Fear in the story of prophet "Moses" peace be upon him. Objective, analytical study

Page 1

Journal of Social Sciences (COES&RJ-JSS) ISSN (E): 2305-9249 ISSN (P): 2305-9494 Publisher: Centre of Excellence for Scientific & Research Journalism, COES&RJ LLC

Online Publication Date: 1st October 2020 Online Issue: Volume 9, Number 4, October 2020 https://doi.org/10.25255/jss.2020.9.4.1320.1338

Fear in the story of prophet "Moses" peace be upon him. Objective, analytical study Dr. Hamza Salem Issa Assistant Professor Islamic University of Minnesota, USA Abstract: Fear is considered as an innate instinct of the human being created on it, and since this innate instinct has a great impact on a Muslim in his behavioral and advocacy activities on himself as well as on society, thus the Qur'anic stories had a great role in highlighting and explaining the way how to deal with it in all conditions and the activities of the Muslim, on top of these stories is the story of "Moses" peace be upon him. Thus and starting from this fact, came the idea of this research to show the effect of the instinct of fear based on the approach of the prophets and messengers being the best example for all humans, and how to deal with it ‫ ــ‬The Great Allah said: (You have had lessons in their stories) ]Yousef : 111[ ‫ ــ‬this is through studying the verses that dealt with this subject in the story of Moses, and analyzing these verses , and devising the divine approach in dealing with this instinct. It was found to the researcher that the effect of fear in the story of Moses, peace be upon him, was positive on all stages of his life before and after his prophetic mission, as it was a material cause that God gave to him so that he could escape from the attempt killing him by Pharaoh and his army, and this was before the appearance of the prophetic mission, but after that, fear of Moses Peace be upon him became on the message itself and not on the messenger, so the fear that they would hasten to kill him which means that if the killing is happened then the intended message would not happen , as well as fear when confronting magicians became a hidden one inside Moses, did not appear in his face, no This work is licensed under a Creative Commons Attribution 4.0 International License.


‫‪Journal of Social Sciences (COES&RJ-JSS), 9(4), pp.1320-1338‬‬

‫‪wonder that it will not appear after which God brought him under his eyes and‬‬ ‫‪care, until the fear disappeared after the drowning of Pharaoh and his army, no‬‬ ‫‪longer had an effect in the heart of Moses, peace be upon him, or an effect on‬‬ ‫‪the scenes of his story.‬‬ ‫‪Keywords:‬‬ ‫‪The story of Moses peace be upon him, Fear‬‬ ‫‪Citation:‬‬ ‫‪Issa, Hamza Salem (2020); Fear in the story of prophet "Moses" peace be upon‬‬ ‫‪him. Objective, analytical study; Journal of Social Sciences (COES&RJ-JSS), Vol.9,‬‬ ‫‪No.4, pp:1320-1338; https://doi.org/10.25255/jss.2020.9.4.1320.1338.‬‬

‫الخوف في قصة موسى عليه السالم‬ ‫دراسة موضوعية تحليلية‬ ‫ملخص‬ ‫يعد الخوف غريزة فطرية جبل اإلنسان عليها‪ ،‬ولـما لهذه الغريزة من أثر كبير على المسلم‬ ‫في نشاطه السلوكي والدعوي على نفسه وعلى المجتمع‪ ،‬وكان للقصص القرآني دور كبير في‬ ‫إبرازها وبيان طريقة التعامل معها في جميع أحوال ونشاطات المسلم‪ ،‬وعلى رأس هذه القصص‬ ‫قصة موسى عليه السالم‪ ،‬ومن هنا جاءت فكرة هذا البحث لبيان أثر غريزة الخوف على منهج‬ ‫األنبياء والرسل قدوة جميع البشر وكيفية التعامل معها ــ قال تعالى‪( :‬لقد كان في قصصهم عبرة)‬ ‫[يوسف‪ ]111 :‬ــ وذلك من خالل دراسة اآليات التي تناولت هذا الموضوع في قصة موسى عليه‬ ‫السالم وتحليلها واستنباط المنهج الرباني في التعامل مع هذه الغريزة‪.‬‬ ‫وقد تبين للباحث أن تأثير الخوف في قصة موسى عليه السالم كان إيجابيا ً على جميع‬ ‫مراحل حياته قبل البعثة وبعدها‪ ،‬فقد كان سببا ً ماديا ً يسره هللا له حتى يتمكن من الفرار من القتل من‬ ‫فرعون وجنده‪ ،‬وكان هذا قبل البعثة‪ ،‬وأما بعدها فقد أصبح الخوف عند موسى عليه السالم على‬ ‫الرسالة ال على الرسول‪ ،‬فالخوف من أن يبادروا إلى قتله وحينئذ ال يحصل المقصود من البعثة‪،‬‬ ‫وكذلك الخوف عند مواجهة السحرة أصبح خوفا ً مخفيا ً في نفس موسى عليه السالم لم يظهر على‬ ‫مالمحه‪ ،‬وكيف يظهر بعد صناعة هللا له‪ ،‬إلى أن اختفى ذكر الخوف بعد غرق فرعون وجنده‪ ،‬فلم‬ ‫يعد له أثر في قلب موسى عليه السالم أو تأثير على مشاهد قصته‪.‬‬ ‫الكلمات الدالة‪ :‬قصة موسى عليه السالم‪ ،‬الخوف‪.‬‬ ‫مقدمة البحث‬ ‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف الخلق والمرسلين‪ ،‬سيدنا محمد وعلى‬ ‫آله وأصحابه أجمعين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬ ‫فإن هللا تعالى لما خلق الخلق‪ ،‬أودع فيهم غرائز فطرية هي المحركات األولى لكل نشاط‬ ‫حركي أو عقلي أو وجداني‪ ،‬فردي أو جماعي(‪ ،)1‬وما ذاك إال ليحفظ كل جنس جنسه ويستمر في‬ ‫الح ياة على األرض‪ ،‬ومن الغرائز الفطرية الدافعة غريزة الخوف‪ ،‬التي يشترك بها جنس البشر مع‬ ‫غيره من المخلوقات‪ ،‬فبها يحمي اإلنسان نفسه من كثير من المهلكات مما غلب عليه ظنه في أنها‬ ‫شر ال بد من اتقائه‪.‬‬ ‫ولذلك فإن الخوف غريزة فطرية جبل اإلنسان عليها ال داع إلنكارها أو التظاهر بإخفائها‪،‬‬ ‫ولنا مع قصص األنبياء والمرسلين الدرس العظيم الذي سطرته آيات كتاب رب العالمين‪ ،‬وما ذاك‬ ‫إال ليكون درسا ً لنا ونبراسا ً نستهل منه مناهج وأساليب في الدعوة إلى هللا‪ ،‬ومن أبرز هذه القصص‬ ‫قصة سيدنا موسى عليه السالم‪.‬‬ ‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬علي أحمد مدكور‪ ،‬مناهج التربية أسسها وتطبيقاتها‪ ،‬ص‪.87‬‬ ‫‪1321‬‬


‫‪Fear in the story of prophet "Moses" peace be upon him. Objective, analytical study‬‬

‫وقد وصف القرآن الكريم مواقف كثيرة في قصة موسى عليه السالم بالخوف‪ ،‬ومع كل‬ ‫الشجاعة واإلقدام التي عرفت عن موسى عليه السالم لم يكن لهذا الخوف إال كل أثر طيب من‬ ‫إصرار وثبات في دعوته لقومه أمام طغيان فرعون وملئه وجبروتهم أوالً‪ ،‬ثم أمام قومه المترددين‬ ‫المترنحين ثانيا ً الذين عبَّر عنهم نبيهم وبعد جوالت طويلة معهم فقال‪( :‬رب إني ال أملك إال نفسي‬ ‫وأخي) [المائدة‪ .]25 :‬وقد كان ذلك في مشاهد قصة موسى عليه السالم قبل بعثته وبعدها‪ ،‬األمر‬ ‫الذي يجعل من قصته قدوةً للدعاة في تعاملهم مع الخوف في أي مرحلة من مراحل دعوتهم‪.‬‬ ‫مشكلة البحث‪:‬‬ ‫يتناول هذا البحث آيات محددة تتحدث عن الخوف في قصة موسى عليه السالم‪ ،‬ويهدف إلى‬ ‫اإلجابة عن األسئلة اآلتية‪:‬‬ ‫ ما معنى الخوف‪ ،‬وما الفروق الدقيقة بينه وبين األلفاظ القريبة منه؟‬‫ ما أثر الخوف على النبي موسى عليه السالم قبل البعثة؟‬‫ ما أثر الخوف على النبي موسى عليه السالم بعد البعثة؟‬‫ ما هي الفوائد الدعوية المستنبطة من مشاهد الخوف في قصة موسى عليه السالم في القران‬‫الكريم؟‬ ‫أهداف البحث‪:‬‬ ‫يهدف هذا البحث إلى‪:‬‬ ‫ تعريف الخوف وبيان الفروق الدقيقة بينه وبين األلفاظ القريبة منه‪.‬‬‫ بيان أثر الخوف على النبي موسى عليه السالم وكيفية التعامل معه قبل بعثته وبعدها؟‬‫ بيان الفوائد الدعوية المستنبطة من مشاهد الخوف في قصة موسى عليه السالم في القران الكريم‪.‬‬‫أهمية البحث‪:‬‬ ‫تظهر أهمية البحث في كونه متعلقا ً بكتاب هللا تعالى‪ ,‬أشرف كتاب في الوجود‪ ,‬وبكونه‬ ‫متعلقا ً في القصص القرآني الذي يعدل ثلث القرآن‪ ,‬وبكونه يعرفنا بغريزة لها أثر كبير على حياة‬ ‫كل مسلم أال وهي الخوف‪ ،‬وترشدنا إلى التعامل األصح في توجيه انفعاالت هذه الغريزة على خطا‬ ‫األنبياء والرسل عليهم السالم‪.‬‬ ‫منهجية البحث‪:‬‬ ‫ المنهج االستقرائي‪ :‬القائم على استقراء اآليات التي تتناول موضوع الخوف في قصة موسى عليه‬‫السالم‪.‬‬ ‫ المنهج التحليلي‪ :‬القائم على النظر التحليلي التفكيكي لآليات التي ذكرت مشاهد الخوف في القصة‬‫مع مراعاة السياق‪.‬‬ ‫ المنهج االستنباطي‪ :‬القائم على استنباط واستنتاج المنهج الرباني في التعامل مع غريزة الخوف‬‫في قصة موسى عليه السالم‪.‬‬ ‫محددات البحث‪:‬‬ ‫تجدر اإلشارة هنا إلى أنني سأقتصر على دراسة لفظة الخوف ومشتقاتها التي ذكرت في‬ ‫مشاهد تخص موسى عليه السالم وحده‪ ،‬دون باقي شخصيات قصة موسى عليه السالم‪ ،‬والتي‬ ‫سأكتفي باإلشارة إليها‪.‬‬ ‫الدراسات السابقة‪:‬‬ ‫لم أجد ــ في حدود علمي ــ دراسة علمية متخصصة وشاملة عن الخوف في قصة موسى‬ ‫عليه السالم تحديداً‪ ،‬لكنني وجدت رسائل متعلقة بموضوع الخوف في القرآن الكريم والقصص‬ ‫القرآني بشكل عام وكدراسات موضوعية‪ ،‬ومن هذه الدراسات‪:‬‬ ‫ رسالة ماجستير بعنوان‪" :‬الخوف في القصص القرآني" إعداد‪ :‬عبد القادر محمد فتحي المطري‪،‬‬‫إشراف الدكتور حاتم جالل التميمي‪ ،‬جامعة القدس‪ ،‬فلسطين‪ .2011 ،‬ولم يتناول مؤلف هذه‬ ‫الدراسة جميع اآليات التي تتحدث عن الخوف في قصة موسى عليه السالم في تسلسل ونسق واحد‪،‬‬ ‫‪1322‬‬


‫‪Journal of Social Sciences (COES&RJ-JSS), 9(4), pp.1320-1338‬‬

‫فقد حاول أن يتحدث في دراسته التي ال تزيد عن ‪ 205‬صفحات عن الخوف وأسهب في تعريفه‬ ‫وتبين الفرق بينه وبين األلفاظ المقاربة له كالرهب والخشية والرعب ‪ ..‬ثم حاول أن يستوعب جميع‬ ‫القصص القرآني التي ذكر فيها الخوف معلقا ً وشارحا ً ومستنتجا ً لمنهج القرآن القصصي في معالجة‬ ‫الخوف على حد تعبيره‪.‬‬ ‫ دراسة ماجستير بعنوان‪" :‬االنفعاالت النفسية عند األنبياء في القرآن الكريم"‪ ،‬إعداد‪ :‬إبراهيم‬‫مصطفى‪ ،‬إشراف‪ :‬د‪ .‬عودة عبد القادر‪ ،‬ود‪ .‬رسمية عبد القادر‪ ،‬جامعة النجاح‪ .2009 ،‬لم تشتمل‬ ‫الدراسة عند حديثها عن انفعال الخوف في قصة موسى على جميع اآليات التي قصت لنا مواقف‬ ‫الخوف مع سيدنا موسى عليه السالم‪ ،‬وذلك لمحاولة المؤلف أن يستوعب جميع االنفعاالت مع‬ ‫انفعال الخوف ولجميع األنبياء عليهم الصالة والسالم‪.‬‬ ‫ بحث بعنوان‪" :‬انفعال الخوف عند األنبياء وقيمته اإليجابية‪ ،‬دراسة في القصص القرآني" من‬‫تأليف‪ :‬د‪ .‬عودة عبد القادر‪ ،‬ود‪ .‬رسمية عبد القادر‪ ،‬و أ‪ .‬إبراهيم مصطفى‪ ،‬مجلة الجامعة األردنية‪،‬‬ ‫‪ .2011‬وقد اقتصر في هذا البحث على بعض مواقف الخوف في قصة موسى عليه السالم لمحاولة‬ ‫استيعاب جميع قصص األنبياء‪.‬‬ ‫ بحث بعنوان‪" :‬الخوف في ضوء القرآن الكريم" إعداد‪ :‬الدكتور محمد يوسف الديك‪ ،‬مجلة المجمع‪،‬‬‫العدد‪ .2015/12 :‬وقد تحدث عن الخوف في القرآن الكريم بشكل عام‪ ،‬والتفت إليه في قصة موسى‬ ‫ع ليه السالم في صفحتين ولم يحلل مواقف الخوف التي مر بها سيدنا موسى عليه السالم أو يوضح‬ ‫أثر ذلك على قصته‪.‬‬ ‫هيكلية البحث‪:‬‬ ‫قسمت البحث إلى مقدمة وتمهيد وثالثة مطالب وخاتمة على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫* المقدمة‪ :‬وفيها مشكلة البحث وأهدافه وأهميته ومنهجيته ومحدداته والدراسات السابقة المتعلقة‬ ‫به‪.‬‬ ‫* التمهيد‪ :‬وفيه‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬تعريف الخوف لغة واصطالحا ً‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬ملخص إحصائي عن مادة الخوف في القرآن الكريم‪ ،‬وفي القصص القرآني تحديداً‪.‬‬ ‫ثالثا ً‪ :‬األلفاظ القريبة من لفظة (الخوف) والفروق الدقيقة بينهما‪.‬‬ ‫ الخوف‪ ،‬الخ ْشية‪ ،‬ال َّر ْهبة‪ ،‬الر ْعب‪ ،‬الفزع‪ ،‬الوجل‪.‬‬‫* المطلب األول‪« :‬الخوف» في قصة سيدنا موسى عليه السالم قبل البعثة‪:‬‬ ‫أوالً‪« :‬الخوف» عند مولد موسى عليه السالم‪:‬‬ ‫ثانياً‪« :‬الخوف» عند موسى عليه السالم بعد قتله للقبطي‪:‬‬ ‫* المطلب الثاني‪« :‬الخوف» في قصة سيدنا موسى عليه السالم بعد البعثة‪:‬‬ ‫أوالً‪« :‬الخوف» في مشهد مناجاة هللا تعالى لموسى عليه السالم‪:‬‬ ‫أ‪« .‬الخوف» في مشهد خطاب هللا تعالى لموسى عليه السالم‪:‬‬ ‫ب‪« .‬الخوف» في مشهد خطاب موسى عليه السالم مع هللا تعالى‪:‬‬ ‫ثانياً‪« :‬الخوف» بعد بعثة هارون عليه السالم وقبل مواجهة فرعون‪:‬‬ ‫ثالثا ً‪« :‬الخوف» عند مواجهة فرعون‪:‬‬ ‫رابعا ً‪« :‬الخوف» عند مواجهة السحرة‪:‬‬ ‫خامسا ً‪« :‬الخوف» في مشهد الهروب من مصر‪:‬‬ ‫* المطلب الثالث‪ :‬الفوائد الدعوية المستنبطة من مشاهد الخوف في قصة موسى عليه السالم في‬ ‫القران الكريم‪:‬‬ ‫* الخاتمة‪.‬‬ ‫* المصادر والمراجع‪.‬‬ ‫* التمهيد‪:‬‬ ‫‪1323‬‬


‫‪Fear in the story of prophet "Moses" peace be upon him. Objective, analytical study‬‬

‫أوالً‪ :‬تعريف الخوف لغة واصطالحاً‪.‬‬ ‫الخوف في اللغة‪:‬‬ ‫يقول ابن فارس‪" :‬الخاء والواو والفاء أص ٌل واح ٌد يدل على الذعر والفزع‪ ،‬يقال خفت‬ ‫الشيء خوفا ً وخيفةً‪ ،‬وهو ضد األمن‪ ،‬قال تعالى‪( :‬وآمنهم من خوف) [قريش‪ ،)1("]4 :‬والخيْفة‬ ‫الخوف‪ ،‬واإلخافة التَّخويف(‪.)2‬‬ ‫الخوف في االصطالح‪:‬‬ ‫يقول الراغب األصفهاني‪" :‬الخوف‪ :‬توقّع مكروه عن أمار ٍة م ْ‬ ‫ظنون ٍة‪ ،‬أو معلوم ٍة ‪ ..‬ويضاد‬ ‫الخوف األمن‪ ،‬ويستعمل ذلك في األمور الدنيوية واألخروية‪ ،‬والخوف من هللا ال يراد به ما يخطر‬ ‫ّ‬ ‫الكف عن المعاصي واختيار‬ ‫بالبال من الرعب‪ ،‬كاسْتشعار الخوف من األسد‪ ،‬بل إنّما يراد به‬ ‫الطّاعات‪ ،‬ولذلك قيل‪ :‬ال يعد خائفا ً من لم يكن للذنوب تاركاً"(‪.)3‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫وعرَّف الغزالي الخوف بقوله‪" :‬تألم القلب بسبب توقع مكروه في االستقبال" ‪.‬‬ ‫وعرَّفه ابن قيم الجوزية بأنه‪" :‬اال ْنخالع من طمأنينة األمن بمطالعة الخبر"(‪.)5‬‬ ‫وقد ذكر ابن الجوزي أن‪" :‬الخوف لما يستقبل‪ ،‬والحزن لما فات"(‪.)6‬‬ ‫وعليه؛ فإنه يمكن تعريف الخوف بأنه شعو ٌر قلب ٌي بتوقع حصول مكرو ٍه له حاالً أو‬ ‫مستقبالً‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬ملخص إحصائي عن مادة الخوف في القرآن الكريم‪ ،‬وفي القصص القرآني تحديداً‪.‬‬ ‫وردت مادة الخوف ومشتقاتها في القرآن الكريم في أربعة وعشرين ومائة موضع‪ ،‬جاء في‬ ‫سبعة وثمانين منها بصيغة الفعل‪ ،‬وجاء في سبعة وثالثين موضعاً بصيغة االسم‪ ،‬ووردت مادة‬ ‫الخوف ومشتقاتها في القصص القرآني تسعة وثالثين مرة‪ ،‬منها أربعة وعشرون مرة في قصة‬ ‫موسى عليه السالم وحدها(‪ ،)7‬أي بنسبة الثلثين تقريبا ً من مجموع ورود مشتقات الخوف في جميع‬ ‫قصص األنبياء‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬األلفاظ القريبة من لفظة (الخوف) والفروق الدقيقة بينهما‪.‬‬ ‫ف وذ ْع ٍر"(‪.)8‬‬ ‫ الخشية‪ :‬في اللغة‪ :‬يقول ابن فارس‪" :‬الخاء وال ِّشين والحرف المعتل يدل على خوْ ٍ‬‫ٌ‬ ‫خوف يشوبه تعظيم‪ ،‬وأكثر ما يكون‬ ‫وفي االصطالح؛ يقول الراغب األصفهاني‪" :‬الخشية‬ ‫ً‬ ‫ذلك عن علم بما يخشى منه"(‪ .)9‬وزاد الزركشي بقوله‪" :‬وإن كان الخاشي قويا‪ ،‬والخوْ ف يكون من‬ ‫ضعْف الخائف وإ ْن كان المخ ِّوف أمرً ا يسي ًرا"(‪.)10‬‬ ‫وذكر الفيروزآبادي أن هللا قد خص الخشية بالعلماء كما في قوله تعالى‪( :‬إنما يخشى هللا من‬ ‫عباده العلماء) [فاطر‪ ،]28 :‬فهي خشية تدل على استشعار بالخوف نابع عن معرفة(‪.)11‬‬ ‫وعليه ‪ ،‬فالخشية أخص من الخوف‪ ،‬إذا يالزمها علم ومعرفة واستشعار بعظمة المخشي‪- .‬‬ ‫ف‪ ،‬واآلخر‬ ‫الرهب‪ :‬في اللغة‪ :‬يقول ابن فارس‪" :‬ال ّراء والهاء والباء أصالن‪ :‬أحدهما يدل على خوْ ٍ‬

‫(‪ )1‬ابن فارس‪ ،‬مقاييس اللغة‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.230‬‬ ‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الرازي‪ ،‬مختار الصحاح‪ ،‬ص‪.98‬‬ ‫(‪ )3‬األصفهاني‪ ،‬المفردات في غريب القرآن‪ ،‬ص‪.304‬‬ ‫(‪ )4‬الغزالي‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.155‬‬ ‫(‪ )5‬ابن قيم الجوزية‪ ،‬مدارج السالكين‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.511‬‬ ‫(‪ )6‬ابن الجوزي‪ ،‬منتخب قرة العيون النواظر‪ ،‬ص‪.105‬‬ ‫(‪ )7‬ينظر‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬المعجم المفهرس أللفاظ القرآن الكريم‪ ،‬ص‪.248-246‬‬ ‫(‪ )8‬ابن فارس‪ ،‬مقاييس اللغة‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.184‬‬ ‫(‪ )9‬األصفهاني‪ ،‬المفردات في غريب القرآن‪ ،‬ص‪.283‬‬ ‫(‪ )10‬الزركشي‪ ،‬البرهان‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.78‬‬ ‫(‪ )11‬الفيروزآبادي‪ ،‬بصائر ذوي التمييز‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.544‬‬ ‫‪1324‬‬


‫‪Journal of Social Sciences (COES&RJ-JSS), 9(4), pp.1320-1338‬‬

‫على دقَّ ٍة وخفَّ ٍة‪ .‬فاأل ّول ال َّر ْهبة‪ :‬تقول رهبْت ال َّشيء ر ْهبًا ورهبًا ور ْهبةً‪ .‬والتَّرهب‪ :‬التَّعبد‪ .‬ومن‬ ‫الباب اإلرْ هاب"(‪.)1‬‬ ‫وفي االصطالح‪ :‬الر ْهب‪" :‬مخافة مع تح ّرز واضطراب‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ألنتم أشد رهبة في‬ ‫صدورهم من هللا) [الحشر‪.)2("]13 :‬‬ ‫وعليه‪ ،‬فكأن الرهبة طول الخوف واستمراره؛ ولذلك قيل للراهب راهباً ألنه يديم‬ ‫الخوف(‪.)3‬‬ ‫ الرعب‪ :‬في اللغة؛ يقول ابن منظور‪ :‬الرعب‪" :‬الفزع والخوف"(‪ .)4‬وزاد الزبيدي فقال‪" :‬الرعب‪:‬‬‫هو الخوف الذي يمأل الصدر والقلب ‪ ..‬وقيل الرعب أشد الخوف"(‪ .)5‬قال تعالى‪( :‬وقذف في قلوبهم‬ ‫الرعب) [األحزاب‪ ،]26 :‬وقال‪( :‬سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب) [آل عمران‪.]151 :‬‬ ‫وفي االصطالح؛ الرعب هو االنقطاع من امتالء الخوف‪ ،‬مأخوذ من قولهم‪ :‬رعبْت‬ ‫َّ‬ ‫فكأن المرعوب ممتلئ بالخوف‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ولملئت منهم رعبا) [الكهف‪:‬‬ ‫الحوض‪ ،‬أي مألته‪،‬‬ ‫‪.)6(]18‬‬ ‫وعليه‪ ،‬فإن الرعب خوف شديد خارق للمعتاد من الخوف‪ ،‬ولذلك لم يذكر في القرآن الكريم‬ ‫إال في سياق وصف الحرب وما أصاب المشركين فيها من خوف شديد‪ ،‬حتى قال النبي عليه‬ ‫الصالة والسالم‪" :‬نصرت بالرعب مسيرة شهر"(‪ ،)7‬إال في موضع واحد كان في سياق وصف أهل‬ ‫الكهف وما ألبسهم هللا من هيبة‪.‬‬ ‫ الفزع‪ :‬في اللغة‪ :‬الفزع هو الذعر وهو في األصل مصدر(‪.)8‬‬‫وفي االصطالح‪ :‬الفزع انقباضٌ ونفار يعتري اإلنسان من الشيء المخيف وهو من جنس‬ ‫الجزع وال يقال فزعت من هللا كما يقال خفت منه(‪.)9‬‬ ‫ومن المالحظ أن القرآن الكريم يستخدم لفظة الفزع في سياق وصف أهوال يوم القيامة‪،‬‬ ‫وهي أهوال تفوق كل خوف فى الدنيا‪ .‬قال تعالى‪( :‬ال يحزنهم الفزع األكبر) [األنبياء‪،]103 :‬‬ ‫وقال‪( :‬ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات واألرض) [النمل‪.]87 :‬‬ ‫إال في موضع وحيد وهو في قصة داود عليه السالم حيث رأى ما لم يكن يتوقعه‪ ،‬والفزع‬ ‫كما يقول ابن عاشور‪" :‬انفعال يظهر منه اضطرابٌ على صاحبه؛ لتوقع شدة أو مفاجأة(‪.)10‬‬ ‫وعليه‪ ،‬فالفزع أشد أنواع الخوف ويظهر منه اضطرابٌ ظاهر ألمر غير معتاد‪.‬‬ ‫ الوجل‪ :‬في اللغة‪ :‬الوجل‪ :‬الخوف والفزع(‪.)11‬‬‫واصطالحاً‪ :‬هو استشعار الخوف كما ذكر الراغب األصفهاني(‪ ،)12‬وزاد السيوطي بأنه‬ ‫استشعار عن خاطر ليْس معه أمارة(‪ )1‬وعرَّفه الفيروزآبادي بأنه‪" :‬رجفان القلب وانصداعه لذكر‬ ‫من يخاف سطوته وعقوبته أو لرؤيته"(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ابن فارس‪ ،‬مقاييس اللغة‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.447‬‬ ‫(‪ )2‬األصفهاني‪ ،‬المفردات في غريب القرآن‪ ،‬ص‪.366‬‬ ‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬العسكري‪ ،‬معجم الفروق اللغوية‪ ،‬ص‪.261‬‬ ‫(‪ )4‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.420‬‬ ‫(‪ )5‬الزبيدي‪ ،‬تاج العروس‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.504‬‬ ‫(‪ )6‬األصفهاني‪ ،‬المفردات في غريب القرآن‪ ،‬ص‪.356‬‬ ‫(‪ )7‬أخرجه اإلمام البخارى فى صحيحه‪ :‬كتاب التيمم‪ ،‬رقم ‪.323‬‬ ‫(‪ )8‬الرازي‪ ،‬مختار الصحاح‪ ،‬ص‪.239‬‬ ‫(‪ )9‬األصفهاني‪ ،‬المفردات في غريب القرآن‪ ،‬ص‪.635‬‬ ‫(‪ )10‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،23‬ص‪.232‬‬ ‫(‪ )11‬ينظر‪ :‬الرازي‪ ،‬مختار الصحاح‪ ،‬ص‪ ،334‬والفيروزآبادي‪ ،‬القاموس المحيط‪ ،‬ص‪.1067‬‬ ‫(‪ )12‬ينظر‪ :‬األصفهاني‪ ،‬المفردات في غريب القرآن‪ ،‬ص‪.855‬‬ ‫‪1325‬‬


‫‪Fear in the story of prophet "Moses" peace be upon him. Objective, analytical study‬‬

‫قال تعالى‪( :‬إذا ذكر هللا وجلت قلوبهم) [األنفال‪( ،]2 :‬والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجله)‬ ‫[المؤمنون‪.]60 :‬‬ ‫وعليه‪ ،‬فإن الوجل يستعمل في القرآن الكريم للتعبير عن خوف وتعظيم قلبي وإجالل ال‬ ‫يظهر على البدن فيحدث فيه اضرابا ً كما في الفزع‪ ،‬بل هو أقرب إلى السكون‪.‬‬ ‫ونخلص مما سبق إلى وجود تقارب داللي بين ألفاظ‪ :‬الخوف‪ ،‬الخ ْشية‪ ،‬ال َّر ْهبة‪ ،‬الر ْعب‪،‬‬ ‫الفزع‪ ،‬الوجل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫إال أن فروقا دقيقة موجودة بينها يتحملها السياق فيختار لفظة دون أخرى‪:‬‬ ‫فإذا كان الشعور لمجرد توقع حصول مكروة فهو (الخوف)؛‬ ‫ فإذا صاحبه علم واستشعار بعظمة المخ ِّوف صار (خشيةً)‪.‬‬‫ وإذا طال الخوف واستمر أصبح (رهبةً)‪.‬‬‫ً‬ ‫ وإذا كان خوفا ً شديداً يمأل القلب صار (رعبا)‪.‬‬‫ وإذا كان أشد من ذلك كله وظهرت آثاره على البدن صار (فزعاً)‪.‬‬‫خوف صار (وجالً)‪.‬‬ ‫ وإذا سكن القلب واستشعر الم ِّ‬‫ومن خالل ما تقدم؛ يظهر لنا سبب اختيار لفظة الخوف ومشتقاتها دون غيرها من هذه‬ ‫األلفاظ القريبة في قصة موسى عليه السالم‪ ،‬فالخوف الحاصل لدى موسى عليه السالم هو أول‬ ‫درجات أو مراحل الخوف ــ إن صح التعبير ــ وحيث ان الخوف كان يحوم حول مشاهد قصته مع‬ ‫فرعون‪ ،‬فلم يبلغ به درجة أعلى ليصبح رهبةً أو رعباً أو فزعاً‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬ ‫* المطلب األول‪« :‬الخوف» في قصة موسى عليه السالم قبل البعثة‪:‬‬ ‫أوالً‪« :‬الخوف» بعد مولد موسى عليه السالم‪:‬‬ ‫ قال تعالى‪( :‬وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم وال تخافي وال‬‫تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين) [القصص‪.]7 :‬‬ ‫في هذا المشهد جاء على ذكر الخوف في قصة موسى عليه السالم متعلقا ً بأم موسى عليه‬ ‫السالم‪ ،‬وهنا تبدأ رحلة الخوف مع هذا النبي الكريم منذ والدته‪ ،‬وقد ذكر المفسرون ــ بعيداً عن‬ ‫الروايات التي ال تصح ــ أن أم موسى أوحى لها ربها بإلهام أو رؤيا أن أرضعي طفلك طالما أمكنك‬ ‫إخفاؤه فإذا خفت عليه بأن يعرف خبره فيقتل‪ ،‬فألقيه في اليم وال تخافي عليه وال تحزني لفراقه إنا‬ ‫رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين(‪.)3‬‬ ‫والشاهد أن موسى عليه السالم حفَّه الخوف من فرعون وجنوده مع والدته‪ ،‬وليس ثمة‬ ‫دعوة هنا أو رسالة‪.‬‬ ‫ثانياً‪« :‬الخوف» عند موسى عليه السالم بعد قتله للقبطي‪:‬‬ ‫وهنا نأتي للمشهد األول في ق صة موسى عليه السالم والذي أخبرنا هللا فيه عن أول حالة‬ ‫خوف عايشها موسى عليه السالم وكان ذلك بعد حادثة قتله للقبطي (فوكزه موسى فقضى عليه)‬ ‫[القصص‪ ،]15 :‬ويظهر جليا ً أن خوفه كان سببا ً لنجاته من فرعون وملئه‪ ،‬فكانت هذه هي اللبنة‬ ‫األولى من لبنات الخوف اإليجابية ــ وكلها كذلك ــ في قصته ليصل في آخر األمر إلى إنفاذ رسالته‬ ‫وإنجاء قومه‪ ،‬وكل ذلك بتوفيق هللا ورعايته‪ .‬وبيان ذلك‪:‬‬ ‫ قال تعالى‪( :‬فأصبح في المدينة خائفاً يترقب) [القصص‪.]18 :‬‬‫هذه اآلية الكريمة تبين أموراً حصلت مع سيدنا موسى عليه السالم في هذا المشهد‬ ‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬السيوطي‪ ،‬معجم مقاليد العلوم‪ ،‬ص‪.204‬‬ ‫(‪ )2‬الفيروزآبادي‪ ،‬بصائر ذوي التمييز‪ ،‬ص‪.165‬‬ ‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬البيضاوي‪ ،‬أنوار التنزيل وأسرار التأويل‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ ،172‬وابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪،20‬‬ ‫ص‪.74‬‬ ‫‪1326‬‬


‫‪Journal of Social Sciences (COES&RJ-JSS), 9(4), pp.1320-1338‬‬

‫القصصي وهو أنه وبعد قتله القبطي‪ :‬أصبح؛ وأصبح هنا كما يقول ابن عطيه‪" :‬عبارة عن كونه‬ ‫دائم الخوف في كل أوقاته‪ ،‬كما تقول‪ :‬أصبح زيد عالما ً"(‪.)1‬‬ ‫كما تؤكد اآلية الكريمة على أن األنبياء صلوات هللا عليهم يخافون‪ ،‬وهذا الخوف ال ينافي‬ ‫المعرفة باهلل وال التوكل عليه(‪.)2‬‬ ‫والمعنى أن موسى عليه السالم أصبح خائفا ً من أن يطالب بدم القبطي الذي قتله‪ ,‬فهو يترقب‬ ‫من انكشاف أمره ويتحفز لالختفاء أو الخروج من المدينة وينتظر ما الذي يتحدث به الناس مما هم‬ ‫صانعون في أمره وأمر قتيله(‪ .)3‬يقول سيد قطب‪" :‬ولفظ (يترقب)‪ :‬يصور هيئة الذي يتلفت‬ ‫ويتوجس ويتوقع الشر في كل لحظة ‪ ..‬وهي سمة الشخصية االنفعالية"(‪.)4‬‬ ‫وفي ترقبه إشارة إلى أن سيدنا موسى عليه السالم "لم يكن في هذا الوقت من رجال‬ ‫القصر‪ ،‬وإال فما أرخص أن يزهق أحد رجال القصر ن ْفسا ً في عهود الظلم والطغيان وما كان‬ ‫ليخشى شيئا ً فضالً على أن يصبح (خائفا ً يترقب)"(‪.)5‬‬ ‫وعلة الترقب عند سيدنا موسى عليه السالم كانت ألن خبر قتل القبطي لم يفش؛ ألنه كان في‬ ‫وقت تخلو فيه أزقة المدينة كما قال تعالى‪( :‬ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها) [القصص‪:‬‬ ‫‪ .]15‬وحين غفلة‪ :‬هو الوقت الذي يغفل فيه أهل المدينة عما يجري فيها وهو وقت استراحتهم‬ ‫وتفرقهم وخلو الطريق منهم(‪.)6‬‬ ‫ قال تعالى‪( :‬فخرج منها خائفا ً يترقب) [القصص‪.]21 :‬‬‫وهنا أيضا ً مشهد يحفه الخوف والترقب‪ ،‬يقول ابن عاشور‪" :‬والترقب‪ :‬حقيقته االنتظار‪،‬‬ ‫وهو مشتق من رقب إذ نظر أحوال الشيء‪ ،‬ومنه س ِّمي المكان المرتفع‪ :‬مرقبة ومرتقباً‪ ،‬وهو هنا‬ ‫مستعار للحذر"(‪.)7‬‬ ‫والمقصود أن موسى عليه السالم وبعد أن جاءه من أقصى المدينة رجل يسعى وأخبره‬ ‫باجتماع مأل فرعون عليه ليقتلوه‪ ،‬خرج من المدينة خائفاً على نفسه أن يلحقه الطلب‪ ،‬أو يتعرض له‬ ‫في الطريق آخذاً بكل األسباب المادية المنجية له مع التوجه المباشر بالدعاء إلى هللا تعالى والتطلع‬ ‫إلى حمايته ورعايته(‪.)8‬‬ ‫وفي ذلك دليل بين على أن الخوف هنا كان محموداً ودافعا ً له لألخذ باألسباب من الترقب‬ ‫والحذر ومغادرة المكان مظنون الضرر أو متوقع‪.‬‬ ‫وذكر صاحب الدر المصون أن موسى عليه السالم كان يترقب هدايته وغوث هللا إياه(‪.)9‬‬ ‫(‪ )1‬ابن عطية‪ ،‬المحرر الوجيز‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ .281‬وقد ذكر غيره أن المعنى‪ :‬أصبح في صباح اليوم التالي لقتله‬ ‫القبطي بدليل قوله تعالى‪( :‬فإذا الذي استنصره باألمس يستصرخه) [القصص‪.]18 :‬‬ ‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬ج‪ ،13‬ص‪ ،264‬والنسفي‪ ،‬مدارك التنزيل وحقائق التأويل‪ ،‬ج‪،2‬‬ ‫ص‪ ،634‬ومحمد صديق خان‪ ،‬فتح البيان في مقاصد القرآن‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.101‬‬ ‫(‪ )3‬الطبري‪ ،‬جامع البيان‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪ ،542‬وأبو حيان‪ ،‬البحر المحيط‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪ ،294‬وأبو السعود‪ ،‬إرشاد‬ ‫العقل السليم‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪ ،7‬واآللوسي‪ ،‬روح المعاني‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪ .266‬وذكر اآللوسي قوال أخر وهو‪ :‬أن‬ ‫موسى عليه السالم أصبح خائفا من ربه عز وجل يترقب المغفره‪ .‬وهذا بعيد وهللا أعلم‪.‬‬ ‫(‪ )4‬سيد قطب‪ ،‬في ظالل القرآن‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪ .2682‬يقول سيد عن شخصية موسى عليه السالم‪" :‬شخصية انفعالية‬ ‫حارة الوجدان قوية االندفاع"‪ .‬سيد قطب‪ ،‬في ظالل القرآن‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.2682‬‬ ‫(‪ )5‬المرجع السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬ ‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،20‬ص‪.93‬‬ ‫(‪ )7‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.96‬‬ ‫(‪ )8‬ينظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،400‬والقرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬ج‪ ،13‬ص‪ ،266‬والفخر‬ ‫الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬ج‪ ،24‬ص‪ ،587‬وأبو السعود‪ ،‬إرشاد العقل السليم‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪ ،8‬وسيد قطب‪ ،‬في‬ ‫ظالل القرآن‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.685‬‬ ‫(‪ )9‬ينظر‪ :‬السمين الحلبي‪ ،‬الدر المصون‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.661‬‬ ‫‪1327‬‬


‫‪Fear in the story of prophet "Moses" peace be upon him. Objective, analytical study‬‬

‫فخوف على خوف‪ ،‬أصبح خائفا وخرج خائفاً حتى وصل مدين وقص قصته على صاحب‬ ‫مدين وهو خائف حتى قال له‪:‬‬ ‫ قال تعالى على لسان الشيخ الكبير‪( :‬ال تخف نجوت من القوم الظالمين) [القصص‪.]25 :‬‬‫وهنا يظهر لنا جلياً طمأنة صاحب مدين لموسى عليه السالم‪ ،‬حين آنسه بقوله‪( :‬ال تخف)‬ ‫أن موسى عليه السالم ما زالت تظهر عليه عالمات الخوف حين قص قصته‪.‬‬ ‫وقد علل أكثر المفسرين هذا النهي عن الخوف بأن ال سلطان لفرعون في أرض مدين(‪،)1‬‬ ‫وزاد ابن عاشور بقوله‪" :‬ألن بالد مدين تابعة لملك الكنعانيين وهم أهل بأس ونجدة"(‪ .)2‬وذكر‬ ‫اآللوسي احتماالً بأن الشيخ قاله عن إلهام(‪.)3‬‬ ‫وأيا ً كان ذلك ففي هذا المشهد نجد مسارعة هذا الشيخ الوقور ليلقي الطمأنينة في قلب‬ ‫موسى عليه السالم فجعل أول لفظ يعقب به على قصصه‪( :‬ال تخف)(‪.)4‬‬ ‫هذا الحدث الذي بدأ بقتل القبطي ثم بالخروج من المدينة إلى أن قص القصص على صاحب‬ ‫ٌ‬ ‫حدث لفه الخوف من جميع جوانبه‪ ،‬وهذا الخوف كما ذكرنا لم يكن له إال األثر الطيب على‬ ‫مدين‪،‬‬ ‫حسن اتخاذ القرار المناسب والفوري‪ ،‬دون ترك االلتجاء إلى هللا تعالى وطلب النصرة منه‪ ،‬وفي‬ ‫ذلك درس لكل داعيه‪.‬‬ ‫وكان ذلك مع سيدنا موسى قبل البعثة‪ ،‬وأما بعد البعثة فهو ما سنتناوله في المطلب الثاني‬ ‫وهللا الموفق‪.‬‬ ‫* المطلب الثاني‪« :‬الخوف» في قصة سيدنا موسى عليه السالم بعد البعثة‪:‬‬ ‫أوالً‪« :‬الخوف» في مشهد مناجاة هللا تعالى لموسى عليه السالم‪:‬‬ ‫أ‪« .‬الخوف» في مشهد خطاب هللا تعالى لموسى عليه السالم‪:‬‬ ‫ قال تعالى‪( :‬فألقاها فإذا هي حية تسعى * قال خذها وال تخف سنعيدها سيرتها األولى)‬‫[طه‪.]21-20 :‬‬ ‫ قال تعالى‪( :‬وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبراً ولم يعقب يا موسى ال‬‫تخف إني ال يخاف لدي المرسلون) [النمل‪]10 :‬‬ ‫ قال تعالى‪( :‬وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبراً ولم يعقب يا موسى‬‫أقبل وال تخف إنك من اآلمنين) [القصص‪.]31 :‬‬ ‫والخوف الحاصل لسيدنا موسى عليه السالم في هذا المشهد هو لما رأى من ذلك األمر‬ ‫العجيب الهائل فلحقه ما يلحق البشر عند وقوع األهوال والمخاوف(‪ )5‬وهذا الخوف ال ينافي جاللة‬ ‫القدر لسيدنا موسى عليه السالم(‪.)6‬‬ ‫يقول الفخر الرازي‪" :‬وذلك الخوف أقوى الدالئل على صدقه في النبوة؛ ألن الساحر يعلم‬ ‫أن الذي أتى به تمويه فال يخافه البته"(‪ .)7‬فخوفه دليل على أنه شيء طار ٌ‬ ‫ئ خارج عن إرادته‪.‬‬ ‫وقد تميزت سورة طه باال كتفاء باإلشارة إلى ما نال موسى عليه السالم من خوف‪ ،‬فلم تذكر‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الطبري‪ ،‬جامع البيان‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪ ،559‬وابن عطيه‪ ،‬المحرر الوجيز‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ ،284‬وابن كثير‪،‬‬ ‫تفسير القرآن العظيم‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪ ،228‬والقاسمي‪ ،‬محاسن التأويل‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.519‬‬ ‫(‪ )2‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،20‬ص‪.104‬‬ ‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬اآللوسي‪ ،‬روح المعاني‪ ،‬ج‪.274 ،10‬‬ ‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬سيد قطب‪ ،‬في ظالل القرآن‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.2687‬‬ ‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،58‬والقرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ ،42‬وأبو السعود‪،‬‬ ‫إرشاد العقل السليم‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.10‬‬ ‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬اآللوسي‪ ،‬روح المعاني‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.492‬‬ ‫(‪ )7‬الفخر الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬ج‪ ،22‬ص‪.28-27‬‬ ‫‪1328‬‬


‫‪Journal of Social Sciences (COES&RJ-JSS), 9(4), pp.1320-1338‬‬

‫عبارة‪" :‬ولى مدبراً ولم يعقب" كما جاء في سورتي النمل والقصص؛ ذلك أن ظل سورة طه أمن‬ ‫وطمأنينة‪ ،‬فال يشوبه بحركة الفزع والجري والتولي بعيداً(‪ .)1‬باإلضافة إلى أن العصا في سورة طه‬ ‫انقلبت حية تسعى‪ ،‬أما في سورتي النمل والقصص أصبحت تهتز كأنها جان‪ ،‬وفرق كبير في‬ ‫التعبير بينهما‪.‬‬ ‫فمعنى حية تسعى‪ :‬من السعي وهو (المشي بسرع ٍة وخفة حركة)(‪ ،)2‬وذكر الحية في سورة‬ ‫طه مالئم لذكر معجزة العصا في ما بعد عند مواجهة السحرة‪ ،‬وهو مشهد انفردت به هذه السورة‪،‬‬ ‫وقد بين المشهد ابتالع العصا لحبال السحرة‪ ،‬واالبتالع من خصائص الحيات(‪.)3‬‬ ‫ومعنى تهتز كأنها جان أي‪ :‬لها حركة سريعة ومخيفة كحركة الجان‪ ،‬فالكاف في (كأن)‬ ‫للتشبيه(‪ ،)4‬وليس معنى الجان هنا صغار الحيات كما ذكر بعض المفسرين(‪ .)5‬وهللا أعلم‪.‬‬ ‫وال يخفى أن وصفها كأنها جان فيه داللة أكبر على الخوف الذي حصل لموسى عليه‬ ‫السالم‪ ،‬وهو أمر مناسب لسورة القصص من حيث أنها فصَّلت في عرض بعض مواقف الخوف‬ ‫قبل بعثته‪ ،‬ومناسب لسورة النمل من حيث ذكرها للجان الذين سخرهم هللا لسليمان عليه السالم‪.‬‬ ‫وهللا أعلم‪.‬‬ ‫فالخوف الذي جعل بموسى عليه السالم يولي مدبرا ولم يعقب‪ ،‬هو خوف يعتري كل البشر؛‬ ‫خوف من انقالب العصا حيه وليس خوف ذنب(‪ ،)6‬قد أجمع العلماء على أن األنبياء معصومون من‬ ‫المعاصي كبيرها وصغيرها‪.‬‬ ‫وقوله‪( :‬إني ال يخاف لدي المرسلون) فيه نهي لموسى عليه السالم عن االستمرار الخوف‪،‬‬ ‫ألن الخوف قد حصل‪ ،‬والمعنى‪" :‬ال يجبن لدي المرسلون ألني أحفظهم ‪ ..‬وهذا كناية عن تشريفه‬ ‫بمرتبة الرسالة"(‪.)7‬‬ ‫وهذا المشهد باختصار هو تهيئة عملية من هللا تعالى لموسى عليه السالم؛ كي ال يقع في‬ ‫حالة من الفزع أو الخوف عند تقديم أدلته وآياته لفرعون على أنه رسول رب العالمين‪ ،‬فكيف يأتي‬ ‫بآية يخاف منها!! وأيضا ً لعلم هللا المسبق للسحر العظيم الذي سيقوم به السحرة في حضرة فرعون‪،‬‬ ‫فكان ال بد من تهيئة عملية تهز مشاعره وأحاسيسه‪ ،‬فيكون مستعدا ألي لقاء(‪.)8‬‬ ‫ب‪« .‬الخوف» في مشهد خطاب موسى عليه السالم مع هللا تعالى‪:‬‬ ‫ قال تعالى‪( :‬وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين *قوم فرعون أال يتقون * قال‬‫رب إني أخاف أن يكذبون * ويضيق صدري وال ينطلق لساني فأرسل إلى هارون * ولهم علي‬ ‫ذنب فأخاف أن يقتلون * قال كال فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون) [الشعراء‪.]15-10 :‬‬ ‫ قال تعالى‪( :‬قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون * وأخي هارون هو أفصح‬‫مني لسانا ً فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون) [القصص‪.]34-33 :‬‬ ‫في هذا المشهد يظهر لنا جلياً أن موسى عليه السالم ــ وبعد أن أمره ربه بالذهاب إلى‬ ‫فرعون ــ صرَّح بالخوف من أمرين‪ :‬القتل‪ ،‬والتكذيب‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬سيد قطب‪ ،‬في ظالل القرآن‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.2332‬‬ ‫(‪ )2‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.58‬‬ ‫(‪ )3‬عرفات‪ ،‬منهج القرآن الكريم في عرض القصص‪ ،‬ص ‪.80‬‬ ‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬عباس‪ ،‬أ‪.‬د فضل‪ ،‬قصص القرآن الكريم‪ ،‬ص ‪ ،508‬والخالدي‪ ،‬د‪ .‬صالح‪ ،‬القصص القرآني‪ ،‬ج ‪،2‬‬ ‫ص ‪.364‬‬ ‫ً‬ ‫(‪ )5‬ينظر مثال‪ :‬القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬ج ‪ ،13‬ص ‪ ،160‬وابن عادل‪ ،‬اللباب في علوم الكتاب‪ ،‬ج‬ ‫‪ ،15‬ص ‪.117‬‬ ‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪.228‬‬ ‫(‪ )7‬المرجع السابق‪ ،‬الصفحة ذاتها‪.‬‬ ‫(‪ )8‬ينظر‪ :‬الشعراوي‪ ،‬خواطر الشعراوي‪ ،‬ج‪ ،18‬ص‪.10916‬‬ ‫‪1329‬‬


‫‪Fear in the story of prophet "Moses" peace be upon him. Objective, analytical study‬‬

‫فأما القتل ألنه قتل القبطي وهذا هو الذنب الذي لهم عليه(‪.)1‬‬ ‫وأما التكذيب فقد جعله سببا ً لضيق صدره وعدم انطالق لسانه ولذلك طلب من هللا أن يرسل‬ ‫معه أخاه هارون(‪.)2‬‬ ‫وعند إمعان النظر في سياق هذه اآليات يظهر لنا أن السبب الحقيقي لخوف موسى عليه‬ ‫السالم والذي صرح به في هذا المشهد‪ ،‬إنما هو خوف على الرسالة ال على الرسول (أي شخصه‬ ‫هو)‪ ،‬وبيان ذلك‪:‬‬ ‫إن موسى عليه السالم قال ما معناه‪ :‬ولهم علي ذنب؛ فأخاف أن يبادروا إلى قتلي وحينئذ ال‬ ‫يحصل المقصود من البعثة‪ ،‬أما هارون عليه السالم فليس كذلك فيحصل المقصود من البعثة(‪.)3‬‬ ‫وأما تعليل الخوف من التكذيب فهو أيضا ً خوف على الرسالة‪ ،‬ولذلك طلب من هللا أن يرسل‬ ‫معه أخاه هارون‪ ،‬ليس ألن لديه حبسة في لسانه كما ذكرت الروايات اإلسرائيلية التي ال تصح‪ ،‬ألن‬ ‫موسى عليه السالم فصيح بنص القرآن إذا قال‪( :‬وأخي هارون هو أفصح مني)‪ ،‬إذاً موسى فصيح‬ ‫لكن هارون أفصح‪ ،‬فقد ال يكون موسى عليه السالم من الفصحاء المصاقع الذين أوتوا سالطة في‬ ‫اللسان وبسطة في المقال كأخيه هارون!(‪.)4‬‬ ‫أضف إلى ذلك أن موسى عليه السالم لبث عمراً في أهل مدين ولعله كان يتكلم بلغة غير‬ ‫لغة فرعون طوال هذه السنين‪ ،‬وهو ما لم يحصل مع هارون عليه السالم‪ .‬وعليه يكون انطالق‬ ‫لسان هارون أفصح‪.‬‬ ‫وأخيراً‪ ،‬فقد ذكرت اآلية الكريمة أن موسى عليه السالم قال‪( :‬ويضيق صدري وال ينطلق‬ ‫لساني فأرسل إلى هارون)‪ ،‬إذا علة عدم انطالق اللسان واالسترسال في المقال إنما هو ضيق‬ ‫الصدر الذي سيحصل لموسى عليه السالم إذا هم كذبوه! وهم فاعلون‪ ،‬وهذه سمة بارزة في‬ ‫شخصية موسى عليه السالم أي االنفعال وضيق الصدر‪ ،‬فقد ذكر القرآن أنه فيما بعد سيلقي األلواح‬ ‫ويأخذ برأس أخيه‪ ،‬ولكن أخاه هارون من الهدوء والتروي بمكان‪ ،‬فال يحصل له ما يحصل لموسى‬ ‫عليه السالم حين يكذبون‪ .‬ولذلك ايضا ً سأل ربه أن يشرح صدره‪( ،‬قال رب اشرح لي صدري)‪،‬‬ ‫وقد استجاب هللا له فقال‪( :‬قد أوتيت سؤلك يا موسى) فلم يعد هناك عقدة في اللسان أو ضيق في‬ ‫الصدر ألن هللا استجاب له سؤاله‪ ،‬والدليل على هذا أن كل مشاهده مع فرعون كان هو المتكلم‬ ‫وليس هارون‪ .‬إذاً ما هو الداعي لهارون؟ للمآزرة فقط (ردءا يصدقني) وللمعونة على الذكر‬ ‫والتسبيح‪.‬‬ ‫ف طلب موسى عليه السالم إرسال هارون وتصريحه الخوف من القتل ومن التكذيب إنما هو‬ ‫خوف على إنفاذ رسالته التي أوكلت إليه‪" ،‬وفي هذا دليل على أن من ال يستقل بأمر‪ ،‬ويخاف من‬ ‫نفسه تقصيراً‪ ،‬أن يأخذ من يستعين به عليه‪ ،‬وال يلحقه في ذلك لوم"(‪ .)5‬ويؤكد الفخر الرازي على‬ ‫أنه ليس في التماس موسى عليه السالم أن يضم إليه هارون ما يدل على أنه استعفى من الذهاب إلى‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الطبري‪ ،‬جامع البيان‪ ،‬ص‪ ،19‬ج‪ ،337‬والفخر الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬ج‪ ،23‬ص‪ ،493‬وابن‬ ‫عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪.105‬‬ ‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الفخر الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬ج‪ ،23‬ص‪ ،493‬وابن عطيه‪ ،‬المحرر الوجيز‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ ،226‬وابن‬ ‫عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪.105‬‬ ‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الفخر الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬ج‪ ،23‬ص‪ ،493‬والبيضاوي‪ ،‬أنوار التنزيل‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.134‬‬ ‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،302‬وابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪.105‬‬ ‫وقد ذكر الرازي في معنى العقدة قولين‪ :‬األول‪ :‬كان ذلك خ ْلقة هللا تعالى‪ ،‬والثاني‪ :‬حر ٌ‬ ‫ق في لسانه بسبب‬ ‫الجمرة‪ .‬ينظر‪ :‬مفاتيح الغيب‪ ،‬ج ‪ ،22‬ص ‪ .43‬ويترجح للباحث القول األول‪ ،‬وذلك ألنه أنسب لدعاء موسى‬ ‫عليه السالم‪( :‬ويضيق صدري وال ينطلق لساني) [الشعراء‪ .]13:‬وألن رواية الجمرة ال تعقل‪ .‬إذ كيف صبر‬ ‫على حرها بيده إلى أن وصلت فاه؟ فهي ال تعدو أن تكون من اإلسرائيليات التي ال تصح وهللا أعلم‪.‬‬ ‫(‪ )5‬القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬ج‪ ،13‬ص‪.92‬‬ ‫‪1330‬‬


‫‪Journal of Social Sciences (COES&RJ-JSS), 9(4), pp.1320-1338‬‬

‫فرعون بل مقصوده فيما سأل أن يقع ذلك الذهاب على أقوى الوجوه في الوصول إلى المراد"(‪.)1‬‬ ‫وفي هذا إشارة إلى عظم طغيان فرعون الطاغية قال تعالى‪( :‬اذهب إلى فرعون إنه طغى)‪.‬‬ ‫فخوف موسى كان على دين هللا ال على نفسه‪ ،‬واللطيف في األمر أن فرعون قال‪( :‬إني‬ ‫أخاف أن يبدل دينكم)‪ ،‬فانظر كيف عبر فرعون بالخوف على تبديل الدين لشعبه فهو يعلم أن الركن‬ ‫الركين وأهم أمر هو الدين! ولكن أي دين !!‬ ‫ومن اللطيف في قصة موسى عليه السالم أن معظم شخصيات القصة نسب لها الخوف؛‬ ‫موسى عليه السالم وأمه وأخوه ورجل مؤمن من آل فرعون ورجالن من الذين يخافون وفرعون‪،‬‬ ‫حتى من آمن لموسى عليه السالم (قومه) قال هللا تعالى عنهم‪( :‬فما آمن لموسى إال ذرية من قومه‬ ‫على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم) [يونس‪ .]83 :‬والالفت‪ :‬أن السحرة لم يثبت أو يذكر لهم‬ ‫خوف مع أنهم هددوا بالقتل والتنكيل‪ ،‬وفي ذلك إشارة إلى رسوخ إيمانهم وثباته‪ .‬علماً بأن خوف‬ ‫موسى عليه السالم كان على الدعوة ال لقلة اإليمان‪.‬‬ ‫ولعل في شخصية موسى عليه السالم أيضا ً ما يشير إلى تصميمه وعزمه على إتمام الشيء‬ ‫الذي وكل إليه‪ ،‬قال تعالى‪( :‬قال ذلك بيْني وبيْنك أيَّما ْاألجليْن قضيْت فال ع ْدوان عل َّي و َّ‬ ‫هللا على ما‬ ‫نقول وكيلٌ) [القصص‪ ،]28 :‬فقد أوفى بما طلب منه من أجل زواجه وهو شيء ال يقارن مع رسالة‬ ‫هللا‪ ،‬فلذلك استعان بربه وطلب منه ودعاه بما يعينه على أداء رسالته على أكمل وجه‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬ ‫ثانياً‪« :‬الخوف» بعد بعثة هارون عليه السالم وقبل مواجهة فرعون‪:‬‬ ‫ قال تعالى‪( :‬قاال ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى) [طه‪.]45 :‬‬‫أول ما يلفت النظر في هذه اآلية أن الخوف أصبح مشتركا ً بين موسى وهارون عليهما‬ ‫السالم‪ ،‬فبالرغم من وجود هارون بقي الخوف موجوداً‪ ،‬ولكن ما الداعي لهذا الخوف؟ إذا تأملنا‬ ‫اآليتين السابقتين وهما قوله تعالى‪( :‬اذهبا إلى فرعون إنه طغى * فقوال له قوالً ليناً لعله يتذكر أو‬ ‫يخشى) [طه‪ 43 :‬و‪ .]44‬سنجد أن هللا تعالى أثبت لفرعون صفة الطغيان‪( ،‬أي‪ :‬تجاوز الحد في‬ ‫الفساد ودعواه الربوبية واإللهية من دون هللا)(‪ .)2‬فبعدما سمعا إثبات هللا العظيم لفرعون صفة‬ ‫الطغيان ثار الخوف في قلبيهما من جديد‪.‬‬ ‫وحينها قاال قوالً ي ْ‬ ‫ظهر خوفهما منه‪ ،‬وجعال علة خوفهما هي ذات الصفة التي أثبتها هللا‬ ‫تعالى له(‪ ،)3‬فقاال‪( :‬ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى) [طه‪ .]45 :‬ومعنى يفرط كما يقول‬ ‫الزمخشري‪( :‬فرط‪ :‬سبق وتقدم‪ ،‬ومنه الفارط الذي يتقدم الواردة‪ ،‬وفرس فرْ ط‪ :‬تسبق الخيل‪ .‬أي‬ ‫وعتوه)(‪.)4‬‬ ‫نخاف أن يعجل علينا بالعقوبة ويبادرنا بها ‪ ...‬بنا ًء على ما عرفا وجرَّبا من شرارته‬ ‫ِّ‬ ‫فالخوف هنا مبني على تهيئة سابقة لهما مع فرعون الذي كان يقتّل أبناء بني إسرائيل ويستحيي‬ ‫نساءهم‪ ،‬وقد زاده إثبات الحق سبحانه وتعالى الطغيان لفرعون‪ .‬هذا السبب األول‪.‬‬ ‫والسبب الثاني لخوفهما هو كما قال ابن عاشور‪( :‬نخاف أن يخامره كبْره فيع َّد ذكرنا إلهاً‬ ‫دونه تنقيصا ً له وطعنا ً في دعواه اإللهية فيطغى‪ ،‬أي يصدر منه ما هو أثر الكبر من التحقير‬ ‫واإلهانة)(‪ ،)5‬وهذا ما أثبتته سورة الشعراء في قوله تعالى‪( :‬قال رب المشرق والمغرب وما بينهما‬ ‫إن كنتم تعقلون * قال لئن اتخذت إلها ً غيري ألجعلنك من المسجونين) [ الشعراء‪ 28 :‬و ‪.]29‬‬ ‫فكيف عبرا عن هذا الخوف لربنا تعالى؟ نلحظ أن أول كلمة قاالها‪( :‬ربنا)‪ ،‬أي أنت وحدك‬ ‫ربنا‪ ،‬وليس الذي كان يقول‪( :‬أنا ربكم األعلى) [ النازعات‪ .]24 :‬سيما وأن السورة في بداية هذا‬ ‫المشهد قد قررت في قلب موسى عليه السالم أن هللا تعالى وحده هو الرب‪ ،‬وذلك في قوله‪( :‬إني أنا‬ ‫(‪ )1‬الفخر الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬ج‪ ،24‬ص‪ ،493‬وينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪.105‬‬ ‫(‪ )2‬أبو حيان‪ ،‬البحر المحيط‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.336‬‬ ‫(‪ )3‬قد أشار إلى ذلك ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،16‬ص‪.227‬‬ ‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.66‬‬ ‫(‪ )5‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،16‬ص ‪.227‬‬ ‫‪1331‬‬


‫‪Fear in the story of prophet "Moses" peace be upon him. Objective, analytical study‬‬

‫ربك فاخلع نعليك) [ طه‪.]12 :‬‬ ‫واألمر الثاني أنهما قد أكدا كالمهما بالنون الثالثة‪( :‬إننا)‪ ،‬قال البقاعي ‪( :‬ولما كان مضمون‬ ‫إخبارهما بالخوف مع كونهما من جهة هللا من شأنه أن ال يكون وأن ينكر‪ ،‬أكد (قاال) مبالغين فيه‬ ‫بإظهار النون الثالثة إبالغاً في إظهار الشكوى‪ ،‬ليأتي الجبر على قدر ما يظهر من الكسر)(‪،)1‬‬ ‫فظاه ٌر أن الخوف قد بلغ فيهما مبلغا ً جعلهما يعبران عنه بالتوكيد‪ ،‬مع أنهما يخاطبان الرب تعالى‪.‬‬ ‫ولكن لم يمنعهما ذلك من االلتجاء والتوجه إلى الرب ألنهما موقنان أنه وحده القادر على دفع ذلك‬ ‫الخوف‪ .‬وحينها قال هللا مجيبا ً لهما‪:‬‬ ‫ قال تعالى‪( :‬قال ال تخافا إنني معكما أسمع وأرى) [طه‪]46 :‬‬‫أما قوله تعالى‪( :‬ال تخافا) معناه‪ :‬أنهاكما عن الخوف‪( ،‬ثم علل ذلك بما هو مناط النصرة‬ ‫والحيطة للولي‪ ،‬واإلهالك للعدو‪ ،‬فقال مؤكداً إلى إشارة عظم الجبر‪ ،‬وتنبيها لمضمونه ألنه خارج‬ ‫عن العوائد‪ ،‬وأثبت النون الثالثة على وزن تأكيدهما‪( :‬إنني معكما) ال أغيب كما تغيب الملوك إذا‬ ‫أرسلوا رسلهم‪( ،‬أسمع وأرى) أي‪ :‬لي هاتان الصفتان‪ ،‬ال يخفى عل َّي شيء من حال رسولي وال‬ ‫حال عدوه‪ ،‬وأنتما تعلمان من قدرتي ما ال يعلمه غيركما)(‪.)2‬‬ ‫وهنا يرد سؤاالن‪ :‬لقد علمنا أن هللا تعالى قد شرح لموسى عليه السالم صدره ويسر أمره‪،‬‬ ‫فكيف قال بعده إننا نخاف؟ فإن الخوف يمنع شرح الصدر وتيسير األمر‪( ،‬والجواب‪ :‬أن شرح‬ ‫الصدر عبارة عن تقويته على ضبط تلك األوامر والنواهي وحفظ تلك الشرائع على وجه ال يتطرق‬ ‫إليه السهو والتحريف وذلك شيء غير زوال الخوف)(‪.)3‬‬ ‫والسؤال الثاني‪ :‬أال يعتبر تعللهما بالخوف معصيةً وقد علمنا أن هللا كرر األمر بالذهاب‬ ‫إلى فرعون؟ (الجواب‪ :‬لو اقتضى األمر الفور لكان ذلك من أقوى الدالئل على المعصية ‪ ..‬ولكن‬ ‫ليس األمر على الفور فزال السؤال ‪ ..‬والمعصية غير جائزة على الرسل)(‪ .)4‬ويظهر قول آخر في‬ ‫اإلجابة عن هذا السؤال‪ :‬وهو أن السورة الكريمة لم تخبرنا في هذا المشهد القصصي أنهما‬ ‫معصومان من القتل أو من بطش فرعون الطاغية‪ ،‬بل إن المشهد قد أكد صفة الطغيان لفرعون‬ ‫مرتين‪ ،‬األولى في قوله تعالى‪( :‬اذهب إلى فرعون إنه طغى) [طه‪ ]24 :‬والثانية في قوله‪( :‬اذهبا‬ ‫إلى فرعون إنه طغى) [طه‪ .]43:‬فعبرا عن خوفهما وجعال العلة هي طغيان فرعون‪ ،‬رغبة من أن‬ ‫يكون الجواب اإللهي لهما بأنهما محفوظان من القتل ومن بطش فرعون‪ ،‬وهو ما تم لهما في قوله‬ ‫تعالى‪( :‬قال ال تخافا إنني معكما أسمع وأرى) [طه‪ .]46 :‬وهللا أعلم‪.‬‬ ‫ثالثاً‪« :‬الخوف» عند مواجهة فرعون‪:‬‬ ‫ قال تعالى‪( :‬ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي حكما ً وجعلني من المرسلين) [الشعراء‪.]21 :‬‬‫الخوف في هذه اآلية متعلق بما قبل البعثة‪ ،‬وبالتحديد حينما قتل موسى عليه السالم رجالً‬ ‫قبطيا ً بدون قصد‪ ،‬ولما أرسل هللا موسى إلى فرعون ذ ّكره بتلك الفعلة‪ ،‬لتكون حجةً لفرعون عليه‪،‬‬ ‫فأجاب موسى عليه السالم بأنه فر من مصر خوفا ً من فرعون وملئه‪ .‬وقد أبدع الرازي حينما قال‪:‬‬ ‫(المراد أني فعلت ذلك الفعل وأنا ذاه ٌل عن كونه مهلكا ً‪ ،‬وكان مني في حكم السهو‪ ،‬فلم أستحق‬ ‫التخويف الذي يوجب الفرار‪ ،‬ومع ذلك فررت منكم عند قولكم‪( :‬إن المأل يأتمرون بك ليقتلوك)‬ ‫[القصص‪ ،]20 :‬فبيّن أنه ال نعمة له عليه في باب تلك الفعلة‪ ،‬بل بأن يكون مسيئاً فيه أقرب من‬ ‫حيث خوَّف تخويفا ً أوجب الفرار‪ ،‬ثم بين نعمة هللا عليه بعد الفرار‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬أسأتم وأحسن هللا‬ ‫إلي‪ ،‬بأن وهب لي حكماً وجعلني من المرسلين)(‪.)5‬‬ ‫(‪ )1‬البقاعي‪ ،‬نظم الدرر‪ ،‬ج‪ ،12‬ص‪.291‬‬ ‫(‪ )2‬المرجع السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬ ‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬ج‪ ،22‬ص‪ ،54‬وابن عادل‪ ،‬اللباب في علوم الكتاب‪،‬ج‪ ،13‬ص‪.255‬‬ ‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬السابق والصفحة ذاتها‪.‬‬ ‫(‪ )5‬الفخر الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬ج‪ ،24‬ص‪.169‬‬ ‫‪1332‬‬


‫‪Journal of Social Sciences (COES&RJ-JSS), 9(4), pp.1320-1338‬‬

‫وهناك لطيفة أخرى في (ل ّما خفتكم)‪ ،‬وهي تدل على أن الخوف كان مرهوناً في تلك اللحظة‬ ‫فقط‪ ،‬وأنه ال أثر له اآلن‪ ،‬وهذا دليل على أن هللا تعالى قد أجاب دعاءه ونزع منه الخوف من فعلته‬ ‫تلك حينما قال‪( :‬ولهم عل َّي ذنبٌ فأخاف أن يقتلون) [الشعراء‪ ،]14 :‬فأجابه هللا تعالى بقوله‪ ( :‬قال‬ ‫كال فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون) [الشعراء‪ .]15 :‬أي‪( :‬ال تخف ذلك فإني لم اح ِّملك ما حملتك‬ ‫إال وقد قضيت بنصرك وظهورك)(‪ .)1‬فانظر كيف تحول الخوف من محنة إلى منحة‪ ،‬وانظر كيف‬ ‫أبدله هللا تعالى في قلب موسى عليه السالم بقوة وجرأة في االعتراف بفعلته أمام فرعون وبيان‬ ‫أثرها الحسن عليه بتوفيق من هللا تعالى‪.‬‬ ‫رابعاً‪« :‬الخوف» عند مواجهة السحرة‪:‬‬ ‫ قال تعالى‪( :‬فأوجس في نفسه خيفة موسى * قلنا ال تخف إنك أنت األعلى) [طه‪.]68-67 :‬‬‫ذكر الخوف هنا متعلقا ً بتلك المواجهة الكبرى بين موسى عليه السالم وبين السحرة‪ ،‬وكانت‬ ‫مواجهة مصيرية على موعد مرتقب‪ ،‬وسط حشد مهيب من الناس‪ ،‬وحينما ألقى السحرة حبالهم‬ ‫وعصيهم خيّل إلى موسى عليه السالم أنها تسعى حقيقة‪ ،‬فحينئذ أوجس في نفسه خيفة‪ ،‬قال‬ ‫الزمخشري‪( :‬إيجاس الخوف‪ :‬إضمار شيء منه ‪ ..‬وكان ذلك لطبع الجبلة البشرية‪ ،‬وأنه ال يكاد‬ ‫يمكن الخلو من مثله)(‪( ،)2‬وخيفةً‪ :‬اسم هيئة من الخوف‪ ،‬أريد به مطلق المصدر ‪ ..‬وزيادة (في‬ ‫تفكر‪ ،‬لم يظهر أثرها على مالمحه)(‪.)3‬‬ ‫نفسه) هنا لإلشارة إلى أنها خيفة‬ ‫ٍ‬ ‫وانظر كيف كان الخوف عند موسى عليه السالم قبل البعثة واضحا ً جليا ً‪( :‬يترقب)‪ ،‬وكيف‬ ‫أصبح بعد البعثة ساكنا ً خفيا ً‪( :‬أوجس)‪ ،‬وسيختفي كليا ً من القصة بعد غرق فرعون كما سيأتي‬ ‫بيانه‪.‬‬ ‫فالخوف هنا بسبب المفاجأة غير المتوقعة‪ ،‬إذ لم يكن يخطر بباله أن سحرهم قد بلغ هذه‬ ‫الدرجة من اإلتقان‪ ،‬كما قال تعالى‪( :‬فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر‬ ‫عظيم) [األعراف‪ .]116 :‬ومن اللطيف أيضا ً أن الخوف هنا كان مشابها ً لخوفه في المرة األولى‬ ‫في الوادي المقدس حينما انقلبت عصاه حية تسعى بأمر هللا تعالى‪ ،‬ولكن الفرق بين الموقفين أنه في‬ ‫المرة األولى انقلبت العصا حقيقة إلى حية‪ ،‬وهنا خيِّل إليه أنها تسعى حقيقة‪ ،‬وخوف موسى عليه‬ ‫السالم كان على جمهور الحاضرين من أن يلتبس عليهم األمر بين المعجزة والسحر لذلك أوجس‬ ‫في نفسه الخوف ولم يظهره لئال يؤثر على الجمهور شفقة بهم‪.‬‬ ‫وهناك فرق آخر‪ :‬وهو أن موسى عليه السالم في الوادي المقدس قد ولى مدبراً ولم يعقب‪،‬‬ ‫وذلك من حية واحدة‪ ،‬فطمأنه هللا تعالى‪ ،‬بينما هنا أمام السحرة لم يفر‪ ،‬بالرغم من كثرة الحبال‬ ‫والعصي التي خيلت إليه أنها تسعى‪ ،‬بل ثبت وأوجس الخوف في نفسه ولم يظهر أثره عليه‪ .‬وما‬ ‫ذلك إال بتثبيت هللا إياه كما تبين سابقا من خالل التهيئة العملية التي أجراها هللا له في الواد المقدس‪،‬‬ ‫وكما في قوله تعالى‪:‬‬ ‫ (قلنا ال تخف إنك أنت األعلى) [طه‪.]68 :‬‬‫وأول شيء يدفع إلى الثبات في هذه اآلية التعبير بضمير العظمة (قلنا)‪ ،‬أي نحن بعظمتنا‬ ‫أوحينا إليه وقلنا له‪ :‬ال تخف‪ .‬ثم النهي في قوله‪( :‬ال تخف) وهو ذات النهي الذي قيل لموسى عليه‬ ‫السالم في الوادي المقدس‪( :‬قال خذها وال تخف سنعيدها سيرتها األولى) [طه‪ ،]21 :‬وذات النهي‬ ‫الذي قيل له وألخيه هارون‪( :‬قال ال تخافا إنني معكما أسمع وأرى) [طه‪ .]46 :‬فتكرار النهي ثالث‬ ‫مرات عن الخوف وبالصيغة ذاتها (ال تخف) يزيده ثباتا ً ويزيل الخوف من قلبه الطمئنانه بأن هللا‬ ‫معه‪.‬‬

‫(‪ )1‬ابن عطية‪ ،‬المحرر الوجيز‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.227‬‬ ‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.74‬‬ ‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،16‬ص‪.259‬‬ ‫‪1333‬‬


‫‪Fear in the story of prophet "Moses" peace be upon him. Objective, analytical study‬‬

‫وقوله تعالى‪( :‬إنك أنت األعلى)‪" :‬فيه تقرير لغلبته وقهره‪ ،‬وتوكيد باالستئناف وبكلمة‬ ‫التشديد (إنك) وبتكرير الضمير (أنت) وبالم التعريف وبلفظ العلو (األعلى) وهو الغلبة الظاهرة‬ ‫وبالتفضيل"(‪ . )1‬فأي أثر للخوف سيبقى في قلبه عليه السالم بعد نهي هللا إياه عن الخوف وتوكيده‬ ‫على أنه األعلى؟‬ ‫فنفي الخوف في هذا المشهد كان فورياً؛ ذلك أن الموقف ال يحتمل أي تأخير في تثبيت قلب‬ ‫موسى عليه السالم فتظهر آثاراً ونتائج سلبية من هذا الخوف‪ ،‬في تلك المواجهة الحاسمة‪.‬‬ ‫خامساً‪« :‬الخوف» في مشهد الهروب من مصر‪:‬‬ ‫ قال تعالى‪( :‬ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا ً في البحر يبساً ال تخاف‬‫دركا ً وال تخشى) [طه‪.]77 :‬‬ ‫تميز هذا الموضع بأمر عجيب‪ ،‬وهو أن هللا تعالى هو الذي طمأن قلب موسى عليه السالم‬ ‫قبل أن يسأل موسى ذلك كما مر في اآليات السابقة‪ ،‬وسبب ذلك ــ وهللا أعلم ــ أن الخوف هنا متعلق‬ ‫بأعظم موقف سيمر به موسى والمؤمنون معه في مسيرة دعوته‪ ،‬حتى يظن من آمن له من قومه‬ ‫أنهم هالكون ال محاله ففرعون وجنده من خلفهم والبحر من أمامهم‪ ،‬ولكن هللا قدر أن الغد سيشهد‬ ‫هالك ذلك الطاغية الذي طالما قتل أبناءهم واستحيا نساءهم‪ ،‬فثبت هللا قلبه قبيل ذلك المشهد‬ ‫الرهيب‪ ،‬ألنه هذه المرة ليس هو وأخوه وحدهما‪ ،‬بل معهما المؤمنون من بني إسرائيل‪ ،‬وهم الذين‬ ‫بلغ الخوف في قلوبهم مبلغاً عظيما ً كما في قوله تعالى‪( :‬فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى‬ ‫إنا لمدركون * قال كال إن معي ربي سيهدين) [الشعراء‪ 61 :‬و‪ .]62‬فكان وحي هللا إليه قبيل ذلك‬ ‫الموقف حفظا ً له ولمن معه من المؤمنين‪ .‬كما قال ابن عاشور‪" :‬وعد لموسى اقتصر على وعده‬ ‫دون بقية قومه‪ ،‬ألنه قدوتهم‪ ،‬فإذا لم يخف هو تشجعوا وقوي يقينهم‪ ،‬فهو (ال تخاف) خبر مرا ٌد به‬ ‫البشرى"(‪.)2‬‬ ‫وإعراب (ال تخاف) كما قال أبو السعود‪" :‬حا ٌل من المأمور (موسى) أي‪ :‬آمناً من أن‬ ‫يدرككم العدو‪ ،‬أو صفة أخرى لـ (طريقاً) والعائد محذوف أي ال تخاف فيه"(‪ .)3‬فهو خبر وليس‬ ‫نهيا ً‪ ،‬ويأتي هنا سؤال‪ :‬طالما أنه أمنّه من الخوف‪ ،‬فلماذا ثنى بذكر الخشية؟ والجواب أن هناك فرقا ً‬ ‫بين الخوف والخشية‪" ،‬فالخشية‪ :‬شدة الخوف‪ ،‬وحذف مفعوله إلفادة العموم‪ ،‬أي ال تخشى شيئاً‪،‬‬ ‫وهو عام مراد به الخصوص‪ ،‬أي‪ :‬ال تخشى شيئا ً مما يخشى من العدو وال من الغرق"(‪ ،)4‬أضف‬ ‫إلى ذلك وجود بني إسرائيل‪ ،‬فثبت هللا قلب قدوتهم عليه السالم بنفي الخوف المتعلق بالدرك‪،‬‬ ‫والخشية المتعلقة بالغرق‪ ،‬والغرق في البحر أعظم شأنا ً من فرعون وجيشه ولذلك جاء متعلقاً‬ ‫بالخشية وليس الخوف وهللا أعلم‪.‬‬ ‫ومن اللطيف أن الخوف لم يذكر في قصته عليه السالم بعد هذا الموضع الرهيب‪ ،‬فكأن‬ ‫الخوف قد غرق مع فرعون وجنوده فلم يعد له أثر في قلب موسى‪ ،‬فإذا تم إهالك ذلك الطاغية على‬ ‫مرأى موسى عليه السالم وقومه فكل ما عدا ذلك هيّن ال يستحق الخوف‪.‬‬ ‫ومن اللطيف أيضا ً أن الماء كان مع بداية الخوف في قصة موسى عليه السالم‪ ،‬وذلك في‬ ‫حديث القرآن عن أمه‪( :‬فإذا خفت عليه فألقه في اليم)‪ ،‬ونهايته أيضاً مع الماء‪( :‬فاضرب لهم طريقاً‬ ‫في البحر يبسا ً ال تخاف دركا وال تخشى)‪ .‬وها هو الماء ذاته تارة يحفظ موسى عليه السالم حين‬ ‫والدته رضيعا ً‪ ،‬وحين نجاته من فرعون رسوالً‪.‬‬

‫(‪ )1‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.74‬‬ ‫(‪ )2‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،16‬ص‪.270‬‬ ‫(‪ )3‬أبو السعود‪ ،‬إرشاد العقل السليم‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪ .31‬وذكر السمين الحلبي وجها ً آخر فقال‪( :‬في محل نصب على‬ ‫الحال من فاعل (اضرب) أي‪ :‬اضرب غير خائف)‪ .‬السمين الحلبي‪ ،‬الدر المصون‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.81‬‬ ‫(‪ )4‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،16‬ص‪.271‬‬ ‫‪1334‬‬


‫‪Journal of Social Sciences (COES&RJ-JSS), 9(4), pp.1320-1338‬‬

‫* المطلب الثالث‪ :‬الفوائد الدعوية المستنبطة من مشاهد الخوف في قصة موسى عليه السالم في‬ ‫القران الكريم‪:‬‬ ‫من خالل تحليل اآليات التي قصَّت علينا مشاهد الخوف التي عرضت لموسى عليه السالم‪،‬‬ ‫وفي ضوء تعامل موسى عليه السالم مع هذه الغريزة ــ بتوفيق هللا له ورعايته ــ‪ ،‬يظهر لنا فوائد‬ ‫دعوية يمكن االستفادة منها لكل داعية يستنير بنور األنبياء ويهتدي بهداهم ويتبع خطاهم‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬دور الخوف في حفظ البقاء‪.‬‬ ‫وظهر ذلك في مشاهد الخوف قبل البعثة‪ ،‬فحين خافت أم موسى عليه وأوحى إليها ربها أن‬ ‫اقذفيه في اليم‪ ،‬كان هذا الخوف سببا ً في نجاة هذا الطفل الرضيع من فرعون وجنده‪.‬‬ ‫ثم كذلك الخوف بعد قتل موسى عليه السالم للقبطي‪ ،‬فالزمه الحذر والترقب حتى نجا من‬ ‫القوم الظالمين‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬دور الخوف في التهيئة النفسية‪:‬‬ ‫من خالل مشهد المناجاة يتبين لنا كيف أن الخوف إذا كان في وقته ــ وهو هنا قبل مواجهة‬ ‫السحرة ــ يكون خوفا ً محموداً يعمل على تهيئة النفس البشرية حتى إذا حصل لها موقف مشابه‬ ‫للموقف الذي خافته أول مرة‪ ،‬فإنها تصبح محصَّنة منه‪ ،‬وهذا درس لكل داعية ليعلم ويستعد لما هو‬ ‫مقدم ومقبل عليه‪ ،‬فال يتعرض لمواقف تهزه وتفاجئه فتأثر على من اعتبروه قدوة لهم‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬أثر اإليمان واليقين باهلل تعالى في تسكين المخاوف‪:‬‬ ‫وهذه نتيجة نهائية لتربية هللا تعالى لموسى عليه السالم وتثبيت له أمام فرعون‪ ،‬فبعد أن‬ ‫حفظت نفس موسى عليه السالم من القتل‪ ،‬وبعد التهيئة النفسية لموسى عليه السالم من ربه‪ ،‬ذهب‬ ‫إلى فرعون وهو في أتم االستعداد ألي مواجهة قد تحصل معه فازداد إيمانا ً وطمأنيةً وثقة بحصول‬ ‫الموعود له من هللا‪ ،‬وهذا هو أثر اإليمان واليقين باهلل تعالى في التغلب على الخوف‪ ،‬ولذلك خاطب‬ ‫فرعون بقوله‪( :‬ففررت منكم لما خفتكم) [الشعراء‪ ،]21 :‬وصيغة (لما خفتكم) تؤكد على أن الخوف‬ ‫قد مضى وانتهى‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى مشهد مواجهة السحرة‪ ،‬فموسى عليه السالم بعد تهيئة هللا له‪ ،‬لم يكن لي ْ‬ ‫ظهر‬ ‫أثر الخوف في نفسه على جوارحه حتى ال يؤثر في الجموع التي أتت لتشهد المواجهة‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫(فأوجس في نفسه خيفة موسى) [طه‪ .]67 :‬فهي خيفةٌ من موسى عليه السالم على قومه أن يتأثروا‬ ‫بسحر السحرة العظيم‪ ،‬ال خوفاً من حبالهم وعصيهم‪.‬‬ ‫وأيضا ً في مشهد ضرب البحر‪ ،‬وبعد أن قال أصحاب موسى‪ :‬إنا لمدركون‪ ،‬كان الرد‬ ‫الفوري من موسى عليه السالم‪ :‬كال‪ ،‬بثبات وثقة ويقين ‪ ..‬إن معي ربي سيهدين‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وهكذا يجب أن يكون منهج الدعاة في تعاملهم مع هذه الغريزة الفطرية‪ ،‬فتكون عونا لهم‬ ‫على الحق‪ .‬وهللا تعالى أعلى وأعلم‪.‬‬ ‫* الخاتمة‪:‬‬ ‫أحمد هللا رب العالمين الذي أعانني على إتمام هذا البحث‪ ،‬والذي خلص إلى أمور كثيرة‪،‬‬ ‫أذكر منها‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ هنالك تقارب داللي بين ألفاظ‪ :‬الخوف‪ ،‬الخشية‪ ،‬الرهبة‪ ،‬الرعب‪ ،‬الفزع‪ ،‬الوجل‪ ،‬إال أن فروقا دقيقة‬‫موجودة بينها يتحملها السياق فيختار لفظة دون أخرى‪ :‬فإذا كان الشعور لمجرد توقع حصول‬ ‫مكروة فهو (الخوف)؛ وإذا صاحبه علم واستشعار بعظمة المخ ِّوف صار (خشيةً)‪ ،‬وإذا طال‬ ‫الخوف واستمر أصبح (رهبةً)‪ ،‬وإذا كان خوفاً شديداً يمأل القلب صار (رعبا ً)‪ ،‬وإذا كان أشد من‬ ‫خوف صار (وجالً)‪.‬‬ ‫ذلك كله وظهرت آثاره على البدن صار (فزعا ً)‪ ،‬وإذا سكن القلب واستشعر الم ِّ‬ ‫ سبب اختيار لفظة الخوف ومشتقاتها دون غيرها من هذه األلفاظ القريبة في قصة موسى عليه‬‫السالم‪ ،‬أن الخوف الحاصل لدى موسى عليه السالم هو أول درجات أو مراحل الخوف ــ إن صح‬ ‫التعبير ــ وحيث ان الخوف كان يحوم حول مشاهد قصته مع فرعون‪ ،‬فلم يبلغ به درجة أعلى‬ ‫‪1335‬‬


‫‪Fear in the story of prophet "Moses" peace be upon him. Objective, analytical study‬‬

‫ليصبح رهبةً أو رعبا ً أو فزعاً‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬ ‫ إ ن قصة سيدنا موسى عليه السالم هي أكثر قصة ــ من بين قصص القرآن الكريم ــ ذكر فيها‬‫الخوف؛ ليؤكد لنا القرآن الكريم على أنه مهما بلغت بك الشجاعة والجرأة والقوة فإن الخوف غريزة‬ ‫بشرية فطرية تعتري جميع الخلق وأن ال ضير في ذلك‪ ،‬ولكن المشكلة تكون عندما يؤثر ذلك‬ ‫الخوف سلبا ً على حياتك ودعوتك إلى هللا‪ ،‬والمتتبع لقصة سيدنا موسى عليه السالم ــ كما مر معنا‬ ‫في هذا البحث ــ يرى كيف كان تأثير الخوف إيجابياً على جميع مراحل حياته قبل البعثة وبعدها‪.‬‬ ‫ إن خوف موسى عليه السالم قبل البعثة كان سببا ً ماديا ً يسره هللا له حتى يتمكن من الفرار من القتل‬‫من فرعون وجنده‪ ،‬وكان هذا هو الحفظ األول للرسالة التي سيحملها فيما ما بعد‪.‬‬ ‫ الخوف في مشهد خطاب هللا تعالى لموسى عليه السالم‪ ،‬هو خوف يعتري كل البشر؛ خوف من‬‫انقالب العصا حيه وليس خوف ذنب‪ ،‬وكان هذا المشهد تهيئة عملية من هللا تعالى لموسى عليه‬ ‫السالم؛ كي ال يقع في حالة من الفزع أو الخوف عند تقديم أدلته لفرعون على أنه رسول رب‬ ‫العالمين‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ الخوف في مشهد خطاب موسى عليه السالم مع هللا تعالى‪ ،‬كان خوفا على الرسالة ال على الرسول‪،‬‬‫فخوفه كان من أن يبادروا إلى قتله وحينئذ ال يحصل المقصود من البعثة‪.‬‬ ‫ الخوف بعد بعثة هارون عليه السالم وقبل مواجهة فرعون‪ ،‬هو ذات الخوف الفطري البشري الذي‬‫يعتري البشر وقد اجتمع هذا الخوف عند النبيين عليهما السالم موسى وهارون‪ ،‬وفي ذلك دليل على‬ ‫طغيان فرعون الذي قد يبادر بالقتل فال يتحصل المقصود من الرسالة وهذه هي حقيقة الخوف لدى‬ ‫موسى وهارون عليها السالم‪.‬‬ ‫ الخوف عند مواجهة فرعون في قوله تعالى‪( :‬ففرت منكم لما خفتكم) [الشعراء‪ ،]21 :‬هو خوف‬‫متعلق بأحداث ما قبل البعثة وهو خوف ماضي كان وانقضى‪.‬‬ ‫ الخوف عند مواجهة السحرة خوف مخفي في نفس موسى عليه السالم لم يظهر على مالمحه‪،‬‬‫وكيف يظهر بعد صناعة هللا له ورعايته وتأهيله‪ ،‬بل في ذكر هذا اإليجاس دليل على عظم إعجاز‬ ‫القرآن الكريم وصدق نبوة النبي الكريم محمد عليه أفضل الصالة وأتم التسليم‪ ،‬فكيف لنا أن نعلم‬ ‫بخلجات نفسية موسى عليه السالم في تلك اللحظة إال من رب العالمين الذي يعلم السر وأخفى‪ .‬كما‬ ‫أن هذا اإليجاس كان متعلقا ً بخوف موسى عليه السالم على الجمهور من االنخداع بالسحر‪ ،‬فأخفاه‬ ‫حتى ال يشعروا به‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬ ‫ الخوف في مشهد الهروب من مصر كان الخوف األخير في القصة‪ ،‬وكأن الخوف قد غرق مع‬‫فرعون الطاغية وجنوده فلم يعد له أثر في قلب موسى عليه السالم أو تأثير على مشاهد قصته‪.‬‬ ‫ من الفوائد الدعوية المستنبطة من مشاهد الخوف في قصة موسى عليه السالم؛ حفظ البقاء‪ ،‬والتهيئة‬‫النفسية‪ ،‬وأثر اإليمان واليقين باهلل تعالى في تسكين المخاوف‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وختاما ً أسأل هللا العلي القدير أن يكون هذا الجهد خالصا لوجهه الكريم‪ ،‬إنه نعْم المولى ونعم‬ ‫النصير‪ ،‬وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين‪.‬‬ ‫* المصادر والمراجع‪:‬‬ ‫ــ اآللوسي‪ ،‬شهاب الدين محمود بن عبد هللا (ت ‪1270‬هـ)‪« ،‬روح المعاني في تفسير القرآن العظيم‬ ‫والسبع المثاني»‪30 ،‬م‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫ــ األصفهاني‪ ,‬الحسين بن محمد (ت‪ 502‬هـ)‪« ,‬مفردات ألفاظ القرآن»‪ ,‬ط‪1 ,3‬م‪ ,‬تحقيق‪ :‬صفوان‬ ‫داوودي‪ ,‬دار القلم‪ ,‬دمشق‪.2002 ,‬‬ ‫ عبد الباقي‪ ،‬محمد فؤاد‪« ،‬المعجم المفهرس أللفاظ القرآن الكريم»‪ ،‬دار الكتب المصرية‪1945 ،‬م‪.‬‬‫ــ البقاعي‪ ،‬برهان الدين أبو الحسن إبراهيم بن عمر (ت ‪885‬هـ)‪« ،‬نظم الدُّرر في تناسب اآليات‬ ‫والسور»‪ ،‬ط‪8 ،1‬م‪( ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرزاق غالب المهدي)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1415 ،‬هـ ــ‬ ‫‪1995‬م‪.‬‬ ‫ــ البيضاوي‪ ،‬عبد هللا بن عمر (ت ‪691‬هـ)‪« ،‬أنوار التنزيل وأسرار التأويل»‪ ،‬ط‪5 ،1‬م‪( ،‬إعداد‬ ‫‪1336‬‬


‫‪Journal of Social Sciences (COES&RJ-JSS), 9(4), pp.1320-1338‬‬

‫وتقديم‪ :‬محمد عبد الرحمن المرعشلي)‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪1418 ،‬هـ ــ ‪1998‬م‪.‬‬ ‫ــ أبو حيّان‪ ،‬محمد بن يوسف (ت ‪ 745‬هـ)‪« ،‬البحر المحيط في التفسير»‪ ،‬ب‪.‬ط‪( ،‬عناية‪ :‬الشيخ‬ ‫زهير جعيد)‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1413 ،‬هـ ــ ‪1992‬م‪.‬‬ ‫ ابن الجوزي‪« ،‬منتخب قرة العيون النواظر»‪ ،‬ط‪( ،1‬تحقيق‪ :‬السيد الصفطاوي‪ ،‬وفؤاد عبد المنعم‬‫أحمد)‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬االسكندرية‪1979 ،‬م‪.‬‬ ‫ خان‪ ،‬محمد صديق (ت‪ 1307 :‬هـ)‪« ،‬فتح البيان في مقاصد القرآن»‪ ،‬مراجعة‪ :‬عبد هللا بن إبراهيم‬‫األنصاري‪ ،‬المكتبة العصريَّة للطباعة والنّ ْشر‪ 15 ،‬مجلد‪ ،‬صيدا ‪ -‬بيروت‪ 1412 ،‬هـ ‪1992 -‬م‪.‬‬ ‫ الرازي‪ ،‬محمد بن أبي بكر (ت‪ 666 :‬هـ)‪« ،‬مختار الصحاح»‪ ،‬تحقيق‪ :‬يوسف الشيخ محمد‪ ،‬المكتبة‬‫العصرية ‪ -‬الدار النموذجية‪ ،‬بيروت ‪ -‬صيدا‪ ،‬الطبعة‪ :‬الخامسة‪1420 ،‬هـ ‪1999 -‬م‪.‬‬ ‫ــ الرازي‪ ،‬محمد بن عمر (ت ‪606‬هـ)‪« ،‬التفسير الكبير‪ :‬مفاتيح الغيب»‪ ،‬ط‪11 ،2‬م‪ ،‬دار إحياء‬ ‫التراث العربي‪ ،‬بيروت‪1417 ،‬هـ ــ ‪1997‬م‪ .‬وط‪11 ،4‬م‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪1422‬هـ ــ ‪2001‬م‪.‬‬ ‫ــ الزمخشري‪ ،‬محمود بن عمر (ت ‪538‬هـ)‪« ،‬الكشّاف عن حقائق غوامض التّنزيل وعيون‬ ‫األقاويل في وجوه التّأويل»‪4 ،‬م‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪1407 ،‬هـ ــ ‪1987‬م‪.‬‬ ‫ــ أبو السّعود‪ ،‬محمد بن محمد (ت ‪982‬هـ)‪« ،‬إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم»‪9 ،‬م‪ ،‬دار‬ ‫إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫ــ السّمين الحلبي‪ ،‬أحمد بن يوسف (ت ‪756‬هـ)‪« ،‬الدُّر المصون في علوم الكتاب المكنون»‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪11‬م‪( ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬أحمد محمد الخراط)‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪1406 ،‬هـ ــ ‪1986‬م‪.‬‬ ‫ــ الشعراوي‪ ،‬محمد متولي (ت ‪ 1418‬هـ)‪« ،‬تفسير الشعراوي (خواطر)»‪20 ،‬م‪ ،‬مطابع أخبار‬ ‫اليوم‪.1997 ،‬‬ ‫ــ الطّبري‪ ،‬أبو جعفر محمد بن جرير (ت ‪ 310‬هـ)‪« ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن»‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪24‬م‪( ،‬تحقيق‪ :‬أحمد محمد شاكر)‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ 1420 ،‬هـ ــ ‪2000‬م‪.‬‬ ‫ــ ابن عادل‪ ،‬عمر بن علي (ت ‪880‬هـ)‪« ،‬اللُّباب في علوم الكتاب»‪ ،‬ط‪20 ،1‬م‪( ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ‬ ‫عادل أحمد عبد الموجود‪ ،‬والشيخ علي محمود معوض‪ ،‬ود‪ .‬محمد سعيد رمضان حسن‪ ،‬ود‪ .‬محمد‬ ‫متولي الدسوقي)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1419 ،‬هـ ــ ‪1998‬م‪.‬‬ ‫ــ ابن عاشور‪ ،‬محمد الطّاهر (ت ‪1393‬هـ)‪« ،‬التَّحرير والتَّنوير»‪ ،‬ط‪ ،1‬مؤسسة التاريخ العربي‪،‬‬ ‫بيروت‪1420 ،‬هـ ــ ‪2000‬م‪.‬‬ ‫ عرفات‪ ،‬د‪ .‬عمر علي‪« ،‬منهج القرآن الكريم في عرض القصص‪ ،‬قصة موسى عليه السالم‬‫أنموذجا ً»‪ ،‬دار الشقري‪ ،‬الرياض‪2017 ،‬م‪.‬‬ ‫ــ ابن عطية‪ ،‬أبو محمد عبد الحق بن عطية األندلسي (ت ‪542‬هـ)‪« ،‬المحرر الوجيز في تفسير‬ ‫الكتاب العزيز»‪ ،‬ط‪15 ،1‬م‪( ،‬تحقيق وتعليق‪ :‬عبد هللا بن إبراهيم األنصاري‪ ،‬والسيد عبد العال‬ ‫السيد إبراهيم)‪ ،‬الدوحة‪1404 ،‬هـ ــ ‪1984‬م‪.‬‬ ‫ الغزالي‪ ،‬أبو حامد محمد (ت‪ 505 :‬هـ)‪« ،‬إحياء علوم الدين للغزالي»‪ ،‬دار المعرفة ‪ -‬بيروت‪4 ،‬‬‫المجلدات‪.‬‬ ‫ ابن فارس‪ ،‬أحمد (ت‪ 395 :‬هـ)‪« ،‬معجم مقاييس اللغة»‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم محمد هارون‪ ،‬دار‬‫الفكر‪ 6 ،‬مجلدات‪1399 ،‬هـ ‪1979 -‬م‪.‬‬ ‫ عباس‪ ،‬أ‪.‬د فضل‪« ،‬قصص القرآن الكريم»‪ ،‬دار الفرقان‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪1985 ،‬م‪.‬‬‫ الخالدي‪ ،‬د‪ .‬صالح‪« ،‬القصص القرآني»‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪1998 ،‬م‪.‬‬‫ــ القاسمي‪ ،‬محمد جمال الدين (ت‪1332 :‬هـ)‪« ،‬محاسن التأويل»‪ ،‬ط‪( ،1‬تحقق‪ :‬محمد باسل عيون‬ ‫السود)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1418 ،‬هـ‪.‬‬ ‫ــ القرطبي‪ ،‬محمد بن أحمد (ت ‪671‬هـ)‪« ،‬الجامع ألحكام القرآن»‪20 ،‬م‪( ،‬تحقيق‪ :‬هشام سمير‬ ‫البخاري)‪ ،‬دار عالم الكتب‪ ،‬الرياض‪1423 ،‬هـ ــ ‪2003‬م‪.‬‬ ‫‪1337‬‬


Fear in the story of prophet "Moses" peace be upon him. Objective, analytical study

.2011 ،‫ دار الشروق للنشر‬،‫ مجلدات‬6 ،»‫ «في ظالل القرآن‬،‫ سيد‬،‫ قطب‬،»‫ «مدارج السالكين بين إياك نعبد وإياك نستعين‬،)‫ هـ‬751 :‫ محمد بن أبي بكر (ت‬،‫ ابن القيم‬- ‫ هـ‬1416 ،3 / ‫ ط‬،‫ مجلد‬2 ،‫ بيروت‬- ‫ دار الكتاب العربي‬،‫ محمد المعتصم باهلل البغدادي‬:‫تحقيق‬ .‫م‬1996 ‫ سامي بن‬:‫ (تحقيق‬،‫م‬8 ،2‫ ط‬،»‫ «تفسير القرآن العظيم‬،)‫هـ‬774 ‫ إسماعيل بن عمر (ت‬،‫ــ ابن كثير‬ .‫م‬1999 ‫هـ ــ‬1420 ،‫ الرياض‬،‫ دار طيبة‬،)‫محمد سالمة‬ .‫م‬2001 - ‫هـ‬1421 ،‫ دار الفكر العربي‬،»‫ «مناهج التربية أسسها وتطبيقاتها‬،‫ علي أحمد‬،‫ مدكور‬‫ يوسف علي‬:‫ تحقيق‬،»‫ «مدارك التنزيل وحقائق التأويل‬،)‫ هـ‬710 :‫ عبد هللا بن أحمد (ت‬،‫ النسفي‬.‫م‬1998 - ‫ هـ‬1419 ،1 / ‫ ط‬،‫ مجلدات‬3 ،‫ بيروت‬،‫ دار الكلم الطيب‬،‫بديوي‬ References: Abu Alsueud, Muhammad bin Muhammad ,“guiding the sound mind to the merits of the Holy Book”, Dar Ihya al-turath al-arabi, Beirut. Abu Hayan, Muhammad bin Yusef, “The Surrounding Sea”, dar al kutub al ilmiyah, Beirut, 2010. Al'asfhani, Al-Hussain Bin Muhammad, “Vocabulary of the Words of the Qur’an”, dar al qalam, Damascus, 2002. Al-Baydawi, Abdullah bin Omar, “The Lights of Revelation and the Secrets of Interpretation”, Dar Ihya al-turath al-arabi, Beirut, 1997. Al-Qurtubi, Muhammad bin Ahmed, “The whole of the provisions of the Qur'an”, dar al-kutub al-misriyya, Cairo, 1964. Al-Razi, Muhammad ibn Umar, “Keys to the Unknown”, Dar Ihya al-turath al-arabi, Beirut, 1999. Al-Tabari, Muhammad ibn Jarir, “Collection of statements on interpretation of verses of the Qur'an”, Hajar Publishing house, Cairo, 2001. Al-Zamakhshari, Mahmoud bin Amr, “the Revealer”, Abbasid Press, Cairo, 1992. Ibn Adel, Omar bin Ali, “the core of Book science”, dar al kutub al ilmiyah, Beirut, 1998. Ibn Atiyyah, Abdul haq ibn ghalib, “The brief editor in the interpretation of the dear book”, dar al kutub al ilmiyah, Beirut, 2001.

1338


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.