷﺮﺑﻮا ﺑﺎﻟﻘﻮة ﺗﺪب ﻓﻴﻬﻢ، وﻧﺸﻄﻮا إﻟﻰ ﻣﻼﻗﺎة اﻟﺘﺘﺎر. . اﻟﺘﻘﻰ اﻟﺠﻤﻌﺎن ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﻳﺪﻋﻰ "ﺷﻘﺤﺐ" وﺣﺎرب اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ آﻔﺎرس ﺣﺎذق ،وﺑﻬﺮ ﻓﺮﺳﺎن اﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ ﺑﺒﺴﺎﻟﺘﻪ ! أﻳﻜﻮن ﻓﻘﻴﻪ ﺣﺮﻓﺘﻪ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ واﻟﺨﻄﺎﺑﺔ ،أﺟﺮأ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺤﺮب ،واﻟﺤﺮب ﺣﺮﻓﺘﻬﻢ ؟!. .. ١١١
وﺗﺒﺎروا ﻓﻲ ﺿﺮب اﻟﻌﺪو ،وﺻﻮت اﻟﺸﻴﺦ ﻳﻤﻨﺤﻬﻢ اﻟﺜﻘﺔ : اﷲ أآﺒﺮ . .اﻧﻜﻢ ﻟﻤﻨﺼﻮرون ! ورﻳﻊ اﻟﺘﺘﺎر ﻣﻤﺎ ﻳﺮون !! ﻣﺎ ﻋﻬﺪوا هﺆﻻء ﻳﺤﺎرﺑﻮن ﺑﻤﺜﻞ هﺬﻩ اﻟﺠﺴﺎرة ﻣﻦ ﻗﺒﻞ! . . وأذهﻠﺘﻬﻢ اﻵﻻت اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ وﻗﻮة ﻓﺘﻜﻬﺎ.. . واﺳﺘﻤﺮ اﻟﻘﺘﺎل ﻃﻮال اﻟﻴﻮم اﻟﺮاﺑﻊ ﻣﻦ رﻣﻀﺎن.. . وأدرك اﻟﺘﺘﺎر أﻧﻬﻢ ﺳﻴﻼﻗﻮن هﺰﻳﻤﺔ ﻟﻢ ﻳﻌﺮﻓﻮه ﺎ ﻣﻨ ﺬ "ﻋ ﻴﻦ ﺟ ﺎﻟﻮت" !! ..ﻓﻠﺠ ﺄوا إﻟ ﻰ أﺣ ﺪ اﻟ ﺘﻼل ،واﺧﺘﻔ ﻮا وراءﻩ واﻟﻠﻴ ﻞ ﻳﻘﺒﻞ ،ﻟﻴﺨﻔﻴﻬﻢ ﻋﻦ اﻟﻌﻴﻮن !! ٭٭٭ وﺗﻮﻗﻒ اﻟﻘﺘﺎل ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ﺿﻮء اﻟﻨﻬﺎر. . وﻟﺠﺄ اﻟﺘﺘﺎر إﻟﻰ ﺣﻴﻠﺔ ﻏﺮﻳﺒﺔ ،ﻓﻘﺪ أرﺳﻠﻮا إﻟﻰ دﻣﺸﻖ ﺑﻌﺾ أﻋﻮاﻧﻬﻢ اﻟﺒﺎﻃﻨﻴﺔ ،ﻟﻴﺬﻳﻌﻮا ﻋﻠﻰ أهﻞ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ أن ﻋﺴﺎآﺮ اﻟﺸﺎم اﻧﻬﺰﻣﻮا ،وﻟﻦ ﻳﻌﻮد ﻣﻨﻬﻢ أﺣﺪ ،ﻓﻘﺪ ﻗﺘﻞ اﻟﺘﺘﺎر ﻣﻦ ﻗﺘﻞ ﻣﻨﻬﻢ، وأﺳﺮوا اﻟﺒﺎﻗﻴﻦ !! أﻣﺎ أﻣﺮاء اﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ اﻟﻔﺮﺳﺎن ،ﻓﻘﺪ ﻓﺮوا! .. . ذﻋﺮ أهﻞ دﻣﺸﻖ ،وﺧﺮج اﻟﻨﺴﺎء إﻟﻰ اﻟﺸﻮارع ﺣﺎﺳﺮات ﻣﺮﺳﻼت اﻟﺸﻌﻮر ،ﺑﺎآﻴﺎت ﻧﺎدﺑﺎت ﻳﻠﻄﻤﻦ اﻟﺨﺪود ! واﻣﺘﻸ ﻟﻴﻞ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﺎﻟﻨﺸﻴﺞ واﻟﺼﺮﺧﺎت ،واﻟﻔﺰع !! وﺳﻴﻄﺮ اﻟﺮﻋﺐ ﻋﻠﻰ آﻞ ﺷﻲء . .وأﺧﺬ اﻟﻨﺎس ﻳﻠﻌﻨﻮن اﻷﻣﺮاء ١١٢
اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻈﻠﻤﻮن اﻟﺮﻋﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻠﻢ ،وﻳﻔﺮون ﻓﻲ اﻟﺤﺮب، واﻗﺘﺤﻤﻮا اﻟﺨﺰاﺋﻦ اﻟﺴﻠﻄﺎﻧﻴﺔ ،واﺳﺘﻮﻟﻮا ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ أﻣﻮال. وﻟﺠﺄ ﺧﻠﻖ آﺜﻴﺮ إﻟﻰ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ وأﺿﺮﺣﻪ اﻷوﻟﻴﺎء ،ﻳﺪﻋﻮن وﻳﺴﺄﻟﻮن اﷲ اﻟﻠﻄﻒ ﻓﻲ اﻟﻘﻀﺎء. . ﻋﺎﺷﺖ ﻟﻴﻠﺘﻬﺎ ﻓﻲ هﻠﻊ وﻓﻮﺿﻰ ورﻋﺐ وأﺣﺰان ﻟﻢ ﺗﻌﺮﻓﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ! وﺳﺮى ﻣﻦ اﻟﺒﺎﻃﻨﻴﺔ أﻋﻮان اﻟﺘﺘﺎر ،ﻓﺮﺳﺎن ﺁﺧﺮون، ﻓﺎﻧﺪﺳﻮا ﺑﻴﻦ اﻟﺠﻨﻮد ﻳﺨﺬﻟﻮﻧﻬﻢ . .وآﺎن اﻟﺠﻨﻮد ﻓﻲ ﺟﻤﺎﻋﺎت ﻣﺘﺒﺎﻋﺪة . .ﻓﺄذاﻋﻮا ﻓﻲ آﻞ ﺟﻤﺎﻋﺔ أن اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻷﺧﺮى ﻗﺪ أﺳﺮهﺎ اﻟﺘﺘﺎر أو أﺑﺎدوهﺎ .. .واﻟﻨﺠﺎة ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ ﺣﻜﻤﺔ !! واﺿﻄﺮب اﻟﺠﻨﺪ ،وه ﱠﻢ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﺎﻟﻔﺮار !! وأﺳﺮع اﻟﺸﻴﺦ إﻟﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻳﻨﺒﺌﻪ ﺑﺨﺪﻋﺔ اﻟﺘﺘﺎر. وﺳﺄﻟﻪ أن ﻳﺄﻣﺮ اﻟﺠﻨﻮد ،ﺑﺄن ﻳﺼﻄﻔﻮا ،وأﻻ ﻳﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﺼﻒ أﺣﺪ ،وﺑﺄن ﻳﺮﺳﻞ إﻟﻰ أهﻞ دﻣﺸﻖ ﻣﻦ ﻳﺪﺣﺾ اﻷآﺬوﺑﺔ، وﻳﺤﻤﻞ إﻟﻴﻬﻢ اﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ . .وأرﺳﻞ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻤﻨﺎدﻳﻦ ،ﻓﺄﻋﻠﻨﻮا اﻟﻨﺎس ﻓﻲ دﻣﺸﻖ أن اﻟﻌﺴﻜﺮ ﺑﺨﻴﺮ ،وأن ﻧﺼﺮ اﷲ ﺁت ﻋﻦ ﻗﺮﻳﺐ. . وأﻣﺮ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻓﺪﻗﺖ اﻟﻄﺒﻮل ،وﻋﺰف اﻟﻨﻔﻴﺮ ،واﻧﺘﻈﻢ اﻟﺠﻨﻮد ﻓﻲ اﻟﺼﻔﻮف ﻋﻠﻰ ﺿﻮء اﻟﻤﺸﺎﻋﻞ ،واﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻳﺘﺠﻮل ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺳﻪ ،ﻳﻜﺸﻒ ﻟﻬﻢ ﺣﻴﻠﺔ اﻟﺘﺘﺎر ،وﻳﺒﻴﻦ ﻟﻬﻢ ﺣﻜﻢ اﻟﺸﺮع ﻓﻴﻤﻦ ﻳﻔﺮ ،أو ﻳﻨﻜﺺ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻴﺒﻪ ،ﻣﻜﺮرًا :إﻧﻜﻢ، ﻟﻤﻨﺼﻮرون ،إﻧﻜﻢ ﻟﻤﻨﺼﻮرون. ١١٣
وأﻋﻠﻦ اﻟﺴﻠﻄﺎن " :ﻣﻦ ﻳﺨﺮج ﻣﻦ اﻷﺟﻨﺎد ﻋﻦ اﻟﺼﻒ ﻓﻠﻴﻘﺘﻞ ،وﻟﻘﺎﺗﻠﻪ ﺳﻼﺣﻪ وﻓﺮﺳﻪ " واﻟﻔﺠﺮ ﻳﺸﺮق ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ.. . وﻋﻠﻰ ﺷﻌﺎع اﻟﻔﺠﺮ ،ﻗﺎد اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺠﻴﻮش إﻟﻰ اﻟﺘﻞ اﻟﺬي اﺧﺘﻔﻰ وراءﻩ اﻟﻌﺪو ﻓﺮآﺒﻮﻩ ،وأﻋﻤﻠﻮا ﻓﻴﻪ اﻟﺴﻴﻮف واﻵﻻت اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ.. وﻋﻨﺪﻣﺎ اﻗﺘﺮب اﻟﻌﺼﺮ ﻳﺌﺲ اﻟﺘﺘﺎر ﻣﻦ اﻟﻘﺘﺎل ﻓﻼذوا ﺑﺎﻟﻔﺮار ،وﻟﻜﻦ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﺻﺎح ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ" :ﻻ ﺗﺘﺮآﻮهﻢ". وﻃﺎردهﻢ اﻟﻌﺴﻜﺮ ،وﻗﺘﻠﻮا ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻘﺘﻠﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ،وأﺳﺮوا اﻟﺒﺎﻗﻴﻦ ،وﻟﻢ ﻳﻨﺞ إﻻ اﻟﻘﻠﻴﻞ . .وﻏﻨﻤﻮا ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻐﺎﻧﻢ آﺜﻴﺮة.. . ٭٭٭ ﻋﺎد اﻟﺠﻴﺶ اﻟﻤﻨﺘﺼﺮ ﺑﻘﻴﺎدة اﻟﺴﻠﻄﺎن ،وإﻟﻰ ﺟﻮارﻩ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ واﻟﻔﻘﻴﻪ اﻟﻔﺎرس اﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ . .ودﻗﺎت اﻟﻄﺒﻮل واﻷﺑﻮاق اﻟﻌﺰاﻓﺔ ،وﺗﻜﺒﻴﺮ اﻟﺠﻨﻮد ،ﺗﻌﻠﻦ اﻟﺒﺸﺮى . .ﻟﻘﺪ ﻧﺼﺮ اﷲ ﺟﻨﺪﻩ ! واﺳﺘﻘﺒﻠﺖ دﻣﺸﻖ ﺟﻴﺸﻬﺎ اﻟﻤﻨﺘﺼﺮ ﺑﺎﻷﻓﺮاح واﻟﺰﻳﻨﺎت. . وأرﺳﻠﺖ أﻧﺒﺎء اﻻﻧﺘﺼﺎر ﻋﻠﻰ أﺟﻨﺤﺔ اﻟﺤﻤﺎم اﻟﺰاﺟﻞ ،إﻟﻰ آﻞ ﺑﻼد اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ. . واﺳﺘﻤﺮت دﻣﺸﻖ ﺗﺤﺘﻔﻞ ﺑﺎﻻﻧﺘﺼﺎر ﻋﺪة أﻳﺎم وﻟﻴﺎل، ﺳﻄﻌﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺰﻳﻨﺎت ،ودوت اﻟﻀﺤﻜﺎت . .ووزع اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻬﺪاﻳﺎ واﻟﺨﻠﻊ. ١١٤
وأﻗﺎم ﻓﻲ دﻣﺸﻖ ﺣﺘﻰ ﺻﻠﻰ اﻟﻌﻴﺪ. . وﺗﺮآﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻴﻮم اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ ﺷﻮال إﻟﻰ اﻟﻘﺎهﺮة. . وﻓﻲ اﻟﻘﺎهﺮة وﺟﺪ ﻓﻲ اﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻪ أﻗﻮاس اﻟﻨﺼﺮ ،واﻟﻄﺮﻗﺎت ﻣﻔﺮوﺷﺔ ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺮ ،وﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﻴﻬﺎ أﺣﻮاض ﻣﻠﺌﺖ ﺑﻌﺼﻴﺮ اﻟﻠﻴﻤﻮن واﻟﺴﻜﺮ . .واﻟﻨﺎس ﻓﻲ أﺑﻬﻰ ﺣﻠﻠﻬﻢ ﻳﻜﺒﺮون وﻳﺤﻤﺪون اﷲ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺼﺮ اﻟﻤﺒﻴﻦ. اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺳﻪ ﻳﺒﻄﺊ اﻟﺴﻴﺮ رﻓﻘًﺎ ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺮ اﻟﻤﻔﺮوش ﻋﻠﻰ اﻷرض ،وإﻟﻰ ﺟﻮارﻩ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻳﺤﻴﻰ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺎﻧﺒﻴﻦ، وهﻢ ﻳﻬﺘﻔﻮن ﻟﻪ وﻟﻠﺴﻠﻄﺎن ،وﻣﻦ ﺧﻠﻔﻬﻤﺎ أﻣﺮاء اﻟﺠﻴﺶ اﻟﻤﻨﺘﺼﺮ ،ﻳﺴﻮﻗﻮن أﺳﺮاهﻢ ﻣﻦ أﻣﺮاء اﻟﺘﺘﺎر وﻗﻮادهﻢ، ﻣﺼﻔﺪﻳﻦ ﻓﻲ اﻷﻏﻼل ،وﺧﻠﻔﻬﻢ اﻟﻌﺴﻜﺮ وﺁﻻف اﻷﺳﺮى اﻵﺧﺮﻳﻦ ،وأرﺗﺎل اﻹﺑﻞ ﺗﺤﻤﻞ اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ اﻟﻜﺜﻴﺮة. وﺻﻌﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎن إﻟﻰ ﻗﺼﺮﻩ ﺑﺎﻟﻘﻠﻌﺔ وﺳﻂ اﻟﻬﺘﺎﻓﺎت واﻟﺰﻏﺎرﻳﺪ ،ﻓﺄﻣﺮ ﺑﻤﻨﺢ اﻟﻌﻄﺎﻳﺎ واﻟﻬﺒﺎت واﻟﺨﻠﻊ ،أﻋﻴﺎن اﻟﺒﻼد وﻓﻘﺮاءهﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻮاء. . اﺳﺘﻤﺮت اﻷﻓﺮاح ﻓﻲ اﻟﻘﺎهﺮة أﻳﺎﻣًﺎ وﻟﻴﺎﻟﻲ :ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎر ﺗﻐﻤﺮ اﻟﺰوارق اﻟﻤﺰداﻧﺔ ﺑﺎﻟﺮاﻳﺎت ،ﺻﻔﺤﺎت اﻟﻨﻴﻞ واﻟﺨﻠﺠﺎن واﻟﺒﺤﻴﺮات اﻟﺘﻰ ﺗﺘﺨﻠﻞ اﻟﻘﺎهﺮة ،وﺗﻌﻤﺮ اﻟﺤﺪاﺋﻖ ﺑﺎﻟﻨﺎس وأﺻﺤﺎب اﻟﻠﻬﻮ واﻟﺤﻮاة . .وﻓﻲ اﻟﻠﻴﻞ ﺗﺘﻸﻷ اﻷﻧﻮار ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻗﺎت وﺗﺰدﺣﻢ اﻟﺴﺮادﻗﺎت ﺑﺮوادهﺎ ﻳﺘﺴﻤﻌﻮن ﻷهﻞ اﻟﻐﻨﺎء واﻟﻄﺮب ،وﻳﺸﺎهﺪون اﻟﺮاﻗﺼﺎت. ١١٥
واﺳﺘﻤﺮ اﻟﺤﺎل ﻧﺤﻮ أﺳﺒﻮع ،ﺣﺘﻰ ﺿﺞ اﻟﺼﺎﻟﺤﻮن ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء ،ﻓﺼﻌﺪ اﻟﺸﻴﺦ اﺑﻦ دﻗﻴﻖ اﻟﻌﻴﺪ إﻟﻰ اﻟﻘﻠﻌﺔ ،وﺷﻜﺎ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن إﺳﺮاف اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﻠﻬﻮ ،ﺣﺘﻰ اﻗﺘﺮﻓﻮا اﻟﻤﻨﻜﺮات ﺟﻬﺎرًا ،ﻓﻲ اﻟﺰوارق واﻟﺤﺪاﺋﻖ واﻟﻄﺮﻗﺎت !! وﺳﺄﻟﻪ أن ﻳﻜﻒ اﻟﻨﺎس ﻋﻦ هﺬا اﻟﻔﺴﺎد. ﻼ " :إﻧﻚ ﻟﺘﺬآﺮﻧﻲ ﺑﺎﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻗﺎﺋ ً ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ،ﺳﻴﺪ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﻔﺮﺳﺎن " ﻓﻘﺎل اﺑﻦ دﻗﻴﻖ اﻟﻌﻴﺪ " :ﻟﻮ أن اﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ آﺎن هﻨﺎ ،وﻋﺎﻳﻦ ﻣﺎ ﻋﺎﻳﻨﺎﻩ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮات ﺑﺎﺳﻢ اﻻﺑﺘﻬﺎج ﺑﺎﻟﻨﺼﺮ ،ﻟﻘﺎد ﺟﻤﺎﻋﺘﻪ ﻣﻦ اﻵﻣﺮﻳﻦ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮوف واﻟﻨﺎهﻴﻦ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ ،وﺣﺎرب أهﻞ اﻟﻔﺴﺎد !!. . أﻻ ﺗﺄﻣﺮ ﻳﺎ إﻧﺴﺎن )هﻜﺬا آﺎن ﻳﻨﺎدى اﻟﺴﻼﻃﻴﻦ واﻷﻣﺮاء ( ﺑﺄن ﻳﺘﻠﻰ اﻟﻘﺮﺁن ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺣﺘﻰ ﻳﺨﺘﻢ ،ﺛﻢ ﻳﻘﺮأ اﻟﺒﺨﺎري ،وأن ﻳﺴﺘﻤﺮ هﺬا ﻣﻦ اﻷﻳﺎم واﻟﻠﻴﺎﻟﻲ أﺿﻌﺎف اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺬي اﺳﺘﻐﺮﻗﺘﻪ اﻷﻓﺮاح واﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ؟ ﻋﺴﻰ اﷲ أن ﻳﺮﺿﻰ ﻋﻨﻚ وﻳﻐﻔﺮ ﻷهﻞ ﻣﺼﺮ ﻣﺎ ارﺗﻜﺒﻮﻩ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻﻲ " ﻗﺎل اﻟﺴﻠﻄﺎن " :ﻟﻚ هﺬا ﻳﺎ ﺷﻴﺨﻨﺎ" اﺳﺘﻄﺮد اﺑﻦ دﻗﻴﻖ اﻟﻌﻴﺪ " :ﺑﻌﺪ هﺬا ﻧﺴﺘﻘﺪم اﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ،ﻓﺒﻨﺎ إﻟﻴﻪ ﺷﻮق ،وأهﻞ ﻣﺼﺮ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﻋﻠﻤﻪ ". ١١٦
ﻗﺎل اﻟﺴﻠﻄﺎن " :أﻟﺤﺤﺖ ﻋﻠﻴﻪ وأﻧﺎ ﻓﻲ دﻣﺸﻖ أن ﻳﺼﺤﺒﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﺎهﺮة ،ﻟﻨﺘﺒﺮك ﺑﻪ ،وﻟﻴﻨﻔﻊ اﷲ ﺑﺘﻘﻮاﻩ وﻋﻠﻤﻪ أهﻞ اﻟﻜﻨﺎﻧﺔ ﻓﻤﺎ ﻗﺒﻞ " ﻟﻘﺪ ﺁﺛﺮ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ أن ﻳﺒﻘﻰ ﻓﻲ دﻣﺸﻖ ،ﻟﻴﺮى آﻴﻒ ﻳﺴﻠﻚ ﻣﻊ اﻟﺬﻳﻦ ﻧﺎﺻﺮوا اﻟﺘﺘﺎر ﻣﻦ أهﻞ اﻟﺸﺎم ،وﻇﺎهﺮوهﻢ ﻋﻠﻰ ﻗﻮﻣﻬﻢ !! ﻟﻘﺪ ﺟﺎء وﻗﺖ اﻟﺤﺴﺎب !!
١١٧
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ هﺪأ اﻟﻨﺎس واﺳﺘﻘﺮت أﻣﻮرهﻢ ،ﺑﻌﺪ اﻻﻧﺘﺼﺎر اﻟﻜﺎﺳﺢ اﻟﺴﺎﺣﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺘﺎر . .إﻻ اﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ،ﻓﻤﺎ هﺪأ ،وﻻ اﺳﺘﻘﺮ! . . إﻧﻪ ﻟﻴﺤﺎول أن ﻳﺴﺘﺨﻠﺺ اﻟﻌﺒﺮة ،ﻣﻦ آﻞ ﻣﺎ ﻣﺮ ﺑﺎﻷﻣﺔ ﻣﻦ أﺣﺪاث! .. . ﻟﻘﺪ اﺳﺘﻘﺮ رأﻳﻪ ﻋﻠﻰ أن ﻳﺤﺎﺳﺐ اﻟﻤﻔﺴﺪﻳﻦ ،واﻟﺬﻳﻦ ﺧﺎﻧﻮا اﻷﻣﺎﻧﺔ ،ﻓﻨﺎﺻﺮوا اﻟﺘﺘﺎر واﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ ،ﺣﻴﻨﻤﺎ آﺎن اﻟﺠﻴﺶ ﻳﺤﺎرب.. . ﺳﻴﻈﻠﻮن ﺛﻐﺮة ﻳﺘﺴﻠﻞ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻌﺪو . .وﻋﻠﻰ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺳﺪ اﻟﺜﻐﻮر. ﺣﻘﺎ . .ﻟﻘﺪ ﺟﺎء ﻳﻮم اﻟﺤﺴﺎب واﻟﻌﻘﺎب. ﻟﻴﺲ هﺆﻻء وﺣﺪهﻢ هﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﺘﺤﻘﻮن اﻟﻌﻘﺎب ،وﻟﻜﻨﻬﻢ أﻳﻀﺎ اﻟﻮﻻة اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻈﻠﻤﻮن اﻟﺮﻋﻴﺔ ،وﻳﺪﻓﻌﻮﻧﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻴﺄس ،ﺣﺘﻰ ﻟﺘﺴﺘﻮي ﻟﺪﻳﻬﺎ أﻇﻔﺎر اﻟﺬﺋﺎب اﻟﻤﻐﻴﺮة ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻋﺼﻰ رﻋﺎﺗﻬﺎ اﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ! ! .. . ﺛﻢ . .ﺻﻨﺎع اﻟﺒﺪع واﻟﻀﻼﻻت ،ﻣﻤﻦ ﻳﺨﺮﺟﻮن ﺑﺎﻷﻣﺔ ﻋﻦ ﻧﻬﺞ اﻟﺴﻨﺔ ،وﻳﺸﻐﻠﻮﻧﻬﺎ ﺑﺎﻷﺑﺎﻃﻴﻞ ! هﺆﻻء وﺑﺎل ﻳﺠﺐ اﻟﺨﻼص ﻣﻨﻪ.
١١٨
وﻟﻜﻨﻪ إن اﻧﺸﻐﻞ ﺑﻬﺬا آﻠﻪ ،ﻟﺰﻋﻢ ﺣﺴﺎدﻩ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء ،أﻧﻪ ﺗﺮك اﻟﻔﻘﻪ وﻋﻠﻮم اﻟﺪﻳﻦ ،ﻟﻴﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻃﻠﺒًﺎ ﻟﻠﺮﻳﺎﺳﺔ واﻟﺴﻠﻄﺔ واﻟﺠﺎﻩ ! ﻻ . .ﻣﺎ اهﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﻬﺬا اﻟﺒﻬﺘﺎن . .؟ ! إﻧﻪ ﻟﻴﻌﺮف أن هﺪف اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ هﻮ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﻟﻸﻣﺔ ودﻓﻊ اﻟﻀﺮر ،وإﻣﺎﻃﺔ اﻷذى ! وإذن ﻓﺎﻟﻌﻠﻤﺎء ﻟﻴﺴﻮا ﻓﻴﺮان آﺘﺐ ،وﻟﻜﻨﻬﻢ ﺣﻤﻠﺔ ﻣﺸﺎﻋﻞ، وأدوات ﺗﻨﻮﻳﺮ. هﻢ أوﻟﻮاﻷﻣﺮ آﺎﻟﻮﻻة ،وهﻢ ﻣﺴﺌﻮﻟﻮن أﻣﺎم اﷲ ،ﻋﻦ ﻧﺼﺮة اﻟﺤﻖ ،ودﺣﺾ اﻟﺒﺎﻃﻞ ،وإﻗﺎﻣﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻔﺎﺿﻞ. . وإﻻ ﻓﻤﺎ ﺟﺪوى ﻣﺎ ﻳﺤﻤﻠﻮن ﻣﻦ ﻋﻠﻢ ؟! إﻧﻬﻢ إن ﺳﻜﺘﻮا ،ﺣﻘﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻟﻌﻨﺔ اﷲ ،وﺿﻠﻮا ﺿﻼﻻ ﺑﻌﻴﺪًا ،ﻓﺎﻟﺮﺳﻮل ﺑﺸﺮ ﺑﺎﻟﺨﺴﺮان ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ واﻵﺧﺮة ،ﻗﻮﻣﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻻ ﻳﻌﻤﻠﻮن ﺑﻤﺎ ﺗﻌﻠﻤﻮﻩ! . . إﻧﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺤﻖ ﻟﻜﺎذﺑﻮن ﺣﻤﻠﻮا اﻟﺘﻮارة ﻓﻠﻢ ﻳﺤﻤﻠﻮهﺎ ،وﻟﻢ ﻳﻌﻤﻠﻮا ﺑﻬﺎ . .ﻓﻤﺜﻠﻬﻢ آﻤﺜﻞ اﻟﺤﻤﺎر ﻳﺤﻤﻞ أﺳﻔﺎرًا! .. .. ٭٭٭ ﻓﻠﻴﺬهﺐ إﻟﻰ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،ﻓﻴﻜﻠﻤﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﺎﻃﻨﻴﺔ ،اﻟﺬﻳﻦ ﻧﺎﺻﺮوا اﻟﺘﺘﺎر وآﺎﺗﺒﻮا اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ زﻣﻦ اﻟﺤﺮب. . ﻏﻴﺮ أﻧﻪ ﺗﺮدد ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء ،ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﺤﺐ أن ﻳﻄﺮق أﺑﻮاب اﻟﺤﻜﺎم !! ١١٩
ﻟﻘﺪ ﻗﺎم اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻧﻔﺴﻪ هﻨﺎ أﻳﺎﻣًﺎ ﺑﻌﺪ اﻻﻧﺘﺼﺎر ،ﻓﻤﺎ ذهﺐ اﻟﺸﻴﺦ إﻟﻴﻪ ،ﻓﻜﺎن اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻳﺪﻋﻮﻩ آﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﺑﻌﺪ اﻹﻓﻄﺎر، وﻳﺴﺄﻟﻪ اﻟﻨﺼﻴﺤﺔ واﻟﻤﻮﻋﻈﺔ.. إن اﻟﺸﻴﺦ ﻻ ﻳﺠﺪ ﻋﻨﺪ اﻟﺤﻜﺎم إﻻ ﻣﺎ ﻳﻮﺟﻊ اﻟﻘﻠﺐ :أهﻞ اﻟﺰﻳﻒ واﻟﻨﻔﺎق ﻳﺘﺰﻟﻔﻮن ،وﺑﻌﻀﻬﻢ واﺣﺮ ﻗﻠﺒﺎﻩ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء!. . اﻟﺤﻜﺎم ﺗﻌﻮدوا أن ﻳﺴﻤﻌﻮا ﻟﻐﺔ ﻏﻴﺮ اﻟﺘﻰ ﻳﺘﻘﻨﻬﺎ اﻟﺸﻴﺦ.. اﺳﺘﻄﻌﻤﻮا اﻟﻤﺪاهﻨﺔ واﻟﻤﺪﻳﺢ . .واﻟﺸﻴﺦ ﻻ ﻳﻌﺮف ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺼﺎرﺣﺔ واﻟﻤﻜﺎﺷﻔﺔ وﻗﻮﻟﺔ اﻟﺤﻖ !.. وﻟﻜﻦ ﺗﺮدد اﻟﺸﻴﺦ ﻟﻢ ﻳﻄﻞ ،ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﺬهﺐ إﻟﻰ هﺬا اﻟﺤﺎآﻢ أو ذﻟﻚ ﻟﻠﻤﺆاﻧﺴﺔ وﻟﻜﻦ دﻓﻌًﺎ ﻟﻠﻀﺮر ﻋﻦ اﻷﻣﺔ ،وﺟﻠﺒ ًﺎ ﻟﻤﻨﻔﻌﺔ اﻟﻨﺎس. وذهﺐ إﻟﻰ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،ﻓﻮﺟﺪ ﻣﺎ آﺎن ﻳﺘﻮﻗﻌﻪ :ﺣﻠﻘﺔ اﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ وﻃﻼب اﻟﻤﻨﺎﻓﻊ!.. وﺧﻒ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻻﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻪ ،ﻣﺘﻮاﺿﻌ ًﺎ ﻟﻪ.. ﻃﻠﺐ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﻦ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن أن ﻳﻌﻠﻦ اﻟﺤﺮب ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎﻃﻨﻴﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﺘﺼﻤﻮن ﺑﺎﻟﺠﺒﻞ ،ﺗﺄدﻳﺒ ًﺎ ﻟﻬﻢ ﻋﻤﺎ اﻗﺘﺮﻓﻮﻩ ﻣﻦ ﺧﻴﺎﻧﺔ اﻷﻣﺔ ،وﻣﻨﺎﺻﺮة اﻟﻤﻌﺘﺪﻳﻦ اﻟﺒﺎﻏﻴﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ. . وﻃﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،أن ﻳﻬﻤﻠﻪ روﻳﺪًا ،ﻓﺤﺮب آﻬﺬﻩ ﻳﺠﺐ أن ﻳﺄذن ﺑﻬﺎ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻧﻔﺴﻪ. . ﻓﻘﺮر اﻟﺸﻴﺦ أن ﻳﻜﺘﺐ هﻮ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن . .ﻋﻠﻰ أن ﻳﺤﻤﻞ اﻟﺤﻤﺎم اﻟﺰاﺟﻞ رﺳﺎﻟﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺟﻨﺎح اﻟﺴﺮﻋﺔ. ١٢٠
وﺗﻬﻴﺄ اﻟﺸﻴﺦ ﻟﻠﺨﺮوج ،وﻟﻜﻦ رؤﺳﺎء اﻟﻴﻬﻮد ﺑﺎﻟﺸﺎم أﻗﺒﻠﻮا، ﻷﻣﺮ ﻋﺎﺟﻞ أهﻤﻬﻢ. . وأﻟ ﺢ ﻧﺎﺋ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻋﻠ ﻰ اﻟﺸ ﻴﺦ أن ﻳﺒﻘ ﻰ ،ﻟﻴﺠ ﺎدل ﻋﻨ ﻪ رؤﺳﺎء اﻟﻴﻬﻮد. آﺎﻧﻮا ﻗﺪ ﻃﻠﺒﻮا ﻣﻦ ﻗﺒﻞ رﻓﻊ اﻟﺠﺰﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻓﺮﺿﺖ ﻋﻠﻰ أهﻞ اﻟﺬﻣﺔ ،ﻣﻨﺬ اﻟﻔﺘﺢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ،ﺣﻴﻦ ﺧﻴﺮ اﻟﻔﺎﺗﺤﻮن أهﻞ اﻟﻜﺘﺎب ﺑﻴﻦ اﻟﺪﺧﻮل ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ،أو دﻓﻊ اﻟﺠﺰﻳﺔ. وآﺎن ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻳﺠﺪ ﺣﺮﺟﺎ ﻓﻲ اﻹﺟﺎﺑﺔ إﻟﻴﻬﻢ ،وﻳﺠﺪ ﺣﺮﺟًﺎ ﻓﻲ رﻓﺾ ﻃﻠﺒﻬﻢ ،ﻓﻬﻢ ﻳﻤﻠﻜﻮن أآﺜﺮ اﻟﺘﺠﺎرة ،وﻗﺪ ﻳﺤﺪﺛﻮن اﺿﻄﺮاﺑًﺎ ﻓﻲ ﺣﻴﺎة اﻟﻨﺎس وأﻣﻮاﻟﻬﻢ. وﻗﺪم رؤﺳﺎء اﻟﻴﻬﻮد وﺛﻴﻘﺔ ،ﺗﻌﻔﻴﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺠﺰﻳﺔ ،وزﻋﻤﻮا أﻧﻬﺎ ﻋﻬﺪ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺮﺳﻮل ! .. وﻗﺪم ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻮرﻗﺔ ﻟﻠﺸﻴﺦ ،وﺳﺄﻟﻪ اﻟﺮأي.. وﻟﻤﺎ ﻗﺮأهﺎ اﻟﺸﻴﺦ ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ ،ﻗﺎل إن اﻟﻮﺛﻴﻘﺔ ﻣﺰورة ،ﻓﺄﺳﻠﻮﺑﻬﺎ ﻟﻴﺲ هﻮ أﺳﻠﻮب اﻟﺮﺳﻮل ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم ،وﻓﻴﻬﺎ أﺧﻄﺎء ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ واﻟﻨﺤﻮ ،ﻣﺎ آﺎن ﻟﻴﻘﻊ ﻓﻴﻬﺎ أﺣﺪ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ، واﻟﻌﺼﺮ اﻟﺬي ﻳﻠﻴﻪ ،ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻘﻊ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺮﺳﻮل ﻧﻔﺴﻪ ؟! ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻬﻢ إﻧﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎﺑﻞ ﻗﺎزان ﺳﻠﻄﺎن اﻟﺘﺘﺎر ،ﺣﺪﺛ ﻪ ﻋ ﻦ أه ﻞ اﻟﺬﻣ ﺔ ﻓ ﺄﻃﻠﻖ اﻷﺳ ﺮى ﻣ ﻦ اﻟﻴﻬ ﻮد واﻟﻤﺴ ﻴﺤﻴﻴﻦ ،ﻓﻬ ﻮ ﻻ ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،وﻻ ﻳﺘﻌﺼﺐ ﺿﺪهﻢ ،ﻷﻧﻬ ﻢ ﻓ ﻲ ذﻣ ﺔ اﷲ ورﺳ ﻮﻟﻪ ورﻋﺎﻳﺘﻬﻢ واﺟﺒﺔ.. ١٢١
وﻟﻜﻨ ﻪ ﻻ ﻳﺮﺿ ﻰ ﻣ ﻨﻬﻢ ﺑﺎﻟﻜ ﺬب ﻋﻠ ﻰ رﺳ ﻮل اﷲ ،وﻻ ﺑﺎﻻﺣﺘﻴ ﺎل ﻋﻠ ﻰ وﻟ ﻲ ﻷﻣ ﺮ ،وﻋﻠ ﻴﻬﻢ أن ﻳ ﺪﻓﻌﻮا اﻟﺠﺰﻳ ﺔ ،وأﻻ ﻳﺮﺟﻌ ﻮا إﻟ ﻰ ﻣﺜ ﻞ ه ﺬﻩ اﻷآﺎذﻳ ﺐ ،وإﻻ وﺟ ﺐ ﻋﻠ ﻰ وﻟ ﻲ اﻷﻣ ﺮ ﺗﻌﺰﻳ ﺮهﻢ . .أي ﺣﺒﺴ ﻬﻢ وﺟﻠ ﺪهﻢ أو ﻣ ﺎ ﻳ ﺮاﻩ وﻟ ﻲ اﻷﻣ ﺮ ﻣ ﻦ اﻟﻌﻘﻮﺑﺎت !.. واﻧﺼ ﺮف زﻋﻤ ﺎء اﻟﻴﻬ ﻮد ،آﺎﺳ ﻔﻴﻦ ﺁﺳ ﻔﻴﻦ ،ﻣﻌﺘ ﺬرﻳﻦ، وﺗﻌﻬﺪوا أﻻ ﻳﻌﻮدوا ﻟﻤﺜﻠﻬﺎ أﺑﺪًا.. واﻧﺼﺮف اﻟﺸﻴﺦ ﻳﻜﺘﺐ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻗﻼوون ،ﻟﻴﻄﻴﺮ ﺑﻬﺎ اﻟﺤﻤﺎم اﻟﺰاﺟﻞ إﻟﻰ اﻟﻘﺎهﺮة.. آﺘﺐ اﻟﺸﻴﺦ ﻋﻦ اﻟﺒﺎﻃﻨﻴﺔ أﻧﻬﻢ " :ﻟﻤ ﺎ ﻗ ﺪم اﻟﺘﺘ ﺎر إﻟ ﻰ اﻟ ﺒﻼد وﻓﺮﺣ ﻮا ﺑﻤﻘ ﺪﻣﻬﻢ ،ﻓﻌﻠ ﻮا ﺑﻌﺴ ﻜﺮ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ ﻣ ﺎ ﻻ ﻳﺤﺼ ﻰ ﻣ ﻦ اﻟﻔﺴ ﺎد ،وأرﺳ ﻠﻮا إﻟ ﻰ أه ﻞ ﻗﺒ ﺮص اﻟﺼ ﻠﻴﺒﻴﻴﻦ ﻓﻤﻠﻜ ﻮا اﻟﺴ ﺎﺣﻞ، وﺣﻤﻠﻮا راﻳﺔ اﻟﺼﻠﻴﺐ ،وﺣﻤﻠﻮا إﻟﻰ ﻗﺒ ﺮص ﻣ ﻦ ﺧﻴ ﻞ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ وﺳ ﻼﺣﻬﻢ وأﺳ ﺮاهﻢ ﻣ ﺎ ﻻ ﻳﺤﺼ ﻲ ﻋ ﺪدﻩ إﻻ اﷲ ،وأﻗ ﺎم ﺳ ﻮﻗﻬﻢ ﺑﺎﻟﺴﺎﺣﻞ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻳﻮﻣ ﺎ ﻳﺒﻴﻌ ﻮن ﻓﻴ ﻪ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ واﻟﺨﻴ ﻞ واﻟﺴ ﻼح ﻋﻠﻰ أهﻞ ﻗﺒﺮص .وﻟﻤﺎ ﺧﺮﺟ ﺖ اﻟﻌﺴ ﺎآﺮ اﻹﺳ ﻼﻣﻴﺔ ﻣ ﻦ اﻟ ﺪﻳﺎر اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ،ﻇﻬﺮ ﻓﻴﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺨﺰي واﻟﻨﻜﺎل ﻣﺎ ﻋﺮﻓﻪ اﻟﻨﺎس ﻣﻨﻬﻢ. وﻟﻤ ﺎ ﻧﺼ ﺮ اﷲ اﻹﺳ ﻼم اﻟﻨﺼ ﺮة اﻟﻌﻈﻤ ﻰ ﻋﻨ ﺪ ﻗ ﺪوم اﻟﺴ ﻠﻄﺎن، آﺎن ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺷﺒﻴﻪ ﺑﺎﻟﻐﺒﺮاء .آﻞ هﺬا وأﻋﻈﻢ ﻣﻨﻪ ﻋﻨﺪ هﺬﻩ اﻟﻄﺎﺋﻔ ﺔ، آ ﺎن ﻣ ﻦ أﺳ ﺒﺎب ﺧ ﺮوج ﺟﻴﻨﻜﻴ ﺰ ﺧ ﺎن إﻟ ﻰ ﺑ ﻼد اﻹﺳ ﻼم ،وﻓ ﻲ اﺳ ﺘﻴﻼء هﻮﻻآ ﻮ ﻋﻠ ﻰ ﺑﻐ ﺪاد وﻓ ﻲ ﻗﺪوﻣ ﻪ ﺣﻠ ﺐ وﻓ ﻲ ﻧﻬﺒ ﻪ ١٢٢
اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﺔ ،وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣ ﻦ أﻧ ﻮاع اﻟﻌ ﺪاوة ﻟﻺﺳ ﻼم . ..وﻗ ﺪ آ ﺎن ﺟﻴﺮاﻧﻬﻢ ﻣﻦ أهﻞ اﻟﺒﻘﺎع وﻏﻴﺮهﺎ ،ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻲ أﻣﺮ ﻻ ﻳﻀﺒﻂ ﺷ ﺮﻩ، آﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﺗﻨﺰل ﻣﻨﻬﻢ ﻃﺎﺋﻔﺔ ،وﻳﻔﻌﻠﻮن ﻣﻦ اﻟﻔﺴﺎد ﻣﺎ ﻻ ﻳﺤﺼﻴﻪ إﻻ رب اﻟﻌﺒ ﺎد .آ ﺎﻧﻮا ﻓ ﻲ ﻗﻄ ﻊ اﻟﻄﺮﻗ ﺎت وإﺧﺎﻓ ﻪ ﺳ ﻜﺎن اﻟﺒﻴﻮﺗ ﺎت ﻋﻠﻰ أﻗﺒﺢ ﺳﻴﺮة ﻋﺮﻓﺖ ﻣﻦ أهﻞ اﻟﺠﻨﺎﻳﺎت :ﻳﺮد إﻟ ﻴﻬﻢ اﻟﻨﺼ ﺎرى ﻣ ﻦ أه ﻞ ﻗﺒ ﺮص ﻓﻴﻀ ﻴﻔﻮﻧﻬﻢ وﻳﻌﻄ ﻮﻧﻬﻢ ﺳ ﻼح اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ، وﻳﻮﻗﻌﻮن ﺑﺎﻟﺮﺟﻞ اﻟﺼﺎﻟﺢ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﺈﻣ ﺎ أن ﻳﻘﺘﻠ ﻮﻩ وإﻣ ﺎ أن ﻳﺴﻠﺒﻮﻩ " ﺛﻢ ﺗﺤﺪث ﻋﻦ إﺑﺎﺣﺘﻬﻢ اﻟﻤﺤﺮﻣﺎت ﺟﻤﻴﻌًﺎ. وﻃﺎﻟ ﺐ ﻓ ﻲ ﺁﺧ ﺮ اﻟﺮﺳ ﺎﻟﺔ ﺑ ﺄن ﻳﺼ ﺪر اﻟﺴ ﻠﻄﺎن أﻣ ﺮﻩ إﻟ ﻰ ﻧﺎﺋﺒ ﻪ ﻓ ﻲ دﻣﺸ ﻖ ﺑﺤ ﺮﺑﻬﻢ ،وإﻟ ﺰاﻣﻬﻢ اﻟﺸ ﺮﻳﻌﺔ ،ﺣﺘ ﻰ ﺗﻄﻤ ﺌﻦ اﻷﻣﺔ ،وﻳﺴﻮد ﺳﻠﻄﺎن اﻟﺪﻳﻦ. وﻃﺎر اﻟﺤﻤﺎم اﻟﺰاﺟﻞ ﺑﺎﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ،واﻧﺘﻈﺮ اﻟﺮد. ٭٭٭ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﺧ ﻼل اﻧﺘﻈ ﺎرﻩ ﻟ ﻢ ﻳﻠﺘ ﺰم اﻟﺼ ﻤﺖ ،ﺑ ﻞ ﺟﻌ ﻞ آ ﻞ دروﺳﻪ وﻋﻈﺎﺗﻪ ،ﺗﻮﺟﻴﻬ ًﺎ ﻟﻠﻨ ﺎس ﻟﻴﺘﻄﻮﻋ ﻮا ﻟﺠﻬ ﺎد اﻟﺒﺎﻃﻨﻴ ﺔ ،إن أذن ﻟﻬﻢ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،وﺳﻴﺄذن إن ﺷﺎء اﷲ.. ﻗﺎل اﻟﺸﻴﺦ وهﻮ ﻳﻌﻆ اﻟﻨﺎس " :ﻓ ﻲ رواﻳ ﺔ ﻟﻤﺴ ﻠﻢ أن اﻟﻨﺒ ﻰ ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟﺼ ﻼة واﻟﺴ ﻼم ﻗ ﺎل :ﺗﻜ ﻮن أﻣﺘ ﻲ ﻓ ﺮﻗﺘﻴﻦ ﻓﺘﺨ ﺮج ﻣ ﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻣﺎرﻗﺔ )أي ﻓﺮﻗﺔ ﻣﺎرﻗﺔ( ﺗﻠﻲ ﻗﺘﻠﻬﻢ أوﻟﻰ اﻟﻄ ﺎﺋﻔﺘﻴﻦ ﺑ ﺎﻟﺤﻖ. ﻓﻬﺆﻻء اﻟ ﺬﻳﻦ ﻗ ﺘﻠﻬﻢ أﻣﻴ ﺮ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻠ ﻲ ،رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨ ﻪ ،ﻟﻤ ﺎ ١٢٣
ﺣﺼ ﻠﺖ اﻟﻔﺮﻗ ﺔ ﺑ ﻴﻦ أه ﻞ اﻟﺸ ﺎم وأه ﻞ اﻟﻌ ﺮاق .وآ ﺎﻧﻮا ﻳﺴ ﻤﻮن اﻟﺤﺮورﻳﺔ .ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺒﻲ أن آﻠﺘﺎ اﻟﻄﺎﺋﻔﺘﻴﻦ اﻟﻤﻔﺘﺮﻗﺘﻴﻦ ﻣﻦ أﻣﺘﻪ، وأن أﺻﺤﺎب ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ أوﻟﻰ ﺑﺎﻟﺤﻖ ،وﻟ ﻢ ﻳﺤ ﺮض إﻻ ﻋﻠﻰ ﻗﺘ ﺎل أوﻟﺌ ﻚ اﻟﻤ ﺎرﻗﻴﻦ اﻟ ﺬﻳﻦ ﺧﺮﺟ ﻮا ﻣ ﻦ اﻹﺳ ﻼم وﻓ ﺎرﻗﻮا اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ،واﺳ ﺘﺤﻠﻮا دﻣ ﺎء ﻣ ﻦ ﺳ ﻮاهﻢ ﻣ ﻦ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ وأﻣ ﻮاﻟﻬﻢ. ﻓﺜﺒﺖ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﺔ وإﺟﻤ ﺎع اﻷﻣ ﺔ ،أﻧ ﻪ ﻳﻘﺎﺗ ﻞ ﻣ ﻦ ﺧ ﺮج ﻋ ﻦ ﺷﺮﻳﻌﺔ اﻹﺳﻼم" . . وأﻓﺘ ﻰ اﻟﺸ ﻴﺦ "إن ﻗﺘ ﺎل ه ﺆﻻء واﺟ ﺐ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ ﺟﻤﻴﻌًﺎ ،وﻻ ﺗﻜﻔﻲ ﻓﻴﻪ ﻓﺌﺔ آﺎﻟﻌﺴ ﻜﺮ ،ﻋ ﻦ ﺳ ﺎﺋﺮ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ ،ذﻟ ﻚ أﻧﻬﻢ ﻣﻌﺘ ﺪون ،ﻓﺼ ﺎر دﻓ ﻊ ﻋ ﺪواﻧﻬﻢ "واﺟﺒ ًﺎ" ﻋﻠ ﻰ اﻟﻤﻘﺼ ﻮدﻳﻦ ﺑﺎﻟﻌﺪوان وﻏﻴﺮ اﻟﻤﻘﺼﻮدﻳﻦ ،ﻹﻋ ﺎﻧﺘﻬﻢ ،آﻤ ﺎ ﻗ ﺎل ﺗﻌ ﺎﻟﻰ :وإن
اﺳﺘﻨﺼ ﺮوآﻢ ﻓ ﻲ اﻟ ﺪﻳﻦ ﻓﻌﻠ ﻴﻜﻢ اﻟﻨﺼ ﺮ وآﻤ ﺎ أﻣ ﺮ اﻟﻨﺒ ﻲ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﺑﻨﺼﺮ اﻟﻤﺴﻠﻢ.. . وهﺬا ﻳﺠ ﺐ ﺑﺤﺴ ﺐ اﻹﻣﻜ ﺎن ﻋﻠ ﻰ آ ﻞ ﻣﺴ ﻠﻢ ﺑﻨﻔﺴ ﻪ وﻣﺎﻟ ﻪ. وﻟﻜ ﻦ ﺧ ﺮوج اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ ﻟﻘﺘ ﺎﻟﻬﻢ ﻻ ﻳﺼ ﺢ ﺷ ﺮﻋًﺎ إﻻ ﺑ ﺎذن وﻟ ﻲ اﻷﻣﺮ وهﻮ اﻟﺴﻠﻄﺎن . .ﻓﻠﻴﻨﺘﻈﺮوا أﻣﺮ اﻟﺴﻠﻄﺎن " وﺳﺄﻟﻪ ﺳﺎﺋﻞ " :إذا آﺎن ﻗﺘﺎﻟﻬﻢ ﻳﺠ ﺐ ﻋﻠ ﻰ آ ﻞ ﻣﺴ ﻠﻢ ﻗ ﺎدر، ﻓﻔﻴﻢ اﻧﺘﻈﺎرﻧﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﺄذن اﻟﺴﻠﻄﺎن ؟" ﻗﺎل اﻟﺸ ﻴﺦ" :ﻷﻧ ﻪ وﻟ ﻲ اﻷﻣ ﺮ وه ﻮ اﻟﺮاﻋ ﻲ اﻟﻤﺴ ﺌﻮل ﻋ ﻦ اﻟﺮﻋﻴﺔ ﺑﻨﺺ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺸﺮﻳﻒ .وﻻ ﺗﻌﻠﻦ اﻟﺤ ﺮب إﻻ ﺑﺈذﻧ ﻪ وﻟ ﻪ ﻋﻠ ﻰ اﻟﺮﻋﻴ ﺔ اﻟﻄﺎﻋ ﺔ ،وإﻻ اﺿ ﻄﺮﺑﺖ أﻣ ﻮر اﻟﻨ ﺎس ،وﺗﺤﻜ ﻢ ١٢٤
اﻟﻬﻮى ،وﻋﻤﺖ اﻟﻔﻮﺿﻰ ،وﺗﻔﺮق اﻟﺸﻤﻞ واﺷ ﺘﻌﻠﺖ اﻟﻔﺘﻨ ﺔ ! وﻗ ﺪ ﺟﺎء ﻓﻲ اﻷﺛﺮ أن ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎم ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺎن ﺟﺎﺋﺮ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﻳﻮم واﺣ ﺪ ﺑ ﻼ ﺳ ﻠﻄﺎن .ﻓ ﺈذا أﺧﻄ ﺄ وﻟ ﻲ اﻷﻣ ﺮ ﻓﻠﻨ ﺎ ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟﻨﺼ ﻴﺤﺔ .ﻗ ﺎل رﺳ ﻮل اﷲ ) : إن اﷲ ﻳﺮﺿ ﻰ ﻟﻜ ﻢ ﺛﻼﺛ ﺔ :أن ﺗﻌﺒ ﺪوﻩ وﻻ ﺗﺸ ﺮآﻮا ﺑ ﻪ ﺷ ﻴﺌًﺎ ،وأن ﺗﻌﺘﺼ ﻤﻮا ﺑﺤﺒ ﻞ اﷲ ﺟﻤﻴﻌ ًﺎ وﻻ ﺗﻔﺮﻗ ﻮا، وأن ﺗﻨﺎﺻﺤﻮا ﻣﻦ وﻻﻩ اﷲ أﻣﺮآﻢ" ( . . ٭٭٭ ه ﺎ ه ﻮ ذا اﻟﺸ ﻴﺦ ،وﻣﻌ ﻪ ﻧﺎﺋ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ،وﺳ ﺎﺋﺮ اﻟﻨ ﺎس ﻳﻨﺘﻈﺮون رد اﻟﻘﺎهﺮة :أن ﻳﺄذن اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻟﻠﻌﺴﻜﺮ ،وﻟﻤﻦ ﻳﺘﻄﻮع ﻣﻦ اﻟﺮﻋﻴﺔ ،ﻓﻲ ﻗﺘﺎل اﻟﺒﺎﻃﻨﻴﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻧﺎﺻﺮوا اﻟﺘﺘﺎر واﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ. واﻟﺸ ﻴﺦ ﻣ ﺎزال آﺎﻟﻌﻬ ﺪ ﺑ ﻪ ﻳﻘ ﺮأ وﻳﻜﺘ ﺐ ﻓ ﻲ ﻣﻨﺰﻟ ﻪ ،وﻟﻜ ﻦ أآﺜ ﺮ وﻗﺘ ﻪ ﻣ ﻮزع ﺑ ﻴﻦ درﺳ ﻪ ﻓ ﻲ دار اﻟﺤ ﺪﻳﺚ ،وﻣﻮاﻋﻈ ﻪ وﻓﺘ ﺎواﻩ ﻓ ﻲ اﻟﺠ ﺎﻣﻊ اﻷﻣ ﻮي ،وﻟﻘﺎءاﺗ ﻪ ﺑ ﺒﻌﺾ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء ﻣ ﻦ اﻟﻤﺬاهﺐ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻳﺴﺘﻨﻔﺮهﻢ ﻟﻴﻔﺘﻮا ﺑﻘﺘﺎل اﻟﺒﺎﻃﻨﻴﺔ. وآ ﺎن ﻻﺑ ﺪ ﻟ ﻪ أن ﻳﺴﺘﻘﺼ ﻲ ﻓﻜ ﺮ اﻟﺒﺎﻃﻨﻴ ﺔ وﻣﻌﺘﻘ ﺪاﺗﻬﻢ، ﻟﻴﺸﺮﺣﻬﺎ ﻟﻠﻨﺎس ،ﻓﻴﺜﻴﺮ ﺣﻤﺎﺳﺘﻬﻢ. ووﻗ ﻒ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻋﻠ ﻰ ﺣﻘﻴﻘ ﺔ اﻟﺒﺎﻃﻨﻴ ﺔ اﻟ ﺬﻳﻦ ﻳﻌﺘﺼ ﻤﻮن ﺑﺎﻟﺤﺒﻞ ،ﻓﻬﻢ دوﻟﺔ ﺧﺎرج اﻟﺪوﻟﺔ :ﻟﻬﺎ ﻋﻘﺎﺋﺪهﺎ وأﻋﺮاﻓﻬﺎ.. إﻧﻬﻢ ﻋﺪة ﻓﺮق ،آﻠﻬﻢ ﻳﻨﺴﺐ ﻧﻔﺴﻪ إﻟﻰ اﻟﺸﻴﻌﺔ ! ! وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻏﻴﺮ اﻟﺸﻴﻌﺔ اﻟﺰﻳﺪﻳﺔ ،واﻟﺸﻴﻌﺔ اﻹﻣﺎﻣﻴﺔ ،ﻓﻬﺆﻻء ﻟﻬﻢ ﻣﻌﺘﻘﺪهﻢ اﻟﺤﺴﻦ ،وﻟﻬﻢ اﺟﺘﻬﺎدهﻢ. ١٢٥
واﻟﺸﻴﻌﺔ اﻹﻣﺎﻣﻴ ﺔ ﺗﺴ ﻴﺮ ﻋﻠ ﻰ ﻧﻬ ﺞ اﻹﻣ ﺎم ﺟﻌﻔ ﺮ اﻟﺼ ﺎدق، وﻗﺪ آﺎن ﻣﻦ أﻋﻠﻢ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﺴﻨﺔ ،وﻗﺪ ﺗﻌﻠﻢ ﻣﻨﻪ اﻹﻣ ﺎم أﺑ ﻮ ﺣﻨﻴﻔ ﺔ اﻟﻨﻌﻤ ﺎن ،إذ ﺻ ﺤﺒﻪ ﺳ ﻨﺘﻴﻦ ﻗ ﺎل ﻋﻨﻬﻤ ﺎ " :ﻟ ﻮﻻ اﻟﺴ ﻨﺘﺎن ﻟﻬﻠ ﻚ اﻟﻨﻌﻤﺎن". وآﺎن اﻹﻣﺎم ﻣﺎﻟﻚ ﻻ ﻳﻘﻄﻊ درﺳﻪ ﻟﻤﻘﺪم أﺣ ﺪ ،ﺣﺘ ﻰ اﻟﺨﻠﻴﻔ ﺔ ﻧﻔﺴﻪ ،إﻻ إذا ﺟﺎءﻩ اﻹﻣﺎم ﺟﻌﻔﺮ اﻟﺼﺎدق! .. واﻹﻣ ﺎم ﻣﺎﻟ ﻚ ﻻ ﻳﻌ ﺮف اﻟﻤﺠﺎﻣﻠ ﺔ ،ﻓﺤ ﻴﻦ ﻧ ﺎﻇﺮﻩ اﻟﺨﻠﻴﻔ ﺔ اﻟﻤﻨﺼﻮر ﻓﻲ ﻣﺴﺠﺪ رﺳﻮل اﷲ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻌ ﻮد اﻟﺸ ﻴﺦ أن ﻳﻠﻘ ﻲ درﺳ ﻪ ،ورﻓ ﻊ اﻟﺨﻠﻴﻔ ﺔ ﺻ ﻮﺗﻪ ،ﻗ ﺎل ﻟ ﻪ اﻹﻣ ﺎم ﻣﺎﻟ ﻚ " :ﻳ ﺎ أﻣﻴ ﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻻ ﺗﺮﻓﻊ ﺻﻮﺗﻚ ﻓﻲ ه ﺬا اﻟﻤﺴ ﺠﺪ ،ﻓ ﺈن اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ أدب ﻗﻮﻣ ًﺎ ﻓﻘ ﺎل :ﻻ ﺗﺮﻓﻌ ﻮا أﺻ ﻮاﺗﻜﻢ ﻓ ﻮق ﺻ ﻮت اﻟﻨﺒ ﻲ .وذم ﻗﻮﻣًﺎ ﻓﻘﺎل :ان اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﺎدوﻧﻚ ﻣﻦ وراء اﻟﺤﺠ ﺮات أآﺜ ﺮهﻢ ﻻ ﻳﻌﻘﻠﻮن وإن ﺣﺮﻣﺘﻪ ﻣﻴﺘًﺎ آﺤﺮﻣﺘﻪ ﺣﻴًﺎ " اﻹﻣ ﺎم ﻣﺎﻟ ﻚ اﻟ ﺬي ﺗﻌ ﻮد ه ﺬﻩ اﻟﺴ ﻴﺮة ﻣ ﻊ اﻟﺨﻠﻔ ﺎء ،آ ﺎن إذا رأى اﻹﻣﺎم اﻟﺼﺎدق ﻳﺪﺧﻞ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻨﺒ ﻮي ﻟ ﻴﺠﻠﺲ ﺣﻴ ﺚ اﻧﺘﻬ ﻰ ﺑﻪ اﻟﻤﺠﻠﺲ ،ﻗﻄﻊ اﻟﺪرس وﻧﺎداﻩ وأﺟﻠﺴﻪ إﻟ ﻰ ﺟ ﻮارﻩ ،وﻧ ﺰل ﻟ ﻪ ﻋﻦ وﺳﺎدﺗﻪ. ﻓﻬﺆﻻء اﻟﺸﻴﻌﺔ اﻹﻣﺎﻣﻴ ﺔ واﻟﺰﻳﺪﻳ ﺔ ﺣﻤ ﺎة ﻟﻠ ﺪﻳﻦ .أﻣﻨ ﺎء ﻋﻠ ﻰ اﻟﺴﻨﺔ ،وﻣﺎزﻟﻨﺎ ﻧﻐﺘﺮف ﻣ ﻦ ﻓﻘ ﻪ اﻹﻣ ﺎم ﺟﻌﻔ ﺮ اﻟﺼ ﺎدق ،ﻓﻬ ﺆﻻء اﻟﺸﻴﻌﺔ اﻹﻣﺎﻣﻴﺔ ،إﺧﻮان ﻟﻨﺎ. ١٢٦
وإن اﺧﺘﻠﻒ ﻣﻌﻬﻢ أه ﻞ اﻟﺴ ﻨﺔ ،ﻓﻬ ﻮ ﺧ ﻼف ﻻ ﻳﻤ ﺲ ﺣﻘﻴﻘ ﺔ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ أو ﺟﻮهﺮ اﻟﻌﻘﻴﺪة ،ﺑﻞ هﻮ ﺧﻼف ﻓﻲ اﻟﻔ ﺮوع ،آﺨ ﻼف اﻷﺋﻤﺔ اﻷرﺑﻌﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ. أﻣﺎ اﻟﺒﺎﻃﻨﻴﺔ ﻓﻬ ﻢ ﻓ ﻲ واد ﺁﺧ ﺮ ،وإن ادﻋ ﻰ ﺑﻌﻀ ﻬﻢ ﻣ ﺬهﺐ اﻟﺸﻴﻌﺔ اﻹﻣﺎﻣﻴﺔ أو اﻟﺰﻳﺪﻳﺔ. وه ﺆﻻء اﻟﺒﺎﻃﻨﻴ ﺔ ﺑﻔ ﺮﻗﻬﻢ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔ ﺔ ،ﻳﻘﻮﻟ ﻮن إن اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻳﺤ ﻞ ﻓ ﻲ ﻧﻔ ﺲ اﻹﻣ ﺎم ،وﻳﺤ ﻖ ﻟﻺﻣ ﺎم أن ﻳﻌﻔ ﻴﻬﻢ ﻣ ﻦ اﻟﺘﻜ ﺎﻟﻴﻒ آﺎﻟﺼﻼة واﻟﺰآﺎة واﻟﺼﻮم وﺣﺞ اﻟﺒﻴﺖ. وﻣﻦ ه ﺆﻻء ﻓﺮﻳ ﻖ ﻳﺴ ﻤﻰ اﻟﻨﺼ ﻴﺮﻳﺔ وه ﻢ ﻳ ﺬهﺒﻮن إﻟ ﻰ أن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﺪ ﺣﻞ ﻓﻲ ﺟﺴ ﺪ أﻣﻴ ﺮ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻠ ﻲ ﺑ ﻦ أﺑ ﻲ ﻃﺎﻟ ﺐ رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨ ﻪ ،ﻓﻬ ﻢ ﻳﺆﻟﻬﻮﻧ ﻪ ..وﻣ ﻨﻬﻢ ﻣ ﻦ ﻳﻘ ﻮل إن ﺟﺒﺮﻳ ﻞ ﻻ ﻣﻦ ﻋﻠﻲ ! ! ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم أﺧﻄﺄ ﻓﺒﻠﻎ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻣﺤﻤﺪًا ﺑﺪ ً وﻗ ﺪ ﺣ ﺎرب أﻣﻴ ﺮ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻠ ﻲ ﺑ ﻦ أﺑ ﻲ ﻃﺎﻟ ﺐ أﺳ ﻼﻓﻬﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻧﺎدوا ﺑﻬﺬا ،وﻗﺘﻠﻬﻢ ،وأﻣﺮ ﺑﺈﺣﺮاﻗﻬﻢ.
١٢٧
وﻣﻦ ه ﺆﻻء ﻣ ﻦ ﻳﻌﺘﻘ ﺪ أن اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻗ ﺪ ﺣ ﻞ ﻓ ﻲ ﺟﺴ ﺪ اﻟﺤ ﺎآﻢ ﺑ ﺄﻣﺮ اﷲ اﻟﺨﻠﻴﻔ ﺔ اﻟﻔ ﺎﻃﻤﻲ اﻟ ﺬي آﺎﺑ ﺪﻩ أه ﻞ ﻣﺼ ﺮ ،وﻗﺘﻠ ﻪ ﺑﻌ ﺾ أﻗﺮﺑﺎﺋ ﻪ .وه ﺆﻻء ه ﻢ اﻟﺤﺎآﻤﻴ ﺔ اﻟ ﺬﻳﻦ ﻳﻌﺒ ﺪون اﻟﺤ ﺎآﻢ ﺑ ﺄﻣﺮ اﷲ ،وﻳﺰﻋﻤ ﻮن أﻧ ﻪ ﻟ ﻢ ﻳﻤ ﺖ ،ﻷن ﻣﺜﻠ ﻪ ﻻ ﻳﻤ ﻮت ،وأﻧ ﻪ ﻗ ﺪ اﺧﺘﻔ ﻰ وﺳﻴﻌﻮد ! وﻣ ﻦ ه ﺆﻻء اﻟﺒﺎﻃﻨﻴ ﺔ ﻓﺮﻗ ﺔ ﺗﺴ ﻤﻰ اﻹﺳ ﻤﺎﻋﻴﻠﻴﺔ، وهﻢ ﻳﻌﺘﻘﺪون أن إﻣﺎﻣﻬﻢ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﻦ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻪ ﻏﻴ ﺮﻩ ،ﻓﻬ ﻮ ﻋﻠ ﻢ ﺧﺼ ﻪ ﺑ ﻪ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ،وأن اﻹﻣ ﺎم ﻻ ﻳﻠﺰم أن ﻳﻜﻮن ﻇ ﺎهﺮًا ،ﺑ ﻞ ﻳﺠ ﻮز أن ﻳﻜ ﻮن ﻣﺴ ﺘﻮرًا، واﻹﻣ ﺎم ﻋﻨ ﺪهﻢ ﻣﻌﺼ ﻮم ﻻ ﻳﺨﻄ ﺊ .وﻣ ﻨﻬﻢ ﻃﻮاﺋ ﻒ ﺗﺆﻟﻪ اﻹﻣﺎم ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ آﺮم اﷲ وﺟﻬﻪ . وه ﺆﻻء اﻟﺒﺎﻃﻨﻴ ﺔ ﺑﻜ ﻞ ﻓ ﺮﻗﻬﻢ ﻗ ﺪ اﺗﺨ ﺬوا اﺳ ﻤﻬﻢ ﻣ ﻦ اﻋﺘﻘ ﺎدهﻢ أن ﻟﻠﺸ ﺮﻳﻌﺔ ﻇ ﺎهﺮًا وﺑﺎﻃﻨ ًﺎ .وﻇ ﺎهﺮ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ه ﻮ ﻣ ﺎ ﻳﻌﺮﻓ ﻪ أه ﻞ اﻟﺴ ﻨﺔ . .أﻣ ﺎ اﻟﺒ ﺎﻃﻦ ﻓ ﻼ ﻳﻌﺮﻓ ﻪ ﻏﻴ ﺮهﻢ .وﻟﻠﺒ ﺎﻃﻦ ﺑ ﺎﻃﻦ ،وﺑ ﺎﻃﻦ اﻟﺒ ﺎﻃﻦ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻪ إﻻ إﻣﺎﻣﻬﻢ ! !
١
وﻟﻬﺬا أ ﱠوﻟﻮا ﺁﻳﺎت اﻟﻘﺮﺁن وأرآﺎن اﻹﺳﻼم ،وﻗﺎﻟﻮا إن ﻟﻬ ﺎ ﺑﺎﻃﻨ ًﺎ ﻏﻴ ﺮ ﻣ ﺎ ﻳﻔﻬ ﻢ ﻣ ﻦ ﻇﺎهﺮه ﺎ :ﻓﺎﻟﺼ ﻮم ﻋﻨﺪهﻢ هﻮ اﻻﻣﺘﻨﺎع ﻋﻦ اﻟﻜﻼم ،ودﻟﻴﻠﻬﻢ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻋﻠ ﻰ ﻟﺴ ﺎن ﻣ ﺮﻳﻢ :إﻧ ﻲ ﻧ ﺬرت ﻟﻠ ﺮﺣﻤﻦ ﺻ ﻮﻣًﺎ ﻓﻠ ﻦ أآﻠ ﻢ اﻟﻴ ﻮم إﻧﺴ ﻴًﺎ .واﻟﺰآ ﺎة ﻋﻨ ﺪهﻢ ه ﻲ ﺑ ﺚ ﻋﻠ ﻮﻣﻬﻢ ﻷه ﻞ ﻣ ﺬهﺒﻬﻢ ﻟﻴﺘﻄﻬ ﺮوا ﺑﻬ ﺎ ،ﻷن اﻟﺰآ ﺎة ﻋﻨ ﺪهﻢ ﻣ ﻦ اﻟﺘﺰآﻴﺔ وهﻲ اﻟﻄﻬﺎرة. . وﻣ ﻦ أﻣﺜﻠ ﺔ ذﻟ ﻚ أﻧﻬ ﻢ أ ّوﻟ ﻮا اﻵﻳ ﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤ ﺔ : وأوﺣﻰ رﺑﻚ إﻟﻰ اﻟﻨﺤﻞ أن اﺗﺨﺬي ﻣﻦ اﻟﺠﺒ ﺎل ﺑﻴﻮﺗ ًﺎ وﻣﻦ اﻟﺸﺠﺮ وﻣﻤﺎ ﻳﻌﺮﺷﻮن ﻓﺎﻟﻨﺤﻞ هﻢ دﻋﺎة اﻹﻣ ﺎم، واﻟﺠﺒ ﺎل ه ﻢ دﻋ ﺎة اﻟ ﺒﻼغ ،واﻟﺸ ﺠﺮ ه ﻢ اﻟﺤﺠ ﺞ واﻟﺒﺮاهﻴﻦ . ﻻ ﻋﻈﻴﻤًﺎ ،ﻓﺰﻋﻤﻮا أﻧ ﻪ ﻻ وﻗﺎﻟﻮا ﻓﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﻮ ً ﻳﻮﺻ ﻒ ﺑﻨﻔ ﻲ وﻻ إﺛﺒ ﺎت ﻓ ﻼ ﻳﻘ ﺎل ﻋﻨ ﻪ ﻣﻮﺟ ﻮد وﻻ ﻣﻌ ﺪوم ،وﻻ ﻗ ﺎدر وﻻ ﻏﻴ ﺮ ﻗ ﺎدر ،وﻻ ﻋ ﺎﻟﻢ وﻻ ﻏﻴ ﺮ ﻋﺎﻟﻢ . .ﻓﻨﻔﻮا اﻟﺼﻔﺎت واﻷﺳﻤﺎء اﻟﺤﺴﻨﻰ . وه ﻢ ﻳﺘﻌ ﺎﻃﻮن اﻟﺤﺸ ﻴﺶ واﻷﻋﺸ ﺎب اﻟﻤﺨ ﺪرة، وﻳﺤﺘﻔﻠﻮن ﺑﻠﻴﻠﺔ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ آﻞ ﺷﻬﺮ ﺗﺴﻤﻰ ﻟﻴﻠﺔ اﻹﻓﺎﺿﺔ،
٢
وﻓﻴﻬﺎ ﻳﺠﺘﻤ ﻊ اﻟﺮﺟ ﺎل واﻟﻨﺴ ﺎء ،وﻳﻔﻀ ﻲ ﺑﻌﻀ ﻬﻢ إﻟ ﻰ ﺑﻌﺾ ﻓﻲ ﻇﻼم ،وﺑﻌ ﺪ إﻃﻔ ﺎء اﻟﻤﺼ ﺎﺑﻴﺢ .وﻳ ﺮوى أن اﻣ ﺮأة ﻣ ﻨﻬﻢ أﺻ ﺒﺤﺖ ﺑﻌ ﺪ ﻟﻴﻠ ﺔ ﻣ ﻦ ﻟﻴ ﺎﻟﻲ اﻹﻓﺎﺿ ﺔ، "ﻓﺠ ﺰت ذواﺋﺒﻬ ﺎ ،وﺧﺮﺟ ﺖ ﺗﺼ ﺮخ ،وأﺧﺒ ﺮت أن وﻟﺪهﺎ ﻏﺸﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ " ٭٭٭ ﻏﻠ ﺖ اﻟ ﺪﻣﺎء ﻓ ﻲ اﻟﻌ ﺮوق ،وﻏﻤ ﺖ اﻟﻨﻔ ﻮس ﺑﺎﻟﻐﺜﻴ ﺎن ،ﻟﻤ ﺎ ﻗﺎﻟ ﻪ اﻟﺸ ﻴﺦ ﺗﻘ ﻲ اﻟ ﺪﻳﻦ ﻋ ﻦ ه ﺬﻩ اﻟﻔ ﺮق اﻟﺒﺎﻃﻨﻴﺔ. . آ ﺎن اﻟﻨ ﺎس ﻳﻌﺮﻓ ﻮن أﻧﻬ ﺎ ﻓ ﺮق ﻓﺎﺳ ﺪة اﻻﻋﺘﻘ ﺎد، وأﻧﻬ ﺎ ﺗﻈ ﺎهﺮ اﻷﻋ ﺪاء ﻋﻠ ﻴﻬﻢ ..وأﻧﻬ ﻢ أﻳ ﺎم ﺧ ﺮوج ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ ﻟﻴﺤﺮر اﻟﻘ ﺪس وأرض اﻟﺸ ﺎم وﻓﻠﺴ ﻄﻴﻦ، ﺣﺎﻟﻔﻮا اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ ﺿﺪﻩ ،وﺣﺎوﻟﻮا اﻏﺘﻴﺎﻟﻪ . وآ ﺎن اﻟﻨ ﺎس ﻳﻌﺮﻓ ﻮن أﻧﻬ ﻢ ﻳﺘﻌ ﺎﻃﻮن اﻟﺤﺸ ﻴﺶ ﺣﺘﻰ ﻋﺮﻓﻮا ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺤﺸﺎﺷﻴﻦ . وﻟﻜ ﻦ ﻣ ﺎ ﻣ ﻦ أﺣ ﺪ آ ﺎن ﻳﺘﺨﻴ ﻞ أﻧﻬ ﻢ ﻳﻤﻜ ﻦ أن ﻳﻐﺮﻗﻮا ﻓﻲ أوﺣﺎل اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ إﻟﻰ هﺬا اﻟﻤﺪى ! ! ذﻟ ﻚ أن هﺬﻩ اﻟﻔﺮق اﻟﺒﺎﻃﻨﻴﺔ آﺎﻧﺖ ﺗﻌﺘﺼﻢ ﻓ ﻲ ﺟﺒ ﻞ اﻟﻨﺼ ﻴﺮﻳﺔ
٣
ﻟﺘﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤ ﻊ ﻣﻐﻠ ﻖ ﻋﻠ ﻴﻬﻢ ،ﻻ ﻳﻌ ﺮف أﺣ ﺪ ﺷ ﻴﺌًﺎ ﻋﻦ ﻗﻴﻤﺔ وأﻋﺮاﻓﻪ .. آﺎﻧ ﺖ ﺗﺄﺧ ﺬ ﺑﺎﻟﺘﻘﻴ ﺔ ،ﻓ ﻼ ﺗﻜﺸ ﻒ ﻋﻘﺎﺋ ﺪهﺎ وﻻ ﻋﺎداﺗﻬﺎ ﻷﺣﺪ ،وﺗﺴﺎﻳﺮ آﻞ ﺻﺎﺣﺐ ﻣﺬهﺐ. . ﻏﻴ ﺮ أن اﻟﺸ ﻴﺦ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ اه ﺘﻢ ﺑﻬ ﻢ ﻣﻨ ﺬ رﺁه ﻢ ﻳﻨﺎﺻ ﺮون اﻷﻋ ﺪاء ،ﻓ ﺪرس ﻣﻌﺘﻘ ﺪاﺗﻬﻢ ﻣ ﻦ ﺑﻌ ﺾ ﺣﻠﻔ ﺎﺋﻬﻢ ﻣ ﻦ اﻷﻋ ﺮاب ..وﺗﻘﺼ ﻰ أﺣ ﻮاﻟﻬﻢ وﻋﺎداﺗﻬﻢ .. ٭٭٭ وأذن اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﺑﻘﺘ ﺎﻟﻬﻢ ،وأرﺳ ﻞ أﻣ ﺮﻩ إﻟ ﻰ ﻧﺎﺋﺒ ﻪ ﺑﺪﻣﺸ ﻖ ،أن ﻳﻘ ﻮد ﺣﻤﻠ ﺔ ﻣ ﻦ اﻟﻌﺴ ﻜﺮ إﻟ ﻰ اﻟﺒﺎﻃﻨﻴ ﺔ وﻣﻌ ﻪ اﻟﺸ ﻴﺦ ﺗﻘ ﻲ اﻟ ﺪﻳﻦ ﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ،وﻣ ﻦ ﻳﺘﻄ ﻮع ﻟﻠﻘﺘﺎل . وﺗﺤﺪث اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻓﻲ أﻣﺮ اﻟﻘﺘﺎل ﻣﻊ أﺣﺪ زﻋﻤ ﺎء اﻟﺸ ﻴﻌﺔ اﻹﻣﺎﻣﻴ ﺔ ،وه ﻮ ﻧﻘﻴ ﺐ اﻷﺷ ﺮاف ﻓﻮاﻓ ﻖ أن ﻳﺨ ﺮج ﺑﺮﺟﺎﻟ ﻪ ﻟﻘﺘ ﺎﻟﻬﻢ ﻣ ﻊ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ،أداء ﻟﻠﻮاﺟ ﺐ اﻟﺸ ﺮﻋﻲ ،وﺗﻄﻬﻴ ﺮًا ﻟﺴ ﻤﻌﺔ ﺷ ﻴﻌﺔ ﺁل اﻟﺒﻴ ﺖ .ﺧﺮﺟ ﺖ ﺣﻤﻠﺔ آﺜﻴﻔﺔ ﻋﻠﻰ رأﺳ ﻬﺎ اﻟﺸ ﻴﺦ ﺗﻘ ﻲ اﻟ ﺪﻳﻦ ﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ،
٤
وﻣﻌﻪ ﻧﻘﻴﺐ اﻷﺷﺮاف وﻣﻦ ﺑﻌﺪهﻢ اﻟﻌﺴﻜﺮ ﺑﻘﻴﺎدة ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن. . وﺗﻘ ﺪم اﻟﺠﻨ ﺪ ﻓﺤﺎﺻ ﺮوا اﻟﺒﺎﻃﻨﻴ ﺔ ﻣ ﻦ ﺟﺎﻧ ﺐ، وﺣﺎﺻﺮهﻢ اﻟﺸﻴﺦ ورﺟﺎﻟ ﻪ ﻣ ﻦ ﺟﺎﻧ ﺐ ﺁﺧ ﺮ . .وﺷ ﻌﺮ اﻟﺒﺎﻃﻨﻴ ﺔ ﺑﻮﻃ ﺄة اﻟ ﺰاﺣﻔﻴﻦ ﻋﻠ ﻴﻬﻢ ،ﻓ ﻼذوا ﺑﺎﻟﻐﺎﺑ ﺎت، واﺧﺘﻔﻮا ﻋﻦ اﻟﻌﻴﻮن . وأﻓﺘﻰ اﻟﺸﻴﺦ ﺑﻘﻄﻊ اﻷﺷﺠﺎر ،وهﺪم اﻟﻤﻨﺎزل. . ﻗ ﺎل اﻟﺸ ﻴﺦ .. ." :إن اﻟﻨﺒ ﻲ ﻟﻤ ﺎ ﺣﺼ ﺮ ﺑﻨ ﻲ اﻟﻨﻀﻴﺮ ﻗﻄ ﻊ أﺻ ﺤﺎﺑﻪ ﻧﺨ ﻴﻠﻬﻢ وﺣﺮﻗ ﻮﻩ .. .وﻗ ﺪ اﺗﻔ ﻖ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء ﻋﻠ ﻰ ﻗﻄ ﻊ اﻟﺸ ﺠﺮ وﺗﺨﺮﻳ ﺐ اﻟﻌ ﺎﻣﺮ ﻋﻨ ﺪ اﻟﺤﺎﺟﺔ إﻟﻴﻪ .ﻓﻠﻴﺲ ذﻟﻚ ﺑﺄوﻟﻰ ﻣﻦ ﻗﺘﻞ اﻟﻨﻔﻮس . إن اﻟﻘ ﻮم ﻟ ﻢ ﻳﺤﻀ ﺮوا آﻠﻬ ﻢ ﻣ ﻦ اﻷﻣ ﺎآﻦ اﻟﺘ ﻲ اﺧﺘﻔﻮا ﻓﻴﻬﺎ ،وﻣﺎ أﻳﺴﻮا ﻣﻦ اﻟﻤﻘ ﺎم ﻓ ﻲ اﻟﺠﺒ ﻞ إﻻ ﺣ ﻴﻦ ﻗﻄﻌ ﺖ اﻷﺷ ﺠﺎر ،وإﻻ آ ﺎﻧﻮا ﻳﺨﺘﻔ ﻮن ﺣﻴ ﺚ ﻻ ﻳﻤﻜ ﻦ اﻟﻌﻠﻢ ﺑﻬﻢ " . وﻋ ﺎد اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ وﻧﻘﻴ ﺐ اﻷﺷ ﺮاف وﻧﺎﺋ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ورﺟ ﺎﻟﻬﻢ إﻟ ﻰ دﻣﺸ ﻖ ،ﺑﻌ ﺪ أن هﺰﻣ ﻮا اﻟﺒﺎﻃﻨﻴﺔ .
٥
ﻋﺎد اﻟﺸﻴﺦ ،إﻟﻰ دﻣﺸ ﻖ ﻟﻴﺠ ﺪ آﺘﺎﺑ ًﺎ ﻣ ﻦ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻳﻨﻌﻲ ﻓﻴﻪ اﺑﻦ دﻗﻴﻖ اﻟﻌﻴﺪ إﻣﺎم دار اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻲ ﻣﺼ ﺮ، وﻳﺴ ﺄﻟﻪ اﻟ ﺮأي ﻓ ﻴﻤﻦ ﻳﺨﻠﻔ ﻪ ،وﻓ ﻴﻤﻦ ﻳﺘ ﻮﻟﻰ ﻣﻨﺎﺻ ﺐ اﻟﻘﻀﺎء . واﺿ ﻄﺮم ﺣﻘ ﺪ ﺣﺴ ﺎدﻩ ﻋﻠﻴ ﻪ ،وﻟﻜ ﻦ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻟ ﻢ ﻳﺒﺎل ،وأﺟﺎب اﻟﺴﻠﻄﺎن إﻟﻰ ﻣﺴﺄﻟﺘﻪ . ٭٭٭ ﻋﺎد اﻟﺸﻴﺦ ﻣﻨﺘﺼﺮًا ﻟﻴﻮاﺟﻪ اﻷﻋﺪاء اﻵﺧﺮﻳﻦ . آﺎﻧﺖ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﺗﻨﺘﺴﺐ إﻟ ﻰ اﻟﺘﺼ ﻮف ،وﺗ ﺪﻋﻰ أﻧﻬ ﺎ ﻣ ﻦ أﺗﺒ ﺎع اﻟﺴ ﻴﺪ أﺣﻤ ﺪ اﻟﺮﻓ ﺎﻋﻲ ،ﺗ ﺰﺣﻢ اﻟﻄﺮﻗ ﺎت، وﺗﺸ ﻐﻞ اﻟﻌﺎﻣ ﺔ وﺗﺴ ﺘﻮﻟﻲ ﻋﻠ ﻰ أﻣ ﻮاﻟﻬﻢ ﺑﺄﻟﻌ ﺎب ﺗﺒﻬ ﺮهﻢ :آﻤﺪاﻋﺒ ﺔ اﻷﻓ ﺎﻋﻲ اﻟﺴ ﺎﻣﺔ ،واﻟ ﺪﺧﻮل ﻓ ﻲ اﻟﻨﺎر واﻟﺨﺮوج ﻣﻨﻬﺎ دون أن ﺗﻤﺴﻬﻢ اﻟﻨﺎر! . . وآ ﺎﻧﻮا ﻳﻘﻮﻟ ﻮن إﻧﻬ ﻢ أﺻ ﺤﺎب ﻃﺮﻳﻘ ﺔ ﻓ ﻲ اﻟﺘﺼﻮف ،وﻳﻀﻌﻮن ﻓﻲ رﻗﺎﺑﻬﻢ أﻃﻮاق اﻟﺤﺪﻳﺪ ،ﺗﻤﻴﺰًا ﻟﻬﻢ ﻋﻦ اﻵﺧﺮﻳﻦ ،وﻳﺴﻤﻮن أﻧﻔﺴ ﻬﻢ :اﻟﻔﻘ ﺮاء إﻟ ﻰ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ.
٦
وأﻋﻠ ﻦ اﻟﺸ ﻴﺦ ﺗﻘ ﻲ اﻟ ﺪﻳﻦ أﻧ ﻪ ﻳﻨ ﺰﻩ اﻟﺴ ﻴﺪ أﺣﻤ ﺪ اﻟﺮﻓﺎﻋﻲ ،ﻋﻦ اﻧﺘﺴﺎﺑﻬﻢ إﻟﻴﻪ. . ﻓﺎﻟﺸ ﻴﺦ ﻗ ﺪ ﻗ ﺮأ ﻋ ﻦ اﻟﺮﻓ ﺎﻋﻲ ،وﻗ ﺮأ ﻟ ﻪ ،وه ﻮ ﻳﺨﺎﻟﻔ ﻪ اﻟ ﺮأي ،وﻟﻜﻨ ﻪ ﻣﻬﻤ ﺎ ﻳﺨﺘﻠ ﻒ ﻣ ﻊ ﺁراء ه ﺬا اﻟﺴ ﻠﻒ ﻣ ﻦ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ،ﻳﻌ ﺮف ﻣ ﺎ ﻟﻬ ﻢ ﻣ ﻦ ﻓﻀ ﻞ وإن آﺎن ﻻ ﻳﺨﻔﻲ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﻣﺂﺧﺬ! . . أﻣﺎ هﺆﻻء اﻟﺮﻓﺎﻋﻴﺔ ﻣﻦ أﺗﺒﺎع ﻣﺬهﺐ اﻟﺴ ﻴﺪ أﺣﻤ ﺪ اﻟﺮﻓﺎﻋﻲ ،ﻓﺎﻟﺸﻴﺦ ﻳﺮاهﻢ ﻣﻦ أهﻞ اﻟﺒﺪع اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻄﻬﺮ ﻣﻨﻬﻢ اﻷﻣﺔ ،وﻳﺒﻄﻞ أﺣﺪوﺛﺘﻬﻢ . وﻣﻀ ﻰ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻳﻨ ﺎﻗﺶ ﺷ ﻴﻮخ اﻟﺮﻓﺎﻋﻴ ﺔ أﻣ ﺎم اﻟﻌﺎﻣ ﺔ ،وﻳ ﺘﻬﻢ ﺑﺎﻟﺸ ﻌﻮذة ،وﺑ ﺎﻟﺨﺮوج ﻋﻠ ﻰ ﺳ ﻴﺮة ﺷﻴﺨﻬﻢ اﻟﺮﻓﺎﻋﻲ اﻟﺰاهﺪ اﻟﻮرع ،اﻟﺬي ﻳﻨﻜﺮ اﻟﺒﺪع .. وﻃﺎﻟ ﺐ اﻟﻨ ﺎس أن ﻳﻨﻔﻀ ﻮا ﻣ ﻦ ﺣ ﻮﻟﻬﻢ ،وأﻻ ﻳﺸﻬﺪوا ﻣﺎ ﺳﻤﺎﻩ أﻓﺎﻧﻴﻦ ﺷﻌﻮذﺗﻬﻢ. . وﺷ ﻜﺎﻩ زﻋﻤ ﺎء اﻟﺮﻓﺎﻋﻴ ﺔ إﻟ ﻰ ﻧﺎﺋ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن، وﺳﺎﻧﺪهﻢ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻣﻦ ﺧﺼﻮم اﻟﺸﻴﺦ وﺣﺴﺎدﻩ. ﻓﻄﻠﺒ ﻪ ﻧﺎﺋ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ،وﺳ ﺄﻟﻪ أﻻ ﻳﺸ ﺪد اﻟﻨﻜﻴ ﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻓﺎﻋﻴﺔ ،وأن ﻳﺪﻋﻬﻢ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﻬﻢ .
٧
وآﺎن ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻳﻌﺘﻘﺪ ﻓﻲ آﺮاﻣﺎﺗﻬﻢ ! .. ﻓﻘﺎل ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ" :ﺑﻞ أﻧﺎ أﺳﺄﻟﻚ أن ﺗ ﺄﻣﺮهﻢ ﺑ ﺎﻟﻜﻒ ﻋﻤ ﺎ ه ﻢ ﺁﺧ ﺬون ﻓﻴ ﻪ ﻣ ﻦ ﺑﺪﻋ ﺔ وﻣﻨﻜ ﺮ ! و ﻻﺑ ﺪ ﻟﻜ ﻞ ﻼ ،وﻣﻦ ﻻ وﻓﻌ ً واﺣﺪ أن ﻳﺪﺧﻞ ﺗﺤﺖ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﺔ ﻗﻮ ً ﺧﺮج ﻋﻨﻬﻤﺎ وﺟﺐ اﻹﻧﻜﺎر ﻋﻠﻴﻪ " ﻓﺄﺣﺼ ﺮ ﻧﺎﺋ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن زﻋﻤ ﺎء اﻟﺮﻓﺎﻋﻴ ﺔ، وأﺧﺒ ﺮهﻢ أن اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﻻ ﻳﺮﻳ ﺪ اﻟﻜ ﻒ ﻋ ﻨﻬﻢ ،ﻷﻧ ﻪ ﻳ ﺮى ﻓ ﻲ أﻓﻌ ﺎﻟﻬﻢ ﻣﻨﻜ ﺮًا وﺑ ﺪﻋًﺎ ،ﺗﺨ ﺮج ﻋ ﻦ اﻟﻜﺘ ﺎب واﻟﺴﻨﺔ . ﻓ ﺎﻗﺘﺮﺣﻮا ﻋﻠ ﻰ ﻧﺎﺋ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ،أن ﻳﻌﻘ ﺪ ﻟﻬ ﻢ ﻣﺠﻠﺴ ًﺎ ﻳﺤﻀ ﺮﻩ ه ﻮ واﻟﻌﻠﻤ ﺎء واﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ،ﻟﻴ ﺮى اﻟﺠﻤﻴ ﻊ ﻣ ﺎ ﻳ ﺄﺗﻮﻩ ﻣ ﻦ آﺮاﻣ ﺎت ،ه ﻲ ﺑﺮآ ﺎت ﺷ ﻴﺨﻬﻢ اﻟﺮﻓﺎﻋﻲ . وﻋﻘﺪ اﻟﻤﺠﻠﺲ ،ودﻋﻲ إﻟﻴﻪ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ. . ﻓﻘ ﺎل اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﻗﺒ ﻞ أن ﻳﺒ ﺪأ اﻟﺮﻓﺎﻋﻴ ﺔ أﻟﻌ ﺎﺑﻬﻢ : "ﺗﻠﻚ أﺣﻮال ﺷﻴﻄﺎﻧﻴﺔ ﺑﺎﻃﻠﺔ ،وأآﺜﺮ أﺣ ﻮاﻟﻬﻢ ﻣ ﻦ ﺑ ﺎب اﻟﺤﻴ ﻞ واﻟﺒﻬﺘ ﺎن .وﻣ ﻦ أراد ﻣ ﻨﻬﻢ أن ﻳ ﺪﺧﻞ اﻟﻨ ﺎر، ﻼ ﺟﻴ ﺪًا ﻻ إﻟ ﻰ اﻟﺤﻤ ﺎم ،وﻳﻐﺴ ﻞ ﺟﺴ ﺪﻩ ﻏﺴ ً ﻓﻠﻴ ﺪﺧﻞ أو ً
٨
وﻳﺪﻟﻜ ﻪ ،ﺛ ﻢ ﻳ ﺪﺧﻞ اﻟﻨ ﺎر ﺑﻌ ﺪ أن ﻳﻐﺘﺴ ﻞ ،ﻓ ﺈن ذﻟ ﻚ ﻻ ﻳﺪل ﻋﻠ ﻰ ﺻ ﻼﺣﻪ وﻻ آﺮاﻣﺘ ﻪ ،ﺑ ﻞ ﺣﺎﻟ ﺔ ﻣ ﻦ أﺣ ﻮال اﻟﺪﺟﺎﺟﻠ ﺔ اﻟﻤﺨﺎﻟﻔ ﺔ ﻟﻠﺸ ﺮﻳﻌﺔ إذا آ ﺎن ﺻ ﺎﺣﺒﻬﺎ ﻋﻠ ﻰ اﻟﺴﻨﺔ :ﻓﻤﺎ اﻟﻈﻦ ﺑﺨﻼف ذﻟﻚ؟ " ﻓﻘﺎل زﻋﻴﻢ اﻟﺮﻓﺎﻋﻴﺔ ﻏﺎﺿﺒًﺎ " :ﻧﺤﻦ أﺣﻮاﻟﻨﺎ إﻧﻤ ﺎ ﺗﻨﻔﻖ ﻋﻨﺪ اﻟﺘﺘﺎر ،وﻻ ﺗﻨﻔﻖ ﻋﻨﺪ اﻟﺸﺮع" ﻓ ﺎﻟﺘﻘﻂ اﻟﺸ ﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ هﺬا اﻟﻘ ﻮل ،وﺳ ﺄل ﻧﺎﺋ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن واﻟﻌﻠﻤ ﺎء اﻟﺤﺎﺿ ﺮﻳﻦ ،ﻋ ﻦ رأﻳﻬ ﻢ ﻓﻴﻤ ﺎ ﻗﺎﻟ ﻪ ﺷ ﻴﺦ اﻟﺮﻓﺎﻋﻴﺔ ! ﻓﺄﻧﻜﺮﻩ اﻟﺠﻤﻴﻊ واﺷﺘﺪوا ﻓ ﻲ اﻟﻠ ﻮم ﻋﻠ ﻰ اﻟﺮﻓﺎﻋﻴ ﺔ وﺷﻴﺨﻬﻢ . وأﺻﺪر ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن أﻣﺮﻩ أن "ﻳﺨﻠ ﻊ اﻟﺮﻓﺎﻋﻴ ﺔ أﻃ ﻮاق اﻟﺤﺪﻳ ﺪ ﻣ ﻦ أﻋﻨ ﺎﻗﻬﻢ ،وأن ﻣ ﻦ ﻋ ﺎد ﻣ ﻨﻬﻢ إﻟ ﻰ اﻟﺒﺪﻋﺔ ،وﺧﺮج ﻋﻦ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﺔ ،ﺿﺮﺑﺖ ﻋﻨﻘﻪ ". ٭٭٭ أﻣﺎ اﻟﺸﻴﺦ ﻓﻘﺪ ﺑﻘﻲ ﻋﻨﺪ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،وﺳﺄﻟﻪ أن ﻳﺄﻣﺮ ﺑﺈﺑﻄﺎل ﺑﺪﻋﺔ ﻣﻨﻜﺮة أﺧﺮى :ﻓﻘﺪ ﻋﻠﻢ أن ﻓﻲ أﺣﺪ اﻟﺠﺒ ﺎل ﺻ ﺨﺮة ﺑ ﺎرزة ﻳﺘﺒ ﺮك ﺑﻬ ﺎ اﻟﻌﺎﻣ ﺔ ،وﻳﺴ ﺄﻟﻮﻧﻬﺎ
٩
ﻗﻀﺎء اﻟﺤﺎﺟﺔ ،وﻳﻄﻮﻓ ﻮن ﺣﻮﻟﻬ ﺎ آﻤ ﺎ ﻳﻄﻮﻓ ﻮن ﺣ ﻮل اﻟﻜﻌﺒ ﺔ ،وآ ﻞ ﻃ ﻮاف إﻻ اﻟﻄ ﻮاف ﺑﺎﻟﻜﻌﺒ ﺔ ﺑﺪﻋ ﺔ، آﺎﻟﻄﻮاف ﺣﻮل اﻟﺼﺨﺮة ﺑﺎﻟﻤﺴﺠﺪ اﻷﻗﺼﻰ ! وأﺻ ﺪر ﻧﺎﺋ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن أﻣ ﺮﻩ ،ﺑﺈﺑﻄ ﺎل اﻟﻄ ﻮاف ﺣﻮل اﻟﺼﺨﺮة اﻟﺘﻲ ذآﺮهﺎ اﻟﺸﻴﺦ. . وﻟﻜﻦ اﻟﻨﺎس ﻇﻠﻮا ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻬﻢ ! . ﻓﻄﻠﺐ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﻦ ﻧﺎﺋ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن أن ﻳ ﺄذن ﻟ ﻪ ﻓ ﻲ اﻟﺨﺮوج ﻟﻘﻄﻊ اﻟﺼﺨﺮة ،ﻓﺄذن ﻟﻪ . وﺧ ﺮج ﺑﺮﺟﺎﻟ ﻪ وﻣﻌ ﻪ ﺑﻌ ﺾ اﻟﺤﺠ ﺎرﻳﻦ ﺑﻤﻌﺎوﻟﻬﻢ ،ﻓﻘﻄﻌﻮا اﻟﺼﺨﺮة . .وﻋﺎدوا . وﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻌﻮدة ﺳﺄﻟﻪ أﺣﺪ أﺻﺤﺎﺑﻪ " :ﻣﺎ ﺑﺎﻟﻚ اﻟﻴﻮم ﺗﺤﻤﻠﻨﺎ ﻋﻠﻰ أﻻ ﻧﻐﻴﺮ ﻣﻨﻜﺮًا إﻻ ﺑﺈذن اﻟﺴﻠﻄﺎن أو ﻧﺎﺋﺒﻪ؟ . .أﻣﺎ آﺎﻧﺖ ﺟﻤﺎﻋﺘﻨﺎ ﻣﻨﺬ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻋﺎﻣ ًﺎ ﺗﺮه ﺐ أهﻞ اﻟﻔﺴﺎد؟ أﻣﺎ آﻨﺎ ﻧﻤﻀﻲ دون إذن ﻣﻦ أﺣ ﺪ ﻓﻨﻜﺴ ﺮ اﻟﺤﺎﻧ ﺎت ،وﻧﺮﻳ ﻖ اﻟﺨﻤ ﻮر ،وﻧﻜ ﺒﺲ اﻟﺒﻴ ﻮت اﻟﻤﺘﺨ ﺬة ﻟﻠﻔ ﻮاﺣﺶ ،وﻧﻀ ﺮب اﻟﻔﺴ ﺎق ،وﻧﺤﻠ ﻖ ﺷ ﻌﻮر اﻟﻤﺘﺸﺒﻬﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل ﺑﺎﻟﻨﺴﺎء وﻏﻴ ﺮهﻢ ﻣ ﻦ اﻟﻐﻠﻤ ﺎن، وﻧﺮﺟﻢ ﻣﻦ ﻳﻔﻌﻞ ﻓﻌﻞ ﻗﻮم ﻟﻮط؟! أﻣﺎ آﻨﺎ ﻧﻐﻴ ﺮ اﻟﻤﻨﻜ ﺮ
١٠
ﺑﺄﻳ ﺪﻳﻨﺎ ،ﻓﻤ ﺎ ﺑﺎﻟ ﻚ اﻟﻴ ﻮم ﺗﻜ ﻒ أﻳ ﺪﻳﻨﺎ ﺣﺘ ﻰ ﻳ ﺄذن ﻟﻨ ﺎ اﻟﺴﻠﻄﺎن أو ﻧﺎﺋﺒﻪ؟! " ﻗﺎل اﻟﺸﻴﺦ " :ﺳﺄﺟﻴﺒﻚ ﻓﻲ اﻟﺤﻠﻘﺔ ،ﻟﺘﻌﻢ اﻟﻔﺎﺋﺪة إن ﺷﺎء اﷲ " وﻋﻨ ﺪﻣﺎ اآﺘﻤﻠ ﺖ ﻟ ﻪ ﺣﻠﻘﺘ ﻪ ﻓ ﻲ اﻟﺠ ﺎﻣﻊ اﻷﻣ ﻮي، ﻗﺎل" :آﻨﺎ ﻧﻘﺎوم اﻟﻤﻨﻜﺮ ﺑﺄﻳﺪﻳﻨﺎ ﻣﻨﺬ ﻧﺤ ﻮ ﻋﺸ ﺮﻳﻦ ﻋﺎﻣ ًﺎ دوﻧﻤًﺎ إذن ﻣﻦ وﻟﻲ اﻷﻣﺮ ،وﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓ ﺘﺢ اﷲ ﻋﻠﻴﻨ ﺎ وزادﻧﺎ ﻋﻠﻤًﺎ ﺑﻔﻀﻠﻪ ،ﺗﺒﻴﻦ ﻟﻨﺎ أن ﻣﺎ آﻨ ﺎ ﻧﻘ ﻮم ﺑ ﻪ ﻟ ﻴﺲ ه ﻮ اﻟﺸ ﺮع .ﻓ ﺎﻋﻠﻤﻮا ﻣﻨ ﺬ اﻟﻴ ﻮم أن إﻗﺎﻣ ﺔ اﻟﺤ ﺪود، وﺗﻌﺰﻳ ﺮ اﻟﺨ ﺎﻃﺌﻴﻦ ﻣ ﻦ ﺿ ﺮب وﺳ ﺠﻦ وﺟﻠ ﺪ ﺧﻔﻴ ﻒ وﻧﺤﻮﻩ ،وإﺗﻼف اﻟﻤﺎل اﻟﺤ ﺮام .. .آ ﻞ ذﻟ ﻚ ﻣ ﻦ ﻋﻤ ﻞ وﻟﻲ اﻷﻣﺮ ،ﻓﻬ ﻮ اﻟﻤﺴ ﺌﻮل وﺣ ﺪﻩ ﻋ ﻦ إﻧ ﺰال اﻟﻌﻘ ﺎب، وﻟ ﻴﺲ ﻷﺣ ﺪ اﻷﻣ ﺔ أن ﻳﻘ ﻮم ﻋﻨ ﻪ ﺑﻬ ﺬا إﻻ إذا أذن ﻟ ﻪ وﻟﻲ اﻷﻣﺮ. . وﻟ ﻲ اﻷﻣ ﺮ ه ﻮ اﻟ ﺬي ﻳﺤ ﻖ ﻟ ﻪ ﻋﻘ ﺎب أه ﻞ اﻟﺠﻨﺎﻳﺎت وﻗﻬﺮ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺰام اﻟﺠ ﺎدة واﺗﺒ ﺎع ﺣﻜ ﻢ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ .
١١
أﻣﺎ ﻣﺎ آﻨﺎ ﻧﻘ ﻮم ﺑ ﻪ ﻣﻨ ﺬ ﻋﺸ ﺮﻳﻦ ﻋﺎﻣ ًﺎ ﻓﻬ ﻮ ﻏﻠ ﻂ ﺳﺒﺒﻪ ﻧﻘﺺ اﻟﻌﻠﻢ . وﻗ ﺪ أوﻗﻌﺘﻨ ﺎ ﻓﻴ ﻪ اﻟﻐﻴ ﺮة ﻋﻠ ﻰ اﻟﺴ ﻨﺔ ،وﺣﻤﻴ ﺔ اﻟﺸﺒﺎب وﺷﺮﺗﻪ ،واﻟﺠﻬﻞ ﺑﻤﺎ ﻟﻠﺮاﻋﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻋﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﻘﻮق .ﻓﻌﻔﺎ اﷲ ﻋﻤﺎ ﺳﻠﻒ .رﺑﻨ ﺎ ﻻ ﺗﺆاﺧ ﺬﻧﺎ إن ﻧﺴ ﻴﻨﺎ أو أﺧﻄﺄﻧﺎ" . وﺳ ﻜﺖ اﻟﺸ ﻴﺦ ،وﺳ ﺄل ﻣﺴ ﺘﻤﻌﻴﻪ أن ﻳﺤ ﺎوروﻩ، وآﺎﻧﺖ هﺬﻩ ﻋﺎدﺗﻪ . ﻓﻘ ﺎل أﺣ ﺪ ﺗﻼﻣﻴ ﺬ اﻟﺸ ﻴﺦ " :ﻋﻠﻤﺘﻨ ﺎ ﻳ ﺎ ﺷ ﻴﺨﻨﺎ أن اﻟﺮﺳﻮل ﻗﺎل) :ﻣﻦ رأى ﻣﻨﻚ ﻣﻨﻜ ﺮًا ﻓﻠﻴﻐﻴ ﺮﻩ ﺑﻴ ﺪﻩ، ﻓ ﺈن ﻟ ﻢ ﻳﺴ ﺘﻄﻊ ﻓﺒﻠﺴ ﺎﻧﻪ ،ﻓ ﺈن ﻟ ﻢ ﻳﺴ ﺘﻄﻊ ﻓﺒﻘﻠﺒ ﻪ وه ﺬا أﺿ ﻌﻒ اﻹﻳﻤ ﺎن( . .ﻓﻬ ﻞ ﺗﺮﺿ ﻰ ﻟﻨ ﺎ أﺿ ﻌﻒ اﻹﻳﻤﺎن؟ . .أﻳﻜﺘﻔﻲ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨ ﺎ ﺑ ﺄن ﻳﻬﺘ ﺪي ،وﻻ ﻳﺒ ﺎﻟﻲ ﺑﻀﻼل ﺳﻮاﻩ؟ " وﻗﺎل رﺟﻞ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ رواد اﻟﺤﻠﻘ ﺔ " :ﺳ ﻤﻌﻨﺎ ﻣﻨ ﻚ أﻧﻪ ﺟﺎء ﻓﻲ اﻷﺛﺮ أن أﺑﺎ ﺑﻜﺮ اﻟﺼﺪﻳﻖ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨ ﻪ ﺻﻌﺪ ﻣﻨﺒ ﺮ رﺳ ﻮل اﷲ وﻗ ﺎل " :أﻳﻬ ﺎ اﻟﻨ ﺎس ،إﻧﻜ ﻢ ﺗﻘ ﺮءون ه ﺬﻩ اﻵﻳ ﺔ وﺗﻀ ﻌﻮﻧﻬﺎ ﻓ ﻲ ﻏﻴ ﺮ
١٢
ﻣﻮﺿ ﻌﻬﺎ(ﻋﻠ ﻴﻜﻢ أﻧﻔﺴ ﻜﻢ ﻻ ﻳﻀ ﺮآﻢ ﻣ ﻦ ﺿ ﻞ إذا اهﺘ ﺪﻳﺘﻢ وإﻧ ﻲ ﺳ ﻤﻌﺖ رﺳ ﻮل اﷲ ﻳﻘ ﻮل ) :إن اﻟﻨ ﺎس إذا رأوا اﻟﻤﻨﻜ ﺮ ﻓﻠ ﻢ ﻳﻐﻴ ﺮوﻩ ،أوﺷ ﻚ أن ﻳﻌﻤﻬ ﻢ اﷲ ﺑﻌﻘﺎب ﻣﻨﻪ( .ﻓﻴﻜﻒ ﺗﺄﻣﺮ ﻳﺎ ﺷﻴﺨﻨﺎ أﻻ ﻧﻐﻴﺮ اﻟﻤﻨﻜﺮ ﺑﺄﻳﺪﻳﻨﺎ؟ " وﻗﺎل ﺛﺎﻟﺚ " :أﻧﺖ اﻟﺬي ﻋﻠﻤﻨﺎ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺸ ﺮﻳﻒ: )إن اﻟﻤﻌﺼﻴﺔ إذا أﺧﻔﻴﺖ ﻟﻢ ﺗﻀﺮ إﻻ ﺻ ﺎﺣﺒﻬﺎ ،وﻟﻜ ﻦ إذا ﻇﻬﺮت ﻓﻠﻢ ﺗﻨﻜﺮ أﺿﺮت اﻟﻌﺎﻣﺔ( ﻓﻜﻴﻒ ﺗﻄﻠﺐ ﻣﻨ ﺎ أن ﻧﺘﺮك أهﻞ اﻟﻔﺴ ﺎد ﻳﺠﻬ ﺮون ﺑﺎﻟﻤﻌﺎﺻ ﻲ وﻳﻀ ﺮون اﻟﻌﺎﻣ ﺔ ،وﻧﺤ ﻦ ﻧﻨﻈ ﺮ ،وﻻ ﻧﺘﺤ ﺮك ﻟﺘﻐﻴﻴ ﺮ اﻟﻤﻌﺎﺻ ﻲ ﺑﺄﻳﺪﻳﻨﺎ؟! " ﻗﺎل اﻟﺸﻴﺦ " :ﻟﻌﻦ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻨ ﻲ إﺳ ﺮاﺋﻴﻞ ﻷﻧﻬ ﻢ آ ﺎﻧﻮا ﻻ ﻳﺘﻨ ﺎهﻮن ﻋ ﻦ ﻣﻨﻜ ﺮ ﻓﻌﻠ ﻮﻩ . .ﺑ ﻞ أﻧ ﺎ أﺧ ﺮج ﻣﻌﻜﻢ ﻟﻸﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮوف واﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ " ﻏﻴ ﺮ أن ه ﺬا ﻳﺠ ﺐ أﻻ ﻳﺘﺠ ﺎوز ﻣ ﺎ أﻣﺮﻧ ﺎ اﻟﺸ ﺮع ﺑﻪ .وإﻻ ﺗﺠﺎوزﻧﺎ ﺣﺪود اﷲ .ذﻟﻚ أن وﻻﻳﺔ أﻣﺮ اﻟﻨ ﺎس ﻣ ﻦ أﻋﻈ ﻢ واﺟﺒ ﺎت اﻟ ﺪﻳﻦ وﻻ ﻳ ﺘﻢ اﻟ ﺪﻳﻦ إﻻ ﺑﻬ ﺎ .ﻓ ﺈن ﺑﻨ ﻲ ﺁدم ﻻ ﺗ ﺘﻢ ﻣﺼ ﻠﺤﺘﻬﻢ إﻻ ﺑﺎﻻﺟﺘﻤ ﺎع ،ﻟﺤﺎﺟ ﺔ
١٣
ﺑﻌﻀ ﻬﻢ إﻟ ﻰ ﺑﻌ ﺾ ،وﻻﺑ ﺪ ﻟﻬ ﻢ ﻋﻨ ﺪ اﻻﺟﺘﻤ ﺎع ﻣ ﻦ اﻟﺤﺎﺟ ﺔ إﻟ ﻰ رأس .ﺣﺘ ﻰ ﻗ ﺎل رﺳ ﻮل اﷲ ) :إذا ﺧ ﺮج ﺛﻼﺛ ﺔ ﻓ ﻲ ﺳ ﻔﺮ ﻓﻠﻴ ﺆﻣﺮوا أﺣ ﺪهﻢ( وﻃﺎﻋ ﺔ ه ﺬا اﻷﻣﻴ ﺮ واﺟﺒ ﺔ ﺷ ﺮﻋًﺎ .وﻗ ﺪ روى اﻹﻣ ﺎم أﺣﻤ ﺪ ﻓ ﻲ ﻣﺴﻨﺪﻩ ) :ﻻ ﻳﺤﻞ ﻟﺜﻼﺛﺔ ﻳﻜﻮﻧﻮن ﺑﻔﻼة ﻣ ﻦ اﻷرض إﻻ أﻣﺮوا ﻋﻠﻴﻬﻢ أﺣﺪهﻢ(. ﻓﺄوﺟ ﺐ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﺗ ﺄﻣﻴﺮ اﻟﻮاﺣ ﺪ ﻓ ﻲ اﻻﺟﺘﻤﺎع اﻟﻘﻠﻴﻞ اﻟﻌﺎرض ﻓﻲ اﻟﺴﻔﺮ ،ﺗﻨﺒﻴﻬ ًﺎ ﺑ ﺬﻟﻚ إﻟ ﻰ ﺳﺎﺋﺮ أﻧﻮاع اﻻﺟﺘﻤﺎع. وأن اﷲ أوﺟ ﺐ اﻷﻣ ﺮ ﺑ ﺎﻟﻤﻌﺮوف واﻟﻨﻬ ﻲ ﻋ ﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ ،وﻻ ﻳﺘﻢ ذﻟﻚ إﻻ ﺑﻘﻮة وإﻣﺎرة ،وآﺬﻟﻚ ﺳﺎﺋﺮ ﻣﺎ أوﺟﺒ ﻪ ﻣ ﻦ اﻟﺠﻬ ﺎد واﻟﻌ ﺪل ،وإﻗﺎﻣ ﺔ اﻟﺤ ﺞ واﻟﺠﻤ ﻊ واﻷﻋﻴﺎد ،وﻧﺼﺮ اﻟﻤﻈﻠﻮم ،وإﻗﺎﻣﺔ اﻟﺤ ﺪود ،ﻻ ﺗ ﺘﻢ إﻻ ﺑﺎﻟﻘﻮة واﻹﻣﺎرة .وﻟﻬﺬا روى )أن اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻇﻞ اﷲ ﻓﻲ اﻷرض( .و ُﻳﻘﺎل " :ﺳﺘﻮن ﺳﻨﺔ ﻣﻦ إﻣ ﺎم ﺟ ﺎﺋﺰ أﺻ ﻠﺢ ﻣ ﻦ ﻟﻴﻠ ﺔ واﺣ ﺪة ﺑ ﻼ ﺳ ﻠﻄﺎن .وﻟﻬ ﺬا آ ﺎن اﻟﺴ ﻠﻒ آﺎﻟﻔﻀ ﻴﻞ ﺑ ﻦ ﻋﻴ ﺎض ،وأﺣﻤ ﺪ ﺑ ﻦ ﺣﻨﺒ ﻞ ،وﻏﻴﺮهﻤ ﺎ، ﻳﻘﻮﻟ ﻮن ) :ﻟ ﻮ آ ﺎن ﻟﻨ ﺎ دﻋ ﻮة ﻣﺠﺎﺑ ﺔ ﻟ ﺪﻋﻮﻧﺎ ﺑﻬ ﺎ
١٤
ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن( .. .وهﻮ ﻳﻌﻨﻲ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﺮًا آ ﺎن أو ﻓ ﺎﺟﺮًا. ﻋﻠﻰ أن ﺗﻮﻟﻴﺔ اﻷﺑﺮار ﺧﻴﺮ ﻟﻸﻣﺔ ﻣﻦ ﺗﻮﻟﻴﺔ اﻟﻔﺠﺎر . ﻓﻤ ﻦ آ ﺎن ﻋ ﺎﺟﺰًا ﻋ ﻦ إﻗﺎﻣ ﺔ اﻟ ﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﺴ ﻠﻄﺎن واﻟﺠﻬﺎد ،ﻷﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣ ﻦ أوﻟ ﻲ اﻷﻣ ﺮ ،ﻓﻠﻴﻔﻌ ﻞ ﻣ ﺎ ﻳﻘ ﺪر ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﺼﻴﺤﺔ واﻟﺨﻴﺮ ،وه ﻮ ﻻ ﻳﻜﻠ ﻒ ﺑﻤ ﺎ ﻳﻌﺠ ﺰ ﻋﻨﻪ . وﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ اﻟﻨﺼ ﺢ ﻟ ﻮﻟﻲ اﻷﻣ ﺮ .ﻗ ﺎل ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم ) :اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻨﺼ ﻴﺤﺔ ،اﻟ ﺪﻳﻦ اﻟﻨﺼ ﻴﺤﺔ، اﻟ ﺪﻳﻦ اﻟﻨﺼ ﻴﺤﺔ .ﻗﻴ ﻞ :ﻟﻤ ﻦ ﻳ ﺎ رﺳ ﻮل اﷲ؟ ﻗ ﺎل :ﷲ، وﻟﻜﺘﺎﺑﻪ ورﺳﻮﻟﻪ ،وﻷﺋﻤﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ وﻋﺎﻣﺘﻬﻢ( ﻋﻠ ﻰ أن وﻻة اﻷﻣ ﻮر ﻳﺠ ﺐ أن ﻳﻜﻮﻧ ﻮا أذﻟ ﺔ ﻟﻠﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ،وإﻻ آﺎﻧﻮا آﻔﺮﻋﻮن وهﺎﻣﺎن ،وﻗﺪ ﺟ ﺎء ﻓ ﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ) :ﻻ ﻳﺪﺧﻞ اﻟﺠﻨﺔ ﻣﻦ آﺎن ﻓ ﻲ ﻗﻠﺒ ﻪ ﻣﺜﻘ ﺎل ذرة ﻣ ﻦ اﻟﻜﺒ ﺮ ،وﻻ ﻳ ﺪﺧﻞ اﻟﻨ ﺎر ﻣ ﻦ آ ﺎن ﻓ ﻲ ﻗﻠﺒ ﻪ ﻣﺜﻘ ﺎل ذرة ﻣ ﻦ اﻹﻳﻤ ﺎن .ﻓﻘ ﺎل رﺟ ﻞ :ﻳ ﺎ رﺳ ﻮل اﷲ :إﻧ ﻲ أﺣﺐ أن ﻳﻜﻮن ﺛﻮﺑﻲ ﺣﺴﻨًﺎ وﻧﻌﻠ ﻲ ﺣﺴ ﻨًﺎ .أﻓﻤ ﻦ اﻟﻜﺒ ﺮ ذﻟ ﻚ؟( ﻗ ﺎل:ﻻ .إن اﷲ ﺟﻤﻴ ﻞ ﻳﺤ ﺐ اﻟﺠﻤ ﺎل .اﻟﻜﺒ ﺮ ﺑﻄ ﺮ اﻟﺤ ﻖ ،وﻏﻤ ﻂ اﻟﻨ ﺎس( . .ﺻ ﺪق رﺳ ﻮل اﷲ.
١٥
ﻓﺒﻄ ﺮ اﻟﺤ ﻖ ﺟﺤ ﺪﻩ ودﻓﻌ ﻪ ،وﻏﻤ ﻂ اﻟﻨ ﺎس اﺣﺘﻘ ﺎرهﻢ وازدراؤه ﻢ ،وه ﺬﻩ ﺣ ﺎل ﻣ ﻦ ﻳﺮﻳ ﺪ اﻟﻌﻠ ﻮ واﻟﻔﺴ ﺎد آﻔﺮﻋﻮن وهﺎﻣﺎن " ﻓﻘ ﺎل أﺣ ﺪ أﺻ ﺤﺎﺑﻪ" :وﻟﻜ ﻦ اﻟﺴ ﻠﻒ ﻣ ﻦ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠ ﺔ آ ﺎﻧﻮا ﻳﻐﻴ ﺮون اﻟﻤﻨﻜ ﺮ ﺑﺄﻳ ﺪﻳﻬﻢ وﺗﻨﻄﻠ ﻖ ﺟﻤ ﺎﻋﺘﻬﻢ ﻟﻸﻣ ﺮ ﺑ ﺎﻟﻤﻌﺮوف واﻟﻨﻬ ﻲ ﻋ ﻦ اﻟﻤﻨﻜ ﺮ ﺗﻔﻌ ﻞ آﻤ ﺎ آﻨ ﺎ ﻧﻔﻌ ﻞ ﺑﺄه ﻞ اﻟﻤﻨﻜ ﺮ ،أﻟ ﻴﺲ اﺗﺒ ﺎع ﺳ ﻨﺘﻬﻢ وه ﻢ اﻟﺴ ﻠﻒ اﻟﺼﺎﻟﺢ أوﻟﻰ ﺑﻨﺎ؟" ﻗﺎل اﻟﺸﻴﺦ" :هﺆﻻء ﺷﺎﻧﻮا اﻟﺤﻨﺎﺑﻠﺔ ﺷﻴﻨًﺎ ﻻ ﻳﻐﺴ ﻠﻪ ﻣﺎء اﻟﺒﺤﺎر ،آﻤﺎ ﻗﺎل أﺣﺪ اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﻣ ﻦ ﺷ ﻴﻮﺧﻨﺎ .ﻓﻘ ﺪ اﺷ ﺘﺪوا ﻋﻠ ﻰ اﻟﻨ ﺎس ﺑﺎﺳ ﻢ اﻷﻣ ﺮ ﺑ ﺎﻟﻤﻌﺮوف واﻟﻨﻬ ﻲ ﻋ ﻦ اﻟﻤﻨﻜ ﺮ ،وﺻ ﺎروا ﻳﻜﺒﺴ ﻮن اﻟ ﺪور ،ﻓ ﺈن وﺟ ﺪوا ﻧﺒﻴﺬًا أراﻗﻮﻩ ،وإن وﺟﺪوا ﻣﻐﻨﻴﺔ ﺿﺮﺑﻮهﺎ وآﺴﺮوا ﺁﻟﺔ اﻟﻐﻨﺎء ،واﻋﺘﺮﺿﻮا ﻓﻲ اﻟﺒﻴﻊ واﻟﺸﺮاء ،وﻣﺸﻰ اﻟﺮﺟﺎل ﻣﻊ اﻟﻨﺴﺎء واﻟﺼﺒﻴﺎن ،ﻓﺈن رأوا ذﻟ ﻚ ﺳ ﺄﻟﻮﻩ ﻋ ﻦ اﻟﺘ ﻲ ﻣﻌ ﻪ ﻣ ﻦ ه ﻲ ﻓ ﺄﺧﺒﺮهﻢ وإﻻ ﺿ ﺮﺑﻮﻩ ،وﺣﻤﻠ ﻮﻩ إﻟ ﻰ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺸﺮﻃﺔ ،وﺷ ﻬﺪوا ﻋﻠﻴ ﻪ ﺑﺎﻟﻔﺎﺣﺸ ﺔ ،ﻓ ﺄزﻋﺠﻮا ﺑﻐﺪاد ،وآﺮﻩ اﻟﻨ ﺎس اﻟﻤ ﺬهﺐ اﻟﺤﻨﺒﻠ ﻲ ،وﺳ ﻤﻮا أﺗﺒﺎﻋ ﻪ
١٦
اﻷراذل ،وﻓ ﻴﻬﻢ أروع اﻟﺨﻠ ﻖ وأﺗﻘ ﺎهﻢ و أﺳ ﻤﺤﻬﻢ، واﺗﻬﻤﻮﻩ ﺑﺎﻟﻀﻴﻖ واﻟﻐﻠﻮ ،وهﻮ أآﺜ ﺮ اﻟﻤ ﺬاهﺐ ﺗﻴﺴ ﻴﺮًا ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس .وﻗﺪ أﻓﺘﻰ أﺣﺪ ﺷﻴﻮخ اﻟﻤ ﺬهﺐ ،أن واﺟ ﺐ وﻟ ﻲ اﻷﻣ ﺮ ه ﻮ اﻟﻀ ﺮب ﻋﻠ ﻰ أﻳ ﺪي ه ﺬﻩ اﻟﺠﻤﺎﻋ ﺎت ﻣ ﻦ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠ ﺔ ،وإﻟ ﺰاﻣﻬﻢ ﻃﺎﻋ ﺔ وﻟ ﻲ اﻷﻣ ﺮ ،وﺣﺒﺴ ﻬﻢ وﺟﻠﺪهﻢ ﻋﻘﺎﺑًﺎ ﻟﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ارﺗﻜﺒﻮﻩ ﻣﻦ ﺟﻨﺎﻳﺎت . ﻟﻘﺪ آﺎن ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﺬهﺐ اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ أﺷﺪ اﻟﻨ ﺎس ﻓﻲ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻨﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﺆذ أﺣﺪًا ﻗﻂ ﺑﻘﻮل أو ﻓﻌﻞ .وﻗ ﺪ وﻗﻌ ﺖ ﻋﻠ ﻰ ﺧﺒ ﺮ ﻋﻨ ﻪ ﻳﺼ ﻠﺢ ﻟﻜ ﻢ ﻋﺒ ﺮة : آ ﺎن ﻟ ﻪ ﺻ ﺪﻳﻖ ﻓﻘﻴ ﻪ ،ﻳ ﻨﻔﺲ ﻋﻠﻴ ﻪ أﺗﺒ ﺎع أﺣﻤ ﺪ إﻳﺜ ﺎرﻩ ﻋﻠ ﻴﻬﻢ .وأرق اﻹﻣ ﺎم أﺣﻤ ﺪ ذات ﻟﻴﻠ ﺔ وه ﻮ ﻳﻔﻜ ﺮ ﻓ ﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻓﻘﻬﻴﺔ دﻗﻴﻘﺔ ،ﻓﻘﺎم إﻟ ﻰ ﺻ ﺎﺣﺒﻪ ﻟﻴﺤﺪﺛ ﻪ ﻓ ﻲ ه ﺬﻩ اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ،ﻓﻮﺟﺪ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺑﻴﻦ إﻣﺎء ﻟ ﻪ ُﻳﻐﻨ ﻴﻦ وﻳﺮﻗﺼ ﻦ. ﻓﺨﺠﻞ اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ ،وﻋﺎد .وﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح روى ﻟﺒﻌﺾ أﺗﺒﺎﻋﻪ ﻣﺎ آﺎن ،ﻓﻘﺎﻟﻮا ﻟﻪ ) :ﺻﺪﻳﻘﻚ ه ﺬا ﻳﻠﻬ ﻮ ﺑﺎﻟﻐﻨ ﺎء وﻳﺸﺮب اﻟﻨﺒﻴﺬ( .ﻓﻘﺎل ﻟﻬ ﻢ اﻹﻣ ﺎم أﺣﻤ ﺪ) :ﺷ ﺮب أم ﻟ ﻢ ﻳﺸﺮب ﻓﻬﻮ أﻓﻘﻬﻜﻢ(.
١٧
آ ﺎن اﻹﻣ ﺎم أﺣﻤ ﺪ رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨ ﻪ ﻳﻨﻬ ﻰ أﺗﺒﺎﻋ ﻪ ﻋ ﻦ إزﻋ ﺎج أﺣ ﺪ ،وﻳﻠ ﺰﻣﻬﻢ ﺣ ﺪود اﻟﻨﺼ ﻴﺤﺔ ﻟ ﻮﻟﻲ اﻷﻣﺮ ،دون أن ﻳﻨﺎزﻋﻮﻩ ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ ﻓ ﻲ ﺗﻮﻗﻴ ﻊ اﻟﻌﻘﻮﺑ ﺎت ﻋﻠﻰ أهﻞ اﻟﻤﻨﻜﺮ وأﺻﺤﺎب اﻟﺠﻨﺎﻳﺎت " ﻓﺴﺄﻟﻪ ﺷﺎب ﻣﺘﺤﻤﺲ "ﻓﺈذا ﻗﺼ ﺮ وﻟ ﻲ اﻷﻣ ﺮ ﻓ ﻲ ﻣﺤﺎرﺑﻪ اﻟﺒﺪع واﻟﻔﺴﺎد واﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮوف واﻟﻨﻬﻲ ﻋ ﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ ،أﻟﺴﻨﺎ ﻣﺄﻣﻮرﻳﻦ ﺑﺄن ﻧﻨﻬﺾ ﻋﻨﻪ ﺑﻬﺬا؟ " ﻗ ﺎل" :ﻣ ﻦ ذا اﻟ ﺬي ﻳ ﺄﻣﺮآﻢ ﺑﻬ ﺬا ﻳ ﺎ ﺑﻨ ﻲ؟! . .إن ﻗﺼ ﺮ اﻟﺤ ﺎآﻢ أو ﺧ ﺮج ﻋ ﻦ ﺣ ﺪود اﻟﻌﺪاﻟ ﺔ وواﺟﺒ ﺎت وﻟﻲ اﻷﻣﺮ ،أﺻﺒﺢ ﺣﻜﻤﻪ ﻣﻠﻜًﺎ دﻧﻴﻮﻳًﺎ ﻻ ﺧﻼﻓﺔ ﻧﺒﻮﻳ ﺔ، ﻓﻬ ﻮ ﺑﺈﺟﻤ ﺎع ﺟﻤﻬ ﻮر اﻟﻔﻘﻬ ﺎء ﻣﻠ ﻚ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ وﻃﺎﻋﺘﻪ واﺟﺒﺔ. إن اﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﻃﺎﻋﺔ اﻟﺠﺎﺋﺮ أوﻟﻰ ﻣ ﻦ اﻟﺨ ﺮوج ﻋﻠﻴ ﻪ ،ﻟﻤ ﺎ ﻓ ﻲ اﻟﺜ ﻮرة ﻋﻠﻴ ﻪ ﻣ ﻦ ﻓﺘﻨ ﺔ ﻳﻨ ﺘﺞ ﻋﻨﻬ ﺎ ﻗﺘ ﻞ اﻷﺑﺮﻳ ﺎء .آ ﻼ اﻷﻣ ﺮﻳﻦ ﻣﻜ ﺮوﻩ ،وﻟﻜ ﻦ أﻗ ﻮى اﻟﻤﻜﺮوهﻴﻦ – أي اﻟﻔﺘﻨﺔ واﻟﻘﺘﻞ – أوﻟﻰ ﺑﺎﻟﺘﺮك . وﻣﺜﻞ هﺬا اﻟﺤﺎآﻢ ﻳﻄﺎع ﻓﻲ اﻟﻌﺪل ،وﻻ ﻳﻄ ﺎع إذا أﻣﺮ ﺑﻤﻌﺼﻴﺔ ،ﻓﻼ ﻃﺎﻋﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﺼﻴﺔ ﻗ ﺎل ) : ﻋﻠ ﻰ
١٨
اﻟﻤﺮء اﻟﻤﺴﻠﻢ اﻟﺴ ﻤﻊ واﻟﻄﺎﻋ ﺔ ﻓﻴﻤ ﺎ أﺣ ﺐ وآ ﺮﻩ ،ﻓ ﺈن أﻣﺮ ﺑﻤﻌﺼﻴﺔ ﻓﻼ ﺳﻤﻊ وﻻ ﻃﺎﻋﺔ( .وﻗ ﺎل) :ﻣ ﻦ وﻟ ﻲ ﻋﻠﻴﻪ وال ﻓﺮﺁﻩ ﻳﺄﺗﻲ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣ ﻦ ﻣﻌﺼ ﻴﺔ اﷲ ،ﻓﻠﻴﻜ ﺮﻩ ﻣ ﺎ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﻣﻌﺼﻴﺔ ،وﻻ ﻳﻨﺰﻋﻦ ﻳﺪًا ﻋﻦ ﻃﺎﻋﺘﻪ( وﻋﻠﻴﻨ ﺎ ﻟﻪ اﻟﻨﺼﻴﺤﺔ ،وﻣﻮاﺟﻬﺘﻪ ﺑﻜﻠﻤﺔ اﻟﺤﻖ .ﻗﺎل ) :أﻓﻀﻞ اﻟﺠﻬﺎد آﻠﻤﺔ ﺣﻖ ﻋﻨﺪ ﺳﻠﻄﺎن ﺟﺎﺋﺮ( أﻧﺎ أﺣﺪﺛﻜﻢ ﻋ ﻦ وﻟ ﻲ اﻷﻣ ﺮ اﻟ ﺬي ﻳﺘ ﻮﻟﻰ ﻣﻨﺼ ﺐ اﻹﻣﺎﻣ ﺔ اﻟﻜﺒ ﺮى آﺎﻟﺨﻠﻔ ﺎء واﻟﻤﻠ ﻮك واﻟﺴ ﻼﻃﻴﻦ .أﻣ ﺎ أوﻟﻮ اﻷﻣﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﺻ ﺐ اﻟﺘ ﻲ ﺗﻠ ﻲ اﻹﻣﺎﻣ ﺔ اﻟﻜﺒ ﺮى، ﻓﺘﻐﻴﻴﺮهﻢ ﻣﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻓﺘﻨ ﺔ ،وﻟ ﺬﻟﻚ ﻳﺠ ﺐ اﻟﻤﻄﺎﻟﺒ ﺔ ﺑﺘﻐﻴﻴﺮهﻢ إذا ﺟﺎروا " وﻋﻨ ﺪﻣﺎ اﻧﺘﻬ ﻰ درس اﻟﺸ ﻴﺦ ،ﺧ ﺮج ﺗﻼﻣﻴ ﺬﻩ ورواد ﺣﻠﻘﺘﻪ ،ﻳﺘﻌﺎهﺪون ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴ ﻨﻬﻢ ﻋﻠ ﻰ أﻻ ﻳﺰﻋﺠ ﻮا أﺣﺪًا ﺑﻌﺪ ﺑﺎﺳﻢ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮوف واﻟﻨﻬ ﻲ ﻋ ﻦ اﻟﻤﻨﻜ ﺮ، وأﻻ ﻳﻨ ﺎزﻋﻮا وﻟ ﻲ اﻷﻣ ﺮ ﺳ ﻠﻄﺎﺗﻪ ﻓ ﻲ ﻋﻘ ﺎب أه ﻞ اﻟﻤﻨﻜﺮ واﻟﻔﺴﺎد وأﺻﺤﺎب اﻟﺒﺪع واﻟﺠﻨﺎﻳﺎت . وﻟﻜﻨ ﻪ ﻋﺠﺒ ﻮا ﻟﻤ ﺎ ﻗﺎﻟ ﻪ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻓ ﻲ اﻟﺼ ﺒﺮ ﻋﻠ ﻰ ﺟﻮر اﻟﺤﺎآﻢ اﻟﻈﺎﻟﻢ ﺣﺬر اﻟﻔﺘﻨﺔ ! ! ..
١٩
أﺣﻖ هﺬا؟! ! وﺳﻤﻌﻬﻢ أﺣ ﺪ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء ﻣ ﻦ ﻣﺨ ﺎﻟﻔﻲ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻓﻘ ﺎل : "أﺧﻄﺄ ﺷﻴﺨﻜﻢ . .إﻧﻪ ﻣ ﺎ دﻋ ﺎآﻢ إﻟ ﻰ اﻹذﻋ ﺎن ﻟﻠﺠ ﻮر، إﻻ ﻷﻧﻪ ﻣﺤﺐ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن ﻣﺤﻤﺪ ﺑ ﻦ ﻗ ﻼوون ،وﻳﺮﻳ ﺪ أن ﻳﺤﻤﻴﻪ ﻣﻦ ﻏﻀﺐ اﻟﺮﻋﻴﺔ " . ﻗ ﺎل أﺣ ﺪ أﺗﺒ ﺎع اﻟﺸ ﻴﺦ " :ﻓﻠﺘﻘ ﻞ رأﻳ ﻚ ه ﺬا ﻓ ﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﺷﻴﺨﻨﺎ ،ﻓﻨﺘﺒﻴﻦ أﻳﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﺣﻖ " . ﻗ ﺎل اﻟﻌ ﺎﻟﻢ " :ﻣ ﺎ أﺣ ﺐ أن أﻧ ﺎﻇﺮﻩ ،ﻓﻘ ﺪ ﻳﺘﻬﻤﻨ ﻲ ﺑﺎﻟﺠﻬ ﻞ ،وأﻧ ﺎ أﺳ ﻦ ﻣﻨ ﻪ ﺑﻌﺸ ﺮﻳﻦ ﻋﺎﻣ ًﺎ ..وﻟﻜ ﻦ راﺟﻌﻮا ﻗﻮل اﻹﻣﺎم اﻷﻋﻈﻢ أﺑﻲ ﺣﻨﻴﻔﺔ اﻟﻨﻌﻤﺎن " ﻓﺎﻧﺼﺮﻓﻮا ﻋﻨﻪ ﻗﺎﺋﻠﻴﻦ : ﻧﺤﻦ ﻣﺎ ﻧﺘﺒﻊ إﻻ أﻗﻮال اﻹﻣ ﺎم أﺣﻤ ﺪ وﺷ ﻴﺨﻨﺎ ﺗﻘ ﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ . ٭٭٭ ﻼ ،وﺗﺘﻔ ﺮغ ﻗﺎﻟﺖ ﺳ ﺖ اﻟ ﻨﻌﻢ":أﻻ ﺗﺘ ﺮك اﻟﻔﻘ ﻪ ﻗﻠ ﻴ ً ﻟﺘﻔﺴﻴﺮ اﻟﻘﺮﺁن ﻳﺎ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ؟ ﻓﻬﺬا ﺛﻮاﺑﻪ ﻋﻈ ﻴﻢ ﻳ ﺎ ﺑﻨ ﻲ " ﻗﺎل ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ" :آﻨﺖ ﻧﻬﻴﺘﻨﻲ ﻋﻦ اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﻳﺎ أم"
٢٠
ﻗﺎﻟ ﺖ " :آ ﺎن ه ﺬا وأﻧ ﺖ ﺷ ﺎب ،أﻣ ﺎ اﻵن ﻓﺄﻧ ﺖ ﺗﻘﺘ ﺮب ﻣ ﻦ اﻟﺨﺎﻣﺴ ﺔ واﻷرﺑﻌ ﻴﻦ وﻣ ﻦ اﻟﻨ ﺎس ﻣ ﻦ ﻳﺪﻋﻮك ﺷﻴﺦ اﻹﺳﻼم " ﻗﺎل" :ﻻ أﺳﺘﺤﻖ هﺬا اﻟﻠﻘﺐ ﺑﻌﺪ .أﻧ ﺎ أدرس وأﻋ ﺪ ﻧﻔﺴﻲ ﻟﻠﺘﻔﺴﻴﺮ ،وﻟﻦ أﺷﺮع ﻓﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻔﺘﺢ اﷲ ﻋﻠﻲ ﺑﻤﺎ أﺿﻴﻔﻪ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﻷوﻟﻮن" . ﺳ ﻤﻊ اﻟﺒ ﺎب ﻳﻄ ﺮق ،ﻓﻔﺘﺤ ﻪ ،ﻓﻮﺟ ﺪ أﻣﺎﻣ ﻪ أﻣﻴ ﺮ اﻟﻌﺮب ﺣﺴ ﺎم ﺑ ﻦ ﻣﻬﻨ ﺎ زاﺋ ﻎ اﻟﻨﻈ ﺮات ،ﺗﺤ ﺖ ﺟﻔﻨ ﻴﻦ ﻧﺼﻒ ﻣﻄﺒﻘﻴﻦ . ورﺣ ﺐ ﺑ ﻪ وﺳ ﺄﻟﻪ" :ﻣ ﺎ ﺑ ﺎل أﻣﻴ ﺮ اﻟﻌ ﺮب ﺷ ﺎرد اﻟﺒﺎل؟ أي أﻣﻮر اﻟﺪﻧﻴﺎ أو اﻟﺪﻳﻦ ﻳﺸﻐﻠﻚ؟" ﻗﺎل اﻷﻣﻴﺮ" :ﻻ ﺷﻲء ..ﻏﻴ ﺮ أﻧ ﻲ أآﺜ ﺮت اﻟﻴ ﻮم ﻣ ﻦ ﺗﻌ ﺎﻃﻲ اﻟﺤﺸﻴﺸ ﺔ .اﻋ ﺬرﻧﻲ إذا ﻃﺮﻗ ﺖ ﺑﺎﺑ ﻚ ﻓ ﻲ هﺬﻩ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻠﻴﻞ " . ﻗﺎل اﻟﺸﻴﺦ " :ﻣﺮﺣﺒﺎ ﺑﻚ ﻓﻲ أي وﻗﺖ . .وﻟﻜﻦ ﻳ ﺎ أﻣﻴ ﺮ اﻟﻌ ﺮب ،أﻻ ﺗﻌ ﺮف أن اﻟﺤﺸﻴﺸ ﺔ ﻣﺤﺮﻣ ﺔ آﺎﻟﺨﻤﺮ؟! "
٢١
ﻗ ﺎل اﻷﻣﻴ ﺮ " :ﻣ ﺎ ﻗﻠ ﺖ ﻟﻨ ﺎ ه ﺬا ﻣ ﻦ ﻗﺒ ﻞ ،وﻣ ﺎ اﻃﻠﻌﺖ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎب أو اﻟﺴﻨﺔ أو إﺟﻤﺎع اﻟﺼ ﺤﺎﺑﺔ ﻋﻠ ﻰ ﻧﺺ أو أﺛﺮ ﻳﺤﺮم اﻟﺤﺸﻴﺸﺔ ". ﻗ ﺎل اﻟﺸ ﻴﺦ " :ﻣ ﺎ ﻋﺮﻓ ﻮا اﻟﺤﺸﻴﺸ ﺔ واﻟﻤﺨ ﺪرات ﻓﻲ زﻣﺎﻧﻬﻢ ﺑﻬﻴﺌﺘﻨﺎ اﻟﺘ ﻲ ﻧﻌﺮﻓﻬ ﺎ اﻟﻴ ﻮم ﻓ ﻲ ه ﺬا اﻟ ﺰﻣﻦ اﻟﻔﺎﺳﺪ .وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻔﻌﻞ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻞ ﻓﻌﻞ اﻟﺨﻤ ﺮ ﻓﻬ ﻲ ﺣ ﺮام " ﻗ ﺎل اﻷﻣﻴ ﺮ" :ﺳ ﺄﻟﺖ ﻋﻨﻬ ﺎ ﺑﻌ ﺾ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء ﻣ ﻦ أﺻﺪﻗﺎﺋﻨﺎ ،ﻓﺄﻓﺘﻮا أﻧ ﻪ ﻟ ﻢ ﻳ ﺮد ﺑﺘﺤﺮﻳﻤﻬ ﺎ .وأﻧ ﺎ أﺗﻌ ﺎﻃﻰ اﻟﺤﺸﻴﺸﺔ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ ﻓﻀﻼء ﻋﻠﻤﺎء دﻣﺸﻖ .وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻻ ﻳﺤﺴ ﻦ اﻟﻜﺘﺎﺑ ﺔ أو اﻟﺨﻄﺎﺑ ﺔ ،إﻻ إذا ﺗﻌﺎﻃﺎه ﺎ ،وﻣ ﻦ ﻗﺮاء اﻟﻘﺮﺁن ،ﻣﻦ ﻻ ﻳﺤﺴﻦ ﺻﻮﺗﻪ ،وﻳﻨﺴﺠﻢ أداؤﻩ ،إﻻ ﺑﺎﻟﺤﺸﻴﺸﺔ " ﻗﺎل اﻟﺸﻴﺦ " :إن اﻟﺤﺸﻴﺸ ﺔ اﻟﻤﺼ ﻨﻮﻋﺔ ﻣ ﻦ ورق اﻟﻘﻨ ﺐ وﻣ ﺎ ﺷ ﺎﺑﻬﻬﺎ ﻣ ﻦ اﻟﻤﺨ ﺪرات ،ﻣﺴ ﻜﺮة وﻗ ﺪ ﻗ ﺎل اﻟﺮﺳ ﻮل ) : آ ﻞ ﻣﺴ ﻜﺮ ﺣ ﺮام( .وﻟ ﻢ ﻳﺤ ﺪد ﺷ ﻜﻞ اﻟﻤﺴﻜﺮ وﻻ هﻴﺌﺘﻪ :ﻓﺎﻟﺴﺎﺋﻞ ﻓﻴﻪ آﺎﻟﺠﺎﻣﺪ .
٢٢
واﻟﺤﺸﻴﺸﺔ أﺧﺒﺚ ﻣﻦ اﻟﺨﻤﺮ .ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﻧﻬ ﺎ ﺗﻔﺴ ﺪ اﻟﻌﻘ ﻞ واﻟﻤ ﺰاج ،ﺣﺘ ﻰ ﻳﺼ ﻴﺮ ﻓ ﻲ اﻟﺮﺟ ﻞ ﺗﺨﻨ ﺚ ودﻳﺎﺛﺔ ،ﻓﻼ ﻳﻐ ﺎر ﻋﻠ ﻰ أهﻠ ﻪ ،وﻏﻴ ﺮ ذﻟ ﻚ ﻣ ﻦ اﻟﻔﺴ ﺎد. واﻟﺨﻤﺮ أﺧﺒ ﺚ ﻣ ﻦ ﺟﻬ ﺔ أﻧﻬ ﺎ ﺗﻘﻀ ﻲ إﻟ ﻰ اﻟﻤﺨﺎﺻ ﻤﺔ واﻟﻤﻘﺎﺗﻠﺔ .وآﻼهﻤﺎ ﻳﺒﻌﺪ ﻋﻦ ذآﺮ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ وﻋﻦ اﻟﺼﻼة .ﻓﺎﻟﺤﺸﻴﺸﺔ ﻧﺠﺴﺔ ،وه ﻲ داﺧﻠ ﺔ ﻓﻴﻤ ﺎ ﺣ ﺮم اﷲ )إن ﻣ ﻦ اﻟﺤﻨﻄ ﺔ ﻟﻔﻈ ًﺎ وﻣﻌﻨ ﻰ ﺑﻐﻴ ﺮ ﻗﻴ ﺎس .ﻗ ﺎل: ﺧﻤﺮًا ،وﻣﻦ اﻟﺸﻌﻴﺮ ﺧﻤﺮًا ،وﻣﻦ اﻟﺰﺑﻴﺐ ﺧﻤﺮًا ،وﻣ ﻦ اﻟﺘﻤﺮ ﺧﻤﺮًا ،وﻣ ﻦ اﻟﻌﺴ ﻞ ﺧﻤ ﺮًا ،وأﻧ ﺎ أﻧﻬ ﻰ ﻋ ﻦ آ ﻞ ﻣﺴﻜﺮ (.وﻗﺎل ) :آﻞ ﻣﺴﻜﺮ ﺧﻤﺮ وآﻞ ﻣﺴﻜﺮ ﺣﺮام(. وﻣﺎ أﺳﻜﺮ اﻟﻔﺮق ﻣﻨﻪ ﻓﻤﻞء اﻟﻜﻒ ﻣﻨﻪ ﺣ ﺮام )واﻟ َﻔ َﺮق ﻼ (.. ﺑﻔ ﺘﺢ اﻟﻔ ﺎء واﻟ ﺮاء ﻣﻜﻴ ﺎل ﻳﺴ ﻊ ﺳ ﺘﺔ ﻋﺸ ﺮ رﻃ ً أﻟﻴﺴﺖ اﻟﺤﺸﻴﺸﺔ ﺗﺨ ﺎﻣﺮ اﻟﻌﻘ ﻞ وﺗﻐﻴﺒ ﻪ؟ ﻓﻬ ﻲ ﻣﺴ ﻜﺮة. وآﻞ ﻣﺴ ﻜﺮ ﺣ ﺪث ﺑﻌ ﺪ اﻟﺮﺳ ﻮل ﻓﻬ ﻮ داﺧ ﻞ ﻓ ﻲ اﻟﻜﻠ ﻢ اﻟﺠﻮاﻣﻊ ﻣﻦ اﻟﻜﺘ ﺎب واﻟﺴ ﻨﺔ ،ﻓﻬ ﻮ ﺣ ﺮام ﺑ ﺎﻟﻨﺺ دون ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﻗﻴﺎس .وآ ﻞ ﻣ ﺎ ﻗﺎﻟ ﻪ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء ﻏﻴ ﺮ ذﻟ ﻚ ﻓ ﻲ اﻟﺤﺸﻴﺸﺔ أو أﻧﻮاع اﻟﻤﺴﻜﺮات ﻓﻬﻮ ﻏﻠﻂ أو ﺟﻬﻞ "
٢٣
وآﺒ ﺮ أﻣﻴ ﺮ اﻟﻌ ﺮب ،وأﻋﻠ ﻦ ﺗﻮﺑﺘ ﻪ ،وأﻗﺴ ﻢ أن ﻳﻘ ﻮم إﻟ ﻰ اﻟﻌ ﺎﻟﻢ اﻟ ﺬي آ ﺎن ﻳﺘﻌ ﺎﻃﻲ ﻣﻌ ﻪ اﻟﺤﺸ ﻴﺶ اﻟﺴﺎﻋﺔ ،ﻓﻴﻨﻬﺎﻩ وﺟﻠﺴﺎءﻩ ﻋﻦ هﺬا اﻟﻤﻨﻜﺮ ! ! ٭٭٭ ذات ﻣﺴ ﺎء ذه ﺐ اﻟﺸ ﻴﺦ إﻟ ﻰ ﻧﺎﺋ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن، ﻓﻮﺟ ﺪ ﻟﺪﻳ ﻪ ﺟﻤﺎﻋ ﺔ ﻣ ﻦ ﺷ ﻴﻮخ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ،وﻋ ﺪدًا ﻣ ﻦ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻤﺬاهﺐ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ. . آ ﺎن ﻟﻜﺒ ﺎر اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ﻗ ﺪر ﺧ ﺎص ﻋﻨ ﺪ ﻧﺎﺋ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن وﻏﻴ ﺮﻩ ﻣ ﻦ أوﻟ ﻲ اﻷﻣ ﺮ . .آ ﺎﻧﻮا ﻳﺴﺘﺮﺿ ﻮﻧﻬﻢ ،وﻳﺴ ﻤﺮون ﺑﻤ ﺎ ﻟﻬ ﺆﻻء اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ﻣ ﻦ آﺮاﻣﺎت ،وﻳﺘﻠﻤﺴﻮن ﻣﻨﻬﻢ اﻟﺒﺮآﺎت . وﺗﻜﻠﻢ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻣ ﻊ ﻧﺎﺋ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻓ ﻲ أﻣ ﺮ ﺑﻌ ﺾ اﻷﻣ ﺮاء ،اﻟ ﺬﻳﻦ ﻇﻠﻤ ﻮا اﻟﺮﻋﻴ ﺔ ،ﺣﺘ ﻰ ﺟﻌﻠﻮه ﺎ ﺗﺘﻤﻨ ﻰ ﻣﻦ ﻳﺨﻠﺼﻬﺎ ﻣﻨﻬﻢ ،وﻟﻮ آﺎن ﻋﺪوًا ﻣﻐﻴﺮًا. . ذآﺮﻩ ﺑﻤﺎ ﺣﺪث أﻳﺎم ﻏﺰوة اﻟﺘﺘﺎر ،واﻗﺘﺤﺎم اﻟﻨ ﺎس ﻗﺼﻮر اﻷﻣﺮاء ،واﻟﺨ ﺰاﺋﻦ اﻟﺴ ﻠﻄﺎﻧﻴﺔ . .ﺛ ﻢ اﺳ ﺘﻄﺮق اﻟﺸﻴﺦ إﻟﻰ أﺳﺎس اﺧﺘﻴﺎر هﺆﻻء اﻟ ﻮﻻة" ،ﻷﻧﻬ ﻢ ﻟﻴﺴ ﻮا أﺻﻠﺢ ﻣﻦ ﻳﻠﻲ اﻷﻣﺮ ،ﺑﻞ هﻲ اﻟﻤﺠﺎﻣﻠﺔ واﻟﻤﺤﺎﺑﺎة! . .
٢٤
وﻗﺪ ﺟ ﺎء ﻓ ﻲ اﻟﺤ ﺪﻳﺚ اﻟﺼ ﺤﻴﺢ) :ﻣ ﻦ وﻟ ﻲ ﻣ ﻦ أﻣ ﺮ ﻼ وهﻮ ﻳﺠ ﺪ ﻣ ﻦ ه ﻮ أﺻ ﻠﺢ ﻰ رﺟ ً اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺷﻴﺌًﺎ ،ﻓﻮﻟ ّ ﻣﻨ ﻪ ﻟﻠﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ ،ﻓﻘ ﺪ ﺧ ﺎن اﷲ ورﺳ ﻮﻟﻪ واﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ(. وﻗﺎل ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب) :ﻣﻦ وﻟﻲ ﻣ ﻦ أﻣ ﺮ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ ﺷﻴﺌًﺎ ،ﻓﻮﻟﻰ رﺟﻼ ﻟﻤﻮدة أو ﻗﺮاﺑﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ،ﻓﻘﺪ ﺧﺎن اﷲ ورﺳ ﻮﻟﻪ واﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ( .وأﻧ ﺘﻢ ﺗﻮﻟ ﻮن ﻋﻠﻴﻨ ﺎ ﻣ ﻦ أﻣ ﺮاء اﻟﻤﻤﺎﻟﻴ ﻚ أه ﻞ اﻟﻤ ﻮدة وذوي اﻟﻘﺮﺑ ﻰ ،أو ﻣ ﻦ ﻳﻄﻠ ﺐ اﻟﻮﻻﻳ ﺔ ،أو ﻣ ﻦ ﻳﺴ ﺒﻖ ﺑﻄﻠﺒﻬ ﺎ .وﻗ ﺪ دﺧ ﻞ ﻗ ﻮم ﻋﻠ ﻰ رﺳ ﻮل اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟﺼ ﻼة واﻟﺴ ﻼم ﻳﺴ ﺄﻟﻮﻧﻪ اﻟﻮﻻﻳ ﺔ ﻓﻘﺎل ) :إﻧﺎ ﻻ ﻧﻮﻟﻲ أﻣﺮﻧﺎ هﺬا ﻣﻦ ﻃﻠﺒﻪ( وﻗ ﺪ دﻟ ﺖ اﻟﺴ ﻨﺔ ﻋﻠ ﻰ أن اﻟﻮﻻﻳ ﺔ أﻣﺎﻧ ﺔ .وﻓ ﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺸﺮﻳﻒ )إﻧﻬﺎ أﻣﺎﻧﺔ ،وإﻧﻬﺎ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣ ﺔ ﺧ ﺰي وﻧﺪاﻣﺔ .إﻻ ﻣﻦ أﺧﺬهﺎ ﺑﺤﻘﻬﺎ ،وأدى اﻟﺬي ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻴﻬ ﺎ(. وﻗ ﺎل ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟﺼ ﻼة واﻟﺴ ﻼم) :إذا ﺿ ﻴﻌﺖ اﻷﻣﺎﻧ ﺔ، ﻓﺎﻧﺘﻈﺮ اﻟﺴﺎﻋﺔ( ﻗﻴﻞ) :ﻳ ﺎ رﺳ ﻮل اﷲ ،وﻣ ﺎ أﺿ ﺎﻋﺘﻬﺎ( ﻗﺎل ) :إذا وﺳﺪ اﻷﻣﺮ إﻟﻰ ﻏﻴﺮ أهﻠﻪ ﻓﺎﻧﺘﻈﺮ اﻟﺴﺎﻋﺔ( وﻟﻢ ﻳﻌﺮف ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﻤﺎ ﻳﺠﻴﺐ اﻟﺸﻴﺦ ..
٢٥
وﻗ ﺎل أﺣ ﺪ ﺷ ﻴﻮخ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ " :اﻟﺸ ﻴﺦ ﺗﻘ ﻲ اﻟ ﺪﻳﻦ ﻻ ﺑ ﺄﻣﻮر اﻟ ﺪﻧﻴﺎ ﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﻳﻤﺴ ﻲ وﻳﺼ ﺒﺢ ﻣﺸ ﻐﻮ ً واﻟﺴﻴﺎﺳﺔ أآﺜﺮ ﻣﻦ اﻧﺸﻐﺎﻟﻪ ﺑﺎﻟﺸﺮﻳﻌﺔ " ﻗ ﺎل اﻟﺸ ﻴﺦ " :وﻣ ﺎ ﻣﻘﺼ ﺪ اﻟﺸ ﺮﻳﻌﺔ إﻻ إﺻ ﻼح اﻟﻨﺎس ،وﻋﻤﺎرة اﻷرض ،وﺣﺴﻦ ﺳﻴﺎﺳﺔ اﻟﺮﻋﻴﺔ؟ " ﻗﺎل اﻟﺼﻮﻓﻲ" :هﻼ اﻧﺸﻐﻠﺖ ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ؟!" ﻗ ﺎل اﻟﺸ ﻴﺦ " :اﻟﺴ ﻨﺔ أن اﻟﺤﻘﻴﻘ ﺔ ه ﻲ اﻟﺸ ﺮﻳﻌﺔ، وﻻ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺧﺎرج اﻟﺸﺮع" ﻗ ﺎل أﺣ ﺪ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء " :ﻣ ﺎ ﺷ ﺄن ﻧﺎﺋ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﺑﻤ ﺎ ﻳﻘﻮل ﻳ ﺎ ﺷ ﻴﺦ ﺗﻘ ﻲ اﻟ ﺪﻳﻦ؟ ه ﻼ آﺘﺒ ﺖ ﺑ ﻪ إﻟ ﻰ ﺳ ﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻ ﺮ ﻣﺤﻤ ﺪ ﺑ ﻦ ﻗ ﻼوون .إﻧ ﻪ ﻳﺴ ﺄﻟﻚ اﻟ ﺮأي ﻓ ﻴﻤﻦ ﻳﻌﻴ ﻨﻬﻢ ﻋﻠ ﻰ دار اﻟﺤ ﺪﻳﺚ واﻟﻘﻀ ﺎء واﻟﺨﻄﺎﺑ ﺔ واﻟﺘ ﺪرﻳﺲ واﻟ ﻮﻋﻆ وﺳ ﺎﺋﺮ اﻟﻤﻨﺎﺻ ﺐ .وﻳﻨ ﺰل ﻋﻨ ﺪ رأﻳ ﻚ ،ﺣﺘ ﻰ ﻓ ﻴﻤﻦ ه ﻢ ﻋﻠ ﻰ ﻏﻴ ﺮ ﻣ ﺬهﺒﻚ ،وﻟﺴ ﺖ أﻓﻀﻞ وﻻ أﺣﻴﺪ ﻣﻦ ﻳﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،ﻓﺈن ﻟﻚ ﺧﺼ ﻮﻣﺎت. ﺛﻢ إﻧ ﻚ ﺣﻨﺒﻠ ﻲ ﻓﻜﻴ ﻒ ﺗﻌ ﺪل ﻓ ﻲ ﺣﻜﻤ ﻚ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻤﺎﻟﻜﻴ ﺔ واﻟﺤﻨﻔﻴﺔ واﻟﺸﺎﻓﻌﻴﺔ واﻹﻣﺎﻣﻴﺔ؟"
٢٦
آﺎﻧ ﺖ اﻟﻜﻠﻤ ﺎت ﺗﺸ ﻲ ﻓ ﻲ ﺗﻮﺗﺮه ﺎ ﺑﺮﻧ ﺔ اﻟﻀ ﻴﻖ، وﻟﻔﺤﺎت اﻟﺤﺴﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ! وﻟﻢ ﻳﺮد اﻟﺸﻴﺦ. . . ﻗﺎل ﻋﺎﻟﻢ ﺁﺧﺮ " :ﻟﻴﺘﻚ ﺗﺘﺮك اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻟﺘﻬﺘﻢ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ وﺣﺪﻩ ! " ﻓ ﺮد اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﺳ ﺎﺧﺮًا " :ﻟﻌﻠﻜﻤ ﺎ ﻻ ﺗﻌﺮﻓ ﺎن اﻟﺤ ﺪﻳﺚ اﻟﺸ ﺮﻳﻒ ) :ﻣ ﻦ ﻟ ﻢ ﻳﻬ ﺘﻢ ﺑﺸ ﺌﻮن اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻨﻬﻢ( ﻓﺎﻋﺮﻓﺎﻩ واﻓﻘﻬﺎﻩ ﻳﺮﺣﻤﻜﻤﺎ اﷲ " ﻗﺎل ﻧﺎﺋ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ":ﻟﻴﺘ ﻚ ﺗ ﺬهﺐ ﻳ ﺎ ﺷ ﻴﺨﻨﺎ إﻟ ﻰ اﻟﻘ ﺎهﺮة ﻓﺘﺤ ﺪث اﻟﺴ ﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻ ﺮ ﺑﻤ ﺎ آﻠﻤﺘﻨ ﻲ ﻓﻴ ﻪ. ﻓﺄﻧﺖ ﺷﻴﺦ ﻟﻺﺳﻼم ! " اﻧﺼ ﺮف اﻟﺸ ﻴﺦ ،وﻗ ﺪ أﺳ ﻘﻂ ﻣ ﻦ ﺣﺴ ﺎﺑﻪ آﻠﻤ ﺎت اﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ اﻟﺘﻲ ﻓﻀﺤﺖ ﻣﺎ ﻓﻲ أﻏﻮار اﻟﻨﻔﺲ ! وﻟﻜﻨﻪ ﺷﻐﻞ ﺑﻜﻼم اﻟﺼﻮﻓﻲ. . ﻣ ﺎ ه ﻲ ه ﺬﻩ اﻟﺤﻘﻴﻘ ﺔ اﻟﺘ ﻲ ﻳﺘﺤ ﺪث ﻋﻨﻬ ﺎ؟! ﻟﻤ ﺎذا ﻳﻔﺼﻞ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ واﻟﺤﻘﻴﻘﺔ !؟ ﻟﻢ ﻳﻌﺘﺒﺮون أﻧﻔﺴﻬﻢ أهﻞ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ !؟
٢٧
وﺑ ﻢ آ ﺎﻧﻮا أﻗ ﺮب إﻟ ﻰ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻣ ﻦ أﺻ ﺤﺎب اﻟﺸ ﺮﻳﻌﺔ ﻣ ﻦ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء واﻟﻔﻘﻬ ﺎء آﻤ ﺎ ﻳ ﺰﻋﻢ ﺑﻌ ﺾ أﻗﻄﺎﺑﻬﻢ. .؟! وﺑ ﻢ آ ﺎﻧﻮا أﻗ ﺮب إﻟ ﻰ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻣ ﻦ أﺻ ﺤﺎب اﻟﺸ ﺮﻳﻌﺔ ﻣ ﻦ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء واﻟﻔﻘﻬ ﺎء آﻤ ﺎ ﻳ ﺰﻋﻢ ﺑﻌ ﺾ أﻗﻄﺎﺑﻬﻢ. .؟! ٭٭٭ ﻟ ﺰم اﻟﺸ ﻴﺦ ﻣﻜﺘﺒﺘ ﻪ ﻟﻴﻠﺘ ﻪ ﺗﻠ ﻚ ،ﻳﻌﻴ ﺪ دراﺳ ﺔ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ وأﻓﻜﺎرهﻢ. . ﻣﺎ اﻧﻔﻚ ﻓﻲ آﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﻳﺒﺤﺚ ،وﻳﻨﻘﺐ ﻋ ﻦ آ ﻞ ﺁﺛ ﺎر اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ،وﻳﺘﺪﺑﺮ ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﺪاﺗﻬﻢ وﺳﻴﺮﺗﻬﻢ. . ﺛﻢ ﺧﺮج ،ﻓﺼﺎرح ﺑﻌ ﺾ أﺻ ﺤﺎﺑﻪ ﻣ ﻦ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠ ﺔ، ﺑﺄﻧ ﻪ ﻗ ﺪ اﻗﺘﻨ ﻊ ﺑ ﺄن اﻟﻤ ﺬاهﺐ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ اﻟﺴ ﺎﺋﺪة ﺗﺨ ﺎﻟﻒ اﻟﺴﻨﺔ ! إﻧﻬﺎ ﻟﺒﺪﻋﺔ ﻳﺠﺐ إﻧﻜﺎرهﺎ ،وإﺑﻄﺎل أﺣﺪوﺛﺘﻬﺎ ! وﻟﻜ ﻦ أﺻ ﺤﺎﺑﻪ ﻧﺼ ﺤﻮﻩ أﻻ ﻳﺒ ﺪأ ﻣﻌﺮآﺘ ﻪ ﻣ ﻊ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ،ﻗﺒ ﻞ أن ﻳﻬﻴ ﺊ ﻟﻬ ﺎ أذه ﺎن اﻟﻌﺎﻣ ﺔ وأوﻟ ﻲ
٢٨
اﻷﻣ ﺮ .اﻟﻨ ﺎس ﻳﻜﺒ ﺮون ﻓ ﻲ ﺷ ﻴﻮخ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ زه ﺪهﻢ، وورﻋﻬﻢ ،وﻳﺘﺤﺪﺛﻮن ﻋﻦ آﺮاﻣﺎﺗﻬﻢ. . إن ﻟﻬ ﺆﻻء اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ﻟﺸ ﺄﻧًﺎ ﻋﻈﻴﻤ ًﺎ ﻋﻨ ﺪ اﻟﻌﺎﻣ ﺔ واﻟﺨﺎﺻ ﺔ ﻋﻠ ﻰ اﻟﺴ ﻮاء . .ﺳ ﺘﻜﻮن اﻟﺤﻤﻠ ﺔ ﻋﻠ ﻴﻬﻢ ﺻ ﺪﻣﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴ ﻊ ﺑ ﻼ اﺳ ﺘﺜﻨﺎء .. .ﺣﺘ ﻰ ﻟ ﺒﻌﺾ ﺗﻼﻣﻴ ﺬ اﻟﺸﻴﺦ وأﺗﺒﺎﻋﻪ اﻟﻤﺨﻠﺼﻴﻦ ! .. وأﺷﺎر ﻋﻠﻴﻪ ﺷ ﻴﻮخ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠ ﺔ – وآ ﺎﻧﻮا أآﺒ ﺮ ﻣﻨ ﻪ ﺳ ﻨًﺎ وأوﻓ ﺮ ﺗﺠﺮﺑ ﺔ – أن ﻳﻜﺘ ﺐ ﻣ ﺎ ﻳﺨ ﺎﻟﻒ ﻓﻴ ﻪ آﺒ ﺎر اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ وﻳﻤﺤﺼ ﻪ ،ﻟﻴﺘﺪارﺳ ﻮﻩ ﻣﻌ ًﺎ ﻗﺒ ﻞ أن ﻳﺒﺎﻏ ﺖ اﻟﻨﺎس ﺑ ﺎﻟﻬﺠﻮم ﻋﻠ ﻰ زه ﺎد اﻟﺼ ﺎﻟﺤﻴﻦ ،ﻟﻬ ﻢ آ ﻞ ﺗﻠ ﻚ اﻟﻤﻜﺎﻧ ﺔ ﻓ ﻲ اﻟﻘﻠ ﻮب . .إن ﻣ ﺎ ﻳﻨﻜ ﺮﻩ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻣ ﻦ أﻣ ﺮ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ﻟ ﻢ ﻳﺠ ﻲء اﻟﻮﻗ ﺖ ﻹﻋﻼﻧ ﻪ ﺑﻌ ﺪ ،وﻣ ﻦ ﺣﺴ ﻦ اﻟﻔﻄ ﻦ أن ﻳﻌﻠ ﻦ رأﻳ ﻪ ﻓ ﻲ اﻟﻮﻗ ﺖ اﻟﻤﻼﺋ ﻢ ،وﺣﺴ ﺒﻪ ﻣ ﺎ آﺎن ﻣﻨﻪ ﻣﻊ اﻟﺮﻓﺎﻋﻴﺔ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ! ٭٭٭ اﻟﻮﻗﺖ اﻵن ﻣﻼﺋﻢ ﻟﻤﻮاﺟﻬﺔ ﻣﺎ ﻳﻌﻠﻨﻪ ﻣﺨﺎﻟﻔﻮﻩ ﻣ ﻦ ﺗﺄوﻳﻞ ﻟﺼﻔﺎت اﷲ واﻷﺳﻤﺎء اﻟﺤﺴﻨﻰ ! ..
٢٩
ﻣ ﻦ ﺟﺪﻳ ﺪ ﻟﻴﻨﻜ ﺮون أن اﷲ ﻳﻨ ﺰل إﻟ ﻰ اﻟﺴ ﻤﺎء اﻟﺪﻧﻴﺎ ،ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﻧﺰوﻟﻪ ﻣﻨﺼ ﻮص ﻋﻠﻴ ﻪ ﻓ ﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺼﺤﻴﺢ . وﻗ ﻒ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﻳﺨﻄ ﺐ اﻟﻨ ﺎس ﻓ ﻲ ﺻ ﻼة اﻟﺠﻤﻌ ﺔ ،ﻓﺤ ﺪﺛﻬﻢ ﻋ ﻦ ﺻ ﻔﺎت اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ واﻷﺳ ﻤﺎء اﻟﺤﺴ ﻨﻰ ..ﻓ ﺄﻧﻜﺮ ﺗﺄوﻳ ﻞ ﻣ ﺎ ورد ﻓﻴﻬ ﺎ ﻣ ﻦ ﺁﻳ ﺎت وأﺣﺎدﻳ ﺚ ،وﻗ ﺎل ﻟﻠﻨ ﺎس إن اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ آﻤ ﺎ وﺻ ﻒ ﻧﻔﺴ ﻪ ،وآﻤ ﺎ وﺻ ﻔﻪ رﺳ ﻮﻟﻪ .وﻟﻜ ﻦ ﺑﻜﻴﻔﻴ ﺔ ﺧﺎﺻ ﺔ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻬﺎ إﻻ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ وﺣ ﺪﻩ .وﻋﻠﻴﻨ ﺎ أن ﻧﺘﺒ ﻊ اﻟﺼ ﺤﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﻓﻬﻤﻬﻢ ﻟﻠﺼ ﻔﺎت واﻷﺳ ﻤﺎء اﻟﺤﺴ ﻨﻰ ،وﻟ ﻴﺲ ﻟﻨ ﺎ أن ﻧﺆول ،أو ﻧﻔﻬﻢ ﻏﻴﺮ ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ ﻇﺎهﺮ اﻟﻨﺼﻮص . ﺛﻢ ﻗﺎل " :إن اﷲ ﻳﻨﺰل إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء اﻟﺪﻧﻴﺎ آﻨﺰوﻟ ﻲ هﺬا " وﻧﺰل درﺟﺔ ﻣﻦ درﺟﺎت اﻟﻤﻨﺒﺮ . وﺻﻒ اﺑﻦ اﻷﺛﻴﺮ ﻣﺎ وﻗ ﻊ ﺑﻌ ﺪ ذﻟ ﻚ " :ﻓﻌﺎرﺿ ﻪ ﻓﻘﻴﻪ ﻣﺎﻟﻜﻲ ،وأﻧﻜﺮ ﻣﺎ ﺗﻜﻠﻢ ﺑﻪ ،ﻓﻘﺎﻣﺖ اﻟﻌﺎﻣﺔ إﻟ ﻰ ه ﺬا اﻟﻔﻘﻴ ﻪ ،ﻓﻀ ﺮﺑﻮﻩ ﺑﺎﻷﻳ ﺪي واﻟﻨﻌ ﺎل ﺿ ﺮﺑًﺎ آﺜﻴ ﺮًا ﺣﺘ ﻰ ﺳ ﻘﻄﺖ ﻋﻤﺎﻣﺘ ﻪ ،وﻇﻬ ﺮ ﻋﻠ ﻰ رأﺳ ﻪ ﺷﺎﺷ ﻴﺔ ﺣﺮﻳ ﺮ،
٣٠
ﻓ ﺄﻧﻜﺮوا ﻋﻠﻴ ﻪ ﻟﺒﺎﺳ ﻬﺎ )ﻷن ﻟ ﺒﺲ اﻟﺤﺮﻳ ﺮ ﺣ ﺮام ﻋﻠ ﻰ اﻟﺮﺟ ﺎل ﻓ ﻲ رأي اﻹﻣ ﺎم أﺣﻤ ﺪ ﺑ ﻦ ﺣﻨﺒ ﻞ( واﺣﺘﻤﻠ ﻮا اﻟﻔﻘﻴﻪ اﻟﻤﺎﻟﻜﻲ إﻟ ﻰ دار ﻗﺎﺿ ﻲ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠ ﺔ ،ﻓ ﺄﻣﺮ ﺑﺴ ﺠﻨﻪ وﻋﺰرﻩ ﺑﻌﺪ ذﻟ ﻚ )أﻣ ﺮ ﺑﺠﻠ ﺪﻩ( ،ﻓ ﺄﻧﻜﺮ ﻓﻘﻬ ﺎء اﻟﻤﺎﻟﻜﻴ ﺔ واﻟﺸ ﺎﻓﻌﻴﺔ ﻣ ﺎ آ ﺎن ﻣ ﻦ ﺗﻌﺰﻳ ﺰﻩ ،ورﻓﻌ ﻮا اﻷﻣ ﺮ إﻟ ﻰ ﻧﺎﺋ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ،ﻓﻜﺘ ﺐ ﺑ ﺬﻟﻚ إﻟ ﻰ اﻟﻤﻠ ﻚ اﻟﻨﺎﺻ ﺮ ﺑﻤﺼﺮ" وﻓﻲ اﻧﺘﻈ ﺎر رد اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ،ﺧ ﺮج ﻧﺎﺋ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻓﻲ رﺣﻠﺔ ﺻﻴﺪ وﻏﺎب أﻳﺎﻣًﺎ ﻋﻦ دﻣﺸﻖ . وﺣﺪث أن ﻗﻞ اﻟﻤﻄﺮ ،ﻓﺨﺮج اﻟﻨﺎس إﻟﻰ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻟﺼ ﻼة اﻻﺳﺘﺴ ﻘﺎء .وﺑﻌ ﺪ اﻟﺼ ﻼة ﻗ ﺮأ أﺣ ﺪ ﺷ ﻴﻮخ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠ ﺔ ﻣ ﻦ آﺘ ﺎب ﻟﻠﺒﺨ ﺎري ﻳﺴﺘﺴ ﻘﻲ ﺑ ﻪ ﻓﻐﻀ ﺐ ﺑﻌ ﺾ اﻟﺤﺎﺿ ﺮﻳﻦ ﻣ ﻦ اﻟﻔﻘﻬ ﺎء ﻷﻧﻬ ﻢ ﺣﺴ ﺒﻮا اﻟﺸ ﻴﺦ اﻟﺤﻨﺒﻠﻲ ﻗﺪ اﺧﺘ ﺎر ه ﺬا اﻟﻜﺘ ﺎب ﻟﻠﺒﺨ ﺎري ،ﺗﺄﻳﻴ ﺪًا ﻟ ﺮأي اﻟﺤﻨﺎﺑﻠ ﺔ ﻓ ﻲ ﻣﺴ ﺄﻟﺔ اﻟﺼ ﻔﺎت وﻧﺤﻮه ﺎ ،وﺗﻌﺮﻳﻀ ًﺎ ﺑ ﺂراﺋﻬﻢ . .ﻓﺸ ﻜﻮا اﻟﺸ ﻴﺦ اﻟﺤﻨﺒﻠ ﻲ إﻟ ﻰ اﻟﻘﺎﺿ ﻲ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ،ﻓﺄﻣﺮ ﺑﺴ ﺠﻦ اﻟﺸ ﻴﺦ اﻟﺤﻨﺒﻠ ﻲ .وﻟﻤ ﺎ ﻋﻠ ﻢ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﺑﻤ ﺎ ﺟ ﺮى ﻟﺰﻣﻴﻠ ﻪ اﻟﺤﻨﺒﻠ ﻲ ،ذه ﺐ إﻟ ﻰ اﻟﺴ ﺠﻦ
٣١
ﻓ ﺄﺧﺮج اﻟﺴ ﺠﻴﻦ .ﻓﺤﻠ ﻒ اﻟﻘﺎﺿ ﻲ اﻟﺸ ﺎﻓﻌﻲ أن ﻳﻌﻴ ﺪﻩ إﻟﻰ اﻟﺴ ﺠﻦ ،وإﻻ ﻋ ﺰل ﻧﻔﺴ ﻪ .ﻓﻤ ﺎ آ ﺎن اﻷﻣﻴ ﺮ اﻟ ﺬي ﻳﻘ ﻮم ﺑﻌﻤ ﻞ ﻧﺎﺋ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن إﻻ أن اﺳ ﺘﺪﻋﻰ اﻟﺸ ﻴﺦ اﻟﺤﻨﺒﻠﻲ إﻟﻰ ﻗﺼﺮﻩ وﺣﺒﺴ ﻪ ﻓﻴ ﻪ ﺗﻄﻴﻴﺒ ًﺎ ﻟﻘﻠ ﺐ اﻟﻘﺎﺿ ﻲ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ .وﻟﻤﺎ ﻗﺪم ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ذآ ﺮ ﻟ ﻪ اﻟﺸ ﻴﺦ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﻣ ﺎ ﺟ ﺮى ﻓ ﻲ ﺣﻘ ﻪ وﺣ ﻖ أﺻ ﺤﺎﺑﻪ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠ ﺔ ﻓ ﻲ ﻏﻴﺒﺘﻪ ،ﻓﺘﺄﻟﻢ اﻟﻨﺎﺋﺐ ﻟﺬﻟﻚ وﻧﺎدى ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪ أﻻ ﻳﺘﻜﻠﻢ أﺣﺪ ﻓ ﻲ اﻟﻌﻘﺎﺋ ﺪ ،وﻣ ﻦ ﻋ ﺎد إﻟ ﻰ ﺗﻠ ﻚ ﺣ ﻞ ﻣﺎﻟ ﻪ ودﻣ ﻪ. ﻓﺴﻜﻨﺖ اﻷﻣﻮر ﺑﻌﺪ أن وﻗﻊ ﻓﻲ دﻣﺸﻖ ﺧﻠ ﻂ وﺗﻬ ﻮﻳﺶ " ﺛ ﻢ ﺟ ﺎء رد اﻟﺴ ﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻ ﺮ ﻋﻠ ﻰ رﺳ ﺎﻟﺔ ﻧﺎﺋﺒ ﻪ ﻳﺤﻤﻞ أﻣﺮًا ﺑﺎﻣﺘﺤ ﺎن اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﻓ ﻲ ﻋﻘﻴﺪﺗ ﻪ ،وﺳ ﻴﺜﺒﺖ ﻟﻠﻤﻨﻜﺮﻳﻦ ﻋﻠﻴﻪ أﻧﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻖ ! وﻋﻘ ﺪت اﻟﻤﺤﺎآﻤ ﺔ ﻣ ﻦ ﻋﻠﻤ ﺎء اﻟﻤﺎﻟﻜﻴ ﺔ واﻟﺤﻨﻔﻴ ﺔ واﻟﺸﺎﻓﻌﻴﺔ ،واﺗﻬﻤﻮا اﻟﺸﻴﺦ ﺑﺄن ﻳﺸﺒﻪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺎﻟﺒﺸ ﺮ وﻳﺠﺴ ﻤﻪ .ﻓ ﺄﻧﻜﺮ ﻋﻠ ﻴﻬﻢ ه ﺬا ،وﻗ ﺎل إﻧ ﻪ إﻧﻤ ﺎ أراد أن ﻳﻘﺮب اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻟﻠﻌﺎﻣﺔ ،أﻣﺎ رأﻳﻪ ﻓﻲ اﻟﺼﻔﺎت واﻷﺳ ﻤﺎء اﻟﺤﺴﻨﻰ ،ﻓﻬﻲ آﻤﺎ وﺻﻒ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰﻧﻔﺴﻪ ﻓ ﻲ اﻟﻘ ﺮﺁن،
٣٢
وآﻤﺎ وﺻﻔﻪ رﺳﻮﻟﻪ ،ﺑﻜﻴﻔﻴ ﺔ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻬ ﺎ إﻻ اﷲ ﺗﻌ ﺈﻟﻰ. وهﺬا هﻮ رأي اﻷﺷﻌﺮي اﻟﺬي ﻳﺪﻳﻦ ﺑﻪ ﻣﺤﺎآﻤﻮﻩ! . . واﻧﺘﻬ ﺖ اﻟﻤﺤﺎآﻤ ﺔ ﺑﻘﺒ ﻮل ﻋﻘﻴ ﺪة اﻟﺸ ﻴﺦ واﻟﺜﻨ ﺎء ﻋﻠﻴﻪ ،وأﻋﻠﻨﻮا هﺬا ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس . وﺧ ﺮج اﻟﺸ ﻴﺦ ﻣ ﻦ اﻟﻤﺤﺎآﻤ ﺔ ،ﻟﻴﺠ ﺪ أﻧﺼ ﺎرﻩ وأﺗﺒﺎﻋﻪ اﻟﻌﺪﻳﺪﻳﻦ .ﻓﻬﺘﻔﻮا ﻟ ﻪ وﺳ ﺎروا أﻣﺎﻣ ﻪ ﺑﺎﻟﺸ ﻤﻮع واﻟﻤﺼ ﺎﺑﻴﺢ واﻟﻤﺸ ﺎﻋﻞ ،وأﺧ ﺬوا ﻳﻐﻤ ﺰون اﻟﻌﻠﻤ ﺎء اﻟ ﺬﻳﻦ ﺧ ﺎﻟﻔﻮﻩ ،وﻳﻘﻮﻟ ﻮن إن اﻟﺸ ﻴﺦ أﻓﺤﻤﻬ ﻢ ،ﻓﻌﺠ ﺰوا ﻋﻦ ﻣﻨﺎﻇﺮﺗﻪ .. واﺷﺘﻌﻞ اﻟﺘﻌﺼﺐ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﺑ ﻴﻦ أﺗﺒ ﺎع اﻟﻤ ﺬاهﺐ، ﻓﺸﻜﺎ اﻟﻌﻠﻤﺎء إﻟ ﻰ اﻟﻘﺎﺿ ﻲ اﻟﺤﻨﻔ ﻲ واﻟﻘﺎﺿ ﻲ اﻟﻤ ﺎﻟﻜﻲ ﺑﻌﺾ أﺗﺒﺎع اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ،ﻓﺤﻜﻤﻮا ﺑﺘﻌﺰﻳﺮهﻢ ! وﻏﻀﺐ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ وﺷ ﻜﺎ إﻟ ﻰ ﻧﺎﺋ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻣ ﺎ ﻳﺤ ﺪث ﻷﺻ ﺤﺎﺑﻪ ،ﻓ ﺄﻃﻠﻖ ﺳ ﺮاﺣﻬﻢ . .وأﺻ ﺪر أﻣ ﺮﻩ ﻣﻦ ﺟﺪﻳ ﺪ أﻻ ﻳﺘﺤ ﺪث أﺣ ﺪ ﻓ ﻲ اﻟﻌﻘﺎﺋ ﺪ وإﻻ أه ﺪر دﻣ ﻪ وﻣﺎﻟﻪ. . وﻟﻢ ﻳﻬﺪأ ﺧﺼﻮم اﻟﺸﻴﺦ ،ﺑﻞ ﻧﺸﻄﻮا ﻟﻺﻳﻘﺎع ﺑﻪ ..
٣٣
أرﺳ ﻠﻮا إﻟ ﻰ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻳﺸ ﻜﻮن اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ، وﻳﺘﻬﻤﻮﻧ ﻪ ﺑ ﺎﻟﻜﻔﺮ وﺑﺄﻧ ﻪ ﻳﺤ ﺮض اﻟﻌﺎﻣ ﺔ ﻋﻠ ﻰ أوﻟ ﻲ اﻷﻣﺮ ،وﻳﺘﺼ ﺮف ﻏﻴ ﺮ ﻣﺒ ﺎل ﺑﻨﺎﺋ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ،وآﺄﻧ ﻪ هﻮ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻧﻔﺴﻪ!! وأرﺳ ﻠﻮا ﺑ ﺬﻟﻚ إﻟ ﻰ اﻷﻣﻴ ﺮﻳﻦ ﺳ ﻼر وﺑﻴﺒ ﺮس اﻟﺠﺎﺷﻨﻜﻴﺮ ،وهﻤﺎ أﻗﻮى اﻷﻣﺮاء ،وأﺷ ﺪهﻢ ﻧﻔ ﻮذًا ﻋﻠ ﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻓﻲ اﻟﻘﺎهﺮة . آﺘﺒ ﺎ ﻟﻸﻣﻴ ﺮﻳﻦ أن اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﻳﺘﻬﻤﻬﻤ ﺎ ﺑ ﺎﻟﺒﻄﺶ واﻟﻈﻠ ﻢ ،وﺑ ﺄن هﻨ ﺎك ﻣ ﻦ ه ﻮ أﺣ ﻖ ﻣﻨﻬﻤ ﺎ ﺑ ﺎﻷﻣﺮ، وﻳﻔﺘﻲ ﺑﻮﺟﻮب ﻋﺰﻟﻬﻤﺎ ﻟﻴﺘﻮﻟﻰ ﻣﻦ هﻮ أﺻ ﻠﺢ ،ﻷﻧﻬﻤ ﺎ إﻧﻤﺎ ﺗﻮﻟﻴﺎ ﻣﺤﺎﺑﺎة ﻣ ﻦ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻟﻬﻤ ﺎ . .وآ ﺎن أﺣ ﺪهﻤﺎ ﻧﺎﺋﺒًﺎ ﻟﻠﺴﻠﻄﻨﺔ ﺑﺎﻟﻘﺎهﺮة ،واﻟﺜﺎﻧﻲ رﺋﻴﺲ دﻳﻮاﻧﻪ. . وﺑﻌ ﺪ أﻳ ﺎم . .أرﺳ ﻞ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻣﺮﺳ ﻮﻣًﺎ ﻳﺴ ﺘﺪﻋﻲ ﻓﻴﻪ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻟﻤﺤﺎآﻤﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻘﺎهﺮة ! ! وﺷ ﻌﺮ ﻧﺎﺋ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻓ ﻲ دﻣﺸ ﻖ ﺑ ﺎﻟﺨﻄﺮ ﻋﻠ ﻰ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ،ﻓﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ أﻻ ﻳﺒﺮح دﻣﺸﻖ ،وﺳﻴﺮﺳ ﻞ ه ﻮ إﻟ ﻰ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻣﺴﺘﺸ ﻔﻌًﺎ ..إﻧ ﻪ ﻟﻴﺨﺸ ﻰ ﻋﻠﻴ ﻪ ﻣﻜﺎﺋ ﺪ
٣٤
ﺳ ﻼر ﻧﺎﺋ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﻨﺔ ،وﺑﻴﺒ ﺮس اﻟﺠﺎﺷ ﻨﻜﻴﺮ رﺋ ﻴﺲ دﻳﻮان اﻟﺴﻠﻄﺎن! . . وﻟﻜﻦ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﺻﻤﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻔﺮ ،ﻓﻤﺎ ﻣﻦ ﺷ ﻲء ﻳﺨﺸﺎﻩ هﻨﺎك ! وﻟﻜﻨﻪ ﻳﻌﺠﺐ ﻟﺘﻐﻴﺮ ﻗﻠﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﻠﻴﻪ ،وﺳﻤﺎﻋﻪ اﻟﻮﺷﺎﻳﺔ ﺑﻪ ! ! وﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﻣ ﻦ أﻣ ﺮ ﻓﻼﺑ ﺪ ﻟﻠﺸ ﻴﺦ ﻣ ﻦ أن ﻳﻮاﺟ ﻪ اﻟﺨﻄﺮ . .وﻗﺪ ﺗﻌﻮد اﻗﺘﺤﺎم اﻟﻤﺨﺎﻃﺮ واﻟﻤﻜﺎرﻩ !. . ﺳﺎﻓﺮ اﻟﺸﻴﺦ إﻟﻰ اﻟﻘ ﺎهﺮة ،ﻳﻮدﻋ ﻪ إﺷ ﻔﺎق أﺧﻮﻳ ﻪ، ودﻣﻮع أﻣﻪ ،وأﻧﺼﺎرﻩ اﻟﻌﺪﻳﺪﻳﻦ ،واﻟﺪﻋﺎء ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺴﻼﻣﺔ واﻟﻨﺠﺎة ﻣﻦ آﻴﺪ اﻟﻜﺎﺋﺪﻳﻦ ،وﺣﺴﺪ اﻟﺤﺎﺳﺪﻳﻦ! . .
٣٥
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس ﻣﺎذا دهﻰ اﻟﻘﺎهﺮة؟! ﻟﻜﺄﻧﻬﺎ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻣﻬﺠﻮرة .. ! .. أﻳ ﻦ اﻟﺰﺣ ﺎم اﻟﻤ ﺮح ،وﻧ ﺪاءات اﻟﺒﺎﻋ ﺔ، واﻟﻀﺤﻜﺎت اﻟﻤﺠﻠﺠﻠﺔ؟ أﻳ ﻦ ﻃ ﻼب اﻟﻌﻠ ﻢ ،واﻟﻨﺴ ﺎء واﻷﻃﻔ ﺎل؟! ..أﻳ ﻦ ﺗﺴﺎﺑﻖ اﻟﻨﺎس ﻟﻤﺴﺎﻋﺪة اﻟﻐﺮﻳﺐ اﻟﻘﺎدم؟! أﻳﻦ آﻞ ﻣ ﺎ أﺣ ﱠﺒ ﻪ ﻓ ﻲ اﻟﻘ ﺎهﺮة ،ﺣ ﻴﻦ ﺟﺎءه ﺎ ،ﻣﻨ ﺬ ﺧﻤﺴﺔ أﻋﻮام. .؟! آ ﻞ اﻟﺤﻮاﻧﻴ ﺖ ﻣﻐﻠﻘ ﺔ ،وﻻ أﺣ ﺪ ﻓ ﻲ اﻟﻄﺮﻗﺎت ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق ! وﻣﻀ ﻰ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻟﻴﻠﻘ ﻰ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻ ﺮ ،ﻓ ﻲ ﻗﺼ ﺮﻩ ﺑﻘﻠﻌ ﺔ اﻟﺠﺒ ﻞ ،ﺧ ﻼل ﺳ ﻜﻮن ﻻ ﻳﺴ ﻤﻊ إﻻ وﻗ ﻊ ﺣﻮاﻓﺮ ﺟﻮادﻩ ﻋﻠﻰ أرض اﻟﻄﺮﻳﻖ ! .. وﺑﻠ ﻎ اﻟﺴ ﺎﺣﺔ اﻟﻔﺴ ﻴﺤﺔ أﻣ ﺎم ﻗﺼ ﺮ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن، ﻓﺄدرك آﻞ ﺷﻲء. . ه ﺎ ه ﻰ ذي اﻟﻘ ﺎهﺮة ،آ ﻞ رﺟﺎﻟﻬ ﺎ وﻧﺴ ﺎﺋﻬﺎ وأﻃﻔﺎﻟﻬﺎ ! ..اﺣﺘﺸﺪ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺣﺔ ،وﻋﻠﻰ أﺳ ﻄﺢ
٣٦
اﻟﻤﻨ ﺎزل ،وﻏﻴ ﺮ ﺑﻌﻴ ﺪ ﻣ ﻨﻬﻢ ،ﻓﺮﺳ ﺎن اﻟﻤﻤﺎﻟﻴ ﻚ ﻳﺤﺎﺻﺮون ﻗﺼﺮ اﻟﺴﻠﻄﺎن ! .. ﺳﻮاﻋﺪ اﻟﺮﺟﺎل ﺗﻬﺰ اﻟﺼﻤﺖ ،واﻟﻨﺪاءات ﺗﺪوي : "اﷲ ﻳﻨﺼﺮك ﻳﺎ ﻧﺎﺻﺮ ..ﻳﺎ ﻧﺎﺻ ﺮ ﻳ ﺎ ﻣﻨﺼ ﻮر ..اﷲ ﻳﺨﻮن اﻟﺨﺎﺋﻦ " . .ﺳ ﺄل اﻟﺸ ﻴﺦ ﻋﻤ ﺎ ﻳﺤ ﺪث ،واﻧﻬﺎﻟ ﺖ اﻹﺟﺎﺑﺎت ﻋﻠﻴﻪ ﻣ ﻦ ﻋﺎﻣ ﺔ اﻟﺸ ﻌﺐ وﻣ ﻦ ﻃ ﻼب اﻟﻌﻠ ﻢ، وﺷﺒﺎب اﻟﻌﻠﻤﺎء . اﻷﻣ ﺮاء اﻟﻤﻤﺎﻟﻴ ﻚ ﻳﺤﺎﺻ ﺮون اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻓ ﻲ ﻗﺼﺮﻩ ..اﷲ ﻳﻨﺼﺮ اﻟﻨﺎﺻﺮ. اﺳﺘﻀ ﻌﻔﻮا اﻟﻤﺴ ﻜﻴﻦ ﺑﻌ ﺪ أن ﻣﺎﺗ ﺖ أﻣ ﻪ ،وآﻠﻬ ﻢ ﻋﺒﻴﺪ أﺑﻴﻪ ! ﺿ ﻴﻘﻮا ﻋﻠ ﻰ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻓ ﻲ اﻟﻤ ﺎل ،وﺗﺤﻤﻠﻬ ﻢ .. ﺳ ﻠﺒﻮﻩ ﺳ ﻠﻄﺘﻪ وﺻ ﺒﺮ ،وه ﻢ اﻵن ﻳﺮﻳ ﺪون ﻗﺘﻠ ﻪ أو ﺑﺎﻟﻘﻠﻴﻞ ﺧﻠﻌﻪ ! اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻳﺤﻤﻴﻨ ﺎ ﻣ ﻦ ﻇﻠﻤﻬ ﻢ ،وﻟﻜ ﻨﻬﻢ ﻳﺮﻳ ﺪون واﺣﺪًا ﻣﻨﻬﻢ ﻟﻴﻨﻬﺒﻮﻧﺎ وﻳﻈﻠﻤﻮﻧﺎ آﻤﺎ ﺷﺎءوا . ﻟﻌﻦ اﷲ اﻟﺠﻼﺑ ﻴﻦ اﻟ ﺬﻳﻦ ﺟ ﺎءوا ﺑﻬ ﻢ ،واﻟﻨﺨﺎﺳ ﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺑﺎﻋﻮهﻢ ﻟﻮاﻟﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎن .
٣٧
ﺗﺼﻮر ﻳﺎ ﻣﻮﻻﻧ ﺎ اﻟﺸ ﻴﺦ أﻧﻬ ﻢ ﻳﺤﺮﻣ ﻮن اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻣﻦ اﻷآﻞ اﻟﺬي ﻳﺤﺒﻪ؟! وﻟﻤ ﺎ ﺳ ﺎﻓﺮ إﻟ ﻰ اﻹﺳ ﻜﻨﺪرﻳﺔ ،وأراد أن ﻳﺸ ﺘﺮي هﺪﻳﺔ ﻳﺪﺧﻞ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ أهﻠﻪ ،وﻳﻔﺮح ﺑﻬ ﺎ ﻋﻴﺎﻟ ﻪ ،ﻟ ﻢ ﻳﺠ ﺪ ﻻ ،ﻓﺒﻜﻰ وﺷﻜﺎ ،ﻓﻤﻨﺤﻪ أﺣﺪ اﻟﻜﺮام أﻟﻔﻲ دﻳﻨﺎر! ! ﻣﺎ ً آﻞ هﺬا ﻣﻦ أﻓﻌﺎل ﺑﻴﺒﺮس اﻟﺠﺎﺷﻨﻜﻴﺮ اﻟﺬي ﻳﺘﻮﻟﻰ أﻣ ﻮر دﻳ ﻮان اﻟﺴ ﻠﻄﺎن . .ﻳﺤ ﺮم ﺻ ﺎﺣﺐ اﻟﻤ ﺎل ﻣ ﻦ ﻣﺎﻟ ﻪ ،ﻟﻴﻨﻔﻘ ﻪ ﻋﻠ ﻰ ﻣﻠﺬاﺗ ﻪ ،وﻋﻠ ﻰ اﻟﻤﻨ ﺎﻓﻘﻴﻦ ﻣ ﻦ اﻟﺸﻌﺮاء ،واﻟﻤﺪاهﻨﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء ! رﺣ ﻢ اﷲ اﻟﺸ ﻴﺦ اﺑ ﻦ دﻗﻴ ﻖ اﻟﻌﻴ ﺪ ﺷ ﻴﺦ ﻋﻠﻤ ﺎء اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻲ ﻣﺼ ﺮ .آ ﺎن ه ﺆﻻء اﻟﻤﻤﺎﻟﻴ ﻚ ﻳﺮهﺒﻮﻧ ﻪ. . ﻓﻠ ﻮ أﻧ ﻪ آ ﺎن ﺣﻴ ًﺎ اﻟﻴ ﻮم ﻟﻤ ﺎ ﺟ ﺮؤ ه ﺬا اﻟﺠﺎﺷ ﻨﻜﻴﺮ أن ﻳﺼﻨﻊ هﺬا ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺎن . اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ه ﻮ اﻟ ﺬي ﺻ ﻨﻊ ه ﺬا ﺑﻨﻔﺴ ﻪ .ﻣ ﺎ اﻟﺠﺎﺷﻨﻜﻴﺮ؟ اﻧﻪ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﻳﺬوق ﻃﻌﺎم اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻗﺒﻞ أن ﻳﻘ ﺪم إﻟﻴ ﻪ؟ . .أﻳﺠﻌﻠ ﻪ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن وزﻳ ﺮﻩ اﻷول؟. . آ ﻞ ﻣ ﺎ ﻋﻨ ﺪﻩ ه ﻮ ﺑﺮاﻋ ﺔ اﻟﻨﻔ ﺎق ،وﺣ ﺬق اﻟﻤﺼ ﺎﻧﻌﺔ،
٣٨
وﻃﺎﻟﻤ ﺎ ﺣ ﺬروا اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻣﻨ ﻪ ،وﻟﻜﻨ ﻪ ﺑﺪهﺎﺋ ﻪ وﺳ ﻌﺔ ﺣﻴﻠﺘﻪ ،رآﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن!! واﻟﺪاهﻴ ﺔ اﻵﺧ ﺮ ﺳ ﻼر .أﻳﺠﻌﻠ ﻪ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻧﺎﺋﺒ ًﺎ ﻟﻠﺴﻠﻄﻨﺔ؟!. . اﻟﻌ ﻮض ﻋﻠ ﻰ اﷲ ﻓ ﻲ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ،اﺳ ﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟﻤﻨ ﺎﻓﻘﻮن واﻟﻤﺰﻳﻔ ﻮن ،وه ﺎ ه ﻢ ﻳ ﺪﺑﺮون ﻟﻘﺘﻠ ﻪ ﻟﻴﺘ ﻮﻟﻰ أﺣﺪهﻢ ﻣﻜﺎﻧﻪ. . ﻟ ﻢ ﻳﻈﻬ ﺮ ﺑﻴﺒ ﺮس وﻻ ﺳ ﻼر ،وﻟﻜﻨﻬﻤ ﺎ ﻳﻨﺘﻈ ﺮان اﻟﻨﺘﻴﺠ ﺔ ،ﻓ ﺈذا ﻗﺘ ﻞ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ،ﺗ ﻮﻟﻰ أﺣ ﺪهﻤﺎ ،وﻟ ﺪﻳﻨﺎ ﻋﻠﻤﺎء ﻣﺠﻬﺰون ﻟﻠﺒﻴﻌﺔ ! وإذا ﻧﺠ ﺎ ،وهﺰﻣﻨ ﺎ ﻧﺤ ﻦ اﻟﺠﻤ ﻊ ﻣ ﻦ ﻓﺮﺳ ﺎن اﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ ،ﺟﺎءاﻩ ﻳﻌﺘﺬران! ه ﺬا اﻷﻣﻴ ﺮ ﺳ ﻼر ﺣﻜﺎﻳﺘ ﻪ ﻏﺮﻳﺒ ﺔ .ﻓﻬ ﻮ ﻳﺤﻤ ﻲ اﻟﻠﺼ ﻮص واﻟﻔﺘ ﺎك واﻟﺸ ﻄﺎر واﻟﺤ ﺮاﻓﻴﺶ واﻟﻘ ﻮادﻳﻦ، واﻟﺸ ﺬاذ وﻳﻜ ﻮن ﻣ ﻨﻬﻢ ﻋﺼ ﺎﺑﺔ ﻣﺴ ﻠﺤﺔ ﻳﺴ ﺘﻘﻮي ﺑﻬ ﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن . إﻧ ﻪ ﻳﻤﻠ ﻚ ﻋ ﺪدًا ﻣ ﻦ اﻟﺒﻴ ﻮت واﻟﺤﺎﻧ ﺎت ،ﻳﺆﺟﺮه ﺎ ﻟﻠﻔﺤﺸ ﺎء ،وﻳﺴ ﻤﻴﻬﺎ ﺑﻴ ﻮت آ ﺮاء ،وه ﻲ ﻓ ﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘ ﺔ
٣٩
دور ﺑﻐ ﺎء . .وه ﻮ ﻻ ﻳﻜﺘﻔ ﻲ ﺑﻤ ﺎ ﻳﺤﺼ ﻞ ﻋﻠﻴ ﻪ ﻣ ﻦ أﺟﺮة ،ﺑﻞ ﻳﺄﺧﺬ اﻟﻨﺼﻒ ﻣﻤﺎ ﺗﺮﺑﺤﻪ هﺬﻩ اﻟﺒﻴﻮت !. . ﻟﻤ ﺎ ﻋﻠ ﻢ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻ ﺮ ﺑﻬ ﺬا ﺧﻠﻌ ﻪ ،وﺳ ﺠﻨﻪ وأﻏﻠ ﻖ ﺑﻴ ﻮت اﻟﻔﺴ ﺎد .ﻓﺎﺣﺘﺸ ﺪت ﻋﺼ ﺎﺑﺔ ﺳ ﻼر ﻣ ﻦ رﺟ ﺎل وأﻧﺼ ﺎف رﺟ ﺎل ،وﻗ ﻮادﻳﻦ ،وﻧﺴ ﺎء . .ﺣﺘ ﻰ اﻟﺒﻐﺎﻳﺎ ﺟ ﺌﻦ ﻓ ﻲ زﻳﻨ ﺘﻬﻦ ،ووﻗﻔ ﻮا ﺟﻤﻴﻌ ًﺎ أﻣ ﺎم اﻟﻘﺼ ﺮ اﻟﺴ ﻠﻄﺎﻧﻲ ﻳﺴ ﺒﻮن اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ،وﻳﻔﺤﺸ ﻮن ،وﺗﻜ ﺎﺛﺮوا ﺑﺄﺳ ﻠﺤﺘﻬﻢ ﻋﻠ ﻰ اﻟﺤ ﺮس اﻟﺴ ﻠﻄﺎﻧﻲ ،ﻓ ﺄﻣﺮ ﺑ ﺈﻃﻼق ﺳ ﺮاح ﺳ ﻼر ،وأﻋ ﺎدﻩ إﻟ ﻰ ﻣﻨﺼ ﺒﻪ ،ﻧﺎﺋﺒ ًﺎ ﻟﻠﺴ ﻠﻄﺎن، وﻧﺸﻄﺖ ﺗﺠﺎرﺗﻪ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ! .. آﻞ ﺑﻴﻮت اﻟﻔﺴﺎد واﻟﺤﺎﻧﺎت ﻓﻲ اﻟﻘﺎهﺮة ﺗﺪﺧﻞ ﻓ ﻲ ﺗﺠﺎرة ﺳﻼر ،وﻳﻌﻴﺪﻩ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻧﺎﺋﺒﺎ ﻟﻪ !. . ﻟﻘ ﺪ اﺷ ﺘﺮى ه ﻮ وﺑﻴﺒ ﺮس ذﻣ ﺔ ﻣﻤﺎﻟﻴ ﻚ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﺟﻤﻴﻌًﺎ ﺣﺘﻰ اﻟﺤﺮس اﻟﺴﻠﻄﺎﻧﻲ! . . ﺷﺪوا ﻳﺎ رﺟﺎل ﻋﻠﻰ هﺆﻻء اﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ ،ﻓﻠﻦ ﻳﺤﻜﻤﻨﺎ اﻟﻘ ﻮادون واﻟﻠﺼ ﻮص واﻟﻔﺘ ﺎك واﻟﺒﻐﺎﻳ ﺎ واﻟﺸ ﺬاذ ﺑﻌ ﺪ اﻟﻴﻮم .
٤٠
ﺷ ﺪوا ﻋﻠ ﻰ ﻓﺮﺳ ﺎن اﻟﻤﻤﺎﻟﻴ ﻚ ،ﻓﺴ ﻴﻘﺘﻠﻮن اﻟﺴﻠﻄﺎن ! ﻟﻦ ﻳﻘﺘﻠﻮا اﻟﺴﻠﻄﺎن وﻧﺤﻦ أﺣﻴﺎء ! .. *************************** واهﺘ ﺰت اﻟﻌﺼ ﻲ وﻗﻀ ﺒﺎن اﻟﺤﺪﻳ ﺪ ﻓ ﻲ أﻳ ﺪي اﻟﺮﺟ ﺎل ،واﻧﻄﻠﻘ ﺖ ﻣ ﻦ اﻟﻤﻘ ﺎﻟﻴﻊ اﻟﺘ ﻲ ﻳﺤﻤﻠﻬ ﺎ اﻟﻨﺴ ﺎء واﻟﺼ ﻐﺎر ،ﻗﻄ ﻊ ﺻ ﻐﻴﺮة ﺣ ﺎدة ﻣﺪﺑﺒ ﺔ ﻣ ﻦ اﻟﺤﺠ ﺎرة، وﺗﻨﺎﺛﺮت اﻟﺼﺨﻮر ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺳﺎن اﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ! . . وﺷ ﻬﺮ اﻟﻔﺮﺳ ﺎن ﺳ ﻴﻮﻓﻬﻢ ،وﺣ ﺎوﻟﻮا أن ﻳﻘﺘﺤﻤ ﻮا زﺣﺎم اﻟﺸﻌﺐ ﺑﺨﻴﻠﻬﻢ ،وﻟﻜﻦ ﻗﻄﻊ اﻟﺤﺠﺎرة واﻟﺼ ﺨﻮر اﻟﻤﺪﺑﺒ ﺔ ﺻ ﺪﺗﻬﻢ ،وﺷ ﺠﺖ رؤوس ﺑﻌﻀ ﻬﻢ ،ﻓﺴ ﻘﻄﻮا ﻣﻦ ﻓﻮق ﺻﻬﻮات اﻟﺠﻴﺎد . وﺗﺤﺮآ ﺖ ﻏﺎﺑ ﺔ آﺜﻴﻔ ﺔ ﻣ ﻦ ﻗﻀ ﺒﺎن اﻟﺤﺪﻳ ﺪ واﻟﻌﺼﻲ اﻟﻐﻠﻴﻈﺔ ،ﺗﻄﻮق ﻓﺮﺳﺎن اﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ. . وﻓﺠ ﺄة ﻗ ﺪم أﻣﻴ ﺮ ﻣﻤﻠ ﻮآﻲ رﻓﻴ ﻊ اﻟﻤﻘ ﺎم ،ﻓﺄﺻ ﺪر أﻣﺮﻩ إﻟﻰ اﻟﻔﺮﺳﺎن أن ﻳﻐﻤﺪوا اﻟﺴﻴﻮف ،وأن ﻳﺘﺮاﺟﻌﻮا ﻋ ﻦ اﻟﻨ ﺎس ،وأن ﻳﺼ ﻄﻔﻮا ﺑ ﻼ ﺣ ﺮاك ! واﻣﺘﺜ ﻞ اﻟﻔﺮﺳﺎن ﻷﻣﺮﻩ .
٤١
ﺛ ﻢ ﺗﻘ ﺪم إﻟ ﻰ اﻟﻨ ﺎس وأﻣ ﺮهﻢ أن ﻳﻌ ﻮدوا إﻟ ﻰ دوره ﻢ وأﻋﻤ ﺎﻟﻬﻢ ،وأن ﻳﻔﺘﺤ ﻮا ﺣ ﻮاﻧﻴﺘﻬﻢ ،وأﻣ ﺮ ﻃ ﻼب اﻟﻌﻠ ﻢ أن ﻳﻌ ﻮدوا إﻟ ﻰ ﻣﻌﺎه ﺪهﻢ ،وﺣﻠﻘ ﺎت ﺷﻴﻮﺧﻬﻢ. . ﻓﻠﻢ ﻳﺤﻔﻞ ﺑﻪ أﺣﺪ ﻣ ﻦ اﻟﻨ ﺎس ،وارﺗﻔﻌ ﺖ أﺻ ﻮات ﺳ ﺎﺧﺮة" :ﻧﺤ ﻦ أه ﻞ اﻟﺒﻠ ﺪ ،وﻟﺴ ﻨﺎ ﻣﻤﺎﻟﻴ ﻚ ﻣﺠﻠ ﻮﺑﻴﻦ ﻧﺴﻤﻊ ﻷواﻣﺮك " ﻓﺎﺻ ﻄﻨﻊ اﻟﻬ ﺪوء ،وﻧﺼ ﺤﻬﻢ أن ﻳﻔﺘﺤ ﻮا اﻟﺤﻮاﻧﻴ ﺖ ،وﻳﻌ ﻮد اﻟﻨﺴ ﺎء واﻟﺼ ﺒﻴﺔ إﻟ ﻰ اﻟ ﺪور ،وإﻻ ﻧﻬﺒﻬﺎ اﻟﻠﺼﻮص. . ﺗﺰاﺣﻤ ﺖ اﻷﺻ ﻮات" :ﻻ ﻧﻌ ﺮف ﻟﺼﻮﺻ ًﺎ ﻏﻴﺮآﻢ . .ﺗﺨﻮﻧﻮن اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﺳ ﻴﺪآﻢ واﺑ ﻦ ﺳ ﻴﺪآﻢ؟! .. اﷲ ﻳﺨ ﻮن اﻟﺨ ﺎﺋﻦ . .ﻧﺤ ﻦ ﻣ ﺎ ﻧﻌ ﻮد ﺣﺘ ﻰ ﻳﻌ ﻮد اﻟﻔﺮﺳﺎن ،وﻧﻌﺮف أن اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻓﻲ أﻣﺎن :ﻳﺎ ﻧﺎﺻﺮ ﻳ ﺎ ﻣﻨﺼﻮر ..اﷲ ﻳﺨﻮن اﻟﺨﺎﺋﻦ " وأﻓﺴﺢ اﻷﻣﻴﺮ اﻟﺴﺎﺣﺔ ﻣﻦ ﻓﺮﺳ ﺎن اﻟﻤﻤﺎﻟﻴ ﻚ ،ﻓﻘ ﺪ أدرك أﻧﻪ إذا اﻟﺘﻘﻰ اﻟﺠﻤﻌ ﺎن ،ﻓﺴ ﺘﺤﺪث ﻣﻘﺘﻠ ﺔ ﻋﻈﻴﻤ ﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﺮﺳﺎن واﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻮاء. .
٤٢
وﻟﻢ ﻳﻨﺼﺮف اﻟﻨﺎس ،ﺣﺘﻰ ﺧﺮج إﻟ ﻴﻬﻢ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن، ﻓﻬﻠﻠ ﻮا وآﺒ ﺮوا ،وﺣﻴ ﺎهﻢ وﺷ ﻜﺮهﻢ ،ﺛ ﻢ ﻋ ﺎد إﻟ ﻰ ﻗﺼﺮﻩ. . ٭٭٭ دﺧ ﻞ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻋﻠ ﻰ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ،ﻓﻮﺟ ﺪﻩ ﻣﻬﻤﻮﻣ ًﺎ، ﻣﺴﺘﻐﺮﻗًﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ . واﺳ ﺘﻘﺒﻠﻪ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﺑﺎﺑﺘﺴ ﺎﻣﺔ ﻟ ﻢ ﺗﻔﻠ ﺢ ﻓ ﻲ ﺗﺒﺪﻳ ﺪ اﻟﻜﺂﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻐﺸﻰ وﺟﻬﻪ . .ﺑﺪت ﻓﺮﺣﺘﻪ ﺑﻤﻘﺪم ﺻ ﺪﻳﻘﻪ اﻟﺸﻴﺦ ،ﺷﺎﺣﺒﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺟﻪ اﻟﻤﻨﻜﺴﺮ اﻟﺸﺎرد! . . وﻗﺒ ﻞ أن ﻳ ﺘﻜﻠﻢ اﻟﺸ ﻴﺦ ،أﺧ ﺬﻩ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻣ ﻦ ﻳ ﺪﻩ وﺧﺮج ﺑﻪ إﻟﻰ ﺣﺪﻳﻘﺔ اﻟﻘﺼﺮ. . إﻧ ﻪ ﻳﺮﻳ ﺪ أن ﻳﺒﺜ ﻪ هﻤ ﻪ ،وﻟﻜ ﻦ اﻟﻘﺼ ﺮ ﻣﻠ ﻲء ﺑﻌﻴﻮن ﺑﻴﺒ ﺮس اﻟﺠﺎﺷ ﻨﻜﻴﺮ ،وﺳ ﻼر . .إﻧﻬ ﻢ ﻳﺴ ﺘﺮﻗﻮن اﻟﺴ ﻤﻊ ﻓ ﻲ آ ﻞ ﻣﻜ ﺎن ﻣ ﻦ اﻟﻘﺼ ﺮ :ﺧﻠ ﻒ اﻟﺴ ﺘﺎﺋﺮ واﻷﻋﻤﺪة ،ﺣﺘﻰ اﻟﺠﻮاري ﻻ أﻣﺎن ﻟﻬﻦ !. . ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﺑﻌﺪ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻘ ﻮل ﻣ ﺎ ﻳﺮﻳ ﺪ ،ﺣﺘ ﻰ ﻓ ﻲ ﻣﺨﺪﻋﻪ! . .
٤٣
إﻧﻪ ﻟﻜ ﻲ ﻳﻨﺠ ﻮ ﺑﻨﻔﺴ ﻪ ،ﻳﺠ ﺐ أن ﻳﺼ ﺎﻧﻊ أﻋ ﺪاءﻩ، ﺛﻢ ﻳﺘﺨﻠ ﻰ ﻋ ﻦ اﻟﻤﻠ ﻚ ﻓ ﻲ ﺻ ﻤﺖ . .ه ﻮ إﻣ ﺎ أن ﻳﻨ ﺰل ﻋﻦ ﻋﺮﺷﻪ ﺛﻤﻨًﺎ ﻟﺤﻴﺎﺗﻪ ،أو ﻳﻔﻘﺪ ﺣﻴﺎﺗﻪ . .وإﻧ ﻪ ﻟﻴﺨﺘ ﺎر اﻟﺤﻴﺎة. . ﻻ! . . ﺳﻴﻨﺘﻈﺮ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻀﻲ اﷲ أﻣﺮًا آﺎن ﻣﻔﻌﻮ ً وﻧﺼ ﺤﻪ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﺑﺎﻟﺼ ﺒﺮ واﻟﻤﺼ ﺎﺑﺮة، وﺳﻴﻨﺼ ﺮﻩ اﷲ آﻤ ﺎ ﻧﺼ ﺮﻩ ﻓ ﻲ ﻣ ﻮاﻃﻦ ﺻ ﻌﺒﺔ ﻣ ﻦ ﻗﺒﻞ . .ﻓﻤﻦ ﺁﻳﺎت رﺿﺎ اﷲ ﻋﻨﻪ ،أن اﻟﺮﻋﻴﺔ آﻠﻬﺎ ﺗﺬود ﻋﻨﻪ ،وﻓﻴﻬﺎ ﻃﻼب اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻌﻠﻤﺎء .. ﻓﺸﻜﺎ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء . .ﻣﺎ ﻋﺎد ﻓ ﻴﻬﻢ رﺟ ﺎل ﻣﺜﻞ اﺑﻦ دﻗﻴﻖ اﻟﻌﻴﺪ رﺣﻤﻪ اﷲ ! وآﺜﻴ ﺮ ﻣ ﻨﻬﻢ ﻳﺘﻬﻤ ﻮن اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﺑﺤﻤﺎﻳ ﺔ اﻟﻜﻔ ﺮة وأهﻞ اﻟﻀﻼل ،ﻷﻧﻪ ﻳﺤﻤﻲ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ،وﻻ ﻳﺠﻴﺒﻬﻢ ﻓ ﻲ اﻷﻣ ﺮ ﺑﻘﺘﻠ ﻪ ! . .ذﻟ ﻚ ﺑﺄﻧ ﻪ ﻓ ﻲ ﺻ ﻔﺎت اﷲ واﻷﺳ ﻤﺎء اﻟﺤﺴ ﻨﻰ ،ﻳﺨ ﺎﻟﻒ رأﻳﻬ ﻢ ،وﺑﺄﻧ ﻪ ﺣﻤ ﻞ ﻋﻠ ﻰ اﻷﺣﻤﺪﻳ ﺔ وه ﻢ ﻣ ﻦ ﺧﻴ ﺮة اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ،وﺑﺄﻧ ﻪ ه ﺎﺟﻢ ﺑﻌ ﺾ ﺁراء ﻣﺤﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﻋﺮﺑﻰ!! وزادوا ﻋﻠ ﻰ ه ﺬا اﺗﻬﺎﻣ ًﺎ ﺑﺄﻧ ﻪ
٤٤
ﻳﺤ ﺮض اﻟﻌﺎﻣ ﺔ ﻓ ﻲ دﻣﺸ ﻖ ﻋﻠ ﻰ أوﻟ ﻲ اﻷﻣ ﺮ ،وﻳﺜﻴ ﺮ اﻟﻔﺘﻨﺔ . .وهﺬا آﻠﻪ ﺣﺪﻩ اﻟﻘﺘﻞ. . وإذن ﻓﻠﻢ ﻳﺘﻐﻴﺮ ﻗﻠﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن وﻟﻜﻨﻪ ﻣﻐﻠﻮب ﻋﻠﻰ أﻣﺮﻩ! . . وﻣﺎ ﺑﺮح اﻟﺸﻴﺦ ﻳﻮاﺳﻲ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،وﻳ ﺬآﺮﻩ ﺑﺂﻳ ﺎت اﻟﺼﺒﺮ ،وﻣﺎ ورد ﻓﻲ ﻓﻀﻠﻪ ﻣﻦ أﺣﺎدﻳﺚ ﺷﺮﻳﻔﺔ ،ﺣﺘﻰ هﺪأ. . اﺳ ﺘﺮاح اﻟﺴ ﻠﻄﺎن إﻟ ﻰ ﻇ ﻞ ﺷ ﺠﺮة ﺑﺎﺳ ﻘﺔ ودﻋ ﺎ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻟ ﻴﺠﻠﺲ إﻟ ﻰ ﺟ ﻮارﻩ ،وأﻣﺎﻣﻬ ﺎ ﺣ ﻮض ﻣ ﻦ اﻟﻤﺮﻣﺮ ،ﺗﻨﺒﺜﻖ ﻣﻨﻪ ﻧﺎﻓﻮرة ﻳﺘﻄﺎﻳﺮ رذاذ ﻣﺎﺋﻬﺎ. . وهﺒ ﺖ ﻧﺴ ﻤﺎت ﻧﺪﻳ ﺔ ،ﻣﻌﻄ ﺮة ﺑ ﺄرج ﺣﺪﻳﻘ ﺔ اﻟﻘﺼ ﺮ ،ﻓﺨﻔ ﺖ ﻋﻨﻬﻤ ﺎ وﻃ ﺄة اﻟﺤ ﺮ ﻓ ﻲ ذﻟ ﻚ اﻟﻴ ﻮم اﻟﻼﻓﺢ ﻣﻦ رﻣﻀﺎن .وﺷﺎﻋﺖ ﻓﻲ أﻋﻤﺎق اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻜﻴﻨﺔ ﻼ ،ﺛﻢ هﺘﻒ" :وﺑﺸﺮ اﻟﺼﺎﺑﺮﻳﻦ " ﻣﻄﻤﺌﻨﺔ ،وأﻃﺮق ﻗﻠﻴ ً وأﻗﺒ ﻞ اﻷﻣﻴ ﺮ ﺳ ﻼر ﻧﺎﺋ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ،واﻷﻣﻴ ﺮ ﺑﻴﺒﺮس اﻟﺠﺎﺷﻨﻜﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺳﻴﻬﻤﺎ. . ﻓﻮﺟﺊ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﻬﻤﺎ أﻣﺎﻣﻪ. . ﻗﺎل اﻟﺴﻠﻄﺎن " :آﻴﻒ ﻋﺮﻓﺘﻤﺎ ﺑﻤﻜﺎﻧﻲ؟"
٤٥
ﻗﺎل ﺑﻴﺒﺮس " :ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﺨﻄﺊ ﻣﻜﺎﻧﻚ أﺑﺪًا .ﺣﻴﺜﻤ ﺎ آﻨﺖ ﻧﻠﺤﻖ ﺑﻚ " وﻋﺠ ﺐ اﻟﺸ ﻴﺦ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﻣ ﻦ أﻣﺮهﻤ ﺎ ..إﻧﻬﻤ ﺎ ﻟﻴﺨﺎﻃﺒ ﺎن اﻟﺴ ﻠﻄﺎن راآﺒ ﻴﻦ ..اﻷدب أن ﻳﺘ ﺮﺟﻼ ﻓ ﻲ ﺣﻀﺮة اﻟﺴﻠﻄﺎن! . . ﻗﺎل اﻷﻣﻴﺮ ﺳﻼر" :ﺟﺌﻨﺎ ﻣﻌﺘﺬرﻳﻦ ﻋﻦ ﺳﻮء أدب اﻟﻔﺮﺳﺎن اﻟ ﺬﻳﻦ ﺣﺎﺻ ﺮوا ﻗﺼ ﺮك ،وﺳ ﻨﻨﺰل ﺑﻬ ﻢ أﺷ ﺪ اﻟﻌﻘﺎب " وﺳﻜﺖ اﻟﺴﻠﻄﺎن ..ﺛﻢ ﻗﺎل" :هﻼ رﺣﺒﺘﻤ ﺎ ﺑﺎﻟﺸ ﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ؟" وﺗﺮﺟ ﻞ اﻷﻣﻴ ﺮ ﺳ ﻼر ،وأﻗﺒ ﻞ ﻋﻠ ﻰ اﻟﺸ ﻴﺦ: "ﻣﺮﺣﺒﺎ ﺑﻚ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻳﺎ ﺷﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ " .أﻣﺎ اﻷﻣﻴﺮ ﺑﻴﺒ ﺮس اﻟﺠﺎﺷ ﻨﻜﻴﺮ ،ﻓﻘ ﺪ ﻇ ﻞ ﻋﻠ ﻰ ﻓﺮﺳ ﻪ ،ﻳﺴ ﺄل اﻟﺴ ﻠﻄﺎن" :آﻴ ﻒ ﺗﻀ ﻴﻒ رﺟ ﻼ ً ﻳﺤ ﺮض ﻋﻠﻴﻨ ﺎ اﻟﺮﻋﻴﺔ ،وﻳﻄﻌﻦ ﻓﻲ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ،وﻳ ﺘﻜﻠﻢ ﻓ ﻲ ﺻ ﻔﺎت اﷲ ﺑﻤ ﺎ ﻳﻨﻜ ﺮﻩ ﻋﻠﻤ ﺎء ﻣﺼ ﺮ؟! أﺗﺮﻳ ﺪ أن ﺗﺮه ﺐ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﺳﻴﻤﺘﺤﻨﻮﻧﻪ ..إﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﻣﻨ ﻚ اﻟﻀ ﻴﺎﻓﺔ ،وﻻ ﺣﺘﻰ اﻟﺴﻼم "
٤٦
ﻓﻘ ﺎل اﻟﺸ ﻴﺦ ﻓ ﻲ ﺗ ﺆدة " :اﻟﺴ ﻼم ﻋﻠ ﻰ ﻣ ﻦ اﺗﺒ ﻊ اﻟﻬﺪى " ﻗﺎل اﻟﺴﻠﻄﺎن " :وﻟﻴﺘﻪ ﻳﻘﺒﻞ ﺿﻴﺎﻓﺘﻲ ! " ﻓﺮد ﺑﻴﺒﺮس " :إﻧﻪ ﻻ ﻳﻘﺒﻞ ﺿ ﻴﺎﻓﺘﻨﺎ وﻻ ﻋﻄﺎءﻧ ﺎ، ﻷﻧﻪ ﻳﺮى ﻓﻲ هﺬﻩ اﻷﻣﻮال ﺷﺒﻬﺔ ﻏﺼﺐ ﻳﺘﺪﻧﺲ ﺑﻬﺎ " ﻗ ﺎل اﻟﺸ ﻴﺦ " :أﻧﻌ ﻢ اﷲ ﻋﻠ ﻲ ﺑﺮاﺗﺒ ﻲ ﻣ ﻦ اﻟﺘﺪرﻳﺲ ،وهﻮ ﻳﻜﻔﻴﻨﻲ ،وﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻲ ﻓﻲ دﻧﻴﺎآﻢ " ﻓﻘﺎل ﺑﻴﺒﺮس ﻣﺤﺘﺪًا " :ﺗﺤ ﺎرب اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ وﺗ ﺘﻜﻠﻢ ﺑﻜﻼﻣﻬﻢ؟! ..ﻋﺠﺒﺎ ﻟﻚ " . ﻗﺎل اﻟﺸﻴﺦ " :ﻣﺎ ﺣ ﺎﺟﺘﻲ إﻟ ﻰ دﻧﻴ ﺎآﻢ " ورد ﻓ ﻲ اﻷﺛﺮ ﻋﻦ أﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻤﺮ وأﻣﻴﺮ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻠ ﻲ، رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻬﻤﺎ ،ﻗﺒﻞ ﻇﻬﻮر اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﺑﻘﺮون ! وﻧﻈ ﺮ اﻟﺸ ﻴﺦ إﻟ ﻰ اﻷﻣﻴ ﺮ ﺑﻴﺒ ﺮس ﻣﺘﻌﺠﺒ ًﺎ . .ﻣ ﺎ هﻜﺬا ﻋﺮﻓﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ! آﺎن ﻓﻲ ﺣ ﺮب اﻟﺘﺘ ﺎر ﻓﺎرﺳ ًﺎ ﺷ ﺪﻳﺪ اﻟﺒ ﺄس ،وﺑﻌ ﺪ اﻟﻨﺼ ﺮ اﻟﺘﻘ ﻰ ﺑ ﻪ ﻓ ﻲ ﻣﺠﻠ ﺲ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ،ﻓﻮﺟ ﺪﻩ ﺷ ﺪﻳﺪ اﻟﺤ ﺮص ﻋﻠ ﻰ أن ﻳﻈﻔ ﺮ ﻣﻨ ﻪ ﺑﻜﻠﻤ ﺔ رﺿ ﺎ ! . .رأى إآﺒ ﺎر اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻟﻠﺸ ﻴﺦ ،ﻓﺤ ﺮص ﻋﻠ ﻰ اﺳﺘﺮﺿ ﺎء
٤٧
اﻟﺸ ﻴﺦ ،وآﺴ ﺐ ﻣﻮدﺗ ﻪ ! ! . .أﻣ ﺎ اﻟﻴ ﻮم واﻟﺴ ﻠﻄﺎن آﺴﻴﺮ ،ﻓﻬﻮ ﻳﺘﻌﺎﻟﻰ وﻳﺘﻜﺒﺮ ! ! ﻣﺎ ﻧﻬﺎﻳﺔ هﺬا اﻟﻜﺒﺮ. .؟! ﻗ ﺎل ﺳ ﻼر " :ﺳ ﻨﻌﻘﺪ ﻟ ﻚ ﻣﺠﻠﺴ ًﺎ ﻣ ﻦ ﻋﻠﻤ ﺎء اﻟﻘﺎهﺮة ﻟﻴﻤﺘﺤﻦ ﻋﻘﻴﺪﺗﻚ ﻳﺎ ﺷﻴﺦ اﻹﺳﻼم " . ﻓﺄﺧ ﺬ ﺑﻴﺒ ﺮس " :ﻣ ﻦ ﺟﻌﻠ ﻪ ﺷ ﻴﺦ اﻹﺳ ﻼم؟! ﻋﻠﻤﺎؤﻧﺎ ﻳﺘﻬﻤﻮﻧﻪ ﺑﺎﻟﻜﻔﺮ ،وأرﻓﻘﻬ ﻢ ﺑ ﻪ ﻳﺘﻬﻤ ﻪ ﺑﺎﻟﻀ ﻼل ". ﻗﺎل ﺳﻼر " :ﻻ ﺣﻜﻢ ﻗﺒﻞ اﻻﻣﺘﺤﺎن ..ﻟﻜﻦ اﺑﺘﻌﺪ ﻋ ﻦ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻳ ﺎ ﺷ ﻴﺦ ﺗﻘ ﻲ اﻟ ﺪﻳﻦ ،ﻓﻘ ﺪ ﺳ ﺎء ﻓﻴ ﻪ اﻟﻌﻠﻤﺎء ! " ورد اﻟﺸﻴﺦ " :اﷲ ﻳﻬﺪي ﻣﻦ ﻳﺸﺎء " ﻗﺎل ﺳﻼر " :ﺗﻔﻀﻞ أﻧﺖ ﻣﺼﺤﻮﺑًﺎ ﺑﺎﻟﺴﻼﻣﺔ " وﻣﺎ إن ﺗﺮك اﻟﺸﻴﺦ اﻟﻤﻜﺎن ،ﺣﺘ ﻰ اﻣﺘﻄ ﻰ اﻷﻣﻴ ﺮ ﺳﻼر ﺻﻬﻮة ﺟﻮادﻩ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ . وارﺗﻔﻌ ﺖ أﺻ ﻮات اﻷﻣﻴ ﺮﻳﻦ وهﻤ ﺎ ﻋﻠ ﻰ ﻓﺮﺳ ﻴﻬﻤﺎ ،ﻳﻌﻨﻔ ﺎن اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﺑﻠﻐ ﺔ ﻟ ﻢ ﻳﻔﻬﻤﻬ ﺎ اﻟﺸ ﻴﺦ. . آﺎﻧﺎ ﻳﺘﺤﺪﺛﺎن ﺑﺎﻟﺘﺮآﻴﺔ. .
٤٨
وﻣﻀﻰ اﻟﺸﻴﺦ ،ﻓﺰار ﻗﺒﺮ اﻹﻣ ﺎم اﻟﺸ ﺎﻓﻌﻲ ،وﻗ ﺮأ اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ .وآﺎن ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﻰ اﻟﻘﺎهﺮة ﻗﺪ اﺳﺘﺮاح ﻓﻲ ﻏﺰة ،وﺣﺎﺿ ﺮ أهﻠﻬ ﺎ ﻓ ﻲ اﻟﻤﺴ ﺠﺪ ﻋ ﻦ ﻣﻨﺎﻗ ﺐ اﻹﻣ ﺎم اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ،اﻟﺬي وﻟﺪ وﺷﺐ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺘﻬﻢ. . . وروع اﻟﺸﻴﺦ ﻣﻦ اﻟﺰﺣﺎم ﻋﻠﻰ ﻗﺒ ﺮ اﻟﺸ ﺎﻓﻌﻲ! . . اﻟﻨ ﺎس ﻳﺘﻤﺴ ﺤﻮن ﺑﺎﻟﻀ ﺮﻳﺢ وﻳﻘ ﺪﻣﻮن إﻟﻴ ﻪ ﺷ ﻜﺎوى ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ،وﻳﺴﺄﻟﻮن اﻹﻣﺎم ﻓﻲ ﻗﺒﺮﻩ ﺣﺴﻦ اﻟﺸﻔﺎﻋﺔ . وﺧ ﺮج إﻟ ﻰ ﻗﺒ ﺮ اﺑ ﻦ دﻗﻴ ﻖ اﻟﻌﻴ ﺪ ،ﻓ ﺰارﻩ وﻗ ﺮأ اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ ،وﺳﺄل اﷲ ﻟﻪ اﻟﺮﺣﻤﺔ. . ﺛ ﻢ ﻋ ﺎد إﻟ ﻰ اﻟﺨ ﺎن اﻟ ﺬي ﺳ ﻴﻘﻴﻢ ﻓﻴ ﻪ . .وﻓ ﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،وﺟﺪ ﻣﻮاآﺐ ﻣ ﻦ رﺟ ﺎل ﻓ ﻲ ﻣﻼﺑ ﺲ ﻋﺠﻴﺒ ﺔ ﺗﺘﺪﻟﻰ ﺷﻌﻮرهﻢ ﻋﻠﻰ أآﺘﺎﻓﻬﻢ ،ﻳﺪﻗﻮن اﻟﺪﻓﻮف ،وﺗﺮﺗﻔﻊ أﺻ ﻮاﺗﻬﻢ ﺑﺎﻟﻐﻨ ﺎء ،وه ﻢ ﻳﺘﻄﻮﺣ ﻮن ﻋﻠ ﻰ إﻳﻘ ﺎع اﻟﺼ ﻨﺎﺟﺎت ! ! وﻋﻠ ﻰ اﻟﺠ ﺎﻧﺒﻴﻦ زﺣ ﺎم ﻧﺴ ﺎء، ورﺟﺎل ! ! أﻗﺎم اﻟﺸﻴﺦ أﻳﺎﻣ ًﺎ ﻓ ﻲ اﻟﺨ ﺎن ،ﻻ ﻳ ﺰورﻩ أﺣ ﺪ ،وﻻ ﻳﺮى ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ﻏﻴﺮ اﻟﺒﺼﺎﺻﻴﻦ واﻟﺠﻮاﺳﻴﺲ !
٤٩
ﻓﻠﻤﺎ ﻋﺮف ﺑﻌﺾ اﻟﺼ ﺎﻟﺤﻴﻦ ﺑﻮﺟ ﻮدﻩ دﻋ ﻮﻩ إﻟ ﻰ دورهﻢ . آﺎﻧ ﺖ ﺟﻠﺴ ﺎت اﻟﺸ ﻴﺦ ﻓ ﻲ دور اﻟﻌﻠﻤ ﺎء ،ﺣﺎﻓﻠ ﺔ ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﻇﺮة ﺣ ﻮل ﺁراﺋ ﻪ . .أﻗﺒﻠ ﻮا ﻋﻠﻴ ﻪ ﻣ ﺮﺣﺒﻴﻦ ﺑ ﻪ . . ﻓﻨﺼ ﺤﻬﻢ ﺷ ﺎآﺮًا أﻻ ﻳ ﺰوروﻩ ﺣ ﺬر اﻟﺠﻮاﺳ ﻴﺲ ،ﻓﻠ ﻢ ﻳﺒﺎﻟﻮا ،ودﻋﻮﻩ إﻟ ﻰ ﻣ ﺂدب اﻹﻓﻄ ﺎر واﻟﺴ ﺤﻮر .ودﻋ ﺎﻩ ﺑﻌﻀ ﻬﻢ إﻟ ﻰ إﻟﻘ ﺎء دروس ﻓ ﻲ اﻟﻤﺴ ﺎﺟﺪ ﻓﻠﻤ ﺎ ﺣﺎﺿ ﺮ اﻟﻨ ﺎس أﻋﺠﺒ ﻮا ﺑ ﻪ ،وﺑ ﺪأ اﺳ ﻤﻪ ﻳﺘ ﺮدد ﺑﺎﻹآﺒ ﺎر ﺑ ﻴﻦ اﻟﻌﺎﻣﺔ. . وأﺑ ﺪى ﻟﻬ ﻢ ﻋﺠﺒ ﻪ ﻟﻤ ﺎ ﻳ ﺮاﻩ ﻣ ﻦ اﺣﺘﻔ ﺎل أه ﻞ اﻟﻘ ﺎهﺮة ﺑ ﺄﻣﺮﻳﻦ :ﺑﺸ ﻬﺮ رﻣﻀ ﺎن ،وأﺿ ﺮﺣﺔ اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ !! آ ﻞ اﻟﺒﻴ ﻮت ﺗﻌﻠ ﻖ اﻟﻤﺼ ﺎﺑﻴﺢ ﻋﻠ ﻰ أﺑﻮاﺑﻬ ﺎ، واﻟﺤﻮاﻧﻴ ﺖ ﺗﻔ ﺘﺢ ﺑﻌ ﺪ ﺻ ﻼة اﻟﻌﺸ ﺎء إﻟ ﻰ اﻟﺴ ﺤﻮر، ﻣﺰداﻧ ﺔ ﺑﺎﻟﺮاﻳ ﺎت واﻟﻜ ﻮر اﻟﻤﻠﻮﻧ ﺔ ﺗﺴ ﻄﻊ ﻋﻠﻴﻬ ﺎ اﻷﺿﻮاء . .واﻟﺼﺒﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﻮارع ﺑﻔﻮاﻧﻴﺴﻬﻢ اﻟﺼﻐﻴﺮ اﻟﻤﺰرآﺸﺔ ﻳﺘﻐﻨﻮن ﺑﺮﻣﻀ ﺎن . .وأآ ﺪاس ﻣ ﻦ اﻟﺤﻠ ﻮى واﻟﻤﻜﺴﺮات ،ﺗﻐﻤﺮ اﻷرﺻ ﻔﺔ أﻣ ﺎم اﻟﺤﻮاﻧﻴ ﺖ ..وﻓ ﻲ
٥٠
اﻟﻤﺴ ﺎﺟﺪ اﻟﻜﺒ ﺮى وأﻣ ﺎم ﺑﻴ ﻮت اﻷﺛﺮﻳ ﺎء ،ﺗﻔ ﺮش اﻷﺳﻤﻄﺔ ﺑﺄﻓﺨﺮ أﻟﻮان اﻟﻄﻌﺎم ،ﻳﺄآﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﻳﺸﺎء. . وﻓﻲ ﺻﻼة اﻟﻌﺼ ﺮ ،ﻳﻌﺒ ﻖ اﻟﺒﺨ ﻮر ﻓ ﻲ اﻟﻤﺴ ﺎﺟﺪ اﻟﻜﺒ ﺮى اﻟﺘ ﻲ ﺑﻬ ﺎ أﺿ ﺮﺣﺔ ﻟﻸوﻟﻴ ﺎء ،وﻳﺘ ﺰاﺣﻢ اﻟﻨ ﺎس ﺑﻌ ﺪ اﻟﺼ ﻼة ﻋﻠ ﻰ اﻷﺿ ﺮﺣﺔ ﻳﻘﺒﻠ ﻮن اﻷرض، وﻳﺘﻤﺴﺤﻮن ﺑﻬﺎ ،وﻳﺘﻮﺳﻠﻮن ﺑﺴﻜﺎن اﻟﻘﺒﻮر! . . وﺳ ﺄﻟﻪ أﺣ ﺪ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء " :ﻋﺴ ﺎك ﺗﻨﻜ ﺮ ه ﺬا آﻠ ﻪ وﺗﺮاﻩ ﻣﻦ اﻟﺒﺪع واﻟﻀﻼﻻت ! " ﻗ ﺎل اﻟﺸ ﻴﺦ " :ﻣ ﺎ ﻗﺮأﻧ ﺎ ﻋ ﻦ ه ﺬا ﻓ ﻲ ﻋﻬ ﺪ اﻟﺮﺳﻮل أو اﻟﻘﺮون اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ اﻧﺘﻬﺖ ﺑﻈﻬﻮر اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ " ﻗﺎل ﻋﻠﻢ ﻣﻦ اﻟﺤﺎﺿﺮﻳﻦ " :ﻣ ﺎ آ ﻞ ﻣ ﺎ اﺳ ﺘﺤﺪث ﺑﻌ ﺪ ﻋﻬ ﺪ اﻟﺮﺳ ﺎﻟﺔ واﻟﺼ ﺤﺎﺑﺔ واﻟﺘ ﺎﺑﻌﻴﻦ واﻷﺋﻤ ﺔ اﻟﻌﻈﺎم ،ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺑﺪﻋﺔ ! " وﻗ ﺎل ﻋ ﺎﻟﻢ ﺛﺎﻟ ﺚ " :اﻟﺒﺪﻋ ﺔ ه ﻲ ﻣ ﺎ اﺳ ﺘﺤﺪث ﻣﺨﺎﻟﻔًﺎ ﻷﺻﻞ ﻓﻲ اﻟﺸﺮع" ورد اﻟﺸ ﻴﺦ ﺗﻘ ﻲ اﻟ ﺪﻳﻦ " :ه ﺬا ه ﻮ اﻟﻘ ﻮل .أﻣ ﺎ اﺣﺘﻔ ﺎﻟﻜﻢ ﻳ ﺎ أه ﻞ ﻣﺼ ﺮ ﺑﺸ ﻬﺮ رﻣﻀ ﺎن ،ﻓﻬ ﻮ أﻣ ﺮ
٥١
ﻣﺴﺘﺤﺪث وﻟﻜﻨﻪ ﻣﺴﺘﺤﺐ .ﻓﻬﻮ ﻓﺮﺟﺔ ﻟﻠﻨ ﺎس ،وإﻇﻬ ﺎر ﻟﻠﻔﺮﺣ ﺔ ﺑﺎﻟﺸ ﻬﺮ اﻟﻤﻌﻈ ﻢ ،وه ﺬا ه ﻮ ﻣ ﻦ ﺷ ﻌﺎﺋﺮ ﺗﻌﻈﻴﻤﻪ ،وهﻮ ﺗﻴﺴﻴﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻘﺮاء ﺑﺈﻃﻌﺎﻣﻬﻢ ﻣ ﻦ ﺧﻴ ﺮ ﻣﺎ ﻳﺄآﻠﻪ اﻷﻏﻨﻴﺎء . .وﺗﻘﻮﻳﺔ ﻷواﺻ ﺮ اﻟﻤ ﻮدة ﺑﺎﺟﺘﻤ ﺎع اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ اﻟﻄﻌﺎم .أﻣ ﺎ ﻇﻬ ﻮر اﻟﺼ ﺒﻴﺔ ﻓ ﻲ اﻟﺸ ﻮارع ﺑ ﺎﻟﻔﻮاﻧﻴﺲ اﻟﻤﺰرآﺸ ﺔ ﻓ ﺄﻣﺮ ﻳ ﺒﻬﺞ اﻟﻘﻠ ﻮب ،وﻳﻌ ﻮد اﻟﺼﺒﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺮﺣﺔ ﺑﺸﻬﺮ اﻟﺼ ﻴﺎم ،وﺗﻌﻈﻴﻤ ﻪ ..وإن آﺎن ﺗﻌﻈﻴﻢ اﻟﺸ ﻬﺮ اﻟﻤﺒ ﺎرك ﻳﺘ ﺄﺗﻰ ﻣ ﻦ ﻗ ﺮاءة اﻟﻘ ﺮﺁن، واﻟﺘﺰام أﺻﻮل اﻟﺼﻴﺎم ،وﺗﻔﻬﻢ ﺣﻜﻤﺘﻪ " ﻗ ﺎل أﺣ ﺪ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء " :أﻟ ﻢ ﺗﺸ ﺎهﺪ زﺣ ﺎم اﻟﻤﺴ ﺎﺟﺪ ﺑﺎﻟﻤﺼﻠﻴﻦ ،وﻋﻜﻮﻓﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻗﺮاءة اﻟﻘﺮﺁن ﺑﻌﺪ اﻟﺼ ﻼة، واهﺘﻤﺎﻣﻬﻢ ﺑﺎﻟﺪروس اﻟﺘ ﻲ ﻳﻠﻘﻴﻬ ﺎ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء ﻋ ﻦ اﻟﺼ ﻴﺎم وﺷ ﺮوﻃﻪ وﺣﻜﻤﺘ ﻪ وﺁداﺑ ﻪ؟! . .أﻻ ﺗ ﺮى ه ﺬا ﺗﻌﻈﻴﻤ ًﺎ ﻟﻠﺸ ﻬﺮ اﻟﻤﺒ ﺎرك ﺑﻌ ﺪ ﻋﻬ ﺪ اﻟﺮﺳ ﺎﻟﺔ واﻟﻘ ﺮون اﻟﺜﻼﺛ ﺔ اﻷوﻟﻰ؟! " رد اﻟﺸﻴﺦ " :ﻟﻴﺴﺖ آ ﻞ اﻟﻤﺴ ﺎﺟﺪ . .ﻓﻘ ﺪ ﻋﺎﻳﻨ ﺖ هﺬا ﺑﻨﻔﺴﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ اﻟﺘ ﻲ ﺑﻬ ﺎ أﺿ ﺮﺣﺔ .وﺷ ﺎهﺪت ﻓﻴﻬ ﺎ ﻣ ﻦ اﻟﺒ ﺪع ﻣ ﺎ أﻋﺠ ﺐ ﻣ ﻦ ﺳ ﻜﻮﺗﻬﻢ ﻋﻠﻴ ﻪ ! ! إن
٥٢
هﺆﻻء اﻟﻤﻨﺘﺴﺒﻴﻦ إﻟﻰ اﻟﺘﺼﻮف ﻳﺮﻓﻌﻮن ﻋﻘﺎﺋﺮهﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﺴ ﺎﺟﺪ ﺑﺎﻟﻐﻨ ﺎء ،وﻳﻄﺮﺣ ﻮن أﺟﺴ ﺎدهﻢ وﻳﺮﻗﺼ ﻮن ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺬآﺮ. . وﻣ ﺎ ه ﺬا ه ﻮ اﻟ ﺬآﺮ اﻟ ﺬي أرادﻩ اﷲ ورﺳ ﻮﻟﻪ .. وﻟ ﻮ آ ﺎن ه ﺬا ﻣ ﻦ اﻟﺸ ﺮع ﻟﺴ ﻨﻪ اﻟﺮﺳ ﻮل وﻟﺠ ﺮى ﻋﻠﻴ ﻪ ﺻ ﺤﺎﺑﺘﻪ واﻟﺘ ﺎﺑﻌﻮن ! وﻟﻜﻨ ﻪ اﻟﺒﺪﻋ ﺔ!! اﻟﺒﺪﻋ ﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ إﻧﻜﺎرهﺎ ،وﺗﻐﻴﻴﺮهﺎ " ﻓﻘﺎل ﻟﻪ أﺣﺪ اﻟﻌﻠﻤﺎء " :هﻮن ﻋﻠﻴﻚ ﻳ ﺎ ﺷ ﻴﺦ ﺗﻘ ﻲ اﻟﺪﻳﻦ ،وآﻒ ﻳﺪك ﻋﻦ ﺻ ﻮﻓﻴﺔ ﻣﺼ ﺮ وﻣ ﺎ ﻳﺼ ﻨﻌﻮن، وإﻻ أدﺧﻠﺖ ﻧﻔﺴﻚ ﻣﺪاﺧﻞ ﻻ ﺗﻌﺮف ﻋﻘﺒﺎهﺎ " رد اﻟﺸﻴﺦ " :اﻟﺤﻖ أن ﻳﻘﺎل .أﺳﻨﺔ ﻣ ﺎ ﻳﻔﻌﻠﻮﻧ ﻪ أم ﺑﺪﻋﺔ. .؟! " ﻗ ﺎل اﻟﻌ ﺎﻟﻢ " :ﻣ ﺎ ه ﻮ ﺑﺎﻟﺴ ﻨﺔ وﻻ اﻟﺒﺪﻋ ﺔ .وﻟﻜ ﻦ ﻻ ،وه ﻢ ﻳ ﺬآﺮون اﷲ ﻋﻠ ﻰ ﻃ ﺮﻳﻘﺘﻬﻢ ،ﻓ ﻼ ﻟﻬ ﻢ أﺣ ﻮا ً ﺿﻴﺮ ﻓﻲ هﺬا " ﺗﺪﺧﻞ ﺷﻴﺦ ﺁﺧﺮ " :ﻟﻨ ﺎ ﻣﻌ ﻚ ﺣ ﺪﻳﺚ ﻃﻮﻳ ﻞ ﻋ ﻦ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ وأﻓﻌ ﺎﻟﻬﻢ ،ﻓﻠﺴ ﻨﺎ ﻧﻘ ﺮ آﺜﻴ ﺮًا ﻣﻤ ﺎ ﻳﻔﻌﻠ ﻮن، وﻟﻜﻨﻨ ﺎ ﻧﻌﺘ ﺮف ﻟ ﺒﻌﺾ ﺷ ﻴﻮﺧﻬﻢ ﻻ ﻟﻬ ﻢ آﻠﻬ ﻢ .آ ﺎن
٥٣
اﻟﺠﻨﻴ ﺪ ﻳﻌﻠ ﻢ ﻣﺮﻳﺪﻳ ﻪ أن اﻟﻤ ﺪﺧﻞ اﻟﺤ ﻖ ﻟﻠﺘﺼ ﻮف ه ﻮ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﻜﺎﻣﻞ ﺑﺎﻟﻜﺘ ﺎب واﻟﺴ ﻨﺔ ..وﻟﻜ ﻨﻬﻢ ﻟﻴﺴ ﻮا ﺟﻤﻴﻌ ًﺎ آﺎﻟﺸﻴﺦ اﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﺠﻨﻴﺪ ،ﻓﻤﻨﻬﻢ ﻣ ﻦ ﻏ ﺎﻟﻰ ﻓ ﻲ اﻹﺷ ﺎرة واﻹﺑﻬ ﺎم ،ﺣﺘ ﻰ ﺣﺴ ﺒﺖ ﻋﺎﻣ ﺔ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ أن اﻟﺘﻜ ﺎﻟﻴﻒ اﻟﺸ ﺮﻋﻴﺔ ﺗﺴ ﻘﻂ ﻋ ﻨﻬﻢ ،وﺣﺴ ﺒﻬﻢ اﻟ ﻮﻻء ﻟﻠﻘﻄ ﺐ ،ﻓ ﻲ ﺣﻴﺎﺗ ﻪ وﻣﻤﺎﺗ ﻪ ! . .وﻣ ﻦ ه ﺆﻻء ﻣ ﻦ ﻳﺘﺤ ﺪث ﻋ ﻦ اﻟﺤﻠ ﻮل ووﺣ ﺪة اﻟﻮﺟ ﻮد ،وه ﻲ ﻣ ﺬاهﺐ وﺛﻨﻴ ﺔ . .وﻣ ﺎ ﻇ ﻨﻜﻢ ﺑ ﺎﺑﻦ ﻋﺮﺑ ﻲ اﻟﻤﻐﺮﺑ ﻲ اﻟ ﺬي ﻋ ﺎش ﻓ ﻲ ﻣﺼ ﺮ، وﺗﻠﻤﻴﺬﻩ اﻟﻤﺼﺮي اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻤﺘﺼ ﻮف اﺑ ﻦ اﻟﻔ ﺎرض؟! أهﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻨﺔ؟! أﻧﺎ ﻻ أﺳﻮي ﺑ ﻴﻦ ﺷ ﻴﻮخ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ، ﻓﻠ ﻴﺲ ﻣ ﻦ ﻧ ﺎدى ﺑ ﺎﻟﺤﻠﻮل ووﺣ ﺪة اﻟﻮﺟ ﻮد آﻬ ﺬﻳﻦ ﻼ اﻟﺮﺟﻠﻴﻦ ،ﻣﺜﻞ ﻣﻦ ﺟﻌﻠﻮا إﺗﻘﺎن اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﺔ ﻣﺪﺧ ً ﻟﻠﺘﺼ ﻮف ،وﻋﺮﻓ ﻮا اﻟﺘﺼ ﻮف زه ﺪًا ﻳﻨ ﺰﻩ اﻟ ﻨﻔﺲ ﻋ ﻦ اﻟﻄﻤ ﻊ واﻟﺼ ﻐﺎر وﻣﺪاهﻨ ﺔ اﻟﺤﻜ ﺎم ،ﻓﺠﻌﻠﻬ ﻢ ﺗﺼ ﻮﻓﻬﻢ ﻣﺠﺎه ﺪﻳﻦ أﺷ ﺪاء ﻓ ﻲ ﺳ ﺒﻴﻞ اﷲ ،ﻣﺜ ﻞ أﺑ ﻲ اﻟﺤﺴ ﻦ اﻟﺸ ﺎذﻟﻲ ،واﻟﺴ ﻴﺪ أﺣﻤ ﺪ اﻟﺒ ﺪوي ،واﻟﺠﻴﻼﻧ ﻲ وأﺑ ﻲ اﻟﻌﺎﺑﺲ اﻟﻤﺮﺳ ﻲ ،وﻏﻴ ﺮهﻢ وﻏﻴ ﺮهﻢ ..وإن آ ﺎن ﻣ ﻦ
٥٤
أﺗﺒ ﺎع ه ﺆﻻء ﻣ ﻦ ﺳ ﻠﻚ ﻃﺮﻳﻘ ًﺎ ﺁﺧ ﺮ ،ﻓﺎﺳ ﺘﻐﺎﺛﻮهﻢ ﻓ ﻲ أﺿﺮﺣﺘﻬﻢ ! " .. ﻗ ﺎل أﺣ ﺪ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء " :ﻓﻠﺘ ﺪع ه ﺬا إﻟ ﻰ ﻏﻴ ﺮﻩ ﻣ ﻦ ﺷ ﺌﻮﻧﻚ ﻳ ﺎ ﺷ ﻴﺦ ﺗﻘ ﻲ اﻟ ﺪﻳﻦ ﻓﺄﻧ ﺖ ﻣﻘﺒ ﻞ ﻋﻠ ﻰ اﻣﺘﺤ ﺎن ﻋﺴﻴﺮ ،وﻗﺪ ﻋﻠﻤﺖ أن اﻷﻣﻴﺮ ﺑﻴﺒﺮس اﻟﺠﺎﺷﻨﻜﻴﺮ ،أﻋ ﺪ ﻟ ﻚ ﻗﺎﺿ ﻲ اﻟﻤﺎﻟﻜﻴ ﺔ زﻳ ﻦ اﻟ ﺪﻳﻦ ﺑ ﻦ ﻣﺨﻠ ﻮف ،وه ﻮ أﻗﺴ ﻰ اﻟﻘﻀ ﺎة ،ﺛ ﻢ ﻧﺼ ﺮ اﻟ ﺪﻳﻦ اﻟﻤﻨﺒﺠ ﻲ ،وه ﻮ ﻣﺘﺼ ﻮف ﻳﻌﺘﻘ ﺪ اﻷﻣﻴ ﺮ ﺑﻴﺒ ﺮس ﻓ ﻲ آﺮاﻣﺎﺗ ﻪ . .وآ ﻼ اﻟﺮﺟﻠﻴﻦ ﻓﻆ ﻏﻠﻴﻆ اﻟﻘﻠﺐ ﻻ ﻳﻘﺒﻞ ﺧﻼﻓًﺎ ،وﻻ ﻳﺤﻜﻢ ﺑﻤ ﺎ دون اﻟﻜﻔﺮ ﻋﻠ ﻰ ﻣﺨﺎﻟﻔﻴ ﻪ ﻓ ﺪع ﺣ ﺪﻳﺚ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ اﻵن، أﺻﻠﺢ اﷲ ﺷﺄﻧﻚ " ﻗﺎل اﻟﺸﻴﺦ " :ﻟﻦ أآﺘﻢ ﻗﻮﻟﺔ اﻟﺤ ﻖ ﻣﻬﻤ ﺎ أﻟ ﻖ ﻓ ﻲ ﺳ ﺒﻴﻠﻬﺎ ..ﻓﻜﻠﻤ ﺔ اﻟﺤ ﻖ أﻣ ﺎم ﺳ ﻠﻄﺎن ﺟ ﺎﺋﺰ ﺟﻬ ﺎد ﻓ ﻲ ﺳ ﺒﻴﻞ اﷲ ،ﺑ ﻞ ه ﻲ أﻓﻀ ﻞ اﻟﺠﻬ ﺎد آﻤ ﺎ ﻗ ﺎل اﻟﺮﺳ ﻮل ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم " . ﻗ ﺎل أﺣ ﺪ اﻟﺸ ﻴﻮخ " :ﻣﻌ ﺎذ اﷲ ﻳ ﺎ ﺷ ﻴﺦ ﻣ ﺎ آ ﺎن أﺣ ﺪ ﻣﻨ ﺎ ﻟﻴ ﺪﻋﻮك إﻟ ﻰ آﺘﻤ ﺎن اﻟﺸ ﻬﺎدة ﺑ ﺎﻟﺤﻖ .وﻧﺤ ﻦ ﻧﻨﻜﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺘﺴﺒﻴﻦ إﻟﻰ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ آﺜﻴ ﺮًا ﻣﻤ ﺎ ﺗﻨﻜ ﺮﻩ.
٥٥
وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻧﺮاك أﻣ ﺎم ﺷ ﺮك ﺗﺴ ﺘﺪرج إﻟﻴ ﻪ ،ﻓ ﻼ ﺗﻘ ﻊ ﻓﻴ ﻪ ! وﻧﻨﺼ ﺢ ﻟ ﻚ ﺑﺤﺴ ﻦ اﻟﺤﻴﻠ ﺔ أﻣ ﺎم اﻟﻤﻜ ﺮ اﻟﺴ ﻴﺊ ،وأﻧ ﺖ ﻓﻄ ﻦ .وﻗ ﺪ ﻗ ﺎل اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ(:وﻻ ﺗﻠﻘ ﻮا ﺑﺄﻳ ﺪﻳﻜﻢ إﻟ ﻰ اﻟﺘﻬﻠﻜﺔ . وﻗﺒ ﻞ أن ﻳ ﺮد اﻟﺸ ﻴﺦ أﺿ ﺎف أﺣ ﺪ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء " : واﻋﻠﻢ ﻳﺎ ﺷﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺣﻤﺎك اﷲ ،أن اﻷﻣﻴﺮ ﺑﻴﺒﺮس اﻟﺠﺎﺷﻨﻜﻴﺮ ،آ ﺎن ﻗ ﺪ رﺳ ﻢ ﺑ ﺄن ﺗﺒﻘ ﻰ وﺣﻴ ﺪًا ﻣﺤﺎﺻ ﺮًا ﻓﻲ اﻟﻮﺣﺪة ،ﺣﺘﻰ ﻳﻀ ﻨﻴﻚ اﻟﺴ ﺄم ،ﻓﺘﻀ ﻌﻒ ،ﻓﻠﻤ ﺎ ﻋﻠ ﻢ أﻧ ﻚ ﺗ ﺮوح وﺗﺠ ﻲء ،وﺗﻐﺸ ﻰ اﻟﻤﺴ ﺎﺟﺪ واﻟﻤﺠ ﺎﻟﺲ، وﻟﻤ ﺎ ﻧﻘ ﻞ ﻟ ﻪ اﻟﺒﺼﺎﺻ ﻮن واﻟﺠﻮاﺳ ﻴﺲ ،أﻧ ﻚ ﺗﻜﺴ ﺐ ﺗﻘﺪﻳﺮ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻳﻮﻣًﺎ ﺑﻌﺪ ﻳﻮم ،ﺧﺸﻲ أن ﻳﻜﺜ ﺮ أﻧﺼ ﺎرك، ﻓﻴﺼﻌﺐ ﺿﺮﺑﻚ " .. ﺗﺪﺧﻞ ﻋﺎﻟﻢ ﺁﺧﺮ " :وﺳﺘﺨﺴﺮ أﻧ ﺖ ﺣ ﺐ اﻟﻌﺎﻣ ﺔ، وﻳﻨﻘﻠﺒ ﻮن ﻋﻠﻴ ﻚ وه ﻢ ﻗ ﻮة ،إذا ﺟ ﺎهﺮت ﺑﻤﻬﺎﺟﻤ ﺔ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ وﻣ ﺎ ﻳﻔﻌﻠ ﻮن ..ﻓﺄﻧ ﺖ ﻻ ﺗﻌ ﺮف ﺳ ﻠﻄﺎﻧﻬﻢ ﻼ ﻋﻦ اﻷﻣﺮاء " ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﻀ ً رد اﻟﺸ ﻴﺦ " :أﺳ ﻜﺖ واﻟﻌﺎﻣ ﺔ ﻳﺘﺸ ﻔﻌﻮن ﺑﺴ ﻜﺎن اﻟﻘﺒ ﻮر ،وﻳﺘﻤﺴ ﺤﻮن ﺑﺎﻷﺿ ﺮﺣﺔ ،وﻳﺼ ﻠﻮن ﻋﻠﻴﻬ ﺎ،
٥٦
وﻳﺪﻋﻮن ﻋﻨﺪهﺎ؟!! ﻟﻮ آﺎن هﺬا ﻣ ﻦ اﻟﺸ ﺮع ﻷﻣﺮﻧ ﺎ ﺑ ﻪ اﻟﺮﺳﻮل ،وﻗﺪ أﻣﺮ ﺑﻜ ﻞ ﻣﻌ ﺮوف ،وﻧﻬ ﻰ ﻋ ﻦ آ ﻞ ﻣﻨﻜﺮ ،وﻣﺎ ﺗﺮك ﺷﻴﺌًﺎ ﻳﻘﺮب إﻟ ﻰ اﻟﺠﻨ ﺔ إﻻ وﻗ ﺪ ﺣ ﺪث أﻣﺘﻪ ﺑ ﻪ ،وﻻ ﺷ ﻴﺌًﺎ ﻳﺒﻌ ﺪ ﻋ ﻦ اﻟﻨ ﺎر إﻻ وﻗ ﺪ ﺣ ﺬر أﻣﺘ ﻪ ﻣﻨ ﻪ .ﻓﻜﻴ ﻒ ﺑﻨﻬﻴ ﻪ وﻟﻌﻨ ﻪ ﻋ ﻦ اﺗﺨ ﺎذ اﻟﻘﺒ ﻮر ﻣﺴ ﺎﺟﺪ؟ ﻧﻬﻰ ﻋ ﻦ اﻟﺼ ﻼة ﷲ ﻣﺴ ﺘﻘﺒﻼ ﻟﻬ ﺎ ،وإن آ ﺎن اﻟﻤﺼ ﻠﻲ ﻻ ﻳﻌﺒ ﺪ اﻟﻤ ﻮﺗﻰ وﻻ ﻳ ﺪﻋﻮهﻢ ،آﻤ ﺎ ﻧﻬ ﻰ ﻋ ﻦ اﻟﺼ ﻼة وﻗ ﺖ ﻃﻠ ﻮع اﻟﺸ ﻤﺲ ووﻗ ﺖ اﻟﻐ ﺮوب ،ﻷﻧﻬ ﺎ وﻗ ﺖ ﺻﻼة اﻟﻤﺸﺮآﻴﻦ ﻟﻠﺸﻤﺲ وإن آ ﺎن اﻟﻤﺼ ﻠﻲ ﻻ ﻳﺴ ﺠﺪ إﻻ ﷲ ،ﺳﺪًا ﻟﻠﺬرﻳﻌﺔ . .ﻓﻜﻴﻒ إذا ﺗﺤﻘﻘ ﺖ اﻟﻤﻔﺴ ﺪة ﺑ ﺄن آ ﺎن اﻟﻌﺒ ﺪ ﻳ ﺪﻋﻮ اﻟﻤﻴ ﺖ وﻳ ﺪﻋﻮ ﺑ ﻪ؟! إن أﺻ ﻞ ﻋﺒ ﺎدة اﻷوﺛ ﺎن ﺟ ﺎء ﻣ ﻦ ﺗﻌﻈ ﻴﻢ اﻟﻘﺒ ﻮر ،آﻤ ﺎ ﻗ ﺎل ﺗﻌ ﺎﻟﻰﻓﻲ ﺳﻮرة ﻧﻮح :وﻗﺎﻟﻮا ﻻ ﺗﺬرن ﺁﻟﻬﺘﻜﻢ ،وﻻ ﺗ ﺬرون ودًا وﻻ ﺳ ﻮاﻋًﺎ وﻻ ﻳﻐ ﻮث وﻳﻌ ﻮق وﻧﺴ ﺮًا .ﻗ ﺎل اﻟﺴ ﻠﻒ آﺎﺑﻦ ﻋﺒﺎس وﻏﻴﺮﻩ آﺎن هﺆﻻء ﻗﻮﻣًﺎ ﺻﺎﻟﺤﻴﻦ ﻓﻲ ﻗﻮم ﻧ ﻮح ،ﻓﻠﻤ ﺎ ﻣ ﺎﺗﻮا ﻋﻜﻔ ﻮا ﻋﻠ ﻰ ﻗﺒ ﻮرهﻢ ،ﺛ ﻢ ﺻ ﻮروا ﺗﻤﺎﺛﻴﻠﻬﻢ ،ﺛﻢ ﻋﺒﺪوهﻢ .
٥٧
وأﻣﺎ ﻣ ﺎ ﺣﻜ ﻰ ﻋﻨ ﻪ ﺑﻌ ﺾ اﻟﻤﺸ ﺎﻳﺦ ﻣ ﻦ ﻗﻮﻟ ﻪ إذا ﻧﺰل ﺑﻚ ﺣﺎدث ﻓﺎﺳﺘﻮﺣﻨﻲ ،ﻓﻴﻜﺸﻒ ﻣ ﺎ ﺑ ﻚ ﻣ ﻦ اﻟﺸ ﺪة ﺣﻴ ًﺎ آﻨ ﺖ أو ﻣﻴﺘ ًﺎ ،ﻓﻬ ﺬا اﻟﻜ ﻼم وﻧﺤ ﻮﻩ إﻣ ﺎ أن ﻳﻜ ﻮن آﺬﺑًﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻗﻞ أو ﺧﻄﺄ ﻣﻦ اﻟﻘﺎﺋﻞ. . وﻣ ﻦ اﻟﻤﻌﻠ ﻮم أن اﷲ ﻟ ﻢ ﻳﺮﻏ ﺐ ﺑﻤﺜ ﻞ ه ﺬا ،وﻻ رﺳﻠﻪ أﻣﺮوا ﺑﺬﻟﻚ .ﺑﻞ ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ :ﻓ ﺈذا ﻓﺮﻏ ﺖ ﻓﺎﻧﺼ ﺐ ،وإﻟ ﻰ رﺑ ﻚ ﻓﺎرﻏ ﺐ وﻟ ﻢ ﻳﻘ ﻞ ارﻏ ﺐ إﻟ ﻰ اﻷﻧﺒﻴ ﺎء واﻟﻤﻼﺋﻜ ﺔ ،ﻓﻜﻴ ﻒ ﺑﻤ ﻦ ه ﻢ دوﻧﻬ ﻢ ،وﻗ ﺎل ﺗﻌ ﺎﻟﻰ :أدﻋ ﻮا اﻟ ﺬﻳﻦ زﻋﻤ ﺘﻢ ﻣ ﻦ دوﻧ ﻪ ﻓ ﻼ ﻳﻤﻠﻜ ﻮن ﻼ .أوﻟﺌ ﻚ اﻟ ﺬﻳﻦ ﻳ ﺪﻋﻮن آﺸﻒ اﻟﻀﺮ ﻋ ﻨﻜﻢ وﻻ ﺗﺤ ﻮﻳ ً ﻳﺒﺘﻐ ﻮن إﻟ ﻰ رﺑﻬ ﻢ اﻟﻮﺳ ﻴﻠﺔ أﻳﻬ ﻢ أﻗ ﺮب وﻳﺮﺟ ﻮن رﺣﻤﺘﻪ وﻳﺨﺎﻓﻮن ﻋﺬاﺑﻪ إن ﻋﺬاب رﺑ ﻚ آ ﺎن ﻣﺤ ﺬورًا ﻗﺎل ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻒ آﺎن أﻗ ﻮام ﻳ ﺪﻋﻮن اﻟﻌﺰﻳ ﺮ واﻟﻤﺴﻴﺢ واﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ،ﻓﺄﻧﺰل اﷲ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ . وهﺬا رﺳﻮل اﷲ ﻟﻢ ﻳﻘﻞ ﻷﺣﺪ ﻣﻦ أﺻﺤﺎﺑﻪ إذا ﻧﺰل ﺑﻚ ﺣﺎدث ﻓﺎﺳﺘﻮﺣﻨﻲ ﺑﻞ ﻗﺎل ﻻﺑ ﻦ ﻋﻤ ﻪ ﻋﺒ ﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻋﺒ ﺎس وه ﻮ ﻳﻮﺻ ﻴﻪ " :اﺣﻔ ﻆ اﷲ ﻳﺤﻔﻈ ﻚ ،اﺣﻔ ﻆ
٥٨
اﷲ ﺗﺠ ﺪﻩ أﻣﺎﻣ ﻚ .ﺗﻌ ﺮف إﻟ ﻰ اﷲ ﻓ ﻲ اﻟﺮﺧ ﺎء ﻳﻌﺮﻓ ﻚ ﻓﻲ اﻟﺸﺪة .إذا ﺳ ﺄﻟﺖ ﻓﺎﺳ ﺄل اﷲ وإذا اﺳ ﺘﻌﻨﺖ ﻓﺎﺳ ﺘﻌﻦ ﺑﺎﷲ " وأﻣﺎ ﻗﻮل اﻟﻘﺎﺋﻞ إن ﻣﻦ ﻗﺮأ ﺁﻳﺔ اﻟﻜﺮﺳﻲ واﺳﺘﻘﺒﻞ ﺟﻬ ﺔ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻋﺒ ﺪ اﻟﻘ ﺎدر اﻟﺠﻴﻼﻧ ﻲ رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨ ﻪ، وﺳ ﻠﻢ ﻋﻠﻴ ﻪ ،وﺧﻄ ﺎ ﺳ ﺒﻊ ﺧﻄ ﻮات ،ﻳﺨﻄ ﻮ ﻣ ﻊ آ ﻞ ﺗﺴﻠﻴﻤﺔ ﺧﻄﻮة إﻟﻰ ﻗﺒﺮﻩ .ﻓﻬﺬا ﺷﺮك ﺑﺮب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ! وﻻ رﻳﺐ أن اﻟﺸﻴﺦ ﻋﺒﺪ اﻟﻘ ﺎدر اﻟﺠﻴﻼﻧ ﻲ ﻟ ﻢ ﻳﻘ ﻞ هﺬا ،وﻻ أﻣﺮ ﺑﻪ ،وﻣ ﻦ ﻧﻘ ﻞ ﻣﺜ ﻞ ذﻟ ﻚ ﻋﻨ ﻪ ﻓﻘ ﺪ آ ﺬب ﻋﻠﻴﻪ !. . وﻗ ﺪ ﺛﺒ ﺖ ﻓ ﻲ اﻟﺼ ﺤﻴﺢ ﻋ ﻦ اﻟﻨﺒ ﻲ ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟﺼ ﻼة واﻟﺴﻼم) :ﻻ ﺗﺠﻠﺴﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺒﻮر ،وﻻ ﺗﺼﻠﻮا إﻟﻴﻬﺎ( وﻣ ﺎ ﻳﻔﻌﻠ ﻪ ﺑﻌ ﺾ اﻟﻨ ﺎس ﻣ ﻦ اﻟﺼ ﻼة واﻟ ﺪﻋﺎء ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻘﺎل إﻧﻪ ﻗﺒﺮ ﻧﺒﻲ أو ﻗﺒﺮ أﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺼ ﺤﺎﺑﺔ آﻤ ﺎ ﻳﺤﺪث ﻓﻲ اﻟﻤﻮﺿﻊ اﻟﺬي ﻳﻘ ﺎل إﻧ ﻪ ﻗﺒ ﺮ ه ﻮد ﺑﺪﻣﺸ ﻖ، أو أن ﺗﺤﺘ ﻪ رأس ﻳﺤﻴ ﻰ ﺑ ﻦ زآﺮﻳ ﺎ وﻧﺤ ﻮ ذﻟ ﻚ ،ﻓﻬ ﻮ ﻣﺨﻄ ﺊ ﻣﺒﺘ ﺪع ﻣﺨ ﺎﻟﻒ ﻟﻠﺴ ﻨﺔ .ﻓ ﺈن اﻟﺼ ﻼة واﻟ ﺪﻋﺎء ﺑﻬﺬﻩ اﻷﻣﻜﻨﺔ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻣﺰﻳﺔ ﻋﻨﺪ واﺣﺪ ﻣﻦ ﺳ ﻠﻒ اﻷﻣ ﺔ
٥٩
وأﺋﻤﺘﻬﺎ ،وﻻ آﺎﻧﻮا ﻳﻔﻌﻠﻮن ذﻟﻚ ،ﺑﻞ آﺎﻧﻮا ﻳﻨﻬ ﻮن ﻋ ﻦ ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ ،آﻤﺎ ﻧﻬﺎهﻢ اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻦ ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ ودواﻋﻴﻪ. . ﻓ ﻼ ﻳﻘ ﺎل ﻋﻨ ﺪ ﻗﺒ ﺮ أﺣ ﺪ ﻣ ﻦ ه ﺆﻻء) :اﺷ ﻔﻨﻲ أو أﻏﻨﻨ ﻲ أو ارﻓ ﻊ اﻟﻜ ﺮب ﻋﻨ ﻲ( .ﻓﻬ ﺬا آﻠ ﻪ ﻣ ﻦ ﺑ ﺎب اﻟﺸﺮك ..إﻧﻤﺎ اﻟﺪﻋﺎء ﷲ وﺣﺪﻩ ﻗ ﺎل أﺣ ﺪ اﻟﺤﺎﺿ ﺮﻳﻦ " :ﻣﺘ ﻰ ﻳ ﺄﺗﻲ اﻣﺘﺤﺎﻧ ﻚ وﺗﺨ ﺮج ﻣﻨ ﻪ ﺑﺴ ﻼم ﻳ ﺎ ﺷ ﻴﺦ ﺗﻘ ﻲ اﻟ ﺪﻳﻦ؟ ﻓﺄﻧ ﺎ أﺧﺸ ﻰ ﻋﻠﻴﻚ ﺑﻄﺶ اﺑﻦ اﻟﻤﻨﺒﺠ ﻲ ،وه ﻮ ﻣ ﻦ اﻟ ﺬﻳﻦ ﻳﺘﻤﺴ ﺤﻮن ﻻ ﻣ ﻦ أن ﻳ ﺪﻋﻮ ﺑﺎﻷﺿﺮﺣﺔ ،وﻳﺪﻋﻮن ﺳﻜﺎن اﻟﻘﺒﻮر ﺑﺪ ً اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ" ودﺧ ﻞ أﺣ ﺪ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء ﻓﻘ ﺎل إﻧ ﻪ ﻋﻠ ﻢ أن اﻟﺸ ﻴﺦ ﺳ ﻴﻤﺘﺤﻦ وﺷ ﻴﻜًﺎ .ﻓﻘ ﺪ اﺗﻔ ﻖ اﻷﻣﻴ ﺮ ﺳ ﻼر واﻷﻣﻴ ﺮ ﺑﻴﺒ ﺮس اﻟﺠﺎﺷ ﻨﻜﻴﺮ ﻋﻠ ﻰ ﻣﺠﻠ ﺲ اﻻﻣﺘﺤ ﺎن .وآ ﺎن اﻷﻣﻴ ﺮ ﺳ ﻼر ﻗ ﺪ أراد اﺳ ﺘﺒﻌﺎد اﻟﺸ ﻴﺦ اﺑ ﻦ اﻟﻤﻨﺒﺠ ﻲ واﻟﺸﻴﺦ اﺑﻦ ﻣﺨﻠﻮف ،ﻟﺴﻮء رأﻳ ﻪ ﻓﻴﻬﻤ ﺎ وﻟﻜ ﻦ اﻷﻣﻴ ﺮ ﺑﻴﺒ ﺮس ﺻ ﻤﻢ ﻋﻠﻴﻬﻤ ﺎ ،وأوﺷ ﻚ اﻷﻣﻴ ﺮان أن ﻳﺨﺘﻠﻔ ﺎ، وﻗﺪ اﺗﻔﻘﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻋﻠﻰ أﻻ ﻳﺨﺘﻠﻔﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﺧﻄ ﺮﻩ ،ﻟﻴﺴ ﺘﻄﻴﻌﺎ اﻻﺳ ﺘﻤﺮار ﻓ ﻲ اﻻﺳ ﺘﺌﺜﺎر ﺑﺎﻟﺴ ﻠﻄﺔ
٦٠
دون اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑ ﻦ ﻗ ﻼوون ،وﻟﻴﺴ ﺘﻄﻴﻌﺎ ﻋﺰﻟﻪ ﺁﺧﺮ اﻷﻣﺮ. واﺗﻔﻖ اﻷﻣﻴﺮان ﻋﻠﻰ إﺑﻌﺎد اﺑ ﻦ اﻟﻤﻨﺒﺠ ﻲ ،وﻋﻠ ﻰ أن ﻳﻜﻮن اﻟﻤﺠﻠﺲ ﻣﻦ ﻗﻀﺎة ﻳﺮأﺳﻬﻢ اﺑﻦ ﻣﺨﻠﻮف . ٭٭٭ ﻋﻘ ﺪ اﻟﻤﺠﻠ ﺲ ﻓ ﻲ اﻟﻘﻠﻌ ﺔ ﻻﻣﺘﺤ ﺎن اﻟﺸ ﻴﺦ ﺗﻘ ﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻘﻴﺪﺗﻪ . ﺑ ﺪأ زﻳ ﻦ اﻟ ﺪﻳﻦ ﺑ ﻦ ﻣﺨﻠ ﻮف ﻣﺠﻠ ﺲ اﻻﻣﺘﺤ ﺎن ﺑﺴ ﺆال ﻻﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ " :أﻧ ﺖ ﻣﻬ ﺘﻢ ﺑﺄﻧ ﻚ ﺗﻘ ﻮل إن اﷲ ﻳﺠﻠ ﺲ ﻓ ﻮق اﻟﻌ ﺮش ﺣﻘﻴﻘ ﺔ ،وأﻧ ﻪ ﻳ ﺘﻜﻠﻢ ﺑﺤ ﺮف وﺻﻮت .أﺟﺐ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻳﺎ ﻓﻘﻴﻪ " . ﺑﺪأ اﻟﺸﻴﺦ إﺟﺎﺑﺘﻪ ﺑﺤﻤﺪ اﷲ واﻟﺜﻨﺎء ﻋﻠﻴﻪ واﻟﺼ ﻼة واﻟﺴﻼم ﻋﻠﻰ ﺳﻴﺪ اﻟﻤﺮﺳﻠﻴﻦ . ﻓﻠ ﻢ ﻳﺘﺮآ ﻪ اﺑ ﻦ ﻣﺨﻠ ﻮف ﻳﻜﻤ ﻞ ،واﻋﺘﺮﺿ ﻪ ﻓ ﻲ ﺣﺪة " :أﺟﺐ وﻻ ﺗﺨﻄﺐ" ﻓﺎﺗﺠ ﻪ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ إﻟ ﻰ اﻟﻘﻀ ﺎة أﻋﻀ ﺎء اﻟﻤﺠﻠ ﺲ ﻳﺴﺄﻟﻬﻢ " :ﻣﻦ اﻟﺤﺎآﻢ ﻓﻲ اﻟﻴ ﻮم" ﻗ ﺎﻟﻮا ﻟ ﻪ " :اﻟﻘﺎﺿ ﻲ اﻟﻤﺎﻟﻜﻲ اﻟﺸﻴﺦ زﻳﻦ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﻣﺨﻠﻮف " .
٦١
ﻓﺴ ﻜﺖ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ وه ﻮ ﻳﺘﺄﻣ ﻞ ه ﺬا اﻟﻘﺎﺿ ﻲ اﻟﻤ ﺎﻟﻜﻲ ،اﻟ ﺬي اﺷ ﺘﻬﺮ ﺑﺎﻟﻘﺴ ﻮة واﻟﻐﻠﻈ ﺔ ،وﺑﺎﻟﺘﻌﺼ ﺐ ﺿﺪ ﻣﻦ ﻳﺨﺎﻟﻔﻪ اﻟﺮأي. . وﺗ ﺬآﺮ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﻗﺼ ﺔ ﻋ ﺎﻟﻢ ﻓﺎﺿ ﻞ ﻣ ﻦ أآ ﺎﺑﺮ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻤﺎﻟﻜﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ،أوﻗﻌﻪ ﺳﻮء ﺣﻈ ﻪ أﻣ ﺎم اﺑ ﻦ ﻣﺨﻠ ﻮف ،وآﺎﻧ ﺎ ﻣﺨﺘﻠﻔ ﻴﻦ ﻓ ﻲ اﻟ ﺮأي ،ﻓﺎﺗﻬﻤ ﻪ اﺑ ﻦ ﻣﺨﻠ ﻮف ﺑ ﺎﻟﻜﻔﺮ ﻓﺎﺳﺘﺸ ﻔﻊ اﻟﺮﺟ ﻞ ﺑ ﺎﺑﻦ دﻗﻴ ﻖ اﻟﻌﻴ ﺪ، ﻗﺎﺿ ﻲ اﻟﺸ ﺎﻓﻌﻴﺔ وﺷ ﻴﺦ ﻋﻠﻤ ﺎء اﻟﺤ ﺪﻳﺚ ﻓ ﻲ ﻋﺼ ﺮﻩ. ﻗﺎل اﻟﺮﺟﻞ " ﻣ ﺎ ﺗﻌ ﺮف ﻋﻨ ﻲ؟" ﻗ ﺎل " :أﻋ ﺮف ﻋﻨ ﻚ اﻟﻔﻀ ﻴﻠﺔ ،وﻟﻜ ﻦ ﺣﻜﻤ ﻚ إﻟ ﻰ اﻟﻘﺎﺿ ﻲ زﻳ ﻦ اﻟ ﺪﻳﻦ ﺑ ﻦ ﻣﺨﻠﻮف !" وﻟ ﻢ ﺗﻨﻔ ﻊ ﺷ ﻔﺎﻋﺔ اﻟﺸ ﻴﺦ اﻟ ﺬي ﻟ ﻢ ﻳﺮده ﺎ ﺳ ﻠﻄﺎن وﻻ أﻣﻴ ﺮ ﻗ ﻂ ،وﺣﻜ ﻢ زﻳ ﻦ اﻟ ﺪﻳﻦ ﺑ ﻦ ﻣﺨﻠ ﻮف ﻋﻠ ﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻔﺎﺿﻞ ﺑﺎﻹﻋﺪام! ! . . ﻟﻦ ﺗﺴﻠﻢ ﻧﻔﺴﻚ ﻳﺎ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﻟﻬﺬا اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻟﻘﺎﺳ ﻲ اﻟﻤﺘﻌﺼ ﺐ ،اﻟ ﺬي ﻻ ﻳﻘﺒ ﻞ ﻣ ﻦ اﻟ ﺮأي إﻻ ﻗ ﻮل اﻹﻣ ﺎم ﻣﺎﻟﻚ ،وﻟﻴﺘﻪ ﻳﺤﺴﻦ ﻓﻬﻤﻪ! .. .
٦٢
ﻣﺎ أﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺘﺰﻣﺘﻴﻦ اﻟﻤﻘﻠﺪﻳﻦ ،وﺑﻴﻨﻚ ﻳﺎ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ! ! وﻟﻤﺎ ﻃﺎل ﺻﻤﺖ اﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ،أﻟﺢ ﻋﻠﻴﻪ اﺑﻦ ﻣﺨﻠﻮف أن ﻳﺠﺒﻴﻪ .ﻓﻌﺎد اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻳﺴ ﺄل " : إﻟﻰ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ اﻟﻴﻮم" ﻗﺎﻟﻮا " :ﻟﻠﻘﺎﺿﻲ زﻳﻦ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﻣﺨﻠﻮف " ﻗ ﺎل اﻟﺸ ﻴﺦ ﻟﻠﻘﺎﺿ ﻲ " :آﻴ ﻒ ﺗﺤﻜ ﻢ ﻓ ﻲ وأﻧ ﺖ ﺧﺼﻤﻲ :أﻧﺎ ﻟﻦ أﺟﻴﺒﻚ " وﺗﻮﻗ ﻊ اﻟﺠﻤﻴ ﻊ أن ﻳﺘﻨﺤ ﻰ اﻟﻘﺎﺿ ﻲ ﺑﻌ ﺪ أن ردﻩ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ،وﻟﻜﻦ اﺑﻦ ﻣﺨﻠﻮف ﻏﻀﺐ ﻏﻀﺒًﺎ ،وﺑﺎﻏ ﺖ اﻟﺠﻤﻴ ﻊ ﺑ ﺎﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠ ﻰ اﻟﺸ ﻴﺦ ﺑﺎﻟﺴ ﺠﻦ . .وﻏ ﺎدر اﻟﻤﺠﻠﺲ ،دون أن ﻳﻨﻄﻖ أﺣﺪ ﺑﻜﻠﻤﺔ . .ودون أن ﻳﺤ ﺪد ﻣﺪة اﻟﺴﺠﻦ ! ! ذهﺐ ﻗﺎﺿﻲ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠ ﺔ وﻣﻌ ﻪ ﺑﻌ ﺾ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء إﻟ ﻲ اﻷﻣﻴ ﺮ ﺳ ﻼر ،وآ ﺎﻧﻮا ﻳﻌﺮﻓ ﻮن إآﺒ ﺎرﻩ ﻟﻠﺸ ﻴﺦ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ،ﻓﺸ ﻜﻮا ﻟ ﻪ ﻣ ﺎ آ ﺎن ﻣ ﻦ أﻣ ﺮ اﻟﻘﺎﺿ ﻲ اﺑ ﻦ ﻣﺨﻠﻮف .
٦٣
وﺗﻜﻠ ﻢ ﺳ ﻼر اﻷﻣﻴ ﺮ ﻣ ﻊ ﺑﻴﺒ ﺮس ،ﻓﺼ ﻤﻢ ﻋﻠ ﻰ ﺗﻨﻔﻴ ﺬ اﻟﺤﻜ ﻢ وﻟﻜﻨ ﻪ اﺳ ﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﺸ ﻔﺎﻋﺔ اﻷﻣﻴ ﺮ ﺳ ﻼر، ﺳﻤﺢ ﻷﺧﻮي اﻟﺸﻴﺦ اﻟﻠﺬﻳﻦ ﺟﺎءا ﻣﻦ دﻣﺸﻖ ﺑﺄن ﻳﻘﻮﻣ ﺎ ﻋﻠﻰ ﺧﺪﻣﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ . وﻟ ﻢ ﻳﻜ ﺪ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻳ ﺪﺧﻞ اﻟﺴ ﺠﻦ ،ﺣﺘ ﻰ ﻋ ﻢ اﻷذى ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠﺔ . ٭٭٭ ﻣ ﺮت ﺷ ﻬﻮر ﻋﻠ ﻰ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻓ ﻲ ﺳ ﺠﻨﻪ ،ﻓﺄرﺳ ﻞ ﺧﻄﺎﺑًﺎ إﻟﻰ أﺣﺪ أﺻﺪﻗﺎﺋﻪ ﻓﻲ دﻣﺸﻖ ،ﻳﺼ ﻒ ﻣ ﺎ ﺟ ﺮى ﻟﻪ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ . وﻣ ﺎ إن ﻋﻠ ﻢ ﻧﺎﺋ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻓ ﻲ دﻣﺸ ﻖ ﺑ ﺄﻣﺮ اﻟﺨﻄﺎب ،ﺣﺘﻰ ﻃﻠﺒﻪ ،وﻗﺮأﻩ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻨ ﺎس ﺑﻌ ﺪ اﻟﺼ ﻼة ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻷﻣﻮي. . وروع اﻟﻨ ﺎس ﻣﻤ ﺎ ﺟ ﺮى ﻟﻠﺸ ﻴﺦ ،وﻃ ﺎﻟﺒﻮا ﻧﺎﺋ ﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن أن ﻳﺴﻌﻰ ﻓ ﻲ إﺧﺮاﺟ ﻪ وإﻋﺎدﺗ ﻪ إﻟ ﻰ دﻣﺸ ﻖ. ﻓﻮﻋﺪهﻢ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﺄن ﻳﺴ ﻌﻰ ﺟﻬ ﺪﻩ ﻻﺳ ﺘﺨﻼص اﻟﺸ ﻴﺦ ،وﻗ ﺎل " :آﻨ ﺖ أﺗﻮﻗ ﻊ ﻣ ﺎ ﺟ ﺮى ﻟ ﻪ ،وﻗ ﺪ ﻧﺼ ﺤﺘﻪ أﻻ ﻳ ﺬهﺐ إﻟ ﻰ اﻟﻘ ﺎهﺮة ،وﻟﻜﻨ ﻪ ﺻ ﻤﻢ ﻋﻠ ﻰ
٦٤
اﻟﺬهﺎب آﻤﺎ ﺗﻌﻠﻤﻮن .وإﻧﻲ ﻷﺷﻬﺪ أﻧﻲ ﻣ ﺎ رأﻳ ﺖ أﺣ ﺪًا ﻓ ﻲ ﻣﺜ ﻞ ﻋﻠﻤ ﻪ وﻓﻀ ﻠﻪ وزه ﺪﻩ .ﻣ ﺎ رأﻳ ﺖ ﻣﺜﻠ ﻪ ،وﻻ أﺷ ﺠﻊ ﻣﻨ ﻪ .وﻗ ﺪ آﻨ ﺎ ﻧﻠ ﺢ ﻋﻠﻴ ﻪ أن ﻳﻘﺒ ﻞ ﺷ ﻴﺌًﺎ ﻣ ﻦ اﻟﻌﻄﺎﻳﺎ اﻟﺴﻠﻄﺎﻧﻴﺔ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻣﺎ ﺗﺪﻧﺲ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ ذﻟﻚ " وﺗ ﺄﻟﻢ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء اﻟﺤﺎﺿ ﺮون ﻣﻤ ﻦ أﻟﻔ ﻮا ﻗﺒ ﻮل اﻟﻌﻄﺎﻳﺎ واﻟﻬﺪاﻳﺎ واﻟﻜﺴﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎﻧﻴﺔ ،وﻃﻠﺒﻬﺎ ،وأوﻏﻠ ﻮا ﻓ ﻲ اﻟﺘ ﺪﻧﻴﺲ ﺑﻬ ﺎ ! . .وأرﺳ ﻠﻮا ﺷ ﻜﻮى إﻟ ﻰ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻷن ﻧﺎﺋﺒﻪ ﻳﺴﻤﻰ ﻗﺒﻮل اﻟﻌﻄﺎﻳﺎ اﻟﺴﻠﻄﺎﻧﻴﺔ ﺗﺪﻧﺴًﺎ ! ! وﺑﻌ ﺚ ﻧﺎﺋ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻣ ﻦ دﻣﺸ ﻖ ،رﺳ ﺎﻟﺔ إﻟ ﻰ اﻷﻣﻴ ﺮ ﺳ ﻼر ،ﻧﺎﺋ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻓ ﻲ اﻟﻘ ﺎهﺮة ،ﻳ ﺬآﺮﻩ ﺑﻔﻀﻞ اﻟﺸﻴﺦ ،وﺣﺴﻦ ﺑﻼﺋﻪ ﻓﻲ ﺟﻬﺎد اﻟﺘﺘ ﺎر ،وﻳﻄﺎﻟﺒ ﻪ ﺑﺄن ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ إﻃﻼق ﺳﺮاﺣﻪ . وﻟﻜ ﻦ اﺑ ﻦ ﻣﺨﻠ ﻮف واﻷﻣﻴ ﺮ ﺑﻴﺒ ﺮس اﻟﺠﺎﺷ ﻨﻜﻴﺮ رﻓﻀﺎ ﺷﻔﺎﻋﺔ اﻷﻣﻴﺮ ﺳﻼر . ٭٭٭ وﻗﻀﻰ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻋﺎﻣ ًﺎ ﻓ ﻲ اﻟﺴ ﺠﻦ . .وآ ﺎن ﺳ ﺠﻨﻪ هﻮ اﻟﺠﺐ ،وهﻮ ﺷﺮ أﻧﻮاع اﻟﺴﺠﻮن. .
٦٥
ﻓﻠﻤ ﺎ آﺎﻧ ﺖ ﻟﻴﻠ ﺔ ﻋﻴ ﺪ اﻟﻔﻄ ﺮ ،أﻟ ﺢ ﺑﻌ ﺾ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء ﻋﻠﻰ اﻷﻣﻴﺮ ﺳﻼر ﻓﻲ إﻃﻼق اﻟﺸﻴﺦ ،اﺑﺘﻬﺎﺟًﺎ ﺑﺎﻟﻌﻴﺪ ! وآﺎﻧﺖ اﻟﺴﻠﻄﺔ ﻗﺪ ﺗﻮزﻋﺖ ﺑ ﻴﻦ ﺑﻴﺒ ﺮس وﺳ ﻼر، واﺗﻔﻘ ﺎ ﻋﻠ ﻰ أﻻ ﻳﺘ ﺪﺧﻞ أﺣ ﺪهﻤﺎ ﻓ ﻲ ﺷ ﺌﻮن اﻷﺧ ﺮ، وﻋﻠ ﻰ أن ﻳﺒﻘ ﻰ اﻟﻨﺎﺻ ﺮ ﻋﻠ ﻰ ﻋﺮﺷ ﻪ ،ﺳ ﻠﻄﺎﻧًﺎ ﺑ ﻼ ﺳﻠﻄﺔ . وأﺻ ﺒﺢ اﻷﻣﻴ ﺮ ﺳ ﻼر ﺣﺎآﻤ ًﺎ ﻣﻄﻠﻘ ًﺎ اﻟﻴ ﺪ ﻓ ﻲ اﻟﻘﺎهﺮة . ﻓﻠ ﻢ ﻳﺴﺘﺸ ﺮ ﺷ ﺮﻳﻜﻪ ﺑﻴﺒ ﺮس ،ﺑ ﻞ اﺳ ﺘﺪﻋﻰ ﻗﻀ ﺎة اﻟﺸﺎﻓﻌﻴﺔ واﻟﻤﺎﻟﻜﻴﺔ واﻟﺤﻨﻔﻴ ﺔ ،وذآ ﺮهﻢ ﺑﻔﻀ ﻞ اﻟﺸ ﻴﺦ، وﺣﺴ ﻦ ﺑﻼﺋ ﻪ ﻓ ﻲ اﻟﺤ ﺮب ﺿ ﺪ اﻟﺘﺘ ﺎر ،وأﻋﻠ ﻨﻬﻢ أﻧ ﻪ ﻗﺮر إﻃ ﻼق اﻟﺸ ﻴﺦ ﻣ ﻦ اﻟﺴ ﺠﻦ ﻓ ﻲ ﻟﻴﻠﺘ ﻪ ،ﻟﻴﺸ ﻬﺪ ﻣ ﻦ ﻏﺪﻩ اﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﺎﻟﻌﻴﺪ ! وإذ رأوا إﺻ ﺮار اﻷﻣﻴ ﺮ ،ﻟ ﻢ ﻳﻐﺎﺿ ﺒﻮﻩ .وﻟﻜ ﻨﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻪ ﺗﻄ ﺐ ﻧﻔﻮﺳ ﻬﻢ ﺑ ﺈﺧﺮاج اﻟﺸ ﻴﺦ ﻣ ﻦ ﺳﺠﻨﻪ ،ﻓﺴﻜﺘﻮا. .
٦٦
ﻓﻘ ﺎل اﻷﻣﻴ ﺮ ﻟﻠﻘﺎﺿ ﻲ اﻟﺸ ﺎﻓﻌﻲ " :أﻧ ﺖ ﻣ ﺪﻳﻦ ﻟﺸ ﻴﺦ اﻹﺳ ﻼم ﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﺑﻤﻨﺼ ﺒﻚ ،ﻓﻬ ﻮ اﻟ ﺬي أﺷ ﺎر ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﻚ ،ﺑﻌﺪ وﻓﺎة اﺑﻦ دﻗﻴﻖ اﻟﻌﻴﺪ " . وﺧﺠﻞ اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ،ﻓﺰﻋﻢ أﻧ ﻪ ﻳﻮاﻓ ﻖ ﻋﻠ ﻰ إﺧﺮاج اﻟﺸﻴﺦ . واﺷ ﺘﺮط اﻟﻘﻀ ﺎة اﻟﺜﻼﺛ ﺔ ،أن ﻳﺘﻌﻬ ﺪ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻗﺒ ﻞ ﺧﺮوﺟﻪ ،ﺑﺎﻟﺮﺟﻮع ﻋﻤﺎ أﻋﻠﻨﻪ ﻓﻲ دﻣﺸﻖ ،ﻋﻦ ﺻﻔﺎت اﷲ ،وﻋﻦ آﻴﻔﻴﺔ اﺳﺘﻮاﺋﻪ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻌ ﺮش ،وآﻴﻔﻴ ﺔ ﻧﺰوﻟﻪ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء اﻟﺪﻧﻴﺎ إﻟ ﻰ ﺁﺧ ﺮ ﻣ ﺎ أﻋﻠ ﻦ هﻨ ﺎك ﻣ ﻦ رأي وﻋﻘﻴﺪة ! ﻓ ﺮﻓﺾ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻣ ﺎ اﻗﺘﺮﺣ ﻮﻩ ،وﻓﻀ ﻞ اﻟﺒﻘ ﺎء ﻓ ﻲ اﻟﺴﺠﻦ ﻋﻠﻰ اﻹذﻋﺎن ﻟﻤﻔﺘﺮﻳﺎت ﺧﺼﻮﻣﻪ ! ﻋﻢ ﻳﺘﻨﺎزل؟ إﻧﻬﻢ ﻟﻴﻠﺼﻘﻮن ﺑﻪ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻘﻠﻪ ،وﻣﺎ ﻻ ﻳﻌﺘﻘﺪﻩ ! ﻳﻠﺰﻣﻮﻧ ﻪ اﻹﻗ ﺮار ﺑﻤﻔﺘﺮﻳ ﺎﺗﻬﻢ ﻋﻠﻴ ﻪ ،واﻟﻌ ﺪول ﻋﻨﻬﺎ!!. . وﺗ ﺮددت اﻟﺮﺳ ﻞ ﺑﻴﻨ ﻪ وﺑ ﻴﻦ اﻷﻣﻴ ﺮ ﺳ ﻼر ﺳ ﺖ ﻣﺮات ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ ،واﻟﻘﻀﺎة ﻳﻨﺘﻈﺮون إذﻋﺎﻧﻪ .
٦٧
وﺟﺎء ﺁﺧ ﺮ رﺳ ﻮل ﻳﺤﻤ ﻞ ﻗ ﻮل اﻟﺸ ﻴﺦ إن ه ﺆﻻء اﻟﻘﻀﺎة ﻟﻮ آﺎﻧﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻨﺔ ،وﻟ ﻮ آ ﺎﻧﻮا ﻳﻔﻬﻤ ﻮن ﺁراء أﺋﻤﺘﻬﻢ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ وﻣﺎﻟﻚ وأﺑﻲ ﺣﻨﻴﻔ ﺔ رﺿ ﻲ اﷲ ﻋ ﻨﻬﻢ، ﻟﻌﺮﻓﻮا أن ﺁراء هﺆﻻء اﻷﺋﻤﺔ اﻟﻌﻈﺎم ﻓ ﻲ ﺻ ﻔﺎت اﷲ، وﻣﻌﻬﻢ هﻮ إﺟﻤﺎع اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ واﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ. . وﻟﻜ ﻦ ه ﺆﻻء اﻟﻘﻀ ﺎة ﻻ ﻳﺮﻳ ﺪون اﻟﺤﻘﻴﻘ ﺔ ،ﺑ ﻞ ﻳﺮﻳﺪون إذﻻﻟ ﻪ ،واﻹزراء ﻋﻠﻴ ﻪ ،وﻟ ﻦ ﻳﺠﻴ ﺒﻬﻢ إﻟ ﻰ ﻣ ﺎ ﻳﺮﻳﺪون !. . واﻧﻔ ﺾ اﻟﻘﻀ ﺎة إﻟ ﻰ ﺑﻴ ﻮﺗﻬﻢ – ﻏﻴ ﺮ ﻣ ﺄﺟﻮرﻳﻦ آﻤ ﺎ ﻗ ﺎل اﺑ ﻦ آﺜﻴ ﺮ – ﻟﻴﺤﺘﻔﻠ ﻮا ﺑﻠﻴﻠ ﺔ ﻋﻴ ﺪ اﻟﻔﻄ ﺮ ﻣ ﻊ أهﻠﻬﻢ وأﺑﻨﺎﺋﻬﻢ. . أﻣﺎ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻓﺎﺳﺘﻘﺒﻞ اﻟﻌﻴ ﺪ ﻓ ﻲ اﻟﺴ ﺠﻦ ،راﺿ ﻴًﺎ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ ! ض ،ﻓﻌﻘﺪ ﻣﺠﻠﺴًﺎ ﻣ ﻦ ﻏﻴﺮ أن اﻷﻣﻴﺮ ﺳﻼر ﻟﻢ ﻳﺮ َ اﻟﻘﻀ ﺎة اﻟﺜﻼﺛ ﺔ ﺑﻌ ﺪ اﻟﻌﻴ ﺪ ،واﺳ ﺘﺪﻋﻰ أﺧ ﻮي اﻟﺸ ﻴﺦ ﻻ ﻣﻨ ﻪ وآﺎﻧ ﺎ ﻳﻌﻤ ﻼن ﺑﺘ ﺪرﻳﺲ اﻟﻔﻘ ﻪ ﻟﻴﻨ ﺎﻇﺮاهﻢ ﺑ ﺪ ً اﻟﺤﻨﺒﻠﻲ ﻓﻲ دﻣﺸﻖ .
٦٨
ﻼ " :أﺧ ﺬ وﻳﺼ ﻒ اﺑ ﻦ آﺜﻴ ﺮ ه ﺬا اﻟﻤﺠﻠ ﺲ ﻗ ﺎﺋ ً اﻟﻘﺎﺿ ﻲ اﻟﻤ ﺎﻟﻜﻲ اﺑ ﻦ ﻣﺨﻠ ﻮف ﻳﻨ ﺎﻗﺶ أﺣ ﺪهﻤﺎ وه ﻮ ﺷ ﺮف اﻟ ﺪﻳﻦ ،وﻇﻬ ﺮ ﺷ ﺮف اﻟ ﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﺤﺠ ﺔ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻟﻤﺎﻟﻜﻲ ﺑﺎﻟﻨﻘﻞ واﻟﺪﻟﻴﻞ واﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،وﺧﻄﺄﻩ ﻓ ﻲ ﻣﻮاﺿﻊ ادﻋﻰ ﻓﻴﻬ ﺎ دﻋ ﺎوى ﺑﺎﻃﻠ ﺔ ،وآ ﺎن اﻟﻜ ﻼم ﻓ ﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﻌﺮش ،وﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﻜﻼم ،وﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﻨﺰول " وﻣﺎ ﻧﺎﻇﺮ ﺷﺮف اﻟﺪﻳﻦ إﻻ ﺑ ﺂراء أﺧﻴ ﻪ وﻋﻘﻴﺪﺗ ﻪ، اﻟﺘﻲ ذآﺮهﺎ ﻓﻲ دﻣﺸﻖ ﺁﻧﻔًﺎ ،وه ﻲ اﻵراء اﻟﺘ ﻲ اﺟﺘﻤ ﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ واﻟﺘﺎﺑﻌﻮن واﻷﺋﻤﺔ اﻟﻌﻈﺎم ﻣ ﻦ ﺑﻌ ﺪهﻢ. وأﻋﻴﺪ أﺧﻮاﻩ إﻟﻰ اﻟﺴﺠﻦ ﻣﻌﻪ .. وﻣ ﺮت ﺳ ﺘﺔ ﺷ ﻬﻮر أﺧ ﺮى ﻋﻠ ﻰ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻓ ﻲ ﺳ ﺠﻨﻪ ،وأه ﻞ اﻟﺸ ﺎم ﻳﻨﺘﻈ ﺮون ﻋﻮدﺗ ﻪ ﻓ ﻲ آ ﻞ ﻧﻬ ﺎر وﻟﻴﻞ. . وﺟ ﺎء أﻣﻴ ﺮ اﻟﺸ ﺎم ،ﺣﺴ ﺎم ﺑ ﻦ ﻣﻬﻨ ﺎ ﺑ ﻦ ﻋﻴﺴ ﻰ ﺻ ﺪﻳﻖ اﻟﺸ ﻴﺦ وﺗﻠﻤﻴ ﺬﻩ ﻋﻠ ﻰ رأس آﻮآﺒ ﺔ ﻣ ﻦ أﺷ ﺠﻊ ﻓﺮﺳﺎن اﻟﻌﺮب وﻣﺸﺎﻳﺨﻬﻢ . وزار اﻷﻣﻴﺮ ﺳﻼر ،ﻓﻮﺟ ﺪ ﻣﻌ ﻪ اﻷﻣﻴ ﺮ ﺑﻴﺒ ﺮس، ﻓﻌﻴﺮهﻤﺎ ﺑﺠﺤﻮدهﻤﺎ ﻓﻀﻞ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ .
٦٩
ﻓﻠﻮﻻ ﻣﺎ ﺑﺬﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﻦ ﺟﻬﺪ ﻣ ﻊ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن اﻟﺘﺘ ﺎر ﻗ ﺎزان ،ﻻﺣﺘ ﻞ اﻟﺘﺘ ﺎر دﻣﺸ ﻖ ﺛ ﻢ اﻟﻘ ﺎهﺮة ،وﻟﻜ ﺎن اﻷﻣﻴﺮان وأوﻻدهﻤ ﺎ وزوﺟ ﺎﺗﻬﻢ ﻋﺒﻴ ﺪًا وﺟ ﻮاري ﻋﻨ ﺪ اﻟﺘﺘﺎر ! وﻟ ﻮﻻ اﺳ ﺘﻨﻔﺎرﻩ اﻟﻨ ﺎس وﺗﺠﻤﻴﻌ ﻪ اﻟﻌ ﺮب ﻓ ﻲ اﻟﺤ ﺮب اﻷﺧﻴ ﺮة ﺿ ﺪ اﻟﺘﺘ ﺎر ﻓﺎﻧﻀ ﻤﻮا إﻟ ﻰ ﻋﺴ ﺎآﺮ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،وﺗﺮآﻮا اﻟﺤﻠ ﻒ ﻣ ﻊ اﻟﺒﺎﻃﻨﻴ ﺔ ،ﻟ ﻮﻻ ه ﺬا ﻟﻤ ﺎ اﻧﺘﺼﺮت ﺟﻴﻮش اﻟﺴﻠﻄﺎن ،وﻻﺳﺘﻌﺒﺪهﻢ اﻟﺘﺘﺎر ! وذآ ﺮ اﻷﻣﻴ ﺮﻳﻦ وﺳ ﺎﺋﺮ اﻷﻣ ﺮاء ﺑﻔﻀ ﻞ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻋﻠﻴﻬﻢ وﺗﻘﻮاﻩ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻬﻢ :إن آﻨﺘﻢ ﻻ ﺗﻌﺮﻓﻮن ﻓﻀ ﻠﻪ ﻓ ﻲ ﻣﺼ ﺮ ﻓﻬ ﺬا ﻣ ﻦ ﺟﻬﻠﻜ ﻢ وﺟﻬ ﻞ ﻋﻠﻤ ﺎﺋﻜﻢ ،ﻓ ﺪﻋﻮﻩ ﻳﻌ ﺶ ﻃﻠﻴﻘ ًﺎ ﺑ ﻴﻦ ﻣﺤﺒﻴ ﻪ وﻋ ﺎرﻓﻲ ﻓﻀ ﻠﻪ . .ﺛ ﻢ أﻗﺴ ﻢ ﻟﻴﺤ ﺮرن اﻟﺸ ﻴﺦ ﺑﻨﻔﺴ ﻪ ،وﻳﻌ ﻮد ﺑ ﻪ اﻟﻠﻴﻠ ﺔ إﻟ ﻰ دﻣﺸ ﻖ، وﺧﺼﻮﻣﻪ راﻏﻤﻮن ! وﺧﺮج ﺗﺎرآًﺎ اﻷﻣﻴﺮﻳﻦ ﻓﻲ ذهﻮل ! آﺎﻧﺎ ﻳﺤﺴﺒﺎن ﻟﻌﺮب اﻟﺸﺎم ﺣﺴﺎﺑًﺎ آﺒﻴﺮًا ،وﻳﻌﺮﻓﺎن أن ﻟﻬﻢ ﺑﻌﺮب ﻣﺼﺮ ﻗﺮﺑﻰ وﻣﻮدة .
٧٠
وه ﻢ إن ﻏﻀ ﺒﻮا ،وأﻋﻠﻨ ﻮا اﻟﻌﺼ ﻴﺎن ،أﻳ ﺪهﻢ ﻋﺮب ﻣﺼﺮ ﻓﻤﺎ ﻳﻘﻮى ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﻌﺪ ﻋﺴﻜﺮ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻓﻲ ﻣﺼﺮ أو اﻟﺸﺎم. . ﺳ ﺘﻜﻮن ﻓﺘﻨ ﺔ ﻻ ﻳﻌﻠ ﻢ أﺣ ﺪ أي اﻟ ﺮءوس ﺗﺴ ﻘﻂ ﻓﻴﻬﺎ . .رﺑﻤﺎ رأﺳﺎ اﻷﻣﻴﺮﻳﻦ ،ﻗﺒﻞ آﻞ اﻟﺮءوس!! ذه ﺐ اﻷﻣﻴ ﺮ ﺣﺴ ﺎم إﻟ ﻰ اﻟﺴ ﺠﻦ ،ﻓ ﺄﺧﺮج اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻣﻨﻪ وأراد أن ﻳﺮﺣ ﻞ ﺑ ﻪ ﻣ ﻦ ﻓ ﻮرﻩ إﻟ ﻰ دﻣﺸ ﻖ، وﻟﻜ ﻦ اﻷﻣﻴ ﺮ ﺳ ﻼر ﺳ ﺄل اﻟﺸ ﻴﺦ أن ﻳﻘ ﻴﻢ ﻓ ﻲ ﻣﺼ ﺮ ﻟﻴﻌﻆ اﻟﻨﺎس وﻳﻨﻔﻌﻬﻢ ﺑﻌﻠﻤﻪ! . . ورﺣﺐ اﻟﺸﻴﺦ ﺑﺎﻹﻗﺎﻣ ﺔ ﻓ ﻲ ﻣﺼ ﺮ ﺷ ﻬﺮًا واﺣ ﺪًا، ورأى ﻓ ﻲ ذﻟ ﻚ واﺟﺒ ًﺎ دﻳﻨﻴ ًﺎ ﺗﻔﺮﺿ ﻪ ﻋﻠﻴ ﻪ ﻣﺴ ﺌﻮﻟﻴﺘﻪ ﻋ ﻦ إﺣﻴ ﺎء اﻟﺴ ﻨﺔ ،واﻷﻣ ﺮ ﺑ ﺎﻟﻤﻌﺮوف واﻟﻨﻬ ﻲ ﻋ ﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ ،وﻣﺤﺎرﺑﺔ اﻟﺒﺪع اﻟﺸﺎﺋﻌﺔ. . ٭٭٭ وأﻗ ﺎم أﻣﻴ ﺮ اﻟﻌ ﺮب ورﺟﺎﻟ ﻪ ﻳ ﻮﻣﻴﻦ ﻓ ﻲ ﺿ ﻴﺎﻓﺔ اﻷﻣﻴ ﺮ ﺳ ﻼر ،ﻃ ﺎف ﺑﻬ ﻢ ﺧﻼﻟﻬ ﺎ ﻋﻠ ﻰ ﻣﺘﻨﺰه ﺎت اﻟﻘ ﺎهﺮة ،ورآﺒ ﻮا ﻧﻴﻠﻬ ﺎ ،وﺷ ﺎهﺪوا ﺧﻠﺠﺎﻧﻬ ﺎ ،وأه ﺮام اﻟﺠﻴﺰة ،ﺛﻢ ﻋﺎدوا إﻟﻰ دﻣﺸﻖ .
٧١
وﻣﺎ إن ﻏﺎدر أﻣﻴﺮ اﻟﻌﺮب ورﺟﺎﻟﻪ ﻣﺼ ﺮ ،ﺣﺘ ﻰ ﻗ ﺪم اﻟﻘﻀ ﺎة اﻟﺜﻼﺛ ﺔ ﻋﻠ ﻰ اﻷﻣﻴ ﺮ ﺳ ﻼر ،ﻓﻄ ﺎﻟﺒﻮﻩ ﺑﺎﻟﺘﺄآﻴﺪ ﻣﻦ ﺣﺴﻦ ﻣﻌﺘﻘﺪ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ،ﻗﺒ ﻞ أن ﻳﺴ ﻤﺢ ﻟ ﻪ ﺑﻐﺸﻴﺎن اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ أو إﻟﻘﺎء اﻟﺪروس ﻓ ﻲ ﻣﻌﺎه ﺪ اﻟﺘﻌﻠ ﻴﻢ. ﻓﺪﻋﺎهﻢ ﺳﻼر إﻟﻰ ﻣﻨﺎﻇﺮة اﻟﺸﻴﺦ أﻣﺎﻣﻪ .وﺿ ﺮب ﻟﻬ ﻢ ﻣﻮﻋﺪًا وﻓﻲ اﻟﻤﻮﻋﺪ اﻋﺘﺬر اﻟﻘﻀﺎة اﻟﺜﻼﺛﺔ ﺑﺎﻟﻤﺮض . ﻓﺄرﺳ ﻞ ﺳ ﻼر إﻟ ﻰ اﻟﺼ ﻔﻮة ﻣ ﻦ ﻋﻠﻤ ﺎء اﻟﻘ ﺎهﺮة، ودﻋﺎ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ وﺟﻤﻌﻬ ﻢ ﻓ ﻲ اﻟﻘﻠﻌ ﺔ ،ﻓ ﺄﻗﺮ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ أن ﻋﻘﻴﺪﺗﻪ اﻟﺘﻲ آﺘﺒﻬﺎ وأﻋﻠﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،ه ﻲ ﻣ ﺎ أﺟﻤ ﻊ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ واﻟﺘﺎﺑﻌﻮن وﺗ ﺎﺑﻌﻮهﻢ واﻷﺋﻤ ﺔ اﻟﻌﻈ ﺎم : أن اﻟﻘ ﺮﺁن ﻣﻌﻨ ﻰ ﻗ ﺎﺋﻢ ﺑﺬاﺗ ﻪ .واﺳﺘﺸ ﻬﺪ اﻟﺸ ﻴﺦ ﺑ ﺮأي اﻹﻣ ﺎم ﺟﻌﻔ ﺮ اﻟﺼ ﺎدق وه ﻮ ﻣ ﻦ أﺋﻤ ﺔ ﺁل اﻟﺒﻴ ﺖ، وإﺟﻤﺎع أهﻞ اﻟﺴﻨﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻣﻦ أﺋﻤﺔ اﻟﺪﻳﻦ .ﺳﺌﻞ ﻋ ﻦ اﻟﻘ ﺮﺁن ) :أﺧ ﺎﻟﻖ ه ﻮ أم ﻣﺨﻠ ﻮق؟( ﻓﻘ ﺎل رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨ ﻪ ) :ﻟ ﻴﺲ ﺑﺨ ﺎﻟﻖ وﻻ ﻣﺨﻠ ﻮق ،وﻟﻜﻨ ﻪ آ ﻼم اﷲ( .. وه ﺬا ﻣﻤ ﺎ اﻗﺘ ﺪى ﺑ ﻪ اﻹﻣ ﺎم أﺣﻤ ﺪ ﻓ ﻲ اﻟﻤﺤﻨ ﺔ ،ﺛ ﻢ اﺳ ﺘﻄﺮد اﻟﺸ ﻴﺦ :ورأي اﻹﻣ ﺎم ﺟﻌﻔ ﺮ اﻟﺼ ﺎدق ه ﻮ
٧٢
رأي اﻟﺴ ﻠﻒ ﻗﺎﻃﺒ ﺔ ﻣ ﻦ اﻟﺼ ﺤﺎﺑﺔ ،واﻟﺘ ﺎﺑﻌﻴﻦ ﻟﻬ ﻢ ﺑﺈﺣﺴﺎن ،وﺳﺎﺋﺮ أﺋﻤﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ :أن اﻟﻘﺮﺁن آ ﻼم اﷲ ﻟ ﻴﺲ ﺑﻤﺨﻠ ﻮق ،وه ﻮ ﺻ ﻔﺔ ﻣ ﻦ ﺻ ﻔﺎت ذاﺗ ﻪ اﻟﻘﺪﻳﻤ ﺔ، وﻟ ﻴﺲ ﺑﺤ ﺮف وﻻ ﺻ ﻮت ،وأن ﻗﻮﻟ ﻪ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ: اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻌ ﺮش اﺳ ﺘﻮى ﻟ ﻴﺲ ﻋﻠ ﻰ ﻇ ﺎهﺮﻩ، وﻻ ﻳﻌﻠﻢ آﻨﻪ اﻟﻤ ﺮاد ﺑ ﻪ ،ﺑ ﻞ ﻻ ﻳﻌﻠﻤ ﻪ إﻻ اﷲ ،واﻟﻘ ﻮل ﻓﻲ اﻟﻨﺰول آ ﺎﻟﻘﻮل ﻓ ﻲ اﻻﺳ ﺘﻮاء ﺑﻜﻴﻔﻴ ﺔ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻬ ﺎ إﻻ هﻮ . وواﻓﻖ اﻟﻘﻀﺎة ﻋﻠﻰ ﻗﻮل " اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ " .وأﻗ ﺮوا ﺑﺼﺤﺔ ﻋﻘﻴﺪﺗﻪ. . وﻋﺠﺐ اﻟﻨﺎس :ﻓﻴﻢ آﺎن اﻟﺨ ﻼف وﺳ ﺠﻦ اﻟﺸ ﻴﺦ إذن؟! ٭٭٭ ﻋ ﺎد اﻟﺸ ﻴﺦ ﻳﻠﻘ ﻲ دروﺳ ﻪ ﻓ ﻲ اﻟﻤﺴ ﺎﺟﺪ :ﻣ ﻦ ﻣﺴﺠﺪ إﻟﻰ ﻣﺴﺠﺪ. وﺗﺰاﺣﻢ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻴﻪ ﻳﺼﻐﻮن إﻟﻴﻪ ،وﻳﺴﺘﻔﺘﻮﻧﻪ .
٧٣
وأﺣﺲ ﺧﺼ ﻮﻣﻪ ﻣ ﻦ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء واﻟﻔﻘﻬ ﺎء أن اﻟﻨ ﺎس ﻳﺆﺛﺮوﻧ ﻪ ﻋﻠ ﻴﻬﻢ ،وﻳﻀ ﻌﻮﻧﻪ ﻓ ﻮﻗﻬﻢ ،وﺣ ﺎآﻢ اﻟﻘ ﺎهﺮة ﺑﻌﺪ ،ﻳﻜﻦ ﻟﻪ ﻣﻦ اﻻﺣﺘﺮام ،أآﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﺒﺪﻳﻪ ﻟﻬﻢ. . . وأﺛ ﺎر ه ﺬا آﻠ ﻪ ﺿ ﻴﻘﻬﻢ ﺑ ﻪ ،ﻓﺘﺮﺑﺼ ﻮا ﺑﻤ ﺎ ﻳﻘﻮﻟ ﻪ وﻳﻔﺘﻲ ﺑﻪ ﻟﻴﻜﻴﺪوا ﻟﻪ ،ﺣﺴﺪًا ﻣﻦ ﻋﻨﺪ أﻧﻔﺴﻬﻢ . أدرك اﻟﺸﻴﺦ أن إﻗﺎﻣﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻘ ﺎهﺮة ﺳ ﺘﻄﻮل ،ﻓﻤ ﺎ زال ﻟﺪﻳﻪ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ وﻳﻔﻌﻠﻪ. . وﺧﺸﻲ أن ﻳﻨﺘﻘﻢ اﻷﻣﻴﺮ ﺳﻼر ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ أودﻋ ﻮﻩ اﻟﺴﺠﻦ ،وﻓﻜﺮ ﻓ ﻲ أن ﻳﻜﻠﻤ ﻪ ﻓ ﻴﻬﻢ ،وﻟﻜﻨ ﻪ آ ﺎن ﻳﺸ ﻌﺮ ﺑﺈﻋﺮاض ﻋﻦ اﻷﻣﻴﺮ ،ﻣﻨﺬ ﺳﻤﻊ ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻘﺼﺮ ﻳﻮم اﻟﺤﺼﺎر ،ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ ﻋﻨﻪ ﻃﻼب اﻟﻌﻠﻢ ،وﻋﺎﻣﺔ اﻟﺸﻌﺐ ! أﻳﻤﻠﻚ ﺑﻴﻮﺗًﺎ ﻳﺆﺟﺮهﺎ ﻟﻠﻔﺴﺎد واﻟﻔﺤﺸﺎء ﺣﻘ ًﺎ؟! أه ﻮ ﻳﻌﺘﻤ ﺪ ﻋﻠ ﻰ أه ﻞ اﻟﻔﺴ ﻖ ،واﻟﺠﻨﺎﻳ ﺎت ،واﻟﺸ ﺬاذ، ﻟﻴﺤﻤﻮﻩ؟! ﻻ دﻟﻴ ﻞ ﻋﻠ ﻰ ذﻟ ﻚ وﻟﻜ ﻦ أﻗ ﻮال اﻟﺨﻠ ﻖ أﻟﺴ ﻨﺔ اﻟﺼﺪق ! .. ورأى اﻟﺸ ﻴﺦ أن ﻳﻜﺘ ﺐ إﻟ ﻰ ﺻ ﺪﻳﻘﻪ ﻧﺎﺋ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻓ ﻲ دﻣﺸ ﻖ ،ﻳﺴﺘﺸ ﻔﻌﻪ ﻋﻨ ﺪ ﺣ ﺎآﻢ اﻟﻘ ﺎهﺮة
٧٤
اﻷﻣﻴ ﺮ ﺳ ﻼر ،ﻓ ﻲ أوﻟﺌ ﻚ اﻟ ﺬﻳﻦ أﺳ ﺎءوا إﻟﻴ ﻪ .ﻓﻜﺘ ﺐ: "ﺗﻌﻠﻤﻮن رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻜﻢ أﻧﻲ ﻻ أﺣﺐ أن ﻳﺆذى أﺣ ﺪ ﻼ ﻋ ﻦ أﺻ ﺤﺎﺑﻨﺎ ﺑﺸ ﻲء ﻣ ﻦ ﻋﻤ ﻮم اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ ،ﻓﻀ ً ﻼ ،ﻻ ﻇ ﺎهﺮًا وﻻ ﺑﺎﻃﻨ ًﺎ ،وﻻ ﻋﻨ ﺪي ﻋﺘ ﺐ ﻋﻠ ﻰ أﺻ ً ﻼ .ﺑﻞ ﻟﻬ ﻢ ﻋﻨ ﺪي ﻣ ﻦ اﻟﻜﺮاﻣ ﺔ أﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ وﻻ أﻟﻮم أﺻ ً واﻹﻋﻈﺎم واﻟﺘﺒﺠﻴﻞ أﺿﻌﺎف ﻣﺎ آﺎن ،آﻞ ﺑﺤﺴﺒﻪ ،وﻻ ﻳﺨﻠ ﻮ اﻟﺮﺟ ﻞ إﻣ ﺎ أن ﻳﻜ ﻮن ﻣﺠﺘﻬ ﺪًا ،أو ﻣﺨﻄﺌ ًﺎ ،أو ﻣﺬﻧﺒًﺎ .ﻓﺎﻷول ﻣﺄﺟﻮر ﻣﺸﻜﻮر ،واﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻊ أﺟﺮﻩ ﻋﻠﻰ اﻻﺟﺘﻬ ﺎد ﻣﻌﻔ ﻮ ﻋﻨ ﻪ ،واﻟﺜﺎﻟ ﺚ ﻓ ﺎﷲ ﻳﻐﻔ ﺮ ﻟﻨ ﺎ وﻟ ﻪ، وﻟﺴ ﺎﺋﺮ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ . .ﻻ أﺣ ﺐ أن ﻳﻨﺘﺼ ﻒ ﻣ ﻦ أﺣ ﺪ ﺑﺴ ﺒﺐ آﺬﺑ ﻪ ﻋﻠ ﻲ ،أو ﻇﻠﻤ ﻪ ،أو ﻋﺪواﻧ ﻪ ،ﻓ ﺈﻧﻲ ﻗ ﺪ أﺣﻠﻠ ﺖ آ ﻞ ﻣﺴ ﻠﻢ ،وأﻧ ﺎ أﺣ ﺐ ﻟﻜ ﻞ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ ،وأرﻳ ﺪ ﻟﻜﻞ ﻣﺆﻣﻦ ﻣﻦ اﻟﺨﻴﺮ ﻣ ﺎ أرﻳ ﺪﻩ ﻟﻨﻔﺴ ﻲ ،واﻟ ﺬﻳﻦ آ ﺬﺑﻮا وﻇﻠﻤﻮا هﻢ ﻓﻲ ﺣﻞ ﻣﻦ ﺟﻬﺘﻲ " وأﺣﺲ ﺑﺸﻮﻗﻪ إﻟﻰ أﻣﻪ ﻳﺒﺮح ﺑ ﻪ ! ..وأن إﺷ ﻔﺎﻗﻪ ﻋﻠﻴﻬ ﺎ ﻓ ﻲ وﺣ ﺪﺗﻬﺎ ،وه ﻮ ﻓ ﻲ ﻏﺮﺑﺘ ﻪ ،ﻟﻴﻌﺼ ﺮ ﻗﻠﺒ ﻪ، وﻳﺪﻓﻊ اﻟﺪﻣﻮع إﻟﻰ ﻋﻴﻨﻴﻪ ! ..وهﺎ هﻮ ذا ﻣﻀ ﻄﺮ ﻷن ﻳﻄﻴﻞ ﻏﻴﺎﺑﻪ !. .
٧٥
ﻓﻜﺘﺐ إﻟﻴﻬﺎ " :إﻟﻰ اﻟﻮاﻟﺪة اﻟﺴﻌﻴﺪة أﻗﺮ اﷲ ﻋﻴﻨﻴﻬ ﺎ ﺑﻨﻌﻤﻪ ،وأﺳﺒﻎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺟﺰﻳﻞ آﺮﻣ ﻪ ،وﺟﻌﻠﻬ ﺎ ﻣ ﻦ إﻣﺎﺋ ﻪ وﺧﺪﻣﻪ. إﻧ ﺎ ﻧﺤﻤ ﺪ إﻟ ﻴﻜﻢ اﷲ اﻟ ﺬي ﻻ إﻟ ﻪ إﻻ ه ﻮ ،وه ﻮ ﻟﻠﺤﻤ ﺪ أه ﻞ ،وه ﻮ ﻋﻠ ﻰ آ ﻞ ﺷ ﻲء ﻗ ﺪﻳﺮ ،وﻧﺴ ﺄﻟﻪ أن ﻳﺼﻠﻲ ﻋﻠﻰ ﺧﺎﺗﻢ اﻟﻨﺒﻴﻴﻦ وإﻣﺎم اﻟﻤﺘﻘ ﻴﻦ ،ﻣﺤﻤ ﺪ ،ﻋﺒ ﺪﻩ ورﺳﻮﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﻋﻠﻰ ﺁﻟﻪ وﺳﻠﻢ ﺗﺴﻠﻴﻤًﺎ. آﺘ ﺎﺑﻲ إﻟﻴ ﻚ ﻋ ﻦ ﻧﻌ ﻢ ﻣ ﻦ اﷲ ﻋﻈﻴﻤ ﺔ ،وﻣ ﻨﻦ آﺮﻳﻤ ﺔ ،وﺁﻻء ﺟﺴ ﻴﻤﺔ ،ﻧﺸ ﻜﺮ اﷲ ﻋﻠﻴﻬ ﺎ ،وﻧﺴ ﺄﻟﻪ اﻟﻤﺰﻳ ﺪ ﻣ ﻦ ﻓﻀ ﻠﻪ .وﻧﻌ ﻢ اﷲ آﻠﻤ ﺎ ﺟ ﺎءت ﻓ ﻲ ﻧﻤ ﻮ وازدﻳﺎد ،وأﻳﺎدﻳﻪ ﺟﻠﺖ ﻋﻦ اﻟﺘﻌﺪاد . ﺗﻌﻠﻤ ﻮن أن ﻣﻘﺎﻣﻨ ﺎ اﻟﺴ ﺎﻋﺔ ﻓ ﻲ ه ﺬﻩ اﻟ ﺒﻼد ،إﻧﻤ ﺎ ه ﻮ ﻷﻣ ﻮر ﺿ ﺮورﻳﺔ ،ﻣﺘ ﻰ أهﻤﻠﻨﺎه ﺎ ﻓﺴ ﺪ ﻋﻠﻴﻨ ﺎ أﻣ ﺮ اﻟﺪﻳﻦ واﻟﺪﻧﻴﺎ ،وﻟﺴ ﻨﺎ واﷲ ﻣﺨﺘ ﺎرﻳﻦ ﻟﻠﺒﻌ ﺪ ﻋ ﻨﻜﻢ ،وﻟ ﻮ ﺣﻤﻠﺘﻨﺎ اﻟﻄﻴﻮر ﻟﺴﺮﻧﺎ إﻟﻴﻜﻢ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻐﺎﺋﺐ ﻋﺬرﻩ ﻣﻌ ﻪ، وأﻧ ﺘﻢ ﻟ ﻮ اﻃﻠﻌ ﺘﻢ ﻋﻠ ﻰ ﺑ ﺎﻃﻦ اﻷﻣ ﻮر ،ﻓ ﺈﻧﻜﻢ واﷲ ﻣ ﺎ ﺗﺨﺘ ﺎرون اﻟﺴ ﺎﻋﺔ إﻻ ذﻟ ﻚ .وﻟ ﻢ ﻧﻌ ﺰم ﻋﻠ ﻰ اﻟﻤﻘ ﺎم واﻻﺳﺘﻴﻄﺎن ﺷﻬﺮًا واﺣﺪًا ،ﺑﻞ آﻞ ﻳﻮم ﻧﺴ ﺘﺨﻴﺮ اﷲ ﻟﻨ ﺎ
٧٦
وﻟﻜﻢ ،وأدﻋﻮ ﻟﻨﺎ ﺑﺎﻟﺨﻴﺮة ،ﻓﻨﺴﺄل اﷲ اﻟﻌﻈ ﻴﻢ أن ﻳﺨﻴ ﺮ ﻟﻨ ﺎ وﻟﻠﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ ﻣ ﺎ ﻓﻴ ﻪ اﻟﺨﻴ ﺮة ﻓ ﻲ ﺧﻴ ﺮ وﻋﺎﻓﻴ ﺔ .وﻗ ﺪ ﻓﺘﺢ اﷲ ﻣ ﻦ أﺑ ﻮاب اﻟﺮﺣﻤ ﺔ ،واﻟﻬﺪاﻳ ﺔ واﻟﺒﺮآ ﺔ ﻣ ﺎ ﻟ ﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺨﻄﺮ ﺑﺎﻟﺒ ﺎل ،وﻻ ﻳ ﺪور ﻓ ﻲ اﻟﺨﻴ ﺎل ،وﻧﺤ ﻦ ﻓ ﻲ آ ﻞ وﻗ ﺖ ﻣﻬﻤﻮﻣ ﻮن ﺑﺎﻟﺴ ﻔﺮ ﻣﺴ ﺘﺨﻴﺮﻳﻦ اﷲ ﺳ ﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌ ﺎﻟﻰ .ﻓ ﻼ ُﻳﻈ ﻦ أﻧﻨ ﺎ ﻧ ﺆﺛﺮ ﻋﻠ ﻰ ﻗ ﺮﺑﻜﻢ ﺷ ﻲء ﻣ ﻦ أﻣﻮر اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻗﻂ .ﺑﻞ ﻻ ﻧﺆﺛﺮ ﻣﻦ أﻣﻮر اﻟ ﺪﻳﻦ ﻣ ﺎ ﻳﻜ ﻮن ﻗﺮﺑﻜﻢ أرﺟﺢ ﻣﻨﻪ .وﻟﻜﻦ ﺛﻢ أﻣﻮر آﺒﺎر ﻧﺨﺎف اﻟﻀ ﺮر اﻟﺨﺎص واﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ إهﻤﺎﻟﻬﺎ ،واﻟﺸﺎهﺪ ﻳﺮى ﻣﺎ ﻻ ﻳﺮى اﻟﻐﺎﺋﺐ . واﻟﻤﻄﻠ ﻮب آﺜ ﺮة اﻟ ﺪﻋﺎء ﺑ ﺎﻟﺨﻴﺮ ،ﻓ ﺈن اﷲ ﻳﻌﻠ ﻢ وﻻ ﻧﻌﻠﻢ ،وﻳﻘﺪر وﻻ ﻧﻘﺪر ،وهﻮ ﻋ ﻼم اﻟﻐﻴ ﻮب .وﻗ ﺎل اﻟﻨﺒ ﻲ ) : ﻣ ﻦ ﺳ ﻌﺎدة اﺑ ﻦ ﺁدم اﺳ ﺘﺨﺎرﺗﻪ اﷲ، ورﺿ ﺎﻩ ﺑﻤ ﺎ ﻗﺴ ﻢ اﷲ ﻟ ﻪ .وﻣ ﻦ ﺷ ﻘﺎوة اﺑ ﻦ ﺁدم ﺗ ﺮك اﺳ ﺘﺨﺎرﺗﻪ اﷲ ،وﺳ ﺨﻄﻪ ﺑﻤ ﺎ ﻳﻘﺴ ﻢ اﷲ ﻟ ﻪ( واﻟﺘ ﺎﺟﺮ ﻳﻜ ﻮن ﻣﺴ ﺎﻓﺮًا ،ﻓﻴﺨ ﺎف ﺿ ﻴﺎع ﻣﺎﻟ ﻪ ،ﻓﻴﺤﺘ ﺎج إﻟ ﻰ أن ﻳﻘ ﻴﻢ ﺣﺘ ﻰ ﻳﺴ ﺘﻮﻓﻴﻪ ،وﻣ ﺎ ﻧﺤ ﻦ ﻓﻴ ﻪ أﻣ ﺮ ﻳﺠ ﻞ ﻋ ﻦ اﻟﻮﺻﻒ ،وﻻ ﺣﻮل وﻻ ﻗﻮة إﻻ ﺑﺎﷲ .
٧٧
واﻟﺴ ﻼم ﻋﻠ ﻴﻜﻢ ورﺣﻤ ﺔ اﷲ وﺑﺮآﺎﺗ ﻪ ،آﺜﻴ ﺮًا، آﺜﻴ ﺮًا وﻋﻠ ﻰ ﺳ ﺎﺋﺮ ﻣ ﻦ ﻓ ﻲ اﻟﺒﻴ ﺖ ﻣ ﻦ اﻟﻜﺒ ﺎر واﻟﺼ ﻐﺎر ،واﻷه ﻞ واﻷﺻ ﺤﺎب واﺣ ﺪا ً ،واﺣ ﺪًا. واﻟﺤﻤ ﺪ ﷲ رب اﻟﻌ ﺎﻟﻤﻴﻦ ،وﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠ ﻰ ﺳ ﻴﺪﻧﺎ ﻣﺤﻤﺪ وﺁﻟﻪ وﺻﺤﺒﻪ .وﺳﻠﻢ ﺗﺴﻠﻴﻤًﺎ " ٭٭٭ ﻣﺎ هﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻣ ﻮر اﻟﻜﺒ ﺎر اﻟﺘ ﻲ رﺁه ﺎ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﺗﺠ ﻞ ﻋ ﻦ اﻟﻮﺻ ﻒ ،ﻓﻜﺘ ﺐ إﻟ ﻰ أﻣ ﻪ ﻳﺴ ﺘﺄذﻧﻬﺎ ﻓ ﻲ اﻟﻐﻴ ﺎب ﻷﻧ ﻪ ﻳﺨ ﺎف اﻟﻀ ﺮر اﻟﻌ ﺎم واﻟﺨ ﺎص ﻣ ﻦ إهﻤﺎﻟﻬﺎ؟! إﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺆﺛﺮ ﻋﻠﻰ أﻣ ﻪ ﺷ ﻴﺌًﺎ ﻣ ﻦ أﻣ ﻮر اﻟ ﺪﻧﻴﺎ ﻗﻂ ،ﺑﻞ ﻻ ﻳﺆﺛﺮ ﻣﻦ أﻣﻮر اﻟﺪﻳﻦ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن اﻟﻘﺮب إﻟﻴﻬ ﺎ أرﺟﺢ ﻣﻨﻪ ،آﻤﺎ آﺘﺐ ﻟﻬﺎ. . إﻧﻬ ﺎ ﻷﻣ ﻮر ﺛﻼﺛ ﺔ ،ﺗﻀ ﻄﺮﻩ إﻟ ﻰ اﻟﺒﻘ ﺎء ﻓ ﻲ اﻟﻘﺎهﺮة . أوﻟﻬ ﺎ :أﻧ ﻪ وﺟ ﺪ ﻋﻠﻤ ﺎء ﻣﺼ ﺮ أﺷ ﺪ ﻣ ﻦ ﻋﻠﻤ ﺎء اﻟﺸﺎم ،ﻓ ﻲ ﺗﻌﺼ ﺒﻬﻢ ﻟﻤ ﺬاهﺒﻬﻢ ،وﻓ ﻲ اﻟﺘﻤﺴ ﻚ اﻟﺤﺮﻓ ﻲ ﺑﻌﻘﻴﺪة اﻷﺷﻌﺮي .
٧٨
واﻷﺷﻌﺮي ﻳﺘﺒﻊ ﻓ ﻲ ﻓﻬ ﻢ اﻟﻨﺼ ﻮص ﻣ ﺬهﺐ أه ﻞ اﻟﺴ ﻨﺔ ،وﺑﺼ ﻔﺔ ﺧﺎﺻ ﺔ ﻣ ﺬهﺐ اﻹﻣ ﺎم أﺣﻤ ﺪ ،وﻟﻜﻨ ﻪ ﻳﺠ ﺎدل اﻟﻤﺨ ﺎﻟﻔﻴﻦ ﺑﺎﻷدﻟ ﺔ اﻟﻌﻘﻠﻴ ﺔ ،ﻻ ﺑﺎﻟﻨﺼ ﻮص اﻟﻤﻨﻘﻮﻟ ﺔ ! ..واﻟﻌﻘ ﻞ ﻓ ﻲ رأي اﻟﺸ ﻴﺦ ﻳﺠ ﺐ أن ﻳﻜ ﻮن ﺗﺎﺑﻌًﺎ ﻟﻠﻨﻘﻞ ..ﻓﺎﻟﻨﻘﻞ هﻮ اﻟﺬي ﻳﻘﻴﻢ اﻟﺒﺮاهﻴﻦ ،ﺛ ﻢ ﻳ ﺄﺗﻲ اﻟﻌﻘﻞ ﻓﻴﺆﻳﺪهﺎ أو ﻳﻔﺴﺮهﺎ ! واﻷﺷ ﻌﺮي ﺻ ﺎﺣﺐ اﻟﻌﻘﻴ ﺪة اﻟﻤﻌﺮوﻓ ﺔ ﺑﺎﺳ ﻤﻪ، ﻋﻠ ﻢ ﻋ ﺎش ﻓ ﻲ اﻟﻘ ﺮن اﻟﺮاﺑ ﻊ اﻟﻬﺠ ﺮي ،وآ ﺎن ﻣ ﻦ ﺷ ﻴﻮخ اﻟﻤﻌﺘﺰﻟ ﺔ اﻟ ﺬﻳﻦ ﻳﺆﻣﻨ ﻮن ﺑﺴ ﻠﻄﺎن اﻟﻌﻘ ﻞ، وﻳﺤﻜﻤﻮﻧ ﻪ ﻓ ﻲ ﻧﺼ ﻮص اﻟﺤ ﺪﻳﺚ ،وﻳﺼ ﺮﻓﻮن ﻇ ﺎهﺮ ﺑﻌﺾ اﻵﻳﺎت ﻋ ﻦ ﻣﻌﻨﺎه ﺎ إﻟ ﻰ ﻣﻌﻨ ﻰ ﺧﻔ ﻲ ﻟﺘﺘﻔ ﻖ ﻣ ﻊ اﻟﻌﻘ ﻞ ﻓ ﻲ رأﻳﻬ ﻢ ،وﻳﻘﻮﻟ ﻮن إن اﻟﻘ ﺮﺁن ﻣﺨﻠ ﻮق ،وإن اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺴﺌﻮل ﻋﻦ ﻋﻤﻠﻪ ،وإﻻ ﻟﻤﺎ ﺟﺎز ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺜﻮاب واﻟﻌﻘﺎب. . وآﺎﻧﺖ ﻟﻬﻢ ﺻ ﻮﻟﺔ ﻓ ﻲ ﻋﺼ ﺮ اﻟﻤ ﺄﻣﻮن ،ﻓ ﺄﻧﺰﻟﻮا اﻟﻤﺤﻨ ﺔ ﺑﺎﻹﻣ ﺎم أﺣﻤ ﺪ اﺑ ﻦ ﺣﻨﺒ ﻞ ﺣ ﻴﻦ ﺧ ﺎﻟﻔﻬﻢ ﺁراءه ﻢ وﺑﺼﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺧﻠﻖ اﻟﻘﺮﺁن .
٧٩
وأﺻ ﺒﺢ اﻟﻨ ﺎس ذات ﻳ ﻮم ،ﻓﻮﺟ ﺪوا اﻷﺷ ﻌﺮي ﻳﺨﻄﺒﻬﻢ وﻋﻠﻴﻪ ﺑﺮدة ﺟﺪﻳﺪة ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﻢ أﻧﻪ ﻳﺨﻠﻊ ﻣﺬهﺐ اﻟﻤﻌﺘﺰﻟ ﺔ ،آﻤ ﺎ ﻳﺨﻠ ﻊ ﺑﺮدﺗ ﻪ ﺗﻠ ﻚ ،ﺛ ﻢ ﻗ ﺎل إﻧ ﻪ ﻳ ﺪﻳﻦ " ﺑﺎﻟﺘﻤﺴﻚ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﺔ ﻣ ﻦ ﻏﻴ ﺮ ﺗﺄوﻳ ﻞ ،وﺑﻤ ﺎ روى اﻟﺼ ﺤﺎﺑﺔ واﻟﺘ ﺎﺑﻌﻴﻦ وأﺋﻤ ﺔ اﻟﺤ ﺪﻳﺚ ،وﺑﻤ ﺎ آ ﺎن ﻋﻠﻴ ﻪ أﺣﻤ ﺪ ﺑ ﻦ ﺣﻨﺒ ﻞ ،ﻧﻀ ﺮ اﷲ وﺟﻬ ﻪ ،ورﻓ ﻊ درﺟﺘ ﻪ، وأﺟﺰل ﻣﺜﺒﻮﺗﻪ .ﻧﺤﻦ ﻟﻤ ﻦ ﺧ ﺎﻟﻒ ﻗﻮﻟ ﻪ ﺟ ﺎﻧﺒﻮن ،ﻷﻧ ﻪ اﻹﻣ ﺎم اﻟﻔﺎﺿ ﻞ ،واﻟ ﺮﺋﻴﺲ اﻟﻜﺎﻣ ﻞ اﻟ ﺬي أﺑ ﺎن اﷲ ﺑ ﻪ اﻟﺤ ﻖ ﻋﻨ ﺪ ﻇﻬ ﻮر اﻟﻀ ﻼل ،وأوﺿ ﺢ ﺑ ﻪ اﻟﻤﻨﻬ ﺎج، وﻗﻤ ﻊ ﺑ ﻪ ﺑ ﺪع اﻟﻤﺒ ﺪﻋﻴﻦ ،وزﻳ ﻎ اﻟ ﺰاﺋﻐﻴﻦ ،وﺷ ﻚ اﻟﺸﺎآﻴﻦ ،ﻓﺮﺣﻤﺔ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ إﻣﺎم ﻣﻘﺪم وآﺒﻴﺮ ﻣﻔﻬ ﻢ، ورﺣﻤﺔ اﷲ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ أﺋﻤﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ " . ﻼ " :إن اﷲ اﺳ ﺘﻮى ﺛ ﻢ ﺷ ﺮح رأﻳ ﻪ اﻟﺠﺪﻳ ﺪ ،ﻗ ﺎﺋ ً ﻋﻠ ﻰ ﻋﺮﺷ ﻪ آﻤ ﺎ ﻗ ﺎل :اﻟ ﺮﺣﻤﻦ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻌ ﺮش اﺳﺘﻮى ،وإن ﻟﻪ وﺟﻬًﺎ آﻤﺎ ﻗﺎل :وﻳﺒﻘﻰ وﺟ ﻪ رﺑ ﻚ ذو اﻟﺠ ﻼل واﻹآ ﺮام وإن ﻟ ﻪ ﻋﻴﻨ ًﺎ ﺑ ﻼ آﻴ ﻒ آﻤ ﺎ ﻗﺎل :ﺗﺠ ﺮي ﺑﺄﻋﻴﻨﻨ ﺎ ..وﻧﻘ ﻮل إن اﻟﻘ ﺮﺁن آ ﻼم اﷲ ﻏﻴ ﺮ ﻣﺨﻠ ﻮق ،وﻧ ﺆﻣﻦ ﺑﻘﻀ ﺎء اﷲ وﻗ ﺪرﻩ ،ﺧﻴ ﺮﻩ
٨٠
وﺷﺮﻩ ،وأن ﻣﺎ أﺻ ﺎﺑﻨﺎ ﻟ ﻢ ﻳﻜ ﻦ ﻟﻴﺨﻄﺌﻨ ﺎ ،وﻣ ﺎ أﺧﻄﺄﻧ ﺎ ﻟ ﻢ ﻳﻜ ﻦ ﻟﻴﺼ ﻴﺒﻨﺎ .. .وﻧ ﺮى أﻻ ُﻧﻜ ﱢﻔ ﺮ أﺣ ﺪًا ﻣ ﻦ أه ﻞ اﻟﻘﺒﻠﺔ ﺑﺬﻧﺐ ارﺗﻜﺒﻪ . .وﻧﻘ ﻮل إن اﷲ ﻳﺨ ﺮج ﻣ ﻦ اﻟﻨ ﺎر ﻗﻮﻣ ًﺎ ﺑﺸ ﻔﺎﻋﺔ ﻣﺤﻤ ﺪ .وإن اﻹﻳﻤ ﺎن ﻋﻤ ﻞ ﻳﺰﻳ ﺪ وﻳﻨﻘﺺ ..وﻧ ﺮى اﻟ ﺪﻋﺎء ﻷﺋﻤ ﺔ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ ﺑﺎﻟﺼ ﻼح، واﻹﻗ ﺮار ﺑﺈﻣ ﺎﻣﺘﻬﻢ ،وﻧ ﺪﻳﻦ اﻟﺨ ﺮوج ﻋﻠ ﻴﻬﻢ ﺑﺎﻟﺴ ﻴﻒ، وﺗﺮك اﻟﻘﺘﺎل ﻓﻲ اﻟﻔﺘﻨﺔ . .وﻧﻘﻮل إن اﻟﺼ ﺎﻟﺤﻴﻦ ﻳﺠ ﻮز أن ﻳﺨﺼ ﻬﻢ اﷲ ﺑﺂﻳﺎﺗ ﻪ ..وﻧ ﺮى ﻣﻔﺎرﻗ ﺔ آ ﻞ داﻋﻴ ﺔ ﻟﻔﺘﻨﺔ وﻣﺠﺎﻧﺒﺔ أهﻞ اﻷهﻮاء " وﻗﺪ اﻋﺘﻨﻖ ﻋﻘﻴﺪﺗ ﻪ آﺜﻴ ﺮون ﻣ ﻦ أﺗﺒ ﺎع اﻟﻤ ﺬاهﺐ اﻷرﺑﻌ ﺔ ،وﻗ ﻮي اﻟﻤ ﺬهﺐ ﺑﻤﺴ ﺎﻧﺪة اﻟﺤﻜ ﺎم ﻟ ﻪ ،ﺣﺘ ﻰ أﺻ ﺒﺢ اﻟﺨ ﺮوج ﻋﻠﻴ ﻪ ،ﺧﺮوﺟ ًﺎ ﻋﻠ ﻰ وﻟ ﻲ اﻷﻣ ﺮ، وآﻔﺮا ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ ! ... وﻣﺎ آ ﺎن اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﻟﻴﺨ ﺎﻟﻒ اﻷﺷ ﻌﺮي ،ﻓﻘ ﺪ أﻗ ﺮ اﻟﺸ ﻴﺦ ﺑﺄﻧ ﻪ ﻋﻠ ﻰ ﻋﻘﻴ ﺪة اﻷﺷ ﻌﺮي ،ﻋﻨ ﺪﻣﺎ اﻣﺘﺤﻨ ﻪ ﻋﻠﻤ ﺎء دﻣﺸ ﻖ ﻓ ﻲ ﻋﻘﻴﺪﺗ ﻪ ﻣﻨ ﺬ ﺳ ﻨﻮات ،ﺣ ﻴﻦ اﺗﻬﻤ ﻪ ﺧﺼﻮﻣﻪ ﺑﺎﻟﻀﻼل ،وﻃﺮح اﻟﻌﻘﻴﺪة اﻷﺷﻌﺮﻳﺔ !
٨١
ﻏﻴﺮ أن اﻟﺸﻴﺦ ﻳﺮى أن اﻷﺷﻌﺮي اﻟﺬي ﺗﺮﺑﻰ ﻓﻲ ﻣﺪرﺳﺔ اﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔ ،ﻳﺘﺒﻊ ﻃﺮﻳﻘﺘﻬﻢ ﻓﻲ اﻻﺳ ﺘﺪﻻل وه ﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻨﻬﺞ أهﻞ اﻟﺴﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﺪال ! ﻓﻬﻮ ﻳﻐﻠﺐ اﻟﻌﻘﻞ، وﻳﺆول ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺼﻮص ﻟﺘﺘﻔﻖ ﻣﻊ اﻟﻌﻘﻞ. . ورأى اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ أن اﻟﺘﺄوﻳ ﻞ ﻋﻨ ﺪ اﻟﺴ ﻠﻒ ه ﻮ اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ،وآﻞ ﺁﻳ ﺔ ﻓ ﻲ اﻟﻘ ﺮﺁن ورد ﻓﻴﻬ ﺎ ﻟﻔ ﻆ اﻟﺘﺄوﻳ ﻞ، ﻓﻬﻲ ﺗﻌﻨﻲ ﺑﻪ اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ . ﻣﺎ آﺎن هﺬا اﻟﺨ ﻼف ﺣﺮﻳ ًﺎ ﺑ ﺄن ﺧﺼ ﻮﻣﻪ ،وﻟﻜ ﻦ روح اﻟﻌﺼ ﺮ آﺎﻧ ﺖ ﻻ ﺗﺴ ﻤﺢ ﺑ ﻪ ،ﻓﻘ ﺪ آ ﺎن اﻟﻌﻠﻤ ﺎء ﻳﻘﻠﺪون اﻟﻤﺬاهﺐ اﻷرﺑﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﻘﻪ ،وﻳﻘﻠﺪون اﻷﺷﻌﺮي ﻓﻲ اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ،وﻻ ﻳﺴﻤﺤﻮن ﻷﺣ ﺪ ﺑﺎﻟﻤﺨﺎﻟﻔ ﺔ أو ﺑ ﺎﻟﺘﺤﺮر ﻣ ﻦ أﺳ ﺮ اﻟﺘﻘﻠﻴ ﺪ ،وﻳﻌﺘﺒ ﺮون ه ﺬا آﻔ ﺮًا أو ﺑﺎﻟﻘﻠﻴ ﻞ ﻻ! ﺿﻼ ً هﻜﺬا وﺟﺪ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﻧﻔﺴ ﻪ ﻓ ﻲ ﺣﺎﺟ ﺔ إﻟ ﻰ اﻟﺒﻘ ﺎء ﻓ ﻲ اﻟﻘ ﺎهﺮة ﻟﻴﻨ ﺎﻇﺮ ﻋﻠﻤﺎءه ﺎ ،وﻳﻘ ﻨﻌﻬﻢ ﺑﺨﻄ ﺄ ﻓﻬ ﻢ اﻷﺷﻌﺮي ﻟﻤﻌﻨ ﻰ آﻠﻤ ﺔ اﻟﺘﺄوﻳ ﻞ ..ﻓﻬ ﻮ ﻟ ﻴﺲ "ﺻ ﺮف اﻟﻠﻔﻆ ﻋﻦ ﻣﻌﻨﺎﻩ اﻟﻈﺎهﺮي إﻟ ﻰ ﻣﻌﻨ ﻰ ﺁﺧ ﺮ ﺧﻔ ﻲ .. .. وأﻧ ﻪ ﻻ ﻳﻤﻜ ﻦ أن ﻳﻜ ﻮن هﻨ ﺎك أﻟﻔ ﺎظ ﻓ ﻲ اﻟﻘ ﺮﺁن،
٨٢
ﺗﺼ ﺮف ﻋ ﻦ ﻣﻌﻨﺎه ﺎ اﻟﻈ ﺎهﺮي ،إﻟ ﻰ ﻣﻌﻨ ﻰ ﺧﻔ ﻲ، وﺳﻜﺖ ﻋﻨﻬﺎ اﻟﺮﺳﻮل .ذﻟﻚ أﻧﻪ ﺑﻴﻦ اﻟﻘﺮﺁن آﻠﻪ وﻋﻠﻤﻪ ﻟﻠﺼﺤﺎﺑﺔ وهﺆﻻء ﻋﻠﻤﻮﻩ ﻟﻠﺘﺎﺑﻌﻴﻦ وهﻜﺬا ﻷن اﻟﺮﺳ ﻮل ﻻ ﻳﺠ ﻮز ﻋﻠﻴ ﻪ أن ﻳ ﺘﻜﻠﻢ ﺑ ﺎﻟﻜﻼم اﻟ ﺬي ﻣﻔﻬﻮﻣ ﻪ وﻣﺪﻟﻮﻟﻪ ﺑﺎﻃﻞ ،وﻳﺴ ﻜﺖ ﻋ ﻦ ﺑﻴ ﺎن اﻟﻤ ﺮاد اﻟﺤ ﻖ ،وﻻ ﻳﺠﻮز أن ﻳﺮﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻖ أن ﻳﻔﻬﻤﻮا ﻣﻦ آﻼﻣﻬﻢ ﻣﺎ ﻟ ﻢ ﻳﺒﻴﻨﻪ ﻟﻬﻢ وﻳﺪﻟﻬﻢ ﻋﻠﻴﻪ ! " وإذن ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻘ ﻊ ﺗﻨ ﺎﻗﺾ ﺑ ﻴﻦ ﻣ ﺎ ﻳﺴ ﺘﻨﺒﻄﻪ اﻟﻌﻘ ﻞ اﻟﺴ ﻠﻴﻢ أي اﻟﻤﻌﻘ ﻮل ،وﺑ ﻴﻦ اﻟﻤﻨﻘ ﻮل اﻟﺼ ﺤﻴﺢ اﻟﺜﺎﺑ ﺖ ..ﻗ ﺎل " :اﻟﻤﻨﻘ ﻮل اﻟﺼ ﺮﻳﺢ ﻻ ﻳﻌﺎرﺿ ﻪ ﻣﻌﻘ ﻮل ﺻ ﺮﻳﺢ ﻗ ﻂ ،وﻗ ﺪ ﺗﺄﻣﻠ ﺖ ذﻟ ﻚ ﻓ ﻲ ﻋﺎﻣ ﺔ ﻣ ﺎ ﺗﻨ ﺎزع اﻟﻌﻠﻤ ﺎء ﻓﻴ ﻪ ،ﻓﻮﺟ ﺪت ﻣ ﺎ ﺧ ﺎﻟﻒ اﻟﻨﺼ ﻮص اﻟﺼ ﺤﻴﺤﺔ اﻟﺼ ﺮﻳﺤﺔ ﺷ ﺒﻬﺎت ﻓﺎﺳ ﺪة ﻳﻌﻠ ﻢ ﺑﺎﻟﻔﻌ ﻞ ﺑﻄﻼﻧﻬ ﺎ ،ﺑ ﻞ ﻳﻌﻠ ﻢ ﺑﺎﻟﻌﻘ ﻞ ﺛﺒ ﻮت ﻧﻘﻴﻀ ﻬﺎ اﻟﻤﻮاﻓ ﻖ ﻟﻠﺸﺮع . وهﺬا ﺗﺄﻣﻠﺘﻪ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺋﻞ اﻷﺻﻮل اﻟﻜﺒﺎر ،آﻤﺴ ﺎﺋﻞ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ واﻟﺼﻔﺎت ،وﻣﺴ ﺎﺋﻞ اﻟﻘ ﺪر واﻟﺜﺒ ﻮت واﻟﻤﻌ ﺎد، وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ،ووﺟﺪت ﻣﺎ ﻳﻌﻠﻢ ﺑﺼﺮﻳﺢ اﻟﻌﻘﻞ ﻟ ﻢ ﻳﺨﺎﻟﻔ ﻪ
٨٣
ﺳﻤﻊ )أي ﻧﻘﻞ( ﻗﻂ .ﺑ ﻞ اﻟﺴ ﻤﻊ اﻟ ﺬي ﻳﻘ ﺎل إﻧ ﻪ ﻳﺨﺎﻟﻔ ﻪ إﻣﺎ ﺣﺪﻳﺚ ﻣﻮﺿﻮع أو دﻻﻟﺔ ﺿﻌﻴﻔﺔ " . دﺧ ﻞ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻓ ﻲ ﻣﺤ ﺎورات ﻃﻮﻳﻠ ﺔ ﻣ ﻊ ﻋﻠﻤ ﺎء ﻣﺼ ﺮ وﻓﻘﻬﺎﺋﻬ ﺎ ،ﺣ ﻮل ﺁراء اﻷﺷ ﻌﺮي ﻓ ﻲ اﻟﺘﺄوﻳ ﻞ. وهﻮ ﻓﻲ ﻣﺤﺎوراﺗﻪ ﻳﻜﺴ ﺐ اﺣﺘ ﺮاﻣﻬﻢ وﻣ ﻮدﺗﻬﻢ ،ﻋﻠ ﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻟﺨﻼف ! دﻋ ﺎﻩ أﺣ ﺪ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء إﻟ ﻰ ﻣﺄدﺑ ﺔ ﻋﺸ ﺎء ،ﻣ ﻊ ﻋﻠﻤ ﺎء ﻣ ﻦ اﻟﻤ ﺬاهﺐ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔ ﺔ .وﺑﻌ ﺪ اﻟﻌﺸ ﺎء ﻗ ﺎل ﻟ ﻪ " :ﻳ ﺎ ﺷﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ .إﻧﻚ ﻟﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ أﻣﻮر آﺒﺎر ،ﺗﻌﺬب ﺑﻬﺎ ﻧﻔﺴﻚ ،وﺻﺤﺒﻚ ،وﺗﺸﻖ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮك ! ﻓﻤﺎ ﺧﻼﻓﻚ ﻣﻊ اﻷﺷﺎﻋﺮة ﻓﻲ ﺗﺄوﻳ ﻞ ﺁﻳ ﺎت اﻟﺼ ﻔﺎت؟ أﻻ ﺗ ﺮى أﻧ ﻪ ﻳﻮﻗﻊ ﺑ ﻚ ﺗﺸ ﺒﻴﻪ ﺻ ﻔﺎت اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﺑﻨﻌ ﻮت اﻟﺒﺸ ﺮ؟ إن اﻟﺘﻤﺴﻚ ﺑﻈﺎهﺮ اﻟﻨﺺ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺤﻮ اﻟﺬي ﺗﺪﻋﻮ إﻟﻴ ﻪ ﻣ ﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠﺔ ،ﻻﺑﺪ أن ﻳﻮﻗﻌﻜﻢ ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺴﻴﻢ واﻟﺘﺸﺒﻴﻪ، ﻷن ﻇﺎهﺮ ﻣﻌﻨ ﻰ ﻳ ﺪ اﷲ وﻋ ﻴﻦ اﷲ إﻧﻤ ﺎ ه ﻮ اﻟﺠﺎرﺣ ﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻠﺒﺸﺮ . .وﻟﻬﺬا وﻗﻊ ﺑﻌﺾ ﺷﻴﻮﺧﻜﻢ اﻟﺴ ﺎﺑﻘﻴﻦ ﻓ ﻲ ﺧﻄﺄ ﺷﺄن اﻟﺤﻨﺎﺑﻠﺔ ﺷﻴﻨًﺎ ﻻ ﻳﻐﺴﻠﻪ ﻣﺎء اﻟﺒﺤﺎر ،آﻤﺎ ﻗﺎل اﺑ ﻦ اﻟﺠ ﻮزي وه ﻮ ﻣ ﻦ أﻓﺎﺿ ﻞ ﺷ ﻴﻮخ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠ ﺔ
٨٤
وﻋﻠﻤﺎﺋﻬﻢ .إﻧﻜ ﻢ ﺑﺄﺧ ﺬآﻢ ﺑﺎﻟﻈ ﺎهﺮ ﺗﻨﺰﻟ ﻮن اﷲ ﺳ ﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓ ﻲ ﻣﻜ ﺎن اﻟﺤﺴ ﻴﺎت .وأﻧ ﺘﻢ أﻋ ﺪاء ه ﺆﻻء اﻟﻤﺠﺴ ﻤﻴﻦ اﻟﻤﺸﺒﻬﻴﻦ .ﻓﻠﻮ أﻧﻜﻢ ﻗﺮأﺗﻢ اﻵﻳ ﺎت واﻷﺣﺎدﻳ ﺚ وﺳ ﻜﺘﻢ، ﻟﻤﺎ أﻧﻜﺮ ﻋﻠﻴﻜﻢ أﺣﺪ ،وﻟﻜﻦ ﺣﻤﻠﻜﻢ إﻳﺎه ﺎ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻈ ﺎهﺮ ﻗﺒﻴﺢ . ﻗ ﺎل اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ " :أﺻ ﻠﺤﻚ اﷲ .ﻧﺤ ﻦ ﻻ ﻧﺒﺘ ﺪع ﻓﻲ ﻣﺬهﺐ اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ ﻣ ﺎ ﻟ ﻴﺲ ﻣﻨ ﻪ .وأﻧ ﺎ أﻧﻜ ﺮ ﻋﻠ ﻰ ﺑﻌ ﺾ ﺷ ﻴﻮخ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠ ﺔ اﻟﺴ ﺎﺑﻘﻴﻦ ﺗﻤﺴ ﻜﻬﻢ اﻟﺤﺮﻓ ﻲ ﺑﺎﻟﻈ ﺎهﺮ .ورأﻳ ﻲ أن اﻟﻘ ﻮل ﻓ ﻲ اﻟﺼ ﻔﺎت آ ﺎﻟﻘﻮل ﻓ ﻲ اﻟﺬات .ﻓﺈن اﷲ ﻟ ﻴﺲ آﻤﺜﻠ ﻪ ﺷ ﻲء ﻻ ﻓ ﻲ ذاﺗ ﻪ وﻻ ﻓ ﻲ ﺻ ﻔﺎﺗﻪ ،وﻻ ﻓ ﻲ أﻓﻌﺎﻟ ﻪ .ﻓ ﺈذا آﺎﻧ ﺖ ﻟ ﻪ ذات ﻻ ﺗﻤﺎﺛ ﻞ اﻟ ﺬوات ﺣﻘﻴﻘ ﺔ ،ﻓﺎﻟ ﺬات ﻣﺘﺼ ﻠﺔ ﺑﺼ ﻔﺎت ﺣﻘﻴﻘﻴ ﺔ ﻻ ﺗﻤﺎﺛﻞ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﺼﻔﺎت ! " ﻓﻘﺎل أﺣﺪ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﺿﺎﺣﻜًﺎ :ﻓﻬﺬا هﻮ اﻟﺘﺄوﻳﻞ اﻟﺬي ﺗﻨﻜﺮﻩ ﻋﻠﻰ اﻷﺷﺎﻋﺮة" ﻗﺎل اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ " :ﺑﻞ هﻮ اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﻻ اﻟﺘﺄوﻳﻞ " ﻗﺎل أﺣﺪهﻢ " :ﻗﻞ ﻟﻨﺎ رأﻳﻚ ﻓﻲ ﻇﺎهﺮ اﻟﻨﺼﻮص، أﻣﺮاد هﻮ آﻤﺎ هﻮ؟ أم ﻏﻴﺮ ﻣﺮاد ﻓﻴﺼﺮف إﻟﻰ اﻟﻤﻌﻨﻰ
٨٥
اﻟ ﺬي ﻳﺘﻔ ﻖ ﻣ ﻊ ذات اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ وﺻ ﻔﺎﺗﻪ آﻤ ﺎ ﻳﻘ ﻮل اﻷﺷﻌﺮي "؟ ﻗ ﺎل ﺻ ﺎﺣﺐ اﻟ ﺪار " :اﺣ ﺬر ﻣﻜ ﺮ ه ﺬا اﻟﻔﻘﻴ ﻪ اﻟﺤﻨﻔﻲ ﻳﺎ ﺷﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ! ﻓﻬﻮ ﺻﺎﺣﺐ ﺣﻴﻞ آﺸ ﻴﺨﻪ اﻹﻣﺎم أﺑﻲ ﺣﻨﻴﻔﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ " وﺿ ﺤﻚ اﻟﺠﻤﻴ ﻊ وه ﻢ ﻳﻬﻤﻬﻤ ﻮن " :رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ " واﺳﺘﻤﺮ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺻﺎﺣﺐ اﻟ ﺪار ﻳﻘ ﻮل ﻻﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ : " ﻓﺄﻧﺖ ﻳﺎ ﻓﻘﻴﻪ إن ﻗﻠﺖ ﺑﺄن ﻇﺎهﺮ هﺬﻩ اﻟﻨﺼ ﻮص ه ﻮ اﻟﻤﺮاد ،ﻓﻬﻮ اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﺑﺼﻔﺎت اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﻴﻦ أو ﻣﺎ ه ﻮ ﻣ ﻦ ﺧﺼﺎﺋﺼ ﻬﻢ .وه ﺬا ﻟ ﻴﺲ ﻣﻌﺘﻘ ﺪك وﻻ ﻣﻌﺘﻘ ﺪ إﻣﺎﻣ ﻚ أﺣﻤ ﺪ رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨ ﻪ ،وإن ﻗﻠ ﺖ ﺑﻌﻜ ﺲ ذﻟ ﻚ ﻓﻬ ﻮ اﻟﺘﺄوﻳﻞ اﻟﺬي ﺗﻨﻜﺮﻩ " ﻗﺎل اﻟﺸﻴﺦ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ " :اﺗﻔ ﻖ أه ﻞ اﻟﺴ ﻨﺔ وأﺋﻤ ﺔ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ ﻋﻠ ﻰ أن ﻇ ﺎهﺮ ه ﺬﻩ اﻵﻳ ﺎت ه ﻮ اﻟﻤ ﺮاد. وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻴﺲ آﻈﺎهﺮ اﻵﻳﺎت اﻟﻤﺘﻔﻖ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻨﺎه ﺎ .ﻓ ﻨﺤﻦ ﻻ ﻧﻔﻬﻢ ﻣﻦ ﻇ ﺎهﺮ ﺁﻳ ﺎت اﻟﺼ ﻔﺎت أن ﻋﻠ ﻢ اﷲ آﻌﻠﻤﻨ ﺎ. وﻻ أن ﻗﺪرﺗ ﻪ آﻘ ﺪرﺗﻨﺎ .ﻓﻘﻮﻟ ﻪ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ :ﻳﺤ ﺒﻬﻢ
٨٦
وﻳﺤﺒﻮﻧﻪ ورﺿ ﻲ اﷲ ﻋ ﻨﻬﻢ ورﺿ ﻮا ﻋﻨ ﻪ وﻗﻮﻟ ﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ :ﺛﻢ اﺳﺘﻮى ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮش. ﻧﺤ ﻦ ﻧﻔﻬ ﻢ ه ﺬا آﻠ ﻪ ﻋﻠ ﻰ ﻇ ﺎهﺮﻩ ،وﻟﻜ ﻦ ه ﺬا ﻻ ﻳﻘﺘﻀ ﻲ أن ﻳﻜ ﻮن ﻇ ﺎهﺮﻩ اﺳ ﺘﻮاء آﺎﺳ ﺘﻮاء اﻟﻤﺨﻠ ﻮق وﻻ ﺣﺒًﺎ آﺤﺒﻪ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺑﻤﻌﺎن ﺗﻠﻴﻖ ﺑﺬاﺗﻪ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻗﺎل ﻋﺎﻟﻢ ﺷﺎﻓﻌﻲ " :ﻓﻬﺬا ﺻﺮف ﻟﻠﻔﻆ ﻋﻦ ﻣﻌﻨﺎﻩ اﻟﻈﺎهﺮ ﻳﺎ ﺷﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ .ﻓﻤﺎ ﺧﻼﻓﻚ ﻣ ﻊ اﻷﺷ ﺎﻋﺮة؟ " ﻗﺎل اﻟﺸﻴﺦ " :ﺑﻞ هﻮ ﻓﻬﻢ ﻟﻠﻈ ﺎهﺮ واﺗﺒ ﺎع ﻟﻺﻣ ﺎم أﺣﻤﺪ ،واﻹﻣﺎم ﻣﺎﻟﻚ وﺳﺎﺋﺮ اﻷﺋﻤﺔ . .ﻻﺑﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻤﺴ ﻚ ﺳﺌﻞ اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ أﻳﺎم اﻟﻤﺤﻨﺔ ﻋ ﻦ أﺣﺎدﻳ ﺚ ﺑﺎﻟﻈﺎهﺮ ُ .. اﻟﻨ ﺰول واﻟﺮؤﻳ ﺔ ووﺿ ﻊ اﻟﻘ ﺪم .ﻗ ﺎل ) :ﻧ ﺆﻣﻦ ﺑﻬ ﺎ، وﻧﺼ ﺪق ﺑﻬ ﺎ ،وﻻ آﻴ ﻒ وﻻ ﻣﻌﻨ ﻰ( .وﺳ ﺌﻞ ﻋ ﻦ اﻻﺳﺘﻮاء ﻓﻘﺎل ) :اﺳﺘﻮى ﻋﻠﻰ اﻟﻌ ﺮش آﻴ ﻒ ﺷ ﺎء ﺑ ﻼ ﺣﺪ وﻻ ﺻﻔﺔ ﻳﺒﻠﻐﻬﺎ واﺻ ﻒ( وه ﺬا ﺗﻔ ﻮﻳﺾ وﺗﻨﺰﻳ ﻪ، وﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﺗﺨﺮﻳﺞ ﻟﻠﻔﻆ ﻋﻠﻰ اﻟﻈﺎهﺮ أو ﻏﻴ ﺮ اﻟﻈ ﺎهﺮ. وﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻗﺎل اﻹﻣﺎم ﻣﺎﻟ ﻚ) :اﻻﺳ ﺘﻮاء ﻣﻌﻠ ﻮم واﻟﻜﻴ ﻒ ﻣﺠﻬﻮل واﻹﻳﻤﺎن ﺑﻪ واﺟﺐ واﻟﺴﺆال ﻋﻨﻪ ﺑﺪﻋﺔ(
٨٧
ﻗ ﺎل اﻟﻌ ﺎﻟﻢ اﻟ ﺬي ﺑ ﺪأ اﻟﺤ ﻮار ) :إن ﻗ ﻮل اﻹﻣ ﺎم ﻣﺎﻟﻚ وﻣﻦ ﺑﻌﺪﻩ اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ ،ﻟﻴﺲ أﺧﺬًا ﺑﻈﺎهﺮ اﻟﻠﻔ ﻆ. ﺳ ﺌﻞ ﺑ ﻞ ه ﻮ ﺗﻔ ﻮﻳﺾ وﺗﻨﺰﻳ ﻪ .ﻋﻠ ﻰ أن اﻹﻣ ﺎم أﺣﻤ ﺪ ُ ﻳﻮم اﻟﻤﻨﺎﻇﺮة ﻋﻦ ﻣﻌﻨﻰ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ :وﺟ ﺎء رﺑ ﻚ واﻟﻤﻠ ﻚ ﺻ ﻔًﺎ ﺻ ﻔًﺎ ﻓﻘ ﺎل ) :ﻳﺠ ﻲء أﻣ ﺮﻩ وﻗﺪرﺗ ﻪ( أﻟﻴﺲ هﺬا ﺻﺮﻓًﺎ ﻟﻠﻔﻆ ﻋﻦ ﻣﻌﻨﺎﻩ اﻟﻈﺎهﺮ؟( ﻗ ﺎل اﻟﺸ ﻴﺦ " :إﻧ ﻪ اﻟﺘﻔﺴ ﻴﺮ ﺑﻤﺠ ﺎز اﻟﺤ ﺬف ﻻ اﻟﺘﺄوﻳﻞ " ﻗﺎل اﻟﻌﺎﻟﻢ " :اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺑﺎﻟﻤﺠ ﺎز ﻧ ﻮع ﻣ ﻦ اﻟﺘﺄوﻳ ﻞ ﻳﺎ ﺷﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ " ﻗﺎل اﻟﺸﻴﺦ " :إن اﻟﺴ ﻠﻒ ﻣ ﺎ آ ﺎﻧﻮا ﻳﻄﻠﻘ ﻮن اﺳ ﻢ اﻟﻈﺎهﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ ﺑﺨﺼﺎﺋﺺ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﻴﻦ .ﻓﻬﺬا ﻏﻴﺮ ﻣ ﺮاد ﻣ ﻦ ﺁﻳ ﺎت اﻟﺼ ﻔﺎت واﻷﺳ ﻤﺎء اﻟﺤﺴ ﻨﻰ .ﻓﻬ ﻢ ﻻ ﻼ" ﻳﺮﺿﻮن أن ﻳﻜﻮن اﻟﻤﺮاد ﺑﺎﻟﻘﺮﺁن آﻔﺮًا وﺑﺎﻃ ً ﻗ ﺎل ﺻ ﺎﺣﺐ اﻟ ﺪار " :ﻣ ﺎ آ ﺎن اﻟﺴ ﻠﻒ اﻟﺼ ﺎﻟﺢ وﻣﻨﻬﻢ اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ ﻳﻔﻬﻤ ﻮن اﻟﻈ ﺎهﺮ آﻤ ﺎ ﻓﻬﻤ ﻪ ﺑﻌ ﺾ ﻣﺘ ﺄﺧﺮي اﻟﺤﻨﺎﺑﻠ ﺔ وأﻧ ﺖ ﻧﻔﺴ ﻚ ﺗﺼ ﺮف ﺑﻌ ﺾ اﻟﻨﺼ ﻮص ﻋ ﻦ ﻣﻌﻨﺎه ﺎ إذا أوﻗﻌﺘ ﻚ ﻓﻴﻤ ﺎ ﻻ ﻳﻘﺒﻠ ﻪ
٨٨
ﻋﻘﻠ ﻚ ! وه ﺬا ه ﻮ اﻟﺘﺄوﻳ ﻞ ،وأن آﻨ ﺖ ﺗﺘﻤﺴ ﻚ ﺑﻈ ﺎهﺮ ﺑﻌ ﺾ اﻟﻨﺼ ﻮص ﻓﺘ ﺪﺧﻞ ﻓ ﻲ أﻣ ﻮر آﺒ ﺎر ﺗﺸ ﻘﻰ أﻧ ﺖ ﺑﻬﺎ وﺗﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻳﺮﻳﺪون أن ﻳﺸﻨﻌﻮا ﻋﻠﻴﻚ ،وﺗﻀ ﻨﻲ ﺑﻬ ﺎ ﻣﺤﺒﻴﻚ .أﻧﺎ أﺳﻦ ﻣﻨﻚ ﺑﻌﺸﺮﻳﻦ ﻋﺎﻣًﺎ ﻳﺎ ﺑﻨﻰ ،وﻣ ﺎ أرى ﻓ ﻲ ﻣﻌﺘﻘ ﺪك ﻣ ﺎ ﻳﺨ ﺎﻟﻒ اﻷﺷ ﻌﺮي ﺧﻼﻓ ًﺎ ﻳﻘﺘﻀ ﻲ اﻟﺨﺼ ﻮﻣﺔ .وﻗ ﺪ أﻗ ﺮرت ﺑﻨﻔﺴ ﻚ أﻧ ﻚ ﻋﻠ ﻰ ﻋﻘﻴ ﺪة اﻷﺷ ﻌﺮي ﻓ ﻲ ﺟﻤﻠﺘﻬ ﺎ ،ﻓﻤ ﺎ ﺑﻘ ﻲ ﻋﻨ ﺪك ﻣ ﻦ وﺟ ﻮﻩ ﺧﻼف ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﻋﻨﺎء اﻟﺨﺼﻮﻣﺔ .ﻓﻬﻼ آﻔﻔﺖ ﻳﺎ ﺷﻴﺦ ﺗﻘ ﻲ اﻟ ﺪﻳﻦ ﻋ ﻦ اﻻﻧﺸ ﻐﺎل ﺑﻬ ﺬا اﻷﻣ ﺮ ،ﻓﻬ ﻮ ﻻ ﻳﻤﺜ ﻞ ﻣﺼﻠﺤﺔ دﻳﻨﻴﺔ ﻳﺠ ﺐ ﺗﺤﻘﻴﻘﻬ ﺎ أو ﻣﻀ ﺮة ﻳﺠ ﺐ دﻓﻌﻬ ﺎ؟ إن ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻣﻦ أﻟﻮان اﻟﺒﺪع واﻟﻤﻨﻜﺮات ﻣﺎ ﻳﻠﺰﻣﻨ ﺎ ﺑﺎﻟﻌﻤ ﻞ ﻣﻌًﺎ. . وﺣﺴ ﺒﻚ ﻣ ﺎ ﻳﻔﻌﻠ ﻪ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ هﻨ ﺎ ﻓ ﻲ ﻣﺼ ﺮ ﻣﻤ ﺎ ﻋﺎﻳﻨﺖ وﻋﺎﻧﻴﺖ .. .ﻟﻘﺪ ﺟﻤﻌﺘﻜﻢ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻟﻨﺼﻔﻲ اﻟﺨﻼف ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻨﺎ ،وﻟﻨﻜﻮن ﻣﻌًﺎ ﺻﻔًﺎ واﺣﺪًا ﻓ ﻲ ﻣﺤﺎرﺑ ﺔ اﻟﺒ ﺪع واﻟﻤﻨﻜﺮات " ﻗﺎل اﻟﺸ ﻴﺦ " :ﻟﻜ ﻢ ﻋﺎﻳﻨ ﺖ ﻣ ﻨﻬﻢ وﻋﺎﻧﻴ ﺖ ! وﻗ ﺪ أدهﺸﻨﻲ ﺳﻜﻮﺗﻜﻢ ﻋﻨﻬﻢ ! "
٨٩
ﻗ ﺎل أﺣ ﺪ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء " :ﻟﻘ ﺪ اﺳ ﺘﻮﻟﻮا ﻋﻠ ﻰ ﻋﻘ ﻞ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن وﻋﻘ ﻮل اﻷﻣ ﺮاء ،وأرهﺒ ﻮهﻢ ﺑﻜﺮاﻣ ﺎﺗﻬﻢ واﺳ ﺘﻴﻼﺋﻬﻢ ﻋﻠ ﻰ ﻋﻘ ﻮل اﻟﻌﺎﻣ ﺔ ..وﻧﺨﺸ ﻰ إذا ﻧﺎهﻀﻨﺎهﻢ أن ﺗﻜﻮن ﻓﺘﻨﺔ " وﻗ ﺎل ﺁﺧ ﺮ " :إﻧﻨ ﺎ ﻗ ﺪ ﻧ ﺘﻬﻢ ﺑﺎﻟﻐﻀ ﺐ ﻷﻧﻔﺴ ﻨﺎ، وﺑﺎﺗﺒﺎع اﻟﻬﻮى ! . .ﻓﻬﻢ ﻳﺴﻤﻮن أﻧﻔﺴ ﻬﻢ أه ﻞ اﻟﺤﻘﻴﻘ ﺔ. وﻳﺰﻋﻤﻮن أﻧﻬﻢ وﺣ ﺪهﻢ اﺧﺘﺼ ﻮا ﺑﻤﻌﺮﻓﺘﻬ ﺎ ،أﻣ ﺎ ﻧﺤ ﻦ ﻓﻴﺴﻤﻮﻧﻨﺎ أهﻞ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ،ﻻ ﻧﻌ ﺮف إﻻ ﻇ ﺎهﺮ اﻟ ﺪﻳﻦ. . وهﻢ ﻳﻐﺎﻟﻮن ﻓﻴﻘﻮﻟﻮن إن اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺗﻔ ﺮق ﺑ ﻴﻦ اﻟﻌﺎﺻ ﻲ واﻟﻤﻄﻴ ﻊ ،ﻟﻜ ﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘ ﺔ ﻻ ﺗﻔ ﺮق ﺑﻴﻨﻬﻤ ﺎ أﻣ ﺎم اﻟﺨ ﺎﻟﻖ، ﻓﻬ ﻮ ﺧ ﺎﻟﻖ آ ﻞ ﺷ ﻲء :اﻟﻠ ﺬات واﻟﺸ ﻬﻮات، واﻟﻤﺄﻣﻮرات ،واﻟﻤﻨﻬﻴﺎت .ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ ﺗ ﺮى أﺗﺒ ﺎﻋﻬﻢ ﻳﻘﺘﺮﻓﻮن ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮات ﻣﺎ ﺗﻘﺸﻌﺮ ﻣﻨﻪ اﻷﺑﺪان " أﺿ ﺎف ﺁﺧ ﺮ " :إن أﺣ ﺪهﻢ ﻟﻴﺘﺒ ﺎهﻰ ﺑﻬ ﺎ ﻓﻴﺮﺳ ﻞ إﻟﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن أﻧﻪ ﻳﻘﺘﺮف آﺬا وآﺬا ،ﻓﻼ ﻳﻘﺎم ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺤ ﺪ إﺷﻔﺎﻗًﺎ ﻣﻦ آﺮاﻣﺎﺗﻪ ! " .. ﻗﺎل اﻟﺸﻴﺦ " :إﻧﻜﻢ ﻣﺎ ﺳ ﻜﺘﻢ ﻋ ﻦ ه ﺬﻩ اﻟﻤﻨﻜ ﺮات ﺣ ﺬر اﻟﻔﺘﻨ ﺔ ،أو ﺑﻌ ﺪًا ﻋ ﻦ ﺷ ﺒﻬﺔ اﻟﻐﻀ ﺐ ﻷﻧﻔﺴ ﻜﻢ !
٩٠
وﻟﻜﻦ اﻻﺷﺘﻐﺎل ﺑﺎﻟﺨﻼف اﻟﻤ ﺬهﺒﻲ ،ﺻ ﺮف هﻤﻨ ﺎ إﻟ ﻰ هﺬا اﻟﺨﻼف ،وﻋﻜﻔﻨ ﺎ ﻋﻠ ﻰ ﺗﻘﻠﻴ ﺪ اﻷﺋﻤ ﺔ اﻟﻜﺒ ﺎر وأﻟﻔﻨ ﺎ اﻟﺠﻤ ﻮد ﻋﻨ ﺪ ﺁراﺋﻬ ﻢ ..ﻓ ﺈذا ﺗﻜﻠﻔﻨ ﺎ ﻣﺸ ﻘﺔ اﻟﺒﺤ ﺚ ﻋ ﻦ اﻟﺮأي اﻟﺤﻖ ﻓ ﻲ ﻣ ﺬهﺐ ﻏﻴ ﺮ ﻣ ﺬهﺐ إﻣﺎﻣﻨ ﺎ ،ﺗﺤﺮﺟﻨ ﺎ ﻣﻦ أﺗﺒﺎﻋﻪ .ﻟﻤﺎذا؟ ﻟﻨﺘﺠﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺬهﺒﻨﺎ ! وﻣﻨﺎ ﻣﻦ ﻳﻐﺾ ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺔ اﻷﺋﻤ ﺔ اﻵﺧ ﺮﻳﻦ .وﻟﻜ ﻦ هﺆﻻء اﻟﻌﻠﻤﺎء هﻢ ورﺛﺔ اﻷﻧﺒﻴﺎء ،آﻤﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺸﺮﻳﻒ ،وﻗﺪ ﺟﻌﻠﻬ ﻢ اﷲ ﺑﻤﻨﺰﻟ ﺔ اﻟﻨﺠ ﻮم اﻟﺘ ﻲ ُﻳﻬﺘ َﺪى
ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻇﻠﻤﺎت اﻟﺒﺮ واﻟﺒﺤﺮ ،ﻓﻬﻢ ﺧﻠﻔﺎء رﺳﻮل اﷲ ﻓ ﻲ أﻣﺘ ﻪ ،واﻟﻤﺤﻴ ﻮن ﻟﻤ ﺎ ﻣ ﺎت ﻣ ﻦ ﺳ ﻨﺘﻪ ،ﺑﻬ ﻢ ﻗ ﺎم اﻟﻜﺘﺎب ،وﺑ ﻪ ﻗ ﺎﻣﻮا ،وﺑﻬ ﻢ ﻧﻄ ﻖ اﻟﻜﺘ ﺎب ،وﺑ ﻪ ﻧﻄﻘ ﻮا. ﻓﻠﻨﻌﻠﻢ أﻧﻪ ﻟﻴﺲ اﺣﺪ ﻣﻦ اﻷﺋﻤﺔ ﻳﺘﻌﻤﺪ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ اﻟﺴﻨﺔ ﻓ ﻲ ﺷﻲء دﻗﻴﻖ وﻻ ﺟﻠﻴﻞ .ﻓ ﺈﻧﻬﻢ ﻣﺘﻔﻘ ﻮن اﺗﻔﺎﻗ ًﺎ ﻳﻘﻴﻨ ًﺎ ﻋﻠ ﻰ وﺟ ﻮب اﺗﺒ ﺎع اﻟﺮﺳ ﻮل .وﻋﻠ ﻰ أن آ ﻞ أﺣ ﺪ ﻣ ﻦ اﻟﻨﺎس ﻳﺆﺧﺬ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ وﻳﺘﺮك ،إﻻ رﺳﻮل اﷲ .وإذا وﺟﺪ ﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻗﻮل ﻗﺪ ﺟﺎء ﺣﺪﻳﺚ ﺻ ﺤﻴﺢ ﺑﺨﻼﻓ ﻪ، ﻓﻼ ﺑﺪ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻋ ﺬر ﻓ ﻲ ﺗﺮآ ﻪ .واﻷﻋ ﺬار ﺛﻼﺛ ﺔ :ﻋ ﺪم اﻋﺘﻘﺎدﻩ أﻧﻪ ﺣﺪﻳﺚ ﺻﺤﻴﺢ .أو ﻋﺪم اﻋﺘﻘ ﺎدﻩ إرادة ﺗﻠ ﻚ
٩١
اﻟﻤﺴ ﺄﻟﺔ ﺑ ﺬﻟﻚ اﻟﺤ ﺪﻳﺚ ،أو اﻋﺘﻘ ﺎدﻩ ﺑ ﺄن اﻟﺤ ﺪﻳﺚ ﻣﻨﺴﻮخ . وﻗﺪ آﺎن هﺆﻻء ﺟﻤﻴﻌ ًﺎ ﻳﻮﺻ ﻮن ﺗﻼﻣﻴ ﺬهﻢ ) :إذا ﺻﺢ ﻟﻜ ﻢ ﺣ ﺪﻳﺚ ﻳﺨ ﺎﻟﻒ ﻗﻮﻟﻨ ﺎ ﻓ ﺎﺗﺮآﻮا ﻗﻮﻟﻨ ﺎ واﺗﺒﻌ ﻮا اﻟﺤﺪﻳﺚ( آﺎن أﺑﻮ ﺣﻨﻴﻔﺔ وأﺻﺤﺎﺑﻪ ﻳﻔﺘﻮن ﺑ ﺒﻄﻼن اﻟﻮﻗ ﻒ، ﻷﻧ ﻪ ﺣ ﺒﺲ ﻟﻠﻤ ﺎل وﻗﻴ ﺪ ﻋﻠ ﻰ اﻹرادة ﻓ ﻲ رأﻳﻬ ﻢ ،ﻓﻠﻤ ﺎ اﺳ ﺘﻘﺒﻞ اﻹﻣ ﺎم ﻣﺎﻟ ﻚ أﺑ ﺎ ﻳﻮﺳ ﻒ ﻓ ﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨ ﺔ ،أراﻩ أوﻗﺎف اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ،ﻓﻌﺪل ﻋﻦ رأﻳﻪ . ﻓﻘﺎل ﻟﻪ ﻣﺎﻟﻚ ) :ﻟﻮ رأى ﺻﺎﺣﺒﻨﺎ أﺑ ﻮ ﺣﻨﻴﻔ ﺔ ه ﺬﻩ اﻷﺣﺒﺎس )اﻷوﻗﺎف( ﻟﻌﺪل ﻋﻦ رأﻳﻪ آﻤﺎ ﻋﺪﻟﺖ( وﻧﺤ ﻦ ﻧﻌ ﺮف أن اﻟﺸ ﺎﻓﻌﻲ ﺣ ﻴﻦ ﺟ ﺎء ﻣﺼ ﺮ، وﻋﺎش ﻓﻴﻬﺎ ،واﻃﻠﻊ ﻋﻠ ﻰ ﻓﻘ ﻪ اﻹﻣ ﺎم اﻟﻠﻴ ﺚ ﺑ ﻦ ﺳ ﻌﺪ، أﻋﺎد ﺻﻴﺎﻏﺔ آﺘﺒ ﻪ ،وﻋ ﺪل ﻋ ﻦ آﺜﻴ ﺮ ﻣ ﻦ ﺁراﺋ ﻪ .وﻗ ﺪ أوﺻﻰ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ ،ﺑﺎﻋﺘﻤﺎد ﻣﺎ آﺘﺒ ﻪ اﻟﺸ ﺎﻓﻌﻲ ﻓ ﻲ ﻣﺼﺮ ،وﺗﺮك ﻣﺎ ﻋﺪاﻩ . وآ ﺎن اﻹﻣ ﺎم ﺟﻌﻔ ﺮ اﻟﺼ ﺎدق ﻳﻨ ﺎﻇﺮ أﺑ ﺎ ﺣﻨﻴﻔ ﺔ وﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ أﻧﺲ ،ﻓﻴﻌﺪﻻن ﻋﻦ ﺁراﺋﻬﻤﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻨﺎﻇﺮة .
٩٢
آ ﺎن ه ﺆﻻء اﻷﺋﻤ ﺔ ﻳ ﻮﻗﺮ اﻟﻮاﺣ ﺪ ﻣ ﻨﻬﻢ اﻵﺧ ﺮ، وﻳﻔﻴﺪون ﻣ ﻦ ﺁراء ﺑﻌﻀ ﻬﻢ اﻟ ﺒﻌﺾ .ﻓﻤ ﺎ ﺑ ﺎل أﺗﺒ ﺎﻋﻬﻢ ﻳﺴ ﻔﻬﻮن ﻣ ﻦ ﺧ ﺎﻟﻔﻬﻢ وﻳﺠﻌﻠ ﻮن ﺧ ﻼف اﻷﺋﻤ ﺔ ﺣﺮﺑ ﺎ ﺿﺮوﺳًﺎ؟! ﻓﻠﻨﺘﻔﻖ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﺎ ﻋﻠﻰ أن ﺧﻼﻓﺘﻨﺎ ﻳﺠ ﺐ أﻻ ﺗﺸ ﻐﻠﻨﺎ ﻋ ﻦ اﻟﺤ ﺮب ﻋﻠ ﻰ اﻟﻤﻨﻜ ﺮات ،واﻟﺒ ﺪع ،وﻋ ﻦ اﻟﺘﻌﺎه ﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺬود ﻋﻦ ﺣﻮض اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ،وإﺣﻴﺎء ﻣﺎ آﺎن ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻠﻒ اﻟﺼ ﺎﻟﺢ ،ﻓ ﻲ اﻟﻘ ﺮون اﻟﺜﻼﺛ ﺔ اﻷوﻟ ﻰ ﻟﻠﻬﺠ ﺮة. ﻟﻴﻌ ﺮف اﻟﻨ ﺎس أن اﻟﺤﻘﻴﻘ ﺔ ه ﻲ اﻟﺸ ﺮﻳﻌﺔ ،وأن ﻋﻠﻤ ﺎء اﻟﺸ ﺮﻳﻌﺔ ه ﻢ أه ﻞ اﻟﺤﻘﻴﻘ ﺔ ،وأن ﻣ ﺎ ﻳﻘ ﺎل ﻏﻴ ﺮ ذﻟ ﻚ اﺑﺘﺪاع وﺿﻼل ! ﻓﻤﻦ ﻳﺰﻋﻢ أﻧﻪ ﻳﻌﺮف ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻦ أآﺜ ﺮ ﻣﻤ ﺎ ﻋﺮﻓ ﻪ اﻟﺮﺳﻮل ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم؟! وهﻮ ﻗﺪ ﻋﻠﻢ أﺻﺤﺎﺑﻪ آﻞ ﺷﻲء ،وهﻢ ﻋﻠﻤﻮا اﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ ،وﻣﻨﻬﻢ ﺗﻌﻠ ﻢ ﺗ ﺎﺑﻌﻮهﻢ، وأﺋﻤﺔ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻜﺒﺎر . أﻧ ﺎ ﻻ أﺗﺤ ﺮج ﻣ ﺜﻠﻜﻢ ﻣ ﻦ ﻣﺤﺎرﺑ ﺔ ﻣﺘﺼ ﻮﻓﺔ ه ﺬا اﻟﺰﻣﺎن ،وﻣﺎ أﺑﺈﻟﻰ أرﺿﻲ اﻟﺴﻠﻄﺎن واﻷﻣﺮاء واﻟﻌﺎﻣﺔ أم ﻏﻀﺒﻮا !. . .وﻣﺎ أﺑﺎﻟﻲ أن ﻳﺘﻬﻤﻨﻲ أﺣﺪ ﺑﺄﻧﻨﻲ أداﻓﻊ
٩٣
ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻲ أﻣﺎم ﻣﻦ ﻳﺘﻬﻤﻮن رﺟ ﺎل اﻟﺸ ﺮﻳﻌﺔ ،ﺑ ﺄﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﻌﺮﻓ ﻮن ﺣﻘﻴﻘ ﺔ اﻟ ﺪﻳﻦ ! ! ..ﻻﺑ ﺪ أن أدﺣ ﺾ ﺑﺎﻃ ﻞ ه ﺆﻻء اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ،وأﻟ ﺰﻣﻬﻢ ﺑﺎﻟﺴ ﻨﺔ . .ﻓﻠﻴﻜﻮﻧ ﻮا آﺄﺳ ﻼﻓﻬﻢ اﻟﻌﻈ ﺎم اﻟ ﺬﻳﻦ أدرآ ﻮا أن ﻃ ﺮﻳﻘﻬﻢ إﻟ ﻰ اﻟﺘﺼﻮف هﻮ اﻟﺘﺰام اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﺔ " ٭٭٭ ﻧﻈ ﺮ اﻟﺸ ﻴﺦ ﺗﻘ ﻲ اﻟ ﺪﻳﻦ ﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﻓ ﻲ أﺣ ﻮال اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ وﻧﺸﺄﺗﻬﺎ ،ﻓﻮﺟﺪهﺎ ﺗﺴﺘﻨﺪ إﻟﻰ ﻧ ﻮع ﻣ ﻦ اﻟﺰه ﺪ ﻳﻨﻜﺮﻩ اﻹﺳﻼم ،ﻓﻬﻮ رهﺒﺎﻧﻴ ﺔ ﻧﻬ ﻰ ﻋﻨﻬ ﺎ اﻟﺮﺳ ﻮل . ﻓﻘ ﺪ ﺟ ﺎء ﻓ ﻲ اﻟﺤ ﺪﻳﺚ اﻟﺼ ﺤﻴﺢ :ﻻ رهﺒﺎﻧﻴ ﺔ ﻓ ﻲ اﻹﺳﻼم . وﻗ ﺪ ﺟ ﺎءت اﻣ ﺮأة أﺣ ﺪ اﻟﺼ ﺤﺎﺑﺔ إﻟ ﻰ اﻟﺴ ﻴﺪة ﻋﺎﺋﺸﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻬﺎ ،ﻓﺄﻧﻜﺮت أم اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻣﺎ رأﺗ ﻪ ﻣﻦ ﻋﺒﻮس اﻟﺰاﺋﺮة وذﺑﻮﻟﻬﺎ ،وﻋ ﺪم اهﺘﻤﺎﻣﻬ ﺎ ﺑﻬﻴﺌﺘﻬ ﺎ. ﻓﺸ ﻜﺖ اﻟﻤ ﺮأة زوﺟﻬ ﺎ ،ﻓﻬ ﻮ ﻳﺼ ﻮم اﻟﻨﻬ ﺎر ،وﻳﻘ ﻮم اﻟﻠﻴﻞ ،وﻻ ﻳﻘﺮﺑﻬﺎ! ﻓﻠﻤ ﺎ ﺣﻜ ﺖ اﻟﺴ ﻴﺪة ﻋﺎﺋﺸ ﺔ ﻟﻠﺮﺳ ﻮل ﺧﺮج ﻓﺎﻋﺘﻠﻰ اﻟﻤﻨﺒﺮ ،وﻧﻬﻰ ﻋﻦ اﻻﻧﻘﻄ ﺎع ﻟﻠﺼ ﻴﺎم واﻟﻘﻴ ﺎم ،وﺗ ﺮك اﻟﻨﺴ ﺎء ،ﻓﻬ ﻮ أﺗﻘ ﺎهﻢ ،وه ﻮ ﻳﺼ ﻮم
٩٤
وﻳﻔﻄ ﺮ ،وﻳﻘ ﻮم وﻳﻨ ﺎم ،وﻳﺘ ﺰوج اﻟﻨﺴ ﺎء وﻣ ﻦ ﺧ ﺎﻟﻒ ﺳﻨﺔ اﻟﺮﺳﻮل ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻨﻪ . وﺑﻌﺪ أﻳﺎم ﺟﺎءت اﻟﻤﺮأة ،ﻓﻮﺟﺪﺗﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪة ﻋﺎﺋﺸ ﺔ، ﺣﺴ ﻨﺔ اﻟﻬﻴﺌ ﺔ ﻣﻀ ﻴﺌﺔ اﻟﻮﺟ ﻪ ،ﻓﺴ ﺄﻟﺘﻬﺎ ﻋﻤ ﺎ ﻏﻴﺮه ﺎ، ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ " :أﺻﺎﺑﻨﺎ ﻣﺎ أﺻﺎب اﻟﻨﺎس" ٭٭٭ آ ﺎن اﻟﺰه ﺎد واﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ اﻷواﺋ ﻞ ،ﻣﺠﺎه ﺪﻳﻦ ﻓ ﻲ ﺳ ﺒﻴﻞ اﷲ ،ﻻ ﻳﻌﺘﺰﻟ ﻮن اﻟﺤﻴ ﺎة أو اﻟﻨ ﺎس ،وﻟﻜ ﻨﻬﻢ ﻳﻌﻔﻮن ﻋ ﻦ اﻟﻄﻤ ﻊ ،وﻻ ﻳﺸ ﻐﻠﻮن اﻟﻘﻠ ﺐ ﺑﺠﻤ ﻊ اﻟﻤ ﺎل، ﺑ ﻞ ﻳﺴ ﻌﻮن ﻓ ﻲ ﺻ ﻼح اﻷﻣ ﺔ ،وﻋﻤ ﺎرة اﻷرض، وﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﺜﻐﻮر ،وﻳﺤﻘﺮون ﻣ ﻦ ﻳﻔﺘﻨ ﻪ زﺧ ﺮف اﻟﺤﻴ ﺎة، ﻋﻤ ﺎ ﻧﺪﺑ ﻪ اﷲ ﻟ ﻪ ﻣ ﻦ اﻷﻣ ﺮ ﺑ ﺎﻟﻤﻌﺮوف واﻟﻨﻬ ﻲ ﻋ ﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ. . آﺎن ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ أﻏﻨﻴﺎء ،وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻻ ﻳﻜﻨ ﺰون اﻟﻤ ﺎل، أو ﻳﺸﺘﻐﻠﻮن ﺑﺠﻤﻌﻪ ،ﺑﻞ ﻳﻨﻔﻘﻮﻧﻪ ﻋﻠ ﻰ ذوي اﻟﺤﺎﺟ ﺎت، وﻻ ﻳﺤﺮﻣ ﻮن ﻋﻠ ﻰ أﻧﻔﺴ ﻬﻢ اﻟﻄﻴﺒ ﺎت ﻣ ﻦ اﻟ ﺮزق .. هﻜﺬا آﺎن ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ اﻟﻤﺒﺎرك ،واﻟﻠﻴﺚ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ..
٩٥
ﻓﻠﻤ ﺎ أراد ﺣﻜ ﺎم اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ أن ﻳﻌﻄﻠ ﻮا اﻟﺸ ﻮرى وﻳﻨﻔ ﺮدوا ﺑﺎﻟﺴ ﻠﻄﺔ ،ﺷ ﺠﻌﻮا اﻟﺰه ﺎد واﻟﻤﺘﺼ ﻮﻓﺔ ﻋﻠ ﻰ اﻋﺘﺰال اﻟﺤﻴﺎة واﻟﻨﺎس ،واﻻﻧﺸﻐﺎل ﺑﺄﻣﻮر أﺧﺮى ﻏﻴ ﺮ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺼﺎﻟﺢ اﻷﻣﺔ ..آﻤﺎ ﺷﺠﻌﻮا اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺬي ﻳﺬهﺐ إﻟ ﻰ أن اﻹﻧﺴ ﺎن ﻣﺴ ﻴﺮ ﻻ ﻣﺨﻴ ﺮ ،وأﻧ ﻪ ﻳﺠﺒ ﺮ ﻋﻠ ﻰ أﻓﻌﺎﻟ ﻪ ..وإذن ﻓﻠﻴﺘﻘﺒ ﻞ ه ﺬا اﻟﺠﺒ ﺮ ! وإذن ﻓﻠﻴﺘﻘﺒ ﻞ اﺳﺘﺒﺪاد اﻟﺤﻜﺎم ! وﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﻣﻦ ﺣﺮص اﻟﻤﺴﺘﺒﺪﻳﻦ ﻋﻠ ﻰ إﻗﺼ ﺎء أه ﻞ اﻟﻮرع واﻟﺼﻼح ،أن أﻗﺎﻣﻮا ﻟﻬﻢ ﻣﺴﺎآﻦ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻤﺴ ﺎﺟﺪ واﻟﺤﺪاﺋﻖ واﻟﻤﻄﺎﺑﺦ . .ﻟﻴﺴﻜﻨﻮا ﻓﻴﻬﺎ ،وﻻ ﻳﻌﻤﻠ ﻮا ﺷ ﻴﺌًﺎ إﻻ اﻟﻌﺒﺎدة ! وأﺟﺮوا ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻷﻣﻮال اﻟﻄﺎﺋﻠﺔ ! .. ﻋ ﺎﻳﻦ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﻧﻔ ﻮذ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ﻋﻠ ﻰ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن واﻷﻣﺮاء واﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ! وﻗﺪ ﺗﺒﻌﺘﻬﻢ اﻟﻌﺎﻣﺔ ،ﻓﻜ ﺎﻧﻮا ﻳﻘﻴﻤ ﻮن اﻷذآ ﺎر ﻋﻠ ﻰ أﻧﻐﺎم ﺧﺎﺻﺔ ،وﻳﺮﻗﺼﻮن ،وﻳﺘﻄﻮﺣﻮن ،ﺣﺘﻰ ﻳﺴ ﻘﻄﻮا ﻋﻠﻰ اﻷرض ،وﻳﺘﻤﺮﻏﻮن ،وهﻢ ﻳﺴ ﺘﻐﻴﺜﻮن أوﻟﻴ ﺎء اﷲ اﻟﺼ ﺎﻟﺤﻴﻦ ﻣ ﻦ أﺻ ﺤﺎب اﻷﺿ ﺮﺣﺔ . .وآﺜﻴ ﺮ ﻣ ﻨﻬﻢ اﻧﻘﻄﻊ ﻟﻠﺘﺴﻮل ﺣﻮل اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ! ..
٩٦
ﻼ ،ﻟﺠﻌﻠ ﻮا ﻟﻮ أن آﻞ واﺣﺪ ﻣ ﻦ ه ﺆﻻء ﻋﻤ ﻞ ﻋﻤ ً ﺻ ﺤﺎرى اﻟ ﺒﻼد اﻟﻌﺮﺑﻴ ﺔ ﺟﻨ ﺎت ،وﻷﻗ ﺎﻣﻮا اﻟﻌﻤ ﺎﺋﺮ، وﻟﺼﻨﻌﻮا اﻟﺮﺧﺎء ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ وﻟﻶﺧﺮﻳﻦ. . وﻟﻜ ﻨﻬﻢ اآﺘﻔ ﻮا ﺑﻤﺘﺎﺑﻌ ﺔ ﺷ ﻴﻮﺧﻬﻢ وأﻗﻄ ﺎﺑﻬﻢ، واﻧﻘﻄﻌﻮا ﻣﻦ آﻞ ﺷﻲء :ﻋ ﻦ اﻟﻌﻤ ﻞ واﻟﻌﺒ ﺎدات ﻣﻌ ًﺎ، ﻓﺒﺤﺴﺒﻬﻢ أن ﻳﺮﺿﻮا اﻷﻗﻄﺎب ! ! وﺷ ﺎع ذآ ﺮ آﺮاﻣ ﺎت ه ﺆﻻء اﻷﻗﻄ ﺎب ،ﻓﺄﺧ ﺎﻓﻮا اﻟﻨ ﺎس ،وﻟ ﻢ ﻳﺠﺴ ﺮ أﺣ ﺪ ﻋﻠ ﻰ ﻧﻘ ﺪ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ﻣﻬﻤ ﺎ ﻳﺼﻨﻌﻮا ،ﺣﺬر اﻻﻧﺘﻘﺎم اﻹﻟﻬﻲ ﻣﻨﻪ !. . وﻟ ﻢ ﻳ ﻨﺞ ﺑﻌ ﺾ ﻋﻠﻤ ﺎء اﻟ ﺪﻳﻦ ﻣ ﻦ ه ﺬا اﻟﺨ ﻮف، وإﻧﻬﻢ ﻟﻴ ﺮوون ﻗﺼ ﺔ أﺣ ﺪ أوﻟﺌ ﻚ اﻷﻗﻄ ﺎب ..آ ﺎن ﻟ ﻪ ﻣﺠﻠ ﺲ ﻳﻄ ﺮب ﻓﻴ ﻪ اﻟﻌﺎﻣ ﺔ ﺑﺎﻷﻏ ﺎﻧﻲ ،وﻳﻘ ﻴﻢ ﺣﻠﻘ ﺎت ﻟﻠﺬآﺮ ،ﻳﺠﺘﻤﻊ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻤﺠﺎذﻳﺐ ﻓﻴﺮﻗﺼﻮن ﻋﻠﻰ أﻧﻐﺎم. . ﺛ ﻢ ﻳﻘ ﻮم ﺑﻌ ﺪ ه ﺬا ﻟ ﻴﻌﻆ اﻟﻨ ﺎس ،ﻓ ﻴﻠﺤﻦ ﻓ ﻲ اﻟﻘ ﺮﺁن واﻟﺤﺪﻳﺚ . وﻗ ﺎم ﻋﻠﻴ ﻪ ﺑﻌ ﺾ ﻃﻠﺒ ﺔ اﻟﻌﻠ ﻢ ،وﺷ ﻜﻮﻩ إﻟ ﻰ ﻣﺸﺎﻳﺨﻬﻢ ،ﻓﺎﺟﺘﻤﻊ ﻗﻀﺎة اﻟﻤﺬاهﺐ اﻷرﺑﻌﺔ وﻋﻘ ﺪوا ﻟ ﻪ ﻣﺠﻠﺴ ًﺎ ﺑﺎﻟﻘﻠﻌ ﺔ .واﻣﺘﺤﻨ ﻮﻩ ﻓ ﻲ اﻟﻘ ﺮﺁن واﻟﺤ ﺪﻳﺚ،
٩٧
ﻓﻮﺟ ﺪوﻩ آﻤ ﺎ ﻗ ﺎل اﻟﻄ ﻼب ،ﻓ ﺄﻓﺘﻰ اﻟﻘﺎﺿ ﻲ اﻟﻤ ﺎﻟﻜﻲ ﺑﻤﻨﻌ ﻪ ﻣ ﻦ اﻟ ﻮﻋﻆ ،واﻣﺘﻨ ﻊ اﻟﺜﻼﺛ ﺔ اﻵﺧ ﺮون ،ﻓﻠ ﻢ ﻳﺘﻜﻠﻤﻮا ..ﻓﺘﺮآﻬﻢ اﻟﻘﺎﺿ ﻲ اﻟﻤ ﺎﻟﻜﻲ وﻧ ﺰل ﻣ ﻦ اﻟﻘﻠﻌ ﺔ ﻏﺎﺿ ﺒًﺎ ،ﻓﺰﻟ ﺖ ﻗﺪﻣ ﻪ ﻋﻠ ﻰ ﺳ ﻠﻢ اﻟﻘﻠﻌ ﺔ ،ﻓﻮﻗ ﻊ، واﻧﻜﺴﺮت رﻗﺒﺘﻪ! . . ﻓﻘ ﺎم اﻟﻘﻀ ﺎة اﻟﺜﻼﺛ ﺔ اﻵﺧ ﺮون ،ﻓﻘﺒﻠ ﻮا ﻗ ﺪﻣﻲ اﻟﻘﻄ ﺐ اﻟﺼ ﺮﻓﻲ ﻓﻘ ﺎل ﻟﻬ ﻢ :ﻧﺤ ﻦ أه ﻞ اﻟﺤﻘﻴﻘ ﺔ ﻻ ﻧﻠﺤﻦ ،إﻧﻤﺎ ﺳﻤﻌﻜﻢ هﻮ اﻟﺬي ﻳﻠﺤﻦ . ٭٭٭ ﺑﺪأ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻣﻌﺮآﺘﻪ ﻣﻊ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﺑﺘﻔﻨﻴﺪ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ اﻟﺸﺎﺋﻌﺔ ،وآ ﺎن اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ﻓﺮﻗ ًﺎ ﻣﺘﻌ ﺪدة ،وإن آﺎﻧﻮا ﺟﻤﻴﻌًﺎ ﻳﻌﺘﻨﻘ ﻮن ﻣ ﺬهﺐ ﻣﺤ ﻲ اﻟ ﺪﻳﻦ ﺑ ﻦ ﻋﺮﺑ ﻲ، وﺗﻠﻤﻴﺬﻩ اﺑﻦ اﻟﻔﺎرض . وﻗ ﺪ رﻓ ﻊ اﺑ ﻦ ﻋﺮﺑ ﻲ اﻟﻤﺴ ﺌﻮﻟﻴﺔ اﻷﺧﻼﻗﻴ ﺔ ﻋ ﻦ اﻟﻤﺘﺼﻮف ﺣﻴﻦ ﻳﻐﻠﺒﻪ ﺣﺐ اﷲ ﻓﻴﻔﻨﻰ ﻓﻲ هﺬا اﻟﺤﺐ. . " إن اﻟﻤﺤﺐ ﻏﻴﺮ ﻣﻄﺎﻟﺐ ﺑﺎﻟﻘﻴﺎم ﺑﺎﻵداب ،إﻧﻤﺎ ﻳﻄﺎﻟﺐ ﺑﺎﻷدب ﻣﻦ آﺎن ﻟﻪ ﻋﻘﻞ ،وﺻﺎﺣﺐ اﻟﺤﺐ وﻟﻬﺎن ﻣﺪﻟ ﻪ
٩٨
اﻟﻌﻘﻞ ،ﻻ ﺗﺪﺑﻴﺮ ﻟﻪ ﻓﻬﻮ ﻏﻴﺮ ﻣﺆاﺧﺬ ﻓﻲ آﻞ ﻣ ﺎ ﻳﺼ ﺪر ﻋﻨﻪ " هﺠﺮ أﺗﺒﺎع هﺬا اﻟﻤﺬهﺐ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴ ﺎء آ ﻞ اﻟﻌﺒ ﺎدات ،وأه ﺪروا اﻷﻋ ﺮاف اﻟﺨﻠﻘﻴ ﺔ ،وارﺗﻜﺒ ﻮا ﻣ ﺎ ﺷﺎءوا ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ! ! ﺟﺎء اﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ ﺑﻤﺬهﺐ أﺳﻤﺎﻩ " وﺣﺪة اﻟﻮﺟ ﻮد " وﻗ ﺎل إن اﻟﻤﻮﺟ ﻮد واﺣ ﺪ ،وإن اﻟﻤﺨﻠ ﻮق إذا أﺣ ﺐ اﻟﺨ ﺎﻟﻖ ﺣ ﻞ ﻓﻴ ﻪ اﻟﺨ ﺎﻟﻖ ! وﻋﻨ ﺪﻣﺎ ﻳﺼ ﻞ إﻟ ﻰ درﺟ ﺔ اﻟﺤ ﺐ ﻳﺼ ﻞ إﻟ ﻰ ﻏﻴﺒﻮﺑ ﺔ ه ﻲ اﻟﺴ ﻜﺮ .وه ﻲ وﺣ ﺪة اﻟﺸ ﻬﻮد .وه ﻲ آﻮﺣ ﺪة اﻟﻮﺟ ﻮد . .وﻋﻨ ﺪﻣﺎ ﻳﺼ ﻴﺮ اﻟﻤﺘﺼﻮف إﻟﻰ هﺬا اﻟﺤﺎل .ﻳﺼﺒﺢ ﺻ ﺎﺣﺐ ﺣ ﺎل .وﻟ ﻪ ﺣﻜ ﻢ ﺁﺧ ﺮ ! ﻗ ﺎل اﺑ ﻦ ﻋﺮﺑ ﻲ " :إن ﺣﻜ ﻢ ﺻ ﺎﺣﺐ اﻟﺤﺎل ﺣﻜﻢ اﻟﻤﺠﻨﻮن اﻟﺬي ارﺗﻔﻊ ﻋﻨﻪ اﻟﻘﻠﻢ ،ﻓ ﻼ ﻳﻜﺘ ﺐ ﻟ ﻪ وﻻ ﻋﻠﻴ ﻪ .وه ﻞ ﻳﺤﺎﺳ ﺐ اﻟﻤﺠﻨ ﻮن اﻟ ﺬي ﻓﻘ ﺪ ﻋﻘﻠ ﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ أﻓﻌ ﺎلَ .أ َو ﻳﺴ ﺘﺤﻖ ﻣ ﻦ أﺟﻠﻬ ﺎ ﻣ ﺪﻳﺤًﺎ أو ﻣﻼﻣﺔ؟ واﷲ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﻋﺒﺎدﻩ اﻟﻤﺤﺒ ﻴﻦ ﻟ ﻪ أﻧﻬ ﻢ ﻏﻴ ﺮ ﻣﻄﺎﻟﺒﻴﻦ ﺑﺎﻟﻘﻴﺎم ﺑﻤﺎ آﻠﻔﻬﻢ ﺑﻪ ﻓﺄﺳﻘﻂ ﻋﻨ ﻪ اﻟﺘﻜﻠﻴ ﻒ .ﺑ ﻞ
٩٩
زاد ﻓﺄﺑﺎح ﻟﻬﻢ ﻣﺠﺎوزة اﻟﺤﺪود .أي أﺣ ﻞ ﻟﻬ ﻢ ﻣ ﺎ ﺣ ﺮم ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮهﻢ .وأذن ﻟﻬﻢ أن ﻳﻔﻌﻠﻮا ﻣﺎ ﻳﺸﺎءون " وه ﺎﺟﻢ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ه ﺬﻩ اﻵراء ﻓ ﻲ آ ﻞ دروﺳ ﻪ وﺣﻠﻘﺎﺗ ﻪ ﺑﺎﻟﻤﺴ ﺎﺟﺪ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔ ﺔ ،واﺗﻬﻤﻬ ﺎ ﺑ ﺎﻟﺨﺮوج اﻟﺼ ﺮﻳﺢ ﻋﻠ ﻰ اﻹﺳ ﻼم ،ﺑ ﻞ ﻋﻠ ﻰ ﺟﻤﻴ ﻊ اﻷدﻳ ﺎن اﻟﺴ ﻤﺎوﻳﺔ ،وﻣ ﺎ ﺗﻌ ﺎرف ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟﻨ ﺎس ﻣ ﻦ أﺧ ﻼق! . . واﺳﺘﺸ ﻬﺪ ﺑ ﺎﻟﻤﻌﺮوف ﺑﺎﻵﻳ ﺎت اﻟﻘﻄﻌﻴ ﺔ واﻷﺣﺎدﻳ ﺚ اﻟﺼﺤﺎح. . ووﺿﺢ ﻟﻠﻨ ﺎس اﻧ ﻪ ﻟ ﻴﺲ ﻋ ﺪوا ﻟﻠﺘﺼ ﻮف ،وﻟﻜﻨ ﻪ ﻋ ﺪو ﻟﻬ ﺬا اﻟﻔﻜ ﺮ اﻟ ﺬي ﻗ ﺎد ﺻ ﺎﺣﺒﻪ إﻟ ﻰ اﻟﺘﺴ ﻮﻳﺔ ﺑ ﻴﻦ اﻹﻳﻤﺎن واﻟﺸﺮك ،إذ ﻳﻘﻮل : ﻓﻤﺮﻋ ﻰ ﻼ آﻞ ﺻﻮرة ﻟﻘﺪ ﺻﺎر ﻗﻠﺒﻰ ﻗﺎﺑ ً ﻟﻐﺰﻻن ودﻳﺮ ﻟﺮهﺒﺎن وأﻟ ﻮاح وﺑﻴﺖ ﻷوﺛﺎن وآﻌﺒﺔ ﻃﺎﺋﻒ ﺗﻮراة وﻣﺼﺤﻒ ﻗﺮﺁن رآﺎﺋﺒ ﻪ أدﻳﻦ ﺑﺪﻳﻦ اﻟﺤﺐ أﻧﻰ ﺗﻮﺟﻬﺖ ﻓﺎﻟﺤﺐ دﻳﻨﻲ وإﻳﻤﺎﻧﻲ وﻳﻘﻮل :
١٠٠
ﻳ ﺎ ﻟﻴ ﺖ
اﻟﺮب ﺣﻖ واﻟﻌﺒﺪ ﺣﻖ ﺷﻌﺮي ﻣﻦ اﻟﻤﻜﻠﻒ أو ﻗﻠ ﺖ إن ﻗﻠﺖ ﻋﺒﺪ ،ﻓﺬاك رب رب ،أﻧﻰ ﻳﻜﻠﻒ؟ ﻓﻬ ﺬا اﻻﺗﺤ ﺎد ﻓ ﻲ اﷲ واﻟﻔﻨ ﺎء ﻓﻴ ﻪ اﻟ ﺬي ﻳﻘ ﻮل ﺑ ﻪ اﺑ ﻦ ﻋﺮﺑ ﻲ وأﺗﺒﺎﻋ ﻪ ،واﻋﺘﺒ ﺎر وﺟ ﻮد اﻟﻤﺨﻠ ﻮق ه ﻮ وﺟﻮد اﻟﺨﺎﻟﻖ ،هﻮ ﻗ ﻮل أه ﻞ اﻹﻟﺤ ﺎد اﻟ ﺬﻳﻦ ه ﻢ أﺿ ﻞ اﻟﻌﺒﺎد .وﻓﻨﺎء اﻟﻤﻌﺒﻮد ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺑﺪ واﻟﻤﺤﺐ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺒﻮب وﺣﺎﻟ ﺔ اﻟﺴ ﻜﺮ اﻟﺘ ﻲ ﻳﻐﻴ ﺐ ﻓﻴﻬ ﺎ اﻹﻧﺴ ﺎن ﻋ ﻦ ﻧﻔﺴ ﻪ، ﻓﻠﻴﺴﺖ ﻣﻦ ﻟ ﻮازم اﻟﻄﺮﻳ ﻖ إﻟ ﻰ اﷲ ،وﻟ ﻮ آﺎﻧ ﺖ آ ﺬﻟﻚ ﻟﺤﺪﺛﺖ ﻟﻠﺮﺳﻮل وﺻﺤﺎﺑﺘﻪ . أﻣ ﺎ اﻟﻔﻨ ﺎء اﻟ ﺬي ﻳ ﺪﻋﻮ إﻟﻴ ﻪ اﻟﺴ ﻠﻒ اﻟﺼ ﺎﻟﺢ ﻣ ﻦ اﻟﺰه ﺎد واﻟﻤﺘﺼ ﻮﻓﺔ ،وﻣ ﻦ ﺗ ﺒﻌﻬﻢ ﺑﺈﺣﺴ ﺎن إﻟ ﻰ ﻳﻮﻣﻨ ﺎ هﺬا ﻓﻬﻮ ﻓﻨﺎء ﺷﺮﻋﻲ ،ﻷﻧ ﻪ ﻓﻨ ﺎء اﻟﻌﺒ ﺪ ﻓ ﻲ اﻟﻄﺎﻋ ﺔ" ، ﻓﻴﻔﻨ ﻰ ﻋ ﻦ ﻏﻴ ﺮ اﷲ ﺑﻌﺒ ﺎدة اﷲ ،وﻋ ﻦ ﻣﺤﺒ ﺔ ﺳ ﻮاﻩ ﺑﻤﺤﺒﺘ ﻪ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ورﺳ ﻮﻟﻪ ،وﻋ ﻦ ﺧ ﻮف ﻏﻴ ﺮﻩ ﺑﺨﻮﻓ ﻪ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻜﻮن اﷲ ورﺳﻮﻟﻪ أﺣﺐ إﻟﻴﻪ ﻣﻤﻦ ﺳﻮاهﻤﺎ"
١٠١
هﺬا ه ﻮ اﻟ ﺬي ﻧ ﺎدى ﺑ ﻪ ﻋ ﺪد ﻣ ﻦ آﺒ ﺎر اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ واﻋﺘﻨﻘ ﻮﻩ ،ﻓﺄﻓ ﺎدوا اﻹﺳ ﻼم واﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ ،وآ ﺎﻧﻮا ﻻ ﻳﺨﺎﻓﻮن ﻓﻲ اﷲ ﻟﻮﻣﺔ ﻻﺋﻢ . أﻣﺎ هﺬا اﻟﻔﻨﺎء واﻟﺤﺐ واﻻﺗﺤ ﺎد ،اﻟ ﺬي ﻳ ﺪﻋﻮ إﻟ ﻰ إﺳﻘﺎط اﻟﺘﻜﺎﻟﻴﻒ ،وإﺑﺎﺣﺔ آﻞ اﻟﻤﺤﺮﻣﺎت ﻟﻠﻤﺤ ﺐ ،ﻓﻬ ﻮ اﻟﻜﻔﺮ .وﺑﻬﺬا ﻗﺎل اﻟﺼ ﺎﻟﺤﻮن ﻣ ﻦ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ..ﻓﺎﻟﺸ ﻴﺦ اﻟﻌ ﺰ ﺑ ﻦ ﻋﺒ ﺪ اﻟﺴ ﻼم ﻗ ﺎل ﻋ ﻦ اﺑ ﻦ ﻋﺮﺑ ﻲ " :ﺷ ﻴﺦ ﺳﻮء ﻣﻘﺒﻮح ،ﻳﻘﻮل ﺑﻘﺪم اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﻻ ﻳﺤﺮم ﻓﺮﺟًﺎ " . وﻗ ﺎل اﻟﺸ ﺎذﻟﻲ ﻓ ﻲ أﺗﺒ ﺎع ﻣ ﺬهﺐ اﺑ ﻦ ﻋﺮﺑ ﻲ " : هﺆﻻء آﻔﺎر ﻳﻌﺘﻘﺪون أن اﻟﺼﻨﻌﺔ هﻲ اﻟﺼﺎﻧﻊ " واﻗﺘﻨ ﻊ ﻋ ﺪد ﻣ ﻦ ﻃ ﻼب اﻟﻌﻠ ﻢ وﺷ ﺒﺎب اﻟﻌﻠﻤ ﺎء ورواد ﺣﻠﻘ ﺔ اﻟﺸ ﻴﺦ ﺑﻤ ﺎ ﻗﺎﻟ ﻪ ،وﻣﻀ ﻮا ﻳ ﺮددون ﺣﺠﺠﻪ . واﻗﺘﻨ ﻊ ﻋ ﺪد آﺒﻴ ﺮ ﻣ ﻦ ﺷ ﺒﺎب اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ﺑ ﺂراء اﻟﺸ ﻴﺦ ،واﺷ ﺘﺪ إﻧﻜ ﺎرهﻢ ﻋﻠ ﻰ ﻣ ﺎ ﻳﻔﻌﻠ ﻪ زﻣﻼؤه ﻢ ﻓ ﻲ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ،وﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻌﺘﻨﻘﻮﻧﻪ . وﻣﻀﻰ اﻟﺸ ﻴﺦ إﻟ ﻰ أﺻ ﺪﻗﺎﺋﻪ ﻣ ﻦ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء ﻳ ﺮوي ﻟﻬ ﻢ ﻣ ﺎ آ ﺎن ﻣ ﻦ أﻣ ﺮﻩ ﻣ ﻊ أه ﻞ اﻟﻄ ﺮق اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ " :
١٠٢
ه ﺆﻻء اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔ ﻮن ،وﻻ ﻳﻬﺘ ﺪون إﻟ ﻰ اﻟﺘﻤﻴﻴ ﺰ ﺑﻴﻦ ﻓﺮﻗﻬﻢ ،ﻣﻊ اﺳﺘﺸﻌﺎرهﻢ أﻧﻬﻢ ﻣﺘﻔﺮﻗ ﻮن .وﻟﻬ ﺬا ﻟﻤ ﺎ ﺑﻴﻨ ﺖ ﻟﻄﻮاﺋ ﻒ ﻣ ﻦ أﺗﺒ ﺎﻋﻬﻢ ورؤﺳ ﺎﺋﻬﻢ ﺣﻘﻴﻘ ﺔ ﻗﻮﻟ ﻪ، وﺳﺮ ﻣﺬهﺒﻬﻢ ،ﺻﺎروا ﻳﻌﻈﻤﻮن ذﻟﻚ .وﻟﻮﻻ ﻣ ﺎ أﻗﺮﻧ ﻪ ﺑﺬﻟﻚ ﻣ ﻦ اﻟ ﺬم ،ﻟﺠﻌﻠ ﻮﻧﻲ ﻣ ﻦ أﺋﻤ ﺘﻬﻢ ،وﺑ ﺬﻟﻮا ﻟ ﻲ ﻣ ﻦ ﻃﺎﻋﺔ ﻧﻔﻮﺳ ﻬﻢ وأﻣ ﻮاﻟﻬﻢ ﻣ ﺎ ﻳﺠ ﻞ ﻋ ﻦ اﻟﻮﺻ ﻒ ،آﻤ ﺎ ﺗﺒ ﺬل اﻟﻨﺼ ﺎرى ﻟﺮؤﺳ ﺎﺋﻬﻢ ،واﻹﺳ ﻤﺎﻋﻴﻠﻴﺔ ﻟﻜﺒ ﺮاﺋﻬﻢ، وﻣﺎ ﺑﺬل ﺁل ﻓﺮﻋﻮن ﻟﻔﺮﻋﻮن " وﻓﺮح اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻣﻦ أﺻﺪﻗﺎء اﻟﺸﻴﺦ ﺑﺎﻧﺘﺼﺎرﻩ. . ﻏﻴ ﺮ أن اﻟﻔﺮﺣ ﺔ ﻟ ﻢ ﺗﻄ ﻞ ،ﻓﻘ ﺪ آ ﺎن ﻣ ﻦ آﺒ ﺮاء ﻣﺼﺮ ،ﻣﻦ ﻳﻌﺘﺒﺮ اﺑ ﻦ ﻋﺮﺑ ﻲ إﻣﺎﻣ ًﺎ ﻟﻠ ﺪﻳﻦ ،ﻓﻬ ﻮ ﻋﻠ ﻰ ﻣ ﺬهﺐ أه ﻞ اﻟﻈ ﺎهﺮ ﻓ ﻲ اﻟﻌﺒ ﺎدات ،ﻳﻨ ﺎدي ﺑﺎﺗﺒ ﺎع اﻟﻜﺘ ﺎب واﻟﺴ ﻨﺔ ،وﺗ ﺮك اﻟﻤ ﺬاهﺐ اﻷرﺑﻌ ﺔ . .وﻟﻜﻨ ﻪ ﺑﺎﻃﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻴﺪة . آ ﺎن ﻷﺗﺒ ﺎع اﺑ ﻦ ﻋﺮﺑ ﻲ ﻧﻔ ﻮذ آﺒﻴ ﺮ . .وﻋﻠ ﻰ رأﺳﻬﻢ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﻤﻨﺒﺠﻲ ﺷﻴﺦ اﻷﻣﻴﺮ ﺑﻴﺒﺮس اﻟﺠﺎﺷ ﻨﻜﻴﺮ وﺻ ﺎﺣﺐ اﻟﻜﻠﻤ ﺔ اﻟﻨﺎﻓ ﺬة ﻋﻠﻴ ﻪ ،واﺑ ﻦ ﻋﻄ ﺎء اﷲ
١٠٣
اﻟﺴ ﻜﻨﺪري ،وه ﻮ ﻣﺘﺼ ﻮف ورع ،وﻋ ﺎﻟﻢ ﻣ ﻦ ﻋﻠﻤ ﺎء اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺪرﺳﻮن ﻓﻲ اﻷزهﺮ . وﻟﻜﻦ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻟﻢ ﻳﺤﻔﻞ ﺑﺴﺨﻂ ه ﺆﻻء ،وﻣﻀ ﻰ ﻳﻜﺘﺐ ﺷﻌﺮًا ﺳﺎﺧﺮًا ﻓﻲ اﻟﻤﺘﺼﻮﻓﺔ اﻟﺬﻳﻦ آﺎﻧﻮا ﻳﺴﻤﻮن أﻧﻔﺴﻬﻢ اﻟﻔﻘﺮاء ! ﻗﺎل ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻧﻬﻢ : وإﻧﻤﺎ ﻓﻘﺮﻧﺎ واﷲ ﻣﺎ ﻓﻘﺮﻧﺎ اﺧﺘﻴﺎر اﺿﻄﺮار أآﻠﻨﺎ ﻣ ﺎ ﻟ ﻪ ﺟﻤﺎﻋﺔ آﻠﻨﺎ آﺴﺎﻟﻰ ﻋـﻴــــــﺎر ﺔ ﺣﻘﻴﻘ ﺗﺴﻤﻊ ﻣﻨﺎ إذا اﺟﺘﻤﻌﻨﺎ آﻠﻬـــﺎ ﻓﺸــﺎر )ﻓﺸﺎر ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻓﺸﺮ(. وﻣﻀﻰ ﻃﻼب اﻟﻌﻠﻢ وﺷﺒﺎﺑﻪ اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺤﻤﺴ ﻮا ﻻﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ،ﻳﺘﻐﻨ ﻮن ﺑﻬ ﺬﻩ اﻷﺑﻴ ﺎت ﻋﻠ ﻰ إﻳﻘ ﺎع اﻷﻧﻐ ﺎم اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﺎت اﻟﺬآﺮ . ﻓﺎﺳ ﺘﺨﻒ اﻟﻨ ﺎس ﺑﺎﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ،وﻃ ﺎردوهﻢ ﺑﻬ ﺬﻩ اﻷﺑﻴﺎت ،ﻓﻜﺜﺮت اﻟﺰراﻳﺔ ﻋﻠﻴﻬﻢ. .
١٠٤
ﻓ ﺬهﺐ اﺑ ﻦ ﻋﻄ ﺎء اﷲ اﻟﺴ ﻜﻨﺪري ،وﻣﻌ ﻪ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻧﺼ ﺮ اﻟﻤﻨﺒﺠ ﻲ ﻋﻠ ﻰ رأس ﺟﻤﺎﻋ ﺔ ﻣ ﻦ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ إﻟ ﻰ اﻟﻘﻠﻌ ﺔ ،ﻓ ﺎدﻋﻮا ﻋﻠ ﻰ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ أﻧ ﻪ ﻳﻄﻌ ﻦ ﻓ ﻲ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ،وﻳ ﺰري ﺑﻬ ﺎ وﻳﺤ ﺮض ﻃ ﻼب اﻟﻌﻠ ﻢ ﻋﻠ ﻰ رﺟﺎﻟﻬ ﺎ ،وادﻋ ﻮا ﻋﻠﻴ ﻪ أﻧ ﻪ ﻳﻨﻜ ﺮ اﻻﺳ ﺘﻐﺎﺛﺔ ﺑﺎﻟﺮﺳ ﻮل واﻟﺘﻮﺳﻞ ﺑﻪ ،وﻳﻨﻜﺮ ﺷﻔﺎﻋﺘﻪ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ . ﻓﻌﻘﺪت ﻟ ﻪ ﻣﺤﻜﻤ ﺔ ﻣ ﻦ ﻗﻀ ﺎة اﻟﻤ ﺬاهﺐ اﻷرﺑﻌ ﺔ، وﺑﻌﺾ اﻟﻌﻠﻤﺎء .ورأى اﺑﻦ ﻣﺨﻠﻮف أن ﻳﻌﻴﻦ ﻗﺎﺿ ﻴﻴﻦ ﻣﻦ ﻣﺬهﺒﻪ اﻟﻤﺎﻟﻜﻲ ،وﻟﻢ ﻳﺸﻬﺪ هﻮ اﻟﻤﺤﺎآﻤﺔ . ﻗ ﺎل اﻟﺸ ﻴﺦ وه ﻮ ﻳ ﺪﺧﻞ إﻟ ﻰ اﻟﻤﺤﺎآﻤ ﺔ " :اﻟﻠﻬ ﻢ هﺐ ﻟﻲ ﻧﻮرًا ﻳﻬﺘﺪون ﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﺤﻖ " وﻗﻒ اﺑ ﻦ ﻋﻄ ﺎء اﷲ اﻟﺴ ﻜﻨﺪري ﻳ ﺪﻋﻲ ﺑﺎﻻﺗﻬ ﺎم. وﺁﺛﺮ أﻻ ﻳﺠﻌﻞ اﻻﺗﻬ ﺎم ه ﻮ اﻟﻬﺠ ﻮم ﻋﻠ ﻰ اﺑ ﻦ ﻋﺮﺑ ﻲ، ﻓﻬﻮ ﻳﻌ ﺮف أن اﻟﻌﻠﻤ ﺎء واﻟﻘﻀ ﺎة اﻟ ﺬﻳﻦ ﻳﺤﺎآﻤﻮﻧ ﻪ ﻓ ﻲ ﺷﻘﺎق ﺑﻌﻴﺪ ﻣ ﻊ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ،وﻟﻬ ﻢ ﻓ ﻲ اﺑ ﻦ ﻋﺮﺑ ﻲ واﺑ ﻦ اﻟﻔ ﺎرض ﻣﺜ ﻞ رأي اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ،وإن آ ﺎﻧﻮا ﻻ ﻳﻔﺼ ﺤﻮن . .ﺣﺘ ﻰ اﺑ ﻦ ﻣﺨﻠ ﻮف ﺷ ﻴﺦ اﻟﻤﺎﻟﻜﻴ ﺔ ﻳﻨﻜ ﺮ
١٠٥
اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ وﺁراءه ﻢ وأﺣ ﻮاﻟﻬﻢ ،وﻟﻜ ﻦ ﻳﻜ ﺘﻢ رأﻳ ﻪ ﻧﻔﺎﻗ ًﺎ ﻟﻸﻣﻴﺮ ﺑﻴﺒﺮس اﻟﺠﺎﺷﻨﻜﻴﺮ! . . ﻗﺎل اﺑﻦ ﻋﻄﺎء اﷲ اﻟﺴ ﻜﻨﺪري :اﻟﻔﻘﻴ ﻪ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﻳﻨﻜ ﺮ اﻻﺳ ﺘﻐﺎﺛﺔ ﺑﺎﻟﺮﺳ ﻮل " .وه ﺬا ﻣﺨ ﺎﻟﻒ ﻟﻸﺣﺎدﻳﺚ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ .ﻓﻬﻮ ﺿﻼل " ﻗﺎل اﻟﺸﻴﺦ " :ﻟﻢ ﻳﺼ ﺢ ﻋ ﻦ اﻟﺮﺳ ﻮل ﺣ ﺪﻳﺚ واﺣﺪ أﻣﺮﻧ ﺎ ﻓﻴ ﻪ ﺑﺎﺳ ﺘﻐﺎﺛﺘﻪ .ﺑ ﻞ ﺻ ﺢ ﻋﻨ ﻪ اﻟﻨﻬ ﻲ ﻋ ﻦ ذﻟ ﻚ .ﻓﻘ ﺪ ﻧﺼ ﺢ اﺑ ﻦ ﻋﻤ ﻪ اﻟﻌﺒ ﺎس اﺑ ﻦ ﻋﺒ ﺪ اﻟﻤﻄﻠ ﺐ ﺑﺄﻧ ﻪ إذا اﺳ ﺘﻐﺎث ﻓﻠﻴﺴ ﺘﻐﺚ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰوﺣ ﺪﻩ .ﻓﻬ ﻮ اﻟﻤﻐﻴﺚ وه ﺬا ﻣ ﻦ أﺳ ﻤﺎﺋﻪ اﻟﺤﺴ ﻨﻰ اﻟﺘ ﻲ ﻻ ﺷ ﺮﻳﻚ ﻟ ﻪ ﻓﻴﻬﺎ . ﻧﻌ ﻢ ﻻ ﻳﺴ ﺘﻐﺎث إﻻ ﺑ ﺎﷲ وﻻ ﻳﺴ ﺘﻐﺎث ﺑ ﺎﻟﻨﺒﻲ ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﻌﺒﺎرة .وﻟﻜﻦ ﻳﺘﻮﺳﻞ ﺑﻪ وﻳﺘﺸﻔﻊ ﺑ ﻪ .وﻗ ﺪ ﺟ ﺎء ﻓ ﻲ اﻷﺣﺎدﻳ ﺚ اﻟﺼ ﺤﺎح أﻧ ﻪ رزق اﻟﺸ ﻔﺎﻋﺔ .وه ﻮ ﺣﺪﻳﺚ ﺟﺎء ﻓﻲ ﻣﺴﻨﺪ أﺣﻤﺪ " ﻗ ﺎل رﺋ ﻴﺲ ﺟﻠﺴ ﺔ اﻟﻤﺤﺎآﻤ ﺔ " :ﻟ ﻴﺲ ﻓ ﻲ ه ﺬا ﺿﻼل وﻻ آﻔﺮ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻗﻠﺔ أدب "
١٠٦
وﺗﺸﺎور اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﻤﻮﺟﻮدون ﻓﻘﺎﻟﻮا " :ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻤ ﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﺷﻲء . .إﻻ أﻧﻪ ﻳﺼﺪم اﻟﻌﺮف اﻟﺴﺎﺋﺪ " وﺻ ﻤﻢ أﺣ ﺪ اﻟﻘﻀ ﺎة ﻣ ﻦ أﺗﺒ ﺎع ﺑﻴﺒ ﺮس أن ﻳﺤﻜ ﻢ ﺑﺘﻌﺰﻳﺮ اﻟﺸﻴﺦ ،أي ﺳﺠﻨﻪ أو ﺟﻠﺪﻩ . ﻓ ﺮﻓﺾ اﻟﺠﻤﻴ ﻊ . .وﻗ ﺎل ﻗﺎﺿ ﻲ اﻟﻘﻀ ﺎة " :أﻣ ﺎ أن ﻳﻜﻮن ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ آﻔﺮ ﻓﺎﻟﺤﻜﻢ أن ﻳﻘﺘﻞ ﺑ ﻪ ،وأﻣ ﺎ أﻧ ﻪ ﻻ ﺷﻲء ﻓﻴﻪ ﻓﻼ ﻣﻮﺟﺐ ﻟﻠﺤﻜﻢ ﺑﺘﻌﺰﻳﺮﻩ .وﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ هﻮ ﻓ ﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻗﻠﺔ أدب .وﻗﺪ ﻗﻠﺘﻬﺎ ﻟﻪ " وﻃﻠﺒﺖ ﻣﻨﻪ اﻟﻤﺤﻜﻤ ﺔ أن ﻳﻨﺼﺮف إﻟﻰ ﺣﺎﻟﻪ . ٭٭٭ ﻋ ﺎد اﻟﺸ ﻴﺦ إﻟ ﻰ ﻣﺠﺎﻟﺴ ﻪ وﺣﻠﻘﺎﺗ ﻪ ﻓ ﻲ اﻟﻤﺴ ﺎﺟﺪ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔ ﺔ ،ﻳﺸ ﺪد اﻟﻨﻜﻴ ﺮ ﻋﻠ ﻰ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ،وﻳ ﺘﻬﻢ اﺑ ﻦ ﻋﺮﺑ ﻲ ﺑﺎﻟﺘﻨ ﺎﻗﺾ أو اﻟﻨﻔ ﺎق ،آﻴ ﻒ ﻳ ﺪﻋﻮ إﻟ ﻰ اﺗﺒ ﺎع اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﺔ ،وهﻮ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴ ﻪ ،ﻳﺒ ﻴﺢ ﻟﺼ ﺎﺣﺐ اﻟﺤ ﺎل ﺗ ﺮك اﻟﺘﻜ ﺎﻟﻴﻒ اﻟﺸ ﺮﻋﻴﺔ ﻣ ﻦ ﺻ ﻼة وﺻ ﻴﺎم وزآﺎة وﺣﺞ ،واﻗﺘﺮاف اﻟﻤﺤﺮﻣﺎت ! ! وازداد ﺗﺸ ﻨﻴﻊ ﺷ ﺒﺎب اﻟﻌﻠﻤ ﺎء ﻋﻠ ﻰ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ، وإﻧﻜ ﺎرهﻢ ﻟﻤ ﺎ ﻳﺄﺗﻮﻧ ﻪ .ﻓ ﺬهﺐ اﻟﺸ ﻴﺦ اﻟﻤﻨﺒﺠ ﻲ ،وﻃ ﺐ
١٠٧
ﻣﻦ اﻷﻣﻴ ﺮﻳﻦ ﺑﻴﺒ ﺮس وﺳ ﻼر ،أن ﻳﺨﻠﺼ ﺎ اﻟﻨ ﺎس ﻣ ﻦ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ،ﻓﻬ ﻮ ﻳﺜﻴ ﺮ اﻟﻔﺘﻨ ﺔ ،واﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ﻏﺎﺿ ﺒﻮن ﻳﺘﻮﻋ ﺪون اﻟﺸ ﻴﺦ وأﻧﺼ ﺎرﻩ ﻓ ﺈذا اﺻ ﻄﺪم اﻟﻔﺮﻳﻘ ﺎن ﻋﻤﺖ اﻟﻔﻮﺿﻰ وﺗﻬﺪد اﻷﻣﻦ . واﺳﺘﺪﻋﻲ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﻘﻠﻌﺔ وﺧﻴﺮﻩ ﺑﻴﻦ أﻣ ﻮر ﺛﻼﺛ ﺔ :أﻣ ﺎ أن ﻳﻌ ﻮد إﻟ ﻰ دﻣﺸ ﻖ ،أو ﻳ ﺬهﺐ إﻟ ﻰ اﻹﺳ ﻜﻨﺪرﻳﺔ ،وﻓ ﻲ آ ﻼ اﻟﺒﻠ ﺪﻳﻦ ﻳﺠ ﺐ أن ﻳﻜ ﻒ ﻟﺴ ﺎﻧﻪ ﻋﻦ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ،وإﻣﺎ أن ﻳﺴﺠﻦ ! . ﻗﺎل " :اﻟﺴﺠﻦ أﺣﺐ إﻟﻲ ﻣﻤﺎ ﻳﺪﻋﻮﻧﻨﻲ إﻟﻴﻪ " وﻟﻜ ﻦ أﺻ ﺪﻗﺎء اﻟﺸ ﻴﺦ وﺗﻼﻣﻴ ﺬﻩ وأﺗﺒﺎﻋ ﻪ اﻟ ﺬﻳﻦ أﺻ ﺒﺤﻮا اﻵن ﻋﺪﻳ ﺪﻳﻦ ،أﻟﺤ ﻮا ﻋﻠﻴ ﻪ ﻓ ﻲ اﻟﻌ ﻮدة إﻟ ﻰ دﻣﺸﻖ ،ﺣﻴﺚ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن هﻨ ﺎك ﺻ ﺪﻳﻖ ﻟ ﻪ ﻳﻌ ﺮف ﻗﺪرﻩ وﻟﻦ ﻳﻀﻴﻖ ﻋﻠﻴﻪ . أﻋﻠ ﻦ اﻟﺸ ﻴﺦ أﻧ ﻪ ﻋ ﺪل ﻋ ﻦ اﺧﺘﻴ ﺎرﻩ ،واﺧﺘ ﺎر اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ دﻣﺸﻖ . وﺗﻬﻴﺄ ﻟﻠﺴﻔﺮ :إﻟﻰ أﻣﻪ واﻟﺼﺤﺎب ،واﻟﻄﻼب . ٭٭٭
١٠٨
وﺻ ﻞ إﻟ ﻰ ﺑﻠﺒ ﻴﺲ ،ﻓﻠﺤ ﻖ ﺑ ﻪ ﻣ ﻦ ﻳﺴ ﺘﺪﻋﻴﻪ إﻟ ﻰ اﻟﻘﺎهﺮة ! ﻟﻘ ﺪ أﺻ ﺒﺢ ﺑﻴﺒ ﺮس ه ﻮ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻓ ﺬهﺐ اﻟﺸ ﻴﺦ اﻟﻤﻨﺒﺠ ﻲ وﻣﻌ ﻪ اﻟﺸ ﻴﺦ اﺑ ﻦ ﻣﺨﻠ ﻮف ،ﻓﺄﻟﺤ ﺎ ﻋﻠ ﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﻴﺒﺮس ﻓﻲ ﻗﺘ ﻞ اﻟﺸ ﻴﺦ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﻓﻬ ﻮ ﻳﻨﻬ ﻰ ﻋﻦ اﻻﺳﺘﻐﺎﺛﺔ ﺑﺎﻟﺮﺳﻮل ،وزﻳﺎرة أﺿﺮﺣﺔ اﻟﺼ ﺎﻟﺤﻴﻦ، ﺛﻢ إﻧﻪ ﻳﺤﺮض ﻋﻠﻰ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ وﻳﺸ ﻖ ﺻ ﻔﻮﻓﻬﻢ ،وه ﺬا اﺑﺘﻐﺎء ﻟﻠﻔﺘﻨﺔ ،ﻓﻬﻮ ﻳﺴﺘﺤﻖ اﻟﻘﺘﻞ ! وﺗﻜﻠﻢ ﺑﻴﺒﺮس ﻣﻊ ﺻﺪﻳﻘﻪ وﺷﺮﻳﻜﻪ ﺳﻼر ﻓﻲ أﻣ ﺮ اﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻴﺦ ﺑﺎﻹﻋﺪام . وﻟﻜ ﻦ ﺳ ﻼر رﻓ ﺾ ،واآﺘﻔ ﻰ ﺑ ﺄن ﻳﺤﻜ ﻢ ﻋﻠﻴ ﻪ ﺑﺎﻟﺤﺒﺲ . وﻋﻘ ﺪت ﻣﺤﻜﻤ ﺔ ﻟﺘﻌﻴ ﺪ اﻟﻨﻈ ﺮ ﻓ ﻲ أﻣ ﺮﻩ . .ﻗ ﺎل اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻟﻤﺎﻟﻜﻲ وآﺎن ﻣﺨﺎﻟﻔ ًﺎ ﻟﻘﺎﺿ ﻲ ﻗﻀ ﺎة اﻟﻤﺎﻟﻜﻴ ﺔ ﺑﻦ ﻣﺨﻠﻮف " :ﻣﺎ ﺛﺒﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺷﻲء " ﻓﻘﻴﻞ " :اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﺎ ﺗﺮﺿﻰ إﻻ ﺑﺤﺒﺴﻪ "
١٠٩
ﻗ ﺎل ﻗﺎﺿ ﻲ اﻟﻘﻀ ﺎة " :اﻟﺤ ﺒﺲ ﻣﺼ ﻠﺤﺔ ﻟ ﻪ. ﻓﺎﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﻳﺄﺗﻤﺮون ﺑﻪ وﺳﻴﺆذوﻧﻪ .ﻓﻔﻲ اﻟﺤﺒﺲ ﺣﻤﺎﻳﺘﻪ " ﻓﻘ ﺎل اﻟﺸ ﻴﺦ " :أﻧ ﺎ أﺗﺒ ﻊ ﻣ ﺎ ﺗﻘﺘﻀ ﻴﻪ اﻟﻤﺼ ﻠﺤﺔ وأﻣﻀﻲ إﻟﻰ اﻟﺤﺒﺲ " ﻓﻘ ﺎل اﻟﻘﺎﺿ ﻲ اﻟﻤ ﺎﻟﻜﻲ " :ﻳﻜ ﻮن ﻓ ﻲ ﻣﻮﺿ ﻊ ﻳﺼﻠﺢ ﻟﻤﺜﻠﻪ " ﻓﻘﺎل ﻟﻪ " :اﻟﺪوﻟﺔ ﻻ ﺗﺮﺿﻰ إﻻ ﺑﻤﺴ ﻤﻰ اﻟﺤ ﺒﺲ " وﻟﻜﻨﻬﻢ اﺗﻔﻘﻮا ﻋﻠﻰ أن ﻳﻮﺿﻊ ﻓﻲ ﺣ ﺒﺲ اﻟﻘﻀ ﺎة، وأن ﻳﻜﻮن ﻋﻨﺪﻩ ﻣﻦ ﻳﺨﺪﻣﻪ . وﺣﺒﺲ اﻟﻘﻀ ﺎة ﺑﻴ ﺖ آﺒﻴ ﺮ ﻣ ﺮﻳﺢ . .ﻟ ﻴﺲ آﻐﻴ ﺮﻩ ﻣﻦ اﻟﺴﺠﻮن . وﻓ ﻲ ﺣ ﺒﺲ اﻟﻘﻀ ﺎة ،أﻗﺒ ﻞ ﻋﻠﻴ ﻪ ﻃ ﻼب اﻟﻌﻠ ﻢ، وﻣﺮﻳ ﺪوﻩ ،وﻣﺤﺒ ﻮﻩ ،ﻣ ﻦ اﻷﻣ ﺮاء واﻟﺘﺠ ﺎر ﻳﺴ ﺘﻔﺘﻮﻧﻪ، وﻳﺴﺄﻟﻮﻧﻪ أن ﻳﺴﺘﻤﺮ ﻓ ﻲ إﻟﻘ ﺎء دروﺳ ﻪ ﻋﻠ ﻴﻬﻢ ه ﻮ ﻓ ﻲ ﺣﺒﺴﻪ .ﻓﺄﺟﺎﺑﻬﻢ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪون !
١١٠
ﻣ ﺮة أﺧ ﺮى ذه ﺐ اﺑ ﻦ اﻟﻤﻨﺒﺠ ﻲ إﻟ ﻰ ﺑﻴﺒ ﺮس اﻟﺠﺎﺷ ﻨﻜﻴﺮ ،وﺷ ﻜﺎ ﻟ ﻪ اﻟﺘﻔ ﺎف اﻟﻨ ﺎس ﺣ ﻮل اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﻓﻲ ﻣﺤﺒﺴﻪ . .وﻗﺎل إن اﻟﺪوﻟ ﺔ ﻟ ﻢ ﺗﺤﺒﺴ ﻪ ،ﺑ ﻞ أآﺮﻣﺘ ﻪ وأﻧﺰﻟﺘ ﻪ ﻓ ﻲ دار ﺿ ﻴﺎﻓﺔ ،ﻳﺨ ﻒ إﻟﻴ ﻪ ﻓﻴﻬ ﺎ اﻟ ﺮواد، وﻳﺘﺎﺑﻊ ﻣﻨﻬﺎ ﻧﺸﺎﻃﻪ . ورﺳ ﻢ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﺑﻴﺒ ﺮس اﻟﺠﺎﺷ ﻨﻜﻴﺮ ﺑﺈﺑﻌ ﺎدﻩ ﻣ ﻦ اﻟﻘﺎهﺮة ،وﻧﻔﻴﻪ إﻟﻰ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ . وأﻧﺰﻟ ﻮﻩ ﻓ ﻲ ﺑﻴ ﺖ ﺑﺎﻹﺳ ﻜﻨﺪرﻳﺔ ،ﻋﻠﻴ ﻪ ﺣ ﺮس ﻏﻼظ . وﻟﻜﻦ اﻟﻨﺎس أﻻﻧﻮا اﻟﺤﺮس ،ﻓﺘﺮآﻮا اﻟﺸﻴﺦ ﻳﺮوح وﻳﺠﻲء ،وﻳﻠﺘﻘﻲ ﺑﻤﻦ ﻳﺸﺎء . ووﺟ ﺪ ﻓ ﻲ اﻹﺳ ﻜﻨﺪرﻳﺔ ﺣﺮآ ﺔ ﺻ ﻮﻓﻴﺔ ﻗﻮﻳ ﺔ ﻣ ﻦ أﺗﺒ ﺎع اﺑ ﻦ ﻋﻄ ﺎء اﷲ اﻟﺴ ﻜﻨﺪري ،ﻓﺄﺧ ﺬ ﻳﺼ ﺎول أﻓﻜ ﺎرهﻢ ،وﻳﻌﻴ ﺐ أﻋﻤ ﺎﻟﻬﻢ ،وأآ ﺪ أن اﻟﻌﻠﻤ ﺎء اﻟ ﺬﻳﻦ ﻳﺴ ﻤﻴﻬﻢ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ،أه ﻞ اﻟﺸ ﺮﻳﻌﺔ ،ﻟﻴﺴ ﻮا أﻋ ﺪاء ﻟﻠﺼﻮﻓﻴﺔ ،وﻟﻜﻨﻬﻢ أﻋﺪاء ﻟﻠﺒﺪع واﻟﻤﻨﻜﺮات .
١١١
وذآﺮهﻢ ﺑﻤﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﻌﺰ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺴﻼم ﻋ ﻦ أﺑﻲ اﻟﻌﺒ ﺎس اﻟﻤﺮﺳ ﻲ ﻟﻤ ﺎ ﺳ ﻤﻊ ﺷ ﺮﺣﻪ .ﻗ ﺎل ﻟﻠﻨ ﺎس " اﺳﻤﻌﻮا هﺬا اﻟﻜﻼم ﻓﻬﻮ ﻗﺮﻳﺐ اﻟﻌﻬﺪ ﺑﺎﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ" واﻧﺸﻖ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﻓﻲ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﻬﻢ . وﺗﺎﺑﻌ ﻪ ﺧﻠ ﻖ آﺜﻴ ﺮ .وﺷ ﻌﺮ ﺑﺈآﺒ ﺎر ﻃ ﻼب اﻟﻌﻠ ﻢ، واﻟﻌﻠﻤﺎء ﻓﻲ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ . وﺗﺤﺴﺐ ﻣﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺤﺪث ! ! ﺳﻴﺴﻤﻊ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﻴﺒﺮس اﻟﺠﺎﺷ ﻨﻜﻴﺮ ﺑﻬ ﺬا ،ﻓﻴ ﺄﻣﺮ ﺑﻮﺿﻌﻪ ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ ،وﺣﺠﺒﻪ ﻋﻦ اﻟﻨﺎس ! ! أﺑﻴﺒﺮس اﻟﺠﺎﺷﻨﻜﻴﺮ هﻮ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺣﻘًﺎ؟! ورﻧﺖ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ رﻧﻴﻨًﺎ ﻏﺮﻳﺒًﺎ. . وﻣﺎذا ﺻﻨﻌﻮا ﺑﺎﻟﺮﺟﻞ اﻟﺼ ﺎﻟﺢ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻ ﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻗﻼوون؟! ﻗﻴ ﻞ ﻟ ﻪ " :ﻟﻘ ﺪ ﺗﻨ ﺎزل ﻋ ﻦ اﻟﻤﻠ ﻚ ﻃﺎﺋﻌ ًﺎ ﻟﻴﻨﺠ ﻮ ﺑﻨﻔﺴﻪ ،وﻋﻴﻦ أﻣﻴﺮًا ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺮك ! " وأﻏﻔ ﻰ اﻟﺸ ﻴﺦ ،وه ﻮ ﻳﻔﻜ ﺮ ﻓﻴﻤ ﺎ ﺁل إﻟﻴ ﻪ اﻷﻣ ﺮ ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻﺮ. ودﻋﺎ اﷲ أن ﻳﻮﻟﻲ أﻣﻮر اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺧﻴﺎرهﻢ .
١١٢
٭٭٭ ﺻﺤﺎ ﻋﻠﻰ أﺻﻮات ﺗﻨﺎدﻳ ﻪ ﻓ ﻲ ﻟﻬﻔ ﺔ " :ﻳ ﺎ ﺷ ﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ . .اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻳﻄﻠﺒﻚ . .ﺗﻬﻴﺄ ﻟﻠﺴﻔﺮ " هﺎ هﻮ ذا ﺑﻴﺒ ﺮس اﻟﺠﺎﺷ ﻨﻜﻴﺮ ،ﻳﻄﻠﺒ ﻪ ﻟﻴﻀ ﻌﻪ ﻓ ﻲ اﻟﺤﺒﺲ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ،ﺣﻴ ﺚ ﻻ ﻳ ﺮى ﺿ ﻮء اﻟﺸ ﻤﺲ ﺑﻌ ﺪ، وﻻ ﻳﻌﺮف اﻟﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﻬﺎر . وﻟﻜﻨ ﻪ ﺑ ﻼء ﻓ ﻲ اﷲ ﻳ ﺎ ﺗﻘ ﻲ اﻟ ﺪﻳﻦ ،واﻟﻌﻘﺒ ﻰ ﻟﻠﺼﺎﺑﺮﻳﻦ ! ! وﺗﺜﺎﻗﻞ وهﻮ ﻳﻨﻬﺾ . ﻓ ﺪﺧﻞ اﻟﺤﺠ ﺮة ﻋﻠﻴ ﻪ رﺟ ﺎل ﻳﺘﻌﺠﻠﻮﻧ ﻪ :اﻟﻔ ﺮح ﻳﺠﻠﺠﻞ ﻓﻲ أﺻﻮاﺗﻬﻢ ،ووﺟﻮهﻬﻢ ﻳﻌﻠﻮهﺎ اﻟﺒﺸﺮ ! " اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻳﻄﻠﺒﻚ . .ﻋﺠﻞ ﻳﺎ ﺷﻴﺦ اﻹﺳﻼم " "ﺷﻴﺦ اﻹﺳﻼم؟! ! أي ﺳﻠﻄﺎن ﻳﻄﻠﺒﻨﻲ؟! " أﺑﺸ ﺮ ﻳ ﺎ ﺷ ﻴﺦ اﻹﺳ ﻼم . .ﻋ ﺎد اﻟﺴ ﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻ ﺮ ﻣﺤﻤ ﺪ ﺑ ﻦ ﻗ ﻼوون إﻟ ﻰ ﻣﻠﻜ ﻪ أﻣ ﺲ .وآ ﺎن أول ﻣ ﺎ رﺳﻤﻪ هﻮ اﻹﻓﺮاج ﻋﻨﻚ .وإﺣﻀﺎرك إﻟﻴﻪ .
١١٣
وﻧﺸﻂ اﻟﺸﻴﺦ ﻳﻌﺪ ﻧﻔﺴ ﻪ ﻟﻠﺴ ﻔﺮ إﻟ ﻰ اﻟﻘ ﺎهﺮة وه ﻮ ﻳ ﺮدد ﺑﺼ ﻮت ﺧﺎﺷ ﻊ :إن ﻳﻨﺼ ﺮآﻢ اﷲ ﻓ ﻼ ﻏﺎﻟ ﺐ ﻟﻜﻢ . .وﺑﺸﺮ اﻟﺼﺎﺑﺮﻳﻦ .
١١٤
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ ﺑﻠ ﻎ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ اﻟﻘ ﺎهﺮة ،ﺑﻌ ﺪ ﺻ ﻼة اﻟﻌﺼ ﺮ. وﺣﻮﻟ ﻪ اﻷﻣ ﺮاء اﻟﻤﻤﺎﻟﻴ ﻚ اﻟ ﺬﻳﻦ اﺻ ﻄﺤﺒﻮﻩ ﻣ ﻦ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ .آﺄﻧﻬﻢ ﺣﺮس ﺷﺮف. . وﺻ ﺤﺒﻮﻩ إﻟ ﻰ ﻣﺴ ﻜﻦ ﻣ ﺮﻳﺢ أﻋ ﺪﻩ ﻟ ﻪ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن، إﻟﻰ ﺟﻮار ﻣﺴﺠﺪ اﻹﻣﺎم اﻟﺤﺴﻴﻦ . ﺛﻢ ﺧﺮج إﻟﻰ اﻷزهﺮ ،ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ﺁذان اﻟﻤﻐ ﺮب، ﻓﻌﻜ ﻒ ﻋﻠ ﻰ ﻧﻔﺴ ﻪ ،ﻳﻘ ﺮأ اﻟﻘ ﺮﺁن وﺑﻌ ﺾ اﻷوراد، وﻳﺘﺄﻣﻞ ﻓﻲ آﻞ ﺟ ﺮى ﻟ ﻪ وﻟﻠﺴ ﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻ ﺮ ،وﻳﺘﺄﻣ ﻞ ﻓﻲ ﺣﻜﻤﻪ اﷲ ،وﻗﻀﺎﺋﻪ ،ﻓﻔﺎﺿﺖ ﻋﻴﻨﺎﻩ ﺑﺎﻟﺪﻣﻊ! . . وﺣﻤ ﺪ اﷲ ﻋﻠ ﻰ آ ﻞ ﻣ ﺎ ﻗ ﺪرﻩ وﻗﻀ ﺎﻩ ،وﺳ ﺄﻟﻪ اﻟﻠﻄﻒ ﻓﻲ اﻟﻘﻀﺎء . .وﺑﻌﺪ ﺻﻼة اﻟﻤﻐﺮب ،ﻓﻮﺟﺊ ﺑ ﻪ اﺑ ﻦ ﻋﻄ ﺎء اﷲ اﻟﺴ ﻜﻨﺪري ﻳﺼ ﻠﻲ ﺧﻠﻔ ﻪ ،ﻓﻬ ﺶ ﻟ ﻪ، وهﻨﺄﻩ ﺑﺴﻼﻣﺔ اﻟﻮﺻﻮل. . . وﺣﻴﻦ أدرك اﻟﻤﺼﻠﻮن أن اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﺑﻴﻨﻬﻢ ،هﻠﻠﻮا وآﺒ ﺮوا ﻣ ﺮﺣﺒﻴﻦ ﺑ ﻪ ،وأﻗﺒﻠ ﻮا ﻋﻠﻴ ﻪ ﻳﻬﻨﺌﻮﻧ ﻪ ﺑ ﺈﻃﻼق
١١٥
ﺳ ﺮاﺣﻪ ،وﺑﻌ ﻮدة اﻟﺴ ﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻ ﺮ . .إﻻ ﻗﻠ ﻴﻼ أﻋﺮﺿﻮا ﻋﻨﻪ ! وﻗﺎل اﺑﻦ ﻋﻄﺎء اﷲ " :أﻟﻔﺖ أن أﺻﻠﻲ اﻟﻤﻐ ﺮب ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻊ ﻣﻮﻻﻧﺎ اﻟﺤﺴﻴﻦ ،وأﺻﻠﻲ اﻟﻌﺸﺎء هﻨﺎ ،ﻓﺎﻧﻈﺮ ﺗﻘ ﺪﻳﺮ اﷲ . .ﻗ ﺪر ﻟ ﻲ أن أآ ﻮن أول ﻣ ﻦ ﻳﻠﻘ ﺎك. . أﻋﺎﺗﺐ أﻧﺖ ﻋﻠﻲ ﻳﺎ ﻓﻘﻴﻪ" . ﻓﻘ ﺎل اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ " :أﻋ ﺮف أﻧ ﻚ ﻣ ﺎ ﺗﻌﻤ ﺪت إﻳ ﺬاﺋﻲ ،وﻟﻜﻨ ﻪ اﻟﺨ ﻼف ﻓ ﻲ اﻟ ﺮأي .ﻋﻠ ﻰ أن آ ﻞ ﻣ ﻦ ﺁذاﻧﻲ ﻓﻬﻮ ﻣﻨﺬ اﻟﻴﻮم ﻓﻲ ﺣﻞ ﻣﻨﻲ " ﻗﺎل اﺑﻦ ﻋﻄﺎء اﷲ " :ﻣﺎذا ﺗﻌ ﺮف ﻋﻨ ﻲ ﻳ ﺎ ﺷ ﻴﺦ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ؟ " ﻗ ﺎل " :أﻋ ﺮف ﻋﻨ ﻚ اﻟ ﻮرع ،وﻏ ﺰارة اﻟﻌﻠ ﻢ، وﺣ ﺪة اﻟ ﺬهﻦ ،وﺻ ﺪق اﻟﻘ ﻮل ،وأﺷ ﻬﺪ أﻧ ﻲ ﻣ ﺎ رأﻳ ﺖ ﻣﺜﻠﻚ ﻓﻲ ﻣﺼ ﺮ وﻻ ﻓ ﻲ اﻟﺸ ﺎم ﺣﺒ ًﺎ ﷲ أو ﻓﻨ ﺎء ﻓﻴ ﻪ أو اﻧﺼﻴﺎﻋًﺎ ﻷواﻣﺮﻩ وﻧﻮاهﻴﻪ .وﻟﻜﻨﻪ اﻟﺨﻼف ﻓﻲ اﻟ ﺮأي. ﻓﻤﺎذا ﺗﻌﺮف ﻋﻨﻲ أﻧﺖ ﻟﺘﺪﻋﻲ ﻋﻠ ﻲ ﺑﺎﻟﻀ ﻼل إذ أﻧﻜ ﺮ اﺳﺘﻐﺎﺛﺔ ﻏﻴﺮ اﷲ "
١١٦
ﻗ ﺎل اﺑ ﻦ ﻋﻄ ﺎء اﷲ " :إﻧ ﻲ أﻋﺠ ﺐ ﻟ ﻚ ﻳ ﺎ ﻓﻘﻴ ﻪ. ﻓﺄﻧ ﺖ ﻧﺼ ﻴﺮ ﻟﻠﺴ ﻨﺔ ﺗﺴ ﺘﻮﻋﺐ اﻵﺛ ﺎر ﺣﻔﻈ ًﺎ وﻓﻬﻤ ﺎ، آﺎﻣ ﻞ اﻟﻔﻜ ﺮ ﺳ ﺮﻳﻊ اﻹدراك ،وﻟﻜﻨ ﻚ ﺗﻄﻠ ﻖ ﻋﺒ ﺎرات أﺣﺠ ﻢ ﻋﻨﻬ ﺎ اﻷوﻟ ﻮن واﻵﺧ ﺮون ،وﺗﺨ ﺮج ﻓﻴﻬ ﺎ ﻋ ﻦ ﻣﺬهﺐ إﻣﺎﻣﻚ أﺣﻤﺪ ،وﻣﺬاهﺐ ﺳﺎﺋﺮ اﻷﺋﻤﺔ " ﻓﻘ ﺎل اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ " :ﻣ ﻦ ﺗﻌﺼ ﺐ ﻟﻤ ﺬهﺐ ﺑﻌﻴﻨ ﻪ، ﻓﻘﺪ أﺷﺒﻪ أه ﻞ اﻷه ﻮاء ،وﻏﺎﻳ ﺔ اﻟﻤﺘﻌﺼ ﺐ ﻟﻮاﺣ ﺪ ﻣ ﻦ أﺋﻤ ﺔ اﻟﻤ ﺬاهﺐ ،أن ﻳﻜ ﻮن ﺟ ﺎهﻼ ﺑﻘ ﺪرﻩ ﻓ ﻲ اﻟﻌﻠ ﻢ واﻟ ﺪﻳﻦ ،وﻗ ﺪر اﻵﺧ ﺮﻳﻦ .ﻓﻴﻜ ﻮن ﻇﺎﻟﻤ ًﺎ ،واﷲ ﻳﻨﻬ ﻰ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻦ اﻟﺠﻬﻞ واﻟﻈﻠﻢ ،وﻳﺄﻣﺮ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ واﻟﻌﺪل .ﻗﺎل ﻻ . ﺗﻌ ﺎﻟﻰ :وﺣﻤﻠﻬ ﺎ اﻹﻧﺴ ﺎن إﻧ ﻪ آ ﺎن ﻇﻠﻮﻣ ﺎ ﺟﻬ ﻮ ً وهﺬا أﺑﻮ ﻳﻮﺳﻒ وﻣﺤﻤﺪ آﺎﻧﺎ أﺗﺒ ﻊ اﻟﻨ ﺎس ﻷﺑ ﻲ ﺣﻨﻴﻔ ﺔ وأﻋﻤﻠﻬﻢ ﺑﻘﻮﻟﻪ ،ﺧﺎﻟﻔﺎﻩ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﺤﺼﻰ ،ﻟﻤﺎ ﺗﺒ ﻴﻦ ﻟﻬﻤ ﺎ ﻣ ﻦ اﻟﺴ ﻨﺔ واﻟﺤﺠ ﺔ ﻣ ﺎ أوﺟ ﺐ ﻋﻠﻴﻬﻤ ﺎ اﺗﺒﺎﻋﻪ . وهﻤﺎ ﻓ ﻲ ذﻟ ﻚ ﻳﻌﻈﻤ ﺎن إﻣﺎﻣﻬﻤ ﺎ .وأﻧ ﺎ أﻗ ﻮل ﺑﻤ ﺎ ﻗﺎم ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻨﺪي ﻻ أداهﻦ وﻻ أﺣﺎﺑﻲ .وﻣ ﺎ ﻳﻈ ﻦ
أن أﺣ ﺪًا ﻣ ﻦ ﻓﻘﻬ ﺎء ه ﺬا اﻟﺰﻣ ﺎن أﺷ ﺪ ﺣﺒ ﺎ ﻟﺮﺳ ﻮل
١١٧
ﻣﻨ ﻲ ،وﻻ أآﺜ ﺮ اﺗﺒﺎﻋ ًﺎ ﻟ ﻪ ﻣﻨ ﻲ .ﻓ ﺈذا ﺻ ﺢ ﻋﻨ ﺪي اﻟﺤ ﺪﻳﺚ ﺗﺮآ ﺖ أﻗ ﻮال اﻷﺋﻤ ﺔ ،وأﺧ ﺬت ﺑ ﻪ ،وﺑﻬ ﺬا ﻧﺼﺤﻮا هﻢ أﻧﻔﺴﻬﻢ " ﻗ ﺎل اﺑ ﻦ ﻋﻄ ﺎء اﷲ " :أﻣ ﺎ ﺁن ﻟ ﻚ ﻳ ﺎ ﻓﻘﻴ ﻪ أن ﺗﻌ ﺮف أن اﻻﺳ ﺘﻐﺎﺛﺔ ه ﻲ اﻟﻮﺳ ﻴﻠﺔ واﻟﺸ ﻔﺎﻋﺔ ،وأن رﺳﻮل اﷲ ﻳﺴﺘﻐﺎث ،وﻳﺘﻮﺳﻞ ﺑﻪ ،وﻳﺴﺘﺸﻔﻊ ﺑﻪ؟" ﻗ ﺎل اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ " :أﻧ ﺎ ﻓ ﻲ ه ﺬﻩ أﺗﺒ ﻊ اﻟﺴ ﻨﺔ اﻟﺸ ﺮﻳﻔﺔ .ﻓﻘ ﺪ ﺟ ﺎء ﻓ ﻲ اﻟﺤ ﺪﻳﺚ اﻟﺼ ﺤﻴﺢ ) :أﻋﻄﻴ ﺖ اﻟﺸ ﻔﺎﻋﺔ( .وﻗ ﺪ أﺟﻤﻌ ﺖ اﻵﺛ ﺎر ﻓ ﻲ ﺗﻔﺴ ﻴﺮ اﻵﻳ ﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤ ﺔ :ﻋﺴ ﻰ أن ﻳﺒﻌﺜ ﻚ رﺑ ﻚ ﻣﻘﺎﻣ ًﺎ ﻣﺤﻤ ﻮدًا، ﻋﻠﻰ أن اﻟﻤﻘ ﺎم اﻟﻤﺤﻤ ﻮد ه ﻮ اﻟﺸ ﻔﺎﻋﺔ .واﻟﺮﺳ ﻮل ، ﻟﻤﺎ ﻣﺎﺗ ﺖ أم ﻣﻴ ﺮ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻠ ﻲ ،رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨﻬﻤ ﺎ، دﻋ ﺎ ﻟﻬ ﺎ اﷲ ﻋﻠ ﻲ ﻗﺒﺮه ﺎ ) :اﷲ اﻟ ﺬي ﻳﺤ ﻲ وﻳﻤﻴ ﺖ، وه ﻮ ﺣ ﻲ ﻻ ﻳﻤ ﻮت ،اﻏﻔ ﺮ ﻷﻣ ﻲ ﻓﺎﻃﻤ ﺔ ﺑﻨ ﺖ أﺳ ﺪ، ووﺳﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺪﺧﻠﻬﺎ ،ﺑﺤ ﻖ ﻧﺒﻴ ﻚ واﻷﻧﺒﻴ ﺎء اﻟ ﺬﻳﻦ ﻣ ﻦ ﻗﺒﻠﻲ ،ﻓﺎﻧﻚ أرﺣﻢ اﻟﺮاﺣﻤﻴﻦ( .ﻓﻬ ﺬﻩ ه ﻲ اﻟﺸ ﻔﺎﻋﺔ .أﻣ ﺎ اﻻﺳﺘﻐﺎﺛﺔ ﻓﻔﻴﻬﺎ ﺷﺒﻬﺔ اﻟﺸﺮك ﺑﺎﷲ ﺗﻌﺈﻟﻰ ،وﻟﻬﺬا ﻣﻨﻌﻬ ﺎ ﺳﺪًا ﻟﻠﺬراﺋﻊ .ﻗ ﺎل ﺗﻌ ﺎﻟﻰ :وﻻ ﺗ ﺪﻋﻮا ﻣ ﻊ اﷲ أﺣ ﺪًا.
١١٨
ﺻﺪق اﷲ اﻟﻌﻈﻴﻢ " .وﻗﺪ أﻣ ﺮ اﻟﺮﺳ ﻮل اﺑ ﻦ ﻋﻤ ﻪ ﻋﺒ ﺪ اﷲ ﺑﻦ اﻟﻌﺒﺎس أﻻ ﻳﺴﺘﻌﻴﻦ ﻏﻴﺮ اﷲ " ﻗﺎل اﺑ ﻦ ﻋﻄ ﺎء اﷲ " :أﺻ ﻠﺤﻚ اﷲ ﻳ ﺎ ﻓﻘﻴ ﻪ .أﻣ ﺎ ﻧﺼﻴﺤﺔ اﻟﺮﺳﻮل ﻻﺑﻦ ﻋﺒﺎس ،ﻓﻘ ﺪ أراد أن ﻳﺘﻘ ﺮب إﻟﻰ اﷲ ﺑﻌﻤﻠﻪ ﻻ ﺑﻘﺮاﺑﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﺮﺳ ﻮل ،وأﻣ ﺎ ﻓﻬﻤ ﻚ أن اﻻﺳ ﺘﻐﺎﺛﺔ اﺳ ﺘﻐﺎﺛﺔ ﺑﻐﻴ ﺮ اﷲ ﻓﻬ ﻲ ﺷ ﺮك ،ﻓﻤ ﻦ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ اﻟ ﺬﻳﻦ ﻳﺆﻣﻨ ﻮن ﺑ ﺎﷲ ورﺳ ﻮﻟﻪ ﻳﺤﺴ ﺐ أن ﻏﻴ ﺮﻩ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻳﻘﻀ ﻲ وﻳﻘ ﺪر وﻳﺜﻴ ﺐ وﻳﻌﺎﻗ ﺐ؟! . .إﻧﻤ ﺎ ه ﻲ أﻟﻔ ﺎظ ﻻ ﺗﺆﺧ ﺬ ﻋﻠ ﻰ ﻇﺎهﺮه ﺎ ،وﻻ ﺧ ﻮف ﻣ ﻦ اﻟﺸ ﺮك ﻟﻨﺴ ﺪ إﻟﻴ ﻪ اﻟﺬرﻳﻌ ﺔ ! . .ﻓﻜ ﻞ ﻣ ﻦ اﺳ ﺘﻐﺎث اﻟﺮﺳ ﻮل ،ﻓﻬ ﻮ إﻧﻤ ﺎ ﻳﺴﺘﺸ ﻔﻊ ﺑ ﻪ ﻋﻨ ﺪ اﷲ ﻣﺜﻠﻤ ﺎ ﺗﻘ ﻮل أﻧ ﺖ ،أﺷ ﺒﻌﻨﻲ ه ﺬا اﻟﻄﻌ ﺎم ﻓﻬ ﻞ اﻟﻄﻌ ﺎم وه ﻮ اﻟ ﺬي أﺷﺒﻌﻚ أم أن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ه ﻮ اﻟ ﺬي أﺷ ﺒﻌﻚ ﺑﺎﻟﻄﻌ ﺎم؟. . وأﻣ ﺎ ﻗﻮﻟ ﻚ إن اﷲ ﻧﻬﺎﻧ ﺎ أن ﻧ ﺪﻋﻮ ﻏﻴ ﺮﻩ ،ﻓﻬ ﻞ رأﻳ ﺖ ﻣ ﻦ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ أﺣ ﺪًا ﻳ ﺪﻋﻮ ﻏﻴ ﺮ اﷲ؟ إﻧﻤ ﺎ ﻧﺰﻟ ﺖ ه ﺬﻩ اﻵﻳ ﺔ ﻓ ﻲ اﻟﻤﺸ ﺮآﻴﻦ اﻟ ﺬﻳﻦ آ ﺎﻧﻮا ﻳ ﺪﻋﻮن ﺁﻟﻬ ﺘﻬﻢ ﻣ ﻦ دون اﷲ ! إﻧﻤ ﺎ ﻳﺴ ﺘﻐﻴﺚ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻮن ﻣﺤﻤ ﺪًا ﺑﻤﻌﻨ ﻰ اﻟﺘﻮﺳ ﻞ ﺑﺤﻘ ﻪ ﻋﻨ ﺪ اﷲ ،واﻟﺘﺸ ﻔﻊ ﺑﻤ ﺎ رزﻗ ﻪ اﷲ ﻣ ﻦ
١١٩
ﺷ ﻔﺎﻋﺔ .أﻣ ﺎ ﺗﺤﺮﻳﻤ ﻚ اﻻﺳ ﺘﻐﺎﺛﺔ ﻷﻧﻬ ﺎ ذرﻳﻌ ﺔ إﻟ ﻰ اﻟﺸ ﺮك ،ﻓﺈﻧ ﻚ آﻤ ﻦ أﻓﺘ ﻰ ﺑﺘﺤ ﺮﻳﻢ اﻻﺳ ﺘﻐﺎﺛﺔ ﻷﻧﻬ ﺎ ذرﻳﻌﺔ إﻟ ﻰ اﻟﺸ ﺮك ،ﻓﺈﻧ ﻚ آﻤ ﻦ أﻓﺘ ﻰ ﺑﺘﺤ ﺮﻳﻢ اﻟﻌﻨ ﺐ، ﻷﻧ ﻪ ذرﻳﻌ ﺔ إﻟ ﻰ اﻟﺨﻤ ﺮ ،وﻳﺨﺼ ﻲ اﻟ ﺬآﻮر ﻏﻴ ﺮ اﻟﻤﺘﺰوﺟﻴﻦ ﺳﺪًا ﻟﻠﺬرﻳﻌ ﺔ إﻟ ﻰ اﻟﺰﻧ ﺎ " . .! . .وﺿ ﺤﻚ اﻟﺸﻴﺨﺎن . واﺳ ﺘﻄﺮد اﺑ ﻦ ﻋﻄ ﺎء اﷲ " :وأﻧ ﺎ أﻋﻠ ﻢ ﻣ ﺎ ﻓ ﻲ ﻣ ﺬهﺐ ﺷ ﻴﺨﻜﻢ اﻹﻣ ﺎم أﺣﻤ ﺪ ﻣ ﻦ ﺳ ﻌﺔ ،وﻣ ﺎ ﻟﻨﻈ ﺮك اﻟﻔﻘﻬ ﻲ ﻣ ﻦ إﺣﺎﻃ ﺔ .ﻓﺴ ﺪ اﻟ ﺬراﺋﻊ ﻋﻨ ﺪآﻢ ﻣﺸ ﺮوط ﺑﻈﺮوﻓ ﻪ ،ﻓﻴﻤﻨ ﻊ اﻟﻤﺒ ﺎح إذا أدى إﻟ ﻰ ﺿ ﺮر ﻳﻐﻠ ﺐ وﻗﻮﻋ ﻪ ،آﺘﺤ ﺮﻳﻢ ﺑﻴ ﻊ اﻟﺴ ﻼح ﻓ ﻲ زﻣ ﻦ اﻟﻔﺘﻨ ﺔ ،أو ﺗﺤﺮﻳﻢ زﻳﺎدة اﻟﺴﻌﺮ ﻓﻲ اﻟﺒﻴﻊ إذا آﺎن اﻟﺜﻤﻦ ﻳﺪﻓﻊ ﻋﻠ ﻰ ﻓﺘ ﺮات ،ﺳ ﺪًا ﻟﻠﺬرﻳﻌ ﺔ إﻟ ﻰ اﻟﺮﺑ ﺎ .إن اﻷﺧ ﺬ ﺑﻈ ﺎهﺮ اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻳﻮﻗﻊ ﻓﻲ اﻟﻐﻠﻂ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻳﺎ ﻓﻘﻴﻪ .وﻣﻦ ه ﺬا رأﻳ ﻚ ﻓﻲ اﺑﻦ ﻋﺮﺑ ﻲ ،وه ﻮ إﻣ ﺎم ورع ﻣ ﻦ أﺋﻤ ﺔ اﻟ ﺪﻳﻦ .ﻓﻘ ﺪ ﻓﻬﻤ ﺖ ﻣ ﺎ آﺘﺒ ﻪ ﻋﻠ ﻰ ﻇ ﺎهﺮﻩ ،واﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ أﺻ ﺤﺎب إﺷﺎرات وﺷﻄﺤﺎت روﺣﻴ ﺔ ،وﻟﻜﻠﻤ ﺎﺗﻬﻢ أﺳ ﺮار ،ﻓﻜ ﺎن ﻳﺘﻌ ﻴﻦ ﻋﻠ ﻰ ﻣ ﻦ ه ﻮ ﻓ ﻲ ﻣﺜ ﻞ ﺣ ﺬﻗﻚ ،وﺣ ﺪة ذهﻨ ﻚ،
١٢٠
وﻋﻠﻤﻚ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ أن ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ اﻟﻤﻜﻨﻮﻧﺔ اﻟﺨﻔﻴﺔ، وراء ﻇ ﺎهﺮ اﻟﻜﻠﻤ ﺎت .ﻓ ﺎﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﺼ ﻮﻓﻲ روح، واﻟﻜﻠﻤﺔ ﺟﺴﺪ ،ﻓﺎﺳﺘﻘﺺ ﻣﺎ وراء اﻟﺠﺴﺪ ﻟﺘﺪرك ﺣﻘﻴﻘ ﺔ اﻟﺮوح .ﺛﻢ إﻧﻚ اﻋﺘﻤﺪت ﻓﻲ ﺣﻜﻤ ﻚ ﻋﻠ ﻰ اﺑ ﻦ ﻋﺮﺑ ﻲ، ﻋﻠﻰ ﻧﺼﻮص ﻗ ﺪ دﺳ ﻬﺎ ﻋﻠﻴ ﻪ ﺧﺼ ﻮﻣﻪ ! . .أﻣ ﺎ ﺷ ﻴﺦ اﻹﺳ ﻼم ﻋ ﺰ اﻟ ﺪﻳﻦ ﺑ ﻦ ﻋﺒ ﺪ اﻟﺴ ﻼم ،ﻓﺎﻧ ﻪ ﻟﻤ ﺎ ﻓﻬ ﻢ آﺘﺎﺑ ﺎت اﻟﺸ ﻴﺦ ،وﺣ ﻞ رﻣﻮزه ﺎ وأﺳ ﺮارهﺎ ،وأدرك إﻳﺤﺎءاﺗﻬﺎ ،اﺳﺘﻐﻔﺮ اﷲ ﻋﻤﺎ ﺳﻠﻒ ﻣﻨﻪ ،وأﻗﺮ ﺑﺄن ﻣﺤﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ إﻣﺎم ﻣﻦ أﺋﻤﺔ اﻹﺳﻼم . وأﻣ ﺎ آ ﻼم اﻟﺸ ﺎذﻟﻲ ،ﻓﻠ ﻴﺲ أﺑ ﻮ اﻟﺤﺴ ﻦ اﻟﺸ ﺎذﻟﻲ هﻮ اﻟﺬي ﻗﺎﻟﻪ ،ﺑﻞ أﺣﺪ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ ﻣ ﻦ اﻟﺸ ﺎذﻟﻴﺔ ،وه ﻮ ﻣ ﺎ ﻗﺎﻟ ﻪ ﻓ ﻲ اﻟﺸ ﻴﺦ اﺑ ﻦ ﻋﺮﺑ ﻲ ،ﺑ ﻞ ﻓ ﻲ ﺑﻌ ﺾ اﻟﻤﺮﻳ ﺪﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻓﻬﻤﻮا آﻼﻣﻪ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ وﺟﻬﻪ " ﻼ ﺛﻢ ﺳﺄل " :ﻣ ﺎ رأﻳ ﻚ وﺳﻜﺖ اﺑﻦ ﻋﻄﺎء اﷲ ﻗﻠﻴ ً ﻓﻲ ﺷﻴﺨﻚ اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ؟ " ﻗ ﺎل " :أﺣﻤ ﺪ آ ﺎن أﻋﻠ ﻢ ﻣ ﻦ ﻏﻴ ﺮﻩ ﺑﺎﻟﻜﺘ ﺎب واﻟﺴﻨﺔ وأﻗﻮال اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ واﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ ﻟﻬﻢ ﺑﺈﺣﺴﺎن .وﻟﻬﺬا ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﻮﺟﺪ ﻟﻪ ﻗﻮل ﻳﺨﺎﻟﻒ ﻧﺼ ًﺎ ،آﻤ ﺎ ﻳﻮﺟ ﺪ ﻟﻐﻴ ﺮﻩ،
١٢١
وﻻ ﻳﻮﺟ ﺪ ﻟ ﻰ ﻗ ﻮل ﺿ ﻌﻴﻒ ،إﻻ وﻓ ﻲ ﻣﺬهﺒ ﻪ ﻓ ﻲ اﻟﻐﺎﻟ ﺐ ﻗ ﻮل ﻳﻮاﻓ ﻖ اﻷﻗ ﻮى ،وأآﺜ ﺮ ﻣ ﺎ اﻧﻔ ﺮد ﺑ ﻪ ﻣﺨﺎﻟﻔ ﺎ ﻣ ﺬهﺐ ﻏﻴ ﺮﻩ ،ﻳﻜ ﻮن ﻗﻮﻟ ﻪ راﺟﺤ ًﺎ ،آﻘﺒ ﻮل ﺷ ﻬﺎدة أه ﻞ اﻟﺬﻣ ﺔ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ ﻋﻨ ﺪ اﻟﺤﺎﺟ ﺔ، وآﺎﻟﻮﺻﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻔﺮ وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺎﺋﻞ " ﺳ ﺄل اﺑ ﻦ ﻋﻄ ﺎء اﷲ " :ﻣ ﺎ رأﻳ ﻚ ﻓ ﻲ أﻣﻴ ﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ اﻹﻣﺎم ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ؟ " أﺟﺎب اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ :رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨ ﻪ وأرﺿ ﺎﻩ .ﻓ ﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺼ ﺤﻴﺢ أن رﺳ ﻮل اﷲ ﻗ ﺎل ) :أﻧ ﺎ ﻣﺪﻳﻨ ﺔ اﻟﻌﻠﻢ وﻋﻠﻰ ﺑﺎﺑﻬﺎ( وهﻮ اﻟﻤﺠﺎه ﺪ اﻟ ﺬي ﻟ ﻢ ﻳﺒ ﺎرز أﺣ ﺪًا إﻻ ﻏﻠﺒﻪ .ﻓﺴﻦ ﻟﻠﻌﻠﻤﺎء واﻟﻔﻘﻬﺎء ﻣ ﻦ ﺑﻌ ﺪﻩ أن ﻳﺠﺎه ﺪوا ﻓ ﻲ ﺳ ﺒﻴﻞ اﷲ ﺑﺎﻟﻠﺴ ﺎن واﻟﻘﻠ ﻢ واﻟﺴ ﻴﻒ ﺟﻤﻴﻌ ًﺎ .وآ ﺎن آﺮم اﷲ وﺟﻬﻪ أﻗﻀﻰ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ،وآﻠﻤﺎﺗﻪ ﺳﺮاج ﻣﻨﻴ ﺮ أﺳﺘﻀﻲء ﺑﻪ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻲ ،ﺑﻌﺪ اﻟﻜﺘ ﺎب واﻟﺴ ﻨﺔ ،وﺁﻩ ﻣ ﻦ ﻗﻠﺔ اﻟﺰاد وﻃﻮل اﻟﺴﻔﺮ ! " ﻓﻘﺎل اﺑﻦ ﻋﻄﺎء اﷲ " :ﻓﻬﻞ ﻳﺴﺄل أﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ اﻹﻣ ﺎم ﻋﻠ ﻲ رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨ ﻪ وآ ﺮم اﷲ وﺟﻬ ﻪ ،ﻣ ﻦ ﺷ ﺎﻳﻌﻮﻩ ،ﻓﻐ ﺎﻟﻮا ،وزﻋﻤ ﻮا أن ﺟﺒﺮﻳ ﻞ أﺧﻄ ﺄ ،ﻓﺠ ﺎء
١٢٢
ﻻ ﻣ ﻦ ﻋﻠ ﻲ !؟ أو ﻋ ﻦ اﻟ ﺬﻳﻦ ﺑﺎﻟﺮﺳ ﺎﻟﺔ ﻣﺤﻤ ﺪًا ﺑ ﺪ ً زﻋﻤﻮا أن اﷲ ﺣﻞ ﻓﻲ ﺟﺴﺪﻩ ،ﻓﺼ ﺎر اﻹﻣ ﺎم إﻟﻬ ًﺎ؟!. . أﻟ ﻢ ﻳﻘ ﺎﺗﻠﻬﻢ وﻗ ﺘﻠﻬﻢ !؟ . .أﻣ ﺎ أﻓﺘ ﻰ ﺑﻘ ﺘﻠﻬﻢ أﻳﻨﻤ ﺎ ﺛﻘﻔﻮا. .؟! " ﻗﺎل اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ " :وﺑﻬ ﺬﻩ اﻟﻔﺘ ﻮى ﺧﺮﺟ ﺖ ﻟﻘﺘ ﺎﻟﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺠﺒﻞ ﺑﺎﻟﺸﺎم ﻣﻨﺬ أآﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﺸﺮة أﻋﻮام " اﺳ ﺘﻤﺮ اﺑ ﻦ ﻋﻄ ﺎء اﷲ " :واﻹﻣ ﺎم أﺣﻤ ﺪ رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨ ﻪ ،أﻳﺴ ﺄل ﻋﻤ ﺎ ﻓﻌﻠ ﻪ ﺑﻌ ﺾ أﺗﺒﺎﻋ ﻪ ،ﻣ ﻦ آ ﺒﺲ اﻟ ﺪور ،وإراﻗ ﺔ اﻟﺨﻤ ﺮ ،وﺿ ﺮب اﻟﻤﻐﻨﻴ ﺎت واﻟﺮاﻗﺼ ﺎت ،واﻋﺘ ﺮاض اﻟﻨ ﺎس ﻓ ﻲ اﻟﻄﺮﻗ ﺎت ﺑﺎﺳ ﻢ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮوف واﻟﻨﻬ ﻲ ﻋ ﻦ اﻟﻤﻨﻜ ﺮ؟! ! ! ﻓﻤ ﺎ أﻓﺘ ﻰ رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨ ﻪ ﺑﺘﻌﺰﻳ ﺮ ه ﺆﻻء ،ﻓﺠﻠ ﺪوا وﺳ ﺠﻨﻮا، وﻃﻴ ﻒ ﺑﻬ ﻢ ﻣﻘﻠ ﻮﺑﻴﻦ ﻋﻠ ﻰ ﻇﻬ ﻮر اﻟﺤﻤﻴ ﺮ؟! أم ه ﻞ اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ﻣﺴﺌﻮل ﻋﻦ ﺗﻠ ﻚ اﻷﻋﻤ ﺎل اﻟﺘ ﻲ ﻣ ﺎ زال أراذل اﻟﺤﻨﺎﺑﻠ ﺔ ﻳﺄﺗﻮﻧﻬ ﺎ ﺣﺘ ﻰ ﻳﻮﻣﻨ ﺎ ه ﺬا ﺑﺎﺳﻢ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮوف واﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ؟! " ﻗﺎل اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ " :ﻓﺎﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ، ﺑﺮيء ﻣﻤﺎ ﻳﺼﻨﻌﻪ أﺗﺒﺎﻋﻪ ﻣﻦ إﺳﻘﺎط اﻟﺘﻜﺎﻟﻴﻒ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ،
١٢٣
واﻗﺘ ﺮاف اﻟﻤﺤﺮﻣ ﺎت؟! . .أﺗ ﺮى ه ﺬا؟ وﻟﻜ ﻦ أﻳ ﻦ ﺗﺬهﺒﻮن ﻣﻦ اﷲ ،وﻓ ﻴﻜﻢ ﻣ ﻦ ﻳ ﺰﻋﻢ أن ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ ﺑﺸ ﺮ اﻟﻔﻘ ﺮاء ،ﺑ ﺄﻧﻬﻢ ﻳ ﺪﺧﻠﻮن اﻟﺠﻨ ﺔ ﻗﺒ ﻞ اﻷﻏﻨﻴ ﺎء، ﻓﺴ ﻘﻂ اﻟﻔﻘ ﺮاء ﻣﻨﺠ ﺬﺑﻴﻦ ،وﻣﺰﻗ ﻮا ﻣﻼﺑﺴ ﻬﻢ .وﻋﻨﺪﺋ ﺬ ﻧﺰل ﺟﺒﺮﻳﻞ وﻗﺎل ﻟﻠﻨﺒﻲ إن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﻄﻠﺐ ﺣﻈﻪ ﻣ ﻦ هﺬﻩ اﻟﻤﺰق ،ﻓﺤﻤ ﻞ ﺟﺒﺮﻳ ﻞ واﺣ ﺪة ﻣﻨﻬ ﺎ وﻋﻠﻘﻬ ﺎ ﻋﻠ ﻰ ﻋﺮﺷ ﻪ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ؟! ..وه ﺬا ﻳﻠ ﺒﺲ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ اﻟﻤﺮﻗﻌ ﺎت وﻳﺴﻤﻮن أﻧﻔﺴﻬﻢ اﻟﻔﻘﺮاء ! ! " ﻗﺎل اﺑﻦ ﻋﻄ ﺎء اﷲ " :ﻣ ﺎ آ ﻞ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ﻳﻠﺒﺴ ﻮن اﻟﺨﺮق ،وهﺄﻧﺬا أﻣﺎﻣﻚ ،ﻓﻤﺎ ﺗﻨﻜﺮ ﻣﻦ هﻴﺌﺘﻲ؟! " ﻗ ﺎل اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ " :أﻧ ﺖ ﻣ ﻦ رﺟ ﺎل اﻟﺸ ﺮﻳﻌﺔ وﺻﺎﺣﺐ ﺣﻠﻘﺔ ﻓﻲ اﻷزهﺮ" ﻗﺎل اﺑ ﻦ ﻋﻄ ﺎء اﷲ " :واﻟﻐﺰاﻟ ﻲ آ ﺎن إﻣﺎﻣ ﺎ ﻓ ﻲ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ واﻟﺘﺼﻮف ﻋﻠﻰ اﻟﺴ ﻮاء .وﻗ ﺪ ﻋ ﺎﻟﺞ اﻷﺣﻜ ﺎم واﻟﺴ ﻨﻦ اﻟﺸ ﺮﻋﻴﺔ ﺑ ﺮوح اﻟﻤﺘﺼ ﻮف ،وﺑﻬ ﺬا اﻟﻤ ﻨﻬﺞ اﺳ ﺘﻄﺎع إﺣﻴ ﺎء ﻋﻠ ﻮم اﻟ ﺪﻳﻦ .ﻧﺤ ﻦ ﻧﻌﻠ ﻢ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ أن اﻟﻘ ﺬارة ﻟﻴﺴ ﺖ ﻣ ﻦ اﻟ ﺪﻳﻦ ،وأن اﻟﻨﻈﺎﻓ ﺔ ﻣ ﻦ اﻹﻳﻤ ﺎن،
١٢٤
وأن اﻟﺼ ﻮﻓﻲ اﻟﺼ ﺎدق ﻳﺠ ﺐ أن ﻳﻌﻤ ﺮ ﻗﻠﺒ ﻪ ﺑﺎﻹﻳﻤ ﺎن اﻟﺬي ﻳﻌﺮﻓﻪ أهﻞ اﻟﺴﻨﺔ . ﻟﻘﺪ ﻇﻬﺮ ﺑ ﻴﻦ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ﻣﻨ ﺬ ﻗ ﺮﻧﻴﻦ ﻣ ﻦ اﻟﺰﻣ ﺎن، أﺷﻴﺎء آﺎﻟﺘﻲ ﺗﻨﻜﺮهﺎ اﻵن ،واﺳ ﺘﺨﻔﻮا ﺑ ﺄداء اﻟﻌﺒ ﺎدات، واﺳ ﺘﻬﺎﻧﻮا ﺑﺎﻟﺼ ﻮم واﻟﺼ ﻼة ،ورآﻀ ﻮا ﻓ ﻲ ﻣﻴ ﺪان اﻟﻐﻔﻼت .. .وادﻋ ﻮا أﻧﻬ ﻢ ﺗﺤ ﺮروا ﻣ ﻦ رق اﻷﻏ ﻼل. ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﺮﺿﻮا ﺑﻤﺎ ﺗﻌﺎﻃﻮﻩ ﻣﻦ ﺳﻮء هﺬﻩ اﻷﻓﻌﺎل ،ﺣﺘ ﻰ أﺷ ﺎروا إﻟ ﻰ أﻋﻠ ﻰ اﻟﺤﻘ ﺎﺋﻖ واﻷﺣ ﻮال ،آﻤ ﺎ وﺻ ﻔﻬﻢ اﻟﻘﺸﻴﺮي اﻹﻣﺎم اﻟﺼﻮﻓﻲ اﻟﻌﻈ ﻴﻢ ﻓﻮﺟ ﻪ إﻟ ﻴﻬﻢ اﻟﺮﺳ ﺎﻟﺔ اﻟﻘﺸﻴﺮﻳﺔ ،ﺗﺮﺳﻢ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺼﻮﻓﻲ إﻟﻰ اﷲ وهﻲ ﺗﻤﺴﻜﻪ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﺔ . إن أﺋﻤﺔ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﻳﺮﻳﺪون اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻟﺤﻘﻴﻘ ﺔ، ﻻ ﺑﺎﻷدﻟﺔ اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺒﻞ اﻟﻌﻜﺲ ،ﺑ ﻞ ﺑﺼ ﻔﺎء اﻟﻘﻠ ﺐ ورﻳﺎﺿﺔ اﻟﻨﻔﺲ ،وﻃﺮح اﻟﻬﻤﻮم اﻟﺪﻧﻴﻮﻳ ﺔ ،ﻓ ﻼ ﻳﻨﺸ ﻐﻞ اﻟﻌﺒﺪ ﺑﻐﻴﺮ ﺣﺐ اﷲ ورﺳﻮﻟﻪ ،وهﺬا اﻻﻧﺸﻐﺎل اﻟﺴﺎﻣﻲ، ﻳﺠﻌﻠ ﻪ ﻋﺒ ﺪًا ﺟ ﺪﻳﺮًا ﺑﻌﻤ ﺎرة اﻷرض ،وإﺻ ﻼح ﻣ ﺎ أﻓﺴﺪﻩ ﺣﺐ اﻟﻤﺎل ،واﻟﺤﺮص ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺎﻩ ،واﻟﺠﻬ ﺎد ﻓ ﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ "
١٢٥
ﻗ ﺎل اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ " :ه ﺬا اﻟﻜ ﻼم ﻋﻠﻴ ﻚ ﻻ ﻟ ﻚ، ﻓﺎﻟﻘﺸ ﻴﺮي ﻟﻤ ﺎ رأى أﺗﺒﺎﻋ ﻪ ﻳﻀ ﻠﻮن اﻟﻄﺮﻳ ﻖ ،ﻗ ﺎم ﻋﻠ ﻴﻬﻢ ﻟﻴﺼ ﻠﺤﻬﻢ .ﻓﻤ ﺎذا ﻓﻌ ﻞ ﺷ ﻴﻮخ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ﻓ ﻲ زﻣﺎﻧﻨﺎ؟ إﻧﻤﺎ أرﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ أن ﻳﺴ ﻴﺮوا ﻋﻠ ﻰ ﺳ ﻨﺔ ه ﺬا اﻟﺴ ﻠﻒ اﻟﻌﻈ ﻴﻢ ﻣ ﻦ زه ﺎد اﻟﺼ ﺤﺎﺑﺔ واﻟﺘ ﺎﺑﻌﻴﻦ وﺗﺎﺑﻌﻴﻬﻢ ﺑﺈﺣﺴﺎن .إﻧﻲ أﻗﺪر ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻔﻌﻞ ذﻟﻚ وأراﻩ ﻣﻦ أﺋﻤ ﺔ اﻟ ﺪﻳﻦ .أﻣ ﺎ اﻻﺑﺘ ﺪاع وإدﺧ ﺎل أﻓﻜ ﺎر اﻟ ﻮﺛﻨﻴﻴﻦ ﻣ ﻦ ﻣﺘﻔﻠﺴ ﻔﺔ ﻳﻮﻧ ﺎن وﺑﻮذﻳ ﺔ اﻟﻬﻨ ﺪ ،آﺎدﻋ ﺎء اﻟﺤﻠ ﻮل واﻻﺗﺤﺎد ووﺣ ﺪة اﻟﻮﺟ ﻮد ،وﻧﺤ ﻮ ذﻟ ﻚ ﻣﻤ ﺎ ﻳ ﺪﻋﻮ إﻟﻴ ﻪ ﺻﺎﺣﺒﻚ هﻮ اﻟﻜﻔﺮ اﻟﻤﺒﻴﻦ " ﻗﺎل اﺑﻦ ﻋﻄﺎء اﷲ " :اﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ آﺎن أآﺒﺮ ﻓﻘﻬﺎء اﻟﻈﺎهﺮ ﺑﻌﺪ اﺑﻦ ﺣﺰم اﻟﻔﻘﻴ ﻪ اﻷﻧﺪﻟﺴ ﻲ اﻟﻤﻘ ﺮب إﻟ ﻴﻜﻢ ﻳ ﺎ ﻣﻌﺸ ﺮ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠ ﺔ .آ ﺎن اﺑ ﻦ ﻋﺮﺑ ﻲ ﻇﺎهﺮﻳًﺎ ﻓﻲ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻳﺴﻠﻚ إﻟﻰ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻃﺮﻳ ﻖ اﻟﺒ ﺎﻃﻦ ،أي ﺗﻄﻬﻴ ﺮ اﻟﺒ ﺎﻃﻦ ! . .وﻟ ﻴﺲ آ ﻞ أه ﻞ اﻟﺒﺎﻃﻦ ﺳﻮاء ! . .وﻟﻜﻴﻼ ﺗﻀ ﻞ أو ﺗﻨﺴ ﻰ ،أﻋ ﺪ ﻗ ﺮاءة اﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ ﺑﻔﻬﻢ ﺟﺪﻳ ﺪ ﻟﺮﻣ ﻮزﻩ وإﻳﺤﺎءاﺗ ﻪ ،ﺗﺠ ﺪﻩ ﻣﺜ ﻞ اﻟﻘﺸﻴﺮي ﻗﺪ اﺗﺨﺬ ﻃﺮﻳﻘﻪ اﻟﺘﺼﻮف ﻓﻲ ﻇ ﻞ ﻇﻠﻴ ﻞ ﻣ ﻦ
١٢٦
اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﺔ .إﻧﻪ ﻣﺜﻞ ﺣﺠﺔ اﻹﺳﻼم اﻟﺸﻴﺦ اﻟﻐﺰاﻟﻲ، ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻼﻓﺎت اﻟﻤﺬهﺒﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﺎﺋ ﺪ واﻟﻌﺒ ﺎدات، ﻻ ﺑﻤ ﺎ ﻻ ﺟ ﺪوى ﻣﻨ ﻪ ،وﻳ ﺪﻋﻮ إﻟ ﻰ أن وﻳﻌﺘﺒﺮهﺎ اﻧﺸﻐﺎ ً ﺗﻜﻮن ﻣﺤﺒ ﺔ اﷲ ه ﻰ ﻃﺮﻳﻘ ﺔ اﻟﻌﺒ ﺪ ﻓ ﻲ اﻹﻳﻤ ﺎن .ﻓﻤ ﺎذا ﺗﻨﻜﺮ ﻣﻦ هﺬا ﻳﺎ ﻓﻘﻴﻪ؟ أم أﻧﻚ ﺗﺤﺐ اﻟﺠﺪل اﻟﺬي ﻳﻤ ﺰق أهﻞ اﻟﻔﻘﻪ ) :آﻠﻤﺎ ﺟ ﺎء رﺟ ﻞ أﺟ ﺪل ﻣ ﻦ رﺟ ﻞ ،ﻧﻘ ﺺ اﻟ ﺪﻳﻦ( .ﻗ ﺎل اﻟﻐﺰاﻟ ﻲ ) :اﻋﻠ ﻢ أن اﻟﺴ ﺎﻋﻲ إﻟ ﻰ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻴﻨﺎل ﻗﺮﺑﻪ هﻮ اﻟﻘﻠﺐ دون اﻟﺒ ﺪن ،وﻟﺴ ﺖ أﻋﻨ ﻲ ﺑﺎﻟﻘﻠﺐ اﻟﻠﺤ ﻢ اﻟﻤﺤﺴ ﻮس ،ﺑ ﻞ ه ﻮ ﺳ ﺮ ﻣ ﻦ أﺳ ﺮار اﷲ ﻋﺰ وﺟ ﻞ ﻻ ﻳﺪرآ ﻪ اﻟﺤ ﺲ( إن أه ﻞ اﻟﺴ ﻨﺔ ه ﻢ اﻟ ﺬﻳﻦ ﻟﻘﺒ ﻮا اﻟﻐﺰاﻟ ﻲ – ﺷ ﻴﺦ اﻟﻤﺘﺼ ﻮﻓﺔ – ﺑﺤﺠ ﺔ اﻹﺳ ﻼم، وﻻ ﻣﻌﻘ ﺐ ﻋﻠ ﻰ ﺁراﺋ ﻪ ،ﻓﻘ ﺪ ﻏ ﺎﻟﻲ ﺑﻌﻀ ﻬﻢ ﻓ ﻲ ﺗﻘ ﺪﻳﺮ آﺘﺎﺑﻪ إﺣﻴﺎء ﻋﻠﻮم اﻟﺪﻳﻦ ﻓﻘﺎل " :آﺎد ﻹﺣﻴﺎء أن ﻳﻜ ﻮن ﻗﺮﺁﻧ ﺎ " . .إن أداء اﻟﺘﻜ ﺎﻟﻴﻒ اﻟﺸ ﺮﻋﻴﺔ ﻓ ﻲ رأي اﺑ ﻦ ﻋﺮﺑ ﻲ واﺑ ﻦ اﻟﻔ ﺎرض ،ﻋﺒ ﺎدة ﻣﺤﺮاﺑﻬ ﺎ اﻟﺒ ﺎﻃﻦ ،ﻻ ﺷ ﻌﺎﺋﺮ ﻇﺎهﺮﻳ ﺔ . .ﻓﻤ ﺎ ﺟ ﺪوى ﻗﻴﺎﻣ ﻚ وﻗﻌ ﻮدك ﻓ ﻲ اﻟﺼ ﻼة إذا آﻨ ﺖ ﻣﺸ ﻐﻮل اﻟﻘﻠ ﺐ ﺑﻐﻴ ﺮ اﷲ؟! ..ﻣ ﺪح اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰأﻗﻮاﻣًﺎ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ :واﻟﺬﻳﻦ هﻢ ﻓﻲ ﺻﻼﺗﻬﻢ
١٢٧
ﺧﺎﺷﻌﻮن ،وذم أﻗﻮاﻣًﺎ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ :واﻟ ﺬﻳﻦ ه ﻢ ﻓ ﻲ ﺻﻼﺗﻬﻢ ﺳﺎهﻮن .وهﺬا هﻮ اﻟ ﺬي ﻳﻌﻨﻴ ﻪ اﺑ ﻦ ﻋﺮﺑ ﻲ ﺑﻘﻮﻟ ﻪ :ان اﻟﺘﻌﺒ ﺪ ﻣﺤﺮاﺑ ﺔ اﻟﻘﻠ ﺐ أي اﻟﺒ ﺎﻃﻦ ،ﻻ اﻟﻈ ﺎهﺮ ! . .إن اﻟﻤﺴ ﻠﻢ ﻻ ﻳﺴ ﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺼ ﻞ إﻟ ﻰ إدراك ﻋﻠﻢ اﻟﻴﻘﻴﻦ وﻋﻴﻦ اﻟﻘﻴﻦ ،إﻻ إذا أﻓ ﺮغ ﻗﻠﺒ ﻪ ﻣﻤ ﺎ ﻳﺸ ﻮش ﻋﻠﻴ ﻪ ﻣ ﻦ أﻃﻤ ﺎع اﻟﺤﻴ ﺎة اﻟ ﺪﻧﻴﺎ ،ورآ ﺰ ﻓ ﻲ اﻟﺘﺄﻣ ﻞ اﻟﺒ ﺎﻃﻨﻲ ،ﻓﻐﻤﺮﺗ ﻪ ﻓﻴ ﻮض اﻟﺤﻘﻴﻘ ﺔ .وﻣ ﻦ هﻨ ﺎ ﺗﻨﺒ ﻊ ﻗﻮﺗ ﻪ .ﻓﺎﻟﺼ ﻮﻓﻲ اﻟﺤ ﻖ ﻟ ﻴﺲ ه ﻮ اﻟ ﺬي ﻳﺴ ﺘﺠﺪي ﻗﻮﺗ ﻪ ،وﻳﺘﻜﻔ ﻒ اﻟﻨ ﺎس ،إﻧﻤ ﺎ ه ﻮ ﻟﺼ ﺎدق اﻟ ﺬي ﻳﻬ ﺐ روﺣﻪ وﻗﻠﺒﻪ ،وﻳﻔﻨﻰ ﻓﻲ اﷲ ﺑﻄﺎﻋﺔ اﷲ ،وﻣﻦ هﻨﺎ ﺗﻨﺒﻊ ﻗﻮﺗﻪ ،ﻓﻼ ﻳﺨﺎف ﻏﻴﺮ اﷲ . .وﻟﻌﻞ اﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ ﻗ ﺪ أﺛ ﺎر ﺑﻌﺾ اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻷﻧ ﻪ أزرى ﻋﻠ ﻰ اهﺘﻤ ﺎﻣﻬﻢ ﺑﺎﻟﺠ ﺪل ﻓ ﻲ اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ،ﻣﻤﺎ ﻳﺸﻮش ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺎء اﻟﻘﻠ ﺐ ،ﺛ ﻢ ﻓ ﻲ ﻓ ﺮوع اﻟﻔﻘ ﻪ واﻓﺘﺮاﺿ ﺎﺗﻪ ﻓﺄﺳ ﻤﺎهﻢ ﻓﻘﻬ ﺎء اﻟﺤ ﻴﺾ وأﻋﻴ ﺬك ﺑﺎﷲ أن ﺗﻜﻮن ﻣﻨﻬﻢ. . أﻟ ﻢ ﺗﻘ ﺮأ ﻗ ﻮل اﺑ ﻦ ﻋﺮﺑ ﻲ ) :ﻣ ﻦ ﻳﺒﻨ ﻲ إﻳﻤﺎﻧ ﻪ ﺑ ﺎﻟﺒﺮاهﻴﻦ واﻻﺳ ﺘﺪﻻﻻت ،ﻻ ﻳﻤﻜ ﻦ اﻟﻮﺛ ﻮق ﺑﺈﻳﻤﺎﻧ ﻪ، ﻓﻬ ﻮ ﻳﺘ ﺄﺛﺮ ﺑﺎﻻﻋﺘﺮاﺿ ﺎت .ﻓ ﺎﻟﻴﻘﻴﻦ ﻻ ﻳﺴ ﺘﻨﺒﻂ ﺑﺄدﻟ ﺔ
١٢٨
اﻟﻌﻘ ﻞ إﻧﻤ ﺎ ﻳﻐﺘ ﺮف ﻣ ﻦ أﻋﻤ ﺎق اﻟﻘﻠ ﺐ( .أﻟ ﻢ ﺗﻘ ﺮأ ه ﺬا اﻟﻜﻼم اﻟﺼﺎﻓﻲ اﻟﻌﺬب ﻗﻂ؟! " ﻗ ﺎل اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ) :أﺣﺴ ﻨﺖ واﷲ ..إن آ ﺎن ﺻﺎﺣﺒﻚ آﻤﺎ ﺗﻘﻮل ﻓﻬﻮ أﺑﻌﺪ اﻟﻨ ﺎس ﻋ ﻦ اﻟﻜﻔ ﺮ ،وﻟﻜ ﻦ آﻼﻣﻪ ﻻ ﻳﺤﻤﻞ هﺬﻩ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ( ﻗﺎل اﺑﻦ ﻋﻄ ﺎء اﷲ " :إن ﻟ ﻪ ﻟﻐ ﺔ ﺧﺎﺻ ﺔ ،وه ﻲ ﻣﻠﻴﺌ ﺔ ﺑﺎﻹﺷ ﺎرات واﻟﺮﻣ ﻮز واﻹﻳﺤ ﺎءات واﻷﺳ ﺮار واﻟﺸ ﻄﺤﺎت . .وﻟﻜ ﻦ ﻓﻠﻨﺸ ﺘﻐﻞ ﺑﻤ ﺎ ه ﻮ أﺟ ﺪى ،ﺑﻤ ﺎ ﻳﺤﻘ ﻖ ﻣﺼ ﻠﺤﺔ اﻷﻣ ﺔ .ﻓﻠﻨﺸ ﺘﻐﻞ ﺑ ﺪﻓﻊ اﻟﻈﻠ ﻢ ،وﺣﻤﺎﻳ ﺔ اﻟﻌ ﺪل اﻟﻤﻨﺘﻬ ﻚ ..أرأﻳ ﺖ ﻣ ﺎ ﻓﻌﻠ ﻪ اﻟﻔﺎﺳ ﻘﺎن ﺑﺒﻴ ﺮس وﺳ ﻼر ﺑﺎﻟﺮﻋﻴ ﺔ ،ﻣﻨ ﺬ ﺧﻠ ﻊ اﻟﻨﺎﺻ ﺮ ﻧﻔﺴ ﻪ ،ﻓ ﺎﻧﻔﺮدا ﺑ ﺎﻟﺤﻜﻢ؟! واﻵن ﻋ ﺎد اﻟﺴ ﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻ ﺮ ،وه ﻮ ﻳ ﺆﺛﺮك ﻋﻠ ﻰ آ ﻞ اﻟﻔﻘﻬ ﺎء ،وﻳﺴ ﻤﻊ ﻟ ﻚ .ﻓﺄﺳ ﺮع إﻟﻴ ﻪ واﻧﺼ ﺢ ﻟﻪ. . ٭٭٭ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ،ﺟﺎء أﺣﺪ اﻷﻣﺮاء ﻣﻦ رﺟﺎل اﻟﻘﺼﺮ اﻟﺴ ﻠﻄﺎﻧﻲ ،ﻳ ﺪﻋﻮ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ إﻟ ﻰ ﻣﻘﺎﺑﻠ ﺔ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن. واﺳﺘﻔﺴﺮ ﻣﻨﻪ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻋﻤ ﺎ ﺟ ﺮى ﻟﻠﺴ ﻠﻄﺎن ،ﻓ ﺮوى ﻟ ﻪ
١٢٩
اﻷﻣﻴﺮ آﻞ ﺷ ﻲء :ﻟﻘ ﺪ أراد اﻷﻣﻴ ﺮان ﺳ ﻼر وﺑﻴﺒ ﺮس أن ﻳﺜﺒﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ،ﻓﻴﻘ ﺘﻼﻩ ،وﻟﻜ ﻦ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن أﺣ ﺲ اﻟﻤﻜﻴ ﺪة .ﻓ ﺄﻋﻠﻦ أﻧ ﻪ ذاه ﺐ إﻟ ﻰ اﻟﺤ ﺞ ﺑﻜ ﻞ أهﻠ ﻪ وﻣﻤﺎﻟﻴﻜﻪ .وﺟﻬﺰ ﻟﻪ اﻷﻣﻴﺮان ﻣﻮآﺒﺎ ﺿ ﺨﻤًﺎ ﻳﺼ ﺤﺒﻪ، وﻣﺌﻮﻧﺔ اﻟﺤ ﺞ ،ﻳﺤﻤﻠﻬ ﺎ ﺧﻤﺴ ﻤﺎﺋﺔ ﻣ ﻦ اﻹﺑ ﻞ ،وﻗ ﺪم ﻟ ﻪ اﻷﻣﺮاء هﺪاﻳﺎ ﻧﻔﻴﺴﺔ ﻧﺎدرة . وﻋﻨ ﺪﻣﺎ ﺑﻠ ﻎ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻣﺪﻳﻨ ﺔ اﻟﻜ ﺮك ،ﻟﺠ ﺄ إﻟ ﻰ ﻗﻠﻌﺘﻬ ﺎ ،ﻓﺄﻗ ﺎم ﺑﻬ ﺎ ه ﻮ وأهﻠ ﻪ وﻣﻤﺎﻟﻴﻜ ﻪ ،وأﻋﻠ ﻦ أﻧ ﻪ ﺗﻨ ﺎزل ﻋ ﻦ اﻟﻤﻠ ﻚ ،ورد ﺷ ﺎرات اﻟﺴ ﻠﻄﻨﺔ ،ورد ﻣﻌﻬ ﺎ اﻹﺑ ﻞ ﺑﻤ ﺎ ﺣﻤﻠ ﺖ ،وﻃﻠ ﺐ أن ﻳﻌ ﻮد آ ﻞ ه ﺬا ﻟﺒﻴ ﺖ اﻟﻤ ﺎل ،ورد ه ﺪاﻳﺎ اﻷﻣ ﺮاء وﻃﻠ ﺐ أن ﺗﻌ ﺎد إﻟ ﻰ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ. . وﻟﻜﻦ اﻷﻣﻴﺮﻳﻦ ﺳﻼر وﺑﻴﺒﺮس ،اﺳﺘﻮﻟﻴﺎ ﻋﻠﻰ آﻞ ﻣﺎ ردﻩ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،وﺣﻴﻦ ﻃﺎﻟﺐ اﻷﻣﺮاء ﺑﺎﻟﻬﺪاﻳﺎ ،أﻏﻠﻆ ﻟﻬﻢ ﺑﻴﺒﺮس ،وﺗﻮﻋﺪهﻢ ،وﻟﻢ ﻳﺮد ﺷﻴﺌًﺎ! . . ورﺷﺢ ﺳﻼر ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻟﺘﻮﻟﻲ اﻟﻤﻠﻚ ،وﻟﻜﻨ ﻪ ﻗﺎم ﻓﺒﺎﻳﻊ ﺑﻴﺒﺮس ،وﺁﺛﺮ أن ﻳﻈﻞ ﻧﺎﺋﺒًﺎ ﻟﻠﺴ ﻠﻄﺎن . .ذﻟ ﻚ أن ﺳ ﻼر ﺑﺪهﺎﺋ ﻪ رأى أﻧ ﻪ ﻟ ﻦ ﻳﻜﺴ ﺐ ﻣ ﻦ ﻣﻨﺼ ﺐ
١٣٠
اﻟﻤﻠ ﻚ ،إﻻ اﻟﻘﻠ ﻖ ﻋﻠ ﻰ ﺣﻴﺎﺗ ﻪ ﻣ ﻦ دﺳ ﺎﺋﺲ اﻷﻣ ﺮاء اﻵﺧ ﺮﻳﻦ ،وأﻧ ﻪ ﺳﻴﺨﺴ ﺮ ﺗﺠﺎرﺗ ﻪ ﺑﺎﻟﻤﺴ ﺎآﻦ اﻟﺘ ﻲ ﻳﺆﺟﺮه ﺎ ﻷه ﻞ اﻟﻔﺴ ﺎد ،وﻧﺼ ﻴﺒﻪ ﻣ ﻦ ﺳ ﺎﺋﺮ اﻟﺘﺠ ﺎر، اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﺘﻤﺪون ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ رﻓﻊ اﻷﺳﻌﺎر . وﻟﻤ ﺎ ﺑﻮﻳ ﻊ ﺑﻴﺒ ﺮس ،ﻧﺎزﻋ ﻪ ﺑﻌ ﺾ اﻷﻣ ﺮاء ﻓ ﻲ ﻣﺼ ﺮ ﺣﻘ ﻪ ﻓ ﻲ اﻟﺴ ﻠﻄﻨﺔ ،ورﻓ ﺾ اﻟﺒﻴﻌ ﺔ ﻟ ﻪ أآﺜ ﺮ اﻷﻣﺮاء ﻣﻦ وﻻة اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ ﻓﻲ دﻳﺎر ﻣﺼ ﺮ ودﻳ ﺎر اﻟﺸ ﺎم ﻻ ﻃﺎﺋﻠ ﺔ ﻧﻬﺒﻬ ﺎ ﻣ ﻦ ﺑﻴ ﺖ اﻟﻤ ﺎل، ﻓﺄﻏ ﺪق ﻋﻠ ﻴﻬﻢ أﻣ ﻮا ً وﻗﺎﻣ ﺖ ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟﻌﺎﻣ ﺔ ﺗﺮﻓﻀ ﻪ وﺗﻬﺘ ﻒ ﺑﺤﻴ ﺎة اﻟﺴ ﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻ ﺮ وﻓ ﻲ ﻣﻘﺪﻣ ﺔ ه ﺆﻻء ﻃ ﻼب اﻟﻌﻠ ﻢ ،وﺷ ﺒﺎب اﻟﻌﻠﻤﺎء ،واﻟﺼﺎﻟﺤﻮن ﻣﻨﻬﻢ. . وﺑﻄ ﺶ ﺑﻴﺒ ﺮس ﺑﻤﻌﺎرﺿ ﻴﻪ ،وأﻃﻠ ﻖ ﻋﻠ ﻴﻬﻢ ﻋﺼ ﺎﺑﺔ ﺳ ﻼر ﻣ ﻦ اﻟﺸ ﻄﺎر واﻟﺤ ﺮاﻓﻴﺶ ،اﻟﺒﻐﺎﻳ ﺎ، واﻟﻔﺘ ﺎك ،واﻟﻘ ﻮادﻳﻦ ،واﻟﻤﺨﻨﺜ ﻴﻦ ،ﻳﻨﻬﺒ ﻮن أﻣ ﻮاﻟﻬﻢ، وﻳﺸﻨﻌﻮن ﻋﻠﻴﻬﻢ ! ..واﺷﺘﺪ ﻏﻀﺐ اﻷﻣﺮاء واﻟﻌﺎﻣﺔ . أﻣﺎ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﺄﻟﻘﻮا اﻟﺤﺠ ﺎرة ﻋﻠ ﻰ ﻣﻮآ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن اﻟﺠﺪﻳ ﺪ ﺑﻴﺒ ﺮس ،وﻧﺎﺋﺒ ﻪ ﺳ ﻼر ،وواﺟﻬﻮهﻤ ﺎ ﺑﺎﻟﻬﺘ ﺎف
١٣١
ﻟﻠﺴ ﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻ ﺮ .وأﻣ ﺎ اﻷﻣ ﺮاء ،ﻓﻘ ﺪ ﺗﺮآ ﻮا ﻣﺼ ﺮ، واﻧﺤﺎزوا إﻟﻰ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﺑﺎﻟﻜﺮك . واﻟﻨﺎﺻ ﺮ ﻳﺮﺳ ﻞ ﻟﺒﻴﺒ ﺮس و ﺳ ﻼر ،ﻣﺘﻈ ﺎهﺮًا ﺑﺎﻟﺨﻀﻮع واﻟﻄﺎﻋﺔ ،وﺷﺎع أن اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺳﻴﺘﺤﺮك إﻟﻰ ﻻ اﻟﻘﺎهﺮة ﻟﻴﺴﺘﺮد اﻟﻤﻠﻚ ،ﻓﺄرﺳ ﻞ ﺑﻴﺒ ﺮس وﺳ ﻼر رﺟ ﺎ ً ﻋﺮﺑ ﺪوا ﻋﻠ ﻰ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ،وأه ﺎﻧﻮﻩ ،وأﻧ ﺬروﻩ أن ﻳ ﺮد اﻷﻣﺮاء اﻟﻬﺎرﺑﻴﻦ ،وﺳﺎﺋﺮ ﻣﻤﺎﻟﻴﻜﻪ ،وﻣﺎ ﻋﻨﺪﻩ ﻣﻦ ﺧﻴﻞ وﺳﻼح ،وإﻻ ﻗﻴﺪوﻩ ،وﻧﻔﻮﻩ إﻟﻰ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ! . . ﻓ ﺮد ﻋﻠ ﻴﻬﻢ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻ ﺮ ردًا أﻇﻬ ﺮ ﻓﻴ ﻪ اﻟﻤﻮاﻓﻘﺔ ،وﻃﻠﺐ ﻣﻬﻠﺔ ﻟﺘﻨﻔﻴﺬ اﻷواﻣﺮ اﻟﺴﻠﻄﺎﻧﻴﺔ . ﺛ ﻢ أرﺳ ﻞ إﻟ ﻰ اﻷﻣ ﺮاء ﻣ ﻦ وﻻة أﻗ ﺎﻟﻴﻢ اﻟﺸ ﺎم وﻣﺼﺮ رﺳﺎﻟﺔ ﻗﺎل ﻓﻴﻬﺎ " :ﻟﻤﺎ اﺷﺘﺪ ﻋﻠ ﻲ اﻟﻀ ﻨﻚ ﻣ ﻦ اﻷﻣ ﺮاء ،ﺧﺮﺟ ﺖ ﻣ ﻦ ﻣﺼ ﺮ ،وﺗﺮآ ﺖ ﻟﻬ ﻢ اﻟﻤﻠ ﻚ، ورﺿ ﻴﺖ ﻣ ﻦ اﻟ ﺪﻧﻴﺎ ﺑ ﺄﺣﻘﺮ اﻟﻤﺴ ﺎآﻦ ،وأﺿ ﻴﻖ اﻷﻣ ﺎآﻦ ،ﻟﻴﺴ ﺘﺮﻳﺢ ﺧ ﺎﻃﺮي ﻣ ﻦ اﻟﻨﻜ ﺪ ،ﻓﻤ ﺎ ﺗﺮاﺟﻌ ﻮا ﻋﻨﻲ ،وأرﺳﻞ ﺑﻴﺒﺮس ﻳﻬﺪدﻧﻲ ﺑﺎﻟﻨﻔﻲ ،وﻳﻄﻠﺐ ﻣﻨﻲ ﻣﺎ ﻻ أﻗ ﺪر ﻋﻠﻴ ﻪ .وأﻧ ﺘﻢ ﺗﻌﻠﻤ ﻮن ﻣ ﺎ ﻟﻮاﻟ ﺪي اﻟﻤﻠ ﻚ
١٣٢
اﻟﻤﻨﺼ ﻮر ﻋﻠ ﻴﻜﻢ ﻣ ﻦ اﻟﻌﺘ ﻖ واﻟﺘﺮﺑﻴ ﺔ ،وﻣ ﺎ أﻇ ﻨﻜﻢ ﺗﺮﺿﻮن ﻟﻲ ﺑﻬﺬﻩ اﻟﺤﺎل " ﻓﺄﺟ ﺎﺑﻮﻩ ﺑ ﺄﻧﻬﻢ ﻣﻤﺎﻟ ﻚ أﺑﻴ ﻪ ،وه ﻢ ﻃ ﻮع أﻣ ﺮﻩ إن أراد أن ﻳﺴﺘﺮد اﻟﻤﻠﻚ . وﺧ ﺮج اﻟﺴ ﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻ ﺮ إﻟ ﻰ دﻣﺸ ﻖ ﺑﺄهﻠ ﻪ، وﻣﻤﺎﻟﻴﻜ ﻪ ،وﻣ ﻦ اﻧﻀ ﻢ إﻟﻴ ﻪ ﻣ ﻦ اﻷﻣ ﺮاء ،ﻓﻬ ﺮع إﻟﻴ ﻪ ﻧﺎﺋﺒﻪ ﻋﻠﻰ دﻣﺸﻖ ﻟﻪ ﻳﻘﺪم اﻟﻮﻻء واﻻﻋﺘﺬار ﻋﻤ ﺎ ﺳ ﻠﻒ ﻣﻨﻪ ﻣﻦ ﺑﻴﻌﺘﻪ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن ﺑﻴﺒﺮس! .. . وﻋﻠ ﻢ اﻟﻨ ﺎس أن اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻗ ﺪ ﺗﺤ ﺮك ﻓ ﻲ اﺗﺠ ﺎﻩ اﻟﻘ ﺎهﺮة ،وآﻠﻤ ﺎ ﻣ ﺮ ﺑﻮﻻﻳ ﺔ ،اﻧﻀ ﻢ إﻟﻴ ﻪ أﻣﻴﺮه ﺎ ،ﻓﻘ ﺎم أه ﻞ اﻟﻘ ﺎهﺮة ﻳﺴ ﺒﻮن ﺑﻴﺒ ﺮس ،ﻓﻨﺜ ﺮ ﻋﻠ ﻴﻬﻢ اﻟ ﺬهﺐ، وﻟﻜ ﻨﻬﻢ ﻟ ﻢ ﻳﺤﻔﻠ ﻮا ﺑ ﻪ ،وﻟ ﻢ ﻳ ﻨﺤﻦ أﺣ ﺪ ﻻﻟﺘﻘ ﺎط ﻗﻄﻌ ﺔ ذهﺒﻴﺔ ! وﺟﻦ ﺟﻨﻮن ﺑﻴﺒﺮس ،واﺗﻬ ﻢ ﺳ ﻼر ﺑﺎﻟﺘ ﺂﻣﺮ ﻋﻠﻴ ﻪ، ﻓ ﺄﻣﺮ ﺑﻤﻬﺎﺟﻤ ﺔ ﺑﻴ ﻮت اﻟﻔﺴ ﺎد اﻟﺘ ﻲ ﻳﻤﻠﻜﻬ ﺎ ﺳ ﻼر، واﻧﻘ ﺾ ﺟﻨ ﻮد ﺑﻴﺒ ﺮس ﻋﻠ ﻰ ه ﺬﻩ اﻟﺒﻴ ﻮت ﻓﻨﻬﺒ ﻮا ﻣ ﺎ ﻓﻴﻬﺎ ،وﺿﺮﺑﻮا ﻧﺴﺎءهﺎ وﻏﻠﻤﺎﻧﻬ ﺎ وﻗﻮادﻳﻬ ﺎ ،واﺳ ﺘﻮﻟﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻤﻮر واﻟﺤﺸﻴﺶ. .
١٣٣
واﻧﺘﻬﺰ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس اﻟﻔﺮﺻﺔ ،ﻓ ﺪﻟﻮا ﻋﻠ ﻰ ﺑﻴ ﻮت ﺧﺼ ﻮﻣﻬﻢ ،زاﻋﻤ ﻴﻦ أﻧﻬ ﺎ ﻣ ﻦ ﺑﻴ ﻮت اﻟﻔﺴ ﺎد اﻟﺘ ﻲ ﻳﺆﺟﺮه ﺎ ﺳ ﻼر ،ﻓﻬ ﺎﺟﻢ رﺟﺎﻟ ﻪ آﺜﻴ ﺮًا ﻣ ﻦ اﻟﺒﻴ ﻮت ﻓﺴ ﺮﻗﻮا ،واﻧﺘﻬﻜ ﻮا اﻟﺤﺮﻣ ﺎت ،ﻣﻤ ﺎ ﺿ ﺎﻋﻒ اﻟﺴ ﺨﻂ ﻋﻠﻰ ﺑﻴﺒﺮس . وﺟﺎء اﻟﻨﻴ ﻞ ﻣﻨﺨﻔﻀ ًﺎ ،ﻓﺸ ﺤﺖ اﻷﻗ ﻮات ،وارﺗﻔ ﻊ ﺳﻌﺮ اﻟﻘﻤﺢ واﻟﻠﺤﻢ واﻟﺨﻀﺮ ،وﺑﺎﻟﻎ اﻟﺘﺠﺎر اﻟﻜﺒﺎر ﻣ ﻦ ﺷﺮآﺎء ﺳﻼر ﻓﻲ رﻓﻊ اﻷﺳﻌﺎر ،وأهﻤﻞ ﻋﻤﺎل اﻟﻨﻈﺎﻓﺔ ﺷ ﻮارع اﻟﻘ ﺎهﺮة ،ﻓﺎﻧﺘﺸ ﺮت اﻟﺤﺸ ﺮات اﻟﺴ ﺎﻣﺔ، واﻟﻔﻴ ﺮان ،وﺟ ﺎء وﺑ ﺎء ،ﻓﺮﻓ ﻊ اﻟﺘﺠ ﺎر أﺳ ﻌﺎر اﻟ ﺪواء، وﺷ ﺎﻋﺖ اﻟﺮﺷ ﻮة ،وﺧ ﺮج اﻟﻨ ﺎس ﻳﺤﻤﻠ ﻮن أآﻔ ﺎﻧﻬﻢ، وﺗﺠﻤﻌ ﻮا أﻣ ﺎم اﻟﻘﺼ ﺮ اﻟﺴ ﻠﻄﺎﻧﻲ ﺑﻘﻠﻌ ﺔ اﻟﺠﺒ ﻞ، ﻳﻄﺎﻟﺒﻮن ﺑﻴﺒﺮس ﺑﺮد ﻣ ﺎ ﻧﻬﺒ ﻪ ﻣ ﻦ ﺑﻴ ﺖ اﻟﻤ ﺎل ،وﺗ ﺮك اﻟﻤﻠ ﻚ ﻟﻠﺴ ﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻ ﺮ ،اﻟ ﺬي اﻗﺘ ﺮن ﻋﻬ ﺪﻩ ﺑﺎﻟﺮﺧ ﺎء واﻷﻣﻦ! . . ﻻ آﺜﻴ ﺮًا، وﻻذ ﺑﻴﺒ ﺮس ﺑﺎﻟﺨﻠﻴﻔ ﺔ ،وﺣﻤ ﻞ إﻟﻴ ﻪ ﻣ ﺎ ً وﺑﻌﺾ اﻟﺠﻮاري اﻟﺤﺴﺎن واﻟﻐﻠﻤﺎن .
١٣٤
آﺎن اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻗﺪ ﺷﻐﻞ ﺑﻤﻠﺬاﺗﻪ ،ﻳﻘﻀﻲ ﻟﻴﻠﺔ ﺳﻜﺮان ﻣﺨ ﺪرًا ،ﻣﺴ ﺘﻤﻌًﺎ ﺑﻤ ﺎ أﻏﺮﻗ ﻪ ﻓﻴ ﻪ ﺳ ﻼر وﺑﻴﺒ ﺮس ﻣ ﻦ ﻣﺘ ﺎع .. ! ..واﻗ ﺘﺤﻢ ﺑﻴﺒ ﺮس ﻣﺨ ﺪع اﻟﺨﻠﻴﻔ ﺔ ﻓ ﻲ ذﻟ ﻚ اﻟﻨﻬﺎر ﻓﻮﺟﺪﻩ ﻧﺎﺋﻤًﺎ ،ﻓﺄﻳﻘﻈﻪ ،ﻓﻌﻘﺪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ وهﻮ ﻧﺼ ﻒ ﻧﺎﺋﻢ ﻣﺠﻠﺴ ًﺎ ﻣ ﻦ اﻟﻘﻀ ﺎة اﻷرﺑﻌ ﺔ ،وﻣ ﻦ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء اﻟ ﺬﻳﻦ ﻗﺒﻠ ﻮا دﻋﻮﺗ ﻪ ،واﻷﻣ ﺮاء اﻟﻘﻼﺋ ﻞ اﻟ ﺬﻳﻦ اﺻ ﻄﻨﻌﻬﻢ ﺑﻴﺒﺮس وأﻏﺮﻗﻬﻢ ﺑﺎﻷﻣﻮال . وﻃ ﺎﻟﺒﻬﻢ اﻟﺨﻠﻴﻔ ﺔ أن ﻳﺠ ﺪدوا اﻟﺒﻴﻌ ﺔ ﻟﻠﺴ ﻠﻄﺎن ﺑﻴﺒﺮس ،ﻓﺒ ﺎﻳﻌﻮﻩ وأﻓﺘ ﻰ اﻟﻘﻀ ﺎة اﻷرﺑﻌ ﺔ وﻣ ﻦ ﺣﻀ ﺮ اﻟﻤﺠﻠ ﺲ ﻣ ﻦ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء ،أن اﻟﻨﺎﺻ ﺮ ﻣﺤﻤ ﺪ ﺑ ﻦ ﻗ ﻼوون ﺧ ﺮج ﻋﻠ ﻰ إﺟﻤ ﺎع اﻷﻣ ﺔ ،وأﺛ ﺎر ﻓﻴﻬ ﺎ اﻟﻔﺘﻨ ﺔ ،ﻓﻴﺠ ﺐ ﻗﺘﻠﻪ ﺷﺮﻋًﺎ .وأﺻﺪر اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺑﻴﺎﻧًﺎ إﻟﻰ أﻣﺮاء اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ وﻋﺴﻜﺮهﻢ وﻋﺎﻣﺘﻬﻢ ،أﻋﻠﻨﻬﻢ ﻓﻴﻪ " أن ﻃﺎﻋﺔ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﺑﻴﺒ ﺮس واﺟﺒ ﺔ ﻋﻠ ﻴﻬﻢ ،ﻟﺪﻳﻨ ﻪ ،وﺑ ﺬﻟﻚ أﻓﺘ ﻰ اﻟﻘﻀ ﺎة اﻷرﺑﻌﺔ ،ﻓﻤﻦ ﻋﺼﺎﻩ ﻓﻘﺪ ﻋﺼﺎﻧﻲ ،وﻣﻦ ﻋﺼ ﺎﻧﻲ ﻓﻘ ﺪ ﻋﺼ ﻰ أﺑ ﺎ اﻟﻘﺎﺳ ﻢ اﺑ ﻦ ﻋﻤ ﻲ .وﺑﻠﻐﻨ ﻲ أن اﻟﻤﻠ ﻚ اﻟﻨﺎﺻ ﺮ ﺑ ﻦ اﻟﻤﻠ ﻚ اﻟﻤﻨﺼ ﻮر ﺷ ﻖ اﻟﻌﺼ ﺎ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ ،وﻓ ﺮق آﻠﻤ ﺘﻬﻢ ،وﺷ ﺘﺖ ﺷ ﻤﻠﻬﻢ ،وأﻃﻤ ﻊ
١٣٥
ﻋﺪوهﻢ ،وﻋﺮض اﻟﺒﻼد اﻟﺸﺎﻣﻴﺔ واﻟﻤﺼﺮﻳﺔ إﻟ ﻰ ﺳ ﺒﻰ اﻟﺤ ﺮﻳﻢ واﻷوﻻد وﺳ ﻔﻚ اﻟ ﺪﻣﺎء . .وأﻧ ﺎ ﺧ ﺎرج إﻟﻴ ﻪ وﻣﺤﺎرﺑﺘ ﻪ ،إن اﺳ ﺘﻤﺮ ﻋﻠ ﻰ ذﻟ ﻚ ،ﻷدﻓ ﻊ ﻋ ﻦ ﺣ ﺮﻳﻢ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ وأﻧﻔﺴﻬﻢ وأوﻻهﻢ هﺬا اﻷﻣﺮ اﻟﻌﻈﻴﻢ ،وأﻗﺎﺗﻠ ﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻔﻲء إﻟﻰ أﻣﺮ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،وﻗ ﺪ أوﺟﺒ ﺖ ﻳ ﺎ ﻣﻌﺸ ﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ اﻟﺨﺮوج ﺗﺤﺖ ﻟﻮاﺋﻲ ،وهﻮ اﻟﻠﻮاء اﻟﺸ ﺮﻳﻒ، وﻗ ﺪ أﺟﻤ ﻊ اﻟﻘﻀ ﺎة اﻷرﺑﻌ ﺔ واﻟﻌﻠﻤ ﺎء واﻟﻔﻘﻬ ﺎء ﻋﻠ ﻰ وﺟ ﻮب دﻓﻌ ﻪ وﻗﺘﺎﻟ ﻪ إن اﺳ ﺘﻤﺮ ﻋﻠ ﻰ ذﻟ ﻚ ،وأﻧ ﺎ ﻣﺴﺘﺼ ﺤﺐ ﻣﻌ ﻲ ﻟ ﺬﻟﻚ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن اﻟﻤﻈﻔ ﺮ رآ ﻦ اﻟ ﺪﻳﻦ ﺑﻴﺒﺮس ،ﻓﺠﻬﺰوا أرواﺣﻜﻢ " . ﻋ ﺎد اﻟﺨﻠﻴﻔ ﺔ إﻟ ﻰ ﻣﺨﺪﻋ ﻪ ﻟﻴﻜﻤ ﻞ ﻧﻮﻣ ﻪ ،وﺧ ﺮج اﻟﻘﻀ ﺎة اﻷرﺑﻌ ﺔ وﻣ ﻦ ﺣﻀ ﺮ ﻣﻌﻬ ﻢ ﻣ ﻦ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء واﻟﻔﻘﻬﺎء ،ﻟﻴﺬﻳﻌﻮا هﺬا اﻟﺒﻴﺎن ﻣﻦ ﻓﻮق ﻣﻨ ﺎﺑﺮ اﻟﻤﺴ ﺎﺟﺪ، ﻓﻠﻤ ﺎ وﺻ ﻠﻮا إﻟ ﻰ ذآ ﺮ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻ ﺮ ،دوت اﻟﻤﺴ ﺎﺟﺪ ﺑﺎﻟﻬﺘﺎﻓ ﺎت " :ﻳ ﺎ ﻧﺎﺻ ﺮ ﻳ ﺎ ﻣﻨﺼ ﻮر . .ﻻ ﺳ ﻠﻄﺎن إﻻ اﻟﻨﺎﺻ ﺮ ﻣﺤﻤ ﺪ اﺑ ﻦ ﻗ ﻼوون .اﷲ ﻳﺨ ﻮن اﻟﺨ ﺎﺋﻦ " . .ﻓﺄﺻ ﺪر ﺑﻴﺒ ﺮس أﻣ ﺮﻩ ﺑﻤﻨ ﻊ ﻗ ﺮاءة ﺑﻴ ﺎن اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ،وﻣﻀﻰ ﻳﺠﻬﺰ ﺟﻴﺸًﺎ ﻳﻘ ﻮدﻩ اﻟﺨﻠﻴﻔ ﺔ ،ﻟﻠﺨ ﺮوج
١٣٦
إﻟﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻﺮ ،ﻏﻴﺮ أن أﻣ ﺮاء اﻟﺠ ﻴﺶ اﻣﺘﻨﻌ ﻮا ﻋﻠﻴﻪ ،ورﻓﻀﻮا ﻣﺤﺎرﺑﺔ اﻟﻨﺎﺻﺮ!! واﺳ ﺘﺪﻋﻰ ﺑﻴﺒ ﺮس ﻧﺎﺋ ﺐ ﺳ ﻼر ،وﻣ ﻦ ﺑﻘ ﻲ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻮﻻء ﻣ ﻦ أﻣ ﺮاء اﻟﻤﻤﺎﻟﻴ ﻚ ،واﻟﻘﻀ ﺎة اﻷرﺑﻌ ﺔ ﻓﺄﺷ ﺎر ﺳﻼر ﻋﻠﻰ ﺑﻴﺒﺮس أن ﻳﺘﻨﺤﻰ ﻋﻦ اﻟﻤﻠﻚ ،وﻳﺮﺳﻞ إﻟ ﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻣﻌﺘ ﺬرًا ،ﻣﻠﺘﻤﺴ ًﺎ ﺗﻌﻴﻴﻨ ﻪ ﻓ ﻲ ﻣﻨﺼ ﺐ ﺧ ﺎرج ﻣﺼ ﺮ .وواﻓ ﻖ اﻷﻣ ﺮاء ﻋﻠ ﻰ اﻗﺘ ﺮاح ﺳ ﻼر، ﻓ ﺄﻋﻠﻦ ﺑﻴﺒ ﺮس أﻧ ﻪ ﻳﺨﻠ ﻊ ﻧﻔﺴ ﻪ ﻋ ﻦ اﻟﻤﻠ ﻚ ،وﺳ ﻴﺘﻮﻟﻰ اﻷﻣﻴ ﺮ ﺳ ﻼر اﻟﻤﻠ ﻚ ،ﺣﺘ ﻰ ﻳﻌ ﻮد اﻟﺴ ﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻ ﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻗﻼوون . وﻋ ﺎد اﻟﺴ ﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻ ﺮ إﻟ ﻰ اﻟﻘ ﺎهﺮة ،ﻓﺨ ﺮج أهﻠﻬ ﺎ ﺟﻤﻴﻌ ًﺎ ﻳﻌﻠﻨ ﻮن اﻟﻔﺮﺣ ﺔ ﺑﻤﻘﺪﻣ ﻪ ﺣﺘ ﻰ اﻟﻨﺴ ﺎء واﻷﻃﻔ ﺎل ،وﺟ ﺎء أه ﻞ اﻟﻘ ﺮى ﻳﺸ ﺎرآﻮن ﻓ ﻲ اﻟﻔﺮﺣ ﺔ ﺑ ﺰوال اﻟﻜ ﺎﺑﻮس ،وﻋ ﻮدة اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ،ﻓﺒ ﺎﻟﻎ أﺻ ﺤﺎب اﻟﺤﺎﻧﺎت وﺑﻴ ﻮت اﻟﻜ ﺮاء ﻓ ﻲ رﻓ ﻊ اﻷﺳ ﻌﺎر ،وﺗﻘﺎﺿ ﻰ أﺻﺤﺎب اﻟﺤﻮاﻧﻴﺖ اﻟﺘﻲ ﻳﻤ ﺮ ﺑﻬ ﺎ اﻟﻤﻮآ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎﻧﻲ، أﺟ ﺮة ﻣﻤ ﻦ ﻳﻘﻔ ﻮن أﻣ ﺎم ﺣ ﻮاﻧﻴﺘﻬﻢ ﻟﻠﺘﺮﺣﻴ ﺐ ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺎن ! !
١٣٧
أﻣ ﺎ ﺑﻴﺒ ﺮس ،ﻓﻘ ﺪ ﺧ ﺮج ﺑﺄهﻠ ﻪ وﻣﻤﺎﻟﻴﻜ ﻪ ﻣ ﻦ اﻟﻘ ﺎهﺮة ،ﺑﻌ ﺪ أن اﺳ ﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠ ﻰ ﻣ ﺎ اﺳ ﺘﻄﺎع ﻣ ﻦ ﺑﻴ ﺖ اﻟﻤ ﺎل ،ﻏﻴ ﺮ أن اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻟ ﻢ ﻳﻜ ﺪ ﻳﺴ ﺘﻘﺮ ﻓ ﻲ ﻗﺼ ﺮﻩ، ﺣﺘ ﻰ أﻣ ﺮ ﺑ ﺎﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠ ﻰ ﺑﻴﺒ ﺮس ،واﺳ ﺘﺮداد آ ﻞ ﻣ ﺎ ﻧﻬﺒ ﻪ ﻣ ﻦ ﺑﻴ ﺖ اﻟﻤ ﺎل .وأرﺳ ﻞ إﻟ ﻰ اﻟﻘﻀ ﺎة اﻷرﺑﻌ ﺔ واﻟﻔﻘﻬ ﺎء اﻟ ﺬﻳﻦ ﺗ ﺎﺑﻌﻮا ﺑﻴﺒ ﺮس ﺳ ﻠﻄﺎﻧﺎ ﻳﺴ ﺘﻔﺘﻴﻬﻢ ﻓ ﻲ أﻣﺮﻩ ،ﻓﺄﻓﺘﻮا ﺑﻘﺘﻠﻪ هﻮ وﺳ ﻼر ! ﻓﻜﻼهﻤ ﺎ ﻃﻐ ﻰ وﺑﻐ ﻰ ﻓ ﻲ اﻷرض ،وأآﺜ ﺮ ﻓﻴﻬ ﺎ اﻟﻔﺴ ﺎد .ﻓﻮﺟ ﺐ ﻗﺘﻠ ﻪ ﺷﺮﻋًﺎ !.. وﺟﺎء ﺑﻴﺒﺮس ﻓ ﻲ اﻷﺻ ﻔﺎد ،ﻓ ﺎرﺗﻤﻰ ﻋﻠ ﻰ ﻗ ﺪﻣﻲ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻳﻘﺒﻠﻬﻤ ﺎ ،وﻳﺘﻌﻄﻔ ﻪ .ﻓ ﺄﻣﺮﻩ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﺑ ﺄن ﻳﻨﻬﺾ ،ﻓﻮﻗﻒ ﻣﺮﺗﻌﺪًا ،ﻓﺄﻣﺮﻩ ﺑﺎﻟﺠﻠﻮس . وأﺧﺬ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻳﺬآﺮﻩ ﺑﻤ ﺎ اﻗﺘﺮﻓ ﻪ ﻓ ﻲ ﺣ ﻖ اﻟﻨ ﺎس وﺣﻖ اﻟﺴﻠﻄﻨﺔ .. وﺻ ﺎر ﻳﻌ ﺪد ﻟ ﻪ " :أﺗ ﺬآﺮ ﻳ ﻮم ﺻ ﺤﺖ ﻋﻠ ﻲ ﺑﺴ ﺒﺐ ﻓ ﻼن؟ ورددت ﺷ ﻔﺎﻋﺘﻲ ﻓ ﻲ ﺣ ﻖ ﻓ ﻼن؟ وﻳ ﻮم ﻣﻨﻌﺖ ﻋﻨﻲ ﺑﻌﺾ ﻣﺎ ﻃﻠﺒﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﺎل؟ وﻳﻮم ﺣﺮﻣﺘﻨﻲ اﻟﺴﻜﺮ واﻟﺤﻠﻮى واﻟﻠﻮز؟ "
١٣٨
ﻓﺄﺟﺎب ﺑﻴﺒﺮس " :ﻳﺎ ﻣﻮﻻي .آﻞ ﻣﺎ ﻗﻠﺘ ﻪ ﻓﻌﻠﺘ ﻪ، وﻟ ﻢ ﻳﺒ ﻖ إﻻ ﻣ ﺮاﺣﻢ ﻣﻮﻻﻧ ﺎ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ،واﻳ ﺶ ﻳﻘ ﻮل اﻟﻤﻤﻠﻮك ﻷﺳﺘﺎذﻩ؟ " ﻓﻘﺎل اﻟﻨﺎﺻﺮ " :أﻧﺎ اﻟﻴ ﻮم أﺳ ﺘﺎذك ،وأﻣ ﺲ آﻨ ﺖ ﺗﻘ ﻮل ﻟ ﻲ ﻋﻨ ﺪﻣﺎ ﻃﻠﺒ ﺖ أوزًا ﻣﺸ ﻮﻳًﺎ " :اﻳ ﺶ ﻳﻌﻤ ﻞ ﺑﺎﻟﻮز .هﻮ اﻷآﻞ ﻋﺸﺮون ﻣﺮة ﺑﺎﻟﻴﻮم " وأﻣﺮ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﺈﻋﺪاﻣﻪ ﺧﻨﻘًﺎ . أﻣ ﺎ ﺳ ﻼر ،ﻓﻘ ﺪ اﻟ ﺘﻤﺲ ﻣ ﻦ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن أن ﻳﻌﻴﻨ ﻪ أﻣﻴﺮًا ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻮﺑﻚ ،ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ. . وﺳ ﺎﻓﺮ اﻟﺮﺟ ﻞ ،ﻏﻴ ﺮ أن اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﺳ ﻤﻊ ﻋ ﻦ ﺗﺠﺎرﺗﻪ اﻟﺸ ﺎﺋﻨﺔ ،وﻋﻤ ﺎ ﻧﻬﺒ ﻪ ﻣ ﻦ ﺑﻴ ﺖ اﻟﻤ ﺎل ،ﻓﺄرﺳ ﻞ ﻓ ﻲ أﺛ ﺮﻩ ﻣ ﻦ ﻳ ﺮدﻩ ﻣﻘﺒﻮﺿ ًﺎ ﻋﻠﻴ ﻪ ،وﻳﺼ ﺎدر ﺛﺮوﺗ ﻪ ﻼ ﻣﺤﻤﻠ ﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ﻣﻌﻪ ،ﻓﺠﺎءوا ﺑﻨﺤﻮ ﺧﻤﺴ ﻴﻦ ﺟﻤ ً ﺑﺎﻟ ﺬهﺐ واﻟﺠ ﻮاهﺮ واﻟ ﺪﻧﺎﻧﻴﺮ ،واﻷﻗﻤﺸ ﺔ اﻟﻤﺤ ﻼة ﺑﺎﻷﺣﺠ ﺎر اﻟﻜﺮﻳﻤ ﺔ .وأﻟﻘ ﺎﻩ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻓ ﻲ اﻟﺴ ﺠﻦ ﺑ ﻼ ﻃﻌ ﺎم أو ﺷ ﺮاب . .ﺣﺘ ﻰ إذا ﻋﺬﺑ ﻪ اﻟﺠ ﻮع واﻟﻌﻄ ﺶ ﺑﻌﺪ أﻳﺎم ،أﻣﺮ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻓﻘ ﺪﻣﻮا إﻟﻴ ﻪ أواﻧ ﻲ ﺛﻼﺛ ًﺎ ،ﻓﻠﻤ ﺎ آﺸﻔﻬﺎ ﻓﻲ ﻟﻬﻔﺔ ﻟﻴﺄآﻞ وﻳﺸﺮب ،وﺟﺪ ﻓﻲ إﺣﺪاهﺎ ذهﺒًﺎ،
١٣٩
وﻓ ﻲ اﻟﺜﺎﻧﻴ ﺔ ﻓﻀ ﺔ ،وﻓ ﻲ اﻟﺜﺎﻟﺜ ﺔ ﺟ ﻮاهﺮ ! ..ﻓﻬﻠ ﻚ ﻏﻤًﺎ ،وﺟﻮﻋًﺎ وﻋﻄﺸًﺎ. . وﺟ ﺎء اﻟﺨﻠﻴﻔ ﺔ ﻓﻠ ﻢ ﻳﺴ ﺘﻘﺒﻠﻪ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ،وأﺑﻘ ﺎﻩ ﻓ ﻲ ﻼ ،ﻓﻠﻤ ﺎ دﺧ ﻞ ﻳﻬﻨ ﺊ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ،ﻗ ﺒﺾ اﻻﻧﺘﻈ ﺎر ﻃ ﻮﻳ ً ﻳﺪﻩ ،وﻗﺎل " :آﻴﻒ ﺗﺴﻠﻢ ﻋﻠ ﻰ ﺧ ﺎرﺟﻲ؟ ..ه ﻞ آﻨ ﺖ ﺧﺎرﺟﻴ ًﺎ وﺑﻴﺒ ﺮس ﻣ ﻦ ﺳ ﻼﻟﺔ اﻟﻌﺒ ﺎس؟ " وﻋﻨﻔ ﻪ ﻋﻠ ﻰ ﻓﺴ ﻘﻪ وﻓﺠ ﻮرﻩ ،ﺛ ﻢ أﺻ ﺪر ﻗ ﺮارًا ﺑﺨﻠﻌ ﻪ وﺳ ﺠﻨﻪ ﻓ ﻲ ﺟﺐ اﻟﻘﻠﻌﺔ ،ﺛﻢ ﻧﻔﺎﻩ إﻟﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻗ ﻮص ﺑﺄﻗﺼ ﻰ اﻟﺼ ﻌﻴﺪ ﺣﻴﺚ أﻟﻘﻰ ﻓﻲ ﺳﺠﻨﻬﺎ ! .. أﻣ ﺎ اﻟﻘﻀ ﺎة واﻟﻌﻠﻤ ﺎء اﻟ ﺬﻳﻦ ﺑ ﺎﻳﻌﻮا ﺑﻴﺒ ﺮس ﻓﻘ ﺪ ﺟﺎءوﻩ ﻣﻬﻨﺌﻴﻦ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻘﺒﻞ ﻣﻨﻬﻢ اﻟﺘﻬﻨﺌﺔ ،وﻗﺎل ﻟﺸﻴﺨﻬﻢ : " ﻳﺎ ﻗﺎﺿ ﻲ ،أﻧ ﺖ ﺗﻔﺘ ﻲ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ ﺑﻘﺘ ﺎﻟﻲ؟ " ﻓﻘ ﺎل " : ﻣﻌﺎذ اﷲ أن ﺗﻜﻮن اﻟﻔﺘ ﻮى آ ﺬﻟﻚ !.إﻧﻤ ﺎ اﻟﻔﺘ ﻮى ﻋﻠ ﻰ ﻗﺪر آﻼم اﻟﻤﺴﺘﻔﺘﻲ " ﻓﺼﺮﻓﻬﻢ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻓﻲ ﻏﻠﻈﺔ ،وأﻣﺮهﻢ أن ﻳﻠﺰﻣﻮا ﻗﺼ ﻮرهﻢ اﻟﺘ ﻲ اﻗﺘﻨﻮه ﺎ ﺑﻤ ﻨﺢ ﺑﻴﺒ ﺮس وﺳ ﻼر ﻋﻠ ﻰ ﺧﻠﺠﺎن اﻟﻘﺎهﺮة وﺑﺤﻴﺮاﺗﻬﺎ وﺣﺪاﺋﻘﻬﺎ . .وﻗﺎل ﻟﻬ ﻢ إﻧﻬ ﻢ اﺷﺘﺮوا هﺬﻩ اﻟﻘﺼﻮر ﺑﻤﺎل ﺣﺮام ،ﻓﻼ ﺣﻖ ﻟﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ !
١٤٠
وﻗ ﺮر اﻟﺴ ﻠﻄﺎن أن ﻳﻘ ﺘﻠﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌ ًﺎ ،وﻟﻜﻨ ﻪ اﻧﺘﻈ ﺮ ﻓ ﻴﻬﻢ رأى اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ،وآﻠﻬ ﻢ ﻣ ﻦ ﺧﺼ ﻮم اﻟﺸ ﻴﺦ، اﺗﻬﻤﻮﻩ ﺑﺎﻟﻜﻔﺮ ،وﺁذوﻩ وﺣﺮﺿﻮا ﺑﻴﺒ ﺮس وﺳ ﻼر ﻋﻠ ﻰ ﻗﺘﻠ ﻪ ،وآ ﺎﻧﻮا ﻳﻐ ﺮون ﺑ ﻪ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻ ﺮ ﻧﻔﺴ ﻪ ﻣ ﻦ ﻗﺒﻞ! . . ٭٭٭ ﺗﻮاﻟ ﺖ اﻟ ﺪﻗﺎت اﻟﺤ ﺬرة ،ﻋﻠ ﻰ ﺑ ﺎب اﻟﺸ ﻴﺦ ﺗﻘ ﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ،ﻗﺒ ﻞ اﻟﻔﺠ ﺮ ..وإذا ﺑﺎﻟﻘﻀ ﺎة اﻷرﺑﻌ ﺔ، وﻣﻌﻬ ﻢ ﺑﻌ ﺾ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء ﻳﻘﻔ ﻮن ﻣﺘﻬ ﺎﻟﻜﻴﻦ أﻣ ﺎم ﺑ ﺎب اﻟﺸﻴﺦ! . . وأآﺮﻣﻬﻢ اﻟﺸﻴﺦ ﺑﻤﺎ وﺳﻌﻪ ،وﺑﺎدروﻩ ﺑﺎﻻﻋﺘ ﺬار، واﻋﺘﺮﻓ ﻮا ﻟ ﻪ أن ﺗﻌﺼ ﺒﻬﻢ ﻋﻠﻴ ﻪ ،ﺣﻤﻠﻬ ﻢ ﻋﻠ ﻰ اﻟﺴ ﻌﻲ ﻓﻲ ﻗﺘﻠﻪ ،وأن ﻣﺎ ﻧﺎﻟﻪ ﻣﻦ أذى ،ﻓﻬﻮ ﺑﻤﺎ ﻋﻤﻠﺖ أﻳﺪﻳﻬﻢ، وﺳ ﺄﻟﻮﻩ اﻟﺼ ﻔﺢ واﻟﻌﻔ ﻮ اﻟﺠﻤﻴ ﻞ ،واﻟﺸ ﻔﺎﻋﺔ ﻟﻬ ﻢ ﻋﻨ ﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،ﻓﻬﻮ ﻟﻮ أﺧﺬهﻢ ﺑﻤﺎ ﻋﻤﻠﻮا ،ﻟﻮﺟﺪ ﻓ ﻲ اﻟﺸ ﺮع ﻣﺎ ﻳﺒﻴﺢ ﻟﻪ ﻗﺘﻠﻬﻢ ،أو ﺑﺎﻟﻘﻠﻴﻞ ﺳﺠﻨﻬﻢ ! . .وﻣﺼﺎدرة ﻣ ﺎ ﻳﻤﻠﻜﻮن !
١٤١
وﻗﺎل ﻟﻪ اﻟﻤﻨﺒﺠ ﻲ " :وأﻧ ﺎ واﷲ ﻟ ﻦ أﺧﺎﻟﻔ ﻚ أﺑ ﺪًا، وﺣﺘ ﻰ رأﻳ ﻚ ﻓ ﻲ ﺷ ﻴﺨﻨﺎ اﺑ ﻦ ﻋﺮﺑ ﻲ أﻗﺴ ﻢ ﺑ ﺎﷲ أن أﺳﻜﺖ ﻋﻨﻪ ،وأن أﻓﻜﺮ ﻓﻴﻪ " ﻓﻘ ﺎل اﻟﺸ ﻴﺦ ﻣﺒﺘﺴ ﻤًﺎ " :اﺑ ﻦ ﻋﺮﺑ ﻲ ه ﻮ أﻗ ﺮب أه ﻞ اﻻﺗﺤ ﺎد واﻟﺤﻠ ﻮل إﻟ ﻰ اﻹﻳﻤ ﺎن ..ﻓﻬ ﻮن ﻋﻠﻴ ﻚ، وﻟ ﻚ رأﻳ ﻚ ﻓ ﻼ ﺗﻌ ﺪل ﻋﻨ ﻪ ﺧﻮﻓ ًﺎ أو ﻃﻤﻌ ًﺎ .وأﻣ ﺎ أﻧ ﺘﻢ ﺟﻤﻴﻌ ًﺎ ﻓ ﺎﻋﻠﻤﻮا أﺻ ﻠﺤﻜﻢ اﷲ ،أن آ ﻞ ﻣ ﻦ ﺳ ﻌﻰ ﻓ ﻲ ﻗﺘﻠﻲ أو ﺁذاﻧﻲ ﻓﻬﻮ ﻓﻲ ﺣﻞ ﻣﻦ ﺟﻬﺘﻲ " ﻓﻜﺒ ﺮوا ،وﻗ ﺎم ﺑﻌﻀ ﻬﻢ ﻓﻘﺒ ﻞ ﻳ ﺪﻩ .ﺛ ﻢ اﻧﺼ ﺮﻓﻮا ﺷﺎآﺮﻳﻦ. . ٭٭٭ ﻟ ﻢ ﻳﻜ ﺪ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻳﻘﺼ ﺪ إﻟ ﻰ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻓ ﻲ ﻗﺎﻋ ﺔ ﻋﺮﺷ ﻪ ،ﺣﺘ ﻰ ه ﺐ ﻻﺳ ﺘﻘﺒﺎﻟﻪ ،ﻓﺘﻠﻘ ﺎﻩ ﺑﺎﻟﻌﻨ ﺎق ﻋﻠ ﻰ ﻣﺪﺧﻞ اﻟﻘﺎﻋﺔ ،وﻗﺒ ﻞ ﻳ ﺪﻩ .وﻟ ﻢ ﻳﻔﻠ ﺢ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻓ ﻲ ﺳ ﺤﺐ ﻼ " :أﻧ ﺎ ﻟ ﻢ ﻳﺪﻩ ،ﻓﻘ ﺪ أﺻ ﺮ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻋﻠ ﻰ ﺗﻘﺒﻴﻠﻬ ﺎ ﻗ ﺎﺋ ً أﻗﺒﻞ ﻳﺪ أﺣ ﺪ إﻻ اﺑ ﻦ دﻗﻴ ﻖ اﻟﻌﻴ ﺪ رﺣﻤ ﻪ اﷲ ،وﻳ ﺪك ﻳ ﺎ ﺷ ﻴﺦ اﻹﺳ ﻼم أﻣ ﺪ اﷲ ﻓ ﻲ ﻋﻤ ﺮك ،وﻧﻔﻌﻨ ﺎ ﺑ ﺪﻋﺎﺋﻚ وﻧﺼ ﺤﻚ ! . .ﻟﻤ ﻦ ﻣ ﻦ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء ﻳﻨﺤﻨ ﻲ اﻟﻤﻠ ﻮك إن ﻟ ﻢ
١٤٢
ﻳﻜ ﻦ ﻷﻣﺜﺎﻟ ﻪ وأﻣﺜﺎﻟ ﻚ .أﺗﻌ ﺮف ﻳ ﺎ ﺷ ﻴﺦ .ﺟ ﺎءﻧﻲ أﺣ ﺪ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء ﻓﺤ ﺎول أن ﻳﻘﺒ ﻞ اﻷرض ﺑ ﻴﻦ ﻗ ﺪﻣﻲ ﻓﺼ ﺤﺖ ﻓﻴ ﻪ " :ﻟ ﻴﺲ ه ﺬا ﻟﻠﻌﻠﻤ ﺎء :أه ﻞ اﻟﻌﻠ ﻢ ﻣﻨﺰه ﻮن ﻋ ﻦ هﺬا . .إﻧﻤﺎ ﻳﻨﺤﻨﻲ ﻟﻜﻢ اﻟﻤﻠﻮك ،ﻓﻤﺎ ﻧﻬﺾ ﺣﺘﻰ رآﻠﺘ ﻪ ﺑﻌﻴﺪًا " ﻓﻘ ﺎل اﻟﺸ ﻴﺦ " :أﺻ ﻠﺢ اﷲ أﺣ ﻮال اﻟﺮاﻋ ﻲ واﻟﺮﻋﻴ ﺔ . .اﻟﻌﻠﻤ ﺎء ورﺛ ﺔ اﻷﻧﺒﻴ ﺎء ،آﻤ ﺎ ﺟ ﺎء ﻓ ﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺼﺤﻴﺢ " ﻗﺎل اﻟﺴﻠﻄﺎن " :ﻗﻞ ﻟﻲ ﻳﺎ ﻣﻮﻻﻧ ﺎ ﺷ ﻴﺦ اﻹﺳ ﻼم. ﻟﻘ ﺪ ﺻ ﺢ ﻋﻨ ﺪي أن اﻟﺸ ﺮع ﻳﺤ ﺘﻢ ﻋﻠ ﻲ ﻗﺘ ﻞ ه ﺆﻻء اﻟﻘﻀﺎة واﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟ ﺬﻳﻦ ﺟ ﺪدوا اﻟﺒﻴﻌ ﺔ ﻟﺒﻴﺒ ﺮس اﻟﻔﺎﺳ ﻖ اﻟﻤﻔﺴﺪ وزﻋﻤﻮا أﻧﻬﻢ ﻳﺠ ﺪدون ﺑﻴﻌﺘ ﻪ ﻟﺼ ﻼﺣﻪ ودﻳﻨ ﻪ، وأﻓﺘ ﻮا ﺑ ﺄﻧﻲ ﺧ ﺎرﺟﻲ ﻳﺠ ﺐ ﻗﺘﻠ ﻪ ،وﻟﻘ ﺪ هﻤﻤ ﺖ ﺑ ﺄن أﺻﺪر اﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،وإﻋﺎدة أﻣﻼآﻬﻢ وﻗﺼ ﻮرهﻢ إﻟ ﻰ ﺑﻴ ﺖ اﻟﻤ ﺎل .ﻓﻘ ﺪ ﻣﻠﻜﻮه ﺎ ﻣ ﻦ اﻷﻣ ﻮال اﻟﺘ ﻲ أﻏ ﺪﻗﻬﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﻴﺒﺮس وﺳ ﻼر ،وه ﻲ أﻣ ﻮال ﻣﻨﻬﻮﺑ ﺔ ﻣ ﻦ ﻣ ﺎل اﷲ اﻟ ﺬي اﺳ ﺘﺨﻠﻔﻨﺎ ﻓﻴ ﻪ ﻹﺻ ﻼح أﻣ ﻮر اﻟﺮﻋﻴ ﺔ. . وﻟﻜﻨﻲ اﻧﺘﻈﺮت ،وأﻣﺮﺗﻬﻢ ﺑﺎﻟﺘﺰام دورهﻢ وﻗﺼﻮرهﻢ.
١٤٣
ﺣﺘ ﻰ ﻳﻄﻤ ﺌﻦ ﻗﻠﺒ ﻲ ﺑﻤ ﺎ ﺗﻔﺘ ﻲ ﺑ ﻪ ،وﻟﻜ ﻦ ﻓﻜ ﺮ ﻗﺒ ﻞ أن ﺗﺼﺪر ﻓﺘ ﻮاك ،ﻓ ﻲ أﻣ ﺮ ﻣ ﺎ ﻳﻤﻠ ﻚ ه ﺆﻻء اﻟﺸ ﻴﻮخ ﻣ ﻦ إﻣ ﺎء ،ﻓﻘ ﺪ ﺳ ﻤﻌﺖ أن ﺑﻌﻀ ﻬﻦ ﺣﻮاﻣ ﻞ ،ﻓﻤ ﺎ ﺣﻜ ﻢ اﻟﺸﺮع ﻓﻴﻬﻦ؟! " ﻓﻘﺎل اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ " :أﺻ ﻠﺢ اﷲ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ،وأﺻ ﻠﺢ ﺑﻪ أﺣﻮال اﻟﺮﻋﻴ ﺔ ،ﻗ ﺪ واﷲ أﺣﺴ ﻨﺖ أن ﺳ ﻜﺖ ﻋﻠ ﻴﻬﻢ، ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ﻣﻘﺪﻣﻲ وﻓﺘﻮاي ﻓﻴﻬﻢ .ﻓﺎﻟﻔﺘﻮى ،أﻧﻪ ﻻ ﻳﺤ ﻞ ﻗﺘﻠﻬﻢ ﻓﻌﺴﺎهﻢ آﺎﻧﻮا ﻣﻜﺮهﻴﻦ ﻓﻲ ﺗﺠﺪﻳ ﺪ ﺑﻴﻌ ﺔ ﺑﻴﺒ ﺮس، وﻓ ﻲ إﻓﺘ ﺎﺋﻬﻢ ﺑﻤﺤﺎرﺑﺘ ﻚ .وﺧ ﻮف اﻟﺤ ﺎآﻢ اﻟﺒ ﺎﻃﺶ اﻟﻔﺎﺳ ﺪ ،ﺑ ﺎب ﻣ ﻦ أﺑ ﻮاب اﻹآ ﺮاﻩ .وﻻ ﻣﺴ ﺌﻮﻟﻴﺔ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻤﻜﺮﻩ .واﻟﻌﻔﻮ ﻋﻨﻬﻢ أﺣﺮى ﺑﻚ .واﷲ ﻏﻔﻮر رﺣﻴﻢ " ﻓﻘﺎل اﻟﺴﻠﻄﺎن " :أأﻧﺖ ﺗﻔﺘﻲ ﺑﻬﺬا؟ ..آﻴﻒ؟ إﻧﻬﻢ ﻗ ﺪ ﺁذوك وأرادوا ﻗﺘﻠ ﻚ ﻣ ﺮارًا؟ " ﻗ ﺎل اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ " : ﻣﻦ ﺁذاﻧﻲ ﻓﻬﻮ ﻓﻲ ﺣ ﻞ ﻣﻨ ﻲ ،وﻣ ﻦ ﺁذى اﷲ ورﺳ ﻮﻟﻪ، ﻓﺎﷲ ﻳﻨﺘﻘﻢ ﻣﻨﻪ ،وأﻧﺎ ﻻ أﻧﺘﺼﺮ ﻟﻨﻔﺴﻲ " ﻓﻘ ﺎل اﻟﺴ ﻠﻄﺎن " :أﻣ ﺎ أﻧ ﺎ ﻓﺄﻧﺘﺼ ﺮ ﻟﻨﻔﺴ ﻲ وﻟﺤﻘﻮق اﻟﻨﺎس .ﻣﺎذا ﻟﻮ أﻃﺎع اﻟﺠﻨﺪ ﻓﺘﻮاهﻢ ،وﺧﺮﺟﻮا ﻟﻘﺘﺎﻟﻲ .ﻣﺎ آﺎﻧﺖ ﻓﺘﻮاهﻢ ﺧﻮﻓًﺎ ،ﺑﻞ آﺎﻧﺖ ﻃﻤﻌًﺎ "
١٤٤
ﻓﻘﺎل اﻟﺸﻴﺦ " :ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ أﻣﺮهﻢ ،ﻓﺎﻟﻌﻔﻮ ﻣ ﻦ ﻣﺜﻠﻚ أﺣﺮى ،اﻧﻚ إن ﻗﺘﻠﺘﻬﻢ ،ﻓﻠﻦ ﺗﺠﺪ ﺑﻌﺪهﻢ ﻣﺜﻠﻬﻢ " وﻣﺎ زال اﻟﺸﻴﺦ ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺎن ﻳﺤﺎورﻩ ،ﺣﺘﻰ ﻟﻘ ﺪ آ ﺎد ﻳﺴﺘﻌﻄﻔﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﻔﻮ ﻋﻦ هﺆﻻء اﻟﻘﻀﺎة واﻟﻌﻠﻤﺎء . وأﺧﻴ ﺮًا ﻗ ﺎل اﻟﺴ ﻠﻄﺎن " :واﷲ ﻳ ﺎ ﺷ ﻴﺦ اﻹﺳ ﻼم إﻧﻲ ﻷﻋﺮف أﻧﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌًﺎ ﻳﺴﺘﺤﻘﻮن اﻟﺸﻨﻖ ﻋﻠﻰ أﺑ ﻮاب اﻟﻘ ﺎهﺮة ،وﻟﻜﻨ ﻲ أﻋﻔ ﻮ ﻋ ﻨﻬﻢ إرﺿ ﺎء ﻟ ﻚ ،واﺳ ﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﺸﻔﺎﻋﺘﻚ ،وإآﺮاﻣًﺎ ﻟﺨﺎﻃﺮك .ﻋﻠﻰ أن ﻟﻲ ﺷﺮﻃًﺎ :أن ﺗﻘﻴﻢ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺎهﺮة ،ﺗﻌﻠﻢ ﻓ ﻲ اﻟﻤ ﺪارس واﻟﺠﻮاﻣ ﻊ، وﺗﻜﻮن إﻟﻰ ﺟﻮاري ﻓﺘﻌﻈﻨﻲ .هﺪاﻧﻲ اﷲ ﺑﻚ " واﻓﻖ اﻟﺸﻴﺦ .وﺧﺮج ﻳﺤﻤﻞ ﺑﺸ ﺮى اﻟﻌﻔ ﻮ ﻟﻠﻘﻀ ﺎة واﻟﻌﻠﻤﺎء وﺣﺮص اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﻠ ﻰ أن ﻳ ﺬﻳﻊ ﻓ ﻲ اﻟﻨ ﺎس، أﻧﻪ ﻋﻔﺎ ﻋﻨﻬﻢ ،إﺟﺎﺑﺔ ﻟﻔﺘﻮى اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ وﺷﻔﺎﻋﺘﻪ . ﻣﻀ ﻰ ه ﺬا اﻟﻨﻔ ﺮ ﻣ ﻦ ﺧﺼ ﻮم اﻟﺸ ﻴﺦ ﻳﻠﻬﺠ ﻮن ﺑ ﺬآﺮﻩ ،وﻳﺜﻨ ﻮن ﻋﻠﻴ ﻪ ،وﻓ ﻲ ﻣﻘ ﺪﻣﺘﻬﻢ اﻟﻘﺎﺿ ﻲ اﺑ ﻦ ﻣﺨﻠﻮف . .ﻗﺎﻟﻮا " :ﻣﺎ رأﻳﻨﺎ ﻣﺜﻞ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ،ﺣﺮﺿ ﻨﺎ ﻋﻠ ﻰ ﻗﺘﻠ ﻪ ،وﺳ ﻌﻴﻨﺎ ﻓ ﻲ دﻣ ﻪ ،ﻓﻠ ﻢ ﻧﻘ ﺪر ،وﻗ ﺪر ﻋﻠﻴﻨ ﺎ ﻓﺼﻔﺢ وداﻓﻊ وﺣﺎج ﻋﻨﺎ "
١٤٥
٭٭٭ اﻧﺼﺮف اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﺘﺪرﻳﺲ ،واﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠ ﻰ ﻣ ﻦ ﻳﺴ ﺘﻔﺘﻮﻧﻪ ،وأرﺳ ﻞ إﻟ ﻲ دﻣﺸ ﻖ ﻳﻄﻠ ﺐ آ ﺮارﻳﺲ آﺘﺒ ﻪ ،ﻟﻴ ﺘﻢ اﻟﻜﺘﺎﺑ ﺔ ﻓ ﻲ ﻣﺼ ﺮ .ووﺟ ﺪ ﻓ ﻲ ﻣﻜﺘﺒ ﺎت اﻟﻘﺎهﺮة آﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻣﺮاﺟﻊ . آﺎن ﻗﻠﻴﻞ اﻟ ﺬهﺎب إﻟ ﻰ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ،وﻟﻜ ﻦ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن آ ﺎن ﻳ ﺪﻋﻮﻩ إﻟﻴ ﻪ ،إذا ﻏ ﺎب ﻋﻨ ﻪ أﻳﺎﻣ ًﺎ .وآ ﺎن ﻳﻨﺼ ﺢ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن ،ﻓﻴﺴﺘﺠﻴﺐ . وﺗﺤ ﺪث اﻟﺸ ﻴﺦ إﻟ ﻰ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻓ ﻲ آﺜﻴ ﺮ ﻣﻤ ﺎ ﻳﻨﻜ ﺮﻩ :ﻓﺎﻟﻨﺴ ﺎء ﻳ ﺬهﺒﻦ إﻟ ﻰ اﻟﻌ ﺮاﻓﻴﻦ ﻻﺳ ﺘﻄﻼع اﻟﻐﻴ ﺐ ،وآﺘﺎﺑ ﺔ اﻷﺣﺠﺒ ﺔ اﺳ ﺘﺒﻘﺎء ﻟﺤ ﺐ اﻷزواج، وﻟﻴ ﺮزﻗﻦ ﺑ ﺎﻷوﻻد .وآ ﺎن ه ﺆﻻء اﻟﻌﺮاﻓ ﻮن ﻳﺴ ﺘﻮﻟﻮن ﻋﻠ ﻰ أﻣ ﻮال آﺜﻴ ﺮة ﻣ ﻦ زاﺋ ﺮاﺗﻬﻢ ،وﻣ ﻨﻬﻢ ﻣ ﻦ آ ﺎن ﻳﻔﺴ ﻖ ﺑﻤ ﻦ ﺗﻄﺎوﻋ ﻪ . .وﻗ ﺪ اﺷ ﺘﻬﺮ أﻣ ﺮ ﻋﺮاﻓ ﺔ أﻟﻔ ﺖ أن ﺗﻐﻠﻖ اﻟﺒ ﺎب إذا ﻗﺼ ﺪﺗﻬﺎ اﻣ ﺮأة ﺟﻤﻴﻠ ﺔ ،ﻓﻠﻤ ﺎ ﻣﺎﺗ ﺖ ﻼ !. . هﺬﻩ اﻟﻌﺮاﻓﺔ ،اآﺘﺸﻔﻮا أﻧﻬﺎ آﺎﻧﺖ رﺟ ً واﻟﻨﺴ ﺎء ﻳ ﺬهﺒﻦ إﻟ ﻰ اﻟﻜﺘ ﺎب ،ﻟﻜﺘﺎﺑ ﺔ اﻟﺸ ﻜﺎوى واﻟﻤﻈ ﺎﻟﻢ ،وهﻨ ﺎك ﻳﻠﺘﻘ ﻮن ﺑﺎﻟﺮﺟ ﺎل ،وﻳﺘ ﺮﺑﺺ ﺑﻬ ﻦ
١٤٦
ﺑﻌ ﺾ اﻟﻐ ﺰﻟﻴﻦ ﻣ ﻦ اﻟﺸ ﺒﺎب ،ﻣﻤ ﺎ ﻳﻨﺸ ﺄ ﻋﻨ ﻪ ﻓﺴ ﺎد ﻋﺮﻳﺾ ! واﻟﻨﺴ ﺎء ﻳﺨ ﺮﺟﻦ إﻟ ﻰ اﻷﺳ ﻮاق ﻣﺘﺒﺮﺟ ﺎت، وﻳﺒ ﺎﻟﻐﻦ ﻓ ﻲ زﻳﻨ ﺘﻬﻦ ،ﻣﻤ ﺎ ﻳﻐ ﺮي اﻟﺮﺟ ﺎل ﺑ ﺎﻟﺘﻌﺮض ﻟﻬﻦ ! . .ﺛﻢ إﻧﻬﻦ ﻓﻲ ﻟﻴﺎﻟﻲ اﻷﻋﻴﺎد ﻳﺒﺘﻦ ﻓﻲ اﻟﻘﺒﻮر ! . وأﺻ ﺪر اﻟﺴ ﻠﻄﺎن أواﻣ ﺮﻩ ﺑﻤﻄ ﺎردة اﻟﻌ ﺮاﻓﻴﻦ وﺗﻌﺰﻳﺮهﻢ ،وآﺒﺲ ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ ،وﺗﻌﺰﻳﺰ أوﻟﻴ ﺎء ﻣ ﻦ ﻳﻜ ﻮن ﺑﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء :ﺁﺑﺎء آﺎﻧﻮا أم أزواﺟًﺎ ! ﻻ ﻳﺠﻠ ﺪون وﻳﺴ ﺠﻨﻮن، وﺷ ﻬﺪت اﻟﻘ ﺎهﺮة رﺟ ﺎ ً وﻳﻄ ﺎف ﺑﻬ ﻢ ﻣﻘﻠ ﻮﺑﻴﻦ ﻋﻠ ﻰ اﻟﺤﻤﻴ ﺮ ،ﻷن ﻧﺴ ﺎءهﻢ ﻳﺰرن اﻟﻌﺮاﻓﻴﻦ ! وﻣﻨ ﻊ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﺗ ﺮدد اﻟﻨﺴ ﺎء ﻋﻠ ﻰ اﻟﻜﺘ ﺎب وﺧ ﺮوﺟﻬﻦ إﻟ ﻰ اﻟﺸ ﻮارع ﺑﻐﻴ ﺮ ﻣﺤ ﺮم ،وﺧ ﺮوﺟﻬﻦ ﻣﺘﺒﺮﺟﺎت أو ﻣﺘﺰﻳﻨﺎت ،أو ﻳﺒﺘﻦ ﻓﻲ اﻟﻘﺒﻮر . وهﻜﺬا ﻗﻀﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﻠﻰ آ ﻞ ﻣ ﺎ أﻧﻜ ﺮﻩ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻣﻦ ذراﺋﻊ اﻟﻔﺴﺎد. . وﺗﻜﻠﻢ اﻟﺸﻴﺦ إﻟﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻓ ﻲ أﻣ ﺮ اﻟﺮﺷ ﻮة اﻟﺘ ﻲ ﻳﻘﺒﻠﻬ ﺎ ﺑﻌ ﺾ اﻟﺤﻜ ﺎم ﻟﻘﻀ ﺎء ﺣﺎﺟ ﺎت اﻟﻨ ﺎس ،وﻳ ﺪﺧﻞ
١٤٧
ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺮﺷﻮة ﻗﺒﻮل اﻟﻬﺪاﻳﺎ ﻣ ﻦ اﻟﺤﻜ ﺎم واﻟﻮﺳ ﻄﺎء، ﻓﺠﻠﻬﺎ ﺣﺮام ،وآﻠﻬﺎ ﻳﻨﻄﺒ ﻖ ﻋﻠﻴ ﻪ ﻗ ﻮل اﻟﺮﺳ ﻮل " : اﻟﺮاﺷﻲ واﻟﻤﺮﺗﺸﻲ آﻼهﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﺎر" وﻗﺪ ﻗﺎل رﺳﻮل اﷲ " :هﺪاﻳﺎ اﻷﻣﺮاء ﻏﻠﻮل " أي ﺧﻴﺎﻧﺔ . أﻣ ﺮ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن اﻟﺒﺼﺎﺻ ﻴﻦ واﻟﻌﻴ ﻮن ،أن ﻳﺮاﻗﺒ ﻮا آﻞ ﻣﻦ وﻟﻲ أﻣﺮًا ﻣﻦ أﻣ ﻮر اﻟﺪوﻟ ﺔ ،ﻓ ﺈن وﺟ ﺪوا ﻓ ﻴﻬﻢ ﻣ ﻦ ﻳﺮﺗﺸ ﻲ أو ﻳﻘﺒ ﻞ اﻟﻬ ﺪاﻳﺎ ،أو وﺟ ﺪوا وﺳ ﻴﻄﺎ ﻣﺮﺗﺸﻴًﺎ ،ﻗﺒﻀﻮا ﻋﻠﻴﻪ ،وأﻣﺮ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﺘﻌﺰﻳ ﺮﻩ ﺑﺎﻟﺠﻠ ﺪ واﻟﺴ ﺠﻦ ،وﺑ ﺄن ﻳﻮﺿ ﻊ ﻣﻘﻠﻮﺑ ًﺎ ﻋﻠ ﻰ ﻇﻬ ﺮ ﺣﻤ ﺎر، وﻳﻄ ﺎف ﺑ ﻪ ﻓ ﻲ اﻟﻄﺮﻗ ﺎت واﻷﺳ ﻮاق ،وﻳﻨ ﺎدي ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟﻤﻨ ﺎدون ! أﻣ ﺎ ﻣﺤﺎﺑ ﺎة اﻟ ﻮﻻة ﻓ ﻲ اﻟﻤﻌﺎﻣﻠ ﺔ ﻣ ﻦ ﺑﻴ ﻊ وإﻳﺠ ﺎر وﻣﺰارﻋ ﺔ وﻧﺤ ﻮ ذﻟ ﻚ ،ﻣﻤ ﺎ ﻻ ﻳﺠ ﻮز ﻟﻠ ﻮﻻة اﻟﺤﺼ ﻮل ﻋﻠﻴ ﻪ ،ﻓﻤ ﺎ ﺣﺼ ﻠﻮا ﻋﻠﻴ ﻪ إﻻ ﺑﺴ ﺒﺐ ﻣﻨﺎﺻ ﺒﻬﻢ ،ﻓﻘ ﺪ ،ﻧﺼ ﺢ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻟﻠﺴ ﻠﻄﺎن أن ﻳﻤﻨﻌﻬ ﺎ، وﻳﻌﺎﻗ ﺐ ﻋﻠﻴﻬ ﺎ ،وأن ﻳﺴ ﺘﺮد ﻣ ﺎ ﺣﺼ ﻠﻪ اﻟ ﻮﻻة ﻣ ﻦ ﻣﻨﺎﻓﻊ ،وﻳﺮدهﺎ إﻟﻰ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ،ﻓ ﺈن ﺗﻌ ﺬر ذﻟ ﻚ ﺣﺎﺳ ﺐ اﻟﻮﻻة ﻋﻠﻰ ﻣﺎ اﻣﺘﻠﻜﻮﻩ آﻞ ﻋﺎم ،وأﺧﺬ ﻣﻨﻬﻢ ﻧﺼﻒ ﻣ ﺎ
١٤٨
آﺴﺒﻮﻩ ،وﺿﻤﻪ إﻟﻰ ﺑﻴﺖ اﻟﻤﺎل ﻟﻺﻧﻔﺎق ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺼ ﺎﻟﺢ اﻟﻌﺎﻣﺔ . وﻗﺎل اﻟﺸﻴﺦ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن " :ﺷﺎﻃﺮ ﻋﻤﺮ ﻣ ﻦ ﻋﻤﺎﻟ ﻪ ﻣ ﻦ آ ﺎن ﻟ ﻪ ﻓﻀ ﻞ دﻳ ﻦ ،وﻻﻣ ﺘﻬﻢ ﺑﺨﻴﺎﻧ ﺔ ،واﻧﻤ ﺎ ﺷﺎﻃﺮهﻢ ﻟﻤ ﺎ ﺧﺼﺼ ﻮا ﺑ ﻪ ﻷﺟ ﻞ اﻟﻮﻻﻳ ﺔ ﻣ ﻦ ﻣﺤﺎﺑ ﺎة وﻏﻴﺮه ﺎ .وآ ﺎن اﻷﻣ ﺮ ﻳﻘﺘﻀ ﻲ ذﻟ ﻚ ،ﻷﻧ ﻪ آ ﺎن إﻣ ﺎم ﻋﺪل ﻳﻘﺴﻢ ﺑﺎﻟﺴﻮﻳﺔ " وﻟ ﻴﺲ ﻟ ﻮﻻة اﻷﻣ ﻮال أن ﻳﻘﺴ ﻤﻮهﺎ ﺣﺴ ﺐ أهﻮاﺋﻬﻢ ،ﻓﺈﻧﻤﺎ هﻢ وآ ﻼء ﻓ ﻲ ه ﺬا اﻟﻤ ﺎل ﻟﻴﺴ ﻮا ﻣﻼآ ﺎ ﻟ ﻪ .ﻗ ﺎل ) : إﻧ ﻲ واﷲ ﻻ أﻋﻄ ﻲ أﺣ ﺪًا وﻻ أﻣﻨ ﻊ أﺣﺪًا ،وإﻧﻤﺎ أﻧﺎ ﻗﺎﺳﻢ أﺿﻊ ﺣﻴ ﺚ أﻣ ﺮت( .وﻗﻴ ﻞ ﻟﻌﻤ ﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ) :ﻳ ﺎ أﻣﻴ ﺮ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ ،ﻟ ﻮ وﺳ ﻌﺖ ﻋﻠ ﻰ ﻧﻔﺴ ﻚ ﻓ ﻲ اﻟﻨﻔﻘ ﺔ ﻣ ﻦ ﻣ ﺎل اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ( ﻓﻘﺎل ) :إﻧﻤﺎ ﻣﺜﻠ ﻲ وﻣﺜ ﻞ ه ﺆﻻء آﻤﺜ ﻞ ﻗ ﻮم آ ﺎﻧﻮا ﻓ ﻲ ﺳ ﻔﺮ ،ﻓﺠﻤﻌ ﻮا ﻣ ﺎﻻ وﺳ ﻠﻤﻮﻩ إﻟ ﻰ واﺣ ﺪ ﻣ ﻨﻬﻢ ﻟﻴﻨﻔﻘ ﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،ﻓﻬﻞ ﻳﺤﻞ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ أن ﻳﺴﺘﺄﺛﺮ ﻋﻨﻬﻢ ﺑﺸ ﻲء ﻣ ﻦ اﻟﻤ ﺎل !؟( وﺣﻤ ﻞ إﻟﻴ ﻪ رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨ ﻪ ﻣ ﺮة ﻣ ﺎل ﻋﻈﻴﻢ ﻓﻘﺎل ) :إن ﻗﻮﻣًﺎ أدوا اﻷﻣﺎﻧﺔ ﻓﻲ ه ﺬا ﻷﻣﻨ ﺎء(.
١٤٩
ﻓﻘﺎل أﺣﺪ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ) :إﻧﻚ أدﻳﺖ اﻷﻣﺎﻧﺔ إﻟﻰ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﺄدوا إﻟﻴﻚ اﻷﻣﺎﻧﺔ ،وﻟﻮ رﺗﻌﺖ رﺗﻌﻮا( ". واﺳﺘﺸ ﺎرﻩ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻓ ﻲ ﺗﻌﻴ ﻴﻦ رﺟ ﺎل ﻟﻠﻤﻨﺎﺻ ﺐ اﻟﻜﺒ ﺮى ،ﻓﻘ ﺪ ﻋ ﺰل ﺟﻤﻴ ﻊ ﻣ ﻦ واﻟ ﻮا ﺑﻴﺒ ﺮس ،ﻓﺄﺷ ﺎر ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟﺸ ﻴﺦ .واﻗﺘ ﺮح أﺳ ﻤﺎء ﻧ ﻮاب اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻓ ﻲ اﻟﻮﻻﻳ ﺎت ،وأﺳ ﻤﺎء أﻣ ﺮاء اﻟﻤ ﺪن ،وأﻣ ﺮاء اﻟﺠﻨ ﺪ، واﻟﻮﻋ ﺎظ وﻏﻴ ﺮهﻢ ،ﻋﻠ ﻰ أﺳ ﺲ ﺗﻮﻟﻴ ﺔ اﻷﺻ ﻠﺢ، ﻓﺎﻷﺻﻠﺢ ،واﻟﺒﻌﺪ ﻋﻦ اﻟﻬﻮى واﻟﻤﺤﺎﺑﺎة . وأﺧ ﺬ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﺑﻜ ﻞ ﻣ ﺎ اﻗﺘﺮﺣ ﻪ اﻟﺸ ﻴﺦ .ﻓﻘ ﺎل اﻟﺸ ﻴﺦ وه ﻮ ﻳﻌ ﻆ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن " :اﻟﻤﻘﺼ ﻮد ﺑﺎﻟﻮﻻﻳ ﺎت إﺻ ﻼح دﻳ ﻦ اﻟﺨﻠ ﻖ اﻟ ﺬي إذا ﻓ ﺎﺗﻬﻢ ﺧﺴ ﺮوا ﺧﺴ ﺮاﻧﺎ ﻣﺒﻴﻨﺎ ،وﻟﻢ ﻳﻨﻔﻌﻬﻢ ﻣﺎ ﻧﻌﻤﻮا ﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ،وإﺻ ﻼح ﻣ ﺎ ﻻ ﻳﻘ ﻮم اﻟ ﺪﻳﻦ إﻻ ﺑ ﻪ ﻣ ﻦ أﻣ ﺮ دﻧﻴ ﺎهﻢ .وه ﻮ ﻧﻮﻋ ﺎن : ﻗﺴﻢ اﻟﻤﺎل ﺑﻴﻦ ﻣﺴﺘﺤﻘﻴﻪ ،وﻋﻘﻮﺑﺎت اﻟﻤﻌﺘﺪﻳﻦ ،ﻓﻤﻦ ﻟ ﻢ ﻳﻌﺘﺪ أﺻﻠﺢ اﷲ ﻟﻪ دﻳﻨﻪ ودﻧﻴﺎﻩ . وﻳﺠ ﺐ أن ﻳ ﻮﻟﻲ اﻷﺻ ﻠﺢ .ﻗ ﺎل ): ﻣ ﻦ ﻗﻠ ﺪ رﺟﻼ ﻋﻤﻼ ﻋﻠﻰ ﻋﺼﺎﺑﺔ )أي ﺟﻤﺎﻋﺔ( وه ﻮ ﻳﺠ ﺪ ﻓ ﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺼﺎﺑﺔ ﻣﻦ هﻮ أرﺿﻰ ﻣﻨﻪ ،ﻓﻘﺪ ﺧﺎن اﷲ وﺧ ﺎن
١٥٠
رﺳ ﻮﻟﻪ وﺧ ﺎن اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ( . .واﻟﻮﻻﻳ ﺔ ﺗﺸ ﻤﻞ آ ﻞ ﻣ ﻦ ﻳﻠﻲ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ أﻣﻮر اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﻦ ﻧﻮاب اﻟﺴﻠﻄﺎن واﻟﻘﻀﺎة وﻣ ﻦ أﻓ ﺮاد اﻷﺟﻨ ﺎد وﻣﻘ ﺪﻣﻲ اﻟﻌﺴ ﺎآﺮ ووﻻة اﻷﻣ ﻮال واﻟﻮزراء . .إﻟ ﻰ أﺋﻤ ﺔ اﻟﺼ ﻼة واﻟﻤ ﺆذﻧﻴﻦ واﻟﻤﻘ ﺮﺋﻴﻦ واﻟﻤﻌﻠﻤ ﻴﻦ ،وﻋﻤ ﺎل اﻟﺒﺮﻳ ﺪ . .واﻟﻌ ﺪول ﻋ ﻦ اﻷﺻ ﻠﺢ ﻟﻐﻴ ﺮﻩ ﻷﺟ ﻞ ﻗﺮاﺑ ﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤ ﺎ أو ﺻ ﺪاﻗﺔ أو ﻣﻮاﻓﻘ ﺔ ﻓ ﻲ ﻣﺬهﺐ أو ﺑﻠﺪ أو ﻃﺮﻳﻘﺔ أو ﺟﻨﺲ آﺎﻟﻌﺮﺑﻴ ﺔ واﻟﻔﺎرﺳ ﻴﺔ واﻟﺘﺮآﻴ ﺔ واﻟﺮوﻣﻴ ﺔ ،أو ﻟﺮﺷ ﻮة ﻳﺄﺧ ﺬهﺎ ﻣﻨ ﻪ ﻣ ﻦ ﻣ ﺎل أو ﻣﻨﻔﻌﺔ ،أو ﻏﻴ ﺮ ذﻟ ﻚ ﻣ ﻦ اﻷﺳ ﺒﺎب ،أو ﻟﻀ ﻐﻦ ﻓ ﻲ ﻗﻠﺒ ﻪ ﻋﻠ ﻰ اﻷﺣ ﻖ أو ﻋ ﺪاوة ﺑﻴﻨﻬﻤ ﺎ ،ﻓﻘ ﺪ ﺧ ﺎن اﷲ ورﺳﻮﻟﻪ واﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ .ودﺧ ﻞ ﻓﻴﻬ ﺎ ﻧﻬ ﻲ ﻋﻨ ﻪ ﻓ ﻲ ﻗﻮﻟ ﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ :ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ،ﻻ ﺗﺨﻮﻧﻮا اﷲ واﻟﺮﺳ ﻮل وﺗﺨﻮﻧ ﻮا أﻣﺎﻧ ﺎﺗﻜﻢ وأﻧ ﺖ ﺗﻌﻠﻤ ﻮن .. واﻟﻮﻻﻳ ﺔ ﻟﻬ ﺎ رآﻨﺎن :اﻟﻘﻮة واﻷﻣﺎﻧ ﺔ ،ﻗ ﺎل ﺻ ﺎﺣﺐ ﻣﺼ ﺮ ﻟﻴﻮﺳ ﻒ ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟﺴ ﻼم :إﻧ ﻚ اﻟﻴ ﻮم ﻟ ﺪﻳﻨﺎ ﻣﻜ ﻴﻦ أﻣ ﻴﻦ .ﻗ ﺎل ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻓ ﻲ ﺻ ﻔﺔ ﺟﺒﺮﻳ ﻞ :إﻧ ﻪ ﻟﻘ ﻮل رﺳ ﻮل آ ﺮﻳﻢ. ذي ﻗﻮة ﻋﻨﺪ ذي اﻟﻌﺮش ﻣﻜﻴﻦ .ﻣﻄﺎع ﺛﻢ أﻣﻴﻦ .
١٥١
واﻟﻘﻮة ﻓﻲ آﻞ وﻻﻳ ﺔ ﺑﺤﺴ ﺒﻬﺎ :ﻓ ﺎﻟﻘﻮة ﻓ ﻲ إﻣ ﺎرة اﻟﺤ ﺮب ﺗﺮﺟ ﻊ إﻟ ﻰ ﺷ ﺠﺎﻋﺔ اﻟﻘﻠ ﺐ ،وإﻟ ﻰ اﻟﺨﺒ ﺮة ﺑﺎﻟﺤﺮوب واﻟﻤﺨﺎدﻋﺔ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﺈن اﻟﺤﺮب ﺧﺪﻋﺔ . واﻟﻘ ﻮة ﻓ ﻲ اﻟﺤﻜ ﻢ ﺑ ﻴﻦ اﻟﻨ ﺎس ﺗﺮﺟ ﻊ إﻟ ﻰ اﻟﻌﻠ ﻢ ﺑﺎﻟﻌ ﺪل اﻟ ﺬي دل ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟﻜﺘ ﺎب واﻟﺴ ﻨﺔ ،وإﻟ ﻰ اﻟﻘ ﺪرة ﻋﻠﻰ ﺗﻨﻔﻴﺬ اﻷﺣﻜﺎم . واﻷﻣﺎﻧ ﺔ ﺗﺮﺟ ﻊ إﻟ ﻰ ﺧﺸ ﻴﺔ اﷲ ،وأﻻ ﻳﺸ ﺘﺮي ﻼ ،وﺗﺮك ﺧﺸ ﻴﺔ اﻟﻨ ﺎس .وه ﺬﻩ اﻟﺨﺼ ﺎل ﺑﺂﻳﺎﺗﻪ ﺛﻤﻨﺎ ﻗﻠﻴ ً اﻟﺜﻼث اﻟﺘﻲ اﺗﺨﺬهﺎ اﷲ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﺣﻜ ﻢ اﻟﻨ ﺎس ﻓ ﻲ ﻗﻮﻟ ﻪ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ :ﻓ ﻼ ﺗﺨﺸ ﻮا اﻟﻨ ﺎس واﺧﺸ ﻮن ،وﻻ ﺗﺸ ﺘﺮوا ﻼ ،وﻣﻦ ﻟ ﻢ ﻳﺤﻜ ﻢ ﺑﻤ ﺎ أﻧ ﺰل اﷲ ﻓﺄوﻟﺌ ﻚ ﺑﺂﻳﺎﺗﻲ ﺛﻤﻨًﺎ ﻗﻠﻴ ً هﻢ اﻟﻜﺎﻓﺮون وﻟﻬﺬا ﻗﺎل اﻟﻨﺒﻲ ) : اﻟﻘﻀﺎة ﺛﻼﺛﺔ : ﻗﺎﺿ ﻴﺎن ﻓ ﻲ اﻟﻨ ﺎر ،وﻗ ﺎض ﻓ ﻲ اﻟﺠﻨ ﺔ .ﻓﺮﺟ ﻞ ﻋﻠ ﻢ اﻟﺤ ﻖ وﻗﻀ ﻰ ﺑﺨﻼﻓ ﻪ ﻓﻬ ﻮ ﻓ ﻲ اﻟﻨ ﺎر ،ورﺟ ﻞ ﻗﻀ ﻰ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ ﺟﻬﻞ ﻓﻬﻮ ﻓﻲ اﻟﻨﺎر ،ورﺟﻞ ﻋﻠﻢ اﻟﺤﻖ وﻗﻀ ﻰ ﺑ ﻪ ﻓﻬ ﻮ ﻓ ﻲ اﻟﺠﻨ ﺔ( واﻟﻘﺎﺿ ﻲ اﺳ ﻢ ﻟﻜ ﻞ ﻣ ﻦ ﻳﻘﻀﻲ ﺑﻴﻦ اﺛﻨﻴﻦ أو ﺣﻜﻢ ﺑﻴﻨﻬﻤ ﺎ ،ﺳ ﻮاء ﺳ ﻤﻲ ﺧﻠﻴﻔ ﺔ، أو ﺳﻠﻄﺎﻧًﺎ أو ﻧﺎﺋﺒ ًﺎ أو واﻟﻴ ًﺎ ،أو آ ﺎن ﻣﻨﺼ ﻮﺑًﺎ ﻟﻴﻘﻀ ﻲ
١٥٢
ﺑﺎﻟﺸﺮع ،أو ﻧﺎﺋﺒًﺎ ﻟﻪ ،أو ﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﻳﺤﻜ ﻢ ﺑ ﻴﻦ اﻟﺼ ﺒﻴﺎن
ﻓ ﻲ اﻟﺨﻄ ﻮط . .هﻜ ﺬا ذآ ﺮ أﺻ ﺤﺎب رﺳ ﻮل اﷲ وهﻮ ﻇﺎهﺮ . واﺟﺘﻤ ﺎع اﻟﻘ ﻮة واﻷﻣﺎﻧ ﺔ ﻓ ﻲ اﻟﻨ ﺎس ﻗﻠﻴ ﻞ ،وﻟﻬ ﺬا آﺎن ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨ ﻪ ﻳﻘ ﻮل ) :اﻟﻠﻬ ﻢ إﻟﻴ ﻚ أﺷ ﻜﻮ ﺟﻠ ﺪ اﻟﻔ ﺎﺟﺮ ،وﻋﺠ ﺰ اﻟﺜﻘ ﺔ( ﻓﺎﻟﻮاﺟ ﺐ ﻓ ﻲ آ ﻞ وﻻﻳ ﺔ ،اﻷﺻ ﻠﺢ ﺑﺠﻨﺴ ﻬﺎ ،ﻓ ﺈذا ﺗﻌ ﻴﻦ رﺟ ﻼن أﺣ ﺪهﻤﺎ أﻋﻈ ﻢ أﻣﺎﻧ ﺔ ،واﻵﺧ ﺮ أﻋﻈ ﻢ ﻗ ﻮة ،ﻓﻴﻘ ﺪم ﻓ ﻲ إﻣﺎرة اﻟﺤﺮوب اﻟﺮﺟ ﻞ اﻟﻘ ﻮى اﻟﺸ ﺠﺎع ،وإن آ ﺎن ﻓﻴ ﻪ ﻓﺠ ﻮر ،ﻋﻠ ﻰ اﻟﺮﺟ ﻞ اﻟﻀ ﻌﻴﻒ اﻟﻌ ﺎﺟﺰ ،وان آ ﺎن أﻣﻴﻨ ًﺎ .آﻤ ﺎ ﺳ ﺌﻞ اﻹﻣ ﺎم أﺣﻤ ﺪ ﻋ ﻦ اﻟ ﺮﺟﻠﻴﻦ ﻳﻜﻮﻧ ﺎن أﻣﻴ ﺮﻳﻦ ﻓ ﻲ اﻟﻐ ﺰو ،وأﺣ ﺪهﻤﺎ ﻗ ﻮي ﻓ ﺎﺟﺮ ،وأﺣ ﺪهﻤﺎ ﺻﺎﻟﺢ ﺿﻌﻴﻒ ،ﻣﻊ أﻳﻬﻤﺎ ﻳﻐ ﺰي ،ﻓﻘ ﺎل ) :أﻣ ﺎ اﻟﻔ ﺎﺟﺮ اﻟﻘ ﻮي ﻓﻘﻮﺗ ﻪ ﻟﻠﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ وﻓﺠ ﻮرﻩ ﻋﻠ ﻰ ﻧﻔﺴ ﻪ ،وأﻣ ﺎ اﻟﺼ ﺎﻟﺢ اﻟﻀ ﻌﻴﻒ ،ﻓﺼ ﻼﺣﻪ ﻟﻨﻔﺴ ﻪ ،وﺿ ﻌﻔﻪ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ .ﻳﻐﺰي ﻣﻊ اﻟﻘﻮي اﻟﻔﺎﺟﺮ( وﻟﻬﺬا آﺎن اﻟﻨﺒﻲ ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺤ ﺮب ﻣﻨ ﺬ أﺳ ﻠﻢ وﻗ ﺎل ) :إن ﺧﺎﻟ ﺪًا ﺳ ﻴﻒ ﺳ ﻠﻪ اﷲ
١٥٣
ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺸﺮآﻴﻦ( ﻣﻊ أﻧﻪ ﻗﺪ آﺎن ﻳﻌﻤﻞ ﻣﺎ ﻳﻨﻜ ﺮﻩ اﻟﻨﺒ ﻲ ،ﺣﺘﻰ إﻧﻪ ﻣﺮة رﻓﻊ ﻳﺪﻳﻪ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء وﻗﺎل ) :اﻟﻠﻬﻢ إﻧ ﻲ أﺑ ﺮأ إﻟﻴ ﻚ ﻣﻤ ﺎ ﻓﻌ ﻞ ﺧﺎﻟ ﺪ( ﻟﻤ ﺎ أرﺳ ﻠﻪ إﻟ ﻰ ﺑﻨ ﻲ ﺧﺬﻳﻤ ﺔ ﻓﻘ ﺘﻠﻬﻢ ،وأﺧ ﺬ أﻣ ﻮاﻟﻬﻢ ﺑﻨ ﻮع ﺷ ﺒﻬﺔ ،وأﻧﻜ ﺮﻩ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ،ﺣﺘ ﻰ وداه ﻢ اﻟﻨﺒ ﻲ وﺿ ﻤﻦ أﻣﻮاﻟﻬﻢ )أي دﻓﻊ ﻟﻬﻢ اﻟﺪﻳﺎت واﻟﺘﻌﻮﻳﻀ ﺎت( وﻣ ﻊ ه ﺬا ﻓﻤﺎ زال ﻳﻘﺪﻣﻪ ﻓﻲ إﻣﺎرة اﻟﺤﺮب ،ﻷﻧﻪ آﺎن أﺻﻠﺢ ﻓ ﻲ هﺬا اﻟﺒﺎب ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻩ ،وﻓﻌﻞ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ ﺑﻨﻮع ﺗﺄوﻳﻞ . وآ ﺎن أﺑ ﻮ ذر رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨ ﻪ ،أﺻ ﻠﺢ ﻣﻨ ﻪ ﻓ ﻲ اﻷﻣﺎﻧ ﺔ واﻟﺼ ﺪق .وﻣ ﻊ ه ﺬا ﻗ ﺎل اﻟﻨﺒ ﻲ ) : ﻳ ﺎ أﺑ ﺎ ذر ،إﻧ ﻲ أراك ﺿ ﻌﻴﻔًﺎ ،وإﻧ ﻲ أﺣ ﺐ ﻟ ﻚ ﻣ ﺎ أﺣ ﺐ ﻟﻨﻔﺴﻲ ،ﻻ ﺗ ﺄﻣﺮن ﻋﻠ ﻰ اﺛﻨ ﻴﻦ ،وﻻ ﺗ ﻮﻟﻴﻦ ﻣ ﺎل ﻳﺘ ﻴﻢ(. ﻓﻨﻬﻰ أﺑﺎ ذر ﻋ ﻦ اﻹﻣ ﺎرة واﻟﻮﻻﻳ ﺔ ،ﻷﻧ ﻪ رﺁﻩ ﺿ ﻌﻴﻔًﺎ. ﻣ ﻊ أﻧ ﻪ ﻗ ﺪ روي ﻓ ﻲ اﻟﺤ ﺪﻳﺚ اﻟﺸ ﺮﻳﻒ ) :ﻣ ﺎ أﻇﻠ ﺖ اﻟﺨﻀﺮاء ،وﻻ أﻗﻠ ﺖ اﻟﻐﺒ ﺮاء ،أﺻ ﺪق ﻟﻬﺠ ﺔ ﻣ ﻦ أﺑ ﻲ ذر( وهﻜ ﺬا أﺑ ﻮ ﺑﻜ ﺮ ﺧﻠﻴﻔ ﺔ اﻟﺮﺳ ﻮل ،ﻣ ﺎزال ﻳﺴ ﺘﻌﻤﻞ ﺧﺎﻟ ﺪًا ﻓ ﻲ ﺣ ﺮب أه ﻞ اﻟ ﺮدة ،وﻓ ﻲ ﻓﺘ ﻮح
١٥٤
اﻟﻌﺮاق واﻟﺸﺎم ،وﺑﺪت ﻣﻨﻪ هﻔﻮات آﺎن ﻟﻪ ﻓﻴ ﻪ ﺗﺄوﻳ ﻞ، وﻗ ﺪ ذآ ﺮ ﻋﻨ ﻪ أﻧ ﻪ آ ﺎن ﻟ ﻪ ﻓﻴﻬ ﺎ ه ﻮى ﻓﻠ ﻢ ﻳﻌﺰﻟ ﻪ ﻣ ﻦ أﺟﻠﻬ ﺎ ،ﺑ ﻞ ﻋﻨﻔ ﻪ ﻋﻠﻴﻬ ﺎ ﻟﺮﺟﺤ ﺎن اﻟﻤﺼ ﻠﺤﺔ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻤﻔﺴﺪة ﻓﻲ ﺑﻘﺎﺋﻪ ،وأن ﻏﻴﺮﻩ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻘﻮم ﻣﻘﺎﻣﻪ . ﻓﺈن آﺎﻧﺖ اﻟﺤﺎﺟ ﺔ ﻓ ﻲ اﻟﻮﻻﻳ ﺔ إﻟ ﻰ اﻷﻣﺎﻧ ﺔ أﺷ ﺪ، ﻗﺪم اﻷﻣﻴﻦ ،ﻣﺜ ﻞ ﺣﻔ ﻆ اﻷﻣ ﻮال وﻧﺤﻮه ﺎ ،ﻓ ﺈذا ﻟ ﻢ ﺗ ﺘﻢ اﻟﻤﺼ ﻠﺤﺔ ﺑﻮاﺣ ﺪ ،ﻋ ﻴﻦ ﻓﻴﻬ ﺎ ﻋ ﺪد .وﻳﻘ ﺪم ﻓ ﻲ وﻻﻳ ﺔ اﻟﻘﻀ ﺎء اﻷﻋﻠ ﻢ ،اﻷروع ،اﻷآﻔ ﺄ ،ﻓ ﺈذا آ ﺎن أﺣ ﺪهﻤﺎ أﻋﻠﻢ واﻵﺧﺮ أورع ،ﻗﺪم ﻓﻴﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﻈﻬﺮ ﺣﻜﻤﻪ وﻳﺨ ﺎف ﻓﻴ ﻪ اﻟﻬ ﻮى :اﻷورع وﻓﻴﻤ ﺎ ﻳ ﺪق ﺣﻜﻤ ﻪ وﻳﺨ ﺎف ﻓﻴ ﻪ اﻻﺷﺘﺒﺎﻩ :اﻷﻋﻠﻢ .ﻓﻔﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ،أﻧﻪ ﻗﺎل )إن اﷲ ﻳﺤ ﺐ اﻟﺒﺼ ﺮ اﻟﻨﺎﻓ ﺬ ﻋﻨ ﺪ ورود اﻟﺸ ﺒﻬﺎت وﻳﺤﺐ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻜﺎﻣﻞ ﻋﻨﺪ ﺣﻠﻮل اﻟﺸﻬﻮات( وﻳﻘ ﺪﻣﺎن ﻋﻠ ﻰ اﻷآﻔ ﺄ ،إن آ ﺎن اﻟﻘﺎﺿ ﻲ ﻣﺆﻳ ﺪًا ﺗﺄﻳﻴﺪًا ﺗﺎﻣًﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ وﻟﻲ اﻟﺤﺮب أو اﻟﻌﺎﻣﺔ . وﻳﻘ ﺪم اﻷآﻔ ﺄ ،إن آ ﺎن اﻟﻘﻀ ﺎء ﻳﺤﺘ ﺎج إﻟ ﻰ ﻗ ﻮة، أآﺜ ﺮ ﻣ ﻦ ﺣﺎﺟﺘ ﻪ إﻟ ﻰ اﻟﻌﻠ ﻢ واﻟ ﻮرع .ﻓ ﺈن اﻟﻘﺎﺿ ﻲ ﻻ ﻗ ﺎدرًا .ﺑ ﻞ اﻟﻤﻄﻠ ﻖ ﻳﺤﺘ ﺎج أن ﻳﻜ ﻮن ﻋﺎﻟﻤ ًﺎ ﻋ ﺎد ً
١٥٥
ل ﻟﻠﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ .ﻓ ﺄي ﺻ ﻔﺔ ﻣ ﻦ ه ﺬﻩ وآ ﺬﻟﻚ آ ﻞ وا ﱟ اﻟﺼﻔﺎت ﻧﻘﺼﺖ ،ﻇﻬﺮ اﻟﺨﻠﻞ . واﻟﻤﻬﻢ ﻓﻲ هﺬا اﻟﺒﺎب ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻷﺻﻠﺢ .وذﻟﻚ إﻧﻤ ﺎ ﻳ ﺘﻢ ﺑﻤﻌﺮﻓ ﺔ ﻣﻘﺼ ﻮد اﻟﻮﻻﻳ ﺔ .ﻓ ﺈذا ﻋﺮﻓ ﺖ اﻟﻤﻘﺎﺻ ﺪ واﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺗﻢ اﻷﻣﺮ ،ﻓﻠﻬﺬا ﻟﻤﺎ ﻏﻠﺐ ﻋﻠﻰ أآﺜ ﺮ اﻟﻤﻠ ﻮك ﻗﺼﺪ اﻟﺪﻧﻴﺎ دون اﻟﺪﻳﻦ ،ﻗﺪﻣﻮا ﻓﻲ وﻻﻳ ﺘﻬﻢ ﻣ ﻦ ﻳﻌﻴ ﻨﻬﻢ ﻋﻠ ﻰ ﺗﻠ ﻚ اﻟﻤﻘﺎﺻ ﺪ ،وآ ﺎن ﻣ ﻦ ﻳﻄﻠ ﺐ رﻳﺎﺳ ﺔ ﻟﻨﻔﺴ ﻪ، ﻳﺆﺛﺮ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﻣﻦ ﻳﻘﻴﻢ رﻳﺎﺳﺘﻪ ،وﻗ ﺪ آﺎﻧ ﺖ اﻟﺴ ﻨﺔ أن ﻣ ﻦ ﻳﺼ ﻠﻲ ﺑﺎﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ اﻟﺠﻤﻌ ﺔ واﻟﺠﻤﺎﻋ ﺔ وﻳﺨﻄ ﺐ ﻓ ﻴﻬﻢ، هﻢ أﻣﺮاء اﻟﺤﺮب اﻟ ﺬﻳﻦ ه ﻢ ﻧ ﻮاب ذي اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻋﻠ ﻰ اﻟﺠﻨ ﺪ .وﻟﻬ ﺬا ﻟﻤ ﺎ ﻗ ﺪم اﻟﻨﺒ ﻲ أﺑ ﺎ ﺑﻜ ﺮ ﻓ ﻲ اﻟﺼ ﻼة، ﻗﺪﻣﻪ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻓﻲ إﻣﺎرة اﻟﺤﺮب وﻏﻴﺮهﺎ . ﻋﻠﻰ هﺪى هﺬﻩ اﻟﻤﺒﺎدئ اﻟﺘﻲ ﺑﺪأ اﻟﺸﻴﺦ ﻳﺼ ﻮﻏﻬﺎ ﻓ ﻲ آﺘﺎﺑ ﺔ )اﻟﺴﻴﺎﺳ ﺔ اﻟﺸ ﺮﻋﻴﺔ ﻓ ﻲ إﺻ ﻼح اﻟﺮاﻋ ﻲ واﻟﺮﻋﻴ ﺔ( ﺳ ﺎر اﻟﺴ ﻠﻄﺎن .ﻓﺄﻋ ﺎد ﺗﺮﺗﻴ ﺐ اﻟﺪوﻟ ﺔ، وﺗﻮزﻳﻊ اﻟﻤﻨﺎﺻﺐ ،ﻣﻨﺘﺼﺤًﺎ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ . ٭٭٭
١٥٦
اﺳﺘﻤﺮت ﺣﻴﺎة اﻟﺸﻴﺦ ﻓﻲ اﻟﻘ ﺎهﺮة هﺎدﺋ ﺔ ﻣﻨﺘﺠ ﺔ : ﻓﻬﻮ ﻳﺬهﺐ إﻟﻰ ﻣﺪرﺳﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻠﻢ ﺑﻬ ﺎ آ ﻞ ﺻ ﺒﺎح ،ﺛ ﻢ ﻳﻐﺸﻰ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻳﻌﻆ وﻳﻔﺘﻲ ،وﻳﺘﻠﻘﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻓ ﻲ ﺑﻴﺘ ﻪ اﻟﻄﻼب واﻟﻜﺒ ﺮاء ،واﻟﺼ ﺎﻟﺤﻴﻦ ﻣ ﻦ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء ،وﻳ ﺬهﺐ إﻟﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن إن دﻋﺎﻩ . وﻧﺼ ﺢ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻟﻠﺴ ﻠﻄﺎن ﺑ ﺄن ﻳﻘﻀ ﻲ ﻋﻠ ﻰ اﻻﺣﺘﻜ ﺎر ،ﻓﻬ ﻮ أﺛ ﺮ ﻣ ﻦ ﻋﻬ ﺪ ﺳ ﻼر وﺑﻴﺒ ﺮس، واﻟﻤﺤﺘﻜﺮ ﻣﻠﻌﻮن ﺑﻨﺺ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺸ ﺮﻳﻒ .وأﻓﺘ ﺎﻩ ﺑ ﺄن ﻳﺴﻌﺮ اﻟﺒﻀ ﺎﺋﻊ ،وأن ﻳﺼ ﺎدر ﻣ ﺎ ﻳﺨﻔﻴ ﻪ اﻟﺘﺠ ﺎر ﻣﻨﻬ ﺎ، وﻳﻄﺮﺣﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس ﺑﺴﻌﺮ ﻳﺘﻴﺴﺮ ﻟﻬﻢ. وأﺧ ﺬ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﺑﻔﺘ ﻮاﻩ ،ﻓ ﺎﻣﺘﻸت اﻷﺳ ﻮاق ﺑﺎﻟﺒﻀ ﺎﺋﻊ ،واﻧﺨﻔ ﺾ ﺳ ﻌﺮهﺎ ،وﺗﻴﺴ ﺮت اﻷﻣ ﻮر، ﻓﻠﻬﺠﺖ اﻷﻟﺴﻨﺔ ﺑﺎﻟﺜﻨﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺸ ﻴﺦ ،وزاد ﺣ ﺐ اﻟﻌﺎﻣ ﺔ ﻟ ﻪ ،واﻟﺘﻔ ﻮا ﺣﻮﻟ ﻪ ،وإن ﻏﻀ ﺐ ﻋﻠﻴ ﻪ آﺒ ﺎر اﻟﺘﺠ ﺎر، واﻟﻤﺤﺘﻜﺮون ! وزاد ﺣﺴ ﺪ ﻣﻨﺎﻓﺴ ﻴﻪ وﺧﺼ ﻮﻣﻪ ،وﻧﺴ ﻮا أﻧ ﻪ أﻧﻘ ﺬ رﻗﺎﺑﻬﻢ ﻣﻦ ﺣﻜﻢ اﻟﺴﻠﻄﺎن .
١٥٧
واﻧﺘﻬ ﺰوا اﻟﻔﺮﺻ ﺔ ﻋﻨ ﺪﻣﺎ ﺳ ﺌﻞ ﻋ ﻦ أﻓﻌ ﺎل اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ،ﻓ ﺄﻧﻜﺮ ﻋﻠ ﻰ ﺑﻌ ﺾ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ادﻋ ﺎءهﻢ ﻣﻌﺮﻓ ﺔ اﻟﻐﻴ ﺐ أو اﻟﻜﺮاﻣ ﺎت ،وﺳ ﻤﻰ ه ﺬا آﻠ ﻪ دﺟ ﻼ وﺷ ﻌﻮذة ! ﻓﺤ ﺮض ﺧﺼ ﻮﻣﻪ ﻋﻠﻴ ﻪ أﺗﺒ ﺎع اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ وأﺷ ﻴﺎﻋﻬﺎ ،ﻓﺘﺮﺑﺼ ﻮا ﻟ ﻪ ﻓ ﻲ اﻟﺠ ﺎﻣﻊ وه ﻮ ﻳﺘﻌﺒ ﺪ ﺑﻌ ﺪ ﺻ ﻼة اﻟﻈﻬ ﺮ ،وﻗ ﺪ ﺧ ﻼ اﻟﻤﺴ ﺠﺪ ..ﻓﺎﻧﻘﻀ ﻮا ﻋﻠﻴ ﻪ، ﻓﻀﺮﺑﻮﻩ. . وﺗﺠﻤﻊ اﻟﻌﻤﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﺧﺎرج اﻟﻤﺴﺠﺪ واﻧ ﺪﻓﻌﻮا إﻟ ﻰ اﻟﺸﻴﺦ ،ﻓﻜﻔﻮا ﻋﻨﻪ أذى ﺿﺎرﺑﻴﻪ . ﺷ ﺎع اﻟﺨﺒ ﺮ ،ﻓ ﺎﺟﺘﻤﻊ ﺧﻠ ﻖ آﺜﻴ ﺮ ﻣ ﻦ اﻟﺤﺴ ﻴﻨﻴﺔ، وﺟ ﺎءوا ﺑ ﺎﻟﻬﺮاوات وﻗﻀ ﺒﺎن اﻟﺤﺪﻳ ﺪ ،ﻟﻴﺆدﺑ ﻮا اﻟ ﺬﻳﻦ اﻋﺘﺪوا ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻴﺦ . وﻟﻜ ﻦ اﻟﺸ ﻴﺦ رده ﻢ ،ﻓﻠﻤ ﺎ وﺟ ﺪ إﺻ ﺮارهﻢ ﻗ ﺎل ﻟﻬﻢ " :إﻣﺎ أن ﻳﻜﻮن اﻟﺤﻖ ﻟﻲ أو ﻟﻜﻢ أو ﷲ .ﻓ ﺎن آ ﺎن اﻟﺤ ﻖ ﻟ ﻲ ﻓﻬ ﻢ ﻓ ﻲ ﺣ ﻞ ﻣﻨ ﻪ ،وإن آ ﺎن ﻟﻜ ﻢ ،ﻓ ﺈن ﻟ ﻢ ﺗﺴ ﻤﻌﻮا ﻣﻨ ﻲ ،وﻟ ﻢ ﺗﺴ ﺘﻔﺘﻮﻧﻲ ﻓ ﺎﻓﻌﻠﻮا ﻣ ﺎ ﺷ ﺌﺘﻢ ،وإن آﺎن اﻟﺤﻖ ﷲ ،ﻓﺎﷲ ﻳﺄﺧﺬ ﺣﻘﻪ إن ﺷﺎء " .
١٥٨
وهﺪأ اﻟﻨﺎس ،ﻣﻜﺒﺮﻳﻦ ﻓ ﻲ اﻟﺸ ﻴﺦ ﺻ ﻔﺤﻪ اﻟﺠﻤﻴ ﻞ ﻋﻤ ﻦ ﺁذوﻩ ! . .وأذن ﻟﺼ ﻼة اﻟﻌﺼ ﺮ ،ﻓﺤ ﺎوﻟﻮا أن ﻳﻘﻨﻌﻮا اﻟﺸﻴﺦ ﺑﺎﻟﺼﻼة ﻓ ﻲ ﻣﺴ ﺠﺪ ﺁﺧ ﺮ ،وﻟﻜﻨ ﻪ أﺳ ﺮع إﻟﻰ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺬي ﺿﺮب ﻓﻴﻪ ،ﻓﺄﺳﺮﻋﻮا ﺧﻠﻔﻪ وأﻗ ﺎﻣﻮا ﻣﻦ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺣﺮﺳًﺎ ﻋﻠﻴﻪ ،وأﻟﻔﻮا ﺑﻌ ﺪ ذﻟ ﻚ أن ﻳﺼ ﺤﺒﻮﻩ ﻟﺤﺮاﺳﺘﻪ ﺣﻴﺜﻤﺎ راح أو ﺟﺎء. . وﺟﺎءﻩ ﻣ ﻦ ﻳﺼ ﻒ ﻟ ﻪ اﺳ ﺘﺒﺪاد واﻟ ﻲ دﻣﺸ ﻖ ،ﻓﻘ ﺪ ﻻ آﺜﻴ ﺮة، أرهﻖ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﻤﻈﺎﻟﻢ ،وﻓ ﺮض ﻋﻠ ﻴﻬﻢ أﻣ ﻮا ً واﻧﺘﺰﻋﻬﺎ ﻣ ﻨﻬﻢ اﻧﺘﺰاﻋ ًﺎ ،وﺳ ﺎﻣﻬﻢ ﺳ ﻮء اﻟﻌ ﺬاب ،ﻓﻠﻤ ﺎ ﻃﺎﻟﺒ ﻪ ﻧﻔ ﺮ ﻣ ﻦ ﻋﻠﻤ ﺎء دﻣﺸ ﻖ ﺑﺎﻟﻌ ﺪل ،أه ﺎﻧﻬﻢ وﺿﺮﺑﻬﻢ . .ﻓﺄﺳﺮع اﻟﺸﻴﺦ إﻟﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،ﺣﺘﻰ ﻟﻴﻌ ﺰل واﻟﻴ ﺎ ﻣ ﻦ أﻧﺼ ﺎرﻩ ﺑ ﻼ ﺗﺤﻘﻴ ﻖ ،ﻣﺼ ﺪﻗًﺎ ﻓﻴ ﻪ ﻣﻘﺎﻟ ﺔ اﻟﺸﻴﺦ .. ! . .ﻣﺎ ﻋﺴﻰ أن ﻳﺼﻨﻊ ﺑﻬﻢ اﻟﺴﻠﻄﺎن إذن ﻟﻮ ﺷﻜﺎهﻢ هﺬا اﻟﺸﻴﺦ ..؟! ﻣﺎ ﻣﻦ ﺳﺒﻴﻞ إﻟﻰ إﻓﺴﺎد ﻣ ﺎ ﺑ ﻴﻦ اﻟﺴﻠﻄﺎن أو اﻟﺸﻴﺦ ..ﻓﻠﻴﺤﺎوﻟﻮا إﺳﻘﺎط هﻴﺒﺘ ﻪ إذن ﻋﻨ ﺪ اﻟﻌﺎﻣﺔ ،ﻓﺘﻀﻌﻒ ﻣﻜﺎﻧﺘﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎن! . . وﺟﻠﺲ اﻟﺸﻴﺦ ﻳﻮﻣًﺎ ﻳﻔﺘﻲ اﻟﻨﺎس ﻋﻦ ﺣﻠﻘﺎت اﻟﺬآﺮ اﻟﺘ ﻲ ﻳﻘﻴﻤﻬ ﺎ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ﻓﻘ ﺎل " :ﻟ ﻴﺲ آ ﻞ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ
١٥٩
ﺳ ﻮاء ،وﻟﻜ ﻨﻬﻢ ﺛ ﻼث ﻃﺒﻘ ﺎت ﻣﺘﺒﺎﻳﻨ ﺔ ،ﺣﺘ ﻰ ﻓ ﻲ ذآ ﺮ اﷲ ،أوﻻه ﺎ ﺻ ﻮﻓﻴﺔ اﻟﺤﻘ ﺎﺋﻖ ،وه ﻢ اﻟ ﺬﻳﻦ اﺗﺨ ﺬوا اﻟﻜﺘ ﺎب واﻟﺴ ﻨﺔ ﻃﺮﻳﻘ ﺎ إﻟ ﻰ اﻟﺘﺼ ﻮف ،واﺗﺨ ﺬوا اﻟﺘﺼﻮف ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻓﻲ ﺣﺐ اﷲ وﻃﺎﻋﺘﻪ هﻮ ورﺳﻮﻟﻪ .. ﺛﻢ ﺻﻮﻓﻴﺔ اﻷرزاق . .أﻣﺎ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻣ ﻦ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ﻓﻬ ﻢ ﺻ ﻮﻓﻴﺔ اﻟﺮﺳ ﻮم ،وه ﻢ اﻟﻤﻘﺘﺼ ﺮون ﻋﻠ ﻰ اﻟﺘﺸ ﺒﻪ ﺑﺼﻮﻓﻴﺔ اﻟﺤﻘ ﺎﺋﻖ ﻓ ﻲ اﻟﻠﺒ ﺎس واﻵداب اﻟﻮﺿ ﻴﻌﺔ ،ﻓﻬ ﻢ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ اﻟﺬي ﻳﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ زي أهﻞ اﻟﻌﻠﻢ ! .. وﺻ ﻮﻓﻴﺔ اﻟﺤﻘ ﺎﺋﻖ ﻳ ﺬآﺮون اﷲ ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘ ﺔ اﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ،ﺑﺎﻟﺘﺄﻣﻞ واﻟﺨﺸﻮع واﻟﺘﺪﺑﺮ . أﻣﺎ ﺻﻮﻓﻴﺔ اﻷرزاق اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺮآﻮن اﻟﻌﻤ ﻞ اﻟﻨ ﺎﻓﻊ وﻳﻨﻘﻄﻌ ﻮن ﻟﻠﻌﺒ ﺎدة ،وه ﺆﻻء ﺗﺠ ﺮي ﻋﻠ ﻴﻬﻢ اﻷرزاق، ﻓﻬ ﻢ آﺼ ﻮﻓﻴﺔ اﻟﺮﺳ ﻮم اﻟ ﺬﻳﻦ ﻳﻘﻠ ﺪون ﺁداب ﺻ ﻮﻓﻴﺔ اﻟﺤﻘ ﺎﺋﻖ ،ﻓﻜﻼهﻤ ﺎ ﺻ ﺎﺣﺐ ﺣﻠﻘ ﺎت ﻟ ﺬآﺮ اﷲ . .وه ﻲ ﺣﻠﻘﺎت رﻗﺺ ﺻﻮﻓﻲ ﻻ ذآ ﺮ ﺷ ﺮﻋﻲ ،ﻓﻬ ﻲ ﺑﺪﻋ ﺔ ﻻ ﻋﻼﻗ ﺔ ﻟﻬ ﺎ ﺑﺎﻟ ﺬآﺮ اﻟﺸ ﺮﻋﻲ .ﻓﻤ ﻦ رﻗ ﺺ ﻣﻌﻬ ﻢ ﻓ ﻲ ﺣﻠﻘﺎت اﻟﺬآﺮ ﻣﺒﺘﺪع ﻣﺜﻠﻬﻢ؟؟
١٦٠
وارﺗﻔ ﻊ ﺻ ﻮت ﻏﺎﺿ ﺐ " :ﻗﻮﻟ ﻚ ه ﺬا ﻏﻠ ﻂ ! ! ﻻ ﺻ ﻮﻓﻴﺔ ﺣﻘ ﺎﺋﻖ ! ﻓﻜ ﻞ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ﺳ ﻮاء وه ﻢ ﻣﺒﺘ ﺪﻋﻮن ﺧ ﺎرﺟﻮن ﻋ ﻦ اﻟﺴ ﻨﺔ .واﻟﻘ ﻮل ﺑﻐﻴ ﺮ ذﻟ ﻚ ﺿﻼل " وﻧﻈ ﺮ اﻟﺸ ﻴﺦ إﻟ ﻰ اﻟﻤ ﺘﻜﻠﻢ ،ﻓ ﺈذا ه ﻮ ﻓﻘﻴ ﻪ ﻣ ﻦ ﺧﺼﻮﻣﻪ ،ﻓﻠ ﻢ ﻳ ﺮد ﻋﻠﻴ ﻪ ،واﻧﺸ ﻐﻞ اﻟﺸ ﻴﺦ ﺑ ﺎﻟﺮد ﻋﻠ ﻰ ﺳ ﺆال وﺟﻬ ﻪ أﺣ ﺪ اﻟﺤﺎﺿ ﺮﻳﻦ ،ﻋ ﻦ اﻟﺤﻜ ﻢ ﻓ ﻲ ﺗﻘﺒﻴ ﻞ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻗﻄﻌﺔ ﺣﺠﺮ ،ﻳﻘﺎل إن ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺛﺮ ﻗﺪم رﺳ ﻮل اﷲ
. ﻗ ﺎل اﻟﺸ ﻴﺦ " :ﻟ ﻴﺲ اﻟﻘ ﺪم اﻟ ﺬي ﺑﺎﻟﺼ ﺨﻮر اﻟﻤﺸﻬﻮرة ﻋﻨ ﺪ اﻟﻌﺎﻣ ﺔ ،ﻗ ﺪم رﺳ ﻮل اﷲ ،وﻻ ﻗ ﺪم أﺣ ﺪ ﻣ ﻦ اﻷﻧﺒﻴ ﺎء وﻻ ﻳﻀ ﺎف إﻟ ﻰ اﻟﺸ ﺮﻳﻌﺔ ﺟ ﻮاز ﺗﻘﺒﻴﻠ ﻪ، وﻻ اﻟﺘﻤﺴﺢ ﺑﻪ ،ﻓ ﻼ ﺷ ﻲء ﻓ ﻲ اﻷرض ﻳﻘﺒ ﻞ وﻳﺘﻤﺴ ﺢ ﺑﻪ ،ﺳ ﻮى اﻟﺤﺠ ﺮ اﻷﺳ ﻮد واﻟ ﺮآﻨﻴﻦ اﻟﻴﻤ ﺎﻧﻴﻴﻦ ﺑﺎﻟﺒﻴ ﺖ اﻟﻌﺘﻴﻖ ،وﺗﻨﺎزﻋﻮا ﻓﻲ ﺟﻮاز اﻟﺘﺴﻤﺢ ﺑﻤﻨﺒﺮﻩ . " ﻓﻘﺎم اﻟﻔﻘﻴﻪ ﻓﺨﻄ ﺄ اﻟﺸ ﻴﺦ ،واﺗﻬﻤ ﻪ ﺑﺎﻟﺘﺠﺎﺳ ﺮ ﻋﻠ ﻰ ﻣﻘ ﺎم رﺳ ﻮل اﷲ وﺳ ﺐ اﻟﺸ ﻴﺦ ﺳ ﺒًﺎ ﺣ ﺎدًا ﻏﻠﻴﻈ ًﺎ ﻣﻨﻜﺮًا! . .
١٦١
وﺣ ﺎول ﺑﻌ ﺾ اﻟﺤﺎﺿ ﺮﻳﻦ أن ﻳﻀ ﺮﺑﻮا اﻟﻔﻘﻴ ﻪ، وﻟﻜﻦ اﻟﺸﻴﺦ وﻗﻒ ﺑﻴﻨﻬﻢ وﺑﻴﻨﻪ ﺑﺠﺴﻤﻪ اﻟﻤﻠ ﻲء اﻟﻤﺘ ﻴﻦ، وﺣﺎل دون ذﻟﻚ ،وأﻣﺮهﻢ ﺑﺎﻟﺠﻠﻮس . ﻓﺄﺧﺬ اﻟﻔﻘﻪ ﻳﻌﺘﺬر ﻋﻤﺎ ﺑﺪر ﻣﻨﻪ ،وﻳﺴﺄل اﻟﺸ ﻴﺦ أن ﻳﻌﻔﻮ ﻋﻨﻪ . ﻓﻘ ﺎل اﻟﺸ ﻴﺦ " :ﻋﻔ ﺎ اﷲ ﻋﻨ ﻚ .ﻟﻘ ﺪ ﻗﻠ ﺖ ﻓ ﻲ ﻣ ﺎ ﻗﻠﺖ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻻ أﻧﺘﺼﺮ ﻟﻨﻔﺴﻲ " ٭٭٭ اﺳﺘﺪﻋﺎﻩ اﻟﺴﻠﻄﺎن وﻓﻲ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺴﻠﻄﺎن وﺟﺪ ﻋﺪدًا ﻣ ﻦ أه ﻞ اﻟﻌﻠ ﻮم اﻟﺪﻧﻴﻮﻳ ﺔ ،ﻓ ﻴﻬﻢ اﻟﻤﻬﻨ ﺪس اﻟ ﺬي ﻳﺨﻄ ﻂ اﻟﻤﺴ ﺎﺟﺪ واﻟﻌﻤﺎﺋﺮ ،وﻃﺒﻴﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن . وﻃﻠﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﻦ اﻟﺸﻴﺦ أن ﻳﻜﻒ ﻋﻦ اﻟﺤ ﺪﻳﺚ ﻓﻲ أﻣﺮ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﻓﺤﺪﻳﺜﻪ ﻳﺜﻴﺮ ﺧﻼﻓﺎت ،ﻗﺪ ﺗ ﺆدي إﻟ ﻰ اﻟﻔﺘﻨ ﺔ ،وﻟﻠﺼ ﻮﻓﻴﺔ ﺟﻤﻴﻌ ًﺎ آﺮاﻣ ﺎت :ﺳ ﻮاء اﻟ ﺬﻳﻦ ﻳﺴ ﻤﻴﻬﻢ ﺻ ﻮﻓﻴﺔ اﻷرزاق أم اﻟ ﺬﻳﻦ ﻳﺴ ﻤﻴﻬﻢ ﺻ ﻮﻓﻴﺔ اﻟﺮﺳ ﻮم ،ﻓﻔ ﻴﻬﻢ ﻗ ﻮم ﻣ ﻦ أوﻟﻴ ﺎء اﷲ اﻟﺼ ﺎﻟﺤﻴﻦ ،اﻟ ﺬﻳﻦ ﻗ ﺎل ﻓ ﻴﻬﻢ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ :أﻻ إن أوﻟﻴ ﺎء اﷲ ﻻ ﺧ ﻮف
١٦٢
ﻋﻠﻴﻬﻢ وﻻ هﻢ ﻳﺤﺰﻧﻮن إن ﻓﻲ اﻟﻤﺘﺼﻮﻓﺔ رﺟﺎﻻ ﻣﻦ ﺁل اﻟﺒﻴﺖ ،وﻗﺪ أﻣﺮﻧﺎ ﺑﺈآﺮاﻣﻬﻢ وﺗﻌﻈﻴﻬﻢ . ﻓﻘ ﺎل اﻟﺸ ﻴﺦ " :أﻋ ﺮف أن اﻟﻤﺘﺼ ﻮﻓﺔ ﻓ ﻴﻬﻢ اﻟﺒ ﺮ واﻟﻔﺎﺟﺮ ،واﻟﺘﻘﻰ واﻟﻤﺬﻧﺐ .وﻻ ﻳﺠﻤﻞ ﺑﺎﻟﻤﺴﺌﻮﻟﻴﻦ ﻋ ﻦ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮوف واﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ ،أن ﻳﺴﻜﺘﻮا ﻋ ﻦ اﻟﻔﺠ ﺮة ﻣ ﻨﻬﻢ واﻟﻤ ﺬﻧﺒﻴﻦ ،أو ﻋ ﻦ اﻟﻤﺨ ﺎﻟﻔﻴﻦ ﻟﻠﺸ ﺮع آﺎﻟﺬﻳﻦ ﻳﺰﻋﻤﻮن أن ﻟﻬﻢ وﺟ ﺪًا أو ﻣﻜﺎﺷ ﻔﺔ أو ﻣﺨﺎﻃﺒ ﺔ ﺗﺨ ﺎﻟﻒ اﻟﻘ ﺮﺁن واﻟﺤ ﺪﻳﺚ ،أو اﻟ ﺬﻳﻦ ﻳﺰﻋﻤ ﻮن أن اﻟﻘﻄﺐ اﻟﺼﻮﻓﻲ ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻳﺄﺧﺬ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﺬي ﻳﺄﺗﻲ اﻟﺮﺳ ﻮل ،وإﻧ ﻪ ﻳﺄﺧ ﺬ ﻣ ﻦ ذﻟ ﻚ اﻟﻤﻌ ﺪن ﻋﻠ ﻢ اﻟﺘﻮﺣﻴ ﺪ، واﻷﻧﺒﻴﺎء آﻠﻬﻢ ﻳﺄﺧﺬون ﻣﻦ ﻣﺸﻜﺎﺗﻪ ،أو ﻣﻦ ﻳﻘﻮل ﻣﻨﻬﻢ إن اﻟ ﻮﻟﻲ أﻓﻀ ﻞ ﻣ ﻦ اﻟﻨﺒ ﻲ ،وﻏﻴ ﺮ ذﻟ ﻚ ﻣ ﻦ ﻣﻘ ﺎﻻت اﻟﻤﺘﻔﻠﺴﻔﺔ ﻟﻌﻨﻬﻢ اﷲ ! ! . .وﻣ ﺎ أﻇ ﻦ أن اﷲ ﻳﻐﻔ ﻞ ﻋ ﻦ اﻟﻤ ﺄﻣﻮن ﻷﻧ ﻪ أﻣ ﺮ ﺑﺘﺮﺟﻤ ﺔ اﻟﻔﻠﺴ ﻔﺔ ،ﻓﺄﻓﺴ ﺪ اﻟﻌﻘ ﻞ اﻟﻌﺮﺑ ﻲ اﻹﺳ ﻼﻣﻲ وﻗ ﺪ ﺻ ﺪق اﺑ ﻦ اﻟﺼ ﻼح ﺣ ﻴﻦ وﺻ ﻒ اﻟﻤﺘﻔﻠﺴ ﻒ اﺑ ﻦ ﺳ ﻴﻨﺎ ﺑﻘﻮﻟ ﻪ ) :ﺷ ﻴﻄﺎن ﻣ ﻦ ﺷﻴﺎﻃﻴﻦ اﻹﻧﺲ(
١٦٣
أﻣ ﺎ ﺁل اﻟﺒﻴ ﺖ ﻓ ﺈن ﻟﻬ ﻢ ﻣ ﻦ اﻟﺤﻘ ﻮق ﻣ ﺎ ﻳﺠ ﺐ رﻋﺎﻳﺘﻬﺎ ،ﻓﺈن اﷲ ﺟﻌﻞ ﻟﻬ ﻢ ﺣﻘ ﺎ ﻓ ﻲ اﻟﺨﻤ ﺲ واﻟﻔ ﻲء، وأﻣﺮ ﺑﺎﻟﺼﻼة ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻊ اﻟﺼﻼة ﻋﻠﻰ رﺳﻮل اﷲ ، ﻓﻘ ﺎل ﻟﻨ ﺎ ﻗﻮﻟ ﻮا ) :اﻟﻠﻬ ﻢ ﺻ ﻞ ﻋﻠ ﻰ ﻣﺤﻤ ﺪ وﻋﻠ ﻰ ﺁل ﻣﺤﻤ ﺪ آﻤ ﺎ ﺻ ﻠﻴﺖ ﻋﻠ ﻰ ﺁل إﺑ ﺮاهﻴﻢ ،وﺑ ﺎرك ﻋﻠ ﻰ ﻣﺤﻤﺪ وﻋﻠﻰ ﺁل ﻣﺤﻤ ﺪ آﻤ ﺎ ﺑﺎرآ ﺖ ﻋﻠ ﻰ ﺁل إﺑ ﺮاهﻴﻢ. إﻧﻚ ﺣﻤﻴﺪ ﻣﺠﻴﺪ( وﻗﺪ ﻗ ﺎل اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ :إﻧﻤ ﺎ ﻳﺮﻳ ﺪ اﷲ ﻟﻴﺬهﺐ ﻋﻨﻜﻢ اﻟﺮﺟﺲ أهﻞ اﻟﺒﻴﺖ وﻳﻄﻬ ﺮآﻢ ﺗﻄﻬﻴ ﺮًا ﻓﺈن وﺟﺪ ﺑﻴﻦ أﻗﻄﺎب اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﻗﻮم ﻣﻦ أهﻞ اﻟﺒﻴﺖ ﻓﻬﻢ ﺻﻮﻓﻴﺔ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ . أﻣﺎ آﺮاﻣﺎت اﻷوﻟﻴﺎء ﻓﻤ ﺎ ﻳﻨﻜﺮه ﺎ ﻣ ﺆﻣﻦ . .وﻣ ﻦ أﺻﻮل أه ﻞ اﻟﺴ ﻨﺔ اﻟﺘﺼ ﺪﻳﻖ ﺑﻜﺮاﻣ ﺎت اﻷوﻟﻴ ﺎء ،وﻣ ﺎ ﻳﺠ ﺮي اﷲ ﻋﻠ ﻰ أﻳ ﺪﻳﻬﻢ ﻣ ﻦ ﺧ ﻮارق اﻟﻌ ﺎدات ﻓ ﻲ اﻟﻌﻠﻮم ،واﻟﻤﻜﺎﺷﻔﺎت ،وأﻧﻮاع اﻟﻘﺪرة ،واﻟﺘﺄﺛﻴﺮات. . آﺎﻟﻤ ﺄﺛﻮر ﻓ ﻲ ﺳ ﻮرة اﻟﻜﻬ ﻒ وﻏﻴﺮه ﺎ ،وﻋ ﻦ ﺻ ﺪر ه ﺬﻩ اﻷﻣ ﺔ ﻣ ﻦ اﻟﺼ ﺤﺎﺑﺔ ،واﻟﺘ ﺎﺑﻌﻴﻦ ،وﺳ ﺎﺋﺮ ﻓ ﺮق اﻷﻣ ﺔ .وه ﻲ ﻣﻮﺟ ﻮدة ﻓﻴﻬ ﺎ إﻟ ﻰ ﻳ ﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣ ﺔ. . واﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﻰ اﻟﻮﻻﻳﺔ ه ﻲ اﺗﺒ ﺎع اﻟﻜﺘ ﺎب واﻟﺴ ﻨﺔ ،وأن
١٦٤
ﻳﺘﻘﺮب اﻟﻌﺒﺪ اﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﻤﺆﻣﻦ إﻟ ﻰ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﺑﺎﻟﻨﻮاﻓ ﻞ، ﻓﻴﻜﺎﻓﺌﻪ ﺑﺎﻹﻓﺎﺿ ﺔ ﻋﻠﻴ ﻪ ﻣ ﻦ ﻗﺪرﺗ ﻪ ،ﻏﻴ ﺮ أن اﻟﺘﻈ ﺎهﺮ ﺑﺎﻟﻮﻻﻳ ﺔ ﻗﺒ ﻴﺢ ،وإﻋ ﻼن اﻟﻜﺮاﻣ ﺎت أﻗ ﺒﺢ ،ورب رﺟ ﻞ ﻳﺨﻔﻲ ﺗﻘﺮﺑﻪ إﻟﻰ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺧﻴﺮ ﻣﻤﻦ ﻳﻌﻠﻨﻮن " ﻓﻘ ﺎل أﺣ ﺪ اﻟﺤﺎﺿ ﺮﻳﻦ وه ﻮ ﻃﺒﻴ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن " : أراك ﺗﺤﻤ ﻞ ﻋﻠ ﻰ اﻟﺸ ﻴﺦ اﺑ ﻦ ﺳ ﻴﻨﺎ ﻟﺘﻌﺎﻃﻴ ﻪ اﻟﻔﻠﺴ ﻔﺔ، وﻣ ﺎ أﻧﺠ ﺰﻩ اﺑ ﻦ ﺳ ﻴﻨﺎ ﻓ ﻲ اﻟﻌﻠ ﻮم اﻟﺪﻧﻴﻮﻳ ﺔ ﻋﻈ ﻴﻢ، وﻧﺤ ﻦ ﻟ ﻢ ﻧﺤﺴ ﻦ اﻹﻓ ﺎدة ﻣﻨ ﻪ ﻷن ﺑﻌ ﺾ اﻟﻤﺸ ﺎﻳﺦ، ﺣﺮﻣ ﻮا ﻗ ﺮاءة اﺑ ﻦ ﺳ ﻴﻨﺎ ،وه ﻢ ﻓ ﻲ أورﺑ ﺎ ﻳﺪرﺳ ﻮﻧﻪ وﻳﺴﺘﻔﻴﺪون ﻣﻤﺎ وﺻﻞ إﻟﻴ ﻪ ﻓ ﻲ اﻟﻄ ﺐ وﻏﻴ ﺮﻩ ،وﻟﻬ ﺬا ﻳﺘﻘﺪﻣﻮن ،وﻧﺘﻮﻗﻒ ﻧﺤﻦ أو ﻧﺘﺄﺧﺮ! ! . . وﻗﺎل ﺷﻴﺦ اﻟﻤﻬﻨﺪﺳ ﻴﻦ " :ﻟﻘ ﺪ آ ﺎن اﻹﻣ ﺎم ﺟﻌﻔ ﺮ اﻟﺼ ﺎدق ﻳﺸ ﺠﻊ اﻟﻌﻠ ﻮم اﻟﺪﻧﻴﻮﻳ ﺔ ،وه ﻮ اﻟ ﺬي أﻧﺸ ﺄ ﻣﻌﻤﻼ ﻟﺘﻠﻤﻴﺬﻩ ﺟﺎﺑﺮ ﺑﻦ ﺣﻴﺎن ﻟﻴﻌﺎﻟﺞ ﻓﻴﻪ ﻋﻠﻢ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء، ﻓﻮﺻ ﻞ إﻟ ﻰ ﻧﺘ ﺎﺋﺞ ﻻ ﻧﻜ ﺎد ﻧﻔﻴ ﺪ ﻣﻨﻬ ﺎ ،ﻷﻧﻨ ﺎ ﺣﺮﻣﻨ ﺎ اﻻﺷﺘﻐﺎل ﺑﺎﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ،ﻣﻨ ﺬ رأﻳﻨ ﺎ ﺑﻌ ﺾ اﻟﻤﺸ ﺘﻐﻠﻴﻦ ﺑﻬ ﺎ، ﻳﺘﻌﺎﻃﻮن اﻟﺴﺤﺮ "
١٦٥
ﻓﺮد اﻟﺸﻴﺦ " :آﺎن اﻹﻣﺎم ﺟﻌﻔﺮ اﻟﺼﺎدق رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ،ﻳﺸﺠﻊ اﻟﻌﻠ ﻮم اﻟﺪﻧﻴﻮﻳ ﺔ اﻟﺘ ﻲ ﺗﻔﻴ ﺪ ،واﻟﻔﻠﺴ ﻔﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻠﻮم ،ﻓﻬﻲ ﺗﺴﻠﻂ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻳﻦ ،وﺗﺸﺠﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﺰﻳﻎ واﻟﻀﻼل " .. ﻓﻘﺎل ﻃﺒﻴ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن " :ﺗ ﺬآﺮ ﻳ ﺎ ﺷ ﻴﺦ اﻹﺳ ﻼم أن اﻹﻣﺎم اﻟﻠﻴﺚ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ اﻟ ﺬي ﻧﺸ ﺄ ﻋﻠ ﻰ ه ﺬﻩ اﻷرض اﻟﻤﺼ ﺮﻳﺔ ،ﻗ ﺪ أﻓ ﺎد اﻟﻔﻘ ﻪ اﻹﺳ ﻼﻣﻲ ،ﺑﻤ ﺎ ﻧﻘﻠ ﻪ إﻟﻴ ﻪ اﻟﻌﺮﺑ ﺔ ﻣ ﻦ ﺁﺛ ﺎر اﻟﻔﻜ ﺮ اﻟﻤﺼ ﺮي اﻟﻘ ﺪﻳﻢ .ﻓﻠﻴﺴ ﺖ آ ﻞ ﻻ ،ﻓﻤﻨﻬ ﺎ اﻟﻤﻨﻄ ﻖ اﻟ ﺬي ﻳﺴ ﺎﻋﺪ ﻣﺒﺎﺣ ﺚ اﻟﻔﻠﺴ ﻔﺔ ﺿ ﻼ َ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﻦ اﻻﺳﺘﺪﻻل ،ودﻗﺔ اﺳﺘﻨﺒﺎط اﻟﺤﻜﻢ " ﻓﻘ ﺎل اﻟﺸ ﻴﺦ " :ﻟﻌ ﻦ اﷲ اﻟﻤﻨﻄ ﻖ واﻟﻤﻨﺎﻃﻘ ﺔ وأرﺳ ﻄﻮ اﻟ ﻮﺛﻨﻲ واﺿ ﻊ اﻟﻤﻨﻄ ﻖ ! آ ﺎن اﻟﻔﻘﻬ ﺎء ﻳﺴﺘﺪﻟﻮن وﻳﺴﺘﻨﺒﻄﻮن ،وﻳﻘﻴﻤﻮن اﻟﺒ ﺮاهﻴﻦ ﻣ ﻦ اﻟﻜﺘ ﺎب واﻟﺴ ﻨﺔ ،ﻗﺒ ﻞ اﻟﻤﻨﻄ ﻖ .ﻓﻠﻤ ﺎ أﻣ ﺮ اﻟﻤ ﺄﻣﻮن ﺑﺘﺮﺟﻤﺘ ﻪ، ﻓ ﺘﻦ ﺑ ﻪ ﺑﻌ ﺾ أه ﻞ اﻟﻌﻠ ﻢ ،ﻓﺎﺷ ﺘﻄﻮا وأآﺜ ﺮوا اﻻﻓﺘﺮاﺿﺎت ،واﺳﺘﺪﻟﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺑﻤ ﺎ ه ﻮ ﻏﺮﻳ ﺐ ﻋﻨﻬ ﺎ ،ﻓﺰاﻏ ﺖ اﻟﻌﻘ ﻮل ،وﺿ ﻠﺖ اﻷﻓﻬ ﺎم ،وﺷ ﺎﻋﺖ اﻵراء اﻟﻤﻠﺤ ﺪة . .إن أﺧﻄ ﺎء اﻟﻔﻼﺳ ﻔﺔ ﻓ ﻲ اﻹﻟﻬﻴ ﺎت
١٦٦
ﺗﻨﺸ ﺄ ﻋ ﻦ اﻟﺨﻄ ﺄ ﻓ ﻲ اﻟﻤﻨﻄ ﻖ ،ﺣﺘ ﻰ أﺻ ﺒﺢ أآﺜ ﺮ اﻟﻔﻼﺳ ﻔﺔ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ ﺑﺮزﺧ ﺎ ﺑ ﻴﻦ اﻟﻮﺛﻨﻴ ﺔ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴ ﺔ، واﻹﺳﻼم ،ﻓﻼ هﻢ آﻔﺎر وﻻ هﻢ ﻣﺴﻠﻤﻮن ! " ﻓﻘ ﺎل اﻟﻄﺒﻴ ﺐ " :أﻻ ﺗ ﺮى أن اﻹﻣ ﺎم اﻟﻤﺼ ﺮي اﻟﻌﻈﻴﻢ اﻟﻠﻴﺚ ﺑﻦ ﺳ ﻌﺪ ،ﻗ ﺪ أﻓ ﺎد اﻟﻔﻘ ﻪ اﻹﺳ ﻼﻣﻲ؟ أﺧ ﺬ اﻟﺸ ﺎﻓﻌﻲ ﺣ ﻴﻦ ﺟ ﺎء ﻣﺼ ﺮ ﺑﻤ ﺬهﺐ اﻟﻠﻴ ﺚ ﻓ ﻲ اﻟﻔﻘ ﻪ، وأﺧﺬ ﺁﺧﺮون ﻋﻨﻪ ﺗﻔﺴﻴﺮﻩ ﻟﻠﻘﺮﺁن . .ﻓﻨﺤﻦ اﻟﻤﺼ ﺮﻳﻴﻦ أﻏﻨﻴﻨﺎ اﻟﻔﻘﻪ ،وﺣﺎﻓﻈﻨﺎ ﻋﻠ ﻰ اﻟ ﺪﻳﻦ ،ﺑﺤﺴ ﻦ اﻹﻓ ﺎدة ﻣ ﻦ ﺗﺮاﺛﻨﺎ اﻟﻤﺼﺮي اﻟﻘﺪﻳﻢ ،وهﻮ ﺗﺮاث ﻏﻴﺮ إﺳ ﻼﻣﻲ ،ﺑ ﻞ ﻣﺼﺮي ﻗﺢ ! " ﻗﺎل اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ " :ﻣ ﺎ ﺑﺎﻟ ﻚ ﺗﻠ ﺢ ﻓ ﻲ ﻗﻮﻟ ﻚ ﻣﺼ ﺮ واﻟﻤﺼ ﺮﻳﻴﻦ واﻟﻔﻜ ﺮ اﻟﻤﺼ ﺮي . .أﻧ ﺎ ﻻ أﻋ ﺮف ه ﺬا اﻟﺘﺤﻴ ﺰ ﻟﺠ ﻨﺲ أو أرض . .ﻻ ﺗﻘ ﻞ إﻻ اﻟﻌ ﺮب . .وﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳﺪﻋﻮ ﻣﺴﻠﻢ ﻟﻐﻴﺮ وﺣﺪة اﻟﻌﺮب ،واﻟﻌﺮب هﻢ ﻣﻦ آﺎن ﻟﺴ ﺎﻧﻬﻢ ﺑﺎﻟﻠﻐ ﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴ ﺔ وﻣ ﻦ آ ﺎﻧﻮا ﻣ ﻦ أوﻻد اﻟﻌ ﺮب ،وﻣ ﻦ آﺎﻧ ﺖ ﻣﺴ ﺎآﻨﻬﻢ ﺑ ﺄرض اﻟﻌ ﺮب ! وﻻ ﻳﻘﺎﺑﻞ اﻟﻌﺮب إﻻ اﻟﻌﺠﻢ .ﻓﻬﻞ أﻧﺘﻢ ﻋﺠ ﻢ أم ﻋ ﺮب؟ ﻟﻘ ﺪ ﺳ ﻜﻦ اﻟﻌ ﺮب ﺑ ﻼد أآﺎﻧ ﺖ ﻣ ﻦ ﻗ ﺒﻠﻬﻢ ﻣﺴ ﺎآﻦ ﻓ ﺎرس،
١٦٧
واﻟﺮوم ،واﻟﺒﺮﺑﺮ ،وﻗ ﺪ اﺳ ﺘﻌﺮﺑﺖ آ ﻞ ه ﺬﻩ اﻟ ﺒﻼد ﺑﻌ ﺪ اﻹﺳ ﻼم ،إﻻ ﻣ ﻦ اﺣ ﺘﻔﻆ ﺑﻠﻐﺘ ﻪ اﻷﻋﺠﻤﻴ ﺔ وه ﺬا ﻗﺒ ﻴﺢ ﻣ ﻨﻬﻢ ،وﻳﺠ ﺐ ﻋﻠ ﻴﻬﻢ أن ﻳﻌﺮﺑ ﻮا ﻟﺴ ﺎﻧﻬﻢ .وﻗ ﺪ ﻗ ﺎل اﻟﺮﺳ ﻮل ) : إذا ذﻟ ﺖ اﻟﻌ ﺮب ذل اﻹﺳ ﻼم( .وﻗ ﺎل رﺳﻮل اﷲ ) : أﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎس ،إن اﻟ ﺮب واﺣ ﺪ ،واﻷب واﺣﺪ ،واﻟﺪﻳﻦ دﻳﻦ واﺣﺪ ،وإن اﻟﻌﺮﺑﻴ ﺔ ﻟﻴﺴ ﺖ ﻷﺣ ﺪآﻢ ﺑ ﺄب وﻻ أم .إﻧﻤ ﺎ ه ﻲ ﻟﺴ ﺎن ،ﻓﻤ ﻦ ﺗﻜﻠ ﻢ اﻟﻌﺮﺑﻴ ﺔ ﻓﻬ ﻮ ﻋﺮﺑ ﻲ( وﻗ ﺪ ﻗ ﺎل أﺑ ﻮ ﻳﻮﺳ ﻒ ﺻ ﺎﺣﺐ اﻹﻣ ﺎم أﺑ ﻲ ﺣﻨﻴﻔ ﺔ ) :ﻻ ﺗﺆﺧ ﺬ اﻟﺠﺰﻳ ﺔ ﻣ ﻦ اﻟﻌﺮﺑ ﻲ آﺘﺎﺑﻴ ًﺎ آ ﺎن أو وﺛﻨﻴ ًﺎ ،وﺗﺆﺧ ﺬ اﻟﺠﺰﻳ ﺔ ﻣ ﻦ اﻟﻌﺠﻤ ﻲ آﺘﺎﺑﻴ ًﺎ آ ﺎن أو وﺛﻨﻴًﺎ( واﻟﻤﺴ ﻠﻢ اﻟ ﺬي ﻳ ﺒﻐﺾ اﻟﻌ ﺮب ﻣﺮﺗ ﺪ ﻋﻨ ﺪ ﺑﻌ ﺾ اﻟﻔﻘﻬ ﺎء وﻗ ﺪ روى اﻹﻣ ﺎم أﺣﻤ ﺪ أن اﻣ ﺮأة ﻣ ﻦ ﺑﻴ ﺖ رﺳ ﻮل اﷲ ،أﺧﺒﺮﺗ ﻪ أﻧﻬ ﺎ ﺳ ﻤﻌﺖ ﻣ ﻦ ﻳﻘ ﻮل ) :إن أﺣﻤﺪ ﻣﺜﻞ اﻟﺮﻳﺤﺎﻧﺔ ﻓﻲ وﺳﻂ اﻟﻨ ﺘﻦ( .ﻓﺨ ﺮج ﺻ ﻠﻮات اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ ،ﻳﻌ ﺮف اﻟﻐﻀ ﺐ ﻋﻠ ﻰ وﺟﻬ ﻪ ،ﺛ ﻢ ﺻ ﻌﺪ اﻟﻤﻨﺒ ﺮ ﻓﻘ ﺎل ) :ﻣ ﻦ أﻧ ﺎ؟( ﻓﻘ ﺎﻟﻮا ) :أﻧ ﺖ رﺳ ﻮل اﷲ( ﻓﻘﺎل ) :أﻧﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻄﻠ ﺐ .إن اﷲ
١٦٨
ﺧﻠ ﻖ اﻟﺨﻠ ﻖ ،ﻓﺎﺧﺘ ﺎر ﺑﻨ ﻲ ﺁدم .واﺧﺘ ﺎر ﻣ ﻦ ﺑﻨ ﻰ ﺁدم اﻟﻌ ﺮب ،ﻓﺄﻧ ﺎ ﺧﻴ ﺎر ﻣ ﻦ ﺧﻴ ﺎر ،ﻓﻤ ﻦ أﺣ ﺐ اﻟﻌ ﺮب ﻓﺒﺤﺒ ﻲ أﺣ ﺒﻬﻢ ،وﻣ ﻦ أﺑﻐ ﺾ اﻟﻌ ﺮب ،ﻓﺒﺒﻐﻀ ﻲ أﺑﻐﻀﻬﻢ( ﻋﻠ ﻰ أن اﻟﻌ ﺮب ﻳﺠ ﺐ أن ﻳﻜﻮﻧ ﻮا ﺧﻴ ﺎر اﻟﻨ ﺎس ﺣﻘ ًﺎ وﺻ ﺪﻗًﺎ ،وﻳﺠ ﺐ ﻋﻠ ﻴﻬﻢ أن ﻳﺘﻤﺴ ﻜﻮا ﺑﻤﻜ ﺎرم اﻷﺧ ﻼق اﻟﺘ ﻲ ﺟ ﺎء اﻟﺮﺳ ﻮل ﻟﻴﻜﻤﻠﻬ ﺎ وﻟﻴﻜﻮﻧ ﻮا ﺧﻴ ﺮ أﻣﺔ .ﻓﻔﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ :أﺣﺴﻨﻜﻢ ،أﺣﺴﻨﻜﻢ أﺧﻼﻗًﺎ ! ﻓﻠﻴﺤﺬروا أن ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻣﻦ أهﻞ اﻟﺴﻨﻴﻦ اﻟﻤﻀ ﻄﺮﺑﺔ اﻟﺘ ﻲ ﺟ ﺎء ﻓﻴﻬ ﺎ اﻟﺤ ﺪﻳﺚ اﻟﺸ ﺮﻳﻒ " :إن ﺑ ﻴﻦ ﻳ ﺪي اﻟﺴﺎﻋﺔ ،ﺳﻨﻴﻦ ﺧﺪاﻋ ﺔ ،ﻳﺼ ﺪق ﻓﻴﻬ ﺎ اﻟﻜ ﺎذب ،وﻳﻜ ﺬب ﻓﻴﻬ ﺎ اﻟﺼ ﺎدق ،وﻳ ﺆﺗﻤﻦ ﻓﻴﻬ ﺎ اﻟﺨ ﺎﺋﻦ ،وﻳﺨ ﻮن ﻓﻴﻬ ﺎ اﻷﻣﻴﻦ ،وﻳﺘﻜﻠﻢ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺮوﻳﺒﻀ ﺔ .ﻗﻴ ﻞ ) :ﻳ ﺎ رﺳ ﻮل اﷲ وﻣ ﺎ اﻟﺮوﻳﺒﻀ ﺔ(؟ ﻗ ﺎل ) :اﻟﻔﺎﺳ ﻖ( ﻓ ﻲ رواﻳ ﺔ ،وﻗ ﺎل )اﻟﻤﺮء اﻟﺘﺎﻓﻪ( ﻓﻲ رواﻳﺔ أﺧﺮى " ٭٭٭ ﻇ ﻞ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻓ ﻲ اﻟﻘ ﺎهﺮة ،ﻻ ﻳﻜ ﻒ ﻋ ﻦ اﻟﻤﺤﺎورات آﻠﻤ ﺎ ﺳ ﻨﺤﺖ اﻟﻔﺮﺻ ﺔ ،ﻣﺴ ﺘﻤﺮًا ﻓ ﻲ إﻟﻘ ﺎء
١٦٩
اﻟ ﺪروس ،واﻟﻔﺘ ﺎوى . .ﻳﺠﺘﻬ ﺪ ﻓ ﻲ اﻟﻤ ﺬهﺐ اﻟﺤﻨﺒﻠ ﻲ، وﻳﺨﺮج ﻋﻨﻪ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻟﻴﺄﺧﺬﻩ ﺑﻐﻴﺮﻩ .واﻟﻌﺎم ﻳﻤﻀ ﻲ ﺑﻌ ﺪ اﻟﻌﺎم ،وهﻮ ﻣﺸﺪود اﻟﻘﻠﺐ إﻟﻰ أﻣﻪ ﻓ ﻲ دﻣﺸ ﻖ ،وﻟﻜﻨ ﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺒﺮح اﻟﻘﺎهﺮة ،ﻓﺎﻟﺴﻠﻄﺎن ﻳﺒﻘﻴ ﻪ ،واﻟ ﺬﻳﻦ أﺣﺒﻮﻩ ﻻ ﻳﺘﺮآﻮﻧﻪ! . . وﺟﺎءت إﻟﻰ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن أﺧﺒ ﺎر ﻋ ﻦ زﺣ ﻒ اﻟﺘﺘ ﺎر، ﻓ ﺄﻋﻠﻦ اﻟﺠﻬ ﺎد ،وﺧﻄ ﺐ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻓ ﻲ اﻟﻤﺴ ﺎﺟﺪ ﻳﺴ ﺘﻨﻔﺮ اﻟﻨﺎس .وﺧﺮج ﻣﻊ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻟﻤﻼﻗﺎة اﻟﺘﺘﺎر. . وﻗﺒ ﻞ أن ﻳﺒﻠﻐ ﻮا ﺑﻴ ﺖ اﻟﻤﻘ ﺪس ،ﺟ ﺎءت اﻷﺧﺒ ﺎر، أن اﻟﺘﺘﺎر ﻋﺪﻟﻮا ﻋﻦ اﻟﺰﺧ ﻒ ،ﻟﻤ ﺎ ﻋﻠﻤ ﻮا أن اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﺧﺮج ﻟﻘﺘ ﺎﻟﻬﻢ . .ﻓﻌ ﺎد اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﺑﻌﺴ ﻜﺮﻩ إﻟ ﻰ اﻟﻘ ﺎهﺮة، أﻣﺎ اﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟ ﺪﻳﻦ ﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ،ﻓﻘ ﺪ اﺳ ﺘﺎذن اﻟﺴ ﻠﻄﺎن أن ﻳﻌﻮد إﻟﻰ دﻣﺸﻖ ،ﻓﺄذن ﻟﻪ . أﻗ ﺎم اﻟﺸ ﻴﺦ أﻳﺎﻣ ًﺎ ﻓ ﻲ ﺑﻴ ﺖ اﻟﻤﻘ ﺪس ،ﺣ ﺎور ﻓﻴﻬ ﺎ اﻟﻌﻠﻤﺎء ،وأﻓﺘﻰ ،ودرس . .ﺛﻢ اﺗﺠﻪ إﻟﻰ دﻣﺸﻖ . وﺧﺮﺟ ﺖ دﻣﺸ ﻖ آﻠﻬ ﺎ ﻻﺳ ﺘﻘﺒﺎﻟﻪ ،ﺣﺘ ﻰ اﻟﻨﺴ ﺎء واﻷﻃﻔﺎل !
١٧٠
واﻏﺮورﻗﺖ ﻋﻴﻨﺎﻩ ،وهﻮ ﻳﺮى ﺣﻔﺎوة أهﻞ دﻣﺸ ﻖ ﺑﻪ. . وﻋﻨﺪﻣﺎ أﻓﻀﻰ إﻟﻰ دارﻩ ،ﺷﻜﺮ اﻟﻨﺎس ،واﺳ ﺘﻘﺒﻠﺘﻪ أﻣﻪ أﺣﺮ اﺳﺘﻘﺒﺎل ،وﻓﺎﺿﺖ ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ اﻟﺪﻣﻮع . واﻣ ﺘﻸ دارﻩ ﻟﻌ ﺪة أﻳ ﺎم ﺑ ﺎﻟﻤﻬﻨﺌﻴﻦ ﺑﻌﻮدﺗ ﻪ. . واﺳﺘﺪﻋﺎﻩ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،ﻓﻮﺟ ﺪ اﻟﺸ ﻴﺦ رﺟ ﺎﻻ ﻳﻘﺒﻠ ﻮن اﻷرض ﺑ ﻴﻦ ﻳ ﺪي ﻧﺎﺋ ﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ،ﻓﻨﻬ ﺎهﻢ ﻋ ﻦ ه ﺬا: ﺣ ﺮام ﻋﻠ ﻰ اﻟﻤﺴ ﻠﻢ أن ﻳﺴ ﺠﺪ ﻟﻐﻴ ﺮ اﷲ ،أو أن ﻳﺤﻨ ﻲ ﻇﻬﺮﻩ أو رأﺳﻪ ﻷﺣﺪ ،أو أن ﻳﻘﺒﻞ ﻳﺪ أﺣﺪ ،ﻓﻬ ﺬﻩ أﻣ ﻮر ﻧﻬ ﻰ ﻋﻨﻬ ﺎ رﺳ ﻮل اﷲ ،ﻓﻴﺠ ﺐ إﺑﻄﺎﻟﻬ ﺎ ،وﺑﺼ ﻔﺔ ﺧﺎﺻ ﺔ ،اﻋﺘﻴ ﺎد ﺑﻌ ﺾ اﻟﻨ ﺎس ﺗﻘﺒﻴ ﻞ أﻳ ﺪي اﻟﻌﻠﻤ ﺎء واﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ! . .ﻟﻜﻢ ﻋﺎﻧﻲ اﻟﺸﻴﺦ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﻌ ﺎدة ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ! ! ﻣﺎ آﺎن أﺣﺪ ﻳﻘﺒﻞ ﻳﺪ ﺳﻴﺪ اﻟﺨﻠﻖ أﺟﻤﻌﻴﻦ :ﻣﺤﻤ ﺪ رﺳﻮل اﷲ ،أو ﻳﻨﺤﻨﻲ ﻟﻪ ،ﻓﻘﺪ ﻧﻬﻰ ﻋﻦ آﻞ ذﻟﻚ. .. . ٭٭٭ وﻋﻴﻦ اﻟﺸﻴﺦ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ،ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺪرﺳ ﺔ اﻟﺤﻨﺒﻠﻴ ﺔ، وﻋﺎد إﻟﻰ اﻟﻠﻘﺎء اﻟﺪروس ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻷﻣﻮي. .
١٧١
وﻓﻜ ﺮ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻓ ﻲ آ ﻞ ﻣ ﺎ ﻓ ﺎت ﻣ ﻦ ﻋﻤ ﺮﻩ ،وﻣ ﺎ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻨﻬﺾ ﺑ ﻪ اﻵن :ﻟﻘ ﺪ ﻋ ﺎش ﻓ ﻲ ﻣﺼ ﺮ ﺳﺒﻊ ﺳﻨﻮات ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ٧٠٥هـ .إﻟ ﻰ ﺳ ﻨﺔ ٧١٢ه ـ ،ﻟ ﻢ ﺗﻜ ﻦ آﻠﻬ ﺎ ﺳ ﻨﻮات ﻋﺠﺎﻓ ًﺎ ،وﻻ ه ﻦ ﺑﺴ ﺒﻊ ﺳ ﻨﻮات ﺳﻤﺎن !. . ﻟﻘ ﺪ ﺟ ﺎوز اﻟﺨﻤﺴ ﻴﻦ اﻵن ،وأﺻ ﺒﺢ ﻋﻠﻴ ﻪ أن ﻳﻨﺸﻐﻞ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺔ أآﺜﺮ ﻣﻤﺎ اﻧﺸﻐﻞ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿ ﻲ ،ﻓﻘ ﺪ ﺿﺎق اﻟﺰﻣﺎن. . واﺑﺘﺴﻢ وهﻮ ﻳﺘ ﺬآﺮ ﺣﻜﺎﻳ ﺔ اﻟﺮﺟ ﻞ اﻟﺼ ﺎﻟﺢ اﻟ ﺬي ﺳﻤﻊ ﻓﺎﺳﻘًﺎ ﻳﺘﻐﻨﻰ : ﻓﻮاﺻ ﻞ إذا اﻟﻌﺸﺮون ﻣﻦ ﺷﻌﺒﺎن وﻟﺖ ﺷﺮب ﻟﻴﻠﻚ ﺑﺎﻟﻨﻬﺎر ﻓﻘ ﺪ ﺿ ﺎق وﻻ ﺗﺸﺮب ﺑﺄﻗﺪاح ﺻﻐﺎر اﻟﺰﻣﺎن ﻋﻦ اﻟﺼﻐﺎر ﻓﻘﺎل اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺼﺎﻟﺢ ﻟﻨﻔﺴﻪ " :ﺣﻘ ًﺎ . .ﻟﻘ ﺪ ﺿ ﺎق اﻟﺰﻣ ﺎن ﻋ ﻦ اﻟﺼ ﻐﺎر" . .واﻋﺘﻜ ﻒ ﻳﻮاﺻ ﻞ اﻟﻠﻴ ﻞ ﺑﺎﻟﻨﻬﺎر ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺒﺪ !
١٧٢
رأى اﻟﺸ ﻴﺦ أﻧ ﻪ اه ﺘﻢ ﻓ ﻲ ﺣﻴﺎﺗ ﻪ اﻟﻤﺎﺿ ﻴﺔ ﺑ ﺄﻣﻮر اﻻﻋﺘﻘ ﺎد وﻓ ﺮوع اﻟﻔﻘ ﻪ ،واﻟﻤﺠ ﺎدﻻت اﻟﻌﻨﻴﻔ ﺔ ﻣ ﻊ ﺧﺼﻮم ﺗﺒﺎدﻟﻮا ﻓﻴﻬﺎ اﻻﺗﻬﺎﻣﺎت واﻹهﺎﻧﺎت .وﻟﻘﺪ ﺿ ﺎق اﻟﺰﻣ ﺎن ﻋ ﻦ اﻟﺼ ﻐﺎر ! ﻓﻴﺠ ﺐ أن ﺗﻮاﺻ ﻞ آ ﺪح ﻟﻴﻠ ﻚ ﻼ ﺑﺎﻟﻜﺒﺎر ﻣﻦ ﻣﺴ ﺎﺋﻞ اﻟﻔﻘ ﻪ وأﺻ ﻮﻟﻪ ﻳ ﺎ ﺑﺎﻟﻨﻬﺎر ،ﻣﻨﺸﻐ ً ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ! ! آﺘﺐ أآﺜﺮ ﻣﺆﻟﻔﺎﺗﻪ اﻟﻌﺪﻳﺪة ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ،وﻗ ﺪ أآﺴ ﺒﺘﻪ اﻟﺘﺠ ﺎرب ﻧﻀ ﺠًﺎ ﺧﺎﺻ ًﺎ ،ﻳﺆهﻠ ﻪ ﻟﻠﻜﺘﺎﺑ ﺔ ﻓ ﻲ اﻟﻤﺴﺎﺋﻞ اﻟﻜﺒﺎر . .وﻧﻈﺮ ﻓﻲ آﺘﺎﺑﺎﺗﻪ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ،ﻓﺄﺣﻜﻢ ﻣﺎ ﺳ ﺒﻖ أن آﺘﺒ ﻪ ،أو أﻓﺘ ﻰ ﺑ ﻪ ،وﺗﻜﻠ ﻢ ﻋ ﻦ اﻟﻤﻮﺿ ﻮع اﻟﻮاﺣﺪ ﻓﻲ أآﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺼﻨﻒ . ﺛ ﻢ ﻋﻤ ﺪ إﻟ ﻰ اﻟﻤﺴ ﺎﺋﻞ اﻟﻜﺒ ﺮى ﻓ ﻲ اﻟﻔﻘ ﻪ ،وإﻟ ﻰ أﺻﻮل اﻟﻔﻘﻪ . وآﺎن ﻳﺤﺎول اﻻﺟﺘﻬﺎد ،وﻟﻜﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﺬهﺐ اﻹﻣ ﺎم أﺣﻤﺪ ،ﻓﺈذا ﻋﺪل ﻋﻨﻪ ،أﺧﺬ ﻣﻦ ﻓﻘﻪ ﻣﺎﻟﻚ أو أﺑﻲ ﺣﻨﻴﻔﺔ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ،أو ﻓﻘﻪ ﺁل اﻟﺒﻴﺖ ،وﺑﺼﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻘ ﻪ ﺟﻌﻔ ﺮ اﻟﺼﺎدق ،أو زﻳﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ أو اﻟ ﺬﻳﻦ ﺳ ﺒﻘﻮهﻢ آﺎﻟﺤﺴ ﻴﻦ واﺑﻦ اﻟﺤﻨﻔﻴﺔ .
١٧٣
وﻟﻜﻨﻪ ﻓﻲ ه ﺬا اﻟﻄ ﻮر ﻣ ﻦ أﻃ ﻮار ﺣﻴﺎﺗ ﻪ ،ﻋ ﺮف ﺣﺰﻧًﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﺮﻓﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻗﻂ. . ﻣﺎﺗﺖ أﻣﻪ ﺑﻌﺪ أن ﺟﺎء دﻣﺸﻖ ﺑﺄﻋﻮام ﻗﻼﺋﻞ ،وﻗ ﺪ ﻋﺎﺷﺖ ﺗﺮﻋﺎﻩ ،وﺗﻮﺟﻬ ﻪ إﻟ ﻰ اﻟﺮﻓ ﻖ ﻓ ﻲ اﻟﺨﺼ ﻮﻣﺔ. . ﻟﻘﺪ اﺣﺘﺴﺒﻬﺎ ﻋﻨﺪ اﷲ ،وﻟﻜﻦ آﺎن آﻠﻤﺎ ﻋﺎد إﻟ ﻰ اﻟﺒﻴ ﺖ ذرف ﻋﻠﻴﻬ ﺎ اﻟ ﺪﻣﻮع ،ﺣﺘ ﻰ ﻟﺘﺨﻀ ﻞ ﻟﺤﻴﺘ ﻪ اﻟﺘ ﻲ ﻟ ﻢ ﺗﻐﺰهﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺸﻌﺮات اﻟﺒﻴﺾ ! وﻋﺎد إﻟﻰ ﻣﺴ ﺄﻟﺔ اﻟﺼ ﻔﺎت ﻟ ﻴﺤﻜﻢ اﻟﻜﺘﺎﺑ ﺔ ﻓﻴﻬ ﺎ .. ﻓﻜﺘﺐ " :ﻣﺬهﺐ ﺳﻠﻒ اﻷﻣﺔ وأﺋﻤﺘﻬﺎ ،أن ﻳﻮﺻ ﻒ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻤﺎ وﺻﻒ ﺑ ﻪ ﻧﻔﺴ ﻪ ،وﺑﻤ ﺎ وﺻ ﻔﻪ ﺑ ﻪ رﺳ ﻮﻟﻪ، ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺗﺤﺮﻳ ﻒ وﻻ ﺗﻌﻄﻴ ﻞ ،وﻣ ﻦ ﻏﻴ ﺮ ﺗﻜﻴﻴ ﻒ وﻻ ﺗﻤﺜﻴﻞ ،ﻳﺜﺒﺘ ﻮن ﷲ ﻣ ﺎ أﺛﺒﺘ ﻪ ﻣ ﻦ ﺻ ﻔﺎت ،وﻳﻨﻔ ﻮن ﻋﻨ ﻪ ﻣﺸ ﺎﺑﻬﺔ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗ ﺎت ،ﻳﺜﺒﺘ ﻮن ﻟ ﻪ ﺻ ﻔﺎت اﻟﻜﻤ ﺎل، وﻳﻨﻔ ﻮن ﻋﻨ ﻪ ﺿ ﺮب اﻷﻣﺜ ﺎل ،ﻳﻨﺰهﻮﻧ ﻪ ﻋ ﻦ اﻟ ﻨﻘﺺ واﻟﺘﻌﻄﻴﻞ ،وﻋﻦ اﻟﺘﺸ ﺒﻴﻪ واﻟﺘﻤﺜﻴ ﻞ ،إﺛﺒ ﺎت ﺑ ﻼ ﺗﻤﺜﻴ ﻞ، وﺗﻨﺰﻳ ﻪ ﺑ ﻼ ﺗﻌﻄﻴ ﻞ .ﻟ ﻴﺲ آﻤﺜﻠ ﻪ ﺷ ﻲء رد ﻋﻠ ﻰ اﻟﻤﻤﺜﻠﺔ ،وهﻮ اﻟﺴ ﻤﻴﻊ اﻟﺒﺼ ﻴﺮ رد ﻋﻠ ﻰ اﻟﻤﻌﻄﻠ ﺔ "
١٧٤
آ ﺎن ه ﺬا ه ﻮ ﺁﺧ ﺮ ﻣ ﺎ أﺣﻜﻤ ﻪ ﻣ ﻦ آ ﻼم ﻋ ﻦ اﻟﺼ ﻔﺎت ،وﻣ ﻊ ذﻟ ﻚ ﻓﻘ ﺪ اﺗﻬﻤ ﻪ ﺧﺼ ﻮﻣﻪ ﻣ ﻦ اﻟﻔﻘﻬ ﺎء ﺑﺎﻟﺘﺠﺴ ﻴﺪ واﻟﺘﺸ ﺒﻴﻪ واﻟﻀ ﻼل واﻟﻜﻔ ﺮ ،وأرﻓﻘﻬ ﻢ ﺑ ﻪ اﺗﻬﻤ ﻪ ﺑﺎﻟﺠﻬ ﻞ واﻟﻐ ﺮور ،وﻋ ﺪم ﻓﻬ ﻢ اﻟﺴ ﻨﺔ ! . .ﻓﻌ ﺎد إﻟﻰ ﺣﺪﺗﻪ ،وآﺘ ﺐ ﻋ ﻦ ﻓﻘﻴ ﻪ ﻣ ﻦ ﻣﺨﺎﻟﻔﻴ ﻪ " :ﻣ ﻦ ﻗ ﺎل هﺬا ﻓﻬﻮ آﺎﻟﺤﻤﺎر اﻟﺬي ﻓﻲ دارﻩ ". . . وأﻧﻜ ﺮ ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟﻔﻘﻬ ﺎء ﺣﺘ ﻰ ﻣﺆﻳﺪﻳ ﻪ ه ﺬا اﻷﺳ ﻠﻮب ﻓﻲ اﻟﺠﺪل ،وهﺬﻩ اﻟﺤﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﺼﺪم اﻟﺨﺼﻮم . ﺛ ﻢ ﻓ ﺘﺢ ﻣﻌﺮآ ﺔ ﺷ ﻴﻌﺔ ﻋﺼ ﺮﻩ ،وأﻧﻜ ﺮ ﻗ ﻮﻟﻬﻢ ﺑﺎﻹﻣ ﺎم اﻟﻤﻌﺼ ﻮم ،واﺗﻬﻤﻬ ﻢ ﺑ ﺄﻧﻬﻢ ﻳﺨ ﺎﻟﻔﻮن ﻓﻘ ﻪ ﺁل اﻟﺒﻴ ﺖ " :أﻣ ﺎ اﻟﻜ ﻼم ﻓ ﻲ أن ه ﺆﻻء أﺋﻤ ﺔ ﻓ ﺮض اﷲ اﻹﻳﻤ ﺎن ﺑﻬ ﻢ وﺗﻠﻘ ﻲ اﻟ ﺪﻳﻦ ﻋ ﻨﻬﻢ دون ﻏﻴ ﺮهﻢ ،ﺛ ﻢ ﻓ ﻲ ﻋﺼﻤﺘﻬﻢ ﻋ ﻦ اﻟﺨﻄ ﺄ ،ﻓ ﺈن آ ﻼ ﻣ ﻦ ه ﺬﻳﻦ اﻟﻘ ﻮﻟﻴﻦ ﻻ ﻳﻘﻮﻟﻪ إﻻ ﻣﻔﺮط ﻓﻲ اﻟﺠﻬﻞ أو ﻣﻔﺮط ﻓﻲ اﺗﺒﺎع اﻟﻬ ﻮى. ﻓﻤ ﻦ ﻋ ﺮف دﻳ ﻦ اﻹﺳ ﻼم ،وﻋ ﺮف ﺣ ﺎل ه ﺆﻻء آ ﺎن ﻋﺎﻟﻤ ًﺎ ﺑﺎﻻﺿ ﻄﺮار ﻣ ﻦ دﻳ ﻦ ﻣﺤﻤ ﺪ ﺑﻄ ﻼن ه ﺬا اﻟﻘ ﻮل .. .وأﺋﻤ ﺔ أه ﻞ اﻟﺒﻴ ﺖ آ ﺎﻧﻮا ﻳﺘﻌﻠﻤ ﻮن اﻟﺤ ﺪﻳﺚ ﻣ ﻦ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء ،آﻤ ﺎ ﻳ ﺘﻌﻠﻢ ﺳ ﺎﺋﺮ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ ،ﻓﻌﻠ ﻲ اﺑ ﻦ
١٧٥
اﻟﺤﺴ ﻴﻦ روى ﻋ ﻦ أﺑ ﺎن ﺑ ﻦ ﻋﺜﻤ ﺎن ﺑ ﻦ ﻋﻔ ﺎن ﻋ ﻦ أﺳﺎﻣﺔ ﺑﻦ زﻳﺪ وأﺑﻲ هﺮﻳﺮة واﺑﻦ ﻋﺒ ﺎس ،وأﺑ ﻮ ﺟﻌﻔ ﺮ ﻣﺤﻤ ﺪ )اﻟﺒ ﺎﻗﺮ( ،ﻳ ﺮوي ﻋ ﻦ ﺟ ﺎﺑﺮ ﺑ ﻦ ﻋﺒ ﺪ اﷲ .ﻓ ﺈذا أرادوا ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻧﻘﻠﻮا ﻋﻦ ﺟﺪهﻢ ،أﻧﻪ أوﺣﻲ إﻟﻴﻬﻢ ﻣ ﺎ ﻗﺎﻟ ﻪ ﺟﺪهﻢ ،ﻓﻬﺬﻩ ﻧﺒ ﻮة ،آﻤ ﺎ آ ﺎن ﻳ ﻮﺣﻰ إﻟ ﻰ اﻟﻨﺒ ﻲ ﻣ ﺎ أوﺣﻲ إﻟﻰ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ اﻷﻧﺒﻴﺎء " واﺳﺘﻤﺮ ﻳﻬ ﺎﺟﻢ اﻟﺸ ﻴﻌﺔ اﻹﻣﺎﻣﻴ ﺔ اﻟﻤﺘ ﺄﺧﺮﻳﻦ ،ﻓ ﻲ آﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﺻ ﻮل واﻟﻔ ﺮوع واﻟﻤﻌﻘﺘ ﺪات ،وﻳﺆآ ﺪ ﻓ ﻲ اﻟﻮﻗ ﺖ ﻧﻔﺴ ﻪ اﺣﺘﺮاﻣ ﻪ ﻵل اﻟﺒﻴ ﺖ ،وإﻓﺎدﺗ ﻪ ﻣ ﻨﻬﻢ، وﻳﻌﺘﺮف ﻟﻠﺸﻴﻌﺔ اﻹﻣﺎﻣﻴﺔ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻣﺴﻠﻤﻮن ﻣﺆﻣﻨﻮن ﻓﻲ اﻟﻈ ﺎهﺮ واﻟﺒ ﺎﻃﻦ ،وﻟﻜ ﻦ ﻓ ﻲ ﺑﻌ ﺾ أﻓﻜ ﺎرهﻢ ،ﻣ ﺎ ﻻ ﺗﺆﻳ ﺪﻩ اﻟﺴ ﻨﺔ ،وﻻ ﺣﺘ ﻰ ﺳ ﻠﻔﻬﻢ اﻟﺼ ﺎﻟﺢ .وﻗ ﺪ اﺣ ﺘﺞ ﻋﻠ ﻴﻬﻢ اﻹﻣ ﺎم ﺟﻌﻔ ﺮ اﻟﺼ ﺎدق ،ﻓ ﺈن ﻣﺘ ﺄﺧﺮي اﻟﺸ ﻴﻌﺔ ﻗ ﺎﻟﻮا إن اﻟﻘ ﺮﺁن ﻣﺤ ﺪث ﻣﻨﻔﺼ ﻞ ﻋ ﻦ اﷲ ،ه ﻮ آﻼﻣ ﻪ ﻣ ﻦ ﺟﻤﻠ ﺔ ﻣﺼ ﻨﻮﻋﺎﺗﻪ اﻟﻤﻨﻔﺼ ﻠﺔ ﻋﻨ ﻪ ،ﻓ ﺎﻗﺘﺮﺑﻮا ﻣ ﻦ زﻋ ﻢ اﻟﻤﻌﺘﺰﻟ ﺔ أن اﻟﻘ ﺮﺁن ﻣﺨﻠ ﻮق . .وه ﺬا اﻟﻘ ﻮل ﻟﻠﺸﻴﻌﺔ ﻳﺨﺎﻟﻒ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﻟﺴﻠﻒ ﻣﻦ أﺋﻤﺔ أهﻞ اﻟﺒﻴﺖ ﻣﺜﻞ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﺼﺎدق ،اﻟﺬي ﻗ ﺎل إن اﻟﻘ ﺮﺁن ﻟ ﻴﺲ ﺑﺨ ﺎﻟﻖ وﻻ
١٧٦
ﻣﺨﻠﻮق وﻟﻜﻨﻪ آ ﻼم اﷲ .وه ﺬا ﻣ ﺎ اﺣ ﺘﺞ ﺑ ﻪ أﺣﻤ ﺪ ﻓ ﻲ اﻟﻤﺤﻨﺔ ،وهﻮ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻪ أهﻞ اﻟﺴﻨﺔ . ورد ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺸﻴﻌﺔ ﺑﻤﺜﻞ ﺣﺪﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺠﺪل واﻟ ﺘﻬﻜﻢ، وﺳ ﺨﺮوا ﻣ ﻦ ﺗﺴ ﻤﻴﺘﻪ ﺷ ﻴﺦ اﻹﺳ ﻼم ،وﻣ ﻦ رأﻳ ﻪ ﻓ ﻲ اﻹﻣﺎﻣ ﺔ ،ودﻋﻮﺗ ﻪ إﻟ ﻰ اﻻﻋﺘ ﺮاف ﺑﺎﻟﻤﻠﻜﻴ ﺔ اﻟﺪﻧﻴﻮﻳ ﺔ، وإﻳﺠﺎب ﻃﺎﻋﺔ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،ﻣﻠﻜ ﺎ آ ﺎن أو ﺧﻠﻴﻔ ﺔ أو ﺳ ﻠﻄﺎﻧًﺎ ،وإن آ ﺎن ﻓ ﺎﺟﺮا ﻓﺎﺳ ﻘًﺎ ! ! وﺷ ﻨﻌﻮا ﻋﻠﻴ ﻪ ﺑﺄﻧ ﻪ ﻻ ﻳﺤ ﺐ ﺁل اﻟﺒﻴ ﺖ ،ﻓ ﺮد ﻋﻠ ﻴﻬﻢ ﺑﺄﻧ ﻪ ﻳﺤ ﺐ ﺁل اﻟﺒﻴﺖ وﻳﻌﺮف ﻓﻘﻪ ﺁل اﻟﺒﻴ ﺖ ،أآﺜ ﺮ ﻣ ﻦ ه ﺆﻻء اﻟﻨﻔ ﺮ ﻣﻦ ﻣﺘﺄﺧﺮي اﻟﺸﻴﻌﺔ !. . وﻣﻀ ﻰ ﻳ ﺪﻟﻲ ﺑﺂراﺋ ﻪ ﻓ ﻲ اﻟﺪوﻟ ﺔ وﺷ ﺌﻮﻧﻬﺎ " : ﺧﻼﻓ ﺔ اﻟﻨﺒ ﻮة ﺛﻼﺛ ﻮن ﺳ ﻨﺔ )ه ﻰ ﻋﺼ ﺮ اﻟﺨﻠﻔ ﺎء اﻟﺮاﺷﺪﻳﻦ اﻷرﺑﻌﺔ( ﺛﻢ ﺻ ﺎرت ﻣﻠﻜ ﺎ . .وآ ﻮن اﻟﻮاﺣ ﺪ ﻣ ﻦ ه ﺆﻻء إﻣﺎﻣ ًﺎ ﺑﻤﻌﻨ ﻰ أﻧ ﻪ آ ﺎن ﻟ ﻪ ﺳ ﻠﻄﺎن ،وﻣﻌ ﻪ اﻟﺴﻴﻒ ،ﻳﻮﻟﻲ وﻳﻌﺰل ،وﻳﻌﻄﻲ وﻳﺤ ﺮم ،وﻳﻨﻔ ﺬ ،وﻳﻘ ﻴﻢ اﻟﺤﺪود ،وﻳﺠﺎهﺪ اﻟﻜﻔﺎر ،وﻳﻘﺴﻢ اﻷﻣﻮال ،أﻣﺮ ﻣﺸﻬﻮر ﻣﺘ ﻮاﺗﺮ ﻻ ﻳﻤﻜ ﻦ ﺟﺤ ﺪﻩ ،وه ﺬا ﻣﻌﻨ ﻰ آﻮﻧ ﻪ إﻣﺎﻣ ﺎ وﺧﻠﻴﻔﺔ وﺳ ﻠﻄﺎﻧًﺎ ..وأﻣ ﺎ آﻮﻧ ﻪ ﺑ ﺮًا أو ﻓ ﺎﺟﺮًا ،ﻣﻄﻴﻌ ًﺎ
١٧٧
أوﻋﺎﺻ ﻴًﺎ ،ﻓ ﺬﻟﻚ أﻣ ﺮ ﺁﺧ ﺮ . .وﻣ ﺬهﺐ أه ﻞ اﻟﺴ ﻨﺔ أن ه ﺆﻻء ﻳﺸ ﺎرآﻮن ﻓﻴﻤ ﺎ ﻳﺤﺘ ﺎج إﻟ ﻴﻬﻢ ﻓﻴ ﻪ ﻣ ﻦ ﻃﺎﻋ ﺔ، ﻓﻨﺼ ﻠﻲ ﺧﻠﻔﻬ ﻢ اﻟﺠﻤ ﻊ واﻟﻌﻴ ﺪﻳﻦ وﻏﻴﺮهﻤ ﺎ ﻣ ﻦ اﻟﺼ ﻠﻮات اﻟﺘ ﻲ ﻳﻘﻴﻤﻮﻧﻬ ﺎ . .وﻧﺠﺎه ﺪ ﻣﻌﻬ ﻢ اﻟﻜﻔ ﺎر، وﻧﺤ ﺞ ﻣﻌﻬ ﻢ اﻟﺒﻴ ﺖ ،وﻳﺴ ﺘﻌﺎن ﺑﻬ ﻢ ﻓ ﻲ اﻷﻣ ﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮوف واﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ ،وإﻗﺎﻣﺔ اﻟﺤﺪود " . وﻳ ﺮى اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﻣﻨ ﻊ اﻟﺨ ﺮوج ﻋﻠ ﻰ اﻟﻨﻈ ﺎم اﻟﺴﻴﺎﺳ ﻲ ،ﻋﻠ ﻰ ﻧﻘ ﻴﺾ اﻟﺸ ﻴﻌﺔ . .ﻗ ﺎل " :وﻗ ﻞ ﻣ ﻦ ﺧ ﺮج ﻋﻠ ﻰ إﻣ ﺎم ذي اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ،إﻻ آ ﺎن ﻣ ﺎ ﺗﻮﻟ ﺪ ﻣ ﻦ ﻓﻌﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﺸﺮ أﻋﻈﻢ ﻣﻤﺎ ﺗﻮﻟﺪ ﻣﻦ اﻟﺨﻴﺮ " ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ أﻳﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎن وأﻣﺮاء اﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ ﻋﻠ ﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ آﻞ ﺷﻲء ! واﻷﻣﺎﻧﺔ ﻋﻨﺪﻩ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻹﺟﺎرة ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻞ . وآ ﺎن ﺑﻌ ﺾ اﻟﺴ ﻠﻒ اﻟﺼ ﺎﻟﺢ إذا دﺧ ﻞ ﻋﻠ ﻰ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﻗﺎل ﻟﻪ " اﻟﺴﻼم ﻋﻠﻴ ﻚ أﻳﻬ ﺎ اﻷﺟﻴ ﺮ .إﻧﻤ ﺎ أﻧ ﺖ أﺟﻴﺮ اﺳﺘﺄﺟﺮك رب هﺬﻩ اﻟﻐﻨﻢ " أﻣﺎ ﺷﺮوط اﻹﻣﺎﻣﺔ ﻓﻘﺪ ﺟﻤﻌﺘﻬ ﺎ اﻵﻳ ﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤ ﺔ : إن ﺧﻴﺮ ﻣﻦ اﺳﺘﺄﺟﺮت اﻟﻘﻮى اﻷﻣﻴﻦ.
١٧٨
ورأى أن اﻟﺪوﻟ ﺔ ﻳﺠ ﺐ أن ﺗﺘ ﺪﺧﻞ أﺣﻴﺎﻧ ًﺎ ﻟﺘﻘﻴ ﺪ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﻔﺮد ﻓﻲ اﻟﺘﻤﻠﻚ واﻟﻌﻤﻞ ،إذا وﻗﻌﺖ ﻣﻀﺮة ﻣ ﻦ إﻃﻼق ﺣﺮﻳﺘﻪ " :إذا آﺎن اﻟﻨﺎس ﻣﺤﺘﺎﺟﻴﻦ إﻟﻰ ﻓﻼﺣ ﻪ ﻗﻮم ،أو ﻧﺴﺎﺟﻬﺘﻢ ،أو ﺑﻨﺎﺋﻬﻢ ،ﺻ ﺎر ه ﺬا اﻟﻌﻤ ﻞ واﺟﺒ ﺎ ﻋﻠ ﻴﻬﻢ ،ﻳﺠﺒ ﺮهﻢ وﻟ ﻲ اﻷﻣ ﺮ ﻋﻠﻴ ﻪ ،إذا اﻣﺘﻨﻌ ﻮا ﻋﻨ ﻪ ﺑﻌﻮض اﻟﻤﺜﻞ؟ ". . وه ﻮ ﻳ ﺮى اﻟﺘﺴ ﻌﻴﺮ ﻓ ﻲ اﻟﺒﻀ ﺎﺋﻊ إذا " :اﻣﺘﻨ ﻊ أرﺑﺎب اﻟﺴﻠﻊ ﻋﻦ ﺑﻴﻌﻬﺎ ﻣ ﻊ ﺿ ﺮورة اﻟﻨ ﺎس إﻟﻴﻬ ﺎ ،إﻻ ﺑﺰﻳﺎدة ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ،ﻓﻬﻨ ﺎ ﻳﺠ ﺐ ﻋﻠ ﻴﻬﻢ ﺑﻴﻌﻬ ﺎ ﺑﻘﻴﻤ ﺔ اﻟﻤﺜ ﻞ ،وﻻ ﻣﻌﻨ ﻰ ﻟﻠﺘﺴ ﻌﻴﺮ إﻻ إﻟ ﺰاﻣﻬﻢ ﺑﻘﻴﻤ ﺔ اﻟﻤﺜﻞ " وﺗﺤ ﺪث ﻋ ﻦ اﻻﺣﺘﻜ ﺎر واﻟﺘﺴ ﻌﻴﺮ " :أن ﻳﻜ ﻮن اﻟﻨﺎس ﻗﺪ اﻟﺘﺰﻣﻮا أﻻ ﻳﺒﻴ ﻊ اﻟﻄﻌ ﺎم أو ﻏﻴ ﺮﻩ ،إﻻ أﻧ ﺎس ﻣﻌﺮوﻓ ﻮن ،ﻻﺗﺒ ﺎع اﻟﺴ ﻠﻊ إﻻ ﻟﻬ ﻢ ﺛ ﻢ ﻳﺒﻴﻌﻮﻧﻬ ﺎ ه ﻢ .. ﻓﻬﻨﺎ ﻳﺠﺐ اﻟﺘﺴﻌﻴﺮ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،ﺑﺤﻴ ﺚ ﻻ ﻳﺒﻴﻌ ﻮن إﻻ ﺑﻘﻴﻤ ﺔ اﻟﻤﺜﻞ ،وﻻ ﻳﺸﺘﺮون أﻣﻮال اﻟﻨﺎس إﻻ ﺑﻘﻴﻤﺔ اﻟﻤﺜﻞ ،ﺑ ﻼ ﺗﺮدد ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻋﻨﺪ أﺣﺪ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء ،ﻷﻧ ﻪ إذا آ ﺎن ﻗ ﺪ ﻣﻨ ﻊ ﻏﻴﺮهﻢ ،أن ﻳﺒﻴﻊ ذﻟﻚ اﻟﻨﻮع أو ﻳﺸﺘﺮﻳﻪ ،ﻓﻠﻮ ﺳﻮغ ﻟﻬ ﻢ
١٧٩
أن ﻳﺒﻴﻌﻮا ﺑﻤ ﺎ اﺧﺘ ﺎروا ،أو ﻳﺸ ﺘﺮوا ﺑﻤ ﺎ اﺧﺘ ﺎروا آ ﺎن ذﻟ ﻚ ﻇﻠﻤ ﺎ ﻟﻠﺨﻠ ﻖ ﻣ ﻦ وﺟﻬ ﻴﻦ :ﻇﻠﻤ ﺎ ﻟﻠﺒ ﺎﺋﻌﻴﻦ اﻟ ﺬﻳﻦ ﻳﺮﻳﺪون ﺑﻴ ﻊ ﺗﻠ ﻚ اﻷﻣ ﻮال ،وﻇﻠﻤ ﺎ ﻟﻠﻤﺸ ﺘﺮﻳﻦ ﻣ ﻨﻬﻢ. . واﻟﻮاﺟ ﺐ إذا ﻟ ﻢ ﻳﻤﻜ ﻦ دﻓ ﻊ ﺟﻤﻴ ﻊ اﻟﻈﻠ ﻢ أن ﻳ ﺪﻓﻊ اﻟﻤﻤﻜﻦ ﻣﻨﻪ ،ﻓﺎﻟﺘﺴﻌﻴﺮ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ هﺬا واﺟ ﺐ ﺑ ﻼ ﻧ ﺰاع، وﺣﻘﻴﻘﺘ ﻪ إﻟ ﺰاﻣﻬﻢ أﻻ ﻳﺒﻴﻌ ﻮا ،وﻻﻳﺸ ﺘﺮوا ،إﻻ ﺑ ﺜﻤﻦ اﻟﻤﺜﻞ ،وهﺬا واﺟﺐ ﻓﻲ ﻣﻮاﺿﻊ آﺜﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ" واﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻻ ﻳﻜﺘﻔﻲ ﺑﺘﺴ ﻌﻴﺮ اﻟﺒﻀ ﺎﺋﻊ ،ﺑ ﻞ ﻳﻔﺘ ﻲ ﺑﺘﺴ ﻌﻴﺮ اﻷﻋﻤ ﺎل .واﻟﻨ ﺎس إذا اﺣﺘ ﺎﺟﻮا إﻟ ﻰ أه ﻞ اﻟﺼ ﻨﺎﻋﺎت ،ﻓﺈﻧ ﻪ ﻳﻘ ﺪر أﺟ ﺮة اﻟﻤﺜ ﻞ ،وﻻ ﻳﻄ ﺎﻟﺒﻮن ﺑﺰﻳﺎدة . وأﺟﺎز ﻟﻺﻣ ﺎم أن ﻳﻔ ﺮض ﻋﻠ ﻰ اﻷﻏﻨﻴ ﺎء ﻣ ﺎ ﻻﺑ ﺪ ﻣﻦ دﻓﻌﻪ ﻹﻋﺪاد اﻟﺠﻨﺪ ،وإﻋﺪاد اﻟﺴﻼح ،ﺣﻤﺎﻳ ﺔ ﻟﻠ ﺒﻼد واﻹﻧﻔﺎق ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺼﺎﻟﺢ اﻟﻌﺎﻣﺔ وﻻ ﻳﺘﺤﻤﻞ اﻟﻔﻘﺮاء ﻣ ﻦ ذﻟ ﻚ ﺷ ﻲء ،وﻓ ﻲ اﻷﻣ ﺔ أﻏﻨﻴ ﺎء . .وه ﺬا ﻣ ﻦ ﺑ ﺎب اﻟﻌﺪل . اﻟﻌﺪل ﻳﺠ ﺐ أن ﻳﻜ ﻮن أﺳ ﺎس اﻟﺤﻜ ﻢ .وذه ﺐ ﻓ ﻲ هﺬا إﻟﻰ ﺣﺪ اﻟﻘﻮل " :أﻣﻮر اﻟﻨﺎس ﺗﺴﺘﻘﻴﻢ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻊ
١٨٠
اﻟﻌﺪل اﻟﺬي ﻓﻴﻪ اﻻﺷﺘﺮاك ﻓ ﻲ أﻧ ﻮاع اﻹﺛ ﻢ ،أآﺜ ﺮ ﻣﻤ ﺎ ﺗﺴﺘﻘﻴﻢ ﻣﻊ اﻟﻈﻠﻢ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻮق ،وإن ﻟﻢ ﺗﺸﺘﺮك ﻓ ﻲ إﺛ ﻢ. وﻟﻬ ﺬا ﻗﻴ ﻞ ) :إن اﷲ ﻳﻘ ﻴﻢ اﻟﺪوﻟ ﺔ اﻟﻌﺎدﻟ ﺔ ،وإن آﺎﻧ ﺖ آ ﺎﻓﺮة وﻻ ﻳﻘ ﻴﻢ اﻟﻈﺎﻟﻤ ﺔ وإن آﺎﻧ ﺖ ﻣﺴ ﻠﻤﺔ( .وﻳﻘ ﺎل : )اﻟ ﺪﻧﻴﺎ ﺗ ﺪوم ﻣ ﻊ اﻟﻌ ﺪل واﻟﻜﻔ ﺮ ،وﻻ ﺗ ﺪوم ﻣ ﻊ اﻟﻈﻠ ﻢ واﻹﺳ ﻼم( .وﻗ ﺪ ﻗ ﺎل اﻟﻨﺒ ﻲ ) : ﻟ ﻴﺲ ذﻧ ﺐ أﺳ ﺮع ﻋﻘﻮﺑﺔ ﻣ ﻦ اﻟﺒﻐ ﻲ وﻗﻄ ﻊ اﻟ ﺮﺣﻢ( . .ﻓﺎﻟﻌ ﺪل ﻧﻈ ﺎم آ ﻞ ﺷﻲء ،ﻓﺈذا أﻗﻴﻢ أﻣﺮ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﻌﺪل ﻗﺎﻣﺖ . .وﻣﺘﻰ ﻟﻢ ﺗﻘ ﻢ ﺑﻌ ﺪل ،ﻟ ﻢ ﺗﻘ ﻢ ،وإن آ ﺎن ﻟﺼ ﺎﺣﺒﻬﺎ ﻣ ﻦ اﻹﻳﻤ ﺎن ﻣ ﺎ ﻳﺠﺰى ﺑﻪ ﻓﻲ اﻵﺧﺮة ". . . واﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮوف واﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ ،ﺿ ﺮورة ﻹﻗﺎﻣﺔ اﻟﻌﺪل وﺣﻤﺎﻳﺘﻪ. . وﻟﻜﻦ ﻣﻦ هﻮ اﻟﺬي ﻳﺄﻣﺮ ﺑ ﺎﻟﻤﻌﺮوف وﻳﻨﻬ ﻲ ﻋ ﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ؟. . ﻳﺠ ﺐ أن ﺗﺘ ﻮﻓﺮ ﻓﻴ ﻪ ﺛ ﻼث ﺷ ﺮوط :اﻟﻌﻠ ﻢ، واﻟﺮﻓﻖ ،واﻟﺼﺒﺮ) . .ﻓﻼ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮوف وﻳﻨﻬﻲ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜ ﺮ ،إﻻ ﻣ ﻦ آ ﺎن ﻓﻘﻴﻬ ًﺎ ﻓﻴﻤ ﺎ ﻳ ﺄﻣﺮ ﺑ ﻪ ،ﻓﻘﻴﻬ ًﺎ ﻓﻴﻤ ﺎ ﻳﻨﻬﻰ ﻋﻨﻪ ،رﻓﻴﻘًﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﻪ ،رﻓﻴﻘًﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻨﻬ ﻰ ﻋﻨ ﻪ،
١٨١
ﺣﻠﻴﻤًﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﻪ ،ﺣﻠﻴﻤًﺎ ﻓﻴﻤ ﺎ ﻳﻨﻬ ﻰ ﻋﻨ ﻪ( .وﻗ ﺪ ﻗ ﺎل اﻟﻨﺒ ﻲ ) : ﻣ ﺎ آ ﺎن اﻟﺮﻓ ﻖ ﻓ ﻲ ﺷ ﻲء إﻻ زاﻧ ﻪ ،وﻻ آﺎن اﻟﻌﻨﻒ ﻓﻲ ﺷﻲء إﻻ ﺷﺎﻧﻪ( . .وﻟﻬﺬا ﻳ ﻨﻬﺾ ﺑ ﺄداء اﻟﻮاﺟ ﺐ اﻟﺸ ﺮﻋﻲ أوﻟ ﻮ اﻷﻣ ﺮ ﻣ ﻦ اﻟﺤﻜ ﺎم واﻟﻌﻠﻤ ﺎء. ﻓﺎﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﺬﻳﻦ اﺗﺼ ﻔﻮا ﺑ ﺎﻟﺮﻓﻖ واﻟﺼ ﺒﺮ ﻣ ﻦ اﻟﻔﻘ ﻪ ه ﻢ وﺣ ﺪهﻢ اﻟ ﺬﻳﻦ ﻳ ﺄﻣﺮون ﺑ ﺎﻟﻤﻌﺮوف وﻳﻨﻬ ﻮن ﻋ ﻦ اﻟﻤﻨﻜ ﺮ .ﻓ ﻼ ﻳﺤ ﻖ ه ﺬا ﻟﻌ ﺎﻟﻢ ﻏﻠ ﻴﻆ ﻋﻨﻴ ﻒ أو ﻏﻴ ﺮ ﺻﺒﻮر . وآﻞ ﻓ ﺮد ﻣ ﻦ اﻟﺮﻋﻴ ﺔ ،ﻳﺠ ﺐ ﻋﻠﻴ ﻪ أن ﻳ ﺆدي ﻣ ﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻠﺪوﻟﺔ ﻣﻦ واﺟﺒﺎت ،وﻣﻨﻬﺎ ﺣﻘﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﺎل، وﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺴ ﻌﻰ ﻣ ﺎ اﺳ ﺘﻄﺎع ﻟﻠﻮﻓ ﺎء ﺑﻬ ﺬا اﻟﺤ ﻖ ،ﻓﻬ ﻮ ﻣﺪﻳﻦ ،ﻓﺈن ﻋﺠﺰ ﻋﻦ اﻟﻤﺪﻳﻦ ﻋﻦ أداء دﻳﻨﻪ ﻟﻠﺪوﻟ ﺔ ،أو دﻳﻨﻪ ﻟﺪاﺋﻦ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ اﻷﻓﺮاد ،أدﺗ ﻪ ﻋﻨ ﻪ اﻟﺪوﻟ ﺔ ،ﺑﺸ ﺮط اﻟﺘﺤﻘﻖ ﻣﻦ أﻧﻪ ﻳﺴﻌﻰ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎع ،ﻓﻌﺠﺰ ﻋﻦ اﻷداء . وآﻞ ﻓﺮد ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ،وه ﻲ ﺗﺤﻤﻴ ﻪ ﻣ ﻦ أي ﻋﺪوان ،ﺣﺘ ﻰ ﻟ ﻮ ﻟ ﻢ ﺗ ﺮد ﺑﻬ ﺬا اﻟﻌ ﺪوان ﻋﻘﻮﺑ ﺎت. ﻓﺈذا آﺬب ﻋﻠﻴﻪ أﺣﺪ ،وأﺧﺬ ﺑﺎﻟﻜﺬﺑﺔ ،وﻋﺰر وﻃﻴ ﻒ ﺑ ﻪ اﻷﺳﻮاق ،وﺟﺐ ﻋﻠﻰ وﻟﻲ اﻷﻣﺮ ،أن ﻳﻌﺎﻗﺐ ﻣﻦ آﺬب
١٨٢
ﻋﻠﻴ ﻪ ﺑ ﺬات اﻟﻌﻘﻮﺑ ﺔ اﻟﺘ ﻲ وﻗﻌ ﺖ ﻋﻠ ﻰ اﻟﺒ ﺮيء، وﻳﻌﻮض اﻟﺒﺮيء ﻣﻦ ﻣﺎل اﻟﻜﺬاب!. . . ﻋﻠ ﻰ أﻧ ﻪ ﻟ ﻴﺲ ﻟﻠﺤ ﺎآﻢ أن ﻳﻀ ﺮب ﻓ ﺮدًا ﻣ ﻦ اﻟﺮﻋﻴ ﺔ إﻻ ﺑﺤﻜ ﻢ ﻗﻀ ﺎﺋﻲ ﺷ ﺮﻋﻲ ﺑﺘﻌﺰﻳ ﺮﻩ ﻋ ﻦ اﻟﺠﻨﺎﻳ ﺎت اﻟﺘ ﻲ ﻟﻴﺴ ﺖ ﻟﻬ ﺎ ﺣ ﺪود ﻓ ﻲ اﻟﻜﺘ ﺎب واﻟﺴ ﻨﺔ. ﻓ ﺈذا ﺿ ﺮﺑﻪ اﻟﺤ ﺎآﻢ وﺟ ﺐ اﻟﻘﺼ ﺎص ﻣ ﻦ اﻟﻀ ﺎرب، وﻋﻠ ﻲ ﺻ ﺎﺣﺐ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﺧﻠﻴﻔ ﺔ آ ﺎن أو ﻣﻠﻜ ًﺎ أو ﺳﻠﻄﺎﻧًﺎ ،أن ﻳﻘﺘﺺ ﻣﻦ اﻟﺤ ﺎآﻢ اﻟﻤﻌﺘ ﺪي ،وأن ﻳﻌ ﻮض اﻟﻤﻌﺘ ﺪى ﻋﻠﻴ ﻪ ﻣ ﻦ ﻣﺎﻟ ﻪ . .وهﻜ ﺬا آ ﺎن ﻋﻤ ﺮ . .وﻗ ﺪ ﻗﺎل " :ﻣ ﺎ أرﺳ ﻠﺖ إﻟ ﻴﻜﻢ ﻋﻤ ﺎﻟﻲ ﻟﻴﻀ ﺮﺑﻮا أﺑﺸ ﺎرآﻢ، ﺑﻞ ﻟﻴﻌﻠﻤﻮآﻢ وﻳﻔﻘﻬﻮآﻢ وﻳﺤﻤﻮآﻢ" ٭٭٭ اﺳﺘﻤﺮ اﻟﺸﻴﺦ ﻳﻜﺘﺐ وﻳ ﺪرس وﻳﻔﺘ ﻲ ،ﻣﻌﺘﻤ ﺪًا ﻓ ﻲ اﺳ ﺘﻨﺒﺎط ﺁراﺋ ﻪ ﻋﻠ ﻰ أﺻ ﻮل اﻟﻔﻘ ﻪ اﻟﺘ ﻲ أﻗﺮه ﺎ اﻹﻣ ﺎم أﺣﻤ ﺪ :ﻓ ﺎﻟﺤﻜﻢ ﻳﺆﺧ ﺬ ﻣ ﻦ اﻟﻜﺘ ﺎب واﻟﺴ ﻨﺔ ،وﺣﺠﻴ ﺔ اﻟﺴ ﻨﺔ ﺛﺎﺑﺘ ﺔ ﺑﺎﻟﻜﺘ ﺎب :وﻣ ﺎ ﺁﺗ ﺎآﻢ اﻟﺮﺳ ﻮل ﻓﺨ ﺬوﻩ، وﻣﺎ ﻧﻬﺎآﻢ ﻋﻨﻪ ﻓﺎﻧﺘﻬﻮا .وهﻲ ﺷﺎرﺣﺔ ﻟﻪ .ﺛﻢ إﺟﻤ ﺎع اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ،أو إﺟﻤﺎع ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ،ﻋﻠ ﻰ أن ﻳﻜ ﻮن
١٨٣
ﺳﻨﺪ هﺬا اﻹﺟﻤﺎع ﻧﺼًﺎ ،وﻻ ﺗﻮﺟ ﺪ ﻣﺴ ﺄﻟﺔ ﻓﻴﻬ ﺎ إﺟﻤ ﺎع إﻻ وﻓﻴﻬ ﺎ ﻧ ﺺ . .وهﻨ ﺎ ﻳﻜ ﻮن اﻟ ﻨﺺ ﻻ اﻹﺟﻤ ﺎع ه ﻮ اﻷﺻﻞ .وﻣﻦ ذﻟﻚ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﻤﻀﺎرﺑﺔ ،ﻓﻘﺪ آﺎﻧﺖ ﺷ ﺎﺋﻌﺔ ﺑ ﻴﻦ اﻟﻌ ﺮب ﻓ ﻲ اﻟﺠﺎهﻠﻴ ﺔ ،ﻓﻠﻤ ﺎ ﺟ ﺎء اﻹﺳ ﻼم ،ﻇ ﻞ اﻟﺼ ﺤﺎﺑﺔ ﻳﺘ ﺎﺟﺮون ﺑﻤ ﺎل ﻏﻴ ﺮهﻢ ﺑﺎﻟﻤﻀ ﺎرﺑﺔ .وأﻗ ﺮ رﺳ ﻮل اﷲ ﻋﻤﻠﻬ ﻢ .ﻓﺼ ﺎرت اﻟﻤﻀ ﺎرﺑﺔ ﻣﺸ ﺮوﻋﺔ ﻻ ﺑﺈﺟﻤ ﺎع اﻟﺼ ﺤﺎﺑﺔ ،ﺑ ﻞ ﺑﺎﻟﺴ ﻨﺔ .واﻟﺴ ﻨﺔ ه ﻲ ﻗ ﻮل اﻟﺮﺳﻮل وﻓﻌﻠﻪ ،وإﻗﺮارﻩ . واﻟﺴﻨﺔ ﻻ ﺗﻨﺴﺦ اﻟﻜﺘﺎب وﻻ ﻳﻨﺴﺨﻬﺎ إﺟﻤ ﺎع ،آﻤ ﺎ أن اﻹﺟﻤ ﺎع اﻟﺼ ﺤﻴﺢ ﻻ ﻳﻤﻜ ﻦ أن ﻳﻌ ﺎرض آﺘﺎﺑ ًﺎ أو ﺳ ﻨﺔ " .وﻟ ﻢ ﻳﻘ ﻊ إﺟﻤ ﺎع إﻻ إﺟﻤ ﺎع اﻟﺼ ﺤﺎﺑﺔ ﻗﺒ ﻞ أن ﻳﺘﻔﺮﻗ ﻮا ﻓ ﻲ اﻷﻣﺼ ﺎر .وﻏﻴ ﺮ ذﻟ ﻚ ﻓﻴ ﻪ ﺧ ﻼف " ﺛ ﻢ ﻳﺄﺗﻲ اﻟﻘﻴﺎس ﺑﻌﺪ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﺔ واﻹﺟﻤ ﺎع ،وﻳ ﺮى أن اﻟﻘﻴﺎس اﻟﺬي ﻳﺠﺐ اﻷﺧﺬ ﺑﻪ هﻮ اﻟﻘﻴﺎس اﻟﺼ ﺤﻴﺢ ،ه ﻮ ﻣﺎ واﻓﻘﺖ دﻻﻟﺘﻪ دﻻﻟﺔ اﻟﻨﺺ ،ﻓﺈذا ﺧﺎﻟﻔﺘ ﻪ ،ﻓﻬ ﻮ ﻗﻴ ﺎس ﻓﺎﺳ ﺪ ﻻ ﻳﺆﺧ ﺬ ﺑ ﻪ . .ورأﻳ ﻪ أن اﻟﻘﻴ ﺎس ﻻ ﻳﻤﻜ ﻦ أن ﻳﺨ ﺎﻟﻒ ﻧﺼ ًﺎ ..وإﻧﻤ ﺎ ه ﻮ اﺳ ﺘﻨﺒﺎط ﺣﻜ ﻢ ﻓ ﻲ أﻣ ﺮ ﻣﺴ ﺘﺤﺪث ﻣ ﻦ ﺣﻜ ﻢ أﻣ ﺮ ورد ﻓﻴ ﻪ ﻧ ﺺ ،ﻟﺘﻤﺎﺛ ﻞ ﻋﻠ ﺔ
١٨٤
اﻟﺤﻜ ﻢ أو ﺣﻜﻤﺘ ﻪ ،أو ﻟﺘﺤﻘﻴ ﻖ ﻣﺼ ﻠﺤﺔ ودﻓ ﻊ ﻣﻀ ﺮة، وﻳﻘ ﻮل ﻓ ﻲ ه ﺬا " :ﺗ ﺪﺑﺮت ﻣ ﺎ أﻣﻜﻨﻨ ﻲ ﻣ ﻦ أدﻟ ﺔ اﻟﺸ ﺮع ،ﻓﻤ ﺎ رأﻳ ﺖ ﻗﻴﺎﺳ ًﺎ ﺻ ﺤﻴﺤًﺎ ﻳﺨ ﺎﻟﻒ ﺣ ﺪﻳﺜًﺎ ﺻﺤﻴﺤًﺎ ،آﻤﺎ أن اﻟﻤﻌﻘﻮل اﻟﺼﺮﻳﺢ ﻻ ﻳﺨﺎﻟﻒ اﻟﻤﻨﻘﻮل اﻟﺼﺤﻴﺢ .ﺑﻞ ﻣﺘﻰ رأﻳﺖ ﻗﻴﺎﺳًﺎ ﻳﺨ ﺎﻟﻒ أﺛ ﺮًا ﻓﻼﺑ ﺪ ﻣ ﻦ ﺿﻌﻒ أﺣﺪهﻤﺎ " ﺛﻢ اﻷﺧﺬ ﺑﻔﺘﻮى اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ إذا اﺗﻔﻘﻮا، ﻓ ﺈذا اﺧﺘﻠﻔ ﻮا أﺧ ﺬ ﺑ ﺎﻷﻗﺮب إﻟ ﻰ اﻟﺴ ﻨﺔ . .ﺛ ﻢ ﻳﺠ ﻲء ﻼ ﻣﻦ أﺻﻮل اﻟﻔﻘﻪ ﺑﻌﺪ اﻟﻘﻴ ﺎس ،وﻗ ﺪ اﻻﺳﺘﺼﺤﺎب أﺻ ً ﻋﺮﻓﻪ ﺑﺄﻧﻪ " :اﻟﺒﻘﺎء ﻋﻠﻰ اﻷﺻ ﻞ ﻓﻴﻤ ﺎ ﻟ ﻢ ﻳﻌﻠ ﻢ ﺛﺒﻮﺗ ﻪ أو اﻧﺘﻔﺎؤﻩ ﺑﺎﻟﺸ ﺮع " ،واﻷﺋﻤ ﺔ ﻣﺘﻔﻘ ﻮن ﻋﻠﻴ ﻪ ،ﻓ ﻲ آ ﻞ ﻋﻘ ﺪ أو ﺗﺼ ﺮف ﻳﺴ ﺘﺤﺪث ،وﻟ ﻴﺲ ﻓ ﻲ اﻟﺸ ﺮﻳﻌﺔ دﻟﻴ ﻞ ﻋﻠﻰ اﻹﺑﺎﺣﺔ أو اﻟﺘﺤﺮﻳﻢ ،ﻓﻴﺤﻜﻢ ﺑﺎﻹﺑﺎﺣ ﺔ ،ﺣﺘ ﻰ ﻳﻘ ﻮم دﻟﻴ ﻞ ﻋﻠ ﻰ اﻟﺘﺤ ﺮﻳﻢ " ،ﻷن اﻷﺻ ﻞ ﻓ ﻲ اﻷﺷ ﻴﺎء اﻹﺑﺎﺣ ﺔ ،وه ﻲ اﻟﺤ ﺎل اﻟﺘ ﻲ ﺧﻠ ﻖ اﷲ ﻋﻠﻴﻬ ﺎ ﻣ ﺎ ﻓ ﻲ اﻷرض ﺟﻤﻴﻌًﺎ " وﻟﻌﻞ أﺧﻄ ﺮ ﻣ ﺎ آﺘﺒ ﻪ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﻓ ﻲ ه ﺬا اﻟﺒ ﺎب، ه ﻮ ﻣ ﺎ آﺘﺒ ﻪ ﻋ ﻦ اﻟﻌﻘ ﻮد ،واﻟﺸ ﺮوط واﻟﻌﻬ ﻮد واﻟﻤﻌﺎهﺪات .
١٨٥
أﻣ ﺎ اﻟﻤﻌﺎه ﺪات ﻣ ﻊ ﻏﻴ ﺮ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ ،ﻓﻠﻤ ﺎ آ ﺎن اﻷﺻ ﻞ ﻓ ﻲ اﻹﺳ ﻼم ه ﻮ اﻟﺴ ﻠﻢ ،وﻻ ﺣ ﺮب إﻻ ﻟ ﺮد اﻟﻌﺪوان آﻤﺎ ﺛﺒﺖ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب واﻟﺤﺪﻳﺚ ،ﻓ ﺈن ﻟ ﻮﻟﻲ اﻷﻣ ﺮ أن ﻳﻌﻘ ﺪ ﻣ ﻦ اﻟﻤﻌﺎه ﺪات ،ﻣ ﺎ ﻓﻴ ﻪ ﻣﺼ ﻠﺤﺔ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ. ﻣﺆﻗﺘ ﺔ آﺎﻧ ﺖ أو داﺋﻤ ﺔ . .وﻗ ﺪ اﺳ ﺘﺜﻨﻰ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ اﻟﻤﻌﺎه ﺪﻳﻦ ﻣ ﻦ اﻟﻘﺘ ﺎل .ﻓﻘ ﺎل . . :إﻻ اﻟ ﺬﻳﻦ ﻋﺎه ﺪﺗﻢ ﻋﻨﺪ اﻟﻤﺴ ﺠﺪ اﻟﺤ ﺮام ﻓﻤ ﺎ اﺳ ﺘﻘﺎﻣﻮا ﻟﻜ ﻢ ﻓﺎﺳ ﺘﻘﻴﻤﻮا ﻟﻬ ﻢ ﻓ ﺈذا ﺧ ﺎن ﻏﻴ ﺮ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ اﻟﻤﻌﺎه ﺪة ،أو رﺟ ﺢ أﻧﻬ ﻢ ﻳﺨﻮﻧﻮﻧﻬﺎ ،وﺟ ﺐ ﻗﺘ ﺎﻟﻬﻢ .ﻗ ﺎل ﺗﻌ ﺎﻟﻰ :وأﻣ ﺎ ﺗﺨ ﺎﻓﻦ ﻣﻦ ﻗﻮم ﺧﻴﺎﻧﺔ ﻓﺎﻧﺒﺬ إﻟﻴﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺳﻮاء . ﻗﺎل اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ رﺳﺎﻟﺔ إﻟ ﻰ ﻣﻠ ﻚ ﻗﺒﺮص اﻟﺼﻠﻴﺒﻲ " :ﻧﺤﻦ ﻗ ﻮم ﻧﺤ ﺐ اﻟﺨﻴ ﺮ ﻟﻜ ﻞ أﺣ ﺪ، وﻧﺤﺐ أن ﻳﺠﻤﻊ اﷲ ﻟﻜﻢ ﺧﻴﺮ اﻟﺪﻧﻴﺎ واﻵﺧﺮة " وأﻋﻈ ﻢ ﻣ ﺎ ﻋﺒ ﺪ اﷲ ﺑ ﻪ ﻧﺼ ﻴﺤﺔ ﺧﻠﻘ ﻪ .. .وﻗ ﺪ ﻋ ﺮف اﻟﻨﺼ ﺎرى أﻧ ﻲ ﻟﻤ ﺎ ﺧﺎﻃﺒ ﺖ ﻣﻠ ﻚ اﻟﺘﺘ ﺎر ﻓ ﻲ إﻃ ﻼق اﻷﺳ ﺮى ،وأﻃﻠﻘﻬ ﻢ ﻏ ﺎزان )ﻗ ﺎزان( ،ﻓﺴ ﻤﺢ ﺑ ﺈﻃﻼق اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ ،وﻗ ﺎل ﻟ ﻲ ) :ﻟﻜ ﻦ ﻣﻌﻨ ﺎ ﻧﺼ ﺎرى أﺧ ﺬﻧﺎهﻢ ﻣ ﻦ اﻟﻘ ﺪس ،ﻓﻬ ﺆﻻء ﻻ ﻳﻄﻠﻘ ﻮن( ﻓﻘﻠ ﺖ ﻟ ﻪ :
١٨٦
)ﺑﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻦ ﻣﻌﻚ ﻣﻦ اﻟﻴﻬ ﻮد واﻟﻨﺼ ﺎرى اﻟ ﺬﻳﻦ ه ﻢ أهﻞ ذﻣﺘﻨﺎ ،ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻔﻜﻬﻢ ،وﻻ ﻧﺪع أﺳ ﻴﺮًا ﻣ ﻦ أه ﻞ اﻟﻤﻠ ﺔ وﻻ ﻣ ﻦ أه ﻞ اﻟﺬﻣ ﺔ ،وأﻃﻠﻘﻨ ﺎ ﻣ ﻦ اﻟﻨﺼ ﺎرى ﻣ ﻦ ﺷ ﺎء اﷲ .ﻓﻬ ﺬا ﻋﻤﻠﻨ ﺎ وإﺣﺴ ﺎﻧﻨﺎ )ﻧﺤ ﻦ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ( واﻟﺠ ﺰاء ﻋﻨﺪ اﷲ " وأﻣ ﺎ اﻟﻌﻘ ﻮد واﻟﺸ ﺮوط ،ﻓﻘ ﺪ اﺧﺘﻠ ﻒ ﻓﻴﻬ ﺎ أﺋﻤ ﺔ اﻟﻤﺬاهﺐ اﻷرﺑﻌﺔ ،ﻓﺄﻣﺎ أﺑﻮ ﺣﻨﻴﻔ ﺔ واﻟﺸ ﺎﻓﻌﻲ ﻓﻘ ﺪ ذهﺒ ﺎ إﻟ ﻰ أﻧ ﻪ ﻻ ﻳﺼ ﺢ ﻣ ﻦ اﻟﻌﻘ ﻮد واﻟﺸ ﺮوط إﻻ ﻣ ﺎ ﻧ ﺺ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻨﺺ ،وأﻣ ﺎ ﻣﺎﻟ ﻚ وأﺣﻤ ﺪ ﻓ ﺬهﺒﺎ إﻟ ﻰ أن اﻟﻌﻘ ﻮد واﻟﺸﺮوط ﺻﺤﻴﺤﺔ ،إﻻ ﻣﺎ ﻧﻬﻰ ﻋﻨﻪ اﻟﻨﺺ .. .ووﺳﻊ أﺣﻤ ﺪ ﻓ ﻲ إﺑﺎﺣ ﺔ اﻟﻌﻘ ﻮد واﻟﺸ ﺮوط أآﺜ ﺮ ﻣﻤ ﺎ وﺳ ﻊ ﻣﺎﻟﻚ . وﺟﺎء اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ،ﻓﺄﺧ ﺬ ﺑ ﺮأي أﺣﻤ ﺪ ووﺳ ﻊ ﻓﻴ ﻪ، وﻧﺎدى ﺑﺈﻃﻼق ﺣﺮﻳﺔ اﻟﺘﻌﺎﻗﺪ .ذﻟﻚ أن ﻣﻦ ﺿ ﻴﻘﻮا ﻣ ﻦ اﻟﺤﻨﻔﻴ ﺔ واﻟﺸ ﺎﻓﻌﻴﺔ ،ذهﺒ ﻮا إﻟ ﻰ أن ﺁﺛ ﺎر اﻟﻌﻘ ﻮد ﻣ ﻦ ﻋﻤﻞ اﻟﺸ ﺎرع ،ﻓﺎﻷﺻ ﻞ ﻓﻴﻬ ﺎ اﻟﻤﻨ ﻊ ﺣﺘ ﻰ ﻳﻘ ﻮم اﻟ ﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ اﻹﺑﺎﺣﺔ ..
١٨٧
وﻟﻜ ﻦ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ رأى آﻤ ﺎ رأى اﻟﻤﺎﻟﻜﻴ ﺔ واﻟﺤﻨﺒﻠﻴﺔ ،أن ﺁﺛﺎر اﻟﻌﻘﻮد واﻟﺸﺮوط ،ﻧﺎﺷ ﺌﺔ ﻣ ﻦ إرادة اﻟﻤﺘﻌﺎﻗ ﺪﻳﻦ ،وﺟﻌﻠ ﻮا اﻷﺻ ﻞ ﻓ ﻲ اﻟﻌﻘ ﻮد واﻟﺸ ﺮوط اﻹﺑﺎﺣ ﺔ ،ووﺟ ﻮب اﻟﻮﻓ ﺎء ﺑﻤ ﺎ ﺗﻌﺎﻗ ﺪ ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟﻄﺮﻓ ﺎن، ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻮم دﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﻊ. . ﻗﺎل اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ " :اﻷﺻ ﻞ ﻓ ﻲ اﻟﻌﻘ ﻮد واﻟﺸ ﺮوط اﻟﺠﻮاز واﻟﺼ ﺤﺔ ،وﻻ ﻳﺤ ﺮم وﻳﺒﻄ ﻞ ﻣﻨﻬ ﺎ ،إﻻ ﻣ ﺎ دل ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺮﻳﻤﻪ وإﺑﻄﺎﻟ ﻪ دﻟﻴ ﻞ ﻣ ﻦ ﻧﺼ ﺮ أو ﻗﻴ ﺎس ﻋﻠ ﻰ ﻧﺺ .وأﺻﻮل أﺣﻤﺪ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ﺗﺠﺮي ﻋﻠ ﻰ ه ﺬا اﻟﻘﻮل ،وﻣﺎﻟ ﻚ ﻗﺮﻳ ﺐ ﻣﻨ ﻪ .ﻟﻜ ﻦ أﺣﻤ ﺪ أآﺜ ﺮ ﺗﺼ ﺤﻴﺤًﺎ ﻟﻠﺸ ﺮوط ،ﻓﻠ ﻴﺲ ﻓ ﻲ اﻟﻔﻘﻬ ﺎء اﻷرﺑﻌ ﺔ أآﺜ ﺮ ﺗﺼ ﺤﻴﺤًﺎ ﻟﻠﺸ ﺮوط ﻣﻨ ﻪ .وﻋﺎﻣ ﺔ ﻣ ﺎ ﻳﺼ ﺤﺤﻪ أﺣﻤ ﺪ ﻣ ﻦ اﻟﻌﻘ ﻮد واﻟﺸﺮوط ﻓﻴﻬ ﺎ ﺗﻨﺒﻴ ﻪ ﺑ ﺪﻟﻴﻞ ﺧ ﺎص ﻣ ﻦ أﺛ ﺮ أو ﻗﻴ ﺎس. وآ ﺎن ﻗ ﺪ ﺑﻠﻐ ﻪ ﻓ ﻲ اﻟﻌﻘ ﻮد واﻟﺸ ﺮوط ﻣ ﻦ اﻵﺛ ﺎر ﻋ ﻦ اﻟﻨﺒﻲ واﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺠﺪﻩ ﻓﻲ ﻏﻴﺮﻩ ﻣ ﻦ اﻷﺋﻤ ﺔ، ﻓﻘ ﺎل ﺑ ﺬﻟﻚ وﺑﻤ ﺎ ﻓ ﻲ ﻣﻌﻨ ﺎﻩ ﻗﻴﺎﺳ ًﺎ ،وﻣ ﺎ اﻋﺘﻤ ﺪ ﻋﻠﻴ ﻪ ﻏﻴ ﺮﻩ ﻣ ﻦ ﻧ ﺺ ،ﻓﻘ ﺪ ﻳﻀ ﻌﻔﻪ أو ﻳﻀ ﻌﻒ دﻻﻟﺘ ﻪ، وآﺬﻟﻚ ﻗﺪ ﻳﻀﻌﻒ ﻣﺎ اﻋﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻗﻴﺎس"
١٨٨
وﻳﻘ ﻮل اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﻋ ﻦ اﻟﻌﻘ ﻮد اﻟﺘ ﻲ أﺑﺮﻣﻬ ﺎ اﻟﻄﺮﻓﺎن ﻏﻴﺮ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﻠﺸﺮع ،وﻋ ﻦ اﻟﺸ ﺮوط اﻟﺘ ﻲ ﻻ ﺗﺨ ﺎﻟﻒ اﻟﺸ ﺮع وﻻ ﻣﻘﺼ ﻮد اﻟﻌﻘ ﺪ . .ﻳﻘ ﻮل ﻋﻨﻬ ﺎ إﻧﻬ ﺎ ﺟﻤﻴﻌ ﺎ ﺻ ﺤﻴﺤﺔ ﺑﺪﻻﻟ ﺔ اﻟﻜﺘ ﺎب واﻟﺴ ﻨﺔ واﻹﺟﻤ ﺎع واﻻﺳﺘﺼ ﺤﺎب .ﻓﺎﻟﻜﺘ ﺎب ﻳﺄﻣﺮﻧ ﺎ ﺑﺎﻟﻮﻓ ﺎء ﺑ ﺎﻟﻌﻘﻮد وﻟ ﻮ آﺎن اﻷﺻﻞ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻮد اﻟﺤﻈ ﺮ إﻻ ﻣ ﺎ أﺑﺎﺣ ﻪ اﻟﺸ ﺎرع، ﻣﺎ أﻣﺮﻧ ﺎ ﺑﺎﻟﻮﻓ ﺎء ﻣﻄﻠﻘ ًﺎ .وﻓ ﻲ اﻟﺤ ﺪﻳﺚ " :ﻣ ﻦ ﺷ ﺮط ﺷ ﺮﻃًﺎ ،ﺛ ﻢ ﻧﻘﻀ ﻪ ﻓﻘ ﺪ ﻏ ﺪر " و " اﻟﻨ ﺎس ﻋﻠ ﻰ ﺷ ﺮوﻃﻬﻢ ﻣ ﺎ واﻓﻘ ﺖ اﻟﺤ ﻖ " .وﻓ ﻲ اﻟﺤ ﺪﻳﺚ " : اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻮن ﻋﻠ ﻰ ﺷ ﺮوﻃﻬﻢ إﻻ ﺷ ﺮط ﺣﻠ ﻞ ﺣﺮاﻣ ًﺎ أو ﻻ" ﺣﺮم ﺣﻼ ً واﻟﻌﻘ ﻮد واﻟﺸ ﺮوط إﻧﻤ ﺎ ه ﻲ ﻣﻌ ﺎﻣﻼت ،ﻻ ﻋﺒﺎدات ﻓﻬﻲ ﻋﻠﻰ أﺻ ﻞ اﻹﺑﺎﺣ ﺔ .وﻗ ﺪ ﻗ ﺎل ﺗﻌ ﺎﻟﻰ: وﻗﺪ ﻓﺼﻞ ﻟﻜﻢ ﻣﺎ ﺣﺮم ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻓﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺤﺮﻣﻪ ﻣﺒﺎح . وﻳ ﺮى اﻟﺸ ﻴﺦ أن " اﻷﺻ ﻞ ﻓ ﻲ اﻟﻌﻘ ﻮد رﺿ ﺎ اﻟﻌﺎﻗ ﺪﻳﻦ وﻧﺘﻴﺠﺘﻬ ﺎ ه ﻲ ﻣ ﺎ أوﺟﺒ ﺎﻩ ﻋﻠ ﻰ أﻧﻔﺴ ﻬﻤﺎ ﺑﺎﻟﺘﻌﺎﻗ ﺪ " وآ ﻞ ﻣ ﺎ آ ﺎن ﺑﺎﻟﺮﺿ ﺎ وﻃﻴ ﺐ اﻟ ﻨﻔﺲ ﻓ ﻲ ﻋﻘﺪ ،ﻳﻮﺟﺐ ﺣﻘﻮﻗًﺎ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻨﻬﻴًﺎ ﻋﻨﻬﺎ .
١٨٩
واﻟﺸ ﺮوط ﺗﻮﺿ ﻊ ﻓ ﻲ اﻟﻌﻘ ﻮد ﻟﻠﺤﺎﺟ ﺔ إﻟﻴﻬ ﺎ، واﻟﻘﺎﻋﺪة ﻓﻲ اﻟﺸ ﺮﻳﻌﺔ وﺟ ﻮب رﻓ ﻊ اﻟﺤ ﺮج واﻟﻀ ﻴﻖ، ﻓﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺜﺒﺖ ﺗﺤﺮﻳﻤﻪ ﻣﻦ اﻟﺸﺮوط ﻣﺒ ﺎح ﻟﺤﺎﺟ ﺔ اﻟﻨ ﺎس إﻟﻴﻬﺎ . وهﻨ ﺎك أﺻ ﻞ ﻓﻘﻬ ﻲ ﺁﺧ ﺮ ،أﺧ ﺬ ﺑ ﻪ اﻹﻣ ﺎم أﺣﻤ ﺪ، وﺗ ﺮدد ﻓﻴ ﻪ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ وه ﻮ اﻟﻤﺼ ﺎﻟﺢ اﻟﻤﺮﺳ ﻠﺔ وه ﻲ رﻋﺎﻳﺔ اﻟﻤﺼ ﻠﺤﺔ اﻟﻌﺎﻣ ﺔ ﻓ ﻲ اﻷﺣﻜ ﺎم واﻟﻌﻘ ﻮد ،إذا ﻟ ﻢ ﻳﻜﻦ هﻨﺎك دﻟﻴﻞ ﺷﺮﻋﻲ ﻣﻦ اﻷﺣﻜ ﺎم اﻟﺴ ﺎﺑﻘﺔ وﻳﻌﺮﻓﻬ ﺎ ﺑﻘﻮﻟﻪ :أن ﻳﺮى اﻟﻤﺠﺘﻬﺪ أن هﺬا اﻟﻔﻌﻞ ﻳﺠﻠﺐ ﻣﺼ ﻠﺤﺔ راﺟﺤﺔ ،وﻟ ﻴﺲ ﻓ ﻲ اﻟﺸ ﺮع ﻣ ﺎ ﻳﻨﻔﻴ ﻪ ،وأن اﻟﻤﺼ ﻠﺤﺔ آﻤﺎ ﺗﻜﻮن ﺑﺠﻠ ﺐ ﻣﻨﻔﻌ ﺔ ،ﺗﻜ ﻮن ﺑ ﺪﻓﻊ ﻣﻀ ﺮة " وذﻟ ﻚ ﺟﺮﻳﺎ ﻋﻠ ﻰ ﻧﻬ ﺞ اﻟﺼ ﺤﺎﺑﺔ ،ﻓﻠ ﻴﺲ ﻓ ﻲ اﻟﻘ ﺮﺁن وﻻ ﻓ ﻲ اﻟﺴ ﻨﺔ ﻣ ﺎ ﻳﻘﻀ ﻲ ﺑﺠﻤ ﻊ اﻟﻘ ﺮﺁن ﻓ ﻲ ﻣﺼ ﺤﻒ ،وﻟﻜ ﻦ ﻋﻨ ﺪﻣﺎ اﺳﺘﺸ ﻬﺪ آﺜﻴ ﺮ ﻣ ﻦ ﺣﻔ ﺎظ اﻟﻘ ﺮﺁن ﻓ ﻲ ﺣ ﺮوب اﻟ ﺮدة ،اﻗﺘ ﺮح اﻟﺼ ﺤﺎﺑﺔ ﻋﻠ ﻰ اﻟﺨﻠﻴﻔ ﺔ أﺑ ﻲ ﺑﻜ ﺮ ،أن ﻳﺠﻤﻌﻪ وﻳﺪوﻧﻪ ﻓﻲ ﻣﺼﺤﻒ ﻓﻘﺎل " :آﻴﻒ أﻓﻌ ﻞ ﺷ ﻴﺌًﺎ ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻠﻪ رﺳﻮل اﷲ ؟ "
١٩٠
وﻟﻜﻦ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻇﻠﻮا ﻳﺮاﺟﻌﻮﻧﻪ ،وﻣ ﺎ أﻧﻔ ﻚ ﻋﻤ ﺮ ﻳ ﺪﻋﻮ أن ﻳﺸ ﺮح اﷲ ﺻ ﺪر أﺑ ﻲ ﺑﻜ ﺮ ﻟﻬ ﺬا ،ﺣﺘ ﻰ أﻣ ﺮ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺑﺠﻤﻊ اﻟﻘﺮﺁن .ﺛﻢ ﺟﺎء ﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﻔﺎن ،ﻓﻮﺟﺪ اﺧﺘﻼﻓ ًﺎ ﻓ ﻲ اﻟﻘ ﺮاءات ﻓ ﻲ اﻷﻣﺼ ﺎر ،ﻓ ﺄﻣﺮ ﺑﺠﻤ ﻊ اﻟﻘﺮﺁن ﻓﻲ ﻣﺼﺤﻒ واﺣﺪ ،وأﺣﺮق ﻣﺎ ﻋﺪاﻩ . وﻣ ﻦ ذﻟ ﻚ أن " ﻋﻠ ﻲ ﺑ ﻦ أﺑ ﻲ ﻃﺎﻟ ﺐ ،أﻣ ﺮ ﺑ ﺄن ﻳﻀ ﻤﻦ اﻟﺼ ﻨﺎع ﻣ ﺎ ﻋﻨ ﺪهﻢ ﻣ ﻦ ﺣﺎﺟ ﺎت اﻟﻨ ﺎس وأﻣﺘﻌﺘﻬﻢ ،ﻣﻊ أﻧﻬﺎ أﻣﺎﻧﺎت ﻋﻨﺪهﻢ واﻷﻣ ﻴﻦ ﻻ ﻳﻀ ﻤﻦ. وﻟﻜ ﻦ أﻣﻴ ﺮ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ ﺧ ﺎف اﻟﺨﻴﺎﻧ ﺔ واﻟﺘﻘﺼ ﻴﺮ ،ﻓﻘ ﺎل ﻓﻲ هﺬا ) :ﻻ ﻳﺼﻠﺢ اﻟﻨﺎس إﻻ ذاك( وﻣ ﻦ ذﻟ ﻚ " :إذا رأى اﻹﻣ ﺎم ﺗﺤﺮﻳ ﻖ اﻟﻠ ﻮﻃﻲ ﺑﺎﻟﻨ ﺎر ،ﻓﻠ ﻪ ذﻟ ﻚ .ﻷن ﺧﺎﻟ ﺪ ﺑ ﻦ اﻟﻮﻟﻴ ﺪ آﺘ ﺐ إﻟ ﻰ أﺑ ﻲ ﺑﻜ ﺮ رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨ ﻪ أﻧ ﻪ وﺟ ﺪ ﻓ ﻲ ﺑﻌ ﺾ ﻧ ﻮاﺣﻲ ﻼ ﻳ ﻨﻜﺢ آﻤ ﺎ ﺗ ﻨﻜﺢ اﻟﻤ ﺮأة ،ﻓﺎﺳﺘﺸ ﺎر اﻟﻌ ﺮب رﺟ ً أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒ ﻲ ،وﻓ ﻴﻬﻢ أﻣﻴ ﺮ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻠ ﻲ آ ﺮم اﷲ وﺟﻬﻪ ،وآﺎن أﺷﺪهﻢ ﻗﻮﻻ ﻓﻘﺎل ) :إن هﺬا اﻟﺬﻧﺐ ﻟﻢ ﺗﻌ ﺺ اﷲ ﺑ ﻪ أﻣ ﺔ إﻻ واﺣ ﺪة ،ﻓﺼ ﻨﻊ اﷲ ﺑﻬ ﺎ ﻣ ﺎ ﻗ ﺪ ﻋﻠﻤ ﺘﻢ .أرى أن ﻳﺤﺮﻗ ﻮﻩ ﺑﺎﻟﻨ ﺎر( ﻓ ﺄﺟﻤﻊ أﺻ ﺤﺎب
١٩١
رﺳﻮل اﷲ ﻋﻠﻰ أن ﻳﺤﺮﻗﻮﻩ ﺑﺎﻟﻨﺎر ،ﻓﻜﺘﺐ أﺑﻮ ﺑﻜ ﺮ اﻟﺼ ﺪﻳﻖ رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨ ﻪ ﺧﺎﻟ ﺪ ﺑ ﻦ اﻟﻮﻟﻴ ﺪ رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ﺑﺄن ﻳﺤ ﺮق ﻣ ﻦ ﻳﻔﻌﻠ ﻮن ﻓﻌ ﻞ ﻗ ﻮم ﻟ ﻮط ﻓﺤ ﺮﻗﻬﻢ، ﺛ ﻢ ﺣ ﺮﻗﻬﻤﻢ اﺑ ﻦ اﻟﺰﺑﻴ ﺮ ،ﺛ ﻢ ﺣ ﺮﻗﻬﻢ هﺸ ﺎم ﺑ ﻦ ﻋﺒ ﺪ اﻟﻤﻠﻚ " وﻣ ﻦ ذﻟ ﻚ " أن اﻟﻨﺴ ﺎء إذا ﺧﻴ ﻒ ﻋﻠ ﻴﻬﻦ اﻟﻤﺴ ﺎﺣﻘﺔ ،ﺣ ﺮم ﺧﻠ ﻮة ﺑﻌﻀ ﻬﻦ ﺑ ﺒﻌﺾ .وإذا أﺗ ﺖ اﻟﻤﺮأة ،اﻟﻤﺮأة ﺗﻌﺎﻗﺒﺎن وﺗﺆدﺑﺎن " وﻣﻦ ذﻟﻚ أن " اﻟﻤﺨﻨ ﺚ ﻳﻨﻔ ﻰ :ﻷﻧ ﻪ ﻻ ﻳﻘ ﻊ ﻣﻨ ﻪ إﻻ اﻟﻔﺴ ﺎد ،واﻟﺘﻌ ﺮض ﻟ ﻪ ،وﻟﻺﻣ ﺎم أن ﻳﻨﻔﻴ ﻪ إﻟ ﻰ ﺑﻠ ﺪ ﻳﺄﻣﻦ ﻣﻦ ﻓﺴﺎد أهﻠﻪ ،وإن ﺧﺎف ﺑﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺣﺒﺴﻪ" وﻣ ﻦ ذﻟ ﻚ ﻓ ﻴﻤﻦ " ﺷ ﺮب ﺧﻤ ﺮًا ﻓ ﻲ ﻧﻬ ﺎر رﻣﻀ ﺎن ،أو أﺗ ﻲ ﺷ ﻴﺌًﺎ ﻧﺤ ﻮ ه ﺬا :أﻗ ﻴﻢ اﻟﺤ ﺪ ﻋﻠﻴ ﻪ، وﻏﻠﻆ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺜﻞ اﻟﺬي ﻳﻘﺘﻞ ﻓﻲ اﻟﺤﺮم دﻳﺔ وﺛﻠﺚ " وﻣ ﻦ ذﻟ ﻚ أﻣ ﺮ " اﻟﺴﻴﺎﺳ ﺔ ،وه ﻰ ﻣ ﺎ آ ﺎن ﻣ ﻦ اﻷﻓﻌﺎل ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻜﻮن اﻟﻨﺎس ﻣﻌ ﻪ أﻗ ﺮب إﻟ ﻰ اﻟﺼ ﻼح، وأﺑﻌ ﺪ ﻋ ﻦ اﻟﻔﺴ ﺎد ،وإن ﻟ ﻢ ﻳﺸ ﺮﻋﻪ اﻟﺮﺳ ﻮل ،وﻻ ﻧ ﺰل ﺑ ﻪ وﺣ ﻲ ،ﻓ ﺈن أردت ﺑﻘﻮﻟ ﻚ ﻻ ﺳﻴﺎﺳ ﺔ إﻻ ﻣ ﺎ
١٩٢
واﻓ ﻖ اﻟﺸ ﺮع ،أي ﻟ ﻢ ﻳﺨ ﺎﻟﻒ ﻣ ﺎ ﻧﻄ ﻖ ﺑ ﻪ اﻟﺸ ﺮع ﻓﺼ ﺤﻴﺢ ،وإن أردت ﻣ ﺎ ﻧﻄ ﻖ ﺑ ﻪ اﻟﺸ ﺮع ،ﻓﻠﻐ ﻂ وﺗﻐﻠﻴﻆ ﻟﻠﺼﺤﺎﺑﺔ ،ﻓﻘﺪ ﺟﺮى ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺮاﺷ ﺪﻳﻦ ﻣ ﺎ ﻻ ﻳﺠﺤﺪﻩ ﻋﺎﻟﻢ ﺑﺎﻟﺴﻴﺮ ،وآ ﺎن رأﻳ ﺎ اﻋﺘﻤ ﺪوا ﻓﻴ ﻪ ﻋﻠ ﻰ ﻣﺼﻠﺤﺔ ،ﻣﺜﻞ ﺗﺤﺮﻳﻖ اﻟﻤﺼ ﺎﺣﻒ اﻟﻤﺨﺎﻟﻔ ﺔ ،وﺗﺤﺮﻳ ﻖ ﻋﻠﻲ آﺮم اﷲ وﺟﻬﻪ اﻟﺰﻧﺎدﻗﺔ ﻓﻲ اﻷﺧﺎدﻳﺪ ،وﻣﺜ ﻞ ﻧﻔ ﻲ ﻋﻤﺮ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ﻷﺣﺪ اﻟﻤﺨﻨﺜﻴﻦ . واﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻣﻘ ﺎم ﺿ ﻨﻚ ﻓ ﻲ ﻣﻌﺘ ﺮك ﺻ ﻌﺐ ،ﻓ ﺮط ﻓﻴﻪ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻓﻌﻄﻠﻮا اﻟﺤﺪود ،وﺿﻴﻌﻮا اﻟﺤﻘﻮق وﺟ ﺮءوا أهﻞ اﻟﻔﺠﻮر ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺴﺎد ،وﺟﻌﻠﻮا اﻟﺸ ﺮﻳﻌﺔ ﻗﺎﺻ ﺮة ﻻ ﺗﻘ ﻮم ﺑﻤﺼ ﺎﻟﺢ اﻟﻌﺒ ﺎد ،وﺳ ﺪوا ﻋﻠ ﻰ أﻧﻔﺴ ﻬﻢ ﻃﺮﻗ ﺎ ﺻ ﺤﻴﺤﺔ ﻣ ﻦ اﻟﻄ ﺮق اﻟﺘ ﻲ ﻳﻌ ﺮف ﺑﻬ ﺎ اﻟﻤﺤ ﻖ ﻣ ﻦ اﻟﻤﺒﻄﻞ ،وﻋﻄﻠﻮهﺎ ﻣ ﻊ ﻋﻠﻤﻬ ﻢ وﻋﻠ ﻢ اﻟﻨ ﺎس أﻧﻬ ﺎ أدﻟ ﺔ ﺣﻖ .ﻇﻨﺎ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻨﺎﻓﺎﺗﻬﺎ ﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺸﺮع .واﻟ ﺬي أوﺟ ﺐ ﻣ ﻨﻬﻢ ذﻟ ﻚ ﻧ ﻮع ﺗﻘﺼ ﻴﺮ ﻓ ﻲ ﻣﻌﺮﻓ ﺔ ﺣﻘﻴﻘ ﺔ اﻟﺸ ﺮﻳﻌﺔ واﻟﺘﻄﺒﻴ ﻖ ﺑ ﻴﻦ اﻟﻮاﻗ ﻊ وﺑﻴﻨﻬ ﺎ ،ﻓﻠﻤ ﺎ رأى وﻻة اﻷﻣ ﻮر ذﻟﻚ وأن اﻟﻨﺎس ﻻ ﻳﺴﺘﻘﻴﻢ أﻣﺮهﻢ إﻻ ﺑﺸ ﻲء زاﺋ ﺪ ﻋﻤ ﺎ ﻓﻬﻤﻪ هﺆﻻء ﻣﻦ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ،ﻓﺄﺣﺪﺛﻮا ﻟﻬﻢ ﻗﻮاﻧﻴﻦ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ
١٩٣
ﻳﻨ ﺘﻈﻢ ﺑﻬ ﺎ ﻣﺼ ﺎﻟﺢ اﻟﻌ ﺎﻟﻢ . .واﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻟ ﻢ ﻳﺤﺼ ﺮ ﻃﺮق اﻟﻌ ﺪل وأدﻟﺘ ﻪ وأﻣﺎرﺗ ﻪ ﻓ ﻲ ﻧ ﻮع واﺣ ﺪ ،وأﺑﻄ ﻞ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ اﻟﻄﺮق اﻟﺘ ﻲ ه ﻲ أﻗ ﻮى ﻣﻨ ﻪ وأدل وأﻇﻬ ﺮ، ﺑ ﻞ ﺑ ﻴﻦ ﻣ ﺎ ﺷ ﺮﻋﻪ ﻣ ﻦ اﻟﻄ ﺮق أن ﻣﻘﺼ ﻮدﻩ إﻗﺎﻣ ﺔ اﻟﺤ ﻖ واﻟﻌ ﺪل ،وﻗﻴ ﺎم اﻟﻨ ﺎس ﺑﺎﻟﻘﺴ ﻂ .ﻓ ﺄي ﻃﺮﻳ ﻖ اﺳ ﺘﺨﺮج ﺑﻬ ﺎ اﻟﺤ ﻖ وﻣﻌﺮﻓ ﺔ اﻟﻌ ﺪل ،وﺟ ﺐ اﻟﺤﻜ ﻢ ﺑﻤﻮﺟﺒﻬ ﺎ وﻣﻘﺘﻀ ﺎهﺎ ،واﻟﻄ ﺮق أﺳ ﺒﺎب ووﺳ ﺎﺋﻞ .ﻻ ﺗ ﺮاد ﻟ ﺬواﺗﻬﺎ ،وإﻧﻤ ﺎ اﻟﻤ ﺮاد ﻏﺎﻳﺎﺗﻬ ﺎ اﻟﺘ ﻲ ه ﻲ اﻟﻤﻘﺎﺻﺪ . .وﻟﻦ ﺗﺠﺪ ﻃﺮﻳﻘًﺎ ﻣﻦ اﻟﻄ ﺮق اﻟﻤﺜﺒﺘ ﺔ ﻟﻠﺤ ﻖ إﻻ وه ﻲ ﻣﻮاﻓﻘ ﺔ ﻟﻠﺸ ﺮﻳﻌﺔ ،وه ﻞ ﻳﻈ ﻦ ﺑﺎﻟﺸ ﺮﻳﻌﺔ اﻟﻜﺎﻣﻠ ﺔ ﺧ ﻼف ذﻟ ﻚ؟ وﻻ ﻧﻘ ﻮل أن اﻟﺴﻴﺎﺳ ﺔ اﻟﻌﺎدﻟ ﺔ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﻠﺸﺮﻳﻌﺔ اﻟﻜﺎﻣﻠ ﺔ ،ﺑ ﻞ ه ﻲ ﺟ ﺰء ﻣ ﻦ أﺟﺰاﺋﻬ ﺎ، وﺗﺴﻤﻴﺘﻬﺎ أﻣﺮ اﺻﻄﻼﺣﻲ ،وإﻻ ﻓﺈذا آﺎﻧﺖ ﻋ ﺪﻻ ﻓﻬ ﻲ ﻣ ﻦ اﻟﺸ ﺮع .وﻗ ﺪ أﺣ ﺮق ﻋﻤ ﺮ رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨ ﻪ ﻗﺼ ﺮ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑ ﻲ وﻗ ﺎص ،ﻷﻧ ﻪ اﺣﺘﺠ ﺐ ﻓﻴ ﻪ ﻋ ﻦ اﻟﺮﻋﻴ ﺔ، وأﻟﺰم ﺑ ﺎﻟﻄﻼق اﻟ ﺜﻼث ﻟﻤ ﻦ أوﻗﻌ ﻪ ﺑﻔ ﻢ واﺣ ﺪ ،ﻋﻘﻮﺑ ﺔ ﻟ ﻪ آﻤ ﺎ ﺻ ﺮح ه ﻮ ﺑ ﺬﻟﻚ ،وإﻻ ﻓﻘ ﺪ آ ﺎن ﻋﻠ ﻰ ﻋﻬ ﺪ رﺳ ﻮل اﷲ وأﺑ ﻲ ﺑﻜ ﺮ وﺻ ﺪرا ﻣ ﻦ إﻣ ﺎرة ﻋﻤ ﺮ،
١٩٤
ﻳﺠﻌﻞ واﺣﺪة إﻟﻰ ﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺎﺳﺎت اﻟﻌﺎدﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺎﺳﻮا ﺑﻬﺎ اﻷﻣﺔ " هﺬا ه ﻮ رأي اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﻓ ﻲ اﻟﻤﺼ ﺎﻟﺢ اﻟﻤﺮﺳ ﻠﺔ، وهﻮ اﻟﺮأي اﻟﺬي آﺘﺒﻪ ﻓﻲ ﻣﺼﻨﻔﺎﺗﻪ ورﺳﺎﺋﻠﻪ ،أو آﺘﺒﻪ ﻋﻨﻪ ﺗﻠﻤﻴﺬﻩ وﻧﺎﺷﺮ ﻓﻘﻬﻪ " اﺑﻦ ﻗﻴﻢ اﻟﺠﻮزﻳﺔ" . ﻋﻠ ﻰ أن اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﻗ ﺪ ﺗ ﺮدد ﻓ ﻲ ﺗﺴ ﻤﻴﺔ ه ﺬا اﻷﺻﻞ ﻣﻦ أﺻﻮل اﻟﻔﻘﻪ " :اﻟﻤﺼﺎﻟﺢ اﻟﻤﺮﺳﻠﺔ " .وهﻮ ﺑﻬﺬا ﻳﺨﺎﻟﻒ ﺷﻴﺨﻪ اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ .وﻳﺴﺘﻘﻞ ﻋﻨ ﻪ ﺑ ﺎﻟﺮأي. ﻓﻬﻮ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣﺎ أﺳ ﻤﺎﻩ اﻹﻣ ﺎم أﺣﻤ ﺪ " ﻣﺼ ﺎﻟﺢ ﻣﺮﺳ ﻠﺔ " ﻼ ﻓﻴﻤ ﺎ ﻳ ﺪل ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟﻜﺘ ﺎب واﻟﺴ ﻨﺔ دﻻﻟ ﺔ واﺿ ﺤﺔ داﺧ ً ﻼ ﻓ ﻲ اﻟﻘﻴ ﺎس اﻟﺼ ﺤﻴﺢ أو ﺑﻌﻤ ﻮم اﻟ ﻨﺺ ،أو داﺧ ً اﻻﺳﺘﺤﺴﺎن أو اﻻﺳﺘﺼﺤﺎب .. .ﻗﺎل " :اﻟﻘﻮل اﻟﺠﺎﻣﻊ أن اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻻ ﺗﻬﻤﻞ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻗﻂ ،ﺑﻞ إن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﺪ أآﻤﻞ هﺬا اﻟﺪﻳﻦ ،وأﺗﻤ ﻢ اﻟﻨﻌﻤ ﺔ ،ﻓﻤ ﺎ ﻣ ﻦ ﺷ ﻲء ﻳﻘ ﺮب إﻟ ﻰ اﻟﺠﻨ ﺔ إﻻ وﻗ ﺪ ﺣ ﺪﺛﻨﺎ ﺑ ﻪ اﻟﻨﺒ ﻲ ،وﺗﺮآﻨ ﺎ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻤﺤﺠ ﺔ اﻟﺒﻴﻀ ﺎء ﻟﻴﻠﻬ ﺎ آﻨﻬﺎره ﺎ ،ﻻ ﻳﺰﻳ ﻎ ﻋﻨﻬ ﺎ ﺑﻌ ﺪﻩ إﻻ هﺎﻟ ﻚ ،ﻟﻜ ﻦ ﻣ ﺎ اﻋﺘﻘ ﺪﻩ اﻟﻌﻘ ﻞ ﻣﺼ ﻠﺤﺔ وإن آ ﺎن اﻟﺸ ﺮع ﻟ ﻢ ﻳ ﺮد ﺑ ﻪ ﻓﺄﺣ ﺪ اﻷﻣ ﺮﻳﻦ ﻻزم ﻟ ﻪ :إﻣ ﺎ أن
١٩٥
اﻟﺸﺮع دل ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﻌﻠﻢ ه ﺬا اﻟﻨ ﺎﻇﺮ ،أو أﻧ ﻪ ﻟ ﻴﺲ ﺑﻤﺼ ﻠﺤﺔ واﻋﺘﻘ ﺪﻩ ﻣﺼ ﻠﺤﺔ ،ﻷن اﻟﻤﻨﻔﻌ ﺔ ه ﻲ اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ اﻟﺤﺎﺻﻠﺔ أو اﻟﻐﺎﻟﺒ ﺔ ،وآﺜﻴ ﺮًا ﻣ ﺎ ﻳﺘ ﻮهﻢ اﻟﻨ ﺎس أن اﻟﺸﻲء ﻳﻨﻔﻊ ﻓﻲ اﻟ ﺪﻳﻦ واﻟ ﺪﻧﻴﺎ ،وﻳﻜ ﻮن ﻓﻴ ﻪ ﻣﻨﻔﻌﺘ ﻪ ﻣﺮﺟﻮﺣﺔ ﺑﺎﻟﻤﻀﺮة ،آﻤﺎ ﻗ ﺎل ﺗﻌ ﺎﻟﻰ :ﻳﺴ ﺄﻟﻮﻧﻚ ﻋ ﻦ اﻟﺨﻤ ﺮ واﻟﻤﻴﺴ ﺮ ﻗ ﻞ ﻓﻴﻬﻤ ﺎ إﺛ ﻢ آﺒﻴ ﺮ وﻣﻨ ﺎﻓﻊ ﻟﻠﻨ ﺎس، وإﺛﻤﻬﻤﺎ أآﺒﺮ ﻣ ﻦ ﻧﻔﻌﻬﻤ ﺎ ..واﻟﻤﺼ ﻠﺤﺔ ﺗﺴ ﻤﻰ رأﻳ ﺎ ﻋﻨ ﺪ ﺑﻌ ﺾ اﻟﻔﻘﻬ ﺎء )واﻟ ﺮأي ه ﻮ اﻟﻘﻴ ﺎس( .وﺗﺴ ﻤﻰ اﺳﺘﺤﺴﺎﻧًﺎ ﻋﻨﺪ ﺁﺧﺮﻳﻦ " وﻣﺎ اﺗﺨﺬ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ه ﺬا اﻟﻤﻮﻗ ﻒ ،إﻻ ﻷن اﻟﺤﻴ ﺎة ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ﻓﺮﺿ ﺘﻪ ﻋﻠﻴ ﻪ . .وآ ﻢ ﻓﺮﺿ ﺖ ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟﺤﻴ ﺎة ﻣﻦ ﻣﻮاﻗﻒ وﺁراء ! ! ذﻟ ﻚ أﻧ ﻪ رأى اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ﻳﻌﺘﺒ ﺮون أذواﻗﻬ ﻢ وإﺷ ﺎراﺗﻬﻢ وإﻟﻬﺎﻣ ﺎﺗﻬﻢ ،ﻣ ﻦ ﺑ ﺎب اﻟﻤﺼ ﺎﻟﺢ اﻟﻤﺮﺳ ﻠﺔ، ﻓ ﺎﻋﺘﺒﺮهﻢ ﻳﺤ ﺎوﻟﻮن اﻹﻓ ﻼت ﻣ ﻦ أﺣﻜ ﺎم اﻟﻨﺼ ﻮص ﺑﻬ ﺬﻩ اﻟﻤﺼ ﺎﻟﺢ . .ﻗ ﺎل " :ذوق اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ووﺟ ﺪهﻢ وإﻟﻬﺎﻣ ﺎﺗﻬﻢ ،ﻓ ﺈن ﺣﺎﺻ ﻠﻬﺎ أﻧﻬ ﻢ ﻳﺠ ﺪون ﻓ ﻲ اﻟﻘ ﻮل أو اﻟﻌﻤﻞ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ،وﻳﺬوﻗﻮن ﻃﻌﻢ ﺛﻤﺮﺗﻪ"
١٩٦
ﺛﻢ إﻧﻪ رأى أن اﻷﺧﺬ ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻤﺼ ﺎﻟﺢ ﻗ ﺪ " ﺣﺼ ﻞ ﻣﻨ ﻪ ﻓ ﻲ أﻣ ﺮ اﻟ ﺪﻳﻦ اﺿ ﻄﺮاب ﻋﻈ ﻴﻢ ،وآﺜﻴ ﺮ ﻣ ﻦ اﻷﻣﺮاء واﻟﻌﺒﺎد رأوا ﻣﺼ ﺎﻟﺢ ،ﻓﺎﺳ ﺘﻌﻤﻠﻮهﺎ ﺑﻨ ﺎء ﻋﻠ ﻰ ه ﺬا اﻷﺻ ﻞ ،وﻗ ﺪ ﻳﻜ ﻮن ﻣﻨﻬ ﺎ ﻣ ﺎ ه ﻮ ﻣﺤﻈ ﻮر ﻓ ﻲ اﻟﺸﺮع ،وﻟﻢ ﻳﻌﻠﻤﻮﻩ ،ورﺑﻤﺎ ﻗﺪم ﻓﻲ اﻟﻤﺼﺎﻟﺢ اﻟﻤﺮﺳﻠﺔ آﻼﻣًﺎ ﺧﻼف اﻟﻨﺼ ﻮص ،وآﺜﻴ ﺮ ﻣ ﻨﻬﻢ أهﻤ ﻞ ﻣﺼ ﺎﻟﺢ ﻳﺠ ﺐ اﻋﺘﺒﺎره ﺎ ﺷ ﺮﻋًﺎ ﺑﻨ ﺎء ﻋﻠ ﻰ أن اﻟﺸ ﺮع ﻟ ﻢ ﻳ ﺮد ﺑﻬ ﺎ ،ﻓﻔ ﻮت واﺟﺒ ﺎت وﻣﺴ ﺘﺤﺒﺎت ،أو وﻗ ﻊ ﻓ ﻲ ﻣﺤﻈﻮرات وﻣﻜﺮوهﺎت ،وﻗﺪ ﻳﻜﻮن اﻟﺸﺮع ورد ﺑﺬﻟﻚ وﻟﻢ ﻳﻌﻠﻤﻪ " ﻟﻘﺪ ﺧﺸﻲ أن ﻳ ﺘﺤﻜﻢ اﻟﻌﻘ ﻞ ﻓ ﻲ اﻟﺸ ﺮﻳﻌﺔ ،ﻓﺎﻷﺧ ﺬ ﺑﺎﻟﻤﺼ ﺎﻟﺢ ﺗﻄﺒﻴ ﻖ ﻟﻤﺒ ﺪأ ) :إن اﻷﻣ ﻮر ﻳ ﺪرك ﺣﺴ ﻨﻬﺎ وﻗﺒﺤﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ( . .وهﻮ ﻳﻨﻜﺮ ه ﺬا اﻟﻤﺒ ﺪأ ،ﻷﻧ ﻪ ﻳﺸ ﺮع ﻣ ﻦ اﻟ ﺪﻳﻦ ﻣ ﺎ ﻟ ﻢ ﻳ ﺄذن ﺑ ﻪ اﷲ .ﻓﻬ ﻮ ﻳ ﺮى أن اﻟ ﻨﺺ ﻳﺤ ﺪد اﻟﺤﺴ ﻦ ﻣ ﻦ اﻷﻋﻤ ﺎل ﻓﻨﺄﺗﻴ ﻪ ،واﻟﻘﺒ ﻴﺢ ﻓﻨﻨﺘﻬ ﻲ ﻋﻨﻪ ! ! رأى اﻟﻨ ﺎس ﻳﻌﺘﻤ ﺪون ﻋﻠ ﻰ اﻟﻤﺼ ﺎﻟﺢ اﻟﻤﺮﺳ ﻠﺔ، ﻓﻴﺒﺘ ﺪﻋﻮن ،ورأى اﻟﺤﻜ ﺎم ﻗ ﺪ اﺗﺨ ﺬوهﺎ وﺳ ﻴﻠﺔ ﻟﻠﻈﻠ ﻢ،
١٩٧
وﻣﺒ ﺮرًا ﻹﻟﺤ ﺎق اﻷذى ﺑﺎﻟﺮﻋﻴ ﺔ ﻓ ﻲ اﻟ ﻨﻔﺲ واﻟﻤ ﺎل، ﻓﻄ ﺮح ه ﺬﻩ اﻟﻤﺼ ﺎﻟﺢ اﻟﻤﺮﺳ ﻠﺔ ،ورأى اﻷﺧ ﺬ ﺑﺎﻟﻤﺼﺎﻟﺢ اﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻓﺤﺴﺐ .ﻗ ﺎل " :آﺜﻴ ﺮ ﻣﻤ ﺎ اﺑﺘﺪﻋ ﻪ اﻟﻨ ﺎس ﻣ ﻦ اﻟﻌﻘﺎﺋ ﺪ واﻷﻋﻤ ﺎل ،ﻣ ﻦ ﺑ ﺪع أه ﻞ اﻟﻜ ﻼم، وأهﻞ اﻟﺘﺼﻮف ،وأهﻞ اﻟﺮأي ،وأه ﻞ اﻟﻤﻠ ﻚ :ﺣﺴ ﺒﻮﻩ ﻣﻨﻔﻌ ﺔ أو ﻣﺼ ﻠﺤﺔ ﻧﺎﻓﻌ ﺔ ،وﺣﻘ ًﺎ وﺻ ﻮاﺑًﺎ ،وﻟ ﻢ ﻳﻜ ﻦ آﺬﻟﻚ .ﺑﻞ آﺜﻴﺮ ﻣ ﻦ اﻟﺨ ﺎرﺟﻴﻦ ﻋ ﻦ اﻹﺳ ﻼم ﻳﺤﺴ ﺒﻮن أن ﻣﺎ هﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻻﻋﺘﻘﺎدات واﻟﻤﻌﺎﻣﻼت واﻟﻌﺒﺎدات ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻟﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻦ واﻟﺪﻧﻴﺎ " ﺛ ﻢ إن " آ ﻞ ﻣﺼ ﻠﺤﺔ ﺣﻘﻴﻘ ﺔ وﻟﻴﺴ ﺖ وهﻤﻴ ﺔ، ﺟﺎءت دﻟﻴﻞ ﻣ ﻦ اﻟﺸ ﺮع ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﺎ . .أن آ ﻞ ﻣﺼ ﺎﻟﺢ اﻟﻌﺒ ﺎد ،واﻟﻤﻨ ﺎﻓﻊ اﻟﺤﻘﻴﻘ ﺔ ه ﻲ ﻋﻠ ﻰ ﻋﻠ ﻢ اﻹﺑﺎﺣ ﺔ اﻷﺻﻠﻴﺔ ،ﺑﻤﻘﺘﻀﻰ ﺣﻜﻢ اﻻﺳﺘﺼﺤﺎب اﻟﺬي ﻳﺠﻌﻞ آ ﻞ ﻧﻔﻊ ﻣﺒﺎﺣًﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻮم اﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺧﻼﻓﻪ " ﻓﻼ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻬﺪ ﺑﺎﺳ ﺘﻨﺒﺎط اﻟﺤﻜ ﻢ اﻋﺘﻤ ﺎدًا ﻋﻠ ﻰ ﺗﺤﻘﻴ ﻖ اﻟﻤﺼ ﺎﻟﺢ اﻟﻤﺮﺳ ﻠﺔ ،ﻷن اﻟﺤﻜ ﻢ ﺑﻤﻘﺘﻀ ﻰ اﻟﻤﺼ ﻠﺤﺔ ﻳﻤﻜ ﻦ اﺳ ﺘﻨﺒﺎﻃﻪ ﻣ ﻦ اﻟﻜﺘ ﺎب واﻟﺴ ﻨﺔ ﺛ ﻢ
١٩٨
اﻹﺟﻤﺎع – واﻷﻣﺔ ﻻ ﺗﺠﺘﻤﻊ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻃﻞ – أو ﺑﺎﻟﻘﻴﺎس اﻟﺼﺤﻴﺢ ،أو اﻻﺳﺘﺼﺤﺎب . أﻣ ﺎ ﺁﺧ ﺮ أﺻ ﻞ ﻣ ﻦ أﺻ ﻮل اﻟﻔﻘ ﻪ اﻟﺘ ﻲ اﻋﺘ ﺪ ﺑﻬ ﺎ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ،ﻓﻬ ﻮ ﺳ ﺪ اﻟ ﺬراﺋﻊ . .وه ﻮ أه ﻢ ﻣ ﺎ ﻳﻤﻴ ﺰ ﻣﺬهﺐ اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ . وﻗ ﺪ ﺗ ﺎﺑﻊ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﺷ ﻴﺨﻪ ﻓ ﻲ ه ﺬا اﻷﺻ ﻞ، واﺟﺘﻬﺪ ﻓﻴﻪ ،وﺗﻮﺳﻊ ﺁﺧﺬًا ﺑﻤ ﺎ ﻓ ﻲ اﻟﻤ ﺬهﺐ ﻣ ﻦ ﺳ ﻌﺔ، وه ﻮ ﻳﻨﺒﻨ ﻲ ﻋﻠ ﻰ أن اﻷﺣﻜ ﺎم اﻟﺸ ﺮﻋﻴﺔ ،ﺗﻘ ﺪر اﻟﺘﺼ ﺮﻓﺎت ،ﺑﻤ ﺎ ﻳﺴ ﺪ اﻟﺬرﻳﻌ ﺔ إﻟ ﻰ اﻗﺘ ﺮاف اﻟﺤ ﺮام " ﻓﻤﺎ ﻳﺆدي إﻟ ﻰ اﻟﻤﻨﻬ ﻲ ﻋﻨ ﻪ أﻳﻀ ًﺎ ،وﻣ ﺎ ﻳﻜ ﻮن وﺳ ﻴﻠﺔ إﻟ ﻰ اﻟﻤﻄﻠ ﻮب ﻣﻄﻠ ﺐ آ ﺬل ﻓﻴﺠ ﺐ اﻟﻨﻈ ﺮ ﻓ ﻲ اﻟﻌﻘ ﻮد واﻟﺘﺼﺮﻓﺎت إﻟﻰ اﻟﺒﻮاﻋﺚ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻣﺂﻻﺗﻬ ﺎ ،ﻓﺎﻟﻮﺳ ﺎﺋﻞ ﺗﺄﺧﺬ ﺣﻜﻢ اﻟﻤﻘﺎﺻﺪ واﻟﻐﺎﻳﺎت " ﻓﺎﻟﺒﺎﻋﺚ إن آﺎن ﻳﺆدي إﻟﻰ ﺣﺮام .آﻌﻘﺪ زواج ﻻ ﻳﻘﺼ ﺪ ﺑ ﻪ اﻟﻌﺸ ﺮة اﻟﺰوﺟﻴ ﺔ ،ﺑ ﻞ اﻟﺘﺤﻠﻴ ﻞ ﻟﻤ ﻦ ﻃﻠ ﻖ ﺛﻼﺛﺎ ،وآﻌﻘﺪ اﻟﺒﻴﻊ اﻟ ﺬي ﻻ ﻳﻘﺼ ﺪ ﺑ ﻪ ﻧﻘ ﻞ اﻟﻤﻠﻜﻴ ﺔ ﺑ ﻞ اﻟﺮﺑﺎ ،وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻮد واﻟﺘﺼ ﺮﻓﺎت اﻟﺘ ﻲ ﻳﻜ ﻮن اﻟﺒﺎﻋﺚ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺤﺮﻣﺎ. .آﻠﻬ ﺎ ﻋﻘ ﻮد ﻣﺤﺮﻣ ﺔ :ﻓ ﺎﻟﻌﺒﺮة
١٩٩
ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻮد ﺑﺎﻟﻨﻴ ﺔ ﻻ ﺑﺎﻷﻟﻔ ﺎظ " ﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺻ ﺪ واﻟﻤﻌ ﺎﻧﻲ ﻻ ﺑﺎﻟﻤﺒﺎﻧﻲ " أﻣﺎ اﻟﻤﺂﻻت أو اﻟﻐﺎﻳﺎت ،ﻓﻬﻲ ﻣﺎ ﻳﻨﺘﻬﻲ إﻟﻴﻪ اﻟﺘﺼ ﺮف ،ﻓ ﺈن آﺎﻧ ﺖ أدت إﻟ ﻰ ﺗﺤﻘﻴ ﻖ ﻣﺼ ﻠﺤﺔ ﺷ ﺮﻋﻴﺔ ،ﻓﻬ ﻲ ﻣﺒﺎﺣ ﺔ ،وإن أدت إﻟ ﻰ ﺗﺤﻘﻴ ﻖ ﻣﻔﺴ ﺪة، ﻓﻬﻲ ﻣﺤﺮﻣﺔ " ﻓﺎﻟﻌﺒﺮة ﺑﺎﻟﻨﺘﻴﺠﺔ. . ﻗﺎل " :ﻟﻠﺸﺮﻳﻌﺔ أﺳﺮار ﻓﻲ ﺳ ﺪ اﻟ ﺬارﺋﻊ ،وﺣﺴ ﻢ ﻣﺎدة اﻟﺸﺮ ،ﻷن اﻟﺸﺎرع ﻋﻠﻴﻢ ﺑﻤﺎ ﺟﺒﻠﺖ اﻟﻨﻔﻮس ،وﺑﻤﺎ ﻳﺨﻔ ﻰ ﻋﻠ ﻰ اﻟ ﻨﻔﺲ ﻣ ﻦ ﺧﻔ ﻲ هﻮاه ﺎ اﻟ ﺬي ﻻ ﻳ ﺰال ﻳﺴ ﺮي ﻓﻴﻬ ﺎ ،ﺣﺘ ﻰ ﻳﻘﻮده ﺎ إﻟ ﻰ اﻟﻬﻠﻜ ﺔ .ﻓﻤ ﻦ ﺗﺤ ﺬﻟﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎرع ،واﻋﺘﻘﺪ ﻓﻲ ﺑﻌ ﺾ اﻟﻤﺤﺮﻣ ﺎت أﻧﻬ ﺎ إﻧﻤ ﺎ ﺣﺮﻣﺖ ﻟﻌﻠﺔ آﺬا ،وﺗﻠﻚ اﻟﻌﻠﺔ ﻣﻘﺼﻮدة ﻓﻴﻪ ،ﻓﻬﻮ ﻇﻠ ﻮم ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺟﻬﻮل ﺑﺄﻣﺮ رﺑﻪ ،هﻮ إن ﻧﺠﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﻔﺮ ،ﻟﻢ ﻳ ﻨﺞ ﻏﺎﻟﺒﺎ ﻣﻦ ﺑﺪﻋﺔ ،أو ﻓﺴﻖ ،أو ﻗﻠﺔ ﻓﻘﻪ ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻦ ،وﻋ ﺪم ﺑﺼ ﻴﺮة " وﻳﻀ ﺮب أﻣﺜﻠ ﺔ ﻟﺴ ﺪ اﻟ ﺬراﺋﻊ ﻣﻀ ﻴﻔﺎ إﻟ ﻰ أﻣﺜﻠﺔ اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ : ﻧﻬﻰ اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻦ أن ﻳﺴ ﺐ اﻟﺮﺟ ﻞ أﺑ ﻮي ﺁﺧ ﺮ، ﻷﻧﻪ ذرﻳﻌﺔ إﻟﻰ أن ﻳﺴﺐ اﻵﺧﺮ أﺑﻮﻳﻪ .
٢٠٠
ﻧﻬ ﻰ اﻟﺸ ﺎرع ﺧﻄﺒ ﺔ اﻟﻤﻌﺘ ﺪة ،ﻓﻘ ﺪ ﻳ ﺆدي إﻟ ﻰ اﻟﺰواج ﻓﻲ اﻟﻌﺪة وهﻮ ﻣﻨﻬﻲ ﻋﻨﻪ . ﻧﻬ ﻰ اﻟﻤﻘ ﺮض ﻋ ﻦ ﻗﺒ ﻮل هﺪﻳ ﺔ اﻟﻤﻘﺘ ﺮض ﻟﻜ ﻴﻼ ﺗﻜﻮن ذرﻳﻌﺔ ﻟﻠﺮﺑﺎ. ﻗﺘ ﻞ اﻟﺠﻤﺎﻋ ﺔ ﺑﺎﻟﻮاﺣ ﺪ ﺑﺎﺗﻔ ﺎق اﻟﺼ ﺤﺎﺑﺔ ،ﻟﻜ ﻴﻼ ﻳﻜ ﻮن اﻟﺘﻌ ﺪد ذرﻳﻌ ﺔ إﻟ ﻰ اﻹﻓ ﻼت ﻣ ﻦ ﺣ ﺪ ﻣ ﻦ ﺣ ﺪود اﷲ ،وهﻮ اﻟﻘﺼﺎص . ﻧﻬﻴ ﻪ ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟﺼ ﻼة واﻟﺴ ﻼم ﻋ ﻦ اﻗﺘ ﺮان اﻟﺒﻴ ﻊ ﺑﺎﻟﺴ ﻠﻒ ،ﺳ ﺪًا ﻟﻠﺬرﻳﻌ ﺔ إﻟ ﻰ اﻟﺮﺑ ﺎ )ﻓﻘ ﺪ ﻳﻘﺮﺿ ﻪ ﻣﺎﺋ ﺔ؛ ﻳﺒﻴﻌﻪ ﺷﻴﺌًﺎ ﺗﺎﻓﻬًﺎ ﺑﺄﻟﻒ( ﻣﻨﻊ آ ﻞ اﻟﺤﻴ ﻞ اﻟﺘ ﻲ ﺗ ﺆدي إﻟ ﻰ ﻣﺤ ﺮم " ،وﻟﻜ ﻦ ﺗﺠﻮز اﻟﺤﻴﻠﺔ ﻟﻄﻠﺐ اﻟﺤﻖ ﺑﻜﻠﻤﺎت ﺗ ﻮهﻢ ﺑﻐﻴ ﺮ اﻟﻤ ﺮاد، وﺗﺠ ﻮز ﻓ ﻲ اﻟﻄﺮﻳ ﻖ اﻟﺤ ﻼل ﻟﻠﻮﺻ ﻮل إﻟ ﻰ ﺣ ﻼل. ﻓ ﺬﻟﻚ ﻣﺒ ﺎح ﺑﺎﺗﻔ ﺎق اﻟﻔﻘﻬ ﺎء ﻣ ﺎ داﻣ ﺖ ﻻ ﺗﺘﻌ ﺎرض ﻣ ﻊ اﻟﺸﺮع " ﻣ ﻦ اﺿ ﻄﺮ إﻟ ﻰ اﻻﺳ ﺘﺪاﻧﺔ ﻣ ﻦ اﻟﻐﻴ ﺮ ،ﻓ ﺄﺑﻰ أن ﻳﻌﻄﻴﻪ إﻻ ﺑﺮﺑﺎ ،ﻓﺄﺧﺬﻩ ﻣﻨﻪ ﺑﺬﻟﻚ ،ﻟ ﻢ ﻳﺴ ﺘﺤﻖ ﻋﻠﻴ ﻪ إﻻ ﻣﻘﺪار رأس ﻣﺎﻟﻪ ،ﺳﺪًا ﻟﻠﺬرﻳﻌﺔ إﻟﻰ اﻟﺮﺑﺎ "
٢٠١
ﻋﻠﻰ أن ﺑﻌﺾ اﻟﻔﺘﺎوى اﻟﺘﻲ اﻋﺘﻤﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺳ ﺪ اﻟ ﺬراﺋﻊ ،ﺟ ﺎءت ﻋﻠ ﻰ أﺳ ﺎس اﻟﻤﺼ ﺎﻟﺢ اﻟﻤﺮﺳ ﻠﺔ. . وذﻟﻚ ﻣﺜﻞ : اﻟﺤﺎﺟ ﺔ إﻟ ﻰ اﻟﺴ ﻜﻦ ﻓﻘ ﺎل " :إذا ﻗ ﺪر أن ﻗﻮﻣ ﺎ اﺿﻄﺮوا إﻟﻰ اﻟﺴﻜﻦ ﻓﻲ ﺑﻴﺖ إﻧﺴﺎن ﻻ ﻳﺠﺪون ﺳ ﻮاﻩ، أو اﻟﻨﺰول ﻓﻲ ﺧﺎن ،أو اﺳﺘﻌﺎرة ﺛﻴﺎب ﻳﺴ ﺘﺪﻓﺌﻮن ﺑﻬ ﺎ، أو دﻟ ﻮ ﻟﻨ ﺰع اﻟﻤ ﺎء ،أو ﻗ ﺪر أو ﻓ ﺄس أو ﻧﺤ ﻮ ذﻟ ﻚ، وﺟﺐ ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺑﺬﻟ ﻪ ﺑ ﻼ ﻧ ﺰاع وﻳﺠ ﺐ ﻋﻠﻴ ﻪ ذﻟ ﻚ ﻣﺠﺎﻧ ًﺎ ،آﻤ ﺎ دل ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟﻜﺘ ﺎب واﻟﺴ ﻨﺔ ،وإن آ ﺎن رأي اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ أﻧﻪ ﻳﺄﺧﺬ أﺟﺮة اﻟﻤﺜﻞ " إﻳﺠ ﺎب ﻃﺎﻋ ﺔ اﻹﻣ ﺎم .ﻋﻠ ﻰ أن اﻹﻣ ﺎم ﻳﺠ ﺐ أن ﺗﺘ ﻮﻓﺮ ﻓﻴ ﻪ ﺛﻼﺛ ﺔ ﺷ ﺮوط :أن ﺗﻜ ﻮن وﻻﻳﺘ ﻪ ﺑﻤﺸ ﻮرة ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ .واﻟﺒﻴﻌﺔ ،واﻟﻌﺪاﻟﺔ وﻃﺎﻋﺘﻪ واﺟﺒ ﺔ ﺣﺘ ﻰ إن ﻇﻠ ﻢ ،وﻟﻜ ﻦ ﻻ ﻳﻄ ﺎع ﻓ ﻲ ﻣﻌﺼ ﻴﺔ ،وﻓ ﻲ آ ﻞ اﻟﺤﺎﻻت ﻓﺎﻟﺨﺮوج ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﺴﻴﻒ ﻣﻨﻬﻲ ﻋﻨﻪ . ٭٭٭ وﻟﻜﻦ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻳﻨﺼﺢ اﻟﻤﺠﺘﻬﺪﻳﻦ ﻓﻲ اﺳ ﺘﻨﺒﺎﻃﻬﻢ اﻷﺣﻜ ﺎم ،واﻟﺮﺟ ﻮع إﻟ ﻰ اﻟﻜﺘ ﺎب واﻟﺴ ﻨﺔ ،وﺑﺎﻟﻌ ﺪول
٢٠٢
ﻋ ﻦ ﺁراء اﻟﻤ ﺬهﺐ ،إن ﺻ ﺢ ﻋﻨ ﺪهﻢ ﺣ ﺪﻳﺚ ﻳﺨ ﺎﻟﻒ رأﻳﻬﻢ ،وﺑﻬ ﺬا ﻧﺼ ﺢ اﻷﺋﻤ ﺔ اﻷرﺑﻌ ﺔ ،وه ﺬا ه ﻮ ﻧﻬ ﺞ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺮاﺷ ﺪﻳﻦ ،وه ﻢ أﻋﻠ ﻢ اﻷﻣ ﺔ ﺑﻄﺮاﺋ ﻖ اﺳ ﺘﻨﺒﺎط اﻷﺣﻜﺎم اﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻋﻠﻤﻬﻢ اﻟﻨﺒﻲ . .آﺎن اﻟﻮاﺣﺪ ﻣ ﻨﻬﻢ ﻳﻌﻠ ﻦ رأﻳ ًﺎ أو ﻳﺼ ﺪر ﺣﻜﻤ ًﺎ ،ﻓ ﺈذا ﺗﺒ ﻴﻦ ﻟ ﻪ أن هﻨ ﺎك ﺣ ﺪﻳﺜًﺎ ﺻ ﺤﻴﺤًﺎ ﻳﺨﺎﻟﻔ ﻪ ،أﺧ ﺬ ﺑﺎﻟﺤ ﺪﻳﺚ ،وﻋ ﺪل ﻋﻦ اﺟﺘﻬﺎدﻩ. . ﺳ ﺄﻟﺖ اﻣ ﺮأة أﺑ ﺎ ﺑﻜ ﺮ ﺣﻘﻬ ﺎ ﻓ ﻲ ﻣﻴ ﺮاث ﺣﻔﻴ ﺪهﺎ، ﻓﻘ ﺎل ﻟﻬ ﺎ " :أﻧ ﺖ ﺟ ﺪة ،وﻣﺎﻟ ﻚ ﻓ ﻲ آﺘ ﺎب اﷲ ﻣ ﻦ ﺷﻲء ،وﻣﺎ ﻋﻠﻤﺖ ﻟﻚ ﻓﻲ ﺳ ﻨﺔ رﺳ ﻮل اﷲ ﻣ ﻦ ﺷ ﻲء، وﻟﻜﻦ أﺳﺄل اﻟﻨﺎس " .ﻓﺴﺄﻟﻬﻢ ﻓﻘ ﺎم اﺛﻨ ﺎن ﻣ ﻦ اﻟﺼ ﺤﺎﺑﺔ ﻓﺸﻬﺪا أن اﻟﻨﺒﻲ أﻋﻄﻰ اﻟﺠﺪة اﻟﺴﺪس . وآ ﺎن ﻋﻤ ﺮ ﻻ ﻳﻌﻠ ﻢ أن اﻟﺰوﺟ ﺔ ﺗ ﺮث ﻣ ﻦ دﻳ ﺔ زوﺟﻬ ﺎ ﺣﺘ ﻰ أﻋﻠﻤ ﻪ أﺣ ﺪ اﻟﺼ ﺤﺎﺑﺔ أن اﻟﺮﺳ ﻮل ﻗ ﺪ ورث اﻣ ﺮأة ﻣ ﻦ دﻳ ﺔ زوﺟﻬ ﺎ ،ﻓﻘ ﺎل ﻋﻤ ﺮ " :ﻟ ﻮ ﻟ ﻢ ﻧﺴﻤﻊ هﺬا ﻟﻘﻀﻴﻨﺎ ﺑﺨﻼﻓﻪ " وﻟﻤﺎ اﻧﺘﺸﺮ اﻟﻄﺎﻋﻮن ﻓﻲ اﻟﺸﺎم وﻋﻤﺮ ﻗ ﺎدم إﻟﻴ ﻪ، اﺳﺘﺸ ﺎر اﻟﻤﻬ ﺎﺟﺮﻳﻦ اﻷوﻟ ﻴﻦ ،ﺛ ﻢ اﻷﻧﺼ ﺎر ﻓﻴﻤ ﺎ
٢٠٣
ﻳﺼ ﻨﻌﻪ ،أﻳ ﺬهﺐ إﻟ ﻰ اﻟﺸ ﺎم أو ﻻ ﻳ ﺬهﺐ؟ ﻓﻠ ﻢ ﻳﺨﺒ ﺮﻩ أﺣ ﺪ ﺑﺸ ﻲء ،ﺣﺘ ﻰ أﺧﺒ ﺮﻩ ﻋﺒ ﺪ اﻟ ﺮﺣﻤﻦ ﺑ ﻦ ﻋ ﻮن أن رﺳ ﻮل اﷲ ﻗ ﺎل :إذا ﻧ ﺰل اﻟﻄ ﺎﻋﻮن ﺑ ﺄرض وأﻧ ﺘﻢ ﺑﻬﺎ ،ﻓﻼ ﺗﺨﺮﺟﻮا ﻣﻨﻬﺎ ،وإذا ﺳﻤﻌﺘﻢ ﺑﻪ ﻣ ﻦ ﻓ ﻲ أرض ﻓﻼ ﺗﻘﺪﻣﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ " ٭٭٭ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس أﺻﻮل اﻟﻔﻘﻪ ﺗﻠ ﻚ ،ﻣ ﺎرس اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﻧﺸ ﺎﻃﻪ اﻟﻔﻘﻬ ﻲ ،وأآﺜ ﺮ ﺁراﺋ ﻪ اﺗﺒ ﺎع ﻟﻺﻣ ﺎم أﺣﻤ ﺪ، وﺑﻌ ﺾ اﻵراء ﻋ ﺪول ﻋ ﻦ اﻟﻤ ﺬهﺐ اﻟﺤﻨﺒﻠ ﻲ ،إﻟ ﻰ اﻟﻤﺬاهﺐ اﻷﺧﺮى .وﻗﺪ ﻻﺣﻆ أﻧﻪ ﻋﻨﺪ اﺧ ﺘﻼف اﻷﺋﻤ ﺔ اﻷرﺑﻌﺔ ،ﻳﺘﻔﻖ رأي أﺣﻤﺪ وﻣﺎﻟﻚ ،أو أﺣﻤﺪ واﻟﺸﺎﻓﻌﻲ، وﻟﻜﻦ ﻗﻠﻤﺎ ﻳﺘﻔﻖ رأي أﺣﻤﺪ وأﺑﻲ ﺣﻨﻴﻔﺔ. . وﻻﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﺁراء ﻗﻠﻴﻠ ﺔ ،ﺗ ﺮك ﻓﻴﻬ ﺎ اﻟﻤ ﺬاهﺐ اﻷرﺑﻌﺔ ،ﻟﻴﺄﺧﺬ ﻣﻦ ﻓﻘ ﻪ ﺁل اﻟﺒﻴ ﺖ ،وﻟ ﻪ ﺑﻌ ﺪ ذﻟ ﻚ ﺁراء اﻧﻔﺮاد ﺑﻬﺎ . وﻗﺪ اﺗﺒﻊ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﺁراء أﺣﻤ ﺪ ﺟﻤﻴﻌ ﺎ ﺣﺘ ﻰ ﻓﻴﻤ ﺎ اﻧﻔﺮد ﺑﻪ ،إﻻ ﻓﻲ ﻓﺘﺎوى ﻗﻠﻴﻠﺔ . وﻣﻤﺎ اﺗﺒﻌﻪ ﻓﻲ ﻣﻔﺮدات أﺣﻤﺪ :
٢٠٤
ﻗﺒ ﻮل ﺷ ﻬﺎدة أه ﻞ اﻟﺬﻣ ﺔ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ ﻋﻨ ﺪ اﻟﺤﺎﺟﺔ ،آﺎﻟﻮﺻﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻔﺮ . ﺗﺤﺮﻳﻢ زواج اﻟﺰاﻧﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﺘﻮب . ﺟﻮاز ﺷﻬﺎدة اﻟﻌﺒﺪ . ﻃﻼق اﻟﺴﻜﺮان ﻻ ﻳﻘﻊ . أﻣ ﺎ اﺧﺘﻴﺎراﺗ ﻪ ﻣ ﻦ اﻟﻤ ﺬاهﺐ اﻷﺧ ﺮى ﻓﻜﺜﻴ ﺮة، ﺑﻌﻀ ﻬﺎ آ ﺎن ﻗ ﺪ واﻓ ﻖ ﻋﻠﻴ ﻪ أﺣﻤ ﺪ ،وﺑﻌﻀ ﻬﺎ ﻟ ﻢ ﻳﻜ ﻦ اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ ﻳﺄﺧﺬ ﺑﻪ ،وﻣﻦ اﻻﺧﺘﻴﺎرات : ﻳﺠ ﻮز ﻧﻘ ﻞ اﻟﺰآ ﺎة ﻣ ﻦ إﻗﻠ ﻴﻢ ﻹﻗﻠ ﻴﻢ ﻓ ﻲ اﻟﻤﺼ ﺮ اﻟﻮاﺣﺪ )اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻮاﺣﺪ( اﻟﺰآﺎة ﻟﻸﺻ ﻮل وإن ﻋﻠ ﻮا )آﺎﻷﺟ ﺪاد( وﻟﻠﻔ ﺮوع وإن هﺒﻄ ﻮا )آﺎﻷﺣﻔ ﺎد( إذا آ ﺎﻧﻮا ﻣﺤﺘ ﺎﺟﻴﻦ ،وﺗﺴ ﺪد دﻳﻮﻧﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺰآﺎة .وأﺣﻤﺪ ﻳﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ هﺬا اﻟﺮأي . ﻻ ﻳﺠﻮز إﻋﻄﺎء ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺰآﺎة ﻟﻤﻦ ﻻ ﻳﺴ ﺘﻌﻴﻦ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻃﺎﻋﺔ اﷲ ﻓﺮﺿﻬﺎ ﻣﻌﻮﻧﺔ ﻋﻠﻰ ﻃﺎﻋﺘﻪ . ﻻ ﻳﺠ ﻮز أن ﻳﻌ ﺎن ﺑﺎﻟﻤﺒ ﺎح ﻋﻠ ﻰ اﻟﻤﻌﺼ ﻴﺔ ،ﻓ ﻼ ﻳﻌﻄ ﻰ اﻟﻠﺤ ﻢ أو اﻟﺨﺒ ﺰ ﻟﻤ ﻦ ﻳﺸ ﺮب ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟﺨﻤ ﺮ، وﻳﺴﺘﻌﻴﻦ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮاﺣﺶ .
٢٠٥
ﺗﺆدى اﻟﺰآ ﺎة ﻟ ﻮﻟﻲ اﻷﻣ ﺮ اﻟﻌ ﺎدل ﻟﺼ ﺮﻓﻬﺎ ﻋﻠ ﻰ ﻣﺴﺘﺤﻘﻴﻬﺎ ،ﻓﺈن آﺎن وﻟﻲ اﻷﻣﺮ ﻻ ﻳﺼﺮف اﻟﺰآﺎة ﻓ ﻲ اﻟﻤﺼﺎرف اﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ،ﻓﻴﻨﺒﻐﻲ ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ أﻻ ﻳﺪﻓﻌﻬﺎ إﻟﻴﻪ . ﻻ ﻳﺼﺢ ﺑﻴﻊ ﻣﺎ ﻗﺼ ﺪ ﺑ ﻪ اﻟﺤ ﺮام ،آﻌﺼ ﻴﺮ ﻳﺘﺨ ﺬ ﺧﻤ ﺮًا ،إذا ﻋﻠ ﻢ ذﻟ ﻚ .وﻟ ﻮ ﻇ ﻦ اﻵﺟ ﺮ أن اﻟﻤﺴ ﺘﺄﺟﺮ ﻳﺴ ﺘﺄﺟﺮ اﻟ ﺪار ﻟﻤﻌﺼ ﻴﺔ ،ﻟ ﻢ ﻳﺠ ﺰ ﻟ ﻪ أن ﻳ ﺆﺟﺮﻩ ﺗﻠ ﻚ اﻟﺪار .وهﺬا اﻟﺮأي اﺗﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺎﻟﻚ واﺣﻤﺪ . ﻃﻼق اﻟﻤﻜﺮﻩ ﻻ ﻳﻘ ﻊ وه ﺬا اﺗﻔ ﺎق ﻣﺎﻟ ﻚ اﻟﺸ ﺎﻓﻌﻲ وأﺣﻤﺪ . " اﻟﺴﻜﺮان إذا ﺳﻜﺮ ﺑﻘﺼﺪ اﻟﻘﺘﻞ أو اﻟﺰﻧﺎ أو ﻏﻴﺮ ذﻟ ﻚ ﻣ ﻦ اﻟﻤﺤﺮﻣ ﺎت ،ﺛ ﻢ ﻓﻌ ﻞ ذﻟ ﻚ ﻓ ﻲ ﺣ ﺎل اﻟﺴ ﻜﺮ، ﻓ ﺎن إﺛﻤ ﻪ ﻣﺜ ﻞ إﺛ ﻢ ﻣ ﻦ ﻓﻌ ﻞ ذﻟ ﻚ ﻓ ﻲ ﺣ ﺎل اﻟﺼ ﺤﻮ وأآﺜ ﺮ .وإن ﻟ ﻢ ﻳﻜ ﻦ ﻗﺼ ﺪﻩ ﺑ ﺬﻟﻚ ،ﺑ ﻞ اﺑﺘ ﺪأﻩ ﻏﻴ ﺮﻩ ﺑﺎﻟﻤﻬﺎﻧﺔ ﻓﻘﺘﻠﻪ ،ﻓﺈن إﺛﻤﻪ ﻳﻜﻮن أﻗﻞ ﻣﻦ ذﻟﻚ " اﻟﺨ ﻂ ﺑﻴﻨ ﻪ ﻓ ﻲ اﻹﺛﺒ ﺎت " .اﻟﻌﻤ ﻞ ﺑ ﺎﻟﺨﻂ ﻣ ﺬهﺐ ﻗ ﻮي ﺑ ﻞ ه ﻮ ﻗ ﻮل ﺟﻤﻬ ﻮر اﻟﺴ ﻠﻒ )اﺗﻔ ﻖ ﻋﻠﻴ ﻪ ﻣﺎﻟ ﻚ واﻟﺸﺎﻓﻌﻲ وأﺣﻤﺪ( "
٢٠٦
آﻞ ﺷﺮط ﻻ ﻳﺨ ﺎﻟﻒ اﻟﺸ ﺮﻳﻌﺔ أو ﻣﻘﺼ ﻮد اﻟﻌﻘ ﺪ، واﺟﺐ اﻻﺣﺘﺮام آﺎﺷ ﺘﺮاط اﻟﺰوﺟ ﺔ أﻻ ﻳﺘ ﺰوج ﻋﻠﻴﻬ ﺎ، أو أﻻ ﻳﻨﻘﻠﻬ ﺎ ﻣ ﻦ ﺑﻠ ﺪهﺎ وﻧﺤ ﻮ ذﻟ ﻚ ،ﻟﻤ ﺎ ﺟ ﺎء ﻓ ﻲ اﻟﺤ ﺪﻳﺚ " :إن أﺣ ﻖ اﻟﺸ ﺮوط أن ﺗﻮﻓ ﻮا ﻣ ﺎ اﺳ ﺘﺤﻠﻠﺘﻢ ﺑﻪ ﻓﺮوج اﻟﻨﺴﺎء " وﻳﺠ ﻮز ﻟﻠﺒ ﺎﺋﻊ أن ﻳﺸ ﺘﺮط اﻻﻧﺘﻔ ﺎع ﺑ ﺎﻟﻤﺒﻴﻊ ﻣ ﺪة ﻣﻌﻴﻨ ﺔ ،وﻓ ﻲ اﻟﺤ ﺪﻳﺚ :اﻟﻨ ﺎس ﻋﻠ ﻰ ﺷ ﺮوﻃﻬﻢ ﻣ ﺎ واﻓﻘﺖ اﻟﺤﻖ . إذا ﺗﻠ ﻒ اﻟﻤﻌﻘ ﻮد ﻋﻠﻴ ﻪ ﺑﺠﺎﺋﺤ ﺔ ﻗﺒ ﻞ اﻟ ﺘﻤﻜﻦ ﻣ ﻦ ﻗﺒﻀ ﻪ ،ﻻ ﻳ ﺪﻓﻊ ﻓﻴ ﻪ اﻟ ﺜﻤﻦ ،ﻷﻧ ﻪ أﺧ ﺬ ﻟﻠﻤ ﺎل ﺑﻐﻴ ﺮ ﻋﻮض ﻣﻦ ﻏﻴﺮ رﺿﺎ ﺻ ﺎﺣﺒﻪ ،وأآ ﻞ ﻷﻣ ﻮال اﻟﻨ ﺎس ﺑﺎﻟﺒﺎﻃ ﻞ ،وﻗ ﺪ ﻧﻬ ﻰ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰﻋﻨ ﻪ :ﻳ ﺎ أﻳﻬ ﺎ اﻟ ﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨ ﻮا ﻻ ﺗ ﺄآﻠﻮا أﻣ ﻮاﻟﻜﻢ ﺑﻴ ﻨﻜﻢ ﺑﺎﻟﺒﺎﻃ ﻞ ،إﻻ أن ﺗﻜ ﻮن ﺗﺠﺎرة ﻋﻦ ﺗﺮاض ﻣﻨﻜﻢ .واﻟﺠﺎﺋﺤﺔ هﻲ اﻵﻓ ﺔ ،اﻟﺘ ﻲ ﻻ ﻳﻤﻜ ﻦ ﻓﻴﻬ ﺎ ﺗﻀ ﻤﻴﻦ )أي ﺗﻌ ﻮﻳﺾ( أﺣ ﺪ :آ ﺎﻟﺮﻳﺢ، واﻟﻤﻄﺮ ،واﻟﺒﺮد ،واﻟﺤﺮ ،واﻟﺼﻮاﻋﻖ ،واﻟﺠ ﻴﺶ ﺣ ﻴﻦ ﻳﺘﻠﻒ ،واﻟﻠﺼﻮص .ﻓﺈذا أﻣﻜﻦ اﻟﺘﻌﻮﻳﺾ ،ﻓﺎﻟﺨﻴﺎر ﺑﻴﻦ إﺟﺮاء اﻟﺼﻔﻘﺔ ﻣﻊ ﺗﻌ ﻮﻳﺾ ﻣ ﺎ ﺗﻠ ﻒ ﻣﻨﻬ ﺎ ،أو اﻟﻔﺴ ﺦ.
٢٠٧
واﻟﻌﻘ ﻮد اﻟﺘ ﻲ ﺗﻨﻄﺒ ﻖ ﻋﻠﻴﻬ ﺎ اﻟﻘﺎﻋ ﺪة ه ﻲ ﻋﻘ ﻮد اﻟﺒﻴ ﻊ واﻹﺟ ﺎرة ،ﻓﺎﻟﻤﻨﻔﻌ ﺔ اﻟﻤﻘﺼ ﻮدة ﺑﻌﻘ ﺪ اﻹﺟ ﺎرة ،إذا ﻟ ﻢ ﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﻴﻔﺎؤهﺎ ﺑﻄﻠﺖ اﻹﺟﺎرة ،ﻓﺈذا زال ﺑﻌﺾ ﻧﻔﻌﻬﺎ اﻟﻤﻘﺼ ﻮد ﺑﺎﻟﻌﻘ ﺪ ،وﺑﻘ ﻲ اﻟ ﺒﻌﺾ ،ﻓﻠﻠﻤﺴ ﺘﺄﺟﺮ ﺣ ﻖ اﻟﻔﺴﺦ ،أو ﻳﻨﻘﺺ ﻣﻦ اﻷﺟﺮة ﺑﻘﺪر ﻧﻘﺺ اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ . واﺗﻬﻢ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻣﻌﺎرﺿ ﻲ ه ﺬا اﻟ ﺮأي ﺑ ﺄﻧﻬﻢ )ﻏﻔﻠ ﺔ ﺑﻴﻨﺔ ،وأﻧﻪ رأي ﻻ ﻳﻨﻜﺮﻩ آ ﻞ ذي ﻓﻄ ﺮة ﺳ ﻠﻴﻤﺔ ،ﺣﺘ ﻰ ﻟﻢ ﻳﻤﺎرس اﻟﻔﻘﻪ ﻣﻦ اﻟﻔﻼﺣﻴﻦ ،وﺷﺬاذ اﻟﻤﺘﻔﻘﻬﺔ " دور ﻣﻜﺔ ﻻ ﺗﺆﺟﺮ ،وأن ﻣﻦ اﺳﺘﺄﺟﺮهﺎ ﻻ ﺗﻠﺰﻣ ﻪ اﻷﺟﺮة ،وﻳﺤ ﺮم ﻋﻠﻴ ﻪ دﻓﻌﻬ ﺎ ،إﻻ أن ﻳﻜ ﻮن ﻣﻀ ﻄﺮًا، ﺑ ﺄن ﺗﻐﻠ ﺐ ﻋﻠ ﻰ ﻣﻜ ﺔ ﻣﺘﻐﻠ ﺐ ،أو آ ﺎن أه ﻞ ﻣﻜ ﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻨ ﻮن اﻟﺤﺠ ﻴﺞ ﻣ ﻦ اﻟ ﺪور إﻻ ﺑ ﺄﺟﺮة .ﻗ ﺎل " :ﻣﻜ ﺔ اﻟﻤﺸ ﺮﻓﺔ ﻓﺘﺤ ﺖ ﻋﻨ ﻮة ،وﻻ ﺗﺠ ﻮز إﺟﺎرﺗﻬ ﺎ ،ﻓ ﺈن اﺳ ﺘﺄﺟﺮهﺎ ،ﻓ ﺎﻷﺟﺮة ﺳ ﺎﻗﻄﺔ ﻳﺤ ﺮم ﺑ ﺬﻟﻬﺎ )ﻓ ﺪور ﻣﻜ ﺔ ﻓ ﻲ ﺣ ﺮم اﷲ اﻵﻣ ﻦ( . .وآ ﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﺠ ﻮز ﺑﻴ ﻊ ه ﺬﻩ اﻟﺪور " وﻗ ﺪ روي أن ﻋﻤ ﺮ ﻗ ﺎل " :ﻳ ﺎ أه ﻞ ﻣﻜ ﺔ ﻻ ﺗﺘﺨ ﺬوا ﻟﺒﻴ ﻮﺗﻜﻢ أﺑﻮاﺑ ًﺎ ،ﻟﻴﻨ ﺰل اﻟﻨ ﺎس " وآ ﺎن رﺿ ﻲ
٢٠٨
اﷲ ﻋﻨ ﻪ ﻳﻨﻬ ﻰ ﻋ ﻦ ﺑﻴ ﻊ اﻟﻄﻌ ﺎم ﻓ ﻲ ﻣﻮﺳ ﻢ اﻟﺤ ﺞ" ، ﺣﺘ ﻰ ﻻ ﻳﺠﻬ ﺪ اﻟﺤﺠ ﺎج ،وﻳﻜ ﻮن اﻻﺣﺘﻜ ﺎر ،وﺗﺮﺗﻔ ﻊ اﻷﺳﻌﺎر " وﻳﻘﻮل أﺑﻮ ﻋﺒﻴﺪة " :إن رﺳ ﻮل اﷲ ﻗ ﺪ ﺳﻦ ﻟﻤﻜﺔ ﺳﻨﻨًﺎ ﻟﻢ ﻳﺴﻨﻬﺎ ﻟﺸﻲء ﻣﻦ ﺳ ﺎﺋﺮ اﻟ ﺒﻼد . .ﻓ ﻼ ﺗﺒﺎع رﺑﺎﻋﻬﺎ )دوره ﺎ( ،وﻻ ﺗﺆﺧ ﺬ إﺟﺎرﺗﻬ ﺎ ،وﻻ ﺗﺤ ﻞ ﺿ ﺎﻟﺘﻬﺎ ،وﻻ ﺗﻐﻠ ﻖ دوره ﺎ دون اﻟﺤ ﺎج ،وﻻ ﻳﻄﻴ ﺐ آﺮاء ﺑﻴﻮﺗﻬﺎ ،وإﻧﻬﺎ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ " " ﻳﺠ ﻮز ﺑﻴ ﻊ اﻟﻤﺼ ﻮغ ﻣ ﻦ اﻟ ﺬهﺐ واﻟﻔﻀ ﺔ ﺑﺠﻨﺴﻪ ،ﻣﻦ ﻏﻴﺮ اﺷﺘﺮاط اﻟﺘﻤﺎﺛﻞ ،وﻳﺠﻌﻞ اﻟﺰﻳ ﺎدة ﻓ ﻲ ﻣﻘﺎﺑ ﻞ اﻟﺼ ﻨﻌﺔ ،وﻟ ﻴﺲ ه ﺬا رﺑ ﺎ " .وه ﻮ رأي ﻣﺎﻟ ﻚ، ورأى ﺿﻌﻴﻒ ﻷﺣﻤﺪ . أﻣﺎ ﺁراؤﻩ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻘﻞ ﺑﻬﺎ ،ﻓﻤﻨﻬﺎ : " ﻗﺼﺮ اﻟﺼﻼة ﻓ ﻲ آ ﻞ ﻣ ﺎ ﻳﺴ ﻤﻰ ﺳ ﻔﺮًا " وه ﻮ ﻗﻮل ﺑﻌﺾ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ . " ﻣ ﻦ أآ ﻞ ﻓ ﻲ ﺷ ﻬﺮ رﻣﻀ ﺎن ﻣﻌﺘﻘ ﺪًا أﻧ ﻪ ﻟﻴ ﻞ، ﻓﺒﺎن أﻧﻪ ﻧﻬﺎر ،ﻻ ﻗﻀﺎء ﻋﻠﻴﻪ ،آﻤﺎ ه ﻮ اﻟﺼ ﺤﻴﺢ ﻋﻨ ﺪ ﻋﻤﺮ "
٢٠٩
ﻣ ﺎ ﻣﻠﻜ ﺖ أﻳﻤ ﺎﻧﻜﻢ ﻣ ﻦ اﻟﻮﺛﻨﻴ ﺎت ،ﻟﻬ ﻦ ﺣﻜ ﻢ اﻟﻜﺘﺎﺑﻴﺎت . " ﻳﺠﻮز اﻟﺘﻴﻤﻢ ،ﻣ ﻊ وﺟ ﻮد اﻟﻤ ﺎء ﻟﻠﻮﺿ ﻮء ،ﻟﻤ ﻦ ﺧﺎف ﻓﻮات اﻟﻌﻴﺪ واﻟﺠﻤﻌﺔ أو وﻗﺖ ﺻﻼة أﺧ ﺮى ﻣ ﻦ اﻟﺼﻠﻮات اﻟﻤﻜﺘﻮﺑﺔ " ﻳﺠﻮز ﺗﻮرﻳﺚ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻣﻦ اﻟﺬﻣﻲ . " اﻟﻤ ﺮأة إذا ﻟ ﻢ ﻳﻤﻜﻨﻬ ﺎ اﻻﻏﺘﺴ ﺎل ﻓ ﻲ اﻟﺒﻴ ﺖ ،أو ﺷﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻨﺰول إﻟﻰ اﻟﺤﻤ ﺎم وﺗﻜ ﺮرﻩ ،ﻟﻬ ﺎ أن ﺗﺘ ﻴﻤﻢ وﺗﺼﻠﻲ " ﻻ ﺣ ﺪ ﻷﻗ ﻞ اﻟﺤ ﻴﺾ ،وﻻ ﻷآﺜ ﺮﻩ ،وﻻ ﻷﻗ ﻞ اﻟﻄﻬﺮ ﺑﻴﻦ اﻟﺤﻴﻀﺘﻴﻦ ،وﻻ ﺣﺪ ﻟﺴ ﻦ اﻹﻳ ﺎس )اﻟﻴ ﺄس( ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺾ ،ﻓﺈن ذﻟﻚ ﻳﺮﺟﻊ إﻟﻰ ﻣﺎ ﺗﻌﺮﻓﻪ اﻟﻤﺮأة ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ . " ﺗﺎرك اﻟﺼﻼة ﻋﻤﺪًا ﻻ ﻗﻀﺎء ﻋﻠﻴﻪ ،وﻻ ﻳﺸ ﺮع ﻟﻪ اﻟﻘﻀﺎء ،ﺑﻞ ﻋﻠﻴﻪ اﻹآﺜﺎر ﻣﻦ اﻟﻨﻮاﻓﻞ رﺟﺎء ﻏﻔﺮان اﷲ " ﻟﻘ ﺪ ﺣ ﺎول اﻟﺸ ﻴﺦ اﻻﺟﺘﻬ ﺎد ،ﻣﺴ ﺘﻨﺒﻄًﺎ أﺣﻜﺎﻣ ًﺎ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ،ﻟﻴﺮﻓ ﻊ ﻣ ﻦ اﻟﻨ ﺎس اﻟﻈﻠ ﻢ واﻟﺤ ﺮج ﻣ ﻦ ﻓﺘ ﺎوى
٢١٠
اﻟﻔﻘﻬ ﺎء اﻟﺠﺎﻣ ﺪﻳﻦ اﻟﻤﻘﻠ ﺪﻳﻦ ،ﻋﺴ ﻰ أن ﺗﻨﻀ ﺒﻂ أﻣ ﻮر اﻟﻨﺎس ﺑﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ اﻟﺴﻤﺤﺔ . وﻧﻈ ﺮ ﻓ ﻲ أﺣ ﻮال اﻟﻨ ﺎس ﺣﻮﻟ ﻪ ،ﻓﺮاﻋ ﻪ ﻣ ﺎ ﻳ ﺮاﻩ ﻣ ﻦ اﻧﻬﻴ ﺎر ﺑﻴ ﻮت وﺗﻤ ﺰق ﻋ ﺎﺋﻼت ،ﻷن رب اﻟﺒﻴ ﺖ ﺣﻠﻒ ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ﺑﺎﻟﻄﻼق ،وﺣﻨﺚ ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻴﻦ ،ﻓﺘﺘﺤﻤﻞ اﻟﺰوﺟﺔ اﻟﺒﺮﻳﺌﺔ وأوﻻدهﺎ ،ﻣﺴﺌﻮﻟﻴﺔ ﺣﻤﺎﻗﺔ اﻟﺰوج ! ! ورأى اﻟﺮﺟﻞ ﻳﻄﻠﻖ اﻟﻤﺮأة ﺛﻼﺛًﺎ ﻓﻲ ﻓﻢ واﺣ ﺪ ،أو ﻓ ﻲ ﻣﺠﻠ ﺲ واﺣ ﺪ ،ﻓ ﻼ ﺗﺤ ﻞ ﻟ ﻪ ﺣﺘ ﻰ ﺗ ﻨﻜﺢ زوﺟ ًﺎ ﻏﻴﺮﻩ ! . .وﻧﻈ ﺮ ﻓ ﻲ أﺻ ﻮل اﻟﻤﺴ ﺄﻟﺔ ،ﻓﻬﺪﺗ ﻪ دراﺳ ﺘﻪ ﻓ ﻲ ﻓﻘ ﻪ ﺁل اﻟﺒﻴ ﺖ إﻟ ﻰ أن اﻟﻴﻤ ﻴﻦ ﺑ ﺎﻟﻄﻼق ﺑﺎﻃ ﻞ ،ﻻ ﻳﻘ ﻊ ﺑ ﻪ ﻃ ﻼق ،وإﻟ ﻰ أن ﻟﻠﻄ ﻼق ﺷ ﺮوﻃًﺎ ﺣ ﺪدﺗﻬﺎ اﻟﺴﻨﺔ :أن ﻳﻄﻠﻖ اﻟﺮﺟﻞ اﻣﺮأﺗ ﻪ ﻃﻠﻘ ﻪ واﺣ ﺪة ،ﺑﺸ ﺮط أن ﺗﻜ ﻮن ﻗ ﺪ اﻏﺘﺴ ﻠﺖ ﻣ ﻦ اﻟﺤ ﻴﺾ ،وﻗﺒ ﻞ أن ﻳ ﺪﺧﻞ ﺑﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻳ ﺪﻋﻬﺎ ،ﻓ ﻼ ﻳﻄﻠﻘﻬ ﺎ ﺣﺘ ﻰ ﺗﻜﻤ ﻞ ﻋ ﺪﺗﻬﺎ . .ﻓ ﺎن أراد أن ﻳﺮاﺟﻌﻬﺎ ﻓﻠﻪ ذﻟ ﻚ ،ﺑ ﺪون رﺿ ﺎهﺎ ،وﻻ رﺿ ﺎ وﻟﻴﻬﺎ ،وﻻ ﻣﻬﺮ ﺟﺪﻳﺪ . وان ﺗﺮآﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﻨﻘﻀﻲ اﻟﻌﺪة ،ﻓﻘﺪ ﺑﺎﻧﺖ ﻋﻨﻪ.
٢١١
ﻓﺈن أراد أن ﻳﺘﺰوﺟﻬﺎ ﺑﻌﺪ اﻧﻘﻀﺎء اﻟﻌ ﺪة ﺟ ﺎز ﻟ ﻪ ذﻟﻚ ،ﻟﻜﻦ ﺑﻌﻘﺪ ﺟﺪﻳﺪ . ﻓ ﺈذا ﺗﺰوﺟﻬ ﺎ ﻣ ﺮة ﺛﺎﻧﻴ ﺔ ،وأراد أن ﻳﻄﻠﻘﻬ ﺎ ،ﻓﺈﻧ ﻪ ﻳﻄﻠﻘﻬﺎ آﻤﺎ ﺗﻘﺪم ،ﻓﺈن ﻃﻠﻘﻬﺎ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﺣﺮﻣﺖ ﻋﻠﻴ ﻪ ﺣﺘ ﻰ ﺗﻨﻜﺢ زوﺟًﺎ ﻏﻴﺮﻩ .ﻓﺎﻟﻄﻼق ﺛﻼﺛًﺎ ﻓﻲ ﻋﺒﺎرة واﺣ ﺪة أو ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺲ واﺣﺪ ،أو ﻓ ﻲ ﻃﻬ ﺮ واﺣ ﺪ ،واﻟﻄ ﻼق ﻋﻠ ﻰ ﻏﻴ ﺮ اﻟﻮﺟ ﻪ اﻟﻤ ﺬآﻮر ﺁﻧﻔ ًﺎ ،آ ﻞ أوﻟﺌ ﻚ ﻃ ﻼق ﻻ ﻳﻘ ﻊ ﺛﻼﺛًﺎ . .إﻧﻤﺎ هﻮ ﻃﻠﻘﺔ واﺣﺪة. . آﺎﻧﺖ هﺬﻩ هﻲ أﺣﻜ ﺎم اﻟﻄ ﻼق ﻓ ﻲ ﻋﻬ ﺪ اﻟﺮﺳ ﻮل ،وﺧﻠﻴﻔﺘﻪ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ،وﺧﻼل ﻋﺎﻣﻴﻦ ﻣﻦ ﻋﻬﺪ ﻋﻤﺮ. ﻓﻠﻤ ﺎ رأى ﻋﻤ ﺮ اﻷزواج ﻳﺴ ﺮﻓﻮن ﻓ ﻲ اﻟﺤﻠ ﻒ ﺑ ﺎﻟﻄﻼق ،أو ﻳﻨ ﺪﻓﻊ اﻟﻮاﺣ ﺪ ﻣ ﻨﻬﻢ ﻓﻴﻄﻠ ﻖ اﻣﺮأﺗ ﻪ ﺛﻼﺛ ًﺎ ﻓﻲ ﻋﺒﺎرة واﺣﺪة .ﻓﻠﻤﺎ رأى ﻋﻤﺮ ذﻟ ﻚ أراد أن ﻳ ﺆدب اﻷزواج ،ﻓﻘﻀ ﻰ ﺑﻮﻗ ﻮع اﻟﻄ ﻼق ﻓ ﻲ ه ﺬﻩ اﻟﺤ ﺎﻻت ﺛﻼﺛ ًﺎ . .وﺳ ﺎر اﻟﻔﻘﻬ ﺎء ﻣ ﻦ ﺑﻌ ﺪﻩ ﻋﻠ ﻰ ه ﺬا ،وﻧﺴ ﻮا اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻗﻀﻰ ﺑﻪ ﻋﻤﺮ. . أﻋﻠ ﻦ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ رأﻳ ﻪ ﻓ ﻲ اﻟﻄ ﻼق ﻓ ﻲ آﺘﺒ ﻪ، ودرﺳ ﻪ وأﻓﺘ ﻰ ﺑ ﻪ ،وأﺿ ﺎف إﻟ ﻰ رأي ﺁل اﻟﺒﻴ ﺖ ﻓ ﻲ
٢١٢
اﻟﺤﻨ ﺚ ﺑﻴﻤ ﻴﻦ اﻟﻄ ﻼق ،أﻧ ﻪ وان آ ﺎن اﻟﻄ ﻼق ﻻ ﻳﻘ ﻊ إﻃﻼﻗ ًﺎ ،إﻻ أن ﻋﻠ ﻰ اﻟﺤ ﺎﻟﻒ آﻔ ﺎرة :إﻃﻌ ﺎم ﻋﺸ ﺮة ﻣﺴ ﺎآﻴﻦ أو ﺻ ﻴﺎم ﺛﻼﺛ ﺔ أﻳ ﺎم .وه ﻲ آﻔ ﺎرة اﻟﺤﻨ ﺚ ﺑﺎﻟﻴﻤﻴﻦ . وﻻ ﺗﻘ ﻊ ﻃﻠﻘﺘ ﺎن ﻓ ﻲ ﻃﻬ ﺮ واﺣ ﺪ ،ﺑ ﻞ ﻳﺠ ﺐ أن ﺗﻨﻘﻀﻲ اﻟﻌﺪة . ﺿ ﺞ اﻟﻨ ﺎس ﺑﺎﻟﻔﺮﺣ ﺔ ﻟﻬ ﺬﻩ اﻟﻔﺘ ﻮى ،ﻓﻬ ﻲ ﺗﻨﻘ ﺬ اﻟﺒﻴﻮت ﻣﻦ اﻻﻧﻬﻴ ﺎر واﻟﺘﻤ ﺰق ،وﺗﻤﻨ ﻮا ﻟ ﻮ أن اﻟﻘﻀ ﺎة اﻷرﺑﻌﺔ ﻋﻤﻠﻮا ﺑﻬﺎ! ! . . ﻏﻴ ﺮ أن اﻟﻘﻀ ﺎة اﻷرﺑﻌ ﺔ ﺿ ﺠﻮا ﺑ ﺎﻟﻨﻜﻴﺮ ﻋﻠﻴﻬ ﺎ، وﻗﺎﻣﻮا وﻣﻌﻬﻢ اﻟﻔﻘﻬﺎء واﻟﻌﻠﻤﺎء ﻣﻦ اﻟﻤﺬاهﺐ اﻷرﺑﻌ ﺔ، ﻓﻬﺎﺟﻤﻮا رأي اﻟﺸﻴﺦ ،ﻓﻤﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﺎل إﻧﻪ اﺟﺘﻬﺎد ﺧﻄ ﺄ، وﻣ ﻨﻬﻢ ﻣ ﻦ ﻗ ﺎل إﻧﻬ ﺎ اﻟﺒﺪﻋ ﺔ ،ﻓﻬ ﻲ ﺿ ﻼﻟﺔ ،وﻗ ﺎل ﺁﺧ ﺮون اﻧ ﻪ اﻟﻐ ﺮور واﻟﺰﻳ ﻎ وﺣ ﺐ اﻟﻈﻬ ﻮر ،وﻃﻠ ﺐ اﻟﺮﻳﺎﺳﺔ . .! ! . .ﻓﻤ ﺎ اﻟﺸ ﻴﻌﺔ ،وﻣ ﺎ ﻣ ﻦ أﺣ ﺪ ﻣ ﻦ أه ﻞ اﻟﺴﻨﺔ ﻓﻲ هﺬا اﻟﺰﻣﺎن ﻳﺄﺧﺬ ﺑﺮأي اﻟﺸﻴﻌﺔ !
٢١٣
وأﺳ ﺮع ﻗﺎﺿ ﻲ ﻗﻀ ﺎة اﻟﺤﻨﺎﺑﻠ ﺔ إﻟ ﻰ اﻟﺸ ﻴﺦ ﺗﻘ ﻲ اﻟ ﺪﻳﻦ ،ﻓﻨﺼ ﺤﻪ ﺑ ﺄن ﻳﻌ ﺪل ﻋ ﻦ ه ﺬا اﻟ ﺮأي ،ﻓﺄآ ﺪ ﻟ ﻪ اﻟﺸﻴﺦ أﻧﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻖ ! وﻣﺎ زال ﻗﺎﺿ ﻲ اﻟﻘﻀ ﺎة ﺑﺎﻟﺸ ﻴﺦ ﺣﺘ ﻰ ﻋﺎه ﺪﻩ أن ﻳﻜﺘﻢ هﺬا اﻟﺮأي وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻦ ﻳﻌﺪل ﻋﻨﻪ! . . ﻏﻴﺮ أن ﺑﻌﺾ اﻟﺬﻳﻦ أﻧﻜ ﺮوا اﻟﻔﺘ ﻮى ﻣ ﻦ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء واﻟﻔﻘﻬﺎء ،أرﺳﻞ إﻟﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻓﻲ اﻟﻘﺎهﺮة ،ﻳﻄﻠ ﺐ ﻣﻨ ﻪ ﻋﻘﺎب اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣ ﺎ اﺑﺘﺪﻋ ﻪ ،وﻋﻠ ﻰ ﻣﺨﺎﻟﻔ ﺔ رأي أﻣﻴ ﺮ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻤ ﺮ ﺑ ﻦ اﻟﺨﻄ ﺎب ،وﺳ ﺎﺋﺮ اﻟﺴ ﻠﻒ اﻟﺼﺎﻟﺢ ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻩ. . وآ ﺎن اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻓ ﻲ اﻟﻘ ﺎهﺮة ،ﻗ ﺪ ارﺗﻤ ﻰ ﻓ ﻲ أﺣﻀ ﺎن اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ،وﺗﻮﺛﻘ ﺖ ﻋﻼﻗﺘ ﻪ ﺑ ﺒﻌﺾ ﺷ ﻴﻮخ ﻃﺮﻗﻬﻢ ،ﺣﺘﻰ أﻧﻪ ﺧﺮج ﻟﻠﺼ ﻴﺪ ﻳﻮﻣ ًﺎ ،ﻓﺪاهﻤ ﻪ أﻟ ﻢ ﻓ ﻲ ﺑﻄﻨ ﻪ وه ﻮ ﺑ ﺎﻟﻘﺮب ﻣ ﻦ ﻗﺮﻳ ﺔ " ﺳ ﺮﻳﺎﻗﻮس " ،ﻓﺼ ﺎر ﻳﺘﻠ ﻮى وﻳﺼ ﻴﺢ ،وﻳﺘﻮﺟ ﻊ ،ﻓﻨ ﺬر ﷲ ﻟ ﺌﻦ ﺷ ﻔﺎﻩ ﻣ ﻦ ﻣﺮﺿﻪ ه ﺬا ،ﻟﻴﺮﺿ ﻴﻦ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ اﻟ ﺬﻳﻦ ﻳﻌﺮﻓ ﻮن أآﺜ ﺮ ﻣﻦ ﻏﻴﺮهﻢ ،اﺳﺘﻘﺎﻣﺔ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﻰ اﷲ! . .
٢١٤
ﻓﻠﻤﺎ ﺷﻔﻲ ،أﻣﺮ ﺑﺈﻧﺸ ﺎء دار آﺒﻴ ﺮة )ﺧﺎﻧﻘ ﺎﻩ( ﺗﺴ ﻊ ﻣﺎﺋﺔ ﺻﻮﻓﻲ ،وأﻟﺤﻖ ﺑﻬﺎ ﻣﺴ ﺠﺪًا ،وﻣﻄ ﺎﺑﺦ ،وﺣﺪﻳﻘ ﺔ، وﻣﺰرﻋﺔ . .وأﻣﺮ ﺑﺄن ﺗﻘﻮم هﺬﻩ اﻟﻤﻨﺸﺂت ﺣﻴﺚ داهﻤﻪ اﻟﻤ ﺮض ،وﺣﻴ ﺚ ﺷ ﻔﺎﻩ اﷲ ﺑﺒﺮآ ﺔ رﺿ ﺎ اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ﻋﻨﻪ . وﻟ ﻢ ﻳ ﺮض اﻟﺸ ﻴﺦ ﻋﻤ ﺎ ﺻ ﻨﻌﻪ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ،وﺗﻜﻠ ﻢ ﻓﻴﻪ ،ﻓﺒﻠﻎ ذﻟﻚ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،ﻓﻐﻀﺐ !. . وإذن ﻓﻘﺪ ﺗﻐﻴﺮ ﻗﻠﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻴﺦ !. . أﺻ ﺪر اﻟﺴ ﻠﻄﺎن أﻣ ﺮﻩ ﺑﻤﻨ ﻊ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻣ ﻦ ه ﺬﻩ اﻟﻔﺘﻮى ،وﺑ ﺄن ﻳ ﺆذن ﻓ ﻲ اﻟﻨ ﺎس ،أن ﻓﺘ ﻮى اﻟﺸ ﻴﺦ ﻓ ﻲ اﻟﻄ ﻼق ﺑﺎﻃﻠ ﺔ ﺑﺈﺟﻤ ﺎع ﻗﻀ ﺎة وﻓﻘﻬ ﺎء اﻟﻤ ﺬاهﺐ اﻷرﺑﻌﺔ. . آﺎن اﻟﺸﻴﺦ ﻗﺪ ﻋﺎهﺪ ﻗﺎﺿﻲ اﻟﻘﻀﺎة اﻟﺤﻨﺎﺑﻠ ﺔ ﺳ ﺮًا ﺑﺄن ﻳﻤﺘﻨﻊ ﻋﻦ هﺬﻩ اﻟﻔﺘﻮى ،وأﻧﺠﺰ وﻋ ﺪﻩ . .وﻟﻜ ﻦ أن ﻳﺼ ﺪر ﺑ ﺎﻟﻤﻨﻊ أﻣ ﺮ ﺳ ﻠﻄﺎﻧﻲ ،وأن ﻳﺸ ﻬﺮ ﺑﺼ ﺎﺣﺐ اﻟﻔﺘﻮى ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺤﻮ اﻟﺬي آﺎن ﺣ ﺪث ،ﻓﻬ ﺬا أﻣ ﺮ ﺁﺧ ﺮ ! ﻟﻘ ﺪ اﻣﺘﻨ ﻊ ﻣ ﻦ ﺗﻠﻘ ﺎء ﻧﻔﺴ ﻪ ،ﺳ ﺪًا ﻟ ﺬراﺋﻊ اﻟﺨ ﻼف ﻣ ﻊ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﻔﻘﻬﺎء واﻟﻘﻀﺎة .أﻣﺎ اﻟﻴ ﻮم ﻓﺘﻮﻗﻔ ﻪ ﻋ ﻦ
٢١٥
اﻟﻔﺘﻴ ﺎ ،ﺳ ﻴﻈﻬﺮﻩ آﻤ ﺎ ﻟ ﻮ آ ﺎن رأﻳ ﻪ ﺧﻄ ﺄ ،أو آﺄﻧ ﻪ ﻣﻘﻬﻮر ﻋﻠﻰ آﺘﻤﺎن ﺷﻬﺎدة اﻟﺤﻖ . وﻣﺎزاﻟ ﺖ اﻟﺒﻴ ﻮت ﻣﻤﺰﻗ ﺔ اﻟﺸ ﻤﻞ ،واﻟﻤﻀ ﺮة واﻗﻌﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺰوﺟﺎت واﻷﻃﻔﺎل ،ﺑﺴﺒﺐ إﻗﺮار اﻟﻄﻼق ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺤﻮ اﻟﺬي ﻳﻨﻜﺮﻩ اﻟﺸﻴﺦ . وأﺣﺲ أن ﻣﺴ ﺌﻮﻟﻴﺘﻪ ﻋ ﻦ دﻓ ﻊ اﻟﻤﻀ ﺮة اﻟﻮاﻗﻌ ﺔ، ﺗﻀ ﻄﺮﻩ إﻟ ﻰ اﻟﺘﻤﺴ ﻚ ﺑﻔﺘ ﻮاﻩ ،واﻟﻌﻤ ﻞ ﻋﻠ ﻰ إﻗﻨ ﺎع اﻟﻘﻀﺎة ﺑﻬﺎ ،وﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺣﻖ أﺣﺪ ﺑﻌﺪ ،أن ﻳﻀﻄﺮﻩ إﻟ ﻰ إﺧﻔ ﺎء اﻟﺤ ﻖ ،وآﺘﻤ ﺎن اﻟﺸ ﻬﺎدة ﷲ :ﻻ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ،وﻻ اﻟﻘﻀﺎة ،وﻻ اﻟﻌﻠﻤﺎء ،وﻻ هﻮ ﻧﻔﺴ ﻪ ! ! .ﻓﻜﺘﻤ ﺎن آﻠﻤ ﺔ اﻟﺤ ﻖ اﻟﺘ ﻲ ﺗﻨﻘ ﺬ اﻟﻨ ﺎس ﻣ ﻦ ﺑ ﻼء ﻳﻌﻤﻬ ﻢ ،إﻧﻤ ﺎ ه ﻮ اﻗﺘﺮاف إﺛﻢ ﻳﻨﺘﻈﺮ ﻣﻨﻪ ،وﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻪ ! وﻋ ﺎد ﻳﻔﺘ ﻲ ﺑﺮأﻳ ﻪ ﻓ ﻲ اﻟﻄ ﻼق ،آﻠﻤ ﺎ اﻟﺘﻘ ﻰ ﺑﺎﻟﻨ ﺎس . .وﻓ ﺮح ﺧﺼ ﻮﻣﻪ :ﻟﻘ ﺪ وﻗ ﻊ ! ! . .ﺧ ﺎﻟﻒ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ،وﻣ ﺎ اﺳ ﺘﻤﺪ ﻗﻮﺗ ﻪ إﻻ ﻣ ﻦ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ،وﻣ ﻦ ﺗﺄﻳﻴﺪ اﻟﻌﺎﻣﺔ !. . ﻓﻠﻤﺎ ﻋﻠ ﻢ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن أن اﻟﺸ ﻴﺦ ﻳﺘﺤ ﺪى أواﻣ ﺮﻩ ،ﻟ ﻢ ﻳﻐﻔﺮهﺎ ﻟ ﻪ ،واﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻣﻨ ﺬ ﻋ ﺎد إﻟ ﻰ اﻟﻌ ﺮش ﻳﻜﺘﺸ ﻒ
٢١٦
ﻣﺆاﻣﺮات ﺿ ﺪﻩ ،ﺣﺘ ﻰ ﻟﻘ ﺪ وﺟ ﺪ ﻋﻠ ﻰ ﻓﺮاﺷ ﻪ ﺧﻄ ﺎب ﺗﻬﺪﻳﺪ ﺑﺎﻻﻏﺘﻴﺎل ،ﻓﻠﻤﺎ ﺣﻘﻖ ﺗﺒﻴﻦ أن اﻟﺬي ﺑﻠﻎ هﻮ اﻟﺬي آﺘﺐ اﻟﺨﻄﺎب . .وهﻮ ﺻﺪﻳﻖ ﻟﻪ ! .. وﺗﺨﻴﻞ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،أن ﺻﺪﻳﻘﻪ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ رﺑﻤﺎ آ ﺎن اﻧﻀ ﻢ إﻟ ﻰ ﺑﻌ ﺾ اﻟﻤﺘ ﺂﻣﺮﻳﻦ ،ﻣﻨ ﺬ ﻋﻠ ﻢ أن اﻟﺼ ﻮﻓﻴﺔ ﻳﻈﺎهﺮون اﻟﺴﻠﻄﺎن . .ﺛﻢ إن ﻟﻪ اﻵن رأﻳًﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﺎﺳ ﺔ ﻳﺮﻳﺐ ! ! أﺻ ﺪر اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﻣﺮﺳ ﻮﻣًﺎ ﻳﻤﻨ ﻊ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﻣ ﻦ اﻹﻓﺘ ﺎء ،وﻋﺰﻟ ﻪ ﻣ ﻦ اﻟﺘ ﺪرﻳﺲ ،وﺳ ﺠﻨﻪ ﻓ ﻲ ﻗﻠﻌ ﺔ دﻣﺸﻖ ،ﻋﻘﺎﺑًﺎ ﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﺼﻴﺎن أواﻣﺮ اﻟﺴﻠﻄﺎن ! ! وﻟﺒﺚ ﻓﻲ ﺳ ﺠﻨﻪ ﻧﺤ ﻮ ﺧﻤﺴ ﺔ أﺷ ﻬﺮ ،وﺗﺸ ﻔﻊ ﻓﻴ ﻪ ﻋ ﺪد ﻣ ﻦ أﺻ ﺪﻗﺎﺋﻪ ﻣ ﻦ ﻋﻠﻤ ﺎء ﻣﺼ ﺮ ،وﻓﻘﻬﺎﺋﻬ ﺎ، وأﻣﺮاﺋﻬﺎ ،وأوﺿ ﺤﻮا ﻟﻠﺴ ﻠﻄﺎن ،أﻧ ﻪ ﻣ ﺎ آ ﺎن ﻳﺮﻳ ﺪ أن ﻳﻌﺼ ﻰ اﻷواﻣ ﺮ اﻟﺴ ﻠﻄﺎﻧﻴﺔ ،أو ﻳﺘﺤ ﺪاهﺎ ،أو ﻳﺤﻘﺮه ﺎ، وﻟﻜﻨﻪ رأي ﺑﺪا ﻟﻪ !. . وﻣﺎ زاﻟﻮا ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺎن ﺣﺘﻰ أﻓﺮج ﻋﻨﻪ ،وأﻋﺎدﻩ إﻟﻰ ﻣﻨﺼﺒﻪ! . .
٢١٧
وﻋ ﺎد اﻟﺸ ﻴﺦ إﻟ ﻰ ﻓﺘ ﻮاﻩ ﻓ ﻲ اﻟﻄ ﻼق ،ﻓﻨ ﺎﻇﺮﻩ ﺑﻌ ﺾ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء أﻣ ﺎم اﻟﻨ ﺎس ،وﻻﺣ ﻆ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻋﻠ ﻴﻬﻢ ﻣﻈ ﺎهﺮ اﻟﺜ ﺮاء ،ﻓﻘ ﺎل " :رﺣ ﻢ اﷲ اﺑ ﻦ دﻗﻴ ﻖ ﺣ ﻴﻦ وﻋﻨ ﺪﻧﺎ ﻗﺎل :ﻟﻬﻢ ﻣﺮﻳﺤﺎن ﻣﻦ ﺟﻬﻞ وﻓﺮط ﻏﻨﻰ اﻟﻤﺘﻌﺒﺎن اﻟﻔﻘﺮ واﻟﻌﺪم واﺳ ﺘﻤﺮ ﻳﻔﺘ ﻲ ﻣﺘﺤ ﺪﻳًﺎ ﺧﺼ ﻮﻣﻪ ،ﻣﺰرﻳ ًﺎ ﺑﻬ ﻢ، ﺳ ﺎﺧﺮًا ﻣ ﻨﻬﻢ ،ﻓﻘ ﺮروا اﻟﺨ ﻼص ﻣﻨ ﻪ ،وإﺳ ﻘﺎﻃﻪ ﻋﻨ ﺪ اﻟﻌﺎﻣﺔ ،آﻤﺎ أﺳﻘﻄﻮﻩ ﻋﻨﺪ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن . .ﻓﻤ ﺎ ﻳﺤﻤﻴ ﻪ اﻵن ﻏﻴﺮ هﺆﻻء اﻟﻌﺎﻣﺔ. . ﺑﺤﺚ ﺧﺼﻮم اﻟﺸﻴﺦ ﻓﻲ آﻞ ﻣﺎ آﺘﺒ ﻪ ،وأﻓﺘ ﻰ ﺑ ﻪ، ﺣﺘ ﻰ وﺟ ﺪوا ﻓﺘ ﻮى ﺑﺨﻄ ﻪ ،ﻳﺤ ﺘﻔﻆ ﺑﻬ ﺎ أﺣ ﺪ أه ﻞ دﻣﺸﻖ ،ﺗﺒﺮآًﺎ ﺑﺨﻂ اﻟﺸﻴﺦ !. . آ ﺎن اﻟﺴ ﺆال ﻋ ﻦ زﻳ ﺎرة ﻗﺒ ﻮر اﻷﻧﺒﻴ ﺎء واﻟﺼ ﺎﻟﺤﻴﻦ ،ﻓ ﺄﻓﺘﻰ اﻟﺸ ﻴﺦ " :إن اﻟﺰﻳ ﺎرة ﻟﻠﻌﻈ ﺔ واﻻﻋﺘﺒ ﺎر ﻣﺴ ﺘﺤﺒﺔ ،أﻣ ﺎ اﻟﻘﺼ ﺪ ﻟﺰﻳ ﺎرة ﻗﺒ ﺮ أﺣ ﺪ اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ،أو أﺣﺪ اﻷﻧﺒﻴﺎء ،ﺑﻌﻴﻨﻪ ،ﻟﻠﺪﻋﺎء ﻋﻨﺪ اﻟﻘﺒ ﺮ، ﻓﻬ ﺬا ﻻ ﻳﺠ ﻮز .ﻓﻬ ﺬا اﻟﻔﻌ ﻞ ذرﻳﻌ ﺔ إﻟ ﻰ اﻟﺸ ﺮك واﻟﻮﺛﻨﻴﺔ .ﻗﺎل اﻟﻨﺒ ﻲ ) : اﻟﻠﻬ ﻢ ﻻ ﺗﺠﻌ ﻞ ﻗﺒ ﺮي وﺛﻨ ًﺎ
٢١٨
ﻳﻌﺒﺪ .اﺷﺘﺪ ﻏﻀﺐ اﷲ ﻋﻠﻰ ﻗﻮم اﺗﺨﺬوا ﻗﺒ ﻮر أﻧﺒﻴ ﺎﺋﻬﻢ ﻣﺴ ﺎﺟﺪ( .ﻓ ﻼ ﺗﺸ ﺪ اﻟﺮﺣ ﺎل ﻟﺰﻳ ﺎرة ﻗﺒ ﻮر اﻟﺼ ﺎﻟﺤﻴﻦ، وﻻ ﻗﺒ ﻮر اﻷﻧﺒﻴ ﺎء .وﻓ ﻲ اﻟﺤ ﺪﻳﺚ اﻟﺸ ﺮﻳﻒ ) :ﻻ ﺗﺸ ﺪ اﻟﺮﺣ ﺎل إﻻ إﻟ ﻰ ﺛﻼﺛ ﺔ ﻣﺴ ﺎﺟﺪ :اﻟﻤﺴ ﺠﺪ اﻟﺤ ﺮام، وﻣﺴﺠﺪي هﺬا ،واﻟﻤﺴﺠﺪ اﻷﻗﺼﻰ( .وﻗﺪ أﺟﻤ ﻊ اﻷﺋﻤ ﺔ ﻋﻠ ﻰ ﻋ ﺪم ﻣ ﺲ ﻗﺒ ﺮ اﻟﺮﺳ ﻮل ،واﻟ ﺪﻋﺎء ﻋﻨ ﺪ اﻟﻘﺒ ﺮ ﻣﺴ ﺘﻘﺒﻼ اﻟﻘﺒ ﺮ ﻏﻴ ﺮ ﺟ ﺎﺋﺰ ،ﻓﻘ ﺪ آ ﺎن اﻟﺴ ﻠﻒ اﻟﺼ ﺎﻟﺢ ﻳﺴﺘﻘﺒﻠﻮن ﻓﻲ دﻋﺎﺋﻬﻢ اﻟﻘﺒﻠﺔ ،ﻻ اﻟﻘﺒﺮ " وهﺐ اﻟﻔﻘﻬﺎء واﻟﻌﻠﻤﺎء ،ﻳﻔﻨ ﺪون رأﻳ ﻪ ،وﻳﺘﻬﻤﻮﻧ ﻪ ﺑﺎﻻﺑﺘ ﺪاع ،وﺑﺎﻟﺸ ﺬوذ ﻓ ﻲ اﻟﻔﺘﻴ ﺎ ،وﻣﺨﺎﻟﻔ ﺔ اﻹﺟﻤ ﺎع اﻟﻤﺘﻮاﺗﺮ ﻣﻨﺬ ﻗﺮون .واﺳﺘﻤﺮ اﻹﻧﻜﺎر ﻋﻠﻴﻪ ﻋﺼﺮًا ﺑﻌﺪ ﻋﺼﺮ. . وﻳﺮى اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺠﻠﻴﻞ اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ أﺑ ﻮ زه ﺮة ،أن " ﺧ ﻮف اﻟﺸ ﻴﺦ ﻣ ﻦ أن ﻳ ﺆدي ذﻟ ﻚ إﻟ ﻰ اﻟﻮﺛﻨﻴ ﺔ ،ﺧ ﻮف ﻓ ﻲ ﻏﻴ ﺮ ﻣﺨ ﺎف ،ﻷن اﻟﻨ ﺎس آ ﺎﻧﻮا ﻳ ﺰورون ﻗﺒ ﺮ اﻟﺮﺳ ﻮل إﻟ ﻰ أواﺋ ﻞ اﻟﻘ ﺮن اﻟﺜ ﺎﻧﻲ ،ﺛ ﻢ ﺑﺘﻮاﻟﻲ اﻟﻌﺼﻮر ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻩ إﻟﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ هﺬا ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻟ ﻢ ﻳﻨﻈﺮ أﺣﺪ إﻟﻴﻪ ﻧﻈ ﺮة ﻋﺒ ﺎدة أو وﺛﻨﻴ ﺔ ،ﻧﻌ ﻢ ﺗﻔ ﺮط ﻣ ﻦ
٢١٩
اﻟﻌﺎﻣ ﺔ ﻋﺒ ﺎرات آﺎﻟﺘﻮﺳ ﻞ ﺑﺠﺎه ﻪ ،أو اﻻﺳﺘﺸ ﻔﺎع ﺑﺸ ﻔﺎﻋﺘﻪ ،وه ﻲ ﻋﺒ ﺎرات ﻻ وﺛﻨﻴ ﺔ ﻓﻴﻬ ﺎ . .واﻟﺴ ﻠﻒ اﻟﺼ ﺎﻟﺢ آ ﺎﻧﻮا ﻳﺘﺒﺮآ ﻮن ﺑﺰﻳ ﺎرة ﻗﺒ ﺮﻩ اﻟﺸ ﺮﻳﻒ ،وﻟ ﻢ ﻳﺠﺪوا ﻓﻴﻬ ﺎ وﺛﻨﻴ ﺔ ،وﻻ ﻣ ﺎ ﻳﺸ ﺒﻬﻬﺎ . .إﻧﻨ ﺎ ﻧﺨ ﺎﻟﻒ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻌﻪ اﻟﺘﺒﺮك ﺑﺰﻳﺎرة ﻗﺒﺮ اﻟﺮﺳﻮل . .ﻓﺎﻟﺘﺒﺮك ﻟﻴﺲ هﻮ اﻟﻌﺒﺎدة ﺑﻞ هﻮ اﻻﺳﺘﺒﺼﺎر " أﻣﺎ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠﺔ ﻓﺄﻳﺪوا اﻟﺸﻴﺦ . وأﻣ ﺎ اﻟﻌﺎﻣ ﺔ ﻓﻘ ﺪ ﺻ ﺪﻣﺘﻬﻢ اﻟﻔﺘ ﻮى ! وﺗﺴ ﺎءﻟﻮا ﻣﺘﻌﺠﺒ ﻴﻦ " :ﻣ ﺎ ﺑ ﺪل اﻟﺸ ﻴﺦ اﻟ ﺬي وه ﺐ ﺣﻴﺎﺗ ﻪ آﻠﻬ ﺎ ﻟﻠ ﺪﻓﺎع ﻋ ﻦ اﻟﺴ ﻨﺔ وإﺣﻴﺎﺋﻬ ﺎ ،ﻣ ﺎ ﺑﺎﻟ ﻪ وﻗ ﺪ اﻗﺘ ﺮب ﻣ ﻦ اﻟﺨﺎﻣﺴ ﺔ واﻟﺴ ﺘﻴﻦ ،ﻳﻤﻨ ﻊ " زﻳ ﺎرة ﻗﺒ ﺮ اﻟﺮﺳ ﻮل، واﻟﺪﻋﺎء ﻋﻨﺪﻩ؟! وﺻﺪﻗﻮا ﻓﻴﻪ ﻣﺎ أذاﻋ ﻪ ﺧﺼ ﻮﻣﻪ ،أﻧ ﻪ ﻻ ﻳﺤﻤﻞ ﻟﻠﺮﺳﻮل ،ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻣﻦ اﻹآﺒﺎر. وإذ وﺻﻞ إﻟﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن أﻣ ﺮ ه ﺬﻩ اﻟﻔﺘ ﻮى ،وأﻣ ﺮ اﻻﺳﺘﻤﺮار ﻓﻲ ﻓﺘﻮى اﻟﻄﻼق ،أﻣﺮ ﺑﺎﻋﺘﻘﺎل اﻟﺸﻴﺦ . وﺿ ﻊ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻓ ﻲ ﺳ ﺠﻦ اﻟﻘﻠﻌ ﺔ " ،ودﺧ ﻞ ﻋﻠﻴ ﻪ ﻗﺎﺿ ﻲ اﻟﻘﻀ ﺎة ﻳﺴ ﺄﻟﻪ ﻋ ﻦ ﻣﻀ ﻤﻮن ﻗﻮﻟ ﻪ ﻓ ﻲ ﻣﺴ ﺄﻟﺔ اﻟﺰﻳ ﺎرة ،وﻋﻤ ﺎ أراد ﻣ ﻦ ذﻟ ﻚ .ﺛ ﻢ آﺘ ﺐ ﻣﺤﻀ ﺮًا ﺑﻤ ﺎ
٢٢٠
أﺟﺎب ﺑﻪ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ،ﺟ ﺎء ﻓﻴ ﻪ ) :ﻗﺎﺑﻠ ﺖ اﻟﺠ ﻮاب ﻋ ﻦ ه ﺬا اﻟﺴ ﺆال اﻟﻤﻜﺘ ﻮب ،ﻋﻠ ﻰ ﺧ ﻂ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ. . واﻟﻤﺤ ﺰن ﺟﻌﻠ ﻪ زﻳ ﺎرة ﻗﺒ ﺮ اﻟﻨﺒ ﻲ وﻗﺒ ﻮر اﻷﻧﺒﻴ ﺎء ﺻﻠﻮات اﷲ ﻋﻠﻴﻬﻢ . .ﻣﻌﺼﻴﺔ ﺑﺎﻹﺟﻤﺎع ﻣﻘﻄﻮﻋًﺎ ﺑﻬ ﺎ( " وﻳﻌﻠﻖ اﺑﻦ آﺜﻴ ﺮ ﻋﻠ ﻰ ه ﺬا ﻓ ﻲ أﺳ ﻒ " :ﻓ ﺎﻧﻈﺮ اﻵن ه ﺬا اﻟﺘﺤﺮﻳ ﻒ ﻋﻠ ﻰ ﺷ ﻴﺦ اﻹﺳ ﻼم )ﻳﻌﻨ ﻲ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ( ﻓ ﺈن ﺟﻮاﺑ ﻪ ﻋﻠ ﻰ ه ﺬﻩ اﻟﻤﺴ ﺄﻟﺔ ﻟ ﻴﺲ ﻓﻴ ﻪ ﻣﻨ ﻊ ﻗﺒﻮر اﻷﻧﺒﻴﺎء واﻟﺼ ﺎﻟﺤﻴﻦ ،وإﻧﻤ ﺎ ﻓﻴ ﻪ ذآ ﺮ ﻗ ﻮﻟﻴﻦ ﻓ ﻲ ﺷﺪ اﻟﺮﺣﺎل ،واﻟﺴﻔﺮ إﻟﻰ ﻣﺠﺮد زﻳﺎرة اﻟﻘﺒﻮر .وزﻳﺎرة اﻟﻘﺒ ﻮر ﻣ ﻦ ﻏﻴ ﺮ رﺣ ﻞ إﻟﻴﻬ ﺎ ﻣﺴ ﺄﻟﺔ ،وﺷ ﺪ اﻟﺮﺣ ﻞ ﻟﻤﺠﺮد اﻟﺰﻳﺎرة ﻣﺴﺄﻟﺔ أﺧﺮى .واﻟﺸﻴﺦ ﻟﻢ ﻳﻤﻨﻊ اﻟﺰﻳﺎرة اﻟﺨﺎﻟﻴ ﺔ ﻣ ﻦ ﺷ ﺪ اﻟﺮﺣ ﻞ ،ﺑ ﻞ ﻳﺴ ﺘﺤﺒﻬﺎ وﻧ ﺪب إﻟﻴﻬ ﺎ، وآﺘﺒﻪ ﺗﺸﻬﺪ ﺑﺬﻟﻚ .وﻟﻢ ﻳﺘﻌﺮض إﻟﻰ هﺬﻩ اﻟﺰﻳﺎرة ﻋﻠ ﻰ هﺬا اﻟﻮﺟﻪ ﻓﻲ اﻟﻔﺘﻴﺎ ،وﻻ ﻗﺎل إﻧﻬﺎ ﻣﻌﺼ ﻴﺔ ،وﻻ ﺣﻜ ﻰ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻤﻨ ﻊ ﻣﻨﻬ ﺎ ،وﻻ ه ﻮ ﺟﺎه ﻞ ﻗ ﻮل اﻟﺮﺳ ﻮل : )زوروا اﻟﻘﺒﻮر ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺬآﺮآﻢ ﺑﺎﻵﺧﺮة( ..
٢٢١
واﺑﻦ آﺜﻴﺮ ،ﻣﺆرخ أﻣ ﻴﻦ ﻣ ﺪﻗﻖ ،وﻻﺑ ﺪ أن ﻳﻜ ﻮن ﻗﺪ اﻃﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت ﻻﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ،ﻟ ﻢ ﻳﻄﻠ ﻊ ﻋﻠﻴﻬ ﺎ ﻣ ﻦ أﻧﻜ ﺮوا ﻓﺘ ﻮاﻩ .واﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﻓﻴﻤ ﺎ ﺑﻘ ﻲ ﻣ ﻦ آﺘﺎﺑﺎﺗ ﻪ ﻧﻬﻰ ﻋﻦ اﻟﺪﻋﺎء ﻣﺴﺘﻘﺒﻼ اﻟﻘﺒﺮ اﻟﺸﺮﻳﻒ ،ﻓﻬﻮ إذن ﻳﻘ ﺮ اﻟﺰﻳﺎرة . ﻧﻔﻰ اﺑﻦ آﺜﻴﺮ اﻻدﻋﺎء ﻋﻠﻰ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﺑﺄﻧ ﻪ ﻳﻤﻨ ﻊ اﻟﺰﻳ ﺎرة ،ﺑ ﻞ ه ﻮ ﻳﻤﻨ ﻊ ﺷ ﺪ اﻟﺮﺣ ﻞ ،ﻣ ﻦ أﺟ ﻞ زﻳ ﺎرة اﻟﻘﺒ ﺮ اﻟﺸ ﺮﻳﻒ ﻓﺤﺴ ﺐ .ﻓﺸ ﺪ اﻟﺮﺣ ﻞ ،أي ﻧﻴ ﺔ اﻟﺴ ﻔﺮ واﻟﺘﺠﻬﻴﺰ ﻟﻪ وﺗﺤﻤ ﻞ ﻣﺸ ﻘﺎﺗﻪ ،ﻳﺠ ﺐ أن ﺗﻜ ﻮن ﻟﺰﻳ ﺎرة اﻟﻤﺴ ﺠﺪ اﻟﻨﺒ ﻮي اﻟﺸ ﺮﻳﻒ ،وﺗ ﺄﺗﻲ ﺑﻌ ﺪ ذﻟ ﻚ اﻟﺰﻳ ﺎرة، واﻟﺘﻔﺮﻗﺔ دﻗﻴﻘﺔ ﻳﺼﻌﺐ إدراآﻬﺎ . وﻣﻬﻤ ﺎ ﻳﻜ ﻦ ﻣ ﻦ أﻣﺮه ﺎ ،ﻓﻘ ﺪ اﺳ ﺘﻨﻔﺮت ﻓﺘ ﻮاﻩ اﻟﻌﺎﻣ ﺔ واﻟﺨﺎﺻ ﺔ ﻋﻠ ﻰ اﻟﺴ ﻮاء ،وﺟ ﺮح ه ﺬا اﻟ ﺮأي ﻣﺸ ﺎﻋﺮهﻢ اﻟﺪﻳﻨﻴ ﺔ اﻟﻌﻤﻴﻘ ﺔ ،وﺣ ﺒﻬﻢ ،وﺗﻌﻈ ﻴﻤﻬﻢ ﻟﻠﺮﺳﻮل . واﻋﺘﺮت اﻟﺸﻮارع ﺣﺪة . .ﻓﻘﺪ ﺗﺤ ﺎور اﻟﻨ ﺎس ﻓ ﻲ ﻓﺘﻮاﻩ ،ﻓﺰﻋﻢ ﺑﻌﻀ ﻬﻢ أن ﻓﻴﻬ ﺎ ﻏﻀ ًﺎ ﻣ ﻦ ﻣﻘ ﺎم رﺳ ﻮل اﷲ .
٢٢٢
وﻗ ﺎل أﺣ ﺪ اﻟﻤ ﺪاﻓﻌﻴﻦ :إﻧﻤ ﺎ ه ﻮ رأي اﺟﺘﻬ ﺪ ﻓﻴ ﻪ ﻓﺄﺧﻄﺄ " ،واﷲ ﻣﺎ رأﻳﺖ أﺣﺪًا أﺷﺪ ﺗﻌﻈﻴﻤًﺎ ﻟﺮﺳ ﻮل اﷲ ﻣﻨﻪ " أﺧﻠﻴ ﺖ ﻟﻠﺸ ﻴﺦ ﻗﺎﻋ ﺔ ﻓﺴ ﻴﺤﺔ ،ﻓ ﻲ ﻗﻠﻌ ﺔ دﻣﺸ ﻖ، وأﺟ ﺮى إﻟﻴﻬ ﺎ اﻟﻤ ﺎء ،وأﻗ ﺎم ﻣﻌ ﻪ أﺧ ﻮﻩ ﻳﺨﺪﻣ ﻪ ﺑ ﺈذن اﻟﺴﻠﻄﺎن ،وأﺟﺮى ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺎ ﻳﻘﻮم ﺑﻜﻔﺎﻳﺘﻪ . وﻟﻢ ﻳﻜﺪ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻳﺴ ﺘﻘﺮ ﻓ ﻲ ﻣﺤﺒﺴ ﻪ ﺑﺎﻟﻘﻠﻌ ﺔ ،ﺣﺘ ﻰ أﺻ ﺪر ﻗﺎﺿ ﻲ اﻟﻘﻀ ﺎة ،ﺣﻜﻤ ًﺎ ﺑﺤ ﺒﺲ ﺟﻤﻴ ﻊ ﻋﻠﻤ ﺎء اﻟﺤﻨﺎﺑﻠ ﺔ وﺗﻌﺰﻳ ﺮهﻢ " .وﻋ ﺰر ﺟﻤﺎﻋ ﺔ ﻣ ﻨﻬﻢ ﺑﺎﻟﺠﻠ ﺪ، وﺟﻤﺎﻋﺔ ﺑﺈرآﺎﺑﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺪواب واﻟﻤﻨﺎداة ﻋﻠﻴﻬﻢ ،وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أﻃﻠﻘﻮا ﻣﻦ ﻣﺤﺎﺑﺴﻬﻢ ﻣﺎ ﻋﺪا ﺗﻠﻤﻴﺬﻩ وﺻﻔﻴﻪ ﺷﻤﺲ اﻟﺪﻳﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻗﻴﻢ اﻟﺠﻮزﻳﺔ .ﻓﺈﻧﻪ ﺣﺒﺲ ﺑﺎﻟﻘﻠﻌﺔ " وﻗﺪ أﺑﺪى اﻟﺸﻴﺦ ﻓﺮﺣﺔ ﺑﺎﻟﺴﺠﻦ ﻓﻘﺎل " :أﻧﺎ آﻨ ﺖ ﻣﻨﺘﻈﺮًا ذﻟﻚ وهﺬا ﻓﻴﻪ ﺧﻴﺮ آﺜﻴﺮ ،وﻣﺼﻠﺤﺔ آﺒﻴﺮة " وزارﻩ واﻟﻲ دﻣﺸﻖ ،ﻟﻤﺎ ﺑﻠﻐ ﻪ أﻧ ﻪ ﻣ ﺮض ،وأﺧ ﺬ ﻳﻌﺘﺬر ﻟﻠﺸﻴﺦ ،ﻓﻘﺎل اﻟﺸ ﻴﺦ " :إﻧ ﻲ ﻗ ﺪ أﺣﻠﻠﺘ ﻚ وﺟﻤﻴ ﻊ ﻣ ﻦ ﻋ ﺎداﻧﻲ ،وه ﻮ ﻻ ﻳﻌﻠ ﻢ أﻧ ﻲ ﻋﻠ ﻰ ﺣ ﻖ ،وأﺣﻠﻠ ﺖ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن اﻟﻤﻌﻈ ﻢ اﻟﻤﺎﻟ ﻚ اﻟﻨﺎﺻ ﺮ ﻣ ﻦ ﺣﺒﺴ ﻪ إﻳ ﺎي،
٢٢٣
ﻟﻜﻮﻧﻪ ﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ﻣﻘﻠﺪًا ﻣﻌﺬورًا ،وﻟ ﻢ ﻳﻔﻌﻠ ﻪ ﻟﺤ ﻆ ﻧﻔﺴ ﻪ، وﻗﺪ أﺣﻠﻠﺖ آﻞ أﺣﺪ ﻣﻤﺎ ﺑﻴﻨﻰ وﺑﻴﻨﻪ ،إﻻ ﻣﻦ آﺎن ﻋﺪوًا ﷲ ورﺳﻮﻟﻪ " وﺣﻤﻞ ﻟﻠﺸﻴﺦ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻃﻠ ﺐ ﻣ ﻦ آﺘ ﺐ ،وأوراق وأﻗﻼم . ﻓﻌﻜﻒ ﻋﻠﻰ آﺘﺒﻪ ﻳﻨﻔﺤﻬﺎ وﻳﺤﻜﻤﻬ ﺎ ،وﻳﻌﻴ ﺪ ﻗ ﺮاءة ﻼ":ﻻ اﻟﻘ ﺮﺁن وﻳﺘﺄﻣ ﻞ ﻓﻴ ﻪ ،وﻳﻘ ﻮم ﻟﻴﻠ ﻪ ﻣﺘﻌﺒ ﺪًا ،ﻗ ﺎﺋ ً ﺗﻨﺎل اﻹﻣﺎﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻦ إﻻ ﺑﺎﻟﻔﻘﺮ واﻟﺼ ﺒﺮ !. .وﻋﺠ ﺐ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺳﻤﻌﻪ ﻓﻬﺬا آﻼم ٠ﺷﺒﻴﻪ ﺑﻜﻼم اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ! . . وﺑﺪأ ﻳﻔﺴﺮ ﺑﻌﺾ اﻟﻘﺮﺁن اﻟﻜﺮﻳﻢ ،وﻳﻔﻨﺪ ﻓﻲ ﻋﻨ ﻒ ﺁراء ﻣﺨﺎﻟﻔﻴﻪ ﻓﻲ أﻣﻮر اﻻﻋﺘﻘ ﺎد ،وﻳﺮﺳ ﻞ آﺘﺎﺑﺎﺗ ﻪ إﻟ ﻰ أﺗﺒﺎﻋ ﻪ وأﺻ ﺪﻗﺎﺋﻪ ﺧ ﺎرج اﻟﺴ ﺠﻦ ،ﻓﻴﻘﺮءوﻧﻬ ﺎ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻨﺎس ،وﻳﻨﺎﻇﺮون ﻓﻴﻬﺎ .. وﺿﺎق ﺧﺼﻮﻣﻪ ﺑﻬﺬا ،ﻓﻤﺎ ﺟ ﺪوى ﺳ ﺠﻦ اﻟﺸ ﻴﺦ، إن آﺎﻧ ﺖ ﺁراؤﻩ وآﺘﺎﺑﺎﺗ ﻪ ﻣﺎزاﻟ ﺖ ﺷ ﺎﺋﻌﺔ ،ﻳﻬ ﺘﻢ ﺑﻬ ﺎ اﻟﻨﺎس؟!. . وﺣﻤﻞ إﻟﻴﻪ ﺑﻌﺾ زوارﻩ ﻓﺘﻮى ﻟﻠﻘﺎﺿ ﻲ اﻟﻤ ﺎﻟﻜﻲ ﻓ ﻲ اﻟﻘ ﺎهﺮة ،ﻳﻬ ﺎﺟﻢ ﻓﻴﻬ ﺎ رأي اﻟﺸ ﻴﺦ ﻓ ﻲ زﻳ ﺎرة ﻗﺒ ﺮ
٢٢٤
اﻟﺮﺳﻮل ،ﻓﺮد اﻟﺸﻴﺦ ﻋﻠﻴﻪ ردًا ﻗﺎﺳ ﻴًﺎ ،واﺗﻬﻤ ﻪ ﺑﺎﻟﺠﻬ ﻞ واﻟﻐﺒﺎء! . . وذه ﺐ اﻟﻘﺎﺿ ﻲ اﻟﻤ ﺎﻟﻜﻲ إﻟ ﻰ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﺷ ﺎآﻴًﺎ ﻣﻘﺎﻟ ﺔ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻓﻴ ﻪ ﻣﻨﻜ ﺮًا اﻟﺴ ﻤﺎح ﻟﻠﺸ ﻴﺦ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺑ ﺔ، وﺗﺪاول أﻓﻜﺎرﻩ ،وﻣﺎ ﺳ ﺠﻦ إﻻ ﻟﺤﻤﺎﻳ ﺔ اﻟﻌﺒ ﺎد ﻣ ﻦ ﺷ ﺮ هﺬﻩ اﻷﻓﻜﺎر ! . .ﻓﺄﻣﺮ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑ ﺈﺧﺮاج ﻣ ﺎ آ ﺎن ﻟ ﺪى اﻟﺸ ﻴﺦ ﻣ ﻦ اﻟﻜﺘ ﺐ ،واﻷوراق ،واﻟﻤﺤ ﺎﺑﺮ ،واﻷﻗ ﻼم، وآﺎﻧ ﺖ ﻧﺤ ﻮ ﺳ ﺘﻴﻦ ﻣﺠﻠ ﺪًا ،وأرﺑ ﻊ ﻋﺸ ﺮة رﺑﻄ ﺔ آﺮارﻳﺲ . وﻋﻠ ﻢ ﻓﻘﻬ ﺎء اﻟﻌ ﺮاق ﺑﻤ ﺎ ﺟ ﺮى ﻟﻠﺸ ﻴﺦ ﻓﺄرﺳ ﻠﻮا إﻟ ﻰ اﻟﺴ ﻠﻄﺎن ﺧﻄﺎﺑ ًﺎ ﻳﻠﺘﻤﺴ ﻮن ﻓﻴ ﻪ اﻟﻌﻔ ﻮ ﻋ ﻦ اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ،ووﻗﻌ ﻪ ﻓﻘﻬ ﺎء اﻟﻤ ﺬاهﺐ اﻷرﺑﻌ ﺔ ﺟﻤﻴﻌ ًﺎ. . ﻗ ﺎﻟﻮا " :إن اﻋﺘﻘ ﺎل اﻟﺸ ﻴﺦ ﻋﻈ ﻢ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻴﻦ، وﺷﻖ ﻋﻠ ﻰ ذوي اﻟ ﺪﻳﻦ ،وارﺗﻔﻌ ﺖ رؤوس اﻟﻤﻠﺤ ﺪﻳﻦ، وﻃﺎﺑﺖ ﻧﻔﻮس أه ﻞ اﻷه ﻮاء واﻟﻤﺒﺘ ﺪﻋﻴﻦ . .وﻟﻤ ﺎ ﻋﻠ ﻢ ﻋﻠﻤﺎء أهﻞ هﺬﻩ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ،ﻣﻦ ﺷﻤﺎﺗﺔ أهﻞ اﻟﺒ ﺪع ،وأه ﻞ اﻷهﻮاء ﺑﺄآ ﺎﺑﺮ اﻟﻔﻀ ﻼء ،وأﺋﻤ ﺔ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء ،أﻧﻬ ﻮا ﺣ ﺎل ه ﺬا اﻷﻣ ﺮ اﻟﻔﻈﻴ ﻊ ،إﻟ ﻰ اﻟﺤﻀ ﺮة اﻟﺸ ﺮﻳﻔﺔ اﻟﺴ ﻠﻄﺎﻧﻴﺔ
٢٢٥
زادهﺎ اﷲ ﺷﺮﻓًﺎ ،وآﺘﺒﻮا ﺗﺼﻮﻳﺐ ﻣ ﺎ أﺟ ﺎب ﺑ ﻪ اﻟﺸ ﻴﺦ – ﺳﻠﻤﻪ اﷲ – ﻓﻲ ﻓﺘﻮاﻩ ،وذآﺮوا ﻣﻦ ﻋﻠﻤ ﻪ وﻓﻀ ﺎﺋﻠﻪ ﺑﻌﺾ ﻣﺎ هﻮ ﻓﻴﻪ ،وﺣﻤﻠﻮا ذﻟ ﻚ ﺑ ﻴﻦ ﻳ ﺪي ﻣﻮﻻﻧ ﺎ ﻣﻠ ﻚ اﻷﻣﺮاء". . . وﻟﻜﻦ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،ﻟﻢ ﻳﺠﺒﻬﻢ. . ﺣﺎول اﻟﺸﻴﺦ أن ﻳﺘﻌﻮد اﻟﺤﻴﺎة ﺑﻼ آﺘﺎﺑﺔ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻟ ﻢ ﻻ ﺷ ﺪﻳﺪًا . .! . .ﻣ ﺎ ﻋ ﺮف ﻳﺴ ﺘﻄﻊ .. .وزﻟ ﺰل زﻟ ﺰا ً ﻣﺜﻞ هﺬا اﻟﺒﻼء ﻣﻦ ﻗﺒﻞ. . وأﺻﺎﺑﻪ اﻟﻬﺰل ،وﺳﺌﻤﺖ ﻧﻔﺴﻪ . .وﺳﻠﻢ أﻣﺮﻩ إﻟ ﻰ اﷲ ،وأﺧﺬ ﻳﻘﻀﻲ وﻗﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﺒﺎدة ،وﺗﻼوة اﻟﻘﺮﺁن. . وذات ﻳﻮم ،أراد أن ﻳﻜﺘﺐ ﺑﻌﺾ ﺧﻮاﻃﺮﻩ .ﻓﺴﺄل اﻟﺴ ﺠﺎن ورﻗ ًﺎ وﻗﻠﻤ ًﺎ ،ﻓﻘ ﺪم إﻟﻴ ﻪ اﻟﺴ ﺠﺎن ﻗﻄﻌ ﺔ ﻣ ﻦ اﻟﻔﺤﻢ ،ورﻗﻌﺔ ﺻﻐﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﻮرق. .دﺳﻬﺎ إﻟﻴﻪ ﻓﻜﺘﺐ : " ﻧﺤ ﻦ وﷲ اﻟﺤﻤ ﺪ ﻓ ﻲ ﻋﻈ ﻴﻢ اﻟﺠﻬ ﺎد ﻓ ﻲ ﺳ ﺒﻴﻠﻪ ،ﺑ ﻞ ﺟﻬﺎدﻧ ﺎ ﻓ ﻲ ه ﺬا اﻟﻴ ﻮم ﻣﺜ ﻞ ﺟﻬﺎدﻧ ﺎ ﻳ ﻮم ﻗ ﺎزان، واﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ،واﻻﺗﺤﺎدﻳﺔ ،وأﻣﺜ ﺎل ذﻟ ﻚ ،وذﻟ ﻚ ﻣ ﻦ أﻋﻈ ﻢ ﻧﻌ ﻢ اﷲ ﻋﻠﻴﻨ ﺎ وﻋﻠ ﻰ اﻟﻨ ﺎس ،وﻟﻜ ﻦ أآﺜ ﺮ اﻟﻨ ﺎس ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮن "
٢٢٦
وآﺘﺐ ﻋﻦ ﺧﺼ ﻮﻣﻪ ﻓ ﻲ رﻗﻌ ﺔ أﺧ ﺮى " :آ ﺎﻧﻮا ﻗﺪ ﺳ ﻌﻮا ﻓ ﻲ أﻻ ﻳﻈﻬ ﺮ ﻣ ﻦ ﺟﻬ ﺔ ﺣ ﺰب اﷲ ورﺳ ﻮﻟﻪ ﺧﻄ ﺎب وﻻ آﺘ ﺎب . .ﻓﻠ ﻢ ﻳﻤﻜ ﻨﻬﻢ أن ﻳﻈﻬ ﺮوا ﻋﻴﺒ ًﺎ ﻋﻠﻴﻨ ﺎ ﻓ ﻲ اﻟﺸ ﺮع واﻟ ﺪﻳﻦ ،ﺑ ﻞ ﻏﺎﻳ ﺔ ﻣ ﺎ ﻋﻨ ﺪهﻢ أﻧ ﻪ ﺧﻮﻟﻒ ﻣﺮﺳﻮم ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﻴﻦ ،واﻟﻤﺨﻠﻮق آﺎﺋﻨًﺎ ﻣﻦ آﺎن ،إذا ﺧﺎﻟﻒ أﻣﺮ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ورﺳﻮﻟﻪ ،ﻟﻢ ﻳﺠ ﺐ ،ﺑ ﻞ ﻻ ﺗﺠﻮز ﻃﺎﻋﺘ ﻪ ﻓ ﻲ ﻣﺨﺎﻟﻔ ﺔ أﻣ ﺮ اﷲ ورﺳ ﻮﻟﻪ ﺑﺎﺗﻔ ﺎق اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ" وﺗﺴ ﺎءل ﻓﻴﻤ ﺎ ﺑﻴﻨ ﻪ وﺑ ﻴﻦ ﻧﻔﺴ ﻪ ،ﻣ ﺎ ﻋﺴ ﺎهﻢ ﻳﺼ ﻨﻌﻮن ﺑﻤﺨﻄﻮﻃﺎﺗ ﻪ اﻟﺘ ﻲ اﺳ ﺘﻮﻟﻮا ﻋﻠﻴﻬ ﺎ؟! ﻓﻠﻴﺴ ﺖ آﻠﻬﺎ ﺗﻨﻘﻴﺤًﺎ ﻟﻜﺘﺒﻪ وﻓﺘﺎواﻩ اﻟﻤﻨﺸﻮرة ،ﺑﻞ إن ﻓﻴﻬﺎ ﻣ ﺎ ﻟ ﻢ ﻳﻄﻠ ﻊ ﻋﻠﻴ ﻪ أﺣ ﺪ ﺑﻌ ﺪ :ﺗﻔﺴ ﻴﺮ ﺑﻌ ﺾ اﻵﻳ ﺎت وﻗﺼ ﺎر اﻟﺴﻮر . .وآﺎن اﻟﺸﻴﺦ ﻗﺪ رأى أﻧﻪ ﻻ ﺿﺮورة ﻟﺘﻔﺴ ﻴﺮ اﻟﻘ ﺮﺁن آﻠ ﻪ ،ﻷﻧ ﻪ رأى ﻣﻨ ﻪ ﻣ ﺎ ه ﻮ ﺑ ﻴﻦ ﺑﻨﻔﺴ ﻪ" . . وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﺑﻴﻨ ﻪ اﻟﻤﻔﺴ ﺮون ﻓ ﻲ آﺘ ﺐ آﺜﻴ ﺮة ،وﻟﻜ ﻦ ﻓ ﻲ آﺘﺎب اﷲ ﺁﻳﺎت أﺷﻜﻞ ﺗﻔﺴﻴﺮهﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء ،ﻓﻘﺼ ﺪت ﺗﻔﺴ ﻴﺮ ﺗﻠ ﻚ اﻵﻳ ﺎت ﺑﺎﻟ ﺪﻟﻴﻞ ﻷﻧ ﻪ أه ﻢ ﻣ ﻦ ﻏﻴ ﺮﻩ ،وإذا ﺗﺒﻴﻦ ﻣﻌﻨﻰ ﺁﻳﺔ ،ﺗﺒﻴﻦ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﻧﻈﺮاﺋﻬﺎ "
٢٢٧
ﻓﺴﺮ ﺳﻮرة اﻷﻋﻠﻰ :ﺑﺄن " اﷲ هﻮ اﻟﻌﻠﻰ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻟﻬ ﺬﻩ اﻟﻜﻠﻤ ﺔ اﻟﺠﺎﻣﻌ ﺔ ﻣ ﻦ ﻣﻌﻨ ﻰ .وﻳ ﺪﺧﻞ ﻓ ﻲ ﻣﻌﻨ ﻰ آﻮﻧﻪ اﻷﻋﻠﻰ ،أﻧﻪ ﻣﺘﻌﺎل ﻋﻦ آﻞ ﻋﻴﺐ وﻧﻘ ﺺ .وﻋ ﻦ اﺗﺨ ﺎذﻩ ﺷ ﺮﻳﻜًﺎ ووﻟ ﺪًا ﻟ ﻪ " .وه ﺬا رأي ﻻ ﻳﻌﺠ ﺐ اﻟﺨﺼ ﻮم ! ﻋﺴ ﻰ اﷲ أن ﻳﻬ ﺪي ﺧﺼ ﻮﻣﻪ اﻟ ﺬﻳﻦ ﻳﺮاﺟﻌﻮن ﻣ ﺎ آﺘﺒ ﻪ ﻓ ﻲ اﻟﺘﻔﺴ ﻴﺮ ،ﻓ ﻼ ﻳﺸ ﺘﻄﻮن. .! . . ﻟﻘ ﺪ ﻓﺴ ﺮ اﻟﻘ ﺮﺁن واﻟﺴ ﻨﺔ ،وه ﺎﺟﻢ اﻟﺘﻔﺴ ﻴﺮ ﺑ ﺎﻟﺮأي وﻣﺤﺺ اﻟﺘﻔﺎﺳﻴﺮ اﻟﺘﻲ ﺳﺒﻘﺘﻪ ،ﻓﺄﺧﺬ ﺑﺒﻌﻀ ﻬﺎ ،وﻃ ﺮح اﻟ ﺒﻌﺾ ،واهﺘ ﺪى ﺑ ﺄﻗﻮال اﻟﺴ ﻠﻒ ﺣﺘ ﻰ اﻟﻘ ﺮن اﻟﺜﺎﻟ ﺚ وﻧﺒ ﻪ إﻟ ﻰ ﺑﻌ ﺾ اﻹﺳ ﺮاﺋﻴﻠﻴﺎت اﻟﻤﺪﺳﻮﺳ ﺔ ﻋﻠ ﻰ اﻟﺘﻔﺎﺳﻴﺮ. .! . . وﻓﺴﺮ ﺳﻮرة اﻟﻔﻠﻖ وﺳﻮرة اﻟﻨﺎس ،وﺳﻮرة اﻟﻨ ﻮر ﺁﺧ ﺬًا ﻓ ﻲ ﺗﻔﺴ ﻴﺮﻩ ﺑﻤ ﺬهﺐ أه ﻞ اﻟﺴ ﻨﺔ ،ورد ﻋﻠ ﻰ ﻣ ﻦ ﻳﺨﺎﻟﻒ أهﻞ اﻟﺴ ﻨﺔ ﻓ ﻲ أﻣ ﻮر اﻻﻋﺘﻘ ﺎد ،وﺑ ﺚ ﻓ ﻲ ه ﺬا اﻟﺘﻔﺴ ﻴﺮ ﺁراءﻩ ﻓ ﻲ اﻟﻌﻘﺎﺋ ﺪ ،اﻟﺘ ﻲ ﻧ ﺎﻓﺢ ﻋﻨﻬ ﺎ ،و ﻋ ﺎﻧﻰ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻠﻬﺎ ﻃﻮل اﻟﻌﻤﺮ . ٭٭٭
٢٢٨
ﻇ ﻞ اﻟﺸ ﻴﺦ ﻓ ﻲ ﺳ ﺠﻨﻪ ﻧﺤ ﻮ ﻋ ﺎﻣﻴﻦ ﻣﻤﻨﻮﻋ ًﺎ ﻣ ﻦ اﻟﻘ ﺮاءة ،واﻟﻜﺘﺎﺑ ﺔ ،ﻻ ﻳﺴ ﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻜﺘ ﺐ إﻻ ﺑ ﺎﻟﻔﺤﻢ ﻋﻠﻰ رﻗﻊ ﺻﻐﻴﺮة ﻣ ﻦ اﻟ ﻮرق ،ﺗﻬ ﺮب إﻟﻴ ﻪ ! واﺣ ﺘﻔﻆ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺑﻬﺬﻩ اﻟﺮﻗﻊ. . ﻼ وﻃ ﺄة اﻟﻤﻨ ﻊ ﻣ ﻦ اﻟﻜﺘﺎﺑ ﺔ، وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺤﺘﻤﻞ ﻃﻮﻳ ً واﻟﺘﻔﻜﻴﺮ !. . آﺎن ﻳﺼﺒﺮ ﻧﻔﺴ ﻪ ﺑ ﺘﻼوة اﻟﻘ ﺮﺁن ،ﺑﺼ ﻮت ﺧﺎﺷ ﻊ ﻣﺘﻬﺪج. . وﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ اﻻﺛﻨﻴﻦ واﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻣ ﻦ ﺷ ﻬﺮ ذي اﻟﻘﻌ ﺪة ﻋ ﺎم ٧٦٨ه ـ آ ﺎن ﻳﺘﻠ ﻮ :إن اﻟﻤﺘﻘ ﻴﻦ ﻓ ﻲ ﺟﻨ ﺎت وﻧﻬﺮ ٭ ﻓﻲ ﻣﻘﻌﺪ ﺻﺪق ﻋﻨﺪ ﻣﻠﻴﻚ ﻣﻘﺘﺪر وﻓﺎﺿﺖ روﺣﻪ ﻋﻨﺪ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ. . وﺧﺮﺟﺖ دﻣﺸﻖ آﻠﻬﺎ ﺑﺮﺟﺎﻟﻬﺎ وﻧﺴﺎﺋﻬﺎ وأﻃﻔﺎﻟﻬﺎ، ﺗﻮدﻋﻪ ،وﺗﺒﻜﻴﻪ أﺣﺮ اﻟﺒﻜﺎء. . وهﻜﺬا ﺻﻤﺖ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﻣﻸ اﻟﺤﻴ ﺎة ﻣ ﻦ ﺣﻮﻟ ﻪ ﺿ ﺠﻴﺠًﺎ ،وزﺣﺎﻣ ًﺎ ،واﺿ ﻄﺮاﻣًﺎ ﺑﺂراﺋ ﻪ واﻗﺘﺤﺎﻣﺎﺗ ﻪ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ. .
٢٢٩
وﻣ ﺎ زال ﻓﻜ ﺮﻩ ﻳﻤ ﻸ اﻟﺤﻴ ﺎة ﻣ ﻦ ﺑﻌ ﺪﻩ ﺿ ﺠﻴﺠًﺎ، واﺿﻄﺮاﻣًﺎ. . وﻣ ﺎ زال ﺣﺘ ﻰ اﻟﻴ ﻮم ﻳﺤ ﺘﻔﻆ ﺑﻀ ﺮاوة اﻟﺨﺼ ﻮم، وﺣﻤﺎﺳﺔ اﻷﻧﺼﺎر! . .
٢٣٠