عدد شهر ماي 2015 من مجلة مرآة الوسط الورقية

Page 1

‫– ماي ‪5102‬‬

‫مجلة ثقافية فكرية جامعة‬ ‫تاسست في ‪ 52‬ماي ‪0890‬‬

‫تصدر انطالقا من سيدي بوزيد‬ ‫الجمهورية التونسية‬ ‫أسرة التحري ــر ‪:‬‬

‫المدير العام المؤسس ورئيس التحرير ‪:‬‬

‫ شوقي الغانمي‬‫ عبدالرحمان بلخشين‬‫ مريم ذياب‬‫ جليلة كداشي‬‫ منيرة درعاوي‬‫ محمد نجيب هاني‬‫ صالح السباعي‬‫ ليليا هلول (رسم)‬‫مراسلون‬ ‫ األردن ‪ :‬جميلة عمائرة‬‫ مصر ‪ :‬محمد الشيخ‬‫ المغرب ‪ :‬فاطمة بنيس‬‫ باريس ‪ :‬تيسير بن عطية‬‫ فيانا ‪ :‬ليلى كداشي العماري‬‫‪ -‬الخرطوم ‪ :‬روضة الحاج‬

‫سكرتيرية التحرير ‪:‬‬

‫محمد نجيب هاني‬ ‫أكرم بوعجيلة‬ ‫اإلدارة‬

‫أسامة حرشانــي‬

‫الموقع على الواب ‪:‬‬

‫‪http//www.miraat-al-wassat.com‬‬

‫الهيئة اإلستشارية‬

‫ أ‪ .‬محمد الصادق عبداللطيف‬‫ أ‪ .‬حذام عيساوي‬‫ أ‪ .‬نجاة مامي بوشيبة‬‫ أ‪ .‬عبداللطيف الفراتي‬‫ د‪ .‬نورالدين الحاج محمود‬‫‪ -‬جعفر االكحل‬

‫ الدكتور عبدالقادر بن الحاج نصر‬‫ الدكتور حاتم النقاطي‬‫ أ‪ .‬جميلة الماجري‬‫ أ‪ .‬التهامي الهاني‬‫ أ‪ .‬مصطفى علوي‬‫‪ -‬د‪ .‬نوال حرشاني‬

‫اإليميـــل ‪:‬‬

‫اإلدارة والتحرير ‪:‬‬ ‫شارع محمد الخامس‪ ،‬نهج سيدي الجيالني‬ ‫عدد ‪ 1‬سيدي بوزيد‬ ‫المراسالت البريدية ‪:‬‬ ‫صندوق البريد عدد ‪ ،84‬البريد المركزي‬ ‫سيدي بوزيد ‪ /‬تونس‬

‫‪hormahmoud@gmail.com‬‬ ‫‪redaction.gamm@gmail.com‬‬ ‫الهاتف ‪11211 61 126 111 :‬‬ ‫الفاكس ‪11211 61 121 292 :‬‬ ‫المدير ‪11211 01 111 148 :‬‬ ‫‪1‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬

‫الفهرس‬ ‫كلمة العدد ‪ :‬إصرار على إلاستمرار وأداء الرسالة‪................................................................‬‬

‫‪2‬‬

‫صحافة وزمان ‪ :‬من بواكير الصحافة النسائية في تونس‪...................................................‬‬

‫‪0‬‬

‫قصة العدد ‪ :‬عصافير بئر عثمان‪..........................................................................................‬‬

‫‪9‬‬

‫ذكريات مع عالمة املغرب العربي أبو القاسم محمد كرو‪.................................................‬‬

‫‪21‬‬

‫أعالم معاصرون ‪ :‬ألاديب الراحل أبو القاسم محمد كرو‪ ...‬في رحلة ألادب والتيلي‬

‫‪22............‬‬

‫بحوث ودراسات ‪ :‬إعـ ـ ـ ـ ــالم ‪ :‬وظيفة الصحافة بين إلاعالم وإلابداع‪...................................‬‬

‫‪24‬‬

‫من أعالم منطقة قمودة ‪ :‬الفقيه العالم الشيخ مصطفى القمودي‪.................................‬‬

‫‪26‬‬

‫علوم ‪ :‬هل البشر يستخدمون فقط ‪ %01‬من أدمغتهم ؟‪................................................‬‬

‫‪81‬‬

‫مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين لإلبداع الشعري تتحول إلى مؤسسة ثقافية عامة‪............‬‬ ‫‪82‬‬ ‫مدينة في بالدي ‪" :‬قورزا" الرومانية وأكودة حاضرا بين عبق التاريخ وشذى اليوم‪...........‬‬ ‫أنا جاهزة للوفاء‪81 ......................................................................................................................‬‬ ‫إبداع ‪ :‬كت ـ ــاب ألانث ــى‪86 .............................................................................................................‬‬ ‫رماد ألارصفة ‪ :‬شعر منيرة الدرعاوي‪89 ........................................................................................‬‬ ‫إبداع ‪ :‬م ــوت الحرف‪01 .............................................................................................................‬‬ ‫فنون تشكيلية ‪ :‬لقاء مع الفنانة مريم بن حسن ‪02 ..................................................................‬‬ ‫‪82‬‬

‫متابعات ثقافية ‪ :‬ندوات ملتقيات أدب الشباب بين الواقع وآلافاق‪................................‬‬ ‫متابعات ثقافية ‪ :‬إطالق مجلة مرآة الوسط اون الين على شبكة الانترنات‪.....................‬‬

‫‪01‬‬ ‫‪04‬‬ ‫‪09‬‬

‫متابعات ثقافية ‪ :‬لقاء فكري حول الكتاب في مدينة سيدي بوزيد‪.....................................‬‬ ‫تقريضة من الشاعر الكبير محمد الحبيب الزناد ملجلة مرآة الوسط ‪11....................................‬‬ ‫الشاعر الكبير احمد اللغماني ‪..‬وداعا‪..........‬رحل وترك لنا اعذب القصائد‪12 ........................‬‬ ‫رسالة من الرئيس الباجي القايد السبس ي‪12 ...........................................................................‬‬ ‫خوف ‪ :‬شعر محمد الجلواح‪18 ......................................................................................................‬‬ ‫من تجليات الشعر التونس ي في الذكرى ألاولى لإلستقالل‪11 .......................................................‬‬ ‫وقالوا عن مجلة مرآة الوسط‪19 ...................................................................................................‬‬ ‫كاريكاتير‬

‫‪ :‬عبدالرحمان بلخشين‪61.................................................................................................‬‬ ‫‪2‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫كلمة العدد‬

‫إصرار على إلاستمرار وأداء الرسالة‬ ‫بقلم ‪:‬‬ ‫يصدر هذا العدد الجديد من مجلة مرآة الوسط‪ ،‬في‬

‫انطالقتها الجديدة‪ ،‬في ذكرى من أعز الذكريات لدينا‪ ،‬وهي‬ ‫ذكرى صدور العدد األول من جريدة مرآة الوسط في ‪ 20‬ماي‬

‫‪ ،1941‬قبل أن تتحول إلى مجلة شهرية في مارس سنة‬ ‫‪ ،1991‬أي أنه مضى اليوم على صدور مرأة الوسط أربعة‬ ‫وثالثون عاما بالتمام والكمال‪ ،‬ونعتقد أنه ال توجد مجالت كثيرة‬ ‫سواء في تونس أو العالم العربي بشكل عام‪ ،‬استطاعت أن‬

‫تصمد أمام كل الصعوبات والعواصف‪ ،‬ويستمر صدورها كل‬ ‫هذه السنوات‪..‬‬ ‫ورغم ما اعترى صدور المجلة من تعثر بعد الثورة‪،‬‬

‫نتيجة ما اعترضها من صعوبات مادية‪ ،‬وعدم تحمس‬ ‫الحكومات التي جاءت بعد الثورة لدعم الصحافة الثقافية‬ ‫‪3‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬

‫والجهوية‪ ،‬فإن المجلة حافظت على صدورها‪ ،‬متكبدة في سبيل‬ ‫ذلك خسائر مالية كبيرة‪ ،‬استنزفت كل طاقاتنا ومع ذلك لم‬

‫نستسلم‪ ،‬وآمنا أن لمجلتنا رسالة ثقافية وتربوية واعالمية ال بد‬

‫وكنا على ثقة‬ ‫أن تنهض بها بكل حماس‪ ،‬كلفنا ذلك ما كلفنا ّ‬ ‫أنه سيأتي اليوم الذي ستراجع فيه الحكومة موقفها من‬ ‫الصحافة الجهوية والثقافية‪ ،‬باعتبارها أحد ركائز التطور‬

‫الديمقراطي والتنمية المحلية والجهوية‪ .‬وها إن مجلة مرآة‬ ‫الوسط قد عادت إلى الصدور معززة بثقة أنصارها وقرائها فيها‪،‬‬ ‫وهم الذين كانوا السند والمدد أيام الشدة التي مررنا بها‪ .‬كما‬

‫يتوجه شكرنا إلى السيدة وزيرة الثقافة والمحافظة على التراث‬ ‫الدكتورة لطيفة االخضر التي رفّعت في مقتنيات الو ازرة من كل‬ ‫عدد جديد يصدر من المجلة‪ ،‬وهو ما سيساعدنا على تجاوز‬ ‫عديد الصعوبات‪ .‬وتقترن عودتنا إلى الصدور المنتظم بحدثين‬

‫هامين ال يمكن أن نمر عليهما مرو ار عابرا‪ ،‬لما لهما من‬ ‫األهمية وهما االستعداد لتنظيم دورة اليوبيل الفضي أي الدورة‬

‫الخامسة والعشرون لمهرجان مرآة الوسط الثقافي أيام ‪ 12‬و‪12‬‬

‫و‪ 18‬جوان القادم‪ ،‬واطالق النسخة االلكترونية لمجلة مرآة‬

‫الوسط لتكون بذلك أول مجلة ثقافية رقمية على الواب تختلف‬ ‫في شكلها ومضمونها على النسخة الورقية‪.‬‬ ‫‪4‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬

‫صحافة وزمان‬

‫من بواكير الصحافة النسائية في تونس‬ ‫بقلم ‪:‬‬

‫مجل ـ ـة اإللهـ ـام‬ ‫أول مجلة نسائية تونسية‬

‫‪ -‬أنيستنا اليوم مجلة رائدة تعد من أولى التجارب‬

‫التونسية في مجال تأسيس صحافة نسائية‬

‫متخصصة وهي مجلة اإللهام‪.‬‬

‫‪ -‬صدر العدد األول من مجلة اإللهام في شهر‬

‫مارس سنة ‪1900‬‬

‫وقدمت المجلة نفسها للقراء على أساس أنها مجلة‬ ‫أدبية نسائية جامعة لسان حال نادي الفتاة التونسية‬

‫تحررها نخبة من المثقفات التونسيات‪.‬‬

‫‪ -‬أصدرت مجلة اإللهام وكالة االتحاد التونسية التابع لنادي الفتاة التونسية‪.‬‬

‫‪ -‬مديرة المجلة وصاحبة امتيازها ورئيسة فلم التحرير هي اآلنسة فاطمة علي‪ ،‬أما‬

‫عنوان المجلة فقد كان ‪ 16‬نهج البراملية – تونس‪ .‬وحدد سعر النسخة الواحدة من مجلة‬

‫اإللهام بخمسين فرنكا‪.1‬‬

‫‪ -‬تكونت أسرة تحرير هذه المجلة من مجموعة من المثقفات التونسيات نذكر من‬

‫بينهن‪ :‬فاطمة علي‪ ،‬وتوحيدة فرحات وحسناء التارزي ونجاة الغرياني وحليمة المطوي‬

‫‪5‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫وراضية الحناشي وصفية الهمامي وفاطمة شرشاد وهند الشناوي وحياة الخميري وصفية‬

‫عزيزي‪.‬‬

‫‪ -‬وشح غالف العدد األول من مجلة اإللهام بصورة تخلد زيارة الزعيم الحبيب‬

‫بورقيبة إلى مدرسة الفتيات وقد وقف بينهن مشجعا ومباركا إقبالهن على التعليم كما‬

‫تضمن غالف هذا العدد صورة آلخر ملوك تونس محمد األمين باي‪.‬‬

‫‪ -‬وازدان غالف العدد أيضا بآية من القرآن الكريم وهي قوله تعالى "ونفس وما‬

‫سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها‪"...‬‬

‫‪ -‬حفل هذا العدد من مجلة اإللهام بمجموعة متنوعة من المواضيع والمقاالت‬

‫وقد وردت كلمة العدد تحت عنوان "هدف اإللهام" ومنها نقتطف ما يلي ‪" :‬أن ميالد‬ ‫مجلتنا اإللهام الشهرية التي هي لسان القناة التونسية في هذا العصر عصر النهوض‬ ‫والرقي واالزدهار والنور ليدل على أن القناة التونسية قد أدركت معاني الحياة وحدود‬

‫المسؤولية وشعرت بمركزها في هذا العصر وعلمت أنه أصبح واجب عليها العمل‬ ‫والمكافحة والنضال حتى تحقق لبني وطنها الغالي عزتهم وكرامتهم ومجدهم‪.‬‬

‫‪ -‬وتضيف المجلة قائلة في افتتاحية عددها األول "أنها لروح حية حساسة‬

‫وثابتة إلى المجهول‪ ،‬لها واجبات كما للناس قاطبة وليس للفتاة باعتبارها بنتا أو‬ ‫باعتبارها أما أو بالنظر إلى كونها رابطة بين هذه وتلك أن تتخلص من الدور الذي‬

‫اختاره اهلل تعالى للقيام به او تؤديه على غير الوجه األكمل الصحيح والصورة التي‬

‫ترسمها مبادئ الشرائح الطاهرة وقوانين األخالق‪.‬‬

‫‪ -‬إن الفتاة التونسية غايتها أن تحقق المبادئ السامية على ضوء الحقيقة‬

‫والصدق في تفكيرها وعملها وتتقدم بقلب ملؤه اإلخالص لوطنها والنشاط في عملها‬ ‫حاملة هذا القبس المشرق دائما إلى األمام في دائرة احترام التقاليد الفاصلة ونبذ‬

‫األباطيل والقيود الضارة مساهمة في العمل بخير األمة ومستقبليها ظاهرة في ميدان‬ ‫الحياة زينتها ثقافتها النفسية وحالها المكارم الخلقية بقلب مفعم باإليمان مغمور بالجد‬

‫تعمل فتحمد وتعالج فتب أر وبذلك تحيي مجد المرأة وبترعرع مجد أحفادها‪.‬‬

‫‪6‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫‪ -‬تنوعت مواضيع ومقاالت العدد األول لتجمع بين ما هو اجتماعي وما هو‬

‫تاريخي وما هو أدبي إلى جانب التحقيقات الصحفية الميدانية‪.‬‬

‫‪ -‬تحت عنوان المرأة التونسية في الميدان كتبت اآلنسة صفية المامي من‬

‫رابطة القلم الجديد ‪ :‬تنقسم المرأة التونسية إلى صنفين صنف مثقف وغير مثقف‪،‬‬ ‫فالمرأة المثقة يكون التعويل عليها في عدة أمور منها مشاركة الرجل في ميادين العمل‬

‫والكفاح ماديا وأدبيا حتى تنتج عن أعمالها نهضة للشعب والوطن وهي جديرة بذلك إن‬ ‫وجدت االعتناء بكل مساعيها وتنشر الثقافة وروح التربية واألخالق أحسن من قبل بل‬ ‫بأضعاف تجدها منكبة على العمل بالثقافة الحقة والمعرفة الراقية وبذلك تحقق الرقي‬

‫واالزدهار للشعب والوطن وتبعث فيه الروح الحية وكذلك مهمة المشاركة في معركة‬

‫الحياة لخير البيئة العائلية واأللفة الزوجية الطاهرة‪.‬‬

‫‪ -‬وتضيف كاتبة المقال ‪ :‬لقد استحقت المرأة التونسية تقدير واحترام الجميع‬

‫وسجلت في تاريخ التحرير الوطني صفحة خالدة من التضحية والعمل الدائم وأعطت‬ ‫دروسا وتجارب واقعية هي عضة واعتبار لألجيال القادمة من الفتيات مربيات الجيل‬ ‫الصاد للمستقبل‪.‬‬

‫‪ -‬وفي ركن منبر الفتيات والسيدات ورد مقال بعنوان "رجاء لالمهات" بقلم‬

‫السيدة فاطمة شرشاد جاء فيه بالخصوص ‪ :‬لم تنهض أمة إال بالعلم والمعرفة فعلمي‬ ‫أيتها المرأة أبنائك وبناتك ألن الوطن في حاجة إلى ذلك ولم ينهض إال بهما فهما‬

‫الغذاء الضروري للعقل والنفس والروح فالعقل ال يتسع تفكيره إال بالعلم فعليك أيتها األم‬

‫القيام بالواجب التجاري غيرك من األمم المتسابقة إلى العلم واالرتقاء‪.‬‬

‫‪ -‬كما ورد في هذا العدد مقال بعنوان تربية االطفال تضمن مجموعة من‬

‫النصائح والقواعد التربوية والنفسية لضمان تربية صحيحة وسليمة للطفل‪.‬‬

‫‪ -‬وكتبت اآلنسة حياة الخميري في هذا العدد األول من مجلة اإللهام مقاال‬

‫بعنوان أطوار حركة المرأة التونسية تتبعت فيه بوادر ومراحل الحركة االصالحية لفائدة‬

‫المرأة ومشاركتها الفاعلة في رقي المجتمع وازدهاره مبرزة إقدام المرأة التونسية على‬

‫‪7‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫تجاوز الحصار الذي يحاول البعض ضربه حولها‪ ،‬فنشأت بوادر نهضة تونسية كبيرة‬

‫سرعان ما تحولت إلى حركة قومية من أجل دعم مكانة المرأة في المجتمع‪.‬‬

‫‪ -‬في ركن الفن أوردت المجلة مقاال بعنوان المرأة والمسرح جاء فيه ‪ :‬ال بد‬

‫لكل أمة متحضرة من التمثيل المسرحي الذي يعالج مشاكل المجتمع ويحرص على‬

‫استقامته ومن مزايا هذا الفن الجميل الممتزج بحياتنا امتزاجا كاد أن يكون خلقيا السمو‬

‫بالمجتمع إلى مراتب الرقي‪ ...‬ولكن الحركة المسرحية في بالدنا ما زالت تنقصها عدة‬

‫عناصر ومنها مشاركة المرأة فمتى تقبل المرأة يا ترى على المسرح لتشارك في بنائه‬ ‫من جديد على أساس يسمح لها أن تكون ممثلة شريفة محترمة من طرف زمالئها‬

‫الممثلين فالمعاهد التمثيلية من حكومية وحرة قد فتحت أبوابها للراغبات في تعليم‬ ‫التمثيل ومن الواضح أن المرأة تستطيع بهذه الطريقة أن تبلغ القمة في هذا الفن وما‬

‫بقي إال أن تعلم المرأة بأن التمثيل أصبح في سائر بلدان العالم مهمة شريفة تساوي‬

‫التعليم وان الممثل يلقب باألستاذ وأنا قد اجتزنا النصف الثاني من القرن العشرين‪.‬‬

‫‪ -‬في ركن روضة األدب وردت عديد المواد األدبية بين قصة وشعر وخواطر‬

‫وتحت عنوان بين أحضان الطبيعة‪ ،‬كتبت نجاة الغرياني خاطرة أدبية وردت قصة العدد‬

‫بعنوان "سوف أعود" بقلم راضية الحناشي‪.‬‬

‫‪ -‬وحفل الركن التاريخي بعنوان للمجلة بمجموعة من المقاالت من أهمها مقال‬

‫بعنوان المرأة العربية في الجاهلية بقلم حسناء التارزي‪.‬‬

‫لإلشتراك في مجلة مرآة الوسط‬ ‫يرجى تعمير القصاصة التاية ‪:‬‬ ‫الاسم واللقب ‪................................ :‬‬ ‫العنوان ‪........................................ :‬‬ ‫‪.......................................................‬‬ ‫طرقة دفع الاشتراك ‪ :‬حوالة ‪ -‬صك – تحويل‬ ‫معلوم الاشتراك ‪ :‬لألفراد ‪ 03 :‬دينارا‬ ‫لألنصار ‪ 033 :‬دينار‬ ‫للمؤسسات ‪ 03 :‬دينارا‬ ‫‪8‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬

‫قصة العدد‬

‫عصافير بئر عثمان‬ ‫القطار يندفع عينفا كالثور الهائج ليتوغل في غابات الزيتون المترامية في –‬ ‫الغرابة‪ -‬و ‪-‬الحنشة‪ -‬وتتراكض عرباته وتصطك على السكة في سباخ –الجم‪ -‬و –‬ ‫كركر‪ -‬ومحمد عبدالوهاب يتغنى برائعته ‪:‬‬ ‫ يا بابور ألي رايح على فين‪ ..‬يا بابور‬‫ألي؟؟؟؟" ولزهر يتأمل من خالل الزجاج‬ ‫الفضاءات الشاسعة‪ ،‬والشجر الذي يجري في‬ ‫االتجاه المعاكس للقطار ثم يتوارى في‬ ‫المنخفضات وخلف التالل‪...‬‬ ‫مرت ساعتان على انطالقه من مدينة‬ ‫صفاقس‪ ..‬الشمس تصعد إلى األعالي في‬ ‫تؤدة محاولة إزاحة نتف السحاب العالقة في‬ ‫الفضاء‪..‬‬ ‫في ممر العربة أطفال يهرولون‪ ،‬وينطون هنا وهناك وال يهدؤون‪ ..‬وربما رفسوا بأرجلهم‬ ‫الصغيرة بعض األمتعة أو أحذية رجال ونساء أخذهم النوم‪ ،‬وترنحت رؤوسهم من‬ ‫‪9‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫اإلعياء‪ ..‬سيدة بدينة ترتدي معطفا أصفر‪ ،‬تلوك علكتها‪ ،‬تتفقد في كل مرة وجهها‬ ‫المكتنز فتشبعه صباغا وتمرر أحمر الشفاه على شفتيها الغليظتين‪ ،‬ثم تنتبه لصرف‬ ‫ابنيها الصغيرن عن اللهو والعبث‪ ،‬وهي تخبئ مرآتها في الحافظة الجلدية‪ ،‬وترشق لهم‬ ‫– بنظرات فائضة ملتهمة‪..‬‬ ‫في محطة سوسة صعد ركاب آخرون‪ ..‬رجل ضخم يستدير ببطء‪ ،‬بحثا عن‬ ‫مكان يستكين إليه‪ ..‬تمنى – لزهر‪ -‬في نفسه أن ينشغل الرجل بمكان آخر‪ ،‬وأن يسوق‬ ‫إليه القدر إحدى الفتيات الجميالت الالتي ركبن في المحطة‪ ،‬بلباسهن المثير‪ ،‬الشفاف‬ ‫ومألن الفضاء بروائح العطور الشذية‪ ...‬رجل ثان أثقلته الشيخوخة‪ ،‬نحيف وطويل‬ ‫القامة‪ ،‬قذر المظلة واللحية‪ ،‬ملطخ الشاريبن‪ ،‬يتقدم بصعوبة بحثا عن مقعد يتهالك‬ ‫عليه‪ ..‬ثم يتململ القطار من جديد مدويا ومزمج ار لينطلق في السهول الخاوية‬ ‫الجرباء‪ ..‬ويشق األراضي المستنقعية المالحة في اتجاه تونس‪..‬‬ ‫بدأت الصور تتباعد وتتقلص شيئا فشيئا‪ ..‬من البلور وسهول‪ -‬هرقلة‪ -‬و –‬ ‫النفيضة‪ -‬وبوفيشة – والمساحات العريضة المشبعة بالملح والغدران المتعكرة‪ ،‬وخياالت‬ ‫القرية شرق صفاقس ببئر – عثمان‪ -‬وعصافيره الجميلة الجذاللنة‪ ،‬وحانوت –‬ ‫صويلح‪ -‬وأهله الطيبين‪ ،‬واألحواش البيضاء الجميلة‪ ،‬وحقولها وسوانيها اليانعة‪ ،‬ورعاتها‬ ‫وأغنامها‪..‬‬ ‫مشاهد وأفكار تراود خيال – لزهر‪ -‬وتعبث به‪ ،‬وتحوم حوله‪ ..‬الشمس كعادتها‬ ‫تضحك‪ ،‬ثم تشحب ومرة تحتجب وتتلفع بالسحاب وتعود من جديد سافرة عريانة‪،‬‬ ‫وشجر الجبال المتسلق إلى القمم يبتسم ويهذي ويحلم وتتعالى هاماته فتدغدغ أفنانه‬ ‫السماء‪ ..‬هذا القطار يكره الصمت‪ ،‬وينطلق متوترا‪ ،‬متوثبا في عجالة من أمره للوصول‬ ‫إلى المدينة‪ ،‬وها هو يرسل آخر النفخ والصفير ليهدأ تدريجيا بعد تجاوز – بوقرنين‪ -‬ثم‬

‫‪10‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫تعترضه القطارات منسابة كالثعابين في اتجاهات متعاكسة لينفث شخيره األخير‬ ‫ويستسلم نهائيا ي محطة العاصمة‪..‬‬ ‫كان – لزهر‪ -‬في الطائرة يتذكر آخر توصيات أمه وهي تقبله م ار ار وتبالغ في‬ ‫احتضانه‪ ،‬باكية ممتقعة‪" ...‬رد بالك يا ولدي‪ ..‬ابعد عالخلطة الفاسدة‪ ..‬وعلى بنات‬ ‫الحرام وأوالد الحرم‪ ...‬اهلل يسترك وربي يكون معاك‪ ..‬الغربة مرة‪ ..‬ال تنس الرسائل‬ ‫وتروح على خير‪"...‬‬ ‫والتليفون‪ ..‬ربي يخفف غربتك ّ‬ ‫أما أبوه‪ -‬الحاج الساسي التومي‪ -‬فقد عانقه‪ ،‬محاوال التصدي للدموع الطافرة‬ ‫بدون إرادة منه ‪" :‬أنا راض عنك‪ ...‬سأدعو لك في كل صالة‪ ...‬اهلل يكون في عونك‪..‬‬ ‫وان شاء اهلل وجهك مقابل الخير بجاه النبي البشير‪ ..‬حافظ على روحك وتفقد أوراقك‬ ‫وابعد على أصحاب السوء‪ ...‬وكل غريب يروح واعمل الباهي مع صاحبك القاوري‪..‬‬ ‫وال تغفل علينا‪."...‬‬ ‫أما سالمة وصبيحة فكانتا متعلقتين به وتقبالنه وهو يداعب شقيقتيه ويطمئنهما‬ ‫واعدا إياهما بهدايا كثيرة وثمينة‪..‬‬ ‫كان غارقا في التفكير والتأمل وهو يتابع أحيانا مشاهد ركاب الطائرة بين‬ ‫غائص في النوم أو متغزل بصاحبته‪ ،‬أو متناول لبعض المشروبات‪ ،‬أو متابع لمضيفة‬ ‫حسناء تتنقل‪ ،‬وتغدو جيئة وذهابا‪ ،‬أو غارق في قراءة كتاب أو جريدة‪ ،‬وللسفر طعم‬ ‫خاص‪ ،‬ورائحة خاصة وأجواء فريدة من نوعها‪ ..‬وله شعور جديد يكسر ما تعود به‬ ‫اإلنسان من سلوك وما علقت به من عادات وما التصقت به من رتابة‪ ...‬وها هو‪-‬‬ ‫لزهر‪ -‬يقدم على مغامرة لم تخطر على باله سابقا لوال الصدفة التي جمعته ذات مرة‬ ‫بالسائح السويسري في فندق كان يشتغل فيه بالحمامات‪ ،‬لقد أعجب به الرجل‪ ،‬وتحدث‬ ‫معه م اررا‪ ،‬فملك قلبه‪ ،‬وشغل باله‪ ،‬واهتم بأحاديثه وخصاله‪ ،‬فكانت المفاجأة باستدعائه‬ ‫إلى بلد البحيرات الجميلة‪ ،‬والمناظر الخالبة والمدن الحالمة‪ ،‬الناعسة في خواصر‬ ‫‪11‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫الجبال‪ ...‬ومن يدري فلعل الحظ سيسوق – شكرية‪ -‬أو – صبرةة‪ -‬وربما الشهلة إلى‬ ‫هذه البقاع الخالبة في وسط أوروبا‪ ..‬سيتغير لون البشرة وتتبدل تسريحة الشعر‪..‬‬ ‫وتتسلل األلوان واألصباغ إلى كل جزء من البدن‪ ..‬وسيحل لباس جديد يتماشى مع‬ ‫موضة العصر‪ ..‬وثياب تكشف عن مواقع ساخنة في الجسد‪ ..‬عراء اإلبطين أو‬ ‫مساحات من النهدين والفخذين‪ ..‬وال حرج من التدخين أو القبل العلنية أو حتى أشياء‬ ‫وممارسات أخرى‪ ،‬باسم التمدن والثقافة ومجاراة بعض سلوك المجتمعات الغربية‪..‬‬ ‫والتقليد األعمى الذي يزيغ عن الرشد والصواب‪ ..‬ربما يحدث هذا ألن – شكرية‪ -‬و –‬ ‫صبرة‪ -‬جاهزتان مسبقا لإلنجراف إلى هذا التيار وغير قادرتين على التجديف عكس‬ ‫مساره أو اعتراض أمواجه العاتية‪ ..‬أما – الشهلة‪ -‬فهي ال تجازف وال تنقاد كالنعجة‬ ‫التي ال حول لها‪ ،‬لقد عبرت في كثير من المواقف عن صمودها ومقاومتها‪..‬‬ ‫تذكر اللقاء األول ب ـ‪-‬شكرية‪ -‬على مشارف بئر عثمان‪ ..‬كانت ال تعرفه ولكن‬ ‫خفق قلبها لحبه بعد تلك القبلة الفائرة التي انتزعها منها لوال قدوم عجوز القرية المتسكع‬ ‫إلفساد المشهد‪ ...‬ولكن – بنور‪ -‬المفسد نغص عليه أحالمه وأصبح وجهه الدنيء‬ ‫يحوم دائما في مخيلته‪ ...‬فهذا الفتى دخل عالم – شكرية‪ -‬وهو ال ينثني عن مراودتها‬ ‫لإليقاع بها‪ ..‬إنه خنزير قذر ال يعرف حياء وال احتراما‪ ...‬أما – ثبرة‪ -‬فهي الفتاة‬ ‫اللعوب التي ال ترى حرجا في المداعبة والغزل ومشاكسة – بنور‪ -‬أو غيره‪ ..‬وهناك‬ ‫أخريات من عصافير بئر عثمان ولكل واحدة قصة‪ ...‬ها هي جبال الثلج ترفع‬ ‫هاماتها‪ ،‬وتثقب السحاب الذي تلتحفه‪ ..‬القمم الصخرية الناتئة تظل مطلة‪ ،‬مستيقظة‪،‬‬ ‫تالمسها أشعة هزيلة شاحبة‪ ،‬ثم تنكشف – زوريخ‪ -‬بسقوفها القرميدية المتالصقة‪،‬‬ ‫وتنبسط حولها بحيرتها الجميلة الحاملة‪ ..‬وفي المطار كان السيد السويسري في‬ ‫انتظاره‪ ..‬يا حظك يا –لزهر‪ -‬بن الحاج الساسي التومي‪ ..‬يا ولد منوبية الموشمة‪ ..‬هذا‬ ‫زمانك يفتح لط ذراعيه‪ ،‬ويحتضنك‪ ،‬ويضع التاج على رأسك‪..‬‬ ‫‪12‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫هذه البداية تفتح لك طريق المال والجاه‪ ،‬وتكسبك وجها آخر‪ ..‬وسلوكا جديدا‪،‬‬ ‫وتعلمك طريقة أخرى في الحياة‪ ..‬تغير يا لزهر‪ ،‬ها أنك تتجول في شوارع – زوريخ‪-‬‬ ‫بين الحافالت الكهربائية التي ما زالت محافظة وبقيت على حالتها منذ عقود من الزمن‬ ‫تجوب في الشوارع المبلطة بقطع االسمنت‪ ،‬وبين البنايات المصبوغة بألوان صفراء‬ ‫وآجرية‪ ،‬وفوق الجسور الصغيرة المترامية على النهر الملتوي الحالم وضفتيه المغرقتين‬ ‫في القدم‪ ..‬وصور الكنائس المتسامقة المسكوبة على صفحات الماء والمتمرغة فوق‬ ‫اللجج الرمادية المتواثبة‪ ،‬الجذالنة‪ ..‬أين عصافير بئر عثمان؟ أين شكرية ؟ أين صبرة؟‬ ‫وأين الشهلة؟ وأين بئر عثمان ؟ أين كل شيء اختفى ونأى عنك‪ ..‬وترامت البحار‬ ‫والجبال والسهول بينك وبين أهلك وعشيرتك وأحبابك‪ ..‬آه عليك‪ ..‬عندما كنت تعود من‬ ‫مدينة –الحمامات‪ -‬ويهيج بك الشوق لمالقاة أمك وأبيك وشقيقتيك وكل األقرباء وأنت‬ ‫تشق غابات الزيتون والقرى الصغيرة شرق صفاقس‪ ،‬يطالعك البحر في دعة وسكينة‬ ‫من بعيد‪ ..‬كنت ال تكف عن مشاهدة كل ما يعترضك‪ ..‬أو ما يبرز لك على حاشيتي‬ ‫الطريق‪ ..‬السيارات والدراجات‪ ،‬والعربات‪ ..‬الرعاة وأفواج الفالحين الرائحين إلى الحقول‬ ‫والمزارع‪ ،‬والعمال الذين يلتمسون الركوب للتنقل إلى مراكز عملهم‪ ..‬والبنات الغاديات‬ ‫إلى المعامل والمدارس‪ ..‬كنت تشعر بالفرحة كلما أحسست أن تغغيرات جديدة تحدث‬ ‫في هذه القرى الوديعة‪ ..‬كنت أسعد الناس لما ترى بأم عينيك إنجاز طريق جديد أو‬ ‫تشييد قنطرة أو بناء مصنع أو ارتفاع صومعة‪ ..‬ما أروع أن تستفيق هذه القرى‪،‬‬ ‫وتنهض‪ ،‬فيزداد نبضها‪ ،‬وينشط الدم في شرايينها‪ ،‬وتقف على قدم وساق مصممة على‬ ‫االنطالق ونبذ الكسل والسبات العميق‪ ..‬وأنت –يا لزهر‪ -‬في بالد أجنبية موكول إليك‬ ‫أن تكون مثاال في االستقامة والشعور بالواجب وحب العمل واإلخالص له‪ ..‬وأن تفكر‬ ‫في العودة المشرفة التي ترفع من مقامك وتجلب لك االحترام والتقدير‪ ..‬ال تخذل‬ ‫طموحك وال تتقهقر إلى الخلف‪ ..‬واصل‪ ..‬وال تنقطع عن أخبار قريتك‪ ..‬إن – بئر‬ ‫‪13‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫عثمان‪ -‬وطيورها المرفرفة ستبقى مستقرة في فكرك‪ ،‬راسخة في خيالك‪ ،‬وعالقة‬ ‫بأحاسيسك‪ ..‬كل شيء في القرية يزداد توهجا ووميضا‪ ..‬تذكر مطر المساء المنثال‪..‬‬ ‫والشآبيب التي تعفس فوق رؤوس الشجر‪ ،‬وتركض على سنابل القمح والشعير‪..‬‬ ‫والخطوات العجلى للنساء العائدات بحزم الحطب من المزارع‪ ..‬وعيون األطفال‬ ‫الملتمعة‪ ..‬ومشيء الرجال في الثنايا بالبالئز المشقوقة والسراويل العربية الفضفاضة‬ ‫المنتفخة‪ ،‬ورواد حانوت –صويلح‪ -‬وقد تحلقوا حول الكانون المتأجج والبراد األزرق‬ ‫الضخم في انتظار نضج الشاي وتوزيع الكؤوس القاتمة وهم يمزحون ويتندرون‬ ‫بحكايات مشوقة ومسلية بطلها – علي الغندور‪ -‬المهرج الشهير في األعراس‬ ‫والمناسبات أو – العم العكرمي‪ -‬سكير القرية وعربيدها الوديع المسالم‪ ..‬تذكر –‬ ‫الشهلة‪ -‬جارتك التي تخليت عنها وكانت تعقد أحالما وتبني طموحات كثيرة عليك‪...‬‬ ‫إن أول ومضة حب عرفتها في حياتها اشتعلت من قلبك ومن سحر عينيك‪ ،‬ولكنك‬ ‫صرفت النظر عنها وانشغلت بحب – شكرية‪ -‬أو – صبرة ‪ ..-‬كان من واجبك أن‬ ‫تتسامح معها‪ ..‬وأن تالطفها وأن تعتذر الحاسيسها التي ذابت في هواك‪ ..‬يا ولد‪..‬‬ ‫يجب أن تؤمن بالمكتوب‪ ..‬من كان يتصور أنك ستسافر‪ ..‬وتودع القرية كطائر الفجر‬ ‫يغادر وكره اآلمن الدافئ ليحلق في سماء بعيدة في اآلفاق النائية دون دراية هل سيعود‬ ‫أم يظل في غربته ومحنته‪ ...‬يطوي الفضاء تلو الفضاء ملتمسا األوبة لعله يهتدي إلى‬ ‫ضالته‪ ..‬ولكن كن رجال‪ ..‬كن سيدا شهما‪ ..‬وأمال مشعا في خاطر أبيك الحاج وأمك‬ ‫منوبية‪ ..‬ألم تقل لك وهي تعانقك وتودعك ‪:‬‬ ‫"الناس يقولو آش جاب موش قداش غاب‪."..‬‬ ‫أفهم جيدا هذه الوصية‪ ..‬ضعها نصب عينيك‪ ..‬أنقشها على الرخام‪ ..‬أكتبها‬ ‫وعلقها كتميمة‪ ،‬وال تنزعها من عنقك‪ ..‬صحيح إن سويس ار تستهويك‪ ،‬وتملك قلبك‪،‬‬ ‫وتخطف لبك ولكن ليست كل شيء‪ ..‬هنا في هذه األصقاع حيث تحف الجبال الملتفعة‬ ‫‪14‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫بالبياض بحيرات فسيحة‪ ،‬تلتصق في أبعادها القرى الحاملة‪ ،‬البهيجة‪ ..‬وترتسم على‬ ‫صفحاتها البلورية الملساء تشكيالت السحاب‪ ،‬وعندما يلطهخا المطر ويتنزل في برودة‬ ‫وشجن‪ ،‬تقشعر وجوهها وتتجعد تحت األكمات‪ ،‬واألدخنة الملتوية وهي تتصاعد في‬ ‫بطء وتكاسل‪ ،‬وتتراءى السفن البيضاء وهي تتزحلق على السطوح الزجاجية اللزجة‪،‬‬ ‫تغدو وتروح‪ ..‬تكبر وتصغر‪ ،‬تمأل وتفرغ‪ ..‬وأمام الحانة الخشبية التي تواجه المرفأ‬ ‫والتي يداعب الماء جنباتها في دعة ولطف‪ ..‬كان – لزهر‪ -‬جاثما على مقعده يراقب‬ ‫قدوم السفن القادمة محملة بالمسافرين من المدن المترامية في الضفاف األخرى‪،‬‬ ‫فيستقبلهم بالحفاوة والترحيب‪ ،‬وتهرع كل نادلة لالعتناء بالوافدين واعداد القهوة وتقديم‬ ‫أنواع الخمور‪ ،‬واألطعمة الساخنة‪ ،‬بينما يتلهى بتقديم الوصوالت وتسلم النقود وضبط‬ ‫الحسابات والمداخيل في صندوق الخزانة‪ ..‬هذا شغله الذي سطره له صديقه السويسري‪،‬‬ ‫وانفرد به متمي از على اآلخرين‪ ،‬ومنحه مق ار للسكنى محاذيا الحانة تتوفر فيه كل‬ ‫المرافق‪ ..‬الفراش الوثير وأجهزة التسخين وبيت الحمام وأمامه بهو ورواق يشرفان على‬ ‫البحيرة الناعمة المغموسة في الضباب‪ ...‬آه لو سافرت معه – شكرية‪ -‬وقاسمته العمل‬ ‫وهما يقضيان كامل اليوم في هذا المكان يساعدان بعضهما ثم يأويان كل مساء إلى‬ ‫هذا العش الدافئ ولكن – شكرية‪ -‬هل تصلح إلنجاز الرحلة معه ؟ لماذا ال تعوض‬ ‫بصبرة هذه الشيطانة الماردة ؟ أما القلب فقد خفق في البداية لشكرية وحدها وما زال‬ ‫النبض مستيقظا لم يكفن بالرماد ولم تخمد جذوته‪ ..‬إن شق اروات الحانة هل يساوين‬ ‫شيئا أمام جبروت مالمح شكرية وابتسامتها العذبة وحرقة عينيها وثورة شفتيها‬ ‫الصارختين بالشهوة‪ ..‬وقوامها المسبوك‪ ،‬المفم بالحيوية والرشاقة‪ ..‬أما –صبرة‪-‬‬ ‫المتوثبة‪ ،‬المندلعة فمن يضمن غخماد نيرانا وغطفاء لهيبها ؟‬ ‫تفاءلت مواعيد الحب حول بئر عثمان‪ ،‬بعد انتشار خبر سفر –لزهر‪ ..-‬البئر‬ ‫تغيرت صورتها‪ ..‬خزان حديدي في لون الرصاص جاثم على أعمدة اسمنتية صلبة‬ ‫‪15‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫متسامقة‪ ،‬يلمع من بعيد تحت أشعة الشمس‪ ،‬ومحرك مارد يقعقع طيلة اليوم الستخراج‬ ‫الماء‪ ..‬وانتزعت األعمدة الخشبية والمراود المتآكلة وعوضت بمنصة معدنية واقية ضد‬ ‫أي خطر كان يهدد الواردين‪ ..‬وما زالت الخيمة الخضراء منتصبة قرب البئر ألن‬ ‫األشغال متواصلة‪ ،‬والعمال يكدحون كامل النهار في خلط االسمنت‪ ،‬او بناء جدران‬ ‫البئر تحت اديم ٍ‬ ‫األض‪ ،‬والجبال تنزل وتصعد محملة بالسطول الضخمة واألثقال‪..‬‬ ‫والسيارات تغدو وتروح من أجل تفقد األشغال وايصال مواد البناء و –صويلح‪ -‬في‬ ‫حانوته يتعامل مع العمال بالليونة والتسهيالت‪ ..‬والمهندس –سي المخلوفي‪ -‬قد تخطى‬ ‫سن األربعين بقليل‪ ..‬ما زالت كهولته متأنية وملتصقة بالشباب‪ ،‬إنه شديد االعتناء‬ ‫بوسامته‪ ،‬وهو يميل إلى النحافة ويتمتع بجاذبية كبيرة وتناسق في كل شيء‪ ..‬وهو‬ ‫حريض على اناقته ونظافته‪ .‬وال يتصور أحد ان هذا الرجل سيهرم مستقبال‪ ،‬وسيعبث‬ ‫الزمن بلحيته القصيرة السوداء‪ ،‬وشعره الفاحم المتموج‪ ،‬وأنفه الدقيق‪ ،‬وعينيه العسليتين‪،‬‬ ‫وثغره المفتر عن أسنان منضودة‪ ،‬ناصعة‪ ،‬وابتسامته المعبرة‪ ،‬وهو يتأبط دفتره أو يعض‬ ‫على نظارته الشمسية السوداء‪ ..‬في كل يوم‪ ،‬وبدون وقت محدد‪ ،‬تطل سيارة –‬ ‫الندروفر‪ -‬من فوق التالل‪ ،‬ثم تعلو وتهبط وتلتوي مع الطريق البنية‪ ،‬وتقترب شيئا‬ ‫فشيئا‪ ،‬مثيرة الغبار خلفها‪ ،‬فتذروه الرياح وتدفعه إلى فوق‪ ،‬فيحجب أحيانا مرأى السيارة‪،‬‬ ‫ثم يتبدد وراءها ويتهاوى بعيدا وعلى مشارف البئر تسكن عجالتها‪ ،‬ليقفز –سي‬ ‫المخلوفي‪ -‬من الباب في خفة ورشاقة‪ ،‬فتنشط الحركة ويستنهض المقاول العمال‪ ،‬وقد‬ ‫اكتست وجوههم باإلرهاق‪ ،‬وهم يتمايلون‪ ،‬ويجرون أرجلهم جرا‪ ،‬وينحنون على الحجارة‬ ‫ثم يرفعونها نحو صدورهم في صبر ومشقة‪ ،‬وسي المخلوفي يشفق على كل واحد منهم‬ ‫عندما يشاهد ما يعانيه العامل من تحمل وأتعاب وقد تمزق قميصه وتبقع في موضع‬ ‫اإلبطين فاقدا لونه الناصع‪ ...‬وسي المخلوفي يتوقف أحيانا أمام حانوت – صويلح‪-‬‬ ‫فيهرع الحاضرون الستقباله بحفاوة بالغة‪ ،،‬ويفضون له مقعدا ويقدمون له الشاي‬ ‫‪16‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫فاستأنس بالمكان وأصبح يتردد عليه شارحا للناس قيمة المشروع وأهميته (‪ )...‬وتفجير‬ ‫الماء من بئر عثمان‪ ،‬وفي كل زيارة تتوطد العالقات وتقترب القلوب منه‪ ،‬ولكنه رغم‬ ‫ذلك ظل غامضا‪ ،‬ومضببا وكثرت األحاديث حوله وتباينت‪ ..‬قالوا أنه متزوج ومطلق‪..‬‬ ‫وقال آخرون أنه أعزب‪ ..‬وأنه وقع في حب – شكرية‪ ...-‬وقالوا أنه اعترض ذات مرة‬ ‫سبيل –صبرة‪ -‬واركبها معه في سيارته‪...‬‬ ‫كل هذا يحدث ولكن في بيت –الشهلة‪ -‬كانت الحركة غير عادية‪ ..‬نسوة‬ ‫ينظفن الحوش‪ ،‬ويكنسن الساحات المحيطة به‪ ،‬وال حديث بينهن سوى عن الخطبة‬ ‫الجديدة والعرس الذي يظل على األبواب‪ ..‬وها هو – سي المخلوفي‪ -‬يزيح الغطاء‬ ‫ويصرح بالحقيقة ويعلن الزفاف بالشهلة‪..‬‬ ‫النسوة يتناوبن على الغناء بأصواتهن الشجية‪ ..‬والبنات يرقصن ويتفكهن ويلقين‬ ‫بنظراتهن البراقة نحو الشبان البارزين بكل جرأة‪ ..‬والصبية يعدون في كل مكان‪،‬‬ ‫يجرون وراء بعضهم‪ ..‬يقفزون‪ ..‬يتراشقون‪ ..‬يتشابكون‪...‬‬ ‫ العم العكرمي‪ -‬سكران‪ ..‬بيده قارورة خمر وهو يتسول للنسوة أمام المطبخ‬‫لمده بقليل من العصبان إلتمام السكرة‪ ..‬ولن يرحل من أمام الباب إال بعد تلبية‬ ‫مطلبه‪ ..‬هو رجل مسالم جدا ومحبوب أيضا رغم مصيبته في اإلدمان على شرب‬ ‫الخمر ولكنه محنته ال تتجاوز النشوة والعيش مع بنت الكرمة‪ ،‬ولم يكن معاديا أو‬ ‫مشاكسا‪ ،‬وربما لم تنتبه إليه النساء المنشغالت بالطبخ والتنظيف وغسل الماعون‪ ،‬وبقي‬ ‫مدة وهو ملتصق بالباب‪ ،‬يتابع بعينيه الملتهبتين‪ ،‬المنتفختين ‪-‬بمفعول الشراب‪ -‬حركة‬ ‫النسوة ويستعطفهن منتفا لحيته الشعثاء بشيء من القلق والتوتر ويحك بين الفينة‬ ‫واألخرى صلعته الصهباء الملتمعة تحت الضوء وشعره الوحشي في قفا الرأس‪ ..‬وكانت‬ ‫شفتاه المتورمتان ترتعشان تحت الشاربين المهملين القذرين والملطخين بالخمر وبقايا‬ ‫الطعام‪ ..‬ولم يغادر المكان إال بعد ان عطفت عليه عا\شة أم – شكرية‪ -‬ومدته‬ ‫‪17‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫بالطعام فانسحب داعيا لها بالخير‪ ،‬رافعا قارورته المضيئة صائحا بصوت مرتفع ولكن‬ ‫اللكنة –الناتجة‪ -‬عن فمه األدرد عطلته عن الكالم شيئا ما‪ ،‬ولم يفصح إال بصعوبة‬ ‫وهو يقول ‪" :‬برافو لعيشوشة‪ ..‬برافو للحنينة‪ "..‬ويشق ساحة الحوش بين الصبية والبنات‬ ‫والنساء في سعادة ال حدود لها بما عنفه ويحمله في ديهي‪..‬‬ ‫وفي زاوية أخرى من الحوش‪ ..‬تعالى الهاتف وارتفع التصفيق‪ ،‬بين منشط‬ ‫ومهرج ومنتش ومعربد حول (علي الغندور‪ -‬الذي شمر عن ساقيه‪ ،‬وكب شاشيته إلى‬ ‫األمام وهو يرقص بالبارودة في انتشاء وسعادة‪:‬‬ ‫'يا أمه لسمر دوني‪...‬‬ ‫محبس قرنفل في جنان الرومي‪..‬‬ ‫عالش يا زماني عالش‪....‬‬ ‫و‪ -‬صويلح‪ -‬يحمل طبق الشاي بيد واحدة‪ ،‬متمايال به دون ان يتدرحرج من‬ ‫فوق أصابعه‪ ،‬ويتفقد الحاضرين واحدا واحدا ثم يعود بالكؤوس ليواصل مهمته‪ ،‬ومشموم‬ ‫الياسمين على أذنه تفوح منه الروائح العطرة‪ ،‬فتخطفه منه – شكرية‪ -‬وتشمه ثم ترشقه‬ ‫بين نهديها المكورين الصلبين وهي في رقصتها تنط هنا وهناك وجمع من الشبان‬ ‫يرددون بأصوات مبحوحة‪ ،‬ركيكة ‪:‬‬ ‫"يا اللي رشقت المشموم‬ ‫يا دايخة كي جاك النوم‪"...‬‬ ‫أما صبرة فهي تدور كالنحلة‪ ،‬محركة صدرها في خفة ورشاقة‪ ،‬ثم تحوم حول‬ ‫صويلح مائلة‪ ،‬مسترخية لتنهب شاشيته وتضعها على رأسها في أبهة وكبرياء‪ ..‬واذا‬ ‫بكل العيون تتجه نحوها‪ ،‬وتمتد األعناق الستراق بعض المشاهد المثيرة اله اززة وكلهم‬ ‫يعبرون عن إعجابهم بحسنها وقدها المليح ووجهها الفتان‪...‬‬

‫‪18‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫وتتعالى الزغاريد من كل صوب‪ ،‬مولولة‪ ،‬صائتة‪ ،‬تتناغم أصداؤها فوق الجدران‬ ‫وفي سماء الحوش‪ ...‬و‪ -‬عمي العكرمي‪ -‬يكمل في –الكروسة‪ -‬وهو يتبقع تحت‬ ‫األضواء المتحركة‪ ،‬ويمرر ذراعه على شاربيه لمسحهما ثم يلقي بالقارورة الفارغة‪،‬‬ ‫ويتعمد على يديه ليقف بصعوبة ويتوجه إلى الجمع مترنحا‪ ،‬متهالكا‪ ،‬مخلع القميص‪..‬‬ ‫باحثا عن المطبخ من جديد‪...‬‬ ‫مرت سنوات بفصولها وأحالمها‪ ..‬واختفت عصافير بئر عثمان‪ ..‬رحلت –‬ ‫الشهلة‪ -‬مع –سي المخلوفي‪ -‬إلى – بنزرت‪ ،‬وتالشت أخبارها‪ ...‬وهاجرت –صبرة‪-‬‬ ‫دون عودة‪ ،‬أما –شكرية‪ -‬فقد غادرها الزمن بوفاة زوجها الذي لم تنجب منه وبقيت في‬ ‫القرية تحلم بفتى بئر عثمان‪ ،‬لعله يعود إليها من جديد فترفرف معه فوق ذلك المكان‬ ‫الذي عرف أول قصة حب‪ ،‬وأشهي قبلة تذوقتها في حياتها‪ ..‬هل ما زال –لزهر‪-‬‬ ‫يتذكرها‪ ...‬هل يحن إلى البئر وحانوت‪ -‬صويلح‪ -‬واألحواش والى معابر القرية‪...‬‬ ‫ربما‪ ...‬ال تدري هل يتحقق هذا الحلم‪ ..‬كانت تسير في عجالة تشد ثيابها المتطايرة من‬ ‫قوة الرياح‪ ...‬حشرجت بصوت خفيض‪ ..‬نظرت حولها‪ ...‬وأطلقت نظرة مشعة إلى‬ ‫السماء‪ ..‬ما زالت –شكرية‪ -‬رخوة حتى أن ابيضاض لحمها بدا مشعا‪ ،‬شفافا كأنه‬ ‫مضاء من الداخل بأنوار قد اخترقته وتسربت إليه‪ ..‬لم يفلح الزمن في اإلطاحة بها او‬ ‫استراق جمالها كأنه يخبئ ما تبقى من حسنها في انتظار عودة – لزهر‪ -‬الذي طالت‬ ‫عزبته في بلد البحيرات الناعسة الجميلة‪...‬‬

‫لإلستماع إلى راديو قمر تونس على‬ ‫الانترنت يرجى الدخول عبر الرابط التالي ‪:‬‬ ‫‪http://www.radioline.co/listen-to--6409.html‬‬

‫‪19‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬

‫ذكريات مع عالمة املغرب العربي‬ ‫أبو القاسم محمد كرو‬ ‫بقلم ‪:‬‬ ‫تعرفت ألول مرة على األستاذ والباحث والمؤرخ‬

‫الكبير األول أبو القاسم محمد كرو خالل شهر‬ ‫أفريل من سنة ‪ 1962‬بمناسبة انتظام الدورة األولى‬ ‫لملتقى ابن منظور بمدينة قفصة وكان أول ملتقى‬ ‫تنظمه و ازرة الثقافة يحمل اسم علم من األعالم‪،‬‬ ‫ويجمع نخبة من الباحثين والدارسين حول محور‬

‫معين يختص به ذلك الملتقى‪.‬‬

‫وطبيعي جدا أن يدور المحور األول لملتقى ابن‬

‫منظور‬

‫صاحب‬

‫لسان‬

‫العرب‬

‫حول‬

‫اللغة‬

‫واشكالياتها إلى جانب مجموعة من االهتمامات‬ ‫األخرى منها التاريخي ومنها األدبي‪.‬‬

‫وكان من بين المشاركين في تلك الدورة االولى التي صدرت أعمالها فيما بعد في كتاب‬

‫عن دار المغرب العربي األساتذ محمد اليعالوي وعبداهلل كانون المغربي والشاعرة‬

‫الفلسطينية سلمى خضراء الجيوسي ومحمد حسين فنطر وغيرهم‪ ..‬كنا نحن تالميذ‬ ‫نزاول دراستنا بقفصة وفي نفس الوقت أعضاء في النادي األدبي ابن منظور برئاسة‬

‫أستاذنا عبدالعزيز فاخت ووجهت لنا الدعوة لحضور الملتقى ومواكبته‪ .‬وكانت أول مرة‬ ‫أتعرف فيها على األستاذ الجليل أبو القاسم محمد كرو‪ ،‬الذي رحب بنا وأجلسنا في‬

‫الصف األول مع ضيوف الملتقى‪ ..‬وحرصت على توطيد صلتي به منذ ذلك اليوم‪...‬‬ ‫‪20‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫وأشهد أني غنمت من صحبته الكثير وله أفضال كثيرة علي ال بد أن أذكرها للتاريخ‪.‬‬

‫فقد رعاني أدبيا وكان يؤمن بموهبتي ويقدر نشاطي اإلعالمي والثقافي‪ .‬وبقينا لسنوات‬

‫على اتصال عن بعد‪ ،‬إلى أن أصبحت أشتغل في الصحافة فحرصت على زيارته‬

‫وكنت في كل مرة آتي فيها إلى العاصمة أحرص على حضور مجلسه بمقى أفريكا‬

‫بالعاصمة الذي كان يضم مجموعة من الكبار في مجاالت مختلفة كالصحافة والمحاماة‬ ‫والقضاء واألدب‪ ...‬وغنمت منه كثي ار وأذكر أنه أخذني ذات مرة إلى زيارة مقر دار‬ ‫المغرب العربي بنهج شارل ديغول حيث توجد مكتبته الشهيرة وأهداني مجموعة من‬

‫كتبه ومن إصدارات سلسلة كتاب البعث التي أسسها في الخمسينات من القرن الماضي‬ ‫وصدرت منها عدة كتب لكتاب تونسيين وعرب مثل محمد مزالي وناجية ثامر وسليمان‬

‫مصطفى زبيس وأبو القاسم كرو وعبداهلل شريط وغيرهم‪...‬‬ ‫تأسيس ملتقى أبو بكر القمودي بسيدي بوزيد‬

‫حدثني في إحدى لقاءاتي معه وكان يشرف على إدارة الملتقيات الثقافية باللجنة الثقافية‬

‫الوطنية عن اعتازم الو ازرة تأسيس ملتقى ثقافي سنوي بسيدي بوزيد وأذكر أنه أبلى‬ ‫البالء الحسن في إقناع أهالي سيدي بوزيد ومسؤولياتها آنذاك بإطالق اسم أبو بكر‬ ‫القمودي على هذا الملتقى باعتباره أحد أبناء قمودة وكان يشتغل في دار الصرف في‬

‫العهد األغلبي‪.‬‬

‫وفعال نجح في ذلك وانتظم الملتقى ألول مرة سنة ‪ 1966‬وجمع نخبة من الباحثين‬

‫الكبار مثل المؤرخ مسعود الشابي وأبو القاسم كرو ومحمد البعالوي وغيرهم الذين ألقوا‬ ‫محاضرات قيمة في الملتقى‪ ،‬وكانت محاضرة األستاذ أبو القاسم محمد كرو حول أعالم‬

‫سيدي بوزيد قديما وحديثا‪.‬‬

‫ومما أذكره انني أرسلت له عن طريق البريد نص محاضرة حول اإلعالم الفالحي ودوره‬

‫في التنمية فبرمجها ضمن محاضرات الملتقى‪ .‬وكان ذلك في الدورة الثانية من هذا‬

‫الملتقى‪.‬‬

‫‪21‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬

‫تأسيسه لمجلة الثقافة ‪:‬‬

‫في إحدى لقاءاتي به حدثني عن تأسيسه لمجلة الثقافة في الستينات وهي مجلة ثقافية‬ ‫شهرية أصدر منها ستة أعداد منها عددان مزدوجان وتوقفت نتيجة صعوبات مادية‪،‬‬

‫كما ذكر لي أن صاحب مجلة الفكر محمد مزالي حاول عرقلة مسار هذه المجلة ألنها‬

‫في اعتقاده تضيق الخناق على مجلة الفكر‪ ،‬فاضطر إلى قطع صدورها‪ .‬وقد مكنني‬ ‫من األعداد الستة التي صدرت من المجلة وعندما انتجت برنامجا في إذاعة صفاقس‬

‫يعنى بالمجالت القديمة خصصت حلقة من هذا البرنامج للحديث عن مجلة الثقافة كما‬

‫نشرت نصها بكتابي "مدخل إلى تاريخ الثقافة في تونس – مجالت أفلت"‪.‬‬ ‫ترشيحي ألكون ضمن وفود ثقافية في الخارج‬

‫من أفضال الراحل علي أن رشحني سنة ‪ 2112‬ألكون ضمن الوفد الثقافي التونسي‬

‫إلى احتفالية مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين لإلبداع الشعري بمرور ستين سنة‬

‫على رحيل الشابي التي انتظمت بمدينة فاس المغربية‪ ،‬وأذكر أن تلك الزيارة فتحت لي‬

‫الباب ألكون باستمرار ضمن الوفود الثقافية المدعوة من قبل مؤسسة البابطين لحضور‬ ‫ندواتها الثقافية بعدة عواصم عربية مثل المنامة والجزائر والكويت وبيروت‪.‬‬

‫التاريخ السري للثقافة‬

‫اقتربت من الرجل كثي ار وجدتني في أكثر من مناسبة عن احتفاظه بأسرار خطيرة عن‬ ‫الواقع الثقافي في تونس وهو أحد الشهود الكبار عن حياتنا الثقافية من الخميسنات إلى‬

‫اليوم‪ ،‬وقال لي أنه أعد كتابا بعنوان "التاريخ السري للثقافة" أوصى بنشره بعد وفاته‪.‬‬ ‫حارس الذاكرة الثقافية‬

‫أذكر أني كتبت عنه مقاال سنة ‪ 2118‬بعنوان "حارس الذاكرة الثقافية" نشرته بالملحق‬

‫الثقافي بجريدة الحرية فاتصل بي وشكرني وأضاف لي ببعض المعلومات‪ ..‬وقد نشر‬ ‫هذا الملحق في موسوعة حصاد العمر التي صدرت في ستة أجزاء وحصد فيها عمره‬

‫كامال كما قال هو‪.‬‬

‫رحم اهلل األستاذ أبو القاسم محمد كرو فقد فقدنا برحيله أحد رجاالت تونس الكبار وأحد‬

‫أبرز وأشرس مثقفيها وكتابها وهو عالمة المغرب العربي بال منازع‪.‬‬ ‫‪22‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬

‫أعالم معاصرون‬ ‫األديب الراحل أبو القاسم محمد‬ ‫كرو‪ ...‬في رحلة األدب والتأليف‬ ‫بقلم ‪ :‬أبو أسامة‬ ‫فقدت تونس يوم ‪ 8‬أفريل ‪ 2110‬أحد أعالمها وكتابها الكبار الباحث والمؤرخ واألديب‬ ‫أبو القاسم محمد كرو‪ ،‬الذي انتقل إلى رحمة اهلل عن سن تناهز الواحدة والسبعين‬ ‫عاما‪.‬‬ ‫ويعد األديب الراحل أبو القاسم محمد كرو‪ ،‬من أغزر كتاب تونس والمغرب العربي‬ ‫تأليفا وانتاجا واصدا ار للكتب‪ ،‬فقد فاق عدد كتبه المنشورة المائة كتاب في أغراض‬ ‫ثقافية مختلفة‪ ،‬تجمع بين األدب كتابة ونقدا والتاريخ تحقيقا وتأليفا والعمل الموسوعي‬ ‫والرسائل وتراجم اإلعالم والسير وله في كل هذه األلوان تآليف عديدة ومصنفات منشورة‬ ‫مشهورة‪.‬‬ ‫ولد األستاذ األديب الراحل أبو القاسم محمد كرو بمدينة قفصة سنة ‪ 1928‬وهو أحد‬ ‫أعالمها الكبار وأبنائها البارزين وهو الذي كتب عنها وعن أعالمها مثل التيفاشي‬ ‫القفصي وابن منظور وغيرهما مئات الدراسات‪ ...‬وأسس األستاذ أبو القاسم محمد كرو‬ ‫بمدينة قفصة سنة ‪ 1981‬جمعية شباب ابن منظور القفصي التي كانت تضم خيرة من‬ ‫شباب قفصة في ذلك الوقت وكانت لها نشاطات متنوعة في األدب والفن والمسرح‬ ‫والقاء المحاضرات وكان من العناصر البارزة لهذه الجمعية المرحوم الحسين بوزيان‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫رحلته إلى الشرق‬ ‫في سنة ‪ 1984‬هاجر أبو القاسم محمد كرو‬ ‫إلى الشرق وكان يعتزم المشاركة في الجهاد من‬ ‫أجل تحرير فلسطين وذلك عبر ليبيا ب ار ولكن‬ ‫فحول رحلته إلى‬ ‫لم يكتب لهذه الرحلة أن ّ‬ ‫تتم ّ‬ ‫مصر والتحق هناك بمكتب المغرب العربي‬ ‫حيث تعرف على المرحوم الحبيب ثامر الذي‬ ‫وجهه لإللتحاق بالكلية العسكرية ببغداد في‬ ‫العراق‪.‬‬ ‫وبعد عام من الدراسة التحق بدار المعلمين العليا حيث زامل عددا من أعالم األدب‬ ‫والشعر مثل عبدالوهاب البياتي ونازك المالئكة‪.‬‬ ‫وكان لألستاذ أبو القاسم محمد كرو في دار المعلمين العليا ببغداد نشاط ثقافي غزير‬ ‫فهو يلقي المحاضرات ويساهم في األمسيات الشعرية والندوات األدبية وحصل من هذه‬ ‫الدار على اإلجازة في اللغة واآلداب العربية ليعود إلى تونس ويحظى باستقبال ثقافي‬ ‫كبير من قبل رابطة األدب الجديد في بداية الخمسينات من القرن الماضي‪.‬‬ ‫صداقته لعدد كبير من أدباء المشرق والمغرب‬ ‫ال يوجد كاتب في تونس له من العالقات مع األدباء والكتاب في المشرق والمغرب مثل‬ ‫األستاذ أبو القاسم محمد كرو وصداقاته لهؤالء األدباء يستفيد منها هو كما يستفيد منها‬ ‫الطرف الثاني وله مئات ألن الرسائل المتبادلة بينه وبين هؤالء األدباء والكتاب‪ ،‬وقد‬ ‫نشر بعضها في موسوعة‪ :‬حصاد العمر‪ ،‬ونجد رسائل ألدباء كبار من الشرق والمغرب‬ ‫مثل مخائيل نعيمة وشوقي بغدادي‪ ،‬وشوقي ضيف ونازك المالئكة ووديع فلسطين‬ ‫‪24‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫وسلمى خضراء الجيوسي وعبداهلل كانون‪ ،‬وعبداهلل العروي‪ ،‬وعيسى الناعوري‬ ‫وعبدالوهاب البياتي ونازك المالئكة وغيرهم‪...‬‬ ‫كتابته للشعر الحر‬ ‫ال يعرف الكثيرون أن أبا القاسم محمد كرو كتب الشعر في بواكير حياته‪ ،‬وكتب‬ ‫القصيدة الحرة أو المرسلة‪ ،‬ربما حتى قبل نازك المالئكة التي كانت زميلته في دار‬ ‫المعلمين العليا ببغداد‪ ،‬وقد كتب األستاذ أبو القاسم محمد كرو مجموعة من األشعار‬ ‫والقصائد التي نشرها في كتاب صغير الحجم صدر ضمن سلسلة كتاب البعث التي‬ ‫أسسها بعنوان "كفاح" و "حب" وكان ذلك سنة ‪ .1904‬وقد خصه الكاتب الكبير‬ ‫مخائيل نعيمة برسالة تضمنت شهادته حول هذه األشعار حيث قال في رسالته مخاطبا‬ ‫إياه "لقد وجدتك في بعض أشعارك تحاكي ألسلوب جبران خليل جبران ولكن لك‬ ‫أسلوبك المتميز في كل ما كتبت"‪.‬‬ ‫تأسيسه لسلسلة كتاب البعث‬ ‫عاد األستاذ أبو القاسم محمد كرو من بغداد متشبعا بثقافة شرقية عميقة‪ ،‬وخاصة منها‬ ‫الثقافة العراقية‪ ،‬عاد متحر ار من أفكار عديدة جعلته في كل مسيرته مثاال لإلقدام‬ ‫والشجاعة‪ ،‬وابداء الرأي دون خوف أو وجل ورغم اشتغال األستاذ أبو القاسم محمد كرو‬ ‫إثر عودته من الشرق أستاذا للغة العربية بالمعاهد الثانوية فإن توجهه السياسي حرمه‬ ‫من الوظيف الرسمي في الحكومة وكان يشتغل في و ازرة الثقافة بصفة متعاقد‪.‬‬ ‫أسس في أواخر الخمسينيات سلسلة كتاب البعث الشهيرة‪ ،‬وهي سلسلة تمتاز بطرافتها‬ ‫وثمنها الزهيد وتنوع محتواها من كتاب إلى آخر‪ .‬ولكن يبدو أن البعض لم يعجبه نجاح‬ ‫السلسلة فضربها وتوقفت عن الصدور وقد نشر في هذه السلسلة أبرز الكتاب مثل‬ ‫محمد مزالي كتابه عن الديمقراطية وسليمان مصطفى زبيس وناجية ثامر وعبداهلل شريط‬ ‫وأبو القاسم محمد كرو‪ .‬وبعد أن توقفت سلسلة كتاب البعث أصدر األستاذ أبو القاسم‬ ‫‪25‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫محمد كرو مجلة الثقافة سنة ‪ 1911‬وأصدر منها ستة أعداد منها عدد مزدوج‪ ،‬أي‬ ‫عددان في عدد واحد‪ .‬ويقال أن أطرافا عديدة حاربت هذه المجلة أيضا فتوقفت عن‬ ‫الصدور‪.‬‬ ‫تأسيسه لدار المغرب العربي‬ ‫دارر للنشر وهي دار المغرب العربي التي أصدرت‬ ‫ا‬ ‫أسس األستاذ أبو القاسم محمد كرو‬ ‫العديد من الكتب والتآليف في مجاالت األدب والتاريخ والسياسة‪ ،‬وحتى الفن ضمن‬ ‫سلسلة نجوم الفن التي أسسها أيضا وأصدرت كتبا عن الفنانة علية والفنان علي‬

‫الرياحي‪ .‬وقد أهداني الراحل مجموعة من هذه الكتب ومنها الكتاب الخاص لعلي‬ ‫الرياحي‪ ،‬ومن إصدارات دار المغرب العربي سلسلة كتب ملتقيات ابن منظور بقفصة‬

‫وسلسلة كتب عن الشابي وموسوعة الشابي التي صدرت في ستة أجزاء وأصدرتها‬

‫مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين لإلبداع الشعري بالكويت‪.‬‬

‫تأسيسه لجمعيات ثقافية‬

‫مثلما أسلفنا القول‪ ،‬فإن األديب الراحل أبو القاسم محمد كرو يعتبر من رواد العمل‬

‫الجمعياتي في تونس من خالل تأسيسه لجمعية ابن منظور القفصي سنة ‪ ،1981‬وهو‬ ‫عضو مؤسس لعديد الجمعيات الثقافية ومنها خاصة اتحاد الكتاب التونسيين الذي يعد‬

‫الراحل احد مؤسسيه الب ارزين مع المرحوم محمد مزالي والشاذلي القليبي والمرحوم محمد‬

‫العروسي المطوي‪ ...‬وقد أطلعني شخصيا على وثيقة التأسيس ومحضر الجلسة‪.‬‬ ‫عالقة أبو القاسم محمد كرو بأبي القاسم الشابي‬

‫يكون الحديث عن األديب أبو القاسم محمد كرو منقوصا ومبتو ار إذا لم نتحدث عن‬

‫عالقته بأبي القاسم الشابي‪ ،‬شاعر تونس الخالد‪ ،‬وهو الذي قال عنه "إنه الشاعر‬ ‫التونسي الوحيد الذي أحببته وأعجبت بشعره ونذرت حياتي لكي أعرف به وبشعره في‬

‫المشرق والمغرب"‪.‬‬

‫وفعال فإن أبا القاسم محمد كرو يعد أبرز باحث تونسي على االطالق عرفبالشابي‬ ‫وبشعره وأصدر عنه عشرات الكتب‪ ،‬تأليفا وتجميعا وبحثا وتدقيقا‪ ،‬أي أن في هذه‬

‫الكتب ما هو من تأليفه وما هو من جمعه ومراجعته وما هو من تحقيقه وتدقيقه‪.‬‬ ‫‪26‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫وقد توجت هذا العالقة مع شاعر إرادة الحياة بإصدار موسوعة الشابي العظيمة في‬

‫ستة أجزاء عن مؤسسة البابطين لإلبداع الشعري وهي أول موسوعة تتناول الشابي من‬

‫جوانب عديدة شع ار وبحثا وتدقيقا وهي تضم أيضا اليوم صور طريفة ونادرة ألول مرة‬ ‫عن كاتب عربي وتونسي ولألستاذ أبو القاسم محمد كرو الفضل في إصدار هذه‬

‫الموسوعة العظيمة‪.‬‬ ‫كتبه ومؤلفاته‬

‫أصدر األستاذ أبو القاسم محمد كرو ما يزيد عن المائة كتاب بدءا بكتابه األول ماي‬

‫شهر الدماء والدموع في المغرب العربي وكتابه "كفاح" و"حب" الذي يضم أشعاره‬ ‫وكتاب "هاتف للجمهورية" ولعل أشهر هذه الكتب وأوفاها هو موسوعة حصاد القمر‬

‫التي صدرت في ستة أجزاء‪ .‬كما أصدر الراحل كتبا مرجعية عن زيارة طه حسين إلى‬

‫تونس وعالقته بالمغرب العربي والشاعر عبدالوهاب البياتي وابن خلدون وكتاب تراجم‬

‫ويعد األستاذ الراحل أبو القاسم محمد كرو‪ ،‬من رواد‬ ‫قصيرة وعديد التآليف األخرى‬ ‫ّ‬ ‫العمل الثق افي في تونس وهو مؤسس سلسلة الملتقيات الثقافية الجهوية بو ازرة الثقافة‬ ‫وأشرف عليها لسنوات‪ ،‬كما أنه يعد أكبر كتاب تونس وأدبائها توثيقا للذاكرة الثقافية‬

‫على امتداد أكثر من نصف قرن‪ ،‬وهو أيضا عضو بعديد المجامع اللغوية وعضو‬

‫مجلس أمناء مؤسسة البابطين لإلبداع الشعري بالكويت وكان مدي ار لمكتبها بتونس‪ .‬وقد‬ ‫حصل في حياته على عديد الجوائز التونسية والعربية ومنها جائزة الدولة التقديرية في‬

‫اآلداب‪ ،‬والصنف األول من الوسام الثقافي وجائزة المغرب العربي‪ .‬كما أقامت له‬ ‫مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين لإلبداع الشعري احتفالية تكريمية خاصة‬

‫وأصدرت له كتابا تكريميا ضم شهادات وصور‪ .‬ولقد فقدت تونس برحيله أحد أدبائها‬

‫وكتابها الكبار ومؤرخيها البارزين‪.‬‬

‫‪27‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬

‫بحوث ودراسات‬ ‫إعـــــــــــــــالم‬ ‫بقلم ‪ :‬محمود بن صالح‬

‫وظيفة الصحافة بين اإلعالم واإلبداع‬ ‫لست أزعم أنني سأضيف جديدا‪ ،‬إلى كل ما يعرفه كل واحد في هذا الموضوع الحساس‬ ‫ونعني به العالقة القائمة بين اإلعالم واالبداع في وظائف وسائل اإلعالم‪.‬‬ ‫ذلك أن الدراسات في هذا الباب ضنينة‬ ‫وليست متوفرة دائما بالقدر الكافي خاصة‬ ‫على المستوى العربي‪ ،‬وقد يكون ذلك‬ ‫راجعا إلى عدة عوامل‪ ،‬أهمها صعوبة‬ ‫البحث في هذا الباب لندرة المراجع‬ ‫العربية باألساس‪.‬‬ ‫ذلك أن التجربة العربية في هذا المحور‬ ‫ما زالت غضة بالمقارنة مع مثيالتها في‬ ‫البلدان الغربية التي يبقى لها قصب الريادة‬ ‫في هذا المحور‪.‬‬

‫‪28‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫ولكن المتأمل في التجربة التونسية تحديدا في موضوع االعالم واالبداع في وظائف‬ ‫وسائل االعالم‪ ،‬يقف على خصوصية هذه التجربة وطرافتها وتميزها واكاد أقول على‬ ‫نضجها المبكر بالمقارنة مع التجارب العربية األخرى‪.‬‬

‫لقد صدرت أول صحيفة تونسية في ‪ 22‬جويلية ‪ 1411‬وهي جريدة "الرائد التونسي"‬ ‫وتصدر اآلن بعنوان الرائد الرسمي للجمهورية التونسية‪.‬‬ ‫وعرفت بالدنا نهضة صحفية ممتازة من سنة ‪ 1411‬إلى سنة ‪ ،1901‬حيث ظهر‬ ‫خالل هذه الفترة ما ال يقل عن ‪ 214‬عناوين باللغة العربية إلى جانب ما صدر من‬ ‫دوريات باللغة الفرنسية ال يقل عددها عن ‪ 101‬عنوانا‪.‬‬ ‫صحافة أدبية وثقافية‬ ‫وقد تنوعت أغراض واهتمامات هذه الدوريات بين ثقافية وفنية واجتماعية ورياضية‬ ‫واقتصادية وسياسية ونقابية‪ ،‬ولعلي أذكر من عناوين هذه الصحف ‪ :‬مجلة "صالح‬

‫المجتمع" وهي مجلة فكاهية شهرية أصدرها محمود بن الحاج محمد المهيري من أفريل‬ ‫‪ 1924‬إلى ‪ 1929‬ومجلة "الكشكول" وهي جريدة أدبية فكاهية سياسية أسبوعية‬ ‫‪29‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫صدرت في ‪ 19‬أكتوبر ‪ 1926‬بصفاقس وأصدرها حسن العيادي‪ ،‬وجريدة "الفلم الحر"‬ ‫وهي جريدة أسبوعية تتكلم في كل شيء كما جاء في عنوانها وصدرت في ‪ 11‬ماي‬

‫‪ 1926‬وتواصل صدورها إلى ‪ 22‬نوفمبر ‪ 1924‬كما أذكر "الراديو والسينما" التي‬

‫أسسها وأصدرها محي الدين بن عيسى من ‪ 21‬جوان ‪ 1924‬إلى ‪ 1929‬و"القيروان"‬ ‫وهي جريدة إصالحية ادبية فكاهية أسبوعية تصدر بالقيروان وصدرت في ‪ 16‬أوت‬

‫‪ 1921‬إلى ‪ 24‬ديسمبر ‪ 1928‬وأدارها عمر الفجرة ثم الجيالني الحمار و"البدروهي"‬

‫لصاحبها محمد العربي المشيرقي‪.‬‬

‫لقد لفت نظري وأنا أراجع قائمة هذه العناوين الصاق صفة أدبية بجل العناوين التي‬

‫صدرت خالل هذه الفترة‪.‬‬

‫وهو ما يؤكد أن هذه الصحف والمجالت قامت بدور كبير ال يمكن إنكاره في تنشيط‬

‫الساحة الفكرية والثقافية واألدبية ببالدنا على امتداد ما يزيد عن نصف قرن وساهمت‬

‫في بروز أقالم عديدة وكانت وراء عطاءاتها‪.‬‬

‫فلقد أحصيت صفة "أدبية" التي كان أصحاب وباعثو هذه الصحف يحرصون على‬

‫إضافتها إلى مجالتهم وصحفهم التي أصدروها في ما ال يقل عن ‪ 121‬عنوانا‪ ،‬أما إذا‬

‫أقحمنا في هذا االحصاء الصحافة الضاحكة أو الصحافة الفكاهية‪ ،‬على أساس أن‬ ‫الفكاهة جنس من أجناس األدب‪ ...‬فإننا نصل إلى ما ال يقل عن مائتي عنوان وأكثر‪،‬‬ ‫ولعلي أبادر إلى القول هنا أن الصحافة الفكاهية أو الصحافة الهزلية التي ال نكاد نعثر‬

‫لها على أثر االن في بالدنا كانت مزدهرة ازدها ار كبي ار في فترة الثالثينات واالربعينات‬

‫وحتى الخمسينات والى حد بداية الستينات ومن الصحف الهزلية والتي اختصت في‬

‫األدب الفكاهي في بالدنا‪ ،‬نذكر "الرقيب" وقد صدرت في ‪ 21‬أكتوبر ‪ 1984‬وجاء في‬ ‫تعريفها أنها "جريدة أسبوعية فكاهية انتقادية"‪ ،‬و"بالمكشوف" اتي صدرت في ‪ 14‬مارس‬

‫‪ 1901‬لصاحبا الطاهر الزقناني و "المنتقد" التي صدرت في ‪ 11‬ديسمبر ‪1924‬‬

‫و"صبرة" التي جاء في تعريفها انها "جريدة أسبوعية تصدر مازحة عابثة" أسسها‬ ‫الطاهر زروق وصدر عددها األول في ‪ 11‬مارس ‪ 1926‬و"األنيس" وهي جريدة‬ ‫فكاهية انتقادية أسبوعية صدرت في صفاقس لمحمد أحمد شبشوب في ‪ 21‬مارس‬ ‫‪30‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫‪ 1926‬ثم توالها الحبيب القالل من بعده و"االنشراح" وهي جريدة أدبية فكاهية انتقادية‬ ‫نصف شهرية صدرت في ‪ 1‬فيفري ‪ 1926‬لعبد الرحمان عطية ويتضح من خالل كل‬ ‫هذه العناوين أن الصحافة األدبية والثقافية بالمعنى الشامل للثقافة قد عرفت ازدها ار كب ار‬

‫خالل تلك الفترة‪.‬‬

‫اإلبالغ واإلعالم والتثقيف‬ ‫ونصل بعد هذا إلى السؤال المركزي‪ ،‬أي وظيفة اضطلعت بها هذه الصحف على‬ ‫كثرتها خالل هذه الفترة ؟‬

‫يقول الدكتور محمد حمدان وهو أستاذ محاصر بمعهد الصحافة وعلوم االخبار في‬

‫كتابه "أعالم اإلعالم" نشر مركز التوثيق القومي ‪" :‬الصحافة كانت إلى نهاية القرن‬ ‫الماضي وسيلة تبليغ وتعبير دخيلة على المجتمع التونسي" ويضيف "أن سلطة الحماية‬

‫وضعت عراقيل جمة أمام الصحافة بالنسبة للتونسيين ولكن –والكالم دائما للدكتور‬ ‫محمد حمادن‪ -‬الدوافع الشخصية والجماعية لإلعالميين التونسيين كانت أقوى من تلك‬

‫العراقيل إذن نفهم من هذا أن الوظيفة األساسية لميالد وبعث هذه الصحف كانت‬ ‫التصدي لالستعمار والدفاع عن حقوق التونسيين والتعبير عن رغبتهم في الحرية‬

‫واالنعتاق وتحقيق االستقالل‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس حملت هذه الصحف توق التونسيين جميعا إلى حياة الحرية‬ ‫واالنعتاق ونقلت أحاسيسهم الصادقة من أجل وطن مستقل ودافعت عن حقوقهم‪ ،‬مما‬

‫عرض هذه الصحف دوما إلى المصادرة وسحب رخص االتياز من أصحابها‪.‬‬

‫ولعل الصاق صفة أدبية في التعريف ببعض الصحف لم يكن المقصود منه وبه تحديدا‬

‫خدمة األدب واألدباء وانما كان تست ار على االتجاه السياسي للمجلة وتضليال لعين‬ ‫الرقيب التي كانت قاسية مع الصحافة‪ ،‬ويتضح جليا أن هذه الصحف والدوريات‬

‫جميعها كانت لها وظيفة أساسية مهما كان االتجاه الذي ارتضته لنفسها يتمثل في‬ ‫االبالغ واالعالم عن طريق أساليب وأشكال مختلفة مثل الخبر المجرد والرواية والقصة‬

‫المسلسلة والرسم الكاريكاتوري والنكتة الالذعة‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫ال أعتقد انه من السهل فصل المهمة والرسالة اإلعالمية عن الرسالة الثقافية والتثقيفية‬

‫التي اضطلعت بها هذه الصحف والدوريات في وقت مبكر من تاريخ البالد وأعود‬ ‫مجددا إلى الدكتور محمد حمادن ألسوق من كتابه "اعالم االعالم" هذه الفقرة البالغة‬

‫الداللة "إذا كانت الصحافة عنصر إشهار بهذه االقالم ويقصد االقالم التي ساهمت في‬

‫بعث الصحف وتحريرها‪ ،‬فإن وجود الصحافة التونسية في حد ذاتها وتطورها ارتبطا‬ ‫إلى حد بعيد بالشخصيات االعالمية التي كانت وراءها وضحت بأموالها في سبيل بعث‬

‫هذه الصحف وتكبدت المشاق واالضطهاد من أجل تبليغ الخبر واالقناع بالرأي من‬

‫خالل الصحافة"‪.‬‬

‫إن هذا الرأي يدعم ما ذهبنا إليه ويكشف ثالث حقائق أساسية ال يمكن التغاضي عنها‬

‫بالنسبة كل راصد لتطور النشاط الصحفي في بالدنا‪.‬‬

‫‪ )1‬أن هذه النهضة الصحفية قامت من منطلق مبادرات فردية ولم يكن وراءها ما‬

‫يدعمها ماديا وأدبيا سوى الحس الصحفي والتعلق بحب المهنة الذي كان يسكن‬

‫أصحابها‪.‬‬

‫‪ )2‬أن مستوى هذه الصحف األدبي على األقل ارتبط ارتباطا وثيقا بمستوى أصحابها‬

‫وكان تطور هذه الصحف وضمان استمرار صدورها يخضع إلى حد كبير إلى القدرة‬

‫المادية واألدبية لباعث المشروع الصحفي‪.‬‬

‫‪ )2‬أن بعث هذه الصحف قام الجل تحقيق غرض أساسي تمثل في تبليغ الخبر‬ ‫واالقناع بالرأي من خالل الصحافة‪.‬‬

‫الصحافة واالبداع‬

‫لست أزعم هنا تقديم بحث في تطور النشاط الصحفي في بالدنا‪ ،‬فليس هذا موضوعنا‬

‫وان كان مهما تناول هذا الجانب وتناوله بالدرس ولكن ما يهمنا اكثر هو التوقف عند‬ ‫جانب أساسي في تطور الحركة الصحافية ببالدنا منذ ميالدها إلى اليوم وهو إلى حد‬

‫ساهمت هذه الحركة الصحافية في دعم النشاط االبداعي األدبي بالخصوص‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫إن مصطلح االبداع هو مصطلح دخيل او جديد في دنيا األدب ولم يكن معروفا في‬

‫السابق‪ ،‬وعلى رأي الصادق شرف (أبو وجدان) صاحب مجلة "االخالء" كل بدعة‬ ‫ضاللة إال بدعة األدب فهي إضافة واثراء له"‪.‬‬

‫وبهذا المفهوم أعيد السؤال إلى أي حد استطاعت الصحافة التونسية قديما وحديثا أن‬ ‫تسند االبداع وتشد من أزر المبدعين وتحقق بالتالي اإلضافة االبداعية المنشودة في‬

‫كافة المجاالت‪.‬‬

‫لقد اضطلعت الصحافة التونسية منذ نشأتها بدور فكري أساسي كان السند القوي لما‬

‫عرفته بالدنا من نهضة ثقافية رائدة كانت نابعة أساسا من تطوع أصحابها‪ ،‬وفي هذا‬

‫يقول العالمة محمد الفاضل ابن عاشور في كتابه الشهير "الحركة األدبية والفكرية في‬

‫تونس" ‪ :‬عن اإلذاعة تولدت حياة النشر األدبي بعد الحرب العالمية الثانية بصدور‬ ‫مجلة "الثريا" في ذي الحجة ‪1212‬ه وديسمبر ‪ 1982‬م أصدرها الكاتب العام‬

‫لإلذاعات العربية األستاذ نورالدين بن محمود وهو من األدباء البارزين‪ ،‬المتصلين‬ ‫بمختلف فروع حياة الفكر واألدب والفن وجعل مادتها مما يلقى في اإلذاعة من‬

‫الدراسات األدبية والتاريخية وقطع الشعر والنشر‪ ،‬وانتشرت هذه المجلة في تونس‬

‫وعموم المغرب العربي انتشا ار واسعا ووصلت إلى الشرق‪ ،‬فاكدت الصالت األدبية بين‬ ‫تونس وبين الكثير من مراكز االنتاج العلمي واألدبي‪".‬‬

‫ويضيف ‪" :‬لقد انتعشت برواج مجلة "الثريا" حركة النشر األدبي في البالد التونسية‬ ‫فاستأنفت (المجلة الزيتونية) صدورها وأحيت نخبة من األساتذة مجلة "المباحث" التي‬ ‫كان أصد ار ثم أبطلها األستاذ محمد عبدالخالق البشروش فكانت سجال ألرقى فنون‬ ‫النشر وامتازت بإشراف نابع من أساتذة اللغة العربية المتخرجين من الجامعة الفرنسية‬ ‫وهو األستاذ محمود المسعدي لمنهج كتابته التي سارت على طريقة من النثر الفني هي‬

‫طريقة القصة الفلسفية الرمزية‪ ،‬وبدراسات هامة في األدب والتاريخ‪ ،‬من أقالم بقية أسرة‬ ‫المجلة ومنها مقاالت كثيرة تكتب بالفرنسية ثم تعرب"‪.‬‬

‫وفي نفس هذه الفترة تقريبا ظهرت في البالد جريدة أخرى لعبت دو ار هاما في تنشيط‬

‫الحركة األدبية وجمع شمل الكتاب واألدباء وهي جريدة "النهضة" وكذلك جريدة "الزهرة"‬ ‫‪33‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫وقد كانت الصحيفتان تعنيان باألدب ونشره عناية ساهمت إلى حد كبير في ازدهار‬

‫الحركة األدبية والفكرية في تلك الفترة‪.‬‬

‫من ذلك ان جريدة "النهضة" أصدرت في جانفي ‪ 1988‬عددا أسبوعيا خاصا باألدب‬ ‫والتاريخ واألخبار العلمية بإسم النهضة األدبية يشرف عليها الطيب بن عيسى‪،‬‬

‫وخصصت "الزهرة" ركنا أسبوعيا لذلك‪.‬‬

‫وفي هذه األثناء كانت مجلة "الثريا" تسهم بجهد بارز في تنشيط حركة النشر األدبي‬ ‫عن طريق أعدادها العادية وأعدادها الممتازة‪ ،‬ويذكر األستاذ محمد الفاضل ابن عاشور‬

‫أن هذه المجلة أصدرت عددا ممتا از خاصا بالحج والبالد العربية كما أصدرت عددا‬

‫ممتا از حافال مخصصا ألبي العالء المعري وقد أسهمت هذه الحركة الصحفية مع ما‬

‫كانت تضطلع به اإلذاعة العربية في ذلك الوقت من دور تثقيفي واعالمي كبر في‬

‫الرفع من مستوى الحركة األدبية وتنشيطها فاكتمل النشر من حيث صوغه ومتانة‬

‫ديباجته وزال عن تحرير الصحف شيء كثير مما كان يعتريه من مظاهر الضعف‬ ‫والسقم واالبتذال في حد الفصاحة وأشرق بسالمة التركيب‪.‬‬

‫إن من يطلع على تاريخ الصحافة في تلك الفترة الزاهية يشهد لها دون تردد بتفوقها في‬

‫اإلسهام الفاعل في ازدهار حركة النشر واالبداع الفكري وخاصة إتاحة الفرصة‬ ‫ألصوات جديدة وأقالم شابة للبروز لما كان يحدوها من طموح وتجاوز المألوف‪.‬‬

‫في هذه الظروف المخالفة تماما للمألوف ابتدأ الناس يسمعون نغمات متحررة تتصل‬ ‫بالمبادئ التي كانت حمالت الصحف قضت عليها في الدور الماضي ونسبتها إلى‬

‫اإللحاد‪ ،‬ففي ‪ 6‬جمادى الثانية ‪ 1284‬نوفمبر ‪ 1929‬قدم النادي األدبي لقدماء‬

‫الصادقية محاضرة من المحاضرات التي ألقيت بالخلدونية‪ ،‬ألقاها الشاب أبو القاسم‬ ‫الشابي‪ ،‬وكان موضوع هذه المحاضرة "الخيال الشعري عن العرب" وأثارت في النوادي‬

‫األدبية ضجة كبرى وانقسم فيها الناس بين مادح وقادح وتتبع الكتاب بمقاالتهم آراء‬

‫المحاضر واتجاهاته‪ ،‬وهاجمته الصحف مثل جريدة "النديم" باالستخفاف والتهكم‬ ‫والتشهير وفظيع االتهام‪ ،‬وانتقد كاتبة في مجلة "العالم األدبي" محي الدين القليبي‬

‫بإنكار قوي‪ .‬ولعمري أن هذا هو حال المبدعين دائما‪ ،‬في كل عصر ومصر‪ ،‬ال‬ ‫‪34‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫يقابلون بالترحاب ألنهم يحققون اإلضافة ويخرجون عن السائد‪ ،‬فهل يمكن بهذا المفهوم‬ ‫اعتبار الشابي في طليعة الجيل األول من المبدعين في تونس على أساس أن األدب‬

‫إبداع أو ال يكون‪.‬‬

‫وقد سعت هذه الصحف جميعها إلى ربط الصلة وتوثيقها بالكتاب واألدباء وخلقت بينهم‬

‫تنافسا كبي ار ووطدت صالت التعاون والتعارف بينهم‪.‬‬

‫وكان الشابي مثال في طليعة من استفاد من هذه الحركة الصحفية حيث كانت هذه‬

‫المجالت تنشر أشعاره وخاصة مجلة "العالم األدبي" و "الزمان" وقد سجل لنا هذه الحيرة‬ ‫التي كانت تنتابه في التفضيل بين الصحف لنشر انتاجه في الرسالة التاسعة عشر‬

‫لصديقه محمد الحليوي حيث نجده يقول حرفيا ‪" :‬وصلتني رسالتك أمس وأنا أكتب آخر‬

‫كلمة في المقال وما اخرني في كتابته إلى هذا الحد إال شواغل واجتماعات ما كانت‬ ‫في الحسابات‪ ،‬ثم حيرتني بين االقدام على النقد وااللجام عنه‪ ،‬ولهذا المقبل إن شاء اهلل‬ ‫ولهذا فاألفضل أن أحمله بنفسي حتى أقف على تصحيحه‪ ،‬فإن مصيبة االخطاء‬

‫المطبعية شنيعة في هذه البالد‪ ،‬ال أدري إلى اآلن هل أنشره "بالزمان" أو ب ـ"العالم‬

‫األدبي" وحينما أذهب إلى الحاضرة أقرر أحد الرأيين"‪.‬‬

‫ولم تتخلف الصحافة عن القيام بهذه الوظيفة األساسية في تأطير الحركة األدبية‬

‫والفكرية ببالدنا في السابق كما في الحاضر‪ ،‬بل إن هذه الوظيفة برزت بأشكال جديدة‬

‫في وقتنا الحاضر حتى أن عديد الصحف والمجالت بادرت إلى تأسيس وتبني‬ ‫مهرجانات تجمع شمل األدباء والكتاب وخصوصا الكتاب الشبان على غرار بادرة مجلة‬

‫"مرآة الوسط" بسيدي بوزيد و"الصدى" بتونس ويلعب اليوم هذان المهرجانان دو ار هاما‬

‫في تأطير الحركة األدبية الشابة وأصبحا يشكالن فضائين مهمين لرصد الحركة األدبية‬ ‫لألقالم الشابة في بالدنا‪ ،‬كما ال يمكن أن نغفل عن ذكر الدور المهم الذي اضطلعت‬

‫به مجلة "االخالء" في األخذ بيد المبدعين الشبان ولصاحبها ولها يعود الفضل في نشر‬ ‫مجموعات قصصية وشعرية وروايات لكتاب شبان لم يكن ممكنا لهم أن ينشروا كتبهم‬ ‫عن طريق القنوات المألوفة على غرار الكتاب الكبار‪ ،‬كما يعود لهذه المجلة الفضل في‬

‫تأسيس أول مهرجان االخالء لشعر الحديث بالجريد ومن نافلة القول هنا‪ ،‬أن "الملحق‬ ‫‪35‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫الثقافي" لدريجة "العمل" سابقا و"الملحق الثقافي" لجريدة "الحرية" إلى جانب الصفحات‬

‫األدبية والثقافية بجريدة "الصباح" وكذلك مجلة "قصص" التي يصدرها نادي القصة‬ ‫بالوردية كانت وراء ازدهار الحركة االبداعية وبروز األقالم الجديدة على امتداد فترة‬

‫الثالثين سنة األخيرة‪ ،‬فشكلت بالتالي هذه المنابر الصحفية فضاءات أدبية جديدة مر‬

‫من خاللها وعبرها ريح التجديد والدماء الجديدة في شرايين األدب التونسي‪.‬‬

‫وال تزال هذه الرسالة المتواصلة إلى اآلن في تناغم محمود بين األدب والصحافة‪ .‬إذ ال‬

‫تكاد تخلو صحيفة واحدة اليوم أو مجلة من تخصيص حيز هام لنشر االبداعات‬

‫األدبية والتعريف باألصوات األدبية الجديدة إلى جانب شيوخ األدب ورواده‪ ،‬فأنت تفتح‬ ‫أي صحيفة أو مجلة اليوم فتشدك مالمح هذه الحركة األدبية الجديدة التي بدأت تتشكل‬

‫على صفحات الصحف والمجالت مبشرة بميالد تيارات أدبية جديدة‪.‬‬

‫واني ال أجد غرابة في هذا بل أعتبره امتداد طبيعيا لوظيفة األدب في المجتمع‪ ،‬أو لم‬

‫تكن القصيدة هي وسيلة االعالم األولى التي ذاعت بين الناس وكان الشاعر هو‬ ‫الصحفي الذي ينقل أخبار القبيلة في قصائده قبل أن يعرف الناس الصحيفة والمجلة‬

‫والمذياع والتلفزة والسينما والمعارض وغيرها من وسائل االعالم؟‬

‫لمراسلة مرآة الوسط‬

‫يرجى الكتابة على العنوان التالي ‪:‬‬

‫مجلة مرآة الوسط – ص ب عدد ‪ 84‬البريد المركزي‬ ‫سيدي بوزيد ‪9111‬‬

‫الفاكس ‪61.121.292 :‬‬

‫هاتف اإلدارة ‪61.126.111 :‬‬

‫اإليمايل ‪:‬‬

‫‪redaction.gamar@gmail.com‬‬

‫‪36‬‬

‫م‪/‬ب‪/‬ص‬


‫– ماي ‪5102‬‬

‫من أعالم منطقة قمودة‬ ‫الفقيه العالم الشيخ مصطفى‬ ‫القمودي‬ ‫بقلم ‪ :‬محمد الصادق عبداللطيف‬ ‫ينحدر هذا العلم من بالد قمدودة (سيدي بوزيد حاليا) حيث ولد وتربى تربية محافظة‬ ‫في وسط ريفي فالحي يعيش على منتوج األرض وحليب البقر والماعز‪ ،‬في بلده حفظ‬ ‫القرآن الكريم بكتاب القرية على عادة جيله وحين استكمل الحفظ الجيد بالتكرار‬ ‫المتواصل‪.‬‬ ‫تاقت نفسه لتلقي العلوم في الزيتونة كي يصبح‬ ‫عالما فقيها ومدرسا وهو ما كان قد أرسله والده‬ ‫مع المسافرين من تجار الحبوب والحيوانات‬ ‫والصوف فانخرط في سلك طلبة الجامع األعظم‬ ‫الزيتونة العامرة كمحطة للعلماء ولرجال الدين‪،‬‬ ‫بعد الحرب الكونية األولى انتظم في سلك الطلبة‪.‬‬ ‫وقد تلقى علوم الشريعة وأصول الدين على أئمة‬

‫المذهبين الحنفي والمالكي‪ ،‬الذين كان من أبرزهم‬

‫الشيوخ ‪:‬‬

‫* محمد الطاهر بن عاشور ‪ * /‬محمد عبد العزيز جعيط ‪ * /‬محمد بن يوسف ‪* /‬‬

‫محمد النخيلي ‪ * /‬عمر بم الشيخ ‪ * /‬الصادق النيفر ‪/‬‬ ‫‪37‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫* معوية التميمي ‪ * /‬مصطفى رضوان ‪ */‬إسماعيل الصفايحي‬ ‫* محمد الززفغواني ‪ * /‬بلحسن التجار ‪ * /‬محمد الدامرجي‬

‫* إبراهيم المارغني ‪ * /‬محمد الصادق الشطي ‪ */‬الطيب سيالة‬

‫‪ ‬نبوغه‬

‫أظهر من النجاعة ما هيأه لنيل ‪:‬‬ ‫* شهادة التطويع في العلوم‬

‫* شهادة العالمية في أصول الدين‬

‫* الفوز في مناظرة المدرسين من الطبقة الثانية‬

‫اشتغاله بالتدريس‬

‫هنا انفتحت أمامه نافذة مشرعة للقيام بدور تربوي هادف حين كلف بالتدريس وقد عرف‬

‫في دروسه بالجدية والكفاءة والعطف على تالميذه وتشجيعهم على الحصول على‬

‫العلوم حيث كان يمدهم بالمراجع والكتب تسهيال عليهم وأخذا بأيديهم‪.‬‬

‫كان شغوفا بعلوم الشريعة من فقه وفرائض وأصول مع توسع في بعض المكمالت‬

‫ومنها تدريس السيرة النبوية وصطلح الحديث‪.‬‬

‫لقد وجد في تدريس مادة الحديث النبوي الشريف الكثير من الغموض في مستوى‬

‫المراجع والتفهم فاستغل تكليفه بهذه المادة فعكف على مطالعة كتب التفسير والقراءات‬ ‫والتاريخ والموطأ ومراجعة ما تلقاه على الشيخ بن عاشور حول الموطأ اإلمام مالك‬

‫ومسند الحديث والتفرقة بين أنواعه ومرد أصوله كالضعيف والمهلهل والمبهم والمدلس‬

‫فعكف يدون مقروءاته في سجالت واستخدم عقله وفكره حتى إذا استوى عوده وقوي ما‬ ‫كان يتطلع إليه عرض المدونات على شيوخه فاكبروا فيه هذه الروح العلمية الصادقة‬

‫وشجعوه على طبع ما قد اهتدى إليه فكان تأليفه (المنهج الحديث في مصطلح الحديث‪،‬‬

‫ط‪ )1900 ،1‬فكان هذا اإلصدار خير معين لطلبة الزيتونة ولبعض شيوخه ألنه وفر‬ ‫لهم هذا الدليل حتى يكفيهم شر مراجعه المطوالت والحواشي والشروح والتعاليق‪.‬‬

‫‪38‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬

‫كتاب مرجع‬

‫كتابه هذا طبع في آخر أيام الزيتونة ولم يستفد منه إال النزر القليل من طلبته ومن‬ ‫شيوخه الن المؤسسة الزيتونة وقع تعطيلها وتشريد المنتسبين لها‪ ،‬على أن هذا التأليف‬

‫يبقى مرجعا ثريا ألئمة الخطباء اليوم لمعرفة سند الحديث وأهميته ما كان منه ضعيفا‬ ‫أو مدسوسا أو مقطوعا‪ ،‬ويبقى الكتاب اليوم مرجعا لطلبة معهد الوعظ واإلرشاد ولطلبة‬ ‫معهدي الشريعة ومعهد أصول الدين حيث يجد دارسه فيه زاد ثريا بالمعلومات والحقائق‬

‫ما ييسر عملية االستفادة من محتواه‪.‬‬

‫أدركته وهو مدرس في جامع الزيتونة قبل االستقالل كان قصير القامة بدين الجسم مع‬ ‫سمرة حادة ونظرات ثاقبة وقد تميز بأنه كان ينشر خطبا ومواعظ في مجلة الثريا تحت‬

‫عنوان (صوت الواعظ) يظهر من خاللها سعة علمه ومعرفته الجيدة لمواطن الحاجة‪.‬‬

‫الموقع اإللكتروني لمجلة مرآة الوسط أون الين‬ ‫‪http//www.miraat-al-wassat.com‬‬ ‫أول مجلة ثقافية إلكترونية‬ ‫متابعة لألحداث الثقافيـة‬ ‫حوارات مع أهل الثقافة‬ ‫مواكبة للشأن التونسي والعربي‬ ‫مراسلون في العواصم العربية والغربية‬

‫املدير املؤسس ورئيس التحرير‬ ‫محمود الحرشاني‬ ‫نرح ــب بمشاركاتكــم عل ــى اإليمايل التال ـ ـ ـ ـ ـ ــي ‪:‬‬ ‫‪hormahmoud@gmail.com‬‬ ‫‪Redaction.gamar@gmail.com‬‬ ‫‪39‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬

‫عل ـ ـ ــوم‬

‫بقلم ‪ :‬عبدالعزيز الشباب‬ ‫نسمع كي ار من يردد مقولة‪ ،‬إننا كبشر نستخدم فقط عشرة في المائة من أدمغتنا‪ ،‬وان‬ ‫النسبة المتبقية من الدماغ غير مستخدمة‪ ،‬ويتمادى أصحاب هذا االدعاء بقولهم أن‬ ‫العباقرة والمبدعين كالعالم نيوتن والبرت اينشتاين وبور وغيرهم استخدموا خمسة عشر‬

‫في المائة من ادمغتهم‪ ،‬ويدللون على صحة ذلك بمجموعة من الحكايات والبراهين التي‬ ‫ال يمكن أن تخضع إلى أي منطق علمي صحيح‪ ،‬فما هو مدى صحة هذا االدعاء‬

‫وهل نحن البشر نستخدم ‪ %11‬فقط من أدمغتنا ؟‬

‫في الحقيقة إن خرافة ‪ ،%11‬يصعب التكهن في منشأها الحقيقي‪ ،‬وقد يكون ذلك عائدا‬ ‫إلى بداية القرن التاسع عشر‪ ،‬عندما دار جدل بين العلماء حول أي األماكن في الدماغ‬ ‫هي المسؤولة عن إنجاز وظائف الجسم المختلفة‪ ،‬وأين تكمن الذاكرة والذكريات في‬

‫الدماغ ؟‬

‫وتدل الكثير من الدراسات التاريخية أنه ومنذ القرن الثامن عشر‪ ،‬بدأ االهتمام فعليا‬

‫بدراسة وظائف العقل البشري‪ ،‬وكان الجدل يتركز حول تساؤل جوهري مهم‪ ،‬وهو هل‬ ‫الدماغ يعمل ككل ال يتجزأ‪ ،‬ام أن هناك مناطق محددة لكل وظيفة من وظائف الجسم‪،‬‬

‫ثم تطور هذا النقاش عندما ظهر علم الفراسة الفرينولوجيا ‪ Phrenology‬على يدي كل‬ ‫من (فرانز جوزيف جال) و (يوهان شبورتسهايم)‪.‬‬

‫ويمكن القول أن العالم (ماري جين بيير فلورينس) هو اول من أسس نهجا علميا سليما‬ ‫لدراسة الدماغ البشري‪ ،‬حيث توصل إلى أن لكل من قشرة المخ والمخيخ وجذع الدماغ‬ ‫‪40‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫وظائف منفصلة‪ ،‬ولكنها تعمل سويا بشكل موحد‪ ،‬وقد دعم أقواله بمجموعة كبيرة من‬

‫التجارب على أدمغة الحمام‪ ،‬حيث استأصل بعض أجزاء أدمغتها ودرس سلوكياتها‬ ‫وتصرفاتها‪ ،‬ثم توالت بعد ذلك الدراسات واألبحاث والتجارب‪ ،‬وتوصلت إلى نفس‬

‫النتيجة السابقة‪ ،‬وهي أن الدماغ يعمل ككل ال يتج أز‪.‬‬

‫إن ما يلفت االنتباه‪ ،‬هو أن العديد من العلماء والمفكرين قد تبنوا خرافة ‪ ،%11‬وأن‬

‫الكثير من وسائل اإلعالم والحكايات الشعبية روجت – بشكل عجيب‪ -‬لهذه الخرافة‪،‬‬

‫دون وجود أي دليل علمي‪ ،‬واألغرب من ذلك‪ ،‬أن الكثير من الشركات روجت‬ ‫لمنتجاتها الغذائية والتعليمية وأدواتها الرياضية بحجة أن مثل هذه المنتجات تحفز جانبا‬

‫من الدماغ البشري غير المستخدم‪.‬‬

‫يمكننا القول أن خرافة ‪ %11‬ال يوجد أي دليل علمي او طبي يدعمها وأن مقولة (أن‬ ‫اإلنسان العادي يستدخم عشرة في المائة فقط من دماغه وأن العباقرة يستخدمون نسبة‬

‫اكبر تصل إلى ‪ %10‬من أدمغتهم) قوال خاطئا تماما‪ ،‬والحقيقة الثابتة أن اإلنسان‬ ‫يستخدم ‪ %111‬من دماغه‪.‬‬

‫إن ما يثير التساؤالت في هذا االدعاء الباطل‪ ،‬هو ما الطريقة التي تم االعتماد عليها‬

‫لتحديد نسبة ‪ %11‬فقط من الدماغ البشري على أنها فعالة‪ ،‬وأن ‪ %91‬من الدماغ‬ ‫البشري غير مستغلة أبدا‪ ،‬وهل يمكن استئصال نسبة ‪ %91‬من الدماغ البشري إذا‬

‫كانت غير مستغلة دون أن يؤثر ذلك على حياة ذلك اإلنسان‪.‬‬

‫إن التجارب والمشاهدات السريرية‪ ،‬تؤكد إن إصابة جزءا بسيطا جدا من الدماغ يؤدي‬ ‫إلى حدوث مشاكل صحية معقدة للغاية‪ ،‬كما هو الحال عند من يصابون بالسكتة‬ ‫الدماغية والتي تلحق ضر ار بجزء ال يذكر من الذماغ‪ ،‬ولكن نتائجها تكون وخيمة‬

‫ومدمرة للغاية‪ ،‬كذلك األمر بالنسبة لمن يصابون بمرض باركنسون والذي يؤثر على‬

‫مناطق محددة من الدماغ‪ -‬أقل من ‪ -%91‬ولكن النتائج المترتبة بسبب هذا المرض‬ ‫قد تكون مدمرة لمن يصاب به‪.‬‬

‫إن آلية عمل الدماغ البشري ما زالت تشكل لغ از للعلماء‪ ،‬وبالرغم من تطور الوسائل‬

‫العلمية والتكنولوجية والطبية‪ ،‬إال أن أسرار الدماغ البشري ما زالت تشكل تحديا لكل من‬ ‫‪41‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫يحاول فك طالسمها المعقدة‪ ،‬فالدماغ البشري هو تحفة من صنع اهلل وأن اإلنسان‬

‫يستخدم في حياته اليومية ‪ %111‬من دماغه حتى وهو في حالة سبات ونوم عميق‪،‬‬ ‫حيث يبقى الدماغ يعمل بشكل مذهل تحت تأثير حالة كمون ظاهري‪.‬‬

‫مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين لإلبداع الشعري تتحول‬ ‫إلى مؤسسة ثقافية عامة‬

‫مراسلة خاصة من الكويت‬ ‫أعلن بيان صادر عن األمانة العامة لمؤسسة جائظة عبدالعزيز سعود البابطين‬

‫لإلبداع الشعري التي يوجد مقرها بالكويت أنه تماشيا مع تنوع انشطة المؤسسة‬

‫وتعددها اتّخذ مجلس األمناء ق ار ار بتحويل المؤسسة إلى مؤسسة للنشاط الثقافي العام‬ ‫مع تغيير اسمها ليصبح مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية مع العلم أن هذه‬ ‫المؤسسة ترعى عديد األنشطة الثقافية في الكويت والعالم العربي مثل إقامة الندوات‬

‫الثقافية واسناد جائزة الشعر وتمويل دراسات بحثية للطلبة واصدار المعاجم التي تعنى‬ ‫بالشعر واهتماماته وتكريم رواد الثقافة العربية في كافة المجاالت‪.‬‬

‫وترتبط مجلتنا مرآة الوسط بعالقات‬

‫جيدة مع هذه المؤسسة وتحظى بتقدير‬ ‫خاص من رئيسها األستاذ عبدالعزيز‬

‫سعود البابطين واألمين العام خالد‬

‫البابطين وكافة إطارات المؤسسة‪.‬‬

‫في الصورة الشاعر المنصف الوهايبي‬

‫يتسلم الجائزة مع ثلة من الشعراء العرب‬ ‫اآلخرين في الدورة األخيرة التي انتظمت‬

‫بمراكش من رئيس المؤسسة‪.‬‬

‫‪42‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬

‫مدينة في بالدي‬

‫"قور از" الرومانية وأكودة حاض ار بين‬ ‫عبق التاريخ وشذى اليوم‬ ‫بقلم ‪ :‬األستاذة منية بن اإلمام‬ ‫"أيتوكودة" أو "قور از" الرومانية أو إن شئت اكودة حاضرا‪ ،‬قرية عريقة بتاريخها‪ ،‬غنية‬ ‫برجاالتها‪ ،‬حبلى دائما بخيراتها‪ ،‬رائعة بربواتها وبعبق رائحتها الفواحة المنبعثة من الزمن‬ ‫الجميل ومن وطنية أهاليها وكفاحاتهم ومن رجال جاؤوا مارين استطاب لهم المقام‬ ‫وصاروا اليوم بعد مئات السنين أولياء صالحين تزار أضرحتهم تبركا وتيمنا بأعمال لهم‬ ‫تاريخ "قور از" إلى األبد‪.‬‬ ‫وقد حدثني الحاج عبد العالي اإلمام وهو القارئ لتاريخ البلدة والملم بعالماتها‪ ،‬حدثني‬ ‫والدي قائال ‪" :‬منذ مئات السنين‪ ،‬بداية القرن ‪ 16‬جاء الولي الصالح الشيخ عبد الحكيم‬ ‫المزوغي مع وفد من الحجيج من الساقية الحمراء من المغرب إلى أكودة وهو في‬ ‫طريقه إلى بيت اهلل‪ ،‬إال أن الوقت داهمه ففضل البقاء مع بعض القوافل‪ ،‬بينما واصل‬ ‫البقية سعيهم وترحالهم‪ .‬وعلى أعلى الربوة شمال القرية حطوا الرحال وقاموا بحفر بئر‬ ‫(بئر سوق السبت القديم) وببناء الجامع الكبير‪ .‬استأنس الشيخ عبدالحكيم ومن معه‬ ‫الحياة بتلك الربوة وطاب لهم العيش ونشأت بذلك أول نواة "للكوادة" اليوم وهي الفرع‬ ‫الذي مثل الجانب األهم من سكان هذه القرية على امتداد قرون ‪ :‬أحفاد سيدي صالح‬

‫‪43‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫بن سيدي عبدالقادر بن سيدي عبدالحكيم‪ ،‬عائالت مثل (الكناني‪ ،‬المنفوخ‪ ،‬المتهمم‪،‬‬ ‫‪ ...‬الخ)"‪.‬‬ ‫ويوجد إلى اليوم ضريح سيدي عبدالقادر بمقامه المتواجد بالمدينة العتيقة بباب القوس‬ ‫ولكنه في حالة يؤسف لها‪ .‬ورغم أن السيدة أسماء بن حميدة حرم حروش بنت المرحوم‬ ‫فيلسوف الساحل سالم بن حميدة األكودي قد أولت بعض االهتمام لهذا المقام وقامت‬ ‫بصيانته‪ ،‬إال أن قدم هذا البناء يحتاج إلى تدخل رسمي للحفاظ عليه من التداعي‬ ‫وتأثيثه تأثيثا يليق بتاريخه وتاريخ "قور از"‪.‬‬ ‫وعندما يكون الحديث عن األولياء الصالحين في هذه القرية الرومانية‪ ،‬فإن سيدي‬ ‫عبدالقادر ال يمثل وحده القبلة لألوفياء‪ ،‬فقد كانت هذه الربوع ملجأ للصوفيين والسيايين‬ ‫وفعلي الخير داخل البالد وخارجها‪ .‬وغرب القرية يوجد ضريح سيدي أحمد الورقلي‬ ‫القادم إلينا من ورقلة "ليبيا"‪ .‬وسيدي الورقلي يرقد اليوم بأمان في جنان باسقة‪ ،‬تحرسه‬ ‫"الحفيظة" بكل عناية‪ ،‬وزواره كثيرون على مدار السنة وهو مثال يحتذى به في االهتمام‬ ‫والصيانة‪ .‬وتقام بفضاءاته الكبيرة الوالئم وتذبح الخرفان وتضاء الشموع‪ .‬وألن هذه‬ ‫األرض خصبة على مر القرون‪ ،‬فتاريخها يشهد بتداول الزائرين عليها والمقيمين فيها‪.‬‬ ‫فكانت أكودة منارة للدين والمعرفة على مر العصور وكثرة أوليائها الصالحين على غرار‬ ‫سيدي بن عيسى وسيدي الجيالني وسيدي رمضان بن رجب وسيدي الورقلي وسيدي‬ ‫عبدالقادر لم يمنع هذه األرض من إنجاب أهم المفكرين ببالدنا كفيلسوف الساحل‬ ‫الشيخ سالم بن حميدة ومنارة الساحل الشيخ راجح إبراهيم ورائد الحركة المسرحية بتونس‬ ‫الشيخ إبراهيم بن حميدة األكودي والشيخ علي بن سالم الورداني أول المنتسبين إلى‬ ‫المدرسة الصادقية (‪.)1460‬‬ ‫وقد اشتهرت أكودة ببساتين الزيتون والرمان وبتجارتها المزدهرة وبحلو المعشر لدى‬ ‫سكانها‪ ،‬وقد مكنها كل هذا من احتالل مرك از مرموقا في شتى المجاالت‪ ،‬ويشهد‬ ‫‪44‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫التاريخ على تفتح األكوديين على مختلف الحضارات مما مكنهم من تبوأ أعلى‬ ‫المناصب وأهمها وتختلف "قور از" هذه القرية الساحلية عن أخريات مثلها في كونها من‬ ‫أول القرى التي دافعت عن المرأة وعن حقها في التعليم‪ ،‬وكان الشيخ المفكر سالم بن‬ ‫حميدة من األوائل الذين سمحوا لبناتهم الخروج إلى المدرسة ونيل العلوم ورفع الجهل‬ ‫عن قلوبهم ونيل المعرفة الصحيحة‪.‬‬ ‫وقد جاء في كتاب "أكودة عبر العصور ‪ :‬تاريخ وحضارة" الصادرة عن اللجنة الثقافية‬ ‫المحلية بدار الثقافة بأكودة‪ ،‬الصفحة ‪ 60‬ما يلي ‪:‬‬ ‫"وقد تأسست أول مدرسة ابتدائية بأكودة عام ‪ 1911‬وكانت تسمى المدرسة العربية‬ ‫الفرنسية‪ ،‬وبالرغم من أن هذه المدرسة كانت مختصة للذكور فقد شهدت ترسيم عددا ال‬ ‫بأس به من البنات عمال بآراء المصلحين الكبيرين –الطاهر الحداد‪ -‬والشيخ سالم بن‬ ‫حميدة‪ -‬وقد تم تسجيل أول بنت أكودية بالمدرسة المذكورة سنة ‪ 1919‬ثم بلغت نسبة‬ ‫الحضور األنثوي قرابة الثلث في النصف األول من الخمسينات"‪.‬‬ ‫الكودة تاريخها في الحركة السياسية أيام االستعمار وفي حركة البناء إبان االستقالل‪،‬‬ ‫ويحق لكل من ينتسب إليها أن يفخر بانتماءاته ويغني لجذوره وأصوله‪ ،‬ومع هذا وفي‬ ‫هذه المساحة اود وبكل لطف أن أهمس في أذن من يهمه األمر ويهتم للتاريخ‬ ‫والمستقبل‪ ،‬أو ال يحق لألكوديين وهم من أسسوا المسرح ان يكون لهم فضاءا مسرحيا‬ ‫يليق برائد الحركة المسرحية الشيخ إبراهيم األكودي ؟ ويخلد ذكراه ؟‬ ‫إن نوادي المسرح التابعة لمؤسسات و ازرة التربية‪ ،‬تنشط على مدار السنة الدراسية‬ ‫ولكنها ال تجد فضاءات خارج المحيط المدرسي لينعم هؤالء الهواة بممارسة الفن الرابع‬ ‫في غطاره الالئق‪ .‬عدم وجود فضاء مسرحي مخصص يعيق الحركة المسرحية بأكودة‪.‬‬ ‫فهل من لفتة مسؤولة من و ازرة الثقافة والمحافظة على التراث ؟‬

‫‪45‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬

‫أنا جاهزة للوفاء‬

‫شعر ‪ :‬فضة خليفة‬

‫هل تسمح لي يا سيدي‬ ‫أن اعشق روحك‬

‫أن يسكرني بوحك‬ ‫وأن تضع يدك في يدي‬

‫أنا أنثى يا سيدي تعشق المحال‬

‫ال تخاف زوابع المحن‬

‫وال ترهب سلطان الجنون‬

‫أم أن العشق‪...‬قضية ال تعني الرجال‬ ‫أنت يا‪ ...‬مذ رحلت‬

‫لم تحبل بمثلك النساء‬

‫ولم نسمع عن صعاليك‬

‫وال أبطال‬

‫حين أعشقك يا سيد البهاء‬ ‫سيعم السالم‬

‫ويطير الحمام‬

‫ويصير المحرم حالال‬ ‫إذن ‪ ،‬هل تسمح لي بان أعشقك ‪...‬‬ ‫فانا جاهزة للوفاء‬

‫‪46‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬

‫إبداع‬

‫كتـــــــــاب األنثـــى‬ ‫بقلم ‪ :‬منيرة درعاوي‬ ‫السحاب ‪ ،‬هناك بعيدا عن دنيا‬ ‫طي ّ‬ ‫مر باألمس ال ّشتاء ‪،‬كما ّ‬ ‫قد ّ‬ ‫مرت سنون و انطوت ّ‬ ‫كأنما حاكته أنامل المالئكة و‬ ‫الصنوبر‬ ‫نقي ّ‬ ‫الحلبي و ّ‬ ‫االسفلت يتدثّر ّ‬ ‫السنديان برداء ّ‬ ‫ّ‬ ‫المكبلة‬ ‫الصمت أبلغ من ك ّل ما قيل وما يقال من كالم ‪،‬حيث تنتفض الطّبيعة‬ ‫ّ‬ ‫يغدو ّ‬

‫ئب الى الوالدة‪،‬‬ ‫الصقيع و تروم االنعتاق ‪ ،‬تحت تلك األصفاد نبيتات تشر ّ‬ ‫بأصفاد ّ‬

‫النور ‪.‬قد تكون نبيتات شقائق‬ ‫أخالها كاالرادة تستجمع قواها لتتّخذ لها منفذا نحو ّ‬

‫الربيع‪ ،‬ك ّل ينتظر‬ ‫ّ‬ ‫النعمان‪ ،‬قرنفال أو نرجسا خجوال ‪.‬أراها كك ّل الكائنات تصبو الى ّ‬ ‫ربيعه اآلتي ‪ ،‬قلوبنا الكسيرة كما الحمائم والخطاطيف لها ربيعها المنتظر‪ .‬قريبا تلد‬

‫السالم‬ ‫ال ّشجيرات بريعماتها وتعود الخطاطيف ‪.‬أليست شجيرة اللّوز أنثى ؟ أليست يمامة ّ‬

‫أمنا األرض أنثى؟ ربيعنا الحلو من صنع األنثيات فطوبي لقلب برغم‬ ‫أنثى ؟ أليست ّ‬

‫الربيع‪ .‬هي األرض مازالت تكتسي دثارها و تلد ك ّل عام آسا و‬ ‫عسر الوالدة يهدينا ّ‬ ‫الصقيع من‬ ‫ياسمينا ‪ ،‬أما آن لها أن تشتكي و أن تتلو علينا قرآنها حين ينفخ فيها ّ‬

‫الدفء أن انشقّي ّانها الوالدة ‪ .‬صامتة والدة تلك التّالل صمتا‬ ‫روحه و يوحي اليها ّ‬ ‫يضج بالحياة فان أحببت األرض يوما فستصغي بقلبك الى ّأناتها عند الوالدة ‪،‬‬ ‫صارخا‬ ‫ّ‬ ‫هكذا هي األنثى متى أحببتها باحت اليك بأسرار الوجع‪.‬‬

‫ك‬ ‫صمت األنثى كصمت األرض يضطرم معان ويتّقد كلمات ‪،‬يالمس ك ّل القلوب فال يف ّ‬ ‫أن صمت‬ ‫شفرته االّ من سكن األنثى وسكنته فتسمو روحه وتصفو ويدرك عندها ّ‬

‫مرت بينكما سنون العمر‬ ‫األنثى هو أحلى وأبلغ اللّغات‪ .‬صمتها يوجعها يا أنت‪ ،‬قد ّ‬ ‫‪47‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫الدروب‪ ،‬تذ ّكر تلك التي‬ ‫الصمت أخرس‪ .‬حيثما كنت وحيثما نأت بخطاك ّ‬ ‫سراعا ومازال ّ‬ ‫ترسمك في أركانها غصنا أخضر‪ ،‬تلك التي تهفو الى لحظة تخترق فيها عيناك حاجز‬

‫الصقيع يا دفئها المنشود فما‬ ‫الجسد‬ ‫ّ‬ ‫لتجتث من األعماق جذور الوجع ‪ .‬قد استوطنها ّ‬ ‫عاد بينها بين تالل ال ّشمال عند ال ّشتاء اختالف‪ .‬قد يبكي صمتها أمسا موجعا أو‬

‫أن األنثى ال تخجل من البكاء؟ تنساب عبراتها‬ ‫غربة موحشة وقد يبكي غيابك ‪..‬أتدرك ّ‬

‫فاذا هي كالمداد تخطّ على كتابها سطو ار مختلفة المذاق‪ ،‬تبكي األنثى وجعا ‪ ،‬تبكي‬ ‫نديا كالفجر عند جزيرة من جزر‬ ‫األنثى خوفا ‪ ،‬تبكي األنثى فرحا فما أحاله قلبا ّ‬

‫السنون أحكمت الطّوق حولها و أردتها‬ ‫األحالم البعيدة‪ .‬أصغ الى ندائها أن أقبل فتلك ّ‬

‫وشب في قلبها‬ ‫ك أسر أنثاك الحبيبة‪ ،‬يا أنت‪ ،‬قد شاخ منك الجذع‬ ‫األسيرة ‪ .‬يا أنت‪ ،‬ف ّ‬ ‫ّ‬

‫أن األنثى واألرض صنوان كلتاهما ان جفّت ت ّشقّق ويغدو نبتها هشيما‬ ‫الحنين‪ .‬أتدرك ّ‬ ‫الرياح؟‬ ‫ّ‬

‫تذروه‬

‫الصقيع‬ ‫أن رمز‬ ‫ّ‬ ‫يقال دوما ّ‬ ‫الحب وردة حمراء ‪،‬ال أخال االّ ّأنها كانت بيضاء مثل دثار ّ‬ ‫كية وصار لون‬ ‫عند التّالل وعندما نزف بالقرب منها قلب عاشق ارتوت من دمائه ّ‬ ‫الز ّ‬

‫النعمان تحكي بتالتها أسطورة‬ ‫الحب أحمر‪ ...‬في قلب أنثاك تموج المروج بزهر شقائق ّ‬ ‫ّ‬ ‫السحر تتو ّشى‬ ‫مر من هناك ذات يوم باحثا عن أميرة رآها عند ّ‬ ‫لي لفارس ّ‬ ‫عشق أز ّ‬ ‫النور بين التّالل‪ ،‬أترى زمن الفرسان يعود ذات ربيع؟ هي هناك يا فارسها في‬ ‫بوشاح ّ‬ ‫لمتهيبات على أعتاب المدائن ‪،‬تهئّ معبد العشق لتقيما فيه‬ ‫مكان ما شهد خطاكما ا ّ‬ ‫شعائر الفناء في األرض وفي الحبيبة فكلتاهما الحياة‪ ،‬كلتاهما الوجود و كلتاهما الكيان‬

‫ضمت خطى الحيارى ها ربيعك يعود ك ّل عام فأين ربيعي؟ أتصغي الى‬ ‫‪..‬فيا تالال ّ‬

‫هسيس المياه و الى آهة األرض حين يخترقها جذير األقحوان؟ ّانها الوالدة يا فارسها‬

‫فالمس هذه األرض الحنون ّأنها تلد‪ ،‬والدة األنثى تكون أيسر حين يالمس جبينها ذراع‬

‫تمده اليك فخذه‬ ‫كأنما يحمل عنها بتلك اللّمسة الحانية بعض الوجع‪ .‬هذا كتابها ّ‬ ‫أسمر ّ‬ ‫‪48‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫بيمينك أو بال ّشمال فعند اليمين مالك أبيض يتو ّشح بزهيرات اللّوز وعند ال ّشمال قلب‬ ‫فتوهج عشقا‪ .‬خذ كتابها فهي ال تحلم بالحياة خارج ضلعك‬ ‫سكنته حمرة شقائق ّ‬ ‫النعمان ّ‬ ‫فما جدوى الخلق اذا لم تخرج من بين حناياك شمسا تنثر دفئا ونو ار ؟‪ .‬ال تخش صليل‬

‫الصهيل وأشرع‬ ‫سيوف بائسة تئد أنثاك بتهمة األنوثة وال تخش خيوال فقدت قدرتها على ّ‬

‫لألنثى براح صدرك لتؤوب ك ّل فراشاتها اليك ‪.‬خذ كتابها وانثرها في األرجاء لتمأل ثغر‬

‫الرحمة في يدها متى ابتسمت انقشع ضباب‬ ‫الوجود نشيدا ‪.‬هي األنثى حاملة شمع ّ‬ ‫السالم هي األنثى ضوع األزاهير الجميلة فخذ كتابها يا ابن األرض‪ ،‬يا‬ ‫وعم ّ‬ ‫الحيرة ّ‬

‫مد لها كفّيك لنرقى معا الى دنيا االنسان‪...‬‬ ‫الدوام و ّ‬ ‫كادحا على ّ‬

‫رماد األرصفة‬ ‫شعر ‪ :‬منيرة الدرعاوي‬ ‫خذها‪...‬يا وحيدا‬ ‫درب اذ َدعا ُه الى َمداه‬ ‫غَالَ ُه ال ّ‬ ‫م االشتياق‬ ‫أ ْلقِها في خِض ّ‬ ‫تلك المسافرة من الغبار الى‬ ‫ضباب‬ ‫ال ّ‬ ‫د الفاصل‬ ‫اغمِسها في الح ّ‬ ‫بين الموت و االنتباه‬ ‫ف يوما‬ ‫قد تخذلني هذه الك ّ‬ ‫قد تتركني في جحيم المحرقة‬ ‫كما خذل أشيلوس َك ْع ُب ُه‬ ‫يوما‪..‬في أوار المعركة‬ ‫خذها‪..‬مازال في العمر ما يكفي‬ ‫ليصدح الصّباح بالغناء‬ ‫ما كان هوميروس أعمى‬ ‫السماء‪......‬‬ ‫خطا ُه‬ ‫فقد أضاءت ُ‬ ‫ّ‬

‫و رماد األرصفة‬ ‫خذها‪...‬يا غريبا‬ ‫خطاه‬ ‫بيل‬ ‫الس‬ ‫قد ضل ّل‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫هذه ‪..‬بوارق األحالم‬ ‫تمضي الى األفول‬ ‫كنجم سرقه الغيم قبل الط ّلوع‬ ‫فل ّفه ‪..‬غسق الغياب‬ ‫كالبراعم حين ترتاد الغبار‬ ‫فيعتريها االختناق‬ ‫كسفين يخوض ال ُعباب بال قلوع‬ ‫هذه‪..‬شهقات الحالمين الهاربين‬ ‫دموع‬ ‫من الماء األجاج الى ال ّ‬ ‫ُيبليها‪..‬بكاء المساء‬ ‫و أنين زهرة في القلب‬ ‫مجروحة بالحياه‬

‫‪49‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬

‫إبداع‬

‫مـــوت الحرف‬

‫بقلم ‪ :‬مريم ذياب‬ ‫كاتبة من قابس‬

‫_________‬ ‫الساعات قضيتها البارحة ‪ .‬فحرفي مريض على‬ ‫ليلة بيضاء ثقيلة الخطوات باردة ّ‬

‫فجئي في دقات قلب أنهكه‬ ‫فراش الموت يحتضر‪ .‬هبوط حاد في ضغطه وضعف‬ ‫ّ‬ ‫الحب‪ُّ .‬‬ ‫بت ليلتي أواسيه تارة وأخفف عنه أالمه وأذكره بشقاوة سيله في الحب واألدب‬ ‫والسياسة تارة أخرى‪ .‬ذكرته بمكر النساء ورغبة الرجال‪ ،‬باألحالم المؤجلة وبأهازيج‬ ‫الماضي البعيد‪ .‬كان يسمعني بعينيه المثبتتين على تقاسيم وجهي الباهت ويجيبني‬ ‫بحشرجة في الصدر‪ .‬يغرق أحيانا في مساحة صمت يغيب فيها عني للحظات بحجم‬ ‫ألمد في عمره خطوة إلى األمام‬ ‫السنين ‪ .‬ألتهمه‬ ‫إلي ‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫بعيني في حركة بائسة ألعيده ّ‬ ‫ّ‬ ‫فيتراء لي وكأنه ينسج بأفكاره قصة كما كنا نفعل في أيام خلت قضيتها بصحبته‪ .‬كنت‬ ‫وتفنن في رسم‬ ‫أنظر إليه حيث كانت تلوح بباله من حين إلى آخر أسماء كتبها ّ‬

‫فيفتر ثغره بابتسامة عليلة منهكة القوى ويعبس ويتجهم وجهه بمرور صور‬ ‫مالمحها ّ‬

‫أخرى جاءت في الزمن الخطأ خلّفت على ورقته خدوشا استعصىت على البوح المنمق‬ ‫أرد له جميل رفقة سنين اصطحبني فيها‬ ‫بت معه أقاسمه أوجاعه ّ‬ ‫ففشل في تجميلها ‪ّ .‬‬ ‫وتحمل مزاجي المتقلب ومشاعري المتدلية بين الممكن والمستحيل‪ .‬وفي ساعات الفجر‬ ‫ّ‬

‫األولى و قبل أن يلفظ أنفاسه األخيرة أشار لي في حركة ثقيلة أن أحضر ورقة وقلما‬ ‫‪50‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬

‫ألخط وصيته األخيرة‪ِ .‬انتفضت مذعورة أخفي دمعة تهم أن تسيل حرقة من لهيب‬

‫غرة وأنا مسلوبة السالح متعبة اإلحساس‪،‬‬ ‫فراق داهمني في فجوة عمر على حين ّ‬

‫ليدون نهاية صديقه ‪ .‬وجدت‬ ‫ّ‬ ‫ترددت قليال ثم رحت أبحث عن أحد رفاقه من األقالم ّ‬ ‫تعودت أن أشقى دائما‬ ‫القلم فضاعت الورقة وكأن يدا خفية خبأتها‪ .‬بحثت طويال كما ّ‬

‫في البحث عن أشيائي الثمينة‪ .‬بحثت‪ ،‬قلبت األمكنة حتى وجدتها ‪.‬قبضت في حركة‬

‫ال إرادية على القلم حتى ال يضيع مني من جديد‪ِ .‬اعتدلت في جلسة بعد أن ِاستجمعت‬ ‫الحرف‪،،،‬توسلت لها حتى‬ ‫شجاعتي و هممت بالكتابة واذا بكلماتي تتمنع حزنا على‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫مر لخصت به بوح السنين‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫حنت و النت ثم انخرطت في بكاء ّ‬

‫مدير مجلتنا يتحدث إلى قناة النيل الثقفايــة‬ ‫حول قضايا الثقافة والفكر‬

‫أدلى االستاد محمود الحرشاني مدير‬

‫المجلة بحديث صحفي لقناة النيل‬ ‫الثقافية تناول فيه جملة من المسائل‬

‫المتصلة بالوضع الثقافي الراهن سواء‬ ‫في تونس او الوطن العربي‪.‬‬

‫واكد االستاذ محمود الحرشاني في هدا الحديث على اهمية الثقافةواشاعتها بالقدر‬

‫الكافي لمقاومة كل اشكال التطرف واالرهاب منينا أن مسوؤولية نشر الثقافة هي‬ ‫مسؤلية الحكومات ومكونات المجنمع المدني من جمعيات وهئيات اهلية‪ .‬كما اكد‬

‫على شرورة ان تكون البرامج الثقافية حاملة لرسالة بناء وتساعد الشعوب على‬

‫التقدم والرفي وتحقيق النهضة المنشودة‪.‬‬

‫‪51‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬

‫لقاء مع‬

‫فنون تشكيلية‬

‫الفنانة مريم بن حسن اختصاصية في‬

‫فن المنممات أعتز بتكريمي في الجزائر‬ ‫وأسعى إلى مزيد التعريف بفن المنممات‪.‬‬

‫صفاقس ‪ /‬مرآة الوسط‬ ‫الفنانة التشكيلية مريم بن حسن فنانة عصامية‪ ،‬لم تدرس الفن التشكيلي دراسة أكاديمية‪،‬‬ ‫ولكنها جاءت إلى هذا العالم من باب الهواية‪ ،‬واختصت في مجال فن المنممات الذي‬ ‫برعت فيه‪ .‬وقد كانت لها عديد المشاركات في مهرجانات تونسية وعربية‪ .‬ومنها‬ ‫مشاركتها في مهرجان بالجزائر حيث توجت بإحدى الجوائز‪ ..‬معها‪ ،‬كان لنا هذا اللقاء‪.‬‬ ‫س ‪ :‬كيف يمكن أن تقدمي نفسك لقراء مرآة الوسط؟‬ ‫ج ‪ :‬مريم بن حسن‪..‬فنانة تشكيلية من تونس وبالضبط من مدينة صفاقس أنطلقت مند‬ ‫البدية بروح االنتماء لوطن ولدت فيه وحملت ارث ثقافته الدي نقلته عبر العالم‪.‬‬ ‫في البداية لم أتقيد بمدرسة فنية معينة ‪..‬كأي فنان مررت بمراحل انتقالية في أعمالي‬ ‫الفنية ‪..‬بدأت باالنطباعية التي تنقل المشهد كما هو على الطبيعة ثم باالنطباعية‬ ‫الجديدة ومنها الى المدرسة التعبيرية التي شدني اليها تجاوزها لكل اهتمام بالتشكيل‬ ‫والتشريح لتؤكد اهتمامها بطرح القضايا االنسانية ومعالجة آالم االنسان‪..‬وصوال الى فن‬ ‫المنمات الذي هو لغة عالمية وهي لغة الفن التشكيلي لمنحه البعد االنساني حين‬

‫‪52‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫يصبح وسيلة اتصال بين الشعوب والعصور‪ ..‬يحاكي االساطير والوقائع بلغة فنية‬ ‫راقية‪..‬‬

‫س ‪ :‬لماذا أخترتي فن المنممات دون غيره من الفنون التشكيلية األخرى؟‬ ‫ج‪ :‬هو االنتقال البديهي في حياة الفنان الدي يبحث لداته عن حضور جديد في خارطة‬ ‫الفن االبداعي هي التي أوصلتني إلى فن المنمنمات وأنا أقطع مسافات رحلتي الفاصلة‬ ‫بين االنطباعية الصامتة الى عالم المنمنمة الدي يتشكل منها الحدث ماضيا كان أو‬ ‫حاض ار رغبة مني في احيائ مدرسة المنمنمات التونسية التي أغلقت أبوابها مع اندثار‬ ‫عصور تاريخية مضت‪ ..‬وبهاجس بحث عن الهوية وتأ كيدها في األثر الفني التشكيلي‬ ‫وجدت نفسي أمام خيارين‪..‬اما أن أحققها عبر الموضوعات والمضامين ومالمح الوجه‬ ‫والبيئة المحلية‪ ..‬أو عبر معطيات تراثية عربية واسالمية مثل تطويع الخط أو الزخرفة‬ ‫االسالمية‪..‬هدا التمعن قادني الى البحث في فلسفة عميقة تتجرد من خاللها مبادئ‬ ‫المنمنمة االسالمية ممزوجة بخصائص الهوية التونسية‪..‬والمنمنة للتعريف هي تلك‬ ‫الرسومات التصغيرية التي كانت تستخدم لتزيين المخطوطات القديمة وتمتاز بألوانها‬ ‫‪53‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫الزاهية كما تمتاز بأن صانعيها أضافو في ابداعها استخدام الدهب والفضة على نحو‬ ‫بارع جعل منها قيمة جمالية آسرة‪..‬كانت تعرف بفن التزويق‬

‫وتعرف اليوم بأسم‬

‫المنمنمات ‪..‬أزدهرت في الحظارات الهندية والفارسية وأول كتاب عربي ظهرت فيه‬ ‫المنمنمات هو كتاب كليلة ودمنة الدي ترجمه ابن المقفع الى العربية‪.‬‬ ‫س ‪ :‬وحاتك تمتاز بالتكثيف وتنوع المفردات التشكيلية ‪..‬لمادا هدا االغراق في التنويع‬ ‫واستعمال أكثر من مفردة تشكيلية في اللوحة الواحدة‪.‬‬ ‫ج ‪ :‬المفردة التشكيلية تعتبر العنصر الرئيسي في بناء العمل الفني وفي ابراز جوانبه‬ ‫ومضمونه ‪..‬أخترت أن تكون متنوعة حتى تكون أدوات العمل االبداعي قادرة على‬ ‫احياء فكرة تشكيلية تحرك الحواس المنشغلة بزحمة الحياة وأنا أعتبر التكثيف في‬ ‫المفردات نوعا من الجرأة في تجسيد شخصيتي الفنية بلغة تشكيلية لها أبجديتها‬ ‫ومفرداتها الخاصة‪..‬علما وأن التنوع في المفردات التشكيلية يحتاج الى قدرات تقنية‬ ‫ومخيلة متحررة تمنح العمل الفني روحا خالصة وتمنحه تناغما برؤى حسية‪.‬‬ ‫س ‪ :‬كانت لك مشاركة في مهرجان تلمسان الجزائرية ‪..‬مادا أضافت لك هده‬ ‫المشاركة؟‬ ‫ج ‪ :‬من مدينة تلمسان العامرة باالرث الحضاري‬ ‫االسالمي بدأت رحلة احياء مدرسة المنمنمات‬ ‫االسالمية التونسية لتنتزع حضورها المعاصر عبر‬

‫مهرجان ثقافي دولي ظخم ‪..‬فالجزائر أستطاعت‬ ‫بفضل مبدعيها وأهمهم محمد راسم الدي رسخ هدا‬

‫الفن بكل شمال افريقيا ‪..‬أستطاعت أن تحتل مكانة‬ ‫مرموقة بين الدول العريقة المشاركة في المهرجانات‬

‫الخاصة بفن المنمنمات والزخرفة االسالمية ‪..‬‬ ‫‪54‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫عرضت في هدا المهرجان انتاجا تألق بقيمته التاريخية وقيمته الجمالية ‪..‬‬ ‫حيث حاولت أن أقدم الموروث التونسي بمفردات تشكيلية حية ألبلغ به مضامين فنية‬ ‫ال تضيع رغم التناقضات الفنية التي يحملها العالم وأنا أعتبر نفسي محظوظة بأن‬ ‫أحتظنني مهرجان كبير في بحثي الفني هدا وسيدكر التاريخ أن الجزائر وتحديدا في‬ ‫تلمسان من خالل مشاركتي في هدا المهرجان تعرفت على مبدعين من كل أقطاب‬ ‫العالم ‪..‬أنبهرت بالمنمنمة االيرانية الضخمة بكل تفاصيلها وبكل محطاتها التاريخية‬ ‫وشدتني المنمنمة التركية المنفتحة على مدارس الفن التشكيلي الحديث المنتقلة‬ ‫باالسلوب‬ ‫حضرت‬

‫ورشات‬

‫عديدة‬

‫لمبدعين وتعرفت على تقنيات‬ ‫جديدة حديثة تلهمني فكرة‬ ‫امكانية‬

‫تحديث‬

‫المنمنمة‬

‫التونسية ومنحها بعدا معاص ار‬ ‫يحاكي المشهد الواقعي المعاش‬ ‫‪ ..‬كما تعرفت الى أساليب وأدوات قديمة جدا في انجاز المنمنة وذلك في العصر‬ ‫الحالي والدي لن يسمح باندثار هذا الموروث الفني الغني بفسيفساء فنية دائمة‪..‬‬ ‫أعيد احياء مدرسة المنمنمات التونسية‪..‬‬

‫‪55‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬

‫ندوات ملتقيات أدب الشباب بين الواقع واآلفاق‬ ‫تونس‪ /‬من مبعوثة مرآة الوسط ‪ :‬صابرة عياري‬ ‫في إطار فعاليات الدورة األخيرة لمعرض تونس الدولي للكتاب بقصر المعارض بالكرم‬ ‫بتونس العاصمة‪ ،‬انتظمت ندوة حول ملتقيات أدب الشباب بين الواقع واآلفاق بمشاركة‬ ‫عدد من مديري أبرز هذه المهرجانات والملتقيات وتابع فعاليات هذه الندوة عدد من‬ ‫زوار معرض تونس الدولي للكتاب‪ .‬وقام بتنشيطها األستاذ الجامعي الطاهر أمين‪.‬‬ ‫وتباعا قدم كل من محمد بن رجب مؤسس مهرجان الصدى ألدب الشباب بحي الزهور‬ ‫بالعاصمة ومحمود الحرشاني مدير مهرجان مرآة الوسط الثقافي بسيدي بوزيد ومحمد‬ ‫الهادي الزعبوطي مدير ملتقى ابن منظور ألدب الشباب بقفصة مداخالت مطولة حول‬ ‫تم التأكيد على‬ ‫تجربة كل مهرجان من هذه المهرجانات في العناية بأدب الشباب‪ .‬حيث ّ‬ ‫جملة من الصعوبات التي تعترض تنظيم هذه الملتقيات ومنها خاصة الصعوبات‬

‫المادية نظ ار لضعف الميزانيات المخصصة لها وعدم إقبال المؤسسات االقتصادية على‬ ‫تم التأكيد على ضرورة تدخل و ازرة الثقافة والمحافظة على‬ ‫دعم هذه المهرجانات‪ .‬كما ّ‬ ‫التراث إلعطاء نقلة نوعية لهذه المهرجانات‪.‬‬

‫وفي تدخله قال محمود الحرشاني مدير مهرجان مرآة الوسط أن هذا المهرجان الذي‬ ‫انطلق بإمكانيات محدودة سنة ‪ 1940‬ببادرة من مجلة مرآة الوسط الجهوية‪ ،‬استطاع‬ ‫يمر منه أكثر من ‪ 1111‬مشارك منهم اليوم‬ ‫أن يحافظ على استم ارريته وصموده وأن ّ‬ ‫‪56‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫كتاب بارزون من كتاب القصة والشعر ولهم كتب ودواوين في الساحة األدبية الوطنية‬ ‫والعربية مؤكدا على ضرورة تطوير هذه المهرجانات بدعمها ماديا من قبل و ازرة الثقافة‬ ‫واحداث جائزة وطنية ألدب الشباب وأن يكون هناك ملتقى وطني ألدب الشباب يتوج‬ ‫الملتقيات والمهرجانات الجهوية والمحلية‪.‬‬ ‫وأكد محمد بن رجب مؤسس مهرجان الصدى من ناحيته أن هذا المهرجان استطاع أن‬ ‫يفرض أكثر من ‪ 201‬كتّابا شابا في الساحة الثقافية‪ .‬وأن يتجاوز عدد المشاركين فيه‬ ‫أكثر من ألف مشارك‪ ،‬رغم محدودية اإلمكانيات‪.‬‬ ‫ونفس المواضيع طرحها مدير مهرجان ابن منظور ألدب الشباب بقفصة محمد الهادي‬ ‫الزعبوطي الذي أكد على ضعف اإلمكانيات المادية المخولة لهذه المهرجانات مما‬ ‫يحول دون تحقيق أهدافها الكبرى‪ ،‬مؤكدا على ضرورة تدخل و ازرة الثقافة لتمويل‬ ‫المهرجانات األدبية ومساعدة المهرجانات على إصدار كتب لإلنتاجات الفائزة‪.‬‬ ‫وخالل هذه الندوة قدم ابراهيم سليماني مؤسس ومدير مهرجان الفينيق األدبي بصفاقس‬ ‫تجربته في تنظيم هذا المهرجان بإمكانيات محدودة جدا مالحظا أن الدعم الذي تقدمه‬ ‫المندوبيات الثقافية لهذه المهرجانات دعما محدودا جدا ال يفي بالحاجة‪.‬‬ ‫وقدم هيثم الهاني مساعد مدير مجلة االتحاف الصادرة انطالقا من سليانة مداخلة حول‬

‫مساهمة مجلة االتحاف بأدب الشباب‪ ،‬مالحظا أن المجلة تخصص حوالي ‪ 81‬صفحة‬

‫لإلنتاجات األدبية الشابة‪ .‬كما ساعدت عددا كبي ار من األدباء الناشئين على إصدار‬ ‫كتب خاصة بهم في القصة والشعر إلى جانب تنظيم عديد الملتقيات األدبية والندوات‬

‫الفكرية‪ .‬وأفاد منسق الندوة أنه سيتم رفع جملة التوصيات إلى و ازرة الثقافة والمحافظة‬ ‫على التراث ومتابعة تحقيقها بما يسمح بإعطاء نقلة نوعية لمهرجانات وملتقيات أدب‬ ‫الشباب في المستقبل كما استمع الحاضرون إلى مداخلة لمديرة صالون الزوراء بمساكن‬ ‫حول تجربة هذا الصالون في الحياة األدبية ومداخلة للشاعرة سوسن عجمي حول‬

‫مهرجان رجيش األدبي بوالية المهدية‪.‬‬ ‫‪57‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬

‫اطالق مجلة مرآة الوسط اون‬ ‫الين على شبكة الانترنات‬ ‫التحقت بداية من اليوم غرة ماي ‪ 2110‬بركب‬ ‫المجالت والجرائد االلكترونية التونسية مجلة مرآة‬

‫الوسط اون الين بادارة الكاتب والصحفي محمود‬

‫الحرشاني‪ ..‬وتسعى مجلة مرآة الوسط اون الين الى ان تكون مجلة رقمية متخصصة‬ ‫في الشان الثقافي والشبابي عالوة على اهتمامها بالمسائل االخرى مثل الشان السياسي‬

‫علوة على المواكبة الفورية لالخبار والمستجدات التونسية والعربية‪.‬‬

‫وقال محمود الحرشاني في كلمة وجهها الى القراء ان شهر ماي يقترن في حياة مرآة‬

‫الوسط بجملة من االحداث المهمة من ذلك صدور جريدة مرآة الوسط في نسختها‬

‫الورقية منذ اربعة وثالثين سنة وبالتحديد في ‪ 20‬ماي ‪ 1941‬كما تحولت مرآة الوسط‬

‫الى مجلة شهرية في شهر ماي من سنة ‪ 1991‬واستطاعت ان تحافظ على صدورها‬

‫المنتظم رغم كل الصعوبات ‪.‬وبعد ان استانفت صدورها الورقي في الشهر الماضي‬ ‫هاهي تطلق اليوم طبعتها الرقمية التي سوف تكون مختلفة تماما عن محتوى النسخة‬

‫الورقية الشهرية‪.‬واكد ان الخط التحريري للمجلة سوف واضحا وهو احترام عمل‬ ‫الصحافيين والمتعاونين مع مراعاة المصلحة العليا لتونس وعدم هتك االعراض او‬

‫افتعال الخصومات والوفاء لمكاسب الجمهورية‪.‬‬

‫ويسهر على تحرير المجلة فريق شاب اغلبه من خريجي معهد الصحافة وعلوم‬

‫االخبار‪.‬وتحتوي المجلة على مجموعة من االركان واالقسام للمتابعات االخبارية‬ ‫والملفات والحوارات الصحفية ومقاالت الراي والفنون والثقافة والشباب والرياضة واخبار‬

‫المجتمع‪.‬‬

‫لزيارة الموقع ‪ -‬الرابط التالي ‪/http://miraat-al-wassat.com :‬‬ ‫‪58‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬

‫لقاء فكري حول الكتاب في مدينة سيدي بوزيد‬

‫احتفاال باليوم العالمي للكتاب الذي يحتفل‬ ‫به في الثالثلث والعشرين من افريل من كل‬ ‫عام‪ .‬احتضن صباح اليوم المركب الثقافي‬ ‫ابو بكر القمودي بسيدي بوزيد لقاءا فكريا‬ ‫بعنوان اهمية الكتاب في حياتنا نظمته‬ ‫جمعية جيران القمر للثقافة واالعالم التي‬ ‫يراسها الكاتب والصحفي محمود الحرشاني‬ ‫باالشتراك مع جمعية المتقاعدين وعدة‬ ‫جمعيات ثقافية اخرى حضره بالخصوص‬ ‫المندوب الجهوي للثقافة بسيدي بوزيد‬ ‫مصطفى علوي ومدير المركب الثقافي‬ ‫فريد البكاري وعدد من ممثلي وسائل‬ ‫االعالم ونشطاء في المجال الثقافي‪.‬‬ ‫‪59‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫وافتتح اللقاء السيد محمود الحرشاني مرحبا‬ ‫بكافة الحاضرين وبين ان اللقاء يندرج في‬

‫اطار االحتفال باليوم العالمي للكتابوهو‬ ‫محاولة من الجمعيتين للتحسيس باهمية‬

‫الكتاب والوقوف عند اسباب تراجع االقبال‬

‫عليه ال في تونس فقط وانما في كافة الدول‬

‫العربية التي تشهد فيها نسب االقبال على‬

‫الكت ـ ـاب تدني ـ ـا مفزعا ام ـ ـام زحف الوسائـ ـ ـط‬

‫االتصالية الحديثة وغ ياب دور العائلة والمؤسسات التربوية والشبابية في توجيه الناس‬ ‫نحو االقبال على الكتاب‪.‬‬

‫ومن ناحيته رحب المندوب الجهوي للثقافة باقامة هذه الندوةالتي تهتم اللكتابشاك ار‬

‫جمعية جيران القمر للثقافة واالعالم وكدلك جمعية المتقاعدين على اقامة هذا اللقاء‬ ‫الهام بحضور عدد كبير من المهتمين بامر الكتاب‪.‬‬

‫وقدم االعالمي محمد نجيب هاني مداخلة بعنوان هل مازال الكتاب خير جليس قدم‬

‫فيها جملة من الحقائق واالرقام التي تؤكد تراجع االقبال على القراءة في الوطن‬ ‫العربيوكدلك غياب تقاليد اسرية وتربويه تحث على المطالعة ‪.‬والحظ ان القارئ العربي‬ ‫يق ار نصف صفحة في السنةفي حين ان نسبة القراءة في البلدان الغربية لم تتراجع امام‬ ‫زحف الوسائل االتصالية الحديثةوشدد على ضرورة القيام باستشارة وطنية حول الكتاب‬ ‫ومن ناحيته تحدث محمود الحرشاني عن اشكاليات الكتاب التونسي من الطباعة الى‬ ‫الترويج مالحظا ان غياب حصة الترغيب في المطالعة في المؤسسات التربوية وعدم‬ ‫تحمل المؤسسات الشيابية لدورها في مجال تحفيز الشباب على المطالعة الى جانب‬ ‫زحف وسائط االتصال الحديثة ساهمت كلها بشكل واضح في تراجع نسب االقبال على‬ ‫الكتابوتدخل عد كبير من الحاضرين للتاكيد على اهمية الكتاب كمحمل اساسي للثقافة‬ ‫‪60‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫ونشر المعرفة وضرورة تحمل االسرة والمؤسسة التربوية ومؤسسات الشباب لدورها في‬ ‫مجال التحفيز على المطالعة الى جانب اقدام و ازرة الثقافة على تطوير دور المؤسسات‬ ‫الثقافية وخصوصا المكنبات العمومية والمكتبات المتنقلة عبر االرياف والتجمعات‬ ‫السكنيةبايجاد انشطة مرافقة لتوزيع الكتاب‪.‬‬

‫تقريضة من الشاعر الكبير محمد‬ ‫الحبيب الزناد لمجلة مرآة الوسط‬

‫استجابة لطلب العديد من االصدقاء‬ ‫نعيد نشر التقريضة الشعرية التي‬ ‫خص بها الشاعر الكبير محمد الحبيب‬ ‫الزناد مجلة مرآة الوسط في الذكرى‬ ‫السادسة عشر لصدوره‪.‬‬ ‫‪ //‬كشعبنا وسط دوما بال شطط‬ ‫مرآة خضرائنا يزهو بها الوسط‬ ‫والراي حرا سديدا ما به غلط‬ ‫‪//‬‬ ‫مجلة تنشر االخبار صادقــــــة‬ ‫‪ //‬مثل اللجين وتجلونا فنغتبط‬ ‫شفافة اذ نرى فيها ضمائرنا‬ ‫مد الزمان يدا بالخير تنبسط‬ ‫عشر وست مضت من عمرها ولها ‪//‬‬ ‫‪ //‬عهد جديد وعقد ليس ينفرط‬ ‫واليوم شبت وحلى جيد بهجتها‬ ‫محمودة الذكر **محمود ** مؤسسها ‪ //‬قراؤها مثل عشاق بها ارتبطوا‬ ‫االمضاء‬ ‫محمد الحبيب الزناد ‪ .‬شاعر من المنستير‬

‫‪61‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬

‫الشاعر الكبير احمد اللغماني‬ ‫‪..‬وداعا‪...‬رحل وترك لنا اعذب‬

‫القصائد‬ ‫رحم اهلل شاعر تونس الكبير احمد اللغماني الذي‬

‫وافاه االجل المختوم امس‪.‬لقد كان شاع ار‬ ‫كبي ارواعتقد انه اكبر شاعر تونسي انجبته تونس‬

‫خالل النصف الثاني من القرن العشرين‪..‬‬

‫اقترن اسمه وشعره باسم الزعيم المجاهد االكبر الرئيس الحبيب بورقيبة ولكن ما اليدركه‬

‫الناس ان في مدحه لبورقيبة وخصاله الوطنية ونضاله هو كان في الحقيقة يمدح تونس‬

‫ويتغنى بها‪ ..‬من منا لم نهزه قصيدة يا سي الحبيب المنقوشه على برج البوف ومن منا‬ ‫لم تهزه قصيدة رثاء الزعيم وكانت ربما اخر ما كتب في بورقيبة‪.‬‬

‫شخصيا اعتز ان اولى محاوالتي االدبية في الكتابة زكاها احمد اللغماني في برنامج‬

‫هواة االدبعندما كان بشرف على هذا البرنامج‪ .‬واقول صدقا انني لم التق به مباشرة اال‬ ‫مرة واحدة في حياتي عندما جمعتنا رحلة مشتركة الى الكويت بدعوة من مؤسسة جائزة‬

‫عبد العزيز سعود البابطين لالبداع الشعري لالحتفال بصدور معجم البابطين للشعراء‬

‫العرب المعاصرين‪..‬تواصلت اقامتنا في نفس الفندق لمدة اسبوع اقتربت خالله من‬

‫الرجل ‪.‬وكانت شاهدا على احترام الناس والضيوف له خاصة بعد ان ق ار قصيده الرائـ ـع‬ ‫في األمسية الشعرية وكانت من اروع ما القي في االمسية وانا احتفظ بنص القصيد وقد‬ ‫نشرته في كتابي "مذكرات صحفي في الوطن العربي" في الروبورتاج الذي نشرته في‬

‫مجلة مرآة الوسط عن الحدث‪ .‬رحم اهلل الشاعر الكبير احمد اللغماني الذي تغنينا‬

‫جميعا بقصيده الرائع ‪:‬‬

‫قذفتهما الواحات مغتربان‪.‬‬

‫نخلتان هاهما في مسربي‬ ‫‪62‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬

‫رسالة من الرئيس الباجي القايد السبس ي‬ ‫إلى مدير مجلتنــا‬ ‫اتصل مدير مجلتنا السيد محمود الحرشاني برسالة من سيادة الرئيس الباجي القايد السبسي‬

‫ضمنها سيادته عبارات التشجيع و‬ ‫ّ‬ ‫التقدير للجهد الذي يقوم به في المجالين اإلعالمي والثقافي وأشاد الرئيس الباجي القايد‬ ‫المتميز الذي نشرته مؤخ ار مجلة الفيصل السعودية حول مدينة سيدي‬ ‫السبسي باالستطالع‬ ‫ّ‬ ‫بوزيد وتاريخها وحضارتها والذي نشرته المجلة في ثماني صفحات مصورة ‪.‬‬

‫‪63‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬

‫خـَـــْوف‬ ‫شــعـر ‪ :‬مـحـمـد الجـلـواح *‬ ‫ــــــــــــــ‬ ‫كلما صوت ِك في الغيب تناءى‬ ‫خـُفـْـتُ من ِك اإلبتعاد‬ ‫كلما لم يأتنى الموج قريبا‬ ‫ق‬ ‫خـُفـْـتُ أن الشو َ‬ ‫من عيني ِك قد سافر‬ ‫حتما ً‪..‬أو يكاد ‪..‬‬ ‫س التي‬ ‫آه يا وردية الهم ِ‬ ‫الهمس‬ ‫تختص ُر‬ ‫َ‬ ‫بـِـ َد ّل ‪ ،‬و ِوداد‬ ‫آه يا عزفا إليه األ ُذ نُ‬ ‫تـُـصـغــِـي كلما اللحن‬ ‫الى الشريان قد حــن ّ وعاد‬ ‫يا انصيا َع الماء للعشب‬ ‫وترتي َل ُ‬ ‫الخـزامى‬ ‫ص‬ ‫وانثيا َل المطر ِ الراقـ ِ‬ ‫لألرض الجماد‬ ‫كلما جفت عروقي‬ ‫من غياب المزن‬ ‫في همستك البكر التي‬ ‫أصبو إليها ‪: ..‬‬ ‫سـَقـَـطـَـتْ روح الفـؤاد‬

‫ت‪،‬‬ ‫كلما غب ِ‬ ‫ــ وال أملك ما يضمنُ‬ ‫لي العودة َ ‪،‬‬ ‫إالّ الحل ُم ‪ ،‬والوعـ ُد ‪،‬‬ ‫و اَيـْـمانُ السداد ْ ــ ‪:‬‬ ‫سـَقـَـطـَـتْ روح الفـؤاد‬ ‫كلما صوتك في الغيب تالشى‬ ‫خـُـفـتُ أوتادا ً‪ ..‬من الخيمة ِ‬ ‫تـَن ْــ َد ّك فتهوي بالعـماد‬ ‫ت ‪ ..‬نـَـ َمت في ُمقـلتـ َ ّي ‪..‬‬ ‫كلما غـب ِ‬ ‫ت‬ ‫قطعة ٌ من خشب التابو ِ‬ ‫وا ْلـتـفّ السواد !‬ ‫كلما صوتك في الغيب مضى‬ ‫جفّ حلقي ‪،‬‬ ‫واستحال الحل ُو مـ ُ ّرا واستزاد‬ ‫ت ‪..‬‬ ‫كلما غـب ِ‬ ‫بسمتي الجذلى ‪، ..‬‬ ‫نأتْ‬ ‫َ‬ ‫الجـدب والده ُر الكساد‬ ‫وحـ َ ّل‬ ‫ُ‬ ‫ويـُطـ ِ ُّل الحرف في جيش‬ ‫من األحزا ِن‬ ‫‪64‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬

‫قد بعـثره الظنّ وفقدانُ ال ِمداد‬

‫وما تأتي به من نـ ُ َوب البـ ُـعد ‪،‬‬ ‫وكهف اإلمتداد‬ ‫أنقـِـ ِذ يني من ُركام اإلحتشاد‬ ‫وارفعي عني الرماد‬ ‫آمـِـنـِـيـنـِي‬ ‫فلقد بدّدني الخوفُ ‪،‬‬ ‫وآال ُم البـُعـاد‬ ‫إضمني لي عندك اآلنَ‬ ‫ــ على بُـع ِد ِك ــ دفـئا‪..‬‬ ‫ضاربا في الروح‬ ‫الريح ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ال تـَـقـلـَعُـهُ‬ ‫وال يعرف دربا للـنـّـفـاد‬ ‫ت مينائي وعيني‬ ‫أن ِ‬ ‫والي ُد الحل ُم التي أ َنـشـُدُها‬ ‫ق‬ ‫والهوى المعشو ُ‬ ‫والحضنُ المـُراد‬ ‫ال تغيبي ‪..‬‬ ‫فلقد عـُدتُ‬ ‫وما في األفق إالّ ِك‬ ‫الغرس والزرع‬ ‫‪،‬وأنت‬ ‫ُ‬ ‫الحصــاد‬ ‫وغـَالّتُ َ‬

‫ت‪،‬‬ ‫يا التي من غيمة البدر هـطـل ْــ ِ‬ ‫ت‪،‬‬ ‫ومن الصحو أضأ ْ ِ‬ ‫ومن اللحن المـ ُ َوشـّى‬ ‫بصحاري الصمت‬ ‫في الصمت أتيت ‪..‬‬ ‫كــأهــازيــج و زاد‬ ‫يا التي أنت انكساراتي ‪،‬‬ ‫وأحالمي ‪ ،‬وأشعاري ‪،‬‬ ‫وأسفاري ‪ ،‬و ( ليلى ) و( سعاد )‬ ‫إعذريني إن سرى الخوف‬ ‫ألعضائي بعنف وازدياد‬ ‫إنني أخشى من النزوة كالبرق‬ ‫أتـَـتْ مجنونة ً‬ ‫القلب مـُـ َعـنـّى‬ ‫فإذا‬ ‫ُ‬ ‫وإذا العينُ سـُـهاد‬ ‫إنني أخشى من الخطوة‬ ‫تجتاح ِك في النوم‬ ‫فتغدو ُحـلـُما ً‬ ‫يصدق كالشمس نهارا ً‬ ‫ُ‬ ‫أضغاث ُرقاد‬ ‫وهي‬ ‫إنني أخشى المسافات‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫** شاعر وكاتب سعودي من األحسـاء ‪.‬‬

‫‪65‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬

‫ّ‬ ‫من تجليات الشعر‬ ‫التونس ي في الذكرى‬ ‫الاولى لالستقالل‬ ‫بقلم ‪ :‬محمد الصادق عبد اللّطيف‬ ‫أحسّ اليوم بنشوة االستقالل – أرضا وشعبا – بعد أن عشت مرارة االحتالل‬ ‫وذلّه ل ّما تعود بي الخواطر الى سنة ‪ 7591‬في الذكرى االولى لالستقالل‪ ،‬وقد كنت‬ ‫شابّا مكتمل الذات متخرّجا من الزيتونة بشهادة التحصيل في العلوم و ومنتسبا للتعليم‬ ‫العالي ه ّزتني أفراح الشعب التلقائية يومها الى القصبة بتونس أحد معاقل دولة‬ ‫االستعمار حيث كانت ادارة وثكنة عسكرية تجتمع على قلب العاصمة قبالة الوزارة‬ ‫الكبرى ومقرّات الحكومة ومحتشدا للمواطنين الشرفاء وإدارة عسكرية للحماية ومقرّا‬ ‫للمحكمة العسكرية التي قهرت المناضلين وإذا الجموع تفزع من ك ّل مكان في حشد ال‬ ‫مثيل له للتعبير عن الفرحة واالبتهاج باالستقالل وكيف تحرّر الوطن وخلصت البالد‬ ‫واألرض و ّ‬ ‫أن القصبة اليوم هي ملك التونسيين‪.‬‬ ‫كان المشهد رائعا والحضور مكثّفا والفرحة عارمة مسّت ك ّل شرائح المجتمع‬ ‫وقد سطع العلم الوطني خفّاقا فوق المباني الحكومية وامتألت المدن والقرى والشوارع‬ ‫بالمواطنين وهم في نشوة االنتصار وقد تحرّر المواطن والوطن بعد غيمة كبرى ولم‬ ‫يتخلّف الشعر الوطني يومها عن تخليد مآثر وتمجيد المناضلين في ع ّزة الوطن بعد‬ ‫تخليصه من العبودية واإلذالل وكان الصوت المحلّي يومها الشاعر الفحل (الشاذلي‬ ‫عطا هللا) يصدح بقصد أية في الق ّوة وجمال الصورة وصدق المشاعر ما تزال الى اليوم‬ ‫‪66‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫ّ‬ ‫ترن في أذني – وأنا ابن العشرين يومها – في أسمى المعاني‬ ‫تلك المعاني الخالدة‬ ‫الوطنية واالفتخار بالعلم –الرمز‪.-‬‬ ‫لقد خاطب العلم الرمز والوطن ككل في قصيد عد اليوم من درر الشعر الوطني‬ ‫الصادق ال تدفع صاحبه الى الحصول على مكافأة أو اظهار حضور بقدر ما حملته‬ ‫نفسه الوطنية من حبّ للوطن والدعاء له بالصمود والرقي والتحرّر والنهضة بك ّل‬ ‫أبعادها‪.‬‬ ‫استمع اليه وهو يجلجل من وسط القصبة بالعاصمة حيث الجموع تشارك في‬ ‫االحتفاالت بهذا الحدث (عيد االستقالل اال ّول) في تلقائية وصدق الحضور والمشاعر‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫رفرف على القطر أيها العلم‬

‫وح ّي عيدا اقرت رمزه االمم‬

‫واسكب الشعر آيات الخلود ففي‬

‫روائع الشعر ما تسمو به القيّم‬

‫وظ ّل للقلم الواعي خصائصه‬

‫فالح ّ‬ ‫ق ما سجّل التاريخ والقلم‬

‫واسرح من مهرجان العيد أغنية‬

‫شيّد بها الشعب لك يحلو له النعم‬

‫واحرص على نفحات المسك اذا بلغت‬

‫قدس الشهادة فالمسك الشيّق دم‬

‫وأرو األحداث لألجيال وأتلو على‬

‫أسمائها قصص األبطال من نجموا‬

‫وه ّل عن ذكر عبس والفارس من‬

‫قحطان فالذكر أبلى رسمه القدم‬

‫وأذكر كفاحا مريرا ظ ّل محتدما‬

‫نيفا وعامين لم تبرد له حمم‬

‫وسر شابّا طغى فيه الحماس فلم‬

‫يكبح جماحا ولم يظهر به سأم‬

‫يا شعب هذا جالل العبد يغمرنا‬

‫وع ّزة النصر خفاق بها العلم‬

‫يا شعب عيدك رفاق الظالل وفي‬

‫أفيائه لبنى الخضراء ملتآم‬

‫‪67‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬ ‫ثم تاله الشاعر الموهوب الشاب(محمد مزهود) بصوت جلي ع ّدد من قصيدة‬ ‫بهجة الوطن في صورة (العلم المرفرف) فوق القصبة المتحرّرة من العبودية ومن رمز‬ ‫االجنبي (العلم الفرنسي) والّذي يثير وجوده ورؤيته (صورة العبودية) لقد ع ّد يومها هذا‬ ‫القصيد قائله شاب في ميعة الشباب من أروع ما حواه من احاسيس وطنية دفّاقة وفرحة‬ ‫مثلى بهذا الخالص بعد احتالل (دام قرنا االّربع) كان عمر الشاعر يومها ‪ 82‬سنة نقرأ‬ ‫هذا القصيد ث ّم نحكم على صاحبه وعلى تجربتها الشعرية ومضامين الصورة الشعرية‬ ‫والصناعة فيه‪.‬‬ ‫هو الشعب فلتصرخ طرابا بالبلة‬

‫فمنه انجلت أشجانه وبالبله‬

‫تبارك عيد الح باليمن فجره‬

‫وفاحت شذى اسحاره وأصائله‬

‫لعمرك ما جاد الزمان بمثله‬

‫ولن تشهد األجيال عيدا يماثله‬

‫تجلّت به خضراؤنا عقد سؤدد‬

‫فأشرق منها الجيد وازدان عاطله‬

‫فك ّل نواديها سواء صوادح‬

‫ّ‬ ‫عليهن من ثوب المفاخر شاملة‬

‫وك ّل معانيها أهازيج أترعت‬

‫كؤوس هناء لم تك ّدر مناهله‬

‫لقد فقد الشعر الصادق منهجه األدبي حين انخرط اصحابه في (العكاظيات‬ ‫والمدائح طمعا في المال فقط وباعدوا بينهم وبين المعان السامية التي يجب أن يحمل‬ ‫القصيد‪.‬‬ ‫لماذا انعدم الشعور بالوطنية عالنية لدى بعض شعراء اليوم حيث لم نجد في‬ ‫قصائدهم (روح األ ّمة) وروح االيقاع والنغم المطلوبين في أي قصيد‪.‬‬ ‫انّنا خالل معركة التراب (معركة الجالء سنة ‪ 7597‬وجدنا الشعر يدخل المعركة‬ ‫فقد واكب مراحل فكانت له صوالت رائعة‪ ،‬وقد كان الشعر يومها حقّا أن سجّل تلك‬ ‫النفحات الرائعة وأن يض ّمها الى مجلّده الضخم الزاخر بروائع البديع ونفيس الشعر ( ما‬ ‫قيل ونشر في الصحف التونسية بين ‪-71-89‬و ‪ 771) 7597- 75-71‬قصيدا تونسيا)‬ ‫ترى هل يطلع علينا اليوم في رحم الشعراء ومن أصحاب األلقاب العليا والدكاترة ما‬ ‫يضاهي صدق اللّفظة الشعرية وروعة التأثير في النفس؟؟؟‪.‬‬

‫‪68‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬

‫قالوا عن مجلة مرآة الوط‬ ‫األستاذ المحترم محمود الحرشاني‬ ‫مدير مجلة مرآة الوسط الفيحاء‬

‫الجمهورية التونسية‬

‫سعدت وأنا أبحر كعادتي في عالم االنترنات‬ ‫بان قرأت مقالكم عن قرب عودة مجلة مرآة‬ ‫الوسط‪ ،‬التي رعيتموها بجهدكم المتميز في عالم‬ ‫الصحافة والثقافة إلى الصدور‪ ..‬بعد التوقف‬ ‫الذي اضطرت له خالل السنوات الثالث‬ ‫األخيرة‪ ..‬وأقول لكم بصدق أن هذا الخبر‬ ‫أسعدني جدا‪ ،‬ومحى من ذاكرتي خب ار آخر‪،‬‬ ‫كنت قرأته منذ حوالي أربع سنوات‪،‬‬ ‫أعتقد أنكم كتبتموه تحت وطأة اليأس واإلحباط‪ ،‬وعنوانه على ما أذكر "مرآة الوسط‬ ‫تودع قراءها بعد عشرة دامت ثالثين سنة‪ ...‬إن لي شخصيا عشرة طويلة مع مجلتكم‪،‬‬ ‫وأعتبرها خير من خدم الثقافة في ربوع تونس الخضراء‪ .‬إلى جانب مجالت عديدة‬ ‫أخرى‪ ،‬كانت تزخر بها تونس‪ ،‬مثل مجالت الفكر واإلذاعة واإلتحاف والجيل الجديد‬ ‫وحضر موت‪ ...‬إن موت مجلة وتوقفها عن الصدور يعني موت مشروع ثقافي‬ ‫واعالمي أو هو جريمة ال تغتفر في حق المجتمع‪ ...‬ألنه من غير المعقول أن نترك‬ ‫صاحب المجلة وحده يصارع الصعوبات‪ ..‬لذلك أقول لكم بصدق أنني فرحت كثي ار لما‬ ‫علمت بعدوة مجلة مرآة الوسط إلى الصدور‪ ،‬بفضل إصراركم وحماسكم وعدم التفريط‬ ‫في هذه المجلة التي استطاعت أن تصمد سنوات عديدة‪ ..‬صحيح أن أعداء النجاح‬ ‫تصيدوا فرصة الثورة‪ ،‬إللصاق عديد التهم المجانبة لمجلتكم مثلما ألصقوها بمجالت‬ ‫وصحف أخرى كانت تصدر في العهد السابق‪ ..‬ولكن هذا ال*** وتاريخ مجلة مرآة‬ ‫الوسط حافل‪ ،‬فهي التي تقف وراء أهم مهرجان ثقافي وهو مهرجان مرآة الوسط األدبي‬ ‫كما أصدرت مجلة لألطفال وسلسلة كتب ثقافية‪ ،‬كل هذه اإلضافات المهمة تطفو على‬ ‫نقائص هذه المجلة‪ ،‬وهو ما ال تسلم منه أي مطبوعة في العالم‪ .‬فما بالك بمجلة جهوية‬ ‫إمكانياتها محدودة‪.‬‬ ‫تقبل تهاني بقرب صدور المجلة وعودتها إلى قرائها حتى ال يبقى موقعها شاغ ار‪...‬‬ ‫والسالم‪.‬‬ ‫الحبيب بن نصيب‬ ‫تونس‬

‫‪69‬‬


‫– ماي ‪5102‬‬

‫سيناريو ورسم ‪ :‬عبدالرحمان بلخشين‬

‫‪70‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.