– ماي 5102
مجلة ثقافية فكرية جامعة تاسست في 52ماي 0890
تصدر انطالقا من سيدي بوزيد الجمهورية التونسية أسرة التحري ــر :
المدير العام المؤسس ورئيس التحرير :
شوقي الغانمي عبدالرحمان بلخشين مريم ذياب جليلة كداشي منيرة درعاوي محمد نجيب هاني صالح السباعي ليليا هلول (رسم)مراسلون األردن :جميلة عمائرة مصر :محمد الشيخ المغرب :فاطمة بنيس باريس :تيسير بن عطية فيانا :ليلى كداشي العماري -الخرطوم :روضة الحاج
سكرتيرية التحرير :
محمد نجيب هاني أكرم بوعجيلة اإلدارة
أسامة حرشانــي
الموقع على الواب :
http//www.miraat-al-wassat.com
الهيئة اإلستشارية
أ .محمد الصادق عبداللطيف أ .حذام عيساوي أ .نجاة مامي بوشيبة أ .عبداللطيف الفراتي د .نورالدين الحاج محمود -جعفر االكحل
الدكتور عبدالقادر بن الحاج نصر الدكتور حاتم النقاطي أ .جميلة الماجري أ .التهامي الهاني أ .مصطفى علوي -د .نوال حرشاني
اإليميـــل :
اإلدارة والتحرير : شارع محمد الخامس ،نهج سيدي الجيالني عدد 1سيدي بوزيد المراسالت البريدية : صندوق البريد عدد ،84البريد المركزي سيدي بوزيد /تونس
hormahmoud@gmail.com redaction.gamm@gmail.com الهاتف 11211 61 126 111 : الفاكس 11211 61 121 292 : المدير 11211 01 111 148 : 1
– ماي 5102
الفهرس كلمة العدد :إصرار على إلاستمرار وأداء الرسالة................................................................
2
صحافة وزمان :من بواكير الصحافة النسائية في تونس...................................................
0
قصة العدد :عصافير بئر عثمان..........................................................................................
9
ذكريات مع عالمة املغرب العربي أبو القاسم محمد كرو.................................................
21
أعالم معاصرون :ألاديب الراحل أبو القاسم محمد كرو ...في رحلة ألادب والتيلي
22............
بحوث ودراسات :إعـ ـ ـ ـ ــالم :وظيفة الصحافة بين إلاعالم وإلابداع...................................
24
من أعالم منطقة قمودة :الفقيه العالم الشيخ مصطفى القمودي.................................
26
علوم :هل البشر يستخدمون فقط %01من أدمغتهم ؟................................................
81
مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين لإلبداع الشعري تتحول إلى مؤسسة ثقافية عامة............ 82 مدينة في بالدي " :قورزا" الرومانية وأكودة حاضرا بين عبق التاريخ وشذى اليوم........... أنا جاهزة للوفاء81 ...................................................................................................................... إبداع :كت ـ ــاب ألانث ــى86 ............................................................................................................. رماد ألارصفة :شعر منيرة الدرعاوي89 ........................................................................................ إبداع :م ــوت الحرف01 ............................................................................................................. فنون تشكيلية :لقاء مع الفنانة مريم بن حسن 02 .................................................................. 82
متابعات ثقافية :ندوات ملتقيات أدب الشباب بين الواقع وآلافاق................................ متابعات ثقافية :إطالق مجلة مرآة الوسط اون الين على شبكة الانترنات.....................
01 04 09
متابعات ثقافية :لقاء فكري حول الكتاب في مدينة سيدي بوزيد..................................... تقريضة من الشاعر الكبير محمد الحبيب الزناد ملجلة مرآة الوسط 11.................................... الشاعر الكبير احمد اللغماني ..وداعا..........رحل وترك لنا اعذب القصائد12 ........................ رسالة من الرئيس الباجي القايد السبس ي12 ........................................................................... خوف :شعر محمد الجلواح18 ...................................................................................................... من تجليات الشعر التونس ي في الذكرى ألاولى لإلستقالل11 ....................................................... وقالوا عن مجلة مرآة الوسط19 ................................................................................................... كاريكاتير
:عبدالرحمان بلخشين61................................................................................................. 2
– ماي 5102 كلمة العدد
إصرار على إلاستمرار وأداء الرسالة بقلم : يصدر هذا العدد الجديد من مجلة مرآة الوسط ،في
انطالقتها الجديدة ،في ذكرى من أعز الذكريات لدينا ،وهي ذكرى صدور العدد األول من جريدة مرآة الوسط في 20ماي
،1941قبل أن تتحول إلى مجلة شهرية في مارس سنة ،1991أي أنه مضى اليوم على صدور مرأة الوسط أربعة وثالثون عاما بالتمام والكمال ،ونعتقد أنه ال توجد مجالت كثيرة سواء في تونس أو العالم العربي بشكل عام ،استطاعت أن
تصمد أمام كل الصعوبات والعواصف ،ويستمر صدورها كل هذه السنوات.. ورغم ما اعترى صدور المجلة من تعثر بعد الثورة،
نتيجة ما اعترضها من صعوبات مادية ،وعدم تحمس الحكومات التي جاءت بعد الثورة لدعم الصحافة الثقافية 3
– ماي 5102
والجهوية ،فإن المجلة حافظت على صدورها ،متكبدة في سبيل ذلك خسائر مالية كبيرة ،استنزفت كل طاقاتنا ومع ذلك لم
نستسلم ،وآمنا أن لمجلتنا رسالة ثقافية وتربوية واعالمية ال بد
وكنا على ثقة أن تنهض بها بكل حماس ،كلفنا ذلك ما كلفنا ّ أنه سيأتي اليوم الذي ستراجع فيه الحكومة موقفها من الصحافة الجهوية والثقافية ،باعتبارها أحد ركائز التطور
الديمقراطي والتنمية المحلية والجهوية .وها إن مجلة مرآة الوسط قد عادت إلى الصدور معززة بثقة أنصارها وقرائها فيها، وهم الذين كانوا السند والمدد أيام الشدة التي مررنا بها .كما
يتوجه شكرنا إلى السيدة وزيرة الثقافة والمحافظة على التراث الدكتورة لطيفة االخضر التي رفّعت في مقتنيات الو ازرة من كل عدد جديد يصدر من المجلة ،وهو ما سيساعدنا على تجاوز عديد الصعوبات .وتقترن عودتنا إلى الصدور المنتظم بحدثين
هامين ال يمكن أن نمر عليهما مرو ار عابرا ،لما لهما من األهمية وهما االستعداد لتنظيم دورة اليوبيل الفضي أي الدورة
الخامسة والعشرون لمهرجان مرآة الوسط الثقافي أيام 12و12
و 18جوان القادم ،واطالق النسخة االلكترونية لمجلة مرآة
الوسط لتكون بذلك أول مجلة ثقافية رقمية على الواب تختلف في شكلها ومضمونها على النسخة الورقية. 4
– ماي 5102
صحافة وزمان
من بواكير الصحافة النسائية في تونس بقلم :
مجل ـ ـة اإللهـ ـام أول مجلة نسائية تونسية
-أنيستنا اليوم مجلة رائدة تعد من أولى التجارب
التونسية في مجال تأسيس صحافة نسائية
متخصصة وهي مجلة اإللهام.
-صدر العدد األول من مجلة اإللهام في شهر
مارس سنة 1900
وقدمت المجلة نفسها للقراء على أساس أنها مجلة أدبية نسائية جامعة لسان حال نادي الفتاة التونسية
تحررها نخبة من المثقفات التونسيات.
-أصدرت مجلة اإللهام وكالة االتحاد التونسية التابع لنادي الفتاة التونسية.
-مديرة المجلة وصاحبة امتيازها ورئيسة فلم التحرير هي اآلنسة فاطمة علي ،أما
عنوان المجلة فقد كان 16نهج البراملية – تونس .وحدد سعر النسخة الواحدة من مجلة
اإللهام بخمسين فرنكا.1
-تكونت أسرة تحرير هذه المجلة من مجموعة من المثقفات التونسيات نذكر من
بينهن :فاطمة علي ،وتوحيدة فرحات وحسناء التارزي ونجاة الغرياني وحليمة المطوي
5
– ماي 5102 وراضية الحناشي وصفية الهمامي وفاطمة شرشاد وهند الشناوي وحياة الخميري وصفية
عزيزي.
-وشح غالف العدد األول من مجلة اإللهام بصورة تخلد زيارة الزعيم الحبيب
بورقيبة إلى مدرسة الفتيات وقد وقف بينهن مشجعا ومباركا إقبالهن على التعليم كما
تضمن غالف هذا العدد صورة آلخر ملوك تونس محمد األمين باي.
-وازدان غالف العدد أيضا بآية من القرآن الكريم وهي قوله تعالى "ونفس وما
سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها"...
-حفل هذا العدد من مجلة اإللهام بمجموعة متنوعة من المواضيع والمقاالت
وقد وردت كلمة العدد تحت عنوان "هدف اإللهام" ومنها نقتطف ما يلي " :أن ميالد مجلتنا اإللهام الشهرية التي هي لسان القناة التونسية في هذا العصر عصر النهوض والرقي واالزدهار والنور ليدل على أن القناة التونسية قد أدركت معاني الحياة وحدود
المسؤولية وشعرت بمركزها في هذا العصر وعلمت أنه أصبح واجب عليها العمل والمكافحة والنضال حتى تحقق لبني وطنها الغالي عزتهم وكرامتهم ومجدهم.
-وتضيف المجلة قائلة في افتتاحية عددها األول "أنها لروح حية حساسة
وثابتة إلى المجهول ،لها واجبات كما للناس قاطبة وليس للفتاة باعتبارها بنتا أو باعتبارها أما أو بالنظر إلى كونها رابطة بين هذه وتلك أن تتخلص من الدور الذي
اختاره اهلل تعالى للقيام به او تؤديه على غير الوجه األكمل الصحيح والصورة التي
ترسمها مبادئ الشرائح الطاهرة وقوانين األخالق.
-إن الفتاة التونسية غايتها أن تحقق المبادئ السامية على ضوء الحقيقة
والصدق في تفكيرها وعملها وتتقدم بقلب ملؤه اإلخالص لوطنها والنشاط في عملها حاملة هذا القبس المشرق دائما إلى األمام في دائرة احترام التقاليد الفاصلة ونبذ
األباطيل والقيود الضارة مساهمة في العمل بخير األمة ومستقبليها ظاهرة في ميدان الحياة زينتها ثقافتها النفسية وحالها المكارم الخلقية بقلب مفعم باإليمان مغمور بالجد
تعمل فتحمد وتعالج فتب أر وبذلك تحيي مجد المرأة وبترعرع مجد أحفادها.
6
– ماي 5102 -تنوعت مواضيع ومقاالت العدد األول لتجمع بين ما هو اجتماعي وما هو
تاريخي وما هو أدبي إلى جانب التحقيقات الصحفية الميدانية.
-تحت عنوان المرأة التونسية في الميدان كتبت اآلنسة صفية المامي من
رابطة القلم الجديد :تنقسم المرأة التونسية إلى صنفين صنف مثقف وغير مثقف، فالمرأة المثقة يكون التعويل عليها في عدة أمور منها مشاركة الرجل في ميادين العمل
والكفاح ماديا وأدبيا حتى تنتج عن أعمالها نهضة للشعب والوطن وهي جديرة بذلك إن وجدت االعتناء بكل مساعيها وتنشر الثقافة وروح التربية واألخالق أحسن من قبل بل بأضعاف تجدها منكبة على العمل بالثقافة الحقة والمعرفة الراقية وبذلك تحقق الرقي
واالزدهار للشعب والوطن وتبعث فيه الروح الحية وكذلك مهمة المشاركة في معركة
الحياة لخير البيئة العائلية واأللفة الزوجية الطاهرة.
-وتضيف كاتبة المقال :لقد استحقت المرأة التونسية تقدير واحترام الجميع
وسجلت في تاريخ التحرير الوطني صفحة خالدة من التضحية والعمل الدائم وأعطت دروسا وتجارب واقعية هي عضة واعتبار لألجيال القادمة من الفتيات مربيات الجيل الصاد للمستقبل.
-وفي ركن منبر الفتيات والسيدات ورد مقال بعنوان "رجاء لالمهات" بقلم
السيدة فاطمة شرشاد جاء فيه بالخصوص :لم تنهض أمة إال بالعلم والمعرفة فعلمي أيتها المرأة أبنائك وبناتك ألن الوطن في حاجة إلى ذلك ولم ينهض إال بهما فهما
الغذاء الضروري للعقل والنفس والروح فالعقل ال يتسع تفكيره إال بالعلم فعليك أيتها األم
القيام بالواجب التجاري غيرك من األمم المتسابقة إلى العلم واالرتقاء.
-كما ورد في هذا العدد مقال بعنوان تربية االطفال تضمن مجموعة من
النصائح والقواعد التربوية والنفسية لضمان تربية صحيحة وسليمة للطفل.
-وكتبت اآلنسة حياة الخميري في هذا العدد األول من مجلة اإللهام مقاال
بعنوان أطوار حركة المرأة التونسية تتبعت فيه بوادر ومراحل الحركة االصالحية لفائدة
المرأة ومشاركتها الفاعلة في رقي المجتمع وازدهاره مبرزة إقدام المرأة التونسية على
7
– ماي 5102 تجاوز الحصار الذي يحاول البعض ضربه حولها ،فنشأت بوادر نهضة تونسية كبيرة
سرعان ما تحولت إلى حركة قومية من أجل دعم مكانة المرأة في المجتمع.
-في ركن الفن أوردت المجلة مقاال بعنوان المرأة والمسرح جاء فيه :ال بد
لكل أمة متحضرة من التمثيل المسرحي الذي يعالج مشاكل المجتمع ويحرص على
استقامته ومن مزايا هذا الفن الجميل الممتزج بحياتنا امتزاجا كاد أن يكون خلقيا السمو
بالمجتمع إلى مراتب الرقي ...ولكن الحركة المسرحية في بالدنا ما زالت تنقصها عدة
عناصر ومنها مشاركة المرأة فمتى تقبل المرأة يا ترى على المسرح لتشارك في بنائه من جديد على أساس يسمح لها أن تكون ممثلة شريفة محترمة من طرف زمالئها
الممثلين فالمعاهد التمثيلية من حكومية وحرة قد فتحت أبوابها للراغبات في تعليم التمثيل ومن الواضح أن المرأة تستطيع بهذه الطريقة أن تبلغ القمة في هذا الفن وما
بقي إال أن تعلم المرأة بأن التمثيل أصبح في سائر بلدان العالم مهمة شريفة تساوي
التعليم وان الممثل يلقب باألستاذ وأنا قد اجتزنا النصف الثاني من القرن العشرين.
-في ركن روضة األدب وردت عديد المواد األدبية بين قصة وشعر وخواطر
وتحت عنوان بين أحضان الطبيعة ،كتبت نجاة الغرياني خاطرة أدبية وردت قصة العدد
بعنوان "سوف أعود" بقلم راضية الحناشي.
-وحفل الركن التاريخي بعنوان للمجلة بمجموعة من المقاالت من أهمها مقال
بعنوان المرأة العربية في الجاهلية بقلم حسناء التارزي.
لإلشتراك في مجلة مرآة الوسط يرجى تعمير القصاصة التاية : الاسم واللقب ................................ : العنوان ........................................ : ....................................................... طرقة دفع الاشتراك :حوالة -صك – تحويل معلوم الاشتراك :لألفراد 03 :دينارا لألنصار 033 :دينار للمؤسسات 03 :دينارا 8
– ماي 5102
قصة العدد
عصافير بئر عثمان القطار يندفع عينفا كالثور الهائج ليتوغل في غابات الزيتون المترامية في – الغرابة -و -الحنشة -وتتراكض عرباته وتصطك على السكة في سباخ –الجم -و – كركر -ومحمد عبدالوهاب يتغنى برائعته : يا بابور ألي رايح على فين ..يا بابورألي؟؟؟؟" ولزهر يتأمل من خالل الزجاج الفضاءات الشاسعة ،والشجر الذي يجري في االتجاه المعاكس للقطار ثم يتوارى في المنخفضات وخلف التالل... مرت ساعتان على انطالقه من مدينة صفاقس ..الشمس تصعد إلى األعالي في تؤدة محاولة إزاحة نتف السحاب العالقة في الفضاء.. في ممر العربة أطفال يهرولون ،وينطون هنا وهناك وال يهدؤون ..وربما رفسوا بأرجلهم الصغيرة بعض األمتعة أو أحذية رجال ونساء أخذهم النوم ،وترنحت رؤوسهم من 9
– ماي 5102 اإلعياء ..سيدة بدينة ترتدي معطفا أصفر ،تلوك علكتها ،تتفقد في كل مرة وجهها المكتنز فتشبعه صباغا وتمرر أحمر الشفاه على شفتيها الغليظتين ،ثم تنتبه لصرف ابنيها الصغيرن عن اللهو والعبث ،وهي تخبئ مرآتها في الحافظة الجلدية ،وترشق لهم – بنظرات فائضة ملتهمة.. في محطة سوسة صعد ركاب آخرون ..رجل ضخم يستدير ببطء ،بحثا عن مكان يستكين إليه ..تمنى – لزهر -في نفسه أن ينشغل الرجل بمكان آخر ،وأن يسوق إليه القدر إحدى الفتيات الجميالت الالتي ركبن في المحطة ،بلباسهن المثير ،الشفاف ومألن الفضاء بروائح العطور الشذية ...رجل ثان أثقلته الشيخوخة ،نحيف وطويل القامة ،قذر المظلة واللحية ،ملطخ الشاريبن ،يتقدم بصعوبة بحثا عن مقعد يتهالك عليه ..ثم يتململ القطار من جديد مدويا ومزمج ار لينطلق في السهول الخاوية الجرباء ..ويشق األراضي المستنقعية المالحة في اتجاه تونس.. بدأت الصور تتباعد وتتقلص شيئا فشيئا ..من البلور وسهول -هرقلة -و – النفيضة -وبوفيشة – والمساحات العريضة المشبعة بالملح والغدران المتعكرة ،وخياالت القرية شرق صفاقس ببئر – عثمان -وعصافيره الجميلة الجذاللنة ،وحانوت – صويلح -وأهله الطيبين ،واألحواش البيضاء الجميلة ،وحقولها وسوانيها اليانعة ،ورعاتها وأغنامها.. مشاهد وأفكار تراود خيال – لزهر -وتعبث به ،وتحوم حوله ..الشمس كعادتها تضحك ،ثم تشحب ومرة تحتجب وتتلفع بالسحاب وتعود من جديد سافرة عريانة، وشجر الجبال المتسلق إلى القمم يبتسم ويهذي ويحلم وتتعالى هاماته فتدغدغ أفنانه السماء ..هذا القطار يكره الصمت ،وينطلق متوترا ،متوثبا في عجالة من أمره للوصول إلى المدينة ،وها هو يرسل آخر النفخ والصفير ليهدأ تدريجيا بعد تجاوز – بوقرنين -ثم
10
– ماي 5102 تعترضه القطارات منسابة كالثعابين في اتجاهات متعاكسة لينفث شخيره األخير ويستسلم نهائيا ي محطة العاصمة.. كان – لزهر -في الطائرة يتذكر آخر توصيات أمه وهي تقبله م ار ار وتبالغ في احتضانه ،باكية ممتقعة" ...رد بالك يا ولدي ..ابعد عالخلطة الفاسدة ..وعلى بنات الحرام وأوالد الحرم ...اهلل يسترك وربي يكون معاك ..الغربة مرة ..ال تنس الرسائل وتروح على خير"... والتليفون ..ربي يخفف غربتك ّ أما أبوه -الحاج الساسي التومي -فقد عانقه ،محاوال التصدي للدموع الطافرة بدون إرادة منه " :أنا راض عنك ...سأدعو لك في كل صالة ...اهلل يكون في عونك.. وان شاء اهلل وجهك مقابل الخير بجاه النبي البشير ..حافظ على روحك وتفقد أوراقك وابعد على أصحاب السوء ...وكل غريب يروح واعمل الباهي مع صاحبك القاوري.. وال تغفل علينا."... أما سالمة وصبيحة فكانتا متعلقتين به وتقبالنه وهو يداعب شقيقتيه ويطمئنهما واعدا إياهما بهدايا كثيرة وثمينة.. كان غارقا في التفكير والتأمل وهو يتابع أحيانا مشاهد ركاب الطائرة بين غائص في النوم أو متغزل بصاحبته ،أو متناول لبعض المشروبات ،أو متابع لمضيفة حسناء تتنقل ،وتغدو جيئة وذهابا ،أو غارق في قراءة كتاب أو جريدة ،وللسفر طعم خاص ،ورائحة خاصة وأجواء فريدة من نوعها ..وله شعور جديد يكسر ما تعود به اإلنسان من سلوك وما علقت به من عادات وما التصقت به من رتابة ...وها هو- لزهر -يقدم على مغامرة لم تخطر على باله سابقا لوال الصدفة التي جمعته ذات مرة بالسائح السويسري في فندق كان يشتغل فيه بالحمامات ،لقد أعجب به الرجل ،وتحدث معه م اررا ،فملك قلبه ،وشغل باله ،واهتم بأحاديثه وخصاله ،فكانت المفاجأة باستدعائه إلى بلد البحيرات الجميلة ،والمناظر الخالبة والمدن الحالمة ،الناعسة في خواصر 11
– ماي 5102 الجبال ...ومن يدري فلعل الحظ سيسوق – شكرية -أو – صبرةة -وربما الشهلة إلى هذه البقاع الخالبة في وسط أوروبا ..سيتغير لون البشرة وتتبدل تسريحة الشعر.. وتتسلل األلوان واألصباغ إلى كل جزء من البدن ..وسيحل لباس جديد يتماشى مع موضة العصر ..وثياب تكشف عن مواقع ساخنة في الجسد ..عراء اإلبطين أو مساحات من النهدين والفخذين ..وال حرج من التدخين أو القبل العلنية أو حتى أشياء وممارسات أخرى ،باسم التمدن والثقافة ومجاراة بعض سلوك المجتمعات الغربية.. والتقليد األعمى الذي يزيغ عن الرشد والصواب ..ربما يحدث هذا ألن – شكرية -و – صبرة -جاهزتان مسبقا لإلنجراف إلى هذا التيار وغير قادرتين على التجديف عكس مساره أو اعتراض أمواجه العاتية ..أما – الشهلة -فهي ال تجازف وال تنقاد كالنعجة التي ال حول لها ،لقد عبرت في كثير من المواقف عن صمودها ومقاومتها.. تذكر اللقاء األول ب ـ-شكرية -على مشارف بئر عثمان ..كانت ال تعرفه ولكن خفق قلبها لحبه بعد تلك القبلة الفائرة التي انتزعها منها لوال قدوم عجوز القرية المتسكع إلفساد المشهد ...ولكن – بنور -المفسد نغص عليه أحالمه وأصبح وجهه الدنيء يحوم دائما في مخيلته ...فهذا الفتى دخل عالم – شكرية -وهو ال ينثني عن مراودتها لإليقاع بها ..إنه خنزير قذر ال يعرف حياء وال احتراما ...أما – ثبرة -فهي الفتاة اللعوب التي ال ترى حرجا في المداعبة والغزل ومشاكسة – بنور -أو غيره ..وهناك أخريات من عصافير بئر عثمان ولكل واحدة قصة ...ها هي جبال الثلج ترفع هاماتها ،وتثقب السحاب الذي تلتحفه ..القمم الصخرية الناتئة تظل مطلة ،مستيقظة، تالمسها أشعة هزيلة شاحبة ،ثم تنكشف – زوريخ -بسقوفها القرميدية المتالصقة، وتنبسط حولها بحيرتها الجميلة الحاملة ..وفي المطار كان السيد السويسري في انتظاره ..يا حظك يا –لزهر -بن الحاج الساسي التومي ..يا ولد منوبية الموشمة ..هذا زمانك يفتح لط ذراعيه ،ويحتضنك ،ويضع التاج على رأسك.. 12
– ماي 5102 هذه البداية تفتح لك طريق المال والجاه ،وتكسبك وجها آخر ..وسلوكا جديدا، وتعلمك طريقة أخرى في الحياة ..تغير يا لزهر ،ها أنك تتجول في شوارع – زوريخ- بين الحافالت الكهربائية التي ما زالت محافظة وبقيت على حالتها منذ عقود من الزمن تجوب في الشوارع المبلطة بقطع االسمنت ،وبين البنايات المصبوغة بألوان صفراء وآجرية ،وفوق الجسور الصغيرة المترامية على النهر الملتوي الحالم وضفتيه المغرقتين في القدم ..وصور الكنائس المتسامقة المسكوبة على صفحات الماء والمتمرغة فوق اللجج الرمادية المتواثبة ،الجذالنة ..أين عصافير بئر عثمان؟ أين شكرية ؟ أين صبرة؟ وأين الشهلة؟ وأين بئر عثمان ؟ أين كل شيء اختفى ونأى عنك ..وترامت البحار والجبال والسهول بينك وبين أهلك وعشيرتك وأحبابك ..آه عليك ..عندما كنت تعود من مدينة –الحمامات -ويهيج بك الشوق لمالقاة أمك وأبيك وشقيقتيك وكل األقرباء وأنت تشق غابات الزيتون والقرى الصغيرة شرق صفاقس ،يطالعك البحر في دعة وسكينة من بعيد ..كنت ال تكف عن مشاهدة كل ما يعترضك ..أو ما يبرز لك على حاشيتي الطريق ..السيارات والدراجات ،والعربات ..الرعاة وأفواج الفالحين الرائحين إلى الحقول والمزارع ،والعمال الذين يلتمسون الركوب للتنقل إلى مراكز عملهم ..والبنات الغاديات إلى المعامل والمدارس ..كنت تشعر بالفرحة كلما أحسست أن تغغيرات جديدة تحدث في هذه القرى الوديعة ..كنت أسعد الناس لما ترى بأم عينيك إنجاز طريق جديد أو تشييد قنطرة أو بناء مصنع أو ارتفاع صومعة ..ما أروع أن تستفيق هذه القرى، وتنهض ،فيزداد نبضها ،وينشط الدم في شرايينها ،وتقف على قدم وساق مصممة على االنطالق ونبذ الكسل والسبات العميق ..وأنت –يا لزهر -في بالد أجنبية موكول إليك أن تكون مثاال في االستقامة والشعور بالواجب وحب العمل واإلخالص له ..وأن تفكر في العودة المشرفة التي ترفع من مقامك وتجلب لك االحترام والتقدير ..ال تخذل طموحك وال تتقهقر إلى الخلف ..واصل ..وال تنقطع عن أخبار قريتك ..إن – بئر 13
– ماي 5102 عثمان -وطيورها المرفرفة ستبقى مستقرة في فكرك ،راسخة في خيالك ،وعالقة بأحاسيسك ..كل شيء في القرية يزداد توهجا ووميضا ..تذكر مطر المساء المنثال.. والشآبيب التي تعفس فوق رؤوس الشجر ،وتركض على سنابل القمح والشعير.. والخطوات العجلى للنساء العائدات بحزم الحطب من المزارع ..وعيون األطفال الملتمعة ..ومشيء الرجال في الثنايا بالبالئز المشقوقة والسراويل العربية الفضفاضة المنتفخة ،ورواد حانوت –صويلح -وقد تحلقوا حول الكانون المتأجج والبراد األزرق الضخم في انتظار نضج الشاي وتوزيع الكؤوس القاتمة وهم يمزحون ويتندرون بحكايات مشوقة ومسلية بطلها – علي الغندور -المهرج الشهير في األعراس والمناسبات أو – العم العكرمي -سكير القرية وعربيدها الوديع المسالم ..تذكر – الشهلة -جارتك التي تخليت عنها وكانت تعقد أحالما وتبني طموحات كثيرة عليك... إن أول ومضة حب عرفتها في حياتها اشتعلت من قلبك ومن سحر عينيك ،ولكنك صرفت النظر عنها وانشغلت بحب – شكرية -أو – صبرة ..-كان من واجبك أن تتسامح معها ..وأن تالطفها وأن تعتذر الحاسيسها التي ذابت في هواك ..يا ولد.. يجب أن تؤمن بالمكتوب ..من كان يتصور أنك ستسافر ..وتودع القرية كطائر الفجر يغادر وكره اآلمن الدافئ ليحلق في سماء بعيدة في اآلفاق النائية دون دراية هل سيعود أم يظل في غربته ومحنته ...يطوي الفضاء تلو الفضاء ملتمسا األوبة لعله يهتدي إلى ضالته ..ولكن كن رجال ..كن سيدا شهما ..وأمال مشعا في خاطر أبيك الحاج وأمك منوبية ..ألم تقل لك وهي تعانقك وتودعك : "الناس يقولو آش جاب موش قداش غاب.".. أفهم جيدا هذه الوصية ..ضعها نصب عينيك ..أنقشها على الرخام ..أكتبها وعلقها كتميمة ،وال تنزعها من عنقك ..صحيح إن سويس ار تستهويك ،وتملك قلبك، وتخطف لبك ولكن ليست كل شيء ..هنا في هذه األصقاع حيث تحف الجبال الملتفعة 14
– ماي 5102 بالبياض بحيرات فسيحة ،تلتصق في أبعادها القرى الحاملة ،البهيجة ..وترتسم على صفحاتها البلورية الملساء تشكيالت السحاب ،وعندما يلطهخا المطر ويتنزل في برودة وشجن ،تقشعر وجوهها وتتجعد تحت األكمات ،واألدخنة الملتوية وهي تتصاعد في بطء وتكاسل ،وتتراءى السفن البيضاء وهي تتزحلق على السطوح الزجاجية اللزجة، تغدو وتروح ..تكبر وتصغر ،تمأل وتفرغ ..وأمام الحانة الخشبية التي تواجه المرفأ والتي يداعب الماء جنباتها في دعة ولطف ..كان – لزهر -جاثما على مقعده يراقب قدوم السفن القادمة محملة بالمسافرين من المدن المترامية في الضفاف األخرى، فيستقبلهم بالحفاوة والترحيب ،وتهرع كل نادلة لالعتناء بالوافدين واعداد القهوة وتقديم أنواع الخمور ،واألطعمة الساخنة ،بينما يتلهى بتقديم الوصوالت وتسلم النقود وضبط الحسابات والمداخيل في صندوق الخزانة ..هذا شغله الذي سطره له صديقه السويسري، وانفرد به متمي از على اآلخرين ،ومنحه مق ار للسكنى محاذيا الحانة تتوفر فيه كل المرافق ..الفراش الوثير وأجهزة التسخين وبيت الحمام وأمامه بهو ورواق يشرفان على البحيرة الناعمة المغموسة في الضباب ...آه لو سافرت معه – شكرية -وقاسمته العمل وهما يقضيان كامل اليوم في هذا المكان يساعدان بعضهما ثم يأويان كل مساء إلى هذا العش الدافئ ولكن – شكرية -هل تصلح إلنجاز الرحلة معه ؟ لماذا ال تعوض بصبرة هذه الشيطانة الماردة ؟ أما القلب فقد خفق في البداية لشكرية وحدها وما زال النبض مستيقظا لم يكفن بالرماد ولم تخمد جذوته ..إن شق اروات الحانة هل يساوين شيئا أمام جبروت مالمح شكرية وابتسامتها العذبة وحرقة عينيها وثورة شفتيها الصارختين بالشهوة ..وقوامها المسبوك ،المفم بالحيوية والرشاقة ..أما –صبرة- المتوثبة ،المندلعة فمن يضمن غخماد نيرانا وغطفاء لهيبها ؟ تفاءلت مواعيد الحب حول بئر عثمان ،بعد انتشار خبر سفر –لزهر ..-البئر تغيرت صورتها ..خزان حديدي في لون الرصاص جاثم على أعمدة اسمنتية صلبة 15
– ماي 5102 متسامقة ،يلمع من بعيد تحت أشعة الشمس ،ومحرك مارد يقعقع طيلة اليوم الستخراج الماء ..وانتزعت األعمدة الخشبية والمراود المتآكلة وعوضت بمنصة معدنية واقية ضد أي خطر كان يهدد الواردين ..وما زالت الخيمة الخضراء منتصبة قرب البئر ألن األشغال متواصلة ،والعمال يكدحون كامل النهار في خلط االسمنت ،او بناء جدران البئر تحت اديم ٍ األض ،والجبال تنزل وتصعد محملة بالسطول الضخمة واألثقال.. والسيارات تغدو وتروح من أجل تفقد األشغال وايصال مواد البناء و –صويلح -في حانوته يتعامل مع العمال بالليونة والتسهيالت ..والمهندس –سي المخلوفي -قد تخطى سن األربعين بقليل ..ما زالت كهولته متأنية وملتصقة بالشباب ،إنه شديد االعتناء بوسامته ،وهو يميل إلى النحافة ويتمتع بجاذبية كبيرة وتناسق في كل شيء ..وهو حريض على اناقته ونظافته .وال يتصور أحد ان هذا الرجل سيهرم مستقبال ،وسيعبث الزمن بلحيته القصيرة السوداء ،وشعره الفاحم المتموج ،وأنفه الدقيق ،وعينيه العسليتين، وثغره المفتر عن أسنان منضودة ،ناصعة ،وابتسامته المعبرة ،وهو يتأبط دفتره أو يعض على نظارته الشمسية السوداء ..في كل يوم ،وبدون وقت محدد ،تطل سيارة – الندروفر -من فوق التالل ،ثم تعلو وتهبط وتلتوي مع الطريق البنية ،وتقترب شيئا فشيئا ،مثيرة الغبار خلفها ،فتذروه الرياح وتدفعه إلى فوق ،فيحجب أحيانا مرأى السيارة، ثم يتبدد وراءها ويتهاوى بعيدا وعلى مشارف البئر تسكن عجالتها ،ليقفز –سي المخلوفي -من الباب في خفة ورشاقة ،فتنشط الحركة ويستنهض المقاول العمال ،وقد اكتست وجوههم باإلرهاق ،وهم يتمايلون ،ويجرون أرجلهم جرا ،وينحنون على الحجارة ثم يرفعونها نحو صدورهم في صبر ومشقة ،وسي المخلوفي يشفق على كل واحد منهم عندما يشاهد ما يعانيه العامل من تحمل وأتعاب وقد تمزق قميصه وتبقع في موضع اإلبطين فاقدا لونه الناصع ...وسي المخلوفي يتوقف أحيانا أمام حانوت – صويلح- فيهرع الحاضرون الستقباله بحفاوة بالغة ،،ويفضون له مقعدا ويقدمون له الشاي 16
– ماي 5102 فاستأنس بالمكان وأصبح يتردد عليه شارحا للناس قيمة المشروع وأهميته ( )...وتفجير الماء من بئر عثمان ،وفي كل زيارة تتوطد العالقات وتقترب القلوب منه ،ولكنه رغم ذلك ظل غامضا ،ومضببا وكثرت األحاديث حوله وتباينت ..قالوا أنه متزوج ومطلق.. وقال آخرون أنه أعزب ..وأنه وقع في حب – شكرية ...-وقالوا أنه اعترض ذات مرة سبيل –صبرة -واركبها معه في سيارته... كل هذا يحدث ولكن في بيت –الشهلة -كانت الحركة غير عادية ..نسوة ينظفن الحوش ،ويكنسن الساحات المحيطة به ،وال حديث بينهن سوى عن الخطبة الجديدة والعرس الذي يظل على األبواب ..وها هو – سي المخلوفي -يزيح الغطاء ويصرح بالحقيقة ويعلن الزفاف بالشهلة.. النسوة يتناوبن على الغناء بأصواتهن الشجية ..والبنات يرقصن ويتفكهن ويلقين بنظراتهن البراقة نحو الشبان البارزين بكل جرأة ..والصبية يعدون في كل مكان، يجرون وراء بعضهم ..يقفزون ..يتراشقون ..يتشابكون... العم العكرمي -سكران ..بيده قارورة خمر وهو يتسول للنسوة أمام المطبخلمده بقليل من العصبان إلتمام السكرة ..ولن يرحل من أمام الباب إال بعد تلبية مطلبه ..هو رجل مسالم جدا ومحبوب أيضا رغم مصيبته في اإلدمان على شرب الخمر ولكنه محنته ال تتجاوز النشوة والعيش مع بنت الكرمة ،ولم يكن معاديا أو مشاكسا ،وربما لم تنتبه إليه النساء المنشغالت بالطبخ والتنظيف وغسل الماعون ،وبقي مدة وهو ملتصق بالباب ،يتابع بعينيه الملتهبتين ،المنتفختين -بمفعول الشراب -حركة النسوة ويستعطفهن منتفا لحيته الشعثاء بشيء من القلق والتوتر ويحك بين الفينة واألخرى صلعته الصهباء الملتمعة تحت الضوء وشعره الوحشي في قفا الرأس ..وكانت شفتاه المتورمتان ترتعشان تحت الشاربين المهملين القذرين والملطخين بالخمر وبقايا الطعام ..ولم يغادر المكان إال بعد ان عطفت عليه عا\شة أم – شكرية -ومدته 17
– ماي 5102 بالطعام فانسحب داعيا لها بالخير ،رافعا قارورته المضيئة صائحا بصوت مرتفع ولكن اللكنة –الناتجة -عن فمه األدرد عطلته عن الكالم شيئا ما ،ولم يفصح إال بصعوبة وهو يقول " :برافو لعيشوشة ..برافو للحنينة "..ويشق ساحة الحوش بين الصبية والبنات والنساء في سعادة ال حدود لها بما عنفه ويحمله في ديهي.. وفي زاوية أخرى من الحوش ..تعالى الهاتف وارتفع التصفيق ،بين منشط ومهرج ومنتش ومعربد حول (علي الغندور -الذي شمر عن ساقيه ،وكب شاشيته إلى األمام وهو يرقص بالبارودة في انتشاء وسعادة: 'يا أمه لسمر دوني... محبس قرنفل في جنان الرومي.. عالش يا زماني عالش.... و -صويلح -يحمل طبق الشاي بيد واحدة ،متمايال به دون ان يتدرحرج من فوق أصابعه ،ويتفقد الحاضرين واحدا واحدا ثم يعود بالكؤوس ليواصل مهمته ،ومشموم الياسمين على أذنه تفوح منه الروائح العطرة ،فتخطفه منه – شكرية -وتشمه ثم ترشقه بين نهديها المكورين الصلبين وهي في رقصتها تنط هنا وهناك وجمع من الشبان يرددون بأصوات مبحوحة ،ركيكة : "يا اللي رشقت المشموم يا دايخة كي جاك النوم"... أما صبرة فهي تدور كالنحلة ،محركة صدرها في خفة ورشاقة ،ثم تحوم حول صويلح مائلة ،مسترخية لتنهب شاشيته وتضعها على رأسها في أبهة وكبرياء ..واذا بكل العيون تتجه نحوها ،وتمتد األعناق الستراق بعض المشاهد المثيرة اله اززة وكلهم يعبرون عن إعجابهم بحسنها وقدها المليح ووجهها الفتان...
18
– ماي 5102 وتتعالى الزغاريد من كل صوب ،مولولة ،صائتة ،تتناغم أصداؤها فوق الجدران وفي سماء الحوش ...و -عمي العكرمي -يكمل في –الكروسة -وهو يتبقع تحت األضواء المتحركة ،ويمرر ذراعه على شاربيه لمسحهما ثم يلقي بالقارورة الفارغة، ويتعمد على يديه ليقف بصعوبة ويتوجه إلى الجمع مترنحا ،متهالكا ،مخلع القميص.. باحثا عن المطبخ من جديد... مرت سنوات بفصولها وأحالمها ..واختفت عصافير بئر عثمان ..رحلت – الشهلة -مع –سي المخلوفي -إلى – بنزرت ،وتالشت أخبارها ...وهاجرت –صبرة- دون عودة ،أما –شكرية -فقد غادرها الزمن بوفاة زوجها الذي لم تنجب منه وبقيت في القرية تحلم بفتى بئر عثمان ،لعله يعود إليها من جديد فترفرف معه فوق ذلك المكان الذي عرف أول قصة حب ،وأشهي قبلة تذوقتها في حياتها ..هل ما زال –لزهر- يتذكرها ...هل يحن إلى البئر وحانوت -صويلح -واألحواش والى معابر القرية... ربما ...ال تدري هل يتحقق هذا الحلم ..كانت تسير في عجالة تشد ثيابها المتطايرة من قوة الرياح ...حشرجت بصوت خفيض ..نظرت حولها ...وأطلقت نظرة مشعة إلى السماء ..ما زالت –شكرية -رخوة حتى أن ابيضاض لحمها بدا مشعا ،شفافا كأنه مضاء من الداخل بأنوار قد اخترقته وتسربت إليه ..لم يفلح الزمن في اإلطاحة بها او استراق جمالها كأنه يخبئ ما تبقى من حسنها في انتظار عودة – لزهر -الذي طالت عزبته في بلد البحيرات الناعسة الجميلة...
لإلستماع إلى راديو قمر تونس على الانترنت يرجى الدخول عبر الرابط التالي : http://www.radioline.co/listen-to--6409.html
19
– ماي 5102
ذكريات مع عالمة املغرب العربي أبو القاسم محمد كرو بقلم : تعرفت ألول مرة على األستاذ والباحث والمؤرخ
الكبير األول أبو القاسم محمد كرو خالل شهر أفريل من سنة 1962بمناسبة انتظام الدورة األولى لملتقى ابن منظور بمدينة قفصة وكان أول ملتقى تنظمه و ازرة الثقافة يحمل اسم علم من األعالم، ويجمع نخبة من الباحثين والدارسين حول محور
معين يختص به ذلك الملتقى.
وطبيعي جدا أن يدور المحور األول لملتقى ابن
منظور
صاحب
لسان
العرب
حول
اللغة
واشكالياتها إلى جانب مجموعة من االهتمامات األخرى منها التاريخي ومنها األدبي.
وكان من بين المشاركين في تلك الدورة االولى التي صدرت أعمالها فيما بعد في كتاب
عن دار المغرب العربي األساتذ محمد اليعالوي وعبداهلل كانون المغربي والشاعرة
الفلسطينية سلمى خضراء الجيوسي ومحمد حسين فنطر وغيرهم ..كنا نحن تالميذ نزاول دراستنا بقفصة وفي نفس الوقت أعضاء في النادي األدبي ابن منظور برئاسة
أستاذنا عبدالعزيز فاخت ووجهت لنا الدعوة لحضور الملتقى ومواكبته .وكانت أول مرة أتعرف فيها على األستاذ الجليل أبو القاسم محمد كرو ،الذي رحب بنا وأجلسنا في
الصف األول مع ضيوف الملتقى ..وحرصت على توطيد صلتي به منذ ذلك اليوم... 20
– ماي 5102 وأشهد أني غنمت من صحبته الكثير وله أفضال كثيرة علي ال بد أن أذكرها للتاريخ.
فقد رعاني أدبيا وكان يؤمن بموهبتي ويقدر نشاطي اإلعالمي والثقافي .وبقينا لسنوات
على اتصال عن بعد ،إلى أن أصبحت أشتغل في الصحافة فحرصت على زيارته
وكنت في كل مرة آتي فيها إلى العاصمة أحرص على حضور مجلسه بمقى أفريكا
بالعاصمة الذي كان يضم مجموعة من الكبار في مجاالت مختلفة كالصحافة والمحاماة والقضاء واألدب ...وغنمت منه كثي ار وأذكر أنه أخذني ذات مرة إلى زيارة مقر دار المغرب العربي بنهج شارل ديغول حيث توجد مكتبته الشهيرة وأهداني مجموعة من
كتبه ومن إصدارات سلسلة كتاب البعث التي أسسها في الخمسينات من القرن الماضي وصدرت منها عدة كتب لكتاب تونسيين وعرب مثل محمد مزالي وناجية ثامر وسليمان
مصطفى زبيس وأبو القاسم كرو وعبداهلل شريط وغيرهم... تأسيس ملتقى أبو بكر القمودي بسيدي بوزيد
حدثني في إحدى لقاءاتي معه وكان يشرف على إدارة الملتقيات الثقافية باللجنة الثقافية
الوطنية عن اعتازم الو ازرة تأسيس ملتقى ثقافي سنوي بسيدي بوزيد وأذكر أنه أبلى البالء الحسن في إقناع أهالي سيدي بوزيد ومسؤولياتها آنذاك بإطالق اسم أبو بكر القمودي على هذا الملتقى باعتباره أحد أبناء قمودة وكان يشتغل في دار الصرف في
العهد األغلبي.
وفعال نجح في ذلك وانتظم الملتقى ألول مرة سنة 1966وجمع نخبة من الباحثين
الكبار مثل المؤرخ مسعود الشابي وأبو القاسم كرو ومحمد البعالوي وغيرهم الذين ألقوا محاضرات قيمة في الملتقى ،وكانت محاضرة األستاذ أبو القاسم محمد كرو حول أعالم
سيدي بوزيد قديما وحديثا.
ومما أذكره انني أرسلت له عن طريق البريد نص محاضرة حول اإلعالم الفالحي ودوره
في التنمية فبرمجها ضمن محاضرات الملتقى .وكان ذلك في الدورة الثانية من هذا
الملتقى.
21
– ماي 5102
تأسيسه لمجلة الثقافة :
في إحدى لقاءاتي به حدثني عن تأسيسه لمجلة الثقافة في الستينات وهي مجلة ثقافية شهرية أصدر منها ستة أعداد منها عددان مزدوجان وتوقفت نتيجة صعوبات مادية،
كما ذكر لي أن صاحب مجلة الفكر محمد مزالي حاول عرقلة مسار هذه المجلة ألنها
في اعتقاده تضيق الخناق على مجلة الفكر ،فاضطر إلى قطع صدورها .وقد مكنني من األعداد الستة التي صدرت من المجلة وعندما انتجت برنامجا في إذاعة صفاقس
يعنى بالمجالت القديمة خصصت حلقة من هذا البرنامج للحديث عن مجلة الثقافة كما
نشرت نصها بكتابي "مدخل إلى تاريخ الثقافة في تونس – مجالت أفلت". ترشيحي ألكون ضمن وفود ثقافية في الخارج
من أفضال الراحل علي أن رشحني سنة 2112ألكون ضمن الوفد الثقافي التونسي
إلى احتفالية مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين لإلبداع الشعري بمرور ستين سنة
على رحيل الشابي التي انتظمت بمدينة فاس المغربية ،وأذكر أن تلك الزيارة فتحت لي
الباب ألكون باستمرار ضمن الوفود الثقافية المدعوة من قبل مؤسسة البابطين لحضور ندواتها الثقافية بعدة عواصم عربية مثل المنامة والجزائر والكويت وبيروت.
التاريخ السري للثقافة
اقتربت من الرجل كثي ار وجدتني في أكثر من مناسبة عن احتفاظه بأسرار خطيرة عن الواقع الثقافي في تونس وهو أحد الشهود الكبار عن حياتنا الثقافية من الخميسنات إلى
اليوم ،وقال لي أنه أعد كتابا بعنوان "التاريخ السري للثقافة" أوصى بنشره بعد وفاته. حارس الذاكرة الثقافية
أذكر أني كتبت عنه مقاال سنة 2118بعنوان "حارس الذاكرة الثقافية" نشرته بالملحق
الثقافي بجريدة الحرية فاتصل بي وشكرني وأضاف لي ببعض المعلومات ..وقد نشر هذا الملحق في موسوعة حصاد العمر التي صدرت في ستة أجزاء وحصد فيها عمره
كامال كما قال هو.
رحم اهلل األستاذ أبو القاسم محمد كرو فقد فقدنا برحيله أحد رجاالت تونس الكبار وأحد
أبرز وأشرس مثقفيها وكتابها وهو عالمة المغرب العربي بال منازع. 22
– ماي 5102
أعالم معاصرون األديب الراحل أبو القاسم محمد كرو ...في رحلة األدب والتأليف بقلم :أبو أسامة فقدت تونس يوم 8أفريل 2110أحد أعالمها وكتابها الكبار الباحث والمؤرخ واألديب أبو القاسم محمد كرو ،الذي انتقل إلى رحمة اهلل عن سن تناهز الواحدة والسبعين عاما. ويعد األديب الراحل أبو القاسم محمد كرو ،من أغزر كتاب تونس والمغرب العربي تأليفا وانتاجا واصدا ار للكتب ،فقد فاق عدد كتبه المنشورة المائة كتاب في أغراض ثقافية مختلفة ،تجمع بين األدب كتابة ونقدا والتاريخ تحقيقا وتأليفا والعمل الموسوعي والرسائل وتراجم اإلعالم والسير وله في كل هذه األلوان تآليف عديدة ومصنفات منشورة مشهورة. ولد األستاذ األديب الراحل أبو القاسم محمد كرو بمدينة قفصة سنة 1928وهو أحد أعالمها الكبار وأبنائها البارزين وهو الذي كتب عنها وعن أعالمها مثل التيفاشي القفصي وابن منظور وغيرهما مئات الدراسات ...وأسس األستاذ أبو القاسم محمد كرو بمدينة قفصة سنة 1981جمعية شباب ابن منظور القفصي التي كانت تضم خيرة من شباب قفصة في ذلك الوقت وكانت لها نشاطات متنوعة في األدب والفن والمسرح والقاء المحاضرات وكان من العناصر البارزة لهذه الجمعية المرحوم الحسين بوزيان.
23
– ماي 5102 رحلته إلى الشرق في سنة 1984هاجر أبو القاسم محمد كرو إلى الشرق وكان يعتزم المشاركة في الجهاد من أجل تحرير فلسطين وذلك عبر ليبيا ب ار ولكن فحول رحلته إلى لم يكتب لهذه الرحلة أن ّ تتم ّ مصر والتحق هناك بمكتب المغرب العربي حيث تعرف على المرحوم الحبيب ثامر الذي وجهه لإللتحاق بالكلية العسكرية ببغداد في العراق. وبعد عام من الدراسة التحق بدار المعلمين العليا حيث زامل عددا من أعالم األدب والشعر مثل عبدالوهاب البياتي ونازك المالئكة. وكان لألستاذ أبو القاسم محمد كرو في دار المعلمين العليا ببغداد نشاط ثقافي غزير فهو يلقي المحاضرات ويساهم في األمسيات الشعرية والندوات األدبية وحصل من هذه الدار على اإلجازة في اللغة واآلداب العربية ليعود إلى تونس ويحظى باستقبال ثقافي كبير من قبل رابطة األدب الجديد في بداية الخمسينات من القرن الماضي. صداقته لعدد كبير من أدباء المشرق والمغرب ال يوجد كاتب في تونس له من العالقات مع األدباء والكتاب في المشرق والمغرب مثل األستاذ أبو القاسم محمد كرو وصداقاته لهؤالء األدباء يستفيد منها هو كما يستفيد منها الطرف الثاني وله مئات ألن الرسائل المتبادلة بينه وبين هؤالء األدباء والكتاب ،وقد نشر بعضها في موسوعة :حصاد العمر ،ونجد رسائل ألدباء كبار من الشرق والمغرب مثل مخائيل نعيمة وشوقي بغدادي ،وشوقي ضيف ونازك المالئكة ووديع فلسطين 24
– ماي 5102 وسلمى خضراء الجيوسي وعبداهلل كانون ،وعبداهلل العروي ،وعيسى الناعوري وعبدالوهاب البياتي ونازك المالئكة وغيرهم... كتابته للشعر الحر ال يعرف الكثيرون أن أبا القاسم محمد كرو كتب الشعر في بواكير حياته ،وكتب القصيدة الحرة أو المرسلة ،ربما حتى قبل نازك المالئكة التي كانت زميلته في دار المعلمين العليا ببغداد ،وقد كتب األستاذ أبو القاسم محمد كرو مجموعة من األشعار والقصائد التي نشرها في كتاب صغير الحجم صدر ضمن سلسلة كتاب البعث التي أسسها بعنوان "كفاح" و "حب" وكان ذلك سنة .1904وقد خصه الكاتب الكبير مخائيل نعيمة برسالة تضمنت شهادته حول هذه األشعار حيث قال في رسالته مخاطبا إياه "لقد وجدتك في بعض أشعارك تحاكي ألسلوب جبران خليل جبران ولكن لك أسلوبك المتميز في كل ما كتبت". تأسيسه لسلسلة كتاب البعث عاد األستاذ أبو القاسم محمد كرو من بغداد متشبعا بثقافة شرقية عميقة ،وخاصة منها الثقافة العراقية ،عاد متحر ار من أفكار عديدة جعلته في كل مسيرته مثاال لإلقدام والشجاعة ،وابداء الرأي دون خوف أو وجل ورغم اشتغال األستاذ أبو القاسم محمد كرو إثر عودته من الشرق أستاذا للغة العربية بالمعاهد الثانوية فإن توجهه السياسي حرمه من الوظيف الرسمي في الحكومة وكان يشتغل في و ازرة الثقافة بصفة متعاقد. أسس في أواخر الخمسينيات سلسلة كتاب البعث الشهيرة ،وهي سلسلة تمتاز بطرافتها وثمنها الزهيد وتنوع محتواها من كتاب إلى آخر .ولكن يبدو أن البعض لم يعجبه نجاح السلسلة فضربها وتوقفت عن الصدور وقد نشر في هذه السلسلة أبرز الكتاب مثل محمد مزالي كتابه عن الديمقراطية وسليمان مصطفى زبيس وناجية ثامر وعبداهلل شريط وأبو القاسم محمد كرو .وبعد أن توقفت سلسلة كتاب البعث أصدر األستاذ أبو القاسم 25
– ماي 5102 محمد كرو مجلة الثقافة سنة 1911وأصدر منها ستة أعداد منها عدد مزدوج ،أي عددان في عدد واحد .ويقال أن أطرافا عديدة حاربت هذه المجلة أيضا فتوقفت عن الصدور. تأسيسه لدار المغرب العربي دارر للنشر وهي دار المغرب العربي التي أصدرت ا أسس األستاذ أبو القاسم محمد كرو العديد من الكتب والتآليف في مجاالت األدب والتاريخ والسياسة ،وحتى الفن ضمن سلسلة نجوم الفن التي أسسها أيضا وأصدرت كتبا عن الفنانة علية والفنان علي
الرياحي .وقد أهداني الراحل مجموعة من هذه الكتب ومنها الكتاب الخاص لعلي الرياحي ،ومن إصدارات دار المغرب العربي سلسلة كتب ملتقيات ابن منظور بقفصة
وسلسلة كتب عن الشابي وموسوعة الشابي التي صدرت في ستة أجزاء وأصدرتها
مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين لإلبداع الشعري بالكويت.
تأسيسه لجمعيات ثقافية
مثلما أسلفنا القول ،فإن األديب الراحل أبو القاسم محمد كرو يعتبر من رواد العمل
الجمعياتي في تونس من خالل تأسيسه لجمعية ابن منظور القفصي سنة ،1981وهو عضو مؤسس لعديد الجمعيات الثقافية ومنها خاصة اتحاد الكتاب التونسيين الذي يعد
الراحل احد مؤسسيه الب ارزين مع المرحوم محمد مزالي والشاذلي القليبي والمرحوم محمد
العروسي المطوي ...وقد أطلعني شخصيا على وثيقة التأسيس ومحضر الجلسة. عالقة أبو القاسم محمد كرو بأبي القاسم الشابي
يكون الحديث عن األديب أبو القاسم محمد كرو منقوصا ومبتو ار إذا لم نتحدث عن
عالقته بأبي القاسم الشابي ،شاعر تونس الخالد ،وهو الذي قال عنه "إنه الشاعر التونسي الوحيد الذي أحببته وأعجبت بشعره ونذرت حياتي لكي أعرف به وبشعره في
المشرق والمغرب".
وفعال فإن أبا القاسم محمد كرو يعد أبرز باحث تونسي على االطالق عرفبالشابي وبشعره وأصدر عنه عشرات الكتب ،تأليفا وتجميعا وبحثا وتدقيقا ،أي أن في هذه
الكتب ما هو من تأليفه وما هو من جمعه ومراجعته وما هو من تحقيقه وتدقيقه. 26
– ماي 5102 وقد توجت هذا العالقة مع شاعر إرادة الحياة بإصدار موسوعة الشابي العظيمة في
ستة أجزاء عن مؤسسة البابطين لإلبداع الشعري وهي أول موسوعة تتناول الشابي من
جوانب عديدة شع ار وبحثا وتدقيقا وهي تضم أيضا اليوم صور طريفة ونادرة ألول مرة عن كاتب عربي وتونسي ولألستاذ أبو القاسم محمد كرو الفضل في إصدار هذه
الموسوعة العظيمة. كتبه ومؤلفاته
أصدر األستاذ أبو القاسم محمد كرو ما يزيد عن المائة كتاب بدءا بكتابه األول ماي
شهر الدماء والدموع في المغرب العربي وكتابه "كفاح" و"حب" الذي يضم أشعاره وكتاب "هاتف للجمهورية" ولعل أشهر هذه الكتب وأوفاها هو موسوعة حصاد القمر
التي صدرت في ستة أجزاء .كما أصدر الراحل كتبا مرجعية عن زيارة طه حسين إلى
تونس وعالقته بالمغرب العربي والشاعر عبدالوهاب البياتي وابن خلدون وكتاب تراجم
ويعد األستاذ الراحل أبو القاسم محمد كرو ،من رواد قصيرة وعديد التآليف األخرى ّ العمل الثق افي في تونس وهو مؤسس سلسلة الملتقيات الثقافية الجهوية بو ازرة الثقافة وأشرف عليها لسنوات ،كما أنه يعد أكبر كتاب تونس وأدبائها توثيقا للذاكرة الثقافية
على امتداد أكثر من نصف قرن ،وهو أيضا عضو بعديد المجامع اللغوية وعضو
مجلس أمناء مؤسسة البابطين لإلبداع الشعري بالكويت وكان مدي ار لمكتبها بتونس .وقد حصل في حياته على عديد الجوائز التونسية والعربية ومنها جائزة الدولة التقديرية في
اآلداب ،والصنف األول من الوسام الثقافي وجائزة المغرب العربي .كما أقامت له مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين لإلبداع الشعري احتفالية تكريمية خاصة
وأصدرت له كتابا تكريميا ضم شهادات وصور .ولقد فقدت تونس برحيله أحد أدبائها
وكتابها الكبار ومؤرخيها البارزين.
27
– ماي 5102
بحوث ودراسات إعـــــــــــــــالم بقلم :محمود بن صالح
وظيفة الصحافة بين اإلعالم واإلبداع لست أزعم أنني سأضيف جديدا ،إلى كل ما يعرفه كل واحد في هذا الموضوع الحساس ونعني به العالقة القائمة بين اإلعالم واالبداع في وظائف وسائل اإلعالم. ذلك أن الدراسات في هذا الباب ضنينة وليست متوفرة دائما بالقدر الكافي خاصة على المستوى العربي ،وقد يكون ذلك راجعا إلى عدة عوامل ،أهمها صعوبة البحث في هذا الباب لندرة المراجع العربية باألساس. ذلك أن التجربة العربية في هذا المحور ما زالت غضة بالمقارنة مع مثيالتها في البلدان الغربية التي يبقى لها قصب الريادة في هذا المحور.
28
– ماي 5102 ولكن المتأمل في التجربة التونسية تحديدا في موضوع االعالم واالبداع في وظائف وسائل االعالم ،يقف على خصوصية هذه التجربة وطرافتها وتميزها واكاد أقول على نضجها المبكر بالمقارنة مع التجارب العربية األخرى.
لقد صدرت أول صحيفة تونسية في 22جويلية 1411وهي جريدة "الرائد التونسي" وتصدر اآلن بعنوان الرائد الرسمي للجمهورية التونسية. وعرفت بالدنا نهضة صحفية ممتازة من سنة 1411إلى سنة ،1901حيث ظهر خالل هذه الفترة ما ال يقل عن 214عناوين باللغة العربية إلى جانب ما صدر من دوريات باللغة الفرنسية ال يقل عددها عن 101عنوانا. صحافة أدبية وثقافية وقد تنوعت أغراض واهتمامات هذه الدوريات بين ثقافية وفنية واجتماعية ورياضية واقتصادية وسياسية ونقابية ،ولعلي أذكر من عناوين هذه الصحف :مجلة "صالح
المجتمع" وهي مجلة فكاهية شهرية أصدرها محمود بن الحاج محمد المهيري من أفريل 1924إلى 1929ومجلة "الكشكول" وهي جريدة أدبية فكاهية سياسية أسبوعية 29
– ماي 5102 صدرت في 19أكتوبر 1926بصفاقس وأصدرها حسن العيادي ،وجريدة "الفلم الحر" وهي جريدة أسبوعية تتكلم في كل شيء كما جاء في عنوانها وصدرت في 11ماي
1926وتواصل صدورها إلى 22نوفمبر 1924كما أذكر "الراديو والسينما" التي
أسسها وأصدرها محي الدين بن عيسى من 21جوان 1924إلى 1929و"القيروان" وهي جريدة إصالحية ادبية فكاهية أسبوعية تصدر بالقيروان وصدرت في 16أوت
1921إلى 24ديسمبر 1928وأدارها عمر الفجرة ثم الجيالني الحمار و"البدروهي"
لصاحبها محمد العربي المشيرقي.
لقد لفت نظري وأنا أراجع قائمة هذه العناوين الصاق صفة أدبية بجل العناوين التي
صدرت خالل هذه الفترة.
وهو ما يؤكد أن هذه الصحف والمجالت قامت بدور كبير ال يمكن إنكاره في تنشيط
الساحة الفكرية والثقافية واألدبية ببالدنا على امتداد ما يزيد عن نصف قرن وساهمت
في بروز أقالم عديدة وكانت وراء عطاءاتها.
فلقد أحصيت صفة "أدبية" التي كان أصحاب وباعثو هذه الصحف يحرصون على
إضافتها إلى مجالتهم وصحفهم التي أصدروها في ما ال يقل عن 121عنوانا ،أما إذا
أقحمنا في هذا االحصاء الصحافة الضاحكة أو الصحافة الفكاهية ،على أساس أن الفكاهة جنس من أجناس األدب ...فإننا نصل إلى ما ال يقل عن مائتي عنوان وأكثر، ولعلي أبادر إلى القول هنا أن الصحافة الفكاهية أو الصحافة الهزلية التي ال نكاد نعثر
لها على أثر االن في بالدنا كانت مزدهرة ازدها ار كبي ار في فترة الثالثينات واالربعينات
وحتى الخمسينات والى حد بداية الستينات ومن الصحف الهزلية والتي اختصت في
األدب الفكاهي في بالدنا ،نذكر "الرقيب" وقد صدرت في 21أكتوبر 1984وجاء في تعريفها أنها "جريدة أسبوعية فكاهية انتقادية" ،و"بالمكشوف" اتي صدرت في 14مارس
1901لصاحبا الطاهر الزقناني و "المنتقد" التي صدرت في 11ديسمبر 1924
و"صبرة" التي جاء في تعريفها انها "جريدة أسبوعية تصدر مازحة عابثة" أسسها الطاهر زروق وصدر عددها األول في 11مارس 1926و"األنيس" وهي جريدة فكاهية انتقادية أسبوعية صدرت في صفاقس لمحمد أحمد شبشوب في 21مارس 30
– ماي 5102 1926ثم توالها الحبيب القالل من بعده و"االنشراح" وهي جريدة أدبية فكاهية انتقادية نصف شهرية صدرت في 1فيفري 1926لعبد الرحمان عطية ويتضح من خالل كل هذه العناوين أن الصحافة األدبية والثقافية بالمعنى الشامل للثقافة قد عرفت ازدها ار كب ار
خالل تلك الفترة.
اإلبالغ واإلعالم والتثقيف ونصل بعد هذا إلى السؤال المركزي ،أي وظيفة اضطلعت بها هذه الصحف على كثرتها خالل هذه الفترة ؟
يقول الدكتور محمد حمدان وهو أستاذ محاصر بمعهد الصحافة وعلوم االخبار في
كتابه "أعالم اإلعالم" نشر مركز التوثيق القومي " :الصحافة كانت إلى نهاية القرن الماضي وسيلة تبليغ وتعبير دخيلة على المجتمع التونسي" ويضيف "أن سلطة الحماية
وضعت عراقيل جمة أمام الصحافة بالنسبة للتونسيين ولكن –والكالم دائما للدكتور محمد حمادن -الدوافع الشخصية والجماعية لإلعالميين التونسيين كانت أقوى من تلك
العراقيل إذن نفهم من هذا أن الوظيفة األساسية لميالد وبعث هذه الصحف كانت التصدي لالستعمار والدفاع عن حقوق التونسيين والتعبير عن رغبتهم في الحرية
واالنعتاق وتحقيق االستقالل.
وعلى هذا األساس حملت هذه الصحف توق التونسيين جميعا إلى حياة الحرية واالنعتاق ونقلت أحاسيسهم الصادقة من أجل وطن مستقل ودافعت عن حقوقهم ،مما
عرض هذه الصحف دوما إلى المصادرة وسحب رخص االتياز من أصحابها.
ولعل الصاق صفة أدبية في التعريف ببعض الصحف لم يكن المقصود منه وبه تحديدا
خدمة األدب واألدباء وانما كان تست ار على االتجاه السياسي للمجلة وتضليال لعين الرقيب التي كانت قاسية مع الصحافة ،ويتضح جليا أن هذه الصحف والدوريات
جميعها كانت لها وظيفة أساسية مهما كان االتجاه الذي ارتضته لنفسها يتمثل في االبالغ واالعالم عن طريق أساليب وأشكال مختلفة مثل الخبر المجرد والرواية والقصة
المسلسلة والرسم الكاريكاتوري والنكتة الالذعة.
31
– ماي 5102 ال أعتقد انه من السهل فصل المهمة والرسالة اإلعالمية عن الرسالة الثقافية والتثقيفية
التي اضطلعت بها هذه الصحف والدوريات في وقت مبكر من تاريخ البالد وأعود مجددا إلى الدكتور محمد حمادن ألسوق من كتابه "اعالم االعالم" هذه الفقرة البالغة
الداللة "إذا كانت الصحافة عنصر إشهار بهذه االقالم ويقصد االقالم التي ساهمت في
بعث الصحف وتحريرها ،فإن وجود الصحافة التونسية في حد ذاتها وتطورها ارتبطا إلى حد بعيد بالشخصيات االعالمية التي كانت وراءها وضحت بأموالها في سبيل بعث
هذه الصحف وتكبدت المشاق واالضطهاد من أجل تبليغ الخبر واالقناع بالرأي من
خالل الصحافة".
إن هذا الرأي يدعم ما ذهبنا إليه ويكشف ثالث حقائق أساسية ال يمكن التغاضي عنها
بالنسبة كل راصد لتطور النشاط الصحفي في بالدنا.
)1أن هذه النهضة الصحفية قامت من منطلق مبادرات فردية ولم يكن وراءها ما
يدعمها ماديا وأدبيا سوى الحس الصحفي والتعلق بحب المهنة الذي كان يسكن
أصحابها.
)2أن مستوى هذه الصحف األدبي على األقل ارتبط ارتباطا وثيقا بمستوى أصحابها
وكان تطور هذه الصحف وضمان استمرار صدورها يخضع إلى حد كبير إلى القدرة
المادية واألدبية لباعث المشروع الصحفي.
)2أن بعث هذه الصحف قام الجل تحقيق غرض أساسي تمثل في تبليغ الخبر واالقناع بالرأي من خالل الصحافة.
الصحافة واالبداع
لست أزعم هنا تقديم بحث في تطور النشاط الصحفي في بالدنا ،فليس هذا موضوعنا
وان كان مهما تناول هذا الجانب وتناوله بالدرس ولكن ما يهمنا اكثر هو التوقف عند جانب أساسي في تطور الحركة الصحافية ببالدنا منذ ميالدها إلى اليوم وهو إلى حد
ساهمت هذه الحركة الصحافية في دعم النشاط االبداعي األدبي بالخصوص.
32
– ماي 5102 إن مصطلح االبداع هو مصطلح دخيل او جديد في دنيا األدب ولم يكن معروفا في
السابق ،وعلى رأي الصادق شرف (أبو وجدان) صاحب مجلة "االخالء" كل بدعة ضاللة إال بدعة األدب فهي إضافة واثراء له".
وبهذا المفهوم أعيد السؤال إلى أي حد استطاعت الصحافة التونسية قديما وحديثا أن تسند االبداع وتشد من أزر المبدعين وتحقق بالتالي اإلضافة االبداعية المنشودة في
كافة المجاالت.
لقد اضطلعت الصحافة التونسية منذ نشأتها بدور فكري أساسي كان السند القوي لما
عرفته بالدنا من نهضة ثقافية رائدة كانت نابعة أساسا من تطوع أصحابها ،وفي هذا
يقول العالمة محمد الفاضل ابن عاشور في كتابه الشهير "الحركة األدبية والفكرية في
تونس" :عن اإلذاعة تولدت حياة النشر األدبي بعد الحرب العالمية الثانية بصدور مجلة "الثريا" في ذي الحجة 1212ه وديسمبر 1982م أصدرها الكاتب العام
لإلذاعات العربية األستاذ نورالدين بن محمود وهو من األدباء البارزين ،المتصلين بمختلف فروع حياة الفكر واألدب والفن وجعل مادتها مما يلقى في اإلذاعة من
الدراسات األدبية والتاريخية وقطع الشعر والنشر ،وانتشرت هذه المجلة في تونس
وعموم المغرب العربي انتشا ار واسعا ووصلت إلى الشرق ،فاكدت الصالت األدبية بين تونس وبين الكثير من مراكز االنتاج العلمي واألدبي".
ويضيف " :لقد انتعشت برواج مجلة "الثريا" حركة النشر األدبي في البالد التونسية فاستأنفت (المجلة الزيتونية) صدورها وأحيت نخبة من األساتذة مجلة "المباحث" التي كان أصد ار ثم أبطلها األستاذ محمد عبدالخالق البشروش فكانت سجال ألرقى فنون النشر وامتازت بإشراف نابع من أساتذة اللغة العربية المتخرجين من الجامعة الفرنسية وهو األستاذ محمود المسعدي لمنهج كتابته التي سارت على طريقة من النثر الفني هي
طريقة القصة الفلسفية الرمزية ،وبدراسات هامة في األدب والتاريخ ،من أقالم بقية أسرة المجلة ومنها مقاالت كثيرة تكتب بالفرنسية ثم تعرب".
وفي نفس هذه الفترة تقريبا ظهرت في البالد جريدة أخرى لعبت دو ار هاما في تنشيط
الحركة األدبية وجمع شمل الكتاب واألدباء وهي جريدة "النهضة" وكذلك جريدة "الزهرة" 33
– ماي 5102 وقد كانت الصحيفتان تعنيان باألدب ونشره عناية ساهمت إلى حد كبير في ازدهار
الحركة األدبية والفكرية في تلك الفترة.
من ذلك ان جريدة "النهضة" أصدرت في جانفي 1988عددا أسبوعيا خاصا باألدب والتاريخ واألخبار العلمية بإسم النهضة األدبية يشرف عليها الطيب بن عيسى،
وخصصت "الزهرة" ركنا أسبوعيا لذلك.
وفي هذه األثناء كانت مجلة "الثريا" تسهم بجهد بارز في تنشيط حركة النشر األدبي عن طريق أعدادها العادية وأعدادها الممتازة ،ويذكر األستاذ محمد الفاضل ابن عاشور
أن هذه المجلة أصدرت عددا ممتا از خاصا بالحج والبالد العربية كما أصدرت عددا
ممتا از حافال مخصصا ألبي العالء المعري وقد أسهمت هذه الحركة الصحفية مع ما
كانت تضطلع به اإلذاعة العربية في ذلك الوقت من دور تثقيفي واعالمي كبر في
الرفع من مستوى الحركة األدبية وتنشيطها فاكتمل النشر من حيث صوغه ومتانة
ديباجته وزال عن تحرير الصحف شيء كثير مما كان يعتريه من مظاهر الضعف والسقم واالبتذال في حد الفصاحة وأشرق بسالمة التركيب.
إن من يطلع على تاريخ الصحافة في تلك الفترة الزاهية يشهد لها دون تردد بتفوقها في
اإلسهام الفاعل في ازدهار حركة النشر واالبداع الفكري وخاصة إتاحة الفرصة ألصوات جديدة وأقالم شابة للبروز لما كان يحدوها من طموح وتجاوز المألوف.
في هذه الظروف المخالفة تماما للمألوف ابتدأ الناس يسمعون نغمات متحررة تتصل بالمبادئ التي كانت حمالت الصحف قضت عليها في الدور الماضي ونسبتها إلى
اإللحاد ،ففي 6جمادى الثانية 1284نوفمبر 1929قدم النادي األدبي لقدماء
الصادقية محاضرة من المحاضرات التي ألقيت بالخلدونية ،ألقاها الشاب أبو القاسم الشابي ،وكان موضوع هذه المحاضرة "الخيال الشعري عن العرب" وأثارت في النوادي
األدبية ضجة كبرى وانقسم فيها الناس بين مادح وقادح وتتبع الكتاب بمقاالتهم آراء
المحاضر واتجاهاته ،وهاجمته الصحف مثل جريدة "النديم" باالستخفاف والتهكم والتشهير وفظيع االتهام ،وانتقد كاتبة في مجلة "العالم األدبي" محي الدين القليبي
بإنكار قوي .ولعمري أن هذا هو حال المبدعين دائما ،في كل عصر ومصر ،ال 34
– ماي 5102 يقابلون بالترحاب ألنهم يحققون اإلضافة ويخرجون عن السائد ،فهل يمكن بهذا المفهوم اعتبار الشابي في طليعة الجيل األول من المبدعين في تونس على أساس أن األدب
إبداع أو ال يكون.
وقد سعت هذه الصحف جميعها إلى ربط الصلة وتوثيقها بالكتاب واألدباء وخلقت بينهم
تنافسا كبي ار ووطدت صالت التعاون والتعارف بينهم.
وكان الشابي مثال في طليعة من استفاد من هذه الحركة الصحفية حيث كانت هذه
المجالت تنشر أشعاره وخاصة مجلة "العالم األدبي" و "الزمان" وقد سجل لنا هذه الحيرة التي كانت تنتابه في التفضيل بين الصحف لنشر انتاجه في الرسالة التاسعة عشر
لصديقه محمد الحليوي حيث نجده يقول حرفيا " :وصلتني رسالتك أمس وأنا أكتب آخر
كلمة في المقال وما اخرني في كتابته إلى هذا الحد إال شواغل واجتماعات ما كانت في الحسابات ،ثم حيرتني بين االقدام على النقد وااللجام عنه ،ولهذا المقبل إن شاء اهلل ولهذا فاألفضل أن أحمله بنفسي حتى أقف على تصحيحه ،فإن مصيبة االخطاء
المطبعية شنيعة في هذه البالد ،ال أدري إلى اآلن هل أنشره "بالزمان" أو ب ـ"العالم
األدبي" وحينما أذهب إلى الحاضرة أقرر أحد الرأيين".
ولم تتخلف الصحافة عن القيام بهذه الوظيفة األساسية في تأطير الحركة األدبية
والفكرية ببالدنا في السابق كما في الحاضر ،بل إن هذه الوظيفة برزت بأشكال جديدة
في وقتنا الحاضر حتى أن عديد الصحف والمجالت بادرت إلى تأسيس وتبني مهرجانات تجمع شمل األدباء والكتاب وخصوصا الكتاب الشبان على غرار بادرة مجلة
"مرآة الوسط" بسيدي بوزيد و"الصدى" بتونس ويلعب اليوم هذان المهرجانان دو ار هاما
في تأطير الحركة األدبية الشابة وأصبحا يشكالن فضائين مهمين لرصد الحركة األدبية لألقالم الشابة في بالدنا ،كما ال يمكن أن نغفل عن ذكر الدور المهم الذي اضطلعت
به مجلة "االخالء" في األخذ بيد المبدعين الشبان ولصاحبها ولها يعود الفضل في نشر مجموعات قصصية وشعرية وروايات لكتاب شبان لم يكن ممكنا لهم أن ينشروا كتبهم عن طريق القنوات المألوفة على غرار الكتاب الكبار ،كما يعود لهذه المجلة الفضل في
تأسيس أول مهرجان االخالء لشعر الحديث بالجريد ومن نافلة القول هنا ،أن "الملحق 35
– ماي 5102 الثقافي" لدريجة "العمل" سابقا و"الملحق الثقافي" لجريدة "الحرية" إلى جانب الصفحات
األدبية والثقافية بجريدة "الصباح" وكذلك مجلة "قصص" التي يصدرها نادي القصة بالوردية كانت وراء ازدهار الحركة االبداعية وبروز األقالم الجديدة على امتداد فترة
الثالثين سنة األخيرة ،فشكلت بالتالي هذه المنابر الصحفية فضاءات أدبية جديدة مر
من خاللها وعبرها ريح التجديد والدماء الجديدة في شرايين األدب التونسي.
وال تزال هذه الرسالة المتواصلة إلى اآلن في تناغم محمود بين األدب والصحافة .إذ ال
تكاد تخلو صحيفة واحدة اليوم أو مجلة من تخصيص حيز هام لنشر االبداعات
األدبية والتعريف باألصوات األدبية الجديدة إلى جانب شيوخ األدب ورواده ،فأنت تفتح أي صحيفة أو مجلة اليوم فتشدك مالمح هذه الحركة األدبية الجديدة التي بدأت تتشكل
على صفحات الصحف والمجالت مبشرة بميالد تيارات أدبية جديدة.
واني ال أجد غرابة في هذا بل أعتبره امتداد طبيعيا لوظيفة األدب في المجتمع ،أو لم
تكن القصيدة هي وسيلة االعالم األولى التي ذاعت بين الناس وكان الشاعر هو الصحفي الذي ينقل أخبار القبيلة في قصائده قبل أن يعرف الناس الصحيفة والمجلة
والمذياع والتلفزة والسينما والمعارض وغيرها من وسائل االعالم؟
لمراسلة مرآة الوسط
يرجى الكتابة على العنوان التالي :
مجلة مرآة الوسط – ص ب عدد 84البريد المركزي سيدي بوزيد 9111
الفاكس 61.121.292 :
هاتف اإلدارة 61.126.111 :
اإليمايل :
redaction.gamar@gmail.com
36
م/ب/ص
– ماي 5102
من أعالم منطقة قمودة الفقيه العالم الشيخ مصطفى القمودي بقلم :محمد الصادق عبداللطيف ينحدر هذا العلم من بالد قمدودة (سيدي بوزيد حاليا) حيث ولد وتربى تربية محافظة في وسط ريفي فالحي يعيش على منتوج األرض وحليب البقر والماعز ،في بلده حفظ القرآن الكريم بكتاب القرية على عادة جيله وحين استكمل الحفظ الجيد بالتكرار المتواصل. تاقت نفسه لتلقي العلوم في الزيتونة كي يصبح عالما فقيها ومدرسا وهو ما كان قد أرسله والده مع المسافرين من تجار الحبوب والحيوانات والصوف فانخرط في سلك طلبة الجامع األعظم الزيتونة العامرة كمحطة للعلماء ولرجال الدين، بعد الحرب الكونية األولى انتظم في سلك الطلبة. وقد تلقى علوم الشريعة وأصول الدين على أئمة
المذهبين الحنفي والمالكي ،الذين كان من أبرزهم
الشيوخ :
* محمد الطاهر بن عاشور * /محمد عبد العزيز جعيط * /محمد بن يوسف * /
محمد النخيلي * /عمر بم الشيخ * /الصادق النيفر / 37
– ماي 5102 * معوية التميمي * /مصطفى رضوان */إسماعيل الصفايحي * محمد الززفغواني * /بلحسن التجار * /محمد الدامرجي
* إبراهيم المارغني * /محمد الصادق الشطي */الطيب سيالة
نبوغه
أظهر من النجاعة ما هيأه لنيل : * شهادة التطويع في العلوم
* شهادة العالمية في أصول الدين
* الفوز في مناظرة المدرسين من الطبقة الثانية
اشتغاله بالتدريس
هنا انفتحت أمامه نافذة مشرعة للقيام بدور تربوي هادف حين كلف بالتدريس وقد عرف
في دروسه بالجدية والكفاءة والعطف على تالميذه وتشجيعهم على الحصول على
العلوم حيث كان يمدهم بالمراجع والكتب تسهيال عليهم وأخذا بأيديهم.
كان شغوفا بعلوم الشريعة من فقه وفرائض وأصول مع توسع في بعض المكمالت
ومنها تدريس السيرة النبوية وصطلح الحديث.
لقد وجد في تدريس مادة الحديث النبوي الشريف الكثير من الغموض في مستوى
المراجع والتفهم فاستغل تكليفه بهذه المادة فعكف على مطالعة كتب التفسير والقراءات والتاريخ والموطأ ومراجعة ما تلقاه على الشيخ بن عاشور حول الموطأ اإلمام مالك
ومسند الحديث والتفرقة بين أنواعه ومرد أصوله كالضعيف والمهلهل والمبهم والمدلس
فعكف يدون مقروءاته في سجالت واستخدم عقله وفكره حتى إذا استوى عوده وقوي ما كان يتطلع إليه عرض المدونات على شيوخه فاكبروا فيه هذه الروح العلمية الصادقة
وشجعوه على طبع ما قد اهتدى إليه فكان تأليفه (المنهج الحديث في مصطلح الحديث،
ط )1900 ،1فكان هذا اإلصدار خير معين لطلبة الزيتونة ولبعض شيوخه ألنه وفر لهم هذا الدليل حتى يكفيهم شر مراجعه المطوالت والحواشي والشروح والتعاليق.
38
– ماي 5102
كتاب مرجع
كتابه هذا طبع في آخر أيام الزيتونة ولم يستفد منه إال النزر القليل من طلبته ومن شيوخه الن المؤسسة الزيتونة وقع تعطيلها وتشريد المنتسبين لها ،على أن هذا التأليف
يبقى مرجعا ثريا ألئمة الخطباء اليوم لمعرفة سند الحديث وأهميته ما كان منه ضعيفا أو مدسوسا أو مقطوعا ،ويبقى الكتاب اليوم مرجعا لطلبة معهد الوعظ واإلرشاد ولطلبة معهدي الشريعة ومعهد أصول الدين حيث يجد دارسه فيه زاد ثريا بالمعلومات والحقائق
ما ييسر عملية االستفادة من محتواه.
أدركته وهو مدرس في جامع الزيتونة قبل االستقالل كان قصير القامة بدين الجسم مع سمرة حادة ونظرات ثاقبة وقد تميز بأنه كان ينشر خطبا ومواعظ في مجلة الثريا تحت
عنوان (صوت الواعظ) يظهر من خاللها سعة علمه ومعرفته الجيدة لمواطن الحاجة.
الموقع اإللكتروني لمجلة مرآة الوسط أون الين http//www.miraat-al-wassat.com أول مجلة ثقافية إلكترونية متابعة لألحداث الثقافيـة حوارات مع أهل الثقافة مواكبة للشأن التونسي والعربي مراسلون في العواصم العربية والغربية
املدير املؤسس ورئيس التحرير محمود الحرشاني نرح ــب بمشاركاتكــم عل ــى اإليمايل التال ـ ـ ـ ـ ـ ــي : hormahmoud@gmail.com Redaction.gamar@gmail.com 39
– ماي 5102
عل ـ ـ ــوم
بقلم :عبدالعزيز الشباب نسمع كي ار من يردد مقولة ،إننا كبشر نستخدم فقط عشرة في المائة من أدمغتنا ،وان النسبة المتبقية من الدماغ غير مستخدمة ،ويتمادى أصحاب هذا االدعاء بقولهم أن العباقرة والمبدعين كالعالم نيوتن والبرت اينشتاين وبور وغيرهم استخدموا خمسة عشر
في المائة من ادمغتهم ،ويدللون على صحة ذلك بمجموعة من الحكايات والبراهين التي ال يمكن أن تخضع إلى أي منطق علمي صحيح ،فما هو مدى صحة هذا االدعاء
وهل نحن البشر نستخدم %11فقط من أدمغتنا ؟
في الحقيقة إن خرافة ،%11يصعب التكهن في منشأها الحقيقي ،وقد يكون ذلك عائدا إلى بداية القرن التاسع عشر ،عندما دار جدل بين العلماء حول أي األماكن في الدماغ هي المسؤولة عن إنجاز وظائف الجسم المختلفة ،وأين تكمن الذاكرة والذكريات في
الدماغ ؟
وتدل الكثير من الدراسات التاريخية أنه ومنذ القرن الثامن عشر ،بدأ االهتمام فعليا
بدراسة وظائف العقل البشري ،وكان الجدل يتركز حول تساؤل جوهري مهم ،وهو هل الدماغ يعمل ككل ال يتجزأ ،ام أن هناك مناطق محددة لكل وظيفة من وظائف الجسم،
ثم تطور هذا النقاش عندما ظهر علم الفراسة الفرينولوجيا Phrenologyعلى يدي كل من (فرانز جوزيف جال) و (يوهان شبورتسهايم).
ويمكن القول أن العالم (ماري جين بيير فلورينس) هو اول من أسس نهجا علميا سليما لدراسة الدماغ البشري ،حيث توصل إلى أن لكل من قشرة المخ والمخيخ وجذع الدماغ 40
– ماي 5102 وظائف منفصلة ،ولكنها تعمل سويا بشكل موحد ،وقد دعم أقواله بمجموعة كبيرة من
التجارب على أدمغة الحمام ،حيث استأصل بعض أجزاء أدمغتها ودرس سلوكياتها وتصرفاتها ،ثم توالت بعد ذلك الدراسات واألبحاث والتجارب ،وتوصلت إلى نفس
النتيجة السابقة ،وهي أن الدماغ يعمل ككل ال يتج أز.
إن ما يلفت االنتباه ،هو أن العديد من العلماء والمفكرين قد تبنوا خرافة ،%11وأن
الكثير من وسائل اإلعالم والحكايات الشعبية روجت – بشكل عجيب -لهذه الخرافة،
دون وجود أي دليل علمي ،واألغرب من ذلك ،أن الكثير من الشركات روجت لمنتجاتها الغذائية والتعليمية وأدواتها الرياضية بحجة أن مثل هذه المنتجات تحفز جانبا
من الدماغ البشري غير المستخدم.
يمكننا القول أن خرافة %11ال يوجد أي دليل علمي او طبي يدعمها وأن مقولة (أن اإلنسان العادي يستدخم عشرة في المائة فقط من دماغه وأن العباقرة يستخدمون نسبة
اكبر تصل إلى %10من أدمغتهم) قوال خاطئا تماما ،والحقيقة الثابتة أن اإلنسان يستخدم %111من دماغه.
إن ما يثير التساؤالت في هذا االدعاء الباطل ،هو ما الطريقة التي تم االعتماد عليها
لتحديد نسبة %11فقط من الدماغ البشري على أنها فعالة ،وأن %91من الدماغ البشري غير مستغلة أبدا ،وهل يمكن استئصال نسبة %91من الدماغ البشري إذا
كانت غير مستغلة دون أن يؤثر ذلك على حياة ذلك اإلنسان.
إن التجارب والمشاهدات السريرية ،تؤكد إن إصابة جزءا بسيطا جدا من الدماغ يؤدي إلى حدوث مشاكل صحية معقدة للغاية ،كما هو الحال عند من يصابون بالسكتة الدماغية والتي تلحق ضر ار بجزء ال يذكر من الذماغ ،ولكن نتائجها تكون وخيمة
ومدمرة للغاية ،كذلك األمر بالنسبة لمن يصابون بمرض باركنسون والذي يؤثر على
مناطق محددة من الدماغ -أقل من -%91ولكن النتائج المترتبة بسبب هذا المرض قد تكون مدمرة لمن يصاب به.
إن آلية عمل الدماغ البشري ما زالت تشكل لغ از للعلماء ،وبالرغم من تطور الوسائل
العلمية والتكنولوجية والطبية ،إال أن أسرار الدماغ البشري ما زالت تشكل تحديا لكل من 41
– ماي 5102 يحاول فك طالسمها المعقدة ،فالدماغ البشري هو تحفة من صنع اهلل وأن اإلنسان
يستخدم في حياته اليومية %111من دماغه حتى وهو في حالة سبات ونوم عميق، حيث يبقى الدماغ يعمل بشكل مذهل تحت تأثير حالة كمون ظاهري.
مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين لإلبداع الشعري تتحول إلى مؤسسة ثقافية عامة
مراسلة خاصة من الكويت أعلن بيان صادر عن األمانة العامة لمؤسسة جائظة عبدالعزيز سعود البابطين
لإلبداع الشعري التي يوجد مقرها بالكويت أنه تماشيا مع تنوع انشطة المؤسسة
وتعددها اتّخذ مجلس األمناء ق ار ار بتحويل المؤسسة إلى مؤسسة للنشاط الثقافي العام مع تغيير اسمها ليصبح مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية مع العلم أن هذه المؤسسة ترعى عديد األنشطة الثقافية في الكويت والعالم العربي مثل إقامة الندوات
الثقافية واسناد جائزة الشعر وتمويل دراسات بحثية للطلبة واصدار المعاجم التي تعنى بالشعر واهتماماته وتكريم رواد الثقافة العربية في كافة المجاالت.
وترتبط مجلتنا مرآة الوسط بعالقات
جيدة مع هذه المؤسسة وتحظى بتقدير خاص من رئيسها األستاذ عبدالعزيز
سعود البابطين واألمين العام خالد
البابطين وكافة إطارات المؤسسة.
في الصورة الشاعر المنصف الوهايبي
يتسلم الجائزة مع ثلة من الشعراء العرب اآلخرين في الدورة األخيرة التي انتظمت
بمراكش من رئيس المؤسسة.
42
– ماي 5102
مدينة في بالدي
"قور از" الرومانية وأكودة حاض ار بين عبق التاريخ وشذى اليوم بقلم :األستاذة منية بن اإلمام "أيتوكودة" أو "قور از" الرومانية أو إن شئت اكودة حاضرا ،قرية عريقة بتاريخها ،غنية برجاالتها ،حبلى دائما بخيراتها ،رائعة بربواتها وبعبق رائحتها الفواحة المنبعثة من الزمن الجميل ومن وطنية أهاليها وكفاحاتهم ومن رجال جاؤوا مارين استطاب لهم المقام وصاروا اليوم بعد مئات السنين أولياء صالحين تزار أضرحتهم تبركا وتيمنا بأعمال لهم تاريخ "قور از" إلى األبد. وقد حدثني الحاج عبد العالي اإلمام وهو القارئ لتاريخ البلدة والملم بعالماتها ،حدثني والدي قائال " :منذ مئات السنين ،بداية القرن 16جاء الولي الصالح الشيخ عبد الحكيم المزوغي مع وفد من الحجيج من الساقية الحمراء من المغرب إلى أكودة وهو في طريقه إلى بيت اهلل ،إال أن الوقت داهمه ففضل البقاء مع بعض القوافل ،بينما واصل البقية سعيهم وترحالهم .وعلى أعلى الربوة شمال القرية حطوا الرحال وقاموا بحفر بئر (بئر سوق السبت القديم) وببناء الجامع الكبير .استأنس الشيخ عبدالحكيم ومن معه الحياة بتلك الربوة وطاب لهم العيش ونشأت بذلك أول نواة "للكوادة" اليوم وهي الفرع الذي مثل الجانب األهم من سكان هذه القرية على امتداد قرون :أحفاد سيدي صالح
43
– ماي 5102 بن سيدي عبدالقادر بن سيدي عبدالحكيم ،عائالت مثل (الكناني ،المنفوخ ،المتهمم، ...الخ)". ويوجد إلى اليوم ضريح سيدي عبدالقادر بمقامه المتواجد بالمدينة العتيقة بباب القوس ولكنه في حالة يؤسف لها .ورغم أن السيدة أسماء بن حميدة حرم حروش بنت المرحوم فيلسوف الساحل سالم بن حميدة األكودي قد أولت بعض االهتمام لهذا المقام وقامت بصيانته ،إال أن قدم هذا البناء يحتاج إلى تدخل رسمي للحفاظ عليه من التداعي وتأثيثه تأثيثا يليق بتاريخه وتاريخ "قور از". وعندما يكون الحديث عن األولياء الصالحين في هذه القرية الرومانية ،فإن سيدي عبدالقادر ال يمثل وحده القبلة لألوفياء ،فقد كانت هذه الربوع ملجأ للصوفيين والسيايين وفعلي الخير داخل البالد وخارجها .وغرب القرية يوجد ضريح سيدي أحمد الورقلي القادم إلينا من ورقلة "ليبيا" .وسيدي الورقلي يرقد اليوم بأمان في جنان باسقة ،تحرسه "الحفيظة" بكل عناية ،وزواره كثيرون على مدار السنة وهو مثال يحتذى به في االهتمام والصيانة .وتقام بفضاءاته الكبيرة الوالئم وتذبح الخرفان وتضاء الشموع .وألن هذه األرض خصبة على مر القرون ،فتاريخها يشهد بتداول الزائرين عليها والمقيمين فيها. فكانت أكودة منارة للدين والمعرفة على مر العصور وكثرة أوليائها الصالحين على غرار سيدي بن عيسى وسيدي الجيالني وسيدي رمضان بن رجب وسيدي الورقلي وسيدي عبدالقادر لم يمنع هذه األرض من إنجاب أهم المفكرين ببالدنا كفيلسوف الساحل الشيخ سالم بن حميدة ومنارة الساحل الشيخ راجح إبراهيم ورائد الحركة المسرحية بتونس الشيخ إبراهيم بن حميدة األكودي والشيخ علي بن سالم الورداني أول المنتسبين إلى المدرسة الصادقية (.)1460 وقد اشتهرت أكودة ببساتين الزيتون والرمان وبتجارتها المزدهرة وبحلو المعشر لدى سكانها ،وقد مكنها كل هذا من احتالل مرك از مرموقا في شتى المجاالت ،ويشهد 44
– ماي 5102 التاريخ على تفتح األكوديين على مختلف الحضارات مما مكنهم من تبوأ أعلى المناصب وأهمها وتختلف "قور از" هذه القرية الساحلية عن أخريات مثلها في كونها من أول القرى التي دافعت عن المرأة وعن حقها في التعليم ،وكان الشيخ المفكر سالم بن حميدة من األوائل الذين سمحوا لبناتهم الخروج إلى المدرسة ونيل العلوم ورفع الجهل عن قلوبهم ونيل المعرفة الصحيحة. وقد جاء في كتاب "أكودة عبر العصور :تاريخ وحضارة" الصادرة عن اللجنة الثقافية المحلية بدار الثقافة بأكودة ،الصفحة 60ما يلي : "وقد تأسست أول مدرسة ابتدائية بأكودة عام 1911وكانت تسمى المدرسة العربية الفرنسية ،وبالرغم من أن هذه المدرسة كانت مختصة للذكور فقد شهدت ترسيم عددا ال بأس به من البنات عمال بآراء المصلحين الكبيرين –الطاهر الحداد -والشيخ سالم بن حميدة -وقد تم تسجيل أول بنت أكودية بالمدرسة المذكورة سنة 1919ثم بلغت نسبة الحضور األنثوي قرابة الثلث في النصف األول من الخمسينات". الكودة تاريخها في الحركة السياسية أيام االستعمار وفي حركة البناء إبان االستقالل، ويحق لكل من ينتسب إليها أن يفخر بانتماءاته ويغني لجذوره وأصوله ،ومع هذا وفي هذه المساحة اود وبكل لطف أن أهمس في أذن من يهمه األمر ويهتم للتاريخ والمستقبل ،أو ال يحق لألكوديين وهم من أسسوا المسرح ان يكون لهم فضاءا مسرحيا يليق برائد الحركة المسرحية الشيخ إبراهيم األكودي ؟ ويخلد ذكراه ؟ إن نوادي المسرح التابعة لمؤسسات و ازرة التربية ،تنشط على مدار السنة الدراسية ولكنها ال تجد فضاءات خارج المحيط المدرسي لينعم هؤالء الهواة بممارسة الفن الرابع في غطاره الالئق .عدم وجود فضاء مسرحي مخصص يعيق الحركة المسرحية بأكودة. فهل من لفتة مسؤولة من و ازرة الثقافة والمحافظة على التراث ؟
45
– ماي 5102
أنا جاهزة للوفاء
شعر :فضة خليفة
هل تسمح لي يا سيدي أن اعشق روحك
أن يسكرني بوحك وأن تضع يدك في يدي
أنا أنثى يا سيدي تعشق المحال
ال تخاف زوابع المحن
وال ترهب سلطان الجنون
أم أن العشق...قضية ال تعني الرجال أنت يا ...مذ رحلت
لم تحبل بمثلك النساء
ولم نسمع عن صعاليك
وال أبطال
حين أعشقك يا سيد البهاء سيعم السالم
ويطير الحمام
ويصير المحرم حالال إذن ،هل تسمح لي بان أعشقك ... فانا جاهزة للوفاء
46
– ماي 5102
إبداع
كتـــــــــاب األنثـــى بقلم :منيرة درعاوي السحاب ،هناك بعيدا عن دنيا طي ّ مر باألمس ال ّشتاء ،كما ّ قد ّ مرت سنون و انطوت ّ كأنما حاكته أنامل المالئكة و الصنوبر نقي ّ الحلبي و ّ االسفلت يتدثّر ّ السنديان برداء ّ ّ المكبلة الصمت أبلغ من ك ّل ما قيل وما يقال من كالم ،حيث تنتفض الطّبيعة ّ يغدو ّ
ئب الى الوالدة، الصقيع و تروم االنعتاق ،تحت تلك األصفاد نبيتات تشر ّ بأصفاد ّ
النور .قد تكون نبيتات شقائق أخالها كاالرادة تستجمع قواها لتتّخذ لها منفذا نحو ّ
الربيع ،ك ّل ينتظر ّ النعمان ،قرنفال أو نرجسا خجوال .أراها كك ّل الكائنات تصبو الى ّ ربيعه اآلتي ،قلوبنا الكسيرة كما الحمائم والخطاطيف لها ربيعها المنتظر .قريبا تلد
السالم ال ّشجيرات بريعماتها وتعود الخطاطيف .أليست شجيرة اللّوز أنثى ؟ أليست يمامة ّ
أمنا األرض أنثى؟ ربيعنا الحلو من صنع األنثيات فطوبي لقلب برغم أنثى ؟ أليست ّ
الربيع .هي األرض مازالت تكتسي دثارها و تلد ك ّل عام آسا و عسر الوالدة يهدينا ّ الصقيع من ياسمينا ،أما آن لها أن تشتكي و أن تتلو علينا قرآنها حين ينفخ فيها ّ
الدفء أن انشقّي ّانها الوالدة .صامتة والدة تلك التّالل صمتا روحه و يوحي اليها ّ يضج بالحياة فان أحببت األرض يوما فستصغي بقلبك الى ّأناتها عند الوالدة ، صارخا ّ هكذا هي األنثى متى أحببتها باحت اليك بأسرار الوجع.
ك صمت األنثى كصمت األرض يضطرم معان ويتّقد كلمات ،يالمس ك ّل القلوب فال يف ّ أن صمت شفرته االّ من سكن األنثى وسكنته فتسمو روحه وتصفو ويدرك عندها ّ
مرت بينكما سنون العمر األنثى هو أحلى وأبلغ اللّغات .صمتها يوجعها يا أنت ،قد ّ 47
– ماي 5102 الدروب ،تذ ّكر تلك التي الصمت أخرس .حيثما كنت وحيثما نأت بخطاك ّ سراعا ومازال ّ ترسمك في أركانها غصنا أخضر ،تلك التي تهفو الى لحظة تخترق فيها عيناك حاجز
الصقيع يا دفئها المنشود فما الجسد ّ لتجتث من األعماق جذور الوجع .قد استوطنها ّ عاد بينها بين تالل ال ّشمال عند ال ّشتاء اختالف .قد يبكي صمتها أمسا موجعا أو
أن األنثى ال تخجل من البكاء؟ تنساب عبراتها غربة موحشة وقد يبكي غيابك ..أتدرك ّ
فاذا هي كالمداد تخطّ على كتابها سطو ار مختلفة المذاق ،تبكي األنثى وجعا ،تبكي نديا كالفجر عند جزيرة من جزر األنثى خوفا ،تبكي األنثى فرحا فما أحاله قلبا ّ
السنون أحكمت الطّوق حولها و أردتها األحالم البعيدة .أصغ الى ندائها أن أقبل فتلك ّ
وشب في قلبها ك أسر أنثاك الحبيبة ،يا أنت ،قد شاخ منك الجذع األسيرة .يا أنت ،ف ّ ّ
أن األنثى واألرض صنوان كلتاهما ان جفّت ت ّشقّق ويغدو نبتها هشيما الحنين .أتدرك ّ الرياح؟ ّ
تذروه
الصقيع أن رمز ّ يقال دوما ّ الحب وردة حمراء ،ال أخال االّ ّأنها كانت بيضاء مثل دثار ّ كية وصار لون عند التّالل وعندما نزف بالقرب منها قلب عاشق ارتوت من دمائه ّ الز ّ
النعمان تحكي بتالتها أسطورة الحب أحمر ...في قلب أنثاك تموج المروج بزهر شقائق ّ ّ السحر تتو ّشى مر من هناك ذات يوم باحثا عن أميرة رآها عند ّ لي لفارس ّ عشق أز ّ النور بين التّالل ،أترى زمن الفرسان يعود ذات ربيع؟ هي هناك يا فارسها في بوشاح ّ لمتهيبات على أعتاب المدائن ،تهئّ معبد العشق لتقيما فيه مكان ما شهد خطاكما ا ّ شعائر الفناء في األرض وفي الحبيبة فكلتاهما الحياة ،كلتاهما الوجود و كلتاهما الكيان
ضمت خطى الحيارى ها ربيعك يعود ك ّل عام فأين ربيعي؟ أتصغي الى ..فيا تالال ّ
هسيس المياه و الى آهة األرض حين يخترقها جذير األقحوان؟ ّانها الوالدة يا فارسها
فالمس هذه األرض الحنون ّأنها تلد ،والدة األنثى تكون أيسر حين يالمس جبينها ذراع
تمده اليك فخذه كأنما يحمل عنها بتلك اللّمسة الحانية بعض الوجع .هذا كتابها ّ أسمر ّ 48
– ماي 5102 بيمينك أو بال ّشمال فعند اليمين مالك أبيض يتو ّشح بزهيرات اللّوز وعند ال ّشمال قلب فتوهج عشقا .خذ كتابها فهي ال تحلم بالحياة خارج ضلعك سكنته حمرة شقائق ّ النعمان ّ فما جدوى الخلق اذا لم تخرج من بين حناياك شمسا تنثر دفئا ونو ار ؟ .ال تخش صليل
الصهيل وأشرع سيوف بائسة تئد أنثاك بتهمة األنوثة وال تخش خيوال فقدت قدرتها على ّ
لألنثى براح صدرك لتؤوب ك ّل فراشاتها اليك .خذ كتابها وانثرها في األرجاء لتمأل ثغر
الرحمة في يدها متى ابتسمت انقشع ضباب الوجود نشيدا .هي األنثى حاملة شمع ّ السالم هي األنثى ضوع األزاهير الجميلة فخذ كتابها يا ابن األرض ،يا وعم ّ الحيرة ّ
مد لها كفّيك لنرقى معا الى دنيا االنسان... الدوام و ّ كادحا على ّ
رماد األرصفة شعر :منيرة الدرعاوي خذها...يا وحيدا درب اذ َدعا ُه الى َمداه غَالَ ُه ال ّ م االشتياق أ ْلقِها في خِض ّ تلك المسافرة من الغبار الى ضباب ال ّ د الفاصل اغمِسها في الح ّ بين الموت و االنتباه ف يوما قد تخذلني هذه الك ّ قد تتركني في جحيم المحرقة كما خذل أشيلوس َك ْع ُب ُه يوما..في أوار المعركة خذها..مازال في العمر ما يكفي ليصدح الصّباح بالغناء ما كان هوميروس أعمى السماء...... خطا ُه فقد أضاءت ُ ّ
و رماد األرصفة خذها...يا غريبا خطاه بيل الس قد ضل ّل ُ ّ هذه ..بوارق األحالم تمضي الى األفول كنجم سرقه الغيم قبل الط ّلوع فل ّفه ..غسق الغياب كالبراعم حين ترتاد الغبار فيعتريها االختناق كسفين يخوض ال ُعباب بال قلوع هذه..شهقات الحالمين الهاربين دموع من الماء األجاج الى ال ّ ُيبليها..بكاء المساء و أنين زهرة في القلب مجروحة بالحياه
49
– ماي 5102
إبداع
مـــوت الحرف
بقلم :مريم ذياب كاتبة من قابس
_________ الساعات قضيتها البارحة .فحرفي مريض على ليلة بيضاء ثقيلة الخطوات باردة ّ
فجئي في دقات قلب أنهكه فراش الموت يحتضر .هبوط حاد في ضغطه وضعف ّ الحبُّ . بت ليلتي أواسيه تارة وأخفف عنه أالمه وأذكره بشقاوة سيله في الحب واألدب والسياسة تارة أخرى .ذكرته بمكر النساء ورغبة الرجال ،باألحالم المؤجلة وبأهازيج الماضي البعيد .كان يسمعني بعينيه المثبتتين على تقاسيم وجهي الباهت ويجيبني بحشرجة في الصدر .يغرق أحيانا في مساحة صمت يغيب فيها عني للحظات بحجم ألمد في عمره خطوة إلى األمام السنين .ألتهمه إلي ّ ، ّ بعيني في حركة بائسة ألعيده ّ ّ فيتراء لي وكأنه ينسج بأفكاره قصة كما كنا نفعل في أيام خلت قضيتها بصحبته .كنت وتفنن في رسم أنظر إليه حيث كانت تلوح بباله من حين إلى آخر أسماء كتبها ّ
فيفتر ثغره بابتسامة عليلة منهكة القوى ويعبس ويتجهم وجهه بمرور صور مالمحها ّ
أخرى جاءت في الزمن الخطأ خلّفت على ورقته خدوشا استعصىت على البوح المنمق أرد له جميل رفقة سنين اصطحبني فيها بت معه أقاسمه أوجاعه ّ ففشل في تجميلها ّ . وتحمل مزاجي المتقلب ومشاعري المتدلية بين الممكن والمستحيل .وفي ساعات الفجر ّ
األولى و قبل أن يلفظ أنفاسه األخيرة أشار لي في حركة ثقيلة أن أحضر ورقة وقلما 50
– ماي 5102
ألخط وصيته األخيرةِ .انتفضت مذعورة أخفي دمعة تهم أن تسيل حرقة من لهيب
غرة وأنا مسلوبة السالح متعبة اإلحساس، فراق داهمني في فجوة عمر على حين ّ
ليدون نهاية صديقه .وجدت ّ ترددت قليال ثم رحت أبحث عن أحد رفاقه من األقالم ّ تعودت أن أشقى دائما القلم فضاعت الورقة وكأن يدا خفية خبأتها .بحثت طويال كما ّ
في البحث عن أشيائي الثمينة .بحثت ،قلبت األمكنة حتى وجدتها .قبضت في حركة
ال إرادية على القلم حتى ال يضيع مني من جديدِ .اعتدلت في جلسة بعد أن ِاستجمعت الحرف،،،توسلت لها حتى شجاعتي و هممت بالكتابة واذا بكلماتي تتمنع حزنا على ّ ِ مر لخصت به بوح السنين. ّ حنت و النت ثم انخرطت في بكاء ّ
مدير مجلتنا يتحدث إلى قناة النيل الثقفايــة حول قضايا الثقافة والفكر
أدلى االستاد محمود الحرشاني مدير
المجلة بحديث صحفي لقناة النيل الثقافية تناول فيه جملة من المسائل
المتصلة بالوضع الثقافي الراهن سواء في تونس او الوطن العربي.
واكد االستاذ محمود الحرشاني في هدا الحديث على اهمية الثقافةواشاعتها بالقدر
الكافي لمقاومة كل اشكال التطرف واالرهاب منينا أن مسوؤولية نشر الثقافة هي مسؤلية الحكومات ومكونات المجنمع المدني من جمعيات وهئيات اهلية .كما اكد
على شرورة ان تكون البرامج الثقافية حاملة لرسالة بناء وتساعد الشعوب على
التقدم والرفي وتحقيق النهضة المنشودة.
51
– ماي 5102
لقاء مع
فنون تشكيلية
الفنانة مريم بن حسن اختصاصية في
فن المنممات أعتز بتكريمي في الجزائر وأسعى إلى مزيد التعريف بفن المنممات.
صفاقس /مرآة الوسط الفنانة التشكيلية مريم بن حسن فنانة عصامية ،لم تدرس الفن التشكيلي دراسة أكاديمية، ولكنها جاءت إلى هذا العالم من باب الهواية ،واختصت في مجال فن المنممات الذي برعت فيه .وقد كانت لها عديد المشاركات في مهرجانات تونسية وعربية .ومنها مشاركتها في مهرجان بالجزائر حيث توجت بإحدى الجوائز ..معها ،كان لنا هذا اللقاء. س :كيف يمكن أن تقدمي نفسك لقراء مرآة الوسط؟ ج :مريم بن حسن..فنانة تشكيلية من تونس وبالضبط من مدينة صفاقس أنطلقت مند البدية بروح االنتماء لوطن ولدت فيه وحملت ارث ثقافته الدي نقلته عبر العالم. في البداية لم أتقيد بمدرسة فنية معينة ..كأي فنان مررت بمراحل انتقالية في أعمالي الفنية ..بدأت باالنطباعية التي تنقل المشهد كما هو على الطبيعة ثم باالنطباعية الجديدة ومنها الى المدرسة التعبيرية التي شدني اليها تجاوزها لكل اهتمام بالتشكيل والتشريح لتؤكد اهتمامها بطرح القضايا االنسانية ومعالجة آالم االنسان..وصوال الى فن المنمات الذي هو لغة عالمية وهي لغة الفن التشكيلي لمنحه البعد االنساني حين
52
– ماي 5102 يصبح وسيلة اتصال بين الشعوب والعصور ..يحاكي االساطير والوقائع بلغة فنية راقية..
س :لماذا أخترتي فن المنممات دون غيره من الفنون التشكيلية األخرى؟ ج :هو االنتقال البديهي في حياة الفنان الدي يبحث لداته عن حضور جديد في خارطة الفن االبداعي هي التي أوصلتني إلى فن المنمنمات وأنا أقطع مسافات رحلتي الفاصلة بين االنطباعية الصامتة الى عالم المنمنمة الدي يتشكل منها الحدث ماضيا كان أو حاض ار رغبة مني في احيائ مدرسة المنمنمات التونسية التي أغلقت أبوابها مع اندثار عصور تاريخية مضت ..وبهاجس بحث عن الهوية وتأ كيدها في األثر الفني التشكيلي وجدت نفسي أمام خيارين..اما أن أحققها عبر الموضوعات والمضامين ومالمح الوجه والبيئة المحلية ..أو عبر معطيات تراثية عربية واسالمية مثل تطويع الخط أو الزخرفة االسالمية..هدا التمعن قادني الى البحث في فلسفة عميقة تتجرد من خاللها مبادئ المنمنمة االسالمية ممزوجة بخصائص الهوية التونسية..والمنمنة للتعريف هي تلك الرسومات التصغيرية التي كانت تستخدم لتزيين المخطوطات القديمة وتمتاز بألوانها 53
– ماي 5102 الزاهية كما تمتاز بأن صانعيها أضافو في ابداعها استخدام الدهب والفضة على نحو بارع جعل منها قيمة جمالية آسرة..كانت تعرف بفن التزويق
وتعرف اليوم بأسم
المنمنمات ..أزدهرت في الحظارات الهندية والفارسية وأول كتاب عربي ظهرت فيه المنمنمات هو كتاب كليلة ودمنة الدي ترجمه ابن المقفع الى العربية. س :وحاتك تمتاز بالتكثيف وتنوع المفردات التشكيلية ..لمادا هدا االغراق في التنويع واستعمال أكثر من مفردة تشكيلية في اللوحة الواحدة. ج :المفردة التشكيلية تعتبر العنصر الرئيسي في بناء العمل الفني وفي ابراز جوانبه ومضمونه ..أخترت أن تكون متنوعة حتى تكون أدوات العمل االبداعي قادرة على احياء فكرة تشكيلية تحرك الحواس المنشغلة بزحمة الحياة وأنا أعتبر التكثيف في المفردات نوعا من الجرأة في تجسيد شخصيتي الفنية بلغة تشكيلية لها أبجديتها ومفرداتها الخاصة..علما وأن التنوع في المفردات التشكيلية يحتاج الى قدرات تقنية ومخيلة متحررة تمنح العمل الفني روحا خالصة وتمنحه تناغما برؤى حسية. س :كانت لك مشاركة في مهرجان تلمسان الجزائرية ..مادا أضافت لك هده المشاركة؟ ج :من مدينة تلمسان العامرة باالرث الحضاري االسالمي بدأت رحلة احياء مدرسة المنمنمات االسالمية التونسية لتنتزع حضورها المعاصر عبر
مهرجان ثقافي دولي ظخم ..فالجزائر أستطاعت بفضل مبدعيها وأهمهم محمد راسم الدي رسخ هدا
الفن بكل شمال افريقيا ..أستطاعت أن تحتل مكانة مرموقة بين الدول العريقة المشاركة في المهرجانات
الخاصة بفن المنمنمات والزخرفة االسالمية .. 54
– ماي 5102 عرضت في هدا المهرجان انتاجا تألق بقيمته التاريخية وقيمته الجمالية .. حيث حاولت أن أقدم الموروث التونسي بمفردات تشكيلية حية ألبلغ به مضامين فنية ال تضيع رغم التناقضات الفنية التي يحملها العالم وأنا أعتبر نفسي محظوظة بأن أحتظنني مهرجان كبير في بحثي الفني هدا وسيدكر التاريخ أن الجزائر وتحديدا في تلمسان من خالل مشاركتي في هدا المهرجان تعرفت على مبدعين من كل أقطاب العالم ..أنبهرت بالمنمنمة االيرانية الضخمة بكل تفاصيلها وبكل محطاتها التاريخية وشدتني المنمنمة التركية المنفتحة على مدارس الفن التشكيلي الحديث المنتقلة باالسلوب حضرت
ورشات
عديدة
لمبدعين وتعرفت على تقنيات جديدة حديثة تلهمني فكرة امكانية
تحديث
المنمنمة
التونسية ومنحها بعدا معاص ار يحاكي المشهد الواقعي المعاش ..كما تعرفت الى أساليب وأدوات قديمة جدا في انجاز المنمنة وذلك في العصر الحالي والدي لن يسمح باندثار هذا الموروث الفني الغني بفسيفساء فنية دائمة.. أعيد احياء مدرسة المنمنمات التونسية..
55
– ماي 5102
ندوات ملتقيات أدب الشباب بين الواقع واآلفاق تونس /من مبعوثة مرآة الوسط :صابرة عياري في إطار فعاليات الدورة األخيرة لمعرض تونس الدولي للكتاب بقصر المعارض بالكرم بتونس العاصمة ،انتظمت ندوة حول ملتقيات أدب الشباب بين الواقع واآلفاق بمشاركة عدد من مديري أبرز هذه المهرجانات والملتقيات وتابع فعاليات هذه الندوة عدد من زوار معرض تونس الدولي للكتاب .وقام بتنشيطها األستاذ الجامعي الطاهر أمين. وتباعا قدم كل من محمد بن رجب مؤسس مهرجان الصدى ألدب الشباب بحي الزهور بالعاصمة ومحمود الحرشاني مدير مهرجان مرآة الوسط الثقافي بسيدي بوزيد ومحمد الهادي الزعبوطي مدير ملتقى ابن منظور ألدب الشباب بقفصة مداخالت مطولة حول تم التأكيد على تجربة كل مهرجان من هذه المهرجانات في العناية بأدب الشباب .حيث ّ جملة من الصعوبات التي تعترض تنظيم هذه الملتقيات ومنها خاصة الصعوبات
المادية نظ ار لضعف الميزانيات المخصصة لها وعدم إقبال المؤسسات االقتصادية على تم التأكيد على ضرورة تدخل و ازرة الثقافة والمحافظة على دعم هذه المهرجانات .كما ّ التراث إلعطاء نقلة نوعية لهذه المهرجانات.
وفي تدخله قال محمود الحرشاني مدير مهرجان مرآة الوسط أن هذا المهرجان الذي انطلق بإمكانيات محدودة سنة 1940ببادرة من مجلة مرآة الوسط الجهوية ،استطاع يمر منه أكثر من 1111مشارك منهم اليوم أن يحافظ على استم ارريته وصموده وأن ّ 56
– ماي 5102 كتاب بارزون من كتاب القصة والشعر ولهم كتب ودواوين في الساحة األدبية الوطنية والعربية مؤكدا على ضرورة تطوير هذه المهرجانات بدعمها ماديا من قبل و ازرة الثقافة واحداث جائزة وطنية ألدب الشباب وأن يكون هناك ملتقى وطني ألدب الشباب يتوج الملتقيات والمهرجانات الجهوية والمحلية. وأكد محمد بن رجب مؤسس مهرجان الصدى من ناحيته أن هذا المهرجان استطاع أن يفرض أكثر من 201كتّابا شابا في الساحة الثقافية .وأن يتجاوز عدد المشاركين فيه أكثر من ألف مشارك ،رغم محدودية اإلمكانيات. ونفس المواضيع طرحها مدير مهرجان ابن منظور ألدب الشباب بقفصة محمد الهادي الزعبوطي الذي أكد على ضعف اإلمكانيات المادية المخولة لهذه المهرجانات مما يحول دون تحقيق أهدافها الكبرى ،مؤكدا على ضرورة تدخل و ازرة الثقافة لتمويل المهرجانات األدبية ومساعدة المهرجانات على إصدار كتب لإلنتاجات الفائزة. وخالل هذه الندوة قدم ابراهيم سليماني مؤسس ومدير مهرجان الفينيق األدبي بصفاقس تجربته في تنظيم هذا المهرجان بإمكانيات محدودة جدا مالحظا أن الدعم الذي تقدمه المندوبيات الثقافية لهذه المهرجانات دعما محدودا جدا ال يفي بالحاجة. وقدم هيثم الهاني مساعد مدير مجلة االتحاف الصادرة انطالقا من سليانة مداخلة حول
مساهمة مجلة االتحاف بأدب الشباب ،مالحظا أن المجلة تخصص حوالي 81صفحة
لإلنتاجات األدبية الشابة .كما ساعدت عددا كبي ار من األدباء الناشئين على إصدار كتب خاصة بهم في القصة والشعر إلى جانب تنظيم عديد الملتقيات األدبية والندوات
الفكرية .وأفاد منسق الندوة أنه سيتم رفع جملة التوصيات إلى و ازرة الثقافة والمحافظة على التراث ومتابعة تحقيقها بما يسمح بإعطاء نقلة نوعية لمهرجانات وملتقيات أدب الشباب في المستقبل كما استمع الحاضرون إلى مداخلة لمديرة صالون الزوراء بمساكن حول تجربة هذا الصالون في الحياة األدبية ومداخلة للشاعرة سوسن عجمي حول
مهرجان رجيش األدبي بوالية المهدية. 57
– ماي 5102
اطالق مجلة مرآة الوسط اون الين على شبكة الانترنات التحقت بداية من اليوم غرة ماي 2110بركب المجالت والجرائد االلكترونية التونسية مجلة مرآة
الوسط اون الين بادارة الكاتب والصحفي محمود
الحرشاني ..وتسعى مجلة مرآة الوسط اون الين الى ان تكون مجلة رقمية متخصصة في الشان الثقافي والشبابي عالوة على اهتمامها بالمسائل االخرى مثل الشان السياسي
علوة على المواكبة الفورية لالخبار والمستجدات التونسية والعربية.
وقال محمود الحرشاني في كلمة وجهها الى القراء ان شهر ماي يقترن في حياة مرآة
الوسط بجملة من االحداث المهمة من ذلك صدور جريدة مرآة الوسط في نسختها
الورقية منذ اربعة وثالثين سنة وبالتحديد في 20ماي 1941كما تحولت مرآة الوسط
الى مجلة شهرية في شهر ماي من سنة 1991واستطاعت ان تحافظ على صدورها
المنتظم رغم كل الصعوبات .وبعد ان استانفت صدورها الورقي في الشهر الماضي هاهي تطلق اليوم طبعتها الرقمية التي سوف تكون مختلفة تماما عن محتوى النسخة
الورقية الشهرية.واكد ان الخط التحريري للمجلة سوف واضحا وهو احترام عمل الصحافيين والمتعاونين مع مراعاة المصلحة العليا لتونس وعدم هتك االعراض او
افتعال الخصومات والوفاء لمكاسب الجمهورية.
ويسهر على تحرير المجلة فريق شاب اغلبه من خريجي معهد الصحافة وعلوم
االخبار.وتحتوي المجلة على مجموعة من االركان واالقسام للمتابعات االخبارية والملفات والحوارات الصحفية ومقاالت الراي والفنون والثقافة والشباب والرياضة واخبار
المجتمع.
لزيارة الموقع -الرابط التالي /http://miraat-al-wassat.com : 58
– ماي 5102
لقاء فكري حول الكتاب في مدينة سيدي بوزيد
احتفاال باليوم العالمي للكتاب الذي يحتفل به في الثالثلث والعشرين من افريل من كل عام .احتضن صباح اليوم المركب الثقافي ابو بكر القمودي بسيدي بوزيد لقاءا فكريا بعنوان اهمية الكتاب في حياتنا نظمته جمعية جيران القمر للثقافة واالعالم التي يراسها الكاتب والصحفي محمود الحرشاني باالشتراك مع جمعية المتقاعدين وعدة جمعيات ثقافية اخرى حضره بالخصوص المندوب الجهوي للثقافة بسيدي بوزيد مصطفى علوي ومدير المركب الثقافي فريد البكاري وعدد من ممثلي وسائل االعالم ونشطاء في المجال الثقافي. 59
– ماي 5102 وافتتح اللقاء السيد محمود الحرشاني مرحبا بكافة الحاضرين وبين ان اللقاء يندرج في
اطار االحتفال باليوم العالمي للكتابوهو محاولة من الجمعيتين للتحسيس باهمية
الكتاب والوقوف عند اسباب تراجع االقبال
عليه ال في تونس فقط وانما في كافة الدول
العربية التي تشهد فيها نسب االقبال على
الكت ـ ـاب تدني ـ ـا مفزعا ام ـ ـام زحف الوسائـ ـ ـط
االتصالية الحديثة وغ ياب دور العائلة والمؤسسات التربوية والشبابية في توجيه الناس نحو االقبال على الكتاب.
ومن ناحيته رحب المندوب الجهوي للثقافة باقامة هذه الندوةالتي تهتم اللكتابشاك ار
جمعية جيران القمر للثقافة واالعالم وكدلك جمعية المتقاعدين على اقامة هذا اللقاء الهام بحضور عدد كبير من المهتمين بامر الكتاب.
وقدم االعالمي محمد نجيب هاني مداخلة بعنوان هل مازال الكتاب خير جليس قدم
فيها جملة من الحقائق واالرقام التي تؤكد تراجع االقبال على القراءة في الوطن العربيوكدلك غياب تقاليد اسرية وتربويه تحث على المطالعة .والحظ ان القارئ العربي يق ار نصف صفحة في السنةفي حين ان نسبة القراءة في البلدان الغربية لم تتراجع امام زحف الوسائل االتصالية الحديثةوشدد على ضرورة القيام باستشارة وطنية حول الكتاب ومن ناحيته تحدث محمود الحرشاني عن اشكاليات الكتاب التونسي من الطباعة الى الترويج مالحظا ان غياب حصة الترغيب في المطالعة في المؤسسات التربوية وعدم تحمل المؤسسات الشيابية لدورها في مجال تحفيز الشباب على المطالعة الى جانب زحف وسائط االتصال الحديثة ساهمت كلها بشكل واضح في تراجع نسب االقبال على الكتابوتدخل عد كبير من الحاضرين للتاكيد على اهمية الكتاب كمحمل اساسي للثقافة 60
– ماي 5102 ونشر المعرفة وضرورة تحمل االسرة والمؤسسة التربوية ومؤسسات الشباب لدورها في مجال التحفيز على المطالعة الى جانب اقدام و ازرة الثقافة على تطوير دور المؤسسات الثقافية وخصوصا المكنبات العمومية والمكتبات المتنقلة عبر االرياف والتجمعات السكنيةبايجاد انشطة مرافقة لتوزيع الكتاب.
تقريضة من الشاعر الكبير محمد الحبيب الزناد لمجلة مرآة الوسط
استجابة لطلب العديد من االصدقاء نعيد نشر التقريضة الشعرية التي خص بها الشاعر الكبير محمد الحبيب الزناد مجلة مرآة الوسط في الذكرى السادسة عشر لصدوره. //كشعبنا وسط دوما بال شطط مرآة خضرائنا يزهو بها الوسط والراي حرا سديدا ما به غلط // مجلة تنشر االخبار صادقــــــة //مثل اللجين وتجلونا فنغتبط شفافة اذ نرى فيها ضمائرنا مد الزمان يدا بالخير تنبسط عشر وست مضت من عمرها ولها // //عهد جديد وعقد ليس ينفرط واليوم شبت وحلى جيد بهجتها محمودة الذكر **محمود ** مؤسسها //قراؤها مثل عشاق بها ارتبطوا االمضاء محمد الحبيب الزناد .شاعر من المنستير
61
– ماي 5102
الشاعر الكبير احمد اللغماني ..وداعا...رحل وترك لنا اعذب
القصائد رحم اهلل شاعر تونس الكبير احمد اللغماني الذي
وافاه االجل المختوم امس.لقد كان شاع ار كبي ارواعتقد انه اكبر شاعر تونسي انجبته تونس
خالل النصف الثاني من القرن العشرين..
اقترن اسمه وشعره باسم الزعيم المجاهد االكبر الرئيس الحبيب بورقيبة ولكن ما اليدركه
الناس ان في مدحه لبورقيبة وخصاله الوطنية ونضاله هو كان في الحقيقة يمدح تونس
ويتغنى بها ..من منا لم نهزه قصيدة يا سي الحبيب المنقوشه على برج البوف ومن منا لم تهزه قصيدة رثاء الزعيم وكانت ربما اخر ما كتب في بورقيبة.
شخصيا اعتز ان اولى محاوالتي االدبية في الكتابة زكاها احمد اللغماني في برنامج
هواة االدبعندما كان بشرف على هذا البرنامج .واقول صدقا انني لم التق به مباشرة اال مرة واحدة في حياتي عندما جمعتنا رحلة مشتركة الى الكويت بدعوة من مؤسسة جائزة
عبد العزيز سعود البابطين لالبداع الشعري لالحتفال بصدور معجم البابطين للشعراء
العرب المعاصرين..تواصلت اقامتنا في نفس الفندق لمدة اسبوع اقتربت خالله من
الرجل .وكانت شاهدا على احترام الناس والضيوف له خاصة بعد ان ق ار قصيده الرائـ ـع في األمسية الشعرية وكانت من اروع ما القي في االمسية وانا احتفظ بنص القصيد وقد نشرته في كتابي "مذكرات صحفي في الوطن العربي" في الروبورتاج الذي نشرته في
مجلة مرآة الوسط عن الحدث .رحم اهلل الشاعر الكبير احمد اللغماني الذي تغنينا
جميعا بقصيده الرائع :
قذفتهما الواحات مغتربان.
نخلتان هاهما في مسربي 62
– ماي 5102
رسالة من الرئيس الباجي القايد السبس ي إلى مدير مجلتنــا اتصل مدير مجلتنا السيد محمود الحرشاني برسالة من سيادة الرئيس الباجي القايد السبسي
ضمنها سيادته عبارات التشجيع و ّ التقدير للجهد الذي يقوم به في المجالين اإلعالمي والثقافي وأشاد الرئيس الباجي القايد المتميز الذي نشرته مؤخ ار مجلة الفيصل السعودية حول مدينة سيدي السبسي باالستطالع ّ بوزيد وتاريخها وحضارتها والذي نشرته المجلة في ثماني صفحات مصورة .
63
– ماي 5102
خـَـــْوف شــعـر :مـحـمـد الجـلـواح * ــــــــــــــ كلما صوت ِك في الغيب تناءى خـُفـْـتُ من ِك اإلبتعاد كلما لم يأتنى الموج قريبا ق خـُفـْـتُ أن الشو َ من عيني ِك قد سافر حتما ً..أو يكاد .. س التي آه يا وردية الهم ِ الهمس تختص ُر َ بـِـ َد ّل ،و ِوداد آه يا عزفا إليه األ ُذ نُ تـُـصـغــِـي كلما اللحن الى الشريان قد حــن ّ وعاد يا انصيا َع الماء للعشب وترتي َل ُ الخـزامى ص وانثيا َل المطر ِ الراقـ ِ لألرض الجماد كلما جفت عروقي من غياب المزن في همستك البكر التي أصبو إليها : .. سـَقـَـطـَـتْ روح الفـؤاد
ت، كلما غب ِ ــ وال أملك ما يضمنُ لي العودة َ ، إالّ الحل ُم ،والوعـ ُد ، و اَيـْـمانُ السداد ْ ــ : سـَقـَـطـَـتْ روح الفـؤاد كلما صوتك في الغيب تالشى خـُـفـتُ أوتادا ً ..من الخيمة ِ تـَن ْــ َد ّك فتهوي بالعـماد ت ..نـَـ َمت في ُمقـلتـ َ ّي .. كلما غـب ِ ت قطعة ٌ من خشب التابو ِ وا ْلـتـفّ السواد ! كلما صوتك في الغيب مضى جفّ حلقي ، واستحال الحل ُو مـ ُ ّرا واستزاد ت .. كلما غـب ِ بسمتي الجذلى ، .. نأتْ َ الجـدب والده ُر الكساد وحـ َ ّل ُ ويـُطـ ِ ُّل الحرف في جيش من األحزا ِن 64
– ماي 5102
قد بعـثره الظنّ وفقدانُ ال ِمداد
وما تأتي به من نـ ُ َوب البـ ُـعد ، وكهف اإلمتداد أنقـِـ ِذ يني من ُركام اإلحتشاد وارفعي عني الرماد آمـِـنـِـيـنـِي فلقد بدّدني الخوفُ ، وآال ُم البـُعـاد إضمني لي عندك اآلنَ ــ على بُـع ِد ِك ــ دفـئا.. ضاربا في الروح الريح ، ُ ال تـَـقـلـَعُـهُ وال يعرف دربا للـنـّـفـاد ت مينائي وعيني أن ِ والي ُد الحل ُم التي أ َنـشـُدُها ق والهوى المعشو ُ والحضنُ المـُراد ال تغيبي .. فلقد عـُدتُ وما في األفق إالّ ِك الغرس والزرع ،وأنت ُ الحصــاد وغـَالّتُ َ
ت، يا التي من غيمة البدر هـطـل ْــ ِ ت، ومن الصحو أضأ ْ ِ ومن اللحن المـ ُ َوشـّى بصحاري الصمت في الصمت أتيت .. كــأهــازيــج و زاد يا التي أنت انكساراتي ، وأحالمي ،وأشعاري ، وأسفاري ،و ( ليلى ) و( سعاد ) إعذريني إن سرى الخوف ألعضائي بعنف وازدياد إنني أخشى من النزوة كالبرق أتـَـتْ مجنونة ً القلب مـُـ َعـنـّى فإذا ُ وإذا العينُ سـُـهاد إنني أخشى من الخطوة تجتاح ِك في النوم فتغدو ُحـلـُما ً يصدق كالشمس نهارا ً ُ أضغاث ُرقاد وهي إنني أخشى المسافات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ** شاعر وكاتب سعودي من األحسـاء .
65
– ماي 5102
ّ من تجليات الشعر التونس ي في الذكرى الاولى لالستقالل بقلم :محمد الصادق عبد اللّطيف أحسّ اليوم بنشوة االستقالل – أرضا وشعبا – بعد أن عشت مرارة االحتالل وذلّه ل ّما تعود بي الخواطر الى سنة 7591في الذكرى االولى لالستقالل ،وقد كنت شابّا مكتمل الذات متخرّجا من الزيتونة بشهادة التحصيل في العلوم و ومنتسبا للتعليم العالي ه ّزتني أفراح الشعب التلقائية يومها الى القصبة بتونس أحد معاقل دولة االستعمار حيث كانت ادارة وثكنة عسكرية تجتمع على قلب العاصمة قبالة الوزارة الكبرى ومقرّات الحكومة ومحتشدا للمواطنين الشرفاء وإدارة عسكرية للحماية ومقرّا للمحكمة العسكرية التي قهرت المناضلين وإذا الجموع تفزع من ك ّل مكان في حشد ال مثيل له للتعبير عن الفرحة واالبتهاج باالستقالل وكيف تحرّر الوطن وخلصت البالد واألرض و ّ أن القصبة اليوم هي ملك التونسيين. كان المشهد رائعا والحضور مكثّفا والفرحة عارمة مسّت ك ّل شرائح المجتمع وقد سطع العلم الوطني خفّاقا فوق المباني الحكومية وامتألت المدن والقرى والشوارع بالمواطنين وهم في نشوة االنتصار وقد تحرّر المواطن والوطن بعد غيمة كبرى ولم يتخلّف الشعر الوطني يومها عن تخليد مآثر وتمجيد المناضلين في ع ّزة الوطن بعد تخليصه من العبودية واإلذالل وكان الصوت المحلّي يومها الشاعر الفحل (الشاذلي عطا هللا) يصدح بقصد أية في الق ّوة وجمال الصورة وصدق المشاعر ما تزال الى اليوم 66
– ماي 5102 ّ ترن في أذني – وأنا ابن العشرين يومها – في أسمى المعاني تلك المعاني الخالدة الوطنية واالفتخار بالعلم –الرمز.- لقد خاطب العلم الرمز والوطن ككل في قصيد عد اليوم من درر الشعر الوطني الصادق ال تدفع صاحبه الى الحصول على مكافأة أو اظهار حضور بقدر ما حملته نفسه الوطنية من حبّ للوطن والدعاء له بالصمود والرقي والتحرّر والنهضة بك ّل أبعادها. استمع اليه وهو يجلجل من وسط القصبة بالعاصمة حيث الجموع تشارك في االحتفاالت بهذا الحدث (عيد االستقالل اال ّول) في تلقائية وصدق الحضور والمشاعر أيضا. رفرف على القطر أيها العلم
وح ّي عيدا اقرت رمزه االمم
واسكب الشعر آيات الخلود ففي
روائع الشعر ما تسمو به القيّم
وظ ّل للقلم الواعي خصائصه
فالح ّ ق ما سجّل التاريخ والقلم
واسرح من مهرجان العيد أغنية
شيّد بها الشعب لك يحلو له النعم
واحرص على نفحات المسك اذا بلغت
قدس الشهادة فالمسك الشيّق دم
وأرو األحداث لألجيال وأتلو على
أسمائها قصص األبطال من نجموا
وه ّل عن ذكر عبس والفارس من
قحطان فالذكر أبلى رسمه القدم
وأذكر كفاحا مريرا ظ ّل محتدما
نيفا وعامين لم تبرد له حمم
وسر شابّا طغى فيه الحماس فلم
يكبح جماحا ولم يظهر به سأم
يا شعب هذا جالل العبد يغمرنا
وع ّزة النصر خفاق بها العلم
يا شعب عيدك رفاق الظالل وفي
أفيائه لبنى الخضراء ملتآم
67
– ماي 5102 ثم تاله الشاعر الموهوب الشاب(محمد مزهود) بصوت جلي ع ّدد من قصيدة بهجة الوطن في صورة (العلم المرفرف) فوق القصبة المتحرّرة من العبودية ومن رمز االجنبي (العلم الفرنسي) والّذي يثير وجوده ورؤيته (صورة العبودية) لقد ع ّد يومها هذا القصيد قائله شاب في ميعة الشباب من أروع ما حواه من احاسيس وطنية دفّاقة وفرحة مثلى بهذا الخالص بعد احتالل (دام قرنا االّربع) كان عمر الشاعر يومها 82سنة نقرأ هذا القصيد ث ّم نحكم على صاحبه وعلى تجربتها الشعرية ومضامين الصورة الشعرية والصناعة فيه. هو الشعب فلتصرخ طرابا بالبلة
فمنه انجلت أشجانه وبالبله
تبارك عيد الح باليمن فجره
وفاحت شذى اسحاره وأصائله
لعمرك ما جاد الزمان بمثله
ولن تشهد األجيال عيدا يماثله
تجلّت به خضراؤنا عقد سؤدد
فأشرق منها الجيد وازدان عاطله
فك ّل نواديها سواء صوادح
ّ عليهن من ثوب المفاخر شاملة
وك ّل معانيها أهازيج أترعت
كؤوس هناء لم تك ّدر مناهله
لقد فقد الشعر الصادق منهجه األدبي حين انخرط اصحابه في (العكاظيات والمدائح طمعا في المال فقط وباعدوا بينهم وبين المعان السامية التي يجب أن يحمل القصيد. لماذا انعدم الشعور بالوطنية عالنية لدى بعض شعراء اليوم حيث لم نجد في قصائدهم (روح األ ّمة) وروح االيقاع والنغم المطلوبين في أي قصيد. انّنا خالل معركة التراب (معركة الجالء سنة 7597وجدنا الشعر يدخل المعركة فقد واكب مراحل فكانت له صوالت رائعة ،وقد كان الشعر يومها حقّا أن سجّل تلك النفحات الرائعة وأن يض ّمها الى مجلّده الضخم الزاخر بروائع البديع ونفيس الشعر ( ما قيل ونشر في الصحف التونسية بين -71-89و 771) 7597- 75-71قصيدا تونسيا) ترى هل يطلع علينا اليوم في رحم الشعراء ومن أصحاب األلقاب العليا والدكاترة ما يضاهي صدق اللّفظة الشعرية وروعة التأثير في النفس؟؟؟.
68
– ماي 5102
قالوا عن مجلة مرآة الوط األستاذ المحترم محمود الحرشاني مدير مجلة مرآة الوسط الفيحاء
الجمهورية التونسية
سعدت وأنا أبحر كعادتي في عالم االنترنات بان قرأت مقالكم عن قرب عودة مجلة مرآة الوسط ،التي رعيتموها بجهدكم المتميز في عالم الصحافة والثقافة إلى الصدور ..بعد التوقف الذي اضطرت له خالل السنوات الثالث األخيرة ..وأقول لكم بصدق أن هذا الخبر أسعدني جدا ،ومحى من ذاكرتي خب ار آخر، كنت قرأته منذ حوالي أربع سنوات، أعتقد أنكم كتبتموه تحت وطأة اليأس واإلحباط ،وعنوانه على ما أذكر "مرآة الوسط تودع قراءها بعد عشرة دامت ثالثين سنة ...إن لي شخصيا عشرة طويلة مع مجلتكم، وأعتبرها خير من خدم الثقافة في ربوع تونس الخضراء .إلى جانب مجالت عديدة أخرى ،كانت تزخر بها تونس ،مثل مجالت الفكر واإلذاعة واإلتحاف والجيل الجديد وحضر موت ...إن موت مجلة وتوقفها عن الصدور يعني موت مشروع ثقافي واعالمي أو هو جريمة ال تغتفر في حق المجتمع ...ألنه من غير المعقول أن نترك صاحب المجلة وحده يصارع الصعوبات ..لذلك أقول لكم بصدق أنني فرحت كثي ار لما علمت بعدوة مجلة مرآة الوسط إلى الصدور ،بفضل إصراركم وحماسكم وعدم التفريط في هذه المجلة التي استطاعت أن تصمد سنوات عديدة ..صحيح أن أعداء النجاح تصيدوا فرصة الثورة ،إللصاق عديد التهم المجانبة لمجلتكم مثلما ألصقوها بمجالت وصحف أخرى كانت تصدر في العهد السابق ..ولكن هذا ال*** وتاريخ مجلة مرآة الوسط حافل ،فهي التي تقف وراء أهم مهرجان ثقافي وهو مهرجان مرآة الوسط األدبي كما أصدرت مجلة لألطفال وسلسلة كتب ثقافية ،كل هذه اإلضافات المهمة تطفو على نقائص هذه المجلة ،وهو ما ال تسلم منه أي مطبوعة في العالم .فما بالك بمجلة جهوية إمكانياتها محدودة. تقبل تهاني بقرب صدور المجلة وعودتها إلى قرائها حتى ال يبقى موقعها شاغ ار... والسالم. الحبيب بن نصيب تونس
69
– ماي 5102
سيناريو ورسم :عبدالرحمان بلخشين
70