الثقافية التونسية
-1-
العدد األول
1
-2-
الثقافية التونسية
العدد األول
كلمة من الناشر :
مجلة ثقافية رقمية
هذه المجلة ..لماذا ..ولمن ؟
تنشر بواسطة الــ PDF
المدير المؤسس ورئيس التحرير :
الدكتور محمود الحرشاني
بقلم محمود الحرشاني على بركة هللا ،يصدر العدد األول من مجلتنا
سكرتير التحريــــر : أسامــة حرشانـي
االلكترونية "لقافية التونسية" مستفيدا من النجاح الذي
كتاب المجلـــة
واستجابة لطلبات العديد من األصدقاء الذين عبروا
-
حققه موقع الثقافية التونسية في عامه األول في أكثر من مناسبة في جمع أبرز مقاالت الموقع
الدكتور أحمد القديدي الدكتور عزالدين عناية األستاذ كمال الشطي الدكتور المنجي الكعـبي األستاذ عباس سليمان الدكتور أحمد الخصخوصي الدكتور نورالدين الحاج محمود
في شكل مجلة متكاملة يمكن الرجوع إليها واالحتفاظ بها. إننا نؤمن أن المستقبل اليوم لكل ما هو رقمي بعد
تراجع اإلقبال على المكتوب ولقد جربنا الصحافة
العنوان اإلداري :
الورقية وحققنا فيها نجاحات بإصدار مجلة مرآة
سيدي بوزيد -الجمهورية التونسية
الوسط الفيحاء التي استمرت ألكثر من ثالثين سنة،
الواتساب والهاتف :
وكذلك مجلة األطفال براعم الوسط ..ولكن لكل
00216 98 417 729
مرحلة صحافتها ،ومرحلة اليوم هي مرحلة الصحافة الرقمية بامتياز .لذلك نطلق مع بداية السنة الجديدة
الموقــع :
2222مجلة الثقافية التونسية ،لتكون محمال للثقافة
https://www.athaqafia.com
والفكر واإلبداع ،مفتوحا للجميع بدون قيود نتوكل
للتواصل معنا والكتابة
على هللا ..وننطلق.
الرجاء النشر في مجموعة أصدقاء الثقافية التونسية
المدير المؤسس
المراسالت :
- hormahmoud@gmail.com - redaction.gamar@gmail.com 2
الثقافية التونسية
-3-
العدد األول ثورة الوسيط الرقمي في التجارب التشكيليةالمعاصرة.
الفهـــــــــــــــــ ـــــــــرس
-الترحال شتاء وصيف بين الغريس وسقدال.
أخبار ومتابعات تكريم دولي جديد للكاتب والصحفي محمودالحرشاني يمنح شهادة الشخصيات المميزة لسنة 0202
تكريم دولي للكاتب والصحفي محمود الحرشاني. عندما اشتغلت عامل نظافة وبناء في المنفى الزمان الوجودي في الفن التشكيلي األرض بعد الجفاف ال تستحق إال العمل. متحف للفن الحديث والمعاصر. قصيدة "محال" للشاعرة سلوى الصالحي. -خدعة االتجاهات شعر إيمان الفالح.
اختارت اكادمية الثقافات العالمية والسالم
-حدث في تلك الليلة للكاتب عباس سليمان.
بالمانيا برئاسة الدكتورة فريدة محمد غازي الكاتب
والصحفي التونسي محمود حرشاني من بين
-في الذكرى األولى لوفاة اإلعالمية حذام عيساوي
الشخصيات المميزة في المجال الثقافي واالعالمي
-ربح في شعر شبيل الجبراني.
لسنة .2222واسندت له الدرع التذكاري وشهادة
الشخصيات المميزة .وياتي هذا التقدير الدولي تثمينا
-قصة هبة ريح.
لجهود الكاتبال والصحفي محمود الحرشاني في المجالين الثقافي واالعالمي وتزامنا مع عدة نجاحات
-مقال :مالمح الثقافة العربية في إيطاليا.
حققها الكاتب خالل سنة 2222رغم ما تميزت به من صعوبات من ذلك اشرافه على تنظيم مجموعة 3
-4-
الثقافية التونسية
العدد األول 22أغسطس 2891مع رفيق المنفى رئيس حكومة
من التظاهرات الثقافية الهامة ومنها الدورة 12
لمهرجان مراة الوسط الثقافي واصداره لرواية حدث
تونس األستاذ محمد مزالي وقد سكنت بهذه القرية
في تلك الليلة في االيام االخيرة والنجاح الذي حققه
بمحض الصدفة ألنها قرية ال تبعد كثي ار عن
موقع الثقافية التونسية الذي يحتفل بمرور سنة على
العاصمة واإليجارات فيها ليست مرتفعة ثم ألنها أمنة
مشترك ومتابع ومواصلة االشراف على موقع الزمن
يالحقني و يالحق محمد مزالي صديق السياسة و
اطالقه وتجاوز عدد مشتركي الموقع 022الف
من عيون أعوان النظام االستبدادي لبن علي الذي
التونسي وكذلك اطالق قناة اسرار تونسية على
الفكر و المنفى .فاستأجرنا بيتا ريفيا صغي ار يقع في
اليوتوب .الى جانب عدة مشاريع ثقافية اخرى اهلته
ضيعة تفاح وسط حقول شاسعة معرضا للرياح
عن جدارة الى ان يكون من الشخصيات المميزة في
األربعة ويستحيل تدفئته في شتاء 2891الذي كان
المجالين الثقافي واالعالمي خالل سنة 2222
من سوء حظي العاثر أبرد شتاء فرنسي منذ نصف
وقد عبر الكاتب محمود الحرشاني عن فخره
قرن! كان ابني الوحيد آنذاك (الطيب) ينام على
حماسا ومضيا في طريق العمل الثقافي الذي اختاره.
التي تجود بها علينا أسرة برتغالية جارة جزاها هللا عنا
واعت اززه بهذا التكريم مؤكدا ان هذا ال يزيده اال
فراش دون سرير نحاول تعزيزه بالحشايا والبطاطين كل خير ،والغريب أن أخي كان يبعث لي بالبريد
أقالم الثقافيـة
صفحات الصحف الصفراء التي تنشر بعناوين كبيرة ومثيرة "أنباء" ثرائنا الفاحش أنا ورئيس الحكومة والمعارضين المنفيين!وإني أردت أن أنقل للشباب
عندما اشتغلت عامل نظافة وبناء في المنفى..
بعض نوادر هذه المحطة بسبب صدور كتاب مذكرات رفيقنا في المنفى العقيد األسبق في سالح الطيران المهندس الصديق رشيد عزوز (الذي ساعد على تهريب مزالي عبر الحدود التونسية الجزائرية يوم 1سبتمبر )2891هذا الكتاب الذي صدر في طبعة ثانية منقحة استعرض فيها رشيد بعض عذاباتنا وحماساتنا المشتركة في مقاومة الطغيان وال تخلو مذكرات رشيد عزوز من اإلشارة الضاحكة
د.أحمد القديدي
والمعبرة والمؤثرة الى بعض ما عانيناه عندما كنا
قرية جوار تقع في شمال شرقي باريس على
حول محم د مزالي في منفاه لسنوات عديدة .وإني في
بعد 00كيلومت ار من العاصمة الفرنسية وهي أول
ذكر بعض معاناتنا أريد أيضا أن يقرأها أولئك الذين
محطة من محطات منفاي بعد أن غادرت تونس في 4
الثقافية التونسية
-5-
العدد األول شوارع القرية (ألنها الوظيفة الوحيدة الفاضية) وأعطاه
ظلمونا واضطهدونا والحقونا ولفقوا لنا التهم المهزلة
وهم منذ سنة 2222مقسمون إلى ثالثة أقسام :قسم
عربة (برويطة) ومكنسة وآلة لجمع ما يتكدس على
منهم كان في السجن الذي هيأوه لنا باطال وبهتانا
الرصيف وتوكل القديدي على هللا لممارسة هذه
فدخلوه بوجه حق وقسم ال يزال خارج السجن لم
المهنة الشريفة ألنها كسب حالل يساعد بأجرها
يكتشف الناس بعد مدى إساءتهم للوطن ومناصرتهم
الزهيد عائلته الصغيرة .وال أخفي على ق ارئي الكرام
للباطل ،وقسم ثالث ال يزال يمارس هواية التدليس
بأن هذه المعلومات صحيحة وأن صديقي العقيد
على الرأي العام وتمثيل مسرحية األبرياء وضحايا
رشيد عزوز أوردها كمؤشر على أننا مع كل أطياف
ابن علي بل وحتى أبطال الثورة! والجميع رأوهم لمدة
المعارضة التونسية عانينا ما كتبه هللا لنا بصبر بل
عشرين عاما يلتحفون خرقة القماش األحمر حول
وبابتسامة الرضا والقناعة واثقين من عدالته سبحانه.
أعناقهم ويمألون القاعة البيضاء في قصر قرطاج
أما الذي لم يذكره الصديق العزيز هو أنني عملت
يصفقون للرئيس بن علي ويبررون االستبداد و
أيضا بعد ذلك يومين أو ثالثة أيام عامل بناء بسيط
اليوم!) .وحسبنا هللا ونعم الوكيل .ونعود لكتاب
الزبال وقد جاد علي بهذا الفضل أحد اإلخوة
الصديق رشيد عزوز الذي قرأت في صفحته 90وما
اإلسالميين التوانسة الحاج الطيب عياد فحملت
بعدها ذكريات تتعلق بي شخصيا وعاشها معي هو
نصيبي من (قردل األسمنت) ومن الياجور (حجر
نفسه يقول ال كاتب " :أما أحمد القديدي أقرب
البناء) ولكن بلطف ولين ألن الحاج الطيب كان
مساعدي رئيس الحكومة محمد مزالي الذي سبق أن
صديقا حميما لمقاول البناء الفرنسي .وأذكر اليوم
تحمل مسؤولية إدارة صحيفة الحزب الحاكم وكان
مبتسما شابا فرنسيا اسمه (شارل أندري) يعمل معي
عضوا في البرلمان وعضوا في اللجنة المركزية
في نفس بناء العمارة وهو كثير الشكوى من ضنك
للحزب الدستوري في تونس فقد كان يتقاضى من
األجر ومشقة العمل فكان يقول لي بم اررة بأنه
مزالي مبلغ 22فرنكا يوميا ( 0دوالرات) ليذهب إلى
حاصل على شهادة "الباكالوريا" (نهاية الثانوية)
باريس ويشارك في كفاحنا المشترك ثم احتاج إلى
والبناء ليس عمله ويشتكي لي من سوء الحظ وعبث
عمل يسد به الرمق فاتجه إلى رئيس بلدية (جوار)
األقدار وكنت أضحك في داخلي ألنه لو عرف
التي يقيم فيها (وهو طبيب فرنسي من أصول
حقيقة أمري لهان عليه أمره ألني كنت عام 2892
مصرية قبطية إسمه دكتور إيلي بدور) وقدم له
رئيسا منتخبا للمؤتمر الدولي التحاد البرلمانات في
في بلدية (سواسون) وهو عمل ال يقل شرفا عن مهنة
يزغردون له (واصلوا و واصلن الزغردات إلى
مقر البندستاغ األلماني بعاصمة ألمانيا (بون) وكان
شهاداته و سيرته الذاتية و عرفه بنفسه و بعض
رؤساء البرلمانات يطلبون مني الكلمة بعبارة (سيدي
تاريخه فاعتذر رئيس البلدية رغم تعاطفه الصادق
الرئيس مستر تشيرمان) ومنهم حتى رئيس الكونغرس
معه وعرض عليه أن يشتغل زباال أو كناسا ينظف 5
-6-
الثقافية التونسية
العدد األول
األمريكي ورؤساء البرلمانات األوروبية وغيرها!
منا وكل واحد ّ جميعنا نخضع لمرور الوقتّ ، الخاصة. بطريقته ذلك ويدرك يشعر
أو كذابا! سبحان هللا إني له من الشاكرين على نعمة
هذا الزمان الذي نعيش فيه واللحظة الكائنة بيننا
وتصوروا لو كشفت له هذا السر! العتبرني مجنونا
اآلن هنا هل يمكن أن نمسك بهما من طرف؟ ال،
المنافي و محنة االضطهاد و حسن العاقبة.
بحوث ودراسات
ملكية مادة سريعة الزوال و ليست ألن الزمان ّ ّ ّ خاصة به داخل لكل فرد لحظة زمان ّ جماعية ،إذ ّ ّ فضاء واحد يتقاسمه جماعة .لكن هذا الزمان
"الزمان الوجودي" في الفن التصور األوروبي التشكيلي بين ّ والتصوف الشرقي:فنون النسيج ّ المعاصر نموذجا
الالمرئي يمكن ألي ممارس للفن أن يمسكه داخل ّ ّ نص تشكيلي أو مسرحي أو روائي ويقبض عليه متلبسا هاربا عبر استعمال وسائل وتقنيات ومو ّاد فنية ّ بتعدد مجاالت الفنون . متعددة ّ ّ
تعالج هذه الدراسة مشكلة "الزمان الوجودي"
الفني التشكيلي .هذا المصطلح الذي في العمل ّ اقتبسته عن محاضرة ألقاها الفنان التشكيلي العراقي
إعداد :الباحثة فاطمة بلغيث معتوڨ
أستاذة متعاقدة بالمعهد العالي للفنون والحرف
"شاكر حسن آل سعيد" في جامعة بغداد سنة 2811
بالقصرين -جامعة سوسة
وقد اقتبسه بدوره عن عبد الرحمان بدوي .
وال يبتعد هذا المبحث التأويلي الذي سننخرط أن فيه عن المهاد الفينومينولوجي الفلسفي باعتبار ّ خصه بالنظر العديد من الفالسفة "الزمان" قد ّ
والمفكرين زمن مالحقة الحكمة والحقيقة ،وال تزل
الفلسفة الحديثة تثير فكرة الزمان وتالحقها في شتّى سياقاتها .وال يبدو طرح موضوع عالقة الزمان
بالفنون أم ار يسي ار يمكن إبداء الرأي فيه دون االستناد
إلى تجارب فنية ذات عالقة بالفضاء والزمن في
المقدمــة
نفس الوقت ،فالزمان والوجود الذي هو الفضاء
أن " ّإني أكتب هذا النص التحليلي وبداخلي شعور ّ هناك جسد يقف عند منطقة حياد بين فكرة تأتي
يشكالن معا سؤاال واحدا .سنستند في بحثنا على
الفلسطينية "منى حاطوم" وأعمال الفنان أعمال الفنانة ّ البصري . ناكانشي نوبوهيرو الياباني
ألني كنت بصدد وفكرة تروح لم أستطع مسك الزمن ّ بناء فكرة".
ينفتح هذا البحث في الجانب االصطالحي على
6
الثقافية التونسية
-7-
العدد األول مجال الكتشاف مواد جديدة فحسب وإنما هو أيضا
أساسيين ،وهما المكان والزمان وما مصطلحين ّ بينهما لقطة "روح مطلقة" تعرض نفسها على مدى
للتأمل المطلق واقتناص لحظة زمنية . مجال ّ وفي هذا السياق ندرك تواجد اتجاهان في
العملية الفنية التي تعتبر لحظة الزمان األبدي خالل ّ التطور والتثاقف بين الذات (الروح من لحظات ّ
إن للزمن وجود تحديد مفهوم الزمن" ،أحدهما يقول ّ المادة وهو مطلق و ّأن ه حقيقة وليس فعل مستقل عن ّ
الشخصية المطلقة) ،والفضاء والزمن الذي في طوره
أن الزمن مطلق فلسفيا ،ونسبي الذهن والثاني يقول ّ فيزيائيا أي ّأنه يتوقف على حركة األشياء في
لالنقضاء .كيف يتعامل الزمان الفني مع النص
التشكيلي؟ ؟ كيف يكون األثر الفني التشكيلي الوعاء
الكون ".
القادر على احتواء أزمان من أنواع شتى؟ هل الزمان
-الزمان :
المادة في الفعل التشكيلي وجوده مطلق ومستقل عن ّ
يرشحه ابن "الزمان "في المطلق اللغوي ّ
والتقنية أم ّأنه متّصل بهما؟ الزمان الوجودي في الفن التشكيلي : ّ -1
منظور في اللسان" :اسم لقليل من الوقت أو كثيره..
فن المكان بامتياز .ويقول إن الفن التشكيلي ّ شاكر حسن آل سعيد "الفنون التشكيلية فنون تعتمد
السنة وعلى م ّدة والزمن يقع على الفصل من فصول ّ الرجل وما أشبه .وأزمن الشيء :طال عليه والية ّ
للمكان في الفن التشكيلي عند حسن شاكر أبعاد تقوم
يعادله من لفظ الوقت والدهر هو حركة متّصلة بوقائع وأحداث يعيشها اإلنسان .
الزمان وأزمن بالمكان :أقام به زمانا ".فالزمان وما
أما الشعر على المكان واألبعاد لبناء العالم ّ الفني ،و ّ الرواية والموسيقى والغناء فهي فنون ة"وكأن زماني ّ ّ وّ
انعكس هذا التعريف اللغوي على وجهة النظر
على مجموعة من العالقات وظيفتها اختزال الخط شاكر حسن عن رفضه للبعد الثالث في اللوحة ،فهو
االصطالحية لدى المفكرين والفالسفة وبعض ّ صوفة اللذين ناد ار ما استخدموا لفظ الزمان بل المت ّ
أكد داخل اللوحة إلى أصغر وحدة وهي النقطة ،وإذ ّ
يميز بين زمنين مختلفين لألثر الفني وهما :الزمن ّ المتخفي( ،زمن تعتيق العمل الفني) ،وزمن المشاهدة
ويتجّلى المنظور الصوفي لمصطلح الزمان كما ّبينه
لم ينفي أن يكون لهذه األخيرة زمنا خاصا بها فهو
مسمى "الوقت" اآلني أي "اآلن يتداولونه تحت ّ الحاضر" منفصال تماما عن الماضي والمستقبل. محمد عابد الجابري في كتابه بنية العقل العربي من
أن الزمن "اآلن" للوحة هو (زمن المتلقي) .غير ّ األهم بالنسبة إليه .إذ رغم امتالك الفنان للحاضر ّ (اآلن) إال ّأنه قد يتعالى عن مواصفاته لتصير المادة التي يالمسها الفنان هي الزمان عينه ويقر فرانكستال
خالل ركيزتين : )2القطيعة مع الماضي والمستقبل واالستغراق
للزمان الصوفي نفيا ّ في الحال فيكون الوقت بالمعنى ّ الطبيعي أو النفسي . ّ )2فقدان االختيار واإلذعان لنوع من الجبرّية .
المادة التي يحتاجها لتعابيره"ويفيد بأن ّ الفنان "يخترع ّ ّ هذا القول كون العمل التشكيلي المعاصر ليس فقط
7
الثقافية التونسية
-8-
العدد األول
وبعيدا عن الجبرية الصوفية العابدية ،فقد
التصوف الشرقي الذي يعتبره التصور األروبي ،وبين ّ ّ وقتا ".
الفلسفي بمثابة األساس للوجود ،وارتأى فيه هيدجر
يمر حيث الزمان نستشف في هذا القول الذي ّ التشكيليّ ،أنه ال يمكننا الحديث عن تصور زمان عقالني في الممارسة الفنية ،بل نستبدل ذلك طوعا
المهمة الوجود.وبأن السبيل الوحيد لفهم حقيقة ّ ّ ئيسية للسؤال عن الوجود تقوم باألساس على الر ّ الزمن في المنظور اإلغريقي بعدا تحليل اآلنية ويتّخذ ّ
تتمظهر خارجيا من خالل وجوده جسدا يتحرك بين
اعتبر عبد الرحمان بدوي الزمان ضمن خطابه
السؤال األفق الذي يخرج منه سؤال الوجود ،أو هو نطل منه على مسألة الوجود.ففي كتابه األفق الذي ّ أن الموجود البشري هو الوجود والزمان يرى هيدجر ّ
باستعادة لرؤيا ورؤى الفنان الذاتية .رؤيا الفنان
اإليجاب والسلب ،يتموقع ماديا ويتالشى روحيا.وعند
ويتحدد معنى الزمان التشكيلي يتجسد نقطة وجوده ّ ّ الخام( ،الخالص) ،حيث تكون فيه آلية الحدس
دائريا الموافق للحركة الدائرّية لألفالك ،وهو لدى المسيحية متّصل متصاعد له بداية ونهاية الفئة ّ
الوسيلة الوحيدة القادرة على إدراك هذا المعطى .
متّصلة ببداية ونهاية اإلنسان من الخلق إلى محور الزمن من الوهم ال الخالص .ويعتبر ابن عربي ّ
إن هذا الحدس الذي نقيس به درجة الزمان ّ زر إحساس ّ الفني يعتبر وسيلة مزدوجة لها ّ وزر آخر يكون فيه القيا س في حالة بصري(إنساني) ّ
معينة ال تدرك عبر العقل وفي ذلك معنى نقطة ّ توهمها . ّ
سعيد الفنان العراقي أن الفن له صفتين متالزمتين
حقيقة له مقطوع الصلة بالماضي وغير مستشرف
غيبوبة مطلقة (،ال إنساني ).ويرى شاكر حسن آل
على المستقبل وفي ذلك عالمة على انحباسه في
"أنه غير مباشر وغير واقعي وهذا ما يدعو إلى ّ التأمل الزماني ".
ماهو الزمان الوجودي في الفعل التشكيلي؟
)2الزمان والمكان في بنى الفعل التشكيلي :
هل هو اللحظة المنقضية الغابرة التي ال تعود ؟ أم
لم يعد الفن المعاصر قائما على تجميد
هو تمّثل للحركة داخل الفضاء؟
وضعية أو عند حدث معين ،فالزمن اللحظة في ّ ولما ينتشر بسرعة حتى ال نكاد نالمسه ّإال بصرّياّ . وبأن العين اهتدى ّ تغير ّ الفنان ّ أن إدراكه البصري قد ّ
-الزمان الوجودي :
يقول عبد الرحمان بدوي " :وجود اإلنسان نسيج من الواقع واإلمكان ،يحاك على نول الزمان.
الفني قد غرقت في التوتّرات التي يرى بها العمل ّ التي يخلقها الشكل ودينامية الخطوط الثالثية األبعاد
بعدة معان :وجود فالوجود نوعان ،وكالهما يطلق ّ معين ".الوجودية هي لحظة خاطفة مطلق ،ووجود ّ من حياة اإلبداع وإمكانية لتحقيق الذات حسب هذا
طحات وآثار العمق ،صار يهتم باستجماع والمس ّ
الفيلسوف والزمان الوجودي ال يدرك إال بوصفه
أجزاء األثر الفني ويصنع لعمله زمانا ومكانا خاصا
تجربة معيشة ،أي ّأنه شيء ندركه بواسطة الذات. يقول نزار شقرون" :يتأرجح الزمان الوجودي بين
أن اإلدراك به ليتمكن من تحديد مساره .وبما ّ البصري يعني المسار الخاص الذي يستغرقه 8
الثقافية التونسية
-9-
العدد األول الخلق وقيام الثاني على المنفعة...لكن مصطلح
تحولت الموجات البصرية وحركة لمشاهدة اللوحة ّ العين لعدسة كامي ار إلى "ديمومة، " La durée
مفهومية العمل الفني قد شهد نقالت كثيرة ودالالت ّ
والديمومة تعني االستمرار ،وهي في جوهرها ذاكرة
متعددة خالل القرن العشرين ،منذ صدمة مبولة ّ دوشمب.
تصوراتهم باعتبار أن الحاضر والزمن المنقضي اآلن ّ ليسا تعاقب لزمنين بل هما زمن واحد يتواجد بصفة
األخرى كالشكل والتركيبة والتقنية التي تحيل إلى العمق الذي يفتح على البعد الثالث الوهمي .الشكل
فو ار وهو زمان مخروطي دائري يشبه حركة النسيج
الشكل ذو الثالثة أبعاد ،فاللون حين يوحي بالعمق
فيها حفظ للزمن المنقضي في الحاضر ،وهي حقيقة
مكون أساسي في إن اّللون بوصفه ّ ّ مادة هو ّ المكونات كل العمل ذي البعدين وهو وسيلة لتنمية ّ ّ
فلسفية انتهى إليها برغسون في نظرّيته عن الزمان، ووجد فيها العديد من الفنانين تجاوبا كبي ار مع
ذي البعدين ال يمكن أن يكون بدون اّللون وكذا
م شتركة .إذ تحيل كل لحظة منقضية لحاضر آتي
يحول سطح العمل الفني إلى حضور حقيقي يستولي ّ على أبعاد جديدة بما فيها الزمان والمكان الحاضن
تضم خيوط اللحمة إلى خيوط حول النول ما إن ّ الصنعي " السداة ّ يمر زمن يمكن تسميته ب"الزمن ّ الذي ندعوه بالساعة كما ورد على لسان نزار شقرون
الفني ال للعمل ،ويقول رومان أوبالكا " :العمل ّ يتطّلب مكان ،المكان أيضا هو عمل ّفني" .كانت
في كتابه "شاكر حسن آل سعيد ونظرّية الفن لتيار الديمومة العربي"،وهو نفسه الزمن الخاضع ّ
أن نظرية أوبالكا للفضاء ّ تمتد عبر الزمان باعتبار ّ الفني والحافظ الزمان هو الفضاء الكامن في العمل ّ
الزماني الموازي المقتصر على نوع من االنتشار ّ
له في نفس الوقت ".
نؤكد هنا إذن على مسألة لالنتشار المكاني المطلقّ . الفعل التشكيلي ودوره في إنشائية العمل .النسيج
)3المنسوجة وانقضاء الزمان في المكان :
يميز بين التشكيلي المعاصر وهو بصدد الحياكة ّ عالمين" ،عالم الواقع" بأبعاده الهندسية المشدودة
فإن بالعودة لفضاء المنسوجة الثنائية األبعاد ّ الحياكة والممارسة النسجية عبر تقنية اللحمات
خارجيا .و"عالم للنول الحديدي ،وهو عالم موجود ّ ّفني" ،وهو عالم ثنائي األبعاد قائم في أساسه على المادة الخام واّللون داخل فضاء المنسوجة وذلك ّ
ممتدة ،تكشف عن ضرورة إدراك البعد اإلنساني ال ّ أن حركة اليد مع مرور الزمان ّ الالواعي باعتبار ّ تمرر المحتوى الباطني للوعي تصير حركة ّ تلقائية ّ العملية ونعني بها استم اررية اتّجاه البشري .هذه ّ
ثانويا في حسب تعبير ناثان نوبلر" :يلعب الّلون دو ار ّ مفردات الفن بالنسبة إلى الّلذين يمارسون ّفنا ذا أبعاد
طي عبر مادة الخيط في حركة تبدأ من النسق الخ ّ ّ اليمين وتنتهي عند اليسار ،قد تكون فلسفيا هي
تصور الفنان ثالثة"وهي مصطلحات اقتبستها عن ّ العراقي شكر حسن آل سعيد بخصوص "العمل
الزمان نفسه الذي يشبه الديمومة يعني االستمرار.
يمر الوقت ويضحى وبقدر ما تجري حركة اليد ّ عملية الفضاء من حول الفنان متصح ار يختزل زمان ّ ّ
الفني )" (Œuvre d’artو مصطلح "صنيع ّفني األول على المتعة ومغامرة ،(objet d’art).يقوم ّ 9
الثقافية التونسية
-11-
العدد األول بالفكر...وبالتالي ينحاز هذا الفنان إلى االعتماد عن
بمجرد حركة الخيط بيد الصانع والتي تبدأ النسيج ّ طا ،فالمنسوجة تولد نقطة في حركة لتصبح خ ّ
المتصوفة للزمن . تعريفات ّ فإن الزمن في الحضارة حسب لوي ماسينونّ ، اإلسالمية "هو مجموعة من األوقات ". العربية ّ
الزمنية، يجيا على نحو متتال وذلك ما يمنحها ّ تدر ّ الشك فيه فالعمل الفني التشكيلي هو ممارسة ومما ّ
وفعل في الفضاء المكاني قبل أن يتواجد كشكل،
الفني مكتمال هو عبارة عن لحظة إن العمل ّ ّ تجسد ملموس يمكن لمسه باعتباره إطار مرئي ّ ّ روحية بامتياز .وهذا المرئي ال يستبعد ال محالة ّ ّ الفنان ،وهو في الحين ذاته قائم على الوعي بوجود ّ
واحدة وبشكل كّلي بل هو ينسجها تباعا بينما يتلّقاها
تبصر العمل هناك استكشاف للزمن بواسطة وفي ّ مكوناتها المادية ،و برؤيا عناصر بناء اللوحة وجميع ّ
أن زمان المتلقي .نستنتج من خالل هذا االفت ارض ّ أي عمل فني يصعب تحديده بشكل دقيقّ ،إنه زمن ّ
التشكيلي لو أخذنا بعين االعتبار تناقضاته بين
عملية تأويل والزمن خالل عملية النسيج هو ّ الحاضر .الزمان إذن هو تجربة معاشة قبل أن يكون
إدراكا عقليا محسوسا ،واألثر الفني هو جماع
حقيقة ما داخل فضاء العمل الفني مهما كان نوعه.
لحظات متتالية .فالفنان ال ينسج عمله في لمحة المشاهد كاملة تمّثل الحاضر الماثل أمامه اآلن،
الزمنية التي تخترق بنية األثر التشكيلي .ومع الفنان ّ ذلك فإن الوجود الزمني ليس من طبيعة الفن
تم وهذا الحاضر هو ليس حاضر المنسوجة التي ّ طعة بل هو حاضر تشكيلها في أزمنة مختلفة متق ّ
الحضور المادي والضياع الروحي .
)2الزمان في الفعل التشكيلي بين حضارة
يتم إذن التعبير عن الزمن بواسطة )0كيف ّ الوسائل التشكيلية أو عبر الوسيط التشكيلي؟
هارب منفلت ال يمكن تعيينه .
ألعمال منى حاطوم والفنان البصري الياباني
المادة في النسيجية: أعمال منى حاطومّ ّ الزمن خدمة عامل ّ
الشرق األوسط والشرق اآلسيوي من خالل قراءة
حديدية البعد الزمني هل يدعم النسيج بأسالك ّ داخل العمل الفني؟
نوبوهيرو ناكانيشي . لماذا يمّثل الزمان "دهرا" في الحضارة
األوروبية ويمّثل "وقتا" في حضارة الشرق األوسط؟
إن الخامة الجديدة متى دخلت حقال تشكيليا ّ موضوعية العالم الخارجي تعبرعن ّ جديدا فهي ّ
أقترح هذا السؤال الذي اقتبسته في الواقع عن
فكرة لحسن شاكر آل سعيد في كتابه بعنوان "دراسات
الخاصة لهذا الفنان للفنان ،تربط الحالة الراهنة ّ بالماضي وبالمستقبل أيضا.وتدعم األسالك الشائكة
العالم التشكيلي :كونه عالم محسوسا يدرك بالبصر
ط طالما ال توجد العناصر التشكيلية األخرى مثل الخ ّ
المتصوفة العراقيين تأم ّلية" ويعتبر هذا الفنان من ّ ّ الزمن الوجودي في حيث يقول فيها بإيجاز عن ّ
الزمني في العمل الفني، في أعمال منى حاطوم البعد ّ
والنقطة واللون والشكل في إحداث قطيعة بين ماضي
المادي هو منطلق وجوده الروحي .هذا أن وجوده ّ وّ نتعرف عليه عبر الحدس وليس الوجود ّ
الفنان الخاص ومستقبله . 10
الثقافية التونسية
-11-
العدد األول تبدو منى حاطوم في أعمالها التي تقرب
عملية ربط األسالك الحديدية وتشبيكها وتتّخذ ّ عملية الزمني .إذا استحالت ببعضها البعض المعنى ّ ّ
لتنصيبات النسيج ،كمن يقف أمام معبر رفح على
تكوينية تبني لحدث تشكيلي يقوم على وعي الفنان ّ برسم موقف ما .وعملية ربط األسالك أخذت معناها
ط البداية والنهاية في آن واحد ،إذ هي تبدي خّ تفاعالتها في اللحظة اآلنية التي تقف فيها أمام
الزماني حينما استحالت إلى عقدة بين سلك وآخر.
الزمن قد بدا أن ّ يدية السريالية ،حتى ّ أعمالها التجر ّ
وسط هذه العقدة تعيش منى حاطوم تجربة حلم
مهمال بال قيمة ال بداية له وال نهاية .ومجموعة
استرجاع الوطن المسلوب المحاصر بالدبابات وعلى
كالسجن ينحصر بداخلها العديد من األقفاص التي ّ المتوتر الذي يظهر لنا من كالزمن ّ األوقات.هي ّ
إثر التقاء سلك بسلك ثاني نق أر فترة زمانية متشابكة،مقطوعة عن الوجود الواعي للفنانة كموقف
فإن هذه تتخذه ما بين تصميمها ومصيرها وكما نعلم ّ الفنانة التشكيلية تعيش وجع االنفصال عن الوطن
خالل وحدة التصميم وتشابه التركيبات المتشابكة األسالك دوما .
األم فلسطين ،وتعتبر إقامتها بلندن بمثابة الكابوس ّ ويتجسد هذا الكابوس في السياسي في قالب فني . ّ
كان الرهان األساسي للمعارض التي تقوم بها منى حاطوم هو تحويل وجهة التعامل مع الفكرة
اختيارها الصعب والخطير لمادة كهربائية صاعقة
الفنية واستبدالها بالتجربة الوجودية التي يعيشها الفرد
مصنوعة من األسالك المكهربة ،تكتنز في نفس
فتصير التنصيبة في أي فضاء وأي زمان ذات
الوقت بجمالية تشكيلية نادرة .
وفي عملها تحت عنوان "قياس المسافة"،
مجرد حامل لفكرة .هذا حسي وليس ّ حضور ّ الفني موغال الحضور الحسي يصبح بفضله العمل ّ ّ
حب الوطن متنّقلة كانت منى حاطوم ّ تؤدي واجب ّ مسافات طويلة بين برلين ولندن ولبنان عبر هذه
تحوالت. مانية ،لصيقا بما يعتري ّ في ّ الز ّ الزمن من ّ
األسالك الكهربائية الشائكة .ويقف بها الزمن عند
فالزمان في تنصيبات منى حاطوم هو زمان العمق
حدود أراضي فلسطين وطنها الذي يمنع عليها
الباطني
النحتية الزمن في أعمالها دخولهّ . المجسمة و ّ ّ التركيبية ،هو فكر وفلسفة قبل أن يكون فكرة عمل و ّ
الذي
يستحضر
فيه
الفنان
ذاتية ّ
تتجسد فيه اللحظات اآلنية والمعايشة المتلّقي،زمان ّ الفلسطينية . اليومية لدروب اآلالم ّ ّ
تشكيلي .
الحديدية الضخمة المفتوحة مثل هذه األقفاص ّ كل على الزمن المطلق المتنوعة الشكل والمضمونّ ، ّ
نستنتج من خالل أعمال الفنانة الفلسطينية
أن أثر الفكر الشرقي المعاصر ّأدى منى حاطومّ ،
يعبر عن فكرة وللمتلقي حرية قيس شكل منها ّ المسافة بينه وبين أسياخ من الحديد المتعامدة
قوة مضمون األثر إلى خلخلة مفهوم الزمن من خالل ّ "أن الفني .ويقول الباحث التونسي نزار شقرونّ :
المكعبة . و ّ
11
الثقافية التونسية
-12-
العدد األول
زمنيا عليه أن يتخّلص من العمل ّ الفني كي يكون ّ
بين اّللوحات .وتحاكي هذه التجرية في رمزيتها حركة الحدائق المعّلقة باليابان .
الفني البعد المضموني ويتحول من مدار العنصر ّ ّ إلى مدار القيمة ".
ارتبطت أعمال هذا الفنان البصري الياباني
ولئن جاء سياق هذه المقولة في الحديث عن
وكأنه يعمد في أعماله إلى ّ يديّ ، بالزمن بشكل تجر ّ
أحاول ربطها هنا بقيمة تنصيبات حاطوم التي حققت
كل صورة تجسد ّ الزمن من زوايا نظر مختلفة ،حيث ّ الصور المعروضة لحظة من لحظات الزمن من ّ
الزمن بيديه .ويدعونا مشروعه اآلتي إلى مسك مسك ّ
فإني خصائص ّ الزمن في األعمال ذات البعد الواحدّ ،
الفني من خالل ربطها لهذه األطراف فعل ّ الزمن ّ
المنقضي فالزمن في هذا المشروع وإن بدا معّلقا بين
الفنان . الثالثة: الفني والمتلّقي و ّ المجسم ّ ّ إن هذه األطراف الثالثة تتواصل في لحظة ّ
السماء واألرض ّإال ّأنه يمكن للمشاهد أن يرى مرور
فناء عن العالم الخارجي الذي يتمثل في الواقع
الزمن في لمح البصر .وتفضي عملية التقاط تراكم
الزمن كمجموعة أحداث متتالية . المعاش أي ّ
وكأن هذا الوقت بين اللوحات بتجربة سرعة زواله. ّ
-الزمان اّلالمرئي من خالل قراءة ألعمال
الفنان يدعونا القتناص لحظات التقاء الزمان والمكان
الفنان البصري الياباني نوبوهيرو ناكانيشي في حديثه
السلسلة من األعمال أقصد اقتناص الروحي في هذه ّ أن الصور عندما والالمرئي ،وتمثيله ّفنيا ،حتّى ّ
الوقت كنحت يسمح للمشاهد بتجربة سرعة زوال
تتالشى ببطء مع بعضها البعض قبل أن تختفي
الوقت" .وهذه األعمال هي عبارة عن صور
تماما لتعطي في النهاية شكال ضبابيا. .
عن معرضه المشهور تحت عنوان "رسوم الطبقات"،
ينظر إليها من الزاوية اليمنى ،تظهر الصور و كأنها
الفنان على موقعه الرسمي "إن التقاط تراكم كتب هذا ّ
وتم نقلها افية التقطت في فترات ّ فوتوغر ّ زمنية مختلفة ّ من عالم الفوتوغرافيا ،لرسوم من األكريليك ثنائية
وكأنها ذات "زمن الفنان ّ بدت أعمال هذا ّ
األبعاد مرّبعة الشكل ،ووقع تصفيفها اللوحة تلو
ردده شاكر حسن آل سعيد منظوري" وهو مصطلح ّ في حالة تكرار العناصر التشكيلية الموّلدة للعمق
األخرى بشكل مسترسل يفضي إلى تتابع األشكال
الضبابية نتيجة تشابه اللوحات البصري .هذه الصورة ّ
المتالصقة تخلق نوعا من التوتّر عند المشاهد فال
للزوار الدخول وسط ساحة العرض ،حيث يمكن ّ يمكن وسط العمل عبر المرور من تحته .وهو أمر ّ
الزمن ينتهي وال المكان يتالشى .وهذا الزمن الذي
الفعلية المشاهد من معايشة الزمن من خالل حركته ّ
يدعوه شاكر حسن بالمنظوري هو زمن ال يتم رصده الحسي بل بالتجربة الصوفية . عبر الوازع ّ 12
الثقافية التونسية
-13-
العدد األول وترجمة وتأليف ،ويعتبره بعض المهتمين بالفلسفة من العرب أول فيلسوف وجودي مصري ،وذلك لشده
الخاتمـــــة :
تأثره ببعض الوجوديين األوروبيين وعلى رأسهم
لقد مّثلت الكتابة في موضوع الزمن في
الفيلسوف األلماني مارتن هايدجر .
التشكيلية ،حقال اختبارّيا لألسئلة التي الفنية ّ الممارسة ّ
-2د .نزار شقرون" ،شاكر حسن آل سعيد
ينفك الباحث يبحث عنها في إطار الدراسات التي ال ّ
ونظرية الفن العربي" ،تقديم شربل داغر ،دار محمد
أن البحث في الزمان ومما وقفنا عليه ّ يقوم بها ّ . المنقضي والحيني بمختلف تجلياته يضاهي محاولة
علي للنشر ،ص. 221. 3- « L’artiste créé la matière dont
» il éprouve le besoi pour s’exprimer
المسك بالزمن وهو في طور الحركة .
FRANCASTEL Pierre, Art et Technique
عدة قضايا وقادنا هذا الموضوع الذي يعالج ّ
au XIX Emme et XX Emme siècles,
على صلة ب"الحيني "في الممارسة التشكيلية
éditions de Minuit, 1956, p.216.
المعاصرة ،إلى الوقوف على نتائج اساسية في هذا
إشكالية الزمكانية في جبار، ّ -2حكمت مهدي ّ الفنون التشكيلية" ،مركز النور للدراسات ،نشر بتاريخ ّ
أن هذا الخطاب الذي ينطلق السياق اإلشكالي :وهي ّ
من العمل الفني لفهم مسألة الزمن داخل فضاء األثر
. 2222/29/28
عليه الرؤية الواضحة لتفسير مدى التفاعل بين
-1أنظر :محمد عابد الجابري ،بنية العقل
متلبس ،يحتمي بالفلسفي كّلما ضاقت هو خطاب ّ
-0ابن منظور :لسان العرب – ص. 288 . العربي -،مركز دراسات الوحدة العر ّبية -الطبعة الثالثة 2882
الفنان والفضاء والمادة لصنع زمن خاص باللحظة الكائنة .هذا الزمان ال يبقى منه سوى آثار زمن
-1د .عبدالرحمان بدوي" ،الزمان الوجودي"،
افتعلها ّفنان هو إلى زوال ،حيث ال يبقى من بعده
دار الثقافة بيروت -لبنان ،الطبعة الثالثة ،ص. 0 .
مؤشر زمني لحقبة سوى أثر فني هو عبارة عن ّ
-9د .نزار شقرون" ،شاكر حسن آل سعيد
"كرونولوجية" في سجل التاريخ وصيرورته ّ
ونظرية الفن العربي" ،تقديم شربل داغر ،دار محمد علي للنشر ،ص. 21 .
الرؤية -ترجمة فخري -8ناثان نوبلر :حوار ّ
.المراجـــــع :
المؤسسة العر ّبية للدراسات والنشر – الطبعة خليل- ّ األولى -2882ص. 81 .
-2د .عبد الرحمن بدوي ( 2فبراير - 2821 20يوليو 2222القاهرة)أحد أبرز أساتذة الفلسفة
العرب في القرن العشرين وأغزرهم إنتاجا ،إذ شملت
أعماله أكثر من 202كتابا تتوزع ما بين تحقيق 13
الثقافية التونسية
-14-
العدد األول
-22د .نزار شقرون" ،شاكر حسن آل سعيد
إلى لقمة العيش التي أصبحت صعبة الحصول
ونظرية الفن العربي" ،تقديم شربل داغر ،دار محمد
عليها لتفرغ من اوكلت إليه أمانة التيسير في العبث
علي للنشر ،ص. 211 .
واالستخفاف بمقادير الناس وبمستقبل البالد وجمع األموال و العطايا و المنافع بغير وجه حق فاصبحت البالد من جراء ذلك ساحة للصراعات وفضاء للخالفات ومنب ار للكالم الفارغ الواهي الذي ال ينفع. العبث بمستقبل البالد وبعد ؟ عبث بمصير البالد وهذا مؤكد ومثبت من خالل
أقالم الثقافيـة
أرقام بينة ومؤشرات واضحة تتجلى في ما يلي: * انتشار نسب الفقر بشكل ملفت وصلت إلى حدود 21بالمائة.
األرض بعد الجفاف ال تستحق إال العمل.
*ارتفاع المديونية إلى أكثر من 222بالمائة من الناتج الداخلي الخام. *ازدياد عدد العاطلين عن العمل إلى مستوى ال يطمئن ويدعو إلى القلق. *هجرة متعددة االشكال:
بقلم د :نورالدين الحاج محمود.
*الرسمية والتي وصل عدد مغادرة كفاءاتنا إلى 202
في بدايات أسبوع ممطرة ال يمكن إال االستبشار
الف من خيرة ما تم االستثمار فيه من قبل المجموعة الوطنية من أجل تكوين هذه الخميرة من الخبرات
بغيث نافع يزيح ما علق بهذه االرض الطيبة من
جفاف و ترتوي من خالله بماء يعطيها الحياة
لالسهام في االرتقاء البالد فإذا بها تغادر قس ار عنها
واألمل.
تراب البالد بحثا عن فضاءات ارحب ومجاالت
بمثل ما يعطى الماء إلى االرض بقدر ما على
واعدة.
اإلنسان أن يستفيد من ما في ترابها من إمكانيات
*هجرة سرية عبر شق البحر لالتجاه إلى الضفة
هائلة طبيعية في حاجة إلى االستغالل وفي قطاعات
الشمالية من البحر االبيض المتوسط للبحث عن
متعددة و بالخصوص في الفالحة التي هجرها أهلها
حياة أفضل واحسن بعد هذا البؤس الذي ضرب
البالد في مفاصلها.
وغادرها أبناؤها إلى المدن بحثا عن العمل وسعيا 14
الثقافية التونسية
-15-
العدد األول
تراكمت مشاكل البالد وانسدت االفق بسبب غياب
بحث األستاذة فاطمة بلغيث معتوق
من يفكر في م ستقبل البالد ومن ينير السبل إلى أبناء البالد من أجل تحقيق حياة كريمة. شغل وكرامة وحرية: هي شعارات من أرقى ما يطمح اإلنسان إلي تحقيقها والوصول إليها ألنها عنوان النخوة واالعتزاز
اعتبر موضوع إنشاء المتاحف وتأسيسها من
باالنتماء إلى هذا الوطن. تم الوعد بالشغل فلم تتحقق إال البطالة التي وصلت إلى أرقام فلكية.
الشعوب، أهمية في تاريخ ّ المواضيع واألفكار األكثر ّ أن تاريخنا المعاصر في تونس لم يعد مبال غير ّ
بتوثيق ما تبقى من تاريخه القديم والمتوسط والحديث
بشر بالكرامة وهو أمر جيد في هذا العصر المتميز
أيضا .الراهن في تونس هو شبكة صيد علقت في
.المتوسط؟ المتوسط.. أسنان حوت كبير على ضفاف ّ ّ
باعتماد الذكاء فإذا باإلهانة هي التي حلت مقابل
ّإنها عبارة ّلم الشمل وإعادة البناء والتخطيط المتوسطي الذي لم يعد له حضور في تاريخ تونس ّ
ذلك. تم التاكيد على الحرية وهي مطلب كل إنسان في
الثورة ...
اطار معرفة حدود ما هو مسموح فإذا بالقوضى
أن إقامة المتاحفّ ,إنما بدايتها وقد عّلمنا التاريخ ّ شغف وولع ال متناهي في تجميع ثقافات حضارة ما,
ان المرحلة التي نعيشها و على شكلها الحالي ينبغي
وخاتمتها هو عبارة عن بناية صرح يخّلد لذاكرة
العارمة هي السائدة.
جماعّية ال يمكنها أن تموت وقد وقع حفظها في مكان يسهر على حراسته أمن وسالح فيه رصاص .
أن ال يطول ركودها وبالتالي ال بد من صحوة جماعية بعد هذا الجفاف الذي ضرب البالد للتفرغ
اسود لونه والويل لمن يحاول المساس بقدر من فخار ّ أو آنية أو حتّى وثيقة مكتوبة بحبر عبري كان أو
إلى العمل والكد والجد وعدم إضاعة الوقت الذي تفننا في هدره.
ألنه ال يمكن فهم أهمية الحضارات أرامي أو عربيّ ، بعيدا عن المتاحف .المتحف إذن هو المكان الذي
متحف للفن الحديث والمعاصر ومتحف لحفظ تراث وتقاليد يهود تونس؟
حق مخزون الحضارات والثقافات ,تماما كما يكفل ّ تكفل ديار األيتام أيتام الحروب والموت ،وعلى سبيل فإن المتحف اليهودي الوحيد في ذكر اليتم واأليتام ّ العالم العربي وشمال إفريقيا الموجود بالمغرب أصله فضاء كان يحوي أيتام أطفال اليهود المغاربة ورّبما
15
الثقافية التونسية
-16-
العدد األول
تكون تونس البلد العربي الثاني الذي بدأ يعمل على
يمكن لرجال األمن أن يظّلوا رابضين أمام المعبد يحرسون الجدران وكنيس وسطه فارغ من المحتوى
يضم كل العام لبداية تكوين متحف تأسيس الفضاء ّ ّ محتويات الثقافة اليهودية بتونس – فكرة إقامة متحف
والمضمون .يجب أن يحرسوا فضاء وآثار وسطها وكل حياة وثقافة محشو بحضارة وتقاليد وشعائر ّ اليهود” .وحراسة الذاكرة تتطّلب وقفة حازمة من قبل
يهودي في تونس هي فصل جديد إلعادة تقييم عاداتنا وتقاليدنا المشتركة -بين يهود ومسيح
الدولة وأهل االختصاص ومواطن أيضا. ّ ظّلت فكرة إنشاء متحف لحفظ عادات وتقاليد يهود
منا,من ومسلمين .واليهود التوانسة هم جزء ال ّأ يتجز ّ فإن البعد حضارتنا ,حتّى لو اختلفنا إيديولوجيا وفكرّيا ّ ّ الثقافي الشامل يجمعنا في إناء واحد.
وتحمل الصبر تونس معّلقة لليوم ،رهينة ّ ّ قوة اإلرادة و ّ مادي المادي والغير ّ عناء البحث في مخزون التراث ّ
كل على إثر زيارة الغريبة سنة 2221والذي يقام ّ التونسية ,انعقد سنة في المعبد اليهودي بجزيرة جربة ّ
المختصين تماما مختصين في المجال وغير من قبل ّ ّ كفكرة إقامة متحف للفن الحديث والمعاصر.
بالتوازي الملتقى الثالث لكلية اآلداب والفنون
واإلنسانيات بمنوبة ،باالشتراك مع مخبرها المعروف
المتحف الثاني المذكور سنوليه اهتماما في نص
المتعددة حول التراث في كامل بكثرة حواراته وندواته ّ ربوع تونس .انعقد الملتقى يوم 20ماي 2221
الحق.
السياسية سببا في تالشي فكرة قد تكون األوضاع ّ إنشاء المتحفين في تونس ،وقد يكون الوازع التنظيمي
بحضور وزيرة السياحة وقتها “سلمى اللومي” ورئيس
ألولويات الوطن سببا أيضا .فكم من فكرة ماتت وكم
الطائفة اليهودية “روجيه بوسميث” ومحافظة التراث بالمتحف اليهودي بالمغرب الدار البيضاء “زهور
من نجاح كان حليف مجموعة اتّقدت أفكارها عودنا تاريخ قصص إنشاء المتاحف وانطفأت .هكذا ّ
محافظة التراث بمتحف باردو ,كما حضر الندوة
للسياح المخزون قطعة قطعة لينتهي بها األمر لمزار ّ
والبعض من يهود تونس القاطنين بجزيرة جربة
اليهود بالغريبة جزيرة األحالم جربة .
بوحليل” ومحافظة المتحف اليهودي بتركيا “ماليسا”
في العالم ,بحيث تبدأ الفكرة بشغف في تجميع
ونظيرتهما بفرنسا أيضا وتونس السيدة “سعاد” مجموعة من الباحثين في مجال التراث بمنوبة
حجة من مختلف دول العالم تماما كما هو حال ّ
التابعين لها .وتعتبر فكرة إنشاء متحف يحمل
حجة يهود تونس بالغريبة ّ
السيد “الحبيب القزدغلي” .وجهة نظر العميد ّ بمنوبة ّ محتوى أبعادها كان مبني على فكرة التصالح ّ يشكل جزء كبير من تاريخ تونس والتسامح مع تراث ّ ,ويقول بخصوص المعبد المتروك بتونسّ ”:أنه ال
يشوه بطاقة الذاكرة في بعيدا عن فكر اإلقصاء الذي ّ ركن من دماغي منذ زمن بعيد … وبعيدا عن بقايا
وكل محتويات الحضارة اليهودية في عادات وطقوس ّ كلية اآلداب والفنون واإلنسانيات تونس فكرة عميد ّ
16
الثقافية التونسية
-17-
العدد األول
تركة و ميراث آيل للسقوط في زمن غريب األطوار,
عن كثب .-وفي حلق الوادي بتونس العاصمة أيضا
ذكية تعتبر فكرة إنشاء متحف يهودي بتونس فكرة ّ
التونسية معقل يهود تونس .هناك تلتقي الحضارات
والعديد من المدن والجزر األخرى ومنها جزيرة جربة
وتاريخ يعاني من شذوذ عاطفي ووجداني -نفسي ,
وكأن شيئا لم يكن .يعلو صوت اآلذان فج ار واألديان ّ ويدق جرس الكنيسة والمعبد بعد حين . يوم الجمعة ّ
ستساهم في إعادة إحياء ذاكرة المكان وما وراء
حجة المكان والزمان .دراسة الفكرة تزامنت مع “ ّ
اليهود” ب”الغريبة” سنة . 2221و”الغريبة” هو
الكل يصلي هلل الواحد .مسلم يصّلي في اتّجاه القبلة ّ صلواته الخمس ,ومسيحي يصّلي في كل األوقات
كنيس يهودي يقع في جزيرة األحالم جربة في جنوب
ق ,سميت فيما شر تونس .يقع المعبد في قرية صغيرة ّ مضى “بالحارة الصغيرة” واليوم يطلق عليها
“الرياض ”القريبة من “حومة السوق” عاصمة
مقيد بوقت وال وبكل االتّجاهات ,فاهلل حسبهم غير ّ ّ الدعاء على بمكان .ويغلب في االبتهال اليهودي ّ الصالة شكال ومضمونا داخل المعبد.
حجة اليهود إذن هو احتفال ديني عقائدي الجزيرةّ . يقام بجزيرة جربة ,وفكرة متحف اليهود الذي بصدد
الحضارة اليهودية جزء من تاريخ تونس ,ويهود تونس كل األحوال رغم قّلة ال يمكن أن نعتبرهم ّ أقلية في ّ عددهم الذي يفوق األلف بعشرات بعد هجرتهم
البحث فيه لليوم ،كان سيقام في تونس العاصمة في
وطنهم األم تونس ألسباب متعددة .يهود تونس
معبد اليهود القائم صرحه بشارع الحرّية تونس ضخ الحياة في جزء من حضارتنا المشروع هوبمثابة ّ من جسدنا.
ويرددون نشيد ويحيون العلم، يحملون الجنسية، ّ ّ الوطن في المواسم واألعيادّ .إنهم “توانسة” من بين
وسط ركام انهيار المعابد والكنائس والمتاحف الذي
اإلثني عشرة مليون نسمة عدد سكان تونس –وليسوا
تعيشه خريطة طريق المنطقة بالموصل ودمشق
بأقلية .نعم هذا ما أردنا قوله منذ بداية حديثنا عن ّ يهود تونس ولسنا بصدد تبرير وجودهم معنا ّأنما
التوحد والغربة الصرح تؤّذن لحالها ,وتعيش مرض ّ ّ الخناق وربو الرئة .فغربة المكان والزمان من وداء ّ
كل جيل“ .حماة الحمى يا حماة الحمى مع والدة ّ إن مجد األزمان يا سادة هلموا لمجد الزمن” ّ . هلموا ّ ّ
جراء الثورات المتتالية على كامل وسائر الوسط ّ يتقبل وجود الجوامع عالية المنطقة ,ال يمكن لعقل أن ّ
فقط بصدد مراجعة درس الحياة والتاريخ الذي يخوننا
غربة العباد ,إذ ال يمكن أن نعيش حضارة واحدة في
يضمن بقاء الحضارات .وتعتبر المتاحف هي
نفس المكان وال يمكن للفكرة أن تلد أفكا ار وتحافظ
السكان الشعوب و ّ الفضاء الحامل على عاتقه زاد ّ األصليين والمحّليين والوافدين الغير أصليين ّ
الدم ,دون التزاوج مع على نسبة خصوبتها في ّ حضارات أخرى تكون مختلفة الحسب والنسب…ففي
وتعد فكرة تأسيس متحف بمعبد اليهود للمنطقة. ّ بتونس العاصمة لصاحبها عميد كلية اآلداب والفنون
حدثتكم عنها في العديد من النصوص الكاف التي ّ السابقة ,أو هي سيكافيناريا الماضي ,يلتقي الجامع
واإلنسانيات “الحبيب القزدغلي” ,فكرة وليدة عصرها ,في زمن موت اإلنسان في سوق الخيانة والكره
بالكنيسة بالمعبد في نفس الشارع –نعم لقد لمحته 17
الثقافية التونسية
-18-
العدد األول
وتحت القصف العشوائي وفي زمن تالشي التراث
السيد تاريخ قصة تالعب ّ يتشتّت بنو إسرائيل وتبدأ ّ بالزمان والمكان,واألشخاص ...
جراء وألواح الطين وموتها تحت األنقاض ّ القصف.هذا القصف ليس له أصل وفصل ,وبطاقة
تتجسد أكبرمظلمة من مظالم التاريخ وعند الضّفة ّ .مظلمة بدأها ملك بابل في القرن 6ق.م عند غزوه
متعدد الجنسيات لدرجة الخواء” . هوية ,هو ّ ّ لنترك موضوع تأسيس المتحف على جنب المعبد
بقية المشوار أتم ّ ألرض فلسطين وخراب القدس .و ّ بنو إسرائيل فقاموا بالواجب زيادة .وكم يظلم تسلسل
يصّليان ويتّفقان فيما بينهما على مشروع التهيئة, شدنا السبل الكفيلة لنجاح الفكرة ولنقول مثال ما ّ و ّ
الممل. أفكارنا هذا التاريخ ّ
والتاريخ والمتاحف والحضارات ودمى المتاحف
ثر غزوات بابل قدم بعض اليهود إلى جزيرة جربة
واستوطنوا في ربوعها .وفي حدود سنة 022ق.م
مرة : ألول ّ كزائر ّ لحجة يهود الغريبة ّ على وقع رقصات متحف ومعبد ومسلم ويهودي,
أسست بيعة اليهود المعروفة اليوم بالغريبة ,وتوجد ّ بها لليوم نسخة من أقدم نسخ التوراة في العالم .عند
كل الحضارات التي درستها في تالشت من ّ مخيلتي ّ التاريخ وأنا وسط الجموع اليهود والمسلمين وديانات
هذه البيعة ،يجتمع يهود تونس في أعيادهم .يوم
وعبارة يمثّالن الخيط الذي يربط جزيرة أفكاري بجسر ّ األحالم جربة بباقي تونس .هذه الجزيرة الهادئة
كل يهود العالم .عادات الثاني يصومون حزنا كما ّ يهودية اندمجت مع ثقافة وتقاليد وطقوس دينية ّ
حج الغريبة “سقوط أرشليم”يجتمعون فيه ،ويوم ّ يحتفلون في فنائه وخارجه ،ويوم تخريب الهيكل
مني وتبعثرت .شربت أخرى رّبما ,تالشت وتناثرت ّ تخيالتي ,وعّلقت خيط خطاي,وأكلت بعضا من ّ
تونس وعاداتها وتقاليدها وأعيادها فكانت بمثابة زواج
كل الغارقة في أحالمها والمحاصرة بالبحر من ّ كل سنة إلى مزار تتحول في شهر مايو من ّ جانبّ , العالمية – ّإنه ط أنظار الصحافة ديني وسياحي ومح ّ ّ
مدنية وبهار يهودي .ليس جميع من كاثوليكي بنكهة ّ ألننا نكبر ونتعّلم في تونس يعلم هذه األخبارّ ، ونعتبر أجياال بعد أجيال على نغمة تاريخ وديانة
وتضم الجزيرة 22معبدا الحج اليهودي -بتونس. ّ ّ يهوديا يتوزعون بين ” الحارة الكبيرة” و”الحارة
واحدة.
بالعبرية .نعم في تونس الربي يكتب بالعبرّية ويتكّلم ّ بها ,وال يستعمل في معاشه ّإال العر ّبية التونسية,
يهوديات
تتصدر اليهوديات صورة لوسط فناء الغريبة أين ّ متزينات اللباس التقليدي لجزيرة جربة تلبسه ّ
الصغيرة” ،كما توجد أيضا بيوت كتب على جدرانها
حتّى هيكل المعبد وألوان شبابيكه يتّسم بطابع عربي بين األزرق واألبيض على غرار سيدي بوسعيد . وبين أرض الميعاد (القدس) وأرض قرطاجة (تونس) يخية القاسية والغير عادلة ,أن شاءت الظروف التار ّ
صورة للغريبة من الداخل أين تقام الطقوس. 18
الثقافية التونسية
-19-
العدد األول طالع على ما وراء الخبر ,على حب اإل ّ فرضها ّ خفية ال تصلنا ّإال إذا حاولنا الوصول لها, أشياء ّ
أن التعايش بين يهودي ومسلم ,ومسلم وجميعنا يعلم ّ ومسيحي على نفس رقعة من الخريطة يعتريه دائما الحساسية تتراوح بين القبول والرفض وبين نوعا من ّ التسامح والنفور.
قبل الدخول لهذا المعبد واجب الزيارة يتطّلب خلع
تونسيات سنة 2112 يهوديات ّ ّ إن موضوع عالقة األديان والحضارات ببعضها ّ
الحذاء وتغطية جزء قليل من الرأس وثياب محتشم و
أسه الرجل فوق ر ّ إشعال شمعة األماني .يرتدي ّ (الكبة )وهي قلنسوة سوداء أم بيضاء منحسرة قليال ّ خلف الرأس مما يلبسه اليهود في طقوسهم وهناك من
البعض يعتبر من المواضيع الشائكة بين البشر.
سألت فتاة شابة تقف في أبهى حّلة أمام المعبد عن
فردت دون تفكير “جمال تونسي لم أضف جمالها ّ
بالهوية .وتجلس التونسية أيضا اعتزاز يلبس الشاشية ّ ّ اليهوديات يتسامرن قبل وبعد طقوس الزيارة وسط
إليه شيء” ثم قالت مبتسمة “أنت أيضا جميلة ال
الكف ودخلنا الكف على ّ ينقصك منه شيء” .ضربنا ّ شيق مثير .سألتها عن رأيها في الزواج في حديث ّ
فناء المعبد متزّينات ,جميالت ,محترمات .يهود متمسكون تونس ملتزمون التونسية, بهويتهم ّ ّ ّ
متحرجة- ثم ابتسمت ّ المختلط بين مسلم ويهوديّ – , السؤال وفوضى الدفتر الذي رّبما ألغ ّ طي عن سذاجة ّ يدي …سألتها هل أحببت شابا مسلما يوما ما ؟ بين ّ
ومحافظون على عاداتهم وطقوسهم ,هذا ما اكتشفته
ألفرق حجتهم .ولم أكن ّ خالل زيارتي للغريبة يوم ّ الدين لوال حواري مع بيني وبين “بنت بالدي” في ّ بعض النساء وأخذ اإلذن أللتقط صورة يليها حوار
غصة بدت عليها عالمات حزن خفيف يعتريه ّ
ثم قالت غيرت قليال من مزاج مرح ّ فضولي بينناّ , ّ العالقة بين مسلم ويهودية والعكس ال تزل لليوم
ألن سؤال شخص عن عفوي شائك …نعم شائك ّ اصلية ,يليها إحراج وعدم دينه ,وأصله ,يمّثل عثرة تو ّ
عالقة تتّسم بالعنصرية ,وإن حدث وأحببنا فعالقة عابرة ستنتهي بالفراق تفاديا ألي مشاكل في
النوع من إنسانيا ,و هذا ّ لغويا و ّ التقرب ّ قدرة على ّ السؤال هو بمثابة فشل جزئي في مهنة الصحافة
وقضية إن العادات والتقاليد البالية المستقبل ّ . ّ الموروث الديني واختالف األعراق والديانات ,من
مرة أبتسم بشغف كل ّ وعلوم اإلخبار فوجدتني في ّ محدثي وهو الطرف المقابل الذي ألنال رضى ّ
تهدد بقاء الحضارات وعناقها القضايا التي ال تزل ّ أحببنا أم كرهنا وحده المتحف قادر على التعبئة
كم الشغف يتوسله حواري بالتفاعل ّ ّ بعفوية مطلقة مع ّ ويحوط قلمي و أفكاري وبهجتي الذي يحاصرني ّ
إن والقبول بتراث حضارة ما دون ملل وانحيازّ . العالقة بين التونسي المسلم منه و اليهودي تتّسم
بلقاء الزيارة .كنت على علم بسذاجة أسئلتي التي
أحضرتها في دفتري للقاء الغريبة .سذاجة مفتعلة
باالندماج غالبا والنفور أحيانا ّأيها القارئ ,وال يغرّنك 19
-21-
الثقافية التونسية
العدد األول
صفاء
وتنورتي والمرح والفوضى التي تسكن دفتري وأفكاري ّ
اليهود التونسيين – من الرجال والنساء -يعيشون
ذهبية في معصمها ,جارتي المسلمة تدعى بإسوارة ّ “خديجة” نتعايش منذ سنوات في نفس الحارة,ال
التغريد
بحسن
المعاشرة
و
القصيرة المثيرة داخل المعبد .قالت وهي تلعب
تمررها الصحفية) التي “الربورتاجات”(اللقاءات ّ ّ بأن نقر ّ الميديا والصحافة للناس .لكن ومع ذلكّ ،
لكننا نلتقي في السوق يوم نتبادل الزيارة في البيوت ّ إن زيارة الخميس فنتبادل الحديث والحب … قالت ّ
رشة من على قّلتهم بشكل طبيعي في تونس ,مع ّ
العنصرّية المقيتة التي تسكن شظايا الالشعور عند البعض طبعا .عنصرية ونفور هو في الحقيقة نفور
خلفيات الجارة اليهودية لجارتها المسلمة ال يزل رهين ّ
حدثتني عنه امرأة تدعى اختياري لألسف كما ّ “حبيبة” ,والتي أدركت كالمها بعد حين ,وقالت
هشة متوارثة وبعض األحكام المسبقة .فتقول ّأنه ال ّ مما طبخه جاره التونسي يمكن لليهودي أن يأكل ّ
كالنا نتمتّع بنفس الحقوق والواجبات وعلينا نفس أي قانون بيننا االمتيازات .والقانون التونسي لم ّ يحدد ّ
حدوث شجار بين األطفال وهم يلعبون .لفظ يسيء
مبتسمة “المرأة التونسية سواء كانت يهودية أو مسلمة
,ألنه “حرام في معتقدهم … ” أحيانا وليس دوما ّ وأكثر شيء يؤثّر فينا ,منطق بعض الجيران في حال
يفصلنا عن بعض فلماذا النفور ؟ .
إلحساس بعض اليهوديات لدرجة العزلة والنفور
يتفوه البعض بكلمة االختياري من الجيرة كأن ال ّ يهودي ّإال ويسبقها بكلمة “حاشاك” وهي ما يعادلها
هذا النفور بين الجيران من وجهة نظر”حبيبة” التونسية اليهودية سببه االختالفات االديولوجية رغم ّ تقارب العادات والتقاليد بيننا ”.حبيبة” امرأة في مقتبل
بشكل آخر كلمة “أعوذ باهلل ”.
إن كشف الجوانب الغير مطروحة في حياة اليهود ّ السلمي الغير محفوف بمشاكل بتونس رغم تعايشنا ّ
العمر ممتلئة صافية البشرة وعذبة الكالم كانت تجلس في بهو “الكنيس” .تنحنحت على جانبها
أخالقية واجتماعية,كان هدفنا من الربورتاج والحوار
تكرر كلمة “نحن كّلنا عرب” بهدوء األيمن وظلت ّ بالعفوية وابتسامة غير طبيعيين …عن جهل ممزوج ّ
أدونه بصدق دون نقصان الصحفي الذي أردت أن ّ أو زيادة يوم حج الغريبة ,فمن طباع القلم الساكن في
تردد الكلمة “نحن كّلنا والحب والتسامح كانت ّ حال في عرب”.كالم “حبيبة” أثّر في نفسي ,ولم أجد ّ
أحشائي الصدق في التعبير واإلثارة والشغف والمتعة
فكل شيء نابع من الواقع باستطاعة وقت التدوينّ . بكل الشم والسمع والذوق التي أملك أن تدركه ّ ّ حاسة ّ
ذكرتني رغبتي من تقبيلها على جبينها .رائحة عطرها ّ بشيء من رغيف أمي سارة .طويت ورقة دفتري
منا القلم أتردد في كتابته متى طلب ّ سهولة .واقع ال ّ ولعل أحسن التدوين حب التدوين. ّ وأمرنا لذلك ّ والكتابة ما كان صادقا دون تلوين وتزويق في
أن كالم “حبيبة” عظيم رغم بساطته ,كالم وأدركت ّ أن الحكمة ال تأتي إال على لسان يجعلنا نفهم ّ ألن طقوس الزيارة البسطاء .هممت بمغادرة المعبد ّ لتحدثني خارجه كانت قد بدأت… نادتني “حبيبة” ّ
الكلمة .فكم من تاريخ كتب ملّفقا
هشة العبارات والمعاني وباطنه أعمدة ّ
عن جارتها المسلمة .فعدت إليها بنفس ذات الشغف 20
متوجا بأسمى ّ مهددة بالسقوط ّ
الثقافية التونسية
-21-
العدد األول يكتبون على قشرتها أماني الحياة من زواج ورغبة
حركتها رياح الخريف مع نسمة ربيع عربي متى ّ عامة (وال معاصرة … ّ الصراع والصدام الحضاري ّ إن ّ
في اإلنجاب والسعادة األبدية ويضعنها قرب الحجر
طائفتين اليهودية أقصد به يهود تونس) القائم بين ال ّ
المقدس هو المقدس .وتقول األسطورة أن الحجر ّ ّ
الرئيسي منذ التاريخ هو الصلف والمسلمة ,سببه ّ والعدوان اإلسرائيلي في فلسطين المحتّلة مسقط رأس
حجرة كبيرة من أرض غريبة وقع جلبها وتركيزها كحجر األساس في المعبد منذ آالف السنين ,واسم
عيسى الذي قال “بوركت األرض التي أنا عليها ”
المقدس الذي يقال أن “الغريبة” هو كنية لهذا الحجر ّ
لحد ولم نرى بركة تنزل على القدس منذ ذلك الحين ّ حج الغريبة يوم بركة عظيم الساعة … ويعتبر يوم ّ
المقدسة من فلسطين .وتبقى مصدره األرض ّ
الزوار من الحاخامات بدعائه لهم بركة يطلبها ّ الرشاد من خالل قراءته للتلمود بالمغفرة والصلح و ّ
يدونها التاريخ وما من األساطير ّ مجرد تخمينات ّ يقية التفاصيل .قرب هذه الحجرة شاهد حي يروي لنا ّ ّ يتكدس البيض وداخل صفاره وبياضه تعّلق المقدسة ّ ّ
وتمتد االحتفاالت عادة على مدى والتوراة والتّليم ّ . ستّة أيام تقام فيها الطقوس حيث يفتتحون الحج رب مير” وهو أحد باحتفال صغير احتفاء بال “ ّ
سيد الخلق .من البيضة األماني في انتظار كلمة ّ
إلى “خرجة المنارة” وهي من الطقوس المشهورة أيضا
الكهنة اليهود الذي له شأن منذ القديم ,ويختمونها
حج اليهود ,خرجة تقليدية بدأت منذ 212عاما في ّ
يسمى بيوم “الخرجة” وفيه أيضا تكريم بحفل كبير ّ “للرب شمعون” وهو أحد الكهنة الكبار المعاصرين .
تقريبا.
األول واليوم األخير لزيارة الغريبة ,تقام بين اليوم ّ الحجة الصلوات داخل المعبد وتتواصل على امتداد ّ
خرجة المنارة
قراءة ثالثة كتب يهودية “التلمود والتوراة والتّليم”
"خرجة المنارة" يا سادة هي في األصل عبارة عن
الرب أجزاء من الكتاب .وجرت العادة أن يق أر ّ
محملة بقالل فارغة تجوب مختلف دروب عربة ّ الحارة التابعة للمعبد يقوم المتساكنون بملئها زيتا
المقدس أمام قنينات من نبيذ “البوخة” (وهو شراب ّ
مخمر يستخرج من فاكهة التين يشتهر به يهود ّ ثم يقع توزيع تونس دون سواهم) و شيء من الفاكهةّ ,
التبرع بالمال لتغطية إلنارة القناديل المعّلقة بالمعبد ،و ّ
تغير شكل العربة ولم نفقات تشييد المعبد .اليوم ّ
الزوار للبركة ولما فيها من هذه البوخة والفاكهة على ّ
تتغير الخرجة وعوض القالل الفارغة نجد آنية كبيرة ّ
شفاء .إضافة إلى بركة الحاخام وشراب البوخة
موشحة بأقمشة من النحاس ذات ثمانية أضالع ّ
المقدس وتقديم الخرفان قرابين نجد اليهود وخاصة ّ
ملونة وأكاليل الزهور تجوب فقط حدود ال ّ فضاء المحاذي للمعبد بسبب مخاوف أمنية بعد
الشخصية في بيضة النساء منهم يعّلقون أمنياتهم ّ 21
-22-
الثقافية التونسية
العدد األول أليس من ِ الخزي أن نرى
التفجير اإلرهابي الذي عاشته الغريبة في ابريل من
طرق النساء على قارعات ال ّ
سنة…2222هذه اآلنية تباع في المزاد العلني وتودع
يحتججن...
مداخيلها لفائدة الكنيس أيضا .ويبقى السؤال العالق
ويبقين في العراء
لليوم هل سيصدق خبر تأسيس متحف يهودي
دون ملجإ أو غطاء
بتونس؟
النخوة أين ّ الشهامة و ّ الدين يا أحفاد صالح ّ
مبدعون على الشبكة
أوصل بنا الحال
الحد المهين ؟ الى هذا ّ متى سينتهي هذا األنين ؟ متى ستنطفئ النيران
تضج بها البراكين ؟ التي ّ متى يا وطني سيطيب بك المقام
محــــال
وتنجلي الغيوم عن سمائك ظالم ويشع نور الحق وينتهي ال ّ ّ ّ متى سيحلو بك العيش
للشاعرة سلوى الصالحي
ويجتمع بك العشاق ويحلو لهم الكالم
من األسفل الى القمة يعيشون بال ِه ّمة أي حال هذا اّلذي نحن فيه ؟ ّ
ويحدثون الجلبة
ويقهقهون عاليا ٍ دون خوف من الحاضر واآلتي
الجاهل ومن العلم ناهل
الزهور ويجمعون باقات ّ الغناءة من حدائقك ّ
سواسي كأسنان المشط َ طط ؟ الش َ أليس هذا هو ّ
الرومنسية ويسمعون األغاني ّ
يغني على لياله الكل ّ ّ وأنت يا وطني ال أحد
اّلتي تكاد تكون منسية ّ متى يا وطني
يهتم... بك ّ
طيور المهاجرة تعود ال ّ
تهم ؟ ومن ّ الكل ما دام ّ
وتصنع في قمم األغصان أعشاشها
وتقتات من سنابل غيطانها
يسبح في المهانة وال ّذ ّل 22
-23-
الثقافية التونسية
العدد األول أراني أتناسل كما النجوم
متى يا وطني نعيش األمان
أرى السماء تضيء دربي وتهبني
كرم المرء بك ال يهان ُ وي َ حسرات عليك يا وطني
أجنحة ضوء
إن سرت على هذا المنوال
أرى قروح الريح تسقط من كفي.
وبقيت على هاته الحال
الريح /آخر نفخة بين الجمر
والرماد
محال ان يطيب بك العيش محال.
الريح /لعبة مغبرة بين المسافات
الصالحي 2121/2/11 سلوى ّ
الريح /خدعة اتجاهات...
جديد االصدارات
**خدعة اإلتجاهات** شعر ايمان الفالح
حدث في تلك
سأنام على جنبي الحزين وجنبي اآلخر يرفع قهقهاته
الليلة" * لمحمود
الساخرة إلى السقف
الحرشاني أو رواية
اعتقدت طويال أن الجدران رفاقي
المخفية. األسرار ّ
وأن النوافذ عيون تضيء ظالمي.
كم صدقت أن الباب حارس غربتي وأن الريح الواشية لن تتسلل
عباس سليمان بقلم األستاذ ّ
إلى مضجعي ...........
من أين تأتي الريح؟
مدار الروايات التي تتّخذ لها ًا ّ تشدني إليها كثي ار هذه ّ أدبيا على نحو حقب ًة من التّاريخ فتنهض لسردها ّ تختلط فيه حقائق ثابتة ووقائع حدثت فعال بما
أحدق مليا في وجه الليل
فال أرى سوى ظل طويل
يجثو بركبتيه السوداوين على
خصيات التي أضافه الكاتب ولون به ّ الش ّ ّ وتخيله ّ اختارها واألحداث التي جعلها تجري بينهم.
صدري
أبكي بكثافة...
ولعل رواية "حدث في تلك الّليلة" لمحمود الحرشاني ّ الروايات، الصحافة إحدى هذه ّ القادم إلى ّ الرواية من ّ
دون أن يصعد صوتي إلى السقوف
لكن روحي تعلو في سماتها األخرى. 23
الثقافية التونسية
-24-
العدد األول المهانين الذين لم يكن أمامهم غير ووزرائه المطيعين ُ كل الصمت والخنوع والذين كان عليهم ان ُيخمدوا ّ ّ
أهم ًا ولعل الحقبة التي اختارتها لها ّ مدار إحدى ّ وحركية وأفعاال تنوعا واختالفا ّ الحقب وأثراها وأكثرها ّ
ثمانينيات القرن الماضي وردود أفعال ،وهي حقبة ّ التونسية حين عوقب جمع غفير من طلبة الجامعة ّ
يظل في وكل أنواع المعارضة ّ حتى ال ّ صوت يعلو ّ الرئيس واحدا أوحد ال شريك له. المشهد كّله غير ّ
بالتّجنيد العسكر ّي عدها إخمادا الحتجاجاتهم التي ّ ً الدولة وعبثا باستقرارها وتطاوال ّ النظام زعزعة ألركان ّ
السياسة بال ّ تشدك إليها هذه ّ الرواية بكونها رواية ّ محمد الخبو -إذ فيما سياسة – والتّعبير لألستاذ ّ
على هيبتها.
حب ومغامرات ومصادفات السرد سرد حكايات ّ يبدو ّ انفك الناس يتداولونها وتعديدا ونقال ألمثال شعبية ما ّ ّ
الحب الرواية بمزجها بين حكايات ّ ّ تشدك إليها هذه ّ طالبات رغم ما بينهم من ط ّالب وال ّ التي نشأت بين ال ّ
مرجعياتها وثقافتها وغاياتها لألصوات المختلفة في ّ للسياق ولآلخر ،فيما يبدو األمر كذلك، ّ وتصوراتها ّ
فوارق خفية وما عاشوه من مالحقات اجتماعية غير ّ ّ وتحقيقات وتهديد وعقوبات انتهت بالكثير منهم
فإن األحداث لم تبرح حرم الجامعة حيث صراع ّ ط ّالب وصراع البقاء بينهم وبين اإليديولوجيا بين ال ّ
الصحراء معزولين عن أهاليهم وعن ّ منفيين في ّ الجامعة وعن العاصمة.
الرئيس قوات األمن ،ولم تبرح قصر ّ السلطة عبر ّ ّ حيث تُطبخ وتُعَلن األوامر بالتّصفية واإلبعاد والعقاب النفي ،ولم تبرح تحقيقات البوليس داخل مراكز وّ
الرواية بما فيها من ربط بين األدب ّ تشدك إليها هذه ّ والسياسة على ٍ وقص ًة نحو يظهر فيه األدب ًا شعر ّ ّ
هما بالمعارضة وبتهديد أمن البالد وسلطة َو ُخ َ طًبا متّ ً الدولة الحاكم واستقرار المجتمع واإلساءة إلى رموز ّ قصة قصيرة عنوانها " والتّخطيط للثّورة ّ حتى ّ أن ّ
األمن.
الرواية بما ُد َّس فيها من مرح ومن ّ تشدك إليها هذه ّ ن ٍ كت رغم م اررة السياق الم َّ مثل ًة في بؤس عائالت ُ ّ ُ
نعت عتيا" ال تُق أر ّإال على ّأنها ٌ الثّور الذي بلغ ّ بأنه ثور بما في ذلك من إساءة ومن اتّهام للحاكم ّ طغيان ثانيا. انية ّأوال وبال ّ بالحيو ّ
اخلية وفي تسّلط ال ّ طلبة القادمين من المناطق ّ الد ّ أن البوليس وفي صرامة التّعليمات والق اررات حتّى ّ ط َر ُب لمساحات المرح المدسوسة ويتل ّذذها. القارئ َلَي ْ الرواية بما أتاحته للقارئ من ّ تشدك إليها هذه ّ ستمكنه من أن يغلق األقواس التي حرية ّ مساحات ّ
الرواية بإثارة ذلك الخالف العميق ّ تشدك إليها هذه ّ الذي كان قائما بين بورقيبة المكتفي باستقالل البالد طامح نحو استقالال داخليا وصالح بن يوسف ال ّ ّ تام ال نقص فيه وليس فيه تنازالت وال استقالل ّ
النحو الذي يرتضيه ،إذ ُفتحت وظّلت مفتوحة على ّ ظّلت تنتظر قرَار القارئ حكايات كثيرٌة كالتي ربطت ٌ
اشتراطات.
طلبة والتي بين المتحابين والتي تعّلقت بمصير ال ّ ّ ارتبطت بمصير ُح ّكام البالد الذين لم يبدوا في وضع
السياسة ّ تشدك إليها هذه ّ الرواية بما نقلته من كواليس ّ مما كان يجري في مجالس الوزراء وما كان وتحديدا ّ
المستقر الذي ال يخشى خط ار داهما. المطمئن ّ ّ
الناهي الغاضب المتسّلط الرئيس اآلمر ّ يدور بين ّ 24
-25-
الثقافية التونسية
العدد األول
تونسية أخرى حول سنوات لقد حامت روايات ّ عجت به من أحداث داخل الجامعة الثّ ّ مانينيات وما ّ
.مست فيها وقتها الطالبة المجتهدة الخلوقة حاضرة البديهة سريعة التجاوب وصاحبة قلم رشيق قادرة
ولكن رواية ونسية وفي معتقل "رجيم معتوق"، ّ التّ ّ "حدث في تلك الّليلة" لمحمود الحرشاني تسّللت إلى
على التحرير بسالسة. وتوطت صلتناالى درجة انها كانت تعتبرني في مقام
الزوايا بطريقة مختلفة تجعل القارئ يكتشف عديد ّ ويؤول أحيانا ويربط بين ما جرى حينا ّ ويفكر حينا ّ
اخيها.ولما التحقت باالذاعة تميزت وسط كوكبة من
الكبار امثال المرحوم محمد علي الحباشي والمرحوم المنصف المؤذن واالصدقاء والزمالء بلحسن بن
من أحداث في أحايين كثيرة.
عرفة ونورالدين الحاج محمود وفتحية حمدان وخديجة
للوفاء والذكرى
العويتي
ونجيبة
مهري
التي
كانت
اقرب
صديقاتها.ومكنها اجتهادها من الحصول على جازة الهادي العبيدي للصحافة التي سلمها لها رىيس
في الذكرى األولى لوفاة اإلعالمية والصحفية حذام عيساوي
الجمهورية زين العابدين بن علي في اليوم الوطني للثقافة.والى جانب عملها في االذاعة كانت حذام تكتب في جريدة الراي العام وجريدة الصحافة.اما اهم وابرز كتاباتها فكانت في مجلة مراة الوسط .كانت غيورة عليها وتدفعني دوما الى االمام .كانت تقول
لي ال تياس ال تفشل.وكانت الواسطة بيننا عندما
تسافر شقيقتها الصغرى تماضر عيساوي وقد احبت هي االخرى مراة الوسط وكتبت فيها وهي تلميذه
وطالبة.
تمر اليوم سنة بالتمام والكمال على رحيل الصديقة العزيزة
والزميلة
الخلوقة
حذام
عبد
نشرت حذام عشرات المقاالت والروبورتاجات بمجلة
السالم
مراة الوسط وحتى عندما سافرت الى امريكا في
عيساوي.التي ارتقت بفضل جدها واجتهادها الى
تربص باالمم المتحدة ارسلت لنا من هناك مجموعة
خطة رئيس تحرير لالخبار باالذاعة التونسية وشغلت
من الروبرتاجات حول امريكا والحياة اليومية
خطة مديرة الذاعة الشباب وفي ما بعد مديرة الذاعة
ويومياتها في التربص.
تونس الثقافية.عالقتي بالزميلة حذام رحمها هللا تعود
كان تواصلنا شبه يومي وكانت تقول لي ساسلم
الى سنوات بعيدة وتحديدا عندما كانت تقضي فترة
المشعل االن الى تماضر لتحل مكاني في مراة
تربصها وهي طالبة بمعهد الصحافة بقسم االعالم
الوسط وفي موقع الزمن التونسي والثقافية التونسية
بوالية سيدي بوزيد.
انا مشاغلي اصبحت كثيرة. 25
الثقافية التونسية
-26-
العدد األول
كانت همامية باتم معنى الكلمة داخل االذاعة وكانت
بقلم :محفوظ الزعيبي
المناضل العروبي القومي عبد السالم حتى انها
لم يهتم الدارسون وهم قلة في حقيقة األمر بشعر –
فخورة بانتسابها الى سيدي بوزيد وبوالدها المرحوم
شبيل الجبراني – أو كما يطلقون عليه – شاعر
كانت ال تمضي مقاالتها اال باقتران اسمها باسم
المثاليث ..-ولم يجمع شعره في ديوان ألنه مشتت
والدها حذام عبد السالم عيساوي.
وتعرض أغلبه للتحريف وعبث المغنين المتطفلين من
كانت تناديني باسم حمود وتفعل ذلك من باب
الشعراء الشعبيين ،ولم يعد يحفظه إال البعض أمثال
التقدير والمحبة.
أحفاده رغم صيته وشهرته ..وشبيل الجبراني من
لما وصلني خبر اصابتها بالكورونا ودخولها
مواليد – الجبارنة -بجبنيانة في النصف الثاني من
المستشفى عن طريق شقيقتها تماضر ادركت انها
القرن التاسع عشر وتوفي سنة 2812وهو أحد
النهاية فحياة الزهور ال تستمر طويال الى ان جاء
الشعراء الفحول األربعة الذين تربعوا على عرش
يوم 2جانفي 2222وكنت مشغوال في بعض
الشعر من نفس الجيل وهم :عبادة السعيدي وامحمد
المراجعات لتدخل علي زوجتي مكتبي بعد ان
الصغير ساسي ومحمد بن فرحان الذي يصغرهم
استمعت الى موجز العاشرة صباحا من االذاعة
بقليل ..وشعر – شبيل – يتسم بغ ازرة اللفظ وقوة
الوطنيه وهي في حالة ذهول وهي تقول.لقد توفيت
التعبير وثراء المعاني ودقة الصورة ،وتناول أغراضا
حذام.اذاعوا الخبر االن في االذاعة.اسقطت ما بيدي
كثيرة مثل :الفخر والغزل والبرق والركب والنجوع
وانغمست في موجة من البكاء ال اعرف كم دامت
والمفكر ،وكان يتعفف عن الهجاء ،ويتنزه عن
رحم هللا حذام
المساس بأعراض الناس لشهامته ،وحسن سجاياه
اذا قالت حذام فصدقوها
البدوية ..وتظل القصيدة الغزلية من أروع ما قاله –
فان القول ما قالت حذام
شبيل الجبراني – في حبيبته –ربح -التي تعرف عليها صدفة عندما استدعي للغناء في عرس في
ريح التراث
عندما نزل مساء في أطراف الحي ،شعر بالعطش
"ربــح" في شعر شبيل الجبراني
فتوجه نحوها ،وقد انسدل شعرها الفاحم ،فلما وقفت
جهة – بوفيشة – بطريق السلوم ..وتقول القصة أنه الشديد ،فلمح فتاة فوق الماجل الستخراج الماء،
وأزاحته إلى الخلف ،كشفت عن وجه صبوح كالقمر، وعينين سوداوين مضيئتين ،وأسنان بيضاء كحبات
البرد ..وهزت الريح ثوبها فقال مباشرة :الغيم كثح دار صحاحير في نهار كبير جي قاسي بوجرد حرير
الصارخة، واندهش لهذا الجمال العارم ،واألنوثة ّ 26
الثقافية التونسية
-27-
العدد األول
وبقي جامدا ال يتحرك ،وال يدري ما يقول أو يفعل...
لم يلتق بها ولم يبثها حرمانه وحرقة نيرانه إال من
وفي السهرة خرج ليغني في المحفل وكانت المفاجأة
بعيد وهو يعاني الوحشة والغربة :متوحش كبدي
وتتابعه وتتفاعل مع غنائه وشعره ..وقد ظهرت في
مطوق بسحابه ولكنه لم ييأس ،بل ظل األمل يراوده،
معطوبه تعود ناري لهابه طوق وحشك بعثاليبه وجي
أن يرى – ربح – أماما عينيه في الصدارة ترمقه
رغم خطورة المغامرة ألنه عزم على االتصال بها
أفخر حلي ولباس ،وفازت بحسنها على كل
مهما كلفه ذلك ،وهو يدرك أنه سيخرج عليها هذه
الحاضرات ..وكان التجاذب بينهما مثي ار حيث شعر
المرة في صورة الفارس الذي يمتطي صهوة الجواد،
أهلها بتجاوبها ،وخوفا من العاقبة والفضيحة حاولوا
وسيشق – الضحضاح – بما فيه من خالء وفياف
إثناء – شبيل – عن اللقاء بها والحديث معها،
وأخطار الطريق :ضحضاح يبانو عالبيبه يرعب
وشيعوه في آخر الشهرة إلى محطة القطار في اتجاه
شين ضبابه بر موحش عالي رواقيبه يصعب
صفاقس ...لكن – شبيل – ظل متعلقا بصاحبته ،ال
عالزغابـه يشقه كان قزين حليبتـه كيف امبزغ نابـه ..
يغيب طيفها عن خياله ،فبمجرد الوصول إلى سوسة
واختيار – شبيل – للحصان لم يأت مجانا ،وإنما
نزل من القطار وقفل راجعا إلى جهة بوفيشة وإلى
كان ذلك بإرادة منه ليعبر للحبيبة أنه أصيل..
ذلك الحي الذي ترك يه – ربح – مكتوية بنار
ومتمرس على ركوب الخيل ،وأن امتطاء الحصان
الحب ..ويقول بعض الرواة أنه لما نزل هناك أخذ
بالنسبة إليه أفضل من ركوب القطار ..وربما عبر
يترصد من بعيد وهو يتقدم خفية نحو ديارها إلى أن
عن نيته في اختطاف – ربح – واصطحبها معه ألنه
بدت على مسافة قريبة منه ..وعند المغيب استنجد
على يقين من هيامها به ،ومبادلته هذا الحب
بأحد الرعاة لمؤازرته في الوصول إلى -ربح –
العاصف ،وانتظاره على الجمر للقيام بهذه الرحلة
أحست الكالب وتوفير اللقاء معها ..لكن لسوء الحظ ّ بذلك الغريب ولم تكف عن النباح ،فاستنفر أهلها
فكان وصفه للسرج يدعم ويتمم ما يجب على الفارس
مسعاه عاد من حيث أتى وانفجرت قريحته بأروع
أهلها ،وكان على أتم االستعداد للتعرض لكل
إحضاره واستخدامه في مغامرته التي يتحدى فيها
وباتوا يقظين ولم يناموا إلى الصباح ،ولما خاب
االحتماالت بما في ذلك القتل ك والسـرج مكلـف
الشعر ومنها – الملزومة – المشهورة :متوحش ال
ريت وهامك يا زين المرصوع يهبهبلي وحشك
ترتيبـه نزهـة للركابــه عليه نوصل زين التعصيبه ولفي
المرحوم الفنان الشعبي :اسماعيل الحطاب في
حسابه العاتـي يتلقـى للشيبــه يبيع الراس صبابه ثم
سود هذابـه الما يغامر ما ينال حبيبـه وما يقروش
وغرامك يغصايص ودموع وهي التي غناها بعد ذلك
يكب في آخر – العرف – للعودة بالقافية إلى رأس
البرنامج اإلذاعي – قافلة تسير – وفي الحفالت التي كان يقيمها ..وفي رواية أخرى قيل أنه اجتمع بها
– الملزومة – لو نبدا مقطع قدامـك ما ثماش رجـوع
تحيير منامي ومنامك جي برك مقطـوع متوحش ال
في تلك الليلة وتبادال لواعج الحب وتواعدا على الفرار
والزواج ،ولكنهما فشال في ذلك عندما أصبحت –
ريت وهامك في هذه القصيدة تجنب الشاعر ذكر
الفراق ،ويظل الشاعر الفحل في منأى عن – ربح –
أنه في بداية هذا الحب ،ما زال متماسكا ،شديد
اسم –ربح -رغم انه كان يعنيها بالذات ..وفي رأيي
ربح – تحت الرقابة والحراسة المشددة .ويطول
27
الثقافية التونسية
-28-
العدد األول
البأس ،ويمنعه كبرياؤه من اإلذعان السريع واالنبطاح
المعذرة ألنه واثق من محبتها له ،مذك ار بالسهرة التي
الذي إن عزم لن يتخاذل ،وإن قرر لن يتراجع ،وأن
متفاعلة مع كل كلمة ينطق بها حتى أنها ظلت
غنى فيها ،وقد تجلت في الصف األول أمامه
أمام بابها ،ولكنه أراد أن يتقلد سمات الفارس الشجاع يجعل لهذا الحب مه ار غاليا ال يخلو من المشقة
ساهرة إلى آخر الليل وأغمي عليها وكاد العرس
الموت إن لزم به األمر ..ولكن هذه –الفرسنة –
ندرباها نفهمها عل قد عقلها تفهمني بمعنى ونباهه
نفسية الشاعر ..ويخفت األمل تدريجيا مع طول
أن الشكوى هلل وحده ..ما دام اآلخرون ال يعبؤون
يتوقف ويفسد :نتوسل بكالمي للها من غير مروة
والعذاب والخطر ووصل به االستعداد لدفع ضريبة
لتقعد من تالي نحولها وقدام المحفل نلفاها ..ثم يدرك
تخبو جذوتها شيئا فشيئا عندما يطبق اليأس على
بتوسالته ،وال يقاسمونه عذابه وتباريحه ،خاصة أنه
الفراق والبعاد ،وتعتريه الهواجس وتحدثه عن
احتماالت كثيرة أغلبها سيئة ومنذرة بأخبار أليمة
ال ينتسب إلى أهلها وال تمت له أي صلة قرابة ورحم
بدون تستر أو غطاء وهو في حالة يرثى لها من
منهم الصد والجفاء وسيعاملونه كغريب ودخيل عليهم
بهم ،ومهما كان حبه وهواه مخلصا وصادقا فسيالقي
وسوداء ..فيناجي المحبوبة صارخا مناديا بإسمها
:يا ربح الشكوى للعالي وحليل العاشق براني يا ربح
االنهيار العاطفي :يا ربح غرامك درباني سلطني
عالموت رماني وتستمر المناجاة في قصيدة –ربح –
غرامك درباني ..وهكذا عاش الشاعر محروما من
الذي حاصره وأطبق عليه ،فال نجاة منه وال قدرة
مشحونة بالعاطفة الجياشة ،وعلم بزواجها وتحولها
وصال – ربح – رغم ان أخبارها ما زالت تأتيه
كاشفة انكسار الشاعر ،ووقعه في فخ هذا الحب
للسكنى في تونس العاصمة ،فتدهورت حالته
على التخلص من شباكه :يا ربح فراقك ما شتى
وازدادت محنته ،وساءت ظروفه االجتماعية وثقلت
خلى جواجيه محطوطه وطيتـه ال بى يتوطى ديما
عليه العيال ليعيش في خصاصة وضنك عيش،
حايزني في الخوطه نزل حبك على قلبي حطه يتبع في درجاح خيوطه ثم يتطرق إلى العراقيل التي تمنعه
وكاد من جراء ذلك أن ينسى – ربح – لتصبح
أصبحوا شاعرين بالخطر واتفقوا على التصدي لكل
السنين وفوات العمر ..وشاءت األقدار أن يظل عليه
ضربا من الماضي ومجرد ذكريات خابية تحت رماد
من الوصول إليها فإضافة إلى الفراق فإن أهلها
المرسول بعد زمان طويل حامال إليه أمانة غالية من
من تسول له نفسه بالنيل منها أو مداهمة الحي..
ويصب الشاعر عرجام حقده ونقمته على – الحارز
– ربح – فاشتم رائحتها ،وأثارت في نفسه غمرة تلك
من الذين ينوون الزواج بها واضعا سدا أمام غيره من
في ذلك العهد تبعث إلى حبيبها العاشق خصلة من
األيام الخوالي بهجرها وصدها وتبتلها ،وكانت المرأة
– أي الغيور عليها المكلف بحمايتها أو أحد أقربائها
الخطاب والعشاق :يا ربح الفرقة ما صعبها مالقيتش
شعرها تذكا ار بينهما ليحافظ عليها مدى الحياة عربون
والحارز قاساها ويلتمس لها األعذار ألنها ما زالت
الشعر تغنى بذكره كثير من الشعراء مثل قول أحدهم
وفاء ومحبة ..و-السالف -هو جزء من مقدمة
باش نعاناها عا اللي محيوزه في عربها صغيره
عندما ضيع سالف – شلبية – حبيبته :سالف
صغيرة السن وال حول لها وال قوة أمام القيود
المفروضة عليها والحصار المطوق بها ،ويمنحها
مرجاح جاني في ضيق عشيه من جيبي طاح آش
28
الثقافية التونسية
-29-
العدد األول
مش نقول لشلبية ..وكان شبيل يتناول مع المرسول
هبّــة
العشاء عندما قدم له هذا الضيف األمانة ..فلم
يستطع مواصلة الطعام ،فتأزم وضاقت به الحياة
ريح
قصة جديدة بقلم الدكتور عبد القادر بن
وكاد يغمى عليه ثم أفاق وأطلق صيحة مدوية
الحاج نصر
وتنزلت ليه هالة الشعر قائال :خبر لجاني على غفلة لفي ادردر خاطري بعد ماصفي خبر لجاني عالهوى مرغوب وخلى فكري بمحنته مشغوب
وتمادى في هيضته إلى أن أتم القصيدة .ومن عادة
الشعراء الشعبيين أن يختموا قصائدهم باالستغفار
تستعد للمساء. الصباح ّ هذه ّ السيدة مع إشراقة ّ تتأمل مالمحها في المرآة ..مساء الخير ..دامت ّ
وطلب العفو من هللا والعودة إلى التقوى والجادة بعد
الطيش وسنوات الضياع ،والتفكير عما اقترفوه في
الصحة والعافية ..ال شيء يثنيها عن العودة إلى ّ كل أدراج خزائنها ..صباح الخير ،أسعد هللا يومكّ ..
عهد الفتوة والشباب من ذنوب ،وإعالن التوبة في كل
شيء حتى عن الحب الذي يدخل في هذا المضمار،
الشيء، فضت أختماها سقطت في ال ّ الرسائل التي ّ ّ تفاهات ،كالم عابر ،عبارات بائسة ..أصحابها ! من
فيتصور المحب كأنه ارتكب خطيئة أو اقترف ذنبا
يتطلب منه رجاء الصفح والمغفرة .فإن كانت –
متسكعون على األرصفة ،ملهفون، هم ! عابرون، ّ بال أنوف ،بال ألسنة وبال عيون.
عائشة – في شعر –امحمد الصغير ساسي – وفي
قصائد – عبادة السعيدي
–هي المحبوبة األولى
بين سائر الحبيبات فإن – شبيل الجبراني – ظل
تفض أختامها الرسائل التي لم ّ تتأمل مالمحهاّ .. ّ وردية كثيرة والتي مازالت تحتفظ بعذرّيتها ،ذات أغلفة ّ
محافظا على ديمومته مع – ربح – ولم يخص واحدة
أخرى تنغص عليه هواه العذري أو تحوز مكانا آخر
مضمخة بعطور مختلفة.. أو في لون البحر ،كّلها ّ بعملية فرز .. مرة ّ كل ّ من خالل رائحة األغلفة قامت ّ
في قلبه ،لهذا عاش طيلة حياته متيما بها ،ورغم أنه حاول النسيان وطي صفحة الماضي ليقضي ما تبقى
الفل وأخرى بالياسمين بعض األغلفة ّ تذكرها برائحة ّ تفنن أصحابها حتى وأخرى بالورد وأخرى بال شيءّ ..
من العمر خالي الذهن ،صافي التفكير لكنه لم
يستطع فتلبدت غيوم المحبة في سمائه ولم يتحمل
تعبوا ،لم يأتوا بجديد فغرف بيتها واألروقة والفناء
الصدمة التي آلمته ،والمفاجأة التي عكرت صفو
وكذلك الفضاء الخارجي يحفل بأزكى العطور. ّ فضت أختامها ..عشرات ،مئات، الرسائل التي ّ خاص .. كل منها يفوح بعطر ّ أشكال وألوان وأحجامّ ،
خاطره ،وعادت إليه صورة الحبيبة من جديد أشد
على نفسه وأنكى ألنه كان مجبوال على الوفاء
واإلخالص .
وصبت الكل ،وضعتها في سّلة المهمالت ّ جمعت ّ النار. عليها سائال حارقا وأشعلت فيها ّ
29
الثقافية التونسية
-31-
العدد األول الشاطئ. المساء ينزل على ساحة ّ
الرسائل ما أروع الفرجة ..أطياف تتسّلل من داخل ّ
تتكسر على حافة السيدة تستهويها األمواج وهي ّ ّ الرمال. ّ
من خالل األلوان واألشكال واألحجام ،تصعد مع
الدخان وتختفي ..مجانين مزاطيل مهووسون. ّ الرسائل رمادها. كل ّ أهم من ّ ّ
النسائم العليلة تروي مسام جسدها ..تسير الهوينى، ّ ّ متأنية ،خلعت لباس خفيف وعطر خفيف وخطوات ّ الرمال. فردتي حذائها فصافحت بشرة قدميها ّ
تستعد للمساء. الشمس وهي منذ أن أشرقت ّ ّ حارة والمساءات لذيذة البرودة. الصباحات ّ ّ
الرمل وما أروع إيقاع حركة األمواج ما أل ّذ رطوبة ّ المتالحقة والمساء وأطياف المصطافين تبتعد عن
السيدة في اختيار المالبس ..كم من خزائن ّ تتفنن ّ ثم فرغت لتمتلئ من جديد ..كّلما أفرغت امتألت ّ
الشاطئ. مودعة ّ الماء ّ الرقبة ّ هبت نسمة باردة ،رفعت رأسها ،استطابت ّ الصدر برودة الهواء كما استطابت القدمان رطوبة و ّ
تفرط في كل ما فيها إذ ال يمكن أن ّ خزانة أحرقت ّ رائحة عطورها إلى اآلخرين واألخريات ،عطر مقدس وعطر أنفاسها وعطر عرقها كذلك. جسدها ّ
طرقات على الباب ،أطّلت ،لوى يديه وراء ظهره
الرمال. ّ
المتكسرة ،من رحم النسمة ،ابتلعتها األمواج هدأت ّ ّ ثم عاصفة هوجاء. األمواج ّ هبت ريح رخاء ّ
وحدق فيها ،لم يقل شيئا ،لم يأت بحركة ،انتظر ّ طي ثم استدار وانصرف ،ثياب بالية تغ ّ لحظات ّ السنوات الثالثون جسدا منهكا ،ساق عرجاءّ ، وتمددت المرسومة على المالمح الباهتة اتّسعت ّ
السيدة أطرافها ،التفتت حولها تستقرئ حالة لملمت ّ الريح فاقتلعتها من السماء والبحر والجبل ،دفعتها ّ ّ مكانها ،تعثّرت ،تبعثرت ،سقطت فردتا الحذاء،
وطالت حتى تجاوزت الستّين والهامة ترنو إلى فوق. متكس ار متعثّرا ..مهما تهاوى، راقبته وهو ينصرف ّ
الريح تعصف موجا بعد موج، انحنت لتلتقطهماّ ، اهتزت حاولت أن تتماسك ..انتفض الفستان، ّ
تفرط ألحد مهما تدّلل لن تعطه من خزائنها شيئا ،لن ّ في رائحة عطرها ،جسدها ،أنفاسها ،عرقها.
وشدته إلى صدرها، تشبثت به ّ أطرافه ،حّلت از اررهّ ، الريح إلى األمام ،انفصل الفستان عن رمت بها ّ
لكنه انتظرت أن يلتفت أن يستجدي ،أن يحني رأسه ّ
يتعرى، الجسد ،وأخذت قطع الثياب تتناثر والجسد ّ
ال كل ما فيه مخلخل ،منخلع معو ّج إ ّ لم يفعلّ .. هامته فهي عالية مستعلية.
الصدر ،ال تبعثرت أطراف الفستان ّ وتفتقت حاملة ّ طيها. شيء يغ ّ
الرسائل في جوف سّلة المهمالت، غاب كما تغيب ّ كما يغيب أصحابها حين يتسّللون من بين الحروف
ودست جسدها في الماء ..ال ارتمت بين موجتين ّ عطر وال طيب إالّ رائحة البحر.
تبخروا مع والعطور التي ثم ّ ّ ضمخوا بها األغلفة ّ ألسنة الدخان.
الريح العاصفة ،رأته الرمال ،يغالب ّ رأته يعرج على ّ ينحني ويستوي ،رأته يلتقط الثياب قطعة قطعة ،رأت
السيدة للمساء ..مساءات الصباح ّ تستعد ّ مع إشراقة ّ الصيف الباردة المنعشة. ّ
الرمال، الحذاء معّلقا في رقبته ،رأته ّ دوارات ّ يتحدى ّ
30
-31-
الثقافية التونسية
العدد األول المهتمين، وتعدد المقاربات، تنوع ّ َ على مستوى ّ ّ جراء تغيرات وتكاثر عدد الطالب .أتى ذلك التحول ّ ّ
يتأبط يقترب من األرض حتى يكاد ينغرز فيها ،رأته ّ ال هامته. وكل شيء يتضاءل فيه إ ّ الثياب ّ الريح وسكنت ثورة وقف على حافة الموج وقد هدأت ّ
مست المنهج والعاملين في الحقل .فُقَبيل ذلك التاريخ ّ معينة من ًا كانت الدراسات العربية حكر على فئة ّ
البحر.
العام صنف في عداد االستشراق الدارسين وتُ ّ ّ شق والمستشرقين المهتمين بقضايا الشرق .وقد كان ٌّ ّ
فمد لها كدس المالبس. مدت يديها ّ ّ أشاح بوجهه وانصرف.
تمنت أن يلتفت ،سار بمحاذاة ترجته أن يتوّقفّ ، ّ
المعنيين ينضوي تحت مؤسسات الدولة من هؤالء ّ وشق آخر يشتغل البحثيةٌّ ، اإليطالية ،الجامعية منها و ّ في المؤسسات ِ الحبرية العائدة بالنظر إلى حاضرة
شيئا.
البالد العربية ،وذلك منذ أزمة البترول في مطلع
الماء.
ابتعد بعيدا بعيدا حتى أصبح طيفا ،حتى لم يعد
الفاتيكان .فقد مّثلت المخاضات الكبرى التي عرفتها
عبد القادر بن الحاج نصر
سبعينيات القرن الماضي ،العنصر الرئيس في
التأثير على مسارات المنهج الدراسي التقليدي في جر إلى ميالد التعاطي مع العالم العربي .وهو ما ّ رؤية جديدة ،أكثر براغماتية وأكثر اقترابا من حاجات
أقالم الثقافيـة
تحول إيطاليا إلى بلد مستقِبل الناس ،ترافقت مع ُّ
للمهاجرين ،وَف َد من ضمنهم المسلمون ،بعد أن كانت بلدا ْيد َفع بالمهاجرين نحو بلدان أوروبا الغربية ً
امل األرضي َة األساسي َة واألمريكتين .شكلت تلك العو ُ لحدوث تحول في الدراسات العربية .صحيح مّث َل
أماري رواد االستشراق اإليطالي ،أمثال ميكيليه ّ وليونيه غايطاني وكارلو ألفونسو نللينو ودافيد المؤسسين األوائل للدراسات العربية، جيل سانتيلالناَ ، ّ تدعم في مرحلة الحقة ،مع ريناتو ترايني وهو ما ّ
د .عزالدين عناية
مالمح الثقافة العربية في إيطاليا
وأومبارتو ريتزيتانو وأليساندر باوزاني وفرانشيسكو غابرييلي والو ار فيشيا فالياري .لكن على العموم يبقى
يميز اشتغال الطبقتين وهو بقاء مجال الدراسات ما ّ العربية في حيز االستهالك الداخلي ُّ خبوي، الن ّ
تحوالت كبرى شهدت الدراسات العربية في إيطاليا ّ خالل العقود األربعة األخيرة ،خرجت فيها من حيز
المرتبط أساسا بحاجات الدولة ،أكان ذلك إبان الفترة
النخبوية إلى رحابة الدراسات المفتوحة، الدراسات ّ 31
الثقافية التونسية
-32-
العدد األول
االستعمارية أو في فترة إيطاليا ما بعد الفاشية .لم
المتخصصين في تاريخ الجزيرة العربية (رومولو ّ لوريتو) ،وفي المخطوطات اليمنية (أريانه دوتوني)،
تتطور حركة نقدية جماهيرية منفتحة للجميع ،ولم ّ داخلية وإصالحية تخرجها من حيز الدراسة
وفي الشأن السياسي المغاربي (ستيفانو ماريا توريللي) ،وفي قطاع المهاجرين (ستيفانو أليافي)،
المطبوعة بالطابع االستشراقي ،مثل التعاطي مع
وفي التصوف (ألبرتو فنتورا) ،وفي الموسيقى العربية
المجتمعات العربية بوصفها مجتمعات تقليدية جامدة،
وران) ،وذلك ضمن وفي اللهجات العربية (أوليفييه ُد َ مقاربات مختلفة المنهج واألدوات ،وهو ما لم يكن َ
تكن الدراسات العربية ،طيلة تلك المرحلة ،دراسات
(باولو سكارنيكيا) ،وفي اللغة العربية (ماريا أفينو)،
ميتة من حيث تدريسها وتعليمها العربية كلغة شبه ّ والميل إلى تفضيل تعّلم لهجاتها ،أو بالتركيز على
أن الدراسات معروفا في العقود السالفة .والمالحظ ّ العربية في إيطاليا ،طيلة الفترة التي هيمن منهج
أو كذلك النظر إلى الدين اإلسالمي نظرة سلبية شكلت حركة االستعراب عام .في مرحلة الحقة ّ بوجه ّ ِ المستعربين ،المعروفة بـ "" Arabismoو و
لب عليها مقصد سياسي، االستشراق عليها ،قد َغ َ ّ معاضدة التوسع حيث كانت الدراسات تهدف إلى َ
تطوًار من داخل أحضان االستشراق "ّ ،"Arabista جل الرواد من المعنيين باألدب اإليطالي .وكان ّ
اإليطالي نحو البالد العربية في شكله االستعماري، أو ترسيخ النفوذ بأشكاله الحضارية والثقافية .كما
العربي وبترجمة األعمال األدبية العربية ،ومن أبرز
بقيت في العموم محصورة بين أقلية من الدارسين
روادها إيزابيال كامي ار دافليتو وفرانشيسكا كوراو
تميزت هذه الحركة بإتقان أفضل وفريال باريزي ّ . ٍ وبتعاط مباشر مع األعمال األدبية العربية للعربية،
وفي فضاءات جامعية ضيقة ،من بينها "المعهد الشرقي
دون لجوء إلى الترجمات في اللغات الغربية .ولم
الجامعي"
في
نابولي،
المعروف
بـ"األورينتالي" ،وجامعة روما السابيينسا ،وجامعة البندقية ،وجامعة باليرمو .فقد كانت الدراسات العربية
توس ًعا مع تعدد أقسام تلبث تلك الحركة أن شهدت ّ التحول الدراسات العربية في الجامعات اإليطالية ،و ّ
في هذه الجامعات ترتادها ثّلة محدودة من الطالب
باتجاه مزيد من التخصص داخل حقول الدراسات
المترجمة تضيق أمامهم اآلفاق وتعوزهم النصوص َ
بفضاء جغرافي محدد .أسهمت تلك التحوالت في
المترجمة من العربية إلى روما أن األعمال األدبية َ اإليطالية ،على مدى الفترة المتراوحة بين مطلع
من العربية .فقد أبانت دراسة صادرة عن جامعة
العربية :األدبية أو التاريخية أو السياسية أو المعنية
الخروج بالدراسات العربية من العام إلى الخاص ومن
القرن العشرين وإلى غاية العام ،2810لم تتجاوز
المطلق إلى المقيد ،وهو ما أضفى علمية ودقة على
سوى خمس ترجمات يتيمة .ترجم فرانشيسكو
بعيدا الدراسات .وما مّثل ّ للتفرعات الثقافية ً رد اعتبار ّ عن التعميم السائد في فترة سابقة .بدأنا نعرف في
غابرييلي" :قصاصون من مصر" وكذلك "ظلمات
وأشعة" لمي زيادة ،وترجم أومبارتو ريتزيتانو "زينب"
المتخصصين في األدب الشامي ،وأدب إيطاليا ّ الجزيرة العربية ،واألدب المغاربي .وكذلك نجد
لمحمد حسنين هيكل و"األيام" لطه حسين ،وترجم
32
الثقافية التونسية
-33-
العدد األول
أندريا زنزوتّو كتاب "سأهبك غزالة" للكاتب الجزائري المؤسسات الجامعية مالك حداد .لكن بالتوازي مع ّ
نهائيا خالل العام .2222كما نجد معهدا آخر
تطوَر دراسات التابعة للدولة اإليطالية ،شهدت الفترة ّ وأبحاث ،وعرفت صدور مجالت ودوريات تتابع
عام وجدت فيه الدراسات العربية واإلسالمية بشكل ّ ق ضم ً تطورا ،وهو "معهد الشر كارلو ألفونسو نالينو"ّ . هذا المعهد خيرة الباحثين واألساتذة اإليطاليين في
الشأن العربي ،فضال عن مؤسسات منها ما هو تابع
الدراسات العربية ،وأصدر سلسلة من األعمال باتت
للدراسات العربية اإلسالمية" المعروف بـ"بيزاي"
بالدراسات العربية :مثل مؤّلف "النحو العربي بين
لحاضرة الفاتيكان ،كما هو الشأن مع "المعهد البابوي
من الكالسيكيات الشائعة في أوساط المعنيين النظرية والتطبيق" لالو ار فيشيا فالياري سنة ،1936
مقره من والتابع لآلباء البيض ال سيما بعد تغيير ّ تونس إلى روما خالل العام .2812فقد كان هذا
و"القاموس العربي اإليطالي" لريناتو ترايني -2812
.2810بقي "معهد الشرق" يعج بالنشاط إلى غاية
المعهد وال زال يصدر مجّلة مرموقة عنيت بالشأن
الديني المسيحي اإلسالمي بعنوان "إسالموكريستيانا"
التاريخ الحالي ،حيث حافظ على مدرسة لتعليم اللغة
عقود الراهب موريس بورمانز .كان التكوين في
بالبالد العربية مثل "أوريانتي موديرنو" (الشرق
العربية فضال عن إصدار جملة من الدوريات المعنية
(دراسات إسالمية مسيحية) أشرف عليها على مدى
الدراسات العربية وفي اللغة العربية يستهدف أساسا
الحديث) و"كواديرني دي ستودي آرابي" (دفاتر
تكوين الرهبان والراهبات في الثقافة العربية .وكان
الدراسات العربية) .لكن المعهد في الفترة األخيرة َفَق َد توسعت الدراسات العربية ،وانتشر بريقه بعد أن ّ
اآلخر من الدراسات الجاري خارج المؤسسات
الجامعات في شتى أنحاء إيطاليا :في بيسكا ار
دينيا االلتحاق من غير مسموح لغير َّ المكرسين ّ بالمعهد ،حتى ولو كانوا من الكاثوليك .وأما الشق
تدريس العربية وآدابها في العديد من المؤسسات
وكامبانيا وريجيو إيميليا وترياسته وبافيا وماشيراتا
يتم في معاهد الجامعية اإليطالية ،فكان منه ما ّ بحثية شبه رسمية مثل "معهد إيسياو" (المعهد
وبرغامو وأوربينو وكالياري وباري وبي از وفلورانسا
اإليطالي إلفريقيا والشرق) الذي كان يحمل اسم
وسيينا وغيرها .وقد لعب نخبة من األساتذة العرب
بارز في تطوير الدراسات العربية ،نذكر على دور ًا ًا سبيل المثال األساتذة :وسيم دهمش وأحمد ناصر
"إيسميو" ،وقد أصدر دورية ثنائية اللغة بعنوان
"المشرق" اعتنت بالدراسات العربية ،فضال عن إدارته
مدرسة عنيت بتدريس العربية ،تعاونت أساسا مع
إسماعيل ويونس توفيق وحبيب موصلي ،ناهيك عن
و ازرة الخارجية اإليطالية في تكوين اإلطارات
مجموعة من األساتذة اإليطاليين مثل ماريا أفينو ومونيكا روكو وفرانشيسكو دي أنجليس ِ.انعكس
الدبلوماسية ،ناهيك عن نشاط آخر لتلك لمدرسة
ِ المستعربين في توسع الدراسات العربية مع جيل
موجه لعموم اإليطاليين .تأ ّسس المعهد المذكور ّ مطلع القرن الفائت وذلك لدعم السياسة الفاشية،
تطور العناية بالتأليف في الكتب التعليمية المعنية
بتدريس العربية ،وكذلك في الترجمة من العربية
وتواصل نشاطة إلى بداية األلفية الثالثة حيث أغلق 33
الثقافية التونسية
-34-
العدد األول
لجملة من الروايات والمؤلفات ذات الصلة باآلداب
العربية والثقافة العربية .وبات اإلنتاج األدبي العربي في البالد العربية يلقى متابعة من ِقبل جيل
ثورة الوسيط الرقمي في التجارب التشكيلية المعاصرة
ِ المستعربين الجدد ،حيث شهد مجال الترجمة من
العربية صدور العديد من الروايات باإليطالية لكتّاب عرب ،نقلها جمع من المترجمين اإليطاليين .كان
بقلم :الدكتورة بسمة
أبرز هؤالء المترجمين في العقدين األخيرين :ماريا
هنانة
عما أفينو ومونيكا روكو وفرانشيسكو ليجيو فضال ّ
قام به وسيم دهمش من نقل لدواوين من الشعر
الفلسطيني والمغاربي .بعد ذلك التوسع في االنشغال بالعربية ،شهدنا طفرة على صلة بالثقافة العربية
بين الكالسيكي والمعاصر بين
العديد من األعمال باإليطالية ،كما حقق شهرة فائقة
الفني .اكتسحت التكنولوجيا العديد من المجاالت
يدونون أعمالهم اإلبداعية باللسان لكتّاب عرب باتوا ّ اإليطالي مثل الجزائري عمارة لخوص ،الذي نشر
فن التجريد والمحاكاة وبين األصالة والعولمة ظهر ّ يبشر بعصر جديد يجمع بين الخيال والعلم والحس دون عزل مجال الفنون التشكيلية الذي تأثّر بدوره حد الذهول بهذا االجتياح التقني والرقمي المعقدين ّ
في روايته المعروفة "كيف ترضع من الذئبة دون أن
تعضك" ،وكذلك أيضا بالنسبة إلى الكاتب العراقي
والبسيطين حتى اختزال االبداع في بعض "النقرات
يونس توفيق الذي حقق شهرة واسعة بفضل روايته
الحاسوبية" .وقد حققت المعلوماتية واقعا تواصليا جديدا و متجددا غزي ار ِ بالم ِؤثرات البصرية والخيارات
مهما ألعداد "الغريبة ".اليوم في إيطاليا نعرف ّ تطو ار ّ الطالب المعنيين بالدراسات العربية ،حيث يحوز
الرقمية ،أين وجد الفنان الواسعة في المعالجة ّ التشكيلي أمام مواقف تعبيرية لترجمة مفاهيم حيوية
المعهد الجامعي للدراسات الشرقية التابع لجامعة العدد األوفر من الطالب في إيطاليا ،ليناهز روما َ متخصصين في العدد الجملي قرابة 222طالب ّ
يومية و أخرى فكرية و بصرية .وهذا ما استدعى الفنان إلى طرح العديد من التساؤالت التي ما فتئت
الحضارة العربية بمجاالتها المتنوعة التاريخية
تحرك ذهنه بصفة مباشرة - :هل تمثل التكنولوجيات
والسياسية والحضارية واألدبية .حري من الجانب العربي االلتفات إلى هذه التحوالت الثقافية لِما يمّثله
الحديثة إثراء للموروث الفني وللمرجعيات والمفاهيم التشكيلية أم هي أداة تواصل ومجرد وسيط ال غير؟
مهم وواعد في ترويج اللغة والثقافة هؤالء من رصيد ّ العربية خارج البالد العربية وذلك بتعزيز التعاون مع
-هل يعد الفن الرقمي تواصال للفن التقليدي ،أم هو
تلك المؤسسات والجامعات.
تعويض التقنيات الكالسيكية؟ -هل يقلل االستنساخ
الرقمية فن قائم بذاته؟ -إلى أي مدى يمكن للتقنيات ّ
الميكانيكي المتكرر من قيمة العمل الفني ؟ -هل
34
الثقافية التونسية
-35-
العدد األول
يحظى الفن الرقمي بنفس المكانة التي يحظى بها
الذي شهد بدوره تمي از ملحوظا جمع بين أصالة الفن
الفن الرقمي من النقد التشكيلي والتحليل االستطيقي؟
برنامج "فوتوشوب"الذي يمثل أحد برامج شركة
التشكيلي وميزات الفن الرقمي .ولقد تبين أن استغالل
الفن التقليدي أم توجد تفرقة بينهما؟ -ما هو موقع
"أدوب" ،قد يمكن من إنشاء صور ومعالجتها ،وهو
الرقمية المبدعين والفنانين وحتى ساعدت التقنيات ّ الهواة على استخراج قدراتهم على التعبير والتمثيل
ما كان وراء ظهور اتجاهات تشكيلية مستحدثة متميزة بسرعة إنجاز فريدة مع إمكانية نسخ المتناه
الرقمية تنوع البرامج ّ بحثّهم على البحث تحت ّ ظل ّ والتطور المتسارع الذي تشهده التكنولوجيا المهيمنة
للعمل الواحد وضمان للدقة الراجعة لتنوع األدوات
على المشهد الحياتي البسيط وعلى الفكر البشري وما
مثل األقالم ،الفرشاة ،األشكال والمؤثرات المختلفة .
ينجر عنه من برمجة للحركة .وقد شهد الفن الرقمي
يعد تطو ار للفن فالفن الرقمي ،من هذا المنظورّ ، التقليدي ،أين ُعوضت األدوات التقليدية اليدوية ببرمجيات وأجهزة تقنية أكثر تطور .يملك الحاسوب
النتشار العمل الفني على أوسع نطاق فباتت بمثابة
المتنوعة مثل التكرار واإليقاع وتغيير األلوان والتباين
انتشا ار مع تواجد الشبكة العنكبوتية واكتسب أبعادا جديدة مدعمة بروابط تتقاطع بين الفنان والعمل الفني
الحديث القدرة الفائقة على اإلنتاج باستغالل إمكاناته
و المتلقي .أصبحت هذه الوسيلة أسرع وأنجع طريقة
وتركيز الضوء .هذه الخصائص تساعد دون شك
قاعات افتراضية للعرض ومفتوحة لعامة الفنانين
على تحقيق تأثيرات بصرية مختلفة ومتجددة
للتعريف السيما بأنفسهم كفنانين تشكيليين وكذلك
للعناصر المكونة للعمل الفني في مجال الفنون
بأفكارهم التشكيلية وأفعالهم اإلبداعية .أصبح العمل
التشكيلية .يحظى الحاسوب بأهمية كبيرة في حياتنا
الفني يدخل كل البيوت عبر الشاشات ويخاطب كل
اليومية وأصبح استخدامه ضروريا في كل ميادين
األجناس واألطياف واألعمار .صار المتلقي خالل
اللقيات التكنولوجية المعرفة من أجل مواكبة ّ والمعلوماتية وعلوم المستقبل من ناحية ،ولتسهيل
العصر الرقمي مواكبا لألعمال الفنية عبر شاشة الحاسوب ولم يعد سجين قاعات العرض ورهينة
بعض المعالجات التي تستهلك كثي ار من الوقت
التظاهرات الفنية القليلة لالطالع على آخر األعمال
والجهد من ناحية اخرى .وقد ساهمت هذه العوامل
التشكيلية بل صار عنص ار فاعال في العمل الفني
كلها في استقطاب الفنانين وولوجهم رحاب
عبر االنترنت » « L’interactivitéوعلى عالقة
مباشرة بالفنان حيث يمكنه حتى وضع تعليقات على
الرقمية الحديثة .فبالرغم من هذا التكنولوجيات ّ االرتباط الوثيق بالعلم والتكنولوجيات الحديثة وهذه
التي تعد جديدة على ميدان الفنون ،تنشأ تبادالت
المبدعين يرفضون مبادئ الفن الرقمي والتطور الذي
اللوحات الفنية المعروضة على الشبكات العنكبوتية.
المطاوعة لروح العصر وتطوره ،فإن مجموعة من
وبفضل هذه التفاعالت بين الفنان والمتلقي والناقد،
فكرية ومعلوماتية ،ناشرة ثقافات مختلفة يستفيد بها
ط أر على العملية اإلبداعية ويقطعون بينه وبين
المعاصر ،أضفى الدقة والحرفية على األعمال
الحاسوب هو المنفذ الرئيسي للعمل الفني و ليس
مفاهيم الفن التشكيلي الكالسيكي ،بحجة أن
ثالثتهم .فللحاسوب دور هام في إثراء تقنيات الفن المنجزة في شتى المجاالت وخاصة في ميدان الفنون
الفنان وأن الفن الرقمي يفتقر إلى الحضور المادي
35
الثقافية التونسية
-36-
العدد األول
للون .في هذا السياق ،يمكننا العبور على قول
العصور بتحوالت هائلة غيرت عديد المفاهيم
وخاصة فيما يخص الخامات مثل الدادائيون
الدكتور راقي نجم الدين فيما يتعلق بمقارنته بين الفن
قدمه مارسال والتكعيبيون ،وهنا يمكن التذكير بما ّ دي شامب Marcel Duchampمن أشياء جاهزة
التقليدي والفن الرقمي" :كان هناك العديد من النقاد عندما ظهرت أدوات الفن الرقمي ألول مرة على
الساحة .لم يرغب الفنانون التقليديون وصاالت
made-Readyووقع ما خلفه عرض "النافورة "
الشهيرة سنة 2821وتحدياته للفكر التقليدي.
العرض أن يعترفوا بالفن الرقمي بأنه شكل "صحيح"
ويمس فالتغيير المفاجئ الذي يط أر على الوسط الفني ّ بالسائد ،يقاوم بشراسة في البداية وبعد ذلك يصبح
من أشكال الفن .كانت فكرة خاطئة مفادها أن جهاز
الحاسوب ،و ليس الفنان ،مسؤوال عن خلق الصور".
[] 2ويمكن الحكم بأن مثل هذا الموقف يعد قطعا
محل نقاش ويحظى في النهاية بالقبول .فالفن الرقمي
التواصلية المفتوحة على العالم الخارجي عبر الشبكة
عدد معتبر من المبدعين ،يعد تواصال مع السائد
بصفته اللغة الحديثة للجيل المعاصر بالنسبة إلى
جازما مع وسائل العصر الحديث واإلمكانات
العنكبوتية لالنترنت لوال أنهم يعودون إلى هذه
والموروث الفني والمرجعيات والمفاهيم التشكيلية
التقنيات الحديثة في كثير من األمور على غرار
تحت عنوان المغامرة والتصور التشكيلي والتطور
أن ثلة من المبدعين المعارضين للفن الرقمي تستغل
ّندعي أنه إبداع فني وليس استعراضا للتقنيات الرقمية السيما أنه قائم على الفكر ولتأثيرات الوسائط ّ
التقني الذي طال مختلف وسائط التعبير الفني.
االشهار .فال يخفى على متصفحي مواقع االنترنت مواقع الواب لعرف هؤالء الفنانين بفنهم وهويتهم
باألساس في مجال تقني رحب .فإذا اعتبر الرافضون
ومواقفهم واالقتراب أكثر من المتلقي في كافة أنحاء
لهذا الفن أن الفأرة ولوحة األزرار مجرد وسائط
العالم ،سواء كان مؤهال للنقد أم ال ،قصد التواصل
إلظهار صورة ،فكذلك الشأن للفرشاة والمحمل
والتسويق .ففكرة استغالل الحاسوب الشخصي
الممثالن لوسائط بين الفنان واإلشكالية التي يعالجها.
والبرمجيات الحديثة القت استحسانا وقبوال من طرف
فالوسيط في كلتا الحالتين وسيلة لمزج الرؤية الذهنية
المجموعة العامة ،أما فكرة تطويعه واعتماده في
للفنان والفعل اإلبداعي فهو دائم العالقة بالعقل
األشغال الفنية والتشكيلية قد القت رفضا قطعيا
والحس ،فاألهم هو قدرة الفنان على التخيل والخلق
يعد دخيال على الموروث باعتبار أن هذا الوسيط ّ التشكيلي ،باقيا في إقصاء تام من طرف النقد الفني
وقدرته على التبليغ .إن الحديث عن ميزات الفن
الصادرة حديثا نالحظ غيابا كليا لدراسة ونقد الفن
على عكس ذلك فهو امتداد وتواصل له في إطار
الرقمي ال يعني إقصاء للفن التقليدي وخصائصه بل
واالستيطيقي .في نظرة تأملية لكتب النقد التشكيلي
البحث عن آخر المستجدات التقنية ،وهو ما يبرر
الرقمي وتحليله االستيطيقي .وهذا من شأنه أن يعطل
انفتاح الفن على عديد من المجاالت باندماجه مع
ويعد بمثابة موقف متابعة التحوالت داخل حدوثه ّ ضد هذا الفن مع تجاهل التواصل الفكري الذي ّ
مفاهيم الحداثة اإلبداعية التي خلقت تيارات فكرية
شتّى واعترفت بالمحدودية الفن و حتميته .في مقاربة تحليلية بين الفن الرقمي والفن الكالسيكي النابض،
يربطه بالفن التقليدي ،فهو جامع بين الموروث
األكاديمي للميدان ومواكب للعولمةّ .مر الفن عبر
36
الثقافية التونسية
-37-
العدد األول
ومن خالل البحث في الخصائص التشكيلية
الرقمية ممكنة وعلى محامل مختلفة ومتنوعة من ّ ورق وخشب وحتى القماشة (كانفس) ،فتقاربت
الرقمية واألخرى بالنظر إلى الكالسيكية .وهذا راجع ّ ّ ّ التقليدية. التّقدم التكنولوجي المضاهي للتقنيات ّ التطرق إلى تجربتين معاصرتين لكن مختلفتين حاولنا ّ
رقمية ،فتعددت أمام المتلقي خيارات جمالية تجاه
المتوصل إليها عبر المواد والوسائط والتقنيات ّ جد متقاربة المعتمدة في كال الحالتين ،تبدو النتائج ّ حتى ّأنه يعسر على المتلقي التمييز بين األعمال
الرقمية والتقليدية حتى من حيث حياكة األعمال ّ المحمل ،فصارت تنسخ على حوامل تقليدية بوسائط الرسم الواحد .وهو ما مثل نوعا من انصهار الفن الكالسيكي والفن الرقمي .فهذه النقلة النوعية في
من حيث التقنية ،كانت األولى للفنان التشـكيلي
الرقمية شبيهة بتلك التي طباعة األعمال الفنية ّ شهدها الكتاب االلكتروني الذي نافس الكتاب
Oortفكانت األعمال في مجملها حاملة ألبعاد فكرية
ذو الصبغة الورقية المادية إلى وسيط آخر ذو صبغة
الرقمي مــيشال قارسـ ــيا[]Michel Gracia 2والثانية ّ Jan Van للفنان "جان فان أوورت[،] "1
المطبوع وانتزع مكان الصدارة ،فقد استبدل الوسيط
وخصائص تشكيلية ومتقاربة حتى من حيث التأثيرات
تشكيلية الكترونية المادية .ظهرت مؤخ ار معالجة ّ نسبيا باعتبارها تعتمد على لعّلها مثيرة و مثرية ّ الرقمي والمسندي إذ يستعمل ازدو ّ اجية التقنية بين ّ
البصرية سواء من ناحية اختيار األلوان و النتوءات
تضمن العملين البارزة للمادة فوق سطح المحمل. ّ تم العمل على تشكيلية معالجة مفاهيم ّ ّ بحرفية حيث ّ
المصممة بالحاسوب الرقمية بعض الفنانين رسومهم ّ ّ التدخل المباشر والبرمجيات الحديثة كمحامل قصد ّ المادة .فتكون النتيجة عمال فنيا يجمع عليها باللون و ّ
إبراز العمق على محمل ثنائي األبعاد وعلى تراكب أللوان عاتمة وشفافة ،حارة وباردة ،مما تولد عنه
الرقمية والكالسيكية على نفس المحمل. بين التقنيات ّ فتصبح اللوحة الفنية متأثرة بما منحته الشبكات
تباينات عدة في العمل الواحد .يمكن أن نستنتج من
خالل هذين العملين أن هاجس الفنان ليس التقنية أو
المعلوماتية من تأثيرات بصرية فاتحة آفاقا جديدة في
نوعية الوسيط المستغل إلنجاز عمل فني ،إنما هو ّ ّ معالجته لإلشكالية التي يطرحها وكيفية ترك بصماته
التناول والطرح والتعبير بالتوازي مع فعاليات الفرشاة النابضة .في هذا السياق يمكن التطرق واأللوان ّ لعمل الفنانة التشكيلية " لويز الميراند[]" Louise 2
وترجمة أحاسيسه على المحمل مع اختيار التقنية
التي تتماشى مع ميوالته التعبيرية كأداة للجمع بين
الفكر والفعل اإلبداعي ،فكل فنون العالم الواقعي
الرقمية مستغلة " Lamirandeالتي تنسخ أعمالها ّ أساليب فنية مستحدثة على محامل متفاوتة األحجام
تخلق من خامات معينة يتعامل معها الفنان بأدوات
وتخترقها بواسطة الوسائط التقليدية .فيكون عملها
خاصة .بينما تختلف التكنولوجيات الحديثة من حيث
قائما على مرحلتين هامتين بتقنية مزدوجة :األولى
األدوات المتمثلة في برمجيات مثل ;Photoshop
بالحاسوب مستغلة الفأرة ولوحة األزرار والثانية
;Illustrateur ;3 DMAX Virtual DJو Paint
مباشرة باللون والفرشاة .يمكن اعتبار تجربتها
Corelتفسح المجال للفنان اقصد البحث عن
التشكيلية متوافقة بين العقل ،الفعل البشري والوسيط
ال تلك األدوات .فبفضل تطور الخامة المناسبة مستغ ّ
االلكتروني الذين يربط بينهم العقل األداتي الذي
تكنولوجيا الوسائط أصبحت طباعة اللوحات الفنية 37
الثقافية التونسية
-38-
العدد األول
يعبر عنه بالتقنية .تجمع تجربتها الفن الرقمي والفن
عبر آالت مفكرة ،اقتناعا منا بأن الخلق والتجديد في
ومتراكبة فيما بينها في توافق وانسجام حتى أن
الموروث األكاديمي ،يندرج ضمن الرؤية المنفردة
اليدوي فبرزت خصائصهما التشكيلية متجاورة
مجالنا ،باستغالل التكنولوجيات الحديثة في توافق مع
الرغبة في التوفيق بينهما تضمن للتطور و الرقيّ . إن ّ ّ ّ شمولية لرؤى متجددة ومعاصرة للفن التشكيلي فكرة ّ ّ رافضة لغة االنغالق فاتحة أبوابا على الفكر الرقمي
المتلقي يعجز عن فصلهما .فهل أن نتائج الرسم
التقليدي لم تعد تفي بالغرض؟ وهل أن الوسائط
الرقمية تفتقر إلى تأثيرات المواد التقليدية؟ ولماذا ّ اللجوء إلى المزج بين الرسم الرقمي واليدوي والتقنيات
والخيال اإلبداعي .فمهما كانت التقنيات والمعالجات
المزدوجة؟ وهل يعتبر عملها تحديث للرقمي أو
إنشائية عمله القابلة للتحليل لكل نمط إبداعي ّ يبقى ّ ّ والمقاومة للعقبات والباحثة عن الحلول التي وان
للعصر وجعلت من التكنولوجيا واألدوات التقنية
ويتذوقها جمهورها والعارفون بما التي يفقهها مبدعوها ّ الفن ]2[ .الدكتور راقي نجم تحمله من فكرة عن ّ الدين ،مدونات في :الفن و التصميم ،ص، 228
تحديث للفن الكالسيكي؟ إجماال ،تميزت أعمالها
تباينت وتناقضت تبقى لها حضرتها وخصوصياتها
بخصائص الفن الرقمي الذي يمثل اللغة الحديثة
عنص ًار أساسيا إلنجاز لوحاتها مازجة ما آلت إليه مع األلوان والمواد المختلفة بتقنيات مزدوجة ،تاركة
أفريل ]2[ .2220ميشال قارسيا :فنان وقرافيكي
بصمتها الخاصة حاضرة بين الملموس والالملموس
فرنسي يستعمل الحاسوب إلنجاز لوحاته الفنية.
وبين عالمها الواقعي وعالمها االفتراضي .تتسع
يعرف الفنان تجربته الفنية قائال : « Passionné par
محاملها الستغالل تقنيات مختلفة ومواد متنوعة،
فالكثافة المتنامية للتقنيات تعمل لصالح الفنان المبدع
les images fractales, et par le monde de
المتحرر من قيود التقليدي والحديث .فالحداثة متمردة
l’aléatoire en mathématique, en tant que
على قبولها أو رفضها من طرف البعض مرحبة
peintre et graphiste, je me propose d’offrir au
بالحوار القائم بين العقل والذات الفاعلة في كنف
regard intéressé, mes peintures abstraites. Les
الحرية .فيمكن اختزال الحداثة إلى تقنية تعكس واقع
textures, couleurs, et brosses sont entièrement
المجتمع عبر عدسة الفنان بآليات تعبيرية معاصرة
réalisées sous logiciel graphique et palette
تواكب العصر الرقمي .ففي مواكبة العصر تحرر
Wacom. Impression sur toile tendue sur
من المألوف واستلهام من الموروث في جمع بين
».
الوسائط ،سواء كانت رقمية أو تقليدية أو الجمع
d’art
papier
sur
tirage
ou
châssis
]http://www.peinturenumérique.fr [2جان فان
أوورت :فنان تجريدي وموسيقي هولندي] 2[ .لويز
بينهما معا على نفس المحمل ،بالذات الفاعلة لتنمية
الفكر بالحرية واإلبداع .ال ضير في أن يكون الفنان
الميراند :فنانة تشكيلية ،ولدت سنة 2810في
البرمجيات والحاسوب المنتشر في كل ملما بلغة ّ ّ إن التنظير للفصل بين الفن المجتمعات العصريةّ .
الرقمية الحديثة و التقنيات مونريال ،تستغل التقنيات ّ الكالسيكية على نفس المحمل النجاز أعمالها
هو امتداد وتواصل فكري للفن التقليدي والتشكيلي
لقطة قريبة ربما تحتوي الصورة على :نص مفاده
التشكيلية .ربما تحتوي الصورة على :شخص واحد،
الرقمي والتقليدي فقد شيئا من معناها ،فالفن الرقمي 38
-39-
الثقافية التونسية
العدد األول ظم الحياة ما هي في آخر األمر ّإال قيم اجتماعية تن ّ توشح في نهاية قياسات ومواقيت واعتبارات ومعايير ّ بهية من األخالق المتعالية .يقبل المطاف بحلل ّ الصبية على تمر "نفزاوة"[ ]1المشقوق نصفين وقد يهش لها اآلكلون بهية ّ سرتهم صفرته المشوبة بشقرة ّ ّ فيصحبونها بجرعات منتظمة من حامض "اللبن" الممخوض ليتأّلف من هذا وذاك "غذاء كامل" يغني عن غيره من الوجبات الخفيفة كـ ــ"الـڤـلية" []1 والشرشي [ .]9وإذا صادف أن فطن بعض الصبية تتلوى لتلك الديدان الصغيرة ذات الشقرة الشّفافة وهي ّ المنصفة سارع أحد األولياء إلى بين تلك األنصاف ّ يحمر القول في حزم ودود ووثوق لطيف ":تمر الدود ّ الخدود ".ينزل ذلك الصوت نزول هاتف من هواتف حسه وال ُيرى السماء قادم من وراء الغيوب ُيسمع ّ وتتردد في األجواء تلك الجملة شخص صاحبه. ّ حجة دامغة وحكمة بالغة الموزونة المسجوعة لتهبط ّ مثلما هو الشأن بالنسبة إلى بقايا "الكسرة"[]8التي ألنها في حالة يجب ّأال تلقى ولو كانت قطعا صغيرة ّ "تدڤ"[]22وتُنزل بمن يفعل ذلك رج از االستهانة بها ّ الذرية"[]22نكاال وعقابا من السماء أليما "يعكل في ّ لذويهم ،ذلك ّأنه يجب على األطفال وهم اآلباء ـ"القوة" كما يقول المتفلسفون القدامى ،يجب عليهم بـ ّ الحصرم"[]22حتّى ال يضرس أبناؤهم. أن ال يأكلوا " َ كذلك الشأن عندما يتعّلق األمر بالتمر .اآلن وقر في وضاحة أن "تمر الدود" يجعل الوجوه ّ أذهان النشء ّ الرمان. وكأنما ألقي عليها وضاءة تتّقد حمرة ّ ّ ّ استوعب األطفال مثل تلك األشياء واستبطنوها الشك العتقادهم الكمال في "حقائق" ال َيرقى إليها ّ القوة أمهاتهم وسائر أقاربهم وذويهم من أهل ّ آبائهم و ّ واالقتدار والمعرفة واإللمام بما ال يفقهه الصغار. شهياتهم من جديد على وماهي ّإال أن تنفتح ّ مصاريعها ،يا للظفر! أيمكن أن يجمعوا في آن معا مفيدا وممتعا؟ أيمكن أن نفوز بالضروري وبالحاجي ّ ثم هل يجوز أن نترك وبالتحسيني في الوقت نفسه؟ ّ تمر دون أن نركم الغذاء والدواء على هذه المناسبة ّ يحق لنا أن نذر هذه الفرصة الجمال والبهاء؟ هل ّ طيبا بإضافة زينة تعبر دون أن نفترصها حالال ّ
' 2220رقمية و مزدوجة تقنية رقمية ،طبيعة نويز hybrides
peintures
Lamirande,
Louise
découlant de la fusion numérique de peinture en techniques mixtes 2015
الدكتور احمد الخصخوصي يكتب لكم الترحال شتاء وصيفا بين الغريس وسقدال
الدكتور احمد الخصخوصي يكتب لكم
"تمر الدود يح ّمر الخدود"
ركت اإلبل ولم يبق ّإال أن تُ َنزل أحمالها وتُْلقى أثقالها وتدب في أمام بيوت الشعر المتّجهة إلى القبلة. ّ تبشر ساحة "الدوار"[]2حركة نشيطة غير مألوفة ّ ّ الشبان والكهول الجميع بما أمنوا من جوع، ويهب ّ ّ يفكون والنساء "المذرعات"[]2إلى الغرائر[]1المقرنة ّ كل ثم ّ يفكون قران ّ رباطاتها وينزلونها "مذارعة" [ّ .]2 غ اررتين فصال لهما عن بعضهما وال يلبثون أن ثم يرصفونها عموديا يدخلوا الغرائر إلى البيوت ّ بجانب الركائز[]0وعلى إثر ذلك ينطلق الصبية في حركة كحركة الفراش ُليلقوا نظرات فاحصة على البضاعة المزجاة التي ستحول بينهم وبين المسغبة. التذوق تشرف العائلة وسرعان ما تنتظم حصص من ّ على تأطيرها وإدارتها بما يناسب أحوال المعيشة عامة ليدرك األطفال خاصة ويوائم ظروف العيش ّ ّ بالتحسس وبالتنشئة جوانب من الواقع فشيئا شيئا ّ الطبيعي واالجتماعي ،هذه الجوانب التي ال تلبث أن تنتصب في أذهانهم الصغيرة انتصاب الضوابط الصارمة والحقائق القائمة وقد أخذ بأيديهم الوعي أن القيم األخالقية الحسي وأوقفهم على ّ الحسي وغير ّ ّ 39
الثقافية التونسية
-41-
العدد األول )][3الغرائر هي الجوالق ،جمع واحدته غ اررة وهي الكيس المصنوع من وبر اإلبل وشعر الماعز توضع فيها الحبوب والتبن ونحو ذلك. )] [4باالعتماد على أذرعتهم ومعاصمهم وأصابعهم المشتبكة. ) [5األعمدة القائمة وسط البيت الفاصلة بين "الخالفتين" اليمنى واليسرى ،و"الخالفتان" المنفصلتان هما بمثابة الغرفتين المفصولتين بستار من "المالحف" أو الحوالي النسائية التي تقوم مقام العباءة بالنسبة إلى المرأة . )][6هي تقريبا ما يقابل والية قبلي الحالية. "الغناي" ،وهو )] [7وهي الحبوب المقلية في ّ الطاجين يكون من طين أو من معدن. " )] [8الشرشى" :وهو القمح المسلوق في الماء ويسمى في بعض جهات الشمال ب ــ"السليقة". ّ )] [9هي الكسرة أو الرغيف. تنجر عنها عقوبة ،وذلك لعدم إكرام "النعمة". )]ّ [10 سيئة على الخلف . )] [11تكون له عواقب ّ )]ّ [12أول العنب وال يزال العنب ما دام أخضر حصرما ،وهو الثمر قبل النضج ويكون شديد مادة حصرم). الحموضة (ابن منظور ،لسان العربّ ، )][13جمع مفرده ملحفة وهي بمثابة العباءة. امحمد بن نصر عمار بن ّ )] [14هي ذهبية بنت ّ بن فاضل بن زايد. الصغير محمد )] [15هو الهادي بن ّ علي بوزيد بن ّ ّ بن فرح بن فاضل بن زايد . محمد بن علي األسود بن )][16هي فجرة بنت ّ ّ نصر بن فاضل بن زايد . الفضة . )][17الفجرة تعني ّ )][18والبدرة تعني الذهب.
المظهر إلى صالح الجوهر؟ ّإنه الفوز المبين الذي يسره االقتناع ال يلّقاه ّإال ذو ح ّ ظ عظيم .وفي يسر ّ الذاتي الحاصل وسهولة سهّلتها الصفحات البيضاء المنصفة سواء منها ُيقبل األطفال على األنصاف ّ بكل بساطة ما يجدونه من ّ البنية أو الشقراء فيزيحون ّ ن ديدان وما يلفونه من بقايا الديدان دو أن يكّلفوا مهمة غسل التمر .يكفيهم أن يطرحوا الديدان أنفسهم ّ األهم من جانبا وينفخوا بأفواههم على آثارها الباقية .و ّ أن الماء يقوم على وجه الحقيقة مقام الكنز كل ذلك ّ ّ ن أن العيو نادرة ومنسوب الذي ال ّ يقدر بثمن ،ذلك ّ الماء بها ضعيف والدروب إليه وعرة والمسارب الموصلة إليه ملتوية والمسافات الفاصلة بينه وبين شاق مضن الدوار طويلة .والحاصل ّ أن جلب المياه ّ ّ هن سيما بالنسبة إلى من ال ركوبة له ،والنسوة ّ وال ّ خاصة عندما يحملن على الالتي يتعبن ويشقين ّ أكتافهن القرب والقالل يشددنها إلى هن و ّ ظهور ّ وجباههن بأشرطة صفر من الحلفاء أو رؤوسهن ّ ّ بعرى سود من شعر الماعز .ويحدث أحيانا عند التنّقل غير المنتظم الذي تعّقده التضاريس المتفاوتة أن تتكّلم "القالل "وتدفع بما فيها من ماء دفعات متتالية تنزل على األكتاف والظهور وتبّلل سود "المالحف"[ ]21ورّبما سرب البلل والبرد إلى الرئات فأصابها بما أصابها من األدواء والعلل .ألم تعلموا ضحية عمار العايب[]22قد كانت ّ ّ أن ذهبية بنت ّ ذلك .توّفيت وخّلفت ابنها الهادي[]20يتيما يبكي مع أن اليتيم الباكيات وقد وسوس إليه حدسه المتيّقظ ّ أمه ال من فقد أباه .توّفيت اليتيم ّإنما هو من فقد ّ أمها فجرة[]21ثكلى تنوح مع النائحات ذهبية وتركت ّ تفجع وتتفجع نواح حجارة كريمة على أختها ّ ّ فجرة[]21على بدرة[ )2 .]29هذه العبارة متداولة في أقطار المغرب العربي وفي المشرق العربي ،وتعني الحي البدوي المكون عادة من مجموعة من الخيام ّ ّ تكون على شكل نصف دائرة وعادة ما تخضع مواقع بيوت الشعر حسب مقتضيات دقيقة تتعّلق بالحماية من الغارات المتوّقعة وبالظروف الطبيعية المرتقبة القوية . )]. [2ذوات األذرع ّ
40