اتـــجـــاهــــــــ����ات عـــالـــمـــيــــــ����ة العدد 1
ش����ــــــــؤون دولـــــيــــــــ����ة
قـــــيــــــــ����ادة الـــفــــكــــــــ����ر
2012
الـبـيـئــــــــــــة
و
تشكل ّ تشكل الــمخــــاوف الــبيئيــــة عــوائــــق حــقيقيــــة في طريق الـــتنميــــة؟ هــــل
الـتـنـمـيـــة
سعادة السيد عبدالله بن حمد العطية يسلّ ط الضوء على خال استعدادات دولة قطر لحقبة ما بعد نضوب النفط والغاز ///عالم ٍ من األسلحة النووية؟ محمد البرادعي يتحدث عن السعي إلى تحقيق هن قائدات آسيا؟ /// األمن للجميع ///مارينا مهاتير تسأل :أين ّ ريتشارد سيرا يصف كيف يمكن أن يتحاور الفن مع الهندسة أبريل ///2012الحج :رحلة إلى قلب اإلسالم بقلم كارين أرمسترونغ المعمارية
الترحيب
منبر الحوار والنقاش ً مرحبا
املخ�ص�صة بكم يف العدد الأول من جملة « تف ّكر ».الف�صلية الدولية اجلديدة ّ ال�ستك�شاف االجتاهات العاملية ،وال�ش�ؤون الدولية ،والريادة الفكرية يف مناحي الن�شاط الب�شري كافة. جتمع جملة «تف ّكر ».بني دفتيها �آراء كوكبة من الكتّاب اخلرباء من خمتلف �أنحاء العامل ،يرثون ب�أقالمهم جمموعة متن ّوعة من املو�ضوعات ،وقد �آثرنا تكري�س اجلزء الأعظم من عددنا الأول ملا حتد يف ع�صرنا احلا�ضر :كيف ميكن للبلدان حتقيق التنمية واحلفاظ على مي ّثل -على الأرجح � -أكرب ٍّ البيئة وحمايتها يف �آن واحد. يف ظل االقت�صاد العاملي املرتنح الذي اليزال يجاهد للخروج من كبواته ،تبحث معظم احلكومات عن �سبل لدفع عجلة التنمية يف بلدانها .ولكننا عانينا منذ الثورة ال�صناعية ،من عواقب هذه التنمية و�سلب ّياتها على البيئة .لكن تُرى هل يجب �أن ي�ستمر الأمر على هذا النحو؟ ت�ؤمن م�ؤ�س�سة قطر ب�أنّ التنمية االقت�صادية واحلفاظ على البيئة مفهومان مرتابطان ،وقد �آزرنا اعتقادنا هذا بتطبيق جمموعة وا�سعة من املبادرات وامل�شاريع البحثية التي �إن دلّت ،ف�إنها تدلّ على �إمكانية حتقيق هذين الهدفني ب�شكل متالزم .وبالفعل �شرعت م�ؤ�س�سة قطر يف تنفيذ م�شروع م�شرتك لإنتاج � 8آالف طن �سنوي ًا من البويل �سيليكون -وهو لبنة �أ�سا�سية يف جمال توليد الطاقة ال�شم�سية -يف التغي املناخي .وقد ط ّور الباحثون يف حني يعكف مركز �أبحاث ّ متخ�ص�ص على التخفيف من �آثار رّ جامعة تك�سا�س �إي �أند �أم يف قطر تقنية خا�صة با�ستخدام الطاقة ال�شم�سية «لتك�سري» الغاز الطبيعي �إىل هيدروجني وكربون ميكن ا�ستغالله جتاري ًا -دون �أن ينتج عن هذه العملية �أية �صورة من �صور التل ّوث. تدرك م�ؤ�س�سة قطر �أي�ض ًا �أنّ العلم ال يحمل بال�ضرورة ّ كل الأجوبة؛ فم�شروع �شركة م�شريب العقارية لإعادة تطوير الدوحة يعتمد على الأ�ساليب التقليدية للتعامل مع حرارة ال�صيف القا�سية يف منطقة اخلليج خللق منط جديد من العمارة ،مما يدلّ على �أنّه حتى يف ّ ظل هذه الأجواء ال�صعبة ،من املمكن �أن تربز املباين يف تناغم مع البيئة ،ولي�س رغم ًا عنها .قد يبدو االهتمام بحماية البيئة يف بلدٍ برز على ال�ساحة بف�ضل احتياطياته الهائلة من النفط والغاز الطبيعي �أمر ًا غريب ًا� ،إال �أنّ دولة قطر �أدركت منذ العدة ال�ستقبال عامل ما بعد الكربون من خالل �إر�ساء اقت�صاد امللحة لإعداد ّ فرتة طويلة تلك ال�ضرورة ّ حموري يف حتقيق تلك الطموحات. قائم على املعرفة ،ويف هذا ال�سياق ،ت�ضطلع م�ؤ�س�سة قطر بدور ٍّ حد يدعيه كائن من كان ،وهذا الأمر يف ِّ �إن القول بامتالك حلول ناجعة للق�ضايا كافة ال ميكن �أن ّ ذاته ما يجعل جملة «تف ّكر ».تكت�سب �أهميتها البالغة؛ فمن خالل توفري من�صة لتبادل الأفكار حول الق�ضايا التي من �ش�أنها ت�شكيل عاملنا ،يحدونا الأمل �أن يعود ذلك بالنفع على دولة قطر واملجتمع الدويل ب�أ�سره. هيا بنت خليفة الن�صر مدير �إدارة االت�صال م�ؤ�س�سة قطر
ّ مجلة تفكر.
أبريل 2012
المحتويات
24
5
16
أخبار موجزة
2
5 6 7 8
3
الموت واألمل في دارفور هن قائدات آسيا؟ أين ّ توحيد المجتمعات بالرياضة فيلم واعد
57
البيئة والتنمية 1على خط المواجهة البيئية 0
29
تغي املناخ يهدّ د جزر املالديف باالنقرا�ض؛ رّ فهل ميكن للتكنولوجيا اخل�ضراء احلفاظ على هذه الدولة -اجلزيرة؟ 1ما بعد نضوب الغاز 6
�أحد الوزراء املخ�ضرمني يف دولة قطر يو�ضح كيف تعدّ البالد العدة مل�ستقبل م�ستدام
2ورثة اللؤلؤ 0
�أنقذ النفط والغاز منطقة اخلليج عندما انهارت �صناعة الل�ؤل�ؤ ،لكن الرتاث ظل قابع ًا يف الذاكرة
45
22
مدينة الدوحة بمنظور جديد
كيف ي�سهم م�شروع �إعادة تطوير و�سط مدينة الدوحة يف خلق لغة معمارية خ�ضراء جديدة
الخفية للمياه ّ 2التكلفة 4
املاء موردنا الأثمن ،لكن معظمنا ال يعرف الكثري عن م�صادرها� .إال �أننا ال ن�ستطيع موا�صلة التعامل مع املياه على �أنها من امل�سلّمات ّ مجلة تفكر.
2هل يمكن للطاقة النووية أن تنقذ العالم؟ 9
بعد وقوع كارثة فوكو�شيما ،انقلبت البلدان يف جميع �أنحاء العامل �ضد الطاقة النووية .فهل يا تُرى هذه النوايا �صادقة؟
تفكر. ّ 3رأي 2
ملاذا ال جتعلنا الأ�سلحة النووية �أكرث �أمناً؟
من العالم تصدعات في الكريملين ُّ 3 6
للمرة الأوىل يف رو�سيا مل تخرج االنتخابات الرئا�سية ب�صيغة حت�صيل حا�صل .ما يدعو �إىل التفكري ب�أ�سلوب جديد أبريل 2012
تفكر. ّ إضاءات
36
4ماذا سيحدث بعد ذلك في تلك الدولة 2 المستوحدة؟
مع ت�سلّم «كيم» جديد ملقاليد ال�سلطة يف كوريا ال�شمالية ،ملاذا توا�صل ال�صني دعم �ساللة �شيوعية ال تزال محُ تجزة يف متاهة الوقت املاوية؟
الحج ّ 5مقاصد 1
ضل العالم طريقه؟ ّ 4حالة من الفساد -كيف 5
هل �أظهرت �أحداث ال�شغب التي وقعت يف ال�صيف املا�ضي �أن بريطانيا قد «فقدت روحها»؛ �أم �أنها متثل الإجابة الالزمة لإعادة بناء «الوحدة الطبيعية والأ�سا�سية للمجتمع»؟
معر�ض جديد متميّز نظمه املتحف الربيطاين عن �شعرية احلج
5أزاهير حسيّ ة من الربيع العربي 7
روايات جديدة تبينّ �أن منطقة ال�شرق الأو�سط ال ت�شهد جمرد نه�ضة �سيا�سية ،بل ثقافية و�أدبية �أي�ض ًا
6رسالة من جوا 2
يف الذكرى اخلم�سني لتحرير والية جوا ،جتد كي�شوار دي�ساي غوا � -أغنى واليات الهند -يف حالة ا�سرتخاء لكنها غري واثقة من هويتها
تفكر. ّ 6عمود 4
يناق�ش ريت�شارد �سريا احلوار بني فنّي النحت والعمارة
المساهمون
مارينا مهاتير كاتبة عمود في جريدة “ذا ستار” الماليزية ،ولها باع طويل في الدفاع عن حقوق المرأة. وتسأل مارينا مهاتير على الصفحة هن قائدات آسيا؟ :6أين ّ
شغل محمد البرادعي منصب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية ما بين عامي .2009 - 1997 ويسلّ ط الضوء على أهمية التعاون الدولي ومكافحة انتشار السالح النووي كمفاتيح رئيسية لتحقيق األمن واالستقرار الفعليين .المزيد على الصفحة .32
أخبار موجـزة متخصصة في ّ راشيل آسبدين كاتبة الشؤون السياسية والثقافية لمنطقة الشرق األوسط ،وتعكف حالياً على تأليف كتاب عن شباب االنتفاضات العربية .تتناول في عرضها على الصفحة 57ثالث روايات جديدة “ال يمكن تفويتها” حد قولها لكتّ اب مصريين. على ّ
تشارلز فيرغسون رئيس اتحاد العلماء األمريكيين وأستاذ منتدب في مركز دراسات السالم واألمن بجامعة جورجتاون .يطرح على الصفحة 29السؤال التالي :هل يمكن للطاقة النووية أن تنقذ العالم؟
4
(من اليسار) أمين حسن عمر -وزير الثقافة والشباب والرياضة السوداني -مصافحاً أحمد محمد تقد لسان -كبير مفاوضي حركة العدل والمساواة -بعد توقيع اتفاقية وقف إطالق النار في الدوحة عام 2010
برهان وزير مدير التحرير في مؤسسة الدوحة لألفالم ،ويرى أن تحول ّ السينما العربية يجب أن االستحسان الدولي إلى نجاح مادي في شباك التذاكر .المزيد على الصفحة .8
ماري ديجيفيسكي رئيسة تحرير وكاتبة عمود في جريدة «ذي إندبندنت» اللندنية .وتُ َع ّد إحدى أكثر المعلقين على الشأن الروسي احتراماً وتقديراً في بريطانيا، وتتساءل عما إذا كان هناك أي بديل لفالديمير بوتين .المزيد على الصفحة .36
كيشوار ديساي كاتبة روائية حاصلة على العديد من الجوائز ،كما أنها عضو في لجان التحكيم بمهرجانات األفالم في كل من الهند ولندن. وتظهر رسالتها من جوا على الصفحة .62
ُمنح البروفيسور توني أالن جائزة ستوكهولم للمياه لعام 2008 قدمه من إسهامات تقديراً لما ّ في علوم وسياسات المياه. ويقول على الصفحة 24أنه يجب علينا أال نعتبر األمن المائي من المسلمات.
في
ريما إسماعيل مدير النشر rismail@qf.org.qa +974 4454 0960 غادة سعادة رئيس قسم الترجمة والتحرير gsaade@qf.org.qa +974 4454 0961 «تفكر ».ترجمة عن النسخة اإلنجليزية THINK. ّ النسخة العربية لمجلة «تفكر ».بتعليقات القراء ،وسنضيف ّ ترحب مجلة ّ صفحة للمراسالت اعتباراً من العدد القادم .فإذا رغبتم في التعليق على أي من المقاالت المنشورة في المجلة ،يرجى التواصل مع المحرّ ر على البريد اإللكتروني ، think@qf.org.qaمع ذكر (For « )publicationللنشر» في خانة موضوع البريد اإللكتروني المرسل من قبلكم.
التصوير الفوتوجرافي من .Corbis، Getty، Shutterstockالرسوم التوضيحية من SASANو .Fred Dittlau
بقلم جاستن ماروتزي
حني كان �أكرث �أهل الأر�ض غارقني يف احتفاالت �أعياد امليالد ا�ستقبا ًال للعام ،2012مل ُ�ستغرب �أن جتذب حالة يكن من امل َ وفاة �إ�ضافية يف دارفور �سوى قدر �ضئيل للغاية من االهتمام الدويل. فقد بات �سفك الدماء يف هذا اجلزء املظلم غربي ال�سودان �أمر ًا معتاد ًا على نحو خميف يف ال�سنوات القليلة املا�ضية ،و�صل ح�سب تقديرات الأمم املتحدة �إىل � 300ألف �شخ�ص لقوا حتفهم يف هذا ال�صراع منذ العام .2003
مؤسسة قطر – إدارة االتصال
ساهم في هذا العدد :جاستن ماروتزي؛ جايسون كاولي؛ ج.ج .روبنسون؛ فرانشيسكا توزو؛ محمد البرادعي؛ مارك سيدون؛ أندرو ويلسون؛ ريتشارد جي ويلكينز؛ كارين أرمسترونغ؛ ريتشارد سيرا؛ ماري ديجيفسكي؛ برهان وزير؛ كيشوار ديساي؛ البروفيسور توني أالن؛ مارينا مهاتير؛ راشيل آسبدين؛ تشارلز دي فيرجسون.
الموت واألمل في دارفور
طبعت على ورق منتج من غابات ومصدق ّ تُ دار بطريقة مستدامة عليها من قبل برنامج إقرار شهادات الغابات (.)PEFC
© .2012مؤسسة قطر .جميع الحقوق محفوظة .ال يجوز نسخ أي جزء من هذه المجلة من دون الحصول على إذن خطي من مؤسسة قطر .اآلراء الواردة في هذه المجلة هي آراء المؤلفين ،وال تعبر بالضرورة عن رأي مؤسسة قطر .لمزيد من المعلومات حول مؤسسة قطر ،يرجى زيارة الموقع www.qf.org.qa
ّ مجلة تفكر.
أبريل 2012
لكن مقتل خليل �إبراهيم ،قائد ّ حركة العدل وامل�ساواة املتمردة، ُي َع ّد تطور ًا درامي ًا بالن�سبة لدارفور؛ كما �أنه يظهر �أي�ض ًا مدى الت�أثري غري املتوقع لثورات الربيع العربي على �صراع �أفريقي طويل الأمد؛ حيث �أن �إبراهيم -الذي تفيد التقارير ب�أنه ُتوفيِّ َ يف 24دي�سمرب تعر�ض لها خالل مت�أثر ًا بجراح َّ هجوم للقوات احلكومية بوالية �شمال ك ُْر ُدفان املجاورة لإقليم دارفور -ظل لفرتة طويلة يتمتع بحماية العقيد الليبي معمر القذايف؛ و ُيقَ ال �أنه مل يعد �إىل ال�سودان �إال بعد �سقوط ذلك الديكتاتور يف �شهر �أكتوبر املا�ضي. هد َدت حركة العدل وطاملا َّ
وامل�ساواة التي ُت َع ّد اجلماعة امل�سلحة الأقوى بني الف�صائل ملتمردي دارفور ،ب�إ�سقاط املتعددة ِّ حكومة الرئي�س عمر الب�شري؛ كما كانت الغائب الأبرز عن اتفاق ال�سالم الذي مت توقيعه بني حكومة اخلرطوم واجلماعات املتمردة يف الدوحة يف العام .2011 ومن جهتها ،دعت احلكومة رح َبت مبقتل ال�سودانية التي َّ �إبراهيم وا�صفة �إياه ب�أنه انت�صار، جميع الف�صائل املتمردة بدارفور �إىل االلتحاق بعملية ال�سالم؛ فقال عبداهلل م�سار ،وزير الإعالم ال�سوداين�« :إن �أبوابنا مفتوحة ،كما �أن اتفاق الدوحة مفتوح». ال يزال االلتزام الدويل نحو
جاستن ماروتزي :عن دارفور مارينا مهاتير :عن آسيا جايسون كاولي :عن الرياضة برهان وزير :عن األفالم
دارفور قوي ًا؛ حيث ُت َع ّد اليوناميد - UNAMIDوهي القوة امل�شرتكة بني الأمم املتحدة واالحتاد الأفريقي حلفظ ال�سالم -يف دارفور والتي يقارب عدد �أفرادها � 26ألف من اجلنود و�ضباط ال�شرطة� ،أكرب بعثة حلفظ ال�سالم يف العامل تابعة للأمم املتحدة .لكن بالن�سبة للعديد من مواطني دارفور ،ال تزال احلياة اليومية متثل حتدي ًا هائالً .وانطلق العام اجلديد بالفعل نحو بداية م�أ�ساوية يف جنوب دارفور مع تف�شي ثالثة �أمرا�ض طفيلية؛ ف�أفادت وزارة ال�صحة يف والية جنوب دارفور ب� ّأن املالريا والبلهار�سيا والفيالريا هي �أمرا�ض م�ستوطنة يف العديد من املقاطعات وبلغ �إجمايل احلاالت التي مت ت�سجيلها � 44ألف حالة يف مدن الرادوم ،وال�سالم ،ونياال. من جانبه ،قال �ساميون هازلوك ،مدير «�ألباين �أ�سو�شييت�س» -وهي جمموعة ات�صاالت بريطانية متخ�ص�صة يف بيئات ما بعد النزاعات بداية من بغداد وو�ص ً وال �إىل مقدي�شو« :فيما يتعلق بامل�صاحلة ال�سيا�سية ،هناك عِ برَ ميكن ا�ستخال�صها من املحاوالت الأخرية للتو�سط من �أجل التو�صل �إىل اتفاق �سالم يف دارفور .فخالل عامي ،2011-2010قامت جمموعة �ألباين بتنفيذ برنامج ممُ َ َّول من قبل الواليات املتحدة للتوا�صل مع املجتمع عرب �إقليم دارفور دعم ًا ملفاو�ضات ال�سالم املنعقدة يف الدوحة ،مع الرتكيز على القطاعات القبلية والعربية من املجتمع ،وهي جمموعات ال تزال حتى الآن غري ممثّلة بالقدر الكايف يف عملية ال�سالم .وخالل هذا امل�شروع ،مت جمع معلومات حول كيفية ت�صور ال�سكان الريفيني لإقليم دارفور حلياتهم بعد ال�صراع ،وهو ما �أنتج جمموعة متنوعة من الآراء متت �إعادة تطبيقها على عملية ال�سالم ،ومن ثم توجيهها �إىل مكاتب كبار �صنّاع ال�سيا�سات. ويف هذا ال�سياق ،قال هازلوك: يتوجب «لن �أف�شي �سر ًا �إذا قلت �إنه َّ
5
أخبار موجزة عليك �أن تتوا�صل مع املجتمع على نطاق وا�سع حتى حتقّق ال�سالم. نحن نعلم من جتاربنا ال�سابقة يف تعزيز اتفاق ال�سالم بدارفور على �أر�ض الواقع احلاجة لعملية منفتحة ا�ستيعابية و ُي َع ّد �إ�شراك الأفراد العاديني فيها �أمر ًا �ضروري ًا للغاية». يدخل مفهوما االبتكار والتخ ّيل يف �صميم الإ�شراك الناجح يف �أكرث البيئات �صعوبة .ولن�أخذ مهرجان الدائن للفرو�سية -وهو �أحد م�شروعات جمموعة �ألباين للجمع بني قبائل وجمتمعات دارفور املتنوعة عرب ما ي�شرتكون فيه من �شغف باخليول .وقد تدفَّق الآالف مل�شاهدة �سباق اخليول والإبِل يف حر النهار الالفح ،قبل �أن يجل�س �شيوخ القبائل ب�أعداد �أ�صغر ملناق�شة م�س�ألة امل�صاحلة خالل امل�ساء ،ت�صاحبهم
يف ذلك نغمات املو�سيقى التقليدية. ويف هذا ال�سياق ،قال هازلوك: «من خالل اال�ستفادة من ال�شبكات االجتماعية والثقافية املوجودة، متكَّ نا من اجلمع بني �أنا�س مل يكونوا ليتحدثوا مع بع�ضهم البع�ض لوال ذلك .كان ذلك مثا ًال عظيم ًا على التطورات اجلارية يف املجتمع. وبالتطلُّع �إىل الأمام يف عام ،2012 نتوقع عدد ًا وفري ًا من هكذا �أن�شطة على �أر�ض الواقع ،يف الوقت الذي يتقدم فيه اتفاق الدوحة نحو قلب الأحداث يف دارفور». كتابي ومؤرخ جاستن ماروتزي كاتب ْ ِّ «الرجل الذي اخترع التاريخ :أسفار مع هيرودوت»؛ و«تيمورلنك :سيف اإلسالم وفاتح العالم» .وقد عمل مستشار أول لقيادة اليوناميد في الفاشر بدارفور.
6
باراك أوباما -رئيس الواليات المتحدة األمريكية -وعدد من الزعماء العالميين في منتدى التعاون االقتصادي لمنطقة آسيا -باسيفيك في هاواي ،نوفمبر 2011
هـــــــن ّ أيــــــن قائــــدات آسيـــا؟ بقلم مارينا مهاتير
ربما
كانت �صورة املر�أة العربية �إحدى �أهم ال�صور النمطية
العديدة التي قام الربيع العربي بتحطيمها .فبعيد ًا عن كونها �شخ�ص ًا خا�ضع ًا م�ضطهداً ،خرجت هذه املر�أة �إىل ال�شوارع برفقة �إخوانها لالحتجاج من �أجل حتقيق التغيريات واحل�صول على احلقوق
التي يطالبون بها .ويف �أثناء ذلك، تعر َ�ضت لنف�س الإ�صابات التي َّ تعر�ضوا لها ب�سبب قنابل الغاز املُ�سيل للدموع والر�صا�ص .ويف بع�ض احلاالت ،كما يف م�صر، تعر َ�ضت لأعمال مهينة للكرامة َّ ذات �صلة بنوعها البيولوجي ،مثل الفحو�صات الق�سرية للتحقق من ال ُعذرِ َّية. مت االعرتاف بالدور املحوري َّ للمر�أة يف هذه االحتجاجات عرب منح جائزة نوبل لل�سالم لليمنية توكُّل كَ ْر َمان ،برفقة امر�أتني �أخرتني .و ُيظهِ ر ح�صول كَ ْر َمان على هذه اجلائزة وهي يف 32من العمر ،وبالتايل �أ�صغر من نال هذه اجلائزة املرموقة على الإطالق، �إىل �أي مدى و�صلت املر�أة العربية وامل�سلمة يف تق ُّدمها. وما مل يعلِّق عليه املراقبون الغربيون هو �أنه يف حني � َّأن الن�ساء امل�سلمات يكافحن �أكرث من غريهن يف مواجهة ال�سيطرة الأبوية عليهن� ،إال �أن هذا ال يعني �أنهن يف الوقت ذاته غري متعلمات .فوفق ًا لتقرير اليوني�سكو حول العلوم لعام « ،2010حققت الدول العربية جناح ًا يف حتقيق التوازن بني اجلن�سني يف م�ؤ�س�سات التعليم العايل» ،وبرز ميل يف عدد الن�ساء �سن العلوم االجتماعية اللواتي َي ْد ُر َ والإن�سانية �أكرب من عدد اللواتي ينخرطن منهن يف درا�سة العلوم الطبيعية والتكنولوجيا .ولكن يف بلدان مثل اجلزائر وم�صر وحتى ال�سعودية ،هناك عدد كبري من ر�شحات كم َّ الطالبات امل�سجالت ُ للح�صول على درجة الدكتوراه يف املجالني الأخريين. وميكن قول ال�شيء ذاته فيما يتعلق ب�آ�سيا ،خا�صة بلدان جنوب �شرق �آ�سيا؛ حيث يفوق عدد الطالبات يف ماليزيا والفليبني عدد الطالب بكثري ،كما �أن ن�سبة الطالبات امل�سجالت يف م�ؤ�س�سات التعليم العايل يف دول منظمة الآ�سيان الأخرى �آخذة يف التزايد. ُيعد الإبقاء على تعليم الفتيات يف املدار�س �أمر ًا �صعب ًا يف الو�س وكمبوديا بالتحديد ،وذلك ب�سبب م�ستويات الفقر املرتفعة. وبرغم الزيادة يف �أعداد الن�ساء املتعلمات يف كل هذه البلدان� ،إال �أننا مل ن�شهد يف املقابل زيادة يف معدل �إ�سهامهن يف القيادة
برغم الزيادة في أعداد النساء المتعلمات في كل هذه البلدان ،إال أننا لم نشهد في المقابل زيادة في معدل إسهامهن في القيادة السياسية لبلدانهن ال�سيا�سية لبلدانهن .وقد كانت الن�ساء جزء ًا من العملية ال�سيا�سية بدرجات متفاوتة وتقلّدت �أكرب املنا�صب يف الهند ،وباك�ستان، وبنغالدي�ش ،و�إندوني�سيا ،والفليبني، وتايالند .ويف دولة قطر ،ت�ضطلع �صاحبة ال�سمو ال�شيخة موزا بنت نا�صر ب�أدوار قيادية من بينها �شغل من�صب رئي�س جمل�س �إدارة م�ؤ�س�سة قطر التي تن�شر جملة «تفكّر ،».يف حني تلعب امللكة رانيا العبد اهلل ملكة الأردن هي الأخرى دور ًا ن�شط ًا على ال�ساحة العاملية كمنا�صرة للتعليم ،من بني �أمور �أخرى. لكن هذه اال�ستثناءات القليلة ال ينبغي �أن تغطي على حقيقة �أن ن�سبة مثل �أوالئك الن�سوة يف مراكز �صنع القرار ،ويف الدول الإ�سالمية على وجه اخل�صو�ص ،ال تزال �ضئيلة؛ �إذ ال توجد ن�ساء حتتل مراكز قيادية يف م�صر ما بعد مبارك ،متام ًا مثلما كان يحدث من قبل. وحتى يف الدول الأكرث تقدم ًا، فهناك نق�ص يف عدد الن�سوة القياديات .ومع �أن الإناث ُي�شكِّ لن ما ن�سبته 60باملائة من الطلبة يف ماليزيا� ،إال �أن 40باملائة منهن ال يدخلن حتى �سوق العمل بعد التخ ُّرج .وال متثّل الن�ساء �سوى 10باملائة من �أع�ضاء الربملان ،كما ال يوجد من بني 28وزير ًا يف احلكومة �سوى امر�أتني فقط. ويكمن مفتاح هذه الندرة يف اجلامعات �أنف�سها؛ �إذ �أنه برغم �أعدادهن ،ال ت�شارك �سوى قلة منهن يف احلياة ال�سيا�سية للطالب، وال ت�شارك �سوى ن�سبة �أقل منهن كقائدات .وقد اقرتح البع�ض �أن ّ مجلة تفكر.
مر ّد ذلك هو كونهن مهتمات َ بدرا�ستهن بدرجة �أكرب من اهتمامهن بالأن�شطة الأخرى .لكن هل ميكن �أن تكون نف�س العوائق التي تنتظرهن يف العامل اخلارجي موجودة يف اجلامعة؟ ويف حماكاة منها للمنظمات ال�سيا�سية املوجودة باخلارج ،ت َّت�سم العديد من امل�ؤ�س�سات الطالبية ب�أنها خا�ضعة ل�سيطرة الطالب وهيمنتهم على نحو غامر ،و�أنها تتخذ موقف ًا ال ي ّت�سم بالو ّد والترّ حاب جتاه الطالبات .وعلى �سبيل املثال، تت�ألف قيادة احلركة الطالبية الناه�ضة يف ماليزيا من الرجال
ح�صري .فمتى �سي�أتي على نحو ّ التغيري احلقيقي لن�سائها؟ مارينا مهاتير هي كاتبة عمود في جريدة «ذا ستار» الماليزية وناشطة في مجال حقوق اإلنسان .وقد عملت لفترة طويلة في الدفاع عن حقوق المصابين الب َش ِر ّي (اإليدز) الم ِ َ ي َ ناع ِّ الع َو ِز َ يروس َ بف ُ ً حاليا على نحو بارز في الدفاع وتنشط عن حقوق النساء المسلمات كعضوة في مجلس إدارة منظمة «أخوات في ً دونة اإلسالم» .كما تُ َع ّد أيضا ُم ِّ ومشا ِركة نشطة في وسيلتي التواصل ُ االجتماعي فيس بوك وتويتر. rantingsbymm.blogspot.com
توحيد المجتمعات بالرياضة بقلم جايسون كاولي
في
�صيف � ،2006أم�ضيت �ستة �أ�سابيع و�أنا �أعمل على تكليف يل بالكتابة عن ك�أ�س العامل ل�صحيفة بريطانية ت�صدر �أيام الأحد .كان �صيف ًا �أوروبي ًا يت�سم بالدفء و�سطوع ال�شم�س على نحو غري لدي �سوى قليل من معتاد ،ومل يكن ّ العمل لأقوم به -رمبا مقال واحد �أو تقرير طويل لأقوم بكتابته كل �أ�سبوعُ .منح ال�صحفيون املعتمدون ا�شرتاكات جمانية على قطارات الدرجة الأوىل طوال مدة تلك البطولة الريا�ضية ،وهو ما يعني �أنه كان لك مطلق احلرية عملي ًا يف ال�سفر �إىل �أي مكان تتمناه متى �أردت ذلك على �شبكة القطارات املمتازة هذه .كان لدي ح�ساب م�صريف للنفقات ،ولذلك كان التوجه مل�شاهدة مباريات ب�إمكاين ّ البطولة. قمت با�ستئجار �شقة �صغرية يف و�سط برلني تقع قبالة فندق �أدلون الذي قام فيه �أ�سطورة مو�سيقى البوب مايكل جاك�سون بتدلية طفل ر�ضيع من �إحدى نوافذه املرتفعة يف حلظة من االمتالء الهو�سي باحلما�سة .ومل تكن �شقتي تبعد أبريل 2012
�سوى قلي ً ال عن بوابة براندنربغ حيث كان يتجمع ع�شرات الآالف من املتحم�سني من جميع اجلن�سيات كل يوم �أمام ا َمل ْعلم عرف مبهرجان الكبري فيما �صار ُي َ ُ�شجعني مل�شاهدة املباريات التي امل ِّ كانت ُتقام يف جميع �أنحاء �أملانيا على �شا�شات كبرية .كانت هناك �شجعني يف للم ِّ مهرجانات م�شابهة ُ مدن �أخرى ،لكن املهرجان الذي �أقيم يف العا�صمة هو الذي كان يجتذب احل�شود الأكرب .وكما �ستكت�شف الدوحة عام ،2022ف�إن قدر ًا كبري ًا من �إثارة ك�أ�س العامل تقع بعيد ًا عن املالعب الريا�ضية، يف ال�ساحات العامة حيث يجتمع ُ�شجعون ليتحادثوا ويتعرفوا على امل ِّ بع�ضهم البع�ض. وخالل الوقت الذي �أم�ضيته يف �أملانيا ،بدا كما لو �أن حت ً وال غريب ًا علي .ففي بداية ك�أ�س ي�ستحوذ ّ ح�س وا�ضح العامل ،كان هناك ّ بالوعي الوطني وت�سا�ؤل ذاتي م�شوب بالقلق؛ حيث �أن �أملانيا كانت قد ا�ست�ضافت بطولة ك�أ�س العامل من قبل ،يف عام ،1974لكن ذلك مق�سم ًا، ح�صل عندما كان البلد ّ وكان جدار برلني رمز ًا على ذلك االنف�صال ال�شديد وعلى الهزمية يف احلرب. كما �أقيمت الألعاب الأوليمبية
مشجعو الفريق األلماني يحتفلون خالل كأس العالم 2006
يف ميونيخ عام ،1972لكنها كانت تعر�ضت للإف�ساد ب�سبب دورة ّ عمليات الإرهاب .ومل ترغب ال�سلطات هذه املرة �أن يحدث �أي �شيء ُيعكّر �صفو البطولة �أمام �أنظار العامل خا�صة و� ّأن �شعار الدورة كان« :حان الوقت لتكوين ال�صداقات». ُيعرف عن الأملان القلق من الإظهار العلني لوطنيتهم؛ فخالل �أ�سفاري يف الأ�سابيع الأوىل من
فجأة ،ظهرت األعالم األلمانية مرفرفة في تجل لروح كل مكان :وهو ّ وطنية جديدة حميدة على نحو كامل ولثقة بالنفس بدت كما لو ّأنها أدهشت حتى حكومة المستشارة أنجيال ميركِ ل
بطولة ك�أ�س العامل ،مل �أ�شاهد �سوى عدد قليل للغاية من الأعالم الأملانية ترفرف من النوافذ �أو تتدىل من ال�سيارات ،مثلما ترى يف �إجنلرتا خالل الفعاليات الرئي�سية لكرة القدم. لكن مع تقدم املنتخب الوطني الأملاين ،بقيادة املدرب يورغن كلين�سمان ،من ت�صفيات املجموعات �إىل مباريات الدور ن�صف النهائي، بدا وك� ّأن الدولة ب�أ�سرها تزدهر وتتف ّتح .وفج�أة ،ظهرت الأعالم الأملانية مرفرفة يف كل مكان :وهو جتلٍّ لروح وطنية جديدة حميدة على نحو كامل ولثقة بالنف�س بدت كما لو �أنها �أده�شت حتى حكومة امل�ست�شارة �أجنيال مريكِ ل. �صار املزاج الوطني مزاج ًا قوامه فرحة يحدوها الأمل و�شعور فعلي بالفخر .وبحلول املباراة النهائية، التي فازت بها �إيطاليا ،كان ك�أ�س العامل قد �أجنز حت ّو ًال كام ً ال كان �أي�ض ًا ُمنفِ �س ًا ومطهر ًا مل�شاعر الأملان. وقد غادرت ،مثل العديد من الزائرين ،و�أنا �أ�شعر باحرتام متجدد لكيفية قيام �أملانيا ب�إعادة ّ �صنع نف�سها بعد ال�صدمات النف�سية
7
أخبار موجزة التي تعر�ضت لها يف املا�ضي القريب. ال �شيء بالت�أكيد ي�ضاهي الريا�ضة يف قدرتها على توحيد ُحرك املجتمعات والأمم؛ فهي امل ِّ للقوة الناعمة ،وهذا هو �سبب احلما�س الكبري للحكومة الربيطانية جتاه احتماالت النجاح التي َتعِ ُد بها دورة لندن للألعاب الأوليمبية ابتدا ًء من 27يوليو وت�ستثمر فيها حتى يف زمن التق�شُّ ف واملحنة االقت�صادية.
8
فيلم «دار الحي» للمخرج علي مصطفى
عد كرة القدم �صفر» ح�صلت على الأ�ضواء كلها يف وفوق كل �شيءُ ،ت ّ ال�شكل الثقايف املُهيمِ ن يف مهرجانات الأفالم من بريوت وحتى ع�صرنا� ،أو اللغة امل�شرتكة �أبوظبي .كما حظيت ال�سينما لعوملتنا ،كما �سيكت�شف �شعب قطر الإيرانية هي الأخرى بعام ناجح؛ قريب ًا � -إن مل يكونوا يعرفون ذلك حيث ح�صل فيلم املخرج �أ�صغر بالفعل. فرهادي «انف�صال» على كل من جائزة الدب الذهبي يف مهرجان حرر صحيفة «نيو برلني وجائزة جولدن جلوب يف لو�س جايسون كاولي هو ُم ِّ وم ِّ ؤلف ُمذكّرات تحمل �أجنلو�س. ستيتسمان»ُ ، الحب ،والموت عنوان «اللعبة األخيرة: اجلوائز والثناء الدويل ظهرت ّ وكرة القدم». بوفرة على ما يبدو� ،إال �أن ال�صناعة ال تزال ت�صارع م�شاكل عانى منها منتجو الأفالم العرب تاريخي ًا؛ �إذ � َّأن املوزعني راغبون عن دفع املحتوى الإقليمي �إىل امل�شاهدين املحليني. والدليل موجود �أمام ناظري اجلميع يف منطقة اخلليج كل يوم خمي�س الذي يعد تقليدي ًا يوم ًا افتتاحي ًا للأفالم اجلديدة :ويف هذا اليوم تظهر قوة امتيازات الأفالم الأمريكية ودفعها القوي للأفالم املحلية خارج دور العر�ض .وتكرث االمتيازات املتعددة الطبقات ،وهي عبارة عن �سل�سلة �أفالم جرى املزاوجة بينها وبني �سلع و�ألعاب فيديو يف �شباك التذاكر .ومن املن�صف القول ب� ّأن العديد من الأفالم العربية تالقي قب ً وال �أكرب لدى اجلماهري الأوروبية. ويواجه منتجو الأفالم الذين ينتمون �إىل منطقة ال�شرق الأو�سط عوائق �أخرى ذات �صبغة م�ؤ�س�سية بدرجة �أكرب .و�شهد ن�صف القرن الأخري �إفال�س العديد من ال�شركات الرائدة لإنتاج الأفالم ،وهروب الفنيني املد ّربني مهني ًا �إىل �أوروبا و�أماكن �أخرى ،ومنوذج توزيع منب�سط ،وارتفاع يف معدل القر�صنة وتعد م�صر على �أعمالهم الفنيةّ . التي هي مبثابة معقل �صناعة ال�سينما يف املنطقة ،منوذج ًا جيد ًا املجموعة املعتادة وهي« :هاري بوتر يثبت �صحة ذلك .ففي �أيام جمدها، ومقد�سات املوت -اجلزء الثاين»، خالل �أربعينيات القرن الع�شرين، و«الهوبيت» ،و«رجال �س ّريون :الطبقة كانت هذه الدولة تنتج 80فيلم ًا يف الأوىل» .وال يظهر �أي فيلم عربي - العام .ولكن هذا العدد انخف�ض �أو �أي فيلم غري ناطق بالإجنليزية بحلول الت�سعينيات لي�صل �إىل نحو �أ�صال � -ضمن القائمة الكاملة 15فيلم ًا .ويف ال�سنوات الأخرية، لأف�ضل 25فيلم ًا. تزايدت �إنتاجية م�صر من الأفالم؛ ال ميكن تف�سري غياب املحتوى حيث �أطلقت 64فيلم ًا يف عام ال�سينمائي من ال�شرق الأو�سط ب�أنه لكن منتجي الأفالم ال يزالون ّ ،2008 راجع لتدين اجلودة؛ �إذ كان العام يعدون التوزيع والقر�صنة املحلية املن�صرم يف واقع الأمر عام ًا ممتاز ًا ك�أحد املع ّوقات الرئي�سية لنجاح ل�صناعة ال�سينما يف املنطقة .ف�أفالم �صناعة ال�سينما. مثل فيلم «هلق لوين؟» للمخرجة ولهذا ال�سبب ،حت َّول العديد من نادين لبكي ،و«حبيبي» ،و«القطاع منتجي الأفالم العرب �إىل
فـيـلــم واعــد بقلم برهان وزير
في
هذه الأيام التي تت�سم احلي ،والتحميل بالبث ّ ّ �شبه الفوري ،وو�سائل التوا�صل االجتماعي املتغلغلة ،تُظهر نظرة ق�صرية على الأفالم الأكرث م�شاهدة على موقع يوتيوب خالل العام 2011مدى هيمنة هوليوود بقدر ما تك�شف عن مدى نفوذ الأفالم غري الناطقة بالإجنليزية. وت�سرد قائمة الأفالم الع�شرة الأكرث م�شاهدة على هذا املوقع كل
الجوائز والثناء الدولي ظهرت بوفرة على ما يبدو ،إال أن الصناعة ال تزال تصارع مشاكل عانى منها منتجو تاريخيا ً األفالم العرب حكوماتهم طلب ًا للتمويل ،وهو ما م َّهد الطريق �إىل �صناعة ال�سينما احلالية الهادفة �إىل النفع العام ال �إىل الربح .ويكمن احلل بالت�أكيد يف موقع �آخر؛ فبو�سع الدولة �أن تعمل كحا�ضنة لثقافة ال�سينما عرب توفري البنية التحتية الالزمة ،والتدريب املحلي ،واخلربة الثقافية ،واحلوافز ت�سن املالية .حتى �أنها ميكن �أن ّ ت�شريعات جديدة حازمة ملجابهة لكن احلكومات ،حتى لو القر�صنةّ . توفرت �أح�سن النوايا ،ال متتلك �سوى قدر �ضئيل للغاية من الت�أثري على �أ�صحاب �صاالت العر�ض ال�سينمائي. وميكن �أن يوفر فيلم «دار احلي» للمخرج علي م�صطفى ،وهو دراما متوا�ضعة تدور �أحداثها يف دبي، وحظي مب�شاهدة كبرية عقب �إطالقه يف عام ،2009مخُ طط ًا ل�صناعة �سينمائية �أكرث ا�ستدامة. وقد قاوم فيلم علي م�صطفى املم ّول ب�أموال عامة وخا�صة ،واحلا�صل على ترويج ُم� ِّشوق عرب �شبكات التوا�صل االجتماعي ،القاعدة التي تق�ضي بتحويل الأفالم اجلديدة �إىل �أقرا�ص دي يف دي DVDب�شدة .ويف نهاية الأ�سبوع االفتتاحي له ،جمع الفيلم ن�صف مليون درهم �إماراتي. حمددات وكما هو احلال دائم ًا ،ف�إن ّ جناح الفيلم ال�سينمائي تبقى واحدة :عدد التذاكر ووزن الف�شار املُ َباع يف �شباك التذاكر. برهان وزير هو مدير تحرير في ومحرر سابق مؤسسة الدوحة لألفالم، ّ لقسم «نهاية األسبوع» في صحيفة «ذي ناشونال» في أبوظبي. تستضيف مؤسسة الدوحة لألفالم قمة TEDxالعالمية لعام 2012خالل الفترة ما بين 20-16أبريل. http://tedxsummit.ted.com ّ مجلة تفكر.
ال
ال
و
عوائ
نمية؟
يق الت
ـــــــــة ي طر
قية ف
ق حقي
ـمـــيــ
ـــتـــنــ لبيئية
اوف ا
ل المخ
ل تش ّك
ه
ـــبـــيــ
ـئـــــــــ
ـــــــــة
على خط المواجهة البيئية ص / 10ما بعد نضوب الغاز ص / 16ورثة اللؤلؤ ص / 20 مدينة الدوحة بمنظور جديد ص / 22التكلفة الخفيّ ة للمياه ص / 24هل يمكن للطاقة النووية أن تنقذ العالم؟ ص / 29لماذا ال تجعلنا األسلحة النووية أكثر أمناً ؟ ص 32
البيئة
و
التنمية
دراسة حالة جزر المالديف
إن جزر المالديف قال رئيس المالديف األسبق ،محمد نشيدّ ، أن ارتفاعاً في درجات عرضة لألذى نتيجة للتغيّ ر المناخي لدرجة ّ الحرارة مقداره درجتين مئويتين من شأنه أن «يقضي» على بالده .فهل يمكن للتكنولوجيا الصديقة للبيئة أن تُ نقذ هذه الدولة -الجزيرة وأن تجعل منها نموذجاً يُ حتذى لبقية دول العالم؟
10
على خط المــــواجهة البيئية في
�أكتوبر ،2009عندما قام رئي�س جزر املالديف الأ�سبق ،حممد ن�شيد -ذلك ال�شخ�ص �صغري البنية وقوي التعبري يف الوقت نف�سه -بعقد اجتماع ملجل�س وزرائه حتت املاء ،كان وزرا�ؤه يرتدون الأقنعة وبذالت الغط�س و�أ�سطوانات الهواء م�شدودة �إىل ظهورهم ،فجاء منظرهم �أخَّ اذ ًا وم�ؤثر ًا. قَذَ ف هذا الأمر مبحمد ن�شيد �إىل م�سرح االهتمام العاملي ،وجعل من املالديف املثال الأكرث تط ّرف ًا للخطر البيئي. ومنذ ذلك احلني ،مل يعد �سكان جزر املالديف يح�صون عدد املرات التي �أخربتهم فيها و�سائل الإعالم العاملية ب� ّأن جزرهم �آخذة يف الغرق ،و�أنّهم يقومون ب�شراء �أرا�ض يف �أ�سرتاليا لإعادة توطني �أنف�سهم فيها بحلول عام ،2100و� ّأن العامل املتقدم ُملزَ م �أخالقي ًا بدفع الفاتورة الناجمة عن غرق جزر هذه الدولة ال�صغرية.
صورة جوية لمالي عاصمة المالديف .رغم حجمها الصغير قليال عن ً نسبياً الذي يزيد كيلومترين مربعين ،تشهد مالي متواصال نظراً لهجرة ً نمواً السكان من الجزر الخارجية باتجاه العاصمة
بقلم ج.ج .روبنسون
للتغي خالل منتدى الدول ال ُع ْر َ�ضة للأذى نتيجة رّ املناخي ،وبعد مرور �شهر على ذلك االجتماع حتت املاء الذي اكت�سب �شهرة عاملية ،قال ن�شيد�« :إن التغري املناخي فعلي وو�شيك لي�س خطر ًا بعيد ًا �أو جم ّرد ًا ،بل هو خطر ّ هدد بقاءنا .لي�ست الدول النامية هي امل�س ّببة للأزمة ُي ّ املناخية .نحن ل�سنا م�س�ؤولني عن مئات ال�سنوات من لكن انبعاثات الكربون التي تق�ضي على كوكبنا تدريجي ًاّ . التغي املناخي على بلداننا يعني �أن اخلطر الذي ي�شكله رّ هذه الأزمة ال ميكن اعتبارها بعد الآن م�شكلة الغري». تخ�ص ن�شيد يف الوقت احلايل ،مل تعد هذه امل�شكلة ّ مت خلعه من نف�سه باملعنى الدقيق للكلمة؛ وذلك بعد �أن ّ من�صبه يف 7فرباير حتت تهديد ال�سالح من قبل �أعوان الديكتاتور ال�سابق م�أمون عبد القيوم .وبعد االنقالب، ّ مجلة تفكر.
أبريل 2012
تقلّد نائبه ،حممد وديد ،من�صب الرئي�س خلف ًا له .ولكن �إن �صدقت الوعود وجرى تنظيم انتخابات يف وقت قريب، �سدة الرئا�سة فما من �شك يف �أن ن�شيد �سيعود �إىل ّ وي�ست�أنف تنفيذ برناجمه املتميز. �أ�سهم حديث ن�شيد الوا�ضح والب�سيط وا�ستعداده - رغم احلجم ال�صغري لدولته -لتخطي ال�شكليات الدبلوما�سية يف �سرعة تق ّبل املجتمع الدويل له كرمز �شاب ويافع يتمتع بالكاريزما يف الن�ضال من �أجل تفادي كارثة بيئية .و�إذا كان نائب الرئي�س الأمريكي ال�سابق� ،آل غور ،قد �أو�ضح للجماهري مدى احلاجة �إىل اتخاذ خطوات حيال التغري املناخي من خالل فيلمه «حقيقة ُمقلقة» ،ف�إن ن�شيد قد مثَّلَ الطاقة والإرادة ال�سيا�سية لتحقيق هذا الأمر فعلي ًا. ويف هذا ال�سياق ،يت�ساءل ن�شيد قائ ً ال�« :إذا مل نتمكن من وقف ارتفاع م�ستوى مياه البحر ،و�إذا قبلتم بارتفاع يف درجات احلرارة مقداره درجتني مئويتني ،ف�إنكم يف
الواقع توافقون على قتلنا .ما مغزى تبنِّي نظام دميقراطي �إذا مل يكن لديك دولة يف املقام الأول؟» جاء عر�ض قريب ًا بعنوان ذلك يف الفيلم الوثائقي الذي �س ُي َ «رئي�س اجلزيرة» ،وفيه متابعة للجهود التي بذلها ن�شيد وراء الكوالي�س يف �سعيه النتزاع �إجماع من قادة العامل يف قمة املناخ التي انعقدت بكوبنهاجن يف عام .2010 جذب االهتمام الخارجي
وقد �أ ّدى �إعالنه الطموح عن �أن جزر املالديف �ستحقق التعادلية يف ما يتعلق بانبعاثات غاز ثاين �أك�سيد الكربون بحلول عام ،2020م�صحوب ًا بال�صور الدرامية للرئي�س املرتدي حلّة وهو يجل�س على مكتبه الواقع يف بحرية ا�ستوائية �ضحلة ،واملياه ت�صل حتى و�سطه� ،إىل تركيز هائل من و�سائل الإعالم على جزر املالديف .ويبدو يف الواقع �أنها قد �أ�صبحت درا�سة احلالة الأ�سا�سية يف اجلدل الدائر حول كيفية حتقيق التنمية جنب ًا �إىل جنب
البيئة
و
التنمية
دراسة حالة جزر المالديف
12
مع احلفاظ على البيئة؛ لأنه �إذا مل ي�سر هذا العمل الهادف �إىل حتقيق التوازن على ما ُي َرام ،فمن املمكن لهذه الدولة �أن تزول من الوجود. على امل�ستوى الداخلي ،جذبت �شهرة ن�شيد الدولية التي بلغت عنان ال�سماء اهتمام ًا خارجي ًا �سمح له باجتذاب اجلهات املانحة عرب متويل دويل ثنائي، و�ساعده على دعم حواجزه ال�سيا�سية غري امل�ستقرة - على الأقل حتى انقالب �شهر فرباير املا�ضي .لكن جمهورية املالديف ،فيما ال يبدو للعيان ،بعدد �سكانها الذي يبلغ � 350ألف ن�سمة ،تظل دولة ذات مفارقات جل َّية -لي�س �أقلها ما يتعلق ببيئتها. وخالل زيارة وفد �إغاثي دامناركي جلزر املالديف يف �أواخر عام 2010للإعالن عن مبادرات �سريعة لدعم اجلهود الرامية للتخفيف من وط�أة التغري املناخي والتكيف معه ،على خلفية �أداء الرئي�س ن�شيد يف قمة املناخ بكوبنهاجن ،واجه هذا الوفد �إحدى هذه املتناق�ضات :ماذا تفعل دولة تغطي املياه ن�سبة 99يف املائة من �أرا�ضيها مبخلّفاتها ،غري �أن تقوم بحرقها؟ وقد ارت�سمت مالمح الده�شة وعدم االرتياح على وجه وزيرة املناخ الدامناركية الدكتورة ليكه فري�س لدى ر�ؤيتها للأكيا�س البال�ستيكية ،والزجاجات الفارغة ،و�إطارات ال�سيارات املتناثرة على طول �شاطىء جزيرة ثيندهوو -وهي جزيرة كبرية م�أهولة بال�سكان يف جنوب املالديف -الذي كان من املمكن �أن يحافظ على نقائه الأ�صلي لوال ذلك، ف�س�ألت �أحد املرا�سلني املحليني ،ما �أن متكنت من الإفالت لربهة وجيزة من املراقبة ،قائلة« :هل الو�ضع م�شابه لذلك على كافة اجلزر الأخرى؟» قامت �أطراف عديدة ،مبا يف ذلك االحتاد الأوروبي وال�صليب الأحمر ،ب�إن�شاء مراكز لإدارة املخلفات ومبادرات لإعادة التدوير على 74جزيرة بتكلفة بلغت ماليني الدوالرات .لكن العديد منها ال تزال دون تفعيل بعد �سقوطها �ضحايا للثقافة والعادات املوروثة؛ فال عجب �أن كلمة «غوندو دهوه» التي تعني «�شاطئ» يف لغة كب القمامة». الديفيهي املحلية تعني �أي�ض ًا َ «م ّ بيد �أن ثمة ارتباط وثيق بني حالة البيئة يف جزر املالديف و�صناعة ال�سياحة التي يبلغ حجمها ثالثة مليارات من الدوالرات؛ حيث يتدفق ال�سياح على جزر املالديف بغية اال�ستمتاع بهذه ال�شواطئ نف�سها ،وتدعم نفقاتهم املالية فيها 70يف املائة من اقت�صاد البالد .يف عام ،2011بلغ عدد ال�سياح � 800ألف م�سجال معدل منو يتجاوز 17يف املائة .وتتوقع �سلطات ال�سياحة الرتحيب بال�سائح ال�سنوي رقم مليون يف عام .2012ووفق ًا ملنظمة بلوبي�س غري احلكومية التي تتخذ من جزر املالديف مقر ًا لها ،ف�إن كل نزيل لواحد من املنتجعات املائة الفخمة املنعزلة يرتك وراءه 7.2كجم من املخلفات يف اليوم الواحد ،مقارنة مبقدار 0.66كجم الذي يخلفه �أحد ال�سكان املحليني للجزيرة .ويخلف كل فرد من �سكان العا�صمة مايل ،والبالغ عددهم � 110ألف ن�سمة (املتكد�سون على م�ساحة 2.2كم مربع ،وهي بذلك ّ م�ساحة الأر�ض الأعلى من حيث كثافة ال�سكان على �سطح الكوكب ب�أ�سره) ما قدره 2.8كجم من املخلفات .ويف املجمل ،يتخلف عن ال�سياح و�سكان املناطق احل�ضرية و�سكان اجلزر مقدار ًا �سنوي ًا يبلغ مئتي �ألف طن يجب التخل�ص منه يف دولة متتلك �أقل من 300كم مربع من الأرا�ضي القابلة لال�ستخدام.
حتت �أر�صفة املنتجعات البحرية �صارت متثل الآن منظر ًا ُمقلق ًا لل�سياح القادمني.
في ظل المحدودية البالغة للبدائل، فإن البيئة في جزر المالديف هي االقتصاد بعينه -أو على األقل تمثّ ل نسبة 89في المائة منه تتلقّى جزيرة ثيالفو�شي -املعروفة حملي ًا با�سم «جزيرة القمامة» -قدر ًا كبري ًا من خملفات هذه الدولة. وي�ؤدي حرق القمامة �إىل تك ّون �سحابة دائمة من الدخان الأ�سود ميكن ر�ؤيته من العا�صمة مايل حيث يكاد ال يكون هناك �أية جهود لإعادة التدوير ،مما يجعل جبال الزجاجات البال�ستيكية وبطاريات ال�سيارات امللقاة التي حتتوي عليها هذه اجلزيرة مق�صد ًا مف�ض ً ال لطواقم الأفالم بعد تباين مرئي �صارخ مع املنتجعات النظيفة وتعد �إدارة املخلفات بال ريب م�شكلة غري جذابة متام ًاّ . باملقارنة بالتهديد الوجودي املتمثّل يف ارتفاع م�ستوى �سطح البحر يف دولة تقع �أعلى من �سطح املحيط الهندي مبرت واحد ون�صف املرت .لكن هذا لي�س �سوى مثال واحد يو�ضح كيف �أ�صبحت الإدارة امل�ستدامة للبيئة �ضرورة ّ اقت�صادية يف دولة تعتمد على ال�سياحة ب�شكل كبري .ومع عدم امتالكها لأية �صناعات ثقيلة ،و�ض�آلة مواردها الطبيعية ،وندرة الأر�ض غري امل�ستغلة التي ميكن ا�ستخدامها يف الزراعة ،وتناق�ص ح�صيلة �صيد �أ�سماك التونة ،تعتمد هذه الدولة على جاذبية جمالها الطبيعي وعلى تنوعها احليوي .قد يتغا�ضى ال�سياح الأثرياء عن قناديل البحر التي تقذف بها مياه البحر على ال�شاطئ، لكن ر�ؤيتهم حلفا�ضات الأطفال امل�ستخدمة على ال�شاطئ حتم ًا �ستجعلهم يختارون وجهة �أخرى. ويف ظل املحدودية البالغة للبدائل ،ت�شكل البيئة يف جزر املالديف االقت�صاد بعينه � -أو على الأقل متثل ن�سبة 89يف املائة منه ،وفق ًا لإحدى الدرا�سات املحلية ،التي حتمل عنوان :اقت�صاديات التنوع احليوي .وجتعل مثل هذه الأرقام مبادرات مثل حظر �صيد �أ�سماك القر�ش للح�صول على زعانفها م�س�ألة �سهلة .ووفق ًا للدرا�سة، بلغت قيمة زعانف �أ�سماك القر�ش املجففة يف عام 2006 وامل�صدرة من كافة جزر املالديف � 156ألف دوالر ،مت ّ ت�صدير معظمها �إىل الأ�سواق ال�صينية .ويف ذلك العام نف�سه ،بلغت عائدات مراكز الغط�س يف باء �أتول -وهي واحدة من 26مركزا مماثال يف جزر املالديف 2.3 - مليون دوالر ،وفيما كانت �أ�سماك القر�ش امل�ساملة ذات الزعانف البي�ضاء وال�سوداء التي تعي�ش بني ال�شعاب املرجانية� ،أحد عوامل اجلذب الرئي�سية .ويف ال�سنوات الأخرية� ،أدى هذا االرتباط املثمر بني املكا�سب البيئية واملنفعة االقت�صادية �إىل فر�ض حظر كامل على �صيد �أ�سماك القر�ش للح�صول على زعانفها ،و�إىل حدوث منو هائل يف �أعداد هذه الأ�سماك لدرجة �أن ال�سرب املك ّون من 40- 30من هذه الأ�سماك التي ال تكف عن الدوران
االستثمار أو الغرق
برغم التح ّول ال�سيا�سي ال�سلمي بعد �أول انتخابات دميقراطية ت�شهدها هذه الدولة على الإطالق يف العام ،2008و�صلت حكومة الرئي�س ن�شيد �إىل احلكم لتجد اخلزانة الوطنية فارغة ،يف حني كانت املطبعة التي تقوم بطباعة العملة قد توقفت عن العمل للت ّو .ويف هوجة ق�صرية من الإنفاق جرت قبل االنتخابات ،ت�س ّبب �سلفه (الذي حكم البالد بقب�ضة حديدية على مدى ثالثة عقود) يف زيادة عجز املوازنة لي�صل �إىل 33يف املائة، على خلفية زيادة يف حجم الإنفاق على اخلدمات املدنية بلغت قيمتها 400يف املائة منذ العام .2004وقد ت�ضاعف �إنفاق �إدارته لي�صل �إىل 60يف املائة من �إجمايل الناجت املحلي بحلول عام .2006ويف ذروة هذه الفورة ،كان 11 يف املائة من ال�سكان موظفني يف احلكومة -ويتم متويل رواتبهم عرب طباعة فئات كبرية من العمالت الورقية املحلية. ونظر ًا ملنعها �سيا�سي ًا من تخفي�ض حجم الإنفاق احلكومي (ففي حني فاز ن�شيد مبن�صب الرئي�س ،ال يزال حزب �سلفه م�سيطر ًا على الربملان) ،واقت�صار م�صادر التمويل على نظام عتيق من ال�ضرائب املفرو�ضة على � ِأ�س َّرة ال�سياح ،والر�سوم املفرو�ضة على الواردات، بالإ�ضافة �إىل احلاجة لتمويل الأدوات اجلديدة للدميقراطية � -ستة جلان م�ستقلة وطبقة جديدة متام ًا من موظفي احلكومة املحلية -ا�ضطرت احلكومة �إىل مد يدها �إىل املجتمع الدويل. كان الدعم الذي تلقّته هذه الدميقراطية الإ�سالمية احلديثة الن�ش�أة وذات املوقع اال�سرتاتيجي �سخي ًا و�سريع ًا؛ فقد بلغ حجم امل�ساعدات التي تع ّهد املانحون بتقدميها بعد م�ؤمتر لهم جرى عقده يف فرباير 2010ما قيمته 487مليون دوالر �أمريكي ،وفق ًا لوزارة اخلارجية بجزر املالديف .لكن وبالرغم من حالة عدم اال�ستقرار ال�سيا�سي واالقت�صادي� ،أدت زيادة مطَّ ردة يف عائدات
مستوى سطح البحر في المالديف
7٫2كجم
كمية المخلفات الناجمة عن كل زائر في اليوم الواحد
800ألف
زائر في عام 2011
ّ مجلة تفكر.
التأثير المتوقع لتغير مستوى سطح البحر منذ العام 1900على األرخبيل ارتفاع مستوى سطح البحر (سم)
250
( 2099توقعات مرتفعة) 218.5+سم
200 150
متوسط ارتفاع المالديف فوق مستوى
100 50 0
( 2099توقعات منخفضة) 74.5+سم 1900
سطح البحر (الحالي) 150سم
18.5+ 2000سم
المصدر :اإلدارة الدائمة لمتوسط مستوى سطح البحر -المجلس القومي األمريكي لألبحاث2010 ،
أبريل 2012
ال�سياحة �إىل حت ُّول املالديف يف يناير � 2011إىل واحدة من �أربع دول فقط متكنت من االرتقاء وجتاوز مرتبة الدول الأقل تنمية كما تع ّرفها منظمة الأمم املتحدة .لكن حد ّ التقدم الر�سمي نحو م�ستوى «الدول املتو�سطة الدخل» َّ من القدرة ال�سابقة لهذه الدولة على احل�صول على قرو�ض منخف�ضة الفائدة ،و�أنهى بع�ض ًا من االمتيازات التجارية ،وخلق انطباع ًا بوجود دول �أخرى �أكرث حاجة لتلك امل�ساعدات منها. تغيت نربة اجلدل البيئي على نحو ملحوظ يف وقد رّ جزر املالديف يف �أعقاب الرتقّي �إىل مرتبة الدول تغيت خطابات ن�شيد؛ حيث مت املتو�سطة الدخل ،كما رّ التخفيف من لهجة اخلطابات الر�سمية احلادة حول التهديد الوجودي الذي ميثله ارتفاع م�ستوى �سطح البحر، مع حت ّول الرتكيز �إىل جذب اال�ستثمارات الأجنبية .ويف �شهر �أكتوبر املا�ضي ،قال ن�شيد خالل مرا�سم تد�شني م�شروع لتحلية مياه البحر بتمويل �أمريكي قيمته 7.1 مليون دوالر �سينفّذ على جزر عديدة �أدى فيها تغلغل املياه املاحلة يف ال�صفيحة املائية �إىل تلويث الآبار« :يجب �أن نتمكن من الوقوف على قدمينا ،وعلينا �أن نفر�ض ال�ضرائب على اقت�صادنا ،ومن ثم �إعالة �أنف�سنا .نحن دولة متو�سطة الدخل ولي�س من الأخالقي �أن نطلب الهبات دوم ًا ،يف الوقت الذي يوجد فيه العديد من الدول الأخرى التي تعد �أكرث فقر ًا بكثري منا» .وب�س�ؤاله عما �سيجعل ال�شركات الأجنبية ترغب يف اال�ستثمار يف بلد �سرعان ما �ستغمره املياه ،كانت �إجابة الرئي�س ن�شيد موجزة« :ا�ستم ّر بال�شراء حتى نفاد املخزون». ويف غ�ضون ذلك ،انتهزت املجموعة ال�سيا�سية للرئي�س ال�سابق عبد القيوم �أي حزب املالديف التقدمي ،الفر�صة لتقدمي اقرتاح �إىل الربملان بزعم �أن موقف ن�شيد ،الذي «يبث اخلوف يف التغي املناخي ّ كان رئي�س ًا وقتها ،حيال رّ قلوب ال�سياح الذين يزورون جزر املالديف» و «يغلق الأبواب يف وجه اال�ستثمارات الأجنبية» ،بل وطالبوه ب�أن «يتوقف عن الت�ضحية بالأمة ومبواطنيها يف خالل �سعيه للفوز بجوائز دولية �شخ�صية». لكن ثمة اختالف حول ما �إذا كان التهديد الناجم عن ارتفاع مياه البحر يث ّبط بالفعل من همة �أ�صحاب امل�شروعات التنموية املحتملني؛ �إذ يتوقع �أن تكتمل يف عام 2014عملية اال�ستثمار الأجنبي الأ�ضخم يف تاريخ جزر املالديف� ،أال وهي عملية حتديث مطار �إبراهيم نا�صر الدويل ،والتي تنفذها �شركة جي� .إم� .آر الهندية العمالقة املتخ�ص�صة يف من�ش�آت البنية التحتية بتكلفة 400مليون دوالر ،حيث �ستقوم �شركة جي� .إم� .آر بت�شغيل املطار اجلديد مبوجب امتياز ت�صل مدته �إىل 25عام ًا. ويف هذا ال�سياق ،قال �أندرو هاري�سون ،الرئي�س التنفيذي للمطار اجلديد« :عندما انخرطنا يف عملية تقدمي العطاءات ،قمنا باال�ستعانة بثالث �شركات رائدة حتتل مكانة متقدمة يف حتليل الن�شاط اجليوفيزيائي والتغي املناخي وت�أثري ارتفاع م�ستوى مياه �سطح البحر. رّ وما ميكننا قوله لكم الآن هو �أن خطورة ارتفاع م�ستوى مياه �سطح البحر بحيث ت�صري �أعلى من الياب�سة تعد منخف�ضة للغاية ،لدرجة �أنه ال يتم حتى �أخذها بعني االعتبار عند حتديد �أق�ساط الت�أمني التي تدفعها جزر املالديف .وتتمتع �شركات الت�أمني ب�سمعة �سيئة لكونها ت�أخذ بعني االعتبار حتى املخاطر التي ال ميكن ت�صور حدوثها ،ولذلك ب�إمكاين �أن �أخربكم ب�أنه �إذا مل ت�أخذ �أية
13
البيئة
و
التنمية
دراسة حالة جزر المالديف
�شركة ت�أمني هذا الأمر بعني االعتبار يف �أي من بوال�ص الت�أمني التي تقدمها جلزر املالديف ،فنحن على ثقة من �أن اخلطورة منخف�ضة للغاية». المشكلة الخفية
14
ي�ؤدي الرتكيز على م�ستويات �سطح البحر �إىل �صرف االنتباه عن امل�شكالت البيئية العديدة التي �صارت تهدد بيئة هذه الدولة واقت�صادها بالفعل؛ فال�شعاب املرجانية الفريوزية التي حتيط بالبحريات ال�ضحلة ،الآخذ حجمها يف الت�ضا�ؤل على نحو خطري ،والآخذة يف الرتاجع �إىل مياه املحيط الزرقاء العميقة ،لي�ست جمرد عامل جذب لل�س َّياح وح�سب ،فهي تعمل �أي�ض ًا على حماية اجلزر من الت�آكل .وتعد ال�شعاب من بني �أكرث الأنظمة البيئية ح�سا�سية وقابلية للت�ض ّرر يف العامل ،ومن املمكن �أن يت�سبب االرتفاع يف درجة حرارة مياه �سطح البحر لفرتات طويلة من الوقت يف طرد الطحالب املرتبطة معها بعالقة تكافلية ومتنحها لونها املميز .وبدون هذه الطحالب ،تفقد ال�شعاب املرجانية م�صدر غذائها تدريجي ًا �إىل �أن ينتهي الأمر مبوتها. ويتمخَّ �ض عن هذا الت�أثري «املب ّي�ض» هياكل ميتة من ال�شعاب املرجانية التي ال يزال من املمكن ا�ستخدامها كموئل من قِ َبل الأ�سماك ،لكنها يف النهاية تتف ّتت وترتك جزيرتها دون حماية ،مما �سي�ؤدي بب�ساطة �إىل غمر قطع الياب�سة �ضئيلة امل�ساحة التي قد تكون ال تزال موجودة. ويكون ت�أثري ذلك �أقل حدة من ارتفاع م�ستوى مياه �سطح البحر ،لكنه ي�شبهه �إىل حد كبري .وهذا الأمر �آخذ يف احلدوث بالفعل :ففي عام � ،1998أدى التبيي�ض الناجت عن ظاهرة النينيو �إىل هالك ما يزيد عن 90يف املائة من موائل ال�شعاب املرجانية املوجودة يف املياه ال�ضحلة بجزر املالديف؛ كما ت�س ّببت زيادة �أخرى لفرتة مط ّولة يف درجات حرارة مياه البحر خالل عام 2010يف مزيد من ال�ضغط على ال�شعاب املرجانية التي كانت قد بد�أت يف التعايف. ويف �أعقاب املوجة الثانية من ابي�ضا�ض ال�شعاب املرجانية� ،ص ّرح عامل الأحياء البحرية جاي �ستيفنز للموقع الإلكرتوين الإخباري املحلي امل�ستقل «مينيفان نيوز» ،قائ ً ال« :يعد هذا من الأمور التي يبدو �أن املنتجعات ال ترغب يف الإعالن عنها ،لكني �أعتقد �أنه من غري املجدي دفن ر�ؤو�سنا يف الرمال يف مكان لن يكون فيه م�ستقب ً ال �أي رمال لندفن ر�ؤو�سنا فيها». وثمة ت�أثريات �أخرى تتعر�ض لها ال�شعاب املرجانية، وتعزى بدرجة �أكرب �إىل �أ�سباب حملية؛ فالعديد من املواد الكيميائية التي يتم �شرا�ؤها يف مايل ،وت�ستخدمها املنتجعات لقتل البعو�ض ،تُعد �سامة للغاية بالن�سبة للحياة املخ�صبات امل�ستخدمة املائية .كما ميكن �أن تت�سرب ّ للزراعة يف الرتبة الرملية �إىل مياه البحر ومن ثم ت�ؤدي �إىل تناف�س الرباعم الطحلبية مع املرجان على احليز املكاين ،وال�ضوء ،واملغذيات .وتت�سبب عمليات رفع الرمال من قاع البحر يف حدوث تر�سبات ميكن �أن تغطي ال�شعاب املرجانية عرب مناطق �شا�سعة وت�ؤدي �إىل اختناقها .وحتى ت�شييد ر�صيف بحري قد ي�ؤول يف نهاية املطاف �إىل التعرية ،ومن ثم �إعاقة التدفقات املائية ،وحتويل م�سار احلركة املو�سمية للرمال ،يف حني ميكن �أن يت�سبب بناء مرف�أ بحري يف اختفاء �شواطئ ب�أكملها على اجلانب الآخر من اجلزيرة.
وخالل العام املن�صرم� ،صارت املالديف تدعو بقوة �أكرب لتبني البدائل املتجددة للوقود احلفري؛ حيث قال ن�شيد يف ندوة �إيكولوجية ُعقِ َدت يف منتجع �سونيفا فو�شي يف �أكتوبر « :2011نحتاج �إىل حتقيق التعادلية فيما يتعلق تغي مناخي؛ بانبعاثات الكربون ،حتى لو مل يكن هناك رّ لأن هذا بب�ساطة �أكرث جدوى من الناحية االقت�صادية». «نحن نحاول حتقيق التعادلية فيما يتعلق بانبعاثات الكربون ،لي�س العتقادنا ب�أننا �سنتمكن من �إنقاذ العامل �إذا ما جنحت جزر املالديف يف حتقيق ذلك؛ فنحن نعلم �أن انبعاثاتنا تكاد تكون ال تُذْ كَ ر باملقارنة مع دول �أخرى. ولكن �إذا متكّنا من تقدمي ا�سرتاتيجية تنموية تعتمد على تخفي�ض انبعاثات الكربون ،وميكن ا�ستيعابها ،ودرا�ستها، ومن ثم �إعادة تطبيقها يف �أماكن �أخرى ،ف�سيمثّل هذا خطوة يف االجتاه ال�صحيح». يتمثل �أحد �أكرب ال�ضغوط االقت�صادية على جزر املالديف يف اعتمادها على الواردات ،خا�صة الوقود احلفري؛ حيث تك�شف وثائق اجلمارك لعام � 2010أن جزر املالديف �أنفقت ما يزيد عن 245مليون دوالر �أمريكي على الوقود (مبا يف ذلك الديزل البحري الذي تعمل به ال�سفن ،ووقود الطائرات ،والربوبان ،والبنزين) ما ميثل نحو ربع الناجت املحلي الإجمايل للبالد ،وذلك وقت �أن كان �سعر برميل النفط 86دوالر ًا (قفزت الأ�سعار �إىل 127دوالر ًا للربميل يف �أبريل .)2011 مثل هذه االعتمادية جتعل املالديف عر�ضة ل�ضرر بالغ جراء حدوث �أدنى زيادة يف �أ�سعار النفط ،وهو ما يحتمل �أن ي�ؤدي �إىل �إ�صابة �شبكات الكهرباء والنقل بال�شلل ،وقد مت �إنفاق معظم هذا املبلغ ( 200مليون دوالر) على �شراء الديزل الذي تعمل به ال�سفن لت�شغيل قوارب هذه الدولة.
محمد نشيد -رئيس المالديف السابق (في الوسط) -مع محمد زياد -رئيس التشريفات (إلى اليمين) -في العاصمة مالي
لمحة عن الكاتب
محرر ّ ج .ج .روبنسون هو موقع «مينيفان نيوز» ،أهم موقع إلكتروني إخباري مستقل باللغة اإلنجليزية في جزر المالديف. ّ مجلة تفكر.
أبريل 2012
وفيما خال العودة �إىل الإبحار بالقوارب ال�شراعية للتقليل التكنولوجيا لتوفري 60يف املائة �إىل 80يف املائة من من هذه االنبعاثات ،ال يبدو �أمام املالديف خيارات كثرية احتياجات البالد من الكهرباء بحلول عام .2020تبدو لتحقيق ذلك دون تعري�ض اقت�صادها للخطر ب�شكل كبري .الأرقام جيدة على الورق ،ومن خالل ت�سجيل مقدار وبد ًال من ذلك ،فقد ان�صب الرتكيز على الرتويج للبالد الطلب اخلا�ص بجزيرة واحدة ،وجد ماي�سون �أن تكلفة ّ كوجهة طبيعية ال�ستثمارات الطاقة املتجددة ،وكنموذج توليد الكهرباء ال�شم�سية من �ألواح التوليد مبا�شرة عند �أويل ملا ميكن تطبيقه يف الدول النامية الأخرى .وتقع منت�صف النهار كانت �أقل بكثري من تكلفة توليدها على عاتق م�ست�شار الدولة ل�ش�ؤون الطاقة ،وهو مهند�س با�ستخدام حمطات الديزل احلالية .بيد �أن امل�شكلة التعدين ال�سابق مايك ماي�سون ،مهمة حتقيق الأهداف متثلت يف تخزين ما يكفي من الكهرباء لتلبية الطلب عليها لي ً املو�ضوعة للعام .2020 ال ،لأن تكنولوجيا البطاريات املتاحة جتاري ًا وقد �شرع ماي�سون مبكر ًا يف �إقامة حجة اقت�صادية �سرعان ما رفعت ال�سعر �إىل م�ستويات �أعلى من التكلفة لتطوير م�صادر الطاقة املتجددة ،والتي ترتكز على البنية احلالية للمحطات العاملة بالديزل .ويف الوقت احلايل، احلالية لإنتاج الطاقة يف جزر املالديف .وقد �أ�شار �إىل �أن ي�سعى ماي�سون ال�ستك�شاف كيفية خف�ض تلك التكلفة عرب البيانات املتوفرة «مقلقة حق ًا :ففي �أف�ضل تقدير ،يتكلف تقليل احلاجة �إىل التخزين ،عن طريق ا�ستخدام �ألواح الأمر � 29-28سنت ًا �أمريكي ًا لإنتاج كل كيلو واط� /ساعة متعقّبة تتبع م�سار ال�شم�س ك�أحد اخليارات املتاحة ،نظر ًا من الطاقة؛ لكن يف �أعلى ميني ال�شكل البياين ،يتكلف لأنها تطيل فرتة اال�ستخدام النهاري ،مع العمل يف الوقت الأمر � 77سنت ًا لكل كيلو واط� /ساعة .وكل ما يزيد عن نف�سه على توليد �أكرب ح�صيلة ممكنة من كل لوح �شم�سي. وهناك مقرتح ثان يتمثل يف تقليل احلاجة �إىل � 29-28سنت ًا يف اجلزر الكبرية وعن � 33-32سنت ًا يف ا�ستخدام الكهرباء يف التربيد ،والتي مثلت ما ن�سبته 28 اجلزر ال�صغرية هو جمرد �أموال يتم حرقها» .وهذا يف املائة من متطلبات اجلزيرة من الطاقة التي در�سها باملقارنة مع تكلفة ال تزيد عن �أربعة �سنتات لكل كيلو ماي�سون ،عرب ا�ستخدام �أق�صى �إنتاج للطاقة من الألواح واط� /ساعة من الكهرباء التي تولدها حمطات توليد ال�شم�سية خالل النهار ،يف تربيد املياه نهار ًا وتخزينها الطاقة التقليدية الوا�سعة النطاق. حتت الأر�ض ،ومن ثم ا�ستخدامها يف ت�شغيل مكيفات ويف هذا ال�سياق ،قامت جزر املالديف با�ستك�شاف الهواء والربادات خالل الليل .وتبدو مثل هذه التطبيقات �أ�شكال عديدة من الطاقة املتجددة .وقد وافقت ال�شركة منطقية من املنظور التجاري يف جزر املالديف التي حتظى ال�صينية �إك�س� .إي� .إم� .سي اململوكة للدولة على بناء بكمية وفرية من �ضوء ال�شم�س ال�ساطع ،مقارنة بتكلفة مزرعة لطاقة الرياح على مبعدة من ال�شاطئ لتوليد الطاقة الكهربية بقدرة 50ميجاواط ،والتي ميكنها تلبية ت�شغيل مولدات الديزل يف و�سط املحيط الهندي .ويف هذا احتياجات منطقة العا�صمة الكربى ،لكن الرياح يف جزر ال�سياق ،يقول ماي�سون �أنه يف بريطانيا �أو فرن�سا «�ستجعل الأرقام من ا�ستخدام مثل هذه التطبيقات �أمر ًا ب�سيط ًا». املالديف لي�ست كافية لت�شغيل حمطة لتوليد الكهرباء �إن التحدي الذي تواجهه املالديف هائل؛ ف�سوف طوال ثمانية �أ�شهر يف العام ،يف حني �أن حمطة التوليد تتكلف تغطية البالد ب�أكملها بالألواح ال�شم�سية نحو � 2إىل االحتياطية املقرتحة -والتي تعمل بالغاز امل َُ�سال وتبلغ طاقتها الإنتاجية 30ميجاواط� -ستنتج ما مقداره 92يف 3مليار دوالر �أمريكي ،ي�أتي متويل ن�صفها تقريب ًا من املائة من االنبعاثات الناجتة عن مولدات الديزل احلالية .قطاع ال�سياحة .وقد الحظ العديد من املمولني املختلفني الـمنتجة لتطبيقات الطاقة ال�شم�سية ،من وال�شركات ُ الطاقة من التيارات البحرية الذين ح�ضروا ندوة �سونيفا فو�شي� ،أن التكلفة قد بلغت �أجريت �أي�ض ًا درا�سة تكنولوجيا جديدة لتوليد الطاقة من «نقطة �سلبية حرجة» ،حيث �أن حجم التكلفة كان كبري ًا التيارات البحرية ،فقد قام فريق من جامعة روبرت للغاية بالن�سبة للم�ضاربني يف جمال اال�ستثمار ،و�صغري ًا جوردون اال�سكتلندية ب�إعداد مناذج لعدد من القنوات جد ًا لكبار امل�ستثمرين يف جمال الطاقة .واقرتح البع�ض املت�صلة باملحيط لتحديد موارد الطاقة القابلة �أن جزر املالديف ميكنها �أن ت�ستفيد ب�شكل جيد عرب تلبية لال�ستغالل .ول�سوء احلظ ف� ّإن التح ّول الناجت عن الرياح حاجاتها هي والدول اجلزرية ال�صغرية الأخرى كحزمة املو�سمية يف التيارات البحرية يجعل معظم القنوات ذات واحدة .وقد علّق ماي�سون على الأمر قائال« :عندما يتعلق قيمة هام�شية على مدى ن�صف العام ،عندما ينعك�س الأمر بالطاقة املتجددة ،ميكنك يف �أول يوم �أن ت�شرتي اجتاه التدفقات املائية .و ُيجرى حالي ًا ا�ستك�شاف مدى من الكهرباء ما يلزم ل�سد حاجة 25عام ًا .قد يكون هذا احتمالية جناح م�شروع يهدف �إىل �إن�شاء حمطة لتوليد 5الأمر �أرخ�ص تكلفة على املدى الطويل ،لكنك ال تزال ميجاواط من الكهرباء با�ستخدام املخلفات يف جزيرة بحاجة �إىل امتالك ما يكفي من املال يف �أول يوم». ثيالفو�شي ،كما متت �أي�ض ًا جتربة اال�ستفادة من الطاقة وبو�ضع االعتبارات اللوج�ستية والتمويلية جانب ًا ،ف� ّإن احلرارية للمحيط يف �سونيفا فو�شي ،وجاءت النتائج جزر املالديف لديها من الإمكانيات ما ي�ؤهلها لأن ت�صبح مزيج ًا من النجاح والف�شل .وقد متثّل الهدف من هذه رمز ًا قوي ًا لتبنّي الطاقة املتجددة �إذا ما �أمكنها �إمتام التجربة يف ا�ستخدام املياه الباردة امل�سحوبة من عمق عملية التح ّول �إىل ا�ستخدام الطاقة ال�شم�سية بنجاح. املحيط لأغرا�ض تكييف الهواء ،مما يقلل ا�ستهالك و�إذا متكنت دولة نامية متباينة جغرافي ًا من تلبية املنتجعات من الكهرباء بن�سبة 25يف املائة ،لكن خط احتياجاتها من الكهرباء دون احلاجة لوقود حفري، الأنابيب امل�ستخدم مل يكن ثقيل الوزن بالدرجة الكافية؛ فلي�س هناك من �سبب يحول دون قيام م�ستوطنة منعزلة ونظر ًا لأنه مل ي�صل �إىل العمق املتوقع ،فقد كان املاء يف �أ�سرتاليا بذلك هي الأخرى .حتى الآن ،كان الرتكيز امل�ستخرج �أكرث حرارة من الالزم. ُمن�صب ًا على قيام بقية بلدان العامل ب�إنقاذ جزر املالديف. ا�ستقرت احلكومة ال�سابقة �أخري ًا على ا�ستخدام كان حلم ن�شيد اجلديد يتمثل يف جعل املالديف تقدم منوذج ًا لكيفية قيام العامل ب�إنقاذ نف�سهl . الطاقة ال�شم�سية ،وا�ستهدفت حكومة ن�شيد ا�ستخدام هذه
15
البيئة
tnempoleved sv tnemnorivne erutaef fo eman
و
التنمية
النفط والغاز
ما بعد نضوب الغاز سعادة السيد عبدالله بن حمد العطية يوضح كيف تستعد دولة قطر لمستقبل مستدام بقلم شولتو بيرنز
تتمتع
قطر اليوم ب�أعلى ن�صيب للفرد من الناجت املحلي الإجمايل ،وبثالث �أكرب احتياطي للغاز الطبيعي يف العامل .وينعك�س النمو االقت�صادي البالغ 20يف املائة على تنمية وتط ّور جميع القطاعات االقت�صادية واالجتماعية يف الدولة ،ومن �ضمنها بناء الأبراج ال�شاهقة يف الطرف ال�شمايل من كورني�ش الدوحة� ،أما يف طرفه اجلنوبي ،فقد �أ�ضيف م�ؤخر ًا �إىل متحف الفن الإ�سالمي وهو من ت�صميم املعماري ال�شهري �إيو مينغ �صممها خ�صي�ص ًا للمتحف ريت�شارد بي ،منحوتة «ّ »7 نحات �سريا الذي كثري ًا ما ي�شار �إليه على �أنه «�أعظم ّ معا�صر يف العامل». مير يوم دون �أن يقع االختيار على ويبدو �أنه ال يكاد ّ دولة قطر ال�ست�ضافة �إحدى الفعاليات اجلديدة� ،أو الإعالن عن خطط �أو �صفقات �شراء .وبات العديد من ال�شخ�صيات البارزة يف جماالت ال�سيا�سة ،والريا�ضة، والفنون ،والعلوم ،والأعمال يرت ّددون على هذه الدولة الواقعة على اخلليج العربي ،والتي كثري ًا ما كانت تو�صف حتى وقت قريب ب�أنها «ناع�سة». ويف هذا ال�سياق ،يقول �سعادة ال�سيد عبداهلل بن حمد العطية -رئي�س هيئة الرقابة الإدارية وال�شفافية تغيت قطر والوزير �صاحب اخلدمة الطويلة« :نعم ،لقد رّ تغيت نحو الأف�ضل .فقد �شهدت ال�سنوات متام ًا؛ لكنها رّ تغيات اخلم�س ع�شرة املا�ضية على وجه اخل�صو�ص رّ جذرية يف قطاعات التعليم ،والبنية التحتية ،والت�صنيع. حدث ذلك بوترية �سريعة للغاية جتاوزت �أق�صى ّ مجلة تفكر.
أبريل 2012
توقعاتنا» .ن�صيحتنا ل ّأي �شخ�ص ي�شك يف قدرة دولة قطر على بناء ما يكفي من مالعب وفنادق يف الوقت املنا�سب ال�ست�ضافة نهائيات ك�أ�س العامل عام 2022 �سوى القيام بجولة �سريعة يف �أنحاء عا�صمتها الدوحة التي احت�ضنت خالل ال�سنوات القليلة املا�ضية فروع ًا جلامعات �أمريكية ،كما �ش ّيد على ثراها املركز الوطني للم�ؤمترات ،ومركز ال�سدرة للطب والبحوث� ،إ�ضافة �إىل عدد كبري من الفنادق الفاخرة .وقد ترافقت حركة الت�شييد هذه مع العديد من امل�شاريع البحثية يف جمال الطاقة ال�شم�سية وطاقة الرياح ،وجودة الهواء والأرا�ضي واملياه ،و�إدارة الطاقة .ويف كل الأحوال ،يبدو � ّأن وجود عقد من الزمن للتح�ضري للحدث الرفيع امل�ستوى املتمثل يف �إقامة بطوالت كرة القدم جدو ًال زمني ًا مرن ًا. ومع ذلك ،ف�إن �صورة التط ّور والتنمية التي ت�شهدها دولة قطر ولّدت لدى �سعادة ال�سيد عبداهلل بن حمد العطية ذكرى حقبة خمتلفة للغاية .فبعد احلرب العاملية الثانية ،على حد قوله« ،مل تكن هناك مدار�س عامة ،وال كهرباء ،وال �شوارع �أو طرق ،مل يكن هناك �أي �شيء على الإطالق .لقد �أخربتني جدتي �أنه يف مرت عليها �أيام عديدة مل ثالثينيات القرن الع�شرينّ ، يكن لديها �أي طعام تُطعمه لأطفالها .كان 30يف املائة يـمنت خالل �أول والدة لهن ب�سبب من الن�ساء القطريات ُ عدم وجود �أطباء �أو م�ست�شفيات ».ويف الوقت نف�سه، �أدت �صناعة ا�ستزراع الل�ؤل�ؤ اليابانية �إىل تدمري مهنة الغو�ص ل�صيد الل�ؤل�ؤ يف قطر ،والتي كانت البالد تعتمد عليها ب�صورة كبرية« .ومن جراء ذلكَ ،فقَد الآالف من القطريني وظائفهم ،ومات كثريون من اجلوع ،يف حني هاجر البع�ض للعمل يف البلدان املجاورة .كانت حياة �شاقة للغاية».
17
البيئة
و
النفط والغاز
التنمية
مل تكن نقطة التح ّول متمثلة يف اكت�شاف النفط يف العام ،1935بل ترافقت مبغادرة �أول ناقلة كربى حتمل هذا ال�سائل الثمني يف عام 1949من ميناء م�سيعيد على ال�ساحل ال�شرقي للبالد -ويف ذلك الوقت ،كان التعليم ميثّل �أولوية بالفعل« .فعلى الرغم من �أن العائدات مل تكن كبرية ،لكنها كانت ممتازة بالن�سبة لنا .بعد ت�صدير ال�شحنة الأوىل ،كان �أول �شيء فكّرت فيه احلكومة هو كيفية �إن�شاء مدر�سة عامة» .وهكذا، تخرج العطية يف املدر�سة الثانوية يف عام ،1970وكان ّ وقتها يف ال�سابعة ع�شرة من عمره. «كانت هذه هي املدر�سة الوحيدة يف قطر .و�أتذكر �أنه مل تكن هناك �أجهزة لتكييف الهواء ،لكني مل �أ�شعر �أبد ًا بحرارة اجلو» .اك ُت�شف الغاز الطبيعي يف ال�سنة التالية؛ لكن مل ُينظر �إليه وقتها باعتباره نعمة�« .شكل هذا االكت�شاف خيبة �أمل كبرية ،فقد �أعادت �شركة ِ�شل تلك احلقول �إىل احلكومة ،ل ّأن �أحد ًا يف ذلك الوقت مل يكن يهتم بالغاز الطبيعي». الوعي الشعبي
18
كان االهتمام بالبيئة هو ما �أدى �إىل التطور املذهل الذي �شهدته قطر .ويف هذا ال�سياق ،يقول العطية «يف ت�سعينيات القرن الع�شرين ،بد�أ النا�س ي�صبحون �أكرث وعي ًا بالتلوث واالنبعاثات ،ومار�ست اجلماهري �ضغوط ًا كبرية على حكوماتهم .و�إذا رغبت يف احلد من االنبعاثات ،ف�إن الغاز الطبيعي كان من بني احللول املتاحة �أمامك .ولذلك ،اجتهت �أنظار العامل �إلينا لأننا كنا منتلك �أكرب حقل منفرد يف العامل للغاز الطبيعي تعد قطر غري امل�صاحب مع النفط .ويف الوقت احلايلّ ، واحدة من �أكرب منتجي الطاقة ،ومن �أكرب منتجي ال�صلب ،والألومنيوم واملعادن ،كما حتتل املرتبة الثانية يف العامل من حيث �إنتاج الهليوم ،ونحن فخورون للغاية ن�صدر �إىل 85بلد ًا حول العامل .لقد ا�ستطعنا يف كوننا ّ نغي مالمح البالد». غ�ضون ب�ضع �سنوات �أن رّ ا�ضطلع العطية بدور بارز يف كل هذه اجلهود ،حيث �شغل من�صب وزير الطاقة منذ 1992وحتى العام املا�ضي ،وقد �شملت حقيبته الوزارية �أي�ض ًا ال�صناعة، كرمه �صاحب واملاء والكهرباء .ويف دي�سمرب املا�ضيّ ،
نحو خليج أكثر رعاية للبيئة
كيف تساعد قطر على حماية البيئة
حددت هدف ًا يتمثل للتنمية للأعوام 2016-2011قد ّ يف �إعادة تدوير 38يف املائة من النفايات ال�صلبة، بزيادة قدرها 8يف املائة من الن�سبة احلالية� .إال �أنّه مل يتوفر حتى يف �شوارع الدوحة احلاويات املختلفة لإعادة تدوير الزجاج والبال�ستيك والورق -وهذه �سمة �أ�صبحت م�شهد ًا م�ألوف ًا يف املدن الأوروبية. ومع ذلك ،فهناك بع�ض الدالئل امل�شجعة ،فقد متكنّت قطر من خف�ض انبعاثاتها الناجمة عن حرق الغاز بن�سبة 14يف املائة يف عام ،2010متقدمة بدرجة كبرية عن ن�سبة تقليل االنبعاثات العاملية البالغة ت�سعة يف املائة .وقد كان م�ؤمتر البرتول العاملي -الذي عقد يف الدوحة يف دي�سمرب املا�ضي -خالي ًا من الكربون للمرة الأوىل يف تاريخه .لكن الدليل على الرعاية اجليدة التي توليها دولة قطر للبيئة ،كما يقول العطية، هو �أمر �أكرث و�ضوح ًا من ذلك« .حتى مع كل هذا الإنتاج من النفط والغاز الطبيعي والألومنيوم ،عليك �أن تنظر �إىل الف�ضاء .ميكنك يف قطر �أن ترى النجوم، ت�شم الهواء .هل ترى دخان ًا هنا� ،أو �أمطار ًا وبو�سعك �أن ّ حم�ضية؟ كال ،ال جتد ذلك هنا».
يجب أن نحافظ على احتياطياتنا حتى يمكنها خدمة البالد لمدة ،150 وربما 200عاماً ال�سمو ال�شيخ حمد بن خليفة �آل ثاين� ،أمري دولة قطر، مبنحه رتبة رئي�س وزراء تقدير ًا جلهوده يف حماربة الف�ساد ويف تنمية االقت�صاد القطري. وطوال هذه الفرتة ،مل ينفك اهتمام العطية الأول ُمن�صب ًا على اال�ستدامة« .يجب �أن نحافظ على احتياطياتنا حتى ميكنها خدمة البالد ملدة ،150ورمبا 200عام ًا .لقد �أ�ض ّرت كثري من البلدان باحتياطياتها من خالل الو�صول بالإنتاج �إىل احلد الأق�صى ،وجتاهل العواقب املرتتبة على ذلك .لكن علينا �أن نتك ّهن مبا هو �آت و�أن نت�صور امل�ستقبل لأننا بلد ،ولي�س �شركة .ميكن لل�شركات �أن ت�أتي وت�صل �إىل احلدود الق�صوى للإنتاج، ثم بعد ب�ضع �سنوات ترحل وتقول لنا «وداع ًا �أعزائي!» لكننا ال ن�ستطيع �أن نغادر». وقد مثّل الأثر املادي للتنمية نوع ًا خمتلف ًا من التحديات« .نحن بلد ُمنتج للهيدروكربونات .ال ميكننا �أن ننكر ذلك -ف�إنتاج الطاقة يواكبه بال�ضرورة �إنتاج ثاين �أك�سيد الكربون �أي�ض ًا .ولهذا ال�سبب �أن�ش�أنا - عندما كنت وزير ًا للطاقة � -إدارة خا�صة بالبيئة، وجعلنا االهتمام بالبيئة �أولوية ق�صوى يف جميع عملياتنا .وقد �أجرينا الكثري من الدرا�سات حول ا�سرتداد ثاين �أك�سيد الكربون ،وكيفية حقنه يف االحتياطيات القدمية ،وحول �إعادة التدوير» .بيد �أن العديد من هذه الدرا�سات ال يزال يف مرحلتي التجريب والتخطيط .وباملثل ،ف�إن ا�سرتاتيجية قطر الوطنية
lتقوم شركة قطر لتقنيات الطاقة الشمسية ،وهي مشروع مشترك بين مؤسسة قطر وشركة سوالر وورلد وبنك قطر للتنمية ،ببناء مصنع في مدينة رأس لفان الصناعية يهدف إلى إنتاج 8آالف طن من البولي سيليكون سنوياً .وتمثل هذه توسعا كبيراً في اإلمدادات العالمية ً الخطوة من المادة التي تشكل عصب صناعة الطاقة الشمسية -إذ يمثل البولي سيليكون عنصرا رئيسيا في صناعة ألواح تخزين الطاقة الشمسية. lفي العام ،2009قامت إحدى طائرات إيرباص التابعة لشركة الخطوط الجوية القطرية بأول رحلة طيران تجارية يُ ستخدم
فيها وقود مشتق من الغاز الطبيعي ،ذلك الوقود الناتج عن تحويل الغاز إلى سوائل، يتكون من شركة ّ والذي قام بتطويره اتحاد إيرباص ،والخطوط الجوية القطرية ،وقطر للبترول ،وواحة العلوم والتكنولوجيا في قطر ،ورولز رويس ،وشركة شل ،وقطر للوقود (وقود) ،ويُ نتج انبعاثات أقل ويكاد خاليا من الكبريت. ً يكون طور الباحثون في جامعة تكساس إي أند ّ l أم في قطر تقنية جديدة تقوم على “التكسير الشمسي”للغاز الطبيعي ،بهدف إنتاج الهيدروجين والكربون الصناعي المستخدم في تصنيع األصباغ ،وإطارات السيارات ،والبالستيك ،وغيرها من الصناعات
احتساب الكربون
لمحة عن الكاتب
األخرى ،دون أن تنبعث عنه مواد سامة أو غازات ُمسببة لالحترار العالمي. lفي شهر يناير ،اختار الموقع اإللكتروني greengopost.com المعني بقضايا البيئة ،مدينة الدوحة باعتبارها واحدة من “المدن العشر المستدامة الناشئة في العام .”2012 وفي إطار اإلشادة باستثمارات دولة قطر في تقنيات الطاقة الشمسية ،والمباني الصديقة للبيئة ،واالبتكار في االعتناء بالبيئة ،خلص االقتباس إلى ما يلي: “برغم التدفق الغزير للنفط والغاز الطبيعي في هذه اإلمارة الصغيرة ،فإن يتفجر هناك أيضاً ”. ّ التفكير البعيد المدى
ّ مجلة تفكر.
محرر مجلة ّ شولتو بيرنز هو «تفكر .».وقد عمل في ّ السابق ككبير المحاورين في مجلة «اإلندبندنت»، وكمحرر أول في مجلة «نيو ّ ستيتسمان» في لندن. نشرت مقاالته وتقاريره في الصحف في جميع أنحاء العالم ،بما في ذلك دولة اإلمارات العربية المتحدة وإندونيسيا والصين .وهو زميل الجمعية الملكية للفنون، ومحرر مشارك في مجلة ّ «نيو ستيتسمان». أبريل 2012
عندما مت اختيار الدوحة ال�ست�ضافة قمة الأمم املتحدة حول املناخ لهذا العام (� ،)COP 18أ�شار العديد من املعلّقني �إىل �أن قطر ت�سهم يف ن�سبة الفرد الأكرب من الب�صمة الكربونية يف العامل .وقد �أ�شارت �صحيفة «نيويورك تاميز» �إىل البالد على �أنها «مارد غازات الدفيئة» ،يف حني ذكرت جملة «تامي» �أن �إنتاج قطر من انبعاثات الكربون للفرد الواحد ،والبالغ 55طن ًا ،يزيد بثالثة �أ�ضعاف عن مثيله يف الواليات املتحدة� .أال ينطوي هذا الأمر على بع�ض ال�سخرية؟ عندما �أثرت هذا املو�ضوع ،بدا رئي�س هيئة الرقابة الإدارية وال�شفافية متحم�س ًا ،وقال «هذا لي�س �صحيح ًا: ّ �إنها خلدعة ،فهم يقولون خُ ذ كل ما ُتنتج من انبعاثات، ثم اق�سمه على عدد ال�سكان .لكن هذا لي�س عدالً، فال�صني تنتج ماليني الأطنان من االنبعاثات ،ولكن لأن لديهم مثل هذا العدد الهائل من ال�سكان ،يبدو الأمر وك�أنهم لي�سوا من كبار املل ّوثني .تت�سم هذه العملية
عليك استعراض أحداث والتدبر في الثورة التاريخ، ّ الروسية أو الثورة الفرنسية -ففي كل منهما ثار الناس ألنّ هم فقدوا مستقبلهم
احل�سابية بكونها م� ّشو�شة ،فقد قمنا بواحدة من �أكرب عمليات عزل الكربون يف �أحد حقولنا النفطية ،ولدينا الكثري من االعتمادات املتعلقة باالنبعاثات لدرجة �أن بع�ض الدول الأخرى ترغب يف �شراء اعتماداتنا» .ويف هذا ال�سياق ،يقول العطية «تكمن حقيقة الأمر يف �أن الدول الكربى ال تريد تقليل انبعاثاتها ،فهم ي�شرتون اعتماداتك وي�ستخدمونها باعتبارها ملك ًا لهم .وبعد ذلك ،يحاولون الظهور مبظهر الأبرياء ويلقون باللوم على البلدان ال�صغرية م�ساح ًة مثل �سنغافورة وقطر، لأنهم ال يريدون �إلقاء اللوم على بع�ضهم البع�ض .لدينا هواء نقي و�سماء نظيفة ،وهو ما ميثل انعكا�س ًا �أف�ضل للواقع». وهنا يعود العطية �إىل امل�ستقبل امل�ستدام الذي ت�سعى قطر لبنائه ،ويقول «�أتذكر عندما كنت وزير ًا للطاقة � ّأن �صاحب ال�سمو الأمري قال �«:أتعلم يا عبداهلل� ،أريد لهذا اجليل �أن يكون �سعيد ًا كما �أريد للجيل القادم �أن يكون �أكرث �سعادة» .نحن نعلم جميعا �أن النفط والغاز الطبيعي �سين�ضبان يف يوم من الأيام .ميكننا القول ب�أن هذه االحتياطيات �ستكفينا ملئتي �سنة؛ وهو وقت طويل للغاية بالن�سبة يل ولك ،لكنه ُيعد ق�صري ًا عندما يتعلق الأمر بالأجيال املتعاقبة .ولذلك فنحن نركّز اهتمامنا على متكني دولة قطر �أن ت�صبح عا�صمة للتعليم وال�صحة واخلدمات املالية وال�سياحة والريا�ضة و�شركات الطريان يف ال�شرق الأو�سط .ومتثل هذه قطاعات كبرية يف عامل الأعمال ،وبالتايل فهي حتتاج �إىل العقول ،ولي�س �إىل املوارد الطبيعية .ولكن بو�سعنا ا�ستخدام املوارد الطبيعية للبناء من �أجل امل�ستقبل». بيد �أن ر�ؤية العطية لال�ستدامة تتجاوز حماوالت التخفيف من الآثار البيئية مع موا�صلة م�سرية التنمية، فهي تت�ضمن العن�صر الب�شري �أي�ض ًا .ويف هذا ال�سياق يقول «ي ّت�سم التعليم والبحوث ب�أهمية بالغة ،ولهذا ال�سبب نخ�ص�ص 2.8يف املائة من العائدات احلكومية لبالدنا لدعم البحوث :من �أجل بناء �أمة ذات تعليم رفيع امل�ستوى .ال تقلق من ذلك مطلق ًا ،فاملجتمع الذي ح�صل �أفراده على تعليم رفيع من �ش�أنه �أن مينحك الثقة. «�إن البطالة هي �أخطر �شيء على الإطالق؛ ف�إذا نظرت �إىل الربيع العربي ،ف�ستجد الف�ساد من بني �أ�سبابه� ،أما البطالة فهي ال�سبب الآخر� .إن ما يحدث يف �أوروبا و�أمريكا ،مع حركات مثل احتالل وول �سرتيت ،لهو مترد �ضد النظام الر�أ�سمايل .ويرجع ذلك لأنك �إذا رغبت يف زيادة دخلك يف ظل النظام الر�أ�سمايل ،فالأمر يف غاية ال�سهولة -ميكنك تقليل الوظائف ،و�إلقاء � 100ألف �أو � 200ألف �شخ�ص يف ال�شارع مع �أ�سرهم ،وذلك ملجرد �أن يتمكن جمل�س �إدارة �شركتك من تقدمي تقرير �إىل امل�ساهمني يفيد ب�أنّهم يحققون ربح ًا وفرياً .ولهذا ال�سبب اندلعت الثورات يف �أوروبا وال�شرق الأو�سط« .ينبغي على احلكومة �أن ت�ضع يف اعتبارها التكلفة االجتماعية: عليك ا�ستعرا�ض �أحداث التاريخ ،والتد ّبر يف الثورة الرو�سية �أو الثورة الفرن�سية -ففي كل منهما ثار النا�س لأنّهم فقدوا م�ستقبلهم». البيئة هي الأ�سا�س ،لكن الأمر ينطبق كذلك على حتقيق العدالة بني جميع قطاعات املجتمع ،كما يقول العطية الذي اختتم حديثه بقوله «يجب �أن يكون كالهما جزء ًا من حزمة متكاملة»l .
19
البيئة
و
التنمية
ما قبل النفط والغاز
البحرين -املركز التجاري �آنذاك � -إىل قطر الغنية دبي �إىل 456 باملحار وانت�شرت على امتداد �ساحل ّ قارب ًا .كان اقت�صاد اخلليج يف ذلك الوقت يعتمد على ه�ؤالء الرجال يف ت�أمني كل ما يتجاوز مق ّومات الإعا�شة الأ�سا�سية؛ وكان ه�ؤالء الرجال يعتمدون بدورهم على �سوق املجوهرات املزدهر يف مومباي للح�صول على الأموال نظري عملهم .لكن بحلول عام ،1944تدنى عدد قوارب �صيد الل�ؤل�ؤ �إىل 188فقط نتيجة لتعر�ض هذا القطاع �إىل �ضربات عديدة متتالية و�سريعة ،ما جعلها يف حالة الكفاح من �أجل البقاء.
ورثـــة اللـؤلـؤ
عندما بدأنا نتعلّ م في المدرسة، المثقف ،لكن ّ كنا نعتقد أننا الجيل أن تقدمنا في العمر أدركنا َّ مع ّ الثروة المتمثّ لة في خبرة الجيل األكبر سناً منّ ا كانت أكثر قيمة يف ع�شرينيات القرن املا�ضي ،بد�أت �أوىل ُ�ستخر َجة من مزارع الل�ؤل ؤ� املحا�صيل ال�ضخمة امل َ اليابانية تنزل �إىل الأ�سواق .ويو�ضح هذا احلدث �أحمد بن خليفة الع�سريي (يف ال�صورة �أعاله) قائالً« :كان جد �أحمد ذلك هو العامل الرئي�سي»� .أم�ضى حممد ّ الذي كان �أحد كبار الطوا�شني ،عقد ًا من الزمان يف توثيق مكامن الل�ؤل�ؤ املوجودة باملنطقة اعتماد ًا على ذاكرته ،حتى ال يتم ن�سيانها عندما ا�ضمحل هذا القطاع لي�صري جمرد هواية بحلول �ستينيات القرن الع�شرين .وكما ي�شري الع�سريي« :ملاذا قد يدفع �أي �شخ�ص �أموا ًال �إ�ضافية من �أجل �شراء ل�ؤل�ؤة طبيعية ،يف الوقت الذي ال ي�ستطيع فيه �أي �شخ�ص �آخر التفريق حق ًا بني اللآلئ امل�ستخرجة من اخلليج وتلك املُ�س َتز َر َعة؟» وبالإ�ضافة �إىل ذلك� ،أ ّدى انهيار بور�صة وول �سرتيت وبدء الك�ساد الكبري �إىل �إحلاق مزيد من ال�ضرر بتجارة اعتمدت على �أكرث الزبائن ثراء؛ ه�ؤالء الذين -وفق ًا للروائي الأمريكي �إف� .سكوت فيتزجريالد -يرغبون يف دفع مبلغ � 350ألف دوالر �أمريكي مقابل قِ الدة من الل�ؤل�ؤ .ففي عام 1926بلغت امل�صدرة من البحرين مليوين قيمة الأحجار الكرمية ّ جنيه �إ�سرتليني ،وبعد ذلك بثماين �سنوات فقط هبطت القيمة �إىل خُ ْم�س هذا املبلغ.
رجت التجارة األكبر لمنطقة الخليج من البحر، طوال قرون ،استُ ْخ َ وليس من النفط والغاز الطبيعي اللذين تم اكتشافهما في الوقت المناسب تماماً إلنقاذ المنطقة من التدهور الذي شهدته صناعة كانت مزدهرة ذات يوم -أال وهي صناعة استخراج اللؤلؤ.
تع ّج ِ
ال�شوارع حول �سوق واقف يف و�سط الدوحة بحركة املرور؛ وتد ِّوي الأبواق يف الوقت الذي ُي ْ�سرِ ع فيه رجال يدفعون عربات اليد املثقلة ب�صفوف مرتفعة من �شكائر الأ�سمنت لالنتهاء من عملهم قبل موعد الغداء .ويف و�سط كل هذا ،تقبع جمموعة اللآلئ اخلا�صة اململوكة لأ�سرة الفردان يف مكان مرتفع بالأعلى يف حجرة تت�سم بالأمن ،والهدوء ،والربودة .وت�شري دانة ،وهي االبنة الكربى لل�سيد علي الفردان -نائب رئي�س جمل�س �إدارة جمموعة �شركات الفردان -التي تعود �أ�صولها املهنية �إىل جتارة الل�ؤل�ؤ يف �أواخر القرن التا�سع ع�شر� ،إىل معنى ا�سمها قائلة�« :إن الدانة هي الل�ؤل�ؤة الأكرث كما ًال ثم تتنهد ،وت�ضيف�« :إن معظم وال ّ أ�شد بهاء» ،ومن ّ النا�س ال يح�صلون �سوى على فر�صة ر�ؤية اللآلئ املزروعة ،وهذه هي فكرتهم عن اللآلئ». قبل قرن من الزمان ،كان هذا ال�سوق مكان ًا خمتلف ًا للغاية؛ فعند بدء مو�سم الغط�س ال�صطياد الل�ؤل�ؤ ،ي�شرع
بقلم فرانشيسكا توزو
�أ�صحاب القوارب يف �إجراء مقاي�ضات مع جتار الأغذية الذين ي�أملون �أال تغرق �أي من ال�سفن املحملة بب�ضاعتهما امل�ستخدمة يف �إطعام �أفراد الطاقم ،قبل �أن يتقا�ضوا ثمنها .كان التجار القطريون� ،أو عِدون الطوا�شون ،بالإ�ضافة �إىل الهنود والإيرانيني ُي ّ ال ُع َّدة حتى يكونوا �أول من يبلغ مكامن الل�ؤل�ؤ الأكرث ثراء عندما يعلن �أمري البحر (القائد البحري) عن افتتاح ي�شدون مو�سم �صيد الل�ؤل�ؤ .وكان الغوا�صون ،ومن ّ احلبال ،والبحارة ي�أتون من ال�صحراء يف �سعي منهم لك�سب ما يكفي من املال ليعتا�شوا منه خالل ف�صل ال�شتاء .الفرتة الزمنية ملو�سم الغو�ص كانت تدوم ل�ستة �أ�شهر فقط تط ّبق بكل �صرامة لل�سماح ملكامن املحار ب�إعادة التولُّد من جديد ،لكنها كانت تتزامن �أي�ض ًا مع �أ�شد ال�شهور حرارة يف ال�سنة. يف عام ،1932و�صل عدد القوارب الآتية من ّ مجلة تفكر.
آخر أيام اللؤلؤ
يف عام ،1863عندما التقى الكاتب الربيطاين ويليام باجلريف مع �أول �شيوخ قطر ،حممد بن ثاين� ،أخربه الأمري قائالً« :نحن جميع ًا ،من الأعلى منزلة حتى الأدنى منزلة ،يف خدمة �س ِّيد واحد -هو الل�ؤل�ؤ» .لكن أبريل 2012
الل�ؤل�ؤ خَ ذَ ل �شعبه بحلول العقد الرابع من القرن الع�شرين ،مما ا�ضطر �آالف القطريني والبحرينيني �إىل املغادرة والعثور على عمل مع �شركات النفط التي ت�أ�س�ست يف �أبو ظبي ،وال�سعودية ،والكويت. �إال �أن املناف�سني من �أ�صحاب املنتجات الأقل ثمن ًا وتوجهات االقت�صاد العاملي لي�ست وحدها هي ما ق ّو�ض التجارة الأكرث �أهمية بالن�سبة ل�ساحل اخلليج؛ فالأمر احلا�سم هنا كان ال�شكوك التي �أثريت حول مدى �أ�صالة ُمنتجها النفي�س .وي�شري را�شد بن علي ،الذي كان �أبوه وج ُّده غوا�صني ومن �أ�صحاب القوارب� ،إىل ر�سالة َ �أر�سلها يف عام 1933املبعوث الربيطاين �إىل البحرين �إىل نظريه يف ال�شارقة (وهي الآن �إحدى الإمارات العربية املتحدة) ي�شرح فيها اكت�شاف تاجر هندي يقوم بخلط اللآلئ امل�ستزرعة ،والأرخ�ص ثمن ًا بكثري، باللآلئ الطبيعية .ويف هذا ال�سياق ،يقول بن علي: «كانت هذه بداية الفو�ضى»؛ حيث دعت ر�سالة �أخرى �إىل فر�ض قواعد �أكرث �صرامة على هذه التجارة ،لكنه مت يف النهاية ثبت �أن تطبيقها من ال�صعوبة بحيث َّ التخلِّي عن املحاوالت الرامية �إىل �ضمان جودة الل�ؤل�ؤ والت�صديق ر�سمي ًا على �أ�صالته .ويقول بن علي« :لرمبا كان احلَ ظر الذي فر�ضته الهند على ا�سترياد لآلئ اخلليج ،التي تعر�ضت على نحو متزايد للت�شكيك يف �أ�صالتها وجودتها ،مبثابة ال�ضربة القا�صمة لهذه ال�صناعة». وبعد اللآلئ ،مل يتبق �سوى ال�سمك .ويف هذا ال�سياق ،يقول بن علي« :لو مل ُي�ستجب ل�صلوات �أهل املنطقة باكت�شاف النفط والغاز الطبيعي ،ل�صار اخلليج مكان ًا خمتلف ًا للغاية؛ لقد كنا يف طريقنا رت�ض �أحيان ًا ،ف�إن للهالك» .وعلى العك�س مما ُيف َ التو�سع يف ا�ستك�شاف النفط والغاز الطبيعي بعد ُّ احلرب العاملية الثانية مل يحلّ حمل املورد الطبيعي الكبري ال�سابق ملنطقة اخلليج �أو ُي ِ ف�ضي �إىل الق�ضاء عليه؛ فمكامن الل�ؤل�ؤ توجد باملياه ال�ضحلة ،بعيد ًا متام ًا عن حقول الغاز البحرية التي توجد عند �أعماق �أكرب بكثري ،وال تزال تلك املكامن �سليمة حتى يومنا هذا -جاهزة لأن يتم ا�ستغاللها مرة �أخرى؛ ولكن بالنظر �إىل تدنيّ �سعر اللآلئ امل�ستزرعة ،وما تنطوي عليه عملية الغط�س ال�صطياد الل�ؤل�ؤ من خطورة كبرية ُرجح �أن تعود هذه املهنة للظهور للغاية ،فمن غري امل َّ على الإطالق. �ستظل هذه ال�صناعة جز ًءا من تاريخ املنطقة وتراثها ،لأنه وبرغم ا�ضطرار كربيات العائالت العاملة يف جمال ا�ستخراج الل�ؤل�ؤ �إىل التك ُّيف �سريع ًا� ،إال �أنهم مل ين�سوا ما�ضيهم .ومن جانبه ،ي�سافر را�شد بن علي مع الغوا�صني الذين يقومون با�ستخراج الل�ؤل�ؤ حول العامل لتقدمي العرو�ض ،كما عر�ض �أبحاثه يف مهرجان قطر البحري .ومن بني الأعمال التجارية اخلا�صة ب�آل الع�سريي ثمة م�شروع له عالقة بالكهرباء -وهو �أمر مالئم ،بالنظر �إىل حقيقة �أنهم كانوا �أول من ا�ستخدم املحركات على �آخر قوارب �صيد الل�ؤل�ؤ اململوكة لهم .ويف هذا ال�سياق ،يقول �أحمد بن خليفة الع�سريي« :عندما بد�أنا نتعلم يف املدر�سة ،كنا نعتقد �أننا اجليل املثقف، ُتمثلة يف لكن مع تقدمنا يف العمر �أدركنا � َّأن الرثوة امل ِّ خربة اجليل الأكرب �سن ًا منّا كانت �أكرث قيمة» .نحن مل نعد يف خدمة الل�ؤل�ؤ ،بل �صرنا ورثة لهl .
21
البيئة
tnempoleveD sv tnemnorivnE
و
التنمية
مدينة الدوحة بمنظور جديد
sag dna lio
على الأقدام من البيت �إىل املكتب وللت� ّسوق .كما يخطّ ط لتربيد املقاعد يف ال�ساحة بالطاقة ال�شم�سية، يف حني �سيغطي خط الرتام امل�سافات الأبعد. قد يبدو كل ذلك ر�ؤية م�ستقبلية ،لكن الفكر املتمثل يف حماولة جعل م�شريب «�أول م�شروع يف العامل لتجديد و�سط املدينة بطرق م�ستدامة» ا�ستخل�ص من ما�ضي مدينة الدوحة نف�سها .وعن ذلك يقول ال�سيد عي�سى املهندي ،الرئي�س التنفيذي ل�شركة م�شريب العقارية، �أن الأماكن التي كان النا�س يعي�شون ويعملون فيها يف قطر كانت «مبانٍ �صديقة للبيئة افرتا�ضي ًا؛ فقد كانت املواد امل�ستخدمة طبيعية ،وجملوبة من املنطقة ،ومل تكن ت�ؤثر على البيئة .ول ّأن املوارد كانت �شحيحة ،ف�إذا رغبت يف منزل جديد ،كان عليك هدم القدمي و�إعادة تدوير املواد امل�ستخدمة يف بنائه». كانت املباين ُت�ش ّيد على وجه التحديد لتخفيف احلرارة ال�شديدة من خالل اال�ستفادة من الرياح ال�شمالية الغربية الباردة ،مع نوافذ تتجه بعيد ًا عن �أ�شعة ال�شم�س املبا�شرة وجدران «امللقف» التي توفّر ثقوبها تهوية طبيعية .كانت املنازل قريبة من بع�ضها البع�ض ،وكانت «ال�سكك» �أو الأزقة بينها منظمة بحيث تكون مظلّلة يف معظم الأوقات. يقول املهندي �أن كل هذه اخل�صائ�ص ز ّودت قطر «بهوية ،من حيث البيئة العمرانية ،بد�أنا نفقدها بعد اكت�شاف النفط والغاز .لقد بد�أنا نقلّد �أمناط ًا جديد ًة ال تنتمي �إىل املنطقة ».وكانت الدوحة ،كما يقول ،يف خطر �أن ت�صبح «جمرد مثال �آخر لإحدى املدن الغربية».
على اليمين واألعلى :رؤية فنية لمشيرب التي ستستخدم األساليب التقليدية لمراعاة مناخ الدوحة.
مدينة الدوحة بمنظور جديد
بنية معمارية جديدة
المهندس سعد المهندي
كيف يمزج مشروع مشيرب في قلب الدوحة بين تقنيات البناء الحديثة وبين الطرق التقليدية للحفاظ على البيئة ،من أجل خلق لغة معمارية جديدة
في
مير �شارع م�شريب. و�سط الدوحةّ ، ويعني اال�سم «مكان املياه العذبة»، ويقطعه الآن موقع م�ساحته 31 هكتار ًا يجاور مقر احلكومة� ،أي الديوان الأمريي .ويحتوي املكان على العديد من املباين التاريخية الهامة ،مثل دار حممد بن جا�سم ،الذي كان يف املا�ضي منز ًال البن م�ؤ�س�س قطر احلديثة. قبل االنتقال �إىل الألفية اجلديدة ،كان البئر الذي اجتذب القطريني �إىل املنطقة قدمي ًا قد اختفى منذ
lعيسى المهندي ،الرئيس التنفيذي لشركة مشيرب العقارية ،هو مؤسس ورئيس مجلس قطر لألبنية الخضراء.
msheireb.com
بقلم شولتو بيرنز
زمن بعيد ،ومل يكن هناك �سوى القليل من الأمور املك�سرة اجليدة التي ميكن �أن ُتقال عن املخازن ّ املتهدمة التي حلّت حملّه؛ فقد والعمارات ال�سكنية ّ �صارت املنطقة «يف حالة تدهور» ،كما يقول املهند�س �سعد املهندي -نائب الرئي�س للم�شاريع الرئي�سية واملرافق مب�ؤ�س�سة قطر ،م�ضيف ًا« :كانت امل�ساحات مرتهلة ،ومل تكن الظروف م�ؤاتية �صغرية ،واملباين ّ ّ مجلة تفكر.
lتعمل واحة العلوم والتكنولوجيا في قطر بالتعاون مع شركة مشيرب إلنتاج تكنولوجيا الطاقة الشمسية األمثل للتنمية.
qstp.org.qa
lتقوم كلية الدراسات اإلسالمية في قطر بتعزيز البحوث في مجال التخطيط الحضري والعمارة اإلسالمية.
qfis.edu.qa
أبريل 2012
للعمل �أو املعي�شة» .ولذا ف�إن فكرة جتديد املنطقة نبعت لحة يف البداية ،ل ّأن هذه املنطقة تقع يف «عن �ضرورة ُم ّ قلب املدينة .وكنا بحاجة �إىل �إعادة �إحيائها». بحلول عام ، 2016لن تكون م�شريب جمرد م�شروع ومره �إىل املا�ضي. �أو كلمة ت�ستجلب حنين ًا م�شوب ًا بحلوه ّ �سيكون حي ًا جديد ًا متام ًا قد مت �إن�شا�ؤه ،يحتوي على 900منزل ،وعلى متاحف ،وم�ساجد ،وحمالت جتارية، و�أربعة فنادق (مبا يف ذلك فرع فندق ماندارين �أورينتال) ،ومتنزهات و�ساحات عامة -وكلها حا�صلة على املعيار الذهبي للريادة يف الطاقة والت�صميم البيئي ( ،)LEEDكما يتم ت�صنيفه من قبل املجل�س الأمريكي للمباين ال�صديقة للبيئة .ويف هذا ال�سياق، �أ�ضاف املهندي «هذا هو احلد الأدنى». �سوف تكون هذه املنطقة خالية تقريب ًا من �أية حركة متر حتت املوقع مرورية� ،إذ � ّأن �شبكة الأنفاق التي ّ �ست�سمح ملختلف اخلدمات بدء ًا من عربات الت�سليم ال�صغرية وحتى �شاحنات جمع القمامة بالبقاء بعيد ًا عن الأنظار .و�سيتم ت�شجيع النا�س على التنقل �سري ًا
تناغمت الرغبة يف خلق بنية معمارية جديدة مالئمة للبالد ب�سهولة مع هدف حماية البيئة .وقد ا�ستفاد م�شروع م�شريب من فكرة اعتماد الرتاث ك�أ�سلوب للتخطيط احل�ضري لكونه يت�سم باال�ستدامة طبيعي ًا ،مع حماولة تطويره لكي ي�ستخدم يف القرن احلادي والع�شرين .ويف هذا ال�سياق ،يقول املهند�س املهندي - نائب رئي�س م�ؤ�س�سة قطر للم�شاريع الرئي�سية واملرافق: «تت�سم عمارتنا العربية والإ�سالمية بجمالها ،لكنها توقفت عند زمن معني ،واكتفى النا�س بن�سخها على مدى قرون .ولذلك �أجرينا بحوث ًا على العمارة التي كانت موجودة من قبل ،وقلنا :تخ ّيل لو تط ّور هذا بطريقة طبيعية ،كيف كانت بنيتنا املعمارية �ستكون اليوم؟» النتيجة تتخذ �شكل منطقة مدجمة متعددة اال�ستخدامات تتك ّون من �أكرث من 100مبنى منخف�ض االرتفاع يف الغالب ،مع �إ�شارات لأ�صول املنطقة وتاريخها � -إذ �س ُتقام نافورة متثّل البئر الأ�صلي - وي�ؤكد املهند�س املهندي �أنه من املتوقع �أن تولّد دخ ً ال يعادل تكلفتها البالغة 5.5مليارات دوالر .ويقول« :ال نريد للحكومة �أن تدعم هذا امل�شروع الذي يجب يف النهاية �أن يكون م�ستدام ًا مالي ًا .ال بد �أن ينجح امل�شروع». و�سوف ت�ضاف خا�صية من خ�صائ�ص احلداثة تختلف متاما عما متثلها الأبراج امل�صنوعة من الزجاج والفوالذ يف منطقة اخلليج الغربي يف الدوحة .ويف هذا ال�سياق ،يقول املهند�س املهندي« :نحن نعلم �أنه �ستكون هناك �أ�صوات معار�ضة للم�شروع ،لكننا على ا�ستعداد النتهاز هذه الفر�صة و�إطالق هذا النقا�ش»l .
23
البيئة
و
التنمية
األمن المائي
نحتاج �إىل التفكري يف املاء بطرق جديدة .ميكننا القول بب�ساطة � ّأن الب�شر ال يدركون القيمة احلقيقية للمياه ،وقد بلغنا يف عالقتنا باملوارد الطبيعية الهائلة -ولكن املحدودة - مرحلة ال ميكننا فيها حت ّمل مغ ّبة �أن نبقى جاهلني بالو�ضع .لقد �أ ّثر ا�ستهالكنا املفرط و�سوء �إدارتنا للماء بالفعل وعلى نحو خطري للغاية على بيئاتنا املائية ،وما تقدمه لنا من خدمات �أ�سا�سية.
التكلفة الخفية للمياه ّ
نحن
بأن التجارة التي تبقي إنه موردنا األثمن ،لكن معظمنا ال علم له ّ قدرا ً كبيرا ً من المياه على كوكبنا آمناً تعتمد على خمس دول فقط ال غير .سنكون واهمين إذا ظننّ ا أنّ ه بإمكاننا االستمرار في التعامل مع المياه على أنّ ها من المسلّ مات
ّ مجلة تفكر.
بقلم توني آالن
نعاين من افتقار هائل �إىل الوعي؛ فمعظمنا لي�ست لديه �أدنى فكرة عن تلك الكميات ال�ضخمة من املياه التي يتم ا�ستهالكها يف حياتنا اليومية .مل يكن هذا اجلهل ذا �أهمية يف بداية القرن الع�شرين ،عندما كان عدد �سكان العامل مليار ن�سمة فقط� ،إذ كانت ن�سبة عدد ال�سكان �إىل كمية املياه هائلة لدرجة بدت معها خمزونات املياه كما لو كانت غري حمدودة ،لكن الواقع مغاير متام ًا� .أما اليوم ،يف بداية القرن احلادي والع�شرين ،ومع و�صول عدد �سكان العامل �إىل �سبعة مليارات ن�سمة ،ف�إن ندرة املياه مل تعد جمرد احتمالية ،بل �صارت حقيقة واقعة بالن�سبة للكثريين. ت�سمح لنا مخُ ِّيلتنا بفهم ذلك يف الأماكن النائية؛ حيث ميكننا ت�ص ُّور ال�صحراء القاحلة ،والرتبة املت�شقِّ قة بفعل اجلفاف ،و�إمدادات املياه امللوثة وامل�ؤذية التي تُظهرها املقاطع الإخبارية ونداءات املنظمات اخلريية. وبالتايل تنتمي ندرة املياه �إىل عامل املجاعات، والكولريا ،والرحالت التي متتد خلم�س �ساعات �إىل �أقل بئر موثوق للمياه امل�أمونة� .أما يف الدول ال�صناعية التي يتوفر بها املاء ب�شكل دائم مبجرد �إدارة مقب�ض ال�صنبور �أو فتح زجاجة من املياه املعب�أة ،فال ميكننا جمرد ت�ص ُّور غيابه .وتُعد الظروف املائية واالقت�صادية ّ التي جتعل هذا �أمر ًا ممكن التحقيق مبثابة يد خفية تعمل خارج نطاق م�شاغلنا اليومية ،لكن هذه اليد �آخذة يف التداعي. �إن العديد من التهديدات اخلطرية التي نواجهها يف القرن احلادي والع�شرين هي نتائج غري متوقعة للتدخالت التي قمنا بها ،بكل ثقة وتفا�ؤل ،خالل أبريل 2012
الن�صف الأخري من القرن الع�شرين .لقد متكّنا من حل م�شاكل االنتقال ،وال�صناعة، وجودة احلياة ،وال�سالم واالزدهار ،لكننا مل منتلك من الب�صرية ما ي�سمح لنا ب�إدراك �أن هذا �سيت�س َّبب يف حدوث ظاهرة االحرتار العاملي؛ فلم يكن ب�إمكان �أحد �أن ُيثبت وقوع هذه املح�صلة منذ البداية ،باالعتماد على �أدلة بديهية. وباملثل ،ف�إن �إدارة املياه -خا�صة الكميات الكبرية الري -قد �س ّببت م�شكلة من املياه امل�ستخدمة يف ّ انخفا�ض التدفقات املائية لنقوم مبعاجلتها ،وبيئات �سامة ذات احتمالية منخف�ضة على �إنتاج الغذاء .مل يكن بالإمكان توقُّع هذه النتائج بدقة ،لكنه يتوجب علينا الآن التعامل مع هذه التبعات غري املعلومة يف �أثناء حت ُّولها �إىل حقائق واقعة. ُيذهِ لك الب�شر بقدرتهم على حتويل امل�شاكل �إىل عرف باحللول ملتطلباتنا من حلول جديدة ،لكن ما ُي َ الطاقة ،والنقل ،والطعام وال�سلع ،واملياه -بطبيعة احلال� -أ�صبحت بدورها متثل م�شكالت �أكرب من م�ستويات الندرة التي كانت ُمدركة يف البداية .ويف الوقت نف�سه ،يحفل ال�سجل بنجاحات العلوم والتكنولوجيا يف حل هذه امل�شكالت التي ميكن و�صفها ب�أنها خمتلطة. خمس حقائق عن المياه
هناك خم�سة �أمور ال يعرفها املجتمع ومعظم الطبقات ال�سيا�سية يف العامل عن املياه� :أو ًال ،هم ال يدركون �أن 90 يف املائة من كمية املياه التي ي�ستهلكها فرد ما �أو مت�ضمنة بالفعل اقت�صاد بعينه يف كل يوم �أو كل �سنة ّ داخل ما ي�ستهلكه من طعام. ثاني ًا ،لي�ست لديهم �أدنى فكرة عن �أن معظم هذه
25
البيئة
و
التنمية
األمن المائي
المتوقع في عام 2025 ّ شح المياه ّ شح منخفض أو معدوم للمياه ّ
موارد مائية وفيرة مقارنة باالستهالك ،استخدام أقل من ٪25
من مياه األنهار لألغراض البشرية.
مادي للمياه ّ شح ّ االستهالك يقترب أو يتجاوز حدود االستدامة واستهالك أكثر من ٪75من مياه األنهار .وتعني مقارنة وفرة المياه بالطلب عليها أن المناطق الجافة ال تعاني بالضرورة من شح المياه.
شح المياه االقتصادي ّ موارد المياه وفيرة مقارنة باالستهالك ،واستخدام أقل من لكن النقص موجود ّ ٪25من مياه األنهار لألغراض البشرية. لعدم القدرة على الوصول إليها بسبب دور البشر ،أو المؤسسات أو رأس المال. مقدرة ّ غير تشير إلى الدول التي سوف تستورد أكثر من ٪10من استهالكها للحبوب في 2025
يتطلب الغذاء الذي يتّ سم بكثافة لحوم األبقار
%90 %30
مكعبة من المياه يومياً ،وهو ضعف المقدار ّ أمتار الذي يحتاج إليه الغذاء الخالي من لحم البقر.
%50 -40
%30
أخرى من الطعام الذي يشترونه.
خمسة
من استخدام الماء يأتي من استهالك الطعام.
من الغذاء يُ فقد في الطريق بين المزرعة والسوق.
7مليار ()2011
9.1مليار ()2050
يجب أن يزداد اإلنتاج العالمي للغذاء بنسبة
بحلول العام 2050للتواكب مع زيادة عدد سكان العالم.
المصدر :األمم المتحدة
2.5مليار ()1950
عدد سكان العالم لعامي 1950و 2011 والتوقعات لعام 2050 ّ
26 يلقي المستهلكون في الدول الغنية نسبة
مصدر الخريطة :المعهد الدولي إلدارة المياه
املياه -التي ي�ستخدمها ويديرها املزارعون لتلبية احتياجات املجتمع من الطعام -لي�ست هي ما يقوم الري ب�ضخّ ه وحتويل جمراه؛ بل �إنّه املاء امل�س�ؤولون عن ّ املتجمع يف املنطقة اجلوفية التي حت�صل على خمزونها ِّ من مياه الأمطار املت�ساقطة حملي ًا .هذه املياه بالتحديد التي تعلَّم املزارعون ا�ستغالل خمزونها للمرة الأوىل يف ال�شرق الأو�سط منذ نحو � 13ألف �سنة .كما ال يدرك النا�س �أي�ض ًا �أن معظم الفائ�ض العاملي من خمزون املياه املتجمعة يف املناطق الأر�ضية اجلوفية ال يتواجد �سوى يف ّ خم�س دول فقط هي :الواليات املتحدة ،وكندا، و�أ�سرتاليا ،والربازيل ،والأرجنتني� .أما التفاوت يف االعتماد اال�سرتاتيجي للأمن املائي على عدد قليل من االقت�صادات التي حباها اهلل برثوات مائية كبرية ،عن
طريق جتارة ال�سلع الغذائية ،في ّت�سم بكونه �أكرث تطرف ًا حتى من ذلك االعتماد اال�سرتاتيجي لأمن الطاقة على امل�صدرين جمموعة �أكرب من �سابقتها بكثري من ّ الرئي�سيني للنفط ،والغاز الطبيعي ،والفحم. ثالثا ،مل ي�ستوعب النا�س � ّأن املزارعني يحققون الأمن املائي القت�صادات العامل من خالل زيادة �إنتاجية �أرا�ضيهم؛ حيث يح�صل املزارعون الذين يقومون بزراعة الأرا�ضي املروية مبياه الأمطار يف الدول ال�صناعية على ع�شرة �أ�ضعاف حم�صول القمح وحما�صيل الغالل الأخرى من الهكتار الواحد -وبالتايل لكل مرت مكعب واحد من املياه -مقارن ًة مبا كانوا يح�صلون عليه يف العام .1800ولو مل ينجح املزارعون، بكل العلوم والتقنيات امل�ساندة لهم ،يف حتقيق هذه
املعجزة الإنتاجية ،لكانت املعركة الفا�صلة التي توقّعها مالتو�س منذ مئتي �سنة بخ�صو�ص املوارد الطبيعية قد وقعت بالفعل. رابع ًاّ � ،إن املجتمعات ومن يديرون لعبتها ال�سيا�سية التخ�صي�صية يتعامون عن �سبب متتعهم بالأمن املائي الوا�ضح .وتُعد معظم اقت�صادات العامل� ،أي نحو 160 دولة من �أ�صل 210دولة يف العامل ،م�ستوردة للطعام ب�شكل كامل ،وحتقّق هذه االقت�صادات �شك ً ال من الأمن املائي عرب «ا�سترياد املياه» الكامنة يف الأطعمة( .لقد قمت ب�صياغة م�صطلح «املياه االفرتا�ضية» يف �أوائل الت�سعينيات من القرن الع�شرين للتعبري عن الدور الذي تلعبه جتارة ال�سلع الغذائية يف حتقيق الأمن املائي العاملي) .ت�ستورد �سنغافورة والعديد من اقت�صادات ّ مجلة تفكر.
أبريل 2012
اخلليج العربي جميع احتياجاتها من الطعام تقريب ًا، وتعتمد على هذا الطعام يف تلبية ما يقارب 90يف املائة من احتياجاتها املائية( .وعلى النقي�ض من ذلك ،هناك اقت�صادات مثل �سوريا التي ال تعتمد على واردات ال�سلع الغذائية �إال يف �سنوات اجلفاف). يتم تبادل نحو 15يف املائة من الطعام املنتج حول العامل دولي ًا ،وهو م�ستوى �أثبت كفايته يف احلفاظ على الأمن املائي للعامل .وجترتح هذه التجارة ال�شديدة الفاعلية ثالث معجزات� :أو ًال� ،أنّها ت�ضمن الأمن الغذائي العاملي؛ وثاني ًا� ،أنّها حتقق �شك ً ال ما من الأمن املائي العاملي؛ وثالث ًا� ،أنّها -وعلى مدى ن�صف القرن املا�ضي -حقّقت هذين الأمرين بن�صف التكلفة .وت�أتي هذه املعجزة الأخرية كنتيجة للإعانات احلكومية التي
27
البيئة
و
التنمية
البيئة و التنمية مستقبل نووي؟
األمن المائي
28
يح�صل عليها قطاع �إنتاج وجتارة ال�سلع الغذائية من االحتاد الأوروبي والواليات املتحدة اللذين حددا مدى توفر �سلع غذائية رئي�سية رخي�صة يف ال�سوق العاملية. لكن هذه التجارة تت�سم بكونها خفية ،وغري مرئية اقت�صادي ًا ،و�صامتة �سيا�سي ًا -وهي توليفة يحتمل �أن تكون خطرية. وتتمثّل الق�ضية اخلام�سة التي ال يعرف بها ،وال يرغب يف مواجهتها ،م�ستهلكو الطعام والقادة ال�سيا�سيون يف �سلة من التف�ضيالت واملمار�سات التي ميكن تلخي�صها يف فكرة التكثيف امل�ستدام للإنتاج؛ فمن �أجل �إطعام امليليارين الإ�ضافيني من الب�شر الذين �سيكونون معنا بحلول العام � ،2050سنحتاج �إىل م�ساعدة املزارعني على زيادة �إنتاج الطعام بنحو 40 �إىل 50يف املائة .وقد مت تقدير ذلك الأمر على �أنه ممكن التحقيق ،لكنه يجب بلوغ هذه الإنتاجية الإ�ضافية للمياه بوا�سطة مزارعني حمفّزين ليكونوا مدراء ف�سيتوجب عليهم يف بع�ض املناطق �إعادة مياه جيدين: َّ الري �إىل الطبيعة مرة �أخرى؛ �أما يف مناطق �أخرى ،مثل البلدان الأفريقية الواقعة جنوبي ال�صحراء الكربى، فعليهم �أن يتبنوا ممار�سات جديدة و�ضخ ا�ستثمارات لزيادة �إنتاجية املياه يف املناطق اجلوفية .وبالإ�ضافة �إىل ذلك ،ف�سيتطلب حتقيق النتائج املرجوة م�ستثمرين م�س�ؤولني يقومون بحماية التنوع الإيكولوجي ،وي�شاركون يف تطوير الأ�سواق ،وو�سائل النقل ،وعنا�صر البنية التحتية امل�ؤ�س�سية واملادية الأخرى. تت�ضمن هذه ال�سلة اخلام�سة من العالجات بع�ض ّ العمليات اخلفية التي حتتاج �إىل اهتمام عاجل .تت�سم طرق تداولنا للغذاء بالإ�سراف ال�شديد؛ �إذ ُيفقد ما قيمته 30يف املائة خالل امل�سافة بني بوابة املزرعة وال�سوق يف معظم االقت�صادات النامية ،كما يقوم امل�ستهلكون املهملون يف اقت�صادات منظمة التعاون االقت�صادي والتنمية ( )OECDوبلدان اخلليج العربي ب�إلقاء 30يف املائة �أخرى مما ي�شرتونه من طعام يف القمامة .وقد �أ�صبح �سكان هذه الدول الغنية مهملني للغاية يف ا�ستهالكهم للطعام �أي�ض ًا؛ فالفرد الذي تبنّى نظاما غذائي ًا تغلب عليه حلوم الأبقار التي تغذَّ ت على احلبوب يحتاج �إىل ما يزيد عن خم�سة �أمتار مكعبة من املياه يومي ًا� ،أما من يتناول غذاء خاليا من حلم البقر فال يحتاج �إال �إىل ن�صف هذه الكمية .نحن نقوم ب�إهدار موارد طبيعية حيوية يف عامل يعاين من �شُ ّح يف �إمدادات املياه والطاقة ،وذلك لعدم �إدراكنا لقيمة هذه املوارد؛ �إذ ال توجد بالت�أكيد قواعد للمحا�سبة تعرب عن قيمة املاء يف �سل�سة الإمداد بالغذاء. تغيير نمط السلوكيات
تخويف النا�س لي�س طريقة فعالة لت�شجيعهم على تغيري �سلوكياتهم ،فنحن بحاجة �إىل التحفيز ولي�س التخويف. وعلى �أية حال ،تبقى م�شكلة كيفية �إبالغ النا�س بالأخبار ال�سيئة؛ لأنه ال يوجد يف جعبتي حالي ًا �سوى الأخبار ال�سيئة� .إن املياه االفرتا�ضية -مثلها مثل ال�سوق، والبيئة ،واملاكينات ال�شقبية -ال متتلك بو�صلة �أخالقية، حمدد �أو دولة ولي�س لديها �أي التزام جتاه �أي �شخ�ص ّ
فعالة تخويف الناس ليس طريقة ّ لتشجيعهم على تغيير سلوكياتهم ،فنحن بحاجة إلى التحفيز وليس التخويف بعينها .وقد �صرنا معتادين على فوائد املياه االفرتا�ضية؛ حيث �أنها حتقق الأمن املائي لالقت�صادات ال�صناعية الغنية� ،إىل جانب العديد من االقت�صادات الأخرى �أي�ض ًا ،وت�ساعد ك ً ال من الغني والفقري ،وتوفر املوارد املائية العاملية الثمينة -وهي نتائج �إيجابية للغاية. �أما على اجلانب ال�سلبي ،فتت�سم املياه االفرتا�ضية بكونها خف ّية؛ ومن هنا ف� ّإن الطبيعة غري الظاهرة للمياه االفرتا�ضية م�ؤ�شر �إىل �أن بع�ض الأ�س�س االقت�صادية والبيئية الكامنة غري بادية لنا ،برغم �أهميتها البالغة. وتُعد املعرفة بهذه اجلوانب �أمر ًا حيوي ًا ل�ضمان �إدارة املوارد املائية لعاملنا على نحو يت�سم باال�ستدامة .ولكن بالنظر �إىل �أننا ال ن�ستطيع ر�ؤية امل�شكلة ،فنحن نعتقد (ونحن خمطئون يف ذلك) �أنه ال توجد م�شكلة على الإطالق ،وهو ما يعني �أن جتارة املياه االفرتا�ضية التقدم الذي �ست�ؤدي يف نهاية املطاف �إىل �إبطاء معدل ّ ميكن �أن حتققه املجتمعات يف تعلّم كيفية تقدير قيمة املياه و�إدارتها على النحو ال�سليم. يجتمع ائتالف ف ّعال من علماء املياه ،والن�شطاء، وال�شركات التجارية العاملية البارزة -مثل يونيليفر، ون�ستله ،وكوك ،وبيب�سي ،ووول -مارت مع بع�ضهم البع�ض ب�صورة غري ر�سمية وب�شكل ع�شوائي .يحاول هذا احل�شد تو�صيل هذه امل�شكلة �إىل النا�س ،لكن الإغراء الذي متثله احللول ق�صرية الأمد كبري للغاية؛ �إذ ي�سمع ال�سيا�سيون عن هذه القوة االقت�صادية اخلفية التي تقوم بحل م�شاكل ندرة املياه دون عناء -وهذا هو كل ما يرغبون يف �سماعه .لكن الدول ال�صناعية �آخذة يف التعامل تدريجي ًا ،وعلى م�ض�ض ،مع اجلوانب الأ�سا�سية الكامنة التي تت�س ّبب يف ندرة املوارد وتلويث البيئة. ويكافح ال�سيا�سيون ببطء �ضد غرائزهم الفطرية، وباتوا يواجهون احلقائق املقلقة املتعلقة ب�إدارة املياه واحلفاظ عليها. املياه حمدودة الكمية ،ومن اخلط�أ افرتا�ض � ّأن املناخ والبيئة املائية ميكنهما تعوي�ض كل ما ن�أخذه منهما؛ فنحن ن�سحب قدر ًا �أكرب من الالزم منهما يف بع�ض الأماكن ،ونفرط يف تلويثهما يف مناطق �أخرى .ال يت�سم � ّأي من هذين امل�سلكني باال�ستدامة ،لكن جتارة املياه االفرتا�ضية تخدعنا عرب دفعنا لالعتقاد ب�أن كل �شيء ي�سري �إىل الأمام على نحو جيد ،و�أنه بو�سعنا اال�ستمرار يف تبنّي نف�س الأ�سلوب ،وهو �أمر ال ميكن �أن يحدثl .
لمحة عن الكاتب البروفيسور توني أالن هو رئيس مجموعة لندن ألبحاث المياه في كينغز كوليدج وكلية الدراسات الشرقية واألفريقية التابعة لجامعة لندن .وهو مستشار للعديد من الحكومات والوكاالت، منح جائزة ستوكهولم للمياه لعام 2008تقديراً لما قدمه من إسهامات في علوم وسياسات المياه .وتضم قائمة منشوراته «قضية المياه في الشرق األوسط: السياسات المائية واالقتصاد العالمي» و«المياه االفتراضية: مواجهة التهديد الذي يواجهه أثمن موارد كوكبنا». ّ مجلة تفكر.
في أعقاب كارثة فوكوشيما ،انقلبت العديد من الدول ضد الطاقة النووية .لكن حتى تتوقع الشركات المتخصصة في إنشاء المفاعالت أن تزدهر أعمالها. ّ في اليابان، ولذلك ،يتساءل أحد أبرز العلماء األمريكيين قائالً :
هل يـمكن للطاقـة النووية أن تنقذ العالم؟
في
احلادي ع�شر من مار�س ،2011ت�س َّب َب زلزال بقوة 9 درجات على مقيا�س ريخرت يف �إحداث موجة ت�سونامي دم َرت اجلزء ال�شمايل َّ ال�شرقي من اليابان ،وغمرت مفاعالت توليد الكهرباء املخ�ص�صة حلاالت الطوارئ يف حمطة فوكو�شيما دايت�شي ّ
أبريل 2012
بقلم تشارلز دي .فيرغسون
لتوليد الكهرباء با�ستخدام الطاقة النووية .وقد �أ َّدى هذا احلادث �إىل تع ّر�ض ثالثة من مفاعالت املحطة حلاالت ان�صهار و�إطالق كمية هائلة من التل ّوث الإ�شعاعي -مبا ال تقل قيمتها التقديرية عن ُع�شْ ر الكمية التي جنمت عن كارثة ت�شرينوبل يف العام .1986ومع �أن هذه احلادثة الأخرية قد هزَّ ت ثقة اجلمهور يف الطاقة النووية� ،إال �أن التحدي احلقيقي الذي يواجهه م�صدر الطاقة هذا ال ِّ
البيئة
و
التنمية
مستقبل نووي؟
المصنِّ عين اآلن بالفعل راهن بعض كبار ُ يُ ِ على مستقبل يغلب فيه استخدام الطاقة النووية ،وأن االنكماش الذي تال حادثة فوكوشيما لن يستمر سوى لفترة وجيزة اعتمدت اللجنة التنظيمية الأمريكية للطاقة النووية �شهادة ت�صميم مفاعلني نوويني جديدين من طراز و�ستنغهاو�س AP1000الذي ي�شتهر بخ�صائ�ص �أمان معزّ زة ،وبفرتة عمل طويلة ال تقل عن � 60سنة ،وبكفاءة �أكرب يف ا�ستخدام الوقود .لكن �أي ًا من هذه اخل�صائ�ص لن يوفر حمفّزات كافية لإعادة �إحياء هذه ال�صناعة ما مل تفر�ض احلكومة �ضريبة على انبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن ا�ستخدام الوقود الأحفوري �أو تقوم بتقدمي املزيد من الإعانات املالية ل�صناعة الطاقة النووية. و ُيعد املوقف يف �آ�سيا خمتلف ًا نوع ًا ما؛ فال�صني تقوم بت�شييد �أول مفاعل لها من طراز ،AP1000والذي �سيبد�أ العمل يف العام ،2013ويف حني �أن هذه الدولة ال متتلك الآن �سوى 14مفاع ً ال نووي ًا� ،إال �أن لديها خطط لرفع هذا العدد �إىل ما يقارب ال�ستني بحلول العام .2020ويف ظل حكم احلزب الواحد ،وهيمنة احلكومة على ال�شركات الكربى يف جمال توليد الكهرباء ،وامتالك ما يزيد عن ثالثة تريليونات دوالر �أمريكي من احتياطيات النقد الأجنبي ،تتوفر لدى بكني جميع العوامل ال�سيا�سية واملالية الالزمة لتبنّي برنامج طموح لتوليد الكهرباء با�ستخدام الطاقة النووية .لكن حتى هناك ،لن ت�سيطر الطاقة النووية على �سوق توليد الكهرباء؛ فخالل ال�سنوات الثمانية القادمة ،تهدف ال�صني �إىل زيادة كمية الكهرباء اجلديدة املُول ََّدة من الفحم ب�أربعة �أ�ضعاف.
30
يتعلق بت�أثريه البيئي املحتمل ،ولكن بجدواه االقت�صادية. وقبل خم�سة �أيام من وقوع هذه الكارثة الأخرية يف اليابان� ،أذهل جون رو ،الرئي�س التنفيذي ل�شركة �إك�سلون للطاقة ،جمهور ًا م�ؤيد ًا للأعمال التجارية ،وم�ؤيد ًا ب�شكل عام ال�ستخدام الطاقة النووية يف معهد �إنرتبرايز الأمريكي بوا�شنطن ،عندما قلّل من احتماالت االعتماد امل�ستقبلي على الطاقة النووية يف الواليات املتحدة .متتلك �شركة �إك�سلون العدد الأكرب من حمطات الطاقة النووية يف �أمريكا ،و ُيعرف رو عادة بالته ّور واالندفاع .وعلى �أية حال ،فوجهة نظره احلالية تتمثّل يف �أن «الغاز الطبيعي هو امللك»؛ فالإمدادات ال�ضخمة رخي�صة الثمن من غاز َ الطفل النفطي ،والتي توفرت حديث ًا عرب تقنية التك�سري الهيدروليكي ،بد�أت ت�شُ قّ طريقها يف الواليات املتحدة على ح�ساب حمطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم �أو الطاقة النووية. ال تزال �أمريكا متتلك عدد ًا من املفاعالت النووية يفوق ما متتلكه �أية دولة �أخرى؛ حيث يبلغ ما متتلكه منها 104مفاعالت .لكن على مدار العقود الثالثة املا�ضية، �أدت املخاطر التمويلية �إىل �إبطاء عمليات ت�شييد حمطات نووية جديدة .ويف �سوق الكهرباء املحلية ،حتظى مرافق الطاقة بر�سملة قليلة ن�سبي ًا ترتاوح بني ب�ضعة مليارات حتى ب�ضعة ع�شرات من مليارات الدوالرات على �أكرث تقدير .وبالنظر �إىل �أن حمطة كبرية لتوليد الكهرباء
أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في حين ّ ال تصدر عن محطات توليد الكهرباء بالطاقة النووية؛ إال أنّ ها تثير المخاوف حول الم ِش َّعة التي يتوجب تخزينها النفايات ُ لعشرات اآلالف من السنين
فرصة البقاء
لمحة عن الكاتب تشارلز فيرجسون هو رئيس اتحاد العلماء األمريكيين، وأستاذ منتدب بمركز دراسات السالم واألمن بجامعة جورجتاون .وقد نشرت له مطبعة جامعة أكسفورد في العام كتابا ً الماضي ()2011 بعنوان “الطاقة النووية :ما يحتاج الجميع إلى معرفته”.
بالطاقة النووية تتكلف ما يزيد عن ع�شرة مليارات دوالر؛ ف�إن �أية �شركة ُ�ستخاطر بجزء كبري من �أ�صولها لت�شييد حمطة واحدة منها فقط. وقد عر�ضت احلكومة الأمريكية ما قيمته 18.5مليار دوالر من �ضمانات القرو�ض الفدرالية ،وما ي�صل �إىل �ستة مليارات دوالر كائتمانات �ضريبية لأول � 6آالف ميجاواط من الكهرباء تولّدها املحطات اجلديدة ،بالإ�ضافة �إىل ت�أمني املخاطر التنظيمية .ويف نهاية العام املا�ضي،
fas.org
ّ مجلة تفكر.
أبريل 2012
يقودنا هذا �إىل اجلدل حول ما �إذا كانت الطاقة النووية �صديقة للبيئة؛ فاملحطات اجلديدة لتوليد الكهرباء با�ستخدام الفحم التي تعتزم ال�صني �إن�شا�ؤها �ستكون عالية الكفاءة ،لكن �ستنبعث منها كميات هائلة من ثاين �أك�سيد الكربون .ويف حني �أن انبعاثات ثاين �أك�سيد الكربون ال ت�صدر عن حمطات توليد الكهرباء بالطاقة النووية؛ �إال �أنها تثري املخاوف حول النفايات امل ُِ�ش َّعة التي يتوجب تخزينها لع�شرات الآالف من ال�سنني. ومن جانبه ،يعتقد العامل الربيطاين البارز جيم�س الفلوك� ،صاحب فر�ضية «جايا» التي تقول ب� ّأن الكوكب ب�أكمله عبارة عن نظام واحد معقّد يقوم بتنظيم نف�سه بنف�سهَّ � ،أن الطاقة النووية « �ستمنح احل�ضارة الب�شرية فر�صة للنجاة من الأوقات ال�صعبة التي �ستحلّ �سريع ًا». بينما ُيحذِّ ر كومي نايدوو -املدير التنفيذي ملنظمة جرينبي�س الدولية -على اجلانب الآخر ،من �أن الطاقة النووية «لن تكون �آمنة ُمطلق ًا» و «لن تكون رخي�صة على الإطالق».
يتم ويف ال�صني ،والهند ،وجميع بلدان العامل الناميّ ، �أحيانا توجيه هذا اجلدل نحو جانب واحد :فالرتكيز ين�صب بد ًال من ذلك على النمو الهائل يف الطلب على ُّ الكهرباء؛ حيث ال ميكن احلفاظ على احل�صة احلالية للوقود الأحفوري من ال�سوق العاملية لتوليد الكهرباء، والبالغ حجمها 67يف املائة ،نظر ًا ال�ستنفاد االحتياطيات ب�شكل مطَّ رِ د .لكن مفاع ً ال نووي ًا كبري ًا واحد ًا ،بقدرة �ألف ميغاواط ،ال يحتاج �إىل تو�صيله ب�شبكة الكهرباء �سوى مرة واحدة كل 16يوم ًا للإبقاء على ن�سبة الكهرباء املولّدة با�ستخدام الطاقة النووية ،والبالغة 14يف املائة .ومل يتحقق معدل بناء املحطات النووية احلايل منذ عقد االزدهار يف �إن�شاء املحطات النووية؛ وهو عقد الثمانينيات من القرن الع�شرين .وعلى املدى الأطول� ،ستتناف�س الطاقة النووية ب�صورة �أ�سا�سية مع امل�صادر املتجددة للطاقة ،مثل الرياح والطاقة ال�شم�سية؛ حيث هبط �سعر الكهرباء املولدة با�ستخدام الرياح ب�صورة كبرية خالل العقد املن�صرم ،مما جعلها تتناف�س بالفعل مع الكهرباء املولّدة با�ستخدام الفحم يف العديد من الأ�سواق .ومع �أن �أنظمة توليد الكهرباء باخلاليا ال�شم�سية تُعد باهظة الثمن يف الوقت احلايل� ،إال �أنه ُيتوقَّع �أن تنخف�ض �أ�سعارها لت�صبح تناف�سية يف غ�ضون ع�شر �سنوات .رمبا ال ُي َ نظر �إىل الطاقة النووية على �أنها «�صديقة للبيئة» بنف�س الدرجة ك�أنواع الطاقة املتجددة ،لكنها تتمتّع مبيزة توليد كهرباء ثابتة على نحو م�ستمر ،يف حني �أن توليد الكهرباء با�ستخدام ال�شم�س �أو الرياح يتطلب جوا م�شم�س ًا �أو عا�صف ًا على الدوام. ُيراهِ ن بع�ض كبار املُ�صنِّعني الآن بالفعل على م�ستقبل يغلب فيه ا�ستخدام الطاقة النووية ،و� ّأن االنكما�ش الذي تال حادثة فوكو�شيما لن ي�ستمر �سوى لفرتة وجيزة؛ حيث عقدت كوريا اجلنوبية م�ؤخر ًا �صفقة بقيمة 20مليار دوالر مع الإمارات العربية املتحدة بعد تقدميها لعر�ض ُمقنع يثبت قدرتها على ت�شييد �أربعة مفاعالت نووية �آمنة ُقرر �أن منخف�ضة التكلفة ن�سبي ًا خالل ع�شر �سنوات .ومن امل َّ تفوز ال�صناعة النووية لتلك الدولة مبا ال يقل عن 20يف املائة من قيمة �سوق الت�صدير العاملية للطاقة النووية بحلول عام .2030قد تكون اليابان قد �أغلقت جميع مفاعالتها النووية الأربعة واخلم�سني ،با�ستثناء �ستة مفاعالت فقط ،لكنها ت�سعى هي الأخرى -كما هو حال جارتها يف �شرق �آ�سيا � -إىل تعزيز �صادراتها النووية عرب اال�ستفادة من حتالفات �شركاتها مع ال�شركتني الأمريكيتني و�ستنغهاو�س وجرنال �إلكرتيك للطاقة النووية. تتوقع الدول الرئي�سية املُز ِّودة خلدمات الطاقة النووية �أن يرتكز الطلب امل�ستقبلي يف الدول النامية على املفاعالت املعيارية ال�صغرية التي تبلغ قدرتها ُع�شْ ر �إىل ثلث قدرة املفاعالت الكبرية .ويف الوقت املنا�سب ،و�إذا ما رغبت يف ذلك ،ميكن دمج عدد �إ�ضايف من املفاعالت ال�صغرية مع بع�ضها البع�ض �ضمن حمطة واحدة لتوليد للكهرباء .وهكذا ،ف�إن ت�شا�ؤم جون رو فيما يتعلق بحال هذه ال�صناعة يف �أمريكا قد ال ينطبق على �أماكن �أخرى. هل ميكن للطاقة النووية �أن تنقذ العامل؟ الإجابة باخت�صار هي «ال» -لأنه ال يوجد م�صدر واحد للطاقة ي�ستطيع مبفرده تلبية احتياجات كوكب الأر�ض ،لكن امل�ستقبل قد يغلب عليه ا�ستخدام الطاقة النووية بدرجة �أكرب بكثري مما ميكن �أن ي�شري �إليه الو�ضع بعد حادثة فوكو�شيماl .
31
ّ رأي تفكر. بقلم محمد البرادعي
ميثل
32
التوق لتحقيق الأمان خا�صية م�شرتكة بني جميع الب�شر .ولكن تعريف الأمن واال�سرتاتيجيات الالزمة لتحقيقه بالن�سبة للدول � -ش�أنها يف ذلك �ش�أن الأفراد -يختلف اختالفا كبريا� ،سواء متثّل امل�سعى يف ت�أمني الطعام ،وامل�شرب ،والرعاية ال�صحية� ،أو التحرر من العِ َوز � -أو غريها من حقوق الإن�سان الأ�سا�سية (مثل حرية التعبري ،وحرية والتحرر من اخلوف). العبادة، ّ بالن�سبة للدول ،قد يعني الأمن حتقيق الهيمنة االقت�صادية� ،أو الع�سكرية� ،أو الأيديولوجية� ،أو ا�ستعرا�ض ال�سلطة والنفوذ .ويف مناطق كثرية من العامل� ،أدت التوترات التي طال �أمدها �إىل �إعاقة ال�سبيل امل�ؤدي �إىل الأمان، ولذلك فالبد �أن يبد�أ ال�سعي لتحقيقه بحلّها �أوالً. وبرغم هذا النطاق الوا�سع، ف�سيكون من اخلط�أ �أن ننظر �إىل حاالت انعدام الأمن على م�ستوى العامل على �أنها منف�صلة عن بع�ضها البع�ض؛ فنحن نرى االرتباطات بينها مرارا وتكرارا :فكثريا ما يرتافق الفقر مع انتهاك حقوق الإن�سان وغياب احلكم الر�شيد، الأمر الذي يولّد بدوره الظلم، والغ�ضب ،والإذالل -وهي بيئة مثالية لتكاثر �أنواع متعددة من العنف :التطرف ،والنزاعات الأهلية ،واحلروب .ويف مناطق وبغ�ض ال�صراع الطويل الأمد، ّ النظر عن طبيعة النظام املوجود يف
لمـاذا ال تجعلنــا األسلحة النووية أمنــــا؟ أكثـــر ً
مع التركيز المبالغ فيه على منع المزيد من الدول من االنضمام إلى فإن فكرة تخلّ ي النادي النوويّ ، األعضاء الحاليين عن أسلحتهم تبدو للوهلة األولى ضرباً من الخيال .ولكن أن عولمة ،يبدو ّ ً في عالم يزداد التعاون الدولي -وليس تكديس أسلحة الدمار الشامل -هو ما يحمل مفتاح األمن في نهاية المطاف.
ال�سلطة ،تُدفع البلدان يف معظم الأحيان �إىل تقوية دفاعاتها �أو تعزيز مكانتها عن طريق ال�سعي المتالك الأ�سلحة النووية وغريها من �أ�سلحة الدمار ال�شامل .يكت�سب البقاء يف ال�سلطة �أهمية حمورية لكافة �أنظمة احلكم� ،سواء كانت دميقراطية �أو ا�ستبدادية. ويف ع�صر العوملة ،يت�ضح �أكرث من �أي وقت م�ضى �أن هذه املخاوف متثل تهديدات بال حدود؛ فال ميكننا تطمني �أنف�سنا بالقول ب�أن تهديد ًا �أمني ًا يقع يف الن�صف الآخر من العامل لن ي�ؤثر علينا� ،سواء اتخذ �شكل �شكل هجوم عرب �شبكة الإنرتنت� ،أو انهيار �أحد الأنظمة املالية� ،أو انت�شار وباء� ،أو �سرقة ملواد نووية .ال ميكن لأية دولة �أو منظمة منفردة �أن تواجه هذه التهديدات ب�شكل فعال؛ فهذه التهديدات ،وبحكم طبيعتها ،تتطلب ا�ستجابات تعاونية متعددة اجلن�سيات والأبعاد. ويف حالة الأ�سلحة النووية� ،إذا �أردنا تقليل املخاطر ومن ثم الق�ضاء عليها يف نهاية املطاف ،يجب �أن ُينظر �إىل تلك الأ�سلحة �ضمن هذا ال�سياق الوا�سع� .سيتوا�صل التهديد طاملا �أن املجتمع الدويل ال يزال حتد مكتفي ًا مبعاجلة �أعرا�ض كل ّ جديد يتعلق بانت�شار الأ�سلحة النووية :عن طريق �شن احلرب �ضد �أحد البلدان ،و�إبرام �صفقة مع بلد �آخر ،وفر�ض العقوبات على بلد ثالث� ،أو ال�سعي لتغيري نظام احلكم يف بلد �آخر .وطاملا �أن الأ�سلحة النووية ال تزال ت�شكل ا�سرتاتيجية �أمنية لعدد حمدود من الدول التي متتلكها ،فمع الرتتيبات املظلية التي تو�سع هذا الأمن و�صوال �إىل دائرة ّ ثانوية من البلدان «احلليفة»؛ وطاملا توا�صل التخلي عن الآخرين، ّ مجلة تفكر.
ف�سيالزمنا خطر انت�شار الأ�سلحة النووية .ومع ظهور اجلماعات املتطرفة املحنّكة التي ال يعنيها ً التهديد باالنتقام� ،صار الردع النووي ال يعدو كونه ا�سرتاتيجية �أمنية م�ؤقتة� ،إن مل تكن وهمية؛ فالأمن كُلّ ال يتجز�أ. ويعني هذا يف الأ�سا�س � ّأن املجتمع الدويل بحاجة �إىل تطوير نظام بديل للأمن اجلماعي ،وهو نظام ال ُينظر �إليه باعتباره لعبة حم�صلتها �صفرية بالن�سبة لبلد بعينه �أو ملجموعة من البلدان ،ولكن بو�صفه حتمية عاملية متجذّ رة يف مفهوم الأمن والت�ضامن الب�شري مبفهومه الوا�سع .بيد �أن هذا التح ّول يف التفكري لي�س جمرد واجب معنوي �أو �أخالقي ،بل �إنه ميثل �أي�ض ًا �ضرورة عملية :فمع تزايد عدد �سكان كوكبنا وتناق�ص موارده� ،سيعتمد بقاء الب�شرية على مدى فعالية تدبرينا العتمادنا على بع�ضنا البع�ض. إن منظومة بديلة للأمن اجلماعي يجب �أن تكون ُمن�صفة و�شاملة يف كافة جوانبها .علينا �أن ن�ضع ا�سرتاتيجيات لتقا�سم ثروات هذا الكوكب ب�صورة �أكرث عدالً ،مع االعرتاف ب� ّأن الفقر� ،أي�ض ًا ،هو واحد من �أ�سلحة الدمار ال�شامل. متعمد يف علينا �أن ن�ستثمر ب�شكل ّ جمال العلوم والتكنولوجيا املتقدمة لتلبية االحتياجات التنموية ،بد ًال من �صنع املنتجات التي تولّد مزيد ًا من الرثوة للأغنياءّ � .إن اال�ستثمارات احلالية يف قطاع يحركها �سوى الربح التكنولوجيا ال ّ يف �أغلبيتها ال�ساحقة؛ ولذلك ينبغي الرتكيز �أكرث على االكت�شاف العلمي واالبتكار التكنولوجي ملعاجلة م�شكالت اجلوع واملر�ض .وعندما نبد�أ يف تخفيف وط�أة الفقر ،عندها أبريل 2012
يتعيّ ن على مجلس األمن ...أن يقلّ ل من تركيزه على التدابير القسرية التالية لوقوع األحداث، التي يقع ضحيتها دائماً المدنيون المعرضون للخطر فقط �سنتمكن من توليد الزخم الالزم يف املناطق املت�ضررة للحوكمة الفعالة .عندما تتم تلبية االحتياجات الإن�سانية الأ�سا�سية، تكون البيئة م�ؤاتية كي يح ّول املواطنون تركيزهم �إىل ال�سعي للح�صول على حقوقهم ال�سيا�سية، واملدنية ،واالجتماعية. يجب �أن يرتكز النموذج الأمني املتعدد اجلن�سيات على م�ؤ�س�سات قوية� ،سريعة اال�ستجابة ،ومتعددة اجلن�سيات .وعلى اجلانب الإيجابي ،فقد ك�شفت الأزمات والتحديات املتعلقة بحظر االنت�شار النووي ،والتي تعاملت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ()IAEA معها يف ال�سنوات الأخرية ،عن كافة عيوب م�ؤ�س�ساتنا املتعددة اجلن�سيات احلالية وعن كيفية �إ�صالحها .يجب على جمل�س الأمن التابع للأمم املتحدة ،وهو الهيئة الدولية املكلفة بحفظ ال�سالم يف العامل� ،أن ُيعيد توجيه اهتمامه �إىل
الأ�سباب اجلذرية لل�صراع ،ولي�س �إىل �أعرا�ض انعدام الأمن فح�سب. ويعني هذا الرتكيز ب�صورة �أكرب بكثري على حفظ ال�سالم و�صنع ال�سالم؛ وعلى االكت�شاف املبكر للنزاعات واحليلولة دون وقوعها؛ وعلى الو�ساطة وامل�صاحلة الف ّعالة وال�سريعة؛ وعلى اال�ضطالع مب�س�ؤولية ح�سم ال�صراعات .ويف املقابل ،يتعينّ على جمل�س الأمن -الذي تهيمن عليه حاليا واحدة �أو عدد قليل من الدول اخلم�س الدائمة الع�ضوية � -أن يقلّل من تركيزه على التدابري الق�سرية التالية لوقوع الأحداث التي يقع �ضحيتها دائما املدنيون املعر�ضون للخطر ،كما حدث يف العراق قبل حرب اخلليج الثانية .و�أخري ًا، يحتاج املجل�س �أي�ضا �إىل �إعادة بناء الثقة املبنية على التوافق والإن�صاف ،والق�ضاء على ازدواجية املعايري املرتبطة باجلغرافيا ال�سيا�سية �أو بالن�سبية الأخالقية.
وعلى الجبهة النووية خ�صو�ص ًا، ف� ّإن امل�ؤ�س�سات املتعددة اجلن�سيات التي تعمل على منع ،واكت�شاف، ومكافحة االنت�شار النووي حتتاج �إىل تعزيز .ويف هذا ال�سياق ،ف�إن وكالة الطاقة الذرية ،بو�صفها الراعي الفعلي ملعاهدة منع انت�شار الأ�سلحة النووية ( ،)NPTميكنها �أن تكون �أكرث فعالية يف التحقّق من الربامج النووية يف جميع �أنحاء العامل -مبا يف ذلك اكت�شاف الأن�شطة النووية ال�سرية � -إذا مت منحها ما يلزم من ال�سلطة، والتكنولوجيا ،والتمويل ،وكذلك املعلومات اال�ستخباراتية وغريها من املعلومات املتاحة ،حيثما اقت�ضت الظروف .ينبغي جلميع الدول �أن تعيد ت�أكيد التزامها بتبادل املعلومات ذات ال�صلة مع وكالة الطاقة الذرية حول املخاوف املحتملة لالنت�شار النووي ،وذلك با�ستمرار وب�سرعة .وميثل هذا التزام ًا قانوني ًا مبوجب معاهدة حظر االنت�شار النووي .وال ميكن مواجهة اخلداع من جانب اجلهات ال�ساعية المتالك ال�سالح النووي بفعالية �إذا كانت البلدان املالكة للمعلومات اال�ستخباراتية تقوم بعمليات جتاوز �أو دعم انتقائية، وفقا لأهوائها ال�سيا�سية ،للجهات املتعددة اجلن�سيات غري امللتزمة بعدم االنت�شار النووي .وبالإ�ضافة �إىل ذلك ،فعندما تتعمد البلدان املالكة ملثل هذه املعلومات اال�ستخباراتية �أن تقوم بال�ضرب �أوال ثم ن�شر هذه املعلومات الحق ًا، يف خمالفة �صريحة للقانون الدويل -كما حدث يف تفجري �إ�سرائيل للمن�ش�أة النووية ال�سورية يف دير الزور يف العام ،2007 ومفاعل �أوزيراك البحثي العراقي يف العام ،1981فالبد �أن يتبع ذلك
33
من العالم يتم «أية إشارة إلى أن أول قادة شيوعيين ّ اختيارهم بالتوريث في العالم ال يحتلون منزلة يد ُعون ستكون أمراً تقارب منزلة اآللهة كما َّ يهدد بقاء النظام بأكمله» ص 49 ّ خطيراً
34
�إدانة لهذه الأعمال ،والأكرث �أهمية، �أن تكون لها عواقب� .إن �سيادة القانون ال معنى لها �إذا مل تط ّبق �إال ب�شكل انتقائي. يتم حاليا تطبيق مبادرتني متعددتي اجلن�سيات ينبغي تعزيزهما؛ تتمثل الأوىل يف توفري �أعلى م�ستوى من الأمان من املواد النووية وامل�شعة ،لإبقائها بعيد ًا عن �أيدي اجلماعات املتطرفة� .أما الثانية فهي لالنتقال من املراقبة الوطنية �إىل تلك املتعددة اجلن�سيات لدورة الوقود النووي. ويف دي�سمرب ،2010اعتمد جمل�س الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرار ًا يجيز �إن�شاء بنك لوقود اليورانيوم املنخف�ض التخ�صيب يعمل حتت رقابة الوكالة ،لتوفري �إمدادات م�ضمونة من الوقود للم�ستخدمني قمت احلقيقيني ،وهو �إجراء ُ �شخ�صي ًا بال�ضغط طوال �سنوات من �أجل حتقيقه .وقد متت املوافقة على هذه الآلية من خالل �إجراء ت�صويت وافق عليه 28بلداً؛ وامتنعت �ست دول عن الت�صويت هي :الأرجنتني ،والربازيل، والإكوادور ،وجنوب �أفريقيا، وتون�س ،وفنزويال؛ فيما غابت باك�ستان .ويعك�س االمتناع عن الت�صويت البقية الباقية من انعدام الثقة حول الغر�ض من �إن�شاء بنك للوقود النووي ،والناجت عن االقرتاح ال�سابق ،والذي تقدمت به �ست دول غربية طالبت فيه امل�شاركني بالتخلي عن حقوقهم يف دورة الوقود ك�شرط للح�صول على �إمدادات الوقود النووي .ون�أمل يف تتبدد هذه ال�شكوك مبرور �أن ّ الوقت ،فهذا الأمر ميثل خطوة �أوىل بالغة الأهمية .وعلى �أية حال، ف� ّإن الهدف النهائي يجب �أن يتمثل يف التدويل الكامل لدورة الوقود
أن األمر قد يبدو غير برغم ّ ُمحتمل الوقوع ...فما زلت بأن الدبلوماسية تمتلك أعتقد ّ القدرة على حل المشاكل التي قد تبدو مستعصية
شغل الدكتور محمد البرادعي منصب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية ما بين عامي 1997و .2009وفي عام ُ ،2005منح جائزة نوبل للسالم -مناصفة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ،وذلك تقديراً لجهودهما الرامية لمنع استخدام الطاقة النووية في األغراض العسكرية، وضمان أن يتم استخدام الطاقة النووية لألغراض السلمية بأكثر الطرق الممكنة أمانا .نُ شر كتابه المعنون “عصر الخداع :الدبلوماسية النووية في األزمنة الغادرة”، والذي تمثل المقالة المذكورة أعاله مقتطفات منه ،في طبعتين :إحداهما بغالف مقوى من قبل دار بلومزبري مؤسسة قطر للنشر ،وهي شراكة بدأت منذ ثالث سنوات بين دار بلومزبري البريطانية للنشر ومؤسسة قطر.
bqfp.com.qa
أن المناخ «كما أظهرت شعبية بوتين المتراجعة ،يبدو ّ التغير بسرعة تجعل من شبه ُّّ السياسي آخذ في المستحيل على القادة الراسخين مجاراته» ص 36
التحرك نحو النووي ،بالتوازي مع ّ نزع ال�سالح النووي يف جميع �أنحاء العامل. ومن مقعدي يف ال�صف الأمامي للدراما النووية خالل العقدين املا�ضيني ،ر�أيت مرار ًا وتكرار ًا كيف يتم �ضمان انعدام روح العدالة والإن�صاف يف املفاو�ضات ،وذلك لتخريب حتى �أكرث القرارات بديهية، ومرغوبية ،و�إن�صاف ًا� .إن الطريق �إىل التعاون الثنائي الذي يربح فيه اجلميع حمفوف بامل�صائب، وب�ضحايا عدم االحرتام وانعدام املدمرة الثقة ،وال�سيا�سة الداخلية ّ للذات ،واملوروثات التاريخية امل�ؤملة التي ال تتال�شى بني ع�شية و�ضحاها. ومع ذلك ،وبرغم �أن الأمر قد يبدو غري محُ تمل الوقوع ،وبعد الإحباطات وحتى م�شاعر الغ�ضب التي انتابتني خالل هذه ال�سنوات التي ق�ضيتها على ر�أ�س الوكالة ،فما زلت �أعتقد ب�أن الدبلوما�سية متتلك القدرة على حل امل�شاكل التي قد تبدو م�ستع�صية على احلل .وهذا ال�سبب الأخري لئال نفقد ثقتنا يف � ّأن الدبلوما�سية واحلوار ميكن �أن ي�سودا بو�صفهما ا�سرتاتيجية التعامل مع الأزمات النووية ي�ستند ربر منطقي؛ وهو � ّأن البديل على م ّ غري مقبول .وبطبيعة احلال، فالتفا�ؤل �أمر بعيد كل البعد عن اليقني .تت�سم الدبلوما�سية النووية ال ممُ ّ ً بكونها عم ً ال وم�ضني ًا .لكن الطريق �أمامنا وا�ضح .ففي نهاية املطاف ،نحن عائلة ب�شرية واحدة مت�آلفة؛ و�سواء �شئنا �أم �أبينا ،فنحن يف هذا الأمر مع ًا .وبالتايل ف�إن امل�سعى الوحيد الذي يحمل مغزى، وهو امل�سعى الوحيد الذي ي�ستحق �أن نعمل على حتقيقه ،هو ذلك املف�ضي �إىل الأمن اجلماعيl . ّ مجلة تفكر.
35
التفسخ واليأس االجتماعي ،مثل ذلك الذي ذكره أندرو ّ «يُ َع ّد ويلسون ،أمراً شائعاً للغاية .ولكن باإلمكان َع ْكس هذه األمور؛ فبناء -أو إعادة بناء -العناصر األساسية لمجتمع مستقر وآمن وملتزم بآداب اللياقة ،يتم من خالل زوجين اثنين وطفل» ص 45
أبريل 2012
من العالم
االنتخابات الروسية
تص ُّدعات في َ الكـريمليــن لم يكن اندالع المظاهرات غير المسبوقة وخروج جيل من الشباب مطالباً بالتغيير حدثاً يخلو من الدالالت :إذ يعني وللمرة األولى في تاريخ روسيا أن نتيجة االنتخابات الرئاسية ال يمكن بحال أن تكون تحصيل حاصل .لقد آن األوان للتخلّ ي عن مسلّ مات الماضي
36
بقلم ماري ديجيفيسكي
حتى
حلول موعد االنتخابات الربملانية التي جرى تنظيمها يف رو�سيا خالل �شهر دي�سمرب املا�ضي ،كانت نتيجة االنتخابات الرئا�سية الرو�سية املزمع انعقادها يف مار�س �أمر ًا مفروغ ًا منه؛ حيث �أنّه كان من املتوقع �أن حتمل موجة من احلما�س ال�شعبي فالدميري بوتني �إىل ثم الكرميلني مرة �أخرى من خالل فوز كا�سح له ،ومن َّ كان �س ُينظَ ر �إىل ال�سنوات الأربع التي ق�ضاها كرئي�س جمرد فا�صل � -أو م�س�ألة فنية تتعلّق للوزراء على �أنّها ّ بت�سمية املن�صب الذي ي�شغله -الهدف منه هو ال�سماح له بتلبية متطلّبات د�ستور رو�سيا اخلا�ص بحقبة ما بعد االحتاد ال�سوفييتي ،والذي يق�ضي بعدم �أحق ّية � ّأي رئي�س يف �شغل هذا املن�صب لأكرث من فرتتني متتابعتني. وكان من الطبيعي �أن �صاحبت هذه االفرتا�ضات جميع ال�شكاوى املعتادة ال�صادرة عن قطاعات من النخبة املثقفة يف البالد واملراقبني الغربيني ملجريات الأحداث يف رو�سيا؛ مفادها �أن تلك الدولة لي�ست قادرة على تنظيم انتخابات على الوجه «املالئم» ،و�أنه �سيجري تزوير النتائج ،و�أن مزايا توليّ من�صب ما- واملعروفة يف رو�سيا با�سم «املوارد الإدارية» � -ستجعل هذه االنتخابات ،مثل �سابقاتها التي خ�ضعت للمراقبة من قبل منظّ مة الأمن والتعاون يف �أوروبا ،انتخابات «حرة ولكنّها غري نزيهة» ب�شكل عام. ّ لكن ما مل يت�ص ّوره �أحد تقريب ًا هو � ّأن الظروف ال�سيا�سية التي تكتنف االنتخابات الرئا�سية لهذا العام حتمل معها هذا القدر من الغمو�ض الذي �آلت �إليه
فج�أة ،فقد �شهد مطلع �شهر فرباير املا�ضي احت�شاد ًا غري م�سبوق ملائة �ألف متظاهر مناوئني لبوتني يف مو�سكو .وبالإ�ضافة �إىل ذلك ،فلم يتوقع �أحد �أن تتالحق هذه الأحداث ،كما حدث بالفعل ،ب�سبب نتائج االنتخابات الربملانية التي �سبقتها .ففي اجتماع للمراقبني الأوروبيني ملجريات الأحداث يف رو�سيا منذ �أكرث من عام م�ضى�ُ ،سئِلت عما �إذا كان حمتم ً ال �أن ترت ّدد داخل رو�سيا �أ�صداء ما حدث يف ميدان التحرير الذي �صار رمز ًا للإطاحة بنظام ح�سني مبارك يف م�صر .بدا ال�س�ؤال �سخيف ًا :ما الأ�صداء املحتملة التي ميكن �أن ُتخلِّفها عملية التقاعد الإجباري لقائد �شرق �أو�سطي بلغ به الوهن � ُأ�ش َّده على دولة مثل رو�سيا
يقودها رجل مثل فالدميري بوتني يتم ّتع ب�شعبية جارفة وحيوية مت� ّأججة؟ من هذا املنطلق كان ا�ستنكاري لطرح مثل هذا ال�س�ؤال ،بيد � ّأن تلك النظرة فارقها ال�صواب. فحتى يف الوقت الذي كانت فيه و�سائل الإعالم التقليدية يف رو�سيا تت�ساءل حول ماهية املنظور الذي ينبغي عليها تبنّيه يف تغطيتها للتط ّورات املتالحقة التي عرف الآن با�سم الربيع العربي ،كان مد ّونوها �صارت ُت َ ال�شباب املفعمون باحليوية يجرون بقوة وعنف �شديدين مناظرة حول مدى ارتباط الثورة امل�صرية باحلالة الرو�سية من عدمه. على �أحد اجلانبني ،وقف �أولئك الذين �شاركتهم ّ مجلة تفكر.
أبريل 2012
الر�أي على نح ٍو غريزي ،وبدون تفكري؛ ومن وجهة نظر ه�ؤالء ،كانت لدى رو�سيا دميقراطية رديئة .وكان قادتها ،مقارنة ب�أقرانهم حول العامل ،ي ّت�سمون ب�صغر ال�سن؛ حيث � ّأن رئي�س الوزراء بوتني مل يبلغ ال�ستني، والرئي�س دمييرتي ميدفيديف مل يبلغ اخلم�سني بعد. ومل يكن هناك ما ي�شبه عقود الركود ال�سيا�سي التي عاي�شتها �أقطار عدة يف �شمال �أفريقيا وال�شرق الأو�سط� .أما مع�ضلة رو�سيا فكانت عك�س ذلك تقريب ًا؛ مرت بثالثني عام ًا من التح ّوالت الهائلة فلقد ّ امل�ستمرة ،والتي بد�أت تخرج منها الآن فقط. وف�ض ً ال عن ذلك ،ف� ّإن رو�سيا مل تعاين من �أمر م�شابه مل�شكلة الت�ضخّ م ال�سكاين التي عانت منها الدول
من العالم
االنتخابات الروسية
38
العربية .بل وعلى العك�س من ذلك ،تعاين رو�سيا من تراجع حجم الق ّوة العاملة ،ومن معدل مواليد عاد لت ّوه م�ؤخر ًا فقط �إىل م�ستوى الزيادة املنخف�ض ن�سبي ًا الذي كان �سائد ًا قبل انهيار االحتاد ال�سوفييتي .بدا الأمر كما لو �أنّه مل يكن هناك � ّأي �سبب على الإطالق يدعو �صدى لالعتقاد ب� ّأن �أ�صوات ميدان التحرير �سوف جتد ً لها على ُبعد قارة ،وعلى ُبعد �آالف الأميال �إىل ال�شمال. لكن كان هناك جانب �آخر لهذه اجلدلية ،وهو جانب بد�أ يبدو �أكرث �إقناع ًا يف �ضوء االنتخابات الربملانية التي جرى تنظيمها يف الرابع من دي�سمرب العام املا�ضي. ووفق ًا لوجهة النظر هذه ،ف� ّإن رو�سيا تبدو بدرجة �أقلّ نجزة على نحو يعوزه الإتقان وال تزال يف كدميقراطية ُم َ طور التكوين منها كدولة �أوتوقراطية قدمية الطراز ال تختلف كثري ًا عن م�صر -مبعنى � ّأن معظم الأ�شخا�ص مت العاديني � ّإما كانوا بالفعل �أو �أنّهم �شعروا ب�أنّه قد ّ �إق�صا�ؤهم عن احلياة ال�سيا�سية :فقد كانت هناك نخبة جديدة تعتمد نظام حماباة الأقارب واملعارف ،وكانت هناك بقية ال�شعب .وبقدر ما ميكن للنا�س تبنّي �أفكار معار�ضة للنظام والتعبري عما يجول بخاطرهم يتم جتاهل ب�صراح ًة مع الإفالت من العقاب ،بقدر ما ّ �آرائهم .كان الف�ساد متغلغ ً ال يف احلياة اليومية و�آخذ ًا يتوجب عليهم يف �إرهاق املواطنني العاديني الذين �صار َّ دفع املال �أو ا�ستخدام معارفهم ال�شخ�صية من �أجل القيام بكل �شيء ،بد ًءا من �إجناز املعامالت الر�سمية الب�سيطة وو�ص ً وال �إىل تلقّي العالج الالئق يف امل�ست�شفيات .وكما هي احلال يف مناطق عديدة من ال�شرق الأو�سط ،كان هناك العديد من الأ�شخا�ص وخا�صة من ال�شباب الذين �شعروا ب�أنه ال املتعلّمني، ّ م�ستقبل ينتظرهم يف وطنهم. وقد عك�س عدم بروز مظاهر ال�سخط هذه على �صمامات �أمان مع ّينة؛ �إذ � ّأن ال�سطح يف رو�سيا وجود ّ االرتفاع امل�ستمر يف م�ستويات املعي�شة بعد �أن ورث بوتني الرئا�سة من بوري�س يلت�سني يف العام ،2000 وتوفّر فر�ص الهجرة �أو �إر�سال الأبناء للخارج �إىل بريطانيا �أو الواليات املتحدة للح�صول على تعليم عاملي امل�ستوى ،بالإ�ضافة -وللأ�سف � -إىل زيادة القدرة على حت ُّمل �أعباء دفع الر�شاوي. مساءلة الفساد
مع انق�ضاء عام 2010ودخول عام ،2011وحتديد ًا يف نف�س الوقت الذي بد�أت فيه رياح التغيري تع�صف معدل االرتفاع يف م�ستويات باملغرب العربي -كان ّ املعي�شة �آخذ ًا يف التباط�ؤ ،وبد�أت طبقة متو�سطة متنامية و�أكرث وعي ًا مبا يجري على ال�ساحة الدولية يف التقدم الت�سا�ؤل عن �سبب متكّن الدول الأخرى من ّ بدون م�ستوى الف�ساد املوجود يف رو�سيا ،يف حني � ّأن عِد ب�ست �سنوات �أخرى امل�ستقبل ال�سيا�سي لرو�سيا كان َي ُ من «القيادة املزدوجة» لكل من بوتني وميدفيديف. ويف �أبريل من العام املا�ضي ،جرى حتديد هذه التوجهات على وجه الدقّة يف م� ّسودة تقرير �صادر عن ّ مركز الأبحاث اال�سرتاتيجية يف مو�سكو ،والذي جرى �إعداده بالتعاون مع الأكادميية الرو�سية لالقت�صاد والإدارة العامة .ول ّأن هذا املعهد كان ُي َ نظر �إليه على حد كبري دفاع ًا �أنّه م�ؤيد لبوتني وميدفيديف ويعمل �إىل ٍّ عنهما ،فقد اكت�سبت نتائجه مرجع ّية وم�صداقية
�إ�ضافية .وتقول الن�سخة الأخرية من التقرير والتي ر�أت النور مبا�شرة قبيل االنتخابات التي �أجريت يف �شهر دي�سمربّ � ،أن الناخبني الرو�س �أ�صابهم امللل من «ماركة» ثمة �شعور �سائد بعدم الثقة يف حزب رو�سيا بوتني ،و� ّأن ّ املوحدة؛ حيث ُينظر �إليه على �أنّه �أحدث �أحزاب ّ ُرجح �أن النظام �أو «حزب ال�سلطة» ،و�أنّه كان من امل َّ ي�ؤدي انت�شار م�شاعر ال�شك والالمباالة �إىل خف�ض ن�سبة امل�شاركة يف عملية الت�صويت .وربمّ ا كانت املالحظة الأكرث ت�شا�ؤم ًا هي �أنّه حتى يف حالة ما �إذا كانت االنتخابات منوذج ًا للنزاهة ،وهو �أمر غري رجح ،ف�سيكون هناك �إجماع على �أنّه قد جرى تزوير ُم َّ نتائجها ،وهو ما �سيحرم الفائز بها من امل�صداقية. وقد مثّلت الأحداث التي وقعت بالفعل ت�أكيد ًا مذه ً ال لهذه النتائج؛ �إذ انخف�ض معدل الإقبال على امل�شاركة يف الت�صويت بنحو 4نقاط مئوية لي�صل �إىل 60.1يف املائة ،بعد �أن كان قد و�صل �إىل 63.7يف املائة يف عام املوحدة -وهو «حزب ،2007كما �أن حزب رو�سيا ّ ثلثي املقاعد يف «الدوما» �أو بوتني» -مل يفقد �أغلبية ّ الربملان الرو�سي فح�سب -وهي �أغلبية �سمحت له بتعديل الد�ستور منفرد ًا دون احلاجة �إىل حلفاء -بل مل يتمكن حتى من الفوز بن�سبة 50يف املائة من �أ�صوات ولكن نتيجة لتقلبات النظام االنتخابي ،مل الناخبنيّ . ينجح يف االحتفاظ ب�أغلبيته الكلية يف الدوما .وكان امل�ستفيدان الرئي�سيان من تراجع �أ�صوات حزب رو�سيا املوحدة مبعدل 20يف املائة هما احلزب ال�شيوعي ّ الرو�سي ،الذي يعمل حتت قيادة جينادي زيوغانوف �سمى حزب منذ العام ،1993وحزب �آخر جديد ن�سبي ًا ُي َّ
متظاهر يحمل الفتة عليها للمدون والمعارض ّ صورة الناشط الروسي أليكسي نافالني خالل مظاهرة حاشدة في موسكو ،ديسمبر 2011
تقدم جامعة جورجتاون -كلية ّ الشؤون الدولية في قطر برامج بكالوريوس في الشؤون الدولية للحصول على درجات البكالوريوس في السياسة الدولية ،والثقافة والسياسة، واالقتصاد الدولي. qatar.sfs.georgetown.edu ّ مجلة تفكر.
أبريل 2012
رو�سيا العادلة بقيادة �سريجي مريونوف ،وهو حزب نتائجها م�شكوك فيهما على الرغم من ذلك. وقد ذكر �سريجي مريونوف زعيم حزب رو�سيا حد ما .وقد فاز ي ّت�سم بطابع دميقراطي اجتماعي �إىل ّ العادلة � ّأن حزبه يحاول توحيد اجلهود مع الأحزاب ال�شيوعيون بـن�سبة 19.19يف املائة من �أ�صوات الناخبني ،يف حني ح�صد حزب رو�سيا العادلة ما ن�سبته الأخرى املك ّونة لكتلة املعار�ضة الربملانية من �أجل �إجراء ا�ستطالع تال لالنتخابات يف �أكرب عدد ممكن من 13.24يف املائة من الأ�صوات .كما يمُ ثَّل �أي�ض ًا يف مراكز االقرتاع .كما حذّ ر �أي�ض ًا من �أنه يف حالة الدوما اجلديد ،وبعدد �أكرب بقليل من املقاعد مقارنة حد كبري عن باملرة ال�سابقة ،احلزب الدميقراطي الليربايل الرو�سي انحراف النتيجة الر�سمية بعيد ًا �إىل ٍّ �إح�صائهم ،ف�إنّهم لن ي�ستبعدوا خيار الدعوة لتنظيم عد م�ؤ�س�سة ميينية متطرفة �سيء ال�صيت ،والذي ُي ّ مظاهرات احتجاجية يف ال�شوارع .وعندما ذكر � ّأ�س�سها وقادها على مدار العقدين املا�ضيني فالدميري مريونوف ذلك قبل ثالثة �أ�سابيع من االنتخابات زيرينوفي�سكي. لكن الرتكيبة الدقيقة للدوما اجلديد مل تكن بنف�س ملجموعة زائرة من الأكادمييني وال�صحافيني (وكنت ّ واحدة منهم) ،مل ي�أخذ �أحد حديثه على حممل اجلَ ّد. �أهمية اخلريطة ال�سيا�سية اجلديدة التي �أ�شارت لكن هذا هو ما حدث �إىل حد كبري .وقد متكنت انتخابات دي�سمرب �إىل �أنّها �صارت موجودة الآن يف اجلماعات والأفراد من ت�شارك املعلومات عرب الإنرتنت رو�سيا ،وهي خريطة ا ّت�سم فيها دعم «حزب بوتني املوجود يف ال�سلطة» ب�أنّه �آخذ يف الرتاجع ،وكانت معن ّية على الرغم من حماوالت وا�ضحة من قبل ال�سلطات لتخريب مواقع الويب الهامة يف وقت مبكر من ذلك بالفجوة املتنامية بني الفقراء والأغنياء ،يف الوقت الذي ت�صري فيه �أكرث انفتاح ًا وتقب ً اليوم ،وقد الحظوا وجود تباينات وا�ضحة كان من ال للدميقراطية بينها اختالفات هائلة يف النتائج بني الدوائر احل�ضرية االجتماعية على النمط الأوروبي .وقد جاء �إخفاق املجاورة والتي -وفق ًا لتخمينهم -وافق املوظف املتطرف يف تقدمي ما هو �أف�ضل كباعث على اليمني ّ امل�س�ؤول عن عملية فرز الأ�صوات يف �إحداها على ملء االرتياح بالن�سبة للعديد من الرو�س ،وبرز يف مقابل �صناديق االقرتاع ب�أ�صوات زائفة بعد انتهاء عملية املظاهر املتزايدة لتنامي الروح القومية املناه�ضة للأجانب .مل يكن اال�صطفاف اجلديد للقوى ال�سيا�سية الت�صويت �أو حت�سني النتائج ،يف حني مل يوافق نظريه وحده هو ما كان يرمز حلدوث تغيري؛ �إذ كانت ال�صيحة يف دائرة �أخرى على ذلك .وكان ا�ستنتاجهم هو � ّأن املوحدة، التي تعالت يف �أعقاب الإعالن عن نتائج االنتخابات ح�صيلة الأ�صوات التي ح�صدها حزب رو�سيا ّ مبثابة داللة �أبرز على ذلك .وي�أتي هذا على الرغم من على الأقل يف مو�سكو و�سانت بطر�سربغ ،قد تراجعت يف احلقيقة �إىل �أقل من 30يف املائة. حقيقة � ّأن حجم التزوير خالل هذه االنتخابات رمبا مما حدث يف االنتخابات ال�سابقة التي جرت كان �أقلّ ّ التمسك بالسلطة يف رو�سيا بعد انهيار االحتاد ال�سوفييتي( .كيف ميكن مبا � ّأن هاتني املدينتني ال متثِّالن كل رو�سيا ب� ّأي حال على خالف ذلك تف�سري النتيجة املتدنية التي ح�صل املوحدة؟) ويف ظلّ انتخابات كانت من الأحوال؛ �إذ � ّأن النتائج يف الدوائر االنتخابية عليها حزب رو�سيا ّ الريفية وتلك الواقعة يف مناطق القوقاز امل�ضطربة على الأرجح �أكرث نزاهة وحرية مما كان يجري يف جاءت متما�شية مع رغبات ال�سلطة احلاكمة ،كما هي ال�سابق ،ودرجة �أكرب من ال�شعور بعدم الر�ضا عن احلال دوم ًا -فالناخبون هناك دائم ًا ما يكونون �آخر نتائجها� ،صار املوقف �أقرب �إىل حتقيق ال�سيناريو الأ�سو�أ من وجهة نظر مركز الأبحاث اال�سرتاتيجية� :أال من ي�ست�شعر �أي رغبة يف التغيري .ولكونهم حمافظني و�صحة للغاية ،ي�شعر ه�ؤالء النا�س -مثلما كان �شعورهم وهي انتخابات نظيفة ن�سبي ًا �إال � ّأن م�صداقيتها ّ دائم ًا -ب�أنهم بعيدين جد ًا عن ال�سلطة ولكنهم مدينون لها �أي�ض ًا ،فهم ال ي�ص ّوتون كما ُيطلَب منهم بقدر ما يعرفون ما هو منتظر منهم ،وهو الأمر الذي ينطبق �أي�ض ًا على القادة املحليني واملوظفني امل�س�ؤولني عن عملية فرز الأ�صوات. تعد المسيرة التي انطلقت ّ لكن مو�سكو و�سانت بطر�سربغ هما من كانتا دوم ًا ّ يف طليعة ال�سيا�سة الرو�سية ،فكانتا من ِّبئتني ملا ميكن �أن يوم السبت بعد االنتخابات يحدث بعد ذلك ،كما � ّأن حجم التظاهرات التي وقعت ليلة فرز الأ�صوات ويف اليوم التايل لها جتاوزت بفارق بمثابة المسيرة األكبر منذ كبري االحتجاجات ال�شكلية التي نظَّ مها الن�شطاء املوالون للغرب يف �أعقاب االنتخابات ال�سابقة .كما المظاهرات المطالبة مت ّيزت احل�شود �أي�ض ًا بان�سجام امل�شاركني بها الذين وتعد كانوا �شباب ًا متعلمني منتمني �إىل الطبقة الو�سطىّ . بالديمقراطية التي وقعت امل�سرية التي انطلقت يوم ال�سبت بعد االنتخابات مبثابة امل�سرية الأكرب منذ املظاهرات املطالبة بالدميقراطية عامي ،1991-1990وساهمت التي وقعت عامي ،1991-1990و�ساهمت يف �إ�سقاط ال�شيوعية ال�سوفييتية. في إسقاط الشيوعية لكن احل�شود مت َّيزت ب�أمر �آخر �أي�ض ًا؛ ففي الوقت ّ حتدوا فيه دقة عملية فرز الأ�صوات وطالبوا الذي ّ السوفييتية ب�إعادتها� ،ص َّبت هذه احل�شود �أي�ض ًا جام غ�ضبها على
39
من العالم
االنتخابات الروسية
40
رئي�س الوزراء �شخ�صي ًا؛ حيث د َّوت الهتافات القائلة «ل َي ْخ ُرج بوتني!» يف الأجواء وز َّينَت ال�شعارات املناه�ضة مت الإتيان على لبوتني الإعالنات اخلا�صة بهم ،وبالكاد َّ ذِ كْ ر حزبه .لقد ا�ستهدفت هذه االحتجاجات الرجل الذي كان حتى ذلك التاريخ ال�سيا�سي الأكرث �شعبية يف رو�سيا ،وهو �أمر مل يكن من املمكن ت�ص ُّوره قبل �ستة �أ�شهر � -أو حتى ثالثة -من ذلك التاريخ. � ّإن �أحد الأ�سباب التي �أ ّدت �إىل ذلك -ورمبا ال�سبب مت الإعالن عنه يف 24 الوحيد -هو ذلك القرار الذي ّ املوحدة، �سبتمرب خالل امل�ؤمتر ال�سنوي حلزب رو�سيا ّ �سيرت�شح للرئا�سة مرة �أخرى .ويجب �أن وهو � َّأن بوتني َّ نفرت�ض � ّأن الهدف من هذه اخلطوة كان يتمثّل يف �إنهاء تخمينات ُم ِ�ض َّرة حول ما �إذا كان بوتني �أو ميدفيديف ح�صة هو من �سيكون امل َّ ُر�شح الرئا�سي ،وبالتايل تدعيم ّ احلزب املت�ضائلة من الأ�صوات قبل االنتخابات الربملانية .ولكن بتقييم الو�ضع ،جند �أنّها قد �أتت بنتيجة عك�سية متام ًا؛ حيث � ّأن ر ّد الفعل على هذا الأمر يف املجال املزدهر للمد ّونات كان فوري ًا و�سلبي ًا على نحو عرف بـا�سم «انقالب 24 بالغ ،وقد �أ�صبح هذا الإعالن ُي َ �سبتمرب». بعد مرور �ستة �أ�سابيع على هذا الأمر ،قوبل بوتني ب�صيحات ا�ستهجان بعدما دخل �إىل احللبة لتحية الالعب الرو�سي املنت�صر يف دورة مو�سكو للفنون مت ن�شر مقطع الفيديو الذي حاول القتالية .وقد ّ الكرميلني يف البداية التهوين من �أمره زعم ًا منه ب� ّأن �صيحات اال�ستهجان ال�صادرة عن احل�شد كانت ت�ستهدف الالعب الأمريكي املهزوم ،على موقع الويب اخلا�ص باملد ِّون الرو�سي البارز يف مناه�ضة الف�ساد �أليك�سي نافالني .وقد جرى بالطبع ن�شر هذا املقطع ل ّأن ولكن ذلك ال يعني �أنه القيادة ال�سيا�سية �سمحت بذلكّ ، ُتغي .لكن ،وعلى مل يخربنا ب�شيء عن املزاج ال�شعبي امل رِّ العك�س من ذلك ،فقد كانت هذه هي اللحظة التي امتد مفعولها طوال اثني ع�شر بد�أت فيها التعويذة التي ّ عام ًا ،و�ألقى بها بوتني على الدولة الرو�سية ،تفقد ت�أثريها .وقد جاءت نتائج االنتخابات يف 4دي�سمرب كت�أكيد �إ�ضايف لهذه احلقيقة. وقد متثّل الهدف من كل هذا يف تو�ضيح �سبب عدم �إمكانية اجلزم مبا �سيحدث يف االنتخابات الرئا�سية، على الرغم من � ّأن بوتني فاز يف اجلولة الأوىل منها يف نهاية املطاف .فقبل االنتخابات الربملانية الرو�سية، ن�صح قادة الأطياف املتن ّوعة للمعار�ضة الرو�سية باالمتناع عن امل�شاركة فيها �أم ً ال يف �أن ي�ساعد انخفا�ض ن�سبة الإقبال على الت�صويت يف الت�شكيك يف م�صداقية النتائج .ولكن قبل �أ�سبوعني تقريب ًا من تغي على االنتخابات ،على �أية حالُ ،يقَ ال ب�أنّه طر�أ رّ وتوجهات الناخبني ال�شبان على وجه اخل�صو�ص، ميول ّ مفاده ما يلي« :لقد منحونا �صوت ًا ،فدعونا ن�ستخدمه». مل �شعث تلك وكانت ال�صيحة اجلديدة الآخذة يف ّ املتفرقة هي «� ّأي حزب غري حزب رو�سيا القوى ّ ُوحدة» .ومل تكن هذه ال�صيحة �سوى عالمة و�شيكة امل َّ ر�شح غري بوتني» قبل �شهر على ت�شكيل حركة «�أي ُم َّ مار�س. لقد كان من اخلط�أ دائم ًا افرتا�ض ،كما فعل العديد من النقّاد الغربيني� ،أنه مل يكن هناك ما ميكن �أن �سمى بالر�أي العام يف رو�سيا ما بعد االحتاد ُي ّ
ال�سوفييتي ،كما كان من اخلط�أ �أي�ض ًا توجيه النقد ال�شديد ملا ي ّت�سم به التلفاز الر�سمي من رتابة ،مع �إهمال ما ت ّت�سم به ال�صحافة الرو�سية من تن ّوع، والت�أثري املتنامي للإنرتنت كو�سيلة لن�شر املعلومات وح�شد الدعم .وربمّ ا للمرة الأوىل على الإطالق يف رو�سيا ،ال يكون م�سار -ونتيجة � -إحدى احلمالت االنتخابية حم�سومة ُم�سبق ًا. حق :ملاذا مل يكن لثورة تتزاحم الت�سا�ؤالت عن وجه ّ الورود يف جورجيا عام 2003والثورة الربتقالية يف �أوكرانيا عام 2004ت�أثري �أكرب على رو�سيا؟ ففي نهاية املطاف ،كانت هاتان الدولتان حتى ع�شرين عاما م�ضت جزء ًا من الإمرباطورية ال�سوفييتية ذاتها ،وكان الكرميلني خائف ًا من � ّأن املزاج التمردي �سوف ميتد �إليها .ملاذا ا�ستغرق الأمر حتى عام 2011لتبد�أ ال�سيا�سة الرو�سية يف التح ّول؟ �أم هل �شعر الرو�س باخلجل من �سلبيتهم عندما �شاهدوا ال�صور الواردة من ميدان التحرير؟ �أم هل هناك تف�سريات �أكرث واقعية؟ مثل � ّأن عدد ًا �أكرب بكثري من النا�س �صار ب�إمكانهم الآن الو�صول �إىل املعلومات غري الر�سمية الواردة من خارج رو�سيا بطريقة مل يكن ب�إمكانهم حتقيقها حينها� ،أو � ّأن جي ً ال جديد ًا ن�ش�أ دون خوف و�أتيحت له حرية ال�سفر حول العامل بلغ الآن ال�سن القانونية للت�صويت؛ حيث � ّأن مق�سمني بالت�ساوي بني الناخبني الرو�س �سيكونون قريب ًا ّ ه�ؤالء الذين لديهم خربة مبا�شرة بال�شيوعية ال�سوفييتية و�أولئك ممن تتمثّل �أوىل ذكرياتهم يف �سيا�سة «الربي�سرتويكا» التي انتهجها ميخائيل جوربات�شوف.
أن كما أظهرت شعبية بوتين المتراجعة ،يبدو ّ التغير بسرعة تجعل المناخ السياسي آخذ في ُّ من شبه المستحيل على القادة الراسخين مجاراته
ّ الترشح لوالية جديدة
لكن احتمالية حدوث تغيري واجهت عراقيل على �أ�صعدة خمتلفة .فعملي ًا ،توا�صلت �سيطرة الكرميلني على التلفاز احلكومي الرو�سي وهناك الف�ساد الذي �صاحب العملية االنتخابية .ومع � ّأن العديد من الرو�س �شعروا بالإهانة نتيجة لقرار بوتني الرت�شُّ ح ملن�صب الرئي�س من جديد ،يف مقاي�ضة وظيفية يبدو وا�ضح ًا �أنّه قام بد �أن هناك بحياكتها مع حليفه ميدفيديف� ،إال �أنّه مل َي ُ ر�شح بديل يف �أجنحة املعار�ضة املختلفة ،ميتلك ثمة ُم َّ من ال�شعبية والتقدير ال�سمه على امل�ستوى الوطني ما ي�ؤهله ليكون بدي ً ال ذا م�صداقية .وقد دار حديث عن � ّأن �أليك�سي كوردين الذي ا�ستقال من من�صبه كوزير للمالية يف خطوة احتجاجية على عملية تبادل املنا�صب املقرتحة بني بوتني وميدفيديف ،قد يخو�ض غمار هذه املناف�سة .لكنه كان من غري املرجح �أن يح�صل على ما
لمحة عن الكاتب ماري ديجيفيسكي هي رئيسة تحرير وكاتبة عمود في جريدة «ذي إندبندنت» ونظرا لعملها في ً اللندنية. السابق كمراسلة صحفية في موسكو ،تُ َع ّد إحدى أكثر المعلقين على شؤون روسيا وتقديرا. ً وشرق أوروبا احتراماً وديجيفيسكي زميلة بحثية فخرية في جامعة باكنغهام وعضو في مجموعة فالداي أيضا كاتبة ً الدولية ،هي للمقال االفتتاحي لـ “دليل دائرة المعارف البريطانية لروسيا”.
ّرد الفعل على هذا األمر في المجال وسلبيا على فوريا للمدونات كان المزدهر ً ً ّ عرف ٍ نحو بالغ ،وقد أصبح هذا اإلعالن ُي َ بـاسم «انقالب 24سبتمبر» ّ مجلة تفكر.
أبريل 2012
يكفي من الدعم ال�شعبي له ،فاختار �أن يقوم بالتو�سط بني الكرميلني وبني املحتجني .كما �أعلن ميخائيل بروخوروف -وهو ثالث �أغنى رجل يف رو�سيا -عن تر�شّ حه لهذا املن�صب ،ولكنه جرى غر�س �صورة �سلبية يف عقول الرو�س �ضد امل�سعى الأوليغاركي بعد فو�ضى الإثراء الفاح�ش خالل ت�سعينيات القرن الع�شرين .كما بدت فكرة حدوث مناف�سة بني بوتني وميدفيديف ،التي يخاطر بع�ض املحلّلني الغربيني بالقول �أنها �ستكون احللّ املثايل� ،أمر ًا غري حمتمل ل ّأن هذا من �ش�أنه �أن يخرق ما يبدو ميثاق ًا ودي ًا بني الرجلني. �أما قادة جماعات املعار�ضة املوالني للغرب املوجودين على ال�ساحة ال�سيا�سية منذ �أمد طويل -من �أمثال بطل ال�شطرجن البارز غاري كا�سباروف ،ورئي�س الوزراء ال�سابق ميخائيل كازيانوف ،وال ُع ْمدة ال�سابق نيزين نوفغورود ،والنائب ال�سابق لرئي�س الوزراء الرو�سي بوري�س نيمت�سوف -فلم تكن لديهم �أية فر�صة للفوز �أمام بوتني. وبالن�سبة له�ؤالء الذين ارتبطوا بالنظام الرو�سي يف وقت ما -مثل كازيانوف �أو كوردين -ف� ّإن قربهم ال�شديد من دوائر ال�سلطة �أ�ضاع م�صداقيتهم �أمام الناخبني الذين �صاروا ناقدين م�ؤخراً� .أما بالن�سبة لكا�سباروف ونيمت�سوف ،ف� ّإن االعتقاد ال�سائد لدى العديد من الرو�س هو �أنّهما قد باعا نف�سيهما للغرب و�أ�صبحا معار�ضني من �أجل املعار�ضة. وقد ا�ستفاد حزب رو�سيا العادلة الذي حق ََّق نتائج �أف�ضل مما كان متوقع ًا له يف االنتخابات الربملانية الرو�سية ،من حجم الظهور الذي حقّقه يف املناظرات واملقابالت املتلفزة التي �سبقت االنتخابات -والتي مل يحتكرها حزب رو�سيا املوحدة كما يف ال�سابق -كما ا�ستفاد �أي�ض ًا من ظهوره مبظهر املعار�ضة املعتدلة �صاحبة املبادئ للو�ضع القائم احلايل ،وهو �أمر يعود الف�ضل فيه �إىل قائده �سريجي مريونوف .ويبدو �أنّه قد عزف على وتر بني الناخبني اجلدد على نحو مل تفعله مطلق ًا الأحزاب الليربالية و�أحزاب ال�سوق احلرة الأقدم عمر ًا منه من �أمثال حزب يابلوكو وحزب االحتاد من �أجل القوى اليمينية .لكنه مل يكن من الوا�ضح �إن كان ميثل تهديد ًا بعد لرئي�س الوزراء احلايل. وعلى �أ ّية حال ،ف� ّإن االحتمال الذي ظل قائم ًا على الدوام هو جناح بوتني يف احل�صول على فرتة والية رئا�سية �أخرى -لكنّها فرتة لن تكون �سلطته فيها ك�سابق عهدها .كما � ّأن االحتمالية التي كانت متوقعة على نطاق وا�سع قبل �شهر دي�سمرب ،ب�أنه �سوف يخدم لفرتتني رئا�سيتني �أخرتني مدة كل منهما �ست �سنوات بف�ضل تعديل جرى �إدخاله على الد�ستور ،بدت �أقلّ
حد بعيد. ت�أكيد ًا �إىل ٍّ عد وال�س�ؤال الذي فر�ض نف�سه بقوة هو :هل ُي ّ تناق�ص فرتة رئا�سة بوتني �أمر ًا جيد ًا �أم �سيئ ًا بالن�سبة �سيعزز ذلك من مناخ جديد قوامه الأخذ لرو�سيا؟ هل ّ والعطاء عند قمة هرم ال�سلطة ،مع تبنّي خطوات نحو حياة �سيا�سية �أكرث ن�ضج ًا� ،أم �أنّها �ستف�ضي بدرجة �أكرب �إىل �إفراز �سيا�سات دفاعية الطابع وق�صرية النظر �صادرة عن قائد يراقب ما يجري خلفه بخوف �شديد؟ هل �ستكون رو�سيا �أكرث �أم �أقل ا�ستقرار ًا بعد انق�ضاء �شهر مار�س؟ �شرع مراقبو ال�ش�أن الرو�سي يف و�ضع �سيناريوهات خمتلفة ،بد ًءا من قمع ثقيل الوط�أة جلميع التظاهرات التي تنظمها املعار�ضة ،و�ص ً وال �إىل تخفيف ال�سلطة لقب�ضتها تدريجي ًا وب�شكل م�ؤقت. وبرغم االعتقاالت التي تلت التظاهرات التالية لالنتخابات ،وهو ما ت�س ّبب يف ده�شة من يعتقدون ب�أنه من ال�صعب ت�ص ّور قيام �أي قائد رو�سي -ناهيك عن �أن يكون ذلك القائد هو بوتني -بتخفيف قب�ضة الكرميلني ،فهناك عالمات ت�شري �إىل �أن هذا الأ�سلوب املحدد. الأخري رمبا يكون نهجه املف�ضل� ،إن مل يكن ّ قمع غير مألوف
اجتذبت التظاهرة االحتجاجية التي جرت يف مو�سكو يوم ال�سبت عقب انتخابات 4دي�سمرب ما بني � 30ألف �إىل� 50ألف �شخ�ص .وقام الكرميلني بن�شر �أعداد كبرية من رجال ال�شرطة وقوات وزارة الداخلية ومعداتها -ولكن دون �أن يتم ا�ستخدام �أي منها .ويف مرحلة مت�أخرة� ،أعطت �سلطات املدينة ت�صريح ًا مل�سرية قوامها � 35ألف �شخ�ص وقدمت الرواية الر�سمية هذا العدد على �أنّه عدد من خرجوا للم�شاركة يف التظاهرة. برر هذا الإحجام غري املعتاد عن ا�ستخدام وقد ّ القوة �ضد التظاهرة ،لكنه �سيكون من الته ّور الأحمق التعبري عن �أية ثقة يف �أن هذا املنظور الأكرث اعتدا ًال �سي�ستمر بال�ضرورة .فكما �أظهرت �شعبية بوتني التغي املرتاجعة ،يبدو � ّأن املناخ ال�سيا�سي �آخذ يف رُّ ب�سرعة جتعل من �شبه امل�ستحيل على القادة الرا�سخني تقدم �شبكة الإنرتنت �أي�ض ًا عدد ًا كبري ًا جماراته .كما ّ ممن مل ينتخبوا من قبل؛ حيث تخلق بعد ًا جديد ًا ّ للحمالت االنتخابية وتنظيم امل�سريات ومراقبة االنتخابات ،وهو ُبعد يك�سر احتكار الكرميلني االفرتا�ضي للمعلومات .ولكنه �أي�ض ًا ُبعد ميكن التالعب به من قبل طبقة املوظفني العارفني �إذا ما كلّفت نف�سها عناء حماولة تعلّم طريقة فعل ذلك. والأمر الذي ال يداخله �شك هو � ّأن االنتخابات الرئا�سية متّت يف �سياق �سيا�سي يختلف متام ًا عن ذلك يتم فيه الذي توقعه بوتني وزمرته ،وهو �سياق يجب �أن ّ التخلي عن م�سلمات املا�ضي. تواجه قوى املعار�ضة املتزايدة التن ّوع �أوقات ًا محُ بِطة؛ �إذ �أنّه يجب عليها م�شاهدة تط ّور فر�ص للتغيري لي�سوا ب�أ ّية حال م�ستعدين ال�ستغاللها ،مع علمهم ب� ّأن الفر�صة التالية قد ال ت�سنح �إال بعد �أربع �إىل �ست �سنوات من الآن .وبالنظر �إىل الت�سل�سل الطويل للتاريخ ،فقد ال ت�ساوي هذه الفرتة يف عمر الزمن �سوى طرفة عني، ولكن بالن�سبة جليل جديد ال �صرب لديه ن�ش�أ عقب انق�ضاء احلقبة ال�سوفييتية ،فمن املمكن �أن تبدو هذه
41
من العالم
كوريا الشمالية
ماذا سيحدث بعد ذلك في تلك الدولة المستوحدة؟
42
في الوقت الذي أصبح فيه كيم جونغ أون ،البالغ من العمر 28 يطل علينا ّ «الخلَ ف العظيم» والقائد األعلى لكوريا الشمالية، َ عاماً ، أحد الصحفيين القالئل ممن اعتادوا إرسال تقارير صحفية منتظمة من جانبي الحدود برؤيته التحليلية لمستقبل هذا البلد -وما ينطوي عليه ذلك من آثار على الصين.
قام
بقلم مارك ِسيدون
الكوريون ال�شماليون باختبار قدراتهم ،على نح ٍو جماعي ،قبل موت زعيمهم العزيز كيم جونغ �إيل يف دي�سمرب، حيث د َّوت يف العا�صمة بيونغ يانغ �أ�صداء هتافات ع�شرات الآالف من الأ�شخا�ص حت�ضري ًا للذكرى املئوية ملولد �أ ّول زعيم �شيوعي كوري �شمايل� ،أال وهو «الزعيم العظيم» ،كيم جتمد العالقات بني �إيل �سونغ يف � 15أبريل .1912ومع ّ الكوريتني بالإ�ضافة �إىل عقوبات الأمم املتحدة املوجعة ،مل يكن لدى قيادة كوريا ال�شمالية الكثري لتقدمه ل�شعب دولتهم املك ّون من 24مليون ن�سمة على �سبيل االحتفال �سوى املزيد من نق�ص الطعام قدم فر�ص ًا و�إمدادات الطاقة .لكن موت كيم جونغ �إيل َّ وخماطر للقادة الع�سكريني وزعماء احلزب ال�شيوعي ّ مجلة تفكر.
أبريل 2012
الذين يديرون �ش�ؤون الدولة م�سترتين خلف الرجل الذي ميثّل واجهتهم اجلديدة� ،أال وهو كيم جونغ �أون. �أعيد فتح حدود كوريا ال�شمالية مع ال�صني يف غ�ضون � 48ساعة من وفاة الرئي�س الثاين لكوريا ال�شمالية ،وهي فرتة ق�صرية على نح ٍو غري اعتيادي، وهو �أمر ي�ؤكد من جديد مدى اعتمادية كوريا ال�شمالية الفقرية على جارتها القوية (�إذ ا�ستغرق الأمر �شهور ًا من «احلِ داد التام» قبل �أن ُتف َتح احلدود مع ال�صني بعد وفاة كيم �إيل �سونغ يف عام .)1994 معدالت التجارة بني البلدين -انطالق ًا وقد ت�ضاعفت ّ من م�ستوى متدنٍ للغاية باعرتاف اجلميع -منذ عام .2006ويتمثل �أحد الت�سا�ؤالت الهامة فيما �إذا كان كيم ُرتددة نحو تبنّي جونغ �أون �سي�سرع من خطوات والده امل ِّ ِّ اقت�صاد ال�سوق على الطراز ال�صيني� ،أم � ّأن ذلك قد يهدد ب�إ�ضعاف �سيطرة �أ�سرة كيم على مقاليد ال�سلطة؛ �إذ � ّأن «االعتماد على الذات»� ،أو «جو�شي» “ ،”Jucheقد
43
من العالم
كوريا الشمالية
خدم الأ�سرة احلاكمة جيد ًا ،حتى لو ت�س ّبب يف جعل املاليني من مواطنيهم يت� ّضورون جوع ًا. رمبا يكون كيم جونغ �أون قد �أقدم على ما بدا وك�أنه �إمياءة ا�سرت�ضائية باملوافقة على جتميد االختبارات النوو ّية وعمليات �إطالق ال�صواريخ ،وتعليق تخ�صيب اليورانيوم يف مفاعل يونغ بيون ،و�إعادة توجيه الدعوة للمراقبني الدوليني على من�ش�آته النووية يف مقابل 240 �ألف طن من الأغذية ح�صل عليها من الواليات مت توجيه الن�صح املتحدة .لكنّه من الوا�ضح �أنه قد ّ جده؛ حيث حر�ص لكيم جونغ �أون ب�أن يت�صرف مثل ّ َّ وال�سرتات على ارتداء املعاطف الطويلة الداكنة ُ يف�ضل ارتدا�ؤها الق�صرية التي كان جده كيم �إيل �سونغ ّ عند �إ�صداره لـما ُعرف با�سم «التوجيهات الفورية» يف القواعد الع�سكرية وامل�صانع. املتعمد «بالوالد وبالتايل ف� ّإن اال�ستمرارية والت�ش ُّبه ّ الرمز» الأ�سبق للأمة ال يزال يبدو �أنه االجتاه املختار؛ يتم �إذ � ّأن �أ ّية �إ�شارة �إىل � ّأن �أول قادة �شيوعيني ّ اختيارهم بالتوريث يف العامل ال يحتلّون منزلة تقارب يهدد بقاء يد ُعون �ستكون �أمر ًا خطري ًا ّ منزلة الآلهة كما َّ أهم بالن�سبة للنخبة النظام ب�أكمله ،والبقاء هو الأمر ال ّ القليلة التي حتكم دولة قد تكون فقرية لكنها متتلك �أ�سلحة نووية ،ومتتلك رابع �أكرب جي�ش نظامي على م�ستوى العامل. 44
الزجاج المكسور
قمت ذات مرة بزيارة م�صنع تاي �آن للزجاج ،على بعد 50ميال من بيونغ يانغ .وقد قام ال�صينيون ب�إن�شاء هذا امل�صنع ،وهو م�صنع ُيربز مدى مت ّيزه باملقارنة مع املن�ش�آت ال�صناعية ال�ضخمة القبيحة املنظر واملت�آكلة يقدم مثا ًال تو�ضيحي ًا على بفعل ال�صد�أ القريبة منه .كما ّ العالقة التي تربط ال�صني اجلديدة بدولة علقت يف روا�سب حقبة الثورة الثقافية املاوية على نحو محُ رِ ج لكن خط ال�سكة للغاية .قد يكون ذلك امل�صنع حديث ًاّ ، احلديدية الذي يخدم امل�صنع كان عتيق ًا ومل تكن هناك �شاحنات لنقل الزجاج .ويف الواقع ف� ّإن كل الزجاج الذي �شاهدته كان ُمه�شَّ م ًا لأنّه مل ينجح يف جتاوز اختبارات مراقبة اجلودة .ومل �أجر�ؤ على توجيه �أ ّية ت�سا�ؤالت ،ل ّأن ذلك كان �س ُيحرِ ج الكوريني ال�شماليني كثري ًا. لكن كوريا ال�شمالية �أثبتت ،يف ظل حكم القائدين ّ �ضد ال�سابقني� ،أنّها بارعة يف ت�أليب القوى الكربى ّ بع�ضها البع�ض ،كما تعمل حالي ًا على مغازلة رو�سيا التي ترغب يف ت�شييد خط �أنابيب لنقل الغاز الطبيعي عرب �أرا�ضيها �إىل كوريا اجلنوبية .وكونها متلك رمبا من 6 �إىل � 8أ�سلحة نووية يعد مبثابة ال�ضمانة الأمثل لها �ضد � ّأي تكرار ملحاولة تغيري النظام على غرار ما حدث يف العراق وليبيا .ويالئم ال�صني اعتقاد بقية دول العامل ب�أنّه يف ا�ستطاعتها الت�أثري اقت�صادي ًا وع�سكري ًا على هذه الدولة املتقوقعة على نف�سها ،حتى ومل يقم الكوريون ال�شماليون ب�إخبار ال�صينيني بتجربتهم النووية الأخرية يف عام .2006ويبدو �أن هناك اتفاق �ضمني على �أن كوريا ال�شمالية �ستتمكن لفرتة من الزمن يف تخويف املجتمع الدويل -مثلما فعلت عندما �أغرقت �شيونان ،تلك القطعة البحرية الع�سكرية التابعة لكوريا اجلنوبية يف مار�س ،2010بعد قليل من قيامي بتفقدها يف �إحدى القواعد البحرية بكوريا
اجلنوبية -على �أال جتُ ّر ال�صني املُتحفِّزة �إىل الهاوية معها. وهذا هو ال�سبب وراء �سعي كوريا اجلنوبية لثني وخا�صة ال�صني عن دعمها التاريخي لكوريا ال�شمالية، ّ � ّأن التجارة بينها وبني ال�صني �ضخمة جد ًا باملقارنة مع تلك القائمة بني ال�صني وكوريا ال�شمالية .ومن املعروف � ّأن الرئي�س الكوري اجلنوبي يل ميونغ -باك قد خالف حد ت�شدد ًا �إىل ّ ما د�أب عليه �أ�سالفه وتبنِّى نهج ًا �أكرث ّ كبري �إزاء بيونغ يانغ .و�إىل جانب ت�شديد العقوبات ووقف قدر كبري من املعونات املقدمة من �سيول �إىل كوريا ال�شمالية ،عر�ضت حكومة كوريا اجلنوبية من وراء الكوالي�س �صفقة ممتازة على ال�صينيني؛ ففي مقابل قطع ال�صني ل�صالتها مع كوريا ال�شمالية، �أعلنت كوريا اجلنوبية �أنّها م�ستعدة لدرا�سة �أمر التفاو�ض حول اتفاقية للتجارة احلرة مع ال�صني،
يُ َع ّد معهد راند -قطر
للسياسات ( )RQPIجزءاً من
مؤسسة راند العالمية التي تتمثل مهمتها في تحسين
السياسات وعملية صنع القرارات
عبر البحث والتحليل في مجموعة متنوعة من المجاالت ،بما في ّ
خالل الصيف الماضي ،راقب العالم مشدوهاً بينما كانت أعمال الشغب تُ مزِّ ق المدن أن بريطانيا “قد فقدت الداخلية في إنجلترا .هل أظهر العنف والسلب والتخريب ّ روحها” ،كما يستنتج أدناه أندرو ويلسون ،وهو أحد األدباء البارزين في هذه الدولة؟ لتفكك “الوحدة الجماعية الطبيعية ّ ويلكنز كان نتيجة ِ أم أنّ ه ،كما يقول ريتشارد ج. واألساسية للمجتمع” -أال وهي األسرة؟
ذلك الدفاع واألمن.
لكن كوريا الشمالية أثبتت ،في ظل حكم
القائدين السابقين ،أنّ ها بارعة في تأليب
45
القوى الكبرى ضد بعضها البعض
ف�ض ً ال عن االعرتاف ب�أحقية ال�صني يف ب�سط �سلطتها على كل من تايوان والتيبيت� .ستحقق ال�صني بع�ض املكا�سب ال�سيا�سية واالقت�صادية القوية والوا�ضحة لكن للغاية يف �إطار عملية �إعادة ترتيب الأو�ضاع تلكّ ، املوحدة ال�صني تريد احل�صول على �ضمانات ب� ّأن كوريا ّ لن ت�ست�ضيف قوات �أمريكية على �أرا�ضيها .ولكي يتحقق هذا ال�سيناريو البعيد االحتمال ،يجب �أن تكون كوريا ال�شمالية على �شفا االنهيار الكامل .ومل ترتك كوريا اجلنوبية � ّأي �شيء لل�صدفة؛ فقد قام قادتها عرف بـا�سم «�ضريبة م�ؤخر ًا بفر�ض �ضريبة خا�صة ُت َ أعد َها قد َرت درا�سة � َّ �إعادة توحيد الكوريتني» بعدما َّ احتاد ال�صناعات الكورية كلفة هذه العملية بثالثة تريليونات دوالر �أمريكي. قمت م�ؤخر ًا بزيارة املنطقة منزوعة ال�سالح عند دائرة عر�ض � 38شماالً ،ولكن من ناحية اجلنوب للمرة الأوىل ،ك�ضيف على م�ؤ�س�سة الإذاعة الدولية اخلا�صة بهذه الدولة ،تلفزيون �أريرانغ .بدا الزمن وقد توقف يف هذه املنطقة؛ فمنذ وقف �إطالق النار يف عام 1953 وتوقيع اتفاق الهدنة ،حافظت الكوريتان اللتان ال تزاالن من الناحية الفنية يف حالة حرب على �سالم �ساكن قوامه «ت�أكد كال الطرفني من � ّأن � ّأي حرب �ست�ؤدي قطع ًا �إىل تدمريهما مع ًا نظر ًا للقوة الهائلة املقرر �أن املحت�شدة على كل من جانبي احلدود .ومن ّ ي�ستمر هذا الأمر طاملا ظلت الأولوية يف كوريا ّ ال�شمالية على حالها -ونق�صد بذلك بقاء �أ�سرة كيم احلاكمة يف ال�سلطةl .
حالة من الفساد
لمحة عن الكاتب
مارك ِسيدون مراسل سابق لألمم المتحدة يعمل لصالح قناة الجزيرة اإلنجليزية. ويضم كتابه الذي صدر ّ مؤخرا بعنوان «الدفاع عن ً شيء ما» العديد من أعدها من تقاريره التي ّ داخل كوريا الشمالية.
ّ مجلة تفكر.
أبريل 2012
ضل َّ كيف العالم طريقه
من العالم
التفكك األسري ّ
كان الربيطانيون يح ّبون رجال ال�شرطة فيما م�ضى؛ فالبطل التلفزيوين القدمي -ال�ضابط ديك�سون يف ق�سم �شرطة دوك غرين -كان �شخ�صية ُم َط ْمئِنة .وكانت تلك ال�شخ�صية م�ستوحاة من بطل فيلم بعنوان «امل�صباح الأزرق» الذي �صدم الأمة -حيث كان مو�ضوعه هو مقتل رجل �شرطة �أمني ،وحمبوب بدرجة كبرية :كان قتل �ضابط �شرطة يقرتب من كونه �ضرب ًا التعدي على املقد�سات. من ِّ إىل � ت د � أ أ�سباب ل ا من عة و متن جمموعة تغي الأمور، ّ ّ رُّ ال�شك ،فيما يتعلق بعدد من الق�ضايا لي�س �أقلّها ّ القانونية والتي كان من �أبرزها ق�ضيتي الإرهاب الإيرلندي املعروفتني با�سم «متهمي جيلدفورد الأربعة» مت التالعب و«م ّتهمي برمنجهام ال�ستة» ،يف �أنه قد ّ بالأدلّة واحل�صول على اعرتافات املتهمني حتت الإكراه .مل يعد ممكن ًا بعد ذلك ت�صوير ال�ضابط ذي حي للف�ضيلة .لقد فقد ّ الزي الأزرق على �أنّه رمز ّ الربيطانيون تلك ال�صورة املالئكية التي كانت لديهم عن جهاز ال�شرطة يف بالدهم ،يف نف�س الوقت الذي كانت تتك�شّ ف لهم �أي�ض ًا ف�ضائح عديدة مفادها � ّأن املمر�ضات -مل َيك ُّن املالئكة الآخرين -ونق�صد بذلك ّ �سوى ب�شر �أي�ض ًا. مل يكن الربيطانيون �شعب ًا متد ّين ًا يف يوم من الأيام؛ بيد � ّأن �أ�ساطريهم مت ا�ستثمارها يف الع�صور احلديثة ُمر�ضات .ومع يف �شخ�ص ّيات مثل رجال ال�شرطة وامل ِّ فقدانهم الثقة يف كلّ من املهنتني ،عبرَّ وا عما يو�صف يف الثقافات الأخرى بفقدان الإميان.
ا�ستمر ومع انح�سار ذلك الإ�ضرار املتعمد الذي ّ لب�ضعة �أيام ،ومع جلب رجال ال�شرطة لبع�ض من قاموا ب�أعمال �سلب �إىل العدالة ،بد�أ الربيطانيون ي�س�ألون �أنف�سهم عن �سبب حدوث مثل هذه االعتداءات .وب�شكل عام� ،أراد الي�سار التقليدي لأعمال ال�شغب �أن تبدو كتظاهرات �سيا�سية ،برغم �أنّه كان من الوا�ضح متام ًا � ّأن دوافع من قاموا بال�سلب والنهب مل يكن لها �أ ّية عالقة على الإطالق بالربامج الإ�صالحية �أو الثورية املعتادة� .أما املتد ّينون فقد حزنوا النهيار القيم الأخالقية ،و�أ�شاروا �إىل رجل م�سلم ي ّت�سم بال�شجاعة يف مدينة برمنغهامُ ،قتِل ولده لأ�سباب عن�صرية خالل احلرائق و�أعمال ال�شغب ،لكنه وبرغم ذلك دعا �إىل �ضبط النف�س. ثم بد�أ منط معني يف التك�شُّ ف؛ حيث وجد محُ ِ بو «القانون والنظام» اليمينيون �أنف�سهم يقولون نف�س يردده الي�ساريون تقريب ًا ،والذين بحثوا الكالم الذي ِّ عن منطق ما � -إن مل يكن تربير -ملثل هذا ال�سلوك يف امل�شاكل االجتماعية للمدن الربيطانية الداخلية .وقد �شرع الطرفان يف الإلقاء بالالئمة على ال�شرطة .ويف درا�سة ا�ستق�صائية �أجرتها �صحيفة «غارديان» وكلية لندن لعلم االقت�صاد ،و�أجريت خاللها مقابالت مع ما يزيد عن 270ممن قاموا ب�أعمال ال�سلب وال�شغب، تبينَّ � ّأن العديد من الأ�شخا�ص الذين اقتحموا املتاجر وقاموا ب�سرقة �سلع منها كان يف ا�ستطاعتهم وب ُي ْ�سر �شديد حت ُّمل تكلفة �شراء ما �سلبوه من تلك املتاجر. وقالت غالبية كبرية منهم �أنّهم انخرطوا يف �أعمال ال�شغب ليعبرِّ وا عن ازدرائِهم لرجال ال�شرطة.
إنهيار المجتمع
فقدان الثقة واإليمان
حالة اندلعت من الفساد
بقلم أن ويلسون
�أعمال �شغب خالل ال�صيف املا�ضي يف �إجنلرتا .وقد بد�أت �أعمال ال�شغب هذه يف توتنهام، حد احلي من �شمال لندن الذي يتّ�سم بالفقر �إىل ّ ذلك ّ كبري وتقطنه �أغلبية من �أبناء دول البحر الكاريبي ذوي الأ�صول الإفريقية ،و�شهد ا�ضطرابات مدنية يف ال�سابق. �سلمي على حادثة قتل وقد بد�أت هذه الأحداث باحتجاج ّ م�أ�ساوية كان بالإمكان تفاديها ،حيث قتلت ال�شرطة �شاب ًا �أ�سود كان ُم�سل ََّح ًا مب�سد�س. وخالل �ساعات ،حت َّول ال�سبب الرئي�سي لالحتجاج �إىل
�أمر �آخر؛ حيث �شرع الأفراد الذين يقومون ب�أعمال �سلب يف حتطيم نوافذ العر�ض اخلا�صة باملحالت .ويف ال�ضواحي البعيدة ملدينة لندن ،تطايرت �أل�سنة اللهب يف ال�سماء عندما �أ�ضرمت النريان يف م�ستودعات الأثاث. وقد تنقّل ه�ؤالء ال�سالّبون عرب ال�شوارع بعد تلقيهم لتنبيهات من خالل �أجهزة البالك بريي خا�صتهم تر�شدهم �إىل الأماكن املحتملة التي ميكن للجميع احل�صول منها على ما يرغبون باملجان -فقاموا ب�سرقة الأحذية الريا�ضية ،وال�شا�شات التلفازية البالزمية، و�أجهزة احلا�سوب ،واملالب�س ذات املاركات ال�شهرية. و�سرعان ما انتقل اخلرب �إىل مدن �أخرى .وقد تبنّت كلّ من مدن مان�شي�سرت ،وبري�ستول ،وبرمنغهام ،وليفربول فكرة ما �أطلق عليه �أحد املُ َع ِّلقني ا�سم «ال�شراء بعنف». ّ مجلة تفكر.
من ال�سهل الإلقاء باللوم على افتقار ال�شرطة �إىل الكفاءة عند حدوث خط�أ ما ،لكن يف حالة �أعمال ال�شغب ،يبدو � ّأن �أمر ًا �آخر كان له دور يف ذلك .ويف حني � ّأن الأ�شخا�ص الأكرب �سن ًا رمبا يكونوا قد ت�ساءلوا عما �إذا كانت ال�شرطة قد تعاملت مع هذه املرحلة �أو ّ تلك من اال�ضطراب بتعقّل �أو بح�صافة �أو ب�سرعة كافية ،فقد نظر �إليها من قاموا ب�أعمال ال�سلب على �أنّها فر�صة لت�سوية ح�ساباتهم مع ممُ ثِّلي القانون البغي�ضني .وقد �أخرب م�شاغب يف الثامنة ع�شرة من عمره من مدينة ليفربول �صحيفة «غارديان» قائالً: �ض ثالثة من رفاقي تعر َ «كان الأمر �أ�شبه باجلنون؛ فقد َّ لأذى حقيقي على �أيدي رجال ال�شرطة ....وما قام به رجال ال�شرطة هناك هو جمرد ال�صراخ ِ وال�صياح يف وجهي». لب املو�ضوع ،لي�س ق�صة �أعمال ٍ �شغب هذا هو ّ فح�سب ولكن ق�صة بريطانيا يف الوقت احلايل .من ال�سهل �أن تكون وقح ًا عندما تتحدث عن ال�شرطة مهما كان املكان الذي وفدت منه ،ولكن ت� َّأمل الأمر جيد ًا و�ستدرك � ّأن �شيئ ًا �أعمق قد حدثّ � .إن �ضابط ال�شرطة هو املمثّل الوحيد للدولة الذي يقابله غالبية النا�س، كما �أنّه �أي�ض ًا -وبدرجة �أكرب من رجل الدين �أو الفيل�سوف -امل َُمثِّل الوحيد للقانون ،والرمز الوحيد لل�صواب واخلط�أ ،الذي يقابله غالبيتنا. أبريل 2012
كان األمر أشبه ض بالجنون؛ فقد تعرَّ َ ثالثة من رفاقي ألذى حقيقي على أيدي رجال الشرطة.... وما قام به رجال الشرطة هناك هو والصياح ِ مجرّ د الصراخ
لقد خ�سر الربيطانيون �صناعاتهم الت�صنيعية، وجمتمعات الطبقة العاملة الوثيقة االرتباط ببع�ضها البع�ض والتي كانت تتمركز حول م�صنع� ،أو منجم� ،أو م�صنع للفوالذ .وقد بد�أت الأمور يف التداعي اعتبار ًا من ثمانينيات القرن الع�شرين؛ حيث �أ�صبحت مدينة لندن وال�صناعة امل�صرفية مبثابة املركز القت�صاد كان قائم ًا ذات يوم على ت�صنيع وبيع منتجات حقيقية .كما تعر�ض ال�شعور بال ُه ِو َّية لدى الربيطانيني ملزيد من ّ جراء الهجرة وا�سعة النطاق ،وب�سبب التهديد من ّ املهند�سني املعماريني احل�ضريني احلداثيني الذين قاموا بتدمري و�إزالة ال�شوارع القدمية امل�ألوفة وتكدي�س عامة النا�س يف �أبراج ال روح فيها. لقد خ�سرت بريطانيا امل ُِ�سنَّة التي يدعو حالها للرثاء ذكرياتها ال�شعبية و�إدراكها لل�صواب واخلط�أ .ويف هذا الوقت حتديداً� ،صارت املدر�سة املكان الوحيد الذي ميكن �أن يلتقي فيه النا�س .ولكنه يف هذا الوقت �أي�ض ًا مت فر�ض نظام املدار�س ال�شاملة غري االنتقائي .كان ّ الهدف من هذا النظام هو التوحيد ،لكنه �أ ّدى �إىل نتيجة معاك�سة .فعرب الق�ضاء على املدار�س الثانوية االنتقائية القدمية ب�شكل ال هوادة فيه ،دفع ذلك الأمر حتمل تكاليف املدار�س اخلا�صة �إىل من يقدرون على ّ االلتحاق بها .وقد �أ�صاب بع�ض الطالب الذين التحقوا مبدار�س �شاملة غري انتقائية جناح ًا ،ولكن عدد ًا �أكرب منهم مل ينجح يف درا�سته .وقد �أفرز هذا النظام جيلني
47
من العالم
التفكك األسري ّ
من الطالب الذين يفتقرون �إىل املهارات الأكادميية، والذين مل يكت�سبوا مهارات يدوية ،والذين فقدوا متام ًا ال�سلطة. ِح ّ�س االحرتام جتاه من هم يف ُ كانت بريطانيا فيما م�ضى �أر�ض ًا مليئة بالأيدي العاملة� .أما الآن ،ف�إذا �أردت �س َّباك ًا �أو ّ جنار ًا ،عليك ا�سترياده من �إحدى دول �شرق �أوروبا ال�شيوعية �سابق ًا؛ و�إذا احتجت �إىل اخت�صا�صي يف جراحة الدماغ ،فمن املحتمل �أنك �ستحتاج �إىل ا�سترياده هو �أي�ض ًا� .أما ه�ؤالء القابعني يف قاع ذلك ال ُّركام �-أولئك الذين خذلهم ِّ واملخططون العمرانيون ،واملحامون، النظام التعليمي، و�أرباب الأعمال ،وال�سيا�سيون -فلم يعودوا جمرد ُع ْ�ص َبة ال كام ً �صغرية من ال�شبان ال�ساخطني ،و�إمنا �صاروا جي ً ال يتمتع بال�صحة ومفعم باحليو ّية والطاقة ،لكنّه لي�س لديه ما يقوم به ،كما �أنه مل ُتغ َْر�س فيه �أية قيم من �أي نوع �سواء يف املدر�سة �أو املنزل. � ّإن بريطانيا بلد بائ�س .فه�ؤالء منّا ممن �شاهدوها وهي ُيلقَى بها �أدراج الرياح� ،شيئ ًا ف�شيئ ًا ،وعام ًا بعد عام، ال يرون �أم ً حت�سن الأحوال؛ فال تتوافر ال من � ّأي نوع يف ُّ لدينا املهارات وال املوارد للتناف�س مع ال�صني �أو الهند يف الأ�سواق العاملية .لكن الأعمق من ذلك هو �أنّنا قد خ�سرنا �أرواحنا ،وهذا هو ما �أظهرته لنا �أحداث ال�شغب الأخرية. ولهذا ال�سبب ،ف� ّإن الإلقاء بالالئمة على ال�شرطة مل يكن كافي ًا متام ًا .ولهذا ال�سبب �أي�ض ًا ،ي�شعر معظم الربيطانيون ب�أ�سى يعت�صر قلوبهم عندما يتفكّرون يف الأحداث التي وقعت خالل ال�صيف املا�ضيl .
لمحة عن الكاتب
أن نورمان ويلسون زميل الجمعية الملكية لآلداب، ومؤلف العديد من الكتب، مثل «الفيكتوريون»، و»السيرة الذاتية لتولستوي» التي نال عنها جائزة .وقد قامت دار النشر أتالنتس بوكس بنشر أحدث كتبه تحت عنوان «دانتي عاشقاً ».
ضـل َّّ كيف العــالــم طـريـقـــــه ويلكنز ِ بقلم ريتشارد
في
عام ،1948يف �أعقاب نهاية احلرب العاملية الثانية ،اجتمع �أبرز الفال�سفة ،واملحامني، والباحثني ،والزعماء ال�سيا�سيني يف العامل مبدينة �سان فران�سي�سكو الفتتاح منظمة حكومية دولية جديدة �ضمت �أهداف هذه ُت َ عرف با�سم الأمم املتحدة .وقد َّ ّ مجلة تفكر.
املنظمة اجلديدة لي�س فقط التخل�ص من «ويالت احلروب» واحلفاظ على «ال�سالم والأمن الدوليني»، ولكن �أي�ض ًا تعزيز «التقدم االجتماعي» .بيد � ّأن هذه تقدم اجتماعي يف عام الو�صفة التي اقترُ حت لإحداث ّ 1948قد ت�صيب البع�ض بالده�شة يف عام .2012 مدمرين وقعا خالل الن�صف يف �أعقاب �صراعني ّ الأول من القرن الع�شرين ،تولّد لدى املجتمع الدويل �إدراك كامل ب� ّأن ال�شر امل�ستطري �أمر ممكن ،ورمبا حتمي ،عندما تف�سد القيم الأخالقية الفطرية .وقد جرى تنظيم الأمم املتحدة ملحاربة ال�شر املربمج وتعزيز امل�س�ؤولية االجتماعية ،واللياقة الأخالقية، والتح ُّرر .والأمر املهم هنا هو � ّأن َمن �أن�ش�أوا الأمم املتحدة كانوا ي�ؤمنون ب� ّأن �إجناز هذه الأهداف يتطلَّب احرتام القائمة املختارة من القيم الأ�سا�سية املرتبطة بالأ�سرة ،والزواج ،والأمومة ،وتربية الأطفال. ين�ص وهكذا ،ف� ّإن الإعالن العاملي حلقوق الإن�سان ّ يف مادته رقم )3(16على �أن «الأ�سرة هي الوحدة اجلماعية الأ�سا�سية والطبيعية للمجتمع» ،وعلى �أنها ت�ستحق «احلماية من قبل املجتمع والدولة» .ويف ما بحق قر بـ�أنّه «يجب االعرتاف ّ يتعلق بالزواج ،ف�إنّه ُي ّ الرجال والن�ساء ممن بلغوا �سن الزواج يف الإرتباط بالزواج وت�أ�سي�س �أ�سرة» وب� ّأن «للأمهات والأطفال احلق يف احل�صول على م�ساعدة ورعاية خا�صة» .كما يعرتف الإعالن �أي�ض ًا ب�أولوية وحدة الأ�سرة بخ�صو�ص الق�ضايا املتعلقة بالتعليم وتربية الأطفال :فريى �أنه للوالدين «حق م�س ّبق يف اختيار نوع التعليم الذي �سيتلقاه �أطفالهم». جتاهل تطبيق هذه الو�صفة وللأ�سف ،فقد جرى ُ حد كبري .وبد ًال من دعم االجتماعية احلكيمة �إىل ّ الأ�سرة ،ال تركِّ ز م�ؤ�س�سات وجلان عديدة تابعة للأمم املتحدة على الوحدة اجلماعية الأ�سا�سية ،بل على الأفراد :الن�ساء ،والرجال ،والأطفال ،والأوالد والبنات. أخالق منسية
تقدم كبري وخالل العقود ال�س ّتة املا�ضية ،حت َّقق ّ وجدير بالثناء فيما يتعلق باحلقوق واحلريات الفردية، وخ�صو�ص ًا فيما يتعلق بتحقيق امل�ساواة بني املر�أة والرجل .لكن جرى جتاهل الأ�سرة -وكذلك الف�ضائل املدنية املتمثّلة يف العمل اجلاد ،والت�سامح ،وال�صرب، يتم تعليمها والطيبة ،والتح ُّمل ،وامل�ساحمة التي ّ للأطفال من قِ َبل �أبوين محُ َّبني وحكيمني .وما ُينذِ ر بال�سوء حتى بدرجة �أكرب هو � ّأن املعايري والأخالقيات االجتماعية التي بثَّت احلياة يف الإعالن العاملي حلقوق مت انتقادها ،بل ون�سيانها يف بع�ض الإن�سان قد ّ احلاالت. وخالل اخلم�سني �سنة الأخرية ،تباعدت �أعداد متزايدة من الأكادمييني عن فكرة الأ�سرة -وعن الزواج على وجه اخل�صو�ص .وقام ه�ؤالء الأكادمييني ببطء ،ولكن بثبات ،ب�إقناع �شرائح متنامية من اجليلني ال�سابقني ب� ّأن الزواج ال يتطلب رج ً ال ،وال امر�أة ،ولي�س له و�صف بال�ضرورة ارتباط بالطبيعة .وبد ًال من ذلكُ ،ي َ الزواج الآن ب�أنّه مفهوم نفعي ميكن وينبغي �إعادة بناءه لإ�شباع رغبات الأفراد امل�ستقلني الذين ِ يح ّق لهم أبريل 2012
فــي األنظمــة االجــتماعيــة والــسياسيــة والثقافية المختلفة، توجــد أشكــال مــختلفــة لألســرة
تعريف عالقاتهم احلميمة دون قيود املعايري االجتماعية واجلن�سية القائمة؛ حيث تو�صف الأب ّوة يف يتم االعرتاف بها الف�صول الدرا�سية املعا�صرة ،عندما ّ مت االعرتاف بها �أ�صالً ،ب�أنها �أحد بقايا فرتة و�إذا ما ّ اال�ضطهاد الأبوي. وباخت�صار ،فخالل ال�سنوات الأخرية ،وبد ًال من االعرتاف بالأ�سرة على �أنّها «الوحدة اجلماعية الأ�سا�سية تو�صل العبون عديدون -مبا يف والطبيعية للمجتمع»َّ ، ذلك بع�ض الوكاالت التابعة للأمم املتحدة � -إىل � ّأن الأ�سرة جم ّرد وحدة بناء اجتماعية؛ و�أنّها رمبا تكون وحدة بناء �ضا ّرة يف هذا ال�سياق� .أما الت�صريح الذي يكاد يكون �أحد الطال�سم الآن فهو« :يف الأنظمة االجتماعية وال�سيا�سية والثقافية املختلفة ،توجد �أ�شكال خمتلفة للأ�سرة». عد هذا الأمر �صحيح ًا على �أحد امل�ستويات؛ فلقد و ُي ّ ا�شتملت الأ�سرة دوم ًا على بيوت ال تت�ضمن �سوى والد واحد ،وعلى �أخرى ت�ضم �أبناء من زيجات �أخرى ،وعلى العمات ،والأعمام ،والأجداد، تلك التي حتت�ضن َّ وغريها من �أنواع العالقات الأ�سرية بني الأجيال .لكن يعد �أقل حتفظ ًا بكثري :حيث � ّأن الت�أكيد املعا�صر ّ «الأ�شكال املختلفة للأ�سرة» لي�س لديها الآن بال�ضرورة � ّأي عالقة «بحق الرجال والن�ساء ممن بلغوا �سن الزواج يف االرتباط بالزواج»؛ وبد ًال من �أن تكون عالقة احتاد بني رجل وامر�أة تتمحور حول �إجناب وتربية الأطفال، وامل�ؤكّدة بحكم القانون والعادات االجتماعية القدمية قدم الدهر� ،أ�صبحت الأ�سرة املعا�صرة املفكّكة مفهوم ًا ويتحدد وفقا لالختيار ال�شخ�صي املح�ض. ال �شكل له، ّ وبالتايل ،ف� ّإن الأ�سرة التي ُتفهم بهذه الطريقة ال ميكن �أن تلعب الدور الذي �أناطه بها من �صاغوا م� ّسودة الإعالن العاملي حلقوق الإن�سان. رسم الحدود
واملتغية ح�سب ُعرفة على نحو فردي، رّ �إن «الأ�سرة» امل َّ واملتحررة من الأعراف ال ميكن �أن االجتماعي، ال�سياق ّ تقوم بدور «الوحدة اجلماعية الأ�سا�سية للمجتمع»؛ حيث � ّأن «الوحدة اجلماعية الأ�سا�سية» بطبيعتها يجب حمددة، �أن تتمتع مبعايري وحدود وا�ضحة ،ومبهمة ّ ونتائج متوقعة ،و�أعراف حاكمة� .أما «الأ�سرة» التي ال ترتكز �سوى على اختيارات �شخ�صية ومتغرية، واملتحررة من احلدود ،والتي تفتقر �إىل �أية مهمة� ،أو ّ نتائج� ،أو معايري ،فال ميكن �أن ت�صلح ك�أ�سا�س ملجتمع مدين منظّ م ومنتظم .ونتيجة لذلك ،فبدال من الأ�سرة، �أ�صبحت اللبنة الأ�سا�سية للمجتمع املعا�صر ،وب�شكل تغي من قواعد متزايد ،عبارة عن تركيب ُمربِك ُ وم رِّ يتم فر�ضها من قبل قانونية جرى ابتكارها حديث ًا و ّ الق�ضاة ،وال�سجون ،والإ�صالح ّيات ،والعديد من املوظفني الآخرين املخ ّولني قانوني ًا .وقد حدث كل هذا ب�سبب الطاعة املتزايدة والعمياء للمجتمع للوثن احلديث الذي يطلق عليه ا�سم «ا�ستقالل الفرد»( .بيد � ّأن جمتمع ًا يت�ألف من �أفراد م�ستقلني متام ًا يحتاج، على ما يبدو� ،إىل ح�شود من رجال ال�شرطة وعدد كبري من القوانني للحيلولة دون �أن ُي َج ّن جنون جمموعة كلي). الإن�سانية امل�ستقلّ واجلامح على نحو ّ
49
�إ�ضـ ـ ـ ـ ــاءات تفكّر.
من العالم
التفكك األسري ّ
الحج ّ كارين أرمسترون :0عن راشيل آسبدن :عن الروائيين العرب كيشوار ديساي: عن جوا
51
50
األسرة هي الوحدة الجماعية األساسيّ ة والطبيعيّ ة للمجتمع البد و� ّأن الرجال والن�ساء العظماء الذين � ّأ�س�سوا ٍ حقيقي لأنّه برعب منظمة الأمم املتحدة �سي�صابون ٍ مت جتاهل ،وانتقاد ،بل وهدم «الوحدة اجلماعية قد ّ الأ�سا�سية والطبيعية» التي �أدركوا �أنّها الأ�سا�س والتقدم االجتماعي. ال�ضروري لتحقيق ال�سالم ّ والت�أكيد املوجز على � ّأن «الأ�سرة هي الوحدة اجلماعية الأ�سا�س ّية والطبيع ّية للمجتمع» يعك�س على ينم عن اخلربة حكمة جرى ا�ستخال�صها من نح ٍو ّ امل�سار الكامل للتاريخ الب�شري؛ فالأ�سرة لي�ست جمرد وحدة بناء من �أعمال اخليال الب�شري ،لكنّها -وعلى العك�س من ذلك -ترتبط ارتباط ًا عميق الأهمية بالطبيعة ،بداية من حقائق التكاثر وو�ص ً وال �إىل القوى تت�ضمن احل�صائل التي ت�شكّل ح�ضارتنا ذاتها .وهي ّ االقت�صادية ،والثقافية ،واالجتماعية ،وال�شخ�صية
الإيجابية التي ت�شري الأبحاث احلالية �إىل �أنّها تنبع من تعلّم رجل للعي�ش مع امر�أة وبالعك�س) يف �إطار عالقة زوجية ت ّت�سم بالتزام كل منهما نحو الآخر .ويف احلقيقة � ّإن � ّأي �أمل يف التقدم االجتماعي ،ويف بقاء املجتمع نف�سه ،يعتمد على تلك العالقة. ُي َع ّد التف�سخ والي�أ�س االجتماعي ،مثل ذلك الذي ذكره �أن ويل�سون� ،أمر ًا �شائع ًا للغاية .ولكن بالإمكان حب الأمهات والآباء وم�ساندتهم َعكْ �س هذه الأمور؛ فمع ّ وال�ضراء ،ومع عي�ش ال�سراء َّ لبع�ضهم البع�ض يف َّ الأطفال وتعلّمهم يف �إطار هذه البيئة التي ت ّت�سم بالدفء وال�سرور ،يتم بناء � -أو �إعادة بناء -العنا�صر الأ�سا�سية ملجتمع م�ستقر و�آمن وملتزم ب�آداب اللياقة ،من خالل زوجني اثنني وطفلl .
لمحة عن الكاتب
ويلكنز هو المدير ِ ريتشارد التنفيذي لمعهد الدوحة الدولي للدراسات األسرية والتنمية ،وهو أستاذ كرسي روبرت باركر للقانون (سابقاً ) في جامعة بريجهام يونج.
www.fsd.org.qa
ّ مجلة تفكر.
مقا�صد احلجّ في هذه الصفحة :لوحة «المغناطيسية» ألحمد مطر. في الصفحة التالية :المنظر من على جبل الرحمة في عرفات بعدسة ريم الفيصل.
أبريل 2012
يف كل عام ،ي�ش ُّد ماليني امل�سلمني الرحال �إىل مكة املكرمة لأداء فري�ضة احلج التي يتعينّ عليهم �أدا�ؤها مرة واحدة على الأقل يف ال ُعمر ملن ا�ستطاع �إىل ذلك �سبي ًال .ويف معر�ض هام يع ّد الأول من نوعه ،قام املتحف الربيطاين بجمع ال�صور ،والر�سوم التو�ضيحية ،واملن�سوجات ،واملخطوطات ،وال�صور الزيتية جت�سد هذه ال�شعرية من �شتّى جنبات الأر�ض وعلى امتداد زمان �ضارب يف القدم لأكرث والتحف التي ّ من 14قرن ًا كان احلجيج يفدون خاللها �إىل الأرا�ضي احلجازية للطواف بالبيت العتيق .وت�صحب هذه املجموعة املهيبة الزائر يف رحلة على طريق مادي وروحاين يف � ٍآن واحد ،لإلقاء ال�ضوء على تلك ال�شعرية الإ�سالمية «احلج :رحلة �إىل قلب الإ�سالم».
} َو�أَذ ِّْن يِف ال َّن ِ ال ِّج ا�س ِب حْ َ َي�أْتُوكَ ِر َج اًال َو َعلَى كُلِّ َ�ض ِ ام ٍر ني ِم ْن كُلِّ َف ٍّج َع ِم ٍ يق{. َي�أْ ِت َ
مزولة ومؤشر لتحديد اتجاه القبلة مصنوعان من العاج .أحد أعمال بيرام إلياس .تركيا 1583-1582
القر�آن الكرمي� ،سورة احلج ،الآية 30-27
53
بقلم كارين أرمسترونغ
إذا نظرنا إلى تاريخ الروحانية الإن�سانية� ،سنجد �أنّ احلج ميثل منوذجا منطيا ب�شكل كبري؛ فقبل وقت طويل على بدء قيام الب�شر بر�سم اخلرائط لعاملهم على نحو علمي، الـمعتقد �أنّ �أي قاموا بتطوير «جغرافية ّ مقد�سة» .كان من ُ �شيءٍ يف العامل الطبيعي يربز عن حميطه يمُ كنه منح الب�شر املقد�س ،لأنه عبرّ عن �شيءٍ �آخر .ويف َموجل ًا مبا�شر ًا للعامل ّ تلك املنطقة القاحلة من �أر�ض احلجاز ،قد يكون بئر زمزم قد ح َّول مكة �إىل بقعة مقد�سة ،قبل بناء املدينة يف ذلك املكان بزمن طويل .وعلى الدوام� ،أ�شارت خ�صائ�ص املاء مقد�سة. الداعمة للحياة واملط ِّهرة �إىل وجود ق ّوة ّ التوجه العلمي ،نرى الرموز منف�صلة ويف جمتمعنا ذي ّ جوهر ًيا عن ال�شيء الذي ت�شري �إليه ،لكن طوال معظم التاريخ الب�شري� ،شارك الرمز يف الواقع الذي م ّثله ومنح النا�س مولجِ ًا ي�صلون من خالله �إىل حقيقة محُ رِّية مل يكن من املمكن عر�ضها وفق ًا لقواعد املنطق. تعد جتربة «االرتقاء» ال َو ْجدي �أمر ًا غاية يف الأهمية: ّ مجلة تفكر.
أبريل 2012
“الحج :رحلة إلى قلب اإلسالم” معرض
أقيم في المتحف البريطاني بلندن ،خالل
الفترة من 26يناير 19 -أبريل .أما الكتاب المرافق ،الذي حرّ رته أمينة المعرض
فينيشيا بورتر ،وأسهمت فيه كارين
أرمسترونغ ،وماس عبد الحليم ،وهيو كينيدي ،وروبرت إروين ،وضياء الدين
سردار ،فمن منشورات مطبعة المتحف
البريطاني ،ويمكن طلبه عبر الموقع
التاليbritishmuseum.org/shop :
لهذا جند الزقّورات (الأهرام الرافدية) والأهرامات احلا�ضرة يف كل مكان ،وم ّكنت احلجاج من االرتقاء رمزي ًا عرب امللكوت ليقابلوا ر ّبهم ،وال�صور الوا�سعة االنت�شار للقطب �أو ال�شجرة �أو ال�س ّلم الكوين ،والتي تعمل على �شكل «حمور» يربط العامل ال�سفلي بالأر�ض وال�سماء .وجند ال�سلَّم املقد�س يف احللم اخلارق للطبيعة ليعقوب يف بيت �إيل ويف ّ املعراج ،الذي ارتقى بالنبي حممد (�ص ّلى اللهّ عليه و�س ّلم) من بيت املقد�س �إىل العر�ش الإلهي .لقد كان رمز الع�صر الذهبي الفردو�سي يف �أول الزمان على نف�س الدرجة من االنت�شار؛ �إذ �إنّه �أ�سطورة موجودة يف كل الثقافات تقري ًبا. وهي ال تعبرّ عن احلقيقة التاريخية فح�سب ،بل وعن مقدر ًا لها �أن قناعتنا الفطرية ب�أنّ احلياة الب�شرية مل يكن ّ تكون غري ُمر�ضية �أو معيبة �أو م�أ�ساوية �إىل هذا احلد .ويف العامل الإ�سالمي ،تط ّورت تقاليد تزعم �أن الكعبة هي �أعلى بقعة على وجه الأر�ض ،لأن جنم القطب ُيظهرها يف مواجهة مركز ال�سماء ،و�أنّها ترمز للمكان الذي بد�أت فيه احلياة الب�شرية ،حيث تقع جنة عدن ،وحيث �س ّمى �آدم احليوانات ب�أ�سمائها ،وحيث �سجدت كل املالئكة والأرواح (ما عدا �إبلي�س) لأول الب�شر. يبد�أ احلج ،مثل امل�سعى الديني نف�سه ،ب�إدراك مفاده �أن
�إ�ضاءات تفكّر.
هناك �شيء خاطئ .غري � ّأن لدينا قدرة فريدة على االجنذاب ال�صويف الذي ميكننا من «الوقوف خارج» يعد اجل�سد وريث ًا لها ،و�أن نلمح �شيئا ي�سمو الأمرا�ض التي ّ على اخلربة الدنيوية .ولهذا ف� ّإن احلجاج يلتم�سون مكان ًا قد�س منه �إىل عاملنا املعيب الفاين .يحدث معروفا بنفاذ املُ َّ ذلك �أحيانًا يف الأحالم ،مثل حلم يعقوب ،و�أحيانًا يف حدث كوين (كما حدث عندما �سقط النيزك ،الذي ٍ ُعرِ َف فيما بعد با�سم احلجر الأ�سود ،من ال�سماء على مكة)؛ و�أحيانًا عند الو�صول �إىل حالة روحانية خارقة للعادة ،مثل االحتاد ال�صويف مع الإله ،الذي يخلق «حمو ًرا» (قطبا) يربط الأر�ض بال�سماء.
54
أن بيئتهم املبا�شرة ال ميكن �أن وإلدراكهم ّ تل ّبي �أعمق احتياجاتهم ،ي�سعى احلجاج اللتما�س «عالج ال ُب ْعد»؛ حيث ينقطعون ب�صورة رمزية عن الوجود الدنيوي (غالب ًا عن طريق النَّذْ ر �أو ارتداء مالب�س خا�صة) ويغادرون املكان الذي يعد طرفي ًا من املنظور الروحي نحو «املركز» ،ومن ثم تف�صلهم م�شقّة الرحلة عن منط حياتهم املعتادة .وترمز م�شاق الطريق �إىل �صعوبة «االرتقاء»؛ ويتم هدم املعايري ندان االجتماعية ،حيث ي�سري الغني والفقري على �أنهما ّ
الحج ّ
يشد ماليين المسلمين ّ في كل عام، الرحال إلى المملكة العربية السعودية من مختلف أنحاء العالم إلتمام واحد من أهم الفروض الدينية في اإلسالم. الحج هو رحلة روحية إلى الله ،وهو واجب ديني يجب أداؤه على األقل مرة واحدة في العمر ،على كل مسلم عاقل بالغ صحيح البدن ولديه القدرة المالية تحمل تكاليفه. على ّ في كل عام ،يسافر ماليين المسلمين إلى مكة
مت�ساويان. يعد احلج مبثابة تدريب �أ�سا�سي ،فهو م�شقة ت�أخذ �شك ً ال ّ طق�سي ًا ،وتدفع امل�شاركني فيها �إىل حالة خمتلفة من الوعي .متثّل الطقو�س فن ًا يفتقده العديدون يف الغرب ،وال �شك يف � ّأن بع�ض احلجاج هم �أكرث مهارة يف �أداء احلج من غريهم .وال تعتمد فاعلية ال�شعرية على جمرد اعتقاد �ساذج .ويف املجتمع التقليدي ،مل تكن ال�شعرية نتاج �أفكار دينية ،بل كانت هذه الأفكار نتاج ال�شعائر. والكلمة ال�سن�سكريتية ملكان احلج هي تريثا ،tirtha والتي ا�شتُقت من الأ�صل trوالذي يعني «العبور». وعند بلوغ احلجاج وجهتهم املن�شودة ،ف�إنهم يقومون بت�أدية �شعائر �أخرى ،جرى و�ضعها بعناية مل�ساعدتهم على االنتقال للحالة املقد�سة. يقوم احلجاج �أحيانًا بتقليد حركات ال�شخ�صيات الرئي�سية املرتبطة باملكان املقد�س، وعرب تكرار هذه احلركات النمطية ،ف�إنهم يرتكون �شخو�صهم الدنيوية خلفهم وي�صبحون �شيئ ًا �آخر ًا، �أعظم قدر ًا ،لربهة ق�صرية .ويف مكة املكرمة ،يعيد احلجاج متثيل ق�صة ال�سيدة هاجر ونبي اهلل �إ�سماعيل. سريا على خطى الأنبياء �آدم و�إبراهيم وحممد (عليهم و� ً ال�صالة وال�سالم) ،ف�إنهم يطوفون حول الكعبة �سبعة
المكرّ مة بالمملكة العربية السعودية ،ألداء مناسك الحج :ووفقا لإلدارة المركزية لإلحصاء والمعلومات في المملكة العربية السعودية ،فقد شارك في موسم الحج لعام 2011ما مجموعه 2,927,717 حاجاً من 183جنسية ،بزيادة قدرها 5بالمائة عن العام السابق. كان الحج تقليدا ً راسخا ً في زمن النبي محمد (صلّ ى الله عليه وسلم) .وحسبما جاء في القرآن أول من أمره الله نبي الله إبراهيم هو ّ فإن ّ الكريمّ ، بدعوة الناس إلى الحج. يلعب الحج دورا ً رئيسيا ً في اإلسالم؛ فهو وقت يلتقي فيه المسلمون من جميع أنحاء العالم مع األخوة ّ بعضهم البعض من أجل عبادة الله بروح من العالمية. وابتداء من يوم الثامن من ذي الحجة (الشهر ً الثاني عشر من التقويم الهجري اإلسالمي) يؤدي كل حاج سلسلة من المناسك الممثّ لة للمحات من حياة نبي الله إبراهيم وزوجته السيدة هاجر. يقوم الحجاج بأداء الطواف بالسير سبعة أشواط، بعكس اتجاه عقارب الساعة حول الكعبة ،وهي هذا البناء المربع األسود الذي يقع في قلب مكة المكرمة .وبعد ذلك ،يؤدون شعيرة السعي ،عن طريق السير بين تلّ ي الصفا والمروة ،في تصوير لبحث السيدة هاجر المستميت عن الماء.
يقضي الحجاج اليوم التالي لذلك في الصالة التل الذي ألقى من ّ والدعاء على جبل عرفات ،وهو فوقه رسول الله خطبة الوداع ؛ وبعد ذلك يفيضون يرددون إلى مزدلفة ،حيث يقضون الليل وهم ّ األدعية ويجمعون الحصى. الحجاج إلى منى ّ وفي العاشر من ذي الحجة ،يعود حيث يرمون الجمرات على عدد من األعمدة الحجرية التي تمثّ ل الشيطان .وتمثّ ل هذه الشعيرة إعادة لتمثيل قيام نبي الله إبراهيم بإلقاء الحجارة على الشيطان الذي كان يحاول إثناءه عن التضحية بولده، ويرمز للثقة الكاملة التي يوليها المسلم لله تعالى. في وقت الحق ،يعود الحجاج إلى مكة المكرمة، حيث يؤدون مناسك الطواف والسعي مرة أخرى. وبعد ذلك يسوقون األضحية أو الهدي ،حيث يتم توزيع لحومها على األهل ،واألصدقاء ،والفقراء. وبعدها يعود حجاج بيت الله الحرام إلى منى ،حيث يقضون اليومين المقبلين ويقومون برمي الجمرات. وفي اليوم األخير ،يعود الحجاج إلى مكة المكرمة ،حيث يؤدون طواف الوداع والسعي، وبالتالي ينهون رسميا أداء فريضة الحج.
«يكتسب معرض «الحج :رحلة إلى قلب اإلسالم» أهميته من رافدين أساسيين هما المنظور التاريخي لهذه الشعيرة ،ودور المعرض نفسه في تعزيز الوعي الثقافي ،إذ يرسم صورة تسهم في استيعاب مفردات تلك الرحلة التي ال تقتصر على تأدية شعائر دينية فحسب ،بل تمثل أيضاً درباً عتيقاً التقت عليه دروب التجار ومنتدى خالقاً لتبادل المعارف وتالقح األفكار التي هي نتاج عقول أريبة اجتمعت من أقصى بقاع األرض .ومما زادنا فخراً أن تشارك دولة قطر في هذا المعرض بأحد مفتاحي الكعبة النادرين المملوكين لمتحف الفن اإلسالمي .وقد اكتسى هذان المفتاحان اللذان صنعا خصيصاً للكعبة ،بيت الله الحرام ،بأروع عناصر التصميم التي أفرزتها الحضارة اإلسالمية في العصور الوسطى».
تصور الحرم في مكة المكرمة ،إزنيق ،تركيا ،القرن 17 ّ باألعلى :بالطة الصفحة المقابلة :قنينة مصنوعة من الخزف الصيني تحتوي على ماء زمزم باألسفل :مفتاح نادر للكعبة من العصور الوسطى ،متحف الفن اإلسالمي في الدوحة
ترعى هيئة متاحف قطر أول معرض ضخم ألعمال الفنان داميان هيرست في قاعة «تيت مودرن» اللندنية خالل الفترة من 4أبريل إلى 9 سبتمبر .2012
هذه المعلومات مقدمة من الفنار ،مركز قطر الثقافي اإلسالمي . fanar.gov.qa
ّ مجلة تفكر.
سعادة الشيخ حسن بن محمد آل ثاني مستشار الشؤون الثقافية في مؤسسة قطر
أبريل 2012
�إ�ضاءات تفكّر.
الح ّجاج (دليل لوحة من نسخة كتاب أنيس ُ الحجاج) .الهند المغولية 1680-1677 ّ
رسم يظهر الكعبة في مكة المكرمة كمركز العالم. طريح-أي هندي-أي غربي .تركيا1650 ،
56 ستارة لباب الكعبة باسم السلطان عبد المجيد خان. القاهرة1847-1846 ،
�أ�شواط يف ممار�سة ت�أملية يرتكون فيها ذواتهم خلفهم ويندجمون يف هذا اجلمع الغفري .ويف القد�س ،ي�صنع حمطات لل�صلب على طول طريق الآالم Via امل�سيحيون ٍ .Dolorosaويف كربالء ،ينتحب �أفراد الطائفة ال�شيعية ب�صوت عالٍ يف الوقت الذي تحُ �ضر فيه الرو�ضة ،وهي ٍ تالوة ر�سمية لق�صة احل�سني ،هذه امل�أ�ساة اخلالدة �إىل الع�صر احلا�ضر. وبالنسبة لمن لم ُيدرك مغزاه ،قد يبدو احلج غري لكن هذه التناق�ضات �ضرورية مرتابط ومتناق�ض ًاّ . لل�شعرية ،ل ّأن القد�سية تتجاوز حدود الطبقات املعروفة، لذا فنحن نقوم بت�شويهها �إذا حاولنا ح�صرها يف مفاهيم محُ ْ كمة ومنف�صلةّ � .إن التدريب الأ�سا�سي الذي ميثّله احلج يعلّم امل�شاركني تقدير املفارقة اجلوهرية للفكر الديني، للذهاب ملا وراء االزدواجية ،وبالتايل الولوج �إىل الر�ؤية الأولية جلنّة عدن. يعد هذا �أمر ًا �صعب ًا بالن�سبة ملن مل ي�ألفوا منطق ّ ال�شعرية والأ�سطورة .ويف لغة اخلطاب ال�شعبية املعا�صرة، �أ�صبحت كلمة «�أ�سطورة» تعني �شيئ ًا غري حقيقي ،وقد جعل هذا الأمر مو�ضوع الدين �أمر ًا �صعب ًا بالن�سبة لكثري
كارين أرمسترونغ باحثة رائدة في مجال األديان ،ومؤلفة لما يزيد عن خمسة عشر كتاباً مبيعا ،ومنها: ً من أكثر الكتب «حجة إلثبات وجود الله”، للنبي”، ّ و”محمد :سيرة ذاتية و”اإلسالم :تاريخ موجز”. وخالل عملها كسفيرة األمم المتحدة لتحالف الحضارات، منحتها الحكومة المصرية في عام 2007وسام الفنون والعلوم نظير ما قدمته من خدمات لإلسالم ،وهي بذلك يتم أول شخصية أجنبية ّ منحها هذا الوسام.
من الغربيني .لكن على مدى معظم فرتات التاريخ الب�شري ،كان يتم فهم كلمة «�أ�سطورة» (من الكلمة الإغريقية ،mutheinوالتي تعني «غلق العينني �أو الفم»، وبهذا ت�شري �إىل ال�صمت والغمو�ض) ب�شكل �أكرث �صحة على �أنّها ت�شري لهذه الأبعاد من اخلربة الب�شرية التي مل تكن �سهلة االنقياد للخطاب املنطقي؛ فالأ�سطورة �أكرث من حادثة طبيعية ،كما �أنّها �أي�ض ًا متثل يف الأ�سا�س برنامج عمل .وميكن �أن ت�ضعنا ق�صة �أ�سطورية يف الو�ضعية الروحانية ال�صحيحة ،لكن يعود �إلينا �أمر القيام باخلطوة التالية .و�إذا مل نقم بذلك ،ف�ستظل الأ�سطورة ُمبهمة وغري مفهومة .وال تعني اخلرافة �شي ًئا حتى يتم ترجمتها �إىل �إجراء عملي بطريقة �أو ب�أخرى .ويتطلب ذلك �أحيانًا ممار�سة �أخالقية ،و�أحيان ًا يف �إعادة لتمثيل الطق�س ،والتي تك�شف حقيقة الأ�سطورة عند م�ستوى �أعمق من امل�ستوى العقالين .وما احلج �إال تلك ال�شعرية �أو ذلك الطق�س. نتعرف ورمبا ميكننا ،من خالل درا�ستنا للحج ،لي�س �أن ْ على الإ�سالم فح�سب ،بل �أن ن�ستك�شف �أي�ض ًا اجلوانب غري املطروقة داخلناl .
ِ �أزاهري ح�س َّية من الربيع العربي
ظهر الروايات اجلديدة ال�صادرة عرب �أرجاء ال�شرق الأو�سط �أنّ املنطقة ال ت�شهد نه�ض ًة ُت ِ �سيا�سي ًة فح�سب ،بل �أي�ض ًا ثقافي ًة و�أدبي ًة ُمف َعمة باحليوية. بقلم راشيل آسبدن
على مدار العقد املا�ضي احلافل باال�ضطرابات يف ال�شرق الأو�سط ،مل يلتفت الغرباء ممن يلتم�سون تو�ضيحات حول �أعقد عن املنطقة ّ م�شاكلها �إىل ال�سيا�سيني �أو خرباء الإعالم ،بل اتجّ هوا �إىل الروايات الأدبية ال�صادرة يف املنطقة .ولدى كل دولة روايتها الأكرث مبيع ًا وال�سهلة الفهم بالن�سبة
تقدم كلية لندن الجامعية في قطر برامج الدراسات العليا في دراسات المتاحف وحماية اآلثار وعلم اآلثار العربية واإلسالميةucl.ac.uk/qatar . ّ مجلة تفكر.
أبريل 2012
«ع َّداء الطائرة للغربيني :ففي �أفغان�ستان ،هناك رواية َ الورقية» للكاتب خالد ح�سيني� ،أما �إيران فلديها رواية «قراءة لوليتا يف طهران» للكاتبة �أذر نفي�سي ،ويف ليبيا هناك رواية «يف بلد الرجال» للكاتب ه�شام مطر -وقد ُك ِت َبت هذه الروايات الثالثة باللغة الإجنليزية .لكن قد َمت رواية «عمارة يعقوبيان» فيما يتعلق مب�صرَّ ، باللغة العربية للكاتب عالء الأ�سواين «ملحة رائعة» ،كما �صاغتها جملة « ،»New York Review of Booksيف قلب دولة ك ّبلتها عقود من احلكم اال�ستبدادي. وقد �أحدثت رواية الأ�سواين التي نُ�شرت للمرة
�إ�ضاءات تفكّر.
58
الأوىل يف عام ،2002وهي عبارة عن ق�صة ح َّية للف�ساد والرومن�سية والفكر الإ�سالمي والكفاح اليومي من �أجل �ضجة وقت �صدورها ،فقد بيع منها مئات البقاءّ ، الآالف من الن�سخ يف منطقة تكافح املطبوعات من �أجل ك�سر حاجز الثالثة �آالف ن�سخة .وبحلول وقت و�صولها �إىل اجلمهور القارئ باللغة الإجنليزية يف عام ،2004 كان زخم الرواية كافي ًا لك�سر الالمباالة الطويلة الأمد من قبل �أ�سواق �أمريكا واململكة املتحدة جتاه الأدبيات املقررات الدرا�سية املرتجمة .لقد مت اعتماد الرواية يف ّ اجلامعية ،وجرت مناق�شتها يف جمموعات القراءة، والتو�صية بها للدبلوما�سيني؛ حيث احتفظت كارين هيوز م�ست�شارة الرئي�س الأمريكي جورج دبليو بو�ش بن�سخة منها على املن�ضدة املوجودة بجوار �سريرها. وكما ُيظهِ ر جناح رواية «عمارة يعقوبيان» ،ف�إنّه ي�ستحيل �أن نف�صل �شهية الغرب جتاه الأدب العربي عن هو�سه بال�سيا�سة العربية .ويف الأ�شهر االثني ع�شر التي �شهدت فرار زين العابدين بن علي من تون�س ،ومقتل معمر القذايف خارج ِ�سرت ،وخلع ح�سني مبارك من ال�سلطة يف القاهرة ،تت�سم تلك ال�شهية بكونها �أكرب من �أي وقت م�ضى .ويف اخلريف املا�ضي ،قامت دار بلومزبري -م�ؤ�س�سة قطر للن�شر ،وهي �شراكة عمرها ثالث �سنوات بني دار الن�شر الربيطانية بلومزبري وم�ؤ�س�سة قطر ،بن�شر ثالث روايات م�صرية مرتجمة �إىل الإجنليزية هي :رواية «تاك�سي»التي كتبها خالد اخلمي�سي؛ ورواية «فريتيجو» التي كتبها �أحمد مراد؛ ورواية «يوتوبيا» التي كتبها �أحمد خالد توفيق .كل هذه الروايات هي نتاج تلك الفرتة الطويلة من اال�ضطراب امل َُد ْم َدم الذي �سبق ثورة يناير .2011وب�شكل ما ،ف� ّإن جميع هذه الروايات الثالث -وكما تزعم املقاالت التقريظية التي ُك ِت َبت فيها « -قد تن ّب�أت بالربيع ق�صة بعث جديد لفن العربي» ،لكنها تروي �أي�ض ًا ّ الق�صة العربية والذي يجاري التغريات ال�سيا�سية. تقدم «تاك�سي» ،وهي الرواية الأكرث مبيع ًا باللغة ّ العربية منذ ن�شرها يف عام ،2006الإطاللة الأكرث مبا�شرة على م�صر يف بدايات القرن احلادي والع�شرين .فربغم �أنّها ت�أخذ ال�شكل الق�ص�صي� ،إال تتم �أنّها تبدو تاريخ ًا �شفهي ًا للحياة يف القاهرة -كما ّ ر�ؤيتها من خالل �أعني � 80ألف �سائق تاك�سي يكافحون من �أجل لقمة عي�شهم -بدرجة �أكرب من كونها رواية. تت�ضمنها واملونولوجات الـثمانية واخلم�سني التي ّ الرواية ،وامل�ستوحاة من رحالت حقيقية بعربات تاك�سي ا�ستقل ََّها اخلمي�سي ،عبارة عن خال�صة وافية من ال�صعاب ،والفكاهة ،واملعاناة ،والتطلّع؛ يف �إعادة �إحياء لعبارة �صارت مبتذلة ب�سبب كرثة ا�ستخدام خرباء ال�سيا�سة اخلارجية لها ،ميكن القول ب� ّأن هذه هي حرفي ًا �أ�صوات ال�شارع العربي .وي�سرد �أحد �سائقي التاك�سي تفا�صيل قواعد حزام الأمان التي تعود للعهد البيزنطي ،والتي جرى و�ضعها من �أجل انتزاع �أكرب قدر ممكن من الر�سوم والغرامات منه هو وزمالئه، كما ي�سخر �آخر من الأ�ضحوكات الذين يرت�شحون �ضد ٍ انتخابات مزيفة. الرئي�س يف رمبا تكون الق�ص�ص الأكرث ت�أثري ًا يف نفو�سنا هي ق�ص�ص الأمل الذي ال ت�ضعفه التجربة؛ حيث يحلم �أحد محُ ِ ِّبي كرة القدم بقيادة �سيارة التاك�سي اخلا�صة
خالد الخميسي
«لقد ج ّربنا كل �شيء :لقد ج ّربنا امللكية ومل تجُ د نفع ًا ،وج ّربنا اال�شرتاكية مع عبدالنا�صر والتي حتى يف ذروتها كان ال يزال لدينا با�شوات من اجلي�ش واملخابرات .وبعد ذلك ج ّربنا الو�سط ،ثم ج ّربنا الر�أ�سمالية ،لكن مع وجود ح�ص�ص متوينية حكومية وقطاع عام وديكتاتورية وقانون طوارئ ،فقد �أ�صبحنا �أمريكان و�شيئ ًا ف�شيئاً �سنتح ّول �إىل �إ�سرائيليني ،وحتى ذلك لن يجدي نفع ًا» -تاك�سي
به على طول الطريق من القاهرة حتى كيب تاون مل�شاهدة مباريات ك�أ�س العامل ،2010بينما يجد � ٌأب كادح ت�سليته يف ا�صطياد الأ�سماك من فوق الكباري امل�ش ّيدة على نهر النيل؛ �إذ ُيخبرِ ركاب عربته املتعاطفني معه قائالً�« :إذا جل�س كل �شخ�ص ونظر �إىل �صفحة املاء ،ف�سوف تكون حياتنا �شيئ ًا �آخر متام ًا، حيث لن تكون هناك ر�شوة �أو ف�ساد ،ل ّأن ال�شخ�ص ذا القلب الطاهر ال ميكنه ارتكاب الآثام» .ويروي كل ال�سائقني ق�ص�ص كفاحهم اليومي مع التكاليف الآخذة يف التزايد للطعام والوقود ،ورجال ال�شرطة الذين ي�سلبونهم مالهم ،و�أ�صحاب �سيارات التاك�سي ّ مجلة تفكر.
اجل�شعني ،وهموم رعاية الأ�سرة يف الوقت الذي يتداعى فيه النظام من حولهم .ويف ترجمة جوناثان رايت بالهمة . البارعة التي تت�سم باحليوية ،جتي�ش �أ�صواتهم ّ وت�سجل رواية «تاك�سي» ،املُهداة �إىل «احلياة التي ت�سكن كلمات الب�سطاء»� ،أ�صوات ه�ؤالء الذين لن ويعد نحو %30من ال�شعب يقر�ؤوها على الإطالقّ . امل�صري � ِّأمي ًا ال يعرف القراءة والكتابة ،وبالن�سبة لغالبية العدد املتبقي تكلّف القراءة ما ًال ووق ًتا ال ميكنهم حتمل تكاليفه .وقد �أبقت هذه البيئة، مق�ص الرقابة وحالة الركود ال�سيا�سي باالقرتان مع ّ واالقت�صادي ،على ا�ضطهاد ال ُّك ّتاب ل�سنوات .وبحلول ثمانينيات وت�سعينيات القرن الع�شرين ،كان عدد قليل للغاية م�ستعد ًا الرتداء عباءة الروائي والنا�شط ال�سيا�سي ال�صريح «املنتمي �إىل جيل ال�ستينيات» �صنع لكن ال�سنوات الأخرية من حكم مبارك اهلل �إبراهيمّ . مت �شهدت زيادة تدريجية يف الن�شاط الأدبي .وقد ّ التخفيف من قب�ضة الرقابة على الأعمال الفنية ولكنها ظلت موجودة (فعلى �سبيل املثال ،مت يف عام 2009 حظر رواية «مرتو» التي كتبها الروائي جمدي ال�شافعي، والتي ُت َع ّد �أول رواية ُم�ص َّو َرة للكبار) .وقد �شرعت متاجر كتب عالية اجلودة م�ستوحاة من الغرب يف فتح مت فروع لها عرب القاهرة واملدن الكربى الأخرى .كما َّ ت�أ�سي�س دور ن�شر م�ستقلة على �أيدي محُ ِ َّبي الكتب من ال�شباب �أمثال حممد ال�شرقاوي ،والتي كانت دار املالمح للن�شر اململوكة له �أول من يقوم بن�شر رواية «مرتو». مب�شرين بالتغيري كان هناك يف نف�س الوقت ِّ ال�سيا�سي :ففي عام ،2004جرى ت�شكيل حركة املعار�ضة «كفاية» التي تعد مبثابة ال�سلف للتنظيمات الثورية التي برزت يف عام .2011ويف عام ، 2005 تر�شح �أمين نور ،وهو حمام �سابق يبلغ من العمر 41 َّ �سنة� ،ضد مبارك يف حملة رئا�سية مهمة للغاية اجتذبت دعم العديد من الليرباليني .كما بد�أت االحتجاجات واالن�شقاقات العامة يف النمو -برغم كونها �صغرية الت�صدي لها و�إخمادها بوح�شية ،حيث النطاق وجرى ِّ كان الك َّتاب والفنانون الآخرون يف طليعة ال�صفوف. وقد كانت �إ�شارات التغيري تلك هي ما �ألهم اخلمي�سي، بالإ�ضافة �إىل �آخرين عديدين ،بالبدء يف الكتابة. ويقول عن اخلمي�سي مو�ضح ًا كيفية ن�شوء فكرة رواية «تاك�سي»« :اهتز املجتمع يف عام 2005مثل خمفوق هزنيِ هذا اخلفق» .لكن رواية «تاك�سي»، احلليب ،وقد ّ مثلها يف ذلك مثل روايتي «فريتيجو» و «يوتوبيا» ،لي�ست بيان ًا بالأهداف؛ �إذ � ّأن طموحات ه�ؤالء الروائيني كانت �أدبية �أكرث منها �سيا�سية. يف حالة رواية �أحمد مراد التي حتمل عنوان «فريتيجو» ،تتمثّل هذه الطموحات يف ترجمة الرواية املثرية التي تدور يف �سياق ح�ضري ،وهو جن�س �أدبي جديد على العامل العربي ،بحيث تتوافق مع �شوارع ُتك�سرة .وتت َّبع النتيجة بل َّية م�ص ّور �شاب القاهرة امل ِّ يعمل يف �أحد الفنادق ،يدعى �أحمد كمال ،كان �شاهد ًا على عدد كبري من جرائم القتل عندما ت�صادم بع�ض �أ�صحاب ال�شركات التجارية الكربى مع ال�سا�سة يف ح�صري يقع على �سطح الفندق .وبعد طرده من َم�شْ َرب ّ كم�ص ِّور العمل بالفندق ،يح�صل �أحمد على وظيفة ُ أبريل 2012
مقيم يف �أحد مالهي الرق�ص ال�شرقي الليلية ال�سيئة ال�سمعة ،حيث يكون �شاهد ًا على نفاق �أبرز الرجال يف املجتمع وخيانتهم لزوجاتهم .وي�ؤدي ال�سباق من �أجل ف�ضحهم ،وكذلك من كانوا وراء جرائم القتل التي وقعت يف الفندق� ،إىل و�ضع �أحمد يف مواجهة وجه ًا لوجه مع و�سائل �إعالمية جرى اخرتاقها وقتلة ُمد َّربني، بحيث ال يكون هناك من ي�سانده �سوى �صديقه ال�سمني عمر. وتعِج رواية «فريتيجو» بال�شخ�صيات التي ن�ألفها يف ّ القاهرة احلقيقية؛ ف�شخ�صية عمرو حامد ،وهو واعظ يحظى بال�شعبية يخطّ ط النظام على نحو م�ستمر
«خلف كل �صورة توجد حكاية ،وقد متّت تعرية العديد من الوجوه ،وانك�شف اجلانب املظلم لها .مل يكن هناك � ّأي �شَ رر يف �أعينهم .مل ي�ستطع عمر �أن يدع الفر�صة مت ّرُ .م�ست�سلم ًا� ،أم�ضى الليلة ب�أكملها ي�صدر نغمات مو�سيقية بال�صور؛ حيث �أخذ حركها حتى جعلها على �شكل خنجر حاد كاملُو�سى، ي�شْ َحذها و ُي ِّ وهو خنجر ميكنه �أن يطعن ويقتل» -فريتيجو أحمد مراد
59
�إ�ضاءات تفكّر.
60
لإ�ضعاف ثقة النا�س به وت�شويه �سمعته ،ت�شري �إىل �شخ�صية الداع ّية الإ�سالمي التلفزيوين عمرو خالد. بينما تقوم �شخ�صية �أمين �أنور الذي يقود حملة انتخابية م�ش�ؤومة �ضد الرئي�س املوجود يف ال�سلطة ،على �شخ�صية �أمين نور .وي ّت�سم رجال ال�شرطة واملخابرات ب�أنهم على نف�س القدر من الوح�شية ،ولو �أنّهم �أكرث �أناقة وفاعلية ،ك�أقرانهم احلقيقيني .حتى �أحمد كان ي�شرتك يف كثري من اخل�صائ�ص مع خمرتع �شخ�صيته الذي �أم�ضى خم�س �سنوات يف العمل كم�ص ِّور خا�ص حل�سني مبارك؛ ويقول �أحمد انغما�س ًا يف حقائق ال�سلطة يبدو ت�أثريه جلي ًا على كل �صفحة من �صفحات رواية «فريتيجو» .ويف قاهرة �أحمد مراد ،ينحدر الف�ساد من «البا�شا الكبري» الذي مل يقم بت�سميته نزو ًال �إىل الطبقات الدنيا .وبدء ًا ممن هو يف �أعلى منزلة، وو�ص ً وال �إىل �أدنى امل�ستويات ،ال يوجد من هو يف م�أمن من عمليات ال�سلب والنهب التي يقوم بها ه�ؤالء الفا�سدين ،حتى غادة حمبوبة �أحمد ،والتي تعمل بال�صم ،وعزلتها كم�ساعدة يف معر�ض للم�صابني ّ �إعاقتها عن امل�ستنقع الأخالقي الذي يحيط بها، تعر�ضت للإهانة والتح ُّر�ش من قبل رجال ال�شرطة. ّ احل�صة اليومية من انتهاك وتعد كيفية الرد على هذه ّ ّ الكرامة مبثابة �صراع �أجيال مركزي بني �شخ�صية �أحمد املثالية وال�شخ�صية الرباغماتية جلودة ذلك املُ�ص ِّور الأكرب �سن ًا منه: «ال يا جودة �أي حاجة �إال كرامتي ».... «�أحمد� ،أتفق معك � ّأن مهنتك تنطوي على �إهانة لكرامتك ،لكنها م�صدر رزقنا� ،إنها حياتنا». كمنتج للأفالم ،فيما ت ّت�سم عمل �أحمد مراد �أي�ض ًا ُ رواية «فريتيجو» منذ عنوانها ف�صاعد ًا ب�أنّها ذات طابع �سينمائي ب�شكل متفاخر؛ حيث تكرث بها احلوارات امللمح البارز يف الرواية املكتوبة النارية « -ذلك َ بالعربية» وفق ًا ملا الحظه روبني موغر مرتجم الرواية -التي غالب ًا ما تكون ُم ِ �ضحكة للغاية .ويف ترجمة موغر املمتازة وامل�سايرة لنف�س �أ�سلوب الرواية العربية ،ت ّت�سم ِح ْبكة رواية «فريتيجو» ب�أنها � َّأخاذة ك�أية رواية مثرية م�ألوفة �أخرى .وما ُي�سهِ م �أي�ض ًا بنف�س القدر يف �إ�ضفاء جاذبية على تلك الرتجمة لرواية «فريتيجو» هو ت�صويرها احلا ّد املوحي للقاهرة خ�ض ّم العنف والتحوالت غري امللحوظة يف نربتها؛ ففي َ والفكاهة الفظَّ ة ،هناك العديد من اللحظات امل�ؤثرة. ويف �إحداها ي�ضحك �أحمد وهو يتناول ال�شراب مع �أ�صدقائه عندما يالحظ رج ً ال عجوز ًا يعمل يف تلميع الأحذية ما ّر ًا به: رهق ُيثقِ ل كاهله �صندوق تلميع الأحذية، وم َ «�ضعيف ُ ني مثل قو�س عندما يثني ج�سمه نحو وظهره محَ ْ ّ الأمام ،وتكاد ر�أ�سه تلم�س ركبتيه .... ويف ذهن �أحمد �س�ؤال يطرح نف�سه عليه ب�شكل متكرر ك�أ�سطوانة م�شروخة :ما الذي ُيجبرِ ذلك الرجل ّ على العمل يف مثل هذا العمر؟» ومثل «يوتوبيا» و»عمارة يعقوبيان» والروايات امل�صرية الرئي�سية الأخرى التي ظهرت خالل العِقد الأخري ،مت ن�شر رواية «فريتيجو» يف الأ�سا�س من قبل دار مرييت ،وهي دار ن�شر قوامها فرد واحد يديرها حممد ها�شم البالغ من العمر 53عاما من مكتبه
أحمد خالد توفيق
«ففي م�صر كما يت�ص ّورها عام ،2020جرى الق�ضاء متام ًا على الطبقة الو�سطى وتراجع الأثرياء �إىل امل�ستعمرة املنعزلة التي حتمل ا�سم كبريهم ....والتي قام ب�إن�شائها على ال�ساحل ال�شمايل حلماية �أنف�سهم من بحر الفقر الهائج املوجود باخلارج» -يوتوبيا
الكائن يف �شقة كاملة بالقرب من ميدان التحرير .وقد ت�ضاعفت �أهمية دار مرييت منذ العام 2004كقاعدة للنا�شطني الليرباليني الذين ُي َعد الكثري منهم �شعراء وروائيني ،والذين يقومون ّ بخط اللوحات الإعالنية ومدواة الإ�صابات و�سط ما حتويه من �أكوام للتجارب الطباعية .ومل يرتدد ها�شم يف حتديد الروابط بني الكتابة والثورة؛ حيث يقول« :لقد كانت هناك دفعة جلعل النا�س يدركون حقائق الو�ضع وقدرتهم على �سجلت كتب مثل «مرتو» و«عمارة �إحداث تغيري؛ حيث َّ يعقوبيان» و «�أن تكون عبا�س العبد» حالة من الظلم، وخلقت وعي ًا بها ،و�شكّلت جمتمع ًا موازي ًا للنظام احلاكم .ومل تعد هذه وجهة نظر اجلماعة الراديكالية ّ مجلة تفكر.
ذات الآراء املتطرفة بل وجهة نظر امل�ؤ�س�سة الأدبية ب�شكل عام :فقد ُمنحت ميدالية جنيب حمفوظ لعام 2011التي تقدمها مطبعة اجلامعة الأمريكية يف فردي ولكن «للإبداع الثوري القاهرة لي�س لأديب ّ لل�شعب الذي �أظهره ال�شعب امل�صري». وقد كانت رواية «�أن تكون عبا�س العبد» للأديب �أحمد العايدي ،التي ن�شرتها دار مرييت عام ،2003 مبثابة �أول رواية عربية تعرب عن انحراف �أخالقي معينّ يحظى بامتيازات .ويتنقّل راوي تلك الرواية الذي يبلغ من العمر ع�شرين ًا ونيف ،وال ي�ؤمن بالقيم �أو املبادىء الأخالقية حول املراكز التجارية واملقاهي املوجودة مبعدل �سريع، بالقاهرة والآخذة يف تبنّي النمط الغربي ّ مواعد ًا ل�سل�سلة من الفتيات ،وم�شارك ًا يف حلقات التدخني اجلماعي ،ومتعاطي ًا للمخدرات على �سبيل الهواية بحث ًا عن �صدى ما للإح�سا�س احلقيقي .ويف رواية «�أن تكون عبا�س العبد» حتى اللغة العربية �صارت يف حالة تفكّك؛ حيث تختلط اللغة الفُ�صحى مع العامية ،وم�صطلحات ال�شارع العامية مع االخت�صارات امل�ستخدمة يف الر�سائل الن�ص َّية .وتعك�س تلك الرواية التغيات التي طر�أت �أ�صداء عديدين ممن الحظوا رّ على م�صر مع قدوم الألفية الثالثة؛ حيث هرب الأثرياء من و�سط القاهرة �شديد االزدحام �إىل منازل فخمة يف «مدن �صحراوية» تابعة للقاهرة حتمل �أ�سماء مثل مرياج �سيتي ودرمي الند ،وانت�شرت حمالت تناول القهوة الغربية ،و�سال�سل حمالت املالب�س العاملية واملراكز التجارية مثل مجُ َّمع �سيتي �ستارز يف �ضاحية مدينة ن�صر الراقية على طراز املراكز التجارية املوجودة يف ال�س فيجا�س. ويف روايته اخليالية الرائعة التي حتمل عنوان «يوتوبيا»ُ ،يط ِّور �أحمد خالد توفيق هذا ال�سيناريو �إىل نهايته الكابو�سية؛ ففي م�صر كما يت�ص ّورها عام ،2020جرى الق�ضاء متام ًا على الطبقة الو�سطى وتراجع الأثرياء �إىل «امل�ستعمرة املنعزلة التي حتمل ا�سم كبريهم ....والتي قاموا ب�إن�شائها على ال�ساحل ال�شمايل حلماية �أنف�سهم من بحر الفقر الهائج املوجود باخلارج» .ويمُ ْ ِ�ضي ه�ؤالء الأثرياء الذين حتيط بهم الأ�سوار ويحر�سهم جنود �سابقون من م�شاة البحرية سوق، الأمريكية� ،أيامهم يف معاقرة اخلمر ،والت� ُّ واالنخراط يف عالقات عابرة ،و�إ�ساءة معاملة «الآخرين» القالئل ال�شُ ْعث الذين ُ�سمِ َح لهم بالدخول ليقوموا على خدمتهم .وقد خ�سروا كل ما لديهم من معرفة بال�سيا�سة والتاريخ؛ حيث ن�سوا «عند حلظة ما ملاذا اعتاد امل�صريون �أن يكرهوا الإ�سرائيليني» ،وحتى الأ�سماء العربية مل تعد م�ستخدمة .وعندما يهرب �شابان �إىل ما وراء ال�سور �سعي ًا منهما وراء املغامرة، ف�إنهما يجدان �أنف�سهما يف عامل �سفلي جهنمي قوامه القذارة والعنف واحلرمان .وال ينقذ حياتهما �سوى تدخّ ل �أحد ه�ؤالء الآخرين الذين يتم احتقارهم يف داخل الأ�سوار؛ وهو كرم يقومون بر ّده بطريقة مريعة. ُي َع ّد �أحمد خالد توفيقو -وهو �أ�ستاذ يف الطب بجامعة طنطا -كاتب الق�ص�ص اخليالية وق�ص�ص الرعب الأبرز يف العامل العربي وامل�ؤلف ملا يزيد عن موجه لل�شباب حديثي ال�سن. 200كتاب ًا ،العديد منها ّ وتت�سم رواية «يوتوبيا» ،وهي �أول كتاب ي�ؤلفه للبالغني، أبريل 2012
لمحة عن الكاتب أسبدن كاتبة تقوم ِ راشيل بتغطية األحداث الثقافية والسياسية في الشرق األوسط ،وعملت في السابق حررة أدبية لحساب مجلة «ذا كم ِّ ُ نيو ستيتسمان»،كما عملت وأعدت ّ وعاشت في القاهرة تقارير من أنحاء مختلفة عبر المنطقةُ .منحت في عام 2010زمالة صندوق وينستون تشرشل التذكاري للسفر وإجراء البحوث في الخارج، وقد أخذتها هذه الزمالة إلى مصر والسودان والهند إلجراء بحوث حول فهم الشباب تغير لإلسالم. الم ِّ المسلم ُ وتعكف أسبدن حالياً على تأليف كتاب حول شباب االنتفاضات العربية.
باملثل ب�أنّها وا�ضحة وغري مزخرفة الأ�سلوب -ولكن يتخلّلها خفة دم فاترة .ويت� ّأمل جابر ،وهو �أحد ه�ؤالء الآخرين ،و�صاحب �سعة احليلة ،قائالً�« :إن املحتال يغ�ش املخدرات؛ الأكرب على الإطالق هو ذلك الذي ّ حيث �أنه ُم ْ�صلِح اجتماعي يك�سب املال ب�سرعة وبوفرة!». وتقدم هذه الرواية خال�صة �صور الظلم وامتهان ِّ الكرامة التي ال ح�صر لها التي تعر�ضها كل من روايتي «تاك�سي» و«فريتيجو» يف حكاية رمزية واحدة ت ّت�سم ب�أنها �أكرث جاذبية نظر ًا لب�ساطتها الكئيبة. وكما ي�شهد على ذلك جناح روايتي «يوتوبيا» و�سعون جناحهم �إىل و«فريتيجو» ،ف� ّإن ال ُك َّتاب العرب ُي ِّ �أبعد مدى على الإطالق و�ص ً وال �إىل تقدمي جن�س ق�ص�صي جديد .فعلى �سبيل املثال ،جذب الغ�ضب الذي ت�س ّببت فيه رواية «مِ رتو» عدد ًا متزايد ًا من امل�ؤلفني ال�شبان �إىل الرواية املُ�ص َّورة :من املقرر �أن يتم تنظيم �أول معر�ض للق�ص�ص امل�ص ّورة يف ال�شرق الأو�سط يف عام ،2012بعد �أن كان مقرر ًا عقده يف الأ�سا�س خالل يناير 2011يف �أبوظبي .وقد �صار العديد من هذه التط ّورات ممكن ًا بف�ضل اال�ستثمار الكبري من قبل دول اخلليج العربي؛ حيث � ّأن اجلوائز الأدبية جيدة التمويل مثل جوائز ال�شيخ زايد للكِ تاب ،واجلائزة العاملية للرواية العربية («الن�سخة العربية جلائزة بوكر الأدبية») ،التي جرى �إطالقها يف �أبوظبي عام ،2007 قد �أو�صلت ال ُّك َتاب العرب �إىل جمهور جديد .وتهدف مبادرات مثل دار بلومزبري -م�ؤ�س�سة قطر للن�شر، وهي �أول دار ن�شر عربية -غربية� ،إىل جعل �صناعة الن�شر الإقليمية متوافقة مع املعايري الدولية .ويف هذا ال�سياق ،يقول النا�شر اال�ست�شاري �أندي �سمارت�« :إن النطاق ال�صغري للن�شر هنا قد حدد الكثري فيما يتعلق بالتوزيع والن�شر وجودة الإنتاج .و�سوف تحُ ْ دِ ث مبادرة دار ن�شر بلومزبري -م�ؤ�س�سة قطر فرق ًا كبرياً». حت�سن البنية التحتية وتزايد عدد الق ُّراء، ومع ُّ يتكرر النجاح الذي حقّقه الأدب امل�صري عرب املنطقة، َّ ُرجح حدوث ذلك فيها على حتى يف �أركانها غري امل َّ الإطالق .ويف عام ،2005جذب ن�شر رواية «بنات الريا�ض» املُف َعمة باحليوية وامل�سلية (والتي جرى منعها يف البداية) للروائية رجاء ال�صانع انتباه ًا جديد ًا للك َّتاب ال�سعوديني .وكانت الروائية املك ّية رجاء عامل الفائزة باال�شرتاك مع �آخرين بالن�سخة العربية من جائزة بوكر الأدبية بف�ضل روايتها «طوق احلمام»، وذلك يف �أعقاب فوز الرواية الهجائية لعبده خال عام « 2010ترمي ب�شرر كالق�صر» التي تدور �أحداثها يف جدة (و�ستن�شرها دار ن�شر بلومزبري -م�ؤ�س�سة قطر مرتجمة يف عام .)2012ومل يكن لدى ق َُّراء اللغة الإجنليزية على مدى �سنوات �سوى نافذة �ض ّيقة للغاية التغيات للإطالل على الأدب العربي ،و�سوف متنحهم رّ التي طر�أت م�ؤخر ًا الفر�صة لريوا ما وراء الأعمال املوجهة للجمهور الغربي و�ص ً وال �إىل الأدبية الكبرية ّ املجموعة املتنوعة الآخذة يف التنامي من امل�ؤلفات املكتوبة باللغة العربية للق َُّراء العرب .وت�شري الروايات الثالث واملن�شورة من قبل دار ن�شر بلومزبري -م�ؤ�س�سة قطر� ،إىل � ّأن العامل العربي ال ي�شهد �صحوة �سيا�سية فح�سب ،بل ثقافية و�أدبية �أي�ض ًاl .
61
�إ�ضاءات تفكّر.
ر�ســالــــة مــــن
دخل �سنوي للفرد يبلغ 1200دوالر �أمريكي على الأقل� ،إال � ّأن ت�أثري احلكام ال�سابقني على الدين والثقافة يبدو جل ّي ًا؛ حيث يظلّ القدي�س فران�سي�س خافيري هو القدي�س الراعي جلوا ،وال يزال الطعام واملو�سيقى وامللب�س حتتفظ جميعها بنكهة �أوروبية ،حتى �أ�سدي يل ن�صيحة بو�ضع ن�سخة من متثال �إ ّ من ال�صل�صال جلندي برتغايل ي�ؤدي التحية على �سقف منزيل املُغطَّ ى بقطع الآجر ،وهو تقليد عفا عليه الزمن يتمثل الهدف منه يف �إبعاد عني احل�سود.
جــــوا بقلم كي�شوار دي�ساي 62
ع ـبـ ـ ــر ال ـث ـقــاف ـ ــات
لقد توقعت أن تنخرط جوا - Goaوهي والية واقعة على ال�ساحل الغربي للهند ت ّت�سم ب�سطوع �شم�سها -مبنا�سبة الذكرى اخلم�سني على حت ُّررِ ها من الربتغاليني يف احتفاالت وطنية �صاخبة تعك�س الروح التي �سادت فرتة ما بعد التح ُّرر من اال�ستعمار. ولهذا جئت م�ستعدة مل�شاهدة الالفتات والرايات ،ورفرفة
الأعالم وال�ضرب على ال�صدور، واملنابر امل�ؤقتة وال�شيوخ؛ فاحلِ ّ�س الوطني ي�سبح مع التيار ويهدم قالع الرمال املبن ّية على احلنني �إىل املا�ضي الربتغايل .لقد كان جواهر الل نهرو� ،أول رئي�س وزراء للهند واملعروف ب�أنّه كان م�سامل ًا عادة، هو من �أ�صدر الأمر للقوات الهندية بتحرير جوا يف عام ُ ،1961منهي ًا بذلك 451عام ًا هي عمر �أقدم قوة
ا�ستعمارية يف الهند. لكن ما يدعو �إىل اال�ستغراب هو �أنّه مل يكن هناك متجيد �صاخب للذات با�ستثناء بع�ض الدمدمات اخلافتة ال�صادرة عن الأحزاب ال�سيا�سية .ومن امل�ؤكد � ّأن االنتخابات القادمة يف الوالية قد �سرقت االنتباه من الذكرى اخلم�سني لتحرير جوا� .أم � ّأن �أهل جوا -مهما كان ما ُيظهِ ره
املت�شددون -ال يزالون الوطنيون ّ ُيكِ نّون عواطف �إيجابية للربتغال، كما ي ّت�ضح من التدفق املُطَّ رِ د لطلبات احل�صول على ت�أ�شريات الدخول املقدمة �إىل القن�صلية الربتغالية هناك .وبرغم حقيقة � ّأن تعد الوالية الأغنى يف هذه الوالية ّ الهند ،و�أنّها حتقق �أف�ضل النتائج على جميع امل�ؤ�شرات االجتماعية -االقت�صادية مبعدل ّ مجلة تفكر.
أو ربما يكون ال�سبب يف ذلك هو � ّأن النزعة الوطنية العتيقة الطراز قد خ�سرت ل�صالح مو�سم وفود ال�سياح ،حيث � ّأن الذكرى ال�سنوية التي حتلّ يف �شهر دي�سمرب و�صلت يف وقت كان فيه �أهل جوا الذين ي ّت�سمون بالدهاء يجنون مكا�سب �سريعة؟ عندما تر�سو �سفن حتمل على �سطحها كازينوهات على غرار تلك املوجودة يف ماكاو ،لأغرا�ض التهرب من ال�ضرائب ،قبالة �ساحل ّ باجنيم مبا�شرة ويف و�سط نهر ماندويف و ُتدِ ُّر عائد ًا �ضخم ًا يف الليلة الواحدة ،وتكون ال�شواطئ ممتلئة بال�سياح امل�ستلقني عليها لأخذ حمامات �شم�س� ،أين ميكن �أن يجد الأ�شخا�ص وقت ًا ل ُيحيوا ذكرى ا�ستقاللهم؟ �إن كلمة �سو�سيغاد ،Susegad وهي مفردة غري قابلة للرتجمة �ستخ َدم لو�صف احلياة هنا ،تعني ُت ْ �شجعا على الك�سل تقريب ًا. اجتاها ُم ِّ لت�شربه مع ومن ي�ستطيع �أن يلومنا ّ م�شروب الفيني الرخي�ص الثمن و�أ�سماك الربي بري املُت َّبلة؟ من ال�صعب مقاومة �إغراء ال�شم�س والرمال ،لكن ومثلما فعل الربتغاليون ،فقد اخرتنا منز ًال يف تالل جوا الزرقاء ال�شهرية بعيد ًا عن ال�شاطئ ،ويقع يف قرية هادئة تعد مثالية للكتابة .وبا�ستثناء القردة التي تقفز �إىل داخل حديقتنا التما�س ًا للطعام (لأن موئلها الطبيعي قد فُقد ب�سبب عمليات البناء اجلائرة) ،فنحن ال ن�ستقبل �سوى القليل من الزائرين. يقاوم القرويون املحليون التغيري هنا ،و ُت َع ّد املتاجر املزدحمة ال�ضئيلة التي يديرها ال�سكان رحب به من مبثابة باعث ارتياح ُم َّ أبريل 2012
«� ّإن جوا ال تزال تنا�ضل من �أجل اكت�شاف هويتها ،وهناك ت�صادم م�ستم ّر بني القيم التقليدية ّ املتجذرة لديها -وهي توليفة تكون قابلة لال�شتعال �أحيانا من بيوريتانية م�سيحية منت�شرة ونزعة �إحيائية هندية -وحداثة مظاهرها �آخذة يف التنامي». املناخ ال�صحي واملتجان�س الذي تت�سم به الأ�سواق املركزية يف لندن. و�سواء ما �إذا كان الواحد منا ي�ساوم الباعة يف �سوق ال�سمك يف الوقت الذي جتري فيه القطط ال�صغرية حتت الأقدام حاملة يف �أفواهها ر�ؤو�س الأ�سماك� ،أو ي�شرتي ال�صحف من املتجر الواقع عند نا�صية ال�شارع والذي ال يعدو كونه جمرد كوخ �صغري منحدر ال�سقف، ّ هناك ُه ِو َّية وترابط .وقد جرى التعبري عن هذا الأمر على نحو جيد عندما توفيِّ َ م�ؤخر ًا �صديق عزيز وفنان �شهري كان يقطن قريتنا ،وهو ماريو مرياندا(الذي كان ا�سمه الكامل بالربتغالية ذو جاذبية �شديدة هو ماريو خواو كارلو�س دو روزاريو دي بريتو �أَ مرياندا). وقد اجتمعت القرية ب�أ�سرها من �أجل اجلنازة؛ و�ساعدت يف تنفيذ املرا�سم ،واعتنت بذلك الفي�ض من الزائرين الذين وفدوا من جميع �أنحاء العامل ،وقاموا حتى بتزويدهم بالطعام .ويولِّد هذا لدى الفرد �شعور ًا
بـما ي�سمى «فا�سوديفا كاتومبام» « »Vasudeva Katumbhamوهي عبارة �سن�سكريتية يتم اال�ست�شهاد بها كثري ًا ،وتعني «� ّإن العامل ب�أ�سره هو �أ�سرتنا» .و�أحيان ًا يكون من ال�سهل يف جوا ،ب�سبب كرثة اجلن�سيات� ،أن تن�سى جن�سيتك. وعلى الرغم من ذلك ،ف� ّإن جوا ال تزال تنا�ضل من �أجل اكت�شاف هويتها ،وهناك ت�صادم م�ستمر بني القيم التقليدية املُتجذِّ رة لديها -وهي توليفة تكون قابلة لال�شتعال �أحيانا من بيوريتانية م�سيحية منت�شرة ونزعة �إحيائية هندية -وحداثة مظاهرها �آخذة يف التنامي .وتعني الطبيعة املُع َّقدة لهذا الت�صادم � ّأن النزعة الدولية، التي متيل �إليها جو ًا تاريخياً، ميكن �أن يتم اختطافها من قبل ال�سيا�سة املحلية .وهكذا ف� ّإن اجلهود التي ُبذِ لت م�ؤخر ًا ال�ستخدام املوارد الطبيعية املذهلة لهذه الوالية لتنظيم مهرجان دويل للأفالم ومهرجان �أدبي وثالث للمو�سيقى كان لها نتائج
تتعاون مؤسسة قطر والمكتبة البريطانية على رقمنة 600ألف صفحة من أرشيف مكتب الهند التي تتعلق بقطر ومنطقة الخليج ،وعدة مئات من المخطوطات العربية ذات الصلة بالعلوم والتكنولوجيا والطب في العالم اإلسالمي ،باإلضافة إلى مواد عديدة أخرى تضم خرائط وصور فوتوجرافية.
خمتلطة؛ حيث � ّأن جماعات ال�ضغط املتناف�سة حاولت تعظيم بغ�ض املكا�سب اخلا�صة بكل منهاّ ، النظر عما �إذا كان �سي�ؤدي ذلك �إىل الإ�ضرار بالعالمة التجارية العاملية للهند .و�أحيان ًا قد يكون ذلك على نف�س الدرجة من الو�ضوح ال�شديد ،كعدم ال�سماح للهيئات غري احلكومية بالعمل �إذا مل تقم ب�إظهار االحرتام املطلوب لكن لطبقة املوظفني احلكومينيّ . هذا �أمر عادي؛ �إذ �أنه ُي َع ّد جزء ًا من النزاع الوا�سع االنت�شار الدائر يف الهند الآن حول الثقافة والف�ساد. من الممكن �أن تكون الثقافة حقل �ألغام؛ فمع تزايد املواهب الفنية التي ن�ش�أت وتربت يف الهند، هناك القليل من االمتعا�ض من �أنّه يتم منح �أهمية فائقة للمخرجني ويتم وامل�ؤلفني واملمثلني الأجانبّ . �إثارة ت�سا�ؤالت حول ما �إذا كان هذا يعد عودة �إىل العهد اال�ستعماري، ّ ولكن عرب الطريق الثقايف .هل �ستتعر�ض الأ�صوات والأفكار املحلية ّ �ضم هذه العملية؟ قد للكبت يف ِخ ّ حد ربر ًا هنا �إىل ّ يكون القلق ح ّتى ُم ّ ما ،نظر ًا ل ّأن احل ِّيز املتاح ملثل هذه الفعاليات الثقافية ال يزال حمدود ًا لكن هذا بالطبع ال يعني للغايةّ . �سوى �أنّه ينبغي �أن يكون هناك عدد �أكرب بكثري ،ولي�س عددا �أقل ،من املهرجانات التي ت ّت�سم بال�شمولية على نحو �آخذ يف التزايد. تبدو جوا ك�أن�شودة رعوية م�ساملة ،لكنها تعك�س �أي�ض ًا اال�ضطراب احلا�صل داخل الدولة؛ فقد يكون طرد الربتغاليني قد �أنهى رمبا احلكم الأجنبي هنا ،لكنه مل ي� ِّؤد بالت�أكيد �إىل قطع �أوا�صر العالقة املثرية للجدل غالب ًا بني هذه الوالية اخل�ضراء ومظاهر احلياة الكوزموبوليتانية ...لنتوجه الآن �إىل ال�شاطئl . كيشوار ديساي عضو في لجنة الخبراء الخاصة بمهرجان الهند الدولي لألفالم ،ورئيس مهرجان لندن للفيلم اآلسيوي .فازت رواية ديساي التي تحمل عنوان «شاهد الليل» بجائزة كوستا ألول رواية للعام 2010 كما تم إدراجها ضمن القائمة الم َّ رش َحة لنيل طولة للروايات ُ الم َّ ُ جائزة مان للكتابة األدبية في آسيا.
63
ّ عمود تفكر. أضواء على ريتشارد سيرا
لقد 64
ُو ِ�ص َف ريت�شارد �سريا ب�أنه �أعظم مت الرتحيب نحات يف العامل كما ّ َّ مبنحوتته «�سيفني» �أو « - »7الربج اجلديد املجاور ملتحف الفن الإ�سالمي يف الدوحة ،الذي قام بت�صميمه املهند�س املعماري �إيو مينغ بي -على �أنه حتفته الفنية الرئي�سية .ويف هذا املقال ،يتحدث ريت�شارد �سريا �إىل �ألفريد باكمون مو�ضح ًا كيف ميكن �أن يدخل كل ِّ من النحت والعمارة يف حوار مع بع�ضهما البع�ض.
عندما ُدعِ يت �إىل نحت قطعة فنية تكون �إىل جوار متحف الفن الإ�سالمي يف الدوحة� ،أردت �أن يكون هناك حوار وتوا�صل بني �صممه هذه القطعة واملبنى الذي َّ �أي مينغ بي ،وما كان ب�إمكاين تقدميه كخربة نحتية هو :حتقيق توا�صل بني لغتي ولغته بطريقة غري وا�ضحة ،لكنّها تبدو منطقية، بحيث ميكن �أن يعتقد النا�س بعد بر َّمتِه جرى عِ ْقد من الآن � ّأن الأمر ُ تنفيذه يف الوقت ذاته والتخطيط له كعمل واحد». متثّلت �إحدى الأفكار التي تبادرت �إىل ذهني يف �أخذ املحتوى اجلمايل للمتحف و�إح�ضاره �إىل احل ِّيز االجتماعي العام ،وذلك لكي يبدو كما لو � ّأن الطابع الفني للمنحوتة غري متعار�ض مع ذلك اخلا�ص بعمارة املتحف؛ فالأ�شخا�ص الذين ال يعرفون املنحوتة ميكنهم الدخول �إىل برجي ،ور�ؤية املبنى ،وجتاوز
ت�ص ّورهم ملا يكون �أو ال يكون عليه الفن. ومن بين العوائق املتعلقة باملتاحف ،جند � ّأن هناك طبقة اجتماعية معينة تتوافق مع املنحوتة و�أخرى ال تتوافق معها .لكن ما �أن ت�ضع قطعة فنية يف ح ِّيز عام ،ف�إنها
ت�صري ملك ًا للجميع .ولي�س هناك من يهتم مبن يكون ريت�شارد �سريا، �إذ ت�صري هذه القطعة تراث ًا للنا�س جميع ًا؛ فينمو الأطفال معها ويلعبون بداخلها ويقومون بركلها -من ذا الذي ي�أبه ملا يقومون به؟ وميكن القول ب�أنّه �إذا ما كان لعمل فني مو�ضوع يف حيز
عام �أية احتمالية للنجاح -حتى ولو كانت �ضئيلة للغاية -عند جمعه مع املتاحف «ف�أنا موافق واجلميع مدعوون» .و�أملي هو �أن يوفر عملي ذلك ،و�أن ي�ستخدم النا�س الركيزة التي مفادها �أنه قد مت بناء «�سيفني» ليكون نوع ًا من ال�ساحة العامة ،وحينها �سيدركون �أن املنحوتة ميكن �أن تكون جزء ًا مما تكون عليه ال�ساحة ،و�أن املتحف ُي َع ّد هو �أي�ض ًا جزء ًا من هذا احلوار. يف الواقع �أنني مل �أنحنِ يوم ًا �أمام فن العمارة ،وحاولت �أن �أربط هاتني اللغتني الفنيتني مع بع�ضهما البع�ض .ي�شعر املهند�سون بال�ضجر مني لأن عملي املعماريون َّ يف الغالب الأعم ينتقد ال�سياق� ،إن مل يكن ما ي�صممونه من �أبنية. أكن الكثري من االحرتام لكني � ُّ للمعماري مينغ بي ،و�أرى �أن املتحف ُي َع ّد مثا ًال رائع ًا على �أعماله الأخرية .وقد اعتقدت �أن بناء مثل هذا احلوار هو ما يعنيه التفوي�ض الذي و�صلني عندما مت تكليفي ب�إجناز هذا العمل ،وقد حاولت تقدير ذلك و�إعطاءه حقه .ولي�س من املهم ما �إذا كان العمل مت�ساوق ًا كفن ،لكن املهم هو �أن يكون ذا معنى .وقد جعلتني ال�صورة التي يبدو عليها املبنى يف �ضوء فرتة ما بعد الظهر عند النظر �إليه من املنحوتة �أعتقد �أين قد �أنتجت �شيئ ًا منطقي ًا� .أعمل على ت�شييد الأبراج منذ ثالثة عقود ،و ُيعد هذا الربج واحدا من �أف�ضل �إبداعاتي ،ولرمبا يكون �أف�ضلها على الإطالقl . ألفريد باكمون هو مدير المتحف الوطني للفن المعاصر بمركز بومبيدو في باريس .وقد دارت هذه المحادثة بينه وبين ريتشارد سيرا في المركز التعليمي التابع لمتحف الفن اإلسالميqma.org.qa . ّ مجلة تفكر.
أبريل 2012
ّ مجلة تفكر.