مجلة الثقافية التونسية. العدد الاول

Page 1

‫الثقافية التونسية‬

‫‪-1-‬‬

‫العدد األول‬

‫‪1‬‬


‫‪-2-‬‬

‫الثقافية التونسية‬

‫العدد األول‬

‫كلمة من الناشر ‪:‬‬

‫مجلة ثقافية رقمية‬

‫هذه المجلة‪ ..‬لماذا‪ ..‬ولمن ؟‬

‫تنشر بواسطة الــ ‪PDF‬‬

‫المدير المؤسس ورئيس التحرير ‪:‬‬

‫الدكتور محمود الحرشاني‬

‫بقلم محمود الحرشاني‬ ‫على بركة هللا‪ ،‬يصدر العدد األول من مجلتنا‬

‫سكرتير التحريــــر ‪:‬‬ ‫أسامــة حرشانـي‬

‫االلكترونية "لقافية التونسية" مستفيدا من النجاح الذي‬

‫كتاب المجلـــة‬

‫واستجابة لطلبات العديد من األصدقاء الذين عبروا‬

‫‬‫‬‫‬‫‬‫‬‫‬‫‪-‬‬

‫حققه موقع الثقافية التونسية في عامه األول‬ ‫في أكثر من مناسبة في جمع أبرز مقاالت الموقع‬

‫الدكتور أحمد القديدي‬ ‫الدكتور عزالدين عناية‬ ‫األستاذ كمال الشطي‬ ‫الدكتور المنجي الكعـبي‬ ‫األستاذ عباس سليمان‬ ‫الدكتور أحمد الخصخوصي‬ ‫الدكتور نورالدين الحاج محمود‬

‫في شكل مجلة متكاملة يمكن الرجوع إليها واالحتفاظ‬ ‫بها‪.‬‬ ‫إننا نؤمن أن المستقبل اليوم لكل ما هو رقمي بعد‬

‫تراجع اإلقبال على المكتوب ولقد جربنا الصحافة‬

‫العنوان اإلداري ‪:‬‬

‫الورقية وحققنا فيها نجاحات بإصدار مجلة مرآة‬

‫سيدي بوزيد ‪ -‬الجمهورية التونسية‬

‫الوسط الفيحاء التي استمرت ألكثر من ثالثين سنة‪،‬‬

‫الواتساب والهاتف ‪:‬‬

‫وكذلك مجلة األطفال براعم الوسط‪ ..‬ولكن لكل‬

‫‪00216 98 417 729‬‬

‫مرحلة صحافتها‪ ،‬ومرحلة اليوم هي مرحلة الصحافة‬ ‫الرقمية بامتياز‪ .‬لذلك نطلق مع بداية السنة الجديدة‬

‫الموقــع ‪:‬‬

‫‪ 2222‬مجلة الثقافية التونسية‪ ،‬لتكون محمال للثقافة‬

‫‪https://www.athaqafia.com‬‬

‫والفكر واإلبداع‪ ،‬مفتوحا للجميع بدون قيود نتوكل‬

‫للتواصل معنا والكتابة‬

‫على هللا‪ ..‬وننطلق‪.‬‬

‫الرجاء النشر في مجموعة أصدقاء‬ ‫الثقافية التونسية‬

‫المدير المؤسس‬

‫المراسالت ‪:‬‬

‫‪- hormahmoud@gmail.com‬‬ ‫‪- redaction.gamar@gmail.com‬‬ ‫‪2‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-3-‬‬

‫العدد األول‬ ‫ ثورة الوسيط الرقمي في التجارب التشكيلية‬‫المعاصرة‪.‬‬

‫الفهـــــــــــــــــ‬ ‫ـــــــــرس‬

‫‪ -‬الترحال شتاء وصيف بين الغريس وسقدال‪.‬‬

‫أخبار ومتابعات‬ ‫تكريم دولي جديد للكاتب‬ ‫والصحفي محمودالحرشاني‬ ‫يمنح شهادة الشخصيات‬ ‫المميزة لسنة ‪0202‬‬

‫ تكريم دولي للكاتب والصحفي محمود الحرشاني‪.‬‬‫ عندما اشتغلت عامل نظافة وبناء في المنفى‬‫ الزمان الوجودي في الفن التشكيلي‬‫ األرض بعد الجفاف ال تستحق إال العمل‪.‬‬‫ متحف للفن الحديث والمعاصر‪.‬‬‫ قصيدة "محال" للشاعرة سلوى الصالحي‪.‬‬‫‪ -‬خدعة االتجاهات شعر إيمان الفالح‪.‬‬

‫اختارت اكادمية الثقافات العالمية والسالم‬

‫‪ -‬حدث في تلك الليلة للكاتب عباس سليمان‪.‬‬

‫بالمانيا برئاسة الدكتورة فريدة محمد غازي الكاتب‬

‫والصحفي التونسي محمود حرشاني من بين‬

‫‪ -‬في الذكرى األولى لوفاة اإلعالمية حذام عيساوي‬

‫الشخصيات المميزة في المجال الثقافي واالعالمي‬

‫‪ -‬ربح في شعر شبيل الجبراني‪.‬‬

‫لسنة ‪ .2222‬واسندت له الدرع التذكاري وشهادة‬

‫الشخصيات المميزة‪ .‬وياتي هذا التقدير الدولي تثمينا‬

‫‪ -‬قصة هبة ريح‪.‬‬

‫لجهود الكاتبال والصحفي محمود الحرشاني في‬ ‫المجالين الثقافي واالعالمي وتزامنا مع عدة نجاحات‬

‫‪ -‬مقال ‪ :‬مالمح الثقافة العربية في إيطاليا‪.‬‬

‫حققها الكاتب خالل سنة ‪ 2222‬رغم ما تميزت به‬ ‫من صعوبات من ذلك اشرافه على تنظيم مجموعة‬ ‫‪3‬‬


‫‪-4-‬‬

‫الثقافية التونسية‬

‫العدد األول‬ ‫‪ 22‬أغسطس ‪ 2891‬مع رفيق المنفى رئيس حكومة‬

‫من التظاهرات الثقافية الهامة ومنها الدورة ‪12‬‬

‫لمهرجان مراة الوسط الثقافي واصداره لرواية حدث‬

‫تونس األستاذ محمد مزالي وقد سكنت بهذه القرية‬

‫في تلك الليلة في االيام االخيرة والنجاح الذي حققه‬

‫بمحض الصدفة ألنها قرية ال تبعد كثي ار عن‬

‫موقع الثقافية التونسية الذي يحتفل بمرور سنة على‬

‫العاصمة واإليجارات فيها ليست مرتفعة ثم ألنها أمنة‬

‫مشترك ومتابع ومواصلة االشراف على موقع الزمن‬

‫يالحقني و يالحق محمد مزالي صديق السياسة و‬

‫اطالقه وتجاوز عدد مشتركي الموقع ‪ 022‬الف‬

‫من عيون أعوان النظام االستبدادي لبن علي الذي‬

‫التونسي وكذلك اطالق قناة اسرار تونسية على‬

‫الفكر و المنفى‪ .‬فاستأجرنا بيتا ريفيا صغي ار يقع في‬

‫اليوتوب‪ .‬الى جانب عدة مشاريع ثقافية اخرى اهلته‬

‫ضيعة تفاح وسط حقول شاسعة معرضا للرياح‬

‫عن جدارة الى ان يكون من الشخصيات المميزة في‬

‫األربعة ويستحيل تدفئته في شتاء ‪ 2891‬الذي كان‬

‫المجالين الثقافي واالعالمي خالل سنة ‪2222‬‬

‫من سوء حظي العاثر أبرد شتاء فرنسي منذ نصف‬

‫وقد عبر الكاتب محمود الحرشاني عن فخره‬

‫قرن! كان ابني الوحيد آنذاك (الطيب) ينام على‬

‫حماسا ومضيا في طريق العمل الثقافي الذي اختاره‪.‬‬

‫التي تجود بها علينا أسرة برتغالية جارة جزاها هللا عنا‬

‫واعت اززه بهذا التكريم مؤكدا ان هذا ال يزيده اال‬

‫فراش دون سرير نحاول تعزيزه بالحشايا والبطاطين‬ ‫كل خير‪ ،‬والغريب أن أخي كان يبعث لي بالبريد‬

‫أقالم الثقافيـة‬

‫صفحات الصحف الصفراء التي تنشر بعناوين كبيرة‬ ‫ومثيرة "أنباء" ثرائنا الفاحش أنا ورئيس الحكومة‬ ‫والمعارضين المنفيين!وإني أردت أن أنقل للشباب‬

‫عندما اشتغلت عامل نظافة‬ ‫وبناء في المنفى‪..‬‬

‫بعض نوادر هذه المحطة بسبب صدور كتاب‬ ‫مذكرات رفيقنا في المنفى العقيد األسبق في سالح‬ ‫الطيران المهندس الصديق رشيد عزوز (الذي ساعد‬ ‫على تهريب مزالي عبر الحدود التونسية الجزائرية‬ ‫يوم ‪ 1‬سبتمبر ‪)2891‬هذا الكتاب الذي صدر في‬ ‫طبعة ثانية منقحة استعرض فيها رشيد بعض‬ ‫عذاباتنا وحماساتنا المشتركة في مقاومة الطغيان وال‬ ‫تخلو مذكرات رشيد عزوز من اإلشارة الضاحكة‬

‫د‪.‬أحمد القديدي‬

‫والمعبرة والمؤثرة الى بعض ما عانيناه عندما كنا‬

‫قرية جوار تقع في شمال شرقي باريس على‬

‫حول محم د مزالي في منفاه لسنوات عديدة‪ .‬وإني في‬

‫بعد ‪ 00‬كيلومت ار من العاصمة الفرنسية وهي أول‬

‫ذكر بعض معاناتنا أريد أيضا أن يقرأها أولئك الذين‬

‫محطة من محطات منفاي بعد أن غادرت تونس في‬ ‫‪4‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-5-‬‬

‫العدد األول‬ ‫شوارع القرية (ألنها الوظيفة الوحيدة الفاضية) وأعطاه‬

‫ظلمونا واضطهدونا والحقونا ولفقوا لنا التهم المهزلة‬

‫وهم منذ سنة ‪ 2222‬مقسمون إلى ثالثة أقسام‪ :‬قسم‬

‫عربة (برويطة) ومكنسة وآلة لجمع ما يتكدس على‬

‫منهم كان في السجن الذي هيأوه لنا باطال وبهتانا‬

‫الرصيف وتوكل القديدي على هللا لممارسة هذه‬

‫فدخلوه بوجه حق وقسم ال يزال خارج السجن لم‬

‫المهنة الشريفة ألنها كسب حالل يساعد بأجرها‬

‫يكتشف الناس بعد مدى إساءتهم للوطن ومناصرتهم‬

‫الزهيد عائلته الصغيرة‪ .‬وال أخفي على ق ارئي الكرام‬

‫للباطل‪ ،‬وقسم ثالث ال يزال يمارس هواية التدليس‬

‫بأن هذه المعلومات صحيحة وأن صديقي العقيد‬

‫على الرأي العام وتمثيل مسرحية األبرياء وضحايا‬

‫رشيد عزوز أوردها كمؤشر على أننا مع كل أطياف‬

‫ابن علي بل وحتى أبطال الثورة! والجميع رأوهم لمدة‬

‫المعارضة التونسية عانينا ما كتبه هللا لنا بصبر بل‬

‫عشرين عاما يلتحفون خرقة القماش األحمر حول‬

‫وبابتسامة الرضا والقناعة واثقين من عدالته سبحانه‪.‬‬

‫أعناقهم ويمألون القاعة البيضاء في قصر قرطاج‬

‫أما الذي لم يذكره الصديق العزيز هو أنني عملت‬

‫يصفقون للرئيس بن علي ويبررون االستبداد و‬

‫أيضا بعد ذلك يومين أو ثالثة أيام عامل بناء بسيط‬

‫اليوم!)‪ .‬وحسبنا هللا ونعم الوكيل‪ .‬ونعود لكتاب‬

‫الزبال وقد جاد علي بهذا الفضل أحد اإلخوة‬

‫الصديق رشيد عزوز الذي قرأت في صفحته ‪ 90‬وما‬

‫اإلسالميين التوانسة الحاج الطيب عياد فحملت‬

‫بعدها ذكريات تتعلق بي شخصيا وعاشها معي هو‬

‫نصيبي من (قردل األسمنت) ومن الياجور (حجر‬

‫نفسه يقول ال كاتب‪ " :‬أما أحمد القديدي أقرب‬

‫البناء) ولكن بلطف ولين ألن الحاج الطيب كان‬

‫مساعدي رئيس الحكومة محمد مزالي الذي سبق أن‬

‫صديقا حميما لمقاول البناء الفرنسي‪ .‬وأذكر اليوم‬

‫تحمل مسؤولية إدارة صحيفة الحزب الحاكم وكان‬

‫مبتسما شابا فرنسيا اسمه (شارل أندري) يعمل معي‬

‫عضوا في البرلمان وعضوا في اللجنة المركزية‬

‫في نفس بناء العمارة وهو كثير الشكوى من ضنك‬

‫للحزب الدستوري في تونس فقد كان يتقاضى من‬

‫األجر ومشقة العمل فكان يقول لي بم اررة بأنه‬

‫مزالي مبلغ ‪ 22‬فرنكا يوميا (‪ 0‬دوالرات) ليذهب إلى‬

‫حاصل على شهادة "الباكالوريا" (نهاية الثانوية)‬

‫باريس ويشارك في كفاحنا المشترك ثم احتاج إلى‬

‫والبناء ليس عمله ويشتكي لي من سوء الحظ وعبث‬

‫عمل يسد به الرمق فاتجه إلى رئيس بلدية (جوار)‬

‫األقدار وكنت أضحك في داخلي ألنه لو عرف‬

‫التي يقيم فيها (وهو طبيب فرنسي من أصول‬

‫حقيقة أمري لهان عليه أمره ألني كنت عام ‪2892‬‬

‫مصرية قبطية إسمه دكتور إيلي بدور) وقدم له‬

‫رئيسا منتخبا للمؤتمر الدولي التحاد البرلمانات في‬

‫في بلدية (سواسون) وهو عمل ال يقل شرفا عن مهنة‬

‫يزغردون له (واصلوا و واصلن الزغردات إلى‬

‫مقر البندستاغ األلماني بعاصمة ألمانيا (بون) وكان‬

‫شهاداته و سيرته الذاتية و عرفه بنفسه و بعض‬

‫رؤساء البرلمانات يطلبون مني الكلمة بعبارة (سيدي‬

‫تاريخه فاعتذر رئيس البلدية رغم تعاطفه الصادق‬

‫الرئيس مستر تشيرمان) ومنهم حتى رئيس الكونغرس‬

‫معه وعرض عليه أن يشتغل زباال أو كناسا ينظف‬ ‫‪5‬‬


‫‪-6-‬‬

‫الثقافية التونسية‬

‫العدد األول‬

‫األمريكي ورؤساء البرلمانات األوروبية وغيرها!‬

‫منا‬ ‫وكل واحد ّ‬ ‫جميعنا نخضع لمرور الوقت‪ّ ،‬‬ ‫الخاصة‪.‬‬ ‫بطريقته‬ ‫ذلك‬ ‫ويدرك‬ ‫يشعر‬

‫أو كذابا! سبحان هللا إني له من الشاكرين على نعمة‬

‫هذا الزمان الذي نعيش فيه واللحظة الكائنة بيننا‬

‫وتصوروا لو كشفت له هذا السر! العتبرني مجنونا‬

‫اآلن هنا هل يمكن أن نمسك بهما من طرف؟ ال‪،‬‬

‫المنافي و محنة االضطهاد و حسن العاقبة‪.‬‬

‫بحوث ودراسات‬

‫ملكية‬ ‫مادة سريعة الزوال و ليست‬ ‫ألن الزمان ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫خاصة به داخل‬ ‫لكل فرد لحظة زمان‬ ‫ّ‬ ‫جماعية‪ ،‬إذ ّ‬ ‫ّ‬ ‫فضاء واحد يتقاسمه جماعة‪ .‬لكن هذا الزمان‬

‫"الزمان الوجودي" في الفن‬ ‫التصور األوروبي‬ ‫التشكيلي بين‬ ‫ّ‬ ‫والتصوف الشرقي‪:‬فنون النسيج‬ ‫ّ‬ ‫المعاصر نموذجا‬

‫الالمرئي يمكن ألي ممارس للفن أن يمسكه داخل‬ ‫ّ ّ‬ ‫نص تشكيلي أو مسرحي أو روائي ويقبض عليه‬ ‫متلبسا هاربا عبر استعمال وسائل وتقنيات ومو ّاد فنية‬ ‫ّ‬ ‫بتعدد مجاالت الفنون ‪.‬‬ ‫متعددة ّ‬ ‫ّ‬

‫تعالج هذه الدراسة مشكلة "الزمان الوجودي"‬

‫الفني التشكيلي‪ .‬هذا المصطلح الذي‬ ‫في العمل ّ‬ ‫اقتبسته عن محاضرة ألقاها الفنان التشكيلي العراقي‬

‫إعداد‪ :‬الباحثة فاطمة بلغيث معتوڨ‬

‫أستاذة متعاقدة بالمعهد العالي للفنون والحرف‬

‫"شاكر حسن آل سعيد" في جامعة بغداد سنة ‪2811‬‬

‫بالقصرين‪ -‬جامعة سوسة‬

‫وقد اقتبسه بدوره عن عبد الرحمان بدوي ‪.‬‬

‫وال يبتعد هذا المبحث التأويلي الذي سننخرط‬ ‫أن‬ ‫فيه عن المهاد الفينومينولوجي الفلسفي باعتبار ّ‬ ‫خصه بالنظر العديد من الفالسفة‬ ‫"الزمان" قد‬ ‫ّ‬

‫والمفكرين زمن مالحقة الحكمة والحقيقة‪ ،‬وال تزل‬

‫الفلسفة الحديثة تثير فكرة الزمان وتالحقها في شتّى‬ ‫سياقاتها‪ .‬وال يبدو طرح موضوع عالقة الزمان‬

‫بالفنون أم ار يسي ار يمكن إبداء الرأي فيه دون االستناد‬

‫إلى تجارب فنية ذات عالقة بالفضاء والزمن في‬

‫المقدمــة‬

‫نفس الوقت‪ ،‬فالزمان والوجود الذي هو الفضاء‬

‫أن‬ ‫" ّإني أكتب هذا النص التحليلي وبداخلي شعور ّ‬ ‫هناك جسد يقف عند منطقة حياد بين فكرة تأتي‬

‫يشكالن معا سؤاال واحدا‪ .‬سنستند في بحثنا على‬

‫الفلسطينية "منى حاطوم" وأعمال الفنان‬ ‫أعمال الفنانة‬ ‫ّ‬ ‫البصري‬ ‫‪.‬‬ ‫ناكانشي‬ ‫نوبوهيرو‬ ‫الياباني‬

‫ألني كنت بصدد‬ ‫وفكرة تروح لم أستطع مسك الزمن ّ‬ ‫بناء فكرة"‪.‬‬

‫ينفتح هذا البحث في الجانب االصطالحي على‬

‫‪6‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-7-‬‬

‫العدد األول‬ ‫مجال الكتشاف مواد جديدة فحسب وإنما هو أيضا‬

‫أساسيين‪ ،‬وهما المكان والزمان وما‬ ‫مصطلحين‬ ‫ّ‬ ‫بينهما لقطة "روح مطلقة" تعرض نفسها على مدى‬

‫للتأمل المطلق واقتناص لحظة زمنية ‪.‬‬ ‫مجال ّ‬ ‫وفي هذا السياق ندرك تواجد اتجاهان في‬

‫العملية الفنية التي تعتبر لحظة‬ ‫الزمان األبدي خالل‬ ‫ّ‬ ‫التطور والتثاقف بين الذات (الروح‬ ‫من لحظات‬ ‫ّ‬

‫إن للزمن وجود‬ ‫تحديد مفهوم الزمن‪" ،‬أحدهما يقول ّ‬ ‫المادة وهو مطلق و ّأن ه حقيقة وليس فعل‬ ‫مستقل عن ّ‬

‫الشخصية المطلقة)‪ ،‬والفضاء والزمن الذي في طوره‬

‫أن الزمن مطلق فلسفيا‪ ،‬ونسبي‬ ‫الذهن والثاني يقول ّ‬ ‫فيزيائيا أي ّأنه يتوقف على حركة األشياء في‬

‫لالنقضاء‪ .‬كيف يتعامل الزمان الفني مع النص‬

‫التشكيلي؟ ؟ كيف يكون األثر الفني التشكيلي الوعاء‬

‫الكون ‪".‬‬

‫القادر على احتواء أزمان من أنواع شتى؟ هل الزمان‬

‫‪-‬الزمان ‪:‬‬

‫المادة‬ ‫في الفعل التشكيلي وجوده مطلق ومستقل عن ّ‬

‫يرشحه ابن‬ ‫"الزمان "في المطلق اللغوي ّ‬

‫والتقنية أم ّأنه متّصل بهما؟‬ ‫الزمان الوجودي في الفن التشكيلي ‪:‬‬ ‫‪ّ -1‬‬

‫منظور في اللسان‪" :‬اسم لقليل من الوقت أو كثيره‪..‬‬

‫فن المكان بامتياز‪ .‬ويقول‬ ‫إن الفن التشكيلي ّ‬ ‫شاكر حسن آل سعيد "الفنون التشكيلية فنون تعتمد‬

‫السنة وعلى م ّدة‬ ‫والزمن يقع على الفصل من فصول ّ‬ ‫الرجل وما أشبه‪ .‬وأزمن الشيء‪ :‬طال عليه‬ ‫والية ّ‬

‫للمكان في الفن التشكيلي عند حسن شاكر أبعاد تقوم‬

‫يعادله من لفظ الوقت والدهر هو حركة متّصلة‬ ‫بوقائع وأحداث يعيشها اإلنسان ‪.‬‬

‫الزمان وأزمن بالمكان‪ :‬أقام به زمانا ‪".‬فالزمان وما‬

‫أما الشعر‬ ‫على المكان واألبعاد لبناء العالم ّ‬ ‫الفني‪ ،‬و ّ‬ ‫الرواية والموسيقى والغناء فهي فنون‬ ‫ة"وكأن‬ ‫زماني‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وّ‬

‫انعكس هذا التعريف اللغوي على وجهة النظر‬

‫على مجموعة من العالقات وظيفتها اختزال الخط‬ ‫شاكر حسن عن رفضه للبعد الثالث في اللوحة‪ ،‬فهو‬

‫االصطالحية لدى المفكرين والفالسفة وبعض‬ ‫ّ‬ ‫صوفة اللذين ناد ار ما استخدموا لفظ الزمان بل‬ ‫المت ّ‬

‫أكد‬ ‫داخل اللوحة إلى أصغر وحدة وهي النقطة‪ ،‬وإذ ّ‬

‫يميز بين زمنين مختلفين لألثر الفني وهما‪ :‬الزمن‬ ‫ّ‬ ‫المتخفي‪( ،‬زمن تعتيق العمل الفني)‪ ،‬وزمن المشاهدة‬

‫ويتجّلى المنظور الصوفي لمصطلح الزمان كما ّبينه‬

‫لم ينفي أن يكون لهذه األخيرة زمنا خاصا بها فهو‬

‫مسمى "الوقت" اآلني أي "اآلن‬ ‫يتداولونه تحت‬ ‫ّ‬ ‫الحاضر" منفصال تماما عن الماضي والمستقبل‪.‬‬ ‫محمد عابد الجابري في كتابه بنية العقل العربي من‬

‫أن الزمن "اآلن" للوحة هو‬ ‫(زمن المتلقي)‪ .‬غير ّ‬ ‫األهم بالنسبة إليه‪ .‬إذ رغم امتالك الفنان للحاضر‬ ‫ّ‬ ‫(اآلن) إال ّأنه قد يتعالى عن مواصفاته لتصير المادة‬ ‫التي يالمسها الفنان هي الزمان عينه ويقر فرانكستال‬

‫خالل ركيزتين ‪:‬‬ ‫‪ )2‬القطيعة مع الماضي والمستقبل واالستغراق‬

‫للزمان‬ ‫الصوفي نفيا ّ‬ ‫في الحال فيكون الوقت بالمعنى ّ‬ ‫الطبيعي أو النفسي ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ )2‬فقدان االختيار واإلذعان لنوع من الجبرّية ‪.‬‬

‫المادة التي يحتاجها لتعابيره"ويفيد‬ ‫بأن ّ‬ ‫الفنان "يخترع ّ‬ ‫ّ‬ ‫هذا القول كون العمل التشكيلي المعاصر ليس فقط‬

‫‪7‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-8-‬‬

‫العدد األول‬

‫وبعيدا عن الجبرية الصوفية العابدية‪ ،‬فقد‬

‫التصوف الشرقي الذي يعتبره‬ ‫التصور األروبي‪ ،‬وبين‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وقتا ‪".‬‬

‫الفلسفي بمثابة األساس للوجود‪ ،‬وارتأى فيه هيدجر‬

‫يمر حيث الزمان‬ ‫نستشف في هذا القول الذي ّ‬ ‫التشكيلي‪ّ ،‬أنه ال يمكننا الحديث عن تصور زمان‬ ‫عقالني في الممارسة الفنية‪ ،‬بل نستبدل ذلك طوعا‬

‫المهمة‬ ‫الوجود‪.‬وبأن‬ ‫السبيل الوحيد لفهم حقيقة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ئيسية للسؤال عن الوجود تقوم باألساس على‬ ‫الر ّ‬ ‫الزمن في المنظور اإلغريقي بعدا‬ ‫تحليل اآلنية ويتّخذ ّ‬

‫تتمظهر خارجيا من خالل وجوده جسدا يتحرك بين‬

‫اعتبر عبد الرحمان بدوي الزمان ضمن خطابه‬

‫السؤال األفق الذي يخرج منه سؤال الوجود‪ ،‬أو هو‬ ‫نطل منه على مسألة الوجود‪.‬ففي كتابه‬ ‫األفق الذي ّ‬ ‫أن الموجود البشري هو‬ ‫الوجود والزمان يرى هيدجر ّ‬

‫باستعادة لرؤيا ورؤى الفنان الذاتية‪ .‬رؤيا الفنان‬

‫اإليجاب والسلب‪ ،‬يتموقع ماديا ويتالشى روحيا‪.‬وعند‬

‫ويتحدد معنى الزمان التشكيلي‬ ‫يتجسد‬ ‫نقطة وجوده‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الخام‪( ،‬الخالص)‪ ،‬حيث تكون فيه آلية الحدس‬

‫دائريا الموافق للحركة الدائرّية لألفالك‪ ،‬وهو لدى‬ ‫المسيحية متّصل متصاعد له بداية ونهاية‬ ‫الفئة‬ ‫ّ‬

‫الوسيلة الوحيدة القادرة على إدراك هذا المعطى ‪.‬‬

‫متّصلة ببداية ونهاية اإلنسان من الخلق إلى محور‬ ‫الزمن من الوهم ال‬ ‫الخالص‪ .‬ويعتبر ابن عربي ّ‬

‫إن هذا الحدس الذي نقيس به درجة الزمان‬ ‫ّ‬ ‫زر إحساس‬ ‫ّ‬ ‫الفني يعتبر وسيلة مزدوجة لها ّ‬ ‫وزر آخر يكون فيه القيا س في حالة‬ ‫بصري(إنساني) ّ‬

‫معينة ال تدرك عبر العقل وفي ذلك معنى‬ ‫نقطة ّ‬ ‫توهمها ‪.‬‬ ‫ّ‬

‫سعيد الفنان العراقي أن الفن له صفتين متالزمتين‬

‫حقيقة له مقطوع الصلة بالماضي وغير مستشرف‬

‫غيبوبة مطلقة‪ (،‬ال إنساني ‪).‬ويرى شاكر حسن آل‬

‫على المستقبل وفي ذلك عالمة على انحباسه في‬

‫"أنه غير مباشر وغير واقعي وهذا ما يدعو إلى‬ ‫ّ‬ ‫التأمل الزماني ‪".‬‬

‫ماهو الزمان الوجودي في الفعل التشكيلي؟‬

‫‪ )2‬الزمان والمكان في بنى الفعل التشكيلي ‪:‬‬

‫هل هو اللحظة المنقضية الغابرة التي ال تعود ؟ أم‬

‫لم يعد الفن المعاصر قائما على تجميد‬

‫هو تمّثل للحركة داخل الفضاء؟‬

‫وضعية أو عند حدث معين‪ ،‬فالزمن‬ ‫اللحظة في‬ ‫ّ‬ ‫ولما‬ ‫ينتشر بسرعة حتى ال نكاد نالمسه ّإال بصرّيا‪ّ .‬‬ ‫وبأن العين‬ ‫اهتدى ّ‬ ‫تغير ّ‬ ‫الفنان ّ‬ ‫أن إدراكه البصري قد ّ‬

‫‪-‬الزمان الوجودي ‪:‬‬

‫يقول عبد الرحمان بدوي‪ " :‬وجود اإلنسان‬ ‫نسيج من الواقع واإلمكان‪ ،‬يحاك على نول الزمان‪.‬‬

‫الفني قد غرقت في التوتّرات‬ ‫التي يرى بها العمل ّ‬ ‫التي يخلقها الشكل ودينامية الخطوط الثالثية األبعاد‬

‫بعدة معان‪ :‬وجود‬ ‫فالوجود نوعان‪ ،‬وكالهما يطلق ّ‬ ‫معين ‪".‬الوجودية هي لحظة خاطفة‬ ‫مطلق‪ ،‬ووجود ّ‬ ‫من حياة اإلبداع وإمكانية لتحقيق الذات حسب هذا‬

‫طحات وآثار العمق‪ ،‬صار يهتم باستجماع‬ ‫والمس ّ‬

‫الفيلسوف والزمان الوجودي ال يدرك إال بوصفه‬

‫أجزاء األثر الفني ويصنع لعمله زمانا ومكانا خاصا‬

‫تجربة معيشة‪ ،‬أي ّأنه شيء ندركه بواسطة الذات‪.‬‬ ‫يقول نزار شقرون‪" :‬يتأرجح الزمان الوجودي بين‬

‫أن اإلدراك‬ ‫به ليتمكن من تحديد مساره‪ .‬وبما ّ‬ ‫البصري يعني المسار الخاص الذي يستغرقه‬ ‫‪8‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-9-‬‬

‫العدد األول‬ ‫الخلق وقيام الثاني على المنفعة‪...‬لكن مصطلح‬

‫تحولت الموجات البصرية وحركة‬ ‫لمشاهدة اللوحة ّ‬ ‫العين لعدسة كامي ار إلى "ديمومة‪، " La durée‬‬

‫مفهومية‬ ‫العمل الفني قد شهد نقالت كثيرة ودالالت‬ ‫ّ‬

‫والديمومة تعني االستمرار‪ ،‬وهي في جوهرها ذاكرة‬

‫متعددة خالل القرن العشرين‪ ،‬منذ صدمة مبولة‬ ‫ّ‬ ‫دوشمب‪.‬‬

‫تصوراتهم باعتبار أن الحاضر والزمن المنقضي اآلن‬ ‫ّ‬ ‫ليسا تعاقب لزمنين بل هما زمن واحد يتواجد بصفة‬

‫األخرى كالشكل والتركيبة والتقنية التي تحيل إلى‬ ‫العمق الذي يفتح على البعد الثالث الوهمي‪ .‬الشكل‬

‫فو ار وهو زمان مخروطي دائري يشبه حركة النسيج‬

‫الشكل ذو الثالثة أبعاد‪ ،‬فاللون حين يوحي بالعمق‬

‫فيها حفظ للزمن المنقضي في الحاضر‪ ،‬وهي حقيقة‬

‫مكون أساسي في‬ ‫إن اّللون بوصفه ّ‬ ‫ّ‬ ‫مادة هو ّ‬ ‫المكونات‬ ‫كل‬ ‫العمل ذي البعدين وهو وسيلة لتنمية ّ‬ ‫ّ‬

‫فلسفية انتهى إليها برغسون في نظرّيته عن الزمان‪،‬‬ ‫ووجد فيها العديد من الفنانين تجاوبا كبي ار مع‬

‫ذي البعدين ال يمكن أن يكون بدون اّللون وكذا‬

‫م شتركة‪ .‬إذ تحيل كل لحظة منقضية لحاضر آتي‬

‫يحول سطح العمل الفني إلى حضور حقيقي يستولي‬ ‫ّ‬ ‫على أبعاد جديدة بما فيها الزمان والمكان الحاضن‬

‫تضم خيوط اللحمة إلى خيوط‬ ‫حول النول ما إن‬ ‫ّ‬ ‫الصنعي "‬ ‫السداة ّ‬ ‫يمر زمن يمكن تسميته ب"الزمن ّ‬ ‫الذي ندعوه بالساعة كما ورد على لسان نزار شقرون‬

‫الفني ال‬ ‫للعمل‪ ،‬ويقول رومان أوبالكا‪ " :‬العمل ّ‬ ‫يتطّلب مكان‪ ،‬المكان أيضا هو عمل ّفني"‪ .‬كانت‬

‫في كتابه "شاكر حسن آل سعيد ونظرّية الفن‬ ‫لتيار الديمومة‬ ‫العربي"‪،‬وهو نفسه الزمن الخاضع ّ‬

‫أن‬ ‫نظرية أوبالكا للفضاء ّ‬ ‫تمتد عبر الزمان باعتبار ّ‬ ‫الفني والحافظ‬ ‫الزمان هو الفضاء الكامن في العمل ّ‬

‫الزماني الموازي‬ ‫المقتصر على نوع من االنتشار ّ‬

‫له في نفس الوقت ‪".‬‬

‫نؤكد هنا إذن على مسألة‬ ‫لالنتشار المكاني المطلق‪ّ .‬‬ ‫الفعل التشكيلي ودوره في إنشائية العمل‪ .‬النسيج‬

‫‪ )3‬المنسوجة وانقضاء الزمان في المكان ‪:‬‬

‫يميز بين‬ ‫التشكيلي المعاصر وهو بصدد الحياكة ّ‬ ‫عالمين‪" ،‬عالم الواقع" بأبعاده الهندسية المشدودة‬

‫فإن‬ ‫بالعودة لفضاء المنسوجة الثنائية األبعاد ّ‬ ‫الحياكة والممارسة النسجية عبر تقنية اللحمات‬

‫خارجيا‪ .‬و"عالم‬ ‫للنول الحديدي‪ ،‬وهو عالم موجود‬ ‫ّ‬ ‫ّفني" ‪ ،‬وهو عالم ثنائي األبعاد قائم في أساسه على‬ ‫المادة الخام واّللون داخل فضاء المنسوجة وذلك‬ ‫ّ‬

‫ممتدة‪ ،‬تكشف عن ضرورة إدراك البعد اإلنساني‬ ‫ال ّ‬ ‫أن حركة اليد مع مرور الزمان‬ ‫ّ‬ ‫الالواعي باعتبار ّ‬ ‫تمرر المحتوى الباطني للوعي‬ ‫تصير حركة‬ ‫ّ‬ ‫تلقائية ّ‬ ‫العملية ونعني بها استم اررية اتّجاه‬ ‫البشري‪ .‬هذه‬ ‫ّ‬

‫ثانويا في‬ ‫حسب تعبير ناثان نوبلر‪" :‬يلعب الّلون دو ار ّ‬ ‫مفردات الفن بالنسبة إلى الّلذين يمارسون ّفنا ذا أبعاد‬

‫طي عبر مادة الخيط في حركة تبدأ من‬ ‫النسق الخ ّ‬ ‫ّ‬ ‫اليمين وتنتهي عند اليسار‪ ،‬قد تكون فلسفيا هي‬

‫تصور الفنان‬ ‫ثالثة"وهي مصطلحات اقتبستها عن‬ ‫ّ‬ ‫العراقي شكر حسن آل سعيد بخصوص "العمل‬

‫الزمان نفسه الذي يشبه الديمومة يعني االستمرار‪.‬‬

‫يمر الوقت ويضحى‬ ‫وبقدر ما تجري حركة اليد ّ‬ ‫عملية‬ ‫الفضاء من حول الفنان‬ ‫متصح ار يختزل زمان ّ‬ ‫ّ‬

‫الفني )‪" (Œuvre d’art‬و مصطلح "صنيع ّفني‬ ‫األول على المتعة ومغامرة‬ ‫‪ ،(objet d’art).‬يقوم ّ‬ ‫‪9‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-11-‬‬

‫العدد األول‬ ‫بالفكر‪...‬وبالتالي ينحاز هذا الفنان إلى االعتماد عن‬

‫بمجرد حركة الخيط بيد الصانع والتي تبدأ‬ ‫النسيج‬ ‫ّ‬ ‫طا‪ ،‬فالمنسوجة تولد‬ ‫نقطة في حركة لتصبح خ ّ‬

‫المتصوفة للزمن ‪.‬‬ ‫تعريفات‬ ‫ّ‬ ‫فإن الزمن في الحضارة‬ ‫حسب لوي ماسينون‪ّ ،‬‬ ‫اإلسالمية "هو مجموعة من األوقات ‪".‬‬ ‫العربية‬ ‫ّ‬

‫الزمنية‪،‬‬ ‫يجيا على نحو متتال وذلك ما يمنحها‬ ‫ّ‬ ‫تدر ّ‬ ‫الشك فيه فالعمل الفني التشكيلي هو ممارسة‬ ‫ومما‬ ‫ّ‬

‫وفعل في الفضاء المكاني قبل أن يتواجد كشكل‪،‬‬

‫الفني مكتمال هو عبارة عن لحظة‬ ‫إن العمل ّ‬ ‫ّ‬ ‫تجسد ملموس يمكن لمسه باعتباره إطار مرئي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫روحية‬ ‫بامتياز‪ .‬وهذا المرئي ال يستبعد ال محالة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفنان‪ ،‬وهو في الحين ذاته قائم على الوعي بوجود‬ ‫ّ‬

‫واحدة وبشكل كّلي بل هو ينسجها تباعا بينما يتلّقاها‬

‫تبصر العمل هناك استكشاف للزمن بواسطة‬ ‫وفي ّ‬ ‫مكوناتها المادية‪ ،‬و برؤيا‬ ‫عناصر بناء اللوحة وجميع ّ‬

‫أن زمان‬ ‫المتلقي‪ .‬نستنتج من خالل هذا االفت ارض ّ‬ ‫أي عمل فني يصعب تحديده بشكل دقيق‪ّ ،‬إنه زمن‬ ‫ّ‬

‫التشكيلي لو أخذنا بعين االعتبار تناقضاته بين‬

‫عملية تأويل‬ ‫والزمن خالل عملية النسيج هو‬ ‫ّ‬ ‫الحاضر ‪.‬الزمان إذن هو تجربة معاشة قبل أن يكون‬

‫إدراكا عقليا محسوسا‪ ،‬واألثر الفني هو جماع‬

‫حقيقة ما داخل فضاء العمل الفني مهما كان نوعه‪.‬‬

‫لحظات متتالية‪ .‬فالفنان ال ينسج عمله في لمحة‬ ‫المشاهد كاملة تمّثل الحاضر الماثل أمامه اآلن‪،‬‬

‫الزمنية التي تخترق بنية األثر التشكيلي‪ .‬ومع‬ ‫الفنان‬ ‫ّ‬ ‫ذلك فإن الوجود الزمني ليس من طبيعة الفن‬

‫تم‬ ‫وهذا الحاضر هو ليس حاضر المنسوجة التي ّ‬ ‫طعة بل هو حاضر‬ ‫تشكيلها في أزمنة مختلفة متق ّ‬

‫الحضور المادي والضياع الروحي ‪.‬‬

‫‪ )2‬الزمان في الفعل التشكيلي بين حضارة‬

‫يتم إذن التعبير عن الزمن بواسطة‬ ‫‪ )0‬كيف ّ‬ ‫الوسائل التشكيلية أو عبر الوسيط التشكيلي؟‬

‫هارب منفلت ال يمكن تعيينه ‪.‬‬

‫ألعمال منى حاطوم والفنان البصري الياباني‬

‫المادة في‬ ‫النسيجية‪:‬‬ ‫أعمال منى حاطوم‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الزمن‬ ‫خدمة عامل ّ‬

‫الشرق األوسط والشرق اآلسيوي من خالل قراءة‬

‫حديدية البعد الزمني‬ ‫هل يدعم النسيج بأسالك‬ ‫ّ‬ ‫داخل العمل الفني؟‬

‫نوبوهيرو ناكانيشي ‪.‬‬ ‫لماذا يمّثل الزمان "دهرا" في الحضارة‬

‫األوروبية ويمّثل "وقتا" في حضارة الشرق األوسط؟‬

‫إن الخامة الجديدة متى دخلت حقال تشكيليا‬ ‫ّ‬ ‫موضوعية العالم الخارجي‬ ‫تعبرعن‬ ‫ّ‬ ‫جديدا فهي ّ‬

‫أقترح هذا السؤال الذي اقتبسته في الواقع عن‬

‫فكرة لحسن شاكر آل سعيد في كتابه بعنوان "دراسات‬

‫الخاصة لهذا الفنان‬ ‫للفنان‪ ،‬تربط الحالة الراهنة‬ ‫ّ‬ ‫بالماضي وبالمستقبل أيضا‪.‬وتدعم األسالك الشائكة‬

‫العالم التشكيلي‪ :‬كونه عالم محسوسا يدرك بالبصر‬

‫ط‬ ‫طالما ال توجد العناصر التشكيلية األخرى مثل الخ ّ‬

‫المتصوفة العراقيين‬ ‫تأم ّلية" ويعتبر هذا الفنان من‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الزمن الوجودي في‬ ‫حيث يقول فيها بإيجاز عن ّ‬

‫الزمني في العمل الفني‪،‬‬ ‫في أعمال منى حاطوم البعد ّ‬

‫والنقطة واللون والشكل في إحداث قطيعة بين ماضي‬

‫المادي هو منطلق وجوده الروحي‪ .‬هذا‬ ‫أن وجوده ّ‬ ‫وّ‬ ‫نتعرف عليه عبر الحدس وليس‬ ‫الوجود‬ ‫ّ‬

‫الفنان الخاص ومستقبله ‪.‬‬ ‫‪10‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-11-‬‬

‫العدد األول‬ ‫تبدو منى حاطوم في أعمالها التي تقرب‬

‫عملية ربط األسالك الحديدية وتشبيكها‬ ‫وتتّخذ‬ ‫ّ‬ ‫عملية‬ ‫الزمني‪ .‬إذا استحالت‬ ‫ببعضها البعض المعنى ّ‬ ‫ّ‬

‫لتنصيبات النسيج‪ ،‬كمن يقف أمام معبر رفح على‬

‫تكوينية تبني لحدث تشكيلي يقوم على وعي الفنان‬ ‫ّ‬ ‫برسم موقف ما‪ .‬وعملية ربط األسالك أخذت معناها‬

‫ط البداية والنهاية في آن واحد‪ ،‬إذ هي تبدي‬ ‫خّ‬ ‫تفاعالتها في اللحظة اآلنية التي تقف فيها أمام‬

‫الزماني حينما استحالت إلى عقدة بين سلك وآخر‪.‬‬

‫الزمن قد بدا‬ ‫أن ّ‬ ‫يدية السريالية‪ ،‬حتى ّ‬ ‫أعمالها التجر ّ‬

‫وسط هذه العقدة تعيش منى حاطوم تجربة حلم‬

‫مهمال بال قيمة ال بداية له وال نهاية‪ .‬ومجموعة‬

‫استرجاع الوطن المسلوب المحاصر بالدبابات وعلى‬

‫كالسجن ينحصر بداخلها العديد من‬ ‫األقفاص التي ّ‬ ‫المتوتر الذي يظهر لنا من‬ ‫كالزمن‬ ‫ّ‬ ‫األوقات‪.‬هي ّ‬

‫إثر التقاء سلك بسلك ثاني نق أر فترة زمانية‬ ‫متشابكة‪،‬مقطوعة عن الوجود الواعي للفنانة كموقف‬

‫فإن هذه‬ ‫تتخذه ما بين تصميمها ومصيرها وكما نعلم ّ‬ ‫الفنانة التشكيلية تعيش وجع االنفصال عن الوطن‬

‫خالل وحدة التصميم وتشابه التركيبات المتشابكة‬ ‫األسالك دوما ‪.‬‬

‫األم فلسطين‪ ،‬وتعتبر إقامتها بلندن بمثابة الكابوس‬ ‫ّ‬ ‫ويتجسد هذا الكابوس في‬ ‫السياسي في قالب فني ‪.‬‬ ‫ّ‬

‫كان الرهان األساسي للمعارض التي تقوم بها‬ ‫منى حاطوم هو تحويل وجهة التعامل مع الفكرة‬

‫اختيارها الصعب والخطير لمادة كهربائية صاعقة‬

‫الفنية واستبدالها بالتجربة الوجودية التي يعيشها الفرد‬

‫مصنوعة من األسالك المكهربة‪ ،‬تكتنز في نفس‬

‫فتصير التنصيبة في أي فضاء وأي زمان ذات‬

‫الوقت بجمالية تشكيلية نادرة ‪.‬‬

‫وفي عملها تحت عنوان "قياس المسافة"‪،‬‬

‫مجرد حامل لفكرة ‪ .‬هذا‬ ‫حسي وليس‬ ‫ّ‬ ‫حضور ّ‬ ‫الفني موغال‬ ‫الحضور‬ ‫الحسي يصبح بفضله العمل ّ‬ ‫ّ‬

‫حب الوطن متنّقلة‬ ‫كانت منى حاطوم ّ‬ ‫تؤدي واجب ّ‬ ‫مسافات طويلة بين برلين ولندن ولبنان عبر هذه‬

‫تحوالت‪.‬‬ ‫مانية‪ ،‬لصيقا بما يعتري ّ‬ ‫في ّ‬ ‫الز ّ‬ ‫الزمن من ّ‬

‫األسالك الكهربائية الشائكة‪ .‬ويقف بها الزمن عند‬

‫فالزمان في تنصيبات منى حاطوم هو زمان العمق‬

‫حدود أراضي فلسطين وطنها الذي يمنع عليها‬

‫الباطني‬

‫النحتية‬ ‫الزمن في أعمالها‬ ‫دخوله‪ّ .‬‬ ‫المجسمة و ّ‬ ‫ّ‬ ‫التركيبية‪ ،‬هو فكر وفلسفة قبل أن يكون فكرة عمل‬ ‫و‬ ‫ّ‬

‫الذي‬

‫يستحضر‬

‫فيه‬

‫الفنان‬

‫ذاتية‬ ‫ّ‬

‫تتجسد فيه اللحظات اآلنية والمعايشة‬ ‫المتلّقي‪،‬زمان‬ ‫ّ‬ ‫الفلسطينية ‪.‬‬ ‫اليومية لدروب اآلالم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫تشكيلي ‪.‬‬

‫الحديدية الضخمة المفتوحة‬ ‫مثل هذه األقفاص‬ ‫ّ‬ ‫كل‬ ‫على الزمن المطلق‬ ‫المتنوعة الشكل والمضمون‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬

‫نستنتج من خالل أعمال الفنانة الفلسطينية‬

‫أن أثر الفكر الشرقي المعاصر ّأدى‬ ‫منى حاطوم‪ّ ،‬‬

‫يعبر عن فكرة وللمتلقي حرية قيس‬ ‫شكل منها ّ‬ ‫المسافة بينه وبين أسياخ من الحديد المتعامدة‬

‫قوة مضمون األثر‬ ‫إلى خلخلة مفهوم الزمن من خالل ّ‬ ‫"أن‬ ‫الفني‪ .‬ويقول الباحث التونسي نزار شقرون‪ّ :‬‬

‫المكعبة ‪.‬‬ ‫و ّ‬

‫‪11‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-12-‬‬

‫العدد األول‬

‫زمنيا عليه أن يتخّلص من‬ ‫العمل ّ‬ ‫الفني كي يكون ّ‬

‫بين اّللوحات‪ .‬وتحاكي هذه التجرية في رمزيتها حركة‬ ‫الحدائق المعّلقة باليابان ‪.‬‬

‫الفني‬ ‫البعد المضموني‬ ‫ويتحول من مدار العنصر ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلى مدار القيمة ‪".‬‬

‫ارتبطت أعمال هذا الفنان البصري الياباني‬

‫ولئن جاء سياق هذه المقولة في الحديث عن‬

‫وكأنه يعمد في أعماله إلى‬ ‫ّ‬ ‫يدي‪ّ ،‬‬ ‫بالزمن بشكل تجر ّ‬

‫أحاول ربطها هنا بقيمة تنصيبات حاطوم التي حققت‬

‫كل صورة‬ ‫تجسد ّ‬ ‫الزمن من زوايا نظر مختلفة‪ ،‬حيث ّ‬ ‫الصور المعروضة لحظة من لحظات الزمن‬ ‫من ّ‬

‫الزمن بيديه‪ .‬ويدعونا مشروعه اآلتي إلى مسك‬ ‫مسك ّ‬

‫فإني‬ ‫خصائص ّ‬ ‫الزمن في األعمال ذات البعد الواحد‪ّ ،‬‬

‫الفني من خالل ربطها لهذه األطراف‬ ‫فعل ّ‬ ‫الزمن ّ‬

‫المنقضي فالزمن في هذا المشروع وإن بدا معّلقا بين‬

‫الفنان ‪.‬‬ ‫الثالثة‪:‬‬ ‫الفني والمتلّقي و ّ‬ ‫المجسم ّ‬ ‫ّ‬ ‫إن هذه األطراف الثالثة تتواصل في لحظة‬ ‫ّ‬

‫السماء واألرض ّإال ّأنه يمكن للمشاهد أن يرى مرور‬

‫فناء عن العالم الخارجي الذي يتمثل في الواقع‬

‫الزمن في لمح البصر‪ .‬وتفضي عملية التقاط تراكم‬

‫الزمن كمجموعة أحداث متتالية ‪.‬‬ ‫المعاش أي ّ‬

‫وكأن هذا‬ ‫الوقت بين اللوحات بتجربة سرعة زواله‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪-‬الزمان اّلالمرئي من خالل قراءة ألعمال‬

‫الفنان يدعونا القتناص لحظات التقاء الزمان والمكان‬

‫الفنان البصري الياباني نوبوهيرو ناكانيشي في حديثه‬

‫السلسلة من األعمال أقصد اقتناص الروحي‬ ‫في هذه ّ‬ ‫أن الصور عندما‬ ‫والالمرئي‪ ،‬وتمثيله ّفنيا‪ ،‬حتّى ّ‬

‫الوقت كنحت يسمح للمشاهد بتجربة سرعة زوال‬

‫تتالشى ببطء مع بعضها البعض قبل أن تختفي‬

‫الوقت"‪ .‬وهذه األعمال هي عبارة عن صور‬

‫تماما لتعطي في النهاية شكال ضبابيا‪. .‬‬

‫عن معرضه المشهور تحت عنوان "رسوم الطبقات"‪،‬‬

‫ينظر إليها من الزاوية اليمنى‪ ،‬تظهر الصور و كأنها‬

‫الفنان على موقعه الرسمي "إن التقاط تراكم‬ ‫كتب هذا ّ‬

‫وتم نقلها‬ ‫افية التقطت في فترات ّ‬ ‫فوتوغر ّ‬ ‫زمنية مختلفة ّ‬ ‫من عالم الفوتوغرافيا‪ ،‬لرسوم من األكريليك ثنائية‬

‫وكأنها ذات "زمن‬ ‫الفنان‬ ‫ّ‬ ‫بدت أعمال هذا ّ‬

‫األبعاد مرّبعة الشكل‪ ،‬ووقع تصفيفها اللوحة تلو‬

‫ردده شاكر حسن آل سعيد‬ ‫منظوري" وهو مصطلح ّ‬ ‫في حالة تكرار العناصر التشكيلية الموّلدة للعمق‬

‫األخرى بشكل مسترسل يفضي إلى تتابع األشكال‬

‫الضبابية نتيجة تشابه اللوحات‬ ‫البصري‪ .‬هذه الصورة‬ ‫ّ‬

‫المتالصقة تخلق نوعا من التوتّر عند المشاهد فال‬

‫للزوار الدخول‬ ‫وسط ساحة العرض‪ ،‬حيث يمكن ّ‬ ‫يمكن‬ ‫وسط العمل عبر المرور من تحته‪ .‬وهو أمر ّ‬

‫الزمن ينتهي وال المكان يتالشى ‪.‬وهذا الزمن الذي‬

‫الفعلية‬ ‫المشاهد من معايشة الزمن من خالل حركته‬ ‫ّ‬

‫يدعوه شاكر حسن بالمنظوري هو زمن ال يتم رصده‬ ‫الحسي بل بالتجربة الصوفية ‪.‬‬ ‫عبر الوازع ّ‬ ‫‪12‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-13-‬‬

‫العدد األول‬ ‫وترجمة وتأليف‪ ،‬ويعتبره بعض المهتمين بالفلسفة من‬ ‫العرب أول فيلسوف وجودي مصري‪ ،‬وذلك لشده‬

‫الخاتمـــــة ‪:‬‬

‫تأثره ببعض الوجوديين األوروبيين وعلى رأسهم‬

‫لقد مّثلت الكتابة في موضوع الزمن في‬

‫الفيلسوف األلماني مارتن هايدجر ‪.‬‬

‫التشكيلية‪ ،‬حقال اختبارّيا لألسئلة التي‬ ‫الفنية‬ ‫ّ‬ ‫الممارسة ّ‬

‫‪ -2‬د‪ .‬نزار شقرون‪" ،‬شاكر حسن آل سعيد‬

‫ينفك الباحث يبحث عنها في إطار الدراسات التي‬ ‫ال ّ‬

‫ونظرية الفن العربي"‪ ،‬تقديم شربل داغر‪ ،‬دار محمد‬

‫أن البحث في الزمان‬ ‫ومما وقفنا عليه ّ‬ ‫يقوم بها ‪ّ .‬‬ ‫المنقضي والحيني بمختلف تجلياته يضاهي محاولة‬

‫علي للنشر‪ ،‬ص‪. 221.‬‬ ‫‪3- « L’artiste créé la matière dont‬‬

‫» ‪il éprouve le besoi pour s’exprimer‬‬

‫المسك بالزمن وهو في طور الحركة ‪.‬‬

‫‪FRANCASTEL Pierre, Art et Technique‬‬

‫عدة قضايا‬ ‫وقادنا هذا الموضوع الذي يعالج ّ‬

‫‪au XIX Emme et XX Emme siècles,‬‬

‫على صلة ب"الحيني "في الممارسة التشكيلية‬

‫‪éditions de Minuit, 1956, p.216.‬‬

‫المعاصرة‪ ،‬إلى الوقوف على نتائج اساسية في هذا‬

‫إشكالية الزمكانية في‬ ‫جبار‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ -2‬حكمت مهدي ّ‬ ‫الفنون‬ ‫التشكيلية"‪ ،‬مركز النور للدراسات‪ ،‬نشر بتاريخ‬ ‫ّ‬

‫أن هذا الخطاب الذي ينطلق‬ ‫السياق اإلشكالي ‪:‬وهي ّ‬

‫من العمل الفني لفهم مسألة الزمن داخل فضاء األثر‬

‫‪. 2222/29/28‬‬

‫عليه الرؤية الواضحة لتفسير مدى التفاعل بين‬

‫‪ -1‬أنظر‪ :‬محمد عابد الجابري‪ ،‬بنية العقل‬

‫متلبس‪ ،‬يحتمي بالفلسفي كّلما ضاقت‬ ‫هو خطاب ّ‬

‫‪ -0‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب – ص‪. 288 .‬‬ ‫العربي‪ -،‬مركز دراسات الوحدة العر ّبية‪ -‬الطبعة‬ ‫الثالثة ‪2882‬‬

‫الفنان والفضاء والمادة لصنع زمن خاص باللحظة‬ ‫الكائنة‪ .‬هذا الزمان ال يبقى منه سوى آثار زمن‬

‫‪ -1‬د‪ .‬عبدالرحمان بدوي‪" ،‬الزمان الوجودي"‪،‬‬

‫افتعلها ّفنان هو إلى زوال‪ ،‬حيث ال يبقى من بعده‬

‫دار الثقافة بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬ص‪. 0 .‬‬

‫مؤشر زمني لحقبة‬ ‫سوى أثر فني هو عبارة عن ّ‬

‫‪ -9‬د‪ .‬نزار شقرون‪" ،‬شاكر حسن آل سعيد‬

‫"كرونولوجية" في سجل التاريخ وصيرورته‬ ‫ّ‬

‫ونظرية الفن العربي"‪ ،‬تقديم شربل داغر‪ ،‬دار محمد‬ ‫علي للنشر‪ ،‬ص‪. 21 .‬‬

‫الرؤية‪ -‬ترجمة فخري‬ ‫‪ -8‬ناثان نوبلر‪ :‬حوار ّ‬

‫‪.‬المراجـــــع ‪:‬‬

‫المؤسسة العر ّبية للدراسات والنشر – الطبعة‬ ‫خليل‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫األولى ‪ -2882‬ص‪. 81 .‬‬

‫‪ -2‬د‪ .‬عبد الرحمن بدوي (‪ 2‬فبراير ‪- 2821‬‬ ‫‪ 20‬يوليو ‪ 2222‬القاهرة)أحد أبرز أساتذة الفلسفة‬

‫العرب في القرن العشرين وأغزرهم إنتاجا‪ ،‬إذ شملت‬

‫أعماله أكثر من ‪ 202‬كتابا تتوزع ما بين تحقيق‬ ‫‪13‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-14-‬‬

‫العدد األول‬

‫‪ -22‬د‪ .‬نزار شقرون‪" ،‬شاكر حسن آل سعيد‬

‫إلى لقمة العيش التي أصبحت صعبة الحصول‬

‫ونظرية الفن العربي"‪ ،‬تقديم شربل داغر‪ ،‬دار محمد‬

‫عليها لتفرغ من اوكلت إليه أمانة التيسير في العبث‬

‫علي للنشر‪ ،‬ص‪. 211 .‬‬

‫واالستخفاف بمقادير الناس وبمستقبل البالد وجمع‬ ‫األموال و العطايا و المنافع بغير وجه حق فاصبحت‬ ‫البالد من جراء ذلك ساحة للصراعات وفضاء‬ ‫للخالفات ومنب ار للكالم الفارغ الواهي الذي ال ينفع‪.‬‬ ‫العبث بمستقبل البالد وبعد ؟‬ ‫عبث بمصير البالد وهذا مؤكد ومثبت من خالل‬

‫أقالم الثقافيـة‬

‫أرقام بينة ومؤشرات واضحة تتجلى في ما يلي‪:‬‬ ‫* انتشار نسب الفقر بشكل ملفت وصلت إلى حدود‬ ‫‪ 21‬بالمائة‪.‬‬

‫األرض بعد الجفاف ال تستحق‬ ‫إال العمل‪.‬‬

‫*ارتفاع المديونية إلى أكثر من ‪ 222‬بالمائة من‬ ‫الناتج الداخلي الخام‪.‬‬ ‫*ازدياد عدد العاطلين عن العمل إلى مستوى ال‬ ‫يطمئن ويدعو إلى القلق‪.‬‬ ‫*هجرة متعددة االشكال‪:‬‬

‫بقلم د ‪:‬نورالدين الحاج محمود‪.‬‬

‫*الرسمية والتي وصل عدد مغادرة كفاءاتنا إلى ‪202‬‬

‫في بدايات أسبوع ممطرة ال يمكن إال االستبشار‬

‫الف من خيرة ما تم االستثمار فيه من قبل المجموعة‬ ‫الوطنية من أجل تكوين هذه الخميرة من الخبرات‬

‫بغيث نافع يزيح ما علق بهذه االرض الطيبة من‬

‫جفاف و ترتوي من خالله بماء يعطيها الحياة‬

‫لالسهام في االرتقاء البالد فإذا بها تغادر قس ار عنها‬

‫واألمل‪.‬‬

‫تراب البالد بحثا عن فضاءات ارحب ومجاالت‬

‫بمثل ما يعطى الماء إلى االرض بقدر ما على‬

‫واعدة‪.‬‬

‫اإلنسان أن يستفيد من ما في ترابها من إمكانيات‬

‫*هجرة سرية عبر شق البحر لالتجاه إلى الضفة‬

‫هائلة طبيعية في حاجة إلى االستغالل وفي قطاعات‬

‫الشمالية من البحر االبيض المتوسط للبحث عن‬

‫متعددة و بالخصوص في الفالحة التي هجرها أهلها‬

‫حياة أفضل واحسن بعد هذا البؤس الذي ضرب‬

‫البالد في مفاصلها‪.‬‬

‫وغادرها أبناؤها إلى المدن بحثا عن العمل وسعيا‬ ‫‪14‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-15-‬‬

‫العدد األول‬

‫تراكمت مشاكل البالد وانسدت االفق بسبب غياب‬

‫بحث األستاذة‬ ‫فاطمة بلغيث‬ ‫معتوق‬

‫من يفكر في م ستقبل البالد ومن ينير السبل إلى‬ ‫أبناء البالد من أجل تحقيق حياة كريمة‪.‬‬ ‫شغل وكرامة وحرية‪:‬‬ ‫هي شعارات من أرقى ما يطمح اإلنسان إلي تحقيقها‬ ‫والوصول إليها ألنها عنوان النخوة واالعتزاز‬

‫اعتبر موضوع إنشاء المتاحف وتأسيسها من‬

‫باالنتماء إلى هذا الوطن‪.‬‬ ‫تم الوعد بالشغل فلم تتحقق إال البطالة التي وصلت‬ ‫إلى أرقام فلكية‪.‬‬

‫الشعوب‪،‬‬ ‫أهمية في تاريخ ّ‬ ‫المواضيع واألفكار األكثر ّ‬ ‫أن تاريخنا المعاصر في تونس لم يعد مبال‬ ‫غير ّ‬

‫بتوثيق ما تبقى من تاريخه القديم والمتوسط والحديث‬

‫بشر بالكرامة وهو أمر جيد في هذا العصر المتميز‬

‫أيضا‪ .‬الراهن في تونس هو شبكة صيد علقت في‬

‫‪.‬المتوسط؟‬ ‫المتوسط‪..‬‬ ‫أسنان حوت كبير على ضفاف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫باعتماد الذكاء فإذا باإلهانة هي التي حلت مقابل‬

‫ّإنها عبارة ّلم الشمل وإعادة البناء والتخطيط‬ ‫المتوسطي الذي لم يعد له حضور في تاريخ تونس‬ ‫ّ‬

‫ذلك‪.‬‬ ‫تم التاكيد على الحرية وهي مطلب كل إنسان في‬

‫الثورة ‪...‬‬

‫اطار معرفة حدود ما هو مسموح فإذا بالقوضى‬

‫أن إقامة المتاحف‪ّ ,‬إنما بدايتها‬ ‫وقد عّلمنا التاريخ ّ‬ ‫شغف وولع ال متناهي في تجميع ثقافات حضارة ما‪,‬‬

‫ان المرحلة التي نعيشها و على شكلها الحالي ينبغي‬

‫وخاتمتها هو عبارة عن بناية صرح يخّلد لذاكرة‬

‫العارمة هي السائدة‪.‬‬

‫جماعّية ال يمكنها أن تموت وقد وقع حفظها في‬ ‫مكان يسهر على حراسته أمن وسالح فيه رصاص ‪.‬‬

‫أن ال يطول ركودها وبالتالي ال بد من صحوة‬ ‫جماعية بعد هذا الجفاف الذي ضرب البالد للتفرغ‬

‫اسود لونه‬ ‫والويل لمن يحاول المساس بقدر من فخار ّ‬ ‫أو آنية أو حتّى وثيقة مكتوبة بحبر عبري كان أو‬

‫إلى العمل والكد والجد وعدم إضاعة الوقت الذي‬ ‫تفننا في هدره‪.‬‬

‫ألنه ال يمكن فهم أهمية الحضارات‬ ‫أرامي أو عربي‪ّ ،‬‬ ‫بعيدا عن المتاحف‪ .‬المتحف إذن هو المكان الذي‬

‫متحف للفن الحديث والمعاصر‬ ‫ومتحف لحفظ تراث وتقاليد‬ ‫يهود تونس؟‬

‫حق مخزون الحضارات والثقافات‪ ,‬تماما كما‬ ‫يكفل ّ‬ ‫تكفل ديار األيتام أيتام الحروب والموت‪ ،‬وعلى سبيل‬ ‫فإن المتحف اليهودي الوحيد في‬ ‫ذكر اليتم واأليتام ّ‬ ‫العالم العربي وشمال إفريقيا الموجود بالمغرب أصله‬ ‫فضاء كان يحوي أيتام أطفال اليهود المغاربة ورّبما‬

‫‪15‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-16-‬‬

‫العدد األول‬

‫تكون تونس البلد العربي الثاني الذي بدأ يعمل على‬

‫يمكن لرجال األمن أن يظّلوا رابضين أمام المعبد‬ ‫يحرسون الجدران وكنيس وسطه فارغ من المحتوى‬

‫يضم كل‬ ‫العام لبداية تكوين متحف‬ ‫تأسيس الفضاء‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫محتويات الثقافة اليهودية بتونس – فكرة إقامة متحف‬

‫والمضمون ‪ .‬يجب أن يحرسوا فضاء وآثار وسطها‬ ‫وكل حياة وثقافة‬ ‫محشو بحضارة وتقاليد وشعائر‬ ‫ّ‬ ‫اليهود”‪ .‬وحراسة الذاكرة تتطّلب وقفة حازمة من قبل‬

‫يهودي في تونس هي فصل جديد إلعادة تقييم‬ ‫عاداتنا وتقاليدنا المشتركة‪ -‬بين يهود ومسيح‬

‫الدولة وأهل االختصاص ومواطن أيضا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ظّلت فكرة إنشاء متحف لحفظ عادات وتقاليد يهود‬

‫منا‪,‬من‬ ‫ومسلمين‪ .‬واليهود التوانسة هم جزء ال ّأ‬ ‫يتجز ّ‬ ‫فإن البعد‬ ‫حضارتنا‪ ,‬حتّى لو اختلفنا‬ ‫إيديولوجيا وفكرّيا ّ‬ ‫ّ‬ ‫الثقافي الشامل يجمعنا في إناء واحد‪.‬‬

‫وتحمل‬ ‫الصبر‬ ‫تونس معّلقة لليوم‪ ،‬رهينة ّ‬ ‫ّ‬ ‫قوة اإلرادة و ّ‬ ‫مادي‬ ‫المادي والغير ّ‬ ‫عناء البحث في مخزون التراث ّ‬

‫كل‬ ‫على إثر زيارة الغريبة سنة ‪ 2221‬والذي يقام ّ‬ ‫التونسية‪ ,‬انعقد‬ ‫سنة في المعبد اليهودي بجزيرة جربة‬ ‫ّ‬

‫المختصين تماما‬ ‫مختصين في المجال وغير‬ ‫من قبل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كفكرة إقامة متحف للفن الحديث والمعاصر‪.‬‬

‫بالتوازي الملتقى الثالث لكلية اآلداب والفنون‬

‫واإلنسانيات بمنوبة‪ ،‬باالشتراك مع مخبرها المعروف‬

‫المتحف الثاني المذكور سنوليه اهتماما في نص‬

‫المتعددة حول التراث في كامل‬ ‫بكثرة حواراته وندواته‬ ‫ّ‬ ‫ربوع تونس‪ .‬انعقد الملتقى يوم ‪ 20‬ماي ‪2221‬‬

‫الحق‪.‬‬

‫السياسية سببا في تالشي فكرة‬ ‫قد تكون األوضاع‬ ‫ّ‬ ‫إنشاء المتحفين في تونس‪ ،‬وقد يكون الوازع التنظيمي‬

‫بحضور وزيرة السياحة وقتها “سلمى اللومي” ورئيس‬

‫ألولويات الوطن سببا أيضا‪ .‬فكم من فكرة ماتت وكم‬

‫الطائفة اليهودية “روجيه بوسميث” ومحافظة التراث‬ ‫بالمتحف اليهودي بالمغرب الدار البيضاء “زهور‬

‫من نجاح كان حليف مجموعة اتّقدت أفكارها‬ ‫عودنا تاريخ قصص إنشاء المتاحف‬ ‫وانطفأت‪ .‬هكذا ّ‬

‫محافظة التراث بمتحف باردو‪ ,‬كما حضر الندوة‬

‫للسياح‬ ‫المخزون قطعة قطعة لينتهي بها األمر لمزار ّ‬

‫والبعض من يهود تونس القاطنين بجزيرة جربة‬

‫اليهود بالغريبة جزيرة األحالم جربة ‪.‬‬

‫بوحليل” ومحافظة المتحف اليهودي بتركيا “ماليسا”‬

‫في العالم ‪,‬بحيث تبدأ الفكرة بشغف في تجميع‬

‫ونظيرتهما بفرنسا أيضا وتونس السيدة “سعاد”‬ ‫مجموعة من الباحثين في مجال التراث بمنوبة‬

‫حجة‬ ‫من مختلف دول العالم تماما كما هو حال ّ‬

‫التابعين لها ‪ .‬وتعتبر فكرة إنشاء متحف يحمل‬

‫حجة يهود تونس بالغريبة‬ ‫ّ‬

‫السيد “الحبيب القزدغلي” ‪ .‬وجهة نظر العميد‬ ‫ّ‬ ‫بمنوبة ّ‬ ‫محتوى أبعادها كان مبني على فكرة التصالح‬ ‫ّ‬ ‫يشكل جزء كبير من تاريخ تونس‬ ‫والتسامح مع تراث ّ‬ ‫‪,‬ويقول بخصوص المعبد المتروك بتونس‪ّ ”:‬أنه ال‬

‫يشوه بطاقة الذاكرة في‬ ‫بعيدا عن فكر اإلقصاء الذي ّ‬ ‫ركن من دماغي منذ زمن بعيد … وبعيدا عن بقايا‬

‫وكل محتويات الحضارة اليهودية في‬ ‫عادات وطقوس ّ‬ ‫كلية اآلداب والفنون واإلنسانيات‬ ‫تونس فكرة عميد ّ‬

‫‪16‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-17-‬‬

‫العدد األول‬

‫تركة و ميراث آيل للسقوط في زمن غريب األطوار‪,‬‬

‫عن كثب‪ .-‬وفي حلق الوادي بتونس العاصمة أيضا‬

‫ذكية‬ ‫تعتبر فكرة إنشاء متحف يهودي بتونس فكرة ّ‬

‫التونسية معقل يهود تونس ‪.‬هناك تلتقي الحضارات‬

‫والعديد من المدن والجزر األخرى ومنها جزيرة جربة‬

‫وتاريخ يعاني من شذوذ عاطفي ووجداني‪ -‬نفسي ‪,‬‬

‫وكأن شيئا لم يكن‪ .‬يعلو صوت اآلذان فج ار‬ ‫واألديان ّ‬ ‫ويدق جرس الكنيسة والمعبد بعد حين ‪.‬‬ ‫يوم الجمعة‬ ‫ّ‬

‫ستساهم في إعادة إحياء ذاكرة المكان وما وراء‬

‫حجة‬ ‫المكان والزمان ‪.‬دراسة الفكرة تزامنت مع “ ّ‬

‫اليهود” ب”الغريبة” سنة ‪. 2221‬و”الغريبة” هو‬

‫الكل يصلي هلل الواحد ‪.‬مسلم يصّلي في اتّجاه القبلة‬ ‫ّ‬ ‫صلواته الخمس‪ ,‬ومسيحي يصّلي في كل األوقات‬

‫كنيس يهودي يقع في جزيرة األحالم جربة في جنوب‬

‫ق‬ ‫‪,‬سميت فيما‬ ‫شر تونس‪ .‬يقع المعبد في قرية صغيرة ّ‬ ‫مضى “بالحارة الصغيرة” واليوم يطلق عليها‬

‫“الرياض ”القريبة من “حومة السوق” عاصمة‬

‫مقيد بوقت وال‬ ‫وبكل االتّجاهات‪ ,‬فاهلل حسبهم غير ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدعاء على‬ ‫بمكان ‪.‬ويغلب في االبتهال اليهودي ّ‬ ‫الصالة شكال ومضمونا داخل المعبد‪.‬‬

‫حجة اليهود إذن هو احتفال ديني عقائدي‬ ‫الجزيرة‪ّ .‬‬ ‫يقام بجزيرة جربة‪ ,‬وفكرة متحف اليهود الذي بصدد‬

‫الحضارة اليهودية جزء من تاريخ تونس‪ ,‬ويهود تونس‬ ‫كل األحوال رغم قّلة‬ ‫ال يمكن أن نعتبرهم ّ‬ ‫أقلية في ّ‬ ‫عددهم الذي يفوق األلف بعشرات بعد هجرتهم‬

‫البحث فيه لليوم‪ ،‬كان سيقام في تونس العاصمة في‬

‫وطنهم األم تونس ألسباب متعددة‪ .‬يهود تونس‬

‫معبد اليهود القائم صرحه بشارع الحرّية تونس‬ ‫ضخ الحياة في جزء من حضارتنا‬ ‫المشروع هوبمثابة ّ‬ ‫من جسدنا‪.‬‬

‫ويرددون نشيد‬ ‫ويحيون العلم‪،‬‬ ‫يحملون الجنسية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوطن في المواسم واألعياد‪ّ .‬إنهم “توانسة” من بين‬

‫وسط ركام انهيار المعابد والكنائس والمتاحف الذي‬

‫اإلثني عشرة مليون نسمة عدد سكان تونس –وليسوا‬

‫تعيشه خريطة طريق المنطقة بالموصل ودمشق‬

‫بأقلية‪ .‬نعم هذا ما أردنا قوله منذ بداية حديثنا عن‬ ‫ّ‬ ‫يهود تونس ولسنا بصدد تبرير وجودهم معنا ّأنما‬

‫التوحد والغربة‬ ‫الصرح تؤّذن لحالها‪ ,‬وتعيش مرض‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الخناق وربو الرئة‪ .‬فغربة المكان والزمان من‬ ‫وداء ّ‬

‫كل جيل‪“ .‬حماة الحمى يا حماة الحمى‬ ‫مع والدة ّ‬ ‫إن مجد األزمان يا سادة‬ ‫هلموا لمجد الزمن” ‪ّ .‬‬ ‫هلموا ّ‬ ‫ّ‬

‫جراء الثورات المتتالية على كامل‬ ‫وسائر الوسط ّ‬ ‫يتقبل وجود الجوامع عالية‬ ‫المنطقة ‪,‬ال يمكن لعقل أن ّ‬

‫فقط بصدد مراجعة درس الحياة والتاريخ الذي يخوننا‬

‫غربة العباد‪ ,‬إذ ال يمكن أن نعيش حضارة واحدة في‬

‫يضمن بقاء الحضارات‪ .‬وتعتبر المتاحف هي‬

‫نفس المكان وال يمكن للفكرة أن تلد أفكا ار وتحافظ‬

‫السكان‬ ‫الشعوب و ّ‬ ‫الفضاء الحامل على عاتقه زاد ّ‬ ‫األصليين والمحّليين والوافدين الغير أصليين‬ ‫ّ‬

‫الدم‪ ,‬دون التزاوج مع‬ ‫على نسبة خصوبتها في ّ‬ ‫حضارات أخرى تكون مختلفة الحسب والنسب…ففي‬

‫وتعد فكرة تأسيس متحف بمعبد اليهود‬ ‫للمنطقة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫بتونس العاصمة لصاحبها عميد كلية اآلداب والفنون‬

‫حدثتكم عنها في العديد من النصوص‬ ‫الكاف التي ّ‬ ‫السابقة‪ ,‬أو هي سيكافيناريا الماضي‪ ,‬يلتقي الجامع‬

‫واإلنسانيات “الحبيب القزدغلي”‪ ,‬فكرة وليدة عصرها‬ ‫‪,‬في زمن موت اإلنسان في سوق الخيانة والكره‬

‫بالكنيسة بالمعبد في نفس الشارع –نعم لقد لمحته‬ ‫‪17‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-18-‬‬

‫العدد األول‬

‫وتحت القصف العشوائي وفي زمن تالشي التراث‬

‫السيد تاريخ‬ ‫قصة تالعب ّ‬ ‫يتشتّت بنو إسرائيل وتبدأ ّ‬ ‫بالزمان والمكان‪,‬واألشخاص ‪...‬‬

‫جراء‬ ‫وألواح الطين وموتها تحت األنقاض‬ ‫ّ‬ ‫القصف‪.‬هذا القصف ليس له أصل وفصل‪ ,‬وبطاقة‬

‫تتجسد أكبرمظلمة من مظالم التاريخ‬ ‫وعند الضّفة‬ ‫ّ‬ ‫‪.‬مظلمة بدأها ملك بابل في القرن ‪6‬ق‪.‬م عند غزوه‬

‫متعدد الجنسيات لدرجة الخواء” ‪.‬‬ ‫هوية‪ ,‬هو ّ‬ ‫ّ‬ ‫لنترك موضوع تأسيس المتحف على جنب المعبد‬

‫بقية المشوار‬ ‫أتم ّ‬ ‫ألرض فلسطين وخراب القدس‪ .‬و ّ‬ ‫بنو إسرائيل فقاموا بالواجب زيادة‪ .‬وكم يظلم تسلسل‬

‫يصّليان ويتّفقان فيما بينهما على مشروع التهيئة‪,‬‬ ‫شدنا‬ ‫السبل الكفيلة لنجاح الفكرة ولنقول مثال ما ّ‬ ‫و ّ‬

‫الممل‪.‬‬ ‫أفكارنا هذا التاريخ‬ ‫ّ‬

‫والتاريخ والمتاحف والحضارات ودمى المتاحف‬

‫ثر غزوات بابل قدم بعض اليهود إلى جزيرة جربة‬

‫واستوطنوا في ربوعها‪ .‬وفي حدود سنة ‪022‬ق‪.‬م‬

‫مرة ‪:‬‬ ‫ألول ّ‬ ‫كزائر ّ‬ ‫لحجة يهود الغريبة ّ‬ ‫على وقع رقصات متحف ومعبد ومسلم ويهودي‪,‬‬

‫أسست بيعة اليهود المعروفة اليوم بالغريبة‪ ,‬وتوجد‬ ‫ّ‬ ‫بها لليوم نسخة من أقدم نسخ التوراة في العالم‪ .‬عند‬

‫كل الحضارات التي درستها في‬ ‫تالشت من ّ‬ ‫مخيلتي ّ‬ ‫التاريخ وأنا وسط الجموع اليهود والمسلمين وديانات‬

‫هذه البيعة‪ ،‬يجتمع يهود تونس في أعيادهم‪ .‬يوم‬

‫وعبارة يمثّالن الخيط الذي يربط جزيرة‬ ‫أفكاري بجسر ّ‬ ‫األحالم جربة بباقي تونس‪ .‬هذه الجزيرة الهادئة‬

‫كل يهود العالم ‪.‬عادات‬ ‫الثاني يصومون حزنا كما ّ‬ ‫يهودية اندمجت مع ثقافة‬ ‫وتقاليد وطقوس دينية‬ ‫ّ‬

‫حج الغريبة‬ ‫“سقوط أرشليم”يجتمعون فيه‪ ،‬ويوم ّ‬ ‫يحتفلون في فنائه وخارجه‪ ،‬ويوم تخريب الهيكل‬

‫مني وتبعثرت‪ .‬شربت‬ ‫أخرى رّبما‪ ,‬تالشت وتناثرت ّ‬ ‫تخيالتي‪ ,‬وعّلقت خيط‬ ‫خطاي‪,‬وأكلت بعضا من ّ‬

‫تونس وعاداتها وتقاليدها وأعيادها فكانت بمثابة زواج‬

‫كل‬ ‫الغارقة في أحالمها والمحاصرة بالبحر من ّ‬ ‫كل سنة إلى مزار‬ ‫تتحول في شهر مايو من ّ‬ ‫جانب‪ّ ,‬‬ ‫العالمية – ّإنه‬ ‫ط أنظار الصحافة‬ ‫ديني وسياحي ومح ّ‬ ‫ّ‬

‫مدنية وبهار يهودي ‪.‬ليس جميع من‬ ‫كاثوليكي بنكهة ّ‬ ‫ألننا نكبر ونتعّلم‬ ‫في تونس يعلم هذه األخبار‪ّ ،‬‬ ‫ونعتبر أجياال بعد أجيال على نغمة تاريخ وديانة‬

‫وتضم الجزيرة ‪ 22‬معبدا‬ ‫الحج اليهودي‪ -‬بتونس‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يهوديا يتوزعون بين ” الحارة الكبيرة” و”الحارة‬

‫واحدة‪.‬‬

‫بالعبرية‪ .‬نعم في تونس الربي يكتب بالعبرّية ويتكّلم‬ ‫ّ‬ ‫بها‪ ,‬وال يستعمل في معاشه ّإال العر ّبية التونسية‪,‬‬

‫يهوديات‬

‫تتصدر اليهوديات‬ ‫صورة لوسط فناء الغريبة أين‬ ‫ّ‬ ‫متزينات اللباس التقليدي لجزيرة جربة تلبسه‬ ‫ّ‬

‫الصغيرة”‪ ،‬كما توجد أيضا بيوت كتب على جدرانها‬

‫حتّى هيكل المعبد وألوان شبابيكه يتّسم بطابع عربي‬ ‫بين األزرق واألبيض على غرار سيدي بوسعيد ‪.‬‬ ‫وبين أرض الميعاد (القدس) وأرض قرطاجة (تونس)‬ ‫يخية القاسية والغير عادلة‪ ,‬أن‬ ‫شاءت الظروف التار ّ‬

‫صورة للغريبة من الداخل أين تقام الطقوس‪.‬‬ ‫‪18‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-19-‬‬

‫العدد األول‬ ‫طالع على ما وراء الخبر‪ ,‬على‬ ‫حب اإل ّ‬ ‫فرضها ّ‬ ‫خفية ال تصلنا ّإال إذا حاولنا الوصول لها‪,‬‬ ‫أشياء ّ‬

‫أن التعايش بين يهودي ومسلم‪ ,‬ومسلم‬ ‫وجميعنا يعلم ّ‬ ‫ومسيحي على نفس رقعة من الخريطة يعتريه دائما‬ ‫الحساسية تتراوح بين القبول والرفض وبين‬ ‫نوعا من‬ ‫ّ‬ ‫التسامح والنفور‪.‬‬

‫قبل الدخول لهذا المعبد واجب الزيارة يتطّلب خلع‬

‫تونسيات سنة ‪2112‬‬ ‫يهوديات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إن موضوع عالقة األديان والحضارات ببعضها‬ ‫ّ‬

‫الحذاء وتغطية جزء قليل من الرأس وثياب محتشم و‬

‫أسه‬ ‫الرجل فوق ر ّ‬ ‫إشعال شمعة األماني‪ .‬يرتدي ّ‬ ‫(الكبة )وهي قلنسوة سوداء أم بيضاء منحسرة قليال‬ ‫ّ‬ ‫خلف الرأس مما يلبسه اليهود في طقوسهم وهناك من‬

‫البعض يعتبر من المواضيع الشائكة بين البشر‪.‬‬

‫سألت فتاة شابة تقف في أبهى حّلة أمام المعبد عن‬

‫فردت دون تفكير “جمال تونسي لم أضف‬ ‫جمالها ّ‬

‫بالهوية ‪.‬وتجلس‬ ‫التونسية أيضا اعتزاز‬ ‫يلبس الشاشية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اليهوديات يتسامرن قبل وبعد طقوس الزيارة وسط‬

‫إليه شيء” ثم قالت مبتسمة “أنت أيضا جميلة ال‬

‫الكف ودخلنا‬ ‫الكف على ّ‬ ‫ينقصك منه شيء” ‪.‬ضربنا ّ‬ ‫شيق مثير ‪.‬سألتها عن رأيها في الزواج‬ ‫في حديث ّ‬

‫فناء المعبد متزّينات ‪,‬جميالت‪ ,‬محترمات‪ .‬يهود‬ ‫متمسكون‬ ‫تونس ملتزمون‬ ‫التونسية‪,‬‬ ‫بهويتهم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫متحرجة‪-‬‬ ‫ثم ابتسمت‬ ‫ّ‬ ‫المختلط بين مسلم ويهودي‪ّ – ,‬‬ ‫السؤال وفوضى الدفتر الذي‬ ‫رّبما ألغ ّ‬ ‫طي عن سذاجة ّ‬ ‫يدي …سألتها هل أحببت شابا مسلما يوما ما ؟‬ ‫بين ّ‬

‫ومحافظون على عاداتهم وطقوسهم‪ ,‬هذا ما اكتشفته‬

‫ألفرق‬ ‫حجتهم ‪ .‬ولم أكن ّ‬ ‫خالل زيارتي للغريبة يوم ّ‬ ‫الدين لوال حواري مع‬ ‫بيني وبين “بنت بالدي” في ّ‬ ‫بعض النساء وأخذ اإلذن أللتقط صورة يليها حوار‬

‫غصة‬ ‫بدت عليها عالمات حزن خفيف يعتريه‬ ‫ّ‬

‫ثم قالت‬ ‫غيرت قليال من مزاج مرح‬ ‫ّ‬ ‫فضولي بيننا‪ّ ,‬‬ ‫ّ‬ ‫العالقة بين مسلم ويهودية والعكس ال تزل لليوم‬

‫ألن سؤال شخص عن‬ ‫عفوي شائك …نعم شائك ّ‬ ‫اصلية‪ ,‬يليها إحراج وعدم‬ ‫دينه‪ ,‬وأصله‪ ,‬يمّثل عثرة تو ّ‬

‫عالقة تتّسم بالعنصرية‪ ,‬وإن حدث وأحببنا فعالقة‬ ‫عابرة ستنتهي بالفراق تفاديا ألي مشاكل في‬

‫النوع من‬ ‫إنسانيا‪ ,‬و هذا ّ‬ ‫لغويا و ّ‬ ‫التقرب ّ‬ ‫قدرة على ّ‬ ‫السؤال هو بمثابة فشل جزئي في مهنة الصحافة‬

‫وقضية‬ ‫إن العادات والتقاليد البالية‬ ‫المستقبل ‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫الموروث الديني واختالف األعراق والديانات‪ ,‬من‬

‫مرة أبتسم بشغف‬ ‫كل ّ‬ ‫وعلوم اإلخبار فوجدتني في ّ‬ ‫محدثي وهو الطرف المقابل الذي‬ ‫ألنال رضى‬ ‫ّ‬

‫تهدد بقاء الحضارات وعناقها‬ ‫القضايا التي ال تزل ّ‬ ‫أحببنا أم كرهنا وحده المتحف قادر على التعبئة‬

‫كم الشغف‬ ‫يتوسله حواري بالتفاعل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بعفوية مطلقة مع ّ‬ ‫ويحوط قلمي و أفكاري وبهجتي‬ ‫الذي يحاصرني‬ ‫ّ‬

‫إن‬ ‫والقبول بتراث حضارة ما دون ملل وانحياز‪ّ .‬‬ ‫العالقة بين التونسي المسلم منه و اليهودي تتّسم‬

‫بلقاء الزيارة‪ .‬كنت على علم بسذاجة أسئلتي التي‬

‫أحضرتها في دفتري للقاء الغريبة‪ .‬سذاجة مفتعلة‬

‫باالندماج غالبا والنفور أحيانا ّأيها القارئ‪ ,‬وال يغرّنك‬ ‫‪19‬‬


‫‪-21-‬‬

‫الثقافية التونسية‬

‫العدد األول‬

‫صفاء‬

‫وتنورتي‬ ‫والمرح والفوضى التي تسكن دفتري وأفكاري ّ‬

‫اليهود التونسيين – من الرجال والنساء‪ -‬يعيشون‬

‫ذهبية في معصمها‪ ,‬جارتي المسلمة تدعى‬ ‫بإسوارة‬ ‫ّ‬ ‫“خديجة” نتعايش منذ سنوات في نفس الحارة‪,‬ال‬

‫التغريد‬

‫بحسن‬

‫المعاشرة‬

‫و‬

‫القصيرة المثيرة داخل المعبد ‪ .‬قالت وهي تلعب‬

‫تمررها‬ ‫الصحفية) التي‬ ‫“الربورتاجات”(اللقاءات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بأن‬ ‫نقر ّ‬ ‫الميديا والصحافة للناس ‪.‬لكن ومع ذلك‪ّ ،‬‬

‫لكننا نلتقي في السوق يوم‬ ‫نتبادل الزيارة في البيوت ّ‬ ‫إن زيارة‬ ‫الخميس فنتبادل الحديث والحب … قالت ّ‬

‫رشة من‬ ‫على قّلتهم بشكل طبيعي في تونس‪ ,‬مع ّ‬

‫العنصرّية المقيتة التي تسكن شظايا الالشعور عند‬ ‫البعض طبعا ‪.‬عنصرية ونفور هو في الحقيقة نفور‬

‫خلفيات‬ ‫الجارة اليهودية لجارتها المسلمة ال يزل رهين ّ‬

‫حدثتني عنه امرأة تدعى‬ ‫اختياري لألسف كما ّ‬ ‫“حبيبة”‪ ,‬والتي أدركت كالمها بعد حين ‪,‬وقالت‬

‫هشة متوارثة وبعض األحكام المسبقة‪ .‬فتقول ّأنه ال‬ ‫ّ‬ ‫مما طبخه جاره التونسي‬ ‫يمكن لليهودي أن يأكل ّ‬

‫كالنا نتمتّع بنفس الحقوق والواجبات وعلينا نفس‬ ‫أي قانون بيننا‬ ‫االمتيازات‪ .‬والقانون التونسي لم ّ‬ ‫يحدد ّ‬

‫حدوث شجار بين األطفال وهم يلعبون‪ .‬لفظ يسيء‬

‫مبتسمة “المرأة التونسية سواء كانت يهودية أو مسلمة‬

‫‪,‬ألنه “حرام في معتقدهم … ”‬ ‫أحيانا وليس دوما ّ‬ ‫وأكثر شيء يؤثّر فينا‪ ,‬منطق بعض الجيران في حال‬

‫يفصلنا عن بعض فلماذا النفور ؟ ‪.‬‬

‫إلحساس بعض اليهوديات لدرجة العزلة والنفور‬

‫يتفوه البعض بكلمة‬ ‫االختياري من الجيرة كأن ال ّ‬ ‫يهودي ّإال ويسبقها بكلمة “حاشاك” وهي ما يعادلها‬

‫هذا النفور بين الجيران من وجهة نظر”حبيبة”‬ ‫التونسية اليهودية سببه االختالفات االديولوجية رغم‬ ‫ّ‬ ‫تقارب العادات والتقاليد بيننا ‪”.‬حبيبة” امرأة في مقتبل‬

‫بشكل آخر كلمة “أعوذ باهلل ‪”.‬‬

‫إن كشف الجوانب الغير مطروحة في حياة اليهود‬ ‫ّ‬ ‫السلمي الغير محفوف بمشاكل‬ ‫بتونس رغم تعايشنا ّ‬

‫العمر ممتلئة صافية البشرة وعذبة الكالم كانت‬ ‫تجلس في بهو “الكنيس”‪ .‬تنحنحت على جانبها‬

‫أخالقية واجتماعية‪,‬كان هدفنا من الربورتاج والحوار‬

‫تكرر كلمة “نحن كّلنا عرب” بهدوء‬ ‫األيمن وظلت ّ‬ ‫بالعفوية‬ ‫وابتسامة غير طبيعيين …عن جهل ممزوج‬ ‫ّ‬

‫أدونه بصدق دون نقصان‬ ‫الصحفي الذي أردت أن ّ‬ ‫أو زيادة يوم حج الغريبة‪ ,‬فمن طباع القلم الساكن في‬

‫تردد الكلمة “نحن كّلنا‬ ‫والحب والتسامح كانت ّ‬ ‫حال في‬ ‫عرب”‪.‬كالم “حبيبة” أثّر في نفسي‪ ,‬ولم أجد ّ‬

‫أحشائي الصدق في التعبير واإلثارة والشغف والمتعة‬

‫فكل شيء نابع من الواقع باستطاعة‬ ‫وقت التدوين‪ّ .‬‬ ‫بكل‬ ‫الشم والسمع والذوق التي أملك أن تدركه ّ‬ ‫ّ‬ ‫حاسة ّ‬

‫ذكرتني‬ ‫رغبتي من تقبيلها على جبينها‪ .‬رائحة عطرها ّ‬ ‫بشيء من رغيف أمي سارة ‪ .‬طويت ورقة دفتري‬

‫منا القلم‬ ‫أتردد في كتابته متى طلب ّ‬ ‫سهولة‪ .‬واقع ال ّ‬ ‫ولعل أحسن التدوين‬ ‫حب التدوين‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وأمرنا لذلك ّ‬ ‫والكتابة ما كان صادقا دون تلوين وتزويق في‬

‫أن كالم “حبيبة” عظيم رغم بساطته‪ ,‬كالم‬ ‫وأدركت ّ‬ ‫أن الحكمة ال تأتي إال على لسان‬ ‫يجعلنا نفهم ّ‬ ‫ألن طقوس الزيارة‬ ‫البسطاء‪ .‬هممت بمغادرة المعبد ّ‬ ‫لتحدثني‬ ‫خارجه كانت قد بدأت… نادتني “حبيبة”‬ ‫ّ‬

‫الكلمة‪ .‬فكم من تاريخ كتب ملّفقا‬

‫هشة‬ ‫العبارات والمعاني وباطنه أعمدة ّ‬

‫عن جارتها المسلمة ‪.‬فعدت إليها بنفس ذات الشغف‬ ‫‪20‬‬

‫متوجا بأسمى‬ ‫ّ‬ ‫مهددة بالسقوط‬ ‫ّ‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-21-‬‬

‫العدد األول‬ ‫يكتبون على قشرتها أماني الحياة من زواج ورغبة‬

‫حركتها رياح الخريف مع نسمة ربيع عربي‬ ‫متى ّ‬ ‫عامة (وال‬ ‫معاصرة … ّ‬ ‫الصراع والصدام الحضاري ّ‬ ‫إن ّ‬

‫في اإلنجاب والسعادة األبدية ويضعنها قرب الحجر‬

‫طائفتين اليهودية‬ ‫أقصد به يهود تونس) القائم بين ال ّ‬

‫المقدس هو‬ ‫المقدس ‪.‬وتقول األسطورة أن الحجر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫الرئيسي منذ التاريخ هو الصلف‬ ‫والمسلمة‪ ,‬سببه ّ‬ ‫والعدوان اإلسرائيلي في فلسطين المحتّلة مسقط رأس‬

‫حجرة كبيرة من أرض غريبة وقع جلبها وتركيزها‬ ‫كحجر األساس في المعبد منذ آالف السنين‪ ,‬واسم‬

‫عيسى الذي قال “بوركت األرض التي أنا عليها ”‬

‫المقدس الذي يقال أن‬ ‫“الغريبة” هو كنية لهذا الحجر ّ‬

‫لحد‬ ‫ولم نرى بركة تنزل على القدس منذ ذلك الحين ّ‬ ‫حج الغريبة يوم بركة عظيم‬ ‫الساعة … ويعتبر يوم ّ‬

‫المقدسة من فلسطين ‪.‬وتبقى‬ ‫مصدره األرض‬ ‫ّ‬

‫الزوار من الحاخامات بدعائه لهم‬ ‫بركة يطلبها‬ ‫ّ‬ ‫الرشاد من خالل قراءته للتلمود‬ ‫بالمغفرة والصلح و ّ‬

‫يدونها التاريخ وما من‬ ‫األساطير‬ ‫ّ‬ ‫مجرد تخمينات ّ‬ ‫يقية التفاصيل ‪.‬قرب هذه الحجرة‬ ‫شاهد‬ ‫حي يروي لنا ّ‬ ‫ّ‬ ‫يتكدس البيض وداخل صفاره وبياضه تعّلق‬ ‫المقدسة ّ‬ ‫ّ‬

‫وتمتد االحتفاالت عادة على مدى‬ ‫والتوراة والتّليم ‪ّ .‬‬ ‫ستّة أيام تقام فيها الطقوس حيث يفتتحون الحج‬ ‫رب مير” وهو أحد‬ ‫باحتفال صغير احتفاء بال “ ّ‬

‫سيد الخلق ‪ .‬من البيضة‬ ‫األماني في انتظار كلمة ّ‬

‫إلى “خرجة المنارة” وهي من الطقوس المشهورة أيضا‬

‫الكهنة اليهود الذي له شأن منذ القديم‪ ,‬ويختمونها‬

‫حج اليهود ‪ ,‬خرجة تقليدية بدأت منذ ‪ 212‬عاما‬ ‫في ّ‬

‫يسمى بيوم “الخرجة” وفيه أيضا تكريم‬ ‫بحفل كبير ّ‬ ‫“للرب شمعون” وهو أحد الكهنة الكبار المعاصرين ‪.‬‬

‫تقريبا‪.‬‬

‫األول واليوم األخير لزيارة الغريبة‪ ,‬تقام‬ ‫بين اليوم ّ‬ ‫الحجة‬ ‫الصلوات داخل المعبد وتتواصل على امتداد‬ ‫ّ‬

‫خرجة المنارة‬

‫قراءة ثالثة كتب يهودية “التلمود والتوراة والتّليم”‬

‫"خرجة المنارة" يا سادة هي في األصل عبارة عن‬

‫الرب أجزاء من الكتاب‬ ‫‪.‬وجرت العادة أن يق أر‬ ‫ّ‬

‫محملة بقالل فارغة تجوب مختلف دروب‬ ‫عربة‬ ‫ّ‬ ‫الحارة التابعة للمعبد يقوم المتساكنون بملئها زيتا‬

‫المقدس أمام قنينات من نبيذ “البوخة” (وهو شراب‬ ‫ّ‬

‫مخمر يستخرج من فاكهة التين يشتهر به يهود‬ ‫ّ‬ ‫ثم يقع توزيع‬ ‫تونس دون سواهم) و شيء من الفاكهة‪ّ ,‬‬

‫التبرع بالمال لتغطية‬ ‫إلنارة القناديل المعّلقة بالمعبد‪ ،‬و ّ‬

‫تغير شكل العربة ولم‬ ‫نفقات تشييد المعبد ‪.‬اليوم ّ‬

‫الزوار للبركة ولما فيها من‬ ‫هذه البوخة والفاكهة على ّ‬

‫تتغير الخرجة وعوض القالل الفارغة نجد آنية كبيرة‬ ‫ّ‬

‫شفاء ‪.‬إضافة إلى بركة الحاخام وشراب البوخة‬

‫موشحة بأقمشة‬ ‫من النحاس ذات ثمانية أضالع‬ ‫ّ‬

‫المقدس وتقديم الخرفان قرابين نجد اليهود وخاصة‬ ‫ّ‬

‫ملونة وأكاليل الزهور تجوب فقط حدود ال‬ ‫ّ‬ ‫فضاء المحاذي للمعبد بسبب مخاوف أمنية بعد‬

‫الشخصية في بيضة‬ ‫النساء منهم يعّلقون أمنياتهم‬ ‫ّ‬ ‫‪21‬‬


‫‪-22-‬‬

‫الثقافية التونسية‬

‫العدد األول‬ ‫أليس من ِ‬ ‫الخزي أن نرى‬

‫التفجير اإلرهابي الذي عاشته الغريبة في ابريل من‬

‫طرق النساء‬ ‫على قارعات ال ّ‬

‫سنة‪…2222‬هذه اآلنية تباع في المزاد العلني وتودع‬

‫يحتججن‪...‬‬

‫مداخيلها لفائدة الكنيس أيضا‪ .‬ويبقى السؤال العالق‬

‫ويبقين في العراء‬

‫لليوم هل سيصدق خبر تأسيس متحف يهودي‬

‫دون ملجإ أو غطاء‬

‫بتونس؟‬

‫النخوة‬ ‫أين ّ‬ ‫الشهامة و ّ‬ ‫الدين‬ ‫يا أحفاد صالح ّ‬

‫مبدعون على‬ ‫الشبكة‬

‫أوصل بنا الحال‬

‫الحد المهين ؟‬ ‫الى هذا ّ‬ ‫متى سينتهي هذا األنين ؟‬ ‫متى ستنطفئ النيران‬

‫تضج بها البراكين ؟‬ ‫التي‬ ‫ّ‬ ‫متى يا وطني سيطيب بك المقام‬

‫محــــال‬

‫وتنجلي الغيوم عن سمائك‬ ‫ظالم‬ ‫ويشع نور‬ ‫الحق وينتهي ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫متى سيحلو بك العيش‬

‫للشاعرة سلوى الصالحي‬

‫ويجتمع بك العشاق‬ ‫ويحلو لهم الكالم‬

‫من األسفل الى القمة‬ ‫يعيشون بال ِه ّمة‬ ‫أي حال هذا اّلذي نحن فيه ؟‬ ‫ّ‬

‫ويحدثون الجلبة‬

‫ويقهقهون عاليا‬ ‫ٍ‬ ‫دون‬ ‫خوف من الحاضر واآلتي‬

‫الجاهل ومن العلم ناهل‬

‫الزهور‬ ‫ويجمعون باقات ّ‬ ‫الغناءة‬ ‫من حدائقك ّ‬

‫سواسي كأسنان المشط‬ ‫َ‬ ‫طط ؟‬ ‫الش َ‬ ‫أليس هذا هو ّ‬

‫الرومنسية‬ ‫ويسمعون األغاني‬ ‫ّ‬

‫يغني على لياله‬ ‫الكل ّ‬ ‫ّ‬ ‫وأنت يا وطني ال أحد‬

‫اّلتي تكاد تكون‬ ‫منسية‬ ‫ّ‬ ‫متى يا وطني‬

‫يهتم‪...‬‬ ‫بك ّ‬

‫طيور المهاجرة‬ ‫تعود ال ّ‬

‫تهم ؟‬ ‫ومن ّ‬ ‫الكل‬ ‫ما دام ّ‬

‫وتصنع في قمم األغصان أعشاشها‬

‫وتقتات من سنابل غيطانها‬

‫يسبح في المهانة وال ّذ ّل‬ ‫‪22‬‬


‫‪-23-‬‬

‫الثقافية التونسية‬

‫العدد األول‬ ‫أراني أتناسل كما النجوم‬

‫متى يا وطني نعيش األمان‬

‫أرى السماء تضيء دربي وتهبني‬

‫كرم المرء بك ال يهان‬ ‫ُ‬ ‫وي َ‬ ‫حسرات عليك يا وطني‬

‫أجنحة ضوء‬

‫إن سرت على هذا المنوال‬

‫أرى قروح الريح تسقط من كفي‪.‬‬

‫وبقيت على هاته الحال‬

‫الريح ‪/‬آخر نفخة بين الجمر‬

‫والرماد‬

‫محال ان يطيب بك العيش محال‪.‬‬

‫الريح ‪ /‬لعبة مغبرة بين المسافات‬

‫الصالحي ‪2121/2/11‬‬ ‫سلوى ّ‬

‫الريح ‪/‬خدعة اتجاهات‪...‬‬

‫جديد االصدارات‬

‫**خدعة اإلتجاهات**‬ ‫شعر ايمان الفالح‬

‫حدث في تلك‬

‫سأنام على جنبي الحزين‬ ‫وجنبي اآلخر يرفع قهقهاته‬

‫الليلة" * لمحمود‬

‫الساخرة إلى السقف‬

‫الحرشاني أو رواية‬

‫اعتقدت طويال أن الجدران رفاقي‬

‫المخفية‪.‬‬ ‫األسرار‬ ‫ّ‬

‫وأن النوافذ عيون تضيء ظالمي‪.‬‬

‫كم صدقت أن الباب حارس غربتي‬ ‫وأن الريح الواشية لن تتسلل‬

‫عباس سليمان‬ ‫بقلم األستاذ ّ‬

‫إلى مضجعي‬ ‫‪...........‬‬

‫من أين تأتي الريح؟‬

‫مدار‬ ‫الروايات التي تتّخذ لها ًا‬ ‫ّ‬ ‫تشدني إليها كثي ار هذه ّ‬ ‫أدبيا على نحو‬ ‫حقب ًة من التّاريخ فتنهض لسردها ّ‬ ‫تختلط فيه حقائق ثابتة ووقائع حدثت فعال بما‬

‫أحدق مليا في وجه الليل‬

‫فال أرى سوى ظل طويل‬

‫يجثو بركبتيه السوداوين على‬

‫خصيات التي‬ ‫أضافه الكاتب‬ ‫ولون به ّ‬ ‫الش ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتخيله ّ‬ ‫اختارها واألحداث التي جعلها تجري بينهم‪.‬‬

‫صدري‬

‫أبكي بكثافة‪...‬‬

‫ولعل رواية "حدث في تلك الّليلة" لمحمود الحرشاني‬ ‫ّ‬ ‫الروايات‪،‬‬ ‫الصحافة إحدى هذه ّ‬ ‫القادم إلى ّ‬ ‫الرواية من ّ‬

‫دون أن يصعد صوتي إلى السقوف‬

‫لكن روحي تعلو في سماتها األخرى‪.‬‬ ‫‪23‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-24-‬‬

‫العدد األول‬ ‫المهانين الذين لم يكن أمامهم غير‬ ‫ووزرائه المطيعين ُ‬ ‫كل‬ ‫الصمت والخنوع والذين كان عليهم ان ُيخمدوا ّ‬ ‫ّ‬

‫أهم‬ ‫ًا‬ ‫ولعل الحقبة التي اختارتها لها‬ ‫ّ‬ ‫مدار إحدى ّ‬ ‫وحركية وأفعاال‬ ‫تنوعا واختالفا‬ ‫ّ‬ ‫الحقب وأثراها وأكثرها ّ‬

‫ثمانينيات القرن الماضي‬ ‫وردود أفعال‪ ،‬وهي حقبة‬ ‫ّ‬ ‫التونسية‬ ‫حين عوقب جمع غفير من طلبة الجامعة ّ‬

‫يظل في‬ ‫وكل أنواع المعارضة ّ‬ ‫حتى ال ّ‬ ‫صوت يعلو ّ‬ ‫الرئيس واحدا أوحد ال شريك له‪.‬‬ ‫المشهد كّله غير ّ‬

‫بالتّجنيد العسكر ّي‬ ‫عدها‬ ‫إخمادا الحتجاجاتهم التي ّ‬ ‫ً‬ ‫الدولة وعبثا باستقرارها وتطاوال‬ ‫ّ‬ ‫النظام زعزعة ألركان ّ‬

‫السياسة بال‬ ‫ّ‬ ‫تشدك إليها هذه ّ‬ ‫الرواية بكونها رواية ّ‬ ‫محمد الخبو‪ -‬إذ فيما‬ ‫سياسة – والتّعبير لألستاذ‬ ‫ّ‬

‫على هيبتها‪.‬‬

‫حب ومغامرات ومصادفات‬ ‫السرد سرد حكايات ّ‬ ‫يبدو ّ‬ ‫انفك الناس يتداولونها وتعديدا‬ ‫ونقال ألمثال‬ ‫شعبية ما ّ‬ ‫ّ‬

‫الحب‬ ‫الرواية بمزجها بين حكايات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تشدك إليها هذه ّ‬ ‫طالبات رغم ما بينهم من‬ ‫ط ّالب وال ّ‬ ‫التي نشأت بين ال ّ‬

‫مرجعياتها وثقافتها وغاياتها‬ ‫لألصوات المختلفة في‬ ‫ّ‬ ‫للسياق ولآلخر‪ ،‬فيما يبدو األمر كذلك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وتصوراتها ّ‬

‫فوارق‬ ‫خفية وما عاشوه من مالحقات‬ ‫اجتماعية غير ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتحقيقات وتهديد وعقوبات انتهت بالكثير منهم‬

‫فإن األحداث لم تبرح حرم الجامعة حيث صراع‬ ‫ّ‬ ‫ط ّالب وصراع البقاء بينهم وبين‬ ‫اإليديولوجيا بين ال ّ‬

‫الصحراء معزولين عن أهاليهم وعن‬ ‫ّ‬ ‫منفيين في ّ‬ ‫الجامعة وعن العاصمة‪.‬‬

‫الرئيس‬ ‫قوات األمن‪ ،‬ولم تبرح قصر ّ‬ ‫السلطة عبر ّ‬ ‫ّ‬ ‫حيث تُطبخ وتُعَلن األوامر بالتّصفية واإلبعاد والعقاب‬ ‫النفي‪ ،‬ولم تبرح تحقيقات البوليس داخل مراكز‬ ‫وّ‬

‫الرواية بما فيها من ربط بين األدب‬ ‫ّ‬ ‫تشدك إليها هذه ّ‬ ‫والسياسة على ٍ‬ ‫وقص ًة‬ ‫نحو يظهر فيه األدب ًا‬ ‫شعر ّ‬ ‫ّ‬

‫هما بالمعارضة وبتهديد أمن البالد وسلطة‬ ‫َو ُخ َ‬ ‫طًبا متّ ً‬ ‫الدولة‬ ‫الحاكم واستقرار المجتمع واإلساءة إلى رموز ّ‬ ‫قصة قصيرة عنوانها "‬ ‫والتّخطيط للثّورة ّ‬ ‫حتى ّ‬ ‫أن ّ‬

‫األمن‪.‬‬

‫الرواية بما ُد َّس فيها من مرح ومن‬ ‫ّ‬ ‫تشدك إليها هذه ّ‬ ‫ن ٍ‬ ‫كت رغم م اررة السياق الم َّ‬ ‫مثل ًة في بؤس عائالت‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬

‫نعت‬ ‫عتيا" ال تُق أر ّإال على ّأنها ٌ‬ ‫الثّور الذي بلغ ّ‬ ‫بأنه ثور بما في ذلك من إساءة ومن اتّهام‬ ‫للحاكم ّ‬ ‫طغيان ثانيا‪.‬‬ ‫انية ّأوال وبال ّ‬ ‫بالحيو ّ‬

‫اخلية وفي تسّلط‬ ‫ال ّ‬ ‫طلبة القادمين من المناطق ّ‬ ‫الد ّ‬ ‫أن‬ ‫البوليس وفي صرامة التّعليمات والق اررات حتّى ّ‬ ‫ط َر ُب لمساحات المرح المدسوسة ويتل ّذذها‪.‬‬ ‫القارئ َلَي ْ‬ ‫الرواية بما أتاحته للقارئ من‬ ‫ّ‬ ‫تشدك إليها هذه ّ‬ ‫ستمكنه من أن يغلق األقواس التي‬ ‫حرية‬ ‫ّ‬ ‫مساحات ّ‬

‫الرواية بإثارة ذلك الخالف العميق‬ ‫ّ‬ ‫تشدك إليها هذه ّ‬ ‫الذي كان قائما بين بورقيبة المكتفي باستقالل البالد‬ ‫طامح نحو‬ ‫استقالال‬ ‫داخليا وصالح بن يوسف ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫تام ال نقص فيه وليس فيه تنازالت وال‬ ‫استقالل ّ‬

‫النحو الذي يرتضيه‪ ،‬إذ‬ ‫ُفتحت وظّلت مفتوحة على ّ‬ ‫ظّلت تنتظر قرَار القارئ‬ ‫حكايات كثيرٌة كالتي ربطت‬ ‫ٌ‬

‫اشتراطات‪.‬‬

‫طلبة والتي‬ ‫بين‬ ‫المتحابين والتي تعّلقت بمصير ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ارتبطت بمصير ُح ّكام البالد الذين لم يبدوا في وضع‬

‫السياسة‬ ‫ّ‬ ‫تشدك إليها هذه ّ‬ ‫الرواية بما نقلته من كواليس ّ‬ ‫مما كان يجري في مجالس الوزراء وما كان‬ ‫وتحديدا ّ‬

‫المستقر الذي ال يخشى خط ار داهما‪.‬‬ ‫المطمئن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫الناهي الغاضب المتسّلط‬ ‫الرئيس اآلمر ّ‬ ‫يدور بين ّ‬ ‫‪24‬‬


‫‪-25-‬‬

‫الثقافية التونسية‬

‫العدد األول‬

‫تونسية أخرى حول سنوات‬ ‫لقد حامت روايات‬ ‫ّ‬ ‫عجت به من أحداث داخل الجامعة‬ ‫الثّ ّ‬ ‫مانينيات وما ّ‬

‫‪.‬مست فيها وقتها الطالبة المجتهدة الخلوقة حاضرة‬ ‫البديهة سريعة التجاوب وصاحبة قلم رشيق قادرة‬

‫ولكن رواية‬ ‫ونسية وفي معتقل "رجيم معتوق"‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫التّ ّ‬ ‫"حدث في تلك الّليلة" لمحمود الحرشاني تسّللت إلى‬

‫على التحرير بسالسة‪.‬‬ ‫وتوطت صلتناالى درجة انها كانت تعتبرني في مقام‬

‫الزوايا بطريقة مختلفة تجعل القارئ يكتشف‬ ‫عديد ّ‬ ‫ويؤول أحيانا ويربط بين ما جرى‬ ‫حينا ّ‬ ‫ويفكر حينا ّ‬

‫اخيها‪.‬ولما التحقت باالذاعة تميزت وسط كوكبة من‬

‫الكبار امثال المرحوم محمد علي الحباشي والمرحوم‬ ‫المنصف المؤذن واالصدقاء والزمالء بلحسن بن‬

‫من أحداث في أحايين كثيرة‪.‬‬

‫عرفة ونورالدين الحاج محمود وفتحية حمدان وخديجة‬

‫للوفاء والذكرى‬

‫العويتي‬

‫ونجيبة‬

‫مهري‬

‫التي‬

‫كانت‬

‫اقرب‬

‫صديقاتها‪.‬ومكنها اجتهادها من الحصول على جازة‬ ‫الهادي العبيدي للصحافة التي سلمها لها رىيس‬

‫في الذكرى األولى لوفاة اإلعالمية‬ ‫والصحفية حذام عيساوي‬

‫الجمهورية زين العابدين بن علي في اليوم الوطني‬ ‫للثقافة‪.‬والى جانب عملها في االذاعة كانت حذام‬ ‫تكتب في جريدة الراي العام وجريدة الصحافة‪.‬اما اهم‬ ‫وابرز كتاباتها فكانت في مجلة مراة الوسط‪ .‬كانت‬ ‫غيورة عليها وتدفعني دوما الى االمام ‪.‬كانت تقول‬

‫لي ال تياس ال تفشل‪.‬وكانت الواسطة بيننا عندما‬

‫تسافر شقيقتها الصغرى تماضر عيساوي وقد احبت‬ ‫هي االخرى مراة الوسط وكتبت فيها وهي تلميذه‬

‫وطالبة‪.‬‬

‫تمر اليوم سنة بالتمام والكمال على رحيل الصديقة‬ ‫العزيزة‬

‫والزميلة‬

‫الخلوقة‬

‫حذام‬

‫عبد‬

‫نشرت حذام عشرات المقاالت والروبورتاجات بمجلة‬

‫السالم‬

‫مراة الوسط وحتى عندما سافرت الى امريكا في‬

‫عيساوي‪.‬التي ارتقت بفضل جدها واجتهادها الى‬

‫تربص باالمم المتحدة ارسلت لنا من هناك مجموعة‬

‫خطة رئيس تحرير لالخبار باالذاعة التونسية وشغلت‬

‫من الروبرتاجات حول امريكا والحياة اليومية‬

‫خطة مديرة الذاعة الشباب وفي ما بعد مديرة الذاعة‬

‫ويومياتها في التربص‪.‬‬

‫تونس الثقافية‪.‬عالقتي بالزميلة حذام رحمها هللا تعود‬

‫كان تواصلنا شبه يومي وكانت تقول لي ساسلم‬

‫الى سنوات بعيدة وتحديدا عندما كانت تقضي فترة‬

‫المشعل االن الى تماضر لتحل مكاني في مراة‬

‫تربصها وهي طالبة بمعهد الصحافة بقسم االعالم‬

‫الوسط وفي موقع الزمن التونسي والثقافية التونسية‬

‫بوالية سيدي بوزيد‪.‬‬

‫انا مشاغلي اصبحت كثيرة‪.‬‬ ‫‪25‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-26-‬‬

‫العدد األول‬

‫كانت همامية باتم معنى الكلمة داخل االذاعة وكانت‬

‫بقلم ‪ :‬محفوظ الزعيبي‬

‫المناضل العروبي القومي عبد السالم حتى انها‬

‫لم يهتم الدارسون وهم قلة في حقيقة األمر بشعر –‬

‫فخورة بانتسابها الى سيدي بوزيد وبوالدها المرحوم‬

‫شبيل الجبراني – أو كما يطلقون عليه – شاعر‬

‫كانت ال تمضي مقاالتها اال باقتران اسمها باسم‬

‫المثاليث‪ ..-‬ولم يجمع شعره في ديوان ألنه مشتت‬

‫والدها حذام عبد السالم عيساوي‪.‬‬

‫وتعرض أغلبه للتحريف وعبث المغنين المتطفلين من‬

‫كانت تناديني باسم حمود وتفعل ذلك من باب‬

‫الشعراء الشعبيين‪ ،‬ولم يعد يحفظه إال البعض أمثال‬

‫التقدير والمحبة‪.‬‬

‫أحفاده رغم صيته وشهرته ‪..‬وشبيل الجبراني من‬

‫لما وصلني خبر اصابتها بالكورونا ودخولها‬

‫مواليد – الجبارنة ‪ -‬بجبنيانة في النصف الثاني من‬

‫المستشفى عن طريق شقيقتها تماضر ادركت انها‬

‫القرن التاسع عشر وتوفي سنة ‪ 2812‬وهو أحد‬

‫النهاية فحياة الزهور ال تستمر طويال الى ان جاء‬

‫الشعراء الفحول األربعة الذين تربعوا على عرش‬

‫يوم ‪2‬جانفي ‪ 2222‬وكنت مشغوال في بعض‬

‫الشعر من نفس الجيل وهم ‪ :‬عبادة السعيدي وامحمد‬

‫المراجعات لتدخل علي زوجتي مكتبي بعد ان‬

‫الصغير ساسي ومحمد بن فرحان الذي يصغرهم‬

‫استمعت الى موجز العاشرة صباحا من االذاعة‬

‫بقليل‪ ..‬وشعر – شبيل – يتسم بغ ازرة اللفظ وقوة‬

‫الوطنيه وهي في حالة ذهول وهي تقول‪.‬لقد توفيت‬

‫التعبير وثراء المعاني ودقة الصورة‪ ،‬وتناول أغراضا‬

‫حذام‪.‬اذاعوا الخبر االن في االذاعة‪.‬اسقطت ما بيدي‬

‫كثيرة مثل ‪ :‬الفخر والغزل والبرق والركب والنجوع‬

‫وانغمست في موجة من البكاء ال اعرف كم دامت‬

‫والمفكر‪ ،‬وكان يتعفف عن الهجاء‪ ،‬ويتنزه عن‬

‫رحم هللا حذام‬

‫المساس بأعراض الناس لشهامته‪ ،‬وحسن سجاياه‬

‫اذا قالت حذام فصدقوها‬

‫البدوية‪ ..‬وتظل القصيدة الغزلية من أروع ما قاله –‬

‫فان القول ما قالت حذام‬

‫شبيل الجبراني – في حبيبته –ربح‪ -‬التي تعرف‬ ‫عليها صدفة عندما استدعي للغناء في عرس في‬

‫ريح التراث‬

‫عندما نزل مساء في أطراف الحي‪ ،‬شعر بالعطش‬

‫"ربــح" في شعر شبيل الجبراني‬

‫فتوجه نحوها‪ ،‬وقد انسدل شعرها الفاحم‪ ،‬فلما وقفت‬

‫جهة – بوفيشة – بطريق السلوم‪ ..‬وتقول القصة أنه‬ ‫الشديد‪ ،‬فلمح فتاة فوق الماجل الستخراج الماء‪،‬‬

‫وأزاحته إلى الخلف‪ ،‬كشفت عن وجه صبوح كالقمر‪،‬‬ ‫وعينين سوداوين مضيئتين‪ ،‬وأسنان بيضاء كحبات‬

‫البرد‪ ..‬وهزت الريح ثوبها فقال مباشرة ‪ :‬الغيم كثح‬ ‫دار صحاحير في نهار كبير جي قاسي بوجرد حرير‬

‫الصارخة‪،‬‬ ‫واندهش لهذا الجمال العارم‪ ،‬واألنوثة ّ‬ ‫‪26‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-27-‬‬

‫العدد األول‬

‫وبقي جامدا ال يتحرك‪ ،‬وال يدري ما يقول أو يفعل‪...‬‬

‫لم يلتق بها ولم يبثها حرمانه وحرقة نيرانه إال من‬

‫وفي السهرة خرج ليغني في المحفل وكانت المفاجأة‬

‫بعيد وهو يعاني الوحشة والغربة ‪ :‬متوحش كبدي‬

‫وتتابعه وتتفاعل مع غنائه وشعره‪ ..‬وقد ظهرت في‬

‫مطوق بسحابه ولكنه لم ييأس‪ ،‬بل ظل األمل يراوده‪،‬‬

‫معطوبه تعود ناري لهابه طوق وحشك بعثاليبه وجي‬

‫أن يرى – ربح – أماما عينيه في الصدارة ترمقه‬

‫رغم خطورة المغامرة ألنه عزم على االتصال بها‬

‫أفخر حلي ولباس‪ ،‬وفازت بحسنها على كل‬

‫مهما كلفه ذلك‪ ،‬وهو يدرك أنه سيخرج عليها هذه‬

‫الحاضرات‪ ..‬وكان التجاذب بينهما مثي ار حيث شعر‬

‫المرة في صورة الفارس الذي يمتطي صهوة الجواد‪،‬‬

‫أهلها بتجاوبها‪ ،‬وخوفا من العاقبة والفضيحة حاولوا‬

‫وسيشق – الضحضاح – بما فيه من خالء وفياف‬

‫إثناء – شبيل – عن اللقاء بها والحديث معها‪،‬‬

‫وأخطار الطريق ‪ :‬ضحضاح يبانو عالبيبه يرعب‬

‫وشيعوه في آخر الشهرة إلى محطة القطار في اتجاه‬

‫شين ضبابه بر موحش عالي رواقيبه يصعب‬

‫صفاقس‪ ...‬لكن – شبيل – ظل متعلقا بصاحبته‪ ،‬ال‬

‫عالزغابـه يشقه كان قزين حليبتـه كيف امبزغ نابـه ‪..‬‬

‫يغيب طيفها عن خياله‪ ،‬فبمجرد الوصول إلى سوسة‬

‫واختيار – شبيل – للحصان لم يأت مجانا‪ ،‬وإنما‬

‫نزل من القطار وقفل راجعا إلى جهة بوفيشة وإلى‬

‫كان ذلك بإرادة منه ليعبر للحبيبة أنه أصيل‪..‬‬

‫ذلك الحي الذي ترك يه – ربح – مكتوية بنار‬

‫ومتمرس على ركوب الخيل‪ ،‬وأن امتطاء الحصان‬

‫الحب‪ ..‬ويقول بعض الرواة أنه لما نزل هناك أخذ‬

‫بالنسبة إليه أفضل من ركوب القطار‪ ..‬وربما عبر‬

‫يترصد من بعيد وهو يتقدم خفية نحو ديارها إلى أن‬

‫عن نيته في اختطاف – ربح – واصطحبها معه ألنه‬

‫بدت على مسافة قريبة منه‪ ..‬وعند المغيب استنجد‬

‫على يقين من هيامها به‪ ،‬ومبادلته هذا الحب‬

‫بأحد الرعاة لمؤازرته في الوصول إلى ‪ -‬ربح –‬

‫العاصف‪ ،‬وانتظاره على الجمر للقيام بهذه الرحلة‬

‫أحست الكالب‬ ‫وتوفير اللقاء معها‪ ..‬لكن لسوء الحظ ّ‬ ‫بذلك الغريب ولم تكف عن النباح‪ ،‬فاستنفر أهلها‬

‫فكان وصفه للسرج يدعم ويتمم ما يجب على الفارس‬

‫مسعاه عاد من حيث أتى وانفجرت قريحته بأروع‬

‫أهلها‪ ،‬وكان على أتم االستعداد للتعرض لكل‬

‫إحضاره واستخدامه في مغامرته التي يتحدى فيها‬

‫وباتوا يقظين ولم يناموا إلى الصباح‪ ،‬ولما خاب‬

‫االحتماالت بما في ذلك القتل ك والسـرج مكلـف‬

‫الشعر ومنها – الملزومة – المشهورة ‪ :‬متوحش ال‬

‫ريت وهامك يا زين المرصوع يهبهبلي وحشك‬

‫ترتيبـه نزهـة للركابــه عليه نوصل زين التعصيبه ولفي‬

‫المرحوم الفنان الشعبي ‪ :‬اسماعيل الحطاب في‬

‫حسابه العاتـي يتلقـى للشيبــه يبيع الراس صبابه ثم‬

‫سود هذابـه الما يغامر ما ينال حبيبـه وما يقروش‬

‫وغرامك يغصايص ودموع وهي التي غناها بعد ذلك‬

‫يكب في آخر – العرف – للعودة بالقافية إلى رأس‬

‫البرنامج اإلذاعي – قافلة تسير – وفي الحفالت التي‬ ‫كان يقيمها‪ ..‬وفي رواية أخرى قيل أنه اجتمع بها‬

‫– الملزومة – لو نبدا مقطع قدامـك ما ثماش رجـوع‬

‫تحيير منامي ومنامك جي برك مقطـوع متوحش ال‬

‫في تلك الليلة وتبادال لواعج الحب وتواعدا على الفرار‬

‫والزواج‪ ،‬ولكنهما فشال في ذلك عندما أصبحت –‬

‫ريت وهامك في هذه القصيدة تجنب الشاعر ذكر‬

‫الفراق‪ ،‬ويظل الشاعر الفحل في منأى عن – ربح –‬

‫أنه في بداية هذا الحب‪ ،‬ما زال متماسكا‪ ،‬شديد‬

‫اسم –ربح‪ -‬رغم انه كان يعنيها بالذات‪ ..‬وفي رأيي‬

‫ربح – تحت الرقابة والحراسة المشددة ‪.‬ويطول‬

‫‪27‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-28-‬‬

‫العدد األول‬

‫البأس‪ ،‬ويمنعه كبرياؤه من اإلذعان السريع واالنبطاح‬

‫المعذرة ألنه واثق من محبتها له‪ ،‬مذك ار بالسهرة التي‬

‫الذي إن عزم لن يتخاذل‪ ،‬وإن قرر لن يتراجع‪ ،‬وأن‬

‫متفاعلة مع كل كلمة ينطق بها حتى أنها ظلت‬

‫غنى فيها‪ ،‬وقد تجلت في الصف األول أمامه‬

‫أمام بابها‪ ،‬ولكنه أراد أن يتقلد سمات الفارس الشجاع‬ ‫يجعل لهذا الحب مه ار غاليا ال يخلو من المشقة‬

‫ساهرة إلى آخر الليل وأغمي عليها وكاد العرس‬

‫الموت إن لزم به األمر‪ ..‬ولكن هذه –الفرسنة –‬

‫ندرباها نفهمها عل قد عقلها تفهمني بمعنى ونباهه‬

‫نفسية الشاعر‪ ..‬ويخفت األمل تدريجيا مع طول‬

‫أن الشكوى هلل وحده‪ ..‬ما دام اآلخرون ال يعبؤون‬

‫يتوقف ويفسد ‪ :‬نتوسل بكالمي للها من غير مروة‬

‫والعذاب والخطر ووصل به االستعداد لدفع ضريبة‬

‫لتقعد من تالي نحولها وقدام المحفل نلفاها ‪..‬ثم يدرك‬

‫تخبو جذوتها شيئا فشيئا عندما يطبق اليأس على‬

‫بتوسالته‪ ،‬وال يقاسمونه عذابه وتباريحه‪ ،‬خاصة أنه‬

‫الفراق والبعاد‪ ،‬وتعتريه الهواجس وتحدثه عن‬

‫احتماالت كثيرة أغلبها سيئة ومنذرة بأخبار أليمة‬

‫ال ينتسب إلى أهلها وال تمت له أي صلة قرابة ورحم‬

‫بدون تستر أو غطاء وهو في حالة يرثى لها من‬

‫منهم الصد والجفاء وسيعاملونه كغريب ودخيل عليهم‬

‫بهم‪ ،‬ومهما كان حبه وهواه مخلصا وصادقا فسيالقي‬

‫وسوداء‪ ..‬فيناجي المحبوبة صارخا مناديا بإسمها‬

‫‪:‬يا ربح الشكوى للعالي وحليل العاشق براني يا ربح‬

‫االنهيار العاطفي ‪ :‬يا ربح غرامك درباني سلطني‬

‫عالموت رماني وتستمر المناجاة في قصيدة –ربح –‬

‫غرامك درباني ‪..‬وهكذا عاش الشاعر محروما من‬

‫الذي حاصره وأطبق عليه‪ ،‬فال نجاة منه وال قدرة‬

‫مشحونة بالعاطفة الجياشة‪ ،‬وعلم بزواجها وتحولها‬

‫وصال – ربح – رغم ان أخبارها ما زالت تأتيه‬

‫كاشفة انكسار الشاعر‪ ،‬ووقعه في فخ هذا الحب‬

‫للسكنى في تونس العاصمة‪ ،‬فتدهورت حالته‬

‫على التخلص من شباكه ‪ :‬يا ربح فراقك ما شتى‬

‫وازدادت محنته‪ ،‬وساءت ظروفه االجتماعية وثقلت‬

‫خلى جواجيه محطوطه وطيتـه ال بى يتوطى ديما‬

‫عليه العيال ليعيش في خصاصة وضنك عيش‪،‬‬

‫حايزني في الخوطه نزل حبك على قلبي حطه يتبع‬ ‫في درجاح خيوطه ثم يتطرق إلى العراقيل التي تمنعه‬

‫وكاد من جراء ذلك أن ينسى – ربح – لتصبح‬

‫أصبحوا شاعرين بالخطر واتفقوا على التصدي لكل‬

‫السنين وفوات العمر‪ ..‬وشاءت األقدار أن يظل عليه‬

‫ضربا من الماضي ومجرد ذكريات خابية تحت رماد‬

‫من الوصول إليها فإضافة إلى الفراق فإن أهلها‬

‫المرسول بعد زمان طويل حامال إليه أمانة غالية من‬

‫من تسول له نفسه بالنيل منها أو مداهمة الحي‪..‬‬

‫ويصب الشاعر عرجام حقده ونقمته على – الحارز‬

‫– ربح – فاشتم رائحتها‪ ،‬وأثارت في نفسه غمرة تلك‬

‫من الذين ينوون الزواج بها واضعا سدا أمام غيره من‬

‫في ذلك العهد تبعث إلى حبيبها العاشق خصلة من‬

‫األيام الخوالي بهجرها وصدها وتبتلها‪ ،‬وكانت المرأة‬

‫– أي الغيور عليها المكلف بحمايتها أو أحد أقربائها‬

‫الخطاب والعشاق ‪ :‬يا ربح الفرقة ما صعبها مالقيتش‬

‫شعرها تذكا ار بينهما ليحافظ عليها مدى الحياة عربون‬

‫والحارز قاساها ويلتمس لها األعذار ألنها ما زالت‬

‫الشعر تغنى بذكره كثير من الشعراء مثل قول أحدهم‬

‫وفاء ومحبة‪ ..‬و‪-‬السالف‪ -‬هو جزء من مقدمة‬

‫باش نعاناها عا اللي محيوزه في عربها صغيره‬

‫عندما ضيع سالف – شلبية – حبيبته ‪ :‬سالف‬

‫صغيرة السن وال حول لها وال قوة أمام القيود‬

‫المفروضة عليها والحصار المطوق بها‪ ،‬ويمنحها‬

‫مرجاح جاني في ضيق عشيه من جيبي طاح آش‬

‫‪28‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-29-‬‬

‫العدد األول‬

‫مش نقول لشلبية ‪..‬وكان شبيل يتناول مع المرسول‬

‫هبّــة‬

‫العشاء عندما قدم له هذا الضيف األمانة‪ ..‬فلم‬

‫يستطع مواصلة الطعام‪ ،‬فتأزم وضاقت به الحياة‬

‫ريح‬

‫قصة جديدة بقلم الدكتور عبد القادر بن‬

‫وكاد يغمى عليه ثم أفاق وأطلق صيحة مدوية‬

‫الحاج نصر‬

‫وتنزلت ليه هالة الشعر قائال ‪ :‬خبر لجاني على‬ ‫غفلة لفي ادردر خاطري بعد ماصفي خبر لجاني‬ ‫عالهوى مرغوب وخلى فكري بمحنته مشغوب‬

‫وتمادى في هيضته إلى أن أتم القصيدة ‪.‬ومن عادة‬

‫الشعراء الشعبيين أن يختموا قصائدهم باالستغفار‬

‫تستعد للمساء‪.‬‬ ‫الصباح‬ ‫ّ‬ ‫هذه ّ‬ ‫السيدة مع إشراقة ّ‬ ‫تتأمل مالمحها في المرآة‪ ..‬مساء الخير‪ ..‬دامت‬ ‫ّ‬

‫وطلب العفو من هللا والعودة إلى التقوى والجادة بعد‬

‫الطيش وسنوات الضياع‪ ،‬والتفكير عما اقترفوه في‬

‫الصحة والعافية‪ ..‬ال شيء يثنيها عن العودة إلى‬ ‫ّ‬ ‫كل‬ ‫أدراج خزائنها‪ ..‬صباح الخير‪ ،‬أسعد هللا يومك‪ّ ..‬‬

‫عهد الفتوة والشباب من ذنوب‪ ،‬وإعالن التوبة في كل‬

‫شيء حتى عن الحب الذي يدخل في هذا المضمار‪،‬‬

‫الشيء‪،‬‬ ‫فضت أختماها سقطت في ال ّ‬ ‫الرسائل التي ّ‬ ‫ّ‬ ‫تفاهات‪ ،‬كالم عابر‪ ،‬عبارات بائسة ‪..‬أصحابها ! من‬

‫فيتصور المحب كأنه ارتكب خطيئة أو اقترف ذنبا‬

‫يتطلب منه رجاء الصفح والمغفرة ‪.‬فإن كانت –‬

‫متسكعون على األرصفة‪ ،‬ملهفون‪،‬‬ ‫هم ! عابرون‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بال أنوف‪ ،‬بال ألسنة وبال عيون‪.‬‬

‫عائشة – في شعر –امحمد الصغير ساسي – وفي‬

‫قصائد – عبادة السعيدي‬

‫–هي المحبوبة األولى‬

‫بين سائر الحبيبات فإن – شبيل الجبراني – ظل‬

‫تفض أختامها‬ ‫الرسائل التي لم‬ ‫ّ‬ ‫تتأمل مالمحها‪ّ ..‬‬ ‫ّ‬ ‫وردية‬ ‫كثيرة والتي مازالت تحتفظ بعذرّيتها‪ ،‬ذات أغلفة ّ‬

‫محافظا على ديمومته مع – ربح – ولم يخص واحدة‬

‫أخرى تنغص عليه هواه العذري أو تحوز مكانا آخر‬

‫مضمخة بعطور مختلفة‪..‬‬ ‫أو في لون البحر‪ ،‬كّلها‬ ‫ّ‬ ‫بعملية فرز ‪..‬‬ ‫مرة‬ ‫ّ‬ ‫كل ّ‬ ‫من خالل رائحة األغلفة قامت ّ‬

‫في قلبه‪ ،‬لهذا عاش طيلة حياته متيما بها‪ ،‬ورغم أنه‬ ‫حاول النسيان وطي صفحة الماضي ليقضي ما تبقى‬

‫الفل وأخرى بالياسمين‬ ‫بعض األغلفة ّ‬ ‫تذكرها برائحة ّ‬ ‫تفنن أصحابها حتى‬ ‫وأخرى بالورد وأخرى بال شيء‪ّ ..‬‬

‫من العمر خالي الذهن‪ ،‬صافي التفكير لكنه لم‬

‫يستطع فتلبدت غيوم المحبة في سمائه ولم يتحمل‬

‫تعبوا‪ ،‬لم يأتوا بجديد فغرف بيتها واألروقة والفناء‬

‫الصدمة التي آلمته‪ ،‬والمفاجأة التي عكرت صفو‬

‫وكذلك الفضاء الخارجي يحفل بأزكى العطور‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فضت أختامها ‪ ..‬عشرات‪ ،‬مئات‪،‬‬ ‫الرسائل التي ّ‬ ‫خاص ‪..‬‬ ‫كل منها يفوح بعطر ّ‬ ‫أشكال وألوان وأحجام‪ّ ،‬‬

‫خاطره‪ ،‬وعادت إليه صورة الحبيبة من جديد أشد‬

‫على نفسه وأنكى ألنه كان مجبوال على الوفاء‬

‫واإلخالص ‪.‬‬

‫وصبت‬ ‫الكل‪ ،‬وضعتها في سّلة المهمالت‬ ‫ّ‬ ‫جمعت ّ‬ ‫النار‪.‬‬ ‫عليها سائال حارقا وأشعلت فيها ّ‬

‫‪29‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-31-‬‬

‫العدد األول‬ ‫الشاطئ‪.‬‬ ‫المساء ينزل على ساحة ّ‬

‫الرسائل‬ ‫ما أروع الفرجة‪ ..‬أطياف تتسّلل من داخل ّ‬

‫تتكسر على حافة‬ ‫السيدة تستهويها األمواج وهي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرمال‪.‬‬ ‫ّ‬

‫من خالل األلوان واألشكال واألحجام‪ ،‬تصعد مع‬

‫الدخان وتختفي‪ ..‬مجانين مزاطيل مهووسون‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الرسائل رمادها‪.‬‬ ‫كل ّ‬ ‫أهم من ّ‬ ‫ّ‬

‫النسائم العليلة تروي‬ ‫مسام جسدها‪ ..‬تسير الهوينى‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫متأنية‪ ،‬خلعت‬ ‫لباس خفيف وعطر خفيف وخطوات ّ‬ ‫الرمال‪.‬‬ ‫فردتي حذائها فصافحت بشرة قدميها ّ‬

‫تستعد للمساء‪.‬‬ ‫الشمس وهي‬ ‫منذ أن أشرقت ّ‬ ‫ّ‬ ‫حارة والمساءات لذيذة البرودة‪.‬‬ ‫الصباحات ّ‬ ‫ّ‬

‫الرمل وما أروع إيقاع حركة األمواج‬ ‫ما أل ّذ رطوبة ّ‬ ‫المتالحقة والمساء وأطياف المصطافين تبتعد عن‬

‫السيدة في اختيار المالبس‪ ..‬كم من خزائن‬ ‫ّ‬ ‫تتفنن ّ‬ ‫ثم فرغت لتمتلئ من جديد‪ ..‬كّلما أفرغت‬ ‫امتألت ّ‬

‫الشاطئ‪.‬‬ ‫مودعة ّ‬ ‫الماء ّ‬ ‫الرقبة‬ ‫ّ‬ ‫هبت نسمة باردة‪ ،‬رفعت رأسها‪ ،‬استطابت ّ‬ ‫الصدر برودة الهواء كما استطابت القدمان رطوبة‬ ‫و ّ‬

‫تفرط في‬ ‫كل ما فيها إذ ال يمكن أن ّ‬ ‫خزانة أحرقت ّ‬ ‫رائحة عطورها إلى اآلخرين واألخريات‪ ،‬عطر‬ ‫مقدس وعطر أنفاسها وعطر عرقها كذلك‪.‬‬ ‫جسدها ّ‬

‫طرقات على الباب‪ ،‬أطّلت‪ ،‬لوى يديه وراء ظهره‬

‫الرمال‪.‬‬ ‫ّ‬

‫المتكسرة‪ ،‬من رحم‬ ‫النسمة‪ ،‬ابتلعتها األمواج‬ ‫هدأت ّ‬ ‫ّ‬ ‫ثم عاصفة هوجاء‪.‬‬ ‫األمواج ّ‬ ‫هبت ريح رخاء ّ‬

‫وحدق فيها‪ ،‬لم يقل شيئا‪ ،‬لم يأت بحركة‪ ،‬انتظر‬ ‫ّ‬ ‫طي‬ ‫ثم استدار وانصرف‪ ،‬ثياب بالية تغ ّ‬ ‫لحظات ّ‬ ‫السنوات الثالثون‬ ‫جسدا منهكا‪ ،‬ساق عرجاء‪ّ ،‬‬ ‫وتمددت‬ ‫المرسومة على المالمح الباهتة اتّسعت‬ ‫ّ‬

‫السيدة أطرافها‪ ،‬التفتت حولها تستقرئ حالة‬ ‫لملمت ّ‬ ‫الريح فاقتلعتها من‬ ‫السماء والبحر والجبل‪ ،‬دفعتها ّ‬ ‫ّ‬ ‫مكانها‪ ،‬تعثّرت‪ ،‬تبعثرت‪ ،‬سقطت فردتا الحذاء‪،‬‬

‫وطالت حتى تجاوزت الستّين والهامة ترنو إلى فوق‪.‬‬ ‫متكس ار متعثّرا‪ ..‬مهما تهاوى‪،‬‬ ‫راقبته وهو ينصرف‬ ‫ّ‬

‫الريح تعصف موجا بعد موج‪،‬‬ ‫انحنت لتلتقطهما‪ّ ،‬‬ ‫اهتزت‬ ‫حاولت أن تتماسك‪ ..‬انتفض الفستان‪،‬‬ ‫ّ‬

‫تفرط ألحد‬ ‫مهما تدّلل لن تعطه من خزائنها شيئا‪ ،‬لن ّ‬ ‫في رائحة عطرها‪ ،‬جسدها‪ ،‬أنفاسها‪ ،‬عرقها‪.‬‬

‫وشدته إلى صدرها‪،‬‬ ‫تشبثت به ّ‬ ‫أطرافه‪ ،‬حّلت از ارره‪ّ ،‬‬ ‫الريح إلى األمام‪ ،‬انفصل الفستان عن‬ ‫رمت بها ّ‬

‫لكنه‬ ‫انتظرت أن يلتفت أن يستجدي‪ ،‬أن يحني رأسه ّ‬

‫يتعرى‪،‬‬ ‫الجسد‪ ،‬وأخذت قطع الثياب تتناثر والجسد ّ‬

‫ال‬ ‫كل ما فيه مخلخل‪ ،‬منخلع معو ّج إ ّ‬ ‫لم يفعل‪ّ ..‬‬ ‫هامته فهي عالية مستعلية‪.‬‬

‫الصدر‪ ،‬ال‬ ‫تبعثرت أطراف الفستان ّ‬ ‫وتفتقت حاملة ّ‬ ‫طيها‪.‬‬ ‫شيء يغ ّ‬

‫الرسائل في جوف سّلة المهمالت‪،‬‬ ‫غاب كما تغيب ّ‬ ‫كما يغيب أصحابها حين يتسّللون من بين الحروف‬

‫ودست جسدها في الماء‪ ..‬ال‬ ‫ارتمت بين موجتين ّ‬ ‫عطر وال طيب إالّ رائحة البحر‪.‬‬

‫تبخروا مع‬ ‫والعطور التي‬ ‫ثم ّ‬ ‫ّ‬ ‫ضمخوا بها األغلفة ّ‬ ‫ألسنة الدخان‪.‬‬

‫الريح العاصفة‪ ،‬رأته‬ ‫الرمال‪ ،‬يغالب ّ‬ ‫رأته يعرج على ّ‬ ‫ينحني ويستوي‪ ،‬رأته يلتقط الثياب قطعة قطعة‪ ،‬رأت‬

‫السيدة للمساء‪ ..‬مساءات‬ ‫الصباح‬ ‫ّ‬ ‫تستعد ّ‬ ‫مع إشراقة ّ‬ ‫الصيف الباردة المنعشة‪.‬‬ ‫ّ‬

‫الرمال‪،‬‬ ‫الحذاء معّلقا في رقبته‪ ،‬رأته ّ‬ ‫دوارات ّ‬ ‫يتحدى ّ‬

‫‪30‬‬


‫‪-31-‬‬

‫الثقافية التونسية‬

‫العدد األول‬ ‫المهتمين‪،‬‬ ‫وتعدد‬ ‫المقاربات‪،‬‬ ‫تنوع‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫على مستوى ّ‬ ‫ّ‬ ‫جراء تغيرات‬ ‫وتكاثر عدد الطالب‪ .‬أتى ذلك‬ ‫التحول ّ‬ ‫ّ‬

‫يتأبط‬ ‫يقترب من األرض حتى يكاد ينغرز فيها‪ ،‬رأته ّ‬ ‫ال هامته‪.‬‬ ‫وكل شيء يتضاءل فيه إ ّ‬ ‫الثياب ّ‬ ‫الريح وسكنت ثورة‬ ‫وقف على حافة الموج وقد هدأت ّ‬

‫مست المنهج والعاملين في الحقل‪ .‬فُقَبيل ذلك التاريخ‬ ‫ّ‬ ‫معينة من‬ ‫ًا‬ ‫كانت الدراسات العربية‬ ‫حكر على فئة ّ‬

‫البحر‪.‬‬

‫العام‬ ‫صنف في عداد االستشراق‬ ‫الدارسين وتُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫شق‬ ‫والمستشرقين‬ ‫المهتمين بقضايا الشرق‪ .‬وقد كان ٌّ‬ ‫ّ‬

‫فمد لها كدس المالبس‪.‬‬ ‫مدت يديها ّ‬ ‫ّ‬ ‫أشاح بوجهه وانصرف‪.‬‬

‫تمنت أن يلتفت‪ ،‬سار بمحاذاة‬ ‫ترجته أن يتوّقف‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬

‫المعنيين ينضوي تحت مؤسسات الدولة‬ ‫من هؤالء‬ ‫ّ‬ ‫وشق آخر يشتغل‬ ‫البحثية‪ٌّ ،‬‬ ‫اإليطالية‪ ،‬الجامعية منها و ّ‬ ‫في المؤسسات ِ‬ ‫الحبرية العائدة بالنظر إلى حاضرة‬

‫شيئا‪.‬‬

‫البالد العربية‪ ،‬وذلك منذ أزمة البترول في مطلع‬

‫الماء‪.‬‬

‫ابتعد بعيدا بعيدا حتى أصبح طيفا‪ ،‬حتى لم يعد‬

‫الفاتيكان ‪.‬فقد مّثلت المخاضات الكبرى التي عرفتها‬

‫عبد القادر بن الحاج نصر‬

‫سبعينيات القرن الماضي‪ ،‬العنصر الرئيس في‬

‫التأثير على مسارات المنهج الدراسي التقليدي في‬ ‫جر إلى ميالد‬ ‫التعاطي مع العالم العربي‪ .‬وهو ما ّ‬ ‫رؤية جديدة‪ ،‬أكثر براغماتية وأكثر اقترابا من حاجات‬

‫أقالم الثقافيـة‬

‫تحول إيطاليا إلى بلد مستقِبل‬ ‫الناس‪ ،‬ترافقت مع ُّ‬

‫للمهاجرين‪ ،‬وَف َد من ضمنهم المسلمون‪ ،‬بعد أن كانت‬ ‫بلدا ْيد َفع بالمهاجرين نحو بلدان أوروبا الغربية‬ ‫ً‬

‫امل األرضي َة األساسي َة‬ ‫واألمريكتين‪ .‬شكلت تلك العو ُ‬ ‫لحدوث تحول في الدراسات العربية ‪.‬صحيح مّث َل‬

‫أماري‬ ‫رواد االستشراق اإليطالي‪ ،‬أمثال ميكيليه ّ‬ ‫وليونيه غايطاني وكارلو ألفونسو نللينو ودافيد‬ ‫المؤسسين األوائل للدراسات العربية‪،‬‬ ‫جيل‬ ‫سانتيلالنا‪َ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫تدعم في مرحلة الحقة‪ ،‬مع ريناتو ترايني‬ ‫وهو ما ّ‬

‫د‪ .‬عزالدين عناية‬

‫مالمح الثقافة العربية في‬ ‫إيطاليا‬

‫وأومبارتو ريتزيتانو وأليساندر باوزاني وفرانشيسكو‬ ‫غابرييلي والو ار فيشيا فالياري‪ .‬لكن على العموم يبقى‬

‫يميز اشتغال الطبقتين وهو بقاء مجال الدراسات‬ ‫ما ّ‬ ‫العربية في حيز االستهالك الداخلي ُّ‬ ‫خبوي‪،‬‬ ‫الن ّ‬

‫تحوالت كبرى‬ ‫شهدت الدراسات العربية في إيطاليا ّ‬ ‫خالل العقود األربعة األخيرة‪ ،‬خرجت فيها من حيز‬

‫المرتبط أساسا بحاجات الدولة‪ ،‬أكان ذلك إبان الفترة‬

‫النخبوية إلى رحابة الدراسات المفتوحة‪،‬‬ ‫الدراسات‬ ‫ّ‬ ‫‪31‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-32-‬‬

‫العدد األول‬

‫االستعمارية أو في فترة إيطاليا ما بعد الفاشية‪ .‬لم‬

‫المتخصصين في تاريخ الجزيرة العربية (رومولو‬ ‫ّ‬ ‫لوريتو)‪ ،‬وفي المخطوطات اليمنية (أريانه دوتوني)‪،‬‬

‫تتطور حركة نقدية‬ ‫جماهيرية منفتحة للجميع‪ ،‬ولم‬ ‫ّ‬ ‫داخلية وإصالحية تخرجها من حيز الدراسة‬

‫وفي الشأن السياسي المغاربي (ستيفانو ماريا‬ ‫توريللي)‪ ،‬وفي قطاع المهاجرين (ستيفانو أليافي)‪،‬‬

‫المطبوعة بالطابع االستشراقي‪ ،‬مثل التعاطي مع‬

‫وفي التصوف (ألبرتو فنتورا)‪ ،‬وفي الموسيقى العربية‬

‫المجتمعات العربية بوصفها مجتمعات تقليدية جامدة‪،‬‬

‫وران)‪ ،‬وذلك ضمن‬ ‫وفي اللهجات العربية (أوليفييه ُد َ‬ ‫مقاربات مختلفة المنهج واألدوات‪ ،‬وهو ما لم يكن‬ ‫َ‬

‫تكن الدراسات العربية‪ ،‬طيلة تلك المرحلة‪ ،‬دراسات‬

‫(باولو سكارنيكيا)‪ ،‬وفي اللغة العربية (ماريا أفينو)‪،‬‬

‫ميتة من حيث تدريسها وتعليمها‬ ‫العربية كلغة شبه ّ‬ ‫والميل إلى تفضيل تعّلم لهجاتها‪ ،‬أو بالتركيز على‬

‫أن الدراسات‬ ‫معروفا في العقود السالفة ‪.‬والمالحظ ّ‬ ‫العربية في إيطاليا‪ ،‬طيلة الفترة التي هيمن منهج‬

‫أو كذلك النظر إلى الدين اإلسالمي نظرة سلبية‬ ‫شكلت حركة االستعراب‬ ‫عام ‪.‬في مرحلة الحقة ّ‬ ‫بوجه ّ‬ ‫ِ‬ ‫المستعربين‪ ،‬المعروفة بـ "‪" Arabismo‬و‬ ‫و‬

‫لب عليها مقصد سياسي‪،‬‬ ‫االستشراق عليها‪ ،‬قد َغ َ‬ ‫ّ‬ ‫معاضدة التوسع‬ ‫حيث كانت الدراسات تهدف إلى‬ ‫َ‬

‫تطوًار من داخل أحضان االستشراق‬ ‫"‪ّ ،"Arabista‬‬ ‫جل الرواد من المعنيين باألدب‬ ‫اإليطالي‪ .‬وكان ّ‬

‫اإليطالي نحو البالد العربية في شكله االستعماري‪،‬‬ ‫أو ترسيخ النفوذ بأشكاله الحضارية والثقافية‪ .‬كما‬

‫العربي وبترجمة األعمال األدبية العربية‪ ،‬ومن أبرز‬

‫بقيت في العموم محصورة بين أقلية من الدارسين‬

‫روادها إيزابيال كامي ار دافليتو وفرانشيسكا كوراو‬

‫تميزت هذه الحركة بإتقان أفضل‬ ‫وفريال باريزي ‪ّ .‬‬ ‫ٍ‬ ‫وبتعاط مباشر مع األعمال األدبية العربية‬ ‫للعربية‪،‬‬

‫وفي فضاءات جامعية ضيقة‪ ،‬من بينها "المعهد‬ ‫الشرقي‬

‫دون لجوء إلى الترجمات في اللغات الغربية‪ .‬ولم‬

‫الجامعي"‬

‫في‬

‫نابولي‪،‬‬

‫المعروف‬

‫بـ"األورينتالي"‪ ،‬وجامعة روما السابيينسا‪ ،‬وجامعة‬ ‫البندقية‪ ،‬وجامعة باليرمو‪ .‬فقد كانت الدراسات العربية‬

‫توس ًعا مع تعدد أقسام‬ ‫تلبث تلك الحركة أن شهدت ّ‬ ‫التحول‬ ‫الدراسات العربية في الجامعات اإليطالية‪ ،‬و ّ‬

‫في هذه الجامعات ترتادها ثّلة محدودة من الطالب‬

‫باتجاه مزيد من التخصص داخل حقول الدراسات‬

‫المترجمة‬ ‫تضيق أمامهم اآلفاق وتعوزهم النصوص‬ ‫َ‬

‫بفضاء جغرافي محدد‪ .‬أسهمت تلك التحوالت في‬

‫المترجمة من العربية إلى‬ ‫روما أن األعمال األدبية‬ ‫َ‬ ‫اإليطالية‪ ،‬على مدى الفترة المتراوحة بين مطلع‬

‫من العربية‪ .‬فقد أبانت دراسة صادرة عن جامعة‬

‫العربية‪ :‬األدبية أو التاريخية أو السياسية أو المعنية‬

‫الخروج بالدراسات العربية من العام إلى الخاص ومن‬

‫القرن العشرين وإلى غاية العام ‪،2810‬لم تتجاوز‬

‫المطلق إلى المقيد‪ ،‬وهو ما أضفى علمية ودقة على‬

‫سوى خمس ترجمات يتيمة ‪.‬ترجم فرانشيسكو‬

‫بعيدا‬ ‫الدراسات‪ .‬وما مّثل ّ‬ ‫للتفرعات الثقافية ً‬ ‫رد اعتبار ّ‬ ‫عن التعميم السائد في فترة سابقة‪ .‬بدأنا نعرف في‬

‫غابرييلي‪" :‬قصاصون من مصر" وكذلك "ظلمات‬

‫وأشعة" لمي زيادة‪ ،‬وترجم أومبارتو ريتزيتانو "زينب"‬

‫المتخصصين في األدب الشامي‪ ،‬وأدب‬ ‫إيطاليا‬ ‫ّ‬ ‫الجزيرة العربية‪ ،‬واألدب المغاربي‪ .‬وكذلك نجد‬

‫لمحمد حسنين هيكل و"األيام" لطه حسين‪ ،‬وترجم‬

‫‪32‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-33-‬‬

‫العدد األول‬

‫أندريا زنزوتّو كتاب "سأهبك غزالة" للكاتب الجزائري‬ ‫المؤسسات الجامعية‬ ‫مالك حداد ‪.‬لكن بالتوازي مع‬ ‫ّ‬

‫نهائيا خالل العام ‪ .2222‬كما نجد معهدا آخر‬

‫تطوَر دراسات‬ ‫التابعة للدولة اإليطالية‪ ،‬شهدت الفترة ّ‬ ‫وأبحاث‪ ،‬وعرفت صدور مجالت ودوريات تتابع‬

‫عام‬ ‫وجدت فيه الدراسات العربية واإلسالمية بشكل ّ‬ ‫ق‬ ‫ضم‬ ‫ً‬ ‫تطورا‪ ،‬وهو "معهد الشر كارلو ألفونسو نالينو"‪ّ .‬‬ ‫هذا المعهد خيرة الباحثين واألساتذة اإليطاليين في‬

‫الشأن العربي‪ ،‬فضال عن مؤسسات منها ما هو تابع‬

‫الدراسات العربية‪ ،‬وأصدر سلسلة من األعمال باتت‬

‫للدراسات العربية اإلسالمية" المعروف بـ"بيزاي"‬

‫بالدراسات العربية ‪:‬مثل مؤّلف "النحو العربي بين‬

‫لحاضرة الفاتيكان‪ ،‬كما هو الشأن مع "المعهد البابوي‬

‫من الكالسيكيات الشائعة في أوساط المعنيين‬ ‫النظرية والتطبيق" لالو ار فيشيا فالياري سنة ‪،1936‬‬

‫مقره من‬ ‫والتابع لآلباء البيض ال سيما بعد تغيير ّ‬ ‫تونس إلى روما خالل العام ‪ .2812‬فقد كان هذا‬

‫و"القاموس العربي اإليطالي" لريناتو ترايني ‪-2812‬‬

‫‪ .2810‬بقي "معهد الشرق" يعج بالنشاط إلى غاية‬

‫المعهد وال زال يصدر مجّلة مرموقة عنيت بالشأن‬

‫الديني المسيحي اإلسالمي بعنوان "إسالموكريستيانا"‬

‫التاريخ الحالي‪ ،‬حيث حافظ على مدرسة لتعليم اللغة‬

‫عقود الراهب موريس بورمانز‪ .‬كان التكوين في‬

‫بالبالد العربية مثل "أوريانتي موديرنو" (الشرق‬

‫العربية فضال عن إصدار جملة من الدوريات المعنية‬

‫(دراسات إسالمية مسيحية) أشرف عليها على مدى‬

‫الدراسات العربية وفي اللغة العربية يستهدف أساسا‬

‫الحديث) و"كواديرني دي ستودي آرابي" (دفاتر‬

‫تكوين الرهبان والراهبات في الثقافة العربية‪ .‬وكان‬

‫الدراسات العربية)‪ .‬لكن المعهد في الفترة األخيرة َفَق َد‬ ‫توسعت الدراسات العربية‪ ،‬وانتشر‬ ‫بريقه بعد أن ّ‬

‫اآلخر من الدراسات الجاري خارج المؤسسات‬

‫الجامعات في شتى أنحاء إيطاليا‪ :‬في بيسكا ار‬

‫دينيا االلتحاق‬ ‫من غير مسموح لغير‬ ‫َّ‬ ‫المكرسين ّ‬ ‫بالمعهد‪ ،‬حتى ولو كانوا من الكاثوليك ‪.‬وأما الشق‬

‫تدريس العربية وآدابها في العديد من المؤسسات‬

‫وكامبانيا وريجيو إيميليا وترياسته وبافيا وماشيراتا‬

‫يتم في معاهد‬ ‫الجامعية اإليطالية‪ ،‬فكان منه ما ّ‬ ‫بحثية شبه رسمية مثل "معهد إيسياو" (المعهد‬

‫وبرغامو وأوربينو وكالياري وباري وبي از وفلورانسا‬

‫اإليطالي إلفريقيا والشرق) الذي كان يحمل اسم‬

‫وسيينا وغيرها‪ .‬وقد لعب نخبة من األساتذة العرب‬

‫بارز في تطوير الدراسات العربية‪ ،‬نذكر على‬ ‫دور ًا‬ ‫ًا‬ ‫سبيل المثال األساتذة‪ :‬وسيم دهمش وأحمد ناصر‬

‫"إيسميو"‪ ،‬وقد أصدر دورية ثنائية اللغة بعنوان‬

‫"المشرق" اعتنت بالدراسات العربية‪ ،‬فضال عن إدارته‬

‫مدرسة عنيت بتدريس العربية‪ ،‬تعاونت أساسا مع‬

‫إسماعيل ويونس توفيق وحبيب موصلي‪ ،‬ناهيك عن‬

‫و ازرة الخارجية اإليطالية في تكوين اإلطارات‬

‫مجموعة من األساتذة اإليطاليين مثل ماريا أفينو‬ ‫ومونيكا روكو وفرانشيسكو دي أنجليس ‪ِ.‬انعكس‬

‫الدبلوماسية‪ ،‬ناهيك عن نشاط آخر لتلك لمدرسة‬

‫ِ‬ ‫المستعربين في‬ ‫توسع الدراسات العربية مع جيل‬

‫موجه لعموم اإليطاليين‪ .‬تأ ّسس المعهد المذكور‬ ‫ّ‬ ‫مطلع القرن الفائت وذلك لدعم السياسة الفاشية‪،‬‬

‫تطور العناية بالتأليف في الكتب التعليمية المعنية‬

‫بتدريس العربية‪ ،‬وكذلك في الترجمة من العربية‬

‫وتواصل نشاطة إلى بداية األلفية الثالثة حيث أغلق‬ ‫‪33‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-34-‬‬

‫العدد األول‬

‫لجملة من الروايات والمؤلفات ذات الصلة باآلداب‬

‫العربية والثقافة العربية ‪.‬وبات اإلنتاج األدبي العربي‬ ‫في البالد العربية يلقى متابعة من ِقبل جيل‬

‫ثورة الوسيط الرقمي في‬ ‫التجارب التشكيلية المعاصرة‬

‫ِ‬ ‫المستعربين الجدد‪ ،‬حيث شهد مجال الترجمة من‬

‫العربية صدور العديد من الروايات باإليطالية لكتّاب‬ ‫عرب‪ ،‬نقلها جمع من المترجمين اإليطاليين‪ .‬كان‬

‫بقلم‪ :‬الدكتورة بسمة‬

‫أبرز هؤالء المترجمين في العقدين األخيرين‪ :‬ماريا‬

‫هنانة‬

‫عما‬ ‫أفينو ومونيكا روكو وفرانشيسكو ليجيو فضال ّ‬

‫قام به وسيم دهمش من نقل لدواوين من الشعر‬

‫الفلسطيني والمغاربي‪ .‬بعد ذلك التوسع في االنشغال‬ ‫بالعربية‪ ،‬شهدنا طفرة على صلة بالثقافة العربية‬

‫بين الكالسيكي والمعاصر بين‬

‫العديد من األعمال باإليطالية‪ ،‬كما حقق شهرة فائقة‬

‫الفني‪ .‬اكتسحت التكنولوجيا العديد من المجاالت‬

‫يدونون أعمالهم اإلبداعية باللسان‬ ‫لكتّاب عرب باتوا ّ‬ ‫اإليطالي مثل الجزائري عمارة لخوص‪ ،‬الذي نشر‬

‫فن‬ ‫التجريد والمحاكاة وبين األصالة والعولمة ظهر ّ‬ ‫يبشر بعصر جديد يجمع بين الخيال والعلم والحس‬ ‫دون عزل مجال الفنون التشكيلية الذي تأثّر بدوره‬ ‫حد الذهول‬ ‫بهذا االجتياح التقني والرقمي المعقدين ّ‬

‫في روايته المعروفة "كيف ترضع من الذئبة دون أن‬

‫تعضك"‪ ،‬وكذلك أيضا بالنسبة إلى الكاتب العراقي‬

‫والبسيطين حتى اختزال االبداع في بعض "النقرات‬

‫يونس توفيق الذي حقق شهرة واسعة بفضل روايته‬

‫الحاسوبية"‪ .‬وقد حققت المعلوماتية واقعا تواصليا‬ ‫جديدا و متجددا غزي ار ِ‬ ‫بالم ِؤثرات البصرية والخيارات‬

‫مهما ألعداد‬ ‫"الغريبة ‪".‬اليوم في إيطاليا نعرف ّ‬ ‫تطو ار ّ‬ ‫الطالب المعنيين بالدراسات العربية‪ ،‬حيث يحوز‬

‫الرقمية‪ ،‬أين وجد الفنان‬ ‫الواسعة في المعالجة‬ ‫ّ‬ ‫التشكيلي أمام مواقف تعبيرية لترجمة مفاهيم حيوية‬

‫المعهد الجامعي للدراسات الشرقية التابع لجامعة‬ ‫العدد األوفر من الطالب في إيطاليا‪ ،‬ليناهز‬ ‫روما‬ ‫َ‬ ‫متخصصين في‬ ‫العدد الجملي قرابة ‪ 222‬طالب‬ ‫ّ‬

‫يومية و أخرى فكرية و بصرية‪ .‬وهذا ما استدعى‬ ‫الفنان إلى طرح العديد من التساؤالت التي ما فتئت‬

‫الحضارة العربية بمجاالتها المتنوعة التاريخية‬

‫تحرك ذهنه بصفة مباشرة‪ - :‬هل تمثل التكنولوجيات‬

‫والسياسية والحضارية واألدبية‪ .‬حري من الجانب‬ ‫العربي االلتفات إلى هذه التحوالت الثقافية لِما يمّثله‬

‫الحديثة إثراء للموروث الفني وللمرجعيات والمفاهيم‬ ‫التشكيلية أم هي أداة تواصل ومجرد وسيط ال غير؟‬

‫مهم وواعد في ترويج اللغة والثقافة‬ ‫هؤالء من رصيد ّ‬ ‫العربية خارج البالد العربية وذلك بتعزيز التعاون مع‬

‫‪ -‬هل يعد الفن الرقمي تواصال للفن التقليدي‪ ،‬أم هو‬

‫تلك المؤسسات والجامعات‪.‬‬

‫تعويض التقنيات الكالسيكية؟ ‪ -‬هل يقلل االستنساخ‬

‫الرقمية‬ ‫فن قائم بذاته؟ ‪ -‬إلى أي مدى يمكن للتقنيات‬ ‫ّ‬

‫الميكانيكي المتكرر من قيمة العمل الفني ؟ ‪ -‬هل‬

‫‪34‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-35-‬‬

‫العدد األول‬

‫يحظى الفن الرقمي بنفس المكانة التي يحظى بها‬

‫الذي شهد بدوره تمي از ملحوظا جمع بين أصالة الفن‬

‫الفن الرقمي من النقد التشكيلي والتحليل االستطيقي؟‬

‫برنامج "فوتوشوب"الذي يمثل أحد برامج شركة‬

‫التشكيلي وميزات الفن الرقمي‪ .‬ولقد تبين أن استغالل‬

‫الفن التقليدي أم توجد تفرقة بينهما؟ ‪ -‬ما هو موقع‬

‫"أدوب"‪ ،‬قد يمكن من إنشاء صور ومعالجتها‪ ،‬وهو‬

‫الرقمية المبدعين والفنانين وحتى‬ ‫ساعدت التقنيات‬ ‫ّ‬ ‫الهواة على استخراج قدراتهم على التعبير والتمثيل‬

‫ما كان وراء ظهور اتجاهات تشكيلية مستحدثة‬ ‫متميزة بسرعة إنجاز فريدة مع إمكانية نسخ المتناه‬

‫الرقمية‬ ‫تنوع البرامج‬ ‫ّ‬ ‫بحثّهم على البحث تحت ّ‬ ‫ظل ّ‬ ‫والتطور المتسارع الذي تشهده التكنولوجيا المهيمنة‬

‫للعمل الواحد وضمان للدقة الراجعة لتنوع األدوات‬

‫على المشهد الحياتي البسيط وعلى الفكر البشري وما‬

‫مثل األقالم‪ ،‬الفرشاة‪ ،‬األشكال والمؤثرات المختلفة ‪.‬‬

‫ينجر عنه من برمجة للحركة‪ .‬وقد شهد الفن الرقمي‬

‫يعد تطو ار للفن‬ ‫فالفن الرقمي‪ ،‬من هذا المنظور‪ّ ،‬‬ ‫التقليدي‪ ،‬أين ُعوضت األدوات التقليدية اليدوية‬ ‫ببرمجيات وأجهزة تقنية أكثر تطور‪ .‬يملك الحاسوب‬

‫النتشار العمل الفني على أوسع نطاق فباتت بمثابة‬

‫المتنوعة مثل التكرار واإليقاع وتغيير األلوان والتباين‬

‫انتشا ار مع تواجد الشبكة العنكبوتية واكتسب أبعادا‬ ‫جديدة مدعمة بروابط تتقاطع بين الفنان والعمل الفني‬

‫الحديث القدرة الفائقة على اإلنتاج باستغالل إمكاناته‬

‫و المتلقي‪ .‬أصبحت هذه الوسيلة أسرع وأنجع طريقة‬

‫وتركيز الضوء‪ .‬هذه الخصائص تساعد دون شك‬

‫قاعات افتراضية للعرض ومفتوحة لعامة الفنانين‬

‫على تحقيق تأثيرات بصرية مختلفة ومتجددة‬

‫للتعريف السيما بأنفسهم كفنانين تشكيليين وكذلك‬

‫للعناصر المكونة للعمل الفني في مجال الفنون‬

‫بأفكارهم التشكيلية وأفعالهم اإلبداعية‪ .‬أصبح العمل‬

‫التشكيلية‪ .‬يحظى الحاسوب بأهمية كبيرة في حياتنا‬

‫الفني يدخل كل البيوت عبر الشاشات ويخاطب كل‬

‫اليومية وأصبح استخدامه ضروريا في كل ميادين‬

‫األجناس واألطياف واألعمار‪ .‬صار المتلقي خالل‬

‫اللقيات التكنولوجية‬ ‫المعرفة من أجل مواكبة‬ ‫ّ‬ ‫والمعلوماتية وعلوم المستقبل من ناحية‪ ،‬ولتسهيل‬

‫العصر الرقمي مواكبا لألعمال الفنية عبر شاشة‬ ‫الحاسوب ولم يعد سجين قاعات العرض ورهينة‬

‫بعض المعالجات التي تستهلك كثي ار من الوقت‬

‫التظاهرات الفنية القليلة لالطالع على آخر األعمال‬

‫والجهد من ناحية اخرى‪ .‬وقد ساهمت هذه العوامل‬

‫التشكيلية بل صار عنص ار فاعال في العمل الفني‬

‫كلها في استقطاب الفنانين وولوجهم رحاب‬

‫عبر االنترنت » ‪« L’interactivité‬وعلى عالقة‬

‫مباشرة بالفنان حيث يمكنه حتى وضع تعليقات على‬

‫الرقمية الحديثة ‪.‬فبالرغم من هذا‬ ‫التكنولوجيات‬ ‫ّ‬ ‫االرتباط الوثيق بالعلم والتكنولوجيات الحديثة وهذه‬

‫التي تعد جديدة على ميدان الفنون‪ ،‬تنشأ تبادالت‬

‫المبدعين يرفضون مبادئ الفن الرقمي والتطور الذي‬

‫اللوحات الفنية المعروضة على الشبكات العنكبوتية‪.‬‬

‫المطاوعة لروح العصر وتطوره‪ ،‬فإن مجموعة من‬

‫وبفضل هذه التفاعالت بين الفنان والمتلقي والناقد‪،‬‬

‫فكرية ومعلوماتية‪ ،‬ناشرة ثقافات مختلفة يستفيد بها‬

‫ط أر على العملية اإلبداعية ويقطعون بينه وبين‬

‫المعاصر‪ ،‬أضفى الدقة والحرفية على األعمال‬

‫الحاسوب هو المنفذ الرئيسي للعمل الفني و ليس‬

‫مفاهيم الفن التشكيلي الكالسيكي‪ ،‬بحجة أن‬

‫ثالثتهم ‪.‬فللحاسوب دور هام في إثراء تقنيات الفن‬ ‫المنجزة في شتى المجاالت وخاصة في ميدان الفنون‬

‫الفنان وأن الفن الرقمي يفتقر إلى الحضور المادي‬

‫‪35‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-36-‬‬

‫العدد األول‬

‫للون‪ .‬في هذا السياق‪ ،‬يمكننا العبور على قول‬

‫العصور بتحوالت هائلة غيرت عديد المفاهيم‬

‫وخاصة فيما يخص الخامات مثل الدادائيون‬

‫الدكتور راقي نجم الدين فيما يتعلق بمقارنته بين الفن‬

‫قدمه مارسال‬ ‫والتكعيبيون‪ ،‬وهنا يمكن التذكير بما ّ‬ ‫دي شامب ‪Marcel Duchamp‬من أشياء جاهزة‬

‫التقليدي والفن الرقمي‪" :‬كان هناك العديد من النقاد‬ ‫عندما ظهرت أدوات الفن الرقمي ألول مرة على‬

‫الساحة‪ .‬لم يرغب الفنانون التقليديون وصاالت‬

‫‪made-Ready‬ووقع ما خلفه عرض "النافورة "‬

‫الشهيرة سنة ‪ 2821‬وتحدياته للفكر التقليدي‪.‬‬

‫العرض أن يعترفوا بالفن الرقمي بأنه شكل "صحيح"‬

‫ويمس‬ ‫فالتغيير المفاجئ الذي يط أر على الوسط الفني‬ ‫ّ‬ ‫بالسائد‪ ،‬يقاوم بشراسة في البداية وبعد ذلك يصبح‬

‫من أشكال الفن‪ .‬كانت فكرة خاطئة مفادها أن جهاز‬

‫الحاسوب‪ ،‬و ليس الفنان‪ ،‬مسؤوال عن خلق الصور‪".‬‬

‫[‪] 2‬ويمكن الحكم بأن مثل هذا الموقف يعد قطعا‬

‫محل نقاش ويحظى في النهاية بالقبول‪ .‬فالفن الرقمي‬

‫التواصلية المفتوحة على العالم الخارجي عبر الشبكة‬

‫عدد معتبر من المبدعين‪ ،‬يعد تواصال مع السائد‬

‫بصفته اللغة الحديثة للجيل المعاصر بالنسبة إلى‬

‫جازما مع وسائل العصر الحديث واإلمكانات‬

‫العنكبوتية لالنترنت لوال أنهم يعودون إلى هذه‬

‫والموروث الفني والمرجعيات والمفاهيم التشكيلية‬

‫التقنيات الحديثة في كثير من األمور على غرار‬

‫تحت عنوان المغامرة والتصور التشكيلي والتطور‬

‫أن ثلة من المبدعين المعارضين للفن الرقمي تستغل‬

‫ّندعي أنه إبداع فني وليس استعراضا للتقنيات‬ ‫الرقمية السيما أنه قائم على الفكر‬ ‫ولتأثيرات الوسائط‬ ‫ّ‬

‫التقني الذي طال مختلف وسائط التعبير الفني‪.‬‬

‫االشهار ‪.‬فال يخفى على متصفحي مواقع االنترنت‬ ‫مواقع الواب لعرف هؤالء الفنانين بفنهم وهويتهم‬

‫باألساس في مجال تقني رحب‪ .‬فإذا اعتبر الرافضون‬

‫ومواقفهم واالقتراب أكثر من المتلقي في كافة أنحاء‬

‫لهذا الفن أن الفأرة ولوحة األزرار مجرد وسائط‬

‫العالم‪ ،‬سواء كان مؤهال للنقد أم ال‪ ،‬قصد التواصل‬

‫إلظهار صورة‪ ،‬فكذلك الشأن للفرشاة والمحمل‬

‫والتسويق‪ .‬ففكرة استغالل الحاسوب الشخصي‬

‫الممثالن لوسائط بين الفنان واإلشكالية التي يعالجها‪.‬‬

‫والبرمجيات الحديثة القت استحسانا وقبوال من طرف‬

‫فالوسيط في كلتا الحالتين وسيلة لمزج الرؤية الذهنية‬

‫المجموعة العامة‪ ،‬أما فكرة تطويعه واعتماده في‬

‫للفنان والفعل اإلبداعي فهو دائم العالقة بالعقل‬

‫األشغال الفنية والتشكيلية قد القت رفضا قطعيا‬

‫والحس‪ ،‬فاألهم هو قدرة الفنان على التخيل والخلق‬

‫يعد دخيال على الموروث‬ ‫باعتبار أن هذا الوسيط ّ‬ ‫التشكيلي‪ ،‬باقيا في إقصاء تام من طرف النقد الفني‬

‫وقدرته على التبليغ‪ .‬إن الحديث عن ميزات الفن‬

‫الصادرة حديثا نالحظ غيابا كليا لدراسة ونقد الفن‬

‫على عكس ذلك فهو امتداد وتواصل له في إطار‬

‫الرقمي ال يعني إقصاء للفن التقليدي وخصائصه بل‬

‫واالستيطيقي‪ .‬في نظرة تأملية لكتب النقد التشكيلي‬

‫البحث عن آخر المستجدات التقنية‪ ،‬وهو ما يبرر‬

‫الرقمي وتحليله االستيطيقي‪ .‬وهذا من شأنه أن يعطل‬

‫انفتاح الفن على عديد من المجاالت باندماجه مع‬

‫ويعد بمثابة موقف‬ ‫متابعة التحوالت داخل حدوثه‬ ‫ّ‬ ‫ضد هذا الفن مع تجاهل التواصل الفكري الذي‬ ‫ّ‬

‫مفاهيم الحداثة اإلبداعية التي خلقت تيارات فكرية‬

‫شتّى واعترفت بالمحدودية الفن و حتميته‪ .‬في مقاربة‬ ‫تحليلية بين الفن الرقمي والفن الكالسيكي النابض‪،‬‬

‫يربطه بالفن التقليدي‪ ،‬فهو جامع بين الموروث‬

‫األكاديمي للميدان ومواكب للعولمة‪ّ .‬مر الفن عبر‬

‫‪36‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-37-‬‬

‫العدد األول‬

‫ومن خالل البحث في الخصائص التشكيلية‬

‫الرقمية ممكنة وعلى محامل مختلفة ومتنوعة من‬ ‫ّ‬ ‫ورق وخشب وحتى القماشة (كانفس)‪ ،‬فتقاربت‬

‫الرقمية واألخرى‬ ‫بالنظر إلى‬ ‫الكالسيكية‪ .‬وهذا راجع ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التقليدية‪.‬‬ ‫التّقدم التكنولوجي المضاهي للتقنيات‬ ‫ّ‬ ‫التطرق إلى تجربتين معاصرتين لكن مختلفتين‬ ‫حاولنا‬ ‫ّ‬

‫رقمية‪ ،‬فتعددت أمام المتلقي خيارات جمالية تجاه‬

‫المتوصل إليها عبر المواد والوسائط والتقنيات‬ ‫ّ‬ ‫جد متقاربة‬ ‫المعتمدة في كال الحالتين‪ ،‬تبدو النتائج ّ‬ ‫حتى ّأنه يعسر على المتلقي التمييز بين األعمال‬

‫الرقمية والتقليدية حتى من حيث حياكة‬ ‫األعمال‬ ‫ّ‬ ‫المحمل‪ ،‬فصارت تنسخ على حوامل تقليدية بوسائط‬ ‫الرسم الواحد‪ .‬وهو ما مثل نوعا من انصهار الفن‬ ‫الكالسيكي والفن الرقمي‪ .‬فهذه النقلة النوعية في‬

‫من حيث التقنية‪ ،‬كانت األولى للفنان التشـكيلي‬

‫الرقمية شبيهة بتلك التي‬ ‫طباعة األعمال الفنية‬ ‫ّ‬ ‫شهدها الكتاب االلكتروني الذي نافس الكتاب‬

‫‪ Oort‬فكانت األعمال في مجملها حاملة ألبعاد فكرية‬

‫ذو الصبغة الورقية المادية إلى وسيط آخر ذو صبغة‬

‫الرقمي مــيشال قارسـ ــيا[‪]Michel Gracia 2‬والثانية‬ ‫ّ‬ ‫‪Jan Van‬‬ ‫للفنان "جان فان أوورت[‪،] "1‬‬

‫المطبوع وانتزع مكان الصدارة‪ ،‬فقد استبدل الوسيط‬

‫وخصائص تشكيلية ومتقاربة حتى من حيث التأثيرات‬

‫تشكيلية‬ ‫الكترونية المادية‪ .‬ظهرت مؤخ ار معالجة‬ ‫ّ‬ ‫نسبيا باعتبارها تعتمد على‬ ‫لعّلها مثيرة و مثرية‬ ‫ّ‬ ‫الرقمي والمسندي إذ يستعمل‬ ‫ازدو ّ‬ ‫اجية التقنية بين ّ‬

‫البصرية سواء من ناحية اختيار األلوان و النتوءات‬

‫تضمن العملين‬ ‫البارزة للمادة فوق سطح المحمل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تم العمل على‬ ‫تشكيلية معالجة‬ ‫مفاهيم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بحرفية حيث ّ‬

‫المصممة بالحاسوب‬ ‫الرقمية‬ ‫بعض الفنانين رسومهم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التدخل المباشر‬ ‫والبرمجيات الحديثة كمحامل قصد‬ ‫ّ‬ ‫المادة‪ .‬فتكون النتيجة عمال فنيا يجمع‬ ‫عليها باللون و ّ‬

‫إبراز العمق على محمل ثنائي األبعاد وعلى تراكب‬ ‫أللوان عاتمة وشفافة‪ ،‬حارة وباردة‪ ،‬مما تولد عنه‬

‫الرقمية والكالسيكية على نفس المحمل‪.‬‬ ‫بين التقنيات‬ ‫ّ‬ ‫فتصبح اللوحة الفنية متأثرة بما منحته الشبكات‬

‫تباينات عدة في العمل الواحد‪ .‬يمكن أن نستنتج من‬

‫خالل هذين العملين أن هاجس الفنان ليس التقنية أو‬

‫المعلوماتية من تأثيرات بصرية فاتحة آفاقا جديدة في‬

‫نوعية الوسيط المستغل إلنجاز عمل فني‪ ،‬إنما هو‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫معالجته لإلشكالية التي يطرحها وكيفية ترك بصماته‬

‫التناول والطرح والتعبير بالتوازي مع فعاليات الفرشاة‬ ‫النابضة‪ .‬في هذا السياق يمكن التطرق‬ ‫واأللوان ّ‬ ‫لعمل الفنانة التشكيلية " لويز الميراند[‪]" Louise 2‬‬

‫وترجمة أحاسيسه على المحمل مع اختيار التقنية‬

‫التي تتماشى مع ميوالته التعبيرية كأداة للجمع بين‬

‫الفكر والفعل اإلبداعي‪ ،‬فكل فنون العالم الواقعي‬

‫الرقمية مستغلة‬ ‫" ‪Lamirande‬التي تنسخ أعمالها‬ ‫ّ‬ ‫أساليب فنية مستحدثة على محامل متفاوتة األحجام‬

‫تخلق من خامات معينة يتعامل معها الفنان بأدوات‬

‫وتخترقها بواسطة الوسائط التقليدية‪ .‬فيكون عملها‬

‫خاصة‪ .‬بينما تختلف التكنولوجيات الحديثة من حيث‬

‫قائما على مرحلتين هامتين بتقنية مزدوجة ‪ :‬األولى‬

‫األدوات المتمثلة في برمجيات مثل ‪;Photoshop‬‬

‫بالحاسوب مستغلة الفأرة ولوحة األزرار والثانية‬

‫;‪Illustrateur ;3 DMAX Virtual DJ‬و ‪Paint‬‬

‫مباشرة باللون والفرشاة ‪.‬يمكن اعتبار تجربتها‬

‫‪Corel‬تفسح المجال للفنان اقصد البحث عن‬

‫التشكيلية متوافقة بين العقل‪ ،‬الفعل البشري والوسيط‬

‫ال تلك األدوات‪ .‬فبفضل تطور‬ ‫الخامة المناسبة مستغ ّ‬

‫االلكتروني الذين يربط بينهم العقل األداتي الذي‬

‫تكنولوجيا الوسائط أصبحت طباعة اللوحات الفنية‬ ‫‪37‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-38-‬‬

‫العدد األول‬

‫يعبر عنه بالتقنية‪ .‬تجمع تجربتها الفن الرقمي والفن‬

‫عبر آالت مفكرة‪ ،‬اقتناعا منا بأن الخلق والتجديد في‬

‫ومتراكبة فيما بينها في توافق وانسجام حتى أن‬

‫الموروث األكاديمي‪ ،‬يندرج ضمن الرؤية المنفردة‬

‫اليدوي فبرزت خصائصهما التشكيلية متجاورة‬

‫مجالنا‪ ،‬باستغالل التكنولوجيات الحديثة في توافق مع‬

‫الرغبة في التوفيق بينهما تضمن‬ ‫للتطور و‬ ‫الرقي‪ّ .‬‬ ‫إن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫شمولية لرؤى‬ ‫متجددة ومعاصرة للفن التشكيلي‬ ‫فكرة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫رافضة لغة االنغالق فاتحة أبوابا على الفكر الرقمي‬

‫المتلقي يعجز عن فصلهما‪ .‬فهل أن نتائج الرسم‬

‫التقليدي لم تعد تفي بالغرض؟ وهل أن الوسائط‬

‫الرقمية تفتقر إلى تأثيرات المواد التقليدية؟ ولماذا‬ ‫ّ‬ ‫اللجوء إلى المزج بين الرسم الرقمي واليدوي والتقنيات‬

‫والخيال اإلبداعي‪ .‬فمهما كانت التقنيات والمعالجات‬

‫المزدوجة؟ وهل يعتبر عملها تحديث للرقمي أو‬

‫إنشائية عمله القابلة للتحليل‬ ‫لكل نمط إبداعي‬ ‫ّ‬ ‫يبقى ّ‬ ‫ّ‬ ‫والمقاومة للعقبات والباحثة عن الحلول التي وان‬

‫للعصر وجعلت من التكنولوجيا واألدوات التقنية‬

‫ويتذوقها جمهورها والعارفون بما‬ ‫التي يفقهها مبدعوها‬ ‫ّ‬ ‫الفن‪ ]2[ .‬الدكتور راقي نجم‬ ‫تحمله من فكرة عن ّ‬ ‫الدين‪ ،‬مدونات في‪ :‬الفن و التصميم‪ ،‬ص‪، 228‬‬

‫تحديث للفن الكالسيكي؟ إجماال‪ ،‬تميزت أعمالها‬

‫تباينت وتناقضت تبقى لها حضرتها وخصوصياتها‬

‫بخصائص الفن الرقمي الذي يمثل اللغة الحديثة‬

‫عنص ًار أساسيا إلنجاز لوحاتها مازجة ما آلت إليه‬ ‫مع األلوان والمواد المختلفة بتقنيات مزدوجة‪ ،‬تاركة‬

‫أفريل ‪ ]2[ .2220‬ميشال قارسيا‪ :‬فنان وقرافيكي‬

‫بصمتها الخاصة حاضرة بين الملموس والالملموس‬

‫فرنسي يستعمل الحاسوب إلنجاز لوحاته الفنية‪.‬‬

‫وبين عالمها الواقعي وعالمها االفتراضي‪ .‬تتسع‬

‫يعرف الفنان تجربته الفنية قائال ‪: « Passionné par‬‬

‫محاملها الستغالل تقنيات مختلفة ومواد متنوعة‪،‬‬

‫فالكثافة المتنامية للتقنيات تعمل لصالح الفنان المبدع‬

‫‪les images fractales, et par le monde de‬‬

‫المتحرر من قيود التقليدي والحديث‪ .‬فالحداثة متمردة‬

‫‪l’aléatoire en mathématique, en tant que‬‬

‫على قبولها أو رفضها من طرف البعض مرحبة‬

‫‪peintre et graphiste, je me propose d’offrir au‬‬

‫بالحوار القائم بين العقل والذات الفاعلة في كنف‬

‫‪regard intéressé, mes peintures abstraites. Les‬‬

‫الحرية‪ .‬فيمكن اختزال الحداثة إلى تقنية تعكس واقع‬

‫‪textures, couleurs, et brosses sont entièrement‬‬

‫المجتمع عبر عدسة الفنان بآليات تعبيرية معاصرة‬

‫‪réalisées sous logiciel graphique et palette‬‬

‫تواكب العصر الرقمي‪ .‬ففي مواكبة العصر تحرر‬

‫‪Wacom. Impression sur toile tendue sur‬‬

‫من المألوف واستلهام من الموروث في جمع بين‬

‫‪».‬‬

‫الوسائط‪ ،‬سواء كانت رقمية أو تقليدية أو الجمع‬

‫‪d’art‬‬

‫‪papier‬‬

‫‪sur‬‬

‫‪tirage‬‬

‫‪ou‬‬

‫‪châssis‬‬

‫]‪http://www.peinturenumérique.fr [2‬جان فان‬

‫أوورت‪ :‬فنان تجريدي وموسيقي هولندي‪] 2[ .‬لويز‬

‫بينهما معا على نفس المحمل‪ ،‬بالذات الفاعلة لتنمية‬

‫الفكر بالحرية واإلبداع‪ .‬ال ضير في أن يكون الفنان‬

‫الميراند ‪:‬فنانة تشكيلية‪ ،‬ولدت سنة ‪ 2810‬في‬

‫البرمجيات والحاسوب المنتشر في كل‬ ‫ملما بلغة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إن التنظير للفصل بين الفن‬ ‫المجتمعات العصرية‪ّ .‬‬

‫الرقمية الحديثة و التقنيات‬ ‫مونريال‪ ،‬تستغل التقنيات‬ ‫ّ‬ ‫الكالسيكية على نفس المحمل النجاز أعمالها‬

‫هو امتداد وتواصل فكري للفن التقليدي والتشكيلي‬

‫لقطة قريبة ربما تحتوي الصورة على‪ :‬نص مفاده‬

‫التشكيلية‪ .‬ربما تحتوي الصورة على‪ :‬شخص واحد‪،‬‬

‫الرقمي والتقليدي فقد شيئا من معناها‪ ،‬فالفن الرقمي‬ ‫‪38‬‬


‫‪-39-‬‬

‫الثقافية التونسية‬

‫العدد األول‬ ‫ظم الحياة‬ ‫ما هي في آخر األمر ّإال قيم اجتماعية تن ّ‬ ‫توشح في نهاية‬ ‫قياسات ومواقيت واعتبارات ومعايير ّ‬ ‫بهية من األخالق المتعالية‪ .‬يقبل‬ ‫المطاف بحلل ّ‬ ‫الصبية على تمر "نفزاوة"[‪ ]1‬المشقوق نصفين وقد‬ ‫يهش لها اآلكلون‬ ‫بهية ّ‬ ‫سرتهم صفرته المشوبة بشقرة ّ‬ ‫ّ‬ ‫فيصحبونها بجرعات منتظمة من حامض "اللبن"‬ ‫الممخوض ليتأّلف من هذا وذاك "غذاء كامل" يغني‬ ‫عن غيره من الوجبات الخفيفة كـ ــ"الـڤـلية" [‪]1‬‬ ‫والشرشي [‪ .]9‬وإذا صادف أن فطن بعض الصبية‬ ‫تتلوى‬ ‫لتلك الديدان الصغيرة ذات الشقرة الشّفافة وهي ّ‬ ‫المنصفة سارع أحد األولياء إلى‬ ‫بين تلك األنصاف‬ ‫ّ‬ ‫يحمر‬ ‫القول في حزم ودود ووثوق لطيف‪ ":‬تمر الدود ّ‬ ‫الخدود ‪".‬ينزل ذلك الصوت نزول هاتف من هواتف‬ ‫حسه وال ُيرى‬ ‫السماء قادم من وراء الغيوب ُيسمع ّ‬ ‫وتتردد في األجواء تلك الجملة‬ ‫شخص صاحبه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫حجة دامغة وحكمة بالغة‬ ‫الموزونة المسجوعة لتهبط ّ‬ ‫مثلما هو الشأن بالنسبة إلى بقايا "الكسرة"[‪]8‬التي‬ ‫ألنها في حالة‬ ‫يجب ّأال تلقى ولو كانت قطعا صغيرة ّ‬ ‫"تدڤ"[‪]22‬وتُنزل بمن يفعل ذلك رج از‬ ‫االستهانة بها‬ ‫ّ‬ ‫الذرية"[‪]22‬نكاال وعقابا‬ ‫من السماء أليما "يعكل في ّ‬ ‫لذويهم‪ ،‬ذلك ّأنه يجب على األطفال وهم اآلباء‬ ‫ـ"القوة" كما يقول المتفلسفون القدامى‪ ،‬يجب عليهم‬ ‫بـ ّ‬ ‫الحصرم"[‪]22‬حتّى ال يضرس أبناؤهم‪.‬‬ ‫أن ال يأكلوا " َ‬ ‫كذلك الشأن عندما يتعّلق األمر بالتمر ‪.‬اآلن وقر في‬ ‫وضاحة‬ ‫أن "تمر الدود" يجعل الوجوه ّ‬ ‫أذهان النشء ّ‬ ‫الرمان‪.‬‬ ‫وكأنما ألقي عليها‬ ‫وضاءة تتّقد حمرة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫استوعب األطفال مثل تلك األشياء واستبطنوها‬ ‫الشك العتقادهم الكمال في‬ ‫"حقائق" ال َيرقى إليها‬ ‫ّ‬ ‫القوة‬ ‫أمهاتهم وسائر أقاربهم وذويهم من أهل ّ‬ ‫آبائهم و ّ‬ ‫واالقتدار والمعرفة واإللمام بما ال يفقهه الصغار‪.‬‬ ‫شهياتهم من جديد على‬ ‫وماهي ّإال أن تنفتح‬ ‫ّ‬ ‫مصاريعها‪ ،‬يا للظفر! أيمكن أن يجمعوا في آن معا‬ ‫مفيدا وممتعا؟ أيمكن أن نفوز بالضروري‬ ‫وبالحاجي‬ ‫ّ‬ ‫ثم هل يجوز أن نترك‬ ‫وبالتحسيني في الوقت نفسه؟ ّ‬ ‫تمر دون أن نركم الغذاء والدواء على‬ ‫هذه المناسبة ّ‬ ‫يحق لنا أن نذر هذه الفرصة‬ ‫الجمال والبهاء؟ هل ّ‬ ‫طيبا بإضافة زينة‬ ‫تعبر دون أن نفترصها حالال ّ‬

‫'‪ 2220‬رقمية و مزدوجة تقنية رقمية‪ ،‬طبيعة نويز‬ ‫‪hybrides‬‬

‫‪peintures‬‬

‫‪Lamirande,‬‬

‫‪Louise‬‬

‫‪découlant de la fusion numérique de peinture‬‬ ‫‪en techniques mixtes 2015‬‬

‫الدكتور احمد الخصخوصي يكتب لكم الترحال‬ ‫شتاء وصيفا بين الغريس وسقدال‬

‫الدكتور احمد الخصخوصي يكتب لكم‬

‫"تمر الدود يح ّمر الخدود"‬

‫ركت اإلبل ولم يبق ّإال أن تُ َنزل أحمالها وتُْلقى أثقالها‬ ‫وتدب في‬ ‫أمام بيوت الشعر المتّجهة إلى القبلة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تبشر‬ ‫ساحة‬ ‫"الدوار"[‪]2‬حركة نشيطة غير مألوفة ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشبان والكهول‬ ‫الجميع بما أمنوا من جوع‪،‬‬ ‫ويهب ّ‬ ‫ّ‬ ‫يفكون‬ ‫والنساء "المذرعات"[‪]2‬إلى الغرائر[‪]1‬المقرنة ّ‬ ‫كل‬ ‫ثم ّ‬ ‫يفكون قران ّ‬ ‫رباطاتها وينزلونها "مذارعة" [‪ّ .]2‬‬ ‫غ اررتين فصال لهما عن بعضهما وال يلبثون أن‬ ‫ثم يرصفونها عموديا‬ ‫يدخلوا الغرائر إلى البيوت ّ‬ ‫بجانب الركائز[‪]0‬وعلى إثر ذلك ينطلق الصبية في‬ ‫حركة كحركة الفراش ُليلقوا نظرات فاحصة على‬ ‫البضاعة المزجاة التي ستحول بينهم وبين المسغبة‪.‬‬ ‫التذوق تشرف العائلة‬ ‫وسرعان ما تنتظم حصص من ّ‬ ‫على تأطيرها وإدارتها بما يناسب أحوال المعيشة‬ ‫عامة ليدرك األطفال‬ ‫خاصة ويوائم ظروف العيش ّ‬ ‫ّ‬ ‫بالتحسس وبالتنشئة جوانب من الواقع‬ ‫فشيئا‬ ‫شيئا‬ ‫ّ‬ ‫الطبيعي واالجتماعي‪ ،‬هذه الجوانب التي ال تلبث أن‬ ‫تنتصب في أذهانهم الصغيرة انتصاب الضوابط‬ ‫الصارمة والحقائق القائمة وقد أخذ بأيديهم الوعي‬ ‫أن القيم األخالقية‬ ‫الحسي وأوقفهم على ّ‬ ‫الحسي وغير ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪39‬‬


‫الثقافية التونسية‬

‫‪-41-‬‬

‫العدد األول‬ ‫)]‪[3‬الغرائر هي الجوالق‪ ،‬جمع واحدته غ اررة وهي‬ ‫الكيس المصنوع من وبر اإلبل وشعر الماعز توضع‬ ‫فيها الحبوب والتبن ونحو ذلك‪.‬‬ ‫)]‪ [4‬باالعتماد على أذرعتهم ومعاصمهم وأصابعهم‬ ‫المشتبكة‪.‬‬ ‫)‪ [5‬األعمدة القائمة وسط البيت الفاصلة بين‬ ‫"الخالفتين" اليمنى واليسرى‪ ،‬و"الخالفتان" المنفصلتان‬ ‫هما بمثابة الغرفتين المفصولتين بستار من‬ ‫"المالحف" أو الحوالي النسائية التي تقوم مقام‬ ‫العباءة بالنسبة إلى المرأة ‪.‬‬ ‫)]‪[6‬هي تقريبا ما يقابل والية قبلي الحالية‪.‬‬ ‫"الغناي"‪ ،‬وهو‬ ‫)]‪ [7‬وهي الحبوب المقلية في‬ ‫ّ‬ ‫الطاجين يكون من طين أو من معدن‪.‬‬ ‫" )]‪ [8‬الشرشى"‪ :‬وهو القمح المسلوق في الماء‬ ‫ويسمى في بعض جهات الشمال ب ــ"السليقة‪".‬‬ ‫ّ‬ ‫)]‪ [9‬هي الكسرة أو الرغيف‪.‬‬ ‫تنجر عنها عقوبة‪ ،‬وذلك لعدم إكرام "النعمة‪".‬‬ ‫)]‪ّ [10‬‬ ‫سيئة على الخلف ‪.‬‬ ‫)]‪ [11‬تكون له عواقب ّ‬ ‫)]‪ّ [12‬أول العنب وال يزال العنب ما دام أخضر‬ ‫حصرما‪ ،‬وهو الثمر قبل النضج ويكون شديد‬ ‫مادة حصرم)‪.‬‬ ‫الحموضة (ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ّ ،‬‬ ‫)]‪[13‬جمع مفرده ملحفة وهي بمثابة العباءة‪.‬‬ ‫امحمد بن نصر‬ ‫عمار بن‬ ‫ّ‬ ‫)]‪ [14‬هي ذهبية بنت ّ‬ ‫بن فاضل بن زايد‪.‬‬ ‫الصغير‬ ‫محمد‬ ‫)]‪ [15‬هو الهادي بن‬ ‫ّ‬ ‫علي بوزيد بن ّ‬ ‫ّ‬ ‫بن فرح بن فاضل بن زايد ‪.‬‬ ‫محمد بن علي األسود بن‬ ‫)]‪[16‬هي فجرة بنت‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نصر بن فاضل بن زايد ‪.‬‬ ‫الفضة ‪.‬‬ ‫)]‪[17‬الفجرة تعني ّ‬ ‫)]‪[18‬والبدرة تعني الذهب‪.‬‬

‫المظهر إلى صالح الجوهر؟ ّإنه الفوز المبين الذي‬ ‫يسره االقتناع‬ ‫ال يلّقاه ّإال ذو ح ّ‬ ‫ظ عظيم‪ .‬وفي يسر ّ‬ ‫الذاتي الحاصل وسهولة سهّلتها الصفحات البيضاء‬ ‫المنصفة سواء منها‬ ‫ُيقبل األطفال على األنصاف‬ ‫ّ‬ ‫بكل بساطة ما يجدونه من‬ ‫ّ‬ ‫البنية أو الشقراء فيزيحون ّ‬ ‫ن‬ ‫ديدان وما يلفونه من بقايا الديدان دو أن يكّلفوا‬ ‫مهمة غسل التمر‪ .‬يكفيهم أن يطرحوا الديدان‬ ‫أنفسهم ّ‬ ‫األهم من‬ ‫جانبا وينفخوا بأفواههم على آثارها الباقية‪ .‬و ّ‬ ‫أن الماء يقوم على وجه الحقيقة مقام الكنز‬ ‫كل ذلك ّ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫أن العيو نادرة ومنسوب‬ ‫الذي ال ّ‬ ‫يقدر بثمن‪ ،‬ذلك ّ‬ ‫الماء بها ضعيف والدروب إليه وعرة والمسارب‬ ‫الموصلة إليه ملتوية والمسافات الفاصلة بينه وبين‬ ‫شاق مضن‬ ‫الدوار طويلة‪ .‬والحاصل ّ‬ ‫أن جلب المياه ّ‬ ‫ّ‬ ‫هن‬ ‫سيما بالنسبة إلى من ال ركوبة له‪ ،‬والنسوة ّ‬ ‫وال ّ‬ ‫خاصة عندما يحملن على‬ ‫الالتي يتعبن ويشقين‬ ‫ّ‬ ‫أكتافهن القرب والقالل يشددنها إلى‬ ‫هن و‬ ‫ّ‬ ‫ظهور ّ‬ ‫وجباههن بأشرطة صفر من الحلفاء أو‬ ‫رؤوسهن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بعرى سود من شعر الماعز‪ .‬ويحدث أحيانا عند‬ ‫التنّقل غير المنتظم الذي تعّقده التضاريس المتفاوتة‬ ‫أن تتكّلم "القالل "وتدفع بما فيها من ماء دفعات‬ ‫متتالية تنزل على األكتاف والظهور وتبّلل سود‬ ‫"المالحف"[‪ ]21‬ورّبما سرب البلل والبرد إلى الرئات‬ ‫فأصابها بما أصابها من األدواء والعلل‪ .‬ألم تعلموا‬ ‫ضحية‬ ‫عمار العايب[‪]22‬قد كانت‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن ذهبية بنت ّ‬ ‫ذلك‪ .‬توّفيت وخّلفت ابنها الهادي[‪]20‬يتيما يبكي مع‬ ‫أن اليتيم‬ ‫الباكيات وقد وسوس إليه حدسه المتيّقظ ّ‬ ‫أمه ال من فقد أباه ‪.‬توّفيت‬ ‫اليتيم ّإنما هو من فقد ّ‬ ‫أمها فجرة[‪]21‬ثكلى تنوح مع النائحات‬ ‫ذهبية وتركت ّ‬ ‫تفجع‬ ‫وتتفجع‬ ‫نواح حجارة كريمة على أختها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فجرة[‪]21‬على بدرة[‪ )2 .]29‬هذه العبارة متداولة في‬ ‫أقطار المغرب العربي وفي المشرق العربي‪ ،‬وتعني‬ ‫الحي البدوي‬ ‫المكون عادة من مجموعة من الخيام‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تكون على شكل نصف دائرة وعادة ما تخضع مواقع‬ ‫بيوت الشعر حسب مقتضيات دقيقة تتعّلق بالحماية‬ ‫من الغارات المتوّقعة وبالظروف الطبيعية المرتقبة‬ ‫القوية ‪.‬‬ ‫)]‪. [2‬ذوات األذرع ّ‬

‫‪40‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.