Qafilah sept oct 16

Page 1

‫مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين ‪ .‬العدد ‪ . 5‬مجلد ‪ . 65‬سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫حياتنا اليوم‬

‫فتجربة هولندية رائدة‬ ‫ي� تطوير التعليم‬

‫نتحدث‬ ‫علوم‪ :‬عن حقوق الروبوت َّ‬ ‫الرز ف� أ‬ ‫ع� وعدسة‪ :‬أ‬ ‫ين‬ ‫الحساء‬ ‫ي‬ ‫أدب‪ :‬هل الصغار وحدهم‬ ‫يرهفون السمع؟‬ ‫ف‬ ‫التقرير‪ :‬ت‬ ‫ال�فيه ي� العرص الرقمي‬ ‫الملف‪ :‬الغيمة‬


‫مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين‬

‫العدد ‪ . 5‬مجلد ‪65‬‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫الناشر‬ ‫شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو السعودية)‬ ‫الظهران‬ ‫رئيس الشركة‪ ،‬كبير إدارييها التنفيذيين‬ ‫أمين بن حسن الناصر‬

‫ت‬ ‫للمش� ي ن‬ ‫توزع مجاناً‬ ‫ك�‬ ‫• العنوان‪ :‬أرامكو السعودية‬ ‫ص‪.‬ب ‪ 1389‬الظهران ‪31311‬‬ ‫المملكة العربية السعودية‬

‫نائب الرئيس لشؤون أرامكو السعودية‬ ‫ناصر بن عبدالرزاق النفيسي‬

‫ال�يد إ ت ن‬ ‫و�‪:‬‬ ‫• ب‬ ‫اللك� ي‬ ‫‪alqafilah@aramco.com.sa‬‬

‫مدير عام دائرة الشؤون العامة‬ ‫عبدالله بن عيسى العيسى‬

‫• الموقع إ ت ن‬ ‫و�‪:‬‬ ‫اللك� ي‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬ ‫• الهواتف‪:‬‬ ‫ فريق التحرير‪+966 13 876 0175 :‬‬ ‫ت‬ ‫االش�اكات‪+966 13 876 0477 :‬‬ ‫فاكس‪+966 13 873 1700 :‬‬

‫رئيس التحرير‬ ‫محمد الدميني‬ ‫تصميم وتحرير‬

‫‪www.mohtaraf.com‬‬

‫صورة الغالف‬ ‫هذا الغالف | «مدرسة ستيف جوبز»‬ ‫هي باكورة سلسلة مدارس في هولندا‬ ‫تسعى إلى تطوير التعليم االبتدائي‪.‬‬ ‫والتجربة تحقق اليوم نتائج تستحق‬ ‫االطالع عليها‪.‬‬ ‫تصميم الغالف‪ :‬ندى حيدر‬

‫طباعة‬ ‫شركة مطابع التريكي‬ ‫‪www.altraiki.com‬‬ ‫ردمد ‪ISSN 1319-0547‬‬ ‫• جميع المراسالت باسم رئيس التحرير‪.‬‬ ‫يعبر بالضرورة عن رأيها‪.‬‬ ‫• ما ينشر فـي القافلة ال ِّ‬ ‫• ال يجوز إعادة نشر أي من موضوعات أو صور‬ ‫«القافلة» إال بإذن خطي من إدارة التحرير‪.‬‬ ‫• ال تقبل «القافلة» إال أصول الموضوعات التي لم يسبق‬ ‫نشرها‪.‬‬


‫محتوى العدد‬

‫ً‬ ‫معا‬ ‫الرحلة‬ ‫ِم ْن رئيس التحرير ‬ ‫القراء ‬ ‫مع َّ‬ ‫أكثر من رسالة ‬

‫حياتنا اليوم‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬

‫المحطة األولى‬ ‫اللكترونية شروط‬ ‫نقاش مفتوح‪ :‬التجارة إ‬ ‫تعاطيها بشكل سليم ‬ ‫بداية كالم‪ :‬ما مصير الصور التي تلتقطها‬ ‫بكاميرا جوالك؟ ‬ ‫كتب عربية‪ ..‬كتب من العالم ‬ ‫قول في مقال‪ :‬هل ماتت المسافة حقاً؟ ‬

‫‪7‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪20‬‬

‫علوم وطاقة‬ ‫علوم‪ :‬كيف استغ َّلت النباتات البشر؟ ‬ ‫كيف تعمل؟‪ :‬آلة إعداد القهوة ‬ ‫نتحدث ‬ ‫عن حقوق الروبوت َّ‬ ‫العلم خيال‪ :‬المادة المضادة ‬ ‫منتج‪ :‬شاشة اللمس ‬ ‫المواج‪ ..‬أ‬ ‫طاقة‪ :‬طاقة أ‬ ‫الزرق هو‬ ‫أ‬ ‫الخضر الجديد ‬ ‫من المختبر ‬ ‫االسم المعياري‪ :‬أمبير ‬ ‫ماذا لو‪ :‬ماذا لو انقلب المجال المغناطيسي؟ ‬

‫‪21‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪40‬‬

‫تجربة هولندية رائدة في تطوير التعليم ‬ ‫تخصص جديد‪ :‬تطوير أ‬ ‫اللعاب ‬ ‫الجراح ‬ ‫السمنة المفرطة‪ ..‬آخر العالج‬ ‫مبضع ّ‬ ‫أ‬ ‫عين وعدسة‪ :‬موسم أ‬ ‫الرز في الحساء ‬ ‫فكرة‪ :‬شجرة المدن العائلية ‬ ‫أدب وفنون‬ ‫أدب‪ :‬أدب أ‬ ‫الطفال‪ ..‬هل الصغار وحدهم‬

‫يرهفون السمع ؟‬ ‫على هامش مسرحية «حبل غسيل»‪..‬‬ ‫عودة إلى مسرح بال نصوص؟ ‬ ‫فنان ومكان‪ :‬طاغور وشانتينيكتان ‬ ‫أقول شعراً‪ :‬مسفر الغامدي ‬ ‫ذاكرة القافلة‪ :‬مكة المكرمة‪ ..‬‬ ‫لغويات‪ :‬من طرائف العربية ‬ ‫فرشاة وإزميل‪ :‬كالوس كيمب‪ ..‬الرجل الذي‬ ‫يصنع فناً من كائنات مجهرية ‬ ‫بيت الرواية‪ :‬رواية حرية أ‬ ‫البواب المغلقة ‬ ‫رأي أدبي‪ :‬زهد ثقافي‪ :‬غياب الدهشة‬ ‫وضمور ملكة االكتشاف ‬

‫‪41‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪47‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪56‬‬

‫‪57‬‬ ‫‪61‬‬ ‫‪66‬‬ ‫‪68‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪73‬‬ ‫‪78‬‬ ‫‪80‬‬

‫التقرير‬ ‫صناعة الترفيه والعصر الرقمي ‬

‫‪81‬‬

‫الملف‬ ‫الغيمة ‬

‫‪Qafilah App available at‬‬

‫‪89‬‬

‫‪@QafilahMagazine‬‬


‫‪3|2‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬


‫تحية وبعد‬

‫ت‬ ‫تخيم عىل بعض مناطق‬ ‫رغم‬ ‫ال� ف ِّ‬ ‫الغيوم المعتمة ي‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫ال�ق الوسط‪ ،‬وما تشيعه ي� النفوس من هزيمة‬ ‫ويأس أحياناً‪ ،‬فإن علينا أن نتذكر بعض المفاصل‬ ‫الحية ف ي� بنيان هذه المنطقة تاريخاً ووجوداً ومستقبالً‪.‬‬

‫الرحلة معاً‬

‫العصية عىل الكرس هو مفصل «التنوع»‪ .‬والتنوع‬ ‫أحد تلك المفاصل‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫هذا ليس فكرة أو نظرية عابرة تتوهج ثم تنطفئ يب� حقبة وأخرى‪.‬‬ ‫والخ�ات ش‬ ‫وتتحول إىل‬ ‫الب�ية‪،‬‬ ‫ولكنها خزانة ذهبية تت�اكم فيها السنون ب‬ ‫َّ‬ ‫هوية راسخة تقف أمام كل محاوالت المحو أو التبخيس‪ .‬وعىل الرغم‬ ‫التذك� به يخدم هاجس هذه المقالة‪.‬‬ ‫من أن ما نقوله هنا بديهي‪ ،‬فإن‬ ‫ي‬ ‫لقد هبطت ف ي� هذه المنطقة الديانات‪ ،‬وتقاطعت فوقها الحضارات‪،‬‬ ‫ونمت عىل ضفافها الثقافات أ‬ ‫والفكار‪ ،‬وهي لم تسلم من رصاعات‬ ‫الك�ى السياسية والعسكرية واالقتصادية عىل مدى قرون‪،‬‬ ‫القوى ب‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تمخضت‬ ‫كغ�ها‬ ‫فحصدت ي‬ ‫من المم نصيبها من النتائج الموحشة ي‬ ‫أ‬ ‫عن تلك الحروب والطماع‪ ،‬بل وفقدت جزءاً من أراضيها لصالح كيان‬ ‫العر�‪ .‬لكن التنوع الخصب بكامل تجلياته‬ ‫ُزرع قرساً ف ي� قلب العالم‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫الدينية والثقافية والعرقية والثنية والطائفية بقي الضوء أ‬ ‫الشد لمعاناً‪،‬‬ ‫إ‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫حدقنا ي� جغرافية هذه‬ ‫الع� كلما َّ‬ ‫وربما الفضيلة ال ثك� توارياً عن ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫نحو ما بقلب العالم‪.‬‬ ‫المنطقة ال يث�ة ي‬ ‫ال� يمكن تسميتها عىل ٍ‬ ‫ين‬ ‫والص�‪ ،‬وهما‬ ‫أمم أخرى تقود العالم اليوم‪ .‬والواليات المتحدة‬ ‫أ‬ ‫تكونتا من أمم‬ ‫القوتان ي‬ ‫الكب�تان اللتان تقفان عىل هرم تلك المم‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ش�‪ ،‬وصنعتا أنظمة ثقافية واجتماعية ينصهر فيها أولئك‬ ‫وأعراق َّ‬ ‫المهاجرون الباحثون عن عيش‪ ،‬وعن صناعة أوطان جديدة بعيداً عن‬ ‫الم‪ .‬وقد خرس هؤالء بالدهم أ‬ ‫أوطانهم أ‬ ‫الوىل وشطراً من ثقافتهم‬ ‫وتكبدوا مصاعب االندماج ف ي� أمم أخرى بما ف ي�‬ ‫وهويتهم االجتماعية‪ّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫ذلك خسارتهم لغتهم أحيانا‪ ،‬إال أنهم أضافوا إىل ثقافة تلك البالد‬ ‫الجديدة‪ ،‬وأغنوا هوياتها‪ ،‬وانخرطوا ف ي� صنع اقتصادات تلك الدول‬ ‫وقفزاتها التقنية والعلمية والمعرفية‪ ،‬وحققت بعض أ‬ ‫السماء جوائز‬ ‫عالمية مرموقة‪.‬‬ ‫ال�ق أ‬ ‫التنوع ف ي� منطقة ش‬ ‫الوسط إذاً ليس تنوعاً ثقافياً وحضارياً‬ ‫فحسب‪ ،‬بل تنوع طبيعي‪ ،‬فهو خليط من الصحاري والجبال أ‬ ‫والنهار‪،‬‬ ‫ب� البحار والمحيطات ما يجعلها موقعاً ت‬ ‫ويتموضع ي ن‬ ‫اس�اتيجياً للتنمية‬ ‫المستدامة وميداناً لتنوع مصادر الطاقة واالقتصاد‪ ،‬فضال ً عن القوة‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫الك�ى‪.‬‬ ‫ال� تشكِّل فيها الفئات الشابة ش�يحتها ب‬ ‫الب�ية الهائلة ي‬

‫ِمن رئيس التحرير‬

‫فضائل‬ ‫التنوع‬

‫أ‬ ‫الك�ى لشعوب‬ ‫«التنوع» هو إحدى اليقونات التاريخية والحضارية ب‬ ‫هذه المنطقة‪ ،‬وإذا كانت بعض القوى الظالمية قد لجأت إىل نسف‬ ‫رموز ذلك التاريخ ومعالمه المادية وحواضنه العربية‪ ،‬فإنها لن تتمكَّن‬ ‫من محوه من أ‬ ‫الرض والذاكرة والوجدان‪ .‬ويبقى عىل شعوب المنطقة‬ ‫أن تجتاز خرائبها وخساراتها‪ ،‬وأن تبقى حاضنة لتنوعها الفريد الذي‬ ‫ت‬ ‫ث‬ ‫ال� يمكن أن يغبطنا عليها بعض‬ ‫يصنع هويتها ال�ية والفسيفسائية ي‬ ‫شعوب المعمورة‪.‬‬


‫‪5|4‬‬

‫مع القرَّ اء‬

‫تحية وبعد‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫بروتينات‬ ‫الرياضيين‪..‬‬

‫بساط الريح‬

‫ً‬ ‫هل هي حقا آمنة؟‬

‫ضمن حكايات «ألف‬ ‫ليلة وليلة»‪ ،‬ثمة واحدة‬ ‫َّ‬ ‫تتحدث عن سجادة‬ ‫سحرية لها‬ ‫القدرة على الطيران بمن‬ ‫في ا‬ ‫عليها من مكان إلى مكان‪،‬‬ ‫ستحضار لحلم البشرية القديم‬ ‫بالطيران‪ .‬وبعدما ظهرت‬ ‫الطائرة‬ ‫قبل مئة عام‪ ،‬لم تتوقف‬ ‫األبحاث إلنتاج بساط الريح!‬ ‫حسن الخاطر‬

‫وذلك لتنمية العضالت بشكل مصطنع‪ .‬أما في حال‬ ‫كانت التغذية الطبيعية غير كافية لسبب ما‪ ،‬فيمكن‬ ‫للبروتينات أن تكون مفيدة إذا وصفها الطبيب‪.‬‬ ‫والعودة إلى الطبيب هو ما ننصح به أ‬ ‫الخت صبا‬ ‫علي‪ ،‬التي قرأت البحث حول «الفضة الغروية»‪،‬‬ ‫وتسأل ما إذا كان من المفيد أن تنقع محبس الفضة‬ ‫في الماء لمعالجة زوجها الذي يعاني من مرض في‬ ‫القولون‪ .‬أ‬ ‫وللخت صبا نقول أوال ً إن محبس الفضة‬ ‫ليس فضة غروية‪ .‬أ‬ ‫والهم من ذلك‪ ،‬هو أن نشر‬ ‫مثل هذه المقاالت العلمية يهدف إلى إطالع القارئ‬ ‫على الحاصل في مجال البحوث والدراسات‪ ،‬وليس‬ ‫إلى تطبيق هذه التجارب على نفسه‪ ،‬فعلى زوجك‬ ‫مراجعة الطبيب والعمل بما يصفه له‪.‬‬ ‫وحظي مقال «بساط الريح» المنشور في زاوية‬ ‫«العلم خيال» في العدد الماضي بتعليقات كثيرة‬ ‫نقتطف منها قول عبدالجليل هزاع‪« :‬موضوع أكثر‬

‫يتداول‬ ‫ً‬ ‫بعضهم أخبارا حول العالج‬ ‫بالشرب‬ ‫من وعاء ماء يحتوي على‬ ‫«جنيه‬ ‫فضة»؛ حيث أخذ الموضوع‬ ‫مساحة إعالمية!‬ ‫فما هي‬ ‫حقيقة هذا االعتقاد؟‬ ‫وما هو‬ ‫عنصر الفضة وما عالقته‬ ‫بالجانب‬ ‫الصحي؟‬ ‫وماذا‬ ‫يقول‬ ‫الطب‬ ‫ً‬ ‫الحديث بعدما قاله الطب‬ ‫قديما؟‬

‫من رائع‪ ..‬إن الحصول على موصالت فائقة التوصيل‬ ‫تحول العالم السريع‬ ‫تحت حرارة عادية هو نقطة ُّ‬ ‫إلى عالم فائق السرعة»‪ .‬كما كتب علي سليس حول‬ ‫يتميز بالرصانة وبراعة‬ ‫الموضوع‬ ‫نفسه‪« :‬مقال جميل ّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫االنتقال بين الفكار بسالسة والقدرة على إثارة السئلة‬ ‫حول مستقبل العالم من زاوية مغايرة»‪.‬‬ ‫وأبدى محمد شمص إعجابه بموضوع «مطاعم‬ ‫المستقبل»‪ ،‬فكتب يقول‪« :‬أهنىء القافلة والسيدة‬ ‫مهى قمر الدين على أبحاثها الرائعة التي تزدان بنفحة‬ ‫مشوق»‪.‬‬ ‫علمية ممتازة وبالغة فذّ ة وأسلوب ّ‬ ‫مميز‬ ‫وأخيراً وليس آخراً‪ ،‬كان للقارئة مهى علي رأي ّ‬ ‫في موضوع «مصير المكتبات الخاصة»‪ ،‬إذ رأت أن‬ ‫«بيع المكتبات الخاصة ظاهرة طبيعية واقتصادية‪،‬‬ ‫ال داعي إلى تحولها إلى قصة حزينة‪ .‬فالكتب ليست‬ ‫النسان للزينة‪ .‬وإذا قرأت الكتاب‬ ‫تحفاً فنية يجمعها إ‬ ‫وفرغت منه‪ ،‬فبادر إلى بيعه‪ ،‬كي تُفيد وتستفيد»‪.‬‬

‫علوم‬

‫أ‬ ‫وللخ خالد نقول إن المقال كان واضحاً في تحذيره‬ ‫من تناول البروتينات كإضافة إلى التغذية الكافية‪،‬‬

‫د‪ .‬محمد آل محروس‬

‫د‪ .‬محمد آل محروس‬

‫الفضة‬ ‫َ‬ ‫وية‬ ‫الغ َر ِ‬

‫العدوة الكبرى‬

‫للميكروبات‬

‫‪69 68‬‬

‫«�¦‪W?�U?I‬‬

‫ففي تعليقه على موضوع «بروتينات الرياضيين»‪،‬‬ ‫كتب خالد علي أن «التقرير لم يكن واضحاً‪ .‬ولم‬ ‫يجب عن السؤال‪ :‬هل هي حقاً آمنة؟»‪ .‬وتمنى‬ ‫الحديث عن «استخدام البروتين حسب الكميات‬ ‫الصحيحة‪ ،‬والماركات المعتمدة في دول االتحاد‬ ‫أ‬ ‫الوروبي‪ ،‬ألن أبحاثاً كثيرة تقول إنها غير ضارة»‪.‬‬

‫حياتنا اليوم‬

‫القراء‬ ‫وحفل موقع القافلة إ‬ ‫اللكتروني‪ ،‬بتعليقات ّ‬ ‫وأسئلتهم‪ ،‬وبعضها كان حول مواضيع نشرت قبل‬ ‫عدة أشهر‪.‬‬

‫العلم خيال‬

‫الطائفة الثانية من الرسائل التي بلغت العشرات‪،‬‬ ‫كانت من ك ّتاب وصحافيين يسألون عن إمكانية‬ ‫السهام في الكتابة للقافلة‪ .‬والواقع‪ ،‬كما كررنا‬ ‫إ‬ ‫مرة‪ ،‬أن صفحات القافلة مفتوحة للجميع‪.‬‬ ‫أكثر من ّ‬ ‫أما الشروط فهي المعمول بها في كل المجالت‪،‬‬ ‫مثل وجوب أن تكون المادة أصلية لم يسبق‬ ‫نشرها‪ ،‬وذات مضمون يهم القارئ‪ ،‬أ‬ ‫والهم من‬ ‫ّ‬ ‫ذلك‪ ،‬أن تندرج في أبواب المجلة‪ .‬إذ إن القافلة‬ ‫محدد‬ ‫تصدر مرة كل شهرين‪ ،‬وعدد صفحاتها َّ‬ ‫بدقة‪ ،‬وال مجال لفتح أبواب جديدة على حساب‬ ‫أ‬ ‫البواب القائمة حالياً‪ .‬ولذا ال ّبد من االطالع بعمق‬ ‫أ‬ ‫على طبيعة البواب‪ ،‬وأسلوب معالجة مواضيعها‪،‬‬ ‫كي تصبح المادة التي يراد إرسالها إلى القافلة‬ ‫صالحة للنشر‪.‬‬

‫يزداد اإلقبال‬ ‫على المنتجات البروتينية‬ ‫واألحماض‬ ‫ِّ األمينية من قبل الشباب‬ ‫اليافع ُ‬ ‫المتأثر بأجواء‬ ‫صاالت كمال األجسام‬ ‫ُ‬ ‫والم َ‬ ‫نجرف مع‬ ‫موجة «زيادة كتلة الجسم‬ ‫العضلية»‪ .‬إذ‬ ‫يعمد كثير من هؤالء إلى‬ ‫استخدام بروتينات‬ ‫تجارية جاهزة وأحماض‬ ‫أنَّ‬ ‫أمينية ُم َع َّلبة‬ ‫بحجة ها آمنة وال ُتسبب‬ ‫أي أضرار‬ ‫كتلك‬ ‫الناتجة‬ ‫عن‬ ‫استخدام‬ ‫األسترويدات و‬ ‫الهرمونات المنشطة (على‬ ‫ِّ‬ ‫حد‬ ‫ً‬ ‫قولهم)‪ .‬فهل هذه المنتجات‬ ‫فعال آمنة؟‬ ‫حينما يعتقد البعض َّ‬ ‫أن استهالك المنتجات‬ ‫البروتينية أمر صحي‪،‬‬ ‫فإننا في الطرف اآلخر‬ ‫نلفت االنتباه (من أجل ْ‬ ‫أن يتم مسك العصاة‬ ‫من‬ ‫الوسط)‬ ‫إلى‬ ‫توفر دالئل طبية تدل على‬ ‫َّ‬ ‫أن هذا االستخدام‬ ‫كفيل بالتسبب في آثار‬ ‫جانبية سلبية ترتبط‬ ‫باضطراب أعضاء حيوية‬ ‫رئيسة في جسم اإلنسان‪.‬‬

‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫لمناسبة عيد أ‬ ‫الضحى المبارك‪ ،‬وردنا كثير من رسائل‬ ‫المعايدة التي ال مجال في هذه الصفحة لتعدادها‪،‬‬ ‫غير أننا نشكر القراء أ‬ ‫الع َّزاء على ما يكنونه من عاطفة‬ ‫َّ‬ ‫للقافلة‪ ،‬متمنين لهم بدورنا عيداً مباركاً‪ ،‬أعاده الله‬ ‫على الجميع بالخير والبركة‪.‬‬

‫‪31 | 30‬‬

‫�‪ U³²JL�« dOB‬‬

‫‪»àdG ᫵∏ªdG √òg ..á°UÉîdG áÑ൪dG‬‬ ‫‪≈∏ZCG ≈≤ÑJ ∫õæªdG ¿GQóL ¢†©H πàëJøe É¡d ɪd ,É¡ÑMÉ°U Ö∏b ≈∏Y ¬«a Ée‬‬ ‫‪¬àfɵeh ¬à«°üî°T áZÉ«°U »a π°†a øµd .πµc ¬JÉ«Mh á«aÉ≤ãdGh á«æ¡ªdG‬‬ ‫‪¿CG óH ’ á°UÉîdG áÑ൪dG ô«°üe âbh »a É¡ÑMÉ°U ô«°üe øY π°üØæj‬‬ ‫‪.Ée‬‬ ‫‪ɪa‬‬ ‫‪ƒg‬‬ ‫‪e‬‬ ‫‪É‬‬ ‫‪?É¡dB‬‬ ‫‪Ωɪ°†f’G‬‬ ‫‪G‬‬ ‫‪áeÉY‬‬ ‫‪áÑàµe ≈dE‬‬ ‫‪..?QÉeódG ΩCG ,Iôã©ÑdG ,™«ÑdG ,ôÑcCG‬‬ ‫‪É¡°Vô©j áØ∏àîeh Iô«ãc ä’ɪàMG‬‬ ‫‪.ôjô≤àdG Gòg »a RƒØdG óªëe‬‬


‫تحية وبعد‬ ‫يقول ابن فارس‪« :‬من العلوم الجليلة التي ُخ ّصت‬ ‫العراب الذي هو الفارق بين المعاني‬ ‫بها العرب‪ :‬إ‬ ‫المتكافئة في اللفظ‪ ،‬وبه يُعرف الخبر الذي هو أصل‬ ‫الكالم‪ ،‬ولواله ما ُم ّيز فاعل من مفعول‪ ،‬وال مضاف‬ ‫تعجب من استفهام‪ ،‬وال صدر من‬ ‫من منعوت‪ ،‬وال ّ‬ ‫مصدر‪ ،‬وال نعت من تأكيد‪.»..‬‬ ‫العراب أضحى مشكلة مؤرقة‪ ،‬حيث يعاني‬ ‫ولكن إ‬ ‫معظم طلبتنا في بالدنا العربية كافة من دراسته‪.‬‬ ‫ولقد تابعت أعمال مؤتمر في دمشق ُعقد قبل بضع‬ ‫(العراب والنحو)‪ ،‬وق ُِّدم فيه‬ ‫سنوات لبحث ظاهرة إ‬ ‫المؤتمرون بتوصية رئيسة‬ ‫أكثر من ‪ 60‬بحثاً‪ .‬وقد خرج‬ ‫ِ‬ ‫مفادها‪ :‬أن المشكلة ليست في (النحو)‪ ،‬فهو أمر‬

‫سهل‪ ،‬ولكن المشكلة الرئيسة تكمن في كيفية تدريس‬ ‫النحو‪ .‬إذ تبين أن هناك قصوراً في تفهيم الطلبة‬ ‫والعراب‬ ‫في المدارس منذ بداياتهم التعليمية النحو إ‬ ‫بطرق سلسة بعيدة عن التعقيد؛ أ‬ ‫المر الذي أضعف‬ ‫اهتمامهم بهذه المادة‪ ،‬كما عزف كثير من الطلبة‬ ‫الجامعيين أيضاً عن مساق اللغة العربية‪ ،‬وخصوصاً‬ ‫في الكليات العلمية‪.‬‬ ‫أدعو القائمين على اللغة العربية من علماء‬ ‫وأساتذة جامعات ومجامع لغة إلى إعادة النظر‬ ‫في التوجيه اللغوي أ‬ ‫للجيال‪ ،‬بتب ّني تأليفات‬ ‫المتاع والتشويق‪ ،‬وتركِّز‬ ‫لغوية غير جامدة تحقق إ‬ ‫على جماليات اللغة العربية‪ ،‬ومن ثم تشجيع‬

‫طلبة العلم على الكتابة والتأليف في علم اللغة‬ ‫العربية وفقهها‪.‬‬ ‫ال ننكر أن اللغة العربية تواجه تحديات كثيرة‪ ،‬لكننا‬ ‫صد سهام‬ ‫في الوقت نفسه على يقين بقدرتها على ِّ‬ ‫والقصاء‪ ..‬وإن لغة تتوفر على اشتقاق‬ ‫التغريب إ‬ ‫ونحت وتصريف‪ ،‬لهي لغة صامدة أمام التحديات‪..‬‬ ‫سخية‬ ‫وإن لغة تتوفر على ثروة غنية بالمفردات‪ّ ،‬‬ ‫بالمعاني والعبارات‪ ،‬شفافة رفّافة تحلّق في أعالي‬ ‫عصية على الذوبان‪ ،‬شامخة في‬ ‫الفضاءات‪ ،‬لهي لغة ّ‬ ‫كل زمان ومكان‪.‬‬ ‫أحمد طاهر أبو عمر‬

‫هل غدت الرواية اليوم‬ ‫ديوان العرب حقاً؟‬ ‫الونة أ‬ ‫راج في آ‬ ‫الخيرة القول إن الرواية أصبحت‬ ‫ديوان العرب‪ .‬والحق إن هذا القول ينطوي على‬ ‫توصيف أكثر منه تقييماً‪ ،‬فهو ال يريد أن يقول أكثر‬ ‫من أن حظ الرواية من االنتشار في الحياة الثقافية‬ ‫العربية بات أكبر من حظ الشعر اليوم أو في‬ ‫أ‬ ‫تطور نمط الحياة‬ ‫العقود الخيرة‪ .‬ساعد على ذلك ُّ‬ ‫وتبدل أحوالها‪ ،‬ومن شأن ذلك أن يرشح‬ ‫العربية ُّ‬ ‫أنواعاً أدبية وألواناً فنية أكثر من سواها‪ ،‬للتعبير‬ ‫تحوله‬ ‫عن حساسية إ‬ ‫النسان العربي في مراحل ُّ‬ ‫وتحول مجتمعه‪ ،‬في مقابل تزحزح فنون أخرى‬ ‫ُّ‬ ‫عن مكانتها السابقة‪ .‬ومعروف أن الطابع السردي‬ ‫للعالم الروائي وقدرة هذا الفن على وصف الواقع‬ ‫وتقديم صورة بانورامية عنه‪ ،‬واشتماله على‬ ‫العنصر الدرامي أكثر مما هو عليه في الشعر‪،‬‬ ‫وربما أعان هذا فن الرواية على أن يحوز مواقع‬ ‫متقدمة‪ ،‬على مستوى االهتمام والتعبير‪.‬‬ ‫لكن أ‬ ‫المر ال يرتب أفضلية للرواية على الشعر‪،‬‬ ‫أو حتى على القصة القصيرة‪ ،‬فذلك ما ال يقول‬ ‫به مبدع حصيف أو مثقف صاحب خبرة أ‬ ‫بالدب‬

‫وفنونه‪ ،‬إذ لكل ضرب إبداعي حاجاته ومتطلباته‪،‬‬ ‫ودوره وبيئته‪ ،‬وشروط انتعاشه واضمحالله‪.‬‬ ‫تلبي حاجات ال يلبيها الشعر‪ ،‬وتشبع‬ ‫فالرواية ِّ‬ ‫النسانية ال يستطيع الشعر‬ ‫جوانب في النفس إ‬ ‫تحقيقها‪ ،‬والعكس صحيح تماماً‪ .‬وهذه الحاجات‬ ‫متغيرة تبعاً لتغير الزمان واختالف العصر وتطور‬ ‫أ‬ ‫الذواق والثقافات‪ ،‬فضال ً عن اختالف كل ضرب‬ ‫أو فن عن آ‬ ‫الخر‪ ،‬تكثيفاً وإسهاباً‪ ،‬لغة وتعبيراً‪،‬‬ ‫سرعة وبطئاً‪ ،‬شموال ً واختصاراً‪ ،‬استجابة في توثيق‬ ‫الحدث أو تلكؤاً فيه‪..‬إلخ‪.‬‬ ‫نعم إن الشعر العربي يمر في أزمة‪ ،‬وقد يتراجع‬ ‫لحساب الرواية في االنتشار‪ ،‬أ‬ ‫واليام سجال بين‬ ‫النواع أ‬ ‫أ‬ ‫الدبية عبر التاريخ‪ ،‬ومهما تكن خطورة‬ ‫أ‬ ‫الزمة التي يعانيها الشعر العربي في هذه‬ ‫يزهد الرعيل المتقدم‬ ‫فإن ذلك يجب أال ّ‬ ‫المرحلة‪ّ ،‬‬ ‫من المفكرين الصابرين والنقّاد الثقات في إيالء‬ ‫عباقرة الشعر أ‬ ‫والدب حقهم‪ ،‬عبر أبحاث ودراسات‬ ‫أ‬ ‫كاشفة ومفيدة‪ ،‬تكون فيها العبرة والموعظة للدباء‬ ‫الشباب‪ ،‬من أصحاب المواهب القادرة على حمل‬

‫الخطا في االتجاه الصحيح كي‬ ‫الرسالة‪ّ ،‬‬ ‫وحث ُ‬ ‫ال يتحولوا إلى جمهرة يائسة من شهود الزور في‬ ‫مهرجان المساخر‪.‬‬ ‫صالح عبد الستار محمد الشهاوي‬ ‫مصر‬

‫أكثر من رسالة‬

‫اللغة العربية في وجه التحديات‬


‫‪7|6‬‬

‫أكثر من رسالة‬

‫تحية وبعد‬

‫ثقافة االستهالك وإعادة‬ ‫إنتاج القيم‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫في مقدمة كتابه‪« :‬ثقافة االستهالك»‪ ،‬يروي روجر‬ ‫روزنبالت هذه القصة‪« :‬تزوج رجل من مدينة‬ ‫مينيابوليس من امرأة كان قد التقى بها قبل يوم واحد‬ ‫فقط‪ ،‬والتي تَ َس َّوقها من بين مئات المتنافسات‪ .‬قال‬ ‫حدد موعداً‪ ،‬في ‪ 13‬يونيو ‪1998‬م‪،‬‬ ‫الرجل‪ :‬إنه قد َّ‬ ‫ووعد عائلته أنه سيتزوج فيه‪ .‬ومع اقتراب الموعد‪،‬‬ ‫النترنت‪ ،‬وغيرها‪،‬‬ ‫أعلن عن طلب عروس على شبكة إ‬ ‫وجعل مجموعة من أ‬ ‫الصدقاء بمنزلة مشترين‪ ،‬إلجراء‬ ‫المقابالت الشخصية مع المرشحات وفحصهن‪،‬‬ ‫كما يفحص الشخص السيارات واللحوم‪ .‬وكانت‬ ‫«العروس الفائزة» مستعدة تماماً أن تستمر في هذه‬ ‫المهزلة (هي طالبة صيدلة في جامعة مينيسوتا)‪،‬‬ ‫وكذلك كانت جميع المرشحات أ‬ ‫الخريات‪ .‬باختصار‪،‬‬ ‫كان كل واحد من هؤالء الشباب المتعلِّم سعيداً بأن‬ ‫يتعامل مع الزواج كصفقة بيع‪ .‬وإذا كان العريس‬ ‫يبحث في السوق عن زوجة‪ ،‬فليس من المستغرب أن‬ ‫تُقام مراسم حفل الزفاف في مول «أمريكا»‪.‬‬ ‫النسان سلعة قابلة للبيع والفحص‬ ‫هكذا يغدو إ‬ ‫والشراء والعرض في أ‬ ‫السواق‪ ،‬وذلك حين يجد‬ ‫الراغب في الشراء منتجات متعددة قبلت أن تُعرض‬ ‫في أ‬ ‫السواق‪ ،‬وتُفحص من خالل تقليب عناصر‬ ‫هيكلها وجسدها وأفكارها وقيمها وميوالتها ورغباتها‪..‬‬ ‫أ‬ ‫حد َد له أجر‪،‬‬ ‫كل شيء غدا قابال ً للتسويق‪ِ ،‬ول َ ْن يُ ّ‬ ‫ويتم التداول بشأنه على الشبكة‪ ،‬كما خارجها‪.‬‬ ‫لقد ساعدت التكنولوجيا الرقمية على توفير وسائل‬ ‫الدعاية التسويقية‪ ،‬وباتت المواقع تقتحم على‬

‫المتصفح خلوته‪ ،‬لتعيد بناء عالقات جديدة معه‪...‬‬ ‫تبدأ بإطالالت استئذانية خفيفة‪ ،‬بين الحين آ‬ ‫والخر‪...‬‬ ‫فإذا ألفها وتعايش معها تشرع في غزوه‪ ،‬وبكثافة‪،‬‬ ‫تجعل من المستحيل تجاوزها والتخلي عنها أو‬ ‫طردها‪ ...‬ومع اعتياد النظر إليها تنشأ عالقة بينهما‪،‬‬ ‫تتحول إلى استالب يصعب التخلص أو‬ ‫سرعان ما َّ‬ ‫الفكاك منه‪.‬‬ ‫العالني من‬ ‫وتنتقل ممارسة التوجيه االستهالكي إ‬ ‫المجسمات واللوائح التي أ‬ ‫تمل الشوارع والطرقات‪...‬‬ ‫لتعانق الفضاءات االفتراضية‪ .‬وتعمق الخدمة الذاتية‬ ‫من سطحية المكان أيضاً‪ ،‬إنه مجال واحد متجانس‬ ‫وبال توسط يجمع الناس أ‬ ‫والشياء‪ ،‬إنه مجال التالعب‬ ‫المباشر‪ .‬ولكن َم ْن يتالعب بمن؟‬ ‫وتتعدد أوجه الالعبين كلما اقتربنا‬ ‫وتتشابك اللعبة‬ ‫َّ‬ ‫من ساحة العوالم االفتراضية‪ ،‬حيث تسهم حركية‬ ‫اللوحة وأبعادها في اضطراب الصورة‪ ،‬مما ينعكس‬ ‫المق َْحم في اللعبة من خالل‬ ‫على رؤية المتابع ُ‬ ‫عملية االستهواء المدروسة‪ ،‬تماماً كما يتم في ساحة‬ ‫معركة يديرها خبراء يجيدون تغيير المواقع بسرعة‬ ‫تحول دون فهم المحاربين لقواعد اللعبة‪ /‬الحرب‪،‬‬ ‫أو استيعاب اللحظات التي تأبى االنصياع لوعيهم‬ ‫ولالوعيهم‪ ،‬فيضطرون لالستسالم واالنخراط‬ ‫القسري في اللعبة‪..‬‬

‫تحديات ثقافة االستهالك‬

‫إننا حين نتابع نمط حياة كثير من الناس واهتماماتهم‬

‫وجل تفكيرهم‪ ،‬نراه مرتبطاً بالرغبة في استهالك‬ ‫السلعة بعد السلعة‪ ،‬والعمل ‪ -‬بجميع الطرق ‪ -‬على‬ ‫الحصول على منتج جديد‪ ،‬سرعان ما يحول هذا‬ ‫النسان إلى كائن سريع الملل مما حصل عليه اليوم‪،‬‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫كما مل مما حصل عليه بالمس‪.‬‬ ‫وتعمل القروض‪ ،‬والعروض التي يتفنن فيها‬ ‫مسوقوها‪ ،‬في تضخيم الرغبة في االستهالك‪ ،‬من‬ ‫خالل تقنيات التأثير التسويقي‪ ،‬وبسبب الفراغ الذي‬ ‫يعيشه كثير من الناس‪ ،‬ال سيما في صفوف النساء‪،‬‬ ‫بالضافة إلى العالقات السطحية التي تخلق‪ ،‬لدى‬ ‫إ‬ ‫كثيرين‪ ،‬الشعور بالزهو على مستوى الحصول على‬ ‫آخر المقتنيات والموضات «السلعية»‪...‬‬ ‫في عالمنا العربي‪ ،‬الذي ال ينتج ما يستهلك‪ ،‬يغدو‬ ‫التسابق المحموم على آخر «التقليعات» مرضاً‬ ‫خطيراً‪ ،‬ينتقل إلى أ‬ ‫الجيال الجديدة‪ ،‬ويعمل على‬ ‫تشويه الفكر‪ ،‬ناهيك عن إنتاج المعرفة التي بدأت‬ ‫تتحول إلى استهواء‪ ،‬واالنتقال إلى إنتاج الرغبة في‬ ‫َّ‬ ‫االستهالك‪ ...‬وهو ما يحتاج إلى تفكير عميق من أجل‬ ‫إعادة إنتاج قيم جديدة‪ ،‬عكس التي بدأت تسود‪،‬‬ ‫قوامها خلق نمط تفكير جديد يصبو إلى إنتاج مجتمع‬ ‫المعرفة الطامح إلى الحفاظ على قيمنا أ‬ ‫الخالقية‬ ‫نعدها أساس إعادة البناء كله على‬ ‫والدينية التي ّ‬ ‫والصعد‪...‬‬ ‫جميع النواحي ّ‬ ‫د‪ .‬سعيد أصيل‬ ‫المغرب‬


‫نقاش مفتوح‬

‫التجارة‬ ‫اإللكترونية‬

‫شروط تعاطيها بشكل سليم‬ ‫رغم وجود أوجه شبه ما بين التجارة التقليدية‬ ‫والتجارة اإللكترونية‪ ،‬فإن لهذه األخيرة خصوصيات‬ ‫حاسما في نجاحها أو ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومواكبة‬ ‫تعثرها‪.‬‬ ‫دورا‬ ‫تلعب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وشراء‬ ‫لتزايد االهتمام بالتجارة اإللكترونية بيعا‬ ‫ً‬ ‫وتأسيسا للمتاجر‪ّ ،‬‬ ‫نظمت القافلة جلسة نقاش‬ ‫في ّ‬ ‫جدة‪ ،‬تحت عنوان «ممارسة التجارة اإللكترونية‬ ‫– الفرص والمحاذير»‪ ،‬تم خالها مناقشة السبل‬ ‫السليمة لتعاطي هذا النشاط الذي يكتسب‬ ‫مساحات متزايدة في الحياة اليومية‪ ،‬ولدرء ما‬ ‫أمكن من محاذير هذه التجارة الجديدة‪ ،‬والشروط‬ ‫التي ال ّ‬ ‫بد من توافرها كي تحقق النتائج اإليجابية‬ ‫المتوخاة منها‪.‬‬ ‫فريق القافلة‬


‫اللكترونية في المملكة والبالد العربية‬ ‫التجارة إ‬

‫‪9|8‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫الحصاءات التي صدرت في العام الماضي ‪2015‬م‪،‬‬ ‫استناداً إلى إ‬ ‫لكترونية في العالم العربي بأسره عام‬ ‫ال‬ ‫كان حجم التجارة إ‬ ‫َّ‬ ‫‪2014‬م سبعة مليارات دوالر‪ ،‬ويتوقع أن يصل إلى أكثر من ثالثة‬ ‫لكترونية في‬ ‫ال‬ ‫عشر ملياراً في عام ‪2020‬م‪ .‬أما حجم التجارة إ‬ ‫َّ‬ ‫المملكة فقد كان في عام ‪2014‬م نحو ‪ 1.5‬مليار دوالر وهو رقم‬ ‫ضعيف نسبياً إذا ما قورن باقتصاد المملكة وحجم التجارة فيها‬ ‫تصديراً واستيراداً‪ .‬غير أنه من المتوقع أن يصل إلى ‪ 2.9‬مليار‬ ‫دوالر‪ ،‬أي الضعف تقريباً في عام ‪2020‬م‪ .‬وثمة مؤشرات تع ِّزز‬ ‫التفاؤل بنموه‪ ،‬منها أن بعض عمالقة التجزئة في المملكة بدأوا‬ ‫بالفعل خوض التجارة إلكترونياً‪.‬‬ ‫لكترونية في المملكة‪ ،‬وبحسب‬ ‫ال‬ ‫وفيما يخص حجم التجارة إ‬ ‫َّ‬ ‫فإن معظم المستهلكين إلكترونياً يتمركزون‬ ‫موقع «الجزيرة نت»‪ّ ،‬‬ ‫وجدة والدمام‪ ،‬بواقع ‪ .%61‬وبحسب ما هو موضح‪،‬‬ ‫في الرياض َّ‬ ‫فإن تذاكر الطيران وحجوزات الفنادق من أكثر القطاعات التي‬ ‫َّ‬ ‫النترنت‪ ،‬وتمثل نحو ‪ %56‬من إجمالي‬ ‫عبر‬ ‫معامالت‬ ‫تشهد‬ ‫إ‬ ‫المعامالت في المملكة‪.‬‬ ‫في التجارة التقليدية‪ ،‬كان السعي إلى توسعة‬ ‫حد ممكن من أهم‬ ‫السوق حتى أقصى ٍّ‬ ‫المساعي إلى النجاح‪ .‬فالتاجر الصغير كان‬ ‫يحلم بأن تتوسع دائرة زبائنه لتشمل عدة‬ ‫أحياء في المدينة‪ ،‬والمتاجر الكبرى كانت‬ ‫تسعى إلى استقطاب ما أمكن من المتسوقين من دائرة أوسع‪ ،‬حتى‬ ‫الشركات الكبرى كانت تبذل كثيراً من الجهد لتنسج عالقات تجارية‬ ‫خارج بالدها‪ .‬وفجأة‪ ،‬فتحت التكنولوجيا الحديثة وثورة االتصاالت‬ ‫العالم بأسره كسوق محتمل ألصغر متجر مهما كان موضعه‪ .‬ولكن‬ ‫اللكترونية تفاوتت كثيراً ما بين النجاحات‬ ‫اليجابية للتجارة إ‬ ‫النتائج إ‬ ‫ً‬ ‫القدام على هذا‬ ‫العمالقة والتعثر‪ ،‬مرورا باالرتباك والتردد في إ‬ ‫النشاط الحيوي الجديد‪.‬‬ ‫اللكترونية؟ وما هي‬ ‫فما هي شروط النجاح وعوامله في التجارة إ‬ ‫أبرز المؤثرات فيها؟ هذا هو محور جلسة النقاش التي عقدتها‬ ‫القافلة‪ ،‬وتحدث فيها كل من‪ :‬أ‬ ‫الستاذة نهى مرشد مستشارة‬ ‫َّ‬ ‫بجدة‪،‬‬ ‫التسويق الرقمي والخدمات إ‬ ‫اللكترونية في الغرفة التجارية ّ‬ ‫التي تناولت المبادئ أ‬ ‫والسس التي يجب أن تقوم عليها التجارة‬ ‫أ‬ ‫عمار وجانة الرئيس التنفيذي لمؤسسة «دكان‬ ‫إ‬ ‫اللكترونية‪ ،‬والستاذ ّ‬ ‫أفكار‪ .‬كوم»‪ ،‬الذي عرض تجربة مؤسسته من الناحية العملية منذ‬ ‫أن كانت فكرة حتى تنفيذها ونجاحها‪ .‬وشارك في الجلسة كل من‬ ‫اللكتروني في شركة «يوتورن»‪ ،‬ومهند‬ ‫نضال طه مدير التسويق إ‬ ‫طهبوب مدير «وعد» القابضة‪ ،‬وعبدهللا عياش صاحب مؤسسة‬ ‫آ‬ ‫النترنت‪ ،‬ومه ّند زارع مدير شركة‬ ‫منزلك اللي لتطوير مواقع إ‬ ‫«كلين فابريك»‪ ،‬ولميس الحكيري صاحبة مكتبة مجانية لتشجيع‬ ‫القراءة‪ ،‬وخالد الخليفي أخصائي التسويق في «دكان أفكار»‪،‬‬ ‫ونورة الماني الخريجة من جامعة الشارقة‪ ،‬وآية سالمة من جامعة‬ ‫عفت‪.‬‬

‫التجارة اإللكترونية هي تنفيذ‬ ‫عمليات البيع والشراء‪ ،‬بشكل‬ ‫كامل أو جزئي‪ ،‬للمنتجات أو‬ ‫الخدمات أو المعلومات من خالل‬ ‫اإلنترنت‪ ،‬باستخدام الكمبيوتر‬ ‫المحمول أو الهاتف الذكي أو أي‬ ‫قناة إلكترونية أخرى‪...‬‬

‫اللكترونية‬ ‫تصنيف التجارات إ‬

‫أ‬ ‫اللكترونية بقولها «إنها‬ ‫بداية‪ ،‬تولّت الستاذة مرشد تعريف التجارة إ‬ ‫تنفيذ عمليات البيع والشراء‪ ،‬بشكل كامل أو جزئي‪ ،‬للمنتجات أو‬ ‫النترنت‪ ،‬باستخدام الكمبيوتر‬ ‫الخدمات أو المعلومات من خالل إ‬ ‫المحمول أو الهاتف الذكي أو أي قناة إلكترونية أخرى»‪.‬‬ ‫اللكترونية أربعة أنواع رئيسة‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫وتضم التجارة إ‬ ‫التبادل التجاري بين شركة وأخرى (مثل ساكو وعلي بابا)‪.‬‬ ‫ التبادل التجاري ما بين الشركات من جهة أ‬ ‫والفراد من جهة‬ ‫أخرى (مثل «دكان أفكار» و«أمازون»)‪.‬‬ ‫التبادل التجاري بين أ‬ ‫الفراد‪.‬‬ ‫التبادل التجاري عبر البيع لوسطاء (مثل «أمازون» أيضاً)‪.‬‬


‫ولكل نوع من هذه أ‬ ‫النواع أو المتاجر نظم وأنماط مختلفة وخاصة في‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫إالدارة والتسويق والتطوير‪ ،‬تختلف عما هي عليه في النواع الخرى‪.‬‬

‫الخطة قبل المتجر‬

‫أن يكون المتجر بمحتوياته هو العنصر أ‬ ‫الساس في التجارة إاللكترونية‪،‬‬ ‫فقد بات في حكم المؤكد أن المتجر وحده ال يكفي للنجاح‪ .‬إذ ال بد‬ ‫وأن يكون إنشاؤه قد تم بنا ًء على خطة محكمة ومدروسة‪.‬‬ ‫وفي هذا الصدد تروي مرشد أن كثيراً من الشباب يقولون لها إن‬ ‫متاجرهم فشلت‪ ،‬وعندما تسألهم عن خطة المتجر‪ ،‬يقولون إنهم‬ ‫شددت المتحدثة على وجوب‬ ‫لم يضعوا خطة‪ .‬وفي هذا الصدد‪َّ ،‬‬ ‫وضع خطة واضحة لتطوير المتجر‪ ،‬كما أنه ال بد من وضع خطة‬ ‫تسويق وتشغيل أيضاً‪ ،‬انطالقاً من تحديد العميل المستهدف‬ ‫ومعرفته بأعلى مستوى من الدقة والتفاصيل‪.‬‬ ‫إذ إن معرفة العميل وتحديده في التجارة إاللكترونية تبني كل جسور‬ ‫التواصل معه لتسهيل وصوله إلى المنتج أو الخدمة‪ ،‬وعدم تحديده‬ ‫يجعل كل محاوالت التسويق حتى وإن كانت قوية بدون قيمة ألن‬ ‫اعتماد وسيلة الوصول يعتمد على تحديد الجمهور المستهدف بدقة!‬ ‫مه ّند زارع عقَّب على أهمية هذا الجانب بقوله‪ :‬من المهم معرفة‬ ‫العميل المحتمل وتصنيفه وبناء خطة العمل لتوجيهها‪ ،‬إما ألفراد‬ ‫أو لشركات‪ ،‬وضرورة تحديد نمط الفئة المستهدفة لتضييق النطاق‬ ‫قبل معرفة تفاصيل الخدمات الممكن تقديمها‪ ،‬ألن ذلك يتيح‬ ‫للتاجر تركيز الجهود وعدم إهدارها خصوصاً عند البدايات‪ ،‬حيث‬ ‫تحدد نجاح المنتج أو الخدمة من عدمها‪ .‬وأضاف‪ :‬إن التحدي‬ ‫إنها ِّ‬ ‫أ‬ ‫الكبر الذي واجهه عند الشروع في عمله التجاري هو معرفة‬ ‫أ‬ ‫جمهوره الحقيقي المستهدف‪ ،‬لن دراسة سلوك الجمهور من‬ ‫أهم العوامل المؤثرة في إنجاح أي مشروع تجاري‪.‬‬

‫من المهم معرفة العميل المحتمل‬ ‫وتصنيفه وبناء خطة العمل‬ ‫لتوجيهها إما ألفراد أو لشركات‪...‬‬


‫‪11 | 10‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫وتوافق الحاضرون على العناصر الرئيسة التي ال بد ألي خطة‬ ‫تطوير متجر إلكتروني أن تتضمنها‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫اختيار الفكرة التي يستحسن أن تكون جديدة وملهمة‪.‬‬ ‫تحديد المنتج أو الخدمة‪.‬‬ ‫بناء نموذج العمل التجاري‪.‬‬ ‫تصميم الهوية والعالمة التجارية‪.‬‬ ‫ تحديد الموارد الالزمة لتطوير المتجر وتشغيله‪ ،‬التي تشمل‬ ‫والمسوق‬ ‫والمطور الفني للموقع‪،‬‬ ‫وزارة التجارة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اللكتروني‪ ،‬وما تحتاجه طبيعة المتجر من مهارات تقنية أو‬ ‫إ‬ ‫يدوية مختلفة للتوضيب والشحن إذا كان يتعاطى بيع سلع‬ ‫ملموسة مثال ً‪.‬‬

‫االرتقاء بالخطة حتى أفضل مستوى ممكن‬

‫ومكونات تستوجب إيالءها‬ ‫تطوير أي متجر إلكتروني يتطلب مهارات ّ‬ ‫أ‬ ‫الهمية القصوى لضمان االنتشار على أوسع نطاق ممكن‪ ،‬وأيضاً‬ ‫عددت نهى مرشد‬ ‫لالستحواذ على ثقة العمالء‪ .‬وفي هذا المجال‪َّ ،‬‬ ‫المكونات‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫أهم هذه‬ ‫ّ‬

‫• بناء العالمة التجارية‬

‫ليس انطالقاً من محتوى المتجر فقط‪ ،‬بل أيضاً من طبيعة الفئات‬ ‫المستهدفة‪ :‬رجال أعمال أم أطفال‪ ،‬رجال أم نساء‪ .‬ويستحسن‬ ‫اختيار اسم قريب من المنتج‪ ،‬حتى ولو كان طويالً‪ .‬ولكن أهم ما‬ ‫بالبداع هنا أن يكون‬ ‫في االسم هو أن يكون «مبدعاً»‪ .‬والمقصود إ‬ ‫مفهوماً لدى محركات البحث‪( .‬وقد أثار اختيار االسم الطويل‬ ‫نقاشاً بين الحاضرين وتحفظ عليه البعض‪ ،‬كما تحفظ على أ‬ ‫السماء‬ ‫المقروءة بسهولة‪ .‬وشدد البعض على أن يبقى االسم هو نفسه في‬ ‫يحور)‪.‬‬ ‫اللغتين‪ ،‬ال أن يُترجم أو ّ‬

‫• في تصميم الموقع ومحتوياته‬

‫التعريف الدقيق بالمنتجات أو الخدمات ومزاياها وكيفية‬ ‫االستفادة منها‪ ،‬خاصة وأن «غوغل» تأخذ هذا التعريف بعين‬ ‫االعتبار خالل وضع الموقع على محرك البحث‪ .‬كما أن على هذا‬ ‫التعريف أن يكون صادقاً وشفافاً ليع ِّزز الثقة ما بين المتجر‬ ‫والعميل‪.‬‬

‫َّ‬ ‫شددت المتحدثة على وجوب وضع‬ ‫خطة واضحة لتطوير المتجر‪ ،‬كما‬ ‫أن ال بد من وضع خطة تسويق‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫انطالقا من تحديد‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫وتشغيل‬ ‫العميل المستهدف ومعرفته بأعلى‬ ‫مستوى من الدقة والتفاصيل‪...‬‬

‫المتحدثان‬

‫نهى مرشد‬

‫جدة‪.‬‬ ‫ مستشارة تسويق رقمي وخدمات‬ ‫إلكترونية بغرفة َّ‬ ‫َّ‬ ‫ تحمل شهادة الماجستير في تطوير أنظمة الويب‬ ‫والتسويق الرقمي‪.‬‬ ‫ تتمتع بخبرة ‪ 17‬عاماً في مجال التقنية والتسويق‪.‬‬ ‫الرقمية والحمالت‬ ‫وطورت عديداً من البوابات‬ ‫ أدارت َّ‬ ‫َّ‬ ‫الرقمية‪.‬‬ ‫التسويقية‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫تدريبية عديدة في التسويق الرقمي ومواقع‬ ‫ أقامت دورات‬ ‫َّ‬ ‫التواصل االجتماعي‪.‬‬ ‫ حاصلة على شهادات عديدة في مجال تخطيط وتطوير‬ ‫النترنت والتسويق الرقمي‪.‬‬ ‫مواقع إ‬

‫عمار وجانة‬ ‫ّ‬

‫الرئيس التنفيذي لـ«دكان أفكار‪ .‬كوم»‪.‬‬ ‫ يحمل شهادة البكالوريوس في تقنية المعلومات من جامعة‬ ‫تشارلز سترت‪.‬‬ ‫ عمل مديراً للتخطيط االستراتيجي في (تي بي دبليو إيه)‬ ‫لست سنوات‪.‬‬ ‫ أسس مع مجموعة من الشباب مشروع «دكان أفكار» في‬ ‫عام ‪2013‬م‪.‬‬


‫ال ّ‬ ‫َّ‬ ‫يتضمن الموقع‬ ‫بد من أن‬ ‫ً‬ ‫رقما للدعم الفني‪ .‬فقد أثبتت‬ ‫الدراسات أن المواقع التي‬ ‫تفتقر لرقم الدعم الفني تخسر‬ ‫ثقة العميل في الشراء منها‪.‬‬

‫ال ّبد أن يتضمن الموقع رقماً للدعم الفني‪ ،‬فقد أثبتت‬ ‫الدراسات أن المواقع التي تفتقر لرقم الدعم الفني تخسر‬ ‫الطار يستحسن‬ ‫ثقة العميل في الشراء منها‪ .‬وفي هذا إ‬ ‫اللكتروني‪،‬‬ ‫تضمين الموقع أرقام هاتف المتجر وعنوان بريده إ‬ ‫وموقعه الجغرافي الفعلي‪ ،‬إضافة إلى نافذة «اتصل بنا»‪.‬‬ ‫إيجاد روابط للمتجر على مواقع التواصل االجتماعي‪ .‬وذلك‬ ‫لتعزيز مكانته في المعادلة التي درج «غوغل» على تغييرها كل‬ ‫‪ 45‬يوماً إلى ثالثة أشهر لترتيب المواقع على محرك البحث‪.‬‬ ‫العالن بصراحة وبأعلى مستوى من الثقة عن القوانين‬ ‫إ‬ ‫والشروط‪ ،‬التي يجب أن تتضمن إضافة إلى قوانين‬ ‫يقدمها العميل‪ ،‬كافة‬ ‫الخصوصية وحماية المعلومات التي ِّ‬ ‫الشروط التي يجب أن تخضع لها عملية التبادل‪ ،‬بدءاً من وسائل‬ ‫الدفع وصوال ً إلى حق إعادة السلعة‪ ،‬وطرق الشحن المعتمدة من‬ ‫المتجر إذا كان يبيع سلعاً ملموسة‪.‬‬ ‫للسئلة الشائعة‪ ،‬التي غالباً ما تطغى عليها أ‬ ‫فتح نافذة أ‬ ‫السئلة‬ ‫حول طرق التسجيل والدفع والتوصيل والشحن‪.‬‬ ‫الزوار‬ ‫تعزيز التسويق بنشرة بريدية‪ ،‬ونافذة لعرض تعليقات ّ‬ ‫والعمالء وتقييمهم لجودة المتجر وخدماته‪.‬‬

‫اختيار وسائل الدفع المقبولة‪ ،‬من بطاقات اعتماد وتحويالت‬ ‫مصرفية‪ ،‬وال ينصح أبداً بشركات تحويل أ‬ ‫الموال السريع‪ ،‬ألن‬ ‫ُ‬ ‫بعضها يسلّم المال لحامل رقم التحويل فقط‪ ،‬ويصعب‬ ‫المرسل إثبات هوية المستلم الحقاً‪( .‬إن «إيباي» مثال ً تحذِّ ر‬ ‫على ُ‬ ‫بشدة من استخدام مثل هذه الوسائل)‪.‬‬

‫• الدفع الموثوق قبل التس ّلم أم بعده؟‬

‫أثار التطرق إلى مسألة الدفع نقاشاً حول التحديات التي يمثلها‪.‬‬ ‫اللكترونية‪ ،‬ومن باب سعيها إلى طمأنة العميل‬ ‫فبعض المتاجر إ‬ ‫لجهة نوعية السلعة المبيعة‪ ،‬تقبل الدفع عند التسلّم‪ .‬ولكن يبدو‬ ‫أ‬ ‫عمار وجانة إن أكبر‬ ‫أن للمر محاذيره الكبيرة‪ .‬وفي هذا الصدد قال ّ‬ ‫التحديات التي واجهها في مشروعه «دكان أفكار» هي المرتجعات!‬


‫‪13 | 12‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫وتناول أسباب التحدي وإمكانات السوق بكل شفافية‪ ،‬فقال‪« :‬إن‬ ‫نسبة المرتجعات قد تصل إلى ‪ ،%30‬بسبب انعدام ثقافة الشراء‬ ‫اللكتروني وشح الوعي عند المستهلك الذي يستسهل الطلب عندما‬ ‫إ‬ ‫يكون الدفع عند التسلّم»‪.‬‬ ‫وأضاف‪« :‬من خالل بحث أجريته‪ ،‬لفهم قضية المرتجعات‪،‬‬ ‫وجدت أن العميل بعد تسلّمه الشحنة‪ّ ،‬‬ ‫يتعذر بأنه ال يملك‬ ‫السيولة الكافية للدفع‪ ،‬فيغ ّير رأيه في الشراء‪ ،‬أو أنه مسافر‪،‬‬ ‫حتى إن بعضهم يرفض أن يرد على المكالمة الهاتفية»‪.‬‬ ‫ورداً على تساؤل نضال طه حول ما إذا كانت هذه المشكلة عالمية‬ ‫المكان‪ ،‬وعما إذا‬ ‫أم محلية‪ ،‬وسبل التقليص من أضرارها قدر إ‬ ‫اللكتروني بين‬ ‫كانت خدمات «بايفورت» ‪ -‬بوابة لتسهيل الدفع إ‬ ‫عمار بأنه‬ ‫المتجر إ‬ ‫اللكتروني والمستهلك ‪ -‬هي الحل‪ ،‬أجاب ّ‬ ‫ً‬ ‫يتعامل مع هذا الموقع‪ ،‬ويعده آمنا وموثوقاً‪ .‬ولكن الموقع ما‬ ‫يقدمها‬ ‫زال قيد التجربة‪ .‬وأشاد بخدمة (الدفع قبل التسلّم) التي ِّ‬ ‫«بايفورت» وتقليلها من نسبة المرتجعات بشكل كبير مما يجنب‬ ‫المتجر الخسائر‪.‬‬ ‫واستطرد قائالً‪ :‬إن هذه المشكلة التي نواجهها في التبادل التجاري‬ ‫اللكتروني ال تُعد عالمية‪ ،‬إذ إنه كلما ارتفعت نسبة التبادل التجاري‬ ‫إ‬ ‫اللكتروني في دولة ما‪ ،‬ارتفع الوعي‪ ،‬وهذا ما يع ِّزز التجارة‬ ‫إ‬ ‫اللكترونية فيها‪ .‬ولكن هناك دوال ً أخرى عديدة‪ ،‬أثبتت بالتجارب‬ ‫إ‬ ‫عدم تمكنها بعد من الوصول إلى مستوى أكثر احترافية وتنظيماً‬ ‫اللكترونية‪.‬‬ ‫في التعامالت إ‬

‫البداعية‬ ‫«دكان أفكار‪ .‬كوم»‪ ،‬وهو متجر إلكتروني لبيع المنتجات إ‬ ‫ذات التصميم الرفيع المستوى‪ .‬ويستقبل موقع هذا المتجر نحو‬ ‫ستمائة ألف زائر شهرياً‪ ،‬ويشحن يومياً نحو أربعمائة طلب‪ ،‬ويتكون‬ ‫فريق العمل فيه من خمسة وعشرين شخصاً‪ ،‬وتبلغ مبيعاته نحو‬ ‫مليوني ريال شهرياً‪.‬‬ ‫عمار التحديات التي واجهها عند بداية تنفيذه لمشروعه‬ ‫ِّ‬ ‫ويعدد ّ‬ ‫على الوجه التالي‪:‬‬ ‫ قلة المعلومات الالزمة لالنطالقة‪« .‬ففي عام ‪2012‬م‪ ،‬لم يكن‬ ‫اللكترونية حولنا‪ ،‬فاضطررت‬ ‫عندنا ما يكفي من تجارب المتاجر إ‬ ‫إلى السفر إلى دبي‪ ،‬حيث قابلت محمد مكي مؤسس «نمشي»‪،‬‬ ‫وحاولت أن أستفيد من خبراته لتأسيس مشروعي»‪.‬‬ ‫الموردين للتزود بالمنتجات الالزمة‪.‬‬ ‫ االستحواذ على ثقة‬ ‫ّ‬ ‫«فعندما كنا في بداية المشروع‪ ،‬اضطررنا إلى السفر إلى أمريكا‬ ‫وصورناها‪ ،‬لتكون‬ ‫لشراء المنتجات‪ ،‬وخ ّزناها على السطوح‪ّ ،‬‬ ‫الولى في رحلة أ‬ ‫الخطوة أ‬ ‫اللف ميل»‪.‬‬ ‫ ضعف الوعي عند المستثمرين لجهة احتساب عوائد شركات‬ ‫التقنية‪« .‬فكثير من هؤالء يعتقدون أنهم إذا استثمروا مئة ألف‬ ‫ريال‪ ،‬فسيجنون بعد سنة عشرين أو خمسين ألفاً‪ .‬وهذا غير‬ ‫صحيح‪ .‬فشركات التقنية تبدأ باحتساب أرباحها بعد فترة تتراوح‬ ‫بين خمس وسبع سنوات‪ .‬ولذلك‪ ،‬لم نجد تجاوباً من‬ ‫المستثمرين‪ .‬الذين تجاوبوا معنا كانوا من‬ ‫المستثمرين الشباب آ‬ ‫التين من أمريكا والخارج‪،‬‬ ‫ألن هذا النوع من التجارة يحتاج إلى ذهنية‬ ‫معينة تفهمها وتعرف مستقبلها»‪.‬‬ ‫َّ‬

‫تجربة «دكان أفكار»‬

‫عمار وجانة عن تجربته العملية في تأسيس‬ ‫بعد ذلك تحدث ّ‬

‫تطوير أي متجر إلكتروني يتطلب‬ ‫ّ‬ ‫ومكونات تستوجب‬ ‫مهارات‬ ‫إيالءها األهمية القصوى لضمان‬ ‫االنتشار على أوسع نطاق ممكن‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وأيضا لالستحواذ على ثقة‬ ‫العمالء‪...‬‬

‫نصائح للشباب‬ ‫أوالً‪ :‬ابدأ باكراً في الجامعة‪ ،‬واعمل بشكل جزئي في مجال التجارة‬ ‫لكترونية‪ .‬فالعمل المبكر يكسبك الخبرة‪ ،‬وحصة أكبر من السوق‪.‬‬ ‫ال‬ ‫إ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ثانياً‪ :‬اقرأ كثيرا من كتب الناجحين في هذا المجال‪ ،‬واطلع على التجارب‬ ‫السابقة‪ ،‬الناجح منها والفاشل‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬ابحث عن المعلومة الالزمة‪ ،‬حتى لو اضطررت إلى أن تسافر‬ ‫ألجلها‪.‬‬ ‫العالمي المكثف‪ ،‬وركّز على مشروعك‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬تج ّنب الحضور إ‬ ‫مرات عديدة حتى تنجح‪.‬‬ ‫جرب َّ‬ ‫خامساً‪ِّ :‬‬ ‫سادساً‪ :‬حافظ على االستقامة والصدق في عملك‪ ،‬فهما قيمتان ال غنى‬ ‫عنهما في الطريق إلى النجاح‪.‬‬


‫اللكترونية‬ ‫قالوا في التجارة إ‬

‫النترنت‬ ‫ مهند زارع‪ :‬ال أعتقد أن شركتي تحتاج إلى الوجود على شبكة إ‬ ‫بشكل أساسي‪ ،‬حيث إنها تستهدف الشركات والفنادق وليس أ‬ ‫الفراد‪.‬‬ ‫وما زلت أؤمن بالطريقة التقليدية في التعامل مع هذا النمط من‬ ‫اللكترونية قد تكون مطلباً وضرورة‪ ،‬ولكن معرفة‬ ‫العمالء‪ .‬التجارة إ‬ ‫تحدد ما إذا كنت تحتاج إلى سبل إلكترونية للتواصل معه‪ ،‬أم‬ ‫عميلك ِّ‬ ‫عليك االكتفاء بالسبل التقليدية‪ .‬وما زالت الطريقة التقليدية أجدى‬ ‫بالنسبة لي ولعملي‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ نورا الماني‪ :‬عملت في مجاالت مختلفة‪ ،‬ثم وجدت أن كل العمال‬ ‫اللكتروني إلى التبادل‬ ‫ترتبط بالتقنية بشكل مباشر‪ ،‬من التسويق إ‬ ‫اللكتروني وإدارة‬ ‫كرست جهودي لتعلم فنون التسويق إ‬ ‫التجاري‪ .‬لذلك َّ‬ ‫حسابات مواقع التواصل االجتماعي‪.‬‬ ‫ آية سالمة‪ :‬التطور التقني الهائل يؤثر على مجاالت الدراسة والتعليم‪،‬‬ ‫ويؤثر كذلك على نمط الحياة بطبيعة الحال‪ .‬أعتقد أن التجارة‬ ‫اللكترونية باتت جزءاً ال يتجزأ من المجتمعات المعاصرة والحياة‬ ‫إ‬ ‫االقتصادية فيها‪.‬‬ ‫ خالد الخليفي‪ :‬أنا أدرس وأعمل أخصائي تسويق تحت التدريب‪،‬‬ ‫أعتقد أنه من الضروري عند تخرجي أن يكون لدي خبرة في التجارة‬ ‫اللكترونية‪.‬‬ ‫إ‬

‫بعض شركات الشحن‪،‬‬ ‫وبسبب الضغط الكبير عليها‪،‬‬ ‫تطلب من العميل أن يتصل‬ ‫بها أو أن يحضر إليها لتسليم‬ ‫الشحنة‪...‬‬

‫ توظيف أصحاب الخبرة في المراحل أ‬ ‫الولى من المشروع‪ ،‬نظراً‬ ‫لقلتها آنذاك‪.‬‬ ‫ صعوبة الموازنة ما بين المصاريف الكبيرة مقارنة بالدخل‬ ‫المحدود في البداية‪ ،‬وانعكاس ذلك على الرواتب‪.‬‬

‫تحديات (محلية) ال تزال قائمة‬

‫ومن أبرز التحديات شبه الخاصة ببيئتنا المحلية‪ ،‬أشار وجانة إلى‬ ‫اللكترونية ليست عمال ً‬ ‫عدم تالقي المهارات المختلفة‪ .‬فالتجارة إ‬ ‫فردياً‪ ،‬بل تتطلب تضافر مهارات تتكامل مع بعضها بعضاً‪« .‬إن‬ ‫التكامل من أهم عوامل نجاحنا‪ ،‬لقد كنا في فريق التأسيس ثالثة‬ ‫أشخاص‪ ،‬لكل منا تخصص في شأن معين مختلف عن آ‬ ‫الخر»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فالشوط الكبير الذي قطعه «دكان أفكار» منذ تأسيسه وحتى وصوله‬ ‫إلى ما وصل إليه اليوم من نجاح‪ ،‬ال يعني أنه لم يعد يواجه‬ ‫تحديات تستوجب البحث عن حلول لها‪ ،‬أسوة بغيره من المتاجر‬ ‫إاللكترونية‪.‬‬ ‫فعلى الرغم من الثناء الكبير على خدمات البريد في المملكة‬ ‫(خاصة إذا ما قورنت بغيرها في بعض البلدان العربية وحتى‬ ‫أ‬ ‫الوروبية ‪ -‬ثمة تجار على موقع «إيباي» مثال ً يرفضون البيع‬ ‫لمشترين في بلدان معينة نظراً لسوء خدمات البريد فيها حتى على‬ ‫مستوى االستقامة أ‬ ‫والمانة)‪ ،‬إال أن بعض الحضور أعرب عن وجود‬ ‫يتطور البريد السعودي‬ ‫مصاعب في الشحن والتوصيل‪ ،‬متمنياً أن ّ‬ ‫أكثر‪ .‬فاللجوء إلى شركات الشحن السريع ليس حال ً لكل المشكالت‪.‬‬ ‫يقول وجانة‪« :‬إن بعض شركات الشحن‪ ،‬وبسبب الضغط الكبير عليها‪،‬‬ ‫تطلب من العميل أن يتصل بها أو أن يحضر إليها لتسلّم الشحنة‪ ،‬في‬ ‫حين أن العميل يفضل التسلّم في مقره‪ .‬كما أن هناك بعض المدن‬ ‫وأماكن كثيرة في المملكة ال تخدمها إال شركة شحن واحدة‪ ،‬كما هو‬ ‫الحال في عرعر مثالً‪ ،‬وهذا ما يفرض على المتجر إاللكتروني أن يبحث‬ ‫عن أفضل وسيلة شحن لكل منطقة أو بلد على حدة»‪.‬‬ ‫اللكترونية نجحت في أوروبا‬ ‫ويختم وجانة بقوله‪« :‬إن التجارة إ‬ ‫وأمريكا‪ ،‬بفعل تطوير البيئة التشريعية والقانونية المالئمة لهذه‬ ‫التجارة من أجل حماية جميع أ‬ ‫الطراف»‪ ،‬معرباً عن تفاؤله‬ ‫اللكترونية في المملكة‪ ،‬خاصة إذا ما تعاون‬ ‫بمستقبل التجارة إ‬ ‫الجميع على تطوير البيئة الالزمة لها‪ ،‬أسوة بالدول التي‬ ‫قطعت شوطاً كبيراً في هذا المجال‪.‬‬


‫‪15 | 14‬‬

‫بداية كالم‬

‫ما مصير الصور التي‬ ‫تلتقطها بكاميرا جوالك؟‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫لنفس ببعضها‬ ‫أحتفظ‬ ‫ي‬

‫أكرم صالح ـ موظف عالقات عامة‬ ‫ال� ألتقطها أ‬ ‫ت‬ ‫للصدقاء أقوم بإرسالها إليهم‪ ،‬وأشارك‬ ‫الصور ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫حسابا� بمواقع التواصل االجتماعية‪ ،‬وال أحتفظ بها لنها‬ ‫بها ف ي�‬ ‫ي‬ ‫ال� ن‬ ‫ب ت‬ ‫يتس� يل التقاطها‬ ‫تكون قد حفظت عىل المواقع‪ .‬أما الصور الطريفة‬ ‫ّ‬ ‫والمع�ة ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫للطفال والحيوانات والطيور فأحتفظ بها‪ .‬وغالباً ما ت‬ ‫تأ� لحظة أشعر فيها يأ� أريد‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫ت‬ ‫إل ذكرى خاصة مثل صور الرحالت‬ ‫إطالع‬ ‫ي‬ ‫أصدقا� أعليها فأرسلها إليهم‪ .‬يغ� أن الصور ي‬ ‫ال� تمثل بالنسبة ي ّ‬ ‫لك� ت‬ ‫أن�ها أو أشارك بها‪ .‬ن‬ ‫العائلية أو مع الصدقاء‪ ،‬وكذلك المناسبات الخاصة‪ ،‬فهذه أحتفظ بها وال ش‬ ‫ح�‬ ‫ي‬ ‫اللحظة لم أقم بطباعة أية صورة التقطتها‪.‬‬

‫لم أفكِّر يوماً ف ي� طباعة أي صورة‬

‫يما� ـ أستاذ مساعد للنقد أ‬ ‫ن‬ ‫والدب الحديث‬ ‫عفاف ي‬ ‫بجامعة الملك سعود‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫فإ�‬ ‫ولك� أحذف المتشابه منها‪ .‬ولذلك‪ ،‬ي‬ ‫ال� ألتقطها‪ .‬ي‬ ‫أحتفظ بمعظم الصور ي‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫تجمع� بأناس أع ّزهم‪ ،‬وأستعيد مشاهدتها كلما‬ ‫ال�‬ ‫أحتفظ بكم ي‬ ‫ي‬ ‫كب� من الصور ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫و� المقابل‪،‬‬ ‫الزمان‪.‬‬ ‫وذلك‬ ‫المكان‬ ‫ذلك‬ ‫إىل‬ ‫الحن�‬ ‫عاود�‬ ‫كلما‬ ‫أو‬ ‫اشتقت إليهم‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أبعث ببعضها للصديقات أ‬ ‫ولك� لم أفكر يوماً �ف‬ ‫والهل‪ ،‬خصوصاً إذا كنت خارج البالد للعمل أو السياحة‪ .‬ن‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫طباعة أية صورة‪ ،‬فزمن الصور الورقية ض‬ ‫م�‪ ،‬بل ن يإ� أصبحت أختار من الصور الورقية القديمة وأحتفظ بها‬ ‫ت‬ ‫إلك�ونياً‪.‬‬

‫ال أستطيع حذف أي منها‬

‫سعيد الهليس ـ مهندس نظم معلومات وتسويق‬ ‫ت ن‬ ‫و�‬ ‫إلك� ي‬

‫ت‬ ‫بجوال تكون للذكرى‪ ،‬وأحفظها ف ي� الجوال‪ .‬بعضها‬ ‫ال� ألتقطها‬ ‫ي‬ ‫معظم الصور ي‬ ‫بال تن�نت‪ .‬وأقوم بإرسال بعضها‬ ‫ال�امج إ‬ ‫أستخدمه كخلفية لشاشة الجوال أو لبعض ب‬ ‫ئ‬ ‫صدقا�‪ ،‬وأحتفظ بالجيد منها ف� ذاكرة خارجية‪ ،‬خصوصاً إن كانت ي ز‬ ‫متم�ة وليست‬ ‫أل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫كث�ة وأهتم بحفظها منذ عام ‪2005‬م‪ ،‬وال أستطيع حذفها‪ ،‬وال أدري لماذا‪ .‬ث‬ ‫أك� الصور‬ ‫عادية‪ .‬لدي الن صور ي‬ ‫الماكن جميلة أ‬ ‫حال� النفسية جيدة‪ ،‬وكذلك عندما تكون أ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫والشخاص الذين فيها‬ ‫ال� أحب التقاطها عندما تكون ي‬ ‫ي‬ ‫ممن أحبهم‪.‬‬


‫مص�ها يختلف باختالف الهدف من‬ ‫ي‬ ‫التقاطها‬ ‫ف‬ ‫صحا�‬ ‫أحمد الجزار ـ طالب جامعي ومراسل‬ ‫ي‬ ‫ت ن‬ ‫و�‬ ‫إلك� ي‬

‫مص� صوري يختلف باختالف الهدف من التقاطها‪ .‬فإذا كانت لغرض ي َّ ن‬ ‫مع�‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫فإ� أحذف الصورة بعد‬ ‫ي‬ ‫قص� الجل مثل صورة دواء‪ ،‬مطعم‪ ،‬منتج ‪ ...‬إلخ‪ ،‬ي‬ ‫ك�اء الدواء مثال ً ‪ -‬وال تبقى ف� هاتفي ث‬ ‫االنتهاء من تحقيق هدفها ‪ -‬ش‬ ‫أك� من يوم غالباً‪ .‬أما إذا كانت من‬ ‫ي‬ ‫أجل الذكرى‪ ،‬فأقوم برفعها إىل الذاكرة االحتياطية‪ ،‬وأشاركها مع الذين يظهرون فيها‪ ،‬مثل صور التخرج‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ال� غالباً ما تتمحور حول‬ ‫الرحالت‪ ،‬االجتماعات العائلية‪ ..‬ويوجد لدي نوع آخر وهو «التوثيق»‪ ،‬أي الصور ي‬ ‫ت‬ ‫ال� أح�ض ها‪ .‬وهذا النوع يُ شن� للجميع عن طريق مواقع التواصل االجتماعي‪ ،‬وكذلك‬ ‫المعارض والنشاطات ي‬ ‫أرسلها ش‬ ‫لل�كة المنظمة للحدث سواء أكان معرضاً أم ملتقى أم مرسحية‪...‬‬

‫طبعت بعضها ي ن‬ ‫مرت�‬ ‫أو ثالث‬

‫مروى باعشن ـ معيدة بقسم‬ ‫الحصاء ـ جامعة الملك‬ ‫إ‬ ‫عبدالعزيز‬

‫ال� ألتقطها أ‬ ‫ت‬ ‫للصدقاء‬ ‫غالباً ما أقوم بإرسال الصور ف ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫إما ش‬ ‫المش�كة بها‪ .‬وأجد ي� ذلك متعة‪ ،‬لنه‬ ‫مبا�ة أو عن طريق «الجروبات»‬ ‫يُحدث نقاشاً ظريفاً‪ ،‬بعضه ال يخلو من المشاعر الطيبة والقفشات المضحكة‪.‬‬ ‫ف‬ ‫جوال‪ ،‬أو ف ي� ملفات خاصة عىل كمبيوتري‬ ‫وبالطبع أحتفظ بها ي� ذاكرة ي‬ ‫بنفس ‪ .‬فما ألتقطه‬ ‫الشخص ‪ .‬والحقيقة ن يإ� ال أحذف أية صورة قمت بالتقاطها‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫جوال‬ ‫يكون قد‬ ‫أعجب� وال أتخىل عنه لنه توثيق لحدث عشته‪ .‬ولذلك‪ ،‬فذاكرة ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ثما� سنوات مضت‪ ،‬منذ بدء وجود الجواالت‬ ‫ال� تعود إىل ي‬ ‫مليئة بالصور ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫غرف�‪،‬‬ ‫المزودة‬ ‫ي‬ ‫بالكام�ا‪ .‬وقد طبعت بعضها ووضعتها ي� إطارات وعلقتها ي� ي‬ ‫ال� ن‬ ‫خصوصاً الصور الشخصية ت‬ ‫تع� يل أمراً حميماً‪ ،‬وكذلك بعض صور‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫العائلة‪.‬‬

‫الصور ت المفضلة أحفظها ف ي�‬ ‫حسابا�‬ ‫ي‬

‫زكية ش‬ ‫القر� ـ صحافية وكاتبة روائية‬ ‫ي‬

‫أ‬ ‫ت‬ ‫أرس� فقط وأرسلها‬ ‫عادة ألتقط صوراً لفراد ي‬ ‫إليهم‪ .‬وباعتبار ن يأ� مصورة فوتوغرافية هاوية‪ ،‬فدائماً ما تكون‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫حول‬ ‫ي‬ ‫�ء ي‬ ‫الكام�ا االح�افية معي‪ .‬يتيح يل ذلك مراقبة كل ي‬ ‫ن‬ ‫فإ� أستخدم‬ ‫واقتناص ي‬ ‫المث� والغريب والجميل منه‪ .‬ولذلك‪ ،‬ي‬ ‫كام�ا الجوال ف� الحاالت النادرة ت‬ ‫الكام�ا‬ ‫ال� تصادف عدم وجود ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫المفضلة لدي فهي التجريدية‬ ‫معي‪ .‬أما الصور أو اللقطات‬ ‫َّ‬ ‫الشجار‪ ،‬وأيضاً آ‬ ‫والطبيعة الصامتة‪ ،‬وبالتحديد جذوع أ‬ ‫الثار‬ ‫ن‬ ‫النسان ف� ض‬ ‫فإ� أرفعها ف ي�‬ ‫وبقايا حراك إ‬ ‫الما�‪ .‬ومثل هذه الصور ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫حسابا�‪ ،‬وقمت بطبع عدد منها‪ ،‬وأفكر ف ي� إصدار كتاب يحملها‪..‬‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫نفس‬ ‫وأحتفظ دائماً بصور أحفادي‬ ‫ي‬ ‫وحفيدا�‪ ،‬فهي عزيزة عىل ي‬ ‫كث�اً‪..‬‬ ‫ي‬


‫‪17 | 16‬‬

‫كتب عربية‬

‫مدينة الكلمات‬ ‫تأليف‪ :‬ألبرتو مانغويل‬ ‫ترجمة‪ :‬يزن الحاج‬ ‫الناشر‪ :‬دار الساقي ‪2016 -‬‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫أ‬ ‫الكلمات»‬ ‫كتابه «مدينة‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫يقدم الكاتب الرجنتيني ألبرتو مانغويل في ِ‬ ‫عبر ِّكل العصور‪،‬‬ ‫البشر‪،‬‬ ‫بين‬ ‫المشترك‬ ‫م‬ ‫القاس‬ ‫لفهم‬ ‫نظرياته‬ ‫ملخص‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫وفي كل أ‬ ‫القوميات‬ ‫الماكن‪ ،‬من خالل اللغة‪ .‬فيقول إنه بنهاية عصر‬ ‫ِ‬ ‫المجتمعات التي تع ِّزز القوميةَ المدنية‪ ،‬وتتبنى نظماً‬ ‫العرقية ظهرت‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِلقيم مقبولة عالمياً‪.‬‬ ‫ولكن أ‬ ‫المر يبدو وكأنه اتخذ منحى غير متوقَّع؛ ُ‬ ‫يتمثل في المشكالت‬ ‫المجتمعات الجديدة؛ مثل الظواهر السلبية الناتجة‬ ‫التي تبر ُز مع ظهور‬ ‫ِ‬ ‫وضع السياسيين وعلما َء االجتماع في حيرة‪،‬‬ ‫تعدد الثقافات‪ ،‬مما َ‬ ‫عن ُّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وتَساؤُل‪ ..‬لماذا صار ِمن الصعب جدا على الناس أن يعيشوا معا في‬ ‫ِّ‬ ‫السلمي في‬ ‫الدم على التعايش‬ ‫ظل هذه البدائل القاتمة؟ وهل طغى ُ‬ ‫ِّ‬ ‫أ‬ ‫كوكب الرض؟‬ ‫ومن أجواء الكتاب نقرأ‪« :‬كلما ضاق تعريف الهوية نما التعصب‪ .‬وكلما‬ ‫قدمت اللغة إجابات قاطعة ضاق خيالنا عن الكون آ‬ ‫والخر‪ ،‬وخاصة‬ ‫َّ‬ ‫عن أنفسنا‪ .‬من ملحمة جلجامش إلى دون كيخوته وأفالم السينما‪،‬‬ ‫هذه «الكلمات» ‪ -‬قصصاً وروايات وشعراً ‪ -‬هي التي تصوغ مجتمعاتنا‬ ‫وواقعنا‪ ،‬وهي سجلنا عن أنفسنا وعن آ‬ ‫الخر»‪.‬‬ ‫ويطرح مانغويل حال ً بديال ً بقوله‪« :‬ينبغي أن نستمع إلى «الكلمات» التي‬ ‫يبثها الحالمون والشعراء والروائيون وصناع أ‬ ‫الفالم عبر الزمان والمكان‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ربما كانت القصص التي ترويها تحمل مفاتيح سرية للقلب البشري»‪.‬‬

‫جسر الصورة‬ ‫تأليف‪ :‬إيناس حسني‬ ‫الناشر‪ :‬المجلس أ‬ ‫العلى للثقافة في‬ ‫مصر ‪ -‬يونيو ‪2016‬‬

‫يهدف هذا الكتاب إلى إلقاء الضوء على التواصل بين فنون الشرق وأوروبا‪.‬‬ ‫وتم ِّثل الفنون التشكيلية إحدى نقاط التماس بين الحضارتين الشرقية‬ ‫النسان على مدى‬ ‫والغربية‪ ،‬فهناك تأثير متبادل بين هذه الفنون التي أنتجها إ‬ ‫تاريخه الطويل‪.‬‬ ‫تقول الكاتبة إيناس حسني إن الفنون التشكيلية استطاعت في الشرق‪ ،‬أن‬ ‫تجذب انتباه وإعجاب العالم أجمع‪ ،‬على مدى التاريخ كله‪ ،‬إذ إن الفنان‬ ‫الشرقي عامة‪ ،‬قد سبق عباقرة فناني العصور الحديثة بمراحل‪ ،‬حيث عرف‬ ‫قبلهم المدارس الفنية المعاصرة كافة‪ ،‬مثل الكالسيكية والتأثيرية والطبيعية‬ ‫والواقعية‪.‬‬ ‫وتشير المؤلفة إلى أنه مع أوائل القرن التاسع عشر حدث توسع كبير‪ ،‬حيث‬ ‫أخذ الفنانون الغربيون من المطبوعات اليابانية والصينية زخارفها وألوانها‬ ‫وتكويناتها‪ .‬أما مع بداية القرن العشرين‪ ،‬فقد حدثت سلسلة من التمردات‬ ‫على الفن التقليدي‪ ،‬وكانت باريس في بداية هذا القرن ملتقى الفنانين من كل‬ ‫صوب‪ ،‬يرتادونها لممارسة التمرد على تقاليد الفن الواقعي‪ ،‬واتجه الفنانون‬ ‫الغربيون إلى االقتباس من فنون أخرى‪ ،‬أبرزها الفنون الشرقية‪ .‬ويؤكد ذلك‬ ‫جون ديوي عندما يقول‪« :‬في مطلع القرن العشرين كان الجانب أ‬ ‫الكبر من‬ ‫النتاج الفني قد وقع تحت تأثير الفنون المصرية‪ ،‬والبيزنطية‪ ،‬والفارسية‪،‬‬ ‫إ‬ ‫والصينية‪ ،‬واليابانية‪ ،‬والزنجية»‪.‬‬

‫الذاكرة الشعبية‬ ‫لمجتمعات ألف ليلة وليلة‬ ‫تأليف‪ :‬محسن جاسم الموسوي‬ ‫الناشر‪ :‬المركز الثقافي العربي ‪ -‬مارس ‪2016‬‬

‫يتتبع هذا الكتاب فاعلية الفن القصصي في ألف ليلة‬ ‫السالمية التي‬ ‫وليلة في ترجمة واقع المجتمعات العربية إ‬ ‫أنتجت هذه المجموعة القصصية‪ ،‬وإعطاء صورة عنها‪،‬‬ ‫النسانية لتلك القصص‪ .‬ويقول المؤلف إن‬ ‫والقيمة إ‬ ‫اهتمامه بدراسة قصص ألف ليلة وليلة‪ ،‬جاء من منطلق‬ ‫بحثه عن مشترك ثقافي يمكن أن يكون نقطة اهتمام‬ ‫بين الثقافة العربية والثقافة الغربية‪ .‬فحتى السبعينيات‬ ‫من القرن العشرين‪ ،‬كان الغرب ال يزال يحمل النظرة‬ ‫االستعمارية التقليدية المتعالية لكل ما ليس غربياً‪ ،‬ولم‬ ‫يكن أ‬ ‫الدب العربي يلقى أي اهتمام‪ .‬لكن «ألف ليلة وليلة»‬

‫حازت اهتماماً غربياً منذ مطلع القرن الثامن عشر‪ ،‬عندما‬ ‫ترجمها المستشرق الفرنسي أنطوان غاالن‪ ،‬وانتشرت‬ ‫في سائر أوروبا‪ .‬ومن هنا رأى الكاتب أنها تصلح أساساً‬ ‫لدراسات مشتركة تلقى االهتمام من الجانبين‪.‬‬ ‫ويقول الموسوي إن هذه القصص تعكس التداخل‬ ‫السالمي‪ ،‬نظراً ألنها كانت‬ ‫الثقافي بين مجتمعات العالم إ‬ ‫لقرون عديدة تُروى في أسواق بغداد والبصرة والكوفة‬ ‫ودمشق والقاهرة‪ ،‬فدخلتها شخصيات ورموز عربية‬ ‫إسالمية معروفة‪ ،‬وهي تنضح بالتقاليد والممارسات‬ ‫السالمية في كل صفحاتها‪.‬‬ ‫إ‬


‫«علمية العلم» كتاب نقدي يتناول الثورات العلمية والحضور‬ ‫المتفاوت للعقل فيها‪ ،‬واعتماد بعضها على «البناء على وليس البدء‬ ‫من»‪..‬‬ ‫كما يميز الكاتب بين تاريخ الفلسفة وفلسفة التاريخ وأولوية الفلسفة‬ ‫في شحذ العلم‪ .‬ويستخدم الكاتب الفكر النقدي ذا الفعالية‬ ‫أ‬ ‫الساسية في الكشف عن مكر التاريخ وسطوة التراث وفهم العالم‬ ‫والوجود وإنتاج المعنى والمعرفة‪ ،‬وممارسة النقد القادر على إصالح‬ ‫نفسه بتعرضه للمساءلة‪ .‬لذلك ال يسلم الفكر النقدي من النقد‪،‬‬ ‫ولكن بتفاوت نمط وحضور وطرق وممارسة النقد وبالعودة إلى‬ ‫السياق الثقافي والزماني والمكاني‪.‬‬ ‫فال يمكن‪ ،‬منطقياً‪ ،‬وضع مسافة بين العلم وتاريخ العلم‪ ،‬إذ ال‬ ‫يمكن قطف العلم والمعرفة كصيغة جاهزة عن شجرة علمية أو‬ ‫معرفية‪ .‬فهذه الشجرة لها أصولها وجذورها العلمية‪ ،‬حيث يتغذى‬ ‫أصغر برعم علمي في رأسها من أبعد جذر من جذورها‪.‬‬ ‫ولكن هذا الكتاب ال يهدف إلى وضع منظومة فلسفية جديدة‪ ،‬وال‬ ‫ليرسخ محددات أو حتى توصيات‪ ،‬إنما يتطرق إلى المجال العلمي‬ ‫بطريقة تخدم العلم‪ ،‬وتنقي الفلسفة بطريقة القراءة بالعين‬ ‫الناقدة‪.‬‬

‫يسعى هذا الكتاب للمساهمة في توسيع دائرة االنشغال بالطعام كثقافة‬ ‫دالة يتم من خاللها قراءة المجتمع في ثباته وتغيره‪ ،‬مدافعاً أ‬ ‫بالساس عن‬ ‫رمزية الطعام وتراتبيته‪ .‬فالطعام‪ ،‬حسب الكاتب‪« ،‬جسر عبور ممكن إلى‬ ‫أ‬ ‫البنية الخفية للمجتمع‪ ،‬ومنه نفكك كثيراً من الشفرات الثقافية‪ ،‬ونتتبع‬ ‫مختلف التالقحات والتواصالت التي تختزنها وجبات وأدوات الممارسة‬ ‫المطبخية»‪.‬‬ ‫يتوزع كتاب قرابة الملح على مقدمة وخمسة فصول وخاتمة‪ ،‬يناقش‬ ‫والطعام‪ ،‬موضحاً ظروف‬ ‫العطري فيها محدودية الدرس العلمي للطعام إ‬ ‫أ‬ ‫االهتمام به في إطار أ‬ ‫النثروبولوجيا والسوسيولوجيا والتاريخ والدب‪ ،‬كما‬ ‫يستكشف مفاعيل الطعام والطعام‪ ،‬حيث يستعيد التراث أ‬ ‫النثروبولوجي‬ ‫إ‬ ‫لعالم االجتماع الفرنسي مارسيل موس المتعلق ببناء الوجاهة االجتماعية‪،‬‬ ‫الطعام‪ ،‬لينتقل إلى مدارات هذا الفعل ورهاناته في المجتمع‬ ‫عن طريق إ‬ ‫المغربي واحتماالت التمايز الغذائي‪ .‬كما يخصص فصال ً كامال ً لمسارات‬ ‫الغذاء كحاجة للبقاء‪ ،‬ويتطرق الباحث (في الفصل الرابع) إلى الطعام‬ ‫وجواراته‪ ،‬مثل الخبز والثورة‪ ،‬ليبرز العالئق القائمة بين الطعام وهذه‬ ‫الجوارات‪.‬‬ ‫أ‬ ‫وفي الفصل الخير الذي اختار له عنوان‪ :‬من «القعيدة» إلى «الفردنة»‪،‬‬ ‫يحلل العادات الغذائية‪ ،‬فضال ً عن التغير الذي طرأ على الغذاء و«فردنة»‬ ‫الطعام‪.‬‬

‫في لغة المصطلح العربي‬ ‫تأليف‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬أحمد محمد المعتوق‬ ‫الناشر‪ :‬الدار العربية للعلوم ناشرون ‪2016 -‬‬

‫يجمع المؤلف في كتابه هذا بين دراستين‪ ،‬تتناول‬ ‫إحداهما المصطلح البالغي النقدي‪ ،‬وتتناول أ‬ ‫الخرى‬ ‫لب أي‬ ‫المصطلح العلمي الحديث‪ .‬فالمصطلح هو ّ‬ ‫علم وجوهره وركيزته أ‬ ‫الساسية‪ ،‬نظراً لما يتطلبه صوغه‪،‬‬ ‫ولمكانته في الترجمة والتعريب‪ ،‬وقابليته للشيوع‬ ‫والتوحد حوله‪ ،‬واالتفاق على معناه‬ ‫واالستخدام‬ ‫ّ‬ ‫وداللته‪.‬‬ ‫أ‬ ‫وفي التعريف بهذا الكتاب‪ ،‬كتب المين العام لمجمع‬ ‫اللغة العربية في القاهرة الدكتور فاروق شوشة‪« :‬لقد‬ ‫احتشد الدكتور المعتوق لكتابه هذا بكل ما يمكن أن‬

‫يتاح في مجال المصادر والمراجع‪ ،‬في المشرق العربي‬ ‫والمغرب العربي‪ ،‬عارضاً وناقداً ومحلالً‪ ،‬وكاشفاً عن‬ ‫المشترك الفكري واللغوي فيما يتصل بالمصطلح‬ ‫العلمي الحديث وقضاياه المثارة‪ ،‬بعد دراسته النقدية‬ ‫في المصطلح البالغي النقدي‪ ..‬وقد انتهى بأفضل‬ ‫النتائج والتوصيات‪ ،‬أو ما يسميه بالوصفة النقدية‬ ‫المختصرة‪ ،‬في وضع المعجم المقترح أو في استيفاء‬ ‫مادته»‪.‬‬ ‫ويضيف التعريف‪« :‬هذا رجل يقوم بمفرده بما نتوقع‬ ‫لغوي بكامله»‪.‬‬ ‫إنجازه من مجمع‬ ‫ّ‬

‫كتب عربية‬

‫علمية العلم ‪ -‬قراءة‬ ‫ايبستيمولوجية‬ ‫تأليف‪ :‬حسين قاسم دياب‬ ‫الناشر‪ :‬دار نلسن ‪ -‬مايو ‪2016‬‬

‫قرابة الملح‪ :‬الهندسة‬ ‫االجتماعية للطعام‬ ‫تأليف‪ :‬عبدالرحيم العطري‬ ‫الناشر‪ :‬دار المدارس للنشر‬ ‫والتوزيع ‪ -‬فبراير ‪2016‬‬


‫المرأة ذات الشعر األحمر‬ ‫‪Kirmizi Sacli Kadin By Orhan Pamuk‬‬ ‫تأليف‪ :‬أورهان باموك‬ ‫الناشر‪ - Yapi Kredi :‬أغسطس ‪2016‬‬

‫أحدث رواية للكاتب التركي أورهان باموك الحائز جائزة نوبل‬ ‫آ‬ ‫للداب عام ‪2006‬م‪ ،‬تدور أحداثها في أواسط ثمانينيات‬ ‫آ‬ ‫القرن العشرين في إسطنبول‪ ،‬وتروي قصة حفار البار‬ ‫محمود وتلميذه «جيم» الملقب بالسيد الصغير وهما‬ ‫يحاوالن التنقيب عن المياه في أ‬ ‫الراضي الجرداء‪ ،‬حيث كانا‬ ‫آ‬ ‫يستخدمان أ‬ ‫الساليب القديمة لحفر البار الحديثة‪.‬‬ ‫تعرض رواية «المرأة ذات الشعر أ‬ ‫الحمر» لقصة صراعهما‬ ‫المضني‪ ،‬حيث يطالعنا من وقت إلى آخر الصوت الشيطاني‬ ‫للمرأة ذات الشعر أ‬ ‫الحمر‪ .‬ولكن القصة تتضمن‪ ،‬أيضاً‪،‬‬ ‫استكشافاً‪ ،‬من خالل القصص والصور المتنوعة‪ ،‬لعديد من‬

‫الباء أ‬ ‫الفكار حول آ‬ ‫أ‬ ‫والبناء والتسلط والتفرد والدولة والحرية‬ ‫والقراءة والرؤية‪ .‬وهي عبارة عن نص واقعي حول التحقيق‬ ‫في جريمة قتل حدثت قبل ثالثين عاماً في مكان ما قرب‬ ‫إسطنبول‪ ،‬بالضافة إلى كونها تحقيقاً خيالياً حول أ‬ ‫السس‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫الدبية للحضارات‪ .‬وهي ذات رمزية معينة لجهة ارتباطها‬ ‫بمأساة رستم وابنه سهراب كما هي مروية في الملحمة‬ ‫التاريخية «الشاهنامة» للشاعر الفردوسي‪.‬‬

‫رأس الدبوس‪ :‬كيف يغيِّ ر نظام‬ ‫تحديد المواقع العالمي (‪)GPS‬‬ ‫التكنولوجيا‪ ،‬والثقافة‪ ،‬وعقولنا‬ ‫‪Pinpoint: How GPS is Changing Technology,‬‬ ‫‪Culture and Our Minds by Greg Milner‬‬ ‫تأليف‪ :‬غريغ ميلنر‬ ‫الناشر‪ - W.W. Norton & Company :‬مايو‬ ‫‪2016‬‬

‫يعرض هذا الكتاب قصة الـ «‪ ،»GPS‬أو نظام تحديد‬ ‫المواقع‪ ،‬أ‬ ‫العجوبة العلمية التي سهلت كثيراً من‬ ‫أ‬ ‫وغيرت جوانب عديدة من‬ ‫االختراعات التكنولوجية الخرى‪َّ ،‬‬ ‫حياتنا بطريقة عميقة‪.‬‬ ‫يبدأ كتاب «رأس الدبوس» من نشأة نظام تحديد المواقع‬ ‫كنظام لتوجيه القنابل‪ ،‬إلى أداة موجودة‪ ،‬تقريباً‪ ،‬في كل‬ ‫شيء في حياتنا‪ .‬ويقول إنه بسبب التوق البشري للدقة‬ ‫العلمية‪ ،‬أنتجت النسانية هذه أ‬ ‫الداة غير االعتيادية التي‪،‬‬ ‫إ‬ ‫بالضافة إلى أنها ترشدنا في جميع أنحاء المدن‪ ،‬تسهل‬ ‫إ‬ ‫أيضاً عمل الطائرات أ‬ ‫الرضية‪ ،‬ومكالمات المحمول‪ ،‬وتوقُّع‬ ‫الزالزل والتنبؤ بحالة الطقس وتحديد مكامن النفط‪،‬‬ ‫وقياس النيوترونات‪ ،‬وزراعة المحاصيل‪ ،‬وتنظيم التمويل‬ ‫العالمي حيث يبدو وجود نظام تحديد المواقع ضرورياً‬

‫النترنت‪.‬‬ ‫كضرورة وجود شبكة إ‬ ‫وفي حين أن نظام تحديد المواقع ساعدنا على االطالع‬ ‫على معلومات دقيقة عن محيطنا الخارجي وعن المساحات‬ ‫الجغرافية‪ ،‬فقد أنشأ أيضاً أشكاال ً جديدة من السلوك‬ ‫البشري‪ .‬وذلك ألننا سمحنا له أن يدخل على أنظمة عديدة‬ ‫في العالم‪ ،‬وبسرعة كبيرة‪ ،‬لذلك علينا مواجهة العواقب‬ ‫المحتملة‪ .‬فإذا ما حصل عيب بسيط في توقيت نظام‬ ‫تحديد المواقع‪ ،‬سواء بصورة عرضية أو مفتعلة‪ ،‬فقد‬ ‫يطيح بالشبكة الكهربائية‪ ،‬ويؤدي إلى خطف الطائرات‬ ‫بدون طيار‪ ،‬أو توقف النظام المالي العالمي‪ ،‬كما أن‬ ‫استخدام أو سوء استخدام البيانات التي يوفرها النظام‬ ‫من قبل الحكومات والشركات يثير تساؤالت مقلقة حول‬ ‫أ‬ ‫الخالق والخصوصية‪.‬‬

‫إعادة التفكير‪ :‬التاريخ المدهش لألفكار الجديدة‬ ‫‪Rethink: The Surprising History of New Ideas by Steven Poole‬‬ ‫تأليف‪ :‬ستيفن بوول‬ ‫الناشر‪ - Random House Books :‬يونيو ‪2016‬‬

‫يروي كتاب «إعادة التفكير» قصة أ‬ ‫الفكار التي تم االستهزاء‬ ‫آ‬ ‫بها أو تجاهلها لعدة قرون والتي بدأت الن تدخل إلى‬ ‫أحدث البحوث‪ .‬إنها قصة غريس هوبر‪ ،‬رائدة لغة البرمجة‬ ‫التي سمحت لنا بالتحدث إلى أجهزة الكمبيوتر‪ ،‬وقصة جان‬ ‫باتيست المارك‪ ،‬المنظِّر الرائد في تطور الكائنات الحية‬ ‫الذي أصبح اسمه مرادفاً للفشل؛ وقصة الفيلسوف اليوناني‬ ‫ديموقراط‪ ،‬الذي استدل على أسس علم الذرة فقط عن‬ ‫طريق التفكير في الخبز‪.‬‬ ‫باستخدام أمثلة مقنعة من عوالم الفلسفة والعلوم‬ ‫والتكنولوجيا والسياسة أ‬ ‫والعمال‪ ،‬يظهر ستيفن بوول ما‬

‫يمكن أن نتعلمه من خالل العودة إلى أفكار تم إهمالها‪،‬‬ ‫ورؤيتها من منظور مختلف‪ .‬ويفسر لماذا يلجأ أهم علماء‬ ‫فيزياء الكم اليوم وعلماء النفس وأهم العبي الشطرنج‬ ‫للعودة إلى التاريخ للحصول على إجابات لمشكالت‬ ‫الحاضر‪ .‬ويكشف بوول كيف يمكن أ‬ ‫للفكار المهملة منذ‬ ‫فترات طويلة أن تحول جوانب مهمة من حياتنا اليومية ‪ -‬من‬ ‫الدارة‪ ،‬إلى استلهام المشاريع‬ ‫تحسين طريقة عمل مجالس إ‬ ‫الكبرى للتغيير االجتماعي والسياسي‪.‬‬

‫في هذه أ‬ ‫النطولوجيا الجديدة جمع المستعرب الفرنسي جان جاك‬ ‫شميت وترجم نحو سبعين قصة حب شهيرة عرفها عالمنا العربي‬ ‫في تاريخه القديم‪ .‬تُعرض قصص الحب المجموعة في هذه‬ ‫أ‬ ‫النطولوجيا وفقاً لترتيب تاريخي مقسم إلى خمسة عصور كبرى‪:‬‬ ‫الجاهلية‪ ،‬وبدايات السالم‪ ،‬والعصر أ‬ ‫الموي‪ ،‬والعصر العباسي‪،‬‬ ‫إ‬ ‫والعصر أ‬ ‫الندلسي‪ .‬‬ ‫وفي مقدمته لهذه أ‬ ‫النطولوجيا‪ ،‬يقول شميت إن العرب هم شعب‬ ‫من الشعراء‪ ،‬وذلك منذ الجاهلية‪ ،‬حيث انبثق شعر خاص مكرس‬ ‫إلنشاد نبل وفضائل المرأة التي نظر إليها باعتبارها «السيدة» التي‬ ‫غالباً ما يتعذر بلوغها‪ ،‬ومن أجل حبها يبدو الرجل حاضراً للتضحية‬ ‫بنفسه وبكل ما يملكه‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬يتوقف الكاتب عند قبيلة‬ ‫بني عذرة في شمال شرق الجزيرة العربية التي اشتهر أفرادها بكتابة‬ ‫صاف ورقيق للتعبير عن ُحب عذري‪ ،‬شعر ما لبث‬ ‫شعر غزلي ٍ‬ ‫أثره أن طاول شواطئ أوروبا الجنوبية فأسهم في والدة شعراء الـ‬

‫«تروبادور»‪.‬‬ ‫والالفت في جميع هذه القصص‪ ،‬بالنسبة إلى شميت‪ ،‬هو هويتها‬ ‫الموضوعية والسردية والدرامية الواحدة‪ ،‬رغم اختالف ظروفها‬ ‫التاريخية وشخصيات أبطالها‪ .‬وجميع هذه القصص هي قصص ُحب‬ ‫محظور‪ ،‬مما يفسر الكآبة التي تطغى على كل منها والناتجة عن تعذر‬ ‫بلوغ الحبيب أو التواصل معه‪ ،‬وال عجب بالتالي في انتهاء عملية‬ ‫السرد غالباً بطريقة مأساوية‪ ،‬بموت أحد الحبيبين أو االثنين معاً‪،‬‬ ‫الواحد تلو آ‬ ‫الخر‪ ،‬علماً بأن ثمة نهاية سعيدة لبعض هذه القصص‪.‬‬ ‫ومعروف أن أسماء شخصيات هذه القصص محفورة جيداً في‬ ‫مخيلتنا أ‬ ‫الدبية والشعبية العربية‪ ،‬مثل عنترة وعبلة‪ ،‬جميل وبثينة‪،‬‬ ‫كثير وعزة‪ ،‬ذو الرمة ومي‪ ،‬خصوصاً قيس‬ ‫عروة وعفراء‪ ،‬قيس ولبنى‪ّ ،‬‬ ‫وليلى اللذين تجاوزت قصتهما حدود العالم العربي لتبلغ الهند‬ ‫وآسيا الوسطى وإفريقيا الشمالية قبل أن تصل الغرب أخيراً مع أغنية‬ ‫إريك كالبتون «ليلى»‪.‬‬

‫‪19 | 18‬‬

‫كتب من العالم‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫قصص حب في تاريخ العرب‬ ‫‪Histoires Damours Dans L’Histoires Des‬‬ ‫‪Arabes de Collectif (Auteur) Jean-Jacques‬‬ ‫)‪Schmidt (Sous la direction de‬‬ ‫تأليف‪ :‬مجموعة مؤلفين بإشراف جان جاك‬ ‫شميت‬ ‫الناشر‪- Actes Sud - Coedition Sindbad :‬‬ ‫فبراير ‪2016‬‬


‫بين كتابين‬

‫خياراتنا وأذواقنا‪ :‬ما الذي يدفعنا إليها؟‬

‫(‪ )1‬قد يعجبك أيضاً‪ :‬الذوق في عصر الخيارات الالمتناهية‬ ‫تأليف‪ :‬توم فاندربلت‬ ‫الناشر‪ - Knopf :‬مايو ‪2016‬‬ ‫‪You May Also Like: Taste in an Age of Endless Choice by Tom‬‬ ‫‪Vanderbilt‬‬ ‫(‪ )2‬االدعاء‪ :‬لماذا هو مهم‬ ‫تأليف‪ :‬دان فوكس‬ ‫الناشر‪ - Coffee House Press :‬أبريل ‪2016‬‬ ‫‪Pretentiousness: Why it Matters by Dan Fox‬‬ ‫يأخذنا كتاب «قد يعجبك أيضاً» لمؤلفه توم فاندربلت في رحلة إلى عالم‬ ‫اختيارات الناس والشركات التي تحاول التكهن بها‪ .‬في كتابه «قد يعجبك‬ ‫الجابة‬ ‫أيضاً‪ :‬الذوق في عصر الخيارات الالمتناهية»‪،‬عزم فاندربلت على إ‬ ‫عن سؤال بسيط‪« :‬لماذا نحب أ‬ ‫الشياء التي نحب؟» وهو السؤال الذي شغل‬ ‫عديداً من المفكرين بمن فيهم إيمانويل كانط‪ ،‬فيرجينيا وولف‪ ،‬وسيغموند‬ ‫فرويد‪ .‬يسعى المؤلف في هذا الكتاب إلى إزالة الغموض عن مسببات‬ ‫الذوق البشري‪ ،‬واستكشاف القوى الكامنة وراء أذواقنا في الفن والموسيقى‬ ‫وبالضافة إلى‬ ‫والطعام‪ ،‬واختيار أسماء أطفالنا‪ ،‬وفي أمور عديدة أخرى‪ .‬إ‬

‫استكشاف وجهات نظر العلماء والنقاد واالقتصاديين وعلماء أ‬ ‫العصاب‬ ‫والفالسفة وعلماء النفس‪ ،‬وعلماء االجتماع‪ ،‬أجرى فاندربلت مقابالت مع‬ ‫المسؤولين في شركات «نيتفليكس» و«باندورا» و«ماكورميك» شركة التوابل‬ ‫العمالقة‪ ،‬وغيرها‪..‬‬ ‫أ‬ ‫ويخلص فاندربلت إلى أن الذوق صعب التحديد دون الخذ بعين االعتبار‬ ‫عالقته بتفضيالت وأذواق آ‬ ‫الخرين‪ .‬فالذوق ظاهرة تجنح في الوقت الراهن‬ ‫النترنت وتوسع مروحة الخيارات‬ ‫إلى أقصى حدود النسبية‪ ،‬خاصة مع دخول إ‬ ‫المتوفرة‪ .‬كما أن انتشار وسائل التواصل االجتماعي تجعلنا نتأرجح بأذواقنا‬ ‫أكثر فأكثر‪.‬‬ ‫ولكن عندما يتعلق أ‬ ‫المر بالذوق‪ ،‬يبدو هذا المجال مليئاً بالزيف واالدعاء‬ ‫والمغالطات البهلوانية‪ .‬ففي كتاب بعنوان «االدعاء‪ :‬لماذا هو مهم»‬ ‫يتحدث دان فوكس عن االدعاء‪ ،‬ليس كشكل من أشكال االستعالء والمناورات‬ ‫االجتماعية‪ ،‬ولكن بوصفه «الزيت المحرك للثقافة»‪.‬‬ ‫يؤكد فوكس على أهمية الذوق والخيارات الفردية بكل ما يدخل فيها‬ ‫من مقومات الطبقة‪ ،‬والتعليم‪ ،‬والتنشئة مما يجعلها تجسيداً لتاريخنا‬ ‫الشخصي‪ ،‬والمكان الذي نسعى أن نكون فيه‪ .‬ولكن كتاب «االدعاء» ليس‬ ‫موجهاً إلى الذين ُصقلت أذواقهم في سن مبكرة‪ ،‬بل أولئك الذين نشأوا في‬ ‫المدن الصغيرة والفقر‪ ،‬ويسعون إلى الخروج من وضعهم الراهن‪ ،‬وهم في‬ ‫طور اكتشاف ما يحبونه فعالً‪.‬‬ ‫فعن أ‬ ‫الشخاص الذين يسعون إلى تغيير واقعهم يقول فوكس إن «مطالبتهم‬ ‫أ‬ ‫بالحفاظ على الصالة واالنسجام مع ظروفهم االجتماعية هو شكل من أشكال‬ ‫السيطرة االجتماعية‪ ،‬وبمجرد انتقادهم واتهامهم باالدعاء ال نحرمهم من‬ ‫إمكانية التغيير فقط‪ ،‬وإنما نقوم بانتزاع إحدى أدوات النقد االجتماعي من‬ ‫أيدي المجتمعات التي تحتاج إليها»‪.‬‬ ‫ينبع القلق الذي يجعل الناس يلقون اتهام االدعاء من الخوف من غير‬ ‫المألوف وغير المتوقع‪ ،‬فهو بمنزلة آلية الدفاع‪ .‬وال شك بأنه في أي فئة‬ ‫اجتماعية أو بلدة صغيرة‪ ،‬هناك ضغوط لالمتثال‪ ،‬والتماشي مع المجموعة‪.‬‬ ‫وغالباً ما يتم اعتبار أي تصرف بشكل مختلف‪ ،‬وتفضيل أشياء مختلفة‪،‬‬ ‫كتهديد للجماعة أو المجتمع‪.‬‬ ‫قد يكون اقتباس الكاتب البريطاني أوسكار وايلد مالئماً جداً هنا‪ ،‬إذ قال «من‬ ‫أ‬ ‫النسان على سجيته» وسواء كنا نعترف‬ ‫أصعب الدوار في الحياة أن يكون إ‬ ‫نقدمها للعالم في الخارج ليست دائماً الصورة‬ ‫بذلك أم ال فإن الصورة التي ِّ‬ ‫الحقيقية لما نحن عليه فعالً‪.‬‬

‫كتب من العالم‬

‫معركة التوزيع‪ :‬لماذا أصبحت‬ ‫ً‬ ‫تفاوتا‬ ‫ألمانيا أكثر‬ ‫‪Verteilungskampf: Warum Deutschland‬‬ ‫‪Immer Ungleicher Wird by Marcel‬‬ ‫‪Fratzscher‬‬ ‫تأليف‪ :‬مارسيل فراتزر‬ ‫الناشر‪Carl Hanser Verlag GmbH & Co. :‬‬ ‫‪ - KG‬مارس ‪2016‬‬

‫يسلِّط هذا الكتاب الضوء على العوامل التي تؤدي إلى ارتفاع‬ ‫مستوى عدم المساواة الذي أخذ يحل في الدول الغنية‬ ‫في العقود أ‬ ‫الخيرة الماضية‪ ،‬ويركز الكاتب هنا على المثال‬ ‫أ‬ ‫اللماني‪ .‬ومن هذه العوامل العولمة المالية واالقتصادية‬ ‫بالضافة إلى الخيارات السياسية‬ ‫والتطور التكنولوجي‪ ،‬إ‬ ‫المختلفة‪.‬‬ ‫وبما أن متوسط أ‬ ‫الجور بقي ثابتاً لربع القرن الماضي في‬ ‫الجور المتدنية شهدوا تراجعاً في أ‬ ‫ألمانيا‪ ،‬فإن ذوي أ‬ ‫الجور‬ ‫بفعل تدني القيمة الشرائية الفعلية‪ .‬كما أن سياسات إعادة‬ ‫التوزيع أخذت تدفع بعدم المساواة إلى مستويات مماثلة‬ ‫لتلك الموجودة في أي مكان آخر في أوروبا‪ .‬أما الثروة‪ ،‬فهي‬ ‫متساو ألسباب‬ ‫أكثر تفاوتاً من الدخل‪ .‬وتتوزع بشكل غير‬ ‫ٍ‬ ‫عدة أبرزها االمتيازات التي تتمتع بها الشركات العائلية من‬ ‫اللمان أ‬ ‫قبل النظام الضريبي‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬أصبح أ‬ ‫الثرياء‬

‫أكثر ثرا ًء والفقراء أكثر فقراً من نظرائهم في بلدان أوروبية‬ ‫أخرى‪ .‬ومع نمو العائدات على رؤوس أ‬ ‫الموال بشكل أسرع‬ ‫من أ‬ ‫الجور‪ ،‬أصبح عدم التكافؤ في الثروة يفاقم عدم‬ ‫المساواة في الدخل أيضاً‪.‬‬ ‫ويضيف فراتزر إلى المشكالت التي تؤدي إلى عدم المساواة‬ ‫في ألمانيا‪ ،‬أن بالده ال تستثمر بما فيه الكفاية في مجال‬ ‫التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة‪ ،‬وهناك ضعف في‬ ‫االستثمار في رأس المال البشري وتُعد حصة العاملين‬ ‫أصحاب المهارات العالية متدنية‪ .‬كما أن ألمانيا هي واحدة‬ ‫من بين عدد قليل من البلدان أ‬ ‫الوروبية التي تشهد انخفاضاً‬ ‫في عدد الشبان الذين يكملون تعليمهم الجامعي‪ .‬وهذا ال‬ ‫يبعث على القلق في ألمانيا فقط‪ ،‬ولكن في العالم أيضاً‪.‬‬ ‫وقد تكون أكبر مهمة بالنسبة أ‬ ‫لللمان‪ ،‬حسب فاتزر‪ ،‬ليست‬ ‫إنقاذ أوروبا وإنما إنقاذ أنفسهم أيضاً‪.‬‬


‫‪21 | 20‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫قول في مقال‬

‫هل ماتت‬ ‫المسافة‬ ‫ً‬ ‫حقا؟‬ ‫كريم حداد‬

‫ثمة قول رائج مفاده أن‬ ‫المسافة تالشت‪.‬‬ ‫بال ي ز‬ ‫نجل�يّة بشكل خاص‬ ‫ويروج هذا القول إ‬ ‫أ‬ ‫اليقاع ش ئ‬ ‫النا� عن تكرار الحرف الول‪:‬‬ ‫بسبب إ‬ ‫«‪ .»distance is dead‬وكان التوجه إىل‬ ‫ئ‬ ‫النها� قد بدأ منذ عدة‬ ‫إصدار هذا الحكم‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫عقود‪ .‬فكانت مرحلته الوىل مع ازدياد رسعة‬ ‫والط�ان بالذات‪ ،‬ثم بداية‬ ‫وسائل النقل‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫الجوال‬ ‫عرص االتصاالت الول وانتشار الهاتف ّ‬ ‫ئ‬ ‫ن‬ ‫وبعده ش‬ ‫الفضا�‬ ‫التلفزيو�‬ ‫مبا�ة البث‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫وتقدم وسائل نقل أ‬ ‫الخبار وب ّثها‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫التحول‪ ،‬بدأ الحديث عن أن الكرة‬ ‫ومع هذا‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫برمتها إىل قرية واحدة‪.‬‬ ‫تتحول ّ‬ ‫رضية َّ‬ ‫ال ّ‬ ‫الذك‪ ،‬إىل د ّزينة‬ ‫وأما اليوم‪ ،‬فمن َّ‬ ‫الجوال ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تسمح أن‬ ‫وسائل التواصل‬ ‫االجتماعي ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫و� أي لحظة‪،‬‬ ‫تقول رأيك عىل المل ي� أي أمر ي‬ ‫وتتيح لك أن تخاطب مجاناً وبالصورة الحية‬ ‫من تشاء ف ي� أي مكان وساعة تشاء‪ ،‬تضاعفت‬ ‫ت‬ ‫ال� تع ِّزز هذه القفزة المفاجئة ف ي�‬ ‫العنارص ي‬ ‫ت‬ ‫وال� ضاعفت بطبيعة‬ ‫طبيعتها وحجمها‪ ،‬ي‬ ‫عدوتنا‬ ‫الحال عوامل اضمحالل المسافة‪ّ ،‬‬ ‫اللدود‪ ،‬إىل الحدود القصوى‪ ،‬وما زال حبل‬ ‫وسائل التواصل عىل الجرار‪ ،‬كما يقال‪.‬‬

‫طبعاً‪ ،‬عادة ما يُطرح القول بموت المسافة‬ ‫للداللة عىل موت المسافة الفاصلة ي ن‬ ‫ب�‬ ‫وبالتال‪ ،‬يستعان بها لدعم فكرة عدم‬ ‫أفراد‪.‬‬ ‫ي‬ ‫الحاجة إىل السفر من بلد إىل آخر لحضور‬ ‫اجتماع مثالً‪ ،‬أو لمناقشة ش‬ ‫م�وع أو قضية‬ ‫وجهاً لوجه‪« .‬وفروا تذاكركم‪ ،‬المسافة‬ ‫ماتت»‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ال�يد‬ ‫يمكن لي نقاش أن يدور بع� ب‬ ‫إ ت ن‬ ‫يكف‪،‬‬ ‫الجوال‪ .‬وإذا لم ِ‬ ‫و�‪ ،‬أو ّ‬ ‫اللك� ي‬ ‫فاجتماع عىل «سكايب» أو ما شابهه قد يفي‬ ‫بالغرض‪ .‬وطبعاً‪ ،‬هذا ما يحدث بالفعل‬ ‫بشكل عام‪ .‬ولكن‪ ،‬هل صحيح أن هذه‬ ‫ت‬ ‫ال� تفوق الخيال من وسائل االتصال‬ ‫الوفرة ي‬ ‫ن‬ ‫تغ� بالفعل عن اللقاء وجهاً‬ ‫والتواصل ي‬ ‫لوجه؟ وإىل أي مدى؟‬ ‫الجواب هو‪ :‬قطعاً‪ ،‬ال‪.‬‬ ‫ين‬ ‫شخص� عىل الجلوس وجهاً لوجه‬ ‫فقدرة‬ ‫وتبادل الرأي والمعلومات ومراجعتها‪ ،‬والنظر‬ ‫سويّاً ف ي� وثائق‪ ،‬أو االستماع سويّاً إىل وجهة‬ ‫نظر ثالثة‪ ..‬الئحة تبدأ وال تنتهي من الحاالت‬ ‫ت‬ ‫ال� يشكِّل فيها الحضور‬ ‫والحاجات الحقيقية ي‬ ‫الشخص فارقاً نوعياً شاسعاً‪ ،‬ال يمكن أن‬ ‫ي‬ ‫قربت‬ ‫تحل مح ّله أي وسيلة اتصال مهما ّ‬ ‫المسافة أو قتلتها‪.‬‬

‫ين‬ ‫إن المسافة ي ن‬ ‫شخص� بعيدين‪ ،‬ف ي� النهاية‪،‬‬ ‫ب�‬ ‫ال ش‬ ‫تتال�‪ .‬إن عمال ً يتم التعاون عىل إنجازه‬ ‫ف‬ ‫ب� ي ن‬ ‫ين‬ ‫زميل� ي� أي من المجاالت المختلفة‬ ‫مثل جمع وصياغة تقرير‪ ،‬أو إعداد تصميم‬ ‫لم�وع ي ّ ن‬ ‫ش‬ ‫مع�‪ ،‬أو وضع برنامج لمناسبة أو‬ ‫فعالية‪ ،‬يحتاج من الوقت بع� وسائل االتصال‬ ‫إىل أضعاف الزمن وأضعاف الطاقة العصبية‬ ‫للتفاهم وتبادل الرأي والوصول إىل النتيجة‬ ‫ين ت‬ ‫ال� كان يمكن الوصول‬ ‫المرضية‬ ‫ُ‬ ‫للطرف�‪ ،‬ي‬ ‫ش‬ ‫أك� من خالل اللقاء المبا�‪.‬‬ ‫إليها برسعة ب‬ ‫كث�ون‪ ،‬وشعر‬ ‫مر بها ي‬ ‫وكم من حالة أو تجربة ّ‬ ‫ين‬ ‫الطرف� بأنه ال مجال الستمرار‬ ‫فيها أحد‬ ‫التعاون عن بُعد‪ ،‬وال بد‪ ،‬كسباً للوقت‪ ،‬أن‬ ‫ين‬ ‫َّ‬ ‫الطرف� طائرة ويسافر إىل زميله‪.‬‬ ‫يستقل أحد‬ ‫ف‬ ‫قصت‬ ‫ال شك ي� أن المسافة هانت‪ ،‬أو ُ‬ ‫وطأتها‪ .‬وربما يستعاض ف ي� حاالت عن السفر‬ ‫إىل آ‬ ‫الخر بمكالمة هاتفية طويلة أو أي وسيلة‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫ئ‬ ‫النها� ش‬ ‫بتال� المسافة ال يزال‬ ‫لكن الحكم‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫مبكراً بال شك‪.‬‬ ‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫راكان المسعودي‬

‫َّ‬ ‫كيف استغلت‬ ‫النباتات البشر؟‬

‫علوم‬

‫نادرا ما ِّ‬ ‫ً‬ ‫نفكر في النباتات على أنها كائنات‬ ‫«م ِّ‬ ‫ُ‬ ‫خططة» ذات إرادة وفكر‪ .‬لكن التأمل في‬ ‫الحال التي وصلنا إليها عبر عشرات القرون‬ ‫من التعايش مع النباتات يكشف لنا أننا قد‬ ‫تم استغاللنا‪ ،‬واستغالل غرائزنا األساسية‬ ‫كالجوع والرغبة في االستقرار وتقدير الجمال‪،‬‬ ‫لصالح أنواع معيَّ نة من النباتات يبدو أنها قد‬ ‫لعبت على تلك األوتار لتضمن أننا سنوفر لها‬ ‫الحماية الكافية والقدرة على النمو واالنتشار‪.‬‬ ‫فهل تعمدت النباتات استغاللنا‪ ،‬نحن البشر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫جنبا إلى جنب مع الحيوانات والحشرات‪ ،‬كي‬ ‫ً‬ ‫بعيدا ويستمر‬ ‫تضمن أن تزهر حبوب لقاحها‬ ‫نوعها؟ وهل يكون ُّ‬ ‫تقدمنا الصناعي والزراعي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫المدهش في النهاية انتصـارا مجيّ را لصالح‬ ‫النباتات التي قررت أن تحتال علينا بصمت‬ ‫ودهاء؟‬


‫‪23 | 22‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫لطالما تباهى البشر بقدرتهم‬ ‫على ترويض أصناف الكائنات‬ ‫الحية بكل أنواعها‪ .‬فعلى مدار‬ ‫النسان‬ ‫عقود طويلة‪ ،‬كان إ‬ ‫متفاخراً بما توصل إليه من‬ ‫أساليب مبتكرة في عمليات االنتخاب الصناعي‪ ،‬إذ‬ ‫يرجع الفضل له ولعقله بجعل أ‬ ‫البقار تدر حليباً أكثر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫«روض» النباتات البرية بجعل طعمها أفضل‪،‬‬ ‫كما أنه ّ‬ ‫وأغنى بالفيتامينات والسكريات بتطوير تقنيات‬ ‫الزراعة والصناعة‪ .‬وهذه النظرة الفوقية ليست‬ ‫وليدة اللحظة‪ ،‬فعبر العصور كان الفالسفة وعلماء‬ ‫أ‬ ‫الحياء يشددون على مكانتنا المميزة كأسياد لهذا‬ ‫أ‬ ‫الكوكب‪ .‬ولعل أشهر هذه الفكار تلك التي تجسدها‬ ‫«السلسلة العظمى للكائنات» التي توارثتها الثقافات‬ ‫عبر أ‬ ‫الجيال‪ ،‬وتقول إن الموجودات أجناس مختلفة‬ ‫والنسان ‪ ...‬فمنها ما هو‬ ‫(المعادن والنبات والحيوان إ‬ ‫في أدنى المراتب‪ ،‬ومنها ما هو في أعالها)‪.‬‬ ‫لكن ماذا لو كانت هذه المكانة المميزة للإنسان‬ ‫محض خيال اصطنعناه؟ ماذا لو كانت النباتات‬ ‫روضتنا واستغلتنا ‪ -‬نحن البشر‪ -‬لصالح‬ ‫هي التي ّ‬ ‫مصالحها هي الشخصية في مخطط كوني كبير غرضه‬ ‫االنتصار وحفظ النوع؟‬

‫النباتات وقدرتها على التأقلم‬

‫المعمرة‪ ،‬تحضر في أذهاننا على‬ ‫عندما نذكر الكائنات‬ ‫ِّ‬ ‫تعمر حتى ‪ 300‬سنة‪.‬‬ ‫الفور السالحف العمالقة التي قد ّ‬ ‫تقدر بشيء مقارنة بأعمار‬ ‫لكن هذه المدة الزمنية ال َّ‬ ‫بعض النباتات‪ .‬إذ قد يصل عمر أقدم شجرة إلى أكثر‬ ‫من ‪ 5‬آالف سنة‪ .‬فالنباتات تُعد من أقدم الكائنات‬ ‫الحية التي عاشت على سطح هذا الكوكب‪ ،‬وسبقت‬ ‫وجود إالنسان بأكثر من ‪ 450‬مليون عام‪ .‬وعلى مدى‬ ‫هذه الفترة الطويلة كانت النباتات قادرة على التأقلم‬ ‫مع أشد البيئات تطرفاً‪ ،‬من أجدب الصحاري إلى أعماق‬ ‫المحيطات‪ .‬ناهيك عن العراك المستميت بين بعضها‬ ‫بعضاً وبين آكالت النباتات أ‬ ‫الخرى‪.‬‬

‫ت‬ ‫وتتدل بمجرد تعرضها للمس أو ت ز‬ ‫َّ‬ ‫ال� تنطوي أوراقها عىل نفسها‬ ‫االه�از‬ ‫ُّ‬ ‫ميموزا بوديكا (‪ ،)Mimosa Pudica‬ي‬

‫على مدى هذه الفترة الطويلة ابتكرت النباتات‬ ‫فبالضافة إلى كونها‬ ‫أساليب عدة للتكيف مع بيئاتها‪ .‬إ‬ ‫قادرة على استشعار مصدر الضوء ورطوبة التربة‬ ‫والبيئة المحيطة‪ ،‬أصبح بمقدور بعضها استشعار‬ ‫الحركة‪ ،‬كالنبتة الحساسة ميموزا بوديكا (التي تنطوي‬ ‫أوراقها على نفسها وتتدلَّى بمجرد تعرضـها للَّمس‬ ‫أو االهتزاز)‪ ،‬أو كنبتة خناق الذباب الشهيرة (التي‬ ‫تتحسس فريستها عن طريق عدة شعيرات موجودة‬ ‫َّ‬ ‫لتنقض عليها في أجزاء من الثانية)‪.‬‬ ‫على أوراقها‬ ‫َّ‬ ‫بل إن علماء النبات أخذوا يبحثون في قدرة بعض‬ ‫النباتات أ‬ ‫الخرى على التواصل مع بعضها بعضاً‪،‬‬ ‫عن طريق جذورها أو عن طريق نفث روائح وغازات‬ ‫خاصة بغرض تنبيه النباتات المجاورة على وجود‬ ‫اليثلين‬ ‫مفترس قريب‪ ،‬كشجرة السنط (التي تبث غاز إ‬ ‫أ‬ ‫فعلوا بدورهم‬ ‫لتنبه جاراتها من الشجار ُلي ّ‬ ‫في الجو ِّ‬ ‫آلياتهم الدفاعية ويقوموا بزيادة ُس ِّمية أوراقهم‪ ،‬مما‬ ‫أدى بدوره إلى التحكم بأعداد قطعان ظباء الكودو‬ ‫الوحشية في جنوب إفريقيا‪.‬‬ ‫الخيرة فقد بدأت أ‬ ‫الونة أ‬ ‫أما في آ‬ ‫البحاث تشير إلى‬ ‫أن النباتات قد تمتلك ما يشبه الجهاز العصبي‪ .‬إذ‬ ‫اك ُتشف أنها تنتج بروتينات شبيهة بتلك الموجودة‬

‫أ‬ ‫والنسان‪ ،‬وأنها‬ ‫في الجهزة العصبية للحيوانات إ‬ ‫تستجيب للعوامل الخارجية بنبضات كهربائية كما‬ ‫يحصل في الخاليا العصبية والعضلية الحيوانية‪.‬‬ ‫هذه النبضات الكهربائية تشكِّل لدى الحيوان ما‬ ‫يسمى بالسيال العصبي‪ ،‬وهو الذي يلعب دوراً مهماً‬ ‫في نقل المعلومات بين أ‬ ‫النسجة الحيوية المختلفة‬ ‫داخل الجسم‪ .‬لكن هل تكفي هذه االكتشافات‬ ‫للجزم بوجود جهاز عصبي معقد‪ ،‬وبالتالي ذكاء‬ ‫ووعي لدى النباتات؟‬ ‫ليس بالضرورة‪ ،‬فما زالت أ‬ ‫البحاث جديدة في‬ ‫هذا المجال‪ .‬لكن بغض النظر عن وجود الجهاز‬ ‫العصبي من عدمه‪ ،‬تتميز النباتات بقدرتها المتفوقة‬ ‫على استيعاب المعلومات من العالم المحيط‬ ‫بها‪ ،‬واسترجاعها واالستجابة لها بالطرق التي تراها‬ ‫مناسبة‪ .‬وهذا وحده كان كفيال ً بأن يجعلها قادرة على‬ ‫تطويع كل من الحيوانات والبشر لخدمة مصالحها‬ ‫الخاصة‪ ،‬في عملية بطيئة لكن فاعلة امتدت عبر‬ ‫عشرات ومئات القرون!‬

‫استغالل النبات للحيوان‬

‫إن العالقة بين الحيوان والنبات معقدة للغاية‪ .‬أشهر‬


‫كانوا دائمي التنقل من بقعة إلى أخرى بحثاً عن‬ ‫المأكل والمسكن‪ .‬كان الصيد وجمع الثمار هما‬ ‫االستراتيجيتان الوحيدتان للإنسان القديم من أجل‬ ‫تأمين مصدر طعامه أ‬ ‫الساسي‪ .‬كانت هاتان الوسيلتان‬ ‫تقدر بعشرات‬ ‫نافعتين لفترة طويلة من الزمن‪َّ ،‬‬ ‫آ‬ ‫النسان القديم في‬ ‫الالف من السنين‪ ،‬حيث نجح إ‬ ‫تطوير أساليب جديدة لالقتناص والصيد مما ساعد‬ ‫على تنويع فرائسه وبالتالي ازدياد فرص بقائه‪.‬‬

‫الشه�ة‬ ‫نبتة خناق الذباب‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫تتحسس‬ ‫َّ‬ ‫(‪ )Dionaea‬ي‬ ‫شع�ات‬ ‫فريستها عن طريق عدة ي‬ ‫لتنقض‬ ‫موجودة عىل أوراقها‬ ‫َّ‬ ‫عليها ف ي� أجزاء من الثانية‬

‫بعدها تقوم الغدد الرحيقية بعملية فسيولوجية‬ ‫معقَّدة إلنتاج وجبة دسمة من النشويات والبروتينات‬ ‫والحماض أ‬ ‫والنزيمات أ‬ ‫أ‬ ‫المينية تسمى الرحيق‪ .‬هذه‬ ‫الوجبة الدسمة هي المكافأة التي تعطيها النبتة‬ ‫للحيوان الستجابته لتلميحاتها وتعزيزاً لسلوكه‪ .‬وفي‬ ‫الوقت نفسه‪ ،‬تكون النبتة قد ج َّهزت حبوب الطلع‬ ‫مسبقاً لتكون كبيرة ولزجة ولتلتصق بسهولة بجسده‪.‬‬ ‫ينتهي الحيوان فرحاً بوجبته‪ ،‬وينتقل بكل أنفة إلى‬ ‫زهرة أخرى بحثاً عن المزيد‪ ،‬لكن ما ال يعلمه هو أنه‬ ‫كان الحلقة أ‬ ‫الضعف وأنه الطرف الوحيد الذي كان‬ ‫ُمستغ َفالً‪.‬‬ ‫هذه العالقات هي العالقة التكافلية المتمثلة في‬ ‫عملية التلقيح الشهيرة بين زهور النباتات المختلفة‪.‬‬ ‫واحد كانت‬ ‫هذه العملية البسيطة والمبتكرة في ٍآن ٍ‬ ‫أحد العوامل المهمة في انتشار النباتات واتساع بقاع‬ ‫وجودها جغرافياً‪.‬‬ ‫قد تبدو لنا عملية كعملية التلقيح هذه عفوية بعض‬ ‫الشيء‪ ،‬حيث يقوم حيوان ما يتغذى على رحيق‬ ‫زهرة (عن غير قصد) بنقل حبوب لقاحها إلى زهرة‬ ‫أخرى‪ .‬لكنها عملية بالغة التعقيد وتنم عن ذكاء‬ ‫وبصيرة ثاقبة من ِقبل النبات‪.‬‬ ‫لنأخذ هذه العالقة من وجهة نظر النبتة قليالً‪ .‬يحتاج‬ ‫النبات إلى التلقيح بين كل فينة أ‬ ‫والخرى من أجل تنويع‬ ‫جيناته‪ ،‬وبعد ماليين السنين من المحاولة والخطأ‪،‬‬ ‫توصلت النباتات إلى طريقة مبتكرة لتلقيح نفسها عن‬ ‫طريق االستفادة من الحيوانات التي تشاطرها بيئتها‪.‬‬ ‫فكأن النباتات تستغل قدرة الحيوان والطير على التنقل‬ ‫لتعوض عن ثباتها هي داخل التربة‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫في البداية‪ ،‬يقوم النبات بتلوين بتالت أزهاره بألوان‬ ‫جذَّ ابة ونفث روائح قوية لتكون زهوره ظاهرة للعيان‬ ‫من مسافات بعيدة‪ .‬يكون هذا بمنزلة الشرك الذي‬ ‫تنصبه النبتة الستثارة الحيوانات الفضولة واجتذابها‪.‬‬

‫تعتقد النحلة أنها هي المسيطرة وأن لها حرية‬ ‫أ‬ ‫االختيار في غذائها‪ .‬فبين كل مصادر الغذاء الخرى‬ ‫المختلفة هي التي فضلت زهرة شجرة الليمون هذه‬ ‫أو زهرة البطاطا تلك دون غيرها‪ .‬لكننا نعلم أنها لم‬ ‫سيرة من قبل‬ ‫تكن كذلك‪ ،‬وأنها بطريقة ما كانت ُم ّ‬ ‫الزهرة نفسها لغرض التلقيح فحسب‪ .‬فمن منظور‬ ‫آخر‪ ،‬النبتة هي التي تُطعم النحلة مقابل نقلها‬ ‫للطلع‪.‬‬ ‫ليس النحل فحسب‪ ،‬فالنباتات نجحت في تطويع‬ ‫أنواع كثيرة من الحشرات والزواحف والطيور‬ ‫والثديات‪ .‬بل إن كثيراً منها أصبح يعتمد بشكل تام‬ ‫على هذا السلوك من أجل بقائه‪ .‬وهذا السلوك‬ ‫تحركه ردات فعله‬ ‫مستغرب من كائن «غير عاقل» ِّ‬ ‫الطبيعية‪ .‬إذ كيف بمقدور كائن حي كالنبات أن‬ ‫يستثمر قدراً كبيراً من الموارد والوقت وأن يتحمل‬ ‫مستويات عالية من الخطورة من أجل أن يقوم‬ ‫بتليين طباع كائن يظهر لنا بأنه أذكى منه؟ وإن كان‬ ‫هذا صحيحاً‪ ،‬فما الذي يجعلنا نحن معصومين عن‬ ‫المستغفَلين كذلك؟‬ ‫هذه التأثيرات؟ ماذا لو كنا نحن ُ‬

‫النسان‪ :‬من الهجرة إلى االستقرار‬ ‫إ‬

‫النسان القديم حياة مختلفة جداً عن التي‬ ‫عاش إ‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫نعيشها اليوم‪ .‬فوفقا لعلماء النثروبولوجيا والثار‪،‬‬ ‫لم يعرف أسالفنا لفترة طويلة حياة االستقرار‪ ،‬بل‬

‫لكن حياة االصطياد كانت مرهقة ومضنية ألسالفنا‬ ‫البشر القدماء‪ .‬فتغير الطقس المستمر وعدم‬ ‫االستقرار الجغرافي كانا عاملين مهمين أعاقا‬ ‫الصيادين وجامعي الثمار عن تأدية مهامهم‪ .‬وحتى‬ ‫لو كانت الفرصة سانحة وكل العوامل مواتية‪،‬‬ ‫قد يعود الصيادون إلى قبائلهم في نهاية اليوم‬ ‫الحيان ‪ -‬خاويي أ‬ ‫ وفي أغلب أ‬‫اليدي‪ .‬هذا التقلب‬ ‫المستمر في توفر الغذاء كان مشكلة كبيرة تعاني‬ ‫منها المجتمعات البشرية القديمة‪ ،‬وكانت الهاجس‬ ‫الشاغل لكل قبيلة وعائلة‪.‬‬ ‫لكن في وقت ما‪ ،‬قبل ‪ 12‬ألف سنة تقريباً‪ ،‬حصل ما‬ ‫التحول من‬ ‫النسان كلياً‪ .‬إذ كانت تلك نقطة‬ ‫غير حياة إ‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫النسان الحديث الذي‬ ‫النسان القديم البدائي إلى إ‬ ‫إ‬ ‫نعرفه اليوم‪ .‬فكانت الثورة الزراعية‪ ،‬حيث االنتقال‬ ‫من صيد الحيوانات أ‬ ‫والسماك وجمع الثمار والنباتات‬ ‫إلی الزراعة‪ .‬أ‬ ‫ولن إنتاج المحاصيل الزراعية وتربية‬ ‫الماشية في حاجة دائمة لالهتمام والمتابعة‪ ،‬انتقل‬ ‫النسان القديم من العيش في الكهوف والغابات إلى‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ضفاف النهار والودية‪ ،‬حيث تتوفر المياه وتتسع‬ ‫رقعة أ‬ ‫الرض الزراعية‪.‬‬ ‫لكن أ‬ ‫الهم من ذلك كان نجاح الثورة الزراعية في‬ ‫تغيير المجتمع بشكل سريع وملحوظ‪ ،‬الذي كان‬ ‫له أ‬ ‫الثر الكبير على تطور الحضارة البشرية‪ .‬إذ إن‬ ‫الزراعة كانت تتطلب قدرات عقلية خاصة ومختلفة عن‬ ‫تلك التي كانت تستخدم في الماضي‪ ،‬فتوجب على‬ ‫أسالفنا القدماء أن يكونوا قادرين على رسم خرائط‬ ‫ذهنية لمواقع النباتات المختلفة وتذكر أوقات نضجها‬ ‫بالضافة إلى تعلم‬ ‫والعالمات الدالة على ذلك‪ ،‬إ‬ ‫الفصول أ‬ ‫الربعة ومالحظة انتظامها وتكرارها‪ .‬وبهذا‬ ‫تكون الثورة الزراعية قد أشبعت كافة حاجات إالنسان‬ ‫البدائي أ‬ ‫الساسية‪ ،‬وغيرت عالقته مع الطبيعة‪ ،‬من‬ ‫عالقة شبه طفيلية إلى عالقة قائمة على التحكم بها‬ ‫والسيطرة على قوانينها‪ .‬أو هكذا كنا نعتقد‪.‬‬

‫كيف استغ َّلتنا النباتات؟‬

‫ال نعرف حتى آ‬ ‫الن السبب الرئيس الذي جعل‬ ‫النسان البدائي يفكر بزراعة أول نبتة له‪ .‬لكن من‬ ‫إ‬ ‫المؤكد أن المجتمعات البشرية القديمة الحظت أن‬ ‫المعين لبعض أنواع النباتات أثار لديها‬ ‫االستهالك‬ ‫َّ‬


‫‪25 | 24‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫بعض االستجابات الجسدية أو السلوكية‪ .‬ربما لم‬ ‫يكونوا قادرين على فهم مستوى العالقة السببية كما‬ ‫نعرفها اليوم‪ ،‬لكنهم حتماً الحظوا أن هنالك عالقة‬ ‫بين ما كانوا يأكلونه وبين ما شعروا به‪ .‬وربما كان‬ ‫هذا السبب كفيال ً بوقوعهم في الشرك الذي نصبته‬ ‫النباتات لهم‪.‬‬

‫صممت بويضاتها الملقحة‪ ،‬بحيث يصعب على‬ ‫الحيوان هضمها وبالتالي إخراجها مع باقي فضالته‬ ‫في مكان آخر من الغابة‪ .‬بهذه الطريقة تتأكد النبتة‬ ‫من أن ضحيتها تلك ستحرص في المستقبل على أن‬ ‫تعود إلى الشجرة نفسها مرة أخرى لكي تقوم بالتهام‬ ‫ثمارها ونشر بذورها‪.‬‬

‫فنحن نظن أننا نختار بكل حرية البرتقال لطعمه‬ ‫الفريد وفوائده الغذائية‪ ،‬أو القمح لما له من‬ ‫خصائص واستعماالت‪ ،‬تماماً كما تختار النحلة بين‬ ‫أزهارها المختلفة‪ .‬لكن ماذا لو كانت النباتات هي‬ ‫التي تقوم باستدراجنا ثم استعبادنا‪ ،‬حيث يجذبوننا‬ ‫بمركَّباتهم الكيميائية ذات الروائح العطرة والمذاق‬ ‫اللذيذ والفوائد الغذائية‪ ،‬وينفروننا بمركبات كيميائية‬ ‫أخرى ذات سمية عالية وروائح نتنة؟‬

‫فعن طريق استهدافها الجهاز الهضمي‪ ،‬تكون النبتة‬ ‫قد استفادت من أقوى الغرائز في الكائنات الحية‬ ‫وهي الجوع‪ ،‬وجعلتها وسيلة لتطويع تلك الكائنات‪.‬‬ ‫نستطيع أن نرى هذا التأثير على حياتنا اليوم كبشر‪،‬‬ ‫فنحن ننتج أكثر من ‪ 600‬مليون طن من الفواكه‬ ‫سنوياً‪ ،‬كما أن العاملين في قطاع الزراعة في ‪2014‬م‬ ‫قد تخطى عددهم المليار نسمة‪ .‬بل أصبحت حياتنا‬ ‫تعتمد بشكل كبير على إنتاج هذه المحاصيل الزراعية‬ ‫وغيرها‪ ،‬كما أن دوال ً كبيرة تعتمد في اقتصادها على‬ ‫إنتاج نوع أو نوعين منها فقط‪.‬‬

‫النباتات بطبيعتها ‪ -‬وكغيرها من الكائنات الحية ‪-‬‬ ‫تسعى للوصول إلى هدف واحد وهو التكاثر والحفاظ‬ ‫على جيناتها‪ ،‬وال يكون هذا إال عن طريق انتشارها‬ ‫عبر مساحات شاسعة‪ .‬لكنه أمر مستحيل بالنسبة‬ ‫لنبتة ال تقدر على الحراك‪ .‬لذلك ابتكرت بعض‬ ‫النباتات صفات تجعل من هذه العملية أمراً مضموناً‬ ‫وفي غاية السهولة‪.‬‬ ‫الفكرة هي أن تجعل النباتات وسيلة انتشارها‬ ‫محبوبة ومرغوبة بحيث ال يمكن للحيوان المستهدف‬ ‫مقاومتها‪ ،‬كأن تقوم النبتة باستهداف الجهاز‬ ‫معين‪ ،‬وبالتالي إغراء‬ ‫الهضمي الخاص بحيوان َّ‬ ‫حواسه المتعلِّقة بها‪ .‬فتقوم باستثارة حاسة النظر‬ ‫بألوان الفتة‪ ،‬وحاسة الشم بروائح عطرة وشهية‪،‬‬ ‫وحاسة الذوق بطعم ُحلو وطيب‪ .‬كما تقوم بتغليف‬ ‫بويضاتها الملقحة والجاهزة لالستنبات (البذور)‬ ‫بأنسجة وبمركبات كيميائية معينة تعطي إحساساً‬ ‫جميال ً للحيوان المستهدف عند تناولها‪ ،‬وتمده بمواد‬ ‫غذائية مفيدة‪ .‬وفي الوقت نفسه تكون النبتة قد‬

‫إن هذا االستثمار واالستهالك المادي والبشري‬ ‫ألصناف المحاصيل الزراعية المختلفة قد يخدمنا‬ ‫نحن كبشر إذ يمدنا بالغذاء والطاقة‪ ،‬لكنه يخدم‬ ‫أيضاً النباتات‪ .‬بل نستطيع القول في هذه الحالة‪،‬‬ ‫إن النباتات استطاعت في غضون ‪ 12‬ألف سنة فقط‬ ‫تطويع البشر في تنافسهم أ‬ ‫الزلي للسيطرة على‬ ‫العالم‪ .‬فنحن الذين نلقحها‪ ،‬نزرعها‪ ،‬نعتني بها‪،‬‬ ‫ندافع عنها ضد الكائنات الطفيلية والفيروسات‪ ،‬نشن‬ ‫حروب سيطرتها على الحقول والمساحات الزراعية‬ ‫عنها‪ ،‬ونوفر لها كل أساليب الراحة والغذاء‪.‬‬ ‫قد يكون الجوع غريزة قوية لتطويع بني البشر‪ ،‬لكنه‬ ‫واحد من عشرات االستراتيجيات التي تستخدمها‬ ‫النباتات لترويضنا‪ .‬ونذكر هنا إدماننا العابر للقارات‬ ‫الب ّن‪.‬‬ ‫على الكافيين الذي ِّ‬ ‫تقدمه نبتات الشاي وثمار ُ‬ ‫التي تدين بشكل مباشر لنا نحن البشر في انتشارها‬ ‫الدمان‪،‬‬ ‫العالمي‪ .‬وعلى الطرف النقيض من خط إ‬

‫النسان‬ ‫استطاعت عشبة مثل «الماريوانا» أن تخدع إ‬ ‫بما يمكننا أن نسميه «تجميل السموم»‪ ،‬لتجعله‬ ‫وسيلة انتشارها‪ ،‬لكن ذلك كان له ثمنه الفادح من‬ ‫المال أ‬ ‫والرواح‪ .‬بل إن حروباً دولية ُشنت لكبح انتشار‬ ‫هذه العشبة‪ .‬وأكثرها شهرة هي حرب المكسيك ضد‬ ‫المخدرات القائمة منذ ‪ 10‬سنوات والتي راح ضحيتها‬ ‫أكثر من ‪ 100‬ألف إنسان‪ .‬إن نظرة واحدة على أعداد‬ ‫ضحايا هذه الحروب‪ ،‬يعطينا تصوراً واضحاً لمقدار‬ ‫أ‬ ‫الثر الذي يمكن أن تحدثه سيطرة النباتات علينا نحن‬ ‫بني البشر‪.‬‬ ‫لكن أ‬ ‫الكثر غرابة هو تمكن النباتات من االستفادة من‬ ‫أكثر الدوافع التي تميزنا كبشر‪ ،‬كالجوانب العاطفية‬ ‫والحسية‪ .‬فإعجابنا بالجمال أ‬ ‫واللوان الخالبة ال َن ِضرة‬ ‫والتناظر الهندسي في الورد أ‬ ‫والزهار جعلنا ال نستطيع‬ ‫لنقدمها‬ ‫منها فكاكاً‪ .‬فأضحت تتالعب بمشاعرنا‪ ،‬فنبتاعها ِّ‬ ‫في أكثر مناسباتنا ودية وأهمية‪ .‬بل أصبحت في كثير‬ ‫من الثقافات عبر العصور رمزاً للتفاعالت إالنسانية‬ ‫والمناسبات االجتماعية‪ .‬ولعلنا نذكر أن أول كارثة لسوق‬ ‫أ‬ ‫السهم في التاريخ (أول فقاعة بورصة) قد وقعت في‬ ‫هولندا عام ‪1637‬م حين أدت المضاربة المسعورة‬ ‫على بصيالت زهر الزنبق إلى صعود رهيب تبعه انهيار‬ ‫مباغت في أ‬ ‫السعار‪ ،‬أدى إلى إفالس ‪ -‬وانتحار ‪ -‬كثيرين‬ ‫حول أوروبا!‬

‫َم ْن المسيطر إذاً؟‬

‫عندما نقول إن النباتات تستخدم هذه االستراتيجية‬ ‫أو تلك‪ ،‬أو إنها نجحت في تطويعنا‪ ،‬فإننا نعني ذلك‬ ‫مجازاً‪ .‬إذ بالتأكيد ال يوجد دليل قطعي وحقيقي‬ ‫الصرار لدى النبات‪ .‬لكنها تظل‬ ‫لوجود وعي مع سبق إ‬ ‫طريقة فلسفية لرؤية الحياة من وجهة نظر مختلفة‪،‬‬ ‫من منظور النبتة الساكنة المفعول بها‪ .‬نحن نظن‬ ‫أننا المسيطرون عليها وعلى غيرها من أشكال الحياة‬ ‫الفطرية‪ .‬إننا سالطين هذا الكوكب‪ ،‬لكنها مجرد نظرة‬ ‫قاصرة من قبلنا‪ .‬فالنبات والبشر قد وصال إلى مرحلة‬ ‫متقدمة من التطور المشترك جعلتهما كائنين لصيقين‬ ‫ال يستغني أحدهما عن آ‬ ‫الخر‪ .‬فلوال البشر النقرضت‬ ‫أنواع كثيرة من النباتات‪ ،‬ولوال النباتات هي أ‬ ‫الخرى‬ ‫النقرض الجنس البشري كله في سنوات معدودة‪.‬‬

‫الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ‪ /‬أحمد الخياري‬

‫عندما نرى الحياة من منظور النباتات‪ ،‬فنحن نتعلَّم‬ ‫النسان ليس إال جزءاً‬ ‫درساً ِّقيماً في التواضع‪ .‬إن إ‬ ‫صغيراً من منظومة كبيرة ومتشعبة‪ ،‬وإن تغييراتنا‬ ‫والنواع أ‬ ‫على البيئة أ‬ ‫الخرى ‪ -‬مهما بدت لنا صغيرة‬ ‫أ‬ ‫وهامشية ‪ -‬قد يكون لها الثر الكبير علينا كجنس‬ ‫يريد أن يبقى مسيطراً‪.‬‬ ‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫كيف تعمل‪...‬‬

‫آلة إعداد‬ ‫القهوة‬ ‫ُمرشّ ح‬

‫ظهرت آلة إعداد القهوة المنزلية ألول مرة تحت‬ ‫اسم مستر كوفي (‪ )Mr. Coffee‬عام ‪1972‬م‪،‬‬ ‫بفضل المبتكر أ‬ ‫المريكي صاموئيل غليزر وزميله فنسنت ماروتا‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬

‫ تعمل آلة القهوة المنزلية الشائعة بالتقطير‪ .‬ويتم ذلك‬ ‫بطبيعة الحال عبر وصلها بمصدر طاقة كهربائية ومن ثم‬ ‫تشغيلها إما آنياً أو بواسطة عداد تضبطه ليوافق وقت‬ ‫كوبك الصباحي‪.‬‬

‫خزان ال ُبن‬

‫غطاء‬

‫ تسخن هذه آ‬ ‫اللة المياه الموجودة في مستودع خاص‬ ‫ّ‬ ‫إلى ما دون درجة الغليان (حوالي ‪ 92‬درجة مئوية) وآلية‬ ‫التسخين بسيطة تعتمد على ملف حراري شبيه بذلك‬ ‫الموجود في المصباح الكهربائي‪.‬‬

‫خزان المياه‬

‫ يتم ضخ الماء الساخن بواسطة أنبوب نحو قطارة ذات‬ ‫ثقوب شبيهة بحنفية االستحمام تؤدي إلى مخزن البن‬ ‫المطحون‪ ،‬بحيث يتم توزيع المياه الساخنة بالتساوي‬ ‫على البن‪ .‬وغالباً ما يزود مخزن البن بورق ترشيح للحفاظ‬ ‫على نقاوة القهوة‪.‬‬

‫مؤشر مستوى‬ ‫المياه‬ ‫مصباح للداللة‬ ‫على التشغيل‬

‫إناء‬

‫ سائل القهوة الناتج عن المزيج يُسكب في وعاء موضوع‬ ‫على سطح تسخين يبقيها ساخنة لحين حاجتنا لجرعة‬ ‫الكافيين التالية‪.‬‬

‫زر تشغيل‬ ‫سطح تسخين‬


‫‪27 | 26‬‬

‫علوم‬

‫ً‬ ‫ضربا من‬ ‫لوهلة‪ ،‬قد يبدو العنوان أدناه‬ ‫ضروب الخيال العلمي‪ .‬ولكن تطور اآلالت‬ ‫الذكية والبرامج الحاسوبية التي باتت «قادرة‬ ‫على التصرف»‪ ،‬وليست السيارات الذكية‬ ‫من دون سائق إال بعضها‪ ،‬بات يحتم تحديد‬ ‫المسؤوليات في حال أساءت هذه اآلالت‬ ‫التصرف‪ .‬فظهرت طالئع البحث القانوني‬ ‫في ما لهذه الروبوتات من حقوق وما عليها‬ ‫من مسؤوليات‪ ،‬لمواجهة ما قد تتسبب‬ ‫به من قضايا خالفية حول أدائها‬ ‫ومسؤولياتها‪.‬‬

‫فهد الحازمي‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫عن حقوق‬ ‫نتحدث‬ ‫الروبوت‬ ‫َّ‬


‫في أواخر يونيو ‪2016‬م‪ ،‬أشار عدد من‬ ‫الخبارية الكبرى إلى مسودة قانونية‬ ‫المواقع إ‬ ‫صادرة عن لجنة الشؤون القانونية باالتحاد‬ ‫أ‬ ‫الوروبي‪ ،‬تتضمن اقتراحاً بأن تكون للإنسان‬ ‫آ‬ ‫العمال! وتؤكد‬ ‫اللي (الروبوت) حقوق كحقوق ّ‬ ‫هذه المسودة مراراً على أن الروبوتات هي «شخوص إلكترونية»‬ ‫الهلية القانونية للمتاجرة أ‬ ‫يجب أن تكون لديها أ‬ ‫بالموال‪ ،‬واستحقاق‬ ‫التعويضات حين يلحق بها أي نوع من الضرر‪ .‬وعلى الجانب آ‬ ‫الخر‬ ‫من أ‬ ‫الطلسي‪ ،‬وفي ‪2014‬م‪ ،‬أعلن مكتب البحوث البحرية التابع‬ ‫لدارة البحرية أ‬ ‫المريكية عن منحة بقدر ‪ 7.5‬مليون دوالر ستصرف‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫على مدى خمسة أعوام للباحثين من مختلف الجامعات المريكية‬ ‫الخالقي والتفكير في مآالت آ‬ ‫من أجل بحث بناء الحس أ‬ ‫الالت‬ ‫أ‬ ‫والروبوتات الذكية‪ .‬هكذا نجد أن الحديث عن «الخالقية الروبوتية»‬ ‫تحول إلى مشروع‬ ‫لم يعد من نسج أفالم الخيال والروايات بل َّ‬ ‫المشرع الحكومي‪.‬‬ ‫حقيقي تحت مظلة‬ ‫ّ‬ ‫نتحدث عنه ليس بالضرورة «رجال ً آلياً» يمشي على‬ ‫الروبوت الذي َّ‬ ‫رجلين ويتحدث إليك بصوت معدني‪ .‬فمظاهر الذكاء الصناعي‬ ‫باتت من حولنا دون أن تكون مرئية بالضرورة‪ ،‬إنها في الذراع‬ ‫الروبوتي الذي يركِّب سيارتك في المصنع‪ ،‬وفي التطبيق الذكي الذي‬ ‫يتابع ترتيبات سفرك بهاتفك الجوال‪ .‬وإذا ضم ّنا كل التطبيقات‬ ‫الطبية والعسكرية والتعليمية المبنية على تقنيات الحوسبة‬

‫المجال األهم واألكثر‬ ‫إثارة يبحث في كيفية بناء‬ ‫آالت ذكية تتمتع بقدر‬ ‫من األخالق أو القيم‬ ‫األخالقية‪...‬‬

‫السحابية و«البيانات الكبرى» التي تعززها‪ ،‬فسنجد أننا مغمورون‬ ‫بالذكاء آ‬ ‫اللي في كثير من تفاصيل حياتنا‪.‬‬

‫ما هي تبعات هذا الذكاء؟ قانونياً وأخالقياً؟‬

‫مثل هذه أ‬ ‫السئلة الكبرى تواجهها اليوم الشركات والجهات الكبرى‬ ‫التي تصنع هذه التقنيات الروبوتية‪ .‬إذ يستثمر الجيش أ‬ ‫المريكي‬ ‫ّ‬ ‫آ‬ ‫المليارات من الدوالرات في الالت المتقدمة والروبوتات الحربية‬ ‫تغير مسار الحرب تماماً في المستقبل‪ .‬وعلى الرغم من أن‬ ‫التي قد ِّ‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫قوانين الجيش المريكي الن تمنع استخدام الروبوتات المستقلة‬ ‫القاتلة‪ ،‬أو الروبوتات شبه المستقلة القادرة على القتال إال بتحكم‬ ‫بشري مسبق‪ ،‬إال أن تسارع البحوث في علوم الروبوتات يجعل من‬ ‫رفع هذا المنع مسألة وقت فحسب‪ ،‬ليصبح الروبوت المستقل قادراً‬ ‫على اتخاذ القرارات بنفسه‪ .‬أما في عالم أ‬ ‫العمال‪ ،‬فليس خفياً الجهد‬ ‫المضني الذي تبذله كبريات الشركات التقنية مثل « ِتسال» و«غوغل»‬ ‫تسير نفسها بنفسها‬ ‫و«أوبر» لبناء سيارات ذاتية القيادة‪ ،‬تلك التي ّ‬ ‫دون الحاجة إلى سائق بشري‪ .‬وبناء مثل هذه السيارات ال بد‬ ‫وأن يتضمن التحسب لمواقف تكون فيها السيارة المستقلة أمام‬ ‫خيارات صعبة مثل االختيار بين التسبب في وفاة عدد من المشاة‬ ‫أو االنحراف عن الطريق إللحاق الضرر بالسيارة وبراكبها‪ .‬أضف إلى‬ ‫هذه الشواهد الواقعية تقديرات بأن تكون السيارات آ‬ ‫اللية المستقلة‬ ‫أ‬ ‫تقدر‬ ‫ذاتية القيادة في السواق خالل السنوات العشر المقبلة‪ ،‬فيما ّ‬ ‫بعض شركات بناء الروبوتات في ألمانيا أن تكون الروبوتات آ‬ ‫اللية‬ ‫المستقلة القادرة على العمل في أ‬ ‫السواق بحلول ‪2050‬م‪.‬‬

‫ضبط السلوك أ‬ ‫الخالقي للروبوت‬

‫تشعب الحديث عن أخالقيات آ‬ ‫اللة وأخالقيات الروبوتات جعل من‬ ‫هذا المجال موضوعاً للبحث العلمي والفلسفي‪ .‬فهناك مستوى‬ ‫الالت الذكية‪ .‬أما المجال أ‬ ‫يبحث في أخالقيات بناء وتصميم آ‬ ‫الهم‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫والكثر إثارة فيبحث في كيفية بناء آالت ذكية تتمتع بقدر من الخالق‬ ‫أو القيم أ‬ ‫الخالقية‪ ،‬وبالتالي قادرة على التصرف على أساس أخالقي‪.‬‬ ‫هذا السؤال يشكِّل تحدياً كبيراً في عالم أبحاث الروبوتات والذكاء‬ ‫الصناعي وعلى مستويين‪ :‬مستوى المبدأ ومستوى التطبيق‪ .‬فكيف‬ ‫لللة على مستوى التطبيق أن تتعلم أ‬ ‫يمكن آ‬ ‫الخالق كمبادئ؟ قد‬ ‫يكون الجواب السهل أن عليها أن تتعلم من البيئة والتفاعل مع‬ ‫المحيط‪ .‬لكن هذا قد يقود إلى نتائج كارثية‪ .‬فعلى سبيل المثال‪،‬‬ ‫أجريت دراسة في معهد البحوث المتقدمة في سويسرا عام ‪2009‬م‬ ‫حيث بُرمجت مجموعة من الروبوتات على التعاون في مهمة البحث‬


‫‪29 | 28‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫«تاي» هو برنامج ذكاء صناعي يقوم‬ ‫ِّ‬ ‫المغردين‪ .‬وفي‬ ‫بالكتابة والرد على‬ ‫خالل ساعات قليلة من تفاعله‬ ‫مع المستخدمين والتعلم منهم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وقحا وسارعت‬ ‫عنصريا‬ ‫أصبح‬ ‫«مايكروسوفت» إلى حذف‬ ‫التغريدات‪ ،‬وإيقاف نشاط الحساب‬ ‫عن مصادر غذائية معينة‪ ،‬لكن ما حصل مع مرور الوقت هو أن‬ ‫الروبوتات بدأت تتعلَّم الكذب والتدليس حتى تزيد من انتفاعها‬ ‫بالمصادر بمفردها‪ .‬في مارس ‪2016‬م‪ ،‬أطلقت «مايكروسوفت»‬ ‫حساب «‪ »Tay‬في تويتر‪ ،‬وهو عبارة عن برنامج ذكاء صناعي يقوم‬ ‫المغردين‪ .‬وفي خالل ساعات قليلة من تفاعل تاي‬ ‫بالكتابة والرد على‬ ‫ِّ‬ ‫مع المستخدمين والتعلم منهم‪ ،‬أصبح عنصرياً وقحاً‪ ،‬وسارعت‬ ‫«مايكروسوفت» إلى حذف التغريدات‪ ،‬وإيقاف نشاط الحساب الذي‬ ‫لم يعش إال يوماً واحداً فقط!‬ ‫أما وسائل التطبيق أ‬ ‫الخرى‪ ،‬فتتضمن غرس هذه المبادئ برمجياً في‬ ‫آ‬ ‫الشفرة المصدرية للروبوت اللي‪ .‬ولكن هذا سيجرنا إلى مستوى‬ ‫المبدأ‪ ،‬وهو أي أخالق يجب أن نعلّمها آ‬ ‫لللة؟ وعلى الرغم من أن‬ ‫أ‬ ‫برمجة أ‬ ‫الخالق تعتمد بشكل أساسي على تحليل عواقب الفعال‬ ‫وتقييمها‪ ،‬إال أن السؤال الملح يبقى‪ ،‬من يحدد المعايير أ‬ ‫الخالقية‬ ‫التي تتمتع بها آ‬ ‫اللة؟‬ ‫«حقوق آ‬ ‫الالت» أو «حقوق الروبوتات» قد يكون مصطلحاً مبكراً‪،‬‬ ‫وما زال أمامنا كثير لنصل إليه‪ .‬لكن الحديث في أ‬ ‫الروقة القانونية‬ ‫عن عمل آ‬ ‫الالت ذاتية القيادة هو من صلب الحاضر‪ .‬فالسيارة ذاتية‬ ‫القيادة تواجه سيال ً هائال ً من البيانات عبر الحساسات المختلفة‪،‬‬ ‫لتزودها بمختلف المعلومات‪ .‬ومن خالل هذه المعلومات تحاول‬ ‫خوارزميات الذكاء الصناعي أن تبني السيناريو أ‬ ‫المثل وتتخذ القرار‬ ‫أ‬ ‫الصوب‪.‬‬

‫مسؤولية السيارات دون سائق مثالً!‬

‫لكن هناك مستويات كثيرة للقرار الحاسوبي‪ .‬فقد تكون المعطيات‬ ‫مشوشة وغامضة تؤدي إلى نتائج كارثية ال تخلو من تبعات أخالقية‪.‬‬ ‫ففي شهر يونيو الماضي ارتطمت سيارة تسال ‪ -‬التي كانت تقود‬


‫ارتطمت سيارة تسال ‪ -‬التي كانت تقود‬ ‫ً‬ ‫ذاتيا ‪ -‬بشاحنة معترضة‪ ،‬مما نتج عن‬ ‫نفسها‬ ‫هذا الحادث الشنيع وفاة قائد المركبة‪ ،‬حيث‬ ‫أسفرت تحقيقات الحادث عن عدم تمييز‬ ‫حساسات السيارة لهيكل الشاحنة المقبلة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫يتحمل نتيجة الحادث؟‬ ‫السؤال اآلن‪َ :‬م ْن‬

‫نفسها ذاتياً ‪ -‬بشاحنة معترضة‪ ،‬مما نتج عن هذا الحادث الشنيع‬ ‫وفاة قائد المركبة‪ ،‬حيث أسفرت تحقيقات الحادث عن عدم تمييز‬ ‫آ‬ ‫يتحمل‬ ‫حساسات السيارة لهيكل الشاحنة المقبلة‪ .‬السؤال الن‪َ :‬م ْن َّ‬ ‫نتيجة الحادث؟ هل يتحمله المبرمج الذي صمم طريقة عمل‬ ‫الحساسات‪ ،‬أم مبرمج السيارة أم السائق نفسه الذي ال حول له‬ ‫وال قوة؟ أما الجانب آ‬ ‫الخر من القرار فهو الجانب النفعي الذي‬ ‫يحدد البوصلة أ‬ ‫الخالقية للقرار‪ ،‬فحين تسير السيارة بسرعة كبيرة‬ ‫ِّ‬ ‫وتكون أمام خيارين‪ :‬إما أن تقتل المشاة في وسط الشارع أو ترتطم‬ ‫بأي حاجز يحطمها ويقتل راكبيها‪ ،‬فعلى أي أساس يتم تفضيل‬ ‫الول من القرار الثاني؟ هل يكون أ‬ ‫القرار أ‬ ‫المر على أساس تقليل‬ ‫آ‬ ‫الخسائر أم حماية اللة لنفسها من الهالك؟‬ ‫حدد روائي الخيال العلمي إسحق‬ ‫للإجابة عن هذا السؤال‪َّ ،‬‬ ‫عظيموف ‪ -‬في الخمسينيات الميالدية ‪ -‬ثالث قواعد أخالقية‬ ‫للروبوتات‪ .‬والمدهش أننا بعد نحو سبعة عقود ما زلنا نعتمد على‬ ‫هذه القواعد التي تنص على التالي‪:‬‬ ‫• القاعدة أ‬ ‫الولى‪ :‬أال يتسبب الروبوت‬ ‫بالضرر ألي إنسان وأال يسمح بحصول‬ ‫الضرر ألي إنسان‪.‬‬ ‫• القاعدة الثانية‪ :‬أن يتبع الروبوت أوامر‬ ‫النسان إال إن تعارضت مع القاعدة‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫الولى‪.‬‬ ‫• القاعدة الثالثة‪ :‬أن يحمي الروبوت نفسه‬ ‫طالما أن هذا ال يتعارض مع القاعدتين‬ ‫أ‬ ‫الولى والثانية‪.‬‬

‫تعرضت للنقد مؤخراً‪،‬‬ ‫لكن قواعد عظيموف َّ‬ ‫ليس ألنها غير واقعية أو مستعصية على‬ ‫إسحق عظيموف‬ ‫أ‬ ‫التنفيذ‪ ،‬بل لنها مبهمة‪ .‬فكيف نعلِّم‬ ‫الروبوتات معنى «الضرر» وحدوده وبالتالي تقديره بشكل صحيح؟‬ ‫وماذا عن االستثناءات غير المحدودة التي‪ ،‬كبشر‪ ،‬نراها من‬ ‫البديهيات كما يفعل أ‬ ‫الطباء مع المرضى على سبيل المثال‪ .‬كيف‬ ‫نستطيع حقن الروبوت بكل هذه المعارف؟‬ ‫السؤال أ‬ ‫الهم الذي ينتظر مستقبل فالسفة الحاسب والذكاء‬ ‫الصناعي يدور حول أهمية المشاعر إالنسانية في توجيه بوصلتنا‬ ‫الخالقية‪ .‬التعاطف أ‬ ‫أ‬ ‫واللم والحب والسعادة ليست عمليات حسابية‬ ‫تجري داخل أدمغتنا‪ ،‬بل تجارب واعية تتحكم بتوجهاتنا أ‬ ‫الخالقية‪.‬‬ ‫فهل سيهتدي العلماء والباحثون إلى تحويل كل هذه أ‬ ‫الحاسيس إلى‬ ‫عمليات حسابية بلغة الصفر والواحد‪ ،‬حتى يكون ألخالق الروبوتات‬ ‫بُعد عاطفي؟ أم أننا ‪ -‬نحن البشر ‪ -‬لدينا من الغرور ما يعمينا عن‬ ‫احتمال أال يكون لهذه العواطف عالقة بقراراتنا أ‬ ‫الخالقية؟ لعلنا‬ ‫سننتظر وندع الروبوت يجيب بنفسه‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪31 | 30‬‬

‫العلم خيال‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫المادة‬ ‫المضادة‬

‫حسن الخاطر‬

‫عالم الفيزياء آرثر شوستر‬ ‫ظهرت المادة المضادة في الخيال العلمي كقوة هائلة‬ ‫ومرعبة‪ ،‬وكانت هذه المادة هي المحور أ‬ ‫الساس الذي‬ ‫أ‬ ‫ارتكزت عليه رواية «مالئكة وشياطين» للكاتب المريكي‬ ‫دان براون‪ ،‬المنشورة في عام ‪2000‬م‪ ،‬حيث تقوم‬ ‫جماعة بسرقة قنبلة مضادة من معمل «سيرن» أ‬ ‫الوروبي‬ ‫الشهير بغرض تدمير مدينة الفاتيكان‪ .‬ونتيجة لما تحويه من قوة هائلة‪ ،‬فقد‬ ‫استخدمت المادة المضادة كوقود للمركبات الفضائية المستقبلية في خيال‬ ‫المؤلفين‪ .‬ولم يتوقف الخيال العلمي عند ذلك بل قال باحتمال وجود كون‬ ‫مضاد تعيش فيه حياة مضادة لحياتنا!‬

‫وقد تنبأت هذه المعادلة بشيء غريب في عالم الفيزياء؛ وهو وجود جسيم‬ ‫اللكترون ولكن إشارته موجبة! ذلك أن هذه المعادلة هي من الدرجة‬ ‫يشبه إ‬ ‫الثانية‪ ،‬ويوجد لها ّ‬ ‫حلن أحدهما سالب والثاني موجب القيمة‪ .‬وقد اقترح ديراك‬ ‫في محاضرة نوبل التي ألقاها في ستوكهولم بالسويد عام ‪1933‬م‪ ،‬وجود ذرات‬ ‫تكون نجوماً وكواكب مضادة‪ ،‬أي حياة‬ ‫مضادة‪ ،‬وهذه الذرات المضادة بدورها ّ‬ ‫مضادة في زاوية ما في هذا الكون!‬

‫تم التأسيس بشكل افتراضي لفكرة المادة المضادة من قبل عا ِلم الفيزياء آرثر شوستر‬ ‫عام ‪1898‬م‪ .‬وبعد ثالثة عقود‪ ،‬وضع عا ِلم الفيزياء البريطاني بول ديراك‪ ،‬الحائز‬ ‫جائزة نوبل مناصفة مع النمساوي الشهير إروين شرودينغر‪ ،‬معادلته الكمية النسبية‬ ‫التي دمج فيها النسبية الخاصة وميكانيكا الكم لوصف سلوك إاللكترون‪:‬‬

‫تم التحقق عملياً من وجود هذا الجسيم الغريب‪ ،‬في عام ‪1932‬م‪ ،‬من قبل‬ ‫المريكي الحائز جائزة نوبل هو آ‬ ‫عالم الفيزياء أ‬ ‫الخر كارل أندرسون‪ ،‬أثناء دراسته‬ ‫لمسار أ‬ ‫الشعة الكونية‪ ،‬وأظهرت تجاربه أن جسيماً يسلك مساراً معاكساً لمسار‬ ‫اللكترون الموجب‪.‬‬ ‫اللكترون‪ ،‬وأطلق عليه اسم البوزيترون أو إ‬ ‫إ‬

‫‪E2=p2c2+me2c4‬‬


‫هناك افتراضات عديدة‪ ،‬فتذهب فرضية إلى وجود‬ ‫يتكون من المادة المضادة ً‬ ‫َّ‬ ‫بدال من‬ ‫كون آخر‬ ‫المادة‪ ،‬وتذهب فرضية أخرى إلى تفوق المادة‬ ‫على المادة المضادة [(عدم التماثل الباريوني)‬ ‫(‪])Baryon asymmetry‬‬ ‫ظلت أ‬ ‫الشعة الكونية المصدر الوحيد للجسيمات المضادة‪ .‬ولكن في عام‬ ‫(مسرع) الجسيمات في‬ ‫معجل‬ ‫‪1955‬م‪ ،‬تم تصنيع مضاد للبروتون بواسطة ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫جامعة بيركلي بكاليفورنيا‪ ،‬وتوالت سرعة االكتشافات المتعلقة بالمادة المضادة‪،‬‬ ‫إلى أن جاء العام ‪1995‬م‪ ،‬حيث تم تصنيع الذرات المضادة أ‬ ‫الولى في‬ ‫المعمل أ‬ ‫الوروبي لفيزياء الجسيمات «سيرن»‪ ،‬وكانت تسع ذرات هيدروجين‬ ‫(مسرع)‬ ‫معجل‬ ‫مضادة‪ ،‬تم دمج البروتون المضاد مع البوزيترون في ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫الجسيمات وتم الحصول على ذرة هيدروجين مضادة كاملة! أي إن البوزيترون‬ ‫الموجب يدور حول مضاد البروتون السالب! وقد تبعه «معمل فيرمي» بإنتاج‬ ‫ما يقرب من مئة ذرة مضادة من الهيدروجين‪ ،‬وحتى هذه اللحظة فالكمية‬ ‫المصنعة في جميع مصانع العالم من المادة المضادة قليلة جداً‪ ،‬فهي أقل‬ ‫النتاج‪ ،‬وتتالشى‬ ‫بكثير من جرام واحد! ذلك أنها من أكثر المواد صعوبة في إ‬ ‫بسرعة‪ ،‬واالحتفاظ بها عملية صعبة للغاية‪ ،‬وتصل تكلفة إنتاج جرام واحد من‬ ‫مادة الهيدروجين المضادة نحو ‪ 62.5‬تريليون دوالر!! أي إنها أغلى مادة في‬ ‫الكون! وسوف يستغرق مئة مليار سنة بالتقنيات الحديثة‪ ،‬أي ما يزيد على عمر‬ ‫المقدر حالياً!‬ ‫الكون‬ ‫َّ‬ ‫فالقدرات التكنولوجية حتى آ‬ ‫الن غير قادرة على إنتاج جرام واحد من المادة‬ ‫فعالة واقتصادية‪ ،‬وفي الوقت المناسب‪ .‬لذلك اتجه العلماء‬ ‫المضادة بطريقة َّ‬ ‫للبحث عنها خارج كوكب أ‬ ‫الرض‪ ،‬وحتى هذه اللحظة ليس واضحاً لدينا الوجود‬ ‫الضئيل للمادة المضادة‪ ،‬ولماذا الكون يتكون بشكل رئيس من المادة ً‬ ‫بدل من‬ ‫المادة المضادة‪.‬‬ ‫يتكون من المادة المضادة‬ ‫هناك افتراضات عديدة‪ ،‬تقول إحداها بوجود كون آخر َّ‬ ‫ً‬ ‫بدل من المادة‪ ،‬وتذهب فرضية أخرى إلى تفوق المادة على المادة المضادة‬ ‫أ‬ ‫(عدم التماثل الباريوني) عند بداية اللحظات الولى للكون بمعدل واحد من‬ ‫مليار‪ ،‬ويبقى هذا السؤال من أكبر ألغاز الفيزياء إثارة ويصعب تفسيره حتى هذه‬ ‫اللحظة‪ ،‬وال يزال العلماء يبحثون عن إجابة له‪.‬‬

‫نظرياً‪ ،‬عندما تلتقي المادة والمادة المضادة فستفني كل منهما أ‬ ‫الخرى وتبيدها‪.‬‬ ‫وقد ألهم هذا التصور كثيراً من أعمال الدستوبيا ونهاية العالم أ‬ ‫الدبية‪ .‬وخالل‬ ‫هذه العملية تتحول كتلتهما بشكل كامل إلى طاقة هائلة على صورة أشعة جاما أو‬ ‫غيرها من جسيمات المادة والمادة المضادة‪.‬‬ ‫ولتقريب الصورة‪ ،‬فإن جراماً واحداً من المادة والمادة المضادة‪ ،‬طبقاً لمعادلة‬ ‫آينشتاين ينتج طاقة تقدر بـ ‪ 180‬تيرا جول‪ ،‬وهذه تعادل ‪ 43‬كيلو طن من مادة‬ ‫تي‪ .‬إن تي الشديدة االنفجار (تزيد على مجموع الطاقة التي ولَّدتهما القنبلتان‬ ‫الذريتان اللتان سقطتا على هيروشيما وناجازاكي في عام ‪1945‬م!)‪ .‬وعلى أساس‬ ‫ذلك‪ ،‬فمن الممكن أن تكون المادة المضادة سالحاً محتمال ً في المستقبل! أو‬ ‫مصدراً للوقود في المركبات الفضائية المستقبلية‪ .‬فالعلماء يأملون في تسخير‬ ‫هذه الطاقة المتحررة لدفع سفن الفضاء النجمية بدال ً من الوقود التقليدي‪ ،‬حيث‬ ‫تقدر بــ ‪ 17‬جراماً‪ ،‬كافية لتزويد سفينة‬ ‫إن كمية قليلة من الهيدروجين المضاد َّ‬ ‫فضاء نجمية بالطاقة للوصول إلى أقرب نجم إلينا بعد الشمس (ألفا سنتوري)‬ ‫الذي يبعد أكثر من أربع سنوات ضوئية! وبسرعة عالية جداً تصل إلى ُع ْش ِر سرعة‬ ‫الضوء‪ .‬أي إننا سوف نقطع المسافة في أربعين سنة وحسب‪ .‬في حين أننا سوف‬ ‫الرحال‬ ‫نحتاج إلى أكثر من سبعين ألف سنة للوصول إلى هناك بمركبة (فوياجر – ّ‬ ‫‪ )1‬التي «تزحف» في الفضاء بسرعة ستين ألف كم في الساعة‪ ..‬فقط!‬ ‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫منتج‬

‫‪33 | 32‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫شاشة‬ ‫اللمس‬

‫صحيح أن شاشات اللمس باتت‬ ‫حاضرة في ما ال يحصى من‬ ‫التطبيقات‪ ،‬مثل الحواسيب‬ ‫والهواتف الذكية وأجهزة الصرف‬ ‫اللي وصناعة أ‬ ‫آ‬ ‫القفال والساعات‬ ‫اليدوية‪ ،‬وبدأت تطل برأسها في السيارات‪ ،‬ولكن‬ ‫أ‬ ‫البحاث الجارية على تطبيقات أخرى لهذه التقنية‪،‬‬ ‫تؤكد أن استخداماتها في القريب المنظور ستتوسع‬ ‫الن‪ ،‬وصوال إلى أ‬ ‫أكثر بكثير مما هي عليه آ‬ ‫الثاث‬ ‫ً‬ ‫المنزلي‪.‬‬ ‫تُصنع شاشات اللمس تبعاً ألكثر من عشر تقنيات‬ ‫شائعة‪ .‬منها شاشات المقاومة الكهربائية وهي أ‬ ‫الكثر‬ ‫استخداماً في الهواتف الذكية أ‬ ‫والجهزة اللوحية‬ ‫اعتماداً على شحنات الكهرباء الساكنة التي يحملها‬ ‫جسم كل منا جراء مشيه على أ‬ ‫الرض وتفاعله مع‬ ‫َّ ّ‬ ‫أ‬ ‫الشياء‪ .‬فالطبقة العليا لهذا النوع من الشاشات هي‬ ‫فاصل زجاجي‪ ،‬فيما السطح الداخلي موصول بجهد‬ ‫كهربائي خفيف‪ ،‬وعندما يلمس المستخدم الشاشة‬ ‫بإصبعه‪ ،‬فإن الجهد الكهربائي على اللوح يتأثر بفعل‬ ‫الصبع ويتحدد موضع هذا االضطراب‬ ‫شحنة كهرباء إ‬ ‫بدقة‪ ،‬ومن ثم ترسل المعلومات مباشرة إلى المعالج‬ ‫في الجهاز لتتم االستجابة الفورية لهذه اللمسة‪.‬‬ ‫ثان من شاشات يعتمد على الضغط‬ ‫هناك نوع ٍ‬ ‫آ‬ ‫وليس اللمس‪ ،‬وهو الشائع في القارئات اللية مثل‬ ‫أجهزة الكندل أ‬ ‫والجهزة الدفترية المزودة بمؤشرات‬ ‫قلمية‪ .‬هنا تتكون شاشات اللمس من طبقتين بينهما‬ ‫فراغ دقيق‪ .‬وعندما يضغط المستخدم بإصبعه‬ ‫على الطبقة الخارجية تتالمس هذه الطبقة بالطبقة‬ ‫الداخلية الموصلة للكهرباء في نقطة الضغط‪ ،‬ويتم‬

‫تحديد موضع الضغط بواسطة مستشعر مرفق‬ ‫بالطبقة الداخلية للشاشة‪.‬‬ ‫يعزو كثيرون هذا الوجود الطاغي لشاشات اللمس‬ ‫في حياتنا اليوم إلى ظهور أول هاتف (آيفون) من‬ ‫شركة آبل في ‪2007‬م‪ .‬لكن آبل لم تخترع شاشة‬ ‫اللمس‪ .‬ما حصل كان حملة تسويق ناجحة جداً‬ ‫مر بمراحل تطوير طويلة قبل أن يصل إلى‬ ‫لمنتج َّ‬ ‫درجة من النضج أتاحت له هذا القبول‪.‬‬

‫أقدم مما نظن!‬

‫ظهرت المقترحات أ‬ ‫الولى لشاشة اللمس بين‬ ‫مزودة بصور‬ ‫عامي ‪ 1965‬و‪1967‬م في مقاالت ّ‬ ‫ورسومات لوسيلة إدخال للبيانات تستغني عن لوحة‬ ‫المفاتيح‪ .‬ولم يكد العقد ينقضي‪ ،‬حتى ظهرت‬ ‫نماذج أجهزة للتحكم بالمالحة الجوية تعتمد على‬ ‫مبدأ شاشة اللمس‪ ،‬واستمر بعضها في الخدمة إلى‬ ‫التسعينيات‪.‬‬ ‫أ‬ ‫اللكترونية ‪ -‬سواء‬ ‫يسعنا القول إن سوق اللعاب إ‬ ‫الترفيهية أو التعليمية ‪ -‬كانت هي الموجه أ‬ ‫الول‬ ‫ّ‬ ‫للسوق االستهالكية لهذا المنتج‪ .‬وقد قدمت‬ ‫شركات ‪ SONY‬و‪ HP‬و‪ SEGA‬مبكراً منتجات تعتمد‬ ‫يمرر عليها قلماً‬ ‫شاشات شفافة يسع المستخدم أن ِّ‬ ‫مخصوصاً لينعكس ما يفعله رسماً أو كتابة على‬ ‫شاشة التلفاز الرئيسة‪.‬‬

‫من المساعد الكفّي إلى الحاسوب‬ ‫اللوحي‬

‫في عام ‪1997‬م‪ ،‬شهد العالم منتجاً حقق نجاحاً‬ ‫تسويقياً باهراً‪ ،‬هو جهاز ‪ Palm Pilot‬أو المساعد‬

‫الكفي من شركة ‪ .US Robotics‬في ذلك الوقت‬ ‫النترنت ال يزال هوساً في بداياته‪ ،‬وكان الهاتف‬ ‫كان إ‬ ‫الجوال جهازاً ضخماً ال يقدر عليه سوى أ‬ ‫الثرياء‪ .‬لكن‬ ‫المساعد الكفي انتشر بشدة بين التنفيذيين الشباب‬ ‫المتعلِّقين بالتقنية‪ .‬كان المساعد الكفي صغيراً يمكن‬ ‫حمله بيد واحدة‪ ،‬وكان مزوداً بشاشة لمس (ضغط)‬ ‫بدأت أحادية اللون‪ .‬وقد تفاعل المستخدمون مع‬ ‫هذه الشاشة بواسطة قلم مؤشر‪ ،‬شكَّل فقدانه‬ ‫مصدر قلق دائم‪.‬‬ ‫اللكتروني بشكل أساسي كدليل‬ ‫استخدم المساعد إ‬ ‫للهاتف وكمنظم للمواعيد وكمسودة للمالحظات‪.‬‬ ‫وتحول‬ ‫ومع الزمن تطور هذا المساعد إ‬ ‫اللكتروني‪َّ ،‬‬ ‫إلى هاتف مزود بقلم وشاشة لمس‪ .‬لكن شاشة‬ ‫اللمس كانت بحاجة إلى معايرة دائمة لضبط‬ ‫أبعادها‪ .‬كما أن كثر الخربشة عليها أدى لتخدشها‪.‬‬ ‫وعموماً كانت هذه الشاشات بمنزلة مقدمة‪ ،‬إلى أن‬ ‫جاء ستيف جوبز وقرر نقل كل أبحاث شركة آبل‬ ‫بخصوص حاسوب لوحي ‪ُ -‬عرف الحقاً بالـ آيباد ‪ -‬إلى‬ ‫آ‬ ‫سخر تقنيات‬ ‫نسخة أصغر هي هاتف اليفون‪ ،‬الذي َّ‬ ‫المقاومة الكهربية لشاشات اللمس بشكل باهر‪.‬‬ ‫والباقي تاريخ نعرفه كلنا‪.‬‬ ‫واليوم تقود شركات أخرى منها مايكروسوفت‬ ‫وسامسونغ مبادرات البتكار أسطح ذكية بما يتجاوز‬ ‫أ‬ ‫الجهزة المحمولة‪ .‬الحائط في حجرة أحدنا سيكون‬ ‫هو شاشة المستقبل‪ .‬وكذا الطاولة أو الباب أو مقود‬ ‫السيارة الذي سيتفاعل مع لمساتنا وقراءاتنا الحيوية‪،‬‬ ‫ليعرض معلومات أو أخباراً أو حقائق متعلقة بحالتنا‬ ‫الصحية أو المزاجية‪ .‬سيغدو العالم كله شاشة لمسنا‬ ‫الكبرى!‬


‫ورسائل خبأتها قوارير مختومة‪ .‬لكن بالنسبة‬ ‫واعدا ومتجدداً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مصدرا‬ ‫للفيزيائيين‪ ،‬تمثل األمواج‬ ‫للطاقة النظيفة (الخضراء)‪ .‬بشكل ربما يفوق‬ ‫مصادر الطاقة البديلة األخرى من طاقة رياح‬ ‫وطاقة شمسية ووقود عضوي‪.‬‬ ‫ومع أن األرقام تبدو شديدة التفاؤل بخصوص‬ ‫طاقة األمواج‪ ،‬إال َّ‬ ‫أن التأمل في ما لها وما عليها‬ ‫قد ّ‬ ‫يحد من الحماسة التي تحوط تقنياتها كحلول‬ ‫للحاجة العالمية المتزايدة للطاقة‪ ،‬والطاقة‬ ‫ً‬ ‫تحديدا‪.‬‬ ‫الكهربائية في المنازل والمنشآت‬

‫د‪ .‬أشرف فقيه‬

‫طاقة األمواج‪..‬‬ ‫األزرق هو األخضر الجديد‬

‫طاقة‬ ‫علوم‬

‫َّ‬ ‫تأمل الشعراء والمغامرون في أمواج البحر‬ ‫ِّ‬ ‫المتعلقة بعوالم‬ ‫لقرون‪ ،‬وربطوا بالبحر أحالمهم‬ ‫ً‬ ‫بؤسا وأغنى‪ .‬وكان الموج مرسال‬ ‫بعيدة أقل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ولؤلؤا‬ ‫سمكا‬ ‫الهدايا والمنح على مر التاريخ؛‬


‫‪35 | 34‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫أ‬ ‫نتحدث عن‬ ‫نتحدث عن طاقة المواج‪ ،‬فإننا َّ‬ ‫حين َّ‬ ‫(محوالت الطاقة الموجية)‪ ،‬تلك التي تستغل‬ ‫ّ‬ ‫حركة المياه لتولِّد منها قوى تُستغل إما في توليد‬ ‫الكهرباء أو تحلية المياه‪ ،‬أو سواها من أ‬ ‫الشغال‬ ‫التي تقوم بها محركات الديزل البديلة وسواها‪.‬‬ ‫لكن حركة أ‬ ‫المواج ما هي إال أثر لحركة الرياح على سطح الماء‪.‬‬ ‫وبالتالي يمكننا القول إن الطاقة الموجية التي نحن بصددها ما‬ ‫هي إال وجه آخر الستغالل الرياح‪ .‬لكن وفيما تتطلَّب مزارع الرياح‬ ‫مساحات شاسعة من أ‬ ‫الراضي المنبسطة لنصب عشرات أو مئات‬ ‫الموجية تنبسط على وجه البحر‬ ‫المراوح الهائلة‪ ،‬فإن مزارع الطاقة‬ ‫ّ‬ ‫تشوه شكل أ‬ ‫الفق‪.‬‬ ‫أو قاعه فال تعيق التقدم العمراني وال‬ ‫وتشترك مولدات الطاقة الموجية مع مراوح طاقة الرياح في‬ ‫كونها ال تنتج أية ملوثات وال تستهلك وقوداً كربونياً‪ .‬لكن هذا ال‬ ‫يعني أنها ال تؤثر‪ ،‬بالسلب أحياناً‪ ،‬على البيئة البحرية المحيطة‬ ‫الكبر بين أ‬ ‫بها‪ .‬كما ويكمن االختالف أ‬ ‫المواج والرياح في كون‬ ‫كثافة التيار المائي تفوق كثافة تيار الهواء بـ ‪ 800‬مرة‪ ،‬ما يجعل‬ ‫الماء أكثر فعالية من الهواء في إدارة العنفات أو التوربينات التي‬ ‫تحول الطاقة الحركية إلى كهرباء‪ .‬إذ إن تياراً بحرياً سرعته ‪12‬‬ ‫ميال ً في الساعة ينتج قوى دفع تعادل تياراً هوائياً سرعته ‪110‬‬ ‫أميال في الساعة! وبالنتيجة ففيما تقاس المحصلة الكهربائية‬ ‫لمزارع الرياح بالميغا (مليون) واط‪-‬ساعة سنوياً‪ ،‬فإن سوق‬ ‫الطاقة الموجية على مستوى الكرة أ‬ ‫الرضية يقاس بالتيرا (مليون‬ ‫مليون) واط‪-‬ساعة سنوياً‪.‬‬

‫أين يمكن استغاللها؟‬

‫كما أن هناك خرائط ألبرز معاقل الطاقة النفطية أو الشمسية‪،‬‬ ‫تتفوق بعض الدول حالياً في استغالل طاقة أ‬ ‫المواج‪ .‬ومرد هذا‬ ‫التفوق جزء منه جغرافي‪ ،‬يتمثل في وجود سواحل ممتدة ذات مياه‬ ‫عميقة وأمواج مستمرة على مدار العام‪ ،‬وجزء منه تقني وفني ال‬ ‫يمكن تحقيقه إال بوجود الخبرات والمعدات الالزمة الستغالل تقنية‬ ‫الطاقة البديلة هذه‪.‬‬ ‫يعود تاريخ التطبيقات أ‬ ‫الولى للطاقة الموجية إلى أواخر القرن‬ ‫التاسع عشر‪ .‬وقد نشطت أ‬ ‫البحاث المتعلِّقة بها بشكل ملحوظ‬ ‫منذ التسعينيات الميالدية‪ .‬ومنذ العام ‪2008‬م تُعد منشأة‬ ‫‪ Aguçadoura‬في بيالميس البرتغالية بمنزلة أول (مزرعة طاقة‬ ‫النتاجية لهذه المزرعة‬ ‫موجية) في العالم‪ ،‬وقد ق ُِّدرت الطاقة إ‬ ‫بنحو ‪ 2.25‬ميغاواط‪-‬ساعة في العام‪ ،‬على الرغم من أنها لم تلبث‬ ‫أن أغلقت بعد أسابيع من افتتاحها تحت وطأة أ‬ ‫الزمة االقتصادية‬ ‫العالمية التي ضربت العالم في ذلك العام‪.‬‬ ‫يقدر عدد مؤسسات تطوير تقنيات الطاقة الموجية‬ ‫وبشكل عام‪ّ ،‬‬ ‫حول العالم بمئة وثالثين مؤسسة‪ ،‬تتركز ‪ 35‬منها في المملكة‬ ‫المتحدة‪ .‬وتمثل إنجلترا وأسكتلندا وأستراليا والواليات المتحدة‬ ‫وكندا وجنوب إفريقيا دوال ً رائدة أو واعدة في هذا المجال‪ .‬وهي‬ ‫كلها كما نلحظ دول تواجه تحديات إما على صعيد شح مصادر‬ ‫الطاقة أ‬ ‫الولية‪ ،‬أو ارتفاع الكثافة السكانية على السواحل‪ ،‬ما يجعل‬ ‫االعتماد على الطاقة الموجية مجدياً اقتصادياً‪.‬‬

‫الخط الساحلي‬

‫ً‬ ‫سنويا‬ ‫اإلنتاج المتوقع بالتيراواط‪-‬ساعة‬

‫الساحل القاري الغربي ألمريكا‬

‫‪250‬‬

‫الساحل الشرقي‬

‫‪160‬‬

‫خليج المكسيك‬

‫‪60‬‬

‫آالسكا‬

‫‪620‬‬

‫هاواي‬

‫‪80‬‬ ‫‪20‬‬

‫بورتوريكو‬

‫وبالتركيز على الحالة أ‬ ‫المريكية تحديداً‪ ،‬نجد أن تقريراً أصدره معهد‬ ‫أبحاث الطاقة الكهربائية (‪ )EPRI‬عام ‪2011‬م‪ ،‬يتنبأ بالمكاسب‬ ‫أ‬ ‫فيقدر كمية الطاقة الموجية‬ ‫المريكية الكامنة في هذا المجال‪ّ ،‬‬ ‫الممكن استخالصها على طول السواحل القارية ألمريكا بأكثر من‬ ‫‪ 2.6‬تيراواط‪-‬ساعة في السنة‪ ،‬مع العلم‬ ‫بأن تيراواطاً واحداً كفيل بتزويد أكثر من‬ ‫ّ‬ ‫يقدر عدد مؤسسات تطوير‬ ‫‪ 90‬ألف منزل أمريكي بالطاقة الكهربائية‬ ‫تقنيات الطاقة الموجية حول‬ ‫الالزمة على مدار العام‪.‬‬

‫العالم بمئة وثالثين مؤسسة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫تتركز ‪ 35‬منها في المملكة‬ ‫المتحدة‪.‬‬

‫إال أن هذه أ‬ ‫الرقام تظل مغرقة في‬ ‫التفاؤل وغير واقعية تماماً‪ ،‬حيث إن‬ ‫البحار ليست مكرسة كلياً لمعدات‬ ‫المولدات الموجية طوال الوقت‪ .‬بل إن‬ ‫البحار والسواحل تحديداً‪ ،‬تتنازعها جهات عدة تشمل الموانئ بسفنها‬ ‫وناقالتها‪ ،‬ومراكب الصيد‪ ،‬والعمليات البحرية التابعة للجيش وسواه‬ ‫من أجهزة الدولة‪ ،‬فضال ً عن مصارف المجاري والملكيات الخاصة‪.‬‬ ‫وبالنتيجة فليس كل ما هو بحر قابل لالستثمار َموجياً‪ .‬وإن كان من‬ ‫الواقعي افتراض أن ثلث الحاجة الكهربية للواليات المتحدة (ما‬ ‫يعادل ‪ 1.2‬تيراواط‪-‬ساعة سنوياً) يمكن تحصيله موجياً في أحسن‬ ‫الظروف إذا لم تكن ثمة عوائق فنية أو مالية‪.‬‬


‫ً‬ ‫ّ‬ ‫أساسا لالستخدام على‬ ‫الكسارات‬ ‫ُط ّورت‬ ‫ً‬ ‫قريبا منها‪ .‬تدخل الموجة‬ ‫الشواطئ أو‬ ‫هنا عبر فتحة تحت مستوى الماء إلى‬ ‫حجرة هوائية‪ .‬وتتسبب حركة الموجة‬ ‫في تحريك الهواء الذي ِّ‬ ‫يحرك بدوره‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كب ً‬ ‫عمودا ّ‬ ‫مرتبطا بمراوح توربينية‬ ‫اسا‬ ‫تشغل المولدات الكهربية‪.‬‬ ‫النتاجية المتوقعة‬ ‫ويكشف الجدول في الصفحة المقابلة القدرة إ‬ ‫على طول سواحل الواليات المتحدة وفقاً للمختبر الوطني للطاقة‬ ‫المتجددة ‪.NREL‬‬

‫عدة تقنيات والفكرة واحدة‬

‫وبطبيعة الحال‪ ،‬يمكن إلنشاء محطة كهرباء موجية أن يقوم وفقاً‬ ‫لعدة تقنيات وأساليب هندسية‪ .‬وتصنف محطات الطاقة الموجية‬ ‫تبعاً لطريقة اصطياد الموجة‪ ،‬ووفقاً لبعدها عن الشاطئ أو توغلها‬ ‫في المياه العميقة‪ ،‬ما يؤثر مباشرة في مردود المحطة‪ .‬حيث إن‬ ‫المحطات التي تقام بعيداً عن الشاطئ تناسب المياه ذات أ‬ ‫العماق‬ ‫الربعين متراً‪ .‬وتتشارك محطات طاقة أ‬ ‫التي تتجاوز أ‬ ‫المواج في‬ ‫أن الجزء المتحرك منها يجب أن يكون قريباً من سطح الماء ومن‬ ‫المواج‪ .‬وفيما يلي سرد ألبرز تقنيات اصطياد أ‬ ‫أ‬ ‫المواج واستخالص‬ ‫طاقتها الحركية‪:‬‬ ‫أ‬ ‫الكسارات أساساً‬ ‫• ّ‬ ‫كسارات المواج (‪ :)Terminator‬ط ُّورت ّ‬ ‫لالستخدام على الشواطئ أو قريباً منها‪ .‬تدخل الموجة هنا عبر‬ ‫فتحة تحت مستوى الماء إلى حجرة هوائية‪ .‬وتتسبب حركة الموجة‬ ‫في تحريك الهواء الذي يحرك بدوره عموداً ّكباساً مرتبطاً بمراوح‬

‫العنفة‬

‫توربينية تشغل المولدات الكهربية‪ .‬وبحسب حجم المولد وطبيعة‬ ‫أ‬ ‫المواج في المنطقة يمكن أن نحصل من كل كسارة على طاقة‬ ‫تتراوح بين ‪ 500‬كيلو و‪ 2‬ميغا واط‪.‬‬ ‫• المثبطات (‪ :)Attenuators‬وهي عبارة عن هياكل طافية متعددة‬ ‫أ‬ ‫وتوجه لتتوازى‬ ‫الجزاء‪ ،‬تسبح كالسفن الطويلة في المياه العميقة ّ‬ ‫مع اتجاه الموجة‪ ،‬بحيث تتحرك أجزاء المثبط موجياً مع حركة‬ ‫الماء‪ .‬وفي المفاصل المتحركة التي تربط أجزاء هذه أ‬ ‫الجهزة يتم‬ ‫تركيب مضخات هيدروليكية تتغذى على الطاقة الحركية وتنقلها إلى‬ ‫مولّد مثبت في مقدمة الجهاز‪ .‬ويضخ هذا المولد الطاقة المجمعة‬ ‫عبر كابل إلى محطة التوزيع الرئيسة على الشاطئ‪.‬‬ ‫• نقاط االستيعاب (‪ :)Absorbers‬كل نقطة استيعاب هي عبارة‬ ‫عن هيكل عائم يحتوي على مكونات تحرك بعضها بعضاً مع حركة‬ ‫أ‬ ‫المواج‪ .‬ويمكن تشبيه كل منها بالعوامة الطافية على بعد ‪ 3‬كلم‬

‫فتحة دخول الهواء‬

‫حجرة التقاط أ‬ ‫المواج‬

‫يضغط الهواء في داخل‬ ‫الحجرة مع دخول الماء‬

‫جهة قدوم أ‬ ‫المواج‬


‫‪37 | 36‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫عن الساحل وبداخلها أسطوانة مكبس أو محرك حث مغناطيسي‪.‬‬ ‫ومع حركة الموجة صعوداً وهبوطاً تتحرك العوامة ومعها المكبس‬ ‫ما ينتج عنه طاقة كهربائية على النمط المعتاد في التقنيات أ‬ ‫الخرى‪.‬‬ ‫• الخزانات المرتفعة (‪ :)Overtopping Devices‬ويسمى أحدها‬ ‫كذلك بالتنين المائي‪ .‬تُنصب هذه الخزانات خاوية في عرض‬ ‫البحر ابتدا ًء‪ ،‬بحيث ترتفع حواف جدرانها فوق مستوى سطح‬ ‫الماء المحيط‪ .‬ثم تتم تعبئتها عبر فتحات في القاع‪ .‬وحين يزيد‬ ‫مستوى الماء بهذه الخزانات عن مستوى الماء المحيط فإن مسارها‬ ‫سينعكس تلقائياً بفضل الجاذبية أ‬ ‫الرضية لتعود إلى المحيط‬ ‫عبر فتحات دخولها‪ ،‬لكن يتم تمريرها عبر مراوح توربينية تغذي‬ ‫تهدد مستوى‬ ‫مولدات كهربية‪ .‬ويحسب على هذه التقنية أنها قد ِّ‬ ‫المياه حول الشواطئ عند تفريغ الخزانات ما يستدعي بناء سدود‬ ‫واستحكامات حول المزارع التي تعتمدها‪.‬‬

‫ما لها وما عليها‬

‫يظهر من االستعراض السريع أعاله لتقنيات توليد الطاقة من‬ ‫أ‬ ‫المواج اعتمادها على المبدأ نفسه‪ .‬وبغض النظر عن التقنية‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫المعتمدة‪ ،‬فإن كل تجمع لي من الجهزة المذكورة‪ ،‬تنتج عنه‬ ‫مزرعة للطاقة الموجية‪ .‬وكما يتضح فهذه المزارع تتطلب تخصيص‬ ‫مساحات كبيرة من المسطح المائي على مسافات مختلفة من‬

‫حين يزيد مستوى الماء بهذه الخزانات‬ ‫عن مستوى الماء المحيط فإن مسارها‬ ‫ً‬ ‫تلقائيا بفضل الجاذبية‬ ‫سينعكس‬ ‫األرضية لتعود إلى المحيط عبر فتحات‬ ‫دخولها‪...‬‬

‫يحد بشكل كبير من حرية المالحة ويستتبع استحقاقات‬ ‫الشاطئ‪ ،‬ما ّ‬ ‫لوجستية وبيئية عدة‪.‬‬ ‫وبشكل عام يمكن تعداد ميزات مزارع طاقة أ‬ ‫المواج في النقاط التالية‪:‬‬ ‫‪ .1‬طاقة متجددة‪ :‬أ‬ ‫المواج وافرة عند كل الشواطئ وهي موجودة دائماً‬ ‫أ‬ ‫وال تنفد ما دامت الرض تدور حول محورها‪ .‬وهي ليست مرتبطة‬ ‫بموسم حصاد كالذرة التي يقوم عليها وقود إاليثانول وال تختفي‬ ‫في الليل مثل الشمس وهي أعظم كفاءة من الرياح كما أسلفنا‪.‬‬ ‫‪ .2‬صديقة للبيئة‪ :‬إذ تمثل أ‬ ‫المواج مصدراً نظيفاً للطاقة بال غازات‬ ‫عوادم وال مخلفات صلبة أو إشعاعية‪ .‬بل هي تعطي كهرباء‬ ‫ناتجة عن طاقة حركية صرف‪.‬‬

‫البعد عن الشاطئ من ‪ 1.5‬إلى ‪ 3‬كيلومترات‬ ‫البعد بين كل جهازين يساوي ‪ 30‬متراً‬

‫محور ممغنط مربوط‬ ‫إلى قاع البحر‬

‫وشائع كهربائية مثبتة إلى‬ ‫جدار الجزء الطافي‬

‫مولد كهربائي عامودي‬ ‫ذو مغناطيس دائم‬

‫ارتفاع الجهاز‬ ‫الواحد يساوي‬ ‫‪ 30‬متراً‬


‫‪ .3‬معيقة للمالحة‪ :‬إذا تم استغالل كافة الشريط الساحلي لدولة ما‬ ‫وتم نشر مزارع طاقة أ‬ ‫المواج على امتداد كل الشواطئ‪ ،‬فسيكون‬ ‫ذلك بمنزلة ضرب للحصار البحري‪ ،‬إذ إن السفن والمراكب‬ ‫أ‬ ‫البحرية لن تتمكن من النفاذ إلى البحر الواسع‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فالفكار‬ ‫النظرية الخاصة بالحد أ‬ ‫العلى للطاقة الممكن توليدها من حركة‬ ‫أ‬ ‫المواج ال يجب أن تؤخذ كما هي‪ ،‬بل يجدر تقليصها بشكل حاد‬ ‫بالنظر للحاجة الكبرى للحفاظ على البحار مفتوحة‪.‬‬ ‫‪ .3‬مجموعة متنوعة من طرق االستغالل‪ :‬مهما تعددت أ‬ ‫الساليب‬ ‫أ‬ ‫والتقنيات يظل أ‬ ‫الصل واحداً‪ .‬بل إن محطات حصد المواج‬ ‫يمكن أن تنشأ كما أسلفنا على أراضي الشواطئ‪ ،‬وبعيداً عنها بل‬ ‫وداخل السفن والناقالت الكبرى‪.‬‬ ‫للرض‪ :‬تتجنب أ‬ ‫‪ .4‬صديقة أ‬ ‫الرض اليابسة تماماً‪ .‬وال تترك حفراً‬ ‫وأخاديد وال تسبب خسوفاً في الطبقات أ‬ ‫الرضية‪ .‬وال تعرقل‬ ‫االستثمار العقاري والزراعي واالمتداد السكاني كما تفعل مزارع‬ ‫طاقة الريح والطاقة الشمسية التي تحجز مساحات شاسعة من‬ ‫أ‬ ‫الرض ألجل معداتها‪.‬‬ ‫لكن تظل هناك معوقات وسلبيات بطبيعة الحال‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫‪ .1‬ليست مناسبة لجميع المواقع‪ :‬فهذا المصدر يكاد يكون مكرساً‬ ‫للمناطق الساحلية فحسب‪ ،‬حيث يعيش ‪ %40‬من الناس‪.‬‬ ‫لكن ماذا عن سكان المناطق الداخلية أو الصحاري أو الجبال؟‬ ‫هنا ستتضخم تكلفة النقل بشكل كبير مما قد ينفي الجدوى‬ ‫االقتصادية‪.‬‬ ‫‪ .2‬التأثير على النظام البيئي البحري‪ :‬ال شك في أن وضع‬ ‫المعدات الضخمة لمزارع طاقة أ‬ ‫المواج بالقرب من الشواطئ‬ ‫وحتى في العمق البحري سيؤثر في حياة كثير من الكائنات‬ ‫البحرية وسيهز استقرار بيئتها‪ .‬وال نضمن حدوث تسرب‬ ‫في الزيوت والمركبات الكيميائية التي تدخل في تكوين‬ ‫آليات مصائد أ‬ ‫المواج‪ .‬كما وأن تقنيات حصد الطاقة التي‬ ‫تضخ أطناناً من المياه إلى القاع ستغير من إيقاع المنظومة‬ ‫الحيوية في المناطق المحيطة بها وال يمكن إغفال هذا‬ ‫التأثير السلبي‪.‬‬

‫‪ .4‬الطول الموجي‪ :‬طاقة الرياح تعتمد بشكل كبير على الطول‬ ‫الموجي‪ ،‬أي سرعة الموجة‪ ،‬وطول الموجة‪ ،‬وكثافة المياه‪ .‬كما‬ ‫أنها تحتاج إلى تدفق ثابت من موجات قوية لتوليد كمية كبيرة‬ ‫من طاقة أ‬ ‫المواج‪ .‬وبعض المناطق تعاني من سلوك موجي ال‬ ‫يمكن التنبؤ به بشكل دقيق‪ ،‬وبالتالي ال يمكن الوثوق بها كمصدر‬ ‫للطاقة يمكن االعتماد عليه‪.‬‬ ‫‪ .5‬تتأثر بحالة الطقس‪ :‬قد ال يركد البحر تماماً‪ .‬لكن أ‬ ‫المواج قد‬ ‫تضعف جداً وقد تضربها أ‬ ‫العاصير‪ .‬وهذا سيؤثر على ثبات‬ ‫النتاج وعلى االعتمادية النهائية على المنظومة ككل‪.‬‬ ‫إ‬ ‫النترنت حين‬ ‫‪ .6‬صعوبة الصيانة‪ :‬نعرف جميعاً كيف تتأثر خدمة إ‬ ‫يتعطل الكابل البحري العالمي‪ .‬بالمثل‪ ،‬ولكون كثير من تقنيات‬ ‫توليد الطاقة الموجية تعتمد على نشر معدات في البحر البعيد‬ ‫ونقلها سلكياً إلى اليابسة‪ ،‬فلنا أن نتخيل الصعوبات التي قد‬ ‫يواجهها فريق الصيانة لو اتضح أن واحداً من عشرات أو مئات‬ ‫نقاط اصطياد أ‬ ‫المواج قد انقطع «كابله»‪ ،‬أو تعطلت آلياته‪ .‬مع‬ ‫التأكيد على صعوبة التنقل عبر البحار وبطئه مقارنة بالحركة على‬ ‫البر‪ ،‬ال سيما في المناطق البحرية المتقلبة ذات أ‬ ‫المواج العاتية‪،‬‬ ‫التي تعد‪ ،‬طبيعياً‪ ،‬أ‬ ‫المثل لتطبيق هذه التقنيات‪.‬‬ ‫ُ‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪39 | 38‬‬

‫من المختبر‬

‫ً‬ ‫َّ‬ ‫وراثيا ناقلة للكهرباء‬ ‫معدلة‬ ‫بكتيريا‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫توصل باحثون من جامعة ماساتشوستس بآمهرست‪ ،‬إلى تعديل وراثي‬ ‫َّ‬ ‫لبكتيريا التربة إلنتاج أسالك نانوية قادرة على إيصال الكهرباء إلى مستوى‬ ‫الثبات العملي أن يقود إلى نوع جديد‬ ‫فاجأ العلماء أنفسهم‪ .‬ويمكن لهذا إ‬ ‫اللكترونيات الصديقة للبيئة‪ .‬من خالل إنتاج أسالك من النفايات النباتية‪،‬‬ ‫من إ‬ ‫ودون الحاجة إلى المواد الكيميائية السامة‪.‬‬ ‫ويُعد هذا االكتشاف مهماً لتلبية الطلب المتزايد على أجهزة كمبيوتر أصغر‬ ‫حجماً وذات طاقة أكبر‪ ،‬كما أنه يسمح بإنتاج أسالك رفيعة جداً من مواد‬ ‫مستدامة‪ ،‬لديها تطبيقات متعددة في أجهزة االستشعار والترانزيستور‬ ‫وغيرها‪.‬‬ ‫المعنية تسمى «جيوباكتيرز»‪ ،‬وتمتلك خيوط بروتين نانوية تمتد‬ ‫البكتيريا‬ ‫ّ‬ ‫خارج أجسامها‪ .‬وهذه الخيوط البروتينية هي المفتاح لنموها‪ ،‬ألنها تسمح‬ ‫بالتواصل الكهربائي مع أكسيد الحديد في التربة حيث تعيش‪ .‬وكان يُعتقد‬ ‫في السابق أن هذه التوصيالت ليست كافية إلى درجة يمكن أن تكون نافعة‬ ‫اللكترونيات‪.‬‬ ‫للبشر‪ ،‬خاصة في مجال إ‬ ‫وأظهرت أحدث أ‬ ‫البحاث التي نشرت في مجلة «سمول» أن هذا التعديل‬ ‫الجيني جعل أسالك البكتيريا النانوية موصلة للكهرباء ‪ 2000‬مرة أكثر من‬ ‫حالتها الطبيعية‪ .‬كما تم الحصول على خاصيتين إضافيتين‪ :‬قدر أكبر من‬ ‫المتانة وحجم أصغر (أصبح قطرها ‪ 1.5‬نانومترا أو ‪ 1.5‬من المليار من المتر)‪.‬‬

‫المصدر‪:‬‬ ‫‪http://spectrum.ieee.org/nanoclast/semiconductors/materials/‬‬ ‫‪genetically-modified-bacteria-conduct-electricity-ushering-in‬‬‫‪new-era-of-green-electronics‬‬

‫أكبر مزرعة رياح بحرية في العالم قبالة‬ ‫سواحل بريطانيا‬

‫منحت الحكومة البريطانية الضوء أ‬ ‫الخضر للمرحلة‬ ‫الثانية من مشروع بناء مزرعة رياح بحرية قبالة‬ ‫الساحل الشرقي‪ ،‬أ‬ ‫المر الذي سيجعله أكبر مشروع‬ ‫من نوعه في العالم‪ .‬و«مشروع هورنسيا ‪( »2‬بعد‬ ‫أ‬ ‫الول سنة ‪2015‬م)‪ ،‬سيشهد بناء ‪ 300‬توربين على‬ ‫مساحة ‪ 480‬كيلومتراً مربعاً في بحر الشمال‪ ،‬ومن‬

‫المتوقع أن يؤمن طاقة كافية لحوالي ‪ 1.6‬مليون‬ ‫منزل‪.‬‬ ‫ويقول غريغ كالرك‪« :‬إن بريطانيا هي رائدة عالمياً‬ ‫في صناعة طاقة الرياح البحرية التي نمت خالل‬ ‫السنوات القليلة الماضية بوتيرة استثنائية‪ ،‬وهي جزء‬ ‫أساسي من خططنا لبناء نظام طاقة نظيف ومتجدد‬

‫وآمن»‪.‬‬ ‫وتمت الموافقة على هذا المشروع بعد أن أظهرت‬ ‫بعض التقييمات أن هناك مبالغة في المخاوف‬ ‫من تأثير الضوضاء الناتجة أثناء بناء المشروع في‬ ‫المنطقة‪ ،‬فضال ً عن تأثير عمل مزرعة الرياح على‬ ‫طيور البحر‪.‬‬ ‫وبينما يلقى مشروع مزرعة الرياح الدعم من معظم‬ ‫الفعاليات في بريطانيا‪ ،‬فالعكس هو الصحيح‬ ‫إزاء مشروع آخر يعتمد على الطاقة النووية‪ .‬وكان‬ ‫تقدر تكلفته ‪ 18‬ملياراً‬ ‫المشروع النووي‪ ،‬التي َّ‬ ‫إسترلينياً‪ ،‬واسمه «هينكلي بوينت سي»‪ ،‬قد حاز‬ ‫موافقة الحكومة البريطانية السابقة‪ .‬لكن الحكومة‬ ‫الجديدة برئاسة تيريزا ماي قد وضعته قيد الدرس‬ ‫العتبارات أمنية‪.‬‬ ‫وقد أثارت مقارنة المشروعين من كافة جوانبهما كثيراً‬ ‫من الجدل في السابق‪ .‬فمشروع الرياح البحرية‬ ‫سيؤمن ‪ %10‬من حاجة البالد من الطاقة بحلول‬ ‫سنة ‪2020‬م‪ ،‬بينما إذا تم المضي قدماً بالمشروع‬ ‫النووي فإنه سيؤمن ‪ %7‬من حاجة البالد في أواسط‬ ‫العشرينيات‪ .‬فإذا أخذنا التكلفة وتطوير التقنيات‬ ‫الفضلى‪ ،‬يتبين أن مشروع الرياح يصبح أكثر تنافسية‪.‬‬ ‫المصدر‪:‬‬ ‫‪http://www.iflscience.com/environment/‬‬ ‫‪worlds-largest-offshore-windfarm-given‬‬‫‪green-light-to-be-built-off-britains-coast/‬‬


‫االسم المعياري‬ ‫اكتشاف أفضل لون أزرق‬

‫في عام ‪2009‬م‪ ،‬تع َّثر جمع من الكيميائين في أحد المختبرات بالصدفة‪ ،‬بنوع‬ ‫«كونوا» صباغاً أزرق قريباً من‬ ‫جديد من الصباغ غير معروف سابقاً‪ ،‬واعتبروا أنهم َّ‬ ‫الكمال‪.‬‬ ‫حصل هؤالء العلماء من جامعة والية أوريغون على هذا اللون أ‬ ‫الزرق‪ ،‬الذي‬ ‫أُطلق عليه اسم «أزرق ينمن»‪ ،‬بينما كانوا يسخنون مادة أكسيد المنغنيز مع بعض‬ ‫المواد الكيميائية أ‬ ‫الخرى فوق ‪ 1200‬درجة مئوية لدراسة بعض خصائص المنغنيز‬ ‫اللكترونية‪.‬‬ ‫إ‬ ‫ويقول البروفيسور سابرامانيان إنه «بينما كان أحد التالمذة يأخذ عينات من فرن‬ ‫ساخن جداً‪ ،‬وكنت ماراً بجانبه الحظت أن لونها أزرق‪ ،‬أزرق جميل جداً‪ .‬فأدركت‬ ‫للتو أن هناك شيئاً مذهال ً قد حدث»‪.‬‬

‫لكن ما هو المميز جداً في هذا أ‬ ‫الزرق؟‬

‫هذا الصباغ هو أكثر استقراراً بكثير من أ‬ ‫الصباغ الزرقاء المعروفة‪ ،‬عند تعرضه‬ ‫للحرارة أو عوامل حمضية‪ .‬وبالضافة إلى ذلك‪ ،‬وعلى عكس أ‬ ‫الزرق البروسي‬ ‫إ‬ ‫أو أ‬ ‫الزرق الكوبالت‪ ،‬فإنه ال يصدر مادة السيانيد السامة وهو ليس مسرطناً‪،‬‬ ‫وهذه خصائص تحسب له‪ .‬وأكثر من ذلك‪ ،‬فإن خصائص هذا الصباغ الجديد‬ ‫هي انعكاسية للغاية‪ ،‬وهذا يعني أنه يمكن استخدامه في الدهان‪ ،‬حيث تساعد‬ ‫البنية عن طريق عكس أ‬ ‫للحفاظ على برودة أ‬ ‫الشعة تحت الحمراء‪.‬‬ ‫ويضيف سابرامانيان «أن الصباغ الجديد أصبح خياراً شعبياً بين الفنانين بسبب‬ ‫لونه الزاهي‪ ،‬وأيضاً بسبب تمتعه بخصائص مقاومة‪ ،‬ويساعد في ترميم أ‬ ‫العمال‬ ‫الفنية القديمة‪ .‬والمص ّنع التجاري له وصاحب العالمة التجارية هو «شابرد كولور‬ ‫كومباني»‪.‬‬ ‫المصدر‪:‬‬ ‫‪http://www.iflscience.com/chemistry/this-new-shade-of-blue-was‬‬‫‪accidentally-discovered-by-chemists/‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬

‫أمبير‬

‫أمب� هو ي ز ئ‬ ‫يا�‬ ‫آندريه‪-‬ماري ي‬ ‫الف� ي‬ ‫نس الذي يُنسب إليه‬ ‫الفر ي‬ ‫مصطلح (الكهرومغناطيسية)‪.‬‬ ‫ن‬ ‫بمع� أن أبحاثه هي المسؤولة‬ ‫عن اكتشاف العالقة الطبيعية‬ ‫ئ‬ ‫المبا�ة ي ن‬ ‫ش‬ ‫الكهربا�‬ ‫ب� التيار‬ ‫ي‬ ‫المغناطيس‪.‬‬ ‫والمجال‬ ‫ي‬ ‫واسمه هو المعتمد للوحدة‬ ‫ت‬ ‫ال� تستعمل لقياس‬ ‫المعيارية ي‬ ‫ئ‬ ‫الكهربا�‪ ،‬وهي إحدى‬ ‫التيار‬ ‫ي‬ ‫آندريه‪-‬ماري أمبير‬ ‫الوحدات الرئيسة السبع ف ي�‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫يع�‬ ‫النظام الم�ي‪ .‬فال ي‬ ‫مب� ب ِّ‬ ‫الكهر� الناتج عن مرور شحنة قدرها ‪ 1‬كولوم من خالل‬ ‫عن شدة التيار‬ ‫بي‬ ‫ف‬ ‫جسم موصل‪ ،‬ي� زمن قدره ثانية واحدة‪.‬‬ ‫أمب� أل ٍب مورس‪ .‬وقد ُعد عبقرياً منذ طفولته وكان يتسىل بقراءة‬ ‫ولد ي‬ ‫أ‬ ‫الموسوعات فلم يضطر والده لن يلحقه بمدرسة نظامية‪.‬‬ ‫لكن القدر لم يلبث أن قلب له ظهر المجن‪ .‬فعند قيام الثورة الفرنسية‬ ‫الب بواسطة المقصلة عىل أ‬ ‫أُعدم أ‬ ‫المل‪ ،‬وصودرت ثروته‪ .‬وهكذا اضطر‬ ‫أ‬ ‫يتكسب الرزق بع� تعليم الرياضيات ي ز‬ ‫والف�ياء للصبية‪.‬‬ ‫ي‬ ‫أمب� الشاب لن َّ‬ ‫ش‬ ‫لكن شغفه بالبحث العلمي لم يتوقف‪ .‬وأدت ورقة علمية ن�ها حول علم‬ ‫االحتماالت إىل ذيوع اسمه مجدداً ف� أ‬ ‫الكاديمية العلمية ف ي� باريس‪ ،‬فانضم‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫�ض‬ ‫إليها عام ‪1814‬م‪ .‬ما أتاح له حضور محا ات الزوار الجانب وكان من‬ ‫ضمنهم ي ز ئ‬ ‫الدانمارك هانز أورستد الذي توقع وجود عالقة خواص‬ ‫يا�‬ ‫الف� ي‬ ‫ي‬ ‫تأث�ه عىل إبرة البوصلة‪.‬‬ ‫مغناطيسية للتيار‬ ‫الكهر� بع� دراسة ي‬ ‫ب‬ ‫خلبت الفكرة خيال أمب� ي تماماً‪ .‬فعطّل كافة مشاريعه أ‬ ‫وكرس كافة‬ ‫خرى‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫الكهر�‪.‬‬ ‫مغناطيس للتيار‬ ‫جهوده منذ عام ‪1820‬م‪ ،‬إلثبات وجود مجال‬ ‫بي‬ ‫ي‬ ‫وذاعت أسماء أخرى مهتمة به وبخواصه بع� أوروبا بأرسها من ضمنها‬ ‫(فولتا) اليطال الذي نسبت إليه وحدة الفولت‪ ،‬وكذا الفرنس آ‬ ‫الخر‬ ‫ُ‬ ‫إ ي‬ ‫ي‬ ‫كولوم‪ .‬وهي جميعها أسماء استعرضناها ف ي� هذه الزاوية‪.‬‬ ‫أمب� أنه يمكن توليد القوى المغناطيسية ف ي� الموصالت ف ي�‬ ‫أثبتت تجارب ي‬ ‫ئ‬ ‫كهربا�‪ .‬ن‬ ‫تيار‬ ‫بها‬ ‫دائرة مغلقة يمر‬ ‫بمع� أن أي معدن ‪ -‬وليس المغناطيس‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫كهر� بع�ه‪ ،‬بل‬ ‫الرصف ‪ -‬يمكن إكسابه خواصا مغناطيسية بتمرير تيار ب ي‬ ‫ويمكن التحكم بشدة هذه القوة المغناطيسية بع� التحكم بشدة التيار‬ ‫الذي يمر ف ي� الموصل‪.‬‬ ‫أمب� رئيساً لقسم ي ز‬ ‫الف�ياء‬ ‫عىل ضوء أبحاثه وابتكاراته المتعلقة بها‪ُ ،‬ع ي ّ ن� ي‬ ‫بكلية باريس‪ .‬لكن حرمانه من التعويضات المالية الموعودة من قبل‬ ‫الحكومة أدى به إىل االنسحاب من الحياة العامة ومن ثم االكتئاب‪ .‬ومات‬ ‫كب�ة عام ‪1836‬م‪.‬‬ ‫أمب� دون شهرة ي‬ ‫ي‬ ‫لكن ف� عام ‪1881‬م عقد اجتماع المجلس أ‬ ‫الول لعلماء الكهرباء ف ي� باريس‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وكان يضمن جدول أعماله تحديد أ‬ ‫السماء المعيارية لوحدات قياس الخواص‬ ‫الكهربائية‪ .‬فأعطي اسم (فولت) لفرق الجهد‪ ،‬وأعطي اسم العالم (أوم)‬ ‫(أمب�) لوحدة قياس التيار‪ .‬ف� ت‬ ‫اع�اف‬ ‫لوحدة المقاومة‪ .‬فيما أعطي اسم ي‬ ‫ي‬ ‫رصيح أ‬ ‫الف� ئ‬ ‫بالهمية القصوى لجهود ذلك ي ز‬ ‫يا�‬ ‫نس ف ي� إرساء معارفنا‬ ‫ر‬ ‫الف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫الوىل بخصوص الديناميكا الكهربائية والخواص المغناطيسية للتيار‬ ‫ئ ت‬ ‫مك�ات الصوت إىل سكك‬ ‫ال� تتنوع تطبيقاتها اليوم من أبسط ب‬ ‫ي‬ ‫الكهربا� ي‬ ‫القطارات خارقة الرسعة‪.‬‬


‫‪41 | 40‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫ماذا لو؟‬

‫انقلب المجال‬ ‫المغناطيسي؟‬ ‫ُعمير طيبة‬

‫يز‬ ‫الجيوف�ياء حول العالم‬ ‫الحظ علماء‬ ‫المغناطيس‬ ‫انخفاضاً ف ي� قوة المجال‬ ‫ي‬ ‫الرضية‪ .‬من أ‬ ‫للكرة أ‬ ‫السباب ت‬ ‫المق�حة لهذا‬ ‫مقدمة لما يعرف بانقالب‬ ‫االنخفاض هو أنه قد يكون ِّ‬ ‫المجال المغناطيس للكرة أ‬ ‫الرضية‪ .‬وهذه الظاهرة‬ ‫ليست جديدة عىل يكوكبنا أ‬ ‫الزرق‪ .‬فقد انقلب مجاله‬ ‫المغناطيس عدة مرات ف� ض‬ ‫الما�‪ ،‬كان آخرها قبل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫حوال ‪ 780‬ألف سنة‪ .‬ي ن‬ ‫النسان القديم‬ ‫ح� كان إ‬ ‫يتعل يَّم إشعال النار وصنع أ‬ ‫الدوات‪.‬‬ ‫المغناطيس هو أن القطب‬ ‫ما يحدث ف ي� االنقالب‬ ‫ي‬ ‫الشمال يبدأ باالتجاه نحو الجنوب‬ ‫المغناطيس‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫إىل أن يستقر حول القارة المتجمدة الجنوبية‪،‬‬ ‫المغناطيس‬ ‫والقطب‬ ‫الجنو� يبدأ باالتجاه شماال ً‬ ‫بي‬ ‫ي‬ ‫الشمال‪ .‬كما‬ ‫إىل أن يستقر فوق المحيط المتجمد‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫القطب�‬ ‫أن هناك ما يعرف بـ «ترحال‬ ‫ين‬ ‫المغناطيسي�» وهو انقالبهما بشكل‬ ‫يغ� كامل‪ .‬وآخر «ترحال كان قبل نحو‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫القطب�‬ ‫أربع� ألف سنة‪ .‬فحركة‬ ‫شمال‬ ‫ن‬ ‫المغناطيسي� هي دائمة‪ .‬فالقطب‬ ‫ي‬ ‫الشمال مثال ً كان يتحرك من كندا‬ ‫ي‬ ‫سيب�يا ف ي� بداية القرن ش‬ ‫الع�ين‬ ‫باتجاه ي‬ ‫ت‬ ‫كيلوم�ات ف ي� السنة‪،‬‬ ‫برسعة ‪10‬‬ ‫وارتفعت هذه الرسعة إىل ‪ 40‬كيلوم�اًت‬ ‫شمال‬ ‫و«يرجح»‬ ‫بدءاً من عام ‪2003‬م‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫المغناطيس‬ ‫العلماء أن االنقالب‬ ‫ي‬

‫المقبل سيكون ف ي� الحقبة الجيولوجية المقبلة‪،‬‬ ‫ب� أ‬ ‫وسيستغرق ما ي ن‬ ‫ش‬ ‫والع�ة آالف سنة‪.‬‬ ‫اللف‬ ‫ن‬ ‫بمع� آخر لن يشهد أي منا تمام عملية االنقالب‬ ‫المغناطيس‪.‬‬ ‫ي‬ ‫المغناطيس أثناء‬ ‫لالنقالب‬ ‫المتوقعة‬ ‫المخاطر‬ ‫تكمن‬ ‫ي‬ ‫المغناطيس هو ما‬ ‫عملية االنقالب نفسها‪ .‬فالمجال‬ ‫ي‬ ‫يحمي كوكبنا من أ‬ ‫الشعة الكونية والرياح الشمسية‪،‬‬ ‫وهي جسيمات مشحونة تطلقها الشمس‪ .‬ولوال هذا‬ ‫المجال لحرمت أ‬ ‫الرض من غالفها الجوي ولتبخرت‬ ‫المياه عىل سطحها‪ .‬وبالمناسبة‪ ،‬فإن هذه الحماية‬ ‫هي سبب حدوث ظاهرة «الشفق‬ ‫القط�»‪.‬‬ ‫بي‬ ‫إن عملية االنقالب ليست ش‬ ‫مبا�ة كتحريك قضيب‬ ‫مغناطيس‪ ،‬بل عندما تحدث سينقسم المجال‬ ‫ي‬ ‫صغ�ة موضعية‬ ‫المغناطيس إىل عدة مجاالت ي‬ ‫ي‬

‫شمال‬ ‫جنوب‬

‫جنوب‬ ‫شمال‬

‫جنوب‬

‫جنوب‬

‫ضعيفة كما هو موضح ف� الرسم إىل أ‬ ‫السفل‪.‬‬ ‫ي‬ ‫المغناطيس لعدة‬ ‫ونتيجة انقسام المجال‬ ‫ي‬ ‫مجاالت‪ ،‬ستتكون ثغرات ي ن‬ ‫ب� المجاالت الموضعية‪،‬‬ ‫بالضافة إىل ثقوب مؤقتة ف� طبقة أ‬ ‫الوزون‪.‬‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ستخ�ق أ‬ ‫ت‬ ‫الشعة الكونية والشمسية الغالف‬ ‫وبالتال‪،‬‬ ‫ي‬ ‫الجوي وتصل إىل سطح أ‬ ‫الرض‪ .‬هذه الثقوب‬ ‫ليست مستديمة (كثقب أ‬ ‫الوزون شب�ي الصنع)‪.‬‬ ‫المغناطيس‬ ‫إنما ستلتئم عند انتظام المجال‬ ‫ي‬ ‫بعد انقالبه‪ .‬أما مخاطر أ‬ ‫الشعة الكونية والشمسية‬ ‫فهي أنها ستسبب طفرات جينية مما قد ينتج خاليا‬ ‫يتعرض لها‪.‬‬ ‫رسطانية لمن َّ‬ ‫المغناطيس‪ ،‬أن الكائنات الحية‬ ‫فمن نتائج االنقالب‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تعتمد عليه ف ي� حياتها (مثل الحيتان والسالحف‬ ‫ي‬ ‫وأسماك السلمون وبعض أنواع ت‬ ‫البك�يا) سيضطرب‬ ‫إحساسها باالتجاهات‪ .‬وال نعرف كيف‬ ‫ش‬ ‫المبا� عليها‪ ،‬لكننا‬ ‫التأث�‬ ‫سيكون ي‬ ‫ف‬ ‫سنشهد نتائج كارثية تتمثل ي� نفوق‬ ‫أعداد هائلة منها عىل السواحل‪.‬‬ ‫عىل أية حال‪ .‬أ‬ ‫الرض كوكب معقَّد‪.‬‬ ‫قد يحدث هذا االنقالب أو ال يحدث‬ ‫وعلم ذلك عند هللا تعاىل‪ .‬وإن حدث‬ ‫المغناطيس فسيحدث عىل‬ ‫االنقالب‬ ‫ي‬ ‫مدى آالف من ي ن‬ ‫السن� مما قد يتيح‬ ‫للكائنات عىل أ‬ ‫الرض مدة كافية للتكيف‬ ‫والتأقلم‪.‬‬


‫تجربة هولندية‬ ‫رائدة في‬ ‫تطوير التعليم‬

‫التالميذ مع المد ِّربة في حصة‬ ‫الرياضيات‪ ،‬لمن تهمه الرياضيات‪...‬‬

‫أسامة أمين‬

‫حياتنا اليوم‬

‫أطاحت بالمنهج التقليدي‬ ‫ِّ‬ ‫المعلم والتلميذ‬ ‫ومهمات‬

‫وسط المراجعات المختلفة التي تتناول‬ ‫التعليم التقليدي ومناهجه بغية تطويره‬ ‫ليواكب احتياجات العصر‪ ،‬تبرز تجربة هولندية‬ ‫فريدة من نوعها‪ ،‬تحررت بشكل شبه كامل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا من‬ ‫ليس فقط من المنهاج التقليدي‪ ،‬بل‬ ‫ِّ‬ ‫للمعلم‪ ،‬والواجبات التقليدية‬ ‫الدور التقليدي‬ ‫التي كانت مطلوبة من التلميذ‪ .‬وخالل سنوات‬ ‫ثالث فقط على تأسيس المدرسة النموذجية‬ ‫األولى‪ ،‬تكاثرت المدارس المشابهة‪ ،‬فوصل‬ ‫عددها إلى ‪ 40‬مدرسة يؤمها ‪ 8000‬تلميذ‪.‬‬ ‫وأكثر من ذلك‪ ،‬بدأت هذه التجربة تثير اهتمام‬ ‫الدوائر التربوية خارج هولندا‪.‬‬


‫‪43 | 42‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫قبل سنوات ثالث‪ ،‬كان رجل‬ ‫هولندي يدعى ماوريس دو هوند‬ ‫يبحث عن مدرسة ابتدائية مناسبة‬ ‫البنته‪ ،‬فوجد أن كل المدارس في‬ ‫بالده تسير على المنهاج نفسه الذي كانت عليه عندما‬ ‫كان هو نفسه طفالً‪ ،‬قبل أكثر من ستين عاماً‪ ،‬فقرر‬ ‫أن يؤسس مدرسة تتب َّنى تعليماً لعصر جديد‪ ،‬وهي‬ ‫المدرسة التي وقع االختيار عليها الحقاً‪ ،‬لتكون واحدة‬ ‫من أكثر المدارس ابتكاراً في العالم‪ .‬وحملت اسم‬ ‫«مدرسة ستيف جوبز» تكريماً له‪ ،‬دون أن تكون له‬ ‫أية عالقة بها‪.‬‬

‫المدرسة كما لم يعهدها أحد‬

‫مدرسة دون معلمين‪ ،‬بل بمدربين‪ ،‬ويحق للطالب‬ ‫فيها أن يسافر في عطلة أثناء العام الدراسي‪،‬‬ ‫ويسري أ‬ ‫المر نفسه على المدربين‪ .‬ليس فيها‬ ‫صفوف دراسية‪ ،‬بل مجموعات تضم تالميذ من‬ ‫أعمار مختلفة‪ .‬ال يحتاج المدربون فيها إلى تحضير‬ ‫يضيعون وقتاً في فرض النظام‬ ‫الدروس‪ ،‬وال ّ‬ ‫على الصف‪ ،‬ولذلك فكل وقتهم مخصص للمهمة‬ ‫أ‬ ‫الساسية‪ ،‬وهي اكتشاف مهارات الطفل وتنميتها‪.‬‬ ‫ليس هناك جدول زمني لتطبيق المنهاج الدراسي‬ ‫الموضوع من الوزارة والمفروض على الجميع أن‬ ‫يدرسوه‪ ،‬بل لكل طالب جدول دراسي (على مقاسه)‪،‬‬ ‫هو الذي يختار المواد والنشاطات التي يريدها‪،‬‬ ‫والوقت الذي يرغب أن يخصصه لها‪ .‬ويقتصر دور‬ ‫الشراف من بعيد على هذا االختيار‪.‬‬ ‫الوالدين على إ‬ ‫المدرب المسؤول مستوى الطالب بصورة‬ ‫ويتابع‬ ‫ِّ‬

‫المبنى الذي يضم‬ ‫المدرستين‬

‫تلميذان يتعلَّمان‬ ‫بمفردهما‪..‬‬

‫مكثفة‪ .‬وفي االجتماع الذي يُعقد كل ستة أسابيع‪،‬‬ ‫بمشاركة التلميذ وولي أ‬ ‫والمدرب‪ ،‬تجري مناقشة‬ ‫المر‬ ‫ِّ‬ ‫ما تحقق خالل هذه المدة‪ ،‬وما ينبغي أن يتم في‬ ‫أ‬ ‫السابيع الستة التالية‪.‬‬ ‫أ‬ ‫العالمية الوروبية التي تناولت‬ ‫كثير من التقارير إ‬ ‫هذه المدرسة‪ ،‬ركزت ّ‬ ‫جل اهتمامها على االستخدام‬ ‫المكثف آ‬ ‫لليباد‪ ،‬الذي يحمل البرامج التعليمية بصورة‬ ‫وشيقة‪ ،‬وهي البرامج التي تتيح للطالب أن‬ ‫حديثة ِّ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫يتأمل الوضاع عن‬ ‫يتعلَّم كثيرا بنفسه‪ .‬لكن من َّ‬ ‫كثب‪ ،‬ويتحدث مع كل أ‬ ‫الطراف‪ ،‬يدرك أن القضية‬ ‫أكبر من وسيلة تعلم تستخدم التقنية الحديثة‪ ،‬بل‬ ‫يتعلَّق أ‬ ‫المر بقلب المعادلة التي استمرت طويالً‪،‬‬ ‫والتي تقوم على منهاج موضوع من جهات عليا يجب‬ ‫أن تتم برمجة الطالب ليتماشى معه‪ ،‬فهنا تنطلق‬ ‫المعادلة الجديدة من الطفل وليس من النظام‪،‬‬ ‫بحيث يصبح النسان هو أ‬ ‫الساس‪.‬‬ ‫إ‬ ‫فهل يمكن لرجل ال عالقة له بمجال التعليم‪ ،‬أن‬ ‫يتوصل إلى حل المعضالت‪ ،‬التي استعصى حلّها‬ ‫على وزارات التعليم في كثير من دول العالم؟‬

‫بعد حصوله على التصريح‬ ‫بإنشاء مدرسة‪ ،‬قبل ثالثة‬ ‫أعوام‪َّ ،‬‬ ‫قدمت له البلدية‬ ‫ً‬ ‫جزءا آخر من المبنى نفسه‬ ‫ليؤسس فيها «مدرسة‬ ‫ستيف جوبز»‪ ،‬وعندما رأت‬ ‫إدارة المدرسة األخرى ‪-‬ذات‬ ‫األغلبية من المهاجرين‪-‬‬ ‫األوضاع في مدرسته‪ ،‬قررت‬ ‫تطبيق األسلوب التعليمي‬ ‫نفسه‪.‬‬

‫ليست مدارس للنخبة‬

‫توجد في العاصمة الهولندية أمستردام أحياء يسكن‬ ‫فيها مهاجرون بنسبة تفوق نسبة الهولنديين‪ .‬وال‬ ‫تتمتع هذه أ‬ ‫الحياء بسمعة جيدة‪ ،‬إذ غالباً ما ترتفع‬ ‫فيها نسبة الجريمة‪ ،‬وتكون غالبية مبانيها مرتفعة‬ ‫وعلى نمط واحد ألن سكانها من ذوي المداخيل‬ ‫المحدودة‪ ،‬الذين ال يملكون رفاهية االنتقال إلى‬ ‫أ‬ ‫الحياء الراقية‪.‬‬

‫جهاز الـ «آيباد» َّ‬ ‫حل محل الحقيبة المدرسية التقليدية‬ ‫بكل ما كان فيها‬


‫في أحد هذه أ‬ ‫الحياء‪ ،‬وتحديداً في غرب أمستردام‪،‬‬ ‫تقع «مدرسة ستيف جوبز»‪ ،‬يقابلها على الطرف آ‬ ‫الخر‬ ‫من الميدان‪ ،‬مسجد كبير‪ ،‬وقسم للشرطة‪ ،‬وكاميرات‬ ‫المراقبة مثبتة في وسط الميدان‪ ،‬وغالبية السيدات‬ ‫محجبات ويتحدثن‬ ‫الالتي يأتين بأطفالهن هن ّ‬ ‫باللهجة المغربية‪.‬‬ ‫أ‬ ‫وضمن بناء واحد توجد مدرستان؛ الولى غالبيتها من‬ ‫أبناء المهاجرين المغاربة‪ ،‬والثانية تبلغ نسبتهم فيها‬ ‫‪ 15‬في المئة فقط‪ ،‬وهي «مدرسة ستيف جوبز» التي‬ ‫يرأس مجلس إدارتها دو هوند نفسه‪.‬‬ ‫يقول مؤسس هذه المدرسة إن الحي كان يعاني‬ ‫من نسبة جريمة مرتفعة‪ ،‬فأرادت بلدية أمستردام‬ ‫االرتقاء بالحي‪ ،‬فأجرت تعديالت من بينها‪ ،‬إنشاء‬ ‫هذا المبنى والمسجد وقسم الشرطة‪ .‬ونقلت تالميذ‬ ‫مدرسة ابتدائية‪ ،‬غالبية طالبها من أبناء المهاجرين‪،‬‬ ‫إلى جزء من هذا المبنى الجديد‪ ،‬ولم تكن المدرسة‬ ‫تتمتع بسمعة جيدة‪.‬‬ ‫بعد حصوله على التصريح بإنشاء مدرسة‪ ،‬قبل‬ ‫قدمت له البلدية جزءاً آخر من المبنى‬ ‫ثالثة أعوام‪َّ ،‬‬ ‫نفسه ليؤسس فيها «مدرسة ستيف جوبز»‪ ،‬وعندما‬ ‫الخرى ‪ -‬ذات أ‬ ‫رأت إدارة المدرسة أ‬ ‫الغلبية من‬ ‫المهاجرين ‪ -‬أ‬ ‫الوضاع في مدرسته‪ ،‬قررت تطبيق‬ ‫أ‬ ‫السلوب التعليمي نفسه‪ .‬ومنذ ذلك الحين‪ ،‬تبدلت‬ ‫أ‬ ‫الوضاع في المدرسة وفي الحي‪ .‬ويكفي للتدليل على‬ ‫ذلك‪ ،‬أنه لم يتعرض أي جهاز «آيباد» للسرقة‪ ،‬رغم‬ ‫أن أ‬ ‫الطفال يأخذونه معهم إلى البيت‪ ،‬ويسيرون به‬ ‫في الشارع‪.‬‬ ‫بدا الكالم مبالغاً فيه‪ ،‬وكأن مدرسة واحدة‪ ،‬قادرة‬ ‫على كسب التالميذ واالرتقاء بقدراتهم‪ ،‬ليس ذلك‬ ‫فحسب‪ ،‬بل وكسب أولياء أمورهم‪ ،‬ليكونوا شركاء‬ ‫في العملية التعليمية بحق‪ .‬وفوق كل ذلك‪ ،‬فإنها‬ ‫مدرسة تترك بصمتها على المجتمع المحيط‪ ،‬فتتراجع‬ ‫معدالت الجريمة‪ ،‬ويحدث نوع من االنسجام بين‬ ‫الصول المهاجرة‪ ،‬أ‬ ‫الطفال من ذوي أ‬ ‫أ‬ ‫والطفال من‬ ‫أبناء العائالت الهولندية‪ ،‬فكيف حدث كل ذلك؟‬

‫مؤسسها يروي الحكاية من البداية‬

‫اكتشف ماوريس دو هوند ‪ -‬وهو من مواليد‬ ‫‪1947‬م ‪ ،-‬أن ابنته الصغرى‪ ،‬المولودة في عام‬ ‫‪2009‬م‪ ،‬قادرة على التعامل مع آ‬ ‫اليباد ببراعة منذ‬ ‫أن كان عمرها عامين ونصف العام‪ ،‬وتستخدم‬ ‫برامج مخصصة أ‬ ‫للطفال تجعلها قادرة على تصميم‬ ‫أزياء‪ ،‬وتكوين أشكال هندسية‪ .‬فتساءل عما إذا كانت‬ ‫هناك مدرسة في أمستردام‪ ،‬قادرة على اكتشاف ما‬ ‫في ابنته وغيرها من مواهب وقدرات‪ ،‬فزار المدرسة‬ ‫االبتدائية تلو أ‬ ‫الخرى‪ ،‬وقارن ما شاهده بالصور‬ ‫المرسومة في ذهنه عن مدرسته‪ ،‬من خمسينيات‬ ‫القرن الماضي‪ ،‬ومدرسة ابنه مارك من ثمانينيات‬ ‫القرن الماضي‪ ،‬ووجد أنها تعتمد كلها من حيث‬ ‫المبدأ على معلمة واقفة أمام الصف‪ ،‬هي التي‬

‫تتولى تدريس غالبية المواد‪.‬‬ ‫يوضح دو هوند في حديثه إلى «القافلة» أنه على‬ ‫قناعة بأن المدارس في الماضي‪ ،‬عندما كان الصف‬ ‫يضم ‪ 50‬تلميذاً‪ ،‬وفيما بعد حوالي ‪ 30‬تلميذاً‪ ،‬لم‬ ‫يكن أمامها بدائل أخرى تتيح لها التعامل مع كل‬ ‫تلميذ على حدة‪ .‬وكان المعلم يلتزم بالجدول الزمني‬ ‫المفروض عليه من وزارة التعليم‪ ،‬الذي ينص مثال ً‬ ‫على أن يتم في الشهر أ‬ ‫الول من العام الدراسي‪،‬‬ ‫تدريس تالميذ الصف أ‬ ‫الول‪ ،‬الدروس من كذا إلى‬ ‫كذا‪ ،..‬وكان المعلم يعد أن قيامه بشرح الدرس‪،‬‬ ‫يعني تلقائياً أن التالميذ قد درسوه وفهموه‪.‬‬ ‫ويتساءل دو هوند مستنكراً عن مصير حوالي ‪ 20‬في‬ ‫المئة من التالميذ‪ ،‬الذين يعرفون من قبل‪ ،‬ما يشرحه‬ ‫المعلم في هذه الحصة‪ ،‬فيشعرون بالملل‪ ،‬وثالثين‬ ‫في المئة يجدون صعوبة في فهم ما يقوله المعلم‪،‬‬ ‫ألنه يفوق مستواهم‪ .‬أي إن حوالي نصف الصف‬ ‫فقط هو الذي يستوعب ما يقوله المعلم‪ ،‬والنصف‬ ‫آ‬ ‫الخر‪ ،‬يبدي تضجره بكثرة الحركة‪ ،‬أو الحديث مع‬ ‫جاره‪ ،‬أو أي تصرفات أخرى‪ ،‬تُغضب المعلم‪ ،‬فيترك‬ ‫الشرح‪ ،‬ويطالب هذا التلميذ أو ذلك أن ينصت له‪،‬‬ ‫ولكن الحقيقة أن العيب ليس في التلميذ‪ ،‬بل في‬ ‫النظام‪ ،‬الذي يعد أن تساوي العمر‪ ،‬يعني تساوي‬ ‫القدرات والميول‪.‬‬ ‫ويضيف أن التقنيات الحديثة توفر إمكانية تعليم كل‬ ‫تلميذ حسب مستواه‪ ،‬بغض النظر عن عمره‪ .‬وأطفال‬ ‫اليوم قادرون على التعامل مع هذه التقنيات‪ ،‬التي‬ ‫توفر الشرح والتدريبات في مستويات متعددة‪،‬‬ ‫أ‬ ‫والولى أن نستفيد منها‪ .‬وبدال ً من االعتماد على‬ ‫معلم الصف‪ ،‬الذي ال يكون متخصصاً في مادة‬ ‫دراسية معينة‪ ،‬فمن أ‬ ‫الفضل االعتماد على معلم‬ ‫ماهر في مادة دراسية بعينها يتجه إليه التلميذ‪،‬‬ ‫ليناقش معه ما لم يفهمه‪ ،‬ويتابع مستوى التلميذ‬ ‫ماوريس دو هوند‬ ‫مؤسس المدرسة‬

‫باستمرار‪ ،‬من خالل برامج آ‬ ‫اليباد‪ ،‬التي تتيح للمعلم‬ ‫االطالع باستمرار على أداء التلميذ‪.‬‬ ‫كل ذلك جعله يوقن أن أ‬ ‫المر يحتاج إلى حل‬ ‫جوهري‪ ،‬وهو إنشاء مدرسة جديدة مختلفة تماماً‬ ‫عن كل المدارس الموجودة‪ .‬مدرسة ال تضع نموذجاً‬ ‫للطالب الذي تريد إنتاج بقية الطالب حسب‬ ‫مواصفاته القياسية‪ ،‬بل تريد أوال ً أن يكون إنساناً‬ ‫سعيداً‪ .‬وهذه السعادة ال تتحقق‪ ،‬إال من خالل‬ ‫االنطالق من داخله‪ ،‬أي باكتشاف تفرده ومواهبه‬ ‫ومهاراته وقدراته وميوله‪ ،‬وتقديم المادة العلمية‬ ‫التي ينبغي أن يتعلمها في المرحلة االبتدائية‪ ،‬على‬ ‫جرعات يحدد التلميذ نفسه كميتها ووقتها كما يحلو‬ ‫له‪ .‬المهم أن يصل في نهاية هذه المرحلة إلى‬ ‫امتالك هذه المعارف‪ ،‬بالطريقة التي تناسبه‪.‬‬ ‫تحدث دو هوند آنذاك مع المسؤولين في وزارة‬ ‫التعليم الهولندية‪ ،‬وشرح لهم فكرته‪ ،‬فشجعوه‪،‬‬ ‫وطلبوا منه بلورة هذه الفكرة‪ ،‬من خالل التعاون مع‬ ‫خبراء في التربية والتعليم‪ ،‬ومعلمين من الميدان‬ ‫يؤمنون مثله بضرورة إحداث تغيير حقيقي في‬ ‫مجال التعليم‪ .‬واختار لمدرسته اسم (ستيف جوبز)‬ ‫المؤسس الشريك لشركة أبل‪ ،‬الذي يرجع له الفضل‬ ‫في انتشار أجهزة آ‬ ‫اليباد في العالم كله‪.‬‬ ‫ومن خالل عمله على نشر فكرته‪ ،‬وظهوره في برامج‬ ‫تلفزيونية وحديثه عن تعليم مختلف‪ ،‬بدأت مدارس‬ ‫تطبق أفكار مدرسته‪ ،‬حتى قبل‬ ‫هولندية عديدة‪ِّ ،‬‬ ‫أن تتأسس هذه المدرسة‪ ،‬وأشرفت شركة اسمها‬ ‫(‪ ،)O4NT‬وهو اختصار السمها الذي يعني «تعليم‬ ‫لعصر جديد»‪ ،‬على هذا التحول‪ ،‬الذي يستغرق‬ ‫ستة أشهر في كل مدرسة‪ .‬وبلغ عدد المدارس التي‬ ‫تطبق هذه الفكرة حالياً حوالي ‪ 40‬مدرسة‪ ،‬يبلغ عدد‬ ‫ِّ‬ ‫طالبها ‪ 8000‬تلميذ وتلميذة‪ ،‬تتراوح أعمارهم بين‬ ‫أربع سنوات واثنتي عشرة سنة‪.‬‬

‫نظام التدريس اليومي‬ ‫والمدرسة من الداخل‬

‫يمكن للتالميذ أن يأتوا في الساعة الثامنة والنصف‪،‬‬ ‫أو التاسعة والنصف صباحاً‪ .‬ومن يأت دوماً مبكراً‪،‬‬ ‫يحق له االنصراف يوم الخميس والجمعة بعد نصف‬ ‫الدوام‪ ،‬الذي يستمر عادة حتى الساعة الثالثة ظهراً‪.‬‬ ‫والطريف أن المدرسة مفتوحة طوال العام‪ ،‬إال في‬ ‫أيام العطالت الحكومية الرسمية‪ .‬أي حين تحصل‬ ‫المدارس أ‬ ‫الخرى على العطالت في الصيف أو في‬


‫يالحظ الزائر أن التالميذ‬ ‫ال يرتدون أحذية‪ ،‬وأنهم ال‬ ‫ً‬ ‫شيئا سوى الماء‪،‬‬ ‫يشربون‬ ‫فال عصير وال مشروبات‬ ‫غازية ويتناولون الفواكه‬ ‫واألطعمة الصحية فقط‪.‬‬

‫‪45 | 44‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫أطفال يلعبون خالل‬ ‫االستراحة‬

‫الربيع‪ ،‬فإن «مدرسة ستيف جوبز»‪ ،‬تظل مفتوحة‬ ‫أمام تالميذها‪ .‬وفي المقابل‪ ،‬يمكن للتلميذ فيها أن‬ ‫يحصل على عطلة مدرسية في أي وقت طوال العام‬ ‫الدراسي‪ ،‬ألنه قادر على توزيع جدوله الدراسي‪ ،‬بما‬ ‫يتناسب مع ميوله وظروفه‪ .‬وينطبق أ‬ ‫المر نفسه على‬ ‫المدربين‪ ،‬الذين ال يكون عندهم تالميذ أثناء العام‬ ‫ِّ‬ ‫الدراسي‪ ،‬فيكون من حقهم أيضاً أن يحصلوا على‬ ‫عطلتهم وقتما يشاؤون‪.‬‬ ‫ينتمي كل تلميذ إلى مجموعة أفرادها من أعمار‬ ‫مختلفة‪ ،‬شرط أال يزيد الفرق بينهم على سنوات‬ ‫أربع‪ .‬يجتمعون مع مشرف عليهم صباح كل يوم‬ ‫من التاسعة والنصف وحتى العاشرة‪ ،‬لمناقشة كل‬ ‫أمورهم‪ ،‬مع التركيز على المهارات االجتماعية‪،‬‬ ‫مثل امتالك روح الفريق‪ ،‬والتعاون مع آ‬ ‫الخرين‪،‬‬ ‫واالحتكاك بذوي أ‬ ‫العمار المختلفة‪ ،‬وتجري هذه‬ ‫اللقاءات الصباحية في قاعات مريحة‪ ،‬يختار فيها‬ ‫كل تلميذ المكان الذي يحلو له‪ ،‬دون تدخل من‬ ‫المشرف‪.‬‬ ‫بعد هذه الجلسة الصباحية مع المجموعة‪ ،‬وتحديداً‬ ‫من الساعة العاشرة والنصف وحتى الثانية عشرة‪،‬‬ ‫ينفصل كل تلميذ عن المجموعة‪ ،‬ليذهب إلى المكان‬ ‫الذي اختاره‪ ،‬حسب الخطة الدراسية الخاصة به‪،‬‬ ‫فإما أن يذهب إلى قاعة اللغات أو الرياضيات أو‬ ‫العلوم أو أي مادة دراسية‪ ،‬ليجد في انتظاره معلماً‬ ‫متخصصاً في هذه المادة‪ ،‬يشرف على التالميذ‬ ‫الذين اختاروا التوجه إليه‪ ،‬لتعلم درس ما‪ ،‬وتكون‬ ‫مستوياتهم متقاربة‪ ،‬بغض النظر عن أعمارهم‪ .‬فيما‬ ‫يقرر آخرون أن يتعلموا بمفردهم باستخدام آ‬ ‫اليباد‪،‬‬ ‫والتمارين التي تتناسب مع مستوى كل واحد‪.‬‬

‫بعد استراحة لمدة نصف ساعة‪ ،‬تقام ما بين الثانية‬ ‫عشرة والنصف والثانية والنصف من بعد الظهر‪،‬‬ ‫ورش عمل ومشروعات دراسية وأعمال فردية وتمارين‬ ‫رياضية‪ .‬وهنا أيضاً يكون التلميذ قد حدد سلفاً في‬ ‫جدوله الدراسي الخاص به‪ ،‬ما الذي يريد أن يفعله‪،‬‬ ‫ويجد مشرفاً في انتظاره‪ ،‬أو زمالء له سيتعاونون‬ ‫معه‪.‬‬ ‫وفي نهاية اليوم تجلس المجموعة من جديد مع‬ ‫المشرف عليها‪ ،‬لمناقشة أي أمر يشغل بال أفرادها‪،‬‬ ‫ولمتابعة أوضاع كل تلميذ منها‪ ،‬ألن تفريغ المعلم‬ ‫من المهام الروتينية‪ ،‬يجعله يجد الوقت لالهتمام‬ ‫الشامل بالتلميذ‪ ،‬والتواصل المستمر مع أ‬ ‫الهل‪.‬‬ ‫ويلعب آ‬ ‫اليباد دوراً مهماً في العملية التعليمية‪،‬‬ ‫ويتابع أ‬ ‫الهل من خالله‪ ،‬كل ما يقوم به ابنهم أو‬ ‫ابنتهم‪ ،‬ويتواصلون باستمرار مع المشرف على‬ ‫المدربين الذين يتولون تدريس المواد‬ ‫التلميذ‪ ،‬وكل‬ ‫ِّ‬ ‫الدراسية المختلفة‪.‬‬ ‫ويالحظ الزائر أن التالميذ ال يرتدون أحذية‪ ،‬وأنهم‬ ‫ال يشربون شيئاً سوى الماء‪ ،‬فال عصير وال مشروبات‬ ‫غازية ويتناولون الفواكه أ‬ ‫والطعمة الصحية فقط‪.‬‬ ‫ويوضح دو هوند أن قرار المشي حفاة أ‬ ‫القدام‪،‬‬ ‫يرجع إلى أن بعض التالميذ يستلقون أرضاً‪ ،‬وتلمس‬ ‫أيديهم أ‬ ‫الرض‪ ،‬وأما السماح بشرب الماء فقط‪،‬‬ ‫أ‬ ‫فيهدف إلى رفع الوعي لدى التالميذ‪ ،‬لضرار‬ ‫المشروبات الغازية‪ ،‬وكذلك أ‬ ‫المر بالنسبة للطعام‬ ‫الصحي‪.‬‬ ‫وفي هذه المدرسة‪ ،‬يتحدث التالميذ مع الذين هم‬ ‫من حولهم بثقة كبيرة في النفس‪ ،‬وال يستغربون‬ ‫وجود غرباء في المدرسة‪ ،‬كما أن التلميذ الذي يدرس‬

‫على آ‬ ‫اليباد‪ ،‬يركز بشدة‪ ،‬وال يحتاج إلى من يطلب‬ ‫منه االنتباه إلى الشرح‪ ،‬ويستخدم البرامج التفاعلية‬ ‫التقان‪.‬‬ ‫بمنتهى إ‬ ‫أ‬ ‫ومن أ‬ ‫المور الخرى الالفتة للنظر‪ ،‬الهدوء الذي يعم‬ ‫المكان طوال وقت الدراسة‪ .‬فال صراخ وال شجار‬ ‫وال طالب معاقب بالوقوف أمام الصف‪ ،‬وال معلم‬ ‫ثائر‪ .‬لكن في وقت االستراحة‪ ،‬يتحول هؤالء التالميذ‬ ‫الهادئون في قاعات الدراسة‪ ،‬إلى أطفال يفيضون‬ ‫بالطاقة والحيوية والنشاط‪ ،‬وبعد أن ترك كل واحد‬ ‫منهم آ‬ ‫اليباد‪ ،‬الذي كان يعمل عليه بمفرده‪ ،‬عاد إلى‬ ‫الجماعة من دون أي مشكلة‪ ،‬ولم يؤثر ذلك سلباً‬ ‫الطالق‪.‬‬ ‫على سلوكه االجتماعي على إ‬

‫«امنحوا التلميذ الثقة»‬

‫ولدى السؤال عن الصعوبة التي تواجه المعلمين في‬ ‫المدارس أ‬ ‫الخرى‪ ،‬خالل التحول إلى هذه الطريقة‬ ‫في التدريس‪ ،‬يقول دو هوند إنها تكمن في تخلص‬ ‫المعلم من الرغبة في التحكم والسيطرة على‬ ‫التالميذ‪ ،‬وأن يتعلم أن يثق في الطفل‪ ،‬وأن يؤمن‬ ‫بأن هذا الطفل قادر على أن يتعلم كيفية وضع‬ ‫برنامج دراسي خاص به‪ ،‬وفق ميوله ومهاراته‪ ،‬وأن‬ ‫ينتقل من قاعة إلى أخرى‪ ،‬ومن مادة إلى مادة‪،‬‬ ‫ومن ورشة عمل إلى تدريب رياضي‪ ،‬دون الحاجة‬ ‫إلى جرس يقرع‪ ،‬وال معلم يمشي أمامه ليدله على‬ ‫المكان‪ ،‬فكل المعلومات متوفرة على آ‬ ‫اليباد‪ ،‬وداخل‬ ‫كل طالب قدرات أكبر بكثير مما نعتقد‪.‬‬ ‫وتقول والدة أحد التالميذ إن ابنها في الحادية عشرة‬ ‫من عمره‪ ،‬وأصبح يحب المدرسة كثيراً‪ ،‬ويطلب‬ ‫منها أن يذهب إلى المدرسة في يوم السبت‪ ،‬وأنه‬


‫حفاة أ‬ ‫القدام حفاظاً‬ ‫أ‬ ‫على نظافة الرض‬

‫عمل فني ألحد التالميذ بعنوان «أنا أهتم بالبيئة»‬

‫أصبح يتقن البرمجة‪ .‬وتضيف أن إشراك أ‬ ‫الهل في‬ ‫العملية التعليمية‪ ،‬يجعلهم يعرفون كل التفاصيل‪،‬‬ ‫ويسهمون عن طيب خاطر في كل أ‬ ‫النشطة‪ ،‬خصوصاً‬ ‫أن المدرسة تتيح لمن يرغب من أ‬ ‫الهل‪ ،‬أن يأتي بعد‬ ‫الظهر‪ ،‬ويتعلَّم على آيباد االبن أو البنت‪ ،‬المهارات‬ ‫المطلوبة للتعامل مع هذا الجهاز‪.‬‬ ‫المعلمون والمعلمات قالوا إن هذه المدرسة‪ ،‬ردت‬ ‫إليهم حب التعليم‪ ،‬وأعادتهم إلى الوظيفة التي‬ ‫كانوا يرغبون فيها‪ ،‬وهي التربية والتعليم‪ ،‬وليس‬ ‫الداري السقيم‪ ،‬والتوتر القائم على مشكالت‬ ‫العمل إ‬ ‫طالبية ال تنتهي‪ ،‬ألسباب تبين لهم آ‬ ‫الن أنها نابعة‬ ‫من النظام الخطأ للتعليم التقليدي‪.‬‬ ‫وإلى هذه آ‬ ‫الراء في هذه التجربة‪ ،‬نضيف أن مدير‬

‫مدرسة تلتزم نظام «البكالوريا الدولية»‪ ،‬ويشغل‬ ‫حالياً منصباً قيادياً في منظمة عالمية تسعى لتطوير‬ ‫الفريقية بأسرها‪ ،‬يقول إنه يتابع‬ ‫التعليم في القارة إ‬ ‫تطورات تجربة «مدرسة ستيف جوبز»‪ ،‬وأنه معجب‬ ‫بها‪ ،‬خاصة لجهة انطالقها من الطالب وليس من‬ ‫النظام التعليمي‪ ،‬ويعدها بديال ً مستقبلياً جيداً‬ ‫للتعليم التقليدي‪.‬‬ ‫صحيح أن «مدرسة ستيف جوبز» حديثة العهد‬ ‫نسبياً‪ ،‬ألنها حالياً في العام الدراسي الثالث فقط‪،‬‬ ‫وأنها تقتصر حتى آ‬ ‫الن على المرحلة االبتدائية‪ ،‬وال‬ ‫يمكن التكهن بما سيشعر به الطالب الذي سينتقل‬ ‫منها إلى مدرسة تقليدية في المراحل الدراسية‬ ‫التالية‪ ،‬أو حتى إلى الجامعة‪ ،‬لكن مؤسسها على‬

‫رسومات أ‬ ‫الطفال في بهو مدخل المدرسة‬

‫يقين من أن المدارس والجامعات‪ ،‬لن تبقى على‬ ‫ما هي عليه آ‬ ‫الن‪ ،‬وال يستبعد أن تتراجع مكانة‬ ‫التعليم الجامعي‪ ،‬ألن المعرفة والعلم لن يبقيا‬ ‫في أسر مؤسسات التعليم العالي‪ ،‬أ‬ ‫ولن عالم الغد‬ ‫سيبحث عن الشباب الذين يمتلكون هذه المعرفة‬ ‫المتخصصة‪ ،‬ومهارات التعامل مع تقنيات القرن‬ ‫الحادي والعشرين وروحه‪ ،‬من خالل التجربة الفعلية‬ ‫وليس من خالل شهادات جامعية‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪47 | 46‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫تخصص جديد‬

‫تطوير األلعاب‬

‫يهدف برنامج ماجستير علوم الكمبيوتر ‪ -‬تطوير‬ ‫اللعاب ‪ -‬إلى تزويد الطالب بالمبادئ أ‬ ‫أ‬ ‫الساسية في‬ ‫الهندسة وعلوم الكمبيوتر‪ ،‬مع التركيز على ما يتعلق‬ ‫منها بتطوير أ‬ ‫اللعاب‪ ،‬وتدريس االتجاهات الرئيسة للبحوث‬ ‫أ‬ ‫والدراك والمحاكاة‪،‬‬ ‫في البنية التحتية لتطوير اللعاب‪ ،‬إ‬ ‫واالنغماس التكنولوجي‪ ،‬أ‬ ‫واللعاب الجادة‪.‬‬ ‫وتتعلَّق «البنية التحتية» بالبحث وتطوير البرامج أ‬ ‫والجهزة‬ ‫الساسية الالزمة لتطوير مستقبل أ‬ ‫أ‬ ‫اللعاب التفاعلية‪،‬‬ ‫أ‬ ‫النترنت (‪،)MMOGS‬‬ ‫واللعاب الكثيفة بالالعبين على إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ومحركات وأدوات اللعاب‪ ،‬واللعاب الفورية‪ ،‬واللعاب‬ ‫الالسلكية والمحمولة والبنى التحتية المتعلقة بها؛ وأجهزة‬ ‫ألعاب الجيل المقبل‪.‬‬ ‫«الدراك» فيرتبط بتطوير نظريات لنمذجة ومحاكاة‬ ‫أما إ‬ ‫شخصيات الكمبيوتر والقصة‪ ،‬وتطوير أساليب النمذجة‪،‬‬ ‫بالضافة إلى تحليل‬ ‫النسانية‪ ،‬إ‬ ‫ومحاكاة وإظهار المشاعر إ‬ ‫أ‬ ‫اللعاب على نطاقها الواسع‪ ،‬وتطوير نظريات لغرس التربية‬ ‫مع اللعب‪.‬‬

‫و«االنغماس التكنولوجي» هو تطوير التقنيات التي تساعد‬ ‫بالضافة‬ ‫على إشراك عقل الالعب عن طريق تحفيز الحواس‪ ،‬إ‬ ‫إلى قراءة حالة الالعب العاطفية واستخدامها كمدخل للعبة‪،‬‬ ‫بالضافة إلى هندسة برامج أ‬ ‫اللعاب التي تتكيف عاطفياً‪.‬‬ ‫إ‬ ‫يستطيع الطالب المتخرجون من هذا البرنامج هندسة ألعاب‬ ‫الجيل المقبل والتقنيات الالزمة في مجال الترفيه وحقول‬ ‫أ‬ ‫اللعاب الجادة‪ .‬وإضافة إلى ذلك‪ ،‬سوف يكون خريجو هذا‬ ‫البرنامج قادرين على مواصلة تعليمهم في برامج الدراسات‬ ‫العليا في تطوير أ‬ ‫اللعاب وعلوم الكمبيوتر‪ .‬أما الهدف من‬ ‫هذه الشهادة على المدى الطويل فهو تأسيس اتجاهات‬ ‫اللعاب‪ ،‬وإنشاء أ‬ ‫البحوث والتنمية التي توجد علم أ‬ ‫الرشيف‬ ‫أ‬ ‫المرافق الذي يساعد على تحسين تطوير اللعاب في المجالين‬ ‫الترفيهي والجاد‪.‬‬ ‫لمزيد من المعلومات يمكن مراجعة الرابط التالي‪:‬‬ ‫‪https://gapp.usc.edu/graduate-programs/masters/‬‬ ‫‪computer-science/computer-science-game‬‬‫‪development‬‬


‫د‪ .‬عبدالواحد نصر المشيخص‬

‫السمنة‬ ‫المفرطة‬

‫ّ‬ ‫الجراح‬ ‫آخر العالج‪..‬مبضع‬

‫حياتنا اليوم‬

‫ال خالف بين الباحثين على أن السمنة‬ ‫المفرطة مرض يحتاج إلى عالج‪ ،‬مثله‬ ‫مثل األمراض المزمنة والقاتلة كاألورام‪.‬‬ ‫وقد تضخم انتشار السمنة خالل السنوات‬ ‫األخيرة في دول كثيرة من العالم‪ ،‬خاصة‬ ‫تلك التي تنعم برخاء اقتصادي أكثر من‬ ‫غيرها‪ ،‬حتى أصبح قضية مؤرقة للحكومات‬ ‫ً‬ ‫نظرا لنتائجها الكارثية على الحياة‬ ‫االجتماعية وحتى على االقتصادات الوطنية‪.‬‬ ‫وألن العالج عن طريق الحمية الغذائية‬ ‫يستعصي على كثيرين من المصابين بهذا‬ ‫المرض‪ ،‬بات مبضع الجرّ اح هو المالذ‬ ‫األخير لهؤالء‪ .‬فكيف تقاس السمنة؟ ومتى‬ ‫تستدعي اللجوء إلى الجراحة؟ وما هي أنواع‬ ‫الجراحات المتوافرة للتخلص منها؟‬


‫‪49 | 48‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫خالل السنوات الخمس عشرة الماضية‪ ،‬ازدادت‬ ‫الصابة بالسمنة المفرطة ازدياداً رهيباً‬ ‫نسبة إ‬ ‫في العالم بأسره‪ ،‬بما في ذلك منطقة الخليج‬ ‫العربي والمملكة بشكل خاص‪ .‬ففي تقرير‬ ‫لمنظمة الصحة العالمية حول انتشار السمنة‬ ‫عام ‪2015‬م‪ ،‬حلّت المملكة في المرتبة الثالثة بين دول العالم‪.‬‬ ‫وذلك بعد أن كان تقرير فوربس لعام ‪2007‬م‪ ،‬قد وضع المملكة‬ ‫في المرتبة السابعة والعشرين‪ .‬فقد أسهم الرخاء والعيش وفق‬ ‫النمط المدني الحديث‪ ،‬في حصول تغير جذري في نمط حياتنا‬ ‫اليومي‪ .‬فقلّت الحركة والتمارين الجسمانية وتغير نمط غذائنا‬ ‫فاعتمدنا على الوجبات السريعة‪ ،‬واعتدنا على الحياة الرتيبة‪.‬‬

‫أسباب السمنة وخطورتها‬

‫تحدث السمنة عند أي فرد إذا ما كان يحصل على الطاقة أكثر‬ ‫بكثير مما يصرف منها‪ .‬فمن حيث المبدأ‪ ،‬إذا أكل الفرد كمية كبيرة‬ ‫من أ‬ ‫الغذية الغنية بالسعرات الحرارية‪ ،‬ولم يقم بأي مجهود‬ ‫يذكر للتخلص منها‪ ،‬تراكمت هذه الطاقة الزائدة في الجسم‬ ‫وخزنت كشحوم‪ .‬ولكن مرض السمنة معقد جداً‪ ،‬إذ تتفاعل عوامل‬ ‫ُ‬ ‫متعددة مع بعضها بعضاً‪ ،‬فينتج عن ذلك مزيج معقد يصبح‬ ‫بعضنا على إثرها سميناً بينما ال يتأثر بعضنا آ‬ ‫الخر البتة‪ .‬ومن هذه‬ ‫العوامل التركيبة الجينية لكل منا‪ .‬فهناك‪ ،‬كما الحال في كثير من‬ ‫المراض أ‬ ‫أ‬ ‫الخرى‪ ،‬عوامل وراثية في تركيبتنا الجينية تجعل البعض‬ ‫عرضة للإصابة بمرض السمنة أكثر من غيره‪ .‬وعوامل أخرى ذات‬ ‫عالقة بأمراض الغدد الصماء كالغدة الدرقية‪ ،‬والعوامل أ‬ ‫اليضية‪،‬‬ ‫والعوامل البيئية واالجتماعية والثقافية والسلوكية والنفسية‪.‬‬ ‫المراض الخطيرة أ‬ ‫وتعد السمنة نذيراً لكثير من أ‬ ‫الخرى‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫• الضغط وأمراض القلب أ‬ ‫والوعية الدموية وارتفاع الكلسترول‬ ‫وجلطات الرئة‪.‬‬ ‫• الربو وتوقف التنفس االنسدادي أثناء النوم‪.‬‬ ‫• مرض السكري‪.‬‬ ‫• آالم الظهر واالنزالق الغضروفي وكذلك روماتيزم الركبة والحوض‬ ‫والكاحل‪.‬‬ ‫• الحصوات المرارية ومرض االرتداد المريئي وتشمع الكبد وتلفه‪.‬‬

‫• أ‬ ‫ المراض السرطانية مثل سرطانات الكبد والقولون والمستقيم‪،‬‬ ‫وكذلك الثدي والبنكرياس والرحم والبروستات‪.‬‬ ‫ المراض النفسية كاالكتئاب واضطرابات أ‬ ‫• أ‬ ‫الكل والعزلة االجتماعية‬ ‫والنظرة السلبية إلى الجسم‪.‬‬ ‫كما اتضح بالدليل القاطع أن نقص الوزن ولو بنسبة ال تتراوح ‪- 5‬‬ ‫‪ %10‬قد تساعد كثيراً في تقليل نسبة الصابة أ‬ ‫بالمراض المتعلقة‬ ‫إ‬ ‫بالسمنة كالضغط والسكر وارتفاع الكلسترول‪ .‬كما يساعد نقص‬ ‫الوزن الزائد على إبعاد شبح الموت المبكر بسبب هذه أ‬ ‫المراض‪.‬‬

‫كيف تقاس السمنة؟‬

‫هناك إجماع عام على استعمال «مؤشر كتلة الجسم» كمقياس‬ ‫للسمنة‪ ،‬نظراً لبساطته وسهولة قياسه‪ .‬ويمكن حساب مؤشر كتلة‬ ‫أي جسم ما بقسمة وزن الجسم بالكيلوجرام على مربع ارتفاع‬ ‫الجسم أ‬ ‫بالمتار‪ .‬أي إن‪:‬‬

‫مؤشر الكتلة = الوزن (كلغم) ÷ (االرتفاع بالمتر)‬

‫‪2‬‬

‫وبناء على حساب مؤشر كتلة الجسم‪ ،‬يصنف الشخص كالتالي‪:‬‬ ‫التصنيف‬

‫مؤشر كتلة الجسم (كلغم‪/‬م‪)2‬‬

‫نحيف أو تحت الوزن المطلوب‬

‫أقل من ‪18.5‬‬

‫وزن طبيعي‬

‫‪24.9 - 18.5‬‬

‫زيادة في الوزن‬

‫‪29.9 - 25.0‬‬

‫سمين‬

‫‪39.9 - 30.0‬‬

‫ً‬ ‫جدا‬ ‫سمين‬

‫‪ 40‬وأكثر‬

‫عالج السمنة‬

‫‪ .1‬العالج الطبي‬ ‫يتم تحويل مرضى السمنة إلى عيادة التغذية أوال ً لوضع المريض‬ ‫يحد من السعرات الحرارية‬ ‫على نظام غذائي منتظم وصارم‪ّ ،‬‬ ‫وكمية الغذاء المستهلكة‪ ،‬مما يساعد المريض على فقد الوزن‪.‬‬ ‫ودور التثقيف الصحي مهم لتحفيز المريض على االنتظام ببرنامجه‬ ‫الغذائي والمواظبة على التمارين الرياضية وخاصة رياضة المشي‬ ‫بما مقداره ساعة يومياً بشكل منتظم‪ .‬وقد يستدعي أ‬ ‫المر إخضاع‬ ‫يتكون من سوائل فقط‪ ..‬ووضع المريض‬ ‫المريض لنظام غذائي َّ‬ ‫قاس يساعد على التنبؤ ما إذا كان المريض‬ ‫على نظام غذائي ٍ‬ ‫سيلتزم حقاً بالتعليمات الغذائية الضرورية التي ستعطى له بعد‬ ‫العملية الجراحية للسمنة أم ال‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من شيوع استعمال أدوية لتخسيس الوزن بين العامة‪،‬‬ ‫إال أنه ال ينصح بتعاطيها نظراً أ‬ ‫للعراض الجانبية الخطيرة التي قد‬ ‫تنتج عنها‪ .‬عالوة على عدم فاعليتها على المدى البعيد‪.‬‬ ‫‪ .2‬العالج الجراحي‪ ..‬لمن ومتى؟‬ ‫تعد الجراحة الحل أ‬ ‫الخير لعالج السمنة بعد فشل كل السبل العالجية‬ ‫ُ‬ ‫الخرى كالحمية الغذائية والتمارين الرياضية والعالج النفسي أ‬ ‫أ‬ ‫والدوية‪.‬‬ ‫الفضل للتخلص من أ‬ ‫وقد يكون العالج الجراحي هو الحل أ‬ ‫المراض‬ ‫المزمنة المرتبطة بالسمنة‪ .‬وتعتمد معظم المراكز الطبية على ما‬


‫تكميم المعدة‬

‫بالون المعدة‬

‫حزام المعدة‬

‫تغيير مسار المعدة‬

‫اتفقت عليه إحصائية «المراكز الصحية الوطنية»‪ ،‬التي ترى أن التدخل‬ ‫الجراحي للسمنة المفرطة يكون أمراً ال بد منه في الحاالت التالية‪:‬‬ ‫‪ .1‬مؤشر كتلة الجسم أعلى من ‪ 40‬كلغم‪ /‬م‪ ،2‬حتى لو لم تكن‬ ‫هناك أمراض أخرى ذات عالقة بالسمنة كالسكري والضغط‬ ‫وتوقف التنفس االنسدادي أثناء النوم وغيره‪.‬‬ ‫‪ .2‬مؤشر كتلة الجسم أعلى من ‪ 35‬كلغم‪ /‬م‪ ،2‬مع وجود أمراض‬ ‫أخرى ذات عالقة بالسمنة كالسكري والضغط وغيره‪.‬‬ ‫وال تصلح عمليات السمنة لمن لديهم أمراض مزمنة مثل الفشل‬ ‫الكلوي والفشل الكبدي أ‬ ‫والورام المنتشرة‪ ،‬وأيضاً لمن لديهم‬ ‫والدمان‪.‬‬ ‫أمراض سلوكية كانفصام الشخصية إ‬

‫العمليات الجراحية للسمنة‬

‫هناك ثالثة أنواع من العمليات الجراحية التي تجرى للسمنة‬ ‫المفرطة‪:‬‬ ‫‪ .1‬العمليات التقييدية‪ :‬مثال ذلك‪ ،‬حزام المعدة‪ ،‬وعملية استئصال‬ ‫ك ُّم المعدة‪ ،‬أو تكميم المعدة‪.‬‬ ‫‪ .2‬العمليات التقييدية مع بعض خصائص تقليل امتصاص الغذاء‪،‬‬ ‫مثل عملية تغيير مسار المعدة‪.‬‬ ‫‪ .3‬عمليات تقليل االمتصاص للغذاء مع بعض التقييد‪ ،‬مثل عملية‬ ‫التحويل المراري‪-‬المعوي مع تغيير االثني عشر‪.‬‬ ‫‪ .4‬طرق غير جراحية مثل بالون المعدة‪.‬‬ ‫وتتم متابعة المريض وتأهيله للتدخل الجراحي طبياً ونفسياً من‬ ‫قبل فريق طبي مكون من أخصائي تغذية ومختص نفسي إضافةً‬ ‫الجراح‪.‬‬ ‫إلى َّ‬ ‫‪ .1‬العمليات التقييدية‬ ‫‪ 1-1‬حزام المعدة‬ ‫تُعد هذه العملية سهلة جداً‪ ،‬إذ تجرى بواسطة المنظار الجراحي‪،‬‬ ‫حيث يتم وضع حلقة مبطنة ببالونة حول أعلى المعدة لتخلق‬ ‫معدة صغيرة ال تتجاوز سعتها ‪ 20-15‬مليليتراً‪ .‬وتتصل هذه الحلقة‬

‫بخرطوم يصلها بجهاز معدني يوضع تحت الجلد‪ .‬ويحتاج المريض‬ ‫إلى مراجعات مستمرة لتضييق الحزام أو توسعته حسب الحاجة‪.‬‬ ‫ويمكن إزالة الحزام وملحقاته بالمنظار الجراحي إذا ما طلب‬ ‫المريض ذلك‪ .‬ويمكن للمريض بهذه العملية فقدان ما مقداره‬ ‫‪ %60‬من الوزن الزائد‪.‬‬ ‫الونة أ‬ ‫وقد َّقل إجراء هذه العملية في آ‬ ‫الخيرة‪ ،‬خصوصاً في أوروبا‪ ،‬بعد‬ ‫أن أثبتت الدراسات عدم فاعليتها في خفض الوزن الزائد بما فيه الكفاية‪،‬‬ ‫إذا ما قورنت بالعمليات الجراحية أ‬ ‫الخرى كالتدبيس وتحويل مسار‬ ‫المعدة أو تكميمها‪ .‬وسبب آخر هو المضاعفات الجراحية الكثيرة الناتجة‬ ‫عنها مثل انثقاب المعدة وهجرة الحزام وتآكل جدار المعدة‪ .‬وقد يؤدي‬ ‫تسرب عصارة المعدة إلى تجمع صديدي وتسمم قد يؤدي إلى الوفاة‪.‬‬ ‫‪ 2-1‬تكميم المعدة‬ ‫في هذه العملية تقلّص المعدة إلى ‪ %20‬من حجمها أ‬ ‫الصلي‪ ،‬بقص‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫جزء كبير منها طوليا باستعمال مستهلكات جراحية خاصة تقوم‬ ‫واحد‪ .‬وكانت هذه العملية تُجرى كجزء‬ ‫بتدبيس وقص المعدة في ٍآن ٍ‬ ‫أول لتحضير المريض لعملية جراحية أخرى للسمنة مثل تحويل‬ ‫المسار وغيره‪ .‬ولكن بعد أن ثبت جدارة هذه العملية وفاعليتها‪،‬‬ ‫أصبحت آ‬ ‫الن عملية أولية في عالج السمنة‪ .‬وتجرى هذه العملية‬ ‫منظارياً‪ ،‬فهي بسيطة ويمكن إجراؤها بسرعة وبمضاعفات قليلة‪.‬‬ ‫كما أن المضاعفات الناتجة عنها ‪ -‬إن حصلت ‪ -‬يمكن عالجها‬ ‫بسهولة‪ ،‬إال أن بعضها قد يكون خطراً وقد يؤدي إلى الوفاة‪ .‬ومن‬ ‫وتضيق‬ ‫مضاعفات هذه العملية‪ :‬النزف من مكان االستئصال‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫المعدة وانثقاب المعدة وتسرب العصارة المعوية‪ .‬ويمكن للمريض‬ ‫في هذه العملية فقدان ما مقداره ‪ %85‬من الوزن الزائد‪.‬‬ ‫وقد برزت هذه العملية على نظيراتها لكونها فسيولوجية‪ ،‬فليس هناك‬ ‫تحويل لمجرى أ‬ ‫الكل وال يوجد فيها تعارض مع امتصاص الغذاء‪ ،‬وال‬ ‫تتطلب وضع جسم غريب كالحزام‪ .‬وعليه‪ ،‬ال يحتاج المريض أية‬ ‫أدوية تعويضية إال ما ندر‪ .‬فال غرابة أن نرى انتشارها حديثاً بوصفها‬ ‫الخيار الجراحي أ‬ ‫الول في معظم مراكز السمنة في العالم‪.‬‬ ‫‪ .2‬العمليات التقييدية مع بعض خصائص تقليل امتصاص‬ ‫الغذاء‬ ‫‪ 1-2‬عملية تغيير مسار المعدة‬ ‫كانت هذه العملية حتى وقت قريب هي أكثر عمليات السمنة‬ ‫انتشاراً‪ .‬وتُعد هذه العملية عملية تقييد (تجعل حجم المعدة أقل‬ ‫من ‪ 20‬مليليتراً فقط)‪ ،‬وتقلل امتصاص الغذاء نظراً لفصل الغذاء‬ ‫عن العصارتين المرارية والبنكرياسية في الذراع العلوي من أ‬ ‫المعاء‪،‬‬ ‫مما يؤدي إلى نقص هائل في الوزن الزائد بعد إجرائها‪.‬‬ ‫وتصلح عملية تغيير المسار هذه أكثر ما تصلح للمرضى الذين‬ ‫يكثرون من أكل الحلويات‪ ،‬وللمرضى من ذوي مؤشر الكتلة أ‬ ‫العلى‬ ‫من ‪ 50‬كلغم‪/‬م‪ .2‬وتجرى العملية منظارياً ويبلغ معدل فقدان‬ ‫الوزن الزائد ‪ %85‬بعد سنتين من إجرائها‪.‬‬ ‫‪ .3‬عمليات تقليل االمتصاص للغذاء مع بعض التقييد‬ ‫‪ 1-3‬عملية التحويل المراري‪-‬معوي مع تغيير االثني عشر‬ ‫تتكون هذه العملية من استئصال ‪ %75‬من المعدة فتصبح مماثلة‬ ‫بعض الشيء لعملية تكميم المعدة‪ ،‬وإقفال االثني عشر ما بعد‬ ‫فوهة المعدة‪ ،‬وقص اللفائفي وتوصيل الجزء السفلي منه بالمعدة‬ ‫عند موضع قص االثني عشر‪ .‬وكذلك توصيل الجزء العلوي من‬


‫‪51 | 50‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫اللفائفي مرة أخرى لعمل توصيلة بذراعين على شكل (‪ .)Y‬قد‬ ‫تستأصل المرارة كجزء من العملية منعاً لتكون حصوات بها مستقبالً‪.‬‬ ‫وتشبه هذه العملية في ميكانيكية فقد الوزن عملية تحويل المسار‪.‬‬ ‫فهي عملية تقييد ونقص امتصاص معاً‪ .‬وتبلغ نسبة نقص الوزن‬ ‫بنتيجتها ‪ %80‬بعد ‪ 18‬شهراً‪ .‬إال أنها تُعد أصعب من غيرها من‬ ‫عمليات السمنة‪ ،‬ويصاحبها عدد كبير من المضاعفات مما يعيق‬ ‫الجراحين‪.‬‬ ‫فرصة انتشارها بين َّ‬ ‫‪ .4‬طرق غير جراحية‬ ‫‪ 1-4‬بالون المعدة‬ ‫توضع بالونة غير منفوخة مصنوعة من مادة السيليكون‪ ،‬عبر‬ ‫المنظار في المعدة‪ ،‬حيث يتم نفخها بمحلول «أزرق الميثالين»‪.‬‬ ‫وبنفخها‪ ،‬يصبح حجم المعدة صغيراً جداً‪ ،‬فيشعر المريض بالشبع‬ ‫بمجرد أكل كمية قليلة من الغذاء‪ .‬وهذا ما يجعل المريض يفقد‬ ‫الجراء سهال ً وال يحتاج إلى تدخل‬ ‫بعضاً من وزنه الزائد‪ .‬ويُعد هذا إ‬ ‫جراحي‪ ،‬وال ترافقه أية جروح أو متاعب جراحية‪ .‬ويجرى هذا في‬ ‫قسم المناظير‪ ،‬يخرج بعده المريض مباشر ًة دون الحاجة للمكوث‬ ‫الجراء للمرضى الذين يتراوح‬ ‫في المستشفى‪ .‬وأكثر ما يصلح هذا إ‬ ‫‪2‬‬ ‫مؤشر كتلة الجسم عندهم ما بين ‪ 30‬و‪ 40‬كلغم‪/‬م ‪ .‬كما تصلح‬ ‫لمن يكون مؤشر الكتلة لديهم أكثر من ‪ 40‬كلغم‪/‬م‪ 2‬على أن تكون‬ ‫ثان أكبر بعد أن يكون المريض قد‬ ‫إجرا ًء أولياً كمقدمة إلجراء جراحي ٍ‬ ‫أ‬ ‫الجراء هو النسب لمرضى‬ ‫فقد بعضاً من وزنه الزائد‪ .‬كما أن هذا إ‬ ‫السمنة المفرطة الذين ال تسمح حالتهم الصحية‪ ،‬مثل مرضى القلب‬ ‫والرئة‪ ،‬تحمل التخدير العام أو أي تدخل جراحي يذكر‪.‬‬ ‫الجراء في حال وجود التهابات وتقرحات بالمريء أو‬ ‫وال يصلح هذا إ‬ ‫المعدة‪ .‬أو حاالت االرتداد المريئي وفتاق الحجاب الحاجز الكبير‪،‬‬ ‫أو دوالي المريء أو المعدة‪ .‬كما أنه ال يصلح للنساء الحوامل ولمن‬ ‫لديهم جراحة سابقة في أعلى البطن أو أورام سرطانية في الجهاز‬ ‫الهضمي العلوي ومن لديهم حساسية لمادة السيليكون‪.‬‬ ‫وعادة ما تترك البالونة لمدة ستة أشهر إلى تسعة‪ ،‬يقوم المريض‬ ‫خاللها بالتمارين اليومية ويلتزم حمية غذائية صارمة‪ ،‬لتحقق‬ ‫البالونة الغرض الذي وضعت من أجله‪ .‬وتستخرج البالونة عن‬ ‫طريق منظار الجهاز الهضمي العلوي (‪ )Gastroscope‬في قسم‬ ‫المناظير دون اللجوء إلى تدخل جراحي‪ .‬وإذا ما تركت لفترة أطول‬ ‫استعصى إخراجها منظارياً بسبب تراكم أ‬ ‫الغذية عليها مما يعيق‬ ‫رؤية الصمام الذي عبره يسحب السائل أ‬ ‫الزرق الموضوع بها‪.‬‬ ‫ومن مضاعفات بالون المعدة آالم شديدة في أعلى البطن‬ ‫العراض في أوجها في أ‬ ‫يصاحبها غثيان وتقيؤ‪ ،‬وتكون هذه أ‬ ‫السبوع‬ ‫أ‬ ‫الول من العملية‪ .‬وقد تكون من الشدة بمكان لدرجة أن بعض‬ ‫المرضى يهرعون إلى طبيبهم المعالج إلخراج البالونة‪ .‬كما قد‬ ‫يسبب وجود البالونة ارتداداً مريئياً وحرقاناً شديداً في الصدر‪.‬‬ ‫وتخبو هذه أ‬ ‫العراض تدريجياً مع تأقلم المريض‪ ،‬وبمساعدة‬ ‫أ‬ ‫الدوية الالزمة التي يجب أن يتعاطاها المريض طوال فترة وجود‬ ‫البالونة بالمعدة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ويمكن أن تنفجر البالونة لسبب من السباب مثل لكمة قوية على‬ ‫البطن‪ .‬ويدرك المريض ذلك عندما يتحول لون بوله إلى أزرق‪.‬‬ ‫ونتيجة لذلك‪ ،‬قد تجد البالونة المنفجرة طريقها إلى أ‬ ‫المعاء مسببة‬ ‫انسداداً معوياً‪ ،‬يحتم تدخال ً جراحياً‪ ،‬أو أنها قد تمر بسالم عبر‬ ‫أ‬ ‫المعاء الدقيقة والقولون وتخرج مع البراز‪ .‬أما تسرب سائل البالونة‬ ‫أ‬ ‫الزرق فقد يتسبب في إسهال للمريض‪.‬‬

‫‪ 2-4‬تقنية أوبالون‬

‫تعتمد فكرة تقنية أ‬ ‫الوبالون (نسبة للشركة المصنعة ‪ )Obalon‬على‬ ‫فكرة بالون المعدة نفسها‪ ،‬من حيث وضع بالونة خفيفة الوزن في‬ ‫المعدة لتقليص الحجم المتاح أ‬ ‫للكل‪ .‬ويكمن االختالف في وضع‬ ‫ثالث بالونات في تقنية أوبالون‪ ،‬واحدة كل ‪ 4‬أسابيع مما يسبب‬ ‫تقليص حجم المعدة المتاح أ‬ ‫للكل تدريجياً‪ .‬وتتميز أيضاً عن‬ ‫البالون العادي بأن وضع البالونة هنا يتم عبر بلع كبسولة أو حبة‬ ‫صغيرة موصلة بماسورة صغيرة تستخدم لنفخ البالونة بالهواء بعد‬ ‫الشعة‪ .‬ثم تستخرج أ‬ ‫تأكد استقرارها في المعدة بواسطة أ‬ ‫النبوبة‬ ‫تاركة وراءها البالونة في المعدة‪.‬‬ ‫الجراء استخدام منظار المعدة كما هو الحال‬ ‫وال يستدعي هذا إ‬ ‫مع بالون المعدة العادي وال يحتاج ألي نوع من التخدير‪ .‬ويسمح‬ ‫للمريض بتعاطي السوائل فقط في اليوم أ‬ ‫الول‪ ،‬وأطعمة مهروسة‬ ‫في أ‬ ‫اليام الثالثة التالية‪ ،‬قبل البدء في تناول الطعام العادي‬ ‫الجراء قرابة‬ ‫على أن يكون قليل السكريات والدهون‪ .‬ويستغرق إ‬ ‫ربع ساعة فقط‪ .‬ويصلح هذا لكل من كانت كتلة الجسم لديهم‬ ‫‪ 27‬كلغم‪/‬م‪ 2‬أو أكثر‪ ،‬وفشلوا في تخسيس أوزانهم عن طريق‬ ‫الحمية والتمارين البدنية‪ .‬وبعد مرور ‪ 12‬أسبوعاً على نفخ البالون‬ ‫أ‬ ‫الول‪ ،‬يتم استخراج البالونات الثالث بواسطة منظار المعدة تحت‬ ‫التخدير البسيط‪.‬‬

‫ما بعد عمليات السمنة‬

‫السبوعين أ‬ ‫يسمح للمريض بتناول السوائل فقط في أ‬ ‫الولين أو‬ ‫ُ‬ ‫الربعة أسابيع أ‬ ‫أ‬ ‫الولى بعد العملية‪ .‬وال بأس بعدها من تناول‬ ‫أ‬ ‫الكل اللين والمطحون مثل الشوربات والعصائر المخففة والخالية‬ ‫من السكر والحلويات الخالية من الجالتين‪ .‬كما أنه ال بد لمريض‬ ‫السمنة من تغيير نمطه الغذائي تغييراً جذرياً بعد العملية‪،‬‬ ‫وتحاشي أكل السكريات والدهنيات‪ ،‬وتناول أ‬ ‫الغذية الغنية بالمواد‬ ‫البروتينية‪ .‬وال بد من إعطاء المكمالت الغذائية مثل الكالسيوم‬ ‫والحديد والفيتامينات المتعددة‪ ،‬خاصة فيتامين دي وبي ‪ ،12‬التي‬ ‫قد يحتاج المريض إلى تعاطيها مدى الحياة‪ .‬كما ينصح المريض‬ ‫بالمداومة على رياضة المشي لمدة ساعة يومياً‪.‬‬ ‫ويحتاج المريض إلى بعض العمليات التجميلية بعد أن يستقر‬ ‫وزنه عند كتلة وزن معينة‪ ،‬إذ قد يتسبب نقص الوزن بعد العملية‬ ‫إلى ترهل بجلد الجسم وخصوصاً في منطقة البطن والثديين‬ ‫عند النساء‪ .‬لذلك ال بد من عرض المريض على مختص للجراحة‬ ‫التجميلية إلجراء عمليات الشد الالزمة بعد استقرار الوزن‪ .‬وأنسب‬ ‫وقت لمثل هذه العمليات هو بعد ‪ 12‬إلى ‪ 16‬شهراً من تاريخ‬ ‫عملية السمنة‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫عين وعدسة‬

‫على الرغم من تراجع زراعة األرز الحساوي‬ ‫خالل العقود األخيرة عما كانت عليه تاريخيا‪ً،‬‬ ‫فقد بقي منها ما يكفي لوضعها في المرتبة‬ ‫الثانية بين الزراعات الحساوية بعد النخيل‪.‬‬ ‫كما أن ما بقي يكفي لكسوة كثير من األراضي‬ ‫الزراعية بطبقة خضراء ندية‪ ،‬تتمايل سنابلها‬ ‫الطرية مع نسمات الهواء طوال أشهر‬ ‫الصيف قبل أن يحين موعد حصادها في‬ ‫فصل الخريف‪.‬‬

‫جعفر عمران‬ ‫تصوير‪ :‬فتحي العيسى‬

‫األشهر الخضراء في «الضواحي»‬

‫موسم األرز في األحساء‬


‫‪53 | 52‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫تصنف أ‬ ‫الحساء على أنها أكبر‬ ‫ُ ّ‬ ‫واحة زراعية في العالم‪ ،‬وتشتهر‬ ‫بإنتاج أ‬ ‫الرز الحساوي‪ ،‬أو ما‬ ‫يُعرف في اللهجة المحلية بـ‬ ‫«العيش الحساوي»‪ ،‬الذي يُعد‬ ‫من أهم محاصيلها الزراعية منذ القدم‪.‬‬ ‫فالمنطقة تشهد في فصل الصيف درجة حرارة عالية‬ ‫قد تصل إلى ‪ 50‬درجة مئوية‪ ،‬وتحت هذه الحرارة‬ ‫يزرع أ‬ ‫«الرز الحساوي»‪ ،‬وهو نبات عشبي حولي‬ ‫ُ‬ ‫صيفي‪ ،‬يتميز بحبته الحمراء التي يمكن أن يصل‬ ‫طولها إلى ‪10‬ملم‪.‬‬ ‫ويحتاج أ‬ ‫الرز خالل مراحل نموه إلى ‪ 48‬درجة مئوية‪،‬‬ ‫كما يحتاج إلى وفرة في المياه وإلى التربة الطينية‬ ‫الثقيلة ذات الحموضة الخفيفة التي تحتفظ بالماء‪،‬‬ ‫وهذا ما توفره تربة أ‬ ‫الحساء‪.‬‬

‫مواعيد زراعته وحصاده‬ ‫تبقي الصيف بطوله أخضر‬

‫يروي المزارع صالح العباس طريقة زراعة أ‬ ‫الرز‬ ‫في أ‬ ‫الحساء على الوجه التالي‪ :‬في البداية‪ ،‬يتم‬ ‫أ‬ ‫استصالح الرض بحرثها وتنظيفها من بقايا النباتات‪،‬‬ ‫ثم تُرش بالمبيدات الحشرية‪ ،‬ومن ثم تسميدها‬ ‫لتصبح جاهزة لزرع الشتالت‪ ،‬وهذا يكون خالل‬ ‫شهري مايو ويونيو‪ .‬ويتم الحصول على الشتالت‬ ‫بزراعة البذور بصورة مركَّزة في قطعة أرض خصبة‪،‬‬

‫الماء‪ ...‬كثير من الماء كما ولو أنه نبت من مستنقع‬

‫الرز عمال جماعياً لضمان نمو كل الشتول دفعة واحدة وبالتساوي‪ ،‬فال ينضج بعضها قبل بعضها آ‬ ‫تتطلَّب زراعة أ‬ ‫الخر‬ ‫ً‬


‫يحتاج األرز خالل‬ ‫مراحل نموه إلى ‪48‬‬ ‫درجة مئوية ووفرة‬ ‫في المياه وإلى التربة‬ ‫الطينية الثقيلة ذات‬ ‫الحموضة الخفيفة‬ ‫التي تحتفظ بالماء‬ ‫حتى ينبت أول أ‬ ‫الرز‪ .‬ويتم تركيز الماء عليه‪ ،‬من‬ ‫‪ 8‬إلى ‪ 14‬يوماً‪ ،‬وبعد هذه المدة يُسقى بطريقة‬ ‫اعتيادية طيلة ‪ 40‬يوماً‪ ،‬ثم يُرفع عنه الماء ‪ 10‬أيام‪،‬‬ ‫وتبدأ عملية نقل الشتالت في شهري يوليو وأغسطس‬ ‫إلى أ‬ ‫الراضي الرئيسة المسماة «الضواحي»‪ ،‬وهي‬ ‫أ‬ ‫تتعرض للشمس بشكل‬ ‫الراضي الشاسعة التي َّ‬ ‫مباشر‪ ،‬وتكون عادة محاطة عند أطرافها بالنخيل‪.‬‬ ‫وفي هذه «الضواحي»‪ ،‬تتم زراعة أ‬ ‫الرز بشكل نهائي‬ ‫إلى حين حصاده‪ .‬ويفضل عند زراعة الشتالت‬ ‫الصغيرة أن تكون أ‬ ‫الرض جافة وتغرس على هيئة‬ ‫خطوط‪ .‬غير أنه بنمو الشتالت‪ ،‬تضيع مالمح‬ ‫الخطوط الفاصلة ما بينها‪ ،‬لتتحول حقول أ‬ ‫الرز إلى‬ ‫بسط ذات اخضرار صارخ طوال أشهر الصيف‪ ،‬ال‬ ‫تميل إال قليال ً إلى االصفرار عند دنو موعد الحصاد‪.‬‬

‫أ‬ ‫الرز الحساوي‬

‫غرس الشتول الصغيرة في مواضعها النهائية‬


‫‪55 | 54 55 | 54‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫«الموسمية» هي عبارة عن كيسين كبيرين من‬ ‫ً‬ ‫جراما (ويصل‬ ‫األرز‪ ،‬يزن الكيس حوالي ‪ 60‬كيلو‬ ‫ً‬ ‫تقريبا إلى ما بين ‪10‬‬ ‫معدل إنتاج المزرعة الواحدة‬ ‫و‪15‬موسمية) حسب المساحة المزروعة‪...‬‬

‫الحساء على موسم حصاد أ‬ ‫ويطلق مزارعو أ‬ ‫الرز اسم‬ ‫«الوسمي»‪ ،‬وتكون أيام الوسمي هذا ما بين شهري‬ ‫سبتمبر وأكتوبر‪ .‬ويعد الوسمي من أ‬ ‫اليام السعيدة‬ ‫ُ‬ ‫في أ‬ ‫الحساء‪ ،‬وتكون عملية الحصاد يدوياً‪ ،‬ويترك‬ ‫معرضاً للشمس لبضعة أيام حتى يجف نهائياً‪ .‬وبعد‬ ‫ّ‬ ‫الدراس أو (التذرية)‪ ،‬وهي عملية‬ ‫ذلك تأتي عملية ِّ‬ ‫الصلية أ‬ ‫فصل الشلْب عن النبتة أ‬ ‫للرز‪.‬‬

‫أصنافه وقيمته الغذائية‬ ‫وحجم إنتاجه‬

‫والرز الذي يزرع اليوم في أ‬ ‫أ‬ ‫الحساء ثالثة أصناف‪:‬‬ ‫المحلي‪ ،‬والحساوي رقم ‪ ،1‬والحساوي رقم ‪،2‬‬ ‫ويطلق على أ‬ ‫الخيرين اسم (هجين)‪ ،‬تختلف هذه‬ ‫أ‬ ‫الصناف فيما بينها لجهة وقت الزراعة وحجم الحبة‬ ‫وكذلك حجم المجموع الخضري ودرجة اللون‪.‬‬ ‫أ‬ ‫فالرز المحلي يكون لونه أحمر داكناً‪ ،‬والهجين يميل‬ ‫أ‬ ‫إلى اللون الحمر الفاتح ويخالطه شيء من اللون‬ ‫أ‬ ‫البيض‪.‬‬

‫الشباك لحماية الشتول من الطيور التي تقتات عليها‬ ‫ِ‬

‫الخضار والفاكهة ومزيد من أ‬ ‫اللوان‬

‫وإضافة إلى االختالف بين أ‬ ‫النواع الثالثة في مواعيد‬ ‫الزراعة ومدة النمو‪ ،‬حيث يزرع الحساوي المحلي‬ ‫من آواخر أبريل إلى أوائل يونيو بمدة نمو تمتد‬ ‫من ‪ 160‬إلى ‪180‬يوماً‪ ،‬والنوعان آ‬ ‫الخران يزرعان من‬ ‫أوائل يونيو إلى أوائل يوليو بمدة نمو تمتد من ‪100‬‬ ‫إلى ‪120‬يوماً‪ ،‬ويقول المهندس حجي العاشور إنه‬ ‫قام شخصياً بعملية تحليل مخبري أ‬ ‫للرز الحساوي‬ ‫وتبينت له فيها أوجه االختالف بين‬ ‫وأصنافه‪ ،‬أ َّ‬ ‫تبينت له القيمة‬ ‫كما‬ ‫والهجين‪،‬‬ ‫صلي‬ ‫الحساوي ال‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الغذائية العالية في الرز الصلي‪ ،‬ال سيما لجهة‬ ‫محتواه من أ‬ ‫اللياف‪.‬‬ ‫أ‬ ‫فالرز الحساوي يحتوي على مواد غذائية كثيرة‬ ‫عالية الجودة أبرزها الحديد‪ ،‬والكربوهيدرات‪،‬‬ ‫والفيتامينات‪ ،‬وخاصة فيتامين (‪ ،)B‬وكذلك الزيوت‬ ‫واللياف ذات أ‬ ‫أ‬ ‫الهمية القصوى في الغذاء‪ ،‬وتتركز‬ ‫تلك المواد في القشرة الداخلية لحبة أ‬ ‫الرز‪.‬‬ ‫أما النسبة المئوية للكربوهيدرات في أ‬ ‫الرز الحساوي‬ ‫ويقدر محتواه من السعرات الحرارية‬ ‫فتبلغ ‪َّ ،65.978‬‬ ‫بحوالي ‪ 1800‬وحدة حرارية في الليبرة (ثالثة أرباع‬ ‫الكيلوجرام)‪ ،‬ولهذا السبب يُنصح بتناوله لكبار السن‬ ‫المصابين بكسور في العظام وآالم المفاصل‪.‬‬ ‫الحساء تنتج من أ‬ ‫وكانت أ‬ ‫الرز الحساوي في العام‬ ‫النتاج‬ ‫‪1962‬م حوالي ‪ 20‬ألف طن‪ ،‬وانخفضت كمية إ‬ ‫إلى ما بين ‪ 400‬أو ‪ 500‬طن في وقتنا الحاضر‪ ،‬بسبب‬ ‫قلة المياه وتقلّص الرقعة الزراعية‪.‬‬ ‫يوضح المهندس العاشور أن‬ ‫وفي هذا الجانب ّ‬ ‫الحساء باتت في السنوات أ‬ ‫أ‬ ‫الخيرة تنتج سنوياً من‬


‫يسور كل حقل أرز على حدة‬ ‫النخيل الذي ِّ‬

‫ِّ‬ ‫يقدر مزارعون‬ ‫يعملون في زراعة‬ ‫األرز الحساوي أن‬ ‫اإلنتاج في السنة‬ ‫يصل إلى قرابة ‪4000‬‬ ‫«موسمية»‪...‬‬

‫أ‬ ‫الرز المقشر ما يعادل ‪ 400‬طن‪ ،‬إال أن هذه الكمية‬ ‫ليست ثابتة فهي تتغير من عام إلى عام‪ .‬فعلى‬ ‫سبيل المثال‪ ،‬ووفقاً إلحصائية «هيئة مشروع الري‬ ‫والصرف أ‬ ‫بالحساء» بلغت كمية المساحة المزروعة‬ ‫أرزاً في عام ‪2003‬م نحو ‪ 1569‬دونماً‪ ،‬وبلغت نسبة‬ ‫النتاج ‪ 392‬طناً‪ ،‬وفي عام ‪2004‬م كانت المساحة‬ ‫إ‬ ‫النتاج ‪ 353‬طناً‪.‬‬ ‫المزروعة ‪1414‬دونماً‪ ،‬وبلغت كمية إ‬ ‫ويقدر مزارعون يعملون حالياً في زراعة أ‬ ‫الرز‬ ‫ِّ‬ ‫النتاج في السنة يصل إلى قرابة ‪4000‬‬ ‫الحساوي أن إ‬ ‫«موسمية»‪ .‬والموسمية هي عبارة عن كيسين كبيرين‬ ‫من أ‬ ‫الرز‪ ،‬يزن الكيس حوالي ‪ 60‬كيلو جراماً (ويصل‬ ‫معدل إنتاج المزرعة الواحدة تقريباً إلى ما بين ‪10‬‬ ‫و‪15‬موسمية) حسب المساحة المزروعة‪ .‬أي إن‬ ‫أ‬ ‫يقدر بنحو ‪ 480‬طناً في السنة‬ ‫إنتاج الحساء حالياً ّ‬ ‫الواحدة‪.‬‬

‫قيمته التسويقية ومكانته‬

‫وبسبب خصائصه وقلة إنتاجه مقارنة بكثرة الطلب‬ ‫عليه‪ ،‬بات أ‬ ‫الرز الحساوي يتمتع بقيمة تسويقية‬ ‫أ‬ ‫مرتفعة‪ .‬فقد وصل سعره في السنوات الخيرة إلى‬ ‫‪ 43‬رياال ً للكيلو الواحد‪.‬‬

‫والواقع‪ ،‬أن أ‬ ‫الرز الحساوي ارتبط تاريخياً بالكرم‬ ‫يقدم للضيوف داللة على‬ ‫وحسن الضيافة‪ ،‬فكان َّ‬ ‫الغنى والخير وكقيمة اجتماعية‪ .‬وحتى خمسين سنة‬ ‫ِ‬ ‫خلت‪ ،‬كان هذا أ‬ ‫الرز المحصول الذي يُعتمد عليه‬ ‫بشكل رئيس في الغذاء‪ ،‬وكان يتم تخزينه طوال أيام‬ ‫السنة‪ ،‬وبكميات كبيرة‪ ،‬وال يكاد يخلو منه بيت‪ ،‬خاصة‬ ‫للمزارعين المقتدرين‪ ،‬أما أ‬ ‫القل اقتداراً فما كانوا يأكلونه‬ ‫إال في المناسبات لعدم مقدرتهم على شرائه‪.‬‬ ‫وحالياً‪ ،‬يكثر الطلب على شرائه في شهر رمضان‪ ،‬حيث‬ ‫يفضله البعض كوجبة رئيسة على مائدة السحور‪.‬‬ ‫أما في باقي أشهر السنة‪ ،‬فإنه ال يؤكل إال على فترات‬ ‫متباعدة أو حسب الرغبة‪ .‬غير أن تناوله يولّد لحظات‬ ‫جو العائلة‪ ،‬لما يعيده من ذكريات حول‬ ‫سعيدة في ّ‬ ‫الصالت القوية والحميمة مع أ‬ ‫الرض‪ ،‬بوصفه منتجاً‬ ‫ِّ‬ ‫محلياً فريداً ليس له مثيل في العالم‪ ،‬يحرص آ‬ ‫الباء‬ ‫على أن ينقلوا مكانته في وجدانهم إلى أ‬ ‫البناء‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪57 | 56‬‬

‫فكرة‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫‪www.annagibb.com‬‬

‫شجرة المدن العائلية‬ ‫هل تساءلت يوماً ما هو الترتيب الزمني للمدن عبر التاريخ‪ ،‬وما هي‬ ‫أقدمها وأحدثها وأي منها عاصرت أ‬ ‫الخرى؟‬ ‫الفنانة والمهندسة المعمارية البريطانية آنا غيب حاولت وضع رسم ألبرز المدن‬ ‫الدوار التاريخية‪ ،‬والتي كانت ترتبط مع بعضها أ‬ ‫التي كانت لها أهم أ‬ ‫الخرى‬ ‫بطريقة أو بغيرها حسب ترتيبها الزمني‪ ،‬في عمل أطلقت عليه اسم «شجرة عائلية‬ ‫للمدن»‪.‬‬ ‫فانطالقاً من مدينة أوروك عام ‪ 3200‬قبل الميالد‪ ،‬ووصوال ً إلى طوكيو‪ ،‬التي‬ ‫تصور غيب المدن في إطار يشبه رفوف‬ ‫أصبحت اليوم من أهم مدن العالم‪ِّ ،‬‬ ‫الكتب في المكتبة‪ ،‬حيث يرمز كل كتاب إلى مدينة يحمل اسمها مع تاريخ نشوئها‪.‬‬ ‫وهناك بعض المعالم التي حرصت غيب على رسمها بين الكتب هنا وهناك‪ ،‬مثل‬ ‫أ‬ ‫بالشارة إلى حريق روما في ‪ 410‬قبل‬ ‫معبد الكروبوليس اليوناني‪ ،‬وأعمدة النيران إ‬ ‫الميالد‪ ،‬ورسومات للصحف في بدايات ظهورها‪.‬‬ ‫يتوسط هذا العمل ما يشبه النافذة التي تطل على مدن العالم‪ ،‬ويبدأ في أعلى‬ ‫الزاوية اليسرى بالعصر الحجري الحديث‪ ،‬حيث كانت أوروك أكبر مستوطنة في‬ ‫بالد ما بين النهرين ‪ -‬مهد الحضارة‪ .‬ومن ثم ننتقل إلى طروادة وممفيس‪ ،‬لينتهي‬ ‫العصر الحجري في صور مع والدة عصر الفينيقيين‪.‬‬ ‫وبعد أن نمر على أثينا وروما ومدن كثيرة أخرى ننتقل إلى الشرق أ‬ ‫الوسط مع‬ ‫مدينة البتراء التي أصبحت عاصمة المملكة العربية في ‪106‬م‪ ،‬حيث أدت‬

‫التضاريس الطبيعية إلنشائها كقلعة منحوتة في الصخور‪ .‬وفي عام ‪330‬م‬ ‫المبراطور‬ ‫المبراطورية الرومانية مع وصول إ‬ ‫أصبحت القسطنطينية عاصمة إ‬ ‫قسطنطين إليها‪ .‬وبعد سقوط روما‪ ،‬غرقت أوروبا في العصور المظلمة‪ .‬وفي‬ ‫القرن العاشر‪ ،‬برزت البندقية كمركز تجاري مهم على ساحل البحر أ‬ ‫الدرياتيكي‪،‬‬ ‫والمبراطورية البيزنطية‪.‬‬ ‫وشكلت رابطاً حيوياً بين أوروبا الغربية إ‬ ‫وبعد جولة على كثير من المدن من دلهي ودبلن وفيالديلفيا‪ ،‬ينتهي الرسم في‬ ‫أسفله مع برلين في العصر الحديث‪ ،‬حين شهدت في عام ‪1989‬م نهاية الحرب‬ ‫الباردة وانهيار جدار برلين‪ .‬وفي عام ‪2000‬م‪ ،‬بدأت بكين بالظهور كواحدة من‬ ‫أهم مدن العالم‪ .‬وفي عام ‪2011‬م‪ ،‬كانت موسكو موطناً لمعظم المليارديرات‬ ‫أكثر من أي مدينة في العالم‪ .‬وأخيراً في عام ‪2012‬م‪ ،‬برزت طوكيو‪ ،‬عاصمة‬ ‫اليابان‪ ،‬التي صارت أكبر منطقة حضرية في العالم‪.‬‬ ‫مع هذا الرسم‪ ،‬وفي مجرد دقائق‪ ،‬يمكننا تتبع ظهور أبرز المدن عبر التاريخ في‬ ‫شجرتها العائلية التي رسمتها آنا غيب‪ ،‬التي تقول عن نفسها إنها تحاول أن ترسم‬ ‫لفهم العالم بطريقة أفضل‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫هل الصغار وحدهم‬ ‫يرهفون السمع؟‬

‫د‪ .‬أروى داود خميّ س‬

‫أدب وفنون‬

‫أدب‬ ‫األطفال‬

‫ٌ‬ ‫عبارة كأنها مفتاح‬ ‫«سأحكي لك حكاية»‪،‬‬ ‫سحري لباب على عالم ال ترسمه حدود‪ .‬هو‬ ‫َّ‬ ‫تتحدث‬ ‫فقط أفق ال نهاية له‪ ،‬فيه أشجار‬ ‫وحيوانات تحتسي الشاي وبشر يمتلكون‬ ‫أجنحة وأسماك من سالالت األمراء وبيوت‬ ‫مصنوعة من الحلوى وزمردة ترى فيها‬ ‫المستقبل وبساط طائر من كلمات تطير‬ ‫عبرها حول هذه العوالم‪ ،‬عوالم مفاتيحها‬ ‫حكايات صاغتها قلوب األمهات والجدات‬ ‫وفلسفة الحكماء ورؤى المجتمعات‬ ‫القديمة‪ ،‬فكيف صارت اليوم صناعة أدبية‬ ‫وفنية متكاملة؟‬


‫‪59 | 58‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫منذ زمن بعيد‪ ،‬لم تكن‬ ‫الحكايات والقصص‬ ‫تحىك أ‬ ‫للطفال بشكل‬ ‫ُ‬ ‫خاص‪ .‬وبرصف النظر‬ ‫عن االمتداد التاريخي‬ ‫الذي يثبت وجود‬ ‫جذور أدب أ‬ ‫الطفال �ف‬ ‫ي‬ ‫الحضارات القديمة‪،‬‬ ‫إال أن النقَّاد يرون أن‬ ‫الطفل لم يعامل بشكل‬ ‫خاص ف ي� المجتمعات‬ ‫إال ف ي� وقت متأخر‪.‬‬ ‫وما قبل ذلك‪ ،‬كان‬ ‫الطفل جزءاً من منظومة المجتمع ورؤاه الدينية واالقتصادية‬ ‫واالجتماعية‪.‬‬ ‫الد� أ‬ ‫أ‬ ‫اختلف مؤرخو أ‬ ‫الدب حول بداية ت‬ ‫للطفال‪ .‬لكنهم‬ ‫ال�اث ب‬ ‫ي‬ ‫اتفقوا عىل وجوده محكياً وليس مدوناً ضمن أ‬ ‫الدب‬ ‫الشع�‪ .‬ولم‬ ‫بي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ساط� والحكايات والقصص‬ ‫يكن هناك ما يسمى بأدب الطفال‪ ،‬فال ي‬ ‫الخيالية أ‬ ‫والهازيج والمغامرات كانت للجميع بال استثناء‪ ،‬وكان الكبار‬ ‫أ‬ ‫ليع�وا عن‬ ‫والحكماء يتوارون خلف السطورة والعوالم الخيالية ب ِّ‬ ‫ول�سموا أحالمهم بطريقة شفهية‬ ‫أفكارهم ولينقدوا مجتمعاتهم ي‬ ‫ن‬ ‫بالمعا� والرسائل والحكم والجماليات‪ ،‬بع� حكايات تناثرت‬ ‫محملة‬ ‫ي‬ ‫نساجها‪.‬‬ ‫معرفة‬ ‫يمكن‬ ‫وال‬ ‫خيوطها‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫المكونة آلداب الشعوب‬ ‫لقد كان‬ ‫ي‬ ‫التعب� الشفوي النواة الساسية ِّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫كالغريقية والرومانية والفارسية‬ ‫عىل هذه الرض ي� جميع الحضارات إ‬ ‫والفرعونية وصوال ً إىل العربية‪ .‬ففي ثقافتنا‪ ،‬لم تكن هناك إشارة خاصة‬ ‫بالطفال‪ ،‬ولم تدون إال بعض أ‬ ‫إىل أدب خاص أ‬ ‫ال ن أ‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫ُ َّ‬ ‫ي‬ ‫غا� والشعار ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫مؤد� ومعلّمي‬ ‫ال� كانت موجهة من ب ي‬ ‫كان يُرقَّص بها الطفال‪ ،‬والوصايا ي‬ ‫الصبية‪ .‬وقد يكون ذلك ترفعاً وتخوفاً من نقصان الهيبة‪ .‬أما القصص‬ ‫الشع�‬ ‫عر� تداولها‬ ‫المحك العفوي فهو جزء من ثقافة أي مجتمع ب ي‬ ‫ي‬ ‫بي‬ ‫المجتمع بكافة أطيافه دون االلتفات إىل السن‪.‬‬

‫بداية تدوينه ف ي� أوروبا وجمعه من البيوت‪..‬‬

‫أ‬ ‫الحال‪ ،‬فقد بدأ من أوروبا‬ ‫أما أدب فالطفال بمفهومه ي‬ ‫مدوناً ي� نهاية القرن السابع ش‬ ‫ع�‪ .‬وقد كان ميالد‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ح� جمع‬ ‫أدب الطفال عام ‪1667‬م ي� فرنسا‪ ،‬ي‬ ‫نس شارل يب�و الحكايات الشعبية‬ ‫الكاتب الفر ي‬ ‫ال�اث الشفهي إىل أ‬ ‫أ‬ ‫الوروبية‪ ،‬ونقلها من ت‬ ‫الدب‬ ‫أ‬ ‫المكتوب‪ .‬فكانت أول مجموعة قصصية للطفال‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تضمنت مجموعة‬ ‫«حكايات أمي الوزة»‪ ،‬ي‬ ‫الشه�ة‪ ،‬مثل‪ :‬القط ذو الحذاء‪،‬‬ ‫من الحكايات‬ ‫ي‬ ‫وسندريال‪ ،‬وذات الرداء أ‬ ‫الحمر‪ ،‬والذئب وعقلة‬ ‫وغ�ها‪.‬‬ ‫إ‬ ‫الصبع‪ ،‬ي‬ ‫بأك� من مئة عام‪ ،‬ظهر كتاب أ‬ ‫بعدها ث‬ ‫الخوين‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫جريم «حكايات الطفال والبيوت» ي� ألمانيا عام‬ ‫كث�اً من الحكايات‬ ‫دون الكاتبان ي‬ ‫‪1812‬م‪ ،‬حيث ّ‬ ‫الشعبية‪ ،‬وجمعا مزيداً من القصص من أفواه‬

‫المهات والجدات ف� قرى ألمانيا مثل «بياض الثلج» أ‬ ‫أ‬ ‫و«القزام‬ ‫أ ي‬ ‫السبعة» و«ال يم�ة النائمة» و«رابونزل»‪ ..‬وقد توالت إصدارات‬ ‫المجموعة ف ي� كل مرة مع إضافة قصص جديدة‪ .‬وتُرجمت الحقاً‬ ‫وأساط�‬ ‫إىل ‪ 140‬لغة ‪ -‬بما فيها العربية ‪ -‬وأصبحت جزءاً من تراث‬ ‫ي‬ ‫الشعوب أ‬ ‫الخرى‪.‬‬ ‫وظهر ف ي� الدانمارك هانز كرستيان أندرسون ف ي� عام‬ ‫‪1835‬م‪ ،‬الذي جمع وكتب عدداً من القصص من‬ ‫سكندنا� مثل أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫«ال يم�ة وحبة الفول» و«مالبس‬ ‫ال‬ ‫ال�اث إ‬ ‫ي‬ ‫وغ�ها‪.‬‬ ‫إ‬ ‫ال بم�اطور» و«البط الدميم» ي‬ ‫أما ف� ت‬ ‫إنجل�ا فقد كانت «أليس ف ي� بالد العجائب»‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫كال�كان الروحي لدب الطفال‪ .‬وقد احتفلت بريطانيا‬ ‫ب‬ ‫عام ‪2015‬م بمرور ‪ 150‬عاماً عىل والدة كتاب أليس‬ ‫الذي كتبه لويس كارول عام ‪1865‬م‪ .‬والجدير‬ ‫بالذكر أن كاتب أليس كان معلِّم رياضيات‪ ،‬واسمه‬ ‫الحقيقي تشارلز دودسن‪ .‬ف‬ ‫و� عام ‪1901‬م‪ ،‬ظهرت‬ ‫ي‬ ‫الوىل من كتاب أ‬ ‫ف� بريطانيا الطبعة أ‬ ‫«الرنب ت‬ ‫بي�»‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال ي ز‬ ‫ال� كتبت باسم‬ ‫لمؤلفته إ‬ ‫نجل�ية بياتريكس بوتر‪ ،‬ي‬ ‫مستعار أيضاً‪ .‬وكانت بوتر مؤلفة ورسامة‪ ،‬ولعلها هي أول من أدخل‬ ‫الطفال الملونة ف� تاريخ كتب أدب أ‬ ‫فن الرسم إىل كتب أ‬ ‫الطفال‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ال� صارت تعد آ‬ ‫ت‬ ‫الن من‬ ‫وتوالت بعد ذلك العديد من إ‬ ‫الصدارات ي‬ ‫ز‬ ‫الكالسيكيات مثل «جزيرة نز‬ ‫نجل�ي لويس ستفنسون‬ ‫الك�» لمؤلفها إ‬ ‫ال ي‬ ‫عام ‪1882‬م‪ ،‬ت‬ ‫و«بي� بان» لجيمس ماثيو باري عام ‪1911‬م و«ماري‬ ‫نز‬ ‫وغ�ها‪ ..‬وقد أسست هذه القصص لنوع أطول من‬ ‫بوب�» ‪1934‬م ي‬ ‫أ‬ ‫نصوص قصص الطفال‪.‬‬ ‫ففي نهاية القرن السابع ش‬ ‫ع�‪ ،‬يبدو أن أحدهم قد فتح الباب‬ ‫ش‬ ‫وكث�ون ممن دخلوا من هذا الباب كانت حقائبهم‬ ‫م�عاً‪ .‬ي‬ ‫وتركه ّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫أرسة الطفال‪.‬‬ ‫تعج بقصص وحكايات كانت تُحىك ي� البيوت وبجوار ّ‬ ‫ش‬ ‫فانت�ت هذه القصص‬ ‫أفرغوا محتويات حقائبهم هناك ورحلوا‬


‫ودارت حول العالم وصارت منذ ذلك الوقت ت‬ ‫وح�‬ ‫آ‬ ‫لكث� من النسخ المختلفة من المجموعات‬ ‫الن مصدراً ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫القصصية والمرسحيات والفالم والدراسات الدبية عىل‬ ‫مر السنوات‪ .‬بل إن بإمكان دارسيها أن يجدوا مصدراً‬ ‫ّ‬ ‫والتغ�ات‬ ‫يحك ويوثق الحياة االجتماعية والثقافية‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� شهدتها أوروبا ف ي� ذلك الزمن‪ ...‬فثمة فرق‬ ‫الفكرية ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ال� تنتظر ال يم� أن ينقذها من‬ ‫يب� سندريال الطيبة ي‬ ‫ال� أكلها الذئب ألنها لم تكن �ف‬ ‫حياتها البائسة‪ ،‬وليىل ت‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫حماية أحد وتحدثت مع الغرباء‪ ،‬ي ن‬ ‫ال� جابت‬ ‫وب� أليس ي‬ ‫وحدها بمنتهى الفضول والشجاعة عالماً آخر‪ ،‬ت‬ ‫الص� الذي‬ ‫وبي� بان ب ي‬ ‫ف‬ ‫التغ� ي� صياغة الحكاية‬ ‫يك� والذي‬ ‫ال ب‬ ‫طار محلقاً يتبع أحالمه‪ .‬هذا ي ّ‬ ‫النفس ألبطالها وأحداثها‪ ،‬مرتبط إىل حد وثيق بالزمان‬ ‫عد‬ ‫والب‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫والمكان‪.‬‬

‫ف‬ ‫و� القرن ش‬ ‫الع�ين أصبح شأناً عالمياً‬ ‫ي‬

‫حمل المهاجرون معهم من ت‬ ‫إنجل�ا وأوروبا إىل أمريكا‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� عرفوها ي� بلدانهم الصلية‬ ‫قصص وكتب الطفال ي‬ ‫ب� القر ي ن‬ ‫سابقاً‪ ،‬وتحديداً ما ي ن‬ ‫ن� السابع ش‬ ‫ع� والتاسع‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫و� بدايات القرن ش‬ ‫ش‬ ‫الع�ين‪ ،‬بدأ أدب الطفال‬ ‫ع�‪ .‬ي‬ ‫أ‬ ‫مريك يتجه اتجاهاً مستقال ً ومختلفاً يتناسب مع‬ ‫ال ي‬ ‫العرص ‪ ،‬ويتبلور مع احتياجات المجتمع الجديد‪ .‬ح�ت‬ ‫إنه سبق ما هو عليه ف ي� أوروبا بعد الحرب العالمية‬ ‫الثانية‪ ،‬ولم يعد اقتباساً فقط من أ‬ ‫الدب‬ ‫الشع�‪ .‬ومن‬ ‫بي‬ ‫أبرز الك َّتاب الذين ظهروا ف� هذه ت‬ ‫الف�ة لويزا إليوت‬ ‫ي‬ ‫وفرانك توم وموريس سنداك‪.‬‬

‫أما ف ي� البالد العربية‪ ،‬فقد بدأ االلتفات إىل أدب الطفل ف ي�‬ ‫ع�‪ ،‬وذلك بع� حركة ت‬ ‫أواخر القرن التاسع ش‬ ‫ال�جمة‪ .‬إذ لم تكن‬ ‫أ‬ ‫هناك حركة تأليف حقيقية‪ .‬فقد أعرض الدباء عن أدب الطفل‬ ‫لعدة أسباب‪ ،‬منها أن الطفل لم يكن له ف ي� ذلك الوقت أولوية عند‬ ‫القائم� عىل شؤون ت‬ ‫ين‬ ‫ال�بية والثقافة بشكل عام‪ .‬كما أن الكتابة‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫للطفال كانت تُعد استهانة واستخفافاً وتضحية بالشهرة الدبية‪،‬‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫و� الواقع أن هذه الفكرة كانت سائدة ي� كل العالم فيما م�‪ ،‬مما‬ ‫ي‬ ‫دفع عدداً من كتاب أدب أ‬ ‫الطفال إىل الكتابة بأسماء مستعارة‪ ،‬أما ف ي�‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫العر�‪ ،‬فإن للديب والشاعر بريقا خاصا يجعل من الصعب‬ ‫العالم ب ي‬ ‫التضحية به‪.‬‬

‫في إنجلترا كانت «أليس‬ ‫في بالد العجائب» كالبركان‬ ‫الروحي ألدب األطفال‪ .‬وقد‬ ‫احتفلت بريطانيا عام ‪2015‬م بمرور‬ ‫ً‬ ‫عاما على والدة كتاب أليس الذي‬ ‫‪150‬‬ ‫كتبه لويس كارول عام ‪1865‬م‪...‬‬ ‫أ‬ ‫العر� بفعل االبتعاث الخارجي إىل‬ ‫بدأ االلتفات إىل أدب الطفال ب ي‬ ‫ف‬ ‫فرنسا وبريطانيا والتأثر بالحركة الثقافية ي� أوروبا‪ .‬فقد كان رفاعة‬ ‫الطهطاوي واحداً من الذين شاهدوا اهتمام أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫وروبي� بهذا الفن‬ ‫الم�جمة «عقلة أ‬ ‫الجديد‪ ،‬فكانت قصصه ت‬ ‫الصبع» و«حكايات‬ ‫أ‬ ‫ق‬ ‫الفونت�ن‬ ‫نس‬ ‫ي‬ ‫الطفال»‪ .‬وكذلك تأثر أحمد ي‬ ‫شو� بحكايات الشاعر الفر ي‬ ‫الصغ�ة»‪.‬‬ ‫فكانت «شوقياته‬ ‫ي‬ ‫وفيما بعد‪ ،‬بدأ الكتاب العرب يكتبون أ‬ ‫للطفال‪ ،‬وظهر بعض الرواد‬ ‫ّ‬ ‫ف ي� مرص وسوريا والعراق مثل عبدالتواب يوسف من مرص‪ ،‬وزكريا‬ ‫تامر وسليمان العيىس من سوريا‪ .‬كما شهدت الصحافة العربية ف ي�‬ ‫نهاية الستينيات اهتماماً ملحوظاً بأدب الطفل تمثل ف ي� ظهور بعض‬ ‫ف‬ ‫الصغ�» ف ي�‬ ‫العر�‬ ‫ي‬ ‫المجالت‪ ،‬مثل مجلة «أسامة» ي� سوريا‪ ،‬و«مجلة ب ي‬ ‫ف‬ ‫المارات‪.‬‬ ‫الكويت‪ ،‬ومجلة «ماجد» ي� إ‬

‫يّ ز‬ ‫تم�ه اليوم ثب�ائه البرصي واللغوي‬

‫أ‬ ‫ولن الباب بقي مفتوحاً‪ ،‬فإن القصص صارت أشجاراً تثمر الواحدة‬ ‫منها ث‬ ‫ملونة‪ .‬ويدرك‬ ‫أك� من كتاب واحد‪ .‬والحكايات أينعت رسومات ّ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� حدثت‬ ‫فالمطّلع عىل أدب أالطفال الحديث حقيقة القفزة الهائلة ي‬ ‫ي� مفهوم أدب الطفال عىل المستوى العالمي بشكل عام‪ ،‬وعىل‬ ‫العر� بشكل خاص‪ .‬ولم تكن هذه القفزة فجائية‪ ،‬إنما‬ ‫المستوى ب ي‬ ‫التفك� ت‬ ‫ال�بوية الحديثة‪ ،‬ونتيجة لالهتمام‬ ‫هي انعكاس ألنماط‬ ‫ي‬ ‫بالمكتبات ودور القراءة الحرة ومعارض الكتب وصناعة ش‬ ‫الن� وقضايا‬ ‫الطفولة‪.‬‬ ‫ال� جمعها الرواد أ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫الوائل ف ي�‬ ‫وبخالف ي‬ ‫ّ‬ ‫كث� من قصص الطفال ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫بوي� والنقاد اليوم أن بعضها يغ�‬ ‫وال� يرى بعض ال� ي‬ ‫أوروبا‪ ،‬أ ي‬ ‫مالئم للطفال لتضمنه قسوة وعنفاً ومشاعر من خارج عالم الطفل‪،‬‬ ‫فقد قام المهتمون بكتب أ‬ ‫الطفال ف ي� القرن ش‬ ‫الع�ين بتقسيمها‬ ‫ت‬ ‫ال� تتطرق إليها‪.‬‬ ‫حسب المر‬ ‫احل العمرية‪ ،‬أو حسب الموضوعات ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� تحمل مواصفات معينة ي� اللغة‬ ‫فمن كتب للطفال ّ‬ ‫الرضع ي‬ ‫والخراج‪ ،‬إىل قصص موجهة ألطفال المدارس بأعمارهم‬ ‫والرسومات إ‬ ‫المختلفة‪ ،‬تختلف حسب مواضيعها وخصائص الطفل العمرية �ف‬ ‫ي‬ ‫ين ت‬ ‫ال� هي روايات طويلة‬ ‫كل مرحلة‪ ،‬وانتها ًء بكتب موجهة‬ ‫لليافع� ي‬ ‫كتابتها‪ ،‬ولكنها تختلف �ف‬ ‫ال تختلف عن أدب الكبار ف ي� لغتها وتقنيات‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تطرحها‪.‬‬ ‫المواضيع ي‬ ‫يم� أدب الطفل الحديث هو هذا ث‬ ‫وما ي ّ ز‬ ‫التعب�‬ ‫ال�اء من ناحية‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫اللغوي والبرصي‪ ،‬فبعدما كانت قصص الطفال تأخذ طابعاً‬ ‫وعظياً وتتسم بنهايات ش‬ ‫مبا�ة‪ ،‬صار بعض القصص يأخذ طابعاً‬ ‫ف‬ ‫بكث� من االحتماالت ي� ظل‬ ‫تأويلياً‪ ،‬ويحمل أسئلة مفتوحة تسمح ي‬ ‫والسقاط ش‬ ‫وإ�اك القارئ ف ي� أبعاد الحكاية‪.‬‬ ‫الدعوة إىل‬ ‫التفك� إ‬ ‫ي‬


‫أموراً مهمة ف� السياق نفسه‪ ،‬وتعقد فيه اتفاقيات ت‬ ‫ال�جمة وبيع‬ ‫ي‬ ‫الحقوق‪ ،‬ويعلن فيه عن أسماء الفائزين بعدد من جوائز المعرض ف ي�‬ ‫هذا المجال‪.‬‬

‫‪61 | 60‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫ت‬ ‫ال� تُمنح ألدب‬ ‫وثمة عدد من الجوائز العالمية رفيعة المستوى ي‬ ‫أ‬ ‫الطفال مثل جائزة ت‬ ‫أس�يد لندجرين وجائزة هانز كريستيان أندرسون‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ين ت‬ ‫رواد ي� أدب الطفال‪ .‬وهناك‬ ‫ال� حملت كالهما أسماء ّ‬ ‫العلميت�‪ ،‬ي‬ ‫ف‬ ‫أيضاً عدد من الجوائز ي� مجال النصوص أو الرسوم‪ ،‬مثل جائزة‬ ‫ال�يطانية لرسومات كتب‬ ‫نيوبري من أمريكا‪ ،‬وجائزة كيت جرين واي ب‬ ‫الطفال‪ ،‬وجائزة مارش ال�يطانية لكتب أ‬ ‫أ‬ ‫الطفال ت‬ ‫وغ�ها‪..‬‬ ‫الم�جمة ي‬ ‫ب‬

‫ّ‬ ‫والمجلت‬ ‫عربياً‪ :‬من الظل‬ ‫إىل الدور والمؤسسات المتخصصة‬

‫بدأ ّ‬ ‫الكتاب العرب يكتبون لألطفال‪،‬‬ ‫وظهر بعض الرواد في مصر وسوريا‬ ‫والعراق مثل عبدالتواب يوسف من‬ ‫مصر‪ ،‬وزكريا تامر وسليمان العيسى‬ ‫من سوريا‬

‫رفاعة الطهطاوي‬ ‫وصارت رسومات كتب أ‬ ‫الطفال فناً مستقال ً بذاته‪ ،‬له رواده وإمكاناته‬ ‫وتصنيفاته وأنماطه المختلفة‪ .‬وعىل الرغم من أن العالم بات قرية‬ ‫صغ�ة آ‬ ‫الن‪ ،‬وأن ال أسهل من انتقال الكتب وترجمتها ف ي� أي بقعة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫من العالم‪ ،‬إال أن التنوع ي� إنتاج القارات المختلفة ي� كتب الطفال‬ ‫يلقي الضوء عىل خصوصية كل منطقة وأولوياتها وقضاياها وأنماطها‬ ‫ين‬ ‫الفنان� فيها‪.‬‬ ‫الفكرية وتوجهات‬ ‫تم� به أدب أ‬ ‫فمما ي ّ ز‬ ‫الطفال ف ي� العرص الحديث تحول ُ​ُّه إىل صناعة‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ق‬ ‫با� أنماط الدب ي� احتياجه إىل كاتب ورسام ومصمم‬ ‫مثله مثل ي‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫ونا� وموزع‪ ،‬بل ربما يمتد المر من مجرد حكاية إىل صناعة ألعاب‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ح� كان ك َّتاب‬ ‫و� ي‬ ‫وتطبيقات إلك�ونية مختلفة وصناعة سينمائية‪ .‬ي‬ ‫قصص أ‬ ‫ض‬ ‫الطفال يتوارون خلف أسماء مستعارة فيما م�‪ ،‬أصبحوا‬ ‫آ‬ ‫الن نجوماً يبيعون ي ن‬ ‫الكث�‪.‬‬ ‫مالي� النسخ ويجنون ي‬ ‫وكذلك صارت تفرد لكتب أ‬ ‫الطفال مساحات خاصة ش‬ ‫للنا�ين وكل‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ما يتعلق بكتاب الطفل ي� معارض الكتب العالمية‪ ،‬مثل فرانكفورت‬ ‫وغ�ها‪ ،‬كما أن هناك معرضاً سنوياً خاصاً بكتب‬ ‫ونيويورك ولندن ي‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫الطفال ف ي� بولونيا بإيطاليا‪ ،‬حيث يلتقي المؤلفون والنا�ون‬ ‫ف‬ ‫كب�ة ف ي� بدايات أبريل من كل عام‪ .‬ويحتوي‬ ‫والرسامون ي� تظاهرة ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫هذا المعرض دوماً عىل أحدث كتب الطفال ي� العالم‪ ،‬وعىل‬ ‫معرض لرسومات كتب أ‬ ‫ين‬ ‫بالرسام�‪ ،‬ويناقش برنامجه‬ ‫الطفال وتعريف‬

‫أ‬ ‫ف‬ ‫العر� كانت ف ي� بادئ‬ ‫من المالحظ أن حركة كتب الطفال ي� العالم ب ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫المر ض‬ ‫تم� عىل استحياء بع� مؤسسات وأعمال رائدة � ت‬ ‫ال�جمة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الطفال‪ ،‬ثم تطور أ‬ ‫وإصدار مجالت أ‬ ‫المر مع ظهور عدد من الك ّتاب‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال� تملك فرعاً خاصاً‬ ‫ودور الن� أالمتخصصة ي� هذا الشأن‪ ،‬أو ي‬ ‫ش‬ ‫لن� كتب الطفال‪.‬‬ ‫انطلقت هذه الحركة من يب�وت ومرص وسوريا‪ ،‬وتعززت مؤخراً ف ي�‬ ‫دول الخليج‪ ،‬حيث برزت أسماء دور شن� معروفة ومختصة ش‬ ‫بن�‬ ‫كتب أ‬ ‫ين‬ ‫المعروف� عىل مستوى‬ ‫الطفال‪ .‬كما تكاثرت أسماء الك َّتاب‬ ‫العر� والخليجي‪ .‬وصارت هناك حركة جادة لتأليف كتب‬ ‫العالم ب ي‬ ‫والخراج تنافس‬ ‫أطفال عربية عالية الجودة من ناحية النص والرسم إ‬ ‫الكتب العالمية‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫خ�ة‪ ،‬ظهور بعض المبادرات‬ ‫ومما دفع بهذا المر قدماً ي� السنوات ال ي‬ ‫مثل مهرجان الشارقة القر ئا� المختص بكتب أ‬ ‫الطفال ف ي� العالم‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تحفّز صناعة كتاب‬ ‫بي‬ ‫العر�‪ .‬وكذلك ظهور عدد من الجوائز ي‬ ‫العر�‪ ،‬وترفع مستوى إالنتاج والتنافس عىل مستوى ش‬ ‫النا�ين‬ ‫الطفل‬ ‫بي‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫ال� أطلقها‬ ‫والك ّتاب‬ ‫والرسام�‪ ،‬كجائزة «اتصاالت» لكتاب الطفل‪ ،‬ي‬ ‫«المجلس إالمار ت‬ ‫اليافع�»‪ ،‬ت‬ ‫ين‬ ‫أك� الجوائز‬ ‫لكتب‬ ‫ا�‬ ‫وال� تُعد من ب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� يشكِّل كتاب الطفل أحد فروعها‪..‬‬ ‫العالمية‪ ،‬و«جائزة الشيخ زايد» ي‬

‫أهي فقط أ‬ ‫للطفال؟‬

‫الطفال تكتب أ‬ ‫بعد كل ما سبق‪ ،‬يظهر سؤال ملح‪ :‬هل كتب أ‬ ‫للطفال‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫«سأحك لكم حكاية» هل يكون الطفال فقط‬ ‫فقط؟ فحينما نسمع‬ ‫ي‬ ‫هم من يرهفون السمع؟ من يملك مفتاح هذا العالم ومن الذي‬ ‫يرصح له بالدخول؟ هل نعطي ألدب أ‬ ‫الطفال حقه المغتصب ف ي�‬ ‫أن ّيكون أدباً مثل ق أ‬ ‫بالبداع والموهبة؟ أال‬ ‫با� النواع‪ ،‬مشهوداً له إ‬ ‫ي‬ ‫يُعد التمازج ي ن‬ ‫التعب� اللغوي والبرصي مرحلة جديدة وفريدة من‬ ‫ب�‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫البداع؟ هل قول أصعب الشياء بأبسط الطرق أمر عابر ال يُلتفت‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫يث� التهام الذئب لليىل ‪ -‬ثم عودتها ي� ظروف غامضة ‪-‬‬ ‫إليه؟ أال ي‬ ‫كَماً ال ينتهي من أ‬ ‫السئلة؟‪ ...‬أليس الطفل بسيطاً لدرجة قدرته عىل‬ ‫ّ‬ ‫استيعاب أعظم حقائق الحياة بأجمل الطرق؟‬ ‫هذا تماماً ما تفعله قصة أطفال‪...‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫عودة إلى مسرح‬ ‫بال نصوص؟‬

‫محمد البشير‬

‫أدب وفنون‬

‫على هامش مسرحية‬ ‫«حبل غسيل»‬

‫يحيل بعض العاملين في المسرح‬ ‫قلة إنتاجهم إلى عدة أسباب‪ ،‬منها قلة‬ ‫النصوص المسرحية المحفزة‪ ،‬بينما‬ ‫تتكدس في أدراج ّ‬ ‫الكتاب المسرحيين‬ ‫ُ‬ ‫عشرات النصوص التي لم تبعث بعد ؛‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مماثلة ممن يتواصل معهم أو مع‬ ‫لقلة‬ ‫نصوصهم على ِّ‬ ‫حد تعبيرهم‪.‬‬ ‫وما بين هذا وذاك من تقاذف لالتهامات‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ولى نفر من المسرحيين ظهورهم‪ ،‬ميممين‬ ‫وجوههم صوب المسرح في مهده‪ ،‬ليعيدوه‬ ‫إلى أصله الفطري‪ ،‬ونشأته األولى‪ ،‬يوم كان‬ ‫ً‬ ‫عفويا‪ ،‬قبل أن يتقيَّ د بمرور الزمن‪.‬‬


‫‪63 | 62‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫عاد مسرح االرتجال الحديث إلى خوض غمار‬ ‫التجربة من جديد‪ ،‬ناشداً العودة إلى أ‬ ‫الصول‪،‬‬ ‫والخالص من القيود التي يفرضها نص مكتوب‪،‬‬ ‫والسالمة من سخط كاتب مسرحي على تنفيذ‬ ‫نصه‪ ،‬أو على العبث به برؤية مخرج لم‬ ‫يتواصل معه حق التواصل‪ ،‬أو على أداء لم يبلغ تجسيد الحالة في‬ ‫صورتها المطلوبة‪.‬‬

‫العفوية واالرتجال يصنعان بطال ً‬ ‫شارلي شابلن مثال ً‬

‫المقيدة‬ ‫لم ِ‬ ‫تأت تجربة االرتجال من فراغ‪ .‬فمن خالل المسرحيات َّ‬ ‫ً‬ ‫بنصوص؛ قفز االرتجال رافعا كفه عالياً؛ ليشير إلى المسرحيين وإلى‬ ‫إلي!‬ ‫الجمهور أن التفتوا َّ‬ ‫فعدد من أ‬ ‫البطال لم يظهروا نجوماً إال من خالل صدفة ارتجال‬ ‫ٌ‬ ‫قدمتهم للجماهير بصورة مرضية ومقنعة؛ ليكونوا أبطاال ً بنياشين‬ ‫على صدورهم وضعها جمهورهم‪ ،‬ومن أولئك شارلي شابلن عندما‬ ‫اصطحبته أمه معها إلى المسرح‪ ،‬وهو في سن الخامسة من عمره‪.‬‬ ‫حين اعتلت أم شارلي المسرح لتغني‪ ،‬ضعف صوتها حتى صار‬ ‫المكون من جنود‬ ‫لهاثاً؛ وضحك من أدائها وصوتها الجمهور‬ ‫َّ‬ ‫صاخبين‪ ،‬وأصبحوا يصفّرون ويطلقون صيحات استهجان؛ اضطرتها‬ ‫للخروج من المسرح حزينة خائبة‪.‬‬

‫ٌ‬ ‫عدد من األبطال لم يظهروا‬ ‫ً‬ ‫نجوما إال من خالل صدفة ارتجال‬ ‫َّ‬ ‫قدمتهم للجماهير بصورة مرضية‬ ‫ً‬ ‫أبطاال بنياشين‬ ‫ومقنعة؛ ليكونوا‬ ‫على صدورهم وضعها جمهورهم‬

‫أمام هتاف الجمهور الضجر؛ لم يكن لمدير المسرح سوى سحب‬ ‫الطفل شارلي شابلن؛ ليقدمه بدال ً عن أمه‪ .‬ولم يكن أمام شارلي‬ ‫وقتها إال أن يغني بعد أن رأى نفسه تحت ضوء أ‬ ‫النوار الباهرة‪ .‬وفي‬ ‫منتصف أ‬ ‫الغنية‪ ،‬بدأ الجمهور يتفاعل مع صوت الصغير‪ ،‬ويرمي‬ ‫بقطع النقود احتفا ًء بالبطل المقبل‪ .‬فتوقف شارلي في الحال أمام‬ ‫المال؛ ليعلن للجمهور بعفوية أنه سيقوم بجمع ما سخى به‪،‬‬ ‫والعودة لكمال أ‬ ‫الغنية‪ ،‬فأثارت ضحكَهم عفويةُ الصغير وقطعه‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫الغنية لجمع المال‪.‬‬ ‫وقت نزول الصغير شارلي لجمع النقود؛ وصل مدير المسرح حامال ً‬ ‫منديال ً لجمعه أيضاً‪ .‬فظن شارلي أن المدير أتى ألخذ المال الذي‬ ‫وهبه له الجمهور! وفي هذا المشهد‪ ،‬بين خوف الصغير وجشع‬ ‫المدير؛ زادت ضحكات الجمهور‪ ،‬حتى لحق شارلي بالمدير خلف‬ ‫الستارة؛ ليراه يعطي أمه المال‪.‬‬


‫عاد شارلي مرتاحاً ليكمل وصلته مخاطباً الجمهور‪ ،‬وراقصاً على‬ ‫أ‬ ‫النغام‪ ،‬ومقلِّداً عدداً من الشخصيات بمن فيها أمه‪ .‬وبكل براءة‬ ‫الطفولة صار يقلّد صوت أمه وهو يخفت‪ ،‬ويرى أثر ذلك على‬ ‫السامعين‪ ،‬وما بين الضحك والهتاف‪ ،‬هطلت عليه النقود ثانية‪.‬‬ ‫وحين جاءت أ‬ ‫الم إلى المسرح لتأخذه‪ ،‬تلقت عاصفة من التصفيق‪،‬‬ ‫وكانت تلك اللحظة أول ظهور لشارلي شابلن على المسرح‪ ،‬وآخر‬ ‫ظهور ألمه‪ .‬لتكون العفوية واالرتجال وراء ظهور بطل ال تنساه‬ ‫ذاكرة الفنون فضال ً عن المسرح‪.‬‬

‫االرتجال‬ ‫المتعمد عند عادل إمام مثال ً‬ ‫ّ‬

‫تجال والخروج عن النص للفت أ‬ ‫أ‬ ‫بطال االر َ‬ ‫النظار‪،‬‬ ‫يتعمد ُ‬ ‫بعض ال ِ‬ ‫لتتوج الوصلة بالتصفيق‪.‬‬ ‫وإبهار الجمهور‪ ،‬واقتناص الضحكات‪َّ ،‬‬ ‫فمن م َّنا ال يذكر من مسرحية «شاهد ما شافش حاجة» حوار‬ ‫عادل إمام وحاجب المحكمة الذي يحفظه عدد ممن شاهدوا‬ ‫حد تسميعه‪ .‬فذلك المشهد لم يكن سوى وصلة‬ ‫تلك المسرحية َّ‬ ‫ارتجال بسبب استبدال كوب الماء المفترض بمشروب غازي‪ .‬إذ‬ ‫يذكر عادل إمام في حوار له‪« :‬كان من المفترض أن يدخل حاجب‬ ‫الكسسوارات لم يجد‬ ‫المحكمة حامال ً لي كوب ماء‪ ،‬إال أن مساعد إ‬ ‫سوى زجاجة مياه غازية‪ ،‬وكان الجو حاراً‪ ،‬وال يوجد مكيف هواء في‬

‫تنبني مسرحية «حبل غسيل» على‬ ‫بطولة ذلك الحبل‪ ،‬وما عليه من ألبسة‬ ‫متنوعة تستطيع أن تختزل العالم في‬ ‫عدد منها منشور على حبل‪ .‬فأي قضية‬ ‫أو فكرة أو قصة ال تتطلب سوى أربعة‬ ‫أبطال خامسهم عازف‪ ،‬وعدد من قطع‬ ‫اللباس‪...‬‬

‫المسرح‪ ،‬حتى إنني كنت أتصبب عرقاً خالل المشهد‪ ،‬فقلت لنفسي‬ ‫أن أرشف محتوى الزجاجة ببطء‪ ،‬حتى أشعر ببعض الراحة»‪.‬‬ ‫وأضاف‪« :‬عندما وجدت المياه الغازية (ساقعة) أعجبتني‪ ،‬وعندما‬ ‫هممت بإعطائها للشاب ساعي المحكمة‪ ،‬بدأت أتبادل الحديث معه‬ ‫بعض الوقت حتى أنتهي من الزجاجة‪ ،‬فبدأ الكالم عن مسكنه هو‬ ‫وزوجته وعياله السبعة وحماته في غرفة واحدة»‪.‬‬ ‫وإن لم يُشر عادل إمام إلى خروجه عن النص صراحة في هذا‬ ‫عما هو‬ ‫المشهد‬ ‫المتميز‪ ،‬إال أنه أثبت أن االرتجال نص ال يقل َّ‬ ‫ّ‬ ‫مكتوب؛ بل يفوقه حتى صار محط اهتمام الجمهور وعنايته‪.‬‬ ‫ويظهر أن هناك سراً ما بين عادل إمام وكوب الماء‪ ،‬ففي مسرحية‬ ‫«الواد سيد الشغال»‪ ،‬ارتجل حواراً مع مصطفى متولي‪ ،‬يرحمه هللا‪،‬‬ ‫حين أحضر له كوب ماء‪ ،‬فامتد الحوار ما بين وضعه هنا أو هناك‪،‬‬ ‫أمام حيرة وذهول مصطفى متولي‪ ،‬حتى انتهى الواد سيد الشغال‬ ‫إلى طلب وضع كوب الماء في جيب البنطلون!‬ ‫أمام هذا الطلب أفصح مصطفى متولي عن ارتجال عادل إمام‬ ‫بسؤاله‪« :‬تتكلم جد؟!»‪ ،‬في مواصلة للحوار‪ ،‬وإشارة إلى خروج‬ ‫الشارة تحفيز للجمهور ولفت‬ ‫عادل إمام عن النص؛ وفي تلك إ‬ ‫انتباه‪ ،‬حتى أيقن عديد من أ‬ ‫البطال بأن االرتجال انعطافة تبهر‬ ‫وتجذب أ‬ ‫النظار‪.‬‬

‫الهامش حين يصبح متناً‬

‫لعل الهامش الخارج عن نص المسرحية باالرتجال أصبح متناً‬ ‫مبشراً بنجاح مرتقب‪ ،‬ومح ِّفزاً لعديد‬ ‫مح ّفزاً‪ .‬ولذا كان قلب المعادلة ِّ‬ ‫من المخرجين‪ ،‬ومن أولئك المخرج اللبناني لوسيان بورجيلي عام‬ ‫وقدم‬ ‫كون فرقته المسرحية القائمة على االرتجال‪َّ ،‬‬ ‫‪2008‬م الذي َّ‬ ‫عمله «متلنا متلك» وما تليه من أعمال‪.‬‬

‫وكل هذه التجارب في المشرق والمغرب؛ وليدة تدريبات للممثل‬ ‫المسرحي على االرتجال كإحدى أ‬ ‫الدوات الرئيسة لتكوينه وتأهيله‬ ‫وتطوير قدراته التمثيلية بين يدي المخرج وزمالئه من المسرحيين‪،‬‬ ‫حد التقمص‪.‬‬ ‫فيخرج بأنماط وشخصيات يتقنها َّ‬ ‫وقد خاض المخرج المسرحي محمد الجراح غمار التجربة من‬ ‫خالل ما يملكه من أدوات وخبرات‪ ،‬فأقام دورة في مسرح االرتجال‬ ‫بجمعية الثقافة والفنون فرع الدمام‪ِّ ،‬توجت بتجربة أولى في شهر‬ ‫يونيو من عام ‪2016‬م‪ ،‬وخرج محمد الجراح من هذه التجربة‬ ‫مكون من فيصل الدوخي ومحمد القحطاني وإبراهيم‬ ‫بفريق َّ‬ ‫الحجاج وأحمد التميمي‪ ،‬إضافة إلى الموسيقي ماجد السيهاتي‪.‬‬


‫‪65 | 64‬‬

‫سيادة الجمهور‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫صعد أ‬ ‫البطال إلى المسرح ليقوموا بدورهم المطلوب من االرتجال‪،‬‬ ‫ولم يتركوا الجمهور أسفلهم‪ ،‬بل صعدوا بهم من خالل مشاركتهم‬ ‫في اختيار ما يريده أحدهم من عرض‪ :‬فكرة‪ ،‬أو قصة‪ ،‬أو قضية‪،‬‬ ‫أو حلم؛ ليتم تنفيذها مباشرة‪ ،‬وفي ذلك لفتة لسيادة الجمهور‪،‬‬ ‫وعودة مكانته في زمن المتلقي الذي آن له أن يمارس فيه دوره‬ ‫الحقيقي‪ ،‬فتكون له الكلمة‪.‬‬ ‫وعال دور الجمهور في مسرحية (حبل غسيل) التي تم عرضها على‬ ‫مسرح عبدالرحمن المريخي ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬بجمعية الثقافة والفنون‬ ‫أ‬ ‫بالحساء؛ حين تناوب حاضرون من الجمهور على تقديم قضاياهم‬ ‫وقصصهم‪ ،‬حتى شعروا أنهم ك َّتاب مسرحيون يشاهدون‬ ‫نصوصهم منفذة أمام أعينهم‪.‬‬ ‫يتحقق بذلك حضور المشاهد بروح عالية يملكها كل من له دور في‬ ‫المسرحية‪ ،‬وهذا ما يرجوه مسرح االرتجال من تلك المشاركة الفاعلة‬ ‫والمتفاعلة بحضور الجمهور بانتباه كامل‪ ،‬لمشاهدة مدى تحقيق‬ ‫من يعتلي المسرح لمتطلباتهم‪ ،‬واالهتمام برأيهم مباشرة من خالل‬ ‫ردود أفعالهم الفورية‪ .‬أو سماع النقد الذي يطلبه طاقم المسرحية‬ ‫من كافة الحضور‪ ،‬وتأكيدهم على ذلك بإبداء آرائهم على وسم‬ ‫‪ ،saudi_playback#‬الذي صممه الفريق لتلقي كافة آ‬ ‫الراء سلبيها‬ ‫قبل إيجابيها؛ ولقياس مستوى التجربة‪ ،‬وتحسين أ‬ ‫الداء من خالل‬ ‫مالحظات الجمهور الثمينة‪.‬‬

‫أصبح الهامش الخارج عن نص‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫محف ًزا‪ .‬ولذا‬ ‫متنا‬ ‫المسرحية باالرتجال‬ ‫كان قلب المعادلة ِّ‬ ‫مبش ًرا بنجاح مرتقب‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ومحف ًزا لعديد من المخرجين‪..‬‬

‫سرعة البديهة الالزمة‬

‫يتطلب هذا النوع من المسرح تحديداً سرعة بديهة في اختيار‬ ‫البطل لدوره مباشرة دون إطالة تفكير‪ ،‬وقدرة عالية على التواصل‬ ‫مع الفريق‪ .‬فبتجربة االرتجال يزول قلق حفظ النص وظهور مسحة‬ ‫التمثيل على البعض من خالل ما يبديه الحفظ والتسميع على‬ ‫البعض‪ .‬فمن شأن تجربة االرتجال القضاء على ذلك بعفويتها‬ ‫المطلوبة وسرعة الحديث‪ ،‬ليم ّثل البطل على خشبة المسرح كأي‬ ‫شخص تراه في الطريق‪.‬‬

‫تنوع الشخصيات‬

‫تنبني مسرحية «حبل غسيل» على بطولة ذلك الحبل‪ ،‬وما عليه من‬ ‫ألبسة متنوعة تستطيع أن تختزل العالم في عدد منها منشور على‬ ‫حبل‪ .‬فأي قضية أو فكرة أو قصة ال تتطلب سوى أربعة أبطال‬ ‫لتجسد مشهداً متكامال ً‬ ‫خامسهم عازف‪ ،‬وعدد من قطع اللباس؛ ِّ‬ ‫متناغماً‪ .‬فالمسرح يختزل ذلك العالم بتنوع قدرات الممثلين‪،‬‬ ‫وطاقاتهم التي تستوعب تجسيد عدد من الشخصيات ببراعة دون‬ ‫حدود أو قيود‪.‬‬ ‫أظهر طاقم الفريق قدرة جيدة على تنويع الشخصيات‪ .‬فحين‬ ‫يغدو فيصل الدوخي صوت العقل غالباً‪ ،‬يتبنى إبراهيم الحجاج‬


‫روح الفكاهة والدعابة بما يملكه من روح مرحة وقبول لدى‬ ‫المشاهدين‪ ،‬بينما يجسد محمد القحطاني خليطاً يتطلبه المسرح‬ ‫من السذاجة والرعونة والمعارضة‪ .‬ويختم ذلك أحمد التميمي‬ ‫بمزاياه الجسدية والخلقية ليمثل شخصيات متنوعة بقدراته‬ ‫الجسدية‪ ،‬وما يتطلبه العالم من نقيض للثالثة الذين يعتلون‬ ‫الخشبة‪ ،‬وما يكونه أ‬ ‫الربعة مجتمعين من شبه تكامل فيما بينهم‬ ‫لتحقيق احتواء العالم على خشبة مسرح‪.‬‬

‫اختالق أ‬ ‫الحداث‬

‫ويمتلك هذا الفريق قدرة مماثلة على جلسات العصف الذهني في‬ ‫بروفات الطاولة؛ غير أنها تتم بسرعة عالية تسبق الزمن بتواصل‬ ‫ذهني من دون حديث‪ ،‬وذلك حين يقفز أحدهم ليلبس زيّه‬ ‫خلف الحبل‪ ،‬فيأتي أمامه ويلقي بذرة المسرحية أ‬ ‫الولى بتجسيد‬ ‫شخصية‪ ،‬ويرسل رسالته مباشرة بكلمات إما أن تكون بمونولوج‬ ‫داخلي أو بمكالمة هاتفية يكلم بها أحدهم‪ ،‬أو بأي وسيلة يبتكرها؛‬ ‫مستدعياً شخصية من بعده الذي يسير على خطه‪ ،‬أو يبتكر شيئاً‬ ‫جديداً يكمل به‪ ،‬فينحرف أ‬ ‫بالول إلى خط جديد يصل بهم جميعاً‬ ‫إلى خط الفوز‪.‬‬ ‫إن شأن الفريق في ذلك الفعل؛ شأن طاقم المسرحيين الذين‬ ‫يجلسون جلسة الطاولة للبروفات‪ ،‬غير أن ما يميز فريق االرتجال‬ ‫قيامه بتلك الجلسة من دون طاولة‪ .‬ولذلك‪ ،‬ينتفي النقاش‪ ،‬ويتبعه‬ ‫انتفاء التنازع فيما بينهم‪ ،‬إذ يسود بينهم التوافق والمجاراة إلكمال‬ ‫ما خطه أولهم دون خالف‪.‬‬

‫االرتجال جرأة ومغامرة‬

‫االرتجال على المسرح تجربة تستحق كل التقدير لما تمارسه من‬ ‫باللغام‪ .‬فالمخرج أ‬ ‫جرأة في خوض مساحة مكتظة أ‬ ‫والبطال‬ ‫يسيرون في حقل من أ‬ ‫اللغام بعناية فائقة وحذر شديد خالل‬ ‫اعتالء الخشبة من دون نص محفوظ يملونه على الجمهور! بعيداً‬ ‫عن تجارب أخرى مريحة أكثر بكثير وتقوم على تسجيل الصوت‬ ‫واعتالء المسرح بأجسادهم دون أصواتهم!‬ ‫فليأت اليوم الذي نرى فيه فريقاً ينسف كل ما سبق‪ ،‬معتلياً‬ ‫المسرح بموهبته فقط‪ ،‬ليقول‪« :‬أيها الجمهور‪ ..‬أتينا لنريكم ما‬ ‫تريدون ‪ ..‬ال ما نريد»!‬ ‫ال شك أن تلك شجاعة مسرحية‪ ،‬ال يمتلكها من ال يثق بموهبته‬ ‫وقدرته على إبقاء الجمهور جالساً ساعة كاملة دون ملل أو كلل‪،‬‬ ‫بل ويراهن عالوة على ذلك على إمتاعهم وحيازة تأييدهم وحصد‬ ‫تصفيقهم‪.‬‬ ‫ولعل من أهم ما يجلب ذلك التأييد والتشجيع؛ تلك الشجاعة‬ ‫التي يمتلكها الفريق‪ ،‬فليس االنتصار وتحقيق الكسب مطلباً؛ بقدر‬ ‫ما تراه من أبطال يملكون هذه الروح‪ ،‬فحسبهم أنهم في بداية‬ ‫تجربتهم‪ ،‬ويخرجون بنتائج تعفينا من تناول قصور تبديه البدايات‬ ‫دوماً‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪67 | 66‬‬

‫فنان ومكان‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫ت‬ ‫بهارا�»‬ ‫واحدة من أقدم كليات جامعة «فيشفا‪-‬‬ ‫ي‬

‫طاغور‬ ‫وشانتينيكتان‬

‫عبود طلعت عطية‬

‫ً‬ ‫موجودا‬ ‫قبل قرن ونصف القرن‪ ،‬لم يكن اسم «شانتينيكتان»‬ ‫على خريطة الهند‪ ،‬فقد كان المكان مجرد أرض زراعية في أحد‬ ‫األرياف النائية‪ .‬أما اليوم‪ ،‬فهو اسم عالمي اللمعان في مجال‬ ‫التعليم الجامعي بفعل احتضانه جامعة «فيشفا‪ -‬بهاراتي»‪،‬‬ ‫ً‬ ‫انفتاحا على تطوير التعليم‬ ‫التي ُتعد من أرقى جامعات الهند‪ ،‬وأكثرها‬ ‫العالي‪ .‬وما كان لكل هذا التحول أن يكون‪ ،‬لوال تلك الرابطة القوية التي‬ ‫جمعت الفيلسوف والشاعر والروائي والرسام والموسيقي رابندرانات طاغور‬ ‫بتلك المزرعة التي ورثها عن أبيه‪.‬‬

‫ولد طاغور عام ‪1861‬م في كولكاتا (كالكوتا سابقاً)‬ ‫بوالية البنغال الغربية حالياً‪ .‬ومنذ ما قبل وفاته عام‬ ‫‪1941‬م‪ ،‬كانت مؤلفاته في الفلسفة والشعر والرواية‬ ‫والقصة قد اصطفت في مكتبات العالم قرب مؤلفات‬ ‫أفالطون ودانته ودوستويفسكي‪ ،‬بعد أن أتته بجائزة‬ ‫نوبل آ‬ ‫للداب عام ‪1913‬م‪ .‬ومحلياً‪ ،‬كان ألدبه الدور‬ ‫البرز في تحديث أ‬ ‫أ‬ ‫الدب الهندي عموماً والبنغالي‬ ‫تحديداً‪ ،‬ووضعه على سكة القرن العشرين‪ .‬ومن‬ ‫شعره اختير النشيدان الوطنيان للهند وبنغالدش‪.‬‬

‫المزرعة التي صارت مدرسة‬

‫ينتمي طاغور إلى أسرة ثرية كانت تمتلك أراضي‬ ‫كثيرة ومتفرقة في بالد البنغال‪ .‬وبعد والدته بسنة‪،‬‬ ‫كان والده مهارشي ديفيندرانات طاغور في رحلة‬ ‫مر بأرض زراعية قرب قرية اسمها‬ ‫نهرية‪ ،‬عندما ّ‬ ‫ً‬ ‫بولبور على بُعد ‪ 160‬كيلومترا من كالكوتا‪ ،‬فاستوقفته‬ ‫بتربتها الحمراء وحقول أ‬ ‫الرز وأشجار نخيل التمر‬ ‫سماه‬ ‫فيها‪ .‬فاشتراها‪ ،‬وبنى فيها مركزاً للتأمل‪َّ ،‬‬ ‫«شانتينيكتان» ومعناه (بيت السالم)‪.‬‬ ‫كان طاغور في الحادية عشرة من عمره عام ‪1873‬م‬ ‫عندما اصطحبه والده ألول مرة إلى شانتينيكتان في‬ ‫إطار رحلة عبر الهند‪ .‬ولكنه‪ ،‬ما بين الدراسة (من‬


‫دون الحصول على شهادة) في بريطانيا‪ ،‬وانغماسه‬ ‫في التأليف أ‬ ‫الدبي‪ ،‬وانتقاله عام ‪1890‬م مع عائلته‬ ‫إلى شياليداها (حالياً في بنغالدش) إلدارة أمالك‬ ‫العائلة فيها لمدة سنوات عشر‪ ،‬فإنه لم يعد إلى‬ ‫شانتينيكتان إال في عام ‪1901‬م‪ ،‬لالستقرار فيها‬ ‫حتى عام ‪1932‬م‪ .‬وكانت شهرته في عالم أ‬ ‫الدب‬ ‫قد خرجت من شبه القارة الهندية إلى العالم خالل‬ ‫العقدين السابقين اللذين شهدا بعض أعظم‬ ‫مؤلفاته‪ ،‬خاصة في مجال القصة‪.‬‬ ‫حول طاغور مركز التأمل الذي‬ ‫وفي شانتينيكتان‪ّ ،‬‬ ‫سماها‬ ‫كان والده قد أنشأه إلى مدرسة تجريبية َّ‬ ‫«باتها بهافان»‪ ،‬وأسس لها مكتبة خاصة بها‪ ،‬وخطط‬ ‫وطبق فيها نظريته المتحررة‬ ‫الحدائق من حولها‪ّ ،‬‬ ‫جداً في التعليم‪ .‬إذ كان يؤمن بالتعليم في الهواء‬ ‫تحد من نشاط العقل»‪،‬‬ ‫الطلق ويقول «إن الجدران ّ‬ ‫وحول التعليم التقليدي الذي لم يكن يؤمن بقيمته‪،‬‬ ‫كان يقول‪« :‬ال أذكر ما لقنوني إياه في المدرسة‪،‬‬ ‫بل أذكر ما عرفته أنا»‪ .‬ومن الذي درسوا في هذه‬ ‫المدرسة أنديرا غاندي‪ ،‬التي أصبحت رئيسة وزراء‬ ‫البالد الحقاً‪ ،‬ومن الذين تخرجوا منها المخرج‬ ‫السينمائي العالمي ساتياجيت راي‪.‬‬

‫والمدرسة تصبح جامعة‬

‫في عام ‪1913‬م‪ ،‬كان طاغور أول أديب غير أوروبي‬ ‫يحصل على جائزة نوبل آ‬ ‫للداب‪ .‬وبعد ذلك بسنتين‪،‬‬ ‫منحه ملك بريطانبا جورج الخامس لقب فارس‪.‬‬ ‫غير أن المجزرة التي ارتكبها الجيش البريطاني في‬ ‫أمريتسار عام ‪1919‬م‪ ،‬دفعته إلى رفض اللقب‪ .‬وقرر‬ ‫تركيز جهده على تطوير المدرسة في شانتينيكتان‪.‬‬ ‫فبالمال الذي كسبه من جائزة نوبل‪ ،‬وبالتعاون مع‬

‫خبير بريطاني في االقتصاد الزراعي يدعى ليونارد‬ ‫إلمهيرست‪ ،‬أسس طاغور عام ‪1921‬م «معهد‬ ‫التطوير الريفي» قرب المدرسة التي كانت وال تزال‬ ‫قائمة حتى اليوم‪ ،‬ليكون بذلك نواة الجامعة التي‬ ‫وسماها مؤسسها «فيشفا ‪ -‬بهاراتي»‪.‬‬ ‫نمت الحقاً‪َّ ،‬‬ ‫بعد تأسيس المعهد ببضعة أشهر‪ ،‬تلقى طاغور دعوة‬ ‫لزيارة البيرو والمكسيك‪ ،‬وتخليداً لذكرى هذه الزيارة‪،‬‬ ‫قدمت كل من حكومتي البلدين ‪ 100‬ألف دوالر‬ ‫َّ‬ ‫أمريكي هدية للجامعة الوليدة‪ ،‬التي راحت تتوسع‬ ‫وتضيف إلى التطوير الريفي تخصصات أخرى‪.‬‬ ‫وخالل إقامته في شانتينيكتان‪ ،‬كان طاغور يعتاش‬ ‫ويصرف على تطوير المدرسة والمعهد من دفعات‬ ‫شهرية كان يتلقاها من ميراث العائلة (توفي والده‬ ‫عام ‪1905‬م)‪ ،‬ومن بيع مجوهرات العائلة‪ ،‬وعائدات‬ ‫كتبه التي بلغت ‪ 2000‬روبية سنوياً‪ ،‬وأيضاً من دفعات‬ ‫مساعدة منتظمة كان يتلقاها من مهراجا تريبورا‪.‬‬

‫والجامعة تتس َّلق قمة التعليم العالي‬

‫بقيت «فيشفا ‪ -‬بهاراتي» مص ّنفة «كلية» حتى‬ ‫استقالل الهند‪ ،‬وفي عام ‪1951‬م‪ ،‬ص ّنفتها الحكومة‬ ‫«جامعة»‪ ،‬بعدما تعددت معاهدها التي راحت‬ ‫تنمو وتتطور دون توقف حتى يومنا هذا‪ ،‬بحيث‬ ‫صارت تضم معاهد لمعظم المعارف والعلوم‪ ،‬من‬ ‫الفلسفة والعلوم النسانية إلى الكمبيوتر آ‬ ‫والداب‬ ‫إ‬ ‫والدراسات البيئية والفنون الجميلة‪ ،‬وصوال ً إلى‬ ‫المميزات‬ ‫معهد خاص باللغة الصينية وثقافتها‪ ..‬ومن ّ‬ ‫التي تنفرد بها أنه إذا احتاج الطالب إلى دراسة مادة‬ ‫تصمم منهجاً لتدريسه‬ ‫غير مقررة فيها‪ ،‬فإن الجامعة ّ‬ ‫هذه المادة‪ ،‬وتعين أ‬ ‫الساتذة الالزمين لذلك‪.‬‬ ‫ّ‬

‫طاغور مع بعض تالمذته‬

‫نمت شانتينيكتان‬ ‫حتى أصبحت مدينة‬ ‫جامعية متكاملة‪،‬‬ ‫متصلة ببولبور التي‬ ‫كانت قرية صغيرة‬ ‫وصارت اليوم مدينة‬ ‫يبلغ عدد سكانها نحو‬ ‫‪ 90‬ألف نسمة‬ ‫تمول حالياً من الدولة‪،‬‬ ‫وصارت هذه الجامعة التي ّ‬ ‫تضم اليوم نحو ‪ 6500‬طالب‪ ،‬و‪ 515‬أستاذاً‪.‬‬ ‫والمكتبة الصغيرة التي أسسها طاغور لمدرسته‬ ‫قبل قرن من الزمن‪ ،‬باتت تتألف من مكتبة مركزية‬ ‫واثنتي عشرة مكتبة فرعية‪ ،‬يؤمها مجتمعة نحو ‪6500‬‬ ‫تخرج عدد من ألمع العقول‬ ‫مستخدم يومياً‪ .‬وفيها ّ‬ ‫في الهند وجنوب شرق آسيا‪ ،‬ليس «أمريتا سين»‬ ‫الحائز جائزة نوبل لالقتصاد إال واحداً منهم‪.‬‬ ‫لقد نمت شانتينيكتان حتى أصبحت مدينة جامعية‬ ‫متكاملة‪ ،‬متصلة ببولبور التي كانت قرية صغيرة‬ ‫وصارت اليوم مدينة يبلغ عدد سكانها نحو ‪ 90‬ألف‬ ‫نسمة‪ .‬وما كان كل ذلك ليحصل لوال تلك الرابطة‬ ‫العاطفية التي جمعت طاغور إلى أرض زراعية‬ ‫جميلة‪ ،‬أصبحت اليوم صرحاً جامعياً‪ ،‬ليس أدلّ‬ ‫على مكانته العلمية من كون هذه الجامعة يرأسها‬ ‫مستشار‪ ،‬هو دائماً رئيس وزراء الهند‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫بوابة الجامعة‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪69 | 68‬‬

‫ً‬ ‫شعرا‬ ‫أقول‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫ح� بلغت أ‬ ‫ين‬ ‫اللفية الثانية تمامها‪ ،‬كان لنا أن نلتقي‪ ...‬أن‬ ‫ْ‬ ‫آ‬ ‫يكتشف كل منا الخر‪.‬‬ ‫قبلها‪ ،‬كنا نلتقي ف ي� تلك السنوات المعطوبة من نهايات القرن‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫أع� إىل‬ ‫البائد‪ ،‬من دون أن يتمعن أحدنا ي� وجه الخر‪ ...،‬ب‬ ‫ن‬ ‫يصادف� من يغ� رغبة ف ي� أن‬ ‫فضول ‪.‬‬ ‫يث� شيئاً من‬ ‫جواره وال ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أك� من حجمها الطبيعي‪.‬‬ ‫تلعب المصادفة دوراً ب‬ ‫فيما بعد‪ ،‬كنا نفتتح أ‬ ‫ف‬ ‫اللفية الثالثة سوياً ي� ملتقى شعري كان يقام كل شهر تقريباً‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫د� ‪ .‬كان كل ش‬ ‫�ء يتساقط ي� ذلك الزمن‪ :‬النظريات والوهام‬ ‫ي� نادي جدة ال ب ي‬ ‫ي‬ ‫وح� الكث� من أ‬ ‫والندية أ‬ ‫والقنعة والمالحق والقناعات أ‬ ‫أ‬ ‫الدبية‪ ..‬ت‬ ‫الصدقاء‪ ،‬أولئك‬ ‫ي‬ ‫الذين كنا نظن الحياة ال تطاق من دونهم‪.‬‬ ‫أ‬ ‫لك تعلن عن حضورها المدمر‪...‬‬ ‫كان عىل اللفية الجديدة أن تمحو كل ما سبقها‪ ،‬ي‬

‫ف‬ ‫ت‬ ‫ماض ‪ .‬كنا أنا وهو (الصديق الشاعر عبدالرحمن‬ ‫ال� بال ٍ‬ ‫التقينا ي� تلك اللحظة ي‬ ‫ن‬ ‫المع� بهذا النص) ي ن‬ ‫هارب� من أمر ما‪ ،‬من جريمة ما‪ ،‬من قصيدة ما‬ ‫الشهري‪ ،‬ف ي ّ‬ ‫ض‬ ‫ما�‪ ،‬ولم‬ ‫ارتكبناها ي� لحظة طيش أشعري خارج عن إرادتنا‪ ،‬لذلك لم يسأل عن ي َّ‬ ‫ت‬ ‫ال� نطرحها مع كل لقاء من نوع‪ :‬كيف نهرب؟ كيف‬ ‫أسأل عن ماضيه‪ ...‬كانت السئلة ي‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫يشبه�؟ كيف ال نشبه الخرين؟‪...‬‬ ‫نكتب؟كيف ال أشبهه؟ كيف ال‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫ماض ‪ ...‬ال يلتفت الناس ف ي�‬ ‫بال‬ ‫تاريخ‪،‬‬ ‫بال‬ ‫عقد‪،‬‬ ‫بال‬ ‫تأ�‬ ‫ٍ‬ ‫يم�ة عالقة من هذا النوع أنها ي‬ ‫أ‬ ‫لحظات الهروب إىل الوراء‪ ،‬بل ينظرون إىل المام دائماً‪ .‬ال وجود للسؤال‪« :‬من أين‬ ‫أتيت؟»‪ ،‬ال وجود إال لسؤال واحد‪« :‬إىل أين تذهب؟»‪.‬‬ ‫الشعر هنا هو محاولة تل�ميم الذاكرة‪ .‬ربما لطلب الغفران من أولئك الذين لم‬ ‫نُعرهم اهتماماً مناسباً ف� ض‬ ‫ين‬ ‫هامشي� ف ي� حياتنا‪ ،‬بل ألننا كنا‬ ‫الما�‪ ،‬ال ألنهم كانوا‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ندخرهم للمستقبل‪.‬‬


‫استمع للقصائد‬

www.qafilah.com


‫‪71 | 70‬‬

‫ذاكرة القافلة‬

‫مكة المكرمة‬

‫دوحة اإلسالم وأرض السالم‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫لمناسبة موسم الحج‬ ‫إلى بيت اهلل الحرام‬ ‫في عام ‪1395‬هـ‬ ‫(المصادف في يناير‬ ‫ً‬ ‫استطالعا‬ ‫‪1976‬م) نشرت القافلة‬ ‫ً‬ ‫مصورا بعنوان «مكة المكرمة‪،‬‬ ‫دوحة اإلسالم وأرض السالم»‪،‬‬ ‫بقلم األستاذ عوني أبو كشك‪ .‬نعيد‬ ‫هنا نشر مقتطفات منه‪.‬‬ ‫وتيمم شطر بطحاء مكة فيشايعك إالشراق والتجلي‪،‬‬ ‫واليناس‪ ،‬ويسري في حناياك‬ ‫وتطفر جوانحك بالبشر إ‬ ‫إحساس من الخشوع فيطوي الروح ويهدهدها ويضفي‬ ‫عليها فيضاً من الطمأنينة‪ ،‬وتداعب جوارحك أنسام‬ ‫واليمان فيشيع‬ ‫ِعذاب تسيل رقة‪ ،‬كلها من نسيج الصفاء إ‬ ‫في كوامن النفس حياة ناصعة أ‬ ‫تمل القلب نوراً وهدى‪.‬‬ ‫ولقد عشت هذا إالحساس عندما أكرمني هللا بالعمرة‪،‬‬ ‫في ربيع أ‬ ‫الول من هذا العام‪ ،‬ووقفت في رحاب البيت‬

‫حي المعابدة من األحياء الجميلة في مكة‬ ‫المكرمة حيث الشوارع الفسيحة والحدائق النضرة‬

‫هكذا يبدو الحرم الشريف في مكة المكرمة بمآذنه السبع الرشيقة بعد مشروع التوسعة الضخم‬

‫العتيق وقفة المسلم المؤمن‪ ،‬المتأمل الواعي‪ ،‬أرقب‬ ‫بخشية وخشوع من حولي‪ ،‬في إيمانهم وخشوعهم‪،‬‬ ‫يلبون طائعين‪،‬‬ ‫في لهفتهم يشرئبون نحو الخالق‪ُّ ،‬‬ ‫ويكبرون خاشعين‪ ،‬ويدعون ضارعين‪ ،‬ويبتهلون قانتين‬ ‫ِّ‬ ‫مهطعين‪ ،‬متذوقين لسر هللا في جمع هذه القلوب‬ ‫على إيمان واحد والتفافهم حول أول بيت وضع للناس‬

‫مسجد أثري يعتلي قمة جبل أبي‬ ‫قبيس المطل على بيت اهلل الحرام‬

‫مباركاً وهدى للعالمين‪ ،‬يشق التهليل أعماق الصدور‬ ‫وتُبح الحلوق بالتكبير تحنقهم العبرات‪.‬‬

‫تسميتها‬

‫قلَّما اختلف اللغويون والمؤرخون في اسم مدينة من‬ ‫المدن واشتقاقها وتعدد أسمائها كما اختلفوا في اسم‬ ‫مكة‪ ..‬فقد جاء في «القاموس» للفيروز آبادي أن فالناً‬ ‫مك فالناً‪ ،‬أي أهلكه‪ .‬ويقال إنها سميت مكة فلقلة مائها‬ ‫وذلك أنهم كانوا يمتكون الماء فيها أي يستخرجونه‪.‬‬ ‫ومن وجوه اشتقاق اسم مكة أنها تمك الذنوب أي‬ ‫امتص‬ ‫تزيلها من قولك ْ‬ ‫«امتكَّ الفصيل ضرع أمه» إذا َّ‬ ‫ما فيه‪ ،‬أو ألنها تمك أعناق الجبابرة‪ .‬وقال الجوهري‬ ‫في «الصحاح»‪ :‬وسمي بطن مكة ببكة الزدحام الناس‬ ‫فيه ألنه من «بكَّة» أي «زحمة»‪ ..‬ومن الوجوه في‬ ‫اشتقاق اسم مكة قال سعيد بن جبير‪ :‬سميت مكة‬ ‫«بكَّة» ألنهم يتباكّون فيها يزدحمون في الطواف‪.‬‬ ‫ولمكة أسماء كثيرة‪ ،‬أكثرها سماها هللا بها في كتابه‬ ‫العزيز‪ ،‬فهي‪ :‬مكة‪ ،‬وبكة‪ ،‬وأم القرى‪ ،‬والبلد أ‬ ‫المين‪،‬‬ ‫والبلد‪ ،‬والبيت العتيق‪ ،‬والبيت الحرام‪ ،‬والنساسة‪،‬‬


‫هذه المباني الشاهقة المطلة على الحرم الشريف‬ ‫ً‬ ‫جانبا من معالم النهضة العمرانية في‬ ‫تعكس‬ ‫معظم أحياء مكة المكرمة‬

‫كوبري أجياد ‪ -‬منى‪ ،‬أحد الكباري التي تم تشييدها لتخفيف االزدحام في موسم الحج‬

‫وأم رحم‪ ،‬ومعاد‪ ،‬والحاطمة‪ ،‬والرأس‪ ،‬والحرم‪،‬‬ ‫وصالح‪ ،‬والعرش‪ ،‬والقادس‪ ،‬والمقدسة‪ ،‬والناسة‪،‬‬ ‫والباسة‪ ،‬وك َْوثى‪ ،‬والمذهب‪ ،‬كما جاء في قول بشر‬ ‫«وما ضم جياد والمصلى ُومذهب»‪ .‬هذا وقد‬ ‫كان الجغرافي اليوناني «بطليموس» يعرفها باسم‬ ‫«ماكورابا» لكنها كانت معروفة قبل زمانه بمدة طويلة‪.‬‬

‫ومما قاله أبو اليمن بن عساكر في مكة‪:‬‬ ‫يا جيرتي بين الحجون إلى الصفا‬ ‫ومفصل‬ ‫مجمـل‬ ‫شـوقي إليكـم‬ ‫َّ‬ ‫أهــوى دياركــم ولــي بربوعهــا‬ ‫وجـــد يؤرقنـــي وعهـــد أول‬ ‫ويزيدنــي فيهــا العــذول صبابة‬ ‫فيظــل يغرينــي إذا مــا يعــدل‬

‫تغ َّنى الشعراء‪ ،‬قديماً وحديثاً‪ ،‬بمكة وبطاحها وآكامها‬ ‫تلهمهم القداسات‪ ،‬وتحلِّق بهم التجليات‪ ،‬وتثير‬ ‫قرائحهم الحرمات‪ .‬من أمثال هؤالء‪ ،‬حسان بن‬ ‫ثابت‪ ،‬وأمية بن أبي الصلت‪ ،‬وابن الفارض‪ ،‬وقصي‬ ‫بن ربيعة‪ ،‬وكعب بن زهير‪ ،‬وغيرهم كثيرون‪.‬‬

‫ومن الشعراء المعاصرين الذين شحذت قرائحهم‬ ‫أرض القداسات والمكرمات أمير الشعراء أحمد شوقي‬ ‫إذ يقول‪:‬‬ ‫تج َّل ــى مول ــد اله ــادي وعم ــت‬ ‫بشـــائره البـــوادي والقصابـــا‬

‫مكة على ألسنة الشعراء‬

‫جانب من العمائر والمباني التي يحتضنها جبل‬ ‫أجياد‪ ،‬وقد بدا إلى اليمين المبنى الجديد لمكتبة‬ ‫الحرم المكي الشريف‬

‫نفر من العاملين في قسم التطريز بمصنع الكسوة‬ ‫الشريفة يعكفون على إعداد إحدى وصالت الحزام‬ ‫التي يزدان بها صدر الكعبة المشرفة‬

‫ـب‬ ‫ـت ْ‬ ‫ـدت للبري ــة بن ـ ُ‬ ‫وأس ـ ْ‬ ‫وه ـ ٍ‬ ‫ً‬ ‫يـــدا بيضـــاء طوقـــت الرقابـــا‬ ‫فقــام علــى ســماء البيــت نــور‬ ‫يض ــيء جب ــال مك ــة والش ــعابا‬

‫صناعة الكسوة الشريفة‬

‫ظلت كسوة الكعبة المشرفة‪ ،‬لقرون طويلة‬ ‫تُصنع خارج المملكة العربية السعودية إلى أن‬ ‫طيب‬ ‫أمر جاللته المغفور له الملك عبدالعزيز‪َّ ،‬‬ ‫هللا ثراه‪ ،‬بأن تنعم قبلة المسلمين بأول كسوة‬ ‫تُصنع في أم القرى‪ ،‬مهبط الوحي‪ ،‬ومبعث النور‪،‬‬ ‫بأيد وطنية‪ .‬وقد تم هذا الحدث التاريخي‬ ‫وتُحاك ٍ‬ ‫السالمي الجليل في غرة محرم ‪1346‬هـ‪،‬‬ ‫والعمل إ‬ ‫حينما أصدر جاللة المغفور له الملك عبدالعزيز‬ ‫أمره السامي بإنشاء دار خاصة في مكة المكرمة‬ ‫تُعد للكعبة في كل عام كسوة بهية أنيقة يشهد‬ ‫بروعتها ودقة صنعها كل من استطاع إلى حج بيت‬ ‫هللا الحرام سبيالً‪ .‬وفي التاسع من ذي الحجة‬ ‫من كل عام‪ ،‬تزهو الكعبة المشرفة بثوبها البهي‪،‬‬ ‫وتتسربل بسربالها الدمقسي‪ ،‬ناطقة بالجالل‬ ‫والوقار‪ ،‬يزينها حزام تحلِّيه آ‬ ‫اليات الكريمة‬ ‫المموه بالذهب حتى‬ ‫والنقوش المطرزة بالقصب‬ ‫َّ‬ ‫إذا ما أشرق العيد وعاد الحجاج إلى بيت هللا‬ ‫الفاضة‪ ،‬بدت لهم في‬ ‫الحرام ليطوفوا طواف إ‬ ‫حلتها القشيبة وكأنها تشارك عباد هللا الصالحين‬ ‫بالعيد السعيد بعد أن شهدوا منافع لهم وذكروا‬ ‫اسم هللا في أيام معلومات على ما رزقهم من‬ ‫بهيمة أ‬ ‫النعام‪.‬‬

‫اقرأ المزيد‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪73 | 72‬‬

‫لغويات‬

‫من طرائف العربية‬

‫اختيار د‪.‬حامد قنيبي‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫ما عدا مما بدا‬ ‫أي ما صرف‬ ‫ك ع ّني مما بدا لك م ّني‪ .‬قال‬ ‫وا‪:‬‬ ‫وأ‬ ‫ول‬ ‫من‬ ‫ق‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫ذا‬ ‫الق‬ ‫ول الم‬ ‫هللا‬ ‫إ ام علي بن أبي طالب‪ ،‬رضي‬ ‫عنه‪ ،‬وذلك أنه لما ِ‬ ‫قدم البصرة ق‬ ‫ال‬ ‫لع‬ ‫بد‬ ‫هللا‬ ‫بن‬ ‫عب‬ ‫ا‬ ‫س‪:‬‬ ‫ام‬ ‫ّ‬ ‫ِض إلى الزب‬ ‫مني ال‬ ‫ّ ير وال تأ ِت طلحة‪ ،‬واقرأ عليه‬ ‫سالم‪ ،‬وقل له‪ :‬يقول لك‪َ :‬ع َر ْف‬ ‫ت‬ ‫ني‬ ‫في‬ ‫ا‬ ‫لح‬ ‫جاز‬ ‫و‬ ‫أنك‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫ني‬ ‫في العراق فما‬ ‫عنين (ت‪630‬هـ)‪:‬‬ ‫عدا مما بدا؟ ومنه قول ابن‬ ‫يا دهر ويحك ما عدا مما بدا‬ ‫أر‬ ‫سل‬ ‫ت‬ ‫سه‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫حا‬ ‫دثا‬ ‫ت‬ ‫فأقصدا‬

‫ما فيها ٌّ‬ ‫لو أو لوال‬ ‫كناية عن‬ ‫المرأة الكاملة الصفات الجام‬ ‫عة‬ ‫لل‬ ‫مح‬ ‫اس‬ ‫ن‪.‬‬ ‫و‬ ‫قد‬ ‫يق‬ ‫ال‬ ‫أي‬ ‫ً‬ ‫ضا‪ :‬فالن‬ ‫كامل الصفات ال نقص فيه‪ .‬في (وفيات الأ‬ ‫ما فيه لو أو لوال‪ ،‬كناية عن‬ ‫عيا‬ ‫ن)‬ ‫ق‬ ‫ال‬ ‫ا‬ ‫بن‬ ‫بس‬ ‫ام‬ ‫(‬ ‫ما فيه ٌّلو وال لوال فتنقصه‬ ‫وإنما أدركته ح ّ أ ت‪302‬هـ) في رثاء ابن المعتز‪:‬‬ ‫ ‬ ‫رفة الد ِب‬ ‫يا أمي ارحميني‬ ‫أ‬ ‫يقولون عن المر‪ :‬ليس‬ ‫ف‬ ‫يه‬ ‫يا‬ ‫أ‬ ‫مي‬ ‫ا‬ ‫رح‬ ‫مين‬ ‫ي‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫َ ْ ون أنه لم يعد‬ ‫للرحمة فقد (فات‬ ‫هناك مجال لقب ِ‬ ‫ول الشكوى أو طلب‬ ‫الميعاد)‪ ،‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬ ‫ولم‬ ‫أن َس المليحة حين راحــــــت‬ ‫إ‬ ‫لى‬ ‫قا‬ ‫ضي‬ ‫ا‬ ‫لم‬ ‫حب‬ ‫ة‬ ‫ت‬ ‫فقلت‬ ‫ّ شتكـــــــيني‬ ‫لها‪ :‬ارحمي ضعفي‪ ،‬فقالت‪:‬‬ ‫و‬ ‫هل‬ ‫في‬ ‫ا‬ ‫لح‬ ‫ب‬ ‫يا‬ ‫أ‬ ‫مي‬ ‫ارحـميني‬ ‫أ‬ ‫حصة السد‬ ‫كناية عن الح‬ ‫صة الكبيرة من الغانم‪ .‬قالوا‪:‬‬ ‫إ‬ ‫نها‬ ‫ّ‬ ‫مو‬ ‫ل‬ ‫دة‬ ‫ب‬ ‫الت‬ ‫رج‬ ‫مة‬ ‫عن‬ ‫ال‬ ‫عبارة الن‬ ‫من وحي الق ّصة المت‬ ‫إ جليزية ‪ Lion’s share‬ولع ّلها‬ ‫داولة في التراث العر‬ ‫بي‬ ‫عن‬ ‫أ‬ ‫سد‬ ‫وذئ‬ ‫ب‬ ‫وث‬ ‫عل‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫صاح‬ ‫وظبياً وأرنباً‪ ،‬واقترح ال‬ ‫سد‬ ‫ع‬ ‫لى‬ ‫مار وح ٍش‬ ‫ال‬ ‫بوا واصطادوا ح َ‬ ‫ذئ‬ ‫ب‬ ‫أن‬ ‫ي‬ ‫قس‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ِّ صيد‪ ،‬فقال‪ :‬الحمار لك‪،‬‬ ‫فغضب السد‪ ،‬وبطش‬ ‫بال‬ ‫ذئ‬ ‫ب‪،‬‬ ‫فأل‬ ‫والظبي لي‪ ،‬والرنب للثعلب‪،‬‬ ‫قاه‬ ‫صر‬ ‫ً‬ ‫يع‬ ‫ا‬ ‫‪،‬‬ ‫وق‬ ‫أ‬ ‫ال للث أعلب‪ :‬اقسم أنت‪،‬‬ ‫والظبي لعشائك‪ ،‬والرنب‬ ‫تتف‬ ‫ك‬ ‫ّه‬ ‫به‬ ‫فقال الثعلب‪ :‬الحمار لغدائك‬ ‫في‬ ‫ا‬ ‫للي‬ ‫ل‪،‬‬ ‫فق‬ ‫ال‬ ‫له السد‪ :‬أحسنت من ّ‬ ‫فقال‪ :‬ع ّلمنيه‬ ‫علمك هذه القسمة العادلة؟‬ ‫رأس الذئب الذي بين يديك‪.‬‬


‫الرجل الذي‬ ‫يصنع ً‬ ‫فنا من‬ ‫كائنات مجهرية‬

‫مايا رزق اهلل‬

‫فرشاة وإزميل‬

‫كالوس‬ ‫كيمب‪..‬‬

‫ً‬ ‫سفنا منمنمة في‬ ‫سبق للكثيرين أن رأوا‬ ‫داخل قناني زجاج‪ ،‬ومجسمات صغيرة بحجم‬ ‫ً‬ ‫أعماال فنيّ ة‪،‬‬ ‫رأس دبوس‪ .‬لكن ماذا لو رأينا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفن الذي يوضب‬ ‫على مقياس الخليّ ة؟ إن‬ ‫طحالب ميكروسكوبيّ ة الحجم‪ ،‬في تشكيالت‬ ‫فنيّ ة‪ ،‬يعود إلى علماء من العصر الفكتوري‪.‬‬ ‫لكن هذا الفن اندثر إلى حد بعيد‪ ،‬مع انقضاء‬ ‫القرن التاسع عشر‪ ،‬بعدما أخذ معظم أصحاب‬ ‫ً‬ ‫عال ً‬ ‫واحدا‬ ‫ما‬ ‫هذا الفن أسرارهم معهم‪ .‬لكن ِ‬ ‫بقي يعمل بهذا التقليد الفني في المملكة‬ ‫المتحدة‪.‬‬


‫‪75 | 74‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫ليس في وقوف أي إنسان قرب الماء ما يلفت النظر‪ .‬ولكن من‬ ‫منا كان ليتخيل أن إنساناً ينحني على مسطح مائي‪ ،‬ليبحث‬ ‫في نقطة واحدة منه على المواد الخام الالزمة لواحد من أكثر‬ ‫الفنون إثارة لالستغراب والدهشة؟‪.‬‬ ‫«ليس موضع الماء مهماً بحد ذاته‪ .‬فسواء أكان مزراباً أم خندقاً أم غور حافر‬ ‫حصان أم أي مكان آخر‪ ..‬فحيثما وجد ماء‪ ،‬يستحق أ‬ ‫المر إلقاء نظرة»‪ ...‬هذا‬ ‫ُِ َ‬ ‫ما يقوله العالم المجهري والفنان كالوس كيمب‪ ،‬أحد آخر ممارسي فن «ترتيب‬ ‫الدياتوم» في العالم‪.‬‬ ‫وعندما يتطلع المرء إلى أعمال كيمب المحصورة ضمن شرائح زجاجية تشبه‬ ‫الشرائح المستخدمة في المختبرات الطبية‪ ،‬ال بد وأن يخطر على باله تالعب‬ ‫أ‬ ‫اللوان في المشكال (الكاليدوسكوب) الذي طبع ذكريات طفولتنا‪ .‬ولكننا عندما‬ ‫نعلم أن تركيب هذه أ‬ ‫العمال يتم بمقاييس ال تتعدى الميكرونات‪ ،‬تتطلب رؤيتها‬ ‫عدسة مجهرية‪ ،‬ال يمكن لردة الفعل أن تكون غير الدهشة من قدرات هذا الفنان‬ ‫وتفانيه‪.‬‬

‫فما هو الدياتوم؟‬

‫«الدياتوم»‪ ،‬طحلب مائي أحادي الخلية يعيش‬ ‫مغموراً بالماء‪ ،‬وهو الحلقة أ‬ ‫الولى في أسفل‬ ‫السلسلة الغذائية من الكائنات التي تنتج غذا ًء من‬ ‫الضوء‪ .‬لكن الدياتوم‪ ،‬بخالف أنواع الطحالب‬ ‫أ‬ ‫الخرى‪ ،‬يتشكل من مادة عضوية محاطاً‬

‫‪www.demilked.com‬‬

‫بطبقة من مادة السيليكا‪ .‬وعندما تتحلل المادة العضوية‪ ،‬تبقى مادة السيليكا التي‬ ‫تتخذ أشكاال ً جميلة متعددة‪.‬‬ ‫والماء ليس المصدر الوحيد الذي يعتمد عليه كيمب في فنه‪ .‬فمن أكثر أ‬ ‫السئلة‬ ‫ّ‬ ‫التي تطرح عليه هو مصدر أ‬ ‫اللوان في أعماله‪ ،‬علماً أن السيليكا هي مادة بيضاء‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫يلون الدياتوم‪ ،‬تماماً كما‬ ‫إن‬ ‫الفنان‬ ‫يقول‬ ‫الصدد‬ ‫هذا‬ ‫وفي‬ ‫تكسر الضوء هو الذي ّ‬ ‫ّ‬ ‫يلون تكسر ضوء الشمس رذاذ الماء في الجو فيظهر قوس القزح‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫التنوع‪ ،‬ويمكن‬ ‫وحول خصائص الدياتوم يقول كيمب العا ِلم‪ :‬الدياتوم شديد ّ‬ ‫يحدد‪،‬‬ ‫العينة‪ ،‬تماماً مثلما يمكن للمرء أن ّ‬ ‫للمرء عموماً أن يعرف من أين ُج ِم َعت ّ‬ ‫حمضية‪.‬‬ ‫كنت في منطقة قلويّة أو‬ ‫بوساطة النباتات في الحديقة أو الحقل‪ ،‬ما إذا َ‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫تفضله‪ ،‬فما يعيش في المحيط‪ ،‬ال ينمو في الماء العذب‪،‬‬ ‫فلنواع الدياتوم ما ّ‬ ‫والعكس بالعكس‪ .‬ويمكن االستدالل بنوع الدياتوم غالباً‪ ،‬لمعرفة نقاء أو جودة‬ ‫المجرى المائي‪ ،‬أو البركة أو الشاطئ‪ .‬ففي كل موقع تستوطن تلك أ‬ ‫النواع التي‬ ‫نتخيل أهمية الدور الذي تلعبه هذه‬ ‫تتكيف أفضل من غيرها معه‪ .‬وال يمكننا أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫الطحالب في البيئة‪.‬‬ ‫وبمقدار ما يمكننا االستدالل بمؤشر الدياتوم‪ ،‬لمعرفة نقاء الماء أو تلوث البيئة‪،‬‬ ‫كذلك تشكّل الطحالب أساساً لكثير من عوامل النظام البيئي‪ .‬فبفضل قدرتها‬ ‫على التمثيل الضوئي‪ ،‬في كل بيئة تحتوي على الماء (من المحيطات إلى مجاري‬

‫‪www. hire.dvrlists.com‬‬

‫َّ‬ ‫يتشكل الدياتوم من مادة‬ ‫ً‬ ‫محاطا بطبقة من‬ ‫عضوية‬ ‫مادة السيليكا‪ .‬وعندما تتحلل‬ ‫المادة العضوية‪ ،‬تبقى مادة‬ ‫السيليكا التي تتخذ أشكاالً‬ ‫جميلة متعددة‪.‬‬


‫لعمل كيمب بُ عد علمي يجعل‬ ‫علماء األحياء يتابعون عمله‬ ‫ومكتشفاته‪ .‬فهو يمتلك اليوم‬ ‫أكبر مجموعة من الدياتوم‬ ‫تتضمن نحو ‪8000‬‬ ‫َّ‬ ‫في العالم‪،‬‬ ‫عيّ نة من مختلف أصقاع‬ ‫األرض‪.‬‬

‫‪www.4rtgallery.blogspot.com‬‬


‫أ‬ ‫النهار‪ ،‬وحتى التربة الرطبة)‪ ،‬تلعب الطحالب واحداً من أهم أدوار «تصدير»‬ ‫المهمة‪ ،‬في سياق دورتها المتعاقبة بين‬ ‫الكربون من المحيط‪ .‬وهي تقوم بهذه‬ ‫ّ‬ ‫التشبع‪.‬‬ ‫االزدهار في الظروف الممتازة‪ ،‬واالنكفاء حين يبلغ موقع موطنها حد‬ ‫ّ‬

‫‪77 | 76‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫اكتشافه لهذا الفن ومساره الخاص فيه‬

‫يقول كيمب‪« :‬كنت في السادسة عشرة من عمري‪ ،‬حين تعلّقت تعلّقاً قوياً بعلوم‬ ‫عينات من الدياتوم‪ ،‬من العصر الفكتوري‪ .‬لقد‬ ‫الطبيعة‪ ،‬وشاهدت أنابيب ّ‬ ‫والبنية في الخاليا‪،‬‬ ‫التناسق‬ ‫إن‬ ‫وتناسقها‪.‬‬ ‫الخاليا‬ ‫هذه‬ ‫فت على الفور بجمال‬ ‫ُش ِغ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫وهما أمران ال تراهما العين المجردة‪ ،‬قد أذهالني‪ .‬وبعد مرور ستين عاما على‬ ‫والدة هوايتي هذه‪ ،‬ال أزال أشعر بالحماسة الشديدة‪ ،‬كلّما اكتشفت أو حصلت‬ ‫عينة جديدة»‪.‬‬ ‫على ّ‬

‫‪www. science.ma‬‬

‫استلهم الفنان فنه هذا مما كان موجوداً في العصر الفيكتوري (القرن التاسع‬ ‫عشر)‪ .‬فيروي أنه عندما كان علماء ذلك العصر يكتشفون أنواعاً جديدة‪ ،‬كانوا‬ ‫عينات منها وترتيبها في شكل هندسي أو فني‪ ،‬بما في ذلك‬ ‫يميلون إلى أخذ ّ‬ ‫الكائنات المجهرية‪ .‬ولكن هؤالء أخذوا سر المهنة معهم‪ .‬وفي هذا الصدد يقول‪:‬‬ ‫«لقد ترك لنا العلماء الفيكتوريون نصوصاً تشرح عدداً من طرق ترتيب الدياتوم‪.‬‬ ‫ولكن المؤكد أنها لم تكن الطرق أو الطريقة التي اعتمدوها في عملهم‪ .‬ألنني‬ ‫علي أن أكتشف طريقة العمل بنفسي»‪.‬‬ ‫جربتها كلها ولم ِ‬ ‫تجد إحداها نفعاً‪ .‬فكان َّ‬ ‫وعن السؤال الذي يتكرر كثيراً على مسمعه حول ما إذا كان يعتمد في فنه على‬ ‫تشكيالت أو تصاميم مسبقة التحضير‪ ،‬يجيب فوراً بالنفي‪ ،‬ويضيف‪« :‬إذا طرحنا‬ ‫أرضاً مجموعة أحجام مختلفة من مكعبات وكرويات وغيرها‪ ،‬وطلبنا من الناس أن‬ ‫يبنوا شكال ً فنياً منها‪ ،‬لوجدنا أنهم سيستغنون عن استعمال بعض هذه القطع‪،‬‬ ‫بتصميم ما‬ ‫المتخيل‪ .‬هذا ما أفعله‪ .‬عندما أبدأ‬ ‫ألنها ال تدخل في التصميم‬ ‫ٍ‬ ‫أّ‬ ‫انطالقاً من شكل مربّع‪ ،‬وأتجه به لن ينتهي بشكل دائرة أو شكل انفجار نجمي‪،‬‬ ‫علي أن أختار من بين الدياتوم المتوفر أمامي ما يسمح لي بتنفيذ هذا الشكل‬ ‫َّ‬ ‫الذي يبقى بدوره رهناً بما هو متوفر»‪.‬‬ ‫ليطورها أو‬ ‫ورداً على السؤال حول ما إذا كان يعود إلى تفقد بعض تراكيبه القديمة ّ‬ ‫معينة‪ ،‬أستمر في العمل حتى‬ ‫يغير شيئاً فيها‪ ،‬يقول‪« :‬عندما أعمل على شريحة ّ‬ ‫ّ‬ ‫أنهيه‪ .‬وعندما أقفل على الشريحة بغطائه الزجاجي يصبح العمل منجزاً‪ .‬وإذا لم‬ ‫يعبث أحد بالشريحة‪ ،‬فمن المفترض أن تستمر على ما هي عليه إلى أ‬ ‫البد»‪.‬‬ ‫ٌ‬

‫‪www.4rtgallery.blogspot.com‬‬

‫وعلى الرغم من كثرة الطلب إليه إنتاج نسخ عن أعمال بعض مشاهير هذا الفن‬ ‫في القرن التاسع عشر مثل جوهان ديتريش مولر‪ ،‬يرفض كيمب النسخ وتقليد‬ ‫أعمال آ‬ ‫الخرين‪ ،‬مؤكداً أن كل عمل يخرج من بين يديه هو وحيد من نوعه في‬ ‫العالم‪.‬‬

‫ً‬ ‫عاما على‬ ‫بعد مرور ستين‬ ‫والدة هوايتي هذه‪ ،‬ال أزال‬ ‫أشعر بالحماسة الشديدة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫كلما اكتشفت أو حصلت على‬ ‫عيّ نة جديدة‪...‬‬ ‫‪www.microscopy-uk.org.uk‬‬


‫للفن والعلم أيضاً‬

‫والبعد الجمالي‪ ،‬فإن‬ ‫إضافة إلى القيمة الفنية ُ‬ ‫ّ‬ ‫لعمل كيمب بُعداً علمياً قد ال يقل شأناً‪ ،‬يجعل‬ ‫علماء أ‬ ‫الحياء يتابعون عمله ومكتشفاته‪ .‬فالرجل‬ ‫يمتلك اليوم أكبر مجموعة من الدياتوم في العالم‪،‬‬ ‫تتضمن نحو ‪ 8000‬عينة من مختلف أصقاع أ‬ ‫الرض‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ففيها ما هو مستخرج من المياه العذبة‪ ،‬ومن المياه‬ ‫الحافير والترسبات (وهذه أ‬ ‫البحرية وحتى من أ‬ ‫الخيرة‬ ‫أ‬ ‫تسمي الدياتوميت)‪ .‬وفي معظم الحوال‪ ،‬من‬ ‫معين دون أن‬ ‫الممكن االستدالل على مصدر دياتوم ّ‬ ‫يكون ذلك مذكوراً بوضوح عليه‪.‬‬

‫«من دواعي سروري أنني استطعت‬ ‫إعادة إحياء شيء أخذه علماء العصر‬ ‫الفيكتوري معهم إلى القبر»‪...‬‬ ‫كالوس كيمب‬

‫ويقول كيمب‪« :‬عندما أعمل أحياناً على رسم دائرة‬ ‫من مثلثات‪ ،‬يجب أن تكون كل الدياتومات مثلثة‬ ‫الشكل وبمقاييس متساوية‪ .‬وخالل البحث عنها‬ ‫واختيارها‪ ،‬يمكنني أن أقول ألحدها «إنني ال أعرفك»‪،‬‬ ‫فأبدأ عندها رحلة دراسته‪ .‬وإذا لم يكن مص ّنفاً‬ ‫من قبل فإني أص ّنفه‪ ،‬وأنشر النتيجة‪ .‬وقد ص ّنفت‬ ‫بالفعل الكثير منها»‪.‬‬

‫سر المهنة لن يبقى سراً‬ ‫ّ‬

‫على الرغم من بلوغه الثامنة والسبعين من عمره‪ ،‬ال‬ ‫يزال كيمب يعمل بهمة ونشاط كبيرين‪ .‬محترفه في‬ ‫بيته‪ .‬وأداته الفنية مجرد مجهر عادي وبسيط من‬ ‫الطراز المعروف باسم «بيوالم»‪ ،‬وليس من مجاهر‬ ‫أ‬ ‫البحاث المتطورة‪ .‬إذ من حسنات هذا الطراز‬ ‫البسيط سهولة تركيب الشرائح الزجاجية عليه‪ .‬أما‬ ‫منهجه في العمل‪ ،‬أو سر المهنة كما يقال‪ ،‬الذي‬ ‫سراً‪ ،‬فلن يبقى طويال ً كذلك‪.‬‬ ‫ال يزال ّ‬ ‫يعبر عن أهمية عمله كما يراها بالقول‪« :‬إني‬ ‫فالرجل ِّ‬ ‫أستمتع كثيراً بصناعة هذه الشرائح‪ ،‬وأجد متعة في‬ ‫كونها تسمح للناس برؤية جانب من الطبيعة غير مرئي‬ ‫بالعين المجردة واالستمتاع به كما أستمتع به أنا»‪.‬‬ ‫ويضيف‪« :‬من دواعي سروري أنني استطعت إعادة‬ ‫إحياء شيء أخذه علماء العصر الفيكتوري معهم إلى‬ ‫القبر‪ .‬وإذا سألتموني ما إذا قد نشرت تقنيتي لكي‬ ‫أنقذ هذا الفن من االندثار أقول لكم‪ :‬نعم‪ ،‬لقد‬ ‫نشرتها بشكل عام‪ .‬ولكن أهم عنصر في إنهاء العمل‬ ‫علي ابتكار هذا‬ ‫على شريحة كبيرة هو الالصق‪ .‬وكان َّ‬ ‫الالصق‪ ،‬ولكني لم أنشره‪ .‬لقد نشرت سابقاً الصقاً كان‬ ‫جيد نسبياً‪ .‬ولكن عندما يكون عندك على‬ ‫يعمل بشكل ّ‬ ‫الشريحة نحو ‪ 200‬نوع من الدياتومن وتتركه خالل‬ ‫الليل لتلصقه في اليوم التالي‪ ،‬فإن بعض الدياتوم‬ ‫كان يطفو على الالصق ويخرب العمل‪ .‬أما بخصوص‬ ‫دونت كل شيء حوله على‬ ‫الالصق الجديد‬ ‫والجيد فقد ّ‬ ‫ّ‬ ‫أسطوانة مضغوطة‪ ،‬وأعطيتها لزوجتي‪ ،‬مع التوصية‬ ‫بأن تُطلع على محتواها‪ ،‬بعد وفاتي‪ ،‬كل من هو مهتم‬ ‫بمعرفة أ‬ ‫الدوات التي كنت أستخدمها»‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬

‫‪www.atelierdeveil.com‬‬


‫‪79 | 78‬‬

‫بيت الرواية‬

‫يسرد عبداهلل التعزي في رواية «حرية األبواب‬ ‫المغلقة» هواجس رجل يدعى «عبد األمين»‪،‬‬ ‫ً‬ ‫منعزال هو وأمه وزوجته في منزلهم‬ ‫يقيم‬ ‫بحي البغدادية الشرقية بمدينة جدة‪ ،‬بل إنه‬ ‫يحبس نفسه في حجرته ويظل يراقبهما‬ ‫من ثقب الباب‪ .‬ومن خالل بوحه‪ ،‬يستكشف‬ ‫القارئ خفايا وجدانه الملتاع‪ ،‬و«كوابيسه»‪،‬‬ ‫بشأن حريته المسلوبة‪ ،‬التي نشأت أو‬ ‫انعدمت في ظل وجود األم والزوجة‪ ،‬إذ إن‬ ‫ِّ‬ ‫يشكل جحيمه وأزمته‪.‬‬ ‫وجودهما‬

‫عبداهلل السفر‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫رواية‬

‫حرية األبواب‬ ‫المغلقة‬

‫االنسحاب من العالم ومراقبته‬ ‫عبدهللا التعزي‬

‫ولد عام ‪1964‬م ف ي� مكة المكرمة‪ ،‬وحصل عىل بكالوريوس‬ ‫وال ت‬ ‫لك�ونيات بجامعة الملك‬ ‫كلية الهندسة قسم االتصاالت إ‬ ‫عبدالعزيز بجدة ‪1987‬م‪ ،‬وبكالوريوس آخر من نفس‬ ‫الدارية‬ ‫والدارة قسم العلوم إ‬ ‫الجامعة من كلية االقتصاد إ‬ ‫‪1994‬م‪.‬‬ ‫صدرت له رواية «الحفائر تتنفس» عن دار ق‬ ‫السا� ‪2003‬م‪،‬‬ ‫ي‬ ‫قص�ة بعنوان «سيد الطيور»‪ ،‬دار‬ ‫وقبلها مجموعة قصص ي‬ ‫الجديد‪ ،‬لبنان ‪1998‬م‪.‬‬


‫باستمتاع يشفي عىل الفرح‬ ‫ٍ‬ ‫والسعادة يمكن للقارئ أن‬ ‫يدخل عالم رواية الكاتب‬ ‫عبدهللا التعزي «حرية أ‬ ‫البواب‬ ‫المغلقة»‪ ،‬الصادرة عن دار أثر بالدمام – ‪2016‬م‪،‬‬ ‫تلك الرواية المشدودة والمتماسكة عىل مدى‬ ‫صفحاتها‪ ،‬بما يمنح القارئ شغف المتابعة ولذة‬ ‫بالتلصص من ثقب الباب‪ ،‬شأنه ف ي� ذلك‬ ‫الحساس‬ ‫إ‬ ‫شأن البطل ّ أ‬ ‫«عبدال ي ن‬ ‫م�»‪ ،‬وقد أضيئت الخلفية بنص‬ ‫غائب هو «الجحيم» ن‬ ‫له�ي باربوس‪ ،‬بإنسانها الذي‬ ‫ثقب ف ي� غرفته بالفندق؛ حيث بهذه‬ ‫يعاين العالم من ٍ‬ ‫نتعرف عىل الجحيم الذي يعيش فيه بطل‬ ‫إ‬ ‫الضاءة‪ ،‬أ ّ‬ ‫«حرية البواب المغلقة» وكيف يرصده مراقباً إياه‪.‬‬ ‫تعاضد عىل إنجاح العمل ث‬ ‫أك� من عامل أسهم ف ي�‬ ‫يز‬ ‫ترك� الرؤية وجعلها دانية‪ .‬ومن ذلك مجانبة الرسد‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫والمطول ح� االنتفاخ وح� الكظّة‪ ،‬واالتجاه‬ ‫المتتال‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫قص�ة بعضها نصف‬ ‫إىل أن تكون الرواية ي� فواصل ي‬ ‫صفحة تسمح بالقطع واالنتقال ونقل الضوء إىل‬ ‫مساحات أخرى تتصل بالحفر ف ي� الذات باستجالء‬ ‫ٍ‬ ‫أمراضها مربوطةً بأسبابها‪.‬‬

‫ضم� متكلم يرسد‬ ‫ي‬

‫ينثال صوت البطل «عبد أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫الضم� المتكلّم‪،‬‬ ‫م�»‪،‬‬ ‫ي‬ ‫مخاطب معلوم الهويّة‬ ‫يتوجه حديثه نحو‬ ‫الذي ّ‬ ‫ٍ‬ ‫والفشاء‪ ،‬وعىل‬ ‫والعمل والدور؛‬ ‫المحرض عىل البوح إ‬ ‫ّ‬ ‫االع�اف ت‬ ‫نحو أشبه بطقوس ت‬ ‫ال� غايتها التخفّف من‬ ‫ي‬ ‫ٍ‬ ‫الذنب وتبييض الصفحة‪ ،‬أو ت‬ ‫ح� نشدان الخالص‬ ‫وتصفية الحساب مع ض‬ ‫الما� كما طالعناه‪ ،‬مثال ً‬ ‫ي‬ ‫ف� ت‬ ‫اع�افات جان جاك روسو المشهورة‪ .‬يغ� أن ما‬ ‫ي‬ ‫يحدث هنا ليس ما غاب وانطوت صفحته وحسب‪،‬‬ ‫لكنه ال يزال ماثال ً يفعل فعله وما برح قائماً يرسي‬ ‫تأث�ه بع� اختيار العزلة مالذاً واالنحباس عن العالم‬ ‫ي‬ ‫ف ي� غرفة النوم ومشارفة ذلك العالم بوساطة الثقب‪،‬‬ ‫الفشاء‬ ‫ومعه أيضاً إنشاء‬ ‫وهمي‪ ،‬هو من باب إ‬ ‫ٍ‬ ‫تفاعل ف ٍّ‬ ‫اف� ض‬ ‫عالم ت‬ ‫ا�‪ ،‬ال ّ‬ ‫يحل‬ ‫�‬ ‫ولو‬ ‫التفاعل‬ ‫والعراب عن‬ ‫إ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ي‬ ‫ث‬ ‫ث‬ ‫ويص�ها أك� إلحاحاً‬ ‫يعومها أك�‬ ‫وال ّ‬ ‫يبدد أزمة‪ ،‬إنما ّ‬ ‫يّ‬ ‫ومعاندة‪.‬‬

‫بوح لمريض نفس‬

‫ي‬ ‫تجه�‬ ‫إىل ذلك‪ ،‬من عنارص نجاح هذه الرواية ي ز ُ‬ ‫الشخصية لتكون مناسبة للمجال المناسب للبوح‪.‬‬ ‫شخصية ّ مقموعة ليس لها من أ‬ ‫المر ش‬ ‫تس�ها‬ ‫�ء ّي‬ ‫أ ّ‬ ‫ي‬ ‫الم كيف تريد وفيها من القسوة ومن نضوب الحب؛‬ ‫شعور بالذنب دائم‪ ،‬وكأنه‬ ‫ما يؤدي بابنها إىل تربية‬ ‫ٍ‬ ‫عىل ُج ُر ٍف يوشك أن يودي به أو تتخطّفه المخالب‬ ‫الم�عة جراء ت‬ ‫ش‬ ‫ال�بية الخاطئة‪.‬‬ ‫ّ‬

‫السمات تجلّلها هيئة خارجية تنطق عن الزراية‬ ‫هذه ِّ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫بالجسد البالغ ي� سمنته بلحية م�وكة دون تشذيب‪،‬‬ ‫ومع النقص الجسدي يجيء العقم ك�ض بة قاصمة‬ ‫ض‬ ‫تق� بالنهاية وعدم االستمرارية‪ ،‬وكلّها عنارص‬ ‫ي‬

‫مهددة للوجود ككيان له ن‬ ‫مع� وله امتداد ويرغب ف ي�‬ ‫ٍ‬ ‫الحضور‪.‬‬ ‫النفس‬ ‫وبهذه الشاكلة‪ ،‬ال غرابة ف ي� نشوء المرض‬ ‫ي‬ ‫ميكانيكية‬ ‫المتوج باالنسحاب من العالم وعيشه وفق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتعر من المشاعر باالنغماس‬ ‫الحياة‪،‬‬ ‫نداء‬ ‫من‬ ‫تخلو‬ ‫ٍّ‬ ‫ف‬ ‫حباً وال كرهاً بما يذكّر‬ ‫حالة من الحياد ال تحمل‬ ‫ي� ٍ‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫لب� كامو‪.‬‬ ‫«م�سو» ي� رواية «الغريب» ل ي‬ ‫بشخصية ي‬ ‫ّ‬ ‫ث‬ ‫التذك� يجعلنا نتف ّهم أك� حالة الالمباالة‬ ‫وهذا‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫اضياً‪ ،‬وال‬ ‫تلك نحو العالم فوكأنه يغ� موجود إال اف� أ ّ‬ ‫بال ن‬ ‫د� وفق‬ ‫يستحق االندغام ي� نسيجه‪ُ ،‬فيكتفى منه‬ ‫تتعدى نز‬ ‫الم�ل والعمل‬ ‫إحداثيات قليلة وبسيطة ال ّ‬ ‫وبينهما المسجد والسوق‪ .‬ويجري التعامل مع هذه‬ ‫ن‬ ‫إنسا� وال ضفاف‬ ‫إالحداثيات‬ ‫ٍ‬ ‫بانفصال تام؛ ال اشتباك ي‬ ‫ت‬ ‫مش�كة‪.‬‬

‫جحيم مستمر‬

‫م�» تتلقّى فقط أ‬ ‫أ‬ ‫«عبدال ي ن‬ ‫الوامر والكلمات‬ ‫شخصية‬ ‫ّ‬ ‫بال مبادرة وال رد‪ .‬ولهذا لم يكن غريباً ذهاب نصف‬ ‫سمعه منذ صغره كإشارة مبكّرة لما هو مقبل من‬ ‫ن‬ ‫برهات‬ ‫زم� يخلو من‬ ‫حياة ليست حياة؛ فقط ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عداد ي‬ ‫�ض‬ ‫متهورة‪.‬‬ ‫تكن‬ ‫وإن‬ ‫طائشة‬ ‫بة‬ ‫ب‬ ‫مختلسة‬ ‫ولو‬ ‫حية‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ففي القل فيها تنبيه إن الحياة هنا وهي تمر‪ ،‬ومن‬ ‫العبث أن تُ ت�ك‪.‬‬

‫وإن حيا ًة ق ُّدر لها أن تنشأ ف ي� كنف التذنيب‬ ‫كمص� بم�م‪ ،‬لهي خليقةٌ أن‬ ‫واالستسالم للمكتوب‬ ‫يٍ‬ ‫يتف� فيما ي ُن‬ ‫تكون جحيماً مستمراً ّش‬ ‫ع� العالم غافية‬ ‫ف‬ ‫الكراه‪:‬‬ ‫و� إعر ٍاض متبا َدل‬ ‫بصيغة أقرب إىل إ‬ ‫ٍ‬ ‫خالية ي‬ ‫يسبق العذاب»‪.‬‬ ‫«رعب هذا الصمت‪ .‬إنه دائماً ُ‬ ‫ٌ‬

‫ّ‬ ‫شخصية «عبداألمين»‬ ‫ّ‬ ‫تتلقى فقط األوامر‬ ‫والكلمات بال مبادرة وال‬ ‫ً‬ ‫غريبا‬ ‫رد‪ .‬ولهذا لم يكن‬ ‫ذهاب نصف سمعه‬ ‫منذ صغره كإشارة‬ ‫ّ‬ ‫مبكرة لما هو مقبل‬ ‫ٍ‬ ‫حياة ليست حياة؛‬ ‫من‬ ‫فقط ّ‬ ‫عداد زمني يخلو‬ ‫برهات ّ‬ ‫حية ولو‬ ‫من‬ ‫ٍ‬ ‫بضربة طائشة‬ ‫مختلسة‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫متهورة‪ .‬ففي‬ ‫وإن تكن‬ ‫األقل فيها تنبيه إن‬ ‫الحياة هنا وهي تمر‪،‬‬ ‫ومن العبث أن ُتترك‪...‬‬ ‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬

‫مقاطع من الرواية‬ ‫ن‬ ‫ث‬ ‫ث‬ ‫م�»‪...‬‬ ‫«لقد ارتحت ي‬ ‫كث�اً بعد الكتابة وأصبحت أك� هدوءاً وأك� قرباً ي‬ ‫ت‬ ‫«أنا ف� ت‬ ‫ت‬ ‫وزوج�‪ .‬ال أستطيع وصف شكل أي‬ ‫والد�‬ ‫حيا�‬ ‫كلها لم أعرف سوى أ ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫واحدة منهما آ‬ ‫الن‪ .‬لقد تراكمت اليام عليهما ث‬ ‫وك�ت الخطوات فيما بيننا إىل‬ ‫درجة لم أعد ي ن‬ ‫أتب� تفاصيلهما بالتحديد»‪.‬‬ ‫«كان انهماري بال حدود متسلحاً بأحد أ‬ ‫السماء المستعارة ي ت‬ ‫ال�‬ ‫الكث�ة ي‬ ‫ن‬ ‫ث‬ ‫ولك� صحوت‬ ‫أستخدمها‪ .‬فقد حلمت البارحة بأحداث ي‬ ‫كث�ة ونساء أك�‪ ،‬ي‬ ‫مفجوعاً بعد أن تأملت كل النساء ف ي� المملكة‪ ،‬واكتشفت أنهما اثنتان فقط‪.‬‬ ‫أ‬ ‫الوىل ت‬ ‫والد� المتسلطة والثانية ت‬ ‫زوج� النكدية»‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫�ء يجب أن يكون مثل الناس‪ ،‬دون أن تحدد أو تذكر يل من هم هؤالء‬ ‫«كل ي‬ ‫الناس‪ .‬ت‬ ‫ح� أصبح الحلم ممتلئاً بالخوف من الناس‪ .‬وظللت أترقب وصولهم‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫اقبون� بأعينهم الواسعة مس ِّل ي ن‬ ‫عل‬ ‫ي� أي لحظة‪ .‬ي‬ ‫و� أوقات أشعر بأنهم ير ي‬ ‫ط� ي َّ‬ ‫نظراتهم المرعبة»‪.‬‬


‫‪81 | 80‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫زهد ثقافي‪ :‬غياب‬ ‫الدهشة وضمور‬ ‫ملكة االكتشاف‬ ‫بقلم‬ ‫محمد العصيمي‬

‫ال بد أن قارئ عنوان هذه الصفحة‬ ‫سيصاب بالذهول‪ ،‬حيث ال يبدو أنه من‬ ‫ف‬ ‫الثقا�‪ ،‬باعتبار‬ ‫المباح أن نصاب بالزهد‬ ‫ي‬ ‫عما‬ ‫أن الثقافة سلعة يغ� مكلفة فضال ً َّ‬ ‫تضيفه عىل صاحبها من قيمة ورونق‪ .‬هذا‪ ،‬أيضاً‪ ،‬ما كنت‬ ‫ف‬ ‫وشبا� ي ن‬ ‫ح� كنت أجمع المراجع والكتب‬ ‫أعتقده ي� صباي ب ي‬ ‫ين‬ ‫مضام� هذا الورق‪ ،‬مثل نملة‬ ‫وقصاصات الورق‪ ،‬أياً كانت‬ ‫ث‬ ‫تتلقط فتات ب ز‬ ‫الخ� دون هوادة‪ .‬كنت‪ ،‬أك� من ذلك‪ ،‬سارقاً‬ ‫ت‬ ‫ال� ال يُعرف لها صاحب‪ .‬وعادة تكون هذه‬ ‫أو القطاً للكتب ي‬ ‫الكتب عىل أرفف مكتبات مهجورة أو قرب حاوية نفايات؛‬ ‫أو ف ي� أسواق شعبية تباع فيها الكتب المهملة كما تباع قطع‬ ‫أ‬ ‫الثاث القديمة‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫أقت�‬ ‫أن� كنت ف ي� زيارات ال تخلو من‬ ‫تربص‪ ،‬ي‬ ‫أع�ف كذلك ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫حقيب�‬ ‫وب�وت كتباً ممنوعة أضعها ي�‬ ‫من مكتبات القاهرة ي‬ ‫ي‬ ‫كيفما اتفق‪ ،‬فإن بع�ت من الجمارك شكرت هللا عىل فضله‪،‬‬ ‫وإن صودرت حمدته‪ ،‬حيث ال يُحمد عىل مكروه سواه‪ .‬ولطالما‬ ‫ال� ال أعرف مص�ها إىل آ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫الن‪.‬‬ ‫ي‬ ‫م� مئات الكتب ي‬ ‫صودرت ي‬ ‫ض‬ ‫حوال‬ ‫و ِلعلم من صادرها‪ ،‬وقد م� عىل آخر عملية مصادرة ي‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫فإن� لم أسامحه ولن أسامحه إىل يوم يبعثون‪،‬‬ ‫ع�ين سنة‪ ،‬ي‬ ‫ن‬ ‫حرم� من عادة احتفالية ثقافية كلما عدت من السفر‬ ‫لكونه أ ي‬ ‫محمال ً بالفكار والحروف الجديدة‪.‬‬ ‫مداخيل الشحيحة‬ ‫هذا الشغف المبكر بالكتاب ورصف كل‬ ‫ي‬ ‫آنذاك عليه والمجازفة ف ي� تهريبه ومصادرته من ِقبل الرقيب‬ ‫ت‬ ‫ح� عدت إىل ت‬ ‫ذاكر� مؤخراً ي ن‬ ‫مكتب�‪،‬‬ ‫العتيد‪ ،‬كل ذلك عاد إىل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫زوج�‪ ،‬لفحص محتوياتها من جديد‬ ‫بنا ًء عىل أمر قاهر من‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫عما يزيد عن نصف هذه المحتويات‪.‬‬ ‫والنظر ي� االستغناء َّ‬ ‫ف‬ ‫فجأة اكتشفت‪ ،‬وأنا أتنقَّل من ركن ي� المكتبة إىل آخر‪ ،‬أن ما‬ ‫ش‬ ‫والع�ين لم يعد‬ ‫كنت حفياً به من كتب وأنا ف ي� الخامسة‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫أن� أحكم‬ ‫جديراً بهذه الحفاوة وأنا فوق‬ ‫الخمس�‪ .‬ووجدت ي‬ ‫أ‬ ‫عىل بعض الكتب (بالهلس) لن ما فيها هو مجرد رصخات‬ ‫فكرية ضائعة ف ي� وادي العرب السحيق‪ .‬بل وجدت أن أغلب‬ ‫المجلدات والكتب هي مجرد تكرار لبعضها بعناوين وألفاظ‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫كث�اً ف ي�‬ ‫مختلفة‪ ،‬أي إن‬ ‫المعا� وتمايزوا قليال ً‬ ‫المؤلف� تماثلوا ي‬ ‫ي‬ ‫المبا�‪ .‬يغ� ذلك كانت بعض ث‬ ‫ن‬ ‫بحو� الجامعية لمرحل�ت‬ ‫ف ي�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫البكالوريوس والماجست� منافقة لفكر الجامعة وفكر أ‬ ‫الستاذ‬ ‫ي‬ ‫أك� من كونها ن‬ ‫ث‬ ‫تمثل� أو تنقل أفكاري وآر ئ يا� ف ي� موضوعاتها‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫النسان قد يصاب بالزهد‬ ‫يع�‪ ،‬بعد طول تأمل وألم‪ ،‬أن إ‬ ‫هذا ف ف ي‬ ‫متقدمة من عمره‪ .‬وسبب هذا الزهد هو إما‬ ‫الثقا� ي� مرحلة ِّ‬ ‫ي‬ ‫غياب الدهشة‪ ،‬وإما ضمور ملكة االكتشاف ت‬ ‫ال� تكون ف ي� أوجها‬ ‫ي‬ ‫ف ي� مرحلة الصبا والشباب‪ .‬إذا قلنا إن الكتاب بهجة فإن هذه‬ ‫البهجة تشح مع تقدم السن‪ ،‬فلذة الكتاب أ‬ ‫الول ال يمكن أن‬ ‫أ‬ ‫خ�‪ ،‬خاصة ي ن‬ ‫ح� تنضج كقارئ وتُبتىل‬ ‫تقارن بها لذة الكتاب ال ي‬ ‫بالقدرة عىل الفرز والنقد واستبطان نيات النصوص‪.‬‬ ‫لذلك كنت أكره بشدة قراءة النصوص النقدية؛ وأكره ذلك‬ ‫يسمى النقد‪ ،‬ألنه نز‬ ‫ي�ع من‬ ‫العلم أو ذلك التخصص الذي َّ‬ ‫نفس القارئ لحظة الدهشة بالنص أو لنقل لحظة الوقوع ف ي�‬ ‫وهم اللحظة الثقافية أو اللحظة الشعرية الحلوة‪ .‬ليس أنىك‬ ‫ت‬ ‫يفس‬ ‫يأ� من ِّ‬ ‫من أن ترى وجه حبيبتك جميال ً ثم ي‬ ‫يفصل أو ِّ‬ ‫لك مالمحها محاوالً‪ ،‬بالقلم والمسطرة‪ ،‬أن يثبت لك قبحها‪.‬‬ ‫ليس ثمة طائل من ذلك سوى الرغبة الدفينة ف ي� نفس العلم‬ ‫لالعتداء عىل الفن‪.‬‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫أن� مصاب بالزهد‬ ‫ال‬ ‫ن‪ ،‬فيما يبدو‪ ،‬حصحص الحق‪ ،‬وثبت ي‬ ‫ف‬ ‫الثقا�‪ ،‬حيث لم أعد أسافر من أجل كتاب وفقدت الرغبة‬ ‫ي‬ ‫أو القدرة عىل تمرير الكتب الممنوعة واستغنيت عن نصف‬ ‫ت‬ ‫كب�‪ .‬ما كان هناك‪ ،‬أثناء عملية جرد وفرز‬ ‫مكتب� دون أسف ي‬ ‫ي‬ ‫المكتبة‪ ،‬هو ذكريات بقيت معلَّقة عىل أطراف مرحلة الشباب‬ ‫بتغي� الكون‪ .‬لقد بقي الكون‪،‬‬ ‫المتدفق طاقة وعنفواناً ورغبة ي‬ ‫ت‬ ‫العر�‪ ،‬عىل حاله أو ربما تراجع ح� عن حاله‪،‬‬ ‫خاصة الكون ب ي‬ ‫بينما بك�ت أنا وصغرت أفكاري وآمال‪ .‬لم أعد أشعر ن‬ ‫أن� منقذ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ترجل الفارس الموهوم ومات‬ ‫قادم عىل صهوة جواد حر‪َّ .‬‬ ‫الم َتخيل‪ .‬هكذا ببساطة‪.‬‬ ‫الجواد ُ‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫تقرير القافلة‬

‫صناعة الترفيه‬ ‫والعصر الرقمي‬


‫‪83 | 82‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫«تعد الثقافة والترفيه من مقومات جودة الحياة» حسبما جاء في «رؤية المملكة ‪ ،»2030‬وال يقتصر‬ ‫أمرها «على دعم إيجاد خيارات ثقافية وترفيهية متنوعة تتناسب مع األذواق والفئات كافة‪ ..‬بل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مهما من خالل توفير عديد من فرص العمل»‪ ،‬كما يستشرف نص الرؤية نفسه‪.‬‬ ‫اقتصاديا‬ ‫دورا‬ ‫ستلعب‬ ‫ّ‬ ‫لقد شهدت صناعة الترفيه تحوالت كبيرة على مستوى العالم خالل العقود القليلة الماضية‪ ،‬تمثلت‬ ‫من جهة بتعاظم غير مسبوق لحجمها االقتصادي الذي ِّ‬ ‫تقدره بعض المصادر بنحو تريليوني دوالر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫مكونات جديدة بفعل التطور التقني الذي أضاف كثيرا إلى عناصرها التقليدية‬ ‫ومن جهة أخرى بظهور‬ ‫المعهودة منذ مئات السنين‪.‬‬ ‫يرتبط الترفيه بأوقات الفراغ وأوقات العمل‪ .‬وقد حافظ اإلنسان على معدل ساعات عمل للفرد عند‬ ‫ً‬ ‫سنويا منذ أن دخل عصر الزراعة‪ ،‬وحتى الثورة الصناعية في مطلع القرن التاسع‬ ‫حدود ‪ 3300‬ساعة‬ ‫ً‬ ‫عشر‪ .‬ومنذ عام ‪1840‬م وحتى اليوم‪ ،‬انخفض هذا المعدل تدريجيا إلى أن وصل إلى ‪ 1900‬ساعة‪ ،‬بفعل‬ ‫زيادة إنتاجية الفرد (أي ما ينتجه في الساعة بمساعدة اآللة)‪ .‬فازدادت‪ ،‬إثر ذلك‪ ،‬أوقات الفراغ‪ ،‬التي‬ ‫ً‬ ‫جزءا من الدورة االقتصادية تحت اسم‬ ‫صارت ُتستهلك في نشاطات ترفيهية متنوعة‪ ،‬أصبحت بدورها‬ ‫«صناعة الترفيه»‪.‬‬

‫الترفيه قبل الثورة الصناعية‬

‫‪ - 1‬المجتمعات القبلية‬ ‫• •ال تفرقة ي ن‬ ‫ب� أوقات العمل وأوقات الفراغ‪،‬‬ ‫العمل هو نفسه نشاط ترفيهي‪.‬‬ ‫• •القيام بالعمل عند ال�ض ورة‪.‬‬ ‫•• ت‬ ‫ال�فيه يرافق الطقوس االحتفالية خالل العمل‬ ‫وغ�ها‪.‬‬ ‫الجماعي أو بناء البيوت أو الصيد ي‬ ‫• •خالفاً لالعتقاد السائد‪ ،‬ت‬ ‫ال�فيه هنا ليس‬ ‫تعويضاً عن فقدان السعادة‪ ،‬كما �ف‬ ‫ي‬ ‫المجتمعات المعارصة؛ فالحياة نفسها هي‬ ‫مصدر السعادة‪.‬‬

‫الترفيه وقص الحكايات كان‬ ‫هدفهما ترسيخ تاريخ ثقافة‬

‫الجماعة في سبيل تقوية‬ ‫التعاضد االجتماعي‬

‫‪ – 2‬المجتمعات القديمة‬ ‫ف‬ ‫• •للنشاطات ت‬ ‫ال�فيهية ي� المجتمعات الزراعية‬ ‫القديمة أسباب ومصادر اجتماعية‪.‬‬ ‫•• أ‬ ‫اللعاب الشعبية (القائمة عىل المنافسة والقوة‬ ‫الجسمانية) كانت من آثار الحروب‪.‬‬ ‫• •عندما تستبدل أداة حربية معينة بأخرى‬ ‫جديدة‪ ،‬تستمر أ‬ ‫الوىل كأداة ترفيهية (القوس ف ي�‬ ‫الرياضة والصيد)‪.‬‬ ‫• •اعتماد الزينة بهدف إعالن االنتماء إىل جماعة‬ ‫محددة‪ ،‬وإىل فئة أصغر ضمن هذه الجماعة‪،‬‬ ‫وانسحاب ذلك عىل الفنون الشعبية‪.‬‬ ‫• •كان الغرض من أنواع ت‬ ‫ال�فيه وقص الحكايات‬ ‫ترسيخ المعتقدات والقيم‪ ،‬وتاريخ ثقافة‬ ‫الجماعة ف ي� سبيل تقوية التعاضد االجتماعي‪.‬‬ ‫• •كان ت‬ ‫لل�فيه ف ي� الحضارات القديمة بعض‬ ‫أ‬ ‫البعاد المرعبة‪ ،‬كما كان الحال مثال ً عند افتتاح‬ ‫ف‬ ‫الكب� ي� روما القديمة سنة ‪80‬‬ ‫الكولوسيوم ي‬ ‫ميالدية باحتفال امتد لمئة يوم‪ ،‬وتمثل بمجزرة‬ ‫ب� الحيوانات ت‬ ‫ين‬ ‫كب�ة ي ن‬ ‫محكوم�‪.‬‬ ‫المف�سة وأناس‬ ‫ي‬ ‫ال بم�اطور تيتوس يشاهد منتشياً هذه‬ ‫وكان إ‬ ‫حوال ‪ 80000‬مشاهد‬ ‫المقصلة يومياً‪ ،‬بحضور ي‬ ‫آخرين يستمتعون معه بهذا الرصاع الدامي‪.‬‬

‫‪ – 3‬ف ي� حضارات العرص الوسيط‬ ‫ف ق‬ ‫ف‬ ‫با� الحضارات ت‬ ‫ح�‬ ‫ي� الحضارة إ‬ ‫السالمية كما ي� ي‬ ‫ف‬ ‫ع�‪ ،‬تركز ت‬ ‫القرن التاسع ش‬ ‫ال�فيه ي�‪:‬‬ ‫ت‬ ‫• •قصور الحكام‪ ،‬حيث لعب ال�فيه‪ ،‬لمناسبة‬ ‫ف‬ ‫تطور‬ ‫معينة أو من دون مناسبة‪ ،‬دوراً بارزاً ي� ّ‬ ‫بعض الفنون آ‬ ‫والداب‪.‬‬ ‫بم�لة ت‬ ‫• •أماكن عامة مغلقة وشعبية نز‬ ‫اس�احات‬ ‫ف‬ ‫للرجال‪( .‬أعقبها ظهور المقاهي ي� القرن‬ ‫السادس ش‬ ‫وتحول بعضها اىل أماكن لقراءة‬ ‫ع�‪ّ ،‬‬ ‫أ‬ ‫الدب‬ ‫الشع�)‪.‬‬ ‫بي‬ ‫• •اقتصار االحتفاالت الشعبية العامة عىل‬ ‫مناسبات سنوية محددة‪ ،‬مثل أ‬ ‫العياد‪ ،‬أو‬ ‫تسجيل انتصارات حربية‪.‬‬ ‫ال�فيه اليومي عىل أ‬ ‫• •اقتصار ت‬ ‫الوالد بألعاب‬ ‫جماعية ف ي� الهواء الطلق‪.‬‬


‫نشأة صناعة الترفيه الحديث‬

‫النتاجية‬ ‫‪ – 1‬دور زيادة إ‬ ‫• •بتعاون العلم والتكنولوجيا والمال بدأت‬ ‫الصناعات تنتقل من البيوت إىل المصانع‪،‬‬ ‫وأدى تركز المصانع ف ي� المدن منذ بدايات القرن‬ ‫التاسع ش‬ ‫كب�ة من الريف إليها‪.‬‬ ‫ع�‪ ،‬إىل هجرة ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫والحياة المدنية هي الساس ي� نشأة النشاطات‬ ‫ت‬ ‫ال�فيهية الحديثة‪.‬‬ ‫آ‬ ‫النتاج بنسبة‬ ‫• •زادت القوة الميكانيكية لالت إ‬ ‫كب� من اليد العاملة‪.‬‬ ‫كب�ة‪ ،‬وحلت محل جزء ي‬ ‫ي‬ ‫ومع التقدم التكنولوجي المطرد‪ ،‬ارتفعت‬ ‫باستمرار نسبة أوقات الفراغ وانخفضت ساعات‬ ‫العمل‪.‬‬ ‫‪ -2‬ت‬ ‫ال�فيه الخالق‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫ف ي� مطلع القرن الع�ين‪ ،‬برزت حاجة ماسة ي� الدول‬ ‫السنة‬

‫ساعات العمل في أ‬ ‫السبوع‬

‫‪1860‬‬

‫‪69.7‬‬

‫‪1890‬‬

‫‪61.7‬‬

‫‪1910‬‬

‫‪54.9‬‬

‫‪1947‬‬

‫‪42.7‬‬

‫الصناعية لليد العاملة الماهرة والمتعلمة فوجدت‬ ‫الدعوات من المؤسسات الرسمية والمجتمع لتشجيع‬ ‫الناس‪ ،‬ف ي� أوقات فراغهم عىل ما أطلق عليه «أنشطة‬ ‫ترفيهية خالقة» فظهر‪:‬‬ ‫• •انتشار واسع للمكتبات العامة المجانية‪.‬‬ ‫ال�امج المدرسية‪.‬‬ ‫• •إدخال الفن والحرف إىل ب‬ ‫• •إقامة المعارض الفنية‪.‬‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫والممول� إلقامة المشاريع‬ ‫الفنان�‬ ‫• •اجتماع‬ ‫ت‬ ‫المش�كة‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫• •تشجيع الن�ات ال�فيهية الخالقة‪.‬‬ ‫والتعاب� الجديدة‬ ‫‪- 3‬أوقات الفراغ‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫مع تبلور وترسخ صناعة ال�فيه كفرع اقتصادي‬ ‫حديث‪ ،‬أصبحت ألوقات الفراغ تسميات تالئم هذه‬ ‫النشاطات وتعيد تعريفها من جديد‪:‬‬ ‫• •خارج أوقات الدوام «فري تايم»‪.‬‬ ‫السنة‬

‫النسبة المئوية‬ ‫لساعات العمل‬

‫النسبة المئوية‬ ‫لساعات الفراغ‬

‫‪1875‬‬

‫‪26‬‬

‫‪7.8‬‬

‫‪1950‬‬

‫‪15‬‬

‫‪20.7‬‬

‫‪2000‬‬

‫‪8‬‬

‫‪27‬‬ ‫‪3500‬‬ ‫‪3000‬‬

‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•نهاية أ‬ ‫السبوع أو «الويك إند»‪.‬‬ ‫• أ‬ ‫المسيات الحرة "«فري إيفنينغز»‪.‬‬ ‫الجازة السنوية‪.‬‬ ‫• إ‬ ‫•التقاعد‪.‬‬

‫تقنيات الترفيه الحديثة‬

‫ال تن�نت‬ ‫‪ – 1‬قبل إ‬ ‫ال�فيه أ‬ ‫• •كان الراديو وسيلة ت‬ ‫الساسية لعامة الناس‬ ‫ف� النصف أ‬ ‫الول للقرن ش‬ ‫الع�ين‪.‬‬ ‫ي‬ ‫• •بعد الخمسينيات من القرن الميالدي ض‬ ‫الما�‪،‬‬ ‫ي‬ ‫صار التلفزيون وسيطاً أساسياً ت‬ ‫لل�فيه الجماعي‪،‬‬ ‫ش‬ ‫وانت� رسيعاً عىل الصعيد العالمي‪.‬‬ ‫أ‬ ‫لك�ونية ألول مرة �ف‬ ‫ال ت‬ ‫• •ظهور اللعاب إ‬ ‫ي‬ ‫السبعينيات‪ ،‬بع� أجهزة تدار باليدين‪.‬‬ ‫الشخص‬ ‫• •انتشار عالمي رسيع للكمبيوتر‬ ‫ي‬ ‫والهاتف المحمول أ‬ ‫والقراص المدمجة ف ي� الربع‬ ‫أ‬ ‫خ� للقرن ش‬ ‫الع�ين‪.‬‬ ‫ال ي‬ ‫ف‬ ‫ال تن�نت‬ ‫‪ – 2‬ي� عرص إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫خ� من‬ ‫• •ظهور اللعاب بع� الشبكة ي� العقد ال ي‬ ‫القرن ش‬ ‫الع�ين‪.‬‬ ‫شخص‬ ‫• •ظهور الكمبيوتر اللوحي وهو كمبيوتر‬ ‫ي‬ ‫صغ� الحجم ومتحرك‪.‬‬ ‫ي‬ ‫الذك‪.‬‬ ‫الهاتف‬ ‫ظهور‬ ‫• •‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫• •دمج وسائط ترفيهية عدة ي� جهاز واحد‬ ‫موصول بالشبكة‪.‬‬

‫‪2500‬‬ ‫سكان أ‬ ‫الرياف‬

‫سكان المدن‬

‫‪2000‬‬ ‫‪1500‬‬ ‫‪1000‬‬ ‫‪500‬‬

‫‪1886 1896 1906 1916 1926 1936 1946 1956 1966 1976 1986 1996 2001‬‬

‫سكان المدن يزدادون بينما سكان أ‬ ‫الرياف يحافظون عىل أعدادهم تقريباً‬

‫‪0‬‬

‫الهجرة الكبيرة من الريف إلى‬ ‫المدن والحياة المدنية هي‬

‫األساس في نشأة النشاطات‬

‫الترفيهية الحديثة‬


‫‪85 | 84‬‬

‫•‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫ال�فيه بواسطة أ‬ ‫•تفوق ت‬ ‫الجهزة التقنية عىل كافة‬ ‫ت‬ ‫أنماط ال�فيه التقليدية عىل صعيد الوقت‬ ‫المستهلك ف ي� كل منها‪.‬‬

‫االقتصاد‬ ‫موقعها في‬ ‫أ‬

‫‪ – 1‬قطاعات االقتصاد الربعة‬ ‫يتألف االقتصاد من أربعة قطاعات أساسية‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫أ‬ ‫ول كالزراعة والصيد والتعدين‪ ،‬والقطاع‬ ‫القطاع ال ي‬ ‫الثانوي أو التصنيعي‪ ،‬والقطاع الثالث أو الخدمات‪،‬‬ ‫والقطاع الرابع أو اقتصاد المعرفة‪ .‬ويضم كل قطاع‬ ‫عدة صناعات‪ .‬وتنتمي صناعة ت‬ ‫ال�فيه إىل القطاع‬ ‫أك� فأك�ث‬ ‫الثالث‪ ،‬أي الخدمات‪ ،‬ولكنها تزداد ارتباطاً ث‬ ‫بالقطاع الرابع‪ ،‬أي المعرفة‪.‬‬

‫‪ – 2‬الحجم االقتصادي لصناعة ت‬ ‫ال�فيه‬ ‫• •يقدر حجم صناعة ت‬ ‫ال�فيه ف ي� العالم سنة‬ ‫بحوال ‪ 2‬تريليون دوالر‪.‬‬ ‫‪2010‬م‬ ‫ي‬ ‫• •يشكِّل حجم النشاط االقتصادي لصناعة ت‬ ‫ال�فيه‬ ‫ف‬ ‫حوال‬ ‫ي� الواليات المتحدة عىل سبيل المثال ي‬ ‫‪ %6‬من مجمل الدخل القومي‪ ،‬حسب إحصاء‬ ‫لـ «موشن ش‬ ‫بيكت� أسوسياشن أف أمريكا» سنة‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫‪2006‬م‪ .‬كما أن صناعة ال�فيه ي� الهند هي من‬

‫‪ – 3‬أنواع ت‬ ‫ال�فيه‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫الحصاءات‬ ‫• •تشمل صناعة ال�فيه ي� إ‬ ‫االقتصادية الحالية كل أنواع النشاطات‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� غالباً ما تتطلب‬ ‫ال�فيهية التقليدية ي‬ ‫أ‬ ‫الحضور الشخص إىل مكان ت‬ ‫ال�فيه كاللعاب‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫والرياضة والفنون والعروض الدائية والثقافية‬ ‫بالضافة إىل تلك‬ ‫ومدن المالهي والسينما‪ ،‬إ‬ ‫ت‬ ‫كالنتاج‬ ‫العالم للتوزيع إ‬ ‫ال� تعتمد عىل إ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫والذاعة‬ ‫التلفزيو� والموسيقى والتلفزيون إ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ال ت‬ ‫وخدمات الكابل ش‬ ‫لك�ونية‬ ‫والن� واللعاب إ‬ ‫ت‬ ‫ال� تطورت ش‬ ‫وانت�ت بشكل هائل مع انتشار‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫الن�نت‪.‬‬ ‫إ‬ ‫الشارة إىل أنه وعىل الرغم من التقدم‬ ‫• •تجدر إ‬ ‫والنمو الرسيع ت‬ ‫لل�فيه الرقمي فإن نسبة إنفاق‬ ‫أ‬ ‫مريكي� والعالم عىل ت‬ ‫ال ي ن‬ ‫ال�فيه التقليدي‬ ‫ال تزال تفوق إنفاقهم عىل ت‬ ‫ال�فيه الرقمي‬ ‫ف‬ ‫بحوال ‪ 20‬بالمئة‪ ،‬ف� ي ن‬ ‫ح� كان الفارق ي� عام‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫‪2009‬م ‪ 303‬بالمئة لصالح ت‬ ‫ال�فيه التقليدي‪.‬‬ ‫• •ولكن قبل الدخول ف ي� ديناميكية ودور العرص‬ ‫الرقمي ف� انتشار ت‬ ‫ال�فيه‪ ،‬نلقي نظرة عىل‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� ال تزال تجذب‬ ‫بعض أنواع ال�فيه العريقة ي‬ ‫ين‬ ‫المالي� سنوياً‪.‬‬

‫«بينتج وتشينغ» المغاالة أو‬ ‫الدمان على المشاهدة‬ ‫إ‬ ‫الدمان عىل‬ ‫«بينتج وتشينغ» المغاالة أو إ‬ ‫المشاهدة هي من المفردات أو المصطلحات‬ ‫ت‬ ‫ال� أصبحت شائعة االستعمال مثل‬ ‫الحديثة ي‬ ‫ن‬ ‫وتع�‬ ‫مفردة «سيلفي» و«شو رومينغ» ‪...‬إلخ‪ .‬ي‬ ‫مشاهدة عدة حلقات ‪ -‬ي ن‬ ‫ب� ‪ 6-2‬حلقات ‪ -‬من‬ ‫مسلسل ي َّ ن‬ ‫مع� ف ي� جلسة واحدة‪ .‬ومع أنها‬ ‫ش‬ ‫استعملت ف ي� ثمانينيات القرن الع�ين عندما‬ ‫بدأت بعض القنوات التلفزيونية بإعادة بث‬ ‫بعض المسلسالت بشكل متواصل‪ ،‬لكن أعيد‬ ‫تفعيلها حديثاً بعد تطورات التجمع واالزدياد‬ ‫ت‬ ‫ال� تبث‬ ‫المطرد‬ ‫النتشار المنصات والتطبيقات ي‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫مبا�ة الفالم والمسلسالت وألعاب الفيديو إىل‬ ‫المستهلك الذي أصبح بإمكانه الرجوع إىل الخلف‬ ‫ومشاهدة ما يريد ف ي� جلسة واحدة‪.‬‬

‫ين‬ ‫العامل� ف ي� مختلف قطاعات االقتصاد‬ ‫عدد‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الول (يتقلص برسعة ت ز‬ ‫م�ايدة)‬ ‫• •اللون الزرق يمثل القطاع ي‬ ‫تقال يمثل القطاع التصنيعي (يتقلص أيضاً برسعة)‬ ‫• •اللون ب‬ ‫ال� ي‬ ‫• •اللون أ‬ ‫الخ�ض يمثل القطاع الثالث أو الخدمات (يرتفع برسعة)‬ ‫• •اللون أ‬ ‫ف‬ ‫المعر� (يرتفع أيضاً)‬ ‫الحمر يمثل القطاع‬ ‫ي‬

‫الوقت‬

‫•‬

‫•‬

‫ب� أ‬ ‫ين‬ ‫الرسع نمواً ف ي� كافة القطاعات االقتصادية‪،‬‬ ‫إذ ارتفع حجمها من ‪ 14.4‬مليار دوالر عام‬ ‫‪ 2010‬إىل ‪ 28.1‬مليار دوالر عام ‪2015‬م‪ ،‬أي‬ ‫بمعدل يقارب ‪ %12‬سنوياً‪.‬‬ ‫العامل� ف� صناعة ت‬ ‫ن‬ ‫ال�فيه ف ي� الواليات‬ ‫•عدد‬ ‫يأ ي‬ ‫بحوال ‪ 2.5‬مليون‬ ‫المتحدة المريكية يقدر‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫شخص‪ .‬أما ف ي� الهند‪ ،‬فيبلغ عدد‬ ‫العامل� ف ي�‬ ‫قطاع السينما وحده نحو ‪ 6‬ي ن‬ ‫مالي� شخص‪.‬‬ ‫•مجموع إنفاق أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫مريكي� عىل تال�فيه سنة ‪2009‬م‬ ‫بلغ ‪ 696.3‬مليار دوالر‪ .‬وأنفقوا عىل أماكن‬ ‫التسلية ‪ 41.8‬ملياراً وعىل أ‬ ‫الجهزة إال ت‬ ‫لك�ونية‬ ‫وال�امج المتعلقة ت‬ ‫بال�فيه والتسلية ‪ 265.2‬مليار‬ ‫ب‬ ‫دوالر‪ ،‬وعىل الرياضة ‪ 20.7‬مليار دوالر‪.‬‬

‫صناعة السينما‬

‫تُعد السينما ظاهرة متصلة بالتطور التكنولوجي الذي‬ ‫أحدثته الثورة الصناعية‪ ،‬وبأوقات الفراغ الناتجة عن‬ ‫زيادة إنتاجية ومدخول الفرد‪.‬‬ ‫• •أول شكل من أشكال ت‬ ‫ال�فيه الجماعي‪ ،‬الصناعي‪.‬‬ ‫«لومي�»‬ ‫• •ظهر أول ِفلم لصور متحركة للإخوة‬ ‫ي‬ ‫ف ي� فرنسا سنة ‪1890‬م‪.‬‬ ‫• •أول أ‬ ‫المر ظهرت السينما الرحالة مع خيمة‬ ‫أو مرسح ينصب ف� البلدات والقرى ت‬ ‫لف�ات‬ ‫ي‬ ‫قص�ة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫• •ظهر أول ِفلم درامي طويل (مدته ساعة أو‬ ‫أك�) ف� ت‬ ‫ث‬ ‫أس�اليا سنة ‪1906‬م‪ .‬وبقيت السينما‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫صامتة ح� سنة ‪1927‬م‪.‬‬

‫الراديو كان وسيلة‬

‫الترفيه األساسية‬ ‫للجمهور في‬

‫النصف األول‬

‫للقرن العشرين‬


‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•ابتدا ًء من سنة ‪1907‬م أصبحت السينما ي ز‬ ‫تتم�‬ ‫ق‬ ‫با� النشاطات ت‬ ‫ال�فيهية وتأخذ منحى‬ ‫عن ي‬ ‫صناعياً مستقالً‪.‬‬ ‫ف‬ ‫•ظهر أول استوديو سينما ي� هوليوود سنة‬ ‫‪1911‬م‪.‬‬ ‫•تأثرت صناعة السينما أ‬ ‫ين‬ ‫بالحرب�‬ ‫الوروبية‬ ‫ين‬ ‫العالميت� وأصبحت أقل تنافسية مع يغ�ها‬ ‫أ‬ ‫المريكية والهندية‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫•ابتدا ًء من سنة ‪1980‬م بدأت صناعة السينما‬ ‫والنشاطات المرسحية أ‬ ‫الخرى تت�اجع مقارنة‬ ‫بالنشاطات عىل الشبكة والكابل والفيديو‬ ‫وغ�ها لتتساوى من‬ ‫نزل والهواتف الذكية ي‬ ‫الم� ي‬ ‫ت‬ ‫اليرادات سنة ‪2002‬م ثم تف�ق‬ ‫ناحية حجم إ‬ ‫بشكل حاد صعوداً للثانية وهبوطاً أ‬ ‫للوىل عىل‬ ‫الصعيد العالمي‪.‬‬

‫صناعة الرياضة‬

‫الرياضة كما نعرفها اليوم هي أيضاً نتاج التطورات‬ ‫ت‬ ‫ال� أحدثتها الثورة الصناعية‪:‬‬ ‫• ي •كافة أنواع الرياضة بشكلها الراهن تطورت �ف‬ ‫ي‬ ‫القر ي ن‬ ‫ش‬ ‫ن� التاسع ش‬ ‫والع�ين‪.‬‬ ‫ع�‬ ‫ف‬ ‫• •عديد منها يعود ي� أصوله إىل عهود قديمة‪،‬‬ ‫لكن هدفها لم يكن ت‬ ‫ال�فيه كما هي حالها‬ ‫اليوم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫• •كانت جزءا من التدريب العسكري للحصول‬ ‫عىل اللياقة البدنية واكتساب القدرة للعمل‬ ‫ضمن الفريق المنظم‪.‬‬ ‫وتش� الجداريات القديمة إىل أن الركض‬ ‫• • ي‬ ‫والمصارعة والسباحة والرمي بالقوس هي إحدى‬ ‫الشكال أ‬ ‫أ‬ ‫الوىل للرياضة‪.‬‬

‫•‬ ‫•‬

‫•‬

‫اللعاب أ‬ ‫•جرت أوىل أ‬ ‫الولمبية سنة ‪ 760‬قبل‬ ‫الميالد ف ي� اليونان القديمة‪.‬‬ ‫•نتجت عن صناعة الرياضة اليوم مروحة واسعة‬ ‫من النشاطات الرياضية الصناعية‪ ،‬تتعدى‬ ‫الدوات الرياضية إىل المالبس أ‬ ‫صناعة أ‬ ‫والحذية‬ ‫والمأكوالت‪.‬‬ ‫يقدر حجم إيرادات النشاطات الرياضية‬ ‫• َّ‬ ‫بحوال ‪ 86‬مليار دوالر‬ ‫‪2016‬م‬ ‫سنة‬ ‫العالمية‬ ‫ي‬ ‫وتضم أ‬ ‫اللعاب التالية‪:‬‬ ‫نوع الرياضة‬ ‫كرة القدم‬ ‫أ‬ ‫كرة القدم المريكية‬ ‫البيسبول‬ ‫الفورميال ‪1‬‬ ‫كرة السلة‬ ‫الهوك‬ ‫ي‬ ‫التنس‬ ‫الغولف‬ ‫ألعاب أخرى‬

‫النسبة المئوية للإيرادات‬ ‫من المجموع‬ ‫‪%43‬‬ ‫‪%13‬‬ ‫‪%12‬‬ ‫‪%7‬‬ ‫‪%6‬‬ ‫‪%4‬‬ ‫‪%4‬‬ ‫‪%3‬‬ ‫‪%8‬‬

‫صناعة مدن المالهي‬

‫مدن المالهي هي أماكن للتسلية ت‬ ‫وال�فيه تشتمل عىل‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫كب�ة‬ ‫ال� تجذب أعداداً ي‬ ‫أنواع متعددة من اللعاب ي‬ ‫من الناس من كافة الفئات‪.‬‬ ‫• •يعود منشأ مدن المالهي إىل الحدائق العامة‬ ‫ت‬ ‫نز‬ ‫ال� ظهرت ف ي� روما القديمة‬ ‫والمت�هات ي‬

‫الرقام المخفية قد تكون أ‬ ‫أ‬ ‫الهم‬ ‫تحذِّ ر كافة المراجع حول صناعة ت‬ ‫ال�فيه من عدم‬ ‫دقة أ‬ ‫التعب� عن الجدوى االقتصادية‬ ‫الرقام ف ي�‬ ‫ي‬ ‫من صناعة ت‬ ‫ال�فيه بشكل كامل وشامل‪ .‬فمعظم‬ ‫يتضمن تداعيات إيجابية عىل‬ ‫أوجه هذه الصناعة َّ‬ ‫الحصاءات نظراً‬ ‫االقتصاد‪ ،‬غالباً ما تبقى خارج إ‬ ‫لصعوبة حرصها‪.‬‬ ‫كب�اً‪ ،‬مثل مباراة‬ ‫فإذا أخذنا مثال ً حدثاً رياضياً ي‬ ‫دولية ف ي� كرة القدم‪ ،‬نجد أن المفاعيل االقتصادية‬ ‫لهذا الحدث ال تنحرص ف ي� شباك التذاكر وعوائد‬ ‫العالنات مثالً‪ ،‬بل تمتد إىل قطاعات تشمل من‬ ‫إ‬ ‫جملة ما تشمل‪:‬‬ ‫• •التصميم والطباعة (للبطاقات واللوحات‬ ‫العالنية)‪.‬‬ ‫إ‬ ‫الط�ان (بيع مزيد من تذاكر السفر‬ ‫• • ي‬

‫خصيصاً للمناسبة)‪.‬‬ ‫ق‬ ‫الفند� (بكل ما فيه من إيواء‬ ‫• •القطاع‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫للقادم� من أماكن بعيدة)‪.‬‬ ‫ومطاعم‬ ‫ي‬ ‫• •النقل داخل المدينة ت‬ ‫ال� يقام فيها‬ ‫ي‬ ‫الحدث‪.‬‬ ‫• •صناعة التذكارات‪.‬‬ ‫وغ� ذلك بدرجات متفاوتة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ضخ ف ي� هذه القطاعات‬ ‫ضا� الذي يُ ُّ‬ ‫والمال إ‬ ‫ال ي‬ ‫بفعل هذا الحدث الواحد‪ ،‬لن يبقى ف ي� مكانه‬ ‫إىل أ‬ ‫البد‪ ،‬بل سينتقل إىل قطاعات أخرى‪ ،‬يحتاج‬ ‫هؤالء الذين حصلوا عىل هذا المال إىل سلعها‬ ‫المر الذي يشكِّل دفعاً إىل أ‬ ‫وخدماتها‪ ،‬أ‬ ‫المام‬ ‫للنشاط االقتصادي ككل ف ي� بيئة الحدث‪ ،‬تستمر‬ ‫مفاعيله طويال ً بعد انقضائه‪.‬‬

‫•‬

‫•‬

‫•‬ ‫•‬

‫وغ�ها من العالم القديم‪ .‬كما تعود أيضاً إىل‬ ‫ي‬ ‫المعارض ت‬ ‫ال� بدأت تظهر ف ي� القرون الوسطى‬ ‫ي‬ ‫ف ي� أوروبا كأسواق مؤقتة‪ ،‬كمعرض «بارثولوميو»‬ ‫ف� ت‬ ‫إنجل�ا سنة ‪1133‬م‪.‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫•تطورت هذه الماكن ي� القرن التاسع ش‬ ‫ع�‬ ‫لتتضمن نشاطات ترفيهية عىل شكل عروض‬ ‫غريبة وبهلوانيات وأعمال خفة وعرض حيوانات‬ ‫متوحشة ف ي� أقفاص‪.‬‬ ‫• ف ي� ستينيات القرن التاسع ش‬ ‫ع� بدأت تظهر‬ ‫ف‬ ‫و� سنة‬ ‫الدوامات الميكانيكية والكاروسيل‪ ،‬ي‬ ‫الكب� الذي يُعرف‬ ‫‪1895‬م ظهر الدوالب ي‬ ‫بدوالب شيكاغو‪ ،‬ودفع ف ي� السنة نفسها أول‬ ‫رسم دخول إىل المالهي‪.‬‬ ‫•بلغ مجموع إيرادات مدن المالهي حول العالم‬ ‫حوال ‪ 35‬مليار دوالر‪.‬‬ ‫سنة ‪2015‬م ي‬ ‫•استحوذت مدن المالهي التابعة لـ «والت‬ ‫ن‬ ‫حوال‬ ‫ي‬ ‫ديز�» حول العالم عىل إيرادات بلغت ي‬ ‫‪ 17‬مليار دوالر‪.‬‬

‫أهم مدن المالهي في العالم‬ ‫عدد الزوار‬ ‫‪2015‬‬ ‫ين‬ ‫(بالمالي�)‬

‫مدينة المالهي‬

‫البلد‬

‫ن‬ ‫ديز�‬ ‫والت ي‬ ‫ن‬ ‫ديز� الند‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ديز�‬ ‫طوكيو ي‬ ‫الند‬ ‫يونيفرسال‬ ‫ستوديوز‬ ‫ن‬ ‫ديز� الند بارك‬ ‫ي‬ ‫تشيملونغ أوشن‬ ‫كينغ‬ ‫إيف�الند‬ ‫ي‬ ‫أوروبا بارك‬

‫الواليات المتحدة‬ ‫الواليات المتحدة‬ ‫اليابان‬

‫‪20.49‬‬ ‫‪18.28‬‬ ‫‪16.6‬‬

‫اليابان‬

‫‪13.9‬‬

‫فرنسا‬ ‫ين‬ ‫الص�‬

‫‪10.36‬‬ ‫‪7.49‬‬

‫كوريا الجنوبية‬ ‫ألمانيا‬

‫‪7.32‬‬ ‫‪5.5‬‬


‫‪87 | 86‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫العصر الرقمي ووقعه الكبير على‬ ‫هذه الصناعة‬

‫أدى وجود وسيط متعدد الوظائف وموصول بالشبكة‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫يل أبرز‬ ‫إىل إحداث ف ثورة ي� صناعة ال�فيه‪ ،‬وفيما ي‬ ‫التطورات ي� هذا المجال‪:‬‬ ‫أك� ث‬ ‫االف� ضا� ث‬ ‫• •حلول العالم ت‬ ‫فأك� محل‬ ‫ي‬ ‫العالم الواقعي‪ .‬فمعظم النشاطات ت‬ ‫ال�فيهية‬ ‫عىل الكرة أ‬ ‫الرضية أصبحت تتجمع عىل الشاشة‬ ‫ي ت‬ ‫ال� ال تعرف الحدود الجغرافية‪.‬‬ ‫الصغ�ة ي‬ ‫ت‬ ‫• •أصبحت كافة أشكال ال�فيه التقليدية متاحة‬ ‫للفرد‪ ،‬ولم تعد حكراً عىل فئة معينة‪.‬‬ ‫• •تمكّن الناس من اختيار نوع ت‬ ‫ال�فيه‪ ،‬كلعبة‬ ‫فيديو أو ِفلم أو موسيقى أو مباراة رياضية‪،‬‬ ‫وأيضاً اختيار الزمان والمكان لذلك‪.‬‬ ‫• •تقلص المسافة ي ن‬ ‫ب� المستهلك لنشاط ترفيهي‬ ‫ما والمنتج له‪ ،‬بفعل خصائص التفاعل‬ ‫ت‬ ‫ال� تتيحها تقنيات وبرامج‬ ‫والمشاركة الجديدة ي‬ ‫وتطبيقات تفاعلية‪.‬‬

‫عولمة صناعة الترفيه‬

‫تُعدد الدراسات سمات سوق تقنيات ت‬ ‫ال�فيه عىل‬ ‫التال‪:‬‬ ‫النحو ي‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫كب� جدا ي� استعمال وسائط الميديا‪،‬‬ ‫• •ازدياد ي‬ ‫وكذلك برامج وتطبيقات (أون الين)‪ .‬فهناك‬ ‫حوال ‪ 12‬مليار جهاز ش‬ ‫منت� حول العالم‬ ‫ي‬ ‫موصول بالشبكة‪.‬‬

‫«هذه الثورة‬ ‫الرقمية هي‬ ‫أفضل وأسوأ‬ ‫شيء حصل لنا‪.‬‬ ‫في كل األحوال‬ ‫هناك نظام قيم‬ ‫جديد آخذ في‬ ‫التشكل»‪...‬‬ ‫هنري جينكنز‬

‫•‬

‫•‬

‫•‬ ‫•‬

‫•ما يعرف بـ «حمى سيلفي» (حمى الصور‬ ‫الذاتية) تتوسع إىل وسائط أخرى‪ .‬إذ أشارت‬ ‫دراسة «إدلمان السنوية الثامنة» إىل أن‬ ‫ين‬ ‫المستهلك� ف ي� أمريكا وبريطانيا واليابان يريدون‬ ‫وسائط ترفيههم عىل طريقة «سيلفي»‪ ،‬أي‬ ‫شخصية‪ ،‬تثلج قلوبهم فوراً‪ ،‬جذابة‪ ،‬وتفاعلية‬ ‫بع� شبكات التواصل االجتماعية‪.‬‬ ‫ين‬ ‫المستهلك� رغبة قوية ف ي� المشاركة‬ ‫•إبداء‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫الشخصية ي� برامج وتطبيقات وألعاب ال�فيه‪،‬‬ ‫كب�ة لهم ش‬ ‫ولل�كات عىل‬ ‫ما يشكل فرصة ي‬ ‫السواء‪.‬‬ ‫كب�ة‬ ‫•يمكن أن تت�جم هذه الرغبة إىل فرص ي‬ ‫لعالمات تجارية جديدة تؤمن هذه الحاجة من‬ ‫ت‬ ‫ال�فيه‪.‬‬ ‫•أظهرت دراسة أن الـ «بينتج ووتشينغ» أو‬ ‫«إدمان المشاهدة» بات ش‬ ‫منت�اً ف ي� العالم‬ ‫بشكل يغ� متوقع‪.‬‬

‫العالم‬ ‫الترفيه عبر أجهزة إ‬

‫يعتقد اختصاصيو صناعة ت‬ ‫ال�فيه ووسائل إعالم‬ ‫المستهلك� عىل السواء‪ ،‬أن ت‬ ‫ين‬ ‫ال�فيه بع� الوسائل‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونية المتعددة بواسطة التجمع التكنولوجي‬ ‫إ‬ ‫التال‪:‬‬ ‫يعد بتحقيق ي‬ ‫• •المزيد من التنسيق ي ن‬ ‫ب� مختلف مؤسسات‬ ‫صناعة ت‬ ‫ال�فيه‪.‬‬ ‫أ‬ ‫• •إضفاء تكاملية رسدية لمختلف الدوات‬

‫•‬ ‫•‬

‫•‬

‫والتطبيقات‪.‬‬ ‫أك� ي ن‬ ‫ب� معظم حقوق االمتياز‬ ‫•تفاعل ب‬ ‫المعارصة‪.‬‬ ‫•بعض وسائل ت‬ ‫ال�فيه التقليدية (كتب هزلية‪،‬‬ ‫ت‬ ‫اعت�ت عىل هامش‬ ‫ال� ب‬ ‫ألعاب فيديو‪ ...‬إلخ) ي‬ ‫أدوات ت‬ ‫ال�فيه المعارصة‪ ،‬بدأت تلعب أدواراً‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫تز‬ ‫كث� من الفالم‬ ‫م�ايدة ي� إنتاج واستهالك ي‬ ‫والمسلسالت السائدة حالياً‪.‬‬ ‫•تسمح ت‬ ‫«ال�انسميديا» إلنتاجات ذات إصدارات‬ ‫ف‬ ‫الفلم‬ ‫لشاشات متعددة‪ ،‬ولتفاعلية ي� تطوير ِ‬ ‫نفسه ع� الوقت‪ ،‬من خالل أ‬ ‫الخذ ت‬ ‫باق�احات‬ ‫ب‬ ‫الجمهور‪ ،‬ليصبح لدينا عمال ً جماعياً غنياً‬ ‫ومتجدداً باستمرار‪ ،‬يسمح للمشاهد بعالقة‬ ‫النتاج‪ .‬ش‬ ‫نستع�‬ ‫ولل�ح‪ ،‬يمكننا أن‬ ‫خاصة مع إ‬ ‫ي‬ ‫هنا كيفية وصول كتاب ألف ليلة وليلة إلينا‬ ‫اليوم بعد أن شارك ف ي� كتابته مئات الك َّتاب‬ ‫د� أ‬ ‫ال�ق أ‬ ‫ال ن‬ ‫من مختلف مناطق ش‬ ‫والوسط‬ ‫أ‬ ‫والقىص بع� قرون من الزمن‪ ،‬وأضاف كل‬ ‫واحد منهم خصائص من تراثه‪ ،‬وهكذا أصبح‬ ‫ف‬ ‫و� الوقت نفسه‬ ‫جزءاً من تراث أدبنا ب ي‬ ‫العر�‪ ،‬ي‬ ‫جزءاً من تراث حضارات أخرى‪ .‬وهذا ما يسمح‬ ‫لنفس العمل ت‬ ‫ال�فيهي أن يبدو مناسباً لكل‬ ‫ثقافة ف ي� كافة أنحاء العالم‪ ،‬إذ يضفي عليه‬ ‫خصائص المكان والزمان ت‬ ‫وال�اث‪ .‬كما يسمح‬ ‫الفلم أو المسلسل أو أي عمل‬ ‫أن يرافق ِ‬ ‫ترفيهي‪ ،‬فيديو ي َّ ن‬ ‫مع� شل�ح بعض المفاصل‬


‫ت‬ ‫ال� يمكن أن تبدو عصية عىل الفهم ف ي�‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ثقافات معينة‪ ،‬بينما هي عادية ي� أخرى‪.‬‬ ‫وهذا يشبه اىل حد ما وجود الكادر ف ي� المقالة‬ ‫أو التقرير أو الملف‪.‬‬

‫تطبيقات المحمول تهيمن على‬ ‫السوق‬

‫•‬

‫إن اتجاهات التجمع المذكورة أعاله‪ ،‬وعىل الرغم‬ ‫من إيحائها بالتوافق والمهادنة‪ ،‬إال أن حرباً �ض وساً‬ ‫ال�كات تقوم وال تهدأ ت‬ ‫ين‬ ‫ب� منتجات ش‬ ‫ح� يظهر منتج‬ ‫جديد يشعلها مرة ثانية‪ .‬وهنا أبرز أوجه المنافسات‬ ‫ب� وسائط ت‬ ‫الك�ى ي ن‬ ‫ال�فيه الحديث‪:‬‬ ‫ب‬ ‫•‬

‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•ين‬ ‫ب� التلفاز وما يعرف بـ «أو ت ي� ت ي�» (أوفر ذي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تحمل الفالم وكافة برامج التلفاز‬ ‫توب)‪ ،‬ي‬ ‫من الشبكة بع� طرف ثالث‪ ،‬مثل «هولو»‪،‬‬ ‫و«نيتفليكس»‪ ،‬و«أمزون فيديو»‪ ...‬إلخ‪ ،‬رأساً‬ ‫إىل المستهلك‪.‬‬ ‫•ين‬ ‫ب� خدمات الفضائيات المدفوعة مثل‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫«كومكاست» أو «تايم ورنر كابل» و«أو ي� ي�»‪.‬‬ ‫•ين‬ ‫ب� الوسائط ش‬ ‫وال�كات المذكورة أعاله‬ ‫وتطبيقات الهواتف المحمولة‪.‬‬ ‫•ين‬ ‫وغ�ها من‬ ‫ب� تطبيقات الهواتف المحمولة ي‬

‫•‬

‫ال�امج وقد انتهت هذه إىل سيطرة أ‬ ‫الوىل‪.‬‬ ‫ب‬ ‫إذ ي َّ ن‬ ‫تب� من إحصاء أجرته ش�كة «كمسكور»‬ ‫أ‬ ‫المريكية أن ‪ %71‬من الوقت الذي يرصفه‬ ‫المستهلكون عىل الهواتف المحمولة هو عىل‬ ‫استعمال التطبيقات‪ ،‬خالل سنة ‪2015‬م‪.‬‬ ‫الحصائية أن التطبيقات بدأت تؤثر‬ ‫•واستنتجت إ‬ ‫بشكل ت ز‬ ‫م�ايد عىل كيفية استهالكنا لمنتجات‬ ‫ت‬ ‫ال�فيه‪.‬‬ ‫•أبدى هؤالء المستهلكون تفضيلهم شكل‬ ‫تصميم التطبيقات وطريقة أداء وظيفتها ف ي�‬ ‫إيصال المضمون‪ ،‬أ‬ ‫والطر المصممة لتفاعلهم‬ ‫مع المضمون‪ ،‬مثل تطبيق «إم إل ب ي� أي‬ ‫إم» المخصص للبيسبول‪ ،‬أو «سبوتيفاي»‬ ‫المخصص للموسيقى‪.‬‬

‫الحرب ي ن‬ ‫ب� مختلف التطبيقات‬ ‫ت‬ ‫ال� تؤدي لنا‬ ‫هذه التطبيقات الجميلة والودودة‪ ،‬ي‬ ‫خدمات مذهلة ال نصدقها أحياناً‪ ،‬وصلت إلينا بعد‬ ‫حرب �ض وس بينها ي ن‬ ‫وب� برامج أخرى‪ ،‬كما رأينا سابقاً‪،‬‬ ‫ف‬ ‫و� ما بينها أحياناً‪ ،‬وقد خرس بعضها المواجهة‬ ‫ي‬ ‫وتوارى عن أعيننا‪.‬‬ ‫• •يتمركز المستهلكون عىل الهواتف المحمولة عىل‬ ‫ثالثة مواقع اجتماعية عامة‪ ،‬هي‪ :‬فايسبوك‪،‬‬ ‫‪$20‬‬

‫نيويورك‬

‫دليل‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫أك� ‪ 10‬مدن ي�‪:‬‬ ‫النفاق‬ ‫إ‬ ‫النفاق‬ ‫نمو إ‬

‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫انستغرام‪ ،‬ت‬ ‫توي�‪ .‬وعىل ثالثة مواقع ترفيهية‪،‬‬ ‫هي‪ :‬غوغل ‪ /‬ياهو‪ ،‬باندورة‪ ،‬أبل للموسيقى‪.‬‬ ‫ال�امج الستة عىل ‪ %88‬من وقت‬ ‫•تستحوذ هذه ب‬ ‫ين‬ ‫المستهلك� عىل الهواتف‪.‬‬ ‫العالن‬ ‫•بينما يخبو وهج التلفاز‪ ،‬فإن ش�كات إ‬ ‫أك� ث‬ ‫والدعاية بدأت تعتمد ث‬ ‫فأك� عىل هذه‬ ‫التطبيقات‪.‬‬ ‫العالنية ف ي� الربع‬ ‫•‪ %80‬من إيرادات فايسبوك إ‬ ‫أ‬ ‫خ� من سنة ‪2015‬م البالغة ‪ 5.6‬مليار دوالر‬ ‫ال ي‬ ‫جاءت من الهواتف المحمولة‪ .‬وقد كانت ف ي�‬ ‫ت‬ ‫الف�ة نفسها من سنة ‪2014‬م ‪.%69‬‬

‫ألعاب الفيديو وصناعة أ‬ ‫الفالم‬

‫يقول دايفد موليتش أبرز مصممي ألعاب الفيديو‬ ‫رداً عىل عدة أسئلة حول ألعاب الفيديو أ‬ ‫والفالم‬ ‫التقليدية‪:‬‬ ‫• •إن صناعة ألعاب الفيديو حققت إيرادات‬ ‫أك� من ضعف صناعة أ‬ ‫سنة ‪2014‬م ث‬ ‫الفالم‬ ‫عالمياً‪ ،‬بلغ حجمها ‪ 83.6‬مليار دوالر‪ .‬بينما‬ ‫حققت صناعة أ‬ ‫الفالم ‪ 36.4‬مليار دوالر (بناء‬ ‫عىل إحصاء مبيعات شبابيك التذاكر الذي ربما‬ ‫تزداد مع بعض اليرادات أ‬ ‫الخرى)‪.‬‬ ‫إ‬ ‫أك� مردود للعبة فيديو كان من نصيب «ج �ت‬ ‫• • ب‬ ‫ي‬ ‫‪76.1%‬‬

‫طوكيو‬

‫‪53.7%‬‬ ‫‪53.6%‬‬

‫لندن‬

‫‪53.5%‬‬

‫‪$15‬‬

‫حجم الدائرة = عدد السكان‬ ‫‪ 3‬ين‬ ‫مالي�‬ ‫‪ 25‬مليون‬

‫‪46.2%‬‬ ‫‪45.0%‬‬ ‫‪43.9%‬‬

‫سيؤول‬

‫‪40.4%‬‬

‫‪$10‬‬

‫شانغهاي‬ ‫ين‬ ‫بك�‬

‫موسكو‬ ‫اسطنبول‬

‫جوهانس�غ‬ ‫ب‬ ‫مومباي‬ ‫و�‬ ‫ين� ب ي‬ ‫‪15%‬‬

‫سنغافورة‬

‫النفاق ف� قطاع ت‬ ‫والعالم‪2013 ،‬‬ ‫ال�فيه إ‬ ‫قيمة إ‬ ‫ي‬

‫شيكاغو‬

‫‪27.9%‬‬ ‫‪26.4%‬‬ ‫‪$5‬‬

‫‪25.1%‬‬ ‫‪22.4%‬‬ ‫‪21.3%‬‬

‫جان�و‬ ‫ريو دي ي‬ ‫جاكرتا‬ ‫‪10%‬‬

‫ن‬ ‫سيد�‬ ‫ي‬

‫لوس أنجلس‬

‫ساو باولو‬

‫‪31.2%‬‬

‫‪21.3%‬‬

‫‪$0‬‬ ‫‪5%‬‬

‫النفاق السنوي بليون‬ ‫توقع نمو إ‬ ‫‪ 2018 - 2013‬دوالر‬

‫‪80%‬‬

‫‪60%‬‬

‫‪40%‬‬

‫‪20%‬‬

‫حصة ش‬ ‫ال�كات المختلفة من سوق تطبيقات الهواتف‬ ‫ف‬ ‫الذكية‪ ،‬وتبدو فايسبوك ي� الطليعة‪2013 ،‬‬


‫‪89 | 88‬‬

‫•‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫•‬

‫أي ف ي� – ف ي�» ‪ 2.2‬مليار دوالر‪.‬‬ ‫كث� من ش�كات الفيديو اندمجت مع‬ ‫•هناك ي‬ ‫ش�كات أفالم والعكس بالعكس‪ .‬هنا يمكننا‬ ‫التحدث عن تجمع عامودي (أي اندماج ف ي� البنية‬ ‫الدارية) بموازاة التجمع أ‬ ‫الفقي المذكور أعاله‪.‬‬ ‫إ‬ ‫الشارة هنا إىل أن هوليود العمالقة‪،‬‬ ‫•تجدر إ‬ ‫وبعد تردد طويل‪ ،‬دخلت عالم صناعة ألعاب‬ ‫الفيديو وأصبحت متشابكة معها‪ .‬لذلك من‬ ‫الن فصاعداً يجب تناول هذه أ‬ ‫آ‬ ‫الرقام بحذر‪.‬‬

‫أ‬ ‫مريك ف ي� اليوم عىل مختلف وسائط الميديا‬ ‫الوقت الذي يقضيه البالغ ال ي‬ ‫‪160,767‬‬

‫‪1,600,00‬‬ ‫‪1,400,00‬‬

‫‪197,446‬‬

‫‪787,541‬‬

‫‪1,200,00‬‬ ‫‪1,000,000‬‬

‫‪123,661‬‬

‫‪646,324‬‬

‫‪800,000‬‬

‫‪441,693‬‬

‫‪600,000‬‬

‫هل هَ َّمش العصر الرقمي‬ ‫الموسيقى؟‬

‫ال يوجد أي شكل من أشكال ت‬ ‫ال�فيه والفن تمتع به‬ ‫أك� من الموسيقى‪ ،‬ال�ت‬ ‫الب�ي بع� تاريخه ث‬ ‫الجنس ش‬ ‫ي‬ ‫ربما تكون شكل الميديا الوحيد الذي يهمشه العرص‬ ‫الرقمي حالياً‪:‬‬ ‫• •ابتدا ًء من سنة ‪2008‬م بدأ الطلب عىل‬ ‫الموسيقى ينخفض بشكل ملحوظ بكافة أشكال‬ ‫ين‬ ‫الموسيقي�‬ ‫تلقيها‪ .‬كما انخفض أيضاً عدد‬ ‫ن ف‬ ‫كث�اً عدد‬ ‫العامل� ي� ش�كات التسجيل وارتفع ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫المستقل� منهم‪.‬‬ ‫ي‬ ‫• •انخفاض إيرادات الموسيقى الرقمية أيضاً‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫فالمعروف أن تسجيالت القراص المدمجة ي‬ ‫تمثل ‪ %30‬من مجمل المبيعات لن تتحسن‪.‬‬ ‫ت‬ ‫والدليل‬ ‫ال� تستحوذ عىل ربع‬ ‫أن «وول مارت» ي‬ ‫المبيعات ف ي� الواليات المتحدة‪ ،‬قد قلَّصت‬ ‫مساحة هذا النوع إىل النصف‪.‬‬ ‫• •هناك بعض االنتعاش ف ي� الحفالت الموسيقية‪،‬‬ ‫وقد أخذ الفنانون يتنقلون ويسافرون ف ي�‬ ‫الداخل والخارج ث‬ ‫أك� من المعتاد (فهل بدأت‬ ‫ف‬ ‫تصح توقعات أندي وورهول أنه ي� عرص‬ ‫صناعة ت‬ ‫ال�فيه سيكون بإمكان أياً كان أن يصبح‬

‫‪400,000‬‬ ‫‪200,000‬‬

‫‪500,173‬‬

‫‪551,184‬‬

‫‪505,591‬‬

‫ديسم� ‪2015‬‬ ‫ب‬

‫ديسم� ‪2014‬‬ ‫ب‬

‫ديسم� ‪2013‬‬ ‫ب‬

‫‪0‬‬

‫يمثل اللون أ‬ ‫الشخص (بدأ ينخفض)‬ ‫الحمر الوقت (بالدقائق) الذي رصف عىل الكمبيوتر‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫النوع� الخرين معاً‬ ‫الذك الذي يزداد حيث تخطى حجمه‬ ‫يمثل اللون‬ ‫ي‬ ‫الزرق استعمال الهاتف ي‬ ‫يمثل اللون أ‬ ‫الخ�ض استعمال الكمبيوتر اللوحي (بدأ ينخفض)‬

‫•‬ ‫•‬

‫مشهوراً لمدة ‪ 15‬دقيقة فقط؟)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫•الشكل الوحيد الذي يشهد ارتفاعا هو‬ ‫ت‬ ‫«الس�يمنغ» أو ش‬ ‫ال تن�نت‪ ،‬ولكن‬ ‫مبا�ة من إ‬ ‫أ‬ ‫ق‬ ‫با� الشكال‪.‬‬ ‫ليس بنفس ي‬ ‫وت�ة انخفاض ي‬ ‫•بإمكاننا القول إن عرص اقتنائنا للموسيقى ف ي�‬ ‫البيت آخذ ف ي� االختفاء‪.‬‬

‫االقتصاد الذي يُ َصدر السلع المصنعة ويستورد‬ ‫أ‬ ‫السء فهو الذي يفعل‬ ‫المواد الولية‪ ،‬أما االقتصاد ي‬ ‫عكس ذلك‪ .‬والحال أننا عىل أبواب الدخول إىل عرص‬ ‫جديد‪ ،‬عماده الذكاء الصناعي‪ ،‬حيث ستحل آ‬ ‫الالت‬ ‫أك� ث‬ ‫والروبوتات ث‬ ‫النسان‪ .‬وستحدث‬ ‫فأك� محل إ‬ ‫ت‬ ‫ال� أحدثتها الثورة‬ ‫تغ�ات توازي أو ب‬ ‫ي‬ ‫تك� عن تلك ي‬ ‫الصناعية‪ ،‬ت ز‬ ‫وس�داد بموجبها ساعات الفراغ‪ .‬والنتيجة‬ ‫المنطقية أن صناعة ت‬ ‫ال�فيه ستكون ليس فقط صناعة‬ ‫أ‬ ‫المستقبل‪ ،‬بل من محركات االقتصاد الساسية‪ .‬ولعل‬ ‫قياس قوة الدول سيكون بمدى إسهامها ف ي� هذه‬ ‫الصناعة‪.‬‬

‫مستقبل صناعة الترفيه‬

‫ت‬ ‫ح� وقت قريب‪ ،‬كانت قوة الدول تقاس بمدى‬ ‫ف‬ ‫النتاج الصناعي‪ .‬وقد قال مؤسس‬ ‫إسهامها ي� إ‬ ‫علم االقتصاد آدم سميث‪ ،‬إن االقتصاد الجيد هو‬ ‫‪2011‬‬

‫‪2012‬‬

‫‪2013‬‬

‫‪2014‬‬

‫‪2015‬‬

‫أ‬ ‫الجهزة الرقمية‬

‫‪35.8%‬‬

‫‪40.5%‬‬

‫‪45.5%‬‬

‫‪48.5%‬‬

‫‪50.4%‬‬

‫الهواتف‬

‫‪15.4%‬‬

‫‪21.0%‬‬

‫‪26.9%‬‬

‫‪30.7%‬‬

‫‪32.9%‬‬

‫‪ -‬الهواتف الذكية‬‫‪ -‬أ‬‫الجهزة اللوحية‬

‫‪7.3%‬‬

‫‪12.5%‬‬

‫‪16.3%‬‬

‫‪18.8%‬‬

‫‪20.3%‬‬

‫‪1.7%‬‬

‫‪3.4%‬‬

‫‪6.5%‬‬

‫‪8.4%‬‬

‫‪9.5%‬‬

‫‪ -‬الهواتف ذات ي ز‬‫المم�ات‬

‫‪6.4%‬‬

‫‪5.1%‬‬

‫‪4.1%‬‬

‫‪3.5%‬‬

‫‪3.1%‬‬

‫‪ --‬أجهرة الكمبيوتر‬

‫‪20.4%‬‬

‫‪19.4%‬‬

‫‪18.6%‬‬

‫‪17.8%‬‬

‫‪17.4%‬‬

‫التلفزيون‬

‫‪55.5%‬‬

‫‪51.7%‬‬

‫‪47.6%‬‬

‫‪45.1%‬‬

‫‪43.6%‬‬

‫الراديو‬

‫‪3.7%‬‬

‫‪3.6%‬‬

‫‪3.4%‬‬

‫‪3.2%‬‬

‫‪3.1%‬‬

‫المطبوعات‬

‫‪4.9%‬‬

‫‪4.3%‬‬

‫‪3.6%‬‬

‫‪3.2%‬‬

‫‪2.9%‬‬

‫‪ --‬صحف‬

‫‪4.4%‬‬

‫‪3.9%‬‬

‫‪3.2%‬‬

‫‪2.8%‬‬

‫‪2.6%‬‬

‫‪ --‬مجالت‬

‫‪0.5%‬‬

‫‪0.5%‬‬

‫‪0.4%‬‬

‫‪0.4%‬‬

‫‪0.3%‬‬

‫ن‬ ‫الصي� ف ي� اليوم عىل مختلف الوسائط‬ ‫الوقت الذي يقضيه البالغ‬ ‫ي‬


‫الغيمة‬

‫الملف‪:‬‬

‫بين الغيمة والحياة أكثر من عالقة‪،‬‬ ‫تبدأ بقطرة مطر‪ ،‬وال يعرف أحد أين‬ ‫تنتهي‪َّ ...،‬‬ ‫تعددت أسماء الغيمة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وتنوعت صفاتها وتباينت مظاهرها‪،‬‬ ‫فهي تارة لوحة في قصيدة شاعر‬ ‫جاهلي يرصد من خاللها معنى‬ ‫لحياته المحاصرة بمتاهات الليل‬ ‫والرمل والعطش‪ ،‬وتارة أخرى سحابة‬ ‫إلكترونية تأخذ أبناء هذا العصر‬ ‫المتفلت السريع إلى المستقبل‪ ..،‬تشد‬ ‫أوصاله المبعثرة‪ ،‬وتسهل حياة أبنائه‪،‬‬ ‫وتحتضن أسرارهم‪ .‬رصدها مفسرو‬ ‫األحالم وهي تطوف وترعد وتمطر في‬ ‫أحالم الناس‪ ،‬ورسمها الفنانون في‬ ‫لوحاتهم‪ ،‬جعلوها تفكر بنا‪ ،‬وتحرضنا‬ ‫نحن على التفكير بها‪..‬‬ ‫تولع بها ابن آدم‪ ،‬يطاردها‪،‬‬ ‫ويستمطرها ويستحضرها‪..‬‬ ‫ظاهرة الغيمة تبدأ بقطرة مطر‪ ،‬وال‬ ‫شاسع من مفاهيم‬ ‫ببحر‬ ‫تنتهي إال‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وأفكار وثقافات‪ ..‬فسماء ال تزورها‬ ‫الغيوم‪ ،‬ال ّ‬ ‫يعول عليها‪ ..‬وحياة ال‬ ‫ِّ‬ ‫تلونها سحابة منذورة للعطش‪.‬‬ ‫في هذا الملف قراءة ثقافية بقلم‬ ‫يحيى البطاط لتجليات الغيمة‬ ‫وآفاقها‪ ،‬وما يقطر من فضائها الرحب‪.‬‬


‫‪91 | 90‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫حقيقتها‬ ‫ألن ال غيمة تطابق تماماً �ف‬ ‫أ ي‬ ‫شكلها أية غيمة أخرى‪ ،‬ولن‬ ‫الغيوم متحركة دائماً‪ ،‬فقد بدت‬ ‫للنسان «عشوائية» التشكيل‬ ‫دائماً إ‬ ‫أ‬ ‫ث‬ ‫والمص�‪ .‬ومادة للدب والخيال‪ ،‬أك� منها‬ ‫ي‬ ‫مادة للدراسة‪ ،‬فاقترص علمها قديماً عىل تصنيف‬ ‫ما هو ممطر منها من يغ� الممطر‪ ،‬وأطلق عىل بعضها‬ ‫أسماء مختلفة بقيت يغ� محددة بدقة ت‬ ‫ح� القرن التاسع‬ ‫ش‬ ‫ع�‪ ،‬تاريخ بداية تصنيفها العلمي الحديث‪.‬‬

‫للغيوم مكانة خاصة ي ن‬ ‫ب� كل عنارص الطبيعة‪ ،‬وذلك‬ ‫أللف سبب وسبب‪ .‬فهي من أقدمها ف ي� تشكيل‬ ‫مالمح كوكبنا أ‬ ‫ال ض‬ ‫ر�‪ .‬وكل قطرة ماء‪ ،‬سواء أكانت ف ي�‬ ‫ي‬ ‫أجسامنا ودموعنا أم ف� مجاري أ‬ ‫النهار والينابيع أم‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫وسيأ� يوم تعود فيه مؤقتاً غيمة‬ ‫ف ي� البحار‪ ،‬كانت ذات يوم «غيمة»‪،‬‬ ‫ي‬ ‫قبل أن تصبح ما ًء من جديد‪ .‬إنها حلقة ال بد من أن يمر بها أهم‬ ‫عنرص للحياة‪ .‬ولذا‪ ،‬كان النسان منذ أن خلق عىل هذه أ‬ ‫الرض‪ ،‬يتطلع‬ ‫ُ‬ ‫إ‬ ‫إىل أ‬ ‫ف‬ ‫العىل‪ ،‬صوب السماء‪ ،‬ليستطلع ي� غيومها ما ستكون عليه أحواله‬ ‫وب� الغيوم ت‬ ‫تحتها‪ .‬فما بينه ي ن‬ ‫ال� تظهر وتختفي‪ ،‬عالقة تجاوزت‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫أبعادها المادية‪ ،‬لتتجىل حضوراً صارخاً ف ي� الداب والفنون وكافة‬ ‫التعب� عن الوجدان إ ن‬ ‫نسا�‪.‬‬ ‫مجاالت‬ ‫ي‬ ‫ال ي‬

‫تتألف الغيوم والسحب من جزيئات ماء وجليد تي�اوح قطرها ما ي ن‬ ‫ب�‬ ‫‪ 1‬و‪ 100‬ميكرون‪ ،‬والهواء الجاف والغبار‪ ،‬وإليها أضيفت ف ي� العرص‬ ‫الحديث جزيئات صلبة من أدخنة الصناعات المختلفة‪ .‬وهي تتشكل‪،‬‬ ‫كما هو معروف‪ ،‬من تبخر مياه المحيطات والبحار بفعل أشعة‬ ‫الشمس‪ ،‬تف�فع التيارات الهوائية الدافئة والصاعدة هذا البخار إىل‬ ‫الطبقات الجوية أ‬ ‫العىل‪ ،‬وبفعل برودة الطبقات العالية‪ ،‬تتكثف‬ ‫جزيئات البخار‪ ،‬لتصبح غيماً‪ .‬أ‬ ‫ولن كثافة الغيوم هي أقل بما تي�اوح‬ ‫ب� ‪ 10‬و‪ 100‬مرة كثافة الهواء‪ ،‬فإنها تبقى ف� أ‬ ‫ين‬ ‫العىل‪ ،‬إىل أن تزداد‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫كثافةً فتتحول إىل نقاط ماء ثقيلة أو حبات بَ َرد تسقط عىل الرض‪،‬‬ ‫وإما تخف كثافتها تدريجاً بفعل الرياح أو الحرارة أو الضغط الجوي‬ ‫المرتفع‪ ،‬فتتبدد ف ي� الغالف الجوي‪.‬‬ ‫ويقسم علماء أ‬ ‫الرصاد الجوية الغيوم حسب ارتفاعاتها‪ ،‬إىل ثالثة‬ ‫ّ‬ ‫أقسام‪:‬‬


‫ال� ال يزيد علوها عن سطح أ‬ ‫ت‬ ‫الرض عىل ‪ 2000‬تم�‪.‬‬ ‫• الغيوم المنخفضة‪ ،‬ي‬ ‫ت‬ ‫علوها ما ي ن‬ ‫ب� ‪ 2000‬و‪ 6000‬تم�‪.‬‬ ‫ال� تي�اوح ّ‬ ‫• الغيوم المتوسطة االرتفاع‪ ،‬ي‬ ‫ت‬ ‫علوها ما ي ن‬ ‫ب� ‪ 6000‬و‪ 12000‬تم�‪.‬‬ ‫ال� تي�اوح ّ‬ ‫• الغيوم العالية‪ ،‬ي‬ ‫وضمن كل قسم هناك أنواع مختلفة‪ ،‬لكل منها مواصفاته البرصية‬ ‫يز‬ ‫والف�يائية الخاصة به‪ ،‬كما هو وارد هنا ف ي� الرسم المصاحب‪.‬‬ ‫وقبل االنتقال إىل عالقة الوجدان إ ن‬ ‫نسا� بالغيمة‪ ،‬كما تجلت ف ي�‬ ‫ال ي‬ ‫آ‬ ‫الداب والفنون‪ ،‬يجدر بنا التوقف أمام ما استجد عىل العالقة‬ ‫ب� ي ن‬ ‫المادية ما ي ن‬ ‫المث�ة للقلق ف ي�‬ ‫االثن�‪ ،‬تحت ضغط الحاجة الحياتية ي‬ ‫ف‬ ‫زمن ينذر بشح المياه ي� العالم‪ .‬عىل الرغم من أن الغيوم ستبقى‬ ‫تتحرك وتمطر ف ي� سماء العالم طالما بقيت الشمس والمحيطات‪.‬‬ ‫مستقبل الغيمة‬ ‫أ‬ ‫شي�ح عالم ي ز‬ ‫مريك ميتشيو كاكو‪ ،‬أن حضارتنا‬ ‫ف�ياء‬ ‫المستقبل ال ي‬ ‫ف‬ ‫الحالية ض‬ ‫ت‬ ‫ال� يوفرها‬ ‫تم� قدماً ي� سبيل السيطرة عىل مصادر‬ ‫الطاقة ي‬ ‫ي‬ ‫كوكب أ‬ ‫الحال سيشهد تقدماً ملحوظاً ف ي� التحكم‬ ‫الرض‪ ،‬وأن القرن‬ ‫ي‬ ‫وتسخ�ها لخدمة ش‬ ‫النسان‬ ‫بالظواهر الطبيعية‬ ‫الب�‪ ،‬حيث سيتمكن إ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫عاص�‬ ‫من إ‬ ‫ال� تتيح له التحكم بالزالزل وال ي‬ ‫المساك بالتكنولوجيا ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫اك� والطاقة الشمسية‪ ،‬وحركة الرياح‪ ،‬والطاقة النووية‬ ‫وال� ي‬ ‫والمطار ب‬ ‫ت‬ ‫ال� ما زلنا نخفق ف ي� توجيهها واستخدامها بشكل آمن‪ ..‬ويواصل كاكو‪،‬‬ ‫ي‬

‫للب� الدخول إىل النوع أ‬ ‫إن اكتمال عنارص هذه السيطرة سيسمح ش‬ ‫الول‬ ‫من أنماط الحضارات الكونية‪ ،‬فنحن عىل حد قوله ما زلنا نتأرجح �ف‬ ‫ي‬ ‫النمط الصفري للحضارة الذي يعتمد ف ي� مصادره عىل ما يتوفر لدينا‬ ‫من موارد طبيعية‪ ،‬معظمها يغ� متجدد‪.‬‬ ‫فيزياء الغيمة‬ ‫وبنا ًء عىل هذه التوقعات المستقبلية ستكون السيطرة عىل الغيوم‬ ‫وتوجيهها أو صناعتها واستمطارها هدفاً رئيساً‪ ،‬للحد من مشكالت‬ ‫تعا� منه مناطق واسعة من الكرة أ‬ ‫ن‬ ‫الرضية‪،‬‬ ‫التصحر وشح المياه الذي ي‬ ‫لكث� من البلدان‪ ،‬خاصة تلك‬ ‫يعد الجفاف مشكلة وجودية ي‬ ‫حيث ّ‬ ‫الواقعة ف ي� المناطق الحارة حول خط االستواء‪ .‬وقد أدت ظاهرة‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫خ�ة إىل تفاقم معاناة الشعوب‪،‬‬ ‫انحباس المطر ي� السنوات ال ي‬ ‫وتسببت بجملة من المشكالت االقتصادية واالجتماعية والبيئية‪ .‬ولذا‪،‬‬ ‫فإن أ‬ ‫النظار ستتجه مستقبال ً إىل تقنيات االستمطار‪ ،‬بوصفها أحد‬ ‫الحلول ت‬ ‫المق�حة لحل مشكلة الجفاف‪.‬‬ ‫يعرف االستمطار بأنه محاولة للتحكم بهطول أ‬ ‫المطار من خالل‬ ‫ُ‬ ‫حقن نوع من السحب يطلق عليها السحب الركامية‪ ،‬بمواد كيميائية‬ ‫بواسطة الطائرات أو من خالل أجهزة إطالق منصوبة عىل سطح‬ ‫أ‬ ‫الرض تستخدم مقذوفات معبأة بمواد تعمل عىل ي ز‬ ‫تحف� السحب‬ ‫يغ� الممطرة وجعلها تطلق حمولتها من المياه‪ ،‬مثل يوديد الفضة‬ ‫ئ‬ ‫وثنا� أكسيد الكربون المجمد (الثلج الجاف)‬ ‫ي‬ ‫وال�وبان‬ ‫وكلوريد الصوديوم (الملح) ب‬ ‫المسال‪.‬‬ ‫يقوم االستمطار عىل مبدأ بت�يد الغيوم‪.‬‬ ‫فالمواد المذكورة تعمل عىل خفض درجة حرارة‬ ‫السحابة‪ ،‬ما يؤدي إىل تجمد جزيئات بخار الماء‬ ‫وتحولها إىل بلورات رسعان ما تنمو وتصبح‬ ‫ثقيلة لتسقط عىل أ‬ ‫الرض مطراً أو بَ َرداً‪ .‬فدرجة‬ ‫حرارة الجليد الجاف تبلغ ‪ 80‬درجة مئوية تحت‬ ‫الصفر‪ ،‬وعند حقنه ف ي� السحابة تنخفض درجة‬ ‫حرارة بخار الماء‪ ،‬ويتحول إىل بلورات ثلجية‬ ‫تسقط بفعل وزنها‪ .‬كما تقوم بلورات (يوديد‬ ‫الفضة) بنفس عمل بلورات الثلج الجاف‪ ،‬حيث‬ ‫يتم شن�ها بواسطة عبوات تُسمى (شعالت)‬ ‫تعمل عىل تكوين بلورات الثلج ف ي� الغيمة ما‬ ‫يؤدي ف ي� النهاية إىل سقوط المطر‪.‬‬ ‫شروط ومخاطر االستمطار‬ ‫ولنجاح عملية االستمطار ينبغي توافر‬ ‫مجموعة من العوامل‪ ،‬منها أن تكون‬ ‫السحب ركامية‪ ،‬وتوفّر تيارات هواء صاعدة‬ ‫محملة ببخار الماء ف ي� قاعدة السحاب تعمل‬ ‫ّ‬


‫‪93 | 92‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأدبا‬ ‫علما‬ ‫الغيوم‬ ‫استطاع هاوي أ‬ ‫الرصاد الجوية أن‬ ‫يحك قصة‬ ‫يقرأ لغة‬ ‫السماء»‪ ،‬الذي ي‬ ‫أ‬ ‫المص ّنف الول للغيوم‪.‬‬ ‫ين‬ ‫همبل�‪« :‬حدث تقدم علمي‬ ‫يكتب‬ ‫ف‬ ‫وغ� عادي ي� السنوات‬ ‫يغ� مسبوق ي‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫الوىل من القرن التاسع ع� عندما‬ ‫أطلق لوك هوارد أ‬ ‫السماء عىل‬ ‫السحب والغيوم‪ ،‬من خالل منهجية‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫علمية لتحديد هيكلية الغيوم ي‬ ‫كانت ت‬ ‫ح� ذلك الوقت عشوائية ومجهولة‪ ..‬لقد حازت ثورة‬ ‫هوارد ف� علم أ‬ ‫الرصاد الجوية عىل إعجاب معارصيه ف ي� الفن‬ ‫أ ي‬ ‫وشيل‪ ،‬وكولريدج‪ ،‬وكونستامبل»‪.‬‬ ‫والدب والعلم‪ ،‬أمثال غوتة‬ ‫ي‬ ‫ع� لم تكن هناك ن‬ ‫ت‬ ‫ح� بداية القرن التاسع ش‬ ‫أد� فكرة عن‬ ‫أنواع الغيوم وأسمائها‪ .‬كانت تبدو مجرد تكوينات عشوائية‬ ‫ديسم� من عام‬ ‫عصية عىل التصنيف‪ .‬يغ� أنه ف ي� شهر‬ ‫ب‬ ‫بريطا� اسمه لوك هوارد‪ ،‬يهوى أ‬ ‫ن‬ ‫الرصاد‬ ‫‪1802‬م‪ ،‬ألقى شاب‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫�ض‬ ‫الجوية‪)1864-1772( ،‬م محا ة ي� لندن تحدث فيها عن‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� ما زالت‬ ‫أنواع الغيوم وصفاتها‪ ،‬مطلقاً عليها السماء ي‬ ‫ح� اليوم‪ ..‬الركامية‪ ،‬السمحاقية‪ ،‬ت‬ ‫متداولة ت‬ ‫الس�اتوس‪.‬‬ ‫وبعد مرور ث‬ ‫أك� من سنوات ش‬ ‫ع�‪ ،‬شن�ت المحا�ض ة ف ي� حولية‬ ‫الف�ياء أ‬ ‫يز‬ ‫اللمانية (‪ )Annalen der Physik‬تحت عنوان «مقال‬ ‫حول تعديل الغيوم»‪ ..‬قرأ تلك المقالة الشاعر والفيلسوف‬ ‫أ‬ ‫ال ن‬ ‫لما� يوهان فولفغانغ غوته (‪)1832-1749‬م الذي كان‬ ‫ي‬ ‫يومها مديراً لمعهد الفنون والعلوم ف ي� دوقية سكسونيا‪،‬‬ ‫ومهتماً بالغيوم ودراساتها‪ ،‬ولديه حولها أفكار وقصائد‪.‬‬ ‫كان غوتة ينوي استحداث محطة أ‬ ‫للرصاد الجوية لجمع‬ ‫البيانات ورصد حالة الطقس‪ ،‬وعندما اطلع عىل تلك المقالة‬ ‫وعدها بأفكارها الجديدة ومنهجها‬ ‫أعجب بها أيما إعجاب‪ّ .‬‬ ‫ف‬ ‫العلمي‬ ‫التجري�‪ ،‬منعطفاً جديداً ي� حقل مجهول‪ ..‬كان‬ ‫بي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫متحمساً إلنجاز هوارد‪ ،‬بوصفه رجال ً رائداً ي� مجال الرصاد‬ ‫الجوية‪ ،‬لم يسبقه إليه أحد‪.‬‬ ‫ال� ن‬ ‫ين‬ ‫همبل� هذه الثيمة‪ ،‬ورسد‬ ‫يطا� ريتشارد‬ ‫والتقط الكاتب ب‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫كل هذه التفاصيل وسواها ي� كتابه «اخ�اع الغيوم – كيف‬

‫ويضيف‪« :‬بالنسبة لغوته كان تحديد وتسمية الغيوم ليس‬ ‫إال إعادة صياغة للعالقة ي ن‬ ‫ب� ش‬ ‫الب� والطبيعة الجوية‪ .‬لقد تم‬ ‫إطالق الغيوم ف ي� الوعي العلمي‪ ،‬إضافة إىل اتصالها بالفكر‬ ‫الخالص»‪.‬‬ ‫أ ن‬ ‫لما� غوته نظرات وأفكاراً‬ ‫ومعروف أن للشاعر والفيلسوف ال ي‬ ‫لفهم الطبيعة‪ .‬وهذا ما يفرس حماسته لمخطوطات هوارد‪،‬‬ ‫بوصفها المحاولة أ‬ ‫الوىل‪ ،‬لتأسيس منهج‬ ‫تجري� لدراسة الغيوم‪.‬‬ ‫بي‬ ‫ونتيجة لذلك‪ ،‬كتب غوته قصيدة «عىل ش�ف هاوارد» عام‬ ‫‪1821‬م‪ ،‬جاء فيها‪:‬‬ ‫«أعطى هوارد بعقله الجميل‪..‬‬ ‫دروساً جديدة لكل الجنس البشري‬ ‫عن تلك التي ال يمكن أن تصلها يد‪،‬‬ ‫وال يمكن ليد أن تشتبك بها‬ ‫هو األول الذي فاز‪،‬‬ ‫واألول الذي أدرك‪..‬‬ ‫عرف المشكوك فيه‪،‬‬ ‫ورسم الخطوط على حدوده‪،‬‬ ‫ثم‪ ،‬بلباقة أطلق عليه األسماء‪.‬‬ ‫لك الشرف أيها المجرب»‪..‬‬

‫ين‬ ‫همبل� ف ي� كتابه (المذكور آنفاً) الحياة لرائد‬ ‫لقد أعاد ريتشارد‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ز‬ ‫الرصاد الجوية‪ ،‬والب الروحي لعلم يف�ياء الغيمة لوك هوارد‪،‬‬ ‫ب� العلم أ‬ ‫وسلط الضوء عىل العالقة العميقة ي ن‬ ‫والدب والفن‪..‬‬


‫عىل ثن� أمالح التلقيح ورفعها إىل الطبقات العليا من السحابة‪.‬‬ ‫ين‬ ‫دقيقت� إىل ثالث دقائق لكل‬ ‫وتستغرق عملية حقن السحب من‬ ‫حقنة‪ ،‬ويعتمد عدد الحقن المطلوبة عىل الطبيعة الديناميكية‬ ‫يز‬ ‫بالضافة إىل �ض ورة‬ ‫والف�يائية للسحاب المستهدف‪ ،‬إ‬ ‫استمرارية الهواء الصاعد داخل السحاب‪ ،‬حيث إن عملية‬ ‫تفاعل السحاب مع هذه المواد تستغرق من ‪ 15‬إىل ‪20‬‬ ‫دقيقة‪ .‬كما يتطلب أ‬ ‫المر الحقن بالمواد المحفّزة‬ ‫بكميات وتوقيتات مناسبة‪.‬‬ ‫حققت تجارب االستمطار نسب نجاح‬ ‫متفاوتة ف ي� عدد من الدول‪ .‬لكن الثابت أن‬ ‫اللجوء إىل تقنيات االستمطار لم يعد‬ ‫آ‬ ‫الن ترفاً أو خياراً‪ ،‬خاصة ف ي� ظل‬ ‫المشكالت الناتجة عن تفاقم‬ ‫ظاهرة االحتباس الحراري‬ ‫وتكرار موجات الجفاف‬ ‫وزيادة حدتها بشكل‬ ‫الفت خالل العقدين‬ ‫أ‬ ‫خ�ين‪.‬‬ ‫ال ي‬

‫أك� من نصف قرن عىل المحاوالت أ‬ ‫ض‬ ‫م� ث‬ ‫الوىل‬ ‫وعىل الرغم من ي‬ ‫وغ� مضمونة النتائج‪،‬‬ ‫لتقنية االستمطار‪ ،‬فإنها ما زالت مرتفعة التكلفة ي‬ ‫بالضافة إىل غياب‬ ‫ويجب أن تتوافر لنجاحها ش�وط بيئية وفنية دقيقة‪ ،‬إ‬ ‫البيانات والضمانات حول نجاحها وجدواها االقتصادية‪ .‬إذ ما زالت‬ ‫تش� التقارير العلمية تت�اوح ي ن‬ ‫ب� ‪ 10‬و‪.%70‬‬ ‫نسب النجاح كما ي‬ ‫إن أخطر المشكالت ت‬ ‫تأث�‬ ‫الم�تبة عىل االستمطار بالحقن‪ ،‬هو مدى ي‬ ‫المواد الكيميائية المستخدمة ف ي� عملية بذر أو تلقيح السحب سلباً عىل‬ ‫النسان والحيوان والبيئة‪ ،‬حيث ت ز‬ ‫ت�ايد المخاوف من ترسب مادة‬ ‫صحة إ‬ ‫ش‬ ‫يوديد الفضة السامة إىل المحاصيل الزراعية أو مياه ال�ب‪.‬‬ ‫ف‬ ‫و� الوقت الحا�ض تعمل حوال ي ن‬ ‫أربع� دولة حول العالم عىل تطبيق‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫تحس� مواردها المائية‪،‬‬ ‫تقنية االستمطار من أجل تعديل الطقس أو‬

‫ين‬ ‫والص� وروسيا وتايلند‪ ،‬ومن الدول العربية‬ ‫منها الواليات المتحدة‬ ‫أ‬ ‫والمارات و ُعمان والمغرب والردن‬ ‫تعد المملكة العربية السعودية إ‬ ‫ّ‬ ‫وسوريا‪ ،‬من الدول ت‬ ‫ال� اهتمت بتجارب االستمطار‪ .‬وكانت المملكة‬ ‫ي‬ ‫م�وعاً لتجارب ي ز‬ ‫العربية السعودية أطلقت ش‬ ‫ف�ياء السحب ف ي� منطقة‬ ‫عس� عام ‪2006‬م‪ ،‬وبعد نجاح التجربة تم تعميمها ف ي� المنطقة‬ ‫ي‬ ‫الوسطى (الرياض‪ ،‬وحائل‪ ،‬والقصيم)‪.‬‬ ‫وأطلقت إالمارات العربية المتحدة ف ي� عام ‪2005‬م برنامجاً بحثياً دولياً‪،‬‬ ‫يهدف إىل تطوير علوم االستمطار وتقنياته وتطبيقاته‪ .‬وقد نجح بال�نامج‬ ‫ين‬ ‫المهتم� عىل المستوى العالمي‪ ،‬حيث‬ ‫عند إطالقه ف ي� اجتذاب كبار‬ ‫شهدت دورته أ‬ ‫الوىل مشاركة ‪ 325‬عالماً من ‪ 151‬جهة حكومية وخاصة‪.‬‬ ‫مدافع الليزر‬ ‫ف‬ ‫ف ي� عام ‪2010‬م أعلن فريق علمي من جامعة جنيف ي� سويرسا عن‬ ‫تجربة تستخدم فيها آلية جديدة لالستمطار‪ ،‬وأكد أنه يمكن تشكيل‬ ‫السحب وإنزال المطر بواسطة مدفع يطلق نبضات ي ز‬ ‫ل�رية قوية من‬ ‫أ‬ ‫الشعة تحت الحمراء‪ ،‬ويعمل هذا الشعاع عىل تأين الهواء‪ ،‬مما يؤدي‬ ‫إىل تكثف بخار الماء ونزول أ‬ ‫المطار‪.‬‬


‫‪95 | 94‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫ل�رية من أ‬ ‫وقد تم بالفعل توجيه نبضات ي ز‬ ‫الشعة تحت الحمراء يبلغ‬ ‫ت‬ ‫نانوم�‪ ،‬إىل ارتفاع ‪ 60‬تم�اً فوق مدينة ي ن‬ ‫برل�‪ ،‬وعىل‬ ‫طولها الموجي ‪800‬‬ ‫ف‬ ‫الرغم من أنه لم تسقط أمطار ي� تلك التجربة‪ ،‬يغ� أن أجهزة القياس‬ ‫أكدت حصول تكاثف ف� جزيئات الماء‪ ..‬حيث تعمل أ‬ ‫الشعة عىل ي ن‬ ‫تأي�‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫ت‬ ‫ثنا� أكسيد‬ ‫ال� تحفّز ي‬ ‫جزيئات الهواء وتكوين جذور الهيدروكسيل‪ ،‬ي‬ ‫ئ‬ ‫ت‬ ‫وثنا� أكسيد ت‬ ‫الني� ي ن‬ ‫ال� ستتجمع عليها‬ ‫ب‬ ‫الك�يت ي‬ ‫وج� لتكوين النويات ي‬ ‫قطرات الماء‪ ،‬أي إن عملية الحقن ستكون ذاتية‪ ،‬وتؤدي بالنتيجة إىل‬ ‫نزول المطر‪.‬‬ ‫ف�ياء أ‬ ‫ج�ومي كاسباريان أستاذ ي ز‬ ‫الجواء وأحد أعضاء‬ ‫يقول الدكتور ي‬ ‫الفريق ف ي� ش‬ ‫م�وع االستمطار بجامعة جنيف‪« :‬إن تجارب استخدام‬ ‫الل�ر ما زالت جديدة‪ ،‬ولك نعرف كيف تجري أ‬ ‫شعاع ي ز‬ ‫المور‪ ،‬علينا أن‬ ‫ي‬ ‫نفهم أوال ً أن التكاثف يتطلب أمرين‪ :‬الرطوبة أو بخار الماء‪ ،‬والسطح‬ ‫ف‬ ‫و� حاالت معينة يكون هذا السطح‬ ‫الذي‬ ‫تجري أعليه عملية التكاثف‪ .‬ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫يع� أن بخار الماء متوفر ولكن دون أن‬ ‫مفقوداً ي� الجواء‪ ،‬وهذا ي‬ ‫ز‬ ‫الل�ر‪ ،‬حيث يعمل‬ ‫تتوفر إمكانية التكثيف‪ ،‬وهذا ما يقوم به شعاع ي‬ ‫توف� الوسط أو السطح الذي يتكاثف عليه بخار الماء من خالل‬ ‫عىل ي‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫وج�»‪.‬‬ ‫الك�يت والني� ي‬ ‫صغ�ة من أكاسيد ب‬ ‫تأي� الهواء وتكوين بلورات ي‬ ‫وكان فريق جامعة جنيف قد أجرى تجاربه أ‬ ‫الوىل ف ي� صندوق زجاجي‬ ‫مغلق‪ ،‬أطلق عليه اسم غرفة الغيمة (‪ ،)cloud chamber‬مملوء ببخار‬ ‫الماء بدرجة حرارة ‪ 24‬درجة مئوية تحت الصفر‪ ،‬سلطت عليه نبضات‬ ‫ز‬ ‫ملل جول ف ي� ‪ 60‬فيمتوثانية‪ ،‬ما أدى‬ ‫يل�ر أشعة تحت حمراء بقوة ‪ 220‬ف ي‬ ‫ولك‬ ‫إىل تكاثف البخار وتحوله إىل ماء نزل ي� قعر الصندوق‬ ‫الزجاجي‪ .‬ي‬ ‫أ‬ ‫المخت� إىل سماء الواقع سيتطلب المر‬ ‫يتم نقل هذه التجربة من‬ ‫ب‬ ‫مدافع ي ز‬ ‫تقدر بقوة ‪ 1000‬محطة‬ ‫ل�رية ضخمة‪ ،‬ذات طاقات عالية َّ‬ ‫كهربائية لتحقق هدفها وتجعل السماء ملبدة بغيوم ممطرة!‬ ‫يبدو أ‬ ‫المر أشبه بمشهد ف ي� أحد أفالم الخيال العلمي‪ ،‬لكن من يدري‪،‬‬ ‫قد يتحقق هذا الحلم يوماً ما‪ ،‬ويستطيع ش‬ ‫الب� إنزال المطر ف ي� الزمان‬ ‫المناسب�‪ ...‬فما زال أ‬ ‫ين‬ ‫المر يحتاج إىل سنوات طويلة ودراسات‬ ‫والمكان‬ ‫وجهود وأموال‪ ،‬من أجل مستقبل سعيد للسحاب‪.‬‬ ‫تأرجحت بين الصورة والرمز‬ ‫الغيمة في الشعر العربي القديم والحديث‬ ‫ث‬ ‫كث�اً ف ي� الثقافة العربية شعراً ون�اً‪ .‬فحياة الصحراء‬ ‫أنتجت الغيمة أدباً ي‬ ‫يطاردها العطش ف ي� كل زاوية من زواياها‪ ،‬وستكون السحابة‪ ،‬المالذ‬ ‫الذي ينجي المرء من الموت‪ ،‬إن لم تكن هي المصدر المهم والوحيد‬ ‫للنجاة‪.‬‬ ‫ف‬ ‫العر� القديم بعنارص الحياة‬ ‫لذا أ ارتبطت الغيمة ي� لغة فالشاعر ب ي‬ ‫والمل‪ ،‬وبذل وقتاً وجهداً ي� تأملها ووصفها وقراءة مالمحها وما يمكن‬ ‫أن تغدقه عليه من نعم وفرح‪ .‬فهو ينصت إىل رعدها وأزيز الرياح‬ ‫ت‬ ‫العر� من الغيمة‬ ‫ال� تسوقها ويقرأ أفكارها ونياتها‪ .‬لقد جعل الشاعر ب ي‬ ‫ي‬

‫ن‬ ‫الوجدا�‬ ‫كائناً حياً يفكر ويغضب ويعطي ويسلب‪ ..‬وأنتج هذا التوحد‬ ‫ي‬ ‫والنفس أدباً جميال ً ّ‬ ‫ظل يفرض نفسه بع� قرون طويلة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫سحابة كحصان أبلق‬ ‫في واحدة من الصور الممتعة في وصف الطبيعة‪ ،‬تعد لوحة الشاعر‬ ‫الجاهلي أوس بن حجر (‪)620-530‬م في وصفه للسحاب‪ ،‬نموذجاً‬ ‫للعالقة بين ابن الصحراء وبيئته‪ .‬ففي قصيدته التي يستهلها بقوله‪:‬‬ ‫الالحي»‬ ‫ِ‬ ‫ارم‬ ‫َ‬ ‫لميس‬ ‫«ود ْع‬ ‫وداع ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫الص ِ‬

‫ف‬ ‫ليل ف ي� الصحراء المسكونة‬ ‫يستغرق ابن حجر ي� تصوير أ مشهد أ ي‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫يعا� الشاعر المكلوم‬ ‫بالوحشة وال�قب وانتظار المل بالرق‪ ،‬إذ ف أ ي‬ ‫بوداع حبيبته الجاحدة‪ ،‬وثمة سحابة تلوح ي� الفق المعتم‪ ،‬يضيئها‬ ‫ب� ي ن‬ ‫ال�ق ي ن‬ ‫جانب منها رسعان ما تلتقطه مخيلته‬ ‫ب‬ ‫ح� وآخر‪ ،‬فينكشف ٌ‬ ‫ً‬ ‫بمص�ه‪ ،‬ليشكِّل‬ ‫وتبث فيه الحياة‪ ،‬بل وتضفي عليه فعال ً دراميا يرتبط‬ ‫ي‬ ‫مشهداً فنياً متكامل العنارص‪.‬‬ ‫يصف أوس بن حجر السحابة بأنها قريبة من أ‬ ‫الرض تدفعها الريح‬ ‫ال�ق ف ي� العتمة كما تنكشف خارصة الحصان‬ ‫باتجاه الجبل‪ ،‬فيكشفها ب‬ ‫أ‬ ‫البلق ي ن‬ ‫ح� يرمح‪ ،‬ومع حركة ريح الجنوب المحملة بالمطر‪ ،‬يزمجر‬ ‫صوت عنيف‪ ،‬فيضيق الغيم ذرعاً بما يحمله من ماء‪ ،‬يسيح ويكتسح‬ ‫كل ما يواجهه عىل أ‬ ‫الرض‪...‬‬

‫ـت ال ّليـ َ‬ ‫ـل َأ ْر ُق ُبـ ُـه‬ ‫ـن ِل َبـ ْـر ٍق َأ ِبيـ ُ‬ ‫يــا َمـ ْ‬ ‫الصبـ ِـح َل َّم ِاح‬ ‫ـار ٍض َك ُمضـ ِ‬ ‫ـيء ُّ‬ ‫فــي عـ ِ‬ ‫ــف فو َ أ‬ ‫ــه‬ ‫يــق ال ْر ِض َه ْيد ُب ُ‬ ‫دان ُم ِس ٍّ َ‬ ‫ٍ‬ ‫َيــكاد َي َ‬ ‫الــر ِاح‬ ‫دف ُعــه َمــن قــام ِب َّ‬ ‫ــط ًبا‬ ‫َك َّ‬ ‫أن َر ِّيقَ ُــه َل َّمــا َعــا شَ ِ‬ ‫ــق َي ْنفــي الخَ ْي َ‬ ‫ــاح‬ ‫اب أ ْب َل َ‬ ‫ــر ُ‬ ‫أ ْق َ‬ ‫ــل َر َّم ِ‬ ‫َ‬ ‫بــه‬ ‫بأعــاه‬ ‫جنــوب‬ ‫ــت‬ ‫َه َّب ْ‬ ‫ُ‬ ‫ومــال ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ــح المــاء َد َّال ِح‬ ‫أعجــاز ُم ْ‬ ‫ــز ٍن َي ُس ّ‬ ‫أســفَ ُله‬ ‫ــم ْارت ّ‬ ‫فا ْل َت َّ‬ ‫ــج ْأعــاه ُث َّ‬ ‫َــج ْ‬ ‫َو َضـ َ‬ ‫ـاء ُم ْن َص ِاح‬ ‫بحمـ ِـل المـ ِ‬ ‫ـاق َذ ْر ًعــا ْ‬ ‫أوس بن حجر‬


‫خالد الفيصل إيليا أبو ض‬ ‫ما�‬ ‫ي‬

‫والمرئ القيس (‪ )565-520‬م‪ ،‬وهو شاعر معارص ألوس بن حجر‪ ،‬لوحة‬ ‫عدها النقاد والشعراء العرب القدامى‪ ،‬ومنهم الشاعر‬ ‫شعرية مشابهة َّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫الموي ذو الرمة‪ ،‬من أشعر ما قالته العرب ي� وصف السحاب والغيث‪.‬‬ ‫أ‬ ‫كث�‪،‬‬ ‫تبدأ القصيدة بالحديث عن سحابة قريبة من الرض تم�عة بماء ي‬ ‫يصفها بـ (الهطالء‪ ،‬وفيها وطف‪ ،‬وطبق أ‬ ‫الرض) وكما يبدو من يقوله‬ ‫كث�‪ ،‬قادرة عىل ت ز‬ ‫ان�اع وتد الخيمة من‬ ‫شعراً‪ ،‬أنها سحابة حبىل بمطر ي‬ ‫أ‬ ‫شج�ات الصحراء اليابسة ت‬ ‫ح� ال يظهر منها سوى‬ ‫الرض‪ ،‬ستغرق ي‬ ‫تمض سوى ساعة ت‬ ‫ت‬ ‫ح� انهمر وابل‬ ‫ال� تشبه العمائم‪ ،‬ولم ِ‬ ‫رؤوسها ي‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫�ء ي� طريقه‪،‬‬ ‫من المطر الشديد كالموج الذي انفجر واكتسح كل ي‬ ‫ولم يسعف الشاعر من جنون هذه السحابة سوى حصانه الذي يصفه‬ ‫ال ي ن‬ ‫طل� محبوك وقوي‪.‬‬ ‫بأنه ضامر إ‬ ‫يقول امرؤ القيس واصفاً سحابته‪:‬‬

‫َ أ‬ ‫تجــرى وتـد ّر‬ ‫ٌ ‬ ‫وطـف‬ ‫ديمــة هطـال ُء فيـها‬ ‫طبـق الرض َّ‬ ‫َ‬ ‫ُـورايــه إذا ما تَشــ َت ِـكـر‬ ‫َوت‬ ‫ـجذ ْ ‬ ‫ت‬ ‫الو َّد إذا ما أَشْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫ُخـر ُج ِ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ثـانيــا بـرثنـهُ ما ينعفــــر‬ ‫ـب خَ ِفيـفا َم ِاهر ا‬ ‫َوت َ​َـرى َّ‬ ‫الض َّ‬ ‫ُ‬ ‫ؤوسق ِط َع ْتفيهاالخُ ُم ْر‬ ‫َــرى الشّ ـ َ ْج َـرا َء في َريِّ ِق ِ ‬ ‫ــه‬ ‫ك َُر ٍ‬ ‫َوت َ‬ ‫أ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫واه منهمر‬ ‫َســا َعة ث ّم انْ َت َحـــاهَ ا َو ِاب ‬ ‫ــل‬ ‫سـاقط الكناف ٍ‬ ‫جنوب منفجر‬ ‫فيه‬ ‫ثم ان َت َحى ‬ ‫َر َ‬ ‫الصــ َ َبا ّ‬ ‫اح ت َْم ِر ِيه ّ‬ ‫ُ‬ ‫شؤبوب ٍ‬ ‫ـج َحـتى َض َ‬ ‫فيسر‬ ‫فخـفاء‬ ‫خيم‬ ‫ـن ِآذيّ ِ ‬ ‫ـــه‬ ‫ثَ ّ‬ ‫ـاق َع ْ‬ ‫ٍ‬ ‫عرض ٍ‬ ‫ُ‬ ‫الطلين محبوكٌ ممر‬ ‫قد غـدا يحمـلني في‬ ‫ُ‬ ‫أنفـــه الحق إ‬

‫سحابة تعانقها القلوب‬ ‫العر�‪ ،‬أليفاً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ظلت الغيمة والسحابة موضوعا فقريبا من مخيلة الشاعر ب ي‬ ‫إىل نفسه‪ ،‬يتلذذ بوصفه‪ ،‬نن‬ ‫ويتف� ي� إتقان رسم مشاهده‪.‬‬ ‫فهذا أبو تمام ينشد لسحابة واعدة بمطر غزيز‪ ،‬يستغيث بها ث‬ ‫ال�ى‬ ‫الحزين‪ ،‬يسعى إليها المكان الجديب‪ ،‬بل ت‬ ‫ح� القلوب لو استطاعت‬ ‫لعانقتها من فرط ما لذّ ماؤها وطاب رحيقها‪:‬‬ ‫ســكوب ‬ ‫القــياد‬ ‫ديمة ســمحة‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫عظــام نعمى ‬ ‫سعت بقعة إل‬ ‫لو‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫وطــــاب فلـــــــو ‬ ‫لـذ شــؤبوبها‬ ‫َ‬

‫المكروب‬ ‫مستغيث بها الثرى‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الجديب‬ ‫المكان‬ ‫لسعىنحوها‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫القلوب‬ ‫قامتفعانقتها‬ ‫َ‬ ‫تسطيع ْ‬ ‫ُ‬

‫ويدلو الشاعر أ‬ ‫الموي ذو الرمة بدلوه ي ن‬ ‫ح� ينشد لدار مية عىل طريقة‬ ‫ن‬ ‫الذبيا� (يا دار مية بالعلياء فالسند) ي ن‬ ‫ح� يدعو لها بالمطر من‬ ‫النابغة‬ ‫ي‬

‫خليل مطران‬

‫ن‬ ‫قبا�‬ ‫نزار ي‬

‫كل سحاب حالك تم�اكب ذي رعد يجلو السماء بب�ق يتواصل بال انقطاع‪:‬‬ ‫َ‬ ‫بالخلصـــاء فالجـــرد‬ ‫ميـــة‬ ‫يـــا دا َر‬ ‫ِ‬ ‫للكمـــد‬ ‫الشـــوق‬ ‫هجـــت أدنـــى‬ ‫ســـق ًيا وإن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مـــن كل ذي‬ ‫لجـــب باتـــت بوارقـــهُ‬ ‫ٍ‬ ‫أ‬ ‫تجلـــو أغـــر العالـــي حا ِلـــكَ النضـــد‬ ‫َ‬ ‫اصـــا إذا ارتجســـت‬ ‫مجلجـــل‬ ‫ِ‬ ‫الرعـــد عر ً‬ ‫أ‬ ‫ســـد‬ ‫نـــوء الثريـــا بـــه أو نثـــر ُة ال ِ‬

‫ومن الشعراء أ‬ ‫ين‬ ‫ندلسي� الذين رسموا صورة جميلة للغيم‪ ،‬الشاعر ابن‬ ‫ال‬ ‫زيدون‪ ،‬ف ي� قوله‪:‬‬ ‫هطــــل شــؤبوب ه‬ ‫وغمــام‬ ‫ٍ‬ ‫خلــع البــرق على أرجــــائه ‬ ‫وكأن الريــح إذا ه ّبـــت لــه ‬ ‫ّ‬

‫نادم الروض فغنى وسقى‬ ‫ثوب وشــــي منــه َلما أبرقا‬ ‫َ‬ ‫ط ّيرت في الجو منه عقعقا‬

‫ف‬ ‫خ� مادة لتصوير الخيبة‪:‬‬ ‫ورأى أبو العتاهية ي� الغيوم يغ� الممطرة ي‬ ‫الغيوم ‬ ‫كبعض‬ ‫وبعض‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫الوعود ِ‬ ‫ِ‬

‫شحيح المطر‬ ‫الرعود‬ ‫قوي‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬

‫غيوم اليوم غير ما كانت عليه‬ ‫ف‬ ‫ونرصد ف ي� القصيدة العربية الحديثة تحوالت جذرية ي� تناول ثيمة‬ ‫الغيمة‪ ،‬منذ مغامرة شعراء المهجر ف ي� نهايات القرن التاسع ش‬ ‫ع�‪،‬‬ ‫واندفاعاتهم الرومانسية المبكرة‪ ،‬ت‬ ‫الحال الذي شهد‬ ‫وح� وقتنا‬ ‫ي‬ ‫تحوالت بنيوية وأسلوبية‪ ،‬تداخلت فيها أنواع أدبية ت ز‬ ‫وام�جت حقول‬ ‫ب� ما هو شعري ث‬ ‫ثقافية‪ ،‬جمعت ي ن‬ ‫ون�ي ورسدي ف ي� منظومة واحدة‪.‬‬ ‫ظلت الغيمة ثيمة ذات طاقة عالية ف� أ‬ ‫الداء الشعري‪ ،‬إال أن طرائق‬ ‫ي‬ ‫كث�اً عما ألفته القصيدة الكالسيكية‪ ،‬بسبب‬ ‫التناول والمعالجة انحرفت ي‬ ‫تشكل ذائقة شعرية جديدة اهتمت بالبحث عن انزياحات يغ� متوقعة‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ويأ� ف ي� مقدمة أسباب هذا التحول‪ ،‬التأثر بالشعريات الغربية الوافدة‬ ‫ي‬ ‫عىل القصيدة العربية‪ ،‬فلم تعد الغيمة موضوعاً مستقال ً بذاته‪ ،‬يسلط‬ ‫الشاعر عليه مجساته ويلتقط تقلباته ت ز‬ ‫ويم�ج به ليكون جزءاً ال يتجزأ من‬ ‫العر� القديم للمطر بوصفه‬ ‫المشهد أ الذي ظل رهيناً بحاجة الشاعر ب ي‬ ‫مالذاً للمان واستمرار الحياة‪ ،‬بل أصبحت الغيمة استعارة أو قناعاً‪ ،‬يلوذ‬ ‫الشخص‪ ،‬وهنا ستخرس الغيمة خواصها‬ ‫ليع� عن مزاجه‬ ‫به الشاعر ب ِّ‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تحمل الوعد بالحياة والخصوبة‪ ،‬لتحل محلها غيمة‬ ‫المائية الرطبة ي‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫يهم� عىل روحه‪.‬‬ ‫من طبيعة أخرى تق�ن بالحزن‬ ‫الداخل الذي ي‬ ‫ي‬


‫‪97 | 96‬‬

‫يقول أ‬ ‫ال يم� الشاعر خالد الفيصل‪:‬‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫كل ما ّ‬ ‫السحاب‬ ‫كف المطر واقفَى ّ‬ ‫للـسـحـاب وللـمطـر‬ ‫زاد شـوقـي ّ‬ ‫وهللا إنِّي ما احتمل طول الغياب‬ ‫واصفر الخضر‬ ‫جـفّـت الغـدران‬ ‫ّ‬

‫ف‬ ‫فإن كان من الممكن أن نقرأ هذين ي ن‬ ‫الحر�‪ ،‬فمما‬ ‫البيت� بمعناهما‬ ‫ي‬ ‫ال شك فيه أنهما ينطويان أيضاً بشكل مبطن عىل ن‬ ‫مع� الغياب‪ ،‬أي‬ ‫غياب نفتقده ف ي� حياتنا‪.‬‬ ‫يقول إيليا أبو ماضي في قصيدة بعنوان «العنقاء»‪:‬‬ ‫وأتى الشــتاء فلم تكن في غيــم ه‬ ‫ولمحت وامضـة البـروق فخلتــها ‬ ‫حتى إذا نشر القنوط ضبابه فوقي‪ ،‬‬ ‫عصـر أ‬ ‫السى روحي فسالت أدمع اً‬ ‫وعلمت حين العلم ال يجدي الفتى ‬

‫الباكي‪ ،‬وال في رعده المتفجع‬ ‫اللمع‬ ‫فيها‪ ،‬فلم تك في البروق ّ‬ ‫فغ ّيـــبني وغ ّيــــب موضـــعي‬ ‫فلمحتها ولمستها في أدمعي‬ ‫أن التي ض ّيعتها كانت معي!‬ ‫ّ‬

‫وقد يكون أبو ض‬ ‫ما� ث‬ ‫أك� الشعراء العرب ف ي� العرص الحديث تطلعاً‬ ‫ي‬ ‫ال� كث�اً ما احتلت صدر البيت أ‬ ‫الول ف ي� قصائده‪ ،‬كما هو‬ ‫إىل الغيوم ت ي ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تبدأ بقوله‪:‬‬ ‫حال قصيدته «عطش الرواح» ي‬ ‫الغيم السما ُء ‬ ‫صدرها‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫زحزحت عن ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ ‬ ‫ســـندس‬ ‫فالروابــــي حـــــلل من‬

‫أو قصيدته «المساء» ومطلعها‪:‬‬

‫الفضاء ‬ ‫تركض في‬ ‫الســحب ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫والشمــس تبـــدو خلفَهـــا ‬ ‫ُ‬

‫ّ‬ ‫كهف الشـــتاء‬ ‫وأطل النو ُر من ِ‬ ‫والســـــواقي ثـــرثـرات وغنــاء‬

‫ركـــضالخائفين‬ ‫الرحـــب‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫الجبين‬ ‫صـــفرا َء عاصــبة َ‬

‫كما تح�ض الغيوم عند الشاعر ت‬ ‫ح� من دون أن يسميها‪ ،‬كما هو‬ ‫الشه�ة «ابتسم»‪:‬‬ ‫الحال ف ي� مطلع قصيدته‬ ‫ي‬ ‫ٌ‬ ‫وتج ّهمــــا ‬ ‫قال الســـما ُء‬ ‫كئيــــــبة َ‬

‫السما‬ ‫ُ‬ ‫قلت ْ‬ ‫ابتسم يكفي التج ّه ُم في َ‬

‫ف‬ ‫و� قصيدة بعنوان «المساء» لخليل مطران‪ ،‬نجد صورة رائعة للغيم‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ووجدا� حزين‪:‬‬ ‫ذات بُعد رمزي‬ ‫ي‬ ‫شفق ُ‬ ‫يسيل ن َُضا ُر ُه ‬ ‫ُ‬ ‫والشـــمس في ٍ‬ ‫تحـــــدر اً‬ ‫َ‬ ‫غمامتيــن‬ ‫مــر ْت خــالل‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫للكــون قــد ‬ ‫دمعــة‬ ‫آخـــر‬ ‫فكــأن‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬

‫َف َ‬ ‫ســوداء‬ ‫رى‬ ‫وق‬ ‫ِ‬ ‫العقيق على ُذ ً‬ ‫ِ‬ ‫كالدمعـة الحمـــر ِاء‬ ‫ـــر ْت‬ ‫ِ‬ ‫وتقطَّ َ‬ ‫بآخـر أ ْد ُم ِعـــي لرثائـــي‬ ‫ُم ِز َج ْت‬ ‫ِ‬

‫أ‬ ‫الكث�ة حول رمزية الغيوم ف ي� الشعر‬ ‫ويمكننا أن نختتم المثلة ي‬ ‫ن‬ ‫قبا� المغناة «كلمات»‪ ،‬حيث‬ ‫المعارص‪ ،‬إ‬ ‫بالشارة إىل قصيدة نزار ي‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫تحـت ذراعي‬ ‫يأخذني من ِ‬ ‫يزرعني في إحدى الغيمات‬ ‫والمطـر أ‬ ‫السـو ُد في عيني‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫زخات‪ ..‬زخات‬ ‫يتساقـط ٍ‬

‫فال الغيمات هنا هي فعال غيمات وال المطر أ‬ ‫السود هو كذلك‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ين‬ ‫فب� غيمة القصيدة العربية القديمة وغيمة الشعر الحديث‪ ،‬فراق‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫شكل وموضوعي‪ ،‬الول يتعلق بزاوية النظر‪ ،‬فهي‬ ‫عىل‬ ‫مستوي�‪ :‬ي‬ ‫ف‬ ‫هناك ي� بيئة الصحراء موضوع قائم بذاته‪ ،‬يستدرج الشاعر إليه‬ ‫الجاهل ظل منبهراً بغيمته‪،‬‬ ‫ويخضعه لقوى الطبيعة‪ .‬فالشاعر‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫رافعاً من شأنها خاضعاً لسحرها‪ .‬وهي هناك ي� القصيدة الجاهلية‬ ‫ف‬ ‫و�‬ ‫مشهداً عريضاً يتسع للحياة برمتها‪ ،‬يجتهد ف ي�‬ ‫تصويره للغيمة‪ ،‬ي‬ ‫وصفه ألفعالها وتحوالتها ألن ذلك العمل يقع ف ي� صلب مهماته‬ ‫الشعرية‪ ..‬بينما يتجه الشاعر ف ي� القصيدة الحديثة‪ ،‬إىل الرمز الذي‬ ‫توفره دالالت الغيمة‪ ،‬إىل استعارتها من سياقها‪ ،‬والتعكز عليها‪،‬‬ ‫واستخدام ظاللها‪ ،‬ليعكس من خاللها مزاجه وقناعاته وفلسفته‬ ‫وأحزانه‪...‬‬ ‫أسماء الغيم في اللغة العربية‬ ‫ولدت اللغة العربية ف ي� بيئة صحراوية أو شبه صحراوية‪ ،‬جافة‪ ،‬حارة‬ ‫صيفاً باردة شتاء‪ ،‬ال أنهار فيها‪ ،‬أمطارها يغ� مضمونة‪ ،‬وتشح المياه ف ي�‬ ‫معظم أجزائها‪.‬‬ ‫تأث�ات عميقة ف ي� بنية اللغة العربية‪،‬‬ ‫هذه البيئة الصحراوية عكست ي‬ ‫ومفرداتها‪ ،‬وستشكل الغيمة بوصفها واحداً من المصادر القليلة‬ ‫أ‬ ‫والد� �ف‬ ‫كث�اً من‬ ‫والمهمة للمياه‪ ،‬موضوعاً يستهلك ي‬ ‫الجهد اللغوي ب ي ي‬ ‫ف‬ ‫هذه اللغة العريقة‪ .‬ووجدنا هذا الجهد يتكرر ي� مفردات مثل الناقة‬ ‫والخيمة والليل والمطر والسيف‪ ،‬حيث ترافق كل مفردة قائمة طويلة‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� تالحق أدق التفاصيل وأعمقها‪.‬‬ ‫من الم�ادفات اللغوية ي‬ ‫كث�ة‪ ،‬شكلت ظاهرة‬ ‫وبالمنطق نفسه لحقت بالغيمة أسماء وصفات ي‬ ‫ثقافية تسلط الضوء عىل العطش الصحراوي الذي وجد متنفسه‬ ‫ن‬ ‫والنفس ف ي� هذا الكائن السحري الذي نطلق عليه اسم‬ ‫الوجدا�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الغيمة‪.‬‬ ‫كث�اً عن أسماء الغيم وصفاته وحاالته‪ .‬فقد ابتعدنا‬ ‫ال نعرف اليوم ي‬ ‫كث�اً عن الطبيعة‪ ،‬ووهنت عالقتنا بحاالتها ومزاجها‪ .‬قد نستعمل‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫اثن� أو ثالثة أسماء للغيم هي الغمام والسحاب‬ ‫عىل القل ي‬ ‫والمزن‪ ..‬لكن قليال ً منا يعرف أن العارض‪ ،‬والمكفهر اسمان آخران من‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال� اختفت‬ ‫أسماء الغيم‪ ،‬إ‬ ‫بالضافة إىل ع�ات السماء والصفات ف ي‬ ‫ف ي� بطون الكتب بعد أن ابتعد الناس عن استخدامها ي� أحاديثهم‬ ‫وكتاباتهم وأدبهم‪.‬‬ ‫العر� يعجبه‬ ‫هذا التنوع اللغوي لم ِ‬ ‫يأت من عبث‪ ،‬أو لمجرد أن ب ي‬ ‫أ‬ ‫يع� عن اهتمام بالغ بظاهرة‬ ‫إطالق السماء عىل عواهنها‪ ،‬بل ب ِّ‬ ‫يهمه أن‬ ‫الغيمة‪ ،‬ومراقبة دقيقة ومتفحصة لحاالتها‪ .‬فابن الصحراء ّ‬ ‫ال� فوق رأسه ت‬ ‫ت‬ ‫س�فده بالماء‪ ،‬أم أنها‬ ‫يعرف بدقة ما إذا كانت الغيمة ي‬ ‫ش‬ ‫�ء عابر ال طائل من ورائه‪ ..‬وقادته هذه المعرفة إىل بناء عالقة‬ ‫مجرد ي‬ ‫وثيقة بالغمية وحاالتها‪.‬‬


‫أقوال في السحاب‬ ‫َو ِإذا َسحابَةُ َص ِّد ُح ٍّب أَ َبرقَت‬ ‫الو َة ك ُِّل ُح ٍّب َعلقَما‬ ‫تَ َركَت َح َ‬ ‫أبو الطيب المتنبي‬

‫االسم المخبأ لهم هو الغيوم‪.‬‬ ‫إنهم بالكاد تغيروا منذ عصر شكسببير‪،‬‬ ‫وعلى الرغم من أنهم عاشوا طويالً‪،‬‬ ‫وأصبحت قاماتهم أطول بضعفين‪.‬‬ ‫كانت تكويناتهم المرتجلة‪ ،‬تضايق‬ ‫السماء‪ .‬هذا الصباح‪ ،‬على سبيل المثال‪،‬‬ ‫نطقت كلمة الغيوم‪.‬‬ ‫خورخي لويس بوخيس‪ /‬شاعر‬

‫«تطوف الغيوم في حياتي‪ ،‬ليس‬ ‫من أجل أن ترعى أ‬ ‫المطار‪ ،‬أو تقود‬ ‫أ‬ ‫العواصف‪ ،‬ولكن لتضيف اللوان إلى‬ ‫سماء شمسي الغاربة»‬ ‫رابندرانات طاغور‪ /‬شاعر وروائي‬ ‫ومسرحي هندي‬

‫«ومن قلب العتمة الكئيبة‪ ،‬مررت‬ ‫ألضيء يوماً بال غيوم»‬ ‫إيميلي برونتي‪ /‬روائية‬ ‫وشاعرة بريطانية‬

‫لكي أجعل نفسي مفهومة‪ ،‬أ‬ ‫ولقلص‬ ‫المسافة بيننا‪ ،‬ناديت‪« :‬أنا سحابة المساء‬ ‫أيضاً كن جامدات‪ ،‬ينظرن إلي بعيون‬ ‫فاحصة‪ .‬ثم امتدت نحوي أجنحة ناعمة‪،‬‬ ‫شفافة وردية‪ ...‬هذه هي الطريقة التي‬ ‫ترحب بها غيوم المساء بعضها ببعض‪.‬‬ ‫لقد عرفوني»‬

‫وناقد أرجنتيني‬

‫«قوة خفيفة تحلق به في السحاب وتريه‬ ‫محاسن الكائنات من وراء ضباب أ‬ ‫الحالم‪،‬‬ ‫وقوة ظاهرة تقيده أ‬ ‫بالرض وتغمر‬ ‫بصيرته بالغبار وتتركه ضائعاً خائفاً في‬ ‫ظلمة حالكة»‬ ‫جبران خليل جبران‪ /‬كاتب ورسام‬ ‫لبناني من أدباء المهجر‬

‫«خارج النافذة‪ ،‬كومة من السحب ظهرت‬ ‫في أ‬ ‫الفق‪ ،‬تقدمت ببطء عابرة السماء‪،‬‬ ‫لتنزلق أخيراً وتحجب نور القمر المشع‪.‬‬ ‫وكمن يطفئ سراج السرير‪ ،‬التفتت عيناه‬ ‫للمرة أ‬ ‫الخيرة إلى السماء‪ .‬في الخارج‪ ،‬في‬ ‫العتمة التي خيمت للتو‪ ،‬تحول العالم‪،‬‬ ‫وأصبحت السماء بساطاً أ‬ ‫تتل أل فيه النجوم»‬ ‫دان براون‪ /‬كاتب أمريكي‬

‫راينر ماريا ريلكه‪ /‬شاعر نمساوي‬

‫«السماء‪ ،‬ثملة بالربيع‪ ،‬دائخة بأبخرتها‪،‬‬ ‫سميكة بالغيوم‪ .‬السحب المنخفضة‪ ،‬تتدلى‬ ‫على الحافات مثل شعر يبحر عبر الغابة‪،‬‬ ‫والمطر يقفز منها دافئاً‪ ،‬تفوح منه رائحة‬ ‫التربة والعرق‪ ،‬يغسل آخر ما تبقى من‬ ‫الدروع السوداء‪ ،‬المطلية بجليد أ‬ ‫الرض»‬

‫«المرح مثل لمعة البرق التي تكسر عتمة‬ ‫الغيوم‪ ،‬يومض للحظة واحدة»‬ ‫جوزيف أديسون‪ /‬شاعر ومسرحي‬ ‫وسياسي أنكليزي‬

‫بوريس باسترناك‪ /‬كاتب وشاعر روسي‬

‫«كان الصباح لطيفاً‪ ،‬باستثناء أثر الرياح‬ ‫هنا وهناك‪ ،‬البحر والسماء يبدوان نسيجاً‬ ‫واحداً‪ ،‬كما لو أن سفينة شراعية ظلت‬ ‫عالقة تبحر في أ‬ ‫العالي‪ ،‬أو أن الغيوم‬ ‫تساقطت في البحر»‬ ‫فرجينيا وولف | روائية بريطانية‬

‫«كن مثل قوس قزح في عواصف الحياة‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫مثل شعاع مسائي يبتسم للغيوم البعيدة‪،‬‬ ‫لون مستقبلك بشعاع أ‬ ‫المل»‬ ‫ّ‬ ‫اللورد بايرون‪ /‬شاعر بريطاني‬


‫‪99 | 98‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫جوزف ميلورد تورنر‪:‬‬ ‫«الرصيف البحري في‬ ‫كاليه»‪1803 ،‬م‬

‫بيرندنوت سمايلد‪:‬‬ ‫«غيوم داخلية»‬

‫أ‬ ‫جش‪،‬‬ ‫اشتد صوت رعده‪ ،‬فهو ال ُّ‬ ‫كان لرعده صوت‪ ،‬فهو ال َهزيم‪ ،‬فإذا َّ‬ ‫الصاد‪ ،‬فإذا كان ذا صوت شديد‪،‬‬ ‫فإذا كان بارداً وليس فيه ما ٌء‪ ،‬فهو ُّ‬ ‫الجهاَم الذي ال‬ ‫الص ّيب‪ ،‬فإذا أهرق ماؤه‪ ،‬فهو الجهام وقيل بل َ‬ ‫فهو َّ‬ ‫ماء فيه»‪.‬‬

‫ف‬ ‫تعب�اً عن‬ ‫وما هذا الذي يبدو كأنه إفراط لغوي ي� التسمية والوصف إال ي‬ ‫العر� ف ي� بيئته القاسية‪ ..‬إنها نوع من‬ ‫حاجة ملحة وعميقة تمس حياة ب ي‬ ‫ال� ت‬ ‫ت‬ ‫تق�ب من التوحد واالنسجام الكامل مع عنارص‬ ‫الغنائية اللغوية ي‬ ‫الطبيعة‪.‬‬

‫تحوالت الغيمة في اللوحة التشكيلية‬ ‫عندما تصبح الغيمة ثيمة مركزية تفرض هيمنة برصية عىل فضاء‬ ‫اللوحة‪ ،‬ال يخلو أ‬ ‫المر من مغامرة تشحذ مخيلة المتلقي‪ ،‬وتضعه �ف‬ ‫ي‬ ‫موضع التساؤل والتأمل والدهشة معاً‪.‬‬

‫نقرأ ألب ي� منصور‬ ‫الثعال� (ت ‪ 429‬هـ) ف ي� فقه اللغة تفصيال ً مشوقاً عن‬ ‫بي‬ ‫الغيمة وأسمائها وصفاتها‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫ت‬ ‫تقدم منظراً للغيوم أو (‪ )cloudscape‬تنتمي إىل نوع‬ ‫ال� ِّ‬ ‫إن اللوحة ي‬ ‫ال� تُ ن‬ ‫ت‬ ‫ع� برسم الطبيعة‪،‬‬ ‫من لوحات المنظر الطبيعي (‪ )landscape‬ي‬ ‫تعب� يقصد به رسم المشاهد‬ ‫وبذا فإن لوحة (منظر الغيوم) ي‬ ‫ت‬ ‫تعب�‬ ‫ال� تتضمن الغيوم بشكل رئيس‪ ،‬وقد يستخدم ي‬ ‫الطبيعية ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تحتوي‬ ‫منظر السماء (‪)skyscape‬‬ ‫ي‬ ‫للتعب� عن المناظر الطبيعية ي‬ ‫الملبدة بالغيوم أيضاً‪ .‬وبشكل عام قد تتضمن‬ ‫عىل مشاهد للسماء ّ‬ ‫ف‬ ‫لوحة منظر الغيوم مشاهد أرضية ي� الغالب من أجل تحقيق التوازن‬ ‫ن‬ ‫الف�‪ ،‬أو لضبط اتجاهات وأبعاد اللوحة‪ ،‬والحصول‬ ‫البرصي للعمل ي‬ ‫عىل المنظور المناسب‪.‬‬

‫«أول ما ينشأ السحاب‪ ،‬فهو نشء‪ ،‬فإذا انسحب ف ي� الهواء‪ ،‬فهو‬ ‫ّ‬ ‫تغ�ت وتغممت له السماء‪ ،‬فهو الغمام‪ ،‬فإذا كان‬ ‫السحاب‪ ،‬فإذا ي‬ ‫غيم ينشأ ف ي� عرض السماء فال تبرصه‪ ،‬وإنما تسمع رعده‪ ،‬فهو العقر‪،‬‬ ‫أطل ّ‬ ‫فإذا ّ‬ ‫وأظل السماء‪ ،‬فهو العارض‪ ،‬فإذا كان ذا رعد وبرق‪ ،‬فهو‬ ‫العراص‪ .‬فإذا كانت السحابة قطعاً صغاراً متدانياً بعضها من بعض‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫متفرقة‪ ،‬فهي القزع‪ ،...‬فإذا كانت قطعاً كأنها‬ ‫كانت‬ ‫فإذا‬ ‫مرة‪،‬‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫فهي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قطع الجبال‪ ،‬فهي قلع‪ ،‬وكنهور (واحدتها كنهورة)‪ ،‬فإذا كانت قطعاً‬ ‫رقاقاً‪ ،‬فهي ال ّطخارير (واحدتها طخرور)‪ ...‬فإذا غلظ السحاب وركب‬ ‫المكفهر‪ ،‬فإذا ارتفع ولم ينبسط‪ ،‬فهو ال ّنشاص‪،‬‬ ‫بعضه بعضاً‪ ،‬فهو‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫وتلبد بعضه فوق بعض‪ ،‬فهو القرد‪ ،‬فإذا‬ ‫فإذا تقطع ي� أقطار السماء ّ‬ ‫والع َماية‪ ،‬وال َّطخاء‪،‬‬ ‫الع َماء‪َ ،‬‬ ‫ارتفع وحمل الماء وكثف وأطبق‪ ،‬فهو َ‬ ‫اع�ض ت‬ ‫وال َّطخاف‪ ،‬وال َّطهاء‪ ،‬فإذا ت‬ ‫اع�اض الجبل قبل أن يطبق‬ ‫السماء‪ ،‬فهو الح�‪ ،‬فإذا عن‪ ،‬فهو العنان‪ ،‬فإذا أظل أ‬ ‫الرض فهو‬ ‫ّ‬ ‫ب ي ُّ‬ ‫المحمومي‪ ،‬فإذا تع َّلق سحاب دون‬ ‫فهو‬ ‫اكب‪،‬‬ ‫ر‬ ‫وت‬ ‫الدجن‪ ،‬فإذا اسو َّد‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫الرباب‪ ،‬فإذا كان سحاب فوق سحاب‪ ،‬فهو الغفارةُ‪،‬‬ ‫السحاب‪ ،‬فهو َّ‬ ‫أ‬ ‫فإذا َّ‬ ‫الهيدب‪ ،‬فإذا كان‬ ‫تدل ودنا من الرض مثل هدب القطيفة‪ ،‬فهو‬ ‫ُ‬ ‫والص يب�‪ ،‬فإذا‬ ‫ذا ماء ي‬ ‫كث�‪ ،‬فهو القنيف‪ ،‬فإذا كان أبيض‪ ،‬فهو المزن‪َّ ،‬‬

‫البواك�‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ظهرت الغيوم ي� اللوحة الوروبية منذ عرص النهضة‪ ،‬وبقيت لف�ة‬ ‫طويلة مرتبطة بشكل أساس بفضاء موضوع مستوحى من أ‬ ‫الدب‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ساط�‪ .‬يغ� أنها حملت ف� ث‬ ‫أك� من مناسبة خطاباً يتجاوز البعد‬ ‫وال ي‬ ‫ي‬ ‫يي�‪ .‬ففي بعض اللوحات ت‬ ‫ال� ن‬ ‫تز‬ ‫ال� رسمها الفرنسيان واتو وفراغونار ف ي�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ع�‪ ،‬وتمظهر فيها شخصيات من أ‬ ‫القرن الثامن ش‬ ‫الرستقراطية الفرنسية‬ ‫تلهو ف ي� حدائق قرص فرساي أو يغ�ه‪ ،‬نرى السماء ملبدة بغيوم سوداء‬ ‫يم� المشهد‪ .‬أ‬ ‫تتناقض مع طابع البهجة الذي ت‬ ‫يف�ض أن ي ّ ز‬ ‫المر الذي‬ ‫الفنان� لهذه أ‬ ‫ين‬ ‫الرستقراطية‬ ‫أجمع النقاد عىل قراءته أنه كان إنذاراً من‬ ‫الالهية‪ ،‬بقرب تغ� أ‬ ‫التغي� (الثورة الفرنسية)‪.‬‬ ‫الحوال وهبوب رياح‬ ‫ي‬ ‫ي‬


‫رينيه ماغريت‪« :‬المرآة‬ ‫المزيّفة»‪1929 ،‬م‬

‫ملونة يدوياً من «كتاب الغيوم»‬ ‫هيلين فرانكينتهالر‪ :‬صفحة ّ‬

‫ويحدث أن تكون لوحة (منظر الغيمة) معقدة للغاية‪ ،‬كما ظهرت‬ ‫ف ي� أعمال الفنان جوزيف يت�نر (‪)1851-1775‬م‪ ،‬الذي رسم لوحات‬ ‫لمشاهد طبيعية محتدمة وعنيفة تلعب السحب والغيوم فيها‬ ‫كال‪ ،‬حطام سفينة‪ ،‬أمواج شاطئ‬ ‫دور البطولة‪ .‬ففي أعماله‬ ‫(مرفأ ي‬ ‫ف‬ ‫تتم�ز‬ ‫ثم�الند‪ ،‬قوارب هولندية ي� غيل) وهي مناظر طبيعية‪ ،‬ي‬ ‫نور ب‬ ‫ث‬ ‫كب�ة‪ ،‬تشكِّل السحب الكثيفة المحتدمة أك� من نصف‬ ‫بطاقة انفعالية ي‬ ‫اماتيك‬ ‫مساحة اللوحة‪ ،‬ما يجعل العمل برمته يخضع‬ ‫لفعل طبيعي در ي‬ ‫أ‬ ‫عنيف مصدره السماء‪ .‬فثمة قوة هائلة نازلة من العىل باتجاه أسفل‬ ‫ش‬ ‫�ء‪ ..‬وعىل الرغم من أن غيوم يت�نر تبدو‬ ‫اللوحة‪ ،‬تكاد تسحق كل ي‬ ‫واقعية جداً‪ ،‬لكن لو تم النظر إليها بمعزل عن المشهد العام للمنظر‬ ‫الطبيعي‪ ،‬فإنها ستبدو أعماال ً تجريدية بجدارة‪ .‬وقد تشكِّل وحدها‬

‫سلفادور دالي‪« :‬آباء الهول الثالثة»‪1947 ،‬م‬

‫نماذج ناجحة‪ ..‬كما يظهر ف ي� لوحته الجميلة «عاصفة ثلجية» حيث‬ ‫تحتل العاصفة مساحة اللوحة بالكامل‪ ،‬وتغمرها بانفعاالت السحب‬ ‫ف ي� كل نقطة‪ .‬فمن يستطيع أن يرى تفاصيل العاصفة وهو قابع ف ي�‬ ‫الحساس النادر‪..‬‬ ‫أعماقها؟ لقد منحنا يت�نر هذا إ‬ ‫ين‬ ‫الغربي� إىل لوحات منظر الغيمة ف ي� القرن التاسع‬ ‫والتفت بعض النقاد‬ ‫بم�لة البواك� أ‬ ‫الوىل لالتجاه التعب�ي والتجريدي �ف‬ ‫واعت�وها نز‬ ‫ش‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ع�‪ ،‬ب‬ ‫ي‬


‫‪101 | 100‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫الرسيالي� الفنان إ ن‬ ‫ين‬ ‫دال‬ ‫سبا�‬ ‫ومثل ماغريت‪ ،‬قدم أعظم‬ ‫ال ي‬ ‫سيلفادور ي‬ ‫ف‬ ‫(‪)1989-1904‬م لوحات احتلت الغيمة فيها مكانة رفيعة‪ ،‬كما ي� عمله‬ ‫ن‬ ‫بالبكي�» حيث تتحول الغيوم إىل رأس‬ ‫المدهش «ثالثة أبو الهول‬ ‫ي‬ ‫شب�ية‪.‬‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫الرسيالي� تلعب دوراً صادماً ف ي�‬ ‫الفنان�‬ ‫ظلت الغيمة ف ي� أعمال‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫الف�‪ .‬فمن‬ ‫الغالب‪ ،‬بسبب ظهورها يغ� المتوقع ف ي� فضاء العمل ي‬ ‫يتوقع غيمة عىل رأس رجل‪ ،‬أو غيمة ي� قفص؟‬

‫فان غوخ‪« :‬أشجار شربين‪ ،‬غيوم‪ ،‬وتالل»‪1889 ،‬م‬

‫«غيوم»‪ :‬الفنانة أ‬ ‫المريكية جورجيا أوكيف‬

‫الغر�‪ ،‬وهما االتجاهان اللذان تبلورا ف ي� بدايات القرن‬ ‫الفن‬ ‫التشكيل ب ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫التشكيل ح� اليوم‪.‬‬ ‫الع�ين‪ ،‬وسيفرضان الحقاً حضوراً طاغياً ي� الفن‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫فقد شكلت لوحة الغيم التجريدية بحسب هؤالء النقاد امتداداً لعمال‬ ‫كالسيكية مثل لوحات ت�نر وسواها‪ ،‬كما ف� منجز الرسامة أ‬ ‫المريكية‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫هيل� فرانكنثيلر (‪)2011-1928‬م‪ ،‬وعملها التجريدي كتاب الغيم‪.‬‬

‫ين‬ ‫الرسيالي�‪ ،‬استحوذت الغيوم عىل مخيلة الفنان الهولندي‬ ‫قبل‬ ‫فنسنت فان كوخ (‪)1890-1853‬م‪ .‬فقد رسم هذا الفنان سحباً رائعة‬ ‫ال� أنجزها‪ .‬و�ض بات الفرشاة ت‬ ‫ف� أغلب المناظر الطبيعية ت‬ ‫ال� ي ز‬ ‫تتم�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫التعب�ية الهائلة‪ ،‬انسجمت تماماً مع غيومه‪ ،‬ف ي�‬ ‫عنده بالقوة والطاقة‬ ‫ي‬ ‫ليل للنجوم‪ ،‬وحقل‬ ‫أعماله (منظر طبيعي من سان ريمي‪ ،‬ومشهد ي‬ ‫القمح مع أشجار الرسو) حيث نرى سحباً متحركة تضج بإحساس‬ ‫ويستث� الطاقة الكامنة للمخيلة‪.‬‬ ‫صاف يأخذ بشغاف المتلقي‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫تعب�ي ٍ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ورغم أن أعمال هذا الفنان المدهش تقع ي� نقطة التقاطع يب� ثالثة‬ ‫والتعب�ية‪ ،‬فإن غيومه‬ ‫اتجاهات تشكيلية‪ :‬االنطباعية‪ ،‬والوحشية‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ظلت تغرد خارج رسب السحب ف ي� اللوحة التشكيلية الغربية‪.‬‬ ‫وتعد الفنانة أ‬ ‫ين‬ ‫الفنان�‬ ‫المريكية جورجيا أوكيف (‪)1986-1887‬م من‬ ‫ُ ّ‬ ‫الذين قدموا رؤية مفارقة للوحة (منظر الغيمة)‪ ،‬ورغم أنها‬ ‫كب�ة‪ ،‬فإنها‬ ‫كب�ة للزهور وحققت شهرة ي‬ ‫تخصصت برسم لوحات ي‬ ‫رسمت أيضاً مناظر الغيوم بطريقة مختلفة‪ ،‬ومن زوايا لم تتوقعها‬ ‫ين‬ ‫ع� المشاهد‪ .‬فقد أمضت هذه الفنانة وقتاً طويال ً تتنقل بالطائرات‬ ‫ف� ستينيات وسبعينيات القرن ض‬ ‫الما�‪ ،‬تشاهد الغيوم من نافذة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الطائرة‪ ،‬تدرب عينيها عىل مشهد لم تألفه عيون ش‬ ‫الب�‪ .‬سافرت إىل‬ ‫جميع بلدان العالم لتسجل مشاهداتها ف ي� لوحات عن السحب‪.‬‬

‫المزاج الفني للغيمة‬ ‫وبشكل عام‪ ،‬يمكننا القول إن الغيمة خضعت لتبدالت المزاج‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫الوحشي�‪،‬‬ ‫ورو�‪ ،‬فقد أصبحت غيمة وحشية ف ي� أعمال‬ ‫التشكيل ال ب‬ ‫ي‬ ‫وتعب� يية ف‬ ‫ين‬ ‫الرسيالي�‪،‬‬ ‫التعب�ية‪ ،‬ورسيالية ف ي� لوحات‬ ‫رواد‬ ‫أعمال‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫ي ي‬ ‫ين‬ ‫التجريدي�‪..‬‬ ‫وغيمة تجريدية لدى‬

‫وما ي ز‬ ‫الكب�ة‪ ،‬وعدم احتوائها عىل‬ ‫يم� لوحات أوكيف أحجامها ي‬ ‫مشاهد أرضية‪ ،‬فزاوية المشهد تجعل الغيوم تقع تحت خط أفق‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫كب�اً «سماء فوق‬ ‫ال� حققت نجاحاً ي‬ ‫اللوحة كما ي� سلسلة أعمالها ي‬ ‫السحب»‪.‬‬

‫السوريال رينيه ماغريت (‪)1967-1898‬م كان من‬ ‫البلجيك‬ ‫فالفنان‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ب� ث‬ ‫ين‬ ‫أك� أبناء جيله ولعاً بالغيوم‪ .‬واستطاع بمخيلته المتوقدة أن‬ ‫تي�ك مسافة بينه ي ن‬ ‫وب� عمالقة هذه المدرسة الصعبة‪ ،‬أمثال سيلفادور‬ ‫ش�يكو‪ .‬ويصف‬ ‫دال‪ ،‬وخوان يم�و‪ ،‬وماكس إرنست‪ ،‬وجورجيو دي ي‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫النقاد الغربيون أسلوب ماغريت بأنه مرسحي ث‬ ‫تلقا�‪ .‬فهو‬ ‫منه‬ ‫أك�‬ ‫ي‬ ‫يضع أ‬ ‫الشياء المعروفة والعادية ف ي� أماكن يغ� مألوفة ما يسبب صدمة‬ ‫والشجار أ‬ ‫للمتلقي‪ ...‬مثال‪ :‬الغيوم والناس أ‬ ‫والثاث‪ ،‬تخرج ف ي� أعمال‬ ‫ً‬ ‫ماغريت من سياقها الطبيعي‪ ،‬لتصبح ف ي� سياق حلمي‪ ،‬شعري‪ .‬وهذا هو‬ ‫جوهر الرسيالية‪ ،‬فسح المجال أمام العقل الباطن ليظهر مكنوناته‪.‬‬

‫السحب الصينية‬ ‫تقوم فلسفة الـ (ين ‪ -‬يانغ) الصينية‪ ،‬أو الطاوية‪ ،‬عىل نظرية العنارص‬ ‫الخمسة‪ :‬الخشب والنار أ‬ ‫والرض والمعدن والماء‪ .‬ومن هذه العنارص‬ ‫الخمسة‪ ،‬مجتمعة أو منفردة‪ ،‬تقوم كل موجودات الطبيعة‪ ،‬وهي‬ ‫أساس النجمة الصينية المؤلفة من القمر والغيمة ي ن‬ ‫والتن�‪ ،‬المرتبطة‬ ‫بعضها ببعض‪ ،‬حيث أصبحت أيقونات ثقافية تكررت صورها �ف‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫العمال الفنية التقليدية‪ ،‬والعمالت الصينية القديمة منذ ث‬ ‫أك� من‬ ‫ب� السماء أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تنشأ ي ن‬ ‫والرض‪ ،‬هي منبع الماء‬ ‫ألفي سنة‪ ،‬فالغيمة ي‬ ‫الذي يغذي الحياة‪ ،‬ورمز للعالم السماوي‪ ،‬مثلما تحمل ن‬ ‫مع�‬


‫أ‬ ‫أ‬ ‫ساط� الصينية‪ ،‬كانوا‬ ‫الحركة أيضاً‪ ،‬لن الخالدين‪ ،‬كما تصورهم ال ي‬ ‫يستخدمون السحب نز‬ ‫بم�لة عربات للتنقل والسفر‪.‬‬ ‫ب� الغيمة ي ن‬ ‫وتوجد عالقة جدلية ي ن‬ ‫والتن� ف ي� الثقافة الصينية الكالسيكية‪.‬‬ ‫فالصينيون يعتقدون أن ي ن‬ ‫التن� قادر عىل خلق الغيوم من أنفاسه‪،‬‬ ‫وارتباط ي ن‬ ‫التن� بالغيوم العاصفة والمطر والحياة يشكِّل زاوية مهمة ف ي�‬ ‫المعتقدات الصينية القديمة‪.‬‬ ‫تحمل الغيمة الصينية‪ ،‬إذاً‪ ،‬دالالت رمزية عميقة الجذور‪ ،‬الرتباطها‬ ‫بالمعتقدات والطقوس المصاحبة لها‪ .‬لذا‪ ،‬فإن أ‬ ‫العمال الفنية‬ ‫أك� مما ن‬ ‫ستع� بالغيمة بوصفها أيقونة مقدسة‪ ،‬ث‬ ‫الصينية ن‬ ‫تع� بها‬ ‫بوصفها تكويناً ي ز‬ ‫ف�يائياً لغيمة مستقلة بذاتها لها شخصيتها الفريدة‪.‬‬ ‫فلم نشاهد أعماال ً فنية تصور حاالت السحب وأنواعها‪ ،‬وعالقتها‬ ‫بالضوء والبيئة المحيطة بها‪ ،‬وظاللها عىل حالة الطقس‪ ،‬كما شاهدنا‬ ‫ف� أ‬ ‫العمال الغربية‪ ،‬بل سلكت لوحات الغيمة ف ي� الثقافة الصينية سلوكاً‬ ‫ي‬ ‫ثنا� أ‬ ‫نمطياً قائماً عىل ثيمة التكرار ف� فضاء مسطح‪ ،‬ئ‬ ‫البعاد‪ ،‬يذكرنا‬ ‫ي‬ ‫بـ (البوب آرت) وأعمال الفنان ي أ‬ ‫مريك آندي وارهول‪ ،‬المبنية عىل‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫النمطية‪ ،‬وخلق أ‬ ‫النساق المتكررة‪.‬‬ ‫التشكيل بمختلف‬ ‫التشكيل للسحب والغيوم ف ي� الفن‬ ‫إن الحضور‬ ‫في‬ ‫ي‬ ‫وثقا� عميق‬ ‫نفس‬ ‫مشاربه‪ ،‬فوثقافاته‪ ،‬ب ِّ‬ ‫وطقس ي‬ ‫ي‬ ‫يع� عن اهتمام ي‬ ‫الجذور ي� حياة ش‬ ‫الب�‪.‬‬

‫الحوسبة السحابية‬ ‫يوتوبيا القرن الحادي والعشرين‬ ‫لن تعييك الحيلة بعد اليوم ف ي� البحث عن صورك‪ ،‬موسيقاك‪ ،‬كتبك‪،‬‬ ‫أفالمك المفضلة‪ ،‬برامجك‪ ،‬نصوصك‪ ،‬أموالك‪ ،‬مشاريعك‪ .‬فقد‬ ‫أصبحت كلها ف ي� متناول يديك وقتما تشاء‪ ،‬وأينما كنت‪ ...‬ستنتهي‬ ‫معاناتك من ضياع الملفات والنصوص والصور‪ ،‬بسبب انقطاع التيار‬ ‫ئ‬ ‫الكهربا�‪ ،‬أو نتيجة لضغطة زر خاطئة‪ ،‬أو هجمة يف�وس يصيب جهاز‬ ‫ي‬ ‫الكمبيوتر الخاص بك بالجمود‪...‬‬ ‫يعان من هذه أمثال هذه المشكالت‪ ،‬ومن منا لم يخرس‬ ‫فمن منا لم ِ‬ ‫ف� طرفة ي ن‬ ‫ع� جهود ساعات عمل طويلة ومضنية‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫�ء سيكون ف ي� السحابة‪ ،‬ولن تحتاج سوى لوسيلة اتصال‬ ‫كل ي‬ ‫بال تن�نت‪ ،‬من أي جهاز كمبيوتر‪ ،‬سواء أكان لك أم لصديقك‪ .‬ت‬ ‫ح�‬ ‫إ‬ ‫الذك يمكنه أن يأخذك إىل تلك السحابة حيث بياناتك‪ ،‬أو‬ ‫التلفون ي‬ ‫يجلبها إليك‪..‬‬ ‫ش‬ ‫�ء‪ ،‬ليحل محله‬ ‫لقد انتهى عرص الكمبيوتر‬ ‫الشخص الذي يخزن كل ي‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫�ء‪.‬‬ ‫عرص السحابة الحبىل بكل ي‬ ‫وهذا ليس �ض باً من فانتازيا أ‬ ‫الحالم‪ ،‬بل هي فنتازيا الواقع‬ ‫الجديد‪..‬‬


‫‪103 | 102‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫ما الحوسبة السحابية؟‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫اللك�ونية‬ ‫خ�ة مصطلحات مثل السحابة إ‬ ‫شاعت ي� السنوات ال ي‬ ‫(‪ ،)electronic cloud‬والحوسبة السحابية (‪.)cloud computing‬‬ ‫بهمة‬ ‫ورغم الغموض الذي يلف المصطلح‪ ،‬فإن الكل منغمس ومشارك ّ‬ ‫ف ي� هذه القصة الجديدة‪ ،‬بعدما أصبحت شؤون حياتنا المهنية واليومية‬ ‫ت‬ ‫وال�فيهية تجري من خالل السحابة‪ ..‬سيقول لك قائل‪ ،‬ف ي� السابق‬ ‫كنت تنجز كل أ‬ ‫العمال الخاصة بك عىل جهاز الكمبيوتر خاصتك‪ ،‬تنفذ‬ ‫وتخزن ملفاتك وصورك وبرامجك فيه‪ ،‬أو ف ي� وسائط تخزين خارجية مثل‬ ‫القرص المرن أ‬ ‫والقراص ي ز‬ ‫الل�رية‪ ،‬أو ف ي� ذاكرة الفالش‪ ،‬ولكن غالباً ما‬ ‫ين‬ ‫المتطفل�‪..‬‬ ‫كانت تتعرض هذه الوسائط إىل التلف أو الضياع‪ ،‬أو لعبث‬ ‫أما اليوم فلست بحاجة إىل كل هذا الهم‪ ،‬ما عليك اال أن تتصل‬ ‫ف‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونية)‪ .‬يمكنك أن تخ ّزن ما‬ ‫بالشبكة‪ ،‬وتضع أشياءك ي� (السحابة إ‬ ‫تشاء مطمئناً‪ :‬صور‪ ،‬ملفات‪ ،‬نصوص‪ ،‬برامج‪ ...‬إلخ‪ ،‬ف ي� ما يطلق عليه‬ ‫السحا�‪ ،‬شب�ط أن تحتفظ لنفسك بكلمة الرس‪ .‬فكل ممتلكاتك‬ ‫التخزين‬ ‫بي‬ ‫ف‬ ‫ستكون ي� مكان آمن‪ ،‬ويمكنك أن تعود إليها وتترصف بها عىل هواك‪،‬‬ ‫ش‬ ‫�ء‪.‬‬ ‫ولن يضيع لك فيها ي‬ ‫ال ت‬ ‫وك�ت إىل‬ ‫فما هي السحابة إ‬ ‫لك�ونية؟ وما حوسبتها؟ وكيف ولدت ب‬ ‫هذا الحد ت‬ ‫ح� أصبحت تشكل جانباً من صورة حياتنا المعارصة؟‬ ‫ف� منتصف تسعينيات القرن ض‬ ‫الما�‪ ،‬وتحديداً ف ي� يوم ‪ 4‬يوليو ‪1996‬م‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ً‬ ‫وغ�ت‬ ‫عقب‪،‬‬ ‫عىل‬ ‫ا‬ ‫أس‬ ‫ر‬ ‫حياتنا‬ ‫قلبت‬ ‫جديدة‬ ‫ونية‬ ‫إلك�‬ ‫خدمة‬ ‫ظهرت‬ ‫ي‬ ‫من مفهوم التواصل بالرسائل ي ن‬ ‫ب� ش‬ ‫ال�يد‬ ‫الب�‪ ،‬واسم هذه الخدمة‪ :‬ب‬ ‫إ ت ن‬ ‫و�‪ ..‬أطلقها كل من صابر باتيا وجاك سميث‪ .‬وبعد عام واحد‬ ‫اللك� ي‬ ‫ال�يد إ ت ن‬ ‫و� ث‬ ‫أك� من ‪ 8‬ي ن‬ ‫مالي� شخص‬ ‫تجاوز عدد مستخدمي ب‬ ‫اللك� ي‬

‫حول العالم‪ .‬ف‬ ‫ال�مجيات رامنيث شياليا‬ ‫و� العام نفسه أطلق عالم ب‬ ‫ي‬ ‫ألول مرة مصطلح الحوسبة السحابية ف ي� إحدى محا�ض اته‪ ،‬لكن ال أحد‬ ‫التفت إىل مصطلحه الجديد‪.‬‬ ‫مخازن مجانية‬ ‫ف ي� البداية‪ ،‬كانت خدمة الهوتميل تسمح بـسعة تخزين تبلغ ‪5‬‬ ‫ين‬ ‫جيجابايت تقدم مجاناً‬ ‫للمستخدم�‪ .‬ثم تضاعفت قابلية التخزين‬ ‫لتبلغ ‪ 25‬جيجابايت‪ ..‬وتوالت ش�كات أخرى مثل ياهو وبعدها غوغل‪،‬‬ ‫ال�يد إ ت ن‬ ‫ين‬ ‫للمستخدم� سعة تخزين‬ ‫و� موفرة‬ ‫عىل تقديم خدمات ب‬ ‫اللك� ي‬ ‫كب�ة للصور والنصوص‪..‬‬ ‫ي‬ ‫ال�يد إ ت ن‬ ‫و�‪ ،‬بدأت تتشكل البوادر‬ ‫من هناك‪ ،‬مع بداية خدمات ب‬ ‫اللك� ي‬ ‫أ‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونية بتوفر إمكانية الوصول السهل إىل‬ ‫الوىل لمفهوم السحابة إ‬ ‫ف‬ ‫ال�يد‪.‬‬ ‫الرسائل والصور المخزنة ي� صندق ب‬ ‫لكن رسعان ما تطورت الفكرة إىل ما هو أبعد من مجرد التخزين‪ ،‬مع‬ ‫ت‬ ‫ال� وفرت‬ ‫تزايد رسعة تبادل البيانات‪ ،‬وانتشار‬ ‫تقنية (الواي فاي) ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� يمكن من خاللها‬ ‫رسعات عالية‪ ،‬رافقها تطور رسيع ي� الجهزة أي‬ ‫االتصال بالشبكة العنكبوتية كالهواتف الذكية واللواح الكمبيوترية‪.‬‬ ‫توف� مساحات تخزين محدودة ف ي�‬ ‫اتسع المفهوم‪ ،‬من مجرد ي‬ ‫ال�يد إ ت ن‬ ‫و�‪ ،‬ليشمل كل ما يتعلق بالحوسبة وتطبيقاتها‪،‬‬ ‫ب‬ ‫اللك� ي‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونية‪ ،‬واستخدام التطبيقات‬ ‫كالتجارة‬ ‫أخرى‪،‬‬ ‫خدمات‬ ‫وليغطي‬ ‫إ‬ ‫والدارة‪ ،‬والصحافة‪،‬‬ ‫البنوك‪،‬‬ ‫خدمات‬ ‫وال�مجيات‪ ،‬ثم رسعان ما غطى‬ ‫إ‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫اللك�ونية‪..‬‬ ‫بالحكومات‬ ‫عليه‬ ‫اصطلح‬ ‫بما‬ ‫بعد‬ ‫ينته‬ ‫ولم‬ ‫إ‬ ‫ِ ُ‬


‫أقوال في السحاب‬ ‫يبعثرني الشوق حين تغيبين‬ ‫فوق الجبال و تحت البحار‬ ‫ويرسلني في هبوب الرياح‬ ‫وفي عاصفات الغبار‬ ‫ويزرعني في السحاب الثقال وراء المدار‬ ‫غازي القصيبي‪ /‬شاعر سعودي‬

‫ف ي� نهاية عام ‪2006‬م‪ ،‬تذكر الناس مصطلح رامينيث شياليا‪ ،‬عندما‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫تبنت ش�كتا «غوغل» و«‪ »IBM‬فكرة ب‬ ‫ال�مجة عىل مستوى الشبكات‪ ،‬ي‬ ‫ف‬ ‫ال�مجة عىل مستوى «السحابة»‪ .‬ومنحت‬ ‫أطلق عليها ي� حينها عنوان ب‬ ‫الفكرة اسم «غوغل ‪ ،»101‬وتتلخص بربط عدد من الجامعات بشبكة‬ ‫واحدة توفر بيئة عمل متكاملة (برمجيات‪ ،‬تطبيقات‪ ،‬قواعد معلومات‪،‬‬ ‫وإمكانية تخزين هائلة) أطلق عليها ف ي� حينها اسم «سحابة» يستطيع‬ ‫الطلبة والباحثون ف ي� الجامعات المعنية الوصول إليها واستخدام‬ ‫إمكاناتها وما توفره من مساحات تخزين‪ ،‬بدال ً من العمل عىل الحواسيب‬ ‫ن‬ ‫المع� سيكون بإمكان سكان السحابة‬ ‫الشخصية المنفصلة‪ ..‬وبهذا‬ ‫استخدام إمكاناتها بسهولة‪ ،‬والحصول عىل ما توفره من تسهيالت‬ ‫للوصول إىل المعلومات والمصادر والبحوث أ‬ ‫الخرى المتاحة‪.‬‬ ‫السحابة للجميع‬ ‫ً‬ ‫حققت الفكرة نجاحا هائال ً لم يتوقعه أحد‪ .‬ووجدت لها تطبيقات‬ ‫أ‬ ‫كث�ة وأتيحت لعامة الناس‪..‬‬ ‫خارج النطاق الكاديمي‪ ،‬لتشمل حقوال ً ي‬ ‫فأصبح آ‬ ‫ف‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونية‪،‬‬ ‫الن بإمكانك أن تدير حسابك‬ ‫المرص�‪ ،‬وتجارتك إ‬ ‫ي‬ ‫فوات�‬ ‫وتحجز تذاكر السفر‪ ،‬وتنجز المعامالت الحكومية‪ ،‬وتدفع ي‬ ‫الكهرباء والهاتف والبنك‪ ،‬وتكتب النصوص‪ ،‬وتنجز الرسومات‬ ‫والتخطيطات‪ ،‬وتحتفظ بالصور والملفات‪ ،‬أ‬ ‫والبحاث‪ ،‬وتمارس ألعابك‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونية‪ ،‬ف ي� مكان واحد‪ ،‬اسمه السحابة‪ ..‬أما الكمبيوتر نفسه فلم‬ ‫إ‬ ‫ذك‪ ،‬لن تحتاج منه سوى‬ ‫يعد سوى وسيلة اتصال‪ ،‬مثل أي هاتف ي‬ ‫ً‬ ‫بل�نامج التشغيل والمتصفح‪ ،‬وكل ما عدا ذلك أصبح زائدا عىل الحاجة‪.‬‬ ‫ومن المتوقع أن تمتلئ أ‬ ‫السواق قريباً بأجهزة اتصال خفيفة ورخيصة‬ ‫ال تحتوي شيئاً سوى برنامج تشغيل ومتصفح‪ ،‬وسنقول وداعاً للذاكرة‬ ‫ت‬ ‫ال� كنا نفخر بحجمها عىل أجهزة كمبيوتراتنا!‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ال تن�نت واستخداماته ف ي�‬ ‫تحقق كل هذا التطور الرسيع ي� مفهوم إ‬ ‫السنوات ش أ‬ ‫خ�ة‪ ،‬من خالل تطور مجموعة مفاهيم وتطبيقات‬ ‫الع� ال ي‬ ‫جديدة بدأت تفرض نفسها بقوة عىل حياتنا‪ :‬لعل أهمها تطور قنوات‬

‫عندما تكون الالنهاية مستترة هكذا‪،‬‬ ‫يجب أن يكون التحليل متيناً‪،‬‬ ‫هكذا ستكون أغنيتي المجنحة‪،‬‬ ‫تزجي الثناء لمن أطلق أ‬ ‫السماء‬ ‫على الغيوم‪.‬‬ ‫فولفغانغ غوتة‪ /‬شاعر‬ ‫وفيلسوف ألماني‬

‫فألتقي دمعي ‪ ،‬كغيمة تعيد نفسها للبحر‬ ‫المبرقةُ المجلجلةُ‬ ‫ُ‬ ‫أتعلم السحابةُ المرعد ُة ْ‬ ‫ُ‬ ‫سيستحيل غيمةً إليها مقبلةً‬ ‫بأن ماءها‬ ‫َّ‬ ‫بدر شاكر السياب‪ /‬شاعر عراقي‬

‫«السحابة ال تعرف لماذا تتحرك بهذا‬ ‫االتجاه‪ ،‬أو بتلك السرعة‪ ،‬إنها تشعر‬ ‫باالندفاع فحسب‪ ...‬هذا هو المكان‬ ‫المناسب الذي عليها أن تذهب إليه‪ .‬لكن‬ ‫السماء تعرف السبب وتعرف أ‬ ‫النماط التي‬ ‫تشكل كل الغيوم‪ ،‬وأنت ستعرف‪ ،‬أيضاً‪،‬‬ ‫متى عليك أن ترفع نفسك بما يكفي لترى‬ ‫ما وراء آ‬ ‫الفاق»‪.‬‬ ‫ريتشارد باخ‪ /‬كاتب أمريكي‬

‫«إنه يوم جميل جداً‪ .‬المرأة تتلفت وتفكر‪:‬‬ ‫ال يمكن أن يوجد ربيع أجمل من هذا‪ .‬لم‬ ‫أكن أعرف‪ ،‬حتى آ‬ ‫الن‪ ،‬أن الغيوم يمكن أن‬ ‫تكون جميلة هكذا‪ .‬لم أكن أعرف أن السماء‬ ‫هي البحر‪ ،‬وما السحب إال نفوس السفن‬ ‫السعيدة التي غرقت منذ زمن بعيد‪ .‬لم أكن‬ ‫أعرف أن الرياح يمكن أن تكون بهذا العطاء‪،‬‬ ‫مثل أ‬ ‫اليدي التي تبحث عن عناق ‪ -‬فما الذي‬ ‫آ‬ ‫ال أعرفه حتى الن؟»‬ ‫يونيكا زورن‪ /‬كاتبة ورسامة ألمانية‬


‫‪| 104‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫ت‬ ‫ال� يمكن النظر‬ ‫التواصل االجتماعي وانتشارها عىل نطاق واسع‪ ،‬ي‬ ‫إليها بوصفها سحباً ت‬ ‫إلك�ونية مفتوحة لعامة الناس أو سحباً مجتمعية‬ ‫ن‬ ‫الوط� للمقاييس والتكنولوجيا ‪.)NIST‬‬ ‫(حسب توصيف المعهد‬ ‫ي‬ ‫ال تن�نت عمل السحابة‪ ،‬بعمل المحطة الكهربائية‬ ‫خ�اء إ‬ ‫ويشبه أحد ب‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال� توزع الطاقة الكهربائية عىل أحياء وبيوت المدينة‪ .‬فبدال ً من �اء‬ ‫ي‬ ‫الصغ�ة وما يرافقها من تبديد للوقت والجهد‬ ‫المولدات الكهربائية‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫والموال عىل تشغيلها وصيانتها‪ ،‬يمكن الحصول عىل ما نحتاجه من‬ ‫الكب�ة‪ .‬فالكهرباء الموصولة بالبيت مثالً‪ ،‬ال تك ّلف‬ ‫الطاقة من المحطة ي‬ ‫أ‬ ‫شيئاً ما لم تستخدمها ف ي� إنارة المصابيح وتشغيل الجهزة‪ ،‬هكذا هي‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونية تعرض عىل المستخدم كل المصادر المعلوماتية‬ ‫السحابة إ‬ ‫وتوفر له إمكانية استخدامها‪ ،‬من برامج وتطبيقات وأجهزة وإمكانية‬ ‫تخزين يغ� محدودة‪ ،‬ولن تكلف شيئاً ما لم تستخدم‪ ..‬ش‬ ‫ف�اء برامج‬ ‫أوفيس وفوتوشوب وكوريل عىل سبيل المثال‪ ،‬وتنصيبها عىل جهاز‬ ‫عد عملية مكلفة جداً‪ .‬إذ عليك تنصيبها وتحديثها‪،‬‬ ‫الكمبيوتر خاصتك يُ ّ‬ ‫واستبدالها إذا ما تعرضت للتلف‪ .‬لكن إذا أتيح لك استخدام هذه‬ ‫بكث�‪..‬‬ ‫ال�امج من السحابة‪ ،‬ستكون التكلفة أقل ي‬ ‫ب‬ ‫ٌ‬ ‫مثال آخر عىل قوة عمل السحابة‪ :‬محرك البحث غوغل‪ ..‬هذا الموقع‬ ‫ليس مخزناً للمعلومات‪ ،‬بقدر ما هو باحث عنها‪ .‬إنه المسبار الذي‬ ‫المتن�‬ ‫يقودك إىل ما تريد معرفته‪ ،‬فلو أردت أن تقرأ ديوان ب ي‬

‫مثالً‪ ،‬فإن غوغل سيأخذك إىل موقع آخر ف ي� مكان آخر‪ ،‬كأن يكون موقعاً‬ ‫لمكتبة أو موقعاً أدبياً يضم‬ ‫المتن� وقصائده‪ ،‬ويضعها أمام‬ ‫ديوان ب ي‬ ‫ف‬ ‫عينيك‪ ،‬بدال ً من أن تبدد أموالك ي� ش�اء كتب‪ ..‬أو أقراص مدمجة تضم‬ ‫قصائد الشاعر‪..‬‬ ‫ت‬ ‫ال� ترى أن‬ ‫ويب� مفهوم السحابة إذاً‪،‬‬ ‫ش ِّ‬ ‫بإلغاء الفكرة الشائعة ي‬ ‫أ‬ ‫حوله مفهوم الحوسبة‬ ‫الكمبيوتر‬ ‫الشخص أداة إلنجاز العمال‪ .‬لقد ّ‬ ‫ي‬ ‫السحابية إىل مجرد أداة للوصول إىل المعلومات والتواصل مع‬ ‫آ‬ ‫الذك‪.‬‬ ‫الخرين‪ ،‬وبذا أصبح مساوياً من حيث الوظيفة للهاتف ي‬ ‫قوة الخوف‬ ‫ن‬ ‫المستخدم� دائماً‪ ،‬ما هي حدود‬ ‫لكن السؤال الذي ظل يقلق بال‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫المان ف ي� السحابة؟ من يضمن عدم تعرض المعلومات الخاصة‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫يع�‬ ‫بال�كات أو الفراد إىل العبث والضياع‪ ،‬وح� الرسقة؟ أال ي‬ ‫ش‬ ‫�ء‪..‬؟‬ ‫فقدانها أو التالعب فيها نهاية كل ي‬ ‫ين‬ ‫المتحمس� للسحابة يرد‪ :‬أيهما أفضل‪ ،‬أن تخزن أموالك ف ي� بيتك‬ ‫أحد‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫نز‬ ‫أم تضعها ي� البنك‪ ،‬فاحتمال تلفها وضياعها أو رسقتها ي� الم�ل‬ ‫ث‬ ‫محمي وآمن مثل البنك‪ ،‬حيث يمكنك‬ ‫بكث� من وجودها ف ي� مكان‬ ‫أك� ي‬ ‫ٍّ‬ ‫أن تترصف بها بسهولة‪ ...‬بهذا المنطق يرد المدافعون عن الحوسبة‬ ‫كب�‬ ‫كب�‪ .‬لكن ديفيد غاليزر ي‬ ‫السحابية‪ ،‬وهو منطق صحيح إىل حد ي‬ ‫ت‬ ‫ين ف ش‬ ‫ال� أسهمت بتعميم مفهوم الحوسبة‬ ‫المهندس� ي� �كة غوغل ي‬ ‫أك� ش‬ ‫ال�كات المصنعة للسحب‪ ،‬يؤكد «إن أي‬ ‫السحابية‪ ،‬وإحدى ب‬ ‫ف‬ ‫الخ�‬ ‫شكل من أشكال تقاسم المعلومات يمكن أن يستخدم ي� ي‬ ‫ش‬ ‫وال�‪ ،‬حسب طبيعة المستخدم وميوله وأهوائه»‪ ..‬ويطالب غاليزر‬ ‫أ‬ ‫«ب�ض ورة بث الوعي حول المفاهيم الساسية المتصلة بطرق مشاركة‬ ‫المعلومات بع� الشبكة الدولية»‪ ،‬ويضيف‪« :‬غوغل‪ ،‬تُخ ّزن المعلومات‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫لتال� ضياعها»‪.‬‬ ‫ي� أماكن ي‬ ‫كث�ة ي� وقت واحد ي‬ ‫فالمؤكد أن فرص ضياع البيانات وتعرضها للخطر عن طريق‬ ‫الشخص تبقى عالية جداً‪ ،‬بالمقارنة‬ ‫الفايروسات والهكرز ف ي� الكمبيوتر‬ ‫ي‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونية‪ ..‬بل أصبح من المخاطرة أن تكتفي اليوم‬ ‫مع السحابة إ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫الشخص‪ ،‬أو ح� عىل وسائط حفظ‬ ‫بحفظ البيانات ي� جهاز الكمبيوتر‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ز‬ ‫الل�رية عىل الرجح لن تختفي‪،‬‬ ‫خارجية فقط‪ ...‬فوسائط مثل القراص ي‬ ‫تتغ� أشكالها وأدوراها وأنماط استخدامها‪،‬‬ ‫ولكن من المتوقع أن ي ّ‬ ‫ف‬ ‫خاصة أن تكلفة وسائل التخزين ي� انخفاض مستمر‪ .‬وسيكون من‬ ‫المنطقي أن تظهر وسائل لتخزين المعلومات يمكننا الوصول إليها‬ ‫برسعة وسهولة ت ف‬ ‫بال تن�نت‪ ..‬إنها يوتوبيا‬ ‫ح� ي� حالة فقدان االتصال إ‬ ‫ش‬ ‫والع�ين‪.‬‬ ‫القرن الواحد‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫دليل المعلِّمين لمحتوى القافلة‬ ‫‪27 | 26‬‬

‫علوم‬

‫تجربة هولندية‬ ‫رائدة في‬ ‫تطوير التعليم‬

‫ً‬ ‫ضربا من‬ ‫لوهلة‪ ،‬قد يبدو العنوان أدناه‬ ‫ضروب الخيال العلمي‪ .‬ولكن تطور اآلالت‬ ‫الذكية والبرامج الحاسوبية التي باتت «قادرة‬ ‫على التصرف»‪ ،‬وليست السيارات الذكية‬ ‫من دون سائق إال بعضها‪ ،‬بات يحتم تحديد‬ ‫المسؤوليات في حال أساءت هذه اآلالت‬ ‫التصرف‪ .‬فظهرت طالئع البحث القانوني‬ ‫في ما لهذه الروبوتات من حقوق وما عليها‬ ‫من مسؤوليات‪ ،‬لمواجهة ما قد تتسبب‬ ‫به من قضايا خالفية حول أدائها‬ ‫ومسؤولياتها‪.‬‬

‫أسامة أمين‬

‫فهد الحازمي‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫عن حقوق‬ ‫نتحدث‬ ‫الروبوت‬ ‫َّ‬

‫تجرب‬ ‫ة هولندية في‬ ‫التعليم‬ ‫التالميذ مع المدرِّبة في حصة‬ ‫ا‬ ‫لرياضيات‪ ،‬لمن تهمه الرياضيات‪...‬‬

‫يستعرض هذا اال‬ ‫حديثة في ه ستطالع تجربة تعليمية‬ ‫أساليب ا ولندا تختلف تماماً عن‬ ‫لتع‬ ‫أن تشكل ليم التقليدية‪ ،‬ويمكنها‬ ‫منط‬ ‫لقاً للحوار بين المعلم‬ ‫والتلميذ حول‬ ‫يتمنى تغيي ما يحبه في مدرسته وما‬ ‫ره‪.‬‬

‫هحقوق آالروبوت‬

‫ل للرجل الل‬ ‫كما هو الحا ي حقوق وعليه واجبات‬ ‫ل بالن‬ ‫ما يجيب عنه ا سبة إلى ا إلنسان؟‪ .‬هذا‬ ‫لبح‬ ‫ث المنشور في القسم‬ ‫العلمي‪.‬‬

‫حياتنا اليوم‬

‫د‪ .‬عبدالواحد نصر المشيخص‬

‫السمنة‬ ‫المفرطة‬

‫آخر العالج‪..‬مبضع الجرّ اح‬

‫الس‬ ‫مخا منة المفرطة‬ ‫طر السمنة المفرطة وع‬

‫الجاتها‬ ‫الجراحية‪ ،‬بحث ف‬ ‫يمكن استخدامه ي قسم الحياة اليومية‪.‬‬ ‫لإظهار أهمية الحمية‬ ‫والتغذية السلي‬ ‫بإحراج التالمي مة بحذر‪ ،‬كي ال يتسبب‬ ‫ذ الذي‬ ‫أو بالضغط عليه ن يعانون من السمنة‪،‬‬ ‫م‪.‬‬

‫بين الغيمة‬ ‫والحياة أكثر من‬ ‫ع‬ ‫القة‪ ،‬تبدأ بقطرة‬ ‫مطر‪ ،‬وال يعرف‬ ‫أحد أين تنت‬ ‫هي‪ ...،‬تعددت أسماء‬ ‫الغيمة‪ ،‬وتنوعت‬ ‫ص‬ ‫فاتها‬ ‫وت‬ ‫باينت‬ ‫مظاهرها‪،‬‬ ‫فهي تارة لوحة في‬ ‫قصيدة شاعر ج‬ ‫اهلي يرصد من‬ ‫خاللها معنى ل‬ ‫حياته المحاصرة‬ ‫بمتاهات الليل وا‬ ‫لرمل والعطش‪،‬‬ ‫وتارة أخرى‬ ‫سحابة‬ ‫إلكت‬ ‫رونية تأخذ‬ ‫أبناء هذا العصر‬ ‫الم‬ ‫تفلت‬ ‫ال‬ ‫سريع‬ ‫إلى المست‬ ‫قبل‪ ..،‬تشد أوصاله‬ ‫المبعثرة‪ ،‬وت‬ ‫سهل‬ ‫حياة‬ ‫أ‬ ‫بنائه‪،‬‬ ‫وتح‬ ‫تضن أسرارهم‪.‬‬ ‫رصدها مفسرو‬ ‫األحالم‬ ‫وهي‬ ‫ت‬ ‫طوف‬ ‫وترعد وتمطر‬ ‫في أحالم الناس‪،‬‬ ‫ورسمها الفنانون‬ ‫في لوح‬ ‫اتهم‪،‬‬ ‫ج‬ ‫علوها‬ ‫تفكر بنا‪،‬‬ ‫وتحرضنا نحن‬ ‫على التفكير بها‪..‬‬ ‫تولع بها‬ ‫ابن آدم‪ ،‬يطاردها‪،‬‬ ‫ويستم‬ ‫طرها ويستحضرها‪..‬‬ ‫ظاهرة الغيمة‬ ‫تبدأ‬ ‫ب‬ ‫قطرة مطر‪ ،‬وال‬ ‫تنتهي إال‬ ‫ببحرٍ‬ ‫شاسع‬ ‫ٍ من مفاهيم‬ ‫وأفكار‬ ‫وثقا‬ ‫فات‪..‬‬ ‫ف‬ ‫سماء ال تزورها‬ ‫الغيوم‪ ،‬ال ّ‬ ‫يعول‬ ‫عليها‪ ..‬وحياة ال‬ ‫ِّ‬ ‫تلونها سحابة م‬ ‫نذورة للعطش‪.‬‬ ‫في‬ ‫هذا‬ ‫ال‬ ‫ملف‬ ‫قراءة ثقافية بقلم‬ ‫يحيى البطاط‬ ‫لتجليات الغيمة‬ ‫وآف‬ ‫اقها‪،‬‬ ‫وما‬ ‫يقطر من فضائها‬ ‫الرحب‪.‬‬

‫الملف‪:‬‬

‫الغيمة‬

‫ال خالف بين الباحثين على أن السمنة‬ ‫المفرطة مرض يحتاج إلى عالج‪ ،‬مثله‬ ‫مثل األمراض المزمنة والقاتلة كاألورام‪.‬‬ ‫وقد تضخم انتشار السمنة خالل السنوات‬ ‫األخيرة في دول كثيرة من العالم‪ ،‬خاصة‬ ‫تلك التي تنعم برخاء اقتصادي أكثر من‬ ‫غيرها‪ ،‬حتى أصبح قضية مؤرقة للحكومات‬ ‫ً‬ ‫نظرا لنتائجها الكارثية على الحياة‬ ‫االجتماعية وحتى على االقتصادات الوطنية‪.‬‬ ‫وألن العالج عن طريق الحمية الغذائية‬ ‫يستعصي على كثيرين من المصابين بهذا‬ ‫المرض‪ ،‬بات مبضع الجرّ اح هو المالذ‬ ‫األخير لهؤالء‪ .‬فكيف تقاس السمنة؟ ومتى‬ ‫تستدعي اللجوء إلى الجراحة؟ وما هي أنواع‬ ‫الجراحات المتوافرة للتخلص منها؟‬

‫الغيمة‬

‫الغيوم والس‬ ‫هذا العد حب هي موضوع ملف‬ ‫د‪ ،‬ب ً‬ ‫استعارتها ف دءا بطبيعتها وصوال ً إلى‬ ‫يا‬ ‫بحضورها ود لتخزين ا إللكتروني‪ ،‬مروراً‬ ‫الالتها في الشعر والفن‪.‬‬

‫حياتنا اليوم‬

‫هذه الصفحة هي للتفاعل مع قطاع المعلِّمين والمعلِّمات ومساعدتهم على‬ ‫تلخيص أبرز موضوعات القافلة في إصدارها الجديد‪ ،‬وتقريبها إلى مفهوم وأذهان‬ ‫الفئات العمرية المختلفة للطالب والطالبات‪.‬‬

‫أطا‬ ‫حت بالمنهج التقليدي‬ ‫ِّ‬ ‫ومهمات المعلم والتلميذ‬

‫وسط الم‬ ‫راجعات المختلفة التي تتناول‬ ‫التعليم التقليدي‬ ‫ومناهجه بغية تطويره‬ ‫ليواكب احتياجات‬ ‫العصر‪ ،‬تبرز تجربة هولندية‬ ‫فريدة من‬ ‫نوعها‪،‬‬ ‫تحررت بشكل شبه كامل‪،‬‬ ‫ليس فقط‬ ‫ً‬ ‫من المنهاج التقليدي‪ ،‬بل‬ ‫أيضا من‬ ‫ِّ‬ ‫الدور التقليدي‬ ‫للمعل‬ ‫م‪ ،‬والواجبات التقليدية‬ ‫التي كانت مطلوبة من‬ ‫التلميذ‪ .‬وخالل سنوات‬ ‫ثالث فقط على‬ ‫تأسيس المدرسة النموذجية‬ ‫األولى‪ ،‬تكاثرت ال‬ ‫مدارس المشابهة‪ ،‬فوصل‬ ‫عددها إلى ‪40‬‬ ‫مدرسة يؤمها ‪ 8000‬تلميذ‪.‬‬ ‫وأكثر من ذلك‪ ،‬بدأت‬ ‫هذه التجربة تثير اهتمام‬ ‫الدوائر التربوية خارج هولندا‪.‬‬


Saudi Aramco website

Qafilah website

Al-Qafilah Bi-Monthly Cultural Magazine A Saudi Aramco Publication Seotember - October 2016 Volume 65 - Issue 5 P. O. Box 1389 Dhahran 31311 Kingdom of Saudi Arabia www.saudiaramco.com


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.