مجلة أصدقاء ديونيزوس العدد السابع

Page 1


‫قبلة ناعمة‬ ‫أم هجوم رشس؟‬ ‫يف سلسلتها الخاصة بـ‬ ‫"الصغية ذات الرداء‬ ‫ر‬ ‫األحمر" تسائل الفنانة‬ ‫كيك سميث‬ ‫ي‬ ‫روابط القوة المتأصلة‬ ‫يف حكايات األطفال‪.‬‬ ‫بورسلي‪،‬‬ ‫‪،3002‬‬ ‫ر‬ ‫‪43 x 2303 x 2003‬‬ ‫سم‪.‬‬

‫يف هذا المشهد‬ ‫الرعوي‪ ،‬تكشف‬ ‫الفنانة عن العالقة ربي‬ ‫"طبيعة" و"إنسانية"‪،‬‬ ‫أحد مواضيعها‬ ‫المفضلة منذ أن‬ ‫اختارت البادية إقامة‬ ‫لها‪.‬‬ ‫‪ ،3002‬برونز‪...‬‬

‫‪2‬‬


‫امللف‪ :‬ص ‪1‬‬

‫ضيفة العدد‪ :‬ص ‪91‬‬

‫زووم‪ :‬ص ‪735‬‬

‫‪5‬‬

‫_ بومجعة أشفري‪ :‬من اجلسد‪-‬الفكرة إىل اجلسد‪-‬اللحم‬

‫‪9‬‬

‫_ موليم العروسي‪ :‬اجلسد عرب تاريخ الفن‬

‫سرير(ة) الكتابة‪ :‬ص ‪725‬‬

‫‪ _ 71‬طالل معال‪ :‬اجلسد املبتكر‪ ..‬الغامض واملكبوت واملثري للقلق‬ ‫‪ _ 32‬يوسف ليمود‪ :‬أسطورة اجلسد من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا‬ ‫‪ _ 29‬بسمة شيخو‪ :‬متثالت اجلسد يف الفن التشكيلي املعاصر‬ ‫‪ _ 71‬احساين بزنبري‪ :‬اجلسد‪ ..‬ثالجة فكر‬ ‫‪ _ 52‬منصور اهلرب‪ :‬من اجلسد املرسوم إىل جسد الواقع‬ ‫‪ _ 59‬حممد شرف‪ :‬متثالت اجلسد يف الفنون البصرية احلديثة‬ ‫‪ _ 99‬قيس عيسى‪ :‬حتوالت اجلسد وأثر النمذجة املفاهيمية يف التشكيل املعاصر‬

‫املؤسسان‪:‬‬

‫‪ _ 19‬بنيونس عمريوش‪ :‬طالل معال‪ ..‬الوجه سرية للذات واجلسد‬

‫حممد عنيبة احلمري‬

‫‪ _ 55‬فدوى القاسم‪” :‬األنا املعذبة وطقوس اخلالص‪ ..‬رؤى مغايرة“‬

‫بومجعة أشفري‬

‫‪ _ 97‬مسرية أمزغار ‪ -‬واسيين األعرج‪ :‬منايف‪ :‬ثالث رسومات ومقاطع من مشروع فين‬ ‫رئيس التحرير‪:‬‬

‫بومجعة أشفري‬

‫‪ _ 99‬عمار املأمون‪ :‬أورالن‪ ..‬أشباح القرين الوحشي‬

‫هيئة التحرير‪:‬‬

‫‪ _ 777‬فاين شوفاليي ‪ -‬أمحد لطف اهلل‪ :‬حتوالت القناع األنثوي يف األعمال الفنية ألورالن‬

‫بنيونس عمريوش‬ ‫أمحد لطف اهلل‬

‫‪ _ 731‬بومجعة أشفري‪ :‬وجها لوجه أمام اللحم‬

‫( )‬ ‫‪ _ 721‬عيسى خملوف‪ :‬جون جوين حيا بني أهله يف املغرب‬ ‫‪ _ 771‬فدوى الزياين‪ :‬ذاكرة مُرة‬ ‫‪ _ 779‬مليس علي‪ :‬من يستطيع أن خيربين ما هو اجلمال؟‬

‫صورة الغالف‪ ،‬الفنانة الفرنسية أورالن‬

‫ز‬ ‫ر‬ ‫ديونيوس‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‬ ‫الناش‪ :‬حلقة أصدقاء‬ ‫(تاري خ التأسيس‪ ،‬أبريل ‪)1122‬‬ ‫العدد السابع‪ ،‬ماي ‪1111‬‬ ‫مجلة فصلية‪ ،‬تصدر بتقنية ” يب دي إف“ ‪PDF‬‬ ‫ر ز‬ ‫وب‪:‬‬ ‫عنوان المراسلة‪ ،‬الييد اإللكي ي‬ ‫‪amiesdedionysos@gmail.com‬‬ ‫‪3‬‬

‫تصميم الغالف‪:‬‬ ‫الفنان خالد بن الضو‬


‫العروس‬ ‫موليم‬ ‫ي‬

‫عميوش‬ ‫بنيونس ر‬

‫فدوى القاسم‬

‫طالل معال‬

‫واسين األعرج‬ ‫ي‬

‫يوسف ليمود‬

‫بسمة شيخو‬

‫احساين بي ربي‬

‫منصور الهي‬

‫سمية أمزغار‬ ‫ر‬

‫عمار المأمون‬

‫عيىس مخلوف‬

‫محمد رشف‬

‫قيس عيىس‬

‫الزيان‬ ‫فدوى‬ ‫ي‬

‫أحمد لطف هللا‬

‫بوجمعة أشفري‬

‫عل‬ ‫لميس ي‬

‫مقاالت امللف وضيفة العدد كتبت خصيصا ملجلة ”أصدقاء ديونيزوس“‪ ،‬العدد السابع‪ ،‬ما عدا مقاليت‬ ‫يوسف ليمود وعمار املأمون نشرتا سابقا يف منابر إعالمية ومت إعادة نشرمها هنا باالتفاق مع الكاتبني‪...‬‬

‫‪4‬‬


‫بومجعة أشفري‬ ‫رئيس التحرير‬

‫َ ُ‬ ‫َ َ ُّ َ َ َ ٌ ُ َ‬ ‫الجسد‪ ،‬ف ُّ‬ ‫شهد َ‬ ‫الص َ‬ ‫زد ِو ٌج‪.‬‬ ‫ورِة وخ ِارج الصورِة‪ ،‬مشهد م‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ُّ َ ُ َ​َ ‪ُ َ َ ً َ ُ َ َ .‬‬ ‫َ َ ٌ َ ْ َ​َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫صي ِان ِ يف الصورِة خنن الجسد‪ ،‬د ِائما‪َ ،‬ل يكون‬ ‫ذكر وأنن ي ر‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َو ْحد ُه‪َ .‬يكون‪ ،‬د ِائما‪" ،‬مع"‪ ...‬مع آخ ِرِه‪َ ،‬مع غ ر ِيِه‪ .‬ومع "مع"‬ ‫وما َي ْنفص ُل‪َ ،‬ذل َك ِأل َّن َ‬ ‫َي َت َ​َل َح ُم َما َي َّتص ُل َ‬ ‫الج َس َد َت ْرك ٌ‬ ‫يب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ​َ ً َ َ َ ُ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ َ َ َ ُِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه ِ يف قر ٍار‬ ‫ت ِ‬ ‫فكيك وإعادة ترِك ٍ‬ ‫يب‪ .‬تماما كما يحدث ِللهيوىل و ي‬ ‫َم ِك ر ٍي‪0‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الج َس ُد ف ُّ‬ ‫َ‬ ‫وج ُد َو َما َل ُي َ‬ ‫ورة َما َن َر ُاه َو َما َل ٌن َر ُاه‪َ .‬ما ُي َ‬ ‫الص َ‬ ‫وج ُد‪.‬‬ ‫َ َ ُ َ ِ ي َ َ َ َِ ُ َ ُ َ َ َ َ ُ ُ َ َ ُ َ َ َ‬ ‫ما يكون وما َل يكون‪ .‬وهو ما يجعل سؤال‪" :‬ما هو هذا‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َُ‬ ‫الذي َ(َل) َن َرى؟"‪َ ،‬ح ِ ً‬ ‫اه ِد‪.‬‬ ‫لق‪-‬‬ ‫المت‬ ‫هن‬ ‫اضا ِ يف ِذ‬ ‫الج َسد‬ ‫ِ‬ ‫المش َ ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ُ َ َ ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ال َ​َل َي َت َغ َّيا ُه َّ‬ ‫ُس َؤ ٌ‬ ‫وي َة َ‬ ‫اعفه"‪،‬‬ ‫الج َس ِد َوإن َما "ف ْرقه"‪" ،‬مض‬ ‫َّ َ َ َ َ َ َ َّ ُ َّ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وت َشظ َّي ُه‪َ ...‬أ َ‬ ‫كاس‬ ‫ع‬ ‫ان‬ ‫ب‬ ‫إَل‬ ‫ق‬ ‫ق‬ ‫تح‬ ‫ي‬ ‫َل‬ ‫د‬ ‫س‬ ‫الج‬ ‫أن‬ ‫ذا‬ ‫ه‬ ‫عن‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ َ َ ُ ِ َ َ ُِ‬ ‫ي‬ ‫ُ َ‬ ‫ُص َ‬ ‫وَل ْكره‪َ .‬و ًإذا ُك ُّل ر ْ‬ ‫س ٍء َأم َامه‪ ،‬خلفه‪ ،‬ي ِمينه‪،‬‬ ‫ورت ِه‪ِ ،‬سيم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ٌ َ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ​َ‬ ‫َُ‬ ‫كذل َك‪ ،‬ف َ‬ ‫الذي ُيشتغ ُل َعل ْي ِه َو ِف ِيه‪،‬‬ ‫الب ْر ِي‬ ‫ِش َماله‪ِ ،‬مرآة‪ .‬وهو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫َ ٌّ َ َ َّ ُ َ َ‬ ‫ان‪َ ،‬ق ْب اَل‪َ​َ ،‬ل َحدا وال َأح ًدا‪ .‬ف َ‬ ‫الب ْري َي َُ ُ‬ ‫حد؛ ذ ِلك ِألنه ك‬ ‫عي‬ ‫ِ‬ ‫َ ي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫قيم ف َّ‬ ‫الج َس ُد َعل َد َماره؛ و َما يذهب ل ُي َ‬ ‫السند ‪،Support‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ان َن ُ‬ ‫وع ُه أو َش ُكل ُه‪َ ،‬ل ْي َ‬ ‫بق ِمن دمار‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫وى‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫مهما ك‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ َ َ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سد يف الفن هو‪ :‬أ ليس هذا‬ ‫سد‪ِ .‬لهذا يكون َسؤال الج ِ‬ ‫َّالج ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الذي ن َر ُاه َ‬ ‫أحيانا ُم َ ً‬ ‫وأحيانا َعل شك ِل ه ْي ٍئة ْأو لطخ ٍة ْأو‬ ‫بعيا‪،‬‬ ‫َ ُ َُْ َ َ ً ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ َ ْ ‪ُ َ ْ َ ...‬‬ ‫َ‬ ‫حم َو َعظ ٍم َود ٍم‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫س‬ ‫ج‬ ‫ي‬ ‫الغ‬ ‫‬‫ر‬ ‫اآلخ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫مكن ٍة أو أ ليس‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫ُ ُ َ َ​َ ُ ! َ ْ َ‬ ‫َ​َل ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫سد يف‬ ‫ق‬ ‫تعل‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫حين‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ن‬ ‫لس‬ ‫أ‬ ‫؟‬ ‫ه‬ ‫ف‬ ‫اع‬ ‫ض‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫شاك‬ ‫ي‬ ‫األمر بالج ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ون َأ َم َام َ‬ ‫الج َسد“ أو ف ” َف ِّن َلحم َ‬ ‫”فن َ‬ ‫الج َس ِد‪-‬‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫‪،‬‬ ‫“‬ ‫سد‬ ‫الج‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ُ َ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ ُ‬ ‫اض ًحا؟ أ ِألنه َواضح؟‬ ‫الج َ َسد هنا ف‬ ‫اض َ ِح؟! َو ِلماذا يكون‬ ‫الف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ْ َ َ َ ى‬ ‫َ‬ ‫َ ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ولكن أين ي‬ ‫تجل ُو‬ ‫ضوحه؟ أ ِ يف ت َمث ِل ِه الد‬ ‫ثله‬ ‫ِ‬ ‫اخل أم يف ت َم ِ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫اضح هنا‬ ‫اضح‪-‬الو‬ ‫الفن)؟ الف‬ ‫ارج (داخل‪ /‬خارج العمل‬ ‫الخ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َي َتمث ُل ف َما ُه َو َب ْي ِ ٌّ‬ ‫الج َسد َحيث‬ ‫ن‪ ِ ،‬يف الف ْج َوة الن َيلج فيها‬ ‫َْ ُ ي‬ ‫َي‬ ‫َ ِ َ َ َِ ي َ ِ ْ َ ِ َ َ ى‬ ‫ْ‬ ‫الج َ‬ ‫لحم•‬ ‫ال‬ ‫‬‫د‬ ‫س‬ ‫الج‬ ‫د‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫س‬ ‫لب‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫كر‬ ‫الف‬ ‫‬‫د‬ ‫س‬ ‫د‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫سلخ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪5‬‬


‫ر‬ ‫دافينىس‬ ‫ليوناردو‬ ‫ي‬

‫ميخائيل أنجللو‬

‫مان‬ ‫إدوارد ي‬

‫َ‬ ‫كورن‬ ‫كوستاف‬ ‫ي‬

‫آليخت درورر‬

‫بابلو بيكاسو‬

‫إيف كالين‬

‫أورالن‬

‫سيمون هنتاي‬

‫مارينا أبراموفيتش‬

‫كيك سميث‬ ‫ي‬

‫طالل معال‬

‫سمية أمزغار‬ ‫ر‬

‫مانزون‬ ‫بييو‬ ‫ر‬ ‫ي‬

‫إدوارد مونش‬

‫فدوى القاسم‬

‫لوي بالن‬

‫لوسيان فرويد‬

‫شيمان‬ ‫سيندي ر‬

‫بولتانسك‬ ‫كريستيان‬ ‫ي‬

‫فرانشيسكا وودمان‬

‫دي كوننغ ويليام‬

‫قيس عيىس‬

‫روستي‬ ‫جون‬ ‫ر‬

‫دليل أمساء الفنانات والفنانني الواردة أعماهلـ(ن)م يف صفحات هذا العدد‬ ‫أبراموفيتش مارينا‪ ،‬ص ‪ 433‬إىل ص ‪422‬‬ ‫أنجللو ميخائيل‪ ،‬ص ‪2 ،8‬‬ ‫سمية‪ ،‬ص‪.‬ص ‪29 ،23 ،23 ،22 ،23 ،24‬‬ ‫أمزغار ر‬ ‫أورالن‪ ،‬ص ‪ ،20 ،7 ،4‬من ‪ 27‬إىل ‪ ،432‬ص ‪432‬‬ ‫إدوارد مونش‪ ،‬ص ‪73‬‬ ‫بالن لوي‪ ،‬ص‪.‬ص ‪430 ،99 ،93 ،93‬‬ ‫ايني‪ ،‬ص ‪8‬‬ ‫بوادان ر ر‬ ‫بولتانسك كريستيان‪ ،‬ص ‪37‬‬ ‫ي‬ ‫بيكاسو باولو‪ ،‬ص‪.‬ص ‪73 ،73 ،90 ،37‬‬ ‫تيتيان‪ ،‬ص ‪32‬‬ ‫رودان‪ ،‬ص ‪429‬‬ ‫روستي جون‪ ،‬ص ‪97 ،49‬‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫دافنىس ليوناردو‪ ،‬ص‪.‬ص ‪70 ،44‬‬ ‫ي‬ ‫درورر آليخت‪ ،‬ص ‪33‬‬ ‫أوجي‪ ،‬ص ‪74‬‬ ‫دوالكروا ر‬ ‫دي كوننغ ويليام‪ ،‬ص ‪72‬‬ ‫ديفيد جاك لويس‪ ،‬ص ‪92‬‬ ‫صامييلسون بروس‪ ،‬ص ‪423‬‬

‫‪6‬‬

‫كيك‪ ،‬ص ‪.3‬ص ‪28 ،27 ،29 ،23 ،2‬‬ ‫سميث ي‬ ‫سيان بول‪ ،‬ص ‪39‬‬ ‫ر‬ ‫شياغا گازو‪ ،‬ص ‪37‬‬ ‫ر‬ ‫شيمابيو‪ ،‬ص ‪40‬‬ ‫شيمان سيندي‪ ،‬ص‪.‬ص ‪92 ،32‬‬ ‫ر‬ ‫عيىس قيس‪79 ،‬‬ ‫غائب غسان‪73 ،‬‬ ‫فرويد لوسيان‪ ،‬ص ‪94‬‬ ‫القاسم فدوى‪ ،‬ص‪.‬ص ‪82 ،88 ،87 ،89 ،83‬‬ ‫أكيا‪ ،‬ص ‪38‬‬ ‫كاناياما ر‬ ‫كالين إيف‪ ،‬الصفحات ‪93 ،38 ،24 ،20 ،32 ،38‬‬ ‫كورن گوستاف‪ ،‬ص‪.‬ص ‪43 ،42 ،43‬‬ ‫ي‬ ‫مال هللا هناء‪ ،‬ص ‪77‬‬ ‫مان إدوارد‪43 ،‬‬ ‫ي‬ ‫بييو‪ ،‬ص ‪33‬‬ ‫مانزون ر‬ ‫ي‬ ‫معال طالل‪ ،‬ص ‪ 47‬إىل ص ‪ ،33‬ص ‪ 72‬إىل ص ‪83‬‬ ‫وودمان فرانشيسكا‪ ،‬ص‪.‬ص ‪423 ،23 ،22 ،23‬‬ ‫هنتاي سيمون‪ ،‬ص‪.‬ص ‪34 ،30 ،32 ،37 ،39‬‬ ‫ييمولوفا إيرينا‪ ،‬ص ‪3‬‬


‫ملف العدد‬

‫‪7‬‬


8


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫موليم العروسي‪ ،‬اجلسد عرب تاريخ الفن‬

‫الن‬ ‫إشكالية الجسد تضعنا يف مأزق‬ ‫ر‬ ‫التفكي‪ .‬هل نتحدث عن الجسد الكتلة المادية ي‬ ‫ينظر إليها كآلة بيولوجية تستعمل كطاقة إلنتاج وتحويل العالم‪ ،‬أم نتحدث عن‬ ‫الن تتفاعل مع األفعال واألشكال والكلمات فتنتج أعمال‬ ‫الجسد الطاقة العاطفية ي‬ ‫روحية من قبيل الشعر والرقص والفن البرصي‪...‬؟ إذا كان األمر يتعلق بالجسد‬ ‫ر‬ ‫والتشي ــح؟ فلقد كان األطباء‬ ‫اآللة فإن من اهتم به بادئ ذي بدء هو الطب‬ ‫بارعي تصوير الجسد وتوضيح جزيئاته حن يتسن للطبيب‬ ‫رسامي‬ ‫يطلبون من‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫الوقوف عل عناض الجسد‪ .‬وكان األمر يتعلق بجسد اإلنسان والحيوان عل‬ ‫السواء‪0‬‬ ‫كان الجسد يف هذه الرسوم گرافيكيا (من الگرافيك أي الخط)‪ ،‬أي أنه يتكون من‬ ‫وه نفس طريقة رسم‬ ‫خطوط وليس من كتل‪ ،‬كما أصبح عليه األمر بعد ذلك‪ .‬ي‬ ‫الن نصادف يف رسم المغارات المسماة بدائية‪ .‬فبالعودة للرسومات‬ ‫الجسد ي‬ ‫‪9‬‬


‫موليم العروسي‪ ،‬اجلسد عرب تاريخ الفن‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫القديمة‪ :‬بابلية‪ ،‬إغريقية‪ ،‬صينية‪ ،‬وحن بأمريكا‬ ‫األصليي‪0‬‬ ‫القديمة عند الشعوب‬ ‫ر‬

‫المغرن‬ ‫والن يزخر الجنوب‬ ‫الصخرية‪ ،‬كما تسىم‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫نظيها‪ ،‬عل امتداد كيلوميات‪ ،‬سوف‬ ‫بنماذج قل ر‬ ‫يتضح أن الخط هو الذي كان يستعمل لتمثل الجسد‪.‬‬ ‫كما أن الرسم كان يتم بطريقة رسم اليوفايل‪ ،‬لذا لم‬ ‫نكن نرى كتلة الجسد بل فقط مساحة مسطحة‬ ‫تعطينا فكرة عن جسد ما‪ .‬نفس الطريقة الگرافيكية‬ ‫المرصيي القداىم‪،‬‬ ‫الرسامي‬ ‫سوف نجدها عند‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫خصوصا عند تعاملهم مع السطح‪ ،‬أي عندما كانوا‬ ‫الرسامي‬ ‫يرسمون عوض أن ينحتوا‪ .‬ال نجد هذا عند‬ ‫ر‬ ‫ه طريقة الزمت الممارسة‬ ‫ر‬ ‫المرصيي فحسب‪ ،‬بل ي‬ ‫الرسمية عند جميع الشعوب والحضارات والثقافات‬

‫الن اتبعها رسامو األناجيل‬ ‫ه الطريقة نفسها ي‬ ‫هذه ي‬ ‫األوائل‪ ،‬وكذا رسامو المنمنمات‪ ،‬حيث تظهر األجساد‬ ‫عي خطوط وتلوينات يف أغلب األحيان‪ .‬طريقة رسم‬ ‫الجسد هذه نجدها يف األيقونات الدينية‪ ،‬سواء عند‬ ‫البينطية أو المنمنمات الشيعية يف بالد‬ ‫الكنيسة ر‬ ‫الن تتعلق بحياة الرسول‬ ‫ر‬ ‫المسلمي‪ ،‬خصوصا تلك ي‬ ‫والصحابة والمالئكة‪ .‬الطريقة نفسها انتقلت إىل‬ ‫إيطاليا من ربينطة‪ ،‬وخصوصا إىل فلورنسا‪ .‬ويعود‬ ‫الفضل يف الخروج من قوقعة الخط‬ ‫وغياب الكتلة يف تصوير األجساد إىل‬ ‫شين دي بيبو‬ ‫الشهي‬ ‫اإليطاىل‬ ‫الرسام‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الملقب بشيمابيو (‪،)Cimabue‬‬ ‫المولود سنة ‪ 4330‬بفلورنسا والمتوف‬ ‫ببيا (‪ .)Pise‬ولكن شيمابيو‬ ‫سنة ‪ 4203‬ر‬ ‫لم يقم بهذا العمل الجبار من تلقاء‬ ‫الن‬ ‫نفسه‪ ،‬بل كان بإيعاز من الكنيسة ي‬ ‫كانت تريد أن يظهر المسيح إىل جمهور‬ ‫المؤمني وهو يتعذب‪'' .‬يجب أن تصور‬ ‫ر‬ ‫المسيح وهو يتعذب عل الصليب ال أن‬ ‫َُْ‬ ‫ش بانتصاراته وتحوم‬ ‫تصوره وهو منت ٍ‬ ‫حوله دوائر األنوار‪''...‬؛ هذا هو ر‬ ‫الشط‬ ‫الذي وضعه اآلباء بكنيسة سانتا‬ ‫كروشيه (الصليب المقدس) بفلورنسا‬ ‫عندما طلبوا من الرسام شيمابيو أن يعد‬ ‫لهم صورة للمسيح وهو مصلوب حن‬ ‫يثي شفقة العامة وتتضامن مع محنته‪0‬‬ ‫ر‬ ‫وألول مرة سوف يظهر المسيح وجلده‬ ‫العظىم‪،‬‬ ‫ملتصق بعظامه وقد برز هيكله‬ ‫ي‬ ‫المعان أصبح إنسانا‬ ‫أي أنه بمعن من‬ ‫ي‬ ‫ُ َ َّ ُ‬ ‫ان بعيدا عن‬ ‫بعد أن كان يصور ككائن نور ي‬ ‫العامة‪ .‬أصبح إنسانا من دم ولحم‪ .‬وبما‬ ‫أن المسيح لم يكن يرسم يف غالب‬ ‫األحيان لوحده بل بمعية األحبار‬ ‫‪01‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫موليم العروسي‪ ،‬اجلسد عرب تاريخ الفن‬

‫يذهبوا بعيدا يف رسم الجسد‪ ،‬خصوصا عندما كان‬ ‫والسيدة مريم العذراء‪ ،‬فكان البد أن تجري نفس‬ ‫األمر يتعلق بمواضيع ميثولوجية أو تاريخية‪ .‬أصبح‬ ‫القاعدة عليهم أيضا‪ .‬فاألحبار أصبحوا يظهرون‬ ‫فنانو النهضة يركزون بالخصوص عل الجسد‪ .‬بل‬ ‫بصفاتهم اإلنسانية يمشون عل األرض ويلبسون‪ ،‬يف‬ ‫الفناني‪ ،‬وعل وجه الخصوص أولئك‬ ‫هناك من هؤالء‬ ‫غالب األحيان‪ ،‬أثوابا رثة‪ ،‬أو عل األقل قريبة من لباس‬ ‫ر‬ ‫المحميون من طرف الكنيسة أو قصور الملوك أو‬ ‫عموم الجمهور‪ .‬أما السيدة العذراء فقد كان لزاما أن‬ ‫الوجهاء‪ ،‬من لم يتورع يف‬ ‫تتخل تدريجيا عن تلك‬ ‫الن كانت تغلف حىت ولو أن كثريا من الكالم قيل عن رسم مواضيع دينية تظهر‬ ‫العباءة‬ ‫ي‬ ‫فيها األجساد بشكل قوي‬ ‫يف‬ ‫بالكامل‬ ‫جسدها‬ ‫فإن‬ ‫الواقع‬ ‫يف‬ ‫ووجودها‬ ‫املوناليزا‬ ‫وعنيف يكاد يكون شبقيا‪.‬‬ ‫البينطية‪ ،‬وأن‬ ‫الرسومات‬ ‫ر‬ ‫ُْ‬ ‫تظ ِه َر بعض جوانب جسدها رمسها خضع لنفس منهجية تغييب اجلسد الحديث هنا عن مخائيل‬ ‫أنجيللو يف رائعته "خلق‬ ‫تشي إىل أنوثتها‪ :‬من‬ ‫الن‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫واستحضاره كفكرة فقط‪...‬‬ ‫الن تتوسط قبة‬ ‫آدم"‬ ‫والنهدين‬ ‫الجسم‬ ‫حجم‬ ‫ذلك‬ ‫ي‬ ‫سيشتي بقلب‬ ‫كنيسة‬ ‫النافرين‪ ،‬حن ولو كان ذلك‬ ‫ر‬ ‫الفاتيكان‪ ،‬حيث يظهر هللا عل شكل شخص مفتول‬ ‫من خالل ثوب شفاف‪ ،‬خصوصا يف بداية هذه الثورة‬ ‫َ‬ ‫يغط‬ ‫العضالت وبلحية كثة يكسوه ثوب شفيف‬ ‫الر َس ِمية‪ .‬كان البد أن تظهر كامرأة من فلورنسا من‬ ‫ي‬ ‫حيث المظهر‪0‬‬ ‫يشي‬ ‫بعض أجزاء جسده‪ ،‬خاصة أعضاءه التناسلية‪ ،‬ر‬ ‫بأصبعه لشخص (آدم) مرسوم بنفس الشكل إال أنه‬ ‫لفناني آخرين أن‬ ‫هذه الثورة يف الرسم سمحت‬ ‫ر‬ ‫‪00‬‬


‫موليم العروسي‪ ،‬اجلسد عرب تاريخ الفن‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫يبدو أصغر سنا وحجما من ذلك الذي يفيض أنه هللا‪.‬‬ ‫ونفهم من القصة أن هللا أشار بإصبعه فنشأ آدم‪.‬‬ ‫غيه‪.‬‬ ‫باستثناء هللا ال‬ ‫يغط أجساد اآلخرين أي ثوب أو ر‬ ‫ي‬ ‫يفهم من اللوحة أو الجدارية أن مخائيل أنجيللو قد‬ ‫درس ر‬ ‫ليستعي به عل رسم األجساد تماما‬ ‫التشي ــح‬ ‫ر‬ ‫كما تبدو يف الواقع‪ .‬نفس النهج اتبعه كل من ليوناردو‬ ‫ر‬ ‫دافنىس ورافائيل يف رسمهما لألجساد‪0‬‬ ‫ي‬

‫وفق تعاليم أساتذتهم‪ ،‬يحرصون عل إضفاء مسحة‬ ‫رخامية عل الجسد المرسوم تسجنه يف حدود‬ ‫مشاهدة اللوحة دون إثارة شهوة الجمهور‪ .‬من هنا كان‬ ‫الفناني‬ ‫المتعلمي من‬ ‫المعلمون الكبار ينهرون‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫المبتدئي إن هم اكتشفوا وهم يصورون الحياة‬ ‫ر‬ ‫اليومية أو الراهنة بصفة عامة‪0‬‬ ‫ُْ‬ ‫ُ‬ ‫لكن الثورة الرومانسية سوف تد ِخل بعدا جديدا يف‬ ‫رسم الجسد‪ ،‬حن لو أنها لم تخلصه من ترسبات‬ ‫ماض الفن‪ .‬طبيعة الممارسة الرومانسية للرسم‬ ‫ي‬ ‫والصباغة كانت يف حد ذاتها تقيب من المتعة‬ ‫الجسدية‪ .‬فبينما كان الفنانون الكالسيكيون‬ ‫والكالسيكيون المحدثون يعمدون إىل رسم مواضيعهم‬ ‫الطباشي أوال قبل أن يملئوها صباغة حن‬ ‫بالفحم أو‬ ‫ر‬ ‫يتحكموا يف الجانب المرمري للوحة‪ ،‬عمد‬ ‫ر‬ ‫مباشة دون‬ ‫الرومانسيون يف ثورتهم إىل االشتغال‬ ‫وسيط عل اللوحة نفسها‪ .‬كان منهم من يخلط‬ ‫ر‬ ‫مباشة‪ .‬هذه‬ ‫أصباغه وألوانه فوق قماش اللوحة‬ ‫الطريقة كانت تستنفر الحواس وتجعل جسد الفنان‬ ‫يعيش عالقة شبقية مع المواد والقماش‪ .‬صورة الفنان‬

‫رسم األجساد كما تبدو يف الواقع‪ .‬هذه العبارة ليست‬ ‫اآلن‬ ‫مجانية‪ ،‬ذلك أن األمر كان يتعلق باستلهام الواقع ي‬ ‫الماض‪ .‬لم يكن بمستطاع الفنان رسم األحياء‪،‬‬ ‫لرسم‬ ‫ي‬ ‫الموناليا‬ ‫كثيا من الكالم قيل عن‬ ‫ر‬ ‫حن ولو أن ر‬ ‫ووجودها يف الواقع فإن رسمها خضع لنفس منهجية‬ ‫بق التعامل‬ ‫تغييب‬ ‫الجسد واستحضاره كفكرة فقط‪ .‬ي‬ ‫َُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫مع الجسد يدبر بطريقة أفالطونية‪ ،‬بمعن اإلعالء من‬ ‫شأنه وتدبيجه واالهتمام بمظاهر جماله وفق مقاييس‬ ‫تاريخ ال يعيش مع‬ ‫األزمنة السابقة‪ ...‬أي أنه جسد‬ ‫ي‬ ‫الناس يف عرصهم وال يمكن للفنان تصوير أجساد‬ ‫التقن كان الفنانون‪،‬‬ ‫المعاضين‪ .‬وحن عل المستوى‬ ‫ي‬

‫‪02‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫موليم العروسي‪ ،‬اجلسد عرب تاريخ الفن‬

‫الشهية‪ .‬وعند‬ ‫مسئولية سياسية يف كومونة باريس‬ ‫ر‬ ‫سقوط نظام الكومونة فر إىل سويشا‪ ،‬وقض بقية‬ ‫االنطباع‬ ‫حياته هناك‪ .‬لم يكن يفصله عن زميله‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫الكثي عل المستوى‬ ‫الىسء‬ ‫الفلسق؛ كان‬ ‫ر‬ ‫إدوارد ي‬ ‫مان ي‬ ‫ي‬

‫الن نحتفظ بها اليوم عن شخص ملطخ بالصباغة‬ ‫ي‬ ‫ويمسح يديه ف بلوزته ه إرث رومانىس يأتينا ر‬ ‫مباشة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫عش وبداية الثامن ر‬ ‫من نهاية القرن السابع ر‬ ‫عش‪ .‬لكن‬ ‫ه أيضا من‬ ‫الماض‪ ،‬حن‬ ‫األجساد الرومانسية بقيت ي‬ ‫ي‬ ‫ولو كانت مستلهمة من الحاض‪،‬‬ ‫وحن لو غاب عنها ذلك الجانب‬ ‫خرج من رحم الرومانسية تياران متناقضان يف كل شيء‪،‬‬ ‫المرمري الذي يخنق الحسية‬ ‫لكنهما يتفقان على إعادة النظر يف عالقة‬ ‫والشبقية‪0‬‬

‫الفن باجلسد‪.‬‬

‫لكن سوف يخرج من رحم‬ ‫ر‬ ‫سء‪ ،‬لكنهما‬ ‫الرومانسية تياران متناقضان يف كل ي‬ ‫يتفقان عل إعادة النظر يف عالقة الفن بالجسد‪.‬‬ ‫يتعلق األمر بالواقعية واالنطباعية‪ ،‬أو بشكل َ‬ ‫أكي‬ ‫كورن‬ ‫بفناني هما گوستاف‬ ‫تدقيقا يتعلق األمر‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫مان ‪)Édouard‬‬ ‫(‪ )Gustave Courbet‬وإدوارد‬ ‫ي‬ ‫كورن شيوعيا‪ ،‬بل إنه تحمل‬ ‫(‪ .Manet‬كان گوستاف‬ ‫ي‬

‫االنطباعيون يقولون إنهم ال ينافقون حواسهم بل‬ ‫يرسمون ما يشاهدون دون إضافة‪ .‬وكان رائد الواقعية‬ ‫ر‬ ‫كورن كان يتحدث عن‬ ‫الىسء‪ .‬لكن‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫كورن يقول نفس ي‬ ‫الحياة اليومية للناس وعن المواضيع المادية‪ ،‬بينما‬ ‫كان االنطباعيون يتحدثون عن المشكلة من وجهة نظر‬ ‫تقنية بحثة؛ كانوا يقولون إنهم ال يرسمون األشياء يف‬ ‫‪03‬‬


‫موليم العروسي‪ ،‬اجلسد عرب تاريخ الفن‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫عالقة جنسية بينهما‪ ،‬عل ما يبدو‪.‬‬ ‫وتحك الروايات‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫أن‬ ‫اللوحتي‬ ‫حول‬ ‫العديدة‬ ‫م ج مع‬ ‫ر‬ ‫الديبلوماس‬ ‫(‪ )collectionneur‬أعمال فنية‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ترك‪ ،‬باسم خليل باي‪ ،‬هو الذي‬ ‫المرصي من أصل ي‬ ‫العملي سنة‬ ‫كان قد طلب من الفنان رسم هذين‬ ‫ر‬ ‫‪ .4899‬ويبدو حسب روايات أخرى أن لوحة "أصل‬ ‫والن توجد اليوم بمتحف أورساي بباريس‪،‬‬ ‫العالم"‪،‬‬ ‫ي‬ ‫النفىس‬ ‫انتقلت يف وقت من األوقات إىل ملكية العالم‬ ‫ي‬ ‫الشهي جاك الكان‪ .‬وإن كانت تيمة‬ ‫الفرنىس‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫الصديقتان معروفة ومطروقة يف مجال الرسم‪ ،‬فإن‬ ‫كورن أبدع بالخصوص بتجاوز األخالق األفالطونية‬ ‫ي‬ ‫الن تجعل من الحب واألجساد مجرد متعة‬ ‫ي‬ ‫إستيطيقية بعيدا عن ممارسة جنسية جسدية‪ .‬فعند‬ ‫شبق بامتياز‪ ،‬وأن‬ ‫المتلق أن الجسد‬ ‫رؤية العمل يرى‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫الن تعكسها تلك األشياء‪.‬‬ ‫حد ذاتها بل كميات الضوء ي‬ ‫الن تهمنا يف هذا الباب‪،‬‬ ‫والن مثلت‬ ‫ولكن األعمال ي‬ ‫ي‬ ‫ثورة حقيقية فيما يتعلق بالعالقة مع الجسد يف الفن‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫‪ -4‬أصل العالم‬ ‫ليس هناك ر‬ ‫الكثي يف هذه اللوحة‪ .‬لقد رسم‬ ‫الىسء‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫كورن فرج امرأة دون أن يكشف ال عن ساقيها وال عن‬ ‫ي‬ ‫وجهها‪ ،‬ركز فقط عل فتحة الفرج وشعر العانة‪ .‬لكن‬ ‫والن ال‬ ‫كورن المعروفة‬ ‫الفن أنجز بطريقة‬ ‫العمل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫يجامل فيها الطبيعة‪ .‬ال يضيف شيئا عل األجساد كما‬ ‫الشهية "النوم"‪ ،‬أو "الصديقتان"‪،‬‬ ‫فعل يف لوحته‬ ‫ر‬ ‫حيث سيدتان مستلقيتان يف الفراش منهكتان بعد‬ ‫‪04‬‬


‫يثي غضب الناس‪.‬‬ ‫بصور كهذه‪ .‬ليس يف الصورة ما ر‬ ‫لكن‪ ،‬أكدت يف البداية عل أن الجسد العاري لم يكن‬ ‫الماض‪ .‬جسد امرأة ال تشبه ال‬ ‫ليقبل إال إذا كان من‬ ‫ي‬ ‫زوجن‪ .‬الناس الموجودون يف الصورة‬ ‫أخن وال‬ ‫ي‬ ‫أىم وال ي‬ ‫ي‬ ‫المتقي‪ ،‬ولذلك أثارت اللوحة ضجة‬ ‫هم من زمان‬ ‫ر‬ ‫رَّ‬ ‫كيى‪ ،‬لكنها يف نفس الوقت أشت عل انتقال مهم يف‬ ‫الفن يقول لمن أراد سماع‬ ‫الذهنيات‪ ،‬إذ كان العمل‬ ‫ي‬ ‫ذلك‪ :‬نحن هكذا لقد وصلنا‪ ،‬عل مستوى حرياتنا‬ ‫ومعتقداتنا‪ ،‬إىل المستوى الذي يجب علينا أن ال‬ ‫نرفض وجهنا يف المرآة‪0‬‬ ‫تأثي "أصل العالم" و"غذاء عل العشب"‬ ‫لقد طال ر‬ ‫األعمال الشعرية والفلسفية والفنية‪ ،‬كالصورة‬ ‫الفوتوغرافية‪ ،‬والنحت‪ ،‬وبعد ذلك السينما؟ ولن‬ ‫يتجاوز الفن هذا الطرح إال يف الفن المعاض عندما‬ ‫تجاوز الجسد وضعيته كموضوع‪ ،‬أصبح يساهم فعليا‬ ‫سىم بالربيع‬ ‫يف ر‬ ‫تغيي العالم‪ .‬ولعل ما حدث إبان ما ي‬ ‫العرن دليل عل هذا التحول‪ ،‬فقد‬ ‫اط‬ ‫ي‬ ‫الديمقر ي‬ ‫العرن إىل إنشاء أعمال فنية‬ ‫عمدت فنانات من العالم‬ ‫ي‬ ‫أدائية (برفورمانس) إما للتحدي أو لإلدانة أو إلثبات‬ ‫الذات داخل المجتمعات الذكورية•‬

‫مادة الجسد حية وتنبض بالرغبة‪ .‬اختفت هذه‬ ‫األعمال لمدة طويلة قبل أن يعود النقاد والمؤرخون‬ ‫للحديث عنها مؤخرا‪0‬‬ ‫‪ -3‬غذاء عل العشب‬ ‫هذه التيمة كسابقتها تعرض لها َ‬ ‫أكي من فنان عي‬ ‫مان‬ ‫تاري ــخ الفن‪ ،‬لكن الجديد هو أن لوحة إدوارد ي‬ ‫المرفوضي‬ ‫كبية عند عرضها بصالون‬ ‫أثارت ضجة ر‬ ‫ر‬ ‫بباريس يف ‪ 43‬ماي من سنة ‪ ،4892‬لكنها أزيلت من‬ ‫المعرض ليتم عرضها يف السنة الموالية‪ ،‬لكن عل‬ ‫هامش المعرض‪ .‬لماذا أثارت كل هذه الضجة؟ يظهر‬ ‫يف اللوحة امرأتان ورجالن‪ .‬سيدة تجلس عل العشب‬ ‫وف‬ ‫وه عارية دون أن تظهر أعضاؤها الحميمية‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫وه تلبس ثوبا‬ ‫النهر‬ ‫ف‬ ‫تستحم‬ ‫أخرى‬ ‫سيدة‬ ‫الخلفية‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫عاريي‬ ‫غي‬ ‫شفيفا يكاد يظهر مفاتن جسدها؟ الرجالن ر‬ ‫ر‬ ‫يلبسان لباس أهل ذلك الزمان‪ ،‬أي فرنسيو سنة‬ ‫‪ .4892‬السيد الجالس عل يسار الصورة بجانب‬ ‫ُ‬ ‫ينظر‪ ،‬كما السيدة‪ ،‬ر‬ ‫المتلق‪0‬‬ ‫نحو‬ ‫ة‬ ‫مباش‬ ‫السيدة العارية‬ ‫ي‬ ‫ملء‬ ‫أين تكمن المشكلة إذن؟ نعرف أن تاري ــخ الفن ي‬ ‫‪05‬‬


06


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫طالل معال‪ ،‬اجلسد املبتكر‬

‫يلق الجسد بثقله يف ظل السياسة‪ ،‬وكيف يفعل ذلك؟‬ ‫هل ي‬ ‫منذ القدم كان عل هـذا الـكـائـن أن يسـع لـجـمـع عـنـاض إكـلـيـل الـغـار الـذي يـلـف بـه‬ ‫التفكي عل مواكبته معن الـجـسـد‪،‬‬ ‫المضن والمستمر قدرة‬ ‫وجوده‪ ،‬ويؤكد بالعمل‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫الـذي أزاحــت الـحـضـارات عــن مـعــانـاتــه سـتــار الـتـمـثـال الـمـخـلــد يف كــل بـقـعـة وزمــان‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سواء كان هذا الجسد سياسيا أو رياضيا أو مفكرا أو فـكـرة ورمـزا‪ ..‬الـتـمـثـال الـذي بـدأ‬ ‫يلخص هوية هذا الجسـد‪ ،‬ويـمـنـحـه خصـوصـيـتـه ال يـن سـيع فـيـمـا بـعـد الـنـجـاحـات‬ ‫‪07‬‬


‫طالل معال‪ ،‬اجلسد املبتكر‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫ً‬ ‫الن قادته اىل الحروب والمعارك الطاحنة‪ ،‬وليغدو رمزا‬ ‫ي ً‬ ‫أساسيا لالستشهاد والموت‪.‬‬ ‫وكذلك يف األلعاب القاتلة "فحن عـام ‪ 304‬ق‪.‬م ذلـك‬ ‫الـعــام الـذي نشـبــت فـيــه أزمــة عـنـدمــا هـاجـمــت الـقـبــائــل‬ ‫الجرمانية روما وحـولـتـهـا اىل أنـقـاض‪ ،‬حـن ذلـك الـح رـيـ‬ ‫كــانــت مـبــارزات ال ـمـجــالــديــن الـ يـن أخــذهــا الــرومــان عــن‬ ‫ً‬ ‫األتــروسـكـيـ رـي ال تـقــام إال تـكــريـمــا لـلـمــون‪ ،‬أمــا يف ذلــك‬ ‫العام فـقـد دفـعـت الـظـروف االسـتـثـنـائـيـة الـدولـة إلقـامـة‬ ‫هذه األلـعـاب الـدامـيـة ألول مـرة عـل حسـابـهـا‪ ،‬قـاصـدة‬ ‫ً‬ ‫من ورائها تقوية أهل روما المذعورين عسكريا"‪0‬‬ ‫السياس للجسد‪ ،‬يف محاولـة‬ ‫هكذا إذن يبدأ االستغالل‬ ‫ي‬ ‫لتأكيد النفاق مكان الرمـز الـعـمـيـق لـمـعـن الضـحـيـة‪ ،‬إىل‬ ‫أن ج ــاء يف الـ ـع ــام ‪ 322‬لـ ـلـ ـمـ ـي ــالد ال ــدي ــن الـ ـج ــدي ــد‪،‬‬ ‫الن منعت تلك المبارزات القاتلة‪.‬‬ ‫المسيحية ي‬ ‫الداخل لـقـيـم‬ ‫اض‬ ‫ي‬ ‫بكل األحوال‪ ،‬فإن األسلوب االستعر ي‬ ‫هذا الجسد تجلت يف مـعـن الرصـورة الـتـاريـخـيـة‪ ،‬لـربـط‬ ‫هذه الكتلة من العضالت باألحداث التاريخية‪ ،‬كنصب‬ ‫ي ـت ـع ـم ـلــق خــارج إرادة ال ـث ـقــافــة اإلنســان ـيــة‪ ،‬ول ـهــذا األمــر‬ ‫بــالــذات لــم ت ـتــوان الــدعــايــة ال ـع ـس ـكــريــة ال ـه ـت ـلــريــة عــن‬ ‫استغالل استعراض هذا الجسد‪ ،‬كفـرصـة إلبـراز نـفـسـهـا‬ ‫كسياسة‪ ..‬وهذا ما فعلـتـه الـدول االشـياكـيـة فـيـمـا بـعـد‪،‬‬ ‫القوىم‪..‬‬ ‫الجماع‬ ‫عي السيطرة عل استعراض الجسد‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ـاىل أسـلـوب مـدروس دراســة‬ ‫"يسـود عـنـد اإلنسـان الشـم ي‬ ‫جيدة‪ ،‬يتمـثـل يف الـعـمـل عـل إتـقـان الـوصـول إىل حـافـة‬ ‫االن ـطــالق‪ ،‬ل ـت ـح ـسـ رـي اإلن ـجــازات بــاس ـت ـم ـرار‪ .‬أمــا لــدى‬ ‫ـخ فـي ـســود تســارع ل ـل ـجـســد عــل غـ رـي ن ـظــام‪ ،‬ي ـكــاد‬ ‫الــزنـ ي‬ ‫يشـبــه الـقـفــزة الــرشـيـقــة والـخـفـيـفــة لـحـيــوان يف الـفــالة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فـح ـقــا مــا أن ـبــل ال ـفـضــة اآلريــة إذا مــا ق ـي ـســت بــالــذهــب‬ ‫الحيوان"‪0‬‬ ‫ي‬ ‫هــذا الـمـقـطــع تـعـلـيــق إلحــدى الصـحــف األلـمــانـيــة أثـنــاء‬ ‫ن ـق ــل أخ ـب ــار ال ــدورة األول ـم ـب ـي ــة أي ــام ه ـت ـل ــر‪ ،‬ون ــالح ــظ‬ ‫رصـي الـجـ يـل‪ ،‬الــذي كــان يـتـصــدر قــائـمــة‬ ‫األسـلــوب الـعـنـ ـ‬ ‫ـان‬ ‫األحاديث عـن الـجـسـد حـيـنـذاك‪ ،‬لـيـؤكـد الـجـسـد مـع ي‬ ‫الس ـل ـط ــة االس ـت ـب ــدادي ــة‪ ،‬ول ـي ـت ـح ــول إىل ش ـك ــل خ ــارق‬ ‫ومـتـجـاوز لـبـنـيـتـه اإلنســانـيـة والـتـعـبـ رـييـة والـجـمـالـيــة‪ .‬لـقــد‬

‫اقــين ال ـج ـســد ب ـم ـج ـمــوعــة الس ـل ـطــات ك ـخــادم م ـط ـيــع‬ ‫مضامي عقائديـة‪ ،‬عـلـيـه وحـده‬ ‫الن تتحول إىل‬ ‫ر‬ ‫للمآرب ي‬ ‫يضق القـيـمـة الـرائـعـة عـل‬ ‫أن يدفع بوعيه إىل الفناء يك‬ ‫ي‬ ‫يعان هذا الجسد يف رحـلـتـه‬ ‫الغايات االستبدادية‪ ،‬بينما ي‬ ‫ال ـم ـتــواص ـلــة‪ ،‬والـ يـن لــم ت ـن ـق ـطــع عــل مــدى ال ـتــاري ـ ــخ‪،‬‬ ‫للوصول إىل االنعتاق والتحرر من المسميات واأللـقـاب‬ ‫ً‬ ‫األخــاذة‪ ،‬ب ـع ـيــدا عــن ال ـع ـزلــة وال ـخ ـراب والــوحشــة‪ ،‬الـ يـن ـ‬ ‫كانت وال تزال تغلف الـعـالقـات الـمـحـدثـة‪ ،‬وال يـن تـكـش‬ ‫االجتماع‪ ،‬وتـبـلـد إمـكـانـات الـتـنـبـؤ‬ ‫بقسوة عمق االنتماء‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫واالستشاف لمستقبله‪.‬‬ ‫اإلنسان قد حاول مـنـذ الـقـدم أن يـلـجـأ‬ ‫وإذا كان الجسم‬ ‫ي‬ ‫ـوىم‪ ،‬عــي الـتـنـفـيــس عــن‬ ‫لـلـتـطـهــر مــن ي‬ ‫اآلن والـزائــل والـيـ ي‬ ‫الـتــوتـرات الــروحـيــة والـنـف ـسـيــة‪ ،‬وت ـعـقـيــدات الـعــواطــف‬ ‫والمشاعر والرغبات المكبوتة‪ ،‬مـن خـالل الـرقـص كـأداة‬ ‫‪08‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫طالل معال‪ ،‬اجلسد املبتكر‬

‫ع ـنــه ت ـف ـسـ رـي ال ـعــالقــة االج ـت ـمــاع ـيــة بـ رـي فضــاء ال ـج ـســد‬ ‫تـعـبـ رـييــة تـعـيـنــه عــل فــرض أجــوائــه السـحــريــة‪ ،‬فــإن هــذا‬ ‫الـم ـت ـصــل وال ـجـســد ال ـم ـت ـصــل بــه‪ ،‬ول ـهــذا فــإن ـنــا البــد أن‬ ‫الـجـســم قــد اسـتـطــاع يف الــوقــت ذاتــه أن يـحـقــق نـتــائــج‬ ‫ن ـل ـمــس ال ـعــالقــة بـ رـي ال ـج ـســد وال ـعــوامــل ال ـح ـضــاريــة ‪-‬‬ ‫أع ـمــق عــل مس ـتــوى الش ـعــائــر وال ـط ـقــوس والص ـلــوات‬ ‫والعبادات‪.‬‬ ‫االج ـت ـم ــاع ـي ــة واالق ـتـ ـص ــادي ــة والس ـي ــاسـ ـي ــة وال ـث ـق ــاف ـي ــة‬ ‫ـاع لــالتصــال بـ رـي‬ ‫"يــرتـبــط الــرقــص بــالـتـعــامــل الــديـ يـن والسـحــري‪ ،‬ويـلـعــب‬ ‫وال ـن ـف ـس ـيــة‪ ..‬ول ـعــل ال ـت ـف ـسـ رـي االج ـت ـمـ ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ال ـج ـســد وال ـج ـمــاعــة ي ـف ـ ـ‬ ‫ش ـ االرت ـبــاط ال ـم ـتـ رـي بــالــياث‬ ‫دورا أساسيا ومـهـمـا يف الـعـقـائـد والـطـقـوس‪ ،‬ولـيـس مـن‬ ‫ـروج‪ ..‬ولـعـلـه مـن الـمـفـيـد أن نـذكـر هـنـا أنـه‬ ‫العجب أن نجد الرقص‪ ،‬ومنذ الـبـدايـة‪ ،‬يف تـرابـط وثـيـق‬ ‫الفـكـري وال ي‬ ‫كلما قل االرتباط ربي الجسد والمجتمع‪ ،‬فإن ذلـك إنـمـا‬ ‫م ــع الـ ـطـ ـق ــوس والـ ـمـ ـعـ ـتـ ـق ــدات‪ ،‬ونـ ـح ــن نـ ـج ــد هـ ــذه‬ ‫ً‬ ‫يكون انعكاسا لتعقد المجتمـع‪ ،‬وتـطـور مـدنـيـتـه‪ ،‬كـمـا يف‬ ‫الممارسات الدينية والسحرية يف الصلوات والـعـبـادات‪،‬‬ ‫المجتمعات الصناعية والتقنية الحديثة‪.‬‬ ‫وعـنــد تـقــديــم الضـحـيــة والـتـحــالــف‪ ،‬وكــذلــك يف مـراســم‬ ‫وف اح ـت ـفــاالت‬ ‫ومــن ال ـم ـعــروف أن أوىل عــالمــات ت ـطــور ال ـف ـنــون لــدى‬ ‫ال ـع ـيــد‪ ،‬وخــالل ال ـط ـقــوس الس ـحــريــة‪ ،‬ي‬ ‫ه ت ـطــور م ـعــرف ـتــه وخــيتــه يف ن ـحــت‬ ‫الربيع‪ ،‬ومناسبات الزرع والحـصـاد‪ ،‬واحـتـفـاالت الـوالدة‬ ‫اإلنســان ال ـقــديــم ي‬ ‫بـ ـ ـع ـ ــض األحـ ـ ـج ـ ــار الصـ ـ ـغ ـ ـ رـية‪،‬‬ ‫واسـتـعـمــالـهــا كــأدوات جــارحــة يف‬ ‫أوائــل مـراحــل حضــارتــه‪ ،‬وكــانــت‬ ‫التعامل الفين مع اجلسد إمنا يتم باستخدام الغامض‬ ‫ه ــذه الـ ـع ــالم ــات ب ــداي ــة تـ ـط ــور‬ ‫واملكبوت واملثري للقلق‪ ،‬واستنباط القيمة اجلوهرية املتمثلة‬ ‫والن‬ ‫الجانب المادي للحضارة‪ ،‬ي‬ ‫ارتبطت بما يسىم بالتكنولـوجـيـا‬ ‫بإعادة رؤية اجلسد كل مرة بشكل جديد‬ ‫البدائية‪ ،‬أي مـجـمـوعـة الـوسـائـل‬ ‫الن امتلكهـا اإلنسـان‬ ‫واألساليب ي‬ ‫ال ـق ــدي ــم‪ ،‬واس ـت ـخ ــدم ـه ــا ل ـج ـم ــع‬ ‫ً‬ ‫الموارد األولية من الـطـبـيـعـة مـب ر‬ ‫ـاشة وحـولـهـا إىل أدوات‬ ‫والختان والتأهيل‪ ،‬ومراسم الوفاة والدفن‪ ،‬ولـيـس آخـرا‬ ‫وآالت ول ــوازم اس ـت ـع ـم ـل ـه ــا يف ح ـي ــات ــه ال ـي ــوم ـي ــة‪ ،‬وس ــد‬ ‫ـوس‪ ،‬الــذي تـعــرض عـلـيــه مشــحـيــات‬ ‫يف الـمــشـ ـح الـطـقـ ي‬ ‫األقنعة الراقصة أو رقصة الطوطم"‪0‬‬ ‫حــاجــاتــه ال ـمــاديــة ال ـم ـخ ـت ـل ـفــة يف ج ـمــع ال ـقــوت وب ـنــاء‬ ‫ال ـم ـس ـكــن وع ـمــل ال ـمــالبــس وأدوات الص ـيــد وال ـق ـنــص‬ ‫هل يمكن أن نعتي الرقص ‪-‬إذن‪ -‬مـن سـبـل الـهـجـرة إىل‬ ‫وغيها‪ ،‬وبــهذا فإننا ندعو هذا الجسد بالـجـسـد الصـانـع‬ ‫الطقوس الذي رأشنـا إلـيـه‪ ،‬أو‬ ‫الذات‪ ،‬سواء كان الرقص‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ـال قــدرات الـجـســد الـحـيــوانـيــة‪ ،‬أو مــا هــو أو الجسد المبتكر‪.‬‬ ‫تـلــك الـ يـن تـحـ ي‬ ‫ر‬ ‫طالما انـتـشـت يف الـفـنـون واآلداب تـمـثـيـالت وتـرم رـيات‬ ‫ـان الـتـعـبـ رـييــة لـلــرقــص الـفــردي والـجـمـ يـع‪،‬‬ ‫مـتـبــع يف الـمـعـ ي‬ ‫ل ـل ــوط ــن‪ ،‬أو األم ــة‪ ،‬ت ـح ـي ــل إىل ال ـج ـس ــد بش ـك ــل ع ــام‪،‬‬ ‫وال ـم ـل ـت ـص ـقــة يف ع ـم ـق ـهــا بــال ـت ـن ـس ـيــق األخــاذ إلي ـقــاعــات‬ ‫وخــاصــة الـجـســد األنـثــوي‪ .‬وقــد يـتــم ذلــك بــاإلحــالــة إىل‬ ‫الـمــوس ـيـقــا الـ يـن وق ـعـهــا ال ـجـســد‪ ،‬ونــوت ـتـهــا عــل ح ـركــاتــه‬ ‫ش ـخ ـصـ ـي ــات ب ـعـ ـي ـن ـه ــا‪ ،‬ويـ ـم ـك ــن أن نـ ـج ــد م ـث ــل ه ــذه‬ ‫وت ـطــورات ـهــا‪ ،‬ل ـي ـبـ يـن بــذلــك وظــائــف ك ـثـ رـية‪ :‬كــال ـت ـن ـس ـيــق‬ ‫التمثيالت يف األعمال الـفـنـيـة أو مصـكـوكـة يف الـعـمـالت‬ ‫ـروج عــن‬ ‫ـىســ‪ ،‬وكــذلــك ال ـت ـن ـف ـيــس الـ ي‬ ‫االج ـت ـمـ ي‬ ‫ـاع وال ـن ـفـ ي‬ ‫طريق الطقوس والمراسم الروحية؟!‬ ‫تشي إىل حادثة معينة أو موقعة أو رمز‪ ،‬أو باإلحـالـة‬ ‫الن ر‬ ‫ي‬ ‫إن حركة الجسد الموقعة إنما ه ترجمة ر‬ ‫إىل األســاطـ رـي والـتــاري ـ ــخ‪ ،‬ومــا مـثـلـتــه األنـ َـن يف مـخـتـلــف‬ ‫مباشة لمـعـن‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫الحضارات‪ :‬كـربـات الـجـمـال والـخـصـب واألمـومـة‪ ،‬وكـل‬ ‫وه أيضا تصويـر رائـع لـلـمـفـاهـيـم والصـور ال يـن‬ ‫النشيد‪ ،‬ي‬ ‫ما يرتبط بالصفات األخالقيـة ذات الصـلـة بـهـن‪ ،‬بـل إن‬ ‫االجتماع لهـذا الـجـسـد‪ ،‬وهـو مـا يـنـبـثـق‬ ‫يعكسها الواقع‬ ‫ي‬ ‫‪09‬‬


‫طالل معال‪ ،‬اجلسد املبتكر‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫وف الـتـصـورات‬ ‫للتمثيل المجازي الذي نراه يف "زنوبيـا" ي‬ ‫األدبـيــة‪ ،‬وخــاصــة الشـعــريــة لـعــديــد األيـقــونــات الـنـســائـيــة‬ ‫ممن سجلهن التاري ــخ‪.‬‬

‫أغلب تمثيالت الجسد األنثوي يف الغرب قد اعـتـمـد يف‬ ‫هذا الجانب عل إبراز القوة والمعنويات العالية‪ .‬ولـهـذا‬ ‫نرى تلك النساء يحملـن الـرمـاح أو السـيـوف أو الـدروع‪،‬‬ ‫ا‬ ‫"منيفا وأثيـنـا" والـعـذراء وصـوق لـلـقـرن‬ ‫ويمكن أن نذكر ر‬ ‫الـثـامـن ر‬ ‫وه‬ ‫عشـ مـع والدة جسـد "مـاريـان" يف فـرنسـا‪ ،‬ي‬ ‫ً‬ ‫تحمل رمحا وتضع غطاء الحرية عل رأسها‪.‬‬

‫ـخ أو الـحــديــث أو‬ ‫ســواء كــان اسـتـعـراض الـجـســد الـتــاريـ ي‬ ‫ال ـم ـعــاض ي ـع ـت ـمــد عــل الــيمـ رـي‪ ،‬أو ال ـت ـخـ يـل عــن ت ـلــك‬ ‫ً‬ ‫ال ــدالالت‪ ،‬ف ــإن ال ـج ـس ــد ي ـب ــق ق ــادرا ع ــل اس ـت ـي ـع ــاب‬ ‫المتغيات الثقافـيـة والـبـيـئـيـة واإليـديـولـوجـيـة‪ .‬وإذ تـخـل‬ ‫ر‬ ‫الجسد عن لعب دور القوة مع مطـلـع الـقـرن الـع رـشـيـن‪،‬‬ ‫فـقــد تـعــددت اشـتـغــاالت الـجـســد بشـكــل عــام‪ ،‬دون أن‬ ‫يـتـخــل عــن الـتــوجـهــات الـجـمــالـيـة الـ يـن اســيـشــدت بـكــل‬ ‫ً‬ ‫معان االنتشار عي الوسائط المستجدة‪ ،‬بدءا بالتصوير‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ـالن حـيـث اخـتـطـوا طـرقـا‬ ‫اف‬ ‫والسينمان واإلع ي‬ ‫ي‬ ‫الفوتوغر ي‬ ‫مختلفة لما جاء بعد ذلك‪ ،‬رلييدوا من غموض الجسد‪،‬‬ ‫الكثيون يعتقدون بتوظيـفـه يف مـنـاح انـتـهـاكـيـة‬ ‫وإن كان ر‬ ‫ت ـف ـقــده ال ـق ـي ـمــة الــروح ـيــة أو الصــوف ـيــة مــع مــا ط ـرأ مــن‬ ‫حـداثـة أحـالـتـه إىل جسـد مـادي‪ ،‬لـيـدخـل يف رأس الـمــال‬ ‫ـالل واالسـتـثـمــاري‪ ،‬وإنـفــاقــه كـقـيـمــة مــاديــة يـتــم‬ ‫االسـتـهـ ي‬ ‫التالعب به بالتجميل والزرع والبي‪ ،‬والتـحـويـل يف إطـار‬ ‫جـمــالـيــات مــا بـعــد الـحــداثــة واسـتـعـراضــاتـهــا‪ ،‬الـ يـن بــاتــت‬

‫ـزن يف‬ ‫وتجدر اإلشارة إىل استخدام العري‪ ،‬والعري الـج ي‬ ‫األجساد النسائية ذات الدالالت القومية والوطنية‪ ،‬كـمـا‬ ‫ـون ل ـ "يــوجـ رـي دوالكــروا" عــن ال ـم ـرأة‬ ‫يف ال ـع ـمــل األي ـقـ ي‬ ‫م ـك ـشــوفــة الصــدر الـ يـن ت ـقــود ال ـنــاس إىل ال ـحــريــة‪ ،‬وقــد‬ ‫أربعي سنة عل الثورة الفرنسية‪.‬‬ ‫رسمها بعد مرور ر‬ ‫ً‬ ‫حن يف االحـتـفـاالت‪ ،‬غـالـبـا مـا يـعـمـد إىل اخـتـيـار فـتـيـات‬ ‫بــأجســاد نـمــوذجـيــة‪ ،‬وقــد يـنـتـحـلــن هـيـئــات أسـطــوريــة أو‬ ‫تــاريـخـيــة يف عــروض ال تـخـ يـق الــرغـبــة والـغـمــوض‪ ،‬الـ يـن‬ ‫تشكل موضوعات هذه العـروض االحـتـفـالـيـة‪ .‬ومـنـهـا مـا‬ ‫يشي إىل القوة والعنفوان‪ ،‬رغم أن هذه الصفات تتعلق‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫بالرجال‪ ،‬وهو ما قد يعتي تناقضا يف التمثيل الجسدي‪،‬‬ ‫إال أن الفكرة تكمن يف الـدالالت والـرمـوز ال يـن يـتـضـمـنـهـا‬ ‫جســد ال ـم ـرأة كــأم ل ـم ـجـت ـمــع مـحــدد‪ ،‬وهــذا مــركــز ال ـقــوة‬ ‫‪21‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫طالل معال‪ ،‬اجلسد املبتكر‬

‫والن تـجـعـل الـرؤيـة‬ ‫الن تشع‪ ،‬ي‬ ‫الجمال والحركة والروح ي‬ ‫م ـف ـت ــوح ــة ع ــل ال ـع ــدي ــد م ــن س ـب ــل ق ـراءة ال ـج ـس ــد يف‬ ‫الـم ـمــارســات ال ـمـعــاضة وال ـت ـحــوالت ال ـبــالغ ـيــة إلدارتــه‪،‬‬ ‫وبكل األحوال فإن الـتـعـامـل الـف يـن مـع الـجـسـد إنـمـا يـتـم‬ ‫ب ــاس ـت ـخ ــدام ال ـغ ــام ــض وال ـم ـك ـب ــوت وال ـم ـث ـ رـي ل ـل ـق ـل ــق‪،‬‬ ‫واسـت ـن ـبــاط ال ـق ـيـمــة ال ـجــوهــريــة ال ـم ـت ـمـث ـلــة بــإعــادة رؤيــة‬ ‫ال ـج ـســد كــل مــرة بش ـكــل جــديــد‪ ،‬أي ب ـت ـطــوي ـ ــع جــوهــر‬ ‫ال ـج ـس ــد ب ــاع ـت ـب ــاره مص ــدر اإلي ـح ــاء‪ ،‬ومص ــدر ال ـت ـع ـب ـ رـي‬ ‫اإليحان‪.‬‬ ‫ي ً‬ ‫الفن مـن الـتـصـور‪ ،‬إذ يشـكـل الـتـصـور‬ ‫يبدأ أحيانا العمل ي‬ ‫للتفكي‪ ،‬وذلك إلنتاج واقع جسـدي يف‬ ‫الطريقة الفعالة‬ ‫ر‬ ‫غاية المادية‪ ..‬إنه الطريقة المثل إلنتاج الصور الذهنية‬ ‫وتـحـويـلـهـا إىل حـقـيـقــة‪ ،‬بـعــد الـعـبــور بـمـخـتـلـف إمـكـانــات‬ ‫التصور‪ ،‬وهذا ما يـدفـع يف حـقـيـقـة األمـر بـاتـجـاه الـمـزيـد‬ ‫الن يبذلها الجسد إلعادة إنتاج الواقع وفق‬ ‫من الجهود ي‬ ‫وف هــذا‬ ‫مــا تـقـتـضـيــه الـتـصــورات اإلبــداعـيــة الـجــديــدة‪ ،‬ي‬

‫تدمج الـتـنـاقضـات بـمـا فـيـهـا جـمـع الـجـسـد الـمـؤنـث مـع‬ ‫الـمــذكــر‪ ،‬يف حــالــة مــن عــدم الـت ـمـيـ رـي الـغــامــض لـل ـحـظــة‬ ‫ال ـح ـق ـي ـقــة يف الــذاكــرة ال ـج ـم ـع ـيــة ال ـتــأوي ـل ـيــة‪ ،‬الـ يـن بــاتــت‬ ‫ـان الـ يـن تــرسـخــت عـن الـجـسـد‪ ،‬ســواء‬ ‫تـبـحـث عـن الـمـعـ ي‬ ‫الجـسـد األنـثـوي كـأم ووطـن ورعـايـة وخصـوبـة ومـواسـاة‬ ‫وم ـح ـبــة‪ ...‬إلــخ‪ ،‬أو ال ـج ـســد الــذكــوري ال ـقــوة وال ـح ـمــايــة‬ ‫والعمل وسوى ذلك من صفات باتت يف إطار التخيـل‪،‬‬ ‫ـش ـ ك ــل ل ـح ـظ ــة ع ــل وس ــائ ــل ال ـم ـي ــدي ــا‬ ‫وخ ــارج م ــا ي ـن ـ ر ـ‬ ‫ً‬ ‫ـاع‪ ،‬وكــل مــا ش ـكــل انـفـجــارا ل ـتــاري ـ ــخ‬ ‫والـتــواصــل االج ـتـمـ ي‬ ‫االجتماع‪.‬‬ ‫اإلنسان يف العرص‬ ‫الجسد‬ ‫ي‬ ‫ًي‬ ‫يختلف التعامل مع الجسد إبداعيا‪ ،‬سواء كان صورة أو‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫مــوديــي ح ـق ـي ـق ـيــا‪ ،‬عــاريــا أو م ـغــط جــزئ ـيــا أو ك ـل ـيــا‪ ،‬إنــه‬ ‫الن يمكن أن يحققهـا الـفـنـان مـن‬ ‫اكتشاف لالستعارات ي‬ ‫ال ـج ـســد ك ـكــائــن بــان ـت ـقــالــه مــن ال ـم ـجــال ال ـعــاطـ يـق الــذي‬ ‫ا‬ ‫يجمعه مع الجسـد كـإنسـان‪ ،‬انـتـقـاق إىل الـتـفـاصـيـل ال يـن‬ ‫تجعل من الـجـسـد نـتـيـجـة إبـداعـيـة يـكـتـشـف فـيـهـا نـقـاء‬

‫‪20‬‬


‫طالل معال‪ ،‬اجلسد املبتكر‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫نراها أو تتم مـمـارسـتـهـا يف الـواقـع‪ ،‬لـتـضـاف إىل مـا يـقـوم‬ ‫ر‬ ‫يىس ـ بــأمــور عــل‬ ‫بــه ال ـج ـهــاز ال ـع ـصـ يـن أو ال ـع ـضـ يـل‪ ،‬مــا ي‬ ‫عــالقــة بــالـثـقــافــة أو األعـراف أو الـبـيـئــة‪ ،‬وهــو مــا يـخــرج‬ ‫الن يقوم بـهـا‪،‬‬ ‫حركة الجسد عن اإلجراءات الميكانيكية ي‬ ‫ـذان لـلـعــالمــات‬ ‫وتــدفــع بــاسـتـمـرار لـمــزيــد مــن اإلدراك الـ ي‬ ‫ال ـم ـت ـح ـق ـقــة عــن طــريــق ال ـج ـســد‪ ،‬وخــاصــة مــا يــرت ـبــط‬ ‫ً‬ ‫بــالـتـعـبـ رـيات الـجـمــالـيــة‪ ،‬الـ يـن تـحـتــاج غــالـبــا إىل مـهــارات‬ ‫مختلفة‪ ،‬سواء عل مستوى التصور أو الـتـخـيـل وكـل مـا‬ ‫يـحـتــاج لـتـطــويــر هــذه الـمـهــارات الـ يـن تـعـتــي أســاسـيــة يف‬ ‫ـوع وت ـفـهــم اآلخــر‪ ،‬واالس ـت ـجــابــة ال ـعــاط ـف ـيــة‬ ‫تشـك ـيــل الـ ي‬ ‫ل ـل ــرم ــوز واإلش ــارات ال ـم ـس ــاع ــدة يف خ ـل ــق ال ـت ــواف ـق ــات‬ ‫المنتجة لما يمكن دعوته البصمة الذاتـيـة لـلـمـجـتـمـعـات‬ ‫ـشـيــة‪ ،‬أو عــل أقــل تـقــديــر الـبـصـمــة الـمـزاجـيــة لـتـلــك‬ ‫الـبـ ر ـ‬ ‫المجتمعات•‬

‫الـمـجــال يـتــم الـحــديــث مــن قـبــل الـنـقــاد والـبــاحـثـ رـي عــن‬ ‫المشاعر الروحيـة يف األعـمـال الـفـنـيـة‪ ،‬أو مـا يـتـم جـمـعـه‬ ‫يف مـفــردات إعــادة إنـتــاج الـفـكــر‪ ،‬الــذي يـمـنــح الـمـشــاعــر‬ ‫المزيد من الطمأنينـة والـمـشـاعـر اإليـجـابـيـة‪ ،‬ال يـن تـجـمـع‬ ‫ال ـنــاس بــاإلبــداع‪ .‬أي كــل مــا ي ـج ـم ـع ـهــم بــإعــادة إن ـتــاج‬ ‫ال ـت ـصــورات عــن ال ـح ـقــائــق الـ يـن يــرغ ـبــون مــالمس ـت ـهــا يف‬ ‫الـع ـمــل الـفـ يـن‪ ،‬وذلــك عــي أجســادهــم بــالــدرجــة األوىل‪،‬‬ ‫ـوع ال ـكــامــن يف الــدمــا ‪ ،‬رغــم أن أغ ـلــب‬ ‫ومــن خــالل الـ ي‬ ‫الـ ـب ــاحـ ـث ـ رـي ي ــؤك ــدون أن ال ــدم ــا ال يـ ـم ـ رـي ب ـ رـي ال ــواق ــع‬ ‫وال ـت ـصــور‪ ،‬ح ـيــث تس ـت ـج ـيــب الصــور ال ـع ـق ـل ـيــة ل ـن ـفــس‬ ‫ال ـقــوانـ رـي وال ـع ـم ـل ـيــات الـ يـن ت ـت ـعــامــل م ـع ـهــا ال ـت ـصــورات‬ ‫الحقيقية‪.‬‬ ‫اسـتـيـعــاب هــذه الـمـعـطـيــات يـبــق خــارج فـهـمـنــا لـحــركــة‬ ‫الجسد‪ ،‬إذ تختـلـف الـعـمـلـيـات الـمـضـمـرة عـن تـلـك ال يـن‬

‫‪22‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫يوسف ليمود‪ ،‬أسطورة اجلسد‪ ..‬من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا‬

‫ربي دنس الالهوت والحكمة الهندية‬ ‫يف تناول مفردة جوهرية أسـاسـيـة مـلـحـة ضـاغـطـة كـمـفـردة أو مـوضـوع الـجـسـد‪ ،‬الـذي‬ ‫ربما استحال فصله عن فكرة الفن‪ ،‬تكـون الـحـاجـة إىل نـظـرة شيـعـة عـل زاوي يـن نـظـر‬ ‫الن انبثق منها تاري ــخ الفن‬ ‫مختلفتي بقدر ما هما‬ ‫ثقافتي‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫دينيتي‪ ،‬الحضارة الغربية ي‬ ‫الحديث والمعاض الذي يمثل المرجعـيـة الـرئـيـسـيـة لـنـتـاج الـفـن الـحـديـث يف كـل بـالد‬ ‫ّ‬ ‫ـروج‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـ‬ ‫ث‬ ‫ا‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـرت‬ ‫ـ‬ ‫أث‬ ‫الش ـق األوســط‪ ،‬وحضــارة اآليــروف ـيــدا يف ال ـه ـنــد ال ـقــدي ـمــة الـ يـن‬ ‫ر ـ‬ ‫ي‬ ‫(البوذية) عل كل بـالد ر‬ ‫الشـق األقضـ تـقـريـبـا خـاصـة الـيـابـان (الـزن) والص رـي (الـتـاويـة‬ ‫الكونفوشيوسية)‪ ،‬شبه ضورة لـفـهـم تـبـعـات مـنـظـار الـرؤيـة وانـعـكـاسـاتـهـا عـل كـيـفـيـة‬ ‫الفن للمفردة عي تاري ــخ الفن بطـولـه‪ ،‬وصـوال إىل ديـنـامـيـت الـفـكـر‬ ‫وحساسية التناول ي‬ ‫ـالق فـحـسـب‪،‬‬ ‫الفن كمبدأ انط ٍ‬ ‫الفن المعاض الذي لم ِ‬ ‫يشبعه نسف التابو عن العمل ي‬ ‫ي‬ ‫‪23‬‬


‫يوسف ليمود‪ ،‬أسطورة اجلسد‪ ...‬من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫ه عـ ـم ــر ال ــاله ــوت‪ ،‬وتـ ـب ـ ّ يـن السـ ـلـ ـط ــة ذل ــك ال ــياث‬ ‫ي‬ ‫الـعـقــائــدي كــوسـيـلــة قـمــع وسـيـطــرة طــوال ذلــك الــزمــن‪،‬‬ ‫ج ـع ـلــت مــن ال ـج ـســد ش ـي ـئــا هــالم ـيــا هــامش ـيــا م ـح ـجــوبــا‬ ‫محجبـا‪ ،‬يسـيق لـحـظـاتـه الـجـارفـة يف الـظـالم عـي حـيـاة‬ ‫ازدواج ـي ــة عص ــاب ـي ــة تشـ ـن ـج ـي ــة غ ـ رـي واعـ ـي ــة ب ـح ــال ـت ـه ــا‬ ‫الـفـصــامـيــة الـرازحــة تـحــت وطــأة الشـعــور بــالــذنــب‪ .‬هــذا‬ ‫الشعور بالذنب ناتج أسـاسـا مـن فـكـرة "الـمـدنـس" ال يـنـ‬ ‫دنس بها الالهوت أطهر أسماء الحياة‪ ،‬أال وهو الـجـسـد‬ ‫(عــيت لــوحــة تـيـتـيــان ف الـقــرن الســادس ر‬ ‫عشـ "الـحــب‬ ‫ي‬ ‫الطاهر والحب المدنس" عن فـكـرة الـمـدنـس يف صـورة‬ ‫امرأة شهوانية يـط رـي عـن جسـدهـا الـعـاري وشـاح أحـمـر‪،‬‬ ‫وف النصف اآلخر من اللوحة تجلس‪ ،‬يف رزانة تـغـشـاهـا‬ ‫ي‬ ‫كثي الـتـفـاصـيـل‬ ‫سيماء الفكر‪ ،‬امرأة متدثرة بثوب أبيض ر‬ ‫وال ـث ـن ـيــات يف إشــارة إىل ح ـيــاة ال ـط ـهــارة وال ـع ـفــة)‪ .‬ل ـعــل‬ ‫القذارة‪ ،‬كما عي هيي ميللر‪ ،‬ال توجد سوى يف الدما ‪.‬‬ ‫يف حـ رـي لــو س ـمــع أحــد ح ـك ـمــاء ال ـه ـنــد ال ـقــدي ـمــة ال ـقــول‬ ‫بارتباط مفـهـوم الـقـذارة بـالـجـنـس لـفـغـر فـاه ولـم يـفـهـم‪،‬‬ ‫اعـتـبــارا لـفـلـسـفـتـهــم الــروحـيــة الـ يـن نـظــرت إىل كــل أشـيــاء‬ ‫الــوجــود وحــركـتـهــا الـغــريــزيــة كـمـظـهــر مــن مـظــاهــر الــروح‬

‫بــل ت ـمــادى يف ت ـف ـت ـيــت خــاليــا هــذا ال ـج ـســد عــي أ كـ َـي‬ ‫ـاىل إىل‬ ‫الوسائط راديكاليـة‪ ،‬وال يـن تـخـطـت مـفـهـوم الـجـم ي‬ ‫حــدود الصــدمــة (ال ـف ـنــان اإلن ـج ـلـ رـيي ال ـم ـعــاض دام ـيــان‬ ‫ـيـســت بـحـيــوانــاتــه الـمــذبــوحــة يف فـيــييـنــات زجــاجـيــة‬ ‫هـ ر ـ‬ ‫ت ـت ـح ـلــل وي ـع ـمــل ف ـي ـهــا الــدود والــذبــاب وال ـع ـفــن أمــام‬ ‫الجمهور نموذجا)‪.‬‬ ‫الرصــاع ال ـطــويــل بـ رـي الرصــورة الـف ـن ـيــة (عــل اعـت ـبــار أن‬ ‫ّ‬ ‫الـفـنـان مـثـل دائـمـا خـروجــا أخـالقـيـا عـن األعـراف بـحـكــم‬ ‫ال ـخــامــة ال ـحــرة ال ـمــولــود م ـن ـهــا وبـ ـهــا)‪ ،‬وبـ رـي ال ـم ـح ـظــور‬ ‫ـرصـ‪ ،‬هـنــا‪،‬‬ ‫ـشـات مـنـهــا (يـحـ ـ‬ ‫يـحـســب بــالـقــرون‪ ،‬بــل بــالـعـ ر ـ‬ ‫كمثال‪ ،‬مايكل أنجلو وكيف تـفـي يف مـراوغـة الـمـؤسـسـة‬ ‫الدينيـة ال يـن كـلـفـتـه بـرسـم سـقـف كـنـيـسـة سـسـتـيـنـا ح رـي‬ ‫صـ ّـور كــل ذاك الـعــري الـطــافــح بــالـحـسـيــة‪ ،‬رغــم تـنــاولــه‬ ‫قــديسـ رـي ومــالئ ـكــة وقصــص ال ـخـلــق والـق ـيــامــة وعــوالــم‬ ‫السماء)‪.‬‬ ‫ـش‪ ،‬ال ي ـن ـشــأ أي ضاع ســوى مــن ت ـعــارض‬ ‫بش ـكــل بــديـ ي‬ ‫رغ ـب ـت ـ رـي أو إي ــدي ــول ــوج ـي ـت ـ رـي‪ :‬ب ـ رـي م ـح ــاول ــة ال ـح ـج ــب‬ ‫واإلقصــاء مــن جـهــة‪ ،‬وبـ رـي قــانــون الـطـبـيـعــة بـعـضــويـتـهــا‬ ‫ومدها من جـهـة أخـرى‪ .‬فـثـالثـة آالف عـام تـقـريـبـا‪ ،‬ال يـنـ‬ ‫‪24‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫يوسف ليمود‪ ،‬أسطورة اجلسد‪ ..‬من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا‬

‫لــزوجــة الـمــادي الـخـشــن الـعــابــر‪ ،‬لـهــو أ كــي خســارة! هـنــا‬ ‫ـون (هللا) وت ـجـ ٍـل لــه‪ .‬فــال ـج ـنــس‪ ،‬حســب رؤي ـت ـهــم‪،‬‬ ‫ال ـكـ ي‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫تـفــوق مـفـهــوم االرتـقــاء مــن األدن إىل األعــل يف الـفـكــر‬ ‫سء بريء‪ ،‬طاهر بطبيعته كالحيوانات‪ ،‬هو يف جـوهـره‬ ‫ي‬ ‫الهندي الـقـديـم عـل خـرافـة الـتـحـريـم الـغـي يـن يف طـريـقـة‬ ‫طــاقــة‪ .‬فـقــط يـجــب تــوجـيــه هــذه الـطــاقــة مــن مسـتــواهــا‬ ‫الـنـظـر الـالهــوتـيـة وتـاري ـ ــخ تـعــامـلـهــا الـقـمـ يـع مـع الـغــريــزة‪،‬‬ ‫ـوع‪ ،‬حـن يـحـصـل‬ ‫المادي الغشـيـم إىل ال ي‬ ‫ـروج‪ ،‬نـحـو ال ي‬ ‫الن هو جزء منها‪.‬‬ ‫بــاع ـت ـبــار ال ـغــريــزة رمــز ال ـج ـســد ولســان حــالــه‪ .‬ف ـك ـمــا أن‬ ‫االتحاد ربي الفرد والطاقة الكونية ي‬ ‫"العي مصـبـاح الـجـسـد"‪ ،‬فـإن الـغـريـزة مـفـتـاحـه وبـوابـة‬ ‫باإلمكان القول إن ثـنـائـيـة الـطـاهـر والـمـدنـس أو الـحـالل‬ ‫ر‬ ‫الدخول إليه‪.‬‬ ‫ـون‪ ،‬تـقـابـلـه ثـنـائـيـة أ ك َـي‬ ‫والحرام يف الـياث الـاله ي‬ ‫اآلدىم يف تـلـك‬ ‫فكان أن وصل الجسم‬ ‫عـلـمـيـة وأرف فـهـمـا يف حضـارة الـهـنـد‬ ‫ي‬ ‫‪ ...‬فاجلنس‪ ،‬حسب رؤيتهم‪ ،‬شيء‬ ‫ال ـح ـضــارة أرفــع درجــات ال ـت ـح ـكــم‬ ‫القديمة‪ ،‬رغم أسبقيـتـهـا عـل عـمـر‬ ‫ع ــي ف ـن ــون ال ـي ــوج ــا‪ ،‬ال ـ يـن ت ـه ــب‬ ‫الــالهــوت ب ـخ ـم ـســة آالف س ـن ــة‬ ‫بريء‪ ،‬طاهر بطبيعته كاحليوانات‪،‬‬ ‫ـوج (م ــن بـ ـل ــغ األسـ ـت ــاذي ــة)‬ ‫وه ث ـنــائ ـيــة ال ـمــادي‬ ‫الـ ـي ـ ي‬ ‫ت ـقــري ـبــا‪ ،‬أال ي‬ ‫هو يف جوهره طاقة‪...‬‬ ‫الـقــدرة عــل الـطـ رـيان فــوق الـمـكــان‬ ‫ـش‪،‬‬ ‫ـوان واإللـ ـ ي‬ ‫ـروج أو ال ـ ـحـ ـيـ ـ ي‬ ‫والـ ـ ي‬ ‫وف الــزمــن بـيـنـمــا هــو جــالــس مــربـعــا يف‬ ‫بـمـعــن أن مــا يـفــرق مـمــارســة شـخــص‬ ‫ي‬ ‫مـكــانــه‪ ،‬وكــذلــك فـنــون ال ـتــانــيا‪ ،‬رغــم أن ـهــا مـحــاطــة‬ ‫لغريزته عن شـخـص آخـر هـو درجـة روحـيـة الـفـعـل‬ ‫‪.‬‬ ‫الن ال تـكـشـف إال لـلـدارس رـي الـمـوثـوق‬ ‫ـون األســىم‬ ‫ر‬ ‫ومــدى مــالمسـتــه وتــواصـلــه مــع الــروح الـكـ ي‬ ‫بكثي من األشار ي‬ ‫فيهم‪ ،‬حـيـث يـتـمـتـع مـمـارس فـن الـتـانـيا‪ ،‬إيـروتـيـكـيـا‪ ،‬أن‬ ‫فـكــون اإلنســان مـجـهـزا بــإمـكــانــات السـمــو واالتـحــاد مــع‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ـالشـيـكــة الـلـيــل‬ ‫يـمــارس األلـعــاب الـجـنـسـيــة واالتصــال بـ ـ‬ ‫روح الـوجـود‪ ،‬ذلـك االتـحـاد الـذي فـيـه خـالـصـه وأعـمــق‬ ‫بطوله دون الوصول إىل القذف الذي نـظـروا إلـيـه كـنـوع‬ ‫أسباب سعادته‪ ،‬كونه يمـتـلـك هـذه اإلمـكـانـات ووسـائـل‬ ‫ه الـ يـن‬ ‫وف الوقت نفسه يتجـاهـل كـل هـذا‬ ‫الوصول إىل هدفه‪ ،‬ي‬ ‫مـ ىـن إهــدار ل ـل ـطــاقــة‪ .‬هــذه ال ـح ـضــارة ن ـف ـس ـهــا ي‬ ‫خــلـفــت لـنــا مـنـمـنـمــات الـكــامــاســوتـرا الـبــالـغــة الــرقــة فـنـيــا‬ ‫ويـظــل قــابـعــا يف مــرحـلــة أقــرب إىل الـحـيــوان يـتـحــرك يف‬

‫‪25‬‬


‫يوسف ليمود‪ ،‬أسطورة اجلسد‪ ...‬من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫اإليــروتـيــك الـيــابــانـيــة الـمـعــروفــة ب ـ "شــونـجــا" الـ يـن كــانــت‬ ‫األخالف‪ ،‬وهياكل الـمـعـابـد الـمـزحـومـة بـالـنـحـت‬ ‫والتحرر‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫متداولة لقرون حن منتصف القرن الـتـاسـع عشـ وال يـنـ‬ ‫ال ـح ـجــري ال ـبــارز ل ـح ـفــالت م ـجــون اآلل ـهــة يف ال ـج ـنــس‬ ‫تعتي النسخة اليابانية لكاماسوترا الهند‪.‬‬ ‫وبي بورنـورـرافـيـا وقـتـنـا هـذا‬ ‫الن ال يفرق بينها ر‬ ‫الجماع ي‬ ‫ي‬ ‫مــع تــرج ـمــة ك ـتــب ال ـف ـيــدا ال ـه ـنــديــة (ال ـك ـتــاب ال ـم ـقــدس‬ ‫ـروج وإدراك ـ ـهـ ــم حـ ــدود‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ـرف‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫اد‬ ‫ز‬ ‫سـ ــوى‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫بـهــاجــافــات جـيـتــا‪ ،‬وأدبـيــات وأشـعــار الـحـكـمــة الـمـعــروفــة‬ ‫ومس ـت ــوي ــات ت ـل ــك ال ـم ـم ــارس ــات‪ ،‬ن ــاه ـي ــك ع ــن ك ــون ـه ــا‬ ‫ر‬ ‫عشـ‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫بــاألوبــانـيـشــادات) إىل األلـمــانـيــة يف الـقــرن الـثــامــن‬ ‫مناسبات وأعياد احتفال اآللهة بـأجسـادهـا الـفـانـيـة بـعـد‬ ‫تأثر العديد مـن مـفـكـري وشـعـراء الـمـدرسـة الـرومـانسـيـة‬ ‫أن تخطوا ثقل المادة وضغط الرغبة وبـلـغـوا الـحـريـة يف‬ ‫اللعب‪.‬‬ ‫يف أل ـمــان ـيــا‪ ،‬مــن جــوتــه إىل ن ـي ـت ـشــه‪ ،‬ب ـف ـكــرة االرت ـقــاء أو‬ ‫بغي ر‬ ‫ـىسـ وإم ـكــان تـحــوي ـلــه إىل طــاقــة‬ ‫مشط‪ ،‬ومن خالل تأمالته جالسا مغمضـا عـيـنـيـه‪،‬‬ ‫ر‬ ‫الـتـسـ ي‬ ‫ـاىم بــالــدافــع الـجـنـ ي‬ ‫روح ـي ــة خ ــالق ــة‪ ،‬ح ــد أن وج ــد‬ ‫وص ــل الـ ـهـ ـن ــدي الـ ـق ــدي ــم إىل‬ ‫شـوبـنـهــاور يف تـلـك الـكـتـب عـزاء‬ ‫تشــي ـ ـ ــح الـ ـجـ ـسـ ــد حـ ــن أدق‬ ‫ر ـ‬ ‫ايي‪َ .‬‬ ‫ر‬ ‫حياته‪ ،‬حسـب تـرديـده‪ .‬ومـقـولـة‬ ‫رسم الطاقة الحيوية‬ ‫الش ر‬ ‫نــوفــال ـيــس ال ـخــالــدة "ي ـجــب أن‬ ‫يف الـجـسـم وحــددهـا يف سـبـعــة‬ ‫يـ ـك ــون الـ ـجـ ـس ــد روح ــا وال ــروح‬ ‫وه‬ ‫مـ ـراك ــز غ ـ رـي ر ـ‬ ‫تشـيـ ـحـ ـي ــة‪ ،‬ي‬ ‫جســدا"‪ .‬غـ رـي أن الـفـكــرة بـلـغــت‬ ‫األم ــاك ــن ال ـ يـن ي ـت ـق ــاط ــع ف ـي ـه ــا‬ ‫َ‬ ‫صـيـغـتـهــا األ كــي واقـعـيــة بـعــد أن‬ ‫عصـبــان دقـيـقــان يصـعــدان يف‬ ‫مــرت مــن مصـفــاة نـيـتـشــه الــذي‬ ‫مــوازاة مــن الـف ـقــرة السـفــل يف‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫حــجــم ال ـع ـقــل وأعــاده إىل حـ رـيه‬ ‫ال ـع ـم ــود ال ـف ـق ــري ح ــن أع ــل‬ ‫ـىم كـ ـعـ ـض ــو يف الـ ـجـ ـس ــم‬ ‫الـ ـ ـرأس‪ ،‬ك ـ ــل م ـ ــرك ـ ــز يس ـ ــىم‬ ‫الـ ـلـ ـح ـ ي‬ ‫خـ ــاضـ ــع آلل ـ ـيـ ــة وب ـ ـيـ ــولـ ــوج ـ ـيـ ــة‬ ‫"شاقـرا"‪ .‬تـيكـز الـطـاقـة أسـاسـا‬ ‫الجـسـم‪ .‬إن ضخـة نـيـتـشـه عـل‬ ‫بصورتها البدائـيـة الـغـشـيـمـة يف‬ ‫لســان زرادشــت "جســد خــالــص‬ ‫المنطقة الجنسية كـمـركـز أول‪،‬‬ ‫بول سيزان‬ ‫ر‬ ‫سء أبعـد" سـوف يـكـون‬ ‫وتـ ـ ـك ـ ــون‪ ،‬روحـ ـ ـيـ ـ ــا‪ ،‬حسـ ـ ــب‬ ‫أنا وال ي‬ ‫م ـف ـهــوم ـهــم‪ ،‬يف حــالــة س ـبــات‪.‬‬ ‫لها األثر الحاسم عل كل الـنـتـاج‬ ‫ر‬ ‫واألدن والـف يـن عـل جسـد الـقـرن الـعـشـيـن كـلـه‬ ‫الفكري‬ ‫تليها المراكز الستة تدرجا يف الـعـمـود الـفـقـري حـن قـمـة‬ ‫ي‬ ‫يف الحداثة وما بعدها‪.‬‬ ‫الرأس حيث المركز السابع األخ رـي الـذي‪ ،‬مـا إن وصـلـت‬ ‫إليه الطاقة عي رحـلـتـهـا مـن خـالل الـتـمـاريـن الـجـسـديـة‪-‬‬ ‫وصول الفن الحديث إىل جسدانيته‬ ‫الــروح ـي ــة‪ ،‬ك ــال ـيــوج ــا وال ـت ــأم ــل‪ ،‬ب ـل ــغ ص ــاح ـب ـه ــا م ــرح ـل ــة‬ ‫االسـ ـتـ ـن ــارة واإلشـ ـع ــاع‪ ،‬كـ ـتـ ـل ــك ال ـ يـن تـ ـح ــك ع ــن ب ــوذا‬ ‫مستنيا‪.‬‬ ‫ما من فنان‪ ،‬قديمـا أو حـديـثـا‪ ،‬لـم يـكـن عـمـلـه‪ ،‬مـن دون‬ ‫والقديسي‪ .‬يصبح جسدا‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫وع‪ ،‬ورغما عنه‪ ،‬انـعـكـاسـا مـبـاشا لـجـسـديـتـه‪ .‬أن أرسـم‬ ‫ه مـا جـعـلـت فـنـون آسـيـا‪،‬‬ ‫ي‬ ‫لعل هذه النظرة الفلـسـفـيـة ي‬ ‫يعن أن جسـدي الـف يـن لـم يـنـضـج بـعـد‪ ،‬وأن‬ ‫الصي واليابان ضمنا‪ ،‬بحكـم الـقـرابـة الـروحـيـة‪ ،‬تـنـشـغـل‬ ‫ر‬ ‫خطا ركيكا ي‬ ‫ـان كــالسـيــف يـعـ يـن أن مـحــاربــا يسـكــن‬ ‫ـون؛ هــذا يف الـتـنــاول‬ ‫تـكــون ضبــة فــرشـ ي‬ ‫بـفـكــرة هــارمــونـيــة الـفــردي مــع الـكـ ي‬ ‫هذا الجسد‪ .‬فكرة الفن نفـسـهـا لـيـسـت سـوى تـجـسـيـد‪،‬‬ ‫ـىســ‪ ،‬جــاء الـتـعـبـ رـي‬ ‫الـمـتـصــوف لـلـفــن‪ ،‬أمــا يف تـنــاولــه الـحـ ي‬ ‫َ‬ ‫إيــروتـيـكـيــا مـبـ ر‬ ‫ـاشا بـغـ رـي مــواراة أو حــرج‪ ،‬كـمــا يف تصــاويــر أو ت ـج ـســد يف ال ـم ـعــن األرف واأل كــي م ـعــاضة‪ .‬ال ـع ـمــل‬ ‫الفن يستمـد قـوانـيـنـه مـن قـوان رـي الـجـسـد وآلـيـة عـمـلـه‪.‬‬ ‫"الـ ـك ــام ــاس ــوتـ ـرا" الـ ـهـ ـن ــدي ــة‪ ،‬وك ــذل ــك يف مـ ـطـ ـب ــوع ــات‬ ‫ي‬ ‫‪26‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫يوسف ليمود‪ ،‬أسطورة اجلسد‪ ..‬من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا‬

‫تـجـسـيـدا ر‬ ‫لىسـء مـا‪ .‬رمـق س رـيان هـذا بـنـظـرة الـمـعـلـم إىل‬ ‫ي‬ ‫حرف بارع ليـس أ ك َـي‪ ،‬وهـو الـدور الـذي عـافـت أصـالـتـه‬ ‫ي‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬ ‫"ف‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـأ‬ ‫ـ‬ ‫ت‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـ‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ـاض‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـره‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـ‬ ‫ظ‬ ‫أدار‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫أن ت ـ‬ ‫ي‬ ‫الـجـنــة يـعــرفــون أنـ يـن سـ رـيان"‪ .‬لــم يــرســم الـتـفــاحــة حـ رـي‬ ‫نصبها أمامه‪ ،‬بل ّ‬ ‫شبع دائرة التفاحة عـل قـمـاشـتـه بـكـل‬ ‫م ـك ــون ــات خ ــالي ــاه‪ ،‬ب ــال ـه ـن ــدس ــة وال ــزخ ــم ال ـك ــام ـن ـ رـي يف‬ ‫ْ‬ ‫ـرن الـتـجـسـيــد‬ ‫تـكــشــات الـخـلـيــة‪ِ ،‬بــنـيـتــه‪ .‬شـتــان بـ رـي فـكـ ي‬ ‫والتجسد‪ .‬تفاحتة أصـبـحـت ثـقـال‪ ،‬كـثـافـة‪ ،‬ح رـيا‪ ،‬شـكـال‪،‬‬ ‫جسدا‪ .‬كذلك الورقة يف يد الالعب‪ ،‬الطاولة‪ ،‬المفـرش‪،‬‬ ‫ظ ـهــر ال ـم ـرأة ال ـم ـس ـت ـح ـمــة‪ ،‬ق ـمــة ال ـج ـبــل‪ .‬كــل ال ـع ـنــاض‬ ‫أص ـب ـح ــت وزن ــا وث ـق ــال‪.‬‬ ‫ح ـ ـ ـ ـ رـيا مش ـ ـ ـ ــدودا إىل‬ ‫جاذبية أرض لوحته‪.‬‬ ‫هــل كــانــت مصــادفــة أن‬ ‫ت ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ــرج "ف ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــات‬ ‫أف ـي ـن ـيــون"‪ ،‬الـ يـن ّأرخــت‬ ‫التكعيبـيـة سـنـة ‪،4207‬‬ ‫ع ـ ــل ي ـ ــد "ال ـ ـق ـ ــاب ـ ـل ـ ــة"‬ ‫بـيـكــاســو مــن رحــم عـمــل‬ ‫س ـ رـيان؟ تـ ـل ــك الـ ـل ــوح ــة‬ ‫ُ‬ ‫الن شحنت بحسية لـم‬ ‫ي‬ ‫يـ ـنـ ــل م ـ ـن ـ ـهـ ــا ال ـ ـت ـ ـن ـ ـظـ ـ رـي‬ ‫ـوىم والـ ـ ــروح‬ ‫ال ـ ـ ـم ـ ـ ـف ـ ـ ـهـ ـ ـ ي‬ ‫الـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـن ـ ـ ــدسـ ـ ـ ـي ـ ـ ــة ال ـ ـ ـ يـن‬ ‫استوعبت االنشـطـارات‬ ‫ال ـب ـل ـلــوريــة يف ف ـتــوحــات‬ ‫سيان الذي كان رحل توا قبل أقل من عام!‬ ‫ر‬ ‫ال عـجــب أن يـتـلـقـف بــالـتــوس مـنـجـز سـ رـيان بــالـتـبـجـيــل‪.‬‬ ‫رغــم اشـتـغــال األول عــل مـنـطـقــة‪ ،‬جـمــالـيــا ومـفـهــومـيــا‪،‬‬ ‫الن حـرثـهـا األخ رـي‪ .‬فـإن كـان‬ ‫بعيدة كل البعد عن األرض ي‬ ‫سـ رـيان قــد وصــل بـلـمـسـتــه إىل حـ رـي الـثـقــل الــذي يـقــول‬ ‫تشـب بــالـتــوس هــذا الـث ـقــل الـت ـصــويــري‬ ‫الـجـســد‪ ،‬ف ـقــد ر ّ ـ‬ ‫لـيـقــول بــه الـخـفـة‪ ،‬الـرقــة‪ ،‬الـتـفـتــح‪ ،‬بــاألحـرى‪ .‬الـتـفـتـح يف‬ ‫أع ـم ــق وأع ــذب م ـظ ـه ــر ل ــه‪ :‬م ـم ــر ال ـع ــري ال ــواق ــع ب ـ رـي‬ ‫ـش‪ ،‬حســب ت ـع ـبـ رـي بــال ـتــوس‬ ‫ال ـط ـفــولــة وال ـم ـراه ـقــة‪ .‬اإللـ ي‬ ‫نفسه‪.‬‬

‫الفن رأس وقدم وقلب ونبض ومنطقـة جـنـسـيـة‬ ‫للعمل ي‬ ‫الفن يف بـنـيـتـه االنـفـعـالـيـة‬ ‫ودرجة إشعاع وروح‪ .‬والعمل ي‬ ‫يتوازى مع مـيـكـان رـيم الـرغـبـة مـن ضـغـط إىل اسـتـثـارة إىل‬ ‫تــوهــج إىل تـفــري ـ ــغ إىل شـعــور بــالـراحــة الـمــؤقـتــة‪ .‬تـحـقــق‬ ‫الجمالية يف العمل يساوي تحقق اللذة يف الرغبة‪.‬‬ ‫الفن يشبه الجسد يف رحلته يف الزمن‪ ،‬يـولـد يف‬ ‫والعمل ي‬ ‫غموض رحم خالقة‪ ،‬ينمو يخرج لـلـعـالـم يسـبـب دهشـة‬ ‫وجــود‪ ،‬ثــم يص ـبــح مــألــوفــا ي ـت ـقــادم ف ـي ـش ـيــخ وي ـن ـحــرف‬ ‫اإلحس ــاس ب ــه يف س ـ رـيورة ال ــذوق وال ـت ــذوق ف ـت ـت ـح ــول‬ ‫قيمته‪ ،‬النسـبـيـة أصـال‪ ،‬مـن فـنـيـة إىل تـاريـخـيـة‪ .‬وأجـازف‬

‫ُ‬ ‫بالقول بـأن الـكـيـمـيـاء الـغـامضـة ال يـن تـنـتـج الـطـبـيـعـة مـن‬ ‫ه يف األسـاس كـيـمـيـاء جسـد‪،‬‬ ‫خاللها كيانا فنيا شاعرا‪ ،‬ي‬ ‫الن يتداخل أو يـتـصـارع فـيـهـا جسـدان‬ ‫منطقة ر‬ ‫البي ربي ي‬ ‫أو جنسان أو عنرصان أو هويتان حسيتان‪.‬‬ ‫من المفارقات أن تتحقق لفن التصوير جسدانـيـتـه عـل‬ ‫يد رسام لم ينشغل بـرسـم الـجـسـد أسـاسـا‪ :‬بـول س رـيان‪.‬‬ ‫احـتــالل سـ رـيان مـكــانـتــه الـتــاريـخـيــة كــأب لـلـفــن الـحــديــث‬ ‫ّ‬ ‫ـوع الـف يـن إىل الـجـسـد مـن خـالل‬ ‫مثل ضمنيا وصـول ال ي‬ ‫ـوع بــالش ـكــل‪ .‬كــان الــياث ال ـت ـصــويــري الســابــق عــل‬ ‫الـ ي‬ ‫سيان منذ عرص الكهوف إىل انطباعيـة زمـنـه تصـويـرا أو‬ ‫ر‬ ‫‪27‬‬


‫يوسف ليمود‪ ،‬أسطورة اجلسد‪ ...‬من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫مــاب ـعــد ال ـحــداثــة‪ ،‬والــذي مــرق مــن س ـمــاء ال ـفــن خ ـط ـفــا‬ ‫كأسطورة شاعر‪ .‬ولعل موته المبكر كان‪ ،‬بـغ رـي مـا إرادة‪،‬‬ ‫تــأ كـيــدا عــل فـلـسـفــة الـفـرا الـتـصــويــريــة الـ يـن بصــم بـهــا‬ ‫حائط المعاضة بأزرقه الخاص‪ ،‬أزرق األليامارين‪.‬‬

‫ويمـر عـل شـاشـة الـوقـت نـفـسـه تـقـريـبـا ثـالثـة مصـوريـن‬ ‫ش ـبــاب ب ـث ـقــوبـ ـهــم الســوداء‪ ،‬ج ـم ـع ـهــم‪ ،‬دون ـمــا ل ـقــاء يف‬ ‫َ‬ ‫الواقع‪ ،‬الجرح واالضطـراب والـقـدر الـمـتـشـابـه إىل خـانـة‬ ‫الـمــوت الـمـبـكــر‪ ،‬بـعــد أن سـجـلــوا بــالـخـطــوط الــرشـيـقــة‬ ‫الحادة يف آن‪ ،‬حـيـاة الـجـسـد يف خـمـارات الـلـيـل وبـيـوت‬ ‫ال ــدع ــارة‪ ،‬وح ـف ــروا ت ـق ـلـ ـص ــات ــه الشـ ـب ـق ـي ــة يف ال ـم ـخ ــدر‬ ‫ـاىل امـيـديـو‬ ‫والكحول‪ :‬الـنـمـسـاوي إيـجـون شـي يـل‪ ،‬واإليـط ي‬ ‫والفرنىس هيي دوتولوز لوتريك‪.‬‬ ‫موديليان‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫غي القابلة للتصنيف لمصور مـن‬ ‫وترسخ الروح الكثيفة ر‬ ‫الــوزن ال ـث ـق ـيــل‪ ،‬لــوس ـيــان فــرويــد‪ ،‬عــل ك ـتــالت ال ـل ـحــم‬ ‫ـش ــي ال ــذي ت ـم ــيج ه ــال ـت ــه ال ـح ـي ــة ب ـح ــس ال ـم ــوت‬ ‫ال ـب ـ ر ـ‬ ‫وك ـي ـم ـيــائــه ال ـمــيبصــة ب ـل ـح ـظــات الــوجــود‪ ،‬يف ت ـراك ـيــب‬ ‫مــدهشــة‪ ،‬ومــن زوايــا ال ت ـخ ـطــر م ـجــانــا عــل بــال ف ـنــان‬ ‫خالق‪.‬‬ ‫ر‬ ‫وتياكم يف ثالجات الفن طوال القرن العشين أجساد ال‬ ‫حرص لها‪ ،‬ر ّ‬ ‫شحها كل فنان ر‬ ‫بمشـطـه الـخـاص وطـريـقـتـه‪.‬‬ ‫لـكــن الـنـقـلــة الـنــوعـيــة يف تـنــاول الـمـفــردة‪ ،‬يف افـتـتــاحـيــة‬ ‫ـرنىسـ‬ ‫النصف ي‬ ‫الثان من القرن‪ ،‬كانت عل يد الفنـان الـف ي‬ ‫ـان‬ ‫الشاب إيف كالين‪ ،‬الـذي يـعـتـي واحـدا مـن أوائـل فـن ي‬

‫إيف كالين ‪ ..‬أجساده الفراغية وثورته الزرقاء‬ ‫أن ينشغل فنان‪ ،‬ومـنـذ انـطـالقـتـه الـفـنـيـة األوىل‪ ،‬بـفـكـرة‬ ‫يعن يف األصل انشغـاال بـالـكـتـلـة‪ ،‬بـالـجـسـد‪ .‬وأن‬ ‫الفرا ‪ ،‬ي‬ ‫يعن الـزهـد‪ ،‬ويـع يـن‬ ‫يختار الفنان‪ ،‬وبإضار‪ ،‬لونا واحدا‪ ،‬ي‬ ‫ّ‬ ‫الــيكـ رـي عــل الـجــوهــر‪ ،‬عــن طــريــق إقصــاء كــل مــا يـجــمــل‬ ‫هــذا ال ـجــوهــر أو بــاألحــرى يشـ ّـوش ع ـل ـيــه كــاالس ـت ـخــدام‬ ‫ـان‬ ‫المجان لأللـوان‪ ،‬أو حـن عـن طـريـق الـتـدخـل الـحـس ي‬ ‫ي‬ ‫المتعمد يف عملية خـلـق الصـورة‪ .‬إذن فـلـتـخـلـق الصـورة‬ ‫روج مــن‬ ‫نـفـسـهــا بـنـفـسـهــا عــي قـيــادة ذهـنـيــه وحضــور‬ ‫ي‬ ‫دون أن تلمس يد الفنان المادة‪.‬‬ ‫نقف مع الجـمـهـور يف واحـد مـن عـروض الـيفـورمـانـس‪.‬‬ ‫ـط إشــارة بــدء الـعــزف ألوركســيا صـغـ رـي مــن‬ ‫الـفـنــان يـعـ ي‬ ‫نوع "موسيق الحجرة"‪ .‬أرضية مشح المكـان مـفـروشـة‬ ‫‪28‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫يوسف ليمود‪ ،‬أسطورة اجلسد‪ ..‬من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا‬

‫بمساحات ضخمة من ورق الرسم‪ .‬كـل ر‬ ‫سء مـحـسـوب‬ ‫ي‬ ‫ومرتب بدقة‪ .‬يف الـجـانـب بضـع فـتـيـات عـاريـات يـده ّـن‬ ‫باألزرق الصـدر والـبـطـن واألفـخـاذ‪ .‬يـقـع رـي‪ ،‬بـتـوجـيـهـات‬ ‫الفـنـان‪ ،‬عـل الـمـسـاحـة الـمـفـرودة ويـطـبـعـن أجسـادهـن‪.‬‬ ‫ي ـعــاودن ال ـكـ ّـرة‪ .‬إحــداهــن ت ـمــر ن ـف ـس ـهــا ه ـنــا واألخــرى‬ ‫تسحبها عن الورقـة بـعـنـايـة‪ .‬تـنـتـش الـمـوسـيـق‪ .‬ر‬ ‫عشـون‬ ‫ي‬ ‫دقيقة صمت صارم يكتم الجميع فيها الـنـفـس يف تـأمـل‬ ‫األسـطــورة الـ يـن اك ـتــيت ال ـمـكــان‪" .‬األس ـطــورة ت ـكـمــن يف‬ ‫ال ـفــن" ك ـل ـمــة ال ـف ـنــان األخـ رـية‪ .‬ســاعــة روح ـيــة ل ـج ـم ـيــع‬ ‫الحاضين محورها الجسد‪.‬‬ ‫الن انطبعت‪ ،‬فرادى أو مـرصـوصـة إىل جـانـب‬ ‫األجساد ي‬ ‫بـعـضـهــا الـبـعــض تسـحــب الــذهــن والـخـيــال إىل مـنـطـقــة‬ ‫رص ـ ك ـهــوف مــا كــان لــه أن يــوجــد إال يف‬ ‫بــدائ ـيــة‪ .‬إىل ع ـ‬ ‫حدس معاض‪ .‬الجسد المطـبـوع طـلـسـم‪ .‬لـغـز‪ .‬يـتـقـاطـع‬ ‫ٍ‬

‫مع مخلفات الشعوب األوىل من رسوم وتماثـيـل ورمـوز‬ ‫سحر أسـود‪ .‬الـجـزء الـمـطـبـوع مـن الـجـسـد‪ ،‬مـن دون أن‬ ‫اآلدىم‪.‬‬ ‫نغفل كونه أنثويا‪ ،‬هو الجزء الصـمـيـم يف الـكـيـان‬ ‫ي‬ ‫مـنـطـقــة الــرغـبــة‪ .‬مـنـطـقــة الــرضــاعــة‪ .‬الـمـنـطـقــة الــواهـبــة‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫للحياة‪ .‬الشهة للحياة‪ .‬مـكـمـن الـجـسـد‪ .‬الـرأس ال يـن ي‬ ‫التفكي مبتورة‪ .‬ال وظيفة لها ها هنا وال حاجة‪ .‬هـنـا‬ ‫رمز‬ ‫ر‬ ‫الـثــالــوث األقــدم الــذي اتـخــذه اآلشــوريــون رمـزا لـلـحـيــاة‬ ‫والـخـ رـي والـتـجــدد‪ :‬الـثــديـان ومـنـطـقـة الـتـنــاسـل‪ .‬الـثــالــوث‬ ‫الــذي ان ـب ـثــق مــن صــورة عش ـتــار ســوف ي ـجــرده ال ـفــن‬ ‫ـالىم فـيـمــا بـعــد إىل ثــالث دوائــر‪ .‬إنــه عــود لـبــدائـيــة‬ ‫اإلسـ ي‬ ‫السؤال يف صورة جمالية معاضة‪ ،‬دونما انتظـار إجـابـة‪.‬‬ ‫ر‬ ‫سء‪ .‬حضــور يف فـرا ‪.‬‬ ‫لـطـخــة لـيــس إال‪ .‬مـجــرد وجــود‪ .‬ي‬ ‫حضور فار ‪ .‬فرا يف فرا ‪.‬‬ ‫لألزرق‪ ،‬كما لكل لون آخر‪ ،‬معن وداللـة وإحـالـة‪ .‬لـكـنـه‪،‬‬

‫‪29‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫أيضــا‪ ،‬ك ـمــا كــل لــون آخــر‪ ،‬ل ـيــس إال‬ ‫ذاتـ ــه‪ .‬ال لـ ــون يشـ ـ رـي إىل ال ـ ـف ـ ـرا‬ ‫كـ ــاألزرق‪ .‬األزرق س ـ ـمـ ــاء واألزرق‬ ‫بـحــر واألزرق أثـ رـي‪ .‬حـ رـي كــان كــاليــن‬ ‫يف ســن الـتــاسـعــة‪ ،‬وأثـنــاء مشــاركـتــه‬ ‫صــدي ـقـ رـي ل ــه ل ـع ـبــة قس ـم ــوا ف ـي ـه ــا‬ ‫العالم‪ ،‬اختـار كـل مـنـهـم جـزءا‪ ،‬أحـد‬ ‫ـان‬ ‫األوالد اخـ ـ ـتـ ـ ــار األرض‪ ،‬والـ ـ ـثـ ـ ـ ي‬ ‫ال ـك ـل ـمــات‪ ،‬أمــا إيــف الص ـغـ رـي اخ ـتــار‬ ‫ـىم إىل‬ ‫األثـ رـي‪ .‬هــذه‪ ،‬وإن كــانــت ت ـن ـتـ ي‬ ‫الـحـكــايــات األسـطــوريــة الـ يـن تـحــاك‬ ‫حــول ال ـف ـنــانـ رـي‪ ،‬غــال ـبــا‪ ،‬إال أن ـهــا ال‬ ‫تـخـلــو مــن إشــارة إىل حـقـيـقــة الـهــم‪.‬‬ ‫أ كــدت‪ ،‬فـي ـمــا ب ـعــد‪ ،‬الــوســائـ ُـط الـ يـن‬ ‫اس ـ ـت ـ ـخـ ــدم ـ ـهـ ــا ال ـ ـف ـ ـنـ ــان وم ـ ـن ـ ـطـ ــق‬ ‫ـوىم عــل أصــالــة‬ ‫اسـتـخــدامــه الـمـفـهـ ي‬ ‫ـوع الـمـبـكـر بـح رـيه‬ ‫هذا الـهـم‪ .‬إنـه ال ي‬ ‫الـمــادي يف الـفـضــاء‪ ،‬وتـمــاس فـكــرة‬ ‫الـ ـفـ ـض ــاء م ــع الشـ ـع ــور ب ــالـ ـم ــوت‪،‬‬ ‫بالعدم‪.‬‬ ‫انشغل الفنان بـفـلـسـفـة الـزن نـظـريـا‬

‫يوسف ليمود‪ ،‬أسطورة اجلسد‪ ...‬من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا‬

‫ا‬ ‫وممارسة‪ .‬كـان تـطـبـيـقـه الـعـم يـل لـهـا‬ ‫من خالل رياضة أو فن الـدفـاع عـن‬ ‫النفس "الـجـودو" ال يـن أتـقـنـهـا أثـنـاء‬ ‫إقــام ـتــه يف ال ـيــابــان وحصــولــه عــل‬ ‫الـحـزام األســود‪ .‬الــزن فـلـسـفــة فـرا‬ ‫بــام ـت ـيــاز‪ .‬وال ـف ـرا هـنــا لــه م ـع ـن ـيــان‪،‬‬ ‫الشـط أو األســاس الــذي‬ ‫األول هــو ر ـ‬ ‫ترتكز عليه المنظومة الفكرية لهـذه‬ ‫الـفـلـسـفــة الــروحـيــة‪ ،‬أال هــو تـفــري ـ ــغ‬ ‫الــذهــن مــن كــل إمــالءاتــه الـم ـسـبـقــة‬

‫اإلحساس الذي استخدم‬ ‫به كالين أزرقه أقرب‬ ‫إىل اهلشاشة‪ .‬والكيمياء‬ ‫اليت مزج هبا اللون‬ ‫أقرب إىل الترابية‬

‫‪31‬‬

‫ع ــي ت ـم ــاري ــن ال ـت ــأم ــل ال ـم ـت ــواص ـل ــة‬ ‫ـروج الصــارم‪ .‬الــوصــول‬ ‫والـنـظــام الـ ي‬ ‫ه‬ ‫إىل لـحـظــة الـفـرا الـذه يـن الـتـام ي‬ ‫نفـسـهـا لـحـظـة اإلنصـات إىل الـمـادة‬ ‫الن تشي‬ ‫الجوهرية للعالم‪ ،‬الروح ي‬ ‫ه‬ ‫يف الـ ـك ــائ ــن ي‬ ‫وف ال ــوج ــود كـ ـل ــه‪ .‬ي‬ ‫ل ـح ـظــة االتصــال بــاألنــا ال ـع ـل ـيــا ب ـعــد‬ ‫انــدحــار اإليـجــو‪ .‬بـلـغــة الـمـتـصــوفــة‪،‬‬ ‫ه ل ـ ـح ـ ـظ ـ ــة االت ـ ـح ـ ــاد وال ـ ــوج ـ ــد‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ـان ل ـم ـف ـه ــوم ال ـف ـرا‬ ‫ـ‬ ‫ث‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ي‬ ‫يـ ـتـ ـم ــاس م ــع فـ ـك ــرة الـ ـع ــدم‪ ،‬وه ــو‬ ‫مــرت ـبــط بــال ـم ـعــن األول مــن ح ـيــث‬ ‫الجهاد للوصول بالذات إىل مـرحـلـة‬ ‫ر‬ ‫الالسء‪.‬‬ ‫ي‬ ‫اسـتـحـضــار الـفـرا يف فـلـسـفــة الــزن‬ ‫هــو م ـحــاولــة ل ـل ـت ـعــامــل مــع ال ـمــادة‬ ‫(ال ـ ـج ـ ـسـ ــد) ل ـ ـلـ ــوصـ ــول إىل تـ ــوازن‬ ‫وف الـ ــزمـ ــن‪.‬‬ ‫الـ ـجـ ـسـ ــد يف الـ ـفـ ـرا‬ ‫ي‬ ‫وفـنــون الـقـتــال كــالـجــودو والـكــاراتـيــه‬ ‫ر‬ ‫تىس ـ‪ ...‬ت ـم ـث ــل‬ ‫واآلي ـك ـي ــدو وال ـت ــاي ي‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫يوسف ليمود‪ ،‬أسطورة اجلسد‪ ..‬من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا‬

‫اليوىم‪ ،‬بفرشاة واحدة وصبغـة واحـدة‪،‬‬ ‫سنة يف التمرين‬ ‫ي‬ ‫برصـبــة واحــدة‪ .‬ال ـم ـســألــة ل ـي ـســت يف‬ ‫ـ‬ ‫عــل رســم دائــرة‬ ‫ـوع‬ ‫ه تـرجـمـة لـحـضـور ال ي‬ ‫الوصول إىل الـياعـة قـدر مـا ي‬ ‫يف ال ـ "ه ـنــا واآلن"‪ ،‬ش ـعــار الــزن‪ .‬وعــدم تــدخــل كــاليــن‪،‬‬ ‫عـمـلـيـا‪ ،‬يف خـلــق الصــورة الـ يـن طـبـعـتـهـا الـمـرأة بـجـسـدهــا‬ ‫عــل لــوحـتــه (الـجـســد األنـثــوي بــديــال عــن الـفــرشــاة) هــو‬ ‫نـوع مـن إقصـاء أنـا الـفـنـان‪ .‬نـوع مـن تـخ ٍـل‪ ،‬ولــو مـؤقــت‪،‬‬ ‫ر‬ ‫الىسـء يـحـدث‪ .‬وأخ رـيا نـوع مـن‬ ‫عن اإليجو‪ .‬نوع مـن دع ي‬ ‫ر‬ ‫ـالس‬ ‫االحـتـفــاء بــالصــدفــة‪ ،‬صــدفـة الــوجــود‪ ،‬وصــدفــة الـتـ ي‬ ‫داخل هذا الوجود‪.‬‬ ‫ـوىم يف الـخـلـق الـف يـن تـجـسـيـدا‬ ‫يعتي هذا المنطـق الـمـفـه ي‬ ‫التـجـاه "الـواقـعـيـة الـجــديـدة" الـ يـن كــان إيـف كـاليــن أحــد‬ ‫أعضــائ ـهــا الـمــؤس ـسـ رـي‪ ،‬وهــو االت ـجــاه الــذي تـبــن ف ـكــرة‬ ‫ر‬ ‫ه يف الـواقـع بـدال مـن‬ ‫التعامل المباش مع األشـيـاء كـمـا ي‬ ‫اإليهام بها تصويريا عل سطـح مـا‪ ،‬أي تـحـريـر الـفـن مـن‬

‫ه طــرق مـتـعــددة‬ ‫الـجــانــب الـفـ رـييـ يـق يف مـمــارســة الــزن‪ ،‬ي‬ ‫لـل ـت ـح ـكــم يف ان ـف ـعــالـيــة ال ـج ـســد والس ـي ـطــرة عــل آل ـي ـتــه‪،‬‬ ‫ـاىل تـحـقـيــق مـثــالـيــة اتـزانــه‪ ،‬أي حـكـمـتــه‪ ،‬وعــالقـتــه‬ ‫وبــالـتـ ي‬ ‫باألشياء والفرا الـمـحـيـط‪ .‬سـوف يسـجـل كـاليـن قـفـزتـه‬ ‫التاريخية من أعل بـنـايـة كـأحـد عـروض األكشـن‪ .‬جسـد‬ ‫يقفز بثقله يف الفرا‬ ‫تعن مـحـاولـة انـتـصـار عـل قـوان رـي‬ ‫ي‬ ‫الثقل والجاذبية‪ .‬محاولة فكاك من أش المادة‪ .‬استـبـاق‬ ‫الخطية‪،‬‬ ‫لالندماج يف العدم‪ .‬لن يموت كالين يف قفزاته‬ ‫ر‬ ‫لكن ستعاوده النوبة القلبيـة ال يـن داهـمـتـه أول مـرة وهـو‬ ‫يشــاهــد أحــد األفــالم يف مـهــرجــان "كــان" سـنــة ‪،4293‬‬ ‫رليحل يف العام نفسـه عـن أربـعـة وثـالث رـي عـامـا‪ ،‬ويـخـرج‬ ‫وليـده إىل الـدنـيـا بـعـد بضـعـة شـهـور‪ ،‬ويـحـمـل اسـم أبـيـه‬ ‫نفسه‪ ،‬إيف!‬ ‫يف تعامل كالين مع اللون األوحد إحالة إىل فـكـرة الـفـرا‬ ‫ـضـ ثــالثـ رـي‬ ‫الـبــوذيــة‪ .‬فـراهــب الــزن الــرســام يـمـكــن أن يـقـ ي‬

‫‪30‬‬


‫يوسف ليمود‪ ،‬أسطورة اجلسد‪ ...‬من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫فرانشيسكا وودمان‪..‬‬ ‫امتدادات الدادائية وظل الموت المراهق‬

‫إيـحــاءاتــه الــال مــرئ ـيــة أو غـ رـي الـم ـلـمــوســة‪ .‬تـمـثــال الـنــرص‬ ‫ساموتراس وفـيـنـوس ودافـيـد والـكـرة األرضـيـة والـمـسـلـة‬ ‫واإلسـفـنـجــة وكـتـلــة الـيونـز والـطـاولـة والـمـسـتـطـيـل عــل‬ ‫الـحــائــط‪ ،‬سـ ُـيـغـمــرون يف األزرق ويصـ رـيون عـنــرصــا أثـ رـييــا‬ ‫يستحرص للحدس عناض الوجود األربعة‪ :‬الـمـاء الـهـواء‬ ‫النار الياب‪.‬‬

‫من فرا األزرق إىل رمادي الظل‪ ،‬ومن أسطورة الـمـوت‬ ‫المبكر إىل عبـيـيـة السـكـون يف االنـتـحـار الـبـكـر‪ ،‬نصـطـدم‬ ‫بفداحة الجمال الباهظ الثمن‪ ،‬المعشعـش يف الـجـدران‬ ‫غـ رـي ال ـمــرئ ـيــة بـ رـي ال ـج ـلــد األن ـثــوي ال ـمــوهــوب ل ـل ـن ـع ـمــة‪،‬‬ ‫وبي صدأ الـواقـع الـمـحـيـط‪ ،‬بـاألحـرى‬ ‫للموهبة‪ ،‬للرؤى‪ ،‬ر‬ ‫صـدأ الـفـرا ‪ .‬مـا الـمـقــابـل الــذي يـنـعــم بــه الـفـنــان إزاء مــا‬ ‫تفرزه تقـلـصـات كـيـانـه الشـبـيـه بـآلـة الـهـارب تـهـز أوتـارهـا‬ ‫ه‬ ‫نسمة عابرة‪ ،‬من جـمـال؟ هـل نشـوة لـحـظـة الـخـلـق ي‬ ‫سييد أو يقلل مـن إشـعـاعـات تـرابـه‬ ‫كل حصيلته؟ وهل ر‬ ‫ك ّـم األسـاطـ رـي الـ يـن تــروى عـنــه ويـتـوالــد مـنـهـا الـمــزيـد مــن‬ ‫األساطي‪ ،‬بعدما يطلق عل صـدغـه الـرصـاصـة أو يـقـفـز‬ ‫ر‬ ‫مــن الـنــافــذة يف لـحـظــة مــن عــدم احـتـمــال؟ ال شــك أن‬ ‫ا‬ ‫حياة فنانة بازغـة‪ ،‬انـتـهـت قـبـل أن تـبـدأ‪ ،‬مـخـلـفـة مـنـجـزا‬ ‫جماليا مبهرا‪ ،‬أو عل األقل منجزا ال يستهـان بـه‪ ،‬تض يـق‬ ‫عليها المأساة هالة تزيد يف جماليـة الـمـنـجـز‪ .‬لـكـن‪ ،‬أمـام‬ ‫فوتوغرافيا فرانشيسكا وودمان‪ ،‬هذه الفتنة الـفـنـيـة ال يـن‬

‫اإلحســاس الــذي اس ـت ـخــدم بــه كــاليــن أزرقــه أقــرب إىل‬ ‫ال ـه ـشــاشــة‪ .‬وال ـك ـي ـم ـيــاء الـ يـن مــزج ب ـهــا ال ـلــون أقــرب إىل‬ ‫الــيابـيــة‪ .‬هــذا الـحــس الــذي حــافــظ عــل روح األكسـيــد‪،‬‬ ‫أضاف إىل األجساد المطبوعة عل الـورق (الـذي بـدوره‬ ‫خــامــة هشــة) روح زوال‪ .‬تـكـ يـق نـفـخــة أو مسـحــة يــد يك‬ ‫تبدد البصمة أو البصقة الوجودية عن فـرا السـطـح‪ .‬ال‬ ‫أستطيع‪ ،‬وأنا أتأمل بصماته ر‬ ‫البشية الدائخة يف األزرق‪،‬‬ ‫ـىسـ مــن الســؤال‪ :‬مــن صــاحـبــة تـلــك الـكـتـلــة‬ ‫أن أمـنــع نـفـ ي‬ ‫الجسدية‪ ،‬وماذا صار منهـا اآلن؟ ربـمـا هـو سـؤال خـارج‬ ‫ـاىل لـلـعـمــل‪ ،‬لـكــن كــون الـجـســد‬ ‫عــن إطــار الـتــأمــل الـجـمـ ي‬ ‫مبصوما عل السطح وليس مرسوما‪ ،‬هو يف الـغـالـب مـا‬ ‫يثي السؤال‪ .‬لقد اختق الجسد ولم يبق إال األثر!‬ ‫ر‬ ‫‪32‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫يوسف ليمود‪ ،‬أسطورة اجلسد‪ ..‬من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا‬

‫وه‬ ‫قذفت بنفسها من نافذة بـنـايـة عـالـيـة يف نـيـويـورك ي‬ ‫ـشـيــن لــم تــزل‪ ،‬تـطــع أسـطــورة الصــورة‬ ‫يف الـثــالـثــة والـعـ ر ـ‬ ‫عل أسطورية حياتها ونهايتها المحزنة األليمة‪.‬‬ ‫هـنــاك أعـمــال فـنـيــة تـنـبــع جـمــالـيـتـهــا أســاســا مــن طـزاجــة‬ ‫ـوىل وال هـو‬ ‫حس ال‬ ‫ينتىم لعالم الكبار‪ .‬عـالـم ال هـو طـف ي‬ ‫ي‬ ‫ٍ‬ ‫ر‬ ‫نــاضــج‪ .‬عــدم نضـجــه شطــه‪ .‬انسـحــابـيـتــه وجـنــوحــه إىل‬ ‫الخيال محركه‪ .‬دخوله ربي الـقـشـور الـمـتـآ كـلـة ومـنـاجـاتـه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫رشانـ َـق ال ـتـحـلــل الـخ ـفـيــة أجـنـحــتــه ل ـلـتـح ـلـيــق يف بــؤرات‬ ‫ـرن إىل صـورة‪،‬‬ ‫جمال مستي يزي ــح الستائر عما هـو ال م ي‬ ‫رؤيــا‪ ،‬عــري‪ ،‬خــوف‪ ،‬ظــل‪ ،‬أب ـيــض‪ ،‬ب ـق ـعــة‪ ،‬ســواد‪ ،‬ألــم‪،‬‬ ‫اختفاء‪ ،‬رغبة‪ ...‬ونبوءة مـوت‪ .‬تـنـبـع أعـمـال فـرانشـيـسـكـا‬

‫وف عــدوهــا يـتــداخــل‬ ‫الـمــوت تـطـفــر مــن مســام الـجـلــد‪ .‬ي‬ ‫جسـدهـا مـع أجسـاد األشـيـاء الـمـخـتـارة لـلـصـورة‪ .‬يصـبــح‬ ‫عريــها جزءا من نسيج الـحـائـط‪ .‬تصـبـح كـتـلـتـهـا ظـال ب رـي‬ ‫ر‬ ‫ـدىل مــن زاويــة‬ ‫ـالس‪ .‬يص ـبــح ش ـعــرهــا ال ـم ـتـ ي‬ ‫الــوجــود وال ـتـ ي‬ ‫الصورة عل الرصيف مرآة ألزهار القرنفل الذابلة جـوار‬ ‫ال ـرأس الــذي ي ـجــرب االرت ـطــام بــاألرض‪ .‬يص ـبــح ث ـع ـبــان‬ ‫السمك الـدائـر يف الصـحـن رمـزا ألحشـاء الـعـري الـفـادح‪.‬‬ ‫تص ـبــح ال ـقــوق ـعــة صــدرهــا ال ـم ـف ـتــوح‪ .‬تص ـبــح ســاقــاهــا‬ ‫ال ـم ـط ـبــوع ـتــان عــل ال ـطـ رـي شا يف أذن األرض‪ .‬تص ـبــح‬ ‫ُ‬ ‫نفسها أوفيليا عرصية يسبح مـوتـهـا عـل األرض الصـلـبـة‬ ‫القاسية‪.‬‬

‫وودمان من هذا الـحـس الـف ِ ّ‬ ‫ـن غ رـي الـنـاضـج‪ ،‬بـل تـطـفـح‬ ‫ي‬ ‫به‪ .‬يف عملها ركض‪ ،‬كـأن مـنـجـال خـفـيـا يـالحـق خـطـواتـهـا‬ ‫فتعدو يف اللقطات ذات األنفاس المتالحـقـة‪ .‬تـعـدو مـن‬ ‫تــرك ـيــب إىل تــرك ـيــب‪ .‬ت ـع ـيــد تــرت ـيــب ال ـم ـفــردات ال ـف ـقـ رـية‬ ‫حــول ـهــا‪ :‬مــن غــرفــة خــال ـيــة إىل ف ـرا بــاب إىل مــرآة إىل‬ ‫وشــاح طــائــر إىل انـعـكــاســات نـهــار عــل حــائــط مـتـهــرئ‪.‬‬ ‫تعدو بجسدها وسط كل هذه المفردات‪ .‬تعدو وعـالئـم‬

‫تنتىم إىل طائفة الـرائ رـي‪،‬‬ ‫ال شك أن فرانشيسكا وودمان‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ورغــم أن س ـمــة ال ـر ي‬ ‫ان األســاس ـيــة‪ ،‬ب ـعــد ال ـحــدس‪ ،‬ي‬ ‫الـخـيــال‪ ،‬والـخـيــال بـطـبـيـعـتــه يـجـنــح إىل األبـعــد‪ ،‬أي أن‬ ‫ان غـالـبـا ال يـكـون يف الـحـسـبـان‪ ،‬إال أن رؤيـويـة‬ ‫جسد الر ي‬ ‫هــذه ال ـف ـنــانــة الص ـغـ رـية م ـل ـت ـص ـقــة بــال ـج ـســد‪ .‬ب ـج ـســدهــا‬ ‫تـحــديــدا‪ .‬يــأخــذ جســدهــا يف الصــورة شـيـئــا مــن طـبـيـعــة‬ ‫المفردات المجاورة له يف اللقطة‪ :‬أمام النهديـن شـمـامـة‬ ‫‪33‬‬


‫يوسف ليمود‪ ،‬أسطورة اجلسد‪ ...‬من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫أطر األبواب المفرغة عـن خـواء مـخـيـف أبـيـض‪ .‬الـثـوب‬ ‫الـمــياح عــن الـجـسـد األبـيــض أبـيــض‪ .‬الـمـرايــا الـغــارقــة يف‬ ‫بـيــاضـهــا ال تـعـكــس إال األبـيــض‪ .‬الـلــوح الــذي يـتــدىل مـنــه‬ ‫الـعـري الـمـصـلـوب أبـيـض‪ .‬شــاهـد الـقـي الـحـجـري يـمــرق‬ ‫ـشـي أبـيــض‪ .‬سـيـقــولــون األبـيــض‬ ‫فـيــه غـبــش الـلـحــم الـبـ ر ـ‬ ‫براءة‪ ...‬إىل آخره؛ لكن األبيض‪ ،‬وتحديدا هـنـا‪ ،‬يـتـشـبـث‬ ‫بنفسه فقط كأبيض‪.‬‬ ‫رغم تأثر فرانشيسكا وودمان‪ ،‬يف بعض أعمالها‪ ،‬بالفنان‬ ‫الفرنىس المعروف مان راي‪ ،‬ظلت محتفـظـة‬ ‫األمريك ‪-‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫بروحها الخاصة يف تـلـك الـنـمـاذج الـمـعـدودة‪ .‬غ رـي أن مـا‬ ‫ـدادان يف صـورهـا‪ .‬فـرغـم‬ ‫يثي االنتباه هو ذلـك الـحـس ال‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫أنها ولدت يف سنة ‪ ،4238‬أي بعد أكي من ثالثة عقـود‬

‫نصفي يتدىل الـبـذر مـنـهـمـا وكـأن تـجـويـفـهـمـا‬ ‫مفلوقة إىل‬ ‫ر‬ ‫بشـاســة مـنـظــر األحشــاء الـبــذريــة هـمــا الـقــالـبــان‬ ‫الـمـلـ ّـبــد ر ـ‬ ‫السالبان لموجـب الـنـهـديـن‪ .‬وحـزام الـلـؤلـؤ حـول الـبـطـن‬ ‫ي ـجــد ت ـنــوي ـعــا عــل ل ـح ـنــه يف جــوقــة زخــارف ال ـم ـفــرش‬ ‫ال ـق ـط ـن ـيــة‪ .‬وظ ـهــر ال ـب ـنــت ال ـعــاري ي ـغ ـط ـيــه مشــط كــامــل‬ ‫لهيكل‬ ‫عظىم لسمكة‪ ،‬وانعكاس جسد الفتاة يف الزجـاج‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫تـهـبــه الـظــالل والــزهــور أذرعــا وأصــابــع تـكـمــل‪ ،‬يف خــداع‬ ‫رص ـي‪ ،‬مــا تــوارى مــن أط ـراف ال ـج ـســد‪ ،‬وك ـت ـلــة ال ـعــري‬ ‫ب ـ‬ ‫األب ـيــض ال ـحــزيــن يف الش ـمــس ت ـجــد صــداهــا يف زن ـب ـقــة‬ ‫ـان لـجـسـد األنـوثـة‪ .‬األبـيـض‬ ‫ه الـتـوأم الـنـب ي‬ ‫بيضاء كـب رـية ي‬ ‫األب ـي ــض ودائ ـم ــا األب ـي ــض‪ ،‬يف ك ــل الص ــور رغ ــم زاده ــا‬ ‫السوداوي‪ .‬الستارة الن ّ‬ ‫يطيها الهواء يف الـفـرا أبـيـض‪.‬‬ ‫ر‬ ‫ي‬

‫‪34‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫يوسف ليمود‪ ،‬أسطورة اجلسد‪ ..‬من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا‬

‫ـشـيــن‪ ،‬يك ال تس ـجــل آخــر صــورة‬ ‫ت ـك ـمــل ال ـثــال ـثــة وال ـعـ ر ـ‬ ‫لجسدها عل األرض؟!‬

‫ـدس‬ ‫من تاريـ ــخ الـحـركـة الشـه رـية‪ ،‬يشـعـر الـمـرء بـمـيـل ح ي‬ ‫ل ـت ـصــورهــا إىل جــانــب أص ـحــاب الــدادائ ـيــة األص ـل ـيـ رـي‪.‬‬ ‫ه نـفـسـهـا‬ ‫العبيية الخاصة ي‬ ‫الن حكمت مـنـطـقـهـا الـف يـن ي‬ ‫العـبـيـيـة ال يـن حـكـمـت عـلـيـهـا كـقـدر ومص رـي‪ .‬نـتـب رـي دائـمـا‬ ‫رشخـا مـا يف كــل مـنـاظـرهـا‪ .‬يف كـل أجسـاد مـنـاظـرهـا‪ .‬كــأن‬ ‫َ‬ ‫جسدها رشخ داخل رشخ الصورة‪.‬‬ ‫كعصي‬ ‫كل مفردات صورتها‪ ،‬والجسد واحدها‪ ،‬تتجمع‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫عان متداخلة‪ .‬فكرة الـتـداخـل نـفـسـهـا أحـد عـنـاض‬ ‫من م ٍ‬ ‫العصي‪ .‬لن يفيد الصورة إن قلنا الـوحـدة أو الشـبـق‬ ‫هذا‬ ‫ر‬ ‫ـان أخــرى‪ .‬إنـهــا الــرؤيــا‪ ،‬الـفـنـيــة‪،‬‬ ‫أو الـمــوت أو عــددنــا مـعـ ي‬ ‫َ‬ ‫الـمــركـبــة‪ ،‬الـمــدفــوعــة بـقــوة طــردهــا الـمــركــزي‪ .‬الـمـطــاردة‬ ‫بـبـكـارة شـعـورهـا بـالـمـأسـاة‪ ،‬الـمـسـتـغـرقـة يف عـتـمـة جسـد‬ ‫األكي إشعاعا‪َ ،‬‬ ‫األكي ضوءا‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫األكي بياضا مـن‬ ‫يعرف أنه‬ ‫ترىم نـفـسـهـا مـن نـافـذة‬ ‫ي‬ ‫باف األجساد‪ .‬هل كان حتميا أن ي‬ ‫يف بـنــايــة عــالـيــة يف قـلــب مــانـهــاتــن سـنــة ‪ 4284‬دون أن‬

‫كيك سميث‪ ..‬الجسد ربي الهنا والهناك‬ ‫ي‬ ‫قـدمـان مـن الــيونـز ويـدان ورأس آدمـيـة‪ ،‬ت ّ‬ ‫ـوصــل بـيـنـهــم‬ ‫سلسلة صدئة من الحـديـد تـتـكـوم عـل األرض كـأحشـاء‬ ‫يـطـفـح مـنـهـا الـمـعـن يف جـيوت وبـداهـة ومـيـتـاف رـييـقـيــة‪.‬‬ ‫هــذا ال ـع ـمــل اآلش‪ ،‬رغــم بســاط ـتــه‪ ،‬ي ـخ ـت ـرصــ ال ـم ـن ـطــق‬ ‫الجسدي الشـامـل لـلـجـبـهـة الـفـنـيـة ال يـن تـتـمـيس وراءهـا‬ ‫فنـانـة‪ ،‬أبسـط مـا يـقـال عـنـهـا إنـهـا إحـدى أيـقـونـات الـفـن‬ ‫الـم ـعــاض! األمــري ـكـيــة ك ـيـ يـك س ـمـيــث ‪ .4233‬مــن هــذه‬ ‫الس ـل ـس ـلــة ‪ -‬األحشــاء‪ ،‬ب ـمــا تشـ رـي وت ـح ـيــل عــل ال ـم ـعــن‬ ‫ـاس الــذكــوري‬ ‫اإلك ـل ـي ـن ـيـ يـك ال ـب ـيــولـ ي‬ ‫ـاع الس ـيـ ي‬ ‫ـوج االج ـت ـمـ ي‬ ‫وف اآلن نـفـســه أيضــا‪ ،‬الـمـيــالد الـمــوت الـبـقــاء‬ ‫األنـثــوي‪ ،‬ي‬ ‫‪35‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫التحول البعث التجدد‪ ...‬تنبثق كـل‬ ‫مفردات وتقنيات ومفاهيم المنجـز‬ ‫الـفـ يـن الــذي ال يـف ـتــأ ي ـجــدد مـن ـطــق‬ ‫رؤاه وتنويعـاتـه عـل تـلـك الـرؤى يف‬ ‫دهش ــة جـ ـم ــالـ ـي ــة ال ت ـ يـن ب ــدوره ــا‬ ‫تتجدد‪.‬‬ ‫يف عــائ ـلــة ف ـن ـيــة‪ ،‬األم م ـغ ـن ـيــة أوب ـرا‬ ‫"جـ ـ رـي لـ ــورانـ ــس"‪ ،‬واألب نـ ـحـ ــات‬

‫يوسف ليمود‪ ،‬أسطورة اجلسد‪ ...‬من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا‬

‫ى‬ ‫ـون‬ ‫معماري مصور ومنظر للفـن "ت ي‬ ‫سـ ـمـ ـيـ ــث"‪ ،‬ولـ ــدت "كـ ـيـ ــارا" الـ ـ يـن‬ ‫"كيك سمـيـث"‪.‬‬ ‫ستصبح فيما بعد‬ ‫ي‬ ‫مس ــاع ــدت ـه ــا أب ـي ـه ــا يف ص ـغ ــره ــا يف‬ ‫أعماله النحـتـيـة الـهـنـدسـيـة الـطـابـع‪،‬‬ ‫عـ ـ ـ ّـمـ ـ ــق إحسـ ـ ـ َ‬ ‫ـاس ـ ـ ـهـ ـ ــا بـ ـ ــالش ـ ـ ـكـ ـ ــل‬ ‫ى‬ ‫وف الوقت ذاته ولـد يف‬ ‫والتشكيل‪ ،‬ي‬ ‫نـ ـفـ ـسـ ـهـ ــا كـ ـراهـ ــة ضـ ــد الـ ـمـ ـنـ ـطـ ــق‬ ‫ـدس ال ـن ـظ ـيــف ال ـبــارد‪ .‬ســوف‬ ‫ال ـه ـنـ ي‬

‫‪36‬‬

‫ـض‬ ‫يتطور هذا الشعور الحقا إىل رف ٍ‬ ‫لـ ـجـ ـمـ ــالـ ـيـ ــة الـ ـنـ ـحـ ــت الـ ـتـ ـقـ ـلـ ـيـ ــدي‬ ‫المسـطـحـة‪ ،‬إىل الـبـحـث عـن مـنـهـج‬ ‫َ‬ ‫أكي تغـلـغـال يف كـنـه ذلـك الـجـسـد ‪-‬‬ ‫الشـ ـاب ال ـهــش ال ـم ـح ـكــوم ب ـخــرس‬ ‫الموت والتحلل واالختـفـاء‪ .‬صـدمـة‬ ‫مــوت أبـيـهــا كــانــت مـفـتــاح الــدخــول‬ ‫إىل الشاشـة الـمـضـبـبـة لـكـتـلـة الـهـبـاء‬ ‫تلك!‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫يوسف ليمود‪ ،‬أسطورة اجلسد‪ ..‬من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا‬

‫ه مـقــايـيــس‬ ‫الـفـنــان نـفـسـه‪ .‬مـقــايـيــس مــداره الـجـســدي ي‬ ‫ريــاض ـتــه وحســابــاتــه يف ال ـمــادة الـ يـن ت ـت ـش ـكــل يف يــديــه‪.‬‬ ‫تـحــريـفــاتــه وم ـبــال ـغــاتــه يف الش ـكــل ل ـيـســت ســوى صــورة‬ ‫لـجـســده األ كـ َـي ج ّـوانـيــة‪ .‬لـكــل فـنــان مـنـطـق مـخـتـلــف يف‬ ‫المبالغة والتحريف يكاد يكون بصـمـتـه‪ ،‬أو هـو بـاألحـرى‬ ‫بصمته‪ .‬أرى التحريفـات والـتـحـويـرات يف عـمـل سـمـيـث‬ ‫ه‪ ،‬كـمـا‬ ‫ه‪ ،‬وروحـهـا ي‬ ‫ه‪ ،‬جسـدهـا ي‬ ‫فأ كـاد أرى صـورتـهـا ي‬ ‫حدس‪ .‬حن الغامض يف الـعـمـل لـيـس سـوى‬ ‫تومض يف‬ ‫ي‬ ‫ان ـع ـكــاســا ل ـل ـغــامــض يف ال ـف ـنــان‪ ،‬ذلــك الــذي ال ي ـطــالــه‬ ‫الحدس‪ ،‬فـالـغـامـض فـيـك هـو الـغـامـض ّ‬ ‫ف‪ .‬إنـه مـنـطـقـة‬ ‫ي‬ ‫الـبـحــث الـمـ ّ‬ ‫ـدوخــة‪ .‬يـطــوف حــولـهــا الـفــن كـفـراشــة حــول‬ ‫مصباح‪ .‬كذبابة عل جثة‪.‬‬ ‫الـجـســم الـمـنـحــوت‪ ،‬يف عـمـلـهــا‪ ،‬مـمـطــوط‪ ،‬مسـحــوب‪،‬‬ ‫جني مـن مشـيـمـة‪ .‬الـجـن رـي الشـم يـع الـمـنـكـمـش‬ ‫كخروج ر‬ ‫ٌ‬ ‫مصيه المؤجل يلتصق عل نعومـة ظـهـره لسـان مـن‬ ‫يف ر‬ ‫ـود ف ـقــرى ي ـم ــزج ال ـمــوت بــالــوالدة‪ .‬ت ـل ـم ــس‬ ‫ع ـظـ ِـم ُ ع ـمـ ٍ‬ ‫خشونة الجسـم الـعـاري لـلـمـرأة ‪ -‬الـقـرد‪ ،‬الـذاهـلـة‪ ،‬تـأمـلَ‬ ‫داروي ــن يف ال ـت ـط ــور وأص ــل األن ــواع‪ .‬ك ــذل ــك ال ـم ـس ــوخ‬ ‫حي تنتصب الرؤوس اآلدمية عل جسـوم‬ ‫والتحوالت‪ ،‬ر‬

‫ل ـتــدعــم ب ـح ـث ـهــا ال ـفـ يـن ال ـم ـت ـغ ـل ـغــل يف ح ـقــائــق ال ـج ـســد‬ ‫البيولوجيـة وأبـعـاده‪ ،‬لـجـأت سـمـيـث إىل دراسـة الـطـب‪.‬‬ ‫حصلت عل شهادة كطبيبة طوارئ‪ .‬انعكست معارفها‬ ‫العلمية بشكل حاسم عل أنامل رؤيتها المتل ّـمـس ِـة لـح َـم‬ ‫وجلد وعظام خـامـاتـهـا مـن ورق إىل زجـاج إىل شـمـع إىل‬ ‫أح ـب ــار إىل أح ـب ــال إىل ب ـرادة ص ــدأ إىل س ـي ـل ـي ـك ــون إىل‬ ‫بـالـسـتـيـكـات إىل جـبــس إىل حـجـر وبـرونـز وحـديــد‪ .‬ومــن‬ ‫اع إىل‬ ‫الرسم إىل الـوشـم إىل الـطـبـاعـة إىل الـيكـيـب الـفـر ي‬ ‫أون مـن إرادة فـنـيـة‪ ،‬مـن أي‬ ‫التمثال‪ ،‬المتملص بكـل مـا ي‬ ‫نزعة ّ‬ ‫الشكل المألوف‬ ‫تقربه‪ ،‬ولو من بعيد‪ ،‬إىل المنطق‬ ‫ي‬ ‫يف فن النحت‪.‬‬ ‫الفن يأخذ لون‬ ‫ليس لأللوان هنا دور أو حاجة‪ .‬الجسم ي‬ ‫دون أن يتعيَ‬ ‫َ‬ ‫بتعبيية‪ ،‬من‬ ‫مادته‪ ،‬يطفح‬ ‫مادته‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ملمس ِ‬ ‫أو يـغــرق فـيـهــا؛ يــرســل هسـيـســا ي ـقــول ضخــة صــامـتــة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ـرن ســاحــة الرصـ ـاع ال ـم ـس ـتــي بـ رـي‬ ‫يــؤطــر ب ـح ـزام غـ رـي مـ ي‬ ‫ر‬ ‫ان‬ ‫الوحىس‬ ‫واإلنسان‪ ،‬ربي األنثـوي والـذكـوري‪ ،‬ب رـي الـي ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫واألث رـيي‪ ،‬ب رـي الـزاحـف والـطـائـر‪ ،‬ب رـي الـقـيـد والـمـطـرقــة‪،‬‬ ‫ربي القناع والحشا‪ ،‬ربي األحشاء والسلسلة‪.‬‬ ‫الفن ليست سوى كيمـيـاء جسـد‬ ‫قلنا إن كيمياء الخلق ي‬ ‫‪37‬‬


‫يوسف ليمود‪ ،‬أسطورة اجلسد‪ ...‬من هالمية الرؤية إىل حدس الرؤيا‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫ُ‬ ‫غربان وطيور ذوات أثداء‪ .‬وتستحرص الخرافة وقصص‬ ‫الـ ـخـ ـي ــال فـ ـتـ ـخ ــرج ح ــواء م ــن بـ ـط ــن ال ــذئ ــب‪ .‬وتسـ ـب ــح‬ ‫الـحـيــوانــات الـمـنــويــة كـثـعــابـ رـي سـمــك يف دائــرة يـنـتـصــب‬ ‫َ‬ ‫خرقتي باليـت رـي مـرفـوعـت رـي يف فـرا‬ ‫واألنن‬ ‫جنبها الذكر‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫كخياىل مآته‪ .‬وتدخل أجسام الكائنات من طيور‬ ‫الوقت‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ـرض كــامـلــة‬ ‫ـ‬ ‫وزواحــف‬ ‫وحشـات حـ رـي الـمـكــان‪ .‬أرضـيــة عـ ٍ‬ ‫تيقشها غربان مـيـتـة‪ .‬دائـرة زرقـاء مـفـروشـة بـكـتـيـبـة مـن‬ ‫مـخ ـلــوقــات دق ـي ـقــة‪ ،‬وح ـيــوانــات ال ـبـحــر‪ ،‬مص ـنــوعـ ٍـة مــن‬ ‫ـان ي ـق ــاب ــل ط ـ رـي ال ـم ــوت‬ ‫ك ــريس ـت ــال‪ .‬ه ــذا ال ـ اح ــس ال ـم ـ ي‬ ‫والوالدة‪ ،‬الثقيل مادة‪ ،‬الخفيف روحا‪.‬‬ ‫هــذا الـتـن ـقــل الـل ـحـ يـن بـ رـي األنــواع والـمـخ ـلــوقــات‪ ،‬وهــذا‬ ‫الـعـزف عــل خـامـات الـتـعـب رـي الـمـعـاضة‪ ،‬ال يـن أصـبـحــت‬

‫كــل رسء وأي ر‬ ‫سء‪ ،‬يشـ رـي إىل شـمــولـيــة الــرؤيــة وكــونـيــة‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫الرؤيا‪ ،‬ي رغم المشيمة الن تـخـضـب أعـم َ‬ ‫ـال هـذه الـفـنـانـة‬ ‫ي‬ ‫بأنـثـويـتـهـا‪ .‬الـتـح رـي لـهـذه األنـثـويـة يض يـق عـل عـمـلـهـا‪ ،‬يف‬ ‫ا‬ ‫أحد أبعاده المتوارية‪ ،‬نظرة نقدية للوضعية االجتماعية‬ ‫المتسلطة بذكوريتها‪ ،‬إىل جانب وضعية الكائن‪ ،‬بشـكـل‬ ‫عام‪ ،‬يف منظومة اجـتـمـاعـيـة سـيـاسـيـة تـحـكـمـهـا السـلـطـة‬ ‫اإلنسان المفيض!‬ ‫والقانون األدن من المستوى‬ ‫ي‬ ‫ه هـنــا‬ ‫لـكـنــه الـجـســد مــا تــؤكــد عـلـيــه أعـمــال سـمـيــث‪ .‬ي‬ ‫مسـتـفـيـدة مــن نـتــاجــات الـفـكــر الـمــادي يف عرصـهــا‪ ،‬مــن‬ ‫دون أن تـتـنـكــر لـقـيــم روحـيــة مــن السـهــل سـقــوطـهــا مــن‬ ‫ثقوب جيوب الجسد المادي‪ .‬تلك الـقـيـم ال يـن صـبـغـت‬ ‫نشــأت ـهــا الــدي ـن ـيــة تــركــت حســا يــدعــم ن ـظــرت ـهــا ل ـلــوجــود‬ ‫وعــالقــة الـج ـســد‪ ،‬تـلــك الـمــركـبــة الســائــرة‪ ،‬بــأشـيــاء هــذا‬ ‫الــوجــود‪ .‬فـحـ رـي ّ‬ ‫جســدت يف عـمـلـهــا الـمـســىم "حـكــايــة"‬ ‫ا‬ ‫امـرأة مـن الشـمـع الـمـصـبـو ‪ ،‬تـحـبـو بـذيـل طــويـل وراءهــا‬ ‫كــأنــه الـغــائــط‪ ،‬اشـمــأز الـنـقــاد ووصـفــوا الـعـمــل بــالـمـشـ رـي‬ ‫ه ب رـي فضـالت الـجـسـد‬ ‫المقزز ر‬ ‫وغي الالئق! لن تفـرق ي‬ ‫وفضالت الدما مـن أفـكـار دخـيـلـة عـل شـمـع الـجـسـد‪.‬‬ ‫كـذلــك سـوف تـخـرج مــن قـراءتـهـا ل ـ "كـتــاب الســاعــات"‬ ‫من تراث العصور الوسط‪ ،‬بعمل يستحرص االنتباه إىل‬ ‫عشــة‬ ‫ســوائــل ال ـج ـســم وإف ـرازاتــه‪ ،‬حـ رـي رصــت اث ـنـ يـن ر ـ‬ ‫فض ـ المــع‪ ،‬ب ـع ـض ـهــا إىل جــانــب‬ ‫زجــاجــة ذوات س ـطــح ي‬ ‫ال ـب ـعــض‪ ،‬م ـح ـفــور عــل كــل زجــاجــة اســم أحــد ســوائــل‬ ‫ه ه ـن ــا ل ــم‬ ‫ال ـج ـس ــم‪ :‬ب ــول‪ ،‬دم‪ ،‬ل ــي‪ ،‬دم ــوع‪ ،‬م ـ يـن‪ ...‬ي‬ ‫تذهب أبعد مما ذهب إليه فنان سابق عليها يف الوقـت‬ ‫زون‪ ،‬حـ رـي عـ ّـبــأ بـرازه (؟) يف عـلــب‬ ‫والــريــادة‪ ،‬بـيـ رـيو مــانـ ي‬ ‫فــاخــرة ال ـت ـص ـن ـيــع م ـط ـبــوع ع ـل ـي ـهــا بــأرب ــع ل ـغــات "خ ـراء‬ ‫بتسعية الذهب وقتذاك!‬ ‫الفنان"‪ ،‬وحدد ثمنها‬ ‫ر‬ ‫أعـمــال كـيـ يـك سـمـيــث الـقـلـيـلــة الـمـس ـتـفــزة ال تـتـبــع هــذا‬ ‫استهالل‪ .‬اسـتـفـزازهـا‬ ‫المفهوم الساخر من آلية مجتمع‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ه مناسبة أو دعـوة‬ ‫لم يقصد به االستفزاز يف ذاته‪ ،‬بل ي‬ ‫لـلـتــأمـل يف كــل مـحـتــويـات الـجـســد‪ ،‬الـعـضــويــة والـفـكــريــة‬ ‫والـروحـيـة‪ .‬نـوع مــن مصـفـاة ُيـرىم فـيـهـا مــا هـو أصـيـل يف‬ ‫الجسد ر‬ ‫البشي وما هو دخيل عليه‪ ،‬مـا هـو حـقـي يـق ومـا‬ ‫هو زائف•‬ ‫‪38‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫بسمة شيخو‪ ،‬متثالت اجلسد يف الفن التشكيلي املعاصر‬

‫ً‬ ‫(كثيا ما‬ ‫يذكر نيتشه يف مقدمة كتابه "العلم المرح" ر‬ ‫نفىس إذا ما كانت الفلسفة يف المجمل حن‬ ‫سألت‬ ‫اي‬ ‫وف الوقت نفسه سوء فهم‬ ‫اليوم تأويي للجسد ي‬ ‫للجسد)؛ فالجسد هنا ‪-‬عند نيتشه‪ -‬نقطة االنطالق‬ ‫للتأويالت واألفكار‪ ،‬لذا هو بالرصورة نقطة االنطالق‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫يف عوالم الفن المختلفة باعتبار الفن هو االبن الش ي‬ ‫للفلسفة ينطبق عل أحدهما ما ينطبق عل اآلخر‪،‬‬ ‫وف‬ ‫وباعتبار الجسد المادة‬ ‫الخام الحاضة يف الحياة ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الفكر والمدركة حسيا وماديا من الجميع دون استثناء‬ ‫معان معنوية شعورية يختلف إدراكها‬ ‫قبل أن تحمل ً ي‬ ‫لكثي من المعطيات المتعلقة بالعلم‬ ‫ربي فرد وآخر تبعا ر‬ ‫ّ‬ ‫والثقافة واالنفتاح نحو اآلخر وتقبل الحريات‪ ،‬وما إىل‬

‫ذلك من تفاصيل ال نستطيع نكرانها عندما يتعلق‬ ‫األمر بالجسد وفهمه؛ لذلك كان ‪-‬الجسد‪ -‬أول ما‬ ‫الفناني من أشكال وتكوينات تكون‬ ‫يخطر عل بال‬ ‫ر‬ ‫محور أعمالهم‪0‬‬ ‫لمحة عن تاري ــخ دخول الجسد لعالم الفن‬ ‫ً‬ ‫دخول الجسد لعالم الفن ليس مرتبطا بالمعاضة أو‬ ‫بالفنون الحديثة حن‪ ،‬فقد بدأ مغامرته منذ بداية‬ ‫ّ‬ ‫الرحلة ر‬ ‫البشية يف العرص الحجري وما رافق تلك‬ ‫ً‬ ‫رسومات عل جدران الكهوف‪ ،‬غالبا ما‬ ‫الحقبة من‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫تكون ألجساد بشية مع صور للحيوانات المألوفة‬ ‫‪39‬‬


‫بسمة شيخو‪ ،‬متثالت اجلسد يف الفن التشكيلي املعاصر‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫ّ‬ ‫ومن عرص لعرص تبدل ظهور الجسد فصار يظهر‬ ‫ٍّ‬ ‫بصور ّ‬ ‫رمزية إىل حد ما ُطمست تفاصيله ومعالمه ولم‬ ‫ٍ‬ ‫تعد نسبه مهمة؛ فالمهم ما يمثله يف لوحات ذات‬ ‫رسائل هادفة مجتمعية وسياسية‪ ،‬وما إىل ذلك‪...‬‬ ‫الفالحي يف‬ ‫ريفيا ‪ ،‬وكذا‬ ‫فنجد العمال يف لوحات ر‬ ‫ر‬ ‫لوحات فان كوخ‪ ،‬عل سبيل المثال‪ ،‬يظهرون من‬ ‫خالل ما تمثله أجسادهم فقط‪0‬‬ ‫هنا يتخلص الجسد من أعبائه الجمالية ويكتسب‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫يطل بها عل المشاهد‪ ،‬فهو دال يف هذه‬ ‫صورة أخرى‬ ‫األعمال‪ ،‬وداللته ر‬ ‫مباشة محمولة عليه بوضوح تحرص‬ ‫المتلق وتنضج بسهولة كما شاءها الفنان‪0‬‬ ‫يف ذهن‬ ‫ي‬

‫والمتعارف عليها ضمن الحياة اليومية؛ حينها كان‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫لغويا يؤدي معن مقصودا أو فعي قائما‬ ‫الجسد حامي‬ ‫ّ‬ ‫التعبيية‬ ‫يدل عليه شكل الجسد وحركته وحالته‬ ‫ر‬ ‫الظاهرة يف الرسم‪ .‬ومع اخياع الكتابة‪ ،‬بأوىل صورها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫اللغوية‪ ،‬ليجد نفسه‬ ‫أرج الجسد عن ظهره حمولته‬ ‫ً‬ ‫بعد سنوات محاطا بهالة من القداسة‪ ،‬فهو ليس‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫مجسدة إلله‬ ‫نحتيا ضفا‪ ،‬إنما صورة‬ ‫صورة أو عمي‬ ‫متخيل يف‬ ‫وخي صورة لهذا اإلله‬ ‫الالوع‬ ‫المجتمع‪ ،‬ر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫هو جسد اإلنسان مع مخالطة لبعض األجزاء من‬ ‫أجساد الحيوانات إلضفاء صفات خارقة يعجز عنها‬ ‫اإلنسان الرصف‪ ،‬حينها كان تجسيد هذا اإلله‬ ‫الجسد‬ ‫ي‬ ‫ًّ‬ ‫ا‬ ‫بطريقتي‪ ،‬إما مخيق رمزيا كآلهة العرب قبل‬ ‫يكون‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫اإلسالم (إساف‪ ،‬نائلة‪ ،‬الالت‪ ،)....‬وإما يكون ظاهرا‬ ‫بكل تفاصيله كاآللهة اليونانية والرومانية (فينوس‪،‬‬ ‫بوسيدون‪0)...‬‬ ‫تزيين بحت كأي‬ ‫ليبدأ بالظهور يف ً الفنون كعنرص ّ ي‬ ‫زخرفة تحقق نسبا جمالية بالغة الدقة؛ فمنه استق‬ ‫ر‬ ‫وبق الجسد كذلك بأغلب‬ ‫دافنىس النسبة الذهبية‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫فنون عرص النهضة بحمولة جمالية تضاف له حمولة‬ ‫يحك حكاية أو أسطورة‪.‬‬ ‫معرفية يف حال كان العمل‬ ‫ي‬

‫حضور الجسد يف الفنون المعاضة‬ ‫ومع دخول الفن يف مرحلة المعاضة لم يعد الفنانون‬ ‫الذين ييعون يف تجسيد األجساد يف لوحاتهم‬ ‫ومنحوتاتهم هم ‪-‬فقط‪ -‬عرابو حضور الجسد يف الفن‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وتنوعت مشاربــها‬ ‫فقد توسعت الحواضن الفنية‬ ‫الن تسكن فكر‬ ‫لتكون الخيارات أرحب إليصال األفكار ي‬ ‫الن يسع إليصالها يف أعماله‬ ‫الفنان وتصنع هواجسه ي‬ ‫‪41‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫بسمة شيخو‪ ،‬متثالت اجلسد يف الفن التشكيلي املعاصر‬

‫ّ‬ ‫الفن أو‬ ‫الن ترجح نجاح العمل ي‬ ‫ الجمهور‪ :‬وهو القوة ي‬‫فشله‪ ،‬وهنا إذ نناقش حضور الجسد يف الفنون‬

‫ً‬ ‫األخالف والمحاسبة الدينية جانبا ويطق النار تحت‬ ‫ي‬ ‫شهواته‪ .‬فبوتقة الحكم عل األعمال الفنية ضيقة ال‬ ‫المعرف‬ ‫تتسع إال للذائقة الشخصية والمخزون‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫يرتق بالعمل المقدم إىل ميلة عالية‪،‬‬ ‫والثقاف الذي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الفن ذاته‬ ‫العمل‬ ‫درجة‬ ‫إىل‬ ‫العمل‬ ‫اءة‬ ‫ر‬ ‫ق‬ ‫حينها‬ ‫فيتفع‬ ‫ي‬ ‫وفق ما قاله فوكو‪0‬‬ ‫ى‬ ‫لذا تكون أفضل المقاربات النقدية تحكم الطابع‬ ‫المعرف الذي يحمل سمة تجريدية مع الحالة‬ ‫العقل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الن تسيطر عل الروح وتمنحها نشوتها‬ ‫الشعورية‬ ‫ي‬ ‫جنىس‬ ‫كتكوين‬ ‫الجسد‬ ‫موت‬ ‫إىل‬ ‫للوصول‬ ‫الخاصة؛‬ ‫ي‬ ‫مثي للغرائز ومسيل للعاب والتعامل معه عل أنه‬ ‫ر‬

‫ًّ‬ ‫خياريا يف بعض أنواع‬ ‫الفنية‪ ،‬وإذا ما كان دخول الجسد‬ ‫المفاهيىم‬ ‫الضون‪ ،‬الفن‬ ‫الفنون (فن الفيديو‪ ،‬التصوير‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫(‪ ،)conceptual art‬وفن اليكيب ‪)installation‬‬ ‫ٌّ‬ ‫أساس وإلز ٌّ‬ ‫اىم يف بعضها اآلخر (فن الجسد‪،‬‬ ‫(‪art‬فهو‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫التعبيي‪000)0‬‬ ‫فنون األداء‪ ،‬الرقص‬ ‫ر‬

‫المتلق‬ ‫المعاضة‪ ،‬نجد أنه يتوجب عل الجمهور ‪-‬‬ ‫ي‬ ‫الواع‪ -‬اإلفالت من قبضة األحكام المسبقة التقليدية‬ ‫ي‬ ‫المتعلقة باستخدام الجسد وتجاوز فكرة الحرمانية‬ ‫وبعريه بشكل خاص‪ ،‬والقفز فوق‬ ‫الن تحيط بالجسد‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫الن كانت تطوق ظهور العري يف فية‬ ‫االبتذال‬ ‫أسوار‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫مثية‬ ‫أداة‬ ‫الجسد‬ ‫فيكون‬ ‫اآلن‪،‬‬ ‫إىل‬ ‫وربما‬ ‫من الفيات‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ى‬ ‫ً‬ ‫مثيا للفكر والتفكر؛ فالجمهور يف‬ ‫للغرائز بدل أن يكون ر‬ ‫ات حيادية ينظر فيها‬ ‫صورته المثالية يرتدي نظار ٍ‬ ‫للجسد الماثل أمامه كحالة جمالية معرفية ثقافية فنية‬ ‫ويحاكم العمل وفق هذا المنظور‪ ،‬بعد أن يضع التقييم‬

‫إنسان حامل لألفكار والعواطف يوصلها‬ ‫تكوين‬ ‫ي‬ ‫للعي ال يشغل الفكر‬ ‫بسهولة بحكم أنه شكل مألوف ر‬ ‫ّ‬ ‫بإدراك معقد لتفاصيله الشكلية المرئية‪ ،‬فينشغل‬ ‫الفن األوسع‪ ،‬فيكون الفهم‬ ‫العقل بتأويالت العمل‬ ‫ي‬ ‫ًّ‬ ‫متجليا ضمن هذين المحورين‪( :‬تطبيق أوامر العقل)‬ ‫(واالنصياع لحرية ّ‬ ‫الروح)‪0‬‬ ‫فال يبق من مراقبة الجسد بتفاصيله وحركاته وسماع‬ ‫نأماته سوى امتالء النفس ر‬ ‫البشية بنشوة الفن وإشباع‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫الن صارت بديي ملموسا يف‬ ‫العقل بجمالية الفكرة ي‬ ‫الفن‪،‬‬ ‫الفنون المعاضة عن الجمالية المادية للعمل‬ ‫ي‬

‫يرتكز الفن المعاض عل حوامل ثالث أساسية البد‬ ‫من استعراضها‬

‫‪40‬‬


‫بسمة شيخو‪ ،‬متثالت اجلسد يف الفن التشكيلي املعاصر‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫ا‬ ‫ا َ‬ ‫تصي مربكة‬ ‫وهذا يجعل آلية‬ ‫التلق رحبة أكي‪ ،‬إال أنها ر‬ ‫ي‬ ‫بعض ر‬ ‫الن‬ ‫الىسء بغياب‬ ‫ر‬ ‫للمعايي السابقة التقليدية ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جمالية أو قيود‬ ‫معايي‬ ‫قيدت الفن سابقا‪ ،‬سواء أكانت‬ ‫ر‬ ‫دينية تفرض تأويالتها الخاصة الضيقة عل عوالم‬ ‫ّ‬ ‫التذوق‬ ‫الفن المفتوحة نحو الكون بأشه؛ فلم يعد‬ ‫ً‬ ‫الجماليي بل صار أوسع‪ ،‬وفضاء‬ ‫المتذوقي‬ ‫حكرا عل‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫المباش‪،‬‬ ‫التأويل أرحب‪ .‬فهنا لم يعد الجسد هو الدال‬ ‫بل أصبح حضوره أو الحدث الذي يحمله هو الدال يف‬ ‫الفن؛‬ ‫الن تحكم مشاهد العمل‬ ‫العالقة السيميائية‬ ‫ي‬ ‫ير ً‬ ‫والمدلول لم يعد مباشا‪ ،‬بل صار فكرة حاضة يف‬ ‫والمتلقي بآن واحد‪0‬‬ ‫الجمع للفنان‬ ‫المعرف‬ ‫العقل‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الن تقف يف وجه الفنان فيما يتعلق‬ ‫ومن المطبات ي‬ ‫بالمتلق وتنفيذ‬ ‫تفكيه‬ ‫باستخدام‬ ‫الجسد يف عمله‪ ،‬هو ر‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫الفن تبعا لتوقعاته بكيفية تقبل عمله عل‬ ‫العمل‬ ‫يً‬ ‫اعتباره داريا بسيكولوجية الجمهور وطريقة تقبله‬ ‫لبعض األمور‪ ،‬فيحرص عمله ضمن اإلطار التقليدي يف‬ ‫استخدام مصطلحات ورموز وإشارات آمنة ال تخدش‬ ‫حياء المشاهد وال ّ‬ ‫تحرك مستنقع الفكر الجامد‪ ،‬دون‬ ‫أن ينتبه (أن أكي ّ‬ ‫هم ري لإلنسان خلق شبكة من‬ ‫تدميها‪ ،‬بمجرد ما يشعر اإلنسان بأن‬ ‫التقاليد ثم‬ ‫ر‬

‫ّ‬ ‫ر‬ ‫تتالس‪ ،‬ودون هذه اإلزالة ال يوجد تقدم يف‬ ‫إيجابيتها‬ ‫المجتمع)‪ ،‬كما ذكر غوستاف لوبون يف كتابه‬ ‫الجماهي"؛ وهنا دور الفنان بأن تكون‬ ‫"سيكولوجية‬ ‫رً‬ ‫أسنانا تقضم ثوابت التقاليد وتهزّ‬ ‫ألعماله الفنية‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫عرشها ليتاح مكان يف المجتمع لكل جديد وتجد‬ ‫ً‬ ‫الحضارة مكانا لالستقرار‪0‬‬ ‫ً‬ ‫حتما ر‬ ‫حش الجسد كجزء من العمل‬ ‫يعن‬ ‫لكن هذا ال ي‬ ‫ّ‬ ‫الفن دون مير مقنع‪ ،‬فيتم إقحامه لينال العمل ثرثرة‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫(المنتىم غالبا لبيئة مغلقة) بالبنان‬ ‫للفنان‬ ‫ويشار‬ ‫ائدة‬ ‫ز‬ ‫ي‬ ‫عل أنه شجاع ال يخيفه مجتمعه وبأنه بهذا يسحب‬ ‫البساط من تحت األحكام المسبقة البغيضة؛ ال يدري‬ ‫ً‬ ‫أنه بذلك قد أحدث إرباكا يف فهم فكرة العمل وقام‬ ‫بتشويه حضور الجسد يف األعمال الفنية األخرى‬ ‫ا‬ ‫كسلعة ليست جنسية هذه المرة‪ ،‬بل‬ ‫محوق إياه‬ ‫ً ٍ‬ ‫تجارية تزيده ربحا من المشاهدين؛ وهو بذلك ينشغل‬ ‫الثان لعمله وهو المفهوم‪0‬‬ ‫بالجمهور عن الحامل ي‬ ‫ المفهوم‪ :‬يعتي العمود الفقري للفنون المعاضة‪ ،‬وهو‬‫ّ‬ ‫المتلق من نافذة العمل‬ ‫يطل عليه‬ ‫المشهد الذي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫الفن‪ .‬فالفنون المعاضة ودعت كل االشياطات‬ ‫ي‬

‫‪42‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫بسمة شيخو‪ ،‬متثالت اجلسد يف الفن التشكيلي املعاصر‬

‫نحو ما هو فوق المحسوس حيث الوجهة الجديدة‪0‬‬ ‫الفن بصيغ مختلفة‪ ،‬فيكون‬ ‫ضنا نشاهد العمل‬ ‫ي ً‬ ‫حضور الجسد داخله مختلفا بالرصورة مثل حضوره‬ ‫يف فيلم فيديو (‪ )video art‬يعرض يف أماكن مختلفة‬ ‫وعل قنوات التواصل‪ ،‬فيكون اإلنسان بجسده هو‬ ‫محور الفيلم من خالل ما يقوله أو يفعله أو يتحركه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وربما يكون حضوره تجريديا ال يظهر منه سوى ظالله‬ ‫ً‬ ‫ر ا‬ ‫بعضا من أعضائه الن ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫مباشة‪،‬‬ ‫التعرف عليها‬ ‫يتم‬ ‫أو‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫وقد يكون الجسد صانعا للبهجة من خالل حركاته‬ ‫وليونته يف عروض األداء (‪ )performance‬فياه‬ ‫ى‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫يقص لنا حكاية من‬ ‫يتالس‪،‬‬ ‫يحلق‪ ،‬يدور‪ ،‬يتماوج‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫البداية للنهاية‪ ،‬أحيانا يبدو الجسد بديي عن اللوحة‬ ‫فيحمل الرسوم عل سطحه فيما يسىم فن الجسد‬ ‫ً‬ ‫(‪ )body art‬فيتبدل الرسم وفقا لحركة الجسد نفسه‬ ‫ً‬ ‫أو وفقا الجتماع عدد من األجساد سوية لخلق‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫تىس بش أنها محمولة فوق‬ ‫تكوينات فنية لونية ال ي‬ ‫األجساد‪0‬‬

‫التشكيل وبدأت‬ ‫السابقة المسيطرة عل عالم الفن‬ ‫ي‬ ‫حالة من رفض للماديات وما يرافقها من بن شكلية‬ ‫(ف مقدمتها الجسد) عل حساب‬ ‫وتكوينات حسية ي‬ ‫الن علت ميلتها لتنازع بحضورها أمهات‬ ‫الفكرة ي‬ ‫اللوحات يف المتاحف العالمية عل مكانتها؛ ومع ذلك‬ ‫ّ‬ ‫البرصية بشكل نهان ف ّ‬ ‫كل‬ ‫فإنه لم يمح الجماليات‬ ‫ٍ‬ ‫ي ي‬ ‫األعمال إال أنها صارت بمجموعها ظاهرة تحمل فكرة‬ ‫تستحق الدراسة والتحليل والتأويل‪ ،‬يقول فريد الدين‬ ‫ّ‬ ‫"العي قوت ّ‬ ‫الروح" وما يبهرها من جمال وبــهاء‬ ‫العطار‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫وفتنة هو ما يغذي ّ‬ ‫الروح الجائعة أبدا للجمال‪ ،‬وهذا‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫فقط ما كان يحكم تمثالت الجسد وحضوره سابقا؛‬ ‫أما جمالياته ف الفن المعاض فش تغذي ّ‬ ‫الروح من‬ ‫ي‬ ‫ي ً‬ ‫العي والفكر أيضا‪ ،‬فياها تخدم المفهوم الذي قام‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫الفن عل شفه يف األساس ألجل إيصال‬ ‫العمل‬ ‫ي‬ ‫الن يريد الفنان إيصالها‪0‬‬ ‫الرسالة ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫محسوس مدرك يحملنا‬ ‫فالجسد يف تمثالته المعاضة‬ ‫‪43‬‬


‫بسمة شيخو‪ ،‬متثالت اجلسد يف الفن التشكيلي املعاصر‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫ً‬ ‫يحرص الجسد أيضا يف فن اليكيب ‪)installation‬‬ ‫(‪ art‬الذي يعتمد عل وضع عدد من التكوينات ضمن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫معي‪ ،‬فيكون الجسد أحدها ثابتا أو متحركا وفق‬ ‫فرا‬ ‫ر‬ ‫المفاهيىم‬ ‫رؤى الفنان‪ ،‬وكذلك يف الفن‬ ‫ي‬ ‫الكثي من األشكال‬ ‫وغيه‬ ‫ر‬ ‫(‪ )conceptual art‬ى ر‬ ‫الن تركز عل الفكرة يف صناعة الفن‬ ‫الجديدة للفنون ي‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫وتستعي بالجسد ليكون حاضا ممثي عن‬ ‫المعاض‬ ‫ًر‬ ‫ا‬ ‫نفسه‪ ،‬أو مندوبا عن فكرة ال تملك شكي يهيئها لتكون‬ ‫للمتلق وإلقاء داللتها عل‬ ‫إشارة تستطيع الوصول‬ ‫ي ً‬ ‫الفن وجها لوجه أمام العقل‪،‬‬ ‫كاهله‪ ،‬ي‬ ‫فش تضع العمل ي‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫كثية وعديدة؛ وبذلك يتحول‬ ‫فاتحة المجال لتأويالت ر‬

‫التقليديي الذين ال يملكون المرونة الكافية للتعامل‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫الرقىم‪ ،‬وال يبدون استعدادا لنسيان الطرق‬ ‫مع العالم‬ ‫ي‬ ‫ى‬ ‫لصاالت العرض وتعلم اإلبحار يف عوالم التأويل‬ ‫لجزيرة بعيدة يرسمها الفنان يف‬ ‫والخيال للوصول‬ ‫ٍ‬ ‫الفن‪ ،‬حينها سيكون‬ ‫خياله ويرميها يف سماء عمله‬ ‫ي‬ ‫ظهور الجسد ضمن شاشة‪ ،‬أو عي إضاءة معينة أو من‬ ‫رقىم‪،‬‬ ‫تكوين‬ ‫خالل تسجيل حركته وإلقائها عل‬ ‫ي‬ ‫ٍ‬ ‫الن من الممكن أن‬ ‫ر‬ ‫وغيها من الوسائل التكنولوجية ي‬ ‫تكون اللباس المقين بظهور الجسد‪0‬‬ ‫ًإذا فظهور الجسد بحقيقته ف الفنون المعاضة ظهورٌ‬ ‫ً‬ ‫ي ّ‬ ‫آن شعان ما يزول لصالح تمثله للمفهوم خالفا لما‬ ‫ي‬

‫ى‬ ‫ً‬ ‫كان سابقا‪ ،‬إذ كان الفنان يخلد الجسد بحضوره يف‬ ‫ى‬ ‫لوحته ومنحوتته‪ ،‬بينما اآلن الجسد هو من يخلد‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫الفكرة بحضوره‪ ،‬فهو لم يعد محموق عل القماش‬ ‫ً‬ ‫ّ ا‬ ‫ومكبي بخطوط ومساحات لونية وال مصنوعا من‬ ‫خشب أو معدن‪ ،‬فصار يظهر بال وسيط‪ ،‬ال‬ ‫حجر أو‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يخجل من شكله وتفاصيله‪ ،‬يقف بقوة ويؤدي رسالته‬ ‫التعاط مع الجسد ما‬ ‫وينطق بلسانه؛ من هنا يختلف‬ ‫ي‬ ‫ربي الفن الحديث (التقليدي) والفنون المعاضة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تمثله ّ‬ ‫وبالتاىل آلية استقباله البد أن‬ ‫تغيت‪،‬‬ ‫فآلية‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫تتبدل وتفلت من قبضة القراءة المعيارية المنهجية؛‬ ‫فالمتلق هنا ال يستطيع تكوين خلفية مسبقة عن‬ ‫ّ ي‬ ‫ّ‬ ‫تمثالت الجسد يف األعمال الفنية حيث أن كل تمث ٍل‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫فن يعد مغامرة قائمة بذاتها تحمل‬ ‫للجسد يف‬ ‫ٍ‬ ‫عمل ي‬

‫لوسيلة بدل أن يكون غاية‪ ،‬فصار الجسد‬ ‫الجسد‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫عكازا يستند عليها المشاهد ليصل للمفهوم المقصود‪0‬‬ ‫وقد يكون الطريق للمفهوم وع ًرا بعض ر‬ ‫الىسء‪ ،‬ال‬ ‫ي‬ ‫التعبيية المستخدمة‪ ،‬وال لغموض‬ ‫لضعف يف األدوات‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫الفكرة المقصودة‪ ،‬بل ألنه يظهر بحلته النهائية غالبا‬ ‫وه التكنولوجيا‪0‬‬ ‫بمساعدة كاملة من دعامته الثالثة ي‬ ‫الن ترتبط بصناعة هذه الفنون كما‬ ‫التكنولوجيا‪ :‬ي‬‫ترتبط بطرق عرضها وتقديمها‪ ،‬إذ تحتاج لمعدات‬ ‫وشاشات وحسابات عل اإلنينت وأجهزة مراقبة‬ ‫ومجسات تركب عل الجسد وتسجل الحركات‬ ‫الن من‬ ‫وكاميات‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫والكثي من االتفاصيل التكنولوجية ي‬ ‫المهتمي‬ ‫الممكن أن تكون عصية عل الوصول لبعض‬ ‫ر‬ ‫‪44‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫بسمة شيخو‪ ،‬متثالت اجلسد يف الفن التشكيلي املعاصر‬

‫ّ‬ ‫ال نستطيع الجزم بأن تمثالت الجسد يف الفنون قد‬ ‫انتهت‪ ،‬فقد كان فنانو العصور السابقة يظنون ذلك‬ ‫إىل أن بدأت الفنون المعاضة تتعامل مع الجسد‬ ‫ّ ّ‬ ‫بجانب مختلف‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بطرق مغايرة؛ فها هو يطل كل ٍ‬ ‫مرة ّ ٍ‬ ‫ونبرص منه ما جهلنا ويحمل ما لم نتوقعه‪ ،‬فهو راقص‬ ‫ى‬ ‫محلق أو نائم هادئ‪ ،‬عاري أو متدثر‪ ،‬معتم مضاء‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫متحرك‪ ،‬ثرثار أو‬ ‫متموج‬ ‫ومضء‪ ،‬ثابت يف صورة أو‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫صامت يحمل سهوق ممتدة وجزرا نائية بحار‬ ‫وصحارى‪ ،‬ال ثيمة ثابتة لحضوره باعتباره صنو ّ‬ ‫الروح‬ ‫فهو يحمل من األدغال المعرفية ما لم يستطع العقل‬ ‫الواع اإلحاطة بتفاصيله‪0‬‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫لذا البد من تمثالت جديدة تنشأ مع أعمال حديثة‬ ‫ً‬ ‫مستقبلية تفتح أمام الجسد أبوابا مختلفة تالئم ما‬ ‫نخطو نحوه من أفكار ومفاهيم جديدة•‬

‫غي‬ ‫حية ومتعة توجس وترقب واكتشافات مستمرة ر‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫يرج جزءا من حمولته‬ ‫مكررة وال متوقعة‪ .‬فالفن هنا ي‬ ‫الثقافية والمعرفية عل أكتاف الجسد ويطلب منه‬ ‫إيصالها بطرق شن من خالل عروض ّ‬ ‫أفالم‬ ‫حية أو‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫مسجلة أو صور متحركة‪ ،‬تنصيبات‪ ،‬تكوينات ّ‬ ‫منوعة‬ ‫ٍ‬ ‫ى‬ ‫يصنعها الفنان ويوظف الجسد بما يخدم رؤيته‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جسدا ح ًرا من ّ‬ ‫تبن‬ ‫عل‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫قاد‬ ‫قيد‬ ‫كل‬ ‫ممتلكا‬ ‫للموضوع‬ ‫ي‬ ‫األفكار بمرونة تامة‪0‬‬ ‫وبــهذا نكون ابتعدنا بظهور الجسد عن ثنائية القبح‬ ‫ً‬ ‫الن كانت تحكم تمثالته سابقا‪ ،‬وصار تمثله‬ ‫والجمال ي‬ ‫ً‬ ‫مجازا يحتمل الفهم والوصول‪ ،‬كما يحتمل الضياع‬ ‫ً‬ ‫واألفول؛ لم يعد ظهور الجسد مقينا ببرص المشاهد‬ ‫ً‬ ‫ببصيته‬ ‫وربما غرائزه ومعتقداته‪ ،‬بل صار متعلقا‬ ‫ر‬ ‫الثقاف‪0‬‬ ‫ومخزونه‬ ‫ي‬

‫‪45‬‬


‫”وفجأة‪،‬‬ ‫سيمون هنتاي‪.‬‬ ‫يف أعماله جسد‬ ‫بعي‬ ‫ال نراه ر‬ ‫مجردة‪.‬‬ ‫ال نقول أمام‬ ‫لوحاته‪:‬‬ ‫إننا نشاهد‬ ‫جسدا‪ .‬الصعوبة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الفكر‬ ‫والتصوير‬ ‫مع سيمون‪.“...‬‬

‫‪46‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫احساين بزنبري‪ ،‬اجلسد‪ ..‬ثالجة فكر‬

‫"حيا أو ميتا‪ ،‬ال حيا‪ ،‬ال ميتا‪ ،‬أنا الفجوة‪ ،‬القرب أو الفم‪ ،‬كالمها يف اآلخر‪".‬‬ ‫(جان‪-‬لوك نانسي)‬

‫الجسد ليس ام ْك َ‬ ‫مور اة!‬ ‫ر‬ ‫سء وال نقول شيئا‪ ،‬يف نفس اآلن‪ .‬حيث‬ ‫وثنية هنا‪ ،‬رمزية هناك‪ .‬يف الجسد نقول كل ي‬ ‫هو ليس مكمورة‪ ،‬ألنـه يف الصـعـوبـة يسـكـن‪ .‬ألنـه‪ ،‬فـنـيـا‪ ،‬مـحـمـوم ويـخـلـق مشـكـال ح رـي‬ ‫نـحــاول الـقــرب مـنــه عــي لـغــة مــا‪ .‬الـغــريــب هــو اسـتـسـهــال الـكــالم فـيــه وعـنــه‪ ،‬أقصــد مــا‬ ‫ََْ​َ‬ ‫يكق أن نقول "هذا‬ ‫نحاول فيكته من تأويل أو وصف (أيضا) تنقصه يقظة فكرية‪ .‬ال ي‬ ‫‪47‬‬


‫احساين بزنبري‪ ،‬اجلسد‪ ..‬ثالجة فكر‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫ويـفـكـكـه عـل طـريـقـتـه الـمــذهـلــة جـدا وفـعــال‪ .‬يــدخـل يف‬ ‫ِّ‬ ‫ـانىسـ يــوقـفـنــا لـ ُـيـ َـبـ رـشـ‬ ‫عـتـمــة الـجـســد لـيـكـتـبــه‪ .‬يف ذلــك‪ ،‬نـ ي‬ ‫القارئ بأن الجسد منتوج‪ ،‬يف وقت الحـق‪ ،‬ال يـمـكـن أن‬ ‫َّ‬ ‫ً َ ً‬ ‫يـكــون إال َم ْصـبــوبــا‪ ،‬لـ ِـبـقــا‪ ،‬مـح َـبـطــا‪ ،‬مـفــكـكــا ومـكـمــوحــا يف‬ ‫َ‬ ‫الن تسكن شيخوخة العالم‪ .‬كل هـذه اإلشـارات‬ ‫ثقافتنا ي‬ ‫تغازل الفن القديم منه والمـعـاض‪ .‬هـنـا‪ ،‬يـجـب الـتـسـلـح‬ ‫ب ـعـ رـي فــأر ل ــولــوج م ـن ـت ــوجــات ال ـف ـن ــانـ رـي ال ـحــدي ـثـ رـي أو‬ ‫كثية ومتعددة‪.‬‬ ‫غيهم‪ ...‬حيث‬ ‫األمثلة ر‬ ‫المعاضين أو ر‬ ‫‪.‬‬ ‫ـاىل‪/‬‬ ‫نعود إىل الـجـسـد دائـمـا ف الـفـن ال ِـفـك رـي‪ .‬إنـه‪ :‬االنـتـق‬ ‫الهارب ألنه شي ــع التـبـخ يـر‪/‬الـمـحـتـمـل وال َـع َـرض‪ /‬نص يـفُ‬ ‫ِ ي‬ ‫الفن‪...‬‬ ‫ثــم ف ـجــأة‪ ،‬وأح ـيــانــا‪ ،‬ال ـف ـنــان ي ـحــاول ل ـمــس أو ت ـمــاس‬ ‫الـجـســد‪ .‬عـمـلـيــة اإلبــداع تـبــدأ يف حـفــر األثــر الـبــاطــن يف‬ ‫الصـعـوبـة‪ .‬صـعـوبـة رسـمـه‪ ،‬تـحـويـلـه‪ ،‬مشـحـتـه‪ ،‬تصـويـره‬ ‫بــآلــة‪ ،‬ت ـحــاش ـيــه يف بـعــض األح ـيــان عــي الس ـهــولــة‪ .‬ه ـنــا‪،‬‬ ‫ـانىسـ يف إحـدى حـواراتـه‪ ،‬سـنـة ‪ ،3043‬إىل‬ ‫يستدرجنـا ن ي‬ ‫َّ ْ‬ ‫ر‬ ‫ٌ‬ ‫سء عـمـيــق‪ ،‬حـيــث يـقــول‪" :‬الـتـصــويــر فـكــر‪ .‬لـكــن فــكــر‬ ‫ي‬ ‫ال ـت ـص ــوي ــر‪ ،‬ل ـي ـس ــت األف ـك ــار‪ ،‬ل ـي ـس ــت ال ـت ـم ـث ــالث ال ـ يـن‬ ‫يستطيع الفنان أن يحققها‪ ،‬أن يكون اسمه دوالكـروا أو‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫روطكو‪ِ .‬فكر التصوير‪ ،‬هو المعـن الـذي ُيـفـتـح يف بـادرة‬ ‫َّ‬ ‫معينة مـن خـطـوط ومـن ألـوان‪ .‬بـوسـعـنـا الـتـصـديـق بـأن‬

‫جس ــدي" ل ـن ـت ـم ـك ــن م ـن ــه‪ .‬س ــواء يف ال ـم ـي ـت ــال ـغ ــة أو يف‬ ‫الممـارسـة الـفـنـيـة ذاتـهـا‪ .‬بـهـذا الشـكـل‪ ،‬نسـقـط يف ُجـمـل‬ ‫تـكــرر لـت ـجـعــل الـج ـســد يف قـمــامــة حشــد ي ـفـكــر يف حـ رـي‬ ‫سخرية‪.‬‬ ‫ـش ـ يف كــل م ـكــان‪ .‬ل ـكــن‪ ،‬مــن ي ـكــون؟ مــا‬ ‫ال ـج ـســد م ـن ـتـ ر ـ‬ ‫عـنــوانــه؟ كـيــف اكـتـشـفـنــاه؟ َمـ ْـن أيضــا يـعــرفــه يف الـعــالــم‬ ‫الـ ِـع ـيـ ِّ‬ ‫ـان؟ ثــم ف ـجــأة‪ ،‬ال ـف ـن ــانــون ي ـت ـك ـل ـفــون‪ ،‬ي ـحــاول ــون‬ ‫ي‬ ‫بـدرجــات مـخـتـلـفــة طـبـعـا‪ .‬حـيــث مـن الـمـمـكــن أن يصـ رـي‬ ‫الصغية‪ .‬أو من المـمـكـن أيضـا‬ ‫الجسد فنيا جثة يعقوب‬ ‫ر‬ ‫‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أن يتقمص هيئة ما يف دهـال رـي حـزمـة قصـب ِفـك رـيٍة‪ .‬إنـه‬ ‫الهستيي‪ ،‬بامتياز‪.‬‬ ‫الجسد‬ ‫ر‬ ‫َْ ً‬ ‫الجسد يف الفن ليس تك ِم ريا!‬

‫ماذا لو استحرصنا قليال ضاعة الفيلسوف جان – لـوك‬ ‫نانىس الـمـهـمـة‪.‬‬ ‫نانىس‪ .‬معه‪ ،‬يتجل بركان الفكر يف ثنايا‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫مـهـمــة‪ ،‬ألنـهــا اسـتـثـنــائـيــة‪ .‬فـكــر يف الـجـســد حــامــال وزرة‬ ‫‪.‬‬ ‫الـتـمـتـمــة الـفـلـسـفـيــة الـطــازجــة‪ :‬قشــدة الـجـســد الـ ِـفــكـ رـي‪.‬‬ ‫ال ـج ـســد الــذي يــرســم‪ .‬ال ـج ـســد الــذي يــرقــص‪ .‬ال ـج ـســد‬ ‫الذي يكون أو ال يكـون ألنـه هـكـذا رشغـوف يف حـكـومـة‬ ‫ـانىسـ عــل الـجـســد ويـحـلـلــه‬ ‫الـفــن‪ ،‬بشـكــل عــام‪ .‬يـطــل نـ ي‬

‫"التصوير فكرٌ‪ .‬لكنَّ فكْر التصوير‪ ،‬ليست‬ ‫األفكار‪ ،‬ليست التمثالث اليت يستطيع‬ ‫الفنان أن حيققها (‪ِ )...‬فكْر التصوير‪ ،‬هو‬ ‫املعىن الذي يُفتَح يف بادرة معينة من‬ ‫خطوط ومن ألوان‪( “...‬ج‪ .‬ل‪ .‬نانسي)‬

‫‪48‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫احساين بزنبري‪ ،‬اجلسد‪ ..‬ثالجة فكر‬

‫َ‬ ‫مشـ َّـكـ َـلـ ٌـة مسـبـقــا ف رقــم تـعــريــف رمـ ٍّ‬ ‫األلــوان‬ ‫ـزي‪ ،‬الـعــذراء‬ ‫ي ِ‬ ‫أمــامـنــا‪ ،‬مـثــال‪ ،‬تــرتــدي لـبــاســا أزرق يف لــوحــة كـالـسـيـكـيــة‪.‬‬ ‫الشفرة تـكـون حـاضة مـن طـبـيـعـة الـحـال‪ ،‬لـكـن مـا يـهـم‬ ‫المصور‪ ،‬هو هذا األزرق‪-‬هنا بـالـخـصـوص‪ ،‬هـذا الـتـبـايـن‬ ‫المتفرد‪ ،‬هذا الوميـض‪ ،‬هـذه السـمـاكـة‪ ،‬أو عـل الـعـكـس‬ ‫َْ ُ‬ ‫خفة القماش‪ .‬هذا هو الـفـكـر‪ .‬فـت َـحـة احـتـمـاالت"‪ .‬بـهـذا‬ ‫الش ـكــل‪ ،‬مــن أزرق ق ـمــاش وخ ـطــوط ال ـت ـصــويــر يــدخــل‬ ‫حكومة الفكـر‪ .‬مـغـامـرة الـتـعـدد الـف يـن ب رـي ثـنـايـا الـتـاريـ ــخ‬ ‫واليوم وما بينهما أيضا‪.‬‬

‫فنيا‪ .‬ألن الـجـسـد ال مـعـن لـه‪ .‬إنـه عـل مـرىم حـجـر مـن‬ ‫المـعـن‪ .‬ال ذيـل لـه‪ ،‬ال رأس لـه‪ .‬فـقـط‪ ،‬لـدخـريـن جسـد‪،‬‬ ‫أمـا جسـدي‪ ،‬مـفـضـوحـا يصـ رـي‪ .‬كـجـسـد مـا يـمـكــن الـنـظــر‬ ‫فـيــه ف ـن ـيــا‪ .‬لـل ـتــأمــل‪ ،‬فـهــرس تــاري ـ ــخ ال ـفــن مـ يـلء إىل حــد‬ ‫الثخمة‪.‬‬ ‫سيمون هنتاي‪ ،‬ثالجة فكر‬ ‫كيف نقارب دهاء الـفـن الـذي يـمـنـح فـرصـة الـمـشـاهـدة‬ ‫والنظر إىل؟ كيف يـحـتـويـنـا ونـحـن نـغـازلـه عـي الـكـلـمـات‬ ‫َ‬ ‫واليثرة السـائـدة؟ كـيـف الـجـسـد هـو يف مـحـنـة الـتـعـلـيـق‬ ‫والوصف؟ إنه القبعة والمـرع الـذي اسـتـقـبـل (بصـيـغـة‬ ‫ـاض) ال ـجـم ـيــع‪ .‬ن ـتـحــدث هـنــا عــن الـخ ـطــاب الــذي‬ ‫الـمـ ي‬

‫يـطــول الـحــديــث يف الـجـســد‪ .‬لـكــن‪ ،‬ل ـيــس أي حــديــث!‬ ‫تأمل يف حالة طوارئ‪.‬‬ ‫حديث ي‬ ‫إنه فعال يف حالة طوارئ‪ .‬الجسد‪ ،‬حيث يصيبنا التنازل‬ ‫‪49‬‬


‫احساين بزنبري‪ ،‬اجلسد‪ ..‬ثالجة فكر‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫نسـقــط يف السـهــولــة‪ :‬الـجـســد ال مـعــن لــه إال يف حــدود‬ ‫المعن!‬ ‫وفجأة‪ ،‬سـيـمـون هـنـتـاي‪ .‬يف أعـمـالـه جسـد ال نـراه بـع رـي‬ ‫م ـجــردة‪ .‬ال ن ـقــول أمــام لــوحــاتــه‪ :‬إن ـنــا نشــاهــد جســدا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الفكر مع سيمون‪.‬‬ ‫الصعوبة‪.‬‬ ‫والتصوير‬

‫يعزف عل نفس القيثارة‪ ،‬مـنـذ زمـان‪ .‬والـجـسـد يـتـحـول‬ ‫بشعة ملفوفة يف حركة رشغوف دؤوب‪.‬‬ ‫عموما‪ ،‬الجسد كان دائـمـا ُم َـم َّـثـال ُ‬ ‫وم َـعـظـمـا ألنـه مـتـحـرك‬ ‫ً‬ ‫يف حــركـتــه الـقـصـيــة‪ .‬أبــدا‪ ،‬لــن نـجـســد الـجـســد مــن أجــل‬ ‫ً‬ ‫نـفـســه‪ .‬أبــدا‪ .‬الـف ـنــان ي ـجـســد ال ـجـســد عــي الـف ـكــرة الـ يـن‬ ‫يتمثلها حوله‪.‬‬ ‫يستطـيـع الـفـن أن يـيكـنـا حـيـارى‪ ،‬مسـحـوق رـي إزاء لـعـب‬ ‫مخيلة منفلتة من عقالهـا‪ ،‬حسـب هـيـغـل‪ .‬نـعـم‪ ،‬الـح رـية‬ ‫الـ يـن تـفــرض عــل الـمـشــاهــد وعـيــا عـمـيـقــا يف تـفـكـيــك ال‬ ‫مـعــن الـجـســد‪ .‬يـحــاول الــذي يـقــرب الـجـســد أن يـكـتــب‬ ‫م ـع ــن ال ـع ــال ــم وال ـخ ـراب ح ــول ـن ــا‪ .‬ل ــذل ــك‪ ،‬م ــا ن ــرى يف‬ ‫البورتريــهات منذ قديم‪ ،‬واللوحات والمشحة الجسدية‬ ‫ـطء يف غــرفــة الـجـســد‪ .‬حــن ال‬ ‫يــدعــونــا إىل الـتــأمــل الـبـ ي‬

‫أين هو الجسد يف لوحاته؟ ما رائحته؟ لماذا ال نـراه هـنـا‬ ‫يف ال ـح ـ رـي ال ـت ـش ـك ـي ـ يـل ل ـه ـن ـت ــاي؟ ل ــذل ــك ك ــان ال ــيق ــب‬ ‫والتلصص عل لوحاته يشكالن (لـنـا) لـزومـا وضورة يف‬ ‫جـغـرافـيــة كـتــابــة قــادمــة‪ .‬حـ رـية وصـعــوبــة تـحــاوالن لـمــس‬ ‫إنجازاته بالمعن الذي يعطيـه جـاك دريـدا لـهـذه الـكـلـمـة‬ ‫كـ "تمـاس وانـزيـاح يف الـتـمـاس‪ ،‬تـبـاعـد"‪ .‬حـيـث يف هـذه‬ ‫تمتمة‪ ،‬استحـالـة الـتـصـويـر‬ ‫الشذفة المفتوحة نتمثل‪ ،‬يف‬ ‫ٍ‬

‫‪51‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫احساين بزنبري‪ ،‬اجلسد‪ ..‬ثالجة فكر‬

‫‪«Quand je plie, je suis objectif et cela permet de me‬‬ ‫‪perdre» Simon Hantaï‬‬

‫والجسد وتفردهما يف أعمال هنتاي‪ .‬متنه يـك ِّـشـ بـيـضـة‬ ‫رمزية‪ ،‬عل طريقة مـالرمـيـه‪ ،‬ل رـيرع ويـغـرس فـنـا صـعـب‬ ‫الـمـراس‪ .‬وهـذا الصـعـب هــو مـا يـث رـينــا كـأجســام أمـام‪ /‬يف‬ ‫أعـمــالــه ويـجـعــل مــن الـكـلـمــات تـتــوتــر يف طـيــة أقـمـشـتــه‪.‬‬ ‫تصي لزوما وضورة مقلقة‪ .‬إنها الحاجة يف‬ ‫كتابة التوتر ر‬ ‫ُ َ َّ‬ ‫التشكيل‪ .‬الجسد الرمزي والمشفر مع هنـتـاي‬ ‫الصعب‬ ‫ي‬ ‫مسافة قصوى‪ .‬ثالجة معرفة‪ .‬حن اللون يقول الجـسـد‬ ‫ويـتـحـايــل ويـتـحـمــل مســؤولـيـة إمـكــانـيـة الـمـسـتـحـيـل‪ .‬إنــه‬ ‫هـنـتــاي يف آخــر الـمـطــاف‪ .‬نــدخــل يف فضــائــه يك نـخــرج‬ ‫شيـعــا بـخـ يـق حـنـ رـي! كـيــف نـنـقــل ونـغـ رِّـي وجـهــة الـكـتــابــة‬ ‫َ َ ُ‬ ‫مـتـجـهـ رـي إىل تــكـ ْـوكــب الـقـمـاش والـجـســد الـخـ يـق‪ .‬وكــأنـنــا‬ ‫تشكيل لن يكون حال‪ ،‬حن الجسد يسـبـح يف‬ ‫أمام مي‬ ‫ي‬ ‫موجة ال بحر لها‪ .‬ولـمـا هـذا الـفـنـان يـكـشـ الـبـيـضـة‪ ،‬كـمـا‬ ‫َّ‬ ‫ذك ــرن ــا أع ــاله‪ ،‬يـ ـحـ ـف ــزن ــا ع ــل أن نسـ ـتـ ـش ــف أن الـ ـف ــن‬ ‫ال ـم ـعــاض‪ ،‬ي ـت ـكــون يف غ ـرابــة غــري ـبــة إىل حــد ال ـخ ـراب‬ ‫وف هذا السياق‪ ،‬لسنا نتكلم عـن فـن مـعـاض‬ ‫والدوخة‪ .‬ي‬ ‫حي نقف أمامها أو نحاول‬ ‫نوع وعام؛ بل عن لوحات ر‬ ‫ي‬

‫كالتاىل‪:‬‬ ‫يصي سؤال الجسد (أو أسئلته)‬ ‫ذلك‪ ،‬ر‬ ‫ي‬ ‫ كـيــف تـتـحــدد تـجــربـتـنــا يف الـعــالــم عــي الـفــن والـجـســد‬‫عموما‪ ،‬وكيف نتمثلها؟‬ ‫ مــا الــذي ي ـحــدث يف داخــل لــوحــات ه ـن ـتــاي خــارج‬‫اإلطار؟‬ ‫ أيــن نــالمــس ال ـم ـعــن ل ـل ـج ـســد‪ ،‬حـ رـي ال ـف ـنــان ن ـف ـســه‬‫القطع والجاهز لـألخـذ‬ ‫مشغول باالشتغال ضد المعن‬ ‫ي‬ ‫والبيع أيضا؟‬ ‫َّ‬ ‫جسد الفنان َكانت حربا وتأنيا إىل حد الـقـرف‬ ‫مسية‬ ‫إن ر‬ ‫ِ‬ ‫طـازجــا كـمــا لــو قشــدة‪ .‬أ رأيـتـم‪ ،‬نـتـحــدث هـنــا عــن جســد‬ ‫الفنان ذاته‪ .‬إنه نـادر أمـام مـا يـحـدث يف الـفـن الـمـعـاض‬ ‫مــن أع ـمــال ال ت ـكــون م ـعــاضة إال م ــن ت ــاري ـخ ـه ــا ع ــل‬ ‫الـروزنـامـة‪ .‬لــذلـك صـبـاغــة هـنـتـاي قـريـبـة إىل صـنـف مــن‬ ‫الن انتبـه إلـيـهـا الشـاعـر ك‪ .‬بـريـجـان يف كـتـابـه‬ ‫المعاضة ي‬ ‫الـمــوســوم بـمــا ال يـمـكــن احـتـمــالــه‪ ،‬تـقــول صـعــوبــة لـمــس‬ ‫ْ ُ‬ ‫ـان ل ـل ـبــرص‬ ‫ال ـعــالــم (عــي ال ـج ـســد) ‪ِ -‬ضــعــف ام ـت ـيــاز إنسـ ي‬ ‫‪50‬‬


‫احساين بزنبري‪ ،‬اجلسد‪ ..‬ثالجة فكر‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫ـخ‪ .‬كـلـمـات مصـبـوغـة‬ ‫البن والبنفـس ي‬ ‫من الحي األحمر و ي‬ ‫تصي ال مقروءة (الـكـلـمـة تـلـتـصـق‬ ‫مضغوطة إىل حد أنها ر‬ ‫وه تـمــر عــي خــرم الــريشــة‬ ‫بــاألخــرى يف طـبـقــات لــونـيــة ي‬ ‫كأداة) يف نهاية المطـاف‪ .‬جسـد هـنـتـاي يـمـارس وظـيـفـة‬ ‫نساخ وناقل يف كارتوغرافيا مـلـيـئـة بـثـقـوب تـنـحـو بـنـا إىل‬ ‫خ ـراب فـ يـن مــا‪ .‬إن ـهــا ال ـلــوحــة م ـك ـتــوبــة ب ـج ـســد ه ـن ـتــاي‪.‬‬ ‫اللوحة المكتوبة تنفتح عل تكوكب يكون بمـثـابـة ثـوب‬ ‫جسدنا وفكرنا يف الفن‪.‬‬ ‫يصي الجسد هو‪ .‬هو يف الفن يسمو بجسده‬ ‫مع هنتاي ر‬ ‫حد موت رمزي‪ .‬البحث عـن الـجـسـد يف لـوحـاتـه مـهـمـة‬ ‫محمومة‪ .‬ال رأس لها‪ .‬ال ذيل لها‪.‬‬ ‫ـان‪ ،‬الـع رـي‬ ‫الجسد‪ ،‬ر‬ ‫حي نـراه مـرسـومـا ألنـه مـرسـوم وعـي ي‬ ‫تسيي ــح يك تدخل يف راحة تأويلية ال تتطلب جهدا‪.‬‬

‫والـكــالم‪ -‬يك تـلـمـسـنــا (أي الـمـعــاضة) بـطــريـقــة شـبـقـيــة‪.‬‬ ‫(ف لوحاته) إحالة عل مسافـة وتـحـويـل لـحـركـة‬ ‫الجسد ي‬ ‫تشكيلية داخلية ومعقدة‪ .‬أحيانـا‪ ،‬نـحـاول قـراءتـهـا بـالـيـد‬ ‫وبالجسد عوض الـلـسـان مـرورا بـالـكـتـابـة‪ .‬غ رـي أن جسـد‬ ‫هـنـتــاي الــذي يشــاط صـمــت رامـبــو‪ ،‬يــدفـعـنــا أن نـعـيــد‬ ‫النـظـر فـيـه‪ .‬كـأن صـمـتـه وجسـده يـلـبـسـان قـمـيـصـا جـييـا‬ ‫جماىل‪ .‬قميص جسد مـنـهـوك‪.‬‬ ‫للمجاني‪ .‬قميص جيي‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ألن المنهوك ال عالقة له بـالـمـتـع ِـب‪ .‬جـيـل دولـوز يـقـول‬ ‫ب ـهــذا‪ ،‬إن الـ ُـم ـتـ َـعـ َ‬ ‫ـب يضـ يـن ف ـقــط إن ـجــاز ال ـع ـمــل‪ ،‬ف ـي ـمــا‬ ‫المنهك ينهك المستحيل بـرمـتـه‪ ،‬هـذا مـا يـفـعـل هـنـتـاي‬ ‫يف م ـمــارس ـتــه ك ـج ـســد م ـن ـهــوك‪ ،‬ت ـمــامــا‪ .‬إن ـهــا اس ـت ـحــالــة‬ ‫اختالف مختون داخل الجسد يف الخارج منه‪.‬‬ ‫مــا عـلـيـنــا إال أن نسـتـحــرصـ لــوحـتــه الـ يـن سـمــاهــا "كـتــابــة‬ ‫سنتي‬ ‫وردية"‪ .‬لوحة واحدة متفردة اشتغل عليها لمدة‬ ‫ر‬ ‫ـاض‪ .‬جسـد‬ ‫بشكل ي‬ ‫يوىم‪ ،‬يف الخمسينيات من القرن الم ي‬ ‫وردي ش ـبـ يـق يف لــوحــة ورديــة م ـك ـتــوبــة بــال ـلــون‪ .‬ك ـتــابــة‬ ‫ال ـج ـس ــد بش ـك ــل آخ ــر‪ .‬ل ـم ــدة أس ــاب ـي ــع‪ ،‬ي ـه ـ رـن ه ـن ـت ــاي‬ ‫الـقـمــاش‪ /‬السـنــد إىل أن يص رـي مسـحـوال‪ ،‬أمـلـس‪ ،‬أبـيــض‬ ‫لتبدأ فيما بـعـد عـمـلـيـة تشـكـيـلـيـة مـعـقـدة‪ :‬تـكـويـن لـوح ِـة‬ ‫كتابة‪ .‬حيث كل يوم‪ ،‬يمأل َ‬ ‫وي ِ يق الـقـمـاش الـهـائـل لـيـعـيـد‬ ‫ٍ‬ ‫مــأله وتـغ ـطـيـتــه بــزيــت أب ـيــض ثــم يـكـشـطــه عــدة م ـرات‬ ‫ـط الـعـمــق الـمـهـيــأ‪ ،‬شـيـئــا‬ ‫بصـفـيـحــة مــن مـعــدن ثــم يـغـ ي‬ ‫فشيئـا‪ ،‬بـنـصـوص مـن الـتـوراة وأخـرى فـلـسـفـيـة لـدولـوز‪،‬‬ ‫كييكيغارد‪ ....‬كل ذلـك بشـغـف يـحـفـر ثـنـايـا يف‬ ‫دريدا‪ ،‬أو ر‬ ‫َ‬ ‫الجسد الرمزي للفنان يف خراب العالم ونيه الـف يـن‪ .‬ألن‬ ‫الجسد َني‪ ،‬ربما! الكتابة يف السند عي طبقات متـعـددة‬

‫مساء الجسد‬ ‫َ ْ‬ ‫ثم مساء الجسد هنا‪ .‬مساء الجسد وقت كشف‪ .‬مساء‬ ‫ـداد‪ .‬مســاء الـجـســد وقــت كــآبــة‪ .‬مســاء‬ ‫الـجـســد وقــت ِحـ ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫الجسد وقت انفصال‪ .‬مساء الجسد وقت تحول‪.‬‬ ‫نــيجــم مــا قـلـنــاه‪ :‬الـجـســد وقــت كشــف‪ .‬الـجـســد وقــت‬ ‫ِحــداد‪ ،‬ال ـج ـســد وقــت كــآبــة‪ .‬ال ـج ـســد وقــت ان ـف ـصــال‪.‬‬ ‫الجسد وقت ٌّ‬ ‫تحول‪.‬‬ ‫إنـنــا يف تــرحـيــل فـ يـن نـحــاول اكــياء ثـكـنــة مــرعـبــة تـحــت‬ ‫شـمــس الصـبــاح والـمـســاء‪ :‬سـمــاء الـفــن تـغـتـصــب جســد‬ ‫ال ـعــالــم‪ .‬ومــن ال ـم ـم ـكــن أن ي ـت ـحــول ال ـج ـســد إىل ب ـقــرة‬ ‫ً‬ ‫ُمك ْه َر َب ٍة‪ .‬كما الحداثة وما بعدها•‬

‫‪52‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫منصور اهلرب‪ ،‬من اجلسد املرسوم إىل جسد الواقع‬

‫"أمهلناه أم اعتنينا به‪ ،‬لبّيناه أم أعدمناه‪ ،‬يظل اجلسد ساكنا جلده‪ ،‬متربصا كلص حمترف‬ ‫يرقب من فتحاته أي حركة‪ ،‬وما أن تتسىن له أدىن فرصة حىت تنطلق أعضاؤه وحتتل‬ ‫األفق"‬ ‫(فوزي ميني‪ ،‬شاعر لبناين)‬

‫يف البدء كان اإلنسان‪ ،‬واإلنسـان كـان جسـدا‪ ،‬وكـان لـهـذا الـجـسـد الـمـوقـع األسـاس يف‬ ‫ـاىل‪ .‬أجســاد لـنـســاء‬ ‫ـون والـيــونـ ي‬ ‫تــاري ـ ــخ الـفــن‪ ،‬مــن الـنـحــت الـفــرعـ ي‬ ‫ـان إىل الـنـحــت اإليـطـ ي‬ ‫متألمي أو مـمـجـديـن يف احـتـفـالـيـة أظـهـرت قـوة الـدرامـا يف‬ ‫عاريات‪ ،‬و أخرى لمالئكة‬ ‫ر‬ ‫ٍّ‬ ‫مـنـحـوتــات ورســومــات لـكـل مـن سـيـلـ رـي‪ ،‬فـ رـيون رـي‪ ،‬روبــي‪ ،‬فـيـالـسـكـ رـي وتـانـتـوريــه‪ .‬تـلــك‬ ‫‪53‬‬


‫منصور اهلرب‪ ،‬من اجلسد املرسوم إىل جسد الواقع‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫األعمال الن ّ‬ ‫قربتنا الستذواق الملمس وحـرارة الـوجـوه‪،‬‬ ‫ي‬ ‫غي ّأن هذه الدراما بقيت يف قالب اسـتـعـاري ومـجـازي‪.‬‬ ‫ر‬ ‫ظل الفنان فيها عل مسافة مع الجسد المرسوم‪.‬‬

‫وتـق ـن ـيــات م ـتـطــورة‪ ،‬لـع ـبــت دورهــا ال ـكـبـ رـي والـخ ـطـ رـي يف‬ ‫انتشار وتضخيم الجسـد وتـفـاصـيـلـه كـمـادة‪ .‬بـالـرغـم مـن‬ ‫ذلك‪ ،‬ظل الـجـسـد مـحـجـورا‪ ،‬ال يـظـهـر إال افـياضـيـا عـي‬ ‫تـلــك ال ـتـق ـن ـيــات الــدي ـجـي ـتــالـيــة‪ .‬ال ـبـعــد الـمــادي ل ـلـج ـســد‬ ‫حي ثـبـت طـبـعـة ألسـفـل قـدمـيـه‬ ‫أضافه الفنان‬ ‫مانزون ر‬ ‫ي‬ ‫عـل حــامــل الـمـنـحــوتــة‪ ،‬فــأمىسـ الـفـنــان نـفـســه مــوضــوع‬ ‫ً‬ ‫النـحـت‪ ،‬مـكـتـسـبـا مـكـانـتـه األسـاسـيـة يف الـفـن الـمـعـاض‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ـزون إىل تــوق ـيــع اس ـمــه عــل‬ ‫أ كــي مــن هــذا‪ ،‬ذهــب مــانـ ي‬ ‫أجساد العديد من النساء سنة ‪ 4294‬مع شهادة تـيـبـت‬ ‫ه أعـمـال فـنـيـة أصـلـيـة‪ .‬نـجـد‬ ‫أن منحوتاته الحيـة هـذه ي‬ ‫صدى لهذا العمل لدى الفنان بـيـالنـد ‪ PILAND‬حـيـث‬ ‫عرض يف مديـنـة سـتـوكـهـولـم سـنـة ‪ 4292‬أنـاسـا عـادي رـي‬

‫الرسم المحفور للفنان دورر يظهر جسد الـمـرأة الـمـزمـع‬ ‫رسـمـهــا يـفـصـلــه عـنـهــا إطــار شـبـ يـك‪ ،‬وهــذه تـقـنـيــة لـنـســخ‬ ‫الرسم دون أخطاء يف الـقـيـاس‪ .‬مـا هـو مـهـم لـدى دورر‪،‬‬ ‫الـعـمــل الـمـتـقــن الـجـمـيــل‪ ،‬والـنـتـيـجــة الـمـبـتـغــاة تـمــر عــي‬ ‫الخـط والشـكـل وحـزمـة مـن الـتـقـنـيـات تسـاهـم يف ثـبـات‬ ‫ـارج‪.‬‬ ‫الفنان يف مرسمه بعيدا عـن الـفـنـان رـي والـعـالـم الـخ ي‬ ‫الصــورة الــرقـمـيــة والـفـيــديــو الـيــوم‪ ،‬ألـغــت الـمـســافــة بـ رـي‬ ‫ال ـج ـســد وال ـع ـمــل ال ـفـ يـن‪ .‬هــذه الــوســائــط‪ ،‬مــن ب ـرامــج‬

‫عمل للفنان آليخت درورر‬

‫‪54‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫منصور اهلرب‪ ،‬من اجلسد املرسوم إىل جسد الواقع‬

‫عمالن للفنان بيريو مانزوين‬

‫يرتدون ألبسـتـهـم الـيـومـيـة ويـعـتـلـون‬ ‫قواعدهم كمنحوتات حـيـة‪ .‬جـيـلـب رـي‬ ‫وجـ ــورج بـ ــدوره ـ ـمـ ــا ش ـ ـكـ ــال م ـ ـع ـ ــا‬ ‫مـنـحـوتـت رـي تـتـحـركـان وتـغـنـيـان‪ .‬هــذا‬ ‫ال ـت ـقــارب بـ رـي ال ـفــن وال ـج ـســد ن ـعـ َـي‬ ‫عليه يف مغـاور مـا قـبـل الـتـاريـ ــخ كـمـا‬ ‫يف آثــار ال ـيــديــن ك ـطـب ـعــة مـع ـكــوســة‬ ‫عــي ن ـفــخ ال ـلــون حــول ال ـيــد‪ .‬ذلــك‬ ‫ـدان م ــن وش ــم وت ــيج‬ ‫ال ـب ـع ــد ال ـب ـ ي‬ ‫نجده عند قبائل النيجر وإشافـهـم‬ ‫ا‬ ‫يف ال ـتــيج‪ ،‬وصــوق إىل عــادة ربــط‬ ‫القدمي عـنـد الـنـسـاء الصـيـنـيـات أو‬ ‫ر‬ ‫‪.‬‬ ‫ال ـن ـســاء الــزرافــات يف إفــري ـق ـيــا كــل‬ ‫ه ــذه االس ـت ـط ــاالت وال ـت ـح ــري ـف ــات‬ ‫وال ـك ـشــوف عــن م ـنــاطــق ال ـج ـســم؛‬ ‫الـ ـرأس‪ ،‬الـ ــوجـ ــه‪ ،‬الـ ـيـ ــد‪ ،‬الش ـ ـفـ ــاه‪،‬‬ ‫العنق‪ ،‬الرقبة واألعضاء التـنـاسـلـيـة‪،‬‬ ‫موجودة يف العديد من الحضارات‪.‬‬ ‫مذهلة هذه الرسوم كأنها زرع للفـن‬ ‫عــل جســد اإلنســان يف ت ـج ـس ـيــده‬ ‫ـيـســة‬ ‫ل ـل ـت ـصــدي ل ـل ـح ـيــوانــات ال ـم ـفـ ـ‬

‫والطبيعة الموحشة‪ .‬الوشم وتلوين‬ ‫دارس‬ ‫ال ـج ـســد لــدى ال ـعــديــد مــن‬ ‫ي‬ ‫التاري ــخ هو أقـدم تـعـب رـي عـن الـحـس‬ ‫الجماىل‪.‬‬ ‫ي‬ ‫الـم ـع ـت ـقــدات ال ـقــدي ـمــة مــن ج ـراحــة‬ ‫ووشــم وت ـلــويــن ل ـل ـج ـســد‪ ،‬آلــت إىل‬ ‫االن ــدث ــار واالمـ ـح ــاء بـ ـفـ ـع ــل تـ ـق ــدم‬ ‫ـدان هـذا‬ ‫الحضارة‪ .‬لكـن الـتـعـب رـي الـب ي‬ ‫لــم يـنـقـطــع بــل أخــذ طــابـعــا حــديـثــا‬

‫مانزون‬ ‫بييو‬ ‫ر‬ ‫ي‬

‫‪55‬‬

‫ض ـمــن حــركــة ‪ Happening‬س ـنــة‬ ‫‪ 4290‬فاتخذت جسد الفنان بحـد‬ ‫ذات ــه ع ـم ــال ف ـن ـي ــا وث ـي ـم ــة ج ــاه ــزة‪،‬‬ ‫وارت ـب ــط ه ــذا ال ـج ـس ــد ب ــال ـم ــدارس‬ ‫الن أولته‬ ‫الفنية كحركة الباوهاوس ي‬ ‫أه ـم ـي ــة قص ــوى‪ .‬ب ــرزت مس ــاح ـي ــق‬ ‫ال ـ ــوج ـ ــه ك ـ ــان ـ ـع ـ ـك ـ ــاس ل ـ ـم ـ ـج ـ ـت ـ ـم ـ ــع‬ ‫االسـتـهــالك‪ .‬هــذا مــا أ كــدتــه أعـمــال‬ ‫م ـي ـش ـيــل جــورن ـيــاك ال ـف ـن ـيــة‪ .‬صــوره‬ ‫الفوتوغرافية تظهره كامرأة مـيوجـة‬ ‫تـخ ـلــع ث ـيــاب ـهــا وت ـبــدل يف م ـظ ـهــرهــا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الماكياج معـاضا كـمـا الـوشـم قـديـمـا‬ ‫له تلك الداللة االجتماعية كـالـثـيـاب‬ ‫وقـبـلـة الـزوج الصـبـاحـيـة أو طـقــوس‬ ‫ال ـ ـف ـ ـطـ ــور وال ـ ـت ـ ـب ـ ـضـ ــع واألع ـ ـم ـ ــال‬ ‫ّ‬ ‫ال ـم ـك ـت ـب ـيــة‪ .‬يف ال ـم ـنــخ ذاتــه‪ ،‬بــدل‬ ‫م ــارسـ ـي ــل دوش ــان يف ه ــويـ ـت ــه ع ــي‬ ‫ُ‬ ‫صور الـتـقـطـهـا لـه مـان راي‪ ،‬تـظـهـره‬ ‫بهيئة امرأة عي ثياب نسائية‪.‬‬ ‫بدورها الحركة السوريـالـيـة اتـخـذت‬ ‫الـجـسـد والـثـيـاب مـنـصـة لـلـتـخــريــب‬


‫منصور اهلرب‪ ،‬من اجلسد املرسوم إىل جسد الواقع‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫ال ـف ـ يـن‪ .‬ح ــالق ــة الش ـع ــر ع ــل ش ـك ــل ن ـج ـم ــة ع ــل رأس‬ ‫َ‬ ‫دوشــان‪ ،‬ال ـث ـيــاب‪ ،‬ال ـحـ يـل‪ ،‬الش ـعــر‪ ،‬أغ ـراض وأثــداء مــن‬ ‫كــاوتشــوك اشــياه ــا دوشــان وص ــارت غــالفــا ل ـم ـل ـص ــق‬ ‫معرضه‪ .‬تـحـت عـنـوان "مـذكـر مـؤنـث" قـدمـت الـفـنـانـة‬ ‫ـىم الـبـدلـة الـرجـالـيـة مــع كـرافــات مصـنــوعـة مــن شـعــر‬ ‫مـي ي‬ ‫نسان‪ .‬بـدالت جـوزف بـويـز الـمـعـلـقـة بـبـسـاطـة وابـتـذال‬ ‫ي‬ ‫‪.‬‬ ‫تزيد دالالتهـا الـمـجـردة والـمـجـازيـة الـفـنـان بـول تـانس يـك‬ ‫استخدم الثياب أساسا يف فـنـه‪ ،‬تـعـامـل مـعـهـا بـاعـتـبـارهـا‬ ‫بـقــايــا ورواســب اجـتـمــاعـيــة تـتـجـســد يف سـلــوك ونشــاط‬ ‫فن‪ ،‬كشعائر للذاكرة الفردية والجمـاعـيـة‪ .‬أعـمـالـه تـؤرخ‬ ‫ي‬ ‫ـوىم وتـجـعــل الـثـيــاب مـنـحــوتــات – تـعــاويــذ لـلـجـســد‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫لـلـ ي‬ ‫ً‬ ‫المسحوق والمجهول‪ ،‬وأيضـا هـيـاكـل عـظـمـيـة لـمـا تـبـق‬ ‫من اإلنسان ‪.‬‬

‫ال نس ـت ـط ـي ــع إغ ـف ــال ح ــرك ــة "غ ــوت ــاي" ال ـ يـن ارت ـب ـط ــت‬ ‫نشاطاتها وتظاهراتها الفنيـة بـالـجـسـد مـنـذ سـنـة ‪4233‬‬ ‫كمقدمة لفـن الـجـسـد ‪ .body art‬نـجـد الـفـنـان ش رـياغـا‬ ‫يس ـت ـع ـ رـي ب ـق ــدم ـي ــه ب ــوص ـف ـه ــا أداة يف نش ــاط ــه ال ـف ـ يـن‪،‬‬ ‫يـغـمـسـهـمــا بــاأللــوان وهــو يـمـســك بـحـبــل فــوق الـلــوحــة‪.‬‬ ‫كاناياما هو اآلخر‪ ،‬طبع أسفل قدميه عل مسـافـة ‪430‬‬ ‫ـاىم‪ ،‬وت ـح ــت ع ـن ــوان "اخ ــياق‬ ‫م ــيا م ــن ال ــورق‪ .‬م ــوراك ـ ي‬ ‫مساحات بلحظة"‪ ،‬مزق بجسده ‪ 34‬إطارا ورقيا ذهـبـيـا‬ ‫مشدودا بـقـوة‪ ،‬واخـيقـهـا كـأنـه مـطـرقـة‪ ،‬يف اخـتـبـار فـريـد‬ ‫لـلـحـظــة تـمــزق الــورق الـمـشــدود كـجـلــد الـطـبــل وصــوت‬ ‫الورق الرهيب‪ .‬جسد الـفـنـان اجـتـمـع فـيـه كـم هـائـل مـن‬ ‫المرهق‪ .‬صالة العرض غدت مكانا الكتشاف‬ ‫اإلحساس‬ ‫ِ‬ ‫الجسد ككيان ووسيلة معـرفـة‪ .‬أصـبـح الـمـشـاهـد مـدعـوا‬

‫جيلبي وجورج‬ ‫الفناني‬ ‫عمل‬ ‫ر‬ ‫ر‬

‫النساء الزرافات‬

‫‪56‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫منصور اهلرب‪ ،‬من اجلسد املرسوم إىل جسد الواقع‬

‫ميىم‬ ‫عمل الفنانة ي‬

‫بولتانسك‬ ‫عمل الفنان‬ ‫ي‬

‫إىل الس رـي مـالزمــا الـحـيـطـة والـيقــب‬ ‫والتوقف‪ .‬إنه فن يتفاعل ويـتـحـقـق‬ ‫بواسطة الحواس‪ ،‬وليس فـقـط مـن‬ ‫العي والرؤية المحايدة‪.‬‬ ‫خالل ر‬ ‫يمتاز فن الجسد بـأنـه عـابـر‪ ،‬وق يـن‪،‬‬ ‫ـش بــان ـت ـهــاء عــرضــه مــع‬ ‫وبــأنــه ي ـن ـتـ ي‬ ‫أدواتــه‪ .‬ل ـل ـحــؤول دون ذل ــك‪ ،‬ل ـج ــأ‬ ‫ال ـفـ ـن ــان ــون إىل طـ ـب ــع أث ــر الـ ـجـ ـس ــم‬ ‫ولصقه عل مسطح‪ ،‬أنتج "شيئـا"‪،‬‬ ‫"غرضا"‪ ،‬لضمان ديمومته‪ .‬جوزف‬

‫شياغا‬ ‫عمل الفنان ر‬

‫ب ــوي ــز أنـ ـج ــز طـ ـبـ ـع ــة لـ ـظـ ـف ــره‪ .‬ق ــام‬ ‫ب ـط ـب ـع ـهــا ‪ 430‬مــرة‪ ،‬س ـنــة ‪.4274‬‬ ‫ـونىســ‪ ،Aconci ،‬انـقــض‬ ‫الـفـنــان أ كـ ي‬ ‫ب ــأس ـن ــان ــه ع ــل أج ـزاء م ــن جس ــده‬ ‫وأضـ ــاف حـ ــيا عـ ــل ال ـ ـلـ ــدغ ـ ــات‪،‬‬ ‫وســارع إىل ط ـبــاع ـت ـهــا عــل س ـطــوح‬ ‫متعددة كعالمة تجارية‪.‬‬ ‫نشاط اإلنسان هو طباعـة‪ ،‬إن جـاز‬ ‫التعـب رـي‪ .‬الـنـحـت طـبـاعـة يف الـمـادة‪،‬‬ ‫أو هــو ت ـحــول اإلنســان عــي وسـيــط‬ ‫‪57‬‬

‫ه نـحـت‬ ‫إىل مادة‪ .‬كـمـا أن الـكـتـابـة ي‬ ‫للغة والفكر‪.‬‬ ‫ه ــذا م ــا ذه ــب إل ـي ــه إي ــف ك ــالي ــن‪،‬‬ ‫‪ ،klein‬عندمـا طـل أجسـاد الـنـسـاء‬ ‫بلون أزرق‪ ،‬وجعلهن يلتـصـقـن عـل‬ ‫ق ـم ــاش أبـ ـي ــض‪ .‬أث ــر ال ـجـ ـس ــد ك ــان‬ ‫حاجة ملحة يف تجربة هـذا الـفـنـان‪،‬‬ ‫وهو الذي أطلق عل األعمـال اسـم‬ ‫ـشــب ل ـط ـخــات‬ ‫"ك ـفــن" كــون ـهــا ت ـتـ ر ـ‬ ‫الجسد وتفاصيله‪.‬‬


‫منصور اهلرب‪ ،‬من اجلسد املرسوم إىل جسد الواقع‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫وتبادلية‪.‬‬ ‫ت ـبــدى ال ـج ـســد يف الــرســم وال ـت ـلــويــن وال ـن ـحــت‪ ،‬ك ـمــا يف‬ ‫األفــالم والـتـجـهـ رـي‪ ،‬وانـتـقــل إىل الـحـ رـي الـعــام مــن خــالل‬ ‫نشاط الفنان‪ ،‬الـراقـص حـول لـوحـة مـلـقـاة عـل األرض‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫كل ذلك تحت تعب رـي عـفـوي امـتـد بـه الـفـنـانـون لـيـطـالـوا‬ ‫كل جوانب الحياة‪.‬‬

‫الـعـمــل عــل الـجـســد تـطــور مــن نشــاط فـنــان إىل حــدث‬ ‫اىم أصبحت فيه األولوية لـلـشـعـائـر والـطـقـوس خـالل‬ ‫در ي‬ ‫سـ ـنـ ــوات ‪ .4270 - 4290‬انـ ـخـ ــرط دم الـ ـف ـ ـنـ ــان يف‬ ‫العروض الفنية‪ ،‬إلظهـار األلـم الـجـسـدي‪ ،‬ولـلـتـعـب رـي عـن‬ ‫الموت‪ ،‬والجنس‪ .‬الفنانة الفرنسية ‪ ORLAN‬اعـتـمـدت‬ ‫عــل ال ـعـم ـل ـيــات ال ـت ـجـم ـي ـلـيــة يف ت ـغ ـيـ رـي م ـعــالــم جســدهــا‬ ‫ـزون جـاءنـا بـتـسـع رـي عـلـبـة تـحـوي‬ ‫والوجه كمساءلة‪ .‬مان ي‬ ‫خراءه‪ ،‬كما زعم‪ ،‬يك يبيعهـا‪ .‬الـعـمـل هـذا‪ ،‬تـأ كـيـد لـهـيـمـنـة‬ ‫الســوق وإخضــاع ل ـل ـج ـســد بــاع ـت ـبــاره س ـل ـعــة تســوي ـق ـيــة‬

‫أضــخ ال ـف ـنــان ال ـيــوم هــو ال ـم ـحــرض‪ ،‬وهــو مــادة ال ـفــن‬ ‫ّ‬ ‫وضحيته يف آن•‬

‫عمل الفنان كاناياما‬

‫إيف كالين‬

‫‪58‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫حممد شرف‪ ،‬متثالت اجلسد يف الفنون البصرية احلديثة‬

‫"إن اجلسد‪ ،‬أكان من حيث األفضل أو األسوأ‪ ،‬هو صورة العامل‪"...‬‬ ‫(نيقوال بوفييه – اجلسد مرآة العامل)‬ ‫ً‬ ‫كان الجسد ر‬ ‫البشي حاضا كمادة تمثيلية منذ العصور القديمة‪ .‬من األشكال‬ ‫ً‬ ‫ّ ً‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫األكي تطورا‪ ،‬مرورا بعرص النهضة‪ ،‬وصوق إىل الفنون‬ ‫البدائية‪ ،‬إىل األشكال‬ ‫ّ‬ ‫المعايي‪ ،‬واختلفت النظرة‬ ‫الحديثة والمعاضة‪ .‬خالل هذا الزمن الطويل تبدلت‬ ‫ر‬ ‫المثاىل‪ ،‬الذي بلغ‬ ‫سع إىل التشخيص‬ ‫فق ر‬ ‫ي‬ ‫حي كان هناك ي‬ ‫إىل هذا الجسد‪ .‬ي‬ ‫الكالسيك‬ ‫الوف للفن‬ ‫أوجه خالل عرص النهضة األوروبية‪ ،‬الذي كان الوارث‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫‪59‬‬


‫حممد شرف‪ ،‬متثالت اجلسد يف الفنون البصرية احلديثة‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫اليونان القديم‪ّ ،‬‬ ‫تغيت النظرة إىل الجسد يف الفنون‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الن ابتعدت شيئا فشيئا عن المثالية كفكرة‪،‬‬ ‫الحديثة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫تشكيل‪ .‬يف هذا‬ ‫كأسلوب‬ ‫الواقع‬ ‫التشخيص‬ ‫وعن‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الفرنىس فرانسوا داغونييه‪:‬‬ ‫المجال‪ ،‬يفيد الفيلسوف‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫للمعايي الجمالية‬ ‫"يمكن للمرء أن يالحظ تخريبا‬ ‫ر‬ ‫التقليدية يف الفن الحديث‪ ،‬الذي يجتذبه الغريب‬ ‫والقبيح‪.‬‬ ‫يرىم إىل إعادة تقييم ما‬ ‫فن كامل ي‬ ‫ثمة تيار ي‬ ‫ً‬ ‫جماىل‪ ،‬وذلك من خالل‬ ‫غي‬ ‫يعتي تقليديا عل أنه ر‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫تضمي الفن موادا ُيعاد تدويرها‪ ،‬ودمج النفايات يف‬ ‫ر‬ ‫األعمال‪ ،‬والتقليل من أهمية الصورة‪ .‬هذه اليعة‬ ‫ً‬ ‫أيضا‪ ،‬تمثيل الجسد ر‬ ‫البشي‪"0‬‬ ‫تطاول‪،‬‬ ‫ر‬ ‫األوروبيي‬ ‫فنان القرن العشين‬ ‫يف استعراض لنتاج‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫وف اختصار يفرضه ضيق‬ ‫األكي اهتماما بالموضوع‪،‬‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫الن لم تتوان‬ ‫المجال‪ ،‬ال بد من أن نبدأ بالتكعيبية‪ ،‬ي‬ ‫عن "تحطيم" الواقع‪ ،‬أكان عي الطبيعة الجامدة‬ ‫تشكيل‪ ،‬أم من خالل "تشويــهها" للشكل‬ ‫كموضوع‬ ‫ي‬

‫ر‬ ‫البشي‪ .‬لقد كانت لوحة بيكاسو "نساء أفينيون‬ ‫ا‬ ‫‪ "4207‬مثاق عل ذلك‪ ،‬وقد أحدثت ثورة يف الفن‬ ‫ً‬ ‫التغاض عنها‪ ،‬نظرا ألهميتها‬ ‫الحديث‪ ،‬ال يمكن‬ ‫ي‬ ‫البالغة‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬بعد ذلك بعقود‪ ،‬وعي‬ ‫ً‬ ‫حي‬ ‫أسلوب مختلف‪ ،‬سوف نقف حائرين (وخصوصا ر‬ ‫ى‬ ‫ّ‬ ‫يتعلق األمر‬ ‫بالمتلق العادي) أمام شخصيات لوسيان‬ ‫ي‬ ‫ى‬ ‫ّ‬ ‫الجسدية‪،‬‬ ‫فرويد "المستقلة"‪ ،‬فيما يتعلق بحقيقتها‬ ‫فن‬ ‫البعيدة من‬ ‫التساىم‪ ،‬أو التصحيحات‪ ،‬يف عمل ي‬ ‫ي‬ ‫حي اعتي البعض أعماله واقعية‬ ‫فق ر‬ ‫قائم بذاته‪ .‬لذا‪ ،‬ي‬ ‫"حن العظم"‪ ،‬اعتيها البعض اآلخر نتيجة طبيعية‬ ‫ر‬ ‫يخ ذهب فيه‬ ‫لمؤثرات ضوئية اصطناعية‪ ،‬ولعلم تش ي‬ ‫الفنان إىل حدود بعيدة‪ ،‬مبالغ فيها‪ .‬تقول شارلوت‬ ‫ر‬ ‫سء جديد يف أعمال فرويد‪،‬‬ ‫ر‬ ‫فاليغورا‪" :‬ليس هناك ي‬ ‫إنه يخلط الكالسيكيات‪ ،‬ويجمع ربي المساهمات‬ ‫أساس قبل‬ ‫الن تم اختبارها بشكل‬ ‫ي‬ ‫الفنية األصلية ي‬ ‫الحرب العالمية الثانية‪ ،‬ويقيح أن تتناسب بشكل‬

‫‪61‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫حممد شرف‪ ،‬متثالت اجلسد يف الفنون البصرية احلديثة‬

‫ّ‬ ‫الشكل‪ً .‬‬ ‫يصور نفسه يف عزلته اإلبداعية‪.‬‬ ‫غالبا ما كان‬ ‫إنه رسام الصورة الذاتية بامتياز‪ .‬ومن أجل تحليل‬ ‫أعمال بيكون يف عالقتها ببعضها البعض‪ ،‬ال بد من‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫الن تعتي كل لوحة شاهدا عليها‪،‬‬ ‫تحليل هذه الذاتية ي‬ ‫لحط لبنائها الخاص؛ فالعمل بأكمله‬ ‫وه سجل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫يحك‪ ،‬يف تكراره للصور‪ ،‬مغامرة إعادة تجميع الذات‪0‬‬ ‫ي‬ ‫الن لن يسع أحد إىل‬ ‫وباإلضافة إىل الجودة الجمالية ي‬ ‫التعرف عليها يف لوحات الرسام‪ ،‬فإن محتوى أعماله‬ ‫التصويرية يقع‪ ،‬بشكل عام‪ ،‬يف أصل مشاعر معينة‪.‬‬ ‫يبدو أن هذه المشاعر تتسبب يف ارتعاش الروح‬ ‫المرتبط بـ "الرعب"‪ ،‬الذي تقوله عيون شخوصه تجاه‬ ‫ما يواجهونه‪ .‬إن الديناميات الدقيقة لألجسام‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫والن من خاللها نلتقط‪،‬‬ ‫الن تتمزق تقريبا‪ ،‬ي‬ ‫المشوهة ي‬ ‫ً‬ ‫أحيانا‪ ،‬النظرة المرفقة بخشونة كدمات الوجه‬ ‫والجسم لن يكون لها أي غرض آخر سوى تقديم‬ ‫شعور الرسام المتشائم بشأن الوجود‪ .‬هذه‬ ‫ر‬ ‫الوحىس‬ ‫االسياتيجية يستخدمها بيكون يف عرضه‬ ‫ي‬ ‫لمعاناة الجسد وقبح الحياة‪0‬‬ ‫ّأما فيما يخص بإيف كالين‪ ،‬فقد عمل عل تكثيف‬ ‫العشين‪ .‬فقد ّ‬ ‫"مغامرة" الفن الطليع ف القرن ر‬ ‫مر عي‬ ‫ي ي‬ ‫المفهوىم‪،‬‬ ‫والفن‬ ‫‪،‬‬ ‫‪Body–art‬‬ ‫المونوكروىم‪ ،‬والـ‬ ‫اللون‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫إىل درجة استعمال عناض الطبيعة من أجل إظهار‬ ‫عاىم ‪ 4233‬و‪،4293‬‬ ‫قدرتها اإلبداعية‪ ،‬ليحقق‪ ،‬ربي ي‬ ‫الن أنتجها‪،‬‬ ‫مادة فنية غنية تجاوز عدد األعمال ي‬ ‫حينها‪ ،‬األلف عمل‪ .‬فمن قفزته إىل الفرا ‪ ،‬يف ‪37‬‬ ‫نوفمي ‪ ،4290‬عندما تم تصوير رسام الفضاء وهو‬ ‫ر‬ ‫البشية‬ ‫يتحدى الجاذبية‪ ،‬إىل القياسات‬ ‫‪ ،Antropométries‬إىل ‪ Ci-git l'espace‬يف عام‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪ ،4293‬كان الجسد حاضا دائما يف نتاجه‪ .‬يف عمله‬ ‫‪"Anthropométrie‬‬ ‫‪de‬‬ ‫‪l'epoque‬‬ ‫ّ‬ ‫(‪ ،bleu" )4290‬ثمة نساء تلطخت أجسادهن‬ ‫يف‬ ‫باألزرق‪ ،‬عل خلفية بيضاء‪ ،‬وذلك‬ ‫غاليي الفن المعاض‪ .‬يقوم إيف‬ ‫‪ performance‬يف ر‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫كالين‪ ،‬حينها‪ ،‬بـ "هندسة" لقاء البشة اإلنسانية مع‬ ‫قماشة اللوحة‪ .‬يتم هذا اللقاء من طريق التالمس‬ ‫البسيط‪ ،‬حيث ينتقل اللون ر‬ ‫مباشة من فرشاة الجسم‬

‫‪Homme nu vu de dos ,Lucian Freud‬‬

‫طبيع مع امتدادات سابقاتها‪ .‬قد تحط أعمال فرويد‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫محن الرسم‪ ،‬لكنهم لن ينظروا إليها‬ ‫لدى‬ ‫كبي‬ ‫بتقدير‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫سوى عل أساس كونها نوعا من التكرار"‪ .‬وجهة النظر‬ ‫الخاصة هذه ال يمكن تعميمها‪ ،‬إذ هو رأي قد ال يتفق‬ ‫الكثيون‪0‬‬ ‫عل مضمونه ر‬ ‫ّ‬ ‫المحور‬ ‫اإلنسان‬ ‫الشكل‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اإلنسان موضوعا رئيسا لدى الفنان‬ ‫كان الشكل‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫اإلنگليي فرنسيس بيكون‪ .‬صور نفسه غالبا يف عزلته‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ه تشكيل لشخصيته الخاصة‬ ‫وكأن صوره الذاتية ي‬ ‫الرئيىس لدى بيكون هو‬ ‫خالل العمل‪ .‬إن الموضوع‬ ‫ي‬ ‫‪60‬‬


‫حممد شرف‪ ،‬متثالت اجلسد يف الفنون البصرية احلديثة‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫عي المتفرج‪ .‬لم تعد‬ ‫إىل القماش‪ ،‬ومن القماش إىل ر‬ ‫خية الرسام موجودة يف هذه األعمال حيث يتم نسيان‬ ‫ّ‬ ‫المكونة من‬ ‫المقاربة التشكيلية‪ ،‬إذ يبدو أن األجساد‬ ‫تختق‬ ‫الن تم تحويلها إىل ما يشبه األختام‪،‬‬ ‫اللحم‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫الثديي والبطن‬ ‫أمام حقيقة أخرى تيزها آثار‬ ‫ر‬ ‫والفخذين‪ ،‬وهذا هو األثر‬ ‫الحقيق الذي يؤدي إىل‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫الفن‪0‬‬ ‫التواصل المباش مع العمل ي‬

‫الفلسق أو التحليل‬ ‫عل اإلنسان بنفس طريقة النص‬ ‫ي‬ ‫النفىس‪ ،‬فإن هذه الفكرة ليست ممنوعة وال‬ ‫ي‬ ‫مستحيلة‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬فإن الفن المعاض يعيد‬ ‫العالقة مع أصول الفن من خالل استعادة ترسيخه‬ ‫المادي‪ .‬كما أن معالجة الجسد‪ ،‬عل النحو الذي‬ ‫ً‬ ‫يعتمده الفنانون المعاضون‪ ،‬سيكون‬ ‫قادرا عل‬ ‫تزويدنا برؤى جديدة أو إضافية عن طبيعة األجسام‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫هل يمكن اعتبار العمل سلبيا وتسطيحيا يف عالقته‬ ‫تأثي للعمق؟ البصمة هنا أقل من‬ ‫بالجسد‪،‬‬ ‫وينق أي ر‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫التمثيل‪ ،‬وال أثر للنموذج‪ ،‬إذ أن الجسد المجسم‬ ‫مفقود هنا‪ .‬ال شك يف أن الجواب ليس يف متناول‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫حي يكون له موقف مسبق من‬ ‫المتلق‪ ،‬وخصوصا ر‬ ‫ي‬ ‫الفعل ّ‬ ‫برمته‪ .‬الجسد‪ ،‬يف عمل كالين‪ ،‬خارج عن نطاق‬ ‫ّ‬ ‫الفنان‪ ،‬وذلك عل عكس جاكسون بولوك الذي كانت‬ ‫ينحن‬ ‫رسوماته نتيجة إيماءة جسده يف العمل‪ ،‬وهو‬ ‫يً‬ ‫أمام قماشته الممددة عل األرض‪ ،‬يك يشبعها تنقيطا‬ ‫ً‬ ‫يشي كالين‪ ،‬هو‬ ‫وخطوطا‪ .‬لذا‪ ،‬فإن المسألة هنا‪ ،‬كما ر‬ ‫ً‬ ‫من‪"0‬‬ ‫"إبراز‬ ‫ي‬ ‫بصمان خارجا ي‬ ‫ً‬ ‫فن يقيح انعكاسا‬ ‫وإذا اعتينا‪ ،‬من جهة‪ ،‬أن أي عمل ي‬

‫ه استكشاف جميع‬ ‫"المتطرفة"‪ .‬إن النقطة المشيكة ي‬ ‫طرائق عالقة الصانع بجسده‪ ،‬حن لو كانت طبيعة‬ ‫ه نفسها‪ ،‬عندما يتم تقديم الجسم‬ ‫الكائن ليست ي‬ ‫ّ‬ ‫المتطرف يف ما يشبه العالقة اإلكلينيكية ربي الذات‬ ‫الفن‪0‬‬ ‫والعمل يف المجال ي‬ ‫حول الصورة الفوتوغرافية‬ ‫ّ‬ ‫شيمان‬ ‫كانت‬ ‫األميكية سيندي ر‬ ‫المصورة الفوتوغرافية ر‬ ‫وضعت نفسها يف المشهد‪ .‬جعلت من جسدها‬ ‫ّ ً‬ ‫ً ًّ‬ ‫متنوعا‪ ،‬وذلك من خالل الهويات‬ ‫فنيا‬ ‫موضوعا‬ ‫الذان الذي مارسته‬ ‫الن يسمح بها التنكر‬ ‫ي‬ ‫المتعددة ي‬ ‫‪62‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫حممد شرف‪ ،‬متثالت اجلسد يف الفنون البصرية احلديثة‬

‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫المصورة موضوعاتها‬ ‫خضع‬ ‫المتعلقة بها‪ ،‬حيث ت ِ‬ ‫لوجهة نظر مختلفة‪ً ،‬‬ ‫غالبا ما تنبثق منها بعض اإلثارة‬ ‫الجنسية والغموض المزعج والمربك‪0‬‬ ‫ً‬ ‫شيمان‪ ،‬خالفا‬ ‫يف مجموعتها‬ ‫األخية اختق جسد ر‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ألسلوبــها السابق‪ .‬بدق من ذلك‪ ،‬سيى أجسادا‬ ‫ى‬ ‫ّ‬ ‫وممزقة‪ ،‬ما‬ ‫لموديالت ‪ mannequins‬مشلعة‬ ‫ومثية‬ ‫يستدع تهويمات جنسية عنيفة‪ ،‬بشعة‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫لالستياء‪ ،‬بحسب بعض وجهات النظر‪ .‬يف عام‬ ‫"فانين‬ ‫شيمان من قبل صحيفة‬ ‫‪ ،4283‬تمت دعوة ر‬ ‫ي‬ ‫رفي" اللتقاط صور مستوحاة من القصص الخيالية‬ ‫والحكايات الخرافية‪ .‬تحررت الفنانة‪ ،‬حينها‪ ،‬من‬

‫الخارج (األقنعة‪ ،‬الماكياج‪ ،‬طبيعة‬ ‫عل مظهرها‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫فش‪ ،‬كما يبدو‪ ،‬تفضل تصنيف‬ ‫المالبس)‪ .‬ومع ذلك ي‬ ‫ا‬ ‫عملها يف خانة األداء ‪ ،performance‬بدق من‬ ‫ّ‬ ‫وتحوالته‬ ‫اف‪ ،‬واضعة تجربة الجسد‬ ‫التصوير الفوتوغر ي‬ ‫يف صميم عملها‪ ،‬وكأنها أرادت أن ترى نفسها ككائن‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫شيمان أعمالها دائما ضمن ِسلسالت‬ ‫آخر‪ .‬تنفذ ر‬ ‫‪ ،séries‬وتعود صورها األوىل إىل أوائل السبعينيات‬ ‫الماض‪ .‬من النجمة السينمائية الشابة‬ ‫من القرن‬ ‫ي‬ ‫الن يظهر‬ ‫المقتولة يف حديقة‪ّ ،‬إىل العذراء والطفل‪ ،‬ي‬ ‫شيمان النظر يف‬ ‫فيها الفنان ككائن مخنث‪ ...‬تعيد ر‬ ‫َ‬ ‫األنن وقواعد التمثيل‬ ‫سيناريوهات مختلفة لجسد‬ ‫‪63‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫الن يفرضها الواقع‪،‬‬ ‫القيود‬ ‫ي‬ ‫المثي الذي‬ ‫وأطلقت العنان للكون ر‬ ‫ال عالقة له بالحكايات الخيالية‬ ‫الكالسيكية‪ ،‬ولكنه يخلق‪ ،‬يف‬ ‫الوقت نفسه‪ ،‬أجواء مروعة‬ ‫أبطالها‬ ‫وشيالية‪،‬‬ ‫ومزعجة‬ ‫غي عادية‪ ،‬غالبيتهم‬ ‫شخصيات ر‬ ‫ّ‬ ‫من المخن رثي‪ ،‬تسمح لها هذه‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫األكي‬ ‫بتوىل األدوار‬ ‫الحكايات‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫غموضا‪0‬‬ ‫هنا ال يقترص األمر عل درب‬ ‫ّ‬ ‫الن‬ ‫مستغرب تسلكه الفنانة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ه‬ ‫تتلبس هوية ذكورية‪ ،‬بل ي‬ ‫ربي‬ ‫تتخط الحد الفاصل‬ ‫وف الواقع‪ ،‬فإن مارسيل‬ ‫ر‬ ‫الجنسي‪ .‬ي‬ ‫دوشان كان طلب‪ ،‬العام ‪،4230‬‬ ‫ّ‬ ‫يصوره يف‬ ‫من صديقه مان راي أن‬

‫حممد شرف‪ ،‬متثالت اجلسد يف الفنون البصرية احلديثة‬

‫سيالف‪،‬‬ ‫هيئة زوجته روز‬ ‫يى‬ ‫ّ‬ ‫كشخصية أنثوية‪ ،‬بعد قيامه بتنكر‬ ‫غن بالتفاصيل‪ .‬لكن سيندي‬ ‫ي‬ ‫شيمان تتبن هنا الشخصية‬ ‫ر‬ ‫الذكورية ألغراض الشد‪ ،‬حيث‬ ‫ً‬ ‫اف‬ ‫مشابها‬ ‫يكون التصوير الفوتوغر ي‬ ‫للسينما من أجل تمثيل شخصية‬ ‫قاتل‪ ،‬من نوع يشبه جاك السفاح‪،‬‬ ‫عل سبيل المثال‪0‬‬ ‫الميكالنجوىل‬ ‫الجسد‬ ‫ي‬ ‫(نسبة إىل ميكال أنجلو)‬ ‫"إن الجسد هـو مـن يـخـدم الصـورة‬ ‫وليس العكس" (‪)Louis Blanc‬‬ ‫عندما نشاهد صور لوي بالن‪ ،‬ال‬

‫‪64‬‬

‫المبالي تجاه‬ ‫يمكننا أن نبق‬ ‫ر‬ ‫فش تبعث‬ ‫مؤثراتها ر‬ ‫الغي عادية‪ .‬ي‬ ‫والتفكي‬ ‫االضطراب‬ ‫عل‬ ‫ر‬ ‫والتساؤل‪ :‬كيف يقوم بصناعة هذا‬ ‫الن يهدف‬ ‫ه الرسالة ي‬ ‫النتاج؟ وما ي‬ ‫إىل إيصالها للمشاهد‪ ،‬عي صور‬ ‫ّ‬ ‫تتحدث عن نفسها بلغة اإلشارة‪.‬‬ ‫هل من الممكن أن نطلق عل‬ ‫بالن لقب "ميكال أنجلو الصورة‬ ‫ً‬ ‫الفوتوغرافية"‪ ،‬نظرا ألوضاع‬ ‫ّ‬ ‫أجساد شخصياته المتضخمة‬ ‫الن تبدو‬ ‫بفعل التأليف‪،‬‬ ‫وه ي‬ ‫ي‬ ‫ّ ً‬ ‫جيدا‪ ،‬بأحجامها الشديدة‬ ‫مرسومة‬ ‫يعط‪ ،‬يف نظام شبه‬ ‫التحديد‪ ،‬مما‬ ‫اي‬ ‫ً‬ ‫هرىم‪،‬‬ ‫انطباعا هائَل عن الحركة؟‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫سء عميق‬ ‫إىل‬ ‫بالن‬ ‫صور‬ ‫تعيدنا‬ ‫ي‬ ‫يصعب وصفه‪ ،‬إىل "فضاء‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫حممد شرف‪ ،‬متثالت اجلسد يف الفنون البصرية احلديثة‬

‫‪ ،performance‬أو الرياضة‪ ،‬أو الرقص‪:‬‬ ‫السع وراء‬ ‫ي‬ ‫اإليماءة المثالية يتكرر بال كلل‪ ،‬حن الحصول عل‬ ‫ّ‬ ‫المرجوة"‪ .‬ثم يضيف يف مكان آخر‪" :‬أنا أعتي‬ ‫النتيجة‬ ‫ً‬ ‫نفىس أشبه بممثل كوميدي يلعب دورا يف مشح‬ ‫ي‬ ‫صامت‪ ...‬يبحث عن عاطفة حقيقية يف أعماقه‪"0‬‬

‫داخل" ذي‬ ‫معان فردية وجماعية‪ .‬من خالل مظهر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫شخوصه "الضخمة" نتصور أيقونات تتجه نحونا فيما‬ ‫ً‬ ‫يشبه المطاردة الشعورية‪ .‬الخلفية محايدة دائما لديه‪،‬‬ ‫كما لو كانت صورة الجسد كافية‪ ،‬من دون حاجة إىل‬ ‫ّ‬ ‫يخرب العمل‬ ‫عناض دخيلة‪ ،‬إذ أن حضورها قد‬ ‫ّ‬ ‫الجماع‪،‬‬ ‫ويدمره‪ .‬صور ييدد صداها يف الوعينا‬ ‫ي‬ ‫وتفعل فعلها يف نفوسنا كما فعلت قبلها أيقونات‬ ‫ّ‬ ‫األثي‪ ،‬كما‬ ‫نط‪ .‬الجسد هو موضوع‬ ‫المصور ر‬ ‫العرص ر‬ ‫البي ي‬ ‫الحظنا‪ ،‬أما فيما يختص بموضوعاته‪ ،‬فهو يقول‪" :‬من‬

‫ّ‬ ‫المتطرفة‬ ‫الفن المعاض يف ممارساته‬

‫قد يكون من النافل الحديث عن الممارسات الفنية‬ ‫ى‬ ‫المتعلقة بالجسد‬ ‫الغي‬ ‫اإلنسان يف قسمها‪،‬‬ ‫ًر‬ ‫ي‬ ‫الكثي من الجدال‪ ،‬علما‬ ‫"أنا أعترب نفسي أشبه مبمـثـل كـومـيـدي يـلـعـب مستفز‪ ،‬والذي لم ُي َي‬ ‫ر‬ ‫أن هذا الموضوع له أهميته الخاصة‪ ،‬ويمكن‬ ‫ى‬ ‫دوراًا يف مسرح صامت‪ ...‬يبحث عـن عـاطـفـة معالجته يف مناسبة مختلفة‪ .‬لذا فإننا نركز‬ ‫َ‬ ‫األكي‬ ‫اهتمامنا عل الممارسات األخرى‪،‬‬ ‫حقيقية يف أعماقه‪Louis Blanc ".‬‬ ‫‪.‬‬ ‫راديكالية إن االنطباع األول‪ ،‬الذي قد يدور يف‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫خلدنا‪ ،‬هو أن تلك التجسيدات المتطرفة للجسد قد‬ ‫تتكون لدي الفكرة استنادا إىل‬ ‫أجل تنفيذ صورة‪،‬‬ ‫تؤدي إىل اإلضار بمهمة تمثيل اإلنسان‪ ،‬ولكن‪ ،‬من‬ ‫جلسة سابقة‪ ،‬مع العلم أن األمر يختلف ربي عمل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الرصوري‪ ،‬أيضا‪ ،‬البحث عن معن هذه المقاربات‬ ‫صغي أحيانا من أجل حفظ‬ ‫وآخر‪ .‬أقوم بعمل سكتش‬ ‫ر‬ ‫معان هذا‬ ‫الفكرة يف ذاكرة الورق‪ .‬إن الفكرة تساعد عل‬ ‫الفنية المعاضة‪ ،‬مع األخذ يف االعتبار تعدد‬ ‫ي‬ ‫الفن‪ ،‬وعل المستوى‬ ‫الجسد عل المستوى‬ ‫االنطالق‪ ،‬أو البداية‪ ،‬وفيما بعد تحدث بعض‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫المفهوىم‪0‬‬ ‫ينتابن أثناء النظر إىل‬ ‫المتغيات‪ ،‬تبعا للشعور الذي‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫‪.‬‬ ‫يعكس الفنان المعاض‪ ،‬من دون شك‪ ،‬تراث االفتتان‬ ‫اف يشبه األداء‬ ‫اللقطات العديدة إن التصوير الفوتوغر ي‬ ‫‪65‬‬


‫حممد شرف‪ ،‬متثالت اجلسد يف الفنون البصرية احلديثة‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫بالجسد العاري‪ ،‬الذي بدأ منذ فية طويلة‪ .‬تؤكد مالحظات‬ ‫الفرنىس الراحل‪ ،‬عل االستمرارية ما ربي‬ ‫روستي‪ ،‬الفنان‬ ‫جان‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫التشكيل مع ما نشهده‬ ‫الغرن وتراثه‬ ‫األيقون للرسم‬ ‫التقليد‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫تبن أجسادا‬ ‫الحاىل‪ ،‬لكن‬ ‫يف الوقت‬ ‫المقاربات ً الحالية ال ي‬ ‫ي ُ‬ ‫ً‬ ‫وغي الئق‪ ،‬وذلك من‬ ‫عارية فحسب‪ ،‬بل تظهر عريا فاحشا ر‬ ‫خالل تمثيل أجساد مسنة‪ ،‬مريضة‪ ،‬غاضبة‪ ،‬هزيلة ومعوزة‪،‬‬ ‫مثية للشفقة‬ ‫وكأنها يف حالة محنة شديدة‪" .‬شخصيات ر‬ ‫ى‬ ‫تذكرنا بالمرض يف مستشق لألمراض النفسية‪ ،‬حيث تمارس‬ ‫وه سجينة يف عزلة ال يمكن عالجها"‪ ،‬عل ما‬ ‫العادة الشية‪ ،‬ي‬ ‫روستي‪0‬‬ ‫يشي‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫جيار‬ ‫كلي (االسم المستعار للكاتب ر‬ ‫إىل ذلك‪ ،‬خصص جان ر‬ ‫ا‬ ‫ً‬ ‫رينييه‪ ،‬عضو األكاديمية الفرنسية)‪ ،‬العام ‪ ،3003‬كتابا كامي‬ ‫الحاىل باألجساد المهملة والميوكة‬ ‫للتنديد باالفتتان‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫من المؤسف أن البرص‪ ،‬الذي هو أكيَ‬ ‫والممزقة‪ .‬وهو يفيد أنه‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫حواسنا‬ ‫األكي‬ ‫ذكاء‪ ،‬لم يعد ذا أهمية‪ ،‬بل إن الرائحة‪،‬‬ ‫الحيوان والرجل‬ ‫تثي المواجهة ربي اإلنسان‬ ‫حيوانية‪ ،‬ر‬ ‫ي‬ ‫المثقف‪ .‬اإلجراءات العامة االستفزازية‪ ،‬إنتاج الدمغات‪،‬‬ ‫تقديس الدعابات الجسدية‪ ،‬الممارسات السحرية الغامضة‬ ‫الخي ر‬ ‫الطليع‪،‬‬ ‫والش‪" .‬إن حركة الفنان‬ ‫تلع الفرق ربي ر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الن ي‬ ‫من ناحية أخرى‪ ،‬لن تنبع من هذه الرمزية القديمة للتقليد‬ ‫الحرك‪ ،‬ولكن من شيطانية الجسد المجزأ‪ ،‬الذي يقسم‬ ‫ي‬ ‫والخياىل‪ ،‬النموذج وتمثيله‪ ،‬فهو يضعهم يف مواجهة‬ ‫الواقع‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ويقض عليهم يف النهاية"‪ ،‬بحسب جان‬ ‫ينفجرون‪،‬‬ ‫ويجعلهم‬ ‫يً‬ ‫كلي‪ .‬هذا الكالم ُيعتي قاسيا فيما يتعلق باألعمال المعاضة‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫وهو يطرح المزيد من التساؤالت‪ ،‬ويستوجب نقاشا ال بد‬ ‫منه‪0‬‬ ‫ّ‬ ‫"المتطرفة" موجودة يف كل‬ ‫هكذا‪ ،‬يمكن القول إن األجساد‬ ‫الن‬ ‫مكان ّيف الفن ًالمعاض‪ ،‬وكذلك اآلراء المحيطة بهذا الفن ي‬ ‫ّ‬ ‫تطرفا‪ .‬يف هذا اإلطار‪ ،‬ال بد من ذكر ما أدرجه‬ ‫ال تقل‬ ‫المثي للجدل ميشيل أونفراي‪ ،‬عام‬ ‫الفرنىس‬ ‫الفيلسوف‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ملء بالمنتجات المستنسخة‪.‬‬ ‫‪ ،3002‬ر‬ ‫حيّ قال‪" :‬إن السوق ي‬ ‫يكق االطالع عل ما يدور يف البيناليات‪ ،‬والمعارض‪،‬‬ ‫إذ‬ ‫ي‬ ‫صغي‬ ‫والمجالت المتخصصة‪ ،‬واألماكن المؤسسية ‪-‬عالم‬ ‫ر‬ ‫المرض يف‬ ‫بشكل مدهش‪ -‬لمعرفة ما يعمل علم النفس‬ ‫ي‬ ‫غي مير‪،‬‬ ‫الخلفية‪ :‬تصعيد التخريب من أجل ذاته يف استفزاز ر‬ ‫من دون هدف نهان يفض إليه ويضق عليه ر‬ ‫الشعية؛ عوز‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫‪66‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫حممد شرف‪ ،‬متثالت اجلسد يف الفنون البصرية احلديثة‬

‫فن هو ثمرة‬ ‫األحيان من‬ ‫خالل إدراكه ًأن كل عمل ي‬ ‫ً‬ ‫جسم ر‬ ‫بشي‪ ،‬فكريا أو جسديا‪0‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تضق هذه األساليب الفنية المستفزة‪ ،‬وأحيانا‬ ‫غالبا ما‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫البغيضة‪ ،‬والجذابة يف بعض األحيان‪ُ ،‬بعدا جديدا عل‬ ‫الجسد‪ .‬وإذ هو‪ ،‬يف الوقت نفسه‪ ،‬الوسيط واألداة‪،‬‬ ‫عنرصا ً‬ ‫ً‬ ‫ومادة الخلق والدمار‪ ،‬فإنه ُيعتي‬ ‫مهما يف الفن‬ ‫ايل‪،‬‬ ‫المعاض‪ .‬يمكننا االستشهاد بالكاتب‬ ‫سايل أور ي‬ ‫ي‬ ‫الذي كتب بعد دراسة استجواب الجسد ر‬ ‫البشي يف‬ ‫"ف الفن‪ ،‬جسم اإلنسان هو مفهوم‬ ‫الفن عن كثب‪ :‬ي‬ ‫وف الواقع ال يوجد فن من دون جسد‪"0‬‬ ‫أساس‪ ،‬ي‬ ‫ي‬

‫يف الخلفية الفكرية‪ ،‬عدم وجود أي منظور للذات؛‬ ‫التمتع بالتوحد واالنتماء؛ تهدئة الممارسات العالجية‬ ‫المصحوبة بعشق األنا واليجسية المنظمة؛ افتتان‬ ‫بالقمامة والقذارة الغامضة والموت؛ االنحدار الشامل‬ ‫وتكريس الفن الهابط‪000‬‬ ‫لكن‪ ،‬ومن وجهة نظر أخرى‪ ،‬صحيح أن جسد اإلنسان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫شيئا ً‬ ‫ماديا يف الفن‪ ،‬ولكنه يؤدي أيضا وظائف‬ ‫يصبح‬ ‫أخرى مختلفة‪ .‬إذ‪ ،‬عل سبيل المثال‪ ،‬يمكن لجسم‬ ‫ً‬ ‫يشي إىل العلم‪ ،‬وذلك من خالل‬ ‫اإلنسان أحيانا أن ر‬ ‫الفناني عن الجمال‬ ‫أعمال يكشف لنا فيها بعض‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫وبالتاىل يصبح شيئا‬ ‫الداخل‪ ،‬وكذلك تعقيد الجسد‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ً ي ً‬ ‫ً‬ ‫تعليميا‪ .‬وال بد من القول إن جسم‬ ‫برصيا بحتا أو حن‬ ‫ً‬ ‫الكثي‬ ‫اإلنسان يرتبط غالبا بالمجال‬ ‫يثي ر‬ ‫العلىم‪ ،‬بل إنه ر‬ ‫ي‬ ‫من الجدال داخل هذه البيئة‪ ،‬ويــهتم العديد من‬ ‫الفناني باالستنساخ وعلم الوراثة ر‬ ‫والتأثيات‬ ‫البشية‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ى‬ ‫ّ‬ ‫الصاف فإن الجسم‬ ‫العلمية‪ .‬أما فيما يتعلق بالفن‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫كثي من‬ ‫البشي يخلق العمل بمساعدة الفكر‪ ،‬أو يف ر‬

‫َ‬ ‫نشي‪،‬‬ ‫لتوضيح هذه الفكرة بشكل أكي دقة‪ ،‬يمكننا أن ر‬ ‫ً‬ ‫الفرنىس الذي‬ ‫أيضا‪ ،‬إىل ميشيل جورنيك‪ ،‬الفنان‬ ‫ي‬ ‫أسس فن الجسد يف فرنسا‪ ،‬وهو القائل‪ ،‬إن الجسد هو‬ ‫موقع كل العالمات‪ ،‬كل الجروح‪ ،‬كل اآلثار‪ .‬يف لحم‬ ‫ونواه وعنف… إنه الجسد‬ ‫الجسد تعذيب محفور‬ ‫ٍ‬ ‫الذي يتكلم“•‬

‫‪67‬‬


‫موليم العروسي‪ ،‬طالل معال‪ ،‬يوسف ليمود‪ ،‬بنيونس عمريوش‪ ،‬بومجعة أشفري‪ ،‬أمحد لطف اهلل‬

‫‪68‬‬


‫قيس عيسى‪ ،‬حتوالت اجلسد وأثر النمذجة املفاهيمية يف التشكيل املعاصر‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫الجسد المعاض لم يتشكل يف بنية مغلقة‪ ،‬كما يف زمن الحداثة وما قبلها‪0‬‬ ‫تمثل الجسد يف زمن ما قبل الحداثة يف اإلنسان الذي ابتكر الفن والدين والعلم‪.‬‬ ‫ُ ُ‬ ‫ونمذجة الجسد ر‬ ‫البشي كأنها ت َم ِسد ُه يف‬ ‫صياغة‬ ‫فاجتمعت هذه الموضوعات يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫نظام ُمحكم‪ .‬موضوعة الدين تمثلت يف الجسد‪ ،‬والعلم هو النظام الذي يبن منه‬ ‫ٍ‬ ‫ُ ُ‬ ‫الن يصا ِبها الجسد‪0‬‬ ‫الجسد‪ ،‬والفن هو‬ ‫الصورة َ َ ي‬ ‫ُ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫فكان فكر الفنان يصا ِبمتخي ٍل يتواشج فيه الدين والعلم والفن‪ .‬هذا التواشج‬ ‫‪ُ ُ َُ .‬ا َ‬ ‫المتخ َّيل‬ ‫حيل‬ ‫اإلنسان الموازي للجسد‬ ‫أدى إىل ابتكار صورة الجسد‬ ‫الطبيع في ِ‬ ‫ي‬ ‫ي َ َّ‬ ‫َ َ‬ ‫كثي من المرجعيات الحضارية‬ ‫الشدي اللغوي إىل ُمتخ َّيل برصي‪ ،‬وتمثل هذا يف ر‬ ‫والدينية والحكايات األسطورية‪ ،‬وحن األحداث االجتماعية؛ عل سبيل المثال‬ ‫‪69‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫قيس عيسى‪ ،‬حتوالت اجلسد وأثر النمذجة املفاهيمية يف التشكيل املعاصر‬

‫ً‬ ‫ا‬ ‫كبيا يف الصياغات العلمية يف وضع‬ ‫أحدثت تحوق ر‬ ‫قواني النسب العلمية الدقيقة للهيكل ر‬ ‫البشي‪ ،‬بل‬ ‫ر‬ ‫الخارج والحجم والكتلة إىل الدخول‬ ‫المظهر‬ ‫تعدى‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ف حقل آخر مهم وهو حقل الطب ر‬ ‫والتشي ــح‬ ‫البشي‬ ‫ي‬ ‫التفصيل للجسد من أجل الوصول إىل نسب دقيقة‬ ‫ي‬ ‫وعلمية يف إنشاء الجسد‪ .‬إذن اتصف الجسد يف حقل‬ ‫ُ‬ ‫واز للجسد‬ ‫الفن يف زمن ما قبل‬ ‫الحداثة بأنه تجسيد م ٍ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫الواقع‪ ،‬كونه ِصيغ بأنظمة علمية دقيقة‪0‬‬ ‫البشي‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫أما االنزياح الثالث والمهم فهو إنتاج صورة تنسب إىل‬ ‫يكتف الفنان‬ ‫حقل إنتاج مهم يدع "الفن"‪ ،‬حيث لم‬ ‫ِ‬ ‫بالمطابقة والمجاورة بل بإبراز قيم الجمال والشعور‬ ‫اإلنسان تجاه تلك األحداث‪ ،‬كأن الفنان زاول ُمهمة‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تحويل المسج الشدي إىل مسج برصي (رسما ونحتا)‬ ‫كأنهما بمثابة شاشة عرض أو إحدى مظاهر الفرجة يف‬ ‫ذلك الزمن‪ .‬ألهميتها‬ ‫أعن (الشاشة) يف توثيق‬ ‫ي‬ ‫األحداث وثبات صورتها ف الذهن ر‬ ‫ألزمنة‬ ‫البشي‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫الحقة‪ُ .‬مضيفا إىل ذلك توثيقا برصيا ألشكال الحياة‬ ‫ُ‬ ‫المعاشة بكل تفاصيلها من عمائر وزخارف ومعارك‬ ‫ً‬ ‫وأزياء وصور أشخاص (ملوكا وأنبياء وفالسفة وعلماء‬

‫فن‬ ‫تحولت حادثة إعدام (سقراط بالسم) إىل عمل ي‬ ‫الكثي من الشديات‬ ‫ُمهيب للفنان رافائيل‪ .‬وتحولت‬ ‫ر‬ ‫الدينية إىل َمشاهد برصية‪ ،‬كما يف لوحة "العشاء‬ ‫ر‬ ‫دانن تحولت‬ ‫األخي" للفنان ليوناردو‬ ‫ر‬ ‫دافنىس‪ .‬وأشعار ي‬ ‫ي‬ ‫أوجي دوالكروا المسماة بـ‬ ‫إىل لوحة عظيمة للفنان‬ ‫ر‬ ‫"جحيم‬ ‫دانن"‪ ...‬هذا عل الصعيد األول لالنزياحات‬ ‫ي‬ ‫الن مارسها الفنان عل الحقول المجاورة؛‬ ‫ر‬ ‫الكبية ي‬ ‫بمفاصل ِه الثالثة‬ ‫فاالنزياح األول ركز عل الموضوع‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫(الدينية واالجتماعية والنتاجات الفكرية) المتمثلة يف‬ ‫(الشعر والرواية والفلسفة)‪0‬‬ ‫الثان فقد تمثل يف "نمذجة" الفنان‬ ‫أما االنزياح‬ ‫ي‬ ‫للخطابات الشدية وتحويلها إىل خطابات شد برصية‬ ‫َّ‬ ‫من خالل توظيف حقل العلم‪ ،‬حيث وظف الفنان‬ ‫وف‬ ‫"النظم المنطقية" يف إنشاء السطح البرصي ي‬ ‫تكوين وصياغة الجسد ر‬ ‫البشي‪ .‬فاستخدم الفنانون‬ ‫طرق ُمختلفة يف بناء الصورة البرصية المرسومة من‬ ‫الخط والقيم‬ ‫خالل الهندسة واستخدام المنظور‬ ‫ي‬ ‫المستخدمة ف ُ‬ ‫الظلية واللونية ُ‬ ‫المخططات المعمارية‬ ‫ي‬ ‫الن‬ ‫وتحويلها إىل أنظمة فاعلة يف نمذجة الجسد‪ ،‬ي‬

‫‪71‬‬


‫قيس عيسى‪ ،‬حتوالت اجلسد وأثر النمذجة املفاهيمية يف التشكيل املعاصر‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫َّ‬ ‫الواقع الشدي‪ .‬فخيال الفنان وظف يف نمذجة‬ ‫ي‬ ‫التكوينات ر‬ ‫البشية يف ثالثة أبعاد (طول وعرض وعمق)‬ ‫ُ‬ ‫تلق وإنما‬ ‫‪ ،‬وباث واحد للرسالة‬ ‫ليس الفنان وال الم ي‬ ‫ً‬ ‫السارد‪ ،‬سواء كان شاعرا أو نبيا أو فيلسوفا‪ ،‬وثقوا‬ ‫ر‬ ‫بىسء من‬ ‫أحداثا اجتماعية واقعية‪ .‬حن ولو اتصفت ي‬ ‫الواقع سوى‬ ‫فش طفيفة ال تتجاوز حدها‬ ‫الخيال ي‬ ‫ي‬ ‫الن أصابت الجسد كمخلوق‬ ‫ببعض التحويرات ي‬ ‫(القينطور) جسد حصان ورأس إنسان أو (كيوبيد)‬ ‫بجناحي‪ ،‬أي أنها نمذجة شكل األجساد وفق‬ ‫طفل‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫تلق لم يلجئا إىل‬ ‫نظام بنيتها الشدية‪ .‬فالفنان والم ي‬ ‫حقل التأويل (للعالمات ُ‬ ‫المضمرة)‪ ،‬بل إىل حقل‬ ‫االستقبال واالستمتاع بهذا النتاج الموازي للنتاج‬ ‫الواقع‪0‬‬ ‫الطبيع‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أما يف زمن الحداثة تخل الفنان عن الجسد بوصفه‬

‫وفناني)‪ .‬فكان الرسم والنحت بمثابة آلة‬ ‫وأدباء‬ ‫ر‬ ‫تصوير العرص يف ذلك الزمن‪ .‬عل الرغم من أنه أدى‬ ‫حرفة‪ ،‬لكنه انعتق من الحرفة عي ديمومة رسالته‬ ‫الن استمرت إىل زمننا المعاض‪ .‬وتمثلت‬ ‫اإلنسانية ي‬ ‫هذه الرسالة بأن الفن هو عدسة تعكس صورة ذلك‬ ‫وتؤش سلبياته وإيجابياته‪ ،‬كما ر‬ ‫ر‬ ‫العرص‪.‬‬ ‫تؤش إبداعات‬ ‫وابتكارات الفنان يف كل عرص‪0‬‬ ‫ُ‬ ‫لكن هذا انعكس عل الفن فجعله يتصف بأنه وحدة‬ ‫ُمنغلقة يف ذلك الزمن‪ ،‬حيث أنه مثل الحقول‬ ‫ُ‬ ‫الن انزاح عليها‪ .‬أي أنه فن تغلب عليه صفة‬ ‫المجاورة‬ ‫ي‬ ‫التمثيل‪ ،‬أي فن ُيجسد الواقع بكل تفاصيله‪ .‬فهذه بنية‬ ‫تعط الفنان مساحات واسعة لالبتكار‬ ‫مغلقة لم‬ ‫ِ‬ ‫َُ َ‬ ‫َّ‬ ‫واالختالف‪ ،‬فكان مفهوم النتاج المتخيل يف تلك الفية‬ ‫يتصف بالنمذجة الشكلية ُ‬ ‫المستندة إىل التمثيل‬ ‫‪70‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫قيس عيسى‪ ،‬حتوالت اجلسد وأثر النمذجة املفاهيمية يف التشكيل املعاصر‬

‫بنية ثابتة ُ‬ ‫ومغلقة التأويل والتشكيل‪ ،‬فاستعاض عن‬ ‫الجسد بالمشاعر َ‬ ‫أكي من الصورة‪ ،‬واستعان بالبنية‬ ‫ً‬ ‫الداخلية ونمذجتها مفاهيميا َ‬ ‫أكي من واقعها الشدي‬ ‫ُ‬ ‫الم ر‬ ‫قواني ِاالستعارة‬ ‫باش‪ .‬حيث انزاح فعل الفنان عل‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫الفن تركيبيا‬ ‫ِ‬ ‫واالستعاضة بدل التمثيل‪ ،‬فأصبح النتاج ي‬ ‫ُ‬ ‫بوصفه‬ ‫الواقع‬ ‫ُي رثي االختالف عن الثابت المعط‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫فرض ُمسبق‪ .‬فأنتج الفنان ُمتخ َّيال برصيا يتجاوز‬ ‫الرياض‪ ،‬فحول شكل‬ ‫الواقع ويتصف بالتجريد‬ ‫ي‬ ‫ِاإلنسان إىل ُمجرد خطوط ومكعبات‪ ،‬بل تعدى‬ ‫ُ‬ ‫المجاورة والمضايفة إىل التحوير واالختالف‪ ،‬كما يف‬ ‫أعمال بيكاسو (المرأة الباكية)‪ ،‬وأعمال الفنان‬ ‫موديليان (رجل مع غليون)‪ ،‬وأعمال ماتيس (الفنان‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫واألكي من ذلك دخول حقل جديد‬ ‫مع الموديل)؛‬ ‫النفىس (فرويد)‪،‬‬ ‫انزاح عليه الفنان هو نظرية الطب‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫الفناني (جورج روؤه‪،‬‬ ‫كثيا يف أعمال‬ ‫وتمثل هذا ر‬ ‫ر‬ ‫وغيهم‬ ‫ُماتيس‪ ،‬خوان رميو‪ ،‬إدورد مونخ‪ ،‬دي كونغ)‪ ،‬ر‬ ‫ك َي‪0‬‬ ‫ر‬ ‫العشين‪ ،‬تم استعارة وتفكيك شكل‬ ‫بحلول القرن‬ ‫الرسامي من‬ ‫جسد اإلنسان وإعادة تجميعه من قبل‬ ‫ر‬ ‫مختلف المدارس الطليعية لدرجة تشويــهه‪ .‬كأنه سماع‬ ‫ضجيج لمختلف األصوات يف آن واحد‪ .‬الفعل‬ ‫ُ‬ ‫الن نهضت‬ ‫التجرين كان مهيمنا عل تلك اللحظة ي‬ ‫ي‬ ‫فيها التيارات الفنية ُ‬ ‫وس َ‬ ‫حب التصوير نحو السطح‬

‫التعبيي‬ ‫التجريدي الذي ُيسيطر عليه الجانب‬ ‫ر‬ ‫والتقن‪ .‬هل هذا ما أوصلنا إليه فرويد ونيتشه‪ ،‬وما‬ ‫ي‬ ‫أثارته الحرب؟ عل سبيل المثال ال الحرص‪( ...‬هذه‬ ‫الن‬ ‫ثالثة‬ ‫ر‬ ‫تفسيات مبدئية لكل هذه االضطرابات) ي‬

‫‪72‬‬


‫قيس عيسى‪ ،‬حتوالت اجلسد وأثر النمذجة املفاهيمية يف التشكيل املعاصر‬

‫اعتمدها الفنان‪ ،‬هذا الرفض القاطع لقبول شهادة‬ ‫ً‬ ‫العي ر‬ ‫التفسي‪ ،‬فإن‬ ‫البشية لما وصلنا إليه؟ ّأيا كان‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الجسد ر‬ ‫البشي بدأ ُيشبه أنموذجا جديدا حيث يتم‬ ‫بطء عي مصنع اإلنسان‪ ،‬ال يوجد‬ ‫العبث به بمسار ي‬ ‫استنتاج أنيق ومصفوف يف اللوحة‪ .‬ليس هناك تأمل‬ ‫َ ُ‬ ‫األساس‬ ‫سهل عل السطح‪ ،‬وال احتفال بالتماثل‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫دافنىس يف رسوماته‬ ‫اإلنسان‪ .‬ما ابتكره‬ ‫للشكل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الن أدت‬ ‫العظيمة يف تلك الفيات الطويلة من الفن ي‬ ‫ر‬ ‫يتماس بطريقة ما‬ ‫إىل استنتاج مفاده أن اإلنسان كان‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫اإللش لألشياء كوجود مفيض مسبقا‪ .‬لم‬ ‫مع النظام‬ ‫ي‬ ‫تعد هناك أي طريقة تدعم فيها (امرأة دي كونغ) أي‬ ‫ر‬ ‫ه بمفردها خارج‬ ‫بن البش‪ .‬ي‬ ‫فكرة عن الوئام ربي ي‬ ‫العيني يف كل صخبها‬ ‫التوقع‪ ،‬وتحدق بنا ُمنتفخة‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫وه‬ ‫الغامض جامحة تماما‪ ،‬تنفجر عند كل التماس‪ .‬ي‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫عل قيد الحياة يف سياق عام من القسوة المرسومة ‪-‬‬ ‫تتوقف ضبات فرشاة هذه اللوحة يف العديد من‬ ‫ُ‬ ‫االتجاهات ُ‬ ‫غي‬ ‫المختلفة‪ ،‬يف الواقع إنها تشبه التكتل ر‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫تقريبا‬ ‫المستقر لألجزاء‪ ،‬الفنان يف حالة حرب مع نفسه‬ ‫ مثال صارخ وفظيع ُ‬‫ومتذمر ضد ما ارتكب من أعمال‬ ‫ر‬ ‫البشي‪ ،‬ال يزال‬ ‫عنف ال توصف عل الجنس‬ ‫وه واحدة من سلسلة‬ ‫(ديغونغ) يف هذه اللوحة‪ ،‬ي‬ ‫المحاوالت ر‬ ‫الشسة العديدة لتقديم الجسد األنثوي‬ ‫ُ‬ ‫الذي نمذج بمفهوم القسوة‪0‬‬ ‫ُ‬ ‫تقبع خلفه عدمية‬ ‫اإلنسان‬ ‫هذا التهشيم للشكل‬ ‫ي‬ ‫(نيتشه) ُ‬ ‫المفرطة‪ ،‬أي أن جوهر عدمية (نيتشه)‬ ‫وسلن ومضاد للحياة‪ ،‬وأن‬ ‫ارتكاس‬ ‫تحطيم كل ما هو‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫األساس (لبناء معبد‬ ‫هذا الهدم والتحطيم هو الشط‬ ‫ي‬ ‫جديد ال بد من تهديم معبد قديم)‪ ،‬لذا جاءت عدمية‬ ‫مرحلتي‪ :‬األوىل تحطيم وهدم كل ما هو‬ ‫نيتشه عل‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫والن تسلب الفرد حريته‬ ‫ارتكاس من القيم السائدة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫وتفقده السلطة عل نفسه وعل األشياء‪ ،‬وتغريه يف‬ ‫عالم غريب عنه يخضع لقيم متعالية عليه وخارجة‬ ‫ه بناء‬ ‫عنه‪ ،‬وال تمت له بأي ُصلة؛ والمرحلة الثانية ي‬ ‫وصياغة قيم جديدة تمهد لظهور اإلنسان األعل‪،‬‬ ‫اإلنسان المتجاوز لذاته باستمرار‪0‬‬ ‫الن حولت الفن من‬ ‫هذه العدمية جزء من األسباب ي‬ ‫التأمل الشدي الذي تحكيه ُمشخصات األعمال‬ ‫تفكي جزء منها رافضة‬ ‫الواقعية إىل طرق وآليات‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫للثابت وجزء آخر يساير التطور الذي أسبغه العلم‬ ‫عل الحياة بصفة عامة‪ ،‬فكانت من مؤسسات الفكر‬ ‫الن يتسي‬ ‫التجريدي هو التقنية كوسيلة إظهارية‪ ً ،‬ي‬ ‫ثان‪ ،‬زائدا المستوى‬ ‫خلفها الموضوع‬ ‫الفن كمستوى ٍ‬ ‫ي‬ ‫الواقع‬ ‫التشفي الذي يتوسط ربي‬ ‫الدالىل وهو حد‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫الذي تحول إىل سطح مجرد‪0‬‬ ‫(ف‬ ‫وهذا ما سنالحظه ُ يف أعمال الفنان إدوارد مونخ ي‬ ‫لوحته "الرصخة") يزيل كتلة الجسد ويحوله إىل روح‬ ‫ُ‬ ‫تنفلت من‬ ‫خفيفة شبحية تلتاع من شدة األلم كأنها‬ ‫ً‬ ‫سجن الجسد روحا مائعة تستحرص ألم المرض‬ ‫والعوز‪ ،‬ويجعلها بطبقة أعل من كينونة الجسد‪ .‬إذن‬ ‫السايكولوج يك يظهر قوة‬ ‫هنا أدخل الفنان الضاغط‬ ‫ي‬ ‫‪73‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫قيس عيسى‪ ،‬حتوالت اجلسد وأثر النمذجة املفاهيمية يف التشكيل املعاصر‬

‫العاطق عل قوة االنفعال الجسدي‪ .‬فالفنان‬ ‫االنفعال‬ ‫ي‬ ‫تخل عن الموضوعات الشدية السابقة الذكر‬ ‫ً‬ ‫وه‬ ‫باإلنسان‪،‬‬ ‫فتكا‬ ‫واستعاض عنها بموضوعات أشد‬ ‫ي‬ ‫تحطيم اإلنسان من الداخل أشد عذابا من الشديات‬ ‫ٌ‬ ‫بحث آخر يؤديه الفنان فهو ُ‬ ‫المؤلف‬ ‫التأريخية؛ هنا‬ ‫للنص ُ‬ ‫يستعي بالمرويات وإنما هو يعيش‬ ‫ومنتجه ال‬ ‫ر‬ ‫عرصه ويشيده بإحساس عميق يكتيه األلم‪0‬‬ ‫الخارج‬ ‫بينما استعان الفنان (دي كونغ) بالضاغط‬ ‫ي‬ ‫عل الجسد كأن الجسد آلة تتحطم بعد االستهالك‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫وينق‪ .‬فالفنان كان مؤوق لكل ممارسات عرصه موغي‬ ‫ً‬ ‫لمصي االنسان‪0‬‬ ‫حادسا‬ ‫يف‬ ‫ر‬ ‫عالماته الضامرة‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫سع الفنان لصياغة أيقونات عرصه لتمثل أحداثا‬ ‫كان ي‬ ‫َ​َ َ‬ ‫ر‬ ‫"الگينيكا" للفنان بيكاسو‬ ‫ببن البش كلوحة‬ ‫فتكت‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫َ َ‬ ‫الذي نمذ َج الخطاب البرصي كأيقون ُي َمثل (بيكاسو)‬ ‫نفسه‪ .‬فابتكر اليامن بعد‬ ‫بحث يف علوم ُمجاورة‬ ‫ٍ‬ ‫ات استمرت ألشهر مع عالم الرياضيات‬ ‫وحوار ٍ‬ ‫ُ‬ ‫(جوفريه) حول أهمية دخول البعد الرابع يف اللوحة‬ ‫سيان‪ ،‬لكن لم تكتمل الرؤى إال‬ ‫الذي أسس له الفنان ر‬ ‫العلىم الدقيق‪ .‬فأنسن‬ ‫بعد أن صا بيكاسو أساسها‬ ‫ا ي‬ ‫طاقات‬ ‫بيكاسو األشكال الهندسية ُمحوق إياها إىل‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫الواقع‬ ‫التمثيل‬ ‫عن‬ ‫بتعدا‬ ‫تعبيية يف غاية الروعة‪ُ ،‬م‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫يستدع ما يف الذهن البشي من نتاج‬ ‫ألنه أراد أن‬ ‫ي‬ ‫وعاطق دون الحاجة إىل أشكال جاهزة توصف‬ ‫معرف‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ي ً‬ ‫بأنها تمثل وجودا ثابتا سابق التحقق عل إرادتنا‬ ‫البشية‪ .‬وهذا ما أشار أليه جيل دولوز ر‬ ‫ر‬ ‫بمشوعه‬ ‫نشي إليه اآلن يف هذا المقال حول‬ ‫االختالف‪ ،‬وما ر‬ ‫ُ‬ ‫الطبيع الذي استند إىل نمذجة‬ ‫واز للكون‬ ‫إنتاج كون م ٍ‬ ‫ي‬ ‫تستقض العالمات الضامرة يف األحداث‬ ‫مفاهيمية‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫والموجودات لتنتج ما هو مختلف عنها شكي متغايرا‬ ‫يف البناء والموضوع ‪0‬‬

‫ُ‬ ‫تحوله إىل تشكيل برصي‪0‬‬ ‫عند تحري أشكال الكائنات باختالف أنواعها‪ ،‬سواء‬ ‫ر ً‬ ‫بشا أم حيوانات أم نباتات وحن الجمادات‪،‬‬ ‫كانت‬ ‫َ‬ ‫فإنها تشكلت يف ِصي ٍغ تختلف عن األشكال الهندسية‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫إق بعدما حولها اإلنسان إىل كيانات مفاهيمية يف‬ ‫الواقع‬ ‫منظومة معرفية‪ ،‬تتمدد بتأويلها خارج وجودها‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫الم ر‬ ‫باش إىل أشكال ُمجردة‪ ،‬وذلك عند النظر إىل الجبل‬ ‫غي ُمنتظمة‬ ‫كما يف الواقع فإنه يتشكل من خطوط ر‬ ‫ُ‬ ‫فأحاله اإلنسان إىل ابتكار ُمذهل وهو المثلث كوحدة‬ ‫ُ ً‬ ‫قياس وشكل ُمجرد يكتق بمفهومه ُ‬ ‫المجرد مبعدا‬ ‫ي‬ ‫الحىس الذي كان يتصف بالجبل‪،‬‬ ‫مفهومه‬ ‫الواقع ُ ي‬ ‫ي‬ ‫فاكتىس بمفاهيم يدركها العقل؛ وهذا التنظيم يف‬ ‫والوع‪ ،‬كأن نقول (كل‬ ‫الشكل لحقه تنظيم يف اإلدراك‬ ‫ي‬ ‫ضلعي قائمي ُي ُ‬ ‫قابلهما وتر) تكون (زاويتها ‪20‬ه)‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫عندها ندرك أن هذا مثلث متكون من ثالثة أضالع‪.‬‬ ‫اشتغال المنطق هنا داللة عل تفوق اإلنسان يف إحالة‬ ‫األشكال واألشياء من الواقع البرصي إىل مفاهيم‬

‫ه‬ ‫النمذجة المفاهيمية (‪)Conceptual modeling‬‬ ‫يً‬ ‫البحث يف المفاهيم ودالالتها الضامرة بوصفها أرضا‬ ‫ب ً‬ ‫يستق منها طاقته اإلبداعية‪،‬‬ ‫كرا أو مادة خاما للفكر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫صيورة دائمة وتحول دائم‪ .‬إذن‬ ‫ف‬ ‫الفن‬ ‫تجعل‬ ‫فش‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫الىسء‪ ،‬ومن ثم‬ ‫ه تبحث يف المفهوم الكامن يف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫‪74‬‬


‫قيس عيسى‪ ،‬حتوالت اجلسد وأثر النمذجة املفاهيمية يف التشكيل املعاصر‬

‫ُمدركة بالعقل‪ ،‬وهذا تطور يف المنظومة الفكرية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ا‬ ‫الن تحاول أن تخلق ُمعادق برصيا ومفاهيميا‬ ‫لإلنسان ً ي‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫يأن‬ ‫أكي انتظاما وأدق مقياسا من اإلدراك‬ ‫الحىس الذي ي‬ ‫ي‬ ‫عن طريق الحواس‪0‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫عندما نرسم شكي هندسيا ُمجردا‪ ،‬كأن يكون مربعا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫خال من أي معن إق إذا اشيك مع عناض أخرى‬ ‫فإنه ٍ‬ ‫ُ‬ ‫مذ َج داخل مجموعة هندسية أخرى فإنه سيتحول‬ ‫أو ن ِ‬ ‫إىل معن ووظيفة‪ .‬عل سبيل المثال عند إحالته إىل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫شباك‪ ،‬فتبن الداللة هنا عل حالة الموضوع‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫المخصص للتأويل كأن يكون شباك السجن أو شباك‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ذاكر مغلق؛ فهنا ستحال الداللة إىل خارج وجودها‬ ‫ت‬ ‫ٍ‬ ‫المباش‪ ،‬إىل افياض آخر للتأويل‪ ،‬عندها ُ‬ ‫ر‬ ‫سيبن‬ ‫التأويل حسب الظاهرة ُ‬ ‫المشار إليها أو الغائبة عنها‪،‬‬ ‫هذا التوصيف عل مستوى الداللة‪ .‬أما عل مستوى‬ ‫الفهم واليهان يف العلم فسيكون شكل المربــع ما هو‬ ‫ّ‬ ‫إق انجماع لزوايا ُمفيض أنها قائمة تتشكل قيمتها‬ ‫كقياس من خالل الحساب والمنطق ألضالع المربــع‬ ‫اهي‬ ‫القائمة (بدرجة ‪20‬ه) عند تحقق هذه الي ر‬ ‫ُ‬ ‫كمفاهيم عقلية بوصفها لغة منطقية تدرك بواسطة‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫العقل فهنا تكون النتائج حقائق ُمدركة بالعقل ال‬ ‫بالحواس فقط‪ .‬هذا المثال يصوب التقريب من‬ ‫والن‬ ‫مفهوم النمذجة المفاهيمية كاصطالح مركب‪،‬‬ ‫ي‬ ‫يقصد بها الكاتب بأنها شكل ُمنمذج أو عناض مختلفة‬ ‫ُ‬ ‫المنطق‬ ‫الوع‬ ‫يستدع‬ ‫ُجمعت ونمذجت يف مفهوم‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫والمعرفة‪0‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫قر ُبنا من مقولة الفنان مايكل أنجلو "إن الذي‬ ‫وهذا ي ِ‬ ‫الن تكمن وراء ما‬ ‫أريد أن أريه يف‬ ‫عمل هو ُالفكرة ي‬ ‫ي‬ ‫يسىم بالحقيقة‪ .‬فأنا أبحث عن الجش الذي يصل‬ ‫ُ‬ ‫بالالمرن"؛ لهذا تشكل القصدية واإلرادة‬ ‫المرن‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫الوع‬ ‫الواعية للفنان فاعلية اإلحالة المتبادلة ربي‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫تنهار القسمة المصطنعة ربي‬ ‫وموضوعه‪ِ ،‬عندها‬ ‫ِ‬ ‫الذات والموضوع‪ ،‬والتقابل ربي المثالية والواقعية‪.‬‬ ‫ر‬ ‫المباشة‪،‬‬ ‫بحيث يفهم الموضوع كما يبدو يف الخية‬ ‫ا‬ ‫(كما يف المثال السابق للمربــع)‪ ،‬بوصفها أفعاق خاصة‬ ‫ه بنيات وتراكيب تتعلق بذات‬ ‫بالوع من حيث ي‬ ‫ي‬ ‫المضامي‬ ‫وصف‬ ‫من‬ ‫البد‬ ‫لذلك‬ ‫التجريبية‪،‬‬ ‫الفنان‬ ‫ر‬ ‫الوع‪ ،‬أي بتقديم الفروض‬ ‫الخالصة لما هو حاض يف‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫بوصفها ُمقدمات لحقائق موجودة مسبقا يف الذهن‬

‫‪75‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫قيس عيسى‪ ،‬حتوالت اجلسد وأثر النمذجة املفاهيمية يف التشكيل املعاصر‬

‫النق‬ ‫بهيآت مختلفة عي الزمن‪ ،‬وهذا يؤكد حالة‬ ‫ي‬ ‫للثابت والتحول إىل مديات جديدة للفكر ر‬ ‫البشي عي‬ ‫المفاهيم واألشكال‪ .‬ممكن توصيف النمذجة بأنها‬ ‫ابتكارات للمفهوم وتحويله إىل تشكيالت برصية‪0‬‬ ‫يشي إىل الشكل‬ ‫يف بعض األعمال الفنية ًهناك ما ر‬ ‫السابق‬ ‫(الطبيع)‪ ،‬وأحيانا تكون المسافة الفاصلة‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫األصل‪،‬‬ ‫كبية جدا ما ربي الشكل المرسوم والشكل‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫الن خاضها الفنان‬ ‫وهذا االختالف يرجع إىل التجربة ي‬ ‫الن توصف بأنها‬ ‫يف التفكيك واإلضافة والحذف ي‬ ‫آليات النمذجة المفاهيمية ضمن رؤية جديدة‬ ‫باتجاهي‪:‬‬ ‫الفن يتحرك‬ ‫ُمبتكرها الفنان‪ ،‬فإن العمل‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫اتجاه المنطق واتجاه الحس؛ اتجاه يسع إىل الدقة‬ ‫واإلتقان واتجاه يسع إىل اإلثارة الحسية والجمالية‬ ‫واالنفالت من القانون‪ .‬وهذا التداخل ما ربي المنطق‬ ‫يعط للعمل قيمته‪ ،‬وهو ما يسمح‬ ‫والحس هو ما‬ ‫ي‬ ‫األصل مرة ثانية عل نحو مختلف‪0‬‬ ‫بإعادة بناء الشكل‬ ‫ي‬ ‫األصل‪ ،‬فلدينا‬ ‫نكتق بالمشهد‬ ‫الفن ال‬ ‫فق العمل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫سء آخر له نفس األهمية‪ ،‬هو "األنا" أو الذات‪ ،‬فما‬ ‫ي‬ ‫األصل‬ ‫الفن ليس هو المشهد‬ ‫ينعكس داخل العمل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫فقط‪ ،‬وإنما هو مزي ــج من انصهار هذا األصل بذات‬ ‫الن‬ ‫الفنان‪ ،‬األنا‬ ‫وه ي‬ ‫الن تصنع المسافة ي‬ ‫ه ي‬ ‫الفاعلة‪ .‬ي‬ ‫ُ‬ ‫تضيف إىل ما تشاهد من أشياء اكتسبتها من خيات‬ ‫أخرى‪ .‬أي عندما تتفاعل ذات الفنان مع الطبيعة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عندها يكون من ُ‬ ‫المجدي إذا االحتفاظ بخيط ما من‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫يصلنا بمحتواه‪ ،‬الذي يحيلنا إىل عالمات‬ ‫الواقع‪ ،‬الذي ِ‬ ‫ضامرة تؤسس لفعل الفهم‪0‬‬ ‫الفنان لم ُيعد نمذجة الواقع بتقنية ُمسبقة أو ضمن‬ ‫معي يف اإلنتاج‪ ،‬وإنما هو اقياح ُيسار الفكرة‪ ،‬أي‬ ‫نمط ر‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ه مضيف يستقبل الفكرة أو تضايف ربي‬ ‫إن التقنية ي‬ ‫وه نتاج متفرد يخضع لزمن‬ ‫المادة الخام والموضوع‪ ،‬ي‬ ‫حاىل وهو اللعب الحر يف الخامات وتنوعها‪ ،‬ما هو إال‬ ‫ي‬ ‫التشكيل‪ .‬لهذا توصف فنون ما‬ ‫البرصي‬ ‫للجانب‬ ‫اء‬ ‫إثر‬ ‫ي‬ ‫ه ابتكار‬ ‫بعد الحداثة بأنها ال نمطية وال نسقية‪ ،‬وإنما ي‬ ‫ٌّ‬ ‫آن وتفاعل مع المحيط بشقيه (المادي والفكري)‪.‬‬ ‫ي‬ ‫وإنما يكون أثرها فاعال يف التأويل‪ ،‬أي إنها تالمس أفكار‬ ‫ُ‬ ‫تلق بوصفه ُمنتجا آخر للنص بعد الفنان‪0‬‬ ‫الم ي‬

‫ُ‬ ‫الن أثبتت صحتها بعد التحقق منها‪ .‬أي إكساء الصور‬ ‫ي‬ ‫المعرف ذي المعن الواحد‬ ‫اإلطار‬ ‫حدود‬ ‫يتجاوز‬ ‫بوع‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫والمفهوم الواحد‪ ،‬وأيضا الشكل الواحد‪ .‬فكل األشكال‬ ‫ه ال‬ ‫ُوالخطوط المقوسة والمستقيمة والعشوائية ي‬ ‫ه‬ ‫الحقيق للشكل‬ ‫تشبه الوجه‬ ‫ي‬ ‫اإلنسان‪ ،‬وإنما ي‬ ‫ُ ي‬ ‫َمقاسات‬ ‫وتعبيات نصنفها نحن عل أساس أنها صورة‬ ‫ر‬ ‫تتغي باستمرار‪،‬‬ ‫ترمز إىل وجه إنسان‪ ُ .‬إن صور الواقع ر‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫لكن الصورة ُ‬ ‫المنمذجة تصبح أيقونا ثابتا‪ ،‬كما يف لوحة‬ ‫ُ‬ ‫شي إىل نمذجة شكلية‬ ‫الن ت ر‬ ‫بيكاسو (المرأة الباكية) ي‬ ‫ً‬ ‫مفاهيىم‪ ،‬حيث فارق الفنان بعيدا ربي‬ ‫ذات بعد‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫تكعين‬ ‫الواقع والشكل الذي نمذج وفق نسق‬ ‫الشكل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ىم بذاته من التكرار مختلف‬ ‫يصبح بذلك أيقونا يحت ي‬ ‫عن النماذج الواقعية ُ‬ ‫ر‬ ‫المستنسخة مباشة من الواقع‪0‬‬ ‫إن رغبة الفنان يف النمذجة كانت بدافع االختالف‬ ‫والتحرر من سطوة الواقع من خالل جعل الضاغط‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫الفكري سببا ُمهيمنا وفاعي يف خلق تحويرات عل‬ ‫الشكل‪ ،‬من ثم إعادة صياغته بطرق مبتكرة؛ هذا‬ ‫الفعل يؤكد قدرة اإلنسان عل إنتاج األشكال وتناسلها‬ ‫‪76‬‬


‫قيس عيسى‪ ،‬حتوالت اجلسد وأثر النمذجة املفاهيمية يف التشكيل املعاصر‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫ُ‬ ‫لح عل الذاكرة‪ ،‬رفييحه الفنان عن ثباته ويفيض له‬ ‫م اٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بناء فكريا جديدا‪ ،‬فهنا تأكيد لفعل اإلزاحة وأثرها يف‬ ‫تحريف المفاهيم الثابتة وخلق مفاهيم جديدة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يأن ُمرادفا لفعل المفهوم‬ ‫ُمبتكرها الفنان‪ .‬أما‬ ‫ر‬ ‫التعبي ي‬ ‫فيمنح قوة وانفعاال وتأمال للنص‪0‬‬ ‫اليوىم‬ ‫َح َّول الفنان الشكل من حقل االستهالك‬ ‫ي‬ ‫الثقاف ونمذجته داخل‬ ‫الوظيق إىل حقل االستهالك‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫الن ترتبط‬ ‫األشكال هنا تفقد خواصها وسماتها ي‬ ‫بمرجعيات برصية وإنما الشكل ُ‬ ‫المنمذج يحتوي عل‬ ‫ً‬ ‫ذاتيته الخاصة ومفهومه الخاص‪ ،‬إذا عشوائية‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ه إق عشوائية ضب المدن‬ ‫األشكال ي‬ ‫وف أجزائها ما ي‬ ‫الن دمرتها الحروب‪0‬‬ ‫ي‬ ‫ه نتاجات فكرية‪ ،‬عندها تفقد‬ ‫النتاجات‬ ‫أغلب‬ ‫إن‬ ‫ي‬ ‫األشياء مرجعياتها التقنية ومرجعياتها الحسية وتخضع‬ ‫المعرف الجديد يف الحقل البرصي‪،‬‬ ‫الشياط وجودها‬ ‫ي‬ ‫كأن الخامة تولد من جديد ضمن أداءات الفنان‪ ،‬وهذه‬ ‫من سمات فنون ما بعد الحداثة‪ ،‬فالقماش ُ‬ ‫المحيق‬ ‫ُيفقد عالقته بمرجعيته المادية والنسيجية ويتحول إىل‬ ‫ُ‬ ‫مرجع يف ذاته‪ ،‬تناط له مهمة الفكرة لخلق أشكال‬ ‫تعبيية‬ ‫عشوائية من القماش بعد حرقه وجعله طاقة ر‬ ‫حسية بعد أن كان بال حياة؛ هنا تكمن مهمة الفنان أن‬ ‫يجعل من المفاهيم آلية ذهنية ُت ُ‬ ‫نمذج األشكال‬ ‫والمواد ضمن رؤية تشكيلية‪0‬‬ ‫َ‬ ‫حيث تجسدت هذه اإلحالة من خالل المفهوم ويعاد‬ ‫ُ‬ ‫نمذجة المواد بصياغات جديدة‪ ،‬كأن هنا تمسك‬ ‫تعبي نيتشه يف‬ ‫بالمفهوم المعاض للتقنية‪ .‬عل حد ر‬ ‫ُ‬ ‫العدمية (إن العدم ُي َو ِلد كائنا آخر يف مكان آخر)‪ ،‬أي‬ ‫التقن‬ ‫إن فعل الفن المعاض اآلن َيفقد صلته بالمرجع‬ ‫ي‬ ‫والصوري لألشياء وينتج أشياء جديدة ال تتناسل كما‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يف الكائنات وإنما ُيبتكر لها كينا جديدا مغايرا تماما لما‬ ‫كانت عليه‪0‬‬ ‫اليوىم والتحول من‬ ‫هنا تأكيد لقيم الشكل يف التداول‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫تشي بدل اللذة إىل‬ ‫مادته المستساغة إىل مادة تهكمية ر‬ ‫إحساس باأللم والمرارة أي أنك سيفض أن تتذوق‬ ‫هذا‪ ،‬هنا إزاحة وتحول من الشكل إىل المفهوم وابتكار‬ ‫ليكيب يوازي فعل القول الرافض وفعل االحتجاج‪0‬‬ ‫ً‬ ‫يستدع ذهنا يستجمع ربي‬ ‫هذا اليكيب للشكل‬ ‫ي‬ ‫وغي المألوف‪ ،‬من ثم كش األلفة بينهما‬ ‫المألوف ر‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫إلنتاج داللة مغايرة ال تمت بصلة بالشكل المستعار‬ ‫وإنما هو ذريعة لخلق نمذجة مفاهيمة‪0‬‬ ‫استدعاء للمفاهيم القارة خلف األشياء والظواهر‬ ‫ُ‬ ‫استقت منها بنية شكلية معاضة‪.‬‬ ‫فاستدعاء الشكل‬ ‫ر‬ ‫أهميته المعاضة يف الذهن البشي كحضور‬ ‫يدل عل‬ ‫ِ‬

‫يكتق بذاته وينأى عن التكرار‬ ‫حقل الفن وهو حقل‬ ‫ي‬ ‫والثبات‪ ،‬وأما بشأن التقنية فإن الفن المعاض ال‬ ‫ً‬ ‫يتناسل تقنيا كما يف ُمنتجات المصانع‪ ،‬وإنما هو ظاهرة‬ ‫ُمنفردة تحوي يف داخلها بنيات‪ ،‬أهم ما فيها االختالف‬ ‫ُ‬ ‫والتشط والمغايرة‪ .‬الفنان يبحث يف المفاهيم‬ ‫ي‬ ‫والدالالت العميقة للموضوعات اإلنسانية؛ وإن‬ ‫ُ‬ ‫حضور الجسد قد يكون ُمنعدما أمام قضايا كيى‬ ‫ُ‬ ‫تشكل حضورها األهم كرأي عام‪ ،‬فإن األشكال‬ ‫ُ‬ ‫المصاغة قد تكون ذات سمات ابتكارية تنحاز الشكل‬ ‫مرن ألن‬ ‫والمفهوم‪ .‬فأصبح الجسد خارج الصورة ر‬ ‫غي ي‬ ‫اإلنسان نفسه هو الفاعل•‬ ‫‪77‬‬


78


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫بنيونس عمريوش‪ ،‬طالل معال‪ ..‬الوجه سرية للذات واجلسد‬

‫األخية "انتش زمن الصمت" (صالة "تجليات"‪ ،‬دمشق‪،)3043 ،‬‬ ‫يف معارضه‬ ‫ر‬ ‫"أرى الناس" (صالة "تجليات"‪ ،‬ربيوت‪" ،)3043 ،‬عروس ومأدبة" (صالة "ألف‬ ‫تعبيية‬ ‫نون"‪ ،‬دمشق‪ ،)3034 ،‬دأب الفنان طالل معال عل توليف متوالية ر‬ ‫تصاعدية لمضاعفة توطيد عالقته العضوية بأرض سورية‪ ،‬فاتحا مرآته الذاتية‬ ‫الن سكنها وسكنته‪ ،‬إذ عاد إليها بعد زمن‬ ‫أمام جمهور الفن بمدينة دمشق ي‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الجاهرة‬ ‫االستقرار والسلم‪ ،‬ليهدم القطيعة ويعلن االستنكار عي نظرات هيئاته‬ ‫ِ‬ ‫والمآس والرماد‪ ،‬وقد وىل‬ ‫الن تعكس صور الشعب اآلتية من عمق األهوال‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫العرص المكتوم‪0‬‬ ‫يف معرضه "انتش زمن الصمت"‪ ،‬يسجل طالل معال منعطفا ملحوظا عل‬ ‫الن اتخذت لها نمطا ِبنائيا‬ ‫مستوى الشكل كما عل صعيد المضمون يف أعماله ي‬ ‫‪79‬‬


‫بنيونس عمريوش‪ ،‬طالل معال‪ ..‬الوجه سرية للذات واجلسد‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫حكاية فحسب‪ ،‬إنما يقدم هموم المواطن بطريقة‬ ‫تعبيية مختلفة‪ ،‬سواء كان مثقفا أو مبدعا أو إنسانا‬ ‫ر‬ ‫التعبي"؛ مؤكدا عل أن‬ ‫ف‬ ‫أسلوبه‬ ‫فنان‬ ‫فلكل‬ ‫عاديا‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫سء‪،‬‬ ‫كل‬ ‫قبل‬ ‫فكرية‬ ‫حالة‬ ‫الخروج من الصمت ُيعد‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫الفن المنحاز إىل البرص‬ ‫إيمانا منه بك ْون العمل‬ ‫ي‬ ‫واإلدراك البرصي يظل فعاال يف إبراز المواقف دون‬ ‫هوادة‪ ،‬وعيه يتم الدخول المجازي إىل الكالم‪ ،‬وهو‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وتنظيا) الذي ال ُيف ِّوت‬ ‫(ممارسة‬ ‫المبدع والباحث‬ ‫ر‬ ‫الن‬ ‫التحوالت واللحظات المجتمعية القوية والمؤثرة ي‬ ‫تستدع تكثيف الشعور لقول األشياء الراكدة يف قاعه‬ ‫ي‬ ‫الغارق‪.‬‬

‫لسيورة‬ ‫تعبيية حادة وصارخة‪ ،‬مخالفة‬ ‫يتوج‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫الن ظلت من جواهر مفاهيمه التشكيلية‬ ‫الصمت ي‬ ‫سابقي‪ ،‬بالرغم من ديمومة‬ ‫عل امتداد عقدين‬ ‫ر‬ ‫اآلدىم وما يلحقه من أشكال‬ ‫اشتغاله عل الوجه‬ ‫ي‬ ‫ُّ‬ ‫ْ َ‬ ‫األن َسنة وتبدالتها‪ ،‬كهاجس رئيس طبع سلسلة‬ ‫الن وصلت إىل‬ ‫معارضه الموسومة بعبارة "صمت" ي‬ ‫"صمت ‪( "40‬قاعة "تجليات"‪ ،‬دمشق‪،)3044 ،‬‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫تمثيلية متوحشة‪،‬‬ ‫بحيث ت َ َّيم األسلوب ضمن صيغة‬ ‫َّ‬ ‫الت ْدليل َّ ْ‬ ‫والي رمي‪ ،‬إذ صار الضوء‬ ‫كبي من‬ ‫ُمحاكية بقدر ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ينعكس من الخارج َلي ْحفر قساوة الق َسمات‪ ،‬بعد أن‬ ‫كان ينقشع من الداخل (من داخل الوجوه البيضاء)‬ ‫معرض اليوم‬ ‫لطمس المالمح‪ ،‬ومن ثمة يوضح‪" :‬إن‬ ‫ي‬ ‫الن يعيشها‬ ‫يرصد يوميات فنان يعيش الحالة نفسها ي‬ ‫باف‬ ‫كل سوري يوميا‪ ،‬إن هذا المعرض يختلف عن ي‬ ‫معارض السابقة يف المعن والموقف فقط‪ ،‬ألن ما‬ ‫ي‬ ‫يجري اآلن ال بد من موقف إزاءه‪ ،‬فالصمت اآلن نوع‬ ‫من خيانة الوطن"؛ مضيفا أن المعرض "ال يروي‬

‫المواىل‪ ،‬الموسوم بتوالد البورتريــهات‬ ‫يف المعرض‬ ‫ي‬ ‫الخيالية‪ ،‬صا طالل معال عنوان "رأيت الناس"‪،‬‬ ‫عال‪ ،‬ينبثق من‬ ‫كشعار يؤكد ضورة‬ ‫ر‬ ‫التفكي بصوت ٍ‬ ‫تخوم َ‬ ‫المعيش ر‬ ‫البشي الذي صار محكوما بانحطاط‬ ‫الحضارة اإلنسانية الحديثة‪َ ،‬‬ ‫المو َّج َهة بآلة الرصاعات‬

‫‪81‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫بنيونس عمريوش‪ ،‬طالل معال‪ ..‬الوجه سرية للذات واجلسد‬

‫وق َي ِمها‬ ‫والحروب تحت جيوت العولمة‬ ‫ِ‬ ‫االستهالكية المادية‪ .‬وبالمناسبة جاء يف كلمة‬ ‫الغاليي أن الفنان طالل معال يعتي "من ربي أفضل‬ ‫ر‬ ‫ما يمثل عالقة اإليقاع البرصي وتوترات الحضارة‬ ‫المعاضة يف اللوحة‪ ،‬وكل ما ينعكس عل أسلوب‬ ‫الفنان الذي يتفاعل مع القضايا اإلنسانية الراهنة‪،‬‬ ‫باعتبار اإلنسان مركز الحياة‪ ،‬وباعتبار وعيه مركز‬ ‫التحوالت‪ ،‬وما ربي الوجه والجسد‪ ،‬تكمن هذه‬ ‫اليوىم الذي‬ ‫االنعكاسات الحادة لذلك القلق‬ ‫ي‬ ‫الن يسع معال لي رميها إال‬ ‫يعيشه‪ ،‬وما لغات األفكار ي‬ ‫تكثيفا لتناقضات الذات من جهة‪ ،‬وتطلعاتها‬ ‫للخالص من جهة أخرى" (طالل معال‪" ،‬رأيت‬ ‫الناس" (كاتالو )‪ ،‬رواق تجليات‪ ،‬ربيوت‪ ،‬من ‪03‬‬ ‫إىل ‪ 24‬أكتوبر ‪0)3043‬‬ ‫هكذا جاءت سحناته مسلوبة من حروفها الواقعية‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫التكعين الموصول بالتبسيط‬ ‫ميالة إىل الن ْي‬ ‫ي‬ ‫والمبالغة أحيانا‪ ،‬بوضعيات جسدية متحركة بقدر‬ ‫َ‬ ‫كن ْب َتة َّ‬ ‫الص ّبار عل األرض‪ ،‬يف داللة‬ ‫ثقلها وتباثها‬ ‫رمزية عل التشبث بالحياة والعيش‪ .‬لعل هذه‬ ‫الوجوه‪ ،‬كما قرأها الناقد الفن إبراهيم َ‬ ‫الح ْي َسن يف‬ ‫ي‬ ‫ه "وجوه تسكنها المالمح من‬ ‫نصه‬ ‫التقديىم‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫الداخل‪ ،‬وترى بعيون مغمضة‪ ،‬بجغرافية برصية‬ ‫ه ليست أقنعة‬ ‫للتعبي‬ ‫أخرى خاضعة‬ ‫ر‬ ‫النفىس‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫َّ َ‬ ‫لتعيي فرد‪/‬‬ ‫ُم َحنطة َلم ْون‪ ،‬أو أيقونات أنجزت‬ ‫ر‬ ‫جماعة ما‪ ،‬إنها لوحات ملونة تقدم طوبوغرافيا‬ ‫جمالية للوجه بعيدا عن المديح والمغاالة والوصف‬ ‫تصي مرئية ُ‬ ‫الم َح َّيا استغوارا‬ ‫المجان"‪ .‬من ثمة‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫اإلنسان الذي أضخ هنا موسوما بمادية‬ ‫للكائن‬ ‫ي‬ ‫ترابية‪ ،‬تتماه وتتساىم مع طبيعة البيئة ومؤثراتها‬ ‫السيكولوجية إىل أن تصبح شفافة َ‬ ‫وم ْعدنية‪ ،‬كأن‬ ‫بسية اإلنسان وتوقه لصالبة روحية‬ ‫األمر يتعلق ر‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫تغيات الحياة الممسوسة بصور الحطام‬ ‫تجاه ر‬ ‫والضياع‪0‬‬ ‫يف "عروس ومأدبة"‪ ،‬يتواطأ الزوجان عل حدود‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫بياض َّ‬ ‫الط ْرحة بنظرات ميوعة من َعقد الدم؛ هكذا‬ ‫الن تؤرخ َلو ْج ِه ِهما‬ ‫يبدوان يف الـ "صورة" التذكارية ي‬ ‫‪80‬‬


‫بنيونس عمريوش‪ ،‬طالل معال‪ ..‬الوجه سرية للذات واجلسد‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫ُ َ ِّ‬ ‫الجاف ريي داخل إنارة تكثف أجواء التكلس وتكشف‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫التباس الرغبة‪ ،‬بينما نفس المناخيات تعري سؤال‬ ‫ُْ َ‬ ‫َ‬ ‫المف َرغة‪ ،‬وإن‬ ‫المآل لدى كل العرائس ذات العيون‬ ‫َ‬ ‫ك ُي ِّ‬ ‫ْان َب َع َث ُ‬ ‫البؤبؤ أحيانا‪ِ ،‬فل ْ‬ ‫عزز النظرات المتطلعة‬ ‫ي‬ ‫والم ْف َ‬ ‫َ‬ ‫جوعة يف آن‪ .‬ذلك أن قوة الصور وما تقدمه من‬ ‫صور العرائس‪ ،‬يقول طالل معال "ليست إال جوابا‬ ‫وه‬ ‫لنفسها‬ ‫تمض إىل مقاومة الموت بالوالدة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ُ َّ‬ ‫وبدخول شعائر جسدية مجللة بالخوف والرهبة‬ ‫والعزلة والقلق إىل جانب اللذة‪ ...‬إنه ولوج فرا‬ ‫المستقبل الذي يحيل الشعور بالوجود إىل شعور‬ ‫بالفناء‪ ،‬تدفع إىل ذلك صدمات الواقع وعنفه وتحوله‪،‬‬ ‫التعبي عنه ف ر‬ ‫عشات‬ ‫وهذا بالضبط ما أحاول‬ ‫ي‬ ‫ر ُ َ ى‬ ‫الن رسمتها للعرائس المجلالت بالخوف‪،‬‬ ‫اللوحات ي‬ ‫ليس من حضورهن يف الزمان والمكان‪ ،‬وإنما من الكون‬ ‫ه صوري‪،‬‬ ‫والمعرف الذي‬ ‫المادي‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ينتمي إليه‪ ...‬هذه ي‬ ‫صورن‪ ،‬إنه نوع من التحرر من حقائق مخيفة‬ ‫بل هذه‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ومعايي النظر إليه خارج‬ ‫ت َح ِّرر الكائن من ذاكرته ووعيه‬ ‫ر‬ ‫مشيا يف السياق إىل أن تجربة الرسام‬ ‫المرآة"؛‬ ‫ر‬ ‫فرنسيس بيكون انصبت حول العذابات المأساوية‪،‬‬

‫َ‬ ‫وقد حمل الوجه ما ال ُيحتمل‪ ،‬بينما أق َّر بأنه كان يود‬ ‫تصوير االبتسامة‪ ،‬إال أنه لم ُي َص ِّور إال الرصخة‪0‬‬ ‫نحن بإزاء مشهدية تفاعلية بامتياز‪ ،‬حيث يقوم‬ ‫المتلق‬ ‫التأويل الذي ينسجه‬ ‫التعبي‬ ‫التواصل عل‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫لمعان التحويل‬ ‫بقراءاته واستفهاماته واستكماالته‬ ‫ي ُ َ‬ ‫َْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫والتشويه‬ ‫والبي؛ استكناه دالالت األجساد المكومة‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫المفصولة عن أعضائها‪َ ،‬‬ ‫الم ْمسوحة األذرع واأليادي‪،‬‬ ‫َّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫بأكتاف َم ْض َ‬ ‫مومة عل َ‬ ‫في‪ ،‬كأنها تعيد‬ ‫أهبة التك ر‬ ‫تشخيص طقوس االفتداء يف األعراف الثقافية‬ ‫السورية الضاربة يف التاري ــخ‪ .‬ومن ثمة‪ ،‬تتشكل الوجوه‬ ‫َُْ‬ ‫ِّ‬ ‫والجباه‬ ‫المفل َط َحة‬ ‫ذات الشفاه المقلوبة واألنوف‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫الم ْض َ‬ ‫غوطة‪ْ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ناج الحال ومستقبل‬ ‫بأع ُري‬ ‫سقيمة ت ي‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫الن تشد إليها أنظار المشاهد‬ ‫الحال‪ ،‬األع ري ذاتها ي‬ ‫وتقيم له شعائر اإلبصار‪ ،‬عل اعتبار "اإلبصار هو مادة‬ ‫ُ‬ ‫بالشخض إىل‬ ‫حال ماء نرسيس‪ ،‬وتدفع‬ ‫الن ت ي‬ ‫التعريف ي‬ ‫ي‬ ‫معايي ال يكون فيها الوجه هو ذاته يف فضاءات‬ ‫ر‬ ‫االستعراض المتنوعة‪ ،‬لدرجة لم نعد نتعرف فيها عل‬ ‫أنفسنا لنكون شواهد عل عرصنا بأقل التقديرات"؛‬ ‫‪82‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫بنيونس عمريوش‪ ،‬طالل معال‪ ..‬الوجه سرية للذات واجلسد‬

‫‪.‬‬ ‫المتحل َلة َ‬ ‫والمنيعة يف‬ ‫واألشباح والشخوص‪ ،‬واألجساد‬ ‫َّ ْ‬ ‫الن استبدلت طراوة‬ ‫نفس الوقت‪،‬‬ ‫وكذا السحنات ي‬ ‫َ َْ‬ ‫لحمها بوجوه صلدة‪ ،‬منحوتة بأزاميل القلق والريبة‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫تحال صالبة‬ ‫وصخرية‬ ‫صاص َّية‬ ‫واألمل‪،‬‬ ‫لتمىس ر ِ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫التماثيل واألقنعة دون أن تفقد نداوة آدميتها األصلية‪،‬‬ ‫يأن فعل النحت هنا عبارة عن استقصاء‬ ‫بحيث ي‬ ‫لهندسة روحية من خالل سلطة التخطيط بالدرجة‬ ‫ُ‬ ‫األوىل الرسم ‪ ،Dessin‬وما يليه من د ْ َربة تصويرية‬ ‫َُ‬ ‫َْ‬ ‫عسية عل إيقاعات وجدانية‬ ‫تد ْو ِزن نغمية ْلو ِن َّية‬ ‫ر‬ ‫منسجمة مع أجواء رمادية‪ ،‬بما تفرزه من تالعب‬ ‫ّ‬ ‫باألبعاد والمستويات (‪ )Plans‬ومن تضادات موزونة‬ ‫ْ‬ ‫فض‪ ،‬أخرص برونزي)‬ ‫(أزرق‪ ،‬أوكر تر ي‬ ‫ان وفاتح‪ ،‬رمادي ي‬ ‫تتوق إىل أنوار األفق يف الـ "هنا" والـ "هناك"‪ .‬وبذلك‪،‬‬ ‫الح َرِف َّية وموادها بمزاج‬ ‫ييجم طالل معال المهارة ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫منفتح‪ ،‬ليجعل من قماشاته أسنادا الستيعاب الحفر‬

‫كما يرى طالل معال‪ ،‬مضيفا أن "هذه الشهادة قد‬ ‫تشكل سعادة وقد تجيب عن مثل هذه السعادة عل‬ ‫الممية للثقافة البرصية‬ ‫اكتشاف معن الفردانية‬ ‫ر‬ ‫المعاضة‪ ،‬وقد تكون السعادة يف استقرار الروح يف‬ ‫ى‬ ‫عالم تتشط فيه هذه الروح وتفسد الرؤية‪ ...‬إنها األنا‬ ‫َُ َ ‪َ .‬‬ ‫الن يخيق وجودها غياب المعن وفقدان‬ ‫المتشظية ي‬ ‫التعبي عنه‪ ،‬وبــهذه‬ ‫الجوهر ووهم الوجود والقدرة عل‬ ‫ر‬ ‫تحىم‬ ‫لوحان إىل أقفاص افياضية ال‬ ‫الصورة تستحيل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫من التعرية وإنما تيز اإلرهاق وفقدان متعة التوازن يف‬ ‫الحياة‪"0‬‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َّ‬ ‫ف َ‬ ‫الملغ َزة انعكاسا‬ ‫الم ْح ُصلة‪ ،‬تظل هذه المشهدية‬ ‫ي‬ ‫ُ ِّ‬ ‫تعبيية‪-‬تحريضية‪ ،‬تلخص صور الذاكرة العربية‬ ‫ة‬ ‫لسي‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫برمتها‪ ،‬تستكشف فصول رواية الشعب واألرض‪ ،‬فيما‬ ‫تعمل عل َت ْثوير المرن ُ‬ ‫المفعم بصور الرجال والنساء‪،‬‬ ‫ي‬

‫‪83‬‬


‫بنيونس عمريوش‪ ،‬طالل معال‪ ..‬الوجه سرية للذات واجلسد‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫والتلوين والنحت (نحت الشخوص عل مساحة‬ ‫الح ّ‬ ‫س المعاض دون‬ ‫مبسوطة)‪ ،‬يف عملية إثبات ِ‬ ‫الحاجة إىل استبدال السطح التصويري‪ .‬فعل هذا‬ ‫الن‬ ‫األساس‪ ،‬نشأت هذه المشهدية الدرامية ي‬ ‫َتو َّسطها الفنان بوجه مكشوف‪ ،‬عن ْ‬ ‫سبق إضار‬ ‫َ‬ ‫وت ُّ‬ ‫رصد‪ ،‬بوصفه شاهدا وفاعال من الداخل‪ ،‬من‬ ‫داخل رقعة الناس ومصائرهم؛ "كلما اقيبت من‬ ‫اإلنسان‬ ‫مشاكل اإلنسان وقضاياه اقيبت من الوجه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أكي"‪ ،‬يرصح طالل معال‪ ،‬وقد "آن األوان ِليسمع‬ ‫صوته بكل األلوان واألشكال‪ُ ،‬مبدعا أسطورة جديدة‬ ‫لقيامة سوريا‪ ،‬قالبا المقاييس التقليدية للحواس‪،‬‬ ‫بتعبي يارا‬ ‫للعي هذه المرة أن تسمع الصوت"‪،‬‬ ‫ر‬ ‫تاركا ر‬ ‫معال‪.‬‬

‫هكذا‪ ،‬صنع الفنان ُطقوسية آدمية بلغة تشكيلية‬ ‫َ‬ ‫خاصة‪ ،‬عمل من خاللها عل ت ْرسيم جسور رمزية‬ ‫ربي حمولته الثقافية ونوازعه العفوية‪ ،‬انطالقا من‬ ‫َ َ َّ‬ ‫معرفة فكرية عميقة بالجسد الذي تفي يف تجريده‬ ‫من خرافاته وخباياه بإعادة تشييده عي تراكيب‬ ‫َ‬ ‫التعبيية يف‬ ‫بسيطة يف الظاهر‪ ،‬بينما ش َحن ُبؤرها‬ ‫ر‬ ‫الباطن‪ ،‬وعيها ْأس َه َب يف استنطاق دواخله‪ .‬بل‬ ‫َ‬ ‫الن باتت ُم َه ْي ِمنة يف متوالية أعماله‪،‬‬ ‫حن الوجوه ي‬ ‫العي هو‬ ‫تظل صورا وامتدادا للجسد والذات؛ بريق ر‬ ‫َ ْ َ‬ ‫رهي بذوبان الوجه‬ ‫ما يحفظ حياة الجسد‪ ،‬وفناؤه ر‬ ‫وتعبي الوجه يف حد ذاته‪ ،‬هو ما ُيحدد‬ ‫وغيابه‪،‬‬ ‫ر‬ ‫مدى عنفوان الجسد الذي وضع له طالل معال أكيَ‬ ‫ْ َ‬ ‫من عنوان يف قالب إنسانوي (‪ ،)Humaniste‬من‬ ‫َّ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ألحقها بمختلف أنماط الت ْحوير‬ ‫الن‬ ‫خالل الطلعات ي‬ ‫والتحويل واالنمساخ (‪ ،)Métamorphose‬ليدفع‬ ‫الم َت َ‬ ‫بها إىل ما وراء واقعها الجماىل ُ‬ ‫عارف عليه‪ ،‬يف‬ ‫ضارية موازية‪ُ ،‬مستفزةَّ‬ ‫ي َّ‬ ‫اتجاه توليف جمالية‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫تستدع‬ ‫الن‬ ‫بالمعان‬ ‫ومأساوية‪ُ ،‬مثقلة‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫واإلشا َرات ي‬ ‫َُْ‬ ‫َ‬ ‫الوقوف من جديد‪ ،‬وبرؤية مبتكرة‪ ،‬عند مفاهيم‬ ‫وغيها‪ ،‬ضمن‬ ‫الحرية والهوية واالنتماء والتضحية ر‬ ‫وضع وجودي مأزوم‪ ،‬مفعم بعديد من األسئلة‬ ‫والمواقف والتحديات الراهنة•‬ ‫‪84‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫فدوى القاسم‪ ،‬األنا املعذبة وطقوس اخلالص‪ ..‬رؤى مغايرة‬

‫أردت أن أكون أغنية‪ ،‬لكن األغنية أرادت أن‬ ‫تكون نهر القمر‪ ،‬حيث يصطاد الرجال الشهوة‬ ‫والجنس‪0‬‬ ‫ً‬ ‫أردت أن أكون قمرا‪ ،‬لكن القمر أراد أن يكون‬ ‫ً‬ ‫ميرا‪ ،‬يرتديه الرجال‪ ،‬يك يعيشوا ليلة أخرى من‬ ‫أكاذيب أجدادهم الطويلة‪0‬‬ ‫أردت أن أكون رزينة‪ ،‬لكن الرزانة كانت تخلع‬ ‫جلدها‪ ،‬كمير‪ ،‬للمرة المئة‪ ،‬عل ضفاف النهر‪،‬‬ ‫ا‬ ‫أجياق يتظاهرن بأنهن أغنية‪0‬‬ ‫تقض النساء‬ ‫حيث‬ ‫ي‬ ‫‪85‬‬


‫فدوى القاسم‪ ،‬األنا املعذبة وطقوس اخلالص‪ ..‬رؤى مغايرة‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫ً‬ ‫ال أحد منا كان هناك‪ .‬ال أحد‪ .‬كنا جميعا قد متنا منذ زمن بعيد‪ ...‬يوم أصبحت حياتنا أكي من أن تسعها أيامنا‬ ‫ً‬ ‫مشغولي يف نحت حياتنا‪ ،‬نحاول حشو‬ ‫شديدة الضيق‪ .‬ال أحد منا كان هناك‪ .‬ال أحد‪ .‬كنا جميعا يف المطبخ‪ ،‬وكنا‬ ‫ر‬ ‫صغي عل ركبة عارية‪ ،‬كنا نتفرج عل الدم يياقص عل سطح الجلد‪ ،‬كنا نتأمل كيف أن‬ ‫صيف طويل داخل جرح‬ ‫ر‬ ‫طويلي وذاكرة سيئة‪ .‬ال أحد منا كان هناك‪ .‬ال أحد‪ .‬الجميع‪ ...‬هناك‪ .‬عل ذاك المنحدر‪ ،‬حيث‬ ‫ساقي‬ ‫لقصصنا‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫تحول دخان حياتنا األزرق إىل لغة يتحاورون فيها عل أرض الواقع‪ .‬ال أحد‪ .‬ال أحد‪ .‬الجميع‪ ..‬هناك‪ ..‬كنا ندفع عنا‬ ‫النوم بيأس‪ ،‬يأس يفتقد النجوم‪ ،‬وذر َ ْ‬ ‫المتشابكي‪ .‬لم يكن أحد منا هناك‪ .‬هناك‪ ..‬حيث المياه‬ ‫اع أمنا الرخوين‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫يتالس كل ر‬ ‫ر‬ ‫سء‪ .‬لكننا‪ ..‬جميعنا‪ ..‬هناك اآلن‪0‬‬ ‫تجدل ضفائر من ألم‪ ،‬دافئة‪ ..‬باردة‪.‬‬ ‫حيث‬ ‫هناك‬ ‫ي‬ ‫‪86‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫فدوى القاسم‪ ،‬األنا املعذبة وطقوس اخلالص‪ ..‬رؤى مغايرة‬

‫معصىم‪0‬‬ ‫بالحني الذي يسيل من‬ ‫الن تتلطخ‬ ‫ال أدري إىل من‬ ‫ر‬ ‫يمكنن الصمود أمام جدر ي‬ ‫ي‬ ‫ان ي‬ ‫ي‬

‫‪87‬‬


‫فدوى القاسم‪ ،‬األنا املعذبة وطقوس اخلالص‪ ..‬رؤى مغايرة‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫عشة ر‬ ‫تحت المدينة أنام‪ ،‬ر‬ ‫داخل وأتشب داخلها‪ ،‬وداخل اليبة أسمع صوت‬ ‫وعشين ألف سنة‪ .‬تتشب اليبة إىل‬ ‫ي‬ ‫داخل‪0‬‬ ‫تبك الحمم الحمراء والحمم الذهبية‪ ،‬وتتشب إىل‬ ‫عظام األطفال‪ ،‬ثقيلة‪ ،‬ثقيلة‬ ‫ي‬ ‫بداخل‪ ،‬داخل اليبة‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫‪88‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫فدوى القاسم‪ ،‬األنا املعذبة وطقوس اخلالص‪ ..‬رؤى مغايرة‬

‫لزهرة الليمون تاري ــخ‬ ‫بحركة خاطفة‪ّ ،‬‬ ‫ستأن مذ عادت الخناجر‬ ‫تعرت أمامه‪ .‬لم يكن للخجل مكان‪ .‬كانت تدرك أن مثل هذه اللحظات‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫ال ر‬ ‫عنف حركتها جعل خجي مؤلما يجتاحه هو‪ ،‬ويدفعه لالنقضاض عليها بوحشية أكي‪0‬‬ ‫تخىس نصل السلطة‪.‬‬ ‫لم تي‪ .‬لم ترصخ‪ .‬لم تستنجد‪ .‬لم تطلب رحمة‪ .‬لم تستعطف‪0‬‬ ‫ّ‬ ‫التفت عروق صمتها حول عنقه‪ .‬اندلق ّ‬ ‫كدخان رفيع‪،‬‬ ‫تمردها كورق ورد داخل حنجرته‪ .‬شعر بأنه ينساب من رأسه‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫َ ً‬ ‫ويياكم يف زاوية ما يف سقف الغرفة‪ .‬وجد نفسه مر ِاقبا ومراقبا‪ .‬شاهد جسده القوي‪ ،‬يهي‪ ،‬يتأرجح‪ ،‬ووركه تتحرك‬ ‫ر‬ ‫وتيته تتباطأ‪ ،‬لكن إضاره‬ ‫بإضار‪ ،‬بعبيية ماكينة حفر مهيئة‪ ،‬تهزأ منها صالبة األرض ورمالها الناعمة‪ .‬قواه‬ ‫تتالس‪ ،‬ر‬ ‫ى‬ ‫يستمر‪ .‬شاهد ذراعيه تنفصالن عن جسده‪ .‬تقعان‪ .‬تتقلص معدته‪ .‬ساقاه تتبخران‪ .‬رأسه يتدحرج عن عنقه‪ ،‬إىل‬ ‫حيث تحملق عيناه يف انقباض صدره‪ ،‬الذي ما لبث أن لفظ قلبه‪0‬‬ ‫صغية‪ ،‬خفيـفـة‪ ،‬مـتـتـالـيـة‪ ،‬تـتـفـادى فـيـهـا سـوائـل لـزجـة سـوداء‬ ‫شاهدها تخرج من تحت أشالئه‪ .‬تقف‪ .‬تقفز بوثبات‬ ‫ر ً‬ ‫ً‬ ‫ر‬ ‫سء‪ ،‬رمادا أبيض•‬ ‫انهمرت منه‪ ،‬لتلتحف بعريــها‪ ،‬فيعصف رحيلها بالمكان‪ ،‬تاركا وراءه عطر زهر الليمون‪ ،‬وكل ي‬

‫‪89‬‬


91


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫مسرية أمزغار ‪ -‬واسيين األعرج‪ ،‬منايف‬

‫هو مشروع فين قيد اإلجناز بني الفنانة التشكيلية املغربية مسرية أمزغار والكاتب والروائي‬ ‫اجلزائري واسيين األعرج‪ ،‬اقترحا له اسم "منايف" بالعربية و‪ EXILES EXILS‬بالفرنسية واإلجنليزية؛ ننشر‬ ‫ثالثة مقاطع منه مع ثالثة رسومات‪ ،‬باتفاق مع الفنانة والكاتب‪...‬‬

‫الن نقف عليها‪ ،‬وليـسـت أيضـا ظـلـمـة‬ ‫األرض الرجراجة ي‬ ‫ه أيضــا مــا نص ـن ـعــه‬ ‫الــذات الـ يـن نــرىم داخ ـل ـهــا‪ ،‬ول ـكــن ي‬ ‫بأحالمنا‪.‬‬ ‫ال ـفــن يصــال ـح ـن ــا مــع ال ـل ــون وال ـل ـغــة وحــدي ــث ال ـق ـل ــب‬ ‫المفتوح"‪.‬‬

‫"من قال إن الفن استنفذ كل طاقاته؟ الـفـن يـجـعـل مـن‬ ‫ال ـعــدم ش ـي ـئــا م ـل ـمــوســا‪ ،‬ومــن ال ـم ـس ـت ـح ـيــل م ـم ـك ـنــا‪ ،‬مــن‬ ‫ـاف بـيـتـا عـل‬ ‫الكراهية حبا‪ ،‬ومن الوجوه ألفة‪ ،‬ومـن الـمـن ي‬ ‫حافة الشوق‪.‬‬ ‫ـاف لـيـســت الــيبــة الـ يـن شقــت مـنــا فـقــط‪ ،‬ولـيـســت‬ ‫الـمـنـ ي‬ ‫‪90‬‬


‫مسرية أمزغار ‪ -‬واسيين األعرج‪ ،‬منايف‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫َ‬ ‫ـون أبـدا بـعـيـدا‪ .‬عـل مـرىم قـبـلـة الـعـاشـق‬ ‫مع أنك لم تـك ي‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫الىسـء‬ ‫أس إال‬ ‫سء يف ر ي‬ ‫كنت‪ .‬ال ّ َي‬ ‫أسئلتك الخجولـة‪ :‬مـا ي‬ ‫َ‬ ‫الذي تمنيت أن تفعله وعجزت عنه؟ لم أفكر كث رـيا‪ :‬مـا‬ ‫يـحـزنـن أن ضـيـع ُ‬ ‫ـت وقـتـا كـب رـيا يف الـبـحـث عـنـك‪ ،‬ويـوم‬ ‫َ ُ ي ي‬ ‫ُ‬ ‫ـاف‪.‬‬ ‫عيت عليك أصـبـت بـلـعـنـة الصـمـت فشـقـت يـن الـمـن ي‬ ‫أغ ـم ـضــت ع ـيـ يـن لـ يـك ال أرى إال م ـل ـم ـحــك ال ـغــائــب‪ .‬لــم‬ ‫أعــرف كـيــف أضخ يف نــداء الـقـلــب‪ :‬مصــاب بــك حــن‬ ‫الـمــوت‪ .‬ال أريــد لـقــوس ال ـع ـبــور أن يص ـبــح قــدرا‪ .‬أقــاوم‬ ‫ـخ‬ ‫ال ـظ ـل ـمــة بــال ـحــب ألتــوقــف يــومــا يف م ـراس ـيــك‪ .‬اف ـتـ ي‬ ‫ـىس ـ ف ـيــك‪ .‬ال ي ـه ـمـ يـن‬ ‫ذراع ـيــك ف ـقــط ودع ـيـ يـن ألـ يـق ب ـن ـفـ ي‬ ‫أصابتن شهقة الحياة األوىل أو رعشة الموت‬ ‫بعدها إن‬ ‫ي‬ ‫الصغي‪ ،‬أو لعنة الحياة‪.‬‬ ‫ر‬

‫ُ‬ ‫عيت العالم بال مستقر‪ .‬مـن خـوف لـمـنـق‪ ،‬ومـن مـنـق‬ ‫ُ‬ ‫لخوف‪ .‬من قصة لحكاية ومن حكاية لعدم‪ .‬عـلـوت مـع‬ ‫الغيم قليال ألرى عالـمـا أشـتـهـيـه‪ ،‬وأسـكـن االسـتـحـاالت‪،‬‬ ‫ـاف‪ ،‬ث ــم‬ ‫ون ـزل ــت م ــع أوراق ال ـخ ــري ــف ألع ــرف ش ال ـم ـنـ ي‬ ‫أغرقتن يف مداها البعيد‪ .‬هل طـائـر‬ ‫صعدت نحو سماء‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫عىسـ‬ ‫المهاجر أنا أم فراشة النـدى؟ مـاذا فـعـلـت ألخشـ ي‬ ‫شكلن‪ ،‬وأسكن خوف الغياب؟‬ ‫ان الذي‬ ‫أىم وتر ي‬ ‫ي‬ ‫وصدر ُ ي‬ ‫أىم مــن بــرد الش ـت ــاء‬ ‫عــانــدت الس ـن ــونــوة الـ يـن ح ـم ـت ـ ُه ــا ي‬ ‫فــأسـكـنـتـهــا يف صــدرهــا‪ ،‬وتــوغـلــت يف الــري ـ ــح الـعــاصـفــة‪،‬‬ ‫وصفي السفن الهادرة والقطارات الهـاربـة‪ ،‬فـقـط ألصـل‬ ‫ر‬ ‫إلـيـك أشـم فـيــك رائـحـة عـود الـقــرنـفــل وعـطـر الـجــدات‪.‬‬

‫‪92‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫مسرية أمزغار ‪ -‬واسيين األعرج‪ ،‬منايف‬

‫‪3‬‬ ‫ك ـنــت ت ـك ـل ـم ـهــا ف ـج ـرا وق ـبــل أن ت ـنــام؟ م ـن ـح ـتــك ســاللــم‬ ‫السـمـاء وزهــو الـرحـيــل‪ ،‬وحـيـنـمـا وصـلـت حـافــة السـمــاء‪،‬‬ ‫وشـمـمــت عـطــر الـنـجــوم‪ ،‬انـفـتـحــت أبــوابـهــا يف وجـهــك‪،‬‬ ‫تراجعت قليال وغابت مع شب الـطـيـور‪ .‬تـركـت وحـيـدا‬ ‫والحية‪ ،‬ولم تـعـرف يف أي طـريـق تس رـي‬ ‫رفيقك السؤال‬ ‫ر‬ ‫وال منتش مداك؟ وقتها أيقظت قلبك ومشـيـتـمـا قـلـيـال‪.‬‬ ‫عندما توقفت أدركت معالم الطريق‪َ .‬‬ ‫قلت له‪ :‬آن أوان‬ ‫ـاف يف‬ ‫ال ـف ـراق‪ .‬هــذا مس ـلـ يـك ن ـحــو الّـغ ـيــب‪َ ،‬ســدرة ال ـم ـنـ ي‬ ‫منتش السماء‪ .‬وعـنـدمـا الـتـفـت‪ ،‬وجـدت نـفـسـك مـعـلـقـا‬ ‫يف الـفـرا ‪ ،‬ال هللا قــريــب وال السـمــاء صــديـقــة‪ .‬حــاولــت‬ ‫الــرجــوع ل ـكــن خ ـطــواتــك كــانــت قــد س ـبـقـتــك نـحــو جـنــة‬

‫لست نبيا ر‬ ‫ألمىس عل الماء‪ ،‬لك يـن مشـيـت‪ .‬مـن قـال إن‬ ‫ي‬ ‫الـمـنــق رقــص عــل ال ـمــاء وسـ رـي يف درب الـم ـسـت ـحـيــل؟‬ ‫ح ـف ـنــة مــن فــرح وخــوف ب ـعـ َـيت ـهــا األقــدار بش ـهــوة‪ .‬كــل‬ ‫ـاف تـعــرفـك‪ .‬وتـعـرفـك غـفـوة الـمـبـهـم والـمـسـتـحـيــل‪.‬‬ ‫الـمـنـ ي‬ ‫ـاف ال ـق ـلــب ت ـتــذكــرك ح ـي ـن ـمــا ه ـجــرتــك الــوجــوه الـ يـن ـ‬ ‫م ـنـ ي‬ ‫ـاف وغــابــت يف تـيــه‬ ‫مـنـحـتــك بـعــض حـيــاة ثــم أخــذت الـبـ ي‬ ‫الدنيا‪ .‬امرأة من ظل الخوف‪ ،‬كلما مددت يدك نحـوهـا‪،‬‬ ‫نـزلــت عـلـيـهــا السـيــوف والسـكــاكـ رـي والـكــالم الـعـتـيــق‪ .‬أي‬ ‫ـاف الــروح‬ ‫مـنــق يـحـفــر اآلن قـلـبــك ويـلــونــه بــالــرمــاد؟ مـنـ ي‬ ‫حينما غيبت خوفك فيك لتستقيـم مشـيـة الـطـيـور ال يـنـ‬ ‫‪93‬‬


‫مسرية أمزغار ‪ -‬واسيين األعرج‪ ،‬منايف‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫ـاف تسـي جـرحـك؟ وأي جـرح يشـفـيـه‬ ‫الجحـيـم‪ .‬أي الـمـن ي‬ ‫الفرح المستحيل؟ أال تـتـذكـر كـم مـرة سـلـلـت قـلـبـك مـن‬ ‫صــدرك ورم ـي ـتــه ع ـنــد قــدم ـيــك وضخــت يف دمــه‪ :‬مــاذا‬ ‫تــريــد مـ يـن؟ أرجــوك ع ـل ـمـ يـن ك ـيــف أنىس ـ مــا ال ي ـن ـىســ‪،‬‬ ‫ألغي بالموت اإلنسـان؟ صـمـت‬ ‫وامنحن قوة الشيطان ر‬ ‫ي‬ ‫الـقـلــب ومــات‪ ،‬لـكـنــك يف خـفــاء الــوحــدة جــاءك صــوت‬ ‫ـاف ن ـع ـمــة‪ ،‬وال ح ـك ـمــة‪ ،‬وال‬ ‫يش ـبــه وج ـهــه‪ :‬ل ـي ـســت ال ـم ـنـ ي‬ ‫ـان ل ـل ـمــوت يف‬ ‫ـاف س ـلــم مــن ف ـيــض ال ـم ـعـ ي‬ ‫غ ـي ـمــة‪ .‬ال ـم ـنـ ي‬ ‫سـ ـكـ ـيـ ـن ــة‪ .‬أت ــري ــد أن تـ ـع ــرف كـ ـي ــف أن الـ ـمـ ـن ــق فـ ـن ــاء‬ ‫بالتقسيط؟ انظر ألفع الزمن الـذي تـلـف خرصـك؟ كـل‬ ‫َ‬ ‫ص ـبــاح تس ـت ـي ـقــظ مــذعــورا أنــك ف ـقــدت ش ـي ـئــا م ـنــك ال‬ ‫تعرفه‪ ،‬لكنك بعد سنوات ترى فجأة بـقـايـا الـحـطـام هـو‬ ‫كل ما هرب منك‪ .‬كيف يفرح قلب بمنفاه وهو لم يبلغ‬ ‫ـاف ال ـم ـعــابــر ومــا أ كـ َـيهــا‪ .‬أي طــريــق تس ـلــك‬ ‫مــداه؟ م ـنـ ي‬ ‫عـنــدمــا تــزل ظـلـمــة األقــدار الـقـلـقــة عــل كـفـيــك وتـطــرد‬

‫العصافي مـنـهـمـا وعـنـدمـا تـنـسـحـب تـبـق بـومـا تـنـعـق يف‬ ‫ر‬ ‫ـاف تـرفـعـك نـحـو الـغـيـم‪،‬‬ ‫خراب الـقـلـب والـروح‪ .‬أي الـمـن ي‬ ‫ـاف‬ ‫وتـمـنـحــك مــا تشـتـهـيــه مــن نـجــوم الـظــالم؟ أي الـمـنـ ي‬ ‫ـاف ال يـن تـمـنـحـك مــوتـا طـريــا كـالـيق‪ .‬أم‬ ‫أجـدر بـك؟ الـمـن ي‬ ‫الن تعطل جسدك وتحوله إىل صخرة توضع عل‬ ‫تلك ي‬ ‫شــاط م ـه ـجــور‪ ،‬وعــل حــواف ال ـخ ـراب وت ـن ـشــد عــل‬ ‫مسمعك‪ ،‬كـل مسـاء‪ ،‬أنـاشـيـد الـمـوت والـغـربـان‪ ،‬ال أنـت‬ ‫ـاق هـنــا‪ ،‬وال انــت ذاهــب هـنــاك‪ .‬فـلــن يـمـهـلــك الـمـنــق‬ ‫بـ ٍ‬ ‫حن حق االختيار‪ .‬أي فـرح يـلـيـق بـك‪ ،‬فـرح نـار تـدفـئـك‬ ‫ثم تتسل بحرقـك‪ ،‬أم فـرح الـثـلـج إذ يـنـهـيـك قـطـعـة مـن‬ ‫جـلـيــد تشـبـه الـرخـام؟ ربـمــا ال هـذا وال ذاك‪ ،‬أنــت تـحـلــم‬ ‫الن كلمـا غـازلـت غـوايـتـهـا‪ ،‬خـانـك عـطـرهـا‪،‬‬ ‫بفرح الزهرة ي‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫سء ســوى غصـنـهــا الـمــرتـعــش يف‬ ‫تـبـعــيت أوراقـهــا وال ي‬ ‫ك ـف ـيــك‪ .‬هــو ال ـم ـنــق الــذي ال اســم لــه ســوى ال ـمــوت‬ ‫القليل‪.‬‬

‫‪94‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫مسرية أمزغار ‪ -‬واسيين األعرج‪ ،‬منايف‬

‫‪95‬‬


‫مسرية أمزغار ‪ -‬واسيين األعرج‪ ،‬منايف‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫‪2‬‬ ‫وقيامة شبيهة بنا وجـنـة نصـنـعـهـا كـل يـوم‪ .‬هـنـاك حـيـث‬ ‫ر‬ ‫ـالسء ر‬ ‫والىس ــء الـ ـخ ـ يـق والـ ـمـ ـتـ ـخ ـ يـق‪ .‬كـ ـلـ ـم ــا وج ــدت‬ ‫ال ـ ي‬ ‫ي‬ ‫مسحوق الوقت يف يدي‪ ،‬مررت عل جـنـتـهـم‪ ،‬ولـوحـت‬ ‫أمض بال أسـئـلـة وال خـوف وال انـتـظـار‪ .‬حـن لـو‬ ‫لهم ثم‬ ‫ي‬ ‫كانت بـنـقـاء الـثـلـج وشـدو الـعـصـاف رـي‪ ،‬لـن أدخـل جـنـتـهـم‬ ‫لكيال أطرد منها ثانية بعد حماقة‪ ،‬بعد ساعات‪ ،‬أو بـعـد‬ ‫حي‪.‬‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫يــوم خــرج ـنــا أنــا وأنــت مــن رحــم الــزرع وبــذرة ال ـخ ـلــق‬ ‫ّ‬ ‫اثني واآلن أصبحا ليس كمـا ظـنـنـا‪،‬‬ ‫األوىل‪ ،‬كنا واحدا يف ر‬ ‫ـادون نـحـو مـنـأى‬ ‫وحيدين يف اثـن رـي ّ‪ .‬يف الـوالدة األوىل ق ي‬ ‫بعيد ونسوا أننا كنا فينا مـجـتـمـع رـي‪ .‬أبـحـث عـنـك خـارج‬ ‫المناف‪.‬‬ ‫المجرات واألكوان وظلمة‬ ‫يقين أنـك يف ال ُـهـنـا‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫وربما ف ُ‬ ‫الهناك‪ ،‬أو يف كليهما معا كشهوة المستحيل‪ .‬ال‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫أس اآلن إال الــريــاح الـ يـن رمـتـنــا بـعـيــدا نـحــو‬ ‫سء يـمــأل ر ي‬ ‫ي‬ ‫مــدى ال ـم ـســافــات‪ ،‬وتــرم ـيـ يـن اآلن عــل ب ـعــد ن ـفــس مــن‬ ‫قلبك ومـنـك‪ .‬تـم ّـر مشـعـا‪ ،‬غـاضـبـا‪ ،‬شـهـيـا‪ ،‬كـمـا الـنـجـمـة‬ ‫الضائعة يف المدار‪.‬‬ ‫ـاىم الـفـرح والـحـن رـي؟ ألـم‬ ‫لماذا تـفـعـل ين هـذا يف عـز تس ي‬ ‫عين كما‬ ‫أكن جديرة بك يوم أنجبتك من ر‬ ‫أني؟ أغمض ي‬ ‫يف ط ـفــولـ يـن‪ ،‬وأف ـتــح أصــابـ يـع ح ـيــث أراك بـ رـي ال ـف ـجــوة‬ ‫والـفـجــوة‪ ،‬وال أحـد غ رـيي يـراك‪ .‬ر‬ ‫أمىسـ مـقـتـفـيـة خـطــاك‬ ‫ي‬ ‫الـهــاربــة‪ ،‬دلـيـ يـل األوحــد والــوح ـيــد‪ ،‬قـل ـبــك الــذي غ ـيـب ـتــه‬ ‫ظـلـمــة الــرحـيــل‪ ،‬وعـطــر الـعــاشـقــة الــذي ال تـخـطـئــه ولــو‬ ‫كـنـ َ‬ ‫ـت يف ع ـمــق جـنــة أو عـبــق حــديـقــة هللا والـمــالئـكــة‪.‬‬ ‫يريدن من يطلب الحياة حن ال يختنق يف‬ ‫أريدك مثلما‬ ‫ي‬ ‫مـنـتـصــف الـطــريــق‪ .‬بـعـطــر الـعــاشـقــة نـحـيــا‪ ،‬وفـيــه نـبـ يـن‬ ‫الـمـسـتـحـيــل‪ .‬فـيــه نـنـ رـىسـ سـمــاء جــديــدة وأرضــا بــاتســاع‬ ‫كـفـ رـي‪ ،‬تصـنـعــان حـبــا كــل يــوم‪ ،‬وزرعــا يـنـجــب زرعــا ثــم‬ ‫ْ‬ ‫اثني يف واحد‪ ،‬ال أحد بـعـدهـمـا‬ ‫ينجب زرعا‪،‬‬ ‫فعاشقي‪ .‬ر‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫سوى غيب له ش فيـنـا وال نـعـرفـه‪ .‬هـبـل يـأتـي يـن اآلن يف‬ ‫غفوة العمر وغفلة الحياة‪ .‬كم أكون سعيدة يـا هـب يـل لـو‬ ‫اسـتـطـعـت أن أنـام فـقـط ألنسـاك قـلـيـال وأتـرك يـن أنـام يف‬ ‫الياسمي•‬ ‫شير العاشقة وعطر‬ ‫ر‬

‫ـش‪ .‬كـم حـلـمـت‬ ‫ـاف ال تـنـت ي‬ ‫هذا الطريق طويل وهـذه الـمـن ي‬ ‫باختصار الوقت ألعود وأجدك كما تـركـتـك يف آخـر مـرة‬ ‫وتمض بنا نحو المجهول‪ .‬أتساءل‬ ‫حبين تنتعلنا‬ ‫لمناف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ك ـي ــف ك ــان ي ـف ـك ــر ذل ــك ال ــذي ع ــي ال ــودي ــان والش ــوك‬ ‫ودروب الـخــوف وحــدود الـمــوت مــن أجــل حـفـنــة فــرح‬ ‫وكوب حرية فقط ليصل إىل هنا حيث موت التقـسـيـط‬ ‫الن وصفها لك السابـقـون؟ حـيـث‬ ‫أه‬ ‫ي‬ ‫المناف ي‬ ‫بانتهاره‪ .‬ي‬ ‫ر‬ ‫ويختق كنجمة تحت كـتـل‬ ‫سء مؤقتا يظهر‬ ‫يصبح كل ي‬ ‫ي‬ ‫الـغـيـم قـبـل أن يـت ر‬ ‫ـالس‪ .‬كـل الـمـنـاف الـن تـكـلـمـك ّ‬ ‫شا يف‬ ‫ي ي‬ ‫شـقــك يف ك ــل ث ــان ـيــة ن ـح ــو م ــداف ـن ــك‬ ‫ـان‪ ،‬كــاذب ــة‪ .‬ت ـ‬ ‫غ ـي ـ ي‬ ‫قلن‪ ،‬كيـف يـمـكـن أن يـحـدث هـذا‬ ‫العتيقة‪ .‬أضخ ملء ي‬ ‫خوف بـحـثـا عـن‬ ‫وننتش زبدا او غبارا؟ أتمادى يف لحظة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫سء‬ ‫مـلـمـســك الـبـعـيــد فــال أنــت هـنــا وال أنــا هـنــاك؟ ال ي‬ ‫سوى انتظار يـلـيـه انـتـظـار‪ ،‬ومـنـق يسـحـب وراءه مـنـق‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ـون‬ ‫أدرك س ـل ـفــا يف ش ـطــط الـ يـع وت ـيــه األس ـفــار‪ ،‬أن صـ ي‬ ‫سـيـمـكـث هـنـا حـيـث هــو اآلن‪ .‬حـيـث ال أحـد‪ .‬لـن يصــل‬ ‫كما تعودت رياح القلب أن تسـحـبـه مـن ظـلـمـة األقـدار‪،‬‬ ‫وتلق به يف عرض الحياة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫أقاض الجنون‪ ،‬أن أط رـي مـثـال نـحـو‬ ‫ف‬ ‫العاشقة‬ ‫رغبة‬ ‫ين‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫رصـه ال ـتــوت‬ ‫سـمــاء أخــرى‪ ،‬زرق ـتـهــا مــن ورق ال ـبـحــر وخ ـ‬ ‫وبياض خيط الحرير‪ ،‬ودهشة المسافات‪.‬‬ ‫ـاف الـ يـن‬ ‫ين شــوق ال أرض لــه وال ح ـنـ رـي إال م ـرارة ال ـم ـنـ ي‬ ‫عي‪.‬‬ ‫تستفزن بنصف ر‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫سء ألنــأى عـنــك قـلـيــال‪،‬‬ ‫أريــد عــاصـفــة تشـبـهـ يـن يف كــل ي‬ ‫ـرىم يف تــربــة األجــداد‪ ،‬أريــد غـيـمــا أو‬ ‫لـتـقـتـلـعـ يـن نـهــائـيــا وتـ ي‬ ‫بـعـضــا مــن نـعــومـتــه‪ ،‬خــالـيــا مــن الــريــاح والـمـطــر وهـزات‬ ‫ـش س ـم ــاء يىل ال رشي ــك يىل ف ـي ـه ــا غ ـ رـيك‪،‬‬ ‫الــرع ــود‪ .‬أش ـتـ ي‬ ‫الكبي وتحفظه‪ ،‬ال سـمـاء‬ ‫وحدها‬ ‫تعرفن‪ ،‬وتعرف شي ر‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫بـال شـمـس كـاذبـة وال بشـ يـنـتـظـرون بــرزخـا يـأتـيـهـم عــل‬ ‫ـاج ال ـيـقـ رـي‪ ،‬يف عــز ج ـحـيــم ي ـقـيــم يف خــوفـهــم م ـنــذ‬ ‫جـنـ ي‬ ‫الوالدة‪ .‬هناك حيث أنا وحدي‪ ،‬يف رشفات المستحـيـل‪،‬‬ ‫بذرن الفريدة‪ .‬تـنـشـق لـتـنـبـتـنـا مـعـا يف جسـد واحـد‬ ‫أزرع‬ ‫ي‬ ‫‪96‬‬


‫ضيفة العدد‬

‫‪97‬‬


98


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫عمار املأمون‪ ،‬أورالن‪ :‬أشباح القرين الوحشي‬

‫ى‬ ‫توظف الكتابة عن األداء "مهارة" ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ر‬ ‫تمرين‬ ‫ه‬ ‫نوع ما‬ ‫من‬ ‫ة‬ ‫لغوي‬ ‫للبحث فيما تالس‪ ،‬ي‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫عل َتدوين أثر ّ‬ ‫تجسد للحظات‪ ،‬ثم انمخ أصله ونسخته‪ ،‬فكما ال اكتمال يف‬ ‫ٍ‬ ‫اكتمال ف أثره‪ ،‬ال توجد ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫سينيك‬ ‫بحث‬ ‫ه‬ ‫عنه‬ ‫الكتابة‬ ‫حي‬ ‫ة‬ ‫نهاي‬ ‫األداء‪ ،‬وال‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫مثي للشفقة يف أرشيف ال متجانس عن حضور مؤقت لن يتكرر وال‬ ‫وأحيانا ر‬ ‫ُيستنسخ‪ُ ،‬يمخ كلما ازدادت الكتابة عنه‪.‬‬ ‫إتي يف‬ ‫ولدت فنانة األداء رمياي سوزان فرانست بورت عام ‪ 4237‬يف سانت ر‬ ‫بالتالس عام ‪ 4293‬بعد صورة فوتوغر ّ‬ ‫ر‬ ‫افية توثق والدة القديسة‬ ‫فرنسا‪ ،‬وبدأت‬ ‫ي‬ ‫الن أصبح لها شكل جسدي جديد‪ ،‬واسم‬ ‫الن بدأت تأخذ مكان رمياي‪ ،‬ي‬ ‫أورالن‪ ،‬ي‬ ‫‪99‬‬


‫عمار املأمون‪ ،‬أورالن‪ :‬أشباح القرين الوحشي‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرومانسية ودليل االستمناء‪.‬‬ ‫المثالية‪ ،‬العشيقة‬

‫ّ‬ ‫جديد‪ ،‬وبعد عدة عمليات جر ّ‬ ‫وتجميلية‪ ،‬اختفت‬ ‫احية‬ ‫الن نعرف اسمها وشكلها ومكان والدتها ورقم‬ ‫رمياي ي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫االجتماع‪ ،‬وتقمصتها القديسة أورالن كليا‪،‬‬ ‫ضمانها‬ ‫ي‬ ‫طي‪ ،‬ولن تبعث من تراب‪.‬‬ ‫الن لم تولد من ر‬ ‫تلك ي‬

‫تحيلنا الكتابة عن القديسة أورالن إىل تاري ــخ ال‬ ‫ّ‬ ‫البيولوج واسمها‬ ‫شخض‪ ،‬ال يتطابق مع عمرها‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫المرتبط به‪ ،‬فالزمن ُيقاس بمقدار تجسيدها للتاري ــخ‬ ‫ّ‬ ‫الفن‬ ‫الن تحملها‪ ،‬فالبعض‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫والثقاف ّ‪ ،‬وتعدد العالمات ي‬ ‫لنص لـ جون بول‬ ‫يرى أنها «قديسة » يف استعادة‬ ‫ٍ‬ ‫سارتر‪ ،‬أطلق فيه لقب القديس عل جون جونيه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫المشج‪،‬‬ ‫الذي تقمصه دور اللص‪ ،‬والثائر‪ ،‬والكاتب‬ ‫ً ي‬ ‫ومحارب الغوريال؛ والبعض اآلخر يرى فيها كيانا ضد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ينق الشهادة ويتهكم من العفة‬ ‫القدسية‪،‬‬ ‫مفهوم‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والطهرانية المسيحية‪ .‬ال يمكن التحديد بدقة‪ ،‬فتاري ــخ‬ ‫ً‬ ‫القديسة أورالن كمالمحها‪ّ ،‬‬ ‫متغي دوما‪ ،‬ال توجد لحظة‬ ‫ر‬ ‫بداية أو ّ‬ ‫نهاية له‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تمتلك أورالن مكان حاجبيها حاليا‬ ‫ونيتي‬ ‫رقاقتي إلكي ر‬ ‫ر‬ ‫تيجمان لها كل لغات العالم‪ ،‬لكنها لم تجد لهما‬ ‫البطاريات المناسبة‪ ،‬وكأنها سايبور يتجاوز إدراكه‬

‫ّ‬ ‫السياس‬ ‫استعمرت القديسة أورالن جسد رمياي‬ ‫ي‬ ‫ّ ُ ّ‬ ‫صنف عل أنه َ‬ ‫أنن‪ ،‬متجاوزة حدوده‬ ‫والثقاف الم‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫وجلده‪ ،‬داخله وخارجه‪ ،‬لتحرص بيننا ال بوصفها ذكرا‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫الفن‬ ‫ه انعكاس للياث ي‬ ‫وال أنن‪ ،‬ال جميلة وال قبيحة‪ ،‬ي‬ ‫ّ‬ ‫األورون الذي تستحرصه عي "لحمها“‪ ،‬بوصفه‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السياس‪.‬‬ ‫الجماىل والرصاع‬ ‫مساحة للجهد‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الكبية‪ ،‬أيقونة‬ ‫اسمها الجديد (‪ )ORLAN‬ذو األحرف ً ر‬ ‫غي مكتملة‪ٌ ،‬‬ ‫رسم ال إطار له‪ ،‬يتكون دائما‪ ،‬كما جسدها‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ه‬ ‫الذي ر‬ ‫تغي شكله علنيا‪ ،‬فال صورة لها تشبهها‪ ّ ،‬ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المسيخ‪ ،‬الذي تبنته‬ ‫األورون‪-‬‬ ‫الفن‬ ‫وليدة المتخيل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫التجل الساخر لألنن "الجميلة"‪،‬‬ ‫حرفيا‪ ،‬لتصبح‬ ‫ي‬

‫‪011‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫عمار املأمون‪ ،‬أورالن‪ :‬أشباح القرين الوحشي‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أفريقية‪ ،‬ثم‬ ‫التقليدية‪ ،‬قبلها كان لها مالمح‬ ‫معارفنا‬ ‫استبدلتها بوجه يحمل مالمح قناع من أوبرا‬ ‫ُ‬ ‫بكي‪ .‬كذلك‪ ،‬وأثناء البحث عن نسخها‪ ،‬وجدنا نسخة‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫رقمية من جسدها بال جلد‪ ،‬مجرد شاشة تتحرك‬ ‫ضمنها بال جلد‪ ،‬لحم ضف بال مالمح‪ .‬مع ذلك‪،‬‬ ‫سنحاول قراءة ما تبق من القديسة أورالن عي‬ ‫محورين‪ :‬الجسد ف العالم واللحم ف تاري ــخ ّ‬ ‫الفن‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫ّ‬ ‫ذكوري كمركز جورج بومبيدو؟‬ ‫نحتاج لقياس فضاء‬ ‫وما عدد األشخاص الذين يمكن أن يتسعوا يف‬ ‫»أورالن« واحدة؟‬ ‫الجدل الذي أثاره األداء السابق‪ ،‬المعنون‬ ‫ُ‬ ‫تحتضن‬ ‫الن‬ ‫بـ ‪ MesuRAGEs‬مرتبط‪ 4‬بالمؤسسة ي‬ ‫ّ‬ ‫”الفن“‪ ،‬والمصممة الستعراض المنتجات الفنية‬ ‫ّ‬ ‫والن ترفض جسد ”المرأة“‬ ‫ضمن مقاييس ”رجولية“‪ ّ ،‬ي‬ ‫ُ‬ ‫كمحرك للمقاييس المادية‪ ،‬ألنه يفضح سياسات‬ ‫حضور هذه المؤسسة ضمن الفضاء العام‪ ،‬ودورها‬ ‫ّ‬ ‫الن تعود‬ ‫كمساحة استعراض ذكورية سحقت األبنية ي‬ ‫للقرن السابع ر‬ ‫عش‪ ،‬لتشييد ضح النتصار الحداثة‬ ‫وفنونها‪.‬‬

‫ّ‬ ‫فالمي‬ ‫الفرنىس األول ُحسب عل أساس‬ ‫ووظائفهم‪ِ ،‬‬ ‫ي‬ ‫الن قطعها رجالن‪ ،‬وكتبت المعادالت‬ ‫المسافة ي‬ ‫ّ‬ ‫الرياضية باالعتماد عل خطواتهما وجهدهما‪ ،‬وتعبهما‪،‬‬ ‫ساف كل واحد منهما‪ ،‬وحن‬ ‫وتسارعهما‪ ،‬والمسافة ربي ي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫لمعايي‬ ‫بق المقياس خاضعا‬ ‫العلىم‪،‬‬ ‫اآلن‪ ،‬مع التطور‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫غيت تكوين‬ ‫الن ر‬ ‫”الرجال“ ذاتهم‪ ،‬ذوي القنبلة الذرية ي‬ ‫ذرات الكوكب واألبعاد بينها‪ ،‬الكوكب ذاته الذي‬ ‫يحوي معارض ومتاحف ومسارح‪ ،‬لكن عام ‪،4277‬‬ ‫وف مركز‬ ‫قررت أورالن أن تختي هذا المقياس‪ً .‬حينها‪ ً ،‬ي‬ ‫جورج بومبيدو يف باريس‪ ،‬ارتدت قماشا أبيضا‪ ،‬وجزمة‬ ‫ذات كعب عال‪ ،‬وقامت باالستلقاء عل األرض‪،‬‬ ‫وقاست المسافة ربي كعب جزمتها وقمة رأسها‪،‬‬ ‫وكررت القياس‪ ،‬لتجيب عن سؤال‪ :‬كم ”أورالن“‬

‫المثي لالهتمام أن أورالن لم تستخدم فقط‬ ‫من‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫العاىل أيضا‪ ،‬ذاك الذي‬ ‫”لحمها“ للقياس‪ ،‬بل كعبها‬ ‫ا ي ً‬ ‫ّ‬ ‫يخين إحاالت‬ ‫جنسية ومتخيي جماليا عن ”المرأة“‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الفن صالح فقط الستعراض "الجسد‬ ‫وكأن الفضاء‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫وف حال تحول هذا‬ ‫المؤنث" بوصفه غرضا‪ ّ ،‬ي‬ ‫"الجسد" إىل جزء عضوي من الفضاء‪ ،‬تنكشف‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يرتدي كعبا‬ ‫المصمم لخطوات رجل ال‬ ‫عيوبه‪ ،‬وشكله‬ ‫يعيق حركته ويرسم كيفية تمايله‪ .‬فـ ”أورالن“ تعريّ‬ ‫ّ‬ ‫الذكورية وتاري ــخ الفن الذي صمموه‬ ‫المتخيالت‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫وكتبوه ورسموا لوحاته و"نساءه"‪ ،‬وتؤدي ساخرة من‬ ‫ُ ى‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫المذكر ثقافيا‪ ،‬عي نزع جسدها‬ ‫المادي للعالم‬ ‫الشكل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتبن المتخيل عنها كامرأة‬ ‫من مكانته كموضوعة فنية‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫متغيا جديدا‪ ،‬يفرض‬ ‫بالكعب‬ ‫العاىل‪ ،‬جاعلة جسدها ر‬ ‫ي‬

‫ُالجسد يف العالم‪ :‬أورالن كوحدة قياس‬ ‫فالمي الفرنىسّ‬ ‫أنتج العالم‬ ‫الغرن عل مقاييس الرجل‪ِ ،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وعلىم وضعه رجال لقياس العالم‬ ‫سياس‬ ‫مثي‪ ،‬معيار‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫الفرنسية‪ ،‬ولجعله يطابق صورتهم‬ ‫بعد الثورة‬

‫‪010‬‬


‫عمار املأمون‪ ،‬أورالن‪ :‬أشباح القرين الوحشي‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫ضمن إناء‪ ،‬وأغلقته بالشمع‪ ،‬ثم حملته رافعة ذراعها‪،‬‬ ‫لتتحول آثار خيتها مع ”المكان المذكر“ إىل أيقونة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحرية الموجود‬ ‫تحال تمثال‬ ‫مدنسة نوعا ما‪ ،‬أيقونة‬ ‫ي‬ ‫عل الهامش‪ ،‬كغرض استعر ّ‬ ‫اض خالب‪ ،‬وتقول إن‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫سعيها لمشابهته‪ ،‬هو محاولة ألن تكون حاضة يف هذا‬ ‫وسع للخروج بجسدها‬ ‫العالم‪ ،‬ال مجرد صورة ضمنه‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫من اإلطار‪ ،‬كما يف صورة لها‬ ‫ه‬ ‫أنجزتها سابقا‪ ،‬ي‬ ‫ً‬ ‫تنق‬ ‫محاوالت ألن تجعل العالم تجسيدا للحمها‪ ،‬يك ي‬ ‫وضعيتها كزخرفة ضمنه‪.‬‬

‫تحيها وسذاجة‬ ‫ضمن "المعادلة" لتخريبها‪ ،‬وكشف ر‬ ‫ا‬ ‫معيار التصنيف الذي يفيض شكي لـ "جسد المرأة‬ ‫الجميلة"‪ ،‬ويحدد أساليب ظهوره‪ ،‬المتمثلة بالكعب‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫العاىل‪ ،‬الذي يعطل االنتقال ويفيض شكي وتسارعا‬ ‫ي‬ ‫ى‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫المىس به ضمن‬ ‫ُمحددين‪ ،‬بل وال بد من تعلم مهارة‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫الن تهدد‬ ‫البن الذكورية‪ ،‬بأرصفتها‬ ‫الحجرية وحفرها ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫من ترتدي كعبا بالوقوع أرضا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الذكوري عي انضباطها‬ ‫تسخر القديسة أورالن من‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫وتىسء جسدها يف سبيله‪،‬‬ ‫التام بأعرافه المؤذية‪ ،‬بل‬ ‫ي‬ ‫لتكون "وحدة ثابتة" ضمنه‪ ،‬ما يزعزع تصميمه الخقّ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫علنية ويستثنيها من‬ ‫الذي يحتضنها ضمن مساحة‬ ‫ّ‬ ‫ه تختي تصميم العالم بجسدها‬ ‫تكوينه‬ ‫الداخل‪ ،‬ي‬ ‫ًي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المؤنث ثقافيا‪ ،‬الذي تتقبله المؤسسة الفنية ضمن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مشج‪ ،‬ما‬ ‫ومادية‪ :‬لوحة‪ ،‬صالة‪ ،‬عرض‬ ‫زمانية‬ ‫إطارات‬ ‫ي‬ ‫ى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يجعلها عارضا من أعراضه ال مولدا ألعرافه‪.‬‬

‫الجسد ف تاري ــخ ّ‬ ‫الفن‬ ‫ي‬

‫ّ‬ ‫التقمص‪ :‬النطق‬ ‫بالتقمص مرحلة ّ‬ ‫ّ‬ ‫تسىم بـ‬ ‫الدين المرتبط‬ ‫يحوي الياث‬ ‫ي‬ ‫وه واحدة من اإلشارات األوىل عل أن‬ ‫"النطق"‪ ،‬ي‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫الشخص الحاض أمامنا‪ ،‬يخين داخله "آخرا"‬ ‫ذا تاري ــخ ومعارف ماضية‪ ،‬وقد تظهر إحدى عالماتـ(ـه)‬ ‫ّ‬ ‫الجسدية واضحة كالندبة أو الجرح‪.‬‬ ‫ر‬ ‫تتالس وتصبح‬ ‫مرت رمييل بهذه العالمات قبل أن‬ ‫أورالن‪ ،‬إذ "نطقت" عام ‪ 4293‬يف صورة فوتوغرافية‬

‫بعد انتهاء األداء‪ ،‬قامت بغسل القماش الذي كانت‬ ‫ترتديه‪ ،‬ووضعت المياه الممزوجة باألوساخ والعرق‬ ‫‪012‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫عمار املأمون‪ ،‬أورالن‪ :‬أشباح القرين الوحشي‬

‫َ ُ‬ ‫لها بعنوان "أورالن ت ِلد نفسها"‪ ،‬ونراها فيها تلد‬ ‫ً‬ ‫قرينا‪ 3‬لها بعد أن حبلت به‪ ،‬وبعدها‪ّ ،‬‬ ‫عمدت نفسها‬ ‫عام ‪ّ ،4274‬‬ ‫وغيت اسمها إىل القديسة أورالن‪.‬‬ ‫ر‬ ‫وبعكس مفهوم "القديس"‪ ،‬ليست أورالن خالية من‬ ‫ّ‬ ‫الدنس الذي ال تعيف حن بوجوده‪ ،‬كما أنها ال تمثل‬ ‫ى‬ ‫تجل ًيا لشخص ماض‪ ،‬تاريخه ُمحكم ورسىم‪ ،‬أو ّ‬ ‫تعرض‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫األنن ضمن تاري ــخ‬ ‫لظلم ما؛ فنطقها استمر ٌار لهوية‬ ‫ّ‬ ‫فش جلدها وصورتها‬ ‫الفن‪ ،‬أما مساحة جهدها‬ ‫الفن ي‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ه قرين بحاجة لتعديالت مستمرة‪ ،‬ال صورة‬ ‫وشكلها‪ ،‬ي‬ ‫ّ‬ ‫ه اسمها الذي‬ ‫مثالية له‪ ،‬وأول هذه التعديالت ي‬ ‫ّ‬ ‫تغييه حينها‪ ،‬والمشكلة‪،‬‬ ‫واجهت صعوبات‬ ‫قانونية يف ر‬ ‫الن‬ ‫حسب ر‬ ‫تعبيها‪ ،‬كانت يف ضاعها مع المحكمة ي‬ ‫الكبية‪ ،‬وما زالت‬ ‫رفضت أن يكون اسمها كله باألحرف ر‬ ‫ّ‬ ‫ع أن اسمها‬ ‫تواجه بعض الذين يقولون إنها تد ي‬ ‫"أورالن"‪ ،‬وكأن ال حق لها باختيار اسمها‪.‬‬

‫ّ‬ ‫الن ترى يف‬ ‫والسياسية‬ ‫السابقة‪ ،‬ووالدة القديسة‪ ،‬ي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مرئية يف‬ ‫ماضية تحرص‬ ‫التقمص امتدادا لهويات‬ ‫الجسد الجديد‪ ،‬ذي اللحم والجلد الذي يتجاوز‬ ‫ّ‬ ‫الخ‬ ‫الثقافيي‪ُ ،‬ليصبح التجسيد‬ ‫التذكي والتأنيث‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الذكوري المثاىل‪ّ.‬‬ ‫للمتخيل‬ ‫ي‬ ‫والتخل عن لحمها ووجهها‪ ،‬وتـحـويـلـه‬ ‫إلتمام التقمص‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إىل مــوضــوعــة فـنــيــة عـلـنــيــة‪ ،‬بــدأت أورالن سـلـسـلــة مــن‬ ‫الن توظف عمليات التجميل الجراح ّـيـة‪،‬‬ ‫عروض األداء ي‬ ‫ه أول ن ـم ــوذج ي ـل ــيم بـ ـ "م ــان ـي ـف ـس ـت ــو ال ـف ــن‬ ‫ل ـت ـك ــون ي‬ ‫ال ـج ـس ـم ـ ّ‬ ‫ـان" ال ــذي أط ـل ـق ـت ــه ب ــداي ــة ع ــام تس ـع ـ رـي‪ ،‬إذ‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫خضعت لـتـسـع عـمـلـيـات تـجـمـيـل عـلـن ّـيـة‪ ،‬تـبـث مـب ر‬ ‫ـاشة‬ ‫إىل م ـخ ـت ـلــف عــواصــم ال ـعــالــم‪ ،‬ي ـراف ـق ـهــا أث ـنــاءهــا فــريــق‬ ‫ت ـق ـن ـيـ رـي وأط ـبــاء ي ـق ـط ـعــون ل ـح ـم ـهــا وي ـف ـت ـحــون داخ ـل ـهــا‬ ‫ويغيون معالمها‪ ،‬واألهم أنها واعـيـة طـوال فـية األداء‪/‬‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫العملية وتقرأ نصا اختارته مسبقا‪.‬‬ ‫لــن نـنــاقــش حـيـيـيــات كــل واحــدة مــن الـعـمـلـيــات‪ ،‬لـكـنـنــا‬ ‫ّ‬ ‫بعي االعـتـبـار أن‬ ‫سنذكر بعض النقاط‬ ‫المهمة‪ ،‬آخذين ر‬ ‫كــل عـمـلـ ّـيــة "حــدث يف الـعــالــم" مــا زالــت آثــاره مسـتـمــرة‬

‫ّ‬ ‫التقمص‪ :‬االنمحاء ثم التجسيد‬ ‫ً‬ ‫بعد ‪ 39‬عاما من "أورالن تلد نفسها"‪ ،‬بدأت عملية‬ ‫ّ‬ ‫البيوقر ّ‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫اطية‬ ‫والتالس‬ ‫الكل‪،‬‬ ‫الجسدي لذاتها ر‬ ‫ي‬ ‫التقمص ي‬

‫‪013‬‬


‫عمار املأمون‪ ،‬أورالن‪ :‬أشباح القرين الوحشي‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫احتوى وجه أورالن‪ ،‬ذقن فـيـنـوس مـن لـوحـة بـوتشـي يـل‪،‬‬ ‫وأنــف بســايــك مــن لــوحــة جــان ل ـيــون غـ رـيوم‪ ،‬وش ـفـ يـن‬ ‫ه‬ ‫أوروبـا مــن لـوحــة فـرانسـوا مــوشـ رـي‪ ،‬وعـيـ يـن ديــانـا كـمــا ي‬ ‫مــرســومــة ف لــوحــة مــن ال ـقــرن ال ـتــاســع ر‬ ‫عشــ‪ ،‬وج ـب ـهــة‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫دافنىس‪02‬‬ ‫ليوناردو‬ ‫لوحة‬ ‫من‬ ‫الموناليا‬ ‫ر‬ ‫ي‬

‫حن اآلن‪ ،‬أو ربـمـا تـالـشـت‪ ،‬فـجـسـد أورالن نسـخـة عـن‬ ‫نس ـخــة وه ـمـ ّـيــة‪ ،‬ال ي ـم ـكــن بــدقــة ض ـبــط "ن ـهــايــة" هــذه‬ ‫ُ‬ ‫ـان مـع مـرور‬ ‫الن ر‬ ‫تتغي حكاياتـهـا وتـكـويـنـهـا الـف رـيي ي‬ ‫النسخ ي‬ ‫الزمن‪.‬‬ ‫ال ـع ـم ـلـ ّـيــة األوىل كــانــت بــاســم ُ‬ ‫"صــور"‪ ،‬واألخـ رـية بــاســم‬ ‫‪" Omnipresence‬حضـور ك ّ‬ ‫ـل"‪ ،‬وخـاللـهـا اقـتـبـسـت‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫الن تص ّـور «جـمـال‬ ‫ة‬ ‫األوربي‬ ‫أورالن مالمح من اللوحات‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ذكوري‪ ،‬لـكـنـهـا ال تـهـدف ألن تـكـون‬ ‫األنن »من منطلق‬ ‫«ج ـم ـي ـلــة»‪ ،‬بــل ت ـحــاول ت ـج ـس ـيــد كــل واحــدة مــن هــذه‬ ‫المالمح‪ ،‬والسياسات الخفية والحكايات المرتبطة بكل‬ ‫واح ــدة م ــن ه ــذه ال ـع ــالم ــات وال ـم ـع ــاي ـ رـي ل ـت ـس ـخ ـ َـر م ــن‬ ‫«ال ـتــأن ـيــث »و«ال ـت ـج ـم ـيــل »وأع ـراف ـه ـمــا وال ـت ـك ـنــولــوج ـيــا‬ ‫ال ـمــوظ ـفــة ل ـج ـع ـل ـه ـمــا مــرئ ـيـ رـي‪ ،‬ل ـت ـص ـبــح أورالن أش ـبــه‬ ‫بفايروس يدخل تاري ــخ ّ‬ ‫الفن وينسخ مكوناته‪ ،‬ويـخـينـهـا‬ ‫ً‬ ‫يف حمضه الـنـووي‪ ،‬ثـم يـمـزجـهـا مـغ رـيا شـكـلـه يف كـل مـرة‬ ‫"تـظـهــر" فـيـهـا أعـراضـه‪ .‬وبـعـد آخــر عـمـلـ ّـيـة عـام ‪4222‬‬

‫ً‬ ‫تـمـتـلـك الـقـديســة أورالن قـنــاعـا أســاسـه الـجـلــد والـلـحــم‪،‬‬ ‫بـوصـفـهـمــا مـكــونـات مـتـغـ ّـية لـلـهـ ّ‬ ‫ـويـة ُيصـنـف الـفـرد عــل‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫أساسها‪ ،‬فهما ليسا ُمنتجات "طبيـعـيـة" مسـبـقـة الصـنـع‬ ‫ومثالية التصـمـيـم‪ ،‬بـل عـنـاض بـحـاجـة لـتـعـديـل وضـبـط‬ ‫ّ‬ ‫مس ـت ـمـ ّ‬ ‫ـريــن‪ ،‬والبــد مــن تــوظ ـيــف ال ـت ـك ـنــولــوج ـيــا ال ـط ـبـ ّـيــة‬ ‫ّ‬ ‫والعلمية إلنـتـاجـهـمـا بصـورة دائـمـة‪ ،‬مـن مـنـطـلـق الـخـيـار‬ ‫الش ـخـ ّ‬ ‫ـض ـ والس ـيــادة ال ـتــامــة عــل ال ـج ـســد وم ـكــونــاتــه‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫خصـوصـ ًـا أنـهـمــا يـخـضـعــان دومــا لـجـهــد سـيـ ّ‬ ‫ـاس وثـقـ ّ‬ ‫ـاف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫الخلوي "جهاز الـمـنـاعـة‬ ‫يتحكم بهما‪ ،‬سواء يف تكوينهما‬ ‫الجين"‪ ،‬وانتهاء بعمليات التجميل والـوشـوم‬ ‫التعديل‬‫ي‬ ‫والثقوب‪.‬‬ ‫‪014‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫عمار املأمون‪ ،‬أورالن‪ :‬أشباح القرين الوحشي‬

‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫الطبيعية ال تـنـتـج أعضـاء ذات وظـائـف ثـابـتـة‬ ‫والماكينة‬ ‫تـخـلـخــل أورالن الـقـنــاع الســابــق عــي الـتـحــرك بـ رـي ثــالثــة‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫الذكورية وسياساتها ُ‬ ‫وأشـكــال مـثــالــيــة‪ ،‬بــل تـنـتــج أجســادا بــال أعضــاء تســيــس‬ ‫كمنتج لـلـمـعـاي رـي؛‬ ‫محاور‪ :‬التحديقة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ا‬ ‫الن تمـتـلـكـهـا كـل وظـيـفـة‪ ،‬وال يـن تـرسـم‬ ‫بحسب‬ ‫رصـيــا لـلـجـمــال؛‬ ‫وتــاري ـ ــخ الـفــن بــوصـفــه تـمـثـيــي مــاديــا وب ـ‬ ‫الحدود ي‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ـن‪-‬عـل ّ‬ ‫التجميلية كفضاء ط ّ‬ ‫م ــؤس ـس ــات ـي ــا وب ـ رـيوق ـراط ــي ــا بص ــورة مش ــاب ـه ــة ل ـل ـن ـق ــاط‬ ‫ـىم لـتـجـسـيـد هـذه‬ ‫والجراحة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫وال ـخ ـطــوط الـ يـن يــرس ـم ـهــا الــجــراح عــل وج ـه ـهــا ق ـبــل‬ ‫ـالف ب ـي ـن ـه ــا وع ـم ـل ـي ــات‬ ‫ال ـم ـعــاي ـ رـي‪ ،‬ف ــاض ـحــة ن ـق ــاط ال ـت ـ ي‬ ‫ى‬ ‫تجسيدها عي األداء الـجـسـم ّ‬ ‫تغييه»؛ هذه الخطوط عل الـجـلـد‪ ،‬ولـيـدة سـيـاسـات‬ ‫ـان‪ ،‬الـذي يـوظـف صـنـاعـة‬ ‫« ر‬ ‫ي‬ ‫االسـ ـ ـتـ ـ ـه ـ ــالك والـ ـ ـتـ ـ ـمـ ـ ـثـ ـ ـي ـ ــالت‬ ‫"ال ـج ـم ـيــل" وت ـق ـن ـي ــات ـه ــا إلع ــادة‬ ‫ّ‬ ‫الشهوانية لجسد المرأة‪ ،‬بل إن‬ ‫تص ـ ـم ـ ـيـ ــم دهـ ــون ـ ـهـ ــا ودمـ ــائ ـ ـهـ ــا‬ ‫تتالشى مالمح مرياي بني النص‬ ‫ّ‬ ‫بعضها وليد تعديالت رقمية ال‬ ‫ووج ـه ـهــا ال ـم ـث ـبــت بــال ـم ـشــابــك‬ ‫ي أصل لها يف الواقـع‪ ،‬وال يـمـكـن‬ ‫واإلّبــر‪ ،‬بــوصـف ـهــا م ـكــونــات ل ـهــا والعمليّة اجلراحيّة واملعيار الذكور ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ت ـح ـق ـي ـق ـهــا ط ـب ـي ـع ـيــا أو وراث ـيــا‪،‬‬ ‫حــريــة ال ـتــالعــب ب ـهــا وت ـغ ـيـ رـيهــا‬ ‫ّ‬ ‫"املثايلّ"‪ ،‬إذ نشاهد مراحل غياب‬ ‫وه ــذا م ــا نـ ـراه يف مـ ـجـ ـم ــوع ــة‬ ‫بوع أثـنـاء قـراءة نـص لـلـمـحـلـل‬ ‫ي‬ ‫الصور الن ُ‬ ‫ّ‬ ‫تنتجهـا لـذاتـهـا حـن‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫(‬ ‫ـان‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ك‬ ‫ـال‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـىس‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ال ـ ـن ـ ـ ي‬ ‫قرين‬ ‫إىل‬ ‫لتتحول‬ ‫ّ‪،‬‬ ‫ي‬ ‫األصل‬ ‫وجهها‬ ‫لوتشيون)‪:‬‬ ‫اآلن‪ ،‬و الـ ـ يـن ت ـ ـت ـ ـغ ـ ـ رـي ف ـ ـي ـ ـه ـ ــا‬ ‫ليموين‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫‪...‬‬ ‫‪.‬‬ ‫م ــالمـ ـحـ ـهـ ــا‬ ‫ه‬ ‫"الجلد مخادع يف الحياة‪ ،‬كل‬ ‫دوم ـ ّـا تـ ـخـ ـتـ ــار ي‬ ‫عن "اآلخر اجلميل"‬ ‫َ ُ‬ ‫ش ـخــص ي ـم ـت ـلــك ج ـلــد اآلخــر‪...‬‬ ‫الخـطـوط و"تشـد" وجـهـهـا كـمـا‬ ‫تريد عـل الشـاشـة؛ لـكـن‪ ،‬ح رـي‬ ‫ه ـ ـنـ ــاك خ ـ ـلـ ــل يف ال ـ ـعـ ــالقـ ــات‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسانية ألن الواحد منا ال يمتلـك الـجـلـد الـذي يـريـده‪/‬‬ ‫التعامل مع اللحم هناك تساؤالت االستمـرار والـتـجـدد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والتغيي قبل أن يفـقـد‬ ‫فإىل أي حد اللحم قابل للتعديل‬ ‫ُي ـمــث ـلــه‪ ،‬لــدي ج ـلــد مــالك‪ ،‬ل ـكـ يـن ث ـع ـلــب‪ ...‬لــدي ج ـلــد‬ ‫ر‬ ‫لكن جـرو‪ ،‬جـلـد شـخـص أسـود لـك ّ يـن أبـيـض‪...‬‬ ‫قدرته عل التجدد واالتصال ببعضه لتكوين سطح ذي‬ ‫تمساح‪ ،‬ي‬ ‫ً‬ ‫مســام‪ ،‬ي ـخــين خصــائــص ث ـقــاف ـيــة‪ ،‬ذات لــون وش ـكــل‬ ‫جـلــد امـرأة‪ ،‬ل ـكـ يـن رجــل‪ ...‬ال أمـت ـلــك أبــدا ال ـجـلــد الــذي‬ ‫ً‬ ‫ه حــدود الـتـعــديــالت الـ يـن‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫أي‪،‬‬ ‫ـن؟‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ـدد‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـدا‬ ‫ألن لــن أشــابــه أبـ‬ ‫يشـبـهـ يـن‪ ...‬ال اسـتـثـنــاء لـلـقــاعـدة‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫أمتلك"‪0‬‬ ‫خاصية »الحياة«؟‬ ‫يموت بعدها اللحم‪ ،‬ويفقد‬ ‫تـتـ ر‬ ‫ـالس مــالمــح مـ رـياي بـ رـي الـنــص والـعـمـلـ ّـيــة الـجـراحـ ّـيــة‬ ‫والمعيار الذك ّ‬ ‫ـوري "الـمـث ّ‬ ‫ـاىل"‪ ،‬إذ نشـاهـد مـراحـل غـيـاب‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫األصل‪ ،‬لتتحول إىل قرين عن "اآلخر الجميـل"‪،‬‬ ‫وجهها‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ذاك الذي نكتشف أنه مجزأ‪ ،fragmented -‬ال قالـب‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫أصـيــي لــه‪ ،‬وال مصــدر واحــدا لــه‪ ،‬ســواء كــان لــوحــة مــن‬ ‫ً‬ ‫ه تـجـمـع تـجـلـيـات ذاك اآلخـر‬ ‫عرص النهضة أو إعالنـا‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫وال ترتديها فقط كقناع‪ ،‬بل تتبـنـاهـا ك ـ "أنـا" يـعـكـس كـل‬ ‫ً‬ ‫ه تـجـعــل لـحـمـهــا مـطــابـقــا‬ ‫»اآلخــريــن« ومـتـخـيــالتـهــم‪ ،‬ي‬ ‫لمعايي(ه ـ)ـم‬ ‫ر‬

‫ّ‬ ‫تحوالت األلم والقسوة‬ ‫ًّ‬ ‫ا‬ ‫ال تشعر القديسة أورالن باأللم‪ ،‬وال تقـدم مـعـادق لـغـويـا‬ ‫ً‬ ‫صوتيا عنه‪ ،‬ه ال ترصخ‪ ،‬وال ت ّ‬ ‫ـي‪ ،‬بـل تـح يـك وتسـأل‬ ‫أو‬ ‫ي ّ‬ ‫ه تـنـتــج‬ ‫مــن حــولـهــا‪ً ،‬و"تـحــدق" بـجـســدهــا وطـبـقــاتــه‪ ،‬ي‬ ‫صــورتـهــا مـرارا‪ ،‬وتسـتـعــرض «عـمـلـ ّـيــة »إنـجــازهــا لــذاتـهــا؛‬ ‫ف ـغ ـيــاب األلــم واس ـت ـخــدام ال ـت ـخــديــر ي ـج ـع ـل ـهــا حــاضة‬ ‫وواع ـيــة ب ـت ـحــوالت ـهــا‪ ،‬كــون ـهــا ت ـح ـت ـقــر األلــم‪ ،‬حــن ذاك‬ ‫الـنـسـ ّ‬ ‫ـوي مـنــه‪ ،‬والـكـلـمــات والـظــواهــر الصــوتـ ّـيــة الـنــاتـجــة‬ ‫عنه‪ ،‬ألنها تمنع التحديق‪ ،‬وتحرص "الكلمات" بـوصـفـهـا‬ ‫ـوع بـالـداخـل‪/‬‬ ‫نتاج لدلـة ال يـن تسـبـب‬ ‫األلـم‪ ،‬مـا يـن ا يـق ال ي‬ ‫ً‬ ‫الـلـحــم بــوصـفــه مـكـشــوفــا ومسـتـقــي عــن الـجـهــاز الــذي‬ ‫ُيظهره‪.‬‬

‫تحيلنا أورالن إىل المنتجـات "جـاهـز الصـنـع"‪ ،‬فـالـلـحـم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ب ـع ـك ـس ـه ــا‪ ،‬ل ـي ــس ج ــاه ـزا ل ـالـ ـس ـت ـخ ــدام م ـن ــذ ال ــوالدة‪،‬‬ ‫‪015‬‬


‫عمار املأمون‪ ،‬أورالن‪ :‬أشباح القرين الوحشي‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫تس ـتـ ـع ـي ــد أورالن م ـق ــوالت أنـ ـت ــون ــان أرت ــو ع ــن مشـ ــح‬ ‫ال ـق ـســوة‪ ،‬بصــورة أدق عــن وضــع الـ ُـم ـشــاهــد ب ـمــواج ـهــة‬ ‫ال ـق ـســوة‪ ،‬عــي ت ـف ـك ـيــك وحــدت ـهــا ال ـع ـضــويــة الــداخ ـلـ ّـيــة‬ ‫ه تـمــارس »الــالتـجـسـيــد«‬ ‫ومـكــونــاتـهــا والـتــالعــب بـهــا؛ ي‬ ‫ّ‬ ‫‪ 3 disembodiment‬الــذي يــدعــو لــه فــن ال ـت ـم ـث ـيــل‬ ‫ا‬ ‫كة ُ‬ ‫المشاهد أمام ما لن يراه مرة أخرى‪ ،‬ومـا‬ ‫لألقض‪ ،‬تار‬ ‫ً‬ ‫لــن ي ـت ـكــرر؛ وه ـنــا يــيز أيضــا رفض ـهــا لــأللــم‪ ،‬الرت ـبــاطــه‬ ‫المسيحيي‪.‬‬ ‫القديسي‬ ‫وس رَي‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫بالضعف والمرض‪ِ ،‬‬

‫َ‬ ‫ي ـح ـص ــل وب ــاآلخ ــر الــذي ي ـتــم اس ـت ـح ـض ــاره‪ ،‬إذ ت ـخ ـت ــي‬ ‫بـجـسـدهـا مـا هـو ُمـتـخـيـل وتـعـيـشـه و“تـحـقـقـه“‪ ،‬مـلـغـيــة‬ ‫ً‬ ‫المعاناة‪ ،‬والصدمة‪ ،‬وما بعدها‪ ،‬إذ يطفو وجهها ُمفكـكـا‪،‬‬ ‫وه عل شير الجراحة تـتـحـدث مـعـنـا ومـع مـن حـولـهـا‬ ‫ي‬ ‫مـتــأمـلــة لـحـظــات سـلــخ الـجـلــد وسـحــب الـلـحــم وغـيــاب‬ ‫ه يف لـ ـحـ ـظـ ــات‬ ‫الـ ـحـ ــدود بـ ـ رـي الـ ــداخـ ــل والـ ـخـ ــارج؛ ي‬ ‫"الـتـحـ ّـول" أشـبــه بـجـســد بــال أعضــاء‪ ،‬مــا زالــت حــدوده‬ ‫ووظيفته غامضة‪.‬‬

‫تـنـتـقــد أورالن مـفــاهـيــم الشـهــادة والـتـضـحـيــة يف سـبـيــل‬ ‫الخالص‪ ،‬وتتحرر من األلم كوسيـلـة لـلـتـطـه رـي‪ ،‬كـونـهـا ال‬ ‫تــدعــو لصــورة م ـثــالـ ّـيــة غــائ ـبــة ال بــد مــن ”ط ـه ـرانـ ّـيــة“ مــا‬ ‫للوصول إليها‪ ،‬إذ تتعامل مع التحول الجسدي بوصفـه‬ ‫عملية ّ‬ ‫ّ‬ ‫أدائية إلنتاج الذات وهويتها وخصائصها‪ ،‬لـتـغـدو‬ ‫ال ـع ـم ـل ـيــة ال ـج ـراح ـيــة دون ألــم‪ ،‬أش ـبــه بــال ـت ـق ـمــص‪ ،‬والدة‬ ‫ـوع ب ـمــا‬ ‫صــام ـتــة‪ ،‬ال ألــم ف ـي ـهــا وال صــدمــة‪ ،‬بس ـبــب الـ ي‬

‫تــدفـعـنــا أورالن لـطــرح عــدد مــن الـتـســاؤالت‪ ،‬مــاذا يـعـ يـنـ‬ ‫ّ‬ ‫(التحول) دون ألم؟‪ ،‬وكيف تنتـج ذاتـهـا إن خـرجـت مـن‬ ‫صيغة الضـحـيـة ضـمـن فضـاء ذكـوري؟ وهـذا يـنـسـحـب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عـل مـن يضــع وشـمــا ومــن يـتـحـول جـنـسـ ّـيــا‪ ،‬مــاذا لـو لــم‬ ‫يـكــن هـنــاك ألــم وحـكــايــة مــرتـبـطـة بــه تـتــدخــل يف تـكــويــن‬ ‫ال ــذات؟ أي م ــاذا ل ــو ت ـ ر‬ ‫ـالس الرصـ ـاع م ــع األل ــم أثـ ـن ــاء‬ ‫اكتساب ّ‬ ‫هوية جديدة؟‬ ‫‪016‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫عمار املأمون‪ ،‬أورالن‪ :‬أشباح القرين الوحشي‬

‫صــورة مــا‪ ،‬وإعــادة ت ـكــويــن ل ـل ـخــاليــا وال ـل ـحــم والــدهــون‬ ‫ً‬ ‫ل ـت ـشــابــه ُم ـت ـخـ ّـيــال خــارج ـيــا؛ وه ـنــا يــيز ال ـت ـنــاقــض الــذي‬ ‫ّ‬ ‫ـش أداة تـحـقـق سـيـادة الـمـرأة‬ ‫تخينه هـذه الـعـمـلـيـات‪ ،‬ف ي‬ ‫عل جسدها ووسيلة غاوية لـلـهـيـمـنـة عـل جسـدهـا مـن‬ ‫االستهالل؛ لكن ما تراهن عليه أورالن هـو‬ ‫قبل المعيار‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ظــاهــرة ال ـ‬ ‫شـيــة الـمــرتـبـطــة بـهــذه الـجـراحــات‪ ،‬إذ تـنـفـيـهــا‬ ‫ّ‬ ‫ه ال تـخ يـق أو‬ ‫وتجعل من "عملياتها" علنيـة لـلـغـايـة‪ ...‬ي‬ ‫تـنـكــر مــا تـقــوم بــه‪ ،‬بـعـكــس الـكـثـ رـييــن مـمــن يـخـضـعــون‬ ‫ى‬ ‫ّ‬ ‫تسلم بوجود الجمال الطبي ّ‬ ‫ـع‬ ‫التجميلية‪ ،‬إذ ال‬ ‫للجراحة‬ ‫ي‬ ‫وتنتقد أوهام "ربانيته"‪ ،‬كما ترفض المعيار االستـهـاللّ‬ ‫ا ي‬ ‫للجمال‪ ،‬حيث الجميع يشابه البـالـسـتـيـك‪ ،‬سـاخـرة عـي‬ ‫هذا الرفض ممن ينكرون الخضوع لعمليـات الـتـجـمـيـل‪،‬‬ ‫وال ـمــداف ـعــي عــن "ال ـج ـمــال ال ـج ـسـ ّ‬ ‫ـدي" بــوص ـفــه ه ـبــة‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫علوية‪ ،‬خصوصـا وأن هـذا اإلنـكـار يـيافـق بس يـع إلخـفـاء‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫إي أثر‬ ‫للعملية‪ ،‬سواء كان جسديا أو ثقافيـا‪ ،‬مـا يـتـطـلـب‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫شية وإتقانا للصنعة‪ ،‬ليكون الجلد الذي نراه أمـلـسـا ذو‬ ‫مالمح متناظرة وخاليا من العيوب‪ ،‬وكـأنـه تـج ّـل لـجـودة‬ ‫صنعة اآللهة‪.‬‬ ‫ه تنظر وتدعونا للنظر داخل لحمها‪ُ ،‬مسائلة احـتـواءه‬ ‫ي‬ ‫لـهــا‪ ،‬فــالـلـحــم ال يـتـطــابــق مــع الـجـســد الـثـقـ ّ‬ ‫ـاف‪ ،‬والـجـلــد‬ ‫ي‬ ‫لـيــس إال وعــاء ُيـنـتـهــك‪ ،‬ويـفـيــض مـنــه الـلـحــم‪ ،‬إذ تســع‬ ‫ل ـي ـف ـقــد ال ـج ـلــد‪/‬ال ـهـ ّ‬ ‫ـويــة ن ـعــوم ـتــه وت ـمــاس ـكــه وانس ـيــابــه‬ ‫ـاىل" لـيـصـبــح ذا شـكــل غــروتـيـسـ يـك‪ ،‬فـيــه‬ ‫وتـكــويـنــه "الـمـثـ ي‬ ‫ف ـت ـحــات جــديــدة ومســاحــات م ـك ـشــوفــة ت ـغ ـيــب إثــرهــا‬ ‫ـاس‪،‬‬ ‫الحدود ربي «الداخـل »الـحـيـوي و"الـخـارج" السـي ي‬ ‫وكأننـا أمـام مـحـاكـاة سـاخـرة لـألـسـطـورة الـديـن ّـيـة والـخـلـق‬ ‫بأحسن تـقـويـم‪ ،‬لـيـحـل مـكـان الـط رـي ويـد اإللـه وصـورتـه‬ ‫بش ّـي سـي ّ‬ ‫عن ذاته الن تجلت ف اإلنسـان‪ ،‬تـاريـ ـ ٌـخ ر‬ ‫ـاس‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫يّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫يع بخلقه‪.‬‬ ‫وأدوات طبية وأي ٍد معقمة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ولحم ي‬

‫صناعة األشار‬ ‫يـرتـبـط تـغـيـ رـي شـكــل الـلـحـم بــالـمـعـيـار الـجـم ّ‬ ‫ـاىل والـثـقــاف‪ّ،‬‬ ‫ي‬ ‫يً‬ ‫وي ـت ـجــل بــاألع ـراف الـ يـن تض ـبــط ظ ـهــور ال ـج ـســد ع ـل ـنــا‪،‬‬ ‫وتـحــدد مــوقــف الـفـضــاء الـعــام مـنــه‪ ،‬فــأسـلــوب الـحــركــة‬ ‫والـزيـنـة والـلـيـاقـة والـتـحـسـيـنـات الـظـاه ّ‬ ‫ـريـة كـلـهـا مـرتـبـطــة‬ ‫ّ‬ ‫بـتـحــديـقــة اآلخــر ومـعــايـ رـيه‪ ،‬كـمــا لــو أن نــرسـيــس يـمـتـلــك‬ ‫ً‬ ‫صورة عن ذاته‪ ،‬ال انعكاسا له‪ ،‬صورة مـتـخ ّـيـلـة عـلـيـه أن‬ ‫ى‬ ‫"يتغي" ليطابـقـهـا‪ ،‬لـكـنـه يـكـتـشـف أنـهـا تـتـغ رـي كـلـمـا تـغ رـي‬ ‫ر‬ ‫هو‪ ،‬ال يمكن له مطابقتها‪ .‬وهنا تطرح أورالن تساؤالتـهـا‬ ‫ً‬ ‫حــول الـجـراحــة الـتـجـمـيـلـ ّـيــة‪ ،‬بــوصـفـهــا سـعـيــا لـمـطــابـقــة‬

‫غي صالحة‬ ‫األصل كصورة ر‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫تطرح تحـوالت شـكـل أورالن بـدايـة تسـاؤق ب رـيوقـراطـيـا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشخصية ال تتـطـابـق مـع صـورتـهـا‬ ‫الهوية‬ ‫فصورتها عل‬ ‫ه تـن يـق الـوسـوم‬ ‫اآلن‪ ،‬واسمها يخالف التقليد الـمـتـبـع‪ .‬ي‬ ‫ّ‬ ‫ال ـم ــوض ــوع ــة ع ـل ـي ـه ــا‪ ،‬ح ــن أن "ص ــورت ـه ــا" ال ــرس ـم ــي ــة‪-‬‬ ‫ً‬ ‫األص ـل ـ ّـي ــة ت ـالـ ـش ــت‪ ،‬ج ــاع ـل ــة م ــن ص ــوره ــا نس ـخ ــا غ ـ رـي‬ ‫‪017‬‬


‫عمار املأمون‪ ،‬أورالن‪ :‬أشباح القرين الوحشي‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫حـ رـي ُن ـطــق ال ـنـ ّ‬ ‫ـص‪ .‬ر‬ ‫الىســء ذاتــه ن ـراه مــع ل ـحــم أورالن‬ ‫ي‬ ‫تـحـت الـمـبـضـع‪ ،‬إذ ال يـظـهـر الـمـعـيــار الـجـمـ ّ‬ ‫ـاىل وقسـوتــه‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫وتحيه إال عل لحمها‪ ،‬وال »صـوت‪/‬حضـور« لـه بـعـيـدا‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عــن عـلـنــيــة الـجـراحــة الـتـجـمـيـلــيــة‪ ،‬فـمــا تـمــارســه يـكــش‬ ‫الوهم عن اتحاد الجميـل مـع الـطـبـي ّ‬ ‫ـع‪ ،‬ويـجـعـل أدوات‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ـىم لـتـاريـ ــخ‬ ‫ت‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫ـ‬ ‫ت‬ ‫ـت‬ ‫ن‬ ‫السياسية مرئ ّـيـة‪ ،‬سـواء كـا‬ ‫"الجميل"‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفن أو للثقافة الرأسمالية‪ .‬وهـنـا يـمـكـن فـهـم "نسـويـة"‬ ‫الفن الجسم ّ‬ ‫ـان الـذي تـدعـو لـه أورالن‪ ،‬بـوصـفـه يـحـاكـم‬ ‫ي‬ ‫الـت ـق ـس ـي ـمــات األن ـطــولــوجـ ّـيــة ال ـث ـقــافـ ّـيــة ونصــوص ـهــا الـ يـن‬ ‫تشـ ىـكــل الـطـبـيـ ّ‬ ‫ـع والـثـقـ ّ‬ ‫ـاف‪ ،‬والـحــدود بـ رـي الـمــوضــوعــات‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫المختلفة والعالقات بيـنـهـا‪ ،‬فـأورالن أظـهـرت لـلـحـظـات‬ ‫ّ‬ ‫الشي الذي يرسم لحمنا ويكونه بشـكـلـه الـح ّ‬ ‫ـاىل‪،‬‬ ‫الحي‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫وي ـق ـس ـمــه إىل ذكــر و أنــن‪ ،‬ج ـم ـيــل وق ـب ـيــح‪ ،‬والــذي إن‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫الثقافية‪ ،‬واألهـم أن هـذه‬ ‫تالس‪ ،‬تالشت معه أجسادنا‬ ‫التقسيمات حديـثـة الـظـهـور بـدأت مـع انـتـصـار »الـرجـل‬ ‫ّ‬ ‫العقالن« وفلسـفـتـه‪ ،‬وسـؤالـه عـن »الـجـمـال«‪ ،‬مـا أتـاح‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫الماض‪ ،‬وترسيخ الجـمـيـل بـوصـفـه طـبـيـعـيـا‬ ‫اءة‬ ‫ر‬ ‫ق‬ ‫إعادة‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫لــم تـمـسـســه يــد أو مـطــابـقــا لــذاك الـعـلــوي الــذي يـمـكــن‬ ‫تذوقه وال يمكن وصفه•‬

‫وف‬ ‫مـتـطــابـقــة‪ ،‬مـنـتـ ر ـ‬ ‫ـشـة كـمــواد َأرشـيـفـيــة عــل االنــينــت ي‬ ‫الــدفــاتــر الــرسـمـ ّـيــة‪ ،‬كــونـهــا ت ـخـشــ وتـكـت ـســب "أج ـزاء"‬ ‫بصـورة مسـتـمـرة‪ .‬تـتـالعـب ه بـالـتـقـسـيـم األنـطـولـ ّ‬ ‫ـوج‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫‪.‬‬ ‫أصــل – نس ـخــة‪ ،‬مــوظ ـفــة ل ـح ـم ـهــا ك ـمــوضــوعــة أدائـ ّـيــة‪،‬‬ ‫تتكون هويته كلـمـا ظـهـر ّ‬ ‫وجسـد الـعـرف الـقـائـم أو نـفـاه‪،‬‬ ‫م ــوج ـه ــة ب ــذل ــك االنـ ـت ـق ــاد إىل األص ــل أو الس ـك ــري ـب ــت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫متغيا‪،‬‬ ‫الجندري‪ ،‬فاضحة وهميته بوصفه نصا سياسيا ر‬ ‫وي ـم ـك ــن ت ـح ــدي أش ـك ــال ت ـج ـس ـي ــده وال ــوق ــوف ب ــوج ــه‬ ‫ً‬ ‫ت ـعــري ـفــاتــه‪ ،‬خصــوصــا ت ـلــك ال ـمــرت ـب ـطــة بـ ـ "ال ـج ـم ـيــل"‬ ‫و"الـطـبـيـ يـع"‪ ،‬إذ تـتـخــل أورالن عــن "أنــاهــا"‪ ،‬وتـجـ ّـســد‬ ‫ُ‬ ‫ت ـحــدي ـقــة »اآلخــريــن« وأع ـراف ـهــم‪ ،‬ونس ـخ ـهــم ال ـعــديــدة‬ ‫عنها‪ ،‬وكأنها خريطة لتاري ــخ اآلخرين يمكن تـتـبـع آثـارهـم‬ ‫فـيـهــا‪ ،‬لـتـهــدد "األصــالــة" نـفـسـهــا عــي تـحــويــل ذاتـهــا إىل‬ ‫نسخة مضغوطة من الجميع‪.‬‬ ‫ساعات العمليـات ال يـن خضـعـت لـهـا أورالن‪ ،‬تـجـعـل مـا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كــان شيـ ًـا ُ‬ ‫وم ـحـ ّـركــا لس ـيــاســات ال ـج ـمــال مــرئ ـيــا‪ ،‬أش ـبــه‬ ‫ب ـك ـل ـمــات مش ـطــوبــة ض ـمــن نــص مــا أو هــوامــش ع ــل‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫أطرافه‪ ،‬ال تـظـهـر إال ح رـي كـتـابـتـهـا‪ ،‬لـكـنـهـا تـهـمـل صـوتـيـا‬

‫هوامش‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪ .4‬يـحــوي االســم تــالعـبــا لـفـظـيــا بـ رـي كـلـمـ يـن ”قـيــاس“‬ ‫و“غضــب“‪ ،‬وقــد كـررتــه أورالن عــل مــدى سـنـوات يف‬ ‫الـعــديــد مــن الـمـسـاحــات الـفـنـيــة والــديـنـ ّـيــة يف مـخـتـلــف‬ ‫وف الواليات المتحدة‪.‬‬ ‫أنحاء فرنسا ي‬ ‫‪ .3‬كلمة قرين هنا إحالة إىل الـ ‪ Double‬وال يـن يـيجـمـهـا‬ ‫البعض كـ "بديل"‪0‬‬ ‫‪ .2‬لـفـهــم الـتـغـ رّـي الـمـرتـبــط بـكــل واحــدة مــن الـمــالمــح‪،‬‬ ‫الموناليا كمثال‪ ،‬فما زالـت الـحـكـايـات‬ ‫يمكن استخدام‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ح ــول ص ــاحـ ـب ــة‪/‬ص ــاح ــب ال ــوج ــه تـ ـكـ ـتـ ـش ــف بص ــورة‬ ‫تدر ّ‬ ‫يجية‪ ،‬وكل حكاية تحاول تـحـديـد هـويـة صـاحـب(ة)‬ ‫ر‬ ‫لدافنىس نفسه‪ ،‬أم ِل ـ ل رـيا غ رـياردي يـن‪،‬‬ ‫ه‬ ‫المالمح‪ ،‬فهل ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫االثني‪ ،‬إىل جانـب الـتـغ رـيات الـمـاديـة ال يـن‬ ‫أم مزي ــج من‬ ‫ر‬ ‫تطرأ عليها كلوحة والـمـرتـبـطـة بـالـرطـوبـة وتـغـي رـي األلـوان‬

‫الن تؤثر عل رفييائيتها‪.‬‬ ‫ر‬ ‫وغيها من العوامل ي‬ ‫‪" .3‬هــو ال ـت ـمــريــن الــذي ي ـتــم عــيه نــزع أي مــرج ـع ـيــة‬ ‫فــييــائـيــة يـحـتــويـ ـهــا جســد ال ـمـثــل ال ـمـ ّ‬ ‫ـادي (الــوجــود يف‬ ‫ر‬ ‫العالم) من أجل البدء بالتوليد األدان للحضور المـاديّ‬ ‫ي‬ ‫للجسد الجديد عل الخشبة"‪0‬‬

‫‪018‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫عمار املأمون‪ ،‬أورالن‪ :‬أشباح القرين الوحشي‬

‫التعريف‪:‬‬ ‫الذان بالمعن‬ ‫يعن التصوير‬ ‫الجسمان‬ ‫الفن‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الكالسيك‪ ،‬لكن إنجازه يتم عي ما تقدمه التكنولوجيا‬ ‫ي‬ ‫من احتماالت‪ .‬هو يراوح ربي التشويه وإعادة اليتيب‪.‬‬ ‫وارتباطه العميق بالجسد يجعله واحدا من وظائف‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫العرص‪ .‬إذ تحول الجسد إىل " ُمنتج معدل جاهز‬ ‫ً‬ ‫الصنع"‪ ،‬ولم يعد ينظر إليه بوصفه مثاليا كما كان يتم‬ ‫مثاىل جاهز الصنع يمكن‬ ‫تمثيله‪ ،‬ولم يعد ذو شكل‬ ‫ي‬ ‫التوقيع عليه‪.‬‬

‫الذي يتم تعديله‪ ،‬والذي أصبح موضوعة للنقاش‬ ‫ّ‬ ‫العلن‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫اإللحادية‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫المسيحية‪ ،‬بل‬ ‫الجسمان التقاليد‬ ‫ال يرث الفن‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يضء عل إنكار المسيحية‬ ‫يقاومها!‪ ،‬الفن‬ ‫ي‬ ‫الجسمان ي‬ ‫ّ‬ ‫الجسدية ويفضح ضعف هذا التقليد بوجه‬ ‫للذة‬ ‫ى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الجسمان يتنكر لتقاليد‬ ‫االكتشافات العلمية‪ .‬الفن‬ ‫ي ً‬ ‫يلع‪،‬‬ ‫المعاناة‬ ‫والشهادة‪ ،‬هو يستبدل عوضا عن أن ي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يعن‬ ‫يحسن عوضا عن أن يرفض‪ ،‬الفن‬ ‫ي‬ ‫الجسمان ال ي‬ ‫تشويه الذات‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الجسمان يحول الجسد إىل لغة‪ ،‬يعكس الفكرة‬ ‫الفن‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫الن تقول إن الكلمة صنعت اللحم‪ ،‬فاللحم‬ ‫التوراتية ي‬ ‫هو من صنع الكلمة‪ .‬صوت أورالن فقط هو من يبق‬ ‫تغيي‪ .‬والفنان يعمل عل أشكال التمثيالت‪.‬‬ ‫دون ر‬

‫االختالف‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫الجسمان عن الفن الجسدي‪ ،‬بأن األول‬ ‫يختلف الفن‬ ‫ي ً‬ ‫ً‬ ‫للتطهي‪ ،‬الفن‬ ‫ال يرى يف األلم تحديا أو مصدرا‬ ‫ر‬ ‫الجسمان ال يهتم بنتائج الجراحة التجميلية‪ ،‬بل يهتم‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بها بوصفها « ّ‬ ‫عملية»‪ ،‬واستعراضا وخطابا للجسد‬ ‫‪019‬‬


‫عمار املأمون‪ ،‬أورالن‪ :‬أشباح القرين الوحشي‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫الجسمان أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫تقبل عذابات الوالدة ليس إال‬ ‫يرى الفن‬ ‫ً ي‬ ‫سخافة ومعتقدا عفا عليه الزمن‪ .‬كما أرتو‪ ،‬هو يرفض‬ ‫رحمة اإلله‪ ،‬لذا علينا أن نستخدم التخدير العام‪،‬‬ ‫الموضع‪ ،‬والمسكنات! (أشع بإحضار‬ ‫والتخدير‬ ‫ي‬ ‫المورفي! ليسقط األلم!)‪.‬‬ ‫المورفي! يحيا‬ ‫ر‬ ‫ر‬

‫(كتغيي االسم إىل أورالن)‪.‬‬ ‫ر‬ ‫الوضوح‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التجميلية‪ ،‬بل‬ ‫الجسمان ال يقف ضد الجراحة‬ ‫الفن‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫الن تروج لها وتتبناها‪ ،‬خصوصا يف‬ ‫ضد‬ ‫ر‬ ‫المعايي ي‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫العالقة مع جسد األنن‪ ،‬وأيضا يف عالقتها مع جسد‬ ‫ً‬ ‫الجسمان نسويا‪ ،‬هذا‬ ‫الذكر‪ .‬يجب أن يكون الفن‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫الجسمان ال يتبن فقط الجراحة‬ ‫ضوري‪ .‬الفن‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والبيولوج‪ ،‬وذلك‬ ‫الطن‬ ‫التجميلية‪ ،‬بل أيضا التطور‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫األخالقية‪.‬‬ ‫لمساءلة مكانة الجسد وطرح المشكالت‬

‫ّ‬ ‫التلق‪ /‬اإلدراك‪:‬‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫!‪..‬‬ ‫بإمكان أن‬ ‫أعان‬ ‫أن‬ ‫دون‬ ‫مفتوحا‬ ‫جسدي‬ ‫ل‬ ‫أتأم‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫ه مرحلة‬ ‫نفىس وداخلها وصوق إىل‬ ‫أشاهد‬ ‫ي‬ ‫أحشان‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫عشيق‬ ‫جديدة من التحديق‪" .‬أستطيع أن أرى قلب‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتصميمه األخاذ الذي ال يشبه الشكل الرمزي الذي‬ ‫ّ‬ ‫يصور به عادة"‪0‬‬ ‫ّ‬ ‫أحب كبدك‪ ،‬أعشق‬ ‫حبين‪ ،‬أحب طحالك‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ويستثي ين عظم فخذك‪.‬‬ ‫بنكرياسك‪،‬‬ ‫ر‬

‫األسلوب‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫الجسمان البارودي والباروك والغروتيسك‬ ‫يحب الفن‬ ‫ي‬ ‫والسع لألقض‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫الجسمان‬ ‫الن‬ ‫والتقاليد‬ ‫اف‬ ‫ر‬ ‫األع‬ ‫بوجه‬ ‫يقف‬ ‫الفن‬ ‫ً ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫الفن‪ .‬الفن‬ ‫تضع قيودا عل الجسد البشي والعمل‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫الجسمان ضد الشكالنية وضد االنصياع•‬ ‫ي‬

‫ّ‬ ‫الحرية‪:‬‬ ‫يؤكد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفردي للفنان‪.‬‬ ‫الجسمان عل االستقالل‬ ‫الفن‬ ‫ي ى‬ ‫فهو يقاوم ما هو مسلم به وما يتم إمالؤه‪ ،‬لذا يتناول‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الن يتم‬ ‫االجتماع‬ ‫واإلعالىم‪( ،‬حيث يخلخل األفكار ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫القضان‬ ‫إىل‬ ‫يصل‬ ‫وقد‬ ‫بل‬ ‫الفضيحة)‪،‬‬ ‫ويخلق‬ ‫تلقيها‬ ‫ي‬

‫حي ترجمة ‪،Carnal art‬‬ ‫‪ 04‬اخينا كلمة‬ ‫جسمان كمعادل لكلمة ‪ carnal‬ر‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خصوصا أن الفن الجسدي‪ ،body art ،‬يمتلك تعريفا مختلفا يف تاري ــخ فن‬ ‫األداء‪ ،‬وال يتطابق مع تعريفات أورالن‪.‬‬

‫‪001‬‬


‫َّ‬ ‫أجدن أفكر يف إجراء عملية جراحية‪ ،‬هدفها‬ ‫لدي‪،‬‬ ‫"من ربي مشاري ــع أخرى‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫فتح الجسد‪ ،‬ثم إعادة إغالقه‪ ،‬وذلك إلنتاج بعض الصور عن جسدي‪.‬‬ ‫الوحيد‬ ‫ا‬ ‫لكنن سأكون ضاحكة‪ ،‬مبتسمة‪ ،‬مسيخية‪،‬‬ ‫سيكون هذا الجسد مفتوحا‪،‬‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫عل من جميع أنحاء العالم‪ .‬لقد أصبح‬ ‫ونشيطة‪ .‬أجيب عن األسئلة الوافدة‬ ‫ي َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫بإمكاننا اليوم أن ننظر داخل الجسد‪ ،‬ونتدخل يف الجسد‪ ،‬وإزاءه‪ ،‬دون أن يكون‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫مستوجبا لأللم‪ّ :‬‬ ‫كل واحد منا يمكنه مواجهة ما ُيخيفه‪ ،‬والتغلب‬ ‫هذا بالرصورة‬ ‫َ ى‬ ‫عليه‪ .‬وبــهذه الطريقة‪ ،‬سوف يتخلص من هذا الجهل الغريب لنفسه‪ ،‬بعدما‬ ‫َّ‬ ‫تمكن ِمن استيعابه" (أورالن‪ ،4228 ،‬ص‪ .)404.‬هذه كلمات أورالن‪ ،‬الفنانة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الن تستند أعمالها الفنية بالكامل‪- ،‬سواء الفوتوغرافية‪ ،‬أو الصباغية‪،‬‬ ‫الفرنسية‪ ،‬ي‬ ‫غي‬ ‫البيفورمانس‪ -‬عل مادة فريدة‪ ،‬تبدو ر‬ ‫أو المندرجة ضمن فن النحت‪ ،‬أو ر‬ ‫الن تقول عنها أيضا‪" :‬تلك‬ ‫قادرة عل استنفادها‪ :‬إنها صورة جسدها األنثوي‪ ،‬ي‬ ‫‪000‬‬


‫فاين شوفاليي‪ ،‬حتوالت القناع األنثوي يف األعمال الفنية ألورالن‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫المطلب ّأية خصوصية معاضة‪ ،‬فاألهم أنه أصبح‬ ‫ُّ‬ ‫ا‬ ‫قابي للتحقق‪ ،‬وذلك بسبب التطورات الطبية‬ ‫الن أتاحت إمكانية الحصول عل وضعية‬ ‫الحديثة‪ ،‬ي‬ ‫معينة للجسد‪ ،‬دون طلبها المسبق‪ .‬وعند التوليف ربي‬ ‫الفن والتقنيات الحديثة للجراحة‪ ،‬باعتبارها وسيلة‬ ‫َ‬ ‫إلنصاف الجسد‪ ،‬وصياغة‬ ‫محتملة ِلما لم يسبق له‬ ‫مثيل‪ ،‬فإن ر‬ ‫مشوع أورالن ُيعتي استعادة للجهل بصورة‬ ‫الجسد‪ ،‬وه عملية ُّ‬ ‫ذان ال‬ ‫سيورة‬ ‫تمر عي ر‬ ‫ٍ‬ ‫توليد ي‬ ‫ي ُّ ٌ‬ ‫والمرن‪0‬‬ ‫الصورة‬ ‫خالل‬ ‫من‬ ‫محدود‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫نهاية له‪ ،‬تجد‬ ‫ي‬ ‫يثيه من التقليد‪،‬‬ ‫الفن ‪-‬مع افياض ما ر‬ ‫يبدو أن عملها ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫العاطق‪ ،‬واالزدراء أحيانا‪ -‬لم يكن أبدا صنيع‬ ‫أو الرفض‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ر‬ ‫سء جذاب يف هذا العمل‪ ،‬حن‬ ‫الالمباالة‪ .‬أال يوجد ي‬ ‫يمكن الحصول عل ‪-‬ومن ثمة االعتقاد ِبـ‪ -‬التجسيد‬ ‫ً‬ ‫‪ incarnation‬رغم ما ُي َّ‬ ‫رو ُج حوله(*)‪ ،‬علما أنه‬ ‫بموجبه يصبح ال مجال للحديث عن أية حتمية يف‬ ‫عملية الخلق‪ ،‬وذلك من أجل إعطاء ر‬ ‫المشوعية إلبداع‬ ‫ذان من شأنه أن يبتعد‬ ‫شامل للجسد من جديد‪ ،‬إبداع ي‬ ‫عن كل أشكال الجهل؟ إنه إغراء يحمل ربي طياته‬

‫الصفحة البيضاء الن كان يجب َّ‬ ‫والن‬ ‫عل تسويدها‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫كانت ف متناول يدي‪ ،‬ه الجسد‪ ،‬فقد كان يجب ّ‬ ‫عل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ألنن كنت بطريقة ما محرومة منه‪ ،‬بسبب‬ ‫استعادته؛‬ ‫ي‬ ‫منعتن من أن أعيش‬ ‫الن‬ ‫المهيمنة‪،‬‬ ‫األيديولوجيا‬ ‫ُي‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫وحيان كفنانة كما كنت أرغب"‪( .‬أورالن‪،‬‬ ‫حيان كامرأة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫مقتبس عن برونيه جورج‪ .‬ج)‪ .‬يحدد هذان‬ ‫الفن‪ ،‬الذي‬ ‫االقتباسان‪ ،‬بحزم‪ ،‬موقع دينامية عملها‬ ‫ي‬ ‫هو محاولة عالج فكرة الهروب من الجسد‪- ،‬طالما أنه‬ ‫ال يوجد جسد محايد‪ -‬ومحاولة لعالج أنوثة جسدها‪0‬‬ ‫توضح أورالن‪َّ ،‬أن ر‬ ‫مشوعها يهدف إىل امتالك الجسد‪،‬‬ ‫ورفض فقدانه؛ االمتالك الكامل لصورة الجسد‪ ،‬وإلغاء‬ ‫ظله‪" :‬النظر إىل الذات مواجهة‪ ...‬والهروب من‬ ‫الجهل"‪ .‬ليس هناك سؤال قابع يف عمق أعمالها‪ ،‬بل‬ ‫ٌ‬ ‫مطلب ينبثق منها‪ :‬محو الفجوة ربي الكائن‬ ‫هناك‬ ‫وبالتاىل "إعادة الصورة الداخلية إىل الصورة‬ ‫والظاهر‪،‬‬ ‫ي‬ ‫الخارجية (أورالن‪ ،‬مقتبس عن بريجيت هتات‪،‬‬ ‫‪ ،3003‬ص‪ ،")33.‬وذلك بفضل الجراحة التجميلية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يكتىس هذا‬ ‫البديش أق‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فإذا كان من‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫‪002‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫فاين شوفاليي‪ ،‬حتوالت القناع األنثوي يف األعمال الفنية ألورالن‬

‫وضمانة النسجام تلك األعمال‪ .‬لقد جعلت أورالن من‬ ‫نفسها ناطقا رسميا لوضعية الجسد األنثوي‪ ،‬الذي‬ ‫ى‬ ‫يتشك ُ‬ ‫والن تفرض‬ ‫االجتماعية‪،‬‬ ‫األغالل‬ ‫وطأة‬ ‫تحت‬ ‫ل‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫منحه شكي معينا‪ .‬تقوم أورالن بالتوظيف الساخر‬ ‫الن تحكم المظهر‬ ‫للكليشيهات والقوالب النمطية ي‬ ‫األنثوي ‪-‬لدرجة أنها تجعل جسدها‪ ،‬عي الجراحة‬ ‫َّ‬ ‫التجميلية‪ِّ ،‬‬ ‫للنظرة الن تحملها ه ُ‬ ‫نفسها عن‬ ‫مدمرا‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫صورة َ‬ ‫األنن؛ هكذا ال يمكن إغفال الخطاب النسوي‬ ‫يف تحليل األعمال الفنية ألورالن‪ ،‬ليس فقط كخطاب‬ ‫لك يضع‬ ‫نسوي يف حد ذاته‪ ،‬ولكن باعتباره خطابا جاء ي‬ ‫يف الواجهة فكرة االنفصال عن الجسد‪ ،‬كفكرة تقوم‬ ‫بشكل جوهري عل ُ‬ ‫الن‬ ‫البعد‬ ‫الجنىس‪ -‬فالدينامية ي‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫بلغتها يف أعمالها تعتي صيغة فريدة من نوعها‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫منظورين‪ ،‬هما‪:‬‬ ‫لمعالجة أنثوية الجسد واستعادته عي‬ ‫الصورة‬ ‫والمرن‪ .‬ومن خالل التوليف ربي هذين‬ ‫ي‬ ‫الفن ألورالن‪،‬‬ ‫المنظورين يمكن استكشاف اإلنتاج‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫اىل الذي أقامته ألعمالها‪،‬‬ ‫انطالقا من المعرض االخي ي‬ ‫إىل غاية نهاية التسعينيات‪0‬‬ ‫َّ‬ ‫الجلد‪ ،‬ومن الجلد إىل اللحم‪:‬‬ ‫من النسيج إىل ِ‬ ‫عرض موجز ألورالن‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫غرابة مزعجة‪ ،‬وقلقا تجاه هذا االشتغال عل الجسد‬ ‫غي‬ ‫الذي يريد التسلل نحو منفذ للهروب‪ :‬إن الفجوة ر‬ ‫القابلة لالخيال‪ ،‬والقائمة ربي كينونة الجسد وكينونة‬ ‫ُ‬ ‫الن يفرضها الجسد عل نفسه‪،‬‬ ‫الصورة‪ ،‬ثم المصادرة ي‬ ‫وكذلك اإلخفاق الذي يستدعيه وضع صورة للجسد؛‬ ‫ى‬ ‫ه كلها قضايا ُتشكل موضع تساؤل يف أعمال أورالن‪0‬‬ ‫ي‬ ‫حي نجد أن مطلب حيازة الجسد‪ ،‬وإعادة‬ ‫فق ر‬ ‫ي‬ ‫امتالكه‪ ،‬ال يخلو من التعامل مع الحقيقة الجنسية‬ ‫لهذا الجسد؛ ألنه عل هامش هذا المطلب الذي‬ ‫يغذيه الخطاب المعاض والسائد ‪-‬حيث أصبح‬ ‫ً‬ ‫مدعوما بالتحقق‬ ‫بتغيي الجسد رهانا‬ ‫االعتقاد‬ ‫ر‬ ‫الممكن‪ ،‬بفضل التقنيات الجراحية الحديثة‪ -‬هناك‬ ‫ى‬ ‫ِّ‬ ‫منظور آخر َ‬ ‫أكي إلحاحا‪ :‬الخطاب النسوي الذي شكل‬ ‫لفية طويلة العمود الفقري ألعمال أورالن الفنية‪،‬‬

‫األربعي ً‬ ‫مسيتها اإلبداعية متماسكة‬ ‫عاما من‬ ‫تبدو‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫ومنسجمة‪ ،‬فالخيط الناظم لها‪ ،‬والمستمر أيضا‪ ،‬هو‬ ‫َّ‬ ‫تسليط الضوء عل النقد المتعلق بالقوالب النمطية‬ ‫الن تحكم الهوية األنثوية؛ لكن موازاة مع هذه‬ ‫ي‬ ‫الن ال يمكن إنكارها‪ ،‬هناك قطيعة حقيقية‬ ‫ارية‬ ‫ر‬ ‫االستم‬ ‫ي‬ ‫من حيث طريقة معالجة جسدها‪ :‬فأورالن تنتقل يف‬ ‫أعمالها من عملية الكشف عن صورة الجسد األنثوي ‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫التعري‪.‬‬ ‫االشتغال عل النسيج وعل الجلد‪ -‬إىل عملية‬ ‫ً‬ ‫الن تلبس جسد المرأة بدءا من اللحم‪.‬‬ ‫نزع الصور ي‬ ‫رّ ً‬ ‫فيبدو الجسد كما لو كان مقشا من طبقاته المختلفة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫صورا دائمة التجدد‪ُ ِّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫وتبي أن‬ ‫وتنتج هذه العملية‬ ‫ر‬ ‫ه مسألة ال حدود لها‪ ،‬الجسد بال قرار‬ ‫مسألة الجسد ي‬ ‫ أو الصورة بدون نهاية‪0‬‬‫ً‬ ‫يف مرحلة أوىل إذا‪ ،‬كان االشتغال عل النسيج‪ ،‬وعل‬ ‫‪003‬‬


‫فاين شوفاليي‪ ،‬حتوالت القناع األنثوي يف األعمال الفنية ألورالن‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫ُ‬ ‫َ‬ ‫يلب ُسها الجسد األنثوي‪ .‬عروض‬ ‫الن‬ ‫الصور‬ ‫ي‬ ‫ه عروض‬ ‫البيفورمانس حول أردية فستان العروس‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ي ْ‬ ‫ُم َّ‬ ‫‪.‬‬ ‫الن استعادت بها‬ ‫الطريقة‬ ‫خالل‬ ‫من‬ ‫وذلك‬ ‫ة‬ ‫مي‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫الن تثقل كاهل‬ ‫أورالن التقاليد‪ ،‬أو الصور النمطية ي‬ ‫ْ‬ ‫لتدمي وظيفتها‪ .‬لقد قامت بتحويل‬ ‫النساء‪ ،‬وذلك‬ ‫ر‬ ‫الن تقول‬ ‫الرداء عن وظيفته األصلية‪ :‬هذه األثواب ‪ -‬ي‬ ‫ً‬ ‫إنها نسجتها بنفسها وقد أجيتها أمها عل ذلك‪ ،‬ترقبا‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ه اآلن معروضة فوق المنصة‪ ،‬ملطخة‬ ‫للزواج‪ -‬ي‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫مختلفي‪ ،‬بقع ترسم أورالن‬ ‫بالسائل المنوي لرجال‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫العيني‪.‬‬ ‫وه معصوبة‬ ‫ر‬ ‫حدودها بتطريزات سميكة‪ ،‬ي‬ ‫هذه األردية ه الن ُ‬ ‫سيعاد استخدامها يف عروض‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫البيفورمانس‪0‬‬ ‫ر‬ ‫تنتىم إىل مرحلتها الباروكية‪ ،‬أعمال‬ ‫هناك أعمال الحقة‬ ‫ي‬ ‫فنية تدور ‪-‬هذه المرة‪ -‬حول الصورة المزدوجة للمرأة‬ ‫ِّ‬ ‫عند الرجل‪ :‬القديسة والعاهرة‪ .‬هاتان الصورتان‬

‫المتطرفتان تتكرران يف أعمالها‪ .‬فالمكر الذي يحتويه‬ ‫النقد الذي تمارسه‪ ،‬يظهر من خالل تجميع الصفتان‬ ‫ً‬ ‫معا يف نفس الصورة‪ :‬إنها تتنكر يف هيئة العذراء عي‬ ‫األردية ‪-‬العذراء البيضاء والعذراء السوداء‪ ،‬صليب‬ ‫مستقيم‪ ،‬وصليب مقلوب(**)‪ -‬ومن خالل الستائر‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫نىس من تحت‬ ‫ييز فجأة ثدي القديسة‪ ،‬ييز ِ‬ ‫الج ي‬ ‫الحجاب‪0‬‬ ‫لقد تم التصدي لفكرة ازدواجية صورة المرأة هذه‬ ‫بطرق مختلفة‪ ،‬كما هو الحال مثال يف مناسبات‬ ‫يبتي (عروض التعري)‪ ،‬باستخدام أردية فستان‬ ‫السي ر‬ ‫ُ‬ ‫الن تقدم العري‬ ‫وه سلسلة من اللقطات ي‬ ‫العروس‪ ،‬ي‬ ‫ّ‬ ‫"اإلضاف" وهو‬ ‫تدريخ‪ .‬تعري ملحوظ ِلـ‬ ‫بشكل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫األخية‪ ،‬ثم تجاوز العري الكامل‬ ‫الصورة الفوتوغرافية‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫من خالل إغماء جسد المرأة‪ ،‬وتعريــها من نفسها‬ ‫ُ‬ ‫لدرجة االختفاء؛ ال وجود للجسد‪،‬‬ ‫وحده الرداء فقط‪،‬‬

‫‪004‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫فاين شوفاليي‪ ،‬حتوالت القناع األنثوي يف األعمال الفنية ألورالن‬

‫ملق عل األرض‪0‬‬ ‫ى ْ ً‬ ‫"الفكرة ‪-‬كما تقول أورالن‪ -‬تشكلت أيضا‪ ،‬أننا باعتبارنا‬ ‫ً‬ ‫ً ْ‬ ‫دائما أن‬ ‫نساء‪ ،‬ال يمكننا أبدا التعري بالكامل‪ ،‬يجب‬ ‫ّ‬ ‫يبق رسء ما‪ ،‬يجب ْأن نرتدي صو ًرا ُ‬ ‫وه‬ ‫ا‪،‬‬ ‫عن‬ ‫سبقة‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ي ‪.‬‬ ‫تغلفنا‪ ،‬يجب ْأن َّ‬ ‫يتم العبث بالجسد والوجه‪،‬‬ ‫صور‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫اللذان يحجبان الرؤية‪ .‬لذلك ليس هناك أبدا أية‬ ‫إمكانية لعري تام" (أورالن‪ ،‬مقتبس عن ب‪ .‬هتات‪،‬‬ ‫‪3003‬ب‪ ،‬ص‪0)473.‬‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫الفن مرتبطا بمساحة الصور‪،‬‬ ‫لقد ظل إنجاز مشوعها ي‬ ‫الن شهدتها فية التسعينيات‪،‬‬ ‫إىل حدود الثورة الرقمية ي‬ ‫ْ‬ ‫الفن راسخا‪ :‬تخلت أورالن عن‬ ‫حيث أصبح توجهها‬ ‫ي‬ ‫تغط‬ ‫الن‬ ‫األغلفة المختلفة‪ ،‬المادية ر‬ ‫وغي المادية‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫جسد المرأة لك ُتدرج ر‬ ‫مشوعها مباشة يف لحمة‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫والن‬ ‫فورمانس‪،‬‬ ‫البي‬ ‫‬‫عمليات‬ ‫مرحلة‬ ‫جسدها‪ .‬إنها‬ ‫ر‬ ‫ي ي‬ ‫عالمة عل تحول حقيق ف ر‬ ‫الفن؛ فبعد‬ ‫مشوعها‬ ‫ي ي‬ ‫ي‬ ‫االنتقال من الثوب إىل الجلد‪ ،‬تنتقل أورالن من الجلد‬ ‫إىل اللحم‪0‬‬ ‫ُ‬ ‫هنا‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬تدين أورالن الصور النمطية للجمال‪،‬‬ ‫والن غايتها تجسيد دمار‬ ‫المفروضة عل النساء‪،‬‬ ‫ي‬ ‫الجسد‪ .‬فباستخدام الكمبيوتر تقوم بمزج خمس صور‬ ‫سايك‪ ،‬فينوس‬ ‫الموناليا‪،‬‬ ‫لنساء أسطوريات ‪-‬ديانا‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫بتهجي هذه الصور مع صورتها‬ ‫وأوروبا‪ -‬وقد قامت‬ ‫ر‬

‫الخاصة‪ ،‬وطلبت تنفيذ هذا البورتريه من جراحيها‬ ‫(ب‪ .‬هتات‪3003 ،‬أ ‪ ،‬ص‪ .)473.‬كل عملية أجريت‬ ‫بتقنية مراقبة األلم‪ ،‬مما يسمح ألورالن أن تظل واعية‪،‬‬ ‫فتقوم بنفسها بتنسيق هذه العمليات‪ ،‬وكأنها تدير‬ ‫عروض ربيفورمانس حقيقية‪ ،‬بديكوراتها‪ ،‬أزيائها‪،‬‬ ‫األخية‪،‬‬ ‫وقراءات النص الخاص بها‪ .‬وبالنسبة للعملية‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫فش‬ ‫الن تمت إعادة عرضها مباشة يف أكي المتاحف‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫بتهجي‬ ‫عملية ذات خصوصية‪ .‬بحيث ال يتعلق األمر‬ ‫ر‬ ‫ِّ‬ ‫يجسدن الجمال‪،‬‬ ‫اللوان‬ ‫صورتها مع صور النساء‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ولكن بزرع‬ ‫حافن‬ ‫نتوء ْين من السيليكون فوق‬ ‫ي‬ ‫األخي‪ ،‬أكدت أن‬ ‫الحاجبي‪ .‬من خالل هذا الفعل‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫مشوعها ال يهدف بأي شكل من األشكال إىل تجسيد‬ ‫ُ‬ ‫كشكول من الرقع‪ ،‬حيث‬ ‫المرأة ‪-‬باعتبارها نتيجة‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ض َّم ْت بواسطة الخياطة‪ ،‬قطع الجمال األنثوي بعضها‬ ‫ً‬ ‫إىل بعض‪ -‬بل يهدف أساسا إىل التشكيك يف هذه‬ ‫تغيي االتجاه‬ ‫النماذج الخاصة باألنوثة‪ .‬هكذا يتم‬ ‫ر‬ ‫لفكرة اللجوء إىل الجراحة التجميلية‪ ،‬حيث لم يعد‬ ‫الهدف منها "المزيد من الجمال"‪ ،‬ولكن إحداث رشخ‬ ‫يف الجسد‪ ،‬للكشف عن رشائع الجمال المفروضة عل‬ ‫النساء‪0‬‬ ‫من المؤكد أن أورالن ليست الفنانة األوىل وال الوحيدة‬ ‫الن اشتغلت بجسدها وعل جسدها‪ ،‬أو قامت‬ ‫ي‬ ‫‪005‬‬


‫فاين شوفاليي‪ ،‬حتوالت القناع األنثوي يف األعمال الفنية ألورالن‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫بعرضه يف شكل ربيفورمانس‪ ،‬أو حن قامت بتحويله‬ ‫يمي اشتغالها عل‬ ‫بطريقة دائمة؛ ومع ذلك‪ ،‬فإن ما ر‬ ‫فنان تيار فن الجسد‪ ،‬هو‬ ‫جسدها عما هو معتاد لدى ي‬ ‫الن‬ ‫رفض االضطرار لدفع الثمن‪ ،‬والثمن هو المعاناة ي‬ ‫يتضمنها الجسد‪ .‬ال يتجنب فن الجسد المعاناة بصورة‬ ‫عامة‪ ،‬بل إنه يعطيها وظيفة جديدة‪ ،‬حيث تصبح‬ ‫الفن‪ ،‬لذلك‬ ‫تكلفة يدفعها الجسد لتحديد قيمة العمل ي‬ ‫ً‬ ‫غالبا ما تندرج المعاناة يف فن الجسد عل اعتبار أنها‬ ‫ر‬ ‫سء ال يمكن تجاوزه‪ .‬هنا حيث تشتغل أورالن عل‬ ‫ي‬ ‫الجسد كمادة فنية‪ ،‬فإنها تستبعد اعتبارها رشطا‬ ‫يكق إلضارها عل‬ ‫ضوريا – وهذه سمة مهمة بما ي‬ ‫وبالتاىل‬ ‫آىل دون تعمدها‪،‬‬ ‫ي‬ ‫وجود هذه المعاناة بشكل ي‬ ‫التأكيد عل أن عملياتها ال يمكن أن تكون عروض‬ ‫تسكي الجزء األكي من األلم‬ ‫ربيفورمانس إذا لم يتم‬ ‫ر‬ ‫عن طريق التخدير‪ .‬إنها تخلق داخل حركة فن الجسد‬ ‫اللحىم ‪Art‬‬ ‫نفسها عمليات تدعوها فن الجسد‬ ‫ي‬ ‫لتمييها عن فن‬ ‫‪( ،Charnel‬أورالن‪ ،‬مانيفيستو)‪،‬‬ ‫ر‬ ‫تشي بهذه التسمية إىل أن‬ ‫وه ر‬ ‫الجسد ‪ ،Body Art‬ي‬ ‫ر‬ ‫مشوعها ال يتعلق بالجسد‪ ،‬إال حينما يتم التخلص من‬ ‫اإلكراهات الجسدية‪ ،‬وتجاوز متطلباته وحدوده‪0‬‬

‫الذي تقوم به‪ ،‬ال يمكن اخياله يف فعل واحد ووحيد‪،‬‬ ‫ُينتظر منه إحالة نهائية عل وجودها‪ ،‬بل عل العكس‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫الن تنتج‬ ‫من ًذلك يعد اشتغالها سلسلة من األفعال ي‬ ‫صورا متجددة باستمرار "أنا ال أرغب يف هوية محددة‬ ‫المرتحلة والمتحركة‬ ‫ونهائية‪ ،‬أنا مع الهويات‬ ‫ِ‬ ‫وبالتاىل‪،‬‬ ‫والمتغية (أورالن‪ ،‬محاضة)"؛‬ ‫والمتعددة‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫فإن التطور الذي تعرفه أعمالها الفنية‪ ،‬ليس المقصود‬ ‫نهان لكينونتها‪ ،‬ولكنه عل‬ ‫منه الوصول إىل تعريف‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫الفن بدق‬ ‫سيورة العمل‬ ‫عكس ذلك‪ ،‬هو إلحاح عل ر‬ ‫ي‬ ‫من نهائية الفعل؛ فما لم تؤكد أورالن‪ ،‬وبشكل محدد‪،‬‬ ‫عل نقطة ال يمكن عندها إنهاء عملية الوالدة الذاتية‪،‬‬ ‫لصور عن نفسها‪،‬‬ ‫فسيظل هذا اإلنتاج المتواصل‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ر‬ ‫سء‬ ‫يوجد‬ ‫ال‬ ‫أنه‬ ‫يكشف‬ ‫وهو‬ ‫الدوام‪،‬‬ ‫عل‬ ‫متجددا‬ ‫ي‬ ‫تواىل الصور‪ ،‬وأن أي تيبيت‬ ‫يبدو قادرا عل توقيف‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ذان له‪0‬‬ ‫رمزي للجسد َّال ُ يسمح باصطفاء ي‬ ‫لذلك‪ ،‬يبدو أن ب ْعد افتقاد صورة نهائية للجسد يجعل‬ ‫ر‬ ‫مرن‪ ،‬وهو يتجل يف الفرق الشاسع الذي‬ ‫سء ر‬ ‫غي ي‬ ‫كل ي‬

‫سيورة الوالدة الذاتية‪:‬‬ ‫ر‬ ‫استعادة النهائية لمنفذ هروب للجسد‬ ‫ُ‬ ‫ه واحدة‬ ‫فوتوغرافيا بعنوان "أورالن تلد ‪ -‬نفسها"‪ ،‬ي‬ ‫من أوىل أعمال أورالن ‪-‬عندما كانت بالكاد تبلغ من‬ ‫ً‬ ‫الن تظهر‬ ‫العمر ‪ 47‬عاما‪ -‬هذه الصورة الفوتوغرافية ي‬ ‫فيها عارية عل الشير‪ ،‬تلد مثل قرينها‪ ،‬والذي هو‬ ‫َّ‬ ‫مخض من البالستيك؛ تدشن‬ ‫ممث ٌل يف دمية "مانكان"‬ ‫ي‬ ‫الفن الذي اختارته أورالن‪،‬‬ ‫هذه الفوتوغرافيا المسار ي‬ ‫الالحقة بأكملها تواجه تحدياً‬ ‫فجميع إنتاجاتها الفنية‬ ‫وجسد ِلـ "أورالن األخرى"‪ ،‬عل‬ ‫صورة‬ ‫يتمثل يف منح‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أساس أنها تمثل أورالن "الحقيقية‪"0‬‬ ‫ّ‬ ‫اللحىم بأنه اشتغال عل‬ ‫تعرف أورالن فن الجسد‬ ‫ي‬ ‫ذان‪ ،‬وهو عمل يتأرجح ربي تشويه الجسد‪،‬‬ ‫بورتريه ي‬ ‫وإعادة تشكيله‪.‬‬ ‫وبالتاىل‪ ،‬فإن مشهد الوالدة الذاتية‬ ‫ي‬ ‫‪006‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫فاين شوفاليي‪ ،‬حتوالت القناع األنثوي يف األعمال الفنية ألورالن‬

‫يبدو عند الوقوف أمام المرآة‪" :‬يجب أن يكون‬ ‫[الموضوع] ً‬ ‫قادرا عل تمثيل بقايا صورة الجسد القابلة‬ ‫للمطابقة مع األصل‪ّ ،‬‬ ‫حن يكون الستحضار اآلخر‬ ‫ٌ‬ ‫الرمزي مكان يف هذه الهوة الفارقة" (ب‪ .‬هتات‪،‬‬ ‫ً‬ ‫‪3003‬أ‪ ،‬ص‪ ،)43.‬وتحديدا ّ‬ ‫حن ال تكون مسألة‬ ‫َّ‬ ‫متخيلة‪ ،‬بل يمكنها االرتباط بما هو‬ ‫الصورة هذه كلها‬ ‫رمزي‪ ،‬وبالهوة أيضا‪ ،‬كما أنها مرتبطة بالفقدان‬ ‫وريي‪ ،‬حن ال يتم القبض عل الموضوع‬ ‫والنقص الرص ر‬ ‫ّ‬ ‫البيفورمانس‪،‬‬ ‫حي‪ ،‬ومع عمليات ر‬ ‫كلية يف الصورة‪ .‬يف ر‬ ‫تعتن أورالن بإظهار النقص والغياب‪ ،‬بل بإظهار‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫صور مشبعة بحضور الجسد‪0‬‬ ‫تخمي العنف‬ ‫الفن ألورالن‪ ،‬يمكن‬ ‫ر‬ ‫يف عمق المسار ي‬ ‫القاس للجسد‪ ،‬وظواهره‪ ،‬عرض لحم الجسد‪،‬‬ ‫ي‬ ‫والن ال تقول كل‬ ‫صورته‪،‬‬ ‫تلف‬ ‫الن‬ ‫المهولة‬ ‫ابة‬ ‫والغر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫سء من الجسد‪.‬‬ ‫سء عن الكائن‪ ،‬وال تسمح برؤية كل ي‬ ‫ي‬ ‫فالعمل الفن ألورالن شاهد ٌّ‬ ‫ج عل الحل الوحيد‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الجهنىم‬ ‫االستالب‬ ‫بهذا‬ ‫يتعلق‬ ‫فيما‬ ‫صاغته‬ ‫الذي‬ ‫ي‬ ‫للجسد‪ .‬إذ تسمح الوضعية المذكورة يف المقدمة ‪-‬هذا‬ ‫الجسد المفتوح عل باطنه‪ ،‬يجعلها‪ ،‬مع ذلك‪،‬‬

‫ضاحكة ونشيطة‪ ،‬كما لو كان جسدا بدون إحساس‪-‬‬ ‫الفن‪ :‬االنتصار‬ ‫النهان لعمل أورالن‬ ‫بتحديد الهدف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫عل الجسد‪ ،‬بمجرد أن يصبح صامتا بسبب التخدير‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫صمت الجسد هو رشط للنظر إليه مواجهة‪ُ .‬‬ ‫ويعتقد‬ ‫أن اللجوء إىل استخدام التقنيات الجديدة‪ ،‬الطبية يف‬ ‫هذه الحالة‪ ،‬من خالل محو األلم مع الحفاظ عل‬ ‫الوع الكامل للموضوع‪ُ ،‬يعتي كافيا لتلطيف عنف‬ ‫ي‬ ‫نهان مع الذات‪ ،‬دون‬ ‫بلقاء‬ ‫السماح‬ ‫وبالتاىل‬ ‫الجسد‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ِظل‪ ،‬ودون جهل‪0‬‬ ‫الجسد يف زماننا‪ ،‬حسب رأيها‪ ،‬مهووس بالتقادم‬ ‫والمفارقة الزمنية؛ ليس إلمكانية وضعه يف إطار‬ ‫ُ‬ ‫زمكان‪ ،‬ولكن عل األقل ألنه يتجاوز الحدود‪،‬‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫الممارس‬ ‫للتعسف‬ ‫والمالمح الراسخة‪ :‬وهذا التصحيح‬ ‫عل الجسد والصورة‪ ،‬هو ما تبحث عنه أورالن من‬ ‫سيورة الوالدة الذاتية‬ ‫خالل التقدم‬ ‫العلىم؛ وتبدو ر‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫هاته جزءا من االعتقاد الذي بموجبه‪ ،‬ومنذ اللحظة‬ ‫الن سيطرت فيها التقنيات الجراحية الحديثة عل‬ ‫ي‬ ‫الجسد‪ ،‬لم يعد ر‬ ‫الن ال‬ ‫الصخرة‬ ‫تلك‬ ‫يشكل‬ ‫ـح‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫التش‬ ‫َ َ ي‬ ‫يمكن ّ‬ ‫والن من شأنها أن تصنع القدر ‪ ،‬كما‬ ‫تخطيها‪،‬‬ ‫ي‬ ‫‪007‬‬


‫فاين شوفاليي‪ ،‬حتوالت القناع األنثوي يف األعمال الفنية ألورالن‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫ُ ى‬ ‫يقول فرويد‪ .‬بل إن ر‬ ‫سيشكل يف الغالب‬ ‫التشي ــح‬ ‫َ‬ ‫صخرة تنتظر أن يتم نحتها وصقلها‪ ،‬بواسطة موضوع‬ ‫الذان لصورة معينة‪،‬‬ ‫ينق انقسامه‪ ،‬ويرفض االصطفاء‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫لما يتضمنه ذلك من فقدان للجسد‪0‬‬ ‫ى‬ ‫لكن ‪-‬ومن أجل فهم غياب هذا النقص‪ -‬هل يتعلق‬ ‫ًّ‬ ‫التأسيىس‬ ‫األمر يف أعمال أورالن حقا برفض النقص‬ ‫ي‬ ‫للصورة المرآوية‪ ،‬أم بفشل هذه الصورة تحديدا؟ يبدو‬ ‫ى‬ ‫أن ما يشك ُل خصوصية مسارها ‪-‬بما يف ذلك ما‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يستأثر‪ ،‬شيئا فشيئا‪ ،‬بمشهد منح الجسد رؤية كاملة‪-‬‬ ‫يكمن يف الحضور المفرط للجسد‪ ،‬يف وحشية اإلفراط‪،‬‬ ‫والكشف يف نفس الوقت عن عدم وجود النقص‪ .‬من‬ ‫الالكان‬ ‫التعبي له صدى مع المفهوم‬ ‫الواضح أن هذا‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫للقلق (الكان‪ .‬ج‪ ،)4293 ،‬ولسبب وجيه – القلق لم‬ ‫الفن(‪ ،)4‬كما أنه يف‬ ‫يكن بالتأكيد غائبا عن مسارها‬ ‫ي‬ ‫يثي انتباه المشاهد للوهلة األوىل‬ ‫اآلن نفسه‪ ،‬ليس مما ر‬ ‫يثي جسامة ردود الفعل‬ ‫عند رؤية أعمالها‪ ،‬وهذا ما ر‬ ‫البيفورمانس‬ ‫الن سبق ذكرها‪ .‬فالغاية من عمليات ر‬ ‫ي‬ ‫التأشي عل وجود خلل يف العالقة بالصورة‪،‬‬ ‫ف‬ ‫تكمن‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫وهو خلل يجب‪ ،‬من زاوية الصورة المرآوية‪ ،‬أن يحرص‬

‫الوع عل شكل غياب‪ ،‬وذلك حن تكون الصورة‬ ‫يف‬ ‫ي‬ ‫أعي اآلخر صورة‬ ‫متماسكة‪ .‬لقد ألقت أورالن أمام ر‬ ‫الجسد األنثوي‪ ،‬متضمنة لبعد اإلفراط وليس النقص‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فش ُت ّ‬ ‫عري هذا الجسد حن العظم‪ ،‬وتظهر ما تحت‬ ‫ي‬ ‫ّ ُ‬ ‫َّ ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫عالمات الرتق‪ ،‬وصوال إىل فت ِقها وفك غرزها ‪-‬وتمزيق‬ ‫ُ‬ ‫الن ُي ِح ُّب الجسد األنثوي أن ييين‬ ‫الحجب الشبقية ي‬ ‫بها‪ ،‬بمنطق القطيعة مع أقنعة التنكر األنثوي‪ -‬التنكر‬ ‫َ ْ‬ ‫ينبع رؤيته أمام أنظار‬ ‫الذي ينطوي عل حجب ما ال ي‬ ‫اآلخر‪ ،‬لتشكيل النقص‪0‬‬ ‫ّ‬ ‫تحوالت التنكر‪:‬‬ ‫منطق ّ‬ ‫التعري كعالج للجسد األنثوي‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫سواء تمحورت سلسلة الصور المنتجة‪ ،‬حول لعبة‬ ‫الحضور والغياب‪ ،‬الخفاء والتجل‪ ،‬أو ُّ‬ ‫اليين الزائد‬ ‫ي‬ ‫المنتىم لمرحلتها الباروكية‪ ،‬فإن عرض أورالن‬ ‫ي‬ ‫الفن‪،‬‬ ‫مسار‬ ‫بدايات‬ ‫ف‬ ‫ال‪،‬‬ ‫ز‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫كان‬ ‫األنثوي‪،‬‬ ‫لجسدها‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫لعبة تذكرنا َ‬ ‫ُ‬ ‫بأكي أشكال‬ ‫بحجب الرغبة‪ ،‬يف‬ ‫مغط‬ ‫فق هذه الفية‪،‬‬ ‫التنكر األنثوي كالسيكية‪ .‬ومع ذلك ي‬

‫‪008‬‬


‫ْ‬ ‫بدأت ُ‬ ‫تيز بعض "الفجوات النيئة" (لينهار‪ .‬أ‪،3003 ،‬‬ ‫وه فتحات حقيقية تمثل صورة الشبق‪،‬‬ ‫ص‪ ،)492.‬ي‬ ‫وقد كان ظهور هذه الفجوات محدودا يف البداية‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ستمأل بالتدري ــج مساحة المشهد بأكمله‪.‬‬ ‫لكنها‬ ‫َ‬ ‫وبالنسبة ألورالن‪ ،‬فعما قريب‪ ،‬لن يتعلق األمر بل ِع ِب‬ ‫خدعة برصية للحضور عل خلفية الغياب ‪ّ -‬‬ ‫حن وإن‬ ‫ٌ‬ ‫خوف من عقوبات انتقامية (ج‪.‬‬ ‫ريفيي‪،‬‬ ‫استتبع ذلك‬ ‫ر‬ ‫‪ -)4232‬لكن سيتعلق األمر بجعل صور الرغبة‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫مفرط يف‬ ‫تكشف عن نفسها‪ ،‬بتعريتها‪ ،‬وكأنما "ما هو‬ ‫ُّ‬ ‫المرن (ناهون‪ .‬س‪")3000 ،‬‬ ‫جنىس‬ ‫الظ‬ ‫ي‬ ‫لعضو َ َ ْ ي‬ ‫هور ِّ ُ ٍ‬ ‫يأن ُلي َفتق رتوق (ثنيات) جلد القضيب‪0‬‬ ‫ي‬ ‫هذا االرتباط القائم بي ُبعد اإلفراط ف اإلظهار‪ُ ،‬‬ ‫وبعد‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫الواقع داخل الجسد األنثوي‪ ،‬ليس تأويال بسيطا لما‬

‫تعرضه أورالن أمام المشاهد‪ ،‬بل هو ارتباط مدعوم‬ ‫ً‬ ‫تدىل بها حول الظواهر‬ ‫الن‬ ‫أيضا بالترصيحات‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫فش تؤكد خاللها أيضا عل‬ ‫المصاحبة لفية البلو ‪ ،‬ي‬ ‫هذه الفكرة حول ُ‬ ‫ُّ‬ ‫والتجرد من‬ ‫المفرط يف الظهور‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫التقاعس والرعب يف مواجهة‬ ‫امتالك الجسد‪ ،‬ثم حول‬ ‫تروقن‬ ‫كثية ال‬ ‫واقعه‪" :‬الجسد ُميمج للقيام بأشياء ر‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫إطالقا! وليست لدي سيطرة عليها! عل سبيل المثال‬ ‫عندما كنت مراهقة‪ ،‬رأيت فجأة ْثد َ َّن ُ‬ ‫يكيان‪ ،‬ولم‬ ‫يي‬ ‫ً‬ ‫أهتم أبدا بهذه القصة‪ .‬فلم أكن أريد نهائيا أن أصبح‬ ‫امرأة‪ )...( .‬يتم توليدها إلنجاب أطفال‪ ،‬تماما كما يتم‬ ‫توليد البقرة (منقول حرفيا)؛ فكل هذا كان يبدو ىل ّ‬ ‫مما‬ ‫ي‬ ‫كبي‪ ،‬لم أرغب يوما يف أن أكون‬ ‫عفا عليه الزمن إىل حد ر‬ ‫ا‬ ‫َ َ​َ‬ ‫ر‬ ‫سء (نقي عن‬ ‫رح ًما‪ .‬لم تكن هذه المكننة‬ ‫ِ‬ ‫تعنين يف ي‬ ‫ي‬ ‫‪009‬‬


‫فاين شوفاليي‪ ،‬حتوالت القناع األنثوي يف األعمال الفنية ألورالن‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫ميلر ج‪ .‬أ‪ ،3008 ،‬ص‪ .")2.‬ظهور الحيض هو بمثابة‬ ‫َّ‬ ‫غي مرغوب فيه‪ ،‬إذ لهما نفس النغمة‪ ،‬كالهما‬ ‫حمل‬ ‫ر ا‬ ‫ِّ‬ ‫ر‬ ‫("سء ال يمكن تصوره‬ ‫يظهر بغتة دون أي استعداد‬ ‫ي‬ ‫ادن")؛ هذه‬ ‫ادن‪ ،‬ورغما عن إر ي‬ ‫إطالقا‪ ،‬ألنه خارج إر ي‬ ‫الن ال يمكن تصورها حول تذبذب األنا يف‬ ‫الشهادة ي‬ ‫مواجهة الجسد تحيل فجأة إىل أبعاده الواقعية‪،‬‬ ‫َ َ​َ‬ ‫التلقان‬ ‫الجسد‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ن‬ ‫الجسد العضوي‪ ،‬الجسد المك‬ ‫َي‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫والوظيق‪ ،‬والجسد الخائن‪ ،‬الذي يعتي األنثوي داخله‬ ‫ُ َ ً‬ ‫ما‪ ،‬ي وفيه يشكل فيضانا ُّ‬ ‫كل ما هو إجباري‬ ‫مقح‬ ‫الحضور‪ :‬إفراط يف الحيض‪ ،‬إفراط يف األثداء‪ ،‬إفراط‬ ‫يف احتماالت األمومة‪0‬‬ ‫ويبدو أن هذا "اإلفراط" عل وجه التحديد‪ ،‬والذي‬ ‫ُ‬ ‫تعرضه أورالن يف أعمال ربيفورمانس‪ ،‬كمحاولة تعيد‬ ‫الالمرن من الجسد إىل موطنه‬ ‫من خاللها‪ ،‬بأي ثمن‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫يف حقل الصورة‪ ،‬أي داخل الكل‬ ‫وف مقابل‬ ‫ي‬ ‫المرن‪ ،‬ي‬ ‫منطق التنكر‪ .‬فأعمالها تقع‪ ،‬كما تقول‪ ،‬ربي "جنون‬ ‫الرؤية واستحالة الرؤية (أورالن‪ ،4228 ،‬ص‪:")29.‬‬ ‫ُ‬ ‫يحدث كما لو أن األنوثة َّ‬ ‫ر‬ ‫مهمة يجب إنجازها‪،‬‬ ‫سء‬ ‫كل ي‬ ‫ليتم بعد ذلك استئناف االختالل بالنسبة للجسد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫التأثي عل‬ ‫فالظواهر المرافقة للبلو ‪ ،‬ال تفشل أبدا يف‬ ‫ر‬

‫صورة الجسد‪ ،‬وهذه المهمة األنثوية بالنسبة ألورالن‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ال ُت َ‬ ‫نج ُز يف حميميتها‪ ،‬بل تجد نفسها هنا‪ ،‬منشورة أمام‬ ‫العالم‪0‬‬ ‫َْ‬ ‫"أنا امرأة تكشف عن دمها وفتحاتها"‪ ،‬تقول أورالن؛‬ ‫تعبي عن هذا‬ ‫والبيفورمانس‪ ،‬رأس ِميدوسا‪ ،‬أفضل ر‬ ‫ر‬ ‫البيفورمانس هنا عل استخدام عدسة‬ ‫المنطق‪ :‬تقوم ر‬ ‫الجنىس‪ ،‬وقد تم‬ ‫مكية ضخمة لكشف عضو[ها]‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫عيات المحيطة به باللون األزرق‪،‬‬ ‫تلوين بعض الش ر‬ ‫ُ‬ ‫وذلك يف فية حيض[ها]‪ .‬وتظهر شاشة فيديو‪ ،‬رأس‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫َمن يستعد (تستعد) للمشاهدة‪ .‬بينما ترصد شاشة‬ ‫أخرى رأس (رؤوس) من يشاهد(ون)‪ .‬وعند باب‬ ‫الخروج ُّ‬ ‫يتم توزي ــع نص فرويد حول رأس ميدوسا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫والذي يقول فيه‪" :‬عند رؤية الف ْرج‪ ،‬الشيطان ُ‬ ‫نفسه‬ ‫يهرب (أورالن‪ ،4228 ،‬ص‪ .")23.‬يف مقابل التنكر‪ ،‬لم‬ ‫تكتف أورالن بإزالة ُ‬ ‫الحجب عن الجسد األنثوي‪ ،‬بل‬ ‫ً‬ ‫ستجرده كليا من ِّ‬ ‫مزيناته الشبقية‪ ،‬وتجعله كاشفا عن‬ ‫نفسه "من هنا حيث ال تمكن مشاهدته(‪( ")3‬كاترين‬ ‫برييات‪ -)3000 .‬أي عرض ر‬ ‫"سء ما" عل أنظار‬ ‫ي‬ ‫اآلخرين‪ ،‬والذي يعمل التنكر تحديدا عل إخفائه بأية‬ ‫الن أصبحت‬ ‫طريقة‪ .‬إنه أيضا الحد األقض للصورة ي‬

‫‪021‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫فاين شوفاليي‪ ،‬حتوالت القناع األنثوي يف األعمال الفنية ألورالن‬

‫وبالتاىل‪ ،‬محاولة إغماء نظر اآلخر‪ :‬أليس ُيقصد بعرض‬ ‫ي‬ ‫لحم الجسد تيبيت نظرة اآلخر بدقة‪ ،‬واجتياحه من‬ ‫خالل مراوغته‪ ،‬ثم "االستيالء" عليه من خالل تحويله‬ ‫إىل حجر؟‬

‫وضعية جسد المرأة‪:‬‬ ‫من ر‬ ‫سياس إىل رهانات نفسية‬ ‫مشوع‬ ‫ي‬ ‫"لطالما اعتيت جسدي كامرأة‪ ،‬جسدي كامرأة فنانة‪،‬‬ ‫ا‬ ‫مادة َّ‬ ‫‪.‬‬ ‫عمل تساؤالت‬ ‫طرح‬ ‫لطالما‬ ‫عمل‬ ‫لبناء‬ ‫ة‬ ‫ممي‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫عن وضعية الجسد األنثوي‪ ،‬عي ما يمارس عليه من‬ ‫الماض‬ ‫ضغوط اجتماعية‪ ،‬سواء يف الحاض أو يف‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫افن گاسمان‪ ،3007 ،‬ص‪.")33.‬‬ ‫(أورالن‪ ،‬نقي عن‪:‬گز ر ي‬ ‫المثي لالهتمام يف هذه المقولة ‪-‬رغم الموضوع‬ ‫يظل‬ ‫ر‬ ‫المتكرر الذي اشتغلت عليه أورالن بتنويعات مختلفة‪-‬‬ ‫هو أنها لم تلق سوى القليل من التشجيع‪ ،‬من طرف‬ ‫ُ‬ ‫النفسانيي الذين منحتهم أعمالها‬ ‫المحللي‬ ‫العديد من‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫الفن من‬ ‫مادة للكتابة عنها‪ ،‬بغية االقياب من عملها ي‬ ‫التباه بهذه‬ ‫زاوية األنثوي‪ .‬ورغم أنها كانت‬ ‫قادرة عل ٌ ي‬ ‫‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫المؤكدة "أنا ُ‬ ‫رج ٌل واحدة وامرأة واحد"‪«je ،‬‬ ‫المقولة‬ ‫‪ suis une homme et un femme‬داعية بهذه‬ ‫الجنسي‪ ،‬حيث يمكنها تعزيز‬ ‫الطريقة إىل المزج ربي‬ ‫ر‬ ‫فكرة تعدد الهويات‪ ،‬فإن هذا التأكيد‪ ،‬يف الحقيقة ظل‬ ‫ً‬ ‫مكتوبا عل يافطة‪ ،‬ولم ُيكتب بأي شكل من األشكال‬ ‫جنىس يف‬ ‫عل جسدها؛ لذلك‪ ،‬ال يوجد أثر لتحول‬ ‫ي‬ ‫كي حرصي يف أعمالها‪،‬‬ ‫مسيتها الفنية‪ ،‬ولكن هناك تر ر‬ ‫ر‬ ‫التدمي الذي تتم ممارسته بأي ثمن عل الصورة‬ ‫عل‬ ‫ر‬ ‫الن يجب أن تبذلها أورالن حن ال‬ ‫ُاألنثوية‪ .‬ما الجهود ي‬ ‫الجنىس‬ ‫عرض جسدها من زاوية التحديد‬ ‫ينظر إىل‬ ‫ِ‬ ‫ٍي‬ ‫تجعلُ‬ ‫ه نفسها ال‬ ‫[أي الجسد‬ ‫األنثوي]‪ ،‬يف ر‬ ‫حي ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جسدها خيطا رابطا ألعمالها فحسب‪ ،‬بل أيضا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫دعامة أساسية ورهانا إلبداعاتها؟‬ ‫ً‬ ‫عند هذه النقطة من َّ‬ ‫الصمم تحديدا‪ ،‬يتم إدراك‬ ‫السياس الكامل الشتغالها عل الجسد‬ ‫المغزى‬ ‫َّ ي‬ ‫ُ‬ ‫األنثوي؛ فالصمم يكشف أنه لم يعد باإلمكان التعرف‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫عل ما هو أنثوي يف الجسد‪ ،‬حيث يوجد ُمنسلخا عن‬

‫ا‬ ‫هنا ملغاة‪ ،‬وقد َّتم تأجيلها إىل ما ال نهاية له‪ ،‬لذلك‬ ‫الم َّ‬ ‫فانهيار الصور ُ‬ ‫سطحة ‪-‬األقمشة المستخدمة لفية‬ ‫طويلة‪ ،‬اللعب عل الصور النمطية األنثوية‪ ،‬أو الجلد‬ ‫ر‬ ‫سء‪ ،‬سوى‬ ‫بالتاىل‪،‬‬ ‫العاري‪ -‬لن يؤدي‪،‬‬ ‫ي‬ ‫إىل اكتشاف ي‬ ‫ٌ‬ ‫الصور‪ ،‬مرة أخرى‪ .‬لكنها صور ليست بنفس المكانة‪،‬‬ ‫فش ال تستهوي األنظار بهدف إثارة الرغبة‪ ،‬بل عل‬ ‫ي‬ ‫العكس‪ ،‬هذه الصور المرعبة (الميدوسية) تهدف أو‬ ‫تميل‪ ،‬إىل خسوف النظر المنبعث من الثقب األسود‬ ‫غي قابل‬ ‫للعي‪" :‬إجماال‪ ،‬أنا أختار يف‬ ‫عروض ما هو ر‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫غي‬ ‫هو‬ ‫ما‬ ‫لكن‬ ‫نفسه)؛‬ ‫المرجع‬ ‫(أورالن‪،‬‬ ‫للمشاهدة"‬ ‫ر‬ ‫‪.‬‬ ‫قابل للمشاهدة‪ ،‬والذي يولد العىم والصمم لدى‬ ‫جمهورها‪ ،‬ربما ال يحيل بشكل أكي إىل تعرية جسد‬ ‫َ‬ ‫الن تمارسها عليه‪ ،‬بقدر ما‬ ‫األنن من الكليشيهات ي‬ ‫ر‬ ‫سء غامض يف الجسد؛‬ ‫يحيل إىل محاولتها إظهار ي‬ ‫‪020‬‬


‫فاين شوفاليي‪ ،‬حتوالت القناع األنثوي يف األعمال الفنية ألورالن‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫عمل يذهب إىل أبعد من مجرد االختفاء البسيط‬ ‫َّ‬ ‫للجسد األنثوي‪ ،‬كما هو ممث ٌل يف عروض سلسلة‬ ‫الن ّتم فيها استخدام أردية فستان‬ ‫السي ر‬ ‫يبتي‪ ،‬ي‬ ‫العروس‪ .‬ويبدو أن هذا المنطق هو إعادة تصحيح‬ ‫للصورة المبتذلة النهائية‪ ،‬حيث لم يعد الجسد‬ ‫ُ‬ ‫األنثوي هو موضوع االختفاء‪،‬‬ ‫الن‬ ‫ولكن حجب الرغبة ي‬ ‫ُّ‬ ‫تخق ً‬ ‫َ‬ ‫األنن‪،‬‬ ‫دائما عن األنظار‪ ،‬ما يظل‪ ،‬من جسد‬ ‫ي‬ ‫الشبق‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬ال تحط إعادة النظر‬ ‫خارج‬ ‫ي‬ ‫يف وضعية المرأة كموضوع للرغبة‪ ،‬باألسبقية يف‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫عط األولوية لإلضار‬ ‫ت‬ ‫الفن‪ ،‬بقدر ما‬ ‫مشوع أورالن‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ِّ‬ ‫ومتمية‬ ‫عل الرصورة القصوى‪ ،‬لفتح طرق جديدة‬ ‫ر‬ ‫عل اإلطالق يف التعامل مع الجسد‪ ،‬قصد الحصول‬ ‫عل امرأة‪0‬‬ ‫ِّ‬ ‫مع ذلك‪ ،‬وكبديل عن هذا الخطاب النسوي والقضايا‬ ‫َ ًّ‬ ‫ُ‬ ‫السياسية لهذا الجسد الذي يراد له أن يكون‬ ‫"محي‬ ‫للمناقشات العامة (أورالن‪ ،‬المرجع نفسه)"‪ ،‬هناك‬ ‫إدراك لبعد آخر‪ ،‬هذه المرة ليس من زاوية النقد‬

‫غشاء األنوثة‪ ،‬بعبارة أخرى‪ ،‬إن رهانات معالجة‬ ‫الجسد األنثوي لم تعد قابلة للتحديد‪ ،‬مادامت تمارس‬ ‫عملها عل الهامش‪ ،‬منفصلة عن إطار التنكر‪0‬‬ ‫السياس لمسار‬ ‫وف الواقع‪ ،‬ال يمكن اخيال االهتمام‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫والمعايي الثقافية‬ ‫القواني‬ ‫الفن‪ ،‬فقط يف إدانة‬ ‫أورالن‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫الن تلبس الجسد األنثوي‪ :‬فأصالتها اإلبداعية‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫‪.‬‬ ‫وه باألحرى تظهر‬ ‫بكثي من ذلك‬ ‫المتكاملة أوسع ر‬ ‫ي‬ ‫الن تضيفها يف عملها‪ ،‬من خالل‬ ‫جيدا يف الخطوات ي‬ ‫الن ترسم الجسد األنثوي‬ ‫استهداف نسف الحدود ي‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫وفقا لخطوط المرغوب فيه‪ .‬لقد هدمت أورالن الـ‬ ‫"أو"‪[ ،‬جسد مذكر أو مؤنث]‪ ،‬وقامت باستبداله‬ ‫بإمكانية ظهور "و" [جسد مذكر ومؤنث]‪ ،‬يف إشارة‬ ‫إىل إضافة ُبعد جديد للجسد األنثوي ‪ -‬وهو ُبعد‬ ‫رفضته نظرات المشاهدين عل نطاق واسع‪ ،‬سواء‬ ‫كانت تلك النظرات ذكورية أم أنثوية‪ ،‬وذلك حن تظل‬ ‫ى‬ ‫ّ‬ ‫التعري‬ ‫صورة المرأة شبقية مهما كلف األمر‪ .‬إن منطق‬ ‫ً‬ ‫يرىم إىل نزع ِّ‬ ‫كل ما ييكه ُعري َ‬ ‫محجوبا‪ ،‬ضمن‬ ‫األنن‬ ‫ي‬

‫‪022‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫فاين شوفاليي‪ ،‬حتوالت القناع األنثوي يف األعمال الفنية ألورالن‬

‫غي مسبوقة للتعامل مع‬ ‫جديدة‪ ،‬وذلك ضمن محاولة ر‬ ‫وه محاولة موسومة ِبـ "من‬ ‫حقيقة الجسد األنثوي‪ ،‬ي‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ه عل ذلك‪( ،‬نقي‬ ‫المرأة إىل المرأة الخنن"‪ ،‬كما تؤكد ي‬ ‫جورج ج‪ ،).‬وهذا بعيد كل البعد عن سؤال‬ ‫برون‪-‬‬ ‫عن‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ه المرأة؟" – والذي كانت تعتيه أورالن دعوة‬ ‫"من ي‬ ‫لمعرفة المرأة‪ .‬فهل يمكن لهذه اإلعادة الالنهائية‬ ‫تصي المرأة امرأة؟‬ ‫لتشكيل الجسد أن تعمل عل أن ر‬ ‫ً‬ ‫إنها محاولة َلمنح األنثوي جسدا‪ ،‬ولجعل جسد المرأة‬ ‫ً‬ ‫تميي‬ ‫هذا متماسكا بدون شك؛ لكن ال يمكن أبدا ر‬ ‫صيورة المرأة من خالل تجاهل الوظيفة الشبقية‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫يعن أبدا إلغاء الفصل‬ ‫وأن ر‬ ‫تصي المرأة امرأة‪ ،‬فذلك ال ي‬ ‫الجنسي‪ .‬وعي أعمالها الفنية‪ ،‬تنتشل أورالن‬ ‫ربي‬ ‫ر‬ ‫الخارج ربي رجل وامرأة‪،‬‬ ‫نفسها بحزم من التبادل‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫وتؤكد ذاتها ليس كامرأة‪ ،‬ولكن كآخر مختلف جذريا•‬

‫سؤال‪،‬‬ ‫االجتماع‪ ،‬بل من جانب تطبيق وتجسيد‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫الحرف‬ ‫بالمعن‬ ‫‪،‬‬ ‫واقعا‬ ‫أصبح‬ ‫صياغة‪،‬‬ ‫له‬ ‫ليست‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫سء يحدث بالنسبة للجسد األنثوي‪،‬‬ ‫للمصطلح‪ .‬فكل ي‬ ‫يأن ليكون (محاولة) إجابة عن هذا السؤال‬ ‫كما لو أنه ي‬ ‫الذي لم ُيطرح أصال‪ ،‬ألن األنوثة لم تكن موضوع أيِّ‬ ‫َْ‬ ‫غي‪0‬‬ ‫تل ر‬ ‫االجتماع إىل المشهد‬ ‫يؤدي هذا التحول من المشهد‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫الفن‪ ،‬ولجوئها‬ ‫الذان‪ ،‬إذا‪ ،‬إىل اعتبار مسار أورالن‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫المكثف َ‬ ‫متمية‬ ‫لسند الصورة‪ ،‬صيغة لمعالجة‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫قصد تذويت الغرابة‪.‬‬ ‫للجسد‪ ،‬ومحاولة تشكيل جسد‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فبعد استنفاذ التمثالت الشائعة لألنوثة عي تحويل‬ ‫وجهتها نحو السخرية‪ ،‬وبعد رفض هذه النماذج‬ ‫ً‬ ‫المستهلكة بالكامل‪َ ،‬ت ُ‬ ‫ظهر أصالة أورالن انطالقا من‬ ‫َّ‬ ‫ر‬ ‫التالس المؤكد لصور تلك التمثالت‪ ،‬وتجربة أشكال‬ ‫ي‬

‫هوامش‬ ‫هذا المقال منشور يف مجلة ‪ ،3042 ،Champ Psy‬العدد ‪ ،93‬ص‪0440 - 22 .‬‬ ‫* مما يروج حول هذه الفكرة االعتقاد بحلول الذات اإللهية يف الجسد‪( .‬الميجم)‬ ‫** الصليب المستقيم هو رمز للمسيحية‪ ،‬بينمـا الصـلـيـب الـمـقـلـوب‪ ،‬هـو رمـز لـمـنـاهضـة الـمـسـيـحـيـة‪ ،‬ومـخـالـفـة أعـرافـهـا الـتـقـلـيـديـة‪ُ ،‬‬ ‫ويـعـرف بصـلـيـب‬ ‫ً‬ ‫القديس بطرس‪ ،‬وهو مقلوب رأسا عل عقب‪( .‬الميجم)‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ر‬ ‫ه فتاة تمتلك عيناها قوة خارقة‪ ،‬فتحول أي كائن بشي إىل جماد أو حجر بنظراتها‪ ،‬فتم قطع رأسها‪ ،‬وتعليقه‬ ‫*** ميدوسا يف األسطورة اإلغريقية‪ ،‬ي‬ ‫العي ر‬ ‫الشيرة‪ ،‬وقد وظفها سيغموند فرويد لمناقشة فكرة القلق من اإلخصاء‪( .‬الميجم)‬ ‫اعتقادا أنه يدفع ر‬ ‫‪ 4‬تقول أورالن » أمام حاالت الرعب الكبي من الموت‪ ،‬وه خطية جدا‪ ،‬إن ُ‬ ‫الن تعمل عل التهدئة«‪ ،‬وهذا مـا قـادهـا نـحـو‬ ‫ه‬ ‫وحدها‬ ‫الفاليوم‬ ‫قن‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ي ي‬ ‫ي‬ ‫التحليل (ميلر‪ ،‬ج‪.‬أ‪ ،3008 ،‬ص‪0)8.‬‬ ‫غي مرئية"‪ ،‬ترصي ــح كاثرين برييات عن فيلمها‬ ‫ه ر‬ ‫‪" 3‬إنها امرأة تدفع ثمنا لرجل ال يحب أن ينظر إىل النساء‪ ،‬لينظر إليها من هذا الجانب‪ ،‬حيث ي‬ ‫ر‬ ‫جهنىم"‪ ،‬وهو مقتبس من روايتها بورنوقراطية‪.‬‬ ‫"تشي ــح‬ ‫ي‬ ‫‪BIBLIOGRAPHIE‬‬ ‫‪BREILLAT Catherine, Pornocratie, Paris, Denoël, 30040‬‬ ‫‪BRUNET-GEORGET J, «Corps «trans» et représentations art et psychanalyse»0‬‬ ‫‪GASMANN Xavier, «Les esquisses symboligènes», in La lettre de l’enfance et de l’adolescence, n° 92, p0 34-38,‬‬ ‫‪30070‬‬ ‫‪HATAT Brigitte )3003a(, «Miroirs», in L’en-je lacanien )no 2(, p07-330‬‬ ‫‪HATAT Brigitte )3003b(, «Entretien avec Orlan», in L’en-je lacanien )no 2(, p0493-4830‬‬ ‫‪LACAN Jacques0 )4293-92(, Le Séminaire, Livre X, l’Angoisse, Paris, Le Seuil, 3003‬‬ ‫‪LINHARES Andréa «Orlan, l’auto-portrait comme œuvre d’altérité», in Penser, Rêver, Créer, Revue Psychologie‬‬ ‫‪Clinique n°48, Paris, l’Harmattan, p0437-479, 30030‬‬ ‫‪NAHON Claire Laurence «Le trop visible d’un sexe invisible ou les privilèges de l’informe», in De la différence des‬‬ ‫‪sexes entre les femmes, PUF «Forum Diderot», Paris, p034-72, 30000‬‬ ‫‪MILLER Jacques Alain, «Initiation aux mystères d’Orlan», )conversation avec Orlan( in Le Nouvel Âne n°8, Paris,‬‬ ‫‪Navarin, p08-43, février 30080‬‬ ‫‪ORLAN, «Surtout pas sage comme une image…», in QUASIMODO n° 3 «Art à contre corps», Montpellier, 42280‬‬ ‫…»‪ORLAN, «Manifeste de l’Art charnel‬‬ ‫…‪ORLAN, «Conférence», extrait 4‬‬ ‫‪RIVIERE J, 4232, «La féminité en tant que mascarade», in Féminité mascarade, Paris, Le Seuil, pp0427-342, 42230‬‬

‫‪023‬‬


024


‫زووم‬

‫‪025‬‬


026


‫املوتُ ال يعنيين البتة‪ ،‬فهو إن وُجد‪ ،‬لن أكون موجودا‪...‬‬ ‫(أبيقور)‬ ‫ه‬ ‫تأخذ جسدها أبعد من الموت‪ ،‬إىل بداية الحياة‪ ،‬إىل ما قبل الحياة ر‬ ‫حي كانت ي‬ ‫حي كان الجسد‬ ‫والموت سيان‪ .‬جسد واحد يعيش تعدده دون مفارقة أو غياب‪ ،‬ر‬ ‫كل الحضور يف غيبوبة الزمان والمكان‪0‬‬ ‫ي‬ ‫تسائل وجود الكائن عل هذه األرض‪ .‬تعتمد يف ذلك عل ذاكرتها الشخصية‪،‬‬ ‫تاركة شظايا الذاكرة الجمعية تأتيها ربي الفينة واألخرى‪ .‬اإلحساس بأن لديك‬ ‫ُ‬ ‫جسدا وال ر‬ ‫غي الجسد‪ :‬هذا ما تشعر به مارينا أبراموفيتش يف كل ربيفورمانس‬ ‫سء ر‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫البيفورمانس‪ ،‬حن‬ ‫تدخله‪ .‬تشعر أن جسدها صار "أنا أعل"‪ .‬فـ "ما أن تلج فضاء ر‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫سء آخر"(‪.)4‬‬ ‫الن تعرفها‪ .‬إنها ي‬ ‫تجد نفسك يف مقام "أنا أعل"‪ .‬أناك ليست األنا ي‬ ‫‪027‬‬


‫بومجعة أشفري‪ ،‬مارينا أبراموفيتش‪ ..‬وجها لوجه أمام اللحم‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫سء سوى هذا‬ ‫يتالس‬ ‫الخوف‪ ،‬يتالس األلم‪ ...‬وال‪ ،‬ال ي‬ ‫ُ‬ ‫(العي ‪ُ -‬‬ ‫الفم)‪0‬‬ ‫الجسد ر‬

‫ُ‬ ‫ر‬ ‫القبض عليه‬ ‫بىسء ما تعذر‬ ‫الحركة‪ ،‬من أجل اإلمساك ي‬ ‫سابقا‪000‬‬

‫الرصخة الن ُت ِّ‬ ‫حر ُر‬ ‫ي‬

‫ه‪ ،‬مارينا‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬تتذكر نفسها عندما كانت‬ ‫ها ي‬ ‫صغية (أربــع سنوات)‪ ،‬كانت مع جدتها (من‬ ‫طفلة‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫أمها) يف الغابة‪ ،‬رأت شيئا غريبا‪ ،‬خطا ممددا عل‬ ‫ُ‬ ‫األرض يتحرك ببطء‪ ،‬مدت يدها لتلمسه؛ وفجأة‬ ‫انبعثت ضخة رهيبة من فم جدتها‪ :‬مارينا‪ ،‬ال‪ ،‬ال‪ ،‬ال‬ ‫ُ‬ ‫تفعل‪ ،‬إنه ثعبان‪" ...‬ألول مرة‪ ،‬شعرت بالخوف‪ ،‬ليس‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫الىس ُ‬ ‫ر‬ ‫أخافن‪ ،‬بل الرصخة"‪ ،‬تقول مارينا؛‬ ‫الذي‬ ‫هو‬ ‫ء‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫"الخوف يأتينا من العائلة‪ ،‬ومن األفراد الذين يحيطون‬ ‫بنا؛ هم من يبثونه فينا"(‪0)3‬‬

‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫حرية عنيدة وصاعقة‬ ‫يتمي بها ربيفورمانس مارينا‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫أبراموفيتش‪َ .‬ي ُ‬ ‫لوح الجسد يف مناطقه القصوى‪ ،‬يف‬ ‫تنتق فيه كل المواضعات األخالقية‪ .‬هنا‬ ‫الحد الذي‬ ‫ي‬ ‫ويصي الجسد جسدين‪،‬‬ ‫تصبح "الرصخة" جسدا‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫الخي والش‪.‬‬ ‫االثني خارج منطق‬ ‫ويبدأ التفاعل ربي‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫حن يف "الصمت" يتكرر هذا المشهد‪0‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ويتقابل "الصمت" مع‬ ‫تتقابل "الرصخة" مع آخرها؛‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫مفتوح ف مواجهة فم مفتوح‪َ .‬ج ٌ‬ ‫آخره‪ٌ ...‬‬ ‫وف‬ ‫فم‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ ً‪ُ . .‬‬ ‫يلع ُق ٍما َّ‬ ‫سان َ‬ ‫ترسب‬ ‫صغية تقذف دما الل‬ ‫يعوي‪ .‬نواة‬ ‫ر‬ ‫‪.‬‬ ‫الرصخة‪/‬‬ ‫يف تشققات‬ ‫سان‬ ‫ِ‬ ‫الصخرة‪ .‬عل سطح الل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫لح البحر‪0‬‬ ‫ي‬ ‫يستلق عطر ِم ِ‬ ‫كيف الذهاب إىل الخارج؟‪ :‬عي اللسان الذي يف الفم؟‬ ‫اللسان الذي يف فم المرآة؟‬ ‫أم عي‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ِّ‬ ‫الداخل‪ ،‬يف الشعور‬ ‫متاهة الطفولة‪ ،‬يف‬ ‫انزالق يف‬ ‫ِ‬ ‫ي‬

‫وها ه اآلن‪ ،‬ف بيفورمانس َما‪ُ ،‬ت ُ‬ ‫خرج الباطن من‬ ‫ي ر‬ ‫ٍ‬ ‫ي ُ‬ ‫ُ‬ ‫دخله يف الخارج‪ .‬يصبح المشهد تجويفا‪/‬‬ ‫الداخل وت‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٍّ‬ ‫ريه‪ ،‬وال ُيمكنك‬ ‫منفذا من لحم‬ ‫آدىم يف مشتش ع ِ‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الولوج فيه دون أن تالمس بجسدك عري الذكر‪-‬‬ ‫َ‬ ‫األنن‪ّ ،‬إما تكون وجها لوجه أمام الرجل العاري‪ ،‬أو‬ ‫تكون وجها لوجه أمام المرأة العارية‪ ،‬سواء كنت أنتَ‬

‫‪028‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫بومجعة أشفري‪ ،‬مارينا أبراموفيتش‪ ..‬وجها لوجه أمام اللحم‬

‫َّ‬ ‫األنا واآلخر‪ ،‬بي الشبيه والمضاعف‪ ،‬بي َ‬ ‫مع وضد‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ربي القمة والسفح‪ ،‬ربي السطح والعمق‪...‬؛ حن‬ ‫تنتق‪0‬‬ ‫الحدود ربي‬ ‫الحواس َ ا ي‬ ‫َ َ‬ ‫تدمي الياكمات‬ ‫يصبح الجسد مكنة راغبة يف‬ ‫ر‬ ‫الن نتجت عن سلطة "اللوغوس" عل‬ ‫والطبقات ي‬ ‫"األنا" و"اآلخر"‪ ،‬وذلك بتشي ــح الرغبة من سجنها‬ ‫السحيق‪ ،‬لتصبح ملكية مشيكة ربي الناس‪ ،‬وليست‬ ‫أسية ثالوث العائلة‪ :‬األب‪ ،‬األم‪ ،‬االبن(ة)‪0‬‬ ‫ر‬

‫أنت‪ ،‬ذكرا أو َ‬ ‫أنن‪0‬‬ ‫أو ِ‬ ‫هل األمر يتعلق باإلثارة‪ ،‬باأليروتيكا؟‬ ‫وماذا لو تعرى أحد الحاضين ومر بينهما‪ ،‬ربي مارينا‬ ‫ُ‬ ‫"أول ْ‬ ‫مثيا إىل درجة‬ ‫وي"‬ ‫ورفيقها‬ ‫العاريي؛ سيكون األمر ر‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫المار ُ‬ ‫أن لحم َّ‬ ‫المتناه يف‬ ‫سيصعق برعشة العري‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫وف نهاية المطاف‪ ،‬أليس بيان الجسد هو‬ ‫الحضور‪ .‬ي‬ ‫لحم ُ‬ ‫ُ‬ ‫العري؟‬ ‫مارينا أبراموفيتش ُت ُ‬ ‫الكالىم‬ ‫خرج المشهد من كونه‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫فعل‪/‬‬ ‫تفاعل‪ ،‬الجسد فيه هو ضخة‬ ‫لتدخله إىل ٍ‬ ‫ي‬ ‫كون ي‬ ‫العمل‪0‬‬ ‫تنتق كل الحدود ربي‬ ‫فق عروضها األدائية الصارخة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫‪:‬‬ ‫النق‬ ‫والمدنس‪،‬‬ ‫المقدس‬ ‫‪،‬‬ ‫والش‬ ‫الخي‬ ‫الثنائيات‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫والملوث‪ ،‬السماء واألرض‪ ،‬اللطيف والعنيف‪ ...‬ال‬ ‫يعود ثمة َ‬ ‫"و ٌاو" أو حدود تفصل ربي هذا وذاك‪ ،‬ربي‬

‫ربيفورمانس "إيقاع ‪)2("0‬‬

‫هذه الفنانة دعت الحضور وتركتهم يفعلون بها ما‬ ‫يشاءون لمدة ست ساعات‪ .‬وما فعله أحدهم يف‬ ‫األخي ُيعد من قبيل الجنون‪0‬‬ ‫ر‬ ‫أنجزت الفنانة الرصبية مارينا أبراموفيتش‪ ،‬يف عام‬ ‫‪029‬‬


‫بومجعة أشفري‪ ،‬مارينا أبراموفيتش‪ ..‬وجها لوجه أمام اللحم‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫ً‬ ‫"بيفورمانسا" محفوفا بالمخاطر‪ .‬لقد سلمت‬ ‫‪ ،4273‬ر‬ ‫جسدها كليا للحضور لمدة ست ساعات‪ .‬مبدأ هذا‬ ‫البيفورمانس‪ ،‬الموسوم بـ "إيقاع ‪ ،"0‬بسيط جدا‪،‬‬ ‫ر‬ ‫سيختم ُ‬ ‫لكنه ُ‬ ‫بمسوح ُمدثر برداء الجنون‪0‬‬

‫عليها ‪ 73‬شيئا‪ .‬ملصق يعلوها يمنحك التعليمات‬ ‫التالية‬ ‫"عل الطاولة ‪ 73‬شيئا يف متناول أيديكم‪ ،‬بواسطتها‬ ‫يمكنكم أن تفعلوا ين ما تشاءون‪0‬‬ ‫ربيفورمانس‪0‬‬ ‫أنا موضوع‪0‬‬ ‫أتحمل مسؤولية ما سيقع خالل هذا الوقت‪0‬‬

‫النابوىل "مورا"‪ ،‬تنتصب الفنانة‪ ،‬يف‬ ‫يف األستوديو‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫قاعة‪ ،‬دون حراك‪ .‬يف القاعة طاولة مستطيلة وضع‬

‫‪031‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫بومجعة أشفري‪ ،‬مارينا أبراموفيتش‪ ..‬وجها لوجه أمام اللحم‬

‫مكانها‪ ،‬ثبتوها عل طاولة وحشوا سكينا ربي فخديها‪0‬‬ ‫مزقوا مالبسها بشفرات حالقة‪ ،‬وقام رجل بجرحها‬ ‫عل مستوى الرقبة‪ ،‬وبعدها لعق دمها‪ .‬بعضهم‬ ‫اعتدى عليها جنسيا‪ .‬لكن التعذيب لم ينته‪ ،‬بل إنه‬ ‫تضاعف‪0‬‬ ‫"خالل الساعة الثالثة تم تمزيق مالبسها بشفرات‬ ‫الحالقة‪ .‬وعند ابتداء الساعة الرابعة تم خدشها‬ ‫وجرحها بشفرات الحالقة‪ .‬لقد تم االعتداء عليها‬ ‫األمريك توماس‬ ‫الفن‬ ‫جنسيا"‪ ،‬هذا ما رواه الناقد‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫البيفورمانس من ألفه إىل‬ ‫ماكفيل الذي حرص وتابع ر‬ ‫ي‬ ‫يائه‪0‬‬

‫المدة الزمنية‪ :‬ست ساعات (من الثامنة ليال إىل الثانية‬ ‫صباحا)‪0‬‬ ‫صنفي‪ .‬األول‪" :‬أدوات اللذة"؛‬ ‫تنقسم األدوات إىل‬ ‫ر‬ ‫التدمي‪"0‬‬ ‫الثان‪" :‬أدوات‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫غي ضارة تماما‪ .‬يوجد ريش‪ ،‬ورد‪ ،‬عنب‪،‬‬ ‫اللذة‬ ‫أدوات‬ ‫ر‬ ‫عطر‪ ،‬نبيذ‪ ،‬خي‪000‬‬ ‫التدمي‪:‬‬ ‫سكي‪ ،‬مقص‪ ،‬قضيب من حديد‪،‬‬ ‫أدوات‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫شفرات حالقة‪ ،‬مسدس ورصاصة‪000‬‬ ‫مثية لالنتباه وقعت يف الساعات األوىل‪،‬‬ ‫ال ردود فعل ر‬ ‫ر‬ ‫"الىسء"‪ /‬الفنانة‪،‬‬ ‫فقط فوتوغرافيون يقيبون من‬ ‫ي‬ ‫ويلتقطون صورا‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬بدأ أشخاص من الحضور‪،‬‬ ‫شيئا فشيئا‪ ،‬ينخسونها‪ ،‬يقبلونها‪ ،‬يرفعون ذراعيها يف‬ ‫ُ‬ ‫غي أن هذا الحال ليس سوى‬ ‫الهواء‪ ،‬أو يهدونها وردا‪ .‬ر‬ ‫هدوء قبل العاصفة‪0‬‬ ‫بعد انقضاء ثالث ساعات بدأت األيادي تمتد ألدوات‬ ‫التدمي‪ .‬بعض األشخاص عملوا عل تنقيل الفنانة من‬ ‫ر‬

‫األخي رتي‪:‬‬ ‫الساعتي‬ ‫ه مارينا أبراموفيتش تتذكر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫وها ي‬ ‫مالبىس‪،‬‬ ‫جردون من‬ ‫بأن اغتصبت‪ ،‬لقد‬ ‫ي‬ ‫"شعرت ي‬ ‫ي‬ ‫بطن أشواك الورد‪ ،‬وصوبوا مسدسا نحو‬ ‫وغرزوا يف‬ ‫ي‬ ‫أس‪"0‬‬ ‫ر ي‬ ‫‪030‬‬


‫بومجعة أشفري‪ ،‬مارينا أبراموفيتش‪ ..‬وجها لوجه أمام اللحم‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫بشكل مفاج‪ ،‬وبعد انقضاء الساعات الست‪ ،‬لم يعد‬ ‫"الحضور" قادرا عل رؤيتها وجها لوجه‪ .‬لقد أضحت‬ ‫مرة أخرى‪ ،‬يف نظرهم‪ ،‬كائنا إنسانيا‪0‬‬ ‫ومع ذلك كانت هناك ردود أفعال مختلفة إبان‬ ‫البيفورمانس‪ .‬كان هناك بالفعل "فريق معتد" و"فريق‬ ‫ر‬ ‫حمان"‪ .‬فبعدما صوب أحدهم المسدس نحو رأسها‪،‬‬ ‫ي‬ ‫‪.‬‬ ‫الفريقي يمكننا القول إن هذا‬ ‫نشب عراك ربي‬ ‫ر‬ ‫البيفورمانس َر َّج جميع الحضور‪0‬‬ ‫ر‬ ‫تحك مارينا أبراموفيتش عن هذه‬ ‫يف أحد فيديوهاتها‬ ‫ي‬ ‫التجربة‪" :‬هذا العمل يكشف عما يكمن من بشاعة يف‬ ‫الن يقرر فيها أحد ما‬ ‫الناس‪ .‬هذا ُيظهر مدى الشعة‬ ‫ُي‬ ‫إيالمك عندما ُيسمح له بذلك‪ .‬هذا يظهر كم هو سهل‬ ‫إذالل شخص ال يدافع عن نفسه‪ .‬هذا ُيظهر أن أغلبية‬ ‫الناس "الطبيعيي" يمكنهم أن يصيوا َ‬ ‫أكي عدوانية‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫وسط الحضور عندما تمنح لهم الفرصة واإلمكانية‪"0‬‬ ‫إنها‪ ،‬مع األسف‪ ،‬عل حق‪0‬‬ ‫ُّ‬ ‫الصلب واليائب‬ ‫ُ ِّ‬ ‫تضع مارينا جسدها يف منطقة الخطر‪ ،‬تؤز ُمه‪ ،‬تختي‬ ‫قدرته عل اجتياز آدميته اإلنسية وقدرته عل تجاوز‬ ‫الحيطان‪ .‬ر‬ ‫العظىم‪ ،‬تحمله عل ظهرها‪،‬‬ ‫تعاش هيكلها‬ ‫ي‬ ‫ترقد معه جنبا لجنب‪ ،‬ترسم نجمة بشفرة حالقة عل‬ ‫بطنها‪ ،‬يتدفق الدم من ُ َّ‬ ‫شِة البطن‪000‬‬ ‫ُ‬ ‫وها هو "الجسد‪ ،‬عل ما يبدو‪ ،‬بداية الوجود؛ وهو‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫كذلك‪ ،‬نهايته‪ ،‬رغم أوهام األديان"(‪ .)3‬وهو أيضا‬ ‫َّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫خلخل بنياته الباطنية‬ ‫اجتياح يسود المكان‪ ،‬يتملكه‪ُ ،‬ي‬ ‫ُ‬ ‫يبلبل لسانه (لنتذكر لسان الثعبان المزدوج‬ ‫والجوانية‪،‬‬ ‫لحظ من فم‪ /‬لسان مارينا‬ ‫وهو عل مرىم‬ ‫ٍ‬ ‫أبراموفيتش)‪000‬‬ ‫ُ‬ ‫عطر‪ .‬من‬ ‫ائحة‬ ‫ر‬ ‫‪،‬‬ ‫ائحة‬ ‫ر‬ ‫إىل‬ ‫لحظة‪،‬‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫الجسد‬ ‫يتحول‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وف البعد‪.‬‬ ‫يستطيع مقاومة ِ‬ ‫العطر؟ يجتاحك يف الق ِ‬ ‫رب ي‬ ‫َ‬ ‫"هناك وضوح العطر الذي هو أكي إقناعا من الكلمات‪،‬‬ ‫من المظهر البرصي‪ ،‬من العاطفة ومن اإلرادة‪ .‬يمتلك‬ ‫العطر يقينا ال يقاوم‪ ،‬يدخل فينا كما يدخل يف رئتينا‬ ‫‪032‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪3133‬‬

‫بومجعة أشفري‪ ،‬مارينا أبراموفيتش‪ ..‬وجها لوجه أمام اللحم‬

‫ُ‬ ‫الهواء الذي نتنفسه‪ ،‬يملؤنا‪ ،‬ويعيد مألنا كليا‪ ،‬ومن َّثم‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ضده"(‪0)3‬‬ ‫تنتق وسيلة الدفاع عن النفس‬ ‫ي‬ ‫هل ربيفورمانس مارينا أبراموفيتش يجسد الحد الفاصل‬ ‫ه‬ ‫ربي "موت اإلله" و"يقظة الجسد‪ /‬الكائن"؟ هل ي‬ ‫بالفعل وبالقوة تقف عل عتبة ما قبل الكالم (عتبة‬ ‫الن‬ ‫اللحم) ر‬ ‫حي كانت حركة الجسد خالية من الرمزية ي‬ ‫اآلدىم بعد االنتقال من الطبيعة إىل‬ ‫ستغلف الكائن‬ ‫ي‬ ‫الثقافة؟‬ ‫ر‬ ‫سء مــا ي ـت ـضــام داخــل هــذا ال ـج ـســد‪ :‬ال ـل ـحـ ُـم‪ .‬وال ـل ـحــم يف‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ربيفورمانس مارينا نتيجة تجربة مياكمة يف الزمان والـمـكـان‪.‬‬ ‫ه "ل ـحــم الــزمــن" الــذي ي ـج ـع ـلـ يـن أش ـعــر أنـ يـن‬ ‫"ال ـت ـجـ ٌـربــة ي‬ ‫ـوىل‪ .‬ال فـاصـل ب رـي لـحـم‬ ‫للحم"‬ ‫ِ‬ ‫"امتداد ِ‬ ‫العالم الذي مـن ح ي‬ ‫ـوع وجسـدي‬ ‫جسدي ولحم العالم‪ ،‬ب رـي "جسـدي الـمـوض ي‬ ‫الفينومين"‪ .‬ليس جسدي "قطيعا تائها مـن اإلحسـاسـات"‬ ‫ي‬ ‫بل هو جزء من اللحم الدائم للعالم"‪•)9("...‬‬ ‫هوامش‬ ‫‪ )4‬مارينا أبراموفيتش‪ ،‬اجتياز الجدران‪( ،‬مذكرات)‪ ،‬ترجمة أوديل‬ ‫دومانج‪ ،‬منشورات َّ‬ ‫فيار‪ ،‬باريس‪ ،3047 ،‬ص‪02 .‬‬ ‫‪ )3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪077 .‬‬ ‫بنابوىل‬ ‫‪ )2‬ربيفورمانس مارينا أبراموفيتش‪ ،‬عرضته يف قاعة عرض‬ ‫ي‬ ‫بإيطاليا عام ‪04273‬‬ ‫‪ )3‬آن أنزيو‪ ،‬المرأة َ‬ ‫األنن بعيدا عن صفاتها‪ ،‬ترجمة طالل حرب‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫والنش والتوزي ــع‪ ،‬ربيوت‪ ،‬ص‪039 .‬‬ ‫المؤسسة الجامعية للدراسات‬ ‫‪ )3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪032 .‬‬ ‫المسكين‪ ،‬الكوجيطو المجروح‪ ،‬أسئلة الهوية يف الفلسفة‬ ‫فتخ‬ ‫‪)9‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫المعاضة‪ ،‬منشورات "االختالف"‪ ،‬الجزائر‪ ،‬و"ضفاف"‪ ،‬ربيوت‪،‬‬ ‫الالمرن)‪،‬‬ ‫لوبونن وتحرير‬ ‫الطبعة األوىل ‪( ،3042‬لحم الذات أو رمي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ص‪0440 .‬‬

‫‪033‬‬


034


) (

035


‫عيسى خملوف ‪ -‬واسيين األعرج ‪ -‬احساين بزنبري ‪ -‬فدوى القاسم ‪ -‬فدوى الزياين ‪ -‬بسمة شيخو‬

‫‪036‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫عيسى خملوف‪ ،‬جان جونيه حيا بني أهله يف املغرب‬

‫ُ‬ ‫ر‬ ‫األخية من حياته‪ ،‬ودفن يف مقيتها‬ ‫العش‬ ‫السنوات‬ ‫ر‬ ‫ى‬ ‫القديمة المطلة عل البحر‪ .‬من هذه المقية يبدأ‬ ‫الفيلم وفيها ينتش‪ُ ،‬‬ ‫وي ر ّ‬ ‫شع األبواب عل تجربة أحد‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫كتاب القرن العشين المتفردين‪ ،‬من خالل عائلة‬ ‫ى‬ ‫(تتألف من أب ّ‬ ‫وأم وولدين) تقيم بجواره يف‬ ‫متواضعة‬ ‫ّ‬ ‫المطل بالكلس األبيض‪0‬‬ ‫المقية وتحرس قيه‬ ‫ي‬

‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫المغربية دليلة النرص أن ترى‬ ‫يتسن للمخرجة‬ ‫لم‬ ‫فيلمها "جان جونيه أبو الزهور"‪ ،‬وهو آخر أفالمها‪.‬‬ ‫حي خطفها‬ ‫كانت تضع اللمسات‬ ‫ر‬ ‫األخية عليه ر‬ ‫الثقاف" يف باريس عرض‬ ‫الموت‪ .‬مركز "جورج بومبيدو‬ ‫ي‬ ‫هذا الفيلم ف السابع ر‬ ‫عش من مارس ‪ 3033‬يف إطار‬ ‫ي‬ ‫تكريمه لمخرجته‪0‬‬ ‫ّ‬ ‫وحسه الشعري ونفاذ‬ ‫مدهش هذا الفيلم ببساطته‬ ‫رؤيته‪ ،‬وهو يحك ّ‬ ‫الفرنىس جان جونيه يف‬ ‫قصة الكاتب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫المغربية حيث أمض‬ ‫عالقته بمدينة العرائش‬

‫سأتقاسم معكم‪ ،‬هنا‪ ،‬أربعة مشاهد من الفيلم قد‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫العام‪0‬‬ ‫تكون دليي عل مناخه‬ ‫‪037‬‬


‫عيسى خملوف‪ ،‬جان جونيه حيا بني أهله يف املغرب‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫المشهد ّ‬ ‫األول‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫يظهر فيه األب‪ ،‬واسمه يونس‪ .‬يقول إنه ُولد يف‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫شابا‪ .‬كان‬ ‫وتعرف إىل جونيه يوم كان ال يزال‬ ‫المقية‬ ‫ً‬ ‫يراه يزور المكان ويجلس دائما تحت الشجرة نفسها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫األهاىل يحسبونه‬ ‫ويتأمل البحر‪" .‬كان‬ ‫يحمل كتابا‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫لكنهم ال يعرفون أنه كاتب مشهور"‪.‬‬ ‫واحدا منهم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويضيف‪" :‬عندما كنا صغارا‪ ،‬كنا نمأل القفص‬ ‫ّ‬ ‫بالعصافي ّ‬ ‫الحية‪ ،‬وكان جونيه يقيب منا ما إن يرانا‪،‬‬ ‫ر ى‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ويشييــها كلها‪ ،‬ثم يفتح باب القفص ويطلق شاحها‪.‬‬ ‫كبية ألننا بثمنها نستطيع الذهاب إىل‬ ‫وكانت سعادتنا ر‬ ‫السينما‪"0‬‬ ‫الثان‪:‬‬ ‫المشهد ي‬ ‫ُ‬ ‫الصغية‪ ،‬ضخ‪ ،‬ربي المقابر‪ ،‬وتقرأ‬ ‫تجلس االبنة‬ ‫ًر‬ ‫‪.‬‬ ‫بصوت عال مقطعا من كتاب تسألها والدتها لمن‬ ‫ّ‬ ‫ُتقرأ‪ ،‬فتجيب‪" :‬أقرأ لهم‪ .‬للمون‪ .‬كأنهم أطفال وأنا‬ ‫‪.‬‬ ‫أ َعلمهم"‪ .‬وعندما تعاود الفتاة كتابة اسم جونيه بقلم‬ ‫أسود عل شاهدة القي بعدما يكون هواء البحر المالح‬ ‫ّ‬ ‫تردد‪:‬‬ ‫"أنت‬ ‫وه‬ ‫قد محا‬ ‫ِ‬ ‫حروفه‪ ،‬تلتفت إليها والدتها ي‬ ‫ّ‬ ‫تكتبي‪"0‬‬ ‫تعرفي كيف‬ ‫محظوظة ألن ِك‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫المشهد الثالث‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ه أيضا قصتها مع‬ ‫األم جالسة عل حافة القي تروي ي‬ ‫الكاتب الراحل‪.‬‬ ‫"أجء كل يوم بعد الظهر وأجلس‬ ‫ي‬ ‫بقربه‪ .‬أشعر بالراحة واالطمئنان عندما أكون بجانبه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫باىل الهموم‪ .‬هو عزيز عل‬ ‫ال سيما عندما تشغل ي‬ ‫قلن"‪ .‬تسألها المخرجة‪" :‬وهل زوجك عل علم‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫‪.‬‬ ‫زوج ال يعرف شيئا عن‬ ‫"ال‪،‬‬ ‫جونيه؟"‬ ‫مع‬ ‫بعالقتك‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫هذه العالقة ُ‪ .‬ال يعرف أن ين أجلس بالقرب منه‬ ‫باستمرار‪ ،‬وال أخيه بذلك‪ .‬بحسب عاداتنا‪ ،‬ال ُيعقل أن‬ ‫تقيم امرأة عالقة صداقة مع رجل‪"0‬‬

‫دليلة النظر‬ ‫فارغة وننظر إىل البعيد‪ .‬هذا ّ‬ ‫كل ما نملكه‪"0‬‬ ‫هكذا تتواىل الشهادات يف فيلم دليلة النرص الذي هو‬ ‫ّ‬ ‫شعرية‪ ،‬فنستمع إىل أقوال أفراد العائلة‬ ‫بمثابة مرثاة‬ ‫ا‬ ‫الن تحرس المقية‪ ،‬فضي عن ذكريات أصدقاء‬ ‫ي ّ‬ ‫يتحدثون عن الكاتب الذي أصبح أسطورة أبناء‬ ‫المدينة‪ .‬صحيح ّأن ىقلة منهم قرأت نتاجه‪ ،‬لكن ّ‬ ‫لكل‬ ‫ّ‬ ‫الخاص‪،‬‬ ‫واحد منهم حكاية يرويــها عنه وفق مزاجه‬ ‫ّ‬ ‫"غي‬ ‫الكثي من البسطاء‬ ‫وبينهم‬ ‫والصيادين والفقراء ر‬ ‫ر‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫المرئيي"‪ ،‬كأن جونيه ال يزال حيا بينهم‪ .‬وكم تتالس يف‬ ‫ر‬ ‫‪.‬‬ ‫كلماتهم المسافة ربي األحياء واألموات هؤالء الرواة‬

‫واألخي‪:‬‬ ‫المشهد الرابع‬ ‫ر‬ ‫يلعب الصبيان عند مدخل المقية‪ .‬تقيب منهم والدة‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫سء‬ ‫ضخ َلتبعدهم عن المكان‪ ،‬ولتحثهم عل فعل ي‬ ‫آخر أكي فائدة‪ .‬فيجيبها أحدهم وهو يبتسم‪" :‬جيوبنا‬ ‫‪038‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫عيسى خملوف‪ ،‬جان جونيه حيا بني أهله يف املغرب‬

‫هم‪ ،‬عل نحو ما‪ ،‬التجسيد ّ‬ ‫األدن‬ ‫الخ لعالم جونيـه‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫وكي إىل مصائرهم‪0‬‬ ‫الذي يحفل‬ ‫شي المي ر‬ ‫بالمهم ر‬ ‫جان جونيه‪ ،‬اللقيط والمنبوذ المجروح يف وجوده‪،‬‬ ‫ى‬ ‫رفض ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫االجتماعية السائدة كلها‪،‬‬ ‫والقيم‬ ‫البن القائمة‬ ‫ى‬ ‫فهو لم يعرف أبويه وتخلت عنه ّأمه وهو يف شهره‬ ‫ر ّ‬ ‫والتشد والعزلة والسجن‪ .‬كان‬ ‫السابع‪ ،‬وعاش الشقاء‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫الش ّ‬ ‫غي ر‬ ‫ع مسكونا بخوف متأصل من‬ ‫الطفل ر‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الواقع ومن اآلخرين‪ .‬وربما هذا ما يفش رغبته‬ ‫ّ ُّ‬ ‫خلص من ّ‬ ‫ّ‬ ‫إنسان"‪ ،‬وهذا ما‬ ‫كل ما هو‬ ‫العميقة يف "الت‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُيطالعنا يف معظم نتاجه‪ ،‬من "يوميات اللص"‬ ‫ّ‬ ‫النص الذي كتبه تحت عنوان‬ ‫و"الخادمتان" إىل‬ ‫ّ‬ ‫"أربــع ساعات يف شاتيال" فور زيارته المخيم برفقة‬ ‫ّ‬ ‫المروعة‪0‬‬ ‫ليل شهيد‪ ،‬إثر حدوث المجزرة‬ ‫هذا الرجل الذي رأى ما رأى وعاش ما عاش‪،‬‬ ‫استطاع أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫كبية‪ .‬أليس‬ ‫يحول ألمه إىل طاقة‬ ‫إبداعية ر‬ ‫ُ‬ ‫أصل الجمال"؟ وتبق‬ ‫هو القائل‪" :‬وحده الجرح‬ ‫كلماته حاضة فينا‪ ،‬وآتية إلينا من بعيد ممزوجة‬ ‫الن تحوم‬ ‫بأصوات أمواج البحر وصيحات النوارس ي‬ ‫فوقه‪ ،‬حيث هو اآلن‪ ،‬يف ملكوت الغياب والصمت•‬

‫‪039‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫فدوى الزياين‪ ،‬ذاكرة مرة‬

‫ذاك رة مُ رّة‬ ‫لم أعرف شيئا عن الجسد سوى ما قرأته يف الكتب‬ ‫الن ّورثتها‬ ‫ولم يكن يف بيتنا مكتبة سوى تلك الكر ر‬ ‫اطي ي‬ ‫ه‬ ‫لنفىس بعد سفر‬ ‫ي‬ ‫إخون إلكمال تعليمهم‪ ،‬الكتب ي‬ ‫ي‬ ‫علمتن ماذا يعنيه "جسد"‪.‬‬ ‫من‬ ‫ي‬ ‫منهمكتي يف طاحونة األشغال‬ ‫وأخن فكانتا‬ ‫أىم‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫أما ي‬ ‫ّ‬ ‫الن جردتهما من الغناء ثم من الكالم شيئا‬ ‫اليومية ي‬ ‫فشيئا‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫كنت ف الثالثة ر‬ ‫عشة تماما‪ ،‬وكان يوما عصيا عل‬ ‫ي‬ ‫‪041‬‬

‫النسيان ّ‬ ‫الن بدأت تيز عل‬ ‫ر‬ ‫ال لألشياء ي‬ ‫غي إدر ي‬ ‫جسدي‪...‬‬ ‫بعد ذلك اليوم بدأت أنفر من كل هذه المنحنيات‪،‬‬ ‫انعطافة الخرص‪ ،‬النتوءان البارزان عل صدري اللذان‬ ‫بكثي‪ ،‬الشعر الخفيف‬ ‫جعالن أبدو أكي من عمري ر‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫سء‬ ‫كل‬ ‫جسدي‪،‬‬ ‫من‬ ‫الخفية‬ ‫األماكن‬ ‫يظلل‬ ‫بدأ‬ ‫الذي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫لم أصنعه ولم تكن يىل يد يف نموه أصبح مدعاة‬ ‫للخوف والتوجس واإلخفاء‪.‬‬ ‫أج الذي‬ ‫بين ر‬ ‫وبي ي‬ ‫بدأت أدرك أن هناك فرقا شاسعا ي‬


‫فدوى الزياين‪ ،‬ذاكرة مرة‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫يكي ين بأربــع سنوات‪ ،‬فالخط الذي نما عل شاربه‬ ‫أن‪ ،‬بينما‬ ‫أىم واعياز ي‬ ‫مثل شب من النمل مدعاة لفخر ي‬ ‫هذان النتوءان يلزم أن أخفيهما عن العالم وبكل طريقة‬ ‫ّ‬ ‫ممكنة‪ ،‬وبحكم العادات القديمة يجب أن أحددهما‬ ‫بقطعة من الملح ّ‬ ‫الخ وأرميها يف بي المسجد القديمة‬ ‫ي‬ ‫كرمانتي تغريان بالقطاف‪ ،‬لكن‬ ‫ويصبحا‬ ‫حن ال يكيا‬ ‫ر‬ ‫الن بدأت تنمو عل ظهري كلما حاولت‬ ‫الحدبة ي‬ ‫إخفاءهما لم تزعج أحدا‪...‬‬ ‫وينحن ظهرها كناقة‬ ‫الن بدأت تطول سيقانها‬ ‫ي‬ ‫الفتاة ي‬ ‫ليس منظرا مزعجا بل دليال عل حسن الخلق وخجل‬ ‫يؤاخيه التأدب‪...‬‬ ‫أما خارج العائلة ما إن يبدأ نهدا فتاة بالظهور حن‬ ‫لجن التفاح‪ ،‬الكل يستبيح‬ ‫يصبح األمر كموسم مفتوح ي‬ ‫الن تحمل فاكهة أبكر وأكي‪،‬‬ ‫النظر وتغويه الشجرة ي‬ ‫بالنسبة يىل لم أكن أعرف ما هو الحجم المطلوب‬ ‫فاكهن تحت‬ ‫سيتقبلن به العالم‪ ،‬حاولت سحق‬ ‫الذي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫أج‬ ‫ألىم ثم وجدت حزاما أبيض يخص ي‬ ‫وشاح قديم ي‬ ‫حي كان يتدرب يف زمن سابق عل رياضة‬ ‫ر‬ ‫الكبي ر‬ ‫ّ‬ ‫الكاراتيه‪ ،‬حزام خشن وطويل جدا كنت ألفه من بداية‬ ‫قفض الصدري حن أعاله ألمسك زمام هذين‬ ‫ي‬ ‫القبيحي وال أدعهما يتمددان ويكيان‬ ‫الشيئي‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ليثيا الرعب أو الرغبة يف عيون‬ ‫وينطلقان إىل الخارج ر‬ ‫اآلخرين‪0‬‬ ‫أىم العشبية اللون توجد سجادة تركية نسج‬ ‫يف غرفة ي‬ ‫عليها رسمة غزال بعيون بنية واسعة‪ ،‬خلفه غابة تكمل‬ ‫اخرصار الغرفة‪ ،‬فوق رأسه تماما بقعة دائرية مثل‬ ‫شمس داكنة لكنها لم تكن سوى أثرا لبداية احياق‬ ‫الكهربان‪.‬‬ ‫سببه المصباح‬ ‫ي‬ ‫كثيا ما راقبت عيون الغزال وأنا أتابع حركة بؤبؤيه‬ ‫ر‬ ‫المريبي وهما يالحقان أينما تحركت‪ ،‬وما كنت ألملّ‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫أبدا من هذه المناظرة البرصية لوال أنه يف هذا اليوم‬ ‫انتباه‬ ‫بالذات كانت هناك عينان أحبهما تشدان‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫أج اللتان تشعان حياة وسعادة وهو‬ ‫إليهما أكي‪ ،‬عينا ي‬ ‫الكال الجديد‪ ،‬شوال جديد يف‬ ‫أن يف شواله‬ ‫يأخذ ر ي ي‬ ‫ي‬ ‫وف ذلك الوقت من السنة يعتي كهدية من‬ ‫ذلك الزمن ي‬ ‫‪040‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫فدوى الزياين‪ ،‬ذاكرة مرة‬

‫تنتظرن يف الحمام‬ ‫الن كانت‬ ‫أىم‪ ،‬ولحقت أنا‬ ‫ي‬ ‫بأخن ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫المي يىل‪.‬‬ ‫األسبوع وقد يحتاج‬ ‫كان هذا اليوم مخصصا للحمام‬ ‫ي‬ ‫ساعتي إلتمام طقوسه وهو‬ ‫األمر ساعة ونصف حن‬ ‫ر‬ ‫وقت كاف للهروب من غضب والدي مجهول‬ ‫األسباب‪.‬‬ ‫لكن هذا الصباح بالذات لم‬ ‫كنت مأخوذة بالموسيق‪ ،‬ي‬ ‫أرفع صوت "الريزينغ" عاليا ألتحدى حضوره يف غيابه‬ ‫وأخن بعد خروج ذكور البيت‬ ‫أىم‬ ‫ي‬ ‫أو أشاكس صمت ي‬ ‫الموسيق الذي أشيعه يوميا يف‬ ‫إىل مهامهم‪ .‬الوهج‬ ‫ي‬ ‫البيت كدفقات من شموس رشيقة يتسلل خفية إىل‬ ‫الن‬ ‫األركان‪ ،‬وكنت آمل أن أكنس به كل هذه الرتابة ي‬ ‫تحافظان عليها بهمة النساء العظيمة‪...‬‬

‫الن ال نعرف عنها سوى ما نراه يف‬ ‫هدايا سانتا كلوز ي‬ ‫أج‬ ‫األفالم الفرنسية‪ ،‬هدية تستحق االحتفال‪ .‬وألن ي‬ ‫مرتي‪،‬‬ ‫كان طالبا يف اإلعدادي فقد كان له حظ العيد ر‬ ‫ر‬ ‫الكال بينيته المكوية بعناية‬ ‫أماىم يتباه بشواله‬ ‫ي‬ ‫مىس ي‬ ‫الواسعي‪ ،‬يدخل يديه بشكل يشبه‬ ‫شديدة وبجيبيه‬ ‫ر‬ ‫شارىل شابلن وهو يجرب اتساع جيبيه ويلتفت‬ ‫حركة‬ ‫ي‬ ‫يمينا ويسارا بشكل مضحك أمام المرآة‪ ،‬وكنت جالسة‬ ‫أىم بوجه مبتسم ويداي عل المرتبة مبدية‬ ‫عل شير ي‬ ‫الطفوىل بالشوال‬ ‫أج فرحه‬ ‫إعجان ومشاركة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الجديد‪ ،‬ومخفية يف نفس الوقت امتعاضا وحزنا من‬ ‫كون ولدت يف جسد مختلف‪...‬‬ ‫ي‬ ‫رّ‬ ‫بعيني تفيضان ر‬ ‫بشار ال يبش‬ ‫حي دخل والدي فجأة‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫وامتعاض‪ ،‬لكنه خرج شيعا‬ ‫بخي‪ ،‬لملمت ابتسامن‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ي َّ‬ ‫كما دخل وبوجه احتدت مالمحه وازدادت قسوة‬ ‫وضامة مما جعلنا ننفض عن حفلة الشوال‪ ،‬غادر‬ ‫ّ‬ ‫ليدس رأسه ربي كتبه بعد أن وضع كيه يف دوالب‬ ‫أج‬ ‫ي‬

‫لحقت‬ ‫بأخن واألفكار‬ ‫تأكلن لم غضب والدي عندما‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أج بالغرفة وما الذي يزعجه من فرحنا‬ ‫ر ي‬ ‫آن مع ي‬

‫‪042‬‬


‫فدوى الزياين‪ ،‬ذاكرة مرة‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫ر‬ ‫أمىس خلفه ببطء وهدوء يخالف ارتجاف الطفلة‬ ‫ي‬ ‫يسبقن هو بكل عصبية وتوتر يخالفان‬ ‫داخل بينما‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ضامته وهيبته‪.‬‬ ‫ر‬ ‫المىس خلفه قراءة‬ ‫حاولت يف اللحظات القليلة من‬ ‫ي‬ ‫ينتظرن يف الخطوة القادمة‪ ،‬ربما‬ ‫أفكاره وماذا‬ ‫ي‬ ‫سيمنحن هدية أو ربما بنطلونا جديدا مثل الذي‬ ‫ي‬ ‫من أن أكتب له رسالة‬ ‫سيطلب‬ ‫لعله‬ ‫أو‬ ‫ألج‬ ‫اشياه ي‬ ‫ي‬ ‫إىل أحدهم كما يفعل دائما‪...‬‬ ‫ر‬ ‫الىسء الوحيد الذي‬ ‫يجعلن أشعر‬ ‫بقيمن كفتاة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫من أن‬ ‫ر‬ ‫صغية يف هذا البيت‪ ،‬أن يتنازل والدي ويطلب ي‬ ‫المغرن إىل‬ ‫أكتب له رسالة مهمة أو أنقل كتابة بخطه‬ ‫ي‬ ‫ورقة أخرى بخط أوضح‪ ،‬والدي العظيم الذي بمجرد‬ ‫همسة منه تنفد كل طلباته‪...‬‬ ‫ى‬ ‫بداخل شعورا بالقوة واالنتصار‪،‬‬ ‫د‬ ‫يول‬ ‫احتياجه يىل‬ ‫ي‬ ‫تميي أحدهم وإعطاؤه إحساسا بأنه األفضل هو‬ ‫أحيانا ر‬ ‫الصغية‬ ‫أنانين‬ ‫فقط كل ما نرغب فيه لذا كنت أغذي‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫من بكيياء وتباه لعله يدرك‬ ‫وأنا أكتب ما يطلبه ي‬ ‫تعليىم‪.‬‬ ‫منعن من إكمال‬ ‫حي‬ ‫خسارته الفادحة ر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫نفىس أن ما سيحدث‬ ‫كنت أعلم جيدا يف قرارة‬ ‫ي‬ ‫لكنن كنت كما دائما‬ ‫مخالف تماما لكل ما أفكر فيه‬ ‫ي‬ ‫أهرب من الخوف بالخياالت وتأليف القصص‪،‬‬

‫الصغي الهادئ؟‬ ‫ر‬ ‫ِّ ً‬ ‫َ‬ ‫منذ أكي من أسبوع ووالدي يدخل إىل البيت متجهما‬ ‫َ‬ ‫أكي من عادته وال أحد يعلم سبب ذلك‪ ،‬كانت هناك‬ ‫وأىم عن إشاعات‬ ‫الن تزورنا ي‬ ‫همسات تيدد ربي الجارة ي‬ ‫تدور حول حدث يخص عائلة من معارفنا حاولت‬ ‫ابنتهم االنتحار بسم الفيان والبلدة كلها تتهامس حول‬ ‫شكوكها عن السبب‪...‬‬ ‫اليوىم ألي نتيجة‪ ،‬لذا انتظرت‬ ‫تجسىس‬ ‫يوصلن‬ ‫لم‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أن وهمسات‬ ‫حن تكشف األيام ما يخفيه تجهم ي‬ ‫وأىم‪...‬‬ ‫الجارة ي‬ ‫خرجت من الحمام بخدود متوهجة وسعيدة‬ ‫إىل بعد‬ ‫بالفستان األحمر الذي ر‬ ‫أخيا وصلت واليته ي‬ ‫كثيا أن يزيد يف‬ ‫أخن الكيى‪ ،‬والذي دعوت هللا ر‬ ‫ي‬ ‫جسدي سنتمييات أخرى طوال حن أتمكن من‬ ‫اض قبل أن‬ ‫االستيالء عليه‪ ،‬وأنا أتلذذ‬ ‫ي‬ ‫بجماىل االفي ي‬ ‫أىم وجدته أمام الحمام‬ ‫أصل إىل المرآة يف غرفة ي‬ ‫ر‬ ‫من بإشارة من يده أن ألحق به‪ ،‬لم يكن‬ ‫مباشة يطلب ي‬ ‫األمر غريبا فقد شعرت نوعا بما سيحدث‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫باردتي جدا‪.‬‬ ‫وجنن شيعا وأصبحتا‬ ‫ذاب توهج‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫الخطوات خلف والدي أيضا غريبة وباردة مشهد‬ ‫كاميا وموسيق تصويرية‪ ،‬أنا‬ ‫سينمان ال تنقصه سوى ر‬ ‫ي‬ ‫‪043‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫فدوى الزياين‪ ،‬ذاكرة مرة‬

‫أيقظتن صفعة ساخنة جدا عل خدي األيش‪...‬‬ ‫ي‬ ‫غريب جدا كيف تصبح الصفعة ملتهبة بقدرة قادر يف‬ ‫هذا الجو البارد‪ ،‬استوعبت شيعا ما سيحدث بعدما‬ ‫أقفل باب "غرفة الخزين" حيث تتكدس أكياس خيش‬ ‫ّ‬ ‫وخابيتا‬ ‫والطحي‬ ‫والشعي والسكر‬ ‫كبية من القمح‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫التمر الكيى والصغرى ومصيدة الفيان القابعة‬ ‫بينهما‪ .‬طبعا أعرف جيدا كل ركن بالغرفة‪ ،‬شقة‬ ‫المفتاح والتسلل إليها لشقة حبات اللوز والجوز جزء‬ ‫اليوىم الذي أكش به بعضا من قواعد‬ ‫من الشغب‬ ‫ي‬ ‫البيت الصارمة‪ ،‬بدأت أفكر مرة أخرى كم من الوقت‬ ‫سييكن هنا وبدأت أختار ّ‬ ‫ر‬ ‫"الخناس" سأجعلها‬ ‫أي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ليلن مع الفيان‪ ،‬لكنه لم يتأخر طويال‬ ‫ألنام‬ ‫شيري‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ليعود وييع حبل خنشة السكر ويلفه عل يده ويبدأ‬ ‫يف مهمته اإلبداعية العظيمة بيك خطوط حمراء‬ ‫وزرقاء عل جسدي رغم األلم والبكاء يف صمت خوفا‬ ‫من مضاعفة العقاب مجهول األسباب‪ ،‬لكن ضاخ‬ ‫داخل دون توقف ثم بدأت‬ ‫االفياضات تواىل يف‬ ‫ي‬ ‫أضخ باكية مستعطفة‪:‬‬ ‫أبـا مانعاود وهللا َّ‬ ‫"وهللا َّ‬ ‫أبـا منعاود‬ ‫غي ّ‬ ‫وهللا َّ‬ ‫گوليا آش درت وهللا أب َّــا منعاود"‪.‬‬ ‫أبـا ر‬ ‫كنت جاهلة تماما بنوع الفعل الشنيع الذي قمت به‬ ‫ألعاقب‬ ‫لكنن وسط النشيج كنت أقسم صادقة عل‬ ‫ي‬ ‫عدم تكراره‪...‬‬ ‫أبـا عافاك ّأبا هللا يرحم َّبـاك َّ‬ ‫هللا يرحم َّبـاك َّ‬ ‫أبـا عافاك‬ ‫ّأبـا‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫عل لكن‬ ‫أرفقت ر‬ ‫لعل أحي بها قلبه ي‬ ‫كثيا كلمة "بــا" ي‬ ‫عكىس‪...‬‬ ‫عل ما يبدو عادت بأثر‬ ‫ي‬ ‫أخية تظاهرت باإلغماء وتظاهر بتصديق‬ ‫يف محاولة ر‬ ‫لدقيقتي‪ ،‬خرج من الغرفة ليعود بقارورة‬ ‫األمر وتوقف‬ ‫ر‬ ‫أس وعاد إىل ما كان يفعله سابقا‬ ‫ماء بارد أفرغها عل ر ي‬ ‫لكن هذه المرة بحبل مبلل ويد بارزة العروق‪000‬‬ ‫اج من‬ ‫ال أذكر من انتش األمر أو كيف أطلق ش ي‬ ‫‪044‬‬


‫فدوى الزياين‪ ،‬ذاكرة مرة‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫أىم مثل العادة‪،‬‬ ‫وضعت الصينية‬ ‫ي‬ ‫وأوان الشاي أمام ي‬ ‫كفتاة مؤدبة خرجت من الغرفة ثم عدت للمطبخ‬ ‫وأنحن تحت النافذة المطلة لوسط الدار‪...‬‬ ‫ألتسلل‬ ‫ي‬ ‫أىم وسمعتها بصوت خافت تقول‪:‬‬ ‫انحنت الجارة عل‬ ‫ي َ‬ ‫ّ‬ ‫جبت ليك صح الخبار كاليك أاللة البنت حمالت من‬ ‫وه بغات تقتل راسها‪0‬‬ ‫خوها هو هرب ي‬

‫أىم‬ ‫الغرفة‬ ‫أنن عدت إىل حضن ي‬ ‫اللعينة‪ ،‬كل ما أذكره ي‬ ‫ى‬ ‫بجسد مبلل بالماء والبول والمخاط والدموع‪ ،‬بجسد‬ ‫ّ ّ‬ ‫السن تعذر‬ ‫ولكون يافعة‬ ‫جري ــح وروح فاقدة الحس‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫عل فهم ما حدث‪0‬‬ ‫ي‬ ‫أىم العريض كان قادرا عل جمع كل هذا‬ ‫صدر‬ ‫وحده‬ ‫ي‬ ‫البكاء َّ‬ ‫وحوله إىل كومة تشهق يف صمت‪0‬‬

‫ً‬ ‫واألربعي‪ ،‬ما زلت أحمل كرها‬ ‫أنا اآلن يف السادسة‬ ‫ر‬ ‫دفينا لهذا الجسد‪ ،‬أخفيه دائما أسفل الخزانة كما‬ ‫تخق البنات ثوبا قديما ّ‬ ‫يعز عليهن التخلص منه‪ ،‬لكن‬ ‫ي‬ ‫بحلق ومحفورا حفر الوشم عل‬ ‫معلقا‬ ‫السؤال‬ ‫ال‬ ‫ز‬ ‫ال ي‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ُجلدي‪ ،‬لم وحدي أخذت بذنب الفتاة ولم وحدها‬ ‫أخذت بالذنب وتحملت العقاب واالحتقار والمهانة‬ ‫لسنوات طويلة؟‬

‫حلق أليام‪ ،‬لكن حدسا ما‬ ‫ظل السؤال حجرا عالقا يف‬ ‫ي‬ ‫يشعرن أن جسدي الذي بدأ يكي هو السبب‬ ‫بداخل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫يثي االشمياز من كل‬ ‫يف كل ما يحدث‪ ،‬ثم بدأ شعور ما ر‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫كالخز وشعور‬ ‫وبداخل وينمو عل جسدي‬ ‫حوىل‬ ‫سء‬ ‫ي‬ ‫َّي‬ ‫ي‬ ‫آخر يف القلب يتحجر‪0‬‬ ‫المواىل جاءت جارتنا لتمارس عادتها‬ ‫يف األسبوع‬ ‫ي‬ ‫ألىم‪...‬‬ ‫اليومية يف توصيل األخبار ي‬ ‫وألن‬ ‫ه التلصص لم أكن‬ ‫متعن الوحيدة حينها ي‬ ‫ي‬ ‫بعزىل يف هذا اليوم بالذات عن ما يحدث‬ ‫ألسمح لهما‬ ‫ي‬ ‫كلفن األمر‬ ‫بالخارج‪ ،‬سأسمع ما يدور بينهما مهما‬ ‫ي‬

‫هل كان جسدي؟ جسدها؟ أم جسدانا معا هما‬ ‫السبب؟•‬

‫‪045‬‬


‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫مليس علي‪” ،‬من يستطيع أن خيربين ما هو اجلمال“‪ ..‬؟‬

‫ً‬ ‫ان‪"00‬‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫شخصا‬ ‫نفىس ألن‬ ‫وفق سارتر‪" :‬أرى‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫تعن النظرة تتوقف‬ ‫الن‬ ‫ي‬ ‫فعل "رأى"‪ ..‬أو الرؤية ي‬ ‫بالدرجة األوىل عل (الشكل‪ ،‬الجسد)‪ ..‬ولطالما كان‬ ‫الجسد بوابة عبور‪ ..‬عتبة أوىل للوصول إىل (اآلخر) ‪00‬‬ ‫ّ‬ ‫هذا (اآلخر) ذو الوجود الرصوري ليفهم أي منا ذاته‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ذان‪"0‬‬ ‫بين ر‬ ‫وبي ي‬ ‫"يصبح وسيطا ي‬ ‫ما أهمية نظرة اآلخر إلينا‪ ..‬إىل أشكالنا وأجسادنا‪..‬؟‬ ‫هل بفعل هذه النظرة نصبح نحيا ألجل اآلخرين‪،‬‬ ‫خاضعي لقوانينهم‪ ..‬أو أنها ضورية لتجعلنا نرى‬ ‫ر‬ ‫أنفسنا من الخارج‪..‬‬ ‫وبالتاىل زيادة وعينا بأنفسنا‬ ‫ي‬

‫وألنفسنا‪..‬؟‬ ‫ّ‬ ‫الوضعي‪..‬؟‬ ‫ما هو الحد الفاصل ربي‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫هل النظر ّ‬ ‫إىل‪ ..‬إىل جسدي بوصفه شيئا‪ ،‬يطلق حكما‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫جماليا‪00‬‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫وبالتاىل قبوق لدى (اآلخر) وفق نظرته هو تحديدا‪..‬؟‬ ‫ي‬ ‫الجماىل للقبول أو الرفض‪..‬؟‬ ‫المعيار‬ ‫ما‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ومن يحدده‪..‬؟‬ ‫ً‬ ‫نظرة اآلخرين إلينا تجعلنا َ‬ ‫أكي تحفظا وأقل حرية‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫ونقض ولو‬ ‫خارج"‪،‬‬ ‫تجينا إىل رؤية أنفسنا "كشكل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫حي وعينا بذواتنا وفهمنا لها من الداخل‪ ..‬بمعن‬ ‫إىل ر‬ ‫‪046‬‬


‫مليس علي‪” ،‬من يستطيع أن خيربين ما هو اجلمال“‪..‬؟‬

‫أصدقاء ديونيزوس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ماي ‪2022‬‬

‫ُ‬ ‫قض رؤية الجوهر ‪ -‬المضمون‪0‬‬ ‫ن ُي‬ ‫تأثي تلك "النظرة"‪ ..‬أن‬ ‫لكن يفيض أن يعود لينحش ر‬ ‫ى‬ ‫ً‬ ‫حي تكون محصورة كليا‬ ‫يتقلص كأنه ما كان‪ ،‬السيما ر‬ ‫الخارج "الجسد‪"0‬‬ ‫بالشكل‬ ‫ي‬ ‫ً ّ‬ ‫يف حديث سارتر عن (النظرة) رأى أنها تبدأ ضاعا البد‬ ‫ً‬ ‫منه مع اآلخرين‪ ،‬ألن فيها تعزيزا‬ ‫لتشنء أي منا‪ ،‬أي‬ ‫ير‬ ‫ر‬ ‫وف إطار دفاعنا عن أنفسنا‬ ‫سء‪ ..‬ي‬ ‫اخياله إىل مجرد ي‬ ‫ّ‬ ‫نرد تلك النظرة لدخر بمثيلتها ‪00‬‬ ‫ّ‬ ‫غي المعلن‪..‬‬ ‫لتتحول حينها إىل‬ ‫النظرة‪ /‬االستفزاز ر‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫التحدي‪0‬‬ ‫وبالتاىل إىل امتالكنا شيئا من‬ ‫ًي‬ ‫كثية يمكن أن نقوم بتحجيم تلك النظرة ذاتها‬ ‫أحيانا ر‬ ‫ّ‬ ‫نتحداها عي تجاهلها‪0‬‬ ‫وكأنها ما كانت‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فعليا‪ ..‬البعض منا يفعل ذلك طوال الوقت‪ ،‬السيما‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وتميه‬ ‫بتمي‪ ،‬ر‬ ‫حي يمتلك جسدا مختلفا‪ ،‬لكنه مختلف ر‬ ‫ر‬ ‫أن قيمته ال تنحرص بمجرد تكريسه عل حساب أركان‬ ‫الوجود‪ /‬وجوده األخرى‪ ..‬أركان تستمد قوتها من‬ ‫حقيق "للفعل"‪ ،‬الذي يقف خلفه إبداع‬ ‫حضور‬ ‫ي‬ ‫وذهن ال يكيث لهيئة الجسد الخارجية‪0‬‬ ‫فكري‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ولهذا لربما تحول السؤال ليصبح‪ :‬أال يمكن أن تشتمل‬

‫ا‬ ‫نظرة اآلخر إلينا احتماق برؤية مواطن القيمة والجمال‬ ‫والفعل لدينا‪..‬؟‬ ‫الحقيق‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ثمة فكرة تتلخص بأن قبول اآلخرين لك يتوقف‬ ‫بالدرجة األوىل عل قبولك لنفسك‪00‬‬ ‫نفىس َير ين اآلخر‪0‬‬ ‫وفق ذلك كيفما َأر‬ ‫ي‬ ‫ان مقدار ما أرى‬ ‫هل تنقلب المقولة لتصبح‪"ً :‬اآلخر ير ي‬ ‫الن أرى من‬ ‫نفىس"‪ ..‬أو هو ير ي‬ ‫ان تماما بالطريقة ي‬ ‫ي‬ ‫نفىس‪0‬‬ ‫خاللها‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫كبية بالذات وفهما‬ ‫معرفة‬ ‫يحتاج‬ ‫األمر‬ ‫ال شك أن‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫عميقا لها‪0‬‬ ‫ف كتابه ر‬ ‫(بشة سوداء‪ ،‬أقنعة بيضاء) يذكر فرانز‬ ‫ي‬ ‫فانون‪" :‬من يستطيع أن يخي ين ما هو الجمال‪"00‬‬ ‫ما هو الجمال الذي من خالله يتم قبول اآلخر لنا‪،‬‬ ‫الشكل‪ /‬الجسدي‪..‬؟‬ ‫القبول‬ ‫ي‬ ‫الغي سوى بمقابلتها‬ ‫ال يوجد سبيل إىل تحجيم نظرات ر‬ ‫بنظراتنا إىل أنفسنا وفهمها الفهم الصحيح‪ ..‬أن ندرك‬ ‫ً‬ ‫تماما أن نظرة العقل َ‬ ‫أكي صوابية من جميع نظرات‬ ‫العيون•‬

‫‪047‬‬


‫م يف احلياةِ‪ .‬جَسَدًا يف‬ ‫"مَنْ يَتَحَكَّمُ يف اإليقاعِ يَتَحَكَّ ُ‬ ‫سدٍ‪ .‬جَسَدًا يف حدِّ ذاتهِ‪ .‬واقعًا أو جتريدًا‪.‬‬ ‫مواجهة جَ َ‬ ‫مُسمَّرًا يف اللَّحظَةِ احلاضِرَةِ‪َ ،‬أعْمى عَنِ إِبْصارِ‬ ‫املاضي‪َ .‬أصَمًّ عنِ اإلِنْصاتِ للمستقبلِ‪ .‬يكتفي اجلسدُ‬ ‫بذاتِهِ‪ .‬يكتفي باإليقاع‪ .‬املستحيلُ ممكنٌ‪ ،‬بالفعلِ‪ ،‬مثل‬ ‫رؤيةٍ متوقَّعَةٍ يف زمن النسيان‪ .‬نسيان ما يهيِّجُ‬ ‫العامل‪ .‬جسدًا وفضاءً‪ .‬كيانان يف كيان واحدٍ‪ .‬وجهًا‬ ‫لوجهٍ مبثابةِ استرسالٍ‪ .‬من الذاتِ إىل الذاتِ‪ .‬كلُّ‬ ‫شيءٍ يتوقف فجأةً‪ .‬ال شيءَ حييا سوى حلظةِ اإليقاعِ‪.‬‬

‫حلظة الرقص‪ .‬زينون يتحكَّمُ يف اإليقاع‪ .‬يهيمنُ‬ ‫على الزمنِ احلاضرِ‪ .‬يتحكَّمُ يف جسدهِ‪ .‬احلياةُ مِلْكٌ‬ ‫له‪."...‬‬ ‫(عبد احلق سرحان)‬

‫‪048‬‬


049


051

Ω Louis Blanc


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.