البعد الديني عند رواد الحركة الوطنية المغربية :العالمة محمد المختار السوسي نموذجا عبد العزيز فارح العدد 963جمادى -2رجب /3229غشت-شتنبر 2002 http://www.habous.net/daouat-alhaq/item/8909
تعتبر حركات التحرير ومقاومة االستعمار في الوطن العربي واإلسالمي امتدادا لحركات الجهاد ومقاومة الظلم والطغيان ،عبر تاريخ األمة اإلسالمية ،وقد شهد تاريخ المغري ما يصدق هذا حينما كانت تنطلق جماعات المقاومة والجهاد من المساجد والزوايا والرباطات لصد الغزاة الصليبيين من اإلسبان والبرتغاليين على السواحل المغربية في عهد الدولتين السعدية والعلوية ،ولما جثم المستعمران الفرنسي واإلسباني على ربوع المغرب ووجها بمقارمة عنيفة بقيادة العلماء وبعض شيوخالزوايا ،وكم من مرة كانت المظاهرات تنطلق من المساجد تهز كيان المستعمر وتقض مضاجعه ،إلى أن اتسع نطاق المقاومة،ونظمت الصفوف ،وكونت الخاليا ،ورسمت الخطط، ولئن أردت تسمية علماء هذا البلد الذين انخرطوا في صفوف الحركة الوطنية ،فإن ذلك سيطول وسيستغرق صفحات وصفحات وقد يفوتني ذكر أسماء بعضهم مما قد مما قد يؤول بغمطهم حقهم وسلبهم منقبة كبيرة في حياتهم ،ولكن ما ال يدرك كله ال يحسن بنا أن نتركه كله وال أن نترك جله. العالمة المختار السوسي: وقد أحببت الحديث عن علم من أعالم الحركة الوطنية وشخصية بارزة لعبت دورا كبيرا في مقاومة المستعمر وإلهاب حماس الناس وتوعيتهم وإنهاض هممهم وجمع كلمتهم ورص صفوفهم ،من غير أن تفت في عضده أحكام المستعمر في حقه من شجن ونفي وتشريد ،إنه العالمة محمد المختار السوسي (3131هـ 3111 -هـ3011 /م – 1963م) المنحدر من أسرة علم وجهاد بمنطقة سوس بجنوب المغرب ،فقد كان جده األعلى سيدي «عبد هللا بن سعيد» «التهالي الدرقاوي» (099هـ 3193 -هـ) أشهر شيوخ سوس في زمانه ،يجوب المدن والقرى يدعو الناس إلى المسك بالدين الصحيح وخلفه من بعده ابنه «سيدي أحمد ابن عبد هللا بن سعيد» ،ثم حفيده الشيخ «علي بن أحمد ابن محمد الدرقاوي» ( 3621هـ 3161 -هـ) والد العالمة محمد المختار السوسي ،وهو الذي أسس الزاوية الدرقاوية في مسقط رأسه «إليغ» ،وجاب على طريقة جده ووالده – بالد سوس وغيرها يدعو الناس إلى التمسك بتعاليم اإلسالم الصحيح ،ونبذ البدع والخرافات التي يلبسها الجهلة لباس الدين ،ودرس وقتا غير قصير في زاويته وفي مدرسته علوما كثيرة شرعية ولغوية. لقد نشرت هذه األسرة شتى العلوم والمعارف بالمنطقة ،وأسست المدرسة اإللغية سنة 3601هـ ،حيث أصبحت – باإلضافة إلى زاوية هذه األسرة وزوايا المريدين واألتباع – منارة علم وإشعاع يقصدها طلبة العلم من شتى اآلفاق لينهلوا من ينابيعها الفياضة. في هذا الجو المفعم بالعلم والمعرفة والزهد والصالح ،ترعرع محمد المختار السوسي ،فحفظ القرآن الكريم على يد والدته السيدة «رقية» بنت األستاذ العالمة «محمد ابن العربي األدوزي»( )3ثم درس مبادئ اللغة والقراءة والكتابة في كتاتيب قريته والقرى المجاورة ،إلى أن التحق «بالزاوية اإللغية» طالبا حيث أتم حفظ القرآن وأتقنه وهو في سن الحادية عشر مما وشحه إلى االنتظام في سلك طلبة العلوم الشرعية واللغوية انطالقا من كتب ومنظومات كصحيح البخاري ،ومختصر خليل ،والشعر العربي الرفيع كقصيدة بانت سعاد ،ثم البردة والهمزية وغير ذلك .وقد التحق في هذه الفترة باإلضافة إلى الزاوية اإللغية بالمدرية اإلشعائية ثم البونعمائية ،ثم التانكارتي. بداية االنخراط في الحركة الوطنية. رحل المختار السوسي بعد ذلك إلى مدينة مراكش طالبا العلم على علمائها «بمدرسة ابن يوسف» وغيرها ،ثم ضد الرحال إلى «مدينة فاس» ثم «الرباط» عاصمتي العلم وموئل العلماء ورجال الحركة الوطنية وقادتها ،فاتسعت آفاقه في العلم والسياسة ،وتوطدت صالته بعلماء وطلبة من جهات من المغرب ،وفي هذا يقول« :في فاس استبدلت فكرا بفكر ،فتكون لي مبدأ عصري على آخر طراز ،قد ارتكز على الدين والعلم والسنة القويمة ،فجشت بقصائد حية ،وهناك تعرفت على تطوانيين فاضلين هما السيد الحاج عبد السالم بنونة ،وأخوه الحاج محمد، ورباطيين فاضلين هما :الشيخ األستاذ المكي الناصري ،واألستاذ الحاج أحمد بال فريج( ،)6وكانا يردان علي في بيتي ،وقد يبيتان معي فيه ،كما عرفت هناك األديب محمد ابن العباس القباج والحاج محمد الناصري الشاعر، وكانت األفكار تتبادل ،فكانت المدن الثالث :فاس ،والرباط ،وتطوان مركز لتفكير في فجر المغرب الجديد ،ومن هناك تمخضت الفكرة الوطنية المتركزة على الدين واألخالق السامية ،وكنت أصاحب كل المفكرين إذ ذاك ،وكانوا نخبة في العفة والعلم والدين ،ينظرون إلى بعيد»)1(. وقد توج هذه العالقات والصالت بمدينة فاس ،بإنشاء جمعية ثقافية باسم «جمعية الحماسة» التي كانت – رغم طابعها الثقافي –مجاال اللتقاء رجال الحركة الوطنية وتبادل اآلراء والتفكير في سبل مقاومة المستعمر. ثم ينشئ جمعية سياسية أسند رئاستها إلى المرحوم عالل الفاسي ،وعن هاتين الجمعيتين يقول «فهذه هي الجماعة األولى بفاس،وقد انتظم فيها آخرون ،وشجعها آخرون ثم تمشت مع الزمان ،فدار الزمان دورته فإذا بأفرادها
أسسوا أسرا في 36رجب 3111هـ3062/م جمعية سرية سياسية في أناس نفعوا المغرب علما وعمال ...وزعيم هذه الجمعية عالل»)1(. ويرحل إلى الرباط عام 3061م مستزيدا من العلم على شيوخ الوقت هناك وعلى رأسهم العالمة «سيدي المدني بن الحسني» والشيخ «أبو شعب الدكالي» ،والشيخ «العربي السائح» ...وقد كانت إقامته بالرباط وسط ذكريات ال ينساها. ثم ما لبث أن رحل إلى مراكش مدرسا بالزاوية الدرقاوية – زاوية والده – والتي أصبحت مقرا للمدرسة الحرة التي أسسها ،وكان يبث فيها أفكاره الوطنية ،ويحرض طلبته على نبذ المستعمر ومقاومته ،وفيها ،أيضا كان يعقد اجتماعات سرية مع لعض رجال الحركة الوطنية بالمنطقة ،فيزعج بذلك السلطات االستعمارية التي تصدر عام 1937م أمرا بنفيه إلى «إليغ» مع مايعرف باإلقامة اإلجبارية حيث منع من التحرك بحرية،ومنع من االلتقاء بالناس والحديث إليهم ،ويتعرض لشتى أنواع المضايقات واالستنطاق والتهديد ،ثم ينقل إلى معتقل تافياللت. وبعد رفع الحضر عليه والسماح له بالعودة إلى مراكش عام 3019م استأنف نشاطه العلمي والتوجيهي في مدرسته «بالرميلة» ،ثم يرحل إلى مدينة الدار البيضاء التي كانت تعج برجاالت الحركة الوطنية ،وتنظم المظاهرات والعمليات التي تقض مضاجع المستعمرين هناك ،وكان ذلك عبر دروس توجيهية في مسجد «الحفاري» ثم «المسجد المحمدي» المشهور بحي األحباس ،ولم يلبث أن امتدت إليه يد المستعمر حيث اعتقل سنة سنة 3096م رفقة صديقة األستاذ «محمد الحمداوي» وآخرين ،وتم نقلهم إلى معتقل «تافياللت». الحس اإلسالمي في نضاله ضد االستعمار: هكذا بدأ العالمة محمد المختار السوسي انخراطه في جو العمل الوطني من المساجد ومدارس العلم ،فإن العلم النافع هو ما هدى إلى الحق وحارب الباطل ،وقد كان االستعمار آنذاك أكبر باطل يخيم على البالد والعباد ،فكيف يسكت أهل العلم على الضيم واالحتالل ،ومن تمام ذلك أن يقوم العالم بتوعية الناس وتنبيههم وشحذ هممهم ،ويعمل في ذات الوقت على التعاون مع لمخلصين ممن قرروا االنخراط في العمل الوطني ،وقد كان أكثر من تعاون محمد المختار السوسي معهم ووحد عمله بعملهم علماء وطلبة علم منهم :الزعيم «عالل الفاسي»« ،وإبراهيم الكتاني»، وصديقه «أحمد بالفريج»« ،وعبد هللا الجراري»« ،وعبد الرحمن بن زيدان»« ،وسعيد حجي»،و«أحمد نعنينو» ،و«محمد الحمداوي» ،و«المكي الناصري». ولما كان قد ترعرع وشط المساجد ودور العلم ،فإنه كان من أكثر الناس حبا واندفاعا لبناء تلك المؤسسات ،ال لدورها الكبير في التعليم والتثقيف ،ولكن أيضا لدورها الفعال في حماية الشخصية الوطنية والهوية اإلسالمية واللغة العربية للشعب المغربي بعدما عمل المستعمر على النيل من تلك المقومات والثوابت ،وحارب منابعها، وضايق أهلها ،وحاصرهم بشتى الوسائل ،وأصدر عقوبة السجن في حق كل من يبني مدرسة حرة تدرس فيها اللغة العربية كما يذكر ذلك األستاذ «أبو بكر القادري»)9(. وهكذا يرجع إلى العالمة «محمد المختار السوسي» الفضل في بناء: *المدرسة الحرة بالزاوية الدرقاوية ،بحي الرميلة قبالة مسجد دكالة بمدينة مراكش. كما أنه كان وراء إنشاء الجمعية الخيرية ،والجمعية المشرفة على تأسيس مدارس حرة في أحياء مراكش. *وكان رئيسا للجنة التي سهرت على بناء «مدرسة محمد الخامس» بروض العروس،وهي المدرسة التي دشنها جاللة الملك محمد الخامس في شهر أبريل من عام 3091م ،كما كان وراء بعث «المعهد اإلسالمي» الشهير بتارودانت إلى حيز الوجود. ولكنه كان في ذات الوقت يعلن بمإل فيه ،أن منطلقه في عمله النضالي كان في سبيل هللا ،وأن جهاده لوجه هللا، غايته تحرير البالد والعباد من ربقة االستعمار وسطوته ،والحفاظ على هويته دينيا ولغة ،وفي هذا يقول«:ال أزال متمسكا بمبدئي ومعرضا عن أي قيد ،وأن كان مذهبا ،فأنا مسلم وطني ،ال سياسي وطني ،فوطنيتي من إسالمي، ال بد أن إسالمي من وطنيتي»)2(. وحينما نقف عند هذه الحقيقة نفهم جيدا عنوان مقاله بالعدد الثاني من مجلة «دعوة الحق» «لنكن مسلمين أوال» )1(.ففيه من الدالالت الشيء الكثير يدركها من له أدنى مسكة من العقل الحصيف ،ونفهم أيضا تركيزه على التعريف بالحياة العلمية لسوس () 1وعطاءات علمائها الذين ظلوا طيلة قرون وقرون متشبتين باإلسالم منافحين عنه ناشرين له ،مؤلفين في علومه وآدابه ،ونفهم جيدا إيمانه العميق بالوحدة الترابية للمغرب ،سواء تعلق األمر بأقاليمه الصحراوية الجنوبية أم الشرقية ،فاإلسالم يأمر بالوحدة ويحث عليها ،وال يعترف بالشقاق والتنازع والفرقة ،وال يقبل ما يعمل على نقض عرى الوحدة وتفكيكها ،ولهذا كتب في جريدة «صحراء المغرب» التي كان يصدرها المرحوم «عالل الفاسي» ،مقاال أثبت فيه باألدلة والحجج الكثيرة أن منطقة «تندوف» جزء اقتطعه االستعمار الفرنسي من بالدنا وألحقه بالجزائر. وفي ذات الوقت كان يمقت النزعة اإلقليمية الضيقة ،والنعرة القبلية الممقوتة مما كان المستعمر يشجعها ويرعاها ويبثها لتفرقة الصفوف وإشعال نار الفتنة والتنازع. كان المختار السوسي يومن بوحدة البلد ،وبوحدة األمة اإلسالمية التي يربطها رابط أقوى من كل رابط آخر ،نعم إن آصرة الدين تتقدم على آصرة الدم والقرابة والقبيلة واللهجة أو اللغة ،ولهذا كان يقول« :إنني من الذين يرون المغرب جزء ال يتجزأ ،بل أرى جميع بالد اإلسالم كتلة واحدة متراصة من شمال إفريقيا إلى أندونيسيا ،ال يدين اإلسالم الحق من يراها بعين الوطنية الضيقة ،التي هي من بقايا اإلستعمار الغربي في المشرق ،بل لو شئت أقول –ويؤيدني ديني فيما أقول -إنني أرى اإلنسانية أسرة واحدة ،ال فضل فيها لعربي على عجمي إال بالتقوى»)0(.
)1توجد ترجمة العالمة «محمد بن العربي األدوزي» في المعسول «للمختار السوسي »ج 9ص ،631-310أما ترجمة ابنته السيدة رقية ففي ج1 ص.92-10 )2انظر ترجمته في كتاب رجال عرفتهم«:الحاج أحمد بالفريج «لألستاذ أبي بكر القادري» .وكتاب رجال عرفتهم :الموقعون على وثيقة المطالبة باالستقالل :له أسضا ص.1-9 )3الغلغيات .662/6 )4اإللغيات .301/3 )5في كتابه :رجال عرفتهم :الموقعون على وثيقة المطالبة باالستقالل :ص.390 )6اإللغيات .311/6 )7صدر العدد في ذي الحجة عام 3112هـ 3019م. )8من ذلك كتابه الشهير المعول ،وكتابه خالل جزولة وكتابه سوس العالمة وكتابه االلغيات. )9سوس العالمة :ص:ح ..