كتاب الخلافة والحجاز والدولة القومية السعودية017

Page 1

‫سلسلة األنصاري التذكارية‬

‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية ‪ -‬الوهابية‬ ‫عمران ن‪ .‬حسين‬

‫مسجد دار القرآن – لونج آيالند – نيويورك‬

‫ترجمة‪ :‬علي هاشم‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬

‫حقوق الطبع محفوظة للناشر‬ ‫الطبعة األولى عام ‪6991‬‬ ‫نشر مسجد دار القرآن‬ ‫‪ 6161‬شرقا ً الشارع الثالث‬ ‫بايشور – نيويورك ‪66711‬‬ ‫الواليات المتحدة األمريكية‬

‫البريد االلكتروني للمؤلف‪inhosein@hotmail.com :‬‬ ‫الموقع االلكتروني للمؤلف‪http://imranhosein.org :‬‬

‫‪2‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬

‫هدية إلى أخي العزيز‬ ‫عبد صد ّيقي‬ ‫من المركز اإلسالمي في نيويورك‬

‫‪3‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬

‫المحتويات‬

‫تصدير‬ ‫المقدمة‬

‫الفصل األول ‪ :‬الدبلوماسية البريطانية والهجمة على الخالفة‬

‫الفصل الثاني‪ :‬انهيار الخالفة العثمانية وقيام الدولة القومية السعودية ‪ -‬الوهابية‬ ‫الحرب العالمية األولى وإلغاء الخالفة العثمانية‬ ‫القوميون األتراك والخالفة‬ ‫جواب جامعة األزهر على إلغاء الخالفة العثمانية‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مؤتمر الخالفة في القاهرة الذي أقيم في آيار عام ‪6991‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬البديل السعودي‪ -‬الوهابي للخالفة – المؤتمر العام للعالم اإلسالمي في مكة الذي أقيم في‬ ‫حزيران‪ -‬تموز من عام ‪6991‬‬

‫الفصل الخامس‪ :‬العالم اإلسالمي القديم يحاول أن ينهض من جديد‪ :‬المؤتمر اإلسالمي العام الذي أقيم في‬ ‫كانون األول عام ‪6996‬‬ ‫الخاتمة‬ ‫مالحظات‬

‫‪4‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬

‫تصدير‬ ‫هذا هو اإلصدار الثالث ضمن سلسلة األنصاري التذكارية التي تنشر تكريما ً لمعلمي وشيخي صاحب‬ ‫الذكرى المباركة المال محمد فضل الرحمن األنصاري (‪ .)6971 -6961‬وكان اإلصداران السابقان‬ ‫تحت عنوان‪( :‬دين إبراهيم ودولة إسرائيل‪ -‬نظرة قرآنية) و (أهمية تحريم الربا في اإلسالم)‪.‬‬ ‫لقد أنجزت الكثير من العمل البحثي لهذا الكتاب خالل السنوات من ‪ 6971‬إلى سنة ‪ 6979‬في مكتبة‬ ‫األمم المتحدة في قصر األمم في جنيف‪ ،‬حينما كنت طالبا ً للدكتوراه في العالقات الدولية في المعهد‬ ‫العالي للدراسات الدولية في جنيف‪.‬‬ ‫إننا اليوم ‪،‬وفي الوقت الذي أكتب فيه هذا الكتاب‪ ،‬نمر بوضع سريع التدهور في العالم اإلسالمي حيث‬ ‫الصراعات الدموية التي تؤدي إلى معاناة تفوق التصور للمسلمين األبرياء في البوسنة وكشمير‬ ‫والجزائر وفلسطين والشيشان‪...‬الخ‪ .‬ففي األمس اغتُصبت خمسون ألف امرأة في البوسنة‪ ،‬واليوم‬ ‫القصص المرعبة تحكي أن صبيا ً أُجبر على قضم خصيتي أبيه المسلم في البوسنة‪ ،‬وتحكي أن ذلك‬ ‫المسلم األعمى البريء الشيخ عمر عبد الرحمن قد أُدين بالسجن المؤبد في الواليات المتحدة (ألنه يشكل‬ ‫تهديدا ً كبيرا ً للنظام العلماني المؤيد للغرب الذي يحكم مصر) وهو يتعرض لالمتهان الجنسي من‬ ‫الحراس كلما جاءه زائر إلى السجن‪.‬‬ ‫إنني اآلن مقتنع أن األوان قد حان أخيرا ً كي يصل هذا العمل إلى عموم المسلمين الذين قد يعتريهم القلق‬ ‫اآلن إلى حد يجعلهم يبحثون بصورة جدية عن سبب الوهن الذي أصابنا‪ .‬وكنتيجة لذلك فهم قد يستقبلون‬ ‫هذا الكتاب بصورة جدية ويرفضون االحتجاجات المتوقعة من علماء السالطين ومن الحكومات التي‬ ‫يدعمونها في كل أنحاء العالم اإلسالمي !‬ ‫وأنا أدعو هللا أن يتقبل ويبارك بهذا العمل المتواضع في طريق الحق‪ .‬وأدعو أن يقع من المسلمين موقعا ً‬ ‫يفتح به أعينهم على حقيقة أن النظام السعودي‪ -‬الوهابي الذي يسيطر اآلن على الحرمين وعلى الحجاز‬ ‫كان له دور فعال في تدمير الخالفة اإلسالمية وأضحى منذ ذلك الحين حائالً أمام استعادة قوة األمة‪.‬‬ ‫آمـــــــين !‬

‫عمران نزار حسين‬ ‫مسجد دار القرآن‬ ‫تشرين الثاني ‪6991‬م الموافق جمادى اآلخرة ‪ 6167‬هـ‬

‫‪5‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫المقدمة‬ ‫إن إحدى المميزات الجوهرية لدين اإلسالم التزامه بالمضمون الذي يقول انه حينما يقر شعب معين بأن‬ ‫هللا عزوجل هو (الملك) فينبغي عليهم حينئذ أن يضمنوا خضوع الدولة وكل مؤسساتها لسلطة هللا‬ ‫وقانونه المطلق‪ .‬أما إذا أقروا أن الدولة هي ذات السيادة المطلقة وليس هللا عزوجل – وهذا هو في‬ ‫الحقيقة جوهر العلمانية‪ -‬فان اإلسالم يعد ذلك شركاً‪ ،‬وهذا هو أكبر الكبائر‪.‬‬ ‫فالدولة العلمانية الحديثة هي اليوم صاحبة السيادة المطلقة في كل العالم‪ .‬وسلطانها هو السلطان األعلى‪،‬‬ ‫واألمر ذاته ينطبق على قانونها‪ .‬لذا‪ ،‬فان البشرية برمتها اليوم‪ ،‬وفي كل بقاع األرض‪ ،‬تعتنق شركا ً‬ ‫سياسيا ً عالميا ً‪ .‬وهذا في الواقع هو أحد العالمات التي تبين أننا نعيش عصر الدجال (المسيح الدجال)‬ ‫الذي فتن البشرية بعبادة غير هللا عزوجل‪ .‬إن الدجال هو العقل المدبر للنظام العالمي اليوم‪ ،‬هذا النظام‬ ‫الذي يشير إليه الحديث النبوي من أن تسعمائة وتسعة وتسعون من كل ألف سيدخلون النار‪ .‬ولكن يبدو‬ ‫أن المسلمين أنفسهم غير آبهين بذلك‪.‬‬ ‫وطالما أقر المسلمون بسيادة هللا عزوجل‪ ،‬فإنهم ال يخضعون مطلقا ً لسيادة الدستور وال البرلمان وال‬ ‫المحكمة العليا وال الحكومة‪...‬الخ‪ .‬إن سيادة هللا عزوجل تقتضي سيادة الدين اإلسالمي وعلى الخصوص‬ ‫سيادة قانون الشريعة المقدس‪ .‬وقد جسدت مؤسسة الخالفة سيادة الدين اإلسالمي على الدولة وعلى‬ ‫الحياة العامة‪ .‬حيث كان الخليفة‪ ،‬والذي كان يعرف أيضا ً باألمير أو اإلمام‪ ،‬قائدا ً للجماعة أو المجتمع‬ ‫المسلم‪ .‬وكانت جماعة المسلمين تعطيه الوالء عبر مراسيم البيعة‪ .‬وكانت األرض التي تعيش عليها تلك‬ ‫الجماعة تدعى دار اإلسالم‪ .‬وقد أخذت األرض هذا االسم ألن األمير لديه الحرية والصالحية لتطبيق‬ ‫قانون هللا المقدس فيها‪.‬‬ ‫لقد قامت الحضارة األوربية المسيحية كذلك على أساس التسليم للسلطة اإللهية‪ .‬إال أن الكنيسة في تلك‬ ‫الحضارة كانت تعتبر ممثلة لإلله على األرض‪ ،‬وبالتالي فان الدولة كانت تابعة للكنيسة‪.‬‬ ‫ولكن أوربا شهدت صراعا ً بين الدين والدولة نتج عنه هزيمة الكنيسة‪ .‬وكنتيجة لذلك شهدت أوربا تحوالً‬ ‫ثوريا ً ألسس الحضارة‪ ،‬إذ تم علمنة الدولة وسياساتها‪ .‬وتمثل الفصل األخير من هذا الصراع بالثورات‬ ‫األمريكية والفرنسية والبلشفية‪ ،‬التي جاءت بحضارة إلحادية في جوهرها إلى الوجود‪ .‬فقد تقلص نشاط‬ ‫الدين ليكون مقتصرا ً على طقوس العبادة الفردية والجماعية‪ ،‬وتم منع البابا والسلطة المسيحية في أوربا‬ ‫من التدخل في أعمال الدولة‪ .‬ولم يعد اإلله هو صاحب السيادة (األكبر)‪ .‬بل أضحى الشعب هو صاحب‬ ‫السيادة بدالً عن اإلله‪ .‬ومن ثم ألبسوا ثوب السيادة ذاك لنموذج الدولة العلماني الجديد‪ .‬فأصبحت الدولة‬ ‫اآلن هي (األكبر)‪ .‬تلك كانت العلمانية بالنسبة ألوربا‪ .‬أما بالنسبة للدين اإلسالمي‪ ،‬فذلك كان الشرك‬ ‫بعينه‪ ،‬أكبر الكبائر‪.‬‬ ‫ومن الغرابة بمكان أن المسيحية غير األوربية لم تقم بأي صراع مضاد لذلك الدمار الذي أصاب نموذج‬ ‫الدولة المقدس الذي أسس بنيانه النبيان داود وسليمان عليهما السالم‪.‬‬ ‫لقد شرعت الحضارة األوربية اإللحادية في حملة عنيفة من أجل تغيير العالم بأكمله وإعادة تشكيله وفق‬ ‫النموذج األوربي الجديد للدولة العلمانية والمجتمع العلماني‪ .‬أما بقية العالم‪ ،‬فقد استُعمر أو سلبت حريته‬ ‫األساسية‪ .‬و كان هذا حال العالم غير األوربي أيضاً‪ .‬إذ تمت علمنته هو اآلخر في نهاية المطاف‪،‬‬ ‫‪6‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫وسرعان ما تحول إلى مجتمع ملحد‪ .‬وهذا بطبيعة الحال يتضمن العالم اإلسالمي‪ ،‬بل كان العالم‬ ‫اإلسالمي في الحقيقة هو الهدف الخاص للحضارة األوربية اإللحادية‪.‬‬ ‫لقد است ُهلت عملية تحويل العالم اإلسالمي إلى مجتمع ملحد بعلمنة الحياة العامة‪ .‬واست ُهدفت‬ ‫اإلمبراطورية العثمانية‪ ،‬إذ أن تدميرها كان لزاماً‪ .‬ولكنه لم يكن متاحا ً مادامت الخالفة باقية كمؤسسة‬ ‫جبارة لتوحيد المسلمين‪ .‬لذا كان ال بد من تدمير الخالفة‪.‬‬ ‫إن الدمار الذي أصاب اإلمبراطورية العثمانية إثر الحرب العالمية األولى نتج عنه والدة الدولة العلمانية‬ ‫في تركيا‪ .‬وكانت الحكومة مؤلفة من حفنة من األتراك القوميين العلمانيين الذين تأثروا بالغرب‪ ،‬والذين‬ ‫عملوا جنبا ً إلى جنب مع حركة يهودية سرية‪ .‬وقد قام هؤالء القوميون أوالً بتقليص الخالفة إلى حد‬ ‫جعلها منصبا ً مشابها ً لمنصب البابا‪ ،‬ومن ثم قاموا بإلغائها‪ .‬إال أن عملية العلمنة في العالم اإلسالمي قد‬ ‫اكتملت حينما انضم الحجاز بقيادة عبد العزيز بن سعود إلى مصطفى كمال أتاتورك في رفض هيمنة‬ ‫اإلسالم على الدولة‪ .‬وهكذا اعتنقت الجزيرة العربية ‪ -‬قلب اإلسالم – نموذجا ً علمانيا ً للدولة‪ .‬وقد‬ ‫تزامنت والدة دولة (العربية السعودية) مع تدمير دار اإلسالم التي أسس بنيانها النبي محمد صلى هللا‬ ‫عليه وسلم‪.‬‬ ‫حينما كان الحجاز يمثل (دار اإلسالم) كان لكل مسلم الحق في دخول أراضيه ولم يكن بحاجة إلى‬ ‫تأشيرة للدخول‪ ،‬ولم يكن هناك شيء اسمه السيادة السعودية‪ .‬ولم يكن هناك شيء اسمه حق المواطنة‬ ‫السعودية‪ .‬فقد كان حق دخول أي جزء من دار اإلسالم أحد الحقوق العديدة التي كان المسلم يتمتع بها‪،‬‬ ‫كحق اإلقامة فيها‪ ،‬إذ لم يكن المسلمون بحاجة إلى تأشيرة اإلقامة‪ ،‬وحق العمل في أي جزء فيها‪ ،‬إذ لم‬ ‫يكن بحاجة إلى تصريح بالعمل‪...‬الخ‪ .‬لقد أدت والدة دولة العربية السعودية إلى إنكار جميع هذا الحقوق‬ ‫للمسلمين‪ ،‬وبالتالي آل األمر إلى إلغائها‪.‬‬ ‫إن سقوط الخالفة وظهور دولة العربية السعودية كانت أحداثا ً غيرت وجه العالم اإلسالمي بطريقة أدت‬ ‫إلى رجوعه إلى مرحلة ما قبل الهجرة‪ .‬فما من مكان في العالم اليوم توجد فيه دار اإلسالم‪.‬‬ ‫ونحن نعتقد أن من الصواب التأكيد على أن الفارق الوحيد مابين إسالم ما قبل الهجرة وما بعد الهجرة‬ ‫هو تأسيس النبي صلى هللا عليه وسلم لدار اإلسالم (أي النظام اإلسالمي العام) في المدينة‪ .‬فالعالم‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬شأنه شأن بقية العالم غير األوربي‪ ،‬قد اندرج اليوم ضمن نظام علماني ومادي لمنظمة‬ ‫سياسية تحاكي الدولة القومية العلمانية الحديثة‪ .‬وكنتيجة لذلك فقد اختفت دار اإلسالم من الوجود اليوم‪،‬‬ ‫وهي ال توجد حتى في مكة أو المدينة‪ .‬لذا فان لنا مسوغا ً في استنتاج أن العالم اإلسالمي بوجوده العام‬ ‫كأمة قد عاد إلى مرحلة ما قبل الهجرة‪.‬‬ ‫ويبدو أن الحضارة اإلسالمية في مسيرتها التاريخية اآلن قد دخلت مرحلة ما بعد الخالفة‪ .‬وأصبح‬ ‫المجتمع المسلم اليوم في شتى أنحاء العالم خاضعا ً لجاهلية شاملة تهيمن على العالم‪ ،‬تماما ً كما كان‬ ‫وضعه في مكة قبل ‪ 6111‬سنة‪ .‬وهذه الجاهلية تتمثل بالطبع في الحضارة الغربية العلمانية والمادية‬ ‫الحديثة‪ ،‬التي ظهرت على أنقاض المسيحية‪.‬‬ ‫وقد يشير الحديث الذي روي عن النبي صلى هللا عليه وسلم إلى هذا العصر بقوله‪( :‬من مات وليس في‬ ‫عنقه (أي في أيام حياته) بيعة (أي عهد الوالء الذي يقدمه الناس إلعطاء الشرعية لتنصيب قائد على‬ ‫‪7‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫األمة) مات ميتة جاهلية (أي ميتة في عصر شهد رجوع جاهلية ما قبل الهجرة)‪ .‬هذا الحديث رواه مسلم‬ ‫في صحيحه برقم ‪.. 1296‬المترجم‪.‬‬ ‫إن هذا الحديث النبوي ال غبار على صحة سنده للنبي صلى هللا عليه وسلم وهو ذو أهمية قصوى إلى‬ ‫درجة أن جامعة األزهر قد استخدمته لتبرير دعوتها لعقد مؤتمر عالمي للخالفة اإلسالمية في القاهرة‬ ‫ليكون بمثابة الرد بطريقة الئقة على قرار الجمعية العمومية الوطنية التركية القاضي بإلغاء الخالفة في‬ ‫شهر آذار عام ‪6991‬م‪.‬‬ ‫إن المؤتمر نفسه الذي عقد في عام ‪6991‬م قد تبنى قرارات جسدت قول النبي صلى هللا عليه وسلم‬ ‫السابق‪ ،‬وأكدت على أهمية مؤسسة الخالفة‪ ،‬التي هي بمثابة النظام اإلسالمي العام للعالم اإلسالمي‪.‬‬ ‫فالتحدي الذي أمام األمة اليوم هو تحد صريح وواضح‪ .‬إنه يتمثل بمحاولة إعادة تحريك األمة من مكة‬ ‫إلى المدينة مرة أخرى‪ .‬وإذا ما قامت األمة بذلك فستتمكن من إعادة تأسيس دار اإلسالم (أي النظام‬ ‫اإلسالمي العام)‪ .‬وإذا ما نجحت هذه األمة في استعادة هيمنة اإلسالم على الدولة في العالم اإلسالمي‬ ‫فسيكون لزاما ً على المسلمين أن يطلعوا على تاريخ سقوط الخالفة وتاريخ ظهور بديلها في قلب اإلسالم‬ ‫على يد الدولة القومية السعودية – الوهابية‪.‬‬ ‫إن هذه الدراسة لها أهمية إستراتيجية ألن العدو الذي دمر الخالفة هو اآلن يتربص بشعيرة الحج‪ .‬فقد‬ ‫استمرت شعيرة الحج بال انقطاع منذ أن أسسها النبي إبراهيم عليه السالم قبل آالف السنين‪ ،‬واستمر‬ ‫الحج حتى حينما اعتنقت الجزيرة العربية عبادة األوثان‪ .‬وإن أحد أهم األهداف طويلة األجل ألعداء‬ ‫اإلسالم اليوم يتمثل في إلغاء هذا الشعيرة‪.‬‬ ‫فعن أبي سعيد الخدري رضي هللا عنه أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪( :‬ليُحجن البيت وليُعتمرن بعد‬ ‫خروج يأجوج ومأجوج)‪ ،‬وقال عبد الرحمن عن شعبة (ال تقوم الساعة حتى ال ي ُحجن البيت) رواه‬ ‫البخاري برقم ‪.6161‬‬ ‫إن دراستنا لهذا الموضوع قد قادتنا إلى استنتاج أن هدف أعداء اإلسالم في إيقاف شعيرة الحج بات قاب‬ ‫قوسين أو أدنى‪ .‬وكل ما يتطلبه األمر لتحقيق هذا الهدف هو تدمير المسجد األقصى‪ .‬وبوسع دولة‬ ‫إسرائيل اليهودية فعل ذلك في أي وقت‪ ،‬فالمسألة مسألة اختيار التوقيت األمثل‪ .‬إن النظام السعودي‬ ‫الحالي كان وال يزال يُسحب بخبث إلى وضع ال مفر منه مع الدولة اليهودية‪ .‬إذ أن تدمير المسجد‬ ‫األقصى سينتج عنه معارضة أكبر للنظام السعودي‪ .‬ولن يكون بمقدور النظام السيطرة على مشاعر‬ ‫الغضب التي سيظهرها المسلمون في موسم الحج‪ .‬لذا فإنهم حينما يظهرون بمظهر العاجز عن السيطرة‬ ‫على الحج‪ ،‬فان المعارضة الداخلية في العربية السعودية ستستخدم الحج بفعالية في سبيل زعزعة‬ ‫النظام‪ .‬هذا هو السيناريو الذي سيقود السعوديين في األغلب إلى إيقاف الحج من أجل اإلبقاء على‬ ‫حكمهم‪.‬‬ ‫وإذا ما فقد العالم اإلسالمي شعيرة الحج‪ ،‬بعد فقدانهم للخالفة‪ ،‬فان ذلك سيعد خطوة كبيرة أخرى نحو‬ ‫الجاهلية في مكة في عصر ما قبل الهجرة‪ .‬إن المأزق األمني الذي سنمر به سيكون مجرد أمر عارض‬ ‫كما كان في مكة في عهد ما قبل الهجرة‪ .‬إن اإليمان األقوى هو وحده الذي سيكون قادرا ً على تجاوز‬ ‫ذلك االبتالء العظيم‪ ،‬فما الذي بوسعنا أن نفعله؟‪ .‬إن الخطوة األولى التي يجب أن تتخذ في أي‬ ‫‪8‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫إستراتيجية مضادة ممكنة البد أن تكون بدراسة وتقييم تاريخ تلك الحقبة التي ضاعت فيها الخالفة‪ .‬وهذا‬ ‫هو ما سنحاول أن نفعله في هذا الكتاب‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬

‫الفصل األول‬ ‫الدبلوماسية البريطانية والهجمة على الخالفة‬ ‫لقد أرسل هللا القدير رسوله محمدا ً صلى هللا عليه وسلم بدين الحق ليظهره على الدين كله‪ .‬وهذا يستدعي‬ ‫الخضوع المسبق لألمة لهيمنة اإلسالم على حياة المسلمين العامة والشخصية كلتيهما‪ .‬لقد كانت دار‬ ‫الخالفة رمزا ً أسمى لتمثيل هيمنة اإلسالم على الحياة العامة‪ .‬وبدون هذه الخالفة فان العالم اإلسالمي لم‬ ‫يكن ليحظى بالقوة‪ .‬ومع هذا فقد كان هنالك صلة دائمة بين الخالفة وبين السيطرة على الحرمين‪ ،‬أي‬ ‫األراضي المقدسة في مكة والمدينة‪ .‬فمن يستطيع أن ينجح في قطع تلك الصلة سيشل دار الخالفة‪،‬‬ ‫وبالتالي سيجعل العالم اإلسالمي خائر القوى‪.‬‬ ‫وخالل ‪ 6111‬سنة من تاريخ أمة النبي محمد عليه الصالة والسالم‪ ،‬لم يتقلد أي رجل منصب الخليفة‬ ‫بنجاح من خالل البيعة أو من خالل عهد الوالء من المسلمين ما لم يكن يتمتع بسيطرته الحقيقية أو قدرته‬ ‫على فرض هذه السيطرة على الحجاز بشكل عام وعلى الحرمين بشكل خاص‪ .‬وظل منصب الخالفة‬ ‫والسيطرة على الحرمين مرتبطين بشكل دائم في وعي األمة الديني – السياسي‪.‬‬ ‫وقد كان لهذا االرتباط المتين قاعدة في الشريعة‪ ،‬فالحج كان شعيرة ملزمة لعامة األمة بالسوية فضالً‬ ‫عن إنه يتضمن رحلة حقيقية إلى الحجاز‪ .‬لذلك فليس من الممكن تنصيب شخص ليكون القائد العام‬ ‫للمسلمين وهو ال يتمتع بالسلطة أو الوسائل التي تتيح له ممارسة المسؤوليات الخاصة بتنظيم وإدارة‬ ‫شؤون الحج‪ .‬وهذا بطبيعة األمر يتضمن ضمان حرية وأمان الحجاج وبالتالي يتطلب السيطرة على‬ ‫الحجاز‪ .‬ومن ثم كان الخلفاء يعتنون أشد العناية بديمومة سلطتهم وسيطرتهم على الحجاز‪ ،‬وظل األمر‬ ‫كذلك حينما انتقل كرسي الخالفة من الحجاز إلى الكوفة في العراق ودمشق وبغداد والقاهرة وحتى‬ ‫اسطنبول‪ .‬واستمر هذا األمر بصورة أساسية بدون انقطاع إلى أن سقطت اإلمبراطورية اإلسالمية‬ ‫العثمانية في الحرب العالمية األولى‪.‬‬ ‫إن أعداء اإلسالم اليوم قد اعتنوا أشد العناية بدراسة وفهم االرتباط مابين الخالفة‪ ،‬التي هي قوة اإلسالم‬ ‫بصفته قوة عالمية‪ ،‬ومابين السيطرة على الحرمين ومن ثم خططوا إستراتيجيتهم الوحشية لجعل اإلسالم‬ ‫عاجزا ً ولجعله دينا ً محصورا ً باإليمان الشخصي الخاص ال سلطة له على الحياة العامة‪ .‬وبتعبير آخر‪،‬‬ ‫لقد خططوا إستراتيجيتهم لعلمنة اإلسالم ولتحويل المسلمين إلى نمط الحياة األوربي اإللحادي‪.‬‬ ‫وإذا ما قدر للحضارة الغربية إن تنجح في النهاية في هزيمة اإلسالم والسيطرة عليه وفي دمج العالم‬ ‫اإلسالمي برمته في نظام علماني عالمي جديد أسسه الغرب‪ ،‬فان اإلستراتيجية تتطلب أن يكون الحجاز‬ ‫تابعا ً للنفوذ الغربي من أجل إضعاف الخالفة وإزالتها في نهاية المطاف‪ .‬ومادامت الخالفة صامدة‪ ،‬فإنها‬ ‫ستظل شوكة في عيون الغرب‪ ،‬الخالفة التي هي تجسيد لسلطة اإلسالم على الحياة العامة والتي هي‬ ‫رمز جبار للحكومة الدينية المركزية التي مثلت النظام اإلسالمي العام وكانت بحق نظام السالم‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬فضالً عن كونها نقطة للتجمع يمكن من خاللها تعبئة العالم اإلسالمي لتكوين قوة قتالية فعالة‪.‬‬ ‫لقد كان هنالك ارتباط وثيق بين (القوة) وبين الخالفة في اإلسالم !‪.‬‬ ‫وإذ كان البريطانيون مدركون لألهمية القصوى للحج والحرمين من أجل إعطاء الشرعية للخالفة‬ ‫العثمانية فضالً عن ديمومتها‪ ،‬فقد ركزوا جهودهم الدبلوماسية في الحرب العالمية األولى على إخراج‬ ‫‪10‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫الحجاز من سيطرة الخليفة العثماني‪ .‬وقد تم لهم هذا عندما نجحوا في إغراء الشريف حسين – شريف‬ ‫مكة الذي عينه العثمانيون والذي هو الجد األكبر للملك حسين ملك األردن – للخروج على الخليفة‬ ‫العثماني ولفرض سلطته الشخصية على الحجاز بإشراف وحماية التحالف البريطاني الصديق‪.‬‬ ‫وبحلول عام ‪ 6961‬وفي خضم الحرب العالمية األولى كان الخليفة العثماني قد فقد سيطرته على مكة‬ ‫وجدة‪ ،‬أي الحجاز الجنوبي‪ .‬أما سيطرته على المدينة فقد دامت خالل الحرب حتى فقدها في نهاية عام‬ ‫‪ 6969‬حينما أغريت بعض القوات العثمانية في داخل المدينة المنورة للخروج على قائدهم البطل فخري‬ ‫باشا (‪.)6‬‬ ‫وبعد أن فقد الخليفة العثماني سيطرته على الحجاز أضحت الخالفة عاجزة جدا ً إلى حد أنها لم تلبث في‬ ‫اسطنبول سوى بضع سنوات حتى انهارت كلياً‪ .‬وهذا كان بالفعل نجاحا ً باهرا ً للدبلوماسية البريطانية‪.‬‬ ‫لقد أدى ضعف الخالفة إلى زعزعة البناء الكلي لإلمبراطورية العثمانية اإلسالمية‪ .‬وانهارت في نهاية‬ ‫المطاف‪ .‬وفي عام ‪ 6969‬سيطرت القوات البريطانية بقيادة الجنرال (الينبي) على القدس‪ .‬ومن الملفت‬ ‫للنظر أن (الينبي) حينما دخل المدينة المقدسة قال (لقد انتهت الحروب الصليبية أخيرا ً اآلن)‪ .‬وإذا كان‬ ‫هنالك أدنى شك حيال الخطر الداهم على اإلسالم الذي تشكله الدبلوماسية البريطانية في شبه الجزيرة‬ ‫العربية لكانت مقولة (الينبي) هذه كفيلة بإزالتها تماماً‪.‬‬ ‫فما عناه (الينبي) هو أن اإلسالم أصبح اآلن نمرا ً بال أسنان‪ .‬وأن مصيره هو أن يبقى عاجزا ً دائما ً ومن‬ ‫ثم يكون غير قادر على الرد على خسارة القدس بنفس الطريقة التي رد بها (صالح الدين األيوبي) حينما‬ ‫سيطر الصليبيون على القدس‪.‬‬ ‫لقد قاتل العرب إلى جانب (الينبي) من أجل سلب القدس من حكم الخليفة العثماني‪ .‬وكان هؤالء العرب‬ ‫آنذاك بانتظار التقاتل على الجيفة التي خلفها االنتصار البريطاني على اسطنبول‪ .‬وقد طمعوا بالحكم‬ ‫المحلي للحجاز‪ ،‬ولكن كان من الضروري االنتظار لرؤية ما إذا كان بوسع الخليفة العثماني استعادة‬ ‫القوة الالزمة إلعادة فرض سيطرته على الحجاز‪ .‬ولكن حينما ألغيت الخالفة في ‪ 9‬آذار عام ‪،6991‬‬ ‫أصبح من الجلي عدم وجود مثل هذا التهديد‪ .‬وفي ذلك اليوم بالذات بدأ عمالء بريطانيا تكالبهم على‬ ‫الجيفة التي خلفتها خيانتهم للحكم اإلسالمي العثماني‪.‬‬ ‫وفي ‪ 7‬آذار من عام ‪ 6991‬قام الشريف حسين بخطوة استباقية في المطالبة بالخالفة لنفسه‪ .‬وكانت أكثر‬ ‫مزاياه أهمية أنه كان يتمتع واقعيا ً بالحكم المحلي للحجاز‪ .‬وكان يتباهى بكونه هاشمياً‪ ،‬أي أنه كان من‬ ‫نسل بني هاشم وهي نفس العشيرة القرشية التي ينتمي إليها النبي نفسه‪ .‬وفي الواقع كان لهذا األمر وزن‬ ‫كبير بين العلماء‪ ،‬حتى إن كبير القضاة في إمارة شرق األردن وافق على الفور على الطلب واعترف‬ ‫بالحسين كخليفة‪.‬‬ ‫أما ميزته األخرى‪ ،‬والتي كانت قيمتها محل شك بين جموع المسلمين‪ ،‬ولكنها كانت ثقيلة في ميزان‬ ‫سياسات القوى في شبه الجزيرة العربية‪ ،‬فهي كون الشريف حليفا ً لبريطانيا‪ ،‬القوة العظمى آنذاك‪ ،‬وكان‬ ‫قد تلقى دعما ً ماليا ً ودبلوماسيا ً وعسكريا ً ضخما ً من بريطانيا في ثورته الناجحة ضد السلطة العثمانية في‬ ‫الحجاز‪ .‬لقد ارتكب الشريف حسين‪ ،‬حينما طالب بالخالفة لنفسه‪ ،‬أفدح وأشنع خطأ عندما لم يحصل أوالً‬ ‫على موافقة البريطانيين ليفعل ما فعل‪ .‬وهذا هو واقع (الدولة العميلة) الجوهري‪ ،‬فالحرية تكون محدودة‬ ‫‪11‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫فيها بشكل مؤثر‪ .‬لقد تجاوز الشريف حسين القانون األساسي لسلوك الدولة العميلة‪ .‬فماذا كان رد فعل‬ ‫البريطانيين يا ترى؟‬ ‫إن السياسة البريطانية اآلن في شبه جزيرة العرب متعددة االتجاهات ولكنها متحدة في نفس الوقت‪ .‬فقد‬ ‫كان هناك أوالً‪ ،‬وقبل كل شيء‪ ،‬هدف سلب السيطرة على الحرمين من الخليفة‪ .‬وكان الغرض من ذلك‬ ‫إضعاف شرعيته‪ ،‬وبال تالي إضعاف سيطرته على بقية العالم اإلسالمي ومن ثم تسهيل هزيمة العثمانيين‬ ‫في الحرب العالمية‪ .‬ثانياً‪ ،‬أرادت بريطانيا نظاما ً صديقا ً يسيطر على الحجاز ليتسنى لها التالعب‬ ‫بسياسات شبه الجزيرة بصورة أفضل‪ .‬وأخيراً‪ ،‬فقد كانت سياسات شبه الجزيرة وهزيمة العثمانيين‬ ‫مرتبطة بصورة إستراتيجية بجهود الصهيونية لبناء اتحاد شيطاني مع بريطانيا سعيا ً في إنشاء وطن‬ ‫قومي لليهود في فلسطين‪ .‬وقد اتضحت هذه السياسة المتحدة في نهاية المطاف بمعاهدة سايكس – بيكو‬ ‫في عام ‪ 6961‬وبإعالن بلفور في عام ‪.6967‬‬ ‫ومن ثم فإن "القوة العظمى" (في ذلك الوقت) وما يدعى "الشعب المختار" سيكونان مرتبطين في اتحاد‬ ‫له تبعات حقيقية جسيمة عليهما وعلى البشرية‪.‬‬ ‫لقد كان هدف السياسة المتحدة تفكيك النظام اإلسالمي العام برمته ليصير اإلسالم عاجزا ً عن منع‬ ‫الصهاينة من تحقيق هدفهم‪ .‬وقد أُبطلت المؤسسات اإلسالمية المرتبطة كليا ً بنظام (أهل الذمة والجزية)‬ ‫اإلسالمي العام في اإلمبراطورية العثمانية اإلسالمية عام ‪ 6211‬كنتيجة مباشرة للضغط األوربي‪ .‬ولكن‬ ‫ما دامت مؤسسة الخالفة باقية فسيكون بإمكان النظام اإلسالمي العام دائما ً أن يتباطأ ثم ينتعش في نهاية‬ ‫المطاف‪ .‬لذا فان الهجمة على مؤسسة الخالفة كانت ذات أهمية قصوى من أجل تحقيق الهدف األوربي‬ ‫– اليهودي النهائي‪.‬‬ ‫وقد كان من الواضح أيضا ً لدى البريطانيين والصهاينة أن إنشاء وطن قومي لليهود (أي دولة إسرائيل‬ ‫اليهودية) في فلسطين المسلمة غير ممكن وليس من المؤمل أن يدوم طالما كان للعالم اإلسالمي خليفة‬ ‫بوسعه تعبئة موارده الهائلة وحماسه الديني وتوجيه ذلك ألهداف عسكرية‪ .‬لذا فان السيطرة على‬ ‫الحجاز‪ ،‬والذي كان غاية في األهمية في سياسات شبه الجزيرة‪ ،‬كان أمرا ً أولته الدبلوماسية البريطانية‬ ‫أقصى اهتمامها‪.‬‬ ‫ولكن مطالبة الشريف حسين الهاشمي بالخالفة لم يتالءم مع األهداف الدبلوماسية البريطانية‪ ،‬إذ إن تلك‬ ‫المطالبة كان من الممكن لها على الدوام أن تنجح‪ .‬وحينئذ سيكون الشريف حسين قد عبأ العالم اإلسالمي‬ ‫إلى درجة تمكنه من إعادة تأسيس النظام اإلسالمي العام و "نظام السالم اإلسالمي" على األرض التي‬ ‫تمثل رمزا ً إسالميا ً قويا ً‪ ،‬ومن ثم سيشكل خطرا ً على النفوذ والسيطرة البريطانية على أرجاء واسعة من‬ ‫دار اإلسالم‪ .‬فضالً عن أن عالما ً إسالميا ً منبعثا ً من جديد من شأنه أيضا ً أن يجعل السيطرة اليهودية على‬ ‫فلسطين والقدس أمرا ً مستحيالً‪.‬‬ ‫لذلك فقد أعطت بريطانيا مباركتها لعميل بريطانيا اآلخر في شبه الجزيرة‪ ،‬أال وهو عبد العزيز بن‬ ‫سعود‪ ،‬ليتحرك ضد حسين ولينتزع منه السيطرة على الحجاز‪ .‬وكان هذا منتهى فن الخداع وقمة النفاق‪.‬‬ ‫فقد است ُخدم أحد العمالء للتخلص من عميل آخر‪.‬‬

‫‪12‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫لقد رعت بريطانيا صداقة ابن سعود و تحالفه معها خالل الحرب واستخدمت – كعادتها ‪ -‬الدبلوماسية‬ ‫المالية (أي الرشوة)‪ .‬فقد كان ابن سعود يتقاضى شهريا ً مبلغ ‪ 1111‬جنيه إسترليني من الخزانة‬ ‫البريطانية لقاء حياديته الكريمة تجاه ثورة الحسين ضد الخليفة وتجاه فرض الحكم الهاشمي على الحجاز‬ ‫وتجاه الجهود البريطانية على الصعيدين الدبلوماسي والعسكري في شبه الجزيرة التي كانت موجهة ضد‬ ‫الدولة العثمانية اإلسالمية‪ .‬لقد برر ابن سعود مخالفته الصريحة ألمر هللا عزوجل وألمر رسوله بطريقة‬ ‫شيطانية عن طريق تسمية هذه الرشوة بالجزية‪(.‬القرآن ‪)1611‬‬ ‫ولكن الدبلوماسية البريطانية حيال ابن سعود كانت موجهة ألغراض ذات أهمية إستراتيجية أكبر بكثير‬ ‫من مجرد الحيادية في الحرب وأكبر من التخلص من الشريف حسين المتهور‪ .‬لقد كان البن سعود‬ ‫إمكانيات أكبر بكثير بدأت بريطانيا بالتحرك اآلن الستغاللها على أثر مطالبة الشريف حسين بالخالفة‪.‬‬ ‫إن قوة ابن سعود في نجد‪ ،‬والتي عادت من جديد بالسيطرة على الرياض عام ‪ ،6919‬كانت نتاج تحالف‬ ‫قديم بين زعيم القبيلة وبين الزعيم الديني لفرقة الوهابية‪ .‬وما ضمنه هذا التحالف هو أنه طالما سيسيطر‬ ‫أحفاد زعيم القبيلة على القوة السياسية ضمن األراضي التي يحكمها التحالف‪ ،‬فان الشؤون الدينية ستكون‬ ‫خاضعة لسلطة أحفاد الزعيم الديني‪ .‬وبالتالي فقد كان لزاما ً أن يقع السعوديون النجديون تحت ضغط‬ ‫الوهابيين في محاولة إلخضاع قلب اإلسالم (الحجاز) بالقوة للفهم الوهابي لحقيقة الدين‪.‬‬ ‫وكانت بريطانيا في منتهى السرور إلعطاء ابن سعود الضوء األخضر كي يحرك قواته ضد حسين بعد‬ ‫أربعة أيام من مطالبة الهاشمي بالخالفة لنفسه‪ .‬ولم يكن بوسع ابن سعود الصبر ليتحرك ضد حسين‬ ‫والسبب – مهما بدا غريبا ً – هو أن السيطرة اليهودية على القدس والسيطرة الوهابية على الحجاز‬ ‫كلتيهما واجهتا نفس التهديد‪ .‬ولم يكن ألي منهما أن تتحقق أو أن تدوم طالما للعالم اإلسالمي خليفة‬ ‫يحكمه‪.‬‬ ‫وبمؤازرتهم البن سعود فان البريطانيين كانوا يضمنون عدم إمكانية عودة الخالفة ما دام السعوديون –‬ ‫الوهابيون يفرضون هيمنتهم على الحجاز‪ .‬وزد على ذلك أن البريطانيين قد تيقنوا أن النظام اإلسالمي‬ ‫العام لم يكن بمقدوره االستمرار دون وجود الخالفة‪ ،‬وبالتالي فان العالم اإلسالمي سيضعف كثيرا ً إلى‬ ‫حد استحالة تعبئته لمنع إنشاء دولة إسرائيل اليهودية‪ .‬وقد علمت بريطانيا كذلك أن الوهابيين أنفسهم ال‬ ‫يمكنهم أن يطالبوا بالخالفة إذ أن خليفةً وهابيا ً سيكون دوما ً محل رفض األغلبية الساحقة من المسلمين‬ ‫في العالم‪ .‬لذا فان بريطانيا بسحب دعمها لحسين وإعطائه البن سعود كانت في الحقيقة تواصل هجمتها‬ ‫الوحشية على مؤسسة الخالفة وعلى النظام اإلسالمي المركزي العام‪.‬‬ ‫وتمكن ابن سعود خالل أشهر قليلة من انتزاع مكة‪ ،‬أما حسين فقد هرب إلى جدة‪ .‬ثم تدخلت بريطانيا في‬ ‫آخر المطاف إلبعاده كليا ً من شبه الجزيرة فعرضت عليه منفى مريح في قبرص‪ .‬وسرعان ما أصبحت‬ ‫المدينة المنورة وجدة أيضا ً تحت الحكم السعودي – الوهابي‪.‬‬ ‫لقد نجح التحالف السعودي – الوهابي قبل أكثر من قرن مضى في التغلب على دفاعات الطائف ومكة‬ ‫حيث ترتب على ذلك حمامات دم بأحجام مفجعة في الواقع‪ .‬فقد عد الوهابيون‪ ،‬بحماسهم المتعصب‪،‬‬ ‫المسلمين القاطنين في الحجاز كمشركين وبالتالي فان هذا يجعل من الجائز قتلهم‪ .‬ومن جانبه قام الخليفة‬ ‫في اسطنبول باإليعاز إلى محمد علي‪ ،‬خديوي مصر المملوكي‪ ،‬ليرسل جيشا ً إلى الحجاز بقيادة ابنه‬ ‫إسماعيل‪ .‬وقد تم طرد المحاربين السعوديين – الوهابيين بالقوة إلى خارج الحجاز ثم إلى الصحراء‪.‬‬ ‫‪13‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫ورغم ذلك فبعد مضي قرن من الزمن لم يعد هنالك خليفة وأضحت جميع المجتمعات اإلسالمية تحت‬ ‫السلطة االستعمارية الغربية‪ .‬أضف إلى ذلك أن ابن سعود تمتع بالحماية التي وفرتها له صداقته‬ ‫لبريطانيا العظمى التي كانت القوة العظمى آنذاك‪ .‬وبناء على ذلك فلم تكن هنالك أية احتمالية قريبة‬ ‫إلزاحة القوات السعودية – الوهابية من الحرمين والحجاز‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من كون ابن سعود متمتعا ً بالسيطرة اآلمنة على الحجاز‪ ،‬فقد بقي يواجه مشكلة حقيقية‬ ‫كبيرة إثر استهالل حكمه هناك عام ‪ .6991‬فقد كان عليه أن يبتكر إستراتيجية معينة ليتجنب االحتمالية‬ ‫بعيدة األمد المتمثلة في تكرر الكارثة التي حلت على الحكم السعودي – الوهابي السابق على الحجاز‪.‬‬ ‫ويبدو أنه فكر أوالً بسياسة للمصالحة مع المسلمين غير الوهابيين فضالً عن استخدام سلطته على‬ ‫الحجاز لتعزيز قضية توحيد األمة‪ .‬وهكذا وبعد فترة وجيزة من حصوله على السيطرة على مكة وبعد‬ ‫حصوله على اعتراف سكانها به كسلطان للحجاز‪ ،‬قام ابن سعود بإعالن موجه للعالم اإلسالمي كانت‬ ‫فحواه أن الحجاز مع الحرمين هو ملك لكل العالم اإلسالمي وأنه‪ ،‬أي ابن سعود‪ ،‬يضع الحجاز تحت‬ ‫سيطرته كأمانة ال غير نيابة عن العالم اإلسالمي‪ )1(.‬ومن ثم قام ابن سعود بدعوة العالم اإلسالمي‬ ‫برمته كي يرسلوا ممثليهم إلى مكة كي يتسنى لهم تأسيس إدارة كفوءة وعادلة للحجاز مبنية على أساس‬ ‫الشورى واإلجماع‪.‬‬ ‫إن هذا البيان المهم كان متماشيا ً بالكلية مع شروط النظام اإلسالمي العام‪ .‬وكان الحجاز آنذاك ال يزال‬ ‫دار اإلسالم التي أسسها النبي‪ .‬إذ لم تكن هناك إلى حد اآلن أية إشارة ألية دولة سعودية قد تطالب بـ‬ ‫(السيادة اإلقليمية) في الحجاز‪ .‬وكانت حقوق المسلم في ربوع دار اإلسالم ما تزال تحظى باالعتراف‬ ‫واالحترام‪.‬‬ ‫ولكن لسوء الحظ فان هذا القلق حيال وحدة العالم اإلسالمي وهذا اإلعالن الحماسي الخاص بالوضع في‬ ‫الحجاز لم يمثل الخطط السعودية – الوهابية الحقيقية الخاصة بالحجاز‪ .‬فاألمر لم يتجاوز كونه قضية‬ ‫(سياسات توافقية) تم وضعها من أجل حماية السعوديين – الوهابيين على أعقاب مبادرة خطيرة تبنتها‬ ‫جامعة األزهر في القاهرة بعد فترة وجيزة من إلغاء الخالفة العثمانية‪ .‬وبالفعل فقد كان لمبادرة األزهر‬ ‫انعكاسات محفوفة بالمخاطر على ابن سعود وعلى الحكم السعودي – الوهابي على الحجاز‪ .‬فضالً عن‬ ‫أنها شكلت مأزقا ً حرجا ً للصهاينة والبريطانيين المنتصرين‪ .‬لقد اقترح األزهر عقد مؤتمر إسالمي‬ ‫عالمي للخالفة (مؤتمر الخالفة) في القاهرة وكان من المقرر لهذا المؤتمر‪ ،‬من بين أمور أخرى‪ ،‬تعيين‬ ‫خليفة جديد للعالم اإلسالمي‪.‬‬ ‫ولو أن الوهابيين كانوا أصالً مذعنين لإلسالم لرحبوا بجهد األزهر هذا من أجل تحقيق االمتثال ألحد‬ ‫متطلبات الشريعة األساسية‪ ،‬أال وهو تأسيس خالفة حقيقية‪ .‬ولطالما اعتبر الوهابيون الخالفة التي تلت‬ ‫الخالفة الراشدة باطلة وكان أحد أسباب ذلك أن هذه الخالفة لم تؤسس بطريقة تتماشى مع الشروط‬ ‫الشرعية‪ .‬واآلن وبما أن الخالفة الباطلة قد ألغيت وكان مركز التعليم اإلسالمي الرئيسي بصدد عقد‬ ‫مؤتمر إسالمي عالمي لمناقشة مسألة الخالفة ولتفعيل عملية تعيين خليفة جديد‪ ،‬فلم يكن على الوهابيين‬ ‫قبول ذلك فحسب‪ ،‬بل كان عليهم تقديم كل تعاون ممكن ولكان عليهم المشاركة بطريقة جدية في هذا‬ ‫المؤتمر من أجل ضمان عودة الخالفة الحقيقية‪.‬‬ ‫ولكن الوهابيين لم يكن لديهم هذا االمتثال لإلسالم‪ .‬فقد كان تصرفهم في الحقيقة عبارة عن تدين انتقائي‬ ‫و نفعي وانتهازي‪ .‬لقد عرف الوهابيون أن العالم اإلسالمي ما كان ليقبل خليفة وهابياً‪ ،‬ونتيجة لذلك فقد‬ ‫‪14‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫وجدوا ما يالئمهم في إنكار أحد المتطلبات األساسية للنظام اإلسالمي العام‪ .‬فقد جندوا كل طاقاتهم‬ ‫لتخريب مؤتمر الخالفة في القاهرة‪ .‬وكانت إستراتيجيتهم تقضي بتنظيم مؤتمر منافس في مكة في موسم‬ ‫الحج من عام ‪ .6991‬وكان ذلك يعني أن مؤتمر مكة سينعقد بعد شهر من انعقاد مؤتمر القاهرة‪ ،‬األمر‬ ‫الذي سيجعل من الصعب على الوفود أن يحضروا المؤتمرين كليهما‪ .‬وبما أن مؤتمر مكة تم توقيته‬ ‫ليكون متوافقا ً مع الحج‪ ،‬وكان هذا المؤتمر يحظى بالدعم الفعال للبريطانيين فقد كان له حظوة واضحة‬ ‫على مؤتمر القاهرة‪.‬‬ ‫ثانياً‪ ،‬لقد قاموا وعلى وجه التخصيص باستبعاد مسألة الخالفة من جدول أعمال مؤتمر مكة‪ .‬لقد كانت‬ ‫هذه المحاولة المكشوفة لتخريب مؤتمر القاهرة ولدفن الخالفة تمثل أكثر من دليل دامغ لفضح مزاعم‬ ‫الوهابية في ادعائهم أنهم أبطال الشريعة واإلسالم‪.‬‬ ‫إن استجابة العالم اإلسالمي لهذه المنافسة‪ ،‬أي مؤتمر الخالفة في القاهرة في أيار‪/‬حزيران من عام‬ ‫‪ 6991‬ومؤتمر العالم اإلسالمي في مكة في تموز ‪ ،6991‬هو موضوع جدير بالبحث الجدي‪ .‬فعلى‬ ‫سبيل المثال ما مقدار الدبلوماسية البريطانية الذي تم بذله من أجل ضمان أن يبقى المجتمع الهندي‬ ‫المسلم المهم ‪ -‬الذي ساند الخالفة العثمانية إلى حد أنهم أسسوا جمعية الخالفة الهائلة ‪ -‬بعيدا ً عن مؤتمر‬ ‫الخالفة في القاهرة ويحضر بدالً عن ذلك إلى مؤتمر مكة المنافس الذي است ُبعدت مسألة الخالفة على‬ ‫وجه الخصوص من جدول أعماله؟ ليس هناك سوى القليل من البحث في هذا الموضوع‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فما كان جليا ً هو أن مؤتمر مكة قد حقق انتصارا ً تكتيكيا ً على مؤتمر القاهرة‪ ،‬وهو انتصار‬ ‫كان له انعكاسات هائلة على بقاء كل من مؤسسة الخالفة و النظام اإلسالمي العام التقليدي‪ ،‬أي (دار‬ ‫اإلسالم)‪ .‬وقد تمنى منظمو مؤتمر القاهرة أن يضمنوا التوافق مع النظام اإلسالمي التقليدي للمنظمة‬ ‫السياسية‪ .‬إال أنهم كانوا عاجزين فكريا ً عن إيضاح كل من مفهوم النظام اإلسالمي العام (دار اإلسالم)‬ ‫والمفهوم اإلسالمي لنظام عالمي قادر على إقناع العالم اإلسالمي المتشكك‪.‬‬ ‫ومن ناحية أخرى فان منظمي مؤتمر مكة لم يرغبوا في البقاء أوفياء للنظام اإلسالمي العام بكل ما‬ ‫يتضمنه هذا النظام من الخالفة ودار اإلسالم ‪...‬الخ بسبب المصالح الممنوحة لهم‪ .‬بل إنهم بدالً من ذلك‬ ‫اختاروا قبول نظام منافس خاص بمنظمة سياسية كان قد ظهر في الحضارة الغربية الحديثة‪ ،‬ذلك النظام‬ ‫الذي اخترق مركز الخالفة العثمانية ذاته‪ ،‬أال وهو نظام الدولة القومية العلمانية بعينه‪ .‬وقد فعلوا ذلك‬ ‫ألن نظام الدولة القومية كان النظام الوحيد الذي يستطيع من خالله السعوديون – الوهابيون بصورة‬ ‫ملموسة متابعة جهدهم لكسب االعتراف والشرعية لصالح حكمهم على الحجاز وبالتالي ضمان بقاء‬ ‫الدولة السعودية‪ .‬لقد موهوا مخططاتهم الحقيقية وقاموا بمحاولة مدروسة الستغفال العالم اإلسالمي‪.‬‬ ‫وكان نجاحهم في لعبة الخديعة هذه متجليا ً بشدة في الصفة التمثيلية التي تحلى بها مؤتمر مكة‪.‬‬ ‫إن النصر التكتيكي الذي أحرزه مؤتمر مكة في منافسته لمؤتمر القاهرة كان له دور مهم في تهيئة‬ ‫الطريق لبقية العالم اإلسالمي‪ ،‬وبضمنه قلب اإلسالم‪ ،‬كي يتبعوا في النهاية مثال مصطفى كمال‬ ‫ونموذجه للدولة العلمانية في تركيا‪ .‬ومنذ عام ‪ 6991‬و تاريخ العالم اإلسالمي يسجل من جهة الدواهي‬ ‫التي تم حقنها في جسد األمة من خالل هذه المنظمة السياسية الدخيلة‪ ،‬ومن جهة أخرى يسجل‬ ‫المحاوالت الساذجة والمشوشة والسطحية لعلماء اإلسالم المعاصرين في إعادة بناء النظام اإلسالمي‬ ‫العام على األسس العلمانية لنظام الدولة القومية‪.‬‬ ‫‪15‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫وما أفرزته هذه الجهود كان هدف (األسلمة) وهدف تأسيس (الدولة اإلسالمية) داخل نظام الدولة‬ ‫القومية‪ .‬ولكن هذين الهدفين كانا عديمي الجدوى الن تحقيقهما كان – وال يزال – مستحيالً ما لم يتم في‬ ‫البدء إلغاء بعض المكونات الضرورية من الدولة القومية‪ ،‬أي ضرورية لبقائها كمؤسسة علمانية‪.‬‬ ‫وقد غامر كل من الدكتور محمد إقبال والمال أبو األعلى المودودي في اجتهادهم من أجل إعادة بناء‬ ‫النظام اإلسالمي العام في إسالم ما بعد الخالفة‪ .‬وقد تمخضت جهودهم عن مفهوم اسمه (الدولة‬ ‫اإلسالمية)‪ .‬ولكن لألسف فان جهود إنشاء الدولة اإلسالمية أدت إلى إبعاد نظام المنظمة السياسية‬ ‫اإلسالمي التقليدي لألمة أو النظام اإلسالمي العام – نظام السالم اإلسالمي أو دار اإلسالم – وجعله في‬ ‫عزلة تامة‪ .‬وكنتيجة لذلك أصبح الفكر السياسي في العالم اإلسالمي مضلالً بصورة كبيرة وبالتالي‬ ‫أضحى االضطراب الشديد الناتج عن ذلك مستمرا ً حتى يومنا هذا‪.‬‬

‫‪16‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬

‫الفصل الثاني‬ ‫انهيار الخالفة العثمانية وقيام الدولة القومية السعودية – الوهابية‬ ‫الحرب العالمية األولى وإلغاء الخالفة العثمانية‬ ‫لقد كانت الحرب العالمية األولى بالنسبة للعالم اإلسالمي أكبر من كونها مجرد حرب أوربية‪ .‬فلقد كانت‬ ‫بال ريب حربا ً أدت إلى ثورات و تغيرات في العالم اإلسالمي لم يشهد مثلها خالل ثالثة عشر قرنا ً من‬ ‫وجوده‪.‬‬ ‫أوالً‪ ،‬إن اإلمبراطورية العثمانية‪ ،‬التي كانت اكبر قوة للمسلمين ومقرا ً للخالفة المعاصرة‪ ،‬دخلت الحرب‬ ‫إلى جانب قوى المحور‪ .‬وفي الوقت الذي ال يزال فيه القرار موضع جدل ‪ -‬إذ أن القيادة العثمانية وحتى‬ ‫اللحظة األخيرة لم تقرر هل ستدخل الحرب أم ال‪ ،‬وإذا ما دخلت فأي جانب ستساند ‪ -‬فقد كان هناك‬ ‫أسس لتخمين وجود دور بريطاني – صهيوني في القضية‪.‬‬ ‫فالقادة اليهود – الصهاينة قد قاموا بعدة محاوالت فاشلة لعقد اتفاق مع الخليفة يقضي بسيطرة اليهود‬ ‫على القدس‪ .‬حتى إنهم قدموا عرضا ً لشراء المدينة المقدسة‪ .‬وقد ساندت بريطانيا هذه المحاوالت‬ ‫اليهودية – الصهيونية‪.‬‬ ‫وكان لبريطانيا في الحرب أهداف سياسية وعسكرية كان أهمها قهر اإلسالم بصفته قوة عالمية واحتالل‬ ‫القدس وإنشاء وطن يهودي في فلسطين من شأنه أن يمزق الشرق األوسط ويراقبه بالنيابة عن الغرب‪.1‬‬ ‫وقد حاولت القيادة العثمانية كما هو متوقع تعبئة الدعم في مجهودها الحربي من العالم اإلسالمي بأسره‪.‬‬ ‫وفي هذا الصدد قام شيخ اإلسالم في الدولة اإلسالمية العثمانية بإصدار فتوى وبيان في ‪ 99‬تشرين‬ ‫الثاني من عام ‪ 6961‬معلنا ً الجهاد ومطالبا ً جميع المسلمين بالقتال ضد قوات الحلفاء‪ .‬غير أن‬ ‫الدبلوماسية البريطانية نجحت في تعزيز واستغالل القومية العربية في شبه الجزيرة العربية كوسيلة‬ ‫فعالة لمهاجمة وتقويض القوة الهائلة التي تتمتع بها األخوة اإلسالمية العالمية‪ .‬وكنتيجة لذلك فقد تمرد‬ ‫العرب ضد الحكم العثماني على أساس عرض قدمته بريطانيا للمساعدة على تحقيق االستقالل الوطني‪.‬‬ ‫وفي أقل من سنتين من بدء الحرب كان الشريف حسين – من ادعى كونه "ملك العرب" والذي هو‬ ‫الحليف القوي للبريطانيين وأبو جد الملك حسين ملك األردن – قد نجح في تمرده ضد السلطة العثمانية‬ ‫وتم تنصيبه ملكا ً على قلب اإلسالم‪ ،‬الحجاز‪ .‬وكان عاقبة ضياع مكة و بالتالي المدينة أن االستغاثة التي‬ ‫أطلقها الخليفة العثماني لجميع المسلمين قد القت ضررا ً يتعذر إصالحه‪.‬‬ ‫أما البريطانيون فقد أتبعوا نجاحهم في الحجاز بتنصيب أوالد حسين كملوك على العراق وعلى إمارة‬ ‫شرق األردن كذلك‪ .‬وبحلول عام ‪ 6969‬دخل الجنرال البريطاني (الينبي)‪ ،‬مع القوات العربية التي‬ ‫قاتلت معه بإخالص‪ ،‬كمنتصر إلى القدس حيث أعلن أن الحروب الصليبية قد انتهت أخيراً‪ .‬وظلت‬ ‫هذا االستنتاج قد اصبح اكثر تحديدا بعد ‪ 11‬سنة من دراسة المؤلف لعلم اخر الزمان حيث انه قد توصل الى نتيجة ان الغرض من انشاء الكيان‬ ‫الصهيوني هو في الحقيقة لتمكينه من حكم العالم وخروج المسيح الدجال منه ‪ ،‬الطبعة الثانية من الكتاب سوف تحتوي تفصيالت اكثر حول هذا‬

‫‪17‬‬

‫‪1‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫فلسطين تحت االنتداب البريطاني (بتفويض من عصبة األمم) حتى انسحب منها البريطانيون في عام‬ ‫‪ 6912‬وأعلن الصهاينة اليهود تأسيس دولة إسرائيل‪.‬‬ ‫لقد هزمت اإلمبراطورية العثمانية في الحرب شر هزيمة‪ .‬فقد جمعت قوات الحلفاء تفوقها العسكري مع‬ ‫سالح نفسي كان له تأثيرات بعيدة المدى على اإلسالم‪ .‬فقد نجح البريطانيون والفرنسيون في كسب الدعم‬ ‫اإلسالمي العسكري (بطرق فاسدة أكثر من كونها عادلة) من الهند والمغرب ومناطق أخرى‪ ،‬وهكذا‬ ‫أصبح المسلم العربي وغير العربي كالهما يقاتالن ضد أخوانهم المسلمين األتراك‪ .‬والنتيجة لم تكن‬ ‫هزيمة اإلمبراطورية العثمانية فحسب‪ ،‬بل د ُمرت أسسها اإلسالمية العالمية‪.‬‬ ‫وعلى أنقاض هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية األولى خاضت قوات القوميين األتراك بقيادة‬ ‫مصطفى كمال الحرب تلو الحرب إلى حد أن القوات األوربية التي أنهكتها الحرب‪ ،‬والتي أحجمت عن‬ ‫التدخل استجابة لرأيها العام المحلي‪ ،‬لم يكن بوسعها أن تفعل شيئا ً لمنع األتراك من إلحاق الهزيمة‬ ‫الشنعاء باليونانيين وكسب الحرية التركية‪ .‬وقد أعطت معاهدة لوزان الموقعة عام ‪ 6991‬االعتراف‬ ‫العالمي بذلك والذي كان نتاج السواعد التركية على أرض المعركة‪.‬‬

‫القوميون األتراك والخالفة‬ ‫لقد كانت قوات القوميين األتراك في صراع مستمر مع الخليفة ألكثر من خمسين عاما ً يناضلون من أجل‬ ‫تحديد سلطاته من خالل نظام دستوري يحل محل ما اعتبروه دكتاتورية استبدادية‪ .‬وكانت قوات‬ ‫القوميين األتراك في األساس علمانية في مظهرها السياسي وكانوا متأثرين للغاية بما فهموه كتفوق جلي‬ ‫للحضارة الغربية على الخالفة العثمانية وعلى اإلمبراطورية اإلسالمية‪.‬‬ ‫وفي أعقاب ضياع مكة والمدينة وبعد أن حارب إخوانهم المسلمون ضدهم في الحرب‪ ،‬فقد أحسوا بعدم‬ ‫وجود أي رابط ملزم تجاه العالم اإلسالمي‪ .‬وسرعان ما توجهوا لتحويل نظامهم السياسي من النموذج‬ ‫القديم المتمثل بـ "دار اإلسالم" أو النظام اإلسالمي العام إلى النظام الغربي المتمثل بالدولة القومية‬ ‫العلمانية الحديثة‪ ،‬أي الجمهورية التركية‪.‬‬ ‫وفي مثل هذا التحول فقد كان من المحتم – وال يزال – وجود نوع من فصل "الكنيسة" عن "الدولة"‪ ،‬إذ‬ ‫أن هذا هو األساس الحقيقي للنموذج الغربي‪ )1(.‬وقد قامت الجمعية العمومية الوطنية التركية‪ ،‬المخلصة‬ ‫للنموذج العلماني الجديد الذي كانت تمثله‪ ،‬بتعيين عبد المجيد كخليفة في عام ‪ 6999‬ليكون رئيسا ً‬ ‫"للكنيسة" اإلسالمية‪ .‬إال أن خالفته كانت مجردة من جميع سلطاته‪ .‬فهذه السلطات كانت منوطة بالدولة‪.‬‬ ‫وقد كان من المحتم على النموذج الجديد أن ينهار في البيئة اإلسالمية لتركيا‪ .‬فقد كان – وال يزال – من‬ ‫المحال أن نفعل مع اإلسالم نفس ما فعله األوربيون للمسيحية بعد انهيار اإلمبراطورية الرومانية‪ .‬فلم‬ ‫يكن الخليفة – ولن يكون – مساويا ً للبابا‪ )1( .‬فلم يكن هنالك مجال للعلمانية السياسية في النظام‬ ‫اإلسالمي طالما أن اإلسالم التقليدي لم يفرق بين الكنيسة والدولة‪ .‬فضالً عن عدم وجود شيء اسمه‬ ‫"كنيسة" إسالمية‪.‬‬

‫‪18‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫وسرعان ما أصبح جليا ً أن النموذج الجديد للدولة القومية الحديثة ما كان ليظهر طالما كانت مؤسسة‬ ‫الخالفة قائمة‪ .‬وقد ظهرت ثمة عالمات (كالمساندة البريطانية لجمعية الخالفة في الهند) على أن أعداء‬ ‫الجمهورية الكمالية قد يلجئون إلى استخدام الخليفة لزعزعة الجمهورية ومن ثم لتنحية مصطفى كمال‪.‬‬ ‫وبدورها فإن القوات القومية التركية فهموا بسرعة وبوضوح أن الدولة القومية في البيئة اإلسالمية عليها‬ ‫إما أن تستجمع قواها للسيطرة على اإلسالم ولجعله خاضعا ً للدولة‪ ،‬أو تقاسي مصيرها (حسب وجهة‬ ‫نظرهم) حينما يسيطر اإلسالم على الدولة ويستعيد "دار اإلسالم"‪.‬‬ ‫لذا فلم يكن من المفاجئ أن تتبنى الجمعية العمومية الوطنية التركية في ‪ 9‬آذار من عام ‪ 6991‬قانونا ً‬ ‫آخر يلغي الخالفة‪ .‬وكانت المادة األولى من القانون كاآلتي‪:‬‬ ‫"يعزل الخليفة‪ ،‬وتلغى مؤسسة الخالفة طالما أن الخالفة ممثلة بصورة أساسية في معاني ودالالت كلمة‬ ‫"الحكومة" وكلمة "الجمهورية"‪)7( .‬‬ ‫إن نص هذا القانون قد س ّجل لحظة حاسمة في تاريخ األمة‪ .‬فبعد مدة دامت ألفا ً وثالثمائة سنة كانت‬ ‫مؤسسة الخالفة خاللها تحظى باعتراف المسلمين كلهم تقريبا ً من دون استثناء (أي المسلمين السنيين)‬ ‫كضرورة من ضرورات الدين‪ ،‬حتى حينما كان كرسي الخالفة يُؤخذ بطرق مخالفة لمبادئ اإلسالم‪،‬‬ ‫وجد العالم اإلسالمي نفسه في القرن الرابع عشر من وجوده من دون خليفة‪ .‬لقد كان التغير أكيدا ً ودائما‪،‬‬ ‫حتى إن المرء قد يعذر حين يستنتج أن العالم اإلسالمي اآلن قد انتقل إلى مرحلة ما بعد الخالفة من‬ ‫وجوده‪.‬‬

‫رد جامعة األزهر على إلغاء الخالفة العثمانية‬ ‫إن المغزى من إلغاء الخالفة موجود في نفس المادة األولى من قانون اإللغاء‪ ،‬بمعنى أن الخالفة كانت قد‬ ‫استبدلت وحل محلها الدولة القومية العلمانية الحديثة‪ .‬لقد استبدلت مؤسسة تعد جز ًء من الدين اإلسالمي‬ ‫بتأثير من الفكر السياسي والحضارة الغربيان‪ ،‬وحل محلها نظام سياسي ينتمي للعالم الغربي‪ ،‬أما‬ ‫مصطلحات (الحكومة والجمهورية) التي استخدمت في النموذج التقليدي القديم فقد أصبحت تستخدم اآلن‬ ‫بمعنى جديد كي يالئم النموذج الجديد‪ .‬حتى أن مفكرا ً عظيما ً كالدكتور محمد إقبال لم يفهم بصورة‬ ‫مالئمة – على ما يبدو – الطبيعة الحقيقية للتغيير الذي كان يجري‪)2(.‬‬ ‫وإذ أن الخالفة هي أحد مكونات الدين اإلسالمي‪ ،‬فقد كان من الواضح (من وجهة النظر الدينية) أن‬ ‫هنالك بدعةً كبيرة ً وشنيعةً تقترف‪ ،‬األمر الذي يتطلب ردا ً دينيا ً مناسباً‪ .‬وبعد اثنين وعشرين يوما ً من‬ ‫إقرار القانون في الجمعية العمومية الوطنية التركية التقى شيخ جامعة األزهر في القاهرة بأبرز العلماء‬ ‫الموجودين في الجامعة وفي مصر وتم إصدار البيان التالي بشأن الخالفة‪:‬‬ ‫"إن حقيقة الخالفة‪ ،‬التي هي مرادفة لإلمامة‪ ،‬هي رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا‪ .‬وإن وظيفتها‬ ‫الرئيسية هي حفظ حوزة الملة وإدارة األمة"‪.‬‬ ‫وقد حصر البيان هذه "الرئاسة العامة" في منصب اإلمام الذي تم تعريفه بما يلي‪:‬‬ ‫"هو الذي ينوب عن األمة في السلطان لتنفيذ أحكام الشرع وإدارة الشؤون المدنية حسب ما تقتضيه‬ ‫الشريعة‪.‬‬ ‫‪19‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫"وال يكون اإلمام إماما ً إال إذا تابعه أهل الحل والعقد في األمة (‪ )9‬بعقد البيعة‪ ،‬أو إذا اختاره الخليفة‬ ‫ليكون خليفة من بعده‪.‬‬ ‫"وتنعقد اإلمامة أيضا ً عن طريق التغلّب‪ ،‬أي إذا تغلبت جهة أخرى على الخليفة واستولت على مكانه‬ ‫فان الخليفة يخسر منصبه‪ .‬وفي بعض األحيان فان اإلمامة المكتسبة بالتغلب تتعزز بعقد البيعة أو‬ ‫باختيار الخليفة السابق كما كان الحال بالنسبة ألغلب الخلفاء في الماضي" (‪)61‬‬ ‫وبالعودة إلى الموقف الصعب الذي يواجههم‪ ،‬فان البيان قد أدان أمرين على أنهما بدعة لم يكن لها سابقة‬ ‫في اإلسالم‪ ،‬أما األول فقد كان تعيين عبد المجيد في خالفة قد جردت من سلطتها‪ ،‬وهو األمر الذي تبنته‬ ‫الجمعية العمومية الوطنية التركية‪ ،‬وأما الثاني فقد كان إلغاء الخالفة‪.‬‬ ‫ولما كانت هذه البدعة متعارضة كليا ً مع العقائد الدينية‪ ،‬فقد خلص العلماء إلى ضرورة عقد مؤتمر‬ ‫إسالمي يدعى لحضوره ممثلون عن كل الشعوب اإلسالمية لدراسة موضوع من سيتولى أعباء الخالفة‬ ‫اإلسالمية‪.‬‬ ‫لقد كان هذا آنذاك أول رد جدي للعالم اإلسالمي على إلغاء الخالفة العثمانية‪ .‬إال أنه من الضروري‬ ‫مالحظة أن االقتراح قد مثل ابتعادا ً ملفتا ً للنظر عن السلوك السياسي المعهود في النموذج اإلسالمي‬ ‫التقليدي‪ .‬حتى أن المرء قد يعتبره بدعة‪ .‬فقد كان علماء األزهر يقترحون استخدام مؤتمر إسالمي‪ ،‬حتى‬ ‫وإن كان مؤتمرا ً يشارك فيه ممثلون عن جميع الشعوب اإلسالمية‪ ،‬لتعيين خليفة جديد‪ .‬فحتى النصف‬ ‫األول من القرن األول في التاريخ اإلسالمي لم يتم انتخاب خليفة عن طريق الشعب‪ .‬ولم يحدث في كل‬ ‫التاريخ اإلسالمي أن ينتخب خليفة عن طريق جمعية أو مؤتمر لممثلي الشعوب اإلسالمية‪)66( .‬‬ ‫لقد واجه المقترح المصاعب السابقة حتى أن اللجنة المسئولة عن التخطيط للمؤتمر استبدلت القضية‬ ‫(االنفجارية) في انتخاب خليفة جديد ووضعت بدلها الموضوع األقل إثارة للجدل والعملي بصورة اكبر‬ ‫المتمثل بتحليل الوضع وردود األفعال المتوقعة‪ .‬ومع هذا فإن النقطة األهم هي أنه وللمرة األولى في‬ ‫تاريخ التكوين السياسي للمسلمين قامت هيئة مهيبة مكونة من مسلمين متعلمين‪ ،‬وبصورة علنية‪ ،‬بتقديم‬ ‫فكرة تتمحور حول إمكانية أن تتولى جمعية أو مؤتمر من ممثلين عن جميع الشعوب اإلسالمية مناقشة‬ ‫واتخاذ قرارات تخص أهم شؤون األمة‪.‬‬ ‫وإنه لمن الصعب بمكان أن نقرر ما إذا كان هذا راجعا ً إلى تأثير الحضارة الغربية كما يريدنا توينبي أن‬ ‫نعتقد‪ )69( .‬وعلى الرغم من ذلك فمن الصواب القول أن المؤتمر المقترح مادام يستخدم الشورى‬ ‫واإلجماع فسيظل أقرب إلى اإلسالم التقليدي من الخالفة كما صورتها جميع العصور الماضية من‬ ‫وجودها باستثناء العقود القليلة األولى‪.‬‬

‫‪20‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬

‫الفصل الثالث‬ ‫مؤتمر الخالفة في القاهرة – حزيران ‪6291‬‬ ‫جدول األعمال‬ ‫كان لمؤتمر الخالفة الذي عقد أخيرا ً في القاهرة في شهر حزيران من عام ‪ 6991‬برنامج يتضمن النظر‬ ‫في المواد التالية‪:‬‬ ‫‪-6‬‬ ‫‪-9‬‬ ‫‪-9‬‬ ‫‪-1‬‬ ‫‪-5‬‬ ‫‪-1‬‬

‫بيان حقيقة الخالفة وشروط الخليفة في اإلسالم‪.‬‬ ‫هل الخالفة واجبة في اإلسالم؟‬ ‫بم تنعقد الخالفة؟‬ ‫هل يمكن اآلن إيجاد الخالفة المستجمعة للشروط الشرعية ؟‬ ‫إذا لم يكن من الميسور إيجاد هذه الخالفة فما الذي يجب أن يعمل ؟‬ ‫إذا ما افترضنا أن المؤتمر قرر أن من الضروري نصب خليفة‪ ،‬فما هي الخطوات التي يجب‬ ‫أن تُتخذ لتفعيل هذا القرار؟"‬

‫الوفود‬ ‫لقد جاءت الوفود التي حضرت المؤتمر من مصر وليبيا وتونس ومراكش وجنوب أفريقيا وجزر الهند‬ ‫الشرقية الهولندية (إندونيسيا اآلن) واليمن والحجاز (اآلن في العربية السعودية) وفلسطين والعراق‬ ‫وبولندا‪ .‬وقد كان واضحا ً غياب وفود الكثير من الدول والمجتمعات اإلسالمية المهمة كتركيا وفارس‬ ‫(إيران اآلن) وأفغانستان ونجد (اآلن في العربية السعودية) و المجتمعات اإلسالمية في روسيا والصين‬ ‫والهند‪.‬‬ ‫أما تركيا فقد رفضت دعوة المشاركة متذرعة بأن دولتها ال تعاني من أي مشكلة مع الخالفة‪ .‬وأما‬ ‫إيران‪ ،‬الدولة الشيعية‪ ،‬فلم تظهر أي اهتمام بمؤتمر الخالفة السني‪ .‬أما مسلمو روسيا والصين والهند‬ ‫وكل األقليات التي تعيش في بيئات معادية لإلسالم فقد تبنت موقفا ً مشتركا ً تمثل في ابتعادهم عن مؤتمر‬ ‫الخالفة في القاهرة معتبرين إياه ممارسة أكاديمية بحتة واجتماعا ً مجردا ً من أية قوة حقيقية‪ ،‬حتى إنه من‬ ‫المستبعد أن يمنحهم أية مساعدة أو حماية ملموسة‪ .‬ولكنهم فعلوا ذلك في األساس بسبب وجود مؤتمر‬ ‫منافس قد رتب له شخص يبدو أنه يشكل قوة حقيقية‪ ،‬أال وهو عبد العزيز بن سعود‪ .‬وفي الواقع كان هذا‬ ‫األخير في هلع قاتل خشية عودة الخالفة‪ ،‬فقد انتزع لتوه السيطرة على مدينتي مكة والمدينة المقدستين‬ ‫وضمها لساللته المالكة‪.‬‬ ‫وأخيرا ً فقد كان من بين الحضور في مؤتمر القاهرة شيخ الطائفة السنوسية (الصوفية) السيد إدريس‬ ‫السنوسي الملقب بأمير برقة وطرابلس‪ .‬وقد أُشيع أن هنالك احتمالية قوية النتخابه كخليفة إذا ما قرر‬ ‫المؤتمر أن يختار شخصا ً لهذا المنصب‪)69( .‬‬ ‫‪21‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬

‫جلسات المؤتمر‬ ‫لقد انعقد المؤتمر بواقع أربع جلسات في ‪ 69‬و‪ 61‬و‪ 62‬و‪ 69‬حزيران من عام ‪ .6991‬و في الجلسة‬ ‫األولى تم تعيين اللجنة األولى لغرض "النظر في المقترحات وعرضها أمام المؤتمر"‪ .‬وسرعان ما‬ ‫اقترحت اللجنة أن تنعقد جلسات المؤتمر "بسرية"‪ .‬وقد ُرفض هذا المقترح في الجلسة الرابعة التي‬ ‫حضرها كامل األعضاء مع حصيلة أن نحتفظ بالمحضر الحرفي الكامل لهذا المؤتمر كوثيقة عامة‪.‬‬ ‫(‪)61‬‬ ‫وفي الجلسة الثانية لكامل األعضاء عُينت اللجنتان الثانية والثالثة‪ ،‬أما اللجنة الثانية فقد وكل إليها النظر‬ ‫في الفقرات ‪6‬و ‪9‬و ‪ 9‬من جدول أعمال المؤتمر‪ ،‬أما اللجنة الثالثة فقد وكل إليها النظر في الفقرات ‪1‬و‬ ‫‪1‬و ‪ .1‬إن قرارات اللجان الثانية والثالثة إضافة إلى المناقشات والقرارات المستندة إلى هذه التقارير قد‬ ‫شكلت جوهر عمل المؤتمر‪ .‬وقد آن األوان لننتقل إلى تحليل هذه التقارير‪.‬‬

‫اللجنة الثانية‬ ‫لقد اعتمدت اللجنة الثانية في تعريف الخالفة على المؤلفات الموثقة للعلماء أمثال الماوردي وابن خلدون‬ ‫وآخرين‪ .‬بل إنها ركزت بالخصوص على حقيقة أن الخليفة ال بد أن يجمع في منصبه بين القيادة الدنيوية‬ ‫والدينية‪ .‬ثانياً‪ ،‬ال يجوز أن يكون هناك أكثر من خليفة واحد في كل مرة طالما أن دور مؤسسة الخالفة‬ ‫يتمحور‪ ،‬من بين أشياء أخرى‪ ،‬على توحيد األمة‪)61( .‬‬ ‫وكان السؤال الثاني الذي واجهته اللجنة (هل الخالفة واجبة في اإلسالم؟) أمرا ً ال يصدق على أقل تقدير‪.‬‬ ‫فلدينا هنا مؤسسة كانت دائما ً ذات أهمية جوهرية لنظام الحكم بالنسبة للمسلمين السنة والتي كانت مع‬ ‫المسلمين منذ ممات النبي‪ .‬وقد عاشت األمة على مر تاريخها ليس مع الخالفة وحسب‪ ،‬ولكنها‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى ذلك‪ ،‬لم تفكر بجدية أبدا ً في إمكانية وجود بديل لها‪ .‬و من المؤكد أن المرء إذا ما تلبس بالمقترح‬ ‫القائل أن هنالك بديالً ممكنا ً عن الخالفة فسيكون عرضةً لتهمة بالغة الخطورة وهي االبتداع‪ .‬ومع هذا‪،‬‬ ‫وكنتيجة لما عمله شخص واحد وهو مصطفى كمال التركي‪ ،‬فقد كان أعلى مركز للتعليم في العالم‬ ‫اإلسالمي أجمع مطروحا ً أمام مؤتمر الخالفة للنظر في السؤال‪ :‬هل الخالفة ضرورية في اإلسالم؟‬ ‫وعلى أية حال فربما كان هذا هو السؤال األهم الذي كان على األمة أن ترد عليه في تاريخها كله‪ .‬فقد‬ ‫خلصت اللجنة‪ ،‬كما هو محتم‪ ،‬إلى تأكيد أن الخالفة كانت ضرورة في اإلسالم ولكنها أمر ال يمكن‬ ‫تحقيقه في ذلك الوقت‪ )61( .‬وبتعبير آخر‪ ،‬فقد أوجب هللا على المسلمين أمرا ً لم يكن باستطاعتهم تحقيقه‬ ‫في ذلك الوقت‪ .‬ولكن هذا الجواب كان بالكاد مقنعاً‪ ،‬حيث إن هللا العالم بكل شيء ال يكلف عباده ما ال‬ ‫يطيقون‪.‬‬ ‫وحينئذ‪ ،‬فأما أن ال تكون الخالفة ضرورة في اإلسالم أو إنها كانت ضرورة وال يمكن تحقيقها‪ .‬وفي كال‬ ‫الحالتين فإن الفشل في إعادة تأسيس الخالفة سيكون ذنبا ً مشتركا ً سيعاقب المؤمنون عليه‪.‬‬ ‫‪22‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫أما بخصوص السؤال الثالث (كيف يتم تحقيق أو عقد الخالفة؟) فقد كانت إجابة اللجنة كما يلي‪:‬‬ ‫‪" -6‬النص من الخليفة السابق‪.‬‬ ‫‪" -9‬بيعة أهل الحل والعقد من المسلمين‪ ،‬أي الرجال الذين يطيعهم عامة الناس كالعلماء واألمراء‬ ‫والوجهاء وأهل الرأي والتدبير‪.‬‬ ‫‪" -9‬التغلب والقهر من شخص مسلم حتى لو لم تتوفر فيه الشروط األخرى"‪)67( .‬‬ ‫وقد أدى تقديم اللجنة الثانية لهذا التقرير إلى مناظرة مهمة ومثيرة جدا ً بين عبد العزيز األفندي‪ ،‬وهو‬ ‫أستاذ تونسي وكان أحد الموفدين العراقيين‪ ،‬وبين رئيس الوفد المصري الشيخ محمد األحمدي‬ ‫الظواهري (‪ )62‬حول إمكانية تطبيق المبادئ اإلسالمية النظرية وضرورة االجتهاد‪:‬‬ ‫ثعالبي أفندي‪:‬‬ ‫" ال يشك شاك في أن مسألة الخالفة من أهم المسائل ‪ ،‬والبت فيها من الصعوبة بمكان عظيم ‪ .‬فأقترح‬ ‫تأجيل المؤتمر سنة حتى نقتل هذه المسألة بحثًا ‪ .‬وأن البحث الفقهي في هذه المسألة غير كاف ‪.‬‬ ‫فللظروف أحكام ولألمكنة أحكام ‪ .‬وتأثر النظم اإلسالمية ببعض السياسات األجنبية له حكم آخر"‪.‬‬ ‫الشيخ الظواهري‪:‬‬ ‫" نحن لم نرد فيما اجتمعنا لنظره من المسائل العلمية أن نكون مجتهدين لنحدث آراء جديدة ومذاهب‬ ‫جديدة في اإلسالم ‪ .‬أن بحثنا ينحصر فيما نقول المذاهب المعتبرة في اإلسالم ‪ .‬أما التطبيق فلكم أن‬ ‫تقولوا ‪ :‬إن هذا ليس من اختصاصنا"‪.‬‬ ‫ثعالبي أفندي‪:‬‬ ‫" ال أريد مذهبًا جديدًا أو القول باالجتهاد ‪ ،‬إنما أقول ذلك مستفتيًا ‪ .‬فإن كنتم تنقلون مسائل غير قابلة‬ ‫للتطبيق في هذا العصر فماذا يكون الحكم ؟"‬ ‫الشيخ الظواهري‪:‬‬ ‫" إن فتح باب تطبيق األحكام الشرعية في عصر دون عصر خطر على اإلسالم ‪ .‬نحن نعرف أن تطبيق‬ ‫أحكام الدين العامة شيء واحد ‪ ،‬أما مراعاة أحكام األزمنة في إحداث شروط جديدة فال نقول بها"‪)69( .‬‬ ‫ّ‬ ‫المنزل غير خاضع‬ ‫إن إصرار الشيخ الظواهري على أن الشريعة أو القانون اإلسالمي المقدس‬ ‫للتنقيحات لمالئمة الظروف واألوقات المختلفة كان أمرا ً سائغا ً تماما ً بالطبع‪ .‬فال بد للشريعة أن تبقى‬ ‫محفوظة بشكلها الذي نزلت به بغض النظر عما إذا وجد المسلمون أنفسهم قادرين أم ال لتطبيقها في‬ ‫عصر معين‪ .‬لذلك فإن استعادة الخالفة بالنسبة للشيخ الظواهري كان واجبا ً دينياً‪ .‬وقد كان مصيبا ً بذلك‬ ‫فعالً!‬ ‫وكان طرح الثعالبي أفندي للسؤال الذي لم يتل ّق أي إجابة عليه أكثر من سائغ‪ ،‬ذلك السؤال الذي مفاده إذا‬ ‫ما كانت استعادة الخالفة واجبا ً دينيا ً في عنق المسلمين فماذا ستكون العواقب عليهم إذا فشلوا في سعيهم‬ ‫الستعادة الخالفة؟‬ ‫‪23‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫إن الخلل الرئيسي في طريقة كل من الظواهري والثعالبي أفندي تمثل في عدم التفاتهم إلى النص القرآني‬ ‫الصريح الذي يشير إلى أن هللا قد جعل لكل مجتمع ديني شريعةً ومنهاجا ً (أو طريقا ً مفتوحاً)‪)91( .‬‬ ‫ونتيجة لذلك فباإلضافة إلى القانون المقدس الخالد الذي ال يتغير والذي أصر الظواهري على أن نظل‬ ‫أوفياء له على الدوام‪ ،‬فهناك أيضا ً منهاج مرن حيث يمكن للعبقرية البشرية أن تتجلى فيه بتكييفه حسب‬ ‫األوضاع والحاالت مع الحفاظ على القانون في الوقت ذاته‪.‬‬ ‫إن المشكلة األساسية‪ ،‬التي فشلت اللجنة الثانية والمؤتمر بأسره في إدراكها وفي معالجتها والتي نتج‬ ‫عنها فشل المؤتمر‪ ،‬كانت مشكلة إعادة النظر في ما يسمى بالتفسير التقليدي للنظام اإلسالمي العام (دار‬ ‫اإلسالم) وللمفهوم اإلسالمي للنظام العالمي‪ .‬فمؤسسة الخالفة لم تنشأ في فراغ‪ .‬وإنما مثلت جز ًء من دار‬ ‫اإلسالم‪ .‬ودار اإلسالم لم تعد موجودة في العالم في العام ‪ .6991‬بل إنها لم تكن موجودة حتى في مكة‬ ‫أو المدينة‪ .‬لقد عاد العالم اإلسالمي إلى مرحلة ما قبل الهجرة من وجوده‪.‬‬ ‫إن حل هذه المشكلة يتمثل بتأسيس جماعات متعددة في كافة أرجاء العالم اإلسالمي‪ ،‬وكل جماعة لها‬ ‫أمير أو إمام يبايعه أعضاء تلك الجماعة‪ ،‬ومن ثم يتولى األمير شؤون الجماعة بحذر وإلى أقصى حد‬ ‫ممكن بطريقة تتالءم مع الشريعة‪ .‬حتى إذا ما ظهرت إمكانية إنهاء الحكم السعودي – الوهابي على‬ ‫الحجاز وصار بمقدور المسلمين استعادة االستقالل الحقيقي للحجاز فحينئذ سيكون من الممكن استعادة‬ ‫دار اإلسالم‪ .‬وفي ذلك الوقت سيكون لدار اإلسالم أمير وسيكون على أمير كل جماعة إعطاء البيعة‬ ‫‪2‬‬ ‫ألمير دار اإلسالم‬ ‫وقد أمر الرسول في حالة كان هنالك رجالن يد ّعيان اإلمارة على جماعة المسلمين في الوقت نفسه (أي‬ ‫في دار اإلسالم) فينبغي قتل الثاني منهم‪.‬‬ ‫إنه ألمر بالغ األهمية أن نالحظ أن اآلية القرآنية‪:‬‬ ‫"يا أيها الذين آمنوا أطيعوا هللا وأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم" النساء ‪19‬‬ ‫لم تأمرنا أن نطيع شخصا ً واحدا ً كونه ولي األمر‪ .‬بل إنها أمرتنا بطاعة أولي األمر (بالجمع)‪ .‬لذا فإن‬ ‫القرآن يقر بوضوح إمكانية وجود قيادة جماعية (مؤقتة) في األمة ما دامت دار اإلسالم غير موجودة‪.‬‬ ‫في المرحلة المبكرة لتاريخ اإلسالم بعد وفاة الرسول‪ ،‬أعطت األمة السلطة على كامل المجتمع لشخص‬ ‫واحد‪ .‬وكان هذا‪ ،‬وال يزال‪ ،‬أمر ال غنى عنه لتدعيم التكوين السياسي اإلسالمي‪ .‬وبالتأكيد فقد اتضح‪،‬‬ ‫ولنفس السبب‪ ،‬ضرورة تحديد اختيار القائد ليكون من قبيلة قريش‪ ،‬وهي القبيلة التي ينتمي إليها‬ ‫الرسول‪.‬‬ ‫إال أن القيادة المركزية‪ ،‬على الرغم من ذلك‪ ،‬دامت قرابة قرن من الزمان قبل أن تظهر التعددية‪ .‬وحينئذ‬ ‫لم تفلح األمة طوال بقية تاريخها في استعادة القيادة المركزية‪ .‬ولكنها‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬ظلت موجودة كأساس‬ ‫عقائدي من المفترض على األمة أن تطمح إليه‪.‬‬

‫بعد حوالي أربعين سنة من تأليف هذا الكتاب وبعد دراسة المؤلف لعلم اخر الزمان توصل الى نتيجة ان عودة الخالفة اإلسالمية الحق لن تتم‬ ‫سوى بعد ظهور االمام المهدي في اخر الزمان وأن الحل حتى ذلك الوقت هو في القرى اإلسالمية في الريف البعيد التي يكون لها امير وشورى‬ ‫وتطبق بأقصى قدر ممكن نموذج الخالفة اإلسالمية على مستوى هذه القرية الصغيرة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪24‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫أقر إمكانية تعددية القيادة فقد م ّكن األمة من استعادة نظام القيادة‬ ‫ولكن ينبغي أن نفهم أن القرآن حينما ّ‬ ‫المركزية في دار اإلسالم من خالل عملية تدريجية تعترف مؤقتا ً بتعددية القيادة على جماعات مختلفة ما‬ ‫دامت دار اإلسالم غير موجودة‪.‬‬ ‫لقد فشلت اللجنة الثانية في النظر في هذه اإلمكانية‪ ،‬ونتيجة لذلك انتهى المؤتمر نفسه بالفشل‪ .‬وقد احتوى‬ ‫تقرير اللجنة الثانية على خلل خطير آخر‪ ،‬وهو خلل يعود للنظرية السياسية اإلسالمية القديمة‪ .‬فالتقرير‬ ‫يقول إن منصب الخليفة من الممكن أن يعطى عن طريق تعيين الخليفة السابق أو عن طريق التغلّب‪.‬‬ ‫فليس هنالك ال في القرآن وال في السنة النبوية وال في نموذج الخلفاء الراشدين أي أساس يدعو إلى‬ ‫اعتقاد أن القيادة في اإلسالم يمكن تكتسب عن طريق التغلّب أو بتعيين الخليفة السابق‪ .‬ومع هذا فمن‬ ‫الجدير بالذكر مالحظة أن اإلمارة اإلسالمية في أغلب أزمان التاريخ اإلسالمي بل وحتى في العالم‬ ‫اإلسالمي المعاصر كانت بصورة مطردة في الغالب على شكل سالالت حاكمة أو عن طريق التغلّب‬ ‫(والحكم العسكري المعاصر اآلن يشكل جز ًء من "التغلّب")‪.‬‬ ‫لقد أساءت األجيال الالحقة من علماء المسلمين فهم الطبيعة الحقيقية لتعيين الخليفة األول أبو بكر‬ ‫(رضي هللا عنه) المزعوم للخليفة الثاني عمر‪ .‬و قد يشك المرء بالتأكيد بأن الكثير من علماء السنة قد‬ ‫استغلوا الفهم الخاطئ الذي ساد قرون التنظير الالحقة إلعطاء الشرعية العقائدية لقرون السالالت‬ ‫الملكية الحاكمة في اإلسالم‪ .‬وفي الواقع فإن تعيين أبي بكر (رضي هللا عنه) لعمر (رضي هللا عنه) لم‬ ‫يكن بسبب أن منصب الخليفة أعطاه الحق لذلك‪ ،‬ولكن بسبب أن الناس الذين كان لهم الحق في تعيين‬ ‫الخليفة الجديد وكلوا ذلك الحق بحرية ألبي بكر (رضي هللا عنه)‪.‬‬ ‫لقد كان العلماء في الحقيقة مخطئين خطأ ً فادحا ً في إعالنهم أن الشريعة أجازت أن يقوم الخليفة الحالي‬ ‫بتعيين من يخلفه وأخطئوا في دعمهم – نتيجة لذلك ‪ -‬للسالالت الملكية الحاكمة على مر تاريخ الخالفة‬ ‫وحتى يومنا هذا كاألمويين والعباسيين وكالخالفة العثمانية والمملكة السعودية في الجزيرة العربية‬ ‫والمملكة الهاشمية في األردن والمملكة الشريفية في مراكش فضالً عن الممالك الخليجية المتعددة‪.‬‬ ‫و بعد ذلك‪ ،‬ولخلط األمور أكثر‪ ،‬قام العلماء بمنح كل من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي (رضي هللا‬ ‫عنهم أجمعين) لقب "الخلفاء الراشدين" مؤكدين بذلك أن ثمة شيئا ً خاطئا ً بصورة جدية في خالفة معاوية‬ ‫وكل من جاء بعده‪ .‬واألمر الالفت للنظر في خالفة الخلفاء األربعة األول بالطبع كان الغياب التام حتى‬ ‫لشائبة الشبهة في وجود الساللة الملكية الحاكمة أو اكتساب المنصب عن طريق التغلّب‪( .‬هذا وإننا ندرك‬ ‫أن ه ناك البعض ممن يتساءل عن الحكمة في قيام العلماء بإسدال ستار الخلفاء الراشدين بموت علي‪.‬‬ ‫وهم سوف يصرون على أن يُضم معاوية إليهم أيضاً‪ .‬ورغم ذلك فإن هؤالء يشكلون أقلية ضئيلة في‬ ‫صفوف علماء اإلسالم السنة)‪.‬‬ ‫إن المأزق الذي وقع فيه العلماء في مؤتمر الخالفة عام ‪ 6991‬كان وال يزال سببا ً للقلق الحقيقي‪ .‬فقد‬ ‫احتجوا عام ‪ 6991‬على إلغاء الخالفة العثمانية التي كانت في الواقع ساللة ملكية حاكمة‪ .‬وكانوا في عام‬ ‫‪ 6991‬عاجزين تماماً‪ ،‬حتى على مستوى التحليل النظري‪ ،‬عن استبدال النظام الالإسالمي المتمثل‬ ‫بالساللة الملكية الحاكمة بالنظام العام الذي يتوافق مع متطلبات الدين‪.‬‬

‫‪25‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫فاآلية القرآنية األساسية التي تخص آليات القيادة في النموذج اإلسالمي تبين أن على المسلمين القيام‬ ‫بشؤونهم على أساس التشاور المشترك‪:‬‬ ‫"وأمرهم شورى بينهم" الشورى ‪12‬‬ ‫لقد كان المعنى األساسي لهذه اآلية هي أن تنصيب القائد وعزله واستبداله بغيره في المجتمع اإلسالمي‬ ‫(وهذه األمور هي األهم من بين الشؤون المشتركة للمؤمنين) ال بد أن يتم من خالل عملية شورى‬ ‫مشتركة بين جميع المؤمنين‪ .‬وعندما اعترف العلماء (‪ )96‬بحق الخليفة السابق في تعيين من يخلفه أو‬ ‫بصحة منصب الخليفة المكتسب بالتغلّب فقد وقعوا في تناقض واضح مع القرآن‪ ،‬فالمؤمنون قد ُحرموا‬ ‫حقا ً أُعطوه من هللا نفسه‪.‬‬ ‫والمؤمنون بالتأكيد قد أصابهم بالغ الضرر خالل تاريخ األمة بأسره تقريباً‪ .‬فقد كانوا يُستدعون (ألداء‬ ‫الواجب الديني المتمثل بالبيعة) وأرواحهم على المحك‪ ،‬للمصادقة على تعيين قيادة لم يكن لهم أي دور‬ ‫في صنعها‪ .‬إذ كان من الجلي أن رفض المصادقة كان يعد عصيانا ً‪ ،‬والذي بدوره يشكل تهديدا ً واضحا ً‬ ‫للخليفة الحالي الذي كان يطمح فقط في إعطاء الشرعية لحكمه‪)99( .‬‬ ‫لقد كان جواب اللجنة الثانية على السؤال " كيف يتم عقد الخالفة؟" ناقصا ً من ناحية أخرى‪ .‬فالطريقة‬ ‫األولى والثالثة (التعيين والتغلّب) كانت كما أسلفنا معارضة لصريح القرآن وال يوجد ما يساندها في‬ ‫نموذج الرسول والخلفاء الراشدين‪ .‬بل حتى فيما يتعلق بالطريقة الثانية‪ ،‬أي "اختيار الناس"‪ ،‬فإن اللجنة‬ ‫الثانية فشلت في تبيين اآللية التي كان من الممكن استخدامها في عام ‪ 6991‬لغرض تطبيق هذه الطريقة‪.‬‬ ‫وفي النهاية فلنا أن نالحظ مجددا ً أن مداوالت اللجنة الثانية قد أظهرت بوضوح أن علماء األزهر‪ ،‬الذين‬ ‫يبدو أنهم لم يدرسوا الفكر المعاصر‪ ،‬كانوا في الواقع غافلين عن الطبيعة الحقيقية لنظام الدولة الحديثة‬ ‫الذي كان على وشك أن يُفرض على العالم اإلسالمي ويفتن وعي المسلم السياسي ويحبسه‪.‬‬

‫اللجنة الثالثة‬ ‫لقد كانت اللجنة الثالثة صريحة إلى حد بعيد وواقعية في مداوالتها فاستنتجت بشجاعة في تقريرها ما‬ ‫يلي‪:‬‬ ‫"‪ ...‬إن الخالفة ‪ ...‬ال يمكن تحققها في الوقت الحاضر نظرا ً للوضع الذي عليه المسلمون اآلن‪)99( .‬‬ ‫وكانت أسباب ذلك هي‪:‬‬ ‫"‪ ...‬ففي المقام األول لم تظهر حتى اآلن جماعة من الثقات تكون مسئولة شرعا ً عن إعطاء البيعة"‪.‬‬ ‫(‪)91‬‬ ‫إن اللجنة الثالثة اعترفت هنا إن اآللية التقليدية (أهل الحل والعقد)‪ ،‬والتي من المفترض أن تُستخدم‬ ‫لتقرير خيار الشعب‪ ،‬كان تطبيقها متعذرا ً عام ‪ .6991‬وكانت اللجنة لتبدو أكثر صراحة لو أنها ذكرت‬ ‫أيضا ً أن هذه اآللية لم تطبق في الحقيقة بشكل صحيح في التاريخ اإلسالمي‪ .‬ومع هذا فقد كانت صريحة‬ ‫بما يكفي لتعترف بـالتالي‪:‬‬

‫‪26‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫"‪ ..‬فإن الخالفة المتوافقة مع الشريعة اإلسالمية بالمعنى الحقيقي للكلمة وجدت فقط في الصدر األول من‬ ‫اإلسالم‪)91( ".‬‬ ‫وقد الحظت اللجنة أن المؤتمر حاول أن يجمع الممثلين عن كل الشعوب اإلسالمية في القاهرة وأن‬ ‫يدرس إمكانية توليتهم مهمة اختيار خليفة جديد‪ .‬لكن اللجنة لفتت االنتباه إلى أن المؤتمر لم يمثل كل‬ ‫العالم اإلسالمي حيث إن الكثير من الشرائح المهمة في المجتمع اإلسالمي العالمي لم ترسل ممثليها‪.‬‬ ‫وينبغي أن نالحظ أن هذا اإلعالن يفهم منه ضمنا ً أن المؤتمر لو استقطب ممثلين من كل الشعوب‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬لتمكن من اختيار خليفة‪ .‬ولكان ذلك‪ ،‬بصرف النظر عن حقيقة كونه انتخاباً‪ ،‬األول من نوعه‬ ‫في التاريخ اإلسالمي كله‪.‬‬ ‫ولكن ربما كان األمر األكثر إثارة من بين كل األسباب التي قدمتها اللجنة الثالثة لتفسير استحالة تحقيق‬ ‫الخالفة في ذلك الوقت بالتحديد متمثالً في الحقيقة بما يلي‪:‬‬ ‫"‪ ...‬إن الخليفة‪ ،‬إذا ما نُصب‪ ،‬لن يكون بمقدوره أن ينجز واجبه األساسي في ممارسة النفوذ الفعلي على‬ ‫دار اإلسالم‪ .‬فالكثير من أجزاء دار اإلسالم كانت تحت السيطرة األجنبية‪ .‬والقلة القليلة الباقية‪ ،‬التي‬ ‫كانت تتمتع بالحرية واالستقالل‪ ،‬كانت مشحونة بالنزعة القومية التي تأبى على إحدى الجماعات أن تقبل‬ ‫قيادة جماعة أخرى‪ ،‬ناهيك عن السماح لها بالتدخل في شؤونها العامة‪)91( ".‬‬ ‫ويبدو أن اللجنة الثالثة لم تكن واعية حتى لحقيقة أن المفهوم السياسي لدار اإلسالم كان نفسه متعرضا ً‬ ‫لهجوم شرس يشنه الفكر السياسي العلماني الغربي‪ ،‬وكان على وشك أن ينتقل إلى عالم النسيان‪.‬‬ ‫بل إن األمر األغرب كان حقيقة أن تسمى أجزاء من العالم اإلسالمي التي كانت تحت االحتالل األجنبي‬ ‫بدار اإلسالم‪ .‬فهي ما دامت تحت السيطرة األجنبية لم تعد تشكل جز ًء من دار اإلسالم (ألن التعريف‬ ‫األساسي لدار اإلسالم يتطلب أن تكون أرضا ً حيث السلطة الكبرى هلل هي الغالبة على المؤمنين)‪ .‬ثانياً‪،‬‬ ‫إذا لم يستطع خليفة معين من بسط نفوذه الفعال على باقي العالم المسلم الحر فهذا بالتأكيد لم يكن بالشيء‬ ‫الجديد في اإلسالم‪ .‬وهذا لم يمنع الخالفة من العمل ألكثر من ألف وثالثمائة سنة‪.‬‬ ‫إن الحقيقة التي كان على اللجنة الثالثة أن تبينها هي أن مدن مكة والمدينة كانت تحت السيطرة السعودية‬ ‫– الوهابية‪ ،‬ونتيجة لذلك فان أي خليفة يتم تعيينه سيعاني من مسؤوليات ال تحصى تتمثل في عدم قدرته‬ ‫على بسط نفوذه على الحرمين‪ .‬وفي الوقت الذي لم يكن ثمة خليفة وكانت المؤسسة نفسها متعرضة‬ ‫للهجوم‪ ،‬وبشكل أكثر منه في األوقات االعتيادية‪ ،‬فقد كان من الواجب على أي رجل يتم تعيينه للمنصب‬ ‫أن يفرض سيطرته على الحرمين ومن ثم على الحج‪ .‬ولقد كان هذا في الواقع أساس مسعى الشريف‬ ‫حسين في ادعاء الخالفة لنفسه‪.‬‬ ‫إن الحاكم السعودي – الوهابي الذي بسط نفوذه على الحرمين قد أعطى مثاالً واضحا ً عن حقيقة كونه‬ ‫قوة تؤخذ بعين االعتبار فضالً عن عدم كونه مهتما ً بالخالفة أصالً‪ .‬وهنا تكمن أهم المآزق التي واجهت‬ ‫مؤتمر الخالفة‪.‬‬ ‫وما كان على اللجنة أن تفعله‪ ،‬وهي لم تفعله‪ ،‬هو أن تخلص إلى االستنتاج اليسير الذي يقول بعدم‬ ‫إمكانية تعيين خليفة يحظى باعتراف المسلمين طالما أن الغرب قد سيطر على الحرمين وعلى الحج‪.‬‬ ‫وسيستمر الغرب في ممارسة هذه السيطرة السياسية ما دام الوهابيون مسيطرين على الحرمين‪ .‬وبالتالي‬ ‫‪27‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫فان الواجب الحتمي في تلك الساعة كان إيجاد الطرق والوسائل لمقارعة الدبلوماسية البريطانية في شبه‬ ‫الجزيرة وإنهاء السيطرة السعودية – البريطانية على الحرمين واستعادة السيطرة على الحرمين وعلى‬ ‫األمة‪.‬‬ ‫إن التقرير الذي قدمته اللجنة الثالثة قد ناشد المؤتمر أن ال تثبط عزيمته بسبب عدم النجاح في حل‬ ‫مشكلة الخالفة وفي تعيين خليفة جديد‪:‬‬ ‫"يكفي المؤتمر أن يعلم أنه قد قدم خدمة جليلة للمسلمين في تحديد الداء وتسمية الدواء لهم‪)97( ".‬‬ ‫وكان هذا الدواء متمثالً في التوصية التالية‪:‬‬ ‫"‪ ...‬أن تتضافر الشعوب اإلسالمية على تنظيم عقد مؤتمرات بالتوالي في البالد اإلسالمية المختلفة‬ ‫لتبادل اآلراء بين أعضائها من وقت إلى آخر حتى يتيسر لهم مع الزمن تقرير أمر الخالفة على وجه‬ ‫يتفق مع مصلحة المسلمين ‪)92( ".‬‬

‫قرارات المؤتمر‬ ‫إن المؤتمر قد أصابه الذعر بسبب التشاؤم الذي مأل تقرير اللجنة الثالثة‪ .‬حتى إن الشيخ الظواهري أطلق‬ ‫عليه "تأبين اإلسالم"‪ .‬أما الوفود التي قامت مسبقا ً بفتح المؤتمر للعموم وللصحافة فقد قرروا اآلن إخفاء‬ ‫فقرة من فقرات التقرير عن الصحافة‪ )99( .‬أما الشيخ الظواهري‪ ،‬والذي قاد المعارضة ضد تقرير‬ ‫اللجنة الثالثة‪ ،‬فقد قدم مسودة قرار تبناه المؤتمر‪ )91( .‬وقد أكد القرار على أن الخالفة يمكن تحقيقها‪.‬‬ ‫ويجب عقد مؤتمر آخر تكون فيه كل الشعوب اإلسالمية ممثلة بصورة كافية وسوف يتخذ ذلك المؤتمر‬ ‫اإلجراءات الالزمة لتأسيس الخالفة التي تتوفر فيها كل الشروط التي حددتها الشريعة‪ .‬وباختصار‪ ،‬فان‬ ‫مؤتمرا ً كهذا سوف ينتخب خليفة جديداً‪.‬‬ ‫وعلى هذه المالحظة المتفائلة اختتم المؤتمر‪ .‬أما اللجنة الثالثة‪ ،‬والتي رفضها المؤتمر‪ ،‬فقد وجدت أن‬ ‫شكوكها قد تحققت في النهاية إذ إن المؤتمر المقترح‪ ،‬والذي كان من المفترض أن ينتخب خليفة جديداً‪،‬‬ ‫لم ينعقد أصالً‪ .‬وكان العالم اإلسالمي في الواقع داخالً في مرحلة ما بعد الخالفة من وجوده‪ .‬والسبب‬ ‫الرئيسي لهذا كان الحكم السعودي – الوهابي على الحجاز والحرمين‪ ،‬ومن ثم تأسيس الدولة القومية‬ ‫السعودية – الوهابية المتمثلة بالعربية السعودية كدولة عميلة للغرب الملحد‪.‬‬ ‫وحالما هدأت األوضاع المتعلقة بمبادرة األزهر في الرد على إلغاء الخالفة العثمانية‪ ،‬كان من الواضح‬ ‫أن اإلستراتيجية العدائية لبريطانيا وصهاينة اليهود قد تمخضت عن إنجاز استثنائي‪ ،‬أال وهو‪ :‬إسالم ما‬ ‫بعد الخالفة!‬

‫‪28‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬

‫الفصل الرابع‬ ‫البديل السعودي – الوهابي المخادع للخالفة‬

‫مؤتمر العالم اإلسالمي في مكة في حزيران – تموز من عام ‪6291‬‬ ‫إن مؤتمر العالم اإلسالمي‪ ،‬والذي عقد في مكة في شهر تموز من عام ‪ ،6991‬قد بدأ نشأته في جزيرة‬ ‫العرب على أثر إلغاء الخالفة العثمانية وبالتحديد في بيت آل سعود الذي بسط نفوذه حديثا ً على الجزيرة‪.‬‬ ‫فقد استعاد عبد العزيز بن سعود أرض نجد بعد سلسلة صراعاته التي بدأت بسيطرته على الرياض عام‬ ‫‪ .6919‬وإذ إن اللبنة السياسية لحكم آل سعود قد بنيت على األسس الدينية للحركة الوهابية فقد كان من‬ ‫المحتم لنجد الوهابية أن تتحدى الحجاز كلما سنحت الفرصة من أجل إخضاع قلب اإلسالم بالقوة لـ‬ ‫(المفهوم الوهابي) لإليمان الحقيقي‪.‬‬ ‫وقد الحت الفرصة حين انتزع الشريف حسين (شريف مكة الذي عينه العثمانيون) ‪ -‬والذي كان يعمل‬ ‫بانسجام مع إستراتيجية قوى الحلفاء في الحرب العالمية األولى ‪ -‬الحجاز من أيدي العثمانيين األتراك‬ ‫عام ‪ 6961‬وبسط عليها نفوذ البيت الهاشمي للحسين‪ .‬وهو بفعله هذا قد منع الوهابيين من أداء الحج‪.‬‬ ‫وبصرف النظر عن الصراع العقائدي مع الوهابيين الذي استخدمه لتبرير هذا المنع‪ ،‬فقد كان واعيا ً‬ ‫لحقيقة أن نجدا ً الوهابية تمثل أقوى تهديد لحكمه على الحجاز‪.‬‬ ‫وقد دخل كل من حسين وابن سعود في تحالف مع البريطانيين خالل الحرب‪ ،‬لذا فلم يكن ابن سعود‬ ‫ليحاول أن يأخذ الحجاز ما دامت الحرب مستمرة‪ .‬وحتى بعد انتهاء الحرب فقد كان من الحكمة أن‬ ‫يتريث ليرى ما هي الخطوات التي سيتخذها الخليفة في اسطنبول الستعادة السيطرة على الحجاز‪.‬‬ ‫وما كان إال أن ألغيت الخالفة حتى حان الوقت أخيرا ً ليتحرك ابن سعود ضد حسين‪ .‬وكان حسين بالطبع‬ ‫مدركا ً تماما ً لذلك‪ ،‬ولم يكن ثمة جدوى في محاولة حشد دعم العالم اإلسالمي ليقوي جانبه ضد ابن سعود‬ ‫فقد نادى بالخالفة لنفسه في ‪ 7‬آذار من عام ‪( 6991‬أي بعد مرور أربعة أيام على إلغاء الخالفة‬ ‫العثمانية)‪.‬‬ ‫‪29‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫لقد أصبحت سنة ‪ 6991‬أكثر سنة للحوادث في تاريخ اإلسالم‪ .‬فقد رد ابن سعود على إعالن خالفة‬ ‫حسين بالهجوم على الحجاز‪ .‬واحتلت القوات النجدية البن سعود مدينة الطائف في ‪ 1‬أيلول من عام‬ ‫‪ 6991‬واحتلت مكة في ‪ 69‬كانون الثاني من عام ‪ 6991‬أما جدة فقد تم االستيالء عليها وذهب "الخليفة"‬ ‫و "ملك العرب" المنحوس إلى المنفى‪ .‬ولم يكن من المفاجئ أن يجد أعيان مكة أن من المالئم أن ينادوا‬ ‫بابن سعود ملكا ً على الحجاز‪.‬‬ ‫وبدأت جزيرة العرب‪ ،‬التي أضحت موحدة تحت الحكم السعودي – الوهابي‪ ،‬وعلى الفور تقريبا ً في‬ ‫تأكيد دعواها في قيادة األمة‪ ،‬وعرضت ‪ ،‬خالل هذه المسيرة‪ ،‬طريقا ً بديالً للوحدة اإلسالمية سوى‬ ‫الخالفة‪ ،‬أال وهو طريق التضامن اإلسالمي "اإلقليمي" داخل نظام للدول القومية اإلسالمية ذات السيادة‪.‬‬ ‫لقد كان جميع حكام الحجاز السعوديين – الوهابيين مدركين بشكل جيد أن العالم اإلسالمي لن يقبل قيادة‬ ‫وهابية‪ .‬لذا فقد كانت الخالفة السعودية – الوهابية أمرا ً مستحيالً‪ .‬ومن ناحية أخرى فإذا ما اجتمع‬ ‫المسلمون ونصبوا خليفة فان ذلك سيكون أمرا ً ينطوي على خطر فعلي كبير على الحكم السعودي –‬ ‫الوهابي على الحجاز‪ .‬وقد ينتج عنه تكرر التجربة الكارثية التي حدثت قبل أكثر من قرن حينما تم طرد‬ ‫الوهابيين خارج الحجاز على يد جيش أرسل من مصر‪.‬‬ ‫ونتيجة للتهديد الوشيك الذي فرضه مؤتمر الخالفة المنعقد في القاهرة في شهر أيار من عام ‪ ،6991‬فقد‬ ‫بدأ السعوديون في البحث عن مؤسسة وميدان سياسي بديل للخالفة‪ .‬وقد وجدوا ضالتهم في نظام الدول‬ ‫القومية اإلسالمية و نظام التضامن والتعاون اإلسالمي العالمي‪ )96( .‬إن أسس النظام الجديد كانت قد‬ ‫وضعت مسبقاً‪ ،‬وبشكل مالئم فعالً للسعوديين – الوهابيين‪ ،‬مع تأسيس جمهورية تركيا على يد مصطفى‬ ‫كمال في مركز الخالفة نفسه‪.‬‬ ‫ولم يلقوا باالً لكون نظام الدول القومية ‪ -‬والذي كان االبتكار السياسي للغرب العلماني‪ ،‬والذي شكل‬ ‫حجر األساس لنموذج المجتمع العلماني الجديد ‪ -‬متعارضا ً بشكل واضح مع األحكام الشرعية للنظام‬ ‫اإلسالمي العام‪ .‬فما كان مهما ً بالنسبة لهم هو أن نظام الدول القومية اإلسالمي سيضع الحكم السعودي –‬ ‫الوهابي على الحجاز في موقع حصين من الناحية العملية‪ .‬إن الدولة الوهابية التي رفعت أعظم‬ ‫االعتراضات على البدعة أصبحت اآلن‪ ،‬بنفسها‪ ،‬تقترح أعظم البدع على اإلطالق في تاريخ األمة !‬ ‫وبناء على ذلك فإن اإلستراتيجية السعودية – الوهابية تمثلت بتنظيم مؤتمر منافس لمؤتمر الخالفة الذي‬ ‫عقد في حزيران من عام ‪ .6991‬وقد أطلقوا على مؤتمرهم اسم (مؤتمر العالم اإلسالمي) وعقدوه في‬ ‫مكة في شهر تموز من عام ‪ 6991‬في موسم الحج‪ .‬وبالنظر إلى طبيعة وسائل النقل المتوفرة في عام‬ ‫‪ 6991‬فقد كان من الصعوبة بمكان على الوفود أن يحضروا المؤتمرين كليهما‪ .‬وهكذا كان السعوديون‬ ‫يقومون بمبادرة سياسية محسوبة وماكرة ترغم العالم اإلسالمي على اختيار حضور أحد المؤتمرين فقط‪.‬‬ ‫لقد كان الغرض الوحيد للمؤتمر الذي أشرف عليه السعوديون هو تعليق النظام اإلسالمي العام التقليدي‬ ‫وإدخال نظام الدول القومية اإلسالمية‪ .‬ففي هيكلية النظام اإلقليمي اإلسالمي الجديد سيسعى السعوديون‬ ‫– الوهابيون إلى كسب االعتراف بحكمهم على الحجاز‪.‬‬ ‫إال إن األعمال التحضيرية للمؤتمر أظهرت أن القائد السعودي قد أبرز نفسه بمكر لجميع المدعوين على‬ ‫أنه "بطل" اإلسالم وتعهد باستعادة اإلسالم األصلي إلى جزيرة العرب‪.‬‬ ‫‪30‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫لقد كان الوهابيون‪ ،‬كما الحظنا مسبقاً‪ ،‬يدركون أن العالم اإلسالمي لن يقبل بخليفة وهابي‪ .‬ولكن قبل ذلك‬ ‫بزمن طويل كان محمد بن عبد الوهاب نفسه قد تأثر بآراء ذلك المفكر اإلسالمي الحاذق اإلمام بن تيمية‪.‬‬ ‫وكانت وجهة نظرهم تتمثل في إن الخالفة األصلية‪ ،‬وبسبب أنها لم تؤسس بشكل صحيح‪ ،‬قد عملت‬ ‫كأداة لتفريق األمة‪ .‬وبنا ًء على ذلك‪ ،‬فال يمكن أن تكون الخالفة رمز وأساس وحدة األمة‪ .‬فهذا الدور ال‬ ‫بد أن يعطى للشريعة‪.‬‬ ‫ولذلك‪ ،‬فقد بدا من الطبيعي أن تبقى نجد والحجاز الوهابيتان بمعزل عن مؤتمر الخالفة في القاهرة‪.‬‬ ‫وبسبب المكانة اإلستراتيجية التي احتلتها نجد والحجاز من حيث سيطرتها التي اكتسبتها حديثا ً على قلب‬ ‫اإلسالم‪ ،‬فقد كان من المتوقع أن تنتهز القيادة السعودية – الوهابية الفرصة التي توفرت بسبب إلغاء‬ ‫الخالفة العثمانية وهزيمة الخالفة الشريفية قصيرة األمد‪ ،‬ليقودوا األمة قدما ً في مسيرة جديدة للوحدة‪.‬‬ ‫(‪)99‬‬ ‫إن حقيقة التاريخ الذي حدده ابن سعود لعقد مؤتمر العالم اإلسالمي في حزيران – تموز من عام ‪6991‬‬ ‫(أي بعد شهر واحد من عقد مؤتمر الخالفة في القاهرة) كان يعني بوضوح أن هذا المؤتمر قد نُظم‬ ‫ليكون بديالً لمؤتمر الخالفة‪.‬‬ ‫وعالوة على ذلك فقد كان هناك سبب آخر لقرار عقد مؤتمر العالم اإلسالمي في مكة‪ .‬فقد أراد ابن‬ ‫سعود اعترافا ً إسالميا عالميا ً بسلطته على األرض المقدسة‪ .‬وكان هذا أمرا ً بالغ األهمية بالنسبة‬ ‫للوهابيين إذ كانت هنالك اختالفات دينية كبيرة بينهم وبين بقية العالم اإلسالمي‪ .‬وكان أحد هذه‬ ‫االختالفات حقيقة أن الوهابيين قد اتبعوا المذهب الحنبلي في الفقه وكانوا أقلية صغيرة في عالم إسالمي‬ ‫هيمن عليه أتباع المذهب الحنفي والشافعي والمالكي‪)99( .‬‬ ‫وعندما كسب الوهابيون في القرن الثامن عشر سيطرة قصيرة األمد على األرض المقدسة ارتكبوا –‬ ‫بتعصبهم األعمى – حمامات دم شنيعة‪ .‬وكان هنالك غضب وكراهية لهم منتشرة بشكل واسع في العالم‬ ‫اإلسالمي وتمكن جيش مصري أُرسل إلى الحجاز من هزيمتهم وطردهم إلى الصحراء‪ .‬لذا فقد أراد‬ ‫الوهابيون في المرة الثانية ضمان أن العالم اإلسالمي سيعترف بحكمهم على األرض المقدسة‪)91( .‬‬ ‫وكان هذا هو الهدف األساسي الثاني من وراء عقد مؤتمر العالم اإلسالمي‪.‬‬

‫وفود المؤتمر‬ ‫إن مؤتمر العالم اإلسالمي الذي عقد في مكة في شهر حزيران من عام ‪ 6991‬كثمرة لجهود ابن سعود‬ ‫قد لقي ترحيبا ً كبيرا ً لكونه أول اجتماع من نوعه في تاريخ اإلسالم‪ .‬حتى إن ابن سعود نفسه أشار إلى‬ ‫ذلك في خطبته االفتتاحية قائالً‪:‬‬ ‫"لعل اجتماعكم هذا‪ ،‬في شكله وموضوعه‪ ،‬أول اجتماع في تاريخ اإلسالم‪)55( ".‬‬ ‫وقد كان المقصود من المؤتمر منذ البداية أن يكون منظمة دائمية‪:‬‬ ‫"ونسأله تعالى أن يكون هذا المؤتمر سنة حسنة‪ ،‬تتكرر في كل عام (في موسم الحج)‪)53( ".‬‬

‫‪31‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫وخالفا ً لمؤتمر الخالفة في القاهرة فان مؤتمر مكة قد استقطب تجمعا ً تمثيليا ً إضافة إلى التمثيل عالي‬ ‫المستوى‪ .‬فقد كانت كل المجتمعات اإلسالمية المهمة وكل الدول اإلسالمية المستقلة ممثلة (ما عدا‬ ‫إيران)‪ .‬فمن شبه القارة اآلسيوية الجنوبية جاء ممثلون على أعلى مستوى عن كل المنظمات اإلسالمية‬ ‫المهمة‪ .‬فعلى سبيل المثال ترأس السيد سليمان الندوي الوفد الممثل لجمعية الخالفة الهندية‪ )53( .‬أما‬ ‫أعضاء الوفد الثالثة اآلخرين فقد كانوا المال محمد علي جوهر وأخاه المال شوكت علي وصهره شعيب‬ ‫قرشي‪ .‬وكان ثمة وفد ترأسه السيد محمد كفاية هللا يمثل جمعية العلماء الهندية ووفد آخر ترأسه الشيخ‬ ‫ثناء هللا يمثل جمعية أهل الحديث الهندية‪.‬‬ ‫وترأس مفتي فلسطين العام السيد أمين الحسيني وفد فلسطين‪ ،‬وترأس اللواء غالم جيالني خان وفد‬ ‫األفغان وترأس أديب سارويت الوفد التركي وترأس الشيخ الظواهري الوفد المصري وترأس رياض‬ ‫الدين فخر الدين وفد مسلمي روسيا‪ .‬وكان بمرافقة فخر الدين على ذلك الوفد وفود من أوفا وأستراكان‬ ‫وكريميا وسيبيريا وتركستان‪ .‬وجاءت وفود أيضا ً من جاوة وسوريا والسودان ونجد والحجاز واليمن‬ ‫‪...‬الخ‪.‬‬ ‫وقد د ُعي بعض األفراد بصورة خاصة إلى المؤتمر‪ .‬وكان من بينهم الشيخ رشيد رضا العالم السوري‬ ‫الشهير الذي كان تلميذا ً للشيخ محمد عبده وسردار إقبال علي شاه العالم األفغاني المستقر في لندن الذي‬ ‫كتب سلسلة من المقاالت عن المؤتمر لتنشر في بريطانيا‪ )53( .‬وكان الغائبون المهمون عن المؤتمر هم‬ ‫إيران والصين والحركة السنوسية في ليبيا وبقية دول المغرب‪.‬‬ ‫وقد اختلف تكوين مؤتمري القاهرة ومكة في أمر مهم آخر‪ .‬ففي الوقت الذي لم تكن أي من الوفود التي‬ ‫حضرت مؤتمر القاهرة رسمية‪ ،‬بل كانت جميعها مشاركة بصفتها الشخصية‪ ،‬لم يكن األمر كذلك في‬ ‫مؤتمر مكة‪ .‬فبالنسبة لهذا األخير أرسلت الدول والمنظمات اإلسالمية وفودا ً رسمية‪ ،‬وهي بفعلها هذا قد‬ ‫أعطت أفضلية الجتماع مكة وللمسيرة الجديدة للوحدة‪ .‬وهنا يكمن تفسير سهل ولكنه أساسي لمنظمة‬ ‫العالم اإلسالمي المعاصر كنظام للدول القومية‪ ،‬بمعنى‪ :‬إن الجماهير اإلسالمية مالت إليه من دون‬ ‫تمحيص لسببين‪:‬‬ ‫‪ ‬الوضع القاتم الذي كان يواجه العالم اإلسالمي آنذاك‪،‬‬ ‫‪ ‬ألن العلماء لم يستطيعوا أن يوضحوا بصورة فاعلة أسس النظام اإلسالمي العام (دار‬ ‫اإلسالم) فضالً عن المفهوم اإلسالمي للنظام العالمي الذي تقام فيه دار اإلسالم‪.‬‬

‫الملك عبدالعزيز والمؤتمر‬ ‫لقد تسلم المؤتمر رسالتين من الملك عبد العزيز بن سعود‪ .‬وفي الرسالة األولى‪ ،‬والتي كانت الخطبة‬ ‫االفتتاحية للمؤتمر‪ ،‬أشار الملك إلى التاريخ المؤسف للحجاز انتها ًء بطغيان حسين الذي كان من بين‬ ‫خطاياه أن وضع الحجاز تحت "النفوذ األجنبي الكافر"‪ )53( .‬وبما أنه أمر قد حرمه النبي‪ ،‬فقد أُعطي‬ ‫النجديون مبررا ً لغزو الحجاز‪ .‬ونتيجة لذلك الغزو‪ ،‬وهو أمر كان الملك مسرورا ً ليبينه‪ ،‬لم يكن ثمة أمان‬ ‫في الحجاز‪ .‬وقد د ُعي المؤتمر لعقد جلساته في ذلك الجو من األمن والحرية الكاملة‪ .‬والتحفظ الوحيد في‬ ‫المؤتمر كان التحفظ حيال الشريعة اإلسالمية و "عدم التدخل في السياسات العالمية أو في الخالفات التي‬ ‫تفصل مسلمين معينين عن حكوماتهم‪ )04( ".‬ومع هذا فلم يكن ابن سعود صادقا ً في خطابه االفتتاحي ما‬ ‫دام مذنبا ً حاله حال حسين في تواطئه في مساندة التغلغل البريطاني في شبه الجزيرة‪.‬‬ ‫‪32‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫ويالحظ على خطاب الملك أمران‪ .‬األول إن القيادة الوهابية كانت تبرز أفضل وجوهها لتتملق دعم‬ ‫المؤتمر‪ ،‬ومن ثم الحصول على "األمن" و "الحرية الكاملة" الموعودة‪ .‬ولكن األمر الثاني – وهو األهم‬ ‫ هو إن منع الكالم عن السياسات العالمية في مناقشات المؤتمر أوحتى بوضوح أن أمن الدولة السعودية‬‫– الوهابية والمحافظة على عالقاتها مع حلفائها (وعلى الخصوص بريطانيا) كان لهما األولوية على‬ ‫اآلراء المعتبرة لألمة حتى حينما تطرح تلك اآلراء خالل عملية الشورى في مؤتمر إسالمي "غير‬ ‫مسبوق" في تاريخ اإلسالم‪.‬‬ ‫وقد عهد الملك إلى المؤتمر بالمهمة "اآلمنة" التي تمثلت في "النظر في الطرق والوسائل الضرورية‬ ‫لجعل األماكن المقدسة أفضل مراكز الثقافة والتعليم اإلسالمي‪ ،‬وأحسن المناطق من حيث الرفاهية‬ ‫والصحة‪ ،‬ولجعلها الدولة اإلسالمية األكثر بروزا ً بسبب اهتمامها الخاص باإلسالم‪)04( ".‬‬ ‫لقد كان من الواضح جدا ً في هذا الخطاب أن الملك كان يحاول أن يدس في المؤتمر تفريقا ً مصطنعا ً بين‬ ‫"الدين" و "السياسة"‪ ،‬و نظرية جديدة تعطي انطباعا ً عن إن الموضوع الذي يستحق دراسة المؤتمر‬ ‫اإلسالمي كان موضوع "الدين" و "الشؤون الدينية"‪ .‬وكان هذا في الواقع بدعة ذات طبيعة مقيتة بالفعل‬ ‫نظرا ً لكونها في تعارض واضح مع التعاليم القرآنية والسنة النبوية والقواعد األساسية للتراث اإلسالمي‪.‬‬ ‫وكان الملك في الحقيقة يحاول تحويل (اإلسالم) الذي كان (الدين) إلى (ديانة) بالمعنى الضيق والمشوه‬ ‫الذي كان يستخدم في الحضارة الغربية العلمانية‪.‬‬ ‫وفي الثاني من تموز من عام ‪ 4393‬وبمناسبة الجلسة ‪ 45‬بكامل األعضاء‪ ،‬وجه الملك رسالة ثانية‬ ‫للمؤتمر‪ ،‬سعى من خاللها إلى تحقيق أحد األهداف الرئيسية للمبادرة الوهابية‪ ،‬وهو الحصول على‬ ‫االعتراف والقبول اإلسالمي العالمي بالسيطرة السعودية – الوهابية على الحجاز‪.‬‬ ‫وقد أسهب الملك في شرح سياسته على الحجاز كما يلي‪:‬‬ ‫‪-4‬‬ ‫‪-9‬‬ ‫‪-5‬‬ ‫‪-0‬‬

‫"نحن ال نسمح بأي تدخل أجنبي في هذه البالد المقدسة مهما كانت طبيعة هذا التدخل‪.‬‬ ‫"نحن ال نسمح بأي امتيازات تكون ممنوحة للبعض وممنوعة عن اآلخرين‪ ،‬فأي شيء يحصل‬ ‫في هذه البالد ال بد أن يكون متوافقا ً مع الشريعة‪.‬‬ ‫"البد أن يكون للحجاز نظام حكم محايد خاص‪ .‬ويجب أال يشن حربا ً وال يُعتدى عليه‪ ،‬وعلى‬ ‫جميع الدول اإلسالمية المستقلة أن تضمن هذه الحيادية‪.‬‬ ‫"هنالك حاجة للنظر في مسألة المساعدات المالية التي ترد "إلى الحجاز" من العديد من الدول‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وفي طريقة توزيعها و (الحاجة إلى ضمان) استفادة األماكن المقدسة منها‪)09( ".‬‬

‫وما كان يحاول الملك أن يفعله في خطابه هذا لم يكن سوى عرض لنظرية إسالمية سياسية جديدة‪ .‬وبدا‬ ‫وكأن السعوديين – الوهابيين كانوا مقتنعين بأنهم هم المسلمون الوحيدون‪ ،‬ومن ثم فان الحجاز ونجد‪،‬‬ ‫والتي كانت تحت سيطرتهم‪ ،‬كانت دار اإلسالم الحقيقية‪ .‬لذا فان كل األراضي خارج نجد والحجاز (أو‬ ‫العربية السعودية المعاصرة) كانت "أجنبية"‪ .‬وعندما تكلم الملك عن الحاجة إلى منع أي تدخل "أجنبي"‬ ‫في الحجاز‪ ،‬فانه كان يشير بوجه خاص إلى صورة ذلك التدخل الذي طرد الوهابيين من الحجاز قبل‬ ‫أكثر من قرن من الزمن‪ .‬وفي إشارته إلى أن العالم اإلسالمي برمته يعد "أجنبياً"‪ ،‬فان الملك كان قريبا ً‬ ‫جدا ً من ارتكاب عمل (كفري)‪.‬‬

‫‪33‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫وكانت النقطة الثانية بالطبع مثيرة لإلعجاب‪ ،‬أال وهي تطبيق أوامر الشريعة من دون تمييز بين أحد‪.‬‬ ‫ولكن النقطة الثانية لم تكن متوافقة مع النقطة األولى‪ .‬فالعالم اإلسالمي قد أُعطي منزلة "األجانب" الذين‬ ‫لن يكونوا بالطبع مؤهلين لكل االمتيازات المفتوحة للسعوديين – الوهابيين‪ .‬فاألجانب‪ ،‬على سبيل‬ ‫المثال‪ ،‬ال بد لهم من الحصول على تأشيرة لدخول الحجاز حتى ولو كانوا يؤدون فريضة الحج‪ .‬أما‬ ‫السعوديون – الوهابيون فلن يحتاجوا إلى التأشيرة ما داموا مواطنين لدولة العربية السعودية المولودة‬ ‫حديثا ً ولذلك فان الحجاز ملك لهم‪ .‬والمسلمون غير السعوديون قد يتعرضون للسجن اآلن إذا ما امتدت‬ ‫فترة بقائهم في الحجاز بعد انتهاء زمن تأشيرتهم‪ ،‬ألنهم اآلن أجانب والحجاز‪ ،‬الذي لم يعد دار اإلسالم‪،‬‬ ‫ليس ملكا ً لهم‪ .‬ويستطيع السعوديون – الوهابيون البقاء ما شاءوا في الحجاز ما دام الحجاز اآلن ملكا ً‬ ‫لهم‪.‬‬ ‫إن بن سعود في الحقيقة قد فكك دار اإلسالم التي بناها النبي بنفسه وصحابته في الحجاز‪ ،‬وجرد العالم‬ ‫اإلسالمي من ملكيته لقلب اإلسالم‪ ،‬وأهان المسلمين‪ ،‬وقُدر له أن يجد طريقة للهروب بهذا التصرف‬ ‫المتهور ألكثر من ستة عقود‪.‬‬ ‫وقد كانت النقطة الثالثة في خطاب بن سعود جديرة بالمالحظة نوعا ً ما‪ .‬ولم يكن ثمة أدنى شك في كون‬ ‫التعبير بدعة واضحة‪ .‬فليس هناك ال في القرآن وال في سنة النبي وال في التراث اإلسالمي بأسره مفهوم‬ ‫"حيادية" الحجاز‪ .‬إن القول بأن الحجاز ال يجب أن يقوم بالحرب هو بالتأكيد مساو لعزل قلب اإلسالم‬ ‫عن الجهاد‪ ،‬وبالتالي يكون متعارضا ً بصورة واضحة مع صريح القرآن‪ .‬وكان بن سعود هنا مرة أخرى‬ ‫يمشي في طريق الكفار‪.‬‬ ‫وفي ما يتعلق بطلب بن سعود أن على جميع الدول اإلسالمية المستقلة أن تعترف بـ "حيادية" نظام‬ ‫حكمه‪ ،‬فقد كان جليا ً أن ذلك الطلب كان بالكاد محاولة متنكرة لكسب اعتراف العالم اإلسالمي بالسيطرة‬ ‫السعودية – الوهابية على الحجاز‪.‬‬ ‫وقد رد المؤتمر على خطاب بن سعود باالستغالل الذكي للحرية التي منحها بن سعود‪ .‬فقد تكلم الوفود‬ ‫بحرية وصراحة ولم يكن ثمة شيء‪ ،‬حسبما بينت قراءة التقرير النهائي للمؤتمر‪ ،‬يشير إلى أمر مدبر من‬ ‫النظام‪ .‬وبالتأكيد فان وفود الحجاز قد وجدت نفسها في بعض األحيان مهزومة‪)05( .‬‬ ‫وقد بقي المؤتمر بصورة عامة ضمن الحدود التي فرضت عليه بعدم الخوض في السياسات العالمية‪ .‬لذا‬ ‫فان مسألة الخالفة لم تناقش أبداً‪ .‬وكان هذا نصرا ً كبيرا ً لمنهج وحدة المسلمين الجديد‪ .‬وعلى الرغم من‬ ‫ذلك فان المؤتمر تدخل في السياسة حينما أقر قرارا ً (‪ )00‬يطالب بعودة معن والعقبة إلى السيطرة‬ ‫الحجازية حيث إن ضم بريطانيا هذه األراضي إلى إمارة شرق األردن (والتي كانت تحت االنتداب‬ ‫البريطاني) يتعارض مع ما ادعاه رشيد رضا في إن النبي قد أمر أن تكون جزيرة العرب خالية من أي‬ ‫نفوذ غير إسالمي‪)05( .‬‬ ‫وحينما أدخل ابن سعود السياسات الدولية بنفسه إلى المؤتمر مع عرض سياساته على الحجاز‪ ،‬ناقش‬ ‫المؤتمر القضية بشكل مطول ثم أظهر حكمته وأمانته وإخالصه لإلسالم الحقيقي برفضه االعتراف الذي‬ ‫كان الملك يسعى إليه‪ .‬وقرر المؤتمر ببساطة أن "يسجل" تصريح الملك‪ .‬وربما كان هذا هو القرار‬ ‫األهم الذي تتخذه هيئة تمثيلية لألمة خالل الستين سنة الماضية‪.‬‬

‫‪34‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫وكان ذلك بكل تأكيد ضربة مريرة البن سعود والذي نتج عنه بقاء المؤتمر خامالً للعشرين سنة القادمة‬ ‫وما كان لينعقد ثانية في مكة برغم إن االتفاق كان أن ينعقد المؤتمر سنويا ً هناك في موسم الحج‪.‬‬ ‫ومع ذلك فقد وجد المؤتمر‪ ،‬فيما يتعلق بالمشكلة األخرى‪ ،‬أن من الحصافة أن يرضخ لرغبات مضيفه‪.‬‬ ‫فقد لفت ابن سعود انتباه المؤتمر‪ ،‬بصفته أحد رؤوس الدولة المسلمين‪ ،‬إلى إنه على الرغم من كون‬ ‫جميع المسلمين أحرارا ً في ممارسة العبادة في األرض المقدسة حسب أحكام مدارسهم الفقهية الخاصة‪،‬‬ ‫إال إن اإلدارة الوهابية لن تتسامح مع أي تصرف يتعارض مع الشريعة‪ .‬وقد أثارت هذه القضية أحد‬ ‫أسخن الحوارات في المؤتمر‪ .‬إال إن الشيخ الظواهري أنقذ الموقف بتقديمه مسودة قرار تسوية يلتزم‬ ‫بحريات طقوس العبادة الملحة‪ ،‬إال إنه لم يدخل في النطاق الخالفي المتمثل بإعادة بناء قبور صحابة‬ ‫النبي التي دمرها الوهابيون ‪..‬الخ‪.‬‬ ‫لقد ضربت هذه القضية الوهابيين في الصميم وعلى الرغم من إنها لم يتح لها المجال لتتطور وتصبح‬ ‫أزمة‪ ،‬إال إن الوفود مع ما كانت تبديه من أعلى درجات التعقل في عدم الضغط الشديد على ابن سعود‬ ‫لم يمنع الموفدين الهنود من مغادرة المؤتمر بمشاعر مريرة‪ .‬وهذا يبين لنا‪ ،‬جزئيا ً‪ ،‬سبب عدم انعقاد‬ ‫المؤتمر في مكة مرة أخرى‪ ،‬رغم االتفاق على ذلك مسبقاً‪.‬‬ ‫وفي الحقيقة كان القائد الهندي المسلم المال شوكت علي‪ ،‬هو الذي لعب الدور األهم في تنظيم المؤتمر‬ ‫الثالث اإلسالمي العام في عام ‪ 4354‬بعد المؤتمرين عام ‪ .4393‬ولم يبد أي تردد من أي نوع في‬ ‫تجنب مكة والقبول بالقدس كمكان النعقاده‪.‬‬ ‫وكانت بعض منجزات مؤتمر مكة وأكثرها فائدة تتعلق بتحسين ظروف الحج من طرق النقل (وعلى‬ ‫الخصوص سكة حديد الحجاز) والمؤسسات الصحية وتوفر الطعام والشراب والحماية من االستغالل ‪..‬‬ ‫الخ‪ .‬فقد كانت تلك أمورا ً تؤثر على الحجاج كل سنة وقد تداول المؤتمر في هذه األمور بشكل مطول‬ ‫وتبنى الكثير من القرارات المفيدة‪.‬‬

‫‪35‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬

‫الفصل الخامس‬ ‫العالم اإلسالمي القديم – محاولة أخيرة للنهضة‬ ‫المؤتمر اإلسالمي العام في القدس في كانون األول من عام ‪1391‬‬ ‫على مر خمس سنوات طوال بعد مؤتمري عام ‪ ،4393‬لم يكن ثمة محاولة جماعية بارزة من العالم‬ ‫اإلسالمي للرد على انهيار الخالفة أو على التغيرات الجسيمة والخطيرة التي كانت تعصف بذلك العالم‪.‬‬ ‫وقد كان آخر أمل لدار اإلسالم المشرفة على الهالك هو المؤتمر اإلسالمي العام الذي عقد في القدس في‬ ‫كانون األول من عام ‪ 4354‬نتيجة لجهود هندية – فلسطينية‪ )03( .‬وقد كان يحمل في كنفه الرغبة‬ ‫العارمة في استرجاع بعض مظاهر الشرف للنظام القديم المنهار الذي خلفه النبي‪ .‬ولكنه لم يفلح في‬ ‫تحقيق أي شيء‪ .‬فقد بدا إنه قد ولد ميتاً‪ ،‬مثله مثل مؤتمر القاهرة ومؤتمر مكة‪.‬‬ ‫أما بالنسبة للمفتي العام للقدس‪ ،‬الحاج أمين الحسيني‪ ،‬فقد كان التغلغل الصهيوني الخطير في فلسطين‬ ‫المسلمة ما بين عام ‪ 4393‬و ‪ 4354‬يشكل تهديدا ً على اإلسالم‪ .‬وهذا التهديد ال يمكن أن يجابه إال‬ ‫بالعالم اإلسالمي الموحد‪ .‬وقد كانت درجة البساطة والسذاجة والبراءة التي تحلى بها الفكر اإلسالمي‬ ‫المعاصر آنذاك تمكنّه أن يدعي أن مؤتمرا ً إسالميا ً آخر يعقد في القدس‪ ،‬التي تحتلها بريطانيا‪ ،‬سيكون‬ ‫الطريق األمثل لمواجهة التحدي‪ .‬وال بد من إن صالح الدين األيوبي قد تلوى في قبره بسبب ذلك‪ .‬ويبدو‬ ‫برغم كل شيء إن عالم المعرفة اإلسالمية قد غاب عن نظره العالقة الوطيدة التي أسسها القرآن بين‬ ‫"القوة" و "الحرية" و "اإليمان"‪.‬‬ ‫وفي شهر آب من عام ‪ 6999‬كان هنالك أعمال شغب بين المسلمين واليهود بخصوص حائط المبكى في‬ ‫القدس‪ .‬وقد أرسلت عصبة األمم لجنة للتحقيق في األمر‪ ،‬وكانت النتائج التي توصلت إليها اللجنة هي إن‬ ‫المسلمين لديهم "حق الملكية" لحائط المبكى ولكن اليهود لديهم "حق العبادة" أمامه‪ .‬ولم يكن هذا التقرير‬ ‫سارا ً ال للمسلمين وال لليهود و كان يمكن القول بأنه أدى بصورة غير مباشرة إلى المناداة بعقد مؤتمر‬ ‫إسالمي‪.‬‬ ‫وفي بدايات عام ‪ 6996‬وبمناسبة دفن جثمان القائد الهندي المسلم المال محمد علي جوهر (‪ )17‬في باحة‬ ‫الحرم الشريف في القدس‪ ،‬تم التوصل إلى اتفاقية بين أخيه المال شوكت علي وبين الحاج أمين الحسيني‬ ‫عن الحاجة لعقد مؤتمر‪.‬‬ ‫‪36‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫وتم اإلعالن الرسمي عن اتفاقية عقد المؤتمر وعن تحديد تاريخ انعقاده في ‪ 1‬أيلول من عام ‪ 6996‬على‬ ‫لسان المال شوكت علي في خطابه الذي ألقاه بعد صالة الظهر في المسجد األقصى في القدس‪ .‬ويمكن أن‬ ‫يقال اآلن إن المسلمين الهنود قد نالوا مكانة وقيادة ذات أهمية فريدة واستثنائية في العالم اإلسالمي‪.‬‬

‫تاريخ ومكان االنعقاد‬ ‫لقد عقد المؤتمر اإلسالمي العام في القدس من السادس إلى السادس عشر من كانون األول من عام‬ ‫‪ .6996‬وكان ذلك التاريخ يوافق السابع والعشرين من رجب إلى السابع من شعبان في التقويم الهجري‪.‬‬ ‫ولعلنا نالحظ من دون تردد أن اإلشارة إلى التقويم الهجري تعد أمرا ً مهما ً شأنها شأن اختيار المسجد‬ ‫األقصى كمكان النعقاد الجلسة االفتتاحية للمؤتمر في السابع والعشرين من رجب‪)12( .‬‬ ‫واآلن‪ ،‬وفي الوقت الذي انعقد مؤتمر الخالفة في مصر المستقلة اسمياً‪ ،‬والتي كانت ضمن دائرة النفوذ‬ ‫البريطاني‪ ،‬وانعقد مؤتمر العالم اإلسالمي في الحجاز المستقل اسمياً‪ ،‬والذي كان أيضا ً تحت دائرة النفوذ‬ ‫البريطاني وبقوة‪ ،‬فان مؤتمر األقصى اإلسالمي كان سيعقد في منطقة تقع تحت حكم االنتداب البريطاني‬ ‫المباشر‪ .‬ولم يكن للقدس حتى "ورقة التوت" لتخفي واقعها كأرض محتلة‪ .‬حتى إن البعض سيدعي إن‬ ‫المناطق المحتلة ستكون واقعة تحت مسمى "دار الحرب" !‬ ‫ولعله كان المشهد األغرب على اإلطالق أن يجتمع العالم اإلسالمي في مؤتمر إسالمي عالمي على‬ ‫أرض محتلة لدراسة استرجاع النظام العام للشريعة‪ .‬وفي هذا الصدد فقد كان المؤتمر اإلسالمي العام في‬ ‫القدس فريدا ً من نوعه واألول من نوعه في التاريخ اإلسالمي برمته‪ .‬وهذا في الحقيقة قد عكس الوضع‬ ‫المحزن الذي صار إليه العالم اإلسالمي‪ .‬ولعل الحكومة البريطانية قد صعقت بكل هذا التغير‪ .‬وبقدر ما‬ ‫يتعلق األمر بالبريطانيين فان العالم اإلسالمي سيعمد إلى إعالن ضعفه أمام الناس‪ .‬حتى إن الحكومة‬ ‫البريطانية المبتهجة لم تكلف نفسها سوى باإليعاز إلى مندوبها السامي أن يحذر الحاج أمين الحسيني بأن‬ ‫الحكومة لن تسمح بانعقاد أي مؤتمر قد يتناول قضايا من شأنها أن تؤثر على الشؤون الداخلية‬ ‫والخارجية للقوى الصديقة‪)19( .‬‬ ‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬فان الصحافة الصهيونية أعربت عن بالغ قلقها إزاء الدعوة إلى المؤتمر‪ ،‬متهمة‬ ‫الحكومة البريطانية بالسماح بانعقاد المؤتمر ألنها "تريد المؤتمر بالفعل‪ ،‬ال بل إنها حثت عليه من أجل‬ ‫إرضاء مسلمي فلسطين والهند ومن أجل مقارعة الحركة الصهيونية‪)11( ".‬‬ ‫وعلى المرء أيضا ً أن يأخذ بالحسبان الشعور القوي جدا ً الذي عبر عنه الكثيرون من أن المؤتمر سيعيد‬ ‫تنصيب عبد المجيد كخليفة على عرشه في القدس‪ .‬إن مثل هذا التصرف قد يكون له أثر في زعزعة‬ ‫نظام أنكورا (أنقرة اآلن)‪ ،‬فضالً عن إن وجود خليفة في القدس يكون تابعا ً للنفوذ البريطاني سيكون‬ ‫أيضا ً أمرا ً ترحب به بريطانيا العظمى وقد تستغله للحصول على أقصى المصالح‪)16( .‬‬

‫الوفود‬ ‫لقد انعقد المؤتمر في جو خال نوعا ً ما من أية قيود‪ ،‬وباستثناء طرد الموفد المصري‪ ،‬عبد الرحمن‬ ‫عزام‪ ،‬بسبب انتقاده الالذع للسياسة االيطالية في ليبيا‪ ،‬فان السلطات البريطانية في فلسطين لم تتدخل‬ ‫بأي شكل من األشكال بالمؤتمر ولم تفرض أي قيود على الحضور‪.‬‬ ‫‪37‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫وقد جاءت وفود المؤتمر من إيران (بعض علماء الشيعة) والهند (وكان من بين وفودها العالم والمفكر‬ ‫اإلسالمي العظيم الدكتور محمد إقبال) ويوغوسالفيا ومراكش والجزائر وتونس وليبيا وسوريا‬ ‫ونايجيريا‪ .‬وعلى الرغم من إن الحكومة المصرية قررت أخيرا ً عدم إرسال أي وفد رسمي‪ ،‬فقد كانت‬ ‫هنالك وفود مصرية حاضرة لدعم الملك‪ .‬وكان هنالك وفد يمثل حزب الوفد المصري يعارض تلك‬ ‫الوفود‪ .‬وكان هنالك أيضا ً تمثيل لعدة حركات إسالمية أخرى في مصر‪.‬‬ ‫كما وأرسلت حكومات كل من العراق وإمارة شرق األردن وفودا ً رسمية‪ .‬أما العاهل السعودي‪ ،‬عبد‬ ‫العزيز ابن سعود‪ ،‬فقد كان متذبذبا ً في موقفه تجاه المؤتمر ولكنه قام أخيرا ً وبدهاء بإرسال ممثل لم يفلح‬ ‫في الوصول إلى القدس في الوقت المناسب ليشارك في المؤتمر‪ .‬وقد رفضت تركيا وأفغانستان‬ ‫المشاركة في المؤتمر‪ .‬ومقارنة بمؤتمر مكة في شهر تموز من عام ‪ ،6991‬فقد كان هنالك تدني حاد في‬ ‫عدد الوفود الحكومية الرسمية المشاركة في مؤتمر القدس‪.‬‬

‫عمل المؤتمر‬ ‫إثر االفتتاح الرسمي للمؤتمر في المسجد األقصى بعد صالة المغرب في ‪ 1‬كانون األول (‪ 97‬رجب)‪،‬‬ ‫(‪ )19‬شكلت ثمان لجان لدراسة وتقرير األمور التالية‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫النظام الداخلي للمؤتمر‬ ‫منشورات وإصدارات المؤتمر‬ ‫التمويل والتنظيم‬ ‫ثقافة المسلم وجامعة األقصى اإلسالمية المقترحة‬ ‫سكة حديد الحجاز‬ ‫األماكن المقدسة وحائط المبكى‬ ‫المنشورات والتوجيهات اإلسالمية‬ ‫المقترحات المطروحة أمام المؤتمر‬

‫وقد تبنى مؤتمر القدس‪ ،‬شأنه شأن مؤتمر مكة عام ‪ ،6991‬الئحة أو نظاما ً داخلياً‪ .‬وقد دعا نظام مؤتمر‬ ‫مكة إلى االجتماعات السنوية في مكة‪ .‬أما نظام مؤتمر القدس فقد دعا إلى اجتماعات نصف سنوية في‬ ‫القدس‪ .‬وتم أيضا ً تأسيس سكرتارية صغيرة في القدس (تماما ً كما حدث في مكة)‪ .‬وقد استمرت‬ ‫سكرتارية القدس بالعمل لسنوات قليلة ولكن المؤتمر نفسه لم يجتمع مجددا ً أبداً‪)19( .‬‬ ‫وقد قرر المؤتمر إنشاء جامعة إسالمية في القدس‪ .‬وقد اتخذ القرار على الرغم من الغيرة الكبيرة التي‬ ‫أثيرت من جامعة األزهر والتي لم ترحب بإنشاء منافس لمركزها الفريد في عالم التعليم اإلسالمي‪.‬‬ ‫(‪)11‬‬ ‫إال إن األمر األهم الذي لفت انتباه المؤتمر كان‪ ،‬ومن دون شك‪ ،‬التهديد الصهيوني لفلسطين‪ .‬وقد كان‬ ‫سلوك المؤتمر وتحركه تجاه هذا الموضوع المتقلب موضوعيا ً وواسع األفق بشكل مدهش‪ .‬وقد دعي‬ ‫ورفضت‬ ‫رئيس الوكالة اليهودية سوكولو‪ ،‬لحضور المؤتمر لغرض توضيح وجهة النظر الصهيونية‪ُ .‬‬ ‫الدعوة التي وجهها شوكت علي‪ .‬وبدورها سخرت الصهيونية المسلحة في الصحافة الصهيونية من‬ ‫المؤتمر واستخفت به‪)11( .‬‬ ‫‪38‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫وكان ثمة قسم آخر من الصهاينة‪ ،‬أكثر مسالمة من المجموعة األولى‪ ،‬وهم الذين أسسوا الجامعة‬ ‫اليهودية‪ .‬فهؤالء تكلموا باحترام أكبر عن المؤتمر على الرغم من إنهم انتقدوا بريطانيا بشدة أيضاً‪،‬‬ ‫شأنهم شأن الصهاينة اآلخرين‪ ،‬لسماحها للمؤتمر أن يناقش السياسة البريطانية في فلسطين‪)11( .‬‬ ‫أما اليهود التقليديون القدماء في القدس‪ ،‬الذين عملوا بشكل منفصل نوعا ً ما عن الصهاينة‪ ،‬فقد رحبوا‬ ‫بالمؤتمر في البداية وتمنوا له كل النجاح‪ .‬وقد بينوا إن اليهود ال يريدون األماكن المقدسة ولم يكن لهم‬ ‫أي حق فيها‪ ،‬ولكنهم ناشدوا المؤتمر أال يعارض طقوس العبادة اليهودية في الصالة عند حائط المبكى‪.‬‬ ‫(‪)17‬‬ ‫وكان ما فعله المؤتمر العكس بالضبط ! فقد رفض تقرير لجنة حائط المبكى التابعة لعصبة األمم الذي‬ ‫(أكد حيازة المسلمين لحائط المبكى وأيد حق اليهود في الصالة عنده)‪ )12( .‬إن المؤتمر بفعله هذا قد‬ ‫أبعد عنه دعم اليهود التقليديين وأضعف قوتهم (أي اليهود) في صراعهم ضد الصهاينة‪)19( .‬‬ ‫وقد احتج المؤتمر لدى عصبة األمم ضد انتهاك الحقوق مذ ّكرا ً إياها بالمساعدة التي قدمها العرب للحلفاء‬ ‫في الحرب العالمية األولى‪ .‬وقد حذر المؤتمر من إن "االنتداب" ال يعني استعباد العرب واغتصاب‬ ‫حقوقهم‪ .‬ولم يرفض مبدأ هجرة اليهود إلى فلسطين و ال شراء األراضي والممتلكات‪ .‬وبهذا فان المؤتمر‬ ‫قد اعترف ضمنا ً بحق اليهود في الدخول إلى فلسطين والعيش فيها وفي حق التملك هناك‪ .‬وعلى الرغم‬ ‫من ذلك‪ ،‬وفي سياق الخطة اليهودية في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين‪ ،‬فقد استجاب المؤتمر‬ ‫باقتراح إنشاء مصرف زراعي وظيفته تحويل الدعم المالي للفالحين والمزارعين المالكين لألرض من‬ ‫أجل تقوية المقاومة ضد الجهود الصهيونية الرامية إلى شراء أراضيهم‪.‬‬ ‫إن رد المؤتمر على التهديد الصهيوني قد يوصف بكونه معتدالً‪ ،‬األمر الذي تناقض بشدة مع الرد‬ ‫القومي العربي‪ .‬فالمؤتمر قاوم بكل تأكيد ضغط القوميين العرب الرامي إلى تبني موقف مسلح أكثر‪ .‬وقد‬ ‫التقى القوميون العرب في أثناء المؤتمر بصورة منفصلة وقاموا بصياغة "ميثاق عربي"‪ ،‬وهو الرد الذي‬ ‫توقعته القومية اليهودية‪ )11( .‬فقد كانت إحداها‪ ،‬بالتأكيد‪ ،‬ندا ً لألخرى‪)16( .‬‬ ‫ومع هذا فان المؤتمر لم يفلح في إدراك إن الرد اإلسالمي الديني كان ينبغي أن يتضمن إستراتيجية فعالة‬ ‫لبناء جبهة دينية مشتركة مع هؤالء اليهود الذين عارضوا الصهيونية والذين كانوا ودودين تجاه‬ ‫المسلمين‪ )19( .‬وعلى الرغم من إن القرآن قد حرم تأسيس مثل هذه العالقات مع اليهود (وغيرهم من‬ ‫غير المسلمين) بشكل يجعل المسلمين في وضع التبعية والخضوع‪ ،‬إال إنه لم يحرم إنشاء تحالف أو‬ ‫جبهة مشتركة ال تبعية فيها‪)19( .‬‬ ‫وما كان مخيبا ً لآلمال على وجه الخصوص هو فشل المؤتمر‪ ،‬المقام على تلك األرض المقدسة‪ ،‬في‬ ‫القيام بتقييم واقعي للواقع الكئيب الذي كان يواجه العالم اإلسالمي آنذاك‪ ،‬وفي صياغة إستراتيجية محكمة‬ ‫وذكية وطويلة األمد بصورة شجاعة وخالقة إلرجاع القوة لألمة‪.‬‬ ‫وفي خضم كل النقاشات السياسية المثيرة والساخنة للمؤتمر‪ ،‬كان هنالك صوت واحد يمثل صوت الدولة‬ ‫والحكمة‪ .‬فقد كانت لدى الدكتور محمد إقبال رؤية جعلته يطلق تحذيرا ً مفاده إن أسوأ األخطار التي‬ ‫تواجه اإلسالم لم تكن التخطيطات الصهيونية الشنيعة وال جشع القوى االمبريالية ولكنها كانت المادية‬ ‫اإللحادية والوطنية القطرية‪ .‬وما لم تقاوم هذه األخطار فان اإلسالم سيبدأ في االضمحالل‪.‬‬ ‫‪39‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫ومع إن إقبال كان فعالً يمتلك القدرة على رؤية األخطار الفلسفية الجسيمة‪ ،‬كالمادية‪ ،‬التي تقبع أمام‬ ‫الحضارة اإلسالمية‪ ،‬فيبدو إنه ل ّما يكن قادرا ً على إعادة صياغة مفهوم النظام اإلسالمي العام (دار‬ ‫اإلسالم) والمفهوم اإلسالمي للنظام العالمي من الناحية النظرية‪ ،‬ومن ثم التكلم عنها بطريقة تبين وبشكل‬ ‫مقنع تفوقها على منافستها العلمانية التي كانت تتحداها اآلن‪ .‬بل إن حقيقة األمر هي إن إقبال لم يكن يعلم‬ ‫ما هي الخطوات التي يجب اتخاذها في عام ‪ 6996‬الستعادة قوة األمة !‬

‫نشاطات ما بعد المؤتمر‬ ‫لقد انتخب المؤتمر لجنة تنفيذية (‪ )11‬عملت بدأب لمدة سنة واحدة‪ .‬وشُ ّكلت فروع للمنظمة في بلدان‬ ‫مختلفة والتقى ممثلو هذه الفروع في القدس في شهر آب من عام ‪ 6999‬لمناقشة الطرق والوسائل لجمع‬ ‫األموال‪ .‬وفي عام ‪ 6999‬قام أمين الحسيني والتباح باشا بجولة في العراق والهند من اجل جمع األموال‪.‬‬ ‫ولم يفلحوا في ذلك‪ ،‬وبالتالي لم تؤسس الجامعة وال المصرف الزراعي (لمساعدة المزارعين)‪.‬‬ ‫أما االجتماع الثاني للمؤتمر والذي كان من المقرر‪ ،‬حسب النظام الداخلي‪ ،‬أن يجري في تشرين الثاني‬ ‫من عام ‪ 6999‬فانه لم ينعقد‪ .‬وباستثناء النشاط الفجائي للجنة التنفيذية في "تسوية النزاع" في عام ‪6991‬‬ ‫(‪ )11‬والنهضة قصيرة العمر في الخمسينات‪ ،‬فان المؤتمر اإلسالمي العام في القدس مات أيضا ً ميتة‬ ‫طبيعية‪.‬‬ ‫وقد استمرت السكرتارية التي أسسها المؤتمر في العمل في القدس حتى الحرب العالمية الثانية‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من ذلك فهي لم تستطع الصمود في ظروف الحرب الوخيمة وفي ظل المواجهة المباشرة بين‬ ‫فر الحاج أمين إلى مصر إبان الحرب‪.‬‬ ‫الحاج أمين والبريطانيين‪ .‬و ّ‬ ‫إن المؤتمر اإلسالمي العام في القدس عام ‪ 6996‬قد فشل لذات األسباب التي أفشلت مؤتمر الخالفة‬ ‫ومؤتمر العالم اإلسالمي في عام ‪ .6991‬فلم يكن المؤتمر قادرا ً على التنظير لسبيل الخروج من‬ ‫المستنقع الذي وقع فيه العالم اإلسالمي‪ .‬وكان عاجزا ً فكريا ً عن التصدي للتحدي الذي شكلته العلمنة‬ ‫السياسية للحضارة الغربية المتعجرفة والواثقة‪ ،‬والتي كانت تد ُس في العالم اإلسالمي‪ ،‬الذي كان يعاني‬ ‫من الركود الفكري‪ ،‬نظاما ً للدول القومية العلمانية ليحل محل دار اإلسالم‪.‬‬ ‫إن موت الخالفة شهد نهاية نظام مؤسسة سياسية مألوفة لألمة‪ ،‬كانت تقر بسيادة اإلسالم في الحياة‬ ‫العامة‪ .‬وكان ظهور الدولة القومية السعودية – الوهابية في قلب اإلسالم يعني إن اإلسالم كان في طريقة‬ ‫اآلن نحو العلمنة‪ .‬وسوف ينحسر اآلن ليكون شأنا ً للحياة الخاصة‪ .‬وستحاول جماعة التبليغ غير السياسية‬ ‫والسلفيون السعوديون الموالون للنظام مأل الفراغ‪ .‬وستكون ترجمة عبدهللا يوسف علي "الصحيحة من‬ ‫الناحية السياسية" للقرآن شائعة بين أفراد جيل المسلمين الذين ال يخامرهم الشك والذين هم بطبيعة الحال‬ ‫خاملون سياسياً‪)17( .‬‬

‫‪40‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬

‫الخاتمة‬ ‫إن تدمير خالفة اإلسالم كان نتيجة مؤامرة شيطانية دبرها اليهود الصهاينة والبريطانيين‪ .‬وقد مثل‬ ‫السعوديون دور المساعد في تلك الجريمة ضد األمة‪ .‬لقد مثلت الخالفة نظاما ً لمؤسسة سياسية (أال وهي‬ ‫دار اإلسالم) تعترف بسيادة اإلسالم في الحياة العامة وفي العالقات العالمية للعالم اإلسالمي‪.‬‬ ‫إن ظهور الدول القومية العلمانية التركية والعربية السعودية في مقر الخالفة وفي قلب اإلسالم قد مهد‬ ‫الطريق لعلمنة نظام المؤسسة السياسية للعالم اإلسالمي‪ .‬وبما إن حكومات الدول القومية العلمانية ضمن‬ ‫العالم اإلسالمي هي التي ستمثل هذا العالم‪ ،‬فان النتيجة ستكون إن اإلسالم لن يكون مهيمنا ً على الحياة‬ ‫العامة أو على العالقات العالمية للعالم اإلسالمي‪.‬‬ ‫والطريقة األخرى األكثر جفافا ً لقول نفس الشيء هي‪ :‬إن هللا لن يكون األكبر في الحياة العامة في العالم‬ ‫اإلسالمي ! وليس هنالك مسلم يقرأ هذه السطور من دون أن يشعر بالغضب الشديد تجاه الذين خانوا هللا‬ ‫ورسوله ! وإن نوعية إيمان المسلم يمكن أن تقاس من خالل الطريقة التي يستجيب من خاللها لهذا‬ ‫الوضع البائس‪.‬‬ ‫تكون جز ًء من دار‬ ‫إن العالم اإلسالمي هو اليوم من دون قوة‪ .‬واستنتاجنا هو إن مؤسسة الخالفة‪ ،‬التي ّ‬ ‫اإلسالم‪ ،‬هي أمر ال غنى عنه السترجاع القوة‪ .‬ومن دون القوة سيكون هنالك الكثير من مآسي البوسنة‬ ‫وكشمير والجزائر والشيشان وفلسطين ‪ ..‬الخ‪ .‬إن الطريقة الوحيدة التي يمكن من خاللها تغيير هذه‬ ‫الظروف المؤلمة هي استرجاع سيادة اإلسالم في الحياة العامة للمسلمين وفي العالقات العالمية للعالم‬ ‫اإلسالمي‪ .‬وهذا األمر يتطلب استعادة دار اإلسالم والخالفة‪ .‬لذلك فنحن بحاجة إلى أن نبين من جديد‬ ‫شروط النظام اإلسالمي العام (دار اإلسالم) والمفهوم اإلسالمي للنظام العالمي‪ ،‬والى أن نبرهن على‬ ‫تفوقها الواضح على منافستها العلمانية التي جاءت من الحضارة الغربية‪.‬‬ ‫ونحن أيضا ً بحاجة إلى أن ندرك‪ ،‬كما يوضح هذا الكتاب‪ ،‬استحالة استعادة الخالفة‪ ،‬في الحاضر‬ ‫والمستقبل‪ ،‬مادام الحجاز تحت سيطرة التحالف السعودي – الوهابي‪ .‬وال يمكن استعادة القوة من دون‬ ‫تحرير الحرمين والحج من سيطرة أولئك الذين ساهموا بتدمير الخالفة‪.‬‬ ‫إن تحرير الحرمين والحج سيصبح ممكنا ً حين يتمزق التحالف السعودي – الوهابي‪ .‬وهنالك مؤشرات‬ ‫عن كون التحالف تحت ضغط شديد ويمكن أن ينهار‪ .‬فثمة الكثير من العلماء السعوديين في السجن اآلن‬ ‫أو في اإلقامة الجبرية‪ .‬والقضية التي ستودي بهذا التحالف في غالب الظن ستكون "اعتراف" السعودية‬ ‫بدولة إسرائيل اليهودية‪ ،‬وهنا تبرز أهمية مؤلفنا األخير بعنوان‪" :‬دين إبراهيم ودولة إسرائيل" الذي‬ ‫‪41‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫حللنا فيه‪ ،‬ومن وجهة نظر دينية إسالمية بحتة‪ ،‬معنى "االعتراف" بدولة إسرائيل اليهودية بالنسبة‬ ‫للمسلمين‪.‬‬

‫النهاية‬

‫المالحظات‬ ‫‪-6‬‬

‫‪-9‬‬

‫‪-9‬‬ ‫‪-1‬‬ ‫‪-1‬‬

‫‪-1‬‬

‫‪-7‬‬ ‫‪-2‬‬

‫‪-9‬‬

‫إيلي كيدوري‪ ،‬في الفصل المعنون "سقوط المدينة – كانون الثاني ‪( "6969‬اإلسالم في العالم‬ ‫المعاصر‪ ،‬هولت رينهارت ووينستون‪ ،‬ن ي‪ 6921 .‬الصفحات ‪ )977-91‬يعطي تفسيرا ً‬ ‫واضحا ً وتحليالً رائعا ً للدفاع البطولي للقائد العثماني فخري باشا حتى شهر كانون الثاني من‬ ‫عام ‪ 6969‬حينما تعرض للخيانة من بعض قطعاته‪.‬‬ ‫أهل الذمة هم أناس محميون غير مسلمين يسمح لهم باإلقامة في دار اإلسالم‪ .‬والجزية هي‬ ‫ضريبة مالية يفرضها القرآن على الناس الذين هزموا في الجهاد‪ ،‬والذين يرغبون في االستمرار‬ ‫باإلقامة في أراضيهم السابقة‪ .‬وإن الغرض من دفع هذه الضريبة المالية هو بيان خضوعهم‬ ‫لحكم اإلسالم في تلك األرض‪.‬‬ ‫"يا أيها الذين آمنوا (بالقرآن) ال تتخذوا اليهود والنصارى أولياء (أي ال تدخلوا في عالقة تحالف‬ ‫وتبعية مع اليهود والنصارى تعتمدون فيها عليهم من أجل أمانكم) القرآن (‪)1611‬‬ ‫توينبي أد ‪ ،‬استعراض الشؤون العالمية‪.6991 ،‬‬ ‫س ف‪ .‬بي‪ ،‬رستم‪" :‬مستقبل الدين اإلسالمي"‪ ،‬القرن التاسع عشر وما بعده‪ ،‬الجزء ‪ ،619‬رقم‬ ‫‪ 121‬حزيران ‪ ،6991‬الصفحات ‪ ،211-11‬حيث يناقش المفكر التركي الليبرالي المسألة بمقالة‬ ‫عقالنية‪.‬‬ ‫لمناقشة مثيرة عن الموضوع انظر توينبي‪ ،‬ا د‪ .‬استعراض الشؤون العالمية‪ ،6991 ،‬الجزء ‪6‬‬ ‫الصفحات ‪ ،12-16‬وخصوصا ً الصفحة ‪ .11‬وانظر أيضا الفصل الختامي لسيلفيا هايم في‬ ‫ارنولد‪ ،‬ت‪ .‬الخالفة‪ .‬طبعة منقحة‪ ،‬مطبعة جامعة اوكسفورد‪ 6911 ،‬الصفحات ‪.911-11‬‬ ‫النص التركي الرسمي في قوانين مجمواسي ‪ ،6911/6991‬رقم ‪ ،196‬أنقرة‪ .‬مطبعة الجمعية‬ ‫العمومية التركية‪ .‬الترجمة االنكليزية في استعراض‪ ،‬اوبسيت‪ ،‬الملحق ‪ )9( 66‬صفحة ‪.171‬‬ ‫"حسب الفقه السني فان تعيين إمام أو خليفة هو أمر ال غنى عنه ‪ ..‬ويقول االجتهاد التركي إننا‬ ‫إذا ما رجعنا إلى روح اإلسالم فان الخالفة أو اإلمامة يمكن أن تعهد إلى مجموعة أشخاص أو‬ ‫جمعية منتخبة (أي الجمعية العمومية التركية أو البرلمان)‪ .‬وأنا شخصيا ً أعتقد إن الرؤية التركية‬ ‫صائبة جداً‪ ".‬إقبال‪ ،‬م‪ .‬تجديد الفكر الديني في اإلسالم‪ .‬مطبعة جامعة اوكسفورد‪ .‬لندن‪6991 .‬‬ ‫الفصل‪" 1 .‬أساس الحركة في بناء اإلسالمي" صفحة ‪.619‬‬ ‫هذه الجماعة كان من المفترض أن تنشئ هيئة انتخابية افتراضية في النموذج اإلسالمي‬ ‫التقليدي‪ .‬وعلى الرغم من ذلك فعبر التاريخ اإلسالمي ظلت على الدوام تقريبا ً أساسا ً نظريا ً لم‬ ‫يكن له أي دور في عملية اتخاذ القرار المهم‪.‬‬ ‫‪42‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫إن هذا اإلعالن هو غاية في األهمية في سياق الجهود المبذولة في الوقت الراهن إلعادة‬ ‫‪-61‬‬ ‫تأسيس نظام إسالمي أصلي‪ .‬وهو يصور العيوب الفاضحة في فهم نظام القيادة اإلسالمي لدى‬ ‫ذلك المركز األعلى للتعليم اإلسالمي‪ .‬االستعراض الكامل للنص‪ ،‬وب‪.‬سيت‪ ،.‬الملحق ‪،666‬‬ ‫الصفحات ‪.171-2‬‬ ‫لقد كان المقترح غير مألوف تماما ً إلى حد إن كبير القضاة في إمارة شرق األردن‬ ‫‪-66‬‬ ‫رفضه لكونه بدعة مناقضة لتقاليد الدين األصلية‪ .‬االستعراض‪ ،‬وب‪ .‬سيت‪ ،.‬صفحة ‪.21‬‬ ‫"حينما ألغت الجمعية العمومية الوطنية في أنكورا (أنقرة) الخالفة العثمانية وحينما‬ ‫‪-69‬‬ ‫أخرج الوهابيون الساللة الهاشمية الحاكمة خارج الحجاز‪ ،‬كان االتجاه العام في العالم اإلسالمي‬ ‫أن يتم التعامل مع الوضع باستخدام الطريقة الغربية الحديثة بعقد مؤتمر عالمي وليس باستخدام‬ ‫الطريقة اإلسالمية في الدعوة إلى حرب مقدسة‪ ".‬االستعراض‪ ،‬وب‪ ،‬سيت‪ ،.‬صفحة ‪.91‬‬ ‫تدعي سيلفيا هايم أنه لم تكن هنالك أدلة كافية إلثبات أن المؤتمر قد ُخطط له وشُجع‬ ‫‪-69‬‬ ‫عليه من خالل تحريض الملك فؤاد الذي كان يرغب سرا ً في الحصول على منصب الخليفة‪ .‬إال‬ ‫إن ذلك لم يكن ممكنا ً بسبب المعارضة داخل وخارج مصر‪ .‬س ف أرنولد‪ ،‬وب‪ .‬سيت‪.‬‬ ‫الصفحات ‪ .916-9‬وفيما قد يكون ذلك صحيحا ً فان الموقف العام لفؤاد كان عدم الرغبة في‬ ‫الخالفة‪ .‬فقد حافظ رئيس وزرائه سعد زغلول على حيادية مدروسة حيال هذا الموضوع‪.‬‬ ‫إن النص الحرفي لسجل المؤتمر قد ترجم إلى الفرنسية ونشره أ‪ .‬سيكالي في ريفو دو‬ ‫‪-61‬‬ ‫موند مسلمان‪ ،‬الجزء ‪ – 6‬الصفحة ‪ ،61‬باريس ‪ .6991‬وهذا النص هو الذي استخدمه الكاتب‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى اإلشارة إلى إن الخالفة كانت ضرورية من أجل "تطبيق األحكام والحدود‬ ‫‪-61‬‬ ‫والمرابطة وتجهيز الجيوش ‪ ..‬الخ" فان اللجنة وجدت إن نقل حديثين للنبي كان مهما ً بصورة‬ ‫كافية‪" :‬من مات ولم يعرف خليفة زمانه مات ميتة جاهلية" و "من مات وليس في عنق بيعة‬ ‫مات ميتة جاهلية" استعراض ‪ ،‬وب‪ .‬سيت‪ ،‬الصفحات ‪.71-1‬‬ ‫المصدر السابق‪ .‬الصفحات ‪ .71-1‬وقد تجاهلت اللجنة بفعلها هذا آراء المعتزلة الذين‬ ‫‪-61‬‬ ‫اعتبروا الخالفة أمرا ً ضرورياً‪ ،‬والخوارج الذين تبنوا الرأي الذي يقول بعدم الحاجة إلى‬ ‫الخالفة‪ .‬واختارت اللجنة أيضا ً تجاهل الرأي الذي وضحه الشيخ علي عبد الرزاق‪ ،‬خريج‬ ‫األزهر‪ ،‬الذي ناقش في بحث له نشر في مصر إن الخالفة لم تكن ضرورة في اإلسالم‪ .‬وقد‬ ‫أثارت آراؤه نوعا ً من الهياج في مصر‪.‬‬ ‫االستعراض وب‪ .‬سيت‪ ،‬الصفحات ‪.71-7‬‬ ‫‪-67‬‬ ‫وقد أصبح شيخ األزهر في عام ‪6999‬‬ ‫‪-62‬‬ ‫االستعراض وب‪ .‬سيت‪ ،‬الصفحات ‪.77-2‬‬ ‫‪-69‬‬ ‫(القرآن ‪)1211‬‬ ‫‪-91‬‬ ‫وقد تمت اإلشارة إلى مثل هذه السلطات كما يذكر الماوردي (األحكام السلطانية)‬ ‫‪-96‬‬ ‫والغزالي (إحياء علوم الدين)‪ .‬ولمزيد من التفصيل عن آراء العلماء انظر آرنولد‪ ،‬ت‪ .‬وب‪.‬‬ ‫سيت‪.‬‬ ‫لقد عين الخليفة الخامس‪ ،‬معاوية‪ ،‬ابنه‪ ،‬يزيد‪ ،‬كخليفة له وقد خلفه بالفعل‪ .‬وقد تحدى‬ ‫‪-99‬‬ ‫الحسين‪ ،‬حفيد النبي‪ ،‬صحة خالفة يزيد ودفع حياته ثمنا ً لذلك‪ .‬والكثير من المسلمين ال يهتمون‬ ‫بمتابعة مثال الحسين في القرون الالحقة‪.‬‬ ‫‪43‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫االستعراض وب‪ .‬سيت‪ ،‬صفحة ‪619‬‬ ‫‪-99‬‬ ‫نفس المصدر صفحة ‪ .612‬ويمكن ايجاد النص الكامل لتقرير اللجنة الثالثة في‬ ‫‪-91‬‬ ‫استعراض‪ ،‬وب‪ .‬سيت‪ .‬الملحق ‪ ،1‬الصفحات ‪172-26‬‬ ‫نفس المصدر‪ ..‬صفحة ‪611‬‬ ‫‪-91‬‬ ‫استعراض‪ ،‬وب‪ ،‬سيت‪ ،‬صفحة ‪611‬‬ ‫‪-91‬‬ ‫استعراض‪ ،‬وب‪ ،‬سيت‪ ،‬صفحة ‪611‬‬ ‫‪-97‬‬ ‫نفس المصدر ‪ ..‬صفحة ‪617‬‬ ‫‪-92‬‬ ‫يمكن العثور على الفقرة في استعراض‪ ،‬وب‪ .‬سيت‪ ،.‬صفحة ‪" ،612‬وريع هذا‪، "..‬‬ ‫‪-99‬‬ ‫وفي االستعراض‪ ،‬وب‪،‬سيت‪ ،.‬صفحة ‪ "،121‬ويتابعه من األعلى‪"..‬‬ ‫يوجد نص القرار في استعراض‪ ،‬وب‪،‬سيت‪ ،‬صفحة ‪ .662‬واستعراض‪ ،‬وب‪،‬سيت‬ ‫‪-91‬‬ ‫الصفحات ‪91-29‬‬ ‫س‪.‬ف‪ .‬فاروقي‪ ،‬كمال‪" :‬خطوات نحو الوحدة اإلسالمية"‪ .‬آفاق باكستان‪ .‬الجزء ‪،91‬‬ ‫‪-96‬‬ ‫رقم‪ ،9‬الصفحات ‪ 69-9‬حيث يفسر هذا البديل للخالفة‪ ،‬أو للعصر اإلسالمي‪ ،‬الذي هو العالمية‬ ‫اإلسالمية – التي تعتمد على الوحدة في عقائد المسلمين العامة وأعمالهم‪ .‬ويتجاهل فاروقي‪ ،‬مع‬ ‫ذلك‪ ،‬الحقيقة الواضحة جدا ً في إن الخالفة قد ُوجدت واكتسبت شرعيتها من عقائد وأعمال‬ ‫المسلمين‪.‬‬ ‫فاروقي‪ ،‬وب‪،‬سيت‪ ،‬الصفحات ‪69-9‬‬ ‫‪-99‬‬ ‫المسلمون السنة يقرون بأن المدارس الفقهية األربعة متساوية في شرعيتها‪.‬‬ ‫‪-99‬‬ ‫حتى قيام الثورة اإلسالمية اإليرانية‪ ،‬كان السعوديون – الوهابيون قد نجحوا في كسب‬ ‫‪-91‬‬ ‫هذا االعتراف من جميع حكومات الدول القومية اإلسالمية‪ .‬وعلى الرغم من ذلك فما يزال ثمة‬ ‫استياء ال يستهان به بين جموع المسلمين‪.‬‬ ‫استعراض‪ ،‬وب‪ ،‬سيت‪ ،‬صفحة ‪692‬‬ ‫‪-91‬‬ ‫نفس المصدر السابق‬ ‫‪-91‬‬ ‫لقد كان من التناقضات العجيبة أن تقوم حركة الخالفة الهندية بمقاطعة مؤتمر الخالفة‬ ‫‪-97‬‬ ‫في القاهرة في أيار وتحضر مؤتمر العالم اإلسالمي في مكة في حزيران والذي استبعد من‬ ‫جدول أعماله على وجه الخصوص مسألة الخالفة‬ ‫إن هذه المقاالت ستكون مادة للقراءة الممتعة إذا ما نشرت اليوم‪.‬‬ ‫‪-92‬‬ ‫إشارة إلى عالقات حسين مع البريطانيين‬ ‫‪-99‬‬ ‫استعراض‪ ،‬وب‪ ،‬سيت‪ ،‬الصفحات ‪696 - 692‬‬ ‫‪-11‬‬ ‫استعراض‪ ،‬وب‪ ،‬سيت‪ ،‬الصفحات ‪692 - 96‬‬ ‫‪-16‬‬ ‫استعراض‪ ،‬وب‪ ،‬سيت‪..‬‬ ‫‪-19‬‬ ‫على سبيل المثال‪ ،‬فقد أقر المؤتمر مشروع بناء خطين للسكة الحديد من جدة إلى مكة‬ ‫‪-19‬‬ ‫ومن ينبع إلى المدينة على الرغم من المعارضة الشديدة لموفدي الحجاز "الذين كان لديهم‬ ‫اعتراضات دينية ضد إنشاء السكك الحديد في بالد اعتمدت حياتها على البعير‪ ".‬استعراض‪،‬‬ ‫وب‪ ،‬سيت‪ ،‬صفحة ‪ .699‬كم تمنى المرء لو إن العلماء السعوديون بنوا اعتراضاتهم على السكة‬ ‫الحديد في سياق كونها ستحل محل نمط من أنماط النقل قد خلقه هللا‪ .‬ولكانت السلطات السعودية‬ ‫‪44‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫حينئذ مدركة للخطر الذي تشكله التقنية الحديثة والستطاعت أن تشترط إبقاء نمط النقل الطبيعي‬ ‫إلى جانب النقل الميكانيكي‪.‬‬ ‫نص القرار موجود في استعراض‪ ،‬وب‪ ،‬سيت‪ .‬الصفحات ‪ .917-2‬وامتنعت مصر‬ ‫‪-11‬‬ ‫وتركيا وأفغانستان عن التصويت‪.‬‬ ‫يقول توينبي‪ ..." :‬إن أحد آثار الحرب في عام ‪ 62 – 6961‬كان إبعاد األتراك عن‬ ‫‪-11‬‬ ‫الجزيرة العربية وامتداد دائرة النفوذ البريطاني ليشمل كامل الجزيرة العربية (استعراض‪ ،‬وب‪.‬‬ ‫سيت‪ ..‬الصفحات ‪)979‬‬ ‫ولكن من المهم جدا ً أن نالحظ أن في هذا االنجاز البريطاني الفريد والخطير والذي كان نتيجة لعصيان‬ ‫أمر النبي للمرة األولى خالل ثالثة عشر قرناً‪ ،‬تلقت بريطانيا المساعدة والدعم من حسين وابن سعود‬ ‫كليهما‪ .‬وبالطبع أراد كل منهما ثمنا ً لخدماته التي قدمها لبريطانيا‪ .‬ففي الواقع قاتلت قوات حسين العربية‬ ‫مع البريطانيين ضد األتراك‪ .‬أما حيادية ابن سعود الطيبة في هذا الصراع فقد زادت من فرص نجاح‬ ‫بريطانيا‪ .‬وحتى حلول عام ‪ 6991‬حين توقفت دفعاته الشهرية من البريطانيين‪ ،‬كان حسين قد تسلم مبلغا ً‬ ‫قدره حوالي ستة ماليين جنيها ً إسترلينياً‪ .‬أما ابن سعود‪ ،‬الذي تسلم مبلغا ً أكثر تواضعا ً من الحكومة‬ ‫البريطانية وقدره ‪ 911,111‬جنيها ً بمعدل ‪ 1111‬جنيه شهرياً‪ ،‬فقد فسر األمر بصورة شيطانية على إنه‬ ‫جزية (الضريبة التي يدفعها غير المسلمين المقيمين على أرض دار اإلسالم)"‪ .‬استعراض‪ ،‬وب‪ .‬سيت‪..‬‬ ‫صفحة ‪.979‬‬ ‫وكانت بريطانيا (قوة االنتداب في إمارة شرق األردن) هي التي ألحقت معن والعقبة بإمارة شرق األردن‬ ‫في عام ‪ .6991‬وعلى الرغم من احتجاج الملك حسين السابق على هذا اإللحاق من منفاه في قبرص‬ ‫وقيام ابن سعود بتحريك مؤتمر العالم اإلسالمي لتبني قرار احتجاج على ذلك اإللحاق‪ ،‬فقد كان‬ ‫التصرف البريطاني بوضوح أمرا ً مقضياً‪.‬‬ ‫ومن المثير أن نالحظ إن أمر النبي (صلى هللا عليه وسلم) لو لم يخالفه حسين وابن سعود في مساعدتهم‬ ‫الضالة للبريطانيين في محاولة لتخليص شبه الجزيرة من النفوذ العثماني‪ ،‬لما كان من الممكن تنفيذ‬ ‫إعالن بلفور وال تأسيس الدولة الصهيونية في فلسطين المسلمة‪ .‬ومن المثير أن نالحظ أيضا ً أن العقبة لو‬ ‫بقيت تحت السيطرة الحجازية‪ ،‬لكانت العربية السعودية دولة الخط األمامي في الصراع المعاصر في‬ ‫الشرق األوسط‪ .‬ولعل التاريخ يكشف في يوم من األيام أن أحد أسباب اإللحاق البريطاني لمعن والعقبة‬ ‫كان خلق فاصل بين أرض قلب اإلسالم المتقلبة وبين الوطن القومي اليهودي في فلسطين الذي صوره‬ ‫إعالن بلفور‪ .‬وينبغي أن يكون من الجلي إن حدوث مواجهة مباشرة بين الحجاز (اآلن جزء من العربية‬ ‫السعودية) وبين الوطن القومي اليهودي في فلسطين (اآلن دولة إسرائيل) سيثير مشاعر إسالمية ال يمكن‬ ‫السيطرة عليها‪ ،‬األمر الذي ال يزال يشكل التهديد الحقيقي الوحيد لبقاء الدولة الصهيونية‪.‬‬ ‫من الخطأ التأكيد (كما يفعل المؤتمر اإلسالمي العالمي في كراتشي اآلن) على إن‬ ‫‪-11‬‬ ‫المؤتمر اإلسالمي المنعقد في القدس في عام ‪ 6996‬كان الجلسة الثانية لمؤتمر العالم اإلسالمي‬ ‫(األولى انعقدت في مكة عام ‪ .)6991‬أوالً الن مؤتمر القدس اختار لنفسه اسما ً مختلفا ً عن‬ ‫"مؤتمر العالم اإلسالمي"‪ .‬والمادة األولى لنظام المؤتمر الداخلي سمته بـ "المؤتمر اإلسالمي‬ ‫العام"‪ .‬ثانياً‪ ،‬لقد تبنى المؤتمر نظاما ً داخليا ً خاصا ً به – مختلفا ً عن نظام المؤتمر اإلسالمي‬ ‫العام‪.‬‬ ‫‪45‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫مات محمد علي جوهر فعالً في لندن حيث كان يشارك في مؤتمر الطاولة المستديرة‬ ‫‪-17‬‬ ‫بخصوص الهند‪ .‬وقد تحرك الفلسطينيون من أجل أن يدفن في الحرم الشريف كاعتراف بعظمته‬ ‫من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى لكسب دعم هندي أكبر في الصراع ضد الصهيونية وقوة "االنتداب"‬ ‫البريطانية‪.‬‬ ‫ثمة رابط مهم بين السابع والعشرين من رجب وبين المسجد األقصى وبين حائط‬ ‫‪-12‬‬ ‫المبكى‪ ،‬وهو رابط يثير المشاعر بقوة كبيرة في العالم اإلسالمي‪ .‬وتفسير ذلك كما يلي‪ :‬إن‬ ‫السورة السابعة عشر من القرآن‪ ،‬بعنوان "سورة بني إسرائيل"‪ ،‬تستهل بآية تشير إلى الرحلة‬ ‫الليلية اإلعجازية للنبي محمد من المسجد الحرام في مكة إلى المسجد األقصى في القدس الذي‬ ‫بارك هللا المناطق المتاخمة له‪ ،‬حسب اآلية‪ ،‬حينما أخذه هللا في رحلة كي يريه بعضا ً من‬ ‫"آياته"‪.‬‬ ‫وتفيد األحاديث إن النبي حينما وصل إلى األقصى صلى إماما ً بجميع األنبياء‪ .‬وبعد ذلك عرج به‬ ‫إلى السماء وتشرف بمراسيم الدخول إلى تجل خاص هلل‪ .‬ويمثل حائط المبكى أو الحائط الغربي‬ ‫جز ًء من الحرم الشريف الذي يضم المسجد األقصى إضافة إلى البقعة التي بدأت منها رحلة معراج‬ ‫النبي‪ .‬ويعتقد عموما ً إن هذه الرحلة حدثت في ‪ 97‬رجب‪( .‬مشكاة المصابيح) ‪ ،‬الترجمة االنكليزية‬ ‫لجيمس روبسون‪ ،‬الهور‪ ،‬شيخ محمد أشرف‪ ،6971 ،‬الجزء ‪ ،9‬الفصل ‪ ،99‬الكتاب ‪ 91‬الصفحات‬ ‫‪.6911 – 71‬‬ ‫كيب‪ ،‬هـ ‪ .‬أ ‪ .‬ر‪" ،‬المؤتمر اإلسالمي في القدس في كانون األول عام ‪".6996‬‬ ‫‪.19‬‬ ‫استعراض الشؤون العالمية‪ ،‬لندن‪ ،‬مطبعة جامعة أوكسفورد‪ .6991 ،‬صفحة ‪.619‬‬ ‫نيلسن‪ ،‬أ‪" .‬المؤتمر اإلسالمي في القدس‪ ".‬العالم اإلسالمي‪ ،‬تشرين األول ‪،6999‬‬ ‫‪.11‬‬ ‫الجزء ‪ 99‬صفحة ‪.912‬‬ ‫كان الملك فؤاد على وجه الخصوص قلقا ً جدا ً حيال اإلشاعات التي تقول بأن مسألة‬ ‫‪.16‬‬ ‫الخالفة ستناقش وحيال تصريح الخليفة أن على المفتي العام زيارة القاهرة شخصيا ً ليؤكد شفويا ً‬ ‫وتحريريا ً على إن المسألة لن تناقش‪ .‬أما بالنسبة للمال شوكت علي‪ ،‬من الناحية األخرى‪ ،‬فلم‬ ‫تكن هنالك مسألة خالفة طالما أنه باق على اعترافه بخالفة "عبد المجيد"‪( .‬آرنولد‪ ،‬ت ‪ .‬وب‪.‬‬ ‫سيت‪ ..‬الصفحات ‪.)916-1‬‬ ‫في النظام اإلسالمي يبدأ اليوم بالغروب وينتهي بالغروب التالي‪ .‬لذا فإن ‪ 97‬رجب (أو‬ ‫‪.19‬‬ ‫ليلة المعراج) لم تبدأ حتى غروب شمس ‪ 1‬كانون األول‪.‬‬ ‫كيب‪ ،‬هـ ‪ .‬أ ‪ .‬ر‪ ،‬وب‪ .‬سيت‪ ..‬صفحة ‪ .611‬لقد تم إحياء مؤتمر القدس في عام ‪6991‬‬ ‫‪.19‬‬ ‫وعقدت ثالثة مؤتمرات في األعوام ‪ 6991‬و ‪ 6911‬و ‪ .6911‬ولم تنعقد مجددا ً أبدا ً منذ ‪.6911‬‬ ‫وسبب ذلك يرجع بصورة جزئية إلى إن رئيس مؤتمر القدس‪ ،‬الحاج أمين الحسيني‪ ،‬أصبح‬ ‫رئيسا ً لمؤتمر العالم اإلسالمي الذي تم إحياؤه أيضاً‪ .‬وقد فضل أن يعمل مع المنظمة األخيرة‬ ‫طالما إنها تمتعت بالدعم السياسي من حكومة باكستان وبالدعم المالي من الحكومة السعودية‪.‬‬ ‫كيب‪ ،‬وب‪ .‬سيت‪ ،.‬صفحة ‪.619‬‬ ‫‪.11‬‬ ‫نيلسن‪ ،‬وب‪ .‬سيت‪ ،.‬صفحة ‪919‬‬ ‫‪.11‬‬ ‫نفس المصدر السابق‬ ‫‪.11‬‬ ‫‪46‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬ ‫نيلسن‪ ،‬وب‪ .‬سيت‪ ،.‬صفحة ‪919‬‬ ‫‪.17‬‬ ‫النص الكامل للتقرير الملحق بحائط المبكى أو الحائط الغربي الفلسطيني‪ ،‬النظام في‬ ‫‪.12‬‬ ‫المؤتمر ‪ 6996‬كما في جدول ‪ 6‬و ‪ .9‬انظر األنظمة والتعليمات القانونية لعام ‪ .6996‬هـ م‬ ‫مكتب الوثائق‪ ،‬لندن‪ .6999 .‬الصفحات ‪.119 – 1‬‬ ‫لقد تم شرح هذا التصرف بصورة أكثر قسوة خالل الفترة مابين ‪ 6917 – 6912‬حينما‬ ‫‪.19‬‬ ‫كانت القدس الشرقية تحت النفوذ األردني‪ .‬حيث منع اليهود من الصالة عند حائط المبكى‪.‬‬ ‫"إن األراضي العربية هي كل ال يتجزأ‪ ،‬وإن أي تقسيم من أي نوع تعرضت له هذه‬ ‫‪.11‬‬ ‫األراضي فان األمة العربية ال تقره وال تعترف به‪ "..‬كيب‪ ،‬وب‪ .‬سيت‪ .‬صفحة ‪ 617‬ف ن‪.‬‬ ‫س ف‪ .‬مارمورستاين‪ ،‬إيمل‪" :‬المعارضة الدينية للقومية في الشرق األوسط‪ ".‬الشؤون‬ ‫‪.16‬‬ ‫العالمية‪ ،‬تموز ‪ ،6919‬الصفحات ‪.917-911‬‬ ‫ومن بين اليهود المحافظين كان العالم البروفيسور يعقوب دي حان‪ .‬وتم قتله على أيدي‬ ‫‪.19‬‬ ‫الصهاينة بسبب استنكاره الالذع للصهيونية‪ .‬وفي لقاء معه في منتصف العشرينات شرح وجهة‬ ‫نظره كما يلي‪:‬‬ ‫"هل تعتقد إن التاريخ ليس إال سلسلة من األحداث؟ ال أعتقد‪ ....‬فالصهاينة يعانون من نفس العمى‬ ‫الروحي الذي تسبب بانهيارنا‪ .‬فإن ألفي سنة من النفي اليهودي والحزن لم تعلمهم شيئاً‪ .‬وبدالً من‬ ‫محاولة فهم األسباب العميقة لتعاستنا‪ ،‬فإنهم يحاولون اللف حولها‪ ،‬ببناء "وطن قومي" على أسس‬ ‫جاءت بها سياسات القوى الغربية‪ .‬وأثناء عملية بناء ذلك "الوطن القومي" فإنهم يرتكبون جريمة‬ ‫إخراج شعب آخر من وطنه"‪ .‬أسد‪ ،‬محمد‪ ،‬الطريق إلى مكة‪ .‬الصفحات ‪.29 – 9‬‬ ‫"يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا اليهود والنصارى أولياء (أي ال تلجئوا إليهم لغرض‬ ‫‪-19‬‬ ‫التحالف األمني وال تقيموا عالقات اعتماد وخضوع معهم"‪ .‬القرآن (‪)1611‬‬ ‫الشرق األدنى والهند‪ 91 .‬كانون األول‪ .6996 ،‬صفحة ‪127‬‬ ‫‪-11‬‬ ‫كان شوكت علي حزينا ً حيال تشكيل اللجنة ورفض أن يعمل فيها‪ .‬وقد استخدم الحاج‬ ‫‪-11‬‬ ‫أمين أغلبيته الستبعاد الخصوم الذين كان من بينهم رجال أكفاء‪.‬‬ ‫نجحت اللجنة التنفيذية في التوسط في حرب دامت سبعة أسابيع بين العربية السعودية‬ ‫‪-11‬‬ ‫واليمن‪ .‬وتم أخيرا ً توقيع معاهدة إلنهاء الحرب‪.‬‬ ‫كان عبد هللا يوسف علي أديبا ً عبقرياً‪ .‬وكان تفسيره للقرآن عمالً أدبيا ً مدهشاً‪ .‬إال إنه‬ ‫‪-17‬‬ ‫كان ساذجا ً نوعا ً ما في فهمه للتوجيهات السياسية واالقتصادية في القرآن‪ .‬وقاده والؤه الكامل‬ ‫والثابت للحكومة البريطانية إلى تركيبة عقلية جعلته عاجزا ً عن إدراك الحقيقة األساسية في إن‬ ‫هللا أرسل الدين اإلسالمي الكامل ليكون المهيمن على الحياة الخاصة والعامة كلتيهما‪ .‬وقد فشل‬ ‫أيضا ً في إدراك إن الفائدة المصرفية هي ربا‪ .‬انظر كتاب م ‪ .‬أ ‪ .‬شريف عن السيرة الذاتية لعبد‬ ‫هللا يوسف علي بعنوان‪" :‬البحث عن السلوان"‪ .‬نتاجات الكتاب اإلسالمي‪ .‬كواال المبور‪.6991 .‬‬ ‫(نتاجات الكتاب اإلسالمي‪ 9 ،‬لورانج ‪6‬أ ‪ 76 /‬ج‪ ،‬جاالن كاري‪ 11111 ،‬بيتالينك جايا‪،‬‬ ‫ماليزيا)‬

‫‪47‬‬


‫الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية‪ -‬الوهابية‬

‫عن المؤلف‬ ‫عمران ن‪ .‬حسين ولد في جزيرة ترينداد‪ ،‬جزر الهند الغربية‪ .‬درس اإلسالم تحت إشراف العالم‬ ‫اإلسالمي الصوفي الشيخ المال الدكتور محمد فضل الرحمن األنصاري في معهد العليمية للدراسات‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬كراتشي‪ ،‬وأمضى سنة دراسية واحدة في جامعة األزهر‪ ،‬القاهرة‪ .‬درس الفلسفة في جامعة‬ ‫كراتشي ودرس العالقات العالمية في جامعة جزر الهند الغربية ومعهد الدراسات العالمية‪ ،‬جنيف‪.‬‬ ‫موظف سابق في وزارة الخارجية في ترينداد وتوباغو‪ ،‬واستقال من عمله في عام ‪ 6921‬ليكرس حياته‬ ‫لخدمة اإلسالم فعمل مديرا ً لمعهد العليمية للدراسات اإلسالمية حتى عام ‪ 6922‬حينما سافر إللقاء‬ ‫محاضراته اإلسالمية في جنوب شرق آسيا وأمريكا الشمالية والجنوبية وجزر الكاريبي‪ .‬ومنذ عام‬ ‫‪ 6996‬وهو يعمل في خدمة اإلسالم في نيويورك في مسجد دار القرآن في لونغ آيالند‪.‬‬ ‫وكمؤلف في األديان المقارنة فقد أنتج كتابا ً عن "اإلسالم والبوذية" نشر في باكستان عام ‪.6979‬‬ ‫وتضمنت أعماله عن اإلسالم والعالقات الخارجية "الدبلوماسية في اإلسالم – تحليل لمعاهدة الحديبية" و‬ ‫"الحرب والسلم في اإلسالم" و "اإلسالم والنظام العالمي الجديد" و "نبي اإلسالم في القدس – األهمية‬ ‫اإلستراتيجية لإلسراء والمعراج" ‪..‬الخ‪ .‬ونشرت مجموعة من كتاباته التي تضمنت مواضيع مثل‬ ‫"األحالم في اإلسالم" و "من مكة إلى المدينة مرة أخرى" و "القوات الغربية في الجزيرة العربية –‬ ‫رؤية إسالمية" ‪ ..‬الخ في سنغافورة عام ‪ 6991‬بعنوان "اإلسالم والنظام العالمي المتغير"‪.‬‬ ‫والسلسلة الحالية لكتاباته في مجموعة األنصاري التذكارية تحتوى على العناوين الثالثة التالية‪" :‬دين‬ ‫إبراهيم ودولة إسرائيل – نظرة من القرآن" و "الخالفة والحجاز والدولة القومية السعودية الوهابية" و‬ ‫"أهمية تحريم الربا في اإلسالم"‬

‫‪48‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.