نحو نظام اقتصادي إسلامي - الكببجي

Page 1


‫نحو نظام اقتصادي إسالمي‬

‫ماهر الكببجي‬ ‫‪maherkababji1@hotmail.com‬‬


‫المقدمة‪:‬‬

‫لقد فعل القائمون على الشأن العام فكرهم لصياغة نظم اقتصادية على هواهم وتجاهلوا أحكام خالق‬ ‫ِ‬ ‫يل َلهم الَ تُْف ِسُدوْا ِفي األ َْر ِ‬ ‫ض َقاُلوْا‬ ‫الكون التي أنزلت لسعادة البشر معتقدين أنهم مصلحون " َواِ َذا ق َ ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ظ َه َر اْلَف َس ُاد ِفي اْل َب ِر‬ ‫صلِ ُحو َن " (البقرة ‪ ،)11 :2‬والنتيجة أن يحصد الناس ما قدموا " َ‬ ‫إَّن َما َن ْح ُن ُم ْ‬ ‫الن ِ ِ ِ‬ ‫َواْل َب ْح ِر ِبما َكس َب ْت أ َْيِدي َّ‬ ‫ض َّالِذي َع ِمُلوا َل َعَّل ُه ْم َي ْرِج ُعو َن " (الروم ‪.)11 :03‬‬ ‫اس لُيذيَق ُهم َب ْع َ‬ ‫َ َ‬ ‫على الرغم من تميز كل من األنظمة االقتصادية القائمة بمعالم خاصة ب ‪ ،‬إال أن جميعها فشل‬ ‫في تحقيق الرخاء الذى يمثل الجانب المادي للسعادة التي هي غاية اإلنسان في الحياة‪ ،‬فقد زادت‬ ‫معاناة الشعوب وارتفعت معدالت الفقر وعم الفساد أرجاء المعمورة‪ ،‬وان سألت أصحاب القرار‬ ‫يبررون الفشل بندرة النقود وهم ابتدعوها فهل يبتدع البشر أسباب الفشل؟‪ ،‬أو يقولون ندرة الموارد‬ ‫بينما توضح مؤشرات النمو العالمي الصادرة عن البنك الدولي والمحدثة بتاريخ ‪ 22‬يوليو‪/‬تموز‬ ‫‪ 2311‬أن معدالت نمو الناتج اإلجمالي العالمي تفوق معدالت النمو السكاني العالمي خالل‬ ‫السنوات ‪ 2331 ، 2333 ، 1881 ، 1883 ، 1821‬حيث بلغ معدل نمو الناتج ‪، %0.8‬‬ ‫‪ %0.3 ، %1.0 ، %2.8 ، %0.3‬على التوالي‪ ،‬بينما بلغ معدل النمو السكاني ‪%1.1 ، %1.1‬‬ ‫‪ %1.2 ، %1.0 ، %1.1 ،‬على التوالي‪ .‬ويؤكد القرآن الكريم على توفر الموارد على مستوى‬ ‫ض ِإ َّال عَلى َّ‬ ‫العالم سواء من حيث الكم " وما ِمن َدابَّة ِفي ْاأل َْر ِ‬ ‫الل ِ ِرْزُق َها " (هود ‪ ، )3 :11‬وكذلك‬ ‫َ‬ ‫َ​َ‬

‫ِ‬ ‫يها ِمن ُك ِل َشيء َّم ْوُزون " (الحجر ‪ . )18 : 11‬وتمكن التجارة الدولية‬ ‫من حيث النوعية " َوأ َ‬ ‫َنب ْت َنا ف َ‬ ‫ْ‬ ‫الدول من تبادل فوائض الموارد لتحقيق التوازن بين الموارد والحاجات ‪ .‬ومع ذلك قد يفشل المجتمع‬ ‫في تحقيق النمو االقتصادي المنشود بسبب الجهل بما في بواطن األرض وحولها من موارد‪ ،‬أو‬ ‫بسبب عدم استخراج واستغالل الموارد المكتشفة نتيجة عدم توفر التقنيات الالزمة‪ ،‬أو بسبب تحويل‬ ‫الموارد إلى أرصدة في البنوك نتيجة اإلفراط في استغاللها‪ ،‬أو بسبب تدنى مستوى الكفاءة اإلنتاجية‬ ‫نتيجة القصور في التعليم والتدريب‪ .‬وقد يحقق المجتمع ناتج قومي من حيث الكم يفوق ما هو‬ ‫مطلوب لتحقيق الرخاء ألفراد المجتمع‪ ،‬ولكن تختلف تشكيلة المنتجات عن تلك المطلوبة لتحقيق‬


‫الرخاء بسبب توجي اإلنتاج بما ال يتوافق مع متطلبات االستهالك كما في حال إعطاء األولوية‬ ‫للمنتجات ذات الربحية العالية مثل إنتاج األسلحة لتصديرها‪ ،‬وذلك بهدف تحقيق مصالح منتجيها‪.‬‬ ‫يهدف هذا البحث الخاص بالنظام االقتصادي إلى بيان المغالطات في الفكر البشري‪ ،‬وبالمقابل‬ ‫يعرض تعاليم القرآن الكريم وأحاديث الرسول ‪ ‬ذات العالقة‪ ،‬ليخلص إلى تقديم نظام اقتصادي‬

‫عملي متكامل يتوافق مع أحكام اإلسالم‪.‬‬

‫باختصار وبعيدا عن المصطلحات االقتصادية المعقدة‪ ،‬يتقدم البحث في فصول ثالثة‪.‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬ماهية النشاط االقتصادي‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬النظام النقدي‪.‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬النظام المالي لتوزيع الثروة والدخول‪.‬‬


‫الفصل األول‬

‫النشاط االقتصادي‬ ‫قديما كان النشاط االقتصادي يكاد ينحصر في النشاط اإلنتاجي‪ .‬ويقصد بالنشاط اإلنتاجي مجموعة‬ ‫األنشطة التي تقوم بهدف إنتاج الثروة‪ ،‬فهو يشمل جميع أوج النشاط التي يترتب عليها اكتشاف‬

‫الموارد الطبيعية واستخراج المواد الخام منها وثم تحويلها إلى منتجات قابلة لالستهالك‪ ،‬وكذلك‬

‫األنشطة التي يترتب عليها إضافة قيمة للمنتجات أو نقل المنتجات من موقع إلى آخر‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إلى تقديم الخدمات الخاصة والعامة‪ ،‬وكذلك تسويق المنتجات من سلع وخدمات استهالكية وتنموية‬ ‫إلى أن يتم بيعها‪ .‬ويهدف االقتصاد من خالل النشاط اإلنتاجي إلى الوصول إلى النمو األمثل‬

‫للناتج القومي الذى يحقق هدفين ‪:‬‬

‫‪ .1‬إشباع حاجات المجتمع وأفراده من السلع والخدمات االستهالكية والتنموية‪.‬‬ ‫‪ .2‬تشغيل العمالة المتوفرة في المجتمع‪.‬‬

‫في ظل االقتصاديات اإلنتاجية‪ ،‬تعبر كلفة اإلنتاج عن الكلفة الحقيقية للمنتج‪ ،‬إذ تعادل الكلفة‬ ‫الحقيقية للمواد والعمالة الداخلة في انتاجها‪ .‬وبإضافة ربح البائع إلى كلفة اإلنتاج‪ ،‬يعبر سعر البيع‬ ‫عن القيمة السوقية الحقيقية للمنتج‪ .‬إذا ارتفعت كلفة اإلنتاج بسبب ارتفاع طبيعي في كلفة المواد‬

‫أو العمل أو بسبب زيادة الطلب أو نقص العرض‪ ،‬فإن ارتفاع سعر البيع يعبر عن ارتفاع في‬ ‫القيمة الحقيقية للمنتج‪ ،‬فارتفاع سعر بيع الخضروات الصيفية في الشتاء بسبب زيادة كلفة اإلنتاج‬ ‫بقيمة تكاليف التخزين يعبر عن ارتفاع حقيقي في القيمة السوقية للخضروات الصيفية‪ ،‬وارتفاع‬

‫سعر الحديد بسبب زيادة الطلب يعبر عن ارتفاع حقيقي في قيمت السوقية‪.‬‬ ‫ولكن بعد فرض الضرائب وانتشار البنوك واستحداث األسواق المالية أصبح النشاط المالي‪ ،‬فى‬ ‫االقتصاديات المعاصرة على اختالف أنظمتها‪ ،‬يشكل جزءا مهما من النشاط االقتصادي‪ .‬يقوم‬

‫النشاط المالي على استعمال فوائض األموال لتحقيق مكاسب مادية دون مزاولة نشاط إنتاجي‪.‬‬ ‫يشمل النشاط المالي أنشطة اإلقراض أو التمويل مقابل فوائد أو عوائد أو أرباح‪ ،‬وكذلك المضاربات‪،‬‬


‫والفساد المالي‪ ،‬وفرض الض ارئب بما في ذلك ما يعرف بالضريبة المستترة التي تنشأ عن قيام‬

‫الدولة بزيادة كمية النقود لدعم المؤسسات في األزمات أو لدفع فوائد الدين العام أو لتغطية كلفة‬ ‫الفساد المالي في القطاع العام‪.‬‬ ‫نتيجة مزاولة النشاط المالي تحولت اقتصاديات الدول من اقتصاديات إنتاجية إلى اقتصاديات‬

‫تضخمية‪ ،‬ذلك ألن كلفة اإلنتاج أصبحت ال تعبر عن الكلفة الحقيقية للمنتج‪ ،‬إذ يضاف إلى كلفة‬ ‫اإلنتاج ما يدفع أو يتحمل البائع بسبب مزاولة النشاط المالي وهي تكاليف تضخمية ال عالقة لها‬ ‫بالكلفة الحقيقية للمواد أو العمل الداخلة في اإلنتاج‪ .‬فلغرض تحديد سعر البيع‪ ،‬يضيف البائع‪،‬‬

‫بصورة مباشرة أو غير مباشرة‪ ،‬إلى كلفة اإلنتاج ما يدفع أو يتحمل من فوائد أو عوائد على ما‬

‫يقترض ‪ ،‬ومن زيادة مفتعلة في أسعار المواد بسبب المضاربات‪ ،‬ومن ضرائب على المنتجات‬ ‫وعلى دخل ودخل عمال ‪ ،‬ومن رشاوى وتكاليف بسبب الفساد المالي والضريبة المستترة‪ .‬وحيث‬

‫يحرص البائع على تجنب انخفاض معدل ربح ‪ ،‬فإن قيمة ربح تزيد بزيادة كلفة اإلنتاج‪.‬‬

‫بفرض معدل ربح البائع ‪ ،%23‬وأن كلفة إنتاج سلعة ما تبلغ ‪ 133‬وحدة نقدية‪ ،‬فإن سعر البيع‬

‫في االقتصاديات اإلنتاجية يكون ‪ 123‬وحدة نقدية‪ .‬في االقتصاديات المعاصرة‪ ،‬إذا بلغت تكاليف‬ ‫التضخم ‪ 13‬وحدة نقدية‪ ،‬فإن كلفة اإلنتاج تصبح ‪ 113‬وحدة نقدية ويصبح سعر بيع نفس السلعة‬ ‫‪ 123‬وحدة نقدية‪.‬‬

‫على المستوى القومي‪ ،‬حيث يعبر الناتج القومي عن القيمة السوقية لمجموع ما ينتج المجتمع من‬ ‫سلع وخدمات ويتم بيع خالل فترة زمنية معينة‪ ،‬فإن نمو الناتج القومي يتطلب توفير نقود بالكمية‬

‫الكافية لتحقيق النمو المطلوب‪ .‬وألن الوحدة النقدية تستعمل عدة مرات في التداول‪ ،‬فإن النظرية‬ ‫الكالسيكية لكمية النقود تحدد كمية النقود الالزمة لتحقيق الناتج القومي بقسمة الناتج القومي على‬

‫معدل تداول النقود (كمية النقود = الناتج القومي ÷ معدل تداول النقود)‪.‬‬

‫إذا كان معدل تداول النقود ‪ 1‬مرات‪ ،‬فإن كمية النقود التي يلزم توفيرها لتحقيق نمو في الناتج‬

‫القومي مقداره ‪ 12‬مليار وحدة نقدية تكون ‪ 0‬مليار وحدة نقدية (‪ ،)1 ÷ 12‬وتكون القوة الشرائية‬

‫للنقود ‪ 1‬قيمة منتجات (‪ )0 ÷ 12‬حيث تعبر القوة الشرائية للنقود عن قيمة المنتجات التي يمكن‬ ‫شراؤها بوحدة نقدية واحدة‪.‬‬

‫أما إذا تم توفير كمية من النقود بمبلغ ‪ 1‬مليار وحدة نقدية‪ ،‬فإن القوة الشرائية للنقود تصبح ‪ 0‬قيمة‬

‫منتجات (‪ ،)1 ÷ 12‬ونتيجة انخفاض القوة الشرائية للنقود ينشأ التضخم حيث تصبح القيمة السوقية‬

‫للناتج القومي ‪ 13‬مليار وحدة نقدية (‪ )1 × 1‬بدال من ‪ 12‬مليار وحدة نقدية‪.‬‬


‫تشير اإلحصاءات الصادرة عن البنك الدولي أن كمية النقود المتداولة (‪ )M2‬تنمو بمعدل أعلى‬

‫من نمو الناتج القومي‪ ،‬يبين الجدول التالي معدالت النمو خالل عام ‪ 2311‬في بعض الدول‪.‬‬ ‫النقود‬

‫الناتج‬

‫الدولة‬

‫النقود‬

‫الناتج‬

‫الدولة‬

‫النقود‬

‫الناتج‬

‫الدولة‬

‫استراليا‬

‫‪1.3‬‬

‫‪2.1‬‬

‫الجزائر‬

‫‪13.1‬‬

‫‪0.2‬‬

‫األرجنتين ‪28.2‬‬

‫‪3.1‬‬

‫‪1.1‬‬

‫البحرين‬

‫‪3.1‬‬

‫‪1.1‬‬

‫الصين‬

‫‪11.3‬‬

‫‪1.0‬‬

‫الدنمارك ‪11.1‬‬

‫مصر‬

‫‪11.2‬‬

‫‪2.2‬‬

‫الهـن ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫‪13.3‬‬

‫‪1.0‬‬

‫اسرئيل‬

‫‪11.8‬‬

‫‪2.2‬‬

‫األردن‬

‫‪1.0‬‬

‫‪0.1‬‬

‫اليابان‬

‫‪0.3‬‬

‫‪-3.1‬‬

‫روسيا‬

‫‪11.1‬‬

‫‪3.3‬‬

‫لبنان‬

‫‪1.8‬‬

‫‪2.3‬‬

‫السودان‬

‫‪11.3‬‬

‫‪0.1‬‬

‫السويد‬

‫‪0.1‬‬

‫‪2.0‬‬

‫السعودية‬

‫‪11.2‬‬

‫‪0.3‬‬

‫اإلمارات‬

‫‪2.3‬‬

‫‪1.3‬‬

‫تركيا‬

‫‪11.2‬‬

‫‪2.8‬‬

‫لو أن النشاط االقتصادي يقتصر على النشاط اإلنتاجي لكان معدل نمو النقود المتداولة مساويا‬ ‫لمعدل نمو الناتج القومي‪ .‬ولكن نتيجة لمزاولة النشاط المالي التضخمي‪ ،‬يرتفع معدل نمو النقود‬

‫المتداولة عن معدل نمو الناتج القومي‪ ،‬فترتفع القيمة السوقية السارية للناتج القومي عن القيمة‬ ‫السوقية الحقيقية ل ‪ ،‬وهو ما يعبر عن بارتفاع المستوى العام لألسعار أو التضخم‪.‬‬

‫بخالف االرتفاع الطبيعي في األسعار الذي يعبر عن ارتفاع حقيقي في قيمة المنتجات‪ ،‬التضخم‬ ‫ليس ظاهرة طبيعية‪ ،‬وانما ظاهرة مفتعلة نشأت عن مزاولة النشاط المالي الذي يقضي بزيادة كمية‬ ‫النقود المتداولة عن كمية النقود الالزمة لتحقيق نمو الناتج القومي‪ ،‬فتنخفض القوة الش ارئية للنقود‬

‫لتعكس ارتفاعا في المستوى العام لألسعار‪.‬‬

‫الت ضخم هو سبب رئيسي لجميع المشاكل االقتصادية وللكثير من المشاكل االجتماعية والسياسية‬ ‫التي تعاني منها المجتمعات؛‬

‫‪ ‬يتسبب التضخم في تركز الثروة‪ ،‬إذ يختلف أثر التضخم باختالف طبقات المجتمع‪ ،‬فبينما‬

‫يزداد الفقراء فق ار وينخفض مستوى معيشة ذوي الدخول المتوسطة وأولئك الذين يتقاضون دخوال‬

‫ثابتة‪ ،‬يجنى أصحاب الثروات العينية أرباح ارتفاع قيمة ممتلكاتهم من األصول‪ ،‬ويتمكن‬


‫أصحاب العمل في القطاع المالي من جني دخول دون تحمل مخاطر اإلنتاج‪ ،‬أما أصحاب‬

‫العمل في القطاع اإلنتاجي فتزيد أرباحهم كلما زادت تكاليف المنتجات‪ ،‬ومع تنامى الفساد‬ ‫المالي تتسع الفجوة بين األثرياء والفقراء‪.‬‬

‫‪ ‬يترتب على التضخم آثار اجتماعية وسياسية هدامة‪ ،‬فنتيجة زيادة المعاناة بسبب ارتفاع‬

‫األسعار ينتشر إدمان الكحوليات وينفرط الترابط األسري ويرتفع معدل الجريمة وتحل حالة‬ ‫الكراهية والحقد والحسد محل روح التعاون والوئام بين الناس‪ ،‬وتتفاقم الضغوط لرفع األجور‬

‫لمواجهة ارتفاع األسعار‪ ،‬ويترجم ذلك في عدم استقرار سياسي ومظاهرات وثورات شعبية‪.‬‬

‫‪ ‬نتيجة للتضخم تتفاقم المشاكل االقتصادية إذ يقل االستهالك‪ ،‬فينخفض الطلب ويتبع خفض‬ ‫اإلنتاج ومن ثم يرتفع معدل البطالة‪ ،‬وكذلك تقل الصادرات حيث ترتفع أسعارها‪ ،‬كما تتزايد‬ ‫المستوردات التي تصبح أسعارها أقل نسبيا من أسعار المنتجات المحلية‪ ،‬وكذلك ترتفع كلفة‬

‫الخدمات العامة ويزيد اإلنفاق الحكومي وينمو الدين العام بتنامي كلفة خدمت وتزيد حاجة‬ ‫الدولة القتراض النقود لتغطية عجز الموازنة فيزيد الدين العام وتفرض الدولة المزيد من‬

‫الضرائب‪ ،‬والبديل أن تعتمد سياسة تقشف تزيد من معدل البطالة‪.‬‬

‫‪ ‬التضخم هو المسبب الرئيسي لما يشهده العالم من أزمات مالية ونقدية ‪ .‬أزمة وول ستريت في‬ ‫‪ ،1828‬وأزمة الرهونات األمريكية عام ‪ ،2332‬وأزمة دول آسيا عام ‪ ،1881‬وأزمة روسيا‬

‫في ‪ ،1882‬وكذلك أزمة ديون دول أمريكا الالتينية‪ ،‬فجميعها نتاج زيادة كمية النقود االئتمانية‪.‬‬

‫‪ ‬التضخم‪ ،‬كما جميع أشكال التدخل في نظام السوق‪ ،‬يحد من حرية السوق التي تعتبر أحد أهم‬ ‫شعارات النظام الرأسمالي‪.‬‬

‫بخالف األنظمة االقتصادية الوضعية‪ ،‬يحرم القرآن الكريم التضخم فهو أكل مال المستهلكين‬ ‫ْكُلوا أَمواَل ُكم بين ُكم ِباْلب ِ‬ ‫اط ِل "‪ ،1‬وفي بخس للنقود المملوكة للناس " َوَال تَ ْب َخسوا َّ‬ ‫اس‬ ‫ََْ‬ ‫َ‬ ‫الن َ‬ ‫بالباطل " َوَال تَأ ُ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫‪2‬‬ ‫َغِني ِ‬ ‫نك ْم‪.0‬‬ ‫أْ‬ ‫اء ِم ُ‬ ‫اء ُه ْم " ‪ ،‬ونتيجت تركز الثروة بيد األغنياء " َك ْي َال َي ُكو َن ُدوَلة َب ْي َن ْاأل ْ َ‬ ‫َش َي َ‬ ‫إن أحكام اإلسالم التي تقدم مصلحة المجتمع على مصلحة الفرد تتبنى اقتصادا إنتاجيا ال محل‬ ‫في الكتساب دخل نتيجة مزاولة نشاط مالي‪ ،‬ذلك أن اكتساب الدخل المشروع ينحصر في الدخل‬ ‫المكتسب من التجارة‪ ،‬فكلمة " التجارة " في القرآن الكريم تشمل جميع أوج النشاط اإلنتاجي " َيا‬ ‫ْكُلوْا أَمواَل ُكم بين ُكم ِباْلب ِ‬ ‫أَي َّ ِ‬ ‫اط ِل ِإالَّ أَن تَ ُكو َن ِت َج َارة "‪.1‬‬ ‫ُّها الذ َ‬ ‫آمُنوْا الَ تَأ ُ ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ‬ ‫ين َ‬ ‫َ‬

‫‪( 1‬البقرة ‪.)111 :2‬‬ ‫‪( 2‬هود ‪.)18 :11‬‬ ‫‪(" 3‬الحشر‪.)7: 85‬‬ ‫‪( 4‬النساء ‪.)25 :4‬‬


‫َح َّل‬ ‫ويؤكد اإلسالم على تحريم جميع صنوف النشاط المالي‪ ،‬فيحرم اإلقراض أو التمويل الربوي " َوأ َ‬ ‫َّ‬ ‫الل ُ اْل َب ْي َع و َح َّرم ِ‬ ‫الرَبا "‪ ،1‬ويحرم المضاربات ففي عقودها الحاضرة يترتب على ارتفاع أسعار‬ ‫َ َ‬ ‫األصول والبضائع موضوع المضاربة عن قيمتها العادلة بخس لقيمة النقود المملوكة للمشترين "‬

‫اء ُه ْم "‪ ،3‬وعقودها اآلجلة غالبا تنطوي على بيع غير المملوك وقد نهي‬ ‫اس أ ْ‬ ‫َوالَ تَْب َخ ُسوْا النَّ َ‬ ‫َش َي َ‬ ‫الرسول ‪ ‬عن بيع ما ليس عند البائع (سنن أبي داود – البيوع) ‪ ،‬كما ويحرم القرآن الكريم الفساد‬ ‫المالي " وَال تَعثَوا ِفي ْاألَر ِ ِ ِ‬ ‫ين " (هود ‪ ، )21: 11‬وكذلك يحرم الضرائب "‬ ‫ض ُمْفسد َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ​ْ‬ ‫ْكُلوا أَمواَل ُكم بين ُكم ِباْلب ِ‬ ‫ْكُلوا َف ِريقا ِم ْن أَمو ِ‬ ‫اس ِب ِْ‬ ‫الن ِ‬ ‫ال َّ‬ ‫اإل ْث ِم " (البقرة‬ ‫اط ِل َوتُْدلُوا ِب َها ِإَلى اْل ُح َّكا ِم لِتَأ ُ‬ ‫ََْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َوَال تَأ ُ ْ َ‬ ‫‪ ، )122 : 2‬وعن فاطمة بنت قيس ‪ ،‬أنها سمعت – تعنى النبي صلى الل علي وسلم – يقول ‪:‬‬ ‫" ليس في المال حق سوى الزكاة " (سنن ابن ماجة – الزكاة) ‪.‬‬

‫أما السوق فهو أحد األنظمة التي خلقها الل سبحان لتنظيم حياة مخلوقات ‪ ،‬لذلك فإن السوق‬ ‫الطبيعي يمثل اطا ار مفروضا إلتمام المبادالت وتسعير المنتجات من خالل تفاعل حر بين عاملي‬

‫الطلب والعرض متأث ار بمنافسة حرة شريفة‪ ،‬فال يجوز للمخلوق أن يفسد نظاما خلق الل عز وجل‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص َال ِح َها " (األعراف ‪)13 : 1‬‬ ‫بافتعال التضخم أو بأي أسلوب آخر " َوَال تُْفسُدوا في ْاأل َْرض َب ْع َد إ ْ‬ ‫‪ ،‬وال يجوز تسعير المنتجات ‪ ،‬قال الناس يا رسول الل غال السعر فسعر لنا فقال رسول الل ‪:‬‬ ‫" إن الل هو المسعر القابض الباسط الرازق واني ألرجو أن ألقى الل وليس أحد منكم يطالبني‬

‫بمظلمة في دم وال مال" ( سنن أبي داود – البيوع) ‪.‬‬

‫‪( 8‬البقرة ‪.)278: 2‬‬ ‫‪( 6‬هود ‪.)18 :11‬‬


‫الفصل الثاني‬

‫النظام النقــــدي‬ ‫ابتدعت النقود المغطاة بالذهب بسبب الحاجة إليجاد وسيط يسهل عمليات تبادل المنتجات دون‬

‫التعرض لمخاطر تخزين ونقل النقود السلعية التي كان يتم تداولها‪ ،‬وقد حظيت النقود المغطاة‬

‫بالكامل بالذهب تاريخيا بقبول عام على المستوى القومي وكذلك على المستوى العالمي‪ .‬وخالل‬

‫نظام الذهب‪ ،‬كان الجني االسترليني البريطاني عملة االحتياطي العالمي تستعمل إلجراء التسويات‬

‫في مدفوعات أثمان المستوردات والوفاء بااللتزامات الدولية‪ .‬وبعد الحرب العالمية الثانية حل الدوالر‬ ‫األمريكي محل الجني االسترليني‪ ،‬وأخذت الواليات المتحدة األمريكية على عاتقها االلتزام بمعادلة‬

‫الدوالر على أساس ‪ 01‬دوالر مقابل أونصة الذهب‪.‬‬

‫ولكن انهار نظام الذهب حيث لم تتمكن بعض الدول من االلتزام بقواعده‪ ،‬وعلى إثر زيادة اإلنفاق‬

‫الفيدرالي بسبب حرب فيتنام وكذلك تنامى عجز ميزان المدفوعات األمريكي أعلن الرئيس األمريكي‬ ‫نيكسون في ‪ 1811/2/ 11‬نهاية التزام الواليات المتحدة بتحويل الدوالر إلى ذهب‪ ،‬فتحولت معظم‬ ‫دول العالم إلى إصدار النقود الورقية ‪Fiat Money‬التي هي مجرد ورق يطبع أو قطع معدنية‬ ‫تصك من قبل الدولة‪ ،‬ولم يعد هناك عملة عالمية مغطاة بالذهب‪ .‬ومع ذلك فقد استمر الدوالر‬

‫األمريكي يلعب دور العملة العالمية بحكم العادة‪ ،‬ولعدم وجود بديل‪ ،‬وبسبب كبر حجم الدين العام‬ ‫األمريكي تجاه الدول والمؤسسات غير األمريكية‪ ،‬ولتعاظم كمية الدوالر األمريكي خارج الواليات‬

‫المتحدة األمريكية‪ ،‬ولكبر حجم الناتج القومي األمريكي‪ ،‬وحجم االستهالك األمريكي‪ ،‬وحجم‬ ‫المستوردات من الدول األخرى وخاصة الصين‪.‬‬

‫وتوالت األحداث فمنذ األزمة المالية العالمية عام ‪ 2332‬شهد العالم انهيا ار في سعر صرف الدوالر‪،‬‬

‫إذ تنامى الدين العام األمريكي‪ ،‬فانخفضت قوت الشرائية‪ ،‬فأصبحت حقوق المصدرين والدائنين في‬ ‫المعامالت الدولية عرضة لمخاطر مرتفعة‪ ،‬مما جعل دوال تتج لالحتفاظ بعملة احتياط في شكل‬

‫سلة من العمالت األجنبية أو تعمد إلى المقايضة في التجارة الدولية بدل استعمال النقود‪ ،‬وتالحقت‬

‫اجتماعات الدول المسيطرة على اقتصاديات العالم في محاولة لتصويب نظام النقد العالمي‪.‬‬


‫خالفا للنقود السلعية أو المغطاة بالذهب‪ ،‬فإن النقود الحالية ليست مصنوعة من معدن ذي قيمة‬ ‫وال مغطاة بمعدن نفيس‪ ،‬وانما نقود مصدرة مصنوعة من ورق أو معدن ال قيمة تذكر ل‬

‫‪Fiat‬‬

‫‪ Money‬باإلضافة إلى ودائع مصرفية ممثلة في قيود محاسبية في سجالت البنوك‪ .‬و لكي يقبل‬ ‫الناس النقود التي ليس لها قيمة بذاتها بديال عن النقود ذات القيمة‪ ،‬فقد اعتبرت الحكومات النقود‬

‫المصدرة التزاما عليها وفرضت قبولها العام بالقانون بوصف النقود حقا قانونيا ‪،Legal Tender‬‬

‫أما الودائع المصرفية فتعد التزاماَ قانونيا على البنوك‪ .‬وتشكل النقود المصدرة نسبة ضئيلة من‬ ‫حجم النقد المتداول‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬ففي يناير (كانون ثاني) ‪ 2331‬كان النقد المصدر في‬ ‫الواليات المتحدة األمريكية ‪ 113.1‬بليون دوالر‪ ،‬بينما بلغت ودائع البنوك التجارية (‪3.00 )M2‬‬ ‫تريليون دوالر‪.‬‬

‫أما على المستوى العالمي‪ ،‬فإن معطيات قبول النقود على المستوى القومي ال تضمن حقوق أطراف‬ ‫المبادالت الدولية‪ .‬حفظ حقوقهم من مصدرين ودائنين ال يمكن تحقيق إال بوجود ضمان مادي‬

‫للوفاء الفعلي الفوري لهذه الحقوق من خالل استبدال قيمتين؛ سلعة مقابل سلعة أو سلعة مقابل‬

‫ذهب أو سلعة مقابل نقد مغطى بالكامل بالذهب‪ .‬ولكن رغم اختالف معطيات القبول العام للعملة‬

‫القومية عن ضوابط القبول العام للعملة العالمية لم يفرق االقتصاديون بين العملة القومية والعملة‬

‫العالمية ‪.‬‬ ‫تتبنى الدول على اختالف أنظمتها االقتصادية نظاما نقديا يقوم على اعتماد االقتراض طريقا رئيسيا‬

‫لتوفير النقود الالزمة لنمو الناتج القومي؛‬

‫‪ ‬تصدر الدولة نقودا ‪ Fiat Money‬باعتبارها أداة دفع قانونية مقبولة لالستبدال بالمنتجات‬ ‫وللوفاء بااللتزامات‪ .‬بعض الدول تحتفظ مقابل إصداراتها بغطاء كلي أو جزئي من ذهب أو‬

‫عمالت أجنبية‪ ،‬ولكن التخلص من فكر االحتفاظ بغطاء للعملة ل ما يبرره في الواقع العملي‪.‬‬ ‫توفير الغطاء السلعي أو النقدي ينطوي على اكتناز مال بدل استثماره في أنشطة إنتاجية‬

‫ويعرض الدولة لمخاطر انخفاض سعر صرف عملة الغطاء‪ ،‬كما أن البنوك ال تحتفظ بغطاء‬

‫مقابل ما تصدره من نقود بفعل ممارستها لعملية خلق النقود‪ ،‬عالوة على أن الناتج القومي هو‬ ‫الغطاء الحقيقي للعملة‪ .‬في كتاب االقتصاد الحديث – مبادئ وسياسات الصادر عام ‪1812‬‬ ‫صفحة ‪ 128‬يقول كالفن النكستر األستاذ في جامعة كولومبيا " غطاء العملة هو هراء موروث‬ ‫ناتج عن عدم معرفة طبيعة النقود"‪.‬‬


‫ومع زيادة حاجة الدولة للنقود عما يمكن إصداره من قبل البنك المركزي الذي يراعى توازن‬

‫نمو كمية النقود مع نمو الناتج القومي‪ ،‬تلجأ الحكومة لتوفير النقود الالزمة لتغطية نفقاتها‬ ‫المتزايدة عن طريق اقتراض النقود مقابل سندات أو صكوك تصدرها األجهزة أو المؤسسات‬

‫الحكومية أو عن طريق االقتراض المباشر من بيوتات المال العالمية أو الدول الغنية‪ .‬في‬

‫مقالت الموجهة للشعب األمريكي عبر اإلنترنت‪ ،‬يقول الدكتور دون جروندمان "منذ ‪،1883‬‬

‫حوالي ‪ %13‬من ميزانية الواليات المتحدة تُدفع لتسديد فوائد الدين العام "‪.‬‬ ‫‪ ‬يقوم عمل البنوك على اقتراض النقود من المودعين‪ ،‬وثم تستعمل البنوك الودائع إلقراض أو‬

‫تمويل األفراد والمؤسسات على اختالف أنواعها‪ .‬وتتعاظم ودائع البنوك بسبب ممارستها لما‬ ‫يعرف بعملية خلق النقود التي تمكن البنوك من زيادة ودائعها عن طريق اإلقراض‪ ،‬وكذلك‬

‫تزيد ودائع البنوك بفعل إضافة الفوائد الى أرصدتها‪ .‬كما تقوم مؤسسات اإلقراض بإقراض‬

‫األفراد والمؤسسات المختلفة ‪.‬‬

‫‪ ‬تلعب األسواق المالية دو ار مهما الستقطاب المدخرات‪ ،‬فمن خاللها تتمكن الشركات والمؤسسات‬ ‫الكبرى من االقتراض عن طريق إصدار السندات‪ ،‬وتتمكن البنوك من زيادة حجم االئتمان عن‬ ‫طريق تسييل ديون عمالئها كما يحدث في سندات الرهونات العقارية‪ .‬وتزيد ودائع البنوك ألن‬ ‫معامالت األسواق المالية على اختالف تصنيفاتها تتم من خالل البنوك ‪.‬‬ ‫بديال عن االقتراض‪ ،‬تلجأ الدول إلى توفير النقود عن طريق تطبيق ما يعرف بسياسة الخصخصة‬ ‫يتحول فيها المال العام الواجب استثماره لصالح مواطني الدولة إلى مال خاص يستثمر لصالح‬

‫مستثمرين غالبا ما يكونوا أجانب‪ .‬وقد تلجأ الدولة الفقيرة إلى استجداء المنح من الدول الغنية‬ ‫فتضطر إلى الخضوع لطلبات المانحين‪ .‬وان لم تستطع الدولة توفير النقود الكافية لتحقيق النمو‬ ‫المطلوب فإنها تلجأ لتطبيق سياسات تقشفية لتقليص اإلنفاق الحكومي بما يترتب عليها من‬

‫انخفاض في معدل النمو وارتفاع معدل البطالة‪.‬‬

‫لما كان توفير النقود في االقتصاديات المعاصرة يعتمد على االقتراض وتشجيع أنشطـة مالية يفتعل‬ ‫بها تضخما‪ ،‬فقد اتسع دور النقود لتصبح أداة الفتعال التضخم‪ ،‬وبسبب التضخم فقدت النقود‬ ‫المعاصرة أهليتها كمقياس للقيمة حيث تتقلب قوتها الشرائية‪ ،‬كما فقدت أمانتها كمخزن للقيمة فلم‬ ‫يعد بإمكان حاملها أن يحصل مقابلها على منتجات بنفس القيمة التي كان يمكن الحصول عليها‬

‫عند استالم للنقود‪ ،‬أو أن يسترد دين بنقود بذات القوة الشرائية عند إقراض النقود‪.‬‬


‫لما للتضخم من آثار هدامة‪ ،‬فقد أصبحت النقود تتحكم في نمو الناتج القومي‪ ،‬وتحول هدف النظام‬

‫النقدي من توفير النقود الالزمة لتحقيق الناتج القومي إلى محاولة تحقيق أعلى قدر من النمو في‬

‫الناتج القومي مع أقل ارتفاع في معدل التضخم‪ .‬ويتم ذلك من خالل تبنى سياسات نقدية وحكومية‬ ‫تقوم على التحكم في كمية النقود لتجنب مخاطر تفاقم التضخم‪ .‬البنك المركزي يتحكم في إصدار‬

‫النقود وحجم االئتمان ومعدالت الفائدة‪ ،‬والدولة تتحكم في األسعار واألجور والضرائب‪ .‬ولكن في‬ ‫جميع األحوال فإن ال يمكن تجنب عدم االستقرار االقتصادي‪ ،‬كما وأن السوق قد ال يستجيب لما‬

‫تتوقع السلطة النقدية‪ .‬وقد يرتفع معدل التضخم بشكل كبير يهدد االقتصاد بكامل مثال ذلك أن‬ ‫شهد االقتصاد السوفيتي فترة من التضخم المتفاقم من عام ‪ 1821‬إلى عام ‪.1821‬‬ ‫لقد أصبحت االقتصاديات المعاصرة اقتصاديات تضخمية‪ ،‬وأصبح لزاما على المجتمعات التعايش‬

‫مع التضخم المفتعل بدعوى ضرورة النشاط المالي لتوفير النقود‪ ،‬ولكن حقيقة األمر غير ذلك‪،‬‬

‫فليس هناك ما يمنع الدول من توفير النقود الالزمة لتحقيق الناتج القومي بدون افتعال تضخم‬ ‫فالناتج القومي هو الغطاء الحقيقي للعملة‪ ،‬كما وال يفرض عليها النظام النقدي العالمي وال أنظمة‬

‫البنوك المركزية ما يمنعها من ذلك‪.‬‬

‫النساء واْلبِنين واْلَقن ِ‬ ‫اس ح ُّب َّ ِ ِ ِ‬ ‫ورد في القرآن الكريم ذكر الذهب والفضة " ُزي ِ‬ ‫اط ِ‬ ‫ير‬ ‫الش َه َوات م َن َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ِن ل َّلن ِ ُ‬ ‫ط ِرة ِمن َّ‬ ‫الذ َه ِب َواْل ِف َّ‬ ‫ض ِة " (آل عمران ‪ ،)11 :0‬كما ورد في أحاديث الرسول صلى الل علي‬ ‫اْل ُمَقن َ َ َ‬ ‫وسلم ذكرهما بوصفهما أثمان (عملة) متداولة في عصره‪ ،‬إال أن لم يرد ما يحرم استعمال البشر‬ ‫ألي وسيط آخر للتبادل باعتباره بدعة بشرية تسهل معامالتهم على أن تتم مراعاة أحكام القرآن‬

‫الكريم ذات العالقة‪ .‬وقد بينت آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول ‪ ‬أحكام النقود ؛‬

‫‪ ‬إن االحتفاظ بغطاء للعملة يتعارض مع تحريم القرآن الكريم اكتناز الذهب والفضة‬ ‫يل َّ‬ ‫ِ‬ ‫و َّالِذين ي ْكِن ُزو َن َّ‬ ‫ونها ِفي سِب ِ‬ ‫الذ َه َب َواْل ِف َّ‬ ‫الل ِ َف َب ِش ْرُهم ِب َع َذاب أَلِيم " (التوبة ‪)01 : 8‬‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ض َة َوَال ُينفُق َ َ‬ ‫‪ ،‬كما يتعارض مع تحريم اكتناز النقود " َوْي ٌل لِ ُك ِل ُه َم َزة ُّل َم َزة (‪َّ )1‬الِذي َج َم َع َماال َو َعَّد َد ُه (‪)2‬‬ ‫َي ْح َس ُب أ َّ‬ ‫ط َم ِة (‪( " )1‬الهمزة ‪. )131‬‬ ‫َخَل َدهُ (‪َ )0‬كالَّ َلُي َنب َذ َّن ِفي اْل ُح َ‬ ‫َن َماَل ُ أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ان ِباْل ِق ْس ِط‬ ‫ال َواْلم َيز َ‬ ‫‪ ‬يؤكد القرآن الكريم على وجوب ثبات القوة الشرائية للنقود " َوَيا َق ْو ِم أ َْوُفوْا اْلم ْك َي َ‬ ‫َشياءهم والَ تَعثَوا ِفي األَر ِ ِ ِ‬ ‫َوالَ تَْب َخسوْا َّ‬ ‫ين " (هود ‪ ،)21 :11‬ذلك ألن قياس‬ ‫ض ُمْفسد َ‬ ‫ْ‬ ‫الن َ‬ ‫اس أ ْ َ َ ُ ْ َ ْ ْ‬ ‫ُ‬ ‫النقود لقيمة المنتجات ال يمكن أن يكون بالقسط ما لم تكن القوة الشرائية للنقود ثابتة‪ ،‬وال يمكن‬ ‫تحق يق ذلك إال من خالل االلتزام بأن تعادل كمية النقود المتداولة كمية النقود الالزمة لتحقيق‬

‫الناتج القومي‪.‬‬


‫‪ ‬من المعروف أن لم يتم صك عملة في عهد الرسول ‪ ،‬وانما استمر المسلمون في استعمال‬

‫عملة البيزنطيين والساسانيين التي كانت مصنوعة من الذهب والفضة‪ ،‬وبين الرسول أنداك‬

‫أحكام الصرف‪ ،‬فعن الرسول صلى الل علي وسلم أن اشترط لجواز الصرف شرطين أولهما‬ ‫ِ​ِ ِ‬ ‫اآلني ـ ـ ـ ـ ــة ‪ ،‬فع ِن ْاب ِن ُعمر‪َ ،‬قال أَتَ ْي ُت َِّ‬ ‫يع‬ ‫َ​َ‬ ‫َ‬ ‫َسأَُل َك إني أَب ُ‬ ‫َ‬ ‫النب َّي صلى الل علي وسلم َفُقْل ُت ُرَوْي َد َك أ ْ‬ ‫ير وآخ ُذ َّ ِ‬ ‫يع ِب َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْخ َذ ِب ِس ْع ِر َي ْو ِم َها َما َل ْم تَْفتَ ِرَقا َوَب ْي َن ُك َما‬ ‫اإلِب َل ِباْل َب ِق ِ‬ ‫َن تَأ ُ‬ ‫الد َنان ِ َ ُ‬ ‫ْس أ ْ‬ ‫ال " الَ َبأ َ‬ ‫الد َراه َم ‪َ .‬ق َ‬ ‫الر ْح َم ِن ْب ُن أَِبي َب ْك َرَة‪،‬‬ ‫َش ْى ٌء " (سنن النسائي – كتاب البيوع) ‪ ،‬وثانيهما التقابض‪ ،‬فعن َع ْبُد َّ‬ ‫الذه ِب ِإالَّ‬ ‫عن أَِبي ِ ‪َ ،‬قال نهى رسول َّ‬ ‫َّ‬ ‫ض ِة ِباْل ِف َّ ِ َّ‬ ‫الل ِ صلى الل علي وسلم َع ِن اْل ِف َّ‬ ‫َْ‬ ‫ضة َوالذ َه ِب ِب َ‬ ‫َ َ​َ َ ُ ُ‬ ‫الذهب ِباْل ِف َّ ِ‬ ‫الذه ِب َكي ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َن َن ْشتَ ِر َي اْل ِف َّ‬ ‫ف ِش ْئ َنا ‪.‬‬ ‫َم َرَنا أ ْ‬ ‫ضة َك ْي َ‬ ‫َْ‬ ‫ض َة ِب َ‬ ‫ف ش ْئ َنا َوَن ْشتَ ِر َي َ َ‬ ‫َس َواء ب َس َواء َوأ َ‬ ‫ِ‬ ‫ال َه َك َذا َس ِم ْع ُت " (صحيح مسلم)‪.‬‬ ‫ال َيدا ب َيد َفَق َ‬ ‫ال َف َسأَ​َل ُ َرُج ٌل َفَق َ‬ ‫َق َ‬ ‫‪ ‬ال يجوز توفير النقود عن طريق االقتراض أو التمويل مقابل فائدة أو ربح أو عائد‪ ،‬إذ يحرم‬ ‫الخالق عز وجل الربا " وأَح َّل َّ‬ ‫الل ُ اْل َب ْي َع و َح َّرم ِ‬ ‫الرَبا "(البقرة ‪ ،)211: 2‬ومن قبل حرمت‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫المسيحية الربا " ولم يعط بالربا ولم يأخذ مرابحة وكف يده عن الجور" (حزقيال ‪ ،)8‬وفى‬ ‫اليهودية ورد في اإلصحاح ‪ 22‬من صفر الخروج عدد (‪ )21‬ما نص ‪ " :‬إن اقرضت لشعبي‬ ‫الفقير الذي عندك فال تكن ل مرابي "‪.‬‬

‫َّ ِ‬ ‫آمُنوْا‬ ‫‪ ‬وقد بين القرآن الكريم أساليب التمويل المشروعة‪ ،‬فأجاز اإلقراض بال عائد " َيا أَُّي َها الذ َ‬ ‫ين َ‬ ‫ِ‬ ‫ير ِمن اْلخَل َ ِ ِ‬ ‫ض ُه ْم‬ ‫ِإ َذا تَ​َد َاينتُم ِب َد ْين ‪( "..‬البقرة ‪ ، )222 :2‬وأحل الشركة " َواِ َّن َكث ا َ ُ‬ ‫طاء َل َي ْبغي َب ْع ُ‬ ‫عَل ٰى بعض ِإ َّال َّالِذين آمُنوا وع ِمُلوا َّ ِ ِ ِ‬ ‫يل َّما ُه ْم "(ص ‪ ، )21: 02‬وقد أسهب فق‬ ‫َ َ َ​َ‬ ‫الصال َحات َوَقل ٌ‬ ‫َ َْ‬ ‫السلف الصالح في وضع ضوابط الشركات التزاما بتحقيق العدل ‪.‬‬

‫خال من التضخم يحقق‬ ‫إن االلتزام بأحكام الشريعة اإلسالمية يتطلب التحول إلى اقتصاد إنتاجي ٍ‬ ‫فيه نظام النقد القومي األهداف التالية‪:‬‬

‫‪ .1‬توفير النقود القومية بالكمية الكافية لتحقيق النمو األمثل للناتج القومي دون قيود وبدون حاجة‬ ‫إلى االقتراض أو االحتفاظ بغطاء للعملة أو استقطاب المدخرات واالستثمارات أو استجداء‬

‫الهبات‪.‬‬

‫‪ .2‬ثبات القوة الشرائية للعملة القومية‪.‬‬

‫‪ .0‬مكافحة الفساد المالي على المستوى القومي بشكل فعال‪.‬‬ ‫خالفا للسياسات النقدية الحالية التي تقوم على التحكم في كمية النقود‪ ،‬فإن تحقيق هذه األهداف‬

‫عمليا يتطلب التحكم في حركة النقود لمنع استعمالها في أنشطة مالية تضخمية مما يضمن تلقائيا‬ ‫عدم زيادة كمية النقود عن الكمية الالزمة لنمو الناتج القومي‪.‬‬


‫حيث ال يمكن عمليا التحكم في حركة النقود في ظل اقتصاديات تصدر البنوك المركزية والبنوك‬ ‫نقودها‪ ،‬ويجرى فيها تداول النقود فيما بين األفراد والمؤسسات ولدى البنوك‪ ،‬وتستعمل فيها النقود‬ ‫لمزاولة أنشطة إنتاجية ومالية ويكتنز جزء منها ويستثمر أو يهرب جزء آخر خارج الدولة‪ ،‬فإن‬

‫التحكم في حركة النقود يقتضي حصر صالحية توفير النقود وتداولها لدى جهة حكومية معينة‪.‬‬ ‫ويمكن أن يتم ذلك عن طريق التحول إلى نظام نقدي مغلق وفق ما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬حصر تداول النقود القومية في السلطة النقدية (البنك المركزي أو بنك حكومي)‬

‫يتم استدعاء جميع النقود الورقية والمعدنية بالعملة المحلية‪ ،‬وكذلك تحويل جميع الودائع‬

‫المصرفية بالعملة المحلية‪ ،‬إليداعها (النقود والودائع) لدى السلطة النقدية بأسماء أصحابها في‬

‫حسابات جارية غير مقيدة وبدون فوائد‪ .‬ألن ودائع البنوك يقابلها قروض تكون قد منحتها‬ ‫البنوك لعمالئها‪ ،‬فإن حسابات البنوك لدى السلطة النقدية ستكون مكشوفة (مدينة) لحين تسديد‬ ‫األرصدة المدينة من متحصالت تسديد االئتمان المصرفي القائم آنذاك‪.‬‬

‫‪ .2‬الغاء النقود القومية‬

‫تلغى النقود القومية مقابل استبدالها بوحدات محاسبية تتمثل في أرصدة الودائع لدى السلطة‬

‫النقدية‪ .‬تتم جميع المدفوعات بالعملة المحلية عن طريق تحويالت فيما بين الحسابات لدى‬ ‫السلطة النقدية باستعمال وسائل السحب المتعارف عليها مصرفيا‪ .‬بديال عن النقود وبهدف‬

‫تغطية المشتريات والمدفوعات النثرية‪ ،‬يتم بناء على طلب صاحب الحساب إصدار بطاقات‬

‫الكترونية ذكية‪ ،‬بسقوف أو بدون سقوف‪ ،‬للسحب في حدود الرصيد المتوفر في الحساب‪.‬‬ ‫‪ .0‬تمويل النشاط اإلنتاجي‬

‫‪ ‬تمويل المستهلكين‪ :‬بهدف تشجيع االستهالك المحلى‪ ،‬للسلطة النقدية أن تصدر بطاقات‬ ‫ائتمانية الستعمالها في شراء المواد االستهالكية المختلفة‪.‬‬

‫‪ ‬تمويل أجهزة الحكومة‪ :‬يكون تمويل األجهزة الحكومية في حدود المخصصات المعتمدة‬

‫لكل من أجهزة الحكومة‪ ،‬على أن تقوم السلطة النقدية بدفع مستحقات الغير تجاه كل من‬ ‫أجهزة الدولة بقيد قيمها لحسابات مستحقيها على حساب الجهاز لدى السلطة النقدية‪،‬‬

‫وبالمقابل تقيد جميع متحصالت الجهاز بقيد قيمها على حسابات دافعيها لحساب الجهاز‬

‫لدى السلطة النقدية‪.‬‬

‫‪ ‬تمويل المشاريع والصفقات‪ :‬تلتزم السلطة النقدية بتمويل العجوزات في التدفقات النقدية‬ ‫لألنشطة اإلنتاجية التي تقوم بها مؤسسات التمويل المتخصصة (البنوك)‪ .‬يفتح لدى السلطة‬

‫النقدية حساب جارى خاص بكل عملية تمويل‪ .‬يتم قبض رؤوس األموال المشاركة في‬ ‫التمويل (إن وجد) وكذلك جميع المتحصالت الخاصة بالعملية بقيد قيمتها على حسابات‬


‫دافعيها لدى السلطة النقدية‪ ،‬كما يتم قيد السحوبات والمدفوعات الخاصة بالعملية لحسابات‬ ‫مستحقيها لدى السلطة النقدية‪ .‬تمثل أرصدة حساب التمويل المكشوفة التمويل المدفوع من‬ ‫قبل السلطة النقدية بوصفها شريكا في عملية التمويل‪.‬‬

‫يتم التمويل بموافقة واشراف السلطة النقدية وادارة مؤسسة التمويل وفق صيغة المشاركة‬

‫الجارية‪ .‬مؤسسة التمويل ال تشارك في رأس المال‪ .‬إذا وجد شركاء يحدد عقد المشاركة‬

‫الحد األدنى لمقدار مساهمة كل شريك في رأس المال‪ .‬للشريك أن يتقلب رأسمال زيادة أو‬ ‫نقصا بشرط أال يقل عن الحد األدنى المتفق علي ‪ .‬يجوز وجود شريك بدون رأسمال‪ .‬تقيد‬ ‫الشراكة العينية بحسب قيمتها السوقية الجارية ‪.‬‬

‫بعد انتهاء العمل في المشروع (أو الصفقة) موضوع التمويل‪ ،‬تتم التصفية ببيع المشروع‬

‫نقدا للغير أو للسلطة النقدية بسعر السوق النقدي بتاريخ البيع‪ .‬وتتم المحاسبة وفق المبدأ‬ ‫النقدي بتاريخ تصفية المشروع حيث يتحقق الربح أو الخسارة ‪.‬‬

‫لكل طرف نسبة في الربح (إن وجد) مقابل جهده أو عمل أو إشراف (إن وجد)‪ ،‬والباقي‬ ‫من الربح يكون ربحا ألصحاب رأس المال بما فيهم السلطة النقدية‪ .‬يوزع ربح أرس المال‬

‫(أو الخسارة) على أصحاب رأس المال بحسب رأس المال المستثمر من كل منهم محسوبا‬ ‫بطريقة األعداد (النمر) المعتمدة لدى المصارف لحساب الفائدة أو الربح‪.‬‬

‫‪ .1‬الخدمات المصرفية‬

‫تقوم السلطة النقدية حصريا بتقديم جميع الخدمات المصرفية بما في ذلك خدمات الحسابات‬

‫ب العمالت األجنبية وخدمات االعتمادات المستندية وبوالص الشحن والحواالت األجنبية‬ ‫والكفاالت بأنواعها‪.‬‬

‫‪ .1‬العمالت األجنبية‬

‫يتم تحويل جميع الودائع المصرفية بالعمالت األجنبية‪ ،‬إليداعها لدى السلطة النقدية في‬

‫حسابات بأسماء أصحابها‪ .‬تراقب السلطة النقدية حركة الحسابات بالعمالت األجنبية وتوجهها‬ ‫لتوفير النقد األجنبي الستيراد ما يلزمها من أصول أجنبية بمراعاة استيراد الضروريات قبل‬

‫الكماليات‪ .‬يجرى استبدال العملة المحلية بالعمالت األجنبية بسعر الصرف في السوق حاض ار‪.‬‬ ‫‪ .3‬مكافحة الفساد المالي‬

‫تشكل حسابات الودائع سجال كامال لمقبوضات ومدفوعات أصحابها فتكون أداة فعالة تمكن‬ ‫الدولة من مكافحة الفساد المالي والتهرب الضريبي والحد من الكسب غير المشروع وتجنب‬

‫االختالسات وسرقة النقود واجراء التقييم االئتماني ‪.‬‬


‫قد يتخوف البعض من انخفاض سعر صرف العملة نتيجة الخروج عن الفكر االقتصادي المفروض‪،‬‬

‫ولكن قوة االقتصاد يتحكم فيها نمو الناتج القومي وكفاية دخل الفرد تتحكم فيها سياسة إعادة توزيع‬

‫الدخل القومي‪ .‬ومن جهة أخرى فإن انخفاض أسعار المنتجات بسبب زيادة الناتج القومي باإلضافة‬ ‫إلى ثبات القوة الشرائية للعملة القومية نتيجة التخلص من التضخم يزيد حجم الصادرات ويخفض‬ ‫حجم المستوردات مما ينعكس إيجابيا على ميزان المدفوعات وعلى الميزان التجاري‪.‬‬

‫والتزاما بأحكام اإلسالم ولتأمين حقوق أطراف المعامالت الدولية من مصدرين ودائنين‪ ،‬فإن يمكن‬ ‫التحول إلى نظام نقد عالمي بتجنب مغالطات النظام النقدي العالمي الذي كان قائما‪.‬‬ ‫كان طبيعيا أن يفشل النظام النقدي العالمي الذي كان قائما‪ ،‬إذ أن االلتزام بمبادلة الدوالر بالذهب‬ ‫على أساس ‪ 01‬دوالر لكل أونصة ذهب يعنى تثبيت سعر الذهب مقابل الدوالر‪ ،‬وفى ذلك تجاهل‬

‫لحقيقة أن الذهب سلعة يتقلب سعرها بتغير الطلب والعرض‪ ،‬وأن الواليات المتحدة األمريكية ال‬

‫تحتكر وحدها مخزون الذهب في العالم‪.‬‬

‫يمكن اعتماد عملة عالمية مستقلة يصدرها بنك عالمي مستقل ال يخضع ألي دولة على أن يتحدد‬ ‫سعر العملة العالمية بما يعادل كمية ثابتة من الذهب‪ .‬يبيع البنك العالمي النقود العالمية إلى‬

‫البنوك المركزية في الدول مقابل استالم الكمية المعادلة من الذهب بصرف النطر عن سعر‬

‫الذهب في السوق‪.‬‬

‫بفرض التوافق على تقييم العملة العالمية بما يعادل ‪ 1333 ÷ 1‬من أونصة الذهب‪ ،‬فإن كل مليون‬ ‫وحدة نقد عالمية تباع للبنوك المركزية مقابل ‪ 1333‬أونصة ذهب ويتم تسليم العملة العالمية في‬

‫شكل ورق بنكنوت أو تقيد للحساب الجاري للبنك المركزي لدى البنك العالمي‪ .‬وبالمقابل يلتزم‬ ‫البنك العالمي باستبدال كل مليون وحدة نقد عالمية بكمية ‪ 1333‬أونصة ذهب بصرف النطر عن‬

‫سعر الذهب في السوق‪.‬‬

‫يقوم البنك العالمي بعمل بنك التسويات تتم بواسطت المدفوعات للتجارة وااللتزامات الدولية‪ ،‬وتعتبر‬ ‫العملة العالمية عملة االحتياط يحتفظ بها في الحسابات الجارية للبنوك المركزية لدى البنك العالمي‪.‬‬ ‫ترتفع قيمة العملة العالمية مقابل العمالت القومية بارتفاع سعر الذهب والعكس صحيح‪ ،‬وينعكس‬

‫ذلك على أسعار الصادرات بالعملة العالمية‪ ،‬وتحدد أسواق الصرف أسعار صرف العمالت القومية‬ ‫مقابل العملة العالمية‪.‬‬


‫قد يصعب في الوقت الحاضر اعتماد العملة المستقلة على المستوى العالمي‪ ،‬ولكن يمكن لمجموعة‬ ‫دول اعتماد عملة مستقلة الستعمالها في المعامالت فيما بينها‪.‬‬


‫الفصل الثالث‬

‫النظام المالــــي‬ ‫ألغراض هذا البحث‪ ،‬يقصد بالنظام المالي مجموعة القواعد التي تنظم المالية العامة والمالية‬

‫الخاصة‪ .‬وتعنى المالية العامة بالملكية العامة‪ ،‬وايرادات الدولة ونفقاتها والتوازن بينهما وما يترتب‬

‫من فائض أو عجز في موازنة الدولة‪ .‬كما تشير المالية الخاصة إلى الملكية الخاصة‪ ،‬ودخل الفرد‬ ‫ونفقات والتوازن بينهما وما يترتب من فائض أو عجز في دخل الفرد عن تغطية تكاليف المعيشة‪.‬‬ ‫والجمع بين المالية العامة والمالية الخاصة مقصود لتداخلهما حيث تهتم الدول بتوزيع الثروة والدخل‬

‫القومي بسبب حاجتها لتغطية العجز في ميزانيتها الذي قد ينشأ عن عدم كفاية إيراداتها لتغطية‬ ‫نفقاتها وبسبب تباين دخول األفراد ووجود ظاهرة الفقر‪.‬‬

‫إن مشكلة الفقر أو مشكلة تباين الثروات موجودة في المجتمعات وعبر العصور‪ ،‬وتتعدد أسبابها‪،‬‬

‫ولكن العوامل الطبيعية التي تؤثر على مقدرة األفراد لتنمية مداخيلهم‪ ،‬بصرف النظر عن أدائهم‬

‫في العمل‪ ،‬هي نتيجة اختالف القدرات الخلقية ونمط الحياة ودورة الحياة والبيئة المحيطة‪ ،‬وتتعاظم‬ ‫مشكلة الفقر وتباين الثروات بسبب التضخم‪ ،‬وبالمقابل تتعاظم أعباء الدولة مع تعقيدات الحياة‬ ‫ويتنامى اإلنفاق الحكومي لتلبية االحتياجات المعاصرة‪ ،‬األمر الذى يفرض تدخل الدولة إلعادة‬

‫توزيع الثروة والدخول‪.‬‬ ‫تختلف سياسات إعادة توزيع الثروة والدخول في الدول بحسب النظام االقتصادي الذى تتبناه الدولة‪.‬‬

‫في النظام االشتراكي تتملك الدولة عوامل اإلنتاج وتتحكم في توزيع الدخول والثروات‪ ،‬أما الفرد‬ ‫فعلي أن يعمل بقدر طاقت ليحصل على دخل بقدر جهده أو حاجت ‪ ،‬ول أن يتصرف في دخل‬

‫لتغطية تكاليف معيشت وكيفما شاء‪ .‬وعلى النقيض‪ ،‬يطلق النظام الرأسمالي العنان لألفراد والقطاع‬ ‫الخاص لتملك عوامل اإلنتاج والسعي للحصول على دخل والتصرف في دون قيود‪ .‬أما الدولة‬

‫فتفرض الضرائب بهدف تغطية نفقاتها واعادة توزيع الدخول بين األفراد عن طريق ما تقدم إلى‬

‫الطبقات الفقيرة ولذوي الدخول المحدودة من مساعدات وبرامج للرعاية االجتماعية‪ ،‬وكذلك ما تقدم‬

‫من أنظمة للتقاعد والضمان االجتماعي‪ .‬واذا لم تكن حصيلة الضرائب كافية لتغطية نفقات الدولة‬

‫فإنها تلجأ إلى االقتراض ‪.‬‬


‫إن انعدام الحافز المادي لدى أفراد المجتمع يعد من أهم أسباب فشل النظام االشتراكي وعدم تمكن‬

‫من تحقيق المساواة بين أفراد المجتمعات االشتراكية‪ ،‬ومن ثم تحول التدريجي العتماد بعض‬

‫أساليب النظام الرأسمالي‪ .‬كما أن الحرية غير المقيدة في النظام الرأسمالي باإلضافة إلى ما يترتب‬

‫على الضرائب واالقتراض من تضخم يزيد من تركز الثروة هي من أهم أسباب تنامى الفقر واتساع‬ ‫الفجوة بين دخول األفراد‪ .‬تشير الدراسة التي أعدها المعهد الدولي ألبحاث التنمية االقتصادية‬

‫بجامعة األمم المتحدة إلى أن ‪ %1‬من البالغين يملكون وحدهم في عام ‪ 2333‬ما نسبت ‪%13‬‬

‫من مجموع األصول في العالم‪ ،‬وأن ‪ %13‬من البالغين يملكون ‪ %21‬من إجمالي األصول في‬

‫العالم‪ ،‬وبالمقابل فإن نصف سكان العالم من البالغين األكثر فق ار يمتلكون ‪ %1‬من ثروة العالم‪.‬‬

‫بخالف االجتهادات البشرية لتنظيم المالية العامة والمالية الخاصة‪ ،‬فالمال العام والخاص كل ملك‬ ‫َِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات واأل َْر ِ‬ ‫ض َو َما ِفي ِه َّن " (المائدة ‪ ،)123 :1‬أما ملكية البشر‬ ‫ك َّ‬ ‫للخالق عز وجل " لل ُمْل ُ‬ ‫الس َم َاو َ‬ ‫فهي ملكية انتفاع ينظمها اإلسالم‪ ،‬وأما مصادر الدخل والتصرف فيها فتحكم ضوابط واردة في‬ ‫القرآن الكريم وفى أحاديث الرسول ‪.‬‬ ‫تعرف الملكية العامة باسم " المال العام "‪ ،‬ويفهم أن المقصود بالمال العام هو الموجودات التي‬ ‫ينتفع بها كل المجتمع‪ ،‬مثل الماء والكهرباء والطرق والسدود واالتصاالت وما في باطن األرض‬

‫من موارد‪ ،‬فال يجوز خصخصة المال العام بمعنى تمليكها للقطاع الخاص‪ ،‬وانما للدولة تملكها‬ ‫بقصد استثمارها لصالح أفراد المجتمع باعتبارها ملكا مشاعا لهم‪ .‬عن ابن عباس‪ ،‬قال رسول الل‬

‫علي وسلم‪ " :‬المسلمون شركاء في ثالث في الماء والكأل والنار وثمن حرام " (سنن ابن ماج –‬

‫كتاب الرهون)‪ ،‬وعن أبيض بن حمال‪ ،‬أن وفد إلى رسول الل صلى الل علي وسلم فاستقطع‬

‫الملح – فال ابن المتوكل الذي بمأرب – فقطع ل ‪ ،‬فلما أن ولى قال رجل من المجلس أتدرى ما‬ ‫قطعت ل إنما قطعت ل الماء العد‪ ،‬قال فانتزع من قال وسأل عما ُيحمى من األراك قال "ما لم‬ ‫تنل خفاف"‪ .‬وقال ابن المتوكل "أخفاف اإلبل"(سنن أبى داود – كتاب الخراج واإلمارة والفيء)‪.‬‬

‫حيث يحرم اإلسالم الضرائب واالقتراض الربوي‪ ،‬فال يجوز اعتمادهما لتوزيع الدخول والثروات‪.‬‬ ‫وحيث أن الدولة مكلفة من قبل أفراد المجتمع بتقديم الخدمات العامة لينتفعوا بها‪ ،‬ففي حال عدم‬

‫كفاية إيراداتها لتغطية اإلنفاق العام‪ ،‬يتعين على كل فرد من أفراد المجتمع أن يتحمل حصة في‬ ‫عجز موازنة الدولة عمال بقول تعالى‪" :‬يا أَي َّ ِ‬ ‫ين آمُنوْا أَوُفوْا ِباْلعُق ِ‬ ‫ود " (المائدة ‪ ،)1 :1‬وقول‬ ‫ُ‬ ‫ُّها الذ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫إلنس ِ‬ ‫ان ِإالَّ َما َس َعى " (النجم ‪ ،)08 :10‬فال شيء بدون مقابل‪.‬‬ ‫عز وجل‪َ " :‬وأَن ل ْي َس ل َ‬


‫أما الملكية الخاصة فتعرف باسم " المال الخاص "‪ ،‬والمقصود ب الموجودات التي ينتفع بها‬

‫صاحبها‪ .‬وقد بين اإلسالم ضوابط الملكية الخاصة‪ ،‬فليس من حق اإلنسان تملك ما يعتبر ملكية‬ ‫عامة يستفيد منها المجتمع (المال العام)‪ ،‬أو تملك ما ال يقوم باستثماره أو استغالل أو استعمال‬

‫لمعيشت أو عمل ‪ ،‬فاستغالل األرض شرط لتملكها‪ ،‬فال يجوز امتالك األرض بقصد االسترباح من‬

‫ارتفاع أسعارها‪ ،‬فعن جابر‪ ،‬قال رسول الل صلى الل علي وسلم " من كانت ل أرض فليزرعها‬

‫فإن لم يستطع أن يزرعها وعجز عنها فليمنحها أخاه المسلم وال يؤاجرها إياه " (صحيح مسلم –‬

‫كتاب البيوع – باب كراء األرض)‪ .‬كذلك عرض البضائع لبيعها شرط لتملكها‪ ،‬فال يجوز خزن‬ ‫البضائع بقصد رفع أسعارها‪ ،‬فعن معمر بن عبد الل بن نضلة‪ ،‬قال قال رسول الل صلى الل‬

‫علي وسلم " ال يحتكر إال خاطئ "(سنن بن ماج ‪-‬كتاب المساقاة)‪ .‬وبخالف األنظمة الوضعية‬

‫التي تشجع االدخار بقصد استثمار المدخرات في أنشطة مالية‪ ،‬فإن اإلسالم يجيز االدخار في‬ ‫ِ‬ ‫ط َها ُك َّل اْل َب ْس ِط َفتَْق ُع َد‬ ‫ك َوَال تَْب ُس ْ‬ ‫ك َم ْغُلوَلة ِإَل ٰى ُعُنق َ‬ ‫حدود ما تفتضي ضرورات المعيشة " َوَال تَ ْج َع ْل َي َد َ‬ ‫ور "(اإلسراء ‪ ، )28 :11‬وعن عمر‪ ،‬أن النبي ‪ ‬كان يبيع نخل بنى النضير‪ ،‬ويحبس‬ ‫َمُلوما َّم ْح ُس ا‬

‫ألهل قوت سنتهم" (صحيح البخاري – كتاب النفقات)‪ ،‬كما يحث القرآن الكريم على إنفاق المال‬ ‫إذ يحرم اكتنازه " َوْي ٌل لِ ُك ِل ُه َم َزة ُّل َم َزة (‪َّ )1‬الِذي َج َم َع َماال َو َعَّد َدهُ (‪َ )2‬ي ْح َس ُب أ َّ‬ ‫َخَل َدهُ (‪)0‬‬ ‫َن َماَل ُ أ ْ‬ ‫َّ‬ ‫ط َمة (‪(" )1‬الهمزة ‪ ، )131‬ويفرض الخالق إنفاق ما يفيض عن الحاجة المعيشية‬ ‫ينب َذ َّن ِفي اْل ُح َ‬ ‫َكال َل َ‬ ‫ون َك َما َذا ُي ِنفُقو َن ُق ِل اْل َعْف َو " (البقرة ‪. )218: 2‬‬ ‫في سبيل الل " َوَي ْسأَلُ َ‬

‫لقد سخر الل ما في الكون لخدمة البشر وكلف الناس بالسعي الكتساب الرزق " ُه َو َّالِذي َج َع َل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اكِبها َوُكُلوا ِم ْن ِرْزِق ِ َوِاَل ْي ِ ُّ‬ ‫ور " (الملك ‪ ،)11 :31‬فال يجوز‬ ‫َل ُك ُم ْاألَْر َ‬ ‫الن ُش ُ‬ ‫ض َذُلوال َف ْ‬ ‫ام ُشوا في َم َن َ‬ ‫الحد من حرية الفرد الكتساب الرزق المشروع‪ .‬على أن العوامل الطبيعية التي تتسبب في تباين‬

‫الدخول لها ما يبررها إذ تعمل على تحقيق التعاون االجتماعي الالزم لتقدم المجتمعات وبناء‬

‫الحضارات‪ .‬اختالف الناس ضروري ليكون لكل منهم دور مختلف في المجتمع ولكل دور دخل‬ ‫مختلف‪ .‬ويقر اإلسالم بتباين الدخول " و َّ‬ ‫ض ُكم َعَلى َب ْعض ِفي ِ‬ ‫الل ُ َف َّ‬ ‫الرْز ِق" (النحل ‪:13‬‬ ‫ض َل َب ْع َ ْ‬ ‫َ‬ ‫‪.)11‬‬ ‫وحيث يستفيد األثرياء من التعاون االجتماعي فمن مصلحة األثرياء استمرار هذا التعاون وتجنب‬

‫الحسد وتأمين االستقرار االجتماعي‪ ،‬ويكون ذلك بتعويض الفقراء عن نقص دخولهم عن تكاليف‬ ‫معيشتهم‪ ،‬ويؤكد القرآن الكريم على وجوب إعادة توزيع الدخول والثروات " َكي َال‬ ‫ْ‬ ‫َغِني ِ‬ ‫نك ْم " (الحشر ‪.)18: 1‬‬ ‫اء ِم ُ‬ ‫َي ُكو َن ُدوَلة َب ْي َن ْاأل ْ َ‬


‫ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ط ِه ُرُه ْم َوتَُزِكي ِهم ِب َها " (التوبة ‪.)130 :8‬‬ ‫ص َدَقة تُ َ‬ ‫فرض الل الزكاة على األثرياء " ُخ ْذ م ْن أ َْم َواله ْم َ‬ ‫لس ِائ ِل َواْل َم ْح ُرو ِم "‬ ‫الزكاة حق للفقراء في أموال األغنياء وليست مساعدة " َوِفي أ َْم َوالِ ِه ْم َحق لِ َّ‬ ‫(الذاريات ‪ ،)18 :11‬والزكاة تفرض عن كل سنة هجرية‪ ،‬إذ قال النبي ‪ " :‬ال زكاة في مال‬ ‫حتى يحول علي الحول" (رواه الترمذي وأبو داود وابن ماج ) ‪ .‬وهي بخالف الضرائب ليست إيرادا‬ ‫الصدَقات لِْلُفَقراء واْلمس ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫اك ِ‬ ‫ين َعَل ْي َها‬ ‫للدولة‪ ،‬وانما تحصلها الدولة لتنفق على الفقراء " ِإَّن َما َّ َ ُ‬ ‫ين َواْل َعامل َ‬ ‫َ َ َ​َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫يل َف ِريضة ِمن َّ‬ ‫يل َّ‬ ‫السِب ِ‬ ‫ين وِفي سِب ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫الل ِ " (التوبة ‪:8‬‬ ‫الل ِ َو ْاب ِن َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َواْل ُم َؤلَفة ُقُل ُ‬ ‫وب ُه ْم َوفي الرَقاب َواْل َغارم َ َ‬ ‫َ‬ ‫‪.)33‬‬

‫أما مقدار الزكاة فيتحدد بمقدار العجز في دخول مستحقيها استنادا إلى أحاديث الرسول ‪ ،‬فعن‬ ‫علي رضي الل عن قال ‪ " :‬قال رسول الل ‪ " :‬إن الل فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم‬

‫قدر الذي يسع فقراءهم‪ ،‬ولن يجهد الفقراء إال إذا جاعوا وعروا مما يصنع أغنياؤهم‪ ،‬أال وان الل‬

‫نكر " (رواه الطبراني في األوسط‪،)0111 ،‬‬ ‫محاسبهم يوم القيامة حسابا شديدا‪ ،‬ومعذبهم عذابا ا‬ ‫وعن أبي سعيد الخدري عن النبي ‪ " :‬من كان ل فضل زاد؛ فليعد ب على من ال زاد ل "‪،‬‬ ‫قال‪ :‬فذكر من أصناف المال ما ذكر؛ حتى رأينا أن ال حق ألحد منا في فضل (رواه مسلم ‪،‬‬

‫‪.)1311‬‬ ‫في ضوء أحكام الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فإن النظام المالي القويم لغرض إعادة توزيع الثروة والدخل‬ ‫القومي يهدف إلى تحقيق األهداف التالية‪:‬‬

‫‪ .1‬تغطية العجز في موازنة الدولة الناتج عن نقص إيراداتها عن نفقاتها‪.‬‬ ‫‪ .2‬تغطية العجز في دخول األفراد الناتج عن نقص دخل الفرد عن التكاليف المعيارية للمعيشة‪.‬‬ ‫‪ .0‬التخلص من أنظمة الضمان االجتماعي وبرامج التقاعد‪.‬‬

‫‪ .1‬توفير الرعاية الصحية والتعليمية بمستوى مقبول لجميع أفراد المجتمع دون تمييز‪.‬‬ ‫إن تحقيق األهداف المطلوبة يقتضي التأكيد على حق كل فرد في الحصول على دخل يكفي‬

‫لتغطية تكاليف معيشت ‪ ،‬وتأكيد التزام كل فرد بتحمل نصيب من عجز إيرادات الدولة عن تغطية‬ ‫تكاليف الخدمات العامة‪ ،‬ويمكن عمليا تحقيق ذلك بالتحول إلى نظام أمن مادي وفق ما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬تحدد الدولة التكاليف المعيارية لمعيشة الفرد بمراعاة عمر الفرد وجنس والمستوى المعيشي في‬

‫المجتمع‪ .‬تشمل تكاليف معيشة الفرد‪ ،‬بوج عام‪ ،‬تكاليف المستهلكات الفردية من مأكل وملبس‬ ‫وغيرها باإلضافة إلى حصت في عجز الموازنة العامة‪ .‬تتغير التكاليف المعيارية بتغير التزامات‬

‫المجتمع ومتطلبات التنمية وتغير المستوى المعيشي في المجتمع واختالف تشكيلة الخدمات‪.‬‬

‫كما يمكن زيادتها في حاالت الطوارئ مثل الحروب والكوارث الطبيعية‪.‬‬


‫‪ ‬تمثل التكاليف المعيارية لمعيشة األسرة مجموع التكاليف المعيارية لمعيشة رب األسرة والزوجة‬ ‫وجميع المعالين في األسرة‪ .‬ويتحدد العجز في دخل األسرة بمقدار نقص دخلها عن التكاليف‬

‫المعيارية لمعيشتها‪ ،‬ويتحدد الفائض في دخل األسرة بمقدار زيادة دخلها عن التكاليف المعيارية‬

‫لمعيشتها‪.‬‬

‫‪ ‬تحدد الدولة القيمة اإلجمالية لفريضة الزكاة بما يعادل مجموع العجز في دخول األسر‪.‬‬ ‫‪ ‬تفرض الدولة الزكاة على الفوائض في دخول األسر‪ ،‬وتوزع الدولة الزكاة على مستحقيها من‬ ‫األسر بقدر العجز في دخل كل منها عن التكاليف المعيارية لمعيشة األسرة‪ ،‬وذلك بقيد قيمة‬

‫العجز لحساب رب األسرة لدى السلطة النقدية‪.‬‬

‫‪ ‬تلتزم كل أسرة بأن تدفع حصة أفرادها في عجز موازنة الدولة‪ ،‬ويتم ذلك بقيد قيمة الحصة‬ ‫على حساب رب األسرة لدى السلطة النقدية‪.‬‬

‫قد يتخوف البعض من االعتماد على نظام األمن المادي كوسيلة للعيش‪ ،‬ولكن على الدولة اتخاذ‬ ‫اإلجراءات الفعالة والكفيلة بمنع التواكل على النظام وتحقيق التوافق في الهيكلية الكمية والنوعية‬

‫بين العمالة المطلوبة والعمالة المعروضة‪.‬‬


‫الخاتمـــــــــــــــــــة‬ ‫إن فشل النظام االشتراكي القائم على شعار المساواة وفشل النظام الرأسمالي الذي يطلق شعار‬

‫الحرية في تحقيق الرخاء للمجتمعات هو نتيجة ألنها بنيت على أسس مضللة تقيد حرية السوق‬ ‫وتفتعل تضخما يعيق النمو االقتصادي ويركز الثروة بيد فئة قليلة من األغنياء‪.‬‬ ‫بخالف الفكر البشري‪ ،‬فإن أحكام الخالق الى ترتكز إلى العدل تقدم معالم نظام اقتصادي يحقق‬ ‫هدف االقتصاد في الوصول إلى الرخاء المنشود على المستويين القومي والفردي‪ ،‬إذ يقوم على‬

‫استغالل جميع الموارد المتاحة في أنشطة إنتاجية لتحقيق النمو االقتصادي األمثل في إطار السوق‬ ‫الطبيعي الحر مع توفير سبل العيش لكل فرد في المجتمع‪.‬‬ ‫قد يبدو تطبيق النظام االقتصادي الذى يستند إلى أحكام القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة‬

‫مستبعدا في الوقت الحاضر الختالف الجذري عن فكر القائمين على اتخاذ الق اررات وعن توجهات‬

‫الباحثين في االقتصاد الوضعي واالقتصاد اإلسالمي على السواء‪ ،‬إال أن زيادة معاناة الشعوب‬ ‫ستفرض بالنهاية ضرورة إعادة النظر في األسس المضللة التي بني عليها الفكر االقتصاد القائم‬ ‫ومن ثم التحول إلى نظام اقتصادي عادل يعكس أحكام خالق الكون والبشر لتحقيق الرخاء في‬

‫المجتمعات‪.‬‬ ‫لقد بدأت أصوات بعض المفكرين من غير المسلمين تعلو للمطالبة بتغيير جذري لألنظمة‬ ‫االقتصادية القائمة‪ .‬أطلقت السيدة الروسية الدكتورة أولغا تشيتفيريكوفا األستاذة في جامعة العالقات‬ ‫الدولية على المنظومة المالية وأسواق المال مسمى (منظومة التبذير العالمي)‪ ،‬وتضيف أن‬

‫المصارف والبورصات كازينو وأن الفوائد تنتج ماال من الهواء‪ .‬استعرضت األستاذة الدكتورة األلمانية‬

‫مارجريت كنيدي في كتابها "النقود بدون فائدة أو تضخم" الذى نشر عام ‪ 1881‬المفاهيم الخاطئة‬

‫في النظام النقدي الحالي‪ ،‬وتقول "أن متاعبنا في النظام النقدي الحالي تكمن في أن النقود تتضاعف‬ ‫بفعل الفائدة والفائدة المركبة"‪ ،‬وتضيف "أن الفائدة في الحقيقة تعمل كالسرطان في جسم المجتمع"‬

‫كما وتطرح فكر الفائدة السالبة على المدخرات‪ .‬يقول بوفيس فانون – رئيس تحرير مجلة "تشالنجر‬

‫" في مقالت بتاريخ ‪ 2332/12/1‬بعد الهزة االقتصادية التي ضربت أسواق المال في كل أنحاء‬

‫العالم " لو حاول القائمون على مصارفنا‪ ،‬احترام ما ورد في القرآن الكريم‪ ،‬من تعاليم وأحكام‪،‬‬

‫وطبقوها‪ ،‬لما حل بنا كوارث وأزمات‪ ،‬ولما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزرى‪ ،‬ألن النقود ال‬

‫تلد نقودا "‪ .‬تنب السيناتور عن أوهايو دنيس كوسينيش إلى ضرورة تغيير النظام النقدي فقدم في‬


‫‪ 2311/8/21‬للكونجرس األمريكي مشروع القانون الذي يحمل الرقم ‪ HR 2990‬الستبدال البنك‬ ‫الفدرالي بسلطة نقد ولمنع البنوك من تفعيل عملية خلق النقود واستعمال الودائع في اإلقراض‪.‬‬

‫وبعد‪ ،‬نرجو أن يكون في هذا الجهد المبذول رضا الل والخير للناس؛‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.