Qafilah may june 2015

Page 1

‫مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين ‪ .‬العدد ‪ . 3‬مجلد ‪ . 64‬مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫حياتنا اليوم‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫إن�نت «الشياء»‬

‫الورشة‪ :‬العالمة التجارية ف ي�‬ ‫يز‬ ‫م�ان النجاح‬ ‫ال تن�نت‪ ..‬عدواً للبيئة‬ ‫طاقة‪ :‬إ‬ ‫ع� وعدسة‪ :‬حي البج�ي �ف‬ ‫ين‬ ‫ي ي‬ ‫الدرعية التاريخية‬ ‫اللغة العربية ي ن‬ ‫بع� أسكتلندية‬ ‫الملف‪ :‬الخريطة‬


‫مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين‬

‫العدد ‪ . 3‬مجلد ‪64‬‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫الناشر‬ ‫شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو السعودية)‪،‬‬ ‫الظهران‬ ‫رئيس الشركة‪ ،‬كبير إدارييها التنفيذيين المكلَّف‬ ‫أمين بن حسن الناصر‬

‫ت‬ ‫للمش� ي ن‬ ‫توزع مجاناً‬ ‫ك�‬ ‫• العنوان‪ :‬أرامكو السعودية‬ ‫ص‪.‬ب ‪ 1389‬الظهران ‪31311‬‬ ‫المملكة العربية السعودية‬

‫نائب الرئيس لشؤون أرامكو السعودية‬ ‫ناصر بن عبدالرزاق النفيسي‬

‫ال�يد إ ت ن‬ ‫و�‪:‬‬ ‫• ب‬ ‫اللك� ي‬ ‫‪alqafilah@aramco.com.sa‬‬

‫مدير عام دائرة الشؤون العامة‬ ‫عصام زين العابدين توفيق‬

‫• الموقع إ ت ن‬ ‫و�‪:‬‬ ‫اللك� ي‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬ ‫• الهواتف‪:‬‬ ‫ فريق التحرير‪+966 13 876 0175 :‬‬ ‫ت‬ ‫االش�اكات‪+966 13 876 0477 :‬‬ ‫فاكس‪+966 13 876 0303 :‬‬

‫رئيس التحرير‬ ‫محمد الدميني‬ ‫تصميم وتحرير‬

‫‪www.mohtaraf.com‬‬

‫صورة الغالف‬ ‫الغالف | في الماضي القريب لم يكن‬ ‫العالم مترابطاً إلى هذا الحد‪ ،‬فالتطورات‬ ‫التقنية أدخلت تغييرات عديدة على‬ ‫حياتنا اليومية‪ .‬ومع انتشار أ‬ ‫الجهزة الذكية‬ ‫وشبكات التواصل االجتماعي أصبح‬ ‫لدى كل منا عالمان‪ ،‬عالم واقعي وآخر‬ ‫افتراضي مبني على تقنيات االتصاالت‬ ‫والمعلومات‪ ،‬وقد يتساءل البعض عن‬ ‫مستقبل عالمنا االفتراضي‪ ،‬ويجيبهم‬ ‫الخبراء بـ «إنترنت أ‬ ‫الشياء»‪.‬‬

‫طباعة‬ ‫شركة مطابع التريكي‬ ‫‪www.altraiki.com‬‬ ‫ردمد ‪ISSN 1319-0547‬‬ ‫• جميع المراسالت باسم رئيس التحرير‪.‬‬ ‫يعبر بالضرورة عن رأيها‪.‬‬ ‫• ما ينشر فـي القافلة ال ِّ‬ ‫• ال يجوز إعادة نشر أي من موضوعات أو صور‬ ‫«القافلة» إال بإذن خطي من إدارة التحرير‪.‬‬ ‫• ال تقبل «القافلة» إال أصول الموضوعات التي لم يسبق‬ ‫نشرها‪.‬‬


‫محتوى العدد‬

‫ً‬ ‫معا‬ ‫الرحلة‬ ‫من رئيس التحرير ‬ ‫القراء ‬ ‫مع َّ‬ ‫أكثر من رسالة ‬

‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪6‬‬

‫المحطة األولى‬ ‫ورشة عمل‪ :‬صناعة العالمة التجارية‪..‬‬ ‫«براندينغ» ‬ ‫بداية كالم‪ :‬ما رأيك بالتلفزيون في رمضان؟ ‬ ‫كتب ‬ ‫قول في مقال‪ :‬بين «التعليم» و«التربية‬ ‫والتعليم» ‬

‫‪7‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪20‬‬

‫علوم وطاقة‬ ‫علوم‪ :‬استعمار المريخ يبدأ من هنا ‬ ‫كيف تعمل؟‪ :‬الوسادة الهوائية ‬ ‫‪ 10‬أشياء ستختفي من حياتنا ‬ ‫العلم خيال‪ :‬نوم طويل طويل ‬ ‫الرمز «غاما» ‬ ‫الشباك الشمسي ‬ ‫منتج‪ّ :‬‬ ‫النترنت‪ ..‬عدواً للبيئة! ‬ ‫طاقة‪ :‬إ‬ ‫مسبار على سطح مذنب ‬ ‫من المختبر ‬ ‫االسم المعياري‪ :‬واط ‬ ‫ماذا لو‪ :‬ماذا لو لم يكن أ‬ ‫للرض قمر؟ ‬

‫‪21‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪31‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪40‬‬

‫حياتنا اليوم‬ ‫إنترنت أ‬ ‫الشياء ‬ ‫هل عادت أ‬ ‫الم إلى بيتها؟ ‬

‫ثورة القرن الحادي والعشري ن‬ ‫تخصص جديد‪ :‬تصميم التطبيقات ‬ ‫عين وعدسة‪ :‬حي البجيري في الدرعية‬ ‫التاريخية ‬ ‫فكرة‪ :‬ثالجة الزير ‬

‫‪53‬‬ ‫‪58‬‬

‫أدب وفنون‬ ‫أدب‪ :‬اللغة العربية بعين أسكتلندية جديد ة ‪59‬‬ ‫‪63‬‬ ‫النشر الذاتي‪ ..‬‬ ‫ش ‪66‬‬ ‫فنان ومكان‪ :‬حديقة ماجوريل في مراك ‬ ‫أقول شعراً‪ :‬عمر شبانة‪:‬‬ ‫‪68‬‬ ‫أصيلة تعانق حلم الفلسطيني ‬ ‫ذاكرة القافلة‪ :‬جدة‪ ..‬مدينة التجارة والصناعة ‪70‬‬ ‫لغويات‪ :‬العربية لغة الضاد ال لغة الحاء ‪72‬‬ ‫‪73‬‬ ‫فرشاة وإزميل‪ :‬محمد الثقفي‪ ..‬‬ ‫أ‬ ‫لجبور الدويهي ‪78‬‬ ‫بيت الرواية‪ :‬حي الميركان ُّ‬ ‫رأي أدبي‪ :‬الجهود الفردية لمترجمين عرب ‪80‬‬ ‫التقرير‬ ‫الطاقة النووية‪ :‬من «حلم في ضوء القمر»‬ ‫‪81‬‬ ‫إلى كارثة فوكوشيما ‬ ‫الملف‬ ‫الخريطة ‬

‫‪@QafilahMagazine‬‬

‫‪41‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪49‬‬ ‫‪52‬‬

‫‪89‬‬


‫‪3|2‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫القافلة أونالين‬

‫—‪www.qafilah.com‬‬

‫تصفّح القافلة أونالين بح َّلة جديدة وموضوعات‬ ‫موسعة تشمل أ‬ ‫الفالم الوثائقية والمقابالت المسجلة‬ ‫ّ‬ ‫والشعر بالصوت والصورة‪.‬‬

‫ورشة عمل | مواكبة لتعاظم الوعي‬ ‫المميزة على‬ ‫بأهمية العالمة التجارية ِّ‬ ‫مستوى نجاح أي منتج أو مؤسسة أو‬ ‫خدمة‪ ،‬نظَّمت «القافلة» ورشة عمل‬ ‫في جدة حول هذه الصناعة الحديثة‪،‬‬ ‫المعروفة عالمياً باسم «براندينغ»‪.‬‬

‫فرشاة وإزميل | حين اقتربنا من مدخل‬ ‫محترف الفنان التشكيلي السعودي محمد‬ ‫حيانا من حيث كان يقف على‬ ‫الثقفي‪ّ ،‬‬ ‫سطح المبنى‪ .‬وكانت الكتل الصخرية‬ ‫الكبيرة عند المدخل الفتة للنظر‪ .‬هذه‬ ‫الصخور جلبها إلى خارج محترفه كي‬ ‫يحولها إلى منحوتات بعدما يُعمل فيها‬ ‫ّ‬ ‫موهبته الفذّ ة ثم أدواته الحادة‪ ،‬فيزيل‬ ‫عنها صممها لتتكلم مع الناظر إليها‪،‬‬ ‫وتقول ما في قلب الفنان من أفكار‪.‬‬

‫ع� وعدسة | حتى أ‬ ‫ين‬ ‫المس القريب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫لم يكن اسم البجيري يعني كثيرا لغير‬ ‫المطلعين جيداً على تاريخ المملكة‪ .‬أما‬ ‫اليوم‪ ،‬وبعد اكتمال تطوير هذا الحي‪،‬‬ ‫الضافات‬ ‫فقد أصبح اسمه واحداً من أبرز إ‬ ‫العمرانية الحديثة إلى منطقة الرياض‪.‬‬

‫حياة يومية | خالل النصف الثاني من‬ ‫القرن العشرين‪ ،‬راجت في الغرب‬ ‫وتصور‬ ‫مفاهيم تحفِّز المرأة على العمل‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫عملها كربَّة بيت عمال ً وضيعاً أقل شأناً‬ ‫من العمل المدفوع خارج المنزل‪ .‬غير‬ ‫أن ما تكشفت عنه الدراسات لنتائج هذه‬ ‫التحوالت االجتماعية‪ ،‬بدأ بقلب هذا‬ ‫المسار إلى االتجاه المعاكس‪ ،‬وتحديداً‬ ‫في صفوف أمهات أ‬ ‫الطفال‪.‬‬

‫أدب | «لماذا على العالم أن يقرأ الشعر‬ ‫العربي الكالسيكي»‪ ،‬هو عنوان محاضرة‬ ‫ألقاها في جامعة اليدن البروفيسور‬ ‫جيمس مونتغومري‪ ،‬أ‬ ‫الستاذ في جامعة‬ ‫كامبردج‪ ،‬بدعوة مشتركة من الجامعة‬ ‫الهولندية الشهيرة وأرامكو فيما وراء‬ ‫البحار‪.‬‬

‫الملف | ما بين الخرائط أ‬ ‫الولى التي رسمها‬ ‫النسان القديم على الصخور والحجارة‪،‬‬ ‫إ‬ ‫اللكترونية التي نحملها اليوم‬ ‫والخرائط إ‬ ‫الجوالة‪ ،‬ثمة ما هو مشترك‪.‬‬ ‫على الهواتف َّ‬ ‫إنها لغة تتجاوز حواجز اللغات المختلفة‪.‬‬ ‫في هذا الملف نكتشف عالم الخريطة‬ ‫التي كانت وال تزال وسيلتنا إلى اكتشاف‬ ‫العالم‪.‬‬


‫تحية وبعد‬

‫كلمة «تواصل» هي إحدى المفردات السحرية ف ي� حياتنا‪ ،‬وإذا‬ ‫الما� لك نوطّد أوارص القرابة أ‬ ‫كنا نتواصل ف� الزمن ض‬ ‫والخوة‬ ‫ي ي‬ ‫ي‬ ‫والوجود‪ ،‬فإننا نقفز بمفهوم التواصل اليوم‪ ،‬خاصة بع�‬ ‫المنصات الرقمية‪ ،‬إىل أفق آخر‪ ،‬ال نتواصل من خالله فقط‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الدوات أ‬ ‫ونكتشف الفرص‪ ،‬ونعقد الصفقات‪ ،‬ونتبادل أ‬ ‫والشياء‬ ‫بل نتعلَّم ونتعرف‪،‬‬ ‫أ‬ ‫َّ أ‬ ‫ّ‬ ‫كث�اً ونؤثر فيها أحياناً‪.‬‬ ‫ونطل عىل ثقافات المم الخرى‪ ،‬نتأثر بها ي‬ ‫�ض‬ ‫ً‬ ‫هكذا ال يصبح التواصل ترفا أو خياراً‪ ،‬بل حاجة و ورة‪ ،‬ومهما كانت مهارات‬ ‫ين‬ ‫الغائب� عن قنوات التواصل االجتماعي‪ ،‬ومؤهالتهم المعرفية‬ ‫أو قدرات أولئك‬ ‫والحياتية‪ ،‬فإنها ال تشفع لهم أمام جيل طالع تكاد تلك الوسائل تكون مالذه‬ ‫وجرسه نحو العالم الصاخب أ‬ ‫بالحداث والقصص واالكتشافات‪.‬‬ ‫هذه أ‬ ‫يوم� وأنا ض‬ ‫الفكار والخياالت كانت تدور ف� رأس طيلة ي ن‬ ‫أح� فعاليات منتدى‬ ‫ي ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫الخ�‪،‬‬ ‫«التواصل ي� العرص الرقمي» الذي نظَّمته أرامكو السعودية‪ ،‬مؤخراً‪ ،‬ي� ب‬ ‫وألقى فيه باحثون مرموقون خالصة أبحاثهم الجديدة‪ ،‬ضمن حضور كثيف واظب‬ ‫عىل الحضور وطرح المداخالت‪.‬‬ ‫ف� ساحة هذا الخضم إ ت ن‬ ‫كب� نحو استهالك منتجات‬ ‫و�‪ ،‬هناك تدافع ي‬ ‫اللك� ي‬ ‫ي‬ ‫ال تن�نت واستخدام شبكاتها وقنوات تواصلها بع� الكلمة والصورة‪ ،‬وهناك ابتهاج‬ ‫إ‬ ‫كامل بما تتيحه تلك الشبكات من معارف وعلوم كانت حكراً عىل أمم دون أخرى‪.‬‬ ‫تحد وال‬ ‫فكل الخدمات أصبحت عىل مرمى أصبع‪ ،‬والخيارات أمامنا واسعة ال ّ‬ ‫يسيطر عليها أحد‪ .‬وأصبح اختصار الجهد والمال والوقت أحد عالمات هذا‬ ‫إن�نت أ‬ ‫«ال تن� تن�»‪ ،‬بل إننا أمام ظواهر جديدة‪ ،‬مثل‪ :‬ت‬ ‫الشياء‪ ،‬حيث يمكن‬ ‫الزمن إ ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫للمواد والمنتجات والجهزة أن تعمل وأن تتلقى الوامر من بعضها خارج سلطة‬ ‫النسان التقليدية‪.‬‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫ع� عن قلق كامن أيضاً‪ ،‬يخترص ي� هيمنة شاملة‬ ‫لكن بعض أوراق هذا المنتدى ب َّ‬ ‫لهذه الوسائل عىل حياتنا‪ ،‬ووقتنا‪ ،‬وعقولنا‪ ،‬وأنفسنا‪ ،‬بل ونومنا ومزاجنا وعالقاتنا‬ ‫ف‬ ‫العالن العالمي لحقوق‬ ‫و� فقدان الخصوصية الفردية‪ ،‬إىل درجة أن إ‬ ‫إ‬ ‫النسانية‪ ،‬ي‬ ‫تعرض أي شخص عىل نحو تعسفي أو‬ ‫إ‬ ‫النسان الذي ينص عىل عدم جواز ُّ‬ ‫يغ� ن‬ ‫قانو� للتدخل ف ي� خصوصياته أو شؤون أرسته أو مسكنه أو ألي حمالت‬ ‫ي‬ ‫يغ� قانونية تمس ش�فه أو سمعته‪ ،‬يتعذَّ ر تطبيقه ف ي� زمن الثورات المعلوماتية‬ ‫المتتالية‪.‬‬ ‫إننا إذاً نعوم أو نغرق ف� محيط هائل من المعلومات ت‬ ‫ال� تذكيها وسائل التواصل‬ ‫ي‬ ‫آي‬ ‫الن ث‬ ‫أك� من ‪ %60‬من‬ ‫ال تن�نت ف ي� المملكة يتجاوزون‬ ‫االجتماعي‪ ،‬فمستخدمو إ‬ ‫أ‬ ‫ال تن�نت مصدراً للمعرفة‪ ،‬فيما يعد ‪%50‬‬ ‫سكانها‪ ،‬كما أن ‪ %54‬من الطفال يعدون إ‬ ‫منهم أ‬ ‫اللعاب إ ت‬ ‫الذك عالمياً هو سيد‬ ‫اللك�ونية رابطتهم المعرفية‪ ،‬وأصبح الهاتف ي‬ ‫الدخول إىل الشبكات بنسبة تصل إىل ‪ %80‬هذا العام‪ ،‬وهي نسبة مرشحة للنمو‪.‬‬ ‫وكل هذا يش� بجالء إىل أن أ‬ ‫الجيال الجديدة شارفت عىل قطيعة كاملة مع وسائل‬ ‫ي‬ ‫التعلم والمعرفة التقليدية‪.‬‬ ‫ين‬ ‫هناك ظاهرة الفتة‪ ،‬طرحها المنتدى‪ ،‬وهي أننا نشهد حياة وموتاً‬ ‫رسيع� لعمر‬ ‫المس‪ ،‬بل بما يحدث آ‬ ‫المعلومات‪ ،‬فال أحد يفكر بما حدث ف� أ‬ ‫الن أو بعد برهة‬ ‫ي‬ ‫من الزمن‪ ،‬لذا يتحدث مختصون عن موت للتاريخ بأحداثه ودروسه أمام ش�اهة‬ ‫الشبك لم يعد يعنيه مصدر‬ ‫استهالكية لكل معلومة أو واقعة آنية‪ ،‬فالمستخدم‬ ‫ي‬ ‫الذك‪ ،‬وال يدقق ف ي� مدى صحتها‪ ،‬فقيمتها بالنسبة له تكمن‬ ‫فالمعلومة عىل هاتفه ي‬ ‫يث� الدهشة هو أن هذه الحقائق‬ ‫ي� كونها أجابت عن سؤاله اللحظي أم ال‪ .‬وما ي‬ ‫تطلق ليسلّم بها الجميع وليس كمعضلة تتطلب النقاش ت‬ ‫واق�اح الحلول‪.‬‬ ‫عىل الرغم مما يشيعه الحقل الرقمي من آمال عريضة بالتشارك ف ي� المعرفة‬ ‫وصناعتها وقدرتها الخارقة عىل اجتياز كل نقاط العبور‪ ،‬فإن المخاوف قائمة أيضاً‪،‬‬ ‫النسان وحرياته وأعمق أرساره ومعلوماته‪ ،‬وبعضها يؤثر‬ ‫يهدد خصوصية إ‬ ‫بعضها ِّ‬ ‫أ‬ ‫ف� أمن أ‬ ‫ت‬ ‫الوطان ومكتسباتها‪ .‬وهناك ال�ويج لشكال التعصب والعنرصية والعنف‪،‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫بالدمان‬ ‫وتحطيم منظومات القيم والخالق ي� المجتمعات‪ ،‬وبعضها يتصل إ‬ ‫الشبك آ‬ ‫والثار الصحية السلبية‪ .‬وهي ظواهر ت‬ ‫اق� َح أحد المحا�ض ين محاربتها‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫ش‬ ‫القوان� الصارمة واللوائح الملزمة لمواجهة‬ ‫لكن� أعتقد أن شت�يع‬ ‫بميثاق �ف‪ ،‬ي‬ ‫هذه الظواهر هو ما سيخفض من آثارها السلبية‪ ،‬خاصة وأن حقل الجرائم‬ ‫ال�كات أ‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونية ف ي� حق ش‬ ‫والفراد آخذٌ ف ي� االتساع‪.‬‬ ‫إ‬

‫الرحلة معاً‬ ‫ِمن رئيس التحرير‬

‫في قلب‬ ‫العصر الرقمي‬


‫‪5|4‬‬

‫مع القرَّ اء‬ ‫تحية وبعد‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫ورشة عمل‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2015‬‬

‫«نظرية األلعاب» هو اسم واحدة من أحدث النظريات الهادفة إلى‬ ‫تطوير التفكير االستراتيجي في عالم األعمال انطالقاً مما تتكشف‬ ‫عنه األلعاب من عناصر وعوامل تقود إما إلى الفوز وإما إلى الخسارة‪.‬‬ ‫وعلى مدى يومين‪ّ ،‬‬ ‫نظمت القافلة ورشة عمل حول هذه النظرية‬ ‫نمور وشارك فيها ‪ 15‬شخصاً‬ ‫الجديدة‪ ،‬أدارها المهندس دانيال ّ‬ ‫تعددت اختصاصاتهم ونشاطاتهم الوظيفية واالقتصادية‪.‬‬

‫تغطية نبيل الخشن‬ ‫تصوير هادي جبيلي‬

‫أدب‪ :‬العالقة الشائكة ي ن‬ ‫ب�‬ ‫الكاتب والمحرر‬

‫الملف‬ ‫الحياة الفطرية‬

‫| يناير ‪ -‬فبراير ‪2015‬‬

‫‪7|6‬‬

‫ورشة عمل استراتيجية ّ‬ ‫اللعب‬

‫الورشة‬

‫خطط الحروب‬ ‫أ‬ ‫والعمال‬

‫ومن بابل في العراق‪ ،‬كتب صباح محسن جاسم‬ ‫قائال ً إنه تسلَّم عدد يناير ‪ -‬فبراير ‪ ،2015‬و«كان‬ ‫حافال ً بمواده الثقافية والعلمية مضموناً وإخراجاً‪..‬‬

‫أ‬ ‫عبروا عن عواطفهم‬ ‫ونحن مع شكرنا للخوة الذين َّ‬ ‫هذه تجاه المجلة‪ ،‬نعدهم بأننا سنبقى نعمل كل‬ ‫ما بوسعنا لكي نبقى عند ُحسن ظنهم‪.‬‬ ‫وأثارت أميمة دخان من جدة‪ ،‬قضية االستماع‬ ‫إلى الراديو بقولها‪:‬‬ ‫«استوقفني في قسم‬ ‫اإلذاعة أم التلفزيون؟‬ ‫العلوم الباب الذي‬ ‫تناول سيرة العا ِلم‬ ‫هيرتز‪ ،‬وخاصة في‬ ‫بدايته التي تقول‬ ‫إن المستمعين إلى‬ ‫الراديو يعرفون‬ ‫كذا وكذا‪ ..‬وكأن‬ ‫المستمعين إلى الراديو باتوا حفنة صغيرة أو‬ ‫هامشية من المجتمع‪ .‬والحقيقة أن الراديو ال يزال‬ ‫القيمة‪ ،‬وله‬ ‫من أفضل وسائل نشر الثقافات ِّ‬ ‫جمهور عريض لم ولن ينقرض‪ .‬وأنا أقترح عليكم‬ ‫إجراء استطالع حول االستماع إلى الراديو‪ ،‬ليس‬ ‫فقط من باب مقارنته عددياً بمشاهدة التلفزيون‪،‬‬ ‫بل من خالل تناول االختالفات الجوهرية في‬ ‫العالميتين»‪.‬‬ ‫مضامين هاتين الوسيلتين إ‬ ‫‪17 | 16‬‬

‫بداية كالم‬

‫ومن مصر كتب رمضان إبراهيم بشير يقول‪:‬‬ ‫«على حين غفلة‪ ،‬باغتني ساعي البريد بأن لي‬ ‫هدية في مكتب البريد ويجب أن أذهب إليه‬ ‫لتسلُّمها‪ .‬وإذا مجلة «القافلة» في عددها أ‬ ‫الول‬ ‫من المجلد الرابع والستين‪ .‬فلكم مني جزيل‬ ‫الشكر والعرفان على تلبية طلبي الحصول على‬ ‫المجلة»‪.‬‬

‫وعلى غرار ذلك‪ ،‬كتب عبيد عبدالمؤمن من‬ ‫جامعة قسنطينة في الجزائر‪ ،‬يقول‪« :‬وصلتني‬ ‫النسخة الورقية من مجلتكم ألول مرة‪ .‬وقد‬ ‫اطلعت على محتواها البديع والمميز‪ ،‬ومن‬ ‫دون مجاملة‪ ،‬خطر ببالي أن أكتب هذه الكلمة‬ ‫البسيطة ألحيي من خاللها كل أ‬ ‫القالم الموهوبة‬ ‫ِّ‬ ‫وأحيي كذلك جميع‬ ‫التي تكتب في هذه المجلة‪ِّ ،‬‬ ‫العقول التي تسهر على هذا العمل الثقافي‬ ‫الجميل وترعاه وتطوره‪.‬‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2014‬‬

‫فقد كتب زهير عبدالحميد شكري من المغرب‪،‬‬ ‫معقباً على ورشة‬ ‫العمل التي‬ ‫من خطط الحروب‬ ‫إلى خطط األلعاب‬ ‫عقدتها «القافلة»‬ ‫إلى األعمال‬ ‫حول «استراتيجية‬ ‫اللعب»‪ ،‬قائالً‪:‬‬ ‫«أرغب أوال ً في أن‬ ‫أوجه لكم التحية‬ ‫ِّ‬ ‫والسالم والتقدير‬ ‫الكبير لما تقومون‬ ‫به في مجلتكم الغنية بالمواضيع‪ ،‬والمتنوعة‬ ‫أ‬ ‫البواب‪ ،‬التي تجد فيها العلوم واالجتماع‬ ‫آ‬ ‫والداب والثقافة‪ ،‬وفي النهاية التحية موصولة‬ ‫لفكرة الملف التي تجمع كل أ‬ ‫الفكار المتناولة وعلى‬ ‫أ‬ ‫معينة أو‬ ‫كل الصعد والطر للإضاءة على فكرة َّ‬ ‫محدد‪.‬‬ ‫على شيء َّ‬ ‫لكن موضوع رسالتي يتناول فكرتكم الفريدة‪،‬‬ ‫أي الورشة‪ ،‬التي لم َأر مثلها في أي مجلة أخرى‬ ‫سواء في العالم العربي أو المجالت أ‬ ‫الجنبية‬ ‫الشبيهة بالقافلة‪ .‬والورشة أ‬ ‫الخيرة «من خطط‬ ‫أ‬ ‫الحروب إلى خطط أ‬ ‫اللعاب إلى العمال» كان‬ ‫واضحاً أنها تنقل القارىء إلى عوالم لم يكن‬ ‫لينتبه لها لوال ورشتكم هذه‪ .‬إذ أعتقد أن قليال ً‬ ‫الدارة‬ ‫القراء أو من العاملين في مجاالت إ‬ ‫من َّ‬ ‫يعرفون العالقة بين خطط الحروب وخطط‬ ‫أ‬ ‫العمال‪ ،‬وبأن كل شيء في الحياة هو عبارة‬ ‫أ‬ ‫عن تخطيط لمبادىء العمال وكذلك لنتائجها‪،‬‬ ‫فأنت لن تحقق شيئاً إذا لم تكن مخططاً أ‬ ‫للمر‬ ‫الذي تريد تحقيقه‪َّ ،‬‬ ‫وإل ستصل إلى هدف قد‬ ‫ال يكون الهدف الذي أردته دائماً‪ .‬ولكن أردت أن‬

‫مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين ‪ .‬العدد ‪ . 1‬مجلد ‪ . 64‬يناير ‪ /‬فبراير ‪2015‬‬

‫كما هو الحال عند صدور كل عدد‪ ،‬تلقَّت‬ ‫اللكتروني عدداً كبيراً من‬ ‫القافلة على موقعها إ‬ ‫الرسائل والتعليقات على المواد المنشورة‪،‬‬ ‫نقتطف منها ع ِّينة محدودة جداً بسبب ضيق‬ ‫المجال‪.‬‬

‫أ‬ ‫والدارة المرتبطة‬ ‫أضيف‪ ،‬إلى أن عالقات العمال إ‬ ‫بالحروب قد تكون‬ ‫مرتبطة بالصراع من‬ ‫أجل البقاء‪ ،‬المبدأ‬ ‫الذي اكتشفه داروين‬ ‫من خالل مراقبته‬ ‫لتطور الكائنات‬ ‫البشرية‪ .‬أ‬ ‫فالقوى‬ ‫في الصراع من أجل‬ ‫البقاء هو الذي‬ ‫يبقى‪ ،‬أ‬ ‫والضعف يندثر‪ .‬وهذا ما تدل عليه كل‬ ‫الكائنات الحية المتبقية على وجه المعمورة‪ ،‬التي‬ ‫على رأس سالالتها الكائن البشري‪ .‬وما أقصده أن‬ ‫الصراع من أجل البقاء هو جزء من الحروب أو‬ ‫شكل من أشكالها‪ ،‬ويدخل في إطاره أيضاً عملية‬ ‫النسان‬ ‫التكيف مع الطبيعة‪ ،‬وهذه التي يتقنها إ‬ ‫ّ‬ ‫أكثر من سائر المخلوقات‪.‬‬ ‫هذه إشارة صغيرة أردت مشاركتكم إياها علّني‬ ‫أ‬ ‫أمل بعض الشغور في الورشة‪ .‬عدا ذلك‪ ،‬فأنا‬ ‫أجد أن الورشة خصوصاً والمجلة عموماً‪ ،‬فيها‬ ‫الجمة ما يجعلها منتصرة في الصراع‬ ‫من الفوائد ّ‬ ‫والعالم‬ ‫من أجل البقاء أمام تحديات العولمة إ‬ ‫الجديد وفي معركة إثبات الحضور أمام المجالت‬ ‫أ‬ ‫الخرى‪.‬‬

‫فأنا ممتن لكم جداً‪ .‬وأتمنى لكم أ‬ ‫ولشقائنا‬ ‫في المملكة العربية السعودية دوام التقدم‬ ‫واالزدهار»‪.‬‬

‫أيهما ِّ‬ ‫تفضل العمل في‬

‫نازك الإمام ‪ /‬مذيعة‬

‫أ‬ ‫ن‬ ‫تحققت ت‬ ‫أك� من‬ ‫أمني� كإعالمية ي� الإذاعة؛ لن جمهور الإذاعة ب‬ ‫ي‬ ‫جمهور التلفزيون عىل ما أعتقد‪ .‬فقنوات الإذاعة تتوافر بال تكلفة‬ ‫ن ي� أي مكان وزمان‪ ،‬داخل المكتب أو ن ي� البيت أو أثناء قيادة السيارة‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫قص‪ ،‬ما يسمح للمستمع بحرية التحرك‬ ‫أو ي� نزهة ي� مكان ي‬ ‫يج�ك عىل الجلوس والمشاهدة‪ ،‬فتضطر إل‬ ‫والمشاركة‪ .‬بعكس التلفزيون الذي ب‬ ‫تحض� طقوس المشاهدة التلفزيونية ن� الغرفة المخصصة للتلفزيون داخل ن‬ ‫الم�نل‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫والتلفزيون يقدم الخيال جاهزاً ونهائياً إل مخيلة المشاهد‪ ،‬فتصاب قدرات المشاهدين عىل التخيل بالنضوب‪،‬‬ ‫بينما تفتح الإذاعة‪ ،‬كما الكتاب‪ ،‬آفاق الخيال‪.‬‬

‫اإلذاعة‬ ‫أكثر حرية‬

‫التلفزيون‬ ‫يقتل الخيال‬

‫وليد الشهري ‪ /‬مذيع‬

‫أجد أن الإذاعة ث‬ ‫ين‬ ‫المستمع� أو‬ ‫تأث�اً عىل المستمع من شاشات التلفزيون‪ ،‬وتحتاج من المذيع مجهوداً لإقناع‬ ‫أك� ي‬ ‫لإيصال الفكرة إليهم‪ ،‬مما يعىل من قدرة وقيمة التقديم المسجّ ل أو المبثوث ث‬ ‫مبا�ة عىل الهواء‪ .‬من الناحية المادية‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ال� يوفرها التلفزيون أو الصورة‬ ‫يحصل المذيع‬ ‫أك� ي‬ ‫التلفزيو� عىل أجر ب‬ ‫ي‬ ‫بكث� من زميله ي� الإذاعة‪ ،‬وكأن الشهرة ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� تبقي المذيع شخصاً مغفال ً من حيث الشكل‪ .‬لكن‬ ‫ال� تدخل منازل المشاهدين أغىل ثمناً من الشهرة الإذاعية ي‬ ‫ي‬ ‫من الناحية العملية‪ ،‬فإن عمل الإذاعي مريح ث‬ ‫أك�‪ .‬بينما مقدم بال�امج التلفزيونية مسؤول عما يقوله وعن حالته الشكلية والنفسية أمام‬ ‫أفضل العمل ن� التلفزيون‪ ،‬خصوصاً ن� ت‬ ‫ين‬ ‫المخرج�‬ ‫كث� من‬ ‫الجمهور‪ .‬ل ّ‬ ‫الف�ة الحالية؛ لقلة الكفاءات الإخراجية والإبداعية‪ ،‬وعدم اهتمام ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫ّر�‬ ‫كث�اً ن ي� تقديم أي محتوى‬ ‫تغ� ي‬ ‫التلفزيوني� ي‬ ‫ال� قد ي ّ‬ ‫تلفزيو�‪ .‬أشعر أن العمل ي� التلفزيون سيضط ي‬ ‫ي‬ ‫بالتأث�ات التقنية والإضافات الفنية ي‬ ‫إل البحث عن مخرج ممتاز للقيام بذلك‪ ،‬ت‬ ‫ح� ذلك ي ن‬ ‫أعمال وبرامجي الإذاعية‪.‬‬ ‫الح� أفضل أن أدير ي‬

‫ن‬ ‫تلفزيو�‬ ‫خالد قمّ اش ‪ /‬مقدّ م برنامج‬ ‫ي‬

‫ت‬ ‫تخ�نل الإذاعة حواسك وأحاسيسك ن ي� موهبة الصوت والتلقي‪ .‬أما ن ي� التلفزيون‬ ‫فتتوزع مهاراتك الحسية وإيماءاتك الفنية الخاصة عىل كل جوارحك المعنوية‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫التلفزيو� كمعدّ ومقدّ م برامج‬ ‫تجرب� ن ي� العمل‬ ‫ومالمحك الجسدية‪ .‬كانت‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫والمبدع� ن� ت‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫ش�‬ ‫المثقف�‬ ‫غنية جداً‪ ،‬وكنت صاحب فكرة عرض أحوال‬ ‫ي ي‬ ‫المجالت الثقافية من شعر و�د ونقد ومرسح وسينما وتشكيل بع� شاشة التلفزيون‪ ،‬وتمكينهم‬ ‫ن‬ ‫ولك� أزعم أنها جيدة من‬ ‫من التحاور والكالم حول أنفسهم وشخصياتهم‪ .‬كانت التجربة متواضعة من ناحية إمكانات القناة‪ .‬ي‬ ‫الكام�ا غالباً ما يكون أمراً مربكاً ومحبباً ن ي� الوقت عينه‪ .‬إذ‬ ‫جهة الضيوف والفكرة والمحاور‪ .‬ولكن فيما يبدو يل أن التعامل مع ي‬ ‫أ‬ ‫المر� تحتاج إل «كاريزما»‬ ‫ل بد من أن تكون مهيأ نفسياً وصاحب حضور جيد وإطاللة مقبولة عىل أقل تقدير‪ .‬ففي الإعالم ي‬ ‫معينة تشد الجمهور إليك‪ .‬ولكن كل هذا ينسف أهمية الحضور الإذاعي‪ ،‬حيث خامة الصوت وتلونها يلعبان الدور الرئيس ن ي�‬ ‫تم�نك وتفرّدك الإذاعي‪.‬‬ ‫يّ‬

‫موهبة‬ ‫الصوت والتلقي‬


‫أ‬ ‫وللخت أميمة نشير إلى أنه سبق للقافلة أن‬ ‫تناولت مسألة االستماع إلى الراديو من أكثر من‬ ‫زاوية‪ ،‬كان آخرها في باب «بداية كالم» حيث‬ ‫العالميين ما إذا كانوا‬ ‫طرحنا السؤال على عدد من إ‬ ‫الذاعة أم التلفزيون‪ .‬ومع‬ ‫ِّ‬ ‫يفضلون العمل في إ‬ ‫ذلك فإن فكرتها تبقى جديرة باالهتمام‪.‬‬

‫وعقَّب منصور المالكي من الرياض على جانب‬ ‫من ملف الهاتف الذكي يتعلَّق بمسألة حماية‬ ‫الخصوصيات والحياة الشخصية‪ ،‬فقال‪« :‬لماذا‬ ‫الشكوى من قدرات الهاتف الذكي على التأثير‬ ‫في الحياة الشخصية التي لم تعد محمية تماماً‬ ‫بسببه‪ .‬فالحل والربط هو في أيدينا‪ .‬إذ يكفي‬ ‫إطفاء أيقونة (الموبايل داتا) كي نعود إلى عزلتنا‬ ‫القديمة‪ .‬كما أن لنا كل الحرية في فتح التطبيقات‬ ‫ينزل تطبيقات‬ ‫المالئمة وإغالقها ساعة تشاء‪ .‬فمن ِّ‬ ‫اللكتروني و«الواتس آب» على هاتفه‪،‬‬ ‫البريد إ‬ ‫ليس من حقه أن يلوم الهاتف على تحوله «في‬ ‫متناول يد» كل من يريد االتصال به ليال ً نهاراً‪.»..‬‬

‫ومن الدمام‪ ،‬عقَّب وليد مراد على ملف الهاتف‬ ‫الذكي الذي نشرته‬ ‫القافلة في عددها‬ ‫كوكب‬ ‫السابق بشكوى‬ ‫الهاتف‬ ‫الذكي‬ ‫تستحق التوقف‬ ‫أمامها‪ ،‬فكتب‬ ‫يقول‪« :‬أنا مقيم في‬ ‫الدمام‪ ،‬وأستقل‬ ‫سيارة أجرة مرتين‬ ‫في اليوم للذهاب‬ ‫إلى العمل والعودة منه‪ .‬وبسبب بعض تطبيقات‬ ‫الهاتف الذكي التي تسمح بإجراء مكالمات دولية‬ ‫تحولت تنقالتي اليومية إلى مصدر للقلق‬ ‫مجانية‪َّ ،‬‬ ‫والتوتر‪ .‬فأكثر من ‪ %90‬من السائقين باتوا يضعون‬ ‫سماعات الهاتف في آذانهم‪ ،‬ويمضون النهار‬ ‫َّ‬ ‫بطوله في مكالمات مع عائالتهم في الخارج‪،‬‬ ‫وأصدقائهم في الداخل وهم يقودون السيارة‪.‬‬ ‫تعرضت مع سائقين لحادثي‬ ‫وخالل أسبوع واحد‪َّ ،‬‬ ‫ارتطام (كانا والحمد لله محدودي الخسائر)‪ .‬وأكثر‬ ‫من ذلك‪ ،‬استقليت ذات مرة سيارة كان سائقها‬ ‫يضع السماعة في أذنه‪ ،‬ويتابع مسلسال ً تلفزيونياً‬ ‫على شاشة الهاتف الذي كان في حضنه»‪.‬‬ ‫ويناشد الصديق وليد في رسالته المسؤولين‬ ‫تفشت‬ ‫حد لهذه الظاهرة التي َّ‬ ‫للعمل على وضع ٍّ‬ ‫الونة أ‬ ‫بشكل الفت في آ‬ ‫الخيرة و«سحب الهاتف‬ ‫الذكي من أ‬ ‫اليدي الغبية» على حد قوله‪.‬‬

‫ومن ينبع الصناعية كتب الفنان التشكيلي‬ ‫محمد بنتن يسأل عن رابط لمقال قديم بعنوان‬ ‫«التكوين» للفنانة زينب أبو حسين‪ ،‬نُشر في‬ ‫العدد الثالث من المجلد ‪ ،61‬ولم يستطع‬ ‫العثور عليه‪.‬‬

‫ونحن بدورنا ننقل هذه الشكوى إلى المسؤولين‪،‬‬ ‫الجراءات المناسبة‪.‬‬ ‫وكلنا ثقة بأنهم سيتخذون إ‬

‫أ‬ ‫وللخ محمد نقول إن الدخول إلى موقع المجلة‬ ‫والبحث في أ‬ ‫الرشيف عن العدد المذكور‪ ،‬ومن‬

‫الملف‪:‬‬

‫َّ‬ ‫الجوال التقليدي‬ ‫ذكي ألنه يتميَّ ز عن سلفه‬ ‫الذي لم يكن ذكياً ‪ ،‬بالقدرة على تقديم‬ ‫خدمات ال َّ‬ ‫عد لها وال حصر‪.‬‬ ‫ذكي‪ ..‬ألن ذاكرته الذاتية قادرة على أن تخزِّ ن‬ ‫وأن تتوقع وأن تقترح‪ ،‬وأيضاً لقدرته على‬ ‫االتصال بشبكة اإلنترنت‪ ،‬ليصبح أقرب إلى‬ ‫جهاز كمبيوتر منه إلى هاتف‪.‬‬ ‫هو اليوم ذكي‪ ،‬ولكنه يبدو قابالً للتطور‬ ‫ليصبح فائق الذكاء‪ ،‬وربما عبقرياً فيما‬ ‫بعد‪ .‬إذ إنه مع هذا السيل من التطبيقات‬ ‫الجديدة التي تطالعنا كل يوم‪ ،‬صار هذا‬ ‫الجهاز وسيلة لمشاهدة قنوات التلفزيون‬ ‫وقراءة الصحف‪ ،‬واالتصال مجاناً بأقاصي‬ ‫األرض‪ ،‬وتحديد المواقع‪ ،‬وآلة تصوير‬ ‫ّ‬ ‫تسوق وإدارة الحسابات‬ ‫وتسجيل‪ ،‬ووسيلة‬ ‫المصرفية‪ ،‬وصندوق بريد إلكتروني‪ ،‬كما‬ ‫يمكننا من خالله متابعة الدراسة الجامعية‬ ‫عن بُ عد‪ ،‬وطرد البعوض من حولنا إن كنَّ ا‬ ‫في الغابة‪ ،‬وغير ذلك الكثير‪ ..‬دون أن ننسى‬ ‫طبعاً التحدث من خالله مع اآلخرين‪.‬‬

‫في تونس العاصمة‪ ،‬وتحديداً في‬ ‫المنطقة المعروفة باسم «نهج‬ ‫تربة الباي» ال يزال البيت الذي ولد‬ ‫ونشأ فيه ابن خلدون‪ ،‬قائماً ‪ ،‬وكذلك‬ ‫ُ‬ ‫الكتَّ اب القريب منه‪ ،‬حيث كانت بداية‬ ‫عهده بالعلم‪.‬‬

‫استطالع وتصوير‪:‬‬ ‫حياة الرايس‬

‫عين وعدسة‬

‫عبر إحسان غشيم عن‬ ‫ومن حلب في سوريا‪َّ ،‬‬ ‫تضمن في العدد‬ ‫إعجابه بباب عين عدسة الذي َّ‬ ‫أ‬ ‫الخير زيارة إلى‬ ‫بيت ابن خلدون في‬ ‫تونس‪ ،‬واقترح علينا‬ ‫زيارة أخرى إلى بيت‬ ‫المتنبي في حلب‪.‬‬ ‫ونحن سنحيل‬ ‫في بيت‬ ‫ابن خلدون‬ ‫اقتراحه المشكور إلى‬ ‫فريق التحرير التخاذ‬ ‫القرار المناسب‪ ،‬علماً أن مجالت كثيرة تناولت‬ ‫العالن عن اكتشافه‬ ‫بيت المتنبي في حلب يوم إ‬ ‫قبل سنوات قليلة‪.‬‬ ‫منطقة‬ ‫استقرار الجالية‬ ‫األندلسية‬

‫ثم فتح العدد ليصل إلى المقال المطلوب‪ ،‬وهو‬ ‫سر خفي في جمالية العمل‬ ‫بعنوان «التكوين ّ‬ ‫الفني»‪ .‬وسيطالعه الرابط في أعلى الصفحة‪.‬‬ ‫ختاماً‪ ،‬أ‬ ‫وللخوة الكثيرين الذين كتبوا إلينا يسألون‬ ‫عن شروط الكتابة في المجلة‪ ،‬نشير إلى أن ال‬ ‫شروط عندنا تخرج عن المألوف‪ ،‬وما هو معتمد‬ ‫في غيرها من المجالت‪ .‬وأهمها أن تتمتع المادة‬ ‫المرسلة بمضمون جيد ولم يسبق نشرها في أية‬ ‫مجلة أو وسيلة إعالمية أخرى‪ ،‬وأن تندرج في إطار‬ ‫أبواب المجلة المحددة بدقة لجهة المحتوى‪،‬‬ ‫وأيضاً لجهة المساحة المخصصة لكل باب‪.‬‬

‫المشتركون الجدد‬ ‫أ‬ ‫الخوة رأفت فخري عياد‪ ،‬وعلي أحمد‬ ‫المنيان‪ ،‬ووكالة كلية التربية ‪ -‬شطر الطالبات‬ ‫بالزاهر‪ ،‬وتركي الفريدي‪ ،‬وفهد بن سعد‬ ‫ابن إبراهيم الناصر‪ ،‬ومازن خليل‪ ،‬نشكركم‬ ‫على ما تكنونه من عاطفة للقافلة‪ ،‬وقد أحلنا‬ ‫طلباتكم وعناوينكم‪ ،‬وما طرأ عليها من تغيير‬ ‫إلى قسم االشتراكات‪ ،‬وستصلكم المجلة‬ ‫قريباً إن شاء الله‪.‬‬


‫‪7|6‬‬

‫أكثر من رسالة‬

‫تحية وبعد‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫ئ‬ ‫الغذا�‬ ‫تقنية النانو‬ ‫ي‬

‫د‪ .‬عبدالوهاب رجب هاشم بن صادق‬ ‫جامعة الملك سعود‬

‫بين الإ كرامية واالبتزاز‬ ‫الشيق الذي كتبه أسامة إبراهيم‬ ‫قرأت المقال ِّ‬ ‫ً‬ ‫بعنوان «لماذا ندفع البقشيش؟»‪ .‬وحسنا فعل‬ ‫الكرامية والرشوة‪.‬‬ ‫الكاتب حين أشار إلى الفرق بين إ‬ ‫فالكرامية هي التي تُدفع بكل طيبة خاطر‪ ،‬عربون‬ ‫إ‬ ‫الكرامية أنها أفضل‬ ‫لخدمة‬ ‫تقدير‬ ‫معينة يرى دافع إ‬ ‫َّ‬ ‫من قيمتها االسمية‪ .‬والرشوة‪ ،‬كما جاء في المقال‪،‬‬ ‫هي التي تُدفع للحصول على خدمة غير مستحقة‪.‬‬ ‫ولكن هناك نوعاً آخر من المال‬ ‫وهذا صحيح ودقيق‪َّ .‬‬ ‫الزائد الذي يُدفع للحصول على خدمة مستحقة‪.‬‬ ‫إنه االبتزاز‪.‬‬ ‫واالبتزاز شائع في الدول المتخلِّفة بشكل خاص‬

‫القافلة‬ ‫مارس ‪ /‬أبريل ‪2015‬‬

‫لو استعرضنا تطبيقات تقنيات النانو في الوقت‬ ‫الحالي‪ ،‬لوجدنا أنها امتدت لتشمل كثيراً من نواحي‬ ‫الحياة اليومية والبيئة‪ .‬ففي المجال البيئي‪ ،‬صار‬ ‫لهذه التقنية الجديدة تطبيقات تشمل‪ :‬التقنية‬ ‫الحيوية البيئية والمجال المائي والميكروبي والصرف‬ ‫الصحي والهندسة البيئية والهندسة الصحية والتمثيل‬ ‫الحيوي والهضم الحيوي وإزالة التلوث المعدني‬ ‫والتعدين الميكروبي واالستصالح الحيوي‪.‬‬ ‫وفي الطب والرعاية الصحية‪ ،‬سمحت تقنية النانو‬ ‫تقدم كبير في مجاالت عديدة‪ ،‬تشمل‪:‬‬ ‫بتحقيق ُّ‬ ‫والوبئة عن طريق تقنية أ‬ ‫المراض أ‬ ‫مقاومة أ‬ ‫الفالم‬ ‫أ‬ ‫الحيوية الدقيقة‪ ،‬وتقنية النانو الفضي لبحاث‬ ‫السرطان والمسالك البولية ومجاهر النانو للكشف‬ ‫عن الفيروسات ودراسة أمراض التوحد والهندسة‬ ‫النسيجية ألمراض العظام وإزالة العناصر المعدنية‬ ‫الثقيلة وتنقية الدم‪.‬‬ ‫أ‬ ‫المر نفسه ينطبق على صناعة الغذاء‪ ،‬حيث‬ ‫أصبحت تقنية النانو في الوقت الراهن ذات تطبيق‬ ‫رائع ومنتشر‪ ،‬حيث أمكن الكشف عن عديد من‬ ‫المنتجات الغذائية الدقيقة التي أسهمت بدرجة كبيرة‬ ‫في الحد من ظاهرة االنفالت أ‬ ‫المني الغذائي وقللت‬ ‫من التلوث الغذائي‪.‬‬ ‫وأمكن من خالل تقنية النانو الغذائي والزراعي إيجاد‬ ‫المتقدمة في مجاالت التعقيم‬ ‫عديد من الطرق‬ ‫ِّ‬ ‫والحفظ والتجهيز واالستهالك الغذائي‪ .‬حيث أمكن‬ ‫تقديم المستحلبات الدقيقة والحسيات الدقيقة‬

‫حياتنا اليوم‬

‫تقنية «النانو»‬ ‫أ‬ ‫المل معقود على جامعاتنا‬

‫والسالمة وتطبيقات االمتصاص الحيوي للعناصر‬ ‫المعدنية السامة وتقنية أ‬ ‫السطح الذكية للحد من‬ ‫بالضافة إلى التقدم‬ ‫التلوث الميكروبي للغذاء‪ ،‬إ‬ ‫الهائل في تطوير صناعة غزل القطن وتنقية التربة‪..‬‬ ‫وغير ذلك‪.‬‬ ‫نعدد عشرات الحقول‬ ‫وعلى المنوال نفسه يمكننا أن ِّ‬ ‫التي اقتحمتها هذه التقنية‪ ،‬وسمحت بإيجاد حلول‬ ‫لمشكالت كانت مستعصية في مختلف المجاالت من‬ ‫الصيدلة وصناعة أ‬ ‫الدوية إلى الصناعات العسكرية‬ ‫مروراً بالهندسة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫والمل معقود‪ ،‬إن شاء هللا تعالى‪ ،‬على جامعات‬ ‫المملكة في البحث والتقصي‪ ،‬بما يحقق االستفادة‬ ‫من تقنية النانو في كافة المجاالت التي نحتاجها‪.‬‬ ‫إذ إن منطقة الخليج العربي تتطلع إلى اليوم‬ ‫الذي تتم فيه االستفادة الفعلية من تقنية‬ ‫النانو المذهلة‪ ،‬للتغلب على عديد من قضاياها‬ ‫البيئية والصحية والهندسية والغذائية والصناعية‬ ‫والصيدالنية‪ .‬وهذه دعوة أ‬ ‫للمانة العامة لدول‬ ‫مجلس الخليج العربي لعقد مؤتمر وورشة عمل‬ ‫لمناقشة مدى الحاجة لهذه التقنية‪ ،‬والعمل أيضاً‬ ‫على وضع الضوابط الخاصة للسالمة المترتبة من‬ ‫تطبيقات تقنية النانو التي دخلت منطقة الخليج‬ ‫العربي دون ضوابط‪.‬‬

‫‪47 | 46‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ما الذي يجعلنا ندفع‬ ‫مبلغا‬ ‫زائدا‪ ،‬دون‬ ‫أن نحصل‬ ‫مقابل ذلك على أي خدمة‬ ‫ً‬ ‫إضافية؟ ولماذا نشعر‬ ‫دوما بالحرج‪،‬‬ ‫ونتحاشى‬ ‫أن تلتقي عيوننا بعيون من‬ ‫ِّ‬ ‫نقدم له‬ ‫هذا المال؟ هل نسهم بهذا‬ ‫التقليد‬ ‫في‬ ‫النيل‬ ‫من‬ ‫كبرياء‬ ‫شخص‬ ‫آخر وعزة‬ ‫نفسه‪ ،‬وفي مساعدة أصحاب‬ ‫العمل على‬ ‫استغالل العاملين لديهم؟‬ ‫هل نقبل أن ِّ‬ ‫ً يقدم لنا شخص مهما علت‬ ‫مكانته‬ ‫مبلغا من المال دون مقابل؟‬

‫أسامة إبراهيم‬

‫لماذا ندفع‬ ‫الـبـقشـيـش؟‬

‫جولة تاريخية وجغرافية‬ ‫وثقافية حول اإلكرامية‬ ‫البقشيش في‬ ‫الماضي والحاضر‬

‫قبل البحث في كهوف التاريخ‬ ‫عن بدايات االإ كرامية‪ ،‬تجدر‬ ‫االإشارة إلى أننا ال نتكلم عن‬ ‫قضية‬ ‫هامشية‪ ،‬فيكفي أن نعلم أن ما تحصل‬ ‫عليه‬ ‫أ المطاعم وحدها في الواليات المتحدة‬ ‫اال‬ ‫مريكية من البقشيش يبلغ سنوياً ‪ 21‬مليار‬ ‫دوالر‪ ،‬أي ما‬ ‫يعادل ‪ 78,7‬مليار ريال سعودي‪ ،‬وأن‬ ‫االإ كرامية تم‬ ‫ثِّل نسبة ال يستهان بها في ميزانيات‬ ‫الدول‬ ‫التي تعيش على السياحة‪ .‬لقد كانت‬ ‫االإ كر‬ ‫امية‬ ‫ً‬ ‫سبب‬ ‫ا‬ ‫في اندالع مظاهرات‪ ،‬ورفع قضايا ال‬ ‫حصر لها أمام‬ ‫المحاكم‪،‬‬ ‫واالإدانة‬ ‫بالسجن‪،‬‬ ‫وكانت‬ ‫موضوعاً‬ ‫لعديد من رسائل الدكتوراة‪ ،‬التي تناولتها‬

‫من الجوانب‬ ‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪.‬‬ ‫أ‬ ‫واالهم من‬ ‫كل ذلك أن كثيراً من أنظمة الحكم‬ ‫الرأسمالية‬ ‫والشيوعية‪ ،‬الديمقراطية واالستبدادية‬ ‫حاربت االإ كر‬ ‫أ‬ ‫امية‪ .‬ولكن التاريخ يثبت أن كل االنظمة‬ ‫تزول‪ ،‬وتبقى ك‬ ‫االإ رامية على مر أالعصور‪ ،‬وأنها نجحت‬ ‫في التغلغل في‬ ‫جميع أرجاء االرض‪ ،‬ولم تقف أمامها‬ ‫حواجز ثقافية أو دينية‪.‬‬ ‫لم يرد في‬ ‫كتب التاريخ اسم أول من دفع االإ كرامية‪،‬‬ ‫وال أسباب‬ ‫قيامه بذلك السلوك الغريب على طباع‬ ‫االإنسان‪ .‬لكن‬ ‫بعض المراجع تؤكد وجود هذا السلوك‬ ‫في االإمب‬ ‫راطورية الرومانية‪ ،‬حيث كان أصحاب‬ ‫الوظائف‬ ‫الرسمية‪ ،‬يحصلون على مبالغ إضافية تقديراً‬ ‫لعملهم‪،‬‬ ‫كما‬ ‫كان‬ ‫هناك تقليد متبع في أوروبا في‬

‫الكرامية والرشوة‪ .‬ويمكن لكثيرين أن‬ ‫أكثر من إ‬ ‫يصادفوه أينما كان‪ .‬في الفنادق‪ ،‬حيث ال تحصل‬ ‫على الخدمة الجيدة والسريعة إال إذا دفعت‬ ‫والكرامية تصبح عندها «ابتزازاً»‪ .‬وفي‬ ‫«إكرامية»‪ ،‬إ‬ ‫الدوائر الرسمية يمكن أ‬ ‫للمر أن يصبح أكثر خطورة‪.‬‬ ‫فكم وكم من المعامالت تنام في أ‬ ‫الدراج‪ ،‬وال شيء‬ ‫يستطيع إيقاظها غير دفع «إكرامية»‪ ..‬قد تكون‬ ‫الخدمة مستحقة تماماً‪ ..‬وقد يكون من حقك أن‬ ‫معينة طلبتها من دائرة رسمية‬ ‫تحصل على وثيقة َّ‬ ‫ً‬ ‫ولكنك تبقى رهن االنتظار إلى أن تدفع مبلغا من‬ ‫ينشط الموظف فيأتيك فوراً بما طلبت‪ .‬ويمكن‬ ‫المال ِّ‬ ‫في بعض البلدان أن يصل هذا النوع من التعامل‬ ‫إلى أعلى المستويات مثل رخص البناء وحتى أ‬ ‫الحكام‬ ‫القضائية‪ ،‬وأعنى الصحيحة والعادلة والمنصفة منها‪،‬‬ ‫يمكن لوقت إنجازها وإصدارها أن يكون رهن دفع‬ ‫شيء من المال‪ ،‬ال يدخل في تحديد الرشوة‪ ،‬وال هو‬ ‫«إكرامية» ولكنه ابتزاز‪.‬‬ ‫إن هذا «االبتزاز» إلنجاز أعمال يستحقها أصحابها‪،‬‬ ‫قد يكون على المستوى االقتصادي أكبر حجماً بكثير‬ ‫الكراميات الحقيقية والصغيرة‪ ،‬وأخطر على‬ ‫من إ‬ ‫اقتصادات الشعوب والدول‪ ،‬وأقبح على المستوى‬ ‫أ‬ ‫الخالقي‪ ،‬من الرشوة‪ ،‬للحصول على عمل غير‬ ‫مستحق‪ ،‬وإن كانت هذه أ‬ ‫الخيرة جريمة يُعاقب عليها‬ ‫القانون‪.‬‬ ‫سهام أحمد صبحي‬ ‫طالبة حقوق ‪ -‬جامعة دمشق‬


‫مواكبة لتعاظم الوعي بأهميَّ ة العالمة التجارية على مستوى نجاح أي منتج أو مؤسسة‬ ‫أو خدمة‪َّ ،‬‬ ‫نظمت «القافلة» ورشة عمل في جدة حول هذه الصناعة الحديثة‪ ،‬المعروفـة‬ ‫ً‬ ‫عالميا باسم «براندينغ»‪.‬‬ ‫وإضافة إلى المحاضرين من ذوي االختصاص‪َّ ،‬‬ ‫شكلت هذه الورشة التي استمرت‬ ‫يومين مناسبة فريدة من نوعها‪َّ ،‬‬ ‫تمكن خاللها حشد من الطالب من لقاء عمالء‬ ‫َّ‬ ‫محددة‪.‬‬ ‫حقيقيين باحثين عن عالمات تجارية لمؤسسات أو منتجات‬

‫تغطية‪ :‬مشاعل العمري‬ ‫تصوير‪ :‬ماجد المالكي‬

‫محاور ورشة العمل‬ ‫قدمه رالف كوربماتشر‬ ‫البراندينغ اليوم‪ :‬عرض َّ‬ ‫قدمته ماري سكر‬ ‫مراحل العمل‪ :‬عرض َّ‬ ‫تقسيم الطالبات المشاركات إلى مجموعات للعمل مع العمالء‬ ‫المقدمة‬ ‫يقدمه العمالء عن شركاتهم والخدمات‬ ‫َّ‬ ‫موجز ِّ‬ ‫أ‬ ‫جلسة العمل الولى للطالبات‪ ..‬مرحلة البحث‬ ‫قدمها‪ :‬كميل حوا‬ ‫مكانة الشعار في «البراندينغ» َّ‬ ‫قدمها‪ :‬وليد أبو الريش‬ ‫العالقة الجدلية بين «البراندينغ» والمنتج َّ‬ ‫جلسة العمل الثانية‬ ‫تقديم العروض من ِقبل الطالبات‬

‫ورشة عمل‬

‫صناعة العالمة التجارية‪..‬‬ ‫«براندينغ»‬


‫‪9|8‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫في القاعة المزدانة بكل ما‬ ‫يخطر على البال من فنون‬ ‫التصميم الجرافيكي والخطوط‬ ‫العربية والالتينية‪ ،‬اجتمع‬ ‫ثالثة أطراف‪ :‬محاضرون من‬ ‫ذوي االختصاص في فنون التصميم المختلفة‬ ‫تضمن‬ ‫والترويج والتسويق‪ ،‬وحشد من الطالب َّ‬ ‫‪ 25‬طالبة من دائرة التصميم الجرافيكي في دار‬ ‫الحكمة في جدة‪ ،‬وأربعة عمالء حقيقيين يأملون‬ ‫في الحصول على عالمات تجارية خاصة بالجهات‬ ‫التي يمثلونها‪ ،‬أ‬ ‫المر الذي أثار حماسة الطالبات‪،‬‬ ‫وهن في السنة الثالثة من التخصص‪ ،‬لكونها‬ ‫المرة أ‬ ‫الولى التي يقابلن فيها عمالء حقيقيين‪.‬‬ ‫ولم تكن حماسة العمالء بأقل من ذلك؛ ألنهم‬

‫لم يختبروا سابقاً الجلوس مع مصممين لبحث‬ ‫طلباتهم وجهاً لوجه‪ ،‬بل مع موظفي مبيعات‬ ‫ومندوبي تسويق‪.‬‬ ‫والـ «براندينغ» أو السمة‪ ،‬كما قد نسميها‬ ‫بالعربية‪ ،‬هو النشاط الذي يتواله فريق مختلط‬ ‫يجمع بين فنون التصميم المعاصرة وأدوات‬ ‫االنتشار والترويج‪ ،‬التي أدى تضاعف وتيرتها اليوم‬ ‫من خالل وسائل التواصل الحديثة إلى ازدياد‬ ‫أهمية العالمات التجارية بكل مكوناتها العديدة‪.‬‬ ‫كان الهدف أ‬ ‫الساسي من هذه الورشة إلقاء‬ ‫المتعددة‬ ‫الضوء على ما آلت إليه هذه المهمة‬ ‫ِّ‬ ‫أ‬ ‫الوجه‪ ،‬التي تتوالها عادة دور التصميم الفني‬

‫وشركات العالن‪ ،‬حيث غالباً ما تبدأ مع أ‬ ‫الولى‬ ‫إ‬ ‫وتنتقل الحقاً إلى الثانية‪ ،‬وتهدف إلى تعزيز‬ ‫الحضور المؤثر والجذاب للشركة أو المؤسسة أو‬ ‫الخدمة‪ ،‬بحيث تحقق من خالل التصاميم التي‬ ‫تظهر بها وأسلوب المخاطبة الذي يتم تطويره‬ ‫العجاب‬ ‫خصيصاً لها‪ ،‬أكبر قدر ممكن من إ‬ ‫والمتجدد» من قبل الجمهور‬ ‫و«الوالء المستمر‬ ‫ِّ‬ ‫تقدمه‪ ،‬سوا ًء أكان سلعة تجارية أم‬ ‫للمنتج الذي ِّ‬ ‫خدمة‪ .‬وما اختلف اليوم‪ ،‬كما ظهر في الورشة‬ ‫من خالل النقاش والتمارين التطبيقية‪ ،‬هو‬ ‫كيف تأتي التصاميم الجرافيكية لشعار الشركة‬ ‫وهويتها البصرية لتتجاوب مع تفكير استراتيجي‬ ‫بعيد المدى‪ ،‬لتتجاوز المنطلق الشكلي والجمالي‬ ‫للتصميم بحد ذاته‪.‬‬

‫المحاضرون‬ ‫رالف كوربماتشر‬

‫ماري سكر‬

‫كميل حوا‬

‫وليد أبو الريش‬

‫مؤسس مكتب «‪ ،»memes 7‬ومتخصص في‬ ‫الهوية المعمارية‪ ،‬ذو خبرة تزيد على ‪ 20‬عاماً‪.‬‬ ‫نفذ مشاريع عديدة في مجال مالءمة الهوية‬ ‫المعمارية مع العالمة التجارية والظروف‬ ‫المحيطة بها في أوروبا وأمريكا والشرق‬ ‫أ‬ ‫الوسط وآسيا‪.‬‬

‫مصممة تعمل منذ عام ‪ 2011‬م في مكتب‬ ‫«وولف أولينز» في دبي‪ ،‬بعد أن عملت سابقاً‬ ‫في شركتي «الندور» و«براش براندز»‪.‬‬ ‫وهي صاحبة دور أساسي في تطوير‬ ‫العالمات التجارية لعدد كبير من المصارف‬ ‫والمؤسسات الخليجية‪.‬‬

‫ينصب‬ ‫فنان تشكيلي ومصمم غرافيكي‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫تركيزه بشكل خاص على تصميم الشعارات‪،‬‬ ‫وتطوير خطوط عربية عصرية حازت أكثر من‬ ‫جائزة عالمية‪.‬‬

‫يعمل منذ أكثر من ‪ 12‬عاماً في «المحترف»‬ ‫بصفة «مدير حساب»‪ ،‬حيث يتولَّى تقديم‬ ‫الدعم للعمالء في مجالي التواصل‬ ‫والشراف على مخرجات المحترف‬ ‫والتسويق‪ ،‬إ‬ ‫على مستوى ضمان مواءمتها للعالمات‬ ‫التجارية الخاصة بالعمالء‪.‬‬

‫برنامج الورشة‬

‫تضمنت الورشة محاضرتين كل يوم‪ ،‬وتبع كل منها حلقة نقاش‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫تقدم أربعة عمالء يمثلون «البنك السعودي‬ ‫وفي نهاية اليوم الول َّ‬ ‫الهولندي»‪ ،‬و«محمية محازة الصيد»‪ ،‬و«مترو جدة»‪ ،‬و«جمعية‬ ‫مواكب أ‬ ‫الجر»‪ ،‬بعروض لماهية خدماتهم ومؤسساتهم التي تحتاج‬ ‫ضم‬ ‫إلى عالمة تجارية‪ .‬وتوزعت الطالبات المشاركات على ثمانية فرق‪َّ .‬‬ ‫كل فريق ثالث مصممات مع قائد فريق مساعد‪ .‬وكان أغلب هؤالء من‬ ‫العاملين في حقول التسويق‪ ،‬وذلك كي تكون المواكبة لمجهودات هذه‬ ‫الفرق ذات بُعد يطل على الحياة العملية‪ .‬وبعد االنتهاء من محاضرات‬ ‫أ‬ ‫بأن المهلة التي أعطيت‬ ‫اليوم الثاني‪ ،‬جرت مناقشة العمال المنجزة‪ ،‬علماً َّ‬ ‫للمصممات كانت محدودة جداً‪ ،‬في حين أن المهمة تستغرق في العادة وقتاً‬ ‫أطول من ذلك بكثير‪.‬‬


‫محاضرتا اليوم أ‬ ‫الول‬ ‫من النظري إلى التطبيق‬

‫البراندينغ ٌ‬ ‫فعل يومي‬ ‫كان رالف كوربماتشر‪ ،‬وهو أحد أبرز االستراتيجيين‬ ‫في هذا المجال‪ ،‬أول المحاضرين‪ ،‬ودعا الحضور‬ ‫إلى تذكّر ثالثة مبادئ من ثالث وحدات «ميم»‪.‬‬ ‫الغريقية تعني رزمة من‬ ‫والميم في أصولها إ‬ ‫المعلومات أو المعرفة‪.‬‬ ‫والميم أ‬ ‫الولى هي أن «البراندينغ» هو فعل‪ ،‬والثانية‬ ‫أنه جهد مستمر ال يُتوقّف‪ ،‬والثالثة أن موضوعه هو‬ ‫في النهاية الناس‪.‬‬ ‫وهذه الوحدات مجتمعة تجعل من عملية رفع‬ ‫مجرد تصميم جمالي إلى‬ ‫الهوية الجرافيكية من ّ‬ ‫مستوى التناول ال ُكلِّي الذي يفترضه «البراندينغ»‪،‬‬ ‫ليكون فعال ً مستمراً يوسع دائرة حضور صورة الشركة‬ ‫العالمية‪ ..‬فعل يقوم به‬ ‫مم ّثلة بشعارها وموادها إ‬ ‫ناس للناس‪.‬‬ ‫وهذه العملية تجعل العالمة التجارية في ظهورها‬ ‫وتطبيقاتها‪ ،‬متجانسة‪ ،‬تعرف من النظرة أ‬ ‫الولى‬ ‫ُ‬ ‫ولها في نفوس جمهورها هوى وإقبال‪ .‬وبطبيعة‬ ‫الحال المقياس أ‬ ‫الساسي لنجاح المهمة هو ما يُعرف‬ ‫بالجدوى‪ ،‬حيث تظهر في مدى قناعة الناس بقيمة‬ ‫المنتج والحلة التي يظهر بها في جميع تجلّياته‪.‬‬ ‫ولكي تكون العملية ذات جدوى‪ ،‬ال بد أن تعكس وعياً‬ ‫لحال السوق الذي يوجد فيه جمهورها والمنافسة‬ ‫التي تواجهها والتكنولوجيا التي تتطور‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫المبدأ أ‬ ‫الساسي إذاً هو صياغة «الغاية»‪ ،‬أو بكالم‬ ‫آخر ما هو المطلوب‪ ..‬وماذا يجب أن يتحقق‪.‬‬ ‫والتوجه الذي يتم تحديده‬ ‫«فالغاية المبتغاة‬ ‫ُّ‬ ‫أهمية أكبر من‬ ‫لتحقيقها أصبح لهما في نظري ّ‬ ‫التموضع‪ .‬ولن أدخل في مراحل التصميم الفني‬ ‫هنا سوى أن التصميم أصبح أمراً ال غنى عنه في كل‬ ‫مجاالت الحياة‪ ،‬وأنه بالنسبة لنا حين يختار الناس‬

‫العالمة التجارية فعل مستدام وموجه للناس‬ ‫سيحتكمون إلى ما تحب وما ال تحب‪ .‬وحين ترى‬ ‫منتجاً جميال ً وآخر قبيحاً سوف تختار الجميل»‪.‬‬

‫ن‬ ‫التع�‪ ،‬واحتاج إىل وضع ت‬ ‫يعا� من ث‬ ‫اس�اتيجية تسهم‬ ‫ي‬ ‫تحس� مكانته ي ن‬ ‫ين‬ ‫ب� مصارف بالده‪.‬‬ ‫ف ي�‬

‫وأكد المحاضر ثالثة أمور‪:‬‬ ‫عدة‬ ‫• أوال ً‪ :‬أن عملية التصميم وما تنتجه من ّ‬ ‫«براندينغ» (بدءاً من تصميم الشعار والهوية‬ ‫البصرية) هو جهد ووقت‪ ،‬وتتشارك في صياغته‬ ‫كفاءات مختلفة‪.‬‬ ‫• ثانياً‪ :‬أن كل ما يؤول إليه هذا الجهد سوف يصبح‬ ‫بالياً يوماً ما أو قديماً فاقداً للجاذبية المطلوبة‪،‬‬ ‫ويجدده ويعيد إليه الحياة‬ ‫وال بد من أن يأتي أحد ِّ‬ ‫ويع ِّزز من تأثيره بين الناس وبشكل خاص جمهور‬ ‫المستهلكين‪.‬‬ ‫• ثالثاً‪ :‬أن هذه العملية هي عملية يومية‪ .‬كل يوم‬ ‫يجدد تعلقهم بالمنتج‬ ‫عليك أن تتوجه للناس بشيء ِّ‬ ‫كي يعودوا ويطلبوا منه المزيد‪ .‬والفريق الذي سوف‬ ‫يتولّى عملية التجديد الدائم للهوية يجب أن يمتلك‪،‬‬ ‫إضافة إلى التصاميم الجميلة‪ ،‬التوجه الواضح‪،‬‬ ‫الحساس‬ ‫والشعور باالستقاللية ويُعطى فرصة إ‬ ‫بامتالك المنتج أو الهوية نفسها‪ .‬وفي نهاية كلمته‬ ‫أعطى ثالثة أمثلة تصديقاً لكالمه حول العالمات‬ ‫مبيناً ما حددته‬ ‫التجارية‪ :‬علي بابا‪ ،‬وأبل‪ ،‬وأمازون‪ِّ ،‬‬ ‫كل شركة لنفسها من غاية‪ ،‬والتوجه الذي صاغته‬ ‫للوصول إلى تحقيق هذه الغاية‪.‬‬

‫بدأت المهمة ف ي� تحديد تموضع البنك ضمن السوق‪،‬‬ ‫سيوجه المهمة من ألفها‬ ‫وهذا التحديد هو الذي‬ ‫ِّ‬ ‫ف‬ ‫إىل يائها‪ .‬وأخذت المتحدثة الحضور ي� استعراض‬ ‫ت‬ ‫ال� تم تطويرها‪ ،‬وتشمل‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫لمكونات العالمة التجارية ي‬

‫الهوية‪ ..‬مهمة متكاملة‬ ‫بعد هذه الكلمة التمهيدية والنظرية‪ ،‬تحدثت‬ ‫ت‬ ‫ال� اختارت أن تكون مداخلتها‬ ‫المصممة ماري ف سكّر‪ ،‬ي‬ ‫عبارة عن رحلة ي� مهمة تكوين هوية جرافيكية باتجاه‬ ‫ال�اندينغ من بدايتها إىل نهايتها‪ .‬وكانت المهمة‬ ‫بناء ب‬ ‫تصميم هذه الهوية لمرصف خليجي إسالمي كان‬

‫الشعار‬ ‫اقترص عىل إعادة تطوير الشعار السابق‪ ،‬ولكن‬ ‫باستخدام حرف سميك مخترص يوحي بالجدية‬ ‫والثقة‪ ،‬وإلغاء حركة ال ن‬ ‫مع� لها وال دور ف ي� طريقة‬ ‫كتابة االسم سابقاً‪.‬‬ ‫أ‬ ‫اللوان‬ ‫كحل ولكنه خاص‪ ،‬يُنسب‬ ‫ذكرت أنه تم اختيار لون أزرق ي‬ ‫إىل الرسام السويرسي إيف كالين‪ ،‬وي ّتصف بالحيوية‪.‬‬ ‫أسلوب المخاطبة‬ ‫النجاز‪.‬‬ ‫ذكرت أن أسلوب المخاطبة ينتج عن توجه إ‬ ‫سيارة»‪ ،‬أو‬ ‫فيقول إ‬ ‫العالن مثالً‪« :‬أريد أن أحصل عىل َّ‬ ‫«ال تستسلم أبداً»‬ ‫الحروف المختارة‬ ‫ين‬ ‫اللغت�‬ ‫والنجاز ف ي�‬ ‫عائلة الحروف توحي بالجدية إ‬ ‫وال ي ز‬ ‫نجل�ية دون أن يكون أحدهما نسخة‬ ‫العربية إ‬ ‫أو تكراراً آ‬ ‫للخر‪ .‬وبذلك تتم المحافظة عىل‬ ‫العر�‪.‬‬ ‫السمات العربية للحرف ب ي‬ ‫الخراج‬ ‫أدوات إ‬ ‫ت‬ ‫ال� تجعل منشورات البنك وإعالناته‬ ‫وهي ي‬ ‫تعود القارئ عىل‬ ‫ومطبوعاته ذات خصائص ثابته ِّ‬ ‫توقّعها عىل الصفحات‪.‬‬


‫‪11 | 10‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫ف‬ ‫و� استعراض شعار البنك ذكرت المتحدثة أن الفكرة‬ ‫أي‬ ‫الساسية تعود إىل التوجه العام الذي تم تحديده‪،‬‬ ‫وهو أن هذا البنك ينجز أ‬ ‫العمال‪ .‬فعىل الشعار أن‬ ‫يوحي بجدية ما يعد به‪ .‬وأشارت إىل أنه تم تصميم‬ ‫اسم البنك بالحروف الالتينية عىل شكل رمز رابط‬ ‫العر� أخذ عنرصاً واحداً من‬ ‫اتصال‪ ،‬وأن االسم ب ي‬ ‫التصميم دون تكرار‪.‬‬ ‫وأعطت أمثلة عن انعكاس ت‬ ‫االس�اتيجية عىل‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� يستخدمها‬ ‫التصاميم بما ي� ذلك أبسط النماذج ي‬ ‫الزبون‪ ،‬حيث توضع الئحة لكل ما سوف يحتاجه‬ ‫وبالتال ال‬ ‫من وثائق عىل رأس صفحة النموذج‪،‬‬ ‫ي‬ ‫يُشغل نفسه بملء النموذج إذا لم تكن هذه الوثائق‬ ‫بحوزته‪ .‬‬ ‫وأنهت استعراضها بأمثلة أخرى ي ّ ن‬ ‫تب� ما يعزز أو‬ ‫يحول دون تطبيق شامل للهوية ف ي� الواقع‪.‬‬

‫االستماع إلى استراتيجيات العميل هو نقطة‬ ‫االرتـكاز للمراحل العديدة التي تن َّفذ الحقاً‬

‫مصطلحات‬

‫ال�اندينغ ‪branding‬‬ ‫ ب‬‫أ‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫ً‬ ‫وبالتال أساس المفهوم‬ ‫الموا� بسمة أصحابها من أجل تأكيد امتالكها‪.‬‬ ‫هو مصطلح حديث نسبيا ويعود ي� الصل إىل دمغ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫مكونات ش‬ ‫وغ�ها بصبغة واحدة تجعل من يلمح أياً‬ ‫ال�كة من مواد إعالنية ومنتجات وحافالت ويافطات ي‬ ‫أن يتم صبغ جميع ِّ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫من هذه العنارص يدرك تلقائيا انتسابها للصل‪.‬‬ ‫ف‬ ‫بخ�ات تسويق وترويج لوضع ت‬ ‫اس�اتيجية عامة ال‬ ‫ومن أجل ضمان فعالية هذا العمل ي� جانبه التصميمي‪ ،‬تتم االستعانة ب‬ ‫بكث� تشمل أسلوب المخاطبة‬ ‫تتعداها إىل تطبيقات أوسع ي‬ ‫تقف عند اكتمال الهوية الجرافيكية من شعار وتطبيقاته‪ ،‬بل ّ‬ ‫والصور ت‬ ‫وغ�ها‪.‬‬ ‫وح� الموسيقى ي‬ ‫ الهوية البرصية أو الجرافيكية ‪graphic identity‬‬‫ف‬ ‫و� بالدنا منذ نحو عقدين‪ .‬وهو أن‬ ‫مفهوم سبق المفهوم السابق‪ ،‬وبدأ استخدامه ف ي� الغرب قبل عقود عديدة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫يقوم فريق التصميم الجرافيك بتطبيقات عديدة للشعار تتجاوز ورق المراسالت وبعض النماذج أ‬ ‫الخرى كما ف ي�‬ ‫ي‬ ‫شخصية برصية متكاملة للمؤسسة‬ ‫السابق‪ ،‬إىل تطوير تطبيقات الشعار واالستعانة بألوانه ونمط حروفه لبلورة‬ ‫ّ‬ ‫أو المنتج‪.‬‬


‫برنامج مسؤولية‬ ‫اجتماعية لبنك‬ ‫تجاري‬

‫التمارين على طلبات حقيقية‬

‫ف� اليوم أ‬ ‫الول من الورشة‪ ،‬وبعد االنتهاء من‬ ‫ي‬ ‫المحا�ض ي ن‬ ‫ت� ومناقشتهما‪ ،‬دعا مديرها نسيم‬ ‫أبو عبدهللا ممثل العمالء أ‬ ‫الربعة الحا�ض ين إىل‬ ‫ي‬ ‫ش�ح طبيعة أعمال مؤسساتهم وخدماتها‪،‬‬ ‫لتول الطالبات الحا�ض ات وضع‬ ‫تمهيداً ي‬ ‫ز‬ ‫المم�ة لها‪.‬‬ ‫العالمات التجارية ي‬

‫محمية‬ ‫محـازة‬ ‫الصيد‬

‫‪3‬‬

‫‪1‬‬

‫مــترو‬ ‫جــدة‬

‫قدم أ‬ ‫الستاذ محمد سعيدون‪ ،‬مدير‬ ‫َّ‬ ‫التسويق في البنك السعودي الهولندي‪،‬‬ ‫شرحاً وافياً عن برنامج «مسؤولية‬ ‫اجتماعية» الذي أطلقه البنك بالشراكة‬ ‫مع ميكروسوفت العربية‪ .‬وما يحققه هذا‬ ‫البرنامج العام عبر أربعة برامج فرعية في‬ ‫مجال تعزيز قدرات الشباب في مجال‬ ‫اللكترونية‪ ،‬وذلك عبر‬ ‫تطوير التطبيقات إ‬ ‫تنمية المهارات االبتكارية والخالقة‪ .‬وذكر‬ ‫أن واحداً فقط من البرامج الفرعية تم‬ ‫تطوير هوية بصرية له وشعار‪ ،‬أما البرامج‬ ‫أ‬ ‫الخرى فليس بعد‪ .‬ثم طلب المتحدث‬ ‫من المشاركين تطوير هوية بصرية للبرنامج‬ ‫العام تعكس أهدافه وطبيعة الشراكة مع‬ ‫برنامج ميكروسوفت‪.‬‬

‫أ‬ ‫ولن منظمي ورشة العمل هذه‪ ،‬كما أوضح مديرها‪ ،‬حرصوا‬ ‫على تقديم مواضيع من مناخات مختلفة‪ ،‬كانت محمية‬ ‫«محازة الصيد» الموضوع الثالث من مواضيع التمارين‪.‬‬ ‫أرسل مادة الشرح الدكتور أحمد البوق‪ ،‬مدير المركز‬ ‫الوطني ألبحاث الحياة الفطرية بالطائف‪ ،‬وبسبب عدم‬ ‫قدم الشرح عنه عضو‬ ‫تمكنه من الحضور في الموعد َّ‬ ‫تضمن الشرح‬ ‫الفريق المنظِّم المصمم محمد بن طالب‪َّ .‬‬ ‫كثيراً من المعطيات عن محازة الصيد التي تقع على‬ ‫مقربة من مدينة الطائف‪ .‬وعلى الرغم من نجاحها في أن‬ ‫تكون موطناً لعدد من أنواع الحيوانات والطيور المهددة‬ ‫باالنقراض إال أنها ال تزال تفتقر إلى شعار خاص بها‪.‬‬ ‫وأمل البوق في أن يكون الهدف من الشعار الذي سيجري‬ ‫النسان والحياة الفطرية‪.‬‬ ‫تصميمه هو تعزيز العالقة ما بين إ‬

‫جمعية‬ ‫مواكب‬ ‫أ‬ ‫الجر‬

‫‪4‬‬

‫‪2‬‬

‫كان أ‬ ‫الستاذ أحمد خبيري‪ ،‬العميل الثاني‬ ‫قدم شرحاً بالنيابة عن مشروع مترو‬ ‫الذي َّ‬ ‫أنفاق جدة‪ .‬كان المشروع افتراضياً‪ ،‬لكن‬ ‫العالن الرسمي‬ ‫الصدف شاءت أن يأتي إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الول عنه في صحف اليوم الول لورشة‬ ‫العمل‪ ،‬ما أثَّر في تلقي الطالبات لجديَّة‬ ‫المهمة‪ .‬وقبل أن يوجز طبيعة التصميم‬ ‫المطلوب‪ ،‬أكد على توجه عام بأن الهوية‬ ‫البصرية يجب أن تعكس تجربة نقل‬ ‫جديدة كلياً‪ ،‬بمعنى أن يشعر الناس بمناخ‬ ‫جديد في كيان المدينة‪ .‬وأعطى كثيراً من‬ ‫التفاصيل حول المشروع الجديد‪ ،‬آمال ً في‬ ‫تعبر العالمة التجارية المطلوبة عن‬ ‫أن ِّ‬ ‫تجربة النقل الجديدة هذه‪.‬‬

‫أما الموضوع الرابع الذي تناولته الورشة فكان حول‬ ‫جمعية «مواكب أ‬ ‫الجر»‪ ،‬فعرضت السيدة عبير‬ ‫عبدالعزيز النويصر‪ ،‬المشرفة العامة على الجمعية‪،‬‬ ‫أهدافها وفكرة تأسيسها والفئات التي تستهدفها‪.‬‬ ‫ملخصة أن «مواكب أ‬ ‫الجر» هو مشروع تابع لجمعية‬ ‫أ‬ ‫اليتام بالطائف‪ ،‬تأسس منذ سنوات عشر‪ ،‬ويعتمد‬ ‫بشكل أساسي على االستفادة مما يستغني عنه الناس‪.‬‬ ‫وبعد إعادة تدويره أو إصالحه‪ ،‬تقوم الجمعية ببيع‬ ‫الشياء بأسعار معقولة لمساعدة أ‬ ‫هذه أ‬ ‫الرامل وكفالة‬ ‫أ‬ ‫اليتام ورعاية المرضى‪ ،‬ونشر ثقافة من نوع جديد‬ ‫للعمل التطوعي في المجتمع وحماية البيئة‪ .‬وفيما‬ ‫أكدت النويصر الرغبة‬ ‫يخص شعار الجمعية الحالي َّ‬ ‫«الج َمل» كرمز‪ ،‬وذلك لعالقته بتراثنا‬ ‫في الحفاظ على َ‬ ‫كالصرار على السير‬ ‫من جهة وما يمثله «الجمل»‪ ،‬إ‬ ‫قُدماً مهما كانت الصعاب‪.‬‬


‫‪13 | 12‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫صمم وحيداً‪ ،‬وليس‬ ‫الشعار الجيد هو الذي يُ َّ‬ ‫واحداً من عدة اختيارات‬

‫قوة الشعار‪ ..‬تع ِّزز المهمة!‬ ‫وفي اليوم الثاني تحدث مدير المحترف السعودي‬ ‫حوا عن دور الشعار ومكانته في العملية‬ ‫كميل َّ‬ ‫المسماة «براندينغ»‪ ،‬فقال‪ :‬إن تصميم‬ ‫الشاملة‬ ‫َّ‬ ‫الشعار‪ ،‬أي اللوجو‪ ،‬هو تصميم لشعار واحد‬ ‫وليس عدة خيارات‪ ،‬كما تجري العادة‪ .‬فحين ينجح‬ ‫المصمم في أن يسبر كنه المؤسسة أو المناسبة أو‬ ‫ِّ‬ ‫المنتج‪ ،‬وتتكون لديه صورة ملموسة عن ماهيتها‬ ‫الحساس إلى شعار‪ ،‬يكون حينئذ بشكل‬ ‫ويحول هذا إ‬ ‫ِّ‬ ‫أو بآخر قد حقق النتيجة المثلى‪ .‬ولن يستطيع أن‬ ‫يحمل نفسه على تصميم شعار آخر‪.‬‬

‫ونسمع كثيراً أن الشعار أو الهوية البصرية ليست‬ ‫هي «البراندينغ»‪ .‬وهذا صحيح‪ .‬لكن ال شك أن‬ ‫المهمة تكون أسهل‪ ،‬وأكثر فاعلية‪ ،‬بوجود‬ ‫هذه‬ ‫ّ‬ ‫شعار جذاب ومؤثّر‪ .‬فحولنا شعارات كثيرة تثير عند‬ ‫العجاب والثقة‪ ‬وهذا أهم ما تحققه‬ ‫رؤيتها مشاعر إ‬ ‫عملية البراندنج على المدى البعيد‪.‬‬

‫وتحدث عن عملية التصميم‪ ،‬وكيف يجب أن‬ ‫يأخذ المصمم الوقت في البداية للتفكير والتأمل‬ ‫أ‬ ‫االسكتشات‪ ‬الولية‬ ‫والدراسة‪ .‬وعدم البدء برسم‬ ‫إال حين يشعر أنه أصبح لديه بالفعل شيء‬ ‫يتحول إلى‬ ‫يقوله‪ .‬وكيف أن رسماً عفوياً بسيطاً قد ّ‬ ‫شعار موفَّق‪.‬‬

‫العالمة التجارية في السوق‬ ‫بين الشكل والفعل!‬ ‫بعد ذلك‪ ،‬تحدث وليد أبو الريش عن العالقة بين‬ ‫العالمة التجارية وطبعة العمل ومستوى نجاحه‪.‬‬ ‫فتطرق إلى ثالث وجهات نظر‪:‬‬ ‫• من يظن أن الهوية البصرية أو العالمة التجارية‬ ‫هي التي تدفع المنتج إلى أ‬ ‫المام‬ ‫• ومن يظن أن المنتج هو الذي يدفع العالمة‬ ‫التجارية إلى أ‬ ‫المام‬ ‫• ومن يظن أن المستهلك أو الزبون هو من يدفع‬ ‫باالثنين إلى أ‬ ‫المام‪.‬‬ ‫وأكد أن طرح السؤال أيهما يأتي أوال ً العالمة التجارية‬ ‫أو منتجها ليس صحيحاً‪ .‬فالغاية في العالقة بين‬ ‫العالمة التجارية ومنتجها‪ .‬فالناس يبدأون بفكرة‬ ‫أ‬ ‫تتحول إلى عمل تجاري‬ ‫مبتكرة حيادية‪ ،‬تحتاج لن َّ‬ ‫يقدم للجمهور على شكل خدمة أو منتج أو التزام‬ ‫ّ‬ ‫يحدد مصير‬ ‫ما‪ .‬وتجاوب الناس أو الزبائن مع هذا ِّ‬ ‫هذه الفكرة‪ ،‬وما إذا كانت بدأت تتبلور إلى عالمة‬ ‫تجارية ناجحة (‪ )brand‬أم ال‪.‬‬ ‫ففي البداية ما يتم تقديمه للناس كمنتج أو خدمة‬ ‫أ‬ ‫قوة الدفع للعالمة التجارية‪.‬‬ ‫هو المسؤول الول عن ّ‬ ‫إال أنه مع الوقت‪ ،‬ال َّبد من تجديد وتطوير العالمة‬ ‫التجارية وكل الهويّة البصرية (الشعار والحروف‬

‫في البدء‪ ،‬المنتج الجيد هو الذي يقف وراء‬ ‫نجاح العالمة التجارية‪ .‬وبعد ذلك تصبح‬ ‫العالمة التجارية أداة المحافظة على النجاح‬ ‫أ‬ ‫واللوان وتطبيقاتها)‪ ،‬لتصبح الهوية هذه أو «البراند»‬ ‫أ‬ ‫هي المسؤولة الولى عن عملية المحافظة على‬ ‫النجاح ومستقبل المنتج أو الخدمة وليس العكس‪ .‬‬ ‫تم طرح ست خالصات‪ ،‬أهمها أنك حين تبني العمل‬ ‫فأنت تبني العالمة أو الشهرة التجارية‪ .‬وأعطى أمثلة‬ ‫على ذلك مجموعة «ستار باكس»‪ .‬كما أنه ال يمكن‬ ‫المحافظة على مكانة العالمة التجارية‪ ‬على حساب‬ ‫عمل سيئ أو باطل‪ ،‬ومثاال ً على ذلك كيف فقدت‬ ‫المميزة عالمياً‪ ،‬بسبب‬ ‫شركة كوداك بسرعة سمعتها ّ‬

‫تأخرها عن أخذ قرارات صائبة‪.‬‬ ‫وخلص أبو الريش في كلمته إلى إبراز قيمة بناء عالمة‬ ‫تجارية قوية‪ .‬فهذه العالمة تعكس قيماً حقيقية‪ ،‬ولها‬ ‫النفاق‬ ‫أدوار إيجابية شتى‪ ،‬إذ تخفّض الحاجة إلى إ‬ ‫العالني على المدى البعيد‪ ،‬ألنها تأتي بالزبون إلى‬ ‫إ‬ ‫البائع‪ ،‬وتزيد من جاذبية الشركة التوظيفية‪ ،‬وتساعد‬ ‫على مقاومة فترات الركود االقتصادي‪ ،‬وأخيراً تعزز‬ ‫قدرة الشركة على بيع منتجات فرعية أخرى‪ ،‬وذلك‬ ‫بنا ًء على سمعتها بين الناس‪ .‬‬


‫والنتيجة في اليوم التالي‬ ‫أفكار وعناصر ذكية صالحة‬ ‫للمناقشة‬

‫بعد توزيع الطالبات المشاركات في الورشة إلى ثماني‬ ‫مجموعات‪ ،‬تم توجيه كل مجموعتين نحو واحد من‬ ‫طلبات العمالء أ‬ ‫الربعة‪ ،‬تعزيزاً للمنافسة‪ ،‬وإظهاراً‬ ‫لالختالف في التوجهات التي يمكن لكل فريق أن يسلكها‬ ‫مقارنة بالفريق المنافس‪.‬‬ ‫وفي المرحلة أ‬ ‫الخيرة من الورشة في اليوم التالي‪،‬‬ ‫وبعد أن عملت الطالبات على وضع العالمات التجارية‬ ‫المطلوبة مسا ًء وليال ً وخالل االستراحات‪ ،‬تم عرض ما‬ ‫توصل إليه كل فريق على حدة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫ولن وضع أي عالمة تجارية في شكلها النهائي والمتكامل‬ ‫يتطلب في الواقع وقتاً أطول من ذلك بكثير‪ ،‬كان من‬ ‫المتوقع أن تكون نتائج مجهودات فرق العمل هذه جزئية‬ ‫تعبر عن فهم أفضل لماهية العالمة‬ ‫أو أولية‪ ،‬بحيث ِّ‬ ‫التجارية‪ ،‬وعن صحة التوجه‪ .‬وهذا ما تأكد عندما راحت‬ ‫الطالبات يعرضن أفكارهن وتصوراتهن لماهية العالمات‬ ‫التجارية المالئمة لهذه المشاريع أ‬ ‫الربعة‪.‬‬ ‫وخالل قيام الطالبات بعرض ما توصلن إليه‪ ،‬الذي‬ ‫تراوح ما بين صورة المترو مرسومة بالكلمة‪ ،‬وشجرة‬ ‫سدر‪ ،‬وإطالق اسم «همة» على برنامج البنك السعودي‬ ‫الهولندي‪ ،‬وتفسير اعتماد اللون البني في اسم مواكب‬ ‫أ‬ ‫الجر وغير ذلك‪ ..‬عرضن في الوقت نفسه مكامن‬ ‫الصعوبات التي واجهنها‪ ،‬وأيضاً رأيهن في الورشة‪.‬‬

‫ عدة العمل ‪tool kit‬‬‫ال�اندينغ تصبح جملة التصاميم‬ ‫بنا ًء عىل مفهوم ب‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ً‬ ‫ال� تم تطويرها بدءا بشعار ال�كة واللوان‬ ‫ي‬ ‫والحروف المختارة‪ ...‬الخ‪ ،‬إضافة إىل العبارات‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫ال�ويجية والتوجهات ي‬ ‫وغ�ها‪ ،‬عدة العمل ي‬ ‫ن‬ ‫يستع� بها ويستخدمها من يتولّون المهمة‬ ‫ي‬ ‫الشاملة‪.‬‬ ‫اليضاح والتوجيه ‪briefing‬‬ ‫ إ‬‫بشكل عام هو ملخص توجيهي يوجز‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫يقدمها صاحب ش‬ ‫م�وع‬ ‫ال� ِّ‬ ‫المعلومات وال ففكار ي‬ ‫ت‬ ‫وال� تتم‬ ‫لجهة فتنفيذية ي� بداية العمل‪ ،‬ي‬ ‫أحياناً ي� جلسة تتخللها أسئلة استيضاحية من‬ ‫المهمة‪ .‬وتُعد‬ ‫الفريق المطلوب منه إنجاز‬ ‫ّ‬ ‫أساساً يتم الرجوع إليه بُعيد التنفيذ لقياس‬ ‫مدى ت ز‬ ‫واليضاحات‬ ‫ال�ام المنفّذ بالتوجيهات إ‬ ‫ت‬ ‫ال� تم تقديمها‪.‬‬ ‫ي‬

‫الشعارات التي تم تصميمها في الورشة‬ ‫من أقوال الفريق الذي عمل على‬ ‫مشروع مترو جدة‪« :‬إن الورشة ع َّززت‬ ‫قدرتنا على التركيز وإنهاء العمل‬ ‫بسرعة وفاعلية‪ .‬كما اكتشفنا للمرة‬ ‫أ‬ ‫الولى كيف يتم العمل الحقيقي‪.‬‬ ‫لقد بات بإمكاننا أن نضع أنفسنا مكان‬ ‫العميل لفهم ما يمثله هذا القطاع‬ ‫بالنسبة له‪ ،‬وكيف يمكننا أن نعطي‬ ‫الصورة الحقيقية عنه»‪.‬‬ ‫ومن الفريق الذي عمل على مشروع‬ ‫محمية «محازة الصيد»‪:‬‬ ‫«واجهنا صعوبات في البداية‪،‬‬ ‫ولكن استفدنا من المحاضرات ومن‬ ‫مروا بجانبنا»‪.‬‬ ‫مالحظات الذين ُّ‬

‫ومن الفريق الذي عمل على مشروع‬ ‫برنامج البنك السعودي الهولندي‪:‬‬ ‫«أكبر التحديات التي واجهتنا كانت‬ ‫تحديد شخصية البرنامج من خالل‬ ‫إيجاد مفردات تع ِّبر عن الطابع الشبابي‬ ‫المتخصص لهذا البرنامج‪ ،‬وكيفية ربط‬ ‫اسمه بصرياً بشعار البنك»‪.‬‬

‫وتقول الطالبات الالئي عملن على‬ ‫الجر»‪« :‬التحدي أ‬ ‫شعار «مواكب أ‬ ‫الكبر‬ ‫في هذا الشعار كان إصرار العميل‬ ‫الج َمل كعنصر أساسي‬ ‫على إبقاء َ‬ ‫في الشعار‪ .‬فكان علينا كتابة االسم‬ ‫بشكل جديد يعكس هوية الجمعية‬ ‫الجمال كعنصر‬ ‫واستعمال قافلة ِ‬ ‫جرافيكي منفصل»‪.‬‬

‫ومن هذه المالحظات وغيرها كثير التي رافقت عرض المشاريع‪ ،‬يتأكد لنا أن ورشة‬ ‫العمل هذه حققت بالفعل ما هو مرجو منها‪ ،‬إذ شكَّلت بالنسبة إلى الطالبات‬ ‫المشاركات‪ ،‬اختباراً عملياً‪ ،‬هو أ‬ ‫الول من نوعه في مواجهة العمالء‪.‬‬


‫‪15 | 14‬‬

‫بداية كالم‬

‫ما رأيك بالتلفزيون‬ ‫في رمضان؟‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫فايز الغامدي ‪ -‬شاعر سعودي‬

‫ثك�ة النتاج ال�امجي والدرامي ف� رمضان أصبحت السمة أ‬ ‫البرز‪،‬‬ ‫إ‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫صغ� ًة وأنيقةً وجاذبةً‬ ‫حيث لم تعد تلك الشاشة‬ ‫الصغ�ة ي‬ ‫ي‬ ‫كالسابق‪ ،‬بل تعدى أ‬ ‫المر ليصبح أشبه ض‬ ‫بفو� إنتاج تكون معها‬ ‫َّ‬ ‫مهمة المشاهدة والمتابعة مهمةً شاقة ومضنية‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫بالسم�‪،‬‬ ‫الغث‬ ‫وإزاء هذا الزخم‬ ‫التلفزيو� وتداخل المشاهد واللوان واختالط ّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫وال�امج‪ ،‬لمشاهدتها بعد شهر رمضان ف ي� عرضها‬ ‫نفس دائماً أقوم باختيار بعض العمال الدرامية ب‬ ‫أجد ي‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫التورم الطارئ الذي‬ ‫الثا� أو الثالث أو ح� الرابع‪ ،‬حينما تعود الشاشة إىل حجمها الطبيعي‪ ،‬ويزول عنها ّ‬ ‫ي‬ ‫يحدث كل عام‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الفطار‪ .‬إذ عىل‬ ‫ولكن تظل هنالك ف�ة ذهبية تكون فيها مشاهدة التلفاز أمرا حتميا وتلقائيا بالنسبة يل هي ف�ة إ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫نفس مرغماً عىل مشاهدة‬ ‫ال�امجي المعروض ي� ي‬ ‫الرغم من تواضع المحتوى ب‬ ‫أن� أجد ي‬ ‫كث� من المواسم ‪ ،‬إال ي‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫ن‬ ‫ث‬ ‫ً‬ ‫وكأن� أستح� بذلك تفاصيل لوحة مرسومة بعيدا ي� الذاكرة‪.‬‬ ‫تلك ب‬ ‫ال�امج‪ ،‬ربما من قبيل العادة ال أك�‪ ،‬ي‬

‫أختار بعض األعمال‬ ‫الدرامية والبرامج‪،‬‬ ‫لمشاهدتها بعد‬ ‫رمضان في عرضها‬ ‫الثاني أو الثالث أو‬ ‫حتى الرابع‬

‫فهد الطاسان‬ ‫كاتب سعودي‬

‫ف‬ ‫زمن ما‪ ،‬ال يأبهون‬ ‫كان الناس ي� ٍ‬ ‫ت‬ ‫بشاشة التلفزيون‪ .‬ثم أ� زمن‬ ‫الفطار»‪ .‬ي ن‬ ‫وب� هذين‬ ‫كانوا يجتمعون فيه «عىل مائدة إ‬ ‫ف‬ ‫الزمن�‪ ،‬تشكّلت ت‬ ‫ين‬ ‫قناع� عن الشاشة ي� رمضان‪ .‬ال‬ ‫ي‬ ‫الكثار من مشاهدة التلفزيون ف� رمضان‪ ،‬ألن�ن‬ ‫أحب إ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫العالمي‪ .‬وال أشاهد معظم ما يُعرض عىل‬ ‫ال أحب أن أقع ي� حبائل االستغفال إ‬ ‫ض‬ ‫الشاشة نهاراً‪ .‬ن‬ ‫العو�»‪،‬‬ ‫الشق�ي‪ ،‬وبرنامج الدكتور «محمد‬ ‫أستث� «خواطر»‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫التفك�‪ ،‬بما يليق بب�كة‬ ‫شاهديها‪ ،‬وتهبه بركة‬ ‫ي‬ ‫وبعض ب‬ ‫ال� ال تستغفل ُم ِ‬ ‫ال�امج ي‬ ‫لنفس أن تكون مع الذين ينتظرون شهر رمضان من أجل شاشته‪.‬‬ ‫أرفض‬ ‫الزمان‪.‬‬ ‫ي‬ ‫بعد صالة المغرب‪ ،‬تجتمع العائلة حول القهوة و«الحال»‪ ،‬وخلفية شاشة‬ ‫التلفزيون‪ ،‬تفصل بينهما الكلمات‪ .‬بعد العشاء ت‬ ‫وال�اويح‪ ،‬غالباً ما أنشغل بشاشة‬ ‫الجوال‪ ،‬عىل اليوتيوب‪ ،‬ض‬ ‫تفس� القرآن للشيخ «محمد الراوي»‪ ،‬أو‬ ‫أح� حلقات ي‬ ‫ت‬ ‫بث‪ .‬بعد‬ ‫ال� لم تعد تُ ّ‬ ‫محا�ض ات أراجع بها مقاصد العبادات‪ ،‬وبعض ب‬ ‫ال�امج ي‬ ‫تفس� القرآن الكريم للشيخ الشعراوي‪ .‬شهر رمضان لم يكن‬ ‫الفجر‪ ،‬يل جلسة مع ي‬ ‫للشاشة‪ ،‬والشاشة لم تكن لرمضان فقط‪.‬‬

‫ً‬ ‫واقعا‬ ‫ال أحب أن أكون‬ ‫في حبائل االستغفال‬ ‫اإلعالمي‬


‫استغالل الوقت في‬ ‫مشاهدة ما ُيعرض‬ ‫على التلفزيون‬

‫سلمى بابكر ‪ -‬طبيبة أمراض باطنية‬

‫المسلم� أن رمضان هو شهر ي َّ ز‬ ‫ين‬ ‫مم�‪ ،‬بل‬ ‫من المعروف عند كافه‬ ‫هو أ‬ ‫الفضل ف ي� السنة لما يحتويه من روحانية وعبادة‪ .‬والجميل‬ ‫ت‬ ‫ال� ال تخلو مما لذَّ وطاب‬ ‫أيضاً هو االجتماعات العائلية ي‬ ‫ف‬ ‫من المأكوالت واستغالل الوقت ي� مشاهدة ما يُعرض عىل‬ ‫يشد انتباه المشاهد من الدراما‬ ‫التلفزيون‪ ،‬وتسابق القنوات الفضائية عىل كل ما ُّ‬ ‫وغ�ها‪ .‬ولشهر رمضان روحانية خاصة‬ ‫وال�امج الدينية ي‬ ‫والمسابقات الرمضانية ب‬ ‫الفطار والسحور‪ ،‬لما فيها من أجواء ي ز‬ ‫وكب�ها‪ .‬فكل عائلة لها طابعها‬ ‫أثناء وقت إ‬ ‫صغ�ها ي‬ ‫تتم� باجتماع العائلة ي‬ ‫الخاص وحياتها اليومية الخاصة بها‪ .‬فشهر رمضان هو شهر يقرب فيه البعيد‪ ،‬ويتقرب فيه المسلمون إىل الله‬ ‫عز وجل‪ ،‬فهنيئاً لنا بهذا الشهر العظيم‪.‬‬ ‫ّ‬

‫عبدالله آل شيبان ‪ -‬مهندس معماري‬

‫تتجل فيه مشاعر روحانية ن‬ ‫رمضان هو شهر َّ‬ ‫ب� من الخالق‬ ‫ِّ‬ ‫تقر ي‬ ‫ن‬ ‫ث‬ ‫سبحانه وتعاىل‪ .‬أشعر يأ� أرتقي إىل عالم أك� شفافية‪ ،‬عالم‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫وصال� وعندما أقرأ‬ ‫يربط� بالله عز وجل‪ .‬أناجيه ف ي� صيامي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫القرآن الكريم‪ .‬فأنا أستمع إليه‪ ،‬وعندما أناجيه ف� صال�ت‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أتحدث إليه‪ ،‬وأبث إليه كل‬ ‫أحاسيس ومشاعري‪ .‬أشعر بروحي تحلِّق ف ي� سماء هذا‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وتقبلها فرحا وأنسا بقربه‪.‬‬ ‫الكون ح� تكاد تصعد إىل السماء ِّ‬ ‫ف‬ ‫ال�امج‬ ‫كث� للتلفزيون‪ ،‬فتكون المشاهدة مخترصة عىل بعض ب‬ ‫لدي وقت ي‬ ‫بالنسبه يل‪ ،‬ي� شهر رمضان ال يوجد َّ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫الخاء‪ ،‬وبرنامج خواطر‪،‬‬ ‫ال�‬ ‫تشد�‪ ،‬مثال ً برنامج كيف تتلذذ بالصالة‪ ،‬وبرنامج اليوم النبوي‪ ،‬وسواعد إ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫القيمة ي‬ ‫وبعض برامج الطبخ‪.‬‬

‫ال أحب متابعة المسلسالت‬ ‫ألنها تشعرني باالرتباط‬

‫ال يوجد الكثير من‬ ‫الوقت للتلفزيون‬

‫عبدالرحمن الجوهري ‪ -‬كاتب‬

‫شاشة شهر رمضان بالنسبة يل مرتبطة‬ ‫بظروف كل سنة‪ .‬فمثالً‪ ،‬خالل العام‬ ‫الفائت كانت أجواء كأس العالم حتماً‬ ‫هي المستحوذة عىل شاشة نز‬ ‫م�لنا‪.‬‬ ‫وعموماً أنا ال أحب متابعة المسلسالت ألنها تشعر�ن‬ ‫ي‬ ‫ال� ث‬ ‫ت‬ ‫تك� ف ي�‬ ‫باالرتباط‪ ،‬أشاهد ب‬ ‫ال�امج الحوارية والتوعوية ي‬ ‫هذا الشهر الفضيل‪.‬‬ ‫من محاسن الشاشة بالنسبة يل أنها تسهم ف ي� جمع كل‬ ‫الفطار‪ ،‬بغض النظر‬ ‫أطراف العائلة‪ ،‬وخصوصاً بعد إ‬ ‫ً‬ ‫عما تحتويه الشاشات العربية ف ي� هذا الوقت تحديدا من‬ ‫َّ‬ ‫«سالفة» إضحاك البعض عىل الكل‪ .‬أو تركيب نموذج‬ ‫النادر عىل نموذج الظاهرة‪ .‬أو تعميم الخاص المستور‬ ‫عىل حساب لفت انتباه العام والجمهور‪ .‬كلها قضايا‬ ‫أك� من أن تناقش مع من يعطيك االنطباع أن أ‬ ‫الهم �ف‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫المر لديه‪ ،‬هو كيف أ‬ ‫أ‬ ‫تمل مكانك المنعدم طول العام‪،‬‬ ‫ف� ظرف ي ن‬ ‫ثالث� يوماً عىل الشاشة‪ ،‬واالنطباع العام حق‬ ‫ي‬ ‫مكفول بالقانون ش‬ ‫الب�ي ألي كائن كان‪.‬‬


‫‪17 | 16‬‬

‫كتب عربية‬

‫مدونة قرارات اللغة‬ ‫َّ‬ ‫العربية في المملكة‬ ‫العربية السعودية‬ ‫الناشر‪ :‬مركز الملك عبدهللا لخدمة‬ ‫اللغة العربية‪2015 ،‬‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫يعبر أ‬ ‫المين العام لمركز الملك عبدهللا لخدمة اللغة العربية الدكتور‬ ‫ّ‬ ‫عبدهللا بن صالح الوشمي عن أسباب اهتمام المملكة باللغة العربية‬ ‫بقوله‪« :‬تمثل المملكة العربية السعودية المرجعية العربية الكبرى في‬ ‫احتضان برامج اللغة العربية المتنوعة ودعمها على مستوى العالم‪...‬‬ ‫وقد تواترت جهود ملوكها الكرام في تعزيز مكانة اللغة العربية ودعم‬ ‫أ‬ ‫الطار»‪ .‬لذلك كشف المركز‬ ‫وسن النظمة والقوانين في هذا إ‬ ‫برامجها‪ّ ،‬‬ ‫«مدونة قرارات‬ ‫مؤخراً عن إصداره كتاباً نوعياً في هذا المجال بعنوان‬ ‫َّ‬ ‫اللغة العربية في المملكة العربية السعودية»‪.‬‬ ‫ومن أجل إصدار هذا الكتاب نهض المركز بتكوين فرق العمل‬ ‫وورش النقاش لجمع قرارات اللغة العربية وتعاميمها وأنظمتها‬ ‫ولوائحها ورصدها على المستوى المحلي‪ ،‬بالتعاون والتواصل مع‬ ‫مختلف القطاعات في الوزارات والهيئات والمؤسسات المتعددة في‬ ‫المملكة‪ ،‬وكلَّف فريقاً بحثياً الستقصاء ذلك‪ .‬كما قامت أ‬ ‫المانة العامة‬ ‫للمركز باالستفادة من خبرات أعضاء مجلس أ‬ ‫المناء في عدة جلسات‬ ‫نقاش‪ .‬ومعلوم أنه ينظر إلى القرار اللغوي بوصفه أساساً للتخطيط‬ ‫اللغوي االستراتيجي ألية دولة‪ .‬وكانت النتيجة إصدار هذا الكتاب‬ ‫الذي يعد أ‬ ‫الول في بابه لجمع القرارات السيادية للغة العربية في‬ ‫ُ‬ ‫دولة من الدول‪.‬‬

‫النظرية النقدية‪:‬‬ ‫القراءة‪ ،‬المنهج‪،‬‬ ‫التشكيل األجناسي‬ ‫تأليف‪ :‬د‪ .‬محمد صابر عبيد‬ ‫الناشر‪ :‬الدار العربية للعلوم‬ ‫ناشرون‪ ،‬مارس ‪2015‬‬

‫يناقش الباحث د‪ .‬محمد صابر عبيد في عشرة فصول «قراءة» منهجية في‬ ‫والجناس أ‬ ‫الفكر والنص أ‬ ‫الدبية‪ .‬يتطرق الكاتب في قراءته النقدية هذه إلى‬ ‫الدالالت الشعرية ولغة الجسد ومفاتيح القراءة في القصيدة الجديدة‪،‬‬ ‫ومنهجية النقد «السيميائي»‪ ،‬وحلم العقل «اليوتوبي» ومرايا الغد وسواها‪.‬‬ ‫الصدار تستمد‬ ‫يرى الكاتب أن الرؤية النقدية التي تجلت له بين دفتي هذا إ‬ ‫زخمها ومضمونها من خبرة نقدية حرة داخل حقل الممارسة النقدية الشاملة‪،‬‬ ‫تغذت على مرجعيات النظرية بمختلف أصولها‪ ،‬وتأسست وفق معطياتها‪.‬‬ ‫خضم آالف الممارسات‬ ‫غير أن الحساسية النقدية الشخصية ظلت في‬ ‫ّ‬ ‫البداعية‪ ،‬تُدين لذوقها الذاتي أكثر‬ ‫النقدية ظاهرة على النصوص والظواهر إ‬ ‫من االستجابة لمنطق النظرية وضغطها‪ ...‬وبهذا المعنى فإن النظريات التي‬ ‫اشتغل عليها المؤلف في هذا الكتاب هي بمنزلة رؤى قادمة من مساحات‬ ‫الجراء إلى منصة النظرية وليس العكس‪ .‬بمعنى أنها نظرية نقدية طالعةٌ من‬ ‫إ‬ ‫بالحب والرغبة والمغامرة‬ ‫المشحون‬ ‫النقدي‬ ‫والفعل‬ ‫والممارسة‬ ‫اء‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫ال‬ ‫رحم‬ ‫إ‬ ‫ّ‬ ‫النوعي الخاص‪ .‬وهو ال يستعين بمنطق‬ ‫تتمتع بخطابها‬ ‫والحرية‪ .‬لذا فهي ُ‬ ‫ّ‬ ‫لتكون في خدمة رؤيته ومنهجه‪ ،‬إذ‬ ‫النظرية إال من أجل أن يستثمر معطياتها‬ ‫َ‬ ‫الفن‬ ‫النقدي‬ ‫يبقى الفضا ُء‬ ‫يتحرى َّ‬ ‫الشخصي القائم على ذوق ّ‬ ‫ُّ‬ ‫مدرب وخبير‪ّ ،‬‬ ‫ُّ‬ ‫والجمال والثقافة وتقنيات التعبير والتشكيل داخل حاضنة واحدة مشتركة‪،‬‬ ‫حرة وجديدة‪.‬‬ ‫ويسهم في بناء رؤية نقدية ّ‬

‫بغداد‪ :‬سيرة مدينة‬ ‫تأليف‪ :‬نجم والي‬ ‫الناشر‪ :‬دار الساقي‪2015 ،‬‬

‫يزخر هذا الكتاب بحقائق تاريخية وصور ووثائق‬ ‫معاصرة عن مدينة بغداد العريقة‪ .‬كما يستنطق‬ ‫نصوص أدباء غربيين زاروا بغداد‪ ،‬وتركوا وراءهم‬ ‫غنية المالمح‬ ‫انطباعاتهم‪ ،‬إ‬ ‫بالضافة إلى رسم صورة َّ‬ ‫ً‬ ‫لبغداد منذ تأسيسها عام ‪762‬م‪ ،‬مرورا بحكم‬ ‫الخليفة هارون الرشيد‪ ،‬حتى خرابها على أيدي‬ ‫يتضمن قصصاً عديدة عن بغداد‬ ‫المغول‪ .‬كما َّ‬ ‫الحاضر من ذاكرة المؤلف نفسه‪ ،‬عن حبه أ‬ ‫الول‪،‬‬ ‫وعن دخوله الحياة أ‬ ‫الدبية‪ ،‬مروراً بسجنه‪ ،‬وحتى‬ ‫هروبه إلى المنفى بعد أسابيع قليلة من اندالع‬

‫اليرانية‪.‬‬ ‫الحرب العراقية ‪ -‬إ‬ ‫الكتاب وثيقة مهمة‪ ،‬توضع فيها النظرة الغربية‬ ‫لصورة بغداد في مواجهة النظرة الشرقية‪ ،‬لكيال نقول‬ ‫إنه درس في علم النظرة يالئم بين الطوبوغرافية‬ ‫والذاكرة الذاتية‪.‬‬ ‫الشارة إلى أن نجم والي قاص وروائي‬ ‫وتجدر إ‬ ‫وصحافي عراقي مقيم في ألمانيا حازت روايته‬ ‫«بغداد مالبورو» جائزة برونو كرايسكي العالمية‬ ‫للكتاب لعام ‪2014‬م‪.‬‬


‫البعد السابع الذي يقع في ‪ 180‬صفحة من القطع‬ ‫يختزل كتاب ُ‬ ‫ً‬ ‫الصغير‪ ،‬أبعادا فكرية وفلسفية متعلِّقة بالمشهد التشكيلي العام‪،‬‬ ‫يقدم قراءة سردية تجعل من اللوحة أشبه بنص أدبي‪ .‬ويعكس‬ ‫كما ِّ‬ ‫رؤية فكرية عميقة للمشهد الفني التشكيلي بأبعاد عدة‪ ،‬ومنها‪،‬‬ ‫القراءة السردية للمنجز التشكيلي بالمشهد الثقافي العربي‪ ،‬التي‬ ‫باتت نادرة إلى حد الفقر‪ .‬ويبين كيف أصبحت اللوحة التشكيلية‬ ‫بعيدة عن الثقافة بمعناها العميق الشامل‪ ،‬وال بد من استعادتها‬ ‫باعتبارها ممارسة ثقافية بحتة وال يجب التوقف أمامها كممارسة‬ ‫فنية فقط‪ .‬كما يتتبع المتغيرات الذهنية‪ ،‬لمرحلة يمر بها الفنان أو‬ ‫المجتمع فتعكس لنا اتساع مداركه وثقافته‪ .‬إذ إن هذا الفنان يم ِّثل‬ ‫صورة مصغرة لتعاطي المحيط الذي ينتمي إليه بأمور حياته‪ ،‬سواء‬ ‫أكانت معيشية‪ ،‬أو بفعل انتمائه للدين والمعتقد أو فلسفته بالسلم‬ ‫والحرب‪.‬‬ ‫البعد السياسي‪ ،‬فيرى الكاتب أن االهتمام بالفنون كافة‬ ‫أما في أشأن ُ‬ ‫النظمة أو شعوبها‪ ،‬هو مقياس حقيقي ومعيار علمي لمعرفة‬ ‫لدى‬ ‫قوة هذا الكيان من ضعفه‪.‬‬

‫الول لكتاب «أحداث العرب في القرن العشرين» أ‬ ‫جمع الجزء أ‬ ‫الحداث‬ ‫أ‬ ‫والسالمية خالل الحقبة التاريخية‬ ‫العظام التي مرت بها المتان العربية إ‬ ‫من ‪ 1900/1/1‬إلى ‪1999/12/31‬م‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ورصد الكاتب أ‬ ‫الدوار الكبيرة للشخصيات المؤثرة في تلك الحداث من‬ ‫قادة‪ ،‬وعلماء‪ ،‬وك َّتاب‪ ،‬وشعراء‪ ،‬وفنانين‪ ،‬وذلك من خالل أكثر من ‪3000‬‬ ‫كتاب ومطبوعة جمعها الكاتب من بلدان مختلفة‪.‬‬ ‫وقدم الكتاب الذي يقع في ‪ 472‬صفحة‪ ،‬رصداً تاريخياً ألحداث فاصلة‬ ‫َّ‬ ‫غيرت مجراها‪ ،‬ورسمت الطريق لتكوينها‬ ‫في حياة دولنا العربية إ‬ ‫والسالمية َّ‬ ‫الحالي ومستقبلها القريب والبعيد‪.‬‬ ‫ويعد الكتاب مرجعاً مهماً في التوثيق لهذه الشعوب أ‬ ‫والمم لما يحويه‬ ‫ُ‬ ‫من وثائق ذات مصداقية استطاع الكاتب جمعها وتدوينها وفهرستها في‬ ‫زمن كان فيه جمع المعلومة صعباً جداً‪ ،‬ويستدعي السفر من بالد إلى‬ ‫أخرى‪ ،‬والبحث في المراجع والكتب الموثوقة‪.‬‬ ‫وسرد الكتاب ما عانته أمتنا العربية من االستعمار البريطاني والفرنسي‬ ‫واليطالي‪ ،‬ووثق أحداثاً عظيمة مناهضة لالستعمار‪ ،‬وناشدة‬ ‫والسباني إ‬ ‫إ‬ ‫للحرية مهدت الطريق لنيل االستقالل لشعوبنا العربية‪.‬‬

‫الرواية والسفر‪ ...‬تقاطعات التخييلي‬ ‫والتسجيلي‬ ‫تأليف‪ :‬مجموعة مؤلفين‬ ‫الناشر‪ :‬منشورات مختبر السرديات للخطاب والدراسات‬ ‫المقارنة‪.2015 ،‬‬

‫يتضمن هذا المؤلف الجماعي بعنوان «الرواية والسفر‪:‬‬ ‫تقاطعات التخييلي والتسجيلي»‪ ،‬مجموعة من المقاالت‪،‬‬ ‫هي أوراق عمل ندوة عقدها مختبر السرديات بالتنسيق‬ ‫والبداع بطنجة‪ ،‬وتم‬ ‫مع منتدى الفكر والثقافة إ‬ ‫تجميعها بعد تحكيمها‪ ،‬وإضافة ثالث مقاالت مترجمة‬ ‫لكل من فالديمير كريزنسكي حول «خطاب الرحلة‬ ‫«الرحلَة‬ ‫ومعنى الغيرية»‪ ،‬وأنا لويزا مارتينيز كوسطا عن ِ‬ ‫والحكاية»‪ ،‬ثم محمد حاج صادوق عن «جنس الرحلة»‪.‬‬ ‫للديب أ‬ ‫كما تضمن الكتاب رواية قصيرة أ‬ ‫المريكي‪ ،‬هانييل‬

‫لونغ‪ ،‬تستلهم رحلة كابيثا دي فاكا؛ وترجمها أ‬ ‫الديب‬ ‫عبدالقادر الجموسي‪ .‬أما باقي أ‬ ‫البحاث فقد جاءت‬ ‫لمقاربة نصوص روائية رحلية لروائيين من مصر وسوريا‬ ‫والمغرب واليمن أ‬ ‫والردن والعراق والسعودية والجزائر‪..‬‬ ‫تعكس دينامية استعادة الشكل الرحلي وتطويعه بما‬ ‫يالئم السرد الروائي‪ ،‬وهي لعبة يتقاطع فيها التسجيلي‬ ‫يمنح النص بُعداً مزدوجاً ومنفتحاً على‬ ‫بالتخييلي‪ ،‬مما ُ‬ ‫الذات والمجتمع والتاريخ‪.‬‬

‫كتب عربية‬

‫التحوالت‬ ‫ّ‬ ‫البُ عد السابع‪...‬‬ ‫الفكرية في الفنون‬ ‫التشكيلية‬ ‫تأليف‪ :‬جالل الطالب‬ ‫الناشر‪ :‬نادي الجوف أ‬ ‫الدبي‪2015 ،‬‬

‫أحداث العرب في القرن‬ ‫العشرين‬ ‫تأليف ‪:‬عبدالعزيز محمد العمري‬ ‫فهرسة‪ :‬مكتبة الملك فهدالوطنية‬ ‫أثناء النشر‬


‫‪19 | 18‬‬

‫كتب من العالم‬

‫في كتاب «الشركات الصغيرة والمدينة» يسلط رافييل‬ ‫غوميز وأندريه إيزاكوف وماتيو سيمانسكي الضوء على قدرة‬ ‫العمال على النطاق الضيق على تحويل أ‬ ‫الريادة في أ‬ ‫الحياء‬ ‫المحلية والمدن التي تنشأ فيها‪ .‬ومن خالل دراسة العوامل‬ ‫التي تمكِّن الشركات الصغيرة من أن تزدهر وتنبض بالحياة‪،‬‬ ‫يستكشف الك ّتاب الثالثة نجاح أحد المفاهيم الجديدة‬ ‫التي برزت في كندا ثم انتشرت في أنحاء العالم‪ .‬وهو‬ ‫مفهوم يعرف بـ «منطقة تحسين أ‬ ‫العمال» أو «‪Business‬‬ ‫أ‬ ‫لرواد العمال أصحاب‬ ‫‪ »Improvement Area‬الذي يسمح َّ‬ ‫الشركات الصغيرة بتجميع مواردهم مع شركات أخرى‬ ‫مشابهة ليصبحوا مصدراً للتجديد المدني‪ ،‬وليتحولوا‬

‫إلى مصدر جذب للمواهب البشرية وموضع الحتضان‬ ‫االبتكارات المحلية في المدن حول العالم‪.‬‬ ‫كما يقوم هذا الكتاب بتحليل السياسات والقوانين‬ ‫بالشارة إلى السبل‬ ‫الضرورية لدعم هذه الحيوية المدنية‪ ،‬إ‬ ‫التي يمكن للمدن من خاللها أن تشجع وتدعم الشركات‬ ‫المستقلة المملوكة من جهات محلية‪.‬‬ ‫يقدم عرضاً ألجندة عصرية ملهمة‬ ‫باختصار هذا الكتاب ِّ‬ ‫للتقدم والتطور المدني في القرن الواحد والعشرين‪.‬‬

‫في كتابه أ‬ ‫«الذواق في العصور الوسطى» يتبع المؤرخ‬ ‫أ‬ ‫تطور الذواق في‬ ‫العالمي المعروف ماسيمو مونتاناري‪ّ ،‬‬ ‫ذلك الزمن‪ ،‬من الناحيتين المطبخية والثقافية‪ ،‬ومن المواد‬ ‫الغذائية الخام إلى أ‬ ‫السواق الغذائية‪ .‬ويلتقط تأثير ّكل‬ ‫ذلك على االتجاهات الحالية في عالم الغذاء‪ .‬ومن خالل‬ ‫النسانية‪ ،‬يأخذ‬ ‫ربط عوامل‬ ‫التطور الغذائي بنمو الحضارة إ‬ ‫ّ‬ ‫القراء في رحلة أخاذة إلى المناقشات الحماسية‬ ‫مونتاناري َّ‬ ‫حولت الغذاء من مجرد سلعة‬ ‫واالختراعات الجريئة التي ّ‬ ‫فعال في الصحة ورمز للمكانة االجتماعية‬ ‫بسيطة إلى عامل ّ‬ ‫أ‬ ‫واليديولوجية‪.‬‬ ‫يعود بنا مونتاناري إلى كلية ساليرنو للطب في إيطاليا‬

‫المعروفة بـ «أم جميع كليات الطب في العالم» ليرسم‬ ‫تكونت في القرن الثاني عشر‪ .‬ويراجع‬ ‫نظرية الطعام التي ّ‬ ‫تأثير طرق التوابل في الشرق أ‬ ‫الدنى التي أسهمت في‬ ‫إدخال نكهات جديدة وأساليب حديثة في الطهي إلى‬ ‫الوروبي‪ .‬كما يقرأ كتب الطبخ أ‬ ‫المطبخ أ‬ ‫الولى في أوروبا‬ ‫التي استمدت تعاليمها من الممارسات الرومانية القديمة‬ ‫التي كانت تؤثر المزيج في النكهات‪ .‬وأخيراً يُظهر مونتاناري‬ ‫كيف أنه مع زيادة إدراك أ‬ ‫الشخاص لمظهرهم الخارجي‬ ‫وفردانيتهم وموقعهم في العالم‪ ،‬أصبحوا أكثر ميال ً‬ ‫العتماد مواقف جديدة من الطعام‪.‬‬

‫العالم أبعد من رأسك‪ :‬أن تصبح‬ ‫ً‬ ‫فردا في عصر اإللهاء‬ ‫‪The World Beyond Your Head: On Becoming‬‬ ‫‪an Individual in an Age of Distraction‬‬ ‫تأليف‪ :‬ماتيو ب‪ .‬كروفورد‬ ‫الناشر‪Farrar, Straus and Giroux 2015 :‬‬

‫في كتابه «العالم أبعد من رأسك» يستكشف كروفورد‬ ‫تحدي التحكم بالتفكير الفردي أ‬ ‫للشخاص‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫غالباً ما نتذمر من حياتنا العقلية المشوشة‪ ،‬ونشعر‬ ‫بالمعاناة من العوامل الخارجية التي تدمر تركيزنا‬ ‫وتعطل سالمة عقولنا‪ .‬وأهم ما يتناوله هذا الكتاب هو‬ ‫مسألة الحرية من خالل ما يسميه الفيلسوف أ‬ ‫اللماني‬ ‫مارتن هيديغر «أن تكون في العالم»‪.‬‬ ‫فبالنسبة لكروفورد‪ ،‬إن الطريقة التي نتواجد بها في‬ ‫هذه الدنيا هي التي تتسبب في «أزمة االنتباه» هذه‪،‬‬ ‫العالنات أو المشوشات الحالية‬ ‫أكثر من التكنولوجيا أو إ‬ ‫المعاصرة‪ .‬ويعيد المشكلة إلى عصر التنوير عندما‬

‫بدأنا نحاصر بمتطلبات عملية متزايدة أسهمت في بدء‬ ‫االنفصال عن العالم الخارجي‪ ،‬وانتهت بالطالق الكامل‬ ‫الذي نعيشه في الوقت الحاضر‪ .‬وهناك افتراضات‬ ‫عديدة في صلب الحضارة الغربية تتضارب مع الطبيعة‬ ‫البشرية وتبعدنا عن حقنا في إيجاد مكاننا في العالم‬ ‫وصقل المهارات الضرورية الالزمة لنا‪.‬‬

‫عجائب مملكة النباتات‪ :‬إظهار‬ ‫صورة مصغرة‬ ‫‪Wonders of the Plant Kingdom:‬‬ ‫‪a Microcosm Revealed‬‬ ‫تأليف‪ :‬ولفغانغ ستابي وروب كيسلر ومادلين هارلي‬ ‫الناشر‪University of Chicago Press 2015 :‬‬

‫بالمقارنة مع التعقيدات الواضحة في عالم الحيوان‪،‬‬ ‫تبدو النباتات من النظرة أ‬ ‫الولى وكأنها أبسط من حيث‬ ‫خداعة‪ .‬فالنباتات التي تعيش‬ ‫الشكل‪ .‬ولكن هذه البساطة َّ‬ ‫حولنا جاءت نتيجة آالف السنين من التعديالت المذهلة‬ ‫التي سمحت لها أن تعيش وتنمو في ظل ظروف متغيرة‬ ‫محددة‪ .‬ولكن من الصعب مشاهدة‬ ‫وفي بيئات طبيعية ّ‬ ‫هذه التغييرات بالعين المجردة‪.‬‬ ‫يستعرض كتاب «عجائب مملكة النباتات»‪ ،‬الذي هو عبارة‬ ‫عن تفاعل بين الفن والعلوم‪ ،‬المئات من الصور الجذَّ ابة‬ ‫اللكتروني والملونة باليد من‬ ‫المأخوذة بمجهر المسح إ‬ ‫ِقبل الفنان روب كيسلر‪ .‬فهناك مثال ً صور لقشرة ثمرة‬

‫الشركات الصغيرة والمدينة‪ :‬اإلمكانات‬ ‫التحويلية للريادة في األعمال التجارية الصغيرة‬ ‫‪Small Business and the City: The Transformative‬‬ ‫‪Potential of Small Business Entrepreneurship‬‬ ‫تأليف‪ :‬رافييل غوميز وأندريه إيزاكوف وماتيو سيمانسكي‬ ‫الناشر‪University of Toronto Press 2015 :‬‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫األذواق في العصور الوسطى‪:‬‬ ‫الطعام والطهي والطاولة‬ ‫‪Gusti del Mediovo: L Prodotti, la Cucina,‬‬ ‫‪La Tavola‬‬ ‫تأليف‪ :‬ماسيمو مونتاناري‬ ‫الناشر‪Laterza 2012 :‬‬

‫الدراق بشعيراتها الدقيقة والمسام الصغيرة التي تتنفس‬ ‫منها والبذور التي تشبه الغبار ألصغر نباتات الصبار‬ ‫في العالم وغيرها كثير من الصور أ‬ ‫الخاذة التي تظهر‬ ‫في هذا الكتاب بالشكل واللون والطابع‪ .‬وترافق هذه‬ ‫الصور تفسيرات للطرق المتعددة التي حافظت فيها تلك‬ ‫النباتات على بقائها‪ ،‬وبالوكالة‪ ،‬على بقائنا نحن‪.‬‬


‫بين كتابين‬

‫تاريخ المنزل‬

‫(‪ )1‬صناعة المنزل‪ .‬تأليف‪ :‬جوديث فالندرز‬ ‫‪The Making of Home, by Judith Flanders‬‬ ‫الناشر‪( Atlantic Books :‬أكتوبر ‪)2014‬‬ ‫(‪ )2‬أناس عاديون‪ :‬تاريخ عائلة إنجليزية‪ .‬تأليف‪ :‬أليسون اليت‬ ‫‪Common people: The History of an English Family, by Alison Light‬‬ ‫الناشر‪( Fig Tree :‬أكتوبر ‪)2014‬‬ ‫في عام ‪1987‬م اكتشف فريق من علماء الجيولوجيا عائلة روسية تقطن في‬ ‫منطقة من سيبيريا تتميز بظروف معيشية مستحيلة تقريباً‪ .‬وكانت تلك العائلة‬ ‫المكونة من خمسة أشخاص‪ ،‬قد لجأت إلى هذه المنطقة هرباً من اضطهاد حكم‬ ‫ستالين‪ .‬وعلى مدى نصف قرن عاشت معزولة في كوخ صغير ال تتعدى مساحته‬ ‫ثالثة أمتار مربَّعة بسقف منخفض وأرض مصنوعة من قشور البطاطا والجوز‬ ‫ونافذة صغيرة وموقد نار وطاولة وبعض الكراسي الخشبية البسيطة‪ .‬وما عدا‬ ‫النوم‪ ،‬كان هؤالء أ‬ ‫الشخاص يقضون جميع حاجاتهم اليومية خارج الكوخ‪.‬‬ ‫عند هذا االكتشاف‪ ،‬أصيب فريق العلماء بصدمة كبيرة‪ .‬ولكن جوديث فالندرز‬ ‫تقول في كتابها «صناعة المنزل» أن ما لم يالحظه فريق العلماء هذا بأن ما‬ ‫شاهدوه «لم يكن شروطاً معيشية قاسية وإنما ظروف العيش المعتادة ألسالفهم‬ ‫وأسالفنا في وقت كان فيه ّكل جانب من جوانب الحياة يقوم على مرأى من‬ ‫آ‬ ‫الخرين‪ ،‬حيث لم تكن الخصوصية غير مرغوبة فقط وإنما غير معروفة أيضاً»‪.‬‬ ‫تقول فالندرز إنه إلى وقت قريب لم تكن المنازل تحمل إلى ساكنيها أكثر من‬

‫مكان للمأوى والبقاء بعيداً عن أي مفهوم للرفاهية أو مفهوم للعيش العائلي‪.‬‬ ‫في كتابيهما «صناعة المنزل» و«أناس عاديون» تحاول الكاتبتان فالندرز واليت‬ ‫القيام برحلة ذهنية عبر الزمن إلى تاريخ تطور المنزل‪ .‬يهدف كتاب «صناعة‬ ‫المنزل» إلى إظهار ما تسميه فالندرز أ‬ ‫«النماط غير المرئية»‪ ،‬حيث تسلِّط‬ ‫الضوء على تأثير التغييرات السياسية واالقتصادية والدينية على شكل المنازل‬ ‫ومتطلباتها‪ ،‬وكيف أن االختراعات التكنولوجية والتطور في أجهزة التدفئة والتبريد‬ ‫غيرت سلوكياتنا وأولياتنا المعيشية‪ .‬وبذلك لم يكن‬ ‫إ‬ ‫والنارة وصناعة المفروشات َّ‬ ‫تطور المنازل مسألة خاصة وإنما مسألة تفاعلية مع جميع العوامل الخارجية‬ ‫المتغيرة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫وترسم فالندرز تطور الدوات المنزلية العادية مثل أدوات المائدة والكراسي‬ ‫والستائر والنوافذ وأنابيب المياه‪ ،‬وتحثنا على إعادة التفكير أ‬ ‫بالدلة الموجودة‬ ‫أمامنا عن الحياة الماضية‪ ،‬حيث غالباً ما تكون اللوحات الفنية والروايات القديمة‬ ‫حد ما‪ ،‬تستخدم التأثيرات الرمزية والجمالية ليس إال‪ .‬لذلك فهي ال‬ ‫انتقائية‪ ،‬إلى ٍّ‬ ‫أ‬ ‫تمثل الشواهد المثل التي يمكن االعتماد عليها في القراءة الفعلية لتاريخ المنازل‪.‬‬ ‫فأين نجد في أي من هذه الرسومات‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬أداة المبصقة التي كانت‬ ‫النجليزية‪ ،‬وأين نجد العازل القماشي الذي كان‬ ‫تستخدم في كثير من البيوت إ‬ ‫يوضع خلفها بداعي النظافة؟‬ ‫أ‬ ‫وبينما تغوص فالندرز في تفاصيل حياة أسالفنا من خالل التدقيق في الدوات‬ ‫التي كانوا يستخدمونها في حياتهم اليومية‪ ،‬تلجأ اليت في كتابها «أشخاص‬ ‫عاديون» إلى تاريخ عائلتها الستكشاف طريقة عيشهم على مدى القرنين‬ ‫الماضيين‪ .‬تعرض اليت لثماني أشجار عائلية مترابطة وتتحدث عن تلك العائالت‬ ‫البر والب َّنائين والنجارين والخياطين وجباة الضرائب الذين‬ ‫المؤلفة من صانعي إ‬ ‫كانوا في حالة تنقل مستمر‪ .‬وفي هذه النقطة تظهر اليت‪ ،‬كما فعلت فالندرز‪،‬‬ ‫سهولة التنقل بالنسبة لهؤالء أ‬ ‫الشخاص بسبب عدم تعلقهم بأماكن سكنهم‪،‬‬ ‫لكونها تمثل لهم مجرد مأوى ال يحتوي أي ممتلكات ذات قيمة عاطفية‪.‬‬ ‫ومن أهم المقاطع في كتاب «أشخاص عاديون» ذلك الذي يتحدث عن أجداد‬ ‫البر كأدوات‬ ‫البر حيث تنظر‪ ،‬على طريقة فالندرز‪ ،‬إلى إ‬ ‫اليت من عائلة صانعي إ‬ ‫وجدت ما قبل التاريخ وكيف كانت تصنع من العظام وقرون الوعل أو الصلب‬ ‫وهي التي أسهمت في تطور صناعة أ‬ ‫اللبسة بشكل كبير‪ .‬تقول اليت إنه من‬ ‫البر وهم‬ ‫البرة لم تكن الحضارة «ممكنة»‪ .‬فقد كان أسالفها يصنعون إ‬ ‫غير إ‬ ‫الصابة بالشظايا‬ ‫والصلب‪،‬‬ ‫الحجر‬ ‫غبار‬ ‫يستنشقون‬ ‫معرضين أنفسهم لخطر إ‬ ‫ّ‬ ‫المعدنية المتطايرة‪ .‬كل ذلك وهم جالسون في بيوتهم التي كانت‪ ،‬على فترات‬ ‫طويلة‪ ،‬أماكن للسكن ومواقع للعمل أيضاً‪ ،‬من دون تمييز بين وظيفة وأخرى‪.‬‬ ‫تتعامل كلتا الكاتبتين مع مجموعة كبيرة من المواد المختلفة‪ ،‬وتعالجانها بطريقة‬ ‫بارعة‪ ،‬لتظهرا كيف يتكون التاريخ من أدق التفاصيل‪ ،‬وكيف أنه عندما كانت‬ ‫دوروثي‪ ،‬بطلة رواية «ساحر أوز» الشهيرة‪ ،‬تؤكد لسكان أرض أوز العجائبية أنه‬ ‫تعبر عن فكرة‬ ‫ال يوجد مكان في العالم ّ‬ ‫يحن إليه القلب مثل المنزل‪ ،‬فإنها كانت ِّ‬ ‫حديثة للمنزل لم تكن موجودة إال في التاريخ الحديث‪.‬‬

‫كتب من العالم‬

‫الالتينية‪ :‬قصة لغة عالمية‬ ‫‪Latein: Geschichte einen Welsprache‬‬ ‫تأليف‪ :‬يورغن ليونهاردت‬ ‫الناشر‪C. H. Beck Auflage 2008 :‬‬

‫المبراطورية الرومانية‪ ،‬تحولت اللغة الالتينية‬ ‫بعد سقوط إ‬ ‫التي كانت اللغة السائدة فيها والتي كانت تستخدم كلسان‬ ‫مشترك في الغرب لمدة قرون‪ ،‬لتنحصر في الصفوف‬ ‫والنصوص أ‬ ‫الكاديمية فقط‪ .‬ولكن لهذه «اللغة الميتة» تأثير‬ ‫كبير عبر التاريخ وفي القارات جميعاً‪ .‬في كتابه «الالتينية‪:‬‬ ‫قصة لغة عالمية» يعرض ليون ليونهاردت لتاريخ كامل‬ ‫َّللتينية وصوال ً إلى الوقت الحاضر‪.‬‬ ‫ظهرت هذه اللغة أوال ً في منطقة «أتيوم» في إيطاليا‬ ‫المبريالية‬ ‫حوالي مدينة روما وازداد انتشارها مع توسع القوة إ‬ ‫لتلك المدينة‪ .‬ومن ثم أسهم ك ّتاب وعلماء لغة من أمثال‬ ‫«سيسيرو» و«فارو» في تثبيت وجودها كلغة كالسيكية من‬

‫خالل وضع قوانين واضحة لها في البالغة والقواعد‪ .‬ومع‬ ‫المبراطورية الرومانية وتطور لغات أخرى انبثقت من‬ ‫انهيار إ‬ ‫اللغة الالتينية‪ ،‬استطاعت الالتينية المحافظة على وجودها‬ ‫والسبانية ولكنها‬ ‫النجليزية إ‬ ‫كلغة عالمية بطرق سبقت إ‬ ‫توقفت عن التطور‪.‬‬ ‫يرسم ليونهاردت تقلبات اللغة الالتينية في مرحلة ما‬ ‫المبراطورية الرومانية‪ ،‬من إعادة إحيائها في القرن‬ ‫بعد إ‬ ‫الثامن مع توسع نفوذ الملك شرلمان ومن ثم ازدهارها في‬ ‫أوساط ك ّتاب عصر النهضة وما تليه‪ ،‬ولكن بدءاً من القرن‬ ‫تحولت اللغة الالتينية من لغة عملية إلى لغة‬ ‫الثامن عشر‪َّ ،‬‬ ‫تستخدم فقط في المواد أ‬ ‫الكاديمية‪.‬‬


‫‪21 | 20‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫قول في مقال‬

‫قرأت هذا أ‬ ‫السبوع مقاال ً بعنوان‪« :‬ما‬ ‫قيمة أ‬ ‫الستاذ الجامعي؟» كتبه أستاذ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫جامعي ي� جامعة أموري المريكية‪.‬‬ ‫أن‬ ‫ن� أستاذ جامعي اهتممت بقراءة المقال ألعرف‬ ‫ول ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫قيم� أنا أيضاً باعتباري‬ ‫ما‬ ‫قيمة الستاذ الجامعي وما ي‬ ‫عضواً ف ي� هذه المهنة كذلك‪.‬‬ ‫يقول مارك بورالين‪ ،‬كاتب المقال‪ ،‬إن عديداً من‬ ‫الطالب يفرحون لدى حصولهم عىل الشهادة‬ ‫الجامعية وااللتحاق بسوق العمل أو متابعة‬ ‫المم�ز‬ ‫دراساتهم العليا‪ .‬ولكن مع انتهاء هذا الفصل ي‬ ‫من حياتهم‪ ،‬وعندما يحاولون استذكار تجربتهم‬ ‫الجامعية‪ ،‬غالباً ما يسقط جزء مهم من مرحلة‬ ‫العال إىل أسفل الدرجات عىل سلم‬ ‫تعليمهم ي‬ ‫أ‬ ‫الذكريات المهمة‪ :‬وهو الساتذة‪.‬‬ ‫يع� معظم الطالب عن رضاهم عن أساتذتهم‪،‬‬ ‫ب ِّ‬ ‫كث�ون منهم الثناء المطلق ف ي� معظم‬ ‫إذ يتلقَّى ي‬ ‫ت‬ ‫ال� يجلسون فيها‪ .‬ف ي� ستينيات القرن‬ ‫المقررات ي‬ ‫ض‬ ‫الما� كانت العالمات بدرجة «ممتاز» ال تتجاوز‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫الـ ‪ %15‬ولك ّنها ارتفعت الن لتتخطى الـ ‪،%43‬‬ ‫مما يجعلها ث‬ ‫أك� العالمات شيوعاً ف ي� معظم‬ ‫االمتحانات‪.‬‬ ‫وما تغ� أيضاً هو سلوك أ‬ ‫الساتذة تجاه طالبهم‪ ،‬إذ‬ ‫يّ‬ ‫وأك� تفهماً لهم‪ ،‬لذلك يتخرج ث‬ ‫أصبحوا ألطف ث‬ ‫أك�‬ ‫َّ‬ ‫من نصف الطالب وهم يعتقدون أنهم مؤهلون‬ ‫والتفك� النقدي وإيجاد‬ ‫والدارة‬ ‫بشكل جيد للكتابة إ‬ ‫ي‬ ‫الحلول‪.‬‬ ‫يش� مسح أجري ف ي� الواليات المتحدة‪ ،‬وتتبع الطالب‬ ‫ي‬ ‫منذ عام ‪1966‬م‪ ،‬إىل أنه فيما يتعلّق بأهداف‬ ‫الطالب من دخولهم الجامعة‪ ،‬بلغت نسبة الذين‬ ‫أشاروا إىل هدف «تطوير فلسفة ذات ن‬ ‫مع� للحياة»‬ ‫‪ ،%86‬ث‬ ‫أك� من ضعف نسبة الطالب الذين أشاروا‬ ‫إىل هدف «تحقيق مستوى مادي مرتفع»‪ .‬ومنذ ذلك‬

‫بين‬ ‫«التعليم»‬ ‫و«التربية‬ ‫والتعليم»‬ ‫محمود عثمان‬ ‫الوقت انخفضت النسبة أ‬ ‫الوىل إىل ‪ %45‬وارتفعت‬ ‫النسبة الثانية إىل ‪.%82‬‬ ‫أك� بالمهنة‬ ‫عندما تكون الجامعات ذات عالقة ب‬ ‫أك� من أ‬ ‫ث‬ ‫ث‬ ‫الفكار‪ ،‬وعندما يكون الراتب أك� أهمية‬ ‫أ‬ ‫يتغ� دور الساتذة‪ .‬قد يقف‬ ‫من اكتساب الحكمة‪ ،‬ي َّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫مقدمة صفوفهم وخلفهم عقود من‬ ‫الساتذة ي� ّ‬ ‫الرشيف أ‬ ‫القراءة والكتابة ومراجع أ‬ ‫المخ�ية‬ ‫والبحاث‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫خ�ة طويلة ي� التعليم‪،‬‬ ‫وغ�‬ ‫المخ�ية إ‬ ‫بالضافة إىل ب‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ولكن الطالب ال يذهبون إىل منازلهم للتعمق أ‬ ‫بالفكار‬ ‫ت‬ ‫ال� طرحها عليهم أساتذتهم ف ي� الصف‪ ،‬إذ ليس‬ ‫ي‬ ‫لديهم الرغبة بأن يصبحوا «طالباً»‪.‬‬

‫أوسع‪ .‬وإذا ما تحددت سلطة أ‬ ‫الستاذ بمجرد إعطاء‬ ‫العالمات‪ ،‬فإنه ال يعود أ‬ ‫«الستاذ»‪ ،‬وال شعلة أخالقية‬ ‫وال قدوة وال مصدر إلهام‪ ،‬بل يتحول إىل من يعطي‬ ‫للطالب صك االعتماد ال ث‬ ‫أك� وال أقل‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ث‬ ‫ال� رصدها المقال أصبحت‬ ‫إن أك� فالظواهر ي‬ ‫موجودة ي� المجتمعات العربية كما هي موجودة‬ ‫ف ي� الواليات المتحدة‪ .‬وربما يكون السبب أن فلسفة‬ ‫أك� «كم» من الطالب سادت وانترصت عىل‬ ‫إنتاج ب‬ ‫فلسفة إنتاج «الكيف» الذي هو بطبيعته ذو بُعد‬ ‫نخبوي ي ز‬ ‫متم�‪ .‬لذلك‪ ،‬تزايدت أعداد الجامعات‬ ‫ف‬ ‫الماضي�ن‬ ‫الحكومية والخاصة تزايداً الفتاً ي� العقدين‬ ‫ي‬ ‫واختلفت مستوياتها اختالفاً ِّبيناً‪ .‬ومن المؤسف‬ ‫إن بعض‬ ‫أن مستوى التعليم العام قد ن َّ‬ ‫تد�‪ ،‬إذ َّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ال� كانت تستلزم شهادة ثانوية أصبحت‬ ‫الوظائف ي‬ ‫تستلزم شهادة بكالوريوس جامعية وهكذا دواليك‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬هناك رغبة مقابلة عند أ‬ ‫الساتذة‪،‬‬ ‫الذين يواجهون ضغوطاً إليجاد وقت للقيام‬ ‫بأبحاثهم‪ ،‬بعدم تشجيعهم عىل ذلك‪ .‬نتيجة لذلك‪،‬‬ ‫ال يعرف معظم الطالب تلك المرحلة من التطور‪،‬‬ ‫يكونون هوية‬ ‫حيث يُؤرسون بعقل متنور‪ ،‬وحيث ِّ‬ ‫ذاتية ناضجة من خالل التماهي بقدوة يمكنهم‬ ‫التشبه بها والتفاعل معها‪.‬‬

‫أن ما كان‬ ‫أما المسألة الجوهرية فتتعلق بحقيقة َّ‬ ‫يُعرف بـ ت‬ ‫ً‬ ‫«ال�بية والتعليم» أصبح مقترصا عىل‬ ‫«التعليم» فحسب‪ ،‬أي التأكد من أن الطالب يعرف‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫تزوده بها الجامعة دون‬ ‫ال� ِّ‬ ‫المعلومات الكاديمية ي‬ ‫بالطار ت‬ ‫ال�بوي الجامع لهذه المعلومات‬ ‫االهتمام إ‬ ‫وتاريخها وفلسفتها‪ .‬أضف إىل ذلك أن المناهج‬ ‫التفك� الحر للطالب وليس‬ ‫الحديثة تركِّز عىل �ض ورة‬ ‫ي‬ ‫عىل الحفظ والتحفيظ‪ .‬وهذه سياسة جيدة عموماً‪،‬‬ ‫إال أن لها حدوداً علينا التنبه لها‪ .‬فالحفظ �ض وري‬ ‫ف� بعض المقررات مثل المقررات أ‬ ‫الدبية‪ .‬فالطالب‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫والمحدث� عىل‬ ‫اليوم ال يحفظون أشعار القدماء‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫يؤرخون‬ ‫مر زمن كان فيه الباء والجداد ِّ‬ ‫أالسواء‪ .‬وقد َّ‬ ‫باستحضار الشعر والمقطوعات أ‬ ‫الدبية‬ ‫ليام العرب‬ ‫ف‬ ‫خ� وثقافة عامة للجميع‪.‬‬ ‫البارزة‪ .‬وما ي� ذلك إال ي‬

‫لن يستطيع أي أستاذ أن يمثل السلطة أ‬ ‫الخالقية إذا‬ ‫ِّ‬ ‫تحدي الطالب ف ي� الصف ش‬ ‫وإ�اكهم أبعد‬ ‫لم يستطع ّ‬ ‫من حدود الصف‪ .‬وإذا لم يستطع ذلك‪ ،‬لن تستطيع‬ ‫أي دراسة جامعية ي ز‬ ‫لك تتوق إىل رؤية‬ ‫تحف� العقول ي‬

‫ت‬ ‫أهمي� كأستاذ نقصت‬ ‫عىل كل حال‪ ،‬اقتنعت أن‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫المتخرج� ي� جامعاتنا‬ ‫وما زادت‪ ...‬وكذلك أهمية‬ ‫ي‬ ‫الجمال‪ ،‬وإن لم يكن‬ ‫وجامعات العالم عىل وجه إ‬ ‫عىل وجه الخصوص‪.‬‬

‫ال شك ف ي� أن هناك أموراً عديدة تش ِّتت الطالب أيام‬ ‫الدراسة من ممارسة الرياضة والهوايات المختلفة ووسائل‬ ‫التواصل االجتماعي‪ ،‬إضافة إىل أن ثقافة الجامعة‬ ‫تعاملهم كزبائن وليس كطالب‪ .‬وهي الثقافة نفسها ال�ت‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫يقدمون السلعة ال سيما من خالل‬ ‫ترسم الساتذة كمن ِّ‬ ‫أ‬ ‫استبيانات تقييم الساتذة من قبل طالبهم‪.‬‬


‫معاذ الدهيشي‬

‫استعمار‬ ‫المريخ يبدأ‬ ‫من هنا‬ ‫بيئات «غير أرضية» على‬ ‫كوكبنا األزرق‬

‫علوم‬

‫ُسئل عالم الفيزياء الفلكية البريطاني‬ ‫براين كوكس عن فائدة مشاريع‬ ‫البحث والرصد الفضائي التي ُتصرف‬ ‫عليها أموال طائلة كل عام دون‬ ‫مردود اقتصادي مباشر‪ ،‬فكانت‬ ‫إجابته في جملة واحدة‪ :‬لو كانت‬ ‫ً‬ ‫مشروعا لألبحاث‬ ‫الديناصورات تملك‬ ‫والرصد الفضائي لظلت موجودة‬ ‫حتى اليوم!‬


‫‪23 | 22‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫القص� يلخص‬ ‫هذا الحوار‬ ‫ي‬ ‫موقف الرأي العام من «فكرة»‬ ‫ين‬ ‫فاليق� بأن‬ ‫استعمار الفضاء‪.‬‬ ‫«أرضنا» هي المستقر أ‬ ‫الوحد‬ ‫الب�ي يقابله دوماً تذك� بأن أ‬ ‫للجنس ش‬ ‫الرض وحدها‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫دوناً عن كل الجرام الفضائية مناسبة للحياة‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬وعىل الضفة أ‬ ‫الخرى لمجرى النقاش‪ ،‬ينبغي‬ ‫أ‬ ‫ض‬ ‫نستح� أن كوكبنا الزرق حافل بالبقاع‬ ‫أن‬ ‫المستعصية عىل الحياة والمضادة لها‪ .‬وال ّ‬ ‫أدل‬ ‫مث�ة‪،‬‬ ‫عىل ذلك من عدة تجارب بحثية وحضارية ي‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫عد‬ ‫تستع� بظروف أرضية متطرفة ي� قسوتها يك تُ ّ‬ ‫مستكشفي المستقبل الستعمار كوكب لمريخ‪.‬‬

‫بم�رات استكشاف الفضاء‬

‫هناك بم�رات عدة الستكشاف الفضاء الخارجي‪ .‬منها‬ ‫ت‬ ‫الك�ى تسعى لتكريس تقدمها‬ ‫االس�اتيجي؛ فالدول ب‬ ‫عىل بعضها بعضاً بع� تثبيت مواطئ أقدام لها عىل‬ ‫التخوم أ‬ ‫الوىل للفضاء الخارجي ‪ -‬كالقمر والمحطّات‬ ‫الم�رات االقتصادية والمتعلقة‬ ‫الفضائية ‪ .-‬وهناك ب‬ ‫بحقوق استثمار الموارد المعدنية والطبيعية خارج‬ ‫أ‬ ‫ويث�ها‬ ‫حدود الرض‪ .‬وهناك بم�رات دافعها غريزي ي‬ ‫أ‬ ‫السؤال‪ :‬ماذا لو تخلت الرض ع ّنا يوماً‪.‬‬

‫ين‬ ‫فح� توفرت المعرفة للإنسان وفطن لحقيقة الكون‬ ‫أ‬ ‫واتساعه‪ ،‬وكيف أن كوكبنا الرض ليس مركزاً للكون‬ ‫تم�ه عن مليارات أ‬ ‫وال يملك خصوصية ي ّ ز‬ ‫الجرام‬ ‫أ‬ ‫الخرى ف ي� المجرة وأضعافها خارج المجرة؛ حينها‬

‫دارت ف ي� باله أسئلة عميقة عن موقعه ف ي� الكون‬ ‫ومدى إمكانية استكشاف أرجائه‪ ،‬وعن إمكانية انتقالنا‬ ‫كجنس شب�ي إىل جرم سماوي آخر؛ سواء أكان كوكباً‬ ‫أو قمراً لكوكب آخر‪ ،‬لنتخذه وطناً لنا‪.‬‬ ‫وبدءاً من منتصف القرن ض‬ ‫الما� عمدت مجموعة من‬ ‫ي‬ ‫الدول واالتحادات الدولية إىل تنفيذ مشاريع رسمية‬ ‫ُخصصت لها ي ز‬ ‫م�انيات هائلة الستكشاف مزيد عن‬ ‫الفضاء ودراسته‪ ،‬وكذلك تنظيم الرحالت المأهولة‬ ‫وغ� المأهولة لمعالم ودروب الفضاء الشاسع‪ .‬وكان‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أن حققت هذه المشاريع نجاحا مدهشا ي� ف�ة‬ ‫يز‬ ‫وج�ة‪ .‬ش‬ ‫فالب� وطأوا سطح القمر مراراً‪ ،‬وأصبحت‬ ‫ف‬ ‫لديهم محطة دائمة ي� الفضاء (محطة الفضاء‬ ‫الدولية ‪ ،)ISS‬ونرى كذلك أن الرحالت يغ� المأهولة‬ ‫قد زارت بالفعل كل كواكب المجموعة الشمسية بل‬ ‫وتجاوزتها لما وراءها ف ي� عمق المجهول‪.‬‬ ‫هذه المشاريع العظيمة ‪ -‬ف ي� حجمها وهدفها ‪-‬‬ ‫تتعدد ما ي ن‬ ‫قص�ة المدى تستغرق‬ ‫ب� مشاريع ي‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫وب� مشاريع طويلة المدى تصل‬ ‫سنوات قليلة‪ ،‬ي‬ ‫لع�ات ي ن‬ ‫السن� مثل ش‬ ‫ش‬ ‫م�وع «أورورا» (وترجمتها‬ ‫ال ش�اق وتطلق كذلك عىل ظاهرة الشفق‬ ‫القط�)‬ ‫إ‬ ‫بي‬ ‫(‪ )Aurora Exploration Program‬الستكشاف‬ ‫المجموعة الشمسية‪ .‬بل إن بعضها قد وضع له‬ ‫برنامج يمتد بع� قرن كامل‪ ،‬مثل ش‬ ‫م�وع «المركبة‬ ‫النجمية» (‪ )Year Starship 100‬للسفر إىل مجموعة‬ ‫أ‬ ‫نجمية أخرى‪ .‬هذان ش‬ ‫س�سمان‬ ‫خ�ان ي‬ ‫الم�وعان ال ي‬ ‫الخطوط العريضة لمستقبل الرحالت الفضائية‬

‫الب�ية كما ستعايشها أ‬ ‫ش‬ ‫الجيال المقبلة من‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫العداد‬ ‫المستكشف�‪ ،‬لكنهما ما زاال إجماال ً ي� طور إ‬ ‫ش‬ ‫والتخطيط‪ .‬م�وع «أورورا» عىل سبيل المثال‬ ‫تندرج تحته خطوات بحثية ومشاريع فضائية فرعية‬ ‫تمتد كل منها ي ن‬ ‫لسن�‪ ،‬والغرض من ذلك هو تطوير‬ ‫إمكاناتنا وقدرتنا عىل التعايش مع الظروف المتطرفة‬ ‫ف ي� الفضاء‪.‬‬ ‫تجدر المالحظة إىل أن الجهات المسؤولة عن‬ ‫هذه المشاريع هي وكالة الفضاء أ‬ ‫الوروبية (‪،)ESA‬‬ ‫والدارة الوطنية أ‬ ‫المريكية للمالحة الفضائية‬ ‫إ‬ ‫التوال‪ .‬ما يوحي بأن مستقبل‬ ‫والفضاء (‪ )NASA‬عىل‬ ‫ي‬ ‫استكشاف الفضاء بيد تلك الدول وإن كانت روسيا‬ ‫ين‬ ‫والص� بطموحها ومن خلفهما الهند‬ ‫بعراقة تجربتها‬ ‫يبتغون جزءاً يغ� بسيط من الكعكة‪.‬‬

‫ش‬ ‫أورورا‪ :‬قمة الطموح‬ ‫م�‬ ‫الب�وعي الفضا�ئ‬ ‫ش‬ ‫ي‬

‫ف‬ ‫والعداد ش‬ ‫االستكشا�‬ ‫لم�وع أورورا‬ ‫بدأ التخطيط إ‬ ‫ي‬


‫الذي يهدف إىل استكشاف المجموعة الشمسية منذ‬ ‫عام ‪2002‬م‪ ،‬بالتعاون ي ن‬ ‫ب� ‪ 11‬بلداً منها ش‬ ‫ع� بلدان‬ ‫ت‬ ‫ال� كانت المساهم الرئيس‬ ‫ٍ‬ ‫أوروبية‪ ،‬هي‪ :‬إيطاليا ‪ -‬ي‬ ‫ وإسبانيا والمملكة المتحدة والنمسا وبلجيكا وفرنسا‬‫وألمانيا وهولندا والسويد وسويرسا‪ ،‬وانضمت إليهم‬ ‫كندا كذلك‪ .‬وما ي ّ ز‬ ‫م� هذا ش‬ ‫الم�وع الضخم هو‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� َّ‬ ‫تحل بها‪ .‬ففي المرحلة الوىل‬ ‫«الديمقراطية» أ ي‬ ‫أ‬ ‫تم استطالع الوساط العلمية والكاديمية والصناعية‬ ‫بخصوص الوجهات أ‬ ‫والهداف ت‬ ‫المق�حة الستكشاف‬ ‫الفضاء عىل المدى الطويل‪ ،‬وكانت النتيجة لصالح‬ ‫استكشاف كوكب المريخ أوال ً من ي ن‬ ‫ب� مجموعة من‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫النس�‬ ‫الجرام السماوية الخرى‪ ،‬بسبب قربه ب ي ّ‬ ‫ت‬ ‫ول�كيبته الصخرية وغالفه الجوي مما يجعله ربما‬ ‫أ‬ ‫ال ثك� شبهاً بكوكبنا من أي جرم سماوي آخر �ف‬ ‫ٍّ أ ي‬ ‫ساس‬ ‫مجموعتنا الشمسية‪ .‬وكان هذا االستطالع ال ي ّ‬ ‫الذي قام عليه ش‬ ‫م�وع «أورورا»‪ ،‬وقاد إىل تكوين‬ ‫ش‬ ‫م�وع «إكسومارس» (‪ )ExoMars‬الفرعي من أجل‬ ‫أ‬ ‫دراسة سطح الكوكب الحمر وبيئته ومناخه يك يتم‬ ‫أ‬ ‫الطالق ‪-‬‬ ‫العداد لول رحلة شب�ية إىل هناك عىل إ‬ ‫إ‬ ‫م�وع أورورا العظيم ‪ -‬ت‬ ‫ضمن ش‬ ‫ال� من الممكن أن‬ ‫ي‬ ‫تحصل خالل مدة تت�اوح ي ن‬ ‫ب� ‪ 10‬و‪ 15‬عاماً ف ي� أفضل‬ ‫التقديرات!‬ ‫وكما نعرف‪ ،‬فإن المريخ بات محطة مألوفة لمسابر‬ ‫وآليات أمريكية وأوروبية وروسية وصينية ويابانية‬ ‫وهندية ف� ي ن‬ ‫السن� الماضية‪ ،‬لكن لم يحط عليه أي‬ ‫ي‬ ‫إنسان ت‬ ‫ح� هذه اللحظة‪.‬‬

‫ش‬ ‫ب� عىل سطح المريخ‬

‫محصور‬ ‫خيال‬ ‫نعم‪ ،‬السفر إىل المريخ لم يعد مجرد ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ف� الروايات أ‬ ‫والفالم‪ ،‬بل بدأت بالفعل وكاالت‬ ‫ي‬ ‫العداد والتخطيط له منذ عقود‪.‬‬ ‫الفضاء الدولية إ‬ ‫االق�احات والمحاوالت أ‬ ‫ويمكن تتبع ت‬ ‫الوىل الستعمار‬ ‫الكوكب أ‬ ‫الحمر إىل الخمسينيات الميالدية‪ .‬أما �ف‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫ن أ‬ ‫خ�ة‪ ،‬فقد ظهر ش‬ ‫م�وعان حقيقيان لنقل‬ ‫السن� ال ي‬ ‫ي‬ ‫الب� إىل المريخ هما ش‬ ‫ش‬ ‫م�وع «إكسومارس» آنف‬ ‫الذكر ش‬ ‫المث� الذي‬ ‫وم�وع «مارس ون» ‪ Mars One‬ي‬ ‫آ‬ ‫تطوع فيه مئات الالف للرحيل إىل هناك بال عودة‪.‬‬

‫خطوة باتجاه استعمار أي جرم‬ ‫لكن قبل اتخاذ أي‬ ‫ٍ‬ ‫سماوي يجدر بنا أن نتساءل‪ :‬هل يمكننا تحمل‬ ‫الرحلة الطويلة والصعبة إىل أ‬ ‫الجرام السماوية‬ ‫البعيدة؟ هل يمكننا تحمل قسوة الطبيعة هناك‬ ‫ت‬ ‫وبزات فضائية متطورة؟‬ ‫ح� داخل بيئات محمية ّ‬ ‫معزول�ن‬ ‫ش‬ ‫هل يمكن لمجموعة من الب� االستقرار‬ ‫ي‬ ‫عن بقية أفراد نوعهم ألجيال وأجيال؟‬ ‫الجواب هو عىل أ‬ ‫الرجح‪ :‬نعم‪ ،‬والدليل موجود‪ ،‬بل‬ ‫وقريب جداً‪.‬‬

‫«غ� أرضية» عىل كوكبنا‬ ‫بيئات ي‬ ‫أ‬ ‫الزرق!‬

‫تخيل العيش تسعة أشهر معزوال ً تماماً عن العالم‪،‬‬ ‫ف� مكان مقدار يومه حوال ‪ 8,700‬ساعة (أو ن‬ ‫بمع�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫آخر سنة كاملة حيث يدوم فيه النهار ‪ 6‬أشهر والليل‬ ‫‪ 6‬أشهر)‪ .‬مكان درجة حرارته تحت الصفر ف ي� كل‬ ‫المواسم لدرجة أن سطحه يتشكل من طبقة ثلجية‬ ‫ت‬ ‫كيلوم�ين ف ي� المتوسط‪ ،‬مما‬ ‫دائمة يصل سمكها إىل ‪2‬‬ ‫يجعل سطحه أبيض عىل الدوام‪.‬‬ ‫ثمة مكان عىل سطح كوكبنا يشبه ف ي� بعض جوانبه‬ ‫المش�ي ث‬ ‫ت‬ ‫أك� مما‬ ‫القمر يوروبا التابع لكوكب‬ ‫يشابه بقية أ‬ ‫الرض‪ ،‬إنها القارة القطبية الجنوبية أو‬ ‫ت‬ ‫ال� تصل مساحتها إىل ضعفي مساحة‬ ‫أنتاركتيكا ي‬ ‫قارة ت‬ ‫أس�اليا ويرتفع معظمها ‪ 10‬آالف قدم ‪ -‬ثالثة‬ ‫آالف تم�‪ -‬فوق سطح البحر‪ .‬هذه القارة ليس‬ ‫فيها سكان أصليون من ش‬ ‫الب�‪ ،‬حيث لم يستقر بها‬ ‫�ض‬ ‫أحد من جنسنا قط بسبب اوة ش‬ ‫و�اسة ظروفها‬ ‫البيئية‪ .‬لكن مع تقدم العلوم‪ ،‬ما عاد أي مكان عىل‬ ‫سطح أ‬ ‫الرض عصياً عىل نب� ش‬ ‫الب�‪.‬‬ ‫ي‬ ‫فمنذ منتصف القرن ض‬ ‫الما�‪ ،‬بدأ إنشاء قواعد‬ ‫ي‬ ‫دائمة عىل سطح القارة معظمها ألغراض علمية‬ ‫يز‬ ‫ل�ورها ويستقر بها العلماء والباحثون وتكون‬ ‫محطة لهم ليقوموا بدراساتهم حول الفلك‬ ‫يز‬ ‫وغ�ها‪.‬‬ ‫والف�ياء والعلوم الطبية والجيولوجيا ي‬ ‫ن‬ ‫الخمس� مركزاً ومحطة‬ ‫واليوم يوجد ما يقارب‬ ‫ي‬

‫بحثية صيفية أو دائمة هناك‪ ،‬تملكها ‪ 30‬دولة‬ ‫حوال ‪ 4000‬شخص ف ي� الصيف‬ ‫مختلفة ويقطن بها ي‬ ‫ حيث يمكن أن تنتقل السفن والطائرات ‪ -‬و‪1000‬‬‫شخص فقط خالل الشتاء الرهيب‪ ،‬يخضعون‬ ‫ت‬ ‫رواد‬ ‫الختبارات طبية‬ ‫ال� تُجرى عىل َّ‬ ‫مشابهة لتلك ي‬ ‫الفضاء‪ ،‬ويمكثون ف� القطب ي ن‬ ‫ب� شهري بف�اير‬ ‫ي‬ ‫الكب� ف ي�‬ ‫ونوفم�‪ .‬قد نتساءل‪ :‬لماذا هذا النقص ي‬ ‫ب‬ ‫العدد؟ الجواب هو ألن من يظل ف ي� المحطة بعد‬ ‫الثالث ش‬ ‫ع� من بف�اير لن يجد وسيلة مواصالت‬ ‫ت‬ ‫تخرجه منها لمدة تسعة أشهر ‪ -‬أي ح� شهر‬ ‫نوفم� نهاية السنة ‪ -‬وذلك الستحالة وصول‬ ‫ب‬ ‫الطائرات والمركبات إىل هذه المحطات القطبية ف ي�‬ ‫فصل الشتاء؛ ألن الوقود النفطي يتجمد عند درجة‬ ‫حرارة ‪ 45‬مئوية تحت الصفر‪.‬‬ ‫خالل الشتاء الطويل البارد المظلم هناك‪ ،‬حيث‬ ‫تختفي الشمس تماماً‪ ،‬تظل درجة الحرارة الخارجية‬ ‫أقل من ‪ 60‬درجة مئوية تحت الصفر لشهور‬ ‫متواصلة بال ارتفاع‪ ،‬وقد تصل إىل ‪ 90‬درجة مئوية‬ ‫ف‬ ‫بالضافة إىل‬ ‫تحت الصفر ي� بعض المناطق! إ‬ ‫الكب� فوق سطح البحر‬ ‫ذلك‪ ،‬فإن ارتفاع القارة ي‬ ‫يؤدي إىل تدن ف� وفرة أ‬ ‫ين‬ ‫وكسج� الجوي بنسبة‬ ‫ال‬ ‫ٍ ي‬ ‫‪ %30‬نظراً النخفاض الضغط الجوي‪ .‬والنتيجة‬ ‫هي أن االعتماد عىل الهواء الخارجي ف ي� التنفس‬ ‫بال معالجة يؤدي إىل تناقص أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫كسج� ف ي� الدم‬ ‫خالل تف�ة ي ز‬ ‫وج�ة فيشعر الشخص بالدوار والغثيان‬ ‫والصداع‪ ،‬وقد ينتهي به السبيل إىل فقدان الوعي‬ ‫أو ت‬ ‫ح� الموت إن ظل عىل ذلك لوقت طويل‬ ‫نسبياً‪ .‬وبحسب وصف الطبيب ديل مول ‪ -‬الذي‬ ‫ض‬ ‫ق� شتاء ‪2012‬م هناك ‪ -‬فإن التنفس ش‬ ‫مبا�ة من‬ ‫كث�اً وكأن خناجر من‬ ‫واق يؤلم ي‬ ‫الهواء الخارجي بال ٍ‬ ‫الثلج تنسحب داخل الحلق‪ ،‬ورطوبة الهواء الخارج‬ ‫تتجمد أمام صاحبها ف ي�‬ ‫من الشخص أثناء ي‬ ‫الزف� َّ‬ ‫الجو‪ .‬ويذكر أيضاً أن أ‬ ‫السنان تؤلم لساعات بعد‬ ‫تعرضها للهواء الخارجي!‬ ‫ت‬ ‫استطاع ش‬ ‫ال� تشابه‬ ‫الب� قهر هذه‬ ‫الظروف الرهيبة ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫وال� يمكن وصفها‬ ‫ظروف الجرام الفضائية الخرى ي‬


‫‪25 | 24‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫بغ� أ‬ ‫التعب� ‪ -‬وأثبتوا جدارة عالية‬ ‫الرضية ‪ -‬إن صح‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫فالمبا� تعمل باكتفاء ت‬ ‫ن‬ ‫ذا� تماماً‪،‬‬ ‫معها‪.‬‬ ‫التعايش‬ ‫ف ي�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫والقاطنون فيها يعيشون مدة تسعة أشهر كاملة‬ ‫عىل ما جمعوه ف ي� البداية من غذاء وأدوات وأيضاً‬ ‫عىل تدوير ما يمكن تدويره‪ .‬بل ت‬ ‫ح� التواصل مع‬ ‫ت‬ ‫الن�نت ليس‬ ‫العالم الخارجي عن طريق شبكة إ‬ ‫متاحاً إال لساعات معدودة ف ي� اليوم ‪ -‬باعتبار اليوم‬ ‫‪ 24‬ساعة ‪ -‬وبنطاق محدود جداً‪ .‬هذه الظروف‬ ‫أتاحت أيضاً اختبار آ‬ ‫الثار الصحية والنفسية السلبية‬ ‫ت‬ ‫الجنو� مع‬ ‫ال� يتقاطع فيها العيش ف ي� القطب‬ ‫بي‬ ‫ي‬ ‫العال‪،‬‬ ‫رحالت الفضاء الطويلة‪ ،‬مثل إ‬ ‫الجهاد أ ي‬ ‫والكل الناتج‬ ‫واالكتئاب‪ ،‬وفقدان الدافع للتمارين‬ ‫عن العزلة الطويلة والظروف البيئية المختلفة‬ ‫كانقطاع ضوء الشمس‪.‬‬

‫جزيرة تريستان‪ :‬أ‬ ‫ال ثك� عزلة ف ي�‬ ‫العالم‬ ‫ف‬

‫ت‬ ‫ال� تل عيش ش‬ ‫الب� ي�‬ ‫لكن ماذا عن الخطوة ي ي‬ ‫ظروف بيئية صعبة جداً لمدة تصل إىل سنة؟ هل‬ ‫يمكن أن يعيش هؤالء أ‬ ‫الفراد ف ي� بيئة معزولة ف ي�‬ ‫أ‬ ‫الفضاء ‪ -‬بعد أن يغادروا الرض ‪ -‬لعقود وقرون‪،‬‬ ‫ين‬ ‫مؤسس� سالالت جديدة‪ ،‬بال اختالط مع بقية ش‬ ‫الب�‬ ‫أ‬ ‫ال ي ن‬‫رضي�‪-‬؟‬ ‫ف‬ ‫تطرف‬ ‫الجواب قد تقدمه لنا بقعة أخرى مدهشة ي� ّ‬ ‫ظروفها عىل أرضنا‪ ،‬هي جزيرة تريستان دا كونا‬ ‫‪ Tristan da Cunha‬وقاطنوها الذين عاشوا قروناً �ف‬ ‫ي‬ ‫انعزال تام عن العالم‪.‬‬ ‫أ‬ ‫بدأت القصة ي ن‬ ‫ح� ح ّ‬ ‫مريك‬ ‫ط جوناثان ب‬ ‫الم�ت ال ي‬ ‫صغ�ة نائية‬ ‫مع ثالثة من أصدقائه عىل جزيرة ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫طلس‪ ،‬إىل‬ ‫ومهجورة ي� أقىص جنوب المحيط ال ي‬ ‫الغرب من رأس الرجاء الصالح‪ ،‬عام ‪1810‬م‬ ‫وأعلن ملكيته لها بعد أن نوى العيش فيها‪ .‬هذه‬ ‫ت‬ ‫ال� هي ف ي� الحقيقة بركان شاهق اسمها‬ ‫الجزيرة ي‬ ‫تغال الذي اكتشفها عام‬ ‫تريستان دا كونا نسبة ب‬ ‫لل� ي‬ ‫‪1506‬م ولم يطأها‪ ،‬تبعد عن أقرب يابسة لها ‪-‬‬ ‫ت‬ ‫صغ�ة ‪ -‬ث‬ ‫كيلوم�!‬ ‫أك� من ‪2400‬‬ ‫وهي جزيرة أخرى ي‬ ‫ن‬ ‫يطا� عام‬ ‫بعد سنوات قليلة قدم الجيش ب‬ ‫ال� ي‬ ‫‪1816‬م واستوىل عىل الجزيرة لغرض عسكري ف ي�‬ ‫البداية ثم الحقاً لغرض تحويلها لمحطة ت‬ ‫اس�احة‬ ‫ش‬ ‫للرحالت البحرية المقبلة من أوروبا قاصد ًة ال�ق‬ ‫أ‬ ‫القىص‪ ،‬فازدهرت الجزيرة نسبياً لعقود‪ ،‬وتوافدت‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫يطاني� بغرض‬ ‫ال�‬ ‫إليها جماعات من‬ ‫المدني� ب‬ ‫االستقرار‪ .‬لكن بعد افتتاح قناة السويس عام‬ ‫‪1869‬م لم تعد هناك حاجة لهذه الجزيرة تف�كت‬ ‫ألهلها الذين بلغ عددهم ش‬ ‫الع�ات!‬ ‫الصغ� ف ي� عزلة طويلة‬ ‫عاش هذا المجتمع‬ ‫ي‬ ‫واستقالل تام عن العالم‪ .‬فقد كانوا يأكلون مما‬

‫يزرعون ويلبسون مما ينسجون ت ز‬ ‫وي�اوجون فيما‬ ‫بينهم‪ ،‬حيث ال يوجد فيها إال سبعة ألقاب عائلية‪.‬‬ ‫ومات الجيل أ‬ ‫الول ولم يبق فيها إال أبناء الجزيرة‬ ‫ف‬ ‫الذين ولدوا وترعرعوا ي� كنفها وال يعرفون سواها‬ ‫ال�يطانية الجزيرة‬ ‫موطناً‪ .‬بل ولما أخلت الحكومة ب‬ ‫ال�كان القابع‬ ‫من أهلها عام ‪1961‬م بسبب ثوران ب‬ ‫ف ي� منتصفها وأخذتهم إىل بريطانيا‪ ،‬حصلت لهم‬ ‫صدمة نفسية وصعوبة شديدة ف ي� التأقلم أدت‬ ‫بهم للعودة إىل موطنهم أ‬ ‫الم ف� غضون ي ن‬ ‫سن�‬ ‫ي‬ ‫قليلة عىل الرغم من المخاطر والظروف البيئية‬ ‫الصعبة!‬ ‫سكان جزيرة تريستان دا كونا الذين لم يزد عددهم‬ ‫بع� القرون عىل ‪ 270‬شخصاً‪ ،‬أثبتوا لنا أنه يمكن‬ ‫لمجموعات من ش‬ ‫الب� العيش بانقطاع كامل وعزلة‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ذا� ي� الموارد‬ ‫تامة طالما تحصلوا آعىل استقالل ي‬ ‫أ‬ ‫الن ال حاجة لنا إىل خيال واسع‬ ‫الساسية للحياة‪.‬‬ ‫نل�ى أنه يمكننا استعمار كوكب آخر استعماراً‬ ‫أبدياً إن توفرت متطلبات العيش أ‬ ‫الساسية‪ ،‬كالماء‬ ‫والغذاء‪ .‬وهذا ما بدأ يصبح حقيقة تحت ظل‬ ‫أ‬ ‫خ�ة‪.‬‬ ‫االكتشافات الحيوية والتقنية ال ي‬

‫فهل سيتحقق الحلم المنتظر؟‬

‫ي� النهاية‪ ،‬يُتوقع أن نشهد أول تجربة الستعمار‬ ‫جرم سماوي آخر ف ي� غضون عقدين فقط من‬ ‫الزمن سواء من خالل ش‬ ‫م�وع «إكسومارس» أو‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫المث�‪ .‬فالتجارب الب�ية‬ ‫م�وع «مارس َون» ي‬ ‫ت‬ ‫ال� ذكرناها آنفاً ترجح نجاح هذه المساعي‬ ‫ي‬ ‫االستكشافية‪.‬‬ ‫ومما ال شك فيه أنه لو تمكن ش‬ ‫الب� من تحقيق‬ ‫هذا الحلم المنتظر فستكون تلك نقطة‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫و� تاريخ الحياة‬ ‫محورية ي� تاريخ جنسنا بل ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫سيتغ� اسمها بانتقال جزء من‬ ‫ال�‬ ‫ي‬ ‫الرضية‪ ..‬ي‬ ‫أ‬ ‫الصل وتأسيس فروع له خارج نطاق الكوكب‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الزرق الم‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫كيف تعمل‪...‬‬

‫الوسادة‬ ‫الهوائية‬ ‫تهدف الوسادة الهوائية إىل إبطاء اندفاع الراكب خالل‬ ‫جزء من الثانية لحظة وقوع اصطدام ما‪ .‬وهناك ثالثة‬ ‫أجزاء للوسادة الهوائية تتكامل لتحقيق هذا الهدف‪:‬‬

‫الوسادة نفسها‪ :‬المصنوعة من نسيج نايلون مطوي‬ ‫ف� عجلة القيادة‪ ،‬أو تجاويف خاصة ف� أ‬ ‫البواب ولوحة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫القيادة‪.‬‬

‫المجس أو المستشعر‪ :‬الذي يرسل إشارة للوسادة‬ ‫باالنتفاخ ما إن يقع ما يمكن اعتباره ارتطاماً‪ .‬ويكفي تقدير‬ ‫ت‬ ‫كيلوم�اً‬ ‫قوة تعادل االصطدام بجدار حجري برسعة ‪20‬‬ ‫ف ي� الساعة يك يقرر المستشعر أن يشغِّ ل وسادة الهواء بع�‬ ‫ميكانيك فائق الرسعة‪ .‬هذا المستشعر هو ف ي� الغالب‬ ‫غالق‬ ‫ي‬ ‫جزء من منظومة ت‬ ‫إلك�ونية متكاملة موزعة عىل أجزاء‬ ‫المركبة كلها‪.‬‬ ‫ئ‬ ‫كيميا� قائم‬ ‫نظام نفخ الوسادة الهوائية‪ :‬وهو نظام‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫كيميا� (له‬ ‫عىل تفاعل أزيد الصوديوم ‪ -‬هو مركب‬ ‫ي‬ ‫الصيغة ‪ ،)NaN3‬ويكون عىل شكل مسحوق بلوري أبيض‪-‬‬ ‫مع تن�ات البوتاسيوم (‪ ،)KNO3‬وهي مادة كيميائية تتكون‬ ‫وج� أ‬ ‫من البوتاسيوم ت‬ ‫ين‬ ‫والني� ي ن‬ ‫وكسج� وتُعد مساعدة‬ ‫وال‬ ‫ف‬ ‫عىل االشتعال وتدخل ي� تركيب البارود‪ ،‬كما أنها متوافرة‬ ‫ف أ‬ ‫غ� ت‬ ‫ن‬ ‫بالني� ي ن‬ ‫وج�‪ .‬وينتج عن تفاعل‬ ‫ي� السواق كسماد ي‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫وجي� يؤدي النتفاخ الوسادة آنياً ما إن‬ ‫المركب� انفجار ني� ي‬ ‫يعطي المستشعر إشارة فتح الوسادة الهوائية‪.‬‬ ‫مصدر الصورة‪ :‬موقع ‪how stuff works‬‬


‫‪27 | 26‬‬

‫علوم‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫ً‬ ‫َ‬ ‫عنوانا لبحثك‪:‬‬ ‫تصفحت اإلنترنت واخترت‬ ‫إذا‬ ‫ً‬ ‫«‪ 10‬أشياء ستختفي من حياتنا قريبا»‪،‬‬ ‫فستحصل على إجابات عديدة تحمل هذا‬ ‫العنوان نفسه‪ ،‬فإذا فتحت اإلجابات واحدة‬ ‫بعد األخرى‪ ،‬فستجد أنها متشابهة في‬ ‫المضمون‪ ،‬مع اختالف بسيط في بعض‬ ‫ً‬ ‫جميعا تشير إلى ‪ 10‬أشياء‬ ‫األحيان‪ .‬لكنها‬ ‫ستختفي من حياة األمريكيين واإلنجليز‪ ،‬وال‬ ‫تتناول في اإلجمال حياة الشعوب األخرى‪.‬‬ ‫ومطالعة خالصة موجزة لهذه اإلجابات‬ ‫ً‬ ‫كثيرا من المضمون ينطبق‬ ‫أمر مفيد؛ ألن‬ ‫على ما يمكن توقعه في بالدنا‪ .‬فما هي‬ ‫األمور العشرة التي يتوقع اختفاؤها قريباً‬ ‫من حياتنا؟ إليكم الحصيلة‪ ،‬مع بعض‬ ‫التصرف‪:‬‬

‫د‪ .‬فكتور سحاب‬

‫أشياء‬ ‫ستختفي من‬ ‫حياتنا‬


‫بال تن�نت‪ ،‬هي البديل الذي‬ ‫صارت بطاقتك الممغنطة أو تحويلك إ‬ ‫تستخدمه‪ ،‬فما هي الحاجة إىل الشيكات إذن؟‬

‫الصحيفة‬

‫الجيل الجديد‪ ،‬ببساطة‪ ،‬ال يقرأ الصحف‪ .‬فهو يتلقف أ‬ ‫الخبار من‬ ‫الذك‪ ،‬أو من التلفزة عندما يرغب ف ي� ذلك‪ .‬والجيل الجديد‬ ‫هاتفه ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ً‬ ‫ال� تُصدرها الصحف‪ .‬وهذا‬ ‫ال يش�ك حتما ي� الطبعات الورقية ي‬ ‫بمص� بائعي الحليب‪ ،‬أو موظفي المصبغة‪ ،‬الذين كانوا‬ ‫ما يذكرنا ي‬

‫ال�يد‬ ‫مكتب ب‬

‫استعد تل�ى قريباً عالماً ليست فيه مكاتب بريد‪.‬‬ ‫فمكاتب بال�يد اليوم شبه عاطلة من العمل‪ ،‬وهي‬ ‫ن‬ ‫تعا� أزمة مالية حادة‪ ،‬قد ال تسمح بإبقائها تعمل‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫نز‬ ‫المال يغ� المفيد‪ .‬فرسائل‬ ‫ي� حال االست�اف ي‬ ‫ت ن‬ ‫و�‪ ،‬شو�كات الشحن الرسيع‪ ،‬ووسائل نقل الوثائق‬ ‫بال�يد إاللك� ي‬ ‫ت‬ ‫والملفات بالطرق إال ت‬ ‫لك�ونية‪ ،‬باتت تُ ن ش‬ ‫ال�‬ ‫غ� الب� عن معظم المهام ي‬ ‫ي‬ ‫كان يقوم بها بال�يد العادي‪ .‬وبذلك انقطع مصدر الدخل الذي كان‬ ‫م�وعاً يمكن أن يسدد تكلفته عىل أ‬ ‫يجعل مكاتب بال�يد ش‬ ‫القل‪.‬‬

‫الشيك‬

‫بدأت المملكة المتحدة منذ مدة تُعد النظم المالية والنقدية‬ ‫والدارية الالزمة لالستغناء عن نظام الدفع بالشيكات ف ي� سنة‬ ‫إ‬ ‫المال ف ي� المملكة‬ ‫النظام‬ ‫ّف‬ ‫ل‬ ‫يك‬ ‫بالشيكات‬ ‫فالتعامل‬ ‫‪2018‬م‪.‬‬ ‫ي‬ ‫المتحدة مليارات الدوالرات ف ي� كل سنة‪ .‬وسيؤ ّدي‬ ‫انتشار استخدام الدفع بالبطاقات الممغنطة‪،‬‬ ‫«ال تن�نت»‪ ،‬إىل احتمال‬ ‫أو بع� الشبكة الدولية إ‬ ‫انحسار استخدام الشيكات ف‬ ‫المال‪.‬‬ ‫التعامل‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ال�يد‪.‬‬ ‫وهذا يسهم كذلك ي� اختفاء مكاتب ب‬ ‫فإذا لم تدفع يوماً ما تي�تب عليك من‬ ‫دفعات‪ ،‬بواسطة حوالة بريدية‪ ،‬ولم‬ ‫تتلق أي مبلغ بهذه الحواالت‪ ،‬وإذا‬ ‫َّ‬

‫أ‬ ‫مص�ه مشابه‪ .‬أما‬ ‫يجولون عىل البيوت لداء عملهم‪ .‬مو ّزع الصحف ي‬ ‫قراءة الصحيفة ف ي� موقعها عىل شبكة إال تن�نت‪ ،‬فال مفر من أن نستعد‬ ‫ليوم قريب‪ ،‬سندفع فيه بدال ً مالياً لقراءة الصحيفة‪ .‬لقد أدت رسعة‬ ‫لك�ونية أ‬ ‫انتشار القراءة عىل إال تن�نت‪ ،‬ووسائل القراءة إال ت‬ ‫الخرى‪ ،‬إىل‬ ‫المسؤول� �ف‬ ‫ن‬ ‫قيام حلف ي ن‬ ‫ب� ش‬ ‫نا�ي الصحف والمجالت‪ .‬وقد قابلوا‬ ‫ي ي‬ ‫ش‬ ‫الك�ى‪ ،‬من أجل‬ ‫ش�كات «أبل» و«أمازون» و�كات الهواتف الخلوية ب‬ ‫طلب تطوير نظام خدمات قراءة ت‬ ‫إلك�ونية مدفوعة الثمن‪.‬‬

‫الكتاب‬

‫تقول إنك لن تتوقف يوماً‪ ،‬مهما حدث‪ ،‬عن اقتناء كتاب الورق‬ ‫الملموس‪ ،‬الذي تحمله بيديك‪ ،‬وتقلِّب صفحاته صفحة صفحة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫كث�‬ ‫ال�ء نفسه ي� اقتناء الغنيات والموسيقى‪ .‬ورفض ي ٌ‬ ‫لقد قيل ي‬ ‫كث�اً‬ ‫المدمج‬ ‫التخل عن القرص‬ ‫«الس دي»‪ .‬لكن ي‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أيضاً رسعان ما ّبدلوا رأيهم‪ ،‬ي ن‬ ‫ح� اكتشفوا أنهم‬ ‫يستطيعون الحصول عىل «ألبومات» موسيقية‬ ‫بنصف الثمن‪ ،‬من دون ت‬ ‫تجشم عناء مغادرة‬ ‫ح� ُّ‬ ‫نز‬ ‫ش‬ ‫ال�ء نفسه سيحصل‬ ‫الم�ل من أجل‬ ‫ذلك‪ .‬ي‬ ‫آ‬ ‫للكتاب‪ .‬إذ يمكنك الن أن تتصفح موجودات‬ ‫ال تن�نت‪ ،‬بل يمكنك أن تقرأ عرضاً‬ ‫المكتبات عىل إ‬ ‫موجزاً لمضمون الكتاب قبل أن ت‬ ‫تش�يه‪ .‬وأما‬ ‫ق‬ ‫الور�‬ ‫السعر فهو أقل من نصف سعر الكتاب ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� تتاح‬ ‫الذي تش�يه‪ .‬وال َ‬ ‫تنس السهولة العملية ي‬ ‫حينئذ‪ .‬فمجرد أن تلمس الشاشة‪ ،‬تستطيع‬ ‫لك‬ ‫ٍ‬ ‫أن تقلب الصفحة‪ ،‬وتغوص ف� القصة‪ ،‬ت‬ ‫تتشوق إىل معرفة‬ ‫ح� لتكاد ّ‬ ‫ي‬ ‫خاتمة الرواية‪ ،‬وكأنك تقلب كتاباً حقيقياً‪ .‬وستنىس أن الذي أمامك‬ ‫ليس كتاباً‪ ...‬من ورق‪.‬‬


‫مداخيل التلفزة‬

‫‪29 | 28‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫الهاتف الثابت‬

‫كب�ة‪ ،‬وكنت ال تُ ِثك� من اتصاالتك المحلية‬ ‫إذا لم تكن عائلتك ي‬ ‫آ‬ ‫بالهاتف‪ ،‬فإنك لست بحاجة بعد الن إىل الهاتف الثابت‪ .‬معظم‬ ‫ض‬ ‫أر� ثابت ألنهم امتلكوا عىل الدوام‬ ‫الناس يحتفظون بخط هاتفي ي‬ ‫خطاً ثابتاً ليس ث‬ ‫أك�‪ .‬لكنك تدفع ماال ً مضاعفاً من أجل هذه الخدمة‬ ‫يغ� ض‬ ‫ش‬ ‫ال�ورية‪ .‬وجميع �كات الهاتف الخلوي تتيح لك االتصال‬ ‫مزود الخدمة الخلوية نفسه‪ ،‬دون أن‬ ‫بجميع زبائنها عن طريق ّ‬ ‫تدفع ماال ً بدل دقائق المكالمات‪.‬‬

‫تشهد شبكات التلفزة انخفاضاً حاداً ف ي� مداخيلها‪ .‬وليس السبب هو‬ ‫الحال االقتصادية وحدها‪ .‬فالناس باتوا يشاهدون التلفزة أ‬ ‫والفالم‬ ‫أ‬ ‫ال ت‬ ‫بكث�‬ ‫من حواسيبهم‪ .‬وهم يمارسون اللعاب إ‬ ‫لك�ونية ويقومون ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونية‪ ،‬ويُنفقون ي� هذا المجال‬ ‫من المور بواسطة الجهزة إ‬ ‫الوقت الذي كانوا يُمضونه ف ي� مشاهدة التلفزة‪ .‬وقد انحدرت حال‬ ‫العروض التلفزيونية الممتازة «برايم تايم شو» إىل ن‬ ‫أد� مكانة ي ن‬ ‫ب�‬ ‫ف‬ ‫و� المقابل‪ ،‬تزداد أسعار ت‬ ‫االش�اك بالكيبل ازدياداً‬ ‫ب‬ ‫ال�امج العامة‪ .‬ي‬ ‫ف‬ ‫المعدل‪.‬‬ ‫والعالنات تُبث كل ‪ 4‬دقائق ونصف الدقيقة‪ ،‬ي�‬ ‫صاروخياً‪ ،‬إ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫وليخ� الناس ما يريدون أن يشاهدوه‬ ‫معظمها‪.‬‬ ‫اختفى‬ ‫وال أسف لو‬ ‫ِ‬ ‫ال تن�نت‪ ،‬بواسطة «نتفلكس»‪.‬‬ ‫عىل إ‬

‫«أشياء» نملكها‬

‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� نملكها اليوم‪ ،‬قد ال نملكها ف ي� المستقبل‬ ‫ي‬ ‫كث� من الشياء ي‬ ‫ف‬ ‫المكان أن نخزنها ي� «الغيمة» (‪.)The Cloud‬‬ ‫القريب‪ .‬ففي إ‬ ‫اليوم لديك حاسوب‪ ،‬ومخزن «هارد دسك» تحفظ عليه صورك‬

‫الموسيقى‬

‫هذه واحدة من ث‬ ‫التغي� مدعاة للحزن‪ .‬فصناعة‬ ‫أك� قصص‬ ‫ي‬ ‫نز‬ ‫الموسيقى تموت موتاً بطيئاً‪ .‬وليس السبب الوحيد هو الت�يل‬ ‫الم�وع‪ .‬بل السبب أ‬ ‫يغ� ش‬ ‫الول هو انعدام الموسيقى الجديدة‬ ‫َّ‬ ‫الخلقة‪ ،‬وعدم إتاحة فرصة لهذه الموسيقى إذا ُوجدت‪ ،‬يك تصل‬ ‫إىل الناس الذين يودون سماعها‪ .‬الطمع والفساد هما المشكلة‪.‬‬ ‫ش�كات أ‬ ‫التدم� ت‬ ‫الذا�‪.‬‬ ‫السطوانات وشبكات الراديو تمارس ببساطة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ث‬ ‫ال� تُباع اليوم‪ ،‬هي موسيقى «من‬ ‫فأك� من ‪ %40‬من الموسيقى ي‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫معروف� ومشهورين‪.‬‬ ‫لفنان�‬ ‫ي‬ ‫الكاتالوج»‪ ،‬أي موسيقى معروفة ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫تقدم ي� حفالت‬ ‫ال� َّ‬ ‫ّ‬ ‫ويصح هذا القول أيضاً ي� الموسيقى الحية ي‬ ‫المث�ة للقلق‪ ،‬راجع‬ ‫خاصة‪ .‬لتعرف مزيداً عن هذه المشكلة‪ ،‬ي‬ ‫ت‬ ‫الذا�» (‪،)Appetite for Self-Destruction‬‬ ‫الكتاب «نهم‬ ‫ي‬ ‫التدم� ي‬ ‫لستيف كنوبر (‪ ،)Steve Knopper‬ش‬ ‫وال�يط التوثيقي‪« :‬قبل أن‬ ‫تموت الموسيقى» (‪.)Before the Music Dies‬‬

‫ال ت‬ ‫لك�ونية فتحتفظ بها‬ ‫ال�امج إ‬ ‫وموسيقاك وأفالمك ووثائقك‪ .‬أما ب‬ ‫نز‬ ‫عىل أقراص مدمجة‪ ،‬أو «دي ف ي� دي»‪ .‬ويمكنك إعادة ت�يلها كلما‬ ‫أردت‪ .‬لكن كل هذا يتبدل آ‬ ‫الن‪ .‬ش‬ ‫ف�كات «أبل» و«مايكروسوفت»‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫خ�ة اليوم‪ ،‬عىل آخر «خدمات‬ ‫و«غوغل» تضع اللمسات ال ي‬ ‫ن‬ ‫يع� أنك ي ن‬ ‫ال تن�نت‬ ‫ح� تشغّ ل حاسوبك‪ ،‬يكون إ‬ ‫كالود»‪ .‬وهذا ي‬ ‫ضمن نظام التشغيل‪ .‬وبذلك تكون «وندوز» و«غوغل» و«ماك‬ ‫أوس» متصلة ش‬ ‫بال تن�نت‪ .‬فإذا ضغطت عىل أيقونة‪،‬‬ ‫مبا�ة إ‬ ‫ال تن�نت» (‪.)Internet Cloud‬‬ ‫فإنك تفتح نافذة ما من «غيمة إ‬ ‫فإذا حفظت شيئاً‪ ،‬فسيكون محفوظاً ف ي� «الغيمة»‪ .‬ويمكنك أن‬ ‫ف‬ ‫ت ض‬ ‫ا�‪،‬‬ ‫تدفع مبلغاً شهرياً ّ‬ ‫لمزود «الغيمة»‪ ،‬ي‬ ‫و� هذا العالم االف� ي‬


‫ش‬ ‫�ء من أي الب توب‬ ‫سيمكنك تناول موسيقاك أو كتبك‪ ،‬أو أي ي‬ ‫ت ن‬ ‫و� يدوي‪ .‬هذا هو النبأ السار‪ ،‬ولكن هل ستملك‬ ‫أو جهاز إلك� ي‬ ‫ف ي� الواقع شيئاً من هذه «المواد»‪ ،‬أم أنها يمكن أن تختفي‬ ‫ف‬ ‫كب�ة؟ هل سيكون معظم ما نمتلك ف ي� حياتنا‬ ‫فجأة ي� أي حادثة ي‬ ‫الخاصة متاحاً لالستعمال نز‬ ‫وال�وات؟ إن هذه الفكرة تدفعك‬ ‫إىل المسارعة إىل خزانتك‪ ،‬ل ُتخرج منها ألبوم صورك‪ ،‬أو تتناول‬ ‫كتاباً من عىل الرف‪ ،‬أو تفتح علبة أ‬ ‫القراص المدمجة‪ ،‬وتسحب‬ ‫محتواها‪.‬‬

‫الكتابة المتصلة‬

‫وروبي� أ‬ ‫ف� الكتابة باليد عند أ‬ ‫ت‬ ‫وال ي ن‬ ‫ال ي ن‬ ‫ال� تُكتب‬ ‫ي‬ ‫مريكي�‪ ،‬وكل اللغات ي‬ ‫بالحروف الالتينية‪ ،‬نوعان من الكتابة‪ ،‬واحد تتصل فيه الحروف‬ ‫المكتوبة‪ ،‬آ‬ ‫والخر تكون فيه الحروف منفصلة‪ ،‬مثلما هي ف ي� طباعة‬ ‫ت‬ ‫ال� لم‬ ‫الكمبيوتر‪ .‬الكتابة المتصلة اختفت من ي‬ ‫كث� من المدارس‪ ،‬ي‬ ‫تعد تعلّم أ‬ ‫الطفال الكتابة باليد‪ ،‬وتكتفي بالكتابة بالكمبيوتر‪ .‬وقد‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ضعف القدرة‬ ‫أثبتت البحاث أن هذا خطر لن عدم الكتابة باليد يُ ِ‬ ‫عىل القراءة‪ .‬ومع ذلك فالكتابة بالحروف المنفصلة ال تتضمن هذا‬ ‫الخطر‪ ،‬طالما ك َّنا نعلِّم أطفالنا الكتابة باليد‪.‬‬

‫‪ ...‬واالنتحال أيضاً‬ ‫قد يختفي!‬

‫أ‬ ‫ش ت‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫ال� ذكرت الشياء الع�ة ي‬ ‫أحد المواقع ي‬ ‫ستختفي قريباً من حياتنا‪ ،‬ذكر شيئاً آخر‪ ،‬توقّع أن‬ ‫يختفي أيضاً‪ :‬االنتحال‪.‬‬ ‫واالنتحال (‪ ،)Plagiarism‬هو نقل نص من مقالة‬ ‫أو كتاب‪ ،‬واالدعاء أنه من بنات أفكارنا‪ ،‬وإغفال‬ ‫ذكر مصدره‪.‬‬

‫الحياة الشخصية‬

‫إذا كان لنا أن ننظر ي ن ش‬ ‫التغ�‬ ‫�ء ما‪ ،‬بعد كل هذا ي ّ‬ ‫بحن� إىل ي‬ ‫ت‬ ‫تسمى‬ ‫ال� ّ‬ ‫الذي حدث ويحدث وسيحدث‪ ،‬فهو الخصوصية‪ ،‬ي‬ ‫بال ي ز‬ ‫نجل�ية‪.Privacy :‬‬ ‫إ‬ ‫تصور كل ما يجري‪ ،‬وثمة‬ ‫لقد انتهت! ففي كل الشوارع عدسات ّ‬ ‫ن‬ ‫المبا�‪ ،‬ت‬ ‫وح� ف ي� الكمبيوتر والهواتف الخلوية‪.‬‬ ‫عدسات ف ي� معظم‬ ‫ي‬ ‫ويمكنك أن تكون عىل ي ن‬ ‫يق�‪ ،‬من أن هناك أناساً يشاهدونك ‪24‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ساعة ف ي� اليوم‪ ،‬سبعة أيام ي� السبوع‪ ،‬ويعرفون من أنت‪ ،‬وأين‬ ‫أنت‪ ،‬ويالحقونك ف ي� سيارتك‪ ،‬بنظام ‪ ،GPS‬ونظام «غوغل»‪:‬‬ ‫‪ .Google Street View‬يعرفون عادات ش‬ ‫ال�اء لديك‪ ،‬وقد يكون‬ ‫ف‬ ‫لتغي� عاداتك هذه‪ ،‬وسيدفعونك‬ ‫التأث� عليك ي‬ ‫ذلك مفيداً لهم ي� ي‬ ‫شل�اء هذه السلع أو تلك‪ ،‬بال كلل أو ملل‪.‬‬ ‫التغ�‪ ،‬ت‬ ‫وم�‪ ،‬وكيف؟‬ ‫وبعد‪ ،‬ما الذي سيصيبنا من كل هذا ي ّ‬ ‫انظر‪Ten Things That Will Disappear In Our Lifetime :‬‬

‫ال تن�نت‪ ،‬وهو من المصادر‬ ‫يقول الموقع إن إ‬ ‫ت‬ ‫كث�اً أعمال االنتحال‪ ،‬بتسهيل نقل‬ ‫ال� س ّهلت ي‬ ‫ي‬ ‫زرين (‪ ،)Copy-Paste‬يمكنه‬ ‫النصوص‪ ،‬بكبسة ّ‬ ‫آ‬ ‫الم�مجون‬ ‫قريباً أن يعالج هذه الفة‪ ،‬إذا تمكن ب‬ ‫ت ن‬ ‫يتعرف عىل النصوص‬ ‫من وضع نظام إلك� ي‬ ‫و�‪ّ ،‬‬ ‫أ‬ ‫الصلية‪ ،‬ويكتشف المقاطع أو الجمل المنقولة‬ ‫حرفياً عنها‪ ،‬فيكون تطابق جملة من سبع كلمات‬ ‫مثالً‪ ،‬أمراً مقبوالً‪ ،‬أما إذا زادت الكلمات المطابقة‬ ‫أ‬ ‫أش� إىل‬ ‫صل عىل هذا العدد‪ ،‬ي‬ ‫تماماً للنص ال ي‬ ‫االنتحال «بالجرم المشهود»‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫المهمة تبدو صعبة‪ ...‬لكن كم من المور ي‬ ‫بدت صعبة‪ ،‬تمكّ نت العلوم الرقمية من تذليلها؟‬

‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪31 | 30‬‬

‫العلم خيال‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫ال حصر للقصص واألفالم التي ّ‬ ‫حلت‬ ‫مشكلة الترحال الطويل عبر الفضاء‬ ‫بواسطة النوم‪ .‬نوم طويل يمتد لسنوات‪..‬‬ ‫ً‬ ‫مرهقا‬ ‫ربما عقود‪ ..‬يستيقظ البطل بعده‬ ‫بعض الشيء ومشوش الفكر‪ ،‬لكنه سرعان‬ ‫ما يعاود تنفيذ المهمة المصيرية التي‬ ‫ً‬ ‫–غالبا‪-‬‬ ‫عهد المخرج إليه بها والتي ستكون‬ ‫في صالح األجيال التي وثقت به وربما لم‬ ‫تعد حيّ ة ألنها خضعت لسلطان الزمن‬ ‫الطبيعي‪ ،‬ولم تحظ بنعمة الغفوة الطويلة‬ ‫التي تمت هندسة يقظتها بكل دقة‪ .‬في‬ ‫قصص أخرى‪ ،‬يخضع البطل للتجميد‪،‬‬ ‫فكأنه دجاجة محفوظة في الثالجة‪ ،‬لتتم‬ ‫إعادة تسخينه بعد أجيال فيعود للحياة‬ ‫ً‬ ‫مخاتال ساعته البيولوجية‪.‬‬ ‫الطبيعية‬

‫نوم‬ ‫طويـــل‪..‬‬

‫طويــل‪..‬‬

‫د‪ .‬أشرف فقيه‬

‫‪www.imgur.com/1WOtL‬‬

‫خيال؟ أم أن لها أساساً علمياً؟ وهل‬ ‫هل هذه القصص محض ٍ‬ ‫هي ممكنة الحدوث ف ي� المستقبل المنظور أو البعيد بفضل‬ ‫ن‬ ‫التق�؟‬ ‫التقدم ي‬ ‫ن‬ ‫فل�كز عىل جزئية التجميد‪ ،‬وهي عملية لها أساس علمي فعال ً‬ ‫ويع� عنها بالمصطلح ‪ Cryonics‬ت ن‬ ‫تع� أصولها الالتينية «بارد كالثلج»‪ ،‬ويراد‬ ‫ب‬ ‫ال� ي‬ ‫ي‬ ‫به ّعملية حفظ أ‬ ‫الجسام الحية بع� خفض درجة حرارتها تدريجياً إىل مستويات‬ ‫متدنية جداً بحيث ال يموت النسيج الحي‪ ،‬وبحيث تعاد هذه أ‬ ‫الجساد لليقظة‬ ‫متطاولة من الزمن‪.‬‬ ‫عكسية بعد تف� ٍات‬ ‫بعملية‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫هذه الفكرة تبدو جذَّ ابة جداً لعدة فئات من الناس‪ .‬هناك بطبيعة الحال‬ ‫المصابون بأمر ٍاض ال برء منها‪ ..‬أو لم يكتشف العلم –بعد‪ -‬عالجات لها‪.‬‬ ‫المصابون بهذه أ‬ ‫المراض يرغبون ف ي� التأكيد بأن يتم تجميدهم‪ ،‬بما يقتضيه‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫تعطيل للوظائف الحيوية لجسامهم‪ ،‬وتعطيل لمراضهم بالتبعية‪ ،‬إىل‬ ‫ذلك من‬ ‫ٍ‬ ‫ين‬ ‫الح� الذي يتم فيه اكتشاف عالجات ألمراضهم المزمنة فيتم إيقاظهم ليمارسوا‬ ‫حياتهم الطبيعية‪ ..‬إن صحت هذه التسمية!‬ ‫جدير بالذكر أن هذه الفكرة تحديداً قد دفع بها لمقدمة أ‬ ‫الخبار ف ي� الواليات‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫المتحدة عام ‪ 2013‬بفضل فتاة اسمها كيم سوازي‪ ،‬ت‬ ‫ال� تم تشخيصها برسطان‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫والع�ين‪ .‬قامت كيم بجمع ما يكفي من‬ ‫الدماغ القاتل وهي بعد ف ي� الثالثة‬ ‫المت� ي ن‬ ‫ع� لتجميد جسمها ما إن يتم تشخيص موتها إكلينيكاً‪ ..‬وسيقرر لنا‬ ‫أموال ب‬ ‫المستقبل ما إذا كانت فكرتها هذه موفقة أم ال‪.‬‬ ‫المتحمس� لفكرة التجميد هم محبو الحياة أ‬ ‫الفريق آ‬ ‫ين‬ ‫الصحاء‪ ،‬من‬ ‫الخر من‬ ‫ُّ‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫القرار بأن الخلود مستحيل‪،‬‬ ‫الثرياء والمفكرين‬ ‫المهووس� بفرضية الخلود‪ .‬ومع إ‬

‫إال أن تمديد الحياة بع� التجميد المستمر الذي تتخلله تف�ات يقظة تبدو قريبة‬ ‫تقدم هذه الخدمة‬ ‫بما يكفي لمفهوم الخلود‪ .‬المدهش أن هناك منشآت تجارية ِّ‬ ‫حول العالم‪ ..‬وقد تعمدنا َّأل نصف هذه المنشآت بالعلمية نظراً لوجود تساؤالت‬ ‫ك�ى معلَّقة بخصوص هذه الممارسة فضال عن أنها لم يتم إثبات نجاحها آ‬ ‫للن‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ب‬ ‫لكن‪ ،‬إذا قررت أن تجمد نفسك طوعاً فعليك أوال ً أن تدفع مبلغاً يوازي ‪150‬‬ ‫دوالر هي رسوم العملية‪ ،‬فضال ً عن إيجار شهري قدره ‪ 400‬دوالر لخزان‬ ‫ألف ٍ‬ ‫التجميد الخاص بك‪ .‬ي ن‬ ‫وح� يتوقف قلبك عن النبض وتُعلن ميتاً قانونياً وإكلينيكياً‪،‬‬ ‫ل�ود دماغك أ‬ ‫بال ي ن‬ ‫فسيتدخل فريق التجميد فوراً ي ز‬ ‫سيغمر جسدك‬ ‫كسج� والدم‪ُ .‬‬ ‫ف� الثلج ويحقن بمادة الهيبارين لمنع دمك من ث‬ ‫التخ�‪ .‬ثم ستتم إزالة المياه‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫بخليط‬ ‫لتستبدل‬ ‫الخاليا‬ ‫من‬ ‫كيميا� قائم عىل الجلرسين يسمى ‪cryoprotectant‬‬ ‫أ ي‬ ‫عضاء أ‬ ‫والنسجة من تشكل بلورات الجليد ف ي� درجات‬ ‫والهدف من ذلك هو حماية ال‬ ‫حرارة منخفضة للغاية‪ .‬بهذه العملية‪ ،‬سيتم بت�يد جسمك عىل رسير من الثلج‬ ‫الجاف ت‬ ‫ح� يصل إىل درجة ‪ 130‬مئوية تحت الصفر‪ ،‬والخطوة التالية تتضمن‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫وج�ن‬ ‫وعاء يوضع بعد ذلك ي� خزان‬ ‫كب� مملوء بالني� ي‬ ‫معد� ي‬ ‫إدخال جسمك ي� ٍ‬ ‫ي‬ ‫درجة مئويَّ ٍة تحت الصفر‪ .‬يتم تخزين جسمك مقلوباً‬ ‫السائل تبلغ حرارته ‪ٍ 196‬‬ ‫بحيث يكون الرأس إىل أ‬ ‫السفل‪ ،‬تحسباً ألي حادث ترسب ف ي� الخ َّزان‪ ،‬ولضمان بقاء‬ ‫دماغك مغموراً ف ي� سائل التجميد‪.‬‬ ‫ال�وتوكول المقنع ت‬ ‫النعاش‬ ‫تقنية‬ ‫تع�ضه عدة‬ ‫وأخالقية‪ .‬أولها أن إ‬ ‫هذا ب‬ ‫ٍ‬ ‫عقبات ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تكون‬ ‫القل� عقب التجميد الطويل يغ� مؤكد وال مضمون العواقب‪ .‬كما أن ُّ‬ ‫بي‬ ‫البلورات الدقيقة المتجمدة ي ن‬ ‫ب� الخاليا‪ ،‬بالرغم من كل االحتياطات الواردة سلفاً‪،‬‬ ‫يظل قائماً‪ .‬تلك البلورات الثلجية من شأنها أن تحدث تلفاً حقيقياً بالخاليا ال يفيد‬ ‫بالتبعية ‪-‬‬ ‫اليقاظ‪ .‬لكن المنارصين للتجميد يزعمون بأن العلم سيتقدم ‪-‬‬ ‫معه إ‬ ‫َّ‬ ‫اليقاظ الموعود‪.‬‬ ‫الشكاالت مع حلول أوان إ‬ ‫ليجد حلوال ً لهذه إ‬


‫سرير من الثلج‬ ‫يتم تبريد جسمك على‬ ‫ٍ‬ ‫الجاف حتى يصل إلى درجة ‪ 130‬مئوية‬ ‫َّ‬ ‫تتضمن‬ ‫تحت الصفر‪ ،‬والخطوة التالية‬ ‫وعاء يوضع بعد ذلك‬ ‫إدخال جسمك في‬ ‫ٍ‬ ‫في خزان معدني كبير‬ ‫عىل صعيد آخر‪ ،‬فإن التجميد ت‬ ‫طويلة له‬ ‫ات‬ ‫ٍ‬ ‫لف� ٍ‬ ‫غ� معلومة عىل وظائف الدماغ نفسه‪ ،‬وعىل‬ ‫ات ي‬ ‫ي‬ ‫تأث� ٌ‬ ‫ت‬ ‫واالس�جاع‪ .‬وهي كلها محاور بحث‬ ‫قدرته عىل التذكر‬ ‫أحد بعد من نومة التجميد‬ ‫ي‬ ‫غ� مثبتة إذ لم يتم إيقاظ ٍ‬ ‫الطويلة‪.‬‬ ‫يجادل البعض بأن االستيقاظ بعد مئة عام من آ‬ ‫الن ‪ -‬لو‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫أمكن‪ -‬فسيأخذ بأحدنا لعالم مختلف ال نعرف فيه أحدا وال‬ ‫شكل بحيث تصبح معايشة الواقع الجديد‬ ‫ننتمي إليه بأي ٍ‬ ‫االف�اض بأن ظروف الحياة ستتحسن �ف‬ ‫كابوسية‪ .‬كما أن ت‬ ‫ي‬ ‫المستقبل بحيث تستحق أن تعاش هو من نوع المقامرة ف ي�‬ ‫ت‬ ‫ال� تشغلها ش�كة تجميد ما‬ ‫المستقبل‪ .‬أما فاالتكال عىل منظومة الرقابة والصيانة ي‬ ‫لقاء مبلغ مال‪ � ،‬عملية ممتدة بع� أجيال إىل ي ن‬ ‫ح� لحظة اليقظة‪ ،‬فال تبدو واعدة‬ ‫ي أي‬ ‫المر مستحقاً للمخاطرة‪ ،‬وفقاً ش‬ ‫للع�ات الذين خاضوا غمار التجربة‬ ‫جداً‪ ،‬وإن كان‬ ‫ت‬ ‫ح� اليوم‪.‬‬

‫الرمز غاما ( ) هو الحرف الثالث ف� أ‬ ‫البجدية‬ ‫ي‬ ‫الغريقية‪ ،‬ولهذا الرمز استعماالت عدة �ف‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫مجاالت العلوم‪ ،‬لعل أولها ث‬ ‫وأك�ها ارتباطاً‬ ‫بالثقافة الشعبية اسم (جزيئات غاما) ف ي� مجال‬ ‫يز‬ ‫الف�ياء النووية‪ .‬ويعرف متابعو القصص‬ ‫الخيالية أن تعرض الدكتور (بروس بانر) لجرعة‬ ‫غ� من تركيب‬ ‫من إشعاع جزيئات غاما قد ي ّ‬ ‫مسخ‬ ‫خالياه وأكسبه القدرة عىل‬ ‫ُّ‬ ‫التحول إىل ٍ‬ ‫أخ� مريع هو (الرجل أ‬ ‫ال ض‬ ‫ض‬ ‫خ�)! أما ف ي� الواقع‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فإن هذه الجزيئات تنتج عن التفاعالت الذرية‬ ‫ت‬ ‫ال� تحصل ف ي� الفضاء من حولنا‪ ،‬وهي ذات‬ ‫ي‬ ‫وتأث� مدمر عىل النسيج الحي وال‬ ‫نفاذية عالية ي‬ ‫يصدها عنا إال الغالف الجوي لكوكبنا أ‬ ‫الرض‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫الف�ياء‪ ،‬ف�مز غاما لجزيء الضوء‬ ‫أما ي� ي‬ ‫(الفوتون) الذي تنتقل جسيمات غاما الواردة‬ ‫أعاله برسعته القصوى نفسها‪ .‬كما يعتمد علماء‬ ‫يز‬ ‫للتعب� عما يُعرف بـ‬ ‫الف�ياء النسبية الرمز غاما‬ ‫ي‬ ‫«معامل لورنتس» ‪ -‬نسبة إىل العالم الهولندي‬ ‫هندريك أنتون لورنتس ‪ -‬ويمثل هذا المعامل‬ ‫كمية يستعملها ي ز‬ ‫الف�يائيون ف ي� حسابات النظرية‬ ‫ف‬ ‫النسبية الخاصة وتحديداً ي� حسابات تقلص‬ ‫أ‬ ‫الطوال وتباطؤ الزمن‪.‬‬ ‫وثمة علم آخر متعلق بـ «نظرية المخططات»‬ ‫مهتم بحل نوعية ظريفة من المسائل‪ ،‬منها‬ ‫ما يعرف بـ «مسألة تلوين المخطط»‪ .‬فإذا‬ ‫مكونة من عدد‬ ‫تخيلنا مخططاً – أو خريطة ‪َّ -‬‬ ‫من القطع المتجاورة‪ ،‬فعلينا أن نلون هذه‬ ‫قطعت�ن‬ ‫الخريطة بحرص بحيث ال تتشارك أي‬ ‫ي‬ ‫دولت� جار ي ن‬ ‫ت� ‪-‬أو ي ن‬ ‫متجاور ي ن‬ ‫ت� عىل الخريطة‪-‬‬ ‫للتمي� ي ن‬ ‫يز‬ ‫باللون نفسه‪ .‬وهذا مهم جداً‬ ‫ب�‬ ‫السياس‬ ‫أجزاء الخريطة ولتفادي سوء الفهم‬ ‫ف ي‬ ‫كذلك‪ .‬وهي مسألة رياضية لها تطبيقات ي�‬ ‫علم الكمبيوتر أيضاً‪ ،‬وحلها المتمثل ف ي� العدد‬ ‫د� من أ‬ ‫أ‬ ‫ال ن‬ ‫اللوان الذي سنحتاجه لتلوين‬ ‫الخريطة‪ ،‬يعرف بـ (عدد التلوين)‪ ،‬ويُرمز له‬ ‫أيضاً بالرمز غاما ( )‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪33 | 32‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫منتج‬

‫الشبّ اك‬ ‫الشمسي‬ ‫دايف ليثيتان‬ ‫شنيور‬ ‫َ‬ ‫ترجمة‪ :‬يوسف‬

‫فكرة النوافذ الشمسية أصبحت متداولة‬ ‫بك�ة هذه أ‬ ‫ث‬ ‫اليام‪ ،‬وال تزال عدة طرق‬ ‫لتنفيذ هذه الفكرة قيد االختبار مثل الخاليا الشمسية‬ ‫المرشوشة عىل أ‬ ‫السطح أو استخدام الخاليا الرقيقة‬ ‫جداً‪ .‬مع أن هذه الطرق تبدو واعدة‪ ،‬إال أن المشكلة‬ ‫تكمن ف� أن كل هذه التطبيقات ض‬ ‫تقت� حجب بعض‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الضوء ئ‬ ‫المر� من المرور بع� النوافذ‪ ،‬وهذه ليست‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫كث�اً من التعتيم قد‬ ‫مشكلة ي� بعض الحاالت‪ .‬لكن ي‬ ‫ين‬ ‫الباحث� ف ي� جامعة‬ ‫يحول النافذة إىل جدار‪ .‬يغ� أن‬ ‫ِّ‬ ‫ت‬ ‫ميشيغان قد توصلوا إىل اخ�اع مك ِّثف للطاقة‬ ‫الشمسية يمكن أن يوفر مولدات طاقة شمسية‬ ‫ين‬ ‫تحس� فاعلية امتصاص‬ ‫شفافة كالزجاج إذا تم‬ ‫الطاقة الشمسية بع�ها‪.‬‬ ‫فريق البحث‪ ،‬بقيادة ييمو تشاو من قسم الهندسة‬ ‫الكيميائية وعلم المواد بجامعة ميشيغان‪ ،‬تمكن‬ ‫يز‬ ‫التحف�‬ ‫النجاز عن طريق «استغالل قابلية‬ ‫من هذا إ‬ ‫لدى أ‬ ‫المالح العضوية الالمعة ت‬ ‫ال� توفر امتصاصاً‬ ‫ي‬ ‫مضبوطاً عىل نحو كامل‪ ،‬وانبعاثاً أعمق أ‬ ‫للشعة‬ ‫المجاورة أ‬ ‫للشعة تحت الحمراء»‪.‬‬ ‫إذ يتم ضبط الجزيئات العضوية المتصاص أ‬ ‫الشعة‬ ‫والشعة المجاورة أ‬ ‫فوق البنفسجية أ‬ ‫للشعة تحت‬

‫شفافة»‪ .‬وشفافية المادة مضمونة؛ ألن الجزيئات‬ ‫العضوية تشع فقط ف� أ‬ ‫الشعة تحت الحمراء يغ�‬ ‫ي‬ ‫للب�‪ .‬النتيجة ت‬ ‫المرئية بالنسبة ش‬ ‫ال� نراها هي نافذة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� ي� العىل‬ ‫صافية‪ .‬عىل سبيل المثال‪ ،‬قارن الصورة ي‬ ‫ت‬ ‫ال� عىل اليسار لنافذة شمسية مرشوشة‪.‬‬ ‫بالصورة ي‬

‫تشع الجزيئات عىل طول موجة‬ ‫الحمراء فقط‪ .‬ثم ُّ‬ ‫أشعة تحت الحمراء مختلف‪ .‬ويتم توجيه الضوء‬ ‫المنبعث عن طريق المادة المكثفة إىل حافة الطبقة‬ ‫الداخلية البالستيكية ثم يتم تحويلها إىل طاقة‬ ‫كهربائية باستخدام قطع رقيقة من الخاليا الضوئية‪،‬‬ ‫وال يتم إنتاج أي كهرباء ف ي� منتصف الخلية‪ .‬ف ي�‬ ‫المقابل‪ ،‬فإن الخاليا ف� أ‬ ‫الفكار السابقة إما أن تكون‬ ‫ي‬ ‫صغ�ة‪ ،‬أو أنها تحتاج زجاجاً معتماً أو‬ ‫مشوبة بأسالك ي‬ ‫ملوناً المتصاص أي أطوال موجة مفيدة من الضوء‪.‬‬ ‫كب� معدي البحث‪ ،‬يقول ف ي� مقال‬ ‫رتشارد لنت‪ ،‬ي‬ ‫صحفي‪« :‬ال أحد يريد أن يجلس خلف زجاج ملون‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ملهى‬ ‫لنه يجعل البيئة ملونة جداً‪ ،‬كأنك تعمل ي� ً‬ ‫ليل‪ .‬النهج الذي نتبعه هو أننا نجعل الطبقة المشعة‬ ‫ي‬

‫وكما هي الحال مع معظم أفكار توليد الطاقة‬ ‫ث أ‬ ‫ساس هنا هو الفاعلية‪.‬‬ ‫الشمسية‪ ،‬فإن حجر الع�ة ال ي‬ ‫فريق ميشيغان تمكن من الوصول إىل فاعلية بنسبة‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫بكث� من‬ ‫واحد ي� المئة لنموذجه ال َّو يل‪ ،‬وهذا أقل ي‬ ‫المطلوب‪ .‬يقول الباحثون إنهم يأملون ف ي� رفع الفاعلية‬ ‫إىل خمسة بالمئة‪ ،‬وإذا تمكنوا من إنتاجه بسعر‬ ‫كث�اً بالنسبة لبعض التطبيقات‪.‬‬ ‫منخفض‪ ،‬فسيكون هذا ي‬ ‫كث� من‬ ‫ومن الواضح أن الطاقة الشمسية الصافية لها ي‬ ‫ف‬ ‫الكب�ة‪ .‬لكن‬ ‫التطبيقات مثل ناطحات السحاب ي� المدن ي‬ ‫لنت يقول إن النافذة الشمسية يمكن استخدامها أيضاً �ف‬ ‫ي‬ ‫الهواتف الذكية أو أ‬ ‫كشاشة ذاتية الشحن‬ ‫الجهزة اللوحية‬ ‫ٍ‬ ‫التأث� عىل جودة الرؤية‪.‬‬ ‫من دون ي‬ ‫المصدر‪:‬‬

‫‪www.spectrum.ieee.org/energywise/‬‬ ‫‪green-tech/solar/can-solar-power-go-truly‬‬‫‪transparent‬‬


‫العمار‬ ‫َّ‬ ‫جهاد‬

‫اإلنترنت‪..‬‬ ‫ً‬ ‫عدوا للبيئة!‬

‫كم ِّ‬ ‫تكلف كل نبضة كهربائية‬ ‫ّ‬ ‫يحملها هاتفك الذكي؟‬

‫طاقة‬

‫َّ‬ ‫يتغنى الكثيرون باألثر اإليجابي الذي‬ ‫تركته اإلنترنت على صعيد البيئة‪ .‬والمثل‬ ‫األبسط الذي يطالعنا أكثر من غيره هو‬ ‫كم من الورق (وبالتالي من األشجار) َّ‬ ‫وفر‬ ‫علينا البريد اإللكتروني استهالكه‪ ،‬وكم من‬ ‫الطاقة وفرت علينا اإلنترنت من خالل‬ ‫إعفائنا من أعباء النقل واالنتقال‪ .‬ولكن هل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫تماما كما يبدو‬ ‫مجانية‬ ‫فعال‬ ‫اإلنترنت هي‬ ‫ً‬ ‫ظاهريا بالنسبة لمستخدمها؟‬ ‫الواقع قد يفاجئ الكثير‪ ،‬حتى إنه ال غرابة‬ ‫ً‬ ‫قريبا حمالت ترشيد‬ ‫في أن تطل علينا‬ ‫استهالك اإلنترنت ضمن حمالت ترشيد‬ ‫استهالك الطاقة‪.‬‬


‫‪35 | 34‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫في أي لحظة من النهار أو‬ ‫الليل‪ ،‬هناك مئات آ‬ ‫الالف‬ ‫من أكثر الحواسيب تقدماً في‬ ‫بالنترنت‬ ‫العالم موصولة إ‬ ‫بواسطة أسرع خطوط‬ ‫االتصال التي تم ابتكارها‪ .‬هي موصولة بالكهرباء‪،‬‬ ‫وبمقسمات الشبكة‪ ،‬وبشبكات أصغر فيما بينها‪،‬‬ ‫وتشرف عليها مجموعات من أبرع المختصين‬ ‫والمهندسين والمبرمجين‪ ،‬وهي ‪ -‬فوق ذلك ‪-‬‬ ‫تستهلك كميات مهولة من الطاقة‪ .‬لكن الغريب في‬ ‫الموضوع هو أن كل هذه الحواسيب تمارس الشيء‬ ‫الطالق!‬ ‫نفسه‪ :‬ال شيء‪ ..‬ال شيء على إ‬ ‫الجابة تبدأ عند مشكلة ضخمة واجهها‬ ‫لماذا‪ ،‬وكيف؟ إ‬ ‫جيف روثشيلد‪ ،‬كبير مهندسي الحواسيب في شركة‬ ‫«فيسبوك» عام ‪2006‬م‪.‬‬ ‫ففي أحد أ‬ ‫اليام‪ ،‬واجه جيف مشكلة يعرف كيف‬ ‫يحلها‪ .‬فقد كانت خوادم شركة فيسبوك التي‬ ‫تقع تحت مسؤوليته‪ ،‬ترزح تحت ضغط هائل‬ ‫بسبب الكمية الهائلة للمعالجة التي تقوم بها‬ ‫والكميات المهولة من البيانات المتدفقة منها‬ ‫وإليها نتيجة لكثرة الزوار للموقع في تلك اللحظة‬ ‫(الخادم هو حاسب آلي ذو مواصفات عالية في‬ ‫النترنت‬ ‫العادة متخصص بتقديم بيانات موقع إ‬ ‫للمستخدمين الذين يريدون تصفُّحه)‪ .‬كانت هذه‬ ‫الخوادم تتكدس في غرفة مستأجرة ال تزيد أبعادها‬ ‫على ‪ 12x18‬متراً‪ .‬وهذا الضغط عليها جعل أجزاءها‬ ‫تهدد سالمتها‬ ‫المختلفة تسخن إلى درجات خطيرة ِّ‬ ‫تهدد بتعطل الموقع وعدم قدرة متصفحي‬ ‫وبالتالي ِّ‬ ‫النترنت الوصول إليه‪.‬‬ ‫إ‬ ‫مروحة‬ ‫خرج جيف وفريقه من المبنى‪ ،‬واشتروا كل‬ ‫ٍ‬ ‫وجدوها في كل محالت أ‬ ‫الدوات الكهربائية المجاورة‪.‬‬ ‫وحدها تيارات الهواء الباردة التي بثتها تلك المراوح‬ ‫استطاعت أن تبقي خوادم فيسبوك على درجة حرارة‬ ‫آمنة‪ ،‬وبالتالي أبقت الموقع يعمل بانتظام‪.‬‬ ‫حصل هذا في عام ‪ 2006‬حين لم يكن عند فيسبوك‬ ‫غير عشرة ماليين مستخدم‪ ،‬وكانت جميع خوادمه‬ ‫في مركز رئيس واحد‪ .‬أما في هذه أ‬ ‫اليام فيتردد على‬ ‫الموقع ما يقارب المليار مستخدم‪ ،‬ويحتاجون إلى‬ ‫عديد من مراكز الخدمة أ‬ ‫الكبر بكثير من ذلك المركز‬ ‫القديم‪ٌ .‬‬ ‫وكل من هذه المراكز (التي تدعى مراكز‬ ‫البيانات) يستضيف عشرات آالف الخوادم المصفوفة‬ ‫في مساحات تصل إلى مئات آالف أ‬ ‫المتار المربعة‪.‬‬

‫ماذا يكلف نقل ‪ 100‬ميغابايت؟‬

‫النترنت في هاتفك الذكي‬ ‫عندما تفتح متصفح إ‬ ‫الخباري المفضل على سبيل‬ ‫وتتوجه إلى موقعك إ‬

‫المثال‪ ،‬فإن ما يحدث في الواقع هو أن هاتفك‬ ‫معينة تطلب‬ ‫سيرسل نبضة إلكترونية تحوي بيانات َّ‬ ‫صفحة الموقع الذي ترغب فيه‪ .‬هذه النبضة تنتقل‬ ‫من هاتفك‪ ،‬إلى أحد أجهزة شركة االتصاالت التي‬ ‫تشترك معها‪ ،‬والتي تنقلها بدورها تسلسلياً إلى عدد‬ ‫من الحواسيب وصوال ً إلى الخادم الذي تقطن فيه‬ ‫اللكتروني الذي ترغب بتصفحه‪.‬‬ ‫بيانات الموقع إ‬ ‫المفضل‬ ‫قد ال تعرف أن زيارتك هذه إلى موقعك‬ ‫َّ‬ ‫استهلكت كمية ال بأس بها من الطاقة‪ .‬فقد قامت‬ ‫إحدى الباحثات بتقدير كمية الطاقة التي يستهكها‬ ‫الخادم عندما يقوم بإرسال بيانات إلى هاتفك‪.‬‬ ‫الرقم التقريبي الذي وصلت إليه هو أن الخادم‬ ‫يستهلك ما يعادل ‪ 5.9‬واط ساعي (التي هي وحد ٌة‬ ‫لقياس الطاقة) إلرسال ميغابايت واحد من البيانات‪.‬‬ ‫مما يعني أنك إذا أردت تحميل ملف حجمه ‪100‬‬ ‫ميغابايت (الذي هو حجم ألبوم موسيقى مثالً)‬ ‫فإنك تستهلك ‪ 590‬واط ساعي‪ .‬وعلى سبيل‬ ‫المقارنة‪ ،‬فإن غالية الماء تستخدم ‪ 50‬واط ساعي‬ ‫لتغلي كوباً واحداً من الماء‪ .‬ما يعني أن تحميل ملف‬ ‫حجمه ‪ 100‬ميغابايت يستهلك طاقة تعادل ما يلزم‬ ‫لغلي ‪ 12‬كوباً من الماء‪ .‬قد تُفاجأ أن هذه الكمية‬ ‫كبيرة‪ ،‬لكنها ال تزال أقل بكثير من الطاقة التي كان‬ ‫سيستهلكها شحن ألبوم الموسيقى إليك في قرص‬ ‫مدمج عبر البريد‪.‬‬

‫مراكز بيانات فيسبوك‪ ،‬هي بدورها‪ ،‬مجرد قطرة‬ ‫في البحر الشاسع الذي هو مراكز البيانات التي‬ ‫النترنت والتقنية المختلفة‪.‬‬ ‫تستخدمها شركات إ‬ ‫فكل بحث تقوم به في جوجل‪ ،‬وكل مرة تتصفح‬ ‫اللكترونية‬ ‫تويتر‪ ،‬وكل مرة تستخدم الخدمات إ‬ ‫للبنك الذي تتعامل معه‪ ،‬فإنك تتواصل مع‬ ‫مراكز البيانات هذه كما يفعل مئات الماليين من‬ ‫البشر آ‬ ‫الخرين في اللحظة نفسها‪ .‬فلك أن تتخيل‬ ‫الحجم الرهيب للبيانات التي تنهمر من وإلى‬ ‫مراكزها في ِّكل ساعات اليوم‪ .‬ولك أن تتخيل تباعاً‬ ‫كمية الطاقة التي تستهلكها هذه المراكز لتشغيل‬ ‫الخوادم وتبريدها‪.‬‬

‫‪ 1.3‬في المئة من الطاقة الكهربائية‬ ‫العالمية!‬

‫كمية الطاقة المهدرة هذه كانت الموضوع الذي‬ ‫تناوله أحد تقارير صحيفة النيويورك تايمز‪ .‬وجاء هذا‬ ‫تقص أجرته الصحيفة لمدة سنة كاملة‬ ‫التقرير بعد ٍّ‬ ‫قامت خاللها بدراسة كميات الطاقة التي تستهلكها‬ ‫مراكز البيانات ومحاولة معرفة درجة كفاءتها في‬ ‫استخدام هذه الطاقة‪ .‬اتهمت الصحيفة في هذا‬ ‫النترنت بأن حقيقة الكميات المهدورة‬ ‫المقال شركات إ‬ ‫للطاقة في مراكز بياناتها هذه ال تتماشى مع الصورة‬ ‫الذهنية الستخدام الطاقة بالكفاءة التي تدعيها‬ ‫النترنت‪.‬‬ ‫شركات إ‬


‫شركة فيسبوك‬ ‫ترزح تحت ضغط‬ ‫هائل بسبب‬ ‫الكمية الهائلة‬ ‫للمعالجة‬ ‫التي تقوم‬ ‫بها والكميات‬ ‫المهولة‬ ‫من البيانات‬ ‫المتدفقة منها‬ ‫وإليها‬

‫كمية استهالك الطاقة لتنزيل‬ ‫ملف حجمه ‪ 100‬ميغابايت‬

‫قالت الصحيفة في تقريرها إن مراكز البيانات هذه‬ ‫تعمل على مدار الساعة بطاقتها القصوى‪ ،‬بغض‬ ‫النظر عن مدى االستغالل الفعلي لهذه أ‬ ‫الجهزة‬ ‫والطلب الفعلي لخدماتها‪ .‬حتى إن الصحيفة تقول‬ ‫إن مراكز البيانات هذه تهدر ما يصل إلى ‪ %90‬من‬ ‫كميات الكهرباء المهولة التي تستخدمها‪.‬‬

‫احتاجت إلى توسع رهيب في بنيتها التحتية لدعم‬ ‫يقدر‬ ‫هؤالء المستخدمين‪ .‬فلدى فيس بوك حالياً ما َّ‬ ‫بـ ‪ 180‬ألف خادم يتوزع أغلبهم في مركزين للبيانات‬ ‫بنتهما الشركة لهذا الغرض مساحة كل منهما هي ‪28‬‬ ‫بالضافة إلى استئجارها لخوادم في‬ ‫ألف متر مربع‪ .‬إ‬ ‫مراكز بيانات أخرى منتشرة حول العالم‪.‬‬

‫وهذا االتهام خطير‪ ،‬ألن مراكز البيانات في العالم‬ ‫تستهلك ما يقارب من ‪ 1.3‬في المئة من الطاقة‬ ‫الكهربائية في العالم كل سنة‪ .‬وهذه النسبة هي‬ ‫في ازدياد مع استمرار توجه العالم إلى استخدام‬ ‫أ‬ ‫الجهزة الذكية أكثر وأكثر وزيادة االعتماد عليها في‬ ‫الحياة اليومية‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬بين عامي ‪2000‬‬ ‫و‪2005‬م تضاعفت كمية الطاقة التي تستهلكها مراكز‬ ‫البيانات في العالم‪ .‬وبين عامي ‪ 2005‬و‪2010‬م‪،‬‬ ‫زادت من جديد بنسبة ‪ 56‬في المئة‪ .‬أضف إلى‬ ‫والنترنت تحديداً عن‬ ‫هذا كثرة كالم شركات التقنية إ‬ ‫اهتمامهم بالبيئة والطاقة الخضراء ومحاولة استخدام‬ ‫الطاقة بكفاءة لتقليص أ‬ ‫الثر السلبي الناتج على البيئة‪.‬‬

‫قدر عدد خوادم شركات أخرى مثل شركة غوغل‬ ‫ويُ َّ‬ ‫بـ ‪ 900‬ألف خادم‪ .‬أما مايكروسوفت فيبلغ عدد‬ ‫خوادمها أكثر من مليون خادم‪ .‬ومثل فيسبوك‬ ‫وغيرها‪ ،‬تحتاج هذه الشركات إلى عدد خوادم كبير‬ ‫كي ال تتعطل أي من خدماتها في فترات االزدحام‬ ‫الشديد وزيادة عدد المستخدمين بشكل مفاجئ‪.‬‬ ‫وهذا هو ما يجعل هذه الشركات تُ َشغِّ ل هامشاً‬ ‫احتياطياً من الخوادم كي ال تتوقف الخدمة عند‬ ‫الزيادة المفاجئة للطلب‪ .‬هذه الهوامش االحتياطية‬ ‫هي التي َّتدعي صحيفة النيويورك تايمز أنها تهدر‬ ‫قدرتها بـ ‪ 90‬في المئة‬ ‫الطاقة بشكل ضخم وبنسبة َّ‬ ‫أحياناً‪.‬‬

‫واحتج آخرون على أن نسبة الـ ‪ 90‬في المئة لهدر‬ ‫الطاقة الواردة في التقرير هي نسبة مبالغ فيها‪،‬‬ ‫وال تستند على أدلة واقعية‪ .‬فمثال ً يقدر باحثون‬ ‫أن أمازون لديها نسبة إشغال لمراكز بياناتها‬ ‫تتراوح بين ‪ 7‬و‪ 25‬في المئة‪ .‬أما فيسبوك وغوغل‬ ‫ومايكروسوفت فال توجد معلومات متاحة للعامة‬ ‫تبين هذه النسب لديها‪.‬‬ ‫ِّ‬

‫لماذا هذا الهدر؟‬

‫بال شك كانت هناك ردود أفعال متفاوتة على‬ ‫النترنت‬ ‫التقرير‪ .‬ولكن بعض العاملين في شركات إ‬ ‫انتقد التقرير وبعض المغالطات التي وردت فيه‪.‬‬ ‫فقد أوضحت شركات فيسبوك وغوغل وغيرها أنها‬ ‫تسخر تقنيات متقدمة جداً لتخفيض استخدام‬ ‫ّ‬

‫وأشار نُقَّاد التقرير إلى الحركة التقنية المسماة‬ ‫بـ «البيئات االفتراضية» (‪ ،)Virtualization‬التي‬ ‫تُعد أحد الحلول الجيدة لمشكالت عدم إشغال‬ ‫الخوادم‪ ،‬وتم تبنيها بشكل واسع في مختلف مراكز‬ ‫النترنت‪.‬‬ ‫البيانات وشركات إ‬

‫لنعد إلى مثال شركة فيسبوك‪ .‬كانت كل خوادم‬ ‫فيسبوك تسكن في مركز بيانات ال تزيد مساحته‬ ‫على ‪ 220‬متراً مربعاً في ‪2006‬م‪ ،‬لكن مع زيادة‬ ‫عدد مستخدميها إلى ‪ 1000‬مليون مستخدم حالياً‪،‬‬

‫الطاقة سوا ًء داخل الخوادم‪ ،‬أو في مكيفات تبريد‬ ‫مراكز الطاقة‪ ،‬أو غير ذلك‪ .‬كما احتج البعض‬ ‫على إدانة الصحيفة لتشغيل أعداد احتياطية من‬ ‫الخوادم‪ ،‬وضربوا مثاال ً بتعبيد الطرق‪ .‬فأنت مثال ً‬ ‫ترى أحد الطرق الرئيسة لها أربعة مسارات‪ ،‬لكنها‬ ‫فارغة وقت الفجر‪ .‬هل يُعد هذا هدراً للمساحة؟‬ ‫وقياساً على ذلك‪ ،‬يصبح من غير العدل أن‬ ‫تحاسب مراكز البيانات بصرامة على هدر الطاقة‪،‬‬ ‫خارج أوقات الذروة ألنها تحتاج كل هذه البنية‬ ‫التحتية إلبقاء الخدمة تعمل بشكل سليم أثناء‬ ‫وقت الذروة‪.‬‬


‫‪37 | 36‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫الشارة‬ ‫كذلك ال يمكن تناول هذا الموضوع دون إ‬ ‫إلى «مشروع الحوسبة المفتوح» (‪Open Compute‬‬ ‫‪ )Project‬الذي أطلقته فيسبوك نفسها في أبريل‬ ‫‪2011‬م‪ .‬على غرار مشاريع المصادر المفتوحة‪،‬‬ ‫فقد قررت فيسبوك نشر الدروس التي تعلمتها من‬ ‫عملية إعادة تصميم أحد مراكز البيانات الرئيسة لها‬ ‫ومشاركتها العالم‪ .‬هدف هذا المشروع هو التعاون‬ ‫بين مختلف الشركات للوصول إلى تصاميم مراكز‬ ‫البيانات صديقة للبيئة وأقل تكلفة وأكثر كفاءة في‬ ‫استخدام الطاقة‪.‬‬

‫االستهالك والتوفير بأرقام مدهشة‬

‫وجد هذا المشروع تفاعال ً جيداً في أوساط‬ ‫وانضم بعض الشركات الكبرى‬ ‫الشركات التقنية‬ ‫َّ‬ ‫مثل مايكروسوفت وإنتل وغيرها إلى تحالف يدعم‬ ‫هذا المشروع‪ .‬ومع استمرار العمل على المشروع‬ ‫بدأت النتائج بالظهور سريعاً‪ .‬ففي يناير ‪2014‬م‬ ‫أعلنت فيسبوك أن مشروع المعالجة المفتوح وفَّر‬ ‫وبالضافة‬ ‫على الشركة ما يقارب ‪ 1.2‬مليار دوالر‪ .‬إ‬ ‫إلى ذلك‪ ،‬قام بتوفير كمية من الطاقة تساوي ما‬ ‫يستخدمه ‪ 40‬ألف منزل‪ ،‬كما وفَّر كمية من انبعاثات‬ ‫ثاني أكسيد الكربون تساوي ما تنتجه ‪ 50‬ألف سيارة‪.‬‬ ‫هذه النتائج هي دالالت قوية على فاعلية المشروع‬ ‫والفوائد الضخمة التي قد تجنيها الشركات بتبنيها‬ ‫له ودعمه والمشاركة فيه‪ .‬ألنه ال يقتصر فقط على‬

‫إذا أردت تحميل‬ ‫ملف حجمه ‪100‬‬ ‫ميغابايت فإنك‬ ‫تستهلك ‪ 590‬واط‬ ‫ساعي‪ .‬وعلى سبيل‬ ‫المقارنة‪ ،‬فإن َّ‬ ‫غالية‬ ‫الماء تستخدم ‪50‬‬ ‫واط ساعي لتغلي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واحـدا من الماء‬ ‫كوبـا‬ ‫طريقة تصميم مراكز البيانات‪ ،‬بل يتضمن تصاميم‬ ‫للخوادم‪ ،‬وتصاميم لمقسمات الكهرباء داخل‬ ‫مراكز البيانات وتوصيل الخوادم بها‪ ،‬باالضافة إلى‬ ‫ابتكارات عدة في الشبكات وطرق توصيل الخوادم‬ ‫ببعضها‪.‬‬ ‫فمثالً‪ ،‬توصل المشروع إلى أن التحويل بين الدرجات‬ ‫المختلفة للجهد الكهربائي يستهلك ما بين ‪ 11‬إلى‬

‫‪ 17‬في المئة من الطاقة التي يستهلكها أي مركز‬ ‫بيانات تقليدي‪ .‬ومن هنا تم تصميم خطة الكهرباء‬ ‫بشكل مبتكر أدى إلى خفض استخدام الطاقة في‬ ‫مركز بيانات فيسبوك بنسبة ‪ 2‬في المئة‪ .‬وبشكل عام‬ ‫المصمم حسب مشروع‬ ‫يستخدم مركز البيانات‬ ‫َّ‬ ‫الحوسبة المفتوح كمية طاقة أقل بـ ‪ 52‬في المئة من‬ ‫مراكز البيانات التقليدية‪.‬‬ ‫إلى آ‬ ‫الن وعطفاً على ما سبق‪ ،‬يبدو السؤال الكبير‬ ‫النترنت بالبيئة مفتوحاً‪ .‬إن كل ما تم‬ ‫حول عالقة إ‬ ‫آ‬ ‫النترنت‬ ‫حتى الن في سبيل تقليص استهالك حضارة إ‬ ‫للطاقة جيد بال شك‪ ،‬لكن توسعنا ونهمنا لمزيد من‬ ‫االتصال بالشبكة يعني أن حرقنا لمزيد من الطاقة‬ ‫سيستمر ال محالة‪ ،‬وهذه مسألة تحتاج للتدبر نظراً‬ ‫للفقر الشديد الذي تعانيه مجتمعات كثيرة للحصول‬ ‫الساسية من الموارد أ‬ ‫على حاجاتها أ‬ ‫الولية‪ ..‬فضال ً عن‬ ‫النترنت عالي السرعة‪ .‬ما يقودنا لسؤال فلسفي آخر‬ ‫إ‬ ‫مفاده‪ :‬وما ذنبنا نحن؟!‬ ‫لالستزادة عن مشروع البيانات المفتوح يمكن زيارة‬ ‫موقع المشروع‪/http://www.opencompute.org :‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫ألول مرة في تاريخ‬ ‫استكشاف الفضاء‬

‫مسبار على‬ ‫سطح مذنب‬

‫فرحة فريق وكالة الفضاء األوروبية لحظة تلقي الخبر السعيد‬

‫ت‬ ‫ح� نهاية العام الجاري‪ ،‬سيستمر‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫المسبار فيلة ي� إرسال معلوماته إىل الرض‬ ‫عن المذنب «‪ 67‬ب ي�‪ /‬تشوريوموف – يغ�اسيمنكو»‪ ،‬بعد‬ ‫أن حملته إليه العربة الفضائية «روزيتا»‪ ،‬وأسقطته‬ ‫ف‬ ‫نوفم� من العام ض‬ ‫الما�‬ ‫عىل سطح هذا المذنب ي� ب‬ ‫ي‬ ‫بعد رحلة استمرت ث‬ ‫أك� من سنوات ش‬ ‫ع�‪ ،‬ف ي� خطوة‬ ‫هي أ‬ ‫الوىل من نوعها ف ي� تاريخ استكشاف الفضاء‪.‬‬

‫سقوط بالجاذبية‬

‫والقول إن العربة «أسقطت» المركبة‪ ،‬كالم علمي‪،‬‬ ‫ألن المركبة «فيلة» ال محرك لها يوجهها ويقودها‪،‬‬ ‫وهي قد المست أرض المذنّب بعد «إسقاطها» بسبع‬ ‫ساعات‪ ،‬بفعل جاذبية المذنّب «‪ 67‬ب ي�‪ /‬تشوريوموف‬ ‫– يغ�اسيمنكو»‪ ،‬وهي جاذبية ضعيفة جداً‪ ،‬ألن قطر‬ ‫ت‬ ‫كيلوم�ات‪.‬‬ ‫المذنّب ف ي� أقىص عرضه‪ ،‬ال يتجاوز ‪4‬‬ ‫ئ‬ ‫صغ� جداً‪ ،‬ال يتجاوز حجمه‬ ‫وهو إذاً جرم‬ ‫فضا� ي‬ ‫ي‬ ‫حجم جبل فيجي‪.‬‬

‫ساعات الرعب السبع‬

‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫وقد أطلق العلماء الوروبيون عىل الساعات السبع ي‬ ‫استغرقها «سقوط» المركبة «فيلة» عىل المذنّب‪ :‬ساعات‬ ‫الرعب السبع‪ ،‬أسوة بما فعله العلماء أ‬ ‫المريكيون‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ال� استغرقها هبوط المركبة‬ ‫الذين أطلقوا عىل الدقائق ي‬ ‫ت‬ ‫«كيوريوسي�» عىل سطح المريخ‪ :‬دقائق الرعب السبع‪.‬‬ ‫ي‬

‫أما الرعب‪ ،‬فسببه أن العلماء ظلّوا يعملون منذ‬ ‫وصول العربة الفضائية «روزيتا» إىل مدارها حول‬ ‫المذنّب‪ ،‬ف� ‪ 6‬أغسطس ض‬ ‫الما�‪ ،‬عىل استكشاف سطح‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫المذنّب‪ ،‬وهو غاية ف ي� الوعورة‪ ،‬والسقوط عليه بفعل‬ ‫توجه هذا السقوط‪،‬‬ ‫الجاذبية وحدها‪ ،‬دون محركات ّ‬ ‫أمر صعب إىل درجة أن نجاح الهبوط مسألة حظ‪،‬‬ ‫ث‬ ‫أك� مما هي مسألة تحكم علمي‪ ،‬واحتمال انقالب‬ ‫ف‬ ‫المركبة عىل ظهرها ي� أرض وعرة أمر ممكن‪ .‬ناهيك‬ ‫عن أن ش‬ ‫الم�وع تكلف ‪ 1.7‬مليار دوالر‪ ،‬فإن كل طموح‬ ‫العلماء ف ي� الوصول إىل نتيجة علمية ناجحة‪ ،‬كان عىل‬ ‫المحك ف ي� لحظات الهبوط بالجاذبية هذه‪.‬‬

‫اختبارات علمية عديدة‬

‫حملت «فيلة» معها إىل المذنّب تسعة أجهزة اختبار‪،‬‬ ‫من أجل تصوير ت‬ ‫ال�بة وفحصها‪ ،‬وكذلك من أجل‬ ‫ح� ت‬ ‫معرفة ما الذي يحدث ي ن‬ ‫سيق�ب المذنّب من‬ ‫ف‬ ‫الشمس‪ ،‬تف�تفع حرارته ويبدأ ي� بث الغازات والغبار‬ ‫ف‬ ‫مكوناً الذنب الذي كان سبب تسميته‪.‬‬ ‫ي� الفضاء‪ّ ،‬‬ ‫ال�كات أ‬ ‫لقد صنعت مجموعة من ش‬ ‫الوروبية‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫لما�‪.‬‬ ‫المركبة‪ ،‬يقودها معهد أ أبحاث الفضاء ال ي‬ ‫الوروبية إن المستشعرات ال�ت‬ ‫وتقول وكالة الفضاء‬ ‫ي‬ ‫حملتها المركبة معها ستقيس كثافة سطح المذنّب‬ ‫وخصائصه الحرارية‪ ،‬وتحلل الغازات هناك‪ ،‬وتبحث‬ ‫عن أي أثر لمواد عضوية قد تكون موجودة‪.‬‬ ‫كذلك ستقيس أ‬ ‫الجهزة العلمية عىل المركبة قوة‬ ‫ف‬ ‫الحقل المغناطيس � المذنّب‪ ،‬والتفاعل ي ن‬ ‫ب� هذا‬ ‫ي ي‬ ‫المذنّب والرياح الشمسية‪ .‬وعىل فيلة أيضاً حفّارة‬ ‫سنتيم�اً ف� ت‬ ‫ت‬ ‫ال�بة‪،‬‬ ‫تستطيع أن تحفر إىل عمق ‪20‬‬ ‫ي‬ ‫عينة منها إىل السطح لتحليلها‪.‬‬ ‫وتأخذ ِّ‬

‫وستبقى المركبة‪ ،‬وكذلك العربة الفضائية‪ ،‬تعمالن‬ ‫ف‬ ‫و� المدار حوله‪ ،‬ث‬ ‫أك� من‬ ‫عىل سطح المذنّب ي‬ ‫سنة‪ ،‬ت‬ ‫ديسم� سنة ‪2015‬م‪ ،‬فالمذنّب‬ ‫ح� شهر‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫سيق�ب ي� ‪ 13‬أغسطس من تلك السنة‪ ،‬إىل أقرب‬ ‫مسافة من الشمس‪ ،‬وهي ‪ 112‬مليون ميل (‪180‬‬ ‫ت‬ ‫عندئذ سيأخذ المذنّب ف ي� بث‬ ‫كيلوم�)‪،‬‬ ‫مليون‬ ‫ٍ‬ ‫ف‬ ‫مئات الكيلوغرامات من الغازات والغبار ي� كل‬ ‫جراء هذا‬ ‫ثانية‪ .‬ويُعتقَد أن المهمة ستتوقف الحقاً َّ‬ ‫النشاط‪.‬‬

‫أرقام‬

‫• رسعة المذنّب ف� الفضاء‪ :‬ث‬ ‫أك� من ‪ 84,000‬ميل ف ي�‬ ‫ي‬ ‫الساعة (‪ 135,000‬كم‪/‬س)‬ ‫• قطر المذنّب ف ي� أعرض أجزائه‪ 2.5 :‬ميل (نحو ‪4‬‬ ‫ت‬ ‫كيلوم�ات)‬ ‫ف‬ ‫• يدور حول الشمس ي�‪ 6.45 :‬سنة‬ ‫• يدور حول نفسه ف ي�‪ 12.4 :‬ساعة‬ ‫ت‬ ‫ال� استغرقتها رحلة روزيتا‪ 10 :‬سنوات‪ ،‬و‪8‬‬ ‫• المدة ي‬ ‫أشهر‪ ،‬و‪ 12‬يوماً‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تفصل الرض عن المذنّب‪310 :‬‬ ‫• المسافة ي‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫كيلوم�)‬ ‫مالي� ميل (نحو ‪ 500‬مليون‬ ‫ت‬ ‫ال� اجتازتها روزيتا للوصول‪ 6,4 :‬مليار‬ ‫• المسافة ي‬ ‫ت‬ ‫ميل (‪ 10.3‬مليار كيلوم�)‬ ‫• ارتفاع مدارها حول المذنّب‪ 19 :‬ميال ً (‪30,57‬‬ ‫ت‬ ‫كيلوم�) منذ ‪ 6‬أغسطس ‪2014‬‬ ‫• الوقت الذي استغرقه هبوط فيلة‪ 7 :‬ساعات‬ ‫سقوطاً بقوة جاذبية المذنّب‬ ‫• وزن المركبة فيلة‪ 220 :‬باوند (‪ 99.66‬كيلوغرام)‬


‫‪39 | 38‬‬

‫من المختبر‬

‫تحويل ظفر اإلبهام‬ ‫ُّ‬ ‫تحكم‬ ‫إلى جهاز‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫صغ�ة‬ ‫يطور باحثون من جامعة «إم أي ت ي�» رقاقة ي‬ ‫البهام إىل جهاز تحكم مصغر‬ ‫بإمكانها تحويل ظفر إ‬ ‫الجهزة الالسلكية أ‬ ‫لتشغيل أ‬ ‫كتغي� وضع‬ ‫الخرى‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫المؤ� عىل شاشة الكمبيوتر مثالً‪ ،‬عندما تكون‬ ‫فارغت�‪.‬ن‬ ‫ن‬ ‫منشغلت� أو يغ�‬ ‫اليدان‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ث‬ ‫كما أن بإمكان هذا الجهاز تشغيل أك� من سطح‬ ‫ن‬ ‫بي� ف ي� الوقت نفسه‪ .‬فخالل كتابتنا نصوصاً‬ ‫ي‬ ‫عىل الهاتف النقال مثالً‪ ،‬نستطيع أن نتنقل ي ن‬ ‫ب�‬ ‫مجموعات الرموز دون مقاطعة العمل أ‬ ‫الول‪.‬‬ ‫كما يمكننا من أن نتواصل مع آ‬ ‫الخرين ف ي� ظروف‬ ‫ال تسمح بذلك كوجودنا ف ي� اجتماعات مهمة‪.‬‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫الباحث�‪ ،‬وهو من‬ ‫«هس�‪-‬ليو كاو» أحد‬ ‫ويقول‬ ‫أصول تايوانية‪ ،‬أنه استلهم الفكرة عند مشاهدته‬ ‫ملصقات ملونة عىل أظافر بعض النساء‪ ،‬وهي‬ ‫ض‬ ‫مستح�ات التجميل ذات الشعبية ف ي� دول‬ ‫من‬ ‫آسيوية‪.‬‬ ‫ويتصور الباحثون أن هذه الرقاقة‪ ،‬وهي يغ�‬ ‫مزعجة عند وضعها عىل الظفر‪ ،‬ستكون ذات غشاء‬ ‫تغي�ه ليتناسق مع لباس الشخص‬ ‫سطحي يمكن ي‬ ‫وغ�ه‪.‬‬ ‫من ناحية اللون ي‬ ‫ف‬ ‫بالضافة إىل‬ ‫البهام وهي إ‬ ‫وهناك حكمة ي� اختيار إ‬

‫كونه سطحاً صلباً نسبياً‪ ،‬ال يحتوي عىل نهايات‬ ‫عصبية تعيق حركته أو تسبب إزعاجاً‪ .‬كما أنه يمكن‬ ‫للصابع أ‬ ‫أ‬ ‫الخرى الوصول إليه بسهولة لتشغيله‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ول لهذا الجهاز‪،‬‬ ‫وقد صنع الباحثون النموذج ال ي‬ ‫سموه «نايل أو»‪ ،‬بطباعة ت‬ ‫إلك�ودات نحاسية‬ ‫الذي ّ‬ ‫ت‬ ‫الص�ن‬ ‫عىل ورق من‬ ‫البوليس� المرن‪ .‬وسافروا إىل ي‬ ‫ت‬ ‫ملليم�‬ ‫صغ�ة بسماكة نصف‬ ‫للبحث عن بطارية ي‬ ‫فقط لتتناسب مع حجم ووظيفة الجهاز الجديد‪.‬‬

‫فحص دم دون أوجاع‬ ‫عينات للدم‬ ‫إذا توجس البالغون من أخذ ِّ‬ ‫حال أ‬ ‫لفحصها‪ ،‬فالرعب هو حتماً‬ ‫الطفال‪ .‬لكن‬ ‫الخ� السار هو أن طريقة جديدة تم تطويرها‬ ‫ب‬ ‫ألخذ العينات دون وجع‪.‬‬ ‫لقد طورت ش�كة «تاسو»‪ ،‬وهي ذات جذور‬ ‫عميقة بجامعة «ويسكونسن‪-‬ماديسون» جهازاً‬ ‫بسيطاً‬ ‫وصغ�اً بحجم كرة الطاولة باستطاعته‬ ‫ي‬ ‫استخراج كميات قليلة من الدم عند وضعه عىل‬ ‫ين‬ ‫دقيقت� دون أوجاع‪ .‬كما أن بإمكانه‬ ‫الجلد لمدة‬ ‫ت‬ ‫أن يحفظ العينة لمدة كافية ح� إيصاله إىل‬ ‫ف‬ ‫بالضافة إىل أنه‬ ‫ال�اد‪ .‬إ‬ ‫المخت� دون وضعه ي� ب‬ ‫ب‬ ‫يستعمل لمرة واحدة ثم يتم التخلص منه لثمنه‬ ‫البخس ولعدم نقل العدوى‪.‬‬ ‫يعمل الجهاز بوجود فراغ داخله يدفع كمية‬ ‫شع�ية من‬ ‫قليلة من الدم‪ ،‬تُسحب بقنوات ي‬ ‫الجلد‪ ،‬للتدفق نحو أنبوب العينة‪ .‬ويقول «بن‬

‫كاسافينت» نائب رئيس المؤسسة‪ ،‬إن هذه‬ ‫ت‬ ‫ال� تحكم‬ ‫التكنولوجيا تعتمد عىل القوى ي‬ ‫الصغ�ة‪« ،‬ففي هذه‬ ‫تدفق التيارات السائلة‬ ‫ي‬ ‫المقاسات‪ ،‬يتغلب االرتجاج السطحي عىل‬ ‫الجاذبية مما يجعل الجهاز يحفظ الدم ف ي�‬ ‫قنواته بغض النظر عن كيفية وضعنا له»‪.‬‬ ‫ويضيف «كاسافينت» إن هذا االكتشاف تم‬ ‫بالصدفة‪« ،‬إذ كنت أقوم بدراسة جريان وحركة‬ ‫الخاليا الرسطانية والعمل عىل تصنيع جهاز‬ ‫حقن» وهكذا ومضت ف ي� مخيلته فكرة الجهاز‬ ‫المذكور‪.‬‬ ‫‪http://www.medgadget.com/2015/04/‬‬ ‫‪darpa-sponsors-new-self‬‬‫‪administered-pain-free-blood-testing‬‬‫‪tech.html‬‬

‫ين‬ ‫الباحث� عن سؤال‪« ،‬هل سنتجول‬ ‫ويجيب أحد‬ ‫خالل سنوات خمس وأظافرنا قد أصبحت رقمية؟»‪،‬‬ ‫الرجح‪ :‬نعم‪ .‬ستدخلنا هذه أ‬ ‫«عىل أ‬ ‫الجهزة‬ ‫الجديدة ف ي� بيئة جديدة‪ ،‬بعضها سيتحرك بواسطة‬ ‫الصوت ومن دون تدخل من أيدينا‪.»....‬‬ ‫‪http://www.kurzweilai.net/a-thumbnail‬‬‫‪track-pad‬‬


‫االسم المعياري‬ ‫الطباعة رباعية األبعاد‬

‫أ‬ ‫الطباعة رباعية أ‬ ‫ت‬ ‫ال� هي‬ ‫البعاد هي‬ ‫تطوير جديد للطباعة ثالثية البعاد ي‬ ‫طريقة حديثة ف� التصنيع بدأت ف� تسعينيات القرن ض‬ ‫الما� وال تزال قيد‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫بالضافة أو ت‬ ‫ال�اكم بواسطة بيانات‬ ‫التطوير باستمرار‪ .‬وتسمى أيضاً التصنيع إ‬ ‫ين‬ ‫الباحث� أن تكون هي الطريقة السائدة ف ي� صناعة‬ ‫كث� من‬ ‫محوسبة‪ .‬ويتوقع ي‬ ‫المستقبل‪.‬‬ ‫ن‬ ‫وغ�ه‪ ،‬أما الثالثية‬ ‫والطباعة‬ ‫بالمع� التقليدي تتم عىل الورق أو النسيج ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ث‬ ‫ً‬ ‫ثال� البعاد‪ ،‬كالصندوق أو الطاولة مثالً‪ ،‬من خالل‬ ‫البعاد فتصنع مجسما‬ ‫ي‬ ‫طبقات رقيقة متتالية تي�اكم بعضها فوق البعض آ‬ ‫الخر‪.‬‬ ‫جاء هذا االكتشاف من ت‬ ‫البعد‬ ‫أس�اليا‬ ‫هذه المرة ومن جامعة «واللونكونغ»‪ُ .‬‬ ‫أ‬ ‫الرابع هو الوقت أ‬ ‫(البعاد الثالثة الخرى‪ :‬الطول‪ ،‬والعرض‪ ،‬واالرتفاع)‪.‬‬ ‫ئ‬ ‫تأث� منبهات خارجية كالحرارة‬ ‫ومعناه عملياً تحول شكل المنتج‬ ‫النها� تحت ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫والمياه‪ .‬ومن هنا جاءت تسمية الرباعية البعاد‪ .‬وهو يشبه عملياً بعض‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫يتغ� شكلها حسب رغبة الطفل‪ .‬لكن هذا العلم الرائد‬ ‫ال� ي‬ ‫لعب الطفال ي‬ ‫يعد بالتقدم لعدد ال يُحىص من الحقول العلمية كالطب والبناء والمكننة‬ ‫كث�‪.‬‬ ‫وغ�ها ي‬ ‫والروبوتات ي‬ ‫ين‬ ‫الباحث� عىل الروبوتات المرنة ف ي� حقل الطب‪ ،‬فصنعوا‬ ‫وتركَّز اهتمام هؤالء‬ ‫ال�وفيسور‬ ‫صماماً يعمل باالستجابة إىل حرارة المياه المحيطة به‪ .‬ويقول ب‬ ‫مارك بانهويس‪ ،‬أحد أ‬ ‫ين‬ ‫المكتشف� إن الذكاء ف ي� تصنيع هذا الصمام‬ ‫العضاء‬ ‫ئ‬ ‫االستثنا�‪ ،‬حيث إنك تلتقط هذا الصمام من المطبعة ش‬ ‫مبا�ة‬ ‫هو‬ ‫ي‬ ‫وتستعمله دون أي عملية تجميع‪ .‬ويضيف أن هذا الصمام وهو شكل‬ ‫ثال� أ‬ ‫ث‬ ‫البعاد يمتلك محركات تعمل فقط بالماء‪ .‬كما أنه يعمل ذاتياً‬ ‫مطبوع ي‬ ‫وال يتطلب أي إسهام عدا الماء‪ ،‬فهو يُغلق عند تحسسه للماء الساخن‪.‬‬ ‫‪http://www.sciencedaily.com/‬‬ ‫‪releases/2015/04/150423213500.htm‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬

‫واط‬

‫جيمس واط هو العالم أ‬ ‫السكتلندي‬ ‫الذي ابتكر مصطلح «قوة الحصان»‬ ‫للتعب� عن‬ ‫أو (‪)Horse Power‬‬ ‫ي‬ ‫ال� تولدها آ‬ ‫اللة‪ ،‬وال�ت‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫مقدار القدرة ي‬ ‫استعيض عنها باالسم «واط» كوحدة‬ ‫معيارية لقياس مقدار الطاقة أو‬ ‫ال� ينتجها المحرك آ‬ ‫ت‬ ‫ال يل‪.‬‬ ‫القدرة ي‬ ‫يعد جيمس واط أحد أعالم الثورة‬ ‫ّ‬ ‫التقنية ت‬ ‫ال� أسس لها انتشار المحرك‬ ‫ي‬ ‫البخاري خالل القرن الثامن ش‬ ‫ع�‪.‬‬ ‫جيمس واط‬ ‫وعىل الرغم من أن واط لم ت‬ ‫يخ�ع‬ ‫ت‬ ‫ال� أدخلها عىل‬ ‫هذا المحرك‪ ،‬إال أن التطويرات‬ ‫والتحسينات المحورية ي‬ ‫ش‬ ‫تصميمه وطريقة استخدامه‪ ،‬كانت حاسمة ف ي� االنتقال بالحضارة الب�ية إىل‬ ‫ن‬ ‫العضل الذي‬ ‫ونع� بذلك انتهاء االعتماد عىل المجهود‬ ‫ي‬ ‫مرحلة جديدة تماماً‪ .‬ي‬ ‫يبذله ش‬ ‫الب� والدواب‪ ،‬واالستعاضة عن ذلك بمحركات آلية‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ئ‬ ‫حصله ي� أسكتلندا‬ ‫لم يكمل واط تعليمه‪ .‬فقد نال ب‬ ‫جز� ّ‬ ‫خ�ته من تدريب ي‬ ‫ت‬ ‫وإنجل�ا‪ .‬لكنه كان محظوظاً ي ن‬ ‫ح� أتاحت له جامعة غالسكو عام ‪1757‬م‬ ‫ف‬ ‫الفرصة إلجراء تجارب ي� معمل لمحركات البخار‪ ،‬ما أتاح له الفرصة لتطبيق‬ ‫ين‬ ‫وتحس� تصاميم من سبقوه‪.‬‬ ‫أفكاره‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مسخرا أساسا لضخ المياه خارج‬ ‫ي� الوقت نفسه‪ ،‬كان المحرك البخاري ّ‬ ‫المناجم‪ .‬وقادت أفكار واط إىل إنتاج محركات أكفأ ث‬ ‫فسجل‬ ‫وأك� فعالية‪َّ .‬‬ ‫أفكاره بك�اءات ت‬ ‫اخ�اع حرصية‪ ،‬وقاتل شب�اسة ضد كل من حاول إالفادة منها‬ ‫أو تطويرها بوصفها خاصة به وحده‪ .‬لكن بسبب حاجته الملحة للتمويل‪،‬‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ث‬ ‫يطا� ماثيو‬ ‫ثل� عوائد اخ�اعاته مع الصناعي بال� ي‬ ‫فقد اضطر إىل مشاركة ي ّ‬ ‫ف‬ ‫بولتون‪ .‬ولعل هذه تعد سمة أخرى تحسب لمساهمات واط ي� رسم مالمح‬ ‫عرص الصناعة‪.‬‬ ‫أطلقت ش�اكة بولتون‪-‬واط العنان ش‬ ‫لن� أفكار واط ف ي� السوق‪ .‬وأدت‬ ‫التطويرات المتواصلة لتصاميم واط أ‬ ‫الولية واالنتقال بتطبيقات المحرك‬ ‫البخاري إىل آفاق أوسع تجاوزت صناعة التعدين‪ ،‬إىل صناعة النسيج المهمة‬ ‫جداً بالنسبة القتصاد إال بم�اطورية إال ي ز‬ ‫نجل�ية آنذاك‪ .‬وبالنتيجة صار واط ثرياً‬ ‫ف‬ ‫الملكية ي� لندن عام ‪1785‬م‪.‬‬ ‫وشه�اً‪ ،‬ونال ش�ف االنضمام إىل الجمعية‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫بحلول العام ‪1800‬م‪ ،‬سقط الحق الحرصي عن براءات اخ�اع جيمس واط‪،‬‬ ‫المهندس� آ‬ ‫ين‬ ‫الخرين من التحليق بتصاميمه‪ .‬فأدى محرك واط البخاري‬ ‫ما مكّن‬ ‫ف‬ ‫إىل ظهور القاطرة البخارية‪ ،‬وهذا ما شكّل ثورة حقيقية ي� عالم المواصالت‬ ‫تسخ� المحرك البخاري ف ي� صناعة‬ ‫وغ� خريطة العالم‪ .‬ومثل ذلك كان ي‬ ‫يّ‬ ‫سفن الركّاب والبضائع بطبيعة الحال‪ .‬واستمرت سيادة المحرك البخاري‬ ‫ت‬ ‫الع�ين ي ن‬ ‫ح� بدايات القرن ش‬ ‫ح� ظهرت محركات أصغر وأكفأ تعمل بالوقود‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫لما� رودلف ديزل‪.‬‬ ‫الحفوري نسبت إىل ال ي‬ ‫تغي� ف ي� عالم الصناعة والحضارة عموماً‪ ،‬فإن‬ ‫وإضافة إىل ما أحدثه واط من ي‬ ‫إسهامه العلمي يظل حياً إىل اليوم بفضل إنجازات عدة‪ ،‬أبرزها تقنينه لوحدة‬ ‫قياس الطاقة أو القدرة «الحصان»‪ ،‬ف ي� تكريم مبطن للكائن الذي كان هو‬ ‫المحرك أ‬ ‫الهم الذي عرفته حضارتنا طوال آالف ي ن‬ ‫السن�‪ .‬وبحسب واط فإن‬ ‫ِّ‬ ‫تع� عن مقدار الشغل الالزم لرفع كتلة مقدارها ‪75‬‬ ‫وحدة «قدرة الحصان» ِّب‬ ‫كيلوغراماً بمقدار تم� واحد خالل ثانية واحدة‪.‬‬ ‫منذ عام ‪1960‬م‪ ،‬صار اسم «الواط» وكذلك الـ «كيلو واط» وحدة معيارية‬ ‫وغ� البخارية‪.‬‬ ‫لقياس مقدار القدرة للمحركات المختلفة‪ ،‬البخارية منها ي‬


‫ماذا لو؟‬

‫‪41 | 40‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫ماذا لو لم‬ ‫يكن لألرض‬ ‫قمر؟‬ ‫ُعمير طيبة‬

‫وطّد ش‬ ‫الب� عىل مر العصور عالقة وثيقة‬ ‫ض‬ ‫الف�‬ ‫مع القمر‪ .‬إن ي‬ ‫تأث� هذا التابع ّ ي‬ ‫متعدد الوجوه واضح عىل حضارتنا المختلفة‪،‬‬ ‫سواء ف ي� االستعانة بأطواره ف ي� التقويم‪ ،‬أو دوره‬ ‫ف ي� المد والجزر وعالقة ذلك بالمالحة العالمية‪.‬‬ ‫لكن دعونا نتخيل كوكبنا أ‬ ‫الرض من يغ� قمر يدور‬ ‫حولها‪.‬‬ ‫بطبيعة الحال‪ ،‬ستكون ليالينا ث‬ ‫أك� ظلمة ولن‬ ‫ع�» مصطلحاً ش‬ ‫يكون «قمر أربعة ش‬ ‫منت�اً ف ي� لغات‬ ‫ش‬ ‫الب�‪.‬‬ ‫ف ي� الواقع‪ ،‬يعتقد بعض العلماء أنه لوال القمر لما‬ ‫كانت هناك أي حياة عىل وجه أ‬ ‫وتفس� ذلك‬ ‫الرض‪.‬‬ ‫ي‬ ‫يرجع إىل تاريخ تكون كل من أ‬ ‫الرض والقمر‪.‬‬ ‫تكونت أ‬ ‫الرض قبل حوال أربعة ي ن‬ ‫ويرجح‬ ‫بالي� سنة‪ِّ .‬‬ ‫ي‬ ‫بثالث� إىل ي ن‬ ‫العلماء أن القمر تكون بعدها ي ن‬ ‫أربع�‬ ‫أ‬ ‫مليون سنة‪ .‬ف� تلك ت‬ ‫الف�ة من عمر الرض كان‬ ‫ي‬ ‫ال�كانية‪.‬‬ ‫سطحها عبارة عن محيط واسع من الحمم ب‬ ‫ولم تكن توجد أي يابسة وال ماء‪ .‬وكان القمر عىل‬

‫ت‬ ‫ع�ين إىل ي ن‬ ‫بُعد ش‬ ‫كيلوم� فقط من سطح‬ ‫ثالث� ألف‬ ‫أ‬ ‫الرض‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫أثر القمر عىل الرض ي� ذلك الوقت اعتمد عىل‬ ‫عدة عوامل‪ ،‬فقرب القمر من أ‬ ‫الرض لعب دوراً‬ ‫ف� رسعة ت�يد سطح أ‬ ‫الرض‪ .‬وذلك عن طريق‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫قوى المد والجزر ت‬ ‫ال� مارسها القمر عىل الحمم‬ ‫ي‬ ‫ال�كانية‪ .‬مما أضاف إىل الطاقة الحرارية الناتجة عن‬ ‫ب‬ ‫الشعاع النووي من العنارص ف� باطن أ‬ ‫الرض‪ ،‬وأثَّر‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫عىل تكوين سطح كوكبنا أثناء بت�يدها‪ .‬ولن قوى‬ ‫المد والجزر تؤثر عىل السوائل ث‬ ‫أك� من الجوامد‪،‬‬ ‫كث� من مياه‬ ‫فلو اختفى القمر عنا فجأة فسيتحرك ي‬ ‫ين‬ ‫القطب�‪.‬‬ ‫المحيطات من حول خط االستواء نحو‬ ‫تأث�اً مماثال ً سيكون عامال ً مهماً‬ ‫رجح العلماء أن ي‬ ‫ويُ ِّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ال�كانية‬ ‫ي� تكوين سطح الرض أثناء تيبس الحمم ب‬ ‫السائلة‪.‬‬ ‫أحد أهم أوجه عالقة القمر أ‬ ‫بالرض حالياً هو ف ي�‬ ‫كون القمر مثبتاً لميل محور أ‬ ‫الرض عىل زاوية ثالثة‬ ‫ِّ‬ ‫ش‬ ‫وع�ين ونصف‪ .‬ومما الحظه العلماء عن كواكب‬

‫عطارد والزهرة والمريخ أن محاورهم أقل ثباتاً‬ ‫من محور أ‬ ‫الرض‪ .‬وذلك لعدم وجود قمر‪ ،‬كما �ف‬ ‫ي‬ ‫حال عطارد والزهرة‪ ،‬أو لصغر حجم القمر مقارنة‬ ‫بكوكبه كما ف ي� حال المريخ‪ .‬فعىل سبيل المثال‪،‬‬ ‫تتغ� زاوية ميل المريخ ي ن‬ ‫ب� خمس ش‬ ‫ع�ة إىل‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫السن�‪ .‬ولوال وجود‬ ‫وثالث� درجة عىل مر‬ ‫خمس‬ ‫ي‬ ‫ٍ‬ ‫ين‬ ‫الحالي� لكان هذا حالنا‪.‬‬ ‫قمرنا بموقعه وحجمه‬ ‫متغ�ة عىل مر العصور‪،‬‬ ‫ولكانت مواسم السنة ي‬ ‫ولكان تطور الحياة عىل وجه أ‬ ‫منحى‬ ‫الرض سيأخذ‬ ‫ً‬ ‫مختلفاً‪.‬‬ ‫أخ�اً‪ ..‬من المعلوم أن طول اليوم يقرص بمعدل‬ ‫ي‬ ‫الميلل ثانية ف ي� السنة‪ .‬يحسب علماء‬ ‫من‬ ‫جزء‬ ‫ي‬ ‫يز‬ ‫وتأث�ه عىل حركة‬ ‫الجيوف�ياء أن وجود القمر ي‬ ‫أ‬ ‫وبالتال عىل معدل دوران الرض قد قلل‬ ‫المحيطات‬ ‫ي‬ ‫من هذا المعدل‪ .‬ولوال وجود القمر لكان طول اليوم‬ ‫ن‬ ‫ثما� ساعات بدال ً من أربع ش‬ ‫وع�ين‬ ‫من ست إىل ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫يع� أن سنة الرض كانت ستتكون من ألف‬ ‫ساعة مما ي‬ ‫ومئة يوم إىل ألف وأربعمائة يوم‪.‬‬


‫رائد الشيخ‬

‫َّ‬ ‫تتولى الثالجة‬ ‫عندما‬ ‫التسوق بنفسها‬

‫حياتنا اليوم‬

‫ً‬ ‫مترابطا‬ ‫في الماضي القريب لم يكن العالم‬ ‫إلى هذا الحد‪ ،‬فالتطورات التقنية أدخلت‬ ‫تغييرات عديدة على حياتنا اليومية‪ .‬ومع‬ ‫انتشار األجهزة الذكية وشبكات التواصل‬ ‫االجتماعي أصبح لدى كل منا عالمان‪ ،‬عالم‬ ‫واقعي وآخر افتراضي مبني على تقنيات‬ ‫االتصاالت والمعلومات‪ ،‬وقد يتساءل‬ ‫البعض عن مستقبل عالمنا االفتراضي‪،‬‬ ‫ويجيبهم الخبراء بأنه «إنترنت األشياء»‪.‬‬


‫‪43 | 42‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫«إنترنت أ‬ ‫الشياء»‪ ،‬هو مصطلح انتشر مؤخراً‪،‬‬ ‫يشير إلى ارتباط جميع ما حولنا من أشياء مثل‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫النترنت‪،‬‬ ‫الجهزة والدوات والمالبس بشبكة إ‬ ‫بحيث يمكن معرفة حالتها ومعلومات عنها‬ ‫وقراءة تقارير خاصة بها وبطريقة عملها‪ .‬وهناك‬ ‫أ‬ ‫النترنت حالياً‪ ،‬ولكنها تعتمد على‬ ‫ماليين الجهزة المتصلة بشبكة إ‬ ‫النسان فى إمدادها بالمعلومات وتوصيلها بالشبكة‪ ،‬ولكن «إنترنت‬ ‫إ‬ ‫الشياء» يرمي إلى جعل كل تلك أ‬ ‫أ‬ ‫الشياء تتواصل مع بعضها دون‬ ‫تدخل بشري مسبق‪.‬‬ ‫الشياء مشتقة في أ‬ ‫وفكرة إنترنت أ‬ ‫الصل من نظرية «الحوسبة في‬ ‫كل مكان» (‪ ،)Computation Everywhere‬إال أن هناك اختالفاً‬ ‫واحداً بينهما‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬يمكن لحساس المصاعد في‬ ‫أ‬ ‫النسان والتوقف عند‬ ‫السواق التجارية العمل بمجرد رصده لحركة إ‬ ‫أ‬ ‫نزول الشخاص‪ ،‬وذلك للحفاظ على الطاقة‪ .‬ففي هذا المثال‪،‬‬ ‫يمكن القول إن جهاز المصعد ما هو إال جهاز حاسوبي مبرمج‬ ‫بطريقة ذكية يحتوي على معالج وأجهزة استشعار تم وضعها في‬ ‫اللكتروني»‪ .‬وهنا يظهر الفرق الوحيد‬ ‫معين وهو «المصعد إ‬ ‫جسم َّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫بين الحوسبة في كل مكان وإنترنت الشياء من حيث إن الخيرة‬ ‫ال تتطلب ربط الحوسبة مع العناصر اليومية فقط‪ ،‬بل تهدف إلى‬ ‫بالنترنت في الجهاز نفسه بما في ذلك من إرسال‪،‬‬ ‫وجود اتصال إ‬ ‫واستقبال أو اتصال معلوماتي‪.‬‬

‫تاريخها القصير‬

‫وأول من استخدم لفظ «إنترنت أ‬ ‫الشياء» هو العا ِلم كيفن أشتون‬ ‫الرواد في مجال التقنية‪ ،‬فهو‬ ‫في عام ‪1999‬م‪ ،‬ويُعد أشتون من َّ‬ ‫مؤسس أول مركز بحثي في معهد ماساتشوستس للتقنية‪ ،‬وهو‬ ‫متخصص في مجال المعايرة آ‬ ‫اللية والترددات الالسلكية المتصلة‬ ‫أ‬ ‫بالشبكة‪ .‬وما ساعد على انتشار فكرة إنترنت الشياء هو تقنيات‬ ‫االتصال الحديثة مثل شبكات تحديد الهوية بموجات الراديو‪،‬‬ ‫وشبكات االتصاالت في المجال القريب‪ ،‬حيث بات دمجها بكل‬ ‫النترنت أمراً عملياً ومتاحاً‪ .‬فتخيل أن يطلب‬ ‫شيء وتوصيلها مع إ‬ ‫اللكتروني‬ ‫البراد من المتجر ما ينقصه من أصناف عن طريق البريد إ‬ ‫أو ينبه صاحب المحل إن كان أحد محتوياته قد انتهت صالحيته‪،‬‬ ‫أو أن تكون هناك سيارات تخاطب نفسها السلكياً‪ ،‬أو أجهزة ذكية‬ ‫عما قد‬ ‫نرتديها وتخبرنا كثيراً عن حياتنا وصحة أجسامنا‪ ،‬كلها أمثلة َّ‬ ‫توفره هذه التقنية لنا فى المستقبل القريب‪.‬‬ ‫وتشير توقعات المتخصصين في صناعة أ‬ ‫الجهزة الجوالة‪ ،‬إلى أن‬ ‫أ‬ ‫بالنترنت زادت من ‪ 500‬مليون جهاز‬ ‫معدالت الجهزة المتصلة إ‬ ‫في عام ‪2003‬م إلى ‪ 12.5‬مليار جهاز في عام ‪2010‬م‪ ،‬ويعتقد‬ ‫المتخصصون وصول عددها في ‪2015‬م إلى أكثر من ‪ 25‬ملياراً‪،‬‬ ‫وأن تتضاعف بحلول عام ‪2020‬م إلى ‪ 50‬مليار جهاز‪ ،‬أي إن معدل‬ ‫نموها يفوق النمو المحتمل لعدد سكان العالم بأكثر من سبعة‬ ‫أضعاف!‬ ‫وقد قام قسم أ‬ ‫البحاث في شركة «‪ »Business Insider‬بدراسة‬ ‫حول إنترنت أ‬ ‫الشياء ومدى سرعة نموها وانتشارها بين قطاعات‬ ‫أ‬ ‫العمال‪ ،‬وأظهرت الدراسة أن أكبر المستثمرين في هذا المفهوم‬ ‫الجديد هو قطاع الصناعة‪ ،‬حيث من المتوقع أن تصل أحجام‬

‫ُتستخدم ُ‬ ‫وت َّ‬ ‫طبق في قطاع‬ ‫الطاقة‪ ،‬والمرافق المختلفة‪،‬‬ ‫وصناعة السيارات‪ ،‬وعمليات‬ ‫النقل‪ ،‬واألمن واالستطالع‬ ‫استثماراته إلى أكثر من ‪ 100‬مليار دوالر بحلول العام ‪2018‬م‪،‬‬ ‫بينما يحتل قطاع المواصالت والتخزين المركز الثاني ويليه قطاع‬ ‫المعلومات‪ .‬وأظهرت الدراسة أن قطاع التشييد يُعد من القطاعات‬ ‫المهتمة بتقنية «إنترنت أ‬ ‫الشياء»‪ ،‬وقد يضخ ما يقارب ‪ 30‬مليار‬ ‫دوالر كاستثمار بحلول العام ‪2019‬م‪.‬‬ ‫يقول ستيف هيلتون‪ ،‬المحلل في شركة «أناليسيس مايسون»‬ ‫لالستشارات التقنية في لندن‪ ،‬نقال ً عن مجلة «كومبيوتر وورلد»‬ ‫اللكترونية بأن «هنالك العديد من الصناعات التي يجري فيها‬ ‫إ‬ ‫الشياء التي تعد من أ‬ ‫تطبيق إنترنت أ‬ ‫الحالم المستقبلية‪ ،‬فهي‬ ‫ُ‬ ‫تستخدم وتطبق في قطاع الطاقة‪ ،‬والمرافق المختلفة‪ ،‬وصناعة‬ ‫السيارات‪ ،‬وعمليات النقل‪ ،‬أ‬ ‫والمن واالستطالع‪ .‬وهنالك جزء صغير‬ ‫يطبق في قسم العناية الصحية»‪ .‬وإذا أضفنا إلى ذلك القارئات‬ ‫اللكترونية‪ ،‬مثل أجهزة «كيندل» آ‬ ‫و«اليباد»‪ ،‬علمنا بأنها تطبق في‬ ‫إ‬ ‫القطاع االستهالكي أيضاً‪ ،‬وإن بأقل درجة‪ .‬ولكننا ال نجد إنترنت‬ ‫أ‬ ‫الشياء في السلع والمعدات المنزلية الرخيصة في الوقت الحالي‪،‬‬ ‫أ‬ ‫كاف لها‪ ،‬خاصة وأنه بحسب هيلتون‪ ،‬سترتفع‬ ‫لنه ال يوجد سوق ٍ‬ ‫أسعار مثل هذه السلع ارتفاعاً كبيراً‪.‬‬

‫انتهت صالحية‬ ‫المنتج‬


‫‪2020‬‬ ‫‪ 50‬مليار جهاز‬

‫‪2015‬‬ ‫أكثر من ‪ 25‬مليار جهاز‬ ‫‪2010‬‬ ‫‪ 12.5‬مليار جهاز‬

‫‪2003‬‬ ‫‪ 500‬مليون جهاز‬

‫تطبيقات إنترنت أ‬ ‫الشياء‬ ‫لكثرتها‬ ‫لن نشعر بها‬ ‫أ‬

‫يعبر مصطلح «إنترنت الشياء» عن منتجات تقنية‪ ،‬بل عن مزايا‬ ‫ال ِّ‬ ‫بالنسان ليجعلها‬ ‫يمكن دمجها في معظم المنتجات المحيطة إ‬ ‫بالنترنت‪ ،‬ووفقاً لرئيس غوغل إريك شميدت في كلمته‬ ‫متصلة إ‬ ‫بالمنتدى االقتصادي الدولي «دافوس»‪« :‬سيكون هناك كثير من‬ ‫النترنت‪ ،‬وهي مسميات عددية مخصصة لكل آلة‪ ،‬وكثير‬ ‫عناوين إ‬ ‫أ‬ ‫من أ‬ ‫الجهزة الذكية وأجهزة االستشعار والدوات التفاعلية للدرجة‬ ‫النترنت‪ ،‬حيث ستصبح كالهواء الذي‬ ‫التي لن تشعروا فيها بوجود إ‬ ‫نتنشقه من دون أن نشعر بذلك»‪ .‬ثم يضيف‪« :‬تصوروا أن تدخلوا‬ ‫َّ‬ ‫إلى غرفة تفاعلية‪ ،‬وتتمكنوا من التواصل مع جميع أ‬ ‫الجهزة الذكية‬ ‫الموجودة في هذه الغرفة!»‪ ،‬في إشارة منه إلى تطور أ‬ ‫الجهزة‬ ‫أ‬ ‫بالنترنت‪.‬‬ ‫الذكية وتكنولوجيا الجهزة القابلة لالرتداء المتصلة إ‬ ‫أ‬ ‫جار على التوسع في‬ ‫وهذه ليست بال أمثلة التخيلية‪ ،‬فالعمل ٍ‬ ‫مجاالت إنترنت الشياء‪ .‬إذ قامت شركة سامسونج بابتكار ثالجة‬ ‫النترنت تقوم بالتغريد على «تويتر» وتشغيل‬ ‫متصلة بشبكة إ‬ ‫الموسيقى عبر تطبيق «باندورا»‪ .‬وقد أنفقت شركة غوغل أكثر من‬ ‫‪ 3.2‬مليارات دوالر لشراء شركة «نيست» المنتجة ألجهزة تنظيم‬ ‫الحرارة ليتم ضبط حرارة المنزل باالعتماد على العادات اليومية‬ ‫لنزالئه‪ .‬أما شركة «بابوالت» لتصنيع مضارب التنس فقد طورت‬ ‫مضرباً يرشد المستخدم بأدائه ويحصي عدد الضربات‪.‬‬ ‫وفي الصين قام رئيس وزرائها وين جياباو بجعل إنترنت أ‬ ‫الشياء‬ ‫هدفاً قومياً‪ ،‬وقد أكّد ذلك في قوله أن «الصينيين يرون في ذلك‬

‫في مجال الطب‪َّ ،‬‬ ‫توقع المختصون‬ ‫استحداث ّ‬ ‫أسرة للمستشفيات خالية‬ ‫من األجهزة والمعدات‪ ،‬بحيث لن‬ ‫تكون هناك حاجة إلى تركيب أجهزة‬ ‫استشعار على جسد المريض‬ ‫جزءاً أساسياً من المجتمع‪ ،‬ال سيما على صعيد تسهيل الخدمات‬ ‫وتنسيقها في المدن المزدحمة»‪ .‬وعالوة على ذلك‪ ،‬أعلنت‬ ‫السلطات البلدية في «ويوكسي» في ضواحي مدينة شنغهاي في‬ ‫الصين‪ ،‬عن نيتها تشييد حديقة تقوم على مبدأ إنترنت أ‬ ‫الشياء‪،‬‬ ‫حيث من المتوقع أن تصبح مقصداً للسياح من جيل مستخدمي‬ ‫النترنت الجديد‪.‬‬ ‫إ‬ ‫ويرى المختصون أن تطبيقات إنترنت أ‬ ‫الشياء ال حدود لها‪ ،‬وذهب‬ ‫البعض إلى ما هو أبعد من الخيال في هذا المجال‪ .‬فعلى سبيل‬ ‫المثال‪ ،‬طرحت بعض الشركات أفكاراً ومشاريع تخيلية لحساسات‬ ‫تقوم بأخذ مقاييس جسمك لدى االقتراب من المالبس التي ترغبها‪،‬‬ ‫ليجري عرض الترويجات التي من المفترض أن تناسب ذوقك‬ ‫ومن ثم عرضها على جهازك النقال‪ ،‬وثالجات منزل تقوم برصد‬ ‫محتوياتها وإبداء رأيها حول إعادة ملئها بالمواد الغذائية‪ ،‬وسيارات‬ ‫تتعقب أ‬ ‫المكنة التي تذهب إليها‪ ،‬وتقوم بالتنبؤ برحالتها المقبلة‪،‬‬


‫‪45 | 44‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫كما أنها تكون مستعدة للإجابة عن أقرب محطة للتزود بالوقود‪،‬‬ ‫«الس َحاب»‪.‬‬ ‫مستخدمة بيانات مستمدة من َ‬ ‫وعن كيفية استفادة شركات التأمين من تقنية إنترنت أ‬ ‫الشياء‪ ،‬ابتكرت‬ ‫إحدى الشركات ما يشبه «الصندوق أ‬ ‫السود» في السيارة‪ ،‬يقوم‬ ‫يإرسال معلومات إلى شركة التأمين وإخبارها إن كانت قيادة السائق‬ ‫آمنة‪ ،‬وذلك لتخفيض رسوم التأمين‪ .‬وقد قام عدد من شركات‬ ‫التأمين بتقديم أنواع من االشتراكات المبنية على تلك التقنية‪،‬‬ ‫معتمدة على البيانات المرسلة التي تم جمعها عن طريق الجهاز‬ ‫المثبت في السيارة‪.‬‬ ‫أسرة‬ ‫أما في مجال الطب‪،‬‬ ‫فتوقع المختصون استحداث ّ‬ ‫أ‬ ‫للمستشفيات خالية من الجهزة والمعدات‪ ،‬بحيث لن تكون هناك‬ ‫حاجة إلى تركيب أجهزة استشعار على جسم المريض‪ .‬وقامت‬ ‫شركة «نايكي» للمالبس الرياضية بابتكار رباط يد أطلقت عليه‬ ‫اسم «فيويل باند» وهو عبارة عن أسورة تتعقب حركة المستخدم‬ ‫أينما ذهب‪ ،‬وتحتوي على عداد يحسب عدد السعرات الحرارية‬ ‫النترنت‬ ‫ويوفر إحصاءات ومعلومات يومية ترسل مباشرة إلى إ‬ ‫بشكل متواصل‪ .‬ويمكن االستفادة من هذه التقنية مستقبال ً في‬ ‫المستشفيات لمتابعة حالة المرضى‪ ،‬حيث يمكن للمريض إرسال‬

‫ً‬ ‫أيضا «التوافقية» بين‬ ‫من العقبات األخرى‬ ‫تلك األجهزة‪ ،‬فكل شركة تستخدم تقنية‬ ‫مختلفة عن األخرى‪ ،‬فثالجة «سامسونج»‬ ‫ال يمكنها أن تتصل بتلفاز «سوني» كي‬ ‫تعرض المعلومات‬ ‫تقرير مباشر عن وضعه الصحي وقياس الضغط والسكر إلى‬ ‫النترنت‪ ،‬ويمكن للمستشفى متابعة حالته‬ ‫المستشفى المركزي عبر إ‬ ‫والتواصل معه مباشرة في حالة الخطر‪.‬‬

‫الشياء أ‬ ‫إنترنت أ‬ ‫والمن الرقمي‪ ،‬وعقبات أخرى‬

‫يشير الخبراء إلى أن إحدى العقبات التي قد تواجه فكرة إنترنت‬ ‫أ‬ ‫الشياء هي حجم البيانات التى ستنتج عن هذا الكم الرهيب‬ ‫والجهزة المتصلة ببعضها بعضاً‪ .‬أما العقبة أ‬ ‫الشياء أ‬ ‫من أ‬ ‫الهم‬ ‫فهي الخصوصية وإمكانية اختراق البيانات وسرقة المعلومات‪.‬‬ ‫فال يوجد إلى آ‬ ‫الن نظام أمني يمكنه أن يضمن لنا أن تكون هذه‬


‫التقنية آمنة يمكن االعتماد عليها دائماً‪ .‬ومن العقبات أ‬ ‫الخرى أيضاً‬ ‫«التوافقية» بين تلك أ‬ ‫الجهزة‪ ،‬فكل شركة تستخدم تقنية مختلفة‬ ‫عن أ‬ ‫الخرى‪ ،‬فثالجة «سامسونج» ال يمكنها أن تتصل بتلفاز «سوني»‬ ‫كي تعرض المعلومات‪ .‬وبالتالي يعمل المصنعون حالياً على إيجاد‬ ‫للشياء المتصلة بالنترنت‪ ،‬لتمكن أ‬ ‫معايير قياسية أ‬ ‫الجهزة من فهم‬ ‫إ‬ ‫بعضها بعضاً‪ .‬وأنشئ ما يسمى بـ «اتحاد الشبكات المفتوح» الذي‬ ‫يضم مجموعة من الشركات الكبرى مثل «مايكروسوفت» و«إنتل»‬ ‫و«كوالكوم» و«سامسونج» و«باناسونيك» و‪ 51‬شركة أخرى‪ ،‬بهدف‬ ‫تحديد متطلبات الربط وقابلية التشغيل بين المليارات من أ‬ ‫الجهزة‪.‬‬ ‫وقال نيك جونز نائب الرئيس والمحلل لدى شركة «جارتنر»‬ ‫للبحاث‪« :‬لقد برهنت الدراسة على أن تقنية «إنترنت أ‬ ‫أ‬ ‫الشياء» لم‬ ‫تدخل بعد مرحلة النضج‪ ،‬وأن عديداً من المؤسسات ال تزال في‬ ‫مرحلة االختبار‪ ،‬وال يوجد إال عدد محدود جداً من الشركات التي‬ ‫استطاعت نشر االبتكارات العملية في مجال تقنيات إنترنت أ‬ ‫الشياء‪.‬‬ ‫وكمثال حي على تلك العقبات هو ما تشهده المدن الذكية المبنية‬ ‫على مفهوم إنترنت أ‬ ‫الشياء من تحديات‪ ،‬فتعد «العدادات الذكية»‬ ‫إحدى أبرز السمات للمدن الذكية‪ ،‬التي تقوم على جمع البيانات‬ ‫للحد من‬ ‫االستهالكية والمعلومات حول االشخاص‪ ،‬وتوفر أدوات ِّ‬ ‫استهالك الطاقة‪ ،‬وأدوات أخرى لتحسين الكفاءة‪ ،‬وبرامج لمتابعة‬ ‫حركة الطرق‪ .‬إال أن هذه العدادات مهددة باالختراق‪ ،‬ومن ثم‬ ‫الحصول على معلومات حيوية قد تؤدي لحدوث جرائم معلوماتية‬ ‫أو استهدافات شخصية ال يمكن السيطرة عليها‪ .‬ومن هذا المنطلق‪،‬‬ ‫يوصي خبراء التقنية وأمن المعلومات القائمين على تصميم‬ ‫المدن الذكية بالحرص على توفير حلول دفاعية تؤمن الحماية‬ ‫اللكترونية‪ .‬وهذا‬ ‫لهذه العدادات والشبكات الذكية ضد الهجمات إ‬ ‫القالل من حدوث مثل هذه الكوارث المدمرة‪.‬‬ ‫سيؤدي بدوره إلى إ‬

‫قد تخترق العصابات اإلجرامية هذه‬ ‫العدادات من أجل استثمارها لصالحها‪،‬‬ ‫وذلك بتحديد المنازل التي ال تستخدم‬ ‫الطاقة الكهربائية من خالل قراءة‬ ‫استهالك الطاقة عن ُبعد‬ ‫وأفاد تقرير حديث من شركة «تريند مايكرو» المتخصصة في‬ ‫أمن المعلومات‪ ،‬أن تلك التقنيات لم تخضع لالختبارات أ‬ ‫المنية‬ ‫بالضافة إلى عدم وجود‬ ‫الكافية على الرغم من انتشارها الواسع‪ ،‬إ‬ ‫معايير واضحة تتبع في هذه التقنيات نظراً لحداثتها‪ ،‬وهذا‬ ‫يؤدي إلى تعريضها لعديد من التهديدات أ‬ ‫المنية التي تصل إلى‬ ‫مرحلة «عالية الخطورة»‪ .‬واستعرضت الشركة في بحثها بعض‬ ‫السيناريوهات التي من الممكن أن تحدث لمثل هذه العدادات‬ ‫الذكية‪ ،‬واحتماالت حدوثها العالية جداً بسبب عدم خضوعها‬ ‫الختبارات تقنية أمنية دقيقة ومتواصلة‪ ،‬ولوجود عيوب وثغرات‬ ‫النترنت‪ .‬ومن أبرز تلك‬ ‫كبيرة من الممكن أن تستغل من محترفي إ‬ ‫بالمكان إرسال‬ ‫السيناريوهات هو التالعب بالعداد الذكي‪ ،‬ليصبح إ‬ ‫معلومات غير دقيقة إلى المرافق الحيوية التي تعتمد في تغذيتها‬ ‫على هذه العدادات‪ ،‬ومن ثم حصول قراءات خاطئة أو تضخيم‬

‫الفواتير من خالل رفعها في أماكن وخفضها في أماكن أخرى‪.‬‬ ‫وأيضاً من السيناريوهات التي تنطوي على اختراق العدادات الذكية‬ ‫التي تقيس الحركة المرورية هي أن يتم رصد مكان ذي كثافة‬ ‫مرورية منخفضة على أنه عالي الكثافة أو العكس‪ ،‬وهذا يؤثر على‬ ‫الدراسات االستراتيجية والخطط التطويرية التي تحدد أ‬ ‫الماكن‬ ‫المستهدفة بتطوير الطرق وبناء الجسور وحفر أ‬ ‫النفاق لضمان‬ ‫استدامة الحركة المرورية‪.‬‬ ‫الجرامية هذه العدادات من أجل استثمارها‬ ‫وقد تخترق العصابات إ‬ ‫لصالحها‪ ،‬وذلك بتحديد المنازل التي ال تستخدم الطاقة‬ ‫الكهربائية من خالل قراءة استهالك الطاقة عن بُعد‪ ،‬ومن ثم‬ ‫استهداف هذه المنازل من خالل معرفة أوقات خلوها من ساكنيها‬ ‫للقيام بالسرقات أو عمليات االبتزاز‪ .‬ومن السيناريوهات المحتملة‬ ‫لعمليات االختراق أيضاً هو استخدام أجهزة إنترنت أ‬ ‫الشياء من‬ ‫أجل اختراق شبكات المنازل‪ ،‬ومن ثم الوصول إلى معلومات‬ ‫خاصة ودقيقة عن أصحاب المنزل قد تؤدي إلى ابتزازهم‪ ،‬أو‬ ‫مساومتهم مالياً‪ ،‬أو استثمار هذه أ‬ ‫الجهزة بهدف اختراقات في‬ ‫بلدان أخرى‪ .‬وقد يصل أ‬ ‫المر إلى إحداث الفوضى في أوساط‬ ‫المجتمع‪ ،‬مثل تعطيل إشارات المرور أو إطفاء إنارات الشوارع في‬ ‫أ‬ ‫الماكن الحيوية‪ ،‬وغيرها من وسائل الفوضى‪.‬‬ ‫الشياء على المشكالت أ‬ ‫ولن تقتصر عقبات إنترنت أ‬ ‫المنية فحسب‪،‬‬ ‫بل تشمل أيضاً صعوبة تأقلم المستخدمين مع استخدام تلك‬ ‫التقنيات المبتكرة والتعود عليها‪ ،‬فأظهرت دراسة أعدتها شركة‬ ‫«أكسنتشر» (‪ ،)Accenture‬أن ‪ 83‬بالمئة من المستهلكين بلَّغوا عن‬ ‫مشكالت متنوعة واجهتهم عند استخدام أنواع معينة من أ‬ ‫الجهزة‬ ‫َّ‬ ‫الذكية‪ .‬وأفادت الدراسة التي أجريت في ‪ 24‬دولة‪ ،‬وضمت دوال ً‬ ‫المارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية‪،‬‬ ‫عربية مثل إ‬ ‫أن المستهلكين بلَّغوا عن مشكالت واجهتهم عند استخدام أنواع‬ ‫الجهزة تشمل أ‬ ‫من أ‬ ‫الجهزة التي يرتدونها لمراقبة مؤشرات اللياقة‪،‬‬ ‫أ‬ ‫والساعات الذكية‪ ،‬والجهزة الذكية الخاصة بضبط الحرارة في‬ ‫المنزل‪ ،‬وأنظمة الترفيه الخاصة بالسيارات‪ ،‬وأنظمة المراقبة‬ ‫والكاميرات أ‬ ‫المنية المنزلية‪ ،‬والمنتجات الصحية القابلة لالرتداء‪.‬‬ ‫وبينت نتائج الدراسة أن أبرز التحديات التي واجهت المستهلكين‬ ‫كون أ‬ ‫الجهزة الذكية «معقدة أكثر مما ينبغي»‪ ،‬وأن «إعدادها‬ ‫للعمل لم يكن على ما يرام»‪ ،‬وأن أ‬ ‫الجهزة «لم تعمل بالصورة التي‬ ‫العالنات التجارية عنها»‪.‬‬ ‫وردت في إ‬ ‫وعلى الرغم من التساؤالت الكثيرة بشأن خصوصية البيانات في‬ ‫إنترنت أ‬ ‫الشياء ومشكالت استخدامها‪ ،‬يرى الخبراء أن هناك رغبة‬ ‫جامحة لدى كثيرين بتبني استخدام هذه التقنيات الجديدة على‬ ‫اختالف اختصاصاتها‪ ،‬مما يشير إلى إمكانية نموها بصورة فائقة في‬ ‫السنوات القليلة المقبلة‪ .‬وقد تكون هذه فرصة للشركات لزيادة‬ ‫أ‬ ‫الرباح من خالل الفهم الحقيقي لكيفية استخدام العمالء لتلك‬ ‫أ‬ ‫البرامج والجهزة المتصلة‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪47 | 46‬‬

‫حياتنا اليوم‬

‫خالل النصف الثاني من القرن العشرين‪،‬‬ ‫راجت في الغرب مفاهيم ال تقتصر على‬ ‫تحفيز المرأة على العمل‪ ،‬بل َّ‬ ‫تعدت ذلك‬ ‫إلى تصوير عمل المرأة ربَّ ة بيت كوظيفة‬ ‫ً‬ ‫شأنا من العمل المدفوع خارج‬ ‫أقل‬ ‫المنزل‪ .‬ونتيجة لذلك ازدادت نسبة النساء‬ ‫العامالت خارج منازلهن مهما كانت‬ ‫ظروفهن العائلية‪ .‬غير أن ما تكشفت‬ ‫عنه الدراسات لنتائج هذه التحوالت‬ ‫االجتماعية‪ ،‬بدأ بقلب هذا المسار إلى‬ ‫ً‬ ‫وتحديدا في صفوف‬ ‫االتجاه المعاكس‪،‬‬ ‫أمهات األطفال‪.‬‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫مهى قمر الدين‬

‫هل عادت‬ ‫األم إلى‬ ‫بيتها؟‬


‫في عام ‪1967‬م كانت نسبة النساء في‬ ‫الواليات المتحدة أ‬ ‫المريكية المص ّنفات كربّات‬ ‫بيوت ‪ %49‬ومع أواخر القرن انخفضت هذه‬ ‫بأن‬ ‫النسبة إلى ‪ .%23‬وقد اعتقد كثيرون َّ‬ ‫هذه النسبة ستستمر في االنخفاض مع سعي‬ ‫النساء للدخول في مجال العمل‪ .‬ولكن دراسة أجراها مركز «بيو»‬ ‫أ‬ ‫للبحاث في ‪2014‬م‪ ،‬وهو المركز المتخصص بتقديم المعلومات‬ ‫والحصاءات‬ ‫حول القضايا االجتماعية واتجاهات الرأي العام إ‬ ‫الديموغرافية في أمريكا‪ ،‬أظهرت بأن نسبة النساء من ربّات البيوت‬ ‫أخذت تزداد بانتظام على مدى الخمس عشرة سنة الفائتة‪ .‬وقد‬ ‫وجد الباحثون بأن ‪ %29‬من أمهات أ‬ ‫الطفال ما دون سن الثامنة‬ ‫عشرة بقين في المنزل من دون أي عمل خارجي عام ‪2012‬م‪،‬‬ ‫بالمقارنة مع أدنى نسبة وصلت إلى ‪ %23‬في ‪1999‬م‪.‬‬

‫عنصر االختيار‬

‫إن لهذه‬ ‫تقول ديفرا كون‪ ،‬وهي إحدى أهم الباحثات في مركز بيو َّ‬ ‫الرقام «تأثيراً كبيراً على الحياة اليومية أ‬ ‫أ‬ ‫للطفال‪ ،‬كما تُظهر ابتعاداً‬ ‫كبيراً عن النمط الذي رأيناه سابقاً»‪ .‬ال شك في أن هناك عوامل‬ ‫التحوالت‪ ،‬فعندما كانت نسبة النساء‪ ،‬ربات‬ ‫اقتصادية وراء هذه‬ ‫ّ‬ ‫البيوت‪ ،‬في أواخر تسعينيات القرن الماضي في أدنى مستوى‬ ‫لها‪ ،‬كان االقتصاد أ‬ ‫المريكي يولّد فرص عمل بسرعة كبيرة وكان‬ ‫من السهل ألي طالب للعمل الحصول عليه إذا ما أراد ذلك‪ّ .‬أما‬ ‫آ‬ ‫يتمكن من الحصول على‬ ‫الن فيقول عديد من النساء إنهن لم‬ ‫َّ‬ ‫فرصة عمل‪ ،‬على الرغم من امتالكهن المؤهالت المناسبة‪ .‬غير‬ ‫أ‬ ‫أن نسبة كبيرة‬ ‫أن هناك أيضاً عنصر االختيار‪ ،‬حيث أكدت الرقام َّ‬ ‫والتفرغ لتربية أطفالهن‪ .‬وهنا يكمن‬ ‫منهن اخترن البقاء في المنزل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التغيير‪ .‬إذ بعد عقود من ضغوط الحركات النسوية التي كانت تحث‬ ‫النساء على الخروج إلى العمل مهما كانت ظروفهن االجتماعية‪،‬‬ ‫والتي ساهمت بإيجاد ثقافة اجتماعية تنظر نظرة دونية إلى ربّات‬ ‫البيوت‪ ،‬وبعد رواج كتب مثل كتاب «سحر أ‬ ‫النوثة» لصاحبته بيتي‬ ‫فريدان‪ ،‬الذي أعيد إصداره مرات عديدة كان آخرها في ‪2013‬م‪،‬‬ ‫والذي دعا النساء إلى االنتفاض على أ‬ ‫الفكار والمؤسسات التي كانت‬ ‫تبقيهن في المنزل واالنطالق «لتحقيق الذات»‪ ،‬صار مزيد من‬ ‫النساء يخترن التفرغ لتربية أطفالهن‪.‬‬

‫الرضا عن الذات‬

‫بأن النساء ربّات البيوت اللواتي يبقين‬ ‫ّتدعي الحركات النسوية ّ‬ ‫في المنزل لالهتمام بتربية أ‬ ‫الطفال‪ ،‬يشعرن بالعزلة بدرجة أكبر‪.‬‬ ‫ولكن البروفيسور براد ويلكوكس‪،‬‬ ‫فهن أكثر عرضة لالكتئاب‪ّ .‬‬ ‫ولذلك ّ‬ ‫رئيس «المشروع الوطني للزواج»‪ ،‬يقول في معرض تحليله لتقرير‬ ‫إن «النساء المتزوجات اللواتي استطعن تلبية جميع حاجات‬ ‫بيو‪َّ ،‬‬ ‫الحصاءات‬ ‫عائالتهن يشعرن بقدر أكبر من السعادة»‪ .‬ويضيف بأن إ‬ ‫تشير إلى أن أ‬ ‫المهات يشعرن بدرجة أكبر من الرضا عن النفس‬ ‫عندما تميل اهتماماتهن اليومية إلى العائلة‪ .‬وقد أكدت على هذا‬ ‫أ‬ ‫الحصاءات الوطنية في بريطانيا‬ ‫المر دراسة أخرى أجراها مكتب إ‬ ‫حول مستوى السعادة لدى أ‬ ‫الشخاص غير الفاعلين من الناحية‬ ‫وأكدت‬ ‫االقتصادية‪ ،‬وهي الفئة التي تقع فيها النساء ربّات البيوت‪ّ ،‬‬ ‫أ‬ ‫نهن يشعرن‬ ‫ّ‬ ‫أن لدى ربّات البيوت مستوى أعلى من السعادة ل ّ‬ ‫بقيمة حياتهن‪ ،‬وقد أعطين قيمة لحياتهن تتراوح ما بين ‪ 8‬إلى ‪10‬‬ ‫بالمقارنة مع ‪ 7‬إلى ‪ 8‬للقيمة التي أعطتها النساء العامالت‪.‬‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫كافيا‬ ‫اهتماما‬ ‫األطفال الذين يلقون‬ ‫من أمهاتهم في سنواتهم األولى‬ ‫يستطيعون تحقيق نتائج أفضل في‬ ‫ِّ‬ ‫المتعلقة بالنمو‪..‬‬ ‫جميع االختبارات‬ ‫ليس هذا فحسب‪ .‬فقد أظهر مسح أجراه قسم الموارد البشرية في‬ ‫شملهن‬ ‫وكالة «أديكو» للتوظيف ّأن ‪ %48‬من النساء العامالت اللواتي‬ ‫ّ‬ ‫لديهن مزيد من الوقت لتمضيته مع أوالدهن‪.‬‬ ‫البحث تمنين لو كان‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫نهن ال يقمن بواجباتهن تجاه أطفالهن‬ ‫وعبرن عن شعور بالذنب ل ّ‬ ‫ّ‬ ‫على أكمل وجه‪ .‬ولهذا السبب أصبح هناك ميل عند النساء العامالت‬ ‫أمهات أ‬ ‫الطفال ما دون الثامنة عشرة للعمل بدوام جزئي‪ .‬وأخذت‬ ‫تقدم كثيراً من الوظائف‬ ‫صناعات كبيرة‪ ،‬تعتمد على الموارد البشرية‪ّ ،‬‬ ‫بدوام جزئي وبأوقات مرنة‪ .‬وقد وصلت نسبة العامالت خالل أوقات‬ ‫غير ثابتة في البعض منها إلى نسبة تخطت العشرة بالمئة‪.‬‬

‫ازدياد الوعي‬

‫وقد يعود سبب اختيار النساء البقاء إلى جانب أطفالهن إلى الوعي‬ ‫الناتج عن أهمية االهتمام أ‬ ‫بالطفال بشكل دائم ومتواصل‪ ،‬ال سيما‬ ‫الطفال أ‬ ‫في سنوات أ‬ ‫الولى‪ .‬وقد أكّد العلماء أنّه في السنوات الثالث‬ ‫أ‬ ‫الولى من عمر الطفل يتضاعف حجم دماغه‪ .‬حيث يكون أي محفز‬ ‫خارجي كاالنفجار في قدرات الطفل الدماغية‪ .‬ويتأثر ذلك بشكل‬ ‫كبير بكمية الحب والحنان أ‬ ‫والمان التي يُحاط بها الطفل‪.‬‬ ‫تحدث عالم النفس جون بولبي‪ ،‬من خالل تجربته الطويلة مع‬ ‫كما ّ‬ ‫الطفال‪ ،‬عن نظرية التعلق‪ ،‬وهي التي تعبر عن حاجة أ‬ ‫أ‬ ‫الطفال‬ ‫ّ‬ ‫الختبار عالقة دافئة ومستمرة مع والدتهم من أجل النمو الصحيح‪.‬‬ ‫وال يشترط بولبي وجود أ‬ ‫الم البيولوجية فقط‪ ،‬وإنما أي شخص‬ ‫يشدد عليه هو عملية‬ ‫آخر يمكنه إمداد الطفل بالعناية الكافية‪ .‬وما ّ‬ ‫االستمرارية وهي ما تستطيع تقديمه أ‬ ‫الم ربة المنزل دون انقطاع‪،‬‬ ‫ودون حاجتها للجوء إلى مساعدة أشخاص آخرين‪ .‬وقد أظهرت‬ ‫الدراسات أن أ‬ ‫الطفال الذين يلقون اهتماماً كافياً من أمهاتهم‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫في سنواتهم الولى يستطيعون تحقيق نتائج أفضل في جميع‬ ‫االختبارات المتعلقة بالنمو‪.‬‬


‫‪49 | 48‬‬

‫صحة أ‬ ‫الطفال النفس ّية والجسديّة‬ ‫ّ‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫تحدث البروفيسور السير دنيس غراي‪ ،‬الرئيس‬ ‫من جهة أخرى‪ّ ،‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫العامين»‪ ،‬في بريطانيا عن‬ ‫السبق لـ «الكلية الملكية للطباء ِّ‬ ‫المشكالت االجتماعية المتزايدة التي تحصل وعلى رأسها االكتئاب‬ ‫حد كبير‪ ،‬إلى القلق وقلة العناية في‬ ‫والتي تعود بمعظمها‪ ،‬وإلى ّ‬ ‫الولى‪ .‬وقد نشرت «مجلة علم أ‬ ‫الطفال أ‬ ‫سنوات أ‬ ‫الوبئة والصحة‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫المجتمعية» بحثاً أكد أن هناك إمكانية أكبر لطفال المهات ربّات‬ ‫المنازل ألن يشاركوا بنجاح في النشاطات الرياضية المنظمة أكثر‬ ‫من أطفال النساء العامالت‪ .‬وقد يعود السبب في ذلك إلى أنّه‬ ‫لدى أمهات الفريق أ‬ ‫الول وقت أكبر الصطحاب أطفالهن للتمارين‬ ‫أ‬ ‫أن أطفال النساء ربّات البيوت هم‬ ‫الرياضية السبوعية‪ .‬إضافة إلى ّ‬ ‫للمراض أ‬ ‫أقل عرضة أ‬ ‫والوبئة بسبب العناية التي يحصلون عليها‪.‬‬ ‫وربما أل ّن أمهاتهم يستطعن توفير الوقت الكافي لتحضير الوجبات‬ ‫الصحية دون االعتماد على الوجبات السريعة‪.‬‬

‫رعاية المنزل ‪-‬من ِقبل ربة البيت‪-‬‬ ‫َّ‬ ‫تتطلب أكبر مجهود فكري وأعظم‬ ‫خدمة مستدامة‪ ،‬وتستدعي القدرة‬ ‫غير المحدودة على ُّ‬ ‫تحمل األعباء إلى‬ ‫درجة تصل إلى العبقرية‬

‫أهمية الرضاعة‬

‫ومما زاد من مستوى الوعي بأهمية الرعاية المالئمة أ‬ ‫للطفال هي‬ ‫لتشدد على أهمية‬ ‫الحمالت المكثفة التي أخذت تنظِّم مؤخراً ّ‬ ‫أ‬ ‫حد سواء‪ .‬فهناك‬ ‫الرضاعة الطبيعية بالنسبة للم والطفل على ّ‬ ‫أ‬ ‫أن الرضاعة الطبيعية تحمي‬ ‫عديد من البحاث التي أكدت على ّ‬ ‫أ‬ ‫الم وطفلها من أمراض مختلفة وتزيد المناعة لدى الطفل وتولِّد‬ ‫رابطاً عاطفياً بينهما يبقى أثره على مدى الحياة‪ .‬وتقول دراسة نشرت‬ ‫المريكية لطب أ‬ ‫في مجلة «الجمعية الطبية أ‬ ‫الطفال» بوجود عالقة‬ ‫سببية بين الرضاعة في الطفولة واالستعداد لتعلم اللغة في عمر‬ ‫أن لها عالقة وثيقة بمستوى الذكاء اللفظي‬ ‫السنوات الثالث‪ .‬كما ّ‬ ‫وغير اللفظي في عمر السنوات السبع‪ .‬وتدعم هذه الدراسة أهمية‬ ‫الرضاعة دون سواها واستمرارها على أ‬ ‫القل لسنة واحدة‪.‬‬

‫صوت أعلى لربات البيوت‬

‫هكذا أصبح للنساء ربات البيوت صوت أعلى من قبل وبدأن‬ ‫يحاربن النظرة االجتماعية السيئة التي تَ ُعد أن مجرد لقب «ربة‬ ‫بيت» يشير إلى المرأة التي ال تقوم بأي عمل حقيقي يستحق‬ ‫وأن المرأة العاملة في الخارج هي التي تحقق ذاتها‬ ‫التقدير‪ّ ،‬‬ ‫يعبر‬ ‫ما‬ ‫أكثر‬ ‫ومن‬ ‫ال‪.‬‬ ‫فع‬ ‫بشكل‬ ‫االقتصادية‬ ‫الدورة‬ ‫وتسهم في‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫عن الدور الذي تقوم به ربّات البيوت هو ما قالته رئيسة الوزراء‬ ‫بأن «رعاية المنزل‬ ‫البريطانية مارغريت تاتشر في هذا الخصوص ّ‬ ‫من قبل ربة البيت‪ -‬تتطلب أكبر مجهود فكري وأعظم خدمة‬‫مستدامة‪ ،‬وتستدعي القدرة غير المحدودة على تحمل أ‬ ‫العباء‬ ‫أتحمل‬ ‫إلى درجة تصل إلى العبقرية‪ .‬فأنا شخصياً ال أستطيع أن َّ‬ ‫بالزواج أ‬ ‫النساء اللواتي يردن ترك مهمة العناية أ‬ ‫والطفال للعمالة‬ ‫المدفوعة خارج المنزل ألنهن يعتقدن بأنها أعمال تتطلب قدرات‬ ‫ذهنية أكبر»‪.‬‬

‫يقول أفالطون إن الشكل المثالي ألي أمر يبقى إلى أ‬ ‫البد وهو غير‬ ‫َّ‬ ‫قابل للتغيير‪ ،‬وإن ابتكاراتنا المادية التي تحاول إيجاد أشكال جديدة‬ ‫له هي التي تتبدل وتندثر‪ .‬وهكذا‪ ،‬أ‬ ‫فالمومة المثالية هي التي تقوم‬ ‫على الرعاية واالهتمام المستدام الذي ال يمكن أن تؤمنه سوى‬ ‫النساء ربات البيوت‪ .‬وقد يكون هذا التغير في التوجهات مؤشراً‬ ‫الم الطبيعي على أ‬ ‫الصول حيث دور أ‬ ‫للعودة إلى أ‬ ‫القل حتى يكبر‬ ‫أطفالها ويستقلوا بأنفسهم‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫ميدانها علم المحاسبة‬

‫ثورة القرن‬ ‫الحادي‬ ‫والعشرين‬

‫حياتنا اليوم‬

‫ثورة القرن الواحد والعشرين يقودها‬ ‫متمردون من نوع آخر‪ ،‬أال وهم خبراء‬ ‫المحاسبة‪ .‬بفعل عاملين أساسيين‪،‬‬ ‫هما‪ :‬األزمة المالية العالمية في عام‬ ‫‪2008‬م‪ ،‬واألزمة البيئية المتفاقمة‪.‬‬ ‫وهذه الثورة هي ذات أبعاد مهمة‬ ‫قد ُتغيِّ ر طريقة التعامالت في‬ ‫ِّ‬ ‫ستبدل طبيعة‬ ‫عالم األعمال كما‬ ‫الرأسمالية بحد ذاتها‪.‬‬


‫‪51 | 50‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫من المؤكد أن حسابات الدول‬ ‫والمؤسسات حيوية جداً‬ ‫لالقتصاد العالمي‪ ،‬حيث‬ ‫تترجم القيمة إلى اللغة‬ ‫الرائجة في العصر الحالي‪ ،‬أال‬ ‫وهي لغة أ‬ ‫الرقام والمال في شكل الناتج المحلي‬ ‫الجمالي وحجم أ‬ ‫الرباح‪ .‬فهي التي تحكم‬ ‫إ‬ ‫العالم‪ .‬ولكن تكلفة هذا النظام الذي تتم على‬ ‫أساسه هذه الحسابات أصبحت واضحة بشكل‬ ‫تحمل تبعاتها‪.‬‬ ‫متزايد‪ ،‬وصار من الصعوبة بمكان ُّ‬ ‫وقد استدعى ذلك قيام نوع من الثورة في‬ ‫أنظمة المحاسبة في محاولة لتخفيف أ‬ ‫الضرار‪.‬‬ ‫ومن أبرز مميزات هذه الثورة أنّها أحدثت تقارباً‬ ‫بين عالمين مختلفين تماماً‪ .‬فقبل حوالي ربع‬ ‫قرن كان المتخصصون في علم المحاسبة‬ ‫وعلماء أ‬ ‫النثروبولوجيا وكأنهم ينتمون إلى‬ ‫فضاءين مختلفين‪ ،‬حيث يتميز الذين ينتمون إلى‬ ‫الول بالعقالنية واالهتمام أ‬ ‫الفريق أ‬ ‫بالرقام دون‬ ‫غيرها‪ ،‬بينما ينكب اهتمام الفريق الثاني على‬ ‫أ‬ ‫المور غير الملموسة كالقضايا البيئية والرعاية‬ ‫االجتماعية وغيرها‪.‬‬

‫القضية على المحك هنا هي كيف نص ِّنف العالم؟‬ ‫تقليدياً‪ ،‬كان االفتراض السائد أن ما يقوم به‬ ‫أخصائيو المحاسبة هو قياس بنود لها قيمة‬ ‫محسوسة واضحة وهم جالسون في مؤسسات‬ ‫معينة ومساحات جغرافية محددة‪ ،‬مثل تحديد قيمة‬ ‫البضائع المخزنة في المستودعات ورواتب الموظفين‬ ‫والمبالغ النقدية وما إلى ذلك‪ .‬هذا ما كان يبدو‬ ‫عليه االقتصاد والرأسمالية في وقت كان يُعد فيه‬ ‫خبراء المحاسبة أن ما يهتم به علماء أ‬ ‫النثروبولوجيا‬ ‫ّ‬ ‫النسانية والثقة‬ ‫مثل استدامة البيئة والعالقات إ‬ ‫االجتماعية أمور غير محسوسة وال يمكن قياسها‬ ‫وبالتالي عليهم تجاهلها‪.‬‬

‫المحاسبة التقليدية إلى زوال؟‬

‫جاءت الممارسات الحديثة في علم المحاسبة‪،‬‬ ‫التي نعدها من المسلَّمات‪ ،‬نتيجة الثورة الصناعية‬ ‫التي قامت في أوروبا في القرن الثامن عشر‪.‬‬ ‫أن نظام إدارة الحسابات على طريقة القيد‬ ‫َّإل ّ‬ ‫المزدوج كان أول ما ظهر في القرن الخامس عشر‬ ‫في البندقية‪ ،‬ومن ثم بدأ باالزدهار والرواج بشكل‬ ‫ظاهر عندما أبدت المؤسسات المختلفة حاجة‬

‫من أبرز مميزات هذه الثورة‬ ‫ً‬ ‫تقاربا بين عالمين‬ ‫ّانها أحدثت‬ ‫ً‬ ‫تماما‪ .‬فقبل حوالي‬ ‫مختلفين‬ ‫ربع قرن كان المتخصصون‬ ‫في علم المحاسبة وعلماء‬ ‫األنثروبولوجيا وكأنهم ينتمون‬ ‫إلى فضاءين مختلفين‬


‫النتاج على‬ ‫لقياس عملياتها المعقَّدة عندما بدأت إ‬ ‫نطاق واسع‪.‬‬ ‫فعالية‬ ‫أظهرت إدارة الحسابات بالقيد المزدوج ّ‬ ‫مناسبة للعصر الصناعي ولك ّنها غير مالئمة بطريقة‬ ‫يسجل نظام‬ ‫كافية للعصر الرقمي الحالي‪ .‬إذ ال ِّ‬ ‫الحسابات التقليدي قيمة أ‬ ‫الصول غير الملموسة‬ ‫التي تحرك النمو الحديث مثل أ‬ ‫الفكار وشبكات‬ ‫ِّ‬ ‫النسانية على سبيل المثال‪.‬‬ ‫التواصل والعالقات إ‬ ‫وال يقيس التكاليف التي تتجاوز الحدود أو العوامل‬ ‫الخارجية‪ ،‬كما يسميها علماء االقتصاد‪ ،‬مثل خسارة‬ ‫المياه النقية والمجتمعات المستدامة والتربة‬ ‫الخصبة والمناخ الصحي‪.‬‬ ‫يغير أخصائيو المحاسبة نظرتهم‬ ‫هناك حاجة لكي ّ‬ ‫إلى تعريف رأس المال‪ ،‬من خالل توسيع فكرة رأس‬ ‫المال النقدي ليشمل أنواعاً جديدة من الثروة مثل‬ ‫الثروة الفكرية والبشرية واالجتماعية والطبيعية‪.‬‬ ‫وهذه الثروات هي التي أشارت إليها بالتحديد جين‬ ‫غليسون وايت في كتابها «رؤوس أ‬ ‫الموال الستة أو‬ ‫أ‬ ‫هل يمكن لخبراء المحاسبة إنقاذ الكرة الرضية؟»‪.‬‬ ‫ويبدو أن الطريقة الوحيدة لمواجهة أ‬ ‫الزمات التي‬ ‫ّ‬ ‫نعيشها في الوقت الحالي هي إدخال أنواع رؤوس‬ ‫أ‬ ‫الموال الجديدة على أنظمة المحاسبة المعتمدة‪.‬‬ ‫وهناك بالفعل خبراء محاسبة بدأوا يقومون بذلك‪.‬‬ ‫على سبيل المثال هناك شركات مثل شركة «بوما»‬ ‫للمنتجات أ‬ ‫واللبسة الرياضية وشركة «يونيليفر»‬ ‫للمنتجات الغذائية وأدوات التنظيف بدأتا تأخذان‬ ‫بالضافة‬ ‫في الحسبان بصماتهما االجتماعية والبيئية إ‬ ‫إلى المقاييس المالية االعتيادية‪.‬‬

‫التكلفة الحقيقية مثال ً‬

‫منذ بضع سنوات حاولت مجموعة من الباحثين في‬ ‫الهند قياس التكلفة الفعلية لقطعة همبرغر تباع‬ ‫بسعر ‪ 4‬دوالرات‪ ،‬مثل خسارة الغابات المطيرة‬ ‫اليكولوجية التي توفرها تلك الغابات‬ ‫والنظم إ‬

‫وخسارة أ‬ ‫الوكسجين والتنوع البيولوجي‪ ...‬إلى ما‬ ‫أن سعر قطعة الهمبرغر‬ ‫هنالك‪ .‬وكان استنتاجهم ّ‬ ‫بتكلفتها الفعلية يجب أن يكون أقرب إلى ‪ 200‬دوالر‪.‬‬ ‫وكانت بعض الحكومات قد بدأت تختبر أفكاراً‬ ‫مشابهة‪ .‬ففي عام ‪2011‬م أطلقت «الهيئة العالمية‬ ‫للتقارير المتكاملة» مبادرة تهدف إلى دمج تقرير رأس‬ ‫المال الطبيعي في حسابات القطاع الخاص‪ ،‬ولجعل‬ ‫رأس المال الطبيعي جزءاً من صنع القرار في قطاع‬ ‫أ‬ ‫العمال في ‪2020‬م‪ .‬وكان من أبرز المستجيبين لتلك‬ ‫المبادرة «البنك الوطني في أستراليا»‪ ،‬وهو أكبر‬ ‫مصرف في أستراليا للتسليف الزراعي‪ ،‬حيث أعلن‬ ‫تغيير سياساته ليبدأ أ‬ ‫الخذ بعين االعتبار استدامة‬ ‫الممارسات الزراعية‪ ،‬مما يعني بأن المزارعين الذين‬ ‫يعتمدون أ‬ ‫الساليب الزراعية التي تحافظ على‬ ‫البيئة يحصلون على تسهيالت ائتمانية أفضل‪ .‬هذا‬ ‫بالضافة إلى أربعين مؤسسة أخرى مثل «بنك الصين‬ ‫إ‬ ‫للتجار» و«بنك ستاندرد تشارترد» اللذين اعترفا‬ ‫َّ‬ ‫بأهمية رأس المال الطبيعي في االقتصاد العالمي‪،‬‬ ‫وبأن أخذه بعين االعتبار يوفر مليارات الدوالرات من‬ ‫أ‬ ‫قدر‬ ‫الخشاب والمياه والطاقة‪ .‬كما أنه في ‪2007‬م ّ‬ ‫يقدمها‬ ‫«مكتب التوثيق الوطني» قيمة الخدمات التي ّ‬ ‫النحل إلى االقتصاد البريطاني بـ ‪ 200‬مليون جنيه‬ ‫إسترليني‪ .‬أما قيمة البيع بالتجزئة لما يتم تلقيحه من‬ ‫قدر بمليار جنيه إسترليني‪.‬‬ ‫ِق َبل النحل فقد ِّ‬ ‫وقد يتعجب البعض من هذه التقديرات غير‬ ‫المألوفة‪ ،‬وقد يعد المهتمون بالبيئة بأنه ألمر غير‬ ‫مقبول أن نضع ثمناً على الطبيعة‪ .‬فالنحل‪ ،‬مثالً‪،‬‬ ‫له قيمة كبيرة وليس فقط من الناحية المادية‪ .‬ومن‬ ‫ناحية أخرى هناك عديد من المصرفيين ومديري‬ ‫االستثمار الذين ال يتقبلون مبدأ اهتمام الشركات‬ ‫بأمور غير المستثمرين ويخشون أن يكون أ‬ ‫المر‬ ‫مشتتاً‪ .‬كما أن هناك عديداً من الشركات التي تدعي‬ ‫المسؤولية االجتماعية والبيئية ويكون في ذلك كثير‬ ‫من عدم الصدق وتحريف الحقائق‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬فمن المفيد أن نأخذ كل هذه أ‬ ‫الفكار‬ ‫الجد؛ ألنّها تجعلنا نفكّر‬ ‫الجديدة على محمل ّ‬ ‫بالطريقة التي نقيس بها العالم ونص ّنفه‪ .‬وقد يبدو‬ ‫ذلك صعباً ألن أ‬ ‫النظمة التي نتعامل معها متجذِّ رة‬ ‫بطريقة عميقة‪ ،‬ولذلك فهي صعبة التغيير‪ .‬ومعظمنا‬ ‫يجد أنه من الطبيعي أن يفصل خبراء المحاسبة‬ ‫التعامالت االقتصادية البحتة عن العوامل أ‬ ‫الخرى‪.‬‬ ‫وإنما في الحقيقة‪ ،‬وكما أشار المفكّر الفرنسي‬ ‫بأن فكرة عزل‬ ‫مارسيل موس قبل حوالي قرن مضى‪ّ ،‬‬ ‫التعامالت االقتصادية عن إطارها أ‬ ‫الوسع‪ ،‬فكرة «غير‬ ‫طبيعية» بالنسبة لمعظم الثقافات عبر التاريخ‪.‬‬ ‫فعلى العكس من ذلك‪ ،‬في معظم المجتمعات‬ ‫تخيل التعامالت االقتصادية دون‬ ‫المختلفة يصعب ّ‬ ‫روابط اجتماعية وبيئية وطبيعية وغيرها‪.‬‬ ‫والسؤال الذي يجدر طرحه هنا‪ :‬إذا ما أراد أي‬ ‫شخص أو جهة ما تصميم نظام جديد لقياس‬ ‫وتصنيف العالم في عصر العولمة‪ ،‬هل سيبدو عليه‬ ‫مثلما هو النظام الحالي القائم؟‬ ‫من المؤكد أن يكون الجواب بالنفي‪ .‬لذلك حان‬ ‫الوقت لكي نفكر ببديل جديد‪ ،‬وربما التواصل وتبادل‬ ‫والراء مع علماء البيئة أ‬ ‫الفكار آ‬ ‫أ‬ ‫والنثروبولوجيا‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪53 | 52‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫تخصص جديد‬

‫تصميم‬ ‫التطبيقات‬ ‫‪Apps Design‬‬

‫تستمر تكنولوجيا المعلومات أكثر‬ ‫القطاعات نمواً في االقتصاد العالمي على‬ ‫الطالق‪ ،‬ومن المتوقع أن يزداد الطلب‬ ‫إ‬ ‫على محللي أنظمة الكمبيوتر ذوي المهارات‬ ‫العالية بنحو ‪ %25‬في ‪2022‬م‪ ،‬وذلك‬ ‫وفق مكتب إحصاءات العمل أ‬ ‫المريكي‪ .‬ومع وجود مزيد‬ ‫من المؤسسات التي تعتمد على أ‬ ‫الجهزة المحمولة لتسيير‬ ‫أ‬ ‫أعمالها أصبحت هناك حاجة متزايدة لخصائيين في أنظمة‬ ‫المعلوماتية من أجل تصميم تطبيقات سهلة االستخدام‬ ‫يمكنها أن تعمل في مجاالت عملية متعددة‪.‬‬

‫بالضافة إلى برمجة الكمبيوتر‬ ‫أما المقررات المطلوبة فتشمل إ‬ ‫اللكتروني‬ ‫اللكترونية والتفاعل البشري إ‬ ‫وتطوير التطبيقات إ‬ ‫وتصميم هندسة المعلومات‪ ،‬بعض المقررات االختيارية في‬ ‫النسانية المختلفة ومشروع التخرج النهائي‬ ‫مجاالت العلوم إ‬ ‫المعتمد على تطبيق عملي ممكن االستخدام‪.‬‬

‫أ‬ ‫اللكترونية في‬ ‫يهتم هذا التخصص بدور مصمم النظمة إ‬ ‫اللكترونية وتطويرها لتصل إلى الجمهور‬ ‫تطوير التطبيقات إ‬ ‫المستهدف وتحسين تجربة المستخدمين‪ .‬وفي صلب هذا‬

‫لمزيد من المعلومات‪:‬‬ ‫‪http://catalog.waldenu.edu/preview_program.‬‬ ‫‪php?catoid=71&poid=16734‬‬

‫التخصص‪ ،‬الذي يحصل فيه الطالب على شهادة البكالوريوس‬ ‫النترنت وقواعد‬ ‫في علوم الكمبيوتر‪ ،‬تعليم أساسي في إ‬ ‫البيانات‪ ،‬وأنظمة التشغيل‪ ،‬وأمن الكمبيوتر‪ ،‬وإدارة المشاريع‬ ‫ونظريات تكنولوجيا المعلومات‪.‬‬


‫عبود عطية‬

‫إطاللة على التاريخ من‬ ‫بوابته الجديدة‬

‫حي البجيري‬

‫في الدرعية التاريخية‬

‫عين وعدسة‬

‫حتى األمس القريب‪ ،‬لم يكن اسم البجيري‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جيدا على تاريخ‬ ‫كثيرا لغير المطلعين‬ ‫يعني‬ ‫المملكة‪ .‬أما اليوم‪ ،‬وبعد اكتمال تطوير‬ ‫ً‬ ‫واحدا من‬ ‫هذا الحي‪ ،‬فقد أصبح اسمه‬ ‫أبرز اإلضافات العمرانية الحديثة لمنطقة‬ ‫الرياض‪ ،‬وهي إضافة ذات وظائف متعددة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تحية لدور‬ ‫غير أنها تبقى بحقيقتها وعمقها‬ ‫هذا الحي في تأسيس المملكة‪ ،‬وتحية‬ ‫موازية لفن العمارة النجدية الخالصة‪.‬‬


‫‪55 | 54‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫المباني الطينية في حي البجيري‬

‫وكأن سكان مدينة الرياض كانوا‬ ‫َّ‬ ‫في انتظار افتتاح هذا الحي‪،‬‬ ‫فبدأوا بالتدفق عليه غداة افتتاحه‪،‬‬ ‫كمتنزه جديد يضاف إلى متنزهات‬ ‫العاصمة‪ .‬ويبلغ هذا التدفق ذروته خالل العطلة‬ ‫السبوعية‪ ،‬حين يصبح البجيري مقصداً آ‬ ‫أ‬ ‫للالف الذين‬ ‫يرون في حدائقه وميدانه ومصطباته الخضراء‪ ،‬متنزهاً‬ ‫أنيقاً يوفر لهم كل ما يمكن أن يتطلبه تمضية يوم كامل‬ ‫هناك‪ .‬وفي هذا ما يؤكد نجاح واحدة من الوظائف‬ ‫المتوخاة من تطوير هذا الحي‪ ..‬واحدة فقط‪ ،‬ألن‬ ‫هذا الحي هو أكثر بكثير من كونه مجرد متنزه‪ .‬فمن‬ ‫بين أ‬ ‫البنية الحجرية والطينية الجديدة ومن الحدائق‬ ‫والمصطبات التي تنحدر صوب مجرى وادي حنيفة‪،‬‬ ‫يطل المتنزه على أطالل وقصور حي الطُريف القائم‬ ‫فوق مرتفع على الضفة المقابلة من الوادي‪ .‬ومن تأرجح‬ ‫النظر بين هنا وهناك تبدأ رحلة الوجدان إلى التاريخ‪.‬‬ ‫تاريخ البجيري والطُريف اللذان تالحما ذات يوم من‬ ‫عام ‪1744‬م‪ ،‬فسلك التاريخ منعطفاً أدى إلى قيام‬ ‫الدولة السعودية أ‬ ‫الولى‪ ،‬وصاغ هوية المملكة الحديثة‪.‬‬

‫الصالحية‬ ‫قلب الدعوة إ‬

‫خالل القرن الثامن عشر‪ ،‬كان البجيري‪ ،‬وهو جزء من‬ ‫حي السهل‪ ،‬بساتين تتبعثر في أرجائها بعض البيوت‬ ‫الصغيرة آ‬ ‫والبار‪ ،‬مقابل حي الطُريف العامر بالقصور‬ ‫والمسور جيداً‪ .‬غير أنه كان مقدراً‬ ‫والدور الكبيرة‬ ‫ّ‬ ‫يتحول إلى أكبر مركز للعلوم الدينية‬ ‫لهذا الحي أن َّ‬ ‫في الجزيرة العربية‪ ،‬عندما قصده ذات يوم رجل‬ ‫وصله مشياً على قدميه ال يحمل معه إال مروحة يدرأ‬

‫خارطة الحي‬


‫بتأرجح النظر ما بين حي‬ ‫المجدد وأطالل‬ ‫َّ‬ ‫البجيري‬ ‫الطريف المهيبة التي تسد‬ ‫ُ‬ ‫األفق‪ ،‬تتأرجح االنفعاالت‬ ‫وتبدأ رحلة الوجدان إلى‬ ‫التاريخ‬

‫حر الظهيرة‪ ،‬أال وهو الشيخ محمد ابن‬ ‫بها عن نفسه ّ‬ ‫عبدالوهاب‪ ،‬مطلق الدعوة إالصالحية الهادفة إلى‬ ‫تنقية إالسالم مما علق به بمرور الزمن من ممارسات‬ ‫شركية‪ .‬هذه الدعوة التي جوبهت بالعداء في أماكن‬ ‫كثيرة‪ ،‬كان آخرها‪ ،‬بلدة العيينة مسقط رأس الشيخ‬ ‫معمر‬ ‫نفسه‪ ،‬حين طلب منه حاكمها عثمان بن ّ‬ ‫مغادرتها إثر تهديد حاكم أ‬ ‫الحساء له بقطع المعونة‬ ‫المقررة له‪ .‬فاختار الشيخ الدرعية مقصداً لتعاظم‬ ‫نفوذها بين المدن والبلدات النجدية‪.‬‬ ‫استقر الشيخ في البجيري‪ ،‬ووجدت دعوته آذاناً‬ ‫صاغية وكثيراً من المؤيدين لها في الدرعية‪ .‬فقصده‬ ‫ذات يوم من عام ‪1744‬م‪ ،‬أميرها محمد بن سعود‪،‬‬ ‫الستطالع حقيقة الدعوة‪ ،‬وكان اللقاء بين الرجلين‬ ‫تاريخياً‪ .‬فتبايع أ‬ ‫المير والشيخ على دعم الدعوة‬ ‫أ‬ ‫وتأييدها‪ .‬وبذلك أُسست الدولة السعودية الولى‪،‬‬ ‫وبدأت الدعوة إالصالحية باالنتشار انطالقاً من‬ ‫عمت معظم أرجاء الجزيرة‬ ‫الدرعية وما حولها‪ ،‬حتى ّ‬ ‫والسالمي‪.‬‬ ‫العربية وبعض مناطق العالم العربي إ‬ ‫وبموازاة تعاظم النفوذ السياسي للدولة السعودية‬ ‫أ‬ ‫الولى وعاصمتها الدرعية‪ ،‬تعاظمت مكانة البجيري‬ ‫كأكبر مركز للعلوم الدينية في الجزيرة العربية‪ .‬واستمر‬ ‫الوضع على هذه الحال حتى نهاية الدولة السعودية‬ ‫أ‬ ‫المروع الذي ُد ِّمرت به‬ ‫الولى وتدمير الدرعية بالشكل ّ‬ ‫عام ‪1818‬م‪ ،‬في الحملة التي قادها إبراهيم باشا على‬ ‫نجد‪ .‬ولم يُكتب النجاح لمحاوالت النهوض بالدرعية‬ ‫التي جرت بعد انسحاب إبراهيم باشا منها‪ ،‬إذ كانت‬ ‫الدرعية هدفاً لحملة أخرى بقيادة حسين بك‪ ،‬الذي‬ ‫أمر في مارس ‪1821‬م بإخالء الدرعية ممن تبقى من‬ ‫سكانها‪ .‬ومن رفض أ‬ ‫المر نُقل إلى معسكر اعتقال‬ ‫ودمر الغزاة ما كان قد تبقى من الطُريف‬ ‫في ثرمداء‪َّ .‬‬ ‫وعم حرق‬ ‫والبجيري وما حاول البعض إعادة بنائه‪ّ ،‬‬ ‫البيوت والكتب وقطع أ‬ ‫الشجار بشكل جماعي‪ ..‬وتُركت‬ ‫العاصمة التي كانت حاضرة مزدهرة لتواجه االضمحالل‬ ‫البطيء‪ .‬وعلى مدى قرن ونصف القرن تقريباً لم تكن‬ ‫خرائبها تجذب غير الباحثين عن مواد البناء‪...‬‬

‫مئذنة مسجد الشيخ محمد بن عبدالوهاب بعد التطوير‬

‫جانب من حي الطُريف كما يبدو من البجيري‬

‫العودة إلى الضوء‬

‫في أواسط القرن العشرين عادت أ‬ ‫النظار لتتجه‬ ‫صوب الدرعية وأطاللها‪ ،‬فجرت محاوالت‬ ‫متواضعة لترميم الطُريف‪ .‬وفي عام ‪1974‬م‪،‬‬ ‫بدأت وكالة آ‬ ‫الثار والمتاحف تخطِّط للحفاظ على‬ ‫بقايا الدرعية‪ .‬وفي عام ‪1998‬م صدرت الموافقة‬ ‫الملكية على برنامج تطوير الدرعية التاريخية‬ ‫تحت إشراف الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض‪.‬‬ ‫فانطلق مشروع الترميم الكبير للمحافظة على‬ ‫التراث التاريخي لموقع الدرعية‪ ،‬وتحويل المنطقة‬ ‫إلى مقصد للسياحة الثقافية والتاريخية‪ .‬وتولت‬ ‫الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض مسؤولية‬ ‫إعداد الدراسات والتخطيط والتصميم والتنفيذ‬ ‫بالتنسيق مع الجهات المعنية‪ ،‬وهي‪ :‬الهيئة‬ ‫العامة للسياحة آ‬ ‫والثار ودارة الملك عبدالعزيز‬ ‫ومحافظة الدرعية وبلديتها‪.‬‬ ‫وبموازاة أعمال التطوير والترميم القائمة على قدم‬ ‫وساق في حي الطُريف والمستمرة حتى اليوم‪،‬‬ ‫انطلقت أعمال تطوير البجيري في عام ‪2005‬م‬ ‫وانتهت بافتتاحه في شهر أبريل من العام الجاري‪.‬‬

‫كان الهدف الرئيس من تطوير البجيري هو إنشاء مركز‬ ‫أ‬ ‫السالمي الذي قامت عليه الدولة‬ ‫يعكس الساس إ‬ ‫السعودية الحديثة‪ ،‬وصرح يوفِّر المناخ الالزم للتأمل‬ ‫في واحد من مكونات تاريخ المملكة‪ ،‬ومركز لجمع‬ ‫الوثائق وإجراء الدراسات‪ .‬وأكد تصميم المشروع‬ ‫على إنشاء فضاء عام في البجيري يكون أشبه بمدخل‬ ‫أو بوابة ثقافية لحي الطُريف الذي يبعد عنه نحو‬ ‫مئتي متر تقريباً‪ ،‬وأن يتضمن حدائق وساحة عامة‬ ‫وممرات ومرافق إضافة إلى نواته أ‬ ‫الساسية المتمثلة‬ ‫في مسجدين ومؤسسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب‪،‬‬ ‫وذلك إليجاد منطقة يمكن لزائرها أن يتلمس ويختبر‬ ‫شيئاً من شخصية البجيري كمركز ثقافي وترويحي‪،‬‬ ‫وتقدير قيمة اتصاله بالطُريف‪.‬‬

‫الطريق إلى البجيري‬

‫ثمة ما هو غامض على الطريق من الرياض الحديثة‬ ‫ويحضر مزاج الزائر للوصول إلى مكان‬ ‫إلى البجيري‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مختلف عن المألوف في العاصمة الحديثة ذات‬ ‫العمران المنتمي إلى عصر الفضاء‪ .‬أهو في السارية‬ ‫المهيبة التي ترتفع مئة متر في ميدان الملك سلمان‬ ‫وترفرف في أعالها الراية السعودية‪ ،‬أم في أ‬ ‫البراج‬


‫المعمار الجديد في‬ ‫البجيري يؤكد قابلية‬ ‫العمارة التقليدية لالنفتاح‬ ‫على أحدث أشكال العمارة‬ ‫والتصميم في العالم‪،‬‬ ‫وأن الجمال واألناقة‬ ‫ال يشترطان كثرة في‬ ‫الزخارف‪..‬‬

‫‪57 | 56‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫مسجد الظويهرة بعد الترميم‬

‫الدفاعية التي تطل من خلف الراية عند السور‬ ‫الخارجي الذي كان يلف الطُريف والبجيري معاً‪ ،‬أم‬ ‫هو في الطرق التي تضيق وتتلوى قليال ً بشكل مختلف‬ ‫عن الشوارع الكبيرة والطرقات السريعة في الرياض‪،‬‬ ‫فتهمس لك بأنك على الطريق إلى مكان أكثر حميمية‬ ‫ودفئاً؟ ربما كان الجواب في كل ذلك دفعة واحدة‪.‬‬ ‫وبالوصول إلى أي من مداخل البجيري‪ ،‬يشعر المرء‬ ‫أنه في مكان تم تطويره وفق مقاربة فائقة الحساسية‬ ‫لكي يؤدي الغرض أو أ‬ ‫الغراض المتوخاة منه على‬ ‫أفضل وجه‪ ،‬خاصة أن الموقع يندرج ضمن منطقة‬ ‫حمى حي الطُريف الذي أدرجته اليونيسكو في عام‬ ‫‪2010‬م على قائمة مواقع التراث العالمي‪ .‬فهنا‪،‬‬ ‫بخالف الطُريف‪ ،‬ثمة هامش ولو محدود من حرية‬ ‫التصميم والتصرف والبناء‪ ،‬هامش أحسن المصممون‬ ‫االستفادة منه بحذر ودراية لتأتي عملية التطوير هذه‬ ‫متناغمة جماال ً وروحاً مع الطُريف المقابل‪ ،‬وسداً‬ ‫يوقف زحف عمران المدينة الحديثة في هذا االتجاه‪.‬‬

‫إعادة إعماره‬ ‫بين المشاهدة والتأمل‬

‫مسجد الظويهرة قبل الترميم‬

‫أ‬ ‫الربعة والنافذة المستطيلة جداً التي حادت عن‬ ‫منتصف جدار المئذنة‪ ..‬وبإضافة القليل من العناصر‬ ‫المعمارية غير التقليدية مثل الزجاج والفوالذ في‬ ‫بعض المواضع‪ ،‬يؤكد تصميم هذا المبنى قابلية‬ ‫العمارة التقليدية لالنفتاح على أحدث أشكال فنون‬ ‫العمارة والتصميم في العالم‪.‬‬

‫بنيت مؤسسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب حول‬ ‫المسجد الذي يحمل اسمه‪ .‬وكان المسجد أ‬ ‫الصلي‬ ‫الذي بني على عهد الشيخ قد تهدم وأعيد بناؤه في‬ ‫أواسط القرن العشرين‪ ،‬ثم أعيد بناؤه للمرة الثانية‬ ‫عام ‪1998‬م‪ .‬ويتألف مبنى المؤسسة من أربعة‬ ‫مكعبات من الحجر الجيري المحلي‪ .‬وتبدو جدرانها‬ ‫الخارجية الخالية من أي زخارف‪ ،‬والمائلة لجهة الغرب‬ ‫ جهة القبلة ‪ -‬وكأنها تنزلق إلى ما تحت أ‬‫الرض‪.‬‬

‫وعلى مقربة من المؤسسة التي شيدت لتكون مركز ًا‬ ‫متكامال أ‬ ‫للبحاث والدراسات‪ ،‬يقوم مسجد الظويهرة‬ ‫ً‬ ‫المبني بالطوب الطيني والمرمم جيداً كشاهد أصيل‬ ‫على ما كان عليه المسجد النجدي التقليدي‪ .‬ويقع هذا‬ ‫المسجد عند الساحة المركزية‪ ،‬حيث تم إنشاء عدد‬ ‫من المباني وفق الطراز النجدي الخالص فيما يكاد‬ ‫يكون احتفا ًء بمهارات الب َّنائين القدامى وتحية لهم‪.‬‬

‫ومن القاعة التذكارية الواقعة تحت مستوى سطح‬ ‫أ‬ ‫الرض في المؤسسة‪ ،‬يمكن رؤية السماء من خالل‬ ‫مئذنة المسجد المميزة بميالن واحد من جدرانها‬

‫فقد تم تشييد كل هذه المباني بالطين على تعدد‬ ‫تقنيات استخدام الطين في البناء من الطين المدكوك‬ ‫إلى الطوب المجفَّف بالشمس إلى الطين اللبن‪ ،‬ومع‬

‫البناء بالطين يحضر الجص المستخرج محلياً لتلييس‬ ‫الجدران‪ ،‬وخشب الثل وسعف النخيل لبناء أ‬ ‫السقف‪.‬‬ ‫إ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وتحتضن هذه المباني التقليدية جدا عددا وفيرا من‬ ‫المقاهي والمطاعم والمتاجر ومنافذ البيع التي توفر‬ ‫للزائر مستلزمات البقاء في رحاب البجيري طوال النهار‪.‬‬ ‫وما بين الحديقة الجنوبية التي استوحت الحدائق‬ ‫أ‬ ‫الندلسية في تصميمها وتقسيمها إلى مربعات تؤطرها‬ ‫سواقي الماء‪ ،‬إلى المصطبات التي تنحدر حتى أسفل‬ ‫الوادي‪ ،‬يمكن للزائر أن يتمشى أو أن يجلس‪ ،‬أن يستمر‬ ‫في تفحص ما يراه أو أن يستذكر ما شهده هذا المكان‬ ‫قبل قرنين أو ثالثة قرون من الزمن‪ .‬ففي المعمار‬ ‫الجديد القائم في البجيري‪ ،‬يمكنه أن يرى ما يؤكد أن‬ ‫نقاء الخطوط والمالمح يمكنه أن يكون في غاية أ‬ ‫الناقة‪،‬‬ ‫وأن كثرة الزخارف ليست شرطاً من شروط الجمال‪.‬‬ ‫أما أطالل الطُريف المهيبة التي تبقى تشد أ‬ ‫البصار إليها‬ ‫من أينما كان في البجيري‪ ،‬فتهمس بخطاب يتجاوز فن‬


‫البجيري قلب الدعوة‬

‫العمارة‪ ،‬لتحرك في الذاكرة والمخيلة ما كان عليه هذا‬ ‫المكان قبل قرنين ونصف القرن من الزمن‪ .‬وما سبق له‬ ‫أن شهده من آمال وطموحات ونجاحات وما أعقب ذلك‬ ‫ومآس وأحزان‪ .‬ولكن ما إن تعود العين إلى‬ ‫من خيبات ٍ‬ ‫التطلع إلى ما حولها في البجيري الذي استعاد زهواً يشبه‬ ‫تتبدد ضوضاء الصور المتزاحمة‬ ‫زهوه القديم‪ ،‬حتى َّ‬ ‫في الذهن لتستقر على الشعور بالثقة في الحاضر وفي‬ ‫الغد‪ .‬إنه مزيج من االنفعاالت المتعددة التي يصعب‬ ‫اختبار ما يشبهها في مكان آخر غير البجيري‪.‬‬

‫تضمن بدوره أربعة‬ ‫أما القسم الثاني الذي َّ‬ ‫فصول أيضاً‪ ،‬فقد ُخ ِّصص للحديث عن‬ ‫مشروع تطوير البجيري ومكوناته‪ ،‬وفن العمارة‬ ‫النجدية التقليدية ومواد البناء المستخدمة فيها‬ ‫وتطبيقاتها في هذا المشروع‪.‬‬

‫صور الموضوع‪ :‬محمد وعبدهللا السياري‬

‫تنحدر من البجيري إلى مجرى الوادي‬ ‫المصطبات التي َّ‬

‫بمناسبة االحتفال بتدشين حي البجيري في شهر‬ ‫أبريل الماضي‪ ،‬أصدرت الهيئة العليا لتطوير مدينة‬ ‫الرياض كتاباً بعنوان «البجيري ‪ -‬قلب الدعوة»‬ ‫يستعرض قصة هذا الحي ويحتفي بمكانته كبوابة‬ ‫للدرعية التاريخية وبدوره في تأسيس المملكة‬ ‫من خالل السرد والتواريخ والخرائط والصور‬ ‫الفوتوغرافية القديمة والجديدة‪..‬‬ ‫الكتاب أ‬ ‫النيق الذي يقع في ‪ 127‬صفحة من‬ ‫إعداد الكاتب البريطاني بيتر هاريغان‪ ،‬راجعته‬ ‫دارة الملك عبدالعزيز‪ ،‬وهو يتألف من قسمين‪:‬‬ ‫فقد جاء القسم أ‬ ‫الول تحت عنوان «الجذور»‪،‬‬ ‫وتضمن أربعة فصول تروي تاريخ الدرعية انطالقاً‬ ‫من التاريخ الغابر لوادي حنيفة‪ ،‬وصوال ً إلى نهاية‬ ‫الدولة السعودية أ‬ ‫الولى‪ ،‬مع التوقف بشيء من‬ ‫التفصيل أمام دور حي البجيري في قيام الدولة‬ ‫بصفته مقر الشيخ محمد بن عبدالوهاب ودعوته‬ ‫الصالحية‪.‬‬ ‫إ‬


‫‪59 | 58‬‬

‫فكرة‬

‫رمل‬ ‫وماء‬ ‫طعام‬ ‫وعاءان داخل بعضهما‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫ما هو أ‬ ‫المر الجديد ف� استخدام أوعية ت‬ ‫«ال�اكوتا» أو ي ن‬ ‫الط� النضيج؟‬ ‫ف ي‬ ‫ال ش�ء وكل ش�ء � الوقت نفسه‪ .‬لقد تم العثور عىل أقدم ي ن‬ ‫الط�‬ ‫ي ي‬ ‫ي‬ ‫المعروف‪ ،‬ف‬ ‫نيج�يا‪ ،‬ولكن ما يبعث الجانب العرصي فيه‬ ‫�‬ ‫فريقي‬ ‫ال‬ ‫إ‬ ‫ي ي‬ ‫ن‬ ‫اثن� منه بوضع واحد‬ ‫وعاءين‬ ‫الستخدام‬ ‫والالفت‬ ‫البسيط‬ ‫التطبيق‬ ‫هو‬ ‫ي‬ ‫داخل آ‬ ‫الخر‪.‬‬ ‫فقد استطاع محمد با أبا‪ ،‬المتحدر من عائلة معروفة بصناعة القدور‬ ‫ف‬ ‫الط� بطريقة بارعة جداً ت‬ ‫نيج�يا‪ ،‬استخدام قدور ي ن‬ ‫الخ�اع الثالجة‬ ‫ي� ي‬ ‫المعروفة بالزير‪ .‬والزير هو عبارة عن وعاءين من ي ن‬ ‫الط� بالشكل‬ ‫مختلف�‪ ،‬يوضع واحد داخل آ‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫الخر‪ .‬ومن ثم‬ ‫بحجم�‬ ‫نفسه وإنما‬ ‫ن‬ ‫يتم ملء الفراغ يب� الوعاءين بالرمل المرطب بالمياه ويوضع الطعام‬ ‫الداخل ويغطى بغطاء أو فوطة رطبة‪ .‬ومن ثم بفعل‬ ‫داخل الوعاء‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫الديناميكا الحرارية تنتقل المياه الموجودة ي� الرمل‪ ،‬بشكل طبيعي‪،‬‬ ‫يحدث انخفاضاً ف� الحرارة �ف‬ ‫إىل الوعاء الخارجي لتتبخر ف ي� الهواء مما‬ ‫ي‬ ‫ف ي‬ ‫الداخل ويساعد عىل حفظ الطعام الموجود ي� داخله‪.‬‬ ‫الوعاء‬ ‫ي‬ ‫المبدأ ليس جديداً‪ ،‬ولكن الالفت فيها هو أن محمد با أبا لم ينجح‬ ‫لع�ات آ‬ ‫ف‬ ‫حولها إىل حقيقة ش‬ ‫الالف‬ ‫فقط ي� إعادة اكتشاف الفكرة‪ .‬وإنما ّ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫من المز ي ن‬ ‫ال� ال تصلها‬ ‫ارع� الفقراء الذين يعيشون ي� القرى إ‬ ‫الفريقية ي‬

‫‪www.almaktabah.net‬‬

‫ثالجة الزير‬

‫المحل لصناعة ثالجة الزير‬ ‫النتاج‬ ‫الكهرباء‪ .‬ومن خالل إنشاء مرافق إ‬ ‫ي‬ ‫بسعر بسيط جداً‪ ،‬سمح با أبا بإطالة عمر الطعام ومنعه من الفساد‪.‬‬ ‫وعىل سبيل المثال ساعد ت‬ ‫اخ�اعه عىل حفظ الباذنجان لمدة ‪ 27‬يوماً‬ ‫بدال ً من ثالثة‪ ،‬وحفظ الطماطم والبهارات لثالثة أسابيع أو ث‬ ‫أك�‪ .‬أما‬ ‫الفريقي الذي غالباً ما يفسد بعد يوم واحد‪ ،‬فقد بقي صالحاً‬ ‫السبانخ إ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫للكل بعد ‪ 12‬يوما من حفظه ي� ثالجة الزير‪.‬‬ ‫كانت فكرة با أبا بسيطة‪ ،‬ولكنها ذات فوائد مذهلة‪ .‬حيث ساهم‬ ‫ت‬ ‫التوف� ف ي� هدر الغذاء‬ ‫اخ�اع الزير ف ي� زيادة المداخيل من خالل‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫لكث� من الفقراء ف ي� إفريقيا‪ .‬كما ُطلب من با أبا‬ ‫والتقليل من المراض ي‬ ‫اخ�اعه لحفظ حقن أ‬ ‫نسول� ض‬ ‫بعد ذلك تطوير ت‬ ‫ال ي ن‬ ‫لمر� السكري ف ي�‬ ‫المناطق الريفية النائية‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ويمكن القول إن أبهى جوانب هذا االبتكار هو ي� إظهار قدرة الفرد‬ ‫يجا� ف ي� الواقع الذي يعيش فيه‪.‬‬ ‫عىل إحداث هذا‬ ‫التغي� إ‬ ‫ي‬ ‫ال ب ي‬


‫أسامة أمين‬

‫مونتغومري‬ ‫والجاحظ‬ ‫اللغة العربية بعين‬ ‫أسكتلندية جديدة‬

‫أدب وفنون‬

‫«لماذا على العالم أن يقرأ الشعر العربي‬ ‫الكالسيكي»‪ ،‬هو عنوان محاضرة ألقاها‬ ‫في جامعة اليدن البروفيسور جيمس‬ ‫مونتغومري‪ ،‬األستاذ في جامعة كامبردج‪،‬‬ ‫بدعوة مشتركة من الجامعة الهولندية‬ ‫الشهيرة وأرامكو فيما وراء البحار‪.‬‬ ‫تحدث مونتغومري في محاضرته عن ثالث‬ ‫شخصيات كبيرة في التراث العربي‪ ،‬وهم‬ ‫الفارابي والبيروني والجاحظ‪ .‬كما قرأ بعض‬ ‫ما ترجمه من الشعر العربي إلى اإلنجليزية‪.‬‬ ‫وكان لـ «القافلة» جولة أفق مع البروفيسور‬ ‫األسكتلندي‪ ،‬تحدث فيها عن نظرته إلى‬ ‫اللغة العربية وآدابها التي أبهرته وأعطاها‬ ‫ً‬ ‫عقودا طويلة من عمره‪.‬‬


‫‪61 | 60‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫وعلى الرغم من هذه المعرفة المتعمقة بالجاحظ‪،‬‬ ‫فإنه ال يتجرأ على اعتبار نفسه صديقاً له‪ ،‬بل يتحدث‬ ‫عنه مسبوقاً بلفظ (المعلم)‪ ،‬أو (الشيخ)‪ ،‬ويرى أنه ال‬ ‫يعدو أن يكون تلميذاً أو مريداً له‪ .‬ثم يعود ليصحح‬ ‫ذلك قائالً‪« :‬إن محقق التراث والمؤرخ المصري‬ ‫عبدالسالم محمد هارون‪ ،‬الحاصل على جائزة الملك‬ ‫فيصل عام ‪1981‬م‪ ،‬والذي حقق عديداً من أعمال‬ ‫الجاحظ‪ ،‬هو الذي يستحق أن يكون مريداً أو تلميذاً‬ ‫للجاحظ‪ ،‬أما هو فيتحدث عن نفسه باعتباره تلميذاً‬ ‫ليجسد بجالء تواضع العالم‪.‬‬ ‫للتلميذ‪ِّ ،‬‬

‫ترجمة الجاحظ إلى‬ ‫العربية‬

‫ما الذي يدفع‬ ‫شخصاً من أسكتلندا‪،‬‬ ‫لكي يقضي أكثر من ثالثة‬ ‫عقود من عمره‪ ،‬في دراسة‬ ‫أ‬ ‫الديب العباسي الجاحظ‪،‬‬ ‫صاحب «كتاب الحيوان» و«البيان والتبيين»‪،‬‬ ‫و«البخالء»‪ ،‬وغيرها من المؤلفات؟‬ ‫قبل أن يرد أ‬ ‫الستاذ الجامعي البشوش دوماً‪ ،‬يتنهد‬ ‫طويال ً وكأنه يسترجع بداية هذا العمل‪ ،‬حين كان‬ ‫طالباً في جامعة غالسكو‪ ،‬ووضع أستاذه أمامه كتاب‬ ‫البخالء‪ .‬ولم تكن لغة الطالب العربية آنذاك كافية‬ ‫لفهمه‪ ،‬وبدال من أن يزيحه جانباً وينتهي أ‬ ‫المر‪ ،‬قرر‬ ‫ً‬ ‫أ‬ ‫أن يتعرف إلى السيرة الذاتية لهذا الديب‪ ،‬وعن‬ ‫سبب استخدامه لهذه اللغة‪ ،‬وأن يطالع بقية أعماله‪.‬‬ ‫ولكنه عندما بدأ القراءة‪ ،‬لم يستطع أن يتوقف‪.‬‬ ‫وبعد مرور ‪ 33‬عاماً على هذه الحادثة‪ ،‬يقول إنه‬ ‫ما زال يأمل أن يزداد فهمه لهذه اللغة وآدابها‪.‬‬ ‫وعندما تسأله عما إذا كان هناك من يعرف الجاحظ‬ ‫أفضل منه بين العلماء الغربيين‪ ،‬يقول أ‬ ‫بالسلوب‬ ‫الساخر المعهود عن البريطانيين‪ ،‬إنه ال يوجد أحمق‬ ‫آخر يقضي كل هذا الوقت في دراسة أ‬ ‫الديب نفسه‪.‬‬ ‫ويرى أن كل إنسان يقرأ الجاحظ يحبه‪ ،‬سواء أكان‬ ‫القارئ عربياً‪ ،‬أم غير عربي يعرف هذه اللغة‪ .‬ويشعر‬ ‫الجميع أن هذا أ‬ ‫الديب قريب منهم‪ ،‬يتحدثون معه‪،‬‬ ‫ويضحكون من كالمه‪ .‬ولكن تبقى الصعوبة في فهمه‬ ‫جيداً‪ ،‬لذلك‪ ،‬قرر أال يكتفي بقراءة أعماله‪ ،‬بل سعى‬ ‫ألن يتعرف على المؤلفات التي قرأها الجاحظ نفسه‪،‬‬ ‫مثل ترجمات أرسطو إلى اللغة العربية‪ ،‬وعلى أساتذته‬ ‫في مختلف العلوم‪ ،‬وأن يتعرف إلى نمط الحياة في‬ ‫دمشق والبصرة في الفترة التي عاش فيها‪ ،‬حتى يدرك‬ ‫دوافع الجاحظ للكتابة‪ ،‬وما الذي يريد أن يقوله فيها‪.‬‬

‫سألناه عن رأيه في قيام البعض بإعادة صياغة التراث‬ ‫مبسطة‪ ،‬مثلما فعله الكاتب السوري نزار‬ ‫بلغة حديثة َّ‬ ‫عابدين‪ ،‬مع كتاب الجاحظ‪ ،‬فقال إنه ال يجد مشكلة‬ ‫في ذلك‪ ،‬بشرط أال يُعد ذلك النص الجديد بديال ً‬ ‫عن النص أ‬ ‫الصلي للجاحظ‪ ،‬بل شرح أو تفسير له‬ ‫في نفس الكتاب‪ ،‬أي صفحة للنص أ‬ ‫الصلي‪ ،‬وأخرى‬ ‫المبسط‪ ،‬فيكون الهدف هو مساعدة القارئ‬ ‫للنص َّ‬ ‫على فهم لغة الجاحظ‪ ،‬ثم يضيف مداعباً «لو أصبح‬ ‫النص يسير القراءة‪ ،‬فإنه ليس نص الجاحظ»‪.‬‬ ‫وعن كيفية تعامل طالبه مع نصوص الجاحظ‪،‬‬ ‫يقول إنهم يحتاجون أيضاً إلى وقت طويل‪ ،‬حتى‬ ‫يصلوا لفهم لغته‪ ،‬وأنهم إذا بدأوا بمطالعة أعماله‪،‬‬ ‫يصيبهم ما أصابه من قبل‪ ،‬وال يستطيعون التوقف‬ ‫عن القراءة‪ ،‬وعندها يستمتعون بهذه اللغة‪.‬‬

‫ظل سنوات طويلة يرفض أن يتحدث‬ ‫عن الجاحظ‪ ،‬ألنه كلما استزاد من المعرفة‬ ‫به‪ ،‬شعر بأنه ما زال في حاجة إلى مزيد‬ ‫من القراءة واالطالع‪ ،‬وهو السبب نفسه الذي‬ ‫جعله ال ينشر كتباً عن أ‬ ‫الديب العربي وأعماله‪ ،‬إال‬ ‫قبل عامين فقط‪ ،‬أي بعد ثالثة عقود من الدراسة‬ ‫المتعمقة للجاحظ‪ ،‬وهو كتاب «الجاحظ‪ :‬في مديح‬ ‫الكتب»‪ ،‬الصادر عن جامعة إدنبره‪ ،‬وهو أحد الكتب‬ ‫المرشحة للحصول على جائزة الشيخ زايد لهذا العام‪.‬‬

‫ويشير البروفيسور أ‬ ‫السكتلندي إلى مشروع الترجمة‬ ‫الذي بدأه مع جامعة نيويورك في أبوظبي‪ ،‬لترجمة‬ ‫النجليزية‪،‬‬ ‫الشعر العربي الكالسيكي إلى اللغة إ‬ ‫وهو المشروع الذي يحمل اسم «المكتبة العربية»‪،‬‬ ‫والطريف أنه يترجم الشعر العربي إلى شعر باللغة‬

‫عندما يتحدث مونتغومري عن الجاحظ يشيد بمنهجه‬ ‫في الكتابة‪ ،‬وبتشجيعه للقارئ على التفكير النقدي‪،‬‬ ‫قبل أكثر من اثني عشر قرناً من الزمان‪ ،‬وهو المنهج‬ ‫الذي تنادي به أوروبا آ‬ ‫الن‪ ،‬حيث كان يرفض أن‬ ‫يسلِّم القارئ عقله له‪ ،‬ويشجعه على طرح أ‬ ‫السئلة‪،‬‬ ‫وعدم التقليد‪ .‬ولكن مونتغومري يعتقد أن الجاحظ‪،‬‬ ‫كان يشعر بأن هللا وهبه من العقل‪ ،‬ما يجعله قادراً‬ ‫الجابات‪ ،‬وأنه كان يشعر‬ ‫على الوصول إلى أفضل إ‬ ‫بالسعادة‪ ،‬حين يعترف آ‬ ‫الخرون بصحة ما وصل‬ ‫إليه‪ ،‬بعد أن يكونوا قد جربوا بأنفسهم‪.‬‬

‫الجاحظ كان طول‬ ‫حياته‪ ،‬يشتغل على‬ ‫قضية واحدة‪ ،‬هي‬ ‫التوحيد‪ ،‬وكانت مسألة‬ ‫وحدانية اهلل‪ ،‬هي محور‬ ‫أعماله كلها‪..‬‬

‫القنفذ والثعلب‬


‫النجليزية‪ ،‬موضحاً أن ذلك ال يعني أن تكون هناك‬ ‫إ‬ ‫النجليزي‪ ،‬ألن ذلك ليس معتاداً‬ ‫قافية في النص إ‬ ‫النجليزي‪ ،‬وأنه عرض ترجماته على‬ ‫في الشعر إ‬ ‫شعراء بريطانيين‪ ،‬فأعربوا عن رضاهم عن النتيجة‪،‬‬ ‫ما شجعه على االستمرار في ذلك‪ .‬وحرص على أن‬ ‫يترجم قصيدة امرئ القيس‪ ،‬التي كانت أول قصيدة‬ ‫عربية قرأها في بداية دراسته الجامعية‪.‬‬ ‫وفي إشارة إلى محاضرته التي تناولت تقسيم البشر‬ ‫إلى قنافذ وثعالب‪ ،‬والمقصود بها أن هناك من‬ ‫يعرف مجاال ً واحداً‪ ،‬يتقنه إلى درجة كبيرة‪ ،‬ويقضي‬ ‫عمره منشغال ً به‪ ،‬ويتمتع برؤية فريدة فيه‪ ،‬وهو‬ ‫من يرمز له بالقنفذ‪ ،‬وفي المقابل هناك فريق‬ ‫آخر يشتغل في مجاالت كثيرة‪ ،‬وله اهتمامات‬ ‫وموضوعات متعددة‪ ،‬وهو ما يرمز له بالثعلب‪،‬‬ ‫سألناه عما إذا كان الجاحظ أقرب للقنفذ أم للثعلب‪،‬‬ ‫فقال إن كثيرين يتحدثون عن الجاحظ باعتباره‬ ‫متعدد المواهب‪ ،‬وواسع االهتمامات مثل الثعلب‪.‬‬ ‫لكنه يرى في الحقيقة أن الجاحظ كان طول حياته‪،‬‬ ‫يشتغل على قضية واحدة‪ ،‬هي التوحيد‪ ،‬وكانت‬ ‫مسألة وحدانية هللا‪ ،‬هي محور أعماله كلها‪.‬‬

‫الجاحظ وشكسبير‬

‫بعيداً عن االتهامات المتكررة للمستشرقين‪ ،‬وافتراض‬ ‫سوء النية‪ ،‬سألناه بحيادية شديدة‪ ،‬عن سبب قيام‬ ‫شخص غربي بقضاء القسط أ‬ ‫الكبر من حياته في‬ ‫دراسة اللغة العربية‪ ،‬فقال بتلقائية شديدة‪ ،‬إن‬ ‫السبب في ذلك يكمن في أن اللغة العربية هي‬ ‫النجازات إبداعاً في تاريخ البشرية‪.‬‬ ‫واحدة من أهم إ‬ ‫ويبدو أنه رأى الدهشة من حديثه في أعيننا‪ ،‬لصدور‬ ‫هذا الكالم عن شخص أوروبي‪ ،‬فأوضح رأيه في اللغة‬ ‫العربية قائال ً إنها تتمتع بقدرة فائقة على الوضوح‬ ‫والدقة في وصف الظواهر العلمية‪ ،‬أ‬ ‫المر الذي‬ ‫يجعلها قادرة على استيعاب الرياضيات والفلك وكل‬ ‫النجازات البحثية‪ ،‬لذلك كانت لغة العلوم أ‬ ‫الولى في‬ ‫إ‬ ‫العالم لستة قرون أو أكثر‪ .‬وفي المقابل نجد أعماال ً‬ ‫مثل مقامات الحريري‪ ،‬التي تُظهر أن اللغة العربية‬ ‫قادرة على أن تحمل عباراتها موسيقى‪ ،‬مثل صوت‬ ‫خرير الماء‪ ،‬دون أن تفقد من قوة المعنى شيئاً‪،‬‬ ‫ألن االهتمام بالصياغة في اللغات أ‬ ‫الخرى‪ ،‬يعني‬ ‫التضحية بالمضمون‪ ،‬على عكس العربية‪.‬‬ ‫وفي مقارنة عجيبة يشير إلى أشعار المتنبي‪ ،‬التي وجد‬ ‫فيها صياغة لغوية متقنة إلى أقصى درجة‪ ،‬ومفردات‬ ‫قوية‪ ،‬تحمل في طياتها لغة فريدة‪ ،‬تجعل القارئ‬ ‫يتعرف من خاللها دوماً إلى أسلوب المتنبي‪ ،‬وتعكس‬ ‫ما في داخله من غضب وطموحات وإحباطات وآمال‪،‬‬ ‫ثم يقارنها بأشعار شكسبير‪ ،‬ويقول إن المرء ربما وجد‬ ‫عند شكسبير بعضاً من هذه الرصانة اللغوية‪ ،‬وقوة‬

‫النصائح أو النقد للعالم العربي‪ ،‬رغم إدراكه‬ ‫لعدم االهتمام بهذه اللغة بين أهلها‪ .‬ولذلك‬ ‫يفضل الحديث عن تراجع االهتمام بجمال اللغة‬ ‫في بالده أيضاً‪ ،‬ويربط ذلك بهيمنة المفاهيم‬ ‫االقتصادية والتجارية‪ ،‬مشدداً على أن اللغة ليست‬ ‫سلعة‪ ،‬وال يجوز التعامل معها بمنطق التجارة‪،‬‬ ‫لكنه ال يكتفي بتوصيف المشكلة‪ ،‬بل يقترح أن تُقام‬ ‫الفعاليات التي تشدد على أهمية اللغة‪ ،‬مثلما تُقام‬ ‫المعارض الفنية‪ ،‬والمتاحف التي تعرض أعمال‬ ‫عندئذ حديث المجتمع‬ ‫الرسامين العالميين‪ .‬فتصبح‬ ‫ٍ‬ ‫والمدارس‪ ،‬فيعرف أ‬ ‫الطفال والشباب أهميتها‪ ،‬وهو‬ ‫ما يمكن تكراره مع اللغة‪.‬‬ ‫صفحة من كتاب «الحيوان» للجاحظ‬

‫كتابه «الجاحظ‪ :‬في‬ ‫مديح الكتب»‪ ،‬الصادر‬ ‫عن جامعة إدنبره‪،‬‬ ‫أحد الكتب المرشحة‬ ‫للحصول على جائزة‬ ‫الشيخ زايد لهذا العام‪..‬‬ ‫المعاني‪ ،‬لكنه شخصياً يجد أن ما عند المتنبي يفوق‬ ‫ما يجده عند نظيره إالنجليزي‪.‬‬ ‫ويَ ُعد مونتغومري نفسه محظوظاً للغاية ألن الفرصة‬ ‫أتيحت له ليقضي حياته في دراسة التراث العربي‪،‬‬ ‫ويتحدث عن انبهاره مرة وراء مرة‪ ،‬كلما قرأ ألبي نواس‬ ‫والمعري والمتنبي‪ ،‬ويكتشف ما في لغتهم وصورهم‬ ‫البالغية من إبداع وابتكار‪ ،‬ويعرب عن أسفه لعدم‬ ‫االهتمام بذلك في مجتمعاتنا الحديثة‪.‬‬ ‫وسألناه عن رأيه في رفض كثيرين في العالم العربي‬ ‫ترجمة مناهج الطب إلى اللغة العربية‪ ،‬والتشديد‬ ‫النجليزية‪ ،‬حتى يتمكن‬ ‫على أهمية تعلمها باللغة إ‬ ‫الطالب من االطالع على المراجع أ‬ ‫والبحاث‪ ،‬وكلها‬ ‫النجليزية‪ ،‬والقول إن اللغة العربية ال تملك‬ ‫باللغة إ‬ ‫المصطلحات الطبية‪ ،‬علَّق مونتغومري مستنكراً‬ ‫وقائال ً إن اللغة العربية أثبتت من قبل قدرتها على‬ ‫ذلك‪ ،‬فلماذا تعجز آ‬ ‫الن عما استطاعت القيام به‬ ‫ببراعة من قبل‪.‬‬

‫العرب وتراثهم‬

‫تلمس في الحديث معه دوماً أنه يتجنب توجيه‬

‫ويشير إلى حادثة طريفة وقعت له أثناء إلقائه‬ ‫محاضرة في أبوظبي في ديسمبر ‪2013‬م‪ ،‬حيث‬ ‫الحظ وجود مجموعة من الشباب من الجنسين‪،‬‬ ‫تتراوح أعمارهم بين ‪ 15‬و‪ 17‬عاماً‪ ،‬بين الحضور‪،‬‬ ‫ولم يكونوا ينصتون إليه طوال الوقت‪ ،‬بل كانوا‬ ‫منشغلين باللعب بالجوال‪ ،‬كما هي عادة الشباب في‬ ‫كل العالم‪ ،‬ولكن بعضهم جاء إليه بعد المحاضرة‪،‬‬ ‫وطلبوا التقاط الصور معه‪ ،‬فسألهم عن سبب‬ ‫حضورهم‪ ،‬فقال له أحدهم‪ ،‬إنه لم يفكر يوماً في‬ ‫االهتمام بالتراث العربي‪ ،‬لكن عندما يجد شخصاً‬ ‫ويقدمه باللغة‬ ‫مثله يهتم به كل هذا االهتمام‪ِّ ،‬‬ ‫النجليزية‪ ،‬فإن ذلك دليل على أنه شيء يستحق‬ ‫إ‬ ‫االطالع عليه‪ ،‬فعلَّق مونتغومري على كالمه بأن‬ ‫التراث العربي مهم في حد ذاته‪ ،‬سواء اهتم به‬ ‫الغرب أو لو لم يهتم به‪ ،‬وأن فيه من الثراء ما ال‬ ‫يوجد له مثيل في اللغة النجليزية‪ ،‬أ‬ ‫والولى أن يعاتبه‬ ‫إ‬ ‫العرب على إقحام نفسه في تراثهم‪ ،‬وأن يقولوا إنه‬ ‫ملكهم هم‪ ،‬وهم أ‬ ‫القدر على االهتمام به‪.‬‬

‫مونتغومري والقرآن‬

‫بعد الحديث عن اللغة العربية وتراثها وقدرة‬ ‫البروفيسور مونتغومري على االنبهار بها إلى هذا‬ ‫الحد‪ ،‬كان ال بد من سؤاله عن النص القرآني من‬ ‫منظور لغوي‪ ،‬وليس ديني‪ .‬فقال إنه يفضل أن‬ ‫يستمع إلى تالوة القرآن‪ ،‬أكثر من قراءته‪ .‬وأنه يرى أن‬ ‫النص القرآني يحتوي على لغة مركزة جداً‪ ،‬ومكثفة‬ ‫معان بالغة القوة‪،‬‬ ‫للغاية‪ ،‬بحيث تحتوي كل آية على ٍ‬ ‫وعندها تصبح صعبة الفهم على غير المسلم‪.‬‬ ‫وأوضح أنه قضى وقتاً طويال ً في قراءة القرآن‪،‬‬ ‫ولكنه لم ينشر أي بحث عنه حتى آ‬ ‫الن‪ ،‬لنفس‬ ‫السبب الذي ذكره في البداية‪ ،‬وهو أنه يشعر أنه ال‬ ‫يمتلك المعرفة الكافية التي تؤهله للحديث عنه‪ ،‬وال‬ ‫يعرف كيف يقرأه كما ينبغي‪ ،‬رغم فهمه لكل كلمة‬ ‫على حدة‪ .‬ولكن هناك ما هو أكثر بكثير من فهم‬ ‫المفردات‪ ،‬وقال إن سورة الكهف‪ ،‬هي أقرب السور‬ ‫إلى قلبه‪ ،‬واعتبر أن ما تحتويه من لغة الخطاب‪،‬‬


‫‪63 | 62‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫تمثل له واحدة من أروع النصوص اللغوية على‬ ‫الطالق في كل اللغات التي يعرفها‪.‬‬ ‫إ‬ ‫وعن أدباء العصر الحديث قال إن أ‬ ‫الديب السوري‬ ‫أدونيس يكتب شعراً مميزاً وقوياً للغاية‪ ،‬وإن نزار‬ ‫قباني صاحب قصائد جميلة‪ ،‬كما يرى أن محمود‬ ‫درويش شاعر فذ وفريد في نوعه‪ ،‬ألنه يمتلك‬ ‫حساسية كونية‪ ،‬تجعل شعره عابراً للثقافات‪.‬‬ ‫وفي نهاية حديثنا قال إن على العرب أن يدركوا كم‬ ‫هم محظوظون بما يملكون من تراث‪ ،‬وأن لغتهم‬ ‫استطاعت أن تحقق في الماضي‪ ،‬ما لم تستطع أن‬ ‫تحققه إال حضارات قليلة‪ ،‬ونبه المعلمين أ‬ ‫والهل إلى‬ ‫َّ‬ ‫يقولونها أمام أ‬ ‫الطفال‬ ‫أن يدركوا أن أي آراء سلبية‬ ‫والشباب عن اللغة العربية وأهميتها‪ ،‬تترك آثاراً‬ ‫عميقة وطويلة أ‬ ‫الجل‪ ،‬ولذلك عليهم أن يؤمنوا‬ ‫بأهمية لغتهم‪ ،‬قبل أن يطالبوا الجيل الجديد‬ ‫بذلك‪ ،‬وأن تترسخ لديهم قناعة بأنها تستحق أن‬ ‫يفخروا بها‪.‬‬

‫المحاضرة‬

‫بعد المقابلة انتقلنا إلى قاعة المحاضرة‪ ،‬التي‬ ‫أ‬ ‫امتلت عن آخرها بأساتذة جامعيين من مختلف‬ ‫التخصصات‪ ،‬ودارسي اللغة العربية‪ ،‬وعدد من‬ ‫السفراء العرب وجمهور عادي‪ ،‬وأعرب ممثل جامعة‬

‫«إن اللغة العربية‬ ‫تتمتع بقدرة فائقة‬ ‫على الوضوح والدقة‬ ‫في وصف الظواهر‬ ‫العلمية‪ ،‬األمر الذي‬ ‫يجعلها قادرة على‬ ‫استيعاب الرياضيات‬ ‫والفلك وكل اإلنجازات‬ ‫البحثية»‪..‬‬ ‫اليدن في كلمة االفتتاح عن االمتنان ألرامكو فيما وراء‬ ‫مولت بسخاء هذه المحاضرة‪ ،‬وكثيراً‬ ‫البحار التي َّ‬ ‫أ‬ ‫من النشاطات العلمية الخرى للجامعة‪ ،‬وعديد من‬ ‫فعاليات احتفال جامعة اليدن بمرور أربعة قرون‬ ‫على تأسيس كرسي الدراسات العربية فيها‪.‬‬ ‫وتناول البروفيسور مونتغومري حياة الفارابي‬ ‫والبيروني والجاحظ‪ ،‬وأعمالهم‪ ،‬ثم قرأ ترجماته‬

‫النجليزية‪،‬‬ ‫لقصائد من التراث العربي‪ ،‬إلى اللغة إ‬ ‫وتحدث عن مشروع «المكتبة العربية»‪ ،‬الذي‬ ‫تشرف عليه جامعة نيويورك أبوظبي‪ ،‬والذي‬ ‫يشارك فيه‪.‬‬ ‫وفي النقاش الذي أعقب المحاضرة‪ ،‬تساءل البعض‬ ‫عما يقصده بمصطلح «الشعر الكالسيكي»‪ ،‬فأوضح‬ ‫أنه ال يقصد الشعر القديم‪ ،‬أي ال يربطه بحدود‬ ‫زمنية‪ ،‬ولذلك تناول الشعر الجاهلي والعباسي‬ ‫أ‬ ‫والموي‪ ،‬وال يرى غضاضة في إطالق هذا‬ ‫المصطلح على الشعر الحديث‪ ،‬إذا توفرت فيه‬ ‫خصال تجعله «كالسيكياً»‪ ،‬بالمعنى المستخدم‬ ‫النجليزية أيضاً‪ .‬وعلى الرغم من قيامه‬ ‫في اللغة إ‬ ‫بترجمة أعمال التراث العربي‪ ،‬فإنه يدرك أن‬ ‫الترجمة تعني دوماً فقدان بعض المعاني‪ ،‬لعدم‬ ‫قدرة المترجم مهما كانت موهبته‪ ،‬على أن ينقل‬ ‫الصلي إلى اللغة أ‬ ‫النص أ‬ ‫الخرى بالقوة نفسها‪،‬‬ ‫وتحدث من جديد عن روعة اللغة العربية‪ ،‬مشيراً‬ ‫إلى قدرتها على استيعاب الفلسفة أ‬ ‫والدب والعلوم‬ ‫الطبيعية‪ ،‬كما ظهر في محاضرته عن أعمال‬ ‫الفارابي والبيروني والجاحظ‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫النشر الذاتي‬

‫أهو بداية االستغناء‬ ‫عن الناشرين؟‬

‫أدب وفنون‬

‫في القرن العشرين لم يكن نشر كتاب‬ ‫بالشكل التقليدي من خالل دور النشر‬ ‫المعروفة يعني‪ ،‬ألي كاتب‪ ،‬مجرّ د توزيع‬ ‫طبعات من كلمات جاءت عصارة إبداع‬ ‫وجهد وبحث طويل موضوعة بين غالفين‬ ‫أنيقين‪ ،‬وإنما كان األمر أشبه بتحقيق فوز‬ ‫ُّ‬ ‫وتأهله‬ ‫معيَّ ن‪ ،‬إذ يشير إلى اختيار الكتاب‬ ‫للنشر بعد التفحص والمراجعة من قبل‬ ‫مجموعة من المحررين والمدققين‪ .‬ولكن‬ ‫الحال تغيَّ ر‪ ،‬وبطريقة جذرية‪ .‬أصبح النشر‬ ‫الذاتي‪ ،‬الذي كان ُيعد في وقت من األوقات‬ ‫ممارسة غير مجدية في إثبات الذات‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قابال للحياة لمؤلفي‬ ‫اقتصاديا‬ ‫مشروعا‬ ‫الكتب اإللكترونية‪.‬‬


‫‪65 | 64‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫وفقاً لشركة «بوكر» أ‬ ‫المريكية التي تُعنى بنشر‬ ‫كل ما يتعلق بلوائح دور النشر والمكتبات‪،‬‬ ‫صدر في عام ‪2013‬م وحده نحو ‪460,000‬‬ ‫كتاب منشور بطريقة ذاتية على النطاق‬ ‫العالمي‪ ،‬أي بزيادة خمسة أضعاف خالل‬ ‫سنوات خمس‪ .‬وأصبحت الكتب المنشورة ذاتياً تُمثل نحو ‪%4.5‬‬ ‫اللكترونية‪ ،‬في الواليات‬ ‫من سوق الكتب‪ ،‬و‪ %15‬من سوق الكتب إ‬ ‫المتحدة‪ .‬ومما ال شك فيه بأن صناعة النشر الذاتي بدأت تتطور‬ ‫من مساحة من الفوضى‪ ،‬ذات عناصر بدائية‪ ،‬إلى صناعة لها‬ ‫الساسية‪ .‬فالكتب المنشورة ذاتياً لم تزد في أ‬ ‫مقوماتها أ‬ ‫الرقام فقط‪،‬‬ ‫وإنما أصبحت لها بصمتها الخاصة ومميزاتها المستقلة‪.‬‬ ‫اللكترونية العاملين اللذين م َّثال‬ ‫النترنت وظهور الكتب إ‬ ‫كانت شبكة إ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫اللكترونية‬ ‫الساس في تغيير قواعد اللعبة‪ .‬فازدهرت أخيرا الكتب إ‬ ‫بشكل كبير‪ ،‬وبلغت نسبة حقوقها نحو ‪ %40‬من حقوق المؤلفين‬ ‫في شركة «أمازون»‪ ،‬الشركة الرائدة في النشر الذاتي‪ ،‬التي تُعد‬ ‫أكبر مكتبة في العالم‪ .‬كما وصلت نسبة حقوقها إلى نحو ‪ %35‬من‬ ‫اللكترونية‪ ،‬وذلك لدى مجموعة الناشرين‬ ‫حقوق المؤلفين للكتب إ‬ ‫الخمسة الكبرى (مجموعة هاشيت للكتب‪ ،‬هاربر كلينز للنشر‪،‬‬ ‫مكميالن للنشر‪ ،‬بنغوين راندوم هاوس‪ ،‬وسيمون وشوستر)‪ .‬وقد‬ ‫أ ّدى ازدهار هذا النوع من الكتب إلى تمهيد الطريق أمام النشر‬ ‫الذاتي‪ ،‬إذ وفّر الطار الرقمي المناسب أ‬ ‫والدوات التقنية السهلة‬ ‫إ‬ ‫االستخدام لالنطالق بهذا النوع من النشر‪ .‬كما أنّه مع بداية ظهور‬ ‫النترنت فُتحت آفاق‪ ،‬وإن محدودة‪ ،‬للنشر الذاتي‪ ،‬حيث ازدهرت‬ ‫إ‬ ‫كتابة المدونات والمحادثات القصيرة وكتابة المذكرات أ‬ ‫والسفار‬ ‫ّ‬ ‫والتعليقات وتحميل الصور‪ ،‬وكلّها أشكال مختلفة من النشر الذاتي‬ ‫بطريقة أو بأخرى‪.‬‬ ‫قدمت أمازون مساحة توفّر خدمات لتسهيل‬ ‫ومن ناحية ثانية ّ‬ ‫كل مراحل النشر الذاتي تُعرف باسم «‪ .»Create Space‬فهي ال‬ ‫تسهل طبع الكتاب فقط‪ ،‬وإنما تضمن صدوره بشكل أنيق وجذَّ اب‬ ‫ملون ذي جودة فنية عالية‪ ،‬إضافة إلى تزويده برقم‬ ‫وبغالف ّ‬ ‫حسب المعيار الدولي (‪ .)I.S.B.N.‬وبذلك يكون للكتب المنشورة‬ ‫ذاتياً نفس مواصفات الكتب الصادرة عن دور النشر التقليدية‪.‬‬ ‫الشارة هنا إلى أن أكثر الكتب التي استفادت من التقدم‬ ‫وتجدر إ‬

‫التكنولوجي وازدادت أعدادها بطريقة النشر الذاتي‪ ،‬هي كتب‬ ‫الصور الفوتوغرافية التي ازدهرت بسبب التطور الذي أحدثته‬ ‫التكنولوجيا الرقمية في تصميم وإنتاج المنشورات المرئية‪.‬‬

‫مم ِّيزات جديدة‬

‫اللكتروني‪ ،‬فإن للنشر الذاتي‬ ‫وإضافة إلى جميع مميزات الكتاب إ‬ ‫أ‬ ‫حيث من الممكن‬ ‫مزايا عديدة‪ ،‬منها سرعة الوصول إلى السواق‪ُ ،‬‬ ‫أن يتم االنتهاء من متطلبات عملية نشر الكتاب خالل أيام قليلة‪،‬‬ ‫بينما من الممكن أن يقطع الكتاب العادي ماراثوناً لمدة عام إلى‬ ‫العامين حتى يرى النور‪ .‬كما يملك الكاتب قدرة على التحكم الكامل‬ ‫في عملية التخطيط‪ ،‬والتحرير‪ ،‬والتصميم‪ ،‬بينما تكون هذه القدرة‬ ‫على إجراء التغييرات في النشر التقليدي أقل بكثير‪ ،‬إذ إن الكاتب‬ ‫سيضطر إلى مراجعة دار النشر‪ ،‬وربما لن يتمكن من إجراء أي تغيير‬ ‫في نتاجه وجهده‪.‬‬ ‫وقد سمح إطالق تكنولوجيا «الطبع على الطلب» (‪Print on‬‬ ‫‪ )Demand‬للك َّتاب والناشرين بتخفيض مخاطر النشر الذاتي‪.‬‬ ‫وتساعد تلك التقنية على طبع الكتب عند الطلب فقط‪ ،‬دون‬ ‫ضرورة تكديس الكتب في انتظار بيعها‪ .‬ويساعد هذا أ‬ ‫المر على‬ ‫تخفيض النفقات‪ .‬كما أنه بالنسبة ألي ناشر ذاتي يمكن لبيع النسخ‬ ‫مباشرة إلى المستهلك أن توفر عليه النسب المطلوبة للناشرين‬ ‫والموزعين التي قد تصل أحياناً إلى ‪ %50‬من سعر المبيع‪.‬‬ ‫ومن ناحية التسويق‪ ،‬ساعدت وسائل التواصل االجتماعي على‬ ‫النترنت‪ .‬وهناك أمثلة كثيرة‬ ‫الترويج المجاني لبيع الكتب على إ‬ ‫على ك ّتاب استطاعوا تحقيق نجاح باهر في هذا الخصوص‪ .‬فقد‬ ‫قام الكاتب مارك دوسن بإصدار روايتين منذ عقد مضى بطريقة‬ ‫النشر التقليدية ولم يستطع بيع أكثر من ‪ 700‬نسخة منهما‪.‬‬ ‫ولكنه أخيراً أصدر روايتين حديثتين قام بنشرهما ذاتياً من خالل‬ ‫أمازون وتمكن من بيع أكثر من ‪ 150,000‬نسخة منهما‪ .‬وكان قد‬ ‫القراء الذين وافقوا على قراءة كتبه قبل نشرها‬ ‫أنشأ مجموعة من َّ‬ ‫«القراء المسبقين» في مقابل حصولهم على نسخة‬ ‫أو ما يسمى بـ ّ‬ ‫مجانية‪ ،‬كما استطاع التواصل‪ ،‬من خالل وسائل التواصل الرقمية‪،‬‬ ‫تقدم‬ ‫مع أكثر من ‪ 10,000‬شخص‪ .‬إ‬ ‫وبالضافة إلى الترويج الذاتي‪ِّ ،‬‬ ‫شركة أمازون ما يسمى بالبصمات (‪ )imprints‬التي تساعد على‬


‫من الممكن أن يتم االنتهاء‬ ‫من متطلبات عملية نشر‬ ‫الكتاب خالل أيام قليلة‪ ،‬بينما‬ ‫من الممكن أن يقطع الكتاب‬ ‫ً‬ ‫ماراثونا لمدة عام إلى‬ ‫العادي‬ ‫العامين حتى يرى النور‪..‬‬

‫الترويج لمختلف أنواع الكتب‪ ،‬ومن بينها الكتب المنشورة ذاتياً‪.‬‬ ‫اللكترونية مثل‬ ‫وهناك أربع عشرة بصمة لمجموعة أمازون للتجارة إ‬ ‫«‪ »Thomas&Mercer‬التي تروج لكتب التشويق و«‪ »Little a‬لكتب‬ ‫الدبي و«‪ »Two Lions‬لكتب أ‬ ‫الخيال أ‬ ‫الطفال‪ .‬كما يمكن للنشر‬ ‫الذاتي أن يفتح باباً للشهرة ويمثل نقطة انطالق لتحقيق مزيد‬ ‫من النجاح مثلما حدث مع ثالثية «خمسون ظال ً للرمادي» لكاتبتها‬ ‫البريطانية إي ال جيمس‪ ،‬التي نشرتها أوال ً بطريقة ذاتية‪ ،‬ومن ثم‬ ‫التقطتها شركة «راندوم هاوس» للنشر وطبعتها ورقياً‪ ،‬وأصبحت‬ ‫بعدها أكثر الكتب مبيعاً على مستوى العالم‪.‬‬

‫عربياً‪ ..‬بدايات متعثرة‬

‫على المستوى العربي‪ ،‬وبسبب عدم انفتاح معظم الك َّتاب باللغة‬ ‫العربية على تقنيات النشر الذاتي ومواجهتهم صعوبات كبيرة في‬ ‫ذلك‪ ،‬لم توجد حتى آ‬ ‫الن شركة تمكَّ نت من إحداث اختراق تقني‬ ‫اللكترونية باللغة العربية‪ ،‬باستثناء شركة‬ ‫حقيقي في تطوير الكتب إ‬ ‫الونة أ‬ ‫«‪ »Narcissus‬اليطالية التي صارت توفّر في آ‬ ‫الخيرة خدمة‬ ‫إ‬ ‫النشر الذاتي باللغة العربية‪.‬‬ ‫ولمواجهة الصعوبات التي يواجهها الك ّتاب في العالم العربي في‬ ‫النشر الذاتي‪ ،‬قامت شركة «‪ »The Townhouse Gallery‬المصرية‬ ‫بتقديم ورش عمل على فترات متقطعة لتعليم برنامج التعبير‬

‫إعادة تحرير الكتاب‬

‫يقدم‬ ‫الرقمي العربي‪ .‬وتجدر إ‬ ‫الشارة هنا إلى أنّه يوجد موقع عربي ِّ‬ ‫النجليزية بهدف نشرها في أمازون ليتمكن‬ ‫خدمة ترجمة الكتب إلى إ‬ ‫مستخدمو جهاز كيندل من شرائها وقراءتها‪.‬‬ ‫أما بالنسبة لدور النشر‪ ،‬فيتميز موقفها بالفتور تجاه فكرة الكتب‬ ‫إاللكترونية‪ ،‬والنشر الذاتي‪ .‬فهي ال تزال تعتقد بأن االستمرار على‬ ‫الطريقة التقليدية في النشر كفيل باستمرار تجارتها‪ .‬أما في الغرب‪،‬‬ ‫وبدال ً من إظهار الخوف من ازدهار النشر الذاتي‪ ،‬فقد بدأت دور‬ ‫أ‬ ‫تقدم معلومات أكبر‬ ‫النشر بالتأقلم مع الوضاع الجديدة‪ ،‬وصارت ِّ‬ ‫عن البيع‪ ،‬وهي تسير بذلك على خطى شركة أمازون‪ ،‬وإن مع شيء‬ ‫من التأخير‪ .‬وبدأت شركات مثل «‪ »HarperCollins‬بااللتفاف على‬ ‫طرق النشر التقليدية للحصول على عقود للنشر‪ ،‬وذلك من خالل‬ ‫إنشائها موقع «‪ »Authonomy‬الذي يسمح للك ّتاب الطامحين بتحميل‬ ‫كتبهم على الموقع‪ ،‬لتتم قراءتها من زوار الموقع وإضافة التعليقات‬ ‫عليها‪ ،‬ومن َّثم تصنيفها من قبلهم‪ .‬ويحظى الكتاب الذي يحصل‬ ‫على أفضل التعليقات والتصنيف كل شهر على فرصة مراجعته من‬ ‫قبل محرري «هاربر كولينز» لدراسة إمكانية نشره‪ .‬كما بدأ ناشرون‬ ‫آخرون تقديم خدمات أخرى‪ ،‬إذ دفعت شركة «بنغوين» ‪ 116‬مليون‬ ‫دوالر أمريكي إلى شركة «‪ ،»Author Solutions‬التي تدير مجموعة‬ ‫من البصمات للنشر الذاتي‪ ،‬لتسهيل أمور الراغبين بنشر كتبهم على‬ ‫طريقة النشر الذاتي‪ .‬والبرهان آ‬ ‫الخر على االهتمام المتزايد بالنشر‬ ‫الذاتي هو االستعداد المتزايد للشركات للتعاقد مع ك ّتاب المستقبل‪.‬‬ ‫تقدم الشركة البريطانية «‪ »Author House‬عرضاً‬ ‫على سبيل المثال ّ‬ ‫للك ّتاب بسعر ‪ 849‬جنيهاً أسترلينياً تضمن فيه مساحة لثالث نسخ‬ ‫في عدد من المكتبات ولمدة ثالثة أسابيع‪ .‬وفي أستراليا قامت شركة‬ ‫«‪ »Book Pal‬بترتيب مشابه‪ ،‬إذ عقدت شراكة مع سلسلة مكتبات‬ ‫للقراء بشراء أي كتاب منشور ذاتياً‬ ‫«‪ »Angus&Robertson‬يُسمح فيه َّ‬ ‫على قائمة «‪ »Book Pal‬من سلسلة المكتبات هذه‪.‬‬ ‫قد يقول البعض إنه ال يمكن للكتب المنشورة ذاتياً أن تصل إلى‬ ‫نفس مستويات العناوين التي تدعمها دور النشر التقليدية‪ ،‬فمهما‬ ‫كان الكاتب موهوباً ال يمكنه مضاهاة التصاميم التي يضعها الخبراء‬ ‫والتدقيق والتقييم الذي يقوم به المحررون المحترفون‪ .‬ولكن‬ ‫فإن‬ ‫كما أشار «بيت باربالن»‪ ،‬أحد المديرين في شركة «بوكر»‪ّ ،‬‬ ‫مجرد ك ّتاب عاديين‪ ،‬وإنّما‬ ‫الناشرين الذاتيين الناجحين لم يعودوا ّ‬ ‫أصبحوا أصحاب مؤسسات صغيرة‪ ،‬حيث يقومون باالستثمار في‬ ‫مؤسساتهم ويوظفون خبراء التحرير وأصحاب المهارات في اللغة‬ ‫ليتحولوا إلى مشروع حيوي ونابض‬ ‫والتدقيق والتصميم وخالفه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫العالم في هذا العصر‬ ‫في مجال النشر‪ .‬وكما حصل مع وسائل إ‬ ‫الرقمي‪ ،‬تم قلب منطق القرن الماضي رأساً على عقب‪ ،‬إذ أمكن‬ ‫لما هو صغير وذكي أن ينافس ما هو كبير ومنظم ويحمل عالمة‬ ‫عبر عن ذلك موقع شركة «ايندي ريدر» التي‬ ‫تجارية واضحة‪ .‬وكما َّ‬ ‫أ‬ ‫تقدم‪ ،‬من بين خدماتها الخرى‪ ،‬خدمة النشر الذاتي‪« :‬لنفكر في‬ ‫ِّ‬ ‫هذه الكتب مثل السلع المص َّنعة يدوياً المنتجة على نطاق ضيق‬ ‫بدال ً من السلع التي تُنتج وتباع في المتاجر على نطاق واسع»‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪67 | 66‬‬

‫فنان ومكان‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫حديقة ماجوريل‬

‫في مراكش‬

‫فاطمة سالم‬

‫ارتباط فنان ما بمكان معيَّ ن ٌ‬ ‫أمر شائع‪،‬‬ ‫واألماكن التي ارتبط بها فنانون أكثر من‬ ‫أن ُتحصى‪ .‬ولكن األماكن التي تساوى‬ ‫في االلتحام بها فنانان اثنان‪ ،‬جذبتهما‬ ‫ً‬ ‫جدا‪ ،‬وواحدة‬ ‫من بعيد ليتشاركا االرتباط بها‪ ،‬هي قليلة‬ ‫منها هي حديقة ماجوريل في مراكش‪ ،‬التي تعاقب‬ ‫على تطويرها الرسام الفرنسي جاك ماجوريل في‬ ‫النصف األول من القرن العشرين‪ ،‬ومصمم األزياء‬ ‫ً‬ ‫عالميا إيف سان لوران في النصف الثاني‪.‬‬ ‫المعروف‬

‫الفالت‬ ‫مراكش مدينة أحبها ك َّتاب وأدباء وفنانون‪ ،‬وكثيراً ما عجز بعضهم عن إ‬ ‫من جاذبيتها‪ ،‬فأطالوا إقامتهم فيها‪ ،‬وتركوا بصمات ال تُمحى في بعض‬ ‫نواحيها‪ .‬ومن هذه البصمات الجميلة حديقة ماجوريل التي باتت اليوم أحد‬ ‫المعالم السياحية الشهيرة في المدينة التي ال تفتقر أبداً إلى المعالم العمرانية‬ ‫والسياحية المتنوعة‪.‬‬

‫التأسيس مع ماجوريل‬

‫في عام ‪1919‬م‪ ،‬سافر الرسام الفرنسي جاك ماجوريل إلى مراكش (وهو ابن‬ ‫مصمم المفروشات الشهير لويس ماجوريل)‪ ،‬وذلك للنقاهة من مرض في القلب‪.‬‬ ‫واستقر فيها بشكل شبه نهائي‪.‬‬ ‫فعشق المدينة‬ ‫َّ‬ ‫ففي عام ‪1924‬م‪ ،‬اشترى ماجوريل قطعة أرض تبلغ مساحتها نحو أربعة‬ ‫هكتارات‪ .‬وصمم حديقة جميلة غرس فيها نحو ‪ 135‬نوعاً من النباتات‪ .‬وبعد‬ ‫ذلك بسنوات سبع‪ ،‬كلَّف المهندس المعماري بول سينوار بتصميم بيته ومرسمه‬ ‫في هذه الحديقة‪ .‬وجاء البيت تحفة معمارية‪ ،‬ليس بسبب تصميمه العام فقط‪،‬‬ ‫بل أيضاً بسبب اللون أ‬ ‫الزرق القوي والمميز الذي طُليت به جدرانه الخارجية‪،‬‬ ‫وصار يُعرف عالمياً باسم «أزرق ماجوريل»‪ .‬وفي عام ‪1947‬م‪ ،‬فتح الرسام‬ ‫الزوار‪ ،‬رغبة منه في مشاركة مالمحها الجمالية‬ ‫الفرنسي حديقته أمام من يشاء من َّ‬ ‫مع المراكشيين أ‬ ‫والجانب الذين يزورون المدينة‪ .‬وفي هذه «الفيال» رسم الفنان‬ ‫الفرنسي كثيراً من اللوحات المستوحاة من الحياة المغربية ومعالمها‪.‬‬


‫بعد وفاة ماجوريل عام ‪1962‬م‪ ،‬تدهور حال الحديقة تدريجاً‪ ..‬ولكن ذلك لم‬ ‫يدم طويالً‪.‬‬

‫ف‬ ‫إيف سان لوران‬ ‫عهدة‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫أ‬

‫اكتشف مصمم الزياء الفرنسي الشهير إيف سان لوران مراكش عام ‪1967‬م‪،‬‬ ‫فاستقر فيها لمدة سنوات عشر في مكان عند طرف‬ ‫ولم يكن حبه للمدينة عادياً‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫يسمى «دار الحنش»‪ .‬وعن عالقته بالمدينة يقول مصمم الزياء الذي‬ ‫المدينة َّ‬ ‫كان أيضاً رساماً‪« :‬كان اكتشافي لمراكش صدمة‪ ..‬لقد علمتني هذه المدينة أ‬ ‫اللوان‬ ‫وكيفية خلطها»‪.‬‬ ‫في عام ‪1980‬م‪ ،‬علم سان لوران أن مرسم مواطنه والفيال والحديقة في مراكش‬ ‫باتت مهددة بالخراب العتبارات استثمارية‪ .‬فقرر مع صديقه رجل أ‬ ‫العمال‬ ‫َّ‬ ‫الفرنسي بيار بيرجيه أن يشتريا هذه الملكية ويحوالها إلى َم ْعلَم سياحي مفتوح‬ ‫أمام ُع َّشاق الجمال من مختلف أنحاء العالم‪.‬‬

‫سواقي الماء المستوحاة من الحدائق األندلسية‬

‫عمل سان لوران على تطوير البيت والحديقة وفق الرؤية أ‬ ‫الصلية التي كانت‬ ‫لماجوريل‪ .‬فحافظ على زرقة جدرانها الخارجية‪ ،‬وحمرة الداخلية منها‪،‬‬ ‫والفسيفساء التي تغطي الجدران والرسوم الهندسية عند المدخل‪ ،‬وأعاد تشكيل‬ ‫كل شيء وفق ذوقه المرهف‪ ،‬فكانت النتيجة مذهلة‪.‬‬ ‫السالمي» ليضم مجموعة‬ ‫وبموازاة تحويل البيت إلى «متحف مراكش للفن إ‬ ‫أ‬ ‫القمشة التراثية العائدة إلى بلدان المغرب العربي‪ ،‬التي كان سان لوران يمتلكها‪،‬‬ ‫وبعض لوحات ماجوريل المغربية‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬استمر تنسيق نباتات الحديقة‪،‬‬ ‫واستقدم المصمم الفرنسي بعض النباتات من بلدان بعيدة‪ ،‬بحيث ارتفع عدد‬ ‫أ‬ ‫النواع فيها إلى نحو ‪ 350‬نوعاً في وقتنا الحاضر‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن سان لوران عاش معظم السنوات أ‬ ‫الخيرة من عمره في باريس وتوفي‬ ‫أ‬ ‫فيها عام ‪2008‬م‪ ،‬فإن حبه لحديقة ماجوريل رافقه حتى اللحظة الخيرة من عمره‪،‬‬ ‫بدليل أنه أوصى بحرق جثمانه ونثر رماده في هذه الحديقة‪ ،‬وهذا حدث الحقاً‪.‬‬

‫ً‬ ‫نوعا من النباتات في الحديقة‬ ‫‪350‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫أزرق ماجوريل الشهير في منشئه‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪69 | 68‬‬

‫ً‬ ‫شعرا‬ ‫أقول‬

‫قصيدة‪ :‬عمر شبانة‬ ‫عن القصيدة وأصيلة وفلسطين‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫زيار� أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫الوىل إىل مدينة أصيلة المغربية منذ الساعات‬ ‫ك أُتبت هذه القصيدة ي� ي‬ ‫ن‬ ‫بي� ي ن‬ ‫وب�‬ ‫لوصول إليها‪ ،‬إذ‬ ‫الوىل‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫لمست‪ ،‬ليس فقط حجم ق التعاطف والتقارب ي‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫التال� ‪.‬‬ ‫هات� الصور يت� من‬ ‫الناس هنا‪ ،‬بل «نوعية» ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫لكن�‬ ‫دخول‬ ‫المحبة الطاغية منذ‬ ‫كنت قد لمست مشاعر‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫المغرب للمرة الوىل‪ .‬ي‬ ‫أتجول ف ي� ساحات أصيلة وأزقتها‬ ‫لم أتوقَّع أن تبلغ المشاعر إىل هذا الحد‪ .‬وبينما َّ‬ ‫و«زنقاتها»‪ ،‬ف ي� المقاهي والمطاعم‪ ،‬راحت مشاعر الدفء ش‬ ‫وتتعمق‪.‬‬ ‫تنت�‬ ‫ّ‬ ‫ففي أصيلة‪ ،‬كانت ت‬ ‫إقام� ف ي� مكان وسط المدينة‪ ،‬حيث التحرك يصبح سهال ً ف ي�‬ ‫ي‬ ‫االتجاهات جميعاً‪.‬‬ ‫كنت ف� المقهى‪ ،‬وكان ينظر إل كغريب قادم من مكان غريب‪ .‬وفجأة قام ت‬ ‫واق�ب‬ ‫ي‬ ‫ي َّ‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫فلسط� ‪ .‬قلت‬ ‫م�‪ ،‬ثم طلب الجلوس معي‪ ،‬وانطلق الحديث بيننا حول بالدي‪،‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫وأ� وجدي‬ ‫أع� أمي ب ي‬ ‫إن� ال أعرفها‪ ،‬فقد ولدت وترعرعت ي� الردن‪ .‬ي‬ ‫له ي‬ ‫أهل‪ ،‬ي‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫فلسطي� بالوراثة‪.‬‬ ‫فلسط� عام ‪1948‬م‪ ،‬لهذا أنا‬ ‫تهج�هم من‬ ‫ي‬ ‫وجد ي� جرى ي‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ال أدري كيف انطلق صوت يف�وز بأغنية ن‬ ‫«س�جع»‪ ،‬ي ن‬ ‫وح� سألته‪ ،‬قال نحن نسمع‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫الشه�ة‪،‬‬ ‫يغ� تلك الغنية‬ ‫ي‬ ‫يف�وز يومياً هنا‪ ،‬ي� هذا المقهى‪ ،‬فما الغريب؟ وراح ي‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ودعا� للإقامة معه‪ ،‬ما ن‬ ‫جعل� أشعر بحجم‬ ‫دعا� إىل غداء ووجبة مغربية‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ثم ي‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫فلسط� هنا‪.‬‬ ‫االنتماء إىل‬ ‫و� زنقة أ‬ ‫ف‬ ‫الرجوان‪ ،‬المتفرعة من ساحة محمد الخامس‪ ،‬وهي الساحة العامة ف ي�‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫أ ن‬ ‫غا� ألم كلثوم وعبدالحليم حافظ‪،‬‬ ‫عر�‪ ،‬أكانت ال ي‬ ‫أصيلة‪ ،‬جلسنا للغداء ي� مطعم ب ي‬ ‫ن‬ ‫الثا�‪ ،‬وكان‬ ‫وفجأة سمعت أغنية للمملكة المغربية البية‪ ،‬العربية‪ ،‬والملك الحسن ي‬ ‫غ� حافظ هذه‬ ‫الصوت صوت عبدالحليم‪ ،‬فوجئت حقاً‪ ،‬وسألت صديقي تم� ن َّ‬ ‫أ‬ ‫الغنية؟‬ ‫ف‬ ‫كث�اً من المغاربة الذين‬ ‫ي� هذه الفضاءات المغربية‪ ،‬عشت شهوراً‪ ،‬ورأيت وصادقت ي‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫أع� ثقافتها كلها‪،‬‬ ‫تربطهم عالقات متينة‬ ‫بفلسط�‪ ،‬بشعبها وقياداتها وثورتها‪ ،‬ي‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫فلسط� وروح‬ ‫قصيد�‪ ،‬بدأت من هذا التمازج يب� روح‬ ‫شعرها وغنائها‪ .‬وهكذا بدأت‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫ب� ذاكرته الفلسطينية وحا�ض‬ ‫ن‬ ‫المغر�‪.‬‬ ‫ه‬ ‫للشاعر‬ ‫المفاجئ‬ ‫التال�‬ ‫ي‬ ‫المغرب‪ ،‬ومن هذا ي‬ ‫بيّ‬ ‫هكذا ولدت القصيدة‪ ،‬ف� هذه أ‬ ‫الجواء الحميمة‪ ،‬ف ي� هذا الفضاء الحر!‬ ‫ي‬ ‫استمع للقصائد‬ ‫بصوت الشاعر‬

‫‪www.qafilah.com‬‬



‫‪71 | 70‬‬

‫ذاكرة القافلة‬

‫جدة‪..‬‬ ‫مدينة التجارة والصناعة‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫في عددها لشهر‬ ‫رمضان من عام‬ ‫‪1395‬هـ (سبتمبر‬ ‫‪1975‬م)‪ ،‬نشرت‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫مصو ًرا عن‬ ‫استطالعا‬ ‫«القافلة»‬ ‫مدينة جدة‪ ،‬كتبه األستاذ إبراهيم‬ ‫أحمد الشنطي‪ ،‬ويستعرض فيه‬ ‫أحوال المدينة كما كانت آنذاك‪.‬‬ ‫وفيما يأتي أبرز الفقرات التي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫تضمنها هذا االستطالع المطول‪.‬‬ ‫يخيل لزائر جدة والطائرة تهبط في مدرج المطار أنها‬ ‫َّ‬ ‫ال محالة ستحط به في أحد شوارع المدينة‪ .‬وما إن‬ ‫يغادر صالة المسافرين حتى يتحقق تخيله‪ ،‬ويجد نفسه‬ ‫في سوق تزدحم بالمحالت التجارية التي تبيع مختلف‬ ‫أصناف البضائع والحاجات برواج وإقبال‪ ،‬والطرقات‬ ‫تعج بالسابلة الساعين لقضاء مصالحهم‪ ،‬ومع أن‬ ‫المعروف عن المطارات أنها تقام بعيداً عن المدن‬ ‫وأماكن السكن أ‬ ‫والسواق‪ ،‬وهذا فعال ً ما كان عليه مطار‬ ‫جدة الحالي قبل سنوات‪ ،‬إال أن النمو السكاني والتطور‬ ‫العمراني أخذا يزحفان ناحية المطار حتى كادت واجهات‬ ‫المحالت التجارية تطغى على واجهات مبانيه‪.‬‬ ‫وما دمنا بصدد الحديث عن المطار والميناء فإنه‬ ‫تجدر بنا إالشارة إلى أن المطار الحالي سوف ينتقل‬ ‫إلى موقع جديد يبعد نحو ‪ 24‬كم شمال مركز جدة‬ ‫وتقدر تكاليفه بأكثر من‬ ‫على طريق المدينة المنورة‪َّ ،‬‬ ‫ألف مليون ريال‪ ،‬وقد بوشر في إنشائه في منتصف‬ ‫عام ‪1974‬م‪.‬‬ ‫تجول الزائر في أسواق جدة وشوارعها فإنه‬ ‫وإذا ما َّ‬ ‫يدهش لكثرة الناس والسيارات والمتاجر‪ ،‬خاصة إذا‬ ‫كان الزائر من سكان القرى أو المدن الصغيرة‪ .‬وإذا ما‬

‫مبنى وزارة الخارجية ويظهر في عمق الصورة عدد من األبنية والعمارات الحديثة‬

‫فكَّر في زيارة المؤسسات والمرافق الحكومية والخاصة‬ ‫فإنه‪ ،‬وال شك‪ ،‬سيعجب من كثرتها وتنوعها‪ ،‬فهي تكاد‬ ‫تشمل كل مجال‪ .‬فالمؤسسات التعليمية كمدارس‬ ‫البنين والبنات‪ ،‬والمرافق الصحية كالمستوصفات‬ ‫والعيادات والمستشفيات منتشرة في كل مكان‪.‬‬

‫التعليم‬

‫ففي مجال التعليم مثالً‪ ،‬فتوجد في جدة ‪ 46‬مدرسة‬ ‫ابتدائية للبنين تستوعب ‪ 32‬ألف طالب‪ ،‬و‪ 16‬مدرسة‬ ‫إعدادية تضم بين جدرانها ‪ 8248‬طالباً‪ ،‬وست مدارس‬ ‫ثانوية تحتضن ‪ 3660‬طالباً‪.‬‬

‫أما في مجال تعليم البنات فيوجد في جدة ‪45‬‬ ‫مدرسة ابتدائية تضم ‪ 23969‬طالبة‪ ،‬وتسع مدارس‬ ‫متوسطة تضم ‪ 5478‬طالبة‪ ،‬ومدرستان ثانويتان يتلقَّى‬ ‫العلم فيهما أكثر من ‪ 2000‬طالبة‪ ،‬وفيها كذلك معهد‬ ‫للمعلمات‪ ،‬ثانوي ومتوسط‪ ،‬يحتضن أكثر من ‪300‬‬ ‫طالبة‪ ،‬هذا بالضافة إلى المدارس والمعاهد أ‬ ‫الهلية‬ ‫إ‬ ‫والخاصة للبنين والبنات‪ ،‬على اختالف مستوياتها‪،‬‬ ‫وهي كثيرة ومتنوعة‪ ،‬ومنها الليلية والنهارية‪.‬‬

‫وأثناء جولتنا زرنا بعض هذه المؤسسات التعليمية‬ ‫كمدارس الثغر النموذجية التي تُعد من أرقى المدارس‬ ‫في المنطقة‪ .‬فهذه المؤسسة تتماشى مع أحدث‬ ‫الطرق التربوية‪ ،‬ويتلقَّى العلم في مراحلها االبتدائية‬ ‫والمتوسطة والثانوية ‪ 1623‬طالباً‪ ،‬وهي تهتم‬ ‫بالنواحي العلمية والرياضية وفيها أربعة معامل‪:‬‬ ‫واحد للعلوم وآخر للكيمياء وثالث للطبيعة‪ ،‬والرابع‬ ‫خاص بتعليم اللغة إالنجليزية‪.‬‬ ‫ومن أهم الصروح العلمية التي زرناها في جدة‬ ‫جامعة الملك عبدالعزيز الفتية التي أصبحت اليوم‬ ‫في مصاف الجامعات الراقية في الشرق أ‬ ‫الوسط‪ .‬فقد‬ ‫أنشئت هذه الجامعة في العام الدراسي ‪1388 - 87‬‬ ‫والدارة ولم يتجاوز تعداد طالبها‬ ‫بكلية لالقتصاد إ‬ ‫آنذاك ‪ 90‬طالباً وطالبة‪ .‬وفي أوائل عام ‪ 1391‬ضمت‬ ‫إلى نظام التعليم العالي بوزارة المعارف‪ ،‬بعد أن‬ ‫كانت جامعة أهلية‪ .‬واستمرت هذه الجامعة في النمو‬ ‫واالزدهار حتى بلغ عدد طالبها في الفصل أ‬ ‫الول من‬ ‫العام الدراسي ‪1395 - 94‬هـ (‪ )4950‬طالباً وطالبة‪،‬‬ ‫ومما يذكر أن حصة الجامعة من ميزانية الدولة للسنة‬


‫المالية ‪1396 - 95‬هـ‪ ،‬أربت على ‪ 455‬مليون ريال‬ ‫سعودي‪ ،‬وصارت تضم خمس كليات هي‪ :‬التربية‪،‬‬ ‫الشريعة‪ ،‬آ‬ ‫الداب‪ ،‬االقتصاد‪ ،‬العلوم‪ .‬وفي أواخر هذا‬ ‫العام ستفتح فيها كلية للطب وأخرى للهندسة‪.‬‬ ‫ومن المؤسسات التعليمية البارزة التي زرناها أيضاً‬ ‫مركز الجيولوجيا التطبيقية الذي وقعت االتفاقية‬ ‫بإنشائه في محرم ‪( 1390‬مارس ‪ )1970‬بين وزارة‬ ‫البترول والثروة المعدنية وبرنامج أ‬ ‫المم المتحدة‬ ‫إالنمائي ومنظمة اليونسكو‪.‬‬

‫الصحة‬

‫وفي المجال الصحي‪ ،‬توجد في جدة مستشفيات‬ ‫حكومية كبيرة وعدد من المستوصفات الدائمة‬ ‫والموسمية‪ .‬ومن أهم المستشفيات في جدة‪،‬‬ ‫المستشفى المركزي ويتسع لـ ‪ 315‬سريراً‪ ،‬ومستشفى‬ ‫الوالدة ويستوعب ‪ 120‬سريراً ويعمل فيه نحو حوالي‬ ‫خمسة عشر طبيباً‪ ،‬ثم مستشفى الرمد ويتسع لـ ‪60‬‬ ‫سريراً ويعمل فيه عشرة أطباء‪ ،‬ومستشفى الملك وفيه‬ ‫‪ 50‬سريراً ويعمل فيه ‪ 24‬طبيباً‪.‬‬

‫وفي جدة أيضاً سبعة مستوصفات دائمة‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫مستوصف أ‬ ‫المراض الصدرية‪ ،‬النزلة اليمانية‪ ،‬نزلة‬ ‫بني مالك‪ ،‬الهنداوية‪ ،‬الرويس‪ ،‬الكندرة‪ ،‬ومستوصف‬ ‫طريق مكة الكيلو ‪ .14‬وهناك مستوصفان موسميان‬ ‫يقامان أثناء الحج‪ ،‬أحدهما خاص بالحجاج القادمين‬ ‫بطريق الجو آ‬ ‫والخر بالحجاج الوافدين بطريق البحر‪.‬‬

‫الصناعة‬

‫وإذا ما تحولنا في حديثنا عن جدة إلى الناحية‬ ‫الصناعية فإننا نجد أن هناك مرافق كثيرة ومتنوعة‬ ‫والشارة إليها‪ .‬فهناك مثالً‪،‬‬ ‫يجدر الحديث عنها إ‬ ‫المؤسسات الصناعية المهمة كمؤسسة «بترومين»‬ ‫ومجمعها الصناعي الكبير المشرف على البحر‪،‬‬ ‫ومؤسسة الخطوط الجوية العربية السعودية التي تُعد‬ ‫أحد مظاهر النهضة الحديثة في البالد‪ ،‬وغير ذلك من‬ ‫المؤسسات الصناعية المرموقة‪.‬‬

‫ُيعد مستشفى الملك في جدة من المستشفيات الحديثة‬ ‫المجهزة بالمعدات الطبية المتطورة‬

‫طالبان من مركز الجيولوجيا التطبيقية يفحصان ِّ‬ ‫عينات من‬ ‫الصخور لمعرفة تركيباتها‬

‫مصنع الحديد والصلب‬ ‫أنشئ هذا المصنع لتلبية الطلب المتزايد على‬ ‫القضبان الحديدية المستعملة في البناء‪ ،‬وكخطوة‬ ‫أولى نحو إقامة صناعة متكاملة للحديد والصلب‬ ‫في المملكة‪ .‬وقد تم بناؤه في عام ‪1387‬هـ وصمم‬ ‫لتكون طاقته ‪ 45,000‬طن في السنة‪.‬‬

‫تنتشر مدارس البنين والبنات في مختلف أنحاء جدة وأحيائها‬

‫فمجمع مؤسسة «بترومين» في جدة‪ ،‬وهو بحق‬ ‫دعامة في صرح االقتصاد الوطني‪ ،‬يشتمل على ثالثة‬ ‫مرافق مهمة‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫مصفاة جدة‬ ‫قامت بترومين بتأسيسها عام ‪1388‬هـ‪ ،‬وأصبحت تنتج‬ ‫اليوم نحو ‪ 30,000‬برميل يومياً‪ ،‬كما أن هناك فكرة‬ ‫لتوسعتها مرة أخرى‪ .‬ويعمل في مصفاة جدة نحو‬ ‫‪ 800‬موظف‪.‬‬ ‫شركة بترومين لزيوت التشحيم (بترولوب)‬ ‫أنشئت هذه الشركة عام ‪1387‬هـ بقصد تصنيع‬ ‫زيوت التشحيم أ‬ ‫الساسية ومزجها وتعبئتها في صفائح‬ ‫وبراميل لتغطية احتياجات البالد المتزايدة من هذه‬ ‫المواد‪ .‬ويتوقع أن يصل إنتاجها في العام الحالي إلى‬ ‫نحو ‪ 100,000‬برميل‪.‬‬

‫الخطوط الجوية العربية‬ ‫السعودية‬

‫ومن المؤسسات البارزة في جدة مؤسسة «الخطوط‬ ‫عد بأسطولها الجوي‬ ‫الجوية العربية السعودية» التي تُ ُّ‬ ‫المتجول في مختلف العواصم‬ ‫الضخم‪ ،‬سفير المملكة‬ ‫ِّ‬ ‫والمدن الكبيرة التي تحط فيها‪ ،‬لقد أصبحت هذه‬ ‫المؤسسة‪ ،‬التي بدأت أعمالها في مايو ‪1945‬م بطائرة‬ ‫واحدة تعمل في خط داخلي بين جدة والرياض‬ ‫والظهران‪ ،‬من أكبر الخطوط الجوية العالمية ونشاطاتها‪.‬‬ ‫وصارت طائراتها تصل اليوم إلى ‪ 50‬مدينة كبيرة في ثالث‬ ‫قارات‪ ،‬وتنقل أكثر من مليون راكب سنوياً بأجر كامل‪.‬‬

‫وجدة‪ ،‬حقاً‪ ،‬مدينة صناعية تجارية نشطة‪ ،‬فيها‬ ‫عدد كبير من المؤسسات العامة والشركات الخاصة‬ ‫والفردية التي تسهم إلى حد كبير في تطوير الصناعة‬ ‫الوطنية ودعم اقتصاد البالد‪ ،‬ومنها ما يقف في‬ ‫مصاف كبريات الشركات في الشرق أ‬ ‫الوسط‪ ،‬سواء من‬ ‫ناحية كمية إالنتاج أو جودته‪.‬‬ ‫عد نواة لصناعات‬ ‫ومن أهم هذه الصناعات التي تُ ُّ‬ ‫أكبر‪ ،‬هي‪ :‬صناعة المواد الغذائية‪ ،‬وصناعة الغزل‬ ‫والنسيج‪ ،‬وصناعة أ‬ ‫الثاث‪ ،‬وصناعة المنتجات‬ ‫المعدنية‪ ،‬وصناعة المنتجات الكيماوية والبالستيكية‪،‬‬ ‫وصناعة مواد البناء‪ ،‬وصناعة المنتجات الورقية‪.‬‬

‫ً‬ ‫حاليا نحو ‪30,000‬‬ ‫منظر عام لمصفاة جدة التي يبلغ إنتاجها‬ ‫ً‬ ‫يوميا‬ ‫برميل من منتجات الزيت‬

‫تصوير‪ :‬علي‬ ‫عبدهللا خليفة‬ ‫ينتج مصنع بترولوب مختلف أنواع زيوت التشحيم الالزمة‬ ‫لمحركات البنزين والديزل وصندوق تروس تبديل القوة‬

‫شاهد المزيد‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫عثرت عليها في قاموس المنهل (فرنســي‪ -‬عربي)‪،‬‬ ‫للفظة ا ألُولى المُعَ َّل َم ُة ِبنُجَ ْيمَةٍ ُ‬ ‫مكن رَصْ دُ وزن هذه الكلمة لتوليد المدلوالت التــي نحتاجها في علوم الحيوان‬ ‫َهف‪ :‬صفة‬ ‫لمختلفة‪ .‬وقد نَحَ وْتُ على مثَالهَا فيما صغتُ من كلمات مذكورة أدناها ُم ْكت ٌ‬ ‫صفة للحيوان‬ ‫َرِض‪:‬‬ ‫لغةَا‪ .‬مُؤْ ت ٌ‬ ‫العربية َوتَجاويفه‬ ‫نعم‪..‬ال ُكهُوف والمَغَ ارَات‬ ‫يعيش في‬ ‫لحيــوان الذي ُ‬ ‫الضاد‬ ‫لذي يعيش في الأرض والوَحْ ل‪ ¯.‬مُجْ َتبِلٌ ‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في الجبال‪¯.‬‬ ‫محْ تَرِجٌ ‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في الأحْ رَاج والغَ ابَات‪ .‬مُخْ ت َِش ٌب‪ :‬صفة للحيوان‬ ‫الحاء‬ ‫للحيوان الذي يعيش في ال ِّرمَال‪ ¯.‬مُشْ ت َِجرٌ‪:‬‬ ‫لغةلٌ ‪ :‬صفة‬ ‫الشَ ب‪ُ .‬م ْرتَمِ‬ ‫لذي يعيش في الخَ‬ ‫صفة للحيوان الذي يعيش في ا ألَشْ جَ ار‪.‬م ُْصطَ ِح ٌر (أصْ ُلهَا م ُْصت َِحر)‪ :‬صفة للحيوان‬ ‫الصحْ رَاء‪ُ .‬م ْهتَذِ ٌب‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش‬ ‫الذي يعيش فــي َّ‬ ‫في المياه العَ ذْ بَة ( َمنْحُ وتَةٌ من َك ِل َمتَيْ ‪ :‬مَوَ ٌه (معناه المَاء)‪ +‬عَذْ ٌب)‪.‬‬ ‫ُم ْنتَقِ عٌ ‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في ال َمنَاقِ ع والمُسْ َت ْنقَعَ ات‪.‬‬ ‫ا ألُولى المُعَ َّل َم ُة ِبنُجَ ْيمَةٍ عثرتُ عليها في قاموس المنهل (فرنسي‪-‬‬ ‫للفظة‬ ‫عربي)‪ ،‬يمكن رَصْ دُ وزن هذه الكلمة لتوليد المدلوالت التي نحتاجها في علوم‬ ‫صغت من كلمات مذكورة أدناها‬ ‫ُ‬ ‫لحيوان المختلفة‪ .‬وقد نَحَ وْتُ على مثَالهَا فيما‬ ‫َرِض‪:‬‬ ‫يعيش في ال ُكهُوف والمَغَ ارَات َوتَجاويفهَا‪ .‬مُؤْ ت ٌ‬ ‫َهــف‪ :‬صفة للحيوان الذي ُ‬ ‫م ْكت ٌ‬ ‫صفة للحيوان الذي يعيش في الأرض والوَحْ ل‪ ¯.‬مُجْ َتبِلٌ ‪ :‬صفة للحيوان الذي‬ ‫عيش في الجبال‪ ¯.‬مُحْ تَرِجٌ ‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش فــي الأحْ رَاج والغَ ابَات‪.‬‬ ‫ل‪ :‬صفة للحيوان‬ ‫ــب‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في الخَ شَ ب‪ُ .‬م ْرتَمِ ٌ‬ ‫مخْ ت َِش ٌ‬ ‫لذي يعيش في ال ِّرمَال‪ ¯.‬مُشْ ت َِجرٌ‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في ا ألَشْ جَ ار‪.‬‬ ‫ب‪:‬‬ ‫الصحْ رَاء‪ُ .‬م ْهتَذِ ٌ‬ ‫مصطَ ِح ٌر (أصْ ُلهَا م ُْصت َِحر)‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في َّ‬ ‫ْ‬ ‫َي‪ :‬مَوَ ٌه (معناه‬ ‫صفة للحيوان الذي يعيش في المياه العَ ذْ بَة ( َمنْحُ وتَةٌ من َك ِل َمت ْ‬ ‫لمَاء)‪ +‬عَذْ ٌب)‪ُ .‬م ْنتَقِ عٌ ‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في ال َمنَاقِ ع والمُسْ ــ َت ْنقَعَ ات‪.‬‬ ‫عثرت عليها في قاموس المنهل (فرنســي‪ -‬عربي)‪،‬‬ ‫للفظة ا ألُولى المُعَ َّل َم ُة ِبنُجَ ْيمَةٍ ُ‬ ‫مكن رَصْ دُ وزن هذه الكلمة لتوليد المدلوالت التــي نحتاجها في علوم الحيوان‬ ‫َهف‪:‬‬ ‫لمختلفة‪ .‬وقد نَحَ وْتُ على مثَالهَا فيما صغتُ من كلمات مذكورة أدناها ُم ْكت ٌ‬ ‫َرِض‪:‬‬ ‫يعيش في ال ُكهُوف والمَغَ ارَات َوتَجاويفهَا‪ .‬مُؤْ ت ٌ‬ ‫صفة للحيوان الذي ُ‬ ‫صفة للحيوان الذي يعيش في الأرض والوَحْ ل‪ ¯.‬مُجْ َتبِلٌ ‪ :‬صفة للحيوان الذي‬ ‫عيش في الجبال‪ ¯.‬مُحْ تَرِجٌ ‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش فــي الأحْ رَاج والغَ ابَات‪.‬‬ ‫ل‪ :‬صفة للحيوان‬ ‫ــب‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في الخَ شَ ب‪ُ .‬م ْرتَمِ ٌ‬ ‫مخْ ت َِش ٌ‬ ‫لذي يعيش في ال ِّرمَال‪ ¯.‬مُشْ ت َِجرٌ‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في ا ألَشْ جَ ار‪.‬‬ ‫ب‪:‬‬ ‫الصحْ رَاء‪ُ .‬م ْهتَذِ ٌ‬ ‫مصطَ ِح ٌر (أصْ ُلهَا م ُْصت َِحر)‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في َّ‬ ‫ْ‬ ‫َي‪ :‬مَوَ ٌه (معناه‬ ‫صفة للحيوان الذي يعيش في المياه العَ ذْ بَة ( َمنْحُ وتَةٌ من َك ِل َمت ْ‬ ‫لمَاء)‪ +‬عَذْ ٌب)‪ُ .‬م ْنتَقِ عٌ ‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في ال َمنَاقِ ع والمُسْ ــ َت ْنقَعَ ات‪.‬‬ ‫‪73 | 72‬‬

‫لغويات‬

‫د‪ .‬غازي مختار طليمات‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫أمتعتني مجلة القافلة بمقالة‬ ‫عنوانها «العربيةُ ‪ ..‬هل هي‬ ‫لغة الضاد حقاً؟»‪ .‬وعن هذا‬ ‫السؤال أجاب الكاتب أ‬ ‫الستاذ‬ ‫غازي خيران الملحم إجابة‬ ‫جديد مفيد‪ .‬غير أن جديدها‬ ‫ممتعة‪ ،‬فيها‬ ‫ٌ‬ ‫عشاق العربية‪،‬‬ ‫ولما كنت من َّ‬ ‫يحتمل الحوار‪َّ .‬‬ ‫فقد خطر لي أن أجيب عن السؤال نفسه إجابة‬ ‫أخرى‪ ،‬ال للنقد والنقض‪ ،‬بل للقيام بحق‬ ‫علي‪.‬‬ ‫العربية َّ‬

‫خالصة المقالة المنشورة أن حرف «الحاء»‬ ‫الحلقي «من أصعب الحروف نطقاً على حناجر‬ ‫أ‬ ‫العاجم الذين يلفظونه «هاء» أو «خاء»‪.‬‬ ‫أ‬ ‫جدر بأن تُنسب إليه لغتنا‬ ‫وهو بذلك يكون ال َ‬ ‫الجميلة‪ ،‬فنقول بملء أفواهنا‪ :‬لغة الحاء»‪.‬‬

‫وقبل أن يُفضي الكاتب إلى هذا الرأي الجديد‬ ‫ذكر أبياتاً ألبي الطيب المتنبي وفخري البارودي‪،‬‬ ‫تسمي العربية «لغة الضاد»‪ ،‬وتفخر بهذا‬ ‫ِّ‬ ‫الحرف الفخم‪ ،‬ثم ر َّد على الفيروزبادي وبطرس‬ ‫البستاني لذهابهما هذا المذهب‪ .‬وحجته في‬ ‫إنكار ما ذهبا إليه «أن الضاد من أسهل الحروف‬ ‫للقوام أ‬ ‫نطقاً بالنسبة أ‬ ‫الخرى من غير العرب»‪،‬‬ ‫جبين ِّكل كلمة بمكروه‪،‬‬ ‫وأن حرف الضاد «يَ ِس ُم‬ ‫َ‬ ‫مثل‪ :‬ضجر‪ ،‬ضوضاء‪ ،‬ضالل‪ ،‬ضنك‪ ،‬ضنى‪،‬‬ ‫ضوى‪ ،‬ضراوة‪ ،‬ضرر»‪ .‬ثم استعرض ما في‬ ‫وقرر أن «حرف‬ ‫العربية من ألفاظ «حائية»‪َّ ،‬‬ ‫يحتكر أشرف المعاني وأقواها»‪ ،‬ومنها‬ ‫الحاء‬ ‫ُ‬ ‫«الحرية‪ ،‬الحياة‪ ،‬الحكم‪ ،‬الحكمة‪ ،‬الحالوة‪،‬‬ ‫الحالل‪ ،‬الرحمة»‪.‬‬

‫يحسن به أن‬ ‫ولقرار القارئ أو إنكار ما يقرأ‪،‬‬ ‫إ‬ ‫ُ‬ ‫يُمعن النظر في هذه الحجج محتكماً إلى‬ ‫المعجم وإلى ما يُعرف من لغات عايشت‬ ‫يتحرج من‬ ‫العربية‪ ،‬لكي يقبل ما يقبل‪ ،‬أو َّ‬ ‫القبول ويتريَّث‪.‬‬

‫أخص‬ ‫أولى هذه الحجج ‪-‬وهي أن الحاء ُّ‬ ‫بالعربية من الضاد‪ -‬تبدو مضعوفةً ‪ ،‬ألنه هذا‬

‫الحرف ‪ -‬على الرغم من صعوبة النطق به ‪-‬‬ ‫ليس ِح ْكراً على العرب‪ ،‬فهو الحرف الثامن من‬ ‫أبجديتي اللغتين‪ :‬العبرية والسريانية‪ .‬يُسميه‬ ‫ْ‬ ‫يث»‬ ‫يت» ويسميه‬ ‫«ح ْ‬ ‫ُ‬ ‫«ح ْ‬ ‫السريان ِ‬ ‫العبريون ِ‬ ‫وبذلك يبطل االحتكار‪.‬‬

‫ُّ‬ ‫وأدل ما يدلك على شيوعه في هاتين اللغتين‬ ‫انضواء كثير من أسماء المشاهير من اليهود‬ ‫والسريان على هذا الحرف مثل «حرقيال‪،‬‬ ‫وحاييم‪ ،‬وحسداي» من العبرانيين‪ ،‬و«إسحاق‪،‬‬ ‫ويوحنا‪ ،‬وعدناح» من السريان‪ .‬وإذا كان اليهود‬ ‫الغربيون يستصعبون نطق الحاء‪ ،‬فعذرهم‬ ‫أنهم ليسوا ساميين‪ ،‬أو أنهم عاشوا في‬ ‫فشرقت به َل َهواتُهم‪،‬‬ ‫مجتمعات ال تنطقه‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫هاء أو خاء‪.‬‬ ‫وحولته إلى ٍ‬ ‫َّ‬

‫لغات‬ ‫وربما خالط الحا ُء ‪ -‬وال أفتي بما ال أعلم ‪ٍ -‬‬ ‫كالرامية آ‬ ‫أخرى جاورت العربية آ‬ ‫والشورية‬ ‫وح ْس ُبك دليال ً على هذه المخالطة‬ ‫والقبطية‪َ .‬‬ ‫القبطي ورو ُده في أسماء عدد من‬ ‫للسان‬ ‫ّ‬ ‫الملوك الفراعنة‪ ،‬ومنهم «أحمس‪ ،‬وأمنحوتب‪،‬‬ ‫وحورمحب»‪ ،‬فالحاء إذاً ليس وقفاً على العرب‪.‬‬ ‫تتسمى به لغتهم؟‬ ‫فكيف‬ ‫َّ‬

‫أما حرف «الضاد» فقد خلت منه العبرية‬ ‫والسريانية‪ .‬وإذا قارنت أ‬ ‫اللفاظ الضادية العربية‬ ‫بما يرادفها من ألفاظ عبرية‪ ،‬وجدت الضاد فيها‬ ‫صاداً مهملة‪ .‬فكلمة «بيضة» العربية أصبحت‬ ‫في اللسان العبري «بيصا» بالصاد المهملة‪،‬‬ ‫بل إن الصاد نفسها ثقلت على اليهود الجدد‬ ‫فحولوها إلى «س» أو «تس»‪ .‬فكلمة أ‬ ‫«الرض»‬ ‫العربية تُنطق عندهم «ها ِآر ْص‪ ،‬أو ها ِآرتْ ْس»‪،‬‬ ‫يتمحض‬ ‫وفحوى ذلك أن حرف الضاد يكاد َّ‬ ‫للعرب‪ ،‬ال يشركهم في نطقه أحد‪.‬‬

‫وثانية الحجج ‪ -‬وهي أن حرف الحاء يحتكر‬ ‫الحصاء‬ ‫يع ُ‬ ‫وزها إ‬ ‫أشرف المعاني وأقواها ‪ُ -‬‬ ‫واالستقصاء‪ .‬فأنت تستطيع أن تستعرض‬ ‫عشرات أ‬ ‫اللفاظ إما فاؤها‪ ،‬أو عينها‪ ،‬أو المها‬ ‫ُ‬ ‫أحفل بالمكاره من أخواتها‬ ‫حاء‪ ،‬فإذا هي‬

‫فمما أوله حاء «الحرق والحرب‪،‬‬ ‫الضادية‪ِّ .‬‬ ‫والحمام»‪ .‬ومما‬ ‫والح َّمى ِ‬ ‫والحطَمة‪ُ ،‬‬ ‫والحميم ُ‬ ‫والحن والمحن‪،‬‬ ‫أوسطه حاء‬ ‫«السح ُق والمحق‪ ،‬إ‬ ‫ْ‬ ‫والوحشية والفحشاء»‪ .‬ومما آخره حاء «الجرح‬ ‫والفضح والترح»‪.‬‬ ‫والقرح‪ ،‬والنطح والذبح‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فهذه أ‬ ‫اللفاظ وأمثالها أوتيت من المكاره ما ال‬ ‫أ‬ ‫حد باحتماله‪.‬‬ ‫ِق َب َل ل ٍ‬ ‫وفي ثالثة الحجج ‪ -‬وهي أن الضاد من أسهل‬ ‫متسرع‪ ،‬يمكن الرجوع‬ ‫حكم‬ ‫الحروف نطقاً ‪ٌ -‬‬ ‫ِّ‬ ‫عنه‪ .‬فالضاد الخارجة من أفواه غير عربية وآلٌ‬ ‫مفخمة‪ ،‬أو ظا ٌء معجمة‪.‬‬

‫بل إن تحريف الضاد انتقل إلى ألسنة العرب‪،‬‬ ‫حتى صار بعض المصريين ينطقها ظاء مرة‬ ‫(ظابط = ضابط)‪ ،‬وداال ً أخرى (تدحك =‬ ‫تضحك)‪ ،‬وتاء ثالثة «مرفوت = مرفوض)‪.‬‬ ‫وفحوى ذلك كله أن نطق الضاد يشق على‬ ‫العرب المتأثرين باللغات أ‬ ‫الخرى‪ ،‬فكيف نقول‪:‬‬ ‫إن الضاد من أسهل الحروف نطقاً؟‬

‫يسم الكلمات‬ ‫والرابعة ‪ -‬وهي أن الضاد ُ‬ ‫بالمكاره ‪ -‬تعميم غير دقيق‪ .‬فقد تقع على‬ ‫عشرات الكلمات الضادية الوضيئة بالخير‬ ‫والبشر‪ ،‬الرافلة بنضارة العيش‪ ،‬المرفرفة في‬ ‫روضات الجنان‪ ،‬مهما اختلفت مواضع الضاد‬ ‫فيها‪ .‬فمن المبدوءة به‪« :‬الضياء والضحك‪،‬‬ ‫والضحى والضيوف»‪ ،‬ومن التي ورد فيها حشواً‪:‬‬ ‫«النضارة والحضارة‪ ،‬والرضوان والغضارة»‪،‬‬ ‫ومن المختومة به‪« :‬الوميض والغريض‪،‬‬ ‫والرياض والفياض»‪.‬‬

‫يسعدني أن أقول بملء فمي‪ :‬العربية لغة‬ ‫الضاد‪ ،‬ال لغة الحاء‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫تحقيق وتصوير‪ :‬ماجد المالكي‬

‫محمد‬ ‫الثقفي‪..‬‬

‫الرفيق بالصخر‬

‫فرشاة وإزميل‬

‫حين اقتربنا من مدخل محترف الفنان‬ ‫التشكيلي السعودي محمد الثقفي‪،‬‬ ‫القائم في جمعية الثقافة والفنون‬ ‫في الطائف‪ ،‬حيّ انا الفنان من حيث‬ ‫كان يقف على سطح المبنى وكأنه‬ ‫كان بانتظارنا‪ .‬وكانت الكتل الصخرية‬ ‫الكبيرة عند المدخل الفتة للنظر بشكل‬ ‫خاص‪ ،‬حتى بدا لنا وكأن الثقفي بنى‬ ‫محترفه على أرض صخرية تركت على‬ ‫حالها الطبيعية‪ .‬ولكن الثقفي جلب‬ ‫هذه الصخور إلى خارج محترفه كي‬ ‫ّ‬ ‫يحولها إلى منحوتات بعدما ُيعمل فيها‬ ‫ّ‬ ‫الفذة ثم أدواته الحادة‪ ،‬فيزيل‬ ‫موهبته‬ ‫عنها صممها لتتكلم مع الناظر إليها‪،‬‬ ‫وتقول ما في قلب الفنان من أفكار‪.‬‬


‫‪75 | 74‬‬

‫فوضى المكان المريحة‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫انشغاله بأفكاره الفنية ترك المحترف في حال‬ ‫الزوار أن نتفادى‬ ‫من الفوضى‪ ،‬فكان علينا نحن َّ‬ ‫أ‬ ‫الغبرة المنتشرة في كل مكان‪ ،‬والمرور بين‬ ‫الموزعة هنا وهناك‪ ،‬حتى إن المصور واجه صعوبة في‬ ‫المعدات‬ ‫ّ‬ ‫مكان يضع فيه عدة التصوير بحيث تكون آمنة ومستقرة‪.‬‬ ‫إيجاد ٍ‬ ‫ً‬ ‫الضيق مادياً‪ ،‬والواسع فنيا وسع أفكاره‬ ‫والدخول إلى عالم الفنان ِّ‬ ‫تعمه‪ ،‬مريح‪ .‬فالهواء يدخل‬ ‫وموهبته‪ ،‬رغم الفوضى المنظّمة التي ّ‬ ‫هذا المحترف بشكل لطيف وهادئ‪ ،‬وكأنه في دخوله يضفي على‬ ‫مساحة المحترف والموجودين فيه صفاء ونقاء‪.‬‬ ‫تتوزع في المحترف طاوالت مختلفة المقاسات‪ ،‬وفوق كل‬ ‫واحدة منها عرض عمل أو عمالن‪ .‬بعض هذه أ‬ ‫العمال اكتمل‬ ‫ُ‬ ‫ليصبح قابال ً للعرض أمام الجمهور‪ ،‬وبعضها ما زال ينتظر‬ ‫اللمسات أ‬ ‫ستحوله من صخرة بكماء‪ ،‬إلى منحوتة‬ ‫الخيرة التي‬ ‫ّ‬ ‫يضيفها الثقفي إلى مجموعته الكبيرة من المنحوتات‪ .‬ويغلب‬ ‫على أ‬ ‫العمال الموجودة في المحترف نمط رئيس‪ ،‬حيث المنحوتة‬ ‫وحدة جمالية تنقسم بين صخر أملس معالَج ومقطع تزيّنه‬ ‫الخطوط العربية‪.‬‬ ‫ولكي يطلعنا الثقفي على طبيعة عمله وأدواته المختلفة كثيراً عما‬ ‫يمكن أن نصادفه في محترفات الفنانين‪ ،‬بدأ بتحضير العدة التي‬ ‫يستخدمها في عمله انطالقاً من أدوات السالمة مثل القفازات‬ ‫والكمامات‪ ،‬ثم بدأت أصوات آالت النحت الكهربائية بالتصاعد من‬ ‫أدوات «الجلخ»‪ ،‬إلى أدوات التنعيم والتقطيع‪ ..‬ورغم الضجة التي‬

‫تثيرها والتي تشعرك بأنك في ورشة صناعية‪ ،‬إال أن هذه آ‬ ‫الالت‬ ‫تتحرك بليونة وخفة بين يديه‪ ،‬وكأنها تعرف ما يريده منها‪ ،‬أو كأنها‬ ‫اتفقت مع الصخر على ما ستتوصل إليه معه‪ ،‬بل يمكن القول إن‬ ‫هذه المعدات في يد الفنان الثقفي تبدو وكأنها امتداد ليديه اللتين‬ ‫يحول جسده‬ ‫تتلقَّيان أوامرهما من دماغه‪ .‬ففي لحظة عمله تراه ِّ‬ ‫آ‬ ‫والالت التي يعمل بها إلى قطعة واحدة‪.‬‬

‫الصخور المطواعة‬

‫في المحترف مواد أخرى غير الصخور‪ ،‬منها اللدائن البالستيكية‬ ‫تتحضر لكي تتواءم مع الصخر‬ ‫وقطع الخشب وقطع حديدية‪ ،‬كلها ّ‬ ‫المنحوت‪ ،‬فتشكّل منحوتة منوعة المواد ذات رسالة واحدة تشترك‬ ‫تلك المواد في تحقيقها‪.‬‬

‫إن المملكة غنية بأنواع ال حد‬ ‫لها من الصخور ذات األصول‬ ‫الجيولوجية المختلفة‪ ،‬التي‬ ‫تتمتع بألوان فريدة في بعض‬ ‫ً‬ ‫نظرا لتعدد العصور‬ ‫األحيان‪،‬‬ ‫الجيولوجية التي مرّ ت على‬ ‫أرض شبه الجزيرة العربية‪.‬‬


‫أ‬ ‫التعرف إلى المادة الرئيسة‬ ‫وبعد استعراض العمال كان ال بد من ّ‬ ‫التي يستخدمها الفنان التشكيلي وهي أنواع الصخور ومصادرها‪،‬‬ ‫فاقترح علينا ‪-‬ببادرة كريمة‪ -‬اصطحابنا إلى منطقة الردف القريبة‪،‬‬ ‫التي هي عبارة عن متنزه عام‪ ،‬وفي الوقت عينه مصدر رئيس‬ ‫للصخور التي ينحتها‪.‬‬ ‫يقول محمد الثقفي إن المملكة غنية بأنواع ال حد لها من الصخور‬ ‫ذات أ‬ ‫الصول الجيولوجية المختلفة‪ ،‬التي تتمتع بألوان فريدة في‬ ‫أ‬ ‫مرت على‬ ‫بعض الحيان‪ ،‬نظراً لتعدد العصور الجيولوجية التي ّ‬ ‫أرض شبه الجزيرة العربية‪ .‬وهكذا اتجهنا جميعاً إلى الردف‪ ،‬وهناك‬ ‫اعتلى النحات إحدى الصخور الجرانيتية الرمادية الحادة والصقيلة‪،‬‬ ‫وتعامل معها وكأنها ستكون منحوتة له بعد َ ألْي‪ ،‬فأخذ يقاربها من‬ ‫كل الجهات ناظراً إليها بشغف وكأنه يتعامل مع كائن حي‪ ،‬ثم انتقل‬ ‫يعدها للقطع‬ ‫إلى جانب آخر من الصخرة وأخذ يرسم خطوطاً وكأنه ّ‬ ‫لتصبح منحوتة فنية مصقولة جميلة‪ .‬وكانت هذه الزيارة إلى موقع‬ ‫الصخور‪ ،‬أي منجم مواد محمد الثقفي‪ ،‬مناسبة كشفت عالقة‬ ‫حميمة بين النحات ومادته أ‬ ‫الصلية حيث أخذ الفنان يتنقل بين‬ ‫أرجائها وكأنها خشبة مسرح الحياة والنشوة‪.‬‬

‫يقول النحات الثقفي عن عالقته بالحجر إنها بدأت منذ طفولته‬ ‫حيث كانت الصخور الجرانيتية في مسقط رأسه في الثقيف ملعب‬ ‫طفولته‪ .‬فنشأت بينه وبين هذه الصخور عالقة صداقة وأُلفة‪،‬‬ ‫تمسها يد‬ ‫خصوصاً مع تلك التي تتخذ أشكاال ً طبيعية من دون أن أ ّ‬ ‫إنسان‪ .‬والصخور الجرانيتية بسبب صالبتها وسطحها الملس قابلة‬ ‫ألن تتحول إلى أعمال فنية طبيعية بمرور الزمن وخضوعها لعوامل‬ ‫التعرية الطبيعية مثل الرياح والتبدالت الحرارية والرياح‪.‬‬ ‫نحات محلي يص َّنف بين‬ ‫بعد تطور تجربته‬ ‫وتحوله من ّ‬ ‫ّ‬ ‫نحات عالمي يمثل المملكة العربية‬ ‫النحاتين الشباب إلى ّ‬ ‫تطورت عالقته‬ ‫السعودية في المحافل الفنية العالمية‪ّ ،‬‬ ‫بالصخور‪ ،‬وانتقل في البحث عنها من تالل الثقيف إلى جبال‬ ‫الدار الحمراء ببني سعد وصوال ً إلى الردف بالطائف‪ .‬ولم‬ ‫أ‬ ‫وجه بوصلته‬ ‫يتوقف المر عند حدود تضاريس مدينته‪ ،‬وإنما َّ‬ ‫شرقاً إلى هضبة نجد‪ ،‬وراح يتجه جنوباً ُليشبع نهمه من التنوع‬ ‫قص منها قطعاً ومكعبات تباشرك‬ ‫ومن الخامات الطبيعية التي ّ‬ ‫بالترحيب في مدخل محترفه‪ ،‬وهي منصوبة في أكوام متوزعة‬ ‫بين جنبات المدخل‪.‬‬


‫‪77 | 76‬‬

‫تجربة شابة مم ّيزة‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫كانت عالقته بالصخور قد بدأت بالنظر‪ ،‬ثم راحت تتطور إلى‬ ‫عالقة تبادل للمشاعر‪ .‬لم يحمل النحات إزميله ليجبر الصخرة على‬ ‫روضها لتعاونه في‬ ‫وطوعها ثم ّ‬ ‫أن تكون ما يريد‪ ،‬بل تحاور معها ّ‬ ‫أن تصبح فكرة من أفكاره‪ .‬ثم مع مرور الوقت‪ ،‬وبدء االعتياد على‬ ‫النقش في الصخر‪ ،‬بدأ الثقفي يتعرف إلى جماليات الحرف العربي‬ ‫تدخل‪ ،‬لذا قام‬ ‫الذي بدوره يشكِّل لوحة أو عمال ً فنياً قبل أي ّ‬ ‫بإدخاله كعنصر جمالي إضافي تارة‪ ،‬أو أساسي تارة أخرى‪ ،‬في كثير‬ ‫من منحوتاته‪.‬‬ ‫وخلّد الثقفي في هذه المنحوتات ذكرياته وأفكاره بتعدد أساليبه‬ ‫وألوانه بالتعامل مع الكتل والفراغ والحجم‪ ،‬وصنع تحفاً فنية‬ ‫ببعد ثالثي محققاً التناغم الشكلي لتكتسب منحوتاته قوتها من‬ ‫بساطتها ووضوحها‪ .‬تارة تجده ينحت في الصخر أو الرخام‬ ‫والحجر‪ ،‬وتارة أخرى ينهمك في نحت تجميعي تشكيلي لخامات‬ ‫عديدة‪ ،‬ما أكسب أعماله رونقاً مميزاً وشخصية مميزة جذبت‬ ‫الشارة إلى أن تجربة‬ ‫عديداً من النقَّاد الفنيين‪ .‬وال بد من إ‬ ‫الثقفي الشابة تطورت تطوراً كبيراً‪ ،‬يقر له به كل الذين تابعوا‬ ‫مسيرته الفنية عن قرب‪ ،‬خاصة حين أنهى دراسته لنيل درجة‬ ‫الماجستير‪.‬‬ ‫وعن سبب اختياره لفن النحت كوسيلة تعبير دون غيره من الفنون‬ ‫التي تبدو أسهل في التنفيذ‪ ،‬يقول الثقفي إنه اختار النحت بعد‬ ‫ممارسة العمل التشكيلي المسطّح وشبه المجسم‪« ،‬إلى أن‬ ‫توصلت إلى بغيتي وما يمثل إحساسي في أ‬ ‫العمال النحتية»‪ .‬أما‬ ‫َّ‬ ‫بالنسان‬ ‫اللهام في أعماله‪ ،‬فيقول‪« :‬أنا مشغول إ‬ ‫عن مصدر إ‬ ‫وقضاياه الفكرية والنفسية والثنائية التي تبدأ بالرجل والمرأة‪...‬‬ ‫وحتى الحياة والموت»‪.‬‬ ‫بعد انتهاء رحلتنا إلى محترف الفنان محمد الثقفي خرجنا وجعبتنا‬ ‫مملوءة بمعلومات مهمة عن فن النحت‪ ،‬وبأفكار فنان شغوف بفنه‪.‬‬ ‫أ‬ ‫فامتلنا من حرفية المكان وفوضاه وكونه مصنعاً لرغبات فنية‪،‬‬ ‫وكذلك من معلومات الفنان نفسه التي ال يبخل بها على باحث أو‬ ‫سائل؛ ألنه يرى بأن نشر ثقافة النحت واحدة من مهامه أ‬ ‫الثيرة‪ ،‬كما‬ ‫هي أهمية نشر أفكاره بواسطة المنحوتات‪.‬‬

‫مشاركات ومعارض‬

‫له مشاركات محلية ودولية عديدة‪ ،‬وم ّثل المملكة في كثير‬ ‫من المعارض العالمية‪ ،‬وحقق مراكز متقدمة ونال شهادات‬ ‫عديدة‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬

‫لم يحمل َّ‬ ‫النحات إزميله ليجبر‬ ‫الصخرة على أن تكون ما يريد‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وطوعها ثم‬ ‫بل تحاور معها‬ ‫ّ‬ ‫روضها لتعاونه في أن تصبح‬ ‫فكرة من أفكاره‪.‬‬



‫حي األميركان‬

‫‪79 | 78‬‬

‫بيت الرواية‬

‫لجبُّ ور الدويهي‬

‫قصة مدينة واحدة وشخصين‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫لجبور الدويهي‪،‬‬ ‫«حي الميركان»‪ ..‬هي الرواية الخيرة ّ‬ ‫في سلسلة أعمال بدأت قبل ربع قرن بمجموعة‬ ‫قصصية‪ ،‬أتبعها بخمس روايات تُرجمت إلى معظم‬ ‫اللغات أ‬ ‫الوروبية‪ ،‬وانتزع بعضها جوائز عربية وعالمية‬ ‫مثل روايته «شريد المنازل» التي حضرت أيضاً على‬ ‫الالئحة القصيرة لجائزة «بوكر» للرواية العربية‪ ،‬إلى‬ ‫جانب «مطر حزيران» أيضاً‪.‬‬ ‫يتابع الخط الرئيس للرواية حياة شاب من أحد أحياء المدينة تصل به ظروفه إلى‬ ‫االلتحاق بأحد التنظيمات السياسية المقاتلة‪ .‬ويعود اسم «حي أ‬ ‫الميركان» في‬ ‫أ‬ ‫مبشرون في بدايات القرن الماضي هي «مدرسة طرابلس‬ ‫الساس إلى مدرسة بناها ِّ‬ ‫أ‬ ‫للصبيان»‪ ،‬المعروفة على المستوى الشعبي بمدرسة الميركان‪ .‬المدرسة نفسها ال‬ ‫تظهر في الرواية‪ ،‬كما ال تظهر أي آثار لها في نمط المعيشة أو التفكير على أهل‬ ‫الحي‪ ،‬وهو من أ‬ ‫الحياء التي تسارعت الظروف المعيشية في تحويلة إلى أحد أشد‬ ‫أحياء المدينة اكتظاظاً وفقراً‪ .‬والحقيقة أن هذا الروائي المرهف الحس والشديد‬ ‫القرب من الناس وأوجه حياتهم اليومية‪ ،‬ينجح في نقل صورة شديدة االلتصاق‬ ‫ويميز تفكير أهلها على اختالف انتماءاتهم‪.‬‬ ‫يميزها‪ّ ،‬‬ ‫بمدينة لها كثير مما ّ‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬

‫وبطبيعة الحال‪ ،‬فإن الفترة التي تجري فيها أحداث الرواية ما زالت حاضرة‬ ‫ومستمرة‪ ،‬وكثير من أخبار المدينة ال يزال يتصل بشكل أو بآخر بمجريات الرواية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مرت قبلها بمراحل أفقدتها كثيراً من أوجه جمالها‬ ‫قد‬ ‫المدينة‬ ‫كانت‬ ‫فترة‬ ‫كما أنها‬ ‫َّ‬ ‫وبحبوحتها‪ ،‬ومن جملة ذلك تبدل أحوال أحياء فيها كانت معروفة بتجارات أو‬ ‫صناعات معينة‪ ،‬ومحاطة ببساتين الليمون‪ ،‬الذي أعطى المدينة لقبها «الفيحاء»‬ ‫الذي أصبح غير ذي مدلول بعد أن قُطعت أ‬ ‫الشجار وأجهز على كثير منها‪ .‬تدور‬ ‫أحداث رواية الدويهي أ‬ ‫الخيرة في مدينة طرابلس‪ ،‬شمال لبنان‪ .‬والزاوية التي تُسرد‬ ‫بتطورات نعيشها اليوم‪ ،‬وتعيشها مدينة طرابلس‬ ‫منها أحداثها تتصل مباشرة ّ‬ ‫نفسها أكثر من غيرها من المدن‪.‬‬


‫والحقيقة أن لطرابلس المدينة‬ ‫خصوصيات كثيرة‪ ،‬من اختبرها‬ ‫سوف يزداد استمتاعاً بقراءة‬ ‫الرواية‪ ،‬التي تختلف عن سابقاتها‬ ‫باتصالها بظرف سياسي آني‪ ،‬وإن‬ ‫كانت خلفياته تعود في الحقيقة إلى عقود سابقة بال‬ ‫شك‪ .‬رغم ذلك‪ ،‬طرحنا على الروائي السؤال‪ :‬هل أنت‬ ‫نادم على كتابة هذه الرواية ولو من ناحية االنتقال‬ ‫من الحبكة االجتماعية الخالصة (والقروية إلى حد‬ ‫بعيد) في رواياتك السابقة‪ ،‬إلى موضوع هادف سياسياً‬ ‫التحول‬ ‫وساخن ويزداد سخونة كل يوم‪ ،‬وكأنه نوع من‬ ‫ّ‬ ‫يصعب التراجع عنه فأجاب‪:‬‬ ‫ً‬ ‫«وهل ينفع الندم في هذا الباب؟ ال أنفي مطلقا أني‬ ‫بدأت انتسابي إلى السرد الروائي بمحاولة مكررة‪ ،‬ربما‬ ‫لكتابة مقاطع من مرويات شفهية على لسان أمي‪ ،‬أو‬ ‫أصدقاء رواة بالفطرة يستعيدون فصوال ً من حياتهم‬ ‫العامة وسير شخصيات بعينها تمتاز بفرادتها‪.‬‬ ‫والواقع أني «نزلت» قبل «حي أ‬ ‫الميركان» إلى بيروت‬ ‫ّ‬ ‫العاصمة في رواية «شريد المنازل» عندما حاولت‬ ‫تصوير يوميات وأوهام جيل هو جيلنا‪ ،‬عشية الحرب‬ ‫الهلية‪ .‬أما روايتي أ‬ ‫أ‬ ‫الخيرة فلم أختر االستهداف‬ ‫حيز‬ ‫«السياسي» بقدر ما أعملت على إعادة إنتاج ِّ‬ ‫مديني أعرفه جيداً‪ ،‬لني تعلّمت في مدارسه وعلّمت‬ ‫في جامعته‪ ،‬وأقصده يومياً للقاء أ‬ ‫الصدقاء‪ ،‬وأعني‬ ‫مدينة طرابلس‪ ،‬التي أنتسب إليها ولو مناصفة مع‬ ‫بلدتي أ‬ ‫الم‪ .‬وما ناداني هناك هو إدراكي بأن المدينة‬ ‫تم ّثل نموذجاً لتحوالت مجتمع بين تداعي فئة الوجهاء‬ ‫والزعامات التقليدية مع صعود دعوات العمل‬ ‫السياسي على خلفيات جديدة‪ ،‬وتو ّزع المدينة على‬ ‫شطرين مختلفين من حيث مستوى المعيشة وأنماط‬ ‫العمران والمالبس والواجهات‪ .‬وأكثر ما «استفزني»‬ ‫هي تلك المواجهة المكانية الالفتة بين ضفّتي نهر‬ ‫المدينة‪ ،‬قلعة صليبية ضخمة من الحجر الرملي‬ ‫حي فقير مكتظ تتراكم فيه البيوت‬ ‫الصامد ومقابلها ّ‬ ‫هشة ال تدخلها‬ ‫فوق بعضها وهي‬ ‫مشيدة من مواد بناء ّ‬ ‫السيارات بل يضطر ّأهلها لصعود أ‬ ‫الدراج ونزولها تلبية‬ ‫لحاجاتهم اليومية‪ ،‬هذا ما سميته «حي أ‬ ‫الميركان»‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫والحي باسمه هذا قائم فعال ً في الجوار القريب»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تسرد الرواية مسار بيئتين اجتماعيتين على طرفي‬ ‫الولى أ‬ ‫نقيض في المدينة‪ :‬أ‬ ‫والساسية متمثلة بالشاب‬ ‫إسماعيل محسن ابن العائلة الفقيرة‪ ،‬حيث أ‬ ‫الب‬ ‫عاطل من العمل أ‬ ‫والم تعمل لدى أحد بيوتات‬ ‫وجيه وطني‪ ،‬والثانية متمثلة بابن الوجيه عبدالكريم‬ ‫نفسه الذي يربى في دالل نسبي‪ ،‬لكن في بيت تضمر‬ ‫مكانته مع أ‬ ‫اليّام‪ ،‬يذهب للعيش في باريس بمساعدة‬ ‫صهر هو رجل أعمال سعودي‪ ،‬يجد له عمال ً هناك‪.‬‬ ‫ونتابع مع الراوي المسارين كأننا نتابع خطي قطار‬ ‫بتالق‬ ‫يلتقيان أويتقاطعان‪ ..‬إلى أن تنتهي الرواية ٍ‬ ‫محدد‪ ..‬أما الشخصية‬ ‫مفتوح الفق على مستقبل غير َّ‬

‫الثالثة في الرواية فهي أم إسماعيل التي ورثت العمل‬ ‫لدى آل ع َّزام عن والدتها‪ ،‬التي تلعب في الرواية‬ ‫بالضافة إلى أنها‬ ‫دور همزة الوصل بين المسارين‪ ،‬إ‬ ‫الشخصية التي يصور الراوي عبرها أ‬ ‫الوجه المختلفة‬ ‫جبور الدويهي نفسه من قرية‬ ‫لحياة الحي والمدينة‪ّ .‬‬ ‫زغرتا‪ ،‬ترعرع وعاش في مدينة طرابلس القريبة وتردد‬ ‫كثيراً على العاصمة بيروت‪ ،‬حيث التيارات الشبابية‬ ‫والنشاطات الثقافية‪ .‬في «عين وردة» و«مطر حزيران»‬ ‫كان «حكواتي» ابن القرية بالدرجة أ‬ ‫الولى‪ ،‬في «حي‬ ‫أ‬ ‫الميركان» تحول إلى حكواتي ابن المدينة‪ .‬وال نقول إنه‬ ‫غير ترس‬ ‫اختلف فع أالً‪ ،‬ولكن‪ ،‬وكأنّه في قيادته للسرد ّ‬ ‫السرعة‪ ،‬المر الذي يعلّق عليه بقوله‪:‬‬ ‫«ال شك في أن كل موضوع تختاره للرواية يستدعي‬ ‫معه لغته‪ ،‬خصوصاً إذا كان المشروع الروائي يسعى‬ ‫للتعبير عن مناخ اجتماعي ثقافي بعينه في حقبة‬ ‫تاريخية محددة‪ .‬وهذا ما يحصل في كتبي عندما‬ ‫تتغير بيئتها‪ .‬يبقى بالطبع أني أحمل دمغة أولية فيها‬ ‫ّ‬ ‫شيء واضح من الراوي الشفهي‪ .‬فرواياتي تخرج من‬ ‫هذه التوليفة‪ ،‬من هذا االلتقاء بين المكتوب والمحكي‪،‬‬ ‫بين المديني والقروي‪ ،‬بين حقبات متوالية أو متزامنة‬ ‫من حياتنا‪ ،‬في بلد تمتزج فيه أنماط الحياة بسرعة كأن‬ ‫ينزح الريف بما هو إلى المدينة‪ ،‬أو أن يمتد النمط‬ ‫المديني إلى بلدات وحتى قرى مجاورة للعاصمة»‪.‬‬ ‫لغة الدويهي سلسة‪ ،‬تقترب اقتراباً شديداً من الكالم‬ ‫المحكي‪ ،‬لكنها تبقى سليمة وفصيحة‪ .‬علماً أنه نادراً ما‬ ‫المعربة مثل‬ ‫يستخدم تعبيراً أجنبياً رائجاً‪ ،‬بل التعابير‬ ‫َّ‬ ‫قرص مدمج أو حاسوب أو حتى تعبير غير مألوف مثل‬ ‫تحول»‪ ،‬وفي هذا ما يعكس مزاج مدينة‬ ‫ّ‬ ‫«أول جسر َّ‬ ‫طرابلس نفسها‪ ،‬الشديدة التمسك باللغة العربية‪.‬‬ ‫وفي هذا الشأن يقول الدويهي‪:‬‬ ‫«أميل إلى اللغة العربية المتماسكة‪ ،‬القادرة على‬ ‫استيعاب و«هضم» استعارات محكية ومحلية أحياناً‬ ‫وهي في أساسها عربية فصيحة‪ .‬وهذا ما نكتشفه‬ ‫في لغتنا المحكية في قرانا وبلداتنا التي اعتقد‬ ‫البعض لبرهة‪ ،‬ومن باب الجهل‪ ،‬أنها مطعمة أو‬ ‫متأثرة بالسريانية‪ ،‬والحقيقة أنها عربية عريقة‪ ،‬تعود‬ ‫إلى تعابير كانت تستخدم قديماً‪ ،‬ثم اختفت من‬ ‫االستخدام الفصيح‪ ،‬وبقيت عندنا»‪.‬‬ ‫يتسم السرد الروائي عند الدويهي بالحيوية والقدرة‬ ‫الشياء أ‬ ‫على تصوير تفاصيل أ‬ ‫والمكنة‪ ،‬ما يجعل‬ ‫القارىء يعايشها بما يقارب اللمس‪ .‬وكأن الراوي يحمل‬ ‫آلة مسح ضوئي فال يفلت من نظره شيء ذو مدلول!‬ ‫أو كأن لديه مخزوناً ال ينضب من أ‬ ‫الشياء التي سجلتها‬ ‫عدسته الحساسة‪ ،‬تنصهر في الرواية لتضفي عليها‬ ‫مناخاً شديد الصدقية‪ .‬فيقول‪:‬‬ ‫«أسعى دائماً الستخراج المعنى من التفاصيل‪ ،‬من‬ ‫الشياء أ‬ ‫الحداث الصغيرة‪ ،‬من أ‬ ‫أ‬ ‫والغراض‪ ،‬وليس من‬ ‫تقديم االنطباعات أو أي شكل من التحليل النفسي أو‬

‫االجتماعي‪ ،‬ولو على لسان الشخصيات‪ .‬فالرواية في‬ ‫نظري هي تحديداً االحتيال على الرسائل المباشرة‪،‬‬ ‫و«تهريب» المعنى من خالل التفاصيل‪ .‬وأنا ممن يملكون‪،‬‬ ‫ومنذ مقاعد الدراسة‪ ،‬ذاكرة بصرية‪ .‬فأتذكر الكلمات‬ ‫والجمل كما وردت في صفحاتها‪ .‬هكذا أيضاً أتصرف‬ ‫باللغة في السياقات الوصفية‪ .‬والمسألة في النهاية تكمن‬ ‫في حسن اختيار التفاصيل وليس إالكثار منها‪ .‬فربما تقرأ‬ ‫تخيل موضوعه فيما يكفي تفصيل‬ ‫وصفاً طويال ً تعجز عن ّ‬ ‫واحد أو اثنان لجعل الشخصية أو المكان مرئيين»‪.‬‬ ‫تبدأ «حي أ‬ ‫الميركان» وتنتهي متنقّلة بين المشاهد‬ ‫والشخصيات بشكل يحافظ على درجة عالية من‬ ‫الدائم‪ .‬لكن قد تكون نهايتها أبلغ ما فيها‪.‬‬ ‫التشويق ّ‬ ‫فإسماعيل محسن الذي تقوده ظروفه االجتماعية وبيئته‬ ‫حيه إلى االلتحاق بجماعة مقاتلة‪ ،‬يتراجع في‬ ‫وأهل‬ ‫اللحظة ّ أ‬ ‫حيه‪ ،‬وكأنه و ِلد من جديد‪..‬‬ ‫إلى‬ ‫ويعود‬ ‫خيرة‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫صوره واسمه في أ‬ ‫الزقّة‬ ‫وحين يصل إلى الحي يجد‬ ‫باعتباره شهيداً‪ .‬وخوفاً من االعتقال للتحقيق معه‪ ،‬يلجأ‬ ‫إلى دارة آل ع َّزام التي كان عبدالكريم قد عاد إليها بعد‬ ‫قصة حب في باريس انتهت نهاية حزينة‪ .‬وفي الختام‪،‬‬ ‫يعطينا الراوي «طرف خيط» من أ‬ ‫المل والتفاؤل الذي‬ ‫نلمسه في هذا الود الذي نما بين الشخصيتين والذي‬ ‫يتلخص بوعد عبدالكريم لوالدة إسماعيل بأنه ال بد‬ ‫ّ‬ ‫البنها أن يعود‪ ،‬وذلك كي يرد إليه معطف الحبيبة التي‬ ‫اختفت في باريس‪ ،‬ويأخذ شجرة «بونزاي البرتقال»‬ ‫النادرة التي وعده بها‪ .‬شيء ما هنا يقول إن لنافذة‬ ‫التفاؤل مكانها في مثل هذه المشاعر إالنسانية‪.‬‬ ‫حوا‬ ‫كميل َّ‬

‫جبور بولس الدويهي‬ ‫حصل دروسه‬ ‫من مواليد زغرتا‪ ،‬شمال لبنان‪1949 ،‬م‪ّ .‬‬ ‫االبتدائية والثانوية في مدينة طرابلس‪ .‬حائز إجازة‬ ‫في أ‬ ‫الدب الفرنسي من كلية التربية في بيروت وعلى‬ ‫أ‬ ‫دكتوراة في الدب المقارن من جامعة باريس الثالثة‬ ‫(السوربون الجديدة)‪ .‬أستاذ أ‬ ‫الدب الفرنسي في‬ ‫الجامعة اللبنانية‪ .‬قام بترجمة عدة مؤلفات أدبية‬ ‫وعامة من الفرنسية إلى العربية‪.‬‬ ‫مؤلفاته الروائية‪:‬‬ ‫• الموت بين أ‬ ‫الهل نعاس‪ ،‬مجموعة قصص قصيرة‪ ،‬دار‬ ‫المطبوعات الشرقية‪ ،‬بيروت‪1990 ،‬‬ ‫• اعتدال الخريف‪ ،‬رواية‪ ،‬دار النهار‪ ،‬بيروت‪.1995 ،‬‬ ‫• ريّا النهر‪ ،‬رواية‪ ،‬دار النهار‪ ،1998 ،‬دار الساقي ‪2014‬‬ ‫• عين ورده‪ ،‬رواية‪ ،‬دار النهار‪.2002 ،‬‬ ‫• مطر حزيران‪ ،‬دار النهار‪ ،2006 ،‬دار الساقي ‪.2013‬‬ ‫• شريد المنازل‪ ،‬دار النهار‪ ،2010 ،‬دار الساقي ‪.2012‬‬ ‫• حي أ‬ ‫الميركان‪ ،‬دار الساقي‪. 2013 ،‬‬ ‫• روح الغابة‪ ،‬قصة للصغار بالفرنسية‪ ،‬دار حاتم‪.2001 ،‬‬


‫‪81 | 80‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫الجهود الفردية‬ ‫لمترجمين عرب‬ ‫تواصل ثقافتنا العربية انتشارها ف ي�‬ ‫الغرب بجهود تم� ي ن‬ ‫جم� عرب أخذوا عىل‬ ‫ف‬ ‫عاتقهم مهمة المشاركة ي� نقل أهم‬ ‫الغر�‪ .‬وبالفعل‪،‬‬ ‫المؤلفات العربية إىل القارئ ب ي‬ ‫الخ�ات المتخصصة أسهمت‪ ،‬وتسهم‬ ‫فإن هذه ب‬ ‫كب� ف ي� تعريف الغرب إىل تراثنا‬ ‫حد ي‬ ‫اليوم‪ ،‬إىل ٍّ‬ ‫ف‬ ‫الثقا� والحضاري‪ .‬ولها‪ ،‬إىل جانب حفنة من‬ ‫ي‬ ‫المستعرب� أ‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫الثقا�‬ ‫المناء‪ ،‬الفضل ف ي� إثراء التبادل‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫والمعر�‪.‬‬ ‫ي‬ ‫فمن إسبانيا مثال‪ ،‬نذكر أ‬ ‫الديب والكاتب ش‬ ‫والنا�‬ ‫ً‬ ‫ت‬ ‫والم�جم العر ق يا� عبدالهادي سعدون‪ ،‬الذي ترجم‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ث‬ ‫ين‬ ‫االتجاه� لسماء‬ ‫وإسبا� ي�‬ ‫عر�‬ ‫أك� من مئة ٍّ‬ ‫ي‬ ‫نص ب ي‬ ‫معروفة وأخرى شابَّة‪ .‬والدكتور وليد صالح الخليفة‬ ‫ق أ‬ ‫والسالمية‬ ‫العر يا� الصل‪ ،‬أستاذ الدراسات العربية إ‬ ‫ف ي� جامعة أوتونوما بمدريد‪ ،‬مؤلف «قرن ونصف من‬ ‫السبانية بعض‬ ‫العر�»‪ ،‬الذي ترجم إىل إ‬ ‫المرسح ب ي‬ ‫أعمال سعدهللا ونّوس ومحمد الماغوط وأحد دواوين‬ ‫ت‬ ‫البيا�‪.‬‬ ‫عبدالوهاب ي‬ ‫وأيضاً أ‬ ‫الديب والشاعر يونس صديق توفيق‪،‬‬ ‫المقيم ف ي� إيطاليا‪ ،‬الذي ترجم بعض كتب‬ ‫وج�ان والشنفري‬ ‫عر� ب‬ ‫الجاحظ والغز يال وابن ب ي‬ ‫كث�‪ .‬ومن إيطاليا‬ ‫وغ� ذلك ي‬ ‫ومجموعات قصصية ي‬ ‫أيضاً‪ ،‬نذكر الدكتور مالك الواسطي‪ ،‬الذي‬ ‫ألَّف ي ن‬ ‫باليطالية عن بدر شاكر السياب‬ ‫كتاب� إ‬ ‫ت‬ ‫التونس عز الدين‬ ‫البيا�‪ .‬والباحث‬ ‫وعبدالوهاب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫عناية‪ ،‬أ‬ ‫الستاذ ف‬ ‫نابول وجامعة‬ ‫جامعات‬ ‫إحدى‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫للتونس‬ ‫روما‪ ،‬وقد ترجم نصوصاً شعرية‬ ‫ي‬ ‫محمد الخالدي وبعض أعمال الشاعر اليم�ن‬ ‫ي‬ ‫اليطالية إىل‬ ‫عبدالعزيز المقالح‪ ،‬كما ترجم من إ‬

‫عبدالهادي سعدون‬

‫د‪ .‬وليد صالح الخليفة‬

‫بقلم‬

‫سها ِّ‬ ‫شريف‬ ‫ع�ين كتاباً‪ ،‬منها‪« :‬علم أ‬ ‫العربية نحو ش‬ ‫الديان»‪،‬‬ ‫و«علم االجتماع ن‬ ‫يطال»‪،‬‬ ‫و«السالم إ‬ ‫الدي�»‪ ،‬إ‬ ‫ال ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫وغ�ها‪.‬‬ ‫إ‬ ‫و«السالم ي� أوروبا»‪ ،‬ي‬ ‫السماء أ‬ ‫ومن أ‬ ‫الخرى الفاعلة ف ي� نقل الصورة الحقيقية‬ ‫عل أحمد حارون‪،‬‬ ‫عن تراثنا وثقافتنا‪،‬‬ ‫الدكتور حسن ي‬ ‫المدرس ف� جامعة أ‬ ‫الزهر رئيس قسم اللغة اليونانية‬ ‫ِّ ي‬ ‫الحديثة بجامعة مرص الدولية للعلوم والتكنولوجيا‪،‬‬ ‫كث�اً من العربية إىل اليونانية‪ ،‬بما ف ي�‬ ‫الذي ترجم ي‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال� تقع‬ ‫ذلك «موسوعة الحديث النبوي ال�يف» ي‬ ‫ف ي� أجزاء عديدة‪ .‬وهناك أيضاً الدكتور حسن بدوي‪،‬‬ ‫المدرس ف ي� جامعات يونانية عديدة‪ ،‬الذي ألَّف عدة‬ ‫ِّ‬ ‫كتب أكاديمية الطابع حول التاريخ والحضارة العربية‬ ‫والسالمية باللغة اليونانية‪ ،‬منها‪« :‬مدخل إىل التاريخ‬ ‫إ‬ ‫السالمي» ف ي� ثالثة أجزاء‪.‬‬ ‫إ‬

‫غياب أي شكل من الدعم‬

‫ث‬ ‫يع� عن المناخ الذي يعمل به‬ ‫ولكن أك� ما ب ِّ‬ ‫ت‬ ‫الم�جمون العرب‪ ،‬يطالعنا العمل الهائل الذي‬ ‫ف‬ ‫أنجزه الدكتور ي ن‬ ‫أم� عز الدين‪ ،‬والمتمثل ي� ترجمة‬ ‫ث‬ ‫أك� من ي ن‬ ‫أربع� مؤلفاً علمياً وأدبياً باللغة اليونانية‬ ‫السالمية والتاريخ الحضاري‬ ‫السالم والفلسفة إ‬ ‫عن إ‬ ‫المرصي‪ ،‬إضافة إىل ترجمة لبعض قصص يوسف‬ ‫إدريس ويحيىى حقي‪ ..‬وقد قام الدكتور عز الدين‬ ‫مال من أي جهة‬ ‫بكل ذلك دون أن يتلقَّى أي دعم ي‬ ‫علمية أو مؤسساتية‪.‬‬

‫يونس صديق توفيق‬

‫د‪ .‬مالك الواسطي‬

‫عز الدين عناية‬

‫ن‬ ‫ت‬ ‫لبنا�‬ ‫ومثله أيضاً‪ ،‬الم�جمة ليىل شماع‪ ،‬وهي أمن أب ي‬ ‫ت‬ ‫العر�‬ ‫وأم أألمانية‪ ،‬اختارت أن تكون م�جمة الدب ب ي‬ ‫إىل اللمانية‪ ،‬وأنشأت لهذه الغاية وكالة «ألف»‪ ،‬لكنها‬ ‫تقوم ت‬ ‫بال�جمة بنفسها‪ ،‬دون أي دعم من أي مؤسسة‬ ‫ف‬ ‫عربية‪ .‬وهي ماضية ي� ش‬ ‫م�وعها عىل الرغم من كل‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� ترجمتها‪« :‬مذكرات امرأة‬ ‫الصعوبات‪ .‬ومن العمال ي‬ ‫بعلبك‪،‬‬ ‫يغ� واقعية» لسحر خليفة‪ ،‬و«أنا أحيا» لليىل‬ ‫ي‬ ‫و«مملكة الغرباء ومجمع أ‬ ‫الرسار وباب الشمس»‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫البحري�‬ ‫إللياس خوري‪ ،‬وكتاب «ورشة المل» للشاعر‬ ‫ي‬ ‫قاسم حداد‪ ،‬ومختارات من أعمال غالب هلسا ومؤنس‬ ‫أ‬ ‫أ ن‬ ‫رد�‪.‬‬ ‫الرزاز وزهرة العمر من الدب ال ي‬ ‫وهكذا نرى أن جهود ت‬ ‫الم� ي ن‬ ‫جم� العرب الفردية ف ي�‬ ‫ف‬ ‫نقل آدابنا إىل الغرب ال تزال ي� معظمها شبه يتيمة‪.‬‬ ‫وأن هؤالء ت‬ ‫الم� ي ن‬ ‫جم� يتعاملون مع مهنتهم عىل أنها‬ ‫ف‬ ‫كث�ة عرضة‬ ‫رسالة أو واجب‪ .‬كما أنهم ي� حاالت ي‬ ‫لمتطلبات السوق ش‬ ‫و�وطه‪.‬‬ ‫وإىل ذلك‪ ،‬فإن الطابع الفردي الذي ي ِّ ز‬ ‫يم� هذه‬ ‫ض‬ ‫«الفو�» أو «تبع�ث‬ ‫الجهود ال يحميها من‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫االختيارات»‪ .‬فإىل تم� ستبقى الفو� ي� حركة‬ ‫ت‬ ‫ال�جمة؟ وإىل تم� ستبقى هذه الجهود المخلصة‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫مؤسسا�؟‬ ‫والمينة والصادقة فردية دون دعم‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫العر� ف ي� الغرب‬ ‫وإىل م� سيبقى انتشار الدب ب ي‬ ‫رهناً بقدرات فردية‪ ،‬وبعبارة أخرى «محدوداً»؟ أما‬ ‫آن أ‬ ‫الوان لمؤسساتنا الثقافية أن تفتح نافذة لنقل‬ ‫الصورة الشاملة للثقافة العربية إىل الغرب وبشكل‬ ‫متكامل وصحيح‪.‬‬ ‫ت‬ ‫يقول الكاتب محمد ي ن‬ ‫ال� تؤمن بما‬ ‫حس�‪« :‬إن القلة ي‬ ‫ت‬ ‫تغ� التاريخ»‪.‬‬ ‫ال� ي ِّ‬ ‫تفعل هي ي‬

‫د‪ .‬ي ن‬ ‫أم� عز الدين‬

‫ليىل شماع‬


‫تقرير القافلة‬

‫الطاقة النووية‪:‬‬ ‫من «حلم في‬ ‫ضوء القمر» إلى‬ ‫كارثة فوكوشيما‬

‫‪Atomic bombing of Nagasaki on August 9, 1945‬‬ ‫‪taken by Charles Levy‬‬


‫‪83 | 82‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫باسم الدفاع عن البيئة وتلبية طلب البشرية‬ ‫لمزيد من الطاقة لمجتمعاتها العصرية وتقدمها‬ ‫االقتصادي‪ُ ،‬رفعت قبل نحو قرن بيارق االنتصار على‬ ‫الذرّ ة والدعوة إلى اعتماد الطاقة النووية‪.‬‬ ‫وباسم الدفاع عن البيئة والبحث عن مصادر مستدامة من الطاقة‬ ‫تحفظ البشرية من مخاطر المواد المشعة‪ُ ،‬ت َ‬ ‫رفع اليوم في العالم‪،‬‬ ‫المتقدم قبل النامي‪ ،‬أعالم الحذر‪ ،‬بل التحذير حيال الطاقة‬ ‫النووية‪.‬‬

‫فما ي ن‬ ‫ب� أوائل القرن الميالدي ش‬ ‫الع�ين‪ ،‬زمن‬ ‫ه�وشيما‪ ،‬ناغاز ياك‪ ،‬ثري مايل آيالند‪،‬‬ ‫ي‬ ‫الذرة‪ ،‬وأوائل القرن‬ ‫شت�نوبيل‪ ،‬فوكوشيما‪ ،‬أسماء باتت تبث الرعب‬ ‫اكتشاف القدرة عىل فلق ّ‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫الواحد‬ ‫والع�ين‪ ،‬اكتشفت الب�ية أن للطاقة ي� قلوب مليارات الب�‪ ،‬بل تردع دوال ً متطورة‪،‬‬ ‫النووية مخاطرها يغ� القابلة للمعالجة‪ ،‬وهي‬ ‫مثل ألمانيا واليابان‪ ،‬عن متابعة تشغيل كل ما‬ ‫مخاطر ال تنتج من انصهار المفاعالت النووية لديها من مفاعالت‪ ،‬ولو أدى ذلك إىل انكفاء‬ ‫وانهيارها وحسب‪ ،‬بل من عدم القدرة عىل‬ ‫اقتصادي‪ ،‬ليس هذا وقته المناسب قطعاً‪.‬‬ ‫ش‬ ‫معالجة وطمر النفايات النووية الناتجة من‬ ‫الذرة‪ ،‬وأين‬ ‫كيف سار مسار الب�ية مع فلق ّ‬ ‫المفاعالت السليمة أيضاً‪.‬‬ ‫وصل هذا المسار‪ ،‬ف ي� البحث الدائم عن‬ ‫الطاقة ومصادرها؟‬


‫قصة المفاعالت‬

‫ف ي� أوائل القرن الميالدي ش‬ ‫الع�ين‪ ،‬اكتشف‬ ‫العلماء العاملون ف� ي ز‬ ‫المشعة‪،‬‬ ‫الف�ياء‪ ،‬أن المواد‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫مثل الراديوم‪ ،‬تبث مقداراً هائال ً من الطاقة‪ ،‬طبقاً‬ ‫لمبدأ معادلة الكتلة‪ -‬الطاقة‪ .‬لكن الشك كان يراود‬ ‫هؤالء العلماء‪ ،‬بإمكان استغالل هذا المبدأ‪ ،‬من‬ ‫ح� قال ي ز ئ‬ ‫أجل إنتاج الطاقة فعالً‪ ،‬ت‬ ‫يا� إرنست‬ ‫الف� ي‬ ‫راذرفورد ذات يوم‪ ،‬إن إنتاج الطاقة الذريّة «حلم‬ ‫ف ي� ضوء القمر»‪.‬‬ ‫لكن جيمس تشادويك اكتشف سنة ‪1932‬‬ ‫النيوترون‪ ،‬ثم تمكن فريديريك وإيرين جوليو‪-‬‬ ‫ماري سنة ‪ 1934‬من استحثاث إالشعاع النووي‪،‬‬ ‫بقصف المادة بالنيوترونات‪ ،‬وبإنتاج راديوم‬ ‫صناعي‪ ،‬أرخص كث�اً من الراديوم الطبيعي‪ .‬و�ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫سنة ‪ 1938‬تمكن العلماء اللمان والنمساويون‬ ‫ول�ه ن‬ ‫أوتو هان وفريتس ت‬ ‫س�اسمان ي ز‬ ‫مايت� وأوتو‬ ‫روبرت فريش‪ ،‬من قصف أورانيوم بنيوترونات‪،‬‬ ‫ف‬ ‫و�‬ ‫فأدى هذا إىل أول عملية فلق صناعي ّ‬ ‫للذرة‪ .‬ي‬ ‫السنة التالية‪ ،‬أخذ العلماء ف ي� كل من الواليات‬ ‫المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا واالتحاد‬ ‫ت‬ ‫السوفيا�‪ ،‬يطالبون حكوماتهم بموازنات‬ ‫ي‬ ‫الذرة‪.‬‬ ‫الستكمال أبحاثهم لفلق َّ‬ ‫ف‬ ‫و� الواليات المتحدة‪ ،‬تمكَّن إنريكو يف�مي وليو‬ ‫ي‬ ‫زيالرد‪ ،‬وهما مهاجران أوروبيان‪ ،‬من صنع أول‬ ‫ذري‪ ،‬سمياه‪« :‬تشيكاغو بايل ‪ »1 -‬ف ي�‬ ‫مفاعل ِّ‬ ‫ش‬ ‫ديسم� ‪ ،1942‬ضمن م�وع «مانهاتن»‪،‬‬ ‫‪2‬‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ه�وشيما‬ ‫قنبل� ي‬ ‫الذي أدى ي� النهاية إىل صنع ي‬ ‫وناغاز ياك‪ ،‬سنة ‪.1945‬‬ ‫يومئذ كتب الكاتب العلمي دافيد ديتس‪ :‬بدل أن‬ ‫ٍ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ً‬ ‫تمل خزان وقود سيارتك مر يت� أو ثالثا ي� السبوع‬ ‫بالوقود‪ ،‬ستعمل سيارتك سنة كاملة‪ ،‬بواسطة‬ ‫غل�ن‬ ‫ين‬ ‫حبة وقود نووي‪ ،‬بحجم حبة‬ ‫الفيتام�‪ .‬أما ي‬ ‫سيبورغ الذي رأس لجنة الطاقة النووية‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ين‬ ‫االتجاه�‬ ‫ستكون هناك رحالت إىل القمر ف ي�‬ ‫بالطاقة النووية‪.‬‬ ‫ف‬ ‫و� سنة ‪ 1951‬تمكنت المملكة المتحدة وكندا‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫السوفيا� من توليد كهرباء بالطاقة‬ ‫واالتحاد‬ ‫ي‬ ‫النووية‪ ،‬ثم ن‬ ‫ابت� السوفيات سنة ‪ 1954‬أول‬ ‫محطة لتوليد الطاقة للعموم‪ ،‬بالوسائل‬ ‫ف‬ ‫و� الواليات المتحدة‪ ،‬تحدث لويس‬ ‫النووية‪ .‬ي‬ ‫ت‬ ‫س�اوس‪ ،‬رئيس لجنة الطاقة النووية آنذاك‪،‬‬ ‫عن أن الكهرباء بالطاقة النووية ستصبح أرخص‬ ‫ف‬ ‫و� السنة نفسها‪ ،‬أنزل‬ ‫من أن يُدفع لها ثمن‪ .‬ي‬

‫أ‬ ‫المريكيون إىل البحر أول غواصة تعمل بمحرك‬ ‫ذري‪ ،‬هي «نوتيلوس»‪ .‬ف‬ ‫و� ‪ ،1956‬نشأت أول‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫محطة توليد طاقة نووية تجارية ف ي� بريطانيا‪ ،‬هي‬ ‫محطة كالدر هول‪.‬‬ ‫و� سنة ‪ 1957‬ولدت مؤسستان ذريتان‪ ،‬أ‬ ‫ف‬ ‫الوىل‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫هي «يوراتوم» الوروبية‪ ،‬التابعة اليوم لالتحاد‬ ‫أ‬ ‫الذرية الدولية التابعة‬ ‫ورو�‪ ،‬ثم وكالة الطاقة ّ‬ ‫الأ ب ي‬ ‫للمم المتحدة‪.‬‬ ‫ورسعان ما أخذت تتواىل الكوارث النووية‪ ،‬واحدة‬ ‫الخرى‪ .‬إذ فقد أ‬ ‫بعد أ‬ ‫ين‬ ‫غواصت�‬ ‫المريكيون‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫ش‬ ‫و� سنة‬ ‫نوويت�‪ ،‬هما «سكوربيون»‬ ‫و«ثري�»‪ ،‬ي‬ ‫‪ 1961‬وقعت حادثة للغواصة النووية السوفياتية‬ ‫«ك‪ ،»19 -‬ثم لغواصة أخرى هي «ك‪ .»27 -‬لكن‬ ‫أمكن إنقاذهما عىل الرغم من موت ‪ 17‬بحاراً ف ي�‬ ‫ين‬ ‫بالشعاع‪.‬‬ ‫وتلوث عدد آخر إ‬ ‫الحادثت� ّ‬

‫انتشار المفاعالت في العالم‬

‫الذرة وعلومها ف ي� مختلف‬ ‫ومع انتشار تكنولوجيا ّ‬ ‫بلدان العالم‪ ،‬وال سيما ف ي� أثناء الحرب العالمية‬ ‫الثانية وعىل إثرها‪ ،‬وبعد إنشاء الوكالة الدولية‬ ‫للطاقة الذريّة ف ي� ‪ 29‬يوليو ‪ ،1957‬بدأت البالد‬ ‫تتسابق ف� إنشاء المفاعالت النووية أ‬ ‫للغراض‬ ‫ي‬ ‫السلمية‪ ،‬وهي إما لتوليد الطاقة الكهربائية‪،‬‬ ‫أو إنتاج نظائر مشعة تستخدم ف� أ‬ ‫الغراض‬ ‫ّ ُ َ َ ي‬ ‫الصغ�ة‬ ‫الطبية أو الصناعية‪ ،‬ناهيك بالمفاعالت‬ ‫ي‬ ‫المشيدة أ‬ ‫للغراض العلمية‪ ،‬ف ي� بعض الجامعات‬ ‫لتسي� السفن‬ ‫والمعاهد العلمية المتخصصة‪ ،‬أو ي‬ ‫والغواصات النووية‪.‬‬ ‫واليوم‪ ،‬يمتلك ‪ 31‬بلداً مفاعالت نووية‬ ‫فللص� وحدها آ‬ ‫ين‬ ‫الن ‪ 28‬مفاعال ً جديداً‬ ‫ويشغّ لها‪.‬‬ ‫كب� من المفاعالت‬ ‫قيد إ‬ ‫النشاء‪ .‬وثمة عدد ي‬ ‫ت نب� آ‬ ‫الن ف� كوريا الجنوبية والهند وروسيا‪ .‬و�ف‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫أ ي‬ ‫أ‬ ‫هذه الثناء‪ ،‬ثمة ‪ 100‬مفاعل عىل القل‪ ،‬من‬ ‫الصغ�ة‪« ،‬سوف تُغلق‬ ‫المفاعالت القديمة أو‬ ‫ي‬ ‫عىل أ‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫الرجح ف ي� السنوات الع� أو الخمس ع�ة‬ ‫المقبلة»‪ .‬لذا فإن عدد المشاريع النووية ف ي�‬ ‫حد بعيد‪ ،‬بفضل وقف عمل‬ ‫آسيا مستقر إىل ّ‬ ‫ال� ض‬ ‫المفاعالت المتقادمة‪ ،‬وتلك ت‬ ‫انق� عمرها‬ ‫ي‬ ‫ت ض‬ ‫ا�‪.‬‬ ‫االف� ي‬ ‫ف‬ ‫و� سنة ‪ ،2010‬قبل حدوث كارثة فوكوشيما‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫دايي� النووية ف ي� اليابان‪ ،‬كان التقدير‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫أن نحو ع�ة مفاعالت جديدة عىل وجه‬ ‫التقريب‪ ،‬ستدخل كل سنة ف ي� الخدمة‪ ،‬وفق‬

‫‪k19‬‬ ‫‪k27‬‬

‫‪17‬‬

‫ً‬ ‫بحارا ماتوا‬ ‫في الحادثتين‬

‫تقارير الجمعية النووية العالمية (‪World‬‬ ‫غ� أن خمسة‬ ‫‪ ،)Nuclear Association‬ي‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫فقط من المفاعالت السبعة ع� للغراض‬ ‫السلمية‪ ،‬ت‬ ‫ال� كان مخططاً إنشاؤها ي ن‬ ‫ب� ‪2007‬‬ ‫و‪ ،2009‬أي يقبل الكارثة‪ ،‬دخلت فعال ً �ف‬ ‫ي‬ ‫الخدمة العملية‪ .‬ومنذ يونيو عام ‪ ،2011‬أي‬ ‫بعد الكارثة اليابانية المذكورة‪ ،‬أوقفت اليابان‬ ‫العمل ف ي� جميع مفاعالتها النووية‪ ،‬وعددها‬ ‫‪ 54‬مفاعالً‪ ،‬فيما قررت كل من ألمانيا وسويرسا‬ ‫القالع عن إنتاج الطاقة بالمفاعالت النووية‪،‬‬ ‫إ‬ ‫وإحالل مشاريع أخرى محلها إلنتاج الطاقة‪،‬‬ ‫ال سيما بمصادر الطاقة أ‬ ‫الحفورية‪ ،‬وبنسبة‬ ‫أقل مصادر الطاقة المتجددة (الشمسية‬ ‫والسدود والشالالت والريح أ‬ ‫والمواج والمد‬ ‫البحري‪.)...‬‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� أعلنت‬ ‫ي‬ ‫و� سنة ‪ 2012‬كانت البلدان ي‬ ‫معارضتها للطاقة النووية تزداد‪ ،‬ومنها ت‬ ‫أس�اليا‬ ‫والنمسا والدنمارك واليونان وأيرالندا وإيطاليا‬ ‫والتفيا وليختنشتاين ولوكسمبورغ ومالطا‬ ‫وال�تغال‪ .‬وهكذا انخفض إنتاج الطاقة النووية‬ ‫ب‬ ‫من الكهرباء ف� تلك السنة‪ ،‬إىل ن‬ ‫أد� مستوياته منذ‬ ‫ي‬ ‫سنة ‪.1999‬‬ ‫أ‬ ‫شد اعتماداً عىل الكهرباء المولّدة‬ ‫أما البلدان ال ّ‬ ‫جمال‪،‬‬ ‫بالطاقة النووية‪ ،‬بالنسبة الستهالكها إ‬ ‫ال ي‬ ‫ين ت‬ ‫ال� تنتج بالفعل طاقة‬ ‫من ضمن الدول‬ ‫الثالث� ي‬ ‫كهربائية نووية‪ ،‬فهي فرنسا وبلجيكا والمجر‬ ‫وسلوفاكيا فقط‪ ،‬عىل الرغم من أن بعض الدول‬ ‫الخرى تنتج كمية أك� منها‪ ،‬أ‬ ‫أ‬ ‫بالرقام المطلقة ال‬ ‫ب‬ ‫النسبية‪.‬‬ ‫وتش� أبحاث الجمعية النووية العالمية‪،‬‬ ‫ي‬ ‫وهي جمعية أهلية تهتم بشؤون الطاقة‬ ‫أك� من ‪ 45‬بلداً باتت آ‬ ‫النووية‪ ،‬إىل أن ث‬ ‫الن‬


‫‪85 | 84‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫طاقة‬

‫طاقة‬

‫قنبلة ذرية‬

‫قنبلة هيدروجينية‬

‫‪Gigawatt‬‬

‫الصين كوريا الجنوبية الهند‬

‫‪400‬‬ ‫‪350‬‬ ‫‪300‬‬ ‫‪250‬‬

‫‪200‬‬

‫‪200‬‬ ‫‪150‬‬ ‫‪100‬‬

‫‪80‬‬

‫‪75‬‬

‫‪400‬‬

‫‪63‬‬

‫‪43‬‬

‫‪27.3‬‬

‫‪14.6‬‬

‫تنظر «نظرة جدية» ف ي� اعتماد القدرة عىل إنتاج‬ ‫والمارات العربية‬ ‫الطاقة النووية‪ ،‬منها إيران إ‬ ‫المتحدة وتركيا وفيتنام وبيالروسيا أ‬ ‫والردن عىل‬ ‫الخصوص‪ .‬أما ي ن‬ ‫الص� وكوريا الجنوبية والهند‪،‬‬ ‫ض‬ ‫فتم� ف ي� مشاريع توسيع طموحة لقدرات‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫فالص� تخطط‬ ‫إنتاج الطاقة النووية لديها‪.‬‬ ‫النتاجية إىل ‪ 80‬جيغاوات عىل‬ ‫لزيادة قدرتها إ‬ ‫أ‬ ‫ح� سنة ‪ ،2020‬وإىل ‪ 200‬جيغاوات ح�ت‬ ‫القل ت‬ ‫سنة ‪ ،2030‬و‪ 400‬جيغاوات‪ ،‬ت‬ ‫ح� سنة ‪.2050‬‬ ‫النتاجية‬ ‫أما كوريا الجنوبية فتنوي زيادة قدرتها إ‬ ‫النووية من ‪ 20,7‬جيغاوات سنة ‪ ،2012‬إىل‬ ‫‪ 27,3‬جيغاوات سنة ‪ ،2020‬و‪ 43‬جيغاوات سنة‬ ‫‪ .2030‬وتنوي الهند أن تكون لها سنة ‪2020‬‬ ‫قدرة إنتاج ‪ 14,6‬جيغاوات من الطاقة النووية‪،‬‬ ‫و‪ 63‬جيغاوات سنة ‪ ،2032‬عىل أن تنتج ف ي�‬ ‫سنة ‪ 2050‬ما نسبته ‪ %25‬من كل حاجتها إىل‬ ‫الكهرباء‪ ،‬بالطاقة النووية‪.‬‬

‫‪20.7‬‬

‫‪2050‬‬

‫‪2032‬‬

‫‪2030‬‬

‫‪2020‬‬

‫‪2012‬‬

‫كيف تعمل المفاعالت النووية‬

‫‪50‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪0‬‬

‫إن مصدر الطاقة النووية ف ي� االستخدام‬ ‫ف‬ ‫و� االستخدام السلمي‪ ،‬هو نفسه‪،‬‬ ‫العسكري‪ ،‬ي‬ ‫الذرة‪ ،‬إلنتاج الطاقة الحرارية‪.‬‬ ‫وهو فلق َّ‬ ‫ف‬ ‫واالستخدام السلمي ي� معظم حاالت النشاط‬ ‫النووي‪ ،‬يرمي إىل توليد الطاقة الكهربائية‪ ،‬ف ي�‬ ‫مفاعل نووي‪ .‬والفارق ي ن‬ ‫ب� ما يحدث ف ي� القنبلة‬ ‫ئ‬ ‫الكهربا� النووي‪،‬‬ ‫النووية وما يحدث ف ي� المولد‬ ‫ي‬ ‫هو فارق ف� حجم التفاعالت ي ز‬ ‫الف�يائية والوقود‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫النووي المتاح لها‪ ،‬وليس ي� طبيعتها‪ ،‬فهي‬ ‫ين‬ ‫الحال�‪ .‬فاليورانيوم‬ ‫من طبيعة واحدة ف ي� كال‬ ‫المستخدم ف ي� حاالت االستعمال السلمي‬ ‫لتوليد الطاقة أو أ‬ ‫للغراض الطبية‪ ،‬تراوح نسبة‬ ‫تخصيبه ي ن‬ ‫ب� ‪ 3,5‬و‪ 20‬ف ي� المئة‪ ،‬فيما يحتاج‬ ‫مخصب‬ ‫االستخدام العسكري إىل يورانيوم ّ‬ ‫بنسبة تفوق ‪ 90‬ف ي� المئة‪ .‬والتخصيب هو مهمة‬ ‫ت‬ ‫ال� تعمل ف� ي ز‬ ‫ترك� وتكثيف‬ ‫ي‬ ‫آالت الطرد المركزي ي‬

‫المخصب‪.‬‬ ‫نسبة اليورانيوم النقي ف ي� المعدن‬ ‫ّ‬ ‫وإذاً فالمبدأ الذي شي�ح كيف تنفجر القنبلة‬ ‫هو نفسه الذي يفرس عمل المفاعل السلمي‬ ‫ين‬ ‫الحال�‪ ،‬لكنه ملجوم‬ ‫المولّد للكهرباء ف ي�‬ ‫بوسائل تكنولوجية معقَّدة ف� المفاعل‪ ،‬ت‬ ‫ح�‬ ‫ي‬ ‫تظل التفاعالت الذرية تحت السيطرة‪ ،‬وال‬ ‫تنتج سوى الطاقة الحرارية المطلوبة لتوليد‬ ‫الكهرباء‪.‬‬ ‫والوسيلة أ‬ ‫الساسية إلنتاج الطاقة الكهربائية‬ ‫عموماً‪ ،‬مبنية عىل فكرة أن أي قضيب عازل‬ ‫للحرارة والكهرباء‪ ،‬إذا لففنا حوله سلكاً‬ ‫معدنياً موصال ً للكهرباء‪ ،‬وجعلناه يدور �ف‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫حقل‬ ‫مغناطيس‪ ،‬فإنه يولد الكهرباء ي‬ ‫ي‬ ‫ع� السلك‪ ،‬إىل حيث نريد‪ .‬واللفافة‬ ‫تمر ب‬ ‫ال� تدور ف‬ ‫ت‬ ‫المغناطيس‪ ،‬تسمى‪:‬‬ ‫الحقل‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫التوربينة‪ .‬الفارق ي ن‬ ‫ب� المولدات العاملة‬ ‫بالوقود النفطي أو بالوقود النووي‪ ،‬هو‬ ‫ت‬ ‫ال� تجعل التوربينات تدور‬ ‫فمصدر الطاقة ي‬ ‫المغناطيس لتوليد الكهرباء‪.‬‬ ‫ي� الحقل‬ ‫ي‬ ‫إذ يمكن استخدام النفط‪ ،‬أو الفحم أو‬ ‫الغاز‪ ،‬ف ي� تحويل الماء إىل بخار‪ ،‬يدفع‬ ‫هذه التوربينات إىل الدوران‪ .‬وأي طاقة‬ ‫تحول الماء إىل بخار‪ ،‬يمكنها إذاً أن‬ ‫حرارية ّ‬ ‫تؤدي العمل نفسه‪ ،‬وهذا ما تفعله الطاقة‬ ‫النووية‪.‬‬

‫‪E=mc2‬‬


‫ترتيب البلدان المنتجة للكهرباء بالطاقة النووية‬ ‫الترتيب‬

‫)‪200 (MeV‬‬

‫‪U 235‬‬

‫ن‬ ‫غ� بقليل من الوقود النووي‬ ‫لكنها طاقة هائلة‪ ،‬تُ ي‬ ‫كث� من الوقود التقليدي‪ .‬أما مصدر هذه‬ ‫عن ي‬ ‫أل�ت أينشتاين‪،‬‬ ‫فتفسه معادلة ب‬ ‫الطاقة الهائلة‪ّ ،‬‬ ‫وهي معروفة لدى علماء ي ز‬ ‫الف�ياء‪ ،E=mc2 :‬أي‬ ‫إن الطاقة تساوي الكتلة ض‬ ‫م�وبة بمربّع رسعة‬ ‫الضوء‪ .‬فإذا علمنا أن رسعة الضوء هائلة‪ ،‬إذ‬ ‫ت‬ ‫كيلوم� ف ي� الثانية‪ ،‬فإننا نستطيع‬ ‫تساوي ‪300,000‬‬ ‫ت‬ ‫ال� يمكن‬ ‫الطاقة‬ ‫ضخامة‬ ‫ً‪،‬‬ ‫ا‬ ‫ئي‬ ‫ز‬ ‫ج‬ ‫أن نتصور‪ ،‬ولو‬ ‫ي‬ ‫صغ�ة من الوقود‬ ‫أن تولدها كتلة مهما كانت ي‬ ‫النووي‪.‬‬ ‫إن كل ذرة يورانيوم ‪ ،235‬تنشطر باالنفالق‬ ‫النووي‪ ،‬تنتج ‪ 200‬مليون ت‬ ‫إلك�ون فولت من‬ ‫ت‬ ‫ال� تتحرر من الكتلة‪.‬‬ ‫الطاقة الحرارية ي‬ ‫ويظن عموم الناس أن اليورانيوم معدن‬ ‫نادر ف ي� الطبيعة‪ ،‬وهو ليس كذلك‪ .‬فهو‬ ‫ش‬ ‫منت� ف ي� الصخور بمثل انتشار القصدير أو‬ ‫ين‬ ‫بأربع� مرة‪،‬‬ ‫الجرمانيوم‪ .‬والفضة أندر منه‬ ‫إذ إننا نجد اليورانيوم ف ي� كل أنواع الصخور‬ ‫تقريباً‪ ،‬بل إنه موجود ف ي� المحيطات‪ .‬لكن‬ ‫ما يجعله «نادراً» عىل نحو ما‪ ،‬هو أن‬ ‫استخالصه من الصخور العادية مكلف جداً‪،‬‬ ‫وال يصبح تعدينه مجدياً اقتصادياً‪ ،‬إال ف ي�‬ ‫ت‬ ‫ال� توجد فيها صخور كثيفة‬ ‫المناجم ي‬ ‫ك� باليورانيوم‪ .‬ت‬ ‫ت‬ ‫ال� ي ز‬ ‫وي�اوح سعر كيلوغرام‬ ‫اليورانيوم‪ ،‬حسب طريقة استخالصه من‬ ‫الصخور‪ ،‬ي ن‬ ‫ب� ‪ 60‬و‪ 130‬دوالراً للكيلوغرام‪.‬‬ ‫المكتشف منه فهو‬ ‫أما االحتياط العالمي‬ ‫َ‬ ‫حسب تقديرات منظمة التعاون والتنمية‬ ‫االقتصادية ‪ ،OECD‬يكفي المفاعالت العاملة‬ ‫اليوم ف� العالم‪ ،‬نحو ‪ 670‬سنة‪ .‬ت‬ ‫وح� لو‬ ‫ي‬ ‫كانت مصادر اليورانيوم محدودة نسبياً‪،‬‬ ‫فإن ف ي� إمكان التكنولوجيا المتطورة‪ ،‬أن تعيد‬ ‫المنضب‪،‬‬ ‫المدور أو‬ ‫استخدام اليورانيوم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫من النفايات النووية‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪28‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪31‬‬

‫القدرة‬ ‫اإلنتاجية‬

‫البلد‬

‫الواليات المتحدة‬ ‫فرنسا‬ ‫اليابان‬ ‫روسيا‬ ‫كوريا الجنوبية‬ ‫ين‬ ‫الص�‬ ‫كندا‬ ‫أوكرانيا‬ ‫ألمانيا‬ ‫السويد‬ ‫المملكة المتحدة‬ ‫إسبانيا‬ ‫بلجيكا‬ ‫الهند‬ ‫تايوان‬ ‫تشيكيا‬ ‫سويرسا‬ ‫فنلندا‬ ‫بلغاريا‬ ‫المجر‬ ‫ال�ازيل‬ ‫ب‬ ‫جنوب إفريقيا‬ ‫سلوفاكيا‬ ‫أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫رجنت�‬ ‫المكسيك ‬ ‫رومانيا‬ ‫إيران‬ ‫باكستان‬ ‫سلوفينيا‬ ‫هولندا‬ ‫أرمينيا‬ ‫مجموع العالم‬

‫(ميغاوات – ‪ )2014‬‬

‫النسبة من‬ ‫إنتاج الكهرباء‬ ‫العام‬

‫‪99,081‬‬ ‫‪63,130‬‬ ‫‪42,388‬‬ ‫‪23,643‬‬ ‫‪20,721‬‬ ‫‪17,978‬‬ ‫‪13,538‬‬ ‫‪13,107‬‬ ‫‪12,068‬‬ ‫‪9,474‬‬ ‫‪9,243‬‬ ‫‪ 7,121‬‬ ‫‪ 5,927‬‬ ‫‪5,308‬‬ ‫‪5,032‬‬ ‫‪3,884‬‬ ‫‪3,308‬‬ ‫‪2,752‬‬ ‫‪1,906‬‬ ‫‪1,889‬‬ ‫‪1,884‬‬ ‫‪1,860‬‬ ‫‪1,815‬‬ ‫‪1,627‬‬ ‫‪1,570‬‬ ‫‪1,300‬‬ ‫‪915‬‬ ‫‪690‬‬ ‫‪688‬‬ ‫‪482‬‬ ‫‪375‬‬

‫‪%19,4‬‬ ‫‪%73,3‬‬ ‫‪%1,7‬‬ ‫‪%17,5‬‬ ‫‪%27,6‬‬ ‫‪%2,1‬‬ ‫‪%16,0‬‬ ‫‪%43,6‬‬ ‫‪%15,4‬‬ ‫‪%42,7‬‬ ‫‪%18,3‬‬ ‫‪%19,7‬‬ ‫‪%52,1‬‬ ‫‪%3,5‬‬ ‫‪%19,1‬‬ ‫‪%35,9‬‬ ‫‪%36,4‬‬ ‫‪%33,3‬‬ ‫‪%30,7‬‬ ‫‪%50,7‬‬ ‫‪%2,8‬‬ ‫‪%5,7‬‬ ‫‪%51,7‬‬ ‫‪%4,4‬‬ ‫‪%4,6‬‬ ‫‪%19,8‬‬ ‫‪%1,5‬‬ ‫‪%4,4‬‬ ‫‪%33,6‬‬ ‫‪%2,8‬‬ ‫‪%29,2‬‬

‫ ‬

‫‪374,704‬‬


‫‪87 | 86‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫تتضح من ت‬ ‫ال�تيب العالمي السابق‪ ،‬القدرة‬ ‫النتاجية لكل دولة نووية‪ ،‬سنة ‪ ،2014‬ونسبة‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫اعتمادها عىل الطاقة النووية ي� توليد الكهرباء‬ ‫ت‬ ‫ال� تحتاج إليها‪.‬‬ ‫ي‬ ‫وتحتل الواليات المتحدة المرتبة أ‬ ‫الوىل ف ي�‬ ‫النتاج العام بالطاقة النووية‪ .‬لكن هذا‬ ‫مقدار إ‬ ‫المقدار من الطاقة ال يتجاوز ُخمس ما تستهلكه‬ ‫الواليات المتحدة من الكهرباء‪ .‬ولذا فهي تعتمد‬ ‫عىل مصادر أخرى إلنتاج الطاقة منها المولدات‬ ‫الحرارية بالوقود أ‬ ‫الحفوري‪ ،‬الفحم أو النفط‪،‬‬ ‫وكذلك الطاقة المتجددة‪ ،‬السدود والطاقة‬ ‫الشمسية والريح وموجات المد والجزر البحرية‪،‬‬ ‫وما إليها‪.‬‬ ‫أما فرنسا فهي أ‬ ‫الوىل من حيث نسبة اعتمادها‬ ‫ف ي� توليد الكهرباء عىل الطاقة النووية‪ ،‬إذ يبلغ‬ ‫إنتاجها منها نحو ثالثة أرباع حاجتها إىل الكهرباء‪.‬‬ ‫كب�ة سعت فرنسا ف ي� امتالكها‪،‬‬ ‫وهذه نسبة ي‬ ‫ن‬ ‫الديغولي�‪ ،‬الذين‬ ‫ال سيما ف ي� عهود الرؤساء‬ ‫ي‬ ‫اعتمدوا ت‬ ‫اس�اتيجية االستغناء‪ ،‬عسكرياً أيضاً‪ ،‬عن‬ ‫المظلة أ‬ ‫المريكية‪ ،‬وكانت سياسة استقالل الطاقة‬ ‫النووية جزءاً من هذه ت‬ ‫االس�اتيجية‪.‬‬

‫‪#1‬‬ ‫‪%75 #1‬‬

‫وقعت ‪ 99‬حادثة نووية‬ ‫‪ %57‬من هذه الحوادث في‬ ‫الواليات المتحدة األمريكية‬ ‫لكن ال بد‪ ،‬ف� قراءة هذا ت‬ ‫ال�تيب‪ ،‬من مالحظة‬ ‫ي‬ ‫(الصغ�ة نسبياً‬ ‫الصغ�ة‬ ‫أن عدداً من البلدان‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫بعدد سكانها‪ ،‬وكذلك بإنتاجها الطاقة النووية)‬ ‫تحقق بالمصادر النووية للطاقة نسبة جيدة من‬ ‫حاجتها‪ .‬فبلجيكا وسلوفاكيا والمجر تحصل عىل‬ ‫ث‬ ‫أك� من نصف حاجتها إىل الكهرباء‪ ،‬من مصادر‬ ‫توليد الطاقة النووية‪ .‬وتحصل أوكرانيا والسويد‬ ‫عىل ث‬ ‫أك� من ‪ 40‬ف ي� المئة من كهربائها‪ ،‬من الطاقة‬ ‫النووية‪ ،‬فيما تصل النسبة إىل نحو ‪ 30‬ف ي� المئة‬ ‫أو تزيد‪ ،‬ف ي� تشيكيا وسويرسا وفنلندا وبلغاريا‬ ‫يشجع هذا الدول‬ ‫وسلوفينيا وأرمينيا‪ .‬وقد ّ‬ ‫الصغرى‪ ،‬عىل اعتماد الطاقة النووية‪ ،‬ت‬ ‫ال�‬ ‫ي‬ ‫يكفيها منها القليل من المفاعالت لسد حاجتها‪،‬‬ ‫كث� من هذه الحاجة‪.‬‬ ‫أو ي‬

‫مقدار اإلنتاج العام بالطاقة النووية ال‬ ‫يتجاوز ُخمس ما تستهلكه من الكهرباء‬

‫نسبة اعتمادها في توليد‬ ‫الكهرباء على الطاقة النووية‬

‫إنتاجها = ثالثة أرباع‬ ‫حاجتها إلى الكهرباء‬

‫أكثر من نصف حاجتها إلى‬ ‫الكهرباء من مصادر توليد الطاقة‬ ‫النووي‬

‫‪%40‬‬ ‫‪%30‬‬

‫من كهربائها من‬ ‫الطاقة النووية‬

‫الكوارث النووية‬

‫تعرف الوكالة الدولية للطاقة الذريّة‪ ،‬الحادثة‬ ‫ّ‬ ‫خط�ة‬ ‫النووية‪ ،‬بأنها «حادثة تؤدي إىل نتائج ي‬ ‫للناس والبيئة أو المنشأة»‪ .‬أما هذه النتائج‬ ‫الخط�ة فهي موت أشخاص‪ ،‬وانبعاث نشاط‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫كب� ي� البيئة‪ ،‬أو انصهار قلب المفاعل‪.‬‬ ‫إشعاعي ي‬ ‫والمثال أ‬ ‫الخطر لهذه الحوادث هو ذلك الذي‬ ‫يحدث عندما ض‬ ‫يت�ر قلب المفاعل فيصدر‬ ‫الذري‪ ،‬فال تعود تسمية‬ ‫كث� من إ‬ ‫عنه ي‬ ‫الشعاع ّ‬ ‫أ‬ ‫ما يحدث بالحادثة‪ ،‬بل تصح بالحرى تسمية‬ ‫ف‬ ‫تش�نوبيل سنة‬ ‫الكارثة‪ ،‬مثلما حدث ي� كارثة ي‬ ‫‪.1986‬‬ ‫لقد ناقش العلماء خطر حدوث الكوارث النووية‬ ‫منذ أن ش ئ‬ ‫أن� أول المفاعالت سنة ‪ .1954‬وكانت‬ ‫ف‬ ‫السالمة أمراً مركزياً عىل الدوام‪ ،‬ي� هموم الناس‬ ‫ح� يتعلّق أ‬ ‫ين‬ ‫المر ببناء مفاعل ف ي� جوار منازلهم‬ ‫ف‬ ‫و� خضم هذا الرصاع‬ ‫وحقولهم وقراهم‪ .‬ي‬ ‫المدافع�ن‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫المتحمس� للطاقة النووية‪ ،‬أو‬ ‫ب�‬ ‫ي‬ ‫وب�ن‬ ‫عن المصالح االقتصادية المرتبطة بها‪ ،‬ي‬ ‫جمعيات تهتم بأمن الناس وسالمة بيئتهم‪،‬‬ ‫اتُّخذت بعض الخطوات التقنية لتقليص مخاطر‬ ‫الشعاعات ي ن‬ ‫ب�‬ ‫الكوارث والحوادث‪ ،‬واحتمال بث إ‬ ‫الناس‪ ،‬لكن أ‬ ‫الخطاء ش‬ ‫الب�ية باقية سيفاً مسلطاً‬ ‫يخشاه الناس‪ ،‬وال يبدو أن أنصار الطاقة النووية‬ ‫يكسبون ثقة آ‬ ‫الخرين ف ي� هذا الشأن‪.‬‬ ‫إحصائياً‪ ،‬وقعت ‪ 99‬حادثة نووية‪ُ ،‬ص ِّنف بعضها‬ ‫«كارثة»‪ .‬وقد حدثت ‪ %57‬من هذه الحوادث‬ ‫(أي ‪ 56‬من ‪ )99‬ف� الواليات المتحدة أ‬ ‫المريكية‪،‬‬ ‫ي‬ ‫الك�ى‪ ،‬عسكرياً وسلمياً‪.‬‬ ‫الدولة النووية ب‬ ‫الك�ى‪ ،‬فهي «كارثة ثري مايل آيالند»‬ ‫أما الكوارث ب‬ ‫سنة ‪ ،1979‬ف ي� الواليات المتحدة‪ ،‬ثم «كارثة‬ ‫ف‬ ‫وأخ�اً كارثة‬ ‫شت�نوبيل»‪ ،‬ي� أوكرانيا سنة ‪ ،1986‬ي‬ ‫«فوكوشيما ش‬ ‫دايي�» ف ي� اليابان‪ ،‬سنة ‪.2011‬‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫المصنف� للكوارث النووية‬ ‫ويضيف بعض‬ ‫ي‬ ‫حوادث عدد من الغواصات النووية السوفياتية‪،‬‬


‫‪50‬‬

‫أوكرانيا‬

‫‪46.5‬‬

‫روسيا البيضاء‬

‫وتشوهات خلقية وفساد ف� ت‬ ‫ال�بة‬ ‫ي‬ ‫الزراعية‪ .‬ت‬ ‫وح� عندما تسلم‬ ‫صناعة الطاقة النووية من‬ ‫الحوادث والكوارث‪ ،‬فإن‬ ‫مشكلة النفايات مشكلة‬ ‫معقدة‪ ،‬أدت إىل تنازع‬ ‫سياس عند اختيار‬ ‫ي‬ ‫المناطق ت‬ ‫ال� اس ُتعملت‬ ‫ي‬ ‫لطمر هذه النفايات‪.‬‬ ‫وقد جاءت الكوارث‬ ‫لتعقّد أ‬ ‫المور وتعزز‬ ‫معسكر معارضة الطاقة‬ ‫روسيا‬ ‫النووية ف ي� العالم‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫أعقاب كارثة تشيرنوبيل‬ ‫المساحة اإلجمالية للمناطق‬ ‫المتضررة‪ ،‬آالف من الكيلومترات‬ ‫المربعة‬

‫هي حادثة مفاعل الغواصة ك – ‪ ،19‬سنة ‪،1961‬‬ ‫والغواصة ك – ‪ ،27‬سنة ‪ ،1968‬والغواصة ك –‬ ‫‪ ،431‬سنة ‪.1985‬‬ ‫ومشكلة الحوادث النووية ليست تماماً ف ي� عدد‬ ‫القتىل الذين يسقطون من جراء هذه الحوادث‬ ‫ت‬ ‫ال� يتسلّح‬ ‫فقط‪ ،‬إذ إن إالحصاءات‪ ،‬ال سيما ي‬ ‫بها أنصار الطاقة النووية‪ ،‬تثبت بالفعل أن عدد‬ ‫ضحايا الحوادث ف ي� صناعة الطاقة النووية أقل‬ ‫نسبياً من ضحايا حوادث مصادر إنتاج الطاقة‬ ‫وتش� إالحصاءات ف ي� الواليات المتحدة‬ ‫التقليدية‪ .‬ي‬ ‫أ‬ ‫المريكية مثالً‪ ،‬إىل أن المواد المشعة الناجمة من‬ ‫ف‬ ‫صناعة الطاقة النووية‪ ،‬ال تزيد عىل ‪ 1‬ي� المئة‪ ،‬من‬ ‫ال� تنتجها الصناعات أ‬ ‫النفايات ّ ت‬ ‫الخرى‪.‬‬ ‫السامة ي‬ ‫إال أن المشكلة ف ي� الطاقة النووية ليست‬ ‫ف ي� حوادثها وكوارثها فقط‪ ،‬بل ف ي� نفايات‬ ‫وقودها أيضا‪ .‬فللوقود النووي‪ ،‬حسب المادة‬ ‫الشعاعي‪،‬‬ ‫المستخدمة‪ ،‬ما يسمى‪ :‬نصف العمر إ‬ ‫السن�ن‬ ‫ذلك أن المادة المشعة تظل مشعة ألوف ي‬ ‫عىل أ‬ ‫القل‪ ،‬وبعضها مئات ألوف ي ن‬ ‫السن�‪ ،‬بل‬ ‫ن‬ ‫مالي� ي ن‬ ‫ين‬ ‫يع� أن أي تلوث نووي‬ ‫السن�‪ .‬وهذا ي‬ ‫يفسد منطقة زراعية أو مناطق مأهولة بالسكان‪،‬‬ ‫ويجعل هذه المناطق يغ� قابلة للزراعة أو‬ ‫ف‬ ‫وغ� المنظور‪،‬‬ ‫السكن ي� المستقبل المنظور ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تؤدي إىل أمراض الرسطان‬ ‫بسبب إ‬ ‫الشعاعات ي‬

‫ففي أيرالندا وبولندا‪ ،‬تمكن‬ ‫المعارضون للطاقة النووية‬ ‫من منع ض ف‬ ‫ت‬ ‫ال� كان‬ ‫الم� ي� ب‬ ‫ال�امج ي‬ ‫ي‬ ‫مخططاً لها هناك‪ .‬وبعد كارثة شت�نوبيل‬ ‫ف ي� أوكرانيا‪ ،‬صوت النمساويون سنة ‪1978‬‬ ‫اليطاليون سنة‬ ‫والسويديون سنة ‪ 1980‬ثم إ‬ ‫‪ ،1987‬ضد الطاقة النووية‪ ،‬سواء إنشاؤها‬ ‫حيث لم تكن قائمة‪ ،‬أو تفكيكها‪ ،‬حيث أقيمت‬ ‫مفاعالتها‪ .‬وبعدما عادت إيطاليا سنة ‪2009‬‬ ‫شع�‪،‬‬ ‫إىل اعتماد الطاقة النووية‪ ،‬عاد استفتاء ب ي‬ ‫بعد كارثة فوكوشيما ف ي� اليابان‪ ،‬إىل رفض خطط‬ ‫الطاقة النووية بنسبة ‪ 94‬ف ي� المئة‪.‬‬

‫هل نسير نحو عالم من دون‬ ‫مفاعالت نووية؟‬

‫ف� ‪ 22‬يناير ‪ ،2015‬كتبت الناشطة ليندا ت ز‬ ‫بن�‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫القامة‪،‬‬ ‫ال�يطانية المولد‪ ،‬المريكية إ‬ ‫غان�‪ ،‬ب‬ ‫العاملة ف ي� مجال مراقبة النشاط النووي ف ي�‬ ‫العالم‪ ،‬مقالة عنوانها‪« :‬النهضة» النووية‬ ‫انتهت‪.‬‬ ‫ت ف‬ ‫ت‬ ‫ال� لم‬ ‫تقول غان� ي� فمقالتها‪ ،‬إن أالنهضة النووية آي‬ ‫تكن موجودة ي� يوم من اليام‪ ،‬قد انتهت الن‪،‬‬ ‫يتعدى بعض الدعاية يغ�‬ ‫وإن ما بقي منها ال ّ‬ ‫المقنعة‪ .‬ت‬ ‫ح� إعالم التيار الغالب (‪mainstream‬‬ ‫‪ )media‬لم يعد يرى فيها سوى رساب‪.‬‬ ‫تقول ت‬ ‫غان� إن أقطاب الطاقة النووية يزعمون‪ ،‬ف ي�‬ ‫محاولة يائسة لتكذيب الوقائع‪ ،‬أن هذه الطاقة‬ ‫آ‬ ‫محسنة‪،‬‬ ‫تعمل الن لتجديد نفسها‪ ،‬بمفاعالت ّ‬ ‫متطورة‪ ،‬وأن الطاقة النووية‬ ‫صغ�ة‬ ‫أو مفاعالت ي‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫تتقدم»‪ ،‬وأنها العالج‬ ‫«لم تمت»‪ ،‬بل ح� «أنها ّ‬ ‫لالحتباس الحراري!‬

‫ش‬ ‫�ء من هذا‪،‬‬ ‫لكن الطاقة النووية ليست أي ي‬ ‫تتقدم ببطء‪ ،‬ولن‬ ‫لقد انتهت‪ ،‬وحسب‪ .‬لن ّ‬ ‫تتطور بهدوء‪ ،‬ولن تستمر ف ي� امتصاص مزيد‬ ‫ال�ائب ف� جيوب أ‬ ‫من ض‬ ‫ين‬ ‫مريكي�‪ ،‬كما تقول‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫غان�‪ .‬بل يرى اتحاد المصارف السويرسية «يو‬ ‫ت‬ ‫المح�مة دولياً‪،‬‬ ‫ب ي� إس»‪ ،‬المؤسسة المرصفية‬ ‫إن الطاقة النووية ت‬ ‫س�حل‪ ،‬وإن رحيلها عاجل‬ ‫وليس آجالً‪ .‬ويدعو االتحاد زبائنه إىل المسارعة‬ ‫«لالنضمام إىل الثورة المقبلة»‪ .‬فما هي هذه‬ ‫الثورة؟‬ ‫تقول شن�ة «رينيو إكونومي» أ‬ ‫ال ت‬ ‫س�الية إن «ثورة‬ ‫الطاقة المتجددة هي آ‬ ‫التية»‪.‬‬ ‫لقد ض‬ ‫م� عرص التوليد المركزي للطاقة‪ ،‬الذي‬ ‫تمثله الطاقة النووية أبلغ تمثيل‪« ،‬فهذه ستكون‬ ‫ديناصور نظام الطاقة ف ي� المستقبل‪ .‬إن محطات‬ ‫وغ� مرنة‪ ،‬ولن تكون مناسبة‬ ‫كب�ة جداً ي‬ ‫التوليد ي‬ ‫للمدى البعيد»‪.‬‬ ‫ض‬ ‫ت‬ ‫ال� يتوقعها اتحاد المصارف‬ ‫الثورة الخ�اء ي‬ ‫السويرسية‪ ،‬ستؤدي إىل نشوء استقالل‬ ‫حقيقي ف ي� الطاقة‪ ،‬إنها ثورة أقودها أنا‬ ‫وتقودها أنت‪« .‬ففي غضون السنوات ت‬ ‫ح�‬ ‫‪ ،2025‬سيكون الجميع قادرين عىل إنتاج‬ ‫الطاقة وخزنها‪ .‬وستكون طاقة ض‬ ‫خ�اء‪،‬‬ ‫وزهيدة‪ ،‬أي إنها لن تكون أغىل‪ ،‬بل أرخص‬ ‫من ش�اء الطاقة من مصدر توليد مركزي‪.‬‬ ‫وستكون طاقة مجدية؛ ألنها س ُتستهلَك ف ي�‬ ‫ش‬ ‫�ء منها تقريباً ف ي�‬ ‫مكان إنتاجها‪ ،‬ولن يضيع ي‬ ‫نقل الطاقة»‪.‬‬ ‫أما مدة ت‬ ‫يز‬ ‫التجه� فيها‪ ،‬فلن تزيد‬ ‫اس�داد تكلفة‬ ‫ب� ‪ 6‬و‪ 8‬سنوات‪ .‬وهذا أ‬ ‫عىل ما ي ن‬ ‫المر سيؤدي إىل‬ ‫حدوث ثورة حقيقية ف ي� صناعة الطاقة‪.‬‬ ‫لقد جاء ف ي� التقرير العالمي لحال الصناعة‬ ‫النووية أن الطاقة المتجددة تنمو عىل نحو‬ ‫اماتيك‪ .‬وعىل الرغم من أن شن�ة أنباء العالم‬ ‫در ي‬ ‫تش� إىل أن عام ‪ 2015‬بدأ وفيه ‪436‬‬ ‫النووي ي‬ ‫مفاعال ً نووياً‪ ،‬ف ي� مقابل ‪ 435‬السنة الماضية‪ ،‬إال‬ ‫خداع‪ ،‬إذ إن من هذه المفاعالت‬ ‫أن هذا الرقم ّ‬ ‫ف‬ ‫‪ 48‬مفاعال ً أوقفت عن العمل ي� اليابان‪.‬‬ ‫وتختم ت‬ ‫غان� مقالتها بالقول إن إنتاج الطاقة‬ ‫يس� نحو الالمركزية‪ ،‬حيث ال مكان للطاقة‬ ‫ي‬ ‫النووية‪ ،‬وإن هذه الثورة بدأت فعالً‪.‬‬


‫‪89 | 88‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫التجارب النووية‬ ‫تجربة أول قنبلة نووية ف ي� التاريخ‪،‬‬ ‫أجرتها الواليات المتحدة أ‬ ‫المريكية ف ي�‬ ‫ت‬ ‫تريني� سايت‪ ،‬ف ي� ‪ 16‬يوليو ‪،1945‬‬ ‫ي‬ ‫بقوة ‪ 20‬كيلوطن‪ .‬وبعد سبعة‬ ‫أسابيع‪ ،‬أُسقطت قنبلتان ذريتان �ف‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫مدين�‬ ‫‪ 6‬و‪ 9‬أغسطس ‪ ،1945‬عىل‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫اليابانيت�‪ .‬أما‬ ‫ه�وشيما وناغاز ياك‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫تجربة أول قنبلة هيدروجينية‪،‬‬ ‫فأجرتها الواليات المتحدة أيضاً‪ ،‬ف ي�‬ ‫نوفم� ‪.1952‬‬ ‫جزر مارشال‪ ،‬ف ي� ‪1‬‬ ‫ب‬ ‫والتجارب النووية عىل أنواع‪:‬‬

‫‪1‬‬

‫أ‬ ‫فجر القنبلة من عىل‬ ‫فوق سطح الرض‪ :‬تُ َّ‬ ‫ف‬ ‫برج مرتفع‪ ،‬أو من عىل بالون ي� الجو‪ ،‬أو‬ ‫فوق جزيرة نائية ف ي� المحيط‪ ،‬أو بإسقاطها من‬ ‫طائرة‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫تحت سطح أ‬ ‫الرض‪ :‬تُحفَر حفر متفاوتة‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫وتفجر ي� قاعها القنبلة‪ ،‬تجنباً للتلوث‬ ‫العماق‪ّ ،‬‬ ‫الشعاعي‪ .‬وقد أجرت القوتان العظميان ف ي�‬ ‫إ‬ ‫الحرب الباردة‪ ،‬الواليات المتحدة واالتحاد‬ ‫ت‬ ‫السوفيا�‪ ،‬معظم تجاربهما النووية تحت‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫سطح الرض‪ .‬لكنهما وقعتا سنة ‪ 1976‬عىل‬ ‫معاهدة لتكون قوة التفج�ات تحت أ‬ ‫الرض‬ ‫ي‬ ‫‪ 150‬كيلو طناً عىل أ‬ ‫ال ثك�‪ ،‬بعدما ي ّ ن‬ ‫تب� أن‬ ‫التفج�ات تؤدي إىل تشقق ف� ت‬ ‫ال�بة وتلويث‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ض‬ ‫لسطح الكرة الرضية‪ ،‬وحدوث زالزل ت�‬ ‫بالمناطق المأهولة‪ ،‬من جراء هذه التجارب‪،‬‬ ‫عندما تفوق قوتها حداً معيناً‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫ف‬ ‫تفج� القنبلة من عىل‬ ‫ي� الفضاء‪ :‬يُجرى ي‬ ‫أ‬ ‫ئ‬ ‫فضا� حول الرض‪.‬‬ ‫صاروخ يُطلَق نحو مدار‬ ‫ي‬ ‫التفج� إىل إحداث موجة‬ ‫ويؤدي هذا‬ ‫ي‬ ‫مغناطيسية وإشعاعية ف ي� الفضاء القريب‬ ‫المحيط أ‬ ‫بالرض‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫دل السفينة القنبلة إىل‬ ‫تحت سطح البحر‪ :‬تُ ّ ي‬ ‫الماء‪ ،‬ت‬ ‫ح� عمق ي ن‬ ‫مع�‪ ،‬ثم تفجرها‪ .‬وينتج‬ ‫ت‬ ‫ال� تكون‬ ‫من هذا بالطبع ي‬ ‫تدم� السفينة ي‬ ‫ن‬ ‫المالح�‪ .‬ويُحدث هذا النوع‬ ‫قد أُخليت من‬ ‫ي‬ ‫من التفج� كث�اً من التلوث الشعاعي �ف‬ ‫ي ي‬ ‫ي‬ ‫المحيط‪.‬‬ ‫يُذكر أن معظم دول العالم مرتبطة‪ ،‬منذ‬ ‫يسمى‪« :‬معاهدة الحظر‬ ‫سنة ‪ ،1963‬بما ّ‬ ‫ئ‬ ‫الجز� للتجارب النووية»‪.‬‬ ‫ي‬

‫المصدر‪:‬‬ ‫_‪http://en.wikipedia.org/wiki/Nuclear‬‬ ‫‪weapons_testing‬‬

‫‪3‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪2‬‬ ‫للمزيد‪:‬‬ ‫‪http://www.world-nuclear.org/‬‬ ‫نيوكل� أسوسييشن‬ ‫‪ WNA‬موقع وورلد‬ ‫ي‬ ‫‪http://www.worldnuclearreport.org/‬‬ ‫‪https://www.bing.com/search?setmkt=en‬‬‫‪XA&q=The+Nuclear+%E29%80%CRenaissance%E29%80%D+is+Over‬‬

‫وكذلك‪:‬‬ ‫‪http://en.wikipedia.org/wiki/Nuclear_power_by_country‬‬ ‫_‪http://en.wikipedia.org/wiki/Nuclear_and_radiation_accidents_and‬‬ ‫‪incidents‬‬


‫الملف‪:‬‬

‫الخريطة‬ ‫ما بين الخرائط األولى‪ ،‬التي رسمها‬ ‫اإلنسان القديم على الصخور‬ ‫والحجارة‪ ،‬والخرائط اإللكترونية التي‬ ‫َّ‬ ‫الجوالة‪،‬‬ ‫نحملها اليوم على الهواتف‬ ‫ثمة ما هو مشترك‪ .‬إنها لغة تتجاوز‬ ‫حواجز اللغات المختلفة‪.‬‬ ‫وهذه اللغة التي يختلط في‬ ‫تشكيلها الرسم بالقليل من‬ ‫المفردات وكثير من الرموز‪ ،‬هي في‬ ‫المقام األول صلة وصل ما بين‬ ‫اإلنسان والعالم‪ ،‬يستوي استخدامها‬ ‫في أوقات السالم كما في أوقات‬ ‫الحروب‪ ،‬وفي أزمنة النهضة‬ ‫واالكتشافات كما في أزمنة التخلف‬ ‫وأوقات الضياع‪.‬‬ ‫في هذا الملف يصحبنا‬ ‫حسام الدين صالح إلى اكتشاف عالم‬ ‫الخريطة التي كانت وال تزال وسيلتنا‬ ‫إلى اكتشاف العالم‪.‬‬


‫‪91 | 90‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫دريس‬ ‫ال‬ ‫خريطة محمد إ‬ ‫ي‬

‫النسان منذ قديم‬ ‫حظيت الخريطة باهتمام إ‬ ‫ن‬ ‫تع� الجمود عىل‬ ‫الزمان‪ ،‬فقد كانت الحياة من دونها ي‬ ‫للنسان القديم‬ ‫الثابت والقديم‪ .‬وم ّثلت الخريطة إ‬ ‫آ‬ ‫مفتاحاً مهماً الستكشاف العالم وإخبار الخرين به‬ ‫وإمكانية العودة إليه مرة أخرى‪ .‬وعىل الرغم من أن الخريطة قديماً‬ ‫كانت شديدة البدائية بمقاييسنا الحديثة‪ ،‬إال أنها كانت ش‬ ‫تؤ� عىل‬ ‫الوعي إ ن‬ ‫النسان القديم باللغة أو‬ ‫نسا� التواق للمعرفة؛ ولم يكتف إ‬ ‫ال ي‬ ‫الموسيقى فقط كوسائل للتواصل‪ ،‬بل سعى لتكون الخريطة جزءاً من‬ ‫ت‬ ‫ال� تربطه بالعالم بكل ما فيه‪.‬‬ ‫الوسائل االتصالية ي‬

‫أقدم الخرائط من الحضارة البابلية‬

‫الب�ية ف� رعاية الخريطة من مهدها أ‬ ‫تضافرت جهود ش‬ ‫الول إىل يومها‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� استطاعت‬ ‫ي‬ ‫الحال المفعم بالحيوية والشباب‪ .‬أفأقدم الخرائط ي‬ ‫الب�ية توارثها دون أن تضيع ي ن‬ ‫ش‬ ‫ب� الجيال المتعاقبة‪ ،‬تعود إىل‬ ‫الحضارة البابلية‪ ،‬وهي مصنوعة من ي ن‬ ‫الط�‪ ،‬واستعان بها أصحابها‬ ‫عىل تحديد أ‬ ‫الر ضا� الزراعية وحرص الملكية وجمع ض‬ ‫ال�ائب‪ .‬وتظهر‬ ‫ي‬ ‫فيها اليابسة عىل شكل دائرة تحيط بها المياه من كل جانب‪ .‬وما زالت‬ ‫ح� آ‬ ‫هذه الخريطة موجودة ت‬ ‫الن ف ي� متحف الدراسات السامية ف ي�‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫جامعة هارفارد بالواليات المتحدة المريكية‪ .‬إال أن أول الخرائط ي‬ ‫ين‬ ‫المرصي� الذين كانوا يرسمونها‬ ‫ُرسمت عىل الورق كانت عند قدماء‬ ‫ال�دي‪ .‬وقيل إن أول من رسم خريطة فرعونية كان رمسيس‬ ‫عىل ورق ب‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫الصيني� ي� سباق تطوير الخرائط‪ ،‬كانوا أول‬ ‫الثا�‪ .‬وحينما جاء دور‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫للغريق الفضل‬ ‫للحداثيات الفقية والرأسية‪ .‬وكان إ‬ ‫صمم شبكة إ‬ ‫من َّ‬ ‫أ‬ ‫ف ي� تقسيم الكرة الرضية إىل دوائر الطول والعرض؛ ثم جاء دور‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫الكب� ف ي� تطوير الخرائط وعلومها‪ ،‬حيث‬ ‫المسلم� وكان لهم الثر ي‬ ‫يذكر التاريخ الجهود العلمية ي ت‬ ‫قدمها علماء عرب من أمثال‬ ‫ال� َّ‬ ‫الكب�ة ي‬ ‫دريس والمسعودي أسهمت ف ي� تطوير الجغرافيا كعلم وفن‪.‬‬ ‫إ‬ ‫ال ي‬

‫خريطة إراتوستينس‬


‫خرائط النجوم‬ ‫هدية السماء لألرض‬ ‫النسان‬ ‫النجوم هي خريطة الليل القديمة‪ ،‬يفتحها إ‬ ‫كل مساء إذا شاء‪ .‬ظلت خريطة النجوم خريطة من‬ ‫النسان منذ قديم الزمان برسم‬ ‫ال خريطة له‪ .‬ولم يكتف إ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� ش‬ ‫م� عليها‪ ،‬فقد كان للسماء من‬ ‫الخرائط للرض ي‬ ‫الخرائط أيضاً نصيب‪ .‬لكن الحاجة للسماء والنجوم كانت‬ ‫ملحة لتصبح الخريطة عىل أ‬ ‫الرض أدق وأصح‪ ،‬فمثلما‬ ‫تساعد أ‬ ‫ش‬ ‫والع�ين‬ ‫القمار الصناعية إنسان العرص الواحد‬ ‫ت‬ ‫ال� يحتاجها ف ي� حياته اليومية‪،‬‬ ‫عىل ضبط خرائطهف ي‬ ‫احتاجت ش‬ ‫الب�ية ي� أزمانها القديمة إىل خرائط النجوم من‬ ‫أ‬ ‫أجل خرائط الرض‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫خرائط النجوم أو خرائط‬ ‫السماء‪ ،‬أسماء للخريطة ي‬ ‫ف‬ ‫ال� والبحر‪ .‬كان‬ ‫كان وما زال إ‬ ‫النسان يهتدي بها ي� ظلمات ب‬ ‫ف‬ ‫علم الفلك بصورة عامة عامال ً مهماً ي� تكوين الخرائط‪.‬‬ ‫وقد اهتم العرب بهذه العالقة ي ن‬ ‫ب� الخريطة والنجوم‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ث‬ ‫ال� حرص الجغرافيون‬ ‫فكان علم الفلك من أك� العلوم ي‬ ‫العرب عىل دراستها وإتقانها‪ ،‬وهذا ما ظهر جلياً‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� رسموها‬ ‫ي� خرائطهم الوىل ي‬ ‫للعالم‪ ،‬حيث ظهرت فيها‬ ‫الكرة أ‬ ‫الرضية بخطوط‬ ‫الطول والعرض مع‬ ‫صور أ‬ ‫للفالك‬ ‫والنجوم‪ ،‬ثم‬ ‫رسم العلماء‬

‫حددوا فيها بدقة مواقع النجوم‪،‬‬ ‫مصورة َّ‬ ‫العرب خرائط َّ‬ ‫ويشتهر ف� هذا السياق العالم العر� عبدالرحمن الصو�ف‬ ‫بي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫بجمعه قرابة ألف نجمة ف ي� خريطته الفلكية‪.‬‬ ‫ين‬ ‫ب� عمل الجغر ي ن‬ ‫وثمة تطابق ما ي ن‬ ‫والفلكي� ف ي�‬ ‫افي�‬ ‫ين‬ ‫يستع� الجغرافيون بخطوط‬ ‫رسم الخرائط‪ .‬فمثلما‬ ‫أ‬ ‫الطول والعرض لتحديد مكان ما عىل سطح الرض‬ ‫عىل خرائطهم‪ ،‬يعتمد الفلكيون عىل الفكرة نفسها‬ ‫لرسم خريطة للنجوم‪ ،‬إذ يستعيضون عن مصطلحات‬ ‫الطول والعرض الجغرافية بمصطلحات الميل والمطلع‬ ‫المستقيم الفلكية‪.‬‬ ‫ومع التطور ت ز‬ ‫الم�ايد ف ي� العلوم الفضائية وتقنياتها‪،‬‬ ‫استخدمت أ‬ ‫القمار الصناعية لرسم خرائط سماوية أعمق‬ ‫وأوسع‪ ،‬تكشف مصادر أ‬ ‫الشعة السينية والمواقع الدقيقة‬ ‫لمليارات النجوم‪ .‬وصار الحصول عىل تفاصيل أدق عن‬ ‫المجرات البعيدة أقرب من السابق بفضل الخرائط‬ ‫الراديوية للسماء‪ .‬وما زالت جهود‬ ‫ين‬ ‫الفلكي� تتواصل لرسم خريطة‬ ‫دقيقة وشاملة للنجوم‬ ‫لكشف أرسار الكون‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫والفضاء ي‬ ‫تث�‬ ‫ما زالت ي‬ ‫فضول‬ ‫العلماء‪.‬‬


‫‪93 | 92‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫الخريطة في معاجم‬ ‫اللغة والناس‬ ‫ن‬ ‫بالمع�‬ ‫قبل أن يعرف العرب الخريطة‬ ‫الذي تحمله هذه الكلمة اليوم‪ ،‬عرفوها‬ ‫وسيلة لنقل أ‬ ‫الشياء‪ .‬ولربما لم يعرف‬ ‫العرب المفهوم الحديث للخريطة إال‬ ‫ف‬ ‫العر�‬ ‫بعد أن رسم العا ِلم الجغر أ يا� ب ي‬ ‫الدريىس أول شكل للكرة الرضية‪ ،‬فتواضع‬ ‫إ‬ ‫العر� آنذاك عىل تسميتها‬ ‫الوسط العلمي ب ي‬ ‫دريس‪ .‬ولذلك يذكر مجمع‬ ‫بخريطة إ‬ ‫ال ف ي‬ ‫اللغة العربية ي� المعجم الوسيط الخريطة‬ ‫بمعناها القديم والحديث‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫«الخريطة وعا ٌء من جلد أَو نحوه يُ َش ُّد عىل‬ ‫ما فيه‪ ،‬والخريطةُ ف ي� اصطالح أَهل العرص‪:‬‬ ‫أ‬ ‫رضية‪ ،‬أَو جز ٌء‬ ‫رسم عليه ُ‬ ‫سطح الكرة ال َ ّ‬ ‫ما يُ َ‬ ‫منه‪ ،‬والجمع‪ :‬خرا ِئط»‪ .‬وقد استعمل علماء‬ ‫الجغرافيا العرب أسماء عديدة لتدل عىل‬ ‫ن‬ ‫مع� الخريطة الذي لم يكن معروفاً من‬ ‫قبل‪ .‬فأطلقوا عليها الرسم‪ ،‬ولوح الرسم‪،‬‬ ‫الصورة‪ ،‬ولوحة ت‬ ‫ال�سيم‪ .‬ويرجح البعض‬ ‫أن يكون لفظ الخريطة معرباً عن لفظ‬ ‫ال� تع�ن‬ ‫ت‬ ‫(‪ )Carta‬أو اش ُّتق من كلمة َ‬ ‫(خ َرت) ي ي‬ ‫التجوال‪ ،‬ومنها خرت أ‬ ‫الرض؛ أي جال فيها‪،‬‬ ‫وعا ِلم ِخ ِّريت؛ أي جوال ماهر‪.‬‬ ‫ومثلما دخلت الخريطة المعاجم العربية‪،‬‬ ‫تمددت كذلك ف ي� استخدامات الناس اليومية‬ ‫كث� من المفاهيم والرغبات‬ ‫للتعب� عن ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ال أ‬ ‫المكنة فحسب‪ .‬مثل استعارة السلوب‬ ‫الخرائطي للحلول الذكية والمتكاملة فتكون‬ ‫حينئذ (خارطة طريق) تمهيداً للوصول‬ ‫إىل الحل لمشكلة ما معقدة‪ ،‬أو ي ن‬ ‫ح�‬ ‫عمل‬ ‫تكون ي‬ ‫تعب�اً عن تقسيم أكاديمي أو ي‬ ‫للخطط التنموية أو مكونات مجتمع ما‪،‬‬ ‫فتسمى حينها بالخرائط ت‬ ‫ال�بوية‪ ،‬والخريطة‬ ‫المدرسية والخريطة السياسية؛ أو ربما‬ ‫تع� عن عالقات تم�ابطة تقود إىل نهايات‬ ‫ب ِّ‬ ‫ت‬ ‫مش�كة مثل خريطة المفاهيم‪ ،‬والخريطة‬ ‫الب�ية الجينية؛ ت‬ ‫ش‬ ‫ح� عندما يريد أحدهم‬ ‫أن يستخدم وعيداً شديد التهديد‪ ،‬فإنه‬ ‫يرغب «بمحو آ‬ ‫الخر من عىل الخريطة»!‬

‫خريطة بطليموس‬

‫خريطة أورتيليوس‬

‫تط َّلب تطوير الخريطة قروناً من الجهود المختلفة‪ .‬فقد كانت حاجة‬ ‫ش‬ ‫الب�ية الماسة إىل الخريطة دافعاً قوياً للمساهمة ف ي� تطويرها‪ .‬وحينما‬ ‫ن‬ ‫اليونا� إراتوستينس رسم أول خريطة كلية للعالم‪،‬‬ ‫حاول المؤرخ‬ ‫أي‬ ‫بدأت فكرة كروية الرض بالظهور من خالل رسمه لخطوط الطول‬ ‫كث� من المناطق الجديدة ف ي� العالم بالظهور‬ ‫و«التشابه»‪ .‬كما بدأت ي‬ ‫ف ي� خريطته‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫و� عام ‪150‬م تحديداً‪ ،‬ظهرت‬ ‫مع بدايات القرون الميالدية الوىل‪ ،‬ي‬ ‫أول خريطة للعالم بخطوط طولية وعرضية‪ ،‬وكان بطل هذه المرحلة‬ ‫الفلك والجغر ف يا� وعالم الرياضيات بطليموس‪.‬‬ ‫ي‬ ‫بدت الخريطة أ‬ ‫الوىل عند ظهورها كوجه جميل ال يعيبه سوى الجهل‬ ‫تحدد‬ ‫الذي يخفي مالمحه الجميلة‪ .‬إىل أن بدأت االستكشافات العلمية ِّ‬ ‫ح� بدا ث‬ ‫مالمح هذا الوجه الجميل ت‬ ‫أك� وضوحاً‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ال� توصلت إليها‬ ‫استوعب العلماء المسلمون المعارف الجغر‬ ‫افية ي‬ ‫الب�ية‪ ،‬استيعاباً جيداً كان له السهام أ‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫ال بك� ي� تطوير هذه المعارف‪.‬‬ ‫إ‬


‫ف‬ ‫الدريس بوضع خريطة ث‬ ‫أك�‬ ‫العر� محمد إ‬ ‫فقد قام العا ِلم الجغر يا� ب ي‬ ‫ي‬ ‫الفريقية‪،‬‬ ‫الشمال من القارة إ‬ ‫دقة للعالم‪ ،‬لكنها تتوقف عند الجزء أ ي‬ ‫معتمدة ل ثك� من ثالثة قرون‪.‬‬ ‫وظلت هذه الخريطة الجديدة َ‬ ‫وكان ظهور أ‬ ‫الطلس معلماً بارزاً ف ي� مراحل تطور الخريطة‪ ،‬فظهر ألول‬ ‫مرة مطبوعاً ف ي� ‪ 20‬مايو عام ‪1570‬م عىل يد العا ِلم أورتيليوس‪ ،‬وظل‬ ‫أطلسه معتمداً ت‬ ‫ح� عام ‪1612‬م‪.‬‬ ‫وبعد تطور العلوم الجغرافية والفلكية والرياضية‪ ،‬واكتشاف أدوات‬ ‫علمية جديدة أصبحت الخريطة ث‬ ‫التعب� عن العالم‪.‬‬ ‫أك� دقة ف ي�‬ ‫ي‬

‫الخريطة في العصر الحديث‬

‫ف ي� العرص الحديث‪ ،‬أصبحت الخرائط أدق بسبب االكتشافات‬ ‫ت‬ ‫النسان بمزيد من المناطق‬ ‫ال� زادت من معرفة إ‬ ‫الجغرافية الجديدة ي‬ ‫أك� انتشاراً بفضل ت‬ ‫ال� لم يكن يعرفها‪ .‬وأصبحت الخريطة ث‬ ‫ت‬ ‫اخ�اع‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� كانت تصاحب‬ ‫الطباعة وتزايد حركة ال�جمة‪ ،‬فتناقصت أالخطاء ي‬ ‫أ‬ ‫طباعتها‪ .‬واضطرت الحربان العالميتان الوىل والثانية الطراف‬ ‫المشاركة فيها إىل بذل مزيد من الجهد لجعل الخرائط ث‬ ‫أك� دقة وفائدة‬ ‫ف ي� العمليات الحربية‪.‬‬ ‫فمنذ بدايات القرن ش‬ ‫وت�ة التطور ف ي� إنتاج الخرائط‬ ‫الع�ين تسارعت ي‬ ‫ش‬ ‫المس�ة‬ ‫ون�ها بفضل التقدم ف ي� التصوير والطباعة‪ .‬ولم تتوقف هذه‬ ‫ي‬ ‫بعد التطور المذهل الذي أصبح يعيشه العالم اليوم بفضل التقنية‬ ‫الحديثة‪ ،‬فقد أصبح من السهل بمعاونة أجهزة الكمبيوتر وبرامجه‬ ‫رسم خريطة دقيقة وصحيحة ومكتملة المعالم للعالم‪ .‬وهذا هو‬ ‫الهدف الذي كانت تحاول الوصول إليه أول خريطة ظهرت ف ي� العالم‬ ‫قبل ما يربو عن ستمائة عام قبل الميالد‪.‬‬ ‫ف‬ ‫و� كل زمن يعتقد فيه البعض بنهاية الجغرافيا‪ ،‬بتأ� الجغرافيا إال أن‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫المعر� الذي وصل إليه إالنسان‪.‬‬ ‫تثبت العكس اعتماداً عىل الوعي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫فالشكل المتقدم والدقيق الذي وصلت إليه الخريطة‪ ،‬مستمر ي� النمو‬ ‫والتطور بفعل التقنيات الجديدة‪ .‬وبظهور أجهزة تحديد المواقع‬ ‫الجغرافية (‪ )GPS‬أ‬ ‫والقمار الصناعية‪ ،‬انفتحت مساحة جديدة للخرائط‬ ‫بمحاولة رسم تضاريس أعماق أ‬ ‫الرض ورسم حدود الفضاء الخارجي‪.‬‬

‫وتطور شكل الخريطة فظهرت إمكانية إنتاج خرائط ثالثية‬ ‫أ‬ ‫البعاد ال تقترص عىل قراءتها فقط‪ ،‬بل ويمكن تحسسها‬ ‫كث� من‬ ‫أيضاً‪ .‬وكل هذه التطورات م َّهدت لظهور ي‬ ‫المفاهيم الجغرافية الجديدة‪ ،‬مثل التمثيل‬ ‫ف‬ ‫ئ‬ ‫المر� ونُظم‬ ‫الكارتوجر يا� والتصوير ي‬ ‫المعلومات الكارتوجرافية‪.‬‬

‫للخريطة في حياتنا أهمية‬ ‫ال تنتهي‬

‫بإمكاننا اختصار كل تعريفات الخريطة ف ي� كونها صورة‬ ‫رمزية (بيانية) للكرة أ‬ ‫ن‬ ‫كث�اً‬ ‫الرضية‪ .‬وبهذا‬ ‫المع�‪ ،‬فإن ي‬ ‫من علماء االتصال والجغرافيا يَ ُعدون الخريطة أداة‬ ‫اتصال مهمة وواسعة االنتشار باعتبار االتصال البيا�ن‬ ‫ي‬ ‫مكوناً أساسياً ف ي� كل عالقاتنا الحضارية‪.‬‬ ‫النسان المعارص للخريطة ‪ -‬خاصة الرقمية ‪ -‬ف ي�‬ ‫يحتاج إ‬ ‫أ‬ ‫حد سواء‪ ،‬من رغبته كعسكري‬ ‫أعقد الشياء وأبسطها عىل ٍّ‬ ‫ف ي� تحديد موقع العدو وإدارة المعركة ضده‪ ،‬أو ف ي�‬ ‫للبي�ا‪ .‬وما ي ن‬ ‫احتياجه كجائع ألقرب مطعم ت ز‬ ‫ب�‬ ‫كث� من االحتياجات‬ ‫التعقيد والبساطة‪ ،‬تندرج ي‬ ‫لخريطة دقيقة وبسيطة‪.‬‬ ‫الس�‪ ،‬مثلما يستخدمها‬ ‫يحتاج إ‬ ‫النسان إىل الخريطة لتحديد اتجاهات ي‬ ‫ف‬ ‫النشاءات‪ ،‬ويحتاجها الجيولوجيون‬ ‫المعماريون والمهندسون ي� إ‬ ‫ف‬ ‫للتنقيب عن المعادن‪ ،‬والمع ِّلمون ي� تدريس طالبهم‪.‬‬ ‫بحد ذاتها كوسيلة لكسب العيش‪ ،‬سواء‬ ‫وال تخفى أهمية الخريطة ِّ‬ ‫ش‬ ‫بطريق يغ� ش‬ ‫مبا� كاالستفادة منها كأداة مساعدة‪ ،‬أو بطريق مبا�‬ ‫بالمتاجرة ف ي� تصميمها وإنتاجها‪ ،‬بل والمتاجرة بالقديم منها‪ ،‬حيث‬ ‫ت‬ ‫ال� تدر أمواال ً طائلة‬ ‫تُعد الخرائط القديمة أحد الكنوز التاريخية ي‬ ‫لبائعيها‪ ،‬وتشهد المزادات العالمية عىل ذلك‪.‬‬ ‫أما ما توفره الخريطة للمعارف والعلوم فهو واضح ومتجذِّ ر منذ‬ ‫بداياتها أ‬ ‫الوىل ت‬ ‫وح� مرحلتها الحالية‪ .‬فالخريطة‪ ،‬فضال ً عن �ض ورتها‬


‫ن‬ ‫التق� سيصب ف ي�‬ ‫صامدة أمام‬ ‫منافستها الرقمية‪ .‬ويبدو أن التطور ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫النسان ما زال يحتفظ بصداقة قديمة مع الورق‪،‬‬ ‫صالح‬ ‫االثنت�‪ ،‬لن إ‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫يصعب تجاوزها بسهولة‪ ،‬عالوة عىل أن المستفيد دائما سيكون‬ ‫النسان ومن بعده الخريطة بصفة عامة‪.‬‬ ‫إ‬

‫‪95 | 94‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫خريطة عسكرية‬

‫العملية‪ ،‬تُعد أداة من أدوات البحث العلمي‪ ،‬تُستخدم ف ي� معرفة‬ ‫كث� من العلوم الطبيعية كالجغرافيا الطبيعية‪ ،‬والمناخية‪،‬‬ ‫واستنتاج ي‬ ‫ت‬ ‫وغ�ها‪ .‬كما‬ ‫والجيومورفولوجيا‪ ،‬وال�بة‪ ،‬والمياه‪ ،‬والبحار والمحيطات ي‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫النسانية كعلم االجتماع والجغرافيا الب�ية‬ ‫تُستخدم ي� العلوم إ‬ ‫ف‬ ‫الدارية ال سيما ف ي�‬ ‫كث�اً ي� العلوم إ‬ ‫والعلوم المتصلة بها‪ ،‬كما تُفيد ي‬ ‫مجال التخطيط وإدارة المشاريع‪.‬‬

‫ين‬ ‫المهتم� بالجغرافيا والخرائط بدايات القرن الواحد‬ ‫كث� من‬ ‫يُعد ي‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫الن�نت بيئة‬ ‫والع�ين نقطة انتقال إىل الخريطة الرقمية‪ .‬فقد مثلت إ‬ ‫مشجعة لنمو الخريطة الرقمية‪ ،‬وأتاحت لها التفوق عىل الخريطة‬ ‫الورقية بسهولة انتقالها ومشاركتها بع� وسائل االتصال الحديثة‪ ،‬مع‬ ‫والضافة إليها‪ ،‬لتصبح ث‬ ‫تعب�اً عن الواقع‪ ،‬وعن‬ ‫خيارات تعديلها إ‬ ‫أك� ي‬ ‫ف‬ ‫بخب� جغر يا� مختص‪،‬‬ ‫الحاجة الفردية لمستخدمها‪ ،‬دون االستعانة ي‬ ‫وهو ما م َّهد لظهور عرص (رسامو الخرائط المواطنون)‪.‬‬ ‫ت‬ ‫العالم الجديد‪ ،‬دفعت ش�كات‬ ‫عمقتها وسائل إ‬ ‫ال� َّ‬ ‫ففكرة المشاركة ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫تقنية عديدة للدخول � هذا السباق الرابح‪ ،‬ي ن‬ ‫بتمك� الفراد من‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫االستفادة من الخريطة الرقمية وصور القمار الصناعية عالية الدقة‪،‬‬ ‫تقدم فقط ش‬ ‫لل�كات العمالقة ولوزارات‬ ‫بعد أن كانت هذه الخدمات َّ‬ ‫الدفاع ف ي� العالم‪.‬‬

‫وتوفر الخريطة عىل العموم من المعارف ما ال تستطيع المادة‬ ‫للنسان‪ .‬ويتساوى الجميع ف ي� الحاجة‬ ‫المسموعة والمقروءة تقديمه إ‬ ‫إليها‪.‬‬

‫كانت البداية من ش�كة (جوجل) حينما أعلنت ف ي� عام ‪2005‬م طرح‬ ‫خدمة (خرائط جوجل) و(جوجل أ‬ ‫الرض) لتتيح للجمهور العام البحث‬ ‫عن أي مكان ف ي� العالم بمعلومات دقيقة تشمل العنوان ورقم الهاتف‬ ‫وطريقة الوصول إليه‪.‬‬

‫المعركة ي ن‬ ‫ب� القديم والجديد‪ ،‬لم تكن بعيدة عن ميدان الجغرافيا‬ ‫ورسم الخرائط‪ .‬ومثلما لم تُحسم المعركة تماماً ي ن‬ ‫ب� المنتجات‬ ‫أ‬ ‫خ�ة‪ ،‬ما زالت الخريطة الورقية‬ ‫الورقية والمنتجات الرقمية لصالح ال ي‬

‫وأدى التوجه الجديد نحو الخريطة الرقمية إىل تقليص المسافة‬ ‫ين‬ ‫ب� مصممي الخرائط ومستخدميها‪ ،‬وهو أمر يزيد من فرص شيوع‬ ‫المعرفة الجغرافية‪ ،‬ويفتح النقاش أيضاً حول مستقبل هذه العالقة‬ ‫ودورها ف ي� تطور علم الخرائط وتطوير البيئات المحلية‪.‬‬

‫بين الخريطة الورقية والرقمية‬

‫متى تكذب الخريطة؟‬

‫ين‬ ‫ين‬ ‫كث�‬ ‫المؤرخ� إىل إغفال‬ ‫كث� من‬ ‫البابلي� المتعمد تمثيل ي‬ ‫يش� ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫من شعوب العالم الخرى ي� أول خريطة رسموها‪ ،‬مثل الفرس‬ ‫البابلي� ف� ذلك الوقت‪ .‬و�ف‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫معروف� لدى‬ ‫والمرصي�‪ ،‬مع أنهم كانوا‬ ‫ي‬ ‫ي ي‬ ‫هذا ما يؤكد أن التاريخ ليس وحده المتهم بعدم قبول الحقيقة‪ ،‬إذ‬ ‫إن الجغرافيا أيضاً قد تكون موضع االتهام ف� بعض أ‬ ‫الحيان‪ .‬ت‬ ‫فم�‬ ‫ي‬ ‫تكون الخريطة كاذبة؟!‬ ‫قد تكذب الخريطة ألنها تريد أن تتجمل بعدم قبول واضعيها‬ ‫بالحقائق‪ ،‬أو رغبتهم ف ي� رؤية حقائق أخرى عىل أرض الواقع‪ ،‬وهنا‬ ‫وب� الخريطة أ‬ ‫ب� الحقيقة والواقع‪ ،‬ي ن‬ ‫بالتحديد ينشأ الرصاع ي ن‬ ‫والرض‪،‬‬ ‫وقد يمتد هذا الرصاع إىل الخريطة وواضعيها أيضاً‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ال� تؤثر ف ي� مصداقية بعض الخرائط‬ ‫هذا النوع من الرصاعات الجغرافية ي‬ ‫ما زال ماثالً‪ ،‬وال يتوقع أن ينتهي مستقبالً‪ ،‬دون أن تنتهي مسبباته تماماً‪.‬‬


‫الشمال‪ :‬أبو االتجاهات‬ ‫قبل أن يصبح (الشمال والجنوب)‬ ‫كان أسهل االتجاهات تحديداً منذ قديم‬ ‫ش‬ ‫يقسم العالم ويعكِّر‬ ‫الزمان ال�ق والغرب‪ ،‬بنا ًء عىل دوران‬ ‫مصطلحاً سياسياً ِّ‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫صفو الجغرافيا والسياسة عىل حد سواء‪،‬‬ ‫ال� تتحرك من ال�ق إىل الغرب‪.‬‬ ‫الشمس ي‬ ‫كانت الخرائط أ‬ ‫الوىل ت‬ ‫ال� رسمها المسلمون ولكن اتجاه الشمال أصبح أهم االتجاهات‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫تبدأ بالجنوب قبل الشمال عىل عكس‬ ‫المغناطيس‬ ‫الربعة بعد اكتشاف ثباته‬ ‫ي‬ ‫المعمول به آ‬ ‫الن‪ ،‬حيث يكون الشمال دائماً بالنسبة إىل البوصلة‪.‬‬ ‫أعىل الخريطة ال أسفلها‪.‬‬ ‫والشمال الجغر ف يا� أو الشمال الصحيح هو‬ ‫أما هذه أ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫اليام‪ ،‬فقد صار هذا النوع من‬ ‫اللت� يتقاطع‬ ‫ي� اتجاه واحدة من‬ ‫النقطت� ي‬ ‫ي‬ ‫فيهما محور دوران أ‬ ‫الخرائط يُسمى بالخرائط المقلوبة رغم‬ ‫الرض مع سطح الكرة‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫يز‬ ‫تم�ها بنفس دقة الخرائط العادية‪ ،‬كما‬ ‫الرضية ي� أقىص نقطة‪ ،‬وتُعرف هذه‬ ‫أصبحت وسيلة تعليمية لتبسيط بعض‬ ‫الشمال‪.‬‬ ‫النقطة بالقطب‬ ‫ي‬ ‫المفاهيم الجغرافية‪.‬‬ ‫وقد بات من المعلوم أن كل خريطة تتجه‬ ‫ف� مثل هذه الحاالت‪ ،‬تعمد أ‬ ‫الطراف المشاركة ف ي� هذه الرصاعات إىل‬ ‫ي‬ ‫إغالق فم الخريطة يك ال تنطق بالحقيقة‪ .‬وقد تضطر الخريطة إىل‬ ‫الرضوخ إىل هذا إالكراه طويالً‪ ،‬إىل أن يتم اتفاق ما ي ن‬ ‫ب� تلك الدول عىل‬ ‫ت‬ ‫ال� تظهر عىل الخريطة دون رضاها‪.‬‬ ‫المناطق الجغرافية المتنازع عليها ي‬

‫مفتاح الخريطة‬

‫لكل خريطة مفتاح يُرفق معها لضمان قراءتها واالستفادة منها بصورة‬ ‫الصل هي تعب� رمزي عن أ‬ ‫ولن الخريطة ف� أ‬ ‫صحيحة‪ ،‬أ‬ ‫الرض‪ ،‬تكون‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الرموز هي مفتاحها الذي ال َّبد منه إلكمال رسالتها االتصالية‪ .‬ويكون‬ ‫مفتاح الخريطة ف� شكل مربع يحتوي عىل الرموز ومعانيها أ‬ ‫واللوان‬ ‫ي‬ ‫المستخدمة ف ي� الخريطة‪ ،‬وتختلف رموز الخريطة ومصطلحاتها باختالف‬ ‫نوعها ومقياس رسمها‪ .‬وكلما كان مفتاح الخريطة واضحاً وجذاباً كانت‬ ‫قادرة عن إالفصاح عن نفسها بسهولة ووضوح‪.‬‬

‫هل أنت مهم بالنسبة للخريطة؟‬

‫كث�‬ ‫هل سألت نفسك يوماً ما‪ :‬هل أنا مهم بالنسبة للخريطة؟ قال ي‬ ‫من الجغر ي ن‬ ‫افي� إن الخريطة كالكائن الحي‪ ،‬وهي كذلك فعالً‪ ،‬بكونها‬ ‫النسان‪ ،‬كما يمكن أن تموت عندما‬ ‫ذات عمر وفاعلية قد تزيد بفضل إ‬ ‫ف‬ ‫أسء‬ ‫تصبح عديمة الفائدة‪ .‬ولربما كانت سبباً ي� تأجيج حروب إذا ي‬ ‫فهمها واستخدامها‪.‬‬ ‫فالخريطة بوصفها «كائناً حياً» تحتاج إىل المجهود ش‬ ‫الب�ي لتطويرها‬ ‫ف‬ ‫وجعلها أدق ث‬ ‫النسان المعارص للخريطة ي� كونه‬ ‫وأك� فائدة‪ .‬وأهمية إ‬ ‫ف‬ ‫واهب الحياة الحقيقية لها‪ .‬فالمساهمة ي� تحديث الخرائط وتعديلها‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫الحصاءات‬ ‫تشبه المساعدة ي� الحفاظ عىل أرواح الخرين‪ .‬فقد أثبتت إ‬ ‫ف‬ ‫توف� نحو ‪ 3.5‬مليار تل�‬ ‫أن الخرائط الحديثة والدقيقة تسهم سنوياً ي� ي‬ ‫الب�ين ث‬ ‫من نز‬ ‫توف�‬ ‫وأك� من مليار ساعة من زمن السفر والمساعدة عىل ي‬

‫شماال ً ولو لم يتم رسم سهم ش‬ ‫يؤ� التجاه‬ ‫الشمال عىل الخريطة‪ ،‬وقد يُرسم أحياناً‬ ‫سهمان أحدهما للشمال الجغر فا� آ‬ ‫والخر‬ ‫ي‬ ‫المغناطيس إذا كانت الخريطة‬ ‫للشمال‬ ‫ي‬ ‫جوية مثال ً وال تتجه نحو الشمال‪.‬‬


‫‪97 | 96‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫ما يقارب ثمانية مليارات إىل ‪ 22‬مليار دوالر للصناعات الزراعية سنوياً‪،‬‬ ‫فضال ً عن تسهيلها لالستجابة الرسيعة لخدمات الطوارئ وإنقاذ آالف‬ ‫ض‬ ‫المت�رين من الكوارث سنوياً‪.‬‬ ‫وكما يقول نائب رئيس الهندسة ف ي� ش�كة جوجل‪ ،‬براين ماكليندون‪،‬‬ ‫فإن «الدفع ت ز‬ ‫الم�ايد الذي تكتسبه حركة رسم الخرائط‪ ،‬يَ ِعد بالتوصل‬ ‫ش� من العالم تقريباً‪ .‬وهذا من شأنه أن‬ ‫إىل تمثيل دقيق وشامل لكل ب‬ ‫ن‬ ‫يوجد فرصاً ت ز‬ ‫تحس� القدرة عىل‬ ‫م�ايدة للنمو االقتصادي‪ ،‬ويساعد عىل‬ ‫ي‬ ‫الوصول إىل خدمات الرعاية الصحية وغ�ها من الخدمات‪ ،‬ويسهم �ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫التنمية االجتماعية‪ ،‬ويوسع نظرة الناس إىل العالم‪ ،‬مجازياً وحرفياً»‪.‬‬

‫الخرائط والكتب‬

‫امتدت مس�ة التأليف ف� الخرائط منذ بدايات التأليف أ‬ ‫الوىل واالهتمام‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫إال ن‬ ‫نسا� بالكتابة‪ .‬لكنها لم تكن منفصلة ي� البداية عن كتب الرحالت‪،‬‬ ‫ي‬ ‫إىل أن أصبح التأليف ف� الجغرافيا والخرائط ث‬ ‫أك� ي ز‬ ‫تم�اً فيما بعد‪ .‬ويُعد‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫المؤلف� ي� الجغرافيا والخرائط‬ ‫اليونا� بطليموس من أوائل‬ ‫العا ِلم‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫بكتابه (الجغرافيا) الذي يتكون من ثمانية أجزاء‪ .‬وبدأت رويداً رويداً‬ ‫تظهر المعاجم الجغرافية‪ .‬وكان للعرب قصب السبق فيها قبل أن‬ ‫تعرفها أوروبا‪ ،‬ومن أمثلة ذلك (معجم البلدان) لمؤلفه ياقوت الحموي‪.‬‬ ‫يع�ف أ‬ ‫ت‬ ‫الوروبيون بفضل العلماء العرب ف ي� تطوير علم الجغرافيا‪،‬‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫و� ذلك يقول جوستاف لوبون‪« :‬كُتب العرب ي� علم الجغرافيا‬ ‫ي‬ ‫مهمة للغاية‪ ،‬وقد كان بعضها أساساً لدراسة هذا العلم ف ي� أوروبا‬ ‫العر�‬ ‫واعت�ت دائرة المعارف الفرنسية‬ ‫كث�ة»‪ .‬ب‬ ‫قروناً ي‬ ‫خريطة العا ِلم ب ي‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫دريس «أعظم وثيقة علمية جغرافية ي� القرون الوسطى»‪.‬‬ ‫ال�يف إ‬ ‫ال ي‬ ‫ويقول أندريه ميكيل عن المقدس إنه «مؤسس الجغرافيا ش‬ ‫الب�ية»‬ ‫ي‬ ‫«أك� جغر ف يا� عرفته ش‬ ‫الب�ية قاطبة»‪.‬‬ ‫اش�نجر بأنه ب‬ ‫ويصفه ب‬ ‫ومن الكتب العربية حول الجغرافيا والخرائط‪ ،‬ال بد من ذكر كتاب‬ ‫أ‬ ‫«النواء» للسدوس‪ ،‬و«كتاب الشمس والقمر» ض‬ ‫للن� بن شميل‪،‬‬ ‫ي‬ ‫و«كتاب أ‬ ‫الصغ�ة»‪ ،‬و«كتاب البلدان‬ ‫القاليم»‪ ،‬و«كتاب البلدان‬ ‫ي‬ ‫الكب�ة» لهشام الكل�‪ ،‬و«كتاب صورة أ‬ ‫الرض» للخوارزمي‪ ،‬و«كتاب‬ ‫ي‬ ‫بي‬ ‫أ‬ ‫صورة الرض» البن حوقل‪.‬‬

‫أثبتت اإلحصاءات أن الخرائط الحديثة‬ ‫ً‬ ‫سنويا في توفير‬ ‫والدقيقة تسهم‬ ‫نحو ‪ 3.5‬مليار لتر من البنزين وأكثر‬ ‫من مليار ساعة من زمن السفر‬ ‫والمساعدة على توفير ما يقارب‬ ‫ثمانية مليارات إلى ‪ 22‬مليار دوالر‬ ‫ً‬ ‫سنويا‪..‬‬ ‫للصناعات الزراعية‬ ‫وما زالت حركة التأليف ف ي� علم الخرائط مستمرة إىل اليوم‪ ،‬ولم يُعد‬ ‫التأليف ف ي� الجغرافيا والخرائط مقترصاً عىل العلم نفسه‪ ،‬بل شمل‬ ‫أيضاً عالقته بالعلوم أ‬ ‫الخرى كالسياسة واالقتصاد‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ال� تعالج عالقة الجغرافيا بالسياسة وتنظر ف ي�‬ ‫ومن الكتب الحديثة ي‬ ‫المستقبل للخرائط الحديثة‪ ،‬كتاب «انتقام الجغرافيا‪ :‬ما الذي‬ ‫التأث�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫المص�»‬ ‫خ�نا به الخرائط عن الرصاعات المقبلة وعن الحرب ضد‬ ‫ي‬ ‫تُ ب‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫مريك روبرت دفيد كابالن‬ ‫الصادر ي� عام ‪2012‬م لمؤلفه الصحفي ال ي‬ ‫عل‪.‬‬ ‫وترجمه الدكتور إيهاب عبدالرحيم ي‬ ‫ب� أ‬ ‫ت‬ ‫ال� ربطت ي ن‬ ‫الدب والخرائط كتاب «أطلس‬ ‫ومن الكتب الطريفة ي‬ ‫الش�اوي‪،‬‬ ‫المتن�‪ :‬أسفاره من شعره وحياته» للكاتب يوسف أحمد ي‬ ‫بي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫السودا� الراحل الطيب‬ ‫الذي صدر ي� عام ‪2003‬م‪ ،‬وقال عنه الديب‬ ‫ي‬ ‫صالح إنه ربط الجغرافيا بالشعر ربطاً وثيقاً أصبحت فيه الخرائط بما‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� زارها الشاعر أو عاش فيها‪ ،‬كأنها امتداد للقصائد‪.‬‬ ‫فيها من المكنة ي‬

‫النترنت خريطة‬ ‫لكل موقع على إ‬

‫ت‬ ‫تزخر شبكة إال تن�نت ي ن‬ ‫ال� ال يمكننا تحسسها‪ ،‬لكنها توصلنا‬ ‫بمالي� الخرائط ي‬ ‫ت ن‬ ‫و� وتسهل علينا البحث عما نريد‪.‬‬ ‫إىل فهم رسيع لطبيعة أي موقع إلك� ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫كث� من‬ ‫ال� يراها المتصفحون إ‬ ‫لل تن�نت ي� ي‬ ‫خريطة الموقع (‪ )sitemap‬ي‬ ‫أ‬ ‫المواقع إال ت‬ ‫لك�ونية كأنها مقدمة لكتاب‪ ،‬هي فعال ً كذلك‪ .‬لنها تؤدي‬ ‫ف‬ ‫أيضاً دوراً تقنياً مهماً ي� إرشاد محركات البحث عىل إال تن�نت مثل (جوجل)‬ ‫ت‬ ‫ال� نرغب بأرشفتها عىل الشبكة والوصول الرسيع إليها‪.‬‬ ‫بالصفحات ي‬

‫ال تن�نت (‪)sitemap‬‬ ‫خريطة موقع إ‬


‫خرائط ال تنتمي للجغرافيا‬ ‫الخريطة الذهنية‬ ‫تُطلق الخريطة الذهنية عىل الوسيلة‬ ‫ت‬ ‫أخ�اً وتعتمد عىل‬ ‫ال� شاعت ي‬ ‫ي‬ ‫التعب� أية ي‬ ‫رسم الفكار عىل الورق بشكل شجري‬ ‫أساس من‬ ‫متفرع‪ .‬وهي مستمدة بشكل‬ ‫ي‬ ‫الصور ومفاتيح الكلمات‪ .‬وتُعد الخريطة‬ ‫الذهنية عموماً تقنية جيدة إلعادة تمثيل‬ ‫المعرفة عن طريق تنظيمها ف ي� مخطط‬ ‫ين‬ ‫الباحث� أن هذه‬ ‫شبك‪ .‬ويرى بعض‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� تُعرف‬ ‫التقنية ي�‬ ‫ي‬ ‫التفك� والتحليل‪ ،‬ي‬ ‫كذلك باسم خرائط العقل وخرائط‬ ‫المفاهيم‪ ،‬تتسق أيضاً مع النظرية البنائية‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫يب�‬ ‫ال� تؤكد أن إ‬ ‫النسان ي‬ ‫ي� التعليم‪ ،‬ي‬ ‫معرفته الجديدة بع� التفاعل ي ن‬ ‫ب� المعرفة‬ ‫وب� أ‬ ‫السابقة ي ن‬ ‫الفكار الجديدة‪ .‬وهو أمر‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫يتسق بدوره مع الطريقة الصورية ي‬ ‫النسان وتساعده عىل‬ ‫يعمل بها عقل إ‬ ‫ت‬ ‫تكوين المعلومات وحفظها واس�جاعها‪.‬‬ ‫ويعود الفضل ف ي� لفت االنتباه إىل هذه‬ ‫كث� من العلماء‪،‬‬ ‫التقنية التعليمية إىل ي‬ ‫ومنهم أوزبل صاحب نظرية «التعلم‬ ‫ن‬ ‫ويش� الباحثون إىل جهود‬ ‫ذو‬ ‫المع�»‪ .‬ي‬ ‫ن‬ ‫تو� بوزان صاحب كتاب «خرائط العقل»‬ ‫ف ي‬ ‫بالتفك�‬ ‫ي� هذا الشأن‪ ،‬إذ لم يكتف‬ ‫ي‬ ‫التنظ�ي للخرائط الذهنية وإنما قام‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫بتجذيرها ي� الواقع بإنشائه مؤسسات‬ ‫تدريبية تطبق هذه التقنية ش‬ ‫وتن�ها ف ي�‬ ‫أرض الواقع‪.‬‬

‫الخريطة الوراثية ش‬ ‫الب�ية‬ ‫الط� يحلم باكتشاف‬ ‫ما زال الوسط ب ي‬ ‫طريقة تكوين المادة الجينية المسؤولة عن‬ ‫للنسان‪ .‬ولبلوغ هذا‬ ‫المعلومات الوراثية إ‬ ‫الهدف‪ ،‬ما زالت جهود العلماء مستمرة‬ ‫للتوصل إىل الخريطة الوراثية ش‬ ‫الب�ية‬ ‫ال�كيب الورا�ث‬ ‫ال� تحل لغز ت‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫الكاملة ي‬ ‫كب� يُراد منه التوصل‬ ‫إ‬ ‫للنسان‪ ،‬وهو هدف ي‬ ‫أ‬ ‫لكث� من المراض المستعصية‪.‬‬ ‫إىل عالج ي‬ ‫ً‬ ‫وقد يفتح المجال واسعا أمام مستقبل‬ ‫الجنس ش‬ ‫الب�ي عموماً‪ ،‬وقد أصبح هذا‬ ‫م�وعاً علمياً عالمياً تتشارك �ف‬ ‫الهدف ش‬ ‫ي‬ ‫تنفيذه دول عديدة ي ز‬ ‫بم�انيات ضخمة‪ ،‬وكان‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫قد بدأ بالواليات المتحدة المريكية ي� عام‬ ‫‪1999‬م‪ .‬وكانت من نتائجه تحديد خريطة‬ ‫الب�ية ببيان موقع كل ي ن‬ ‫الجينات ش‬ ‫ج� عىل‬ ‫أي كروموزوم وعالقته ي ن‬ ‫بالج� الذي يسبقه‬ ‫والذي يليه‪ ،‬وفك الشفرة الخاصة بكل‬ ‫ين‬ ‫ج�‪ .‬وما زالت الجهود متواصلة للكشف‬ ‫عن مزيد من أرسار الجينات ش‬ ‫الب�ية‪ ،‬وليس‬ ‫آخرها ش‬ ‫م�وع «فانتوم ‪ »5‬المكون من‬ ‫ش‬ ‫والع�ات من الدول‬ ‫المئات من العلماء‬ ‫أ‬ ‫ليكون أ‬ ‫الطلس المرجعي للغاز الجينوم‬ ‫وتحديد وظائف مختلف الجينات وكيفية‬ ‫ف‬ ‫الصابة بمجموعة مختلفة‬ ‫عملها ي� حال إ‬ ‫من أ‬ ‫المراض من الرسطان وداء السكري‬ ‫ت‬ ‫ح� أمراض الدم واالضطرابات النفسية‪.‬‬

‫الخريطة للطفل‪ :‬لعبة ومتعة وتع ُّلم‬ ‫يؤكد المتخصصون ف� تعليم أ‬ ‫الطفال‬ ‫عىل أهمية الخريطة ي ف‬ ‫السهام ف ي� تعليم‬ ‫�‬ ‫ي إ‬ ‫إحساسهم أ‬ ‫أ‬ ‫بالرض‬ ‫الطفال وتعميق‬ ‫والحياة‪ .‬وتبدأ الحاجة للخريطة منذ‬ ‫الطفولة أ‬ ‫الوىل للتعريف بالعالم‪ ،‬وتستمر‬ ‫إىل مراحل التعليم المختلفة كأداة مهمة‬ ‫لتوصيل المعلومة وترسيخها‪ ،‬إىل جانب‬ ‫التحليل‪،‬‬ ‫التفك� والوعي‬ ‫أهميتها ف ي� تنمية‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ال سيما بعد أن أكد العلماء المهتمون‬ ‫النسانية عىل أهمية الخرائط‬ ‫بعمل الذاكرة إ‬ ‫والتفك� والتحليل‪،‬‬ ‫الذهنية ف ي� التعليم‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫وبالضافة‬ ‫ويستوي ي� ذلك الصغار والكبار‪ .‬إ‬ ‫للتعليم‪ ،‬تدغدغ الخرائط ف� أ‬ ‫الطفال‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� يعتمد عليها العقل‬ ‫الذاكرة فالبرصية ي‬ ‫التفك�‪ ،‬فتكون ث‬ ‫ش‬ ‫أك� إمتاعاً‬ ‫الب�ي ي�‬ ‫ي‬ ‫بجانب كونها ث‬ ‫كث�‬ ‫أك� فائدة‪ .‬وقد اشتهرت ي‬ ‫من أ‬ ‫اللعاب ف ي� هذا المجال‪ ،‬مثل لعبة‬ ‫الخريطة‪ ،‬ولعبة خريطة العالم‪ ،‬وقبلهما‬ ‫لعبة خريطة نز‬ ‫الك�‪.‬‬


‫‪99 | 98‬‬

‫أ‬ ‫الطلس‪ ..‬حقيبة الخرائط‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫ما زال أ‬ ‫الطلس ‪ -‬منذ ت‬ ‫اخ�اعه ‪ -‬مثل حقيبة يسافر بها حاملها قبل أن‬ ‫يسافر بها‪ ،‬وكان أ‬ ‫الطلس دائماً يقوم بمهمة جمع الخرائط المختلفة‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫ال تن�نت‬ ‫ب� دفتيه‪ ،‬سواء ي� كتاب كما هو المعتاد‪ ،‬أو عىل صفحات إ‬ ‫كما هو الحال مع كث� مع أ‬ ‫ت‬ ‫ش�‬ ‫الطالس الجغرافية‬ ‫ي‬ ‫ال� تتناول ت َّ‬ ‫الرقمية ي‬ ‫الطلس ‪ -‬الذي تعود فكرته أ‬ ‫المجاالت النسانية‪ .‬أ‬ ‫الوىل إىل كالديوس‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫كب�ة‬ ‫بجاذبية‬ ‫يتمتع‬ ‫ال‬ ‫ز‬ ‫ما‬ ‫‬‫المؤرخ�‬ ‫من‬ ‫كث�‬ ‫يقول‬ ‫كما‬ ‫بطليموس‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫لكونه يحوي ي� العادة خرائط متنوعة ومفصلة‪ ،‬حافلة بالمعلومات‬ ‫اليضاحية‪ ،‬ويُعد وسيلة تعليمية قديمة ف ي� تعليم الجغرافيا‪.‬‬ ‫والرموز إ‬

‫ين‬ ‫ح� نلبس الخرائط وترتدينا النظارات!‬

‫لم يدر ِب َخ َل ِد أول إنسان تعامل مع الخريطة كحجر صعب الحمل أن‬ ‫ت‬ ‫يأ� يوم وتلتصق فيه الخريطة ي ن‬ ‫للنسان والواقع‬ ‫بالع� وتصبح أقرب إ‬ ‫ي‬ ‫إىل هذه الدرجة‪ .‬لقد فعلتها نظارة (جوجل) الذكية‪ ،‬ي ن‬ ‫ح� جعلت‬ ‫النسان فعال ً يلبس الخريطة دون أن يكون بحاجة ألن يحملها ف ي� يديه‬ ‫إ‬ ‫أو يطالعها من بعيد عىل أجهزة الحاسوب أو الهاتف الجوال‪ .‬وعىل‬ ‫ت‬ ‫ال� ُطرحت للبيع ف ي� عام ‪2014‬م‬ ‫الرغم من أن نظارة جوجل الذكية آ ي‬ ‫جماه�ي ت‬ ‫لم تنجح ش‬ ‫ح� الن بسبب ارتفاع سعرها ومبيعاتها‬ ‫كم�وع‬ ‫ي‬ ‫المتدنية‪ ،‬إال أنها نقلت علم الخرائط إىل آفاق بعيدة‪.‬‬ ‫كث�اً من ي ز‬ ‫المم�ات الجغرافية المرتبطة بالخرائط‪.‬‬ ‫تحوي نظارة جوجل ي‬ ‫فهي تساعد عىل التجوال والسفر دون الحاجة إىل مطالعة خريطة عىل‬ ‫ورق أو هاتف أو حاسوب؛ ألنها مزودة شب�يحة (‪ )GPS‬ومتصلة بخرائط‬ ‫(جوجل)‪ ،‬وتستجيب هذه النظارة أ‬ ‫للوامر الصوتية دون الحاجة للمس‬ ‫ش‬ ‫�ء‪ ،‬ويصبح التقاط صورة ما بع�ها وتخزينها أمراً ممكناً بكلمة واحدة‬ ‫ي‬ ‫فقط‪ ،‬عالوة عىل ذلك تت�جم فوراً الالفتات والتعليمات المكتوبة ف ي�‬ ‫حال سفرك إىل دولة ال تحسن لغتها‪.‬‬

‫الـ «جي ب ي� إس»‪ ..‬وريث البوصلة‬

‫استفاد العلماء العرب ف ي� القرن الخامس ش‬ ‫ع� الميالدي من الخاصية‬ ‫المغناطيسية ت‬ ‫كث� من الشعوب‬ ‫ال� كانت معروفة من قبل عند ي‬ ‫ي‬ ‫والصيني�‪ ،‬ت‬ ‫ين‬ ‫واخ�عوا البوصلة واستعانوا بها ف ي� تحديد‬ ‫كالغريق‬ ‫إ‬ ‫وال�ية‪ ،‬إذ كان من الصعب‬ ‫البحرية‬ ‫أسفارهم‬ ‫خالل‬ ‫االتجاهات‬ ‫ب‬ ‫االستعانة فقط بالنجوم والرياح لتحديد االتجاهات والوجهات‪.‬‬ ‫وتتكون البوصلة ف� أ‬ ‫الصل من ش‬ ‫مؤ� ممغنط يتجه دائماً صوب‬ ‫ي‬ ‫المغناطيس‪ .‬وكانت أول أشكال البوصلة إبرة تحتك‬ ‫الشمال‬ ‫ي‬ ‫البرة فوق‬ ‫بمغناطيس موضوع عىل وعاء مملوء بالماء بحيث تطفو إ‬ ‫البرة إىل الشمال‪ ،‬وقد كان‬ ‫عودين من الخشب‪ ،‬إىل أن ت ّتجه هذه إ‬ ‫ت‬ ‫العر� ابن ماجد الفضل ف ي� اخ�اع بوصلة دون الحاجة‬ ‫لعا ِلم البحار ب ي‬ ‫ئ‬ ‫ما�‪.‬‬ ‫إىل وعاء ي‬

‫كث�اً‪ ،‬وأصبحت تنقسم عموماً إىل ي ن‬ ‫نوع�‪ :‬بوصلة‬ ‫تطورت البوصلة ي‬ ‫أ‬ ‫ذات قرص صلب‪ ،‬وبوصلة سائلة‪ .‬ولهمية البوصلة فإنها لم تعد‬ ‫تستخدم فقط أ‬ ‫للغراض المالحية واالستكشافية‪ ،‬بل تستخدم أيضاً‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫كأداة لقراءة التضاريس واالستفادة منها ي� رياضة ال�لج‪ ،‬والعبادة‬ ‫ين‬ ‫للمسلم� بتحديد القبلة نحو مكة المكرمة‪ ،‬كما استطاعت البوصلة‬ ‫المغناطيس أن تكون مكوناً مهماً ف ي� مكونات السفن‬ ‫ذات االستشعار‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫والطائرات ت‬ ‫اللك�ونية الخرى‪.‬‬ ‫وكث� من الجهزة إ‬ ‫وح� الساعات ي‬ ‫بقيت البوصلة سيدة وسائل تحديد االتجاهات إىل أن ظهر نظام‬ ‫يحدد‬ ‫تحديد المواقع العالمي المعروف بالـ (‪ ،)GPS‬وهو نظام مالحي ِّ‬ ‫المواقع عىل الكرة أ‬ ‫الرضية اعتماداً عىل بيانات ث‬ ‫أك� من ش‬ ‫ع�ين قمراً‬ ‫صناعياً حول أ‬ ‫الرض‪.‬‬ ‫لقد ورث هذا النظام الذي طورته الواليات المتحدة أ‬ ‫المريكية‬ ‫ف‬ ‫كث� من االستخدامات ف ي� حياتنا اليومية‪،‬‬ ‫عرش البوصلة‪ ،‬ودخل ي� ي‬ ‫بعد أن كان مخصصاً أ‬ ‫للغراض العسكرية قديماً‪ ،‬وأصبح ال ن‬ ‫غ� عنه‬ ‫لحركة النقل والشحن والسفر والرصد الجوي والبحث العلمي‪ ،‬مثلما‬ ‫أصبح وسيلة مهمة لتحديد أي موقع جغر ف يا� عىل الخريطة‪ ،‬ف ي� أجهزة‬ ‫الهواتف الذكية والساعات الحديثة‪.‬‬

‫الخريطة ن ز‬ ‫والك�‬

‫ف‬ ‫ظل نز‬ ‫النسانية‪ .‬ال سيما عند‬ ‫الك� مرتبطاً بالخريطة ي� الثقافات إ‬ ‫أ‬ ‫الطفال الذين ترسخت ف� أذهانهم حكايات نز‬ ‫الك� المدفون الذي ال‬ ‫ي‬ ‫يمكن الوصول إليه من دون الخريطة‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ال� ارتبطت بالقراصنة الذين كانوا يجوبون البحار‬ ‫هذه الحكايات ي‬ ‫ين‬ ‫الباحث� للكتابة حولها وللتحقق منها‪ .‬فقد‬ ‫كث�اً من‬ ‫والجزر دفعت ي‬ ‫أ‬ ‫نز‬ ‫تتبع‬ ‫مريك رالف باين القصص الشعبية للك� المدفون‬ ‫الكاتب ال ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫نز‬ ‫ش‬ ‫ون�ها ي� كتابه (الك� المفقود)‪ .‬ووجد أن القاسم المش�ك يب� كل‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� تكشف طريق الوصول إىل نز‬ ‫الك�‪،‬‬ ‫القصص كانت ي� الخريطة ي‬ ‫وتنتقل من شخص إىل آخر‪.‬‬


‫حضورها ودورها‬

‫في الرواية والقصة‬ ‫ف آ‬ ‫النسانية‪ ،‬ال سيما ف ي� فنون الكتابة‬ ‫تغلغلت الخريطة عميقاً ي� الداب إ‬ ‫ن‬ ‫يب�‬ ‫الروائية الرسدية‪ ،‬إذ غالباً ما يكون الكاتب بحاجة إىل خريطة ي‬ ‫عليها عالمه‪ .‬وهناك دوماً عالقة خاصة ي ن‬ ‫ب� الكاتب والمكان‪ ،‬تجعل من‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ت� الذي يؤكد ف ي� كتابه «خرائط‬ ‫الكاتب رسام خرائط فكما يقول بي� ف تور ي‬ ‫القراء‬ ‫ّ‬ ‫المخيلة» أن الكاتب ي� رسده يُنتج ي� النهاية خريطة للمكان فتربط َّ‬ ‫تال «الرسد ي� ش�ط‬ ‫روبرت‬ ‫يقوله‬ ‫ما‬ ‫وهو‬ ‫بالكلمات‪.‬‬ ‫المحك‬ ‫بالعالم‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫تحول العالم إىل خرائط»‪ .‬ولهذا ال تكاد تخلو‬ ‫عملية‬ ‫الحديث‬ ‫العالم‬ ‫ِّ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫تب� مكان الرسد ي� العالم‪ ،‬وعالقة الشخصيات‬ ‫رواية من خريطة ما ي ّ‬ ‫ببعضها وبالمكان الذي تتحرك فيه‪ .‬وما زال االهتمام بالخرائط عمال ً‬ ‫أصيال ً للك َّتاب الكبار‪ .‬فرواية مثل «اسم الوردة» أل بم�تو إيكو ال تكتمل‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫من دون خريطة‪ .‬ت‬ ‫ال�‬ ‫ح� إنه هو نفسه يقول ي� ي‬ ‫كث� من الحوارات أ ي‬ ‫أجريت معه إنه قبل أن يكتب رواية يبدأ بجمع الوثائق وزيارة الماكن‬ ‫ورسم الخرائط‪.‬‬ ‫ويتضح أثر الخريطة ف ي� أشهر الروايات المعارصة‪ ،‬مثل رواية «شفرة‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال� تقود‬ ‫دافن�» ألدان براون‪ ،‬حيث تصبح الخريطة الرسية ف ي‬ ‫ي‬ ‫مجريات الحداث هي نفسها مدار البحث والدهشة ي� أشهر الروايات‬ ‫العالمية ث‬ ‫وأك�ها مبيعاً وإثارة للجدل‪ .‬وال ننىس دور الخرائط ف ي� سلسلة‬ ‫روايات وأفالم هاري بوتر ال سيما «خريطة مارودر»‪ ،‬وقد اتخذت‬ ‫رواية «الخريطة أ‬ ‫ئ‬ ‫للروا� ميشيل ويلبيك من تفاصيل الريف‬ ‫والرض»‬ ‫ي‬ ‫نس مكاناً النتقاد الحياة العرصية‪ ،‬ومثلها رواية «خريطة الخيانة»‬ ‫الفر ي‬ ‫أ‬ ‫ث‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ال� تُعد من الروايات الك� مبيعاً حسب صحيفة‬ ‫للروائية ي‬ ‫هاج� ثانيا ي‬ ‫نيويورك تايمز‪.‬‬ ‫وثمة روايات عربية عديدة كانت الخرائط إحدى دعاماتها‪ ،‬مثل الرواية‬ ‫المش�كة ت‬ ‫ت‬ ‫ج�ا «عالم بال‬ ‫وج�ا إبراهيم ب‬ ‫ال� كتبها عبدالرحمن منيف‪ ،‬ب‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تدور أحداثها ف ي� مدينة متخيلة (عمورية)‪ ،‬ونتذكر ف ي�‬ ‫خرائط»‪ ،‬ي‬ ‫هذا السياق رواية «خريطة الحالم» لمحمود الرحب‪ ،‬ورواية محمد‬ ‫ئ‬ ‫للروا� محسن‬ ‫عبد حسن «خرائط الشتات»‪ ،‬و«خرائط التماسيح»‬ ‫ي‬ ‫يونس‪ ،‬ورواية «خريطة الذات» لهدى ي ن‬ ‫حس�‪.‬‬ ‫ف‬ ‫القص�ة تصبح الخريطة ث‬ ‫للتعب�‬ ‫أك� رمزية وقوة‬ ‫و� فن القصة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� ال تصدق‪.‬‬ ‫عن العالم المملوء بالهواجس‬ ‫والرغبات والحقائق ي‬ ‫ف‬ ‫استخدمها ئ‬ ‫الروا� والقاص باولو كويلو ي� إحدى قصصه ليثبت كيف‬ ‫ي‬

‫ف‬ ‫ت‬ ‫يمزق فيها‬ ‫أن بناء إ‬ ‫ال� ِّ‬ ‫النسان يمكن أن يعيد بناء العالم ي� القصة ي‬ ‫أ‬ ‫الب صفحة من صحيفة كانت تحوي صورة لخريطة العالم‪ ،‬ويأمر‬ ‫طفله بجمع الخريطة مرة أخرى ليتلهى هو بقراءة الصحيفة‪ُ ،‬فيدهش‬ ‫أ‬ ‫الب من رسعة قيام الطفل بالمهمة‪ ،‬وحينما يسأله عن السبب‪ ،‬يجيب‬ ‫الطفل‪« :‬كانت هناك صورة لنسان عىل الوجه آ‬ ‫الخر من الورقة وعندما‬ ‫إ‬ ‫النسان أعدت بناء العالم أيضاً»‪.‬‬ ‫أعدت بناء إ‬ ‫ويستخدمها ئ‬ ‫الروا� خورخي لويس بورخيس إلثبات العالقة المتبادلة‬ ‫ي‬ ‫النسان‪ ،‬ف� قصته ت‬ ‫ين‬ ‫ال� يأمر فيها الحاكم‬ ‫ب� انهيار العالم وانهيار إ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫برسم خريطة دقيقة إل بم�اطوريته بحيث يمكن للناس أن يعيشوا ف ي�‬ ‫الخريطة وعليها‪ ،‬بل أن ينتقلوا من الواقع إىل الخريطة دون حواجز‪.‬‬ ‫ال بم�اطورية تتآكل الخريطة وال تكون‬ ‫وعندما يموت الحاكم وتتناقص إ‬ ‫ال بم�اطورية لسابق عهدها‪.‬‬ ‫كسابق عهدها‪ ،‬مثلما لم تعد إ‬


‫‪101 | 100‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫في الشعر‪..‬‬

‫هي األرض بكل معانيها‬ ‫ت‬ ‫ذا�‬ ‫عىل قول البعض‪ ،‬فإن الخريطة ليست منطقة‪ ،‬وإنما هي وعي ي‬ ‫ئ‬ ‫والروا�‬ ‫القصص‬ ‫قبل أن تكون وعياً مكانياً‪ ،‬فإن كانت مسافة الرسد‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫هي أ‬ ‫القرب للخريطة من الشعر‪ ،‬فما هو حال الشعر مع الخريطة؟‬ ‫الرض‪ ،‬يحاول الشعراء استعارة هذه أ‬ ‫مثلما الخريطة استعارة عن أ‬ ‫الرض‬ ‫ال� تبدو ف� أشعارهم ث‬ ‫ف� قصائدهم عن طريق الخريطة‪ ،‬ت‬ ‫أك� من‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫خطوط للطول والعرض‪ ،‬هي خطوط أعمق مرسومة ف ي� النفس‪ ،‬تحدد‬ ‫جغرافيتها ومشاعرها ورغباتها وأفكارها حول نفسها وحول العالم‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫ال ي ز‬ ‫والست�‬ ‫شكسب� للخريطة ف ي� سوناتته الثامنة‬ ‫نجل�ي‬ ‫ينترص الديب إ‬ ‫ي‬ ‫بقوله‪:‬‬ ‫هكذا تبدو وجنته مثل خريطة من سالف الزمان‬ ‫آ‬ ‫ين‬ ‫ح� كان الجمال يحيا ويموت كما تفعل الزهور الن‪.‬‬ ‫إىل أن يقول‪:‬‬ ‫أ‬ ‫المو� �ف‬ ‫ت‬ ‫ف ي� العرص القديم لم يُستخدم أبداً شعر جميل لحد‬ ‫ي‬ ‫صناعة جمال آخر‬ ‫لهذا ت ز‬ ‫تخ�نه الطبيعة كالخريطة المرسومة‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ح� يرى الفن المزيف كيف كان الجمال ف ي� العصور القديمة‪.‬‬

‫ت‬ ‫ال� خاضها الشاعر محمود درويش ف ي� قصيدته‬ ‫وهي المحاولة ي‬ ‫الشه�ة‪« :‬عىل محطة قطار سقط عن الخريطة»‪:‬‬ ‫ي‬ ‫ال تنتظر أحداً سواك هنا‪ .‬هنا سقط القطار‬ ‫الساحل‬ ‫عن الخريطة عند منتصف الطريق‬ ‫ي ِّ‬ ‫ان ف ي� قلب الخريطة‪ ،‬ثم أطفأها الشتاء وقد تأخر‬ ‫الن� ُ‬ ‫وش َّبت ي‬ ‫كم بك�نا‪ ،‬كم بك�نا‬ ‫أ‬ ‫قبل عودتنا إىل أسمائنا الوىل‪.‬‬ ‫ثم يجعل ف ي� آخر القصيدة للخريطة قلباً معطوباً‪:‬‬ ‫المثقوب مثل القرش‬ ‫بالدنا َق ْل ُب الخريطة‪ .‬قلبها‬ ‫ُ‬ ‫ف ي� سوق الحديد‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫يجسد العالقة ي ن‬ ‫ب� الكلمات والخطوط‬ ‫و� قصيدته (قصيدة الرض) ِّ‬ ‫ي‬ ‫فيقول‪:‬‬ ‫ض‬ ‫كأ� أعود إىل ما م�‬ ‫نيّ‬ ‫أس� أمامي‬ ‫نيّ‬ ‫كأ� ي‬ ‫وب� البالط ي ن‬ ‫ين‬ ‫وب� الرضا‬ ‫أعيد انسجامي‬ ‫أنا ولد الكلمات البسيطة‬ ‫وشهيد الخريطة‬ ‫ويبدو صوت الخريطة قوياً وملهماً ف� قصيدته أ‬ ‫الخرى (طريق دمشق)‪:‬‬ ‫ي‬ ‫كأن الخريطة صوت يفرخ ف ي� الصخر‬ ‫ّ‬ ‫نادى وحرك�ن‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫وفجر�‬ ‫ثم نادى‪..‬‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ر� كالرخام المذاب‬ ‫ثم نادى‪ ..‬وقطَّ ي‬ ‫بعكس الشاعر صالح بن سعيد الزهر ن يا�‪ ،‬الذي يتحسس بكلماته فم‬ ‫الخريطة الصامت ف ي� قصيدته «قراءة لعوامل التعرية»‪:‬‬ ‫صماء ليس بها لسان يعرب‬ ‫ها أنت يا نهر الجراح خريطة ‬ ‫َّ‬ ‫طب وال متطبب‬ ‫وإذا تكالبت الجراح بخافق ‬ ‫ما فاده ٌ‬

‫شكسب�‬ ‫ي‬

‫ن‬ ‫قبا� فيقلب مفهوم الخريطة‪ ،‬فال تعود الخريطة‬ ‫أما الشاعر نزار أ ي‬ ‫أ‬ ‫صورة مصغرة للرض‪ ،‬وإنما تغدو الرض ت ش‬ ‫نم� عليها بعذاباتنا‬ ‫ال� ي‬ ‫ي‬ ‫وأشواقنا هي الخريطة‪:‬‬


‫ش‬ ‫أم� عىل ورق الخريطة خائف اً‬ ‫ي‬

‫فعىل الخريطة كلنا أغراب‬

‫وهل (خوفاً) ستبتسم الخريطة‬ ‫ف‬ ‫الصباح؟‬ ‫للجنود العابرين ال ّنهر ي� هذا َّ‬

‫ثم يجعل للخريطة والحقيقة منافساً إنسانياً ال يكون دائماً ف ي� موضع‬ ‫المتأ ّزم‪ ..‬ي ن‬ ‫ح� يقول‪:‬‬ ‫نحن الذين نرسم الخريطة‬ ‫ونرسم السفوح والهضاب‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫نحن الذين نبدأ المحاكمة‬ ‫والعقاب‪..‬‬ ‫الثواب‬ ‫ونفرض‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬

‫وبالخريطة يفتتح محمد حسن علوان قصيدته «عطب» محيال ً‬ ‫الخريطة إىل ساعة مكانية تحتسب المواعيد‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫ين‬ ‫ُ‬ ‫خمس� خريطة‪..‬‬ ‫منذ‬ ‫ف‬ ‫إصبع لم يرتفع ق ُّ‬ ‫الحب‪،‬‬ ‫ط سوى ي� حصة‬ ‫كان عندي‬ ‫ٌ‬ ‫ِّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫نز‬ ‫خ�ة‪..‬‬ ‫و� ثغر ال ي‬ ‫ولم ي�ل سوى ي� لحظة التوق‪ ،‬ي‬

‫ن‬ ‫قبا� ف ي� قصيدة أخرى ليسائل التاريخ والجغرافيا عىل حد‬ ‫ليعود نزار ي‬ ‫سواء‪:‬‬ ‫كالشطرنج‪..‬‬ ‫الخانات‬ ‫الوطن المربّ ُع‬ ‫ليس هذا‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫أسفل الخريطة‪..‬‬ ‫�‬ ‫نملة‬ ‫مثل‬ ‫والقابع‬ ‫ُ‬ ‫ٍ ي‬ ‫ِ‬ ‫هو الذي ّ‬ ‫التاريخ ف ي� شبابنا‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫مد‬ ‫َ‬ ‫قال لنا ّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫الكب�‬ ‫بأنهُ موطننا ي‬

‫الخرى «بغداد» عن الخريطة أ‬ ‫ويبحث ف� قصيدته أ‬ ‫الرض‪:‬‬ ‫ي‬ ‫الكوك�‬ ‫الطريق‬ ‫وانغلق‬ ‫ُ‬ ‫ب ي ُّ‬ ‫إىل السما ْء !‬ ‫ئ‬ ‫ورا�‪..‬‬ ‫أغلقي‬ ‫ِ‬ ‫عينيك أ‪ ..‬وانطلقي ي‬ ‫ف‬ ‫سع‪..‬‬ ‫لم يعد ي� ال ِرض م ّت ٌ‬ ‫سنبحث عن خريطة!‬ ‫ُ‬

‫ف ي� قصيدته «طعنة ف ي� الظهر ال تكفي» يقف الشاعر صالح إبراهيم‬ ‫الحسن موقفاً مسانداً للخريطة العصية عىل االختصار والتقزيم‪:‬‬ ‫وطن يفكر كيف يخترص المسافة‬ ‫ين‬ ‫ب� قلبك والزناد‬ ‫وطن يفكر كيف يخترص الخريطة‬ ‫ين‬ ‫ب� أحز ن يا� وأعراس البالد‬

‫ويرسم أدونيس الخريطة ف ي� شكل رغبة نابضة ف ي� قصيدته «الصقر» فيقول‪:‬‬ ‫يت‬ ‫َص ّل ُ‬ ‫ت‬ ‫ح� الحجار‬ ‫وشوشْ ُت ّ‬ ‫َ‬ ‫ومحوت‬ ‫كتبت عناوي َنها‬ ‫ُ‬ ‫أت ال ّنجوم‪ُ ،‬‬ ‫وقر ُ‬ ‫راسماً شَ ْه ت‬ ‫و� خريطَهْ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫وأعما�َ ال َبسيطَهْ ‪.‬‬ ‫ها‬ ‫�‬ ‫ح‬ ‫مي‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫َو َ ِ ْ ُ‬ ‫ي‬

‫ف‬ ‫الكراه ويأنف وجهها‬ ‫و� قصائد صالح الحسن بتأ� الخرائط عىل إ‬ ‫ي‬ ‫من االبتسام خوفاً‪ ،‬مثلما يقول ف ي� قصيدته «حليب سال من ثدي‬ ‫السماء»‪:‬‬ ‫هل (كرهاً) سينتبذون أوطاناً‬ ‫ف‬ ‫محنتها؟‬ ‫وقت ِ‬ ‫تعارفنا عىل نسيانها ي� ِ‬

‫بينما تعت� سعاد الصباح الحب هو أ‬ ‫الرض وخريطته المحبوب‪:‬‬ ‫ب‬ ‫خذ الخريطة‬ ‫ورتبها كما تشاء‬ ‫فالقارات أنت‬ ‫والبحار أنت‪.‬‬ ‫وأنا أنت‪..‬‬

‫ن‬ ‫قبا�‬ ‫نزار ي‬

‫محمود درويش‬

‫صالح بن سعيد الزهر ن يا�‬

‫أدونيس‬

‫سعاد الصباح‬


‫‪103 | 102‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫الخريطة في لوحة الفن التشكيلي‬ ‫كانت الخريطة وما زالت شكال ً جمالياً الفتاً لالنتباه ومشبعاً للذائقة‬ ‫الفنية‪ ،‬وكان كث� من رسامي الخرائط ف� أ‬ ‫ين‬ ‫الصل ي ن‬ ‫تشكيلي�‪،‬‬ ‫فنان�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ز‬ ‫اعت�ه النقاد من‬ ‫من أمثال الرسام إ‬ ‫نجل�ي جوزيف يت�نر‪ ،‬الذي ب‬ ‫ال ي‬ ‫ز‬ ‫ين‬ ‫نجل� لقدرته عىل رؤية العالم بطريقة جديدة بع�‬ ‫أعظم‬ ‫الرسام� إ‬ ‫ال ي‬ ‫ن‬ ‫الذك للعالقة يب� الطبيعة والفنون‪.‬‬ ‫تحديده ي‬ ‫ن‬ ‫وما زالت الخريطة ت‬ ‫الف�‪ ،‬سواء برسمها‪ ،‬أو‬ ‫ح� اليوم مادة إ‬ ‫للبداع ي‬ ‫كث�اً من‬ ‫بالرسم عليها‪ ،‬إذ أصبح الرسم عىل الخرائط موهبة جذبت ي‬ ‫ين‬ ‫الفنان� الشباب إليها‪ ،‬مثل الفنان إد يف�بورن‪ ،‬الذي يَ ُعد أن ف ي� كل‬ ‫خريطة وجهاً ما ب ئ‬ ‫يخت� خلف المدن والشوارع ينادي الفنان إلخراجه إىل‬ ‫الدنيا‪.‬‬

‫أ‬ ‫بار� فيخوض تجربة غريبة نوعاً‬ ‫أما الفنان السكتلندي الشاب إيفرت ب ي‬ ‫العر� رغم أنه ق َِدم من بيئة ثقافية‬ ‫ما برسمه للخرائط بع� الخط ب‬ ‫مغايرة ال تعرف التشكيل بالخط يالعر�‪ .‬وإيفرت الذي أقام لمدة �ف‬ ‫بي‬ ‫ي‬ ‫العديد من الدول العربية يحاول أن يستخدم النصوص العربية لنسخ‬ ‫الجمال الذي‬ ‫الكث�ة تحقيقاً للمظهر‬ ‫وتكرار الصور ذات التفاصيل ي‬ ‫ي‬ ‫يز‬ ‫العر�‪.‬‬ ‫يتم� به الخط ب ي‬ ‫أما الفنان مايكل واالس فيستخدم نظام ‪ GPS‬كس ّنة قلم يرسم بها‬ ‫تفاصيل لوحته الفنية عىل جسد الخريطة‪ .‬ويعتمد هذا الفنان‪ ،‬الذي‬ ‫أطلق عىل طريقته ف ي� الرسم عىل الخرائط اسم (‪ ،)GPX Riding‬عىل‬ ‫ركوب دراجته وبيده جهاز ‪ GPS‬متنقال ً من مكان إىل مكان‪ ،‬إىل أن تتضح‬ ‫لوحته الفنية النابضة بالحياة‪ ،‬بشكل يغ� متوقع‪ ،‬يؤكد عىل أن الفن‬ ‫ب ئ‬ ‫يخت� خلف كل خريطة‪ ،‬وداخل كل إنسان‪.‬‬

‫رسمة لـ «إد يف�بورن»‬

‫بار�»‬ ‫رسمة لـ «إيفرت ب ي‬

‫رسمة لـ «مايكل واالس»‬


‫أنواع الخرائط‬ ‫الخريطة‬

‫المحتوى‬

‫الخريطة‬

‫المحتوى‬

‫الخريطة السياسية‬

‫أقاليم الدولة ومدنها‬

‫الخريطة التاريخية‬

‫الخريطة الطبيعية‬

‫المرتفعات‪ ،‬والصحاري‪ ،‬والوديان‪،‬‬ ‫أ‬ ‫والبح�ات‬ ‫والنهار‪،‬‬ ‫ي‬

‫الماكن أ‬ ‫الحدود القديمة للدول‪ ،‬أ‬ ‫الثرية‪،‬‬ ‫المعارك والغزوات‪ ،‬الرحالت‬

‫الخريطة السياحية‬

‫أ‬ ‫الماكن السياحية والطرق‬

‫الخريطة االقتصادية‬

‫ث‬ ‫ال�وات والعالقات التجارية وأماكن‬ ‫النتاج وكميته‬ ‫إ‬

‫الحصائية‬ ‫الخرائط إ‬

‫عدد السكان وكثافتهم‪ ،‬وعملهم‪،‬‬ ‫وأعمارهم‪ ،‬وتعليمهم‬

‫الخريطة المناخية‬

‫الرياح‪ ،‬الحرارة‪ ،‬والسحب‪ ،‬أ‬ ‫المطار‪،‬‬ ‫والضغط الجوي‬

‫الخرائط الجوية‬

‫الطرق الجوية‬

‫الخريطة السكانية‬

‫السكان بأجناسهم وانتشارهم ولغاتهم‬ ‫ودياناتهم‬

‫الخرائط الفلكية‬

‫مواقع النجوم أ‬ ‫والجرام السماوية‬ ‫أ‬ ‫والقمار والمذنبات ومساراتها‬

‫الخريطة الجيولوجية‬

‫طبقات أ‬ ‫الرض‪ ،‬وعوامل التعرية‬

‫الخرائط العسكرية‬

‫المطارات‪ ،‬مخازن أ‬ ‫السلحة‪ ،‬أماكن‬ ‫وغ�ها‬ ‫الوحدات‪ ،‬والجيوش ي‬


‫‪| 104‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫خريطة الطقس‬ ‫الكل لحالة الجو‬ ‫تجمع خريطة الطقس الوصف ف ي‬ ‫ت‬ ‫المتوقعة والمشاهدات الجوية ي� ف�ة ما‪ ،‬قد تكون‬ ‫و� مكان محدد من أ‬ ‫طويلة‪ ،‬أو قص�ة‪ ،‬ف‬ ‫الرض‪ ،‬عن‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫طريق حساب درجات الحرارة والمطار والرطوبة‬ ‫الشعاع‬ ‫والضغط الجوي والرياح والسحاب ومقدار إ‬ ‫ت‬ ‫ال� باتت مصدر‬ ‫الشمس ي‬ ‫وغ�ها من التفاصيل المناخية ي‬ ‫ي‬

‫للنسان المعارص‪.‬‬ ‫اهتمام إ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫وتتحدد معطيات خرائط الطقس ي� العادة ي� طبقات‬ ‫الجو العليا عىل ارتفاعات مختلفة عن سطح أ‬ ‫الرض‪.‬‬ ‫وقيل إن استخدام خرائط الطقس بمعناها الحديث‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫الثا� من القرن التاسع ش‬ ‫ع� ف ي� محاولة‬ ‫بدأ ي� النصف ي‬ ‫لتصوير أنظمة العواصف‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫دليل المعلِّمين لمحتوى القافلة‬ ‫مواكبة لتعاظم الوعي بأهميَّ ة العالمة التجارية على مستوى نجاح أي منتج أو مؤسسة‬ ‫أو خدمة‪َّ ،‬‬ ‫نظمت «القافلة» ورشة عمل في جدة حول هذه الصناعة الحديثة‪ ،‬المعروفـة‬ ‫ً‬ ‫عالميا باسم «براندينغ»‪.‬‬ ‫وإضافة إلى المحاضرين من ذوي االختصاص‪َّ ،‬‬ ‫شكلت هذه الورشة التي استمرت‬ ‫َّ‬ ‫يومين مناسبة فريدة من نوعها‪ ،‬تمكن خاللها حشد من الطالب من لقاء عمالء‬

‫ورشة عمل‬

‫صناعة العالمة التجارية‪..‬‬ ‫«براندينغ»‬

‫أسامة أمين‬

‫مونتغومري‬ ‫والجاحظ‬

‫َّ‬ ‫محددة‪.‬‬ ‫حقيقيين باحثين عن عالمات تجارية لمؤسسات أو منتجات‬

‫تغطية‪ :‬مشاعل العمري‬ ‫تصوير‪ :‬ماجد المالكي‬

‫اللغة العربية بعين‬ ‫أسكتلندية جديدة‬

‫محاور ورشة العمل‬

‫مونتغو‬ ‫ضمن شهادةمري والجاحظ‬ ‫يت َّ‬

‫البراندينغ اليوم‪ :‬عرض قدَّ مه رالف كوربماتشر‬ ‫مراحل العمل‪ :‬عرض قدَّ مته ماري سكر‬ ‫تقسيم الطالبات المشاركات إلى مجموعات للعمل مع العمالء‬ ‫موجز يقدِّ مه العمالء عن شركاتهم والخدمات المقدَّ مة‬ ‫جلسة العمل أ‬ ‫الولى للطالبات‪ ..‬مرحلة البحث‬

‫العالمة الت‬ ‫جارية (البراندينغ)‬ ‫تدور ور‬

‫من‬ ‫العربية ومكانتها عا ِلم أسكتلندي باللغة‬ ‫خالل حديثه بين لغات العالم‪ ،‬من‬ ‫عن م‬ ‫لغوياً ومضموناً‪ .‬ؤلفات الجاحظ ِوغناها‬

‫مكانة الشعار في «البراندينغ» قدَّ مها‪ :‬كميل حوا‬ ‫العالقة الجدلية بين «البراندينغ» والمنتج قدَّ مها‪ :‬وليد أبو الريش‬ ‫جلسة العمل الثانية‬ ‫تقديم العروض من قِ بل الطالبات‬

‫شة العم‬ ‫فن صناعة ال ل في هذا العدد حول‬ ‫عال‬ ‫للمنتجات‪ ،‬وال مة التجارية (البراندينغ)‬ ‫خدمات‪ ،‬والفنون‪،‬‬ ‫واالختصاصات ال‬ ‫إطارها‪ ،‬وهو عديدة التي تندرج في‬ ‫شأن‬ ‫الطالب في الم قد يكون مثيراً الهتمام‬ ‫رحلة الثانوية‪.‬‬ ‫علوم‬

‫ُسئل عالم الفيزياء الفلكية البريطاني‬ ‫براين كوكس عن فائدة مشاريع‬ ‫البحث والرصد الفضائي التي ُتصرف‬ ‫عليها أموال طائلة كل عام دون‬ ‫مردود اقتصادي مباشر‪ ،‬فكانت‬ ‫إجابته في جملة واحدة‪ :‬لو كانت‬ ‫ً‬ ‫مشروعا لألبحاث‬ ‫الديناصورات تملك‬ ‫والرصد الفضائي لظلت موجودة‬ ‫حتى اليوم!‬

‫معاذ الدهيشي‬

‫استعمار‬ ‫المريخ يبدأ‬ ‫من هنا‬ ‫بيئات «غير أرضية» على‬ ‫كوكبنا األزرق‬

‫استع‬ ‫مار المريخ يبدأ‬ ‫من هنا‬

‫موضوع ج‬ ‫التجار غرافي وبيئي يستعرض‬ ‫ب الجارية‬ ‫مناخية قصو في أماكن تت َّ‬ ‫ميز بأحوال‬ ‫ا إلنسان ى‪ ،‬بهدف اختبار قدرة‬ ‫على ت‬ ‫مشابهة عل حمل العيش في بيئات‬ ‫ى كواكب أخرى‪.‬‬

‫الملف‪:‬‬

‫الخريطة‬

‫ما بين الخرائط ا‬ ‫ألولى‪ ،‬التي رسمها‬ ‫اإلنسان ال‬ ‫قديم على الصخور‬ ‫والحجارة‪ ،‬والخرائط‬ ‫اإللكترونية التي‬ ‫نحملها اليوم‬ ‫على‬ ‫اله‬ ‫واتف‬ ‫َّ‬ ‫الجوالة‪،‬‬ ‫ثمة ما هو م‬ ‫شترك‪.‬‬ ‫إنها‬ ‫لغة‬ ‫تتجاوز‬ ‫حواجز ال‬ ‫لغات المختلفة‪.‬‬ ‫وهذه اللغة‬ ‫التي يختلط في‬ ‫تشكيلها ا‬ ‫لرسم بالقليل من‬ ‫المفردات وكثير‬ ‫من‬ ‫ال‬ ‫رموز‪،‬‬ ‫هي في‬ ‫المقام األول‬ ‫صلة وصل ما بين‬ ‫اإل‬ ‫نسان والعالم‪ ،‬ي‬ ‫ستوي استخدامها‬ ‫في أوقات ال‬ ‫سالم كما في أوقات‬ ‫الحروب‪ ،‬وفي‬ ‫أزمنة‬ ‫الن‬ ‫هضة‬ ‫واالكتش‬ ‫افات‬ ‫كما‬ ‫في‬ ‫أزمنة التخلف‬ ‫وأوقات الضياع‪.‬‬ ‫في هذا‬ ‫الملف يصحبنا‬ ‫حسام الدين صالح‬ ‫إلى اكتشاف عالم‬ ‫الخريطة التي‬ ‫كانت‬ ‫وال تزال وسيلتنا‬ ‫إلى‬ ‫اكتشاف العالم‪.‬‬

‫الخريطة‬

‫يجمع الحديث‬ ‫هذا العدد عن الخريطة في ملف‬ ‫التاري‬ ‫ويستعرض الأ خ إلى الجغرافيا والفن‪.‬‬ ‫هم‬ ‫بالنسبة إلى ال ية التي تحملها الخرائط‬ ‫إ نسان منذ أن ظهرت‬ ‫على الحجر وحت‬ ‫الرقمية «‪ GPS‬ى ظهور أجهزة التوجيه‬ ‫»‪.‬‬

‫أدب وفنون‬

‫هذه الصفحة هي للتفاعل مع قطاع المعلِّمين والمعلِّمات ومساعدتهم على‬ ‫تلخيص أبرز موضوعات القافلة في إصدارها الجديد‪ ،‬وتقريبها إلى مفهوم وأذهان‬ ‫الفئات العمرية المختلفة للطالب والطالبات‪.‬‬

‫«لماذا على‬ ‫العالم أن يقرأ الشعر العربي‬ ‫الكالسيكي»‪ ،‬هو‬ ‫عنوان محاضرة ألقاها‬ ‫في جامعة‬ ‫اليدن البروفيسور جيمس‬ ‫مونت‬ ‫غومري‪،‬‬ ‫األستاذ في جامعة كامبردج‪،‬‬ ‫بدعوة مشتركة‬ ‫من الجامعة الهولندية‬ ‫الشهيرة‬ ‫وأرامكو فيما وراء البحار‪.‬‬ ‫تحدث‬ ‫مونت‬ ‫غومري‬ ‫في محاضرته عن ثالث‬ ‫شخصيات كبيرة‬ ‫في التراث العربي‪ ،‬وهم‬ ‫الفارابي والبيروني‬ ‫والجاحظ‪ .‬كما قرأ بعض‬ ‫ما ترجمه من الشعر‬ ‫العربي إلى اإلنجليزية‪.‬‬ ‫وكان لـ «القافلة»‬ ‫جولة أفق مع البروفيسور‬ ‫األسكتلندي‪،‬‬ ‫تحدث فيها عن نظرته إلى‬ ‫اللغة العربية‬ ‫وآدابها التي أبهرته وأعطاها‬ ‫ً‬ ‫عقودا طويلة من عمره‪.‬‬


Saudi Aramco website

Qafilah website

Al-Qafilah Bi-Monthly Cultural Magazine A Saudi Aramco Publication May - June 2015 Volume 64 - Issue 3 P. O. Box 1389 Dhahran 31311 Kingdom of Saudi Arabia www.saudiaramco.com


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.