naqissatou aql wa dine

Page 1

‫ناقصات عقل ودين‬ 1 ‫فصول في حديث الّرسول‬ (‫)مقاربة تحليلّية نفسّية‬ Uploded By http://www.facebook.com/OlfaTounes Team 27/03/2011

http://twitter.com/olfayoussef http://www.youtube.com/OlfaYoussef http://www.facebook.com/OlfaTounes

4


http://twitter.com/olfayoussef http://www.youtube.com/OlfaYoussef http://www.facebook.com/OlfaTounes

4


http://twitter.com/olfayoussef http://www.youtube.com/OlfaYoussef

http://www.facebook.com/OlfaTounes

http://twitter.com/olfayoussef http://www.youtube.com/OlfaYoussef http://www.facebook.com/OlfaTounes

4 6


http://twitter.com/olfayoussef http://www.youtube.com/OlfaYoussef http://www.facebook.com/OlfaTounes

4


‫جميع الحقوق محفوظة‬ ‫دار سحر للّنشر‬

2003 ‫طبعة الولى‬ ّ ‫ال‬

http://twitter.com/olfayoussef http://www.youtube.com/OlfaYoussef http://www.facebook.com/OlfaTounes

4


‫ألـفـة يـوسـف‬-‫د‬

…‫ناقصات عقل ودين‬ 1 ‫فصول في حديث الّرسول‬ (‫)مقاربة تحليلّية نفسّية‬ ‫دار سحر للّنشر‬

http://twitter.com/olfayoussef http://www.youtube.com/OlfaYoussef http://www.facebook.com/OlfaTounes

4


…‫شوق إلى الّتجّلي‬ ّ ‫إلى كّل من احتار بين الّرضا بالغيب وال‬

http://twitter.com/olfayoussef http://www.youtube.com/OlfaYoussef http://www.facebook.com/OlfaTounes

4


‫تقديم‬

http://twitter.com/olfayoussef http://www.youtube.com/OlfaYoussef http://www.facebook.com/OlfaTounes

4


‫ي هو مّما ل يمكن قوله‬ ‫ن خطاب العرفان الّدين ّ‬ ‫يعتبر ميشال دو سيرتو )‪ (Michel De Certeau‬أ ّ‬ ‫سكوت عنه ‪،‬وفي هذا الطار يتنّزل هذا الكتاب فهو محاولة‬ ‫ولكّنه أيضا من مجال ما ل يمكن ال ّ‬ ‫‪1‬‬

‫لقول ما ل ينقال منطلقها العجز عن صمته‪.‬‬ ‫ي وذلك بمساءلة أحاديث الّرسول‬ ‫إّننا في هذا الكتاب نوّد الهتمام بوجه من وجوه الخطاب الّدين ّ‬ ‫بالبحث في بعض أبعادها الّروحانية الّنفسية‪،‬ونحن ل ننشد الّتأريخ لحياة الرسول وأقواله فغيرنا أكفأ‬ ‫مّنا وأقدر على القيام بمثل هذا العمل‪ .‬ول تّدعي قراءتنا لبعض الحاديث أو اليات القرآنّية تحديد‬ ‫ل والّرسول صّلى ال عليه وسّلم فنحن نقّر بضياع المعنى الصل ّ‬ ‫ي‬ ‫معان قصدها ال عّز وج ّ‬ ‫ي بأن نقول قولنا مسقطا على قول آخر‪.‬‬ ‫سم القدر البشر ّ‬ ‫للقول‪.‬إّننا نوّد فحسب أن نج ّ‬ ‫وقد اختار هذا العمل قصدا أن يضرب صفحا عن الختلفات الّتاريخّية بين أحاديث الّرسول‬ ‫وعّما يمكن أن يكون قد تسّرب إليها من تحريف أو تحوير‪.‬فقراءتنا للحاديث الّنبوّية ل تقوم على‬ ‫غْفل‪.‬‬ ‫ي تجريح وتعديل بل تتعامل معها معطى تاريخّيا ُ‬ ‫أ ّ‬ ‫وفي هذا الكتاب أربعة مقالت تختلف مواضيعها ولكّنها تّتفق في ما يشّدها من وحدة في المنهج‬ ‫ي*)‪(psychanalyse‬‬ ‫سل هذا العمل في كثير من فصوله ببعض معارف الّتحليل الّنفس ّ‬ ‫وفي الّرؤى‪.‬فقد تو ّ‬ ‫ي والقراءات اليمانّية‬ ‫عموما والّتحليل الّنفسي اللكاني)‪ (lacanien‬خصوصا ‪،‬وبين الّتحليل الّنفس ّ‬ ‫‪2‬‬

‫ي والّدين ثّم في مصالحة بينهما نجمت‬ ‫سمت تاريخّيا في صراع بين الّتحليل الّنفس ّ‬ ‫وشائج كثيرة تج ّ‬ ‫ي عاش بين ‪ 1925‬و ‪ ،1986‬اهتّم بالعرفان الّديني من‬ ‫‪ 1‬ميشال دو سيرتو مؤّرخ منفتح على النتروبولوجيا واللسانّيات والّتحليل الّنفس ّ‬ ‫ي في كتاب‪:‬‬ ‫منظور نفس ّ‬ ‫‪Michel De Certeau :La fable mystique XVI-XVII siècle,Paris,Gallimard,1982.‬‬ ‫ي ُيعّد من أهّم قّراء سيغموند فرويد)‪Sigmund‬‬ ‫ي فرنس ّ‬ ‫‪ 2‬نسبة إلى جاك لكان)‪،(Jacques Lacan 1981-1901‬وهو محّلل نفس ّ‬ ‫ي‪.‬‬ ‫ي‪.‬وأصبح لكان عند الكثيرين رائد مدرسة في الّتحليل الّنفس ّ‬ ‫‪ (freud 1856-1939‬أب الّتحليل الّنفس ّ‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ن البعاد اليمانّية ل تتنافى مع ما ينشده‬ ‫عن تكاثر الكتابات اّلتي تعمد كليهما وهي كتابات بّينت أ ّ‬ ‫ي أو‬ ‫ي من تحقيق سعادة الفرد ‪.‬ونجد كثيرا من هذه الكتابات يقرأ الّتراثين اليهود ّ‬ ‫الّتحليل الّنفس ّ‬ ‫‪3‬‬

‫ي من منظور‬ ‫ي ‪،‬واهتّم بعض الّدارسين العرب بقراءة الّتراث السلم ّ‬ ‫ي معتمدا الّتحليل الّنفس ّ‬ ‫المسيح ّ‬ ‫‪4‬‬

‫ي ‪ .‬وفي هذا الطار العاّم يتنّزل هذا الكتاب فهو جزء أّول من بحوث تنشد قراءة‬ ‫الّتحليل الّنفس ّ‬ ‫‪5‬‬

‫ي ومنطلقة من المصادرة اليمانّية وقد حاولنا قدر‬ ‫بعض أحاديث الّرسول مستعينة بالّتحليل الّنفس ّ‬ ‫صا بل‬ ‫ي المعّقدة فنحن ل نكتب كتابا أكاديمّيا مخت ّ‬ ‫المكان توضيح بعض مفاهيم الّتحليل الّنفس ّ‬ ‫‪6‬‬

‫ص‪.‬ورّبما جلب لنا هذا الكتاب بما فيه‬ ‫ص وغير المخت ّ‬ ‫شواغل فكرّية نرجو أن تجد صدى لدى المخت ّ‬ ‫صين ورّبما لقي بما فيه من بعض المفاهيم الّدقيقة نفورا من غير‬ ‫من تبسيط نقد المخت ّ‬ ‫صين‪،‬وبين هذا وذاك يوّد هذا الكتاب مساءلة بعد من أبعادنا البشرّية اّلتي نشترك فيها جميعا‬ ‫المخت ّ‬ ‫ي‪،‬ونوّد مساءلة هذا البعد‬ ‫ي اليمان ّ‬ ‫مهما تتنّوع اختصاصاتنا ومهما تتوّزع اهتماماتنا‪،‬وهو البعد الّروح ّ‬ ‫من منظور ل ينصح ول يلوم ول يّدعي امتلكا للحقيقة بل يضرب على غير هدى مشتاقا إلى‬ ‫شوق ذاته عّلة وجوده وأقاصي متعته‪.‬‬ ‫إشباع لن يكون‪،‬يجد في ذلك ال ّ‬ ‫‪ 3‬لبحث تفاصيل العلقة بين الّدين والّتحليل الّنفسي انظر‪:‬‬ ‫‪.Marie Romanens :Le divan et le prie-Dieu,psychanalyse et religion,Descléé de Brouwer 2000‬‬ ‫‪ 4‬نذكر على سبيل المثال كتابات ‪ Denis Vasse‬و ‪ Françoise Dolto‬المعتمدة في هذا الكتاب‪.‬‬ ‫ونذكر كتاب‪:‬‬ ‫‪transmission,Paris ,Flammarion 2001‬‬

‫‪.Daniel Sibony :Psychanalyse et judaisme,Questions de‬‬

‫‪ 5‬نذكر على سبيل المثال‪:‬‬ ‫‪.Fethi Benslama : La nuit brisée, Muhammad et l’énonciation islamique‬‬ ‫‪.Éditions Ramsay , Paris 1988‬‬ ‫‪.Fethi Benslama :La psychanalyse à l'épreuve de l'Islam,Paris,Aubier 20026‬‬ ‫ص آخر الكتاب‪.‬‬ ‫سرناها في فهرس خا ّ‬ ‫ألحقنا أهّم المفاهيم والمصطلحات الواردة في الكتاب بالّرمز *‪،‬وف ّ‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫محنة الغياب‬ ‫ي‪:‬‬ ‫الفتقار الجوهر ّ‬ ‫"دخل أبو بكر الصّديق بيت المدراس على يهود‪،‬فوجد منهم ناسا كثيرا قد اجتمعوا إلى رجل‬ ‫منهم ٌيقال له فنحاص وكان من علمائهم وأحبارهم ومعه حبر من أحبارهم يقال له أشيع فقال أبو‬ ‫ق من عنده‬ ‫ن محّمدا لرسول ال قد جاءكم بالح ّ‬ ‫بكر‪:‬ويحك يا فنحاص اّتق ال وأسلم فوال إّنك تعلم أ ّ‬ ‫تجدونه مكتوبا عندكم في الّتوراة والنجيل‪،‬فقال فنحاص لبي بكر‪:‬وال يا أبا بكر ما بنا إلى ال من‬ ‫ي ولو كان‬ ‫فقر وإّنه إلينا لفقير‪،‬وما نتضّرع إليه كما يتضّرع إلينا‪،‬وإّنا عنه بأغنياء وما هو عّنا بغن ّ‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ن هذا اليهودي لم يمّيز بين فقر النسان العرضي إلى المال وفقره‬ ‫غنّيا ما استقرضنا أموالنا"‪.7‬إ ّ‬ ‫الجوهري إلى ذات مطلقة غير منشطرة‪.‬ومشكل هذا اليهودي أّنه خلط بين الفقر إلى المال وهو فقر‬ ‫وقتي قد يملؤه المال والفقر البشري النطولوجي الذي ل ُيمل‪.‬فما الفقر؟ الفقر لغوّيا يفيد معنيي‬ ‫الّثقب والحتياج‪.‬وهما معنيان مترابطان‪.‬فالمثقوب في حاجة إلى من يرتق ثقبه‪.‬ولكن من الّثقوب ما‬ ‫ل يرتق وجوهرها الّثقب البشري‪.‬وحاجة رتق الثقب الماّدي طلب يمكن أن ُيجاب شأن ك ّ‬ ‫ل‬ ‫ن الحاجة ل تجيب‬ ‫ل حاجات النسان إذ ُتجاب تفتح من جديد على حاجة أخرى‪،‬إ ّ‬ ‫نكّ‬ ‫الحاجات‪.‬ولك ّ‬ ‫ي‪،‬إّنها ل تربأ الثقب‪،‬إّنها تهّدئ ضغطا ليفغر ضغط آخر فاه من‬ ‫النسان عن معنى ذاته الجوهر ّ‬ ‫جديد إلى حاجة أخرى‪.‬‬ ‫ي فإذا اعتبرنا أ ّ‬ ‫ن‬ ‫ن حركة الحاجة الّتي ل تنتهي هي الّدال الساسي على افتقار النسان الجوهر ّ‬ ‫إّ‬ ‫ن أّول ما تفعله اللغة هو أن تفصل بين مقول*)‬ ‫موضع اللغة هو الذي تنبني بمقتضاه الّذات فإ ّ‬ ‫ل قول ليكون ينفي قول آخر لن يكون‪.‬أن‬ ‫‪ (énoncé‬متحّقق حاضر وغير مقول ممكن غائب‪.8‬وك ّ‬ ‫سَمك النوثة وأن تسمك النوثة ينفي بالضرورة أن تسمك‬ ‫سَمك الّذكورة ينفي بالضرورة أن َت ِ‬ ‫تِ‬ ‫الّذكورة‪،‬من البدء تتماهى مع الب أو مع الّم ل مع كليهما‪.‬منذ البدء تولد فتفترق بيولوجّيا عن‬ ‫محّلك الّول الثير ول تعود إليه أبدا فإّما أن تكون جنينا خارج هذه الحياة أو أن تكون بشرا في‬ ‫موضع الحياة‪.‬من البدء ُيحّرم عليك نكاح الب والّم فل يمكن أن يكونا زوجين‪.‬ويتواصل فعل‬ ‫سلب أليس اليجاب في‬ ‫ن فعل اليجاب هو نفسه فعل ال ّ‬ ‫سلب في تزامن مذهل بل إ ّ‬ ‫اليجاب وال ّ‬ ‫سلب إيجابا للّنفي؟‬ ‫جوهره نفيا للنفي؟ وأليس ال ّ‬

‫طباعة والّنشر ‪ 2001‬ج ‪ 2‬ص ‪.180/181‬‬ ‫‪ 7‬سيرة ابن هشام‪،‬بيروت‪،‬المكتبة العصرّية لل ّ‬ ‫‪.Vincent Descombes : L’inconscient malgré lui,Paris,Minuit 1977,pp-17-71 8‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ي شرط بدء‬ ‫ن شرط وجود الّذات البشرّية أن يكون ضياعا لشيء ممكن‪.‬أليس الّترميز اللغو ّ‬ ‫إّ‬ ‫شيء غير المسّمى بإخراجه من موضع‬ ‫الّذات؟ وأليست الّتسمية قتل للكائن قبل الّرمز أي قتل لل ّ‬ ‫ضرورة ذاتا واصفة‪.9‬‬ ‫ل الموضوع)‪ (objet‬اّلذي يستدعي بال ّ‬ ‫شيء)‪(chose‬إلى مح ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫ن الكلم‬ ‫ن تعّلم آدم السماء بدءٌ لبشرّيته وبدء لسلطته على المواضيع ل على الشياء ذلك أ ّ‬ ‫إّ‬ ‫هو فصل بين المسّمي والمسّمى اّلذي ينقاد طائعا للتمثيل وفي الن نفسه وبسبب انقياده ذاك يفّر من‬ ‫سم ضربين من الفتقار وفق محور الستبدال*)‪(axe de sélection‬‬ ‫ل لّلغة تج ّ‬ ‫الحضور‪.‬فل حضوَر إ ّ‬ ‫ل لّلغة تتقاذفنا كلماتها من‬ ‫ووفق محور الّتوزيع*)‪.(axe de distribution‬فوفق المحور الّول ل وجود إ ّ‬ ‫كلمة إلى أخرى إلى أخرى في سلسلة ل تنتهي‪،‬دون أن نجزم البّتة إن كان للكلمة اللغوّية نظير‬ ‫ضرورة‬ ‫ل قول منفتح بال ّ‬ ‫ي‪.‬ووفق المحور الّثاني ل يوجد البّتة قول منته منغلق على نفسه بل ك ّ‬ ‫واقع ّ‬ ‫ن "قبولنا" الخضوع لّلغة هو اّلذي أنشأنا ذواتا بشرّية لكّنه يضيع‬ ‫إلى كلم يزيده وصفا وتوضيحا‪.10‬إ ّ‬ ‫شرخ‬ ‫ل ظهور ال ّ‬ ‫ي فالبدء هو رحلة للنشاء والفقدان وهو مح ّ‬ ‫ضرورة تشّكلنا الّول غير الّرمز ّ‬ ‫مّنا بال ّ‬ ‫ي‪.‬وإذا كان الفتقار إلى شيء غائب أبدا‬ ‫ي*)‪ (Le réel‬واللغو ّ‬ ‫ي اّلذي ل يمكن سّده بين الواقع ّ‬ ‫الصل ّ‬ ‫ي منه ل يعدو أن يكون سعيا مستحيل لملء‬ ‫ن موقف الّذوات المرض ّ‬ ‫هو جوهر الّذات البشرّية فإ ّ‬ ‫افتقار ل ُيمل‪.‬‬ ‫وهم الجمع‪:‬‬

‫شيء في ذاته)‪ (chose en soi‬وهو قائم‬ ‫ي بعد كانط)‪ (Kant‬اّلذي يمّيز بين ال ّ‬ ‫شيء والموضوع إلى الّتقليد الفلسف ّ‬ ‫‪ 9‬يعود الّتمييز بين ال ّ‬ ‫ل بوجود الّذات المدركة‪.‬‬ ‫بصرف الّنظر عن ذات تدركه والموضوع وهو ما ل يكون إ ّ‬ ‫ي وذلك في‬ ‫ضحنا هذين المفهومين‪،‬ووسمنا الّثاني بالّتساع الّتركيب ّ‬ ‫‪ 10‬و ّ‬ ‫ألفة يوسف‪:‬تعّدد المعنى في القرآن‪،‬تونس‪،‬كّلية الداب مّنوبة‪-‬دار سحر للّنشر ‪،2003‬صص ‪.293-289‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫خَلَدُه"‬ ‫ن َماَلُه َأ ْ‬ ‫ب َأ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫حَ‬ ‫عّدَدُه‪َ-‬ي ْ‬ ‫ل َو َ‬ ‫جَمَع َما ً‬ ‫ل ُهَمَزٍة ُلَمَزٍة‪-‬اّلِذي َ‬ ‫ل ِلُك ّ‬ ‫تعالى‪":‬وْي ٌ‬ ‫َ‬ ‫يقول ال‬

‫)الهمزة ‪104‬‬

‫ل جامع للمال بل على جامع المال اّلذي يرى أ ّ‬ ‫ن‬ ‫ن التهديد في هذه الية ل يحيل على ك ّ‬ ‫‪.(3-2-/1‬إ ّ‬ ‫ي جمع عندما يكون هدفا‬ ‫ن الجمع أ ّ‬ ‫ي‪.‬إ ّ‬ ‫جمع المال هذا قد ُينجيه من الموت أي من حّد الوجود الصل ّ‬ ‫ي‪.‬ومثاله دون جوان)‪(Don Juan‬الذي ل يني‬ ‫في ذاته ليس سوى سعي محموم إلى نفي الفتقار الصل ّ‬ ‫ف عن جمع الوقت حّتى‬ ‫ف عن جمع المال ‪،‬والنسان الذي ل يك ّ‬ ‫يجمع الّنسوة والبخيل اّلذي ل يك ّ‬ ‫ن دون جوان اّلذي يجمع‬ ‫يغدو الّزمان صنو المال في المثل المريكي الشهير ‪.Time is money‬على أ ّ‬ ‫ف عن الجمع ول يشعر بالّراحة‪،‬والبخيل اّلذي يجمع المال ل يتمّتع بالمال اّلذي‬ ‫الّنسوة ل يك ّ‬ ‫يجمعه‪،‬والنسان اّلذي يوّد أن يمتلك الحياة ل يتمّتع بالحياة اّلتي يحياها‪.‬فكم من فرد تجده ُيمضي‬ ‫سمه‬ ‫حياته كّلها نادما على أّنه لم ُيمض حياته في صورة أفضل‪،‬وما الّندم في جميع ضروب تج ّ‬ ‫ن حركة‬ ‫ل حاجاته فإ ّ‬ ‫سوى تأكيد لرفض ضياع الممكن بتحّقق الكائن‪.‬ولو افترضنا شخصا "أشبعنا" ك ّ‬ ‫ن الحاجة ل يمكن أن تنتهي بَتْلِبَيتها‪.‬والنسان عند امتلكه لموضوع ّما‬ ‫الحاجة فيه لن تخمد ل ّ‬ ‫ن وصال‬ ‫ي موضوع‪ .‬فكم عاشق شعر أ ّ‬ ‫سم افتقاره إلى موضوع آخر‪،‬إلى شيء يتجاوز امتلك أ ّ‬ ‫يج ّ‬ ‫س بعد تحّقق ذاك الوصال بوحشة الّنفس التي تتوّهم‬ ‫معشوقه هو أقصى آماله ومنى حياته فإذا به يح ّ‬ ‫ن تكديس المال وتجميعه يجيب نهم نفسه فإذا به‬ ‫ل فراغا‪،‬وكم معوز تصّور أ ّ‬ ‫الشباع فل تصادف إ ّ‬ ‫ن الجمع الّنهم محاولة يائسة لملء‬ ‫سعادة‪.‬إ ّ‬ ‫ل يجد بعد جمع الّثروات سوى رزم من المال ل تحّقق ال ّ‬ ‫ن وجود الّذات في هذه الحياة قائم‬ ‫ما ل يمكن أن يمله الجمع‪،‬إّنه محاولة لسّد الهّوة اّلتي ل تسّد ل ّ‬ ‫على وجود هذه الهّوة‪،‬فإذا كان الفتقار شرط الذات البشرّية كان نفيه نفيا للّذات البشرّية لذلك ل‬ ‫ل بالموت أو بالخروج من موضع اللغة التي تفرض الختيار إلى موضع الللغة‬ ‫يزول الفتقار إ ّ‬ ‫شيء‪.‬‬ ‫حيث تتماهى الكلمة وال ّ‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫سعي المحموم نحو‬ ‫سم أحسن تجسيم هذا ال ّ‬ ‫سيطرة على العالم كّله باسم العولمة إّنما تج ّ‬ ‫حضارة الماّدية الحديثة اّلتي تنشد ال ّ‬

‫سعي نحو امتلك الموضوع مهما يكن نوعه‪.‬إّنها تنشئ لدى النسان وهم الحاجة اّلتي كّلما غرق‬ ‫والستهلك متمّثل في ال ّ‬

‫ب في استهلك موضوع ّما بقدر ما هي إنشاء لحاجة‬ ‫شوق*)‪.(désir‬وليست وظيفة الشهار الفعلّية الّترغي َ‬ ‫عد عن موضع ال ّ‬

‫ضغط لمّدة قصيرة ينفتح بعدها النسان على حاجة‬ ‫ّية ما كانت لتنشأ في غياب ذلك الشهار‪.‬وتحقيق هذه الحاجة قد يهّدئ ال ّ‬

‫ضرورة غائبا منشودا أبدا ضائعا أبدا محّركا الّذات‬ ‫ل حاضر ُينشئ بال ّ‬ ‫ن ل وجود لشيء يمكن أن يطابق شوقنا إليه‪،‬فك ّ‬ ‫ذلك أ ْ‬ ‫ن الكافر يأكل في‬ ‫ن المسلم يأكل في معى واحد وأ ّ‬ ‫في حركة ل تني البّتة‪.‬لذلك يشير الّرسول صّلى ال عليه وسّلم إلى أ ّ‬

‫سي الّول فالكل سعي نحو المتلء مهما يكن موضوع‬ ‫ن للكل في رأينا معنى مجازّيا يتجاوز معناه الح ّ‬ ‫عاء ‪،‬ويبدو أ ّ‬ ‫‪11‬‬

‫شبع المستحيل ول الجمع‬ ‫متلء‪،‬والمتلء ليس سوى وهم ينشده النسان اّلذي يرفض منزلته البشرّية أّما المؤمن فل ينشد ال ّ‬

‫لق ذلك‬ ‫ن الّرسول يعوذ بال من نفس ل تشبع ‪،‬وعلى المؤمن أن يعرف قيمة الفراغ الذي تحمله ذاته‪،‬ذلك الفراغ الخ ّ‬ ‫ي ‪.‬إ ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪12‬‬

‫ي الصل ّ‬ ‫ي‬ ‫ذي يخرج الوجود كّله من حّيز دافع الجمع المستحيل المرهق أبدا إلى حّيز القرار العميق بالفتقار البشر ّ‬

‫* إلى موضع الخر المطلق*)‪.(L’Autre‬وليس من العبث أن تّتفق جميع الّتشريعات على تحريم إتيان المحارم*)‪(inceste‬‬

‫ي نفس ّ‬ ‫ي‬ ‫ر ستراوس)‪ (C-L-Strauss‬هذا الّتحريم بضرورة الّتبادل‪،‬وُيعّمق دنيس فاس)‪ (Denis Vasse‬الّتبادل من منظور تحليل ّ‬

‫ن عليه‬ ‫حريم إتيان المحارم* بأّنه تجسيم لفتقار الّذات‪،‬وهو افتقار ُيشعر البن بأّنه غير كاف لشباع رغبات أّمه كّلها‪،‬وأ ّ‬

‫ى عن تخّيله الكمال في ذاته‪.13‬‬ ‫شوق*‪.‬فلكي يكون النسان عليه‬ ‫ن ل تشبع أنفسنا صورة تخرجنا من حّيز الحاجة إلى حّيز ال ّ‬ ‫أْ‬ ‫ن حياتنا في جوهرها قائمة‬ ‫ل بساطة ل يمكن أن يمتلك شيئا‪.‬إ ّ‬ ‫أن يتخّلى عن وهم المتلك لّنه بك ّ‬ ‫ل لحظة يحياها‪،‬أليس الكسجين‬ ‫ل مّنا بعضا من حياته في ك ّ‬ ‫على العطاء بل إّنها عطاء‪،‬أل يعطي ك ّ‬ ‫طأ مالك‪،‬بيروت‪،‬دارالفكر ‪ 1998‬ص ‪.615‬‬ ‫‪ 11‬مو ّ‬ ‫‪ 12‬سنن ابن ماجه‪،‬دار إحياء الّتراث العربي ‪،1975‬ج ‪ 1‬ص ‪.92‬‬ ‫‪.Denis Vasse:Le temps du désir,Paris,Seuil 1997(2éme édition),p-76 13‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ن قول‬ ‫ل العناصر المؤكسدة اّلتي تحّلل الجسد شيئا فشيئا؟ إ ّ‬ ‫قوام حياتنا حامل في تركيبته الصلّية ك ّ‬ ‫ي معنى‬ ‫صفتين المستقبل ّ‬ ‫ن")الّزمر ‪ (39/30‬قد يفيد إلى معنى ال ّ‬ ‫ت َوِإّنُهْم َمّيُتو َ‬ ‫ك َمّي ٌ‬ ‫ال تعالى‪ِ":‬إّن َ‬ ‫ن جوهر حياتنا هو أن نهب هذه الحياة اّلتي‬ ‫ل لحظة نحياها ل ّ‬ ‫حاضرا‪.14‬إّننا نموت الن وفي ك ّ‬ ‫ن هبة الحياة لنا هبة مجانّية ل ينشد منها الواهب أيّ‬ ‫ُوهبت لنا دون أن نطلبها ودون أن نطالب بها‪.‬إ ّ‬ ‫ن جوهر الحياة هو العطاء‪.‬ففي هذا العطاء‬ ‫مصلحة‪،‬وهذا ما قد نجد عسرا في فهمه إذا ما لم نفهم أ ّ‬ ‫ل سعي محموم نحو‬ ‫ن معنى العطاء ُيطمس في ك ّ‬ ‫ي وفي مقابل ذلك فإ ّ‬ ‫يتحّقق معنى الوجود البشر ّ‬ ‫ضل امتلك الحياة حّتى الموت على يعطي وهو‬ ‫المتلك وإن يكن امتلك الحياة نفسها‪،‬فبعضنا يف ّ‬ ‫يحيا ‪.‬‬ ‫‪15‬‬

‫ن الجمع والمتلك ل يملن الّنفس‪.‬فقد ورد في‬ ‫ن سيرة الّرسول صّلى ال عليه وسّلم تؤّكد أ ّ‬ ‫إّ‬ ‫ن قريشا بدأت تتذّمر من رسول ال إثر شروعه في نشر الّدعوة وخروجه بها من‬ ‫سيرة ابن هشام أ ّ‬ ‫سّر إلى الجهر فمشوا إلى أبي طالب عّم الّرسول وحامي حماه مستنكرين وحانقين قائلين‪":‬إّنا وال‬ ‫ال ّ‬ ‫ل نصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلمنا وعيب آلهتنا حتى تكّفه عّنا أو ننازله وإّياك في‬ ‫ذلك حتى يهلك أحد الفريقين‪.‬ثم انصرفوا عنه‪،‬فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم ولم يطب‬ ‫نفسا بإسلم رسول ال صلى ال عليه وسلم لهم ول خذلنه" فبعث لرسول ال يعلمه الخبر فقال‬ ‫الرسول‪":‬يا عم وال لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا المر حتى‬ ‫ن كبار الرجال من قبائل قريش قد‬ ‫يظهره ال أو أهلك ما تركته"‪،16‬وورد في خبر تاريخي آخر أ ّ‬ ‫‪ 14‬يقول الّرازي‪":‬ل تبال يا محّمد بهذا )موقف الكّفار( فإّنك َوُهْم أيضا سيموتون" وهذا تفسير لسم الفاعل على معنى الستقبال‪،‬ويقول‬ ‫ن ما هو آت آت" وهذا أيضا تفسير لسم الفاعل على سبيل الستقبال‪ .‬فخر‬ ‫أيضا‪":‬إّنك وإّياهم وإن كنتم أحياء فإّنك وإّياهم في أعداد الموتى ل ّ‬ ‫الدين الّرازي‪:‬مفاتيح الغيب‪،‬بيروت‪،‬دار الفكر ‪،1985‬مج ‪ 13‬ج ‪ 26‬ص ‪.278‬‬ ‫‪. Denis Vasse:Inceste et Jalousie,Paris,Seuil 1995,p-129 15‬‬ ‫‪ 16‬سيرة ابن هشام ج ‪ 1‬ص ‪.195‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫اجتمعوا بالرسول صلى ال عليه وسلم فعابوا عليه شتمه اللهة وخروجه عن الّدين السائد وقالوا‪":‬إن‬ ‫كنت جئت بهذا الحديث تطلب به مال جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مال وإن كنت إّنما‬ ‫تطلب الشرف فينا فنحن نسودك علينا وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا" فقال لهم رسول ال‪":‬ما‬ ‫شرف فيكم ول الملك عليكم ولكن ال بعثني إليكم رسول‬ ‫جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ول ال ّ‬ ‫ي كتابا وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبّلغتكم رسالت ربي ونصحت لكم فإّما أن‬ ‫وأنزل عل ّ‬ ‫ظكم في الدنيا والخرة وإن ترّدوه علي أصبر لمر ال حتى يحكم ال‬ ‫تقبلوا مّني ما جئتكم به فهو ح ّ‬ ‫بيني وبينكم"‪.17‬‬ ‫شرف أو‬ ‫ن القرشيّين يعرضون على الّرسول في هذين الخبرين الملكّية‪،‬ملكّية المال أو ملكّية ال ّ‬ ‫إّ‬ ‫ن الّرسول صّلى ال عليه وسّلم يفترض أّنهم يمّكنونه من امتلك‬ ‫سلطة فيرفض‪،‬بل إ ّ‬ ‫ملكّية ال ّ‬ ‫سك في مقابل ذلك بوظيفة‬ ‫المستحيل وهو أن توضع الشمس في يمينه والقمر في يساره فيرفض ويتم ّ‬ ‫ل ما فيها من عطاء وتواضع‪،‬إّنه يوّد أن يكون بشيرا ونذيرا‪،‬يوّد أن يكون حامل لقول لم‬ ‫الّرسالة بك ّ‬ ‫ي فخر أو شرف‬ ‫يكن هو منشئه ‪،‬يوّد أن يكون حامل لقول ل يمتلكه ول يحصل منه في ذاته على أ ّ‬ ‫صورة*)‪.(image‬‬ ‫‪،‬يوّد أن يكون مبّلغ الكلمة وناقلها‪،‬ويرفض أن يكون ممّثل ال ّ‬ ‫عرض على الّرسول ُيعرض علينا في حياتنا بأشكال‬ ‫ي اّلذي ُ‬ ‫ل هذا الختيار الّرمز ّ‬ ‫ومث ُ‬ ‫ي جمع‬ ‫نأ ّ‬ ‫شّتى‪،‬فإّما أن نجمع ونمتلك ظاّنين في ذلك الجمع والمتلك حقيقة ذواتنا أو أن نعلم أ ّ‬ ‫ن ذواتنا منقسمة بين أنا*)‪ (moi‬ينشد المتع الملّبية للحاجة‬ ‫ليس سوى طامس لكلمة الحقيقة فينا‪.‬إ ّ‬ ‫ي حاجة لّنها محكومة بما وراء مبدإ اللّذة‪.18‬النا* تنشد‬ ‫وذات*)‪ (sujet‬منشطرة*)‪ (clivé‬ل تشبعها أ ّ‬ ‫‪ 17‬سيرة ابن هشام ج ‪ 1‬صص ‪.215/216‬‬ ‫‪S-Freud :Au delà du principe du plaisir,in Essais de psychanalyse,Paris,Payot 1981 18‬‬ ‫‪.Gérard Miller(Sous la direction de) :Lacan,Paris,Bordas 1987,p-117‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ن المال والبنين زينة الحياة الّدنيا‬ ‫ل ل ينفي أ ّ‬ ‫سعادة‪،‬ونحن نجد ال عّز وج ّ‬ ‫الّنجاح والّذات* تنشد ال ّ‬ ‫صالحات خير عند ال ثوابا‬ ‫ن الباقيات ال ّ‬ ‫فهما يّتصلن بمبدإ اللّذة ومفهوم الّنجاح‪،‬ولكّنه تعالى يؤّكد أ ّ‬ ‫سعادة‪.19‬ونحن نجد الّرسول صّلى ال وسّلم ل يرفض‬ ‫صالحات تمّثل مفهوم ال ّ‬ ‫وخير أمل‪،‬والباقيات ال ّ‬ ‫ي إذ يقول تعالى‪:‬‬ ‫ل امتلك بشر ّ‬ ‫ل لك ّ‬ ‫الملكّية بمعنى الستخلف وهو المعنى اّلذي حّدده ال عّز وج ّ‬ ‫ن ِفيِه…")الحديد ‪،(57/7‬ولكّنه يرفض الملكّية التي تغدو وهما يتصّور‬ ‫خَلِفي َ‬ ‫سَت ْ‬ ‫جَعَلُكْم ُم ْ‬ ‫"…َوَأْنِفُقوا ِمّما َ‬ ‫ن ماله‬ ‫المرء بمقتضاه اقتصار ذاته على تلك الملكّية‪،‬فيصبح مثل ذاك اّلذي جمع المال فعّدده حاسبا أ ّ‬ ‫أخلده‪،‬ويصبح مثل نرجس السطورة)‪،(Narcisse‬فليس خطأ نرجس أّنه نظر إلى صورته في الماء‬ ‫صورة حقيقة ذاته‪.‬وليس خطأ النسان أن يمتلك مال أو‬ ‫ن خطأه القاتل بدأ عندما توّهم في تلك ال ّ‬ ‫ولك ّ‬ ‫خص في ذاك المنصب أو المال أو الجاه‪.‬إّننا ل نفعل‬ ‫ن ذاته تتل ّ‬ ‫ن خطأه يبدأ عندما يتوّهم أ ّ‬ ‫منصبا ولك ّ‬ ‫ي هو ال‪،‬ولكن عندما يصّدق‬ ‫ن المالك الحقيق ّ‬ ‫شيئا سوى أّننا نقوم بدور المالك وعلينا أن نعي أ ّ‬ ‫شخص اّلذي يعتقد أّنه‬ ‫الممّثل دوره فإّنه يغدو مجنونا‪.‬ومن هذا المنظور يؤّكد لكان أّنه "إن كان ال ّ‬ ‫ل عنه جنونا"‪.20‬‬ ‫ن الملك اّلذي يعتقد أّنه ملك ل يق ّ‬ ‫ك شخصا مجنونا فإ ّ‬ ‫َمِل ٌ‬ ‫صدقة كما يحّددها الّرسول صلى ال عليه‬ ‫ومن هذا المنظور يمكن أن نفهم فلسفة الّزكاة وال ّ‬ ‫صدقة ليست مصلحة للمعطى إليه بقدر ما هي مصلحة للمعطي‪.‬إّننا ل ننفي البعد‬ ‫وسّلم‪.‬فال ّ‬ ‫ت حوله الخطب والمواعظ‪،‬و‬ ‫ل وهو بعد ظاهر ُكتبت فيه الكتب وُأْلِقَي ْ‬ ‫ي لعطاء الفقير الما َ‬ ‫الجتماع ّ‬ ‫ي اّلذي يجعلها نعمة للمتصّدق بل‬ ‫صدقة‪،‬هو بعدها الّنفس ّ‬ ‫ن ما يهّمنا هو بعد آخر للّزكاة ولل ّ‬ ‫لك ّ‬ ‫صدقة بأن يتصّدق النسان وهو صحيح حريص‬ ‫حته الّنفسّية‪.‬لذلك حّدد الّرسول أفضل ال ّ‬ ‫ضرورة لص ّ‬

‫ل")الكهف ‪.(18/46‬‬ ‫خْيٌر َأَم ً‬ ‫ك َثَواًبا َو َ‬ ‫عْنَد َرّب َ‬ ‫خْيٌر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫حا ُ‬ ‫صاِل َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫حَياِة الّدْنَيا َواْلَباِقَيا ُ‬ ‫ن ِزيَنُة اْل َ‬ ‫ل َواْلَبُنو َ‬ ‫‪ 19‬يقول ال تعالى‪":‬اْلَما ُ‬ ‫‪. Jacques Lacan :Ecrits,Paris,Seuil 1966,pp-170/171 20‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ي بل وسما له‪ .‬أليس من‬ ‫ل عطاء تذكيرا بالفتقار الصل ّ‬ ‫ن في ك ّ‬ ‫يأمل الغنى ويخشى الفقر‪،21‬ذلك أ ّ‬ ‫ي للخليا؟‬ ‫سرطان؟ أليس تكاثرا غير عاد ّ‬ ‫ي؟ وما ال ّ‬ ‫سرطان في عصرنا الحال ّ‬ ‫شى ال ّ‬ ‫الغريب أن يتف ّ‬ ‫أليس جمعا ومنعا؟‪.22‬‬ ‫الخروج من النا*‪:‬‬ ‫سلطة هو ما‬ ‫ي ضرب من ضروب الجمع للمال أو للعلم أو لل ّ‬ ‫ن انغلق الفرد على ذاته في أ ّ‬ ‫إّ‬ ‫سر رفض النسان أن يتزحزح من صورته لينفتح على الخر فيه وعلى الخر حوله‪.‬فل شيء‬ ‫يف ّ‬ ‫ل لّنه يذّكرنا بموتنا‪،‬ول شيء‬ ‫يخيفنا قدر موتنا أّما موت الخرين فقد يؤلمنا ولكّنه ل يفزعنا إ ّ‬ ‫ل لّنه‬ ‫يخيفنا قدر ضعفنا أو مرضنا أّما مرض الخرين فقد يستدّر شفقتنا ولكّنه ل يخاطب أعماقنا إ ّ‬ ‫يذّكرنا بإمكان مرضنا‪.‬ول شيء يفرحنا قدر نجاحنا أّما نجاح الخرين فقد يفرحنا أو قد يحملنا على‬ ‫ل لّنه يذّكرنا بفشلنا أو بإمكان نجاحنا‪.‬إّننا مهووسون بذواتنا‬ ‫أن نغبط الفرحان ولكّنه ل يستفّزنا إ ّ‬ ‫س بالخر في ذاته‪.‬فكيف‬ ‫ي ول نستطيع أن نح ّ‬ ‫حّتى الّنخاع نجمع لها ما به نحّقق الّنجاح الجتماع ّ‬ ‫س بالخر فينا؟كيف يمكن أن أفرح لفرح الخر بنفس الّدرجة الكبيرة اّلتي بها أفرح‬ ‫يمكن أن نح ّ‬ ‫لنفسي أو كيف يمكن أن أفرح لنفسي بنفس الّدرجة البسيطة اّلتي بها أفرح للخر؟ كيف يمكن أن‬ ‫ي أبتعد عن ذاتي فتكون ذاتي‬ ‫يصبح الخر أنا أو أن أصبح أنا الخر؟ إّنني إذا بحثت عن الخر ف ّ‬ ‫شعب‪)،‬د‪-‬ت( مج ‪ 2‬ج ‪ 1‬ص ‪.5‬‬ ‫‪ 21‬صحيح البخاري‪،‬دار مطابع ال ّ‬ ‫ن الجمع ليس إيجابّيا في ذاته‪،‬وهذا‬ ‫يشير دريفرمان إلى أ ّ‬

‫شأن‪22‬‬

‫‪.‬تكاثرالهرمونات أو الخليا في الجسم تكاثرا غير عاد ّ‬ ‫ي‬ ‫‪Eugen Drewerman :Fonctionnaires de Dieu,Paris,Albin Michel 1993,‬‬ ‫‪p-576‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ن قول‬ ‫ب لك ما تحّبه أنت لنفسك ل ما أتصّور أنا أّنك تحّبه لنفسك‪.‬إ ّ‬ ‫آخر مثلك ويمكنني أن أح ّ‬ ‫ب لنفسه"‪ 23‬يحّدد لليمان هذا‬ ‫الّرسول صّلى ال عليه وسّلم‪":‬ل يؤمن أحدكم حّتى يحبّ لخيه ما يح ّ‬ ‫شائعة‬ ‫طريقة ال ّ‬ ‫ي‪،‬وهو شرط تسمح لنا قواعد اللغة بأن نقرأه بطريقتين‪:‬الولى هي ال ّ‬ ‫شرط الساس ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫ب)الّثاني( محيل على المؤمن‪،‬فيكون المعنى‬ ‫ضمير المستتر الفاعل في فعل يح ّ‬ ‫على أساس اعتبار ال ّ‬ ‫ب المال فمن المفروض‬ ‫ب المؤمن لخيه ما يحّبه المؤمن لنفسه‪،‬فإن ُكنت أح ّ‬ ‫ن شرط اليمان أن يح ّ‬ ‫أّ‬ ‫ضمير المستتر الفاعل في الفعل‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ب المال لخي المؤمن‪.‬أّما القراءة الّثانية فإّنها تعتبر أ ّ‬ ‫أن أح ّ‬ ‫ب لخي المؤمن ما يحّبه هو‬ ‫ي أن أح ّ‬ ‫ن عل ّ‬ ‫ب" ل يحيل على المؤمن بل يحيل على الخ أي إ ّ‬ ‫"يح ّ‬ ‫ضرورة لما أحّبه أنا لنفسي‪.‬وبهذا المعنى ل ُأسقط على‬ ‫لنفسه‪،‬وما يحّبه هو لنفسه ليس موافقا بال ّ‬ ‫ي عساني أصل إلى‬ ‫ب بل أصالح صوت الخر ف ّ‬ ‫الخر تصّوري للشياء ول أفرض عليه ما أح ّ‬ ‫ي جزاء‪.‬‬ ‫صوت الخر فيه‪.‬فيكون العطاء بل هدف ول انتظار ل ّ‬ ‫الغائب الحاضر‪:‬‬ ‫شوق* ينفتح‬ ‫عندما تخرج حركة النسان في الكون من مجال الستهلك والحاجة إلى مجال ال ّ‬ ‫شوق*‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن الحاجة ليست سوى سعي لستهلك الحاضر في حين أ ّ‬ ‫باب جديد قوامه الغياب‪.‬ذلك أ ّ‬ ‫ي هو ذلك الخر اّلذي لم يكن‪،‬ذلك الخر‬ ‫شوق* الساس ّ‬ ‫ن موضوع ال ّ‬ ‫ل شوقا إلى غائب‪.‬إ ّ‬ ‫ل يكون إ ّ‬ ‫ي اّلذي ل يمكن أن ينقال‪.‬إّنه موضع الثبات عند‬ ‫ل‪.‬إّنه ما يحّركنا للقول إّنه دافعنا الصل ّ‬ ‫اّلذي لم َيْنَق ْ‬ ‫ل بغيابه‪.‬فإذا صّرحت به في قول ّما نشأ‬ ‫ل قول ولكّنه ل يكون إ ّ‬ ‫المناطقة‪،‬موضٌع موجود بالقّوة في ك ّ‬ ‫عند الّتصريح به موضع إثبات آخر غائب‪.‬إّنه الغياب الموجود بالقّوة أو لنقل إّنه الغياب الحاضر‬ ‫ل إلى هذا الخر الغائب‬ ‫ي ل يكون إ ّ‬ ‫ي الصل ّ‬ ‫ن موضع الشوق* البشر ّ‬ ‫أبدا بغيابه‪.‬وإّننا إذ نفترض أ ّ‬ ‫أبدا نسمح لنفسنا بأن نسّمي هذا الخر "ال"‪.‬‬ ‫‪ 23‬صحيح البخاري مج ‪ 1‬ج ‪ 1‬ص ‪.10‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ن حضور ال في غيابه ينتج أمرين‪:‬‬ ‫إّ‬ ‫‪+‬ل ضامن لوجود ال‪:‬‬ ‫أّولهما أّنه ل يمكن تحقيق وجود ال تحقيقا تجريبّيا‪.‬فلئن كان وجود الصل بمعناه العاّم قابل‬ ‫ن القول‪:‬‬ ‫ن تصّور ذلك الصل كائنا أو وحدة يمكن أن توسم بال ل يقبل التحقيق‪،‬ذلك أ ّ‬ ‫للفتراض فإ ّ‬ ‫"ال موجود" يسند محمول الوجود إلى موضوع ل يمكن إثبات وجوده تجريبّيا لذلك يعّد الوضعّيون‬ ‫ن تحقيق‬ ‫والفلسفة الّتجريبيون القول المذكور قول خلوا من المعنى‪.‬ل يمكن تحقيق وجود ال ل ّ‬ ‫وجوده يفترض وجود موضوع خارج عن ال يثبت وجوده وهذا مستحيل‪.‬لقد عّبر لكان عن‬ ‫ن ل وجود لشيء خار ٍ‬ ‫ج‬ ‫ن ل وجود لما وراء اللغة أي َأ ْ‬ ‫المفارقة ذاتها في حديثه عن اللغة إذ أقّر بَأ ْ‬ ‫ل ما قد نعتمده من حجج لثبات وجود اللغة قد صيغ وفق قواعد‬ ‫عن اللغة يضمن وجود اللغة‪.24‬فك ّ‬ ‫ي وهو‬ ‫ي ضمان‪.‬وكذا شأن موضع الوجود الصل ّ‬ ‫ل أن نعتقد وجود اللغة دون أ ّ‬ ‫اللغة‪.‬ول يبقى لنا إ ّ‬ ‫ي لّنه‬ ‫ي أو رياض ّ‬ ‫ن وجود ال ل يقوم على استدلل منطق ّ‬ ‫ال فإّنه ل وجود لشيء يضمن وجود ال‪.‬إ ّ‬ ‫الصل‪،‬والصل عند الّرياضيين أنفسهم من قبيل المصادرات)‪ (axiomes‬ل من قبيل‬

‫الّنظرّيات)‪théorè‬‬

‫ل أكبر من الجزء‪-‬‬ ‫ل على المصادرات الولى البديهّية‪ -‬شأن اعتبار الك ّ‬ ‫‪.(mes‬ومثلما أّننا ل نستد ّ‬ ‫فإّنه ل يمكننا الستدلل على وجود ال‪.25‬إّنه ل ضامن لوجود ال وليس رهان بسكال)‪(Pascal‬‬ ‫ن اليمان ل يكتسب‬ ‫ضامن‪ ،‬إّنه القرار بوطأة الغياب في حين أ ّ‬ ‫شهير سوى إقرار بوطأة غياب ال ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫ن المؤمن هو من يخشى الّرحمان‬ ‫ل في آيات كثيرة أ ّ‬ ‫ل من هذا الغياب‪.‬أل يؤّكد ال عّز وج ّ‬ ‫معناه إ ّ‬

‫‪.Ecrits,p-867 24‬‬ ‫ي فإّنه يصطدم‬ ‫‪" 25‬الخر المطلق هو طبعا ضامن القانون وهو المرجع الثالث للعلقة مع المثيل‪.‬ولكّنه وإن كان ضامنا للميثاق الّرمز ّ‬ ‫ص" ‪Lacan ,p-66‬‬ ‫سس ضمانه الخا ّ‬ ‫بمحال وهو أن يعّبر عّما يؤ ّ‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ن من وجوه الجحود الفرار من وطأة الغياب والبحث عن ضامن لوجود ال‪.‬فقد‬ ‫بالغيب‪.26‬إّننا نرى أ ّ‬ ‫طلب مشركو قريش من الّرسول صلى ال عليه وسّلم حججا تثبت وجود ال ‪،‬فقالوا‪":‬يا محّمد…قد‬ ‫ل ماء ول أشّد عيشا مّنا فسل لنا ربك الذي بعثك بما‬ ‫علمت أّنه ليس من الّناس أحد أضيق بلدا ول أق ّ‬ ‫بعثك به فليسّير عّنا هذه الجبال التي قد ضّيقت علينا وليبسط لنا بلدنا وليفجر فيها أنهارا كأنهار‬ ‫شام أو العراق…فقال لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪":‬ما بهذا بعثت إليكم…" فقالوا‪":‬فإذا لم‬ ‫ال ّ‬ ‫تفعل هذا لنا فخذ لنفسك سل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك…فقال لهم‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسّلم ما أنا بفاعل وما أنا بالذي يسأل ربه هذا وما بعثت إليكم بهذا…‬ ‫ل أن‬ ‫ن رّبك إن شاء فعل فإّنا ل نؤمن لك إ ّ‬ ‫سماء علينا كسفا كما زعمت أ ّ‬ ‫قالوا‪:‬فأسقط ال ّ‬ ‫تفعل‪،‬قال‪:‬فقال رسول ال ذلك إلى ال إن شاء أن يفعله بكم فعل"‪.27‬‬ ‫خل إلهّيا مباشرا في شؤون الحيسساة سسسواء‬ ‫ن المشركين يطلبون من الرسول في هذا الخبر تد ّ‬ ‫إّ‬ ‫أكان ذلك بتحقيق رغباتهم من جهة وما يتصّورونه رغبات الرسول من جهة أخرى)أي بالّترغيب(‬ ‫سة‬ ‫سا قاطعس‬ ‫سدون حججس‬ ‫سإّنهم ينشس‬ ‫أم بتدمير بعض عناصر الحياة )أي بالّترهيب(‪.‬وفي كلّ الحوال فس‬ ‫ساتهم لنّ‬ ‫سى طلبس‬ ‫سم إلس‬ ‫ن الّرسول صلى ال عليه وسلم يرفض أن يجيبهس‬ ‫ملموسة على وجود ال ولك ّ‬ ‫جة على وجوده‪.‬‬ ‫الساس اّلذي يقوم عليه اليمان بال هو غياب ال وغياب الح ّ‬ ‫ن اليمان بال ل يحتاج إلى أدّلة باعتباره فعل نفسّيا ل عمل منطقّيا‪،‬ولذلك نجد الّرسول صلى‬ ‫إّ‬ ‫به أو‬ ‫سن قلبب‬ ‫سا مس‬ ‫س" خالصس‬ ‫ل الس‬ ‫ن حقيقة اليمان هي في قول المؤمن‪":‬ل إله إ ّ‬ ‫ال عليه وسّلم يؤّكد أ ّ‬ ‫جة عقلّية أو منطقّيسسة أي‬ ‫يحّ‬ ‫ن فضل المؤمن على غير المؤمن هو في اليمان بال دون أ ّ‬ ‫نفسه‪.28‬إ ّ‬ ‫‪ 26‬انظر على سبيل المثال البقرة ‪– 2/2‬المائدة ‪– 5/94‬فاطر ‪- 35/18‬يس ‪…36/11‬‬ ‫‪ 27‬سيرة ابن هشام ج ‪ 1‬ص ‪.216‬‬ ‫‪ 28‬صحيح البخاري مج ‪ 3‬ج ‪ 8‬ص ‪.146‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫‪.‬‬ ‫جة ينتفي فضل المؤمن على غير‬ ‫في اليمان بال دون ضامن على وجوده ففي حال وجود هذه الح ّ‬ ‫سو‬ ‫ن جوهر اليمان هس‬ ‫جِميًعا‪)"...‬يونس ‪.(10/99‬إ ّ‬ ‫ض ُكّلُهْم َ‬ ‫لْر ِ‬ ‫ن ِفي ا َ‬ ‫ن َم ْ‬ ‫ك لَم َ‬ ‫شاَء َرّب َ‬ ‫المؤمن‪َ":‬وَلْو َ‬ ‫فعل ثقة واطمئنان ل فعل تفلسف وتفكير وكذا جوهر الكفر فعل جحود وقلسسق ل فعسسل تفلسسسف‬ ‫ساع‬ ‫سي دائرة القنس‬ ‫جة على وجود ال ل ينشد اليمان ولن يؤمن ما دام فس‬ ‫وتفكير‪.‬فالكافر إذ يطلب ح ّ‬ ‫ن َكَفُروا‬ ‫ل اّلِذي َ‬ ‫سوُه ِبَأْيِديِهْم َلَقا َ‬ ‫س َفَلَم ُ‬ ‫طا ٍ‬ ‫ك ِكَتاًبا ِفي ِقْر َ‬ ‫عَلْي َ‬ ‫ل‪َ":‬وَلْو َنّزْلَنا َ‬ ‫والقتناع‪.‬أفل يقول ال عّز وج ّ‬ ‫سوا‬ ‫سم إذا رأوه بقس‬ ‫سر الّرازي هذه الية قائل‪":‬والمقصود أّنهس‬ ‫ن")النعام ‪.(6/7‬ويف ّ‬ ‫حٌر ُمِبي ٌ‬ ‫سْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن َهَذا ِإ ّ‬ ‫ِإ ْ‬ ‫سالدراك‬ ‫ي بس‬ ‫سر ّ‬ ‫سوى الدراك البصس‬ ‫شاّكين فيه وقالوا إّنما سكرت أبصارنا فإذا لمسوه بأيديهم فقد يقس‬ ‫ن ذلك اّلذي رأوه ولمسوه هل هو‬ ‫ظهور والقّوة ثّم هؤلء يبقون شاّكين في أ ّ‬ ‫ي وبلغ الغاية في ال ّ‬ ‫اللمس ّ‬ ‫سفسطة"‪.29‬ونحن ل نّتهم هسسؤلء بمسسا‬ ‫ل على أّنهم بلغوا في الجهالة إلى حّد ال ّ‬ ‫موجود أم ل وذلك يد ّ‬ ‫اّتهمهم به الّرازي محكوما في ذلك بمنطلقاته العتقادّية ولكّننا نرى في شّكهم اّلذي ل ينهيه شسسيء‬ ‫تأكيدا لما أسلفناه من استعصاء وجود ال عن الخضوع لمنطق الّتحقيق سواء كان ذلسسك الّتحقيسسق‬ ‫ع في حياتنا‬ ‫ن ل موضو َ‬ ‫س والّتجريب‪.‬بل إّننا نذهب إلى أبعد من ذلك ونرى أ ْ‬ ‫باعتماد العقل أو الحوا ّ‬ ‫اليومّية البسيطة قابل للّتحقيق فنحن نكتفي بالّتواضع على وجود المواضيع في الكون إذ اليقين فسسي‬ ‫سنا‬ ‫سو أحاسيسس‬ ‫شيء الوحيد اّلذي نقّر بوجوده هس‬ ‫ن ال ّ‬ ‫وجودها ل يعني أّنها موجودة‪.‬ورّبما أشرنا إلى أ ّ‬ ‫صة" اّلسستي ل‬ ‫العميقة من ألم وفرح وحزن ولّذة وهي أحاسيس فردّية تدخل في إطار "الّتجربة الخا ّ‬

‫‪ 29‬مفاتيح الغيب مج ‪ 6‬ج ‪ 12‬صص ‪.170-169‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫صة بل لعّله أعمقها في مخاطبته لكلّ‬ ‫يمكن للخر تحقيقها‪.30‬واليمان هو من قبيل هذه الّتجارب الخا ّ‬ ‫ل هو‪.‬‬ ‫سه إ ّ‬ ‫فرد بما ل يح ّ‬ ‫سانب‬ ‫سى جس‬ ‫سؤمنين وإلس‬ ‫ن حضور ال في غيابه ‪-‬على إنشائه شيئا من القلق لدى بعض المس‬ ‫ثّم إ ّ‬ ‫سم الحجسسج القطعّيسسة‬ ‫اّتصاله بجوهر الّذات اللهّية‪-‬هو تعبير عن رحمة ال بالّناس إذ في حال تج ّ‬ ‫والكفر بها مع ذلك فل راحم لحد من عذاب ال‪،‬وهذا ما أثبته قول ال تعسسالى لعيسسسى إذ طلسسب‬ ‫ن َيْكُفْر َبْعسُد ِمْنُكسْم َفسَإّني‬ ‫عَلْيُكْم َفَم ْ‬ ‫ل ِإّني ُمَنّزُلَها َ‬ ‫لا ُ‬ ‫سماء ‪َ":‬قا َ‬ ‫الحوارّيون من ال إنزال مائدة من ال ّ‬ ‫ن")المائدة ‪.(5/115‬‬ ‫ن اْلَعاَلِمي َ‬ ‫حًدا ِم َ‬ ‫عّذُبُه َأ َ‬ ‫ل ُأ َ‬ ‫عَذاًبا َ‬ ‫عّذُبُه َ‬ ‫ُأ َ‬ ‫‪+‬وما يعلم تأويله إّل ال‪:‬‬ ‫ن لغياب‬ ‫ن اليمان بال فعل ثقة واطمئنان فإ ّ‬ ‫وإذا تجاوزنا عدم إمكان تحقيق وجود ال وقبلنا أ ّ‬ ‫ال نتيجة ثانية إذ المؤمن يريد أن يطيع ال وأن يلتزم بتعاليمه ويوّد أن يرضى عنه ال فيكون من‬ ‫ن غياب ال يجعل المؤمن غير متيّقن من مدى رضا ال س‬ ‫المنعم عليهم غير المغضوب عليهم‪.‬غير أ ّ‬ ‫ن ال ل يمكن أن يجيب المرء مباشرة عن تساؤلته‪.‬فقد طرح المؤمنون الجدد على الّرسول‬ ‫عنه ل ّ‬ ‫ن إجابته عنها لم تقنع المسسؤمنين‬ ‫ن القرآن لم يجب عنها أو أ ّ‬ ‫صّلى ال عليه وسّلم أسئلة كثيرة إّما أ ّ‬ ‫ساب ال س‬ ‫سدا‪:‬كتس‬ ‫ل أبس‬ ‫سم نض س ّ‬ ‫ن الّرسول أّكد أّنه قد ترك فينا ما إن اّتبعناه لس‬ ‫حأّ‬ ‫ولم تطمئنهم‪.31‬صحي ٌ‬ ‫سذاهب‬ ‫سرق والمس‬ ‫سن الفس‬ ‫وسّنته‪.‬ولكن تكفي نظرة سريعة إلى تاريخ السلم لنتبّين مدى الختلف بيس‬ ‫السلمّية في تفسير كتاب ال وسّنة رسوله‪،‬وهو اختلف تجاوز في كثير من الحيسسان المسسستوى‬ ‫صة من المفاهيم الفلسفّية اّلتي يختلف الفلسفة في حدودها‪،‬والوحي يدخل في إطار هذه الّتجارب‪.‬‬ ‫‪ 30‬مفهوم الّتجربة الخا ّ‬ ‫صة‪:‬‬ ‫انظر لمزيد توضيح مفهوم الّتجربة الخا ّ‬ ‫‪.P-M-S-Hacker :Wittgenstein,Paris,Seuil 2000,pp-33/38‬‬ ‫‪ 31‬ألفة يوسف‪:‬الخبار عن المرأة في القرآن والسّنة‪،‬تونس‪،‬سحر ‪ 1997‬صص ‪.80-77‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫سم عملّيا في عديد الحروب والفتن والمحن اّلتي عرفتها مجتمعسسات السسسلم‬ ‫ي ليتج ّ‬ ‫ي الفكر ّ‬ ‫الّنظر ّ‬ ‫ن القرآن‪ -‬مهما تكن مواضع إعجازه‪-‬‬ ‫سابقة أ ّ‬ ‫وعاناها أفراده‪.32‬وقد حاولنا أن نثبت في أحد أبحاثنا ال ّ‬ ‫ن معنى القول هو سبب القول أو السسّدافع‬ ‫ل يعدو أن يكون قول لغوّيا يقبل معناه الّتعّدد بالقّوة‪،‬وبّيّنا أ ّ‬ ‫ن معرفته الكاملة بمعاني قوله أي بأسبابه مستحيلة لوجود موضع‬ ‫ث كائنا بشرّيا فإ ّ‬ ‫إليه‪.‬فإذا كان البا ّ‬ ‫ث القول إلهيا‪-‬وهذا شأن القرآن‪ -‬فإ ّ‬ ‫ن‬ ‫اللوعي*)‪ (inconscient‬اّلذي يفّر من الحاطة به ‪،‬وإذا كان با ّ‬ ‫ل عبر اللغة‬ ‫ث المؤّهل للحاطة بمعاني قوله كّلها ولكّنه ل يخبرنا بها إذ ل ُيخاطبنا ال إ ّ‬ ‫ال هو البا ّ‬ ‫سم فسسي‬ ‫سم أوضح تج ّ‬ ‫اّلتي تفرض تعّدد المعنى‪.33‬وجهلنا بأسباب قول ال أي بمعاني ذلك القول يتج ّ‬ ‫جه قوله إلينا نحن البشَر وقد يّتصل معنى‬ ‫ل يو ّ‬ ‫عدم قدرتنا على القطع بمقاصد ال تعالى لّنه عّز وج ّ‬ ‫ستي‬ ‫سثيرة اّلس‬ ‫ذلك القول بطبيعتنا البشرّية الّنسبّية‪.‬فهل امتنع القرآن عن تحريم الرقّ مثل للسباب الكس‬ ‫ي زمن الّرسول لذلك الّنظام‪ -...‬أم امتنع‬ ‫ي الجتماع ّ‬ ‫ذكرها المحدثون‪-‬شأن استلزام الّنمط القتصاد ّ‬ ‫سن‬ ‫سسه لتمكيس‬ ‫سان نف َ‬ ‫ق لختياره إباحته إّياه في ذاته؟ وهل حّرم ال تعالى قتسل النسس‬ ‫عن تحريم الّر ّ‬ ‫النسان من تجاوز محن ولحظات ضعف قد يفّكر فيها في النتحار أم حّرم ال تعالى قتل الّنفس في‬ ‫سي مغرية للمؤمنين‬ ‫ن تلك الملّذ في بعدها الح ّ‬ ‫ذاته؟ وهل يعدنا ال بالخمور والحور العين لمعرفته أ ّ‬ ‫ساب‬ ‫سّية المذكورة؟ وهل يشّدد لنا ال صورة العقس‬ ‫صورة الح ّ‬ ‫اّلذين يخاطبهم أم الجّنُة هي فعل على ال ّ‬ ‫ي" بين البشر أم العقسساب‬ ‫ضرر بعضهم ببعض ولتحقيق تعايش "سلم ّ‬ ‫لحمل الّناس على عدم إلحاق ال ّ‬ ‫صورة المذكورة؟ وبعبارة أخرى هل يمكننا أن نبحث في مقاصد ال تعالى؟ فإن قيل‬ ‫هو فعل على ال ّ‬ ‫ل حديث عن معاني الحكام وإّننسسا‬ ‫ل بحث في حكمة التشريع وك ّ‬ ‫ل تفسير للقرآن وك ّ‬ ‫ل فإّننا نبطل ك ّ‬ ‫صمت‪،‬وإن قيل نعم فإّننا نكتفي بأقوال حول قول ال تعالى وهي أقوال ل تمّثله ول‬ ‫بذلك ندعو إلى ال ّ‬ ‫‪ 32‬يكفي أن نتذّكر الفتنة الكبرى أو محنتي ابن حنبل وابن رشد مثل‪.‬‬ ‫‪ 33‬تعّدد المعنى في القرآن ص ‪.405‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫سى‬ ‫سس علس‬ ‫طبري بُملزم لسواه ول تفسير ابن عربي بملزم غيره وقس‬ ‫ل أصحابها‪.‬فليس تفسير ال ّ‬ ‫تلزم إ ّ‬ ‫ذلك سائر الّتفاسير اّلتي ل تمّثل القرآن بل أصحابها‪،‬وليست بذلك سوى معان ثوان عن معنى أصل ّ‬ ‫ي‬ ‫ب ِمْن سُه‬ ‫سا َ‬ ‫عَلْيكَ اْلِكَتس‬ ‫ل َ‬ ‫ل يقول‪ُ ":‬هَو اّلذي َأْنَز َ‬ ‫ن ال عّز وج ّ‬ ‫ل ينقال هو القرآن في اللوح المحفوظ‪.34‬إ ّ‬ ‫شاَبَه ِمْنُه اْبِتَغاَء‬ ‫ن َما َت َ‬ ‫ن ِفي ُقُلوِبِهْم َزْيٌغ َفَيّتِبُعو َ‬ ‫ت َفَأّما اّلِذي َ‬ ‫شاِبَها ٌ‬ ‫خُر ُمَت َ‬ ‫ب َوُأ َ‬ ‫ن ُأّم اْلِكَتا ِ‬ ‫ت ُه ّ‬ ‫حَكَما ٌ‬ ‫ت ُم ْ‬ ‫آَيا ٌ‬ ‫عْن سدِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ل ِم س ْ‬ ‫ن آَمّنا ِب سِه ُك س ّ‬ ‫ن ِفي اْلِعْلِم َيُقوُلو َ‬ ‫خو َ‬ ‫سُ‬ ‫ل َوالّرا ِ‬ ‫لا ُ‬ ‫اْلِفْتَنِة َواْبِتَغاءَ َتْأِويِلِه َوَما َيْعَلُم َتْأِويَلُه ِإ ّ‬ ‫ضمير "ه" المّتصل بالمصدر‪":‬تأويل" على القرآن أو على‬ ‫َرّبَنا‪)"...‬آل عمران ‪،(3/7‬ويمكن أن يعود ال ّ‬ ‫سده‬ ‫سابه وحس‬ ‫ن تأويله من علم ال وحده وإن عاد على المتشس‬ ‫المتشابه منه‪،‬فإن عاد على القرآن ثبت أ ّ‬ ‫سرون والفرق السلمّية‪ 35‬وبذلك يتأّكسسد‬ ‫طرح إشكال تمييز المحكم من المتشابه مّما اختلف فيه المف ّ‬ ‫ُ‬ ‫ي في اللوح المحفوظ‪-‬أمر محال ل يمكن أن‬ ‫ن تأويل القرآن ‪-‬أي العودة به إلى معناه الّول الصل ّ‬ ‫أّ‬ ‫يّدعَيه واحد من البشر‪.36‬‬ ‫ي‪،‬فهسذا الّزركشسي‬ ‫سرون أنفسهم بعسر الّتقرير بتفسير نهائي قاطع للمقول القرآن ّ‬ ‫وقد شعر المف ّ‬ ‫سماع منه‬ ‫ن "أظهرها أّنه كلم متكّلم لم يصل الّناس إلى مراده بال ّ‬ ‫يحّدد وجوه عسر الّتفسير معتبرا أ ّ‬ ‫ن النسان يمكن علمه بمراد المتكّلم بأن يسسسمع‬ ‫ول إمكان للوصول إليه بخلف المثال والشعار فإ ّ‬ ‫ل بأن يسمع من الّرسول‬ ‫منه أو يسمع مّمن سمع منه أّما القرآن فتفسيره على وجه القطع ل يعلم إ ّ‬ ‫سير‬ ‫سن تفسس‬ ‫سة بيس‬ ‫سر المطابقس‬ ‫ث القرآن يع ّ‬ ‫ن غياب با ّ‬ ‫ل في آيات قلئل"‪.37‬إ ّ‬ ‫سلم وذلك متعّذر إ ّ‬ ‫عليه ال ّ‬ ‫سابق صص ‪.405-404‬‬ ‫‪ 34‬ال ّ‬ ‫ل وتسّمي اليات المطابقة لمذهبهم محكمة‬ ‫‪ 35‬مفاتيح الغيب‪،‬مج ‪ 4‬ج ‪ 7‬ص ‪.188‬يقول الّرازي‪":‬واعلم أّنك ل ترى طائفة في الّدنيا إ ّ‬ ‫واليات المطابقة لمذهب خصمهم متشابهة"‪.‬‬ ‫سرين إلى إمكان اعتبار الواو على العطف ل على الستئناف )مفاتيح الغيب مج ‪ 4‬ج ‪ 7‬ص ‪ (190‬فيكون الّراسخون‬ ‫‪ 36‬أشار بعض المف ّ‬ ‫في العلم قادرين على تأويل القرآن‪،‬ولكن أل تخضع صفة الّرسوخ في العلم ذاُتها لتعّدد المعنى‪،‬وهل نّتفق ضرورة في الّراسخين في العلم؟‬ ‫‪ 37‬بدر الّدين الّزركشي‪:‬البرهان في علوم القرآن‪.‬بيروت‪،‬دار الجيل ‪،1988‬ج ‪ 1‬ص ‪.16‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫سم‬ ‫سودة مج سّرد وهس‬ ‫المتقّبل من جهة وقصد ال الباث من جهة أخرى‪،‬حّتى تغدو هذه المطابقة المنشس‬ ‫مستحيل إدراُكه لغياب المنشئ القاصد العليم‪.‬وقد كان الّرسول صّلى ال عليه وسّلم المؤّهل الوحيسسد‬ ‫لتقديم المعنى "اللهي" ليات القرآن‪،‬ولكّننا نجده في كثير من الحيان يسلك سلوكا يوهم بالّتعارض‬ ‫مع ظاهر آيات القرآن مّما ندرس أبعاده في ما يأتي من هذا الكتاب‪.38‬‬ ‫صامت‪:‬‬ ‫الّرسول ال ّ‬ ‫سرآن‬ ‫ساني القس‬ ‫سن معس‬ ‫ساهر عس‬ ‫سا الظس‬ ‫ساديث واختلفهس‬ ‫إذا ضربنا صفحا عن إمكان وضع الحس‬ ‫ن الّرسول صّلى ال عليه وسّلم قادر على أن ُيترجم لنا مقاصد ال عزّ‬ ‫المتداولة‪،‬وإن افترضنا جدل أ ّ‬ ‫سون الوائل‬ ‫ن الّرسول نفسه قد غاب بالموت‪،‬ولم يض سّيع المؤمنس‬ ‫للّ‬ ‫ن مشكل الغياب لن ُيح ّ‬ ‫ل‪،‬فإ ّ‬ ‫وج ّ‬ ‫سي‬ ‫أكثر من ساعات ليختلفوا في تعيين خليفته‪.‬ولم يضّيع صحابة الّرسول أكثر من سنوات لينشّقوا فس‬ ‫فتنة بعض أطرافها إحدى أّمهات المؤمنين في مواجهة صهر الّرسول وابن عّمه‪.39‬‬ ‫ضامن الوحيد لتواصل ممكن مع الّذات اللهية وبغيابه غسساب هسسذا‬ ‫ن حضور الّرسول كان ال ّ‬ ‫إّ‬ ‫ن هذا الغياب –شأنه في ذلك شأن عدم القدرة على القطع بوجود‬ ‫الّتواصل غيابا نهائّيا‪.‬ونحن نؤّكد أ ّ‬ ‫حضر رسول ال صّلى السس‬ ‫ي لليمان‪.‬فقد ورد في عدد من كتب الحديث أّنه "لّما ُ‬ ‫ال‪ -‬شرط أساس ّ‬ ‫ب لكسسم كتابسسا ل تضسسّلون‬ ‫ي صّلى ال عليه وسّلم هلّموا أكت ْ‬ ‫عليه وسّلم وفي البيت رجال فقال النب ّ‬ ‫ساب‬ ‫سبنا كتس‬ ‫ن رسول ال صّلى ال عليه وسّلم قد غلبه الوجع وعندكم القرآن‪،‬حسس‬ ‫بعده‪،‬فقال بعضهم إ ّ‬ ‫ال‪،‬فاختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول قّربوا يكتب لكم كتابا ل تضّلون بعده ومنهم مسسن‬ ‫يقول غير ذلك‪،‬فلّما أكثروا اللغو والختلف قال رسول ال صّلى ال عليه وسّلم قوموا‪.‬قال عبيد ال‬ ‫‪ 38‬انظر المقال‪:‬روح القانون أم حرفّية القانون؟‬ ‫طليعة ‪.1995‬‬ ‫سياسة في السلم المبّكر‪،‬بيروت‪،‬دار ال ّ‬ ‫‪ 39‬لمزيد من الّتفاصيل انظر‪:‬هشام جعيط‪:‬الفتنة الكبرى‪-‬جدلّية الّدين وال ّ‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ل الّرزّية ما حال بين رسول ال صّلى ال عليه وسّلم وبيسسن أن‬ ‫ن الّرزّية ك ّ‬ ‫فكان يقول ابن عّباس إ ّ‬ ‫يكتب لهم ذلك الكتاب لختلفهم ولغطهم"‪.40‬‬ ‫ن اختلف القوم هو ما منع الّرسول المحتضر من كتابة الكتاب الخير ورأى‬ ‫رأى ابن عّباس أ ّ‬ ‫ل الّرزّية‪،‬وهذا الّرأي الممكن ل يحجب إمكانا آخر وهو أن يكون‬ ‫ن في غياب ذلك الكتاب الّرزّية ك ّ‬ ‫أّ‬ ‫غياب هذا الكتاب الخير إرادة من ال متناسقة مع جوهر اليمان وهو بذلك نعمة كلّ الّنعمة‪.‬ذلك أنّ‬ ‫سّذات‬ ‫سة الس‬ ‫ن طبيعس‬ ‫سا أ ّ‬ ‫ي فقد بّيّنس‬ ‫غياب هذا القول الممكن اّلذي يجيب عن جميع السئلة أمر ضرور ّ‬ ‫شوق‬ ‫ي لل ّ‬ ‫ل الساس ّ‬ ‫شوق* المستمّر اّلذي ل يني‪.‬والّدا ّ‬ ‫ل الفتقار الجوهرّية ال ّ‬ ‫البشرّية الفتقار‪،‬ومن دوا ّ‬ ‫إلى ال هو الّتساؤل المتواصل والبحث المستمّر عن جواب لن يكون البّتة نهائّيا‪،‬وكيف يكون نهائّيا‬ ‫ل قليل؟‬ ‫ل شيء؟ وكيف يكون نهائّيا وما أوتينا من العلم إ ّ‬ ‫والنسان ل يمكن أن يقول ك ّ‬ ‫إّننا لن نعرف البّتة في الحياة الّدنيا مدى رضا ال عّنا ولن نجزم إن كان ما يفعله الواحد مّنسسا‬ ‫"خيرا" أم "شّرا"؟ ولنا في حكاية الخضر وموسى دعوة للّتأّمل والّنظر‪.‬‬ ‫لن تستطيع معي صبرا‪:‬‬ ‫عْنسسدَِنا‬ ‫ن ِ‬ ‫حَمًة ِم ْ‬ ‫عَباِدَنا آَتْيَناُه َر ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عْبًدا ِم ْ‬ ‫لنتذّكر معا اليات ‪ 82-65‬من سورة الكهف‪َ ":‬فَوجَ​َدا َ‬ ‫ك َلسسنْ‬ ‫ل ِإّنسس َ‬ ‫شًدا‪َ-‬قسسا َ‬ ‫ت ُر ْ‬ ‫عّلْم َ‬ ‫ن ُتَعّلَمِني ِمّما ُ‬ ‫عَلى َأ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ل َأّتِبُع َ‬ ‫سى َه ْ‬ ‫ل َلُه ُمو َ‬ ‫عْلًما‪َ-‬قا َ‬ ‫ن َلُدّنا ِ‬ ‫عّلْمَناُه ِم ْ‬ ‫َو َ‬ ‫ساِبًرا َو َ‬ ‫ل‬ ‫صس‬ ‫لس َ‬ ‫شاَء ا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫جُدِني ِإ ْ‬ ‫سَت ِ‬ ‫ل َ‬ ‫خْبًرا‪َ-‬قا َ‬ ‫ط ِبِه ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫عَلى َما َلْم ُت ِ‬ ‫صِبُر َ‬ ‫ف َت ْ‬ ‫صْبًرا‪َ-‬وَكْي َ‬ ‫طيَع َمِعي َ‬ ‫سَت ِ‬ ‫َت ْ‬ ‫حّتسسى ِإَذا‬ ‫ك ِمْنُه ِذْكًرا‪َ-‬فاْنطَ​َلَقا َ‬ ‫ث َل َ‬ ‫حِد َ‬ ‫حّتى ُأ ْ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫عْ‬ ‫سَأْلِني َ‬ ‫ل َت ْ‬ ‫ن اّتَبْعَتِني َف َ‬ ‫ل َفِإ ِ‬ ‫ك َأْمًرا‪َ-‬قا َ‬ ‫صي َل َ‬ ‫ع ِ‬ ‫َأ ْ‬ ‫طيَع‬ ‫سسسَت ِ‬ ‫ن َت ْ‬ ‫ل ِإّنكَ َل ْ‬ ‫ل َأَلْم َأُق ْ‬ ‫شْيًئا ِإْمًرا‪َ-‬قا َ‬ ‫ت َ‬ ‫جْئ َ‬ ‫ق َأْهَلَها َلَقْد ِ‬ ‫خَرْقَتَها ِلُتْغِر َ‬ ‫ل َأ َ‬ ‫خَرَقَها َقا َ‬ ‫سِفيَنِة َ‬ ‫َرِكَبا ِفي ال ّ‬ ‫سا‬ ‫لًمس‬ ‫غَ‬ ‫سا ُ‬ ‫حّتى ِإَذا َلِقَيس‬ ‫طَلَقا َ‬ ‫سًرا‪َ-‬فاْن َ‬ ‫عْ‬ ‫ن َأْمِري ُ‬ ‫ل ُتْرِهْقِني ِم ْ‬ ‫ت َو َ‬ ‫سي ُ‬ ‫خْذِني ِبَما َن ِ‬ ‫ل ُتَؤا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫صْبًرا‪َ-‬قا َ‬ ‫َمِعي َ‬ ‫صْبًرا‪-‬‬ ‫طيَع َمِعي َ‬ ‫سَت ِ‬ ‫ن َت ْ‬ ‫ك َل ْ‬ ‫ل ِإّن َ‬ ‫ل َأَلْم َأُق ْ‬ ‫شْيًئا ُنْكًرا‪َ-‬قا َ‬ ‫ت َ‬ ‫جْئ َ‬ ‫س َلَقْد ِ‬ ‫سا َزِكّيًة ِبَغْيِر َنْف ٍ‬ ‫ت َنْف ً‬ ‫ل َأَقَتْل َ‬ ‫َفَقَتَلُه َقا َ‬ ‫‪ 40‬صحيح البخاري مج ‪ 2‬ج ‪ 3‬ص ‪.12‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ل َقْرَيٍة‬ ‫حّتى ِإَذا َأَتَيا َأْه َ‬ ‫عْذًرا‪َ-‬فاْنطَ​َلَقا َ‬ ‫ن َلُدّني ُ‬ ‫ت ِم ْ‬ ‫حْبِني َقْد َبَلْغ َ‬ ‫صا ِ‬ ‫ل ُت َ‬ ‫يءٍ َبْعَدَها َف َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫عْ‬ ‫ك َ‬ ‫سَأْلُت َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل ِإ ْ‬ ‫َقا َ‬ ‫ت‬ ‫سْذ َ‬ ‫خس‬ ‫ت لّت َ‬ ‫سْئ َ‬ ‫شس‬ ‫ل َلْو ِ‬ ‫ض َفَأَقاَمُه َقا َ‬ ‫ن َيْنَق ّ‬ ‫جَداًرا ُيِريُد َأ ْ‬ ‫جَدا ِفيَها ِ‬ ‫ضّيُفوُهَما َفَو َ‬ ‫ن ُي َ‬ ‫طَعَما َأْهَلَها َفَأَبْوا َأ ْ‬ ‫سَت ْ‬ ‫ِا ْ‬ ‫ت‬ ‫ساَن ْ‬ ‫صْبًرا‪َ-‬أّما السّ سِفيَنُة َفَكس‬ ‫عَلْيِه َ‬ ‫طْع َ‬ ‫سَت ِ‬ ‫ل َما َلْم َت ْ‬ ‫ك ِبَتْأِوي ِ‬ ‫سُأَنّبُئ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ق َبْيِني َوَبْيِن َ‬ ‫ل َهَذا ِفَرا ُ‬ ‫جًرا‪َ-‬قا َ‬ ‫عَلْيِه َأ ْ‬ ‫َ‬ ‫لُم‬ ‫سا اْلُغ َ‬ ‫صًبا‪َ-‬وَأّمس‬ ‫غ ْ‬ ‫سِفيَنٍة َ‬ ‫ل َ‬ ‫خُذ ُك ّ‬ ‫ك َيْأ ُ‬ ‫ن َوَراَءُهْم َمِل ٌ‬ ‫عيَبَها َوَكا َ‬ ‫ن َأ ِ‬ ‫ت َأ ْ‬ ‫حِر َفَأَرْد ُ‬ ‫ن ِفي اْلَب ْ‬ ‫ن َيْعَمُلو َ‬ ‫ساِكي َ‬ ‫ِلَم َ‬ ‫خْيًرا ِمْنُه َزَكاًة َوَأْقَر َ‬ ‫ب‬ ‫ن ُيْبِدَلُهَما َرّبُهَما َ‬ ‫طْغَياًنا َوُكْفًرا‪َ-‬فَأَرْدَنا َأ ْ‬ ‫ن ُيْرِهَقُهَما ُ‬ ‫شيَنا َأ ْ‬ ‫خِ‬ ‫ن َف َ‬ ‫ن َأَبَواُه ُمْؤِمَنْي ِ‬ ‫َفَكا َ‬ ‫حا َفَأَراَد‬ ‫صاِل ً‬ ‫ن َأُبوُهَما َ‬ ‫حَتُه َكْنٌز َلُهَما َوَكا َ‬ ‫ن َت ْ‬ ‫ن ِفي اْلَمِديَنِة َوَكا َ‬ ‫ن َيِتيَمْي ِ‬ ‫لَمْي ِ‬ ‫ن ِلُغ َ‬ ‫جَداُر َفَكا َ‬ ‫حًما‪َ-‬وَأّما اْل ِ‬ ‫ُر ْ‬ ‫سا َل سمْ‬ ‫ل َمس‬ ‫ك َتْأِويس ُ‬ ‫ن َأْمِري َذِل َ‬ ‫عْ‬ ‫ك َوَما َفَعْلُتُه َ‬ ‫ن َرّب َ‬ ‫حَمًة ِم ْ‬ ‫جا َكْنَزُهَما َر ْ‬ ‫خِر َ‬ ‫سَت ْ‬ ‫شّدُهَما َوَي ْ‬ ‫ن َيْبُلَغا َأ ُ‬ ‫ك َأ ْ‬ ‫َرّب َ‬ ‫صْبًرا"‪.‬‬ ‫عَلْيِه َ‬ ‫طْع َ‬ ‫سِ‬ ‫َت ْ‬ ‫سى ش سّرا‬ ‫سراه موسس‬ ‫صة القرآنّية هو الختلف في تأويل الحدث الواحد فما يس‬ ‫ن جوهر هذه الق ّ‬ ‫إّ‬ ‫سفينة وبنسساء‬ ‫ن موسى يقّيم قتل الغلم وخرق ال ّ‬ ‫صالح خيرا‪.41‬ومرّد الختلف بينهما أ ّ‬ ‫يعتبره العبد ال ّ‬ ‫سو‬ ‫صالح فهس‬ ‫ظاهرة بالمور أي وفق معرفته الّنسبّية المنطقّية‪،‬أّما العبد ال ّ‬ ‫جانا وفق معرفته ال ّ‬ ‫الحائط م ّ‬ ‫سا(‪.‬إنّ‬ ‫سدّنا علمس‬ ‫يقّيم الحداث نفسها وفق معرفة ألهمها إّياه ال )آتيناه رحمة من عندنا وعّلمناه من لس‬ ‫ن الّثاني‬ ‫ل بعض عناصره في حين أ ّ‬ ‫ن الّول ل يعرف من المقام إ ّ‬ ‫صالح أ ّ‬ ‫الفرق بين موسى والعبد ال ّ‬ ‫يعرف أكثر مّما عّلمه ال من عناصر المقام‪.‬وهذا هو جوهر الفرق بين النسان والسس‪،‬فل يمكسسن‬ ‫للنسان‪-‬وقد قصرت معرفته بالمقام عن أن تكون مطلقة‪-‬أن يفهم حكمة ال في الكون ‪.‬وفي هسسذا‬ ‫‪42‬‬

‫شخص المقصود‪:‬انظر على سبيل المثال أبو جعفر محمد بن‬ ‫ن ذلك العبد هو الخضر على أّنه يعسر القطع بال ّ‬ ‫سرين إ ّ‬ ‫‪ 41‬يقول بعض المف ّ‬ ‫طبري‪:‬جامع البيان في تأويل القرآن‪.‬بيروت‪،‬دار الكتب العلمّية ‪،1992‬ج ‪ 8‬صص ‪.251/252‬‬ ‫جرير ال ّ‬ ‫سفينة وأّما الغلم وأّما الجدار‪،‬قال‪:‬فسار‬ ‫صة القرآنّية‪":‬فأخبره بما قال أّما ال ّ‬ ‫‪ 42‬ورد في جامع البيان ج ‪ 8‬ص ‪ 251‬الخبر الّتالي اّلذي يتّم الق ّ‬ ‫طاف فجعل يستقي منه بمنقاره‪،‬فقيل‬ ‫به في البحر حّتى انتهى إلى مجمع البحور وليس في الرض مكان أكثر ماء منه‪،‬قال‪:‬وبعث رّبك الخ ّ‬ ‫ن علمي وعلمك في علم ال كقدر ما استقى هذا‬ ‫ل ما رزأ‪.‬قال‪:‬يا موسى فإ ّ‬ ‫طاف رزأ من هذا الماء؟قال ‪:‬ما أق ّ‬ ‫لموسى كم ترى هذا الخ ّ‬ ‫طاف من هذا الماء‪.‬وكان موسى قد حّدث نفسه أّنه ليس أحد أعلم منه أو تكّلم به‪،‬فمن ثّم ُأِمر أن يأتي الخضر"‪.‬‬ ‫الخ ّ‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫صبر سوى صسسبرنا‬ ‫صة القرآنّية‪،‬فليس أصل ال ّ‬ ‫صبر في الق ّ‬ ‫الطار يتسّنى لنا أن نفهم الحديث عن ال ّ‬ ‫ن موسى لم يستطع‬ ‫على جهلنا وعدم قدرتنا على فهم سبب ما قد يبتلينا به ال من ظاهر المصائب‪.‬إ ّ‬ ‫صبرا على انهيار منظومته المنطقّية المتماسكة‪،‬فكيف يكون في قتل الّنفس أو خرق الّرزق خيسسر؟‬ ‫وكثير مّنا مثل موسى ل يصبر على حكمة ال في الكون فيرى في ما يصيب الّناس من نقص فسسي‬ ‫النفس والّثمرات والموال ظلما أو عبثا ول يعرف أّننا مهما نتفّقه في شؤون الّدين والسسّدنيا لسسسنا‬ ‫سب‬ ‫سد ذهس‬ ‫سه‪.‬لقس‬ ‫بذوي معرفة مطلقة ولسنا من ثّم قادرين على الّنفاذ إلى الحكمة اّلتي تسّير الكون كّلس‬ ‫صبر على ال سوى صسسبر علسسى‬ ‫صبر‪،‬وليس ال ّ‬ ‫صبر على ال هو أرقى أنواع ال ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫الّرازي إلى أ ّ‬ ‫صبر سوى الّرضا والقبول بل‬ ‫ل بنا من كروب ومصائب‪،‬ليس ال ّ‬ ‫جهلنا وعجزنا عن تفسير ما قد يح ّ‬ ‫ل بساطة ل يمكن أن نفهم‪.‬‬ ‫فهم لّننا بك ّ‬ ‫عولمة الّدين‪:‬‬ ‫ل على سعي إلى تحويل الفقيسسه أو‬ ‫ن انتشار الكتب اّلتي عنوانها‪" :‬أنت تسأل وفلن يجيب" يد ّ‬ ‫إّ‬ ‫ي يوهم بحضور صوت ل في الرض ويوهم بإمكان العثور على‬ ‫رجل الّدين إلى موضوع استهلك ّ‬ ‫سائلين ظاهرة داّلة على غياب الطمئنان اّلذي ل‬ ‫ن قلق ال ّ‬ ‫صدع ويسّد الفتقار‪.‬إ ّ‬ ‫ي يربأ ال ّ‬ ‫جواب نهائ ّ‬ ‫ل حضور معّوض‪.‬أل يعّوض‬ ‫ي فإن لم يكن فعلى الق ّ‬ ‫ل على منوال الحضور الصل ّ‬ ‫يتصّوره هؤلء إ ّ‬ ‫ن المعّوض –لعبة كان أو رجل دين‪ -‬ل يمكسسن أن يسسسدّ‬ ‫الطفل أّمه الغائبة بلعبة؟‪ 43‬ولكن هيهات إ ّ‬ ‫شوق* بالّرمز ولّما كسسان‬ ‫ن طلب النسان يخدش ال ّ‬ ‫سم هذا الغياب ويؤّكده‪.‬إ ّ‬ ‫الغياب لّنه هو نفسه يج ّ‬ ‫ل استجابة للحاجة مهما تكن لن تسّد الفتقار ‪.44‬والمسلم اّلذي‬ ‫نكّ‬ ‫شوق* فإ ّ‬ ‫الّرمز عاجزا عن تمثيل ال ّ‬ ‫طفل أّمه الغائبة بلعبة فيما وسمه فرويد بلعبة الفور‪-‬دا )‪ (ford-da‬وتفيد باللمانّية معنيي الّذهاب والعودة‪.‬انظر‪:‬‬ ‫‪ 43‬يعّوض ال ّ‬ ‫‪.Au delà du principe du plaisir,in Essais de psychanalyse,pp52/53‬‬ ‫طلب‪.‬‬ ‫شوق هو ما ينتج عن طرح الحاجة من ال ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫طلب اّلذي يعتمد الّرمز للّتعبير عنه يخدش الحاجة‪،‬ولذلك ُيقّر لكان أ ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫‪ 44‬إ ّ‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫سؤال‬ ‫جه إلى رجل الّدين متوّهما أّنه قادر على إجابته عن سؤاله لن يجد برد اليقين إذ ل ينفتح ال ّ‬ ‫يتو ّ‬ ‫شافي منشودا ل ُيدرك‪.‬‬ ‫ي ال ّ‬ ‫ل الجواب الّنهائ ّ‬ ‫ل على سؤال وهكذا دواليك‪.‬ويظ ّ‬ ‫إّ‬ ‫إّننا ل نرى فرقا في تجسيم قيام الحضارة الماّدية الحديثة على الحاجة والستهلك بين جمسسع‬ ‫ي‪.‬ول‬ ‫سلع الّرمزّية اّلتي توهم بسسالمتلء المعرفسس ّ‬ ‫ي وجمع ال ّ‬ ‫سلع الماّدية اّلتي توهم بالمتلء الماّد ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫ل واحد منهما إيجابّيات سلعة ّما وحيرته بسسل‬ ‫نرى فرقا بين حيرة المستهلك إزاء مصنعين يشهر ك ّ‬ ‫فزعه إزاء مذهبين أو شيخين يختلفان في مسألة فقهية ّما‪.‬ولنا في "خلف" رجال الّدين حول فائض‬ ‫البنوك مثال واضح‪،‬فبعض رجال الّدين يعتبرون فائض البنوك ربا فيحّرمونه وبعضهم الخر يعتبر‬ ‫ذلك الفائض حّقا ل علقة له بالّربا فيحّلونه‪.‬وإذا ما تغاضينا عن خلفّيات الموقفين المصلحّية وسّلمنا‬ ‫ل فريسسق‬ ‫شوق* فيّدعي ك ّ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ل الحاجة مح ّ‬ ‫ن كل الموقفين الّتقريرّيين ُيح ّ‬ ‫ي‪،‬فإ ّ‬ ‫ن الخلف فكر ّ‬ ‫جدل أ ّ‬ ‫ي حاضر ليسسس‬ ‫ل بحث محموم عن جواب نهائ ّ‬ ‫نكّ‬ ‫تقديم القول الفصل اّلذي ل قول بعده‪،‬في حين أ ّ‬ ‫شوق* إلى ال في غيابه‪.‬‬ ‫ي وعجٍز عن ال ّ‬ ‫سوى سعي ل واع لنفي الفتقار الصل ّ‬ ‫العلمات الخفّية‪:‬‬ ‫ي وهو ل يقّدم لنا إجابات‬ ‫ي أو الّتجريب ّ‬ ‫ل في غيابه فهو ل يقبل الّتحقيق العقل ّ‬ ‫ن ال ل يكون إ ّ‬ ‫إّ‬ ‫ل‪.‬فقد‬ ‫ن ذات ال ليست موضع معرفة ومنطق بل موضع انكشاف وتج ّ‬ ‫قاطعة عن أسئلتنا المحّيرة‪.‬إ ّ‬ ‫ل هو‪،‬ومن يعيش هذه الّتجربة‬ ‫سها إ ّ‬ ‫ن ال يشير إليه وأّنه يهديه وفق علمات ل يح ّ‬ ‫يشعر بعضنا أ ّ‬ ‫ن ال يخاطبنا خطاب الغياب‪،‬وهو‬ ‫ن هذه الشارات غير قابلة للثبات ولكّنه يراها حقيقة‪.‬إ ّ‬ ‫يعرف أ ّ‬ ‫ن صوت‬ ‫ي والنساق المغلقة اّلتي تاه فيها النسان في عصرنا هذا‪.‬إ ّ‬ ‫خطاب بعيد عن الّتماسك المنطق ّ‬ ‫ق حاضر فينا يكفي أن يخرج النسان من صورته حّتى يسمعه‪.‬فالّرسول صّلى ال عليه‬ ‫ال الح ّ‬ ‫لمزيد الّتوضيح انظر‪Lacan,p-81:‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫وسّلم إذ دخل المدينة ترك الّناقة تختار المكان اّلذي سينزل به‪.45‬وليس اختيار الّناقة بفعل منطق ّ‬ ‫ي‬ ‫ن الّرسول رضي الّدخول في منطق آخر يخرج الّذات من موقع القدرة الوهمّية‬ ‫ي ولك ّ‬ ‫وتمحيص عقل ّ‬ ‫ن الّرسول يسائل علمات ال اّلتي ل تنقال ويرضى بحكمها دون أن‬ ‫إلى موقع الستسلم الّروحي‪.‬إ ّ‬ ‫ي ضمان ماّدي يثبت أّنها فعل العلمات المقصودة‪.‬وفي هذا الّرضا بالغيب تتشّكل‬ ‫يحصل على أ ّ‬ ‫طقوس والعادات‪،‬يستطيع‬ ‫ل الفتاوى وال ّ‬ ‫طاعة ال ويستطيع النسان إلى لقاء ال سبيل بعيدا عن ك ّ‬ ‫ل أفعاله استجابة لعلمات ال في الكون‪.‬لقد ورد‬ ‫النسان إلى لقاء ال سبيل في أعماق ذاته‪،‬فتصير ك ّ‬ ‫ن العبد إذا تقّرب إلى ال أحّبه فإذا أحّبه كان سمعه اّلذي يسمع به‬ ‫في أحد الحاديث القدسّية أ ّ‬ ‫وبصره اّلذي يبصر به ويده اّلتي يبطش بها ورجله اّلتي يمشي بها‪.46‬‬ ‫ل بعد‬ ‫غ من ك ّ‬ ‫طقوس فار ٍ‬ ‫ق لل ّ‬ ‫ن طاعة ال والّتقّرب إليه ل تقتصر في رأينا على تطبي ٍ‬ ‫على أ ّ‬ ‫ي ولكّنها سعي من النسان نحو صوت ال فيه‪.‬فالّذهاب إلى أعماق الّذات في افتقارها وألمها‬ ‫روح ّ‬ ‫سّواَها‪-‬‬ ‫س َوَما َ‬ ‫ن ال تعالى قال‪َ":‬وَنْف ٍ‬ ‫سفر في أغوار الّذات سفر في ال‪.‬إ ّ‬ ‫ويأسها هو ذهاب إلى ال وال ّ‬ ‫شمس ‪،(10-9-8-91/7‬ول‬ ‫ساَها")ال ّ‬ ‫ن َد ّ‬ ‫ب َم ْ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َزّكاَها‪َ-‬وَقْد َ‬ ‫ح َم ْ‬ ‫جوَرَها َوَتْقَواَها‪َ-‬قْد َأْفَل َ‬ ‫َفَأْلَهَمَها ُف ُ‬ ‫نرى أفضل تزكية للّنفس وإنماء لها من الغوص فيها ول نرى أكثر تدسية لها وإخفاٍء من العراض‬ ‫ل شيء جوابا ولك ّ‬ ‫ل‬ ‫عنها وقمع صوتها تحت وابل من الوامر والّنواهي المنّمطة اّلتي تّدعي لك ّ‬ ‫ل بحث حّدا‪.‬‬ ‫حيرة ردعا ولك ّ‬

‫‪ 45‬سيرة ابن هشام ج ‪ 2‬صص ‪.119/121‬‬ ‫‪ 46‬الحاديث القدسية‪،‬بيروت‪،‬دار الكتاب العربي)د‪-‬ت( ج ‪ 1‬ص ‪.81‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


http://twitter.com/olfayoussef http://www.youtube.com/OlfaYoussef http://www.facebook.com/OlfaTounes

4


‫بين حرفّية القانون وروح القانون‪:‬‬

‫الّزنى مثال‬

‫حديث محّير‪:‬‬ ‫سيرة مواقف من الّرسول ل تعير كبير اهتمام لقامة‬ ‫حّيرتني عند نظري في كتب السّنة وال ّ‬ ‫الحدود وتطبيق القانون‪،‬وكان منطلق حيرتي التقابل الكبير بين "تسامح" الرسول من جهة وما يقوم‬ ‫خر من تركيز على الحدود وإعلء من شأنها‪.‬‬ ‫ي ل سّيما المتأ ّ‬ ‫عليه الفقه السلم ّ‬ ‫ن رجل متزّوجا قد زنى فقال الّرسول‬ ‫حّيرني موقف الّرسول الذي أتاه أحد المؤمنين يعلمه بأ ّ‬ ‫ل من أخبرتهم‬ ‫للُمخِبر "لو سترته بردائك لكان خيرا لك"‪.47‬ولحظت تململ وقلقا واضحين يعتريان ج ّ‬ ‫ن وراء هذا القلق ما يرتبط في تصّوراتنا الجتماعية بالعلقة الجنسّية مطلقا‬ ‫كأّ‬ ‫بهذا الحديث‪.‬ول ش ّ‬ ‫ص من شحنة أخلقية يبلغ من تجّذرها في المخيال الجماعي أن كاد‬ ‫وخارج إطار الزواج بصفة أخ ّ‬ ‫معنى الفساد مسندا إلى فرد ّما يقتصر على إقامته علقات جنسّية خارج إطار الزواج‪.‬‬ ‫صة شهيرة في‬ ‫صحاح المعترف بها‪ -‬بق ّ‬ ‫وذّكرنا هذا الفصل من سّنة الرسول ‪-‬الوارد في كتب ال ّ‬ ‫الناجيل تعرض لموقف عيسى المتسامح من امرأة متزّوجة زنت وكان القضاة مقتفين خطاها‬

‫طأ مالك‪،‬ص ‪.546‬‬ ‫‪ 47‬مو ّ‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ليرجموها‪ .48‬فإذا بالمسيح يتصّدى لهم قائل قولته الشهيرة‪":‬من كان منكم بل خطيئة فليرمها‬ ‫بحجر"‪.‬فألقى القضاة جميعهم أحجارهم‪.49‬‬ ‫ن حديث الرسول صّلى ال عليه وسّلم وموقف المسيح كليهما يبّين ظاهرّيا خروجا عن القانون‬ ‫إّ‬ ‫المفترض‪.‬فقانون المسيحّية ينهى عن زنى المتزّوج وقانون السلم ينهى عن الّزنى عموما‪،‬ومن‬ ‫ن المرء المسلم إلى تطبيق القانون أن يحكم الّرسول على الّزانيين وفق قانون‬ ‫المفترض ليطمئ ّ‬ ‫الحدود بالجلد استنادا إلى ما هو وارد في القرآن أو بالّرجم وفق ما تثبته بعض الحاديث‪.50‬ولك ّ‬ ‫ن‬ ‫الّرسول يحّول موضوع اللوم من الزاني مقترف الذنب المفترض إلى الشاهد والّناقل‪.‬‬ ‫ي لتتحّقق "جريمة الّزنى" وهو حضور أربعة‬ ‫قد يكون مرّد هذا التحّول غياب شرط أساس ّ‬ ‫سر تطبيق الحّد على الّزاني إذ يندر أن يقيم شخصان علقة جنسية بحضور‬ ‫شهداء ‪.‬وهو شرط يع ّ‬ ‫‪51‬‬

‫أربعة شهداء فضل عن أن تكون هذه العلقة "جريمة" ُيعاقب عليها القانون‪.‬فهل يعني الّتشديد في‬ ‫شرط تطبيق الحّد على الّزناة موقفا متسامحا من الّزنى أم هل هو وقاية من الوشاية؟ وهل الّتشّدد‬ ‫شاهد على فعل الّزنى؟‬ ‫في هذا الشرط تيسير للّزاني أم تشديد على ال ّ‬ ‫سببين الممكنين‬ ‫ي وقد أسلفنا أن ل جواب قطعّيا‪.‬ولكن لننظر في ال ّ‬ ‫ل يمكن تقديم جواب قطع ّ‬ ‫ودللتهما على علقة النسان المسلم بالخر وبالقانون‪.‬‬ ‫التيسير للّزاني؟‪:‬‬ ‫ن الّرجم غير المذكور في القرآن رغم اعتماده حكما تشريعّيا في بلدان إسلمّية كثيرة ليس حكما إسلمّيا جديدا بقدر ما هو‬ ‫‪ 48‬هذا يؤّكد أ ّ‬ ‫مواصلة لممارسة تاريخّية قديمة‪.‬‬ ‫‪Evangile d'après Jean,chapitre VIII,Versets 1-11 49‬‬ ‫سيوطي‪:‬التقان في علوم القرآن‪،‬بيروت‪ ،‬عالم الكتب )د‪-‬ت( ج ‪ 2‬ص ‪.25‬‬ ‫‪ 50‬جلل الدين ال ّ‬ ‫جْلَدًة…")الّنور ‪.(24/4‬‬ ‫ن َ‬ ‫جِلُدوُهْم َثَماِني َ‬ ‫شَهَداَء َفا ْ‬ ‫ت ُثّم َلْم َيْأُتوا ِبأْرَبَعِة ُ‬ ‫صَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن اْلُم ْ‬ ‫ن َيْرُمو َ‬ ‫‪ 51‬يقول ال تعالى‪َ " :‬واّلِذي َ‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ن المواضيع الجنسيّة المباحة أكثر‬ ‫إذا نظرنا في تقنين القرآن والسّنة للعلقات الجنسية وجدنا أ ّ‬ ‫ن سائر المواضيع الجنسية‬ ‫من المواضيع الجنسّية المحّرمة‪.‬فإذا استثنينا المحارم والمشركين فإ ّ‬ ‫مباحة‪.‬فللّرجل أن يتزّوج أربع نساء على الكثر وليس الّزواج من حيث شروطه الجرائية عسيرا‬ ‫شرعية‪.‬وقد زّوج الّرسول أحد‬ ‫إذ يكفي وجود شاهدين عدلين ومهر حتى يكتسب عقد الزواج ال ّ‬ ‫سرون في تحريم زواج‬ ‫ي هو ما يحفظه ذلك الّرجل من القرآن‪.52‬ويختلف المف ّ‬ ‫المسلمين بمهر رمز ّ‬ ‫ضًة…")الّنساء‬ ‫ن َفِري َ‬ ‫جوَرُه ّ‬ ‫ن ُأ ُ‬ ‫ن َفآُتوُه ّ‬ ‫سَتْمَتْعُتْم ِبِه ِمْنُه ّ‬ ‫المتعة انطلقا من قول ال تعالى‪َ…":‬فَما ا ْ‬

‫‪4/2‬‬

‫طاب هو اّلذي حّرم زواج المتعة‪،‬وفي هذا الطار يدرج‬ ‫ن عمر بن الخ ّ‬ ‫‪،(4‬ويرى بعض الّدارسين أ ّ‬ ‫ن عمر رضي ال عنه نهى عن المتعة ما زنى إ ّ‬ ‫ل‬ ‫ي بن أبي طالب‪":‬لول أ ّ‬ ‫طبري قول عل ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫ق يكون للّرجل حقّ الّتسّري بما شاء من ملك‬ ‫ي" ‪.‬وفي إطار العلقات الجتماعّية اّلتي تقبل الّر ّ‬ ‫شق ّ‬ ‫‪53‬‬

‫ن متزّوجات‪.54‬ويؤّكد أنس بن مالك أّنه ل يرى بأسا في‬ ‫اليمين وله سبي الّنساء في الغزوات وإن ك ّ‬ ‫ن وفق‬ ‫أن ينزع الّرجل جاريته من عبده ‪.‬وللّرجل تسريح زوجاته بإحسان متى شاء وتزّوج سواه ّ‬ ‫‪55‬‬

‫شروط المذكورة‪.‬وللمرأة الخلع من زوجها بشرط إرجاع مهره إليه‪،‬ولها الّزواج برجل من‬ ‫ال ّ‬ ‫المسلمين وأهل الكتاب دون المشركين‪.56‬ول نجد في القرآن آية صريحة في تحريم علقة الحّرة‬ ‫‪ 52‬صحيح البخاري مج ‪،3‬ج ‪ 7‬ص ‪-5‬صحيح مسلم‪،‬دار إحياء الكتب العربّية ‪ 1955‬ج ‪ 2‬صص ‪.1040/1041‬‬ ‫‪ 53‬جامع البيان ج ‪ 4‬ص ‪.15‬‬ ‫سرين للية ‪ 24‬من الّنساء‪.‬على سبيل المثال‪:‬جامع البيان ج ‪ 4‬ص ‪-10‬مفاتيح الغيب مج ‪ 5‬ج ‪ 10‬ص ‪.42‬‬ ‫‪ 54‬راجع تفسير المف ّ‬ ‫‪ 55‬صحيح البخاري مج ‪ 3‬ج ‪ 7‬ص ‪.13‬‬ ‫‪ 56‬ليس في القرآن آية صريحة في تحريم زواج المسلمات برجال من أهل الكتاب‪.‬ويحّرم القرآن الّزواج بالكّفار والمشركين على الّرجال‬ ‫جَبْتُكْم َو َ‬ ‫ل‬ ‫عَ‬ ‫شِرَكٍة َوَلْو َأ ْ‬ ‫ن ُم ْ‬ ‫خْيٌر ِم ْ‬ ‫لَمٌة ُمْؤِمَنٌة َ‬ ‫ن َو َ‬ ‫حّتى ُيْؤِم ّ‬ ‫ت َ‬ ‫شِرَكا ِ‬ ‫حوا اْلُم ْ‬ ‫ل َتْنِك ُ‬ ‫صِم اْلَكَواِفِر…الممتحنة ‪َ،60/10‬و َ‬ ‫سُكوا ِبِع َ‬ ‫ل ُتْم ِ‬ ‫والّنساء )…َو َ‬ ‫جَبُكْم…)البقرة ‪ (2/221‬ويصّرح بإباحة الّزواج بالّنساء الكتابّيات للّرجال‬ ‫عَ‬ ‫ك َوَلْو َأ ْ‬ ‫شِر ٍ‬ ‫ن ُم ْ‬ ‫خْيٌر ِم ْ‬ ‫ن َ‬ ‫حّتى ُيْؤِمُنوا َوَلَعْبٌد ُمْؤِم ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫شِرِكي َ‬ ‫حوا اْلُم ْ‬ ‫ُتْنِك ُ‬ ‫ن َقْبِلُكْم…المائدة ‪ (5/5‬ويسكت عن زواج المؤمنات من رجال أهل الكتاب‪.‬واختلف‬ ‫ب ِم ْ‬ ‫ن ُأوُتوا اْلِكَتا َ‬ ‫ن اّلِذي َ‬ ‫ت ِم َ‬ ‫صَنا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫المسلمين)…َواْلُم ْ‬ ‫سرون في اعتبار آية المائدة المذكورة منسوخة واختلفوا في اعتبار الكتابّية مشركة فرأى بعضهم أّنها مشركة تحرم على المسلم ورأى‬ ‫المف ّ‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫سرون في دللة‬ ‫بملك يمينها‪،‬ول آية صريحة في تحريم زواج المرأة بأكثر من رجل إذ اختلف المف ّ‬ ‫ساِء ِإلّ َما َمَلَك ْ‬ ‫ت‬ ‫ن الّن َ‬ ‫ت ِم َ‬ ‫صَنا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫عَلْيُكْم ُأّمَهاُتُكْم…َواْلُم ْ‬ ‫ت َ‬ ‫حّرَم ْ‬ ‫لفظة "محصنة" في قول ال تعالى‪ُ ":‬‬ ‫سائد اّلذي‬ ‫َأْيَماُنُكْم" )الّنساء ‪.(24-4/23‬ولكّننا‪ -‬درءا للجدل اّلذي ليس هدفنا‪ -‬نأخذ بالتفسير العرفي ال ّ‬ ‫ن للمرأة أن تنكح زوجا واحدا يمكنها خلعه متى شاءت‪.‬‬ ‫يرى أ ّ‬ ‫ن إمكانات تحّقق الممارسات الجنسّية كبيرة جّدا خلفا لما هو الشأن في بعض قراءات‬ ‫واضح أ ّ‬ ‫ل ما عقده ال أي أن يفصم عرى‬ ‫حّ‬ ‫ل للنسان أن ي ُ‬ ‫ي وحيث ل يح ّ‬ ‫الديانة المسيحّية حيث ل تسّر َ‬ ‫علقة الّزواج‪.‬ويمكن أن نطرح في هذا المستوى سؤال عن الفرق بين هذه العلقات الجنسّية الكثيرة‬ ‫المباحة والّزنى المحّرم عّلنا نتبّين معنى تحريم الّزنى أو سببه‪.‬‬ ‫لماذا كان الّزنى فاحشة؟‪:‬‬ ‫يعّرف الفقهاء الّزنى بأّنه "عبارة عن إيلج فرج في فرج مشتهى طبعا محّرم قطعا"‪.57‬ويمكن أن‬ ‫نعتمد هذا الّتعريف ضاربين صفحا عن وجود ضروب عديدة من الممارسات الجنسّية ل تدخل‬ ‫ن الفرق بين‬ ‫ضمنه‪،‬وهي ممارسات حّيرت الفقهاء ووّلدت اختلفات عديدة بينهم‪.‬ويبدو واضحا أ ّ‬ ‫الّزواج والتسّري من جهة والّزنى من جهة ثانية ليس في طبيعة العلقة الجنسّية أو سماتها بل في‬ ‫خضوع العلقتين الوليين لشروط تنظيمّية وخلّو العلقة الثالثة منها‪،‬ففي حال التسّري والّزواج تعلم‬ ‫ن الجماعة تجهل إمكان قيام علقة جنسّية‬ ‫الجماعة بإمكان قيام علقة جنسّية بين شخصين في حين أ ّ‬

‫ص وبمقتضى الجماع على منع زواج المسلمة بغير‬ ‫ل له )مفاتيح الغيب مج ‪ 3‬ج ‪ 6‬صص ‪،(62/63‬ولكّنهم اّتفقوا دون ن ّ‬ ‫آخرون أّنها تح ّ‬ ‫المسلم‪.‬وهو إجماع حاول بعض الّدارسين المحدثين مراجعته وفهم خلفّياته الّنفسّية والجتماعّية‪.‬‬ ‫‪ 57‬مفاتيح الغيب مج ‪ 12‬ج ‪ 23‬ص ‪.132‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫بين الّزانيين‪.‬ولذلك فإّنه يجوز في الحالتين الوليين أن ينسب الطفل إلى أبيه الممكن إذ يؤّكد‬ ‫ن "الولد للفراش وللعاهر الحجر"‪.58‬‬ ‫الرسول صلى ال عليه وسّلم أ ّ‬ ‫ن علقة الّزنى لقيامها على جهل الجماعة بها قد تنتج أطفال ل يمكن نسبتهم إلى آبائهم في‬ ‫إّ‬ ‫ي بل من‬ ‫مجتمع يقوم على دعوة البن لبيه‪،‬وهي لذلك علقة من شأنها أن تهّدد الّنظام الجتماع ّ‬ ‫ي وهو قانون منع إتيان‬ ‫ي اّلذي يقوم عليه الجنس البشر ّ‬ ‫شأنها أن تهّدد القانون الصل ّ‬ ‫المحارم*‪.‬فغياب اسم الب* قد يؤّدي إلى إمكان قيام علقة جنسّية بين الب وابنته أو الخ وأخته‬ ‫سر تحريم‬ ‫ل واحد منهما بما يربطه بالخر من علقة دم‪.‬وهذا المكان هو اّلذي يف ّ‬ ‫دون أن يعلم ك ّ‬ ‫ن الّتبّني يقيم اسم الب* على‬ ‫الّتبّني بمعنى نسبة البن إلى غير أبيه في حال معرفة ذلك الب‪،‬ذلك أ ّ‬ ‫الكذب فيتموضع الصل في الكذب ويفقد السم المنشئ قدرته على إثبات النسان منذ البدء في مح ّ‬ ‫ل‬ ‫صدق‪.59‬ولذلك قال الّرسول صّلى ال عليه وسّلم‪":‬ليس من رجل اّدعى لغير أبيه وهو يعلمه إ ّ‬ ‫ل‬ ‫ال ّ‬ ‫كفر"‪.60‬‬ ‫روح القانون‪:‬‬ ‫ن قانون تحريم الّزنى إذن ل ينشد تحديد العلقات الجنسّية بل هو تفريع من القانون الصل ّ‬ ‫ي‬ ‫إّ‬ ‫ي‪.‬وموقف‬ ‫اّلذي يمّثل شرط دخول النسان في الّثقافة وذلك مهما تكن ديانته أو انتماؤه الجتماع ّ‬ ‫سم في‬ ‫الّرسول من الّزانيين في اختلفه عن الموقف المتشّدد المتوّقع أي موقف إقامة الحّد إّنما يج ّ‬ ‫ي للقانون إلى محاولة قراءة القانون أو إضفاء معنى عليه‪ 61‬بالّنفاذ إلى‬ ‫رأينا تجاوزا للّتطبيق الل ّ‬ ‫‪58‬‬

‫صحيح البخاري مج ‪ 1‬ج ‪ 3‬ص ‪-70‬صحيح مسلم ج ‪ 2‬ص ‪.1080‬‬

‫ن كثيرا من الضطرابات الّنفسّية تنشأ من معرفة البن بكذب نسبه المفترض‪.‬‬ ‫شائع أ ّ‬ ‫‪ 59‬من ال ّ‬ ‫‪ 60‬صحيح البخاري مج ‪ 2‬ج ‪ 1‬ص ‪.219‬‬ ‫‪Françoise Dolto:Les Evangiles et la foi au risque de la psychanalyse ou La vie du désir,Paris,Gallimard 61‬‬ ‫‪.1996,p-178‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫روحه‪.‬فتحريم الّزنى ليس هدفا في ذاته وحّد الّزانيين ليس ردعا للّردع ولكّنه مّتصل بالخشية من‬ ‫ن في موقف الّرسول دعوة إلى الّتفكير في‬ ‫اختلط النساب ومن ثّم خشية إتيان المحارم*‪ .62‬إ ّ‬ ‫ي أي تحريم المحارم*‪،‬وهو يؤّكد لنا أ ّ‬ ‫ن‬ ‫ي أي تحريم الّزنى في إطار القانون الصل ّ‬ ‫القانون الفرع ّ‬ ‫سم تاريخّيا في تفكير عمر في‬ ‫ل القوانين الفرعّية ل تحكمها اللّية بل الّتفكير وإعمال الّنظر مّما تج ّ‬ ‫كّ‬ ‫ج وفق تفسير ممكن لروح‬ ‫قانون قطع اليد وتعطيله‪،‬وفي تحريمه العمرة في أشهر الح ّ‬ ‫القانون ‪.‬والّناظر في أحاديث الّرسول يرى أّنه صّلى ال عليه وسّلم لم يكن متسّرعا إلى تطبيق‬ ‫‪63‬‬

‫ن الّرسول أعرض مّرات عن‬ ‫الحدود ول سّباقا إلى الّردع والّزجر‪،‬فقد جاء في صحيح البخاري أ ّ‬ ‫رجل قال إّنه زنى‪،64‬وفي حديث آخر نجد الّرسول يطّوع الحّد وفق الواقع اّلذي يتعامل معه‪،‬فقد بال‬ ‫ي في المسجد‪"،‬فثار إليه الّناس ليقعوا به‪،‬فقال لهم رسول ال صّلى ال عليه وسّلم دعوه‬ ‫أعراب ّ‬ ‫سرين"‪.65‬إ ّ‬ ‫ن‬ ‫سرين ولم ُتبعثوا مع ّ‬ ‫وأهريقوا على بوله َذنوبا من ماء أو سجل من ماء فإّنما ُبعثتم مي ّ‬ ‫سلوك بغرض العتداء على مقّدسات المسلمين ولعّله‬ ‫ن هذا الّرجل لم يسلك مثل هذا ال ّ‬ ‫محّمدا علم أ ّ‬ ‫ي فل داعي لعقابه ما أمكن تنظيف المكان‪ ،‬وفي حديث آخر جاء‬ ‫ي أو عقل ّ‬ ‫كان مصابا بمرض بدن ّ‬ ‫ت‪،‬قال‪:‬ولم؟ قال وقعت على أهلي في رمضان قال فأعتق رقبة قال ليس‬ ‫رجل إلى الّرسول "فقال‪:‬هلك ُ‬ ‫عندي قال فصم شهرين متتابعين قال ل أستطيع قال فأطعم سّتين مسكينا قال ل أجد فُأتي الّنبي‬ ‫سائل قال ها أنذا قال‪:‬تصّدق بهذا قال على أحوج مّنا‬ ‫صلى ال عليه وسّلم بعرق فيه تمر فقال أين ال ّ‬ ‫ق ما بين لَبَتْيها أهل بيت أحوج مّنا فضحك النبي صّلى ال عليه‬ ‫يا رسول ال فواّلذي بعثك بالح ّ‬ ‫ن "الحرام الوحيد هو إدخال الضطراب في الجيال"‪Inceste et Jalousie,p-126 .‬‬ ‫‪ 62‬نذّكر في هذا المقام برأي لكان اّلذي يقّر بأ ّ‬ ‫طبري‪ :‬تاريخ الّرسل والملوك‪،‬القاهرة‪،‬دارالمعارف‪،‬ط‪) 4-‬د‪-‬ت(‪،‬ج ‪ 4‬ص ‪.225‬‬ ‫‪ 63‬أبو جرير ال ّ‬ ‫‪ 64‬صحيح البخاري مج ‪ 3‬ج ‪ 7‬ص ‪.59‬‬ ‫سابق ج ‪ 8‬ص ‪.37‬‬ ‫‪ 65‬ال ّ‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫وسلم حّتى بدت أنيابه قال فأنتم إًذا"‪.66‬ولنا أن نقارن في هذا الحديث بين انزعاج الّرجل وهدوء‬ ‫ح‪،‬ففي آخر المر وقع الّرجل على امرأته في رمضان‬ ‫الّرسول ولنا أن نلحظ تسامح الّرسول الواض َ‬ ‫ن محّمدا كان ينظر في خلفّية القانون وعلقته بمفهوم إلحاق‬ ‫صل على غذاء من الّرسول‪.‬إ ّ‬ ‫وتح ّ‬ ‫ضرر بالخر أي إّنه كان يعطي للقانون معناه‪،‬ولم يكن يتسّرع إلى العقاب وتطبيق الحدود‬ ‫ال ّ‬ ‫ي" في غنى‬ ‫سو ّ‬ ‫باعتبارهما غاية وهدفا‪.‬فهو إذن يعلي من شأن القانون الّداخلي اّلذي يجعل النسان "ال ّ‬ ‫ي اّلذي ل يفعل شيئا سوى‬ ‫ضرر بالخرين ويقّلل من أهّمية القانون الخارجي الّردع ّ‬ ‫عن إلحاق ال ّ‬ ‫ي قانون‪.67‬وهذا الّتصّور من شأنه أن يسمح لعدد‬ ‫ل حكايتها فردّية ل يحيط بها أ ّ‬ ‫قمع الّذات التي تظ ّ‬ ‫ي في بلداننا العربية‬ ‫ي‪،‬فلو ضربنا َمَثل اللوط ّ‬ ‫كبير من الّناس بأن يتجاوزوا الحساس بالّذنب المرض ّ‬ ‫سسات معه منافيا لسلوك الّرسول اّلذي أسلفنا‪.‬فهل يكفي‬ ‫السلمّية اليوم لوجدنا تعامل الفراد والمؤ ّ‬ ‫ي مؤّكدا له أّنه "شاّذ"‬ ‫أن تقرع أسماع اللوطي بمواعظ ونصائح أو أن تدعوه إلى تغيير سلوكه الجنس ّ‬ ‫وهل يكفي أن ترّهبه بشّتى أنواع العقاب المحتملة في الّدنيا والخرة حّتى يتحّول إلى إنسان‬ ‫ن النسان يختار عن وعي أن يكون لوطّيا أي إّنه يختار أن‬ ‫ن الجابة بنعم تضمر أ ّ‬ ‫ي"؟ إ ّ‬ ‫"طبيع ّ‬ ‫ن هؤلء يوّدون الندماج في‬ ‫ن التحاليل الّنفسية بل الجلسات الحميمة تثبت أ ّ‬ ‫يعيش منبوذا في حين أ ّ‬ ‫سلوك ليس اختيارا‬ ‫ي شأنه في ذلك شأن سائر أنماط ال ّ‬ ‫ن سلوكهم الجنس ّ‬ ‫المجتمع ول يستطيعون ل ّ‬ ‫ي‪.‬وكم فرد مّنا وّد لو غّير بعضا من طباعه انطلقا‬ ‫عقلّيا منطقّيا كما أراد أن يوهمنا الفكر الوضع ّ‬ ‫ي–‬ ‫ن القانون الخارج ّ‬ ‫طبع ل يتغّير وإن اّتخذ أشكال أخرى‪.‬إ ّ‬ ‫ي فإذا بال ّ‬ ‫من اختيار واع وقرار نهائ ّ‬ ‫سسة أم في سلوك الفراد‪-‬ل يؤّثر في الواقع بل يعّمق الحساس بالّذنب وهو‬ ‫سم في المؤ ّ‬ ‫سواء أتج ّ‬ ‫ن السلم دين منفتح نحو المستقبل وهذا ما يؤّكده مفهوم‬ ‫إحساس ل يتلءم مع روح السلم ذلك أ ّ‬ ‫سابق ج ‪ 7‬ص ‪.86‬‬ ‫‪ 66‬ال ّ‬ ‫‪ 67‬للّتمييز بينهما بوضوح انظر‪.Le divan et le prie-Dieu ,p-192 :‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ي للوجود ل يقف على‬ ‫جل بل ممارسة يومّية تمّكن المرء من تصّور دينام ّ‬ ‫الّتوبة‪،‬فهي ليست فعل مؤ ّ‬ ‫أطلل الماضي بقدر ما يتطّلع إلى المستقبل في تفاؤل وحبور منطلقهما العتقاد في رحمة ال‪.‬أفلم‬ ‫ي من بني إسرائيل لّنها سقت كلبا كاد يقتله العطش‪.68‬‬ ‫ُيغفر لبغ ّ‬ ‫نسبّية القانون‪:‬‬ ‫ل متحّولة‪،‬فالخمر حلل عند المسيحّيين بل هي مقّدسة وهي حرام‬ ‫إن القوانين وإن تكن إلهية تظ ّ‬ ‫ّ‬ ‫سرين المسلمين‪.69‬وتعّدد الّزوجات مباح في السلم في حين أّنه محّرم عند‬ ‫عند جمهور المف ّ‬ ‫المسيحّيين‪،‬وليس هذان سوى مثالين على اختلف القوانين اللهّية بين دين ودين وهو ما قد يؤّكد أنّ‬ ‫ل نسبّية ليكون مطلقا عبر‬ ‫القوانين نسبّية ما عدا قانون تحريم إتيان المحارم* اّلذي يخرج عن ك ّ‬ ‫ن اختلف القوانين هذا مرّده تحريف الّنصارى واليهود كلم‬ ‫الّزمان والمكان‪.‬وحّتى إن افترضنا أ ّ‬ ‫ظْلٍم ِم َ‬ ‫ن‬ ‫ل يقول‪َ":‬فِب ُ‬ ‫ال فإّننا نجد في القرآن نفسه شاهدا على نسبّية القوانين وتحّولها‪،‬فال عّز وج ّ‬ ‫ل َكِثيًرا" )الّنساء ‪.(4/160‬ويؤّكد‬ ‫لا ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫عْ‬ ‫صّدِهْم َ‬ ‫ت َلُهْم َوِب َ‬ ‫حّل ْ‬ ‫ت ُأ ِ‬ ‫طّيَبا ٍ‬ ‫عَلْيِهْم َ‬ ‫حّرْمَنا َ‬ ‫ن َهاُدوا َ‬ ‫اّلِذي َ‬ ‫طّيب الحلل خبيثا محّرما بغرض الّتشديد على اليهود وعقابهم عّما اقترفوه‬ ‫ن ال قد بّدل ال ّ‬ ‫الّرازي أ ّ‬ ‫سكوت‬ ‫سرون‪.70‬أفل يجوز أن يكون تحريم الخمر في القرآن بعد ال ّ‬ ‫من ذنوب اختلف في تحديدها المف ّ‬ ‫عنها ناتجا عن ظلم بعض المسلمين الوائل أنفسهم عند شرب الخمر واعتداء بعضهم على بعضهم‬ ‫الخر وهم فاقدون لحدود العقل؟‪.71‬وحينئذ أل يجوز أن يكون ظلم النسان لنفسه منشئا لحدود‬ ‫‪ 68‬صحيح البخاري مج ‪ 2‬ج ‪ 1‬ص ‪ .211‬ونلحظ الجمع بين صفتي البغاء والنتماء إلى بني إسرائيل بما لهما من معان التزامّية سلبية‬ ‫من جهة والبساطة الظاهرة لفعل الخير المتمّثل في سقي الكلب من جهة ثانية‪.‬‬ ‫سرين والفقهاء في حدود مقولة الخمر‪.‬انظر مثل‪:‬أبو بكر بن العربي‪:‬أحكام القرآن‪،‬مطبعة‬ ‫ن هناك خلفات بين المف ّ‬ ‫‪ 69‬نقول جمهور ل ّ‬ ‫البابي الحلبي ‪ 1968‬ج ‪ 1‬ص ‪.149‬‬ ‫‪ 70‬مفاتيح الغيب مج ‪ 6‬ج ‪ 11‬ص ‪.106‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ن المسلم من سلم الّناس من يده ولسانه‪ 72‬تقريرا للفطرة‬ ‫القانون؟ وأل يجوز أن يكون تقرير الّرسول أ ّ‬ ‫ب المعتدين"‪73‬؟وألم يحن‬ ‫ن "ال ل يح ّ‬ ‫ل من تجاوزها معتديا في حين أ ّ‬ ‫سليمة اّلتي ُيعّد ك ّ‬ ‫البشرّية ال ّ‬ ‫ن القانون نسب ّ‬ ‫ي‬ ‫ص صريح أ ّ‬ ‫ق ولم يمنعه ال بن ّ‬ ‫الوان ليعي المسلمون اّلذين اّتفقوا على منع الر ّ‬ ‫ي ما لم يقم على اعتداء النسان على النسان؟‬ ‫تاريخ ّ‬ ‫شاهد على فعل الّزنى‪:‬‬ ‫الّتشديد على ال ّ‬ ‫ما اّلذي يحمل مرءا فطن إلى علقة جنسّية بين شخصين أو بين مجموعة من الشخاص إلى‬ ‫سبب بالمنقول إليه‬ ‫إبلغ المسؤول عن القانون )ويمّثله الّرسول في خبرنا المنقول(؟ قد يّتصل ال ّ‬ ‫)وهو هنا الّرسول( أو بالموضوع المنقول )وهو هنا حصول فعل الّزنى(‪.‬‬ ‫شاهد الّرسول إلى تطبيق الحّد إّما تزّلفا له أو اختبارا له‪.‬وفي‬ ‫فوفق الفتراض الّول قد يدعو ال ّ‬ ‫حالتي الّتزّلف والختبار يبدو الّناقل كاذبا إذ ليس هّمه القانون في الحالتين بل المسؤول عن تنفيذ‬ ‫ن القانون يسبق المنّفذ اّلذي قد يختلف من نظام حكم إلى نظام حكم آخر‪.‬ولّما‬ ‫بعض بنوده ومعلوم أ ّ‬ ‫ي دون الصل‬ ‫كان القانون أصل دون منّفذه أمكن أن نفهم تجاهل الرسول لمن اعتبر الفرع العرض ّ‬ ‫ي‪.‬‬ ‫الجوهر ّ‬ ‫شهادة على الّزنى إ ّ‬ ‫ل‬ ‫ووفق الفتراض الّثاني أي تغليب الموضوع المنقول ل يمكن أن تكون ال ّ‬ ‫مّمن حّرك مشهد الّزانيين شيئا ّما عميقا في نفسه قد نعّده غيرة على القانون وسعيا إلى تطبيق الحّد‬

‫‪ 71‬أبو الحسن الواحدي الّنيسابوري‪:‬أسباب الّنزول‪،‬بيروت‪،‬دار الكتاب العربي ‪،1986‬صص ‪.170-167‬تختلف الخبار الواردة في‬ ‫ن تحريم الخمر كان بعد اعتداء بعض المسلمين على بعضهم الخر اعتداء لفظّيا أو ماّديا‪.‬‬ ‫الكتاب ولكّنها تّتفق في أ ّ‬ ‫‪ 72‬صحيح البخاري مج ‪ 1‬ج ‪ 1‬ص ‪.10‬‬ ‫‪ 73‬المائدة ‪.5/84‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ي‪.‬فهل نتصّور ناقل مشهد الّزنى إلى الّرسول صلى ال عليه وسّلم أشّد حرصا من هذا‬ ‫شرع ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫شاهد الغيور؟‬ ‫صر دون ال ّ‬ ‫ن الّرسول مق ّ‬ ‫الخير على تطبيق الحّد؟ وهل يعني هذا أ ّ‬ ‫ن في موقف الّناقل‬ ‫ي* اّلذي يبّين أ ّ‬ ‫يمكن أن نتجاوز هذا الّتساؤل إذا استندنا إلى الّتحليل الّنفس ّ‬ ‫س به‪ 74‬ل يخلو أن يكون غيرة لواعية من الّزانيين أو خوفا لواعيا من أن‬ ‫تعبيرا عن حرج ّما أح ّ‬ ‫يزني بعض من يعّد نفسه مسؤول عنهم أي خوفا من أن يهّدد خطر الّزنى أفراد عائلته ول سّيما‬ ‫سر دافع الغيرة‬ ‫ن القانون من خلل هذين الموقفين يمنع شيئا مرغوبا بالفطرة مّما يف ّ‬ ‫الناث منهم‪.‬فكأ ّ‬ ‫سر دافع الخوف أي كأ ّ‬ ‫ن‬ ‫ن القانون يسعى إلى حماية الّناس من هذا المرغوب بالفطرة وهذا ما يف ّ‬ ‫وكأ ّ‬ ‫القانون مقابل للفطرة البشرّية يلجمها ويكبح جماحها‪.‬‬ ‫رؤى المسيحّية تحكم المسلمين‪:‬الحرج من الجنس‪:‬‬ ‫ل لنا‬ ‫ن تصّور القانون باعتباره لجما للفطرة البشرّية يتنافى مع إقرار ال تعالى بأّنه يح ّ‬ ‫يبدو أ ّ‬ ‫ن الّرسول ينظر في القانون نظرة عميقة تراعي‬ ‫الطّيبات ويحّرم علينا الخبائث‪،‬فقد أسلفنا أ ّ‬ ‫روحه‪.‬ونحن نرى في مساءلة روح القانون تحذيرا للمسلمين من أن يحّرموا على أنفسهم طّيبات‬ ‫نا َ‬ ‫ل‬ ‫ل َتْعَتُدوا ِإ ّ‬ ‫ل َلُكْم َو َ‬ ‫لا ُ‬ ‫حّ‬ ‫ت َما َأ َ‬ ‫طّيَبا ِ‬ ‫حّرُموا َ‬ ‫ل ُت َ‬ ‫ن آَمُنوا َ‬ ‫أحّلت لهم ‪،‬يقول ال تعالى‪َ":‬يا َأّيَها اّلِذي َ‬ ‫عَداَوةً ِلّلِذينَ‬ ‫س َ‬ ‫شّد الّنا ِ‬ ‫ن َأ َ‬ ‫جَد ّ‬ ‫سبقت هذه الية بقول ال تعالى‪َ":‬لَت ِ‬ ‫ن" )المائدة ‪.(5/87‬وقد ُ‬ ‫ب الُمْعَتِدي َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل ُي ِ‬ ‫َ‬ ‫ن مْنُهْم‬ ‫ك ِبَأ ّ‬ ‫صاَرى َذِل َ‬ ‫ن َقاُلوا ِإّنا َن َ‬ ‫ن آَمُنوا اّلِذي َ‬ ‫ن َأْقَرَبُهْم َمَوّدًة ِلّلِذي َ‬ ‫جَد ّ‬ ‫شَرُكوا َوَلَت ِ‬ ‫ن َأ ْ‬ ‫آَمُنوا اْلَيُهوَد َواّلِذي َ‬ ‫ن المسلمين‬ ‫ن")المائدة ‪.(5/82‬وقد ربط الّرازي بين اليتين معتبرا أ ّ‬ ‫سَتْكِبُرو َ‬ ‫ل َي ْ‬ ‫ن َوُرْهَباًنا ًوًأّنُهْم َ‬ ‫سي َ‬ ‫سي ِ‬ ‫ِق ّ‬ ‫جح هذا الّربط ونرى في موقف الّرسول تحذيرا‬ ‫مختلفون عن الّرهبان الّنصارى‪ .75‬ونحن نر ّ‬ ‫ي اّلذي يقوم على اعتبار الجنس خطيئة النسان الصلّية‬ ‫للمسلمين من أن يقتفوا خطى الفكر الكنس ّ‬ ‫‪.Les Evangiles et la foi au risque de la psychanalyse,pp170/171 74‬‬ ‫‪ 75‬مفاتيح الغيب مج ‪ 6‬ج ‪ 12‬صص ‪. 74/76‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ي ضرب من ضروب العلقات الجنسّية من‬ ‫حّتى يغدو ما يعتبرونه عّفة )‪ (chasteté‬أي امتناعا عن أ ّ‬ ‫شروط النتماء إلى الكنيسة‪.‬وهو تصّور أعاد الّنظر فيه بعض المفّكرين الغربّيين من صلب الكنيسة‬ ‫نفسها‪.76‬على أّننا نرى في قراءة بعض المحدثين لسيرة الّرسول اندراجا ‪-‬واعيا كان أو غير واع‪-‬‬ ‫ن خبر زواج الّرسول من زينب‬ ‫ي المتشّدد‪.‬فنجد بعض المستشرقين يعتبرون أ ّ‬ ‫في هذا الفكر المسيح ّ‬ ‫بنت جحش عمل ل يلئم مقام الّنبّوة فكيف ُيعجب الّرسول بجمال امرأة ل سّيما أّنها زوجة زيد بن‬ ‫الحارثة ابنه بالّتبّني؟ وآراء هؤلء "المستشرقين" حملت كّتابا محدثين لينبروا عن الّدفاع عن الّرسول‬ ‫من "مفتريات المستشرقين"‪.‬وهم ل يعون أّنهم بدفاعهم ذاك إّنما يقّيمون سلوك الّرسول تقييما سلبّيا‬ ‫ل تلك الخيالت والقاصيص"‬ ‫ن بعضهم ينفي "ك ّ‬ ‫ي بل إ ّ‬ ‫ن المرء ل يدافع عن السلوك اليجاب ّ‬ ‫ذلك أ ّ‬ ‫التي تفيد إعجاب محّمد بزينب‪ 77‬في حين أّننا نجد في سيرة ابن إسحاق الخبر الّتالي‪":‬مرض زيد بن‬ ‫حارثة فدخل عليه رسول ال صّلى ال عليه وسّلم يعوده وزينب ابنة جحش امرأته جالسة عند رأس‬ ‫زيد‪،‬فقامت زينب لبعض شأنها فنظر إليها رسول ال صّلى ال عليه وسّلم ثّم طأطأ رأسه‬ ‫فقال‪:‬سبحان ال مقّلب القلوب والبصار‪،‬فقال زيد‪:‬أطّلقها لك يا رسول ال فقال‪:‬ل‪،‬فأنزل ال عّز‬ ‫ل"" ‪.‬ونجد في‬ ‫ل َمْفُعو ً‬ ‫ن َأْمُر ا ِ‬ ‫عَلْيِه" إلى قوله "َوَكا َ‬ ‫ت َ‬ ‫عَلْيِه َوَأْنَعْم َ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ِلّلِذي َأْنَعَم ا ُ‬ ‫ل‪َ ":‬وِإْذ َتُقو ُ‬ ‫وج ّ‬ ‫‪78‬‬

‫ي قد‬ ‫طبري خبرا مشابها‪":‬حّدثني يونس قال‪:‬أخبرنا ابن وهب قال‪ :‬قال ابن زيد‪ :‬كان النب ّ‬ ‫تفسير ال ّ‬ ‫زّوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش ابنة عّمه فخرج رسول ال يوما يريده وعلى الباب ستر من‬ ‫ي فلّما وقع‬ ‫ستر فانكشف‪،‬وهي في حجرتها حاسرة‪،‬فوقع إعجابها في قلب الّنب ّ‬ ‫شعر‪،‬فرفعت الّريح ال ّ‬ ‫ذلك ُكّرهت إلى الخر‪،‬فجاء فقال‪:‬يا رسول ال إّني أريد أن أفارق صاحبتي‪،‬قال‪:‬مالك أرابك منها‬ ‫‪.Fonctionnaires de Dieu, pp 604/627 76‬‬ ‫شلبي‪ :‬نساء حول الّرسول والّرّد على مفتريات المستشرقين‪،‬جّدة )د‪-‬ت( ص ‪.354‬‬ ‫‪ 77‬محمود مهدي الستانبولي ومصطفى أبو الّنصر ال ّ‬ ‫سيرة الّنبوّية لبن إسحاق‪،‬القاهرة‪،‬أخبار اليوم ‪ 1998‬ج ‪ 1‬ص ‪.339‬‬ ‫‪ 78‬ال ّ‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ل خيرا‪،‬فقال له رسول ال‪:‬أمسك‬ ‫شيء؟ قال‪:‬ل وال ما رابني منها شيء يا رسول ال ول رأيت إ ّ‬ ‫عَلْي َ‬ ‫ك‬ ‫ك َ‬ ‫س ْ‬ ‫عَلْيِه َأْم ِ‬ ‫ت َ‬ ‫عَلْيِه َوَأْنَعْم َ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ِلّلِذي َأْنَعَم ا ُ‬ ‫عليك زوجك واّتق ال‪،‬فذلك قول ال تعالى‪َ" :‬وِإْذ َتُقو ُ‬ ‫ل ُمْبِديِه…")الحزاب ‪ (33/37‬تخفي في نفسك إن فارقها‬ ‫ك َما ا ُ‬ ‫سَ‬ ‫خِفي ِفي َنْف ِ‬ ‫ل َوُت ْ‬ ‫قا َ‬ ‫ك َواّت ِ‬ ‫جَ‬ ‫َزْو َ‬ ‫تزّوجتها"‪.79‬‬ ‫ل الخبار لم ير داعيا لتنزيه الّرسول من وقوع نظره على‬ ‫طبري المعروف بجمعه لك ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫إّ‬ ‫زينب وإعجابه بها لما في ذلك العجاب من تلؤم مع الفطرة البشرّية فليس الّرسول سوى بشر‬ ‫ل إذا كان الّناقد أو المبّرر متأثرا‬ ‫مثلنا يوحى إليه‪،80‬وليس في اشتهائه امرأة ما ُيحرج ول ما يعيب إ ّ‬ ‫ي يعتبر الجسد موطنا لشهوات شيطانّية ويتحّرج من الفطرة الجنسّية في ذاتها أي‬ ‫بالفكر الكنس ّ‬ ‫ن الّتصّور‬ ‫ن تحريم المحارم* وفرعه اختلط النساب‪.‬إ ّ‬ ‫ي‪،‬قانو ِ‬ ‫بصرف الّنظر عن القانون الصل ّ‬ ‫ي خطر على السلم أّدى إلى الفراط في تقنين العلقات الجنسّية وإلى إطلق الحكام‬ ‫الكنس ّ‬ ‫ل من يصّرح برغباته الجنسّية بل إّننا ابتعدنا عن الّتصّورات السلمّية‬ ‫"الخلقّية" جزافا على ك ّ‬ ‫ن سلوك جّلنا ينقض هذه الّدعوة‪،‬وصرنا‬ ‫فصرنا ندعو إلى الوحدانّية في العلقات الجنسّية في حين أ ّ‬ ‫نعتبر المزواج إنسانا شاّذا ذا سلوك فاسد‪ ،‬وصرنا نحكم على من يتزّوج مّمن يصغره سّنا ‪-‬رجل‬ ‫ن خديجة بنت‬ ‫ن جّلنا يقبل بإقامة علقة جنسّية مع ذلك الصغر‪،‬وننسى أ ّ‬ ‫كان أو امرأة‪ -‬في حين أ ّ‬ ‫ن الّرسول لم يغضب من المرأة اّلتي أرادت أن‬ ‫خويلد تزّوجت محّمدا اّلذي يصغرها‪ 81‬وننسى أ ّ‬ ‫ضحك سامحا لها‬ ‫ن معه "مثل هدبة الّثوب" بل إّنه صلى ال عليه وسّلم اكتفى بال ّ‬ ‫تطّلق زوجها ل ّ‬ ‫‪ 79‬جامع البيان ج ‪ 10‬ص ‪.302‬‬ ‫صلت ‪.41/6‬‬ ‫حٌد…"الكهف ‪-18/110‬ف ّ‬ ‫ي َأّنَما ِإَلُهُكْم ِإَلٌه َوا ِ‬ ‫حى ِإَل ّ‬ ‫شٌر ِمْثُلُكْم ُيو َ‬ ‫ل ِإّنَما َأَنا َب َ‬ ‫‪ُ" 80‬ق ْ‬ ‫ن خديجة تكبر محّمدا سّنا‪.‬‬ ‫ن بين خديجة ومحّمد وإن اّتفقت في أ ّ‬ ‫سّ‬ ‫‪ 81‬تختلف الخبار في فارق ال ّ‬ ‫طليعة‬ ‫انظر في هذه المسألة‪:‬سلوى بالحاج صالح‪-‬العايب‪:‬دّثريني يا خديجة‪،‬دراسة تحليلية لشخصية خديجة بنت خويلد‪،‬بيروت‪،‬دار ال ّ‬ ‫‪،1999‬صص ‪.60/61‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ن الّرسول سمح لمرأة بأن تخلع نفسها‬ ‫بالّرجوع إلى زوجها بعد البناء بالّزوج الّثاني‪،82‬وإّننا ننسى أ ّ‬ ‫ن المرأة المذكورة‬ ‫طلق مّما يقّره المجتمع اليوم إذ أ ّ‬ ‫من زوجها بعد أن ترّد له حديقته وليس سبب ال ّ‬ ‫ل تعتب على زوجها في دين ول في خلق ولكّنها ل تطيقه‪.83‬‬ ‫ق مكتسب‪:‬‬ ‫القانون الله‪:‬الجّنة ح ّ‬ ‫ن الخضوع‬ ‫شاهد على الّزنى يتصّور أ ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ق هذا المقال‪،‬تبّيّنا أ ّ‬ ‫ي منطل ِ‬ ‫إذا عدنا إلى الحديث الّنبو ّ‬ ‫للقانون وتطبيقه ضامن للفضيلة أي إّنه يتصّور تطبيق القانون وحده كافيا لتحقيق رضا ال أو‬ ‫الّدخول إلى الجّنة‪.‬فالنسان اّلذي يطّبق القانون ناج وذاك اّلذي يخرج عن القانون غير ناج‪.‬ومن‬ ‫خلل هذا التصّور يغدو القانون هو الله ويتوّهم النسان أّنه بتضحياته المتواصلة والتزامه المطلق‬ ‫صورة* المثالّية المخّلصة اّلتي ينشدها‪.‬وهي صورة* تحّقق الطمئنان الوهم ّ‬ ‫ي‬ ‫قد حّقق بإرادته ال ّ‬ ‫ن رفض‬ ‫وتوهم النسان بأّنه هو الفاعل المقّرر فيتحّول المرء إلى عبادة صورة* نفسه المثالّية‪".‬إ ّ‬ ‫ن القانون ليس مرآة وأ ّ‬ ‫ن‬ ‫الّذنب ل ُيدخل في اليمان بل إّنه كثيرا ما يعّمق الغرور"‪ 84‬فينسى المرء أ ّ‬ ‫ن الخلص ليس في تطبيق القانون أو تأليهه ولكّنه في‬ ‫تطبيقه ليس ضامنا للفضيلة‪ 85‬كما ينسى أ ّ‬ ‫رحمة ال‪.‬والّرسول يؤّكد هذا الموقف إذ يقول‪":‬لن ُيدخل أحدا عمله الجّنَة‪،‬قالوا ول أنت يا رسول‬ ‫ل على أّننا ندخل الجّنة برحمة ال من‬ ‫ل أن يتغّمدني ال بفضل ورحمة"‪.86‬ول أد ّ‬ ‫ال؟ قال ل ول أنا إ ّ‬ ‫حديث آخر للّرسول "قال كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانا ثّم خرج يسأل فأتى‬ ‫‪ 82‬صحيح البخاري مج ‪ 3‬ج ‪ 8‬ص ‪.28‬‬ ‫سابق ج ‪ 7‬ص ‪.60‬‬ ‫‪ 83‬ال ّ‬ ‫‪.Denis Vasse:La vie et les vivants,Paris,Seuil 2001,p-84 84‬‬ ‫‪.Les Evangiles et la foi au risque de la psychanalyse ou La vie du désir,p-172 85‬‬ ‫‪ 86‬صحيح البخاري مج ‪3‬ج ‪ 1‬ص ‪.157‬‬ ‫ونجد شبيها لهذا الموقف في رأي بول)‪ (Paul‬اّلذي يؤّكد أن ل أحد يبّرر أفعاله أمام ال بمطابقتها للقانون‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫راهبا فسأله فقال له هل من توبة قال ل فقتله فجعل يسأل فقال له رجل ائت قرية كذا وكذا‪،‬فأدركه‬ ‫الموت فناء بصدره نحوها فاختصمت فيه ملئكة الّرحمة وملئكة العذاب فأوحى ال إلى هذه أن‬ ‫تقّربي وأوحى ال إلى هذه أن تباعدي وقال قيسوا ما بينهما فُوجد إلى هذه أقرب بشبر فُغفر له"‪.87‬‬ ‫ل شيء المغفرة‪،‬وليس من‬ ‫ن هذا الّرجل اّلذي قتل مائة نفس وجد في رحمة ال التي وسعت ك ّ‬ ‫إّ‬ ‫ن رضا ال عّنا ليس حّقا نكتسبه‬ ‫صدفة أن ُوسمت الجنة في مجاز مرسل بليغ ب"رحمة ال" ذلك أ ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫ن رضا ال عّنا هبة منه ورحمة‬ ‫بمحاولة العلء من صورنا عبر مطابقة القانون المفتَرض‪،‬ولك ّ‬ ‫سرين إذ ينسبون بعض‬ ‫يشمل بها من يشاء من عباده‪.‬بل لعّلنا في هذا المستوى نرى رأي بعض المف ّ‬ ‫ن ال يغفر لمن طلب منه المغفرة صادقا متواضعا يائسا من ذاته آمل في‬ ‫المشيئة إلى المؤمن‪،‬ذلك أ ّ‬ ‫ن عبدي‬ ‫ل‪":‬أنا عند ظ ّ‬ ‫ال‪.88‬ومن الحاديث القدسّية ما يؤّكد هذا الّرأي إذ يقول ال عّز وج ّ‬ ‫ن "رجلين مّمن دخل الّنار اشتّد صياحهما فقال‬ ‫ي آخر مفاده أ ّ‬ ‫بي" ‪،‬ويؤّكد هذا المعنى حديث قدس ّ‬ ‫‪89‬‬

‫ي شيء اشتّد صياحكما؟ قال فعلنا ذلك‬ ‫ل أخرجوهما‪،‬فلّما ُأخرجا قال لهما ل ّ‬ ‫ب عّز وج ّ‬ ‫الّر ّ‬ ‫ن رحمتي لكما أن تنطلقا فتلقيا بأنفسكما حيث كنتما من الّنار فينطلقان‪،‬فيلقي أحدهما‬ ‫لترحمنا‪،‬قال‪:‬إ ّ‬ ‫ل ما منعك أن‬ ‫ب عّز وج ّ‬ ‫نفسه‪،‬فيجعلها عليه بردا وسلما‪،‬ويقوم الخر فل يلقي نفسه‪،‬فيقول له الّر ّ‬ ‫ب إّني لرجو أن ل تعيدني فيها بعدما أخرجتني‪،‬فيقول له‬ ‫ُتلقي نفسك كما ألقى صاحبك؟ فيقول‪:‬يا ر ّ‬ ‫ب‪:‬لك رجاؤك‪،‬فيدخلن جميعا الجّنة برحمة ال" ‪.‬‬ ‫الر ّ‬ ‫‪90‬‬

‫انظر‪Le Père.Métaphore paternelle et fonctions du père :L’Interdit,La Filiation,La Transmission,Paris,Denoel :‬‬ ‫‪.1989,p-226‬‬ ‫‪ 87‬صحيح البخاري مج ‪ 2‬ج ‪ 4‬صص ‪.211/212‬‬ ‫‪.Le temps du désir ,p-89 88‬‬ ‫‪ 89‬الحاديث القدسّية ص ‪.237‬‬ ‫سابق صص ‪.238/239‬‬ ‫‪ 90‬ال ّ‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫طمع في موضع ال‪:‬‬ ‫ال ّ‬ ‫خم الّذات ويؤّكد‬ ‫ي ينقص من تض ّ‬ ‫ي بما يحّققه من خصاء*)‪ (castration‬رمز ّ‬ ‫ن القانون الصل ّ‬ ‫إّ‬ ‫طفل ل يمكن أن ُيرضي أّمه رضا كامل ول يمكنه ‪-‬مهما ترتفع منزلته عند‬ ‫قدرتها المحدودة‪،‬فال ّ‬ ‫ل لتتحّقق ذاته في موضع جزئ ّ‬ ‫ي‬ ‫ل الب‪،‬ول بّد له أن يتنازل عن نشدان الك ّ‬ ‫ل مح ّ‬ ‫الّم‪ -‬أن يح ّ‬ ‫ل فيكتشف أّنه‬ ‫طمع في الك ّ‬ ‫حى عن ال ّ‬ ‫ن القانون يستفّز النسان في أعمق أعماقه حّتى يتن ّ‬ ‫مخصوص‪.‬إ ّ‬ ‫ليس سوى واحد من آخرين ويتبّين أّنه مختلف عن أخيه من جهة وأّنه غير مؤّهل للحكم عليه من‬ ‫جهة أخرى‪.‬‬ ‫ي على الّذات أو على‬ ‫ي حكم قطع ّ‬ ‫نأ ّ‬ ‫وإذا كان خلص النسان مّتصل برحمة ال ثبت لنا أ ّ‬ ‫ل اّلذي‬ ‫الخر)وهما شيء واحد( في علقتهما بالقانون هو طمع من النسان في موضع ال عّز وج ّ‬ ‫ل حاكم سواه‪.‬وأحد أحاديث الّرسول القدسّية يثبت هذا الموقف إذ قال صلى ال عليه وسّلم‪":‬كان‬ ‫رجلن في بني إسرائيل متواخيين‪،‬فكان أحدهما يذنب‪،‬والخر مجتهد في العبادة فكان ل يزال‬ ‫ي رقيبا؟ فقال‪:‬وال ل‬ ‫المجتهد يرى الخر على الّذنب فيقول له‪:‬أقصر‪،‬فقال‪:‬خّلني ورّبي‪،‬أُبعثت عل ّ‬ ‫ب العالمين‪،‬فقال لهذا المجتهد‪:‬أكنت‬ ‫يغفر ال لك أو ل يدخلك الجّنة فقبض أرواحهما‪،‬فاجتمعا عند ر ّ‬ ‫عالما بي أو كنت على ما في يدي قادرا؟وقال للمذنب‪:‬اذهب إلى الجّنة برحمتي‪،‬وقال للخر‪:‬اذهبوا‬ ‫به إلى الّنار"‪.91‬‬ ‫سطّية) ‪ (médiatrice‬ليتحّول‬ ‫ي يثبت خطر خروج القانون من وظيفته التو ّ‬ ‫ن هذا الحديث القدس ّ‬ ‫إّ‬ ‫ل ال في‬ ‫ل من يّدعي‪-‬واعيا أو غير واع‪ -‬أّنه ظ ّ‬ ‫هدفا في ذاته بل سلحا مخيفا في يد ك ّ‬ ‫كأّ‬ ‫ن‬ ‫الرض‪.‬ولذلك قال الّرسول صّلى ال عليه وسّلم‪":‬من رمى مؤمنا بكفر فهو كقْتله" ‪.‬ول ش ّ‬ ‫‪92‬‬

‫‪ 91‬الحاديث القدسية صص ‪.51/52‬‬ ‫‪ 92‬صحيح البخاري مج ‪ 3‬ج ‪ 8‬ص ‪.32‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫سيطرة‬ ‫طامَع في القدرة وال ّ‬ ‫ي والمتناع عن الحكم على الخر يقلق النا* ال ّ‬ ‫الّتواضع الجوهر ّ‬ ‫والعاجَز عن القرار بوهم القدرة ذاك‪.‬ومن مظاهر هذا القلق ما جرى بين أبي ذّر والّرسول من‬ ‫ل دخل‬ ‫ل ال ثّم مات على ذلك إ ّ‬ ‫حوار‪.‬فقد قال الّرسول صّلى ال عليه وسّلم‪:‬ما من عبد قال ل إله إ ّ‬ ‫الجّنة‪،‬قال أبو ذّر‪:‬وإن زنى وإن سرق؟ قال الّرسول‪:‬وإن زنى وإن سرق‪،‬قال أبو ذّر‪:‬وإن زنى وإن‬ ‫سرق؟ قال الّرسول‪:‬وإن زنى وإن سرق‪،‬قال أبو ذّر‪:‬وإن زنى وإن سرق؟ قال الّرسول‪:‬وإن زنى‬ ‫ن موقفي الّرسول وأبي ذّر من القانون مختلفان‪،‬الّول يرى القانون‬ ‫وإن سرق رغم أنف أبي ذّر ‪.‬إ ّ‬ ‫‪93‬‬

‫وسيلة نسبّية لتنظيم العلقات الجتماعّية والّثاني يرى القانون مقياسا لتقييم الّذات البشرّية‪.‬الّول‬ ‫يكتشف بواسطة القانون أّنه مختلف عن الخر والّثاني يحكم على الخر لّنه مختلف عنه ‪.‬‬ ‫‪94‬‬

‫سابق ج ‪ 7‬صص ‪.192/193‬‬ ‫‪ 93‬ال ّ‬ ‫‪.Le temps du désir,p-77 94‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


http://twitter.com/olfayoussef http://www.youtube.com/OlfaYoussef http://www.facebook.com/OlfaTounes

4


‫ل إله إلّ ال‪:‬‬ ‫شرك رأس الكبائر‪:‬‬ ‫ال ّ‬ ‫ل َيْغِفُر َأ ْ‬ ‫ن‬ ‫ل َ‬ ‫نا َ‬ ‫ل يصّرح‪ِ":‬إ ّ‬ ‫ن الشراك بال ذنب ل يمكن أن ُيغفر‪.‬فال عّز وج ّ‬ ‫يقّر القرآن بأ ّ‬ ‫ض الّنظر عن إسناد المشيئة إلى‬ ‫شاُء…")الّنساء ‪.(116-4/48‬وبغ ّ‬ ‫ن َي َ‬ ‫ك ِلَم ْ‬ ‫ن َذِل َ‬ ‫ك ِبِه َوَيْغِفُر َما ُدو َ‬ ‫شَر َ‬ ‫ُي ْ‬ ‫ن الية تؤّكد‬ ‫سرين أو إسنادها إلى المذنب وهو رأي بعض المرجئة‪ 95‬فإ ّ‬ ‫ال وهو رأي جمهور المف ّ‬ ‫ي يقول‪":‬يا ابن آدم لو‬ ‫ن ال ل يغفر للمشرك به‪.‬والحديث القدس ّ‬ ‫في إسناد خبري تقريري قاطع أ ّ‬ ‫جئتني بقراب الرض خطايا ثّم جئتني ل تشرك بي شيئا لغفرت لك"‪.96‬ويقول الرسول صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪" :‬يخرج من الّنار من قال ل إله إل ال وفي قلبه وزن شعيرة من خير ويخرج من النار‬ ‫من قال ل إله إل ال وفي قلبه وزن برة من خير ويخرج من النار من قال ل إله إل ال وفي قلبه‬

‫طاهر ابن عاشور‪ :‬تفسير الّتحرير والّتنوير‪ ،‬تونس‪ ،‬الّدار الّتونسية للّنشر ‪ 1984‬ج ‪ 5‬صص ‪.82/83‬‬ ‫‪ 95‬محّمد ال ّ‬ ‫‪ 96‬الحاديث القدسّية ص بإذن ال‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ق العباد على‬ ‫ن "ح ّ‬ ‫وزن ذرة من خير"‪.97‬ويقول "من لقي ال ل يشرك به شيئا دخل الجّنة"‪ 98‬ويقول إ ّ‬ ‫ال أن ل يعّذب من ل يشرك به شيئا" ‪.‬‬ ‫‪99‬‬

‫شرك بين قصره على‬ ‫ب اّلذي ل ُيغفر؟ لقد اخُتلف في تحديد ال ّ‬ ‫شرك هذا الّذن ِ‬ ‫فما هي ماهية ال ّ‬ ‫صلة والّزكاة‪،‬وبذلك ُيعّد‬ ‫شرعّية كال ّ‬ ‫عبادة الوثان وتوسيعه إلى الكفر بال واعتباره من السماء ال ّ‬ ‫سرين مشركين ورآهم آخرون‬ ‫ل كافر مشركا‪.100‬واخُتلف في أهل الكتاب فاعتبرهم بعض المف ّ‬ ‫كّ‬ ‫ضرورة‬ ‫شرك يفترض بال ّ‬ ‫ن جذر كلمة ال ّ‬ ‫ض الّنظر عن دللة هذه الكلمات القتضائّية ‪101‬فإ ّ‬ ‫كّفارا‪.‬وبغ ّ‬ ‫شرك ل سّيما‬ ‫إضفاء بعض صفات اللوهة على غير ال‪.‬ونوّد من جهتنا تبّين بعض وجوه لل ّ‬ ‫ن ما يمّيز ال عن سائر المواضيع )بكل المعاني الممكنة لكلمة مواضيع(‬ ‫اللواعية منها‪،‬معتبرين أ ّ‬ ‫ن ما سواه مخلوقات‪.‬فال هو اّلذي يهب الحياة أي إّنه أصل الحياة‪.‬ولذلك فإ ّ‬ ‫ن‬ ‫ن ال خالق وأ ّ‬ ‫هو أ ّ‬ ‫شرك بمعنى اّتخاذ إله سوى ال يقوم على تصّور موضوع آخر سوى ال قادر على أن يهب‬ ‫ال ّ‬ ‫الحياة أو أن ينتزعها‪.‬ول يشترط لتحّقق هذا الّتصّور وعي الّذات المتصّورة أو إقرارها‬ ‫ل يصفهم‬ ‫ن ال عّز وج ّ‬ ‫به‪،‬فالمشركون زمن الّرسول لم يكونوا واعين بشركهم ول مقّرين به ولك ّ‬ ‫بالمشركين‪.‬‬ ‫شرك في مظاهره اللواعية تجّليات شائعة نذكر منها‪:‬‬ ‫ولل ّ‬ ‫أ‪ -‬المعشوق إله‪:‬‬ ‫‪ 97‬صحيح البخاري مج ‪1‬ج ‪ 1‬صص ‪.17/18‬‬ ‫سابق ص ‪.44‬‬ ‫‪ 98‬ال ّ‬ ‫سابق مج ‪ 2‬ج ‪ 4‬ص ‪.35‬‬ ‫‪ 99‬ال ّ‬ ‫‪ 100‬مفاتيح الغيب مج ‪ 3‬ج ‪ 6‬ص ‪.61‬‬ ‫‪ 101‬عبد ال صولة‪:‬الحجاج في القرآن‪،‬تونس كّلية الداب مّنوبة ‪ 2001‬صص ‪.120/128‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ي شكل من الشكال‬ ‫ب حركة شوق نحو الخر‪،‬فإّنها حركة ل يمكن أن تؤّدي بأ ّ‬ ‫إذا اعتبرنا الح ّ‬ ‫ل لحظة من لحظاتها استحالة هذا الّتماهي مثلما يؤّكد‬ ‫إلى الّتماهي في الخر بل هي تؤّكد في ك ّ‬ ‫سعي المحموم إلى تحقيق المستحيل أي‬ ‫المتحّقق غياب الممكن‪.‬والعاطفة المضطربة‪ 102‬ليست سوى ال ّ‬ ‫ي بين العاشق والمعشوق‪،‬ومن مظاهر هذه العاطفة المضطربة عذاب‬ ‫إلى نفي الختلف الجوهر ّ‬ ‫العاشق في غياب معشوقه وتحّول الّزمان في غياب المعشوق إلى زمان انتظار تنوء بوطأته‬ ‫ن حضور المعشوق هو‬ ‫ن ألم العاشق في غياب المعشوق ليس سوى إقرار ضمني لواع بأ ّ‬ ‫الّذات‪.‬إ ّ‬ ‫طمأنينة فيغدو المعشوق واهب الحياة وهذا ما تثبته كثير من الشعار‪.‬فمن أبرز‬ ‫سعادة وال ّ‬ ‫منشئ ال ّ‬ ‫ن حضور المعشوق هو اّلذي يمنحها‬ ‫ن الشياء ل قيمة لها في ذاتها بل إ ّ‬ ‫معاني الغزل أ ّ‬ ‫القيمة‪.103‬وهي قيمة واهمة تجعل المعشوق أصل الشياء بل منتهاها فتضفي عليه صفتي الزلية‬ ‫ن إسناد هبة الحياة إلى المعشوق ليس سوى ضرب من العبادة ل ينفيها بعد الشعر‬ ‫والبدية‪.‬إ ّ‬ ‫سم في موضع اللوعي* وقد قّررنا منذ‬ ‫ي أو بعد القول الّرمزي بل يؤّكدانها إذ تتج ّ‬ ‫الستعار ّ‬ ‫‪104‬‬

‫صغير*)‪ (L’autre‬دون‬ ‫شرك بوعي المشرك به‪،‬ومن هنا تكون عبادة الخر ال ّ‬ ‫البداية أّننا ل نحّدد ال ّ‬ ‫شرك‪.‬‬ ‫الخر المطلق*)‪ (L’Autre‬بعدا أّول من أبعاد ال ّ‬ ‫ب‪ -‬الب أو الّم إله‪:‬‬

‫‪ 102‬المصطلح ل ‪ Vasse‬في ‪Le temps du désir,p-69‬‬ ‫‪103‬‬

‫يٍء‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫جَداُنَنا ُك ّ‬ ‫ن ُنَفاِرَقُهْم ِو ْ‬ ‫عَلْيَنا َأ ْ‬ ‫ن َيِعّز َ‬ ‫شعر‪،‬ومن ذلك على سبيل المثال قول المتنّبي)البسيط(‪َ :‬يا َم ْ‬ ‫هذا المعنى متواتر في ال ّ‬

‫عَدُم‪.‬‬ ‫َبْعَدُكْم َ‬ ‫شعرّية بهذه العبادة شأن قول شوقي على سبيل المثال)الخبب(‪:‬‬ ‫‪ 104‬قد تصّرح بعض القوال ال ّ‬ ‫حي ِفي َيِدِه‬ ‫ي َوُرو ِ‬ ‫ل َ‬ ‫َمْو َ‬ ‫ن ِبِه‬ ‫جّ‬ ‫ل َتَكاُد ُت َ‬ ‫َوَيُقو ُ‬

‫‪4‬‬

‫ت َيُدُه…‬ ‫سِلَم ْ‬ ‫ضّيَعَها َ‬ ‫َقْد َ‬ ‫عُبُدُه‬ ‫ك َأ ْ‬ ‫شُ‬ ‫ل َوُأو ِ‬ ‫َوَأُقو ُ‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ن أّمه وأباه قد وهباه الحياة‪،‬وقد شاع عند الطفال اليوم أن يحاسبوا أّمهم وأباهم‬ ‫قد يرى المرء أ ّ‬ ‫ن تأّمل بسيطا كاف لرفع‬ ‫قائلين‪":‬إّنكما مسؤولن على حياتي وأنتما سببا وجودنا في هذه الّدنيا"‪،‬ولك ّ‬ ‫هذا الوهم‪،‬فإن كان الب والّم مسؤولْين عن ولدة طفل ّما أي عن حياة واحد من البشر‪،‬فهذا معناه‬ ‫ي مانع من موانع الحمل‪ -‬ينشئان جنينا‪،‬ونحن نعلم‬ ‫ل ذكر وأنثى بالغين يتضاجعان‪ -‬دون أ ّ‬ ‫نكّ‬ ‫أّ‬ ‫ن هذا غير صحيح‪.‬فبعض الّنساء وبعض الّرجال عواقر وبعض العلقات الجنسّية وإن تّمت‬ ‫جميعا أ ّ‬ ‫ن الحمل ل يشترط فحسب وجود علقة‬ ‫وفق مواعيد الخصاب الّدقيقة ل تنتج حمل‪.‬وهذا يعني أ ّ‬ ‫صدفة وقد يسّميه البعض‬ ‫جنسّية لها صفات معّينة بل يحتاج إلى شيء آخر قد يسّميه البعض ال ّ‬ ‫طبيعة وقد يسّميه البعض الخَر المطلق* وقد نسّميه ال‪.‬ل تهّم الّتسمية بل الهّم إقرارنا بوجود‬ ‫ال ّ‬ ‫ن شيئا ّما باستثناء أبينا وأّمنا قد‬ ‫هذا الّثالث اّلذي ينضاف إلى الثنين الب والّم كي ينشأ الحمل‪.‬إ ّ‬ ‫ن ذلك الّثالث قّرر‬ ‫ن أبانا وأّمنا قد ل يرغبان في وجودنا ولك ّ‬ ‫رغب في وجودنا في هذه الحياة ‪،‬بل إ ّ‬ ‫أن نحيا‪.‬فله ول لحد سواه ندين بالحياة‪.105‬وهو ول أحد سواه يمّثل الصل المنشئ القائم فينا‪،‬هذا‬ ‫سس ذواتنا جميعا دون أن يكون موضوعا لمعرفتنا‪.‬‬ ‫الصل اّلذي يؤ ّ‬ ‫سم الخلط بين الصل الخالق والّم أو الب في سلوك الّم أو الب أو كليهما سلوكا من‬ ‫ويتج ّ‬ ‫ططان حياته وفق إرادتهما أو‬ ‫شأنه أن يحّول البن إلى ملك لهما فيرفضان النفصال عنه ويخ ّ‬ ‫طفل ل يدين بحياته لهما وناسيين أّنهما "ليسا أصل الحياة بل صورة‬ ‫ن ال ّ‬ ‫رغبتهما ناسيين أ ّ‬ ‫ن الوالدين نبع الحياة وهو ما‬ ‫سر ذلك الحسان بأ ّ‬ ‫بدايتها"‪.106‬وال إذ يدعونا إلى الحسان للوالدين ل يف ّ‬ ‫صغير مّما يضطلع به‬ ‫طفل ال ّ‬ ‫سر ذلك الحسان بتربية الوالدين لل ّ‬ ‫ل فضل لهما فيه بل يف ّ‬ ‫‪ 105‬يتأّكد هذا المعنى في آيات قرآنّية كثيرة نذكر منها على سبيل المثال‪:‬البقرة ‪-2/28‬الّتوبة ‪-9/116‬الحجر ‪-15/23‬الحج ‪-22/66‬ق‬ ‫‪.50/43‬‬ ‫‪.Inceste et jalousie,p-133 106‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ل وفق قواعد سلوكّية‬ ‫طف َ‬ ‫شائع اّلذي يفيد تكييف الوالدين ال ّ‬ ‫الوالدان‪.‬وكلمة الّتربية تتجاوز هنا المعنى ال ّ‬ ‫ي اّلذي‬ ‫طفل بداية من الحوض اللغو ّ‬ ‫ل ما يسم به الوالدان ال ّ‬ ‫يختارانها ويعيان بها بل تشمل الّتربية ك ّ‬ ‫ينشأ فيه الجنين مرورا بما "يرثه" الجنين من مشاعر أّمه وأحاسيسها أثناء الحمل وبعد الوضع‪.‬إ ّ‬ ‫ن‬ ‫سر حقيقة‬ ‫طفل يتصّور عند أّمه إجابة تف ّ‬ ‫ل أّم تشّوش طفلها بشوقها فال ّ‬ ‫نكّ‬ ‫ي* يبّين أ ّ‬ ‫الّتحليل الّنفس ّ‬ ‫كيانه ولكّنه ل يجد عندها هذا الجواب ويكتفي بالصطدام بشوقها هي‪.107‬ولذلك كان النسان شوقا‬ ‫ي سوى الخروج بالّذات من تموضعها وفق شوق الّم إلى‬ ‫إلى شوق الخر‪.‬وليس هدف التحليل الّنفس ّ‬ ‫شفاء ليس سوى "تحّقق الّذات عبر قول‬ ‫ن ال ّ‬ ‫تموضع وفق شوق الخر المطلق*‪ 108‬أو لنقل مع لكان إ ّ‬ ‫سَنٍة‬ ‫حَ‬ ‫ن َ‬ ‫ك ِم ْ‬ ‫صاَب َ‬ ‫ق النسان"‪.109‬ومن هذا المنظور قد نفهم قول ال تعالى‪َ":‬ما َأ َ‬ ‫يأتي من ُبعد مغاير ويش ّ‬ ‫ك…")الّنساء ‪،(4/79‬فليس العصاب*)‪/(névrose‬السّيئة سوى‬ ‫سَ‬ ‫ن َنْف ِ‬ ‫سّيَئٍة َفِم ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ك ِم ْ‬ ‫صاَب َ‬ ‫ل َوَما َأ َ‬ ‫نا ِ‬ ‫َفِم َ‬ ‫شفاء‪/‬الحسنة سوى معرفة النسان‬ ‫صغير* أي النسان وليس ال ّ‬ ‫تموضع النسان وفق شوق الخر ال ّ‬ ‫ببعض خفايا ذاته اللواعية أي انفتاح النسان على صوت الصل الكامن فيه‪،‬ذاك الصل اّلذي هو‬ ‫شوق* دون أن يكون موضوعا له‪.‬‬ ‫سبب ال ّ‬ ‫ومن هنا يمكن أن نفهم الّتقابل في القرآن بين من كان على دين الباء ومن كان على دين‬ ‫سك بدين الباء اختيار مقابل لليمان بال ينفي أحدهما‬ ‫ن الّتم ّ‬ ‫ال‪،110‬وفي بعض الخبار نجد أ ّ‬ ‫الخر‪،‬فأبو طالب رفض الّدخول في الّدين الجديد ل لخصائص من السلم يناقشها‪،‬ولكن لّنه ل‬ ‫‪Jacques Lacan: Les quatre concepts fondamentaux de la psychanalyse,Le séminaire .Livre IX,Paris,Seuil 107‬‬ ‫‪.1973,p-188‬‬ ‫‪.Lacan,p-28 108‬‬ ‫‪.Inceste et jalousie,p-211 109‬‬ ‫‪ 110‬البقرة ‪-2/170‬المائدة ‪-5/104‬يونس ‪-10/78‬لقمان ‪-31/21‬الّزخرف ‪…43/22‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫يستطيع الخروج عن دين الباء‪.111‬وقد كان الّرسول ينهى عن القسم بغير ال‪":‬أل من كان حالفا فل‬ ‫ل بال فكانت قريش تحلف بآبائها فقال ل تحلفوا بآبائكم"‪.112‬‬ ‫يحلف إ ّ‬ ‫صورة* إله‪:‬‬ ‫ت(ال ّ‬ ‫ي*‬ ‫ي*)‪ (l’imaginaire‬والّرمزي*)‪ (Le symbolique‬والواقع ّ‬ ‫يمّيز لكان بين ثلثة مواضع هي الخيال ّ‬ ‫ي* اّلذي ل يمكن‬ ‫ي* موضعي الّتمثيل خلفا للواقع ّ‬ ‫ي* والّرمز ّ‬ ‫)‪.(Le réel‬ويمّثل الخيال ّ‬ ‫شيء بمعناه الفلسفي الكانطي أي بذاك المفتَرض الكائن بالقّوة دون حاجة‬ ‫ي* شبيه بال ّ‬ ‫تمثيله‪.‬فالواقع ّ‬ ‫ك أّنه ل‬ ‫صبه موضوعا‪.‬ول ش ّ‬ ‫ن الموضوع مفتقر دوما إلى ذات تن ّ‬ ‫إلى ذات تقّرر وجوده في حين أ ّ‬ ‫ل من خلل ضرب من ضروب‬ ‫ي*( باعتباره موضوعا إ ّ‬ ‫يمكن التعامل مع الواقع )ل مع الواقع ّ‬ ‫ي*‬ ‫ن الفرق بين الخيال ّ‬ ‫الّتمثيل‪،‬لذلك ل يوجد متخّيل خال تماما من بعض وجوه الّرمزّية‪.113‬على أ ّ‬ ‫ل واقعا متخّيل‪.‬‬ ‫ي* ل يمّثل إ ّ‬ ‫ن الخيال ّ‬ ‫ي ينشد تمثيل الواقع كما هو‪،‬في حين أ ّ‬ ‫ن الّرمز ّ‬ ‫ي* أ ّ‬ ‫والّرمز ّ‬ ‫وتمّثل مرحلة المرآة *)‪ (Le stade du miroir‬الّتجسيم الوضح لموضع المتخّيل‪،‬فصورة* الّرضيع‬ ‫سيطرة على جسد لم يكن الّرضيع يتعامل معه إ ّ‬ ‫ل‬ ‫الولى في المرآة تقّدم له متخّيل للنتظام وال ّ‬ ‫‪ 111‬ورد في صحيح البخاري الخبُر الّتالي‪:‬‬ ‫" لّما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول ال صّلى ال عليه وسّلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد ال بن أبي أمّية بن المغيرة‪،‬قال‬ ‫ل ال كلمة أشهد لك بها عند ال فقال أبو جهل وعبد ال بن أبي أمّية يا أبا‬ ‫رسول ال صّلى ال عليه وسّلم لبي طالب يا عم قل ل إله إ ّ‬

‫طلب‪.‬فلم يزل رسول ال صّلى ال عليه وسّلم يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حّتى قال أبو طالب آخر ما‬ ‫طالب أترغب عن مّلة عبد الم ّ‬ ‫طلب وأبى أن يقول ل إله إّل ال"‪.‬صحيح البخاري مج ‪ 1‬ج ‪ 2‬ص ‪119‬‬ ‫كّلمهم هو على مّلة عبد الم ّ‬ ‫‪ 112‬صحيح البخاري مج ‪ 2‬ج ‪ 5‬ص ‪.53‬‬ ‫‪.Alain Vanier:Lacan,Paris,Les Belles Lettres 2000,p-56 113‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ل شأنه في ذلك شأن‬ ‫صورة* وهو مض ّ‬ ‫ل وهما تقّدمه ال ّ‬ ‫سيطرة ليس إ ّ‬ ‫ن هذه ال ّ‬ ‫تعامل مجّزءا‪.114‬على أ ّ‬ ‫ل وهم‪.‬وقد يستمّر هذا الوهم فيخلط النسان بين أبعاده المتخّيلة وأبعاده الواقعّية‪.‬وقد يكون لهذا‬ ‫كّ‬ ‫سمان‪:‬‬ ‫الوهم تج ّ‬ ‫‪ +‬وهم المعرفة‪:‬‬ ‫قد يطابق المرء بين تخّيله لنفسه وللعالم من جهة وحقيقة نفسه والعالم من جهة أخرى‪.‬فيتخّيل‬ ‫أّنه يعرف نفسه والخرين معرفة كاملة واضحة‪.‬ومن مّنا لم يسمع شخصا ّما يّدعي أّنه يعرف نفسه‬ ‫ن النساق‬ ‫ي موضوع سواها معرفة تاّمة‪.‬وغالبا ما يصاحب تصّوَر المعرفة هذا العتقاُد بأ ّ‬ ‫أو أ ّ‬ ‫ل الّناس)إن‬ ‫نجّ‬ ‫المنطقّية اّلتي تبنيها المعرفة العقلّية قادرة على الحاطة بالّذات وبالموضوع‪.‬على أ ّ‬ ‫ي بسلوك أو موقف كان مخالفا لتوّقعاتهم أو لنقل إّنهم قد‬ ‫لم أقل كّلهم( قد فوجئوا في تعاملهم اليوم ّ‬ ‫فوجئوا بشيء ّما ل يمكن أن تحيط به أنساقهم العقلّية المغلقة وذلك مهما تبلغ من تماسك‬ ‫ن هذا الخضاع ل‬ ‫ومنطق‪.‬وقد يحاول البعض إخضاع هذه "المفاجأة" إلى نظام ونسق آخرين لك ّ‬ ‫ل مفاجأة وجها من وجوه انكشاف‬ ‫ن في ك ّ‬ ‫يمكن أن يشمل البّتة جميع "المفاجآت" التية الممكنة‪.‬إ ّ‬ ‫ل نسق ووجوَد شيء ّما غير خاضع للّتمثيل‬ ‫ي بما يؤّكد وجوَد شيء ّما يفّر من ك ّ‬ ‫ي* في اليوم ّ‬ ‫الواقع ّ‬ ‫اّلذي يسعى إلى الحاطة به‪.‬‬ ‫وقد يتخّيل النسان المطابقة بين صورته عن نفسه وحقيقة نفسه تخّيله المطابقة بين أنا‬ ‫القول*)‪ (énonciation‬وأنا المقول*)‪ (énoncé‬عند تقريره بالكذب في قوله‪" :‬أنا أكذب"‪.‬فهذا القول محّير‬ ‫ن النا القائل إن صدق في تقريره الكذب يغدو صادقا وهذا ما يقابل إسناد الكذب إليه في‬ ‫ذلك أ ّ‬ ‫المقول*‪،‬وإن كذب في تقريره الكذب فهو صادق أيضا وهذا ما يقابل إسناد الكذب إليه في المقول*‪.‬‬ ‫سابق ص ‪.55‬‬ ‫‪ 114‬ال ّ‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫وهذه "المفارقة" الظاهرة حملت بعض الّدارسين على اعتبار هذا القول من قبيل اللمعنى‪ 115‬في‬ ‫سم غياب التطابق بين أنا القول* وأنا المقول*‪.‬لقد غفل هؤلء عن أمر أساس ّ‬ ‫ي‬ ‫حين أّنه قول يج ّ‬ ‫صورة*‪،‬أّما أنا القول فل مرجع له ممّثل في الواقع‪".‬فكلم‬ ‫ن مرجع أنا المقول* ليس سوى ال ّ‬ ‫مفاده أ ّ‬ ‫ن موضع الّذات* هو‬ ‫النسان مانع له من أن يخلط ذاته بما يتكّلم عنه أي بصورته عن نفسه"‪. 116‬إ ّ‬ ‫ي قول من القوال لّنه بحكم‬ ‫ل قول‪،‬ذاك الّدافع اّلذي ل يمكن أن يطابقه أ ّ‬ ‫ي المنشئ لك ّ‬ ‫الّدافع الصل ّ‬ ‫طبيعته الجوهرّية خارج عنها وإن كان موّلدها ومنشئها‪.‬‬ ‫س المرء بذلك الخر اّلذي يحّرك‬ ‫سيطرة على المعنى يّمحيان عندما يح ّ‬ ‫ن وهم المعرفة ووهم ال ّ‬ ‫إّ‬ ‫ن القرار بمعرفة كاملة متماسكة بالّذات* أو بالخر وجه من‬ ‫قوله دون أن يعي به‪.‬ولذلك نرى أ ّ‬ ‫شرك يحاول أن ينشئ حضورا متخّيل ينفي الشعور بالغياب ويوهم بأّنه الحضور‬ ‫وجوه ال ّ‬ ‫ل بما‬ ‫ل قليل وينسينا أّننا ل نحيط بشيء من علم ال إ ّ‬ ‫ي*‪ 117‬فينسينا أّننا ما أوتينا من العلم إ ّ‬ ‫الواقع ّ‬ ‫شاء هو ل بما شئنا نحن‪.118‬‬ ‫‪ +‬وهم المقدرة‪:‬‬ ‫وقد يتجاوز النسان تخّيله المطابقة بين معرفته الواقع وحقيقة الواقع إلى تخّيله القدرة على‬ ‫الفعل في الواقع فعل مطلقا أي إلى تخّيله القدرة على تحقيق مشيئته في الكون دون الستناد إلى‬ ‫ل")الكهف ‪18‬‬ ‫شاَء ا ُ‬ ‫ن َي َ‬ ‫ل َأ ْ‬ ‫غًدا‪ِ -‬إ ّ‬ ‫ك َ‬ ‫ل َذِل َ‬ ‫عٌ‬ ‫يٍء ِإّني َفا ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن ِل َ‬ ‫ل َتُقوَل ّ‬ ‫مشيئة أخرى عليا‪.‬يقول ال تعالى‪َ":‬و َ‬ ‫ي عّنا‬ ‫ل شيء عن مشيئتنا البشرّية الفعلّية أو عن شوقنا الخف ّ‬ ‫‪،(24-/23‬فنحن إضافة إلى أّننا نجهل ك ّ‬ ‫‪L’inconscient malgré lui, p-136 115‬‬ ‫‪.Inceste et jalousie, p-134 116‬‬ ‫‪Denis Vasse:L’Autre du désir et le dieu de la foi,Lire aujourd’hui Thérèse d’Avila,Paris,Seuil 1991,p- 117‬‬ ‫‪.41‬‬ ‫ل" السراء ‪.17/85‬‬ ‫ل قَِلي ً‬ ‫ن اْلِعْلِم إ ّ‬ ‫شاَء…" البقرة ‪َ…"-2/255‬و َما ُأوِتيُتْم ِم َ‬ ‫ل ِبَما َ‬ ‫عْلِمِه إ ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫يٍء ِم ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن ِب َ‬ ‫طو َ‬ ‫حي ُ‬ ‫ل ُي ِ‬ ‫‪ 118‬يقول ال تعالى‪َ…":‬و َ‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫دوما فإّنه ل يمكننا أن نكون المنجزين الوحيدين الفعلّيين لعمل ّما إذ نفتقر إلى عوامل وعناصر ل‬ ‫نتحّكم فيها وإن توّهمنا ذلك‪.‬وقولنا هذا ل يحمل دعوة إلى الفشل والكسل ولكن يدعو إلى التوّكل‬ ‫ي تقزيم لها‪.‬‬ ‫على ال وإلى معرفة حدود الّذات ول نرى في معرفة حدود الذات أ ّ‬ ‫ليس من اليسير الخروج من عبادة النا* هذا المتخّيل الذي يوهم بالمعرفة والقدرة‪،‬هذا النا*‬ ‫ن عليه شاء أم أبى الخضوع لقانون الّول اّلذي‬ ‫اّلذي ينسى أّنه ل يعدو أن يكون ثانيا في الكون وأ ّ‬ ‫ن بعضنا يكابر فيتعّذب وبعضنا‬ ‫ن النسان خاضع لهذا القانون فعل ولك ّ‬ ‫ل به‪،‬بل إ ّ‬ ‫لم يكن إنسانا إ ّ‬ ‫ن‪.‬‬ ‫الخر يستسلم فيطمئ ّ‬ ‫مفهوم الّمية‪:‬‬ ‫ل تصّم آذاننا عن صوت الحقيقة في ذواتنا‪ .‬ومن ألطف من عّبر عن وهم‬ ‫ن عبادة النا* المض ّ‬ ‫إّ‬ ‫ن الّتخّلي عن‬ ‫ن النسان يتوّهم أّنه يحيا لّنه يتنّفس‪.119‬وفي مقابل ذلك فإ ّ‬ ‫القدرة هذا فاس إذ يقّر بأ ّ‬ ‫ي*‪.‬ولنا في أّمية‬ ‫سبيل الوحيدة لنكشاف الواقع ّ‬ ‫وهم المعرفة ومن ثّم وهم المقدرة المطلقة هو ال ّ‬ ‫سرون في معنى الّمية فشاع عند جّلهم أّنها الجهل بالكتابة‬ ‫الّرسول تجسيم لقولنا‪.‬فقد اختلف المف ّ‬ ‫سرين إلى إمكان إفادتها غياب الكتاب المقّدس عند أّمة محّمد فيكون أفراد‬ ‫والقراءة وأشار بعض المف ّ‬ ‫ي المبعوث في غير بني‬ ‫ن عبارة النبي الّمي تعني "الّنب ّ‬ ‫تلك الّمة بذلك أّميين‪،120‬وأشار جعّيط إلى أ ّ‬ ‫إسرائيل" "المختار هو ذاته من بين أّمة من غير اليهود"‪.121‬‬ ‫ل عناصر معرفة النا* بل في إفرا ٍ‬ ‫غ‬ ‫ي يتمّثل في الخروج من ك ّ‬ ‫وللّمية في رأينا بعد رمز ّ‬ ‫ن الوحي لم‬ ‫لتراكمات المعارف العقلّية والمكتسبات الجتماعّية بحثا عن الفطرة الصلّية المحتجبة‪.‬إ ّ‬ ‫‪.Inceste et jalousie ,p-129 119‬‬ ‫‪ 120‬مفاتيح الغيب مج ‪ 2‬ج ‪ 3‬ص ‪.148‬‬ ‫طليعة ‪،1999‬ص ‪.42‬‬ ‫سيرة الّنبوّية ‪-1‬الوحي والقرآن والّنبّوة‪،‬بيروت‪،‬دار ال ّ‬ ‫‪ 121‬هشام جعّيط‪:‬في ال ّ‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ل بعد انقطاع الّرسول صّلى ال عليه وسّلم عن معارف القوم بل عن معرفته نفسه‪.‬فهو ليس‬ ‫يكن إ ّ‬ ‫ل أن نقرأ باسم ال اّلذي خلق‪،‬باسم الصل اّلذي نتوه عنه‬ ‫بقارئ وكّلنا ليس بقارئ ول يمكننا إ ّ‬ ‫فننسى أن نّتجه إليه‪.‬وابن عربي يقّرر أّنه "لّما كانت النبياء صلوات ال عليهم ل تأخذ علومها إ ّ‬ ‫ل‬ ‫ي لعلمهم بقصور العقل من حيث نظره‬ ‫من الوحي الخاص اللهي فقلوبهم ساذجة من الّنظر العقل ّ‬ ‫ي عن إدراك المور على ما هي عليه"‪.122‬‬ ‫الفكر ّ‬ ‫إّننا جميعنا أّميون نجهل ذواتنا فهي غريبة عّنا أو نحن غريبون عنها‪،123‬وكّلما تخّيلنا المعرفة‬ ‫والقدرة كبرت الهّوة بين الحقيقة والمتخّيل حّتى يغدو المتخّيل صنما نسمه بقدرة وهمّية على‬ ‫سَأُلوُهمْ‬ ‫ل َفَعَلُه َكِبيُرُهْم َهَذا َفا ْ‬ ‫ل َب ْ‬ ‫صنم‪َ":‬قا َ‬ ‫سمه قول إبراهيم لقومه ساخرا من عجز ال ّ‬ ‫الفعل‪،‬وهذا ما ُيج ّ‬ ‫ن")النبياء ‪.(21/63‬‬ ‫طُقو َ‬ ‫ن َكاُنوا َيْن ِ‬ ‫ِإ ْ‬ ‫وظيفة الّدعاء‪:‬‬ ‫ل‪،‬فوظيفة الّدعاء الساسّية باعتباره مخّ‬ ‫ضح لنا طبيعة دعائنا ال عّز وج ّ‬ ‫ن إحساسنا بعجزنا يو ّ‬ ‫إّ‬ ‫ن وظيفة الّدعاء باعتباره قول‬ ‫سم في مضمون الّدعاء بل في عمل الّدعاء نفسه أي إ ّ‬ ‫العبادة ل تتج ّ‬ ‫سم كما يقول اللغوّيون في العمل المقصود بالقول*)‪ (acte illocutionnaire‬ل في المضمون‬ ‫تتج ّ‬ ‫سم ‪،‬حال تحّققه باللغة‪،‬‬ ‫ن فعل الّدعاء مهما يكن مضمونه يج ّ‬ ‫ي*)‪.(contenu propositionnel‬إ ّ‬ ‫القضو ّ‬ ‫ي‪.‬أّما مضمون الّدعاء فإّنه يضمر عند‬ ‫النسان سائل وال مسؤول فيثبت موضع كليهما الصل ّ‬ ‫‪ 122‬محي الّدين بن عربي‪:‬زبدة فصوص الحكم‪،‬القاهرة‪،‬عالم الكتب )د‪-‬ت( ص ‪.45‬‬ ‫‪: Etrangers à nous-mêmes,Paris,Gallimard 1991. Julia Kristeva 123‬‬ ‫‪.Le Temps du désir,p-36‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ن "المطلوب بالّدعاء إن كان معلوم الوقوع‬ ‫البعض مفارقة أشار إليها الّرازي في مفاتيحه مفادها أ ّ‬ ‫عند ال كان واجب الوقوع‪،‬فل حاجة إلى الّدعاء وإن كان غير معلوم الوقوع فل حاجة أيضا إلى‬ ‫سم في الّدعاء من‬ ‫الّدعاء"‪.124‬وهذا الّتصّور يقوم على افتراض التقابل بين مشيئة النسان مثلما تتج ّ‬ ‫ن النسان ل يمكنه أن يعرف ما‬ ‫ي إذ أ ّ‬ ‫جهة ومشيئة ال من جهة ثانية‪.‬ونرى أن هذا الّتقابل وهم ّ‬ ‫صادقة أي شوقنا‬ ‫ل الوهم المتخّيل اّلذي يحجب مشيئتنا ال ّ‬ ‫ظاهرة إ ّ‬ ‫يشاؤه هو‪،‬وليست مشيئة النسان ال ّ‬ ‫ن دعاءنا يجب أن يكون‬ ‫ل‪.‬وعندئذ نتبّين أ ّ‬ ‫لا ُ‬ ‫شوق* إ ّ‬ ‫ي‪،‬ول يمكن أن يكشف لنا حقيقَة هذا ال ّ‬ ‫الصل ّ‬ ‫دعاء لّله كي يكشف لنا حقيقة شوقنا اّلتي نجهلها نحن ويعرفها هو‪.‬هذه الحقيقة اّلتي ل يمكن أن‬ ‫ل بقدر ابتعادنا عن متخّيل ذواتنا وعبادة صورنا الوهمّية‪.125‬‬ ‫نقترب منها إ ّ‬ ‫الجبر والختيار‪:‬‬ ‫ي يشمل ما يعي به‬ ‫ظاهر ّ‬ ‫وفي هذا الطار نطرح مسألة الجبر والختيار‪.‬فمجال الختيار ال ّ‬ ‫النسان ويتوّهم قدرته على الّتحّكم فيه أّما مجال الجبار فيشمل لوعي النسان‪،‬وموضع اللوعي*‬ ‫لواعي‬ ‫ل أقواله وأفعاله‪.‬ويمُثل اللهي في هذا الموضع ال ّ‬ ‫سس ك ّ‬ ‫هذا هو اّلذي يحّرك النسان ويؤ ّ‬ ‫ي*‪،‬فنحن إذن محكومون بما يمكن أن نسّميه مع لكان الخر المطلق* أو‬ ‫اّلذي ل يعّبر عنه الّرمز ّ‬ ‫مع شوبنهاور)‪ (schopenhauer‬الرادة*)‪ (volonté‬أو مع يونغ)‪ (jung‬اللوعي‬

‫ي*)‪inconscient‬‬ ‫الجمع ّ‬

‫‪.(collectif‬وليس وهم حّرية الختيار اّلتي يطمح إليها النا* سوى وهم يمنع الّذات* من الحياة‬

‫‪126‬‬

‫ل في الخضوع لصل‬ ‫سم إ ّ‬ ‫ن أقصى حريته ل تتج ّ‬ ‫فيتخّيل النا* أّنه فاعل حّر في الكون في حين أ ّ‬ ‫ق فيه‪.‬‬ ‫الح ّ‬ ‫‪ 124‬مفاتيح الغيب مج ‪ 3‬ج ‪ 5‬ص ‪.105‬‬ ‫‪.L’Autre du désir et le dieu de la foi,p-22 125‬‬ ‫‪Inceste et jalousie,p-233 126‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫سعادة والّراحة الّنفسّية ل يمكن أن‬ ‫ن اليمان شأنه في ذلك شأن ال ّ‬ ‫شرك تؤّكد أ ّ‬ ‫ن مقاربتنا لل ّ‬ ‫إّ‬ ‫ي يتمّثل في السؤال اّلذي‬ ‫ن عائق اليمان الساس ّ‬ ‫ي مخصوص‪.‬إ ّ‬ ‫يتحّقق وفق فعل للنسان عقلن ّ‬ ‫سؤال اّلذي يطرحه المحّلل )‬ ‫يطرحه النسان‪":‬ماذا يمكن أن أفعل لصل إلى ال؟" وهو شبيه بال ّ‬ ‫سؤال اّلذي قد يطرحه‬ ‫ي‪":‬ماذا يجب أن أفعل كي ُأشفى؟"‪ 127‬وهو شبيه بال ّ‬ ‫‪(analysant‬على المحّلل الّنفس ّ‬ ‫سعادة؟"‪.‬وهذه السئلة‬ ‫ي إنسان على نفسه أو على الغير وهو‪":‬ماذا يجب أن أفعل كي أحّقق ال ّ‬ ‫أ ّ‬ ‫صدق كاذبا"‪ 128‬إذ عوض أن يقّر النسان باللم والعذاب والحيرة فإّنه يحاول تخّيل‬ ‫جميعها "تجعل ال ّ‬ ‫سعادة هدفا يحّققه النسان الواعي‪ ،‬في حين أّنها ليست هدفا‬ ‫شفاء أو ال ّ‬ ‫غيابها‪،‬فيتصّور اليمان أو ال ّ‬ ‫ي‪.129‬‬ ‫بل نتيجة للستسلم الصل ّ‬ ‫كّل الكبائر شرك‪:‬‬ ‫سرون ولكّنه رأس الكبائر بمعنى أ ّ‬ ‫ن‬ ‫شرك رأس الكبائر بمعنى أّنه أّول كبيرة يذكرها المف ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫إّ‬ ‫سرون في تحديد الكبائر‬ ‫شرك‪.‬وقد اختلف المف ّ‬ ‫ل الكبائر تحمل في جوهرها وجها من وجوه ال ّ‬ ‫كّ‬ ‫شرك بال وعقوق الوالدين‬ ‫ن أدناها إثنتان هما ال ّ‬ ‫واختلفت أحاديث الّرسول في عددها على أ ّ‬

‫‪130‬‬

‫شرك بال وقتل الّنفس وعقوق الوالدين وشهادة الّزور ‪،‬وأقصاها سبع هي‬ ‫وأوسطها أربع هي ال ّ‬ ‫‪131‬‬

‫ل بالحقّ وأكل الّربا وأكل مال اليتيم والّتوّلي يوم‬ ‫سحر وقتل الّنفس اّلتي حّرم ال إ ّ‬ ‫شرك بال وال ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫الّزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلت ‪،‬وفي بعض الحاديث تعّوض اليمين الغموس شهادة‬ ‫‪132‬‬

‫‪.Lacan,p-101 127‬‬ ‫‪.Inceste et jalousie,p-232 128‬‬ ‫ل‪.‬‬ ‫جي هو ال عّز وج ّ‬ ‫جي بل المن ّ‬ ‫ن اّتباع القانون ليس هو المن ّ‬ ‫‪ 129‬يؤّكد هذا ما أسلفناه من أ ّ‬ ‫‪ 130‬صحيح البخاري مج ‪ 3‬ج ‪ 8‬ص ‪.76‬‬ ‫سابق مج ‪ 3‬ج ‪ 8‬ص ‪ ، 5‬ومج ‪ 1‬ج ‪ 3‬ص ‪.224‬‬ ‫‪ 131‬ال ّ‬ ‫سابق مج ‪ 2‬ج ‪ 4‬ص ‪.12‬‬ ‫‪ 132‬ال ّ‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫الّزور وبينهما وشائج إذ كلهما يقوم على الكذب المقصود فصاحب اليمين الغموس هو اّلذي‬ ‫‪133‬‬

‫شرك‪.‬‬ ‫ن كلّ الكبائر تفيد وجها من وجوه ال ّ‬ ‫يقتطع مال امرئ مسلم هو فيها كاذب ‪.‬ويبدو لنا أ ّ‬ ‫‪134‬‬

‫ساحر‬ ‫خل النسان في سير حياة إنسان آخر‪،‬فهو تغيير للقدر‪،‬وال ّ‬ ‫سحر على تد ّ‬ ‫سحر‪:‬يقوم ال ّ‬ ‫‪+‬ال ّ‬ ‫يوّد أخذ موقع الله متصّورا قدرته على الّتحّكم في مصائر الّناس فهو من هذا المنظور مشرك‪.‬‬ ‫ساحر في تغييره سير الحياة والعلقات وإن تمّيزا‬ ‫‪+‬شهادة الّزور‪:‬ل يختلف شاهد الّزور عن ال ّ‬ ‫ب المقصود‪.‬‬ ‫ساحر قوى خارقة وشاهد الّزور الكذ َ‬ ‫باعتماد ال ّ‬ ‫ل ضربا مخصوصا من ضروب شهادة الّزور‬ ‫‪+‬قذف المحصنات‪:‬ليس قذف المحصنات إ ّ‬ ‫ب المقصود اّلذي يؤّثر في كثير من الحيان تأثيرا سلبّيا في حياة المقذوفة وعلقاتها ل سّيما‬ ‫والكذ ِ‬ ‫ي يقوم على اعتبار ما تأتيه الّنساء عارا يلحق بالّرجال‪.‬‬ ‫في مجتمع أبو ّ‬ ‫ق يفيد‬ ‫ن قتل الّنفس بغير ح ّ‬ ‫‪+‬قتل الّنفس‪:‬ل يحتاج المرء إلى عمق ذكاء أو كثير تفكير ليقّر بأ ّ‬ ‫سيطرة على الحياة في حين ل يهب الحياة ول يسترّدها غير ال وحده‪.‬‬ ‫سعي القاتل لل ّ‬ ‫ن الوالدين ليسا أصل الحياة بل صورة بدايتها‪،‬وفي عقوق الوالدين‬ ‫‪+‬عقوق الوالدين‪ :‬أسلفنا أ ّ‬ ‫صورة اّلتي لم يخترها النسان أي رفض لرادة ال‪.‬‬ ‫رفض لهذه ال ّ‬ ‫ب للمتخّلين عن‬ ‫‪+‬الفرار من الجهاد‪:‬قد يكون في إدراج الفرار من الجهاد ضمن الكبائر ترهي ٌ‬ ‫سياقي المتحّول غير كاف في رأينا إذ الجهاد‬ ‫ي ال ّ‬ ‫ن هذا الّتفسير الّتاريخ ّ‬ ‫نشر الّدين وبناء الّدولة‪،‬ولك ّ‬ ‫بشهادة عدد كبير من الحاديث يتجاوز بعده الماّدي ليكون جهادا للّنفس‪.135‬فالجهاد وفق تأويلنا منع‬ ‫شرك‪.‬‬ ‫للنا من البحار في عبادة صورتها ووهم قدرتها‪.‬والفرار منه يكون بذلك من وجوه ال ّ‬ ‫سابق مج ‪ 3‬ج ‪ 8‬ص ‪.171‬‬ ‫‪ 133‬ال ّ‬ ‫سابق مج ‪ 3‬ج ‪ 9‬ص ‪.17‬‬ ‫‪ 134‬ال ّ‬ ‫‪ 135‬صحيح البخاري مج ‪ 3‬ج ‪ 8‬ص ‪3‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫‪+‬الّربا‪:‬ليس الّربا سوى سعي محموم إلى جمع المال على حساب المحتاجين والفقراء‪،‬فكأ ّ‬ ‫ن‬ ‫شرك‪.‬‬ ‫المرابي يّتخذ ماله إلها‪.‬فيكون سلوكه ضربا من ال ّ‬ ‫شرك وتتنّوع فإّنها جميعها تشترك في اليهام بتأثير النسان فيما ل يملك‬ ‫ومهما تتعّدد وجوه ال ّ‬ ‫صورة* والخيال‪،‬وفي نشدان ضمانات منطقّية حقوقّية للحياة‬ ‫فيه تأثيرا‪،‬وفي السعي إلى عبادة صنم ال ّ‬ ‫ق الصل الواحد‪.‬‬ ‫عوض الستسلم لصوت الح ّ‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ناقصات عقل ودين‬ ‫غالبا ما كانت المرأة موضوعا لصراعات إيديولوجّية سياسّية بين الحزاب الّدينية والحزاب‬ ‫ن المرأة "عرض يجب أن ُيصان"‬ ‫اللئيكّية أو بين "الّرجعيين" و"الّتقّدميين"‪.‬يّدعي الفريق الّول أ ّ‬ ‫ن "السلم" يحرم المرأة من حقوق‬ ‫ن "السلم" حّرر المرأة وأكرمها في حين يؤّكد الّثاني أ ّ‬ ‫ويؤّكد أ ّ‬ ‫ن الّنساء ناقصات عقل ودين ‪.‬ونوّد في‬ ‫كثيرة‪.‬وكثيرا ما يستشهد الفريقان بحديث للّرسول مفاده أ ّ‬ ‫‪136‬‬

‫هذا المقال أن نقرأ موقف الّرسول من المرأة انطلقا من مساءلة هذا الحديث مساءلة ل تبحث في‬ ‫ن هذا الحديث ل‬ ‫ي ول تبّرر وروده بظروف تاريخّية متحّولة‪،‬وإّنما هي قراءة تعتقد أ ّ‬ ‫سياقه الّتاريخ ّ‬ ‫ي اّلتي ل تختلف عبر‬ ‫ي بعد تقييمي للمرأة أو للّرجل ولكّنه حديث قد يعّبر عن طبيعة النثو ّ‬ ‫يحمل أ ّ‬ ‫الّزمان والمكان‪.‬‬ ‫‪ 136‬صحيح البخاري مج ‪ 1‬ج ‪ 1‬ص ‪-83‬صحيح مسلم ج ‪ 1‬صص ‪.87-86‬‬ ‫ن"‪.‬‬ ‫ب الّرجل الحازم من إحداك ّ‬ ‫ص الحديث هو‪":‬ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب لل ّ‬ ‫ن ّ‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫شوق* وآخر القانون‬ ‫آخر ال ّ‬

‫‪137‬‬

‫‪:‬‬

‫ي اختصاص المرأة بالمومة باعتباره فارقا‬ ‫يمكن في مرحلة أولى أن نّتخذ مدخلنا إلى النثو ّ‬ ‫بيولوجّيا فاصل بين المرأة والّرجل‪.‬ونحن وإن كّنا ل ندري إمكان قدرة الّتحويرات الجينّية على‬ ‫ن الّرجل اّلذي‬ ‫ن افتراض "نجاحها" ل يغّير شيئا من المسألة ل ّ‬ ‫إكساب الّرجل القدرة على الولدة فإ ّ‬ ‫ل امرأة سواء‬ ‫ي أي سمات اشتماله على المومة بالقّوة‪.‬فك ّ‬ ‫قد يحمل ويضع يكتسب سمات النثو ّ‬ ‫ل رجل أب بالقّوة‪.‬‬ ‫نكّ‬ ‫أوضعت أم لم تضع هي أّم بالقّوة مثلما أ ّ‬ ‫طفل قبل ولدته بل قبل الحمل وذلك من‬ ‫ن الّم والب كلهما يسم ال ّ‬ ‫ي* أ ّ‬ ‫ويثبت الّتحليل الّنفس ّ‬ ‫سريرّية ما للحياة الّرحمّية‬ ‫ي اّلذي يسبق الجنين ويشّكله‪.‬وتؤّكد تجارب البوح ال ّ‬ ‫خلل الحوض اللغو ّ‬ ‫من تأثير كبير في لوعي الفرد‪.138‬فالجنين يشعر بمدى شوق البوين إليه ويشعر بمدى رضاهما عن‬ ‫ن الّم هي ناقل‪.‬ول وجود‬ ‫جنسه‪.139‬وشوق الب يمّر إلى الجنين عبر علقة الّم بالب‪،‬ولذلك فإ ّ‬ ‫لعلقة هي أوثق وأعمق من علقة الّم بالجنين فهما مّتصلن اّتصال لن يجوز مثله بين البشر بعد‬ ‫الولدة‪،‬يتخاطبان دون حاجة إلى وسيط اللغة‪.‬وآثار هذه العلقة الوثيقة تنغرس في مجال اللوعي*‪.‬‬ ‫ل مفتقرا إليها تغّذيه‬ ‫سّري لكّنه يظ ّ‬ ‫فإذا ُولد الجنين غدا رضيعا ينفصل عن أّمه بقطع الحبل ال ّ‬ ‫ظفه فتحّقق له بعض حاجات‪،‬وتهدهده فتنشئ شوقه إليها‪.‬والّرضيع ل يفهم تحّركات أّمه‬ ‫وتن ّ‬ ‫المتراوحة بين الحضور والغياب‪،‬فهي عنده تحّركات فوضوّية ل منطق يحكمها‪.140‬فمن البداية إذن‬ ‫‪ 137‬استعرنا هذا العنوان من ‪.Lacan,p-66‬‬ ‫‪.Françoise Dolto:Le féminin,Paris,Gallimard 1998, pp-89/91 138‬‬ ‫سابق ص ‪.120‬‬ ‫‪ 139‬ال ّ‬ ‫‪.Lacan,p-67 140‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫شوق* ليس‬ ‫شوق*‪.141‬وال ّ‬ ‫ل الفوضى فتمّثل آخر ال ّ‬ ‫ل اللوعي* ومح ّ‬ ‫ي مح ّ‬ ‫تسكن الّم في بعدها الّرمز ّ‬ ‫ظمه‬ ‫ل بل قانون ين ّ‬ ‫ن شوق الّرضيع ل يمكن أن يظ ّ‬ ‫مجال العقل بل مجال النكشاف والّتجّلي‪،‬على أ ّ‬ ‫وأّول قانون يفصل الجنين من الّم هو قانون اللغة‪.‬فاللغة هي اّلتي تفّرق البن عن أّمه"‪ 142‬والّم‬ ‫طفل تعبيرا‬ ‫تسّمي أشياء العالم لبنها حّتى يغدو قادرا على تسميتها‪،‬إّنها هي اّلتي ترى في بكاء ال ّ‬ ‫عن الجوع وهي التي تغّذيه وفي الن نفسه تسّمي جوعه وبكاءه وغذاءه حّتى يغدو قادرا على‬ ‫سّمي قبل ذلك‪.‬وقد‬ ‫ل وقد ُ‬ ‫ن الّرضيع ل يمكن أن يسّمي إ ّ‬ ‫تسمية أشياء العالم وحده‪،‬فينفصل عنها‪.‬ولك ّ‬ ‫ي* لبعض الّنسويات الّتساؤل عن سبب تسمية البن باسم الب واعتبار‬ ‫تواتر في الخطاب العصاب ّ‬ ‫سخ تفضيل الّرجل على المرأة‪.143‬وليس اسم الب* في رأينا‬ ‫هذه الّتسمية من الوسائل الّتي بها يتر ّ‬ ‫ل…")الحزاب ‪ (33/5‬رفعا‬ ‫عْنَد ا ِ‬ ‫سطُ ِ‬ ‫عوُهْم لَباِئِهْم ُهَو َأْق َ‬ ‫تفضيل وليس المر في قول ال تعالى‪ُ":‬اْد ُ‬ ‫ن اسم الب*‬ ‫طفل عن أّمه‪.‬إ ّ‬ ‫ي لتفريق ال ّ‬ ‫من شأن الب دون الّم ولكّنه تأكيد المظهر الّرمزي الساس ّ‬ ‫طفل رمزّيا من علقة ثنائّية خانقة مع الّم وإدراجه في‬ ‫ي لخراج ال ّ‬ ‫طرف الّثالث الضرور ّ‬ ‫هو ال ّ‬ ‫ن الّتسمية علمة تشّكل الّذات*‪.‬ومن شروط قبول الّتسمية)أو قيام اسم الب* بوظيفته‬ ‫مجتمع البشر‪.‬إ ّ‬ ‫ل علقة جنسية مع الّم‪.‬فلئن كان‬ ‫أو دخول النسان في زمرة البشر( أن ُتحّرم على البن والبنت ك ّ‬ ‫ن كل‬ ‫طفل النثى يّتجه إلى الب وأ ّ‬ ‫ن شوق ال ّ‬ ‫ن شوق الطفل الّذكر يتجه إلى الّم وأ ّ‬ ‫شائع أ ّ‬ ‫من ال ّ‬ ‫ن كل من البن‬ ‫ن الّنظر العميق في الّدراسات الّنفسية يبّين أ ّ‬ ‫شوقين يبني ما يسّمى بعقدة أوديب* فإ ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫والبنة يشتاق في مرحلة أولى إلى الّم فهي اّلتي تفتح للّرضيع باب المتعة*)‪ (jouissance‬من خلل‬

‫صفحة نفسها‪.‬‬ ‫سابق‪،‬ال ّ‬ ‫‪ 141‬ال ّ‬ ‫‪.Le temps du désir,p-150 142‬‬ ‫سعداوي‪:‬النثى هي الصل‪،‬بيروت‪،‬المؤسسة العربية للّدراسات والّنشر ‪.1974‬‬ ‫‪ 143‬انظر على سبيل المثال‪:‬نوال ال ّ‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ن هذه المتعة* ل تكتمل إذ قانون اللغة اّلذي يرمز إليه الب يحّرم إتيان الم‬ ‫عنايتها به ‪،144‬على أ ّ‬ ‫شوق* إذ‬ ‫شوق* ولكّنها تغدو موضوعا لل ّ‬ ‫ي" لل ّ‬ ‫ّ‪.‬فالّم ليست محّرمة لّنها موضوع "طبيع ّ‬ ‫ُتحّرم‪.145‬وعلى هذا الّتحريم اّلذي ينشئه الب تنشأ المجتمعات البشرّية‪.‬وبذلك يمّثل الب "آخر‬ ‫ن العقل في اللغة هو الحجر والّنهي لّنه يمنع صاحبه‬ ‫شوق"‪.‬وإذا علمنا أ ّ‬ ‫القانون" في مقابل "آخر ال ّ‬ ‫سبيل‪ 146‬أمكن أن نفهم قوامة الّرجل على المرأة باعتبارها قوامة رمزّية‬ ‫من العدول عن سواء ال ّ‬ ‫ي‪،‬وهي قوامة ل تندرج ضمن الفعل الواعي بل تتموضع في مجال اللوعي*‬ ‫ي على النثو ّ‬ ‫للّذكور ّ‬ ‫ي بعد تفضيل ّ‬ ‫ي‬ ‫طفل من الستقلل من العلقة الولى مع الّم‪.‬والقوامة بذلك ل تحمل أ ّ‬ ‫فتمّكن ال ّ‬ ‫لجنس على جنس آخر إذ "أن يمحو اسم الب* شوق الّم يبّين طبيعة كليهما"‪.147‬وأن يكون على‬ ‫المولود له رزق الطفل وكسوته بالمعروف ليس تفضيل لحد الجنسين على الخر ولكّنه من‬ ‫سم رابطة البّوة اّلتي لم تكن في‬ ‫ضروب تحقيق علقة البّوة في الواقع فإنفاق الب على البن يج ّ‬ ‫ل عبر موضع الّم‪.‬‬ ‫البداية إ ّ‬ ‫عقدة أوديب* بين النثى والّذكر‪:‬‬ ‫ن نظرنا في صورتي الب والّم بّين لنا ما لصورة الّم اللواعية من بون عن العقل وما‬ ‫إّ‬ ‫لصورة الب اللواعية من اندراج ضمنه‪،‬ولكن لندع المومة والبّوة فهما خصيصتان بالقّوة لك ّ‬ ‫ل‬ ‫أنثى وذكر وقد ل يتحّققان بالفعل‪.‬ولنختبر نقصان عقل المرأة في موضع البنّوة وهو خصيصة‬ ‫‪.Serge André :Que veut une femme ?,Paris,Seuil 1995 p-91 144‬‬ ‫سابق ص‬ ‫ن شوق البنت الّول يكون للب تبّين أّنه يّتجه نحو الّم‪.‬انظر ال ّ‬ ‫وقد تطّور رأي فرويد في هذه المسألة فبعد أن كان يتصّور أ ّ‬ ‫‪.169‬‬ ‫‪.Le Père.Métaphore paternelle et fonctions du père ,p-270 145‬‬ ‫شركة العالمّية للكتاب ‪ 1994‬ج ‪ 2‬ص ‪.84‬‬ ‫‪ 146‬جميل صليبا‪:‬المعجم الفلسفي‪،‬بيروت‪،‬ال ّ‬ ‫‪.Lacan,p-66 147‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ي* أ ّ‬ ‫ن‬ ‫ي‪،‬فالمرء قد ل يلد ولكّنه بضرورة المنطق مولود‪.‬ويخبرنا الّتحليل الّنفس ّ‬ ‫ل كائن بشر ّ‬ ‫بالفعل لك ّ‬ ‫عقدة أوديب* عند الّذكر مختلفة عنها لدى النثى‪.‬فالّذكر يشتاق في البدء إلى أّمه ثّم ينقلب عن هذا‬ ‫ن الّذكر يماهي الب‬ ‫شوق* أي إ ّ‬ ‫ال ّ‬

‫)‪(s’identifie au père‬‬

‫ويبتعد عن الّم مّتجها نحو موضوع مشابه‬

‫لها في الجنس أي نحو نساء أخريات‪،‬أّما البنت فهي تشتاق إلى الّم ثّم تنأى عنها مّتجهة نحو‬ ‫ن على البنت أن تبتعد عن الّم في نفس الوقت الذي تنشد‬ ‫موضوع مخالف لها في الجنس أي إ ّ‬ ‫شوق*‬ ‫ن هذا الموضع معّقد وعسير فكيف توّفق البنت بين النفصال عن موضوع ال ّ‬ ‫الّتماهي فيها‪.‬إ ّ‬ ‫وهو هنا الّم والمحافظة على الّتصال به لتحقيق الّتماهي اللزم في موضع النوثة؟ وكيف يمكن‬ ‫للبنت الّتخّلي عن النفعال)‪ (passivité‬لتنفصل عن الّم والمحافظة على ذلك النفعال ذاته للّتصال‬ ‫بالّذكر؟‪ 148‬ما أبعد هذه العملّية المعّقدة بل المتناقضة عن العقل والمنطق؟أليست النوثة في مح ّ‬ ‫ل‬ ‫تشّكلها اللواعي ذاته نقصانا للعقل؟‬ ‫ي‪:‬‬ ‫ي واليمان النثو ّ‬ ‫الّدين الّذكور ّ‬ ‫سسات‬ ‫الّنساء لسن ناقصات عقل فحسب بل ناقصات دين أيضا‪.‬والّدين مّتصل اّتصال وثيقا بالمؤ ّ‬ ‫ي مّتصل بأحبار اليهود والّدين‬ ‫اّلتي تنشره‪،‬فإذا نظرنا في الّديانات الكتابّية وجدنا الّدين اليهود ّ‬ ‫ن الّدين في علقة‬ ‫ي مّتصل بالفقهاء والئّمة‪.149‬إ ّ‬ ‫ي مّتصل بالكنيسة وبابواتها والّدين السلم ّ‬ ‫المسيح ّ‬ ‫سسة الّدينية‬ ‫جوهرّية مع الدّولة وذلك مهما تتعّدد أشكال هذه العلقة أو ضروبها‪.‬والموقف من المؤ ّ‬ ‫سسة بدور الحامي‬ ‫ي وفي مقابل هذا النتماء تضطلع هذه المؤ ّ‬ ‫هو اّلذي يحّدد شعور النتماء الّدين ّ‬ ‫ي إذ تجيب عن أسئلتهم وإذ تنشئهم‬ ‫ي للجماعة المنتمين إليها‪.‬فهي الحامي الّرمز ّ‬ ‫ي والفعل ّ‬ ‫الّرمز ّ‬

‫‪.Que veut une femme?p-194 148‬‬ ‫شرفي‪:‬لبنات‪،‬تونس‪،‬دار الجنوب للّنشر ‪ 1994‬ص ‪.69‬‬ ‫‪ 149‬عبد المجيد ال ّ‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ي في حال العتداء‬ ‫مجموعة مختلفة عن المجموعات الخرى ومتمّيزة عنها‪،150‬وهي الحامي الفعل ّ‬ ‫سسات سياسية‬ ‫ن الديان هي مؤ ّ‬ ‫على المجموعة أو على مقّدساتها‪ .‬ولذلك اعتبرت دولتو )‪ (Dolto‬أ ّ‬ ‫ي المر أو طاعة الفقيه أو‬ ‫طاعة‪،‬طاعة ول ّ‬ ‫اجتماعية تقوم على تراتبّية قضيبّية )‪ (phallique‬أساسها ال ّ‬ ‫س‪.151‬‬ ‫طاعة الق ّ‬ ‫ن لكلمة "القضيبّية" هنا قيمة كبرى إذ ما القضيب*)‪(phallus‬؟ ليس القضيب* الّذكر أي إّنه ليس‬ ‫إّ‬ ‫ن الّداّلة‬ ‫ل يرّمز)‪ (symbolise‬هذا العضو‪.152‬إ ّ‬ ‫ي ولكّنه دا ّ‬ ‫العضو البيولوج ّ‬

‫القضيبّية)‪fonction‬‬

‫‪(phallique‬هي اّلتي تمّيز الجنسين إلى من يمّثله القضيب* ومن ل يمّثله‪.‬وبعبارة أخرى لّما كانت‬ ‫اللغة هي المحّددة للكائن فإّنها هي اّلتي تحّدد انتماء الّذات إلى جنس أو آخر‪،‬ولّما كانت المجموعة‬ ‫ل بإمكان وجود عنصر خارج عنها أو عنصر شاّذ‪،‬فإّنه يمكن‬ ‫ي ل ُتتصّور إ ّ‬ ‫ي الّرياض ّ‬ ‫بمعناها المنطق ّ‬ ‫تحديد الّذكور ضمن مجموعة هي مجموعة من يمتلكون القضيب* لوجود عنصر خارج عنه وهو‬ ‫ن الّذكور يخشونه‪،‬وفي مقابل ذلك فإّنه‬ ‫النثى‪.‬وبذلك يكون الخصاء* عند الّذكر ممكنا ولّنه ممكن فإ ّ‬ ‫ن خصاء* المرأة حاصل ل ممكن‪،‬ول يمكن الحديث عن‬ ‫ل يمكن تحديد النثى ضمن مجموعة ل ّ‬ ‫أنثى غير مخصّية ‪،‬فخصاء* المرأة يحّدد مجموعة الّرجال ول يمكنه تحديد مجموعة الّنساء‪،‬ولذلك‬ ‫ل الفرق يبدو أوضح إذا‬ ‫ن "المرأة )بالمعنى الجنسي لللف واللم( غير موجودة"‪.153‬ولع ّ‬ ‫أّكد لكان أ ّ‬ ‫ل من الّذكر والنثى يحّدد لغوّيا بوجود القضيب* وبغيابه فنتحّدث لغوّيا عّمن يمتلك‬ ‫نكّ‬ ‫قلنا إ ّ‬ ‫القضيب* وعّمن هو خلو من القضيب*‪.‬وفي الحالتين يكون القضيب* حاضرا أو غائبا محّددا‬ ‫سّنة صص ‪.106/108‬‬ ‫‪ 150‬الخبار عن المرأة في القرآن وال ّ‬ ‫‪.Les Evangiles et la foi au risque de la psychanalyse,p92 151‬‬ ‫‪.Lacan,p-83 152‬‬ ‫سابق ص ‪.86‬‬ ‫‪ 153‬ال ّ‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫للجنس‪.‬فإن كان حاضرا كان غيابه ممكنا وبذلك ينشئ مجموعة هي مجموعة الّذكور‪،‬وإن كان غائبا‬ ‫ي‪ -‬ولكّنه ل يكون فعل على نمط‬ ‫فهو حاضر بغيابه –ولذلك تحيط الّداّلة القضيبّية ببعض من النثو ّ‬ ‫ي‪.‬‬ ‫ل الّدالة القضيبية عاجزة عن تمثيل بعض من النثو ّ‬ ‫الحضور ولذلك تظ ّ‬ ‫ي وهذا شأن الّتجّمعات الحزبية والعسكرّية‬ ‫ن مبدأ المجموعة هو في أساسه ذكور ّ‬ ‫إّ‬ ‫ي‪،‬ففي غياب سمة لمجموعة الّنساء تغيب المجموعة‬ ‫والدينية‪.154‬ومبدأ الفراد هو في أساسه أنثو ّ‬ ‫جه الخطاب في القرآن إلى‬ ‫وُتعّدد الّنساء واحدة واحدة إلى ما ل نهاية له‪.‬وفي هذا الطار نفهم تو ّ‬ ‫الّذكور دون الناث‪،‬فالّذكور هم المجموعة الّرمزّية المعنّية بتنفيذ الحكام والقوانين‪،‬وفي الطار‬ ‫جه الخطاب إلى بعض أفراد الناث المخصوصين شأن مريم بنت عمران أو نساء‬ ‫نفسه نفهم تو ّ‬ ‫الّرسول ‪.‬وإذا كانت الّداّلة القضيبية غير قادرة على الحاطة بالنثوي في كّليته وإذا كانت المتعة*‬ ‫‪155‬‬

‫ن هذا الّتصّور يفيد إمكان وجود ضرب ثان من المتعة* ل‬ ‫البشرية في جوهرها قضيبّية لغوّية فإ ّ‬ ‫يمكن أن ينقال أي يفيد إمكان وجود ضرب ثان من المتعة* ل يخضع للّتعبير اللغوي‪.‬إّنها المتعة*‬ ‫الخرى المفترضة اّلتي ل نعرف عنها شيئا‪.‬‬ ‫ي والتمييز بين المتعة* القضيبّية اللغوّية والمتعة*‬ ‫ي والنثو ّ‬ ‫ويبدو لنا التمييز بين الّذكور ّ‬ ‫الخرى المفترضة صنوا للّتمييز بين مفهومي الّدين واليمان)‪.(foi‬فالّدين كما أسلفنا يقوم على‬ ‫شافي الكافي للّناس باعتبارهم مجموعة منتمية إلى ذلك‬ ‫سسات جماعّية تّدعي تقديم الجواب ال ّ‬ ‫مؤ ّ‬ ‫ي‪،‬إّنه بحث ل يني عن‬ ‫الّدين‪،‬أّما اليمان فمغامرة فردّية ل تّدعي تقديم جواب جماعي أو نهائ ّ‬ ‫ي تختلف سبل بلوغه من ذات إلى أخرى‪.‬ومن هذا المنظور يمكن اعتبار الميراث‬ ‫اطمئنان فرد ّ‬ ‫ي اّلذي نراه ميراثا إيمانّيا مندرجا‬ ‫صوف ّ‬ ‫ي‪-‬سّنيا كان أو شيعّيا‪ -‬ميراثا دينّيا‪،‬ويقابله الميراث ال ّ‬ ‫الفقه ّ‬ ‫ل ذكورّيا‪.‬‬ ‫ي لهذه المجموعات يظ ّ‬ ‫ن البعد الّرمز ّ‬ ‫ن النساء ل ينتمين إلى هذه المجموعات في الواقع‪،‬ولك ّ‬ ‫‪ 154‬ل يعني هذا أ ّ‬ ‫‪ 155‬على سبيل المثال آل عمران ‪ 43-3/42‬الحزاب ‪…33/33‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ل وجودها رهين عجز القول عن وصفها أل‬ ‫ضمن تجربة ل يمكن للقول نقلها نقل أمينا بل لع ّ‬ ‫تضيق العبارة كّلما اّتسعت الّرؤيا؟‬ ‫ن متعة* الفقهاء‬ ‫ي يحتفي بالّرمز ويؤّكد خضوع البشر لسلطانه‪،‬وإ ّ‬ ‫ي ذكور ّ‬ ‫ن سلوك الفقهاء الّدين ّ‬ ‫إّ‬ ‫قضيبّية تقوم على لّم شمل الّمة ضمن رؤية واحدة هي جوهر المجموعة وعمادها‪،‬أّما سلوك‬ ‫ن متعة* المتصّوفة غير قضيبّية إذ هي‬ ‫ي* المفترض‪،‬وإ ّ‬ ‫ي يفتح بابا على الواقع ّ‬ ‫المتصّوفة فأنثو ّ‬ ‫متعة* صامتة تقّر بوجد ل تملك عنه تعبيرا‪.‬‬ ‫ومن جهتنا ل نرى بين كلتا الرؤيتين وكلتا المتعتْين مجال للّتفاضل مثلما ل نرى بين العقل‬ ‫ي مجال للّتفاضل‪،‬ول نرى في نقصان عقل‬ ‫ي والنثو ّ‬ ‫والحساس وبين الّدين واليمان وبين الّذكور ّ‬ ‫المرأة ودينها ‪-‬وفق تأويلنا‪ -‬ذّما‪،‬فالّنقصان ليس في ذاته عيبا بل يتحّدد الّنقصان عيبا إن كان‬ ‫المنقوص إيجابّيا ويتحّدد الّنقصان خصلة إن كان المنقوص سلبّيا‪،‬وليس العقل في ذاته َزْينا‬ ‫ن نقصان عقل المرأة‬ ‫ليَمان في ذاته شّرا‪.‬إ ّ‬ ‫حْلية وا ِ‬ ‫شْينا مثلما ليس الّدين في ذاته ِ‬ ‫والحساس في ذاته َ‬ ‫ن تأويلنا هذا مفتاح‬ ‫ودينها تعبير عميق عن طبيعة الّذات* النثوّية في أعماقها الّنفسّية‪.‬ونحن نزعم أ ّ‬ ‫لفهم بعض خصائص الجنسين الواردة في بعض آي القرآن أو بعض الحاديث شأن خلق آدم قبل‬ ‫حّواء‪.‬‬ ‫خلق آدم قبل حّواء؟ ‪:‬‬ ‫لماذا ُ‬ ‫ل يمكن أن ُيخلق آدم وحّواء في الن نفسه‪،‬ول بّد أن يسبق خلق أحدهما خلق الخر‪،‬فل شيء‬ ‫خلق قبل‬ ‫ن آدم ُ‬ ‫في الّزمان يكون محايثا لخر إذ طبيعة الوجود الّتتالي‪.‬ول تصّرح آيات القرآن بأ ّ‬ ‫سُك َ‬ ‫ن‬ ‫جَها ِلَي ْ‬ ‫ل ِمْنَها َزْو َ‬ ‫جَع َ‬ ‫حَدٍة َو َ‬ ‫س َوا ِ‬ ‫ن َنْف ٍ‬ ‫خَلَقُكْم ِم ْ‬ ‫حّواء إذ يقول ال تعالى‪ُ":‬هَو اّلِذي َ‬ ‫ن بعض الحاديث‬ ‫ِإَلْيَها…")العراف ‪،(7/189‬والّزوج في اللغة العربّية لفظ ُيعتمد للّذكر والنثى‪.‬ولك ّ‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫سرين إلى اعتبار‬ ‫خلقت من ضلعه‪.156‬ويذهب بعض المف ّ‬ ‫ن حّواء ُ‬ ‫ن ال خلق آدم أّول وأ ّ‬ ‫الّنبوّية تؤّكد أ ّ‬ ‫هذه السبقية في الوجود مظهرا من مظاهر تفضيل الّذكر على النثى‪،‬فهذا ابن العربي يقول‪":‬ول‬ ‫خلقت من الّرجل فهو‬ ‫ن المرأة ُ‬ ‫لأّ‬ ‫يخفى على لبيب فضل الّرجال على الّنساء‪،‬ولو لم يكن إ ّ‬ ‫ن الّنقصان ليس‬ ‫ي بين الجنسين‪،‬فمثلما أ ّ‬ ‫ي تفسير تفاضل ّ‬ ‫أصلها"‪.157‬وقد بّيّنا منذ البدء عزوفنا عن أ ّ‬ ‫ن السبقّية ليست فضل في ذاتها‪،‬وإّننا ل نوّد أن نقّيم بل أن نفهم سبب هذه السبقّية‪.‬‬ ‫عيبا في ذاته فإ ّ‬ ‫ن الّداّلة‬ ‫ي* اللكاني‪ -‬أ ّ‬ ‫ن اللغة هي اّلتي تشّكل الكائن وبّيّنا ‪-‬استنادا إلى الّتحليل الّنفس ّ‬ ‫أسلفنا أ ّ‬ ‫ل على النوثة‪.‬ومن هذا‬ ‫القضيبّية اللغوية تمّثل الّذكور وأّنها ل تحيط بالمرأة أي إّنه ل وجود لدا ّ‬ ‫المنظور ل يمكن أن ُتخلق المرأة قبل الّرجل إذ ل يمكن أن يوجد الكائن قبل اللغة‪،‬ول يمكن أن‬ ‫ل يسمها كّلها‪.‬فخلق الّذكر تجسيم لفعل الخلق باللغة "كن‬ ‫تكون النوثة أولى وهي المفتقرة أبدا إلى دا ّ‬ ‫خلقت من الّرجل‪،‬ولكن ل من الّرجل كّله بل من ضلعه أو فضل طينته‪،‬وهي في‬ ‫فيكون"‪ 158‬والنثى ُ‬ ‫ل في جزء منها‬ ‫الحالتين إذن محكومة بالّداّلة القضيبّية التي تسبقها ولكّنها ليست محكومة بها إ ّ‬ ‫فقط‪.‬وإن كان المر كذلك فلماذا ترى بعض الّنساء في خلق آدم قبل حّواء انتقاصا من شأنه ّ‬ ‫ن‬ ‫ل على ما ل‬ ‫ل أّول حّتى يد ّ‬ ‫ي أن يكون الّرجل الّدا ّ‬ ‫طبيع ّ‬ ‫وتفضيل للّذكر على النثى في حين أّنه من ال ّ‬ ‫ي* اّلذي ل يحيط به الّرمز‪.‬إ ّ‬ ‫ن‬ ‫ي أن يكون الّرمز أّول حّتى يكون الواقع ّ‬ ‫طبيع ّ‬ ‫ل‪،‬ومن ال ّ‬ ‫يحيط به الّدا ّ‬ ‫صمت إ ّ‬ ‫ل‬ ‫صمت صمتا‪.159‬فنحن ل نفطن إلى ال ّ‬ ‫صوت هو اّلذي يلد ال ّ‬ ‫صوت‪،‬بل ال ّ‬ ‫صمت ل يسبق ال ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫ل‪.‬‬ ‫ل بوجود الّدا ّ‬ ‫لإّ‬ ‫صوت ول نفطن إلى ما وراء الّدا ّ‬ ‫بسماع ال ّ‬ ‫‪ 156‬صحيح البخاري مج ‪ 3‬ج ‪ 7‬ص ‪.34‬‬ ‫‪ 157‬أحكام القرآن ج ‪1‬ص ‪.188‬‬ ‫‪ 158‬البقرة ‪-2/117‬آل عمران ‪-3/47‬آل عمران ‪-3/59‬النعام ‪-6/73‬الّنحل ‪-16/40‬مريم ‪-19/35‬يس ‪-36/82‬غافر ‪.40/68‬‬ ‫‪.Les quatre concepts fondamentaux de la psychanalyse ,p-28 159‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫لماذا كانت للّرجال درجة على الّنساء؟‬ ‫جٌة")البقرة ‪،(2/228‬وقد‬ ‫ن َدَر َ‬ ‫عَلْيِه ّ‬ ‫ل َ‬ ‫جا ِ‬ ‫ف َوِللّر َ‬ ‫ن ِباْلَمْعُرو ِ‬ ‫عَلْيِه ّ‬ ‫ل اّلِذي َ‬ ‫ن ِمْث ُ‬ ‫قال ال تعالى‪َ":‬وَلُه ّ‬ ‫ص المنزلة عند ال خلفا لمعنى الّدرجة في آيات أخرى‬ ‫ن هذه الّدرجة ل تخ ّ‬ ‫سرون على أ ّ‬ ‫اّتفق المف ّ‬ ‫سرين اختلفوا في هذه الّدرجة التي للّرجل على المرأة فاعتبروا أّنها ح ّ‬ ‫ق‬ ‫ن المف ّ‬ ‫من القرآن‪،‬ولك ّ‬ ‫ق اللعان أو صفح الّرجل‬ ‫طاعة أو زيادة الميراث أو الجهاد أو الّنفقة والقيام على المرأة‪ 160‬أو ح ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫خلقت من ضلعه‪،‬غير‬ ‫ضله عليها‪ 161‬أو جواز تأديب الّرجل للمرأة أو أّنه أصل لها إذ ُ‬ ‫عن المرأة وتف ّ‬ ‫ن للرجال على الّنساء درجة اللحية‪.162‬ومن هنا يبدو‬ ‫ن أطرف تفسير هو ذاك الذي يقّرر صاحبه أ ّ‬ ‫أّ‬ ‫ص به الّرجل دون المرأة درجٌة له عليها‪.‬فِلَم ل تكون هذه الّدرجة هي درجة‬ ‫ل ما قد يخت ّ‬ ‫نكّ‬ ‫أّ‬ ‫خضوع الّرجل للّداّلة القضيبّية دون المرأة؟‪.‬‬ ‫من موّدة الختلف إلى غيرة المطالبة‪:‬‬ ‫ن أّم سلمة أتت الّرسول قائلة‪:‬يا رسول ال تغزو الّرجال ول نغزو وإّنما‬ ‫تذكر بعض المصادر أ ّ‬ ‫ن ال جعل لنا الغزو فنصيب‬ ‫لنا نصف الميراث‪،‬وفي رواية أخرى سأل الّنساء الجهاد فقلن‪:‬وددنا أ ّ‬ ‫من الجر ما يصيب الّرجال‪.‬وفي رواية ثالثة قال الّرجال للّرسول‪":‬إّنا لنرجو أن نفضل على الّنساء‬ ‫ضعف من أجر الّنساء‪،‬وقالت‬ ‫ن في الميراث فيكون أجرنا على ال ّ‬ ‫بحسناتنا في الخرة كما فضلنا عليه ّ‬ ‫الّنساء إّنا لنرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الّرجال في الخرة كما لنا الميراث على‬ ‫ظلم في حين أ ّ‬ ‫ن‬ ‫الّنصف من نصيبهم في الّدنيا‪.163‬وسؤال الّنساء يقوم على شعور واضح بالحيف وال ّ‬ ‫طبرسي‪:‬مجمع البيان في تفسير القرآن‪،‬بيروت‪،‬دار المعرفة ‪،1986‬ج ‪ 1/2‬ص ‪.575‬‬ ‫‪ 160‬أبو الفضل بن الحسن ال ّ‬ ‫‪ 161‬جامع البيان ج ‪ 2‬ص ‪.468‬‬ ‫‪ 162‬أحكام القرآن ج ‪ 1‬ص ‪.188‬‬ ‫‪ 163‬أسباب الّنزول صص ‪.124/125‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫سؤال الّرجال يقوم على إحساس واضح بالّتفّوق يرغب الّرجال في تجسيمه أكثر فأكثَر‪.‬ويكشف كل‬ ‫سمها الّداّلة القضيبّية‬ ‫ي* المرأة والّرجل‪.‬فالمرأة اّلتي ل تج ّ‬ ‫سؤالين عن الطبيعة العميقة لُعصاَب ِ‬ ‫ال ّ‬ ‫ي* محموم نحو الندراج ضمن هذه الّداّلة وهو ما عّبر‬ ‫ل دائما في سعي عصاب ّ‬ ‫تجسيما كامل‪،‬تظ ّ‬ ‫سم ضمن مجموعة من يمتلك صورة‬ ‫عنه فرويد بشوق النثى إلى القضيب*‪،164‬والّرجل اّلذي ل يتج ّ‬ ‫ل في فزع دائم من الخصاء* فيسعى إلى‬ ‫ل لوجود أنثى خارجة عن تلك المجموعة‪،‬يظ ّ‬ ‫للقضيب* إ ّ‬ ‫ل من الّرجال والّنساء‬ ‫ن سؤال ك ّ‬ ‫إثبات وجود صورة القضيب* بتأكيد تمّيزه عن النثى‪.‬وإذ اّتضح أ ّ‬ ‫ي* لكل‬ ‫يضمر حالة عصابّية* فمن المشروع الّتساؤل عن كيفّية الخروج من هذا المأزق العصاب ّ‬ ‫الجنسين‪.‬‬ ‫سائلين؟ اعتمد ال تعالى في خطابه‬ ‫كيف أجاب ال تعالى والّرسول صّلى ال عليه وسّلم ال ّ‬ ‫عَلى َبْع ٍ‬ ‫ض‬ ‫ضُكْم َ‬ ‫ل ِبِه َبْع َ‬ ‫لا ُ‬ ‫ضَ‬ ‫ل َتَتَمّنْوا َما َف ّ‬ ‫ضمير الجمع اّلذي يشمل الّذكور والناث فقال‪َ":‬و َ‬ ‫ن…")الّنساء ‪.(4/32‬وفي هذا القول نهي عن‬ ‫سْب َ‬ ‫ب ِمّما اْكَت َ‬ ‫صي ٌ‬ ‫ساءِ َن ِ‬ ‫سُبوا َوِللّن َ‬ ‫ب ِمّما اْكَت َ‬ ‫صي ٌ‬ ‫ل َن ِ‬ ‫جا ِ‬ ‫ِللّر َ‬ ‫ل جنس لسماته الممّيزة‪.‬فالخطأ هو‬ ‫ن في القول أمرا بقبول ك ّ‬ ‫ل جنس موضع الخر أي إ ّ‬ ‫أن يتمّنى ك ّ‬ ‫س الخطإ اللواعي هو شوق المرأة إلى أن تمتلك‬ ‫سمات التمييزّية سمات معيارّية وأ ّ‬ ‫في تصّور ال ّ‬ ‫سه اللواعي هو الغيرة‪،‬غيرة‬ ‫نأّ‬ ‫سمات الّرجل وخوف الّرجل من أن يمتلك سمات المرأة أي إ ّ‬ ‫المرأة من الّرجل من جهة وغيرة الّرجل على قضيبّيته من جهة أخرى‪.‬وما الغيرة؟ إّنها ليست إ ّ‬ ‫ل‬ ‫ن لموضع‬ ‫خوفا من القرار بنقص ّما أو إّنها محاولٌة لسّد الفتقار اّلذي أسلفنا تحليله‪،‬وهي نشدا ٌ‬ ‫ن الغيرة في معناها العميق غيرة من الخر‬ ‫يأّ‬ ‫الواحد الكامل غير المنشطر‪،‬أل يؤّكد الّتحليل الّنفس ّ‬ ‫المطلق* أي إّنها في منظورنا غيرة من ال؟‪.165‬‬ ‫‪164‬‬

‫‪.Que veut une femme ? ,p-119‬‬

‫‪.Inceste et jalousie,p-222 165‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ل منهما بموضع‬ ‫ل جنس موضع الخر وتأكيده اختصاص ك ّ‬ ‫ن نهي ال تعالى عن تمّني ك ّ‬ ‫إّ‬ ‫ل محّله الختلف القائم على‬ ‫صراع ليح ّ‬ ‫مخصوص‪،‬إّنما هو نهي ينشد إقصاء الّتقابل القائم على ال ّ‬ ‫سلم‪.166‬‬ ‫ال ّ‬ ‫صمت‪:‬‬ ‫ي والموت وال ّ‬ ‫النثو ّ‬ ‫ترمز الساطير الغريقّية إلى الموت بنساء ثلث يغزلن)‪.(les parques‬ويبّين الّتحليل الّنفس ّ‬ ‫ي‬ ‫ي‪.‬فالّم النثى هي اّلتي تلد النسان للحياة‪،‬وبولدته تلك يبدأ رحلته‬ ‫العلقة الوثيقة بين الموت والنثو ّ‬ ‫ي توهن الّرجل وتضعفه فتمّثل بعض وجوه دافع‬ ‫في الموت ونحو الموت‪.‬والمرأة في انفعالها الجنس ّ‬ ‫ي*)‪،(pulsion de mort‬والنسان عند موته يعود إلى الرض الّم الّرمزّية‪.‬‬ ‫الموت الغرز ّ‬ ‫ولّما كانت اللغة هي اّلتي تسّمي الكائن فتنشئه بتلك الّتسمية كائنا فإّنه يمكننا أن نقّر بالعلقة‬ ‫ن الّداّلة القضيبّية اللغوّية ل تمّثل المرأة كّلها‪.‬لذلك يبقى‬ ‫صمت‪.‬وقد أسلفنا أ ّ‬ ‫الوثيقة بين الموت وال ّ‬ ‫صمت‪.‬فمن سمات المرأة‬ ‫ي وال ّ‬ ‫ي غير قابل للّترميز‪،‬ومن هنا نفهم العلقة بين النثو ّ‬ ‫بعض من النثو ّ‬ ‫ي في كثير من الحلم‬ ‫ي أن تكون صامتة‪،‬ونحن نجد فرويد يقرأ النثو ّ‬ ‫ي السلم ّ‬ ‫في المخيال العرب ّ‬ ‫صمت والموت‪.167‬‬ ‫ل من ال ّ‬ ‫ممّثل في ك ّ‬ ‫ي متقابلين‬ ‫ي والنثو ّ‬ ‫ودون أن نّدعي إنشاء شكلنة عاّمة يمكننا اعتبار موضعي الّذكور ّ‬ ‫رمزّيا‪،‬الموضع الّول يسم الحياة والفعل واللغة والموضع الّثاني يسم الموت والنفعال‬ ‫صمت‪.‬والعناصر الّثلثة مترابطة فالحياة البشرّية ل تكون خارج اللغة ول تستقيم بل فعل وإن‬ ‫وال ّ‬ ‫سابق ص ‪.45‬‬ ‫‪ 166‬ال ّ‬ ‫‪ 167‬انظر مثل‪:‬‬ ‫‪S-Freud : L e thème des trois coffrets et L’inquiétante étrangeté ,in Essais de psychanalyse‬‬ ‫‪. appliquée,Paris,Puf,NRF 1993‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫صمت والفعل اللواعي‪.‬ومن صفات الحياة‪/‬الفعل‪/‬اللغة أن‬ ‫يكن فعل اللغة‪.‬والموت مجال النفعال وال ّ‬ ‫صمت أن تكون أكثر تقّبل وأكثر خلودا‪.‬ومن لطيف‬ ‫تكون باّثة وفانية‪،‬ومن صفات الموت‪/‬النفعال‪/‬ال ّ‬ ‫ن الحيوانات المنوّية المذّكرة أسرع من المؤّنثة في الوصول إلى البويضة لتلقيحها ولكّنها‬ ‫المور أ ّ‬ ‫ل سرعة‬ ‫ل تحّمل لعوامل الفناء إذ تموت بسرعة‪،‬وفي مقابل ذلك نجد الحيوانات المنوّية المؤّنثة أق ّ‬ ‫أق ّ‬ ‫ن قّوة‬ ‫في بلوغ البويضة وأكثر مقاومة لعوامل الفناء‪.‬ولسنا في حاجة إلى دراسات مجهرّية لنقّر بأ ّ‬ ‫ن قدرة المرأة على‬ ‫الّرجل العضلّية أكبر من قّوة المرأة وفي مقابل ذلك تفيد كثير من الّدراسات بأ ّ‬ ‫ن معّدل أمل الحياة لدى الّنساء أكبر من معّدل أمل الحياة لدى‬ ‫تحّمل اللم أكبر من قدرة الّرجل وأ ّ‬ ‫الّرجال‪.‬‬ ‫ن الّدين موضع فعل واختيار‪،‬فالنسان يمكن أن يقتنع‬ ‫فإذا نظرنا في الّدين واليمان وجدنا أ ّ‬ ‫بتعاليم دين ّما فيقّرر اعتناقه‪،‬أّما اليمان فهو موضع انفعال وتقّبل يقوم على الستسلم لختراق ال‬ ‫للّذات‪.‬والّدين في علقته الوثيقة بالّدولة يحتاج إلى قّوة ورباط الخيل لنشر الّدين والقناع به أّما‬ ‫سسات‬ ‫اليمان فهو متعة* فردّية ل يحتاج النسان إلى قولها بل إّنه ل يستطيع قولها‪.‬وقد تكون مؤ ّ‬ ‫ي ليس ل ّ‬ ‫ي‬ ‫ضعف عبر الّتاريخ أّما اليمان فعمق فرد ّ‬ ‫شة فيعتريها ال ّ‬ ‫ل أّنها تظل ه ّ‬ ‫الّدين قوّية إ ّ‬ ‫ل معاني الخطر‬ ‫موضوع خارجي عليه سلطة ول يملك له أحد تبديل ‪،‬وهو تجربة فردّية تتضّمن ك ّ‬ ‫ل بعد‬ ‫ظم تصاريف الحياة ‪،‬أّما اليمان فل يغدو مجال معرفة إ ّ‬ ‫والهلك‪.‬والّدين بأحكامه ين ّ‬ ‫ي )بحقوله الّدللّية‬ ‫الموت‪.‬أليس الّدين أقرب في طبيعته الّرمزّية إلى الّذكور ّ‬ ‫صمت‪/‬الموت‪(...‬‬ ‫ي )بحقوله الّدللّية النفعال‪/‬ال ّ‬ ‫الفعل‪/‬القول‪/‬الحياة‪،(...‬واليمان أقرب إلى النثو ّ‬ ‫فكيف ل تكون المرأة ناقصة دين؟‬ ‫ي*‪:‬‬ ‫الواقع والحقيقة أو الواقع والواقع ّ‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ي في رمزّيتها ومنطلقات الملحظة المباشرة في بساطتها‬ ‫تتظافر منطلقات الّتحليل الّنفس ّ‬ ‫ي بين الجنسين تكون المرأة بمقتضاه ناقصة‬ ‫طبيعّية في دّقتها لتقّر باختلف رمز ّ‬ ‫ومنطلقات العلوم ال ّ‬ ‫ن المرأة‬ ‫ي تفضيل في الواقع لجنس على جنس‪.‬إ ّ‬ ‫عقل ودين من المنظور اللواعي اّلذي ل يفيد أ ّ‬ ‫مفتقرة إلى الّترميز اّلذي يقول ذاتها شأنها في ذلك شأن الحقيقة اّلتي ل يعرفها أحد‪.‬والّرجل ببعده‬ ‫صا ِ‬ ‫ص‬ ‫ي يسم ذاته ويسم بعضا من المرأة فيرسي قانون الواقع‪.‬يقول ال تعالى‪َ":‬وَلُكْم ِفي الِق َ‬ ‫القانون ّ‬ ‫ب…")البقرة ‪،(2/179‬فالقصاص من ضروب تنظيم الحياة الجتماعّية أي تنظيم‬ ‫لْلَبا ِ‬ ‫حَياٌة َيا ُأوِلي ا َ‬ ‫َ‬ ‫الواقع‪،‬ومن هذا المنظور نفهم سبب تنفيذ أحكام القانون على من يخرق القانون رغم وعينا بأّنه‬ ‫محكوم في خرقه ذاك بدوافع نفسّية لواعية‪ .‬فكثير من الّناس يشعر بحيرة بين ضرورة تطبيق‬ ‫القانون على من يخرقه من جهة وخضوع الخارج عن القانون لدوافع عميقة هي اّلتي حملته على‬ ‫خرق القانون‪.‬ولن يتسّنى لنا مهما بحثنا في ظروف "المذنب" الجتماعّية أو في خصائصه الّنفسّية‬ ‫أن نتأّكد من مدى مسؤولّيته أمام القانون‪،‬ولن يتسّنى لنا أن نغّير "المذنب" بمجّرد تطبيق القانون‬ ‫عليه‪.‬فمعرفة هذه المسؤولّية تستدعي معرفة مطلقة بالمقام مّما ل يتسّنى للبشر‪،‬والّتغيير يستدعي‬ ‫ن موقف الّرسول من الّرجل اّلذي‬ ‫غوصا في أعماق الّذات* الخرى وحلول يستحيل في الّدنيا‪.‬إ ّ‬ ‫جاءه يشكو زوجته يبّين هذه المسألة‪.‬فقد "جاء رجل إلى رسول ال صّلى ال عليه وسّلم فقال إ ّ‬ ‫ن‬ ‫ي وهي ل تمنع يد لمس‪،‬قال طّلقها‪،‬قال ل أصبر عنها‪،‬قال‬ ‫ب الّناس إل ّ‬ ‫عندي امرأة هي من أح ّ‬ ‫ن الّرجل يشكو "عيبا" في سلوك زوجته ويطالب بتغيير ذلك العيب‪،‬والّرسول يؤّكد له‬ ‫استمتع بها" ‪.‬إ ّ‬ ‫‪168‬‬

‫ي فيطّلق المرأة أو أن‬ ‫ي الجماع ّ‬ ‫ن الّتغيير غير ممكن فإّما أن يندرج هذا الّرجل في موضع الّذكور ّ‬ ‫أّ‬ ‫ي فيقبل صفتها‪.‬الوجهان ممكنان ومتناقضان ول سبيل لوجه ثالث‬ ‫ي الفرد ّ‬ ‫يندرج في موضع النثو ّ‬ ‫ي يستند إلى مبدإ‬ ‫ن القانون موضَع البو ّ‬ ‫ي‪.‬إ ّ‬ ‫يصالح بينهما فيربأ انشطار* )‪ (clivage‬النسان الصل ّ‬ ‫‪ 168‬سنن الّنسائي‪،‬بيروت دار الجيل ‪،1987‬مج ‪ 3‬ج ‪ 6‬ص ‪.69‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫الواقع أّما الحقيقة فل صلة لها بالواقع‪،‬إّنها مجال ما نختلف فيه حّتى ينّبئنا ال به في مقام‬ ‫آخر‪.‬ولعّلها من مجال ما قد ينكشف في الّدنيا لبعض الصفياء دون أن يستطيعوا إلى قولها‬ ‫ي* اّلذي يفاجئنا في أعماق ذواتنا فل نستطيع‬ ‫سبيل‪.‬فمفهوم الحقيقة يتمازج مع مفهوم الواقع ّ‬ ‫ي‪،‬أفل تكون الحقيقة محتجبة دوما؟‬ ‫ي* من مجال النثو ّ‬ ‫ن الحقيقة والواقع ّ‬ ‫ترميزه‪.‬إ ّ‬ ‫ي والحجاب‪:‬‬ ‫النثو ّ‬ ‫صتهم‬ ‫لعّله يمكننا الحديث اليوم عن حجاب المرأة باعتباره مسألة تشغل المسلمين خا ّ‬ ‫وعاّمتهم‪،‬وكثير من اّلناس يتحّدث في "الحجاب" بل معرفة بنصوص الّتراث‪.‬وقد رجعنا لبعض هذه‬ ‫ي‪.‬‬ ‫ي نفس ّ‬ ‫ي ووجه رمز ّ‬ ‫ي تاريخ ّ‬ ‫الّنصوص مسائلين إّياها فبدا لنا "الحجاب" ذا وجهين وجه واقع ّ‬ ‫‪ +‬حجاب الّتاريخ والواقع‪:‬‬ ‫ن الحجاب لغة ل علقة له باللباس اّلذي ترتديه بعض المسلمات اليوم مّمن‬ ‫من لطيف المور أ ّ‬ ‫جبات‪.‬فالحجاب من جذر‪:‬حجب‪،‬والحجب يفترض غيابا تاّما للمحجوب عن الّرؤية‪،‬وال‬ ‫يوسمن بالمتح ّ‬ ‫ل ِإ ّ‬ ‫ل‬ ‫ن ُيَكّلَمُه ا ُ‬ ‫شٍر َأ ْ‬ ‫ن ِلَب َ‬ ‫أبرز المحجوبين باعتباره الغائب الكبر كما رأينا‪.‬يقول ال تعالى‪َ":‬وَما َكا َ‬ ‫ن الحجاب يقوم على حجب‬ ‫شورى ‪.(42/51‬وتؤّكد الخبار الّتاريخّية أ ّ‬ ‫ب…")ال ّ‬ ‫جا ٍ‬ ‫حَ‬ ‫ن َوَراِء ِ‬ ‫حًيا َأْو ِم ْ‬ ‫َو ْ‬ ‫سَأْلُتُموُه ّ‬ ‫ن‬ ‫كامل عن الّروية ‪.‬وقد طلب ال تعالى من زوجات الّرسول أن يحتجبن بقوله‪َ...":‬وِإَذا َ‬ ‫‪169‬‬

‫ب‪)"...‬الحزاب ‪،(33/53‬وُذكر في أسباب نزول هذه الية أكثر من‬ ‫جا ٍ‬ ‫حَ‬ ‫ن َوَراِء ِ‬ ‫ن ِم ْ‬ ‫سَأُلوُه ّ‬ ‫عا َفا ْ‬ ‫َمَتا ً‬ ‫سمه الخبر الّتالي الوارد في صحيح البخاري عن أنس بن مالك قال‪":‬كان أّمهاتي‬ ‫سبب الّول يج ّ‬ ‫ي صلى ال عليه وسّلم‬ ‫ي صّلى ال عليه وسّلم فخدمته عشر سنين وتوّفي النب ّ‬ ‫يواظبن على خدمة النب ّ‬ ‫وأنا ابن عشرين سنة‪،‬فكنت أعلم الّناس بشأن الحجاب حين ُأنزل‪،‬وكان أّول ما ُأنزل في مبتنى‬ ‫ن المرأة )وهي هنا عائشة زوج الّرسول( ل يظهر منها شيء‪.‬صحيح البخاري‬ ‫‪ 169‬قول المخبر "فسمعت تصفيقها من وراء الحجاب" يبّين أ ّ‬ ‫مج ‪ 3‬ج ‪ 7‬ص ‪.133‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫طعام ثّم خرجوا وبقي‬ ‫ي بها عروسا فدعا القوم فأصابوا من ال ّ‬ ‫الّرسول بزينب ابنة جحش أصبح النب ّ‬ ‫ي فخرج وخرجت معه لكي يخرجوا فمشى النب ّ‬ ‫ي‬ ‫ي‪،‬فأطالوا المكث فقام النب ّ‬ ‫رهط منهم عند الّنب ّ‬ ‫ن أّنهم خرجوا فرجع ورجعت معه حّتى إذا دخل على‬ ‫ومشيت حّتى جاء عتبة حجرة عائشة‪،‬ثّم ظ ّ‬ ‫ي بيني‬ ‫ي ورجعت معه فإذا هم قد خرجوا فضرب النب ّ‬ ‫زينب فإذا هم جلوس لم يقوموا فرجع النب ّ‬ ‫طاب قال‪":‬يا رسول ال إ ّ‬ ‫ن‬ ‫ن عمر بن الخ ّ‬ ‫ستر وُأنزل الحجاب"‪.170‬أّما الخبر الّثاني فيفيد أ ّ‬ ‫وبينه بال ّ‬ ‫سبب‬ ‫ن أن يحتجبن‪،‬قال‪:‬فنزلت آية الحجاب"‪.171‬أّما ال ّ‬ ‫ن البّر والفاجر فلو أمرته ّ‬ ‫نساءك يدخل عليه ّ‬ ‫ن "رسول ال صّلى ال عليه وسّلم كان َيطعم ومعه بعض أصحابه فأصابت يد رجل‬ ‫الّثالث فهو أ ّ‬ ‫منهم يد عائشة فكره ذلك رسول ال فنزلت آية الحجاب"‬

‫‪172‬‬

‫ن هذه الخبار الّثلثة تتواتر بألفاظ مختلفة في كثير من كتب الحديث والّتفسير‪،‬وهي تفيد أ ّ‬ ‫ن‬ ‫إّ‬ ‫نزول آية الحجاب مّتصل بدرء ضرر محتمل عن زوجات الّرسول ومن ثّم عن الّرسول نفسه‪.‬إ ّ‬ ‫ن‬ ‫ي أو ماّدي في مجتمع‬ ‫ن من أذى معنو ّ‬ ‫حجبن عن المؤمنين خشية ما قد يلحق به ّ‬ ‫نساء الّرسول ُ‬ ‫ن بل‬ ‫ي ل يتصّور المرأة كائنا ذا قيمة‪.‬أفلم يكن الجاهلّيون يئدون الّنساء ويمنعون توريثه ّ‬ ‫جاهل ّ‬ ‫ن مثل البضاعة إذ يرث البن الكبر زوجة أبيه بعد أن يتوّفى أبوه؟ وألم يصّرح عمر بن‬ ‫يرثوه ّ‬ ‫طاب نفسه‪":‬كّنا في الجاهلّية ل نعّد الّنساء شيئا"‪173‬؟‬ ‫الخ ّ‬ ‫وقد تجاوز الذى المحتمل نساء الّرسول ليشمل سائر نساء المؤمنين فال تعالى يقول‪َ ":‬يا َأّيَها‬ ‫ل ُيْؤَذْينَ‬ ‫ن َف َ‬ ‫ن ُيْعَرْف َ‬ ‫ك َأْدَنى َأ ْ‬ ‫ن َذِل َ‬ ‫لِبيِبِه ّ‬ ‫جَ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ِم ْ‬ ‫عَلْيِه ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ُيْدِني َ‬ ‫ساءِ اْلُمْؤِمِني َ‬ ‫ك َوِن َ‬ ‫ك َوَبَناِت َ‬ ‫جَ‬ ‫لْزَوا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ي ُق ْ‬ ‫الّنِب ّ‬ ‫‪ 170‬صحيح البخاري مج ‪3‬ج ‪ 1‬ص ‪.30‬‬ ‫‪ 171‬جامع البيان ج ‪ 10‬ص ‪.326‬‬ ‫سابق ص ‪.325‬‬ ‫‪ 172‬ال ّ‬ ‫‪ 173‬صحيح البخاري مج ‪ 3‬ج ‪ 1‬ص ‪.196‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ن الية تصّرح بسبب الّنزول وهو تصريح‬ ‫حيًما")الحزاب ‪.(33/59‬ونلحظ أ ّ‬ ‫غُفوًرا َر ِ‬ ‫ل َ‬ ‫نا ُ‬ ‫َوَكا َ‬ ‫طبري مثل يورد الخبر الّتالي‪":‬قدم النبي صّلى ال عليه‬ ‫تتظافر عليه أخبار كثير في كتب الّتفسير فال ّ‬ ‫ن إذا كان الليل خرجن‬ ‫ي صّلى ال عليه وسّلم وغيره ّ‬ ‫وسّلم المدينة على غير منزل‪،‬فكان نساء الّنب ّ‬ ‫ي قل لزواجك‬ ‫طريق للغزل‪،‬فأنزل ال "يا أّيها النب ّ‬ ‫ن ‪،‬وكان رجال يجلسون على ال ّ‬ ‫لقضاء حوائجه ّ‬ ‫ن"‪.174‬‬ ‫ن من جلبيبه ّ‬ ‫وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليه ّ‬ ‫طبري‬ ‫صا بالحرائر دون الماء وقد أورد ال ّ‬ ‫وتدّقق بعض الخبار موضوع هذا المر فتعتبره خا ّ‬ ‫الخبر الّتالي‪ ":‬وقد كانت المملوكة إذا مّرت تناولوها باليذاء‪،‬فنهى ال الحرائر أن يتشّبهن بالماء"‬ ‫ن ل يستحققن دفعا للذى فه ّ‬ ‫ن‬ ‫ن لّنه ّ‬ ‫ق هذا الخبر يبدو الماء معفّيات من أمر إدناء جلبيبه ّ‬ ‫‪َ.175‬فَوْف َ‬ ‫ن أّنهنّ‬ ‫مجّرد إماء‪،‬ويبدو إدناء الجلبيب ذا وظيفة تمييزّية بين الماء والحرائر فالّنساء ُيعرفن بزّيه ّ‬ ‫حرائر ولسن بإماء ‪.‬وتثبت الّدراسات الجتماعّية دور اللباس خصوصا والهيئة عموما في التمييز‬ ‫‪176‬‬

‫ن الذى من جهة‬ ‫ن إدناء الجلبيب سمة تمييزّية للحرائر تجّنبه ّ‬ ‫بين المجموعات الجتماعّية‪.177‬إ ّ‬ ‫ن الجتماعّية الّرفيعة من جهة ثانية‪.‬وليس من الغريب عندئذ أن يقّرر الّزمخشري أ ّ‬ ‫ن‬ ‫وتثبت مكانته ّ‬ ‫ن…للماء ورّبما تعّرضوا‬ ‫شطارة يتعّرضون إذا خرجن بالليل لمقاضي حوائجه ّ‬ ‫"الفتيان وأهل ال ّ‬ ‫ي الماء" ‪.‬وليس من الغريب‬ ‫ن عن ز ّ‬ ‫للحّرة بعّلة المة يقولون حسبناها أمة فأمرن أن يخالفن بزّيه ّ‬ ‫‪178‬‬

‫‪ 174‬جامع البيان ج ‪ 10‬ص ‪.332‬‬ ‫سابق الصفحة نفسها‪.‬‬ ‫‪ 175‬ال ّ‬ ‫‪ 176‬مجمع البيان ج ‪، 7/8‬ص ‪.580‬‬ ‫شوارب‬ ‫ي وحلق ال ّ‬ ‫سم هذا الّتمييز في مسائل مختلفة شأن إعفاء اللح ّ‬ ‫سّنة صص ‪.106/108‬ويتج ّ‬ ‫‪ 177‬الخبار عن المرأة في القرآن وال ّ‬ ‫ضة‪.‬صحيح البخاري مج ‪ 3‬ج ‪ 7‬ص ‪.99‬‬ ‫شرب في آنية الّذهب والف ّ‬ ‫والمتناع عن لبس الحرير وال ّ‬ ‫شاف عن حقائق الّتنزيل وعيون القاويل في وجوه الّتأويل‪،‬بيروت‪،‬دارالمعرفة )د‪-‬ت(‪،‬ج ‪ 3‬ص‬ ‫‪ 178‬أبو القاسم جار ال الّزمخشري‪:‬الك ّ‬ ‫‪.246‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ي صلى ال عليه وسّلم بين خيبر والمدينة ثلثا‬ ‫أن يرد في صحيح البخاري الخبر الّتالي‪":‬أقام الّنب ّ‬ ‫ي فدعوت المسلمين إلى وليمته فما كان فيها من خبز ول لحم ُأمر‬ ‫ُيبنى عليه بصفّية بنت حي ّ‬ ‫بالنطاع‪...‬فقال المسلمون إحدى أّمهات المؤمنين أو مّما ملكت يمينه ‪،‬فقالوا إن حجبها فهي من‬ ‫طى لها خلفه ومّد الحجاب‬ ‫أّمهات المؤمنين وإن لم يحجبها فهي مّما ملكت يمينه‪،‬فلّما ارتحل و ّ‬ ‫بينها وبين الّناس"‪.179‬وليس من الغريب والحال هذه أن يكون إدناء المة الجلبيب مصدر خلل في‬ ‫ل أمة‬ ‫طاب ويتصّدى له بقّوة إذ يضرب ك ّ‬ ‫طبقات الجتماعّية وهو خلل يرفضه عمر بن الخ ّ‬ ‫تنظيم ال ّ‬ ‫ي الحرائر‪.180‬ومن هذا المنظور يفقد إدناء الجلبيب البعد المقّدس اّلذي‬ ‫تتقّنع بالدّرة محافظة على ز ّ‬ ‫يضفيه عليه بعض الصولّيين‪،‬فإن كان هذا المر مقّدسا شامل جميع الّنساء بل استثناء بغرض اّتقاء‬ ‫طى كي ل‬ ‫طاب امرأة أرادت أن تتغ ّ‬ ‫الفتنة‪،‬فكيف ُيستثنى منه الماء؟ وكيف يضرب عمر بن الخ ّ‬ ‫تفتن الّرجال؟ هل تكون غيرة عمر على المة البضاعة أكبر من غيرته على كلم ال وأوامره وهل‬ ‫طريق؟‬ ‫يكون استياؤه لتشّبه المة بالحّرة أكبر من استيائه لوجود هذه "الفتنة المطروحة بالقّوة" في ال ّ‬ ‫ي يدعو إلى‬ ‫ي عرض ّ‬ ‫ن المر بإدناء الجلبيب مّتصل بظرف تاريخ ّ‬ ‫سابقتين تثبتان أ ّ‬ ‫ن اليتين ال ّ‬ ‫إّ‬ ‫حماية نساء المؤمنين الحرائر عموما ونساء الّرسول خصوصا من الذى في مجتمع قائم على‬ ‫ن الية الكثر تواترا لثبات وجوب "الحجاب" قول ال‬ ‫صراع بين المسلمين وغير المسلمين‪.‬على أ ّ‬ ‫ظَهرَ‬ ‫ل َما َ‬ ‫ن ِإ ّ‬ ‫ن ِزيَنَتُه ّ‬ ‫ل ُيْبِدي َ‬ ‫ن َو َ‬ ‫جُه ّ‬ ‫ن فـُرو َ‬ ‫ظَ‬ ‫حَف ْ‬ ‫ن َوَي ْ‬ ‫صاِرِه ّ‬ ‫ن َأْب َ‬ ‫ن ِم ْ‬ ‫ضَ‬ ‫ض ْ‬ ‫ت َيْغ ُ‬ ‫ل ِلْلُمْؤِمَنا ِ‬ ‫تعالى‪َ…":‬وُق ْ‬ ‫ن…")الّنور ‪.(24/31‬ويؤّكد الّرازي اختصاص المر في هذه‬ ‫جُيوِبِه ّ‬ ‫عَلى ُ‬ ‫ن َ‬ ‫خُمِرِه ّ‬ ‫ن ِب ُ‬ ‫ضِرْب َ‬ ‫ِمْنَها َوْلَي ْ‬ ‫ل ما ظهر‬ ‫نإّ‬ ‫الية كذلك بالحرائر دون الماء إذ يقول‪":‬اّتفقوا على تخصيص قوله "ول يبدين زينته ّ‬

‫‪ 179‬صحيح البخاري مج ‪ 3‬ج ‪ 1‬ص ‪.8‬‬ ‫‪ 180‬أبو عبد ال القرطبي‪:‬الجامع لحكام القرآن‪،‬بيروت‪،‬دار إحياء الكتاب العربي ‪ 1985‬ج ‪ ، 14‬ص ‪. 244‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ن المة مال فل بّد من الحتياط في بيعها‬ ‫منها بالحرائر دون الماء والمعنى فيه ظاهر وهو أ ّ‬ ‫ل بالّنظر إليها على الستقصاء بخلف الحّرة"‪.181‬‬ ‫وشرائها‪،‬وذلك ل يمكن إ ّ‬ ‫ن من الذى من جهة‬ ‫ن المر بإخفاء بعض الّزينة خاصّ بالحرائر حماية له ّ‬ ‫ويبدو مّما سبق أ ّ‬ ‫سر نشدان‬ ‫ن الّرفيعة تف ّ‬ ‫ن الحرائر لسن بضائع ودرجته ّ‬ ‫ن من جهة ثانية‪.‬إ ّ‬ ‫ولعدم الحاجة إلى الّنظر إليه ّ‬ ‫ن الذى أو استقصي في‬ ‫ن‪،‬أّما الماء فل بأس إن ُألحق به ّ‬ ‫ن ومنع إدامة الّنظر إليه ّ‬ ‫منع الذى عنه ّ‬ ‫ن نساء‪.‬‬ ‫ن مال قبل أن يك ّ‬ ‫ن فه ّ‬ ‫تقليبه ّ‬ ‫ن هذا الّتصّور قد يحرج من منظور حقوق النسان الحديثة ومفهوم المساواة‬ ‫كأّ‬ ‫ول ش ّ‬ ‫المفترضة بين الّناس ولكّنه تصّور متناسق مع الفترة الّتاريخّية التي نزلت فيها آيات القرآن حيث‬ ‫ي اّلذي لم يشّذ عنه المخيال العرب ّ‬ ‫ي‬ ‫ق واقعا تاريخّيا ومفهوما متغلغل في المخيال البشر ّ‬ ‫كان الر ّ‬ ‫ي‪.‬ولن نقف طويل عند مدى دللة هذا الموقف على تاريخّية القرآن‪،‬فنحن ل نوّد في هذا‬ ‫السلم ّ‬ ‫ل أن نعرض تفاسير الية الحادية والّثلثين من سورة الّنور‪.‬‬ ‫المستوى إ ّ‬ ‫سرين تعّلقت بمفهوم الّزينة أّول‬ ‫ن هذه الية وّلدت خلفات كبيرة بين المف ّ‬ ‫ومن اللفت للنتباه أ ّ‬ ‫سرون في اعتبارها شاملة الخلقة‬ ‫ص الّزينة اختلف المف ّ‬ ‫وبمفهوم الظاهر من الّزينة ثانيا‪.‬ففيما يخ ّ‬ ‫ف"أنكر بعضهم وقوع اسم الّزينة على الخلقة لّنه ل يكاد يقال في الخلقة إّنه من زينتها‪.‬وإّنما يقال‬ ‫ن الخلقة داخلة في الّزينة"‪.182‬وفيما يخ ّ‬ ‫ص‬ ‫ذلك فيما تكتسبه من كحل وخضاب وغيره‪،‬والقرب أ ّ‬ ‫شعر‬ ‫ن ال ّ‬ ‫سرين أ ّ‬ ‫ظاهر من الّزينة أي ما يجوز للمرأة الحّرة كشفه من بدنها فقد رأى بعض المف ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫شعر زينة ظاهرة مؤّكدين‬ ‫سرين أن يكون ال ّ‬ ‫والوجه والكّفين من الّزينة الظاهرة ونفى بعض المف ّ‬

‫‪ 181‬مفاتيح الغيب مج ‪ 12‬ج ‪ 23‬ص ‪.207‬‬ ‫‪ 182‬مفاتيح الغيب مج ‪ 12‬ج ‪ 23‬ص ‪.206‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫طى‬ ‫ن جسد المرأة كّله زينة ولذلك يجب أن ُيغ ّ‬ ‫سرون آخرون أ ّ‬ ‫ضرورة تغطيته‪.183‬ورأى مف ّ‬ ‫سرين استند إلى بعض‬ ‫ن عددا من المف ّ‬ ‫كّله‪،‬وتقوم هذه المواقف كّلها على الجماع ‪،‬وذلك رغم أ ّ‬ ‫‪184‬‬

‫ن الّنبي صّلى ال عليه وسّلم قال ل‬ ‫أحاديث للّرسول صّلى ال عليه وسّلم فقد قال قتادة‪":‬وبلغني أ ّ‬ ‫ل لمرأة تؤمن بال وباليوم الخر أن تخرج يدها إلّ إلى ههنا‪،‬وقبض نصف الّذراع"‪،185‬وفي‬ ‫يح ّ‬ ‫ل ما دون‬ ‫ل وجهها‪،‬وإ ّ‬ ‫ل أن تظهر إ ّ‬ ‫ن الّرسول قال‪":‬إذا عركت المرأة لم يح ّ‬ ‫رواية أخرى عن عائشة أ ّ‬ ‫ن الّرسول في‬ ‫طريف أ ّ‬ ‫ف مثل قبضة أخرى"‪.186‬وال ّ‬ ‫هذا وقبض على ذراعه فترك بين قبضته وبين الك ّ‬ ‫ظاهر من الّزينة‪.‬فما حدود نصف الّذراع المسموح‬ ‫الّروايتين ل يتكّلم بل يعمد إلى الشارة لبيان ال ّ‬ ‫سكين بحرفّية أحاديث‬ ‫شعر جزء من الوجه أم ل؟ولماذا نجد بعض "علماء السلم" المتم ّ‬ ‫بها؟ وهل ال ّ‬ ‫ل وذراعها ويذهبون إلى ضرورة‬ ‫الّرسول يضربون صفحا عن إباحته للمرأة كشف وجهها على الق ّ‬ ‫تغطيتها جسدها؟ هل يرى المودودي مثل نفسه مؤّهل أكثر من الّرسول لينفي ما اّتفق فيه من حديثه‬ ‫ن المودودي يخالف كلم رسول ال ويصبح مرجعا‬ ‫شأن إباحته للمرأة إبانة نصف ذراعها مثل؟ إ ّ‬ ‫سا‬ ‫مقّدسا‪.‬فلم ل ُيعّد موقفه هذا عصيانا؟هل العصيان يكون بالنقاص فحسب أليست الّزيادة ذاتها م ّ‬ ‫ي وتحريفا له؟‬ ‫بالقول الّنبو ّ‬

‫‪187‬‬

‫‪ 183‬الّتحرير والّتنوير ج ‪ 18‬ص ‪.207‬‬ ‫‪ 184‬جامع البيان ج ‪ 9‬ص ‪.306‬‬ ‫سابق ج ‪ 9‬ص ‪.305‬‬ ‫‪ 185‬ال ّ‬ ‫صفحة نفسها‪.‬‬ ‫سابق ال ّ‬ ‫‪ 186‬ال ّ‬ ‫‪ 187‬أبو العلى المودودي‪ :‬تفسير سورة الّنور‪،‬الكويت‪،‬دار ابن قتيبة )د‪-‬ت( ص ‪.159‬‬ ‫سرين يخالفون أحاديث الّرسول إن كان في هذه المخالفة مزيد من الّتضييق على الّنساء‪،‬ومن ذلك إلى‬ ‫وفي كثير من الحيان نجد المف ّ‬ ‫جانب موقف المودودي المذكور‪ ،‬منُع أصحاب رسول ال صّلى ال عليه وسّلم الّنساء من الّذهاب إلى المساجد رغم قوله‪":‬ل تمنعوا إماء ال‬ ‫مساجد ال"‪.‬انظر‪:‬الجامع لحكام القرآن‪،‬ج ‪ 14‬ص ‪. 244‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ي وإلى الية الحادية والّثلثين من سورة‬ ‫ولكن لندع المودودي وأتباعه ولنعد إلى القول الله ّ‬ ‫ظاهرة ولم نقف على المر الّثاني في الية‬ ‫سرين في معنى الّزينة ال ّ‬ ‫الّنور‪.‬فقد عرضنا لختلف المف ّ‬ ‫وهو ضرب الخمار على الجيب؟ فما الخمار؟ وما الجيب؟ الخمار من جذر "خمر" ويفيد في معناه‬ ‫طي به المرأة رأسها‪.‬والجيب من القميص‬ ‫ص ما تغ ّ‬ ‫طى وستر وفي معناه الخا ّ‬ ‫ل ما غ ّ‬ ‫العاّم ك ّ‬ ‫شائع غطاء الّرأس‪-‬‬ ‫ي ال ّ‬ ‫صدر ‪.‬وإذا اعتبرنا الخمار بمعناه الصطلح ّ‬ ‫طوقه‪،‬ومن البدن القلب وال ّ‬ ‫‪188‬‬

‫ن الية ل تأمر بوضع الخمار بل بضرب الخمار‬ ‫ضرورة كما رأينا‪ -‬تبّين لنا أ ّ‬ ‫وهو ليس كذلك بال ّ‬ ‫ن وجود الخمار هو مقتضى)‪ (présupposé‬بعبارة اللسانّيين‪.189‬الية إذن تأمر بتغطية‬ ‫على الجيب أي إ ّ‬ ‫ن نساء الجاهلية‬ ‫ن شائعا‪،‬ومن هذا المنظور نفهم قول الّرازي‪" :‬إ ّ‬ ‫الجيوب ل بلبس الخمر إذ كان لبسه ّ‬ ‫ن واسعة تبدو منها نحورهنّ‬ ‫ن…"‪،‬ونفهم قول الّزمخشري‪":‬كانت جيوبه ّ‬ ‫ن من خلفه ّ‬ ‫ن يشددن خمره ّ‬ ‫كّ‬ ‫سؤال‬ ‫ن فتبقى مكشوفة" ‪،‬ويمكن أن نطرح ال ّ‬ ‫ن يسدلن الخمر من ورائه ّ‬ ‫ن وما حواليها وك ّ‬ ‫وصدوره ّ‬ ‫‪190‬‬

‫ن‪،‬وهل يكون ذكر‬ ‫خُمر‪-‬على فرض أّنها غطاء الّرأس‪ -‬أمر بلبسه ّ‬ ‫الّتالي‪ :‬هل ذكر المقتضى أي ال ُ‬ ‫ل من لبس سوى الجلباب عاصيا؟ ووفق‬ ‫ن‪،‬فيكون ك ّ‬ ‫الجلبيب في المر بإدناء الجلبيب أمرا بلبسه ّ‬ ‫ل من ألغى‬ ‫المنطق ذاته هل يكون ذكر الّرقيق في آيات كثيرة من القرآن أمرا بوجود الرقّ فيكون ك ّ‬ ‫ق عاصيا؟‬ ‫الر ّ‬ ‫ن بين‬ ‫ليس غرضنا الجابة عن هذه السئلة فقد أقررنا أن ل أحد يمتلك جوابا ولكن بدا لنا أ ّ‬ ‫الحجاب اّلذي يلّوح به الصولّيون اليوم من جهة و"حجاب" القرآن والسّنة غيابا للّتطابق‬ ‫شاف ح ‪ 3‬ص ‪.72‬‬ ‫صدر‪.‬الك ّ‬ ‫‪ 188‬يقول الّزمخشري‪:‬ويجوز أن ُيراد بالجيوب ال ّ‬ ‫ن للمتكّلم‬ ‫ل عليه اللفظ ول يكون منطوقا لكن يكون من ضرورة اللفظ‪،‬فالقول‪:‬سافر أخي مع زوجته‪،‬يقتضي أ ّ‬ ‫‪ 189‬المقتضى هو ما ل يد ّ‬ ‫ن لذلك الخ زوجة وذلك مهما يكن سياق القول ومقامه‪.‬‬ ‫أخا وأ ّ‬ ‫شاف ج ‪ 3‬ص ‪.72‬‬ ‫‪ 190‬الك ّ‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫صصان‪،‬الصولّيون يثبتون‬ ‫واضحا‪،‬الصولّيون يقّرون ويؤّكدون والقرآن والسّنة يجملن ول يخ ّ‬ ‫ن الصولّيين يكادون يجعلون "الحجاب"‬ ‫مضمونا قضوّيا* والقرآن يعمد إلى مقتضى ممكن‪،‬والهّم أ ّ‬ ‫ل أبعاده الّتاريخّية أو متناسين إّياها‪.‬ول يمكن أن نفهم موقفهم هذا‬ ‫ركنا من أركان الّدين جاهلين بك ّ‬ ‫ل إذا خرجنا من حجاب الّتاريخ لنقف على حجاب الّرمز‪.‬‬ ‫إّ‬ ‫‪+‬حجاب الّرمز‪:‬‬ ‫ن المرأة لن تحصل على هذا‬ ‫أسلفنا الحديث عن شوق المرأة إلى القضيب* الغائب‪.‬ول ّ‬ ‫ن الّنرجسّية‬ ‫القضيب* أبدا فإّنها تبالغ في العتناء بجسدها كّله وهذا ما حمل فرويد على الّتقرير بأ ّ‬ ‫ي أساسا‪.191‬وعلى هذا الساس قد يغدو جسد المرأة كّله من المنظور الّرمزي في صورة‬ ‫طبع أنثو ّ‬ ‫نهّ‬ ‫ن‬ ‫ن الّنساء يوددن أن يك ّ‬ ‫ن الّرجال يوّدون امتلك القضيب* وكأ ّ‬ ‫القضيب*‪.‬فكأ ّ‬ ‫ن بل على‬ ‫القضيب*‪.192‬واعتبار المرأة ذاَتها قضيبا* رمزّيا ليس حكرا على تصّور الّنساء ذواته ّ‬ ‫ن يتعاملون مع جسد المرأة باعتباره معّوضا‬ ‫ن الّرجال أنفسه ّ‬ ‫ن إذ يبدو أ ّ‬ ‫تصّور الّذكور له ّ‬ ‫للقضيب*‪.193‬وبذلك تكون جنسانّية الّرجل في جوهرها شْيآنّية*)‪.194(fétichiste‬‬ ‫سر ما شاع من‬ ‫ن اّتخاذ جسد المرأة صورة القضيب* رمزّيا يمكن أن يف ّ‬ ‫والمهّم في مجالنا هو أ ّ‬ ‫ن جميع بدن المرأة الحّرة عورة‪،‬ويؤّكد‬ ‫اعتبار الّرجال جسد المرأة كّله عورة‪.‬فالّرازي مثل يقّرر أ ّ‬ ‫ن هذا العتبار يكشف باللغة ما يقبع في أعماق اللوعي* بل‬ ‫ن بدنها "في ذاته عورة"‪. 195‬فكأ ّ‬ ‫أّ‬ ‫‪S-freud :La féminité ,in Nouvelles conférences d'introduction à la psychanalyse,Paris,Gallimard 191‬‬ ‫‪.1984,pp-173/174‬‬ ‫‪.Que veut une femme?,p-119 192‬‬ ‫‪.Lacan,p-84 193‬‬ ‫سابق الصفحة نفسها‪.‬‬ ‫‪ 194‬ال ّ‬ ‫‪ 195‬مفاتيح الغيب مج ‪ 12‬ج ‪ 23‬ص ‪.205‬‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫ي وإخفاء‬ ‫شيآنّية* الّرجالّية وتغطية للخصاء* الّنسائ ّ‬ ‫ترميز‪.‬وبذلك تصبح تغطية جسد المرأة تغطية لل ّ‬ ‫لهذا اّلذي إن ظهر يحّرك رواكد الّنفس ويهتك المستور‪.‬ومن هنا يمكن أن نفهم تركيز بعض‬ ‫ن ما يسمونه بالحجاب ليس‬ ‫التّيارات الصولّية على الحجاب واعتباره حجر الّزاوية في خطابهم‪.‬إ ّ‬ ‫ساتر من الفتنة فقط‪،‬إذ لو اقتصر المر‬ ‫ي الممّيز للمنتمين إلى المجموعة فقط وليس اللباس ال ّ‬ ‫الز ّ‬ ‫ي لدى الّرجال‪،‬ولو اقتصر المر على درء‬ ‫على الّتمييز والّتمّيز لوجدنا الّتركيز نفسه على إعفاء اللح ّ‬ ‫الفتنة لوجدنا درء الفتنة يتجاوز الخوف على الّرجال من فتنة الّنساء إلى الخوف على الّنساء من‬ ‫ن "عورة الّرجل مع المرأة ففيه نظر إن كان‬ ‫سرين إلى أ ّ‬ ‫فتنة الّرجال أفلم يذهب بعض المف ّ‬ ‫سرين بقي خافتا‬ ‫ن صوت هؤلء المف ّ‬ ‫أجنبّيا‪...‬وقيل جميع بدنه إّل الوجه والكّفين كهي معه" ‪.196‬ولك ّ‬ ‫خِمدا بعض جوانب‬ ‫بل أسكته الجماع‪،‬وبقي حجاب المرأة ذاك اّلذي يستجيب لحاجات نفسّية عميقة ُم ْ‬ ‫اللوعي*‪.‬‬ ‫ن مفهوم حجاب المرأة يّتسق رمزّيا مع ما أسلفناه من وجود المتعة*‬ ‫ومن منظور آخر فإ ّ‬ ‫ن هذه المتعة* موجودة وراء حجاب اللغة ل يمكن الّتصريح‬ ‫النثوّية الخرى اّلتي ل تنقال‪.‬إ ّ‬ ‫ي المقّدس اّلذي يتموضع في الخفاء وينتشي بالغياب‪.‬إ ّ‬ ‫ن‬ ‫بها‪.‬وهي ل تخرج في ذلك عن الّروحان ّ‬ ‫ل مفترضة محتجبة على نمط الغياب‪ .‬إّنها‬ ‫ي واليمان واللهي كّلها مواضيع ل تكون إ ّ‬ ‫النثو ّ‬ ‫سسة الجماعّية‪.‬أفيكون بعد هذا كّله عجيبا أن‬ ‫مواضيع خارج العقل والمنطق وخارج الّدين والمؤ ّ‬ ‫ن ناقصات عقل ودين؟ وأيكون عجيبا أن يقوم الكون على الختلف بين ما ُيرى‬ ‫توصف الّنساء بأّنه ّ‬ ‫وما ل ُيرى وما ينقال وما ل ينقال؟ وأليس امتعاض بعض الّنساء من "نقصان الّدين والعقل" من‬ ‫جهة وتصّور الّرجال إّياه ذّما من جهة ثانية هو موقف واحد ينفي النشطار*‪،‬انشطاَر النسان بين‬ ‫ي؟‬ ‫ي والفرد ّ‬ ‫ي وانشطاَر الّنفس بين الوعي واللوعي* وانشطار الفعل بين الجماع ّ‬ ‫ي والنثو ّ‬ ‫الّذكور ّ‬ ‫صفحة نفسها‪.‬‬ ‫سابق‪،‬ال ّ‬ ‫‪ 196‬ال ّ‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


‫شوق* ويسعى إلى هتك آثار‬ ‫شوق*‪،‬والّرأي اّلذي ذكرنا ُيسكت صوت ال ّ‬ ‫ن النشطار* هو منطلق ال ّ‬ ‫إّ‬ ‫ي ننشد به موضع المتكّلم الفاعل المقّرر‬ ‫ي بإنشاء حجاب ماّدي ذكور ّ‬ ‫ي في النثو ّ‬ ‫الحجاب الصل ّ‬ ‫ل موقف‬ ‫ن لك ّ‬ ‫الممتلك للحقيقة وننشد به موضع النسان الكامل اّلذي يمتلك القول الفصل ناسين أ ّ‬ ‫ل جوهرنا افتقارا إلى آخر مطلق* لن ندركه إ ّ‬ ‫ل‬ ‫نقيضا وناسين أّننا مهما بلغنا من العلم والمعرفة يظ ّ‬ ‫لْر ِ‬ ‫ض‬ ‫ت َوا َ‬ ‫سَماَوا ِ‬ ‫طاِر ال ّ‬ ‫ن َأْق َ‬ ‫ن َتْنُفُذوا ِم ْ‬ ‫طْعُتْم َأ ْ‬ ‫سَت َ‬ ‫ناْ‬ ‫س ِإ ِ‬ ‫لْن ِ‬ ‫ن َوا ِ‬ ‫جّ‬ ‫شَر اْل ِ‬ ‫بسلطان‪.‬قال تعالى‪َ":‬يا َمْع َ‬ ‫ن")الّرحمان ‪.(55/33‬‬ ‫طا ٍ‬ ‫سْل َ‬ ‫ن ْإّل ِب ُ‬ ‫َفاْنُفُذوا َل َتْنُفُذو َ‬

‫‪4‬‬

‫‪http://twitter.com/olfayoussef‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/OlfaYoussef‬‬ ‫‪http://www.facebook.com/OlfaTounes‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.