Think Issue 01 AR

Page 1

‫اتـــجـــاهــــــــ����ات عـــالـــمـــيــــــ����ة ‬ ‫العدد ‪1‬‬

‫ ‬

‫ش����ــــــــؤون دولـــــيــــــــ����ة ‬

‫ ‬

‫قـــــيــــــــ����ادة الـــفــــكــــــــ����ر‬

‫‪2012‬‬

‫الـبـيـئــــــــــــة‬

‫و‬

‫تشكل‬ ‫ّ‬ ‫تشكل الــمخــــاوف الــبيئيــــة عــوائــــق حــقيقيــــة في طريق الـــتنميــــة؟‬ ‫هــــل‬

‫الـتـنـمـيـــة‬

‫سعادة السيد عبدالله بن حمد العطية يسلّ ط الضوء على‬ ‫خال‬ ‫استعدادات دولة قطر لحقبة ما بعد نضوب النفط والغاز ‪ ///‬عالم ٍ‬ ‫من األسلحة النووية؟ محمد البرادعي يتحدث عن السعي إلى تحقيق‬ ‫هن قائدات آسيا؟ ‪///‬‬ ‫األمن للجميع ‪ ///‬مارينا مهاتير تسأل‪ :‬أين ّ‬ ‫ريتشارد سيرا يصف كيف يمكن أن يتحاور الفن مع الهندسة‬ ‫أبريل‬ ‫‪ ///2012‬الحج‪ :‬رحلة إلى قلب اإلسالم بقلم كارين أرمسترونغ‬ ‫المعمارية‬


‫الترحيب‬

‫منبر الحوار والنقاش‬ ‫ً‬ ‫مرحبا‬

‫املخ�ص�صة‬ ‫بكم يف العدد الأول من جملة « تف ّكر‪ ».‬الف�صلية الدولية اجلديدة‬ ‫ّ‬ ‫ال�ستك�شاف االجتاهات العاملية‪ ،‬وال�ش�ؤون الدولية‪ ،‬والريادة الفكرية يف مناحي‬ ‫الن�شاط الب�شري كافة‪.‬‬ ‫جتمع جملة «تف ّكر‪ ».‬بني دفتيها �آراء كوكبة من الكتّاب اخلرباء من خمتلف �أنحاء العامل‪ ،‬يرثون‬ ‫ب�أقالمهم جمموعة متن ّوعة من املو�ضوعات‪ ،‬وقد �آثرنا تكري�س اجلزء الأعظم من عددنا الأول ملا‬ ‫حتد يف ع�صرنا احلا�ضر‪ :‬كيف ميكن للبلدان حتقيق التنمية واحلفاظ على‬ ‫مي ّثل‪ -‬على الأرجح ‪� -‬أكرب ٍّ‬ ‫البيئة وحمايتها يف �آن واحد‪.‬‬ ‫يف ظل االقت�صاد العاملي املرتنح الذي اليزال يجاهد للخروج من كبواته‪ ،‬تبحث معظم احلكومات‬ ‫عن �سبل لدفع عجلة التنمية يف بلدانها‪ .‬ولكننا عانينا منذ الثورة ال�صناعية‪ ،‬من عواقب هذه التنمية‬ ‫و�سلب ّياتها على البيئة‪ .‬لكن تُرى هل يجب �أن ي�ستمر الأمر على هذا النحو؟‬ ‫ت�ؤمن م�ؤ�س�سة قطر ب�أنّ التنمية االقت�صادية واحلفاظ على البيئة مفهومان مرتابطان‪ ،‬وقد �آزرنا‬ ‫اعتقادنا هذا بتطبيق جمموعة وا�سعة من املبادرات وامل�شاريع البحثية التي �إن دلّت‪ ،‬ف�إنها تدلّ على‬ ‫�إمكانية حتقيق هذين الهدفني ب�شكل متالزم‪ .‬وبالفعل �شرعت م�ؤ�س�سة قطر يف تنفيذ م�شروع م�شرتك‬ ‫لإنتاج ‪� 8‬آالف طن �سنوي ًا من البويل �سيليكون ‪ -‬وهو لبنة �أ�سا�سية يف جمال توليد الطاقة ال�شم�سية ‪ -‬يف‬ ‫التغي املناخي‪ .‬وقد ط ّور الباحثون يف‬ ‫حني يعكف مركز �أبحاث‬ ‫ّ‬ ‫متخ�ص�ص على التخفيف من �آثار رّ‬ ‫جامعة تك�سا�س �إي �أند �أم يف قطر تقنية خا�صة با�ستخدام الطاقة ال�شم�سية «لتك�سري» الغاز الطبيعي‬ ‫�إىل هيدروجني وكربون ميكن ا�ستغالله جتاري ًا ‪ -‬دون �أن ينتج عن هذه العملية �أية �صورة من �صور‬ ‫التل ّوث‪.‬‬ ‫تدرك م�ؤ�س�سة قطر �أي�ض ًا �أنّ العلم ال يحمل بال�ضرورة ّ‬ ‫كل الأجوبة؛ فم�شروع �شركة م�شريب العقارية‬ ‫لإعادة تطوير الدوحة يعتمد على الأ�ساليب التقليدية للتعامل مع حرارة ال�صيف القا�سية يف منطقة‬ ‫اخلليج خللق منط جديد من العمارة‪ ،‬مما يدلّ على �أنّه حتى يف ّ‬ ‫ظل هذه الأجواء ال�صعبة‪ ،‬من املمكن‬ ‫�أن تربز املباين يف تناغم مع البيئة‪ ،‬ولي�س رغم ًا عنها‪ .‬قد يبدو االهتمام بحماية البيئة يف بلدٍ برز على‬ ‫ال�ساحة بف�ضل احتياطياته الهائلة من النفط والغاز الطبيعي �أمر ًا غريب ًا‪� ،‬إال �أنّ دولة قطر �أدركت منذ‬ ‫العدة ال�ستقبال عامل ما بعد الكربون من خالل �إر�ساء اقت�صاد‬ ‫امللحة لإعداد ّ‬ ‫فرتة طويلة تلك ال�ضرورة ّ‬ ‫حموري يف حتقيق تلك الطموحات‪.‬‬ ‫قائم على املعرفة‪ ،‬ويف هذا ال�سياق‪ ،‬ت�ضطلع م�ؤ�س�سة قطر بدور‬ ‫ٍّ‬ ‫حد‬ ‫يدعيه كائن من كان‪ ،‬وهذا الأمر يف ِّ‬ ‫�إن القول بامتالك حلول ناجعة للق�ضايا كافة ال ميكن �أن ّ‬ ‫ذاته ما يجعل جملة «تف ّكر‪ ».‬تكت�سب �أهميتها البالغة؛ فمن خالل توفري من�صة لتبادل الأفكار حول‬ ‫الق�ضايا التي من �ش�أنها ت�شكيل عاملنا‪ ،‬يحدونا الأمل �أن يعود ذلك بالنفع على دولة قطر واملجتمع‬ ‫الدويل ب�أ�سره‪.‬‬ ‫هيا بنت خليفة الن�صر‬ ‫مدير �إدارة االت�صال‬ ‫م�ؤ�س�سة قطر‬

‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫أبريل ‪2012‬‬


‫المحتويات‬

‫‪24‬‬

‫‪5‬‬

‫‪16‬‬

‫أخبار موجزة‬

‫‪2‬‬

‫ ‬ ‫‪5‬‬ ‫ ‬ ‫‪6‬‬ ‫‪ 7‬‬ ‫‪ 8‬‬

‫‪3‬‬

‫الموت واألمل في دارفور‬ ‫هن قائدات آسيا؟‬ ‫أين ّ‬ ‫توحيد المجتمعات بالرياضة‬ ‫فيلم واعد‬

‫‪57‬‬

‫البيئة والتنمية‬ ‫‪ 1‬على خط المواجهة البيئية‬ ‫‪ 0‬‬

‫‪29‬‬

‫ تغي املناخ يهدّ د جزر املالديف باالنقرا�ض؛‬ ‫رّ‬ ‫فهل ميكن للتكنولوجيا اخل�ضراء احلفاظ على‬ ‫هذه الدولة ‪ -‬اجلزيرة؟‬ ‫‪ 1‬ما بعد نضوب الغاز‬ ‫‪ 6‬‬

‫ �أحد الوزراء املخ�ضرمني يف دولة قطر يو�ضح ‬ ‫ كيف تعدّ البالد العدة مل�ستقبل م�ستدام‬

‫ ‬

‫‪ 2‬ورثة اللؤلؤ‬ ‫‪ 0‬‬

‫ �أنقذ النفط والغاز منطقة اخلليج عندما انهارت‬ ‫�صناعة الل�ؤل�ؤ‪ ،‬لكن الرتاث ظل قابع ًا يف الذاكرة‬ ‫ ‬

‫‪45‬‬

‫ ‬

‫‪ 22‬‬

‫مدينة الدوحة بمنظور جديد‬

‫ كيف ي�سهم م�شروع �إعادة تطوير و�سط مدينة‬ ‫الدوحة يف خلق لغة معمارية خ�ضراء جديدة‬

‫الخفية للمياه‬ ‫ّ‬ ‫‪ 2‬التكلفة‬ ‫‪ 4‬‬

‫ املاء موردنا الأثمن‪ ،‬لكن معظمنا ال يعرف‬ ‫الكثري عن م�صادرها‪� .‬إال �أننا ال ن�ستطيع‬ ‫موا�صلة التعامل مع املياه على �أنها من امل�سلّمات‬ ‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫ ‬

‫‪ 2‬هل يمكن للطاقة النووية أن تنقذ العالم؟‬ ‫‪ 9‬‬

‫ بعد وقوع كارثة فوكو�شيما‪ ،‬انقلبت البلدان يف‬ ‫جميع �أنحاء العامل �ضد الطاقة النووية‪ .‬فهل يا‬ ‫تُرى هذه النوايا �صادقة؟‬

‫تفكر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ 3‬رأي‬ ‫‪ 2‬‬

‫ملاذا ال جتعلنا الأ�سلحة النووية �أكرث �أمناً؟‬

‫من العالم‬ ‫تصدعات في الكريملين‬ ‫ُّ‬ ‫‪ 3 6‬‬

‫ للمرة الأوىل يف رو�سيا مل تخرج االنتخابات‬ ‫الرئا�سية ب�صيغة حت�صيل حا�صل‪ .‬ما يدعو �إىل‬ ‫التفكري ب�أ�سلوب جديد‬ ‫أبريل ‪2012‬‬

‫تفكر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫إضاءات‬

‫‪36‬‬

‫‪ 4‬ماذا سيحدث بعد ذلك في تلك الدولة‬ ‫‪ 2‬‬ ‫المستوحدة؟‬

‫ ‬

‫ مع ت�سلّم «كيم» جديد ملقاليد ال�سلطة يف ‬ ‫كوريا ال�شمالية‪ ،‬ملاذا توا�صل ال�صني دعم‬ ‫�ساللة �شيوعية ال تزال محُ تجزة يف متاهة‬ ‫الوقت املاوية؟‬

‫الحج‬ ‫ّ‬ ‫‪ 5‬مقاصد‬ ‫‪ 1‬‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ضل العالم طريقه؟‬ ‫ّ‬ ‫‪ 4‬حالة من الفساد ‪ -‬كيف‬ ‫‪ 5‬‬

‫ ‬

‫ هل �أظهرت �أحداث ال�شغب التي وقعت يف‬ ‫ال�صيف املا�ضي �أن بريطانيا قد «فقدت‬ ‫روحها»؛ �أم �أنها متثل الإجابة الالزمة لإعادة‬ ‫بناء «الوحدة الطبيعية والأ�سا�سية للمجتمع»؟‬

‫ ‬

‫ معر�ض جديد متميّز نظمه املتحف الربيطاين ‬ ‫عن �شعرية احلج‬

‫‪ 5‬أزاهير حسيّ ة من الربيع العربي‬ ‫‪ 7‬‬

‫ روايات جديدة تبينّ �أن منطقة ال�شرق الأو�سط‬ ‫ال ت�شهد جمرد نه�ضة �سيا�سية‪ ،‬بل ثقافية‬ ‫و�أدبية �أي�ض ًا‬

‫‪ 6‬رسالة من جوا‬ ‫‪ 2‬‬

‫ يف الذكرى اخلم�سني لتحرير والية جوا‪ ،‬جتد‬ ‫كي�شوار دي�ساي غوا ‪� -‬أغنى واليات الهند ‪ -‬يف‬ ‫حالة ا�سرتخاء لكنها غري واثقة من هويتها‬

‫تفكر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ 6‬عمود‬ ‫‪ 4‬‬

‫ يناق�ش ريت�شارد �سريا احلوار بني فنّي ‬ ‫النحت والعمارة‬


‫المساهمون‬

‫مارينا مهاتير كاتبة عمود في جريدة‬ ‫“ذا ستار” الماليزية ‪ ،‬ولها باع طويل‬ ‫في الدفاع عن حقوق المرأة‪.‬‬ ‫وتسأل مارينا مهاتير على الصفحة‬ ‫هن قائدات آسيا؟‬ ‫‪ :6‬أين ّ‬

‫شغل محمد البرادعي منصب‬ ‫المدير العام للوكالة الدولية للطاقة‬ ‫الذرية ما بين عامي ‪.2009 - 1997‬‬ ‫ويسلّ ط الضوء على أهمية التعاون‬ ‫الدولي ومكافحة انتشار السالح‬ ‫النووي كمفاتيح رئيسية لتحقيق‬ ‫األمن واالستقرار الفعليين‪ .‬المزيد‬ ‫على الصفحة ‪.32‬‬

‫أخبار موجـزة‬ ‫متخصصة في‬ ‫ّ‬ ‫راشيل آسبدين كاتبة‬ ‫الشؤون السياسية والثقافية‬ ‫لمنطقة الشرق األوسط ‪ ،‬وتعكف‬ ‫حالياً على تأليف كتاب عن شباب‬ ‫االنتفاضات العربية‪ .‬تتناول في‬ ‫عرضها على الصفحة ‪ 57‬ثالث‬ ‫روايات جديدة “ال يمكن تفويتها”‬ ‫حد قولها لكتّ اب مصريين‪.‬‬ ‫على ّ‬

‫تشارلز فيرغسون رئيس اتحاد‬ ‫العلماء األمريكيين وأستاذ منتدب‬ ‫في مركز دراسات السالم واألمن‬ ‫بجامعة جورجتاون‪ .‬يطرح على‬ ‫الصفحة ‪ 29‬السؤال التالي‪ :‬هل‬ ‫يمكن للطاقة النووية أن تنقذ‬ ‫العالم؟‬

‫‪4‬‬

‫(من اليسار) أمين حسن عمر ‪ -‬وزير الثقافة والشباب والرياضة السوداني ‪ -‬مصافحاً أحمد محمد تقد لسان ‪ -‬كبير مفاوضي حركة‬ ‫العدل والمساواة ‪ -‬بعد توقيع اتفاقية وقف إطالق النار في الدوحة عام ‪2010‬‬

‫برهان وزير مدير التحرير في‬ ‫مؤسسة الدوحة لألفالم‪ ،‬ويرى أن‬ ‫تحول‬ ‫ّ‬ ‫السينما العربية يجب أن‬ ‫االستحسان الدولي إلى نجاح مادي‬ ‫في شباك التذاكر‪ .‬المزيد على‬ ‫الصفحة ‪.8‬‬

‫ماري ديجيفيسكي رئيسة تحرير‬ ‫وكاتبة عمود في جريدة «ذي‬ ‫إندبندنت» اللندنية‪ .‬وتُ َع ّد إحدى أكثر‬ ‫المعلقين على الشأن الروسي‬ ‫احتراماً وتقديراً في بريطانيا‪،‬‬ ‫وتتساءل عما إذا كان هناك أي بديل‬ ‫لفالديمير بوتين‪ .‬المزيد على‬ ‫الصفحة ‪.36‬‬

‫كيشوار ديساي كاتبة روائية حاصلة‬ ‫على العديد من الجوائز‪ ،‬كما أنها‬ ‫عضو في لجان التحكيم بمهرجانات‬ ‫األفالم في كل من الهند ولندن‪.‬‬ ‫وتظهر رسالتها من جوا على‬ ‫الصفحة ‪.62‬‬

‫ُمنح البروفيسور توني أالن جائزة‬ ‫ستوكهولم للمياه لعام ‪2008‬‬ ‫قدمه من إسهامات‬ ‫تقديراً لما ّ‬ ‫في علوم وسياسات المياه‪.‬‬ ‫ويقول على الصفحة ‪ 24‬أنه يجب‬ ‫علينا أال نعتبر األمن المائي من‬ ‫المسلمات‪.‬‬

‫في‬

‫ريما إسماعيل مدير النشر ‪rismail@qf.org.qa‬‬ ‫‪+974 4454 0960‬‬ ‫غادة سعادة رئيس قسم الترجمة والتحرير ‪gsaade@qf.org.qa‬‬ ‫‪+974 4454 0961‬‬ ‫«تفكر‪ ».‬ترجمة عن النسخة اإلنجليزية ‪THINK.‬‬ ‫ّ‬ ‫النسخة العربية لمجلة‬ ‫«تفكر‪ ».‬بتعليقات القراء‪ ،‬وسنضيف‬ ‫ّ‬ ‫ترحب مجلة‬ ‫ّ‬ ‫صفحة للمراسالت اعتباراً من العدد القادم‪ .‬فإذا‬ ‫رغبتم في التعليق على أي من المقاالت المنشورة‬ ‫في المجلة‪ ،‬يرجى التواصل مع المحرّ ر على البريد‬ ‫اإللكتروني ‪ ، think@qf.org.qa‬مع ذكر (‪For‬‬ ‫‪« )publication‬للنشر» في خانة موضوع البريد‬ ‫اإللكتروني المرسل من قبلكم‪.‬‬

‫التصوير الفوتوجرافي من ‪ .Corbis، Getty، Shutterstock‬الرسوم التوضيحية من ‪ SASAN‬و ‪.Fred Dittlau‬‬

‫بقلم جاستن ماروتزي‬

‫حني كان �أكرث �أهل‬ ‫الأر�ض غارقني يف‬ ‫احتفاالت �أعياد‬ ‫امليالد ا�ستقبا ًال للعام ‪ ،2012‬مل‬ ‫ُ�ستغرب �أن جتذب حالة‬ ‫يكن من امل َ‬ ‫وفاة �إ�ضافية يف دارفور �سوى قدر‬ ‫�ضئيل للغاية من االهتمام الدويل‪.‬‬ ‫فقد بات �سفك الدماء يف هذا‬ ‫اجلزء املظلم غربي ال�سودان �أمر ًا‬ ‫معتاد ًا على نحو خميف يف‬ ‫ال�سنوات القليلة املا�ضية‪ ،‬و�صل‬ ‫ح�سب تقديرات الأمم املتحدة �إىل‬ ‫‪� 300‬ألف �شخ�ص لقوا حتفهم يف‬ ‫هذا ال�صراع منذ العام ‪.2003‬‬

‫مؤسسة قطر – إدارة االتصال‬

‫ساهم في هذا العدد‪ :‬جاستن ماروتزي؛ جايسون كاولي؛ ج‪.‬ج‪ .‬روبنسون؛ فرانشيسكا توزو؛ محمد البرادعي؛‬ ‫مارك سيدون؛ أندرو ويلسون؛ ريتشارد جي ويلكينز؛ كارين أرمسترونغ؛ ريتشارد سيرا؛ ماري ديجيفسكي؛ برهان‬ ‫وزير؛ كيشوار ديساي؛ البروفيسور توني أالن؛ مارينا مهاتير؛ راشيل آسبدين؛ تشارلز دي فيرجسون‪.‬‬

‫الموت واألمل في دارفور‬

‫طبعت على ورق منتج من غابات‬ ‫ومصدق‬ ‫ّ‬ ‫تُ دار بطريقة مستدامة‬ ‫عليها من قبل برنامج إقرار شهادات‬ ‫الغابات (‪.)PEFC‬‬

‫© ‪ .2012‬مؤسسة قطر‪ .‬جميع الحقوق محفوظة‪ .‬ال يجوز نسخ أي جزء من هذه المجلة من دون الحصول‬ ‫على إذن خطي من مؤسسة قطر‪ .‬اآلراء الواردة في هذه المجلة هي آراء المؤلفين‪ ،‬وال تعبر بالضرورة عن‬ ‫رأي مؤسسة قطر‪ .‬لمزيد من المعلومات حول مؤسسة قطر‪ ،‬يرجى زيارة الموقع ‪www.qf.org.qa‬‬

‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫أبريل ‪2012‬‬

‫لكن مقتل خليل �إبراهيم‪ ،‬قائد‬ ‫ّ‬ ‫حركة العدل وامل�ساواة املتمردة‪،‬‬ ‫ُي َع ّد تطور ًا درامي ًا بالن�سبة لدارفور؛‬ ‫كما �أنه يظهر �أي�ض ًا مدى الت�أثري‬ ‫غري املتوقع لثورات الربيع العربي‬ ‫على �صراع �أفريقي طويل الأمد؛‬ ‫حيث �أن �إبراهيم ‪ -‬الذي تفيد‬ ‫التقارير ب�أنه ُتوفيِّ َ يف ‪ 24‬دي�سمرب‬ ‫تعر�ض لها خالل‬ ‫مت�أثر ًا بجراح َّ‬ ‫هجوم للقوات احلكومية بوالية‬ ‫�شمال ك ُْر ُدفان املجاورة لإقليم‬ ‫دارفور‪ -‬ظل لفرتة طويلة يتمتع‬ ‫بحماية العقيد الليبي معمر‬ ‫القذايف؛ و ُيقَ ال �أنه مل يعد �إىل‬ ‫ال�سودان �إال بعد �سقوط ذلك‬ ‫الديكتاتور يف �شهر �أكتوبر املا�ضي‪.‬‬ ‫هد َدت حركة العدل‬ ‫وطاملا َّ‬

‫وامل�ساواة التي ُت َع ّد اجلماعة‬ ‫امل�سلحة الأقوى بني الف�صائل‬ ‫ملتمردي دارفور‪ ،‬ب�إ�سقاط‬ ‫املتعددة ِّ‬ ‫حكومة الرئي�س عمر الب�شري؛ كما‬ ‫كانت الغائب الأبرز عن اتفاق‬ ‫ال�سالم الذي مت توقيعه بني حكومة‬ ‫اخلرطوم واجلماعات املتمردة يف‬ ‫الدوحة يف العام ‪.2011‬‬ ‫ومن جهتها‪ ،‬دعت احلكومة‬ ‫رح َبت مبقتل‬ ‫ال�سودانية التي َّ‬ ‫�إبراهيم وا�صفة �إياه ب�أنه انت�صار‪،‬‬ ‫جميع الف�صائل املتمردة بدارفور‬ ‫�إىل االلتحاق بعملية ال�سالم؛ فقال‬ ‫عبداهلل م�سار‪ ،‬وزير الإعالم‬ ‫ال�سوداين‪�« :‬إن �أبوابنا مفتوحة‪ ،‬كما‬ ‫�أن اتفاق الدوحة مفتوح»‪.‬‬ ‫ال يزال االلتزام الدويل نحو‬

‫جاستن ماروتزي‪ :‬عن دارفور‬ ‫مارينا مهاتير‪ :‬عن آسيا‬ ‫جايسون كاولي‪ :‬عن الرياضة‬ ‫برهان وزير‪ :‬عن األفالم‬

‫دارفور قوي ًا؛ حيث ُت َع ّد اليوناميد‬ ‫‪ - UNAMID‬وهي القوة امل�شرتكة‬ ‫بني الأمم املتحدة واالحتاد‬ ‫الأفريقي حلفظ ال�سالم ‪ -‬يف‬ ‫دارفور والتي يقارب عدد �أفرادها‬ ‫‪� 26‬ألف من اجلنود و�ضباط‬ ‫ال�شرطة‪� ،‬أكرب بعثة حلفظ ال�سالم‬ ‫يف العامل تابعة للأمم املتحدة‪ .‬لكن‬ ‫بالن�سبة للعديد من مواطني‬ ‫دارفور‪ ،‬ال تزال احلياة اليومية‬ ‫متثل حتدي ًا هائالً‪ .‬وانطلق العام‬ ‫اجلديد بالفعل نحو بداية م�أ�ساوية‬ ‫يف جنوب دارفور مع تف�شي ثالثة‬ ‫�أمرا�ض طفيلية؛ ف�أفادت وزارة‬ ‫ال�صحة يف والية جنوب دارفور ب� ّأن‬ ‫املالريا والبلهار�سيا والفيالريا هي‬ ‫�أمرا�ض م�ستوطنة يف العديد من‬ ‫املقاطعات وبلغ �إجمايل احلاالت‬ ‫التي مت ت�سجيلها ‪� 44‬ألف حالة يف‬ ‫مدن الرادوم‪ ،‬وال�سالم‪ ،‬ونياال‪.‬‬ ‫من جانبه‪ ،‬قال �ساميون‬ ‫هازلوك‪ ،‬مدير «�ألباين‬ ‫�أ�سو�شييت�س» ‪ -‬وهي جمموعة‬ ‫ات�صاالت بريطانية متخ�ص�صة يف‬ ‫بيئات ما بعد النزاعات بداية من‬ ‫بغداد وو�ص ً‬ ‫وال �إىل مقدي�شو‪« :‬فيما‬ ‫يتعلق بامل�صاحلة ال�سيا�سية‪ ،‬هناك‬ ‫عِ برَ ميكن ا�ستخال�صها من‬ ‫املحاوالت الأخرية للتو�سط من �أجل‬ ‫التو�صل �إىل اتفاق �سالم يف‬ ‫دارفور‪ .‬فخالل عامي‬ ‫‪ ،2011-2010‬قامت جمموعة‬ ‫�ألباين بتنفيذ برنامج ممُ َ َّول من‬ ‫قبل الواليات املتحدة للتوا�صل مع‬ ‫املجتمع عرب �إقليم دارفور دعم ًا‬ ‫ملفاو�ضات ال�سالم املنعقدة يف‬ ‫الدوحة‪ ،‬مع الرتكيز على‬ ‫القطاعات القبلية والعربية من‬ ‫املجتمع‪ ،‬وهي جمموعات ال تزال‬ ‫حتى الآن غري ممثّلة بالقدر الكايف‬ ‫يف عملية ال�سالم‪ .‬وخالل هذا‬ ‫امل�شروع‪ ،‬مت جمع معلومات حول‬ ‫كيفية ت�صور ال�سكان الريفيني‬ ‫لإقليم دارفور حلياتهم بعد‬ ‫ال�صراع‪ ،‬وهو ما �أنتج جمموعة‬ ‫متنوعة من الآراء متت �إعادة‬ ‫تطبيقها على عملية ال�سالم‪ ،‬ومن‬ ‫ثم توجيهها �إىل مكاتب كبار �صنّاع‬ ‫ال�سيا�سات‪.‬‬ ‫ويف هذا ال�سياق‪ ،‬قال هازلوك‪:‬‬ ‫يتوجب‬ ‫«لن �أف�شي �سر ًا �إذا قلت �إنه َّ‬

‫‪5‬‬


‫أخبار موجزة‬ ‫عليك �أن تتوا�صل مع املجتمع على‬ ‫نطاق وا�سع حتى حتقّق ال�سالم‪.‬‬ ‫نحن نعلم من جتاربنا ال�سابقة يف‬ ‫تعزيز اتفاق ال�سالم بدارفور على‬ ‫�أر�ض الواقع احلاجة لعملية منفتحة‬ ‫ا�ستيعابية و ُي َع ّد �إ�شراك الأفراد‬ ‫العاديني فيها �أمر ًا �ضروري ًا للغاية»‪.‬‬ ‫يدخل مفهوما االبتكار والتخ ّيل‬ ‫يف �صميم الإ�شراك الناجح يف �أكرث‬ ‫البيئات �صعوبة‪ .‬ولن�أخذ مهرجان‬ ‫الدائن للفرو�سية ‪ -‬وهو �أحد‬ ‫م�شروعات جمموعة �ألباين للجمع‬ ‫بني قبائل وجمتمعات دارفور‬ ‫املتنوعة عرب ما ي�شرتكون فيه من‬ ‫�شغف باخليول‪ .‬وقد تدفَّق الآالف‬ ‫مل�شاهدة �سباق اخليول والإبِل يف حر‬ ‫النهار الالفح‪ ،‬قبل �أن يجل�س �شيوخ‬ ‫القبائل ب�أعداد �أ�صغر ملناق�شة م�س�ألة‬ ‫امل�صاحلة خالل امل�ساء‪ ،‬ت�صاحبهم‬

‫يف ذلك نغمات املو�سيقى التقليدية‪.‬‬ ‫ويف هذا ال�سياق‪ ،‬قال هازلوك‪:‬‬ ‫«من خالل اال�ستفادة من ال�شبكات‬ ‫االجتماعية والثقافية املوجودة‪،‬‬ ‫متكَّ نا من اجلمع بني �أنا�س مل‬ ‫يكونوا ليتحدثوا مع بع�ضهم البع�ض‬ ‫لوال ذلك‪ .‬كان ذلك مثا ًال عظيم ًا‬ ‫على التطورات اجلارية يف املجتمع‪.‬‬ ‫وبالتطلُّع �إىل الأمام يف عام ‪،2012‬‬ ‫نتوقع عدد ًا وفري ًا من هكذا �أن�شطة‬ ‫على �أر�ض الواقع‪ ،‬يف الوقت الذي‬ ‫يتقدم فيه اتفاق الدوحة نحو قلب‬ ‫الأحداث يف دارفور»‪.‬‬ ‫كتابي‬ ‫ومؤرخ‬ ‫جاستن ماروتزي كاتب‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫«الرجل الذي اخترع التاريخ‪ :‬أسفار مع‬ ‫هيرودوت»؛ و«تيمورلنك‪ :‬سيف‬ ‫اإلسالم وفاتح العالم»‪ .‬وقد عمل‬ ‫مستشار أول لقيادة اليوناميد في‬ ‫الفاشر بدارفور‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫باراك أوباما ‪ -‬رئيس الواليات المتحدة األمريكية ‪ -‬وعدد من الزعماء العالميين في‬ ‫منتدى التعاون االقتصادي لمنطقة آسيا ‪ -‬باسيفيك في هاواي‪ ،‬نوفمبر ‪2011‬‬

‫هـــــــن‬ ‫ّ‬ ‫أيــــــن‬ ‫قائــــدات آسيـــا؟‬ ‫بقلم مارينا مهاتير‬

‫ربما‬

‫كانت �صورة املر�أة‬ ‫العربية �إحدى �أهم‬ ‫ال�صور النمطية‬

‫العديدة التي قام الربيع العربي‬ ‫بتحطيمها‪ .‬فبعيد ًا عن كونها‬ ‫�شخ�ص ًا خا�ضع ًا م�ضطهداً‪ ،‬خرجت‬ ‫هذه املر�أة �إىل ال�شوارع برفقة‬ ‫�إخوانها لالحتجاج من �أجل حتقيق‬ ‫التغيريات واحل�صول على احلقوق‬

‫التي يطالبون بها‪ .‬ويف �أثناء ذلك‪،‬‬ ‫تعر َ�ضت لنف�س الإ�صابات التي‬ ‫َّ‬ ‫تعر�ضوا لها ب�سبب قنابل الغاز‬ ‫املُ�سيل للدموع والر�صا�ص‪ .‬ويف‬ ‫بع�ض احلاالت‪ ،‬كما يف م�صر‪،‬‬ ‫تعر َ�ضت لأعمال مهينة للكرامة‬ ‫َّ‬ ‫ذات �صلة بنوعها البيولوجي‪ ،‬مثل‬ ‫الفحو�صات الق�سرية للتحقق من‬ ‫ال ُعذرِ َّية‪.‬‬ ‫مت االعرتاف بالدور املحوري‬ ‫َّ‬ ‫للمر�أة يف هذه االحتجاجات عرب‬ ‫منح جائزة نوبل لل�سالم لليمنية‬ ‫توكُّل كَ ْر َمان‪ ،‬برفقة امر�أتني‬ ‫�أخرتني‪ .‬و ُيظهِ ر ح�صول كَ ْر َمان‬ ‫على هذه اجلائزة وهي يف ‪ 32‬من‬ ‫العمر‪ ،‬وبالتايل �أ�صغر من نال هذه‬ ‫اجلائزة املرموقة على الإطالق‪،‬‬ ‫�إىل �أي مدى و�صلت املر�أة العربية‬ ‫وامل�سلمة يف تق ُّدمها‪.‬‬ ‫وما مل يعلِّق عليه املراقبون‬ ‫الغربيون هو �أنه يف حني � َّأن الن�ساء‬ ‫امل�سلمات يكافحن �أكرث من غريهن‬ ‫يف مواجهة ال�سيطرة الأبوية‬ ‫عليهن‪� ،‬إال �أن هذا ال يعني �أنهن يف‬ ‫الوقت ذاته غري متعلمات‪ .‬فوفق ًا‬ ‫لتقرير اليوني�سكو حول العلوم لعام‬ ‫‪« ،2010‬حققت الدول العربية‬ ‫جناح ًا يف حتقيق التوازن بني‬ ‫اجلن�سني يف م�ؤ�س�سات التعليم‬ ‫العايل»‪ ،‬وبرز ميل يف عدد الن�ساء‬ ‫�سن العلوم االجتماعية‬ ‫اللواتي َي ْد ُر َ‬ ‫والإن�سانية �أكرب من عدد اللواتي‬ ‫ينخرطن منهن يف درا�سة العلوم‬ ‫الطبيعية والتكنولوجيا‪ .‬ولكن يف‬ ‫بلدان مثل اجلزائر وم�صر وحتى‬ ‫ال�سعودية‪ ،‬هناك عدد كبري من‬ ‫ر�شحات‬ ‫كم َّ‬ ‫الطالبات امل�سجالت ُ‬ ‫للح�صول على درجة الدكتوراه يف‬ ‫املجالني الأخريين‪.‬‬ ‫وميكن قول ال�شيء ذاته فيما‬ ‫يتعلق ب�آ�سيا‪ ،‬خا�صة بلدان جنوب‬ ‫�شرق �آ�سيا؛ حيث يفوق عدد‬ ‫الطالبات يف ماليزيا والفليبني عدد‬ ‫الطالب بكثري‪ ،‬كما �أن ن�سبة‬ ‫الطالبات امل�سجالت يف م�ؤ�س�سات‬ ‫التعليم العايل يف دول منظمة‬ ‫الآ�سيان الأخرى �آخذة يف التزايد‪.‬‬ ‫ُيعد الإبقاء على تعليم الفتيات يف‬ ‫املدار�س �أمر ًا �صعب ًا يف الو�س‬ ‫وكمبوديا بالتحديد‪ ،‬وذلك ب�سبب‬ ‫م�ستويات الفقر املرتفعة‪.‬‬ ‫وبرغم الزيادة يف �أعداد الن�ساء‬ ‫املتعلمات يف كل هذه البلدان‪� ،‬إال‬ ‫�أننا مل ن�شهد يف املقابل زيادة يف‬ ‫معدل �إ�سهامهن يف القيادة‬

‫برغم الزيادة في أعداد‬ ‫النساء المتعلمات في‬ ‫كل هذه البلدان‪ ،‬إال أننا‬ ‫لم نشهد في المقابل‬ ‫زيادة في معدل‬ ‫إسهامهن في القيادة‬ ‫السياسية لبلدانهن‬ ‫ال�سيا�سية لبلدانهن‪ .‬وقد كانت‬ ‫الن�ساء جزء ًا من العملية ال�سيا�سية‬ ‫بدرجات متفاوتة وتقلّدت �أكرب‬ ‫املنا�صب يف الهند‪ ،‬وباك�ستان‪،‬‬ ‫وبنغالدي�ش‪ ،‬و�إندوني�سيا‪ ،‬والفليبني‪،‬‬ ‫وتايالند‪ .‬ويف دولة قطر‪ ،‬ت�ضطلع‬ ‫�صاحبة ال�سمو ال�شيخة موزا بنت‬ ‫نا�صر ب�أدوار قيادية من بينها �شغل‬ ‫من�صب رئي�س جمل�س �إدارة م�ؤ�س�سة‬ ‫قطر التي تن�شر جملة «تفكّر‪ ،».‬يف‬ ‫حني تلعب امللكة رانيا العبد اهلل‬ ‫ملكة الأردن هي الأخرى دور ًا ن�شط ًا‬ ‫على ال�ساحة العاملية كمنا�صرة‬ ‫للتعليم‪ ،‬من بني �أمور �أخرى‪.‬‬ ‫لكن هذه اال�ستثناءات القليلة ال‬ ‫ينبغي �أن تغطي على حقيقة �أن‬ ‫ن�سبة مثل �أوالئك الن�سوة يف مراكز‬ ‫�صنع القرار‪ ،‬ويف الدول الإ�سالمية‬ ‫على وجه اخل�صو�ص‪ ،‬ال تزال‬ ‫�ضئيلة؛ �إذ ال توجد ن�ساء حتتل‬ ‫مراكز قيادية يف م�صر ما بعد‬ ‫مبارك ‪ ،‬متام ًا مثلما كان يحدث‬ ‫من قبل‪.‬‬ ‫وحتى يف الدول الأكرث تقدم ًا‪،‬‬ ‫فهناك نق�ص يف عدد الن�سوة‬ ‫القياديات‪ .‬ومع �أن الإناث ُي�شكِّ لن‬ ‫ما ن�سبته ‪60‬باملائة من الطلبة يف‬ ‫ماليزيا‪� ،‬إال �أن ‪40‬باملائة منهن ال‬ ‫يدخلن حتى �سوق العمل بعد‬ ‫التخ ُّرج‪ .‬وال متثّل الن�ساء �سوى‬ ‫‪10‬باملائة من �أع�ضاء الربملان‪ ،‬كما‬ ‫ال يوجد من بني ‪ 28‬وزير ًا يف‬ ‫احلكومة �سوى امر�أتني فقط‪.‬‬ ‫ويكمن مفتاح هذه الندرة يف‬ ‫اجلامعات �أنف�سها؛ �إذ �أنه برغم‬ ‫�أعدادهن‪ ،‬ال ت�شارك �سوى قلة‬ ‫منهن يف احلياة ال�سيا�سية للطالب‪،‬‬ ‫وال ت�شارك �سوى ن�سبة �أقل منهن‬ ‫كقائدات‪ .‬وقد اقرتح البع�ض �أن‬ ‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫مر ّد ذلك هو كونهن مهتمات‬ ‫َ‬ ‫بدرا�ستهن بدرجة �أكرب من‬ ‫اهتمامهن بالأن�شطة الأخرى‪ .‬لكن‬ ‫هل ميكن �أن تكون نف�س العوائق‬ ‫التي تنتظرهن يف العامل اخلارجي‬ ‫موجودة يف اجلامعة؟ ويف حماكاة‬ ‫منها للمنظمات ال�سيا�سية املوجودة‬ ‫باخلارج‪ ،‬ت َّت�سم العديد من‬ ‫امل�ؤ�س�سات الطالبية ب�أنها خا�ضعة‬ ‫ل�سيطرة الطالب وهيمنتهم على‬ ‫نحو غامر‪ ،‬و�أنها تتخذ موقف ًا ال‬ ‫ي ّت�سم بالو ّد والترّ حاب جتاه‬ ‫الطالبات‪ .‬وعلى �سبيل املثال‪،‬‬ ‫تت�ألف قيادة احلركة الطالبية‬ ‫الناه�ضة يف ماليزيا من الرجال‬

‫ح�صري‪ .‬فمتى �سي�أتي‬ ‫على نحو‬ ‫ّ‬ ‫التغيري احلقيقي لن�سائها؟‬ ‫مارينا مهاتير هي كاتبة عمود في جريدة‬ ‫«ذا ستار» الماليزية وناشطة في مجال‬ ‫حقوق اإلنسان‪ .‬وقد عملت لفترة طويلة‬ ‫في الدفاع عن حقوق المصابين‬ ‫الب َش ِر ّي (اإليدز)‬ ‫الم ِ‬ ‫َ‬ ‫ي َ‬ ‫ناع ِّ‬ ‫الع َو ِز َ‬ ‫يروس َ‬ ‫بف ُ‬ ‫ً‬ ‫حاليا على نحو بارز في الدفاع‬ ‫وتنشط‬ ‫عن حقوق النساء المسلمات كعضوة‬ ‫في مجلس إدارة منظمة «أخوات في‬ ‫ً‬ ‫دونة‬ ‫اإلسالم»‪ .‬كما تُ َع ّد‬ ‫أيضا ُم ِّ‬ ‫ومشا ِركة نشطة في وسيلتي التواصل‬ ‫ُ‬ ‫االجتماعي فيس بوك وتويتر‪.‬‬ ‫‪rantingsbymm.blogspot.com‬‬

‫توحيد المجتمعات بالرياضة‬ ‫بقلم جايسون كاولي‬

‫في‬

‫�صيف ‪� ،2006‬أم�ضيت‬ ‫�ستة �أ�سابيع و�أنا �أعمل‬ ‫على تكليف يل‬ ‫بالكتابة عن ك�أ�س العامل ل�صحيفة‬ ‫بريطانية ت�صدر �أيام الأحد‪ .‬كان‬ ‫�صيف ًا �أوروبي ًا يت�سم بالدفء‬ ‫و�سطوع ال�شم�س على نحو غري‬ ‫لدي �سوى قليل من‬ ‫معتاد‪ ،‬ومل يكن ّ‬ ‫العمل لأقوم به ‪ -‬رمبا مقال واحد‬ ‫�أو تقرير طويل لأقوم بكتابته كل‬ ‫�أ�سبوع‪ُ .‬منح ال�صحفيون املعتمدون‬ ‫ا�شرتاكات جمانية على قطارات‬ ‫الدرجة الأوىل طوال مدة تلك‬ ‫البطولة الريا�ضية‪ ،‬وهو ما يعني‬ ‫�أنه كان لك مطلق احلرية عملي ًا يف‬ ‫ال�سفر �إىل �أي مكان تتمناه متى‬ ‫�أردت ذلك على �شبكة القطارات‬ ‫املمتازة هذه‪ .‬كان لدي ح�ساب‬ ‫م�صريف للنفقات‪ ،‬ولذلك كان‬ ‫التوجه مل�شاهدة مباريات‬ ‫ب�إمكاين‬ ‫ّ‬ ‫البطولة‪.‬‬ ‫قمت با�ستئجار �شقة �صغرية يف‬ ‫و�سط برلني تقع قبالة فندق �أدلون‬ ‫الذي قام فيه �أ�سطورة مو�سيقى‬ ‫البوب مايكل جاك�سون بتدلية طفل‬ ‫ر�ضيع من �إحدى نوافذه املرتفعة يف‬ ‫حلظة من االمتالء الهو�سي‬ ‫باحلما�سة‪ .‬ومل تكن �شقتي تبعد‬ ‫أبريل ‪2012‬‬

‫�سوى قلي ً‬ ‫ال عن بوابة براندنربغ‬ ‫حيث كان يتجمع ع�شرات الآالف‬ ‫من املتحم�سني من جميع‬ ‫اجلن�سيات كل يوم �أمام ا َمل ْعلم‬ ‫عرف مبهرجان‬ ‫الكبري فيما �صار ُي َ‬ ‫ُ�شجعني مل�شاهدة املباريات التي‬ ‫امل ِّ‬ ‫كانت ُتقام يف جميع �أنحاء �أملانيا‬ ‫على �شا�شات كبرية‪ .‬كانت هناك‬ ‫�شجعني يف‬ ‫للم ِّ‬ ‫مهرجانات م�شابهة ُ‬ ‫مدن �أخرى‪ ،‬لكن املهرجان الذي‬ ‫�أقيم يف العا�صمة هو الذي كان‬ ‫يجتذب احل�شود الأكرب‪ .‬وكما‬ ‫�ستكت�شف الدوحة عام ‪ ،2022‬ف�إن‬ ‫قدر ًا كبري ًا من �إثارة ك�أ�س العامل‬ ‫تقع بعيد ًا عن املالعب الريا�ضية‪،‬‬ ‫يف ال�ساحات العامة حيث يجتمع‬ ‫ُ�شجعون ليتحادثوا ويتعرفوا على‬ ‫امل ِّ‬ ‫بع�ضهم البع�ض‪.‬‬ ‫وخالل الوقت الذي �أم�ضيته يف‬ ‫�أملانيا‪ ،‬بدا كما لو �أن حت ً‬ ‫وال غريب ًا‬ ‫علي‪ .‬ففي بداية ك�أ�س‬ ‫ي�ستحوذ ّ‬ ‫ح�س وا�ضح‬ ‫العامل‪ ،‬كان هناك ّ‬ ‫بالوعي الوطني وت�سا�ؤل ذاتي م�شوب‬ ‫بالقلق؛ حيث �أن �أملانيا كانت قد‬ ‫ا�ست�ضافت بطولة ك�أ�س العامل من‬ ‫قبل‪ ،‬يف عام ‪ ،1974‬لكن ذلك‬ ‫مق�سم ًا‪،‬‬ ‫ح�صل عندما كان البلد ّ‬ ‫وكان جدار برلني رمز ًا على ذلك‬ ‫االنف�صال ال�شديد وعلى الهزمية يف‬ ‫احلرب‪.‬‬ ‫كما �أقيمت الألعاب الأوليمبية‬

‫مشجعو الفريق األلماني يحتفلون خالل كأس العالم ‪2006‬‬

‫يف ميونيخ عام ‪ ،1972‬لكنها كانت‬ ‫تعر�ضت للإف�ساد ب�سبب‬ ‫دورة ّ‬ ‫عمليات الإرهاب‪ .‬ومل ترغب‬ ‫ال�سلطات هذه املرة �أن يحدث �أي‬ ‫�شيء ُيعكّر �صفو البطولة �أمام‬ ‫�أنظار العامل خا�صة و� ّأن �شعار‬ ‫الدورة كان‪« :‬حان الوقت لتكوين‬ ‫ال�صداقات»‪.‬‬ ‫ُيعرف عن الأملان القلق من‬ ‫الإظهار العلني لوطنيتهم؛ فخالل‬ ‫�أ�سفاري يف الأ�سابيع الأوىل من‬

‫فجأة‪ ،‬ظهرت األعالم‬ ‫األلمانية مرفرفة في‬ ‫تجل لروح‬ ‫كل مكان‪ :‬وهو ّ‬ ‫وطنية جديدة حميدة‬ ‫على نحو كامل ولثقة‬ ‫بالنفس بدت كما لو ّأنها‬ ‫أدهشت حتى حكومة‬ ‫المستشارة أنجيال ميركِ ل‬

‫بطولة ك�أ�س العامل‪ ،‬مل �أ�شاهد �سوى‬ ‫عدد قليل للغاية من الأعالم‬ ‫الأملانية ترفرف من النوافذ �أو‬ ‫تتدىل من ال�سيارات‪ ،‬مثلما ترى يف‬ ‫�إجنلرتا خالل الفعاليات الرئي�سية‬ ‫لكرة القدم‪.‬‬ ‫لكن مع تقدم املنتخب الوطني‬ ‫الأملاين‪ ،‬بقيادة املدرب يورغن‬ ‫كلين�سمان‪ ،‬من ت�صفيات املجموعات‬ ‫�إىل مباريات الدور ن�صف النهائي‪،‬‬ ‫بدا وك� ّأن الدولة ب�أ�سرها تزدهر‬ ‫وتتف ّتح‪ .‬وفج�أة‪ ،‬ظهرت الأعالم‬ ‫الأملانية مرفرفة يف كل مكان‪ :‬وهو‬ ‫جتلٍّ لروح وطنية جديدة حميدة‬ ‫على نحو كامل ولثقة بالنف�س بدت‬ ‫كما لو �أنها �أده�شت حتى حكومة‬ ‫امل�ست�شارة �أجنيال مريكِ ل‪.‬‬ ‫�صار املزاج الوطني مزاج ًا قوامه‬ ‫فرحة يحدوها الأمل و�شعور فعلي‬ ‫بالفخر‪ .‬وبحلول املباراة النهائية‪،‬‬ ‫التي فازت بها �إيطاليا‪ ،‬كان ك�أ�س‬ ‫العامل قد �أجنز حت ّو ًال كام ً‬ ‫ال كان‬ ‫�أي�ض ًا ُمنفِ �س ًا ومطهر ًا مل�شاعر الأملان‪.‬‬ ‫وقد غادرت‪ ،‬مثل العديد من‬ ‫الزائرين‪ ،‬و�أنا �أ�شعر باحرتام‬ ‫متجدد لكيفية قيام �أملانيا ب�إعادة‬ ‫ّ‬ ‫�صنع نف�سها بعد ال�صدمات النف�سية‬

‫‪7‬‬


‫أخبار موجزة‬ ‫التي تعر�ضت لها يف املا�ضي القريب‪.‬‬ ‫ال �شيء بالت�أكيد ي�ضاهي‬ ‫الريا�ضة يف قدرتها على توحيد‬ ‫ُحرك‬ ‫املجتمعات والأمم؛ فهي امل ِّ‬ ‫للقوة الناعمة‪ ،‬وهذا هو �سبب‬ ‫احلما�س الكبري للحكومة‬ ‫الربيطانية جتاه احتماالت النجاح‬ ‫التي َتعِ ُد بها دورة لندن للألعاب‬ ‫الأوليمبية ابتدا ًء من ‪ 27‬يوليو‬ ‫وت�ستثمر فيها حتى يف زمن‬ ‫التق�شُّ ف واملحنة االقت�صادية‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫فيلم «دار الحي» للمخرج علي مصطفى‬

‫عد كرة القدم‬ ‫�صفر» ح�صلت على الأ�ضواء كلها يف‬ ‫وفوق كل �شيء‪ُ ،‬ت ّ‬ ‫ال�شكل الثقايف املُهيمِ ن يف‬ ‫مهرجانات الأفالم من بريوت وحتى‬ ‫ع�صرنا‪� ،‬أو اللغة امل�شرتكة‬ ‫�أبوظبي‪ .‬كما حظيت ال�سينما‬ ‫لعوملتنا‪ ،‬كما �سيكت�شف �شعب قطر الإيرانية هي الأخرى بعام ناجح؛‬ ‫قريب ًا ‪� -‬إن مل يكونوا يعرفون ذلك حيث ح�صل فيلم املخرج �أ�صغر‬ ‫بالفعل‪.‬‬ ‫فرهادي «انف�صال» على كل من‬ ‫جائزة الدب الذهبي يف مهرجان‬ ‫حرر صحيفة «نيو‬ ‫برلني وجائزة جولدن جلوب يف لو�س‬ ‫جايسون كاولي هو ُم ِّ‬ ‫وم ِّ‬ ‫ؤلف ُمذكّرات تحمل‬ ‫�أجنلو�س‪.‬‬ ‫ستيتسمان»‪ُ ،‬‬ ‫الحب‪ ،‬والموت‬ ‫عنوان «اللعبة األخيرة‪:‬‬ ‫اجلوائز والثناء الدويل ظهرت‬ ‫ّ‬ ‫وكرة القدم»‪.‬‬ ‫بوفرة على ما يبدو‪� ،‬إال �أن ال�صناعة‬ ‫ال تزال ت�صارع م�شاكل عانى منها‬ ‫منتجو الأفالم العرب تاريخي ًا؛ �إذ � َّأن‬ ‫املوزعني راغبون عن دفع املحتوى‬ ‫الإقليمي �إىل امل�شاهدين املحليني‪.‬‬ ‫والدليل موجود �أمام ناظري اجلميع‬ ‫يف منطقة اخلليج كل يوم خمي�س‬ ‫الذي يعد تقليدي ًا يوم ًا افتتاحي ًا‬ ‫للأفالم اجلديدة‪ :‬ويف هذا اليوم‬ ‫تظهر قوة امتيازات الأفالم‬ ‫الأمريكية ودفعها القوي للأفالم‬ ‫املحلية خارج دور العر�ض‪ .‬وتكرث‬ ‫االمتيازات املتعددة الطبقات‪ ،‬وهي‬ ‫عبارة عن �سل�سلة �أفالم جرى‬ ‫املزاوجة بينها وبني �سلع و�ألعاب‬ ‫فيديو يف �شباك التذاكر‪ .‬ومن‬ ‫املن�صف القول ب� ّأن العديد من‬ ‫الأفالم العربية تالقي قب ً‬ ‫وال �أكرب‬ ‫لدى اجلماهري الأوروبية‪.‬‬ ‫ويواجه منتجو الأفالم الذين‬ ‫ينتمون �إىل منطقة ال�شرق الأو�سط‬ ‫عوائق �أخرى ذات �صبغة م�ؤ�س�سية‬ ‫بدرجة �أكرب‪ .‬و�شهد ن�صف القرن‬ ‫الأخري �إفال�س العديد من ال�شركات‬ ‫الرائدة لإنتاج الأفالم‪ ،‬وهروب‬ ‫الفنيني املد ّربني مهني ًا �إىل �أوروبا‬ ‫و�أماكن �أخرى‪ ،‬ومنوذج توزيع‬ ‫منب�سط‪ ،‬وارتفاع يف معدل القر�صنة‬ ‫وتعد م�صر‬ ‫على �أعمالهم الفنية‪ّ .‬‬ ‫التي هي مبثابة معقل �صناعة‬ ‫ال�سينما يف املنطقة‪ ،‬منوذج ًا جيد ًا‬ ‫املجموعة املعتادة وهي‪« :‬هاري بوتر يثبت �صحة ذلك‪ .‬ففي �أيام جمدها‪،‬‬ ‫ومقد�سات املوت ‪ -‬اجلزء الثاين»‪،‬‬ ‫خالل �أربعينيات القرن الع�شرين‪،‬‬ ‫و«الهوبيت»‪ ،‬و«رجال �س ّريون‪ :‬الطبقة كانت هذه الدولة تنتج ‪ 80‬فيلم ًا يف‬ ‫الأوىل»‪ .‬وال يظهر �أي فيلم عربي ‪-‬‬ ‫العام‪ .‬ولكن هذا العدد انخف�ض‬ ‫�أو �أي فيلم غري ناطق بالإجنليزية‬ ‫بحلول الت�سعينيات لي�صل �إىل نحو‬ ‫�أ�صال ‪� -‬ضمن القائمة الكاملة‬ ‫‪ 15‬فيلم ًا‪ .‬ويف ال�سنوات الأخرية‪،‬‬ ‫لأف�ضل ‪ 25‬فيلم ًا‪.‬‬ ‫تزايدت �إنتاجية م�صر من الأفالم؛‬ ‫ال ميكن تف�سري غياب املحتوى‬ ‫حيث �أطلقت ‪ 64‬فيلم ًا يف عام‬ ‫ال�سينمائي من ال�شرق الأو�سط ب�أنه‬ ‫لكن منتجي الأفالم ال يزالون‬ ‫‪ّ ،2008‬‬ ‫راجع لتدين اجلودة؛ �إذ كان العام‬ ‫يعدون التوزيع والقر�صنة املحلية‬ ‫املن�صرم يف واقع الأمر عام ًا ممتاز ًا ك�أحد املع ّوقات الرئي�سية لنجاح‬ ‫ل�صناعة ال�سينما يف املنطقة‪ .‬ف�أفالم �صناعة ال�سينما‪.‬‬ ‫مثل فيلم «هلق لوين؟» للمخرجة‬ ‫ولهذا ال�سبب‪ ،‬حت َّول العديد من‬ ‫نادين لبكي ‪ ،‬و«حبيبي»‪ ،‬و«القطاع‬ ‫منتجي الأفالم العرب �إىل‬

‫فـيـلــم واعــد‬ ‫بقلم برهان وزير‬

‫في‬

‫هذه الأيام التي تت�سم‬ ‫احلي‪ ،‬والتحميل‬ ‫بالبث‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�شبه الفوري‪ ،‬وو�سائل‬ ‫التوا�صل االجتماعي املتغلغلة‪ ،‬تُظهر‬ ‫نظرة ق�صرية على الأفالم الأكرث‬ ‫م�شاهدة على موقع يوتيوب خالل‬ ‫العام ‪ 2011‬مدى هيمنة هوليوود‬ ‫بقدر ما تك�شف عن مدى نفوذ‬ ‫الأفالم غري الناطقة بالإجنليزية‪.‬‬ ‫وت�سرد قائمة الأفالم الع�شرة الأكرث‬ ‫م�شاهدة على هذا املوقع كل‬

‫الجوائز والثناء الدولي‬ ‫ظهرت بوفرة على ما‬ ‫يبدو‪ ،‬إال أن الصناعة ال‬ ‫تزال تصارع مشاكل‬ ‫عانى منها منتجو‬ ‫تاريخيا‬ ‫ً‬ ‫األفالم العرب‬ ‫حكوماتهم طلب ًا للتمويل‪ ،‬وهو ما م َّهد‬ ‫الطريق �إىل �صناعة ال�سينما احلالية‬ ‫الهادفة �إىل النفع العام ال �إىل‬ ‫الربح‪ .‬ويكمن احلل بالت�أكيد يف‬ ‫موقع �آخر؛ فبو�سع الدولة �أن تعمل‬ ‫كحا�ضنة لثقافة ال�سينما عرب توفري‬ ‫البنية التحتية الالزمة‪ ،‬والتدريب‬ ‫املحلي‪ ،‬واخلربة الثقافية‪ ،‬واحلوافز‬ ‫ت�سن‬ ‫املالية‪ .‬حتى �أنها ميكن �أن ّ‬ ‫ت�شريعات جديدة حازمة ملجابهة‬ ‫لكن احلكومات‪ ،‬حتى لو‬ ‫القر�صنة‪ّ .‬‬ ‫توفرت �أح�سن النوايا‪ ،‬ال متتلك �سوى‬ ‫قدر �ضئيل للغاية من الت�أثري على‬ ‫�أ�صحاب �صاالت العر�ض ال�سينمائي‪.‬‬ ‫وميكن �أن يوفر فيلم «دار احلي»‬ ‫للمخرج علي م�صطفى‪ ،‬وهو دراما‬ ‫متوا�ضعة تدور �أحداثها يف دبي‪،‬‬ ‫وحظي مب�شاهدة كبرية عقب‬ ‫�إطالقه يف عام ‪ ،2009‬مخُ طط ًا‬ ‫ل�صناعة �سينمائية �أكرث ا�ستدامة‪.‬‬ ‫وقد قاوم فيلم علي م�صطفى املم ّول‬ ‫ب�أموال عامة وخا�صة‪ ،‬واحلا�صل‬ ‫على ترويج ُم� ِّشوق عرب �شبكات‬ ‫التوا�صل االجتماعي‪ ،‬القاعدة التي‬ ‫تق�ضي بتحويل الأفالم اجلديدة �إىل‬ ‫�أقرا�ص دي يف دي ‪ DVD‬ب�شدة‪ .‬ويف‬ ‫نهاية الأ�سبوع االفتتاحي له‪ ،‬جمع‬ ‫الفيلم ن�صف مليون درهم �إماراتي‪.‬‬ ‫حمددات‬ ‫وكما هو احلال دائم ًا‪ ،‬ف�إن ّ‬ ‫جناح الفيلم ال�سينمائي تبقى‬ ‫واحدة‪ :‬عدد التذاكر ووزن الف�شار‬ ‫املُ َباع يف �شباك التذاكر‪.‬‬ ‫برهان وزير هو مدير تحرير في‬ ‫ومحرر سابق‬ ‫مؤسسة الدوحة لألفالم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لقسم «نهاية األسبوع» في صحيفة‬ ‫«ذي ناشونال» في أبوظبي‪.‬‬ ‫تستضيف مؤسسة الدوحة لألفالم‬ ‫قمة ‪ TEDx‬العالمية لعام ‪ 2012‬خالل‬ ‫الفترة ما بين ‪ 20-16‬أبريل‪.‬‬ ‫‪http://tedxsummit.ted.com‬‬ ‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫ال‬

‫ال‬

‫و‬

‫عوائ‬

‫نمية؟‬

‫يق الت‬

‫ـــــــــة‬ ‫ي طر‬

‫قية ف‬

‫ق حقي‬

‫ـمـــيــ‬

‫ـــتـــنــ‬ ‫لبيئية‬

‫اوف ا‬

‫ل المخ‬

‫ل تش ّك‬

‫ه‬

‫ـــبـــيــ‬

‫ـئـــــــــ‬

‫ـــــــــة‬

‫على خط المواجهة البيئية ص ‪ / 10‬ما بعد نضوب الغاز ص ‪ / 16‬ورثة اللؤلؤ ص ‪/ 20‬‬ ‫مدينة الدوحة بمنظور جديد ص ‪ / 22‬التكلفة الخفيّ ة للمياه ص ‪ / 24‬هل يمكن للطاقة‬ ‫النووية أن تنقذ العالم؟ ص ‪ / 29‬لماذا ال تجعلنا األسلحة النووية أكثر أمناً ؟ ص ‪32‬‬


‫البيئة‬

‫و‬

‫التنمية‬

‫دراسة حالة جزر المالديف‬

‫إن جزر المالديف‬ ‫قال رئيس المالديف األسبق‪ ،‬محمد نشيد‪ّ ،‬‬ ‫أن ارتفاعاً في درجات‬ ‫عرضة لألذى نتيجة للتغيّ ر المناخي لدرجة ّ‬ ‫الحرارة مقداره درجتين مئويتين من شأنه أن «يقضي» على‬ ‫بالده‪ .‬فهل يمكن للتكنولوجيا الصديقة للبيئة أن تُ نقذ هذه‬ ‫الدولة ‪ -‬الجزيرة وأن تجعل منها نموذجاً يُ حتذى لبقية دول العالم؟‬

‫‪10‬‬

‫على خط المــــواجهة البيئية‬ ‫في‬

‫�أكتوبر ‪ ،2009‬عندما قام رئي�س‬ ‫جزر املالديف الأ�سبق ‪ ،‬حممد‬ ‫ن�شيد ‪ -‬ذلك ال�شخ�ص �صغري‬ ‫البنية وقوي التعبري يف الوقت‬ ‫نف�سه ‪ -‬بعقد اجتماع ملجل�س وزرائه حتت املاء‪ ،‬كان‬ ‫وزرا�ؤه يرتدون الأقنعة وبذالت الغط�س و�أ�سطوانات الهواء‬ ‫م�شدودة �إىل ظهورهم‪ ،‬فجاء منظرهم �أخَّ اذ ًا وم�ؤثر ًا‪.‬‬ ‫قَذَ ف هذا الأمر مبحمد ن�شيد �إىل م�سرح االهتمام‬ ‫العاملي‪ ،‬وجعل من املالديف املثال الأكرث تط ّرف ًا للخطر‬ ‫البيئي‪.‬‬ ‫ومنذ ذلك احلني‪ ،‬مل يعد �سكان جزر املالديف‬ ‫يح�صون عدد املرات التي �أخربتهم فيها و�سائل الإعالم‬ ‫العاملية ب� ّأن جزرهم �آخذة يف الغرق‪ ،‬و�أنّهم يقومون ب�شراء‬ ‫�أرا�ض يف �أ�سرتاليا لإعادة توطني �أنف�سهم فيها بحلول عام‬ ‫‪ ،2100‬و� ّأن العامل املتقدم ُملزَ م �أخالقي ًا بدفع الفاتورة‬ ‫الناجمة عن غرق جزر هذه الدولة ال�صغرية‪.‬‬

‫صورة جوية لمالي عاصمة‬ ‫المالديف‪ .‬رغم حجمها الصغير‬ ‫قليال عن‬ ‫ً‬ ‫نسبياً الذي يزيد‬ ‫كيلومترين مربعين‪ ،‬تشهد مالي‬ ‫متواصال نظراً لهجرة‬ ‫ً‬ ‫نمواً‬ ‫السكان من الجزر الخارجية باتجاه‬ ‫العاصمة‬

‫بقلم ج‪.‬ج‪ .‬روبنسون‬

‫للتغي‬ ‫خالل منتدى الدول ال ُع ْر َ�ضة للأذى نتيجة رّ‬ ‫املناخي‪ ،‬وبعد مرور �شهر على ذلك االجتماع حتت املاء‬ ‫الذي اكت�سب �شهرة عاملية‪ ،‬قال ن�شيد‪�« :‬إن التغري املناخي‬ ‫فعلي وو�شيك‬ ‫لي�س خطر ًا بعيد ًا �أو جم ّرد ًا‪ ،‬بل هو خطر ّ‬ ‫هدد بقاءنا‪ .‬لي�ست الدول النامية هي امل�س ّببة للأزمة‬ ‫ُي ّ‬ ‫املناخية‪ .‬نحن ل�سنا م�س�ؤولني عن مئات ال�سنوات من‬ ‫لكن‬ ‫انبعاثات الكربون التي تق�ضي على كوكبنا تدريجي ًا‪ّ .‬‬ ‫التغي املناخي على بلداننا يعني �أن‬ ‫اخلطر الذي ي�شكله رّ‬ ‫هذه الأزمة ال ميكن اعتبارها بعد الآن م�شكلة الغري»‪.‬‬ ‫تخ�ص ن�شيد‬ ‫يف الوقت احلايل‪ ،‬مل تعد هذه امل�شكلة‬ ‫ّ‬ ‫مت خلعه من‬ ‫نف�سه باملعنى الدقيق للكلمة؛ وذلك بعد �أن ّ‬ ‫من�صبه يف ‪ 7‬فرباير حتت تهديد ال�سالح من قبل �أعوان‬ ‫الديكتاتور ال�سابق م�أمون عبد القيوم‪ .‬وبعد االنقالب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫أبريل ‪2012‬‬

‫تقلّد نائبه‪ ،‬حممد وديد‪ ،‬من�صب الرئي�س خلف ًا له‪ .‬ولكن‬ ‫�إن �صدقت الوعود وجرى تنظيم انتخابات يف وقت قريب‪،‬‬ ‫�سدة الرئا�سة‬ ‫فما من �شك يف �أن ن�شيد �سيعود �إىل ّ‬ ‫وي�ست�أنف تنفيذ برناجمه املتميز‪.‬‬ ‫�أ�سهم حديث ن�شيد الوا�ضح والب�سيط وا�ستعداده ‪-‬‬ ‫رغم احلجم ال�صغري لدولته ‪ -‬لتخطي ال�شكليات‬ ‫الدبلوما�سية يف �سرعة تق ّبل املجتمع الدويل له كرمز‬ ‫�شاب ويافع يتمتع بالكاريزما يف الن�ضال من �أجل تفادي‬ ‫كارثة بيئية‪ .‬و�إذا كان نائب الرئي�س الأمريكي ال�سابق‪� ،‬آل‬ ‫غور‪ ،‬قد �أو�ضح للجماهري مدى احلاجة �إىل اتخاذ‬ ‫خطوات حيال التغري املناخي من خالل فيلمه «حقيقة‬ ‫ُمقلقة»‪ ،‬ف�إن ن�شيد قد مثَّلَ الطاقة والإرادة ال�سيا�سية‬ ‫لتحقيق هذا الأمر فعلي ًا‪.‬‬ ‫ويف هذا ال�سياق‪ ،‬يت�ساءل ن�شيد قائ ً‬ ‫ال‪�« :‬إذا مل نتمكن‬ ‫من وقف ارتفاع م�ستوى مياه البحر‪ ،‬و�إذا قبلتم بارتفاع‬ ‫يف درجات احلرارة مقداره درجتني مئويتني‪ ،‬ف�إنكم يف‬

‫الواقع توافقون على قتلنا‪ .‬ما مغزى تبنِّي نظام‬ ‫دميقراطي �إذا مل يكن لديك دولة يف املقام الأول؟» جاء‬ ‫عر�ض قريب ًا بعنوان‬ ‫ذلك يف الفيلم الوثائقي الذي �س ُي َ‬ ‫«رئي�س اجلزيرة»‪ ،‬وفيه متابعة للجهود التي بذلها ن�شيد‬ ‫وراء الكوالي�س يف �سعيه النتزاع �إجماع من قادة العامل يف‬ ‫قمة املناخ التي انعقدت بكوبنهاجن يف عام ‪.2010‬‬ ‫جذب االهتمام الخارجي‬

‫وقد �أ ّدى �إعالنه الطموح عن �أن جزر املالديف �ستحقق‬ ‫التعادلية يف ما يتعلق بانبعاثات غاز ثاين �أك�سيد الكربون‬ ‫بحلول عام ‪ ،2020‬م�صحوب ًا بال�صور الدرامية للرئي�س‬ ‫املرتدي حلّة وهو يجل�س على مكتبه الواقع يف بحرية‬ ‫ا�ستوائية �ضحلة‪ ،‬واملياه ت�صل حتى و�سطه‪� ،‬إىل تركيز‬ ‫هائل من و�سائل الإعالم على جزر املالديف‪ .‬ويبدو يف‬ ‫الواقع �أنها قد �أ�صبحت درا�سة احلالة الأ�سا�سية يف‬ ‫اجلدل الدائر حول كيفية حتقيق التنمية جنب ًا �إىل جنب‬


‫البيئة‬

‫و‬

‫التنمية‬

‫دراسة حالة جزر المالديف‬

‫‪12‬‬

‫مع احلفاظ على البيئة؛ لأنه �إذا مل ي�سر هذا العمل‬ ‫الهادف �إىل حتقيق التوازن على ما ُي َرام‪ ،‬فمن املمكن‬ ‫لهذه الدولة �أن تزول من الوجود‪.‬‬ ‫على امل�ستوى الداخلي‪ ،‬جذبت �شهرة ن�شيد الدولية‬ ‫التي بلغت عنان ال�سماء اهتمام ًا خارجي ًا �سمح له‬ ‫باجتذاب اجلهات املانحة عرب متويل دويل ثنائي‪،‬‬ ‫و�ساعده على دعم حواجزه ال�سيا�سية غري امل�ستقرة ‪-‬‬ ‫على الأقل حتى انقالب �شهر فرباير املا�ضي‪ .‬لكن‬ ‫جمهورية املالديف‪ ،‬فيما ال يبدو للعيان‪ ،‬بعدد �سكانها‬ ‫الذي يبلغ ‪� 350‬ألف ن�سمة‪ ،‬تظل دولة ذات مفارقات‬ ‫جل َّية ‪ -‬لي�س �أقلها ما يتعلق ببيئتها‪.‬‬ ‫وخالل زيارة وفد �إغاثي دامناركي جلزر املالديف يف‬ ‫�أواخر عام ‪ 2010‬للإعالن عن مبادرات �سريعة لدعم‬ ‫اجلهود الرامية للتخفيف من وط�أة التغري املناخي‬ ‫والتكيف معه‪ ،‬على خلفية �أداء الرئي�س ن�شيد يف قمة‬ ‫املناخ بكوبنهاجن‪ ،‬واجه هذا الوفد �إحدى هذه‬ ‫املتناق�ضات‪ :‬ماذا تفعل دولة تغطي املياه ن�سبة ‪ 99‬يف‬ ‫املائة من �أرا�ضيها مبخلّفاتها‪ ،‬غري �أن تقوم بحرقها؟ وقد‬ ‫ارت�سمت مالمح الده�شة وعدم االرتياح على وجه وزيرة‬ ‫املناخ الدامناركية الدكتورة ليكه فري�س لدى ر�ؤيتها‬ ‫للأكيا�س البال�ستيكية‪ ،‬والزجاجات الفارغة‪ ،‬و�إطارات‬ ‫ال�سيارات املتناثرة على طول �شاطىء جزيرة ثيندهوو ‪ -‬وهي‬ ‫جزيرة كبرية م�أهولة بال�سكان يف جنوب املالديف ‪ -‬الذي‬ ‫كان من املمكن �أن يحافظ على نقائه الأ�صلي لوال ذلك‪،‬‬ ‫ف�س�ألت �أحد املرا�سلني املحليني‪ ،‬ما �أن متكنت من الإفالت‬ ‫لربهة وجيزة من املراقبة‪ ،‬قائلة‪« :‬هل الو�ضع م�شابه‬ ‫لذلك على كافة اجلزر الأخرى؟»‬ ‫قامت �أطراف عديدة‪ ،‬مبا يف ذلك االحتاد الأوروبي‬ ‫وال�صليب الأحمر‪ ،‬ب�إن�شاء مراكز لإدارة املخلفات‬ ‫ومبادرات لإعادة التدوير على ‪ 74‬جزيرة بتكلفة بلغت‬ ‫ماليني الدوالرات‪ .‬لكن العديد منها ال تزال دون تفعيل‬ ‫بعد �سقوطها �ضحايا للثقافة والعادات املوروثة؛ فال عجب‬ ‫�أن كلمة «غوندو دهوه» التي تعني «�شاطئ» يف لغة‬ ‫كب القمامة»‪.‬‬ ‫الديفيهي املحلية تعني �أي�ض ًا َ‬ ‫«م ّ‬ ‫بيد �أن ثمة ارتباط وثيق بني حالة البيئة يف جزر‬ ‫املالديف و�صناعة ال�سياحة التي يبلغ حجمها ثالثة‬ ‫مليارات من الدوالرات؛ حيث يتدفق ال�سياح على جزر‬ ‫املالديف بغية اال�ستمتاع بهذه ال�شواطئ نف�سها‪ ،‬وتدعم‬ ‫نفقاتهم املالية فيها ‪ 70‬يف املائة من اقت�صاد البالد‪ .‬يف‬ ‫عام ‪ ،2011‬بلغ عدد ال�سياح ‪� 800‬ألف م�سجال معدل منو‬ ‫يتجاوز ‪ 17‬يف املائة‪ .‬وتتوقع �سلطات ال�سياحة الرتحيب‬ ‫بال�سائح ال�سنوي رقم مليون يف عام ‪ .2012‬ووفق ًا ملنظمة‬ ‫بلوبي�س غري احلكومية التي تتخذ من جزر املالديف مقر ًا‬ ‫لها‪ ،‬ف�إن كل نزيل لواحد من املنتجعات املائة الفخمة‬ ‫املنعزلة يرتك وراءه ‪ 7.2‬كجم من املخلفات يف اليوم‬ ‫الواحد‪ ،‬مقارنة مبقدار ‪ 0.66‬كجم الذي يخلفه �أحد‬ ‫ال�سكان املحليني للجزيرة‪ .‬ويخلف كل فرد من �سكان‬ ‫العا�صمة مايل‪ ،‬والبالغ عددهم ‪� 110‬ألف ن�سمة‬ ‫(املتكد�سون على م�ساحة ‪ 2.2‬كم مربع‪ ،‬وهي بذلك‬ ‫ّ‬ ‫م�ساحة الأر�ض الأعلى من حيث كثافة ال�سكان على �سطح‬ ‫الكوكب ب�أ�سره) ما قدره ‪ 2.8‬كجم من املخلفات‪ .‬ويف‬ ‫املجمل‪ ،‬يتخلف عن ال�سياح و�سكان املناطق احل�ضرية‬ ‫و�سكان اجلزر مقدار ًا �سنوي ًا يبلغ مئتي �ألف طن يجب‬ ‫التخل�ص منه يف دولة متتلك �أقل من ‪ 300‬كم مربع من‬ ‫الأرا�ضي القابلة لال�ستخدام‪.‬‬

‫حتت �أر�صفة املنتجعات البحرية �صارت متثل الآن منظر ًا‬ ‫ُمقلق ًا لل�سياح القادمني‪.‬‬

‫في ظل المحدودية البالغة للبدائل‪،‬‬ ‫فإن البيئة في جزر المالديف هي‬ ‫االقتصاد بعينه ‪ -‬أو على األقل تمثّ ل‬ ‫نسبة ‪ 89‬في المائة منه‬ ‫تتلقّى جزيرة ثيالفو�شي ‪ -‬املعروفة حملي ًا با�سم‬ ‫«جزيرة القمامة» ‪ -‬قدر ًا كبري ًا من خملفات هذه الدولة‪.‬‬ ‫وي�ؤدي حرق القمامة �إىل تك ّون �سحابة دائمة من الدخان‬ ‫الأ�سود ميكن ر�ؤيته من العا�صمة مايل حيث يكاد ال يكون‬ ‫هناك �أية جهود لإعادة التدوير‪ ،‬مما يجعل جبال‬ ‫الزجاجات البال�ستيكية وبطاريات ال�سيارات امللقاة التي‬ ‫حتتوي عليها هذه اجلزيرة مق�صد ًا مف�ض ً‬ ‫ال لطواقم‬ ‫الأفالم بعد تباين مرئي �صارخ مع املنتجعات النظيفة‬ ‫وتعد �إدارة املخلفات بال ريب م�شكلة غري جذابة‬ ‫متام ًا‪ّ .‬‬ ‫باملقارنة بالتهديد الوجودي املتمثّل يف ارتفاع م�ستوى‬ ‫�سطح البحر يف دولة تقع �أعلى من �سطح املحيط الهندي‬ ‫مبرت واحد ون�صف املرت‪ .‬لكن هذا لي�س �سوى مثال واحد‬ ‫يو�ضح كيف �أ�صبحت الإدارة امل�ستدامة للبيئة �ضرورة‬ ‫ّ‬ ‫اقت�صادية يف دولة تعتمد على ال�سياحة ب�شكل كبري‪ .‬ومع‬ ‫عدم امتالكها لأية �صناعات ثقيلة‪ ،‬و�ض�آلة مواردها‬ ‫الطبيعية‪ ،‬وندرة الأر�ض غري امل�ستغلة التي ميكن‬ ‫ا�ستخدامها يف الزراعة‪ ،‬وتناق�ص ح�صيلة �صيد �أ�سماك‬ ‫التونة‪ ،‬تعتمد هذه الدولة على جاذبية جمالها الطبيعي‬ ‫وعلى تنوعها احليوي‪ .‬قد يتغا�ضى ال�سياح الأثرياء عن‬ ‫قناديل البحر التي تقذف بها مياه البحر على ال�شاطئ‪،‬‬ ‫لكن ر�ؤيتهم حلفا�ضات الأطفال امل�ستخدمة على ال�شاطئ‬ ‫حتم ًا �ستجعلهم يختارون وجهة �أخرى‪.‬‬ ‫ويف ظل املحدودية البالغة للبدائل‪ ،‬ت�شكل البيئة يف‬ ‫جزر املالديف االقت�صاد بعينه ‪� -‬أو على الأقل متثل ن�سبة‬ ‫‪ 89‬يف املائة منه‪ ،‬وفق ًا لإحدى الدرا�سات املحلية‪ ،‬التي‬ ‫حتمل عنوان‪ :‬اقت�صاديات التنوع احليوي‪ .‬وجتعل مثل‬ ‫هذه الأرقام مبادرات مثل حظر �صيد �أ�سماك القر�ش‬ ‫للح�صول على زعانفها م�س�ألة �سهلة‪ .‬ووفق ًا للدرا�سة‪،‬‬ ‫بلغت قيمة زعانف �أ�سماك القر�ش املجففة يف عام ‪2006‬‬ ‫وامل�صدرة من كافة جزر املالديف ‪� 156‬ألف دوالر‪ ،‬مت‬ ‫ّ‬ ‫ت�صدير معظمها �إىل الأ�سواق ال�صينية‪ .‬ويف ذلك العام‬ ‫نف�سه‪ ،‬بلغت عائدات مراكز الغط�س يف باء �أتول ‪ -‬وهي‬ ‫واحدة من ‪ 26‬مركزا مماثال يف جزر املالديف ‪2.3 -‬‬ ‫مليون دوالر‪ ،‬وفيما كانت �أ�سماك القر�ش امل�ساملة ذات‬ ‫الزعانف البي�ضاء وال�سوداء التي تعي�ش بني ال�شعاب‬ ‫املرجانية‪� ،‬أحد عوامل اجلذب الرئي�سية‪ .‬ويف ال�سنوات‬ ‫الأخرية‪� ،‬أدى هذا االرتباط املثمر بني املكا�سب البيئية‬ ‫واملنفعة االقت�صادية �إىل فر�ض حظر كامل على �صيد‬ ‫�أ�سماك القر�ش للح�صول على زعانفها‪ ،‬و�إىل حدوث منو‬ ‫هائل يف �أعداد هذه الأ�سماك لدرجة �أن ال�سرب املك ّون‬ ‫من ‪ 40- 30‬من هذه الأ�سماك التي ال تكف عن الدوران‬

‫االستثمار أو الغرق‬

‫برغم التح ّول ال�سيا�سي ال�سلمي بعد �أول انتخابات‬ ‫دميقراطية ت�شهدها هذه الدولة على الإطالق يف العام‬ ‫‪ ،2008‬و�صلت حكومة الرئي�س ن�شيد �إىل احلكم لتجد‬ ‫اخلزانة الوطنية فارغة‪ ،‬يف حني كانت املطبعة التي تقوم‬ ‫بطباعة العملة قد توقفت عن العمل للت ّو‪ .‬ويف هوجة‬ ‫ق�صرية من الإنفاق جرت قبل االنتخابات‪ ،‬ت�س ّبب �سلفه‬ ‫(الذي حكم البالد بقب�ضة حديدية على مدى ثالثة‬ ‫عقود) يف زيادة عجز املوازنة لي�صل �إىل ‪ 33‬يف املائة‪،‬‬ ‫على خلفية زيادة يف حجم الإنفاق على اخلدمات املدنية‬ ‫بلغت قيمتها ‪ 400‬يف املائة منذ العام ‪ .2004‬وقد ت�ضاعف‬ ‫�إنفاق �إدارته لي�صل �إىل ‪ 60‬يف املائة من �إجمايل الناجت‬ ‫املحلي بحلول عام ‪ .2006‬ويف ذروة هذه الفورة‪ ،‬كان ‪11‬‬ ‫يف املائة من ال�سكان موظفني يف احلكومة ‪ -‬ويتم متويل‬ ‫رواتبهم عرب طباعة فئات كبرية من العمالت الورقية‬ ‫املحلية‪.‬‬ ‫ونظر ًا ملنعها �سيا�سي ًا من تخفي�ض حجم الإنفاق‬ ‫احلكومي (ففي حني فاز ن�شيد مبن�صب الرئي�س‪ ،‬ال يزال‬ ‫حزب �سلفه م�سيطر ًا على الربملان)‪ ،‬واقت�صار م�صادر‬ ‫التمويل على نظام عتيق من ال�ضرائب املفرو�ضة على‬ ‫� ِأ�س َّرة ال�سياح‪ ،‬والر�سوم املفرو�ضة على الواردات‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل احلاجة لتمويل الأدوات اجلديدة‬ ‫للدميقراطية ‪� -‬ستة جلان م�ستقلة وطبقة جديدة متام ًا‬ ‫من موظفي احلكومة املحلية ‪ -‬ا�ضطرت احلكومة �إىل مد‬ ‫يدها �إىل املجتمع الدويل‪.‬‬ ‫كان الدعم الذي تلقّته هذه الدميقراطية الإ�سالمية‬ ‫احلديثة الن�ش�أة وذات املوقع اال�سرتاتيجي �سخي ًا و�سريع ًا؛‬ ‫فقد بلغ حجم امل�ساعدات التي تع ّهد املانحون بتقدميها‬ ‫بعد م�ؤمتر لهم جرى عقده يف فرباير ‪ 2010‬ما قيمته‬ ‫‪ 487‬مليون دوالر �أمريكي‪ ،‬وفق ًا لوزارة اخلارجية بجزر‬ ‫املالديف‪ .‬لكن وبالرغم من حالة عدم اال�ستقرار‬ ‫ال�سيا�سي واالقت�صادي‪� ،‬أدت زيادة مطَّ ردة يف عائدات‬

‫مستوى سطح البحر في المالديف‬

‫‪ 7٫2‬كجم‬

‫كمية المخلفات‬ ‫الناجمة عن كل زائر‬ ‫في اليوم الواحد‬

‫‪ 800‬ألف‬

‫زائر في عام ‪2011‬‬

‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫التأثير المتوقع لتغير مستوى سطح‬ ‫البحر منذ العام ‪ 1900‬على األرخبيل‬ ‫ارتفاع مستوى‬ ‫سطح البحر (سم)‬

‫‪250‬‬

‫‪( 2099‬توقعات مرتفعة) ‪218.5+‬سم‬

‫‪200‬‬ ‫‪150‬‬

‫متوسط ارتفاع المالديف فوق مستوى‬

‫‪100‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪0‬‬

‫‪( 2099‬توقعات منخفضة) ‪74.5+‬سم‬ ‫‪1900‬‬

‫سطح البحر (الحالي) ‪150‬سم‬

‫‪18.5+ 2000‬سم‬

‫المصدر‪ :‬اإلدارة الدائمة لمتوسط مستوى سطح البحر ‪ -‬المجلس القومي األمريكي لألبحاث‪2010 ،‬‬

‫أبريل ‪2012‬‬

‫ال�سياحة �إىل حت ُّول املالديف يف يناير ‪� 2011‬إىل واحدة‬ ‫من �أربع دول فقط متكنت من االرتقاء وجتاوز مرتبة‬ ‫الدول الأقل تنمية كما تع ّرفها منظمة الأمم املتحدة‪ .‬لكن‬ ‫حد‬ ‫ّ‬ ‫التقدم الر�سمي نحو م�ستوى «الدول املتو�سطة الدخل» َّ‬ ‫من القدرة ال�سابقة لهذه الدولة على احل�صول على‬ ‫قرو�ض منخف�ضة الفائدة‪ ،‬و�أنهى بع�ض ًا من االمتيازات‬ ‫التجارية‪ ،‬وخلق انطباع ًا بوجود دول �أخرى �أكرث حاجة‬ ‫لتلك امل�ساعدات منها‪.‬‬ ‫تغيت نربة اجلدل البيئي على نحو ملحوظ يف‬ ‫وقد رّ‬ ‫جزر املالديف يف �أعقاب الرتقّي �إىل مرتبة الدول‬ ‫تغيت خطابات ن�شيد؛ حيث مت‬ ‫املتو�سطة الدخل‪ ،‬كما رّ‬ ‫التخفيف من لهجة اخلطابات الر�سمية احلادة حول‬ ‫التهديد الوجودي الذي ميثله ارتفاع م�ستوى �سطح البحر‪،‬‬ ‫مع حت ّول الرتكيز �إىل جذب اال�ستثمارات الأجنبية‪ .‬ويف‬ ‫�شهر �أكتوبر املا�ضي‪ ،‬قال ن�شيد خالل مرا�سم تد�شني‬ ‫م�شروع لتحلية مياه البحر بتمويل �أمريكي قيمته ‪7.1‬‬ ‫مليون دوالر �سينفّذ على جزر عديدة �أدى فيها تغلغل املياه‬ ‫املاحلة يف ال�صفيحة املائية �إىل تلويث الآبار‪« :‬يجب �أن‬ ‫نتمكن من الوقوف على قدمينا‪ ،‬وعلينا �أن نفر�ض‬ ‫ال�ضرائب على اقت�صادنا‪ ،‬ومن ثم �إعالة �أنف�سنا‪ .‬نحن‬ ‫دولة متو�سطة الدخل ولي�س من الأخالقي �أن نطلب‬ ‫الهبات دوم ًا‪ ،‬يف الوقت الذي يوجد فيه العديد من الدول‬ ‫الأخرى التي تعد �أكرث فقر ًا بكثري منا»‪ .‬وب�س�ؤاله عما‬ ‫�سيجعل ال�شركات الأجنبية ترغب يف اال�ستثمار يف بلد‬ ‫�سرعان ما �ستغمره املياه‪ ،‬كانت �إجابة الرئي�س ن�شيد‬ ‫موجزة‪« :‬ا�ستم ّر بال�شراء حتى نفاد املخزون»‪.‬‬ ‫ويف غ�ضون ذلك‪ ،‬انتهزت املجموعة ال�سيا�سية للرئي�س‬ ‫ال�سابق عبد القيوم �أي حزب املالديف التقدمي‪ ،‬الفر�صة‬ ‫لتقدمي اقرتاح �إىل الربملان بزعم �أن موقف ن�شيد‪ ،‬الذي‬ ‫«يبث اخلوف يف‬ ‫التغي املناخي ّ‬ ‫كان رئي�س ًا وقتها‪ ،‬حيال رّ‬ ‫قلوب ال�سياح الذين يزورون جزر املالديف» و «يغلق‬ ‫الأبواب يف وجه اال�ستثمارات الأجنبية»‪ ،‬بل وطالبوه ب�أن‬ ‫«يتوقف عن الت�ضحية بالأمة ومبواطنيها يف خالل �سعيه‬ ‫للفوز بجوائز دولية �شخ�صية»‪.‬‬ ‫لكن ثمة اختالف حول ما �إذا كان التهديد الناجم عن‬ ‫ارتفاع مياه البحر يث ّبط بالفعل من همة �أ�صحاب‬ ‫امل�شروعات التنموية املحتملني؛ �إذ يتوقع �أن تكتمل يف عام‬ ‫‪ 2014‬عملية اال�ستثمار الأجنبي الأ�ضخم يف تاريخ جزر‬ ‫املالديف‪� ،‬أال وهي عملية حتديث مطار �إبراهيم نا�صر‬ ‫الدويل‪ ،‬والتي تنفذها �شركة جي‪� .‬إم‪� .‬آر الهندية‬ ‫العمالقة املتخ�ص�صة يف من�ش�آت البنية التحتية بتكلفة‬ ‫‪ 400‬مليون دوالر‪ ،‬حيث �ستقوم �شركة جي‪� .‬إم‪� .‬آر بت�شغيل‬ ‫املطار اجلديد مبوجب امتياز ت�صل مدته �إىل ‪ 25‬عام ًا‪.‬‬ ‫ويف هذا ال�سياق‪ ،‬قال �أندرو هاري�سون‪ ،‬الرئي�س‬ ‫التنفيذي للمطار اجلديد‪« :‬عندما انخرطنا يف عملية‬ ‫تقدمي العطاءات‪ ،‬قمنا باال�ستعانة بثالث �شركات رائدة‬ ‫حتتل مكانة متقدمة يف حتليل الن�شاط اجليوفيزيائي‬ ‫والتغي املناخي وت�أثري ارتفاع م�ستوى مياه �سطح البحر‪.‬‬ ‫رّ‬ ‫وما ميكننا قوله لكم الآن هو �أن خطورة ارتفاع م�ستوى‬ ‫مياه �سطح البحر بحيث ت�صري �أعلى من الياب�سة تعد‬ ‫منخف�ضة للغاية‪ ،‬لدرجة �أنه ال يتم حتى �أخذها بعني‬ ‫االعتبار عند حتديد �أق�ساط الت�أمني التي تدفعها جزر‬ ‫املالديف‪ .‬وتتمتع �شركات الت�أمني ب�سمعة �سيئة لكونها‬ ‫ت�أخذ بعني االعتبار حتى املخاطر التي ال ميكن ت�صور‬ ‫حدوثها‪ ،‬ولذلك ب�إمكاين �أن �أخربكم ب�أنه �إذا مل ت�أخذ �أية‬

‫‪13‬‬


‫البيئة‬

‫و‬

‫التنمية‬

‫دراسة حالة جزر المالديف‬

‫�شركة ت�أمني هذا الأمر بعني االعتبار يف �أي من بوال�ص‬ ‫الت�أمني التي تقدمها جلزر املالديف‪ ،‬فنحن على ثقة من‬ ‫�أن اخلطورة منخف�ضة للغاية»‪.‬‬ ‫المشكلة الخفية‬

‫‪14‬‬

‫ي�ؤدي الرتكيز على م�ستويات �سطح البحر �إىل �صرف‬ ‫االنتباه عن امل�شكالت البيئية العديدة التي �صارت تهدد‬ ‫بيئة هذه الدولة واقت�صادها بالفعل؛ فال�شعاب املرجانية‬ ‫الفريوزية التي حتيط بالبحريات ال�ضحلة‪ ،‬الآخذ حجمها‬ ‫يف الت�ضا�ؤل على نحو خطري‪ ،‬والآخذة يف الرتاجع �إىل‬ ‫مياه املحيط الزرقاء العميقة‪ ،‬لي�ست جمرد عامل جذب‬ ‫لل�س َّياح وح�سب‪ ،‬فهي تعمل �أي�ض ًا على حماية اجلزر من‬ ‫الت�آكل‪ .‬وتعد ال�شعاب من بني �أكرث الأنظمة البيئية‬ ‫ح�سا�سية وقابلية للت�ض ّرر يف العامل‪ ،‬ومن املمكن �أن‬ ‫يت�سبب االرتفاع يف درجة حرارة مياه �سطح البحر لفرتات‬ ‫طويلة من الوقت يف طرد الطحالب املرتبطة معها بعالقة‬ ‫تكافلية ومتنحها لونها املميز‪ .‬وبدون هذه الطحالب‪ ،‬تفقد‬ ‫ال�شعاب املرجانية م�صدر غذائها تدريجي ًا �إىل �أن ينتهي‬ ‫الأمر مبوتها‪.‬‬ ‫ويتمخَّ �ض عن هذا الت�أثري «املب ّي�ض» هياكل ميتة من‬ ‫ال�شعاب املرجانية التي ال يزال من املمكن ا�ستخدامها‬ ‫كموئل من قِ َبل الأ�سماك‪ ،‬لكنها يف النهاية تتف ّتت وترتك‬ ‫جزيرتها دون حماية‪ ،‬مما �سي�ؤدي بب�ساطة �إىل غمر قطع‬ ‫الياب�سة �ضئيلة امل�ساحة التي قد تكون ال تزال موجودة‪.‬‬ ‫ويكون ت�أثري ذلك �أقل حدة من ارتفاع م�ستوى مياه �سطح‬ ‫البحر‪ ،‬لكنه ي�شبهه �إىل حد كبري‪ .‬وهذا الأمر �آخذ يف‬ ‫احلدوث بالفعل‪ :‬ففي عام ‪� ،1998‬أدى التبيي�ض الناجت‬ ‫عن ظاهرة النينيو �إىل هالك ما يزيد عن ‪ 90‬يف املائة‬ ‫من موائل ال�شعاب املرجانية املوجودة يف املياه ال�ضحلة‬ ‫بجزر املالديف؛ كما ت�س ّببت زيادة �أخرى لفرتة مط ّولة يف‬ ‫درجات حرارة مياه البحر خالل عام ‪ 2010‬يف مزيد من‬ ‫ال�ضغط على ال�شعاب املرجانية التي كانت قد بد�أت يف‬ ‫التعايف‪.‬‬ ‫ويف �أعقاب املوجة الثانية من ابي�ضا�ض ال�شعاب‬ ‫املرجانية‪� ،‬ص ّرح عامل الأحياء البحرية جاي �ستيفنز‬ ‫للموقع الإلكرتوين الإخباري املحلي امل�ستقل «مينيفان‬ ‫نيوز»‪ ،‬قائ ً‬ ‫ال‪« :‬يعد هذا من الأمور التي يبدو �أن املنتجعات‬ ‫ال ترغب يف الإعالن عنها‪ ،‬لكني �أعتقد �أنه من غري‬ ‫املجدي دفن ر�ؤو�سنا يف الرمال يف مكان لن يكون فيه‬ ‫م�ستقب ً‬ ‫ال �أي رمال لندفن ر�ؤو�سنا فيها»‪.‬‬ ‫وثمة ت�أثريات �أخرى تتعر�ض لها ال�شعاب املرجانية‪،‬‬ ‫وتعزى بدرجة �أكرب �إىل �أ�سباب حملية؛ فالعديد من املواد‬ ‫الكيميائية التي يتم �شرا�ؤها يف مايل‪ ،‬وت�ستخدمها‬ ‫املنتجعات لقتل البعو�ض‪ ،‬تُعد �سامة للغاية بالن�سبة للحياة‬ ‫املخ�صبات امل�ستخدمة‬ ‫املائية‪ .‬كما ميكن �أن تت�سرب‬ ‫ّ‬ ‫للزراعة يف الرتبة الرملية �إىل مياه البحر ومن ثم ت�ؤدي‬ ‫�إىل تناف�س الرباعم الطحلبية مع املرجان على احليز‬ ‫املكاين‪ ،‬وال�ضوء‪ ،‬واملغذيات‪ .‬وتت�سبب عمليات رفع الرمال‬ ‫من قاع البحر يف حدوث تر�سبات ميكن �أن تغطي ال�شعاب‬ ‫املرجانية عرب مناطق �شا�سعة وت�ؤدي �إىل اختناقها‪ .‬وحتى‬ ‫ت�شييد ر�صيف بحري قد ي�ؤول يف نهاية املطاف �إىل‬ ‫التعرية‪ ،‬ومن ثم �إعاقة التدفقات املائية‪ ،‬وحتويل م�سار‬ ‫احلركة املو�سمية للرمال‪ ،‬يف حني ميكن �أن يت�سبب بناء‬ ‫مرف�أ بحري يف اختفاء �شواطئ ب�أكملها على اجلانب‬ ‫الآخر من اجلزيرة‪.‬‬

‫وخالل العام املن�صرم‪� ،‬صارت املالديف تدعو بقوة‬ ‫�أكرب لتبني البدائل املتجددة للوقود احلفري؛ حيث قال‬ ‫ن�شيد يف ندوة �إيكولوجية ُعقِ َدت يف منتجع �سونيفا فو�شي‬ ‫يف �أكتوبر ‪« :2011‬نحتاج �إىل حتقيق التعادلية فيما يتعلق‬ ‫تغي مناخي؛‬ ‫بانبعاثات الكربون‪ ،‬حتى لو مل يكن هناك رّ‬ ‫لأن هذا بب�ساطة �أكرث جدوى من الناحية االقت�صادية»‪.‬‬ ‫«نحن نحاول حتقيق التعادلية فيما يتعلق بانبعاثات‬ ‫الكربون‪ ،‬لي�س العتقادنا ب�أننا �سنتمكن من �إنقاذ العامل‬ ‫�إذا ما جنحت جزر املالديف يف حتقيق ذلك؛ فنحن نعلم‬ ‫�أن انبعاثاتنا تكاد تكون ال تُذْ كَ ر باملقارنة مع دول �أخرى‪.‬‬ ‫ولكن �إذا متكّنا من تقدمي ا�سرتاتيجية تنموية تعتمد على‬ ‫تخفي�ض انبعاثات الكربون‪ ،‬وميكن ا�ستيعابها‪ ،‬ودرا�ستها‪،‬‬ ‫ومن ثم �إعادة تطبيقها يف �أماكن �أخرى‪ ،‬ف�سيمثّل هذا‬ ‫خطوة يف االجتاه ال�صحيح»‪.‬‬ ‫يتمثل �أحد �أكرب ال�ضغوط االقت�صادية على جزر‬ ‫املالديف يف اعتمادها على الواردات‪ ،‬خا�صة الوقود‬ ‫احلفري؛ حيث تك�شف وثائق اجلمارك لعام ‪� 2010‬أن‬ ‫جزر املالديف �أنفقت ما يزيد عن ‪ 245‬مليون دوالر‬ ‫�أمريكي على الوقود (مبا يف ذلك الديزل البحري الذي‬ ‫تعمل به ال�سفن‪ ،‬ووقود الطائرات‪ ،‬والربوبان‪ ،‬والبنزين)‬ ‫ما ميثل نحو ربع الناجت املحلي الإجمايل للبالد‪ ،‬وذلك‬ ‫وقت �أن كان �سعر برميل النفط ‪ 86‬دوالر ًا (قفزت‬ ‫الأ�سعار �إىل ‪ 127‬دوالر ًا للربميل يف �أبريل ‪.)2011‬‬ ‫مثل هذه االعتمادية جتعل املالديف عر�ضة ل�ضرر بالغ‬ ‫جراء حدوث �أدنى زيادة يف �أ�سعار النفط‪ ،‬وهو ما يحتمل‬ ‫�أن ي�ؤدي �إىل �إ�صابة �شبكات الكهرباء والنقل بال�شلل‪ ،‬وقد‬ ‫مت �إنفاق معظم هذا املبلغ (‪ 200‬مليون دوالر) على �شراء‬ ‫الديزل الذي تعمل به ال�سفن لت�شغيل قوارب هذه الدولة‪.‬‬

‫محمد نشيد ‪ -‬رئيس المالديف‬ ‫السابق (في الوسط) ‪ -‬مع محمد‬ ‫زياد ‪ -‬رئيس التشريفات (إلى‬ ‫اليمين) ‪ -‬في العاصمة مالي‬

‫لمحة عن الكاتب‬

‫محرر‬ ‫ّ‬ ‫ج‪ .‬ج‪ .‬روبنسون هو‬ ‫موقع «مينيفان نيوز»‪ ،‬أهم‬ ‫موقع إلكتروني إخباري‬ ‫مستقل باللغة اإلنجليزية‬ ‫في جزر المالديف‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫أبريل ‪2012‬‬

‫وفيما خال العودة �إىل الإبحار بالقوارب ال�شراعية للتقليل التكنولوجيا لتوفري ‪ 60‬يف املائة �إىل ‪ 80‬يف املائة من‬ ‫من هذه االنبعاثات‪ ،‬ال يبدو �أمام املالديف خيارات كثرية احتياجات البالد من الكهرباء بحلول عام ‪ .2020‬تبدو‬ ‫لتحقيق ذلك دون تعري�ض اقت�صادها للخطر ب�شكل كبري‪ .‬الأرقام جيدة على الورق‪ ،‬ومن خالل ت�سجيل مقدار‬ ‫وبد ًال من ذلك‪ ،‬فقد‬ ‫ان�صب الرتكيز على الرتويج للبالد الطلب اخلا�ص بجزيرة واحدة‪ ،‬وجد ماي�سون �أن تكلفة‬ ‫ّ‬ ‫كوجهة طبيعية ال�ستثمارات الطاقة املتجددة‪ ،‬وكنموذج‬ ‫توليد الكهرباء ال�شم�سية من �ألواح التوليد مبا�شرة عند‬ ‫�أويل ملا ميكن تطبيقه يف الدول النامية الأخرى‪ .‬وتقع‬ ‫منت�صف النهار كانت �أقل بكثري من تكلفة توليدها‬ ‫على عاتق م�ست�شار الدولة ل�ش�ؤون الطاقة‪ ،‬وهو مهند�س‬ ‫با�ستخدام حمطات الديزل احلالية‪ .‬بيد �أن امل�شكلة‬ ‫التعدين ال�سابق مايك ماي�سون‪ ،‬مهمة حتقيق الأهداف‬ ‫متثلت يف تخزين ما يكفي من الكهرباء لتلبية الطلب‬ ‫عليها لي ً‬ ‫املو�ضوعة للعام ‪.2020‬‬ ‫ال‪ ،‬لأن تكنولوجيا البطاريات املتاحة جتاري ًا‬ ‫وقد �شرع ماي�سون مبكر ًا يف �إقامة حجة اقت�صادية‬ ‫�سرعان ما رفعت ال�سعر �إىل م�ستويات �أعلى من التكلفة‬ ‫لتطوير م�صادر الطاقة املتجددة‪ ،‬والتي ترتكز على البنية احلالية للمحطات العاملة بالديزل‪ .‬ويف الوقت احلايل‪،‬‬ ‫احلالية لإنتاج الطاقة يف جزر املالديف‪ .‬وقد �أ�شار �إىل �أن ي�سعى ماي�سون ال�ستك�شاف كيفية خف�ض تلك التكلفة عرب‬ ‫البيانات املتوفرة «مقلقة حق ًا‪ :‬ففي �أف�ضل تقدير‪ ،‬يتكلف تقليل احلاجة �إىل التخزين‪ ،‬عن طريق ا�ستخدام �ألواح‬ ‫الأمر ‪� 29-28‬سنت ًا �أمريكي ًا لإنتاج كل كيلو واط‪� /‬ساعة‬ ‫متعقّبة تتبع م�سار ال�شم�س ك�أحد اخليارات املتاحة‪ ،‬نظر ًا‬ ‫من الطاقة؛ لكن يف �أعلى ميني ال�شكل البياين‪ ،‬يتكلف‬ ‫لأنها تطيل فرتة اال�ستخدام النهاري‪ ،‬مع العمل يف الوقت‬ ‫الأمر ‪� 77‬سنت ًا لكل كيلو واط‪� /‬ساعة‪ .‬وكل ما يزيد عن‬ ‫نف�سه على توليد �أكرب ح�صيلة ممكنة من كل لوح �شم�سي‪.‬‬ ‫وهناك مقرتح ثان يتمثل يف تقليل احلاجة �إىل‬ ‫‪� 29-28‬سنت ًا يف اجلزر الكبرية وعن ‪� 33-32‬سنت ًا يف‬ ‫ا�ستخدام الكهرباء يف التربيد‪ ،‬والتي مثلت ما ن�سبته ‪28‬‬ ‫اجلزر ال�صغرية هو جمرد �أموال يتم حرقها»‪ .‬وهذا‬ ‫يف املائة من متطلبات اجلزيرة من الطاقة التي در�سها‬ ‫باملقارنة مع تكلفة ال تزيد عن �أربعة �سنتات لكل كيلو‬ ‫ماي�سون‪ ،‬عرب ا�ستخدام �أق�صى �إنتاج للطاقة من الألواح‬ ‫واط‪� /‬ساعة من الكهرباء التي تولدها حمطات توليد‬ ‫ال�شم�سية خالل النهار‪ ،‬يف تربيد املياه نهار ًا وتخزينها‬ ‫الطاقة التقليدية الوا�سعة النطاق‪.‬‬ ‫حتت الأر�ض‪ ،‬ومن ثم ا�ستخدامها يف ت�شغيل مكيفات‬ ‫ويف هذا ال�سياق‪ ،‬قامت جزر املالديف با�ستك�شاف‬ ‫الهواء والربادات خالل الليل‪ .‬وتبدو مثل هذه التطبيقات‬ ‫�أ�شكال عديدة من الطاقة املتجددة‪ .‬وقد وافقت ال�شركة‬ ‫منطقية من املنظور التجاري يف جزر املالديف التي حتظى‬ ‫ال�صينية �إك�س‪� .‬إي‪� .‬إم‪� .‬سي اململوكة للدولة على بناء‬ ‫بكمية وفرية من �ضوء ال�شم�س ال�ساطع‪ ،‬مقارنة بتكلفة‬ ‫مزرعة لطاقة الرياح على مبعدة من ال�شاطئ لتوليد‬ ‫الطاقة الكهربية بقدرة ‪ 50‬ميجاواط‪ ،‬والتي ميكنها تلبية ت�شغيل مولدات الديزل يف و�سط املحيط الهندي‪ .‬ويف هذا‬ ‫احتياجات منطقة العا�صمة الكربى‪ ،‬لكن الرياح يف جزر ال�سياق‪ ،‬يقول ماي�سون �أنه يف بريطانيا �أو فرن�سا «�ستجعل‬ ‫الأرقام من ا�ستخدام مثل هذه التطبيقات �أمر ًا ب�سيط ًا»‪.‬‬ ‫املالديف لي�ست كافية لت�شغيل حمطة لتوليد الكهرباء‬ ‫�إن التحدي الذي تواجهه املالديف هائل؛ ف�سوف‬ ‫طوال ثمانية �أ�شهر يف العام‪ ،‬يف حني �أن حمطة التوليد‬ ‫تتكلف تغطية البالد ب�أكملها بالألواح ال�شم�سية نحو ‪� 2‬إىل‬ ‫االحتياطية املقرتحة‪ -‬والتي تعمل بالغاز امل َُ�سال وتبلغ‬ ‫طاقتها الإنتاجية ‪ 30‬ميجاواط‪� -‬ستنتج ما مقداره ‪ 92‬يف ‪ 3‬مليار دوالر �أمريكي‪ ،‬ي�أتي متويل ن�صفها تقريب ًا من‬ ‫املائة من االنبعاثات الناجتة عن مولدات الديزل احلالية‪ .‬قطاع ال�سياحة‪ .‬وقد الحظ العديد من املمولني املختلفني‬ ‫الـمنتجة لتطبيقات الطاقة ال�شم�سية‪ ،‬من‬ ‫وال�شركات ُ‬ ‫الطاقة من التيارات البحرية‬ ‫الذين ح�ضروا ندوة �سونيفا فو�شي‪� ،‬أن التكلفة قد بلغت‬ ‫�أجريت �أي�ض ًا درا�سة تكنولوجيا جديدة لتوليد الطاقة من «نقطة �سلبية حرجة»‪ ،‬حيث �أن حجم التكلفة كان كبري ًا‬ ‫التيارات البحرية‪ ،‬فقد قام فريق من جامعة روبرت‬ ‫للغاية بالن�سبة للم�ضاربني يف جمال اال�ستثمار‪ ،‬و�صغري ًا‬ ‫جوردون اال�سكتلندية ب�إعداد مناذج لعدد من القنوات‬ ‫جد ًا لكبار امل�ستثمرين يف جمال الطاقة‪ .‬واقرتح البع�ض‬ ‫املت�صلة باملحيط لتحديد موارد الطاقة القابلة‬ ‫�أن جزر املالديف ميكنها �أن ت�ستفيد ب�شكل جيد عرب تلبية‬ ‫لال�ستغالل‪ .‬ول�سوء احلظ ف� ّإن التح ّول الناجت عن الرياح‬ ‫حاجاتها هي والدول اجلزرية ال�صغرية الأخرى كحزمة‬ ‫املو�سمية يف التيارات البحرية يجعل معظم القنوات ذات واحدة‪ .‬وقد علّق ماي�سون على الأمر قائال‪« :‬عندما يتعلق‬ ‫قيمة هام�شية على مدى ن�صف العام‪ ،‬عندما ينعك�س‬ ‫الأمر بالطاقة املتجددة‪ ،‬ميكنك يف �أول يوم �أن ت�شرتي‬ ‫اجتاه التدفقات املائية‪ .‬و ُيجرى حالي ًا ا�ستك�شاف مدى‬ ‫من الكهرباء ما يلزم ل�سد حاجة ‪ 25‬عام ًا‪ .‬قد يكون هذا‬ ‫احتمالية جناح م�شروع يهدف �إىل �إن�شاء حمطة لتوليد ‪ 5‬الأمر �أرخ�ص تكلفة على املدى الطويل‪ ،‬لكنك ال تزال‬ ‫ميجاواط من الكهرباء با�ستخدام املخلفات يف جزيرة‬ ‫بحاجة �إىل امتالك ما يكفي من املال يف �أول يوم»‪.‬‬ ‫ثيالفو�شي‪ ،‬كما متت �أي�ض ًا جتربة اال�ستفادة من الطاقة‬ ‫وبو�ضع االعتبارات اللوج�ستية والتمويلية جانب ًا‪ ،‬ف� ّإن‬ ‫احلرارية للمحيط يف �سونيفا فو�شي‪ ،‬وجاءت النتائج‬ ‫جزر املالديف لديها من الإمكانيات ما ي�ؤهلها لأن ت�صبح‬ ‫مزيج ًا من النجاح والف�شل‪ .‬وقد متثّل الهدف من هذه‬ ‫رمز ًا قوي ًا لتبنّي الطاقة املتجددة �إذا ما �أمكنها �إمتام‬ ‫التجربة يف ا�ستخدام املياه الباردة امل�سحوبة من عمق‬ ‫عملية التح ّول �إىل ا�ستخدام الطاقة ال�شم�سية بنجاح‪.‬‬ ‫املحيط لأغرا�ض تكييف الهواء‪ ،‬مما يقلل ا�ستهالك‬ ‫و�إذا متكنت دولة نامية متباينة جغرافي ًا من تلبية‬ ‫املنتجعات من الكهرباء بن�سبة ‪ 25‬يف املائة‪ ،‬لكن خط‬ ‫احتياجاتها من الكهرباء دون احلاجة لوقود حفري‪،‬‬ ‫الأنابيب امل�ستخدم مل يكن ثقيل الوزن بالدرجة الكافية؛‬ ‫فلي�س هناك من �سبب يحول دون قيام م�ستوطنة منعزلة‬ ‫ونظر ًا لأنه مل ي�صل �إىل العمق املتوقع‪ ،‬فقد كان املاء‬ ‫يف �أ�سرتاليا بذلك هي الأخرى‪ .‬حتى الآن‪ ،‬كان الرتكيز‬ ‫امل�ستخرج �أكرث حرارة من الالزم‪.‬‬ ‫ُمن�صب ًا على قيام بقية بلدان العامل ب�إنقاذ جزر املالديف‪.‬‬ ‫ا�ستقرت احلكومة ال�سابقة �أخري ًا على ا�ستخدام‬ ‫كان حلم ن�شيد اجلديد يتمثل يف جعل املالديف تقدم‬ ‫منوذج ًا لكيفية قيام العامل ب�إنقاذ نف�سه‪l .‬‬ ‫الطاقة ال�شم�سية‪ ،‬وا�ستهدفت حكومة ن�شيد ا�ستخدام هذه‬

‫‪15‬‬


‫البيئة‬

‫‪tnempoleved sv tnemnorivne‬‬ ‫‪erutaef fo eman‬‬

‫و‬

‫التنمية‬

‫النفط والغاز‬

‫ما بعد‬ ‫نضوب الغاز‬ ‫سعادة السيد عبدالله بن حمد العطية يوضح كيف تستعد‬ ‫دولة قطر لمستقبل مستدام‬ ‫بقلم شولتو بيرنز‬

‫تتمتع‬

‫قطر اليوم ب�أعلى ن�صيب‬ ‫للفرد من الناجت املحلي‬ ‫الإجمايل‪ ،‬وبثالث �أكرب‬ ‫احتياطي للغاز الطبيعي يف‬ ‫العامل‪ .‬وينعك�س النمو االقت�صادي البالغ ‪ 20‬يف املائة‬ ‫على تنمية وتط ّور جميع القطاعات االقت�صادية‬ ‫واالجتماعية يف الدولة‪ ،‬ومن �ضمنها بناء الأبراج‬ ‫ال�شاهقة يف الطرف ال�شمايل من كورني�ش الدوحة‪� ،‬أما‬ ‫يف طرفه اجلنوبي‪ ،‬فقد �أ�ضيف م�ؤخر ًا �إىل متحف الفن‬ ‫الإ�سالمي وهو من ت�صميم املعماري ال�شهري �إيو مينغ‬ ‫�صممها خ�صي�ص ًا للمتحف ريت�شارد‬ ‫بي‪ ،‬منحوتة «‪ّ »7‬‬ ‫نحات‬ ‫�سريا الذي كثري ًا ما ي�شار �إليه على �أنه «�أعظم ّ‬ ‫معا�صر يف العامل»‪.‬‬ ‫مير يوم دون �أن يقع االختيار على‬ ‫ويبدو �أنه ال يكاد ّ‬ ‫دولة قطر ال�ست�ضافة �إحدى الفعاليات اجلديدة‪� ،‬أو‬ ‫الإعالن عن خطط �أو �صفقات �شراء‪ .‬وبات العديد من‬ ‫ال�شخ�صيات البارزة يف جماالت ال�سيا�سة‪ ،‬والريا�ضة‪،‬‬ ‫والفنون‪ ،‬والعلوم‪ ،‬والأعمال يرت ّددون على هذه الدولة‬ ‫الواقعة على اخلليج العربي‪ ،‬والتي كثري ًا ما كانت‬ ‫تو�صف حتى وقت قريب ب�أنها «ناع�سة»‪.‬‬ ‫ويف هذا ال�سياق‪ ،‬يقول �سعادة ال�سيد عبداهلل بن‬ ‫حمد العطية ‪ -‬رئي�س هيئة الرقابة الإدارية وال�شفافية‬ ‫تغيت قطر‬ ‫والوزير �صاحب اخلدمة الطويلة‪« :‬نعم‪ ،‬لقد رّ‬ ‫تغيت نحو الأف�ضل‪ .‬فقد �شهدت ال�سنوات‬ ‫متام ًا؛ لكنها رّ‬ ‫تغيات‬ ‫اخلم�س ع�شرة املا�ضية على وجه اخل�صو�ص رّ‬ ‫جذرية يف قطاعات التعليم‪ ،‬والبنية التحتية‪ ،‬والت�صنيع‪.‬‬ ‫حدث ذلك بوترية �سريعة للغاية جتاوزت �أق�صى‬ ‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫أبريل ‪2012‬‬

‫توقعاتنا»‪ .‬ن�صيحتنا ل ّأي �شخ�ص ي�شك يف قدرة دولة‬ ‫قطر على بناء ما يكفي من مالعب وفنادق يف الوقت‬ ‫املنا�سب ال�ست�ضافة نهائيات ك�أ�س العامل عام ‪2022‬‬ ‫�سوى القيام بجولة �سريعة يف �أنحاء عا�صمتها الدوحة‬ ‫التي احت�ضنت خالل ال�سنوات القليلة املا�ضية فروع ًا‬ ‫جلامعات �أمريكية‪ ،‬كما �ش ّيد على ثراها املركز الوطني‬ ‫للم�ؤمترات‪ ،‬ومركز ال�سدرة للطب والبحوث‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫�إىل عدد كبري من الفنادق الفاخرة‪ .‬وقد ترافقت حركة‬ ‫الت�شييد هذه مع العديد من امل�شاريع البحثية يف جمال‬ ‫الطاقة ال�شم�سية وطاقة الرياح‪ ،‬وجودة الهواء‬ ‫والأرا�ضي واملياه‪ ،‬و�إدارة الطاقة‪ .‬ويف كل الأحوال‪ ،‬يبدو‬ ‫� ّأن وجود عقد من الزمن للتح�ضري للحدث الرفيع‬ ‫امل�ستوى املتمثل يف �إقامة بطوالت كرة القدم جدو ًال‬ ‫زمني ًا مرن ًا‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬ف�إن �صورة التط ّور والتنمية التي ت�شهدها‬ ‫دولة قطر ولّدت لدى �سعادة ال�سيد عبداهلل بن حمد‬ ‫العطية ذكرى حقبة خمتلفة للغاية‪ .‬فبعد احلرب‬ ‫العاملية الثانية‪ ،‬على حد قوله‪« ،‬مل تكن هناك مدار�س‬ ‫عامة‪ ،‬وال كهرباء‪ ،‬وال �شوارع �أو طرق‪ ،‬مل يكن هناك �أي‬ ‫�شيء على الإطالق‪ .‬لقد �أخربتني جدتي �أنه يف‬ ‫مرت عليها �أيام عديدة مل‬ ‫ثالثينيات القرن الع�شرين‪ّ ،‬‬ ‫يكن لديها �أي طعام تُطعمه لأطفالها‪ .‬كان ‪ 30‬يف املائة‬ ‫يـمنت خالل �أول والدة لهن ب�سبب‬ ‫من الن�ساء القطريات ُ‬ ‫عدم وجود �أطباء �أو م�ست�شفيات‪ ».‬ويف الوقت نف�سه‪،‬‬ ‫�أدت �صناعة ا�ستزراع الل�ؤل�ؤ اليابانية �إىل تدمري مهنة‬ ‫الغو�ص ل�صيد الل�ؤل�ؤ يف قطر‪ ،‬والتي كانت البالد تعتمد‬ ‫عليها ب�صورة كبرية‪« .‬ومن جراء ذلك‪َ ،‬فقَد الآالف من‬ ‫القطريني وظائفهم‪ ،‬ومات كثريون من اجلوع‪ ،‬يف حني‬ ‫هاجر البع�ض للعمل يف البلدان املجاورة‪ .‬كانت حياة‬ ‫�شاقة للغاية»‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫البيئة‬

‫و‬

‫النفط والغاز‬

‫التنمية‬

‫مل تكن نقطة التح ّول متمثلة يف اكت�شاف النفط يف‬ ‫العام ‪ ،1935‬بل ترافقت مبغادرة �أول ناقلة كربى حتمل‬ ‫هذا ال�سائل الثمني يف عام ‪ 1949‬من ميناء م�سيعيد‬ ‫على ال�ساحل ال�شرقي للبالد ‪ -‬ويف ذلك الوقت‪ ،‬كان‬ ‫التعليم ميثّل �أولوية بالفعل‪« .‬فعلى الرغم من �أن‬ ‫العائدات مل تكن كبرية‪ ،‬لكنها كانت ممتازة بالن�سبة‬ ‫لنا‪ .‬بعد ت�صدير ال�شحنة الأوىل‪ ،‬كان �أول �شيء فكّرت‬ ‫فيه احلكومة هو كيفية �إن�شاء مدر�سة عامة»‪ .‬وهكذا‪،‬‬ ‫تخرج العطية يف املدر�سة الثانوية يف عام ‪ ،1970‬وكان‬ ‫ّ‬ ‫وقتها يف ال�سابعة ع�شرة من عمره‪.‬‬ ‫«كانت هذه هي املدر�سة الوحيدة يف قطر‪ .‬و�أتذكر‬ ‫�أنه مل تكن هناك �أجهزة لتكييف الهواء‪ ،‬لكني مل �أ�شعر‬ ‫�أبد ًا بحرارة اجلو»‪ .‬اك ُت�شف الغاز الطبيعي يف ال�سنة‬ ‫التالية؛ لكن مل ُينظر �إليه وقتها باعتباره نعمة‪�« .‬شكل‬ ‫هذا االكت�شاف خيبة �أمل كبرية‪ ،‬فقد �أعادت �شركة ِ�شل‬ ‫تلك احلقول �إىل احلكومة‪ ،‬ل ّأن �أحد ًا يف ذلك الوقت مل‬ ‫يكن يهتم بالغاز الطبيعي»‪.‬‬ ‫الوعي الشعبي‬

‫‪18‬‬

‫كان االهتمام بالبيئة هو ما �أدى �إىل التطور املذهل‬ ‫الذي �شهدته قطر‪ .‬ويف هذا ال�سياق‪ ،‬يقول العطية «يف‬ ‫ت�سعينيات القرن الع�شرين‪ ،‬بد�أ النا�س ي�صبحون �أكرث‬ ‫وعي ًا بالتلوث واالنبعاثات‪ ،‬ومار�ست اجلماهري �ضغوط ًا‬ ‫كبرية على حكوماتهم‪ .‬و�إذا رغبت يف احلد من‬ ‫االنبعاثات‪ ،‬ف�إن الغاز الطبيعي كان من بني احللول‬ ‫املتاحة �أمامك‪ .‬ولذلك‪ ،‬اجتهت �أنظار العامل �إلينا لأننا‬ ‫كنا منتلك �أكرب حقل منفرد يف العامل للغاز الطبيعي‬ ‫تعد قطر‬ ‫غري امل�صاحب مع النفط‪ .‬ويف الوقت احلايل‪ّ ،‬‬ ‫واحدة من �أكرب منتجي الطاقة‪ ،‬ومن �أكرب منتجي‬ ‫ال�صلب‪ ،‬والألومنيوم واملعادن‪ ،‬كما حتتل املرتبة الثانية‬ ‫يف العامل من حيث �إنتاج الهليوم‪ ،‬ونحن فخورون للغاية‬ ‫ن�صدر �إىل ‪ 85‬بلد ًا حول العامل‪ .‬لقد ا�ستطعنا يف‬ ‫كوننا‬ ‫ّ‬ ‫نغي مالمح البالد»‪.‬‬ ‫غ�ضون ب�ضع �سنوات �أن رّ‬ ‫ا�ضطلع العطية بدور بارز يف كل هذه اجلهود‪ ،‬حيث‬ ‫�شغل من�صب وزير الطاقة منذ ‪ 1992‬وحتى العام‬ ‫املا�ضي‪ ،‬وقد �شملت حقيبته الوزارية �أي�ض ًا ال�صناعة‪،‬‬ ‫كرمه �صاحب‬ ‫واملاء والكهرباء‪ .‬ويف دي�سمرب املا�ضي‪ّ ،‬‬

‫نحو خليج أكثر‬ ‫رعاية للبيئة‬

‫كيف تساعد قطر على حماية البيئة‬

‫حددت هدف ًا يتمثل‬ ‫للتنمية للأعوام ‪ 2016-2011‬قد ّ‬ ‫يف �إعادة تدوير ‪ 38‬يف املائة من النفايات ال�صلبة‪،‬‬ ‫بزيادة قدرها ‪ 8‬يف املائة من الن�سبة احلالية‪� .‬إال �أنّه مل‬ ‫يتوفر حتى يف �شوارع الدوحة احلاويات املختلفة لإعادة‬ ‫تدوير الزجاج والبال�ستيك والورق ‪ -‬وهذه �سمة‬ ‫�أ�صبحت م�شهد ًا م�ألوف ًا يف املدن الأوروبية‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فهناك بع�ض الدالئل امل�شجعة‪ ،‬فقد‬ ‫متكنّت قطر من خف�ض انبعاثاتها الناجمة عن حرق‬ ‫الغاز بن�سبة ‪ 14‬يف املائة يف عام ‪ ،2010‬متقدمة بدرجة‬ ‫كبرية عن ن�سبة تقليل االنبعاثات العاملية البالغة ت�سعة‬ ‫يف املائة‪ .‬وقد كان م�ؤمتر البرتول العاملي ‪ -‬الذي عقد‬ ‫يف الدوحة يف دي�سمرب املا�ضي ‪ -‬خالي ًا من الكربون‬ ‫للمرة الأوىل يف تاريخه‪ .‬لكن الدليل على الرعاية‬ ‫اجليدة التي توليها دولة قطر للبيئة‪ ،‬كما يقول العطية‪،‬‬ ‫هو �أمر �أكرث و�ضوح ًا من ذلك‪« .‬حتى مع كل هذا‬ ‫الإنتاج من النفط والغاز الطبيعي والألومنيوم‪ ،‬عليك‬ ‫�أن تنظر �إىل الف�ضاء‪ .‬ميكنك يف قطر �أن ترى النجوم‪،‬‬ ‫ت�شم الهواء‪ .‬هل ترى دخان ًا هنا‪� ،‬أو �أمطار ًا‬ ‫وبو�سعك �أن ّ‬ ‫حم�ضية؟ كال‪ ،‬ال جتد ذلك هنا»‪.‬‬

‫يجب أن نحافظ على‬ ‫احتياطياتنا حتى يمكنها‬ ‫خدمة البالد لمدة ‪،150‬‬ ‫وربما ‪ 200‬عاماً‬ ‫ال�سمو ال�شيخ حمد بن خليفة �آل ثاين‪� ،‬أمري دولة قطر‪،‬‬ ‫مبنحه رتبة رئي�س وزراء تقدير ًا جلهوده يف حماربة‬ ‫الف�ساد ويف تنمية االقت�صاد القطري‪.‬‬ ‫وطوال هذه الفرتة‪ ،‬مل ينفك اهتمام العطية الأول‬ ‫ُمن�صب ًا على اال�ستدامة‪« .‬يجب �أن نحافظ على‬ ‫احتياطياتنا حتى ميكنها خدمة البالد ملدة ‪ ،150‬ورمبا‬ ‫‪ 200‬عام ًا‪ .‬لقد �أ�ض ّرت كثري من البلدان باحتياطياتها من‬ ‫خالل الو�صول بالإنتاج �إىل احلد الأق�صى‪ ،‬وجتاهل‬ ‫العواقب املرتتبة على ذلك‪ .‬لكن علينا �أن نتك ّهن مبا هو‬ ‫�آت و�أن نت�صور امل�ستقبل لأننا بلد‪ ،‬ولي�س �شركة‪ .‬ميكن‬ ‫لل�شركات �أن ت�أتي وت�صل �إىل احلدود الق�صوى للإنتاج‪،‬‬ ‫ثم بعد ب�ضع �سنوات ترحل وتقول لنا «وداع ًا �أعزائي!»‬ ‫لكننا ال ن�ستطيع �أن نغادر»‪.‬‬ ‫وقد مثّل الأثر املادي للتنمية نوع ًا خمتلف ًا من‬ ‫التحديات‪« .‬نحن بلد ُمنتج للهيدروكربونات‪ .‬ال ميكننا‬ ‫�أن ننكر ذلك ‪ -‬ف�إنتاج الطاقة يواكبه بال�ضرورة �إنتاج‬ ‫ثاين �أك�سيد الكربون �أي�ض ًا‪ .‬ولهذا ال�سبب �أن�ش�أنا ‪-‬‬ ‫عندما كنت وزير ًا للطاقة ‪� -‬إدارة خا�صة بالبيئة‪،‬‬ ‫وجعلنا االهتمام بالبيئة �أولوية ق�صوى يف جميع‬ ‫عملياتنا‪ .‬وقد �أجرينا الكثري من الدرا�سات حول‬ ‫ا�سرتداد ثاين �أك�سيد الكربون‪ ،‬وكيفية حقنه يف‬ ‫االحتياطيات القدمية‪ ،‬وحول �إعادة التدوير»‪ .‬بيد �أن‬ ‫العديد من هذه الدرا�سات ال يزال يف مرحلتي التجريب‬ ‫والتخطيط‪ .‬وباملثل‪ ،‬ف�إن ا�سرتاتيجية قطر الوطنية‬

‫‪ l‬تقوم شركة قطر لتقنيات الطاقة‬ ‫الشمسية‪ ،‬وهي مشروع مشترك بين‬ ‫مؤسسة قطر وشركة سوالر وورلد وبنك‬ ‫قطر للتنمية‪ ،‬ببناء مصنع في مدينة رأس‬ ‫لفان الصناعية يهدف إلى إنتاج ‪ 8‬آالف طن‬ ‫من البولي سيليكون سنوياً ‪ .‬وتمثل هذه‬ ‫توسعا كبيراً في اإلمدادات العالمية‬ ‫ً‬ ‫الخطوة‬ ‫من المادة التي تشكل عصب صناعة‬ ‫الطاقة الشمسية ‪ -‬إذ يمثل البولي‬ ‫سيليكون عنصرا رئيسيا في صناعة ألواح‬ ‫تخزين الطاقة الشمسية‪.‬‬ ‫‪ l‬في العام ‪ ،2009‬قامت إحدى طائرات‬ ‫إيرباص التابعة لشركة الخطوط الجوية‬ ‫القطرية بأول رحلة طيران تجارية يُ ستخدم‬

‫فيها وقود مشتق من الغاز الطبيعي‪ ،‬ذلك‬ ‫الوقود الناتج عن تحويل الغاز إلى سوائل‪،‬‬ ‫يتكون من شركة‬ ‫ّ‬ ‫والذي قام بتطويره اتحاد‬ ‫إيرباص‪ ،‬والخطوط الجوية القطرية‪ ،‬وقطر‬ ‫للبترول‪ ،‬وواحة العلوم والتكنولوجيا في‬ ‫قطر‪ ،‬ورولز رويس‪ ،‬وشركة شل‪ ،‬وقطر‬ ‫للوقود (وقود)‪ ،‬ويُ نتج انبعاثات أقل ويكاد‬ ‫خاليا من الكبريت‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يكون‬ ‫طور الباحثون في جامعة تكساس إي أند‬ ‫‪ّ l‬‬ ‫أم في قطر تقنية جديدة تقوم على‬ ‫“التكسير الشمسي”​​للغاز الطبيعي‪ ،‬بهدف‬ ‫إنتاج الهيدروجين والكربون الصناعي‬ ‫المستخدم في تصنيع األصباغ‪ ،‬وإطارات‬ ‫السيارات‪ ،‬والبالستيك‪ ،‬وغيرها من الصناعات‬

‫احتساب الكربون‬

‫لمحة عن الكاتب‬

‫األخرى‪ ،‬دون أن تنبعث عنه مواد سامة أو‬ ‫غازات ُمسببة لالحترار العالمي‪.‬‬ ‫‪ l‬في شهر يناير‪ ،‬اختار الموقع‬ ‫اإللكتروني ‪greengopost.com‬‬ ‫المعني بقضايا البيئة‪ ،‬مدينة الدوحة‬ ‫باعتبارها واحدة من “المدن العشر‬ ‫المستدامة الناشئة في العام ‪.”2012‬‬ ‫وفي إطار اإلشادة باستثمارات دولة قطر‬ ‫في تقنيات الطاقة الشمسية‪ ،‬والمباني‬ ‫الصديقة للبيئة‪ ،‬واالبتكار في االعتناء‬ ‫بالبيئة‪ ،‬خلص االقتباس إلى ما يلي‪:‬‬ ‫“برغم التدفق الغزير للنفط والغاز‬ ‫الطبيعي في هذه اإلمارة الصغيرة‪ ،‬فإن‬ ‫يتفجر هناك أيضاً ‪”.‬‬ ‫ّ‬ ‫التفكير البعيد المدى‬

‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫محرر مجلة‬ ‫ّ‬ ‫شولتو بيرنز هو‬ ‫«تفكر‪ .».‬وقد عمل في‬ ‫ّ‬ ‫السابق ككبير المحاورين‬ ‫في مجلة «اإلندبندنت»‪،‬‬ ‫وكمحرر أول في مجلة «نيو‬ ‫ّ‬ ‫ستيتسمان» في لندن‪.‬‬ ‫نشرت مقاالته وتقاريره‬ ‫في الصحف في جميع‬ ‫أنحاء العالم‪ ،‬بما في ذلك‬ ‫دولة اإلمارات العربية‬ ‫المتحدة وإندونيسيا‬ ‫والصين‪ .‬وهو زميل‬ ‫الجمعية الملكية للفنون‪،‬‬ ‫ومحرر مشارك في مجلة‬ ‫ّ‬ ‫«نيو ستيتسمان»‪.‬‬ ‫أبريل ‪2012‬‬

‫عندما مت اختيار الدوحة ال�ست�ضافة قمة الأمم املتحدة‬ ‫حول املناخ لهذا العام (‪� ،)COP 18‬أ�شار العديد من‬ ‫املعلّقني �إىل �أن قطر ت�سهم يف ن�سبة الفرد الأكرب من‬ ‫الب�صمة الكربونية يف العامل‪ .‬وقد �أ�شارت �صحيفة‬ ‫«نيويورك تاميز» �إىل البالد على �أنها «مارد غازات‬ ‫الدفيئة»‪ ،‬يف حني ذكرت جملة «تامي» �أن �إنتاج قطر من‬ ‫انبعاثات الكربون للفرد الواحد‪ ،‬والبالغ ‪ 55‬طن ًا‪ ،‬يزيد‬ ‫بثالثة �أ�ضعاف عن مثيله يف الواليات املتحدة‪� .‬أال‬ ‫ينطوي هذا الأمر على بع�ض ال�سخرية؟‬ ‫عندما �أثرت هذا املو�ضوع‪ ،‬بدا رئي�س هيئة الرقابة‬ ‫الإدارية وال�شفافية‬ ‫متحم�س ًا‪ ،‬وقال «هذا لي�س �صحيح ًا‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫�إنها خلدعة‪ ،‬فهم يقولون خُ ذ كل ما ُتنتج من انبعاثات‪،‬‬ ‫ثم اق�سمه على عدد ال�سكان‪ .‬لكن هذا لي�س عدالً‪،‬‬ ‫فال�صني تنتج ماليني الأطنان من االنبعاثات‪ ،‬ولكن لأن‬ ‫لديهم مثل هذا العدد الهائل من ال�سكان ‪ ،‬يبدو الأمر‬ ‫وك�أنهم لي�سوا من كبار املل ّوثني‪ .‬تت�سم هذه العملية‬

‫عليك استعراض أحداث‬ ‫والتدبر في الثورة‬ ‫التاريخ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الروسية أو الثورة‬ ‫الفرنسية ‪ -‬ففي كل‬ ‫منهما ثار الناس ألنّ هم‬ ‫فقدوا مستقبلهم‬

‫احل�سابية بكونها م� ّشو�شة‪ ،‬فقد قمنا بواحدة من �أكرب‬ ‫عمليات عزل الكربون يف �أحد حقولنا النفطية‪ ،‬ولدينا‬ ‫الكثري من االعتمادات املتعلقة باالنبعاثات لدرجة �أن‬ ‫بع�ض الدول الأخرى ترغب يف �شراء اعتماداتنا»‪ .‬ويف‬ ‫هذا ال�سياق‪ ،‬يقول العطية «تكمن حقيقة الأمر يف �أن‬ ‫الدول الكربى ال تريد تقليل انبعاثاتها‪ ،‬فهم ي�شرتون‬ ‫اعتماداتك وي�ستخدمونها باعتبارها ملك ًا لهم‪ .‬وبعد‬ ‫ذلك‪ ،‬يحاولون الظهور مبظهر الأبرياء ويلقون باللوم‬ ‫على البلدان ال�صغرية م�ساح ًة مثل �سنغافورة وقطر‪،‬‬ ‫لأنهم ال يريدون �إلقاء اللوم على بع�ضهم البع�ض‪ .‬لدينا‬ ‫هواء نقي و�سماء نظيفة‪ ،‬وهو ما ميثل انعكا�س ًا �أف�ضل‬ ‫للواقع»‪.‬‬ ‫وهنا يعود العطية �إىل امل�ستقبل امل�ستدام الذي ت�سعى‬ ‫قطر لبنائه‪ ،‬ويقول «�أتذكر عندما كنت وزير ًا للطاقة � ّأن‬ ‫�صاحب ال�سمو الأمري قال ‪�«:‬أتعلم يا عبداهلل‪� ،‬أريد لهذا‬ ‫اجليل �أن يكون �سعيد ًا كما �أريد للجيل القادم �أن يكون‬ ‫�أكرث �سعادة»‪ .‬نحن نعلم جميعا �أن النفط والغاز‬ ‫الطبيعي �سين�ضبان يف يوم من الأيام‪ .‬ميكننا القول ب�أن‬ ‫هذه االحتياطيات �ستكفينا ملئتي �سنة؛ وهو وقت طويل‬ ‫للغاية بالن�سبة يل ولك‪ ،‬لكنه ُيعد ق�صري ًا عندما يتعلق‬ ‫الأمر بالأجيال املتعاقبة‪ .‬ولذلك فنحن نركّز اهتمامنا‬ ‫على متكني دولة قطر �أن ت�صبح عا�صمة للتعليم‬ ‫وال�صحة واخلدمات املالية وال�سياحة والريا�ضة‬ ‫و�شركات الطريان يف ال�شرق الأو�سط‪ .‬ومتثل هذه‬ ‫قطاعات كبرية يف عامل الأعمال‪ ،‬وبالتايل فهي حتتاج‬ ‫�إىل العقول‪ ،‬ولي�س �إىل املوارد الطبيعية‪ .‬ولكن بو�سعنا‬ ‫ا�ستخدام املوارد الطبيعية للبناء من �أجل امل�ستقبل»‪.‬‬ ‫بيد �أن ر�ؤية العطية لال�ستدامة تتجاوز حماوالت‬ ‫التخفيف من الآثار البيئية مع موا�صلة م�سرية التنمية‪،‬‬ ‫فهي تت�ضمن العن�صر الب�شري �أي�ض ًا‪ .‬ويف هذا ال�سياق‬ ‫يقول «ي ّت�سم التعليم والبحوث ب�أهمية بالغة‪ ،‬ولهذا‬ ‫ال�سبب نخ�ص�ص ‪ 2.8‬يف املائة من العائدات احلكومية‬ ‫لبالدنا لدعم البحوث‪ :‬من �أجل بناء �أمة ذات تعليم رفيع‬ ‫امل�ستوى‪ .‬ال تقلق من ذلك مطلق ًا‪ ،‬فاملجتمع الذي ح�صل‬ ‫�أفراده على تعليم رفيع من �ش�أنه �أن مينحك الثقة‪.‬‬ ‫«�إن البطالة هي �أخطر �شيء على الإطالق؛ ف�إذا‬ ‫نظرت �إىل الربيع العربي‪ ،‬ف�ستجد الف�ساد من بني‬ ‫�أ�سبابه‪� ،‬أما البطالة فهي ال�سبب الآخر‪� .‬إن ما يحدث‬ ‫يف �أوروبا و�أمريكا‪ ،‬مع حركات مثل احتالل وول‬ ‫�سرتيت‪ ،‬لهو مترد �ضد النظام الر�أ�سمايل‪ .‬ويرجع‬ ‫ذلك لأنك �إذا رغبت يف زيادة دخلك يف ظل النظام‬ ‫الر�أ�سمايل‪ ،‬فالأمر يف غاية ال�سهولة ‪ -‬ميكنك تقليل‬ ‫الوظائف‪ ،‬و�إلقاء ‪� 100‬ألف �أو ‪� 200‬ألف �شخ�ص يف‬ ‫ال�شارع مع �أ�سرهم‪ ،‬وذلك ملجرد �أن يتمكن جمل�س‬ ‫�إدارة �شركتك من تقدمي تقرير �إىل امل�ساهمني يفيد‬ ‫ب�أنّهم يحققون ربح ًا وفرياً‪ .‬ولهذا ال�سبب اندلعت‬ ‫الثورات يف �أوروبا وال�شرق الأو�سط‪« .‬ينبغي على‬ ‫احلكومة �أن ت�ضع يف اعتبارها التكلفة االجتماعية‪:‬‬ ‫عليك ا�ستعرا�ض �أحداث التاريخ‪ ،‬والتد ّبر يف الثورة‬ ‫الرو�سية �أو الثورة الفرن�سية ‪ -‬ففي كل منهما ثار النا�س‬ ‫لأنّهم فقدوا م�ستقبلهم»‪.‬‬ ‫البيئة هي الأ�سا�س‪ ،‬لكن الأمر ينطبق كذلك على‬ ‫حتقيق العدالة بني جميع قطاعات املجتمع‪ ،‬كما يقول‬ ‫العطية الذي اختتم حديثه بقوله «يجب �أن يكون‬ ‫كالهما جزء ًا من حزمة متكاملة»‪l .‬‬

‫‪19‬‬


‫البيئة‬

‫و‬

‫التنمية‬

‫ما قبل النفط والغاز‬

‫البحرين ‪ -‬املركز التجاري �آنذاك ‪� -‬إىل قطر الغنية‬ ‫دبي �إىل ‪456‬‬ ‫باملحار وانت�شرت على امتداد �ساحل ّ‬ ‫قارب ًا‪ .‬كان اقت�صاد اخلليج يف ذلك الوقت يعتمد على‬ ‫ه�ؤالء الرجال يف ت�أمني كل ما يتجاوز مق ّومات الإعا�شة‬ ‫الأ�سا�سية؛ وكان ه�ؤالء الرجال يعتمدون بدورهم على‬ ‫�سوق املجوهرات املزدهر يف مومباي للح�صول على‬ ‫الأموال نظري عملهم‪ .‬لكن بحلول عام ‪ ،1944‬تدنى‬ ‫عدد قوارب �صيد الل�ؤل�ؤ �إىل ‪ 188‬فقط نتيجة لتعر�ض‬ ‫هذا القطاع �إىل �ضربات عديدة متتالية و�سريعة‪ ،‬ما‬ ‫جعلها يف حالة الكفاح من �أجل البقاء‪.‬‬

‫ورثـــة اللـؤلـؤ‬

‫عندما بدأنا نتعلّ م في المدرسة‪،‬‬ ‫المثقف‪ ،‬لكن‬ ‫ّ‬ ‫كنا نعتقد أننا الجيل‬ ‫أن‬ ‫تقدمنا في العمر أدركنا َّ‬ ‫مع ّ‬ ‫الثروة المتمثّ لة في خبرة الجيل‬ ‫األكبر سناً منّ ا كانت أكثر قيمة‬ ‫يف ع�شرينيات القرن املا�ضي‪ ،‬بد�أت �أوىل‬ ‫ُ�ستخر َجة من مزارع الل�ؤل ؤ�‬ ‫املحا�صيل ال�ضخمة امل‬ ‫َ‬ ‫اليابانية تنزل �إىل الأ�سواق‪ .‬ويو�ضح هذا احلدث �أحمد‬ ‫بن خليفة الع�سريي (يف ال�صورة �أعاله) قائالً‪« :‬كان‬ ‫جد �أحمد‬ ‫ذلك هو العامل الرئي�سي»‪� .‬أم�ضى حممد ّ‬ ‫الذي كان �أحد كبار الطوا�شني‪ ،‬عقد ًا من الزمان يف‬ ‫توثيق مكامن الل�ؤل�ؤ املوجودة باملنطقة اعتماد ًا على‬ ‫ذاكرته‪ ،‬حتى ال يتم ن�سيانها عندما ا�ضمحل هذا‬ ‫القطاع لي�صري جمرد هواية بحلول �ستينيات القرن‬ ‫الع�شرين‪ .‬وكما ي�شري الع�سريي‪« :‬ملاذا قد يدفع �أي‬ ‫�شخ�ص �أموا ًال �إ�ضافية من �أجل �شراء ل�ؤل�ؤة طبيعية‪ ،‬يف‬ ‫الوقت الذي ال ي�ستطيع فيه �أي �شخ�ص �آخر التفريق‬ ‫حق ًا بني اللآلئ امل�ستخرجة من اخلليج وتلك‬ ‫املُ�س َتز َر َعة؟»‬ ‫وبالإ�ضافة �إىل ذلك‪� ،‬أ ّدى انهيار بور�صة وول‬ ‫�سرتيت وبدء الك�ساد الكبري �إىل �إحلاق مزيد من‬ ‫ال�ضرر بتجارة اعتمدت على �أكرث الزبائن ثراء؛ ه�ؤالء‬ ‫الذين ‪ -‬وفق ًا للروائي الأمريكي �إف‪� .‬سكوت‬ ‫فيتزجريالد ‪ -‬يرغبون يف دفع مبلغ ‪� 350‬ألف دوالر‬ ‫�أمريكي مقابل قِ الدة من الل�ؤل�ؤ‪ .‬ففي عام ‪ 1926‬بلغت‬ ‫امل�صدرة من البحرين مليوين‬ ‫قيمة الأحجار الكرمية‬ ‫ّ‬ ‫جنيه �إ�سرتليني‪ ،‬وبعد ذلك بثماين �سنوات فقط هبطت‬ ‫القيمة �إىل خُ ْم�س هذا املبلغ‪.‬‬

‫رجت التجارة األكبر لمنطقة الخليج من البحر‪،‬‬ ‫طوال قرون‪ ،‬استُ ْخ َ‬ ‫وليس من النفط والغاز الطبيعي اللذين تم اكتشافهما في‬ ‫الوقت المناسب تماماً إلنقاذ المنطقة من التدهور الذي شهدته‬ ‫صناعة كانت مزدهرة ذات يوم ‪ -‬أال وهي صناعة استخراج اللؤلؤ‪.‬‬

‫تع ّج‬ ‫ِ‬

‫ال�شوارع حول �سوق واقف يف و�سط‬ ‫الدوحة بحركة املرور؛ وتد ِّوي‬ ‫الأبواق يف الوقت الذي ُي ْ�سرِ ع فيه‬ ‫رجال يدفعون عربات اليد املثقلة‬ ‫ب�صفوف مرتفعة من �شكائر‬ ‫الأ�سمنت لالنتهاء من عملهم قبل موعد الغداء‪ .‬ويف‬ ‫و�سط كل هذا‪ ،‬تقبع جمموعة اللآلئ اخلا�صة اململوكة‬ ‫لأ�سرة الفردان يف مكان مرتفع بالأعلى يف حجرة تت�سم‬ ‫بالأمن‪ ،‬والهدوء‪ ،‬والربودة‪ .‬وت�شري دانة‪ ،‬وهي االبنة‬ ‫الكربى لل�سيد علي الفردان ‪ -‬نائب رئي�س جمل�س �إدارة‬ ‫جمموعة �شركات الفردان ‪ -‬التي تعود �أ�صولها املهنية‬ ‫�إىل جتارة الل�ؤل�ؤ يف �أواخر القرن التا�سع ع�شر‪� ،‬إىل‬ ‫معنى ا�سمها قائلة‪�« :‬إن الدانة هي الل�ؤل�ؤة الأكرث كما ًال‬ ‫ثم تتنهد‪ ،‬وت�ضيف‪�« :‬إن معظم‬ ‫وال ّ‬ ‫أ�شد بهاء»‪ ،‬ومن ّ‬ ‫النا�س ال يح�صلون �سوى على فر�صة ر�ؤية اللآلئ‬ ‫املزروعة‪ ،‬وهذه هي فكرتهم عن اللآلئ»‪.‬‬ ‫قبل قرن من الزمان‪ ،‬كان هذا ال�سوق مكان ًا خمتلف ًا‬ ‫للغاية؛ فعند بدء مو�سم الغط�س ال�صطياد الل�ؤل�ؤ‪ ،‬ي�شرع‬

‫بقلم فرانشيسكا توزو‬

‫�أ�صحاب القوارب يف �إجراء مقاي�ضات مع جتار الأغذية‬ ‫الذين ي�أملون �أال تغرق �أي من ال�سفن املحملة‬ ‫بب�ضاعتهما امل�ستخدمة يف �إطعام �أفراد الطاقم‪ ،‬قبل‬ ‫�أن يتقا�ضوا ثمنها‪ .‬كان التجار القطريون‪� ،‬أو‬ ‫عِدون‬ ‫الطوا�شون‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل الهنود والإيرانيني ُي ّ‬ ‫ال ُع َّدة حتى يكونوا �أول من يبلغ مكامن الل�ؤل�ؤ الأكرث ثراء‬ ‫عندما يعلن �أمري البحر (القائد البحري) عن افتتاح‬ ‫ي�شدون‬ ‫مو�سم �صيد الل�ؤل�ؤ‪ .‬وكان الغوا�صون‪ ،‬ومن ّ‬ ‫احلبال‪ ،‬والبحارة ي�أتون من ال�صحراء يف �سعي منهم‬ ‫لك�سب ما يكفي من املال ليعتا�شوا منه خالل ف�صل‬ ‫ال�شتاء‪ .‬الفرتة الزمنية ملو�سم الغو�ص كانت تدوم ل�ستة‬ ‫�أ�شهر فقط تط ّبق بكل �صرامة لل�سماح ملكامن املحار‬ ‫ب�إعادة التولُّد من جديد‪ ،‬لكنها كانت تتزامن �أي�ض ًا مع‬ ‫�أ�شد ال�شهور حرارة يف ال�سنة‪.‬‬ ‫يف عام ‪ ،1932‬و�صل عدد القوارب الآتية من‬ ‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫آخر أيام اللؤلؤ‬

‫يف عام ‪ ،1863‬عندما التقى الكاتب الربيطاين ويليام‬ ‫باجلريف مع �أول �شيوخ قطر‪ ،‬حممد بن ثاين‪� ،‬أخربه‬ ‫الأمري قائالً‪« :‬نحن جميع ًا‪ ،‬من الأعلى منزلة حتى‬ ‫الأدنى منزلة‪ ،‬يف خدمة �س ِّيد واحد ‪ -‬هو الل�ؤل�ؤ»‪ .‬لكن‬ ‫أبريل ‪2012‬‬

‫الل�ؤل�ؤ خَ ذَ ل �شعبه بحلول العقد الرابع من القرن‬ ‫الع�شرين‪ ،‬مما ا�ضطر �آالف القطريني والبحرينيني �إىل‬ ‫املغادرة والعثور على عمل مع �شركات النفط التي‬ ‫ت�أ�س�ست يف �أبو ظبي‪ ،‬وال�سعودية‪ ،‬والكويت‪.‬‬ ‫�إال �أن املناف�سني من �أ�صحاب املنتجات الأقل ثمن ًا‬ ‫وتوجهات االقت�صاد العاملي لي�ست وحدها هي ما ق ّو�ض‬ ‫التجارة الأكرث �أهمية بالن�سبة ل�ساحل اخلليج؛ فالأمر‬ ‫احلا�سم هنا كان ال�شكوك التي �أثريت حول مدى �أ�صالة‬ ‫ُمنتجها النفي�س‪ .‬وي�شري را�شد بن علي‪ ،‬الذي كان �أبوه‬ ‫وج ُّده غوا�صني ومن �أ�صحاب القوارب‪� ،‬إىل ر�سالة‬ ‫َ‬ ‫�أر�سلها يف عام ‪ 1933‬املبعوث الربيطاين �إىل البحرين‬ ‫�إىل نظريه يف ال�شارقة (وهي الآن �إحدى الإمارات‬ ‫العربية املتحدة) ي�شرح فيها اكت�شاف تاجر هندي‬ ‫يقوم بخلط اللآلئ امل�ستزرعة‪ ،‬والأرخ�ص ثمن ًا بكثري‪،‬‬ ‫باللآلئ الطبيعية‪ .‬ويف هذا ال�سياق‪ ،‬يقول بن علي‪:‬‬ ‫«كانت هذه بداية الفو�ضى»؛ حيث دعت ر�سالة �أخرى‬ ‫�إىل فر�ض قواعد �أكرث �صرامة على هذه التجارة‪ ،‬لكنه‬ ‫مت يف النهاية‬ ‫ثبت �أن تطبيقها من ال�صعوبة بحيث َّ‬ ‫التخلِّي عن املحاوالت الرامية �إىل �ضمان جودة الل�ؤل�ؤ‬ ‫والت�صديق ر�سمي ًا على �أ�صالته‪ .‬ويقول بن علي‪« :‬لرمبا‬ ‫كان احلَ ظر الذي فر�ضته الهند على ا�سترياد لآلئ‬ ‫اخلليج‪ ،‬التي تعر�ضت على نحو متزايد للت�شكيك يف‬ ‫�أ�صالتها وجودتها‪ ،‬مبثابة ال�ضربة القا�صمة لهذه‬ ‫ال�صناعة»‪.‬‬ ‫وبعد اللآلئ‪ ،‬مل يتبق �سوى ال�سمك‪ .‬ويف هذا‬ ‫ال�سياق‪ ،‬يقول بن علي‪« :‬لو مل ُي�ستجب ل�صلوات �أهل‬ ‫املنطقة باكت�شاف النفط والغاز الطبيعي‪ ،‬ل�صار‬ ‫اخلليج مكان ًا خمتلف ًا للغاية؛ لقد كنا يف طريقنا‬ ‫رت�ض �أحيان ًا‪ ،‬ف�إن‬ ‫للهالك»‪ .‬وعلى العك�س مما ُيف َ‬ ‫التو�سع يف ا�ستك�شاف النفط والغاز الطبيعي بعد‬ ‫ُّ‬ ‫احلرب العاملية الثانية مل يحلّ حمل املورد الطبيعي‬ ‫الكبري ال�سابق ملنطقة اخلليج �أو ُي ِ‬ ‫ف�ضي �إىل الق�ضاء‬ ‫عليه؛ فمكامن الل�ؤل�ؤ توجد باملياه ال�ضحلة‪ ،‬بعيد ًا متام ًا‬ ‫عن حقول الغاز البحرية التي توجد عند �أعماق �أكرب‬ ‫بكثري‪ ،‬وال تزال تلك املكامن �سليمة حتى يومنا‬ ‫هذا‪ -‬جاهزة لأن يتم ا�ستغاللها مرة �أخرى؛ ولكن‬ ‫بالنظر �إىل تدنيّ �سعر اللآلئ امل�ستزرعة‪ ،‬وما تنطوي‬ ‫عليه عملية الغط�س ال�صطياد الل�ؤل�ؤ من خطورة كبرية‬ ‫ُرجح �أن تعود هذه املهنة للظهور‬ ‫للغاية‪ ،‬فمن غري امل َّ‬ ‫على الإطالق‪.‬‬ ‫�ستظل هذه ال�صناعة جز ًءا من تاريخ املنطقة‬ ‫وتراثها‪ ،‬لأنه وبرغم ا�ضطرار كربيات العائالت العاملة‬ ‫يف جمال ا�ستخراج الل�ؤل�ؤ �إىل التك ُّيف �سريع ًا‪� ،‬إال �أنهم‬ ‫مل ين�سوا ما�ضيهم‪ .‬ومن جانبه‪ ،‬ي�سافر را�شد بن علي‬ ‫مع الغوا�صني الذين يقومون با�ستخراج الل�ؤل�ؤ حول‬ ‫العامل لتقدمي العرو�ض‪ ،‬كما عر�ض �أبحاثه يف مهرجان‬ ‫قطر البحري‪ .‬ومن بني الأعمال التجارية اخلا�صة ب�آل‬ ‫الع�سريي ثمة م�شروع له عالقة بالكهرباء ‪ -‬وهو �أمر‬ ‫مالئم‪ ،‬بالنظر �إىل حقيقة �أنهم كانوا �أول من ا�ستخدم‬ ‫املحركات على �آخر قوارب �صيد الل�ؤل�ؤ اململوكة لهم‪ .‬ويف‬ ‫هذا ال�سياق‪ ،‬يقول �أحمد بن خليفة الع�سريي‪« :‬عندما‬ ‫بد�أنا نتعلم يف املدر�سة‪ ،‬كنا نعتقد �أننا اجليل املثقف‪،‬‬ ‫ُتمثلة يف‬ ‫لكن مع تقدمنا يف العمر �أدركنا � َّأن الرثوة امل ِّ‬ ‫خربة اجليل الأكرب �سن ًا منّا كانت �أكرث قيمة»‪ .‬نحن مل‬ ‫نعد يف خدمة الل�ؤل�ؤ‪ ،‬بل �صرنا ورثة له‪l .‬‬

‫‪21‬‬


‫البيئة‬

‫‪tnempoleveD sv tnemnorivnE‬‬

‫و‬

‫التنمية‬

‫مدينة الدوحة بمنظور جديد‬

‫‪sag dna lio‬‬

‫على الأقدام من البيت �إىل املكتب وللت� ّسوق‪ .‬كما‬ ‫يخطّ ط لتربيد املقاعد يف ال�ساحة بالطاقة ال�شم�سية‪،‬‬ ‫يف حني �سيغطي خط الرتام امل�سافات الأبعد‪.‬‬ ‫قد يبدو كل ذلك ر�ؤية م�ستقبلية‪ ،‬لكن الفكر املتمثل‬ ‫يف حماولة جعل م�شريب «�أول م�شروع يف العامل لتجديد‬ ‫و�سط املدينة بطرق م�ستدامة» ا�ستخل�ص من ما�ضي‬ ‫مدينة الدوحة نف�سها‪ .‬وعن ذلك يقول ال�سيد عي�سى‬ ‫املهندي‪ ،‬الرئي�س التنفيذي ل�شركة م�شريب العقارية‪،‬‬ ‫�أن الأماكن التي كان النا�س يعي�شون ويعملون فيها يف‬ ‫قطر كانت «مبانٍ �صديقة للبيئة افرتا�ضي ًا؛ فقد كانت‬ ‫املواد امل�ستخدمة طبيعية‪ ،‬وجملوبة من املنطقة‪ ،‬ومل‬ ‫تكن ت�ؤثر على البيئة‪ .‬ول ّأن املوارد كانت �شحيحة‪ ،‬ف�إذا‬ ‫رغبت يف منزل جديد‪ ،‬كان عليك هدم القدمي و�إعادة‬ ‫تدوير املواد امل�ستخدمة يف بنائه»‪.‬‬ ‫كانت املباين ُت�ش ّيد على وجه التحديد لتخفيف‬ ‫احلرارة ال�شديدة من خالل اال�ستفادة من الرياح‬ ‫ال�شمالية الغربية الباردة‪ ،‬مع نوافذ تتجه بعيد ًا عن‬ ‫�أ�شعة ال�شم�س املبا�شرة وجدران «امللقف» التي توفّر‬ ‫ثقوبها تهوية طبيعية‪ .‬كانت املنازل قريبة من بع�ضها‬ ‫البع�ض‪ ،‬وكانت «ال�سكك» �أو الأزقة بينها منظمة بحيث‬ ‫تكون مظلّلة يف معظم الأوقات‪.‬‬ ‫يقول املهندي �أن كل هذه اخل�صائ�ص ز ّودت قطر‬ ‫«بهوية‪ ،‬من حيث البيئة العمرانية‪ ،‬بد�أنا نفقدها بعد‬ ‫اكت�شاف النفط والغاز‪ .‬لقد بد�أنا نقلّد �أمناط ًا جديد ًة ال‬ ‫تنتمي �إىل املنطقة‪ ».‬وكانت الدوحة‪ ،‬كما يقول‪ ،‬يف خطر‬ ‫�أن ت�صبح «جمرد مثال �آخر لإحدى املدن الغربية»‪.‬‬

‫على اليمين واألعلى‪ :‬رؤية فنية‬ ‫لمشيرب التي ستستخدم األساليب‬ ‫التقليدية لمراعاة مناخ الدوحة‪.‬‬

‫مدينة الدوحة‬ ‫بمنظور جديد‬

‫بنية معمارية جديدة‬

‫المهندس سعد المهندي‬

‫كيف يمزج مشروع مشيرب في قلب الدوحة بين‬ ‫تقنيات البناء الحديثة وبين الطرق التقليدية للحفاظ‬ ‫على البيئة‪ ،‬من أجل خلق لغة معمارية جديدة‬

‫في‬

‫مير �شارع م�شريب‪.‬‬ ‫و�سط الدوحة‪ّ ،‬‬ ‫ويعني اال�سم «مكان املياه العذبة»‪،‬‬ ‫ويقطعه الآن موقع م�ساحته ‪31‬‬ ‫هكتار ًا يجاور مقر احلكومة‪� ،‬أي‬ ‫الديوان الأمريي‪ .‬ويحتوي املكان‬ ‫على العديد من املباين التاريخية الهامة‪ ،‬مثل دار‬ ‫حممد بن جا�سم‪ ،‬الذي كان يف املا�ضي منز ًال البن‬ ‫م�ؤ�س�س قطر احلديثة‪.‬‬ ‫قبل االنتقال �إىل الألفية اجلديدة‪ ،‬كان البئر الذي‬ ‫اجتذب القطريني �إىل املنطقة قدمي ًا قد اختفى منذ‬

‫‪ l‬عيسى المهندي‪ ،‬الرئيس‬ ‫التنفيذي لشركة مشيرب العقارية‪ ،‬هو‬ ‫مؤسس ورئيس مجلس قطر لألبنية‬ ‫الخضراء‪.‬‬

‫‪msheireb.com‬‬

‫بقلم شولتو بيرنز‬

‫زمن بعيد‪ ،‬ومل يكن هناك �سوى القليل من الأمور‬ ‫املك�سرة‬ ‫اجليدة التي ميكن �أن ُتقال عن املخازن‬ ‫ّ‬ ‫املتهدمة التي حلّت حملّه؛ فقد‬ ‫والعمارات ال�سكنية‬ ‫ّ‬ ‫�صارت املنطقة «يف حالة تدهور»‪ ،‬كما يقول املهند�س‬ ‫�سعد املهندي ‪ -‬نائب الرئي�س للم�شاريع الرئي�سية‬ ‫واملرافق مب�ؤ�س�سة قطر‪ ،‬م�ضيف ًا‪« :‬كانت امل�ساحات‬ ‫مرتهلة‪ ،‬ومل تكن الظروف م�ؤاتية‬ ‫�صغرية‪ ،‬واملباين‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫‪ l‬تعمل واحة العلوم والتكنولوجيا‬ ‫في قطر بالتعاون مع شركة مشيرب‬ ‫إلنتاج تكنولوجيا الطاقة الشمسية‬ ‫األمثل للتنمية‪.‬‬

‫‪qstp.org.qa‬‬

‫‪ l‬تقوم كلية الدراسات اإلسالمية‬ ‫في قطر بتعزيز البحوث في مجال‬ ‫التخطيط الحضري والعمارة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪qfis.edu.qa‬‬

‫أبريل ‪2012‬‬

‫للعمل �أو املعي�شة»‪ .‬ولذا ف�إن فكرة جتديد املنطقة نبعت‬ ‫لحة يف البداية‪ ،‬ل ّأن هذه املنطقة تقع يف‬ ‫«عن �ضرورة ُم ّ‬ ‫قلب املدينة‪ .‬وكنا بحاجة �إىل �إعادة �إحيائها»‪.‬‬ ‫بحلول عام ‪ ، 2016‬لن تكون م�شريب جمرد م�شروع‬ ‫ومره �إىل املا�ضي‪.‬‬ ‫�أو كلمة ت�ستجلب حنين ًا م�شوب ًا بحلوه ّ‬ ‫�سيكون حي ًا جديد ًا متام ًا قد مت �إن�شا�ؤه‪ ،‬يحتوي على‬ ‫‪ 900‬منزل‪ ،‬وعلى متاحف‪ ،‬وم�ساجد‪ ،‬وحمالت جتارية‪،‬‬ ‫و�أربعة فنادق (مبا يف ذلك فرع فندق ماندارين‬ ‫�أورينتال)‪ ،‬ومتنزهات و�ساحات عامة ‪ -‬وكلها حا�صلة‬ ‫على املعيار الذهبي للريادة يف الطاقة والت�صميم‬ ‫البيئي (‪ ،)LEED‬كما يتم ت�صنيفه من قبل املجل�س‬ ‫الأمريكي للمباين ال�صديقة للبيئة‪ .‬ويف هذا ال�سياق‪،‬‬ ‫�أ�ضاف املهندي «هذا هو احلد الأدنى»‪.‬‬ ‫�سوف تكون هذه املنطقة خالية تقريب ًا من �أية حركة‬ ‫متر حتت املوقع‬ ‫مرورية‪� ،‬إذ � ّأن �شبكة الأنفاق التي ّ‬ ‫�ست�سمح ملختلف اخلدمات بدء ًا من عربات الت�سليم‬ ‫ال�صغرية وحتى �شاحنات جمع القمامة بالبقاء بعيد ًا‬ ‫عن الأنظار‪ .‬و�سيتم ت�شجيع النا�س على التنقل �سري ًا‬

‫تناغمت الرغبة يف خلق بنية معمارية جديدة مالئمة‬ ‫للبالد ب�سهولة مع هدف حماية البيئة‪ .‬وقد ا�ستفاد‬ ‫م�شروع م�شريب من فكرة اعتماد الرتاث ك�أ�سلوب‬ ‫للتخطيط احل�ضري لكونه يت�سم باال�ستدامة طبيعي ًا‪ ،‬مع‬ ‫حماولة تطويره لكي ي�ستخدم يف القرن احلادي‬ ‫والع�شرين‪ .‬ويف هذا ال�سياق‪ ،‬يقول املهند�س املهندي ‪-‬‬ ‫نائب رئي�س م�ؤ�س�سة قطر للم�شاريع الرئي�سية واملرافق‪:‬‬ ‫«تت�سم عمارتنا العربية والإ�سالمية بجمالها‪ ،‬لكنها‬ ‫توقفت عند زمن معني‪ ،‬واكتفى النا�س بن�سخها على مدى‬ ‫قرون‪ .‬ولذلك �أجرينا بحوث ًا على العمارة التي كانت‬ ‫موجودة من قبل‪ ،‬وقلنا‪ :‬تخ ّيل لو تط ّور هذا بطريقة‬ ‫طبيعية‪ ،‬كيف كانت بنيتنا املعمارية �ستكون اليوم؟»‬ ‫النتيجة تتخذ �شكل منطقة مدجمة متعددة‬ ‫اال�ستخدامات تتك ّون من �أكرث من ‪ 100‬مبنى منخف�ض‬ ‫االرتفاع يف الغالب‪ ،‬مع �إ�شارات لأ�صول املنطقة‬ ‫وتاريخها ‪� -‬إذ �س ُتقام نافورة متثّل البئر الأ�صلي ‪-‬‬ ‫وي�ؤكد املهند�س املهندي �أنه من املتوقع �أن تولّد دخ ً‬ ‫ال‬ ‫يعادل تكلفتها البالغة ‪ 5.5‬مليارات دوالر‪ .‬ويقول‪« :‬ال‬ ‫نريد للحكومة �أن تدعم هذا امل�شروع الذي يجب يف‬ ‫النهاية �أن يكون م�ستدام ًا مالي ًا‪ .‬ال بد �أن ينجح‬ ‫امل�شروع»‪.‬‬ ‫و�سوف ت�ضاف خا�صية من خ�صائ�ص احلداثة‬ ‫تختلف متاما عما متثلها الأبراج امل�صنوعة من الزجاج‬ ‫والفوالذ يف منطقة اخلليج الغربي يف الدوحة‪ .‬ويف هذا‬ ‫ال�سياق‪ ،‬يقول املهند�س املهندي‪« :‬نحن نعلم �أنه �ستكون‬ ‫هناك �أ�صوات معار�ضة للم�شروع‪ ،‬لكننا على ا�ستعداد‬ ‫النتهاز هذه الفر�صة و�إطالق هذا النقا�ش»‪l .‬‬

‫‪23‬‬


‫البيئة‬

‫و‬

‫التنمية‬

‫األمن المائي‬

‫نحتاج �إىل التفكري يف املاء‬ ‫بطرق جديدة‪ .‬ميكننا القول‬ ‫بب�ساطة � ّأن الب�شر ال يدركون القيمة‬ ‫احلقيقية للمياه‪ ،‬وقد بلغنا يف عالقتنا‬ ‫باملوارد الطبيعية الهائلة ‪ -‬ولكن املحدودة ‪-‬‬ ‫مرحلة ال ميكننا فيها حت ّمل مغ ّبة �أن نبقى‬ ‫جاهلني بالو�ضع‪ .‬لقد �أ ّثر ا�ستهالكنا املفرط‬ ‫و�سوء �إدارتنا للماء بالفعل وعلى نحو خطري‬ ‫للغاية على بيئاتنا املائية‪ ،‬وما تقدمه لنا‬ ‫من خدمات �أ�سا�سية‪.‬‬

‫التكلفة‬ ‫الخفية للمياه‬ ‫ّ‬

‫نحن‬

‫بأن التجارة التي تبقي‬ ‫إنه موردنا األثمن‪ ،‬لكن معظمنا ال علم له ّ‬ ‫قدرا ً كبيرا ً من المياه على كوكبنا آمناً تعتمد على خمس دول فقط‬ ‫ال غير‪ .‬سنكون واهمين إذا ظننّ ا أنّ ه بإمكاننا االستمرار في التعامل‬ ‫مع المياه على أنّ ها من المسلّ مات‬

‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫بقلم توني آالن‬

‫نعاين من‬ ‫افتقار هائل �إىل‬ ‫الوعي؛ فمعظمنا لي�ست‬ ‫لديه �أدنى فكرة عن تلك‬ ‫الكميات ال�ضخمة من املياه التي يتم ا�ستهالكها يف‬ ‫حياتنا اليومية‪ .‬مل يكن هذا اجلهل ذا �أهمية يف بداية‬ ‫القرن الع�شرين‪ ،‬عندما كان عدد �سكان العامل مليار‬ ‫ن�سمة فقط‪� ،‬إذ كانت ن�سبة عدد ال�سكان �إىل كمية املياه‬ ‫هائلة لدرجة بدت معها خمزونات املياه كما لو كانت‬ ‫غري حمدودة‪ ،‬لكن الواقع مغاير متام ًا‪� .‬أما اليوم‪ ،‬يف‬ ‫بداية القرن احلادي والع�شرين‪ ،‬ومع و�صول عدد �سكان‬ ‫العامل �إىل �سبعة مليارات ن�سمة‪ ،‬ف�إن ندرة املياه مل تعد‬ ‫جمرد احتمالية‪ ،‬بل �صارت حقيقة واقعة بالن�سبة‬ ‫للكثريين‪.‬‬ ‫ت�سمح لنا مخُ ِّيلتنا بفهم ذلك يف الأماكن النائية؛‬ ‫حيث ميكننا ت�ص ُّور ال�صحراء القاحلة‪ ،‬والرتبة املت�شقِّ قة‬ ‫بفعل اجلفاف‪ ،‬و�إمدادات املياه امللوثة وامل�ؤذية التي‬ ‫تُظهرها املقاطع الإخبارية ونداءات املنظمات اخلريية‪.‬‬ ‫وبالتايل تنتمي ندرة املياه �إىل عامل املجاعات‪،‬‬ ‫والكولريا‪ ،‬والرحالت التي متتد خلم�س �ساعات �إىل �أقل‬ ‫بئر موثوق للمياه امل�أمونة‪� .‬أما يف الدول ال�صناعية التي‬ ‫يتوفر بها املاء ب�شكل دائم مبجرد �إدارة مقب�ض‬ ‫ال�صنبور �أو فتح زجاجة من املياه املعب�أة‪ ،‬فال ميكننا‬ ‫جمرد ت�ص ُّور غيابه‪ .‬وتُعد الظروف املائية واالقت�صادية‬ ‫ّ‬ ‫التي جتعل هذا �أمر ًا ممكن التحقيق مبثابة يد خفية‬ ‫تعمل خارج نطاق م�شاغلنا اليومية‪ ،‬لكن هذه اليد �آخذة‬ ‫يف التداعي‪.‬‬ ‫�إن العديد من التهديدات اخلطرية التي نواجهها يف‬ ‫القرن احلادي والع�شرين هي نتائج غري متوقعة‬ ‫للتدخالت التي قمنا بها‪ ،‬بكل ثقة وتفا�ؤل‪ ،‬خالل‬ ‫أبريل ‪2012‬‬

‫الن�صف الأخري من القرن الع�شرين‪ .‬لقد‬ ‫متكّنا من حل م�شاكل االنتقال‪ ،‬وال�صناعة‪،‬‬ ‫وجودة احلياة‪ ،‬وال�سالم واالزدهار‪ ،‬لكننا مل منتلك من‬ ‫الب�صرية ما ي�سمح لنا ب�إدراك �أن هذا �سيت�س َّبب يف‬ ‫حدوث ظاهرة االحرتار العاملي؛ فلم يكن ب�إمكان �أحد‬ ‫�أن ُيثبت وقوع هذه املح�صلة منذ البداية‪ ،‬باالعتماد على‬ ‫�أدلة بديهية‪.‬‬ ‫وباملثل‪ ،‬ف�إن �إدارة املياه ‪ -‬خا�صة الكميات الكبرية‬ ‫الري ‪ -‬قد �س ّببت م�شكلة‬ ‫من املياه امل�ستخدمة يف ّ‬ ‫انخفا�ض التدفقات املائية لنقوم مبعاجلتها‪ ،‬وبيئات‬ ‫�سامة ذات احتمالية منخف�ضة على �إنتاج الغذاء‪ .‬مل‬ ‫يكن بالإمكان توقُّع هذه النتائج بدقة‪ ،‬لكنه يتوجب علينا‬ ‫الآن التعامل مع هذه التبعات غري املعلومة يف �أثناء‬ ‫حت ُّولها �إىل حقائق واقعة‪.‬‬ ‫ُيذهِ لك الب�شر بقدرتهم على حتويل امل�شاكل �إىل‬ ‫عرف باحللول ملتطلباتنا من‬ ‫حلول جديدة‪ ،‬لكن ما ُي َ‬ ‫الطاقة‪ ،‬والنقل‪ ،‬والطعام وال�سلع‪ ،‬واملياه ‪ -‬بطبيعة‬ ‫احلال‪� -‬أ�صبحت بدورها متثل م�شكالت �أكرب من‬ ‫م�ستويات الندرة التي كانت ُمدركة يف البداية‪ .‬ويف‬ ‫الوقت نف�سه‪ ،‬يحفل ال�سجل بنجاحات العلوم‬ ‫والتكنولوجيا يف حل هذه امل�شكالت التي ميكن و�صفها‬ ‫ب�أنها خمتلطة‪.‬‬ ‫خمس حقائق عن المياه‬

‫هناك خم�سة �أمور ال يعرفها املجتمع ومعظم الطبقات‬ ‫ال�سيا�سية يف العامل عن املياه‪� :‬أو ًال‪ ،‬هم ال يدركون �أن ‪90‬‬ ‫يف املائة من كمية املياه التي ي�ستهلكها فرد ما �أو‬ ‫مت�ضمنة بالفعل‬ ‫اقت�صاد بعينه يف كل يوم �أو كل �سنة‬ ‫ّ‬ ‫داخل ما ي�ستهلكه من طعام‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ ،‬لي�ست لديهم �أدنى فكرة عن �أن معظم هذه‬

‫‪25‬‬


‫البيئة‬

‫و‬

‫التنمية‬

‫األمن المائي‬

‫المتوقع في عام ‪2025‬‬ ‫ّ‬ ‫شح المياه‬ ‫ّ‬ ‫شح منخفض أو معدوم للمياه‬ ‫ّ‬

‫موارد مائية وفيرة مقارنة باالستهالك‪ ،‬استخدام أقل من ‪٪25‬‬

‫من مياه األنهار لألغراض البشرية‪.‬‬

‫مادي للمياه‬ ‫ّ‬ ‫شح‬ ‫ّ‬ ‫االستهالك يقترب أو يتجاوز حدود االستدامة واستهالك أكثر‬ ‫من ‪ ٪75‬من مياه األنهار‪ .‬وتعني مقارنة وفرة المياه بالطلب‬ ‫عليها أن المناطق الجافة ال تعاني بالضرورة من شح المياه‪.‬‬

‫شح المياه االقتصادي‬ ‫ّ‬ ‫موارد المياه وفيرة مقارنة باالستهالك‪ ،‬واستخدام أقل من‬ ‫لكن النقص موجود‬ ‫ّ‬ ‫‪ ٪25‬من مياه األنهار لألغراض البشرية‪.‬‬ ‫لعدم القدرة على الوصول إليها بسبب دور البشر‪ ،‬أو‬ ‫المؤسسات أو رأس المال‪.‬‬ ‫مقدرة‬ ‫ّ‬ ‫غير‬ ‫تشير إلى الدول التي سوف تستورد أكثر من ‪ ٪10‬من استهالكها‬ ‫للحبوب في ‪2025‬‬

‫يتطلب الغذاء الذي يتّ سم بكثافة لحوم األبقار‬

‫‪%90‬‬ ‫‪%30‬‬

‫مكعبة من المياه يومياً ‪ ،‬وهو ضعف المقدار‬ ‫ّ‬ ‫أمتار‬ ‫الذي يحتاج إليه الغذاء الخالي من لحم البقر‪.‬‬

‫‪%50 -40‬‬

‫‪%30‬‬

‫أخرى من الطعام الذي يشترونه‪.‬‬

‫خمسة‬

‫من استخدام الماء يأتي‬ ‫من استهالك الطعام‪.‬‬

‫من الغذاء يُ فقد في الطريق‬ ‫بين المزرعة والسوق‪.‬‬

‫‪7‬مليار‬ ‫(‪)2011‬‬

‫‪9.1‬مليار‬ ‫(‪)2050‬‬

‫يجب أن يزداد اإلنتاج العالمي للغذاء بنسبة‬

‫بحلول العام ‪ 2050‬للتواكب مع زيادة عدد سكان العالم‪.‬‬

‫المصدر‪ :‬األمم المتحدة‬

‫‪2.5‬مليار‬ ‫(‪)1950‬‬

‫عدد سكان العالم لعامي ‪ 1950‬و ‪2011‬‬ ‫والتوقعات لعام ‪2050‬‬ ‫ّ‬

‫‪26‬‬ ‫يلقي المستهلكون في الدول الغنية نسبة‬

‫مصدر الخريطة‪ :‬المعهد الدولي إلدارة المياه‬

‫املياه ‪ -‬التي ي�ستخدمها ويديرها املزارعون لتلبية‬ ‫احتياجات املجتمع من الطعام ‪ -‬لي�ست هي ما يقوم‬ ‫الري ب�ضخّ ه وحتويل جمراه؛ بل �إنّه املاء‬ ‫امل�س�ؤولون عن ّ‬ ‫املتجمع يف املنطقة اجلوفية التي حت�صل على خمزونها‬ ‫ِّ‬ ‫من مياه الأمطار املت�ساقطة حملي ًا‪ .‬هذه املياه بالتحديد‬ ‫التي تعلَّم املزارعون ا�ستغالل خمزونها للمرة الأوىل يف‬ ‫ال�شرق الأو�سط منذ نحو ‪� 13‬ألف �سنة‪ .‬كما ال يدرك‬ ‫النا�س �أي�ض ًا �أن معظم الفائ�ض العاملي من خمزون املياه‬ ‫املتجمعة يف املناطق الأر�ضية اجلوفية ال يتواجد �سوى يف‬ ‫ّ‬ ‫خم�س دول فقط هي‪ :‬الواليات املتحدة‪ ،‬وكندا‪،‬‬ ‫و�أ�سرتاليا‪ ،‬والربازيل‪ ،‬والأرجنتني‪� .‬أما التفاوت يف‬ ‫االعتماد اال�سرتاتيجي للأمن املائي على عدد قليل من‬ ‫االقت�صادات التي حباها اهلل برثوات مائية كبرية‪ ،‬عن‬

‫طريق جتارة ال�سلع الغذائية‪ ،‬في ّت�سم بكونه �أكرث تطرف ًا‬ ‫حتى من ذلك االعتماد اال�سرتاتيجي لأمن الطاقة على‬ ‫امل�صدرين‬ ‫جمموعة �أكرب من �سابقتها بكثري من‬ ‫ّ‬ ‫الرئي�سيني للنفط‪ ،‬والغاز الطبيعي‪ ،‬والفحم‪.‬‬ ‫ثالثا‪ ،‬مل ي�ستوعب النا�س � ّأن املزارعني يحققون الأمن‬ ‫املائي القت�صادات العامل من خالل زيادة �إنتاجية‬ ‫�أرا�ضيهم؛ حيث يح�صل املزارعون الذين يقومون‬ ‫بزراعة الأرا�ضي املروية مبياه الأمطار يف الدول‬ ‫ال�صناعية على ع�شرة �أ�ضعاف حم�صول القمح‬ ‫وحما�صيل الغالل الأخرى من الهكتار الواحد ‪ -‬وبالتايل‬ ‫لكل مرت مكعب واحد من املياه ‪ -‬مقارن ًة مبا كانوا‬ ‫يح�صلون عليه يف العام ‪ .1800‬ولو مل ينجح املزارعون‪،‬‬ ‫بكل العلوم والتقنيات امل�ساندة لهم‪ ،‬يف حتقيق هذه‬

‫املعجزة الإنتاجية‪ ،‬لكانت املعركة الفا�صلة التي توقّعها‬ ‫مالتو�س منذ مئتي �سنة بخ�صو�ص املوارد الطبيعية قد‬ ‫وقعت بالفعل‪.‬‬ ‫رابع ًا‪ّ � ،‬إن املجتمعات ومن يديرون لعبتها ال�سيا�سية‬ ‫التخ�صي�صية يتعامون عن �سبب متتعهم بالأمن املائي‬ ‫الوا�ضح‪ .‬وتُعد معظم اقت�صادات العامل‪� ،‬أي نحو ‪160‬‬ ‫دولة من �أ�صل ‪ 210‬دولة يف العامل‪ ،‬م�ستوردة للطعام‬ ‫ب�شكل كامل‪ ،‬وحتقّق هذه االقت�صادات �شك ً‬ ‫ال من الأمن‬ ‫املائي عرب «ا�سترياد املياه» الكامنة يف الأطعمة‪( .‬لقد‬ ‫قمت ب�صياغة م�صطلح «املياه االفرتا�ضية» يف �أوائل‬ ‫الت�سعينيات من القرن الع�شرين للتعبري عن الدور الذي‬ ‫تلعبه جتارة ال�سلع الغذائية يف حتقيق الأمن املائي‬ ‫العاملي)‪ .‬ت�ستورد �سنغافورة والعديد من اقت�صادات‬ ‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫أبريل ‪2012‬‬

‫اخلليج العربي جميع احتياجاتها من الطعام تقريب ًا‪،‬‬ ‫وتعتمد على هذا الطعام يف تلبية ما يقارب ‪ 90‬يف املائة‬ ‫من احتياجاتها املائية‪( .‬وعلى النقي�ض من ذلك‪ ،‬هناك‬ ‫اقت�صادات مثل �سوريا التي ال تعتمد على واردات ال�سلع‬ ‫الغذائية �إال يف �سنوات اجلفاف)‪.‬‬ ‫يتم تبادل نحو ‪ 15‬يف املائة من الطعام املنتج حول‬ ‫العامل دولي ًا‪ ،‬وهو م�ستوى �أثبت كفايته يف احلفاظ على‬ ‫الأمن املائي للعامل‪ .‬وجترتح هذه التجارة ال�شديدة‬ ‫الفاعلية ثالث معجزات‪� :‬أو ًال‪� ،‬أنّها ت�ضمن الأمن‬ ‫الغذائي العاملي؛ وثاني ًا‪� ،‬أنّها حتقق �شك ً‬ ‫ال ما من الأمن‬ ‫املائي العاملي؛ وثالث ًا‪� ،‬أنّها ‪ -‬وعلى مدى ن�صف القرن‬ ‫املا�ضي ‪ -‬حقّقت هذين الأمرين بن�صف التكلفة‪ .‬وت�أتي‬ ‫هذه املعجزة الأخرية كنتيجة للإعانات احلكومية التي‬

‫‪27‬‬


‫البيئة‬

‫و‬

‫التنمية‬

‫البيئة و التنمية‬ ‫مستقبل نووي؟‬

‫األمن المائي‬

‫‪28‬‬

‫يح�صل عليها قطاع �إنتاج وجتارة ال�سلع الغذائية من‬ ‫االحتاد الأوروبي والواليات املتحدة اللذين حددا مدى‬ ‫توفر �سلع غذائية رئي�سية رخي�صة يف ال�سوق العاملية‪.‬‬ ‫لكن هذه التجارة تت�سم بكونها خفية‪ ،‬وغري مرئية‬ ‫اقت�صادي ًا‪ ،‬و�صامتة �سيا�سي ًا ‪ -‬وهي توليفة يحتمل �أن‬ ‫تكون خطرية‪.‬‬ ‫وتتمثّل الق�ضية اخلام�سة التي ال يعرف بها‪ ،‬وال‬ ‫يرغب يف مواجهتها‪ ،‬م�ستهلكو الطعام والقادة‬ ‫ال�سيا�سيون يف �سلة من التف�ضيالت واملمار�سات التي‬ ‫ميكن تلخي�صها يف فكرة التكثيف امل�ستدام للإنتاج؛‬ ‫فمن �أجل �إطعام امليليارين الإ�ضافيني من الب�شر الذين‬ ‫�سيكونون معنا بحلول العام ‪� ،2050‬سنحتاج �إىل‬ ‫م�ساعدة املزارعني على زيادة �إنتاج الطعام بنحو ‪40‬‬ ‫�إىل ‪ 50‬يف املائة‪ .‬وقد مت تقدير ذلك الأمر على �أنه‬ ‫ممكن التحقيق‪ ،‬لكنه يجب بلوغ هذه الإنتاجية الإ�ضافية‬ ‫للمياه بوا�سطة مزارعني حمفّزين ليكونوا مدراء‬ ‫ف�سيتوجب عليهم يف بع�ض املناطق �إعادة مياه‬ ‫جيدين‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫الري �إىل الطبيعة مرة �أخرى؛ �أما يف مناطق �أخرى‪ ،‬مثل‬ ‫البلدان الأفريقية الواقعة جنوبي ال�صحراء الكربى‪،‬‬ ‫فعليهم �أن يتبنوا ممار�سات جديدة و�ضخ ا�ستثمارات‬ ‫لزيادة �إنتاجية املياه يف املناطق اجلوفية‪ .‬وبالإ�ضافة �إىل‬ ‫ذلك‪ ،‬ف�سيتطلب حتقيق النتائج املرجوة م�ستثمرين‬ ‫م�س�ؤولني يقومون بحماية التنوع الإيكولوجي‪ ،‬وي�شاركون‬ ‫يف تطوير الأ�سواق‪ ،‬وو�سائل النقل‪ ،‬وعنا�صر البنية‬ ‫التحتية امل�ؤ�س�سية واملادية الأخرى‪.‬‬ ‫تت�ضمن هذه ال�سلة اخلام�سة من العالجات بع�ض‬ ‫ّ‬ ‫العمليات اخلفية التي حتتاج �إىل اهتمام عاجل‪ .‬تت�سم‬ ‫طرق تداولنا للغذاء بالإ�سراف ال�شديد؛ �إذ ُيفقد ما‬ ‫قيمته ‪ 30‬يف املائة خالل امل�سافة بني بوابة املزرعة‬ ‫وال�سوق يف معظم االقت�صادات النامية‪ ،‬كما يقوم‬ ‫امل�ستهلكون املهملون يف اقت�صادات منظمة التعاون‬ ‫االقت�صادي والتنمية (‪ )OECD‬وبلدان اخلليج العربي‬ ‫ب�إلقاء ‪ 30‬يف املائة �أخرى مما ي�شرتونه من طعام يف‬ ‫القمامة‪ .‬وقد �أ�صبح �سكان هذه الدول الغنية مهملني‬ ‫للغاية يف ا�ستهالكهم للطعام �أي�ض ًا؛ فالفرد الذي تبنّى‬ ‫نظاما غذائي ًا تغلب عليه حلوم الأبقار التي تغذَّ ت على‬ ‫احلبوب يحتاج �إىل ما يزيد عن خم�سة �أمتار مكعبة من‬ ‫املياه يومي ًا‪� ،‬أما من يتناول غذاء خاليا من حلم البقر‬ ‫فال يحتاج �إال �إىل ن�صف هذه الكمية‪ .‬نحن نقوم ب�إهدار‬ ‫موارد طبيعية حيوية يف عامل يعاين من �شُ ّح يف �إمدادات‬ ‫املياه والطاقة‪ ،‬وذلك لعدم �إدراكنا لقيمة هذه املوارد؛‬ ‫�إذ ال توجد بالت�أكيد قواعد للمحا�سبة تعرب عن قيمة املاء‬ ‫يف �سل�سة الإمداد بالغذاء‪.‬‬ ‫تغيير نمط السلوكيات‬

‫تخويف النا�س لي�س طريقة فعالة لت�شجيعهم على تغيري‬ ‫�سلوكياتهم‪ ،‬فنحن بحاجة �إىل التحفيز ولي�س التخويف‪.‬‬ ‫وعلى �أية حال‪ ،‬تبقى م�شكلة كيفية �إبالغ النا�س بالأخبار‬ ‫ال�سيئة؛ لأنه ال يوجد يف جعبتي حالي ًا �سوى الأخبار‬ ‫ال�سيئة‪� .‬إن املياه االفرتا�ضية ‪ -‬مثلها مثل ال�سوق‪،‬‬ ‫والبيئة‪ ،‬واملاكينات ال�شقبية ‪ -‬ال متتلك بو�صلة �أخالقية‪،‬‬ ‫حمدد �أو دولة‬ ‫ولي�س لديها �أي التزام جتاه �أي �شخ�ص ّ‬

‫فعالة‬ ‫تخويف الناس ليس طريقة ّ‬ ‫لتشجيعهم على تغيير سلوكياتهم‪ ،‬فنحن‬ ‫بحاجة إلى التحفيز وليس التخويف‬ ‫بعينها‪ .‬وقد �صرنا معتادين على فوائد املياه‬ ‫االفرتا�ضية؛ حيث �أنها حتقق الأمن املائي لالقت�صادات‬ ‫ال�صناعية الغنية‪� ،‬إىل جانب العديد من االقت�صادات‬ ‫الأخرى �أي�ض ًا‪ ،‬وت�ساعد ك ً‬ ‫ال من الغني والفقري‪ ،‬وتوفر‬ ‫املوارد املائية العاملية الثمينة ‪ -‬وهي نتائج �إيجابية‬ ‫للغاية‪.‬‬ ‫�أما على اجلانب ال�سلبي‪ ،‬فتت�سم املياه االفرتا�ضية‬ ‫بكونها خف ّية؛ ومن هنا ف� ّإن الطبيعة غري الظاهرة للمياه‬ ‫االفرتا�ضية م�ؤ�شر �إىل �أن بع�ض الأ�س�س االقت�صادية‬ ‫والبيئية الكامنة غري بادية لنا‪ ،‬برغم �أهميتها البالغة‪.‬‬ ‫وتُعد املعرفة بهذه اجلوانب �أمر ًا حيوي ًا ل�ضمان �إدارة‬ ‫املوارد املائية لعاملنا على نحو يت�سم باال�ستدامة‪ .‬ولكن‬ ‫بالنظر �إىل �أننا ال ن�ستطيع ر�ؤية امل�شكلة‪ ،‬فنحن نعتقد‬ ‫(ونحن خمطئون يف ذلك) �أنه ال توجد م�شكلة على‬ ‫الإطالق‪ ،‬وهو ما يعني �أن جتارة املياه االفرتا�ضية‬ ‫التقدم الذي‬ ‫�ست�ؤدي يف نهاية املطاف �إىل �إبطاء معدل‬ ‫ّ‬ ‫ميكن �أن حتققه املجتمعات يف تعلّم كيفية تقدير قيمة‬ ‫املياه و�إدارتها على النحو ال�سليم‪.‬‬ ‫يجتمع ائتالف ف ّعال من علماء املياه‪ ،‬والن�شطاء‪،‬‬ ‫وال�شركات التجارية العاملية البارزة ‪ -‬مثل يونيليفر‪،‬‬ ‫ون�ستله‪ ،‬وكوك‪ ،‬وبيب�سي‪ ،‬ووول ‪ -‬مارت مع بع�ضهم‬ ‫البع�ض ب�صورة غري ر�سمية وب�شكل ع�شوائي‪ .‬يحاول هذا‬ ‫احل�شد تو�صيل هذه امل�شكلة �إىل النا�س‪ ،‬لكن الإغراء‬ ‫الذي متثله احللول ق�صرية الأمد كبري للغاية؛ �إذ ي�سمع‬ ‫ال�سيا�سيون عن هذه القوة االقت�صادية اخلفية التي تقوم‬ ‫بحل م�شاكل ندرة املياه دون عناء ‪ -‬وهذا هو كل ما‬ ‫يرغبون يف �سماعه‪ .‬لكن الدول ال�صناعية �آخذة يف‬ ‫التعامل تدريجي ًا‪ ،‬وعلى م�ض�ض‪ ،‬مع اجلوانب الأ�سا�سية‬ ‫الكامنة التي تت�س ّبب يف ندرة املوارد وتلويث البيئة‪.‬‬ ‫ويكافح ال�سيا�سيون ببطء �ضد غرائزهم الفطرية‪،‬‬ ‫وباتوا يواجهون احلقائق املقلقة املتعلقة ب�إدارة املياه‬ ‫واحلفاظ عليها‪.‬‬ ‫املياه حمدودة الكمية‪ ،‬ومن اخلط�أ افرتا�ض � ّأن املناخ‬ ‫والبيئة املائية ميكنهما تعوي�ض كل ما ن�أخذه منهما؛‬ ‫فنحن ن�سحب قدر ًا �أكرب من الالزم منهما يف بع�ض‬ ‫الأماكن‪ ،‬ونفرط يف تلويثهما يف مناطق �أخرى‪ .‬ال يت�سم‬ ‫� ّأي من هذين امل�سلكني باال�ستدامة‪ ،‬لكن جتارة املياه‬ ‫االفرتا�ضية تخدعنا عرب دفعنا لالعتقاد ب�أن كل �شيء‬ ‫ي�سري �إىل الأمام على نحو جيد‪ ،‬و�أنه بو�سعنا اال�ستمرار‬ ‫يف تبنّي نف�س الأ�سلوب‪ ،‬وهو �أمر ال ميكن �أن يحدث‪l .‬‬

‫لمحة عن الكاتب‬ ‫البروفيسور توني أالن هو‬ ‫رئيس مجموعة لندن ألبحاث‬ ‫المياه في كينغز كوليدج‬ ‫وكلية الدراسات الشرقية‬ ‫واألفريقية التابعة لجامعة‬ ‫لندن‪ .‬وهو مستشار للعديد‬ ‫من الحكومات والوكاالت‪،‬‬ ‫منح جائزة ستوكهولم للمياه‬ ‫لعام ‪ 2008‬تقديراً لما قدمه‬ ‫من إسهامات في علوم‬ ‫وسياسات المياه‪ .‬وتضم‬ ‫قائمة منشوراته «قضية‬ ‫المياه في الشرق األوسط‪:‬‬ ‫السياسات المائية‬ ‫واالقتصاد العالمي»‬ ‫و«المياه االفتراضية‪:‬‬ ‫مواجهة التهديد الذي‬ ‫يواجهه أثمن موارد كوكبنا»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫في أعقاب كارثة فوكوشيما‪ ،‬انقلبت العديد من الدول ضد الطاقة النووية‪ .‬لكن حتى‬ ‫تتوقع الشركات المتخصصة في إنشاء المفاعالت أن تزدهر أعمالها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫في اليابان‪،‬‬ ‫ولذلك‪ ،‬يتساءل أحد أبرز العلماء األمريكيين قائالً ‪:‬‬

‫هل يـمكن للطاقـة‬ ‫النووية أن تنقذ العالم؟‬

‫في‬

‫احلادي ع�شر من مار�س‬ ‫‪ ،2011‬ت�س َّب َب زلزال بقوة ‪9‬‬ ‫درجات على مقيا�س ريخرت‬ ‫يف �إحداث موجة ت�سونامي‬ ‫دم َرت اجلزء ال�شمايل‬ ‫َّ‬ ‫ال�شرقي من اليابان‪ ،‬وغمرت مفاعالت توليد الكهرباء‬ ‫املخ�ص�صة حلاالت الطوارئ يف حمطة فوكو�شيما دايت�شي‬ ‫ّ‬

‫أبريل ‪2012‬‬

‫بقلم تشارلز دي‪ .‬فيرغسون‬

‫لتوليد الكهرباء با�ستخدام الطاقة النووية‪ .‬وقد �أ َّدى هذا‬ ‫احلادث �إىل تع ّر�ض ثالثة من مفاعالت املحطة حلاالت‬ ‫ان�صهار و�إطالق كمية هائلة من التل ّوث الإ�شعاعي ‪ -‬مبا ال‬ ‫تقل قيمتها التقديرية عن ُع�شْ ر الكمية التي جنمت عن‬ ‫كارثة ت�شرينوبل يف العام ‪ .1986‬ومع �أن هذه احلادثة‬ ‫الأخرية قد هزَّ ت ثقة اجلمهور يف الطاقة النووية‪� ،‬إال �أن‬ ‫التحدي احلقيقي الذي يواجهه م�صدر الطاقة هذا ال‬ ‫ِّ‬


‫البيئة‬

‫و‬

‫التنمية‬

‫مستقبل نووي؟‬

‫المصنِّ عين اآلن بالفعل‬ ‫راهن بعض كبار ُ‬ ‫يُ ِ‬ ‫على مستقبل يغلب فيه استخدام الطاقة‬ ‫النووية‪ ،‬وأن االنكماش الذي تال حادثة‬ ‫فوكوشيما لن يستمر سوى لفترة وجيزة‬ ‫اعتمدت اللجنة التنظيمية الأمريكية للطاقة النووية‬ ‫�شهادة ت�صميم مفاعلني نوويني جديدين من طراز‬ ‫و�ستنغهاو�س ‪ AP1000‬الذي ي�شتهر بخ�صائ�ص �أمان‬ ‫معزّ زة‪ ،‬وبفرتة عمل طويلة ال تقل عن ‪� 60‬سنة‪ ،‬وبكفاءة‬ ‫�أكرب يف ا�ستخدام الوقود‪ .‬لكن �أي ًا من هذه اخل�صائ�ص لن‬ ‫يوفر حمفّزات كافية لإعادة �إحياء هذه ال�صناعة ما مل‬ ‫تفر�ض احلكومة �ضريبة على انبعاثات غازات الدفيئة‬ ‫الناجمة عن ا�ستخدام الوقود الأحفوري �أو تقوم بتقدمي‬ ‫املزيد من الإعانات املالية ل�صناعة الطاقة النووية‪.‬‬ ‫و ُيعد املوقف يف �آ�سيا خمتلف ًا نوع ًا ما؛ فال�صني تقوم‬ ‫بت�شييد �أول مفاعل لها من طراز ‪ ،AP1000‬والذي �سيبد�أ‬ ‫العمل يف العام ‪ ،2013‬ويف حني �أن هذه الدولة ال متتلك‬ ‫الآن �سوى ‪ 14‬مفاع ً‬ ‫ال نووي ًا‪� ،‬إال �أن لديها خطط لرفع هذا‬ ‫العدد �إىل ما يقارب ال�ستني بحلول العام ‪ .2020‬ويف ظل‬ ‫حكم احلزب الواحد‪ ،‬وهيمنة احلكومة على ال�شركات‬ ‫الكربى يف جمال توليد الكهرباء‪ ،‬وامتالك ما يزيد عن‬ ‫ثالثة تريليونات دوالر �أمريكي من احتياطيات النقد‬ ‫الأجنبي‪ ،‬تتوفر لدى بكني جميع العوامل ال�سيا�سية واملالية‬ ‫الالزمة لتبنّي برنامج طموح لتوليد الكهرباء با�ستخدام‬ ‫الطاقة النووية‪ .‬لكن حتى هناك‪ ،‬لن ت�سيطر الطاقة‬ ‫النووية على �سوق توليد الكهرباء؛ فخالل ال�سنوات‬ ‫الثمانية القادمة‪ ،‬تهدف ال�صني �إىل زيادة كمية الكهرباء‬ ‫اجلديدة املُول َ​َّدة من الفحم ب�أربعة �أ�ضعاف‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫يتعلق بت�أثريه البيئي املحتمل‪ ،‬ولكن بجدواه االقت�صادية‪.‬‬ ‫وقبل خم�سة �أيام من وقوع هذه الكارثة الأخرية يف‬ ‫اليابان‪� ،‬أذهل جون رو‪ ،‬الرئي�س التنفيذي ل�شركة �إك�سلون‬ ‫للطاقة‪ ،‬جمهور ًا م�ؤيد ًا للأعمال التجارية‪ ،‬وم�ؤيد ًا ب�شكل‬ ‫عام ال�ستخدام الطاقة النووية يف معهد �إنرتبرايز‬ ‫الأمريكي بوا�شنطن‪ ،‬عندما قلّل من احتماالت االعتماد‬ ‫امل�ستقبلي على الطاقة النووية يف الواليات املتحدة‪ .‬متتلك‬ ‫�شركة �إك�سلون العدد الأكرب من حمطات الطاقة النووية‬ ‫يف �أمريكا‪ ،‬و ُيعرف رو عادة بالته ّور واالندفاع‪ .‬وعلى �أية‬ ‫حال‪ ،‬فوجهة نظره احلالية تتمثّل يف �أن «الغاز الطبيعي هو‬ ‫امللك»؛ فالإمدادات ال�ضخمة رخي�صة الثمن من غاز‬ ‫َ‬ ‫الطفل النفطي‪ ،‬والتي توفرت حديث ًا عرب تقنية التك�سري‬ ‫الهيدروليكي‪ ،‬بد�أت ت�شُ قّ طريقها يف الواليات املتحدة على‬ ‫ح�ساب حمطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم �أو‬ ‫الطاقة النووية‪.‬‬ ‫ال تزال �أمريكا متتلك عدد ًا من املفاعالت النووية‬ ‫يفوق ما متتلكه �أية دولة �أخرى؛ حيث يبلغ ما متتلكه منها‬ ‫‪ 104‬مفاعالت‪ .‬لكن على مدار العقود الثالثة املا�ضية‪،‬‬ ‫�أدت املخاطر التمويلية �إىل �إبطاء عمليات ت�شييد حمطات‬ ‫نووية جديدة‪ .‬ويف �سوق الكهرباء املحلية‪ ،‬حتظى مرافق‬ ‫الطاقة بر�سملة قليلة ن�سبي ًا ترتاوح بني ب�ضعة مليارات‬ ‫حتى ب�ضعة ع�شرات من مليارات الدوالرات على �أكرث‬ ‫تقدير‪ .‬وبالنظر �إىل �أن حمطة كبرية لتوليد الكهرباء‬

‫أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون‬ ‫في حين ّ‬ ‫ال تصدر عن محطات توليد الكهرباء بالطاقة‬ ‫النووية؛ إال أنّ ها تثير المخاوف حول‬ ‫الم ِش َّعة التي يتوجب تخزينها‬ ‫النفايات ُ‬ ‫لعشرات اآلالف من السنين‬

‫فرصة البقاء‬

‫لمحة عن الكاتب‬ ‫تشارلز فيرجسون هو رئيس‬ ‫اتحاد العلماء األمريكيين‪،‬‬ ‫وأستاذ منتدب بمركز‬ ‫دراسات السالم واألمن‬ ‫بجامعة جورجتاون‪ .‬وقد‬ ‫نشرت له مطبعة جامعة‬ ‫أكسفورد في العام‬ ‫كتابا‬ ‫ً‬ ‫الماضي (‪)2011‬‬ ‫بعنوان “الطاقة النووية‪ :‬ما‬ ‫يحتاج الجميع إلى معرفته”‪.‬‬

‫بالطاقة النووية تتكلف ما يزيد عن ع�شرة مليارات دوالر؛‬ ‫ف�إن �أية �شركة ُ�ستخاطر بجزء كبري من �أ�صولها لت�شييد‬ ‫حمطة واحدة منها فقط‪.‬‬ ‫وقد عر�ضت احلكومة الأمريكية ما قيمته ‪ 18.5‬مليار‬ ‫دوالر من �ضمانات القرو�ض الفدرالية‪ ،‬وما ي�صل �إىل �ستة‬ ‫مليارات دوالر كائتمانات �ضريبية لأول ‪� 6‬آالف ميجاواط‬ ‫من الكهرباء تولّدها املحطات اجلديدة‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل‬ ‫ت�أمني املخاطر التنظيمية‪ .‬ويف نهاية العام املا�ضي‪،‬‬

‫‪fas.org‬‬

‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫أبريل ‪2012‬‬

‫يقودنا هذا �إىل اجلدل حول ما �إذا كانت الطاقة النووية‬ ‫�صديقة للبيئة؛ فاملحطات اجلديدة لتوليد الكهرباء‬ ‫با�ستخدام الفحم التي تعتزم ال�صني �إن�شا�ؤها �ستكون‬ ‫عالية الكفاءة‪ ،‬لكن �ستنبعث منها كميات هائلة من ثاين‬ ‫�أك�سيد الكربون‪ .‬ويف حني �أن انبعاثات ثاين �أك�سيد‬ ‫الكربون ال ت�صدر عن حمطات توليد الكهرباء بالطاقة‬ ‫النووية؛ �إال �أنها تثري املخاوف حول النفايات امل ُِ�ش َّعة التي‬ ‫يتوجب تخزينها لع�شرات الآالف من ال�سنني‪.‬‬ ‫ومن جانبه‪ ،‬يعتقد العامل الربيطاين البارز جيم�س‬ ‫الفلوك‪� ،‬صاحب فر�ضية «جايا» التي تقول ب� ّأن الكوكب‬ ‫ب�أكمله عبارة عن نظام واحد معقّد يقوم بتنظيم نف�سه‬ ‫بنف�سه‪َّ � ،‬أن الطاقة النووية « �ستمنح احل�ضارة الب�شرية‬ ‫فر�صة للنجاة من الأوقات ال�صعبة التي �ستحلّ �سريع ًا»‪.‬‬ ‫بينما ُيحذِّ ر كومي نايدوو ‪ -‬املدير التنفيذي ملنظمة‬ ‫جرينبي�س الدولية‪ -‬على اجلانب الآخر‪ ،‬من �أن الطاقة‬ ‫النووية «لن تكون �آمنة ُمطلق ًا» و «لن تكون رخي�صة‬ ‫على الإطالق»‪.‬‬

‫يتم‬ ‫ويف ال�صني‪ ،‬والهند‪ ،‬وجميع بلدان العامل النامي‪ّ ،‬‬ ‫�أحيانا توجيه هذا اجلدل نحو جانب واحد‪ :‬فالرتكيز‬ ‫ين�صب بد ًال من ذلك على النمو الهائل يف الطلب على‬ ‫ُّ‬ ‫الكهرباء؛ حيث ال ميكن احلفاظ على احل�صة احلالية‬ ‫للوقود الأحفوري من ال�سوق العاملية لتوليد الكهرباء‪،‬‬ ‫والبالغ حجمها ‪ 67‬يف املائة‪ ،‬نظر ًا ال�ستنفاد االحتياطيات‬ ‫ب�شكل مطَّ رِ د‪ .‬لكن مفاع ً‬ ‫ال نووي ًا كبري ًا واحد ًا‪ ،‬بقدرة �ألف‬ ‫ميغاواط‪ ،‬ال يحتاج �إىل تو�صيله ب�شبكة الكهرباء �سوى مرة‬ ‫واحدة كل ‪ 16‬يوم ًا للإبقاء على ن�سبة الكهرباء املولّدة‬ ‫با�ستخدام الطاقة النووية‪ ،‬والبالغة ‪ 14‬يف املائة‪ .‬ومل‬ ‫يتحقق معدل بناء املحطات النووية احلايل منذ عقد‬ ‫االزدهار يف �إن�شاء املحطات النووية؛ وهو عقد الثمانينيات‬ ‫من القرن الع�شرين‪ .‬وعلى املدى الأطول‪� ،‬ستتناف�س‬ ‫الطاقة النووية ب�صورة �أ�سا�سية مع امل�صادر املتجددة‬ ‫للطاقة‪ ،‬مثل الرياح والطاقة ال�شم�سية؛ حيث هبط �سعر‬ ‫الكهرباء املولدة با�ستخدام الرياح ب�صورة كبرية خالل‬ ‫العقد املن�صرم‪ ،‬مما جعلها تتناف�س بالفعل مع الكهرباء‬ ‫املولّدة با�ستخدام الفحم يف العديد من الأ�سواق‪ .‬ومع �أن‬ ‫�أنظمة توليد الكهرباء باخلاليا ال�شم�سية تُعد باهظة‬ ‫الثمن يف الوقت احلايل‪� ،‬إال �أنه ُيتوقَّع �أن تنخف�ض‬ ‫�أ�سعارها لت�صبح تناف�سية يف غ�ضون ع�شر �سنوات‪ .‬رمبا ال‬ ‫ُي َ‬ ‫نظر �إىل الطاقة النووية على �أنها «�صديقة للبيئة» بنف�س‬ ‫الدرجة ك�أنواع الطاقة املتجددة‪ ،‬لكنها تتمتّع مبيزة توليد‬ ‫كهرباء ثابتة على نحو م�ستمر‪ ،‬يف حني �أن توليد الكهرباء‬ ‫با�ستخدام ال�شم�س �أو الرياح يتطلب جوا م�شم�س ًا �أو‬ ‫عا�صف ًا على الدوام‪.‬‬ ‫ُيراهِ ن بع�ض كبار املُ�صنِّعني الآن بالفعل على م�ستقبل‬ ‫يغلب فيه ا�ستخدام الطاقة النووية‪ ،‬و� ّأن االنكما�ش الذي‬ ‫تال حادثة فوكو�شيما لن ي�ستمر �سوى لفرتة وجيزة؛ حيث‬ ‫عقدت كوريا اجلنوبية م�ؤخر ًا �صفقة بقيمة ‪ 20‬مليار دوالر‬ ‫مع الإمارات العربية املتحدة بعد تقدميها لعر�ض ُمقنع‬ ‫يثبت قدرتها على ت�شييد �أربعة مفاعالت نووية �آمنة‬ ‫ُقرر �أن‬ ‫منخف�ضة التكلفة ن�سبي ًا خالل ع�شر �سنوات‪ .‬ومن امل َّ‬ ‫تفوز ال�صناعة النووية لتلك الدولة مبا ال يقل عن ‪ 20‬يف‬ ‫املائة من قيمة �سوق الت�صدير العاملية للطاقة النووية‬ ‫بحلول عام ‪ .2030‬قد تكون اليابان قد �أغلقت جميع‬ ‫مفاعالتها النووية الأربعة واخلم�سني‪ ،‬با�ستثناء �ستة‬ ‫مفاعالت فقط‪ ،‬لكنها ت�سعى هي الأخرى ‪ -‬كما هو حال‬ ‫جارتها يف �شرق �آ�سيا ‪� -‬إىل تعزيز �صادراتها النووية عرب‬ ‫اال�ستفادة من حتالفات �شركاتها مع ال�شركتني الأمريكيتني‬ ‫و�ستنغهاو�س وجرنال �إلكرتيك للطاقة النووية‪.‬‬ ‫تتوقع الدول الرئي�سية املُز ِّودة خلدمات الطاقة النووية‬ ‫�أن يرتكز الطلب امل�ستقبلي يف الدول النامية على‬ ‫املفاعالت املعيارية ال�صغرية التي تبلغ قدرتها ُع�شْ ر �إىل‬ ‫ثلث قدرة املفاعالت الكبرية‪ .‬ويف الوقت املنا�سب‪ ،‬و�إذا ما‬ ‫رغبت يف ذلك‪ ،‬ميكن دمج عدد �إ�ضايف من املفاعالت‬ ‫ال�صغرية مع بع�ضها البع�ض �ضمن حمطة واحدة لتوليد‬ ‫للكهرباء‪ .‬وهكذا‪ ،‬ف�إن ت�شا�ؤم جون رو فيما يتعلق بحال‬ ‫هذه ال�صناعة يف �أمريكا قد ال ينطبق على �أماكن �أخرى‪.‬‬ ‫هل ميكن للطاقة النووية �أن تنقذ العامل؟ الإجابة‬ ‫باخت�صار هي «ال» ‪ -‬لأنه ال يوجد م�صدر واحد للطاقة‬ ‫ي�ستطيع مبفرده تلبية احتياجات كوكب الأر�ض‪ ،‬لكن‬ ‫امل�ستقبل قد يغلب عليه ا�ستخدام الطاقة النووية بدرجة‬ ‫�أكرب بكثري مما ميكن �أن ي�شري �إليه الو�ضع بعد حادثة‬ ‫فوكو�شيما‪l .‬‬

‫‪31‬‬


‫ّ‬ ‫رأي تفكر‪.‬‬ ‫بقلم‬ ‫محمد البرادعي‬

‫ميثل‬

‫‪32‬‬

‫التوق لتحقيق الأمان خا�صية م�شرتكة‬ ‫بني جميع الب�شر‪ .‬ولكن تعريف الأمن‬ ‫واال�سرتاتيجيات الالزمة لتحقيقه‬ ‫بالن�سبة للدول ‪� -‬ش�أنها يف ذلك‬ ‫�ش�أن الأفراد ‪ -‬يختلف اختالفا‬ ‫كبريا‪� ،‬سواء متثّل امل�سعى يف ت�أمني‬ ‫الطعام‪ ،‬وامل�شرب‪ ،‬والرعاية‬ ‫ال�صحية‪� ،‬أو التحرر من العِ َوز ‪� -‬أو‬ ‫غريها من حقوق الإن�سان الأ�سا�سية‬ ‫(مثل حرية التعبري‪ ،‬وحرية‬ ‫والتحرر من اخلوف)‪.‬‬ ‫العبادة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بالن�سبة للدول‪ ،‬قد يعني الأمن‬ ‫حتقيق الهيمنة االقت�صادية‪� ،‬أو‬ ‫الع�سكرية‪� ،‬أو الأيديولوجية‪� ،‬أو‬ ‫ا�ستعرا�ض ال�سلطة والنفوذ‪ .‬ويف‬ ‫مناطق كثرية من العامل‪� ،‬أدت‬ ‫التوترات التي طال �أمدها �إىل‬ ‫�إعاقة ال�سبيل امل�ؤدي �إىل الأمان‪،‬‬ ‫ولذلك فالبد �أن يبد�أ ال�سعي‬ ‫لتحقيقه بحلّها �أوالً‪.‬‬ ‫وبرغم هذا النطاق الوا�سع‪،‬‬ ‫ف�سيكون من اخلط�أ �أن ننظر �إىل‬ ‫حاالت انعدام الأمن على م�ستوى‬ ‫العامل على �أنها منف�صلة عن بع�ضها‬ ‫البع�ض؛ فنحن نرى االرتباطات‬ ‫بينها مرارا وتكرارا‪ :‬فكثريا ما‬ ‫يرتافق الفقر مع انتهاك حقوق‬ ‫الإن�سان وغياب احلكم الر�شيد‪،‬‬ ‫الأمر الذي يولّد بدوره الظلم‪،‬‬ ‫والغ�ضب‪ ،‬والإذالل ‪ -‬وهي بيئة‬ ‫مثالية لتكاثر �أنواع متعددة من‬ ‫العنف‪ :‬التطرف‪ ،‬والنزاعات‬ ‫الأهلية‪ ،‬واحلروب‪ .‬ويف مناطق‬ ‫وبغ�ض‬ ‫ال�صراع الطويل الأمد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫النظر عن طبيعة النظام املوجود يف‬

‫لمـاذا ال تجعلنــا‬ ‫األسلحة النووية‬ ‫أمنــــا؟‬ ‫أكثـــر‬ ‫ً‬

‫مع التركيز المبالغ فيه على منع‬ ‫المزيد من الدول من االنضمام إلى‬ ‫فإن فكرة تخلّ ي‬ ‫النادي النووي‪ّ ،‬‬ ‫األعضاء الحاليين عن أسلحتهم تبدو‬ ‫للوهلة األولى ضرباً من الخيال‪ .‬ولكن‬ ‫أن‬ ‫عولمة‪ ،‬يبدو ّ‬ ‫ً‬ ‫في عالم يزداد‬ ‫التعاون الدولي ‪ -‬وليس تكديس‬ ‫أسلحة الدمار الشامل ‪ -‬هو ما يحمل‬ ‫مفتاح األمن في نهاية المطاف‪.‬‬

‫ال�سلطة‪ ،‬تُدفع البلدان يف معظم‬ ‫الأحيان �إىل تقوية دفاعاتها �أو‬ ‫تعزيز مكانتها عن طريق ال�سعي‬ ‫المتالك الأ�سلحة النووية وغريها‬ ‫من �أ�سلحة الدمار ال�شامل‪ .‬يكت�سب‬ ‫البقاء يف ال�سلطة �أهمية حمورية‬ ‫لكافة �أنظمة احلكم‪� ،‬سواء كانت‬ ‫دميقراطية �أو ا�ستبدادية‪.‬‬ ‫ويف ع�صر العوملة‪ ،‬يت�ضح �أكرث‬ ‫من �أي وقت م�ضى �أن هذه املخاوف‬ ‫متثل تهديدات بال حدود؛ فال‬ ‫ميكننا تطمني �أنف�سنا بالقول ب�أن‬ ‫تهديد ًا �أمني ًا يقع يف الن�صف الآخر‬ ‫من العامل لن ي�ؤثر علينا‪� ،‬سواء‬ ‫اتخذ �شكل �شكل هجوم عرب �شبكة‬ ‫الإنرتنت‪� ،‬أو انهيار �أحد الأنظمة‬ ‫املالية‪� ،‬أو انت�شار وباء‪� ،‬أو �سرقة‬ ‫ملواد نووية‪ .‬ال ميكن لأية دولة �أو‬ ‫منظمة منفردة �أن تواجه هذه‬ ‫التهديدات ب�شكل فعال؛ فهذه‬ ‫التهديدات‪ ،‬وبحكم طبيعتها‪ ،‬تتطلب‬ ‫ا�ستجابات تعاونية متعددة‬ ‫اجلن�سيات والأبعاد‪.‬‬ ‫ويف حالة الأ�سلحة النووية‪� ،‬إذا‬ ‫�أردنا تقليل املخاطر ومن ثم الق�ضاء‬ ‫عليها يف نهاية املطاف‪ ،‬يجب �أن‬ ‫ُينظر �إىل تلك الأ�سلحة �ضمن هذا‬ ‫ال�سياق الوا�سع‪� .‬سيتوا�صل التهديد‬ ‫طاملا �أن املجتمع الدويل ال يزال‬ ‫حتد‬ ‫مكتفي ًا مبعاجلة �أعرا�ض كل ّ‬ ‫جديد يتعلق بانت�شار الأ�سلحة‬ ‫النووية‪ :‬عن طريق �شن احلرب �ضد‬ ‫�أحد البلدان‪ ،‬و�إبرام �صفقة مع بلد‬ ‫�آخر‪ ،‬وفر�ض العقوبات على بلد‬ ‫ثالث‪� ،‬أو ال�سعي لتغيري نظام احلكم‬ ‫يف بلد �آخر‪ .‬وطاملا �أن الأ�سلحة‬ ‫النووية ال تزال ت�شكل ا�سرتاتيجية‬ ‫�أمنية لعدد حمدود من الدول التي‬ ‫متتلكها‪ ،‬فمع الرتتيبات املظلية التي‬ ‫تو�سع هذا الأمن و�صوال �إىل دائرة‬ ‫ّ‬ ‫ثانوية من البلدان «احلليفة»؛ وطاملا‬ ‫توا�صل التخلي عن الآخرين‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫ف�سيالزمنا خطر انت�شار الأ�سلحة‬ ‫النووية‪ .‬ومع ظهور اجلماعات‬ ‫املتطرفة املحنّكة التي ال يعنيها‬ ‫ً‬ ‫التهديد باالنتقام‪� ،‬صار الردع‬ ‫النووي ال يعدو كونه ا�سرتاتيجية‬ ‫�أمنية م�ؤقتة‪� ،‬إن مل تكن وهمية؛‬ ‫فالأمن كُلّ ال يتجز�أ‪.‬‬ ‫ويعني هذا يف الأ�سا�س � ّأن املجتمع‬ ‫الدويل بحاجة �إىل تطوير نظام‬ ‫بديل للأمن اجلماعي‪ ،‬وهو نظام ال‬ ‫ُينظر �إليه باعتباره لعبة حم�صلتها‬ ‫�صفرية بالن�سبة لبلد بعينه �أو‬ ‫ملجموعة من البلدان‪ ،‬ولكن بو�صفه‬ ‫حتمية عاملية متجذّ رة يف مفهوم‬ ‫الأمن والت�ضامن الب�شري مبفهومه‬ ‫الوا�سع‪ .‬بيد �أن هذا التح ّول يف‬ ‫التفكري لي�س جمرد واجب معنوي �أو‬ ‫�أخالقي‪ ،‬بل �إنه ميثل �أي�ض ًا �ضرورة‬ ‫عملية‪ :‬فمع تزايد عدد �سكان كوكبنا‬ ‫وتناق�ص موارده‪� ،‬سيعتمد بقاء‬ ‫الب�شرية على مدى فعالية تدبرينا‬ ‫العتمادنا على بع�ضنا البع�ض‪.‬‬ ‫إن منظومة بديلة للأمن‬ ‫اجلماعي يجب �أن تكون ُمن�صفة‬ ‫و�شاملة يف كافة جوانبها‪ .‬علينا �أن‬ ‫ن�ضع ا�سرتاتيجيات لتقا�سم ثروات‬ ‫هذا الكوكب ب�صورة �أكرث عدالً‪ ،‬مع‬ ‫االعرتاف ب� ّأن الفقر‪� ،‬أي�ض ًا‪ ،‬هو‬ ‫واحد من �أ�سلحة الدمار ال�شامل‪.‬‬ ‫متعمد يف‬ ‫علينا �أن ن�ستثمر ب�شكل ّ‬ ‫جمال العلوم والتكنولوجيا املتقدمة‬ ‫لتلبية االحتياجات التنموية‪ ،‬بد ًال‬ ‫من �صنع املنتجات التي تولّد مزيد ًا‬ ‫من الرثوة للأغنياء‪ّ � .‬إن‬ ‫اال�ستثمارات احلالية يف قطاع‬ ‫يحركها �سوى الربح‬ ‫التكنولوجيا ال ّ‬ ‫يف �أغلبيتها ال�ساحقة؛ ولذلك ينبغي‬ ‫الرتكيز �أكرث على االكت�شاف العلمي‬ ‫واالبتكار التكنولوجي ملعاجلة‬ ‫م�شكالت اجلوع واملر�ض‪ .‬وعندما‬ ‫نبد�أ يف تخفيف وط�أة الفقر‪ ،‬عندها‬ ‫أبريل ‪2012‬‬

‫يتعيّ ن على مجلس األمن ‪ ...‬أن‬ ‫يقلّ ل من تركيزه على التدابير‬ ‫القسرية التالية لوقوع األحداث‪،‬‬ ‫التي يقع ضحيتها دائماً‬ ‫المدنيون المعرضون للخطر‬ ‫فقط �سنتمكن من توليد الزخم‬ ‫الالزم يف املناطق املت�ضررة‬ ‫للحوكمة الفعالة‪ .‬عندما تتم تلبية‬ ‫االحتياجات الإن�سانية الأ�سا�سية‪،‬‬ ‫تكون البيئة م�ؤاتية كي يح ّول‬ ‫املواطنون تركيزهم �إىل ال�سعي‬ ‫للح�صول على حقوقهم ال�سيا�سية‪،‬‬ ‫واملدنية‪ ،‬واالجتماعية‪.‬‬ ‫يجب �أن يرتكز النموذج الأمني​​‬ ‫املتعدد اجلن�سيات على م�ؤ�س�سات‬ ‫قوية‪� ،‬سريعة اال�ستجابة‪ ،‬ومتعددة‬ ‫اجلن�سيات‪ .‬وعلى اجلانب‬ ‫الإيجابي‪ ،‬فقد ك�شفت الأزمات‬ ‫والتحديات املتعلقة بحظر االنت�شار‬ ‫النووي‪ ،‬والتي تعاملت الوكالة‬ ‫الدولية للطاقة الذرية (‪)IAEA‬‬ ‫معها يف ال�سنوات الأخرية‪ ،‬عن كافة‬ ‫عيوب م�ؤ�س�ساتنا املتعددة‬ ‫اجلن�سيات احلالية وعن كيفية‬ ‫�إ�صالحها‪ .‬يجب على جمل�س الأمن‬ ‫التابع للأمم املتحدة‪ ،‬وهو الهيئة‬ ‫الدولية املكلفة بحفظ ال�سالم يف‬ ‫العامل‪� ،‬أن ُيعيد توجيه اهتمامه �إىل‬

‫الأ�سباب اجلذرية لل�صراع‪ ،‬ولي�س‬ ‫�إىل �أعرا�ض انعدام الأمن فح�سب‪.‬‬ ‫ويعني هذا الرتكيز ب�صورة �أكرب‬ ‫بكثري على حفظ ال�سالم و�صنع‬ ‫ال�سالم؛ وعلى االكت�شاف املبكر‬ ‫للنزاعات واحليلولة دون وقوعها؛‬ ‫وعلى الو�ساطة وامل�صاحلة الف ّعالة‬ ‫وال�سريعة؛ وعلى اال�ضطالع‬ ‫مب�س�ؤولية ح�سم ال�صراعات‪ .‬ويف‬ ‫املقابل‪ ،‬يتعينّ على جمل�س‬ ‫الأمن‪ -‬الذي تهيمن عليه حاليا‬ ‫واحدة �أو عدد قليل من الدول‬ ‫اخلم�س الدائمة الع�ضوية ‪� -‬أن يقلّل‬ ‫من تركيزه على التدابري الق�سرية‬ ‫التالية لوقوع الأحداث التي يقع‬ ‫�ضحيتها دائما املدنيون املعر�ضون‬ ‫للخطر‪ ،‬كما حدث يف العراق قبل‬ ‫حرب اخلليج الثانية‪ .‬و�أخري ًا‪،‬‬ ‫يحتاج املجل�س �أي�ضا �إىل �إعادة بناء‬ ‫الثقة املبنية على التوافق‬ ‫والإن�صاف‪ ،‬والق�ضاء على ازدواجية‬ ‫املعايري املرتبطة باجلغرافيا‬ ‫ال�سيا�سية �أو بالن�سبية الأخالقية‪.‬‬

‫وعلى الجبهة النووية خ�صو�ص ًا‪،‬‬ ‫ف� ّإن امل�ؤ�س�سات املتعددة اجلن�سيات‬ ‫التي تعمل على منع‪ ،‬واكت�شاف‪،‬‬ ‫ومكافحة االنت�شار النووي حتتاج‬ ‫�إىل تعزيز‪ .‬ويف هذا ال�سياق‪ ،‬ف�إن‬ ‫وكالة الطاقة الذرية‪ ،‬بو�صفها‬ ‫الراعي الفعلي ملعاهدة منع انت�شار‬ ‫الأ�سلحة النووية (‪ ،)NPT‬ميكنها‬ ‫�أن تكون �أكرث فعالية يف التحقّق من‬ ‫الربامج النووية يف جميع �أنحاء‬ ‫العامل ‪ -‬مبا يف ذلك اكت�شاف‬ ‫الأن�شطة النووية ال�سرية ‪� -‬إذا مت‬ ‫منحها ما يلزم من ال�سلطة‪،‬‬ ‫والتكنولوجيا‪ ،‬والتمويل‪ ،‬وكذلك‬ ‫املعلومات اال�ستخباراتية وغريها‬ ‫من املعلومات املتاحة‪ ،‬حيثما‬ ‫اقت�ضت الظروف‪ .‬ينبغي جلميع‬ ‫الدول �أن تعيد ت�أكيد التزامها‬ ‫بتبادل املعلومات ذات ال�صلة مع‬ ‫وكالة الطاقة الذرية حول املخاوف‬ ‫املحتملة لالنت�شار النووي‪ ،‬وذلك‬ ‫با�ستمرار وب�سرعة‪ .‬وميثل هذا‬ ‫التزام ًا قانوني ًا مبوجب معاهدة‬ ‫حظر االنت�شار النووي‪ .‬وال ميكن‬ ‫مواجهة اخلداع من جانب اجلهات‬ ‫ال�ساعية المتالك ال�سالح النووي‬ ‫بفعالية �إذا كانت البلدان املالكة‬ ‫للمعلومات اال�ستخباراتية تقوم‬ ‫بعمليات جتاوز �أو دعم انتقائية‪،‬‬ ‫وفقا لأهوائها ال�سيا�سية‪ ،‬للجهات‬ ‫املتعددة اجلن�سيات غري امللتزمة‬ ‫بعدم االنت�شار النووي‪ .‬وبالإ�ضافة‬ ‫�إىل ذلك‪ ،‬فعندما تتعمد البلدان‬ ‫املالكة ملثل هذه املعلومات‬ ‫اال�ستخباراتية �أن تقوم بال�ضرب‬ ‫�أوال ثم ن�شر هذه املعلومات الحق ًا‪،‬‬ ‫يف خمالفة �صريحة للقانون‬ ‫الدويل‪ -‬كما حدث يف تفجري‬ ‫�إ�سرائيل للمن�ش�أة النووية ال�سورية‬ ‫يف دير الزور يف العام ‪،2007‬‬ ‫ومفاعل �أوزيراك البحثي العراقي‬ ‫يف العام ‪ ،1981‬فالبد �أن يتبع ذلك‬

‫‪33‬‬


‫من العالم‬ ‫يتم‬ ‫«أية إشارة إلى أن أول قادة شيوعيين ّ‬ ‫اختيارهم بالتوريث في العالم ال يحتلون منزلة‬ ‫يد ُعون ستكون أمراً‬ ‫تقارب منزلة اآللهة كما َّ‬ ‫يهدد بقاء النظام بأكمله» ص ‪49‬‬ ‫ّ‬ ‫خطيراً‬

‫‪34‬‬

‫�إدانة لهذه الأعمال‪ ،‬والأكرث �أهمية‪،‬‬ ‫�أن تكون لها عواقب‪� .‬إن �سيادة‬ ‫القانون ال معنى لها �إذا مل تط ّبق‬ ‫�إال ب�شكل انتقائي‪.‬‬ ‫يتم حاليا تطبيق مبادرتني‬ ‫متعددتي اجلن�سيات ينبغي‬ ‫تعزيزهما؛ تتمثل الأوىل يف توفري‬ ‫�أعلى م�ستوى من الأمان من املواد‬ ‫النووية وامل�شعة‪ ،‬لإبقائها بعيد ًا عن‬ ‫�أيدي اجلماعات املتطرفة‪� .‬أما‬ ‫الثانية فهي لالنتقال من املراقبة‬ ‫الوطنية �إىل تلك املتعددة‬ ‫اجلن�سيات لدورة الوقود النووي‪.‬‬ ‫ويف دي�سمرب ‪ ،2010‬اعتمد جمل�س‬ ‫الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرار ًا‬ ‫يجيز �إن�شاء بنك لوقود اليورانيوم‬ ‫املنخف�ض التخ�صيب يعمل حتت‬ ‫رقابة الوكالة‪ ،‬لتوفري �إمدادات‬ ‫م�ضمونة من الوقود للم�ستخدمني‬ ‫قمت‬ ‫احلقيقيني‪ ،‬وهو �إجراء ُ‬ ‫�شخ�صي ًا بال�ضغط طوال �سنوات‬ ‫من �أجل حتقيقه‪ .‬وقد متت املوافقة‬ ‫على هذه الآلية من خالل �إجراء‬ ‫ت�صويت وافق عليه ‪ 28‬بلداً؛‬ ‫وامتنعت �ست دول عن الت�صويت‬ ‫هي‪ :‬الأرجنتني‪ ،‬والربازيل‪،‬‬ ‫والإكوادور‪ ،‬وجنوب �أفريقيا‪،‬‬ ‫وتون�س‪ ،‬وفنزويال؛ فيما غابت‬ ‫باك�ستان‪ .‬ويعك�س االمتناع عن‬ ‫الت�صويت البقية الباقية من انعدام‬ ‫الثقة حول الغر�ض من �إن�شاء بنك‬ ‫للوقود النووي‪ ،‬والناجت عن االقرتاح‬ ‫ال�سابق‪ ،‬والذي تقدمت به �ست دول‬ ‫غربية طالبت فيه امل�شاركني‬ ‫بالتخلي عن حقوقهم يف دورة‬ ‫الوقود ك�شرط للح�صول على‬ ‫�إمدادات الوقود النووي‪ .‬ون�أمل يف‬ ‫تتبدد هذه ال�شكوك مبرور‬ ‫�أن ّ‬ ‫الوقت‪ ،‬فهذا الأمر ميثل خطوة‬ ‫�أوىل بالغة الأهمية‪ .‬وعلى �أية حال‪،‬‬ ‫ف� ّإن الهدف النهائي يجب �أن يتمثل‬ ‫يف التدويل الكامل لدورة الوقود‬

‫أن األمر قد يبدو غير‬ ‫برغم ّ‬ ‫ُمحتمل الوقوع ‪ ...‬فما زلت‬ ‫بأن الدبلوماسية تمتلك‬ ‫أعتقد ّ‬ ‫القدرة على حل المشاكل التي‬ ‫قد تبدو مستعصية‬

‫شغل الدكتور محمد البرادعي منصب المدير العام للوكالة‬ ‫الدولية للطاقة الذرية ما بين عامي ‪ 1997‬و ‪ .2009‬وفي‬ ‫عام ‪ُ ،2005‬منح جائزة نوبل للسالم ‪ -‬مناصفة مع الوكالة‬ ‫الدولية للطاقة الذرية‪ ،‬وذلك تقديراً لجهودهما الرامية‬ ‫لمنع استخدام الطاقة النووية في األغراض العسكرية‪،‬‬ ‫وضمان أن يتم استخدام الطاقة النووية لألغراض‬ ‫السلمية بأكثر الطرق الممكنة أمانا‪ .‬نُ شر كتابه المعنون‬ ‫“عصر الخداع‪ :‬الدبلوماسية النووية في األزمنة الغادرة”‪،‬‬ ‫والذي تمثل المقالة المذكورة أعاله مقتطفات منه‪ ،‬في‬ ‫طبعتين‪ :‬إحداهما بغالف مقوى من قبل دار بلومزبري‬ ‫مؤسسة قطر للنشر‪ ،‬وهي شراكة بدأت منذ ثالث سنوات بين دار بلومزبري‬ ‫البريطانية للنشر ومؤسسة قطر‪.‬‬

‫‪bqfp.com.qa‬‬

‫أن المناخ‬ ‫«كما أظهرت شعبية بوتين المتراجعة‪ ،‬يبدو ّ‬ ‫التغير بسرعة تجعل من شبه‬ ‫ُّ​ّ‬ ‫السياسي آخذ في‬ ‫المستحيل على القادة الراسخين مجاراته» ص ‪36‬‬

‫التحرك نحو‬ ‫النووي‪ ،‬بالتوازي مع‬ ‫ّ‬ ‫نزع ال�سالح النووي يف جميع �أنحاء‬ ‫العامل‪.‬‬ ‫ومن مقعدي يف ال�صف الأمامي‬ ‫للدراما النووية خالل العقدين‬ ‫املا�ضيني‪ ،‬ر�أيت مرار ًا وتكرار ًا كيف‬ ‫يتم �ضمان انعدام روح العدالة‬ ‫والإن�صاف يف املفاو�ضات‪ ،‬وذلك‬ ‫لتخريب حتى �أكرث القرارات بديهية‪،‬‬ ‫ومرغوبية‪ ،‬و�إن�صاف ًا‪� .‬إن الطريق �إىل‬ ‫التعاون الثنائي الذي يربح فيه‬ ‫اجلميع حمفوف بامل�صائب‪،‬‬ ‫وب�ضحايا عدم االحرتام وانعدام‬ ‫املدمرة‬ ‫الثقة‪ ،‬وال�سيا�سة الداخلية ّ‬ ‫للذات‪ ،‬واملوروثات التاريخية امل�ؤملة‬ ‫التي ال تتال�شى بني ع�شية و�ضحاها‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬وبرغم �أن الأمر قد‬ ‫يبدو غري محُ تمل الوقوع‪ ،‬وبعد‬ ‫الإحباطات وحتى م�شاعر الغ�ضب‬ ‫التي انتابتني خالل هذه ال�سنوات‬ ‫التي ق�ضيتها على ر�أ�س الوكالة‪ ،‬فما‬ ‫زلت �أعتقد ب�أن الدبلوما�سية متتلك‬ ‫القدرة على حل امل�شاكل التي قد‬ ‫تبدو م�ستع�صية على احلل‪ .‬وهذا‬ ‫ال�سبب الأخري لئال نفقد ثقتنا يف � ّأن‬ ‫الدبلوما�سية واحلوار ميكن �أن‬ ‫ي�سودا بو�صفهما ا�سرتاتيجية‬ ‫التعامل مع الأزمات النووية ي�ستند‬ ‫ربر منطقي؛ وهو � ّأن البديل‬ ‫على م ّ‬ ‫غري مقبول‪ .‬وبطبيعة احلال‪،‬‬ ‫فالتفا�ؤل �أمر بعيد كل البعد عن‬ ‫اليقني‪ .‬تت�سم الدبلوما�سية النووية‬ ‫ال ممُ ّ ً‬ ‫بكونها عم ً‬ ‫ال وم�ضني ًا‪ .‬لكن‬ ‫الطريق �أمامنا وا�ضح‪ .‬ففي نهاية‬ ‫املطاف‪ ،‬نحن عائلة ب�شرية واحدة‬ ‫مت�آلفة؛ و�سواء �شئنا �أم �أبينا‪ ،‬فنحن‬ ‫يف هذا الأمر مع ًا‪ .‬وبالتايل ف�إن‬ ‫امل�سعى الوحيد الذي يحمل مغزى‪،‬‬ ‫وهو امل�سعى الوحيد الذي ي�ستحق �أن‬ ‫نعمل على حتقيقه‪ ،‬هو ذلك املف�ضي‬ ‫�إىل الأمن اجلماعي‪l .‬‬ ‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫‪35‬‬

‫التفسخ واليأس االجتماعي‪ ،‬مثل ذلك الذي ذكره أندرو‬ ‫ّ‬ ‫«يُ َع ّد‬ ‫ويلسون‪ ،‬أمراً شائعاً للغاية‪ .‬ولكن باإلمكان َع ْكس هذه األمور؛‬ ‫فبناء ‪ -‬أو إعادة بناء ‪ -‬العناصر األساسية لمجتمع مستقر وآمن‬ ‫وملتزم بآداب اللياقة‪ ،‬يتم من خالل زوجين اثنين وطفل» ص ‪45‬‬

‫أبريل ‪2012‬‬


‫من العالم‬

‫االنتخابات الروسية‬

‫تص ُّدعات في‬ ‫َ‬ ‫الكـريمليــن‬ ‫لم يكن اندالع المظاهرات غير المسبوقة وخروج‬ ‫جيل من الشباب مطالباً بالتغيير حدثاً يخلو من‬ ‫الدالالت‪ :‬إذ يعني وللمرة األولى في تاريخ‬ ‫روسيا أن نتيجة االنتخابات الرئاسية ال يمكن‬ ‫بحال أن تكون تحصيل حاصل‪ .‬لقد آن األوان‬ ‫للتخلّ ي عن مسلّ مات الماضي‬

‫‪36‬‬

‫بقلم ماري ديجيفيسكي‬

‫حتى‬

‫حلول موعد االنتخابات الربملانية‬ ‫التي جرى تنظيمها يف رو�سيا خالل‬ ‫�شهر دي�سمرب املا�ضي‪ ،‬كانت نتيجة‬ ‫االنتخابات الرئا�سية الرو�سية املزمع انعقادها يف‬ ‫مار�س �أمر ًا مفروغ ًا منه؛ حيث �أنّه كان من املتوقع �أن‬ ‫حتمل موجة من احلما�س ال�شعبي فالدميري بوتني �إىل‬ ‫ثم‬ ‫الكرميلني مرة �أخرى من خالل فوز كا�سح له‪ ،‬ومن َّ‬ ‫كان �س ُينظَ ر �إىل ال�سنوات الأربع التي ق�ضاها كرئي�س‬ ‫جمرد فا�صل ‪� -‬أو م�س�ألة فنية تتعلّق‬ ‫للوزراء على �أنّها ّ‬ ‫بت�سمية املن�صب الذي ي�شغله ‪ -‬الهدف منه هو ال�سماح‬ ‫له بتلبية متطلّبات د�ستور رو�سيا اخلا�ص بحقبة ما بعد‬ ‫االحتاد ال�سوفييتي‪ ،‬والذي يق�ضي بعدم �أحق ّية � ّأي‬ ‫رئي�س يف �شغل هذا املن�صب لأكرث من فرتتني‬ ‫متتابعتني‪.‬‬ ‫وكان من الطبيعي �أن �صاحبت هذه االفرتا�ضات‬ ‫جميع ال�شكاوى املعتادة ال�صادرة عن قطاعات من‬ ‫النخبة املثقفة يف البالد واملراقبني الغربيني ملجريات‬ ‫الأحداث يف رو�سيا؛ مفادها �أن تلك الدولة لي�ست قادرة‬ ‫على تنظيم انتخابات على الوجه «املالئم»‪ ،‬و�أنه‬ ‫�سيجري تزوير النتائج‪ ،‬و�أن مزايا توليّ من�صب ما‪-‬‬ ‫واملعروفة يف رو�سيا با�سم «املوارد الإدارية» ‪� -‬ستجعل‬ ‫هذه االنتخابات‪ ،‬مثل �سابقاتها التي خ�ضعت للمراقبة‬ ‫من قبل منظّ مة الأمن والتعاون يف �أوروبا‪ ،‬انتخابات‬ ‫«حرة ولكنّها غري نزيهة» ب�شكل عام‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫لكن ما مل يت�ص ّوره �أحد تقريب ًا هو � ّأن الظروف‬ ‫ال�سيا�سية التي تكتنف االنتخابات الرئا�سية لهذا العام‬ ‫حتمل معها هذا القدر من الغمو�ض الذي �آلت �إليه‬

‫فج�أة‪ ،‬فقد �شهد مطلع �شهر فرباير املا�ضي احت�شاد ًا‬ ‫غري م�سبوق ملائة �ألف متظاهر مناوئني لبوتني يف‬ ‫مو�سكو‪ .‬وبالإ�ضافة �إىل ذلك‪ ،‬فلم يتوقع �أحد �أن‬ ‫تتالحق هذه الأحداث‪ ،‬كما حدث بالفعل‪ ،‬ب�سبب نتائج‬ ‫االنتخابات الربملانية التي �سبقتها‪ .‬ففي اجتماع‬ ‫للمراقبني الأوروبيني ملجريات الأحداث يف رو�سيا منذ‬ ‫�أكرث من عام م�ضى‪�ُ ،‬سئِلت عما �إذا كان حمتم ً‬ ‫ال �أن‬ ‫ترت ّدد داخل رو�سيا �أ�صداء ما حدث يف ميدان التحرير‬ ‫الذي �صار رمز ًا للإطاحة بنظام ح�سني مبارك يف‬ ‫م�صر‪ .‬بدا ال�س�ؤال �سخيف ًا‪ :‬ما الأ�صداء املحتملة التي‬ ‫ميكن �أن ُتخلِّفها عملية التقاعد الإجباري لقائد �شرق‬ ‫�أو�سطي بلغ به الوهن � ُأ�ش َّده على دولة مثل رو�سيا‬

‫يقودها رجل مثل فالدميري بوتني يتم ّتع ب�شعبية جارفة‬ ‫وحيوية مت� ّأججة؟‬ ‫من هذا املنطلق كان ا�ستنكاري لطرح مثل هذا‬ ‫ال�س�ؤال‪ ،‬بيد � ّأن تلك النظرة فارقها ال�صواب‪.‬‬ ‫فحتى يف الوقت الذي كانت فيه و�سائل الإعالم‬ ‫التقليدية يف رو�سيا تت�ساءل حول ماهية املنظور الذي‬ ‫ينبغي عليها تبنّيه يف تغطيتها للتط ّورات املتالحقة التي‬ ‫عرف الآن با�سم الربيع العربي‪ ،‬كان مد ّونوها‬ ‫�صارت ُت َ‬ ‫ال�شباب املفعمون باحليوية يجرون بقوة وعنف �شديدين‬ ‫مناظرة حول مدى ارتباط الثورة امل�صرية باحلالة‬ ‫الرو�سية من عدمه‪.‬‬ ‫على �أحد اجلانبني‪ ،‬وقف �أولئك الذين �شاركتهم‬ ‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫أبريل ‪2012‬‬

‫الر�أي على نح ٍو غريزي‪ ،‬وبدون تفكري؛ ومن وجهة نظر‬ ‫ه�ؤالء‪ ،‬كانت لدى رو�سيا دميقراطية رديئة‪ .‬وكان‬ ‫قادتها‪ ،‬مقارنة ب�أقرانهم حول العامل‪ ،‬ي ّت�سمون ب�صغر‬ ‫ال�سن؛ حيث � ّأن رئي�س الوزراء بوتني مل يبلغ ال�ستني‪،‬‬ ‫والرئي�س دمييرتي ميدفيديف مل يبلغ اخلم�سني بعد‪.‬‬ ‫ومل يكن هناك ما ي�شبه عقود الركود ال�سيا�سي التي‬ ‫عاي�شتها �أقطار عدة يف �شمال �أفريقيا وال�شرق‬ ‫الأو�سط‪� .‬أما مع�ضلة رو�سيا فكانت عك�س ذلك تقريب ًا؛‬ ‫مرت بثالثني عام ًا من التح ّوالت الهائلة‬ ‫فلقد ّ‬ ‫امل�ستمرة‪ ،‬والتي بد�أت تخرج منها الآن فقط‪.‬‬ ‫وف�ض ً‬ ‫ال عن ذلك‪ ،‬ف� ّإن رو�سيا مل تعاين من �أمر‬ ‫م�شابه مل�شكلة الت�ضخّ م ال�سكاين التي عانت منها الدول‬


‫من العالم‬

‫االنتخابات الروسية‬

‫‪38‬‬

‫العربية‪ .‬بل وعلى العك�س من ذلك‪ ،‬تعاين رو�سيا من‬ ‫تراجع حجم الق ّوة العاملة‪ ،‬ومن معدل مواليد عاد لت ّوه‬ ‫م�ؤخر ًا فقط �إىل م�ستوى الزيادة املنخف�ض ن�سبي ًا الذي‬ ‫كان �سائد ًا قبل انهيار االحتاد ال�سوفييتي‪ .‬بدا الأمر‬ ‫كما لو �أنّه مل يكن هناك � ّأي �سبب على الإطالق يدعو‬ ‫�صدى‬ ‫لالعتقاد ب� ّأن �أ�صوات ميدان التحرير �سوف جتد‬ ‫ً‬ ‫لها على ُبعد قارة‪ ،‬وعلى ُبعد �آالف الأميال �إىل ال�شمال‪.‬‬ ‫لكن كان هناك جانب �آخر لهذه اجلدلية‪ ،‬وهو جانب‬ ‫بد�أ يبدو �أكرث �إقناع ًا يف �ضوء االنتخابات الربملانية التي‬ ‫جرى تنظيمها يف الرابع من دي�سمرب العام املا�ضي‪.‬‬ ‫ووفق ًا لوجهة النظر هذه‪ ،‬ف� ّإن رو�سيا تبدو بدرجة �أقلّ‬ ‫نجزة على نحو يعوزه الإتقان وال تزال يف‬ ‫كدميقراطية ُم َ‬ ‫طور التكوين منها كدولة �أوتوقراطية قدمية الطراز ال‬ ‫تختلف كثري ًا عن م�صر ‪ -‬مبعنى � ّأن معظم الأ�شخا�ص‬ ‫مت‬ ‫العاديني � ّإما كانوا بالفعل �أو �أنّهم �شعروا ب�أنّه قد ّ‬ ‫�إق�صا�ؤهم عن احلياة ال�سيا�سية‪ :‬فقد كانت هناك نخبة‬ ‫جديدة تعتمد نظام حماباة الأقارب واملعارف‪ ،‬وكانت‬ ‫هناك بقية ال�شعب‪ .‬وبقدر ما ميكن للنا�س تبنّي �أفكار‬ ‫معار�ضة للنظام والتعبري عما يجول بخاطرهم‬ ‫يتم جتاهل‬ ‫ب�صراح ًة مع الإفالت من العقاب‪ ،‬بقدر ما ّ‬ ‫�آرائهم‪ .‬كان الف�ساد متغلغ ً‬ ‫ال يف احلياة اليومية و�آخذ ًا‬ ‫يتوجب عليهم‬ ‫يف �إرهاق املواطنني العاديني الذين �صار َّ‬ ‫دفع املال �أو ا�ستخدام معارفهم ال�شخ�صية من �أجل‬ ‫القيام بكل �شيء‪ ،‬بد ًءا من �إجناز املعامالت الر�سمية‬ ‫الب�سيطة وو�ص ً‬ ‫وال �إىل تلقّي العالج الالئق يف‬ ‫امل�ست�شفيات‪ .‬وكما هي احلال يف مناطق عديدة من‬ ‫ال�شرق الأو�سط‪ ،‬كان هناك العديد من الأ�شخا�ص‬ ‫وخا�صة من ال�شباب الذين �شعروا ب�أنه ال‬ ‫املتعلّمني‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫م�ستقبل ينتظرهم يف وطنهم‪.‬‬ ‫وقد عك�س عدم بروز مظاهر ال�سخط هذه على‬ ‫�صمامات �أمان مع ّينة؛ �إذ � ّأن‬ ‫ال�سطح يف رو�سيا وجود ّ‬ ‫االرتفاع امل�ستمر يف م�ستويات املعي�شة بعد �أن ورث‬ ‫بوتني الرئا�سة من بوري�س يلت�سني يف العام ‪،2000‬‬ ‫وتوفّر فر�ص الهجرة �أو �إر�سال الأبناء للخارج �إىل‬ ‫بريطانيا �أو الواليات املتحدة للح�صول على تعليم عاملي‬ ‫امل�ستوى‪ ،‬بالإ�ضافة ‪ -‬وللأ�سف ‪� -‬إىل زيادة القدرة على‬ ‫حت ُّمل �أعباء دفع الر�شاوي‪.‬‬ ‫مساءلة الفساد‬

‫مع انق�ضاء عام ‪ 2010‬ودخول عام ‪ ،2011‬وحتديد ًا يف‬ ‫نف�س الوقت الذي بد�أت فيه رياح التغيري تع�صف‬ ‫معدل االرتفاع يف م�ستويات‬ ‫باملغرب العربي ‪ -‬كان ّ‬ ‫املعي�شة �آخذ ًا يف التباط�ؤ‪ ،‬وبد�أت طبقة متو�سطة‬ ‫متنامية و�أكرث وعي ًا مبا يجري على ال�ساحة الدولية يف‬ ‫التقدم‬ ‫الت�سا�ؤل عن �سبب متكّن الدول الأخرى من‬ ‫ّ‬ ‫بدون م�ستوى الف�ساد املوجود يف رو�سيا‪ ،‬يف حني � ّأن‬ ‫عِد ب�ست �سنوات �أخرى‬ ‫امل�ستقبل ال�سيا�سي لرو�سيا كان َي ُ‬ ‫من «القيادة املزدوجة» لكل من بوتني وميدفيديف‪.‬‬ ‫ويف �أبريل من العام املا�ضي‪ ،‬جرى حتديد هذه‬ ‫التوجهات على وجه الدقّة يف م� ّسودة تقرير �صادر عن‬ ‫ّ‬ ‫مركز الأبحاث اال�سرتاتيجية يف مو�سكو‪ ،‬والذي جرى‬ ‫�إعداده بالتعاون مع الأكادميية الرو�سية لالقت�صاد‬ ‫والإدارة العامة‪ .‬ول ّأن هذا املعهد كان ُي َ‬ ‫نظر �إليه على‬ ‫حد كبري دفاع ًا‬ ‫�أنّه م�ؤيد لبوتني وميدفيديف ويعمل �إىل ٍّ‬ ‫عنهما‪ ،‬فقد اكت�سبت نتائجه مرجع ّية وم�صداقية‬

‫�إ�ضافية‪ .‬وتقول الن�سخة الأخرية من التقرير والتي ر�أت‬ ‫النور مبا�شرة قبيل االنتخابات التي �أجريت يف �شهر‬ ‫دي�سمرب‪ّ � ،‬أن الناخبني الرو�س �أ�صابهم امللل من «ماركة»‬ ‫ثمة �شعور �سائد بعدم الثقة يف حزب رو�سيا‬ ‫بوتني‪ ،‬و� ّأن ّ‬ ‫املوحدة؛ حيث ُينظر �إليه على �أنّه �أحدث �أحزاب‬ ‫ّ‬ ‫ُرجح �أن‬ ‫النظام �أو «حزب ال�سلطة»‪ ،‬و�أنّه كان من امل َّ‬ ‫ي�ؤدي انت�شار م�شاعر ال�شك والالمباالة �إىل خف�ض‬ ‫ن�سبة امل�شاركة يف عملية الت�صويت‪ .‬وربمّ ا كانت‬ ‫املالحظة الأكرث ت�شا�ؤم ًا هي �أنّه حتى يف حالة ما �إذا‬ ‫كانت االنتخابات منوذج ًا للنزاهة‪ ،‬وهو �أمر غري‬ ‫رجح‪ ،‬ف�سيكون هناك �إجماع على �أنّه قد جرى تزوير‬ ‫ُم َّ‬ ‫نتائجها‪ ،‬وهو ما �سيحرم الفائز بها من امل�صداقية‪.‬‬ ‫وقد مثّلت الأحداث التي وقعت بالفعل ت�أكيد ًا مذه ً‬ ‫ال‬ ‫لهذه النتائج؛ �إذ انخف�ض معدل الإقبال على امل�شاركة‬ ‫يف الت�صويت بنحو ‪ 4‬نقاط مئوية لي�صل �إىل ‪60.1‬يف‬ ‫املائة‪ ،‬بعد �أن كان قد و�صل �إىل ‪63.7‬يف املائة يف عام‬ ‫املوحدة ‪ -‬وهو «حزب‬ ‫‪ ،2007‬كما �أن حزب رو�سيا ّ‬ ‫ثلثي املقاعد يف «الدوما» �أو‬ ‫بوتني» ‪ -‬مل يفقد �أغلبية ّ‬ ‫الربملان الرو�سي فح�سب ‪ -‬وهي �أغلبية �سمحت له‬ ‫بتعديل الد�ستور منفرد ًا دون احلاجة �إىل حلفاء ‪ -‬بل‬ ‫مل يتمكن حتى من الفوز بن�سبة ‪50‬يف املائة من �أ�صوات‬ ‫ولكن نتيجة لتقلبات النظام االنتخابي‪ ،‬مل‬ ‫الناخبني‪ّ .‬‬ ‫ينجح يف االحتفاظ ب�أغلبيته الكلية يف الدوما‪ .‬وكان‬ ‫امل�ستفيدان الرئي�سيان من تراجع �أ�صوات حزب رو�سيا‬ ‫املوحدة مبعدل ‪20‬يف املائة هما احلزب ال�شيوعي‬ ‫ّ‬ ‫الرو�سي‪ ،‬الذي يعمل حتت قيادة جينادي زيوغانوف‬ ‫�سمى حزب‬ ‫منذ العام ‪ ،1993‬وحزب �آخر جديد ن�سبي ًا ُي َّ‬

‫متظاهر يحمل الفتة عليها‬ ‫للمدون والمعارض‬ ‫ّ‬ ‫صورة‬ ‫الناشط الروسي أليكسي‬ ‫نافالني خالل مظاهرة حاشدة‬ ‫في موسكو‪ ،‬ديسمبر ‪2011‬‬

‫تقدم جامعة جورجتاون ‪ -‬كلية‬ ‫ّ‬ ‫الشؤون الدولية في قطر برامج‬ ‫بكالوريوس في الشؤون الدولية‬ ‫للحصول على درجات البكالوريوس في‬ ‫السياسة الدولية‪ ،‬والثقافة والسياسة‪،‬‬ ‫واالقتصاد الدولي‪.‬‬ ‫‏‪qatar.sfs.georgetown.edu‬‬ ‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫أبريل ‪2012‬‬

‫رو�سيا العادلة بقيادة �سريجي مريونوف‪ ،‬وهو حزب‬ ‫نتائجها م�شكوك فيهما على الرغم من ذلك‪.‬‬ ‫وقد ذكر �سريجي مريونوف زعيم حزب رو�سيا‬ ‫حد ما‪ .‬وقد فاز‬ ‫ي ّت�سم بطابع دميقراطي اجتماعي �إىل ّ‬ ‫العادلة � ّأن حزبه يحاول توحيد اجلهود مع الأحزاب‬ ‫ال�شيوعيون بـن�سبة ‪19.19‬يف املائة من �أ�صوات‬ ‫الناخبني‪ ،‬يف حني ح�صد حزب رو�سيا العادلة ما ن�سبته الأخرى املك ّونة لكتلة املعار�ضة الربملانية من �أجل �إجراء‬ ‫ا�ستطالع تال لالنتخابات يف �أكرب عدد ممكن من‬ ‫‪13.24‬يف املائة من الأ�صوات‪ .‬كما يمُ ثَّل �أي�ض ًا يف‬ ‫مراكز االقرتاع‪ .‬كما حذّ ر �أي�ض ًا من �أنه يف حالة‬ ‫الدوما اجلديد‪ ،‬وبعدد �أكرب بقليل من املقاعد مقارنة‬ ‫حد كبري عن‬ ‫باملرة ال�سابقة‪ ،‬احلزب الدميقراطي الليربايل الرو�سي انحراف النتيجة الر�سمية بعيد ًا �إىل ٍّ‬ ‫�إح�صائهم‪ ،‬ف�إنّهم لن ي�ستبعدوا خيار الدعوة لتنظيم‬ ‫عد م�ؤ�س�سة ميينية متطرفة‬ ‫�سيء ال�صيت‪ ،‬والذي ُي ّ‬ ‫مظاهرات احتجاجية يف ال�شوارع‪ .‬وعندما ذكر‬ ‫� ّأ�س�سها وقادها على مدار العقدين املا�ضيني فالدميري‬ ‫مريونوف ذلك قبل ثالثة �أ�سابيع من االنتخابات‬ ‫زيرينوفي�سكي‪.‬‬ ‫لكن الرتكيبة الدقيقة للدوما اجلديد مل تكن بنف�س ملجموعة زائرة من الأكادمييني وال�صحافيني (وكنت‬ ‫ّ‬ ‫واحدة منهم)‪ ،‬مل ي�أخذ �أحد حديثه على حممل اجلَ ّد‪.‬‬ ‫�أهمية اخلريطة ال�سيا�سية اجلديدة التي �أ�شارت‬ ‫لكن هذا هو ما حدث �إىل حد كبري‪ .‬وقد متكنت‬ ‫انتخابات دي�سمرب �إىل �أنّها �صارت موجودة الآن يف‬ ‫اجلماعات والأفراد من ت�شارك املعلومات عرب الإنرتنت‬ ‫رو�سيا‪ ،‬وهي خريطة ا ّت�سم فيها دعم «حزب بوتني‬ ‫املوجود يف ال�سلطة» ب�أنّه �آخذ يف الرتاجع‪ ،‬وكانت معن ّية على الرغم من حماوالت وا�ضحة من قبل ال�سلطات‬ ‫لتخريب مواقع الويب الهامة يف وقت مبكر من ذلك‬ ‫بالفجوة املتنامية بني الفقراء والأغنياء‪ ،‬يف الوقت‬ ‫الذي ت�صري فيه �أكرث انفتاح ًا وتقب ً‬ ‫اليوم‪ ،‬وقد الحظوا وجود تباينات وا�ضحة كان من‬ ‫ال للدميقراطية‬ ‫بينها اختالفات هائلة يف النتائج بني الدوائر احل�ضرية‬ ‫االجتماعية على النمط الأوروبي‪ .‬وقد جاء �إخفاق‬ ‫املجاورة والتي ‪ -‬وفق ًا لتخمينهم ‪ -‬وافق املوظف‬ ‫املتطرف يف تقدمي ما هو �أف�ضل كباعث على‬ ‫اليمني‬ ‫ّ‬ ‫امل�س�ؤول عن عملية فرز الأ�صوات يف �إحداها على ملء‬ ‫االرتياح بالن�سبة للعديد من الرو�س‪ ،‬وبرز يف مقابل‬ ‫�صناديق االقرتاع ب�أ�صوات زائفة بعد انتهاء عملية‬ ‫املظاهر املتزايدة لتنامي الروح القومية املناه�ضة‬ ‫للأجانب‪ .‬مل يكن اال�صطفاف اجلديد للقوى ال�سيا�سية الت�صويت �أو حت�سني النتائج‪ ،‬يف حني مل يوافق نظريه‬ ‫وحده هو ما كان يرمز حلدوث تغيري؛ �إذ كانت ال�صيحة يف دائرة �أخرى على ذلك‪ .‬وكان ا�ستنتاجهم هو � ّأن‬ ‫املوحدة‪،‬‬ ‫التي تعالت يف �أعقاب الإعالن عن نتائج االنتخابات‬ ‫ح�صيلة الأ�صوات التي ح�صدها حزب رو�سيا ّ‬ ‫مبثابة داللة �أبرز على ذلك‪ .‬وي�أتي هذا على الرغم من على الأقل يف مو�سكو و�سانت بطر�سربغ‪ ،‬قد تراجعت‬ ‫يف احلقيقة �إىل �أقل من ‪30‬يف املائة‪.‬‬ ‫حقيقة � ّأن حجم التزوير خالل هذه االنتخابات رمبا‬ ‫مما حدث يف االنتخابات ال�سابقة التي جرت‬ ‫كان �أقلّ ّ‬ ‫التمسك بالسلطة‬ ‫يف رو�سيا بعد انهيار االحتاد ال�سوفييتي‪( .‬كيف ميكن‬ ‫مبا � ّأن هاتني املدينتني ال متثِّالن كل رو�سيا ب� ّأي حال‬ ‫على خالف ذلك تف�سري النتيجة املتدنية التي ح�صل‬ ‫املوحدة؟) ويف ظلّ انتخابات كانت من الأحوال؛ �إذ � ّأن النتائج يف الدوائر االنتخابية‬ ‫عليها حزب رو�سيا ّ‬ ‫الريفية وتلك الواقعة يف مناطق القوقاز امل�ضطربة‬ ‫على الأرجح �أكرث نزاهة وحرية مما كان يجري يف‬ ‫جاءت متما�شية مع رغبات ال�سلطة احلاكمة‪ ،‬كما هي‬ ‫ال�سابق‪ ،‬ودرجة �أكرب من ال�شعور بعدم الر�ضا عن‬ ‫احلال دوم ًا ‪ -‬فالناخبون هناك دائم ًا ما يكونون �آخر‬ ‫نتائجها‪� ،‬صار املوقف �أقرب �إىل حتقيق ال�سيناريو‬ ‫الأ�سو�أ من وجهة نظر مركز الأبحاث اال�سرتاتيجية‪� :‬أال من ي�ست�شعر �أي رغبة يف التغيري‪ .‬ولكونهم حمافظني‬ ‫و�صحة للغاية‪ ،‬ي�شعر ه�ؤالء النا�س ‪ -‬مثلما كان �شعورهم‬ ‫وهي انتخابات نظيفة ن�سبي ًا �إال � ّأن م�صداقيتها‬ ‫ّ‬ ‫دائم ًا‪ -‬ب�أنهم بعيدين جد ًا عن ال�سلطة ولكنهم مدينون‬ ‫لها �أي�ض ًا‪ ،‬فهم ال ي�ص ّوتون كما ُيطلَب منهم بقدر ما‬ ‫يعرفون ما هو منتظر منهم‪ ،‬وهو الأمر الذي ينطبق‬ ‫�أي�ض ًا على القادة املحليني واملوظفني امل�س�ؤولني عن‬ ‫عملية فرز الأ�صوات‪.‬‬ ‫تعد المسيرة التي انطلقت‬ ‫ّ‬ ‫لكن مو�سكو و�سانت بطر�سربغ هما من كانتا دوم ًا‬ ‫ّ‬ ‫يف طليعة ال�سيا�سة الرو�سية‪ ،‬فكانتا من ِّبئتني ملا ميكن �أن‬ ‫يوم السبت بعد االنتخابات‬ ‫يحدث بعد ذلك‪ ،‬كما � ّأن حجم التظاهرات التي وقعت‬ ‫ليلة فرز الأ�صوات ويف اليوم التايل لها جتاوزت بفارق‬ ‫بمثابة المسيرة األكبر منذ‬ ‫كبري االحتجاجات ال�شكلية التي نظَّ مها الن�شطاء‬ ‫املوالون للغرب يف �أعقاب االنتخابات ال�سابقة‪ .‬كما‬ ‫المظاهرات المطالبة‬ ‫مت ّيزت احل�شود �أي�ض ًا بان�سجام امل�شاركني بها الذين‬ ‫وتعد‬ ‫كانوا �شباب ًا متعلمني منتمني �إىل الطبقة الو�سطى‪ّ .‬‬ ‫بالديمقراطية التي وقعت‬ ‫امل�سرية التي انطلقت يوم ال�سبت بعد االنتخابات مبثابة‬ ‫امل�سرية الأكرب منذ املظاهرات املطالبة بالدميقراطية‬ ‫عامي ‪ ،1991-1990‬وساهمت التي وقعت عامي ‪ ،1991-1990‬و�ساهمت يف �إ�سقاط‬ ‫ال�شيوعية ال�سوفييتية‪.‬‬ ‫في إسقاط الشيوعية‬ ‫لكن احل�شود مت َّيزت ب�أمر �آخر �أي�ض ًا؛ ففي الوقت‬ ‫ّ‬ ‫حتدوا فيه دقة عملية فرز الأ�صوات وطالبوا‬ ‫الذي ّ‬ ‫السوفييتية‬ ‫ب�إعادتها‪� ،‬ص َّبت هذه احل�شود �أي�ض ًا جام غ�ضبها على‬

‫‪39‬‬


‫من العالم‬

‫االنتخابات الروسية‬

‫‪40‬‬

‫رئي�س الوزراء �شخ�صي ًا؛ حيث د َّوت الهتافات القائلة‬ ‫«ل َي ْخ ُرج بوتني!» يف الأجواء وز َّينَت ال�شعارات املناه�ضة‬ ‫مت الإتيان على‬ ‫لبوتني الإعالنات اخلا�صة بهم‪ ،‬وبالكاد َّ‬ ‫ذِ كْ ر حزبه‪ .‬لقد ا�ستهدفت هذه االحتجاجات الرجل‬ ‫الذي كان حتى ذلك التاريخ ال�سيا�سي الأكرث �شعبية يف‬ ‫رو�سيا‪ ،‬وهو �أمر مل يكن من املمكن ت�ص ُّوره قبل �ستة‬ ‫�أ�شهر ‪� -‬أو حتى ثالثة ‪ -‬من ذلك التاريخ‪.‬‬ ‫� ّإن �أحد الأ�سباب التي �أ ّدت �إىل ذلك ‪ -‬ورمبا ال�سبب‬ ‫مت الإعالن عنه يف ‪24‬‬ ‫الوحيد ‪ -‬هو ذلك القرار الذي ّ‬ ‫املوحدة‪،‬‬ ‫�سبتمرب خالل امل�ؤمتر ال�سنوي حلزب رو�سيا ّ‬ ‫�سيرت�شح للرئا�سة مرة �أخرى‪ .‬ويجب �أن‬ ‫وهو � َّأن بوتني‬ ‫َّ‬ ‫نفرت�ض � ّأن الهدف من هذه اخلطوة كان يتمثّل يف �إنهاء‬ ‫تخمينات ُم ِ�ض َّرة حول ما �إذا كان بوتني �أو ميدفيديف‬ ‫ح�صة‬ ‫هو من �سيكون امل َّ‬ ‫ُر�شح الرئا�سي‪ ،‬وبالتايل تدعيم ّ‬ ‫احلزب املت�ضائلة من الأ�صوات قبل االنتخابات‬ ‫الربملانية‪ .‬ولكن بتقييم الو�ضع‪ ،‬جند �أنّها قد �أتت‬ ‫بنتيجة عك�سية متام ًا؛ حيث � ّأن ر ّد الفعل على هذا الأمر‬ ‫يف املجال املزدهر للمد ّونات كان فوري ًا و�سلبي ًا على نحو‬ ‫عرف بـا�سم «انقالب ‪24‬‬ ‫بالغ‪ ،‬وقد �أ�صبح هذا الإعالن ُي َ‬ ‫�سبتمرب»‪.‬‬ ‫بعد مرور �ستة �أ�سابيع على هذا الأمر‪ ،‬قوبل بوتني‬ ‫ب�صيحات ا�ستهجان بعدما دخل �إىل احللبة لتحية‬ ‫الالعب الرو�سي املنت�صر يف دورة مو�سكو للفنون‬ ‫مت ن�شر مقطع الفيديو الذي حاول‬ ‫القتالية‪ .‬وقد ّ‬ ‫الكرميلني يف البداية التهوين من �أمره زعم ًا منه ب� ّأن‬ ‫�صيحات اال�ستهجان ال�صادرة عن احل�شد كانت‬ ‫ت�ستهدف الالعب الأمريكي املهزوم‪ ،‬على موقع الويب‬ ‫اخلا�ص باملد ِّون الرو�سي البارز يف مناه�ضة الف�ساد‬ ‫�أليك�سي نافالني‪ .‬وقد جرى بالطبع ن�شر هذا املقطع ل ّأن‬ ‫ولكن ذلك ال يعني �أنه‬ ‫القيادة ال�سيا�سية �سمحت بذلك‪ّ ،‬‬ ‫ُتغي‪ .‬لكن‪ ،‬وعلى‬ ‫مل يخربنا ب�شيء عن املزاج ال�شعبي امل رِّ‬ ‫العك�س من ذلك‪ ،‬فقد كانت هذه هي اللحظة التي‬ ‫امتد مفعولها طوال اثني ع�شر‬ ‫بد�أت فيها التعويذة التي ّ‬ ‫عام ًا‪ ،‬و�ألقى بها بوتني على الدولة الرو�سية‪ ،‬تفقد‬ ‫ت�أثريها‪ .‬وقد جاءت نتائج االنتخابات يف ‪ 4‬دي�سمرب‬ ‫كت�أكيد �إ�ضايف لهذه احلقيقة‪.‬‬ ‫وقد متثّل الهدف من كل هذا يف تو�ضيح �سبب عدم‬ ‫�إمكانية اجلزم مبا �سيحدث يف االنتخابات الرئا�سية‪،‬‬ ‫على الرغم من � ّأن بوتني فاز يف اجلولة الأوىل منها يف‬ ‫نهاية املطاف‪ .‬فقبل االنتخابات الربملانية الرو�سية‪،‬‬ ‫ن�صح قادة الأطياف املتن ّوعة للمعار�ضة الرو�سية‬ ‫باالمتناع عن امل�شاركة فيها �أم ً‬ ‫ال يف �أن ي�ساعد‬ ‫انخفا�ض ن�سبة الإقبال على الت�صويت يف الت�شكيك يف‬ ‫م�صداقية النتائج‪ .‬ولكن قبل �أ�سبوعني تقريب ًا من‬ ‫تغي على‬ ‫االنتخابات‪ ،‬على �أية حال‪ُ ،‬يقَ ال ب�أنّه طر�أ رّ‬ ‫وتوجهات الناخبني ال�شبان على وجه اخل�صو�ص‪،‬‬ ‫ميول ّ‬ ‫مفاده ما يلي‪« :‬لقد منحونا �صوت ًا‪ ،‬فدعونا ن�ستخدمه»‪.‬‬ ‫مل �شعث تلك‬ ‫وكانت ال�صيحة اجلديدة الآخذة يف ّ‬ ‫املتفرقة هي «� ّأي حزب غري حزب رو�سيا‬ ‫القوى‬ ‫ّ‬ ‫ُوحدة»‪ .‬ومل تكن هذه ال�صيحة �سوى عالمة و�شيكة‬ ‫امل َّ‬ ‫ر�شح غري بوتني» قبل �شهر‬ ‫على ت�شكيل حركة «�أي ُم َّ‬ ‫مار�س‪.‬‬ ‫لقد كان من اخلط�أ دائم ًا افرتا�ض‪ ،‬كما فعل العديد‬ ‫من النقّاد الغربيني‪� ،‬أنه مل يكن هناك ما ميكن �أن‬ ‫�سمى بالر�أي العام يف رو�سيا ما بعد االحتاد‬ ‫ُي ّ‬

‫ال�سوفييتي‪ ،‬كما كان من اخلط�أ �أي�ض ًا توجيه النقد‬ ‫ال�شديد ملا ي ّت�سم به التلفاز الر�سمي من رتابة‪ ،‬مع‬ ‫�إهمال ما ت ّت�سم به ال�صحافة الرو�سية من تن ّوع‪،‬‬ ‫والت�أثري املتنامي للإنرتنت كو�سيلة لن�شر املعلومات‬ ‫وح�شد الدعم‪ .‬وربمّ ا للمرة الأوىل على الإطالق يف‬ ‫رو�سيا‪ ،‬ال يكون م�سار ‪ -‬ونتيجة ‪� -‬إحدى احلمالت‬ ‫االنتخابية حم�سومة ُم�سبق ًا‪.‬‬ ‫حق‪ :‬ملاذا مل يكن لثورة‬ ‫تتزاحم الت�سا�ؤالت عن وجه ّ‬ ‫الورود يف جورجيا عام ‪ 2003‬والثورة الربتقالية يف‬ ‫�أوكرانيا عام ‪ 2004‬ت�أثري �أكرب على رو�سيا؟ ففي نهاية‬ ‫املطاف‪ ،‬كانت هاتان الدولتان حتى ع�شرين عاما‬ ‫م�ضت جزء ًا من الإمرباطورية ال�سوفييتية ذاتها‪ ،‬وكان‬ ‫الكرميلني خائف ًا من � ّأن املزاج التمردي �سوف ميتد‬ ‫�إليها‪ .‬ملاذا ا�ستغرق الأمر حتى عام ‪ 2011‬لتبد�أ‬ ‫ال�سيا�سة الرو�سية يف التح ّول؟ �أم هل �شعر الرو�س‬ ‫باخلجل من �سلبيتهم عندما �شاهدوا ال�صور الواردة‬ ‫من ميدان التحرير؟‬ ‫�أم هل هناك تف�سريات �أكرث واقعية؟ مثل � ّأن عدد ًا‬ ‫�أكرب بكثري من النا�س �صار ب�إمكانهم الآن الو�صول �إىل‬ ‫املعلومات غري الر�سمية الواردة من خارج رو�سيا‬ ‫بطريقة مل يكن ب�إمكانهم حتقيقها حينها‪� ،‬أو � ّأن جي ً‬ ‫ال‬ ‫جديد ًا ن�ش�أ دون خوف و�أتيحت له حرية ال�سفر حول‬ ‫العامل بلغ الآن ال�سن القانونية للت�صويت؛ حيث � ّأن‬ ‫مق�سمني بالت�ساوي بني‬ ‫الناخبني الرو�س �سيكونون قريب ًا ّ‬ ‫ه�ؤالء الذين لديهم خربة مبا�شرة بال�شيوعية ال�سوفييتية‬ ‫و�أولئك ممن تتمثّل �أوىل ذكرياتهم يف �سيا�سة‬ ‫«الربي�سرتويكا» التي انتهجها ميخائيل جوربات�شوف‪.‬‬

‫أن‬ ‫كما أظهرت شعبية بوتين المتراجعة‪ ،‬يبدو ّ‬ ‫التغير بسرعة تجعل‬ ‫المناخ السياسي آخذ في‬ ‫ُّ‬ ‫من شبه المستحيل على القادة الراسخين مجاراته‬

‫ّ‬ ‫الترشح لوالية جديدة‬

‫لكن احتمالية حدوث تغيري واجهت عراقيل على �أ�صعدة‬ ‫خمتلفة‪ .‬فعملي ًا‪ ،‬توا�صلت �سيطرة الكرميلني على‬ ‫التلفاز احلكومي الرو�سي وهناك الف�ساد الذي �صاحب‬ ‫العملية االنتخابية‪ .‬ومع � ّأن العديد من الرو�س �شعروا‬ ‫بالإهانة نتيجة لقرار بوتني الرت�شُّ ح ملن�صب الرئي�س من‬ ‫جديد‪ ،‬يف مقاي�ضة وظيفية يبدو وا�ضح ًا �أنّه قام‬ ‫بد �أن هناك‬ ‫بحياكتها مع حليفه ميدفيديف‪� ،‬إال �أنّه مل َي ُ‬ ‫ر�شح بديل يف �أجنحة املعار�ضة املختلفة‪ ،‬ميتلك‬ ‫ثمة ُم َّ‬ ‫من ال�شعبية والتقدير ال�سمه على امل�ستوى الوطني ما‬ ‫ي�ؤهله ليكون بدي ً‬ ‫ال ذا م�صداقية‪ .‬وقد دار حديث عن‬ ‫� ّأن �أليك�سي كوردين الذي ا�ستقال من من�صبه كوزير‬ ‫للمالية يف خطوة احتجاجية على عملية تبادل املنا�صب‬ ‫املقرتحة بني بوتني وميدفيديف‪ ،‬قد يخو�ض غمار هذه‬ ‫املناف�سة‪ .‬لكنه كان من غري املرجح �أن يح�صل على ما‬

‫لمحة عن الكاتب‬ ‫ماري ديجيفيسكي هي‬ ‫رئيسة تحرير وكاتبة عمود‬ ‫في جريدة «ذي إندبندنت»‬ ‫ونظرا لعملها في‬ ‫ً‬ ‫اللندنية‪.‬‬ ‫السابق كمراسلة صحفية‬ ‫في موسكو‪ ،‬تُ َع ّد إحدى أكثر‬ ‫المعلقين على شؤون روسيا‬ ‫وتقديرا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وشرق أوروبا احتراماً‬ ‫وديجيفيسكي زميلة بحثية‬ ‫فخرية في جامعة باكنغهام‬ ‫وعضو في مجموعة فالداي‬ ‫أيضا كاتبة‬ ‫ً‬ ‫الدولية‪ ،‬هي‬ ‫للمقال االفتتاحي لـ “دليل‬ ‫دائرة المعارف البريطانية‬ ‫لروسيا”‪.‬‬

‫ّرد الفعل على هذا األمر في المجال‬ ‫وسلبيا على‬ ‫فوريا‬ ‫للمدونات كان‬ ‫المزدهر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫عرف‬ ‫ٍ‬ ‫نحو بالغ‪ ،‬وقد أصبح هذا اإلعالن ُي َ‬ ‫بـاسم «انقالب ‪ 24‬سبتمبر»‬ ‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫أبريل ‪2012‬‬

‫يكفي من الدعم ال�شعبي له‪ ،‬فاختار �أن يقوم بالتو�سط‬ ‫بني الكرميلني وبني املحتجني‪ .‬كما �أعلن ميخائيل‬ ‫بروخوروف ‪ -‬وهو ثالث �أغنى رجل يف رو�سيا ‪ -‬عن‬ ‫تر�شّ حه لهذا املن�صب‪ ،‬ولكنه جرى غر�س �صورة �سلبية‬ ‫يف عقول الرو�س �ضد امل�سعى الأوليغاركي بعد فو�ضى‬ ‫الإثراء الفاح�ش خالل ت�سعينيات القرن الع�شرين‪ .‬كما‬ ‫بدت فكرة حدوث مناف�سة بني بوتني وميدفيديف‪ ،‬التي‬ ‫يخاطر بع�ض املحلّلني الغربيني بالقول �أنها �ستكون‬ ‫احللّ املثايل‪� ،‬أمر ًا غري حمتمل ل ّأن هذا من �ش�أنه �أن‬ ‫يخرق ما يبدو ميثاق ًا ودي ًا بني الرجلني‪.‬‬ ‫�أما قادة جماعات املعار�ضة املوالني للغرب‬ ‫املوجودين على ال�ساحة ال�سيا�سية منذ �أمد طويل ‪ -‬من‬ ‫�أمثال بطل ال�شطرجن البارز غاري كا�سباروف‪ ،‬ورئي�س‬ ‫الوزراء ال�سابق ميخائيل كازيانوف‪ ،‬وال ُع ْمدة ال�سابق‬ ‫نيزين نوفغورود‪ ،‬والنائب ال�سابق لرئي�س الوزراء‬ ‫الرو�سي بوري�س نيمت�سوف ‪ -‬فلم تكن لديهم �أية فر�صة‬ ‫للفوز �أمام بوتني‪.‬‬ ‫وبالن�سبة له�ؤالء الذين ارتبطوا بالنظام الرو�سي يف‬ ‫وقت ما ‪ -‬مثل كازيانوف �أو كوردين ‪ -‬ف� ّإن قربهم‬ ‫ال�شديد من دوائر ال�سلطة �أ�ضاع م�صداقيتهم �أمام‬ ‫الناخبني الذين �صاروا ناقدين م�ؤخراً‪� .‬أما بالن�سبة‬ ‫لكا�سباروف ونيمت�سوف‪ ،‬ف� ّإن االعتقاد ال�سائد لدى‬ ‫العديد من الرو�س هو �أنّهما قد باعا نف�سيهما للغرب‬ ‫و�أ�صبحا معار�ضني من �أجل املعار�ضة‪.‬‬ ‫وقد ا�ستفاد حزب رو�سيا العادلة الذي حق َ​َّق نتائج‬ ‫�أف�ضل مما كان متوقع ًا له يف االنتخابات الربملانية‬ ‫الرو�سية‪ ،‬من حجم الظهور الذي حقّقه يف املناظرات‬ ‫واملقابالت املتلفزة التي �سبقت االنتخابات ‪ -‬والتي مل‬ ‫يحتكرها حزب رو�سيا املوحدة كما يف ال�سابق ‪ -‬كما‬ ‫ا�ستفاد �أي�ض ًا من ظهوره مبظهر املعار�ضة املعتدلة‬ ‫�صاحبة املبادئ للو�ضع القائم احلايل‪ ،‬وهو �أمر يعود‬ ‫الف�ضل فيه �إىل قائده �سريجي مريونوف‪ .‬ويبدو �أنّه قد‬ ‫عزف على وتر بني الناخبني اجلدد على نحو مل تفعله‬ ‫مطلق ًا الأحزاب الليربالية و�أحزاب ال�سوق احلرة الأقدم‬ ‫عمر ًا منه من �أمثال حزب يابلوكو وحزب االحتاد من‬ ‫�أجل القوى اليمينية‪ .‬لكنه مل يكن من الوا�ضح �إن كان‬ ‫ميثل تهديد ًا بعد لرئي�س الوزراء احلايل‪.‬‬ ‫وعلى �أ ّية حال‪ ،‬ف� ّإن االحتمال الذي ظل قائم ًا على‬ ‫الدوام هو جناح بوتني يف احل�صول على فرتة والية‬ ‫رئا�سية �أخرى ‪ -‬لكنّها فرتة لن تكون �سلطته فيها‬ ‫ك�سابق عهدها‪ .‬كما � ّأن االحتمالية التي كانت متوقعة‬ ‫على نطاق وا�سع قبل �شهر دي�سمرب‪ ،‬ب�أنه �سوف يخدم‬ ‫لفرتتني رئا�سيتني �أخرتني مدة كل منهما �ست �سنوات‬ ‫بف�ضل تعديل جرى �إدخاله على الد�ستور‪ ،‬بدت �أقلّ‬

‫حد بعيد‪.‬‬ ‫ت�أكيد ًا �إىل ٍّ‬ ‫عد‬ ‫وال�س�ؤال الذي فر�ض نف�سه بقوة هو‪ :‬هل ُي ّ‬ ‫تناق�ص فرتة رئا�سة بوتني �أمر ًا جيد ًا �أم �سيئ ًا بالن�سبة‬ ‫�سيعزز ذلك من مناخ جديد قوامه الأخذ‬ ‫لرو�سيا؟ هل‬ ‫ّ‬ ‫والعطاء عند قمة هرم ال�سلطة‪ ،‬مع تبنّي خطوات نحو‬ ‫حياة �سيا�سية �أكرث ن�ضج ًا‪� ،‬أم �أنّها �ستف�ضي بدرجة‬ ‫�أكرب �إىل �إفراز �سيا�سات دفاعية الطابع وق�صرية‬ ‫النظر �صادرة عن قائد يراقب ما يجري خلفه بخوف‬ ‫�شديد؟ هل �ستكون رو�سيا �أكرث �أم �أقل ا�ستقرار ًا بعد‬ ‫انق�ضاء �شهر مار�س؟ �شرع مراقبو ال�ش�أن الرو�سي يف‬ ‫و�ضع �سيناريوهات خمتلفة‪ ،‬بد ًءا من قمع ثقيل الوط�أة‬ ‫جلميع التظاهرات التي تنظمها املعار�ضة‪ ،‬و�ص ً‬ ‫وال �إىل‬ ‫تخفيف ال�سلطة لقب�ضتها تدريجي ًا وب�شكل م�ؤقت‪.‬‬ ‫وبرغم االعتقاالت التي تلت التظاهرات التالية‬ ‫لالنتخابات‪ ،‬وهو ما ت�س ّبب يف ده�شة من يعتقدون ب�أنه‬ ‫من ال�صعب ت�ص ّور قيام �أي قائد رو�سي ‪ -‬ناهيك عن‬ ‫�أن يكون ذلك القائد هو بوتني ‪ -‬بتخفيف قب�ضة‬ ‫الكرميلني‪ ،‬فهناك عالمات ت�شري �إىل �أن هذا الأ�سلوب‬ ‫املحدد‪.‬‬ ‫الأخري رمبا يكون نهجه املف�ضل‪� ،‬إن مل يكن‬ ‫ّ‬ ‫قمع غير مألوف‬

‫اجتذبت التظاهرة االحتجاجية التي جرت يف مو�سكو‬ ‫يوم ال�سبت عقب انتخابات ‪ 4‬دي�سمرب ما بني ‪� 30‬ألف‬ ‫�إىل‪� 50‬ألف �شخ�ص‪ .‬وقام الكرميلني بن�شر �أعداد‬ ‫كبرية من رجال ال�شرطة وقوات وزارة الداخلية‬ ‫ومعداتها ‪ -‬ولكن دون �أن يتم ا�ستخدام �أي منها‪ .‬ويف‬ ‫مرحلة مت�أخرة‪� ،‬أعطت �سلطات املدينة ت�صريح ًا‬ ‫مل�سرية قوامها ‪� 35‬ألف �شخ�ص وقدمت الرواية‬ ‫الر�سمية هذا العدد على �أنّه عدد من خرجوا للم�شاركة‬ ‫يف التظاهرة‪.‬‬ ‫برر هذا الإحجام غري املعتاد عن ا�ستخدام‬ ‫وقد ّ‬ ‫القوة �ضد التظاهرة‪ ،‬لكنه �سيكون من الته ّور الأحمق‬ ‫التعبري عن �أية ثقة يف �أن هذا املنظور الأكرث اعتدا ًال‬ ‫�سي�ستمر بال�ضرورة‪ .‬فكما �أظهرت �شعبية بوتني‬ ‫التغي‬ ‫املرتاجعة‪ ،‬يبدو � ّأن املناخ ال�سيا�سي �آخذ يف‬ ‫رُّ‬ ‫ب�سرعة جتعل من �شبه امل�ستحيل على القادة الرا�سخني‬ ‫تقدم �شبكة الإنرتنت �أي�ض ًا عدد ًا كبري ًا‬ ‫جماراته‪ .‬كما ّ‬ ‫ممن مل ينتخبوا من قبل؛ حيث تخلق بعد ًا جديد ًا‬ ‫ّ‬ ‫للحمالت االنتخابية وتنظيم امل�سريات ومراقبة‬ ‫االنتخابات‪ ،‬وهو ُبعد يك�سر احتكار الكرميلني‬ ‫االفرتا�ضي للمعلومات‪ .‬ولكنه �أي�ض ًا ُبعد ميكن التالعب‬ ‫به من قبل طبقة املوظفني العارفني �إذا ما كلّفت نف�سها‬ ‫عناء حماولة تعلّم طريقة فعل ذلك‪.‬‬ ‫والأمر الذي ال يداخله �شك هو � ّأن االنتخابات‬ ‫الرئا�سية متّت يف �سياق �سيا�سي يختلف متام ًا عن ذلك‬ ‫يتم فيه‬ ‫الذي توقعه بوتني وزمرته‪ ،‬وهو �سياق يجب �أن ّ‬ ‫التخلي عن م�سلمات املا�ضي‪.‬‬ ‫تواجه قوى املعار�ضة املتزايدة التن ّوع �أوقات ًا محُ بِطة؛‬ ‫�إذ �أنّه يجب عليها م�شاهدة تط ّور فر�ص للتغيري لي�سوا‬ ‫ب�أ ّية حال م�ستعدين ال�ستغاللها‪ ،‬مع علمهم ب� ّأن الفر�صة‬ ‫التالية قد ال ت�سنح �إال بعد �أربع �إىل �ست �سنوات من‬ ‫الآن‪ .‬وبالنظر �إىل الت�سل�سل الطويل للتاريخ‪ ،‬فقد ال‬ ‫ت�ساوي هذه الفرتة يف عمر الزمن �سوى طرفة عني‪،‬‬ ‫ولكن بالن�سبة جليل جديد ال �صرب لديه ن�ش�أ عقب‬ ‫انق�ضاء احلقبة ال�سوفييتية‪ ،‬فمن املمكن �أن تبدو هذه‬

‫‪41‬‬


‫من العالم‬

‫كوريا الشمالية‬

‫ماذا سيحدث بعد‬ ‫ذلك في تلك‬ ‫الدولة المستوحدة؟‬

‫‪42‬‬

‫في الوقت الذي أصبح فيه كيم جونغ أون‪ ،‬البالغ من العمر ‪28‬‬ ‫يطل علينا‬ ‫ّ‬ ‫«الخلَ ف العظيم» والقائد األعلى لكوريا الشمالية‪،‬‬ ‫َ‬ ‫عاماً ‪،‬‬ ‫أحد الصحفيين القالئل ممن اعتادوا إرسال تقارير صحفية منتظمة‬ ‫من جانبي الحدود برؤيته التحليلية لمستقبل هذا البلد ‪ -‬وما ينطوي‬ ‫عليه ذلك من آثار على الصين‪.‬‬

‫قام‬

‫بقلم مارك ِسيدون‬

‫الكوريون ال�شماليون‬ ‫باختبار قدراتهم‪ ،‬على‬ ‫نح ٍو جماعي‪ ،‬قبل موت‬ ‫زعيمهم العزيز كيم‬ ‫جونغ �إيل يف دي�سمرب‪،‬‬ ‫حيث د َّوت يف العا�صمة‬ ‫بيونغ يانغ �أ�صداء هتافات ع�شرات الآالف من‬ ‫الأ�شخا�ص حت�ضري ًا للذكرى املئوية ملولد �أ ّول زعيم‬ ‫�شيوعي كوري �شمايل‪� ،‬أال وهو «الزعيم العظيم»‪ ،‬كيم‬ ‫جتمد العالقات بني‬ ‫�إيل �سونغ يف ‪� 15‬أبريل ‪ .1912‬ومع ّ‬ ‫الكوريتني بالإ�ضافة �إىل عقوبات الأمم املتحدة‬ ‫املوجعة‪ ،‬مل يكن لدى قيادة كوريا ال�شمالية الكثري‬ ‫لتقدمه ل�شعب دولتهم املك ّون من ‪ 24‬مليون ن�سمة على‬ ‫�سبيل االحتفال �سوى املزيد من نق�ص الطعام‬ ‫قدم فر�ص ًا‬ ‫و�إمدادات الطاقة‪ .‬لكن موت كيم جونغ �إيل َّ‬ ‫وخماطر للقادة الع�سكريني وزعماء احلزب ال�شيوعي‬ ‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫أبريل ‪2012‬‬

‫الذين يديرون �ش�ؤون الدولة م�سترتين خلف الرجل‬ ‫الذي ميثّل واجهتهم اجلديدة‪� ،‬أال وهو كيم جونغ �أون‪.‬‬ ‫�أعيد فتح حدود كوريا ال�شمالية مع ال�صني يف‬ ‫غ�ضون ‪� 48‬ساعة من وفاة الرئي�س الثاين لكوريا‬ ‫ال�شمالية‪ ،‬وهي فرتة ق�صرية على نح ٍو غري اعتيادي‪،‬‬ ‫وهو �أمر ي�ؤكد من جديد مدى اعتمادية كوريا ال�شمالية‬ ‫الفقرية على جارتها القوية (�إذ ا�ستغرق الأمر �شهور ًا‬ ‫من «احلِ داد التام» قبل �أن ُتف َتح احلدود مع ال�صني بعد‬ ‫وفاة كيم �إيل �سونغ يف عام ‪.)1994‬‬ ‫معدالت التجارة بني البلدين ‪ -‬انطالق ًا‬ ‫وقد ت�ضاعفت ّ‬ ‫من م�ستوى متدنٍ للغاية باعرتاف اجلميع ‪ -‬منذ عام‬ ‫‪ .2006‬ويتمثل �أحد الت�سا�ؤالت الهامة فيما �إذا كان كيم‬ ‫ُرتددة نحو تبنّي‬ ‫جونغ �أون‬ ‫�سي�سرع من خطوات والده امل ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫اقت�صاد ال�سوق على الطراز ال�صيني‪� ،‬أم � ّأن ذلك قد‬ ‫يهدد ب�إ�ضعاف �سيطرة �أ�سرة كيم على مقاليد ال�سلطة؛‬ ‫�إذ � ّأن «االعتماد على الذات»‪� ،‬أو «جو�شي» “‪ ،”Juche‬قد‬

‫‪43‬‬


‫من العالم‬

‫كوريا الشمالية‬

‫خدم الأ�سرة احلاكمة جيد ًا‪ ،‬حتى لو ت�س ّبب يف جعل‬ ‫املاليني من مواطنيهم يت� ّضورون جوع ًا‪.‬‬ ‫رمبا يكون كيم جونغ �أون قد �أقدم على ما بدا وك�أنه‬ ‫�إمياءة ا�سرت�ضائية باملوافقة على جتميد االختبارات‬ ‫النوو ّية وعمليات �إطالق ال�صواريخ‪ ،‬وتعليق تخ�صيب‬ ‫اليورانيوم يف مفاعل يونغ بيون‪ ،‬و�إعادة توجيه الدعوة‬ ‫للمراقبني الدوليني على من�ش�آته النووية يف مقابل ‪240‬‬ ‫�ألف طن من الأغذية ح�صل عليها من الواليات‬ ‫مت توجيه الن�صح‬ ‫املتحدة‪ .‬لكنّه من الوا�ضح �أنه قد ّ‬ ‫جده؛ حيث حر�ص‬ ‫لكيم جونغ �أون ب�أن‬ ‫يت�صرف مثل ّ‬ ‫َّ‬ ‫وال�سرتات‬ ‫على ارتداء املعاطف الطويلة الداكنة ُ‬ ‫يف�ضل ارتدا�ؤها‬ ‫الق�صرية التي كان جده كيم �إيل �سونغ ّ‬ ‫عند �إ�صداره لـما ُعرف با�سم «التوجيهات الفورية» يف‬ ‫القواعد الع�سكرية وامل�صانع‪.‬‬ ‫املتعمد «بالوالد‬ ‫وبالتايل ف� ّإن اال�ستمرارية والت�ش ُّبه‬ ‫ّ‬ ‫الرمز» الأ�سبق للأمة ال يزال يبدو �أنه االجتاه املختار؛‬ ‫يتم‬ ‫�إذ � ّأن �أ ّية �إ�شارة �إىل � ّأن �أول قادة �شيوعيني ّ‬ ‫اختيارهم بالتوريث يف العامل ال يحتلّون منزلة تقارب‬ ‫يهدد بقاء‬ ‫يد ُعون �ستكون �أمر ًا خطري ًا ّ‬ ‫منزلة الآلهة كما َّ‬ ‫أهم بالن�سبة للنخبة‬ ‫النظام ب�أكمله‪ ،‬والبقاء هو الأمر ال ّ‬ ‫القليلة التي حتكم دولة قد تكون فقرية لكنها متتلك‬ ‫�أ�سلحة نووية‪ ،‬ومتتلك رابع �أكرب جي�ش نظامي على‬ ‫م�ستوى العامل‪.‬‬ ‫‪44‬‬

‫الزجاج المكسور‬

‫قمت ذات مرة بزيارة م�صنع تاي �آن للزجاج‪ ،‬على بعد‬ ‫‪ 50‬ميال من بيونغ يانغ‪ .‬وقد قام ال�صينيون ب�إن�شاء هذا‬ ‫امل�صنع‪ ،‬وهو م�صنع ُيربز مدى مت ّيزه باملقارنة مع‬ ‫املن�ش�آت ال�صناعية ال�ضخمة القبيحة املنظر واملت�آكلة‬ ‫يقدم مثا ًال تو�ضيحي ًا على‬ ‫بفعل ال�صد�أ القريبة منه‪ .‬كما ّ‬ ‫العالقة التي تربط ال�صني اجلديدة بدولة علقت يف‬ ‫روا�سب حقبة الثورة الثقافية املاوية على نحو محُ رِ ج‬ ‫لكن خط ال�سكة‬ ‫للغاية‪ .‬قد يكون ذلك امل�صنع حديث ًا‪ّ ،‬‬ ‫احلديدية الذي يخدم امل�صنع كان عتيق ًا ومل تكن هناك‬ ‫�شاحنات لنقل الزجاج‪ .‬ويف الواقع ف� ّإن كل الزجاج الذي‬ ‫�شاهدته كان ُمه�شَّ م ًا لأنّه مل ينجح يف جتاوز اختبارات‬ ‫مراقبة اجلودة‪ .‬ومل �أجر�ؤ على توجيه �أ ّية ت�سا�ؤالت‪ ،‬ل ّأن‬ ‫ذلك كان �س ُيحرِ ج الكوريني ال�شماليني كثري ًا‪.‬‬ ‫لكن كوريا ال�شمالية �أثبتت‪ ،‬يف ظل حكم القائدين‬ ‫ّ‬ ‫�ضد‬ ‫ال�سابقني‪� ،‬أنّها بارعة يف ت�أليب القوى الكربى ّ‬ ‫بع�ضها البع�ض‪ ،‬كما تعمل حالي ًا على مغازلة رو�سيا التي‬ ‫ترغب يف ت�شييد خط �أنابيب لنقل الغاز الطبيعي عرب‬ ‫�أرا�ضيها �إىل كوريا اجلنوبية‪ .‬وكونها متلك رمبا من ‪6‬‬ ‫�إىل ‪� 8‬أ�سلحة نووية يعد مبثابة ال�ضمانة الأمثل لها �ضد‬ ‫� ّأي تكرار ملحاولة تغيري النظام على غرار ما حدث يف‬ ‫العراق وليبيا‪ .‬ويالئم ال�صني اعتقاد بقية دول العامل‬ ‫ب�أنّه يف ا�ستطاعتها الت�أثري اقت�صادي ًا وع�سكري ًا على‬ ‫هذه الدولة املتقوقعة على نف�سها‪ ،‬حتى ومل يقم‬ ‫الكوريون ال�شماليون ب�إخبار ال�صينيني بتجربتهم‬ ‫النووية الأخرية يف عام ‪ .2006‬ويبدو �أن هناك اتفاق‬ ‫�ضمني على �أن كوريا ال�شمالية �ستتمكن لفرتة من‬ ‫الزمن يف تخويف املجتمع الدويل ‪ -‬مثلما فعلت عندما‬ ‫�أغرقت �شيونان‪ ،‬تلك القطعة البحرية الع�سكرية التابعة‬ ‫لكوريا اجلنوبية يف مار�س ‪ ،2010‬بعد قليل من قيامي‬ ‫بتفقدها يف �إحدى القواعد البحرية بكوريا‬

‫اجلنوبية‪ -‬على �أال جتُ ّر ال�صني املُتحفِّزة �إىل الهاوية‬ ‫معها‪.‬‬ ‫وهذا هو ال�سبب وراء �سعي كوريا اجلنوبية لثني‬ ‫وخا�صة‬ ‫ال�صني عن دعمها التاريخي لكوريا ال�شمالية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫� ّأن التجارة بينها وبني ال�صني �ضخمة جد ًا باملقارنة مع‬ ‫تلك القائمة بني ال�صني وكوريا ال�شمالية‪ .‬ومن املعروف‬ ‫� ّأن الرئي�س الكوري اجلنوبي يل ميونغ ‪ -‬باك قد خالف‬ ‫حد‬ ‫ت�شدد ًا �إىل ّ‬ ‫ما د�أب عليه �أ�سالفه وتبنِّى نهج ًا �أكرث ّ‬ ‫كبري �إزاء بيونغ يانغ ‪ .‬و�إىل جانب ت�شديد العقوبات‬ ‫ووقف قدر كبري من املعونات املقدمة من �سيول �إىل‬ ‫كوريا ال�شمالية‪ ،‬عر�ضت حكومة كوريا اجلنوبية من‬ ‫وراء الكوالي�س �صفقة ممتازة على ال�صينيني؛ ففي‬ ‫مقابل قطع ال�صني ل�صالتها مع كوريا ال�شمالية‪،‬‬ ‫�أعلنت كوريا اجلنوبية �أنّها م�ستعدة لدرا�سة �أمر‬ ‫التفاو�ض حول اتفاقية للتجارة احلرة مع ال�صني‪،‬‬

‫يُ َع ّد معهد راند ‪ -‬قطر‬

‫للسياسات (‪ )RQPI‬جزءاً من‬

‫مؤسسة راند العالمية التي‬ ‫تتمثل مهمتها في تحسين‬

‫السياسات وعملية صنع القرارات‬

‫عبر البحث والتحليل في مجموعة‬ ‫متنوعة من المجاالت‪ ،‬بما في‬ ‫ّ‬

‫خالل الصيف الماضي‪ ،‬راقب العالم مشدوهاً بينما كانت أعمال الشغب تُ مزِّ ق المدن‬ ‫أن بريطانيا “قد فقدت‬ ‫الداخلية في إنجلترا‪ .‬هل أظهر العنف والسلب والتخريب ّ‬ ‫روحها”‪ ،‬كما يستنتج أدناه أندرو ويلسون‪ ،‬وهو أحد األدباء البارزين في هذه الدولة؟‬ ‫لتفكك “الوحدة الجماعية الطبيعية‬ ‫ّ‬ ‫ويلكنز كان نتيجة‬ ‫ِ‬ ‫أم أنّ ه‪ ،‬كما يقول ريتشارد ج‪.‬‬ ‫واألساسية للمجتمع”‪ -‬أال وهي األسرة؟‬

‫ذلك الدفاع واألمن‪.‬‬

‫لكن كوريا الشمالية أثبتت‪ ،‬في ظل حكم‬

‫القائدين السابقين‪ ،‬أنّ ها بارعة في تأليب‬

‫‪45‬‬

‫القوى الكبرى ضد بعضها البعض‬

‫ف�ض ً‬ ‫ال عن االعرتاف ب�أحقية ال�صني يف ب�سط �سلطتها‬ ‫على كل من تايوان والتيبيت‪� .‬ستحقق ال�صني بع�ض‬ ‫املكا�سب ال�سيا�سية واالقت�صادية القوية والوا�ضحة‬ ‫لكن‬ ‫للغاية يف �إطار عملية �إعادة ترتيب الأو�ضاع تلك‪ّ ،‬‬ ‫املوحدة‬ ‫ال�صني تريد احل�صول على �ضمانات ب� ّأن كوريا ّ‬ ‫لن ت�ست�ضيف قوات �أمريكية على �أرا�ضيها‪ .‬ولكي‬ ‫يتحقق هذا ال�سيناريو البعيد االحتمال‪ ،‬يجب �أن تكون‬ ‫كوريا ال�شمالية على �شفا االنهيار الكامل‪ .‬ومل ترتك‬ ‫كوريا اجلنوبية � ّأي �شيء لل�صدفة؛ فقد قام قادتها‬ ‫عرف بـا�سم «�ضريبة‬ ‫م�ؤخر ًا بفر�ض �ضريبة خا�صة ُت َ‬ ‫أعد َها‬ ‫قد َرت درا�سة � َّ‬ ‫�إعادة توحيد الكوريتني» بعدما َّ‬ ‫احتاد ال�صناعات الكورية كلفة هذه العملية بثالثة‬ ‫تريليونات دوالر �أمريكي‪.‬‬ ‫قمت م�ؤخر ًا بزيارة املنطقة منزوعة ال�سالح عند‬ ‫دائرة عر�ض ‪� 38‬شماالً‪ ،‬ولكن من ناحية اجلنوب للمرة‬ ‫الأوىل‪ ،‬ك�ضيف على م�ؤ�س�سة الإذاعة الدولية اخلا�صة‬ ‫بهذه الدولة‪ ،‬تلفزيون �أريرانغ‪ .‬بدا الزمن وقد توقف‬ ‫يف هذه املنطقة؛ فمنذ وقف �إطالق النار يف عام ‪1953‬‬ ‫وتوقيع اتفاق الهدنة‪ ،‬حافظت الكوريتان اللتان ال‬ ‫تزاالن من الناحية الفنية يف حالة حرب على �سالم‬ ‫�ساكن قوامه «ت�أكد كال الطرفني من � ّأن � ّأي حرب‬ ‫�ست�ؤدي قطع ًا �إىل تدمريهما مع ًا نظر ًا للقوة الهائلة‬ ‫املقرر �أن‬ ‫املحت�شدة على كل من جانبي احلدود‪ .‬ومن ّ‬ ‫ي�ستمر هذا الأمر طاملا ظلت الأولوية يف كوريا‬ ‫ّ‬ ‫ال�شمالية على حالها ‪ -‬ونق�صد بذلك بقاء �أ�سرة كيم‬ ‫احلاكمة يف ال�سلطة‪l .‬‬

‫حالة من الفساد‬

‫لمحة عن الكاتب‬

‫مارك ِسيدون مراسل سابق‬ ‫لألمم المتحدة يعمل لصالح‬ ‫قناة الجزيرة اإلنجليزية‪.‬‬ ‫ويضم كتابه الذي صدر‬ ‫ّ‬ ‫مؤخرا بعنوان «الدفاع عن‬ ‫ً‬ ‫شيء ما» العديد من‬ ‫أعدها من‬ ‫تقاريره التي ّ‬ ‫داخل كوريا الشمالية‪.‬‬

‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫أبريل ‪2012‬‬

‫ضل‬ ‫َّ‬ ‫كيف‬ ‫العالم طريقه‬


‫من العالم‬

‫التفكك األسري‬ ‫ّ‬

‫كان الربيطانيون يح ّبون رجال ال�شرطة فيما م�ضى؛‬ ‫فالبطل التلفزيوين القدمي ‪ -‬ال�ضابط ديك�سون يف ق�سم‬ ‫�شرطة دوك غرين ‪ -‬كان �شخ�صية ُم َط ْمئِنة‪ .‬وكانت‬ ‫تلك ال�شخ�صية م�ستوحاة من بطل فيلم بعنوان‬ ‫«امل�صباح الأزرق» الذي �صدم الأمة ‪ -‬حيث كان‬ ‫مو�ضوعه هو مقتل رجل �شرطة �أمني‪ ،‬وحمبوب بدرجة‬ ‫كبرية‪ :‬كان قتل �ضابط �شرطة يقرتب من كونه �ضرب ًا‬ ‫التعدي على املقد�سات‪.‬‬ ‫من‬ ‫ِّ‬ ‫إىل‬ ‫�‬ ‫ت‬ ‫د‬ ‫�‬ ‫أ‬ ‫أ�سباب‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫من‬ ‫عة‬ ‫و‬ ‫متن‬ ‫جمموعة‬ ‫تغي الأمور‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫رُّ‬ ‫ال�شك‪ ،‬فيما يتعلق بعدد من الق�ضايا‬ ‫لي�س �أقلّها‬ ‫ّ‬ ‫القانونية والتي كان من �أبرزها ق�ضيتي الإرهاب‬ ‫الإيرلندي املعروفتني با�سم «متهمي جيلدفورد الأربعة»‬ ‫مت التالعب‬ ‫و«م ّتهمي برمنجهام ال�ستة»‪ ،‬يف �أنه قد ّ‬ ‫بالأدلّة واحل�صول على اعرتافات املتهمني حتت‬ ‫الإكراه‪ .‬مل يعد ممكن ًا بعد ذلك ت�صوير ال�ضابط ذي‬ ‫حي للف�ضيلة‪ .‬لقد فقد‬ ‫ّ‬ ‫الزي الأزرق على �أنّه رمز ّ‬ ‫الربيطانيون تلك ال�صورة املالئكية التي كانت لديهم‬ ‫عن جهاز ال�شرطة يف بالدهم‪ ،‬يف نف�س الوقت الذي‬ ‫كانت تتك�شّ ف لهم �أي�ض ًا ف�ضائح عديدة مفادها � ّأن‬ ‫املمر�ضات ‪ -‬مل َيك ُّن‬ ‫املالئكة الآخرين ‪ -‬ونق�صد بذلك ّ‬ ‫�سوى ب�شر �أي�ض ًا‪.‬‬ ‫مل يكن الربيطانيون �شعب ًا متد ّين ًا يف يوم من الأيام؛‬ ‫بيد � ّأن �أ�ساطريهم مت ا�ستثمارها يف الع�صور احلديثة‬ ‫ُمر�ضات‪ .‬ومع‬ ‫يف �شخ�ص ّيات مثل رجال ال�شرطة وامل ِّ‬ ‫فقدانهم الثقة يف كلّ من املهنتني‪ ،‬عبرَّ وا عما يو�صف‬ ‫يف الثقافات الأخرى بفقدان الإميان‪.‬‬

‫ا�ستمر‬ ‫ومع انح�سار ذلك الإ�ضرار املتعمد الذي‬ ‫ّ‬ ‫لب�ضعة �أيام‪ ،‬ومع جلب رجال ال�شرطة لبع�ض من قاموا‬ ‫ب�أعمال �سلب �إىل العدالة‪ ،‬بد�أ الربيطانيون ي�س�ألون‬ ‫�أنف�سهم عن �سبب حدوث مثل هذه االعتداءات‪ .‬وب�شكل‬ ‫عام‪� ،‬أراد الي�سار التقليدي لأعمال ال�شغب �أن تبدو‬ ‫كتظاهرات �سيا�سية‪ ،‬برغم �أنّه كان من الوا�ضح متام ًا‬ ‫� ّأن دوافع من قاموا بال�سلب والنهب مل يكن لها �أ ّية‬ ‫عالقة على الإطالق بالربامج الإ�صالحية �أو الثورية‬ ‫املعتادة‪� .‬أما املتد ّينون فقد حزنوا النهيار القيم‬ ‫الأخالقية‪ ،‬و�أ�شاروا �إىل رجل م�سلم ي ّت�سم بال�شجاعة يف‬ ‫مدينة برمنغهام‪ُ ،‬قتِل ولده لأ�سباب عن�صرية خالل‬ ‫احلرائق و�أعمال ال�شغب‪ ،‬لكنه وبرغم ذلك دعا �إىل‬ ‫�ضبط النف�س‪.‬‬ ‫ثم بد�أ منط معني يف التك�شُّ ف؛ حيث وجد محُ ِ بو‬ ‫«القانون والنظام» اليمينيون �أنف�سهم يقولون نف�س‬ ‫يردده الي�ساريون تقريب ًا‪ ،‬والذين بحثوا‬ ‫الكالم الذي ِّ‬ ‫عن منطق ما ‪� -‬إن مل يكن تربير ‪ -‬ملثل هذا ال�سلوك يف‬ ‫امل�شاكل االجتماعية للمدن الربيطانية الداخلية‪ .‬وقد‬ ‫�شرع الطرفان يف الإلقاء بالالئمة على ال�شرطة‪ .‬ويف‬ ‫درا�سة ا�ستق�صائية �أجرتها �صحيفة «غارديان» وكلية‬ ‫لندن لعلم االقت�صاد‪ ،‬و�أجريت خاللها مقابالت مع ما‬ ‫يزيد عن ‪ 270‬ممن قاموا ب�أعمال ال�سلب وال�شغب‪،‬‬ ‫تبينَّ � ّأن العديد من الأ�شخا�ص الذين اقتحموا املتاجر‬ ‫وقاموا ب�سرقة �سلع منها كان يف ا�ستطاعتهم وب ُي ْ�سر‬ ‫�شديد حت ُّمل تكلفة �شراء ما �سلبوه من تلك املتاجر‪.‬‬ ‫وقالت غالبية كبرية منهم �أنّهم انخرطوا يف �أعمال‬ ‫ال�شغب ليعبرِّ وا عن ازدرائِهم لرجال ال�شرطة‪.‬‬

‫إنهيار المجتمع‬

‫فقدان الثقة واإليمان‬

‫حالة‬ ‫اندلعت‬ ‫من‬ ‫الفساد‬

‫بقلم أن ويلسون‬

‫�أعمال �شغب خالل ال�صيف‬ ‫املا�ضي يف �إجنلرتا‪ .‬وقد بد�أت‬ ‫�أعمال ال�شغب هذه يف توتنهام‪،‬‬ ‫حد‬ ‫احلي من �شمال لندن الذي يتّ�سم بالفقر �إىل ّ‬ ‫ذلك ّ‬ ‫كبري وتقطنه �أغلبية من �أبناء دول البحر الكاريبي ذوي‬ ‫الأ�صول الإفريقية‪ ،‬و�شهد ا�ضطرابات مدنية يف ال�سابق‪.‬‬ ‫�سلمي على حادثة قتل‬ ‫وقد بد�أت هذه الأحداث باحتجاج‬ ‫ّ‬ ‫م�أ�ساوية كان بالإمكان تفاديها‪ ،‬حيث قتلت ال�شرطة �شاب ًا‬ ‫�أ�سود كان ُم�سل َ​َّح ًا مب�سد�س‪.‬‬ ‫وخالل �ساعات‪ ،‬حت َّول ال�سبب الرئي�سي لالحتجاج �إىل‬

‫�أمر �آخر؛ حيث �شرع الأفراد الذين يقومون ب�أعمال �سلب‬ ‫يف حتطيم نوافذ العر�ض اخلا�صة باملحالت‪ .‬ويف‬ ‫ال�ضواحي البعيدة ملدينة لندن‪ ،‬تطايرت �أل�سنة اللهب يف‬ ‫ال�سماء عندما �أ�ضرمت النريان يف م�ستودعات الأثاث‪.‬‬ ‫وقد تنقّل ه�ؤالء ال�سالّبون عرب ال�شوارع بعد تلقيهم‬ ‫لتنبيهات من خالل �أجهزة البالك بريي خا�صتهم‬ ‫تر�شدهم �إىل الأماكن املحتملة التي ميكن للجميع‬ ‫احل�صول منها على ما يرغبون باملجان ‪ -‬فقاموا ب�سرقة‬ ‫الأحذية الريا�ضية‪ ،‬وال�شا�شات التلفازية البالزمية‪،‬‬ ‫و�أجهزة احلا�سوب‪ ،‬واملالب�س ذات املاركات ال�شهرية‪.‬‬ ‫و�سرعان ما انتقل اخلرب �إىل مدن �أخرى‪ .‬وقد تبنّت كلّ من‬ ‫مدن مان�شي�سرت‪ ،‬وبري�ستول‪ ،‬وبرمنغهام‪ ،‬وليفربول فكرة‬ ‫ما �أطلق عليه �أحد املُ َع ِّلقني ا�سم «ال�شراء بعنف»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫من ال�سهل الإلقاء باللوم على افتقار ال�شرطة �إىل‬ ‫الكفاءة عند حدوث خط�أ ما‪ ،‬لكن يف حالة �أعمال‬ ‫ال�شغب‪ ،‬يبدو � ّأن �أمر ًا �آخر كان له دور يف ذلك‪ .‬ويف‬ ‫حني � ّأن الأ�شخا�ص الأكرب �سن ًا رمبا يكونوا قد ت�ساءلوا‬ ‫عما �إذا كانت ال�شرطة قد تعاملت مع هذه املرحلة �أو‬ ‫ّ‬ ‫تلك من اال�ضطراب بتعقّل �أو بح�صافة �أو ب�سرعة‬ ‫كافية‪ ،‬فقد نظر �إليها من قاموا ب�أعمال ال�سلب على‬ ‫�أنّها فر�صة لت�سوية ح�ساباتهم مع ممُ ثِّلي القانون‬ ‫البغي�ضني‪ .‬وقد �أخرب م�شاغب يف الثامنة ع�شرة من‬ ‫عمره من مدينة ليفربول �صحيفة «غارديان» قائالً‪:‬‬ ‫�ض ثالثة من رفاقي‬ ‫تعر َ‬ ‫«كان الأمر �أ�شبه باجلنون؛ فقد َّ‬ ‫لأذى حقيقي على �أيدي رجال ال�شرطة ‪ ....‬وما قام به‬ ‫رجال ال�شرطة هناك هو جمرد ال�صراخ ِ‬ ‫وال�صياح يف‬ ‫وجهي»‪.‬‬ ‫لب املو�ضوع‪ ،‬لي�س ق�صة �أعمال ٍ‬ ‫�شغب‬ ‫هذا هو ّ‬ ‫فح�سب ولكن ق�صة بريطانيا يف الوقت احلايل‪ .‬من‬ ‫ال�سهل �أن تكون وقح ًا عندما تتحدث عن ال�شرطة مهما‬ ‫كان املكان الذي وفدت منه‪ ،‬ولكن ت� َّأمل الأمر جيد ًا‬ ‫و�ستدرك � ّأن �شيئ ًا �أعمق قد حدث‪ّ � .‬إن �ضابط ال�شرطة‬ ‫هو املمثّل الوحيد للدولة الذي يقابله غالبية النا�س‪،‬‬ ‫كما �أنّه �أي�ض ًا ‪ -‬وبدرجة �أكرب من رجل الدين �أو‬ ‫الفيل�سوف ‪ -‬امل َُمثِّل الوحيد للقانون‪ ،‬والرمز الوحيد‬ ‫لل�صواب واخلط�أ‪ ،‬الذي يقابله غالبيتنا‪.‬‬ ‫أبريل ‪2012‬‬

‫كان األمر أشبه‬ ‫ض‬ ‫بالجنون؛ فقد تعرَّ َ‬ ‫ثالثة من رفاقي‬ ‫ألذى حقيقي على‬ ‫أيدي رجال الشرطة‪....‬‬ ‫وما قام به رجال‬ ‫الشرطة هناك هو‬ ‫والصياح‬ ‫ِ‬ ‫مجرّ د الصراخ‬

‫لقد خ�سر الربيطانيون �صناعاتهم الت�صنيعية‪،‬‬ ‫وجمتمعات الطبقة العاملة الوثيقة االرتباط ببع�ضها‬ ‫البع�ض والتي كانت تتمركز حول م�صنع‪� ،‬أو منجم‪� ،‬أو‬ ‫م�صنع للفوالذ‪ .‬وقد بد�أت الأمور يف التداعي اعتبار ًا‬ ‫من ثمانينيات القرن الع�شرين؛ حيث �أ�صبحت مدينة‬ ‫لندن وال�صناعة امل�صرفية مبثابة املركز القت�صاد كان‬ ‫قائم ًا ذات يوم على ت�صنيع وبيع منتجات حقيقية‪ .‬كما‬ ‫تعر�ض ال�شعور بال ُه ِو َّية لدى الربيطانيني ملزيد من‬ ‫ّ‬ ‫جراء الهجرة وا�سعة النطاق‪ ،‬وب�سبب‬ ‫التهديد من ّ‬ ‫املهند�سني املعماريني احل�ضريني احلداثيني الذين‬ ‫قاموا بتدمري و�إزالة ال�شوارع القدمية امل�ألوفة وتكدي�س‬ ‫عامة النا�س يف �أبراج ال روح فيها‪.‬‬ ‫لقد خ�سرت بريطانيا امل ُِ�سنَّة التي يدعو حالها للرثاء‬ ‫ذكرياتها ال�شعبية و�إدراكها لل�صواب واخلط�أ‪ .‬ويف هذا‬ ‫الوقت حتديداً‪� ،‬صارت املدر�سة املكان الوحيد الذي‬ ‫ميكن �أن يلتقي فيه النا�س‪ .‬ولكنه يف هذا الوقت �أي�ض ًا‬ ‫مت فر�ض نظام املدار�س ال�شاملة غري االنتقائي‪ .‬كان‬ ‫ّ‬ ‫الهدف من هذا النظام هو التوحيد‪ ،‬لكنه �أ ّدى �إىل‬ ‫نتيجة معاك�سة‪ .‬فعرب الق�ضاء على املدار�س الثانوية‬ ‫االنتقائية القدمية ب�شكل ال هوادة فيه‪ ،‬دفع ذلك الأمر‬ ‫حتمل تكاليف املدار�س اخلا�صة �إىل‬ ‫من يقدرون على ّ‬ ‫االلتحاق بها‪ .‬وقد �أ�صاب بع�ض الطالب الذين التحقوا‬ ‫مبدار�س �شاملة غري انتقائية جناح ًا‪ ،‬ولكن عدد ًا �أكرب‬ ‫منهم مل ينجح يف درا�سته‪ .‬وقد �أفرز هذا النظام جيلني‬

‫‪47‬‬


‫من العالم‬

‫التفكك األسري‬ ‫ّ‬

‫من الطالب الذين يفتقرون �إىل املهارات الأكادميية‪،‬‬ ‫والذين مل يكت�سبوا مهارات يدوية‪ ،‬والذين فقدوا متام ًا‬ ‫ال�سلطة‪.‬‬ ‫ِح ّ�س االحرتام جتاه من هم يف ُ‬ ‫كانت بريطانيا فيما م�ضى �أر�ض ًا مليئة بالأيدي‬ ‫العاملة‪� .‬أما الآن‪ ،‬ف�إذا �أردت �س َّباك ًا �أو ّ‬ ‫جنار ًا‪ ،‬عليك‬ ‫ا�سترياده من �إحدى دول �شرق �أوروبا ال�شيوعية �سابق ًا؛‬ ‫و�إذا احتجت �إىل اخت�صا�صي يف جراحة الدماغ‪ ،‬فمن‬ ‫املحتمل �أنك �ستحتاج �إىل ا�سترياده هو �أي�ض ًا‪� .‬أما ه�ؤالء‬ ‫القابعني يف قاع ذلك ال ُّركام ‪�-‬أولئك الذين خذلهم‬ ‫ِّ‬ ‫واملخططون العمرانيون‪ ،‬واملحامون‪،‬‬ ‫النظام التعليمي‪،‬‬ ‫و�أرباب الأعمال‪ ،‬وال�سيا�سيون ‪ -‬فلم يعودوا جمرد ُع ْ�ص َبة‬ ‫ال كام ً‬ ‫�صغرية من ال�شبان ال�ساخطني‪ ،‬و�إمنا �صاروا جي ً‬ ‫ال‬ ‫يتمتع بال�صحة ومفعم باحليو ّية والطاقة‪ ،‬لكنّه لي�س لديه‬ ‫ما يقوم به‪ ،‬كما �أنه مل ُتغ َْر�س فيه �أية قيم من �أي نوع‬ ‫�سواء يف املدر�سة �أو املنزل‪.‬‬ ‫� ّإن بريطانيا بلد بائ�س‪ .‬فه�ؤالء منّا ممن �شاهدوها‬ ‫وهي ُيلقَى بها �أدراج الرياح‪� ،‬شيئ ًا ف�شيئ ًا‪ ،‬وعام ًا بعد عام‪،‬‬ ‫ال يرون �أم ً‬ ‫حت�سن الأحوال؛ فال تتوافر‬ ‫ال من � ّأي نوع يف ُّ‬ ‫لدينا املهارات وال املوارد للتناف�س مع ال�صني �أو الهند يف‬ ‫الأ�سواق العاملية‪ .‬لكن الأعمق من ذلك هو �أنّنا قد خ�سرنا‬ ‫�أرواحنا‪ ،‬وهذا هو ما �أظهرته لنا �أحداث ال�شغب الأخرية‪.‬‬ ‫ولهذا ال�سبب‪ ،‬ف� ّإن الإلقاء بالالئمة على ال�شرطة مل يكن‬ ‫كافي ًا متام ًا‪ .‬ولهذا ال�سبب �أي�ض ًا‪ ،‬ي�شعر معظم‬ ‫الربيطانيون ب�أ�سى يعت�صر قلوبهم عندما يتفكّرون يف‬ ‫الأحداث التي وقعت خالل ال�صيف املا�ضي‪l .‬‬

‫لمحة عن الكاتب‬

‫أن نورمان ويلسون زميل‬ ‫الجمعية الملكية لآلداب‪،‬‬ ‫ومؤلف العديد من الكتب‪،‬‬ ‫مثل «الفيكتوريون»‪،‬‬ ‫و»السيرة الذاتية‬ ‫لتولستوي» التي نال عنها‬ ‫جائزة‪ .‬وقد قامت دار النشر‬ ‫أتالنتس بوكس بنشر أحدث‬ ‫كتبه تحت عنوان «دانتي‬ ‫عاشقاً »‪.‬‬

‫ضـل‬ ‫َّ​ّ‬ ‫كيف‬ ‫العــالــم‬ ‫طـريـقـــــه‬ ‫ويلكنز‬ ‫ِ‬ ‫بقلم ريتشارد‬

‫في‬

‫عام ‪ ،1948‬يف �أعقاب نهاية‬ ‫احلرب العاملية الثانية‪ ،‬اجتمع‬ ‫�أبرز الفال�سفة‪ ،‬واملحامني‪،‬‬ ‫والباحثني‪ ،‬والزعماء‬ ‫ال�سيا�سيني يف العامل مبدينة‬ ‫�سان فران�سي�سكو الفتتاح منظمة حكومية دولية جديدة‬ ‫�ضمت �أهداف هذه‬ ‫ُت َ‬ ‫عرف با�سم الأمم املتحدة‪ .‬وقد َّ‬ ‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫املنظمة اجلديدة لي�س فقط التخل�ص من «ويالت‬ ‫احلروب» واحلفاظ على «ال�سالم والأمن الدوليني»‪،‬‬ ‫ولكن �أي�ض ًا تعزيز «التقدم االجتماعي»‪ .‬بيد � ّأن هذه‬ ‫تقدم اجتماعي يف عام‬ ‫الو�صفة التي اقترُ حت لإحداث ّ‬ ‫‪ 1948‬قد ت�صيب البع�ض بالده�شة يف عام ‪.2012‬‬ ‫مدمرين وقعا خالل الن�صف‬ ‫يف �أعقاب �صراعني ّ‬ ‫الأول من القرن الع�شرين‪ ،‬تولّد لدى املجتمع الدويل‬ ‫�إدراك كامل ب� ّأن ال�شر امل�ستطري �أمر ممكن‪ ،‬ورمبا‬ ‫حتمي‪ ،‬عندما تف�سد القيم الأخالقية الفطرية‪ .‬وقد‬ ‫جرى تنظيم الأمم املتحدة ملحاربة ال�شر املربمج‬ ‫وتعزيز امل�س�ؤولية االجتماعية‪ ،‬واللياقة الأخالقية‪،‬‬ ‫والتح ُّرر‪ .‬والأمر املهم هنا هو � ّأن َمن �أن�ش�أوا الأمم‬ ‫املتحدة كانوا ي�ؤمنون ب� ّأن �إجناز هذه الأهداف يتطلَّب‬ ‫احرتام القائمة املختارة من القيم الأ�سا�سية املرتبطة‬ ‫بالأ�سرة‪ ،‬والزواج‪ ،‬والأمومة‪ ،‬وتربية الأطفال‪.‬‬ ‫ين�ص‬ ‫وهكذا‪ ،‬ف� ّإن الإعالن العاملي حلقوق الإن�سان ّ‬ ‫يف مادته رقم ‪ )3(16‬على �أن «الأ�سرة هي الوحدة‬ ‫اجلماعية الأ�سا�سية والطبيعية للمجتمع»‪ ،‬وعلى �أنها‬ ‫ت�ستحق «احلماية من قبل املجتمع والدولة»‪ .‬ويف ما‬ ‫بحق‬ ‫قر بـ�أنّه «يجب االعرتاف ّ‬ ‫يتعلق بالزواج‪ ،‬ف�إنّه ُي ّ‬ ‫الرجال والن�ساء ممن بلغوا �سن الزواج يف الإرتباط‬ ‫بالزواج وت�أ�سي�س �أ�سرة» وب� ّأن «للأمهات والأطفال احلق‬ ‫يف احل�صول على م�ساعدة ورعاية خا�صة»‪ .‬كما يعرتف‬ ‫الإعالن �أي�ض ًا ب�أولوية وحدة الأ�سرة بخ�صو�ص الق�ضايا‬ ‫املتعلقة بالتعليم وتربية الأطفال‪ :‬فريى �أنه للوالدين‬ ‫«حق م�س ّبق يف اختيار نوع التعليم الذي �سيتلقاه‬ ‫�أطفالهم»‪.‬‬ ‫جتاهل تطبيق هذه الو�صفة‬ ‫وللأ�سف‪ ،‬فقد جرى‬ ‫ُ‬ ‫حد كبري‪ .‬وبد ًال من دعم‬ ‫االجتماعية احلكيمة �إىل ّ‬ ‫الأ�سرة‪ ،‬ال تركِّ ز م�ؤ�س�سات وجلان عديدة تابعة للأمم‬ ‫املتحدة على الوحدة اجلماعية الأ�سا�سية‪ ،‬بل على‬ ‫الأفراد‪ :‬الن�ساء‪ ،‬والرجال‪ ،‬والأطفال‪ ،‬والأوالد والبنات‪.‬‬ ‫أخالق منسية‬

‫تقدم كبري‬ ‫وخالل العقود ال�س ّتة املا�ضية‪ ،‬حت َّقق ّ‬ ‫وجدير بالثناء فيما يتعلق باحلقوق واحلريات الفردية‪،‬‬ ‫وخ�صو�ص ًا فيما يتعلق بتحقيق امل�ساواة بني املر�أة‬ ‫والرجل‪ .‬لكن جرى جتاهل الأ�سرة ‪ -‬وكذلك الف�ضائل‬ ‫املدنية املتمثّلة يف العمل اجلاد‪ ،‬والت�سامح‪ ،‬وال�صرب‪،‬‬ ‫يتم تعليمها‬ ‫والطيبة‪ ،‬والتح ُّمل‪ ،‬وامل�ساحمة التي ّ‬ ‫للأطفال من قِ َبل �أبوين محُ َّبني وحكيمني‪ .‬وما ُينذِ ر‬ ‫بال�سوء حتى بدرجة �أكرب هو � ّأن املعايري والأخالقيات‬ ‫االجتماعية التي بثَّت احلياة يف الإعالن العاملي حلقوق‬ ‫مت انتقادها‪ ،‬بل ون�سيانها يف بع�ض‬ ‫الإن�سان قد ّ‬ ‫احلاالت‪.‬‬ ‫وخالل اخلم�سني �سنة الأخرية‪ ،‬تباعدت �أعداد متزايدة‬ ‫من الأكادمييني عن فكرة الأ�سرة ‪ -‬وعن الزواج على‬ ‫وجه اخل�صو�ص‪ .‬وقام ه�ؤالء الأكادمييني ببطء‪ ،‬ولكن‬ ‫بثبات‪ ،‬ب�إقناع �شرائح متنامية من اجليلني ال�سابقني‬ ‫ب� ّأن الزواج ال يتطلب رج ً‬ ‫ال ‪ ،‬وال امر�أة‪ ،‬ولي�س له‬ ‫و�صف‬ ‫بال�ضرورة ارتباط بالطبيعة‪ .‬وبد ًال من ذلك‪ُ ،‬ي َ‬ ‫الزواج الآن ب�أنّه مفهوم نفعي ميكن وينبغي �إعادة بناءه‬ ‫لإ�شباع رغبات الأفراد امل�ستقلني الذين ِ‬ ‫يح ّق لهم‬ ‫أبريل ‪2012‬‬

‫فــي األنظمــة‬ ‫االجــتماعيــة‬ ‫والــسياسيــة‬ ‫والثقافية المختلفة‪،‬‬ ‫توجــد أشكــال‬ ‫مــختلفــة لألســرة‬

‫تعريف عالقاتهم احلميمة دون قيود املعايري‬ ‫االجتماعية واجلن�سية القائمة؛ حيث تو�صف الأب ّوة يف‬ ‫يتم االعرتاف بها‬ ‫الف�صول الدرا�سية املعا�صرة‪ ،‬عندما ّ‬ ‫مت االعرتاف بها �أ�صالً‪ ،‬ب�أنها �أحد بقايا فرتة‬ ‫و�إذا ما ّ‬ ‫اال�ضطهاد الأبوي‪.‬‬ ‫وباخت�صار‪ ،‬فخالل ال�سنوات الأخرية‪ ،‬وبد ًال من‬ ‫االعرتاف بالأ�سرة على �أنّها «الوحدة اجلماعية الأ�سا�سية‬ ‫تو�صل العبون عديدون ‪ -‬مبا يف‬ ‫والطبيعية للمجتمع»‪َّ ،‬‬ ‫ذلك بع�ض الوكاالت التابعة للأمم املتحدة ‪� -‬إىل � ّأن‬ ‫الأ�سرة جم ّرد وحدة بناء اجتماعية؛ و�أنّها رمبا تكون‬ ‫وحدة بناء �ضا ّرة يف هذا ال�سياق‪� .‬أما الت�صريح الذي‬ ‫يكاد يكون �أحد الطال�سم الآن فهو‪« :‬يف الأنظمة‬ ‫االجتماعية وال�سيا�سية والثقافية املختلفة‪ ،‬توجد �أ�شكال‬ ‫خمتلفة للأ�سرة»‪.‬‬ ‫عد هذا الأمر �صحيح ًا على �أحد امل�ستويات؛ فلقد‬ ‫و ُي ّ‬ ‫ا�شتملت الأ�سرة دوم ًا على بيوت ال تت�ضمن �سوى والد‬ ‫واحد‪ ،‬وعلى �أخرى ت�ضم �أبناء من زيجات �أخرى‪ ،‬وعلى‬ ‫العمات‪ ،‬والأعمام‪ ،‬والأجداد‪،‬‬ ‫تلك التي حتت�ضن َّ‬ ‫وغريها من �أنواع العالقات الأ�سرية بني الأجيال‪ .‬لكن‬ ‫يعد �أقل حتفظ ًا بكثري‪ :‬حيث � ّأن‬ ‫الت�أكيد املعا�صر ّ‬ ‫«الأ�شكال املختلفة للأ�سرة» لي�س لديها الآن بال�ضرورة‬ ‫� ّأي عالقة «بحق الرجال والن�ساء ممن بلغوا �سن الزواج‬ ‫يف االرتباط بالزواج»؛ وبد ًال من �أن تكون عالقة احتاد‬ ‫بني رجل وامر�أة تتمحور حول �إجناب وتربية الأطفال‪،‬‬ ‫وامل�ؤكّدة بحكم القانون والعادات االجتماعية القدمية‬ ‫قدم الدهر‪� ،‬أ�صبحت الأ�سرة املعا�صرة املفكّكة مفهوم ًا‬ ‫ويتحدد وفقا لالختيار ال�شخ�صي املح�ض‪.‬‬ ‫ال �شكل له‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وبالتايل‪ ،‬ف� ّإن الأ�سرة التي ُتفهم بهذه الطريقة ال ميكن‬ ‫�أن تلعب الدور الذي �أناطه بها من �صاغوا م� ّسودة‬ ‫الإعالن العاملي حلقوق الإن�سان‪.‬‬ ‫رسم الحدود‬

‫واملتغية ح�سب‬ ‫ُعرفة على نحو فردي‪،‬‬ ‫رّ‬ ‫�إن «الأ�سرة» امل َّ‬ ‫واملتحررة من الأعراف ال ميكن �أن‬ ‫االجتماعي‪،‬‬ ‫ال�سياق‬ ‫ّ‬ ‫تقوم بدور «الوحدة اجلماعية الأ�سا�سية للمجتمع»؛‬ ‫حيث � ّأن «الوحدة اجلماعية الأ�سا�سية» بطبيعتها يجب‬ ‫حمددة‪،‬‬ ‫�أن تتمتع مبعايري وحدود وا�ضحة‪ ،‬ومبهمة ّ‬ ‫ونتائج متوقعة‪ ،‬و�أعراف حاكمة‪� .‬أما «الأ�سرة» التي ال‬ ‫ترتكز �سوى على اختيارات �شخ�صية ومتغرية‪،‬‬ ‫واملتحررة من احلدود‪ ،‬والتي تفتقر �إىل �أية مهمة‪� ،‬أو‬ ‫ّ‬ ‫نتائج‪� ،‬أو معايري‪ ،‬فال ميكن �أن ت�صلح ك�أ�سا�س ملجتمع‬ ‫مدين منظّ م ومنتظم‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬فبدال من الأ�سرة‪،‬‬ ‫�أ�صبحت اللبنة الأ�سا�سية للمجتمع املعا�صر‪ ،‬وب�شكل‬ ‫تغي من قواعد‬ ‫متزايد‪ ،‬عبارة عن تركيب ُمربِك ُ‬ ‫وم رِّ‬ ‫يتم فر�ضها من قبل‬ ‫قانونية جرى ابتكارها حديث ًا و ّ‬ ‫الق�ضاة‪ ،‬وال�سجون‪ ،‬والإ�صالح ّيات‪ ،‬والعديد من‬ ‫املوظفني الآخرين املخ ّولني قانوني ًا‪ .‬وقد حدث كل هذا‬ ‫ب�سبب الطاعة املتزايدة والعمياء للمجتمع للوثن‬ ‫احلديث الذي يطلق عليه ا�سم «ا�ستقالل الفرد»‪( .‬بيد‬ ‫� ّأن جمتمع ًا يت�ألف من �أفراد م�ستقلني متام ًا يحتاج‪،‬‬ ‫على ما يبدو‪� ،‬إىل ح�شود من رجال ال�شرطة وعدد كبري‬ ‫من القوانني للحيلولة دون �أن ُي َج ّن جنون جمموعة‬ ‫كلي)‪.‬‬ ‫الإن�سانية امل�ستقلّ واجلامح على نحو ّ‬

‫‪49‬‬


‫�إ�ضـ ـ ـ ـ ــاءات‬ ‫تفكّر‪.‬‬

‫من العالم‬

‫التفكك األسري‬ ‫ّ‬

‫الحج‬ ‫ّ‬ ‫كارين أرمسترون‪ :0‬عن‬ ‫راشيل آسبدن‪ :‬عن‬ ‫الروائيين العرب‬ ‫كيشوار ديساي‪:‬‬ ‫عن جوا‬

‫‪51‬‬

‫‪50‬‬

‫األسرة هي الوحدة الجماعية‬ ‫األساسيّ ة والطبيعيّ ة للمجتمع‬ ‫البد و� ّأن الرجال والن�ساء العظماء الذين � ّأ�س�سوا‬ ‫ٍ‬ ‫حقيقي لأنّه‬ ‫برعب‬ ‫منظمة الأمم املتحدة �سي�صابون‬ ‫ٍ‬ ‫مت جتاهل‪ ،‬وانتقاد‪ ،‬بل وهدم «الوحدة اجلماعية‬ ‫قد ّ‬ ‫الأ�سا�سية والطبيعية» التي �أدركوا �أنّها الأ�سا�س‬ ‫والتقدم االجتماعي‪.‬‬ ‫ال�ضروري لتحقيق ال�سالم‬ ‫ّ‬ ‫والت�أكيد املوجز على � ّأن «الأ�سرة هي الوحدة‬ ‫اجلماعية الأ�سا�س ّية والطبيع ّية للمجتمع» يعك�س على‬ ‫ينم عن اخلربة حكمة جرى ا�ستخال�صها من‬ ‫نح ٍو ّ‬ ‫امل�سار الكامل للتاريخ الب�شري؛ فالأ�سرة لي�ست جمرد‬ ‫وحدة بناء من �أعمال اخليال الب�شري‪ ،‬لكنّها ‪ -‬وعلى‬ ‫العك�س من ذلك ‪ -‬ترتبط ارتباط ًا عميق الأهمية‬ ‫بالطبيعة‪ ،‬بداية من حقائق التكاثر وو�ص ً‬ ‫وال �إىل القوى‬ ‫تت�ضمن احل�صائل‬ ‫التي ت�شكّل ح�ضارتنا ذاتها‪ .‬وهي‬ ‫ّ‬ ‫االقت�صادية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬وال�شخ�صية‬

‫الإيجابية التي ت�شري الأبحاث احلالية �إىل �أنّها تنبع‬ ‫من تعلّم رجل للعي�ش مع امر�أة وبالعك�س) يف �إطار‬ ‫عالقة زوجية ت ّت�سم بالتزام كل منهما نحو الآخر‪ .‬ويف‬ ‫احلقيقة � ّإن � ّأي �أمل يف التقدم االجتماعي‪ ،‬ويف بقاء‬ ‫املجتمع نف�سه‪ ،‬يعتمد على تلك العالقة‪.‬‬ ‫ُي َع ّد التف�سخ والي�أ�س االجتماعي‪ ،‬مثل ذلك الذي‬ ‫ذكره �أن ويل�سون‪� ،‬أمر ًا �شائع ًا للغاية‪ .‬ولكن بالإمكان‬ ‫حب الأمهات والآباء وم�ساندتهم‬ ‫َعكْ �س هذه الأمور؛ فمع ّ‬ ‫وال�ضراء‪ ،‬ومع عي�ش‬ ‫ال�سراء‬ ‫َّ‬ ‫لبع�ضهم البع�ض يف َّ‬ ‫الأطفال وتعلّمهم يف �إطار هذه البيئة التي ت ّت�سم بالدفء‬ ‫وال�سرور‪ ،‬يتم بناء ‪� -‬أو �إعادة بناء ‪ -‬العنا�صر الأ�سا�سية‬ ‫ملجتمع م�ستقر و�آمن وملتزم ب�آداب اللياقة‪ ،‬من خالل‬ ‫زوجني اثنني وطفل‪l .‬‬

‫لمحة عن الكاتب‬

‫ويلكنز هو المدير‬ ‫ِ‬ ‫ريتشارد‬ ‫التنفيذي لمعهد الدوحة‬ ‫الدولي للدراسات األسرية‬ ‫والتنمية‪ ،‬وهو أستاذ‬ ‫كرسي روبرت باركر للقانون‬ ‫(سابقاً ) في جامعة بريجهام‬ ‫يونج‪.‬‬

‫‪www.fsd.org.qa‬‬

‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫مقا�صد احلجّ‬ ‫في هذه الصفحة‪ :‬لوحة‬ ‫«المغناطيسية» ألحمد مطر‪.‬‬ ‫في الصفحة التالية‪ :‬المنظر‬ ‫من على جبل الرحمة في‬ ‫عرفات بعدسة ريم الفيصل‪.‬‬

‫أبريل ‪2012‬‬

‫يف كل عام‪ ،‬ي�ش ُّد ماليني امل�سلمني الرحال �إىل مكة املكرمة لأداء فري�ضة احلج التي يتعينّ عليهم �أدا�ؤها‬ ‫مرة واحدة على الأقل يف ال ُعمر ملن ا�ستطاع �إىل ذلك �سبي ًال‪ .‬ويف معر�ض هام يع ّد الأول من نوعه‪ ،‬قام‬ ‫املتحف الربيطاين بجمع ال�صور‪ ،‬والر�سوم التو�ضيحية‪ ،‬واملن�سوجات‪ ،‬واملخطوطات‪ ،‬وال�صور الزيتية‬ ‫جت�سد هذه ال�شعرية من �شتّى جنبات الأر�ض وعلى امتداد زمان �ضارب يف القدم لأكرث‬ ‫والتحف التي ّ‬ ‫من ‪ 14‬قرن ًا كان احلجيج يفدون خاللها �إىل الأرا�ضي احلجازية للطواف بالبيت العتيق‪ .‬وت�صحب هذه‬ ‫املجموعة املهيبة الزائر يف رحلة على طريق مادي وروحاين يف � ٍآن واحد‪ ،‬لإلقاء ال�ضوء على تلك‬ ‫ال�شعرية الإ�سالمية «احلج‪ :‬رحلة �إىل قلب الإ�سالم»‪.‬‬


‫} َو�أَذ ِّْن يِف ال َّن ِ‬ ‫ال ِّج‬ ‫ا�س ِب حْ َ‬ ‫َي�أْتُوكَ ِر َج اًال َو َعلَى كُلِّ َ�ض ِ‬ ‫ام ٍر‬ ‫ني ِم ْن كُلِّ َف ٍّج َع ِم ٍ‬ ‫يق{‪.‬‬ ‫َي�أْ ِت َ‬

‫مزولة ومؤشر لتحديد‬ ‫اتجاه القبلة مصنوعان‬ ‫من العاج‪ .‬أحد أعمال‬ ‫بيرام إلياس‪ .‬تركيا‬ ‫‪1583-1582‬‬

‫القر�آن الكرمي‪� ،‬سورة احلج‪ ،‬الآية ‪30-27‬‬

‫‪53‬‬

‫بقلم كارين أرمسترونغ‬

‫إذا نظرنا إلى تاريخ الروحانية الإن�سانية‪� ،‬سنجد �أنّ‬ ‫احلج ميثل منوذجا منطيا ب�شكل كبري؛ فقبل وقت طويل على‬ ‫بدء قيام الب�شر بر�سم اخلرائط لعاملهم على نحو علمي‪،‬‬ ‫الـمعتقد �أنّ �أي‬ ‫قاموا بتطوير «جغرافية ّ‬ ‫مقد�سة»‪ .‬كان من ُ‬ ‫�شيءٍ يف العامل الطبيعي يربز عن حميطه يمُ كنه منح الب�شر‬ ‫املقد�س‪ ،‬لأنه عبرّ عن �شيءٍ �آخر‪ .‬ويف‬ ‫َموجل ًا مبا�شر ًا للعامل ّ‬ ‫تلك املنطقة القاحلة من �أر�ض احلجاز‪ ،‬قد يكون بئر زمزم‬ ‫قد ح َّول مكة �إىل بقعة مقد�سة‪ ،‬قبل بناء املدينة يف ذلك‬ ‫املكان بزمن طويل‪ .‬وعلى الدوام‪� ،‬أ�شارت خ�صائ�ص املاء‬ ‫مقد�سة‪.‬‬ ‫الداعمة للحياة واملط ِّهرة �إىل وجود ق ّوة ّ‬ ‫التوجه العلمي‪ ،‬نرى الرموز منف�صلة‬ ‫ويف جمتمعنا ذي ّ‬ ‫جوهر ًيا عن ال�شيء الذي ت�شري �إليه‪ ،‬لكن طوال معظم‬ ‫التاريخ الب�شري‪� ،‬شارك الرمز يف الواقع الذي م ّثله ومنح‬ ‫النا�س مولجِ ًا ي�صلون من خالله �إىل حقيقة محُ رِّية مل يكن‬ ‫من املمكن عر�ضها وفق ًا لقواعد املنطق‪.‬‬ ‫تعد جتربة «االرتقاء» ال َو ْجدي �أمر ًا غاية يف الأهمية‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫أبريل ‪2012‬‬

‫“الحج‪ :‬رحلة إلى قلب اإلسالم” معرض‬

‫أقيم في المتحف البريطاني بلندن‪ ،‬خالل‬

‫الفترة من ‪ 26‬يناير ‪ 19 -‬أبريل‪ .‬أما الكتاب‬ ‫المرافق‪ ،‬الذي حرّ رته أمينة المعرض‬

‫فينيشيا بورتر‪ ،‬وأسهمت فيه كارين‬

‫أرمسترونغ‪ ،‬وماس عبد الحليم‪ ،‬وهيو‬ ‫كينيدي‪ ،‬وروبرت إروين‪ ،‬وضياء الدين‬

‫سردار‪ ،‬فمن منشورات مطبعة المتحف‬

‫البريطاني‪ ،‬ويمكن طلبه عبر الموقع‬

‫التالي‪britishmuseum.org/shop :‬‬

‫لهذا جند الزقّورات (الأهرام الرافدية) والأهرامات‬ ‫احلا�ضرة يف كل مكان‪ ،‬وم ّكنت احلجاج من االرتقاء رمزي ًا‬ ‫عرب امللكوت ليقابلوا ر ّبهم‪ ،‬وال�صور الوا�سعة االنت�شار‬ ‫للقطب �أو ال�شجرة �أو ال�س ّلم الكوين‪ ،‬والتي تعمل على �شكل‬ ‫«حمور» يربط العامل ال�سفلي بالأر�ض وال�سماء‪ .‬وجند ال�سلَّم‬ ‫املقد�س يف احللم اخلارق للطبيعة ليعقوب يف بيت �إيل ويف‬ ‫ّ‬ ‫املعراج‪ ،‬الذي ارتقى بالنبي حممد (�ص ّلى اللهّ عليه و�س ّلم)‬ ‫من بيت املقد�س �إىل العر�ش الإلهي‪ .‬لقد كان رمز الع�صر‬ ‫الذهبي الفردو�سي يف �أول الزمان على نف�س الدرجة من‬ ‫االنت�شار؛ �إذ �إنّه �أ�سطورة موجودة يف كل الثقافات تقري ًبا‪.‬‬ ‫وهي ال تعبرّ عن احلقيقة التاريخية فح�سب‪ ،‬بل وعن‬ ‫مقدر ًا لها �أن‬ ‫قناعتنا الفطرية ب�أنّ احلياة الب�شرية مل يكن ّ‬ ‫تكون غري ُمر�ضية �أو معيبة �أو م�أ�ساوية �إىل هذا احلد‪ .‬ويف‬ ‫العامل الإ�سالمي‪ ،‬تط ّورت تقاليد تزعم �أن الكعبة هي �أعلى‬ ‫بقعة على وجه الأر�ض‪ ،‬لأن جنم القطب ُيظهرها يف مواجهة‬ ‫مركز ال�سماء‪ ،‬و�أنّها ترمز للمكان الذي بد�أت فيه احلياة‬ ‫الب�شرية‪ ،‬حيث تقع جنة عدن‪ ،‬وحيث �س ّمى �آدم احليوانات‬ ‫ب�أ�سمائها‪ ،‬وحيث �سجدت كل املالئكة والأرواح (ما عدا‬ ‫�إبلي�س) لأول الب�شر‪.‬‬ ‫يبد�أ احلج‪ ،‬مثل امل�سعى الديني نف�سه‪ ،‬ب�إدراك مفاده �أن‬


‫�إ�ضاءات تفكّر‪.‬‬

‫هناك �شيء خاطئ‪ .‬غري � ّأن لدينا قدرة فريدة على‬ ‫االجنذاب ال�صويف الذي ميكننا من «الوقوف خارج»‬ ‫يعد اجل�سد وريث ًا لها‪ ،‬و�أن نلمح �شيئا ي�سمو‬ ‫الأمرا�ض التي ّ‬ ‫على اخلربة الدنيوية‪ .‬ولهذا ف� ّإن احلجاج يلتم�سون مكان ًا‬ ‫قد�س منه �إىل عاملنا املعيب الفاين‪ .‬يحدث‬ ‫معروفا بنفاذ املُ َّ‬ ‫ذلك �أحيانًا يف الأحالم‪ ،‬مثل حلم يعقوب‪ ،‬و�أحيانًا يف‬ ‫حدث كوين (كما حدث عندما �سقط النيزك‪ ،‬الذي‬ ‫ٍ‬ ‫ُعرِ َف فيما بعد با�سم احلجر الأ�سود‪ ،‬من ال�سماء على‬ ‫مكة)؛ و�أحيانًا عند الو�صول �إىل حالة روحانية خارقة‬ ‫للعادة‪ ،‬مثل االحتاد ال�صويف مع الإله‪ ،‬الذي يخلق‬ ‫«حمو ًرا» (قطبا) يربط الأر�ض بال�سماء‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫أن بيئتهم املبا�شرة ال ميكن �أن‬ ‫وإلدراكهم ّ‬ ‫تل ّبي �أعمق احتياجاتهم‪ ،‬ي�سعى احلجاج اللتما�س‬ ‫«عالج ال ُب ْعد»؛ حيث ينقطعون ب�صورة رمزية عن‬ ‫الوجود الدنيوي (غالب ًا عن طريق النَّذْ ر �أو ارتداء‬ ‫مالب�س خا�صة) ويغادرون املكان الذي يعد طرفي ًا‬ ‫من املنظور الروحي نحو «املركز»‪ ،‬ومن ثم تف�صلهم‬ ‫م�شقّة الرحلة عن منط حياتهم املعتادة‪ .‬وترمز م�شاق‬ ‫الطريق �إىل �صعوبة «االرتقاء»؛ ويتم هدم املعايري‬ ‫ندان‬ ‫االجتماعية‪ ،‬حيث ي�سري الغني والفقري على �أنهما ّ‬

‫الحج‬ ‫ّ‬

‫يشد ماليين المسلمين‬ ‫ّ‬ ‫في كل عام‪،‬‬ ‫الرحال إلى المملكة العربية السعودية‬ ‫من مختلف أنحاء العالم إلتمام واحد من‬ ‫أهم الفروض الدينية في اإلسالم‪.‬‬ ‫الحج هو رحلة روحية إلى الله‪ ،‬وهو واجب ديني يجب‬ ‫أداؤه على األقل مرة واحدة في العمر‪ ،‬على كل‬ ‫مسلم عاقل بالغ صحيح البدن ولديه القدرة المالية‬ ‫تحمل تكاليفه‪.‬‬ ‫على ّ‬ ‫في كل عام‪ ،‬يسافر ماليين المسلمين إلى مكة‬

‫مت�ساويان‪.‬‬ ‫يعد احلج مبثابة تدريب �أ�سا�سي‪ ،‬فهو م�شقة ت�أخذ �شك ً‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫طق�سي ًا‪ ،‬وتدفع امل�شاركني فيها �إىل حالة خمتلفة من‬ ‫الوعي‪ .‬متثّل الطقو�س فن ًا يفتقده العديدون يف الغرب‪ ،‬وال‬ ‫�شك يف � ّأن بع�ض احلجاج هم �أكرث مهارة يف �أداء احلج من‬ ‫غريهم‪ .‬وال تعتمد فاعلية ال�شعرية على جمرد اعتقاد‬ ‫�ساذج‪ .‬ويف املجتمع التقليدي‪ ،‬مل تكن ال�شعرية نتاج‬ ‫�أفكار دينية‪ ،‬بل كانت هذه الأفكار نتاج ال�شعائر‪.‬‬ ‫والكلمة ال�سن�سكريتية ملكان احلج هي تريثا ‪،tirtha‬‬ ‫والتي ا�شتُقت من الأ�صل ‪ tr‬والذي يعني «العبور»‪.‬‬ ‫وعند بلوغ احلجاج وجهتهم املن�شودة‪ ،‬ف�إنهم‬ ‫يقومون بت�أدية �شعائر �أخرى‪ ،‬جرى و�ضعها بعناية‬ ‫مل�ساعدتهم على االنتقال للحالة املقد�سة‪.‬‬ ‫يقوم احلجاج �أحيانًا بتقليد حركات‬ ‫ال�شخ�صيات الرئي�سية املرتبطة باملكان املقد�س‪،‬‬ ‫وعرب تكرار هذه احلركات النمطية‪ ،‬ف�إنهم يرتكون‬ ‫�شخو�صهم الدنيوية خلفهم وي�صبحون �شيئ ًا �آخر ًا‪،‬‬ ‫�أعظم قدر ًا‪ ،‬لربهة ق�صرية‪ .‬ويف مكة املكرمة‪ ،‬يعيد‬ ‫احلجاج متثيل ق�صة ال�سيدة هاجر ونبي اهلل �إ�سماعيل‪.‬‬ ‫سريا على خطى الأنبياء �آدم و�إبراهيم وحممد (عليهم‬ ‫و� ً‬ ‫ال�صالة وال�سالم)‪ ،‬ف�إنهم يطوفون حول الكعبة �سبعة‬

‫المكرّ مة بالمملكة العربية السعودية‪ ،‬ألداء مناسك‬ ‫الحج‪ :‬ووفقا لإلدارة المركزية لإلحصاء والمعلومات‬ ‫في المملكة العربية السعودية‪ ،‬فقد شارك في‬ ‫موسم الحج لعام ‪ 2011‬ما مجموعه ‪2,927,717‬‬ ‫حاجاً من ‪ 183‬جنسية‪ ،‬بزيادة قدرها ‪ 5‬بالمائة عن‬ ‫العام السابق‪.‬‬ ‫كان الحج تقليدا ً راسخا ً في زمن النبي محمد‬ ‫(صلّ ى الله عليه وسلم)‪ .‬وحسبما جاء في القرآن‬ ‫أول من أمره الله‬ ‫نبي الله إبراهيم هو ّ‬ ‫فإن ّ‬ ‫الكريم‪ّ ،‬‬ ‫بدعوة الناس إلى الحج‪.‬‬ ‫يلعب الحج دورا ً رئيسيا ً في اإلسالم؛ فهو وقت‬ ‫يلتقي فيه المسلمون من جميع أنحاء العالم مع‬ ‫األخوة‬ ‫ّ‬ ‫بعضهم البعض من أجل عبادة الله بروح من‬ ‫العالمية‪.‬‬ ‫وابتداء من يوم الثامن من ذي الحجة (الشهر‬ ‫ً‬ ‫الثاني عشر من التقويم الهجري اإلسالمي) يؤدي‬ ‫كل حاج سلسلة من المناسك الممثّ لة للمحات من‬ ‫حياة نبي الله إبراهيم وزوجته السيدة هاجر‪.‬‬ ‫يقوم الحجاج بأداء الطواف بالسير سبعة أشواط‪،‬‬ ‫بعكس اتجاه عقارب الساعة حول الكعبة‪ ،‬وهي هذا‬ ‫البناء المربع األسود الذي يقع في قلب مكة‬ ‫المكرمة‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬يؤدون شعيرة السعي‪ ،‬عن‬ ‫طريق السير بين تلّ ي الصفا والمروة‪ ،‬في تصوير‬ ‫لبحث السيدة هاجر المستميت عن الماء‪.‬‬

‫يقضي الحجاج اليوم التالي لذلك في الصالة‬ ‫التل الذي ألقى من‬ ‫ّ‬ ‫والدعاء على جبل عرفات‪ ،‬وهو‬ ‫فوقه رسول الله خطبة الوداع ؛ وبعد ذلك يفيضون‬ ‫يرددون‬ ‫إلى مزدلفة‪ ،‬حيث يقضون الليل وهم ّ‬ ‫األدعية ويجمعون الحصى‪.‬‬ ‫الحجاج إلى منى‬ ‫ّ‬ ‫وفي العاشر من ذي الحجة‪ ،‬يعود‬ ‫حيث يرمون الجمرات على عدد من األعمدة الحجرية‬ ‫التي تمثّ ل الشيطان‪ .‬وتمثّ ل هذه الشعيرة إعادة‬ ‫لتمثيل قيام نبي الله إبراهيم بإلقاء الحجارة على‬ ‫الشيطان الذي كان يحاول إثناءه عن التضحية بولده‪،‬‬ ‫ويرمز للثقة الكاملة التي يوليها المسلم لله تعالى‪.‬‬ ‫في وقت الحق‪ ،‬يعود الحجاج إلى مكة المكرمة‪،‬‬ ‫حيث يؤدون مناسك الطواف والسعي مرة أخرى‪.‬‬ ‫وبعد ذلك يسوقون األضحية أو الهدي‪ ،‬حيث يتم‬ ‫توزيع لحومها على األهل‪ ،‬واألصدقاء‪ ،‬والفقراء‪.‬‬ ‫وبعدها يعود حجاج بيت الله الحرام إلى منى‪ ،‬حيث‬ ‫يقضون اليومين المقبلين ويقومون برمي‬ ‫الجمرات‪.‬‬ ‫وفي اليوم األخير ‪ ،‬يعود الحجاج إلى مكة‬ ‫المكرمة‪ ،‬حيث يؤدون طواف الوداع والسعي‪،‬‬ ‫وبالتالي ينهون رسميا أداء فريضة الحج‪.‬‬

‫«يكتسب معرض «الحج‪ :‬رحلة إلى‬ ‫قلب اإلسالم» أهميته من رافدين‬ ‫أساسيين هما المنظور التاريخي‬ ‫لهذه الشعيرة‪ ،‬ودور المعرض نفسه‬ ‫في تعزيز الوعي الثقافي‪ ،‬إذ يرسم‬ ‫صورة تسهم في استيعاب مفردات‬ ‫تلك الرحلة التي ال تقتصر على‬ ‫تأدية شعائر دينية فحسب‪ ،‬بل تمثل‬ ‫أيضاً درباً عتيقاً التقت عليه دروب‬ ‫التجار ومنتدى خالقاً لتبادل المعارف‬ ‫وتالقح األفكار التي هي نتاج عقول‬ ‫أريبة اجتمعت من أقصى بقاع‬ ‫األرض‪ .‬ومما زادنا فخراً أن تشارك‬ ‫دولة قطر في هذا المعرض بأحد‬ ‫مفتاحي الكعبة النادرين المملوكين‬ ‫لمتحف الفن اإلسالمي‪ .‬وقد‬ ‫اكتسى هذان المفتاحان اللذان‬ ‫صنعا خصيصاً للكعبة‪ ،‬بيت الله‬ ‫الحرام‪ ،‬بأروع عناصر التصميم التي‬ ‫أفرزتها الحضارة اإلسالمية في‬ ‫العصور الوسطى»‪.‬‬

‫تصور الحرم في مكة المكرمة‪ ،‬إزنيق‪ ،‬تركيا‪ ،‬القرن ‪17‬‬ ‫ّ‬ ‫باألعلى‪ :‬بالطة‬ ‫الصفحة المقابلة‪ :‬قنينة مصنوعة من الخزف الصيني تحتوي على ماء زمزم‬ ‫باألسفل‪ :‬مفتاح نادر للكعبة من العصور الوسطى‪ ،‬متحف الفن اإلسالمي في الدوحة‬

‫ترعى هيئة متاحف قطر أول معرض‬ ‫ضخم ألعمال الفنان داميان هيرست‬ ‫في قاعة «تيت مودرن» اللندنية‬ ‫خالل الفترة من ‪ 4‬أبريل إلى ‪9‬‬ ‫سبتمبر ‪.2012‬‬

‫هذه المعلومات مقدمة من الفنار‪ ،‬مركز قطر الثقافي اإلسالمي‪ .‬‬ ‫‪fanar.gov.qa‬‬

‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫سعادة الشيخ حسن بن‬ ‫محمد آل ثاني‬ ‫مستشار الشؤون الثقافية في‬ ‫مؤسسة قطر‬

‫أبريل ‪2012‬‬


‫�إ�ضاءات تفكّر‪.‬‬

‫الح ّجاج (دليل‬ ‫لوحة من نسخة كتاب أنيس ُ‬ ‫الحجاج)‪ .‬الهند المغولية ‪1680-1677‬‬ ‫ّ‬

‫رسم يظهر الكعبة في مكة المكرمة كمركز العالم‪.‬‬ ‫طريح‪-‬أي هندي‪-‬أي غربي‪ .‬تركيا‪1650 ،‬‬

‫‪56‬‬ ‫ستارة لباب الكعبة باسم السلطان عبد المجيد خان‪.‬‬ ‫القاهرة‪1847-1846 ،‬‬

‫�أ�شواط يف ممار�سة ت�أملية يرتكون فيها ذواتهم خلفهم‬ ‫ويندجمون يف هذا اجلمع الغفري‪ .‬ويف القد�س‪ ،‬ي�صنع‬ ‫حمطات لل�صلب على طول طريق الآالم ‪Via‬‬ ‫امل�سيحيون‬ ‫ٍ‬ ‫‪ .Dolorosa‬ويف كربالء‪ ،‬ينتحب �أفراد الطائفة ال�شيعية‬ ‫ب�صوت عالٍ يف الوقت الذي تحُ �ضر فيه الرو�ضة‪ ،‬وهي‬ ‫ٍ‬ ‫تالوة ر�سمية لق�صة احل�سني‪ ،‬هذه امل�أ�ساة اخلالدة �إىل‬ ‫الع�صر احلا�ضر‪.‬‬ ‫وبالنسبة لمن لم ُيدرك مغزاه‪ ،‬قد يبدو احلج غري‬ ‫لكن هذه التناق�ضات �ضرورية‬ ‫مرتابط ومتناق�ض ًا‪ّ .‬‬ ‫لل�شعرية‪ ،‬ل ّأن القد�سية تتجاوز حدود الطبقات املعروفة‪،‬‬ ‫لذا فنحن نقوم بت�شويهها �إذا حاولنا ح�صرها يف مفاهيم‬ ‫محُ ْ كمة ومنف�صلة‪ّ � .‬إن التدريب الأ�سا�سي الذي ميثّله احلج‬ ‫يعلّم امل�شاركني تقدير املفارقة اجلوهرية للفكر الديني‪،‬‬ ‫للذهاب ملا وراء االزدواجية‪ ،‬وبالتايل الولوج �إىل الر�ؤية‬ ‫الأولية جلنّة عدن‪.‬‬ ‫يعد هذا �أمر ًا �صعب ًا بالن�سبة ملن مل ي�ألفوا منطق‬ ‫ّ‬ ‫ال�شعرية والأ�سطورة‪ .‬ويف لغة اخلطاب ال�شعبية املعا�صرة‪،‬‬ ‫�أ�صبحت كلمة «�أ�سطورة» تعني �شيئ ًا غري حقيقي‪ ،‬وقد‬ ‫جعل هذا الأمر مو�ضوع الدين �أمر ًا �صعب ًا بالن�سبة لكثري‬

‫كارين أرمسترونغ باحثة رائدة‬ ‫في مجال األديان‪ ،‬ومؤلفة‬ ‫لما يزيد عن خمسة عشر كتاباً‬ ‫مبيعا‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫ً‬ ‫من أكثر الكتب‬ ‫«حجة إلثبات وجود الله”‪،‬‬ ‫للنبي”‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫و”محمد‪ :‬سيرة ذاتية‬ ‫و”اإلسالم‪ :‬تاريخ موجز”‪.‬‬ ‫وخالل عملها كسفيرة األمم‬ ‫المتحدة لتحالف الحضارات‪،‬‬ ‫منحتها الحكومة المصرية في‬ ‫عام ‪ 2007‬وسام الفنون‬ ‫والعلوم نظير ما قدمته من‬ ‫خدمات لإلسالم‪ ،‬وهي بذلك‬ ‫يتم‬ ‫أول شخصية أجنبية ّ‬ ‫منحها هذا الوسام‪.‬‬

‫من الغربيني‪ .‬لكن على مدى معظم فرتات التاريخ‬ ‫الب�شري‪ ،‬كان يتم فهم كلمة «�أ�سطورة» (من الكلمة‬ ‫الإغريقية ‪ ،muthein‬والتي تعني «غلق العينني �أو الفم»‪،‬‬ ‫وبهذا ت�شري �إىل ال�صمت والغمو�ض) ب�شكل �أكرث �صحة‬ ‫على �أنّها ت�شري لهذه الأبعاد من اخلربة الب�شرية التي مل‬ ‫تكن �سهلة االنقياد للخطاب املنطقي؛ فالأ�سطورة �أكرث من‬ ‫حادثة طبيعية‪ ،‬كما �أنّها �أي�ض ًا متثل يف الأ�سا�س برنامج‬ ‫عمل‪ .‬وميكن �أن ت�ضعنا ق�صة �أ�سطورية يف الو�ضعية‬ ‫الروحانية ال�صحيحة‪ ،‬لكن يعود �إلينا �أمر القيام باخلطوة‬ ‫التالية‪ .‬و�إذا مل نقم بذلك‪ ،‬ف�ستظل الأ�سطورة ُمبهمة وغري‬ ‫مفهومة‪ .‬وال تعني اخلرافة �شي ًئا حتى يتم ترجمتها �إىل‬ ‫�إجراء عملي بطريقة �أو ب�أخرى‪ .‬ويتطلب ذلك �أحيانًا‬ ‫ممار�سة �أخالقية‪ ،‬و�أحيان ًا يف �إعادة لتمثيل الطق�س‪ ،‬والتي‬ ‫تك�شف حقيقة الأ�سطورة عند م�ستوى �أعمق من امل�ستوى‬ ‫العقالين‪ .‬وما احلج �إال تلك ال�شعرية �أو ذلك الطق�س‪.‬‬ ‫نتعرف‬ ‫ورمبا ميكننا‪ ،‬من خالل درا�ستنا للحج‪ ،‬لي�س �أن ْ‬ ‫على الإ�سالم فح�سب‪ ،‬بل �أن ن�ستك�شف �أي�ض ًا اجلوانب غري‬ ‫املطروقة داخلنا‪l .‬‬

‫ِ‬ ‫�أزاهري ح�س َّية‬ ‫من الربيع العربي‬

‫ظهر الروايات اجلديدة ال�صادرة عرب �أرجاء ال�شرق الأو�سط �أنّ املنطقة ال ت�شهد نه�ض ًة‬ ‫ُت ِ‬ ‫�سيا�سي ًة فح�سب‪ ،‬بل �أي�ض ًا ثقافي ًة و�أدبي ًة ُمف َعمة باحليوية‪.‬‬ ‫بقلم راشيل آسبدن‬

‫على مدار العقد املا�ضي احلافل‬ ‫باال�ضطرابات يف ال�شرق الأو�سط‪ ،‬مل يلتفت الغرباء‬ ‫ممن يلتم�سون تو�ضيحات حول �أعقد‬ ‫عن املنطقة ّ‬ ‫م�شاكلها �إىل ال�سيا�سيني �أو خرباء الإعالم‪ ،‬بل اتجّ هوا‬ ‫�إىل الروايات الأدبية ال�صادرة يف املنطقة‪ .‬ولدى كل‬ ‫دولة روايتها الأكرث مبيع ًا وال�سهلة الفهم بالن�سبة‬

‫تقدم كلية لندن الجامعية في قطر برامج الدراسات‬ ‫العليا في دراسات المتاحف وحماية اآلثار وعلم اآلثار‬ ‫العربية واإلسالمية‪ucl.ac.uk/qatar .‬‬ ‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫أبريل ‪2012‬‬

‫«ع َّداء الطائرة‬ ‫للغربيني‪ :‬ففي �أفغان�ستان‪ ،‬هناك رواية َ‬ ‫الورقية» للكاتب خالد ح�سيني‪� ،‬أما �إيران فلديها رواية‬ ‫«قراءة لوليتا يف طهران» للكاتبة �أذر نفي�سي‪ ،‬ويف ليبيا‬ ‫هناك رواية «يف بلد الرجال» للكاتب ه�شام مطر ‪ -‬وقد‬ ‫ُك ِت َبت هذه الروايات الثالثة باللغة الإجنليزية‪ .‬لكن‬ ‫قد َمت رواية «عمارة يعقوبيان»‬ ‫فيما يتعلق مب�صر‪َّ ،‬‬ ‫باللغة العربية للكاتب عالء الأ�سواين «ملحة رائعة»‪ ،‬كما‬ ‫�صاغتها جملة «‪ ،»New York Review of Books‬يف‬ ‫قلب دولة ك ّبلتها عقود من احلكم اال�ستبدادي‪.‬‬ ‫وقد �أحدثت رواية الأ�سواين التي نُ�شرت للمرة‬


‫�إ�ضاءات تفكّر‪.‬‬

‫‪58‬‬

‫الأوىل يف عام ‪ ،2002‬وهي عبارة عن ق�صة ح َّية للف�ساد‬ ‫والرومن�سية والفكر الإ�سالمي والكفاح اليومي من �أجل‬ ‫�ضجة وقت �صدورها‪ ،‬فقد بيع منها مئات‬ ‫البقاء‪ّ ،‬‬ ‫الآالف من الن�سخ يف منطقة تكافح املطبوعات من �أجل‬ ‫ك�سر حاجز الثالثة �آالف ن�سخة‪ .‬وبحلول وقت و�صولها‬ ‫�إىل اجلمهور القارئ باللغة الإجنليزية يف عام ‪،2004‬‬ ‫كان زخم الرواية كافي ًا لك�سر الالمباالة الطويلة الأمد‬ ‫من قبل �أ�سواق �أمريكا واململكة املتحدة جتاه الأدبيات‬ ‫املقررات الدرا�سية‬ ‫املرتجمة‪ .‬لقد مت اعتماد الرواية يف ّ‬ ‫اجلامعية‪ ،‬وجرت مناق�شتها يف جمموعات القراءة‪،‬‬ ‫والتو�صية بها للدبلوما�سيني؛ حيث احتفظت كارين‬ ‫هيوز م�ست�شارة الرئي�س الأمريكي جورج دبليو بو�ش‬ ‫بن�سخة منها على املن�ضدة املوجودة بجوار �سريرها‪.‬‬ ‫وكما ُيظهِ ر جناح رواية «عمارة يعقوبيان»‪ ،‬ف�إنّه‬ ‫ي�ستحيل �أن نف�صل �شهية الغرب جتاه الأدب العربي عن‬ ‫هو�سه بال�سيا�سة العربية‪ .‬ويف الأ�شهر االثني ع�شر التي‬ ‫�شهدت فرار زين العابدين بن علي من تون�س‪ ،‬ومقتل‬ ‫معمر القذايف خارج ِ�سرت‪ ،‬وخلع ح�سني مبارك من‬ ‫ال�سلطة يف القاهرة‪ ،‬تت�سم تلك ال�شهية بكونها �أكرب من‬ ‫�أي وقت م�ضى‪ .‬ويف اخلريف املا�ضي‪ ،‬قامت دار‬ ‫بلومزبري ‪ -‬م�ؤ�س�سة قطر للن�شر‪ ،‬وهي �شراكة عمرها‬ ‫ثالث �سنوات بني دار الن�شر الربيطانية بلومزبري‬ ‫وم�ؤ�س�سة قطر‪ ،‬بن�شر ثالث روايات م�صرية مرتجمة‬ ‫�إىل الإجنليزية هي‪ :‬رواية «تاك�سي»التي كتبها خالد‬ ‫اخلمي�سي؛ ورواية «فريتيجو» التي كتبها �أحمد مراد؛‬ ‫ورواية «يوتوبيا» التي كتبها �أحمد خالد توفيق‪ .‬كل هذه‬ ‫الروايات هي نتاج تلك الفرتة الطويلة من اال�ضطراب‬ ‫امل َُد ْم َدم الذي �سبق ثورة يناير ‪ .2011‬وب�شكل ما‪ ،‬ف� ّإن‬ ‫جميع هذه الروايات الثالث ‪ -‬وكما تزعم املقاالت‬ ‫التقريظية التي ُك ِت َبت فيها ‪« -‬قد تن ّب�أت بالربيع‬ ‫ق�صة بعث جديد لفن‬ ‫العربي»‪ ،‬لكنها تروي �أي�ض ًا ّ‬ ‫الق�صة العربية والذي يجاري التغريات ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫تقدم «تاك�سي»‪ ،‬وهي الرواية الأكرث مبيع ًا باللغة‬ ‫ّ‬ ‫العربية منذ ن�شرها يف عام ‪ ،2006‬الإطاللة الأكرث‬ ‫مبا�شرة على م�صر يف بدايات القرن احلادي‬ ‫والع�شرين‪ .‬فربغم �أنّها ت�أخذ ال�شكل الق�ص�صي‪� ،‬إال‬ ‫تتم‬ ‫�أنّها تبدو تاريخ ًا �شفهي ًا للحياة يف القاهرة ‪ -‬كما ّ‬ ‫ر�ؤيتها من خالل �أعني ‪� 80‬ألف �سائق تاك�سي يكافحون‬ ‫من �أجل لقمة عي�شهم ‪ -‬بدرجة �أكرب من كونها رواية‪.‬‬ ‫تت�ضمنها‬ ‫واملونولوجات الـثمانية واخلم�سني التي‬ ‫ّ‬ ‫الرواية‪ ،‬وامل�ستوحاة من رحالت حقيقية بعربات تاك�سي‬ ‫ا�ستقل َ​َّها اخلمي�سي‪ ،‬عبارة عن خال�صة وافية من‬ ‫ال�صعاب‪ ،‬والفكاهة‪ ،‬واملعاناة‪ ،‬والتطلّع؛ يف �إعادة �إحياء‬ ‫لعبارة �صارت مبتذلة ب�سبب كرثة ا�ستخدام خرباء‬ ‫ال�سيا�سة اخلارجية لها‪ ،‬ميكن القول ب� ّأن هذه هي‬ ‫حرفي ًا �أ�صوات ال�شارع العربي‪ .‬وي�سرد �أحد �سائقي‬ ‫التاك�سي تفا�صيل قواعد حزام الأمان التي تعود للعهد‬ ‫البيزنطي‪ ،‬والتي جرى و�ضعها من �أجل انتزاع �أكرب‬ ‫قدر ممكن من الر�سوم والغرامات منه هو وزمالئه‪،‬‬ ‫كما ي�سخر �آخر من الأ�ضحوكات الذين يرت�شحون �ضد‬ ‫ٍ‬ ‫انتخابات مزيفة‪.‬‬ ‫الرئي�س يف‬ ‫رمبا تكون الق�ص�ص الأكرث ت�أثري ًا يف نفو�سنا هي‬ ‫ق�ص�ص الأمل الذي ال ت�ضعفه التجربة؛ حيث يحلم‬ ‫�أحد محُ ِ ِّبي كرة القدم بقيادة �سيارة التاك�سي اخلا�صة‬

‫خالد الخميسي‬

‫«لقد ج ّربنا كل �شيء‪ :‬لقد ج ّربنا امللكية ومل تجُ د نفع ًا‪ ،‬وج ّربنا‬ ‫اال�شرتاكية مع عبدالنا�صر والتي حتى يف ذروتها كان ال يزال لدينا‬ ‫با�شوات من اجلي�ش واملخابرات‪ .‬وبعد ذلك ج ّربنا الو�سط‪ ،‬ثم‬ ‫ج ّربنا الر�أ�سمالية‪ ،‬لكن مع وجود ح�ص�ص متوينية حكومية وقطاع‬ ‫عام وديكتاتورية وقانون طوارئ‪ ،‬فقد �أ�صبحنا �أمريكان و�شيئ ًا ف�شيئاً‬ ‫�سنتح ّول �إىل �إ�سرائيليني‪ ،‬وحتى ذلك لن يجدي نفع ًا» ‪ -‬تاك�سي‬

‫به على طول الطريق من القاهرة حتى كيب تاون‬ ‫مل�شاهدة مباريات ك�أ�س العامل ‪ ،2010‬بينما يجد � ٌأب‬ ‫كادح ت�سليته يف ا�صطياد الأ�سماك من فوق الكباري‬ ‫امل�ش ّيدة على نهر النيل؛ �إذ ُيخبرِ ركاب عربته‬ ‫املتعاطفني معه قائالً‪�« :‬إذا جل�س كل �شخ�ص ونظر �إىل‬ ‫�صفحة املاء‪ ،‬ف�سوف تكون حياتنا �شيئ ًا �آخر متام ًا‪،‬‬ ‫حيث لن تكون هناك ر�شوة �أو ف�ساد‪ ،‬ل ّأن ال�شخ�ص ذا‬ ‫القلب الطاهر ال ميكنه ارتكاب الآثام»‪ .‬ويروي كل‬ ‫ال�سائقني ق�ص�ص كفاحهم اليومي مع التكاليف الآخذة‬ ‫يف التزايد للطعام والوقود‪ ،‬ورجال ال�شرطة الذين‬ ‫ي�سلبونهم مالهم‪ ،‬و�أ�صحاب �سيارات التاك�سي‬ ‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫اجل�شعني‪ ،‬وهموم رعاية الأ�سرة يف الوقت الذي يتداعى‬ ‫فيه النظام من حولهم‪ .‬ويف ترجمة جوناثان رايت‬ ‫بالهمة‪ .‬‬ ‫البارعة التي تت�سم باحليوية‪ ،‬جتي�ش �أ�صواتهم‬ ‫ّ‬ ‫وت�سجل رواية «تاك�سي»‪ ،‬املُهداة �إىل «احلياة التي‬ ‫ت�سكن كلمات الب�سطاء»‪� ،‬أ�صوات ه�ؤالء الذين لن‬ ‫ويعد نحو ‪ %30‬من ال�شعب‬ ‫يقر�ؤوها على الإطالق‪ّ .‬‬ ‫امل�صري � ِّأمي ًا ال يعرف القراءة والكتابة‪ ،‬وبالن�سبة‬ ‫لغالبية العدد املتبقي تكلّف القراءة ما ًال ووق ًتا ال‬ ‫ميكنهم حتمل تكاليفه‪ .‬وقد �أبقت هذه البيئة‪،‬‬ ‫مق�ص الرقابة وحالة الركود ال�سيا�سي‬ ‫باالقرتان مع‬ ‫ّ‬ ‫واالقت�صادي‪ ،‬على ا�ضطهاد ال ُّك ّتاب ل�سنوات‪ .‬وبحلول‬ ‫ثمانينيات وت�سعينيات القرن الع�شرين‪ ،‬كان عدد قليل‬ ‫للغاية م�ستعد ًا الرتداء عباءة الروائي والنا�شط‬ ‫ال�سيا�سي ال�صريح «املنتمي �إىل جيل ال�ستينيات» �صنع‬ ‫لكن ال�سنوات الأخرية من حكم مبارك‬ ‫اهلل �إبراهيم‪ّ .‬‬ ‫مت‬ ‫�شهدت زيادة تدريجية يف الن�شاط الأدبي‪ .‬وقد ّ‬ ‫التخفيف من قب�ضة الرقابة على الأعمال الفنية ولكنها‬ ‫ظلت موجودة (فعلى �سبيل املثال‪ ،‬مت يف عام ‪2009‬‬ ‫حظر رواية «مرتو» التي كتبها الروائي جمدي ال�شافعي‪،‬‬ ‫والتي ُت َع ّد �أول رواية ُم�ص َّو َرة للكبار)‪ .‬وقد �شرعت‬ ‫متاجر كتب عالية اجلودة م�ستوحاة من الغرب يف فتح‬ ‫مت‬ ‫فروع لها عرب القاهرة واملدن الكربى الأخرى‪ .‬كما َّ‬ ‫ت�أ�سي�س دور ن�شر م�ستقلة على �أيدي محُ ِ َّبي الكتب من‬ ‫ال�شباب �أمثال حممد ال�شرقاوي‪ ،‬والتي كانت دار‬ ‫املالمح للن�شر اململوكة له �أول من يقوم بن�شر رواية‬ ‫«مرتو»‪.‬‬ ‫مب�شرين بالتغيري‬ ‫كان هناك يف نف�س الوقت ِّ‬ ‫ال�سيا�سي‪ :‬ففي عام ‪ ،2004‬جرى ت�شكيل حركة‬ ‫املعار�ضة «كفاية» التي تعد مبثابة ال�سلف للتنظيمات‬ ‫الثورية التي برزت يف عام ‪ .2011‬ويف عام ‪، 2005‬‬ ‫تر�شح �أمين نور‪ ،‬وهو حمام �سابق يبلغ من العمر ‪41‬‬ ‫َّ‬ ‫�سنة‪� ،‬ضد مبارك يف حملة رئا�سية مهمة للغاية اجتذبت‬ ‫دعم العديد من الليرباليني‪ .‬كما بد�أت االحتجاجات‬ ‫واالن�شقاقات العامة يف النمو ‪ -‬برغم كونها �صغرية‬ ‫الت�صدي لها و�إخمادها بوح�شية‪ ،‬حيث‬ ‫النطاق وجرى‬ ‫ِّ‬ ‫كان الك َّتاب والفنانون الآخرون يف طليعة ال�صفوف‪.‬‬ ‫وقد كانت �إ�شارات التغيري تلك هي ما �ألهم اخلمي�سي‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل �آخرين عديدين‪ ،‬بالبدء يف الكتابة‪.‬‬ ‫ويقول عن اخلمي�سي مو�ضح ًا كيفية ن�شوء فكرة رواية‬ ‫«تاك�سي»‪« :‬اهتز املجتمع يف عام ‪ 2005‬مثل خمفوق‬ ‫هزنيِ هذا اخلفق»‪ .‬لكن رواية «تاك�سي»‪،‬‬ ‫احلليب‪ ،‬وقد ّ‬ ‫مثلها يف ذلك مثل روايتي «فريتيجو» و «يوتوبيا»‪ ،‬لي�ست‬ ‫بيان ًا بالأهداف؛ �إذ � ّأن طموحات ه�ؤالء الروائيني كانت‬ ‫�أدبية �أكرث منها �سيا�سية‪.‬‬ ‫يف حالة رواية �أحمد مراد التي حتمل عنوان‬ ‫«فريتيجو»‪ ،‬تتمثّل هذه الطموحات يف ترجمة الرواية‬ ‫املثرية التي تدور يف �سياق ح�ضري‪ ،‬وهو جن�س �أدبي‬ ‫جديد على العامل العربي‪ ،‬بحيث تتوافق مع �شوارع‬ ‫ُتك�سرة‪ .‬وتت َّبع النتيجة بل َّية م�ص ّور �شاب‬ ‫القاهرة امل ِّ‬ ‫يعمل يف �أحد الفنادق‪ ،‬يدعى �أحمد كمال‪ ،‬كان �شاهد ًا‬ ‫على عدد كبري من جرائم القتل عندما ت�صادم بع�ض‬ ‫�أ�صحاب ال�شركات التجارية الكربى مع ال�سا�سة يف‬ ‫ح�صري يقع على �سطح الفندق‪ .‬وبعد طرده من‬ ‫َم�شْ َرب‬ ‫ّ‬ ‫كم�ص ِّور‬ ‫العمل بالفندق‪ ،‬يح�صل �أحمد على وظيفة ُ‬ ‫أبريل ‪2012‬‬

‫مقيم يف �أحد مالهي الرق�ص ال�شرقي الليلية ال�سيئة‬ ‫ال�سمعة‪ ،‬حيث يكون �شاهد ًا على نفاق �أبرز الرجال يف‬ ‫املجتمع وخيانتهم لزوجاتهم‪ .‬وي�ؤدي ال�سباق من �أجل‬ ‫ف�ضحهم‪ ،‬وكذلك من كانوا وراء جرائم القتل التي‬ ‫وقعت يف الفندق‪� ،‬إىل و�ضع �أحمد يف مواجهة وجه ًا‬ ‫لوجه مع و�سائل �إعالمية جرى اخرتاقها وقتلة ُمد َّربني‪،‬‬ ‫بحيث ال يكون هناك من ي�سانده �سوى �صديقه ال�سمني‬ ‫عمر‪.‬‬ ‫وتعِج رواية «فريتيجو» بال�شخ�صيات التي ن�ألفها يف‬ ‫ّ‬ ‫القاهرة احلقيقية؛ ف�شخ�صية عمرو حامد‪ ،‬وهو واعظ‬ ‫يحظى بال�شعبية يخطّ ط النظام على نحو م�ستمر‬

‫«خلف كل �صورة توجد حكاية‪ ،‬وقد متّت تعرية العديد من‬ ‫الوجوه‪ ،‬وانك�شف اجلانب املظلم لها‪ .‬مل يكن هناك � ّأي �شَ رر يف‬ ‫�أعينهم‪ .‬مل ي�ستطع عمر �أن يدع الفر�صة مت ّر‪ُ .‬م�ست�سلم ًا‪� ،‬أم�ضى‬ ‫الليلة ب�أكملها ي�صدر نغمات مو�سيقية بال�صور؛ حيث �أخذ‬ ‫حركها حتى جعلها على �شكل خنجر حاد كاملُو�سى‪،‬‬ ‫ي�شْ َحذها و ُي ِّ‬ ‫وهو خنجر ميكنه �أن يطعن ويقتل» ‪ -‬فريتيجو‬ ‫أحمد مراد‬

‫‪59‬‬


‫�إ�ضاءات تفكّر‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫لإ�ضعاف ثقة النا�س به وت�شويه �سمعته‪ ،‬ت�شري �إىل‬ ‫�شخ�صية الداع ّية الإ�سالمي التلفزيوين عمرو خالد‪.‬‬ ‫بينما تقوم �شخ�صية �أمين �أنور الذي يقود حملة‬ ‫انتخابية م�ش�ؤومة �ضد الرئي�س املوجود يف ال�سلطة‪ ،‬على‬ ‫�شخ�صية �أمين نور‪ .‬وي ّت�سم رجال ال�شرطة واملخابرات‬ ‫ب�أنهم على نف�س القدر من الوح�شية‪ ،‬ولو �أنّهم �أكرث‬ ‫�أناقة وفاعلية‪ ،‬ك�أقرانهم احلقيقيني‪ .‬حتى �أحمد كان‬ ‫ي�شرتك يف كثري من اخل�صائ�ص مع خمرتع �شخ�صيته‬ ‫الذي �أم�ضى خم�س �سنوات يف العمل كم�ص ِّور خا�ص‬ ‫حل�سني مبارك؛ ويقول �أحمد انغما�س ًا يف حقائق‬ ‫ال�سلطة يبدو ت�أثريه جلي ًا على كل �صفحة من �صفحات‬ ‫رواية «فريتيجو»‪ .‬ويف قاهرة �أحمد مراد‪ ،‬ينحدر‬ ‫الف�ساد من «البا�شا الكبري» الذي مل يقم بت�سميته نزو ًال‬ ‫�إىل الطبقات الدنيا‪ .‬وبدء ًا ممن هو يف �أعلى منزلة‪،‬‬ ‫وو�ص ً‬ ‫وال �إىل �أدنى امل�ستويات‪ ،‬ال يوجد من هو يف م�أمن‬ ‫من عمليات ال�سلب والنهب التي يقوم بها ه�ؤالء‬ ‫الفا�سدين‪ ،‬حتى غادة حمبوبة �أحمد‪ ،‬والتي تعمل‬ ‫بال�صم‪ ،‬وعزلتها‬ ‫كم�ساعدة يف معر�ض للم�صابني‬ ‫ّ‬ ‫�إعاقتها عن امل�ستنقع الأخالقي الذي يحيط بها‪،‬‬ ‫تعر�ضت للإهانة والتح ُّر�ش من قبل رجال ال�شرطة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫احل�صة اليومية من انتهاك‬ ‫وتعد كيفية الرد على هذه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الكرامة مبثابة �صراع �أجيال مركزي بني �شخ�صية‬ ‫�أحمد املثالية وال�شخ�صية الرباغماتية جلودة ذلك‬ ‫املُ�ص ِّور الأكرب �سن ًا منه‪:‬‬ ‫«ال يا جودة �أي حاجة �إال كرامتي ‪»....‬‬ ‫«�أحمد‪� ،‬أتفق معك � ّأن مهنتك تنطوي على �إهانة‬ ‫لكرامتك‪ ،‬لكنها م�صدر رزقنا‪� ،‬إنها حياتنا»‪.‬‬ ‫كمنتج للأفالم‪ ،‬فيما ت ّت�سم‬ ‫عمل �أحمد مراد �أي�ض ًا ُ‬ ‫رواية «فريتيجو» منذ عنوانها ف�صاعد ًا ب�أنّها ذات طابع‬ ‫�سينمائي ب�شكل متفاخر؛ حيث تكرث بها احلوارات‬ ‫امللمح البارز يف الرواية املكتوبة‬ ‫النارية ‪« -‬ذلك َ‬ ‫بالعربية» وفق ًا ملا الحظه روبني موغر مرتجم‬ ‫الرواية‪ -‬التي غالب ًا ما تكون ُم ِ‬ ‫�ضحكة للغاية‪ .‬ويف‬ ‫ترجمة موغر املمتازة وامل�سايرة لنف�س �أ�سلوب الرواية‬ ‫العربية‪ ،‬ت ّت�سم ِح ْبكة رواية «فريتيجو» ب�أنها � َّأخاذة ك�أية‬ ‫رواية مثرية م�ألوفة �أخرى‪ .‬وما ُي�سهِ م �أي�ض ًا بنف�س‬ ‫القدر يف �إ�ضفاء جاذبية على تلك الرتجمة لرواية‬ ‫«فريتيجو» هو ت�صويرها احلا ّد املوحي للقاهرة‬ ‫خ�ض ّم العنف‬ ‫والتحوالت غري امللحوظة يف نربتها؛ ففي َ‬ ‫والفكاهة الفظَّ ة‪ ،‬هناك العديد من اللحظات امل�ؤثرة‪.‬‬ ‫ويف �إحداها ي�ضحك �أحمد وهو يتناول ال�شراب مع‬ ‫�أ�صدقائه عندما يالحظ رج ً‬ ‫ال عجوز ًا يعمل يف تلميع‬ ‫الأحذية ما ّر ًا به‪:‬‬ ‫رهق ُيثقِ ل كاهله �صندوق تلميع الأحذية‪،‬‬ ‫وم َ‬ ‫«�ضعيف ُ‬ ‫ني مثل قو�س عندما يثني ج�سمه نحو‬ ‫وظهره محَ ْ ّ‬ ‫الأمام‪ ،‬وتكاد ر�أ�سه تلم�س ركبتيه ‪....‬‬ ‫ويف ذهن �أحمد �س�ؤال يطرح نف�سه عليه ب�شكل‬ ‫متكرر ك�أ�سطوانة م�شروخة‪ :‬ما الذي ُيجبرِ ذلك الرجل‬ ‫ّ‬ ‫على العمل يف مثل هذا العمر؟»‬ ‫ومثل «يوتوبيا» و»عمارة يعقوبيان» والروايات‬ ‫امل�صرية الرئي�سية الأخرى التي ظهرت خالل العِقد‬ ‫الأخري‪ ،‬مت ن�شر رواية «فريتيجو» يف الأ�سا�س من قبل‬ ‫دار مرييت‪ ،‬وهي دار ن�شر قوامها فرد واحد يديرها‬ ‫حممد ها�شم البالغ من العمر ‪ 53‬عاما من مكتبه‬

‫أحمد خالد توفيق‬

‫«ففي م�صر كما يت�ص ّورها عام ‪ ،2020‬جرى الق�ضاء متام ًا على‬ ‫الطبقة الو�سطى وتراجع الأثرياء �إىل امل�ستعمرة املنعزلة التي حتمل‬ ‫ا�سم كبريهم ‪ ....‬والتي قام ب�إن�شائها على ال�ساحل ال�شمايل‬ ‫حلماية �أنف�سهم من بحر الفقر الهائج املوجود باخلارج» ‪ -‬يوتوبيا‬

‫الكائن يف �شقة كاملة بالقرب من ميدان التحرير‪ .‬وقد‬ ‫ت�ضاعفت �أهمية دار مرييت منذ العام ‪ 2004‬كقاعدة‬ ‫للنا�شطني الليرباليني الذين ُي َعد الكثري منهم �شعراء‬ ‫وروائيني‪ ،‬والذين يقومون ّ‬ ‫بخط اللوحات الإعالنية‬ ‫ومدواة الإ�صابات و�سط ما حتويه من �أكوام للتجارب‬ ‫الطباعية‪ .‬ومل يرتدد ها�شم يف حتديد الروابط بني‬ ‫الكتابة والثورة؛ حيث يقول‪« :‬لقد كانت هناك دفعة‬ ‫جلعل النا�س يدركون حقائق الو�ضع وقدرتهم على‬ ‫�سجلت كتب مثل «مرتو» و«عمارة‬ ‫�إحداث تغيري؛ حيث َّ‬ ‫يعقوبيان» و «�أن تكون عبا�س العبد» حالة من الظلم‪،‬‬ ‫وخلقت وعي ًا بها‪ ،‬و�شكّلت جمتمع ًا موازي ًا للنظام‬ ‫احلاكم‪ .‬ومل تعد هذه وجهة نظر اجلماعة الراديكالية‬ ‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫ذات الآراء املتطرفة بل وجهة نظر امل�ؤ�س�سة الأدبية‬ ‫ب�شكل عام‪ :‬فقد ُمنحت ميدالية جنيب حمفوظ لعام‬ ‫‪ 2011‬التي تقدمها مطبعة اجلامعة الأمريكية يف‬ ‫فردي ولكن «للإبداع الثوري‬ ‫القاهرة لي�س لأديب‬ ‫ّ‬ ‫لل�شعب الذي �أظهره ال�شعب امل�صري»‪.‬‬ ‫وقد كانت رواية «�أن تكون عبا�س العبد» للأديب‬ ‫�أحمد العايدي‪ ،‬التي ن�شرتها دار مرييت عام ‪،2003‬‬ ‫مبثابة �أول رواية عربية تعرب عن انحراف �أخالقي معينّ‬ ‫يحظى بامتيازات‪ .‬ويتنقّل راوي تلك الرواية الذي يبلغ‬ ‫من العمر ع�شرين ًا ونيف‪ ،‬وال ي�ؤمن بالقيم �أو املبادىء‬ ‫الأخالقية حول املراكز التجارية واملقاهي املوجودة‬ ‫مبعدل �سريع‪،‬‬ ‫بالقاهرة والآخذة يف تبنّي النمط الغربي ّ‬ ‫مواعد ًا ل�سل�سلة من الفتيات‪ ،‬وم�شارك ًا يف حلقات‬ ‫التدخني اجلماعي‪ ،‬ومتعاطي ًا للمخدرات على �سبيل‬ ‫الهواية بحث ًا عن �صدى ما للإح�سا�س احلقيقي‪ .‬ويف‬ ‫رواية «�أن تكون عبا�س العبد» حتى اللغة العربية �صارت‬ ‫يف حالة تفكّك؛ حيث تختلط اللغة الفُ�صحى مع‬ ‫العامية‪ ،‬وم�صطلحات ال�شارع العامية مع االخت�صارات‬ ‫امل�ستخدمة يف الر�سائل الن�ص َّية‪ .‬وتعك�س تلك الرواية‬ ‫التغيات التي طر�أت‬ ‫�أ�صداء عديدين ممن الحظوا رّ‬ ‫على م�صر مع قدوم الألفية الثالثة؛ حيث هرب الأثرياء‬ ‫من و�سط القاهرة �شديد االزدحام �إىل منازل فخمة يف‬ ‫«مدن �صحراوية» تابعة للقاهرة حتمل �أ�سماء مثل‬ ‫مرياج �سيتي ودرمي الند‪ ،‬وانت�شرت حمالت تناول‬ ‫القهوة الغربية‪ ،‬و�سال�سل حمالت املالب�س العاملية‬ ‫واملراكز التجارية مثل مجُ َّمع �سيتي �ستارز يف �ضاحية‬ ‫مدينة ن�صر الراقية على طراز املراكز التجارية‬ ‫املوجودة يف ال�س فيجا�س‪.‬‬ ‫ويف روايته اخليالية الرائعة التي حتمل عنوان‬ ‫«يوتوبيا»‪ُ ،‬يط ِّور �أحمد خالد توفيق هذا ال�سيناريو �إىل‬ ‫نهايته الكابو�سية؛ ففي م�صر كما يت�ص ّورها عام‬ ‫‪ ،2020‬جرى الق�ضاء متام ًا على الطبقة الو�سطى‬ ‫وتراجع الأثرياء �إىل «امل�ستعمرة املنعزلة التي حتمل‬ ‫ا�سم كبريهم ‪ ....‬والتي قاموا ب�إن�شائها على ال�ساحل‬ ‫ال�شمايل حلماية �أنف�سهم من بحر الفقر الهائج املوجود‬ ‫باخلارج»‪ .‬ويمُ ْ ِ�ضي ه�ؤالء الأثرياء الذين حتيط بهم‬ ‫الأ�سوار ويحر�سهم جنود �سابقون من م�شاة البحرية‬ ‫سوق‪،‬‬ ‫الأمريكية‪� ،‬أيامهم يف معاقرة اخلمر‪ ،‬والت� ُّ‬ ‫واالنخراط يف عالقات عابرة‪ ،‬و�إ�ساءة معاملة‬ ‫«الآخرين» القالئل ال�شُ ْعث الذين ُ�سمِ َح لهم بالدخول‬ ‫ليقوموا على خدمتهم‪ .‬وقد خ�سروا كل ما لديهم من‬ ‫معرفة بال�سيا�سة والتاريخ؛ حيث ن�سوا «عند حلظة ما‬ ‫ملاذا اعتاد امل�صريون �أن يكرهوا الإ�سرائيليني»‪ ،‬وحتى‬ ‫الأ�سماء العربية مل تعد م�ستخدمة‪ .‬وعندما يهرب‬ ‫�شابان �إىل ما وراء ال�سور �سعي ًا منهما وراء املغامرة‪،‬‬ ‫ف�إنهما يجدان �أنف�سهما يف عامل �سفلي جهنمي قوامه‬ ‫القذارة والعنف واحلرمان‪ .‬وال ينقذ حياتهما �سوى‬ ‫تدخّ ل �أحد ه�ؤالء الآخرين الذين يتم احتقارهم يف‬ ‫داخل الأ�سوار؛ وهو كرم يقومون بر ّده بطريقة مريعة‪.‬‬ ‫ُي َع ّد �أحمد خالد توفيقو ‪ -‬وهو �أ�ستاذ يف الطب‬ ‫بجامعة طنطا ‪ -‬كاتب الق�ص�ص اخليالية وق�ص�ص‬ ‫الرعب الأبرز يف العامل العربي وامل�ؤلف ملا يزيد عن‬ ‫موجه لل�شباب حديثي ال�سن‪.‬‬ ‫‪ 200‬كتاب ًا‪ ،‬العديد منها ّ‬ ‫وتت�سم رواية «يوتوبيا»‪ ،‬وهي �أول كتاب ي�ؤلفه للبالغني‪،‬‬ ‫أبريل ‪2012‬‬

‫لمحة عن الكاتب‬ ‫أسبدن كاتبة تقوم‬ ‫ِ‬ ‫راشيل‬ ‫بتغطية األحداث الثقافية‬ ‫والسياسية في الشرق‬ ‫األوسط‪ ،‬وعملت في السابق‬ ‫حررة أدبية لحساب مجلة «ذا‬ ‫كم ِّ‬ ‫ُ‬ ‫نيو ستيتسمان»‪،‬كما عملت‬ ‫وأعدت‬ ‫ّ‬ ‫وعاشت في القاهرة‬ ‫تقارير من أنحاء مختلفة عبر‬ ‫المنطقة‪ُ .‬منحت في عام‬ ‫‪ 2010‬زمالة صندوق وينستون‬ ‫تشرشل التذكاري للسفر‬ ‫وإجراء البحوث في الخارج‪،‬‬ ‫وقد أخذتها هذه الزمالة إلى‬ ‫مصر والسودان والهند إلجراء‬ ‫بحوث حول فهم الشباب‬ ‫تغير لإلسالم‪.‬‬ ‫الم ِّ‬ ‫المسلم ُ‬ ‫وتعكف أسبدن حالياً على‬ ‫تأليف كتاب حول شباب‬ ‫االنتفاضات العربية‪.‬‬

‫باملثل ب�أنّها وا�ضحة وغري مزخرفة الأ�سلوب ‪ -‬ولكن‬ ‫يتخلّلها خفة دم فاترة‪ .‬ويت� ّأمل جابر‪ ،‬وهو �أحد ه�ؤالء‬ ‫الآخرين‪ ،‬و�صاحب �سعة احليلة‪ ،‬قائالً‪�« :‬إن املحتال‬ ‫يغ�ش املخدرات؛‬ ‫الأكرب على الإطالق هو ذلك الذي ّ‬ ‫حيث �أنه ُم ْ�صلِح اجتماعي يك�سب املال ب�سرعة وبوفرة!»‪.‬‬ ‫وتقدم هذه الرواية خال�صة �صور الظلم وامتهان‬ ‫ِّ‬ ‫الكرامة التي ال ح�صر لها التي تعر�ضها كل من روايتي‬ ‫«تاك�سي» و«فريتيجو» يف حكاية رمزية واحدة ت ّت�سم‬ ‫ب�أنها �أكرث جاذبية نظر ًا لب�ساطتها الكئيبة‪.‬‬ ‫وكما ي�شهد على ذلك جناح روايتي «يوتوبيا»‬ ‫و�سعون جناحهم �إىل‬ ‫و«فريتيجو»‪ ،‬ف� ّإن ال ُك َّتاب العرب ُي ِّ‬ ‫�أبعد مدى على الإطالق و�ص ً‬ ‫وال �إىل تقدمي جن�س‬ ‫ق�ص�صي جديد‪ .‬فعلى �سبيل املثال‪ ،‬جذب الغ�ضب الذي‬ ‫ت�س ّببت فيه رواية «مِ رتو» عدد ًا متزايد ًا من امل�ؤلفني‬ ‫ال�شبان �إىل الرواية املُ�ص َّورة‪ :‬من املقرر �أن يتم تنظيم‬ ‫�أول معر�ض للق�ص�ص امل�ص ّورة يف ال�شرق الأو�سط يف‬ ‫عام ‪ ،2012‬بعد �أن كان مقرر ًا عقده يف الأ�سا�س خالل‬ ‫يناير ‪ 2011‬يف �أبوظبي‪ .‬وقد �صار العديد من هذه‬ ‫التط ّورات ممكن ًا بف�ضل اال�ستثمار الكبري من قبل دول‬ ‫اخلليج العربي؛ حيث � ّأن اجلوائز الأدبية جيدة التمويل‬ ‫مثل جوائز ال�شيخ زايد للكِ تاب‪ ،‬واجلائزة العاملية‬ ‫للرواية العربية («الن�سخة العربية جلائزة بوكر‬ ‫الأدبية»)‪ ،‬التي جرى �إطالقها يف �أبوظبي عام ‪،2007‬‬ ‫قد �أو�صلت ال ُّك َتاب العرب �إىل جمهور جديد‪ .‬وتهدف‬ ‫مبادرات مثل دار بلومزبري ‪ -‬م�ؤ�س�سة قطر للن�شر‪،‬‬ ‫وهي �أول دار ن�شر عربية ‪ -‬غربية‪� ،‬إىل جعل �صناعة‬ ‫الن�شر الإقليمية متوافقة مع املعايري الدولية‪ .‬ويف هذا‬ ‫ال�سياق‪ ،‬يقول النا�شر اال�ست�شاري �أندي �سمارت‪�« :‬إن‬ ‫النطاق ال�صغري للن�شر هنا قد حدد الكثري فيما يتعلق‬ ‫بالتوزيع والن�شر وجودة الإنتاج‪ .‬و�سوف تحُ ْ دِ ث مبادرة‬ ‫دار ن�شر بلومزبري ‪ -‬م�ؤ�س�سة قطر فرق ًا كبرياً»‪.‬‬ ‫حت�سن البنية التحتية وتزايد عدد الق ُّراء‪،‬‬ ‫ومع ُّ‬ ‫يتكرر النجاح الذي حقّقه الأدب امل�صري عرب املنطقة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ُرجح حدوث ذلك فيها على‬ ‫حتى يف �أركانها غري امل َّ‬ ‫الإطالق‪ .‬ويف عام ‪ ،2005‬جذب ن�شر رواية «بنات‬ ‫الريا�ض» املُف َعمة باحليوية وامل�سلية (والتي جرى منعها‬ ‫يف البداية) للروائية رجاء ال�صانع انتباه ًا جديد ًا‬ ‫للك َّتاب ال�سعوديني‪ .‬وكانت الروائية املك ّية رجاء عامل‬ ‫الفائزة باال�شرتاك مع �آخرين بالن�سخة العربية من‬ ‫جائزة بوكر الأدبية بف�ضل روايتها «طوق احلمام»‪،‬‬ ‫وذلك يف �أعقاب فوز الرواية الهجائية لعبده خال عام‬ ‫‪« 2010‬ترمي ب�شرر كالق�صر» التي تدور �أحداثها يف‬ ‫جدة (و�ستن�شرها دار ن�شر بلومزبري ‪ -‬م�ؤ�س�سة قطر‬ ‫مرتجمة يف عام ‪ .)2012‬ومل يكن لدى ق َُّراء اللغة‬ ‫الإجنليزية على مدى �سنوات �سوى نافذة �ض ّيقة للغاية‬ ‫التغيات‬ ‫للإطالل على الأدب العربي‪ ،‬و�سوف متنحهم رّ‬ ‫التي طر�أت م�ؤخر ًا الفر�صة لريوا ما وراء الأعمال‬ ‫املوجهة للجمهور الغربي و�ص ً‬ ‫وال �إىل‬ ‫الأدبية الكبرية ّ‬ ‫املجموعة املتنوعة الآخذة يف التنامي من امل�ؤلفات‬ ‫املكتوبة باللغة العربية للق َُّراء العرب‪ .‬وت�شري الروايات‬ ‫الثالث واملن�شورة من قبل دار ن�شر بلومزبري‪ -‬م�ؤ�س�سة‬ ‫قطر‪� ،‬إىل � ّأن العامل العربي ال ي�شهد �صحوة �سيا�سية‬ ‫فح�سب‪ ،‬بل ثقافية و�أدبية �أي�ض ًا‪l .‬‬

‫‪61‬‬


‫�إ�ضاءات تفكّر‪.‬‬

‫ر�ســالــــة مــــن‬

‫دخل �سنوي للفرد يبلغ ‪ 1200‬دوالر‬ ‫�أمريكي على الأقل‪� ،‬إال � ّأن ت�أثري‬ ‫احلكام ال�سابقني على الدين‬ ‫والثقافة يبدو جل ّي ًا؛ حيث يظلّ‬ ‫القدي�س فران�سي�س خافيري هو‬ ‫القدي�س الراعي جلوا‪ ،‬وال يزال‬ ‫الطعام واملو�سيقى وامللب�س حتتفظ‬ ‫جميعها بنكهة �أوروبية‪ ،‬حتى �أ�سدي‬ ‫يل ن�صيحة بو�ضع ن�سخة من متثال‬ ‫�إ ّ‬ ‫من ال�صل�صال جلندي برتغايل‬ ‫ي�ؤدي التحية على �سقف منزيل‬ ‫املُغطَّ ى بقطع الآجر‪ ،‬وهو تقليد عفا‬ ‫عليه الزمن يتمثل الهدف منه يف‬ ‫�إبعاد عني احل�سود‪.‬‬

‫جــــوا‬ ‫بقلم كي�شوار دي�ساي‬ ‫‪62‬‬

‫ع ـبـ ـ ــر ال ـث ـقــاف ـ ــات‬

‫لقد توقعت أن تنخرط‬ ‫جوا ‪ - Goa‬وهي والية واقعة على‬ ‫ال�ساحل الغربي للهند ت ّت�سم ب�سطوع‬ ‫�شم�سها ‪ -‬مبنا�سبة الذكرى‬ ‫اخلم�سني على حت ُّررِ ها من‬ ‫الربتغاليني يف احتفاالت وطنية‬ ‫�صاخبة تعك�س الروح التي �سادت‬ ‫فرتة ما بعد التح ُّرر من اال�ستعمار‪.‬‬ ‫ولهذا جئت م�ستعدة مل�شاهدة‬ ‫الالفتات والرايات‪ ،‬ورفرفة‬

‫الأعالم وال�ضرب على ال�صدور‪،‬‬ ‫واملنابر امل�ؤقتة وال�شيوخ؛ فاحلِ ّ�س‬ ‫الوطني ي�سبح مع التيار ويهدم قالع‬ ‫الرمال املبن ّية على احلنني �إىل‬ ‫املا�ضي الربتغايل‪ .‬لقد كان جواهر‬ ‫الل نهرو‪� ،‬أول رئي�س وزراء للهند‬ ‫واملعروف ب�أنّه كان م�سامل ًا عادة‪،‬‬ ‫هو من �أ�صدر الأمر للقوات الهندية‬ ‫بتحرير جوا يف عام ‪ُ ،1961‬منهي ًا‬ ‫بذلك ‪ 451‬عام ًا هي عمر �أقدم قوة‬

‫ا�ستعمارية يف الهند‪.‬‬ ‫لكن ما يدعو �إىل اال�ستغراب هو‬ ‫�أنّه مل يكن هناك متجيد �صاخب‬ ‫للذات با�ستثناء بع�ض الدمدمات‬ ‫اخلافتة ال�صادرة عن الأحزاب‬ ‫ال�سيا�سية‪ .‬ومن امل�ؤكد � ّأن‬ ‫االنتخابات القادمة يف الوالية قد‬ ‫�سرقت االنتباه من الذكرى‬ ‫اخلم�سني لتحرير جوا‪� .‬أم � ّأن �أهل‬ ‫جوا ‪ -‬مهما كان ما ُيظهِ ره‬

‫املت�شددون ‪ -‬ال يزالون‬ ‫الوطنيون‬ ‫ّ‬ ‫ُيكِ نّون عواطف �إيجابية للربتغال‪،‬‬ ‫كما ي ّت�ضح من التدفق املُطَّ رِ د‬ ‫لطلبات احل�صول على ت�أ�شريات‬ ‫الدخول املقدمة �إىل القن�صلية‬ ‫الربتغالية هناك‪ .‬وبرغم حقيقة � ّأن‬ ‫تعد الوالية الأغنى يف‬ ‫هذه الوالية ّ‬ ‫الهند‪ ،‬و�أنّها حتقق �أف�ضل النتائج‬ ‫على جميع امل�ؤ�شرات‬ ‫االجتماعية‪ -‬االقت�صادية مبعدل‬ ‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫أو ربما يكون ال�سبب يف ذلك هو‬ ‫� ّأن النزعة الوطنية العتيقة الطراز‬ ‫قد خ�سرت ل�صالح مو�سم وفود‬ ‫ال�سياح‪ ،‬حيث � ّأن الذكرى ال�سنوية‬ ‫التي حتلّ يف �شهر دي�سمرب و�صلت‬ ‫يف وقت كان فيه �أهل جوا الذين‬ ‫ي ّت�سمون بالدهاء يجنون مكا�سب‬ ‫�سريعة؟ عندما تر�سو �سفن حتمل‬ ‫على �سطحها كازينوهات على غرار‬ ‫تلك املوجودة يف ماكاو‪ ،‬لأغرا�ض‬ ‫التهرب من ال�ضرائب‪ ،‬قبالة �ساحل‬ ‫ّ‬ ‫باجنيم مبا�شرة ويف و�سط نهر‬ ‫ماندويف و ُتدِ ُّر عائد ًا �ضخم ًا يف‬ ‫الليلة الواحدة‪ ،‬وتكون ال�شواطئ‬ ‫ممتلئة بال�سياح امل�ستلقني عليها‬ ‫لأخذ حمامات �شم�س‪� ،‬أين ميكن �أن‬ ‫يجد الأ�شخا�ص وقت ًا ل ُيحيوا ذكرى‬ ‫ا�ستقاللهم؟‬ ‫�إن كلمة �سو�سيغاد ‪،Susegad‬‬ ‫وهي مفردة غري قابلة للرتجمة‬ ‫�ستخ َدم لو�صف احلياة هنا‪ ،‬تعني‬ ‫ُت ْ‬ ‫�شجعا على الك�سل تقريب ًا‪.‬‬ ‫اجتاها ُم ِّ‬ ‫لت�شربه مع‬ ‫ومن ي�ستطيع �أن يلومنا‬ ‫ّ‬ ‫م�شروب الفيني الرخي�ص الثمن‬ ‫و�أ�سماك الربي بري املُت َّبلة؟ من‬ ‫ال�صعب مقاومة �إغراء ال�شم�س‬ ‫والرمال‪ ،‬لكن ومثلما فعل‬ ‫الربتغاليون‪ ،‬فقد اخرتنا منز ًال يف‬ ‫تالل جوا الزرقاء ال�شهرية بعيد ًا‬ ‫عن ال�شاطئ‪ ،‬ويقع يف قرية هادئة‬ ‫تعد مثالية للكتابة‪ .‬وبا�ستثناء‬ ‫القردة التي تقفز �إىل داخل‬ ‫حديقتنا التما�س ًا للطعام (لأن‬ ‫موئلها الطبيعي قد فُقد ب�سبب‬ ‫عمليات البناء اجلائرة)‪ ،‬فنحن ال‬ ‫ن�ستقبل �سوى القليل من الزائرين‪.‬‬ ‫يقاوم القرويون املحليون التغيري‬ ‫هنا‪ ،‬و ُت َع ّد املتاجر املزدحمة‬ ‫ال�ضئيلة التي يديرها ال�سكان‬ ‫رحب به من‬ ‫مبثابة باعث ارتياح ُم َّ‬ ‫أبريل ‪2012‬‬

‫«� ّإن جوا ال تزال تنا�ضل من �أجل‬ ‫اكت�شاف هويتها‪ ،‬وهناك ت�صادم‬ ‫م�ستم ّر بني القيم التقليدية‬ ‫ّ‬ ‫املتجذرة لديها ‪ -‬وهي توليفة تكون‬ ‫قابلة لال�شتعال �أحيانا من‬ ‫بيوريتانية م�سيحية منت�شرة ونزعة‬ ‫�إحيائية هندية ‪ -‬وحداثة‬ ‫مظاهرها �آخذة يف التنامي»‪.‬‬ ‫املناخ ال�صحي واملتجان�س الذي‬ ‫تت�سم به الأ�سواق املركزية يف لندن‪.‬‬ ‫و�سواء ما �إذا كان الواحد منا‬ ‫ي�ساوم الباعة يف �سوق ال�سمك يف‬ ‫الوقت الذي جتري فيه القطط‬ ‫ال�صغرية حتت الأقدام حاملة يف‬ ‫�أفواهها ر�ؤو�س الأ�سماك‪� ،‬أو ي�شرتي‬ ‫ال�صحف من املتجر الواقع عند‬ ‫نا�صية ال�شارع والذي ال يعدو كونه‬ ‫جمرد كوخ �صغري منحدر ال�سقف‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫هناك ُه ِو َّية وترابط‪ .‬وقد جرى‬ ‫التعبري عن هذا الأمر على نحو‬ ‫جيد عندما توفيِّ َ م�ؤخر ًا �صديق‬ ‫عزيز وفنان �شهري كان يقطن‬ ‫قريتنا‪ ،‬وهو ماريو مرياندا(الذي‬ ‫كان ا�سمه الكامل بالربتغالية ذو‬ ‫جاذبية �شديدة هو ماريو خواو‬ ‫كارلو�س دو روزاريو دي بريتو �أَ‬ ‫مرياندا)‪.‬‬ ‫وقد اجتمعت القرية ب�أ�سرها من‬ ‫�أجل اجلنازة؛ و�ساعدت يف تنفيذ‬ ‫املرا�سم‪ ،‬واعتنت بذلك الفي�ض من‬ ‫الزائرين الذين وفدوا من جميع‬ ‫�أنحاء العامل‪ ،‬وقاموا حتى بتزويدهم‬ ‫بالطعام‪ .‬ويولِّد هذا لدى الفرد �شعور ًا‬

‫بـما ي�سمى «فا�سوديفا كاتومبام»‬ ‫«‪ »Vasudeva Katumbham‬وهي‬ ‫عبارة �سن�سكريتية يتم اال�ست�شهاد بها‬ ‫كثري ًا‪ ،‬وتعني «� ّإن العامل ب�أ�سره هو‬ ‫�أ�سرتنا»‪ .‬و�أحيان ًا يكون من ال�سهل يف‬ ‫جوا‪ ،‬ب�سبب كرثة اجلن�سيات‪� ،‬أن‬ ‫تن�سى جن�سيتك‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬ف� ّإن جوا‬ ‫ال تزال تنا�ضل من �أجل اكت�شاف‬ ‫هويتها‪ ،‬وهناك ت�صادم م�ستمر‬ ‫بني القيم التقليدية املُتجذِّ رة‬ ‫لديها‪ -‬وهي توليفة تكون قابلة‬ ‫لال�شتعال �أحيانا من بيوريتانية‬ ‫م�سيحية منت�شرة ونزعة �إحيائية‬ ‫هندية ‪ -‬وحداثة مظاهرها �آخذة‬ ‫يف التنامي‪ .‬وتعني الطبيعة املُع َّقدة‬ ‫لهذا الت�صادم � ّأن النزعة الدولية‪،‬‬ ‫التي متيل �إليها جو ًا تاريخياً‪،‬‬ ‫ميكن �أن يتم اختطافها من قبل‬ ‫ال�سيا�سة املحلية‪ .‬وهكذا ف� ّإن‬ ‫اجلهود التي ُبذِ لت م�ؤخر ًا‬ ‫ال�ستخدام املوارد الطبيعية املذهلة‬ ‫لهذه الوالية لتنظيم مهرجان‬ ‫دويل للأفالم ومهرجان �أدبي‬ ‫وثالث للمو�سيقى كان لها نتائج‬

‫تتعاون مؤسسة قطر والمكتبة البريطانية على رقمنة ‪ 600‬ألف‬ ‫صفحة من أرشيف مكتب الهند التي تتعلق بقطر ومنطقة الخليج‪ ،‬وعدة‬ ‫مئات من المخطوطات العربية ذات الصلة بالعلوم والتكنولوجيا والطب‬ ‫في العالم اإلسالمي‪ ،‬باإلضافة إلى مواد عديدة أخرى تضم خرائط‬ ‫وصور فوتوجرافية‪.‬‬

‫خمتلطة؛ حيث � ّأن جماعات‬ ‫ال�ضغط املتناف�سة حاولت تعظيم‬ ‫بغ�ض‬ ‫املكا�سب اخلا�صة بكل منها‪ّ ،‬‬ ‫النظر عما �إذا كان �سي�ؤدي ذلك‬ ‫�إىل الإ�ضرار بالعالمة التجارية‬ ‫العاملية للهند‪ .‬و�أحيان ًا قد يكون‬ ‫ذلك على نف�س الدرجة من‬ ‫الو�ضوح ال�شديد‪ ،‬كعدم ال�سماح‬ ‫للهيئات غري احلكومية بالعمل �إذا‬ ‫مل تقم ب�إظهار االحرتام املطلوب‬ ‫لكن‬ ‫لطبقة املوظفني احلكوميني‪ّ .‬‬ ‫هذا �أمر عادي؛ �إذ �أنه ُي َع ّد جزء ًا‬ ‫من النزاع الوا�سع االنت�شار الدائر‬ ‫يف الهند الآن حول الثقافة‬ ‫والف�ساد‪.‬‬ ‫من الممكن �أن تكون الثقافة‬ ‫حقل �ألغام؛ فمع تزايد املواهب‬ ‫الفنية التي ن�ش�أت وتربت يف الهند‪،‬‬ ‫هناك القليل من االمتعا�ض من �أنّه‬ ‫يتم منح �أهمية فائقة للمخرجني‬ ‫ويتم‬ ‫وامل�ؤلفني واملمثلني الأجانب‪ّ .‬‬ ‫�إثارة ت�سا�ؤالت حول ما �إذا كان هذا‬ ‫يعد عودة �إىل العهد اال�ستعماري‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ولكن عرب الطريق الثقايف‪ .‬هل‬ ‫�ستتعر�ض الأ�صوات والأفكار املحلية‬ ‫ّ‬ ‫�ضم هذه العملية؟ قد‬ ‫للكبت يف ِخ ّ‬ ‫حد‬ ‫ربر ًا هنا �إىل ّ‬ ‫يكون القلق ح ّتى ُم ّ‬ ‫ما‪ ،‬نظر ًا ل ّأن احل ِّيز املتاح ملثل هذه‬ ‫الفعاليات الثقافية ال يزال حمدود ًا‬ ‫لكن هذا بالطبع ال يعني‬ ‫للغاية‪ّ .‬‬ ‫�سوى �أنّه ينبغي �أن يكون هناك عدد‬ ‫�أكرب بكثري‪ ،‬ولي�س عددا �أقل‪ ،‬من‬ ‫املهرجانات التي ت ّت�سم بال�شمولية‬ ‫على نحو �آخذ يف التزايد‪.‬‬ ‫تبدو جوا ك�أن�شودة رعوية‬ ‫م�ساملة‪ ،‬لكنها تعك�س �أي�ض ًا‬ ‫اال�ضطراب احلا�صل داخل الدولة؛‬ ‫فقد يكون طرد الربتغاليني قد �أنهى‬ ‫رمبا احلكم الأجنبي هنا‪ ،‬لكنه مل‬ ‫ي� ِّؤد بالت�أكيد �إىل قطع �أوا�صر‬ ‫العالقة املثرية للجدل غالب ًا بني‬ ‫هذه الوالية اخل�ضراء ومظاهر‬ ‫احلياة الكوزموبوليتانية‪ ...‬لنتوجه‬ ‫الآن �إىل ال�شاطئ‪l .‬‬ ‫كيشوار ديساي عضو في لجنة‬ ‫الخبراء الخاصة بمهرجان الهند الدولي‬ ‫لألفالم‪ ،‬ورئيس مهرجان لندن‬ ‫للفيلم اآلسيوي‪ .‬فازت رواية ديساي‬ ‫التي تحمل عنوان «شاهد الليل»‬ ‫بجائزة كوستا ألول رواية للعام ‪2010‬‬ ‫كما تم إدراجها ضمن القائمة‬ ‫الم َّ‬ ‫رش َحة لنيل‬ ‫طولة للروايات ُ‬ ‫الم َّ‬ ‫ُ‬ ‫جائزة مان للكتابة األدبية في آسيا‪.‬‬

‫‪63‬‬


‫ّ‬ ‫عمود تفكر‪.‬‬ ‫أضواء على‬ ‫ريتشارد سيرا‬

‫لقد‬ ‫‪64‬‬

‫ُو ِ�ص َف ريت�شارد �سريا ب�أنه �أعظم‬ ‫مت الرتحيب‬ ‫نحات يف العامل كما ّ‬ ‫َّ‬ ‫مبنحوتته «�سيفني» �أو «‪ - »7‬الربج‬ ‫اجلديد املجاور ملتحف الفن‬ ‫الإ�سالمي يف الدوحة‪ ،‬الذي قام‬ ‫بت�صميمه املهند�س املعماري �إيو‬ ‫مينغ بي ‪ -‬على �أنه حتفته الفنية‬ ‫الرئي�سية‪ .‬ويف هذا املقال‪ ،‬يتحدث‬ ‫ريت�شارد �سريا �إىل �ألفريد باكمون‬ ‫مو�ضح ًا كيف ميكن �أن يدخل كل‬ ‫ِّ‬ ‫من النحت والعمارة يف حوار مع‬ ‫بع�ضهما البع�ض‪.‬‬

‫عندما ُدعِ يت �إىل نحت قطعة‬ ‫فنية تكون �إىل جوار متحف‬ ‫الفن الإ�سالمي يف الدوحة‪� ،‬أردت‬ ‫�أن يكون هناك حوار وتوا�صل بني‬ ‫�صممه‬ ‫هذه القطعة واملبنى الذي َّ‬ ‫�أي مينغ بي‪ ،‬وما كان ب�إمكاين‬ ‫تقدميه كخربة نحتية هو‪ :‬حتقيق‬ ‫توا�صل بني لغتي ولغته بطريقة غري‬ ‫وا�ضحة‪ ،‬لكنّها تبدو منطقية‪،‬‬ ‫بحيث ميكن �أن يعتقد النا�س بعد‬ ‫بر َّمتِه جرى‬ ‫عِ ْقد من الآن � ّأن الأمر ُ‬ ‫تنفيذه يف الوقت ذاته والتخطيط له‬ ‫كعمل واحد»‪.‬‬ ‫متثّلت �إحدى الأفكار التي‬ ‫تبادرت �إىل ذهني يف �أخذ املحتوى‬ ‫اجلمايل للمتحف و�إح�ضاره �إىل‬ ‫احل ِّيز االجتماعي العام‪ ،‬وذلك لكي‬ ‫يبدو كما لو � ّأن الطابع الفني‬ ‫للمنحوتة غري متعار�ض مع ذلك‬ ‫اخلا�ص بعمارة املتحف؛‬ ‫فالأ�شخا�ص الذين ال يعرفون‬ ‫املنحوتة ميكنهم الدخول �إىل‬ ‫برجي‪ ،‬ور�ؤية املبنى‪ ،‬وجتاوز‬

‫ت�ص ّورهم ملا يكون �أو ال يكون عليه‬ ‫الفن‪.‬‬ ‫ومن بين العوائق املتعلقة‬ ‫باملتاحف‪ ،‬جند � ّأن هناك طبقة‬ ‫اجتماعية معينة تتوافق مع املنحوتة‬ ‫و�أخرى ال تتوافق معها‪ .‬لكن ما �أن‬ ‫ت�ضع قطعة فنية يف ح ِّيز عام‪ ،‬ف�إنها‬

‫ت�صري ملك ًا للجميع‪ .‬ولي�س هناك‬ ‫من يهتم مبن يكون ريت�شارد �سريا‪،‬‬ ‫�إذ ت�صري هذه القطعة تراث ًا للنا�س‬ ‫جميع ًا؛ فينمو الأطفال معها‬ ‫ويلعبون بداخلها ويقومون‬ ‫بركلها‪ -‬من ذا الذي ي�أبه ملا‬ ‫يقومون به؟ وميكن القول ب�أنّه �إذا‬ ‫ما كان لعمل فني مو�ضوع يف حيز‬

‫عام �أية احتمالية للنجاح ‪ -‬حتى‬ ‫ولو كانت �ضئيلة للغاية ‪ -‬عند جمعه‬ ‫مع املتاحف «ف�أنا موافق واجلميع‬ ‫مدعوون»‪ .‬و�أملي هو �أن يوفر عملي‬ ‫ذلك‪ ،‬و�أن ي�ستخدم النا�س الركيزة‬ ‫التي مفادها �أنه قد مت بناء‬ ‫«�سيفني» ليكون نوع ًا من ال�ساحة‬ ‫العامة‪ ،‬وحينها �سيدركون �أن‬ ‫املنحوتة ميكن �أن تكون جزء ًا مما‬ ‫تكون عليه ال�ساحة‪ ،‬و�أن املتحف ُي َع ّد‬ ‫هو �أي�ض ًا جزء ًا من هذا احلوار‪.‬‬ ‫يف الواقع �أنني مل �أنحنِ يوم ًا‬ ‫�أمام فن العمارة‪ ،‬وحاولت �أن �أربط‬ ‫هاتني اللغتني الفنيتني مع بع�ضهما‬ ‫البع�ض‪ .‬ي�شعر املهند�سون‬ ‫بال�ضجر مني لأن عملي‬ ‫املعماريون َّ‬ ‫يف الغالب الأعم ينتقد ال�سياق‪� ،‬إن‬ ‫مل يكن ما ي�صممونه من �أبنية‪.‬‬ ‫أكن الكثري من االحرتام‬ ‫لكني � ُّ‬ ‫للمعماري مينغ بي‪ ،‬و�أرى �أن املتحف‬ ‫ُي َع ّد مثا ًال رائع ًا على �أعماله‬ ‫الأخرية‪ .‬وقد اعتقدت �أن بناء مثل‬ ‫هذا احلوار هو ما يعنيه التفوي�ض‬ ‫الذي و�صلني عندما مت تكليفي‬ ‫ب�إجناز هذا العمل‪ ،‬وقد حاولت‬ ‫تقدير ذلك و�إعطاءه حقه‪ .‬ولي�س‬ ‫من املهم ما �إذا كان العمل مت�ساوق ًا‬ ‫كفن‪ ،‬لكن املهم هو �أن يكون ذا‬ ‫معنى‪ .‬وقد جعلتني ال�صورة التي‬ ‫يبدو عليها املبنى يف �ضوء فرتة ما‬ ‫بعد الظهر عند النظر �إليه من‬ ‫املنحوتة �أعتقد �أين قد �أنتجت �شيئ ًا‬ ‫منطقي ًا‪� .‬أعمل على ت�شييد الأبراج‬ ‫منذ ثالثة عقود‪ ،‬و ُيعد هذا الربج‬ ‫واحدا من �أف�ضل �إبداعاتي‪ ،‬ولرمبا‬ ‫يكون �أف�ضلها على الإطالق‪l .‬‬ ‫ألفريد باكمون هو مدير المتحف‬ ‫الوطني للفن المعاصر بمركز بومبيدو‬ ‫في باريس‪ .‬وقد دارت هذه المحادثة‬ ‫بينه وبين ريتشارد سيرا في المركز‬ ‫التعليمي التابع لمتحف الفن‬ ‫اإلسالمي‪qma.org.qa .‬‬ ‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬

‫أبريل ‪2012‬‬


‫ّ‬ ‫مجلة تفكر‪.‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.