أسس التصميم الحضري في الإسكان وتخطيط الأحياء السكنية بمدينة ينبع الصناعية

Page 1

‫الدبداع والتميز في تخطيط المدن‬ ‫أسس التصميم الحضري في السكان وتخطيط اليحياء السكنية بمدينة ينبع الصناعية‬ ‫م‪.‬عبدالحفيظ عوض يحفظ ا‬ ‫كلية تصاميم البيئة ‪ -‬جامعة الملك عبدالعزيز ‪ -‬ص‪.‬ب ‪ 9027‬جدة ‪21413‬‬ ‫ملخص البحث‪:‬‬ ‫تهدف الورقة إلى استكشاف أسس التصميم الحضري والجوانب النظرية المطبقة في السكان‬ ‫ومخططات اليحياء السكنية في مدينة ينبع الصناعية وتقييمها من خل ل مقارنتها بالنماذج السائدة ثم‬ ‫إبراز جوانب التميز والبداع فيها والعوامل التي ساعدت في تحقيق ذلك التميز والبداع ثم البحث في‬ ‫إمكانية تطبيقها في المخططات السكنية في المناطق الحضرية ‪.‬‬ ‫على ضوء ما سبق فإن الورقة تتكون من أربعة أجزاء ‪ ،‬الجزء الو ل مقدمة والجزء الثاني تحديد‬ ‫ومناقشة خمسة جوانب من أهم اهتمامات التصميم الحضري تتضمن محاولة لستكشاف أسس‬ ‫التصميم الحضري المطبقة في تصميم اليحياء السكنية والسكان وأنظمة تجميع السكان من خل ل‬ ‫تلك الجوانب الخمس وهي النمط الفراغي العمراني ‪ ،‬المفردات الحسية العمرانية والقيم الجمالية ‪،‬‬ ‫الشخصية المعمارية للسكان وتميز كتلها ‪ ،‬المعالجة البيئية وتنسيق الحدائق والفراغات ‪ ،‬وقوة‬ ‫النطباع التصوري البصري بالتركيز على مقارنة النماط النحنائية المطبقة في مدينة ينبع بالنمط‬ ‫الشبكي التقليدي ‪ .‬الجزء الثالث ويناقش تصميم الحي السكني بمدينة ينبع كنموذج للتصميم‬ ‫الحضري بتسليط الضوء علي عاملين أساسيين ساعدا علي تميز المدينة وهما تبني لئحة خاصة‬ ‫بالممارسة المهنية و تطبيق تلك اللئحة ثم معرفة إمكانية تطبيق تلك السس في المناطق الحضرية‬ ‫بالمملكة العربية السعودية ‪ .‬والجزء الرابع يتضمن خلصة البحث ‪.‬‬ ‫‪ -1‬مقدمة‬ ‫تعتبر مدينتي ينبع والجبيل من الحالت النادرة والمحدودة عالميا كمدن أنشئت بتخطيط مسبق على‬ ‫أرض فضاء ‪ ،‬أتبعت فيها نظم وأساليب التصميم الحضري الحديثة بمنهجية علمية استنادا إلى السس‬ ‫المهنية والنظريات الحديثة التي يتطلع إلى تطبيقها البايحثون والكاديميون واقعا معاشا ومشاهدا‬ ‫للعيان ‪ ،‬وبناءا على ذلك يمكن بسهولة الحكم قياسا إلى تلك النظريات والساليب التعرف على مدى‬ ‫فاعليتها ونجايحها في إيجاد بيئة عمرانية مميزة ومقدرتها في وضع الحلو ل التصميمية البداعية ‪.‬‬ ‫إن تصميم أي منطقة سكنية أو خلفها ينبغي أن يوضع على تصور مسبق تتكامل فيه كافة عناصره‬ ‫ومكوناته بطريقة يتم معها التعرف على كيف يمكن أن تبدو المنطقة بتفاصيلها بعد تنفيذ المخطط‬ ‫ومعرفة الثر البيئي والجمالي والحسي والنفسي الذي يمكن أن يحدثه ذلك التصميم على سكانه‬ ‫وزائريه ‪ ،‬وهذا من أهم اهتمامات التصميم الحضري ‪ .‬ويقع التصميم الحضري في منطقة وسطى بين‬ ‫مجموعة اختصاصات مهنية أهمها العمارة وعمارة البيئة والتخطيط الحضري بحيث يصعب معها فصل‬ ‫الجوانب الدقيقة لكل من هذه التخصصات على يحده داخل ذلك المجا ل ‪ .‬وينبثق من هذا التحاد‬ ‫مجموعة من القواعد والنظريات التي تنسب تحديدا إلى التصميم الحضري أكثر من أن تنسب إلى أي‬ ‫تخصص آخر ‪ .‬والجوانب التي يختص بها التصميم الحضري عديدة اتجه البايحثون إلى تصنيفها بطرق‬ ‫شتى وقد تناو ل بعضهم على معظمها وركز بعضهم على جوانب بعينها ‪ .‬قد يطلق بايحث ما مصطلحا‬ ‫محددا على جانب من تلك الجوانب يطلق عليها بايحث آخر مسمى مختلفا إل أن المفاهيم غالبا ما‬ ‫تكون متقاربة ‪ .‬ولهذا التخصص أهداف تصميمية أهمها السعي لتوفير بيئة عمرانية مميزة وجذابة‬ ‫تستجيب لكافة المتطلبات النسانية المكانية الوظيفية والنفسية والمؤثرات البيئية وتتنوع فيها القيم‬


‫الجمالية وتتناسق فيها عناصر البيئة المبنية من منشئات ومحاور مرورية وأفنية وفراغات ‪ .‬وانطلقا من‬ ‫ذلك فانه سيتم التركيز في هذه الورقة على خمسة جوانب تعتبر هي من أهم اهتمامات التصميم‬ ‫الحضري هي )‪ (1‬النمط الفراغي العمراني )‪ (2‬المفردات الحسية العمرانية والقيم الجمالية )‪(3‬‬ ‫الشخصية المعمارية للسكان وتميز كتلها )‪ (4‬المعالجة البيئية وتنسيق الحدائق والفراغات )‪ (5‬قوة‬ ‫النطباع التصوري البصري ‪ ،‬وذلك بالنسبة للمنطقة السكنية والسكان و تخطيط اليحياء السكنية‬ ‫لمدينة ينبع الصناعية ‪.‬‬ ‫‪ -2‬النمط الفراغي العمراني‬ ‫‪ 2-1‬النماط النحنائية مقارنة بالنمط الشبكي‬ ‫يتجه تخطيط مدينة ينبع أن يكون أقرب إلى نمط التخطيط الشبكي القطري بالنسبة للمحاور المرورية‬ ‫الرئيسية للمنطقة السكنية مع منحنيات كبيرة تتناسب مع الوظيفة المرورية لتلك المحاور والسرعة‬ ‫التصميمية لها وتساعد على كسرالرتابة البصرية مما يقوي النطباع البصري للمدينة ويؤدي إلى تنوع‬ ‫المناظر على طو ل المحاور ‪ .‬أما بالنسبة للمحاور الثانوية فإن النحناءات تزداد فيها كاستجابة تصميمية‬ ‫طبيعية لتدني السرعة فيها عن سابقتها ‪ .‬أما الشوارع من المرتبة الثالثة فيغلب عليها النمط‬ ‫القوسي )‪ (Loop system‬إذ أن من مميزات هذا النوع محدودية المداخل والمخارج انسجاما مع‬ ‫محدودية المستخدمين لها ‪ .‬أما بالنسبة للطرق من المرتبة الرابعة وهي الشوارع المؤدية إلى‬ ‫مداخل الويحدات السكنية مباشرة فإنه يغلب عليها نوع النهايات المغلقة أو الزقة الغير نافذة )‪Cel-de-‬‬ ‫‪ (sac‬وهذا النوع كما هو معروف يساعد على الفصل المروري بين المشاه ويحركة السيارات وايحد‬ ‫الساليب التخطيطية لتوفير عنصر المن والسلمة داخل المنطقة السكنية )أنظر الشكا ل ‪. (1،2،3‬‬ ‫وقد طبق هذا النوع كل من كلرنس أستين وهنرى رايت كأيحد أهم الحلو ل التخطيطية الحديثة الفعالة‬ ‫فيما يعرف بالسوبر بلوك وقد تم تطبيقه في رادبيرن بنيوجرســــــــي )‪DeChiara, & Koppelman,‬‬ ‫‪ . (1982‬وتخدم الزقة غير النافذة مجموعة صغيرة من الويحدات السكنية موفرة بذلك درجة عالية من‬ ‫الخصوصية لسكان تلك المجموعة ‪ ،‬وغالبا ما تجمع بين تلك الويحدات فناء في شكل ملعب أطفا ل‬ ‫ومواقف سيارات تربط بين تلك الويحدات اجتماعيا ‪.‬‬ ‫يبدو واضحا في لمسات الحلو ل التصميمية لمدينة ينبع التأثر إلى يحد ما بأفكار ابنيزا هاوارد التي‬ ‫صاغها فيما يعرف بالمدينة الحديقة )‪ (Garden City‬التي ظهرت في بداية القرن العشرين وقد طبقها‬ ‫ريموند يونوين عند تصميمه لضايحية ايرسويك )‪ (Madani,1993‬وجذبت فكرة المدينة الحديقة اهتمام‬ ‫المصممين العمرانيين ومخططي المدن لما فيها من يحلو ل فائقة شكلت نقطة تحو ل في مجا ل‬ ‫التصميم الحضري ‪ .‬مما تعتمد عليه الفكرة هي اتجاه الطرق الرئيسية للستقامة وكلما تدرج الشارع‬ ‫إلى أسفل إتجه إلى النحناء كما تعتمد على تطبيق نظام الزقة غير النافذة )‪ (Cul-de-Sac‬التي‬ ‫تعمل على تغيير علقة الشارع بالويحدة السكنية يحيث تتكون أفنية خاصة لمجموعة من الويحدات‬ ‫تتوفر فيها اليحساس باليحتواء واللفة )‪ . (Madani,1993‬ويساعد النمط النحنائي على تنوع المناظر‬ ‫على الطريق وتغيرها )أنظر شكل ‪ .(2‬ويساعد نظام الزقة غير النافذة على تقليل طو ل ناصية‬ ‫الويحدات على الطريق وبالتالي تقليل أطوا ل الطرق على المخطط العام ‪ .‬ومن الخواص الخرى لفكرة‬ ‫المدينة الحديقة هي تخفيض كثافة المنطقة السكنية بتحديد كثافة مثلى هي أثنى عشر ويحدة‬ ‫سكنية في الهكتار‪ ،‬ويؤدي ذلك إلى مضاعفة مسايحة الفراغات الخارجية لستخدامها كمتنفسات‬ ‫ويحدائق ‪ .‬ومعظم هذه الخصائص التي تعتبر عالية في قيمتها التصميمية تتوفر إلى قدر ملحوظ في‬ ‫تصميم المنطقة السكنية في مدينة ينبع الصناعية في النمط النحنائي )أنظر شكل ‪. (2‬‬ ‫يغلب على المخططات الجديدة في مدننا النمط الشبكي في تخطيط وتصميم المتدادات واليحياء‬ ‫السكنية ومخططات تقسيم الراضي ‪ ،‬والطابع الشبكي كما هو معروف من أبسط وأسهل أنواع‬ ‫التخطيط التي ل تتطلب من المصمم الحضري مجهوداً كبيراً ‪ .‬من ميزات النمط الشبكي التخطيطية‬ ‫أنه يدعم ويبرز الجانب العقلني في تخطيط خدمات البنية التحتية والحركة المروريه ‪ ،‬كما يسهل إنزا ل‬ ‫المخطط على الطبيعة بعد تصميمه )‪ ، (Rybczynski, et.al.,1981‬ومن ميزاته كذلك سهولة التعامل‬ ‫يحسابياً مع المسايحات و إمكانية التحكم فيها عند التصميم والنزا ل على الطبيعة بحيث يقلل من‬ ‫الفاقد الفراغي‪.‬‬


‫شكل رقم )‪ (3‬نمط تصميم اليحياء السكنية بمدينة ينبع الصناعية‬ ‫المصدر ‪(RCJY, 1987) :‬‬ ‫ظهرت المخططات الشبكية بصورة ملحوظة في المملكة في فترة الطفرة يحيث شهدت معظم المدن‬ ‫إتساعاً ملحوظاً نتيجة الستثمارات العقارية الضخمة وإستجابة للطلب العالي على السكان في تلك‬ ‫الفترة ‪ .‬ونتيجة لتسارع المستثمرين في الستجابة لذلك الطلب فقد برز التخطيط الشبكي كتخطيط‬ ‫يستجيب لتلك المؤثرات خاصة أنها تؤدي إلى تقليل تكاليف الستثمار وهي بذلك يغلب عليها الجانب‬ ‫القتصادي ويضعف فيها الهتمام بالنوايحي الجمالية وإمكانية تحقيق القيم البصرية العالية ‪.‬‬ ‫ومن الجوانب السلبية في التخطيط الشبكي الصلبة الهندسية التي تؤدي إلى محدودية المناظر‬ ‫والقيم البصرية النوعية ورتابتها خاصة عند التجو ل مشياً أو ركوباً على المسارات المرورية المختلفة‬ ‫كما تضعف معها الشخصية العمرانية وقوة الصورة الذهنية والنطباعية البصرية ‪ .‬ومما يزيد النمط‬ ‫الشبكي صلبة أنظمة ولوائح التحكم في النمط العمراني التي يكون هدفها مركزاً على تحقيق‬ ‫عدالة الفرص في التطوير العمراني من خل ل المساواة في الرتدادات والرتفاعات ونسب البناء و‬ ‫مسايحات قطع الراضي‪ .‬في ظل تلك المؤثرات إضافة إلى رغبة الملك في الستفادة القصوى من‬ ‫مسطحات البناء المسموح بها تنشأ كتل مباني متشابهة عادة ما تتسم بالتكرار ومن ثم تدعو إلى‬ ‫الرتابة‪.‬‬


‫شكل رقم )‪ (4‬نمط تصميم يحي الصبح بمدينة ينبع الصناعية‬ ‫المتمعن في تصميم اليحياء السكنية لمدينة ينبع يليحظ اختفاء معظم الظواهر السلبية للنمط‬ ‫الشبكي ‪ ،‬ففي تصميم الحي السكني تتسم معظم الفراغات بالحركة خلفاً للفراغات الساكنة التي‬ ‫تغلب على النمط الشبكي ‪ .‬وهذه الخاصية تتلءم مع وظيفة اليحياء السكنية ويليحظ أن المدينة‬ ‫تتكون من جزئين إيحداهما سكني والخر صناعي ‪ .‬نمط الو ل انحنائي والثاني شبكي ‪ .‬واختيار هذه‬ ‫النماط يتفق تماماً مع وظائفها يحيث أن التوفيق في إختيار النمط التخطيطي يعتبر عامل ً يحاسماً في‬ ‫نجاح التصميم الكلي ‪.‬‬ ‫‪ 2-2‬أنواع السكان وطرق تجميعها‬ ‫يغلب على أنواع السكان في مدينة ينبع الويحدات السكنية المستقلة المنفصلة والمتصلة ويقل فيها‬ ‫العمائر السكنية التي تأوي أسر متعددة ‪ .‬ونوع الويحدات المستقلة المنفصلة في المدن تعرف عادة‬ ‫بالفلل ‪ .‬ومفهوم لدى الكثير كبر مسايحات الفلل غير أن هذه الفلل في مدينة ينبع صغيرة المسايحة‬ ‫وتصل أيحيانا إلى اقل من ‪ 250‬متراً وفي نفس الوقت تتوفر فيها معظم خصائص الفلل بمفهومها لدى‬ ‫عامة الناس ‪ ،‬وهي بذلك تمثل نموذجاً مميزاً للسكان ‪ .‬كما ظهر نوع آخر من المساكن غير متعارف‬ ‫عليها في بقية الكبري المدن بالمملكة‪ ،‬ويطلق عليها إصطليحاً مناز ل وهي عادة من طابق وايحد‬ ‫تكفي أسرة وايحدة )‪ . (Town houses‬إضافة إلى ذلك تتنوع أنماط السكان مع اليحتفاظ بكثير بالثوابت‬ ‫الواردة في لوائح وأنظمة البناء للمدينة )أنظر شكل ‪. (5‬‬ ‫ويظهر في ينبع تبني نظام تجميع السكان أو ما يعرف بالبلوكات بطريقة مختلفة بحيث تحررت من‬ ‫صلبة الشكل المستطيل إلى ملئمة الشكل النحنائي ‪ ،‬ويظهر كذلك نظام التجميع ذو الفناء)‬ ‫‪ (Clusters‬والذي تتصف به نظام النهايات المغلقة أو الزقة الغير نافذة )‪ (Cul-de-sac‬وهو لعدد محدود‬ ‫من الويحدات السكنية ‪ ،‬ويتوفر من هذه النظمة أنواعاً عديدة تتحد في أسسها التصميمية وتمثل‬ ‫نماذجاً جديرة بالوقوف عليها من قبل البايحثين لمعرفة اليحساس بتلك الفراغات‪.‬‬ ‫‪ -3‬المفردات الحسية العمرانية والقيم الجمالية‬ ‫من النايحية النظرية فإن الفيلسوف العربي السلمي الحسن بن الهيثم الذي عاش في القرن العاشر‬ ‫الميلدي قد أشار إلى كثير من خواص التصميم الحضري ذات العلقة بالتعبير عن القيم الحسية‬ ‫والجمالية المختلفة وعناصرها كأثر الضاءة‪ ،‬اللون ‪ ،‬الكتلة ‪ ،‬الشكل ‪ ،‬المكان وكذلك الخصائص الخرى‬ ‫كالتميز ‪ ،‬الحركية ‪ ،‬السكون ‪ ،‬الستمراريه ‪ ،‬الملمس ‪ ،‬والجما ل وكثير من المفردات التي تناولها‬


‫المصممون في يومنا هذا عند التعامل مع عناصر البيئة المبنية المختلفة ) ‪ .(ElAraby,1996‬وفي هذا‬ ‫القرن فإن المفردات البصرية قد تناولها كثير من البايحثون أمثا ل كالن ‪ . Cullen‬ولم يختلف تناو ل كالن‬ ‫لعناصر التصميم الحضري عن العناصر التي صاغها بن الهيثم كثيراً ‪ .‬وقد تحدث كالن تحديداً عن تعابير‬ ‫مثل الثارة ‪ ،‬الويحدة ‪ ،‬التفصيل ‪ ،‬اليحتواء ‪ ،‬المقياس ‪ ،‬والمفاجأة وما إلى ذلك )‪ .(Cullen,1961‬ولو‬ ‫دققنا في هذه القيم نجد أنها تدور في نفس سياق التعبير عن القيم الجمالية الحسية والبصرية‬ ‫السابقة ‪ .‬كل هذه المفردات وكثير مما لم يذكر تشكل أسساً هامة للتعامل مع الجانب الحسي‬ ‫الجمالي لفهم عناصر البيئة المبنية من منظور التصميم الحضري ‪ .‬وقد وضع كالن ‪ ،‬هذه المفردات‬ ‫بطريقة تسهل التعامل معها وفهمها وتطبيقها بصورة واقعية من قبل المصممين لتحقيق جاذبية‬ ‫المكان وتميزه ‪ .‬ومدينة ينبع بتلك الصفات تتميز بوجود ما يعرف باليحساس بالمكـان )‪Sence of‬‬ ‫‪ . (place‬و يعرف المكان في هذا السياق بالمنطقة المركزية التي نمارس فيها أيحداث يحياتنا اليومية‬ ‫ومعيشتنا‪ .‬ويضيف آخرون أن اليحساس بالمكـان مرتبط بقوة بتصاميم المباني العامة مثل المجسمات‬ ‫الجمالية التذكارية ‪ ،‬المساجد والحدائق من يحيث جودتها البصرية والجمالية لرتباط هذه العناصر بقوة‬ ‫بمعيشة النسان اليومية ‪ ،‬وهي بالتالي ذات معاني وأثر يحسي تذكاري ) ‪. (Teo & Huang, 1996‬‬ ‫بتلمس هذه المفردات في تصميم المنطقة السكنية في مدينة ينبع نجد أنها مطبقة بصورة غنية أثرت‬ ‫التكوين الكلي للليحياء السكنية وأدت إلى جاذبيتها وتفردها )أنظر شكل رقم ‪ . (6‬ويظهر التصميم‬ ‫الحضري توجيه معظم المحاور والممرات نحو المركز أو في إتجاه المسجد لتخاذه معلماً باعتبار أن‬ ‫ذلك من أهم عناصر التصميم الحضري السلمي )‪. (RCJY, 1987, AlSayyad, 1996‬‬ ‫‪ -4‬الشخصية المعمارية للسكان وتميز كتلها‬ ‫مما ل شك فيه أن التعاليم السلمية من مصادر التشريع في القرآن والسنة لها إنعكاسات ملموسة‬ ‫على الجوانب العمرانية وأساليب المعيشة والعادات والتقاليد في المجتمعات السلمية ‪ .‬وتحديداً فإن‬ ‫هذه العوامل تؤثر بصورة أو بأخرى على التوزيع المكاني الفراغي للنشطة على مستوى المناطق‬ ‫السكنية ‪ ،‬والعلقات الفقية والرأسية عامة في تكوينها ‪ ،‬والقيم الجماليه ‪ ،‬واللوان والزخارف وما إلى‬ ‫ذلك ) ‪ .(ElAraby,1996‬وعلى مر العصور ومنذ عصر السلم الو ل بدأت تتبلور فكرة العمارة السلمية‬ ‫انطلقا من تلك المفاهيم يحيث عرفت بتميزها عما سواها من التجاهات المعماريه ‪ ،‬ويبدو ذلك واضحاً‬ ‫إذا تمعنا في التوزيع المكاني للمدن وأيحيائها السكنية‪ .‬وبرزت مسميات خاصة في العمارة السلمية‬ ‫مثل السوق ‪ ،‬الحارة ‪ ،‬المدرسة ‪ ،‬الكتاب ‪ ،‬الوكالة ‪ ،‬الخان ‪ ،‬الزاوية ‪ ،‬النز ل وما إلى ذلك ‪.‬‬

‫برزت الخصوصية كعامل هام ومؤثر وكمفهوم خاص نابع من المفاهيم السلمية في التكوين المعماري‬ ‫والتوزيع الفراغي أو المكاني‪ ،‬بل يحتى في الطراز المعماري الخارجي للمباني والمنشئات ‪ .‬وفي‬


‫الحي السكني لمدينة ينبع الصناعية يبدو التأثر بالخصوصية واضحاً في كافة مستويات التصميم )أنظر‬ ‫شكل رقم ‪7‬و ‪ .(8‬وعلى وجه الخصوص انعكست في التوزيع الفراغي للمباني والفنية بتدرج هرمي‬ ‫قوي إبتداءأً من الفراغ الخاص داخل الويحدة السكنية ثم الفراغ الخاص بمجموعة من الويحدات السكنية‬ ‫)‪ (Cluster‬ثم فراغات شبه عامة إلى فراغات عامة تتمثل في يحديقة الحي ‪ ،‬وسايحة مركز الحي ‪.‬‬ ‫إن تصميم اليحياء السكنية في مدينة ينبع الصناعية استويحى كثيراً من الفكار الحديثة كما ذكر من‬ ‫قبل وأضاف إليها بعداً جديداً هو جانب مراعاة الخصوصية والتقاليد السلمية وهذا جانب قد ل تراعيه‬ ‫كثيراً تلك الفكار الحديثة وبالتالي يبدو التميز جلياً ومنعكساً في الشخصية المعمارية والتوزيع‬ ‫الفراغي ‪ .‬وتلخيصاً لذلك فإن تصميم اليحياء السكنية في المجتمعات السلمية في العصر الحديث ل‬ ‫ينبغي أن ينأى وينحرف عن التراث الحضاري السلمي الذي تبلور خل ل العصور ‪ ،‬كما ل ينبغي أن‬ ‫ينعز ل عن الرث النساني من الحضارات الخرى تتفاعل معها وتستفيد من التقنيات الحديثة‬ ‫والساليب العلمية المتطورة يوماً بعد يوم ‪ .‬وفي مدينة ينبع انصهرت كل تلك المفاهيم لتخرج نموذجاً‬ ‫قوياً ومميزاً )أنظر شكل رقم ‪.(8‬‬ ‫‪ -5‬المعالجات البيئية وتنسيق الحدائق والفراغات‬ ‫كما ذكر سابقاً فإن انخفاض الكثافة التصميمية لمدينة ينبع ساعد على مضاعفة مسايحة الفراغات‬ ‫الخارجية ‪ ،‬فظهرت السايحات والفنية بتدرج هرمي قوي وظهرت المحاور المرورية القوية باتساعها‬ ‫وطريقة تشجيرها وإنارتها ‪ .‬و تتطلب هذه الفراغات معالجة بيئية وتصميم خاص ‪ .‬وبهذا تميز الحي‬ ‫السكني لمدينة ينبع الصناعية بكثافة التشجير وتنوعه وتوفيره بطريقة تتناسب مع وظائف تلك الفنية‬ ‫والفراغات فمثل ً تم استخدام التشجير على الشوارع الرئيسية فزادتها قوة بصرية وفي ممرات المشاة‬ ‫لتوفيرالظل ل وفي الفنية والسايحات لتوفير بيئة جميلة وجذابة )أنظر شكل رقم ‪ ( 9‬وهي بذلك‬ ‫ساعدت على تلطيف الطقس ‪ ،‬واستخدمت كذلك في مناطق تشكل يحزاماً أخضراً واقياً والفصل بين‬ ‫المنطقة السكنية والمنطقة الصناعية ‪ .‬إضافة إلى ذلك فهناك عناية واضحة بأساليب الرصف وأنماطها‬ ‫وطرق توفير أثاث الشوارع من مظلت ‪ ،‬إنارة ‪ ،‬مقاعد جلوس ول فتات ونوافير ومجسمات وما إلى ذلك‬ ‫‪ .‬كل هذه العناصرهي من أهم جوانب التخطيط الحضري وهي تظهر تناسقاً وانسجاماً جيداً فيما بينها‬ ‫وتناسقاً وتكامل ً مع العناصر الخرى للتصميم الحضري ‪.‬‬ ‫‪ -6‬قوة النطباع التصوري البصري‬ ‫تتكون المنطقة السكنية من مجموعة من اليحياء السكنية تبلغ يحوالي الخمسة عشر ‪ ،‬متكاملة‬ ‫الخدمات يفصل بينها طرق رئيسية تشكل يحدوداً لتلك اليحياء أيضاً ‪ .‬كما تتوفر داخل كل يحى ممرات‬ ‫مشاه تربط بين المنطقة الوظيفية بمعالجة جمالية وتصميم يتوافق مع وظيفة الممر )أنظر شكل رقم‬ ‫‪ .( 10‬وتؤدي الممرات إلى مسجد الحي والمنطقة التجارية من خل ل شبكة مترابطة للمشاة مظلله‬ ‫ومعالجة بالتشجير ومرصوفة ومصممة بعناية‪ ،‬وظيفياً وجمالياً من يحيث إختيار نوعيات التشجير‬ ‫والرصف والمظلت أو المعالجات المكملة الخرى ‪.‬‬ ‫إذا دققنا في هذا التكوين لليحياء السكنية من جانب قوة النطباع التصوري البصري الحضري نجد أن‬ ‫كل يحي من هذه اليحياء يتميز عما سواه من اليحياء كما يتميز الحي نفسه بقوة تصميمه وشخصيته‬ ‫الخاصة به ‪ .‬وتحقق ذلك من خل ل تخصيص نوع معين من الويحدات السكنية لكل يحى ‪ ،‬أو من خل ل‬ ‫نظام تجميع تلك الويحدات إضافة إلى اختيار نوعيات محددة من المعالجات الخارجية لها والتصميم العام‬ ‫لكتلة الويحدة السكنية ‪ .‬هذا التصميم المتنوع لليحياء أدى إلى تقوية‬ ‫النطباع التصوري البصري أو الكلي للمدينة ويميزه عما سواه ‪ .‬وأهم من ذلك أنه بالرغم من هذا‬ ‫التنوع التصميمي لليحياء السكنية فقد ايحتفظت كل المدينة بويحدة شخصيتها التي تميزها عن غيرها‬ ‫في المدن ‪.‬‬ ‫‪ -7‬ينبع كنموذج للتصميم الحضري‬ ‫سعت الهيئة الملكية للجبيل وينبع وهي الجهة الدارية المناط بها الشراف على تنفيذ هذه المدن‬ ‫إلى تبني أسلوباً منهجياً مهنياً واضحاً وقوياً ‪ .‬فمن الجانب النظري فإن معظم ما تم نقاشه من قبل‬ ‫في هذه الورقة من أسس ونظريات في التصميم الحضري تظهر بوضوح في المخطط السكني لمدينة‬ ‫ينبع الصناعية ‪ .‬كما تظهر كثير من تلك السس بطرق وأساليب متنوعة في شكل يحلو ل تطبيقية‬ ‫فعاله تلتزم بالمنهج المهني التخصصي ‪ .‬ومن الجانب التنفيذي فإن نجاح التنسيق ما بين مختلف‬ ‫الجهات المتخصصة العديدة المشتركة في تنفيذ المدينة يؤكده النجاح الملحوظ في الناتج النهائي‬


‫للتصميم الحضري للمدينة‪ .‬واختصاراً فإن هناك عاملن مهمان لهما أثر ملحوظ في هذا النجاح هما‬ ‫وجود لئحة مفصلة خاصة بالممارسة المهنية لمدينة ينبع تنفرد بها وتطبقها من خل ل مخطط إرشادي‬ ‫مدروس ومفصل ‪ .‬ويدعم هذان العاملن الجانب الداري الفعا ل ‪ .‬إن تصميم المدينة السكنية الكلي‬ ‫بالرغم من أن معظم المفردات أستويحيت من نظريات مختلفة إل أنها نسقت بجملتها في قالب‬ ‫ينسجم تماماً مع المفاهيم السلمية ذات العلقة بالتخطيط مما يزيدها بعداً إبداعياً آخر تتميز به‬ ‫المدينة عما سواها ‪.‬‬ ‫بعد إيضاح الخصائص التي أدت إلى تميز التصميم الحضري لمدينة ينبع يطرح سؤا ل نفسه وهو ما‬ ‫مدى إمكانية تطبيق نماذج الحلو ل المطبقة في مدينة ينبع في المخططات السكنية الجديدة لمدننا‬ ‫بدل ً عن الحلو ل العمرانية التقليدية السائدة الن ‪ ،‬وقد ظهر بوضوح أن النمط الشبكي التقليدي مثل ً‬ ‫أقل كفاءة تصميمية مقارنة بالنماط النحنائية المطبقة في الحي السكني في مدينة ينبع ‪ .‬وللجابة‬ ‫على ذلك السؤا ل ينبغي النظر إلى عاملين مؤثرين أساسيين هما نظم ولوائح البناء والممارسة‬ ‫المهنية ‪.‬‬ ‫‪ 7-1‬نظم ولوائح البناء‬ ‫إن السعي للبداع في التصميم الحضري يتطلب مرونة كافية في نظم ولوائح البناء وتوجيهها توجيهاً‬ ‫يحقق ذلك الهدف وتحد بها من تأثير قوى أخرى معاكسة هي غلبة التأثير التجاري والسعي‬ ‫للستجابة لقوى السوق ‪ .‬إن تطبيق نظم ولوائح البناء خاصة فيما يختص بالرتدادات ‪ ،‬والرتفاعات ‪،‬‬ ‫ونسب البناء ‪ ،‬وأساليب تقسيم قطع الراضي وتجميعها بطريقة ميكانيكية ل تتفق مع الرغبة في‬ ‫تحقيق عنصر البداع وإيجاد بيئات سكنية ثرية وجذابة يتمتع فيها السكان بحياة مترفهة ‪.‬‬ ‫‪ 7-2‬الممارسة المهنية‬ ‫للممارسة المهنية دور هام في توفر الجانب البداعي في التصميم إذ يجب أن ينظر إلى أي مخطط‬ ‫سكني من خل ل أبعاده الثلث وليس من خل ل مخططات ثنائية البعاد ‪ .‬يجب أن تبنى المخططات‬ ‫السكنية على تصور متكامل وشامل يتضمن يحلول ً لكافة عناصرالبيئة المبنية من مباني ‪ ،‬ومنشئات‬ ‫وشوارع وفراغات خارجية تصل إلى درجة التفاصيل الدقيقة ويتحقق فيها جانب البداع والحلو ل‬ ‫المهنية السليمة ‪ .‬ول يتأتى ذلك إل من خل ل تولي الكوادر المهنية المؤهلة والمكاتب الستشارية‬ ‫المتخصصة لعمليات التصميم ‪.‬‬ ‫‪ -8‬الخلصة‬ ‫يظهر التصميم الحضري للحي السكني لمدينة ينبع الصناعية يحلول ً مميزة برز من خللها السعي‬ ‫لتطبيق كثير من السس النظرية والفكار البداعية الحديثة في التصميم الحضري مع اليحتفاظ بالقيم‬ ‫السلمية ومراعاة العادات والتقاليد المحلية للسكان‪ .‬بالنظر إلي الحلو ل البداعية المطبقة في مدينة‬ ‫ينبع من نايحية و الحلو ل التقليدية الخرى المطبقة في كثير من المدن الخرى في جانب آخر تبدو‬ ‫مدينة ينبع دليل قويا و برهانا علي أن فرصة التوجه نحو الحلو ل البداعية مفتويحة‪ .‬ويظهر من البحث‬ ‫أن لمدينة ينبع خلفا للمدن الخرى نظم ولوائح بناء تفصيلية و دقيقة و مواصفات شاملة تغطي كافة‬ ‫التخصصات ذات الصلة بتطوير المدينة مما كانت عامل قويا في تميز الحلو ل التصميمية للمدينة‪ .‬إن‬ ‫تبني جملة هذه السس النظرية والفكار البداعية ما هي إل دللة قوية على السلوب المنهجي‬ ‫العلمي السليم في الممارسة المهنية في مجا ل التصميم الحضري‪ ،‬كما أن مرونة لوائح البناء التي‬ ‫تم تطبيقها في تصميم المدينة لها أثر قوي في إظهار النموذج الذي تميزت به المنطقة السكنية‬ ‫لمدينة ينبع ‪ .‬و يتضح من البحث أن تلك اللوائح و النظم موجهة في الساس لتخدم هدف الحصو ل‬ ‫علي يحلو ل إبداعية و متميزة في يحين أن نظم ولوائح البناء في كثير من المدن الخرى موجهة لتخدم‬ ‫غرض تحقيق العدالة في توزيع الفرص و هي بذلك تقلل فرص الحصو ل علي يحلو ل إبداعية‪ .‬كما يتضح‬ ‫من البحث أنه ل يبدو مستحيل ً تطبيق نموذج مدينة ينبع السكنية في إمتدادات المدن ومخططات‬ ‫تقسيم الراضي الجديدة بحيث تتحقق فيها جوانب البداع والتميز فيها من خل ل توفير مرونة مناسبة‬ ‫في لوائح البناء وترقية الممارسة المهنية ‪.‬‬

‫* بحث مقدم لندوة البداع والتميز في النهضة العمرانية بالمملكة خل ل مائة عام ‪1419 ،‬هـ ‪.‬‬


: ‫المراجع الجنبية‬ AlSayyad, Nezar, “The Study of Islamic Urbanism: A Historiographic Essay” in Built .Environment, Vol. 22, No. 2, 1996, pp. 91-97 .Cullen, G., Townscape, Architectural Press, London, 1961 DeChiara, J. and Koppelman, L., Urban Planning and Design Criteria, Van Nostrand .Reinhold Company, New York, 1982 ElAraby, Kadri M. G., “Neo-Islamic Architecture and Urban Design in Middle the East: From Threshold to Adaptive Design” in Built Environment, Vol. 22, No. 2, 1996, pp. 138.148 Madani, A. P., “Urban Design in the British New Towns”, in Open House International, .Vol. 18, No. 1&2, 1993, pp. 32-47 RCJY, Madinat Yanbu Al-Sinaiyah: Master Plan, Land Use, Vol.2, RCJY: Royal Commission .for Jubail and Yanbu, 1987 RCJY, Yanbu Industrial City 1993: Facts and Figures, RCJY: Royal Commission for Jubail .and Yanbu, 1993 RCJY, Yanbu Industrial City: Land Sub-Division, RCJY: Royal Commission for Jubail and .Yanbu, 1986 Rybczynski, W. et.al., “Sites, Services and Supports” in Open House International, Vol. .6, No. 2, 1981, pp. 19-30 Teo, P. and Huang, S., “A Sense of Place in Public Housing” in Habitat International, Vol. .20, No. 2, 1996, pp.307-325 ‫عودة للصفحة الرئيسية‬

2002 ‫ جميع الحقوق محفوظه‬- ‫التصميم والتطوير تحت إشراف إدارة الحاسب اللى بوكالة الشغا ل العامه‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.