القران الكريم والتربيه الاسلامية الخامس العلمي

Page 1

‫جمهورية العراق‬ ‫وزارة الرتبية‬ ‫املديرية العامة للمناهج‬

‫ُ‬ ‫رآن َ‬ ‫الق ُ‬ ‫الك ِري ُم‬ ‫وال َترب ُ‬ ‫اإلسل ِم ُ‬ ‫اَ‬ ‫ية‬ ‫ية‬ ‫ِ‬ ‫للصف الخامس االعدادي‬ ‫ِ‬

‫تأليف‬ ‫لجنة متخصصة في وزارة التربية‬

‫الطبعة االوىل‬

‫‪ 1436‬هـ ‪2015 -‬م‬


‫‪o‬‬ ‫الم�صرف العلم ‪q‬ي على الطبع‬ ‫م‪.‬م زينـــب عبـد الله جــــبر‬ ‫‪o‬‬ ‫الم�صرف الفني على الطبـــع‬ ‫‪T‬صيما‪ A‬عبد ال�صادة كا‪W‬ع‬

‫الت�صميم‬ ‫‪T‬صيما‪ A‬عبد ال�صادة كا‪W‬ع‬

‫‪2‬‬


‫ﭑﭒﭓ‬ ‫مقدمة‬ ‫رب العالمين الذي أنـار قلوب عباده المتقين بنور كتابه المبين‬ ‫الحمد هلل ‪ ،‬ثم الحمد هلل ّ‬ ‫والصالة والسالم على خاتم األنبيـاء وأشرف المرسلين‪ .‬نبينا األمين محمد الذي أرسله اهلل‬ ‫هادي ًا ومبشر ًا ونذير ًا وعلى آلـه الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبيـن‪.‬‬ ‫وأما بعـد‪:‬‬ ‫فال يخفى على مدرسي التربية اإلسـالمية ومـدرساتهـا‪ ،‬ما للدين اإلسـالمي‪ ،‬ديننـا‬ ‫الـقويم‪ ،‬الذي أنهض أمة‪ ،‬وش ّيد حضارة‪ ،‬من أثر كبير في حياة الفرد والمجتمع‪ .‬فهو‬ ‫الدعـامة الروحيـّة التي يقـوم عليها تقـدمهما وسعادتهما‪.‬‬ ‫وهو األساس والركن الركيـن الذي ُيعتمد عليه للنهـوض بالحياة في تفاصيلها ومفاصلها‬ ‫كافـة‪.‬‬ ‫وألن مادة التـربية اإلسـالمية هي السبيـل األمثـل لعكس أركان هـذا الدين العظيم‬ ‫وقـيمه الساميـة من خـالل العملية التربوية‪ ،‬فـقـد سعت وزارة التربيـة إلى اإلعتناء بالتربية‬ ‫اإلسالميـة مـادة وكتابـاً‪ ،‬لجعلها رفيعـة المستوى والمضمون‪ ،‬وجعلها أيسر تنـاوالً‪ ،‬وأقل‬ ‫تعـقيـداً‪ ،‬وأكثر قبو ًال ونفعا‪ ،‬إذ نضع بين أيديكم كتب التربية اإلسالمية للمرحلة اإلعدادية‬ ‫في ح ّلة جديدة فيها من اإلغناء‪ ،‬واإلثراء والتيسير وبمايتنـاسب مع احتياجـات طلبتنا‬ ‫األعزاء وميولهم ويرتبـط بواقع الحيـاة ‪.‬‬

‫‪3‬‬


‫فـقـد تـم دمج مــادتي الـقـرآن الـكـريم والتربيـة اإلسالميـة‪ ،‬في كتاب واحـد ُميسر في‬ ‫خمس وحدات ضمت كل وحدة منها مباحث رئيسة كان في الرأس منها التبـارك بالقـرآن‬ ‫تم اإلعتنـاء التـام بانتـقـاء نصوص شريفـة منه مناسبة للمرحلة العمريـة ثم‬ ‫الكريم الذي ّ‬ ‫اإليتـاء بمعاني الكـلمات‪ ،‬فالـتفسيـر العـام‪ ،‬فملخص ألهم مـايـرشد إليه النص‪ ،‬فضال عن‬ ‫المناقشة‪.‬‬ ‫وقد أعقب ذلك دروس في الحديث النبوي الشريف‪ ،‬وقصص من القرآن الـكـريم‪،‬‬ ‫ثم التهذيـب‪ ،‬وقد أكـدت المحاور جميع ًا األسس القويمـة لبنـاء الشخصيـة‬ ‫واألبحـاث‪ّ ،‬‬ ‫اإلسالميـة السو ّيـة الملتـزمـة بمبـادىء اإلسالم العظيم وقيمـه‪ ،‬البعيدة عن روح التطرف‬ ‫المقيت‪.‬‬ ‫إننا نرجو إخواننا وأخواتنا إغناء مباحث كتب التربية اإلسالمية عند تدرىيسهم لها‬ ‫بالتوضيح والتعليـق وضرب األمثلة من حياتنا وواقعنا قـدر مايتـطلب األمـر‪ ،‬مع ضرورة‬ ‫اإللتزام بإضفاء الهيبة والوقـار ا ّللذين يتناسبان ومكانة التربيـة اإلسالمية‪ ،‬وشرف الغاية‬ ‫المرجوة منها‪.‬‬ ‫ونختتم باإلشارة إلى أننا النّدعي الكمال بعملنا هـذا‪ ،‬فهو خصصية هلل مالك الملك‬ ‫العظيم‪ ،‬ولذلك نسعـد بمالحظاتكم وآرائكم لالرتقاء به خدمة للدين ‪.‬‬ ‫رب غيره والخير إلاّ خيره أن يجعل عملنــا هذا خالصا لوجهه الكريم ‪ ،‬فهو‬ ‫وندعو من ال ّ‬ ‫نعم المولى‪ ،‬ونعم النصير ‪.‬‬

‫اللجنة‬ ‫‪4‬‬


‫ﭑﭒﭓ‬

‫أحكام التالوة‬ ‫إدغام المتماثلين‬ ‫هو إدغام حرفين متفقين مخرج ًا وصفة‪ ،‬أي أن الحرف األول الساكن يماثل الحرف‬ ‫الثاني المتحرك فيصيران حرف ًا واحد ًا مشدّ داً‪.‬‬ ‫مثال‬

‫الميم مع الميم‬

‫لهم ما يشاؤون‬ ‫له ْ‬

‫لهما يشاؤون‬ ‫ِّ‬

‫الكاف مع الكاف‬

‫ْ‬ ‫يدرك ُكم‬

‫الالم مع الالم‬

‫اجعلْ لنا‬

‫اجع ِّلنا‬

‫الباء مع الباء‬

‫اضرب بعصاك‬ ‫ْ‬

‫اضر ّبعصاك‬

‫الدال مع الدال‬

‫قد َدخلوا‬ ‫ْ‬

‫قدّ خلوا‬

‫النون مع النون‬

‫لن نشرك‬

‫ل ِّنشرك‬

‫يدر ُِّكم‬

‫ويستثنى الواو مع الواو والياء مع الياء‬ ‫مثال‬

‫ﱫ` ‪ e d c b a‬ﱪ‬ ‫ﱫ"‪ %$#‬ﱪ‬

‫الناﺱ‪5:‬‬

‫البقرة‪٢5 :‬‬

‫‪5‬‬


‫إدغام المتجانسين‬ ‫هو إدغام حرفين متفقين مخرج ًا ومختلفين صفة‪ ،‬فيقلب الحرف األول الساكن إلى جنس‬ ‫الحرف الثاني المتحرك ُليصبحا حرف ًا واحد ًا مشدّ د ًا كما هو الحال في إدغام المتماثلين‪.‬‬ ‫مثال‬

‫الدال في التاء‬

‫قد َتبين‬ ‫ْ‬

‫التاء في الطاء‬

‫همت طائفة‬ ‫ْ‬

‫الطاء في التاء‬

‫قت َتبين‬ ‫ْ‬

‫ْ‬ ‫احط ُت‬

‫اح ْت ُت‬ ‫ْ‬ ‫همط طائفة‬ ‫ْ‬ ‫اظ َظلمتم‬

‫الدال مع الظاء‬

‫اذْ َظلمتم‬

‫الثاء مع الذال‬

‫يلهث ذلك‬ ‫ْ‬

‫ْ‬ ‫يلهذ ذلك‬

‫الباء في الميم‬

‫اركب معنا‬ ‫ْ‬

‫اركم معنا‬ ‫ْ‬

‫ق ّتبين‬

‫احت‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫همطائفة‬

‫َّاظلمتم‬ ‫ّ‬ ‫يلهذلك‬ ‫اركمعنا‬ ‫ّ‬

‫إدغام المتقاربين‬

‫هو إدغام حرفين متقاربين مخرج ًا وصفة فيقلب الحرف األول الساكن إلى جنس‬ ‫الحرف الثاني المتحرك فيصبحان حرف ًا واحد ًا مشدّ د ًا كما هو الحال في إدغام المتماثلين‬ ‫الالم في الراء‬ ‫القاف في الكاف‬

‫وقلْ َر ِّب‬

‫ألم نخلقكم‬

‫رب‬ ‫وقر ِّ‬ ‫ْ‬

‫ألم نخ ْل ُ‬ ‫ككم‬

‫وقر ِّب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نخلك ُّم‬

‫مثال‬

‫استخرج اإلدغام وب ّين نوعه في اآلية الكريمة اآلتية‪:‬‬

‫ﱫ´ ‪ ¼ » º ¹ ¸ ¶ µ‬ﱪ‬

‫يوسف‪51 :‬‬

‫اﳊل‬

‫(ر َاودت َُّّن) تدغم مع التاء ويسمى اإلدغام إدغام ًا متجانساً‪ ،‬والنون الساكنة‬ ‫الدال في كلمة َ‬

‫(ع ْن) تدغم مع النون المتحركة في كلمة (نَّفس ِه) إدغام ًا متماثالً‪.‬‬ ‫في كلمة َ‬ ‫‪6‬‬


‫تمرينات على إدغام المتماثلين والمتجانسين والمتقاربين‬ ‫عين إدغام المتماثلين والمتجانسين والمتقاربين في اآليات الكريمة اآلتية‪:‬‬ ‫‪ -1‬ﱫ ¾ ¿ ‪ ÃÂ Á À‬ﱪ‬ ‫‪ -2‬ﱫ‪ ji h g f e d c b a‬ﱪ‬ ‫‪ -3‬ﱫ ! " ‪ & % $ #‬ﱪ‬

‫البقرة‪٢٢٣ :‬‬ ‫النساء‪15٨ - 15٧ :‬‬

‫املرسالت‪٢٠ :‬‬

‫‪ -4‬ﱫ ‪ Ï Î Í Ì Ë Ê É È Ç Æ Å Ä Ã Â‬ﱪ‬ ‫آل معران‪٦٩ :‬‬

‫‪ -5‬ﱫ ‪> = < ; : 9 8 7 6‬ﱪ‬

‫‪ -6‬ﱫ ] ^ _ ` ‪ a‬ﱪ‬

‫الكهف‪1٧ :‬‬

‫الكهف‪٧٨ :‬‬

‫تمرينات‬ ‫عين كل نوع من أنواع اإلدغام الثالثة في اآليات القرآنية اآلتية ‪ ،‬ذاكر ًا السبب؟‬ ‫‪ -1‬ﱫ ! " ‪. - , + * ) ( ' & % $ #‬‬ ‫‪ 3210/‬ﱪ‬

‫الكهف‪1٦ :‬‬

‫‪ -2‬ﱫ ‪C B A @ ? > = < ; : 9 8 7 6‬‬ ‫‪G F E D‬ﱪ‬

‫الكهف‪1٧ :‬‬

‫‪ -3‬ﱫ ‪R Q P O N M L K‬ﱪ‬ ‫‪ -4‬ﱫ ‪ Ú Ù Ø × Ö ÕÔ Ó Ò Ñ‬ﱪ‬

‫البقرة‪٦٠ :‬‬

‫البقرة‪٢5٦ :‬‬

‫‪ -5‬ﱫ‪^ ] \ [ Z Y X W V‬ﱪ‬

‫الزﺧرف‪٣٩ :‬‬

‫‪ -6‬ﱫ ‪} | { z y x w v u t s r q‬ﱪ‬ ‫‪ -7‬ﱫ ‪\ [ Z Y X W V U‬ﱪ‬

‫هود‪٤٢ :‬‬

‫الكهف‪٢٢ :‬‬

‫‪7‬‬


8


‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ح‬ ‫د‬ ‫ة‬ ‫األولى‬

‫‪9‬‬


‫الدر�ص االأو∫‪ :‬من القراآن الكريم‬ ‫سورة المؤمنون من اآلية (‪)50-1‬‬

‫آيات الحفظ (‪)11-1‬‬

‫ﭑﭒﭓ‬

‫ﱫﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬ ‫ﭠﭡﭢﭣ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭭﭮ‬ ‫ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ‬ ‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬ ‫ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬ ‫ﮙ ﮚ ﮛﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬ ‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ‬ ‫ﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯞﯟ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ‬ ‫ﯨ ﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯯﯰ ﯱﯲ ﭑﭒﭓﭔﭕ‬ ‫ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬ ‫ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬ ‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬ ‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ‬ ‫ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ‬ ‫‪10‬‬


‫ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬ ‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬ ‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬ ‫ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬ ‫ﭖﭗ ﭘﭙ ﭚﭛﭜ ﭝﭞ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭥﭦﭧ ﭨ‬ ‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬ ‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬ ‫ﮑ ﮒﮓﮔﮕ ﮖﮗﮘ ﮙﮚ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮡ‬ ‫ﮢﮣﮤ ﮥﮦﮧﮨﮩ ﮪﮫﮬﮭ ﮮﮯ ﮰﮱﯓ‬ ‫ﯔ ﯕﯖﯗﯘﯙ ﯚﯛﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡﯢﯣﯤ‬ ‫ﯥﯦﯧﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯶﯷ‬ ‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ‬ ‫ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬ ‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ‬ ‫ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬ ‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮅﮆﮇﮈ‬ ‫ﮉﮊﮋﮌ ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮖ‬

‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﱪ �صدق الله العلي العظيم‬ ‫‪11‬‬


‫معاني الكلمات‬ ‫الكلمة‬ ‫اللغو‬

‫معناها‬ ‫ما ال نفع فيه من قول أو فعل أو تفكير‪ ،‬وما ال يرضى اهلل عنه‪.‬‬

‫الساللة‬

‫الخالصة مشتقة من السل‪ ،‬وهو استخراج الشيء من الشيء‪ ،‬والولد‬ ‫ّ‬ ‫انسل من ظهره‪.‬‬ ‫ساللة أبيه‪ ،‬ألنه‬

‫مكين‬

‫ثابت‪ ،‬راسخ‪.‬‬

‫النطفة‬

‫الحيوان المنوي (ماء الرجل)‪.‬‬

‫علقة‬

‫دم ًا مجمداً‪.‬‬

‫مضغة‬

‫قطعة لحم قدر ما يمضغ‪.‬‬

‫سبع طرائق‬

‫سبع سماوات طباقاً‪.‬‬

‫صبغ لألكلين‬ ‫ٍ‬

‫إدام يغمس فيه الخبز‪.‬‬

‫المأل‬

‫الزعماء ووجوه القوم‪.‬‬

‫به جِ ّنة‬

‫جنون‪.‬‬

‫فتربصوا به‬

‫انتظروا واصبروا عليه‪.‬‬

‫بأعيننا‬

‫برعايتنا وحفظنا‪.‬‬

‫فار التنور‬

‫نبع الماء بكثرة من التنور الذي يخبز فيه‪.‬‬

‫هيهات‬

‫َب َعد وقوع ذلك الموعود‪.‬‬

‫تترا‬

‫متتابعين على فترات‪ ،‬رسو ًال بعد رسول‪.‬‬

‫عالين‬

‫متك ّبرين‪.‬‬

‫معين‬

‫ماء جار‪.‬‬

‫‪12‬‬


‫المعنى العام‬ ‫ﱫ ﭑ ﭒ ﭓﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬ ‫ﭟﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﱪ في هذه السورة المباركة بشرى‬ ‫للمؤمنين‪ ،‬فقد فاز المصدقون باهلل وبرسوله العاملون بشرعه‪ ،‬الفائزون بالنجاة من النار‬ ‫بصفات من جمعها ثبت له‬ ‫ودخول الجنة‪ ،‬ووصف اهلل تعالى هؤالء المؤمنين المفلحين‬ ‫ٍ‬ ‫الفالح وأصبح من الذين يرثون الفردوس ويخلدون فيها ومن صفاتهم أنهم‪:‬‬ ‫ﱫﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﱪ أي في صالتهم خاشعون ّ‬ ‫متذللون خائفون‪ ،‬تفرغ لها‬ ‫قلوبهم‪ ،‬وتسكن جوارحهم‪.‬‬ ‫ﱫ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﱪ فهم تاركون ّ‬ ‫كل ماال خير فيه من األقوال واألفعال‬ ‫واألفكار وما ال يرضى اهلل عنه‪.‬‬ ‫مطهرون لنفوسهم وأموالهم بأداء زكاة‬ ‫ﱫ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﱪ والذين هم ّ‬ ‫أموالهم لمستحقيها‪.‬‬ ‫ﱫﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬ ‫حرم اهلل من الزنى وال ّلواط والفواحش‬ ‫ﭴ ﭵﱪ والذين هم لفروجهم حافظون مما ّ‬ ‫ك ّلها‪ .‬إلاّ على زوجاتهم‪ ،‬أو ما ملكت أيمانهم من اإلماء‪ ،‬فال لوم عليهم وال حرج ألن‬ ‫أحلهن‪.‬‬ ‫اهلل تعالى‬ ‫ّ‬ ‫ﱫ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﱪ فمن طلب غير الزوجات والمملوكات‬ ‫فهم من المعتدين المتجاوزين الحدّ في البغي والفساد‪ ،‬الذين سيعاقبهم اهلل تعالى‬ ‫لتجاوزهم الحالل إلى الحرام‪.‬‬ ‫‪13‬‬


‫ﱫﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﱪ والذين هم حافظون لكل ما اؤتمنوا عليه‬ ‫موفون بكل عهودهم‪.‬‬ ‫ﱫﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﱪ والذين يداومون على أداء صالتهم في أوقاتها‬ ‫على هيئتها المشروعة‪ ،‬الواردة عن النبي الكريم بعيد ًا عن التكاسل والرياء‪.‬‬ ‫ﱫ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﱪ هؤالء المؤمنون‬ ‫هم الوارثون الجنة والمتنعمون بنعيمها‪ .‬الذين يرثون أعلى منازل الجنة وأواسطها‪،‬‬ ‫وهي أفضلها منزالً‪ ،‬هم فيها خالدون‪ ،‬ال ينقطع نعيمهم وال يزول‪.‬‬ ‫ﱫﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ‬ ‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ‬ ‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬ ‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﱪ يبين اهلل تعالى كيف خلق اإلنسان من العدم فلقد‬ ‫خلق اهلل تعالى (آدم) من طين‪ ،‬ونفخ فيه من روحه فكان بشر ًا سوياً‪ ،‬ثم جعل ذرية‬ ‫آدم وبنيه يتناسلون من نطفة األب لتستقر في رحم األم‪ .‬ثم خلق النطفة علقة أي‪ :‬دم ًا‬ ‫أحمر‪ ،‬فخلق العلقة بعد أربعين يوم ًا مضغة أي‪ :‬قطعة لحم قدر ما يمضغ‪ ،‬فخلق المضغة‬ ‫الل ّينة عظاماً‪ ،‬فكسى العظام لحماً‪ ،‬ثم أنشأناه خلق ًا آخر ينفخ الروح فيه‪ ،‬فتبارك اهلل‬ ‫الذي أحسن ّ‬ ‫كل شيء خلقه‪ .‬ثم إنكم أيها الناس بعد تلك النشأة والحياة لصائرون إلى‬ ‫الموت‪ .‬وبعد الموت وانقضاء الدنيا تبعثون يوم القيامة أحياء من قبوركم للحساب‬ ‫والجزاء‪.‬‬

‫‪14‬‬


‫ﱫﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬ ‫ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬ ‫ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﱪ‬ ‫ولقد خلقنا فوقكم سبع سموات بعضها فوق بعض‪ ،‬وما كنا عن الخلق غافلين‪ ،‬فال‬ ‫نغفل مخلوق ًا وال ننساه‪ .‬وأنزلنا من السماء ماءٍ بقدر حاجة الخالئق‪ ،‬وجعلنا األرض‬ ‫مستقر ًا لهذا الماء‪ ،‬ونحن قادرون على إذهابه وفي هذا تهديد ووعيد للظالمين‪ .‬فأنشأنا‬ ‫بهذا الماء لكم بساتين النخيل واألعناب‪ ،‬لكم فيها فواكه كثيرة األنواع واألشكال‪،‬‬ ‫ومنها تأكلون‪ .‬ومما أنشأنا لكم بالماء أيض ًا شجرة الزيتون التي تخرج حول جبل طور‬ ‫(سيناء)‪ ،‬يعصر منها الزيت الذي فيه منافع كثيرة كدهن‪ ،‬وإدام لآلكلين‪.‬‬ ‫ﱫ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ‬ ‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﱪ وإن لكم أيها الناس‪ ،‬في اإلبل والبقر والغنم لعظة تتعظون‬ ‫بخلقها‪ ،‬نسقيكم مما في بطونها من اللبن‪ ،‬ولكم فيها منافع عديدة‪ :‬تلبسون من‬ ‫أصوافها‪ ،‬وتركبون ظهورها‪ ،‬وتحملون عليها األثقال‪ ،‬ومنها تأكلون‪ .‬وتحملون على‬ ‫البر‪ ،‬كما تحملون على السفن في البحر‪.‬‬ ‫األبل في ّ‬ ‫ﱫﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ‬ ‫ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬ ‫ﯕﯖﯗﯘ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯟﯠﯡ ﯢﯣﯤ ﯥﯦ‬ ‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬ ‫‪15‬‬


‫ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ‬ ‫ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬ ‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬ ‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﱪ ولقد أرسلنا نوح ًا إلى قومه بدعوة التوحيد‪ ،‬قبلك‬ ‫يا رسول اهلل فكذبوه كما كذبك قومك‪ ،‬فقال لهم‪ :‬اعبدوا اهلل وحده‪ ،‬ليس لكم من إله‬ ‫يستحق العبادة غيره ّ‬ ‫جل وعال‪ ،‬فأخ ِلصوا له العبادة‪ ،‬أفال تخشون عذابه؟ فكذبه أشراف‬ ‫قومه‪ ،‬وقالوا‪ :‬ما هذا الذي يزعم أنه رسول إلاّ رجل من البشر يريد أن يطلب الرياسة‬ ‫والشرف عليكم بدعواه النبوة‪ ،‬ولو أراد اهلل أن يبعث رسو ًال لبعث ملك ًا من المالئكة‪ .‬ما‬ ‫مس من الجنون‪ ،‬فانتظروا‬ ‫سمعنا هذا فيمن سبقنا من آباء واجداد‪ ،‬وما نوح إلاّ رجل به ّ‬ ‫واصبروا عليه مدة حتى يموت وال تتركوا دينكم ألجله‪ .‬وبعد قرون طويلة بلغت ألف‬ ‫سنة إلاّ خمسين عاماً‪ ،‬يئس نوح (ع) من إيمانهم فشكاهم إلى اهلل تعالى‪.‬‬ ‫رب انصرني على قومي بسبب تكذيبهم إياي‪ .‬فأوحينا إلى نوح أن اصنع‬ ‫فقال نوح‪ّ :‬‬ ‫السفينة بمرأى منا وحفظنا وبأمرنا وتعليمنا‪ .‬فإذا جاء أمرنا بعذاب قومك بالغرق فار‬ ‫فأدخلْ في السفينة من ّ‬ ‫الماء من التنور‪ِ ،‬‬ ‫كل األحياء ‪ ،‬ذكر ًا وأنثى ‪ ،‬ليبقى النسل‪ ،‬وأدخل‬ ‫أهلك إلاّ من استحق العذاب لكفره كزوجتك وابنك‪ ،‬وال تسألني نجاة قومك الظالمين‪،‬‬ ‫فإنهم مغرقون ال محالة‪ .‬فإذا ركبت‪ ،‬أنت ومن معك من المؤمنين‪ ،‬على السفينة‪،‬‬ ‫يسر‬ ‫أحمدوا اهلل على تخليصه إياكم من الغرق‪ ،‬ونجاتكم من القوم الكافرين‪ .‬وقلْ ‪ّ :‬‬ ‫رب ّ‬ ‫لي النزول المبارك اآلمن‪ ،‬وأنت خير المنزلين ألوليائك والحافظين لعبادك‪ّ .‬إن في نجاة‬ ‫المؤمنين وإهالك الكافرين لدالالت واضحات على صدق رسل اهلل فيما جاؤوا به من اهلل‪،‬‬ ‫الرسل إليهم قبل وقوع العقوبة بهم ُليرى الكافر من‬ ‫وإن اهلل تعالى يختبر األمم بإرسال ُّ‬ ‫المؤمن فيجزي كل منهما بعدله ورحمته‪.‬‬ ‫‪16‬‬


‫ﱫ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ‬ ‫ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬ ‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬ ‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﱪ ثم أنشأنا من بعد قوم نوح جي ً‬ ‫ال آخر يخلفونهم هم قوم (عاد)‪.‬‬ ‫فأرسل اهلل تعالى فيهم رسو ًال منهم هو هود (ع)‪ ،‬فقال ‪ :‬اعبدوا اهلل وحده ليس لكم‬ ‫معبود غيره‪ ،‬أال تخافون عقابه إذا عبدتم غيره؟‬ ‫وقال األشراف والوجهاء من قومه الذين كفروا باهلل‪ ،‬وأنكروا الحياة اآلخرة‪ ،‬وأطغاهم‬ ‫نعيم الدنيا من ترف العيش‪ :‬ما هذا الذي يدعوكم إلى توحيد اهلل تعالى إلاّ‬ ‫بشر مثلكم‬ ‫ّ‬ ‫يأكل من جنس طعامكم‪ ،‬ويشرب من جنس شرابكم‪ .‬ولئن أطعتموه وصدقتموه‪ ،‬وهو‬ ‫مثلكم‪ ،‬فإنكم لخاسرون حقاً‪.‬‬ ‫ﱫ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ‬ ‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬ ‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﱪ كيف تصدقون ما يعدكم به من أنكم إذا م ّتم وصرتم تراب ًا‬ ‫بعيد حق ًا ما توعدون به‪ ،‬أيها القوم‪ ،‬من‬ ‫بعيد‪ٌ ،‬‬ ‫وعظام ًا مفتتة‪ ،‬تخرجون من قبوركم؟ ٌ‬

‫أنكم بعد موتكم ُتخرجون وتبعثون أحيا ًء من قبوركم‪ .‬ما هي إلاّ حياتنا في هذه الدنيا‪،‬‬

‫يموت اآلباء منا ويحيا األبناء ‪ ،‬وما نحن بمخرجين أحياء مرة أخرى‪ .‬وما هذا الداعي‬ ‫لكم إلى اإليمان إلاّ رجل كاذب يكذب على اهلل‪ ،‬ولسنا بمصدقين ما قاله لنا‪.‬‬

‫ﱫﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬ ‫ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﱪ فدعا رسولهم ر ّبه قائ ً‬ ‫رب انصرني‬ ‫ال ‪ّ :‬‬ ‫عليهم بسبب تكذيبهم لي وإصرارهم على الكفر بك وعبادة غيرك‪ .‬وقال اهلل مجيب ًا‬ ‫لدعوته‪ :‬عما قريب سيصيرون نادمين على كفرهم‪ .‬فأخذتهم صيحة العذاب المدمر‪،‬‬ ‫أهلكهم اهلل بها فماتوا جميعاً‪ ،‬وأصبحوا كغثاء السيل الذي يطفو على الماء‪ ،‬فسحق ًا‬ ‫وهالك ًا لهم بكفرهم وظلمهم‪ ،‬وبعد ًا لهم من رحمة اهلل‪.‬‬ ‫‪17‬‬


‫ﱫﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬ ‫ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬ ‫ﭮ ﭯ ﱪ ثم أنشأنا من بعد هؤالء المكذبين أمما وخالئق آخرين كأقوام‪ :‬لوط‬ ‫أي أمة من هذه األمم المكذ ّبة الوقت‬ ‫وشعيب وأيوب ويونس (ع) جميعاً‪ .‬ما تتقدم ّ‬ ‫المحدد لهالكها‪ ،‬وال تتأخر عنه‪ .‬ثم أرسلنا رسلنا إلى تلك األمم يتبع بعضهم بعضاً‪،‬‬ ‫كلما دعا رسول أمته ّ‬ ‫يبق ّإال أخبار‬ ‫كذبوه‪ ،‬فأتبعنا بعضهم بعض ًا بالهالك والدمار‪ ،‬ولم َ‬ ‫هالكهم‪ ،‬وجعلناها أحاديث لمن بعدهم‪ ،‬ي ُتخذ منها عبرة‪ .‬فهالك ًا وسحق ًا لقوم ال‬ ‫يطيعونهم‪.‬‬ ‫يصدّ قون الرسل وال‬ ‫ِ‬ ‫ﱫﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬ ‫ﭽﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ‬ ‫ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬ ‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﱪ ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون (ع) بآياتنا‬ ‫القمل‪ ،‬الضفادع‪ ،‬الدم‪ ،‬الطوفان‪ ،‬السنون‪ ،‬ونقص‬ ‫البينات التسع (العصا‪ ،‬اليد‪ ،‬الجراد‪َّ ،‬‬ ‫من الثمرات) حجة ب ّينة تنقاد لها قلوب المؤمنين‪ ،‬وتقوم بها الحجة على المعاندين‪،‬‬ ‫أرسلناهما إلى فرعون وأشراف قومه المتك ّبرين‪ .‬فقالوا‪ :‬أنصدّ ق رجلين مثلنا‪ ،‬وقومهما‬ ‫من بني إسرائيل تحت إمرتنا مطيعين لنا؟ ّ‬ ‫فكذبوهما فيما جاءا به‪ ،‬فكانوا من المغرقين‬ ‫في البحر‪ .‬وجعلنا عيسى بن مريم وأ ّمه (ع) معجزة عظيمة ّ‬ ‫تدل على كمال قدرتنا‪ ،‬إذ‬ ‫خلقناه من غير أب‪ ،‬وجعلنا لهما مأوى في مكان مرتفع من األرض‪ ،‬خصبة وفيها ماءٍ‬ ‫جار ظاهر‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪18‬‬


‫ما يرشد إلي ِه النص‬ ‫أهم ُ‬ ‫‪ -1‬يبشر اهلل تعالى المؤمنين الخاشعين في صالتهم‪ ،‬والمعرضين عن الكذب والشتم‬ ‫والهزل‪ ،‬المؤدين زكاة أموالهم‪ .‬الحافظين فروجهم عن الحرام‪ ،‬بأنهم الفائزون‬ ‫السعداء‪.‬‬ ‫‪ّ -2‬إن الذين ال يخونون إذا ائتمنوا‪ ،‬وال ينقضون عهدهم إذا عاهدوا‪ ،‬والذين يواظبون على‬ ‫الصلوات الخمس‪ ،‬أولئك جميع ًا هم الجديرون بوراثة جنة النعيم ال يخرجون منها أبداً‪.‬‬ ‫‪ -3‬إن اهلل هو المحيي وهو المميت وهو الباعث المعيد‪.‬‬ ‫‪ -4‬إن اهلل خالق السموات السبع‪ ،‬وهو منزل القطر والمطر‪ ،‬وخالق األنعام وغير ذلك‬ ‫من فضله العميم سبحانه‪.‬‬ ‫‪ -5‬إن ذكر قصص األنبياء السابقين تعزية لرسول اهلل (�ص) ليتأسى بهم في صبره‪،‬‬ ‫وليعلم أن الرسل قبله قد ُكذبوا كما َّ‬ ‫كذبه قومه‪.‬‬ ‫‪ -6‬تأكيد بقاء المشركين على عنادهم ‪ -‬بإختالف األزمان ‪.-‬‬ ‫‪ -7‬إن رسل اهلل واتباعهم ممن آمن بهم محفوظون بأمر اهلل ورعايته‪ ،‬وأعداؤهم هالكون‪.‬‬ ‫‪ -8‬أن دعاء األنبياء (ع) ال ُيرد‪.‬‬ ‫‪ -9‬إن دالئل قدرة اهلل على إعادة األمم والخالئق بعد إماتتهم‪ ،‬واضحة بينة باألدلة‬ ‫والبراهين‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫املناقشة‬

‫‪ -1‬ربطت اآليات الكريمة فالح المؤمنين بسلسلة من المتطلبات التي يجب على‬ ‫المؤمن اإليفاء بها‪ ،‬ما هي؟‬ ‫‪ُ -2‬كررت لفظة الصالة في اآلية الثانية‪ ،‬واآلية التاسعة‪ ،‬وذكرهما ليس تكرار ًا وإنما هو‬ ‫شيء مختلف‪ .‬ما وجه هذا االختالف؟‬ ‫‪ُ -3‬ذكرت (الجنة) هنا بوصف آخر‪ ،‬ما هو؟ وما األسماء األخر للج َّنة التي وردت في‬ ‫القرآن الكريم؟‬ ‫‪ -4‬اذكر سلسلة خلق اإلنسان‪ ،‬ثم ّبين صفات ّ‬ ‫كل طور من أطوار الخلق العظيم‪.‬‬ ‫‪ -5‬ﱫ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﱪ‪،‬‬ ‫ابحث في القرآن الكريم عن أية إشارة ألسماء الفواكه في الجنة‪ .‬ثبتها رقم ًا ومكاناً‪.‬‬ ‫‪ -6‬عاقب اهلل تعالى قوم نوح (ع) وقوم هود (ع)‪ ،‬فما كانت عقوبة ّ‬ ‫كل منهما؟‬ ‫‪ -7‬ما الداللة على كمال قدرة اهلل في خلق عيسى (ع)؟‬ ‫الرسل؟ استشهد على ذلك‪.‬‬ ‫‪ -8‬ما االتهامات التي يطلقها الكفار على ُّ‬ ‫‪ -9‬ذكر القرآن الكريم أمثلة على كفار مكة من المكذبين من األمم السابقة‪ ،‬وما نالهم‬ ‫من العذاب‪ .‬اشرح هذه األمثلة بإيجاز‪ ،‬وبيان العبرة المستقاة منها‪.‬‬ ‫‪ -10‬اهلل ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬يختبر عباده بابتالئهم‪ .‬اذكر نماذج من هذه االبتالءات‪.‬‬ ‫‪ -11‬ﱫ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﱪ‪ ،‬وهي‬ ‫صيحة العذاب المدمر التي تعد نهاية معاملة أهل الكفر‪ ،‬وإصرارهم على الضالل‪.‬‬ ‫هناك آيات أخرى تضمنت عقوبات شملت أمما كثيرة‪ّ .‬‬ ‫دل عليها مع ذكر السورة‬ ‫واآلية‪.‬‬ ‫‪ -12‬في القرآن الكريم معجزات عظيمة تدل على كمال قدرة الخالق‪ .‬أذكر خمس ًا من‬ ‫واف‪ ،‬وإشارة إلى السورة واآليات‪.‬‬ ‫هذه المعجزات مع شرح مختصر ٍ‬ ‫‪20‬‬


‫الدر�ص الثاني ‪ :‬من الحديث النبوي ال�صريف‬ ‫األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬ ‫قال رسول اهلل (�ص)‪:‬‬ ‫ستطع فبق ْلب ِه‪،‬‬ ‫( َم ْن َرأى ِم ْن ُكم ُم ْنكر ًا َف ْليغ ِّير ُه بيد ِه‪َ ،‬فإنْ َل ْم يستطع َفب ِلسان ِه‪ ،‬فإنْ َل ْم َي‬ ‫ْ‬ ‫أضعف اإليمان‪ ).‬صدق رسول اهلل (�ص)‬ ‫َوذَلك‬ ‫ُ‬

‫المعنى العام‬ ‫‪ -1‬في ّ‬ ‫كل مجتمع نوعان من الناس ‪ٌ :‬‬ ‫عاقل رشيد تصدر أعماله النافعة عن دين وعلم وتجربة‪،‬‬ ‫فيضر اآلخرين إما جه ً‬ ‫ال وإما استخفاف ًا وسوء أدب‪.‬‬ ‫ومقصر يقع في الزلل‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫الناصح‬ ‫فلو ُترك المقصر بغير ُنصح وإرشاد ألساء إلى نفسه وإلى المجتمع‪ ،‬وإذا وجِ َد‬ ‫ُ‬ ‫المقصر فنحقق بذلك سالمت ُه وسالمة المجتمع‪ .‬فكم من نفس‬ ‫األمين ع َّلم الجاهلَ وأرشد‬ ‫ِّ‬ ‫قلب استنار بالنصيحة بعد ظلمة‪ ،‬وكم من‬ ‫تنبهت بعد ٍ‬ ‫غفلة فأقلعت عن المعاصي‪ ،‬وكم من ٍ‬ ‫ْ‬ ‫غوي اهتدى بعد ضاللة‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫‪ -2‬واذا أهمل العقال ُء النصح واإلرشا َد َتمادى الجهال ُء والمفسدون في غ ّيهم وكثرت‬ ‫والظلم‪ ،‬و ُأ ِ‬ ‫الحكام‪،‬‬ ‫البغي‪،‬‬ ‫المفاسد والشرور‪ ،‬واستشرى‬ ‫ُ‬ ‫هملت الفضائل واستبدَّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الضر على المفسدين بل يشملهم وغيرهم‪.‬‬ ‫وعمت الفتن‪ ،‬وال يقتصر‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫قال تعالى‪ :‬ﱫ ‪ ËÊ É È Ç Æ Å Ä Ã‬ﱪ‬

‫األنفال ‪٢5 :‬‬

‫‪21‬‬


‫‪ّ -3‬إن ما انطوى عليه حديث الرسول (�ص) هو خطاب لجميع األمة‪ ،‬فإن من رأى بعينه‬ ‫توجب عليه إزالة ذلك المنكر بيده إن‬ ‫منكر ًا أو علم به فإن مقتضيات اإليمان القوي‬ ‫ُ‬ ‫حكم يقوم به أو جاهٍ يساعده في‬ ‫تيسر له ذلك‬ ‫ٍ‬ ‫توقف تغييره عليه إن َّ‬ ‫لسلطة يملكها أو ٍ‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫فإن لم يستطع تغييره بيده بأن خشي لحاق ضرر وأذى به أنكر المنكر وسعى إلى تغييره‬ ‫قلع عنه‪ ،‬ويأخذ بتوبيخه وتذكيره باهلل وأليم‬ ‫بلسانه بأن يقول لفاعله إنه منكر وإن عليه أن ُي َ‬ ‫عقابه مع لين وإغالظ ويستدل بما ّ‬ ‫يؤكد كالمه من أدلة الشرع‪ .‬فإن ضعفت روح الدين‬ ‫َ‬ ‫وفشت المنكرات ُ‬ ‫المنكر بقلبه بأن يكره ذلك ويكره‬ ‫وكبتت الحريات في أي مجال فلينكر‬ ‫فاعله‪ ،‬ويبين له عدم الرضا عن سلوكه وأعماله ويتوجه إلى اهلل باالستغفار منه ويعزم أن لو قدر‬ ‫عليه بقول أو فعل ألزاله‪ ،‬النه يجب كراهة المعصية‪ ،‬فالراضي بها شريك لفاعلها‪ ،‬وهذا اإلنكار‬ ‫يسمى اإلنكار القلبي وهو أضعف اإليمان وأقله ثمرة‪ ،‬فإن من شأن المسلم أن يكون قوي اإليمان‬ ‫يقول الحقّ أينما كان‪ ،‬وال يخاف في اهلل لومة الئم‪ ،‬وفي الحديث الشريف‪( :‬المؤمن القوي خير‬ ‫وأحب إلى اهلل من المؤمن الضعيف وفي ّ‬ ‫كل خير)‪ .‬واذا كان اإلنكار دلي ً‬ ‫ال على ضعف اإليمان فإن‬ ‫ّ‬ ‫عدم انكار القلب للمنكر دليل على موت اإليمان وذهابه منه‪.‬‬ ‫وإذا ساد المنكر في المجتمع‪ ،‬ولم يجد َمن يردعه‪ ،‬أو يوقفه‪ ،‬حينها لن يتق ّبل اهلل تعالى من‬ ‫يعمهم اهلل بالعذاب‪.‬‬ ‫الناس دعاء‪ ،‬وأوشك أن َّ‬ ‫‪22‬‬


‫ما يرشد إلي ِه النص‬ ‫أهم ُ‬ ‫‪ -1‬هذا الحديث من دعائم اإلسالم ألن ُه يلقي مسؤولية إصالح المجتمع على ِّ‬ ‫كل فرد‪،‬‬ ‫ويحمله مسؤولية العمل على تنظيف مجتمعه من المفاسد والرذائل وإزالتها بالوسيلة‬ ‫ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫ويحث على إيجاد المجتمع السعيد‪.‬‬ ‫الممكنة‪،‬‬ ‫‪ -2‬دعوة اإلسالم إلى األمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما هي دعوة إلى اإلصالح ونهي‬ ‫وليطمئن ّ‬ ‫كل على نفسه وماله وعرضه وكرامته‪،‬‬ ‫عن اإلفساد كتنظيم حياة المجتمع‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لألخوة‪ ،‬وتوثيق للرابطة القوية بين أبناء المجتمع وتوجيههم إلى غاية‬ ‫وفي هذا تحقيق‬ ‫ّ‬ ‫واحدة وهدف مشترك واحد‪ ،‬وتجنيبهم الفرقة واختالف األهواء والنزعات‪.‬‬ ‫‪ -3‬وإذا كان لفريضة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذه اآلثار البعيدة المدى في حياة‬ ‫األمة‪ ،‬فإن الهمالها واالستهانة بها آثار ًا عكسية من االستخفاف بالدين والتنكر للعقائد‬ ‫أو االستهتار باألخالق والتهوين من ِ‬ ‫شأن الفضائل والخروج عن ال ُعرف الصالح واالبتعاد‬ ‫سيعم العذاب الجميع‪.‬‬ ‫عن العادات الحسنة‪ .‬حينها‬ ‫ّ‬

‫املناقشة‬

‫‪( -1‬إصالح المجتمع واجب على ّ‬ ‫كل فرد) فكيف نقوم بهذه المسؤولية؟‬ ‫تعم الفتن َة األمم؟ وما السبيل لتجنبها؟‬ ‫‪ -2‬متى ّ‬ ‫‪( -3‬دعا اإلسالم إلى األمر بالمعروف والنهي عن المنكر) اشرح ذلك؟‬ ‫صلح المسي َء؟‬ ‫‪ -4‬كيف يستطيع المسلم أن ُي َ‬ ‫‪23‬‬


‫الدر�ص الثالث‪ :‬من ق�ص�ص القراآن‬ ‫النبي يحيى بن زكريا (ع)‬ ‫ﱫ¡ ‪¯ ® ¬ « ª © ¨ § ¦ ¥ ¤ £¢‬‬ ‫‪¼ » º ¹ ¸ ¶µ ´ ³ ² ± °‬‬ ‫½ ¾ ¿‪ Ä Ã Â Á À‬ﱪ‬

‫األنبﻴاء‪٩٠ - ٨٩ :‬‬

‫وألح في‬ ‫لم يرزق نبي اهلل زكريا (ع) ذرية‪ ،‬فاشتدَّ حزنه فسأل اهلل تعالى أن يرزقه ولد ًا َّ‬ ‫الدعاء‪ ،‬وما ان أتم زكريا دعاءه الخفي ّلربه‪ ،‬وفيما هو في محرابه‪ ،‬فوجئ باإلجابة تأتي‬ ‫بسرعة كبيرة من رحمة اهلل ولطفه بعباده المخلصين‪ :‬ﱫ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬ ‫ﭨ ﭩﱪ نعم لقد ناداه جبريل (ع) وأبلغه البشرى المباركة فقال له‪( :‬ان اهلل يبشرك‬ ‫بيحيى) وقال تعالى‪ :‬ﱫ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﱪ ما أكرم هذه البشرى!‬ ‫وما أجل البشير! وما أطيب الغالم‪ ،‬فاهلل سبحانه وتعالى لم يعطه الولد الذي أراده حسب‪،‬‬ ‫سم أحد قبله باسم يحيى‪ ،‬ولم يترك‬ ‫بل ّ‬ ‫سماه له هو سبحانه‪ ،‬واختار له اسم ًا من عنده‪ ،‬لم ُي ِّ‬ ‫تسميته لوالديه‪ ،‬فهو أسم غير مسبوق فقال له‪ :‬ﱫ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﱪ وقد ذكر‬ ‫اسمه في القرآن الكريم مرات عديدة‪.‬‬ ‫‪24‬‬


‫‪ -1‬ﱫ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬ ‫ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﱪ‬

‫آل معران‪٣٩ :‬‬

‫‪ -2‬ﱫ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﱪ‬ ‫مرمي‪٧ :‬‬

‫‪ -3‬ﱫﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ‬ ‫ﭢﭣ ﭤ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭯﭰﭱﭲﱪ‬ ‫مرمي‪15 - ١٢ :‬‬

‫كان يحيى (ع) حسن الوجه جميل الصورة ومن صفاته أنه كان ﱫﭮ ﭯ ﭰ‬ ‫ﱫح ُصور ًا ﱪ ال يقرب‬ ‫بنبي اهلل عيسى (ع) فهو أول من آمن برسالته وكان َ‬ ‫ﭱﱪ كان مصدق ًا ّ‬ ‫النساء وال يدخل في ا ّللعب وا ّللهو‪ ،‬فقد َّ‬ ‫كف نفسه عن ذلك ك ّله على رغم قدرته عليه‪،‬‬ ‫عز ّ‬ ‫وجل وقد حبس نفسه عن الشهوات كلها‪.‬‬ ‫وذلك ِع ّفة منه وزهد ًا وانقطاع ًا هلل َّ‬ ‫السن الذي ُيؤمر فيه‪ ،‬أمره اهلل سبحانه بأن يأخذ التوراة‪ ،‬بجد وقوة‬ ‫وعندما كبر وبلغ‬ ‫ّ‬ ‫فقال له‪ :‬ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﱪ وكذلك أعطاه اهلل الحكمة والحكم ورجاحة العقل‬ ‫منذ الصغر قال تعالى‪ :‬ﱫﭖ ﭗ ﭘﱪ‪.‬‬ ‫فقد يجوز أن ُيعطى الحكم ابن اربعين سنة ويجوز أن يعطي الصبي‪.‬‬ ‫‪25‬‬


‫وابتدأت محنة يحيى (ع) حين سمع (هيرودس األصغر) أحد ملوك الرومان بأمر نبي اهلل‬ ‫حب اليهود أياه وأدرك التفاف الناس حوله‪ .‬فتوجه هيرودس بكل مكره وطيشه‬ ‫يحيى وعرف ّ‬ ‫الرسل‪ ،‬ليحصلوا له‬ ‫وبطشه إلى يحيى طالب ًا منه أن يفتي بزواجه من زوجه أخية وأرسل لذلك ُّ‬ ‫من يحيى (ع) على تلك الفتوى الباطلة‪ ،‬لكن يحيى (ع) أبى إباء شديداً‪ ،‬ورفض أن يوافق‬ ‫للملك ما ليس له بحق لكن الملك ازداد اصراراً‪ ،‬وهدد يحيى وأوعده حتى إذا يئس ولم ينل‬ ‫وظن الملك ّأن‬ ‫منه ما يريد أمر بالقائه في غياهب السجن‪ ،‬ولبث يحيى (ع) في السجن َّ‬ ‫يحيى سيغير موقفه إذا قاسى مرارة السجن وعذابه‪.‬‬ ‫لكن يحيى ازداد اصرار ًا ولم يذعن لرغبة الملك بل بقى متمسك ًا بالحقّ ال يحيد عنه ابد ًا‬ ‫ممتث ً‬ ‫ال أمر اهلل تعالى إياه‪ :‬ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﱪ‪ ،‬وعاد الملك والتجأ إلى المكر‬ ‫والغدر مرة أخرى‪ ،‬فأتفق الملك مع زوجة أخيه التي يريد الزواج بها على قتل أخيه فال‬ ‫يحتاجا إلى فتوى‪ ،‬وسرعان ما غدر الملك فأقدم على قتل أخيه واحضر الملك يحيى (ع)‬ ‫من السجن وأخبره بأن اخاه مات وقال له (لم تعد هناك عقبة أمام زواجي )‪.‬‬ ‫ولكن هيهات! فيحيى (ع) اقوى إيمان ًا من أن تنال منه مكائد الشيطان‪ ،‬فلم يذعن لما‬ ‫يريدان وسعى الملك وتلك العاصية إلى كل وسيلة للحصول على الموافقة‪.‬‬ ‫‪26‬‬


‫وفي ذات يوم وكان قصر الملك مزدحم بالضيوف في العيد‪ ،‬وأسرف الجميع‬ ‫في األكل والشرب دخلت سالومي على الملك وقالت له سأتزوجك من دون فتوى‬ ‫لكن مهري هو رأس يحيى (ع)‪ ،‬وسرعان ما استجاب الملك لها لشدة تعلقه بها‪.‬‬ ‫فقال ألحد حراسه‪ :‬اذهب الى السجن‪ ،‬واقتل يحيى واحضر لنا رأسه! وانطلق الحارس‬ ‫شاهر ًا سيفه‪ .‬ودخل زنزانة يحيى (ع) فهوى عليه بضربة سيف واحدة خاطفة‪ ..‬وعاد‬ ‫الحارس يعدو وسيفه يقطر دم ًا زكياً‪ ،‬وكان يحمل رأس يحيى في طبق من نحاس‪.‬‬

‫ثم ت ّقدم الحارس ووضع الطبق‪ .‬أمام الملك الطاغي ومعشوقته اآلثمة ل ّيكون دماء األنبياء‬ ‫واألولياء رخيصة أمام الطغاة والبغاة‪ ،‬وسيكون الحساب عظيم ًا وعسير ًا في الدار اآلخرة‪،‬‬ ‫لقد ثبت يحيى (ع)على إيمانه ولم يتزحزح عنه‪.‬‬ ‫لذلك نرى إن اهلل سبحانه وتعالى سلم على يحيى في مواطن ثالثة ﱫﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬ ‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﱪ قال اإلمام علي بن الحسين (ع)‪ :‬خرجنا مع الحسين (ع)‬ ‫فما نزل منز ًال وال ارتحل منه إلاّ وذكر يحيى بن زكريا (ع) وقال يوماً‪ :‬من هوان الدنيا على‬ ‫بغي من بغايا بني إسرائيل‪.‬‬ ‫اهلل ّ‬ ‫عز وجل أن رأس يحيى بن زكريا أ ُهدي إلى ً‬

‫‪27‬‬


‫أهم الدروس والعبر في هذه القصة‬ ‫‪ -1‬الثبات على اإليمان والثبات على المبدأ مهما كانت التحديات‪.‬‬ ‫يخص عباده المخلصين بالمواهب‪ ،‬وهم في مرحلة الشباب‬ ‫‪ّ -2‬أن اهلل سبحانه وتعالى كما‬ ‫ّ‬ ‫أو الكهولة‪ ،‬فإن حكمته سبحانه قد تفضي بإتباعهم المواهب والكرامات وهم في سن‬ ‫الطفولة والصبا وتكون لهم قابلية واستعداد على التذكير والتوجيه واإلرشاد والقيادة‪.‬‬ ‫‪ -3‬أن أنبياء اهلل هم األسوة لنا في حياتنا‪ ،‬فالن ّبي يحيى (ع) كان زاهداً‪ ،‬تقياً‪ ،‬مجتنب ًا‬ ‫للمعاصي صائن ًا لنفسه عن ملذات الحياة الدنيا‪ ،‬مستجيب ًا لطاعة اهلل‪ ،‬منتهج ًا شريعته‬ ‫الغراء‪ ،‬وفي الوقت نفسه كان بآر ًا بوالديه محسن ًا لهما‪ ،‬وبهذا استحقّ هذه المنزلة عند‬ ‫ر ّب ِه والسيادة على قومه‪.‬‬ ‫‪ُ -4‬يــفاد من قصة يحيى (ع) ان أتقى الناس وأشرفهم وأكرمهم عند اهلل تعالى قد ّيقتلون‬ ‫بيد األشقياء واألشرار‪ ،‬فتحرم األمم من بركاتهم وعطاءاتهم وأنوارهم بطغيان هؤالء‬ ‫الظالمين واستهانتهم بأرواح األبرار‪.‬‬

‫‪28‬‬


‫فالنبي يحيى (ع) ُقتل بيد هذا الحاكم الظالم‪ ،‬وأهدى رأسه إلى بغي من البغايا استجابة‬ ‫ّ‬ ‫لنزوة شيطانية تافهه‪ ،‬وحقد أعمى‪.‬‬ ‫وما أشبه الذي جرى على سبط النبي (�ص) اإلمام الحسين (ع) بما جرى ليحيى‪ ،‬اذ‬ ‫ُقتل السبط (ع) بيد أحد الفجرة‪ ،‬وأهدي رأسه إلى لعين ناكر للوحي والنبوة على رؤوس‬ ‫األشهاد‪ .‬إذ تمثل بهذا البيت الطافح بالكفر‪.‬‬ ‫لعبت هاشم بالملك فال‬

‫خبر جاء وال وحي نزل‬

‫لكن األخرة هي دار القرار‪ ،‬التي يجازى فيها العباد‪ ،‬فيقتص اهلل من الظلمة وقتلة االنبياء‬ ‫واألولياء كما يتبعهم العار في هذه الدنيا جزاء أفعالهم وجرائمهم ويدخل اهلل أهل الحق‬ ‫واإليمان جناته‪.‬‬

‫املناقشة‬

‫الخفي الذي ناجى به زكريا ر ّبه واستجاب له؟‬ ‫‪ -1‬ما الدعاء‬ ‫ّ‬ ‫الخلق واألخالق‪.‬‬ ‫‪ -2‬تك ّلم على صفات يحيى (ع) في َ‬ ‫صبي؟ استشهد بآيات قرآنية‪.‬‬ ‫‪ -3‬كيف أعطي الحكم وهو ّ‬ ‫‪ -4‬تك ّلم عن محنة يحيى (ع) مع الملك الظالم‪.‬‬ ‫‪ -5‬استشهاد يحيى (ع) تذكرنا بقصة أحد األئمة األطهار‪ ،‬ناقش ذلك‪.‬‬ ‫‪29‬‬


‫الدر�ص الرابع االبحاث االبحاث‬ ‫الشهيـد‬ ‫‪ -1‬الشهيد في اللغة‬ ‫والشهيد صف ٌة مشبه ٌة من اسم الفاعل على‬ ‫هو اسم مشتق من الفعل شَ هِ َد بمعنى حضر‬ ‫ُ‬ ‫وزن (فعيل) وهو الحاضر الذي حضر مع المعاينة‪.‬‬

‫الشهيد في االصطالح الشرعي‬ ‫هو ُّ‬ ‫مسلم ُقتل في سبيل اهلل تعالى‪ .‬ومعنى ذلك ّأن هذا الرجل المسلم ُقتل بغير حق‬ ‫كل‬ ‫ٍ‬ ‫مال أو أرض أو‬ ‫ويدافع عما‬ ‫حين كان ينشر دينه‬ ‫أوجب اهلل تعالى الدفاع عن ُه من عقيدة أو ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أهل أو ِّ‬ ‫كل ما يدخل ضمن حقوقِ الفرد المسلم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫عرض أو ٍ‬

‫نظر َة الدين اإلسالمي إلى الشهيد‬ ‫شرع اإلسالم الجهاد إعال ًء لكلمة اهلل وتمكين ًا للحقِّ وتثبيت ًا لدينه قال تعالى‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ﱫ|} ~ ﮯ ¡ ‪© ¨ § ¦ ¥ ¤ £ ¢‬‬ ‫‪° ¯ ® ¬« ª‬ﱪ‬

‫احلجرات‪15 :‬‬

‫وقال سبحانه ‪:‬‬ ‫ﱫ‪ v u t s r‬ﱪ‬ ‫‪30‬‬

‫احلج‪٧٨ :‬‬


‫ِ‬ ‫كالزهد في الدنيا‪ ،‬ومفارقة الوطن وهجرة الرغبات في‬ ‫وفي الجهاد ألوان من العبادات‬ ‫ِ‬ ‫الحب واإليمان‬ ‫ثمرات‬ ‫سبيل اهلل وفيه التضحية بالنفس والمال هلل وبيعهما هلل وهو ثمرة من‬ ‫ّ‬ ‫وفيه اليقين والتوكل على اهلل تعالى‪.‬‬ ‫وقد ّ‬ ‫عظ َم اإلسالم أمر الجهاد وورد ذكره والدعوة إليه في عامة السور المدنية وذ ّم‬ ‫عرضين عنه ووصفهم بالنفاق ومرض القلب‪.‬‬ ‫والم ِ‬ ‫َ‬ ‫التاركين له ُ‬ ‫من يقتل‬ ‫ويترتّب على الجهاد من أجل الدين والمال والنفس واألهل واألرض والعرض ّأن ْ‬ ‫في المعركة من هؤالء المجاهدين ُيعدّ شهيداً‪.‬‬ ‫وقد جعل اإلسالم للشهداء منزل ًة عظيم ًة فهم أحيا ٌء يرزقهم اهلل من رزق ِه قال تعالى‪:‬‬ ‫ﱫ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﱪ‬

‫آل معران‪١٦٩ :‬‬

‫ومن األصناف الذين ُتغفر سيئاتهم كل من ُقتل في سبيل إعال ِء كلمة اهلل قال تعالى‪:‬‬ ‫ﱫﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬ ‫ﭯﱪ‬

‫آل معران‪١٩٥ :‬‬

‫وللشهدا ِء األجر العظيم عند اهلل سبحانه وتعالى وجزاؤهم الجنة‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ‬ ‫ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥﭦﭧﱪ‬

‫احلديد‪١٩ :‬‬

‫ِ‬ ‫فقد روي أن أم حارثة‬ ‫واآليات واألحاديث في بيان منزلة‬ ‫الشهيد عند اهلل تعالى كثيرة جد ًا ُ‬ ‫النبي (�ص) فقالت له‪:‬‬ ‫بنت سراقة‪ ،‬أتت َّ‬ ‫‪31‬‬


‫يا رسول اهلل اال تحدثني عن حارثة ‪ -‬وكان ُق ِتل يوم بدر ‪-‬فإن كان في الجنة صبرت وإن‬ ‫اجتهدت عليه في البكاء‪.‬‬ ‫كان غير ذلك‬ ‫ُ‬ ‫فقال (�ص) يا أ ّم حارثة‪ ( :‬إنها جنانٌ في الجنة‪َّ ،‬‬ ‫أصاب الفردوس األعلى)‪.‬‬ ‫وإن ابنك‬ ‫َ‬ ‫حرضهم النبي (�ص)‬ ‫وكذلك ما فعل ُه ُعمير بن الحمام ممن اشترك في معركة بدر حين ّ‬ ‫على القتال كانت في يده تمرات ُ‬ ‫لهن فقال‪ :‬بخ ٍبخ فما بيني وبين أن أدخُ لَ الجنة إلاّ أن‬ ‫يأك َّ‬ ‫يقتلني هؤالء‪ ،‬ثم قذف التمرات من يده‪ ،‬وأخذ سيف ُه فقاتل القوم حتى استشهد رحمه اهلل‪.‬‬ ‫عز َّ‬ ‫وجل للشهيد من‬ ‫هكذا كان المسلمون األوائل يتشوقون إلى الشهادة لما أعطى اهلل َّ‬ ‫وبوأهم المكانة الالئقة بهم‪.‬‬ ‫عزة‬ ‫ٍ‬ ‫ومنزلة رفيعة‪ .‬وهكذا َّ‬ ‫ّ‬ ‫أعز اإلسالم الشهداء أ ّيما إعزاز ّ‬

‫املناقشة‬

‫شرع اإلسالم الجهاد؟‬ ‫‪ -1‬لماذا ّ‬ ‫‪ -2‬ما المنزل ُة التي أعطاها اهلل تعالى للشهيد؟‬

‫‪( -3‬يجاهد المسلم في سبيل اهلل بأمواله ونفسه) ما أثر ذلك في الحفاظ على وجود‬ ‫المجتمع اإلسالمي؟‬

‫‪32‬‬


‫الدر�ص الخام�ص‪ :‬التهذيب‬ ‫‪-1‬الكفاف‬

‫قصص وعبر‬

‫مر رسول ّ‬ ‫اهلل (�ص) براعي إبل‪ ،‬فبعث يستسقيـه‪ ،‬فـقال‪ :‬أمـّا مـا في ضروعهـا فصبوح‬ ‫ّ‬ ‫الحي‪ ،‬وأما ما في آنيـتها فـغبـوقـهم ‪ ،‬فـقـال رسول ّ‬ ‫ثم‬ ‫اهلل (�ص)‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫اللهم أكـثـر مالـه وولده‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫مـر بـراعـي غـنـم فـبعث إليه يستسقيـه‪ ،‬فحـلب له ما في ضروعهـا وأكفأ ما في إنـاء رسـول‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اهلل (�ص)‪ ،‬وبعث إليه بشاة وقال‪ :‬هذا ما عندنا‪ ،‬وإن أحببت أن نزيدك زدناك‪ ،‬قال ‪ :‬فقال‬ ‫رسول ّ‬ ‫اللهم ارزقه الكفاف ‪.‬‬ ‫اهلل (�ص)‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫فقال له بعض أصحابه‪ :‬يارسول ّ‬ ‫اهلل دعوت ّ‬ ‫للذي ردّك بدعاء ‪-‬جميعنا‪ -‬نح ّبه ودعوت‬ ‫للذي أسعفك بحاجتك بدعاء ك ّلنا نكرهه‪ ،‬فقال رسول ّ‬ ‫اهلل (�ص)‪ّ :‬إن ما ّ‬ ‫قـل وكفـى خيـر‬ ‫محمد الكفاف‪.‬‬ ‫مما كثر وألهى ‪،‬‬ ‫محمدا وآل ّ‬ ‫اللهم ارزق ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الكفاف‪ :‬هو الغنى عن سؤال الناس وحفظ ماء الوجه وسدّ الحاجة من الرزق‪.‬‬

‫املناقشة‬

‫‪ .1‬مامعنى القصة ؟‬ ‫‪ .2‬ابحث في مختار الصحاح أو أي معجم للغة العربية عن معنى مايأتي‪ :‬صبوح الحي‪،‬‬ ‫غبوقهم ‪.‬‬ ‫‪ .3‬مامعنى الكفاف؟‬ ‫‪ .4‬ع ّلل قول رسول ّ‬ ‫(إن ما ّ‬ ‫اهلل (�ص)‪ّ :‬‬ ‫اللهم ارزق‬ ‫مما كثر وألهى‪،‬‬ ‫قـل وكفـى خيـر ّ‬ ‫ّ‬ ‫محمد الكفاف)‪.‬‬ ‫محمدا وآل ّ‬ ‫ّ‬

‫‪ .5‬أي الراعيين أفضل ولماذا ؟‬

‫‪ .6‬أي دعاء كان أفضل‪ ،‬ولماذا؟‬ ‫‪33‬‬


‫حب الدنيا وعبادة الطاغوت‬ ‫‪ّ -2‬‬ ‫عن االمام الصادق (ع) قال‪:‬‬ ‫مر عيسى بن مريم (ع) على قرية قد مات أهلها وطيرها ودوا ّبها فقال‪ :‬أما إنّهم لم‬ ‫ّ‬ ‫متفرقين لتدافنوا ‪ ،‬فقال الحوار ّيون‪ :‬ياروح اللهّ‏ وكلمته ادع‬ ‫يموتوا إ ّال بسخطه‪ ،‬ولو ماتوا ّ‬ ‫اللهّ‏ أن يحييهم لنا فيخبرونا ما كانت أعمالهم فنجتنبها‪ .‬فدعا عيسى (ع) ر ّبه‪ ،‬فنودي؛‬ ‫أن نادهم‪ ،‬فقام عيسى (ع) بالليل على شرف من األرض فقال عيسى (ع)‪ :‬يا أهل هذه‬ ‫القرية‪ ،..‬فأجابه منهم مجيب ‪ :‬ل ّبيك ياروح اللهّ‏ وكلمته ‪.‬‬ ‫فقال له عيسى (ع) ‪ :‬ويحكم ما كانت أعمالكم؟‬ ‫حب الدنيا وعبادة الطاغوت‪ ،‬مع خوف قليل‪ ،‬وأمل بعيد‪ ،‬في غفلة ولهو ولعب‪.‬‬ ‫فأجابه‪ُّ :‬‬ ‫فقال عيسى ‪ :‬كيف كان ح ّبكم للدنيا ؟‬ ‫الصبي ُال ّمه‪ ،‬إذا أقبلت علينا فرحنا وسررنا ‪ ،‬وإذا أدبرت ع ّنا بكينا وحزنّا‪.‬‬ ‫كحب‬ ‫قال‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قال عيسى (ع )‪ :‬وكيف كان عبادتكم للطاغوت ؟‬ ‫قال‪ :‬الطاعة ألهل المعاصي ‪.‬‬ ‫ثم قال عيسى (ع )‪ :‬كيف كانت عاقبة أمركم؟ قال‪ :‬بتنا ليلة في عافية وأصبحنا في‬ ‫الهاوية ‪.‬‬ ‫سجين ؟‬ ‫سجين‪ ،‬قال‪ :‬وما ّ‬ ‫فقال عيسى (ع )‪ :‬وما الهاوية ؟ قال‪ّ :‬‬ ‫قال‪ :‬جبال من جمر توقد علينا إلى يوم القيامة‪.‬‬ ‫قال عيسى (ع)‪ :‬فما قلتم‪ ،‬وما قيل لكم ؟‬ ‫قال ‪ :‬قلنا‪ :‬ردّنا إلى الدنيا فنزهد فيها ‪ ،‬قيل لنا ‪ :‬كذبتم ‪.‬‬ ‫قال عيسى (ع)‪ :‬ويحك كيف لم يك ّلمني غيرك من بينهم ؟‬ ‫‪34‬‬


‫قال‪ :‬ياروح ّ‬ ‫اهلل وكلمته إنّهم ملجمون بلجام من نار ‪ ،‬بأيدي مالئكة غالظ شداد‪ ،‬وإنّي‬ ‫عمني معهم ‪ ،‬فأنا مع ّلق بشعرة على شفير‬ ‫فلما نزل العذاب ّ‬ ‫كنت فيهم ولم أكن منهم ‪ّ ،‬‬ ‫جه ّنم ‪ ،‬ال أدري اُكبكب فيها أم أنجو منها ‪.‬‬

‫فالتفت عيسى (ع) إلى الحواريين فقال ‪ :‬يا أولياء ّ‬ ‫اهلل أكل الخبز اليابس بالملح‬

‫والجريش‪ ،‬والنوم على التراب‪ ،‬خير كثير مع عافية الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫أبرز ما يستنبط من القصة‪:‬‬ ‫يعم الجميع‪ ،‬إذا أعانوا الظالم على الظلم‪ ،‬واستباحوا الحرمات‪ ،‬وتعلقوا‬ ‫ّأن العذاب ّ‬ ‫بالدنيا ونسوا اآلخرة‪.‬‬

‫املناقشة‬

‫‪ .1‬كيف أدرك عيسى (ع) موت جميع أهل القرية بسخط اهلل ؟‬ ‫ألي شيء ّ‬ ‫مر فيها عيسى (ع)؟‬ ‫‪ّ .2‬‬ ‫حل سخط اهلل وغضبه بالقرية التي ّ‬ ‫‪ .3‬كيف ع ّلم عيسى (ع)‪ ،‬سبب هالك القوم؟‬ ‫‪ .4‬لماذا لم يك ّلم عيسى (ع) سوى رجل واحد وماشأنه؟‬ ‫‪ .5‬استخلص عيسى (ع) عبرة‪ ،‬فما الذي قاله ألصحابه؟‬

‫‪35‬‬


‫‪ -3‬حتى ال ينسكب الحليب‬

‫ِ‬ ‫قد َم شاب إلى شيخ وسأله ‪ :‬أنا شاب صغير ورغباتي كثيرة ‪ ..‬وال أستطيع منع نفسي‬

‫من النظر إلى الفتيات في السوق ‪ ،‬فماذا أفعل؟ فأعطاه الشيخ كوب ًا من الحليب ممتلئ ًا حتى‬ ‫يمر من خاللها بالسوق دون أن ينسكب من الكوب‬ ‫حافته وأوصاه أن يوصله إلى وجهة معينة ّ‬

‫أي شيء! واستدعى واحد ًا من طالبه ليرافقه في الطريق ويضربه أمام ّ‬ ‫كل الناس إذا انسكب‬

‫الحليب!! وبالفعل ‪...‬‬ ‫أوصل الشاب الحليب للوجهة المطلوبة دون أن ينسكب منه شيء ‪ ..‬ولما سأله الشيخ‪:‬‬ ‫كم مشهد ًا وكم فتاة رأيت في الطريق؟ فأجاب الشاب‪ :‬شيخي لم َأر أي شيء حولي ‪ ..‬كنت‬

‫خائف ًا فقط من الضرب والخزي أمام الناس إذا انسكب مني الحليب! فقال الشيخ‪ :‬وكذلك‬ ‫هو الحال مع المؤمن ‪ ..‬المؤمن يخاف من اهلل ومن خزي يوم القيامة حين تعرض س ّيئأته‬

‫أمام الناس ‪ ..‬هؤالء المؤمنون يحمون أنفسهم من المعاصي فهم دائمو التركيز في َيوم‬

‫الـ ِقيـامة!!‬

‫أبرز مايستنبط من القصة‬

‫‪ .1‬على المرء أن يراقب أفعاله‪ ،‬ويحذر عقاب اهلل‪.‬‬ ‫‪ّ .2‬أن من يضع نصب عينه خوف اهلل وخوف االفتضاح يوم القيامة أمام الخلق حين تعرض‬ ‫األعمال أمام المأل‪ ،‬يسلم وينجو ويبتعد عن كل محرم ‪.‬‬ ‫غض النظر عن المحرمات نجاة من عقاب اهلل‪.‬‬ ‫‪ .3‬أن في ِّ‬

‫املناقشة‬

‫‪ .1‬ما غاية الشيخ من أمر الفتى بحمل كوب اللبن والسير في السوق؟ وأين وجه الشبه‬ ‫مع الموقف يوم القيامة‪.‬‬

‫المحرمات ؟ ولماذا؟‬ ‫مر الشاب في السوق هل تط ّلع الى‬ ‫ّ‬ ‫‪ .2‬حين ّ‬

‫بغض البصر‪.‬‬ ‫‪ .3‬ابحث في القرآن الكريم عن آية كريمة تأمر ِّ‬ ‫‪36‬‬


‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ح‬ ‫د‬ ‫ة‬ ‫الثانية‬

‫‪37‬‬


‫الدر�ص االأو∫‪ :‬من القراآن الكريم‬ ‫من سورة المؤمنون من اآلية ‪( 77-51‬آيات الحفظ ‪)62-51‬‬ ‫ﭑﭒﭓ‬

‫ﱫ ‪ ~ } | { z y xw v u t s r q‬ﮯ ¡‬ ‫‪³ ² ± ° ¯ ® ¬« ª © ¨ § ¦ ¥ ¤ £ ¢‬‬ ‫´ ‪ º ¹ ¸ ¶ µ‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ‬ ‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ ﰄﰅﰆﰇ‬ ‫ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌﰍ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬ ‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ‬ ‫ﭰﭱﭲ ﭳ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮀﮁﮂﮃ‬ ‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬ ‫ﮗﮘﮙ ﮚﮛﮜﮝﮞ ﮟ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥ‬ ‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ‬ ‫ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬ ‫ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬ ‫ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ‬ ‫ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ !" ‪+ * ) ( ' & % $ #‬‬ ‫‪:987654 3210/.-,‬‬

‫; < = > ? @ ‪C B A‬ﱪ �صدق الله العلي العظيم‬ ‫‪38‬‬


‫معاني الكلمات‬ ‫الكلمة‬ ‫زبر ًا‬

‫معناها‬ ‫أحزاب ًا وفرق ًا مختلفة‪.‬‬

‫غمرتهم ( الغمرة)‬ ‫يجأرون‬

‫الح ْيرة والضاللة‪.‬‬ ‫َ‬

‫يصرخون مستغيثين‪.‬‬

‫تنكصون‬

‫ترجعون‪ ،‬معرضين عن سماعها‪.‬‬

‫ناكبون‬

‫مبتعدون عن الحق زائغون عن الصواب‪.‬‬ ‫يتذ ّللون هلل بالدعاء‪.‬‬

‫يتضرعون‬ ‫ّ‬

‫مبلسون‬

‫يائسون متح ّيرون‪.‬‬

‫المعنى العام‬ ‫ذكر اهلل تعالى قصصص األنبياء والمرسلين‪ ،‬وأتبع ذلك بذكر أخبار الكفرة المتمردين‬ ‫من أقوامهم واختالفهم وتفرقهم في الدين حتى أصبحوا فرق ًا وأحزاباً‪ ،‬ليجتنب اإلنسان طرق‬ ‫أهل الضالل‪ .‬قال تعالى‪:‬‬ ‫الرسل كلوا‬ ‫ﱫ ‪ } | { z y xw v u t s r q‬ﱪ يا أيها ُّ‬ ‫من طيبات الرزق الحالل‪ ،‬واعملوا األعمال الصالحة‪ ،‬إني عالم بما تعملون ال يخفى‬ ‫علي شيء من أمركم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ﱫ ~ ﮯ ¡ ‪§ ¦ ¥ ¤ £ ¢‬ﱪ ّ‬ ‫وإن دينكم ‪ -‬يا معشر األنبياء ‪ -‬دين‬ ‫واحد هو دين اإلسالم‪ ،‬وأنا ربكم فخافوا عذابي وعقابي‪.‬‬ ‫ﱫ ¨ © ‪ ³ ² ± ° ¯ ® ¬« ª‬ﱪ تفرق األتباع في الدين إلى‬ ‫أحزاب وشيع‪ ،‬جعلوا دينهم أديان ًا بعد أن أمروا باالجتماع‪ ،‬كل حزب معجب برأيه زاعم‬ ‫على الحقّ و غيره على الباطل‪ ،‬وفي هذا تحذير من التعصب و التفرق في الدين‪.‬‬ ‫ﱫ ´ ‪ º ¹ ¸ ¶ µ‬ﱪ فاتركهم‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬في ضاللتهم وجهلهم بالحقِّ‬ ‫إلى أن ينزل العذاب بهم‪.‬‬ ‫‪39‬‬


‫ﱫﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﱪ أيظن‬ ‫هؤالء الكفار أن الذي نعطيهم في الدنيا من األموال واألوالد‪ ،‬هو تعجيل ومسارعة في‬ ‫اليحسون بذلك‪.‬‬ ‫اإلحسان؟ كال‪ ،‬ليس األمر كما يظنون بل هو استدراج لهم‪ ،‬وهم‬ ‫ّ‬

‫ﱫ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ‬ ‫ﰋ ﰌ ﰍﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬ ‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﱪ إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون وجلون مما‬ ‫خوفهم اهلل تعالى به‪ .‬والذين هم يصدقون بآيات اهلل في القرآن ويعملون بها‪.‬والذين‬ ‫ّ‬ ‫هم يخلصون العبادة هلل وحده‪،‬واليشركون به غيره‪ .‬والذين يجتهدون في أعمال الخير‬ ‫والبر‪ ،‬وقلوبهم خائفة ا ّال ُتقبل أعمالهم‪ ،‬وا ّال تنجيهم من عذاب ربهم إذا رجعوا إليه‬ ‫للحساب‪ .‬أولئك المجتهدون في الطاعة‪ ،‬والمسارعون إلى ّ‬ ‫كل عمل صالح‪ ،‬وهم إلى‬ ‫الخيرات سابقون‪.‬‬ ‫ﱫ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﱪ وال نك ّلف عبد ًا من‬ ‫عبادنا إ ّال بما يسعه العمل به ‪ ،‬وعندنا صحائف أعمال العباد التي ُس ّطر فيها ما عملوا‬ ‫شر نجازيهم في اآلخرة عليها وال ُيظلم أحد‪.‬‬ ‫من خير أو ّ‬ ‫لكن قلوب الكفار‬ ‫ﱫﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﱪ ّ‬ ‫في ضالل وغفلة عن هذا القرآن و ما فيه‪ ،‬ولهم أعمال سيئة كثيرة غير الكفر واإلشراك‪،‬‬ ‫سيعملونها في المستقبل‪ ،‬لينالوا غضب اهلل وعقابه‪.‬‬ ‫ﱫ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﱪ حتى إذا أخذنا المترفين وأهل البطر‬ ‫منهم بعذابنا‪،‬إذا هم يرفعون أصواتهم يتضرعون مستغيثين‪.‬‬ ‫ﱫ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﱪ فيقال لهم‪ :‬ال تستغيثوا اليوم‪،‬إنكم التمنعون من‬ ‫عذابنا‪،‬فالينفعكم صراخ والاستغاثة‪.‬‬ ‫‪40‬‬


‫ﱫﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﱪ‬ ‫لقد كنتم تسمعون آيات القرآن تقرأ عليكم‪ ،‬فكنتم تنفرون من سماعها والتصديق‬ ‫بها‪،‬كما يفعل الناكص على عقبيه برجوعه إلى الوراء‪ .‬تفعلون ذلك مستكبرين على‬ ‫الناس بغير الحق بسبب بيت اهلل الحرام‪ ،‬تقولون‪ :‬نحن أهل حرم اهلل‪ ،‬وخدَّ ام بيته‪ ،‬فلن‬ ‫يغلبنا أحد‪ ،‬وال نخاف أحداً‪ ،‬وتتسامرون في أحاديثكم حول القرآن بالسييء من القول‪.‬‬

‫ﱫ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﱪ أفلم يتفكروا في القرآن ليعرفوا‬ ‫صدقه‪ ،‬أم الذي منعهم من اإليمان أنه جاءهم رسول وكتاب لم يأت مثله في آبائهم‬ ‫األولين؟‬

‫ﱫ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬

‫ﯡ ﯢﱪ أم لم يعرفوا رسولهم محمد ًا الذي نشأ بينهم عمر ًا طوي ً‬ ‫ال فهو المعروف‬ ‫بأخالقه العالية‪ ،‬الملقب فيهم بالصادق األمين‪ ،‬وبهذه الصفات ُيحال أن يكون رسولهم‬

‫كاذباً‪ ،‬لكن بغيهم وحسدهم جعلهم ينكروه‪ .‬بل‪ ،‬إحتسبوه مجنوناً؟ لقد كذبوا‪ ،‬فإنما‬

‫جاءهم بالقرآن و التوحيد والدين الحق‪ ،‬وأكثرهم كارهون للحق؛ ألنه يخالف شهواتهم‬ ‫وأطماعهم فال يؤمنون به‪.‬‬

‫ﱫﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬

‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﱪ ولو شرع اهلل لهم ما يوافق أهواءهم لفسدت السموات‬ ‫عزهم وشرفهم‪ ،‬وهو القرآن‪ ،‬فهم عنه معرضون‪.‬‬ ‫واألرض ومن فيهن‪ ،‬بل أتيناهم بما فيه ّ‬

‫ﱫﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﱪ بل‪ ،‬أمنعهم من اإليمان أنك‪-‬أيها‬

‫الرسول ‪ -‬تسألهم أجر ًا على دعوتك لهم فبخلوا؟ لم تفعل ذلك ّ‬ ‫فإن ما عند اهلل من‬

‫العطاء والثواب خير‪ ،‬وهو خير الرازقين‪.‬‬

‫ﱫﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﱪ وإنك‪-‬أيها الرسول‪-‬لتدعو قومك وغيرهم إلى دين‬ ‫قويم‪ ،‬وهو دين اإلسالم‪.‬‬

‫ﱫ ﰆﰇﰈﰉﰊ ﰋﰌﰍﰎﱪ ّ‬ ‫وإن الذين ال يصدَّ قون بالبعث‬ ‫والحساب و العقاب‪ ،‬لمائلون عن الطريق المستقيم منحرفون عنه‪.‬‬ ‫‪41‬‬


‫ﱫ " ‪ - , + * ) ( ' & % $ #‬ﱪ ولو رحمناهم وكشفنا‬ ‫عنهم ما بهم من قحط وجوع‪ ،‬لتمادوا في الكفر والعناد ويتخبطون حيارى‪.‬‬

‫ﱫ ‪ 6 5 4 3 2 1 0 / .‬ﱪ ولقد ابتليناهم بالمصائب‬ ‫والشدائد فما خضعوا هلل‪ ،‬وما دعوا ربهم لكشف البالء‪.‬‬

‫ﱫ‪ C B A @ ? > = < ; : 9 8 7‬ﱪ حتى إذا فتحنا عليهم باب ًا‬ ‫من العذاب الشديد في اآلخرة‪ ،‬إذاهم آيسون من ّ‬ ‫كل خير‪.‬‬

‫ما يرشد إلي ِه النص‬ ‫أهم ُ‬ ‫‪ -1‬أن م ّلة المؤمنين ملة واحدة ّ‬ ‫وإن دينهم هو دين اإلسالم‪.‬‬ ‫النص تسلية لرسول اهلل (�ص) ووعيد للمشركين‪ .‬إذ خاطبه اهلل بترك هؤالء‬ ‫‪ -2‬في ّ‬ ‫المشركين في غفلتهم وضاللهم حتى حين موتهم‪.‬‬

‫وجر‬ ‫‪ّ -3‬أن الكافرين واهمون عندما تفتح الدنيا لهم ذراعيها ‪ ،‬فإن ذلك استدراج لهم ّ‬ ‫لهم إلى زيادة األثم‪.‬‬ ‫‪ -4‬أن اهلل عنده صحائف أعمال العباد ّ‬ ‫سطر فيها ما عملوا من خير أو شر ُيجازون عليه‬ ‫في اآلخرة‪.‬‬

‫‪ -5‬أن أكثر المشركين يكرهون الحق لما في قلوبهم من الزيغ واالنحراف‪.‬‬ ‫‪ -6‬خطر إتباع الهوى والشهوات وما تفضي إليه من الهالك والخسران‪.‬‬

‫املناقشة‬

‫‪1‬ـ ناقش هذا الحديث الشريف‪ ،‬وأشر إلى مواضع عالقته بالدرس‪ّ :‬‬ ‫(إن اهلل يعطي الدنيا‬ ‫يحب ولمن ال يحب ‪ ،‬وال يعطي الدين اال لمن أحب)‪.‬‬ ‫لمن ّ‬

‫‪2‬ـ وصف اهلل تعالى قلوب الكافرين المجرمين بأنها في غطاء وغفلة وعماية عن القرآن‬ ‫(وله أعمال من دون ذلك)‪ ،‬فما هذه االعمال السيئة ؟‬ ‫‪42‬‬


‫الدر�ص الثاني‪:‬من الحديث النبوي ال�صريف‬ ‫للشرح والحفظ‬

‫حقُّ الصديق والجار‬ ‫قال رسول اهلل (�ص)‪:‬‬

‫ير ُهم‬ ‫خيرهم لصاحب ِه‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ير الجيران ِع َ‬ ‫ير األصحاب ِع َ‬ ‫ند اهلل تعالى َخ ُ‬ ‫وخ ُ‬ ‫ند اهلل تعالى ُ‬ ‫(خ ُ‬

‫لجار ِه)‪ .‬صدق رسول اهلل (�ص)‬

‫معاني الكلمات‬ ‫الكلمة‬ ‫الصاحب‬

‫معناها‬ ‫الصديق والخليل‪.‬‬

‫خيرهم‬

‫أحسنهم وأنفعهم‪.‬‬

‫‪T‬صر‪ ì‬الحديث ال�صريف‬ ‫‪ -1‬يهتم الدين اإلسالمي لوشائج الترابط بين الناس‪ ،‬ويريد تعميقها وتقويتها على أسس‬ ‫المودة والتعاطف ‪ ..‬فيسو ُد الصفا ُء وتأتلف القلوب ويصبح المجتمع أسرة واحدة‬ ‫متكاتفة يشدُّ بعضها بعضاً‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الرسول (�ص) األهمية للصديق الحقّ ‪ ،‬واألهمية للجار‪.‬‬ ‫وفي هذا الحديث الشريف يب ّين‬ ‫فالصديق الحقّ ‪ :‬أخ لصديقه‪ ،‬يرتبطان بروابط عديدة كالمحبة واأللفة والتناصح‬ ‫المسلم قريب ًا من صديقه‬ ‫والتعاون عند الشدة والتشاور في أمور الخير‪ ..‬وكلما كان الصديق‬ ‫ُ‬ ‫في الخير ودود ًا نافع ًا ل ُه يرشد ُه وينصح ُه ويدفع عن ُه ما يؤذيه‪ ..‬كان أكثر ثواب ًا وأعظم منزل ًة‬ ‫وأرفع كرامة عند اهلل‪.‬‬ ‫‪43‬‬


‫والصداقة يجب أن تكون خالصة هلل وليست صداقة غايات أو صداقة للمنافع الشخصية‪..‬‬ ‫ومتى خلصت هلل وسارت ُيزكيها اإليمان‪ ،‬ويهذبها اإلسالم كانت صداق ًة مثالي ًة يقتدي بها‬ ‫الناس وتكون مضرب األمثال‪ ،‬وتؤدي إلى نفع اآلخرين‪ ،‬ونفع المجتمع عموماً‪ .‬فالصديقان‬ ‫الحميمان المتحابان في اهلل‪ ،‬يظ ّلهما اهلل بظ ّله يوم ال ّ‬ ‫ظل ّإال ظ ّله في يوم القيامة‪ ،‬وقد ذكرهما‬ ‫رسول اهلل (�ص) ضمن السبعة الذين يظلهم اهلل في ظله يوم القيامة قال (�ص)‪ ( :‬ورجالن‬ ‫تحابا في اهلل ‪ ..‬اجتمعا عليه‪ .‬وافترقا عليه)‪ .‬لذا وجب اختيار الصديق الصالح والفرار من‬ ‫صديق السوء‪.‬‬ ‫‪ -2‬وخير الجيران منزلة عند اهلل خيرهم لجاره‪ ..‬قال تعالى ‪ :‬ﱫ ‪k j i h g‬‬ ‫‪w v u t s r q p o n ml‬‬ ‫‪ ~ } | { z y x‬ﮯ¡ ‪¦ ¥ ¤ £ ¢‬‬ ‫§¨©‪ª‬ﱪ‬

‫النساء‪٣٦ :‬‬

‫ويقف معه عند الحاجة يعود ُه عند‬ ‫فجدير بالجار أن يحسن إلى جاره فيرعى حقوقه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫المرض ويجامله ويواسيه عند الشدائد والملمات‪ .‬ويهنئه في المسرات‪.‬‬ ‫وقد تحدث بعض الهفوات بين الجار وجاره‪ .‬فعليه أن يصبر عليها ويتغاضى عنها‪،‬‬ ‫ويعالجها بالحكمة‪ ،‬مراعي ًا حقّ الجار‪.‬‬ ‫ويجب ّأال يتجسس الجار على جاره‪ ،‬وعلى عوراته‪ ،‬فيصون جاره في عرضه‪ ،‬وماله‪،‬‬ ‫ونفسه‪ ..‬قال رسول اهلل االعظم (�ص)‪:‬‬ ‫يأمن جاره بوائقه)‪.‬‬ ‫(ال يدخل الجنة َم ْن ال ُ‬

‫وعلى الجار ّأال ُيزعج جاره بأي تصرف من التصرفات المؤذية‪ ..‬كرفع صوت المذياع‬ ‫مثالً‪ ..‬أو أي عمل ُيزعج الجيران ويقلق راحتهم فهذه ليست من خلق المسلم‪ .‬قال (�ص)‪:‬‬ ‫(من كان يؤمن باهلل واليوم االخر فال يؤ ِذ جاره‪.).‬‬ ‫‪44‬‬


‫رشد إلي ِه اﳊديث‬ ‫أهم ما ُي‬ ‫‪ -1‬الصداقة بين الناس على وفق تعاليم اهلل ورسوله صف ٌة حسن ٌة ورائعة يريدها اهلل‬ ‫وتقوي كيانه‪.‬‬ ‫ويباركها‪ ..‬وهي َخصلة تخدم المجتمع ّ‬ ‫‪ -2‬من واجبات المسلم احترام جاره والتقرب له ومساعدته ومؤزارته في ِّ‬ ‫كل أمر مشروع‬ ‫وعلى وفق تعاليم اهلل ورسوله‪.‬‬ ‫‪ّ -3‬إن ما نراه بين بعض الجيران من تباعد وتجاف‪ ،‬حتى ّإن الجار ال يعرف اسم جاره‬ ‫(على رغم مرور زمن طويل على تجاورهما) إنما هو أمر مؤلم ال يوافق اإلسالم‪.‬‬ ‫يعارض الحديث الشريف‪ .‬وهو ما ال يريده اهلل بين المسلمين‪ .‬وهذه الصورة مخالفة‬ ‫ّ‬ ‫وتفكك بين المسلمين‪ ..‬وأبناء الوطن‬ ‫ونبي اإلسالم‪ .‬بل هي فرقة‬ ‫لهدي اإلسالم ّ‬ ‫الواحد‪ ..‬فجدير بالجيران أن يتحابوا ويتقاربوا في اهلل وعلى وفق هدى اهلل ورسوله‪.‬‬ ‫يجب‬ ‫‪ -4‬يجب على المسلم الحق ّأال ُيسيء لجاره وال يزعجه بأي ِة وسيلة كانت‪ .‬بل ُ‬ ‫عليه أن يفيده ويعاضده ويؤازره في ِّ‬ ‫كل أمور الحياة‪ ..‬فيكسب بذلك رضا اهلل ومحبة‬ ‫جاره ومقابلته له بالمثل عند الشدائد‪.‬‬

‫املناقشة‬

‫‪ -1‬ما صفات الصديق الحقّ والجار الطيب كما أرادها رسولنا محمد (�ص)؟‬

‫‪ -2‬تحدث عن صفة الصداقة التي يجب أن تكون على وفق هدى اهلل تعالى والرسول‬ ‫(�ص)‪.‬‬ ‫‪ -3‬هنالك أمور تؤذي الجار على المسلم أن يتجنبها‪ ،‬ما هي؟‬ ‫‪45‬‬


‫الدر�ص الثالث‪ :‬من ق�ص�ص القراآن‬ ‫أصحاب السبت‬ ‫ذكر اهلل في محكم كتابه الكريم أصحاب السبت على نحو موجز في سورة البقرة والنساء‬ ‫والنمل وذكر قصتهم بتفصيل أكثر في سورة األعراف‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫ﱫ‪b a ` _ ^ ] \ [ Z Y X W V U T‬‬ ‫‪ q p o n m lk j i h g f e d c‬ﱪ‬

‫النساء‪٤٧ :‬‬

‫ﱫ{ | } ~ ﮯ ¡ ‪§ ¦ ¥ ¤ £ ¢‬‬ ‫¨ © ‪¶ µ ´³ ² ±° ¯ ® ¬ « ª‬‬ ‫¸ ‪ » º ¹‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‪/‬‬ ‫‪0‬ﭡﭢ ﭣ‪654‬ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ‬ ‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ‪ I HG F‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬ ‫ﮂ ﮃﮄ ‪U‬ﱪ‬

‫األﻋراف‪1٦٦ - 1٦٣ :‬‬

‫وقصة أصحاب السبت تذكر بأن اهلل سبحانه وتعالى َّحر َم على اليهود العمل في يوم‬ ‫السبت‪ ،‬ونهاهم عن صيد األسماك فيه‪ ،‬وقد شاء سبحانه أن يختبرهم ويبتليهم بسبب‬ ‫فسقهم وعصيانهم ليكشف الستار عن حقيقة نفوسهم المتصفة بالضعف والخداع‪ ،‬فكان‬ ‫السمك يأتي بكثرة ظاهر ًا على وجه الماء‪ ،‬قريب ًا من سطحه في يوم السبت على خالف سائر‬ ‫األيام‪.‬‬ ‫‪46‬‬


‫وبظهور السمك الكثير‪ ،‬ظهرت حقيقتهم‪ ،‬وطبيعة أنفسهم‪ ،‬التي ُجبلت على االحتيال‬ ‫والغدر‪ ،‬ونكث العهد‪ ،‬واالنسياق وراء األهواء واألطماع‪ ،‬فكانوا يحجزون السمك في يوم‬ ‫السبت بطريقة ما‪ ،‬وينتشلونه يوم األحد‪ ،‬محتجين على جواز عملهم بإنهم اصطادوه يوم‬ ‫أموال طائلة ثم إن القوم انقسموا على ثالث‬ ‫األحد‪ ،‬فكانوا يحصلون من ذلك الطريق على‬ ‫ٍ‬ ‫فرق‪.‬‬ ‫‪ -1‬فرقة ظالمة معتدية‪ ،‬وهي التي لجأت إلى االحتيال في صيد السمك فتجاوزت بذلك‬ ‫حكم اهلل تعالى‪ ،‬واقترفت المعصية‪.‬‬ ‫‪ -2‬فرقة مؤمنة‪ ،‬وهي التي تحملت مسؤولية قول الحقّ واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬ ‫فوعظت العصاة‪َّ ،‬‬ ‫وحذرتهم من مغبة ارتكاب ذلك العمل‪.‬‬ ‫‪ -3‬فرقة ساكتة‪ ،‬وهي التي امتنعت عن الصيد‪ ،‬ولكنها تركت العصاة وشأنهم فلم تنصحهم‬ ‫لهم أو تزجرهم‪ ،‬بل اكتفت بموقف المتفرج‪ ،‬طلب ًا للراحة أو خوف ًا على مصالحها‪،‬‬ ‫واهلل سبحانه وتعالى يحكي حال الطائفتين ا ُألخريين ويقول‪ :‬ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﱪ أي‬ ‫جماعة من بني إسرائيل ﱫ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﱪ في الدنيا ﱫ ﭛ ﭜ ﭝ‬ ‫ﭞ ﱪ في اآلخرة‪ .‬وهذا التساؤل يع ّبر عن اليأس من اتعاظ هؤالء المحتالين‪ ،‬وعدم‬ ‫اكتراثهم للتحذير‪.‬‬ ‫فأجاب الواعظون اآلمرون بالمعروف والناهون عن المنكر بجوابين‪.‬‬ ‫‪ -1‬أن في قيامنا بهذا العمل ﱫ ﭡ ﭢ ﭣ ﱪ إذ فرض علينا األمر بالمعروف والنهي عن‬ ‫المنكر حتى ال ُنالم وننسب إلى التقصير في النهي عن المنكر‪.‬‬ ‫‪ -2‬لعلهم بالوعظ واالنذار يتقون اهلل تعالى‪ ،‬ويرجعون إلى طاعته ويمثلون أمره‪.‬‬ ‫ولكن القرآن يشهد بعدم تأثير الواعظين في نفوسهم ﱫ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﱪ وتركوا‬ ‫ما ذكرهم الواعظون به ولم ينتهوا عن ارتكاب المعصية ﱫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﱪ‬ ‫‪47‬‬


‫خلصنا الذين كانوا يعظون القوم ﱫ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﱪ أي شديد‪ ،‬وما هذا‬ ‫وتمردوا في‬ ‫إلاّ بسبب فسقهم وعصيانهم ﱫ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﱪ وتركوا ما نهوا عنه‬ ‫ّ‬ ‫الفساد‪ ،‬عاقبهم اهلل تعالى بمسخهم على هيئة القردة ﱫ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﱪ‪.‬‬ ‫مبعدين مطرودين‪ ،‬وفي اآلية داللة على أن الناجين كانوا هم الناهين عن السوء‪ ،‬وقد هلك‬ ‫خصت النجاة بالناهين‬ ‫الباقون من المصطادين وغيرهم التاركين للوعظ‪ ،‬وما ذلك إلاّ ألنها ّ‬ ‫ولم يذكر عن غيرهم شيئاً‪ .‬وفي اآلية داللة على ّأن الناجين كانوا هم الناهين عن السوء‬ ‫فقط‪.‬‬ ‫وقد أخذ اهلل الباقين‪ ،‬وهم الذين ِ‬ ‫يصيدون في السبت والذين قالوا ﱫ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ‬ ‫ﭚ ﱪ‪ّ .‬‬ ‫وإن األخذ اإللهي الشديد يرصد الظالمين مثلما يرصد مشاركيهم في ظلمهم‪.‬‬

‫الدروس والعبر‬ ‫أمة ثم أعرضت عن شكره تعرضت للبالء والعذاب‪.‬‬ ‫‪ -1‬إذا أنعم اهلل على ٍ‬ ‫‪ -2‬عدم مخالفة أمر اهلل سبحانه وتعالى في القول والعمل‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب طاعة أوامر اهلل وعدم التسويف والمراوغة في امتثال أوامره‪.‬‬ ‫نجا اهلل سبحانه وتعالى الناهين عن‬ ‫‪ -4‬وجوب األمر بالمعرف والنهي عن المنكر فقد ّ‬ ‫المنكر وأهلك أصحاب األعمال المنكرة‪.‬‬

‫املناقشة‬

‫سموا بهذه التسمية؟‬ ‫‪ -1‬من هم أصحاب السبت؟ ولماذا ّ‬

‫‪ -2‬إلى كم فرقة اختلفوا على صيد السمك؟‬

‫‪ -3‬ما العقوبة اإللهية على المخالفين ألمره؟‬ ‫‪48‬‬


‫الدر�ص الرابع‪ :‬االبحاث‬ ‫حقوق األوالد واألبوين‬ ‫‪ -1‬ثبوت النسب‪:‬‬ ‫رجل وإمرأة وولدت مولود ًا بعد ستة أشهر فأكثر‪ ،‬ثبت النسب ُو ِ‬ ‫إذا تزوج ٌ‬ ‫لح َق بأبيه‬ ‫وثبتت له سائر الحقوق‪.‬‬

‫‪ -2‬الرضاعة (االنفاق)‪:‬‬ ‫أنفع غذاء له منذ والدته حتى فطامه لذلك كانت واجبة‬ ‫الرضاع ُة حقٌّ‬ ‫ِ‬ ‫للطفل ألن لبن األ ّم ُ‬ ‫على األم‪ ،‬كما يجب على األب اإلنفاق‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫ﱫ ‪~ } | { z‬ﮯ ¡ ‪ª © ¨ § ¦¥ ¤ £ ¢‬‬ ‫« ¬® ¯ ‪¿ ¾½ ¼ » º ¹ ¸ ¶ µ ³ ² ± °‬‬ ‫‪Ò Ñ Ð Ï ÎÍ Ì Ë Ê É È Ç Æ Å Ä Ã Á À‬‬ ‫‪ å ä ã â á à ß Þ Ý ÜÛ Ú Ù Ø × Ö Õ Ô Ó‬ﱪ‬ ‫البقرة‪٢٣٣ :‬‬

‫‪ -3‬الحضانة‪:‬‬ ‫يحتاج الطفل منذ والدته إلى من يقوم بتربيته وتنشئته وخدمته حتى يستغني عن ذلك‪.‬‬ ‫عرفها الفقهاء بأنها تربي ُة الولد ممن‬ ‫والقيام بهذه األمور هو المقصود بالحضانة ولذلك ّ‬ ‫له حقّ الحضانة‪ .‬و أولى الناس بحضان ِة الطفل أ ّمه ألنها أكثر الناس شفقة عليه وقدرة على‬ ‫فيثبت لها حقُّ الحضان ِة كما هو مثبت في كتب الفقه‪ ،‬وتنتهي مدة الحضانة ببلوغ‬ ‫تربيت ِه‬ ‫ُ‬ ‫ضم إلى من له الوالية على النفس وهو األب‪.‬‬ ‫الطفل عمره المقرر شرع ًا وعند ذلك ُي ُ‬ ‫‪49‬‬


‫‪ -4‬حفظ أموالهم‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫حفظ أموالهم وإدارتها‬ ‫ومن حقوق الصغار و َم ْن في ُحكمهم من األوالد القاصرين‬ ‫والرشد‬ ‫سن البلوغ مع العقل‬ ‫ُ‬ ‫وتثميرها من قبل األب أو من يقوم مقامه‪ .‬وإذا وصلَ الصغار َّ‬ ‫تدفع إليهم أموالهم ليتصرفوا بها هم أنفسهم‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪:‬‬ ‫ﱫ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ‬ ‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ‬ ‫ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﱪ‬

‫النساء‪٦ :‬‬

‫حقوق األبوين على األوالد ‪:‬‬ ‫األبوان هما سبب وجود األوالد وشريكان في تربيتهم ورعايتهم‪ ،‬قد بذال في سبيلهم الجهد‬ ‫الكبير والمال الكثير وما تبذله األم أكثر مما يبذله األب لقد َع ُظ َم حقهما وأوصى اهلل بهما‬

‫في القرآن الكريم وسنة الرسول (�ص) حتى َق َرنَ اهلل األمر ببرهما وأداء حقوقهما‪ ،‬باألمر‬ ‫بعبادته وحده قال تعالى‪:‬‬ ‫ﱫ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬ ‫ﮦﮧﮨﮩ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮰﮱﯓ ﯔﯕﯖ‬ ‫ﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯝ ﯞﯟﱪ‬

‫اإلرساء‪٢٤-٢٣:‬‬

‫والحقُّ ّأن هذه اآلية الكريمة جمعت حقوق األبوين على األوالد وما يجب على األوالد‬ ‫والبر بهما‪ ،‬ويدخل في ذلك وجوب خدمتهما واإلنفاق عليهما‬ ‫من حسن الصحبة والمحبة‬ ‫ِّ‬ ‫اذا كانا محتاجين‪ ،‬وكان األوالد قادرين على اإلنفاق‪ ،‬واالمتناع عن إيذائهما حتى بالكلمة‬ ‫البسيطة‪.‬‬ ‫‪50‬‬


‫وفي الحديث الشريف‪( :‬جاء رجل الى رسول اهلل (�ص) فقال‪ :‬يارسول اهلل من أحقُّ‬ ‫الناس بحسن صحبتي؟ قال‪ :‬أ ُّمك‪ ،‬قال‪ :‬ثم َم ْن؟ قال‪ :‬أمك؟ قال‪ :‬ثم َم ْن؟ قال‪ :‬أمك‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ثم َم ْن؟ قال‪ :‬أبوك‪.)....‬‬ ‫وفي هذا الحديث داللة على أن حقّ األم أكبر من حقّ األب ومقدم عليه‪ ،‬فمن حقهما على‬ ‫حسن صحبتهما غاية اإلحسان‪ ،‬وفي القرآن الكريم‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫الولد أن ُي َ‬ ‫ﱫ ‪ x ji h g f‬ﱪ‬

‫لقﲈن‪15 :‬‬

‫والصحبة الحسنة بجميع معانيها تبقى واجبة على الولد حتى لو كان مسلم ًا وأبواه غير‬ ‫مسلمين‪.‬‬

‫املناقشة‬

‫‪ -1‬ما أهم حقوق المولود بالنسب؟‬

‫‪ -2‬األبوان سبب وجودنا‪ .‬أكتب عن ح ّقهما في القرآن الكريم والس ّنة النبوية الشريف؟‬

‫‪ -3‬كيف تكون صحبتنا للوالدين؟‬

‫‪ -4‬أيهما أعظم حق ًا حقُّ األم أو األب؟‬ ‫بر الوالدين بعد موتهما؟‬ ‫‪ -5‬كيف يكون ّ‬

‫‪51‬‬


‫الدر�ص الخام�ص‪ :‬التهذيب‬ ‫آفات اللسان‬ ‫يريد لنا اإلسالم أن نحيا حياة حرة كريمة نتنعم فيها بكرامة محفوظة‪ ،‬بعيد ًا عن‬ ‫الشحناء والبغضاء واإلهانة ‪ ،‬لذلك جاءت تعاليم اإلسالم لتنظم الحياة ّ‬ ‫بأدق تفاصليها ومن‬ ‫تلك التعاليم تلك التي جاءت لتحذرنا من آفات اللسان‪ ،‬الذي هو أساس الفتنة والسبيل إلى‬ ‫النار ‪ ،‬فإن آفات اللسان هي أسرع اآلفات لإلنسان‪ ،‬وأعظمها في الهالك والخسران ‪.‬‬ ‫عز ّ‬ ‫وجل‪ :‬ﱫ ‪ B A @ ? > = < ; :‬ﱪ‬ ‫وقال ّ‬

‫ق‪1٨ :‬‬

‫وقال اهلل تعالى‪:‬‬ ‫ﱫ " ‪ 1 0 / . - ,+ * ) ( ' & % $ #‬ﱪ‬ ‫وقال سبحانه‪ :‬ﱫ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﱪ‬

‫النساء‪1٤٨ :‬‬

‫اهلمزة‪1 :‬‬

‫وقال سبحانه‪ :‬ﱫ ‪Ï Î Í Ì Ë Ê É ÈÇ Æ Å Ä Ã Â Á‬‬ ‫‪ ÒÑÐ‬ﱪ‬

‫اإلرساء‪٣٦ :‬‬

‫وقد ب ّين النبي ِ(�ص) خطر اللسان وآفاته وكونه سبب دخول الناس النار فقال (�ص)‪:‬‬ ‫«إذا أصبح ابن آدم فإن األعضاء كلها ُتك َّفر اللسان فتقول‪ :‬اتق اهلل فينا فإنما نحن بك‪.‬‬ ‫اس َع َلى‬ ‫فإن استقمت استقمنا‪ ،‬وإن اعوججت اعوججنا»؛ وقال أيضاً‪َ :‬و َهل َي ُك ُّب ال َّن َ‬ ‫َم َن ِ‬ ‫اخ ِر ِه ْم‪ِ ،‬في ال َّنا ِر ِإ َّال َح َصا ِئ ُد َأ ْل ِس َن ِتهِ ْم ‪.‬‬ ‫ثم ب ّين (�ص) خلق اإلسالم والمسلمين فقال (�ص) ‪َ :‬ل ْي َس ا ْل ُم ْؤ ِم ُن ب َّ‬ ‫ان َو َال ال َّل َّع ِ‬ ‫ِالط َّع ِ‬ ‫ان‬ ‫َو َال ا ْلف ِ‬ ‫َاح ِش َو َال ا ْل َب ِذي ِء‪.‬‬ ‫‪52‬‬


‫وآفات اللسان كثيرة منها‪ :‬الكذب والغيبة والنميمة وشهادة الزور والفحش واللغو‬ ‫والسب والنفاق‪.‬‬ ‫وقذف المحصنات‬ ‫ّ‬

‫‪ -1‬فحش القول‬

‫إن ا ْل َب ِ‬ ‫اع ُث َع َلى ا ْلف ُْح ِش ِإ َّما َق ْص ُد ا ْإل َ‬ ‫يذا ِء‪َ ،‬و ِإ َّما ا ِال ْع ِت َيا ُد ا ْل َح ِ‬ ‫اصل ِم ْن ُم َخا َل َط ِة ا ْلف َُّساقِ َو َأ ْهل‬

‫الس ُّب َعا َد ُت ُه ُم‪.‬‬ ‫ا ْلخُ ْب ِث َوال ُّل ْؤ ِم‪َ ،‬و َم ْن كان َّ‬

‫‪ -2‬ال َّل ْغـ ُو‬

‫ال َّل ْغ ُو ُه َو ا ْل َب ِ‬ ‫يح ‪َ ،‬و َال َي ُكونُ ِلقَا ِئ ِل ِه ِفي ِه َفا ِئ َد ٌة َو ُر َّب َما َكانَ َو َبا ًال‬ ‫اطل ا َّل ِذي َال َي َّت ِصل ِب ِف ْع ٍل َص ِح ٍ‬ ‫اس َف ُيفْ ِش َي َأ ْس َر َار ُه ْم ‪َ ،‬و َي ْه ِت َك َأ ْس َت َار ُه ْم‪.‬‬ ‫الر ُجل ب َِما َال َي ْع ِني ِه ِم ْن ُأ ُمو ِر ال َّن ِ‬ ‫َع َل ْي ِه ‪َ ،‬ك َأنْ َي َت َك َّل َم َّ‬ ‫الص َل ُة َب ْي َن ُف ْح ِش ا ْلق َْول َوال َّل ْغوِ َأ َّن ُك اًّل ِم ْن ُه َما ِم ْن آ َف ِ‬ ‫ات ال ِّل َس ِ‬ ‫ان ‪.‬‬ ‫َو ِّ‬

‫الس ُّب‬ ‫‪َّ -3‬‬

‫الس ُّب ‪ :‬هو َّ‬ ‫الس ِّب ‪.‬‬ ‫ِيح ‪َ ،‬و ُف ْح ُش ا ْلق َْول َأ َع ُّم ِم َن َّ‬ ‫َّ‬ ‫الش ْت ُم َقيل‪ُ :‬ه َو ُكل َكال ٍَم َقب ٍ‬

‫الر َف ُث‬ ‫‪َّ -4‬‬

‫ال ِم ‪ُ ،‬يقَال ‪َ :‬ر َف َث ِفي َك َ‬ ‫الر َف ِث ِفي ال ُّل َغ ِة ‪ :‬ال َّل ْغ ُو ِم َن ا ْل َك َ‬ ‫ال ِم ِه َي ْر ُف ُث ِإذَا َت َك َّل َم‬ ‫ِم ْن َم َعا ِني َّ‬

‫اع ‪.‬‬ ‫ِيح ‪ُ ،‬ث َّم ُج ِعل ِك َنا َي ًة َع ِن الْجِ َم ِ‬ ‫بِا ْل َقب ِ‬

‫‪ -5‬الغيبة‬

‫الغيبة‪( :‬الغيبة أن تذكر اإلنسان في غيبته بسوء وإن كان فيه)‪.‬‬ ‫وقيل‪( :‬الغيبة ذكر المرء بما يكرهه سواء كان ذلك في بدن الشخص‪ ،‬أو دينه‪ ،‬أو‬ ‫دنياه‪ ،‬أو نفسه‪ ،‬أو َخلقه‪ ،‬أو خُ لقه‪ ،‬أو ماله‪ ،‬أو ولده‪ ،‬أو زوجه‪ ،‬أو خادمه‪ ،‬أو ثوبه‪ ،‬أو‬ ‫حركته‪ ،‬أو طالقته‪ ،‬أو غير ذلك مما يتعلق به‪ ،‬سواء ذكرته باللفظ أو باإلشارة والرمز)‪.‬‬ ‫والغيبة آفة خطيرة من آفات اللسان‪ ،‬ولقد عرفها النبي (�ص) «أتدرون ما الغيبة» ؟ قالوا اهلل‬ ‫ورسوله أعلم‪ .‬قال‪« :‬ذكرك أخاك بما يكره» قيل‪ :‬أفرأيت إن كان في أخي ما أقول‪ :‬قال‪« :‬إن‬ ‫كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته»‪.‬‬ ‫‪53‬‬


‫عن أنس بن مالك قال‪ :‬قال رسول اهلل (�ص)‪ّ « :‬ل ّما ُع ِرج بي مررت بقوم لهم أظفار من‬ ‫نحاس‪ ،‬يخمشون وجوههم‪ ،‬وصدورهم‪ ،‬فقلت‪ :‬من هؤالء يا جبريل‪ ،‬قال‪ :‬هؤالء الذين‬ ‫يأكلون لحوم الناس ويقعـون في أعراضهم»‪.‬‬ ‫و قال رسول اهلل (�ص)‪« :‬ال تحاسدوا‪ ،‬وال تناجشوا‪ ،‬وال تباغضوا‪ ،‬وال تدابروا‪ ،‬وال يبع‬ ‫بعضكم على بيع بعض‪ ،‬وكونوا عباد اهلل إخواناً‪ .‬المسلم أخو المسلم ال يظلمه‪ ،‬وال يخذله‪،‬‬ ‫امرئ من الشر أن يحقر‬ ‫وال يحقره‪ ،‬التقوى هاهنا» ويشير إلى صدره ثالث مرات «بحسب ٍ‬ ‫أخاه المسلم‪ .‬كل المسلم على المسلم حرام‪ :‬دمه‪ ،‬وماله‪ ،‬وعرضه»‪.‬‬ ‫أفهمت غيرك ما يكرهه المغتاب ولو بالتعريض‪،‬‬ ‫فحيث ما‬ ‫والغيبة ال تختص باللسان‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أو الفعل‪ ،‬أو اإلشارة‪ ،‬أو الغمز‪ ،‬أو ال ّلمز‪ ،‬أو الكتابة‪ ،‬وكذا سائر ما يتوصل به إلى المقصود‬ ‫كأن يمشي مشيه فهو غيبة بل هو أعظم من الغيبة ألنه أعظم وأبلغ في التصوير والتفهيم‪.‬‬ ‫الحي واستحالله‬ ‫وال شك في أن غيبة المسلم الميت أفحش من غيبة الحي وأشدّ ؛ ألن عفو ّ‬ ‫ممكن بخالف الميت‪ ،‬فعن عائشة عن النبي (�ص)‪« :‬إذا مات صاحبكم فدعوه وال تقعوا‬ ‫فيه»‪.‬‬ ‫قلب ُه ال تغتابوا‬ ‫و قال رسول اهلل (�ص)‪« :‬يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل اإليمانُ َ‬ ‫المسلمين وال ت َّتبعوا عوراتهم؛ فإنه من اتّبع عورا ِتهم ي ّتبع ُ‬ ‫اهلل عور َت ُه‪ ،‬ومن يتبع اهلل عورته‪،‬‬ ‫َ‬ ‫يفضح ُه في بيته»‪.‬‬ ‫الحديث فيه تنبيه على أن غيبة المسلم من شعار المنافق ال المؤمن‪ ،‬وفيه الوعيد بكشف‬ ‫اهلل عيوب الذين يتبعون عورات المسلمين ومجازاتهم بسوء صنيعهم‪.‬‬ ‫‪54‬‬


‫األسباب الباعثة على الغيبة‬ ‫عندما ينظر اإلنسان المسلم العاقل ويفكر في األسباب التي تدفع المغتاب إلى الغيبة‬ ‫وتدفع النمام إلى النميمة فسوف يجد لذلك أسباب ًا منها ما يأتي‪:‬‬ ‫‪ -1‬هو محاولة االنتصار للنفس والسعي في أن يشفي المغتاب الغيظ الذي في صدره على‬ ‫غيره فعند ذلك يغتابه أو يبهته‪ ،‬أو ينقل عنه النميمة‪.‬‬ ‫ويبرد صدره‬ ‫‪ -2‬الحقد على اآلخرين والبغض لهم فيذكر مساوئ من يبغض؛ ليشفي حقده ِّ‬ ‫بغيبة من يبغضه ويحقد عليه‪ .‬وهذا ليس من صفات المؤمنين كاملي اإليمان‪.‬‬ ‫‪ -3‬إرادة رفعة النفس وخفض غيرها كأن يقول‪ :‬فالن جاهل‪ ،‬أو فهمه ضعيف‪ ،‬أو سقيم‪،‬‬ ‫أو عبارته ركيكة تدرج ًا إلى لفت أنظار الناس إلى فضل نفسه وإظهار شرفه بسالمته عن‬ ‫تلك النقائص التي ذكرها في َم ْن اغتابه‪ .‬وهذا من اإلعجاب بالنفس‪ ،‬وهو من المهلكات‬ ‫التي ب ّينها رسول اهلل (�ص)‪.‬‬

‫‪ -4‬موافقة الجلساء واألصحاب‪ ،‬واألصدقاء ومجاملتهم فيما هم عليه من الباطل؛ لكي‬ ‫كسب رضاهم ولو كان ذلك بغضب اهلل (عز وجل) وهذا من ضعف اإليمان وعدم‬ ‫ُي َ‬

‫مراقبة اهلل عز وجل‪.‬‬

‫‪ -5‬إظهار التعجب من أصحاب المعاصي‪ :‬كأن يقول اإلنسان‪ :‬ما رأيت أعجب من فالن‬ ‫كيف يخطئ وهو رجل عاقل أو كبير أو عالم أو غير ذلك وكان الواجب عدم التعيين‪.‬‬ ‫‪ -6‬السخرية واالستهزاء باآلخرين واالحتقار لهم‪.‬‬ ‫‪ -7‬الظهور بمظهر الغضب هلل على من يرتكب المنكر فيظهر غضبه ويذكر اسمه مثل أن يقول‪:‬‬ ‫فالن ال يستحيي من اهلل يفعل كذا وكذا ويقع في عرضه بالغيبة‪.‬‬ ‫‪ -8‬الحسد فيحسد المغتاب من ُيثني عليه الناس ويحبونه فيحاول المغتاب الحسود قليل الدين‬ ‫والعقل أن يزيل هذه النعمة فال يجد طريق ًا إلى ذلك إلاّ بغيبته والوقوع في عرضه حتى يزيل‬ ‫نعمته أو يقلل من شأنه عند من يثنون عليه‪ .‬وهذا من أقبح الناس عق ً‬ ‫ال وأخبثهم نفس ًا ‪.‬‬ ‫‪55‬‬


‫قيل لرسول اهلل (�صلى اهلل عليه و�آله و�صحبه و�سلم) أي الناس أفضل؟ قال‪« :‬كل مخموم‬ ‫قي‪،‬‬ ‫التقي ال ّن ُّ‬ ‫القلب صدوق اللسان» قالوا‪ :‬صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال‪« :‬هو ُّ‬ ‫بغي وال ّ‬ ‫غل وال حسد»‪.‬‬ ‫ال إثم فيه وال ّ‬ ‫غمني‬ ‫‪ -9‬إظهار الرحمة وال ّتص ُّنع بمواساة اآلخرين‪ ،‬كأن يقول لغيره من الناس‪ :‬مسكين فالن قد ّ‬ ‫أمره وما هو فيه من المعاصي‪...‬‬ ‫‪ -10‬التص ّنع‪ ،‬واللعب‪ ،‬والهزل‪ ،‬والضحك فيجلس المغتاب خبيث النفس فيذكر عيوب غيره‬ ‫مما يضحك به الناس فيضحك الناس‪ ،‬فعند ذلك يرتاح ويزيد من الكذب والغيبة على سبيل‬ ‫الهزل والنكت واإلعجاب بالنفس‪.‬‬ ‫‪ -11‬أن ينسب إليه فع ً‬ ‫ال قبيح ًا فيتبرأ منه ويقول‪ :‬فالن الذي فعله ومحاولة إلقاء اللوم والتقصير‬ ‫على غيره؛ ليظهر بمظهر البريء من العيوب‪.‬‬ ‫‪ -12‬الشعور بأن غيره يريد الشهادة عليه أو تنقيصه عند كبير من الكبراء‪ ،‬أو صديق من األصدقاء‪،‬‬ ‫أو سلطان فيسبقه إلى هذا الكبير ويغتابه؛ ليسقط من عينه‪ ،‬وتسقط عدالته‪ ،‬أو مروءته‪.‬‬

‫عالج الغيبة‬ ‫وذلك باتّباع النصائح اآلتية‪:‬‬ ‫‪ّ -1‬‬ ‫تذكر مساوئ الغيبة‪ ،‬وأخطارها الجسيمة‪ ،‬في دنيا اإلنسان و أخراه‪.‬‬ ‫‪ -2‬االهتمام بتزكية النفس‪ ،‬وتجميلها بالخلق الكريم‪ ،‬وصونها عن عيوب الناس‬ ‫ومساوئهم‪ ،‬بد ًال من اغتيابهم واستنقاصهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬استبدال الغيبة باألحاديث النافعة والممتعة‪ ،‬والنوادر الش ّيقة‪ ،‬والقصص الهادفة‬ ‫الطريفة‪.‬‬ ‫‪ -4‬ترويض النفس على صون اللسان‪ ،‬وك ّفه عن بوادر الغيبة‪.‬‬ ‫متعرض لسخط اهلل تعالى ومقته‪.‬‬ ‫‪ -5‬أن يعلم اإلنسان أنه إذا وقع في الغيبة فهو ّ‬ ‫‪56‬‬


‫وأن يعلم أن حسناته يؤخذ منها يوم القيامة لمن اغتابه بد ًال عما استباح من عرضه‪ ،‬فإن‬ ‫لم تكن له حسنات نقل إليه من سيئات خصمه فربما ترجح كفة سيئاته فيدخل النار وقد‬ ‫يحصل ذلك لإلنسان بإذهاب حسنة واحدة من حسناته أو بوضع سيئة واحدة من سيئات‬ ‫خصمه‪ ،‬وعلى تقدير أن ال يحصل هذا الرجحان فكفى بنقص الحسنات عقاب ًا مع المخاصمة‬ ‫والمطالبة‪ ،‬والسؤال‪ ،‬والجواب‪ ،‬والحساب‪.‬‬ ‫فإذا آمن اإلنسان المسلم باألحاديث النبوية الناهية عن الغيبة وتد ّبرها حق التدبر لم‬ ‫ينطق لسانه بغيبة‪ ،‬وتدبر نفسه‪ ،‬وعيوبها‪ ،‬وتقصيرها‪ ،‬وأن يتدبر في إصالح نفسه عن‬ ‫عيوب الناس والكالم فيهم‪ ،‬وعلى من به عيب أن يستحيي من اهلل تعالى الذي ال تخفى عليه‬ ‫خافية حين يرى نفسه على العيوب ويذكر عيوب غيره بل ينبغي له أن يلتمس ألخيه عذر ًا‬ ‫ومخرج ًا ويعلم أن عجزه عن تطهير نفسه من ذلك العيب كعجزه هو عن تطهير نفسه من‬ ‫عيوبها فإن كان الذم له بأمر َخ ْلقي كان ذم ًا للخالق؛ فإن ذم الصنعة يستلزم ذم صانعها فليتق‬ ‫اهلل عز وجل ويصلح نفسه عن عيوبها وكفى بذلك شُ غالً!‬ ‫‪ -6‬عليه أن ينظر في السبب الذي يدفعه إلى الغيبة فإن عالج العلة إنما ي ّتم بقطع سببها ‪.‬‬ ‫فإذا كان سبب الغيبة الغضب فعليه أن يقول‪ :‬إن أمضيت غضبي عليه فأنا أخشى اهلل‬ ‫علي بسبب الغيبة فإن اهلل قد نهاني عنها فعصيته واستخففت بنهيه‪.‬‬ ‫أن يمضي غضبه َّ‬

‫طريق التوبة من الغيبة‬ ‫وطريق التوبة بالنسبة لمن اغتاب المسلمين هو أن يتحلله ويطلب منه العفـو إذا أ ِم َن‬ ‫الفتنة أما إذا كان هذا يسبب الشحناء أو يسبب منكر ًا آخر أو فتنة فإن المغتاب يذكره‬ ‫بالخير الذي فيه في المجالس التي ذكره فيها بسوء وير َّد عنه الغيبة بجهده وطاقته فتكون‬ ‫تلك بتلك إن شاء اهلل مع مراعاة شروط التوبة ‪.‬‬ ‫‪57‬‬


‫النميمة ‪:‬‬ ‫محرمة بإجماع‬ ‫هي نقل كالم الناس بعضهم إلى بعض على جهة اإلفساد والوقيعة بينهم‪ .‬وهي ّ‬ ‫المسلمين‪.‬‬ ‫والنم إظهار الحديث بالوشاية‪ .‬وأصل النميمة الهمس والحركة‪.‬‬ ‫ّ‬

‫الترهيب من الوقوع في النميمة‬

‫قال اهلل تعالى‪ :‬ﱫ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﱪ‬

‫ق‪٢٥ :‬‬

‫ّ‬ ‫(وكل من حملت إليه نميمة‪ ،‬وقيل له‪ :‬فالن يقول فيك‪ ،‬أو يفعل فيك‬ ‫قال العلماء‪:‬‬ ‫كذا فعليه ستة أمور‪:‬‬ ‫األول‪ :‬أن ال يصدق‪ّ ،‬‬ ‫النمام فاسق‪.‬‬ ‫ألن ّ‬ ‫الثاني‪ :‬أن ينهاه عن ذلك‪ ،‬وينصحه‪ ،‬و ُيقبح له فعله‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬أن يبغضه في اهلل تعالى؛ فإنه بغيض عند اهلل تعالى ويجب بغض من أبغضه اهلل تعالى‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬أن ال يظن بأخيه الغائب السوء‪.‬‬ ‫الخامس‪ :‬أن ال يحمله ما ُحكي له على التجسس والبحث عن ذلك‪.‬‬ ‫السادس‪ :‬أن ال يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه فال يحكي نميمته عنه فيقول‪ :‬فالن حكى‬ ‫نماماً‪ ،‬ويكون آتي ًا ما نهى عنه‪.)...‬‬ ‫كذا‪ ،‬فيصير به ّ‬ ‫وقال سبحانه‪ :‬ﱫ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﱪ‬

‫اهلمزة‪١ :‬‬

‫والنمام أألم الناس‬ ‫والنميمة من أبشع الجرائم الخُ لقية‪ ،‬وأخطرها في حياة الفرد والمجتمع‪،‬‬ ‫ّ‬

‫وأخبثهم‪ ،‬التصافه بالغيبة‪ ،‬والغدر‪ ،‬والنفاق‪ ،‬واإلفساد بين الناس‪ ،‬والتفريق بين األحباء‪.‬‬ ‫لذلك جاء ذ ّمه‪ ،‬والتنديد في اآليات واألخبار‪:‬‬ ‫قال تبارك وتعالى‪ :‬ﱫ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬ ‫ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﱪ‬ ‫‪58‬‬

‫القمل‪١٣ - ١٠ :‬‬


‫وقال سبحانه‪ :‬ﱫ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﱪ‬

‫اهلمزة‪١ :‬‬

‫النمام واللمزة المغتاب‪.‬‬ ‫فاله َ‬ ‫مزة ّ‬ ‫ُ‬ ‫قال رسول اللهّ (�ص)‪:‬‬

‫«أال اُنبئكم بشراركم‪ .‬قالوا‪ :‬بلى يا رسول اللهّ ‪ .‬قال‪ّ :‬‬ ‫المشاؤون بالنميمة‪ ،‬المفرقون بين‬

‫األح ّبة‪ ،‬الباغون للبراء العيب»‪.‬‬ ‫وقال الصادق (ع) للمنصور‪« :‬ال تقبل في ذي رحمك‪ ،‬وأهل الرعاية من أهل بيتك‪ ،‬قول‬ ‫للهّ‬ ‫النمام شاهد زور‪ ،‬وشريك إبليس في االغراء‬ ‫حرم ا عليه الجنة‪ ،‬وجعل مأواه النار‪ ،‬فإن ّ‬ ‫من ّ‬ ‫بين الناس‪ ،‬فقد قال اللهّ تعالى‪:‬ﱫ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬ ‫ﭪ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﱪ‬

‫احلجرات‪٦ :‬‬

‫النمام‪:‬‬ ‫كيف تعامل ّ‬ ‫النمام من أخطر المفسدين‪ ،‬وأشدهم إساءة وشر ًا بالناس‪ ،‬فلزم الحذر منه‪،‬‬ ‫لما كان ّ‬

‫والتو ّقي من كيده وإفساده‪ ،‬وذلك باتّباع النصائح اآلتية‪:‬‬

‫‪ - 1‬أن ّ‬ ‫النمام‪ ،‬لفسقه وعدم وثاقته‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱫ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬ ‫يكذب ّ‬ ‫ﭨﭩﭪ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﱪ‬

‫احلجرات‪٦ :‬‬

‫النم عليه‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬ ‫‪ - 2‬أن ال ّ‬ ‫يظن بأخيه المؤمن سوءاً‪ ،‬بمجرد ّ‬ ‫ﱫ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭴ ﱪ‬

‫احلجرات‪١٢ :‬‬

‫النمام‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬ ‫‪ - 3‬أن ال تبعثه النميمة على التجسس والتحقق عن واقع ّ‬ ‫ﱫﭝ ﭞ ﭴ ﱪ‬

‫احلجرات‪١٢ :‬‬

‫النمام بحكاية نميمته‪ ،‬فيكون نمام ًا ومغتاباً‪ ،‬في آن واحد‪.‬‬ ‫ينم على ّ‬ ‫‪ - 4‬أن ال ّ‬ ‫وقد روي عن أمير المؤمنين على (ع)‪« :‬أن رج ً‬ ‫ال أتاه يسعى إليه برجل‪ .‬فقال‪ :‬يا هذا‬ ‫نحن نسأل عما قلت‪ ،‬فإن كنت صادق ًا مقتناك‪ ،‬وإن كنت كاذب ًا عاقبناك‪ ،‬وإن شئت أن‬ ‫نقيلك أقلناك‪ .‬قال‪ :‬أقلني يا أمير المؤمنين»‪.‬‬ ‫‪59‬‬


‫السعاية‬ ‫وهي أقسى صور النميمة‪ ،‬وأعظمها ذنبا وجريرة وإثماً‪ ،‬إذ تستهدف دمار المسعى به‬ ‫وهالكه بال ّنم عليه‪ ،‬والسعاية فيه لدى المرهوبين‪ ،‬من ذوي السلطة والسطوة‪.‬‬ ‫وأكثر ضحايا السعاية هم المرموقون من العظماء واألعالم‪ ،‬المحسودون على أمجادهم‬ ‫وفضائلهم‪ ،‬مما ُيح ّفز حاسديهم على إذاللهم‪ ،‬والنكاية بهم‪ ،‬فال يستطيعون سبي ً‬ ‫ال إلى‬ ‫ذلك‪ ،‬فيكيدونهم بلؤم السعاية‪ ،‬إرضاء ًا لحسدهم وخبثهم‪ ،‬بيد أنه قد يبطل كيد السعاة‪،‬‬ ‫و ُتخفق سعايتهم‪ ،‬فتعود عليهم ِ‬ ‫بالخزي والعقاب‪ ،‬وعلى المسعي به بالتبجيل واإلعزاز‪.‬‬ ‫لذلك كان الساعي من أأل ِم الناس‪ ،‬وأخطرهم جناية وشراً‪ ،‬كما جاء عن النبي (�ص)‬ ‫«شر الناس المثلث؟ قيل‪ :‬يا رسول اللهّ ومن المثلث؟ قال‪ :‬الذي يسعى بأخيه الى‬ ‫قال‪ّ :‬‬ ‫السلطان‪ ،‬فيهلك نفسه‪ ،‬ويهلك أخاه‪ ،‬ويهلك السلطان»‬ ‫شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤالء بوجه وهؤالء بوجه)‪ .‬وإنما كان ذو الوجهين‬ ‫(إن ّ‬ ‫أشر الناس‪ّ ،‬‬ ‫ألن حاله حال المنافق إذا هو متملق بالباطل وبالكذب من مدخل للفساد بين‬ ‫ّ‬

‫الناس فيأتي ّ‬ ‫كل طائفة بما يرضيها على جهة اإلفساد ويظهر له أنه منها ومخالف لضدها‬ ‫محرمة‪ .‬فأما‬ ‫وهذا عمل النفاق والخداع وكذب وتحايل على أسرار الطائفتين وهي مداهنة ّ‬ ‫من يقصد اإلصالح بين الناس فذلك محمود وهو أنه يأتي كل طائفة بكالم فيه صالح الطائفة‬ ‫األخرى ويعتذر لكل واحدة عند األخرى وينقل إليها من الجميل ما أمكنه ويستر القبيح أما‬ ‫المذموم فهو بالعكس‪.‬‬ ‫وقال رسول اهلل (�ص)‪« :‬من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار»‪.‬‬ ‫الكذب‬ ‫فالكذب‪ :‬اإلخبار عن الشيء على خالف ما هو عمد ًا كان أو سهواً‪.‬‬ ‫الترهيب من الكذب على اهلل ورسوله (�ص)‬ ‫‪60‬‬


‫ال شك في أن من كذب على اهلل وعلى رسوله أشدّ وأعظم ذنباً‪ ،‬وأقبح فع ً‬ ‫ال ممن كذب‬ ‫على من سوى اهلل ورسوله‪.‬‬ ‫قال اهلل تعالى‪ :‬ﱫ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ‬ ‫ﮔﮕﮖﮗﮘﱪ‬

‫األنعام‪144:‬‬

‫‪.‬‬

‫وقال عز وجل‪ :‬ﱫ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬ ‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﱪ الصف‪. ٣ - ٢ :‬‬ ‫ترهيب من الوقوع في الكذب عموم ًا‬ ‫فإن الصدق يهدي إلى ال ّبر‪ّ ،‬‬ ‫عن النبي (�ص) قال‪« :‬عليكم بالصدق ّ‬ ‫البر يهدي إلى‬ ‫وإن ّ‬ ‫الجنة‪ ،‬وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند اهلل صديق ًا وإياكم والكذب‬ ‫ّ‬ ‫ويتحرى‬ ‫وإن الكذب يهدي إلى الفجور‪ ،‬وإن الفجور يهدي إلى النار‪ ،‬وما يزال الرجل يكذب‬ ‫ّ‬ ‫الكذب حتى يكتب عند اهلل كذاباً»‪.‬‬ ‫وأعظم الكذب شهادة الزور‬

‫الترهيب من الوقوع في شهادة الزور‬ ‫وقال سبحانه‪:‬‬ ‫ﱫﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﱪ‬

‫الفرقان‪٧٢ :‬‬

‫وقال تعالى‪:‬‬ ‫ﱫﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ ﯵ ﯶﯷﯸﱪ البقرة‪١٤٠ :‬‬

‫النبي (�ص)‪« :‬أال أنبئكم بأكبر الكبائر قالها ثالثاً»‪ ،‬قالوا‪ :‬بلى يا رسول اهلل‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫قال ّ‬ ‫«اإلشراك باهلل‪ ،‬وعقوق الوالدين» وجلس وكان متكئ ًا فقال‪« :‬أال و َق ُ‬ ‫ول الزور» فمازال يكررها‬ ‫حتى قلنا ليته سكت‪.‬‬ ‫‪61‬‬


‫تعريف القذف‬ ‫يقال‪ :‬قذف بالحجارة (أي) رمى بها‪ ،‬وقذف المحصنة رماها بالزنى والفاحشة‪...‬‬ ‫والتقاذف الترامي وهو في األصل رمي الشيء بقوة ثم استعمل في الرمي بالزنا ونحوه‪.‬‬

‫الترهيب من الوقوع في القذف‬ ‫قال اهلل تعالى‪ :‬ﱫ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬ ‫ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﱪ‬

‫النور‪٤ :‬‬

‫هن؟ قال‪« :‬الشرك باهلل‬ ‫(�ص) قال‪« :‬اجتنبوا السبع الموبقات» قالوا‪ :‬يا رسول اهلل ما ّ‬ ‫والسحر‪ ،‬وقتل النفس التي حرم اهلل إلاّ بالحقّ ‪ ،‬وأكل الربا‪ ،‬وأكل مال اليتيم‪ ،‬والتو ّلي يوم‬ ‫الزحف‪ ،‬وقذف المحصنات المؤمنات الغافالت»‪.‬‬ ‫الجدال‪:‬‬ ‫وهونوعان‬ ‫المحمود الممدوح‪ :‬وهو كل جدال أ ّيد الحقّ أو أوصل إليه بن ّية صالحة خالصة وطريق‬ ‫صحيح‪ .‬قال تعالى‪ :‬ﱫ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬ ‫ﮱﯓ ﯠ ﱪ النحل‪.١٢٥ :‬‬ ‫والمجادلة بالتي هي أحسن هي التي تكون عن علم‪ ،‬وبصيرة‪ ،‬وبحسن الخلق‪ ،‬وبلطف‪،‬‬ ‫ورفق‪ ،‬ولين‪ ،‬وحسن خطاب‪ ،‬ودعوة إلى الحقِّ ‪ ،‬وتحسينه‪ ،‬ور ِّد الباطل وبيان قبحه بأقرب‬ ‫وحب العلو‪ ،‬بل يكون‬ ‫طريق موصل إلى ذلك‪ ،‬وأن ال يكون القصد منها مجرد المغالبة‬ ‫ّ‬ ‫القصد بيان الحقّ وهداية الخلق‪.‬‬ ‫‪62‬‬


‫النوع الثاني‪ :‬الجدال المذموم‪ :‬وهو كل جدال أ ّيد الباطل أو أوصل إليه أو كان بغير علم‬ ‫وبصيرة‪.‬‬ ‫وهذا النوع هو من أعظم آفات اللسان قال تعالى‪ :‬ﱫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬ ‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ‬ ‫ﮈ ﮉﮊ ﮋﱪ‬

‫احلج‪٩ - ٨ :‬‬

‫األسباب الباعثة على الجدال بالباطل‬ ‫ال شك في أن األسباب الباعثة على الجدال بالباطل كثيرة منها‪:‬‬ ‫‪ -1‬الغرور‪ ،‬والكبرياء‪ ،‬والخيالء‪.‬‬ ‫‪ -2‬إظهار العلم والفضل‪.‬‬ ‫‪ -3‬االعتداء على الغير بإظهار نقصه وقصد أذاه‪.‬‬ ‫وعالج ذلك بالتوبة إلى اهلل تعالى‪ ،‬وبأن يكسر الكبر الباعث له على إظهار فضله‪،‬‬ ‫والعدوان الباعث على احتقار غيره وتنقصه‪.‬‬

‫الخصومة والنزاع‬ ‫قال اهلل تعالى‪ :‬ﱫ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬ ‫ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬ ‫ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ‬ ‫ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﱪ البقرة‪. ٢٠٦ - ٢٠٤ :‬‬ ‫‪63‬‬


‫ِ‬ ‫الخص ُم»‪.‬‬ ‫قال رسول اهلل (�ص)‪« :‬إن أبغض الرجال إلى اهلل األلد‬ ‫والخ ِص ُم الذي يخصم أقرانه ويحاجهم بالباطل‬ ‫واأللدُّ ‪ :‬هو شديد اللدد كثير الخصومة‪َ .‬‬ ‫وال يقبل الحق‪ .‬الجدل والخصومة بالباطل من آفات اللسان التي تسبب الفرقة والتقاطع‬ ‫والتدابر بين المسلمين‪ ،‬وإيغار صدور بعضهم على بعض‪ ،‬وتضييع أوقاتهم فيما ال ينفع‪،‬‬ ‫ولذلك ّ‬ ‫حذر منها الرسول (�ص) ووعد من تجنبها األجر العظيم والقرب منه يوم القيامة‪.‬‬

‫املناقشة‬

‫وإن ّ‬ ‫‪ -1‬استشهد بآية قرآنية كريمة‪ ،‬تب ّين خطورة اللسان وما يصدر منه‪ّ ،‬‬ ‫كل قول عليه‬ ‫رقيب‪.‬‬ ‫يكب الناس في النار حصائد ألسنتهم‪ ،‬استشهد على ذلك بحديث‪.‬‬ ‫‪ّ -2‬‬ ‫‪ -3‬عدد خمس ًا من آفات اللسان وتك ّلم على واحدة‪.‬‬ ‫‪ -4‬ما الغيبة والبهتان؟‬ ‫‪ -5‬ما أقسام الجدل؟‬ ‫‪ -6‬ما عالج الغيبة؟‬ ‫‪ -7‬عدد خمس ًا من األسباب الباعثة على الغيبة‪.‬‬ ‫‪ -8‬ما القذف؟ ثم ب ّين حرمته مع الشاهد‪.‬‬ ‫‪ -9‬ما الذي يجب أن يفعله من ُحملت إليه النميمة؟‬ ‫‪64‬‬


‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ح‬ ‫د‬ ‫ة الثالثة‬

‫‪65‬‬


‫الدر�ص االأو∫‪ :‬من القراآن الكريم‬ ‫من سورة المؤمنون اآليات (‪ )118 - 78‬آيات الحفظ (‪)90 -78‬‬

‫ﭑﭒﭓ‬

‫ﱫ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬ ‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬ ‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟﮠ ﮡ ﮢ‬ ‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬ ‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬ ‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬ ‫ﯲﯳﯴ ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﯾ ﯿﰀ‬ ‫ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬ ‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ‬ ‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ‬ ‫ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ‬ ‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬ ‫ﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮪﮫﮬﮭ‬ ‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬ ‫‪66‬‬


‫ﯢﯣ ﯤﯥﯦﯧ ﯨﯩﯪﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱﯲ‬ ‫ﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ‬ ‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈﰉ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬ ‫ﭗﭘﭙﭚ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭤﭥﭦ‬ ‫ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭮ ﭯﭰ‪FEDC BA‬‬ ‫‪U TS R Q P O N M L K J I H G‬‬ ‫‪e d c ba ` _ ^ ] \ [Z Y X W V‬‬ ‫‪xw v u t s r q p o n m l k j i h g f‬‬ ‫‪ ~ } |{ z y‬ﮯ ¡ ‪¨ § ¦ ¥ ¤ £ ¢‬‬ ‫© ‪½ ¼ » º ¹ ¸ ¶ µ ´ ³ ² ± ° ¯ ® ¬« ª‬‬ ‫¾ ¿ ‪Ð Ï Î Í Ì Ë Ê É È Ç Æ ÅÄ Ã Â Á À‬‬

‫‪ Ò Ñ‬ﱪ �صدق الله العلي العظيم‬ ‫معاني الكلمات‬ ‫الكلمة‬ ‫يجير‬

‫معناها‬ ‫يحمي من استغاث به‪.‬‬

‫همزات‬

‫وساوسه المغرية بالمعاصي‪.‬‬

‫برزخ‬

‫حاجز ومانع‪.‬‬

‫كالحون‬

‫ّ‬ ‫مكشرون في عبوس‪.‬‬ ‫‪67‬‬


‫المعنى العام‬ ‫ﱫ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﱪ وهو الذي أنشأ لكم‬ ‫السمع‪ ،‬واألبصار‪ ،‬واألفئدة‪ ،‬ومع ذلك فشكركم لهذه النعم المتوالية عليكم قليل ال‬ ‫ُيذكر‪.‬‬ ‫ﱫﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﱪ وهو الذي خلق الناس جميعاً‪ ،‬وإليه‬ ‫ُتجمعون بعد موتكم للجزاء والحساب‪.‬‬ ‫ﱫﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﱪ وهو وحده الذي‬ ‫يحيي من العدم‪ ،‬ويميت بعد الحياة‪ ،‬وله تعاقب الليل والنهار وتفاوتها‪ ،‬أفال تعقلون‬ ‫قدرته ووحدانيته؟‬ ‫ﱫ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﱪ لكن الكفار لم يصدقوا‪ ،‬بل ردّدوا مقولة أسالفهم‬ ‫المنكرين‪.‬‬ ‫ﱫﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬ ‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﱪ قالوا‪ :‬أإذا متنا وتحللت أجسامنا وعظامنا في تراب‬ ‫يتصور‪ .‬لقد قيل هذا الكالم آلبائنا من قبل‪،‬كما‬ ‫األرض نحيا مرة أخرى؟ هذا اليكون وال‬ ‫ّ‬ ‫تقوله لنا يا محمد‪ ،‬فلم نره حقيقة‪ ،‬ماهذا إلاّ أباطيل األولين‪.‬‬ ‫ﱫﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﱪ‬ ‫قل لهم‪ :‬لمن هذه األرض ومن فيها من المخلوقات إن لديكم علم‪ .‬سيعرفون حتم ًا بأنها‬ ‫هلل‪ ،‬هوخالقها ومالكها‪ ،‬قل لهم‪ :‬أفال تعتبرون بأنه قادر على البعث والنشور؟‬ ‫‪68‬‬


‫ﱫ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ‬ ‫ورب العرش العظيم؟ سيقولون حتماً‪ :‬هي‬ ‫رب السموات السبع ّ‬ ‫ﯰ ﯱﱪ قل من ّ‬ ‫ِملك هلل‪ ،‬فقل لهم‪ :‬أفال تخافون عذابه إذا عبدتم غيره؟‬ ‫ﱫ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﱪ‬ ‫كل شيء و َمن بيده خزائن ّ‬ ‫قل‪َ :‬من مالك ّ‬ ‫كل شيء‪ ،‬وهو يحمي من استجار به والتجأ‬ ‫إليه‪ ،‬وال يقدر أحد أن يحمي من أراد اهلل إهالكه‪ ،‬إن كنتم تعملون‪.‬‬ ‫ﱫﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﱪ سيجيبون‪ :‬بأن ذلك ك ّله هلل‪ ،‬قل لهم‪:‬كيف تذهب‬ ‫عقولكم وتصرفون عن طاعته وتوحيده مع اعترافكم وعملكم بأنه وحده المتصرف‬ ‫المالك‪.‬‬ ‫ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﱪ بل جئناهم بالقول الصدق في أمر التوحيد‬ ‫والبعث والجزاء‪ ،‬وإنهم لكاذبون فيما ينسبون هلل من الشركاء واألوالد ‪.‬‬ ‫ﱫﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬ ‫ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﱪ ما اتخذ اهلل ولد ًا مطلقاً‪ ،‬وليس معه من يشاركه‬ ‫في األلوهية والربوبية‪ ،‬ولو كان معه إله ‪-‬كما زعم عبدة األوثان‪ -‬ال نفر َد كل إله بخلقه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تنزه اهلل وتقدّ س عن وصفهم له بأن له شريك ًا‬ ‫فيختل نظام الكون‪ ،‬ولغلب بعضهم بعضاً‪ّ .‬‬ ‫أو ولداً‪.‬‬ ‫‪69‬‬


‫ﱫﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﱪ هو وحده تعالى العالم بما غاب عن‬ ‫تنزه عن الشريك الذي يزعمون‪.‬‬ ‫خلقه‪ ،‬التخفى عليه خافية من شؤون الخلق‪ّ .‬‬ ‫ﱫ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﱪ قل ‪-‬أيها‬ ‫الرسول‪ -‬يارب إن كان البدّ من أن تريني ما تعدهم من العذاب في الدنيا‪ ،‬فال تجعلني في‬ ‫القوم المشركين الضالين‪ ،‬ولكن ممن رضيت عنهم‪.‬‬ ‫ﱫﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﱪ وإنّا لقادرون على أن نريك مانعدهم من‬ ‫العذاب‪.‬‬ ‫ﱫﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﱪ ادفع إساءتهم بالصفح عنهم‬ ‫وتجمل بمكارم األخالق‪ .‬نحن أعلم بما يكون من هؤالء المشركين من الشرك‬ ‫ّ‬ ‫والتكذيب وسنجازيهم عليه‪.‬‬ ‫ﱫﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﱪ وقل‪-‬أيها‬ ‫اعتصم بك من إغواء الشياطين المغرية على الباطل والمعاصي‪ ،‬وأحتمي‬ ‫رب‬ ‫النبي ‪ّ -‬‬ ‫ُ‬ ‫بك يارب من حضورهم في شيء من أموري‪.‬‬ ‫ﱫ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ‬ ‫ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﱪ حتى اذا حضر أحدهم الموت‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫رب ردوني إلى الدنيا‪ .‬لكي أعمل صالح ًا فيما ضيعت من عمري‪ ،‬فال يجاب إلى ماطلب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فانما هي كلمة هو قائلها‪ :‬ال رجوع إلى الدنيا فعالم البرزخ الذي بين الدنيا واالخرة‬ ‫يمنعهم من الرجعة وسيبقون فيه إلى يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪70‬‬


‫ﱫ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﱪ فإذا كان يوم القيامة‬ ‫ونفخ في الصور النفخة الثانية‪ ،‬وبعث الناس من قبورهم‪ ،‬فال تفاخر في األنساب حينئذ‬ ‫كما كانوا يفتخرون في الدنيا ‪ ،‬وال يسأل أحد أحد ًا النشغال ّ‬ ‫كل واحد بنفسه‪.‬‬ ‫ﱫﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﱪ فمن كثرت حسناته ورجحت على‬ ‫سيئاته فهم السعداء الفائزون بالجنة‪.‬‬ ‫ﱫ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﱪ ومن زادت‬ ‫سيئاته على حسناته فهم األشقياء الذين خسروا سعادتهم وخسروا أنفسهم في نار‬ ‫جهنم خالدون‪.‬‬ ‫ﱫ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﱪ تحرق النار وجوههم‪ ،‬وهم فيها عابسون‬ ‫مشوهو المنظر‪.‬‬ ‫ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﱪ يقال لهم‪ :‬ألم تكن آيات القرآن‬ ‫تتلى عليكم في الدنيا‪ ،‬فكنتم بها تكذبون؟‬ ‫ﱫ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬ ‫ﭩ ﭪﱪ قالوا‪ :‬ربنا غلبت علينا لذاتنا وكنا ضالين في اتباع اهوائنا‪ ،‬ربنا‬ ‫أخرجنا من النار ‪ ،‬وردّنا إلى الدنيا‪ ،‬فإن رجعنا إلى الضالل فأنا ظالمون نستحق العقوبة‪.‬‬ ‫عز ّ‬ ‫وجل لهم‪ :‬امكثوا في النار أذالء والتخاطبوني‪.‬‬ ‫ﱫﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﱪ قال اهلل ّ‬ ‫‪71‬‬


‫ﱫ‪ ONMLKJIH GFEDC BA‬ﱪ‬ ‫إنه كان فريق من عبادي ‪ -‬وهم المؤمنون ‪َ -‬يدعون ربنا آمنا فاستر ذنوبنا‪ ،‬وارحمنا‪،‬‬ ‫وأنت خير الراحمين ‪.‬‬ ‫ﱫ ‪ X W V U T S R Q P‬ﱪ فاشتغلتم باالستهزاء‬ ‫بهم حتى نسيتم ذكر اهلل‪ ،‬وقد كنتم تضحكون منهم سخرية واستهزاء‪.‬‬ ‫ﱫ ‪ a ` _ ^ ] \ [ Z Y‬ﱪ إني جزيت هذا الفريق من عبادي‬ ‫المؤمنين الفوز بالجنة‪ ،‬بسبب صبرهم على األذى وطاعة اهلل‪.‬‬ ‫ﱫ ‪ i h g f e d c b‬ﱪ ويسأل األشقياء في النار‪ :‬كم بقيتم في الدنيا‬ ‫من السنين؟ وكم ضيعتم فيها من طاعة اهلل‪.‬‬ ‫ﱫ ‪ r q p o n m l k j‬ﱪ قالوا‪ :‬لهول الموقف وشدة العذاب‪ ،‬بقينا‬ ‫الح َّساب الذين يعدُّ ون األيام والشهور‪.‬‬ ‫يوم ًا أو بعض يوم‪ ،‬فاسأل ُ‬ ‫ﱫ‪ } | { z y xw v u t s‬ﱪ قال لهم‪ :‬مالبثتم ّإال وقت ًا قلي ً‬ ‫ال لو‬ ‫صبرتم فيه على طاعة اهلل لفزتم بالجنة‪ ،‬لو كان عندكم علم بذلك‪.‬‬ ‫ﱫ~ ﮯ ¡ ‪ § ¦ ¥ ¤ £ ¢‬ﱪ أظننتم ‪ -‬أيها الخلق ‪-‬‬ ‫أنما خلقناكم مهملين بال ثواب وال عقاب‪ ،‬وأنكم إلينا ال ترجعون في اآلخرة للجزاء‬ ‫والحساب؟‬ ‫فتنزه اهلل وتقدس‬ ‫ﱫ¨ © ‪ µ ´ ³ ² ± ° ¯ ® ¬« ª‬ﱪ ّ‬ ‫تنزه عن العبث والنقائص وعن أن يخلق شيئ ًا‬ ‫اهلل صاحب السلطان المتصرف في ملكه‪ّ ،‬‬ ‫سفهاً‪ ،‬ألنه حكيم ‪.‬‬ ‫‪72‬‬


‫ﱫ¶ ¸ ‪È Ç Æ ÅÄ Ã Â Á À ¿ ¾ ½ ¼ » º ¹‬‬ ‫‪Ê É‬ﱪ ومن يجعل هلل شريك ًا ويعبد معه سواه‪ ،‬ال حجة له به وال دليل‪ ،‬فجزاؤه‬ ‫وعقابه عند اهلل وال فالح وال نجاة للكافرين يوم القيامة‪.‬‬ ‫رب تجاوز عن الذنوب‬ ‫النبي ‪ِّ -‬‬ ‫ﱫ ‪ Ò Ñ Ð Ï Î Í Ì Ë‬ﱪ وقل ‪ -‬أيها ُّ‬ ‫وارحمنا برحمتك التي وسعت ّ‬ ‫كل شيء يا أرحم الراحمين‪.‬‬

‫ما يرشد إلي ِه النص‬ ‫أهم ُ‬ ‫‪ُ -1‬ي ِّ‬ ‫ذكر اهلل خلقه أنه أنعم علينا بالسمع واألبصار واألفئدة‪ ،‬مع ذلك فأكثرهم ال‬ ‫يشكرون‪ .‬لذا وجب شكر اهلل على نعم ِه‪.‬‬

‫‪ -2‬وجوب اإليمان بالبعث والنشور‪.‬‬ ‫‪ -3‬وحدانية اهلل تعالى‪ ،‬فال شريك له وال مثيل له وليس له ولد أو زوجة‪.‬‬ ‫‪ -4‬استحباب الدعاء واالستعاذة باهلل تعالى من الشيطان الرجيم‪.‬‬ ‫‪ -5‬أن اهلل تعالى عادل في حكمه يجزي كل نفس بما كسبت‪.‬‬ ‫‪ -6‬توجيه المؤمنين إلى العفو والصفح‪.‬‬

‫املناقشة‬

‫‪ -1‬وردت كلمة ملكوت في اآلية (‪ )88‬من هذه السورة‪ .‬مامعناها؟ وما الفرق بينها‬ ‫والملك‪ .‬تتبع لفظة الملكوت في سورة أخرى ذاكر ًا نصها‬ ‫الملك والما ِلك ُ‬ ‫وبين َ‬

‫ومكانها‪.‬‬

‫‪ -2‬ما واجبنا تجاه ِنعم اهلل تعالى‪.‬‬ ‫‪ -3‬ماذا لو كان هناك أكثر من إله كما أدعى الكفرة؟‬

‫‪ -4‬ما اآلية إلتي ّ‬ ‫تحث على العفو والتسامح في السورة؟‬ ‫‪73‬‬


‫الدر�ص الثاني‪ :‬من الحديث النبوي ال�صريف‬ ‫للشرح والحفظ‬

‫بالحق‬ ‫وجوب المجاهرة‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫قال رسول اهلل (�سلى �هلل عليه و�آله و�سحبه و�سلم)‪:‬‬

‫(إن من َ‬ ‫َّ‬ ‫سلطان جائر)‪.‬‬ ‫أعظم الجِ ها ِد كلمة عدل عند‬ ‫ٍ‬

‫صدق رسول اهلل (�سلى �هلل عليه و�آله و�سحبه و�سلم)‬

‫معاني الكلمات‬ ‫الكلمة‬ ‫الجهاد‬ ‫سلطان جائر‬

‫معناها‬ ‫بذل ما في الوسع من جهد وطاقة إلعالء كلمة اهلل‪.‬‬ ‫حاكم ظالم‪.‬‬

‫‪T‬صر‪ ì‬الحديث ال�صريف‬ ‫ومظهر من أهم مظاهره‪ ،‬واإليمانُ يكون محور‬ ‫‪ -1‬المجاهرة بالحقِّ صور ٌة من صور اإليمان‬ ‫ٌ‬ ‫السعادة في الدنيا واآلخرة متى اقترنَ بالقوة والصدقِ ‪ .‬والناس متفاوتون في إيمانهم‬ ‫قوي تدفعه عزيمته وجرأت ُه إلى األعمال الصالحة فتراه مقدام ًا في الجهاد‪ ،‬آمر ًا‬ ‫فمنهم ٌّ‬ ‫بالمعروف‪ ،‬ناهي ًا عن المنكر ال يبالي باألذى إذا ناله في سبيل الدعوة إلى الخير‪ ،‬ويجهر‬ ‫ِ‬ ‫للضعف إلى نفسه سبيالً‪،‬‬ ‫دع‬ ‫بقول الحقّ في جرأة وصراحة‪ ،‬ال تف ّتر همته في ذلك وال َي ُ‬ ‫قصر في الدعوة إلى‬ ‫وهذا من أعظم الجهاد‪ ،‬ومنهم‬ ‫ُ‬ ‫ضعيف اإليمان ترا ِه خالف سابقه قد َّ‬ ‫فدب الضعف إلى نفسه وتسرب اليأس إلى قلبه فهو‬ ‫الخير والسعي إلى العمل الصالح‪َّ ،‬‬ ‫ال يمتلك القدرة على المجاهرة بالحقِّ ور ِّد الظلم وردع الظالم وإيقافه عند حدِّ ه‪.‬‬ ‫‪74‬‬


‫شرع الجهاد لم يقصره على صورة واحدة أو مظهر واحد حسب‪ ،‬بل جعله‬ ‫‪ -2‬اإلسالم حين َّ‬ ‫مشتم ً‬ ‫صور كثيرة ومظاهر شتى حتى يكون أثره كبير ًا في حياة الفرد والمجتمع‪.‬‬ ‫ال على ٍ‬ ‫والنهي‬ ‫فتضحي ُة اإلنسان بنفس ِه ومال ِه في سبيل اهلل جها ٌد‪ ،‬والدعو ُة إلى الخير والمعروف‬ ‫ُ‬ ‫العلم‬ ‫والشر والفساد جها ٌد‪ ،‬والسعي في تحصيل‬ ‫عن المنكر جها ٌد‪ ،‬ومحارب ُة الظلم‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫والتزو ُد بالمعرفة جهاد‪ ،‬وهكذا ُّ‬ ‫كل ما من شأنه بذل الجهد في سبيل الخير والنفع‬ ‫والحقّ فهو جهاد‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الرسول (�ص) في الحديث الشريف ّأن أعظم صور الجها ِد وأكثرها ثواب ًا عند اهلل‬ ‫ويؤكد‬ ‫‪-3‬‬ ‫ُ‬ ‫يجهر اإلنسان بقولِ الحقِّ في شجاعة وصراحة أمام حاكم ظالم مستبدّ ؛ لردع ِه عن‬ ‫أن‬ ‫َ‬ ‫الظلم وإيقافه عند حدّ ه‪ ،‬وإنما كان ذلك من أعظم الجهاد‪ّ ،‬‬ ‫المجاهد في مثل هذه‬ ‫ألن‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫عرض نفسه للمخاطر والمهالك ولكنه ُيؤ ِثر ذلك‬ ‫الحال ال‬ ‫يخاف في اهلل لومة الئم‪ُ ،‬ي ِّ‬ ‫إرضاء لر ِّبه وإعالء لكلمة الحقّ والعدل‪ ،‬وتفضي ً‬ ‫ال لمصلحة األمة ‪ .‬ومن كان هذا شأنه‬ ‫فهو المؤمن القوي الصادق الذي مأل اإليمان قلبه وغمرت الشجاعة نفسه‪.‬‬ ‫‪ -4‬أما السكوت على الباطل‪ ،‬والخوف من مواجهة الظالم بظلمه‪ ،‬فدليل على ضعف اإليمان‬ ‫وحينئذ سيتمادى الظالمون في ظلمهم والمفسدون في‬ ‫وهو ليس من الجهاد في شيء ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ويعم الفساد‪ ،‬ويؤكد الرسول (�ص) هذا المعنى‬ ‫إفسادهم‪ ،‬ف ُتخذل األمة وتهدر الحقوق ُّ‬ ‫تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد ُتو ِّدع منها)‪ .‬وقوله‬ ‫بقوله (�ص)‪( :‬إذا رأيت ُأمتي‬ ‫ُ‬ ‫(�ص)‪َّ :‬‬ ‫بعذاب من‬ ‫يعمهم اهلل‬ ‫(إن‬ ‫ٍ‬ ‫الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك ان َّ‬ ‫َ‬ ‫عند ِه‪.).‬‬ ‫‪ -5‬والجهر بالحقِّ والدعوة إليه يمكن أن يكونا بوسائل مختلفة منها‪ :‬الصحافة واإلذاعة‬ ‫والتأليف والندوات والمحاضرات ومختلف وسائل اإلعالم والتنظيمات الشعبية‬ ‫‪75‬‬


‫وغيرها‪ .‬وما من شك في أن الحكام إذا وجدوا وعي ًا من الناس ونقد ًا ب َّناء وتوجيه ًا إلى الحقِّ‬ ‫والمصلح ِة العامة فإن هذا يقومهم ويج ّنبهم الزلل والخطأ‪.‬‬

‫ما يرشد إلي ِه النص‬ ‫أهم ُ‬ ‫ِ‬ ‫ويهد ُد أمنها واستقاللها‪،‬‬ ‫‪ -1‬العجز عن إبداء الرأي‪ ،‬وعن الجهر بالحقِّ ُيضعف األمة‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ويمهد السبيل أمام المفسدين فيها والعابثين بمصالحها‪.‬‬ ‫ويشل وحدتها‪،‬‬ ‫ّ‬

‫صالح المجتمع وانتظام حياته والقضاء على أسباب الفوضى واالضطراب فيه ّ‬ ‫كل‬ ‫‪-2‬‬ ‫ُ‬

‫ذلك أمانة في أعناق أبنائه‪ .‬فعلى ِّ‬ ‫كل فرد منهم أن يقوم بنصيبه من هذه التبعة‪،‬‬

‫مستهين ًا بما يتحمل في سبيل ذلك من مشاق وتضحيات‪.‬‬ ‫‪ -3‬يدعو الحديث اإلنسان الى أن يكون قوي ًا قادر ًا على إعالن الحقّ والدفاع عنه أمام‬ ‫لق ال يتصف به‬ ‫الظالمين المستبدين‪ ،‬وذلك من أعظم الجهاد وأفضله منزلة وهو خُ ٌ‬ ‫أصحاب النفوس الكبيرة واإليمان القوي‪.‬‬ ‫ّإال‬ ‫ُ‬

‫ّ‬ ‫يتمكن المفكرون منهم‬ ‫يقر الحديث حرية الفكر الب ّناء لجميع أفراد األمة حتى‬ ‫‪ُّ -4‬‬ ‫من تبصير األمة بواقعها ورسم أسس مستقبلها وجعلها قادرة على الثبات والتصدي‬ ‫ّ‬ ‫لكل المحاوالت التي تهدف إلى النيل منها وإلى إعاقة مسيرتها أو صدِّ ها عن أداء‬ ‫رسالتها‪ ..‬رسالة الحقّ والخير والعدالة للناس كافة‪.‬‬

‫املناقشة‬

‫‪( -1‬المجاهرة بالحقِّ صورة من صور اإليمان)‪ .‬فما صفة َمن يجهر بهذا الحقّ ؟‬

‫‪ -2‬يشير الرسول (�ص) في الحديث الشريف إلى أعظم صور الجهاد وأكثرها ثواب ًا‬ ‫عند اهلل تعالى ‪ .‬فما هي؟‬

‫‪ -3‬إذا سكت المسلم على الباطل وخاف من مواجهة الظالم بظلمه‪ ،‬فما أثر ذلك في‬ ‫األفراد؟‬ ‫يقر الحديث الشريف حرية الفكر الب ّناء لجميع أفراد األمة؟‬ ‫‪ -4‬لماذا ّ‬ ‫‪76‬‬


‫الدر�ص الثالث‪ :‬من ق�ص�ص القراآن‬ ‫سليمان بن داود (عليهما السالم)‬ ‫قال تعالى‪:‬‬

‫ﱫ ? @ ‪P O N ML K J I H G F E D C BA‬‬ ‫‪` _^ ]\[ ZY XWVU TSRQ‬‬ ‫‪onmlk ji hgfedcba‬‬ ‫‪~}|{ zy xwvutsrq p‬ﮯ‬ ‫¡‪®¬ «ª©¨§¦¥ ¤£¢‬‬ ‫¯ ‪º ¹ ¸ ¶ µ ´ ³ ² ± °‬ﱪ‬ ‫ّإن سليمان بن داود (ع) من األنبياء العظام‪ ،‬ذوي المنزلة الرفيعة والمقام الكريم عند‬ ‫خصه اهلل سبحانه بفضله العظيم ونعمه الجسيمة‪ ،‬حتى أنه َّ‬ ‫سخر له‬ ‫اهلل تبارك وتعالى‪ ،‬وقد ّ‬ ‫الجن والطير وقوى الطبيعة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ورث سليمان (ع) أباه داود (ع) في الملك‪ ،‬وكرمه تعالى بالنبوة‪ ،‬وبالقربى والزلفى‬ ‫لديه‪ ،‬أثنى عليه بأزكى الثناء ﱫ ‪ U T S RQ P O‬ﱪ‬

‫ﺹ‪٣٠ :‬‬

‫ثم اتسع ملكه‪ ،‬وأعطي قدرة ال نظير لها‪ ،‬بعد أن أجاب اهلل سؤله‪ :‬ﱫ { | } ~‬ ‫ﮯ ¡ ‪ ¬ « ª © ¨§ ¦ ¥ ¤ £ ¢‬ﱪ‬

‫ﺹ‪٣5 :‬‬

‫ليكون آية من آيات اهلل ودلي ً‬ ‫نبوته‪ ،‬لينعم بأفياء عدله وطيباته جميع رعيته‪،‬‬ ‫ال على صدق ّ‬ ‫َّ‬ ‫فسخر له سبحانه الريح‪ ،‬وجعلها تجري بأمره‪ ..‬فال تعصيه في انطالقها الى أية جهة يريد‪،‬‬ ‫الجن للقيام باألعمال التي تتطلب مهارة وقوة وسرعة كتشييد المباني‬ ‫وأخضع له بعض‬ ‫ّ‬ ‫‪77‬‬


‫الفخمة‪ ،‬وصنع التماثيل وغيرها‪ ،‬والغوص في البحار الستخراج نفائسها‪ ،‬وع َّلمه منطق‬

‫الطير‪ ،‬وهيأ له سبحانه النحاس المذاب‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱫ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬

‫ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬

‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﱪ سبأ‪ ،١٢ :‬فكان ينبع كما ينبع ماء العين‪ ،‬لتلبية متطلبات‬ ‫تقدّ م المملكة وازدهارها في مجال الفن والصناعات المختلفة‪ ،‬وتحقيق الرخاء والرفاه‬ ‫االجتماعي‪.‬‬ ‫فتوعده بعقاب‬ ‫فأحس بغياب الهدهد‪،‬‬ ‫تفقد سليمان ذات يوم الطيور التي بحوزته‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يسـوغ سبب غيابه بحجة واضحة مقنعة‪.‬‬ ‫شديد أو الذبح‪ ،‬ما لم ّ‬

‫يمض وقت طويل‪ ،‬حتى ّ‬ ‫حط الهدهـد بين يدي سليمان‪ ،‬وأطلعه على هذا النبأ المهم‬ ‫لم ِ‬

‫وجدت امرأ ًة تملكهم وتحكمهم‪ ،‬وجدتها وقومها يسجدون للشمس‬ ‫من سبأ‪ ،‬قائالً‪ :‬إني‬ ‫ُ‬ ‫من دون اهلل!! وهم يعبدونها بتزيين من الشيطان وإغواء منه‪.‬‬

‫أتمالهدهدكالمه‪:‬ﱫﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﱪالمنل‪٢٧ :‬‬ ‫(قال)سليمانبعدان ّ‬

‫‪ ...‬فال بدّ إذ ًا من اختبار مقالته‪ .‬وكيف؟‬

‫كتب سليمان ( عليه السالم) كتاباً‪ ،‬وأمره بأن يحمله إليهم‪ ،‬ثم يتوارى في مكان قريب‬ ‫منهم‪ ،‬ليسمع تحاورهم فيه‪.‬‬ ‫فتحت الملكة الكتاب‪ ،‬وقرأت ما فيه‪ ،‬ثم أخبرت كبار القادة وذوي الرأي في مملكتها‬ ‫وضمنه‬ ‫به‪ ،‬وقالت‪ :‬إنه من سليمان وإنه كتاب مقتضب‪ ،‬استهله (عليه السالم) بالبسملة‪ّ ،‬‬

‫علي‪ ،‬وانقادوا إلى ما أدعوكم‬ ‫أمر ًا واحداً‪ ،‬أوجزه في عبارتين وافيتين بمقصوده‪ :‬ال تتكبروا ّ‬ ‫إليه من الحقِّ ‪.‬‬

‫وهنا حثّت الملكة من حولها من المأل على إبداء وجهات نظرهم في هذا الموضوع‬ ‫الخطير‪ ،‬قائلة ﱫ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﱪ المنل‪.. ٣٢ :‬‬ ‫أبت بأمر إلاّ بمحضركم واستماع آرائكم فيه‪.‬‬ ‫فال ُّ‬

‫فوضوا‬ ‫ع ّبر المأل عن موقفهم الدال على قوتهم ونجدتهم وبسالتهم ‪ ،‬وفي ذات الوقت ّ‬

‫األمر إليها‪ ،‬معربين عن امتثالهم لقرارها في المنازلة ومن عدمها‪.‬‬ ‫‪78‬‬


‫أحست الملكة بميلهم إلى المواجهة العسكرية‪ّ ،‬‬ ‫فحذرتهم من أخطارها وتداعياتها‪،‬‬ ‫ّ‬

‫ينم عن الحكمة والتجربة‪ :‬ﱫ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬ ‫بهذا الكالم الذي ّ‬

‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﱪ المنل‪ ،٣٤ :‬ورأت أن األسلوب األفضل في‬ ‫معالجة الموقف‪ ،‬هو إرسال هدية إلى سليمان‪ ،‬وقالت لقومها‪( :‬إن قبل الهدية فهو ملك‬ ‫نبي صادق فأتبعوه‪. ).‬‬ ‫يريد الدنيا فقاتلوه‪ ،‬وإن لم يقبلها فهو ّ‬

‫المبدئي‬ ‫وصلت إليه الهدية‪ ،‬فأدرك (ع) أنها رشوة ‪ُ ،‬تعطى إليه للتراجع عن موقفه‬ ‫ّ‬ ‫الرسالي‪ ،‬ولذا أبى أن يقبلها‪ ،‬وقال لرسول الملكة‪ :‬أتمدُّ ونن بمال ليغرني بريقه؟‬ ‫وهدفه‬ ‫ّ‬ ‫مما آتاكم‪.‬‬ ‫هيهات فما آتاني اهلل من النعم الوفيرة والمواهب الجزيلة خير َّ‬

‫ثم هددهم بأنه سيغزوهم في عقر دارهم بجيش لجب‪ ،‬يعجزون عن مقابلته‪ ،‬منها ﱫﭭ‬

‫ﭮﱪ ‪ ..‬أذالء‪.‬‬ ‫استسلمت الملكة لألمر‪ ،‬وسارت بموكبها إلى سليمان ‪ ،‬فلما ع ِلم (ع)بذلك‪ ،‬طلب‬ ‫عفريت من الجن‪ :‬أنا آتيك به قبل أن‬ ‫من أعوانه أن يحضروا عرشها قبل أن تصل إليه!! قال‬ ‫ُ‬ ‫وينفض مجلسك‪ .‬ثم قال من عنده علم من الكتاب ما حكاه قوله تعالى‪:‬‬ ‫تقوم من مقامك‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ﱫ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬ ‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬ ‫ﯖ ﯗﱪ‬

‫المنل‪٤٠ :‬‬

‫وفي لحظة رأى سليمان العرش مستقر ًا عنده‪ ،‬فاستشعر عظمة هذه النعمة‪ ،‬وقال هذا‬ ‫من فضل ربي‪.‬‬ ‫ثم أمر (ع) بتغيير بعض معالم عرشها‪ ،‬ليختبر ذكاءها في معرفته‪ ،‬ويلفت انتباهها‬ ‫فلما جاءت إلى بالط سليمان‪ ،‬قيل لها‪ ،‬وقد عرض عليها العرش‪:‬‬ ‫إلى هذا األمر الخارق‪َّ ،‬‬ ‫(أهكذا عرشك)؟ فتأملته‪ ،‬وقالت من دون نفي وال إثبات‪ :‬كأنه هو‪ ،‬ولكنها أدركت غرض‬ ‫نبوته‪.‬‬ ‫سليمان (ع) من إحضار العرش‪ ،‬وأنه بصدد إظهار المعجزة الدالة على ّ‬ ‫‪79‬‬


‫ويعلل القرآن الكريم صدّ ها وإعراضها عن اإليمان بوحدانية اهلل وطاعته‪ ،‬بنشوئها في‬

‫وسط منحرف كافر ﱫ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﱪ المنل‪.٤٣ :‬‬

‫وتنتهي مراسيم االحتفاء بالملكة بمقابلة سليمان (ع) في قصره‪ ،‬ﱫ ﰄ ﰅ ﰆ‬ ‫ﰇﱪ‪ ،‬ففوجئت ببهوه الذي بدا لها ُلجة ماء‪ ،‬فكشفت عن ساقيها بلملمة أذيالها‪ ،‬شأن‬ ‫صاف (إنه صرح ممرد من‬ ‫من يتقي ابتاللها وهو يريد خوض ماء‪ ،‬فقال سليمان‪ :‬هذا زجاج ٍ‬ ‫قوارير)‪ ،‬وليس بركة ماء كما تظنين‪.‬‬ ‫نبوة سليمان‬ ‫أيقنت الملكة بربانية هذه اآلية الباهرة وما قبلها من اآليات‪ ،‬وبصدق ّ‬

‫رب إني ظلمت نفسي ببعدي عن هذه اآلفاق‬ ‫(ع) واتصاله باهلل تعالى‪ ،‬فانتفضت‪ ،‬وقالت‪ِّ :‬‬ ‫رب العالمين‪ ..‬فال إله‬ ‫المضية‪( ،‬وأسلمت مع سليمان) الذي أنار لي طريق اإليمان باهلل ِّ‬

‫رب سواه‪.‬‬ ‫غيره‪ ،‬وال َّ‬

‫وقد شاء اهلل تعالى لهذا النبي الكريم والملك العظيم‪ ،‬الذي أوتي من القدرات مالم ِ‬ ‫يؤت‬

‫أحد غيره من البشر‪ ،‬وبلغت مملكته التي كانت تضج بالحركة والنشاط ذروة المجد شاء‬ ‫الجن المسخرة له‪ ،‬إال بعد‬ ‫أن تدهمه المنية‪ ،‬وهو متكئ على عصاه‪ ،‬ولم يشعر بموته حتى ّ‬ ‫وخر على األرض!!‪.‬‬ ‫أن أكلت داب ُة االرض عصاه َّ‬

‫وفي هذه اللحظات فقط تبينت الجن إن لو كانوا يعلمون الغيب لما أقاموا كل هذه المدة‬ ‫الطويلة في األعمال الشاقة المهينة التي كلفهم سليمان بها وعندها علم اإلنس أن الجن ال‬ ‫يعلمون الغيب‪.‬‬

‫الدروس والعبر‬

‫‪ -1‬اتسم سليمان (ع) بفضيلة الشكر‪ ،‬فما ُيغدق عليه سبحانه نعمة من النعم‪ ،‬حتى‬ ‫المنعم ّ‬ ‫جل شانه‪ ،‬وفاض لسانه بكلمات الشكر والحمد‬ ‫اتجه بقلبه وكل كيانه الى ُ‬

‫رب أوزعني أن اشكر نعمتك‪ ...‬إن هذا لهو الفضل‬ ‫والثناء‪( :‬الحمد هلل الذي فضلنا‪ِّ ...‬‬ ‫المبين‪ ...‬هذا من فضل ربي‪.)...‬‬

‫وسمو‬ ‫إن هذه الخلة الطيبة التي تجلت في سليمان (ع) بشكل بارز‪ ،‬تعبر عن كرم نفسه‬ ‫ّ‬ ‫روحه ‪ ،‬وعمق وفائه‪ ،‬وعرفانه للفضل وجميل العطاء‪.‬‬

‫‪80‬‬


‫‪ -2‬أرادت ملكة سبأ من خالل تقديم هدية ثمنية لسليمان (ع)‪ ،‬أن تلين موقفه‪ ،‬وعرف أن‬ ‫وراءها غاي ًة غير نزيهة‪ ،‬ولذا أبى أن يقبلها‪ ،‬وردّها عليهم بعنف‪ ،‬مؤكد ًا أنه لن يتراجع‬ ‫عن تصميمه على إنجاز أهدافه الربانية‪ ،‬ولن يتزحزح عن موقفه في مواجهة القوم‬ ‫الكافرين‪.‬‬ ‫‪ -3‬إن ا ُألمة التي تسير خلف قائد نزيه‪ ،‬أمين على رسالة السماء‪ ،‬يمتثل أمر اهلل ونهيه‪،‬‬ ‫ويحكم شريعته في تفاصيل حياتها‪ ،‬هي ُأ ّمة سائرة على الطريق الصحيح‪ ،‬الذي يوصلها‬ ‫إلى األمن واالستقرار والرقي والرفاه‪ ،‬ويفيض عليها المزيد من الخير والبركة‪.‬‬ ‫‪َ -4‬أن موقف النبي سليمان (ع) من ملكة سبأ وقومها‪ ،‬وسعيه في تحقيق األمن والرفاه‬ ‫لرعي ّته‪ ،‬يدّ الن على أنه كان يستخدم الحكم وسيلة إلى الدعوة الى اهلل تعالى ‪ ،‬وأداة‬ ‫القامة العدل‪ ،‬ودفع الظلم‪.‬‬ ‫التبجح بما أصاب من علم‪ ،‬وفي هذا يبرز‬ ‫‪ -5‬من سمات العالم الحقيقي ‪ ،‬التواضع وعدم ّ‬ ‫النبي سليمان (ع) مث ً‬ ‫ال يحتذى به في التواضع واإلنصات‪.‬‬ ‫‪َ -6‬أ ّن الغيب اليعلمه إلاّ اهلل فلوكانت الجن واإلنس تعلم شيئا منه لما استمرت بالعمل وقد‬ ‫فضح ألعمال الشعوذة والكهنة التي يقوم بها من ال يخشى‬ ‫مات سليمان (ع)‪ ،‬وفي هذا‬ ‫ٌ‬ ‫اهلل بإدعاء علم الغيب وبيان كذبهم وزيف إدعائهم‪.‬‬

‫املناقشة‬

‫خص اهلل تعالى نبيه سليمان (ع) بفضائل كثيرة‪ ،‬اذكرها واستشهد بآية كريمة‬ ‫‪ّ -1‬‬ ‫على ذلك‪.‬‬

‫‪ -2‬ما سبب تغيب الهدهد؟‬ ‫‪ -3‬ماذا كان ر ّد سليمان (ع) على هدية الملكة ؟‬ ‫‪ -4‬مالمغزى من موت سليمان (ع) على هذه الحالة ؟‬ ‫‪ -5‬مالذي فعلته الملكة بعد أن رأت معجزات سليمان؟‬ ‫‪81‬‬


‫الدر�ص الرابع‪ :‬االبحاث‬ ‫دور المرأة في المجتمع‬ ‫ُ‬ ‫الفصل في قضي ِة المرأة‪ ،‬وتقييمها وتحديد موقعها من ُس ّلم الحياة‬ ‫لقد كان اإلسالم هو‬ ‫السر‬ ‫حرضة التي التتماشى وطبيعة المرأة فكشف عن ِّ‬ ‫الم ِّ‬ ‫االجتماعية فرفض جميع األقوال ُ‬ ‫المودع في هذا الكائن (المرأة) أال وهو العاطفة التي تعدَّ مادة بناء األسرة فرفض األقوال التي‬ ‫شرقت وغربت بغير هدى وهي تحاول تفسير دور المرأة وحقيقة انتسابها إلى ركب الحياة‪،‬‬ ‫َألنها فشلت في بيان إنسانية المرأة وعالقتها بالرجل ومالها وماعليها من حقوق وواجبات‬ ‫ودورها الواقعي في عجلة البناء االجتماعي‪ ،‬والعلة في هذا الفشل هو َأ َّن هذه األقوال مستقاة‬ ‫من عيون غير صافية فهي نابعة من رغبات طامحة بغير حقّ تهدف إلى النيل من كرامة المرأة‬ ‫وتجعل منها سلعة مبتذلة في األسواق أو جعل المرأة سالحا لتمزيق الروابط االجتماعية‪،‬‬ ‫وسلب قدسيتها ومايستتبعه من انهيار لكيان األسرة المسلمة‪ ،‬وقد نسأل لماذا نقول َّإن‬ ‫هذه األصوات لم تكن صادقة والمخلصة في صيحاتها بالمساواة وإعطاء المرأة حريتها‬ ‫ونسأل ما األمور التي ينبغي للمرأة ان تتحرر منها؟!!‬ ‫فإذا كانت الحرية تعني التقاءهما بالمعنى اإلنساني لإلنسان في حركة أبعاده المتنوعة‬ ‫العملية الثقافية واالجتماعية التي تتوازن فيها الخصائص واألدوار في النطاق الفردي‬ ‫واالجتماعي فهذا هو مايدعو إليه اإلسالم‪.‬‬ ‫أما الحرية التي تلتقي باألهواء الذاتية وتغرق اإلنسان في شهواته وغرائزه ومزاجياته‬ ‫بعيد ًا عن مسؤولياته في واقع الحياة‪ ،‬فهي التي يرفضها اإلسالم‪.‬‬ ‫‪82‬‬


‫يلج منه اإلنسان إلى أبعد اآلفاق في المنظور‬ ‫فإذا كان العلم هو الباب الواسع الذي ُ‬ ‫الحضاري الملتزم خدمة اإلنسانية فان اإلسالم جعل ذلك من أهم واجبات المسلمين كما‬ ‫جاء في الحديث عن الرسول الكريم إذ قال‪( :‬العلم فريضة على ِّ‬ ‫كل مسلم ومسلمة)‬ ‫وبذلك تستطيع المرأة كما يستطيع الرجل من خالل العلم مواجهة كل الحاالت الطارئة‬ ‫التي تجعله في حاجة إلى اآلخرين‪.‬‬ ‫ولكن أولئك الذين أصبحوا مترجمين وناشرين لألفكار المادية والصيحات الغربية التي‬ ‫حرصت على تشويه الحقائق قد جعلوا من العلم والسفور توأمان اليفترقان فكأنما التعليم‬ ‫ليس حضاريا وغير ممكن إلاّ إذا برزت المتعلمة بغير حجاب فرحم اهلل من قالت‪:‬‬ ‫عز حجابي‬ ‫بيد العفاف أصون ّ‬

‫وبعصمتي أسمـــــو على اترابي‬

‫وبفكرة وقــــــــــــادة وقريحة‬

‫نقادة قـــــــــــــد كمــــلت آدابي‬

‫ماعاقني خجلي عن العليـــــا‬

‫والسـدل الخمار بلمتي ونقـابي‬

‫وقول األخرى‪:‬‬ ‫حجـــــــــــــابـي فريضــــــــــــة‬

‫وإنـي الصحيحة وغيري المريضة‬

‫ِّ‬ ‫فلكل شخص استعداده وطبيعته الخاصة به وتكوينه الفطري‬ ‫اما فيما يتعلق بالعمل‬ ‫والنفسي والينبغي له أن يخالف اتجاهه الطبيعي أو يعاكس أهواءه واستعداده‪.‬‬ ‫ّإن هذا المفهوم يصدق حتى في داخل اإلنسان نفسه فكل جزء فيه ُمعدّ لعمل وفائدة‬ ‫معينة‪ ،‬فتقسيم العمل ليس أمر ًا غريب ًا على مستوى الفرد والمجتمع بل حتى الدول‪ ،‬فتوزيع‬ ‫المهام بين الرجل والمرأة اليقوم على أساس تسخير أحدهما لآلخر‪ ،‬بل على أساس تقسيم‬ ‫العمل وإعطاء ّ‬ ‫كل منهما نوع المهمه التي تنسجم مع فطرته ومزاجه وفسلجته‪ ،‬فلم يقل‬ ‫اإلسالم ّإن وظيفة المرأة هي اإلنجاب واألمومة حسب‪ ،‬بل جعله أحد وظائفها وهل هذه‬ ‫المهمة هي باألمر اليسير؟!‬ ‫‪83‬‬


‫لكن أعداء اإلنسانية صوروا أن المرأة في اإلسالم ليست إال أداة عمل وآلة انتاج تحت‬ ‫سيطرة الرجل مما جعل المرأة المسلمة تشعر بضعف موهوم ولكن ما إن عرفت الحقيقة‬ ‫حتى أخذت تدخل ّ‬ ‫كل الميادين التي تناسب قدرتها من دون أن يعوقها عن أهم واجباتها‬ ‫بوصفها زوجة وأ ّم‪.‬‬

‫لقد جاءاإلسالم بتعاليمه السمحة العادلة‪ ،‬لينصف المرأة ويخلصها من الممارسات‬

‫الظالمة من وأد وغيره‪.‬‬ ‫فحرم النظر إليها‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫‪ .1‬فحفظ اإلسالم َ‬ ‫حق المرأة ‪ -:‬في صيانة عرضها ‪ّ ،‬‬ ‫ﱫﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮏ ﱪ‬

‫النور‪٣٠ :‬‬

‫‪ .2‬حفظ اإلسالم حق المرأة‪ -:‬في معاقبة من رماها بالفاحشة‪ ،‬من غير بينة بالجلد ثمانين‬ ‫جلدة ‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫ﱫﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮠ ﱪ‬

‫النور‪٤ :‬‬

‫‪ .3‬حفظ اإلسالم حقَّ المرأة ‪ -:‬إذا كانت أم ًا فأوجب لها اإلحسان ‪ ،‬والبر‪ ،‬وحذر من كلمة‬ ‫أف في ح َّقها‪.‬‬ ‫‪ .4‬حفظ اإلسالم حقَّ المرأة ‪ُ -:‬م ِ‬ ‫رضعة ‪ ،‬فجعل لها أجر ًا ‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫ﱫﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭵ ﱪ‬

‫الطالق‪٦ :‬‬

‫‪ .5‬حفظ اإلسالم حقَّ المرأة‪ -:‬حام ً‬ ‫ال ‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫ﱫﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭵ ﱪ‬

‫الطالق‪٦ :‬‬

‫‪ .6‬حفظ اإلسالم حقَّ المرأة ‪ -:‬في السكنى ‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫ﱫﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭵ ﱪ‬

‫الطالق‪٦ :‬‬

‫‪ .7‬حفظ اإلسالم حقَّ المرأة ‪ -:‬في مراعاة حالتها الصحية فأسقط عنها الصيام إذا كانت‬ ‫حام ً‬ ‫ال أومرضعاً‪.‬‬

‫‪ .8‬حفظ اإلسالم حقّ المرأة‪ -:‬في الوصية ‪ ،‬فلها أن توصي ِلما بعد موتها قال اهلل تعالى‪:‬‬ ‫ﱫ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﱪ‬

‫النساء‪١٢ :‬‬

‫ثم جاءت أحاديث رسول اهلل (�ص) توصي بالمرأة وتحفظ حقوقها‪.‬‬ ‫‪84‬‬


‫إذ قـال (�ص) ‪(( :‬استوصوا بالنساء خير ًا ))‬ ‫وقال أيضا (�ص) ‪(( :‬إنما النساء شقائق الرجال))‬ ‫وقال أيضا (�ص)‪:‬‬ ‫((خيركم خيركم ألهـله وأنا خيـركم ألهلي))‪.‬‬ ‫وقال أيضا (�ص)‪:‬‬ ‫وكسوتهن بالمعروف))‪.‬‬ ‫رزقهن‬ ‫((ولهن عليكم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وقال أيضا (�ص) ‪:‬‬ ‫(( الجنة تحت أقدام األمهات))‬ ‫فهذه هي المكانة الرفيعة التي جعلها اإلسالم للمرأة‪ ،‬فالمرأة والرجل كل منهما له دور‬ ‫كبير في خدمة المجتمع بوصفه إنساناً‪ .‬واإلسالم يسعى لصيانة المرأة وحفظ حقوقها‬ ‫وكرامتها‪ ،‬فعدم تبرج المرأة والتزامها الحجاب هو صيانة لها من أطماع ضعاف النفوس‪.‬‬ ‫فهل من اإلنسانية أن تكون المرأة سلعة تعرض أنوثتها حتى يقال إنّها متحضرة ومتحررة‪.‬‬ ‫فجمال المرأة يكمن في عفتها وحيائها ال بابتذالها وهوانها وما أجمل قول الشاعر إذ يقول‪:‬‬ ‫مفــــــاتنك ككنز فاحفظيها‬

‫فهذا الكنـــــز حاشا ان يعابا‬

‫فاالسالم هو الذي منح المرأة قيمتها وأهميتها بعد أن وصفها غير المسلمين بأوصاف‬ ‫الشر والمصائب ومنهم من قال إنّها وجدت لخدمة الرجل‬ ‫شتى فمنهم من قال إنّها مصدر ّ‬ ‫ومنهم من أباح وأدها ومنهم من حرمها الميراث ومنهم من عاملها كأية سلعة‪.‬‬ ‫فبديننا الحنيف والتمسك به يكون للمرأة دور ممتاز ُتسهم من خالله في بناء المجتمع‬ ‫وتقدمه‪ ،‬فعلينا أن ندرك حقيقة األغراض الدنيئة الساعية للنيل من كرامة المرأة وعفتها‬ ‫بدعوى التقدم والحضارة‪.‬‬ ‫‪85‬‬


‫السيدة زينب (عليها السالم)‬ ‫تحدثنا عن دور المرأة في المجتمع ولعل أروع مثال للقدوة الحسنة هو السيدة زينب‬ ‫(ع)‪.‬‬ ‫نسبها‪ :‬هي زينب بنت علي بن أبي طالب (ع)‪ُ ،‬أ ّمها فاطمة الزهراء (ع) جدّ ها رسول‬ ‫اهلل (�ص) جدّ تها خديجة بنت خويلد ‪ ،‬ومن إخوتها اإلمامان الحسن والحسين (ع)‪.‬‬ ‫ألقابها‪ :‬لقبت بالعقيلة أي المرأة المحترمة الكريمة النفيسة كما ُلقبت بالكبرى‪.‬‬ ‫زوجها وأوالدها‪ :‬زوجها ابن عمها عبد اهلل بن جعفر الطيار وأوالدها هم أربعة ذكور‬ ‫وأنثى‪ ،‬علي‪ ،‬ومحمد وعباس وعون وأم كلثوم‪ .‬استشهد محمد وعون مع خالهما الحسين‬ ‫(ع) في واقعة الطف بكربالء ولقد بر َز عون للقتال وهو يقول‪:‬‬ ‫إن تنكـروني فأنا ابن جعفـــر‬

‫شهيد صدق في الجنان أزهر‬

‫بجنــاح أخضـر‬ ‫يطيـــر فيهــا‬ ‫ٍ‬

‫كفى بهذا شرف ًا في المحشر‬

‫والدتها وحياتها‪:‬‬ ‫جمادي األولى من‬ ‫ولدت السيدة زينب في أطهر بيت وأطهر حجر في الخامس من‬ ‫ٍ‬ ‫علي (ع)‪ ،‬وسيدة نساء‬ ‫السنة السادسة للهجرة‪ ،‬استقبل البيت العلوي البنت األولى لإلمام ّ‬ ‫العالمين فاطمة الزهراء (ع)‪ ،‬و(زينب) اسم اختاره لها جدّ ها رسول اهلل (�ص)‪.‬‬ ‫لقد عاشت السيدة زينب (ع) تحت ّ‬ ‫ظل رسول اهلل ورعايته خمس سنوات وتلقت دروس‬ ‫التربية الراقية العليا في ذلك البيت الطاهر فأخذت منه العلم وقوة الشخصية وعزة النفس‬ ‫والشجاعة والعقـل الوافر والحكمـة‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن اإليمان والتـقوى والورع والعفـاف والحياء‬ ‫‪86‬‬


‫الذي ّ‬ ‫يمكن ّ‬ ‫لكل ساعية لسعادة الدارين (الدنيا واآلخرة) أن تأخذ من هذه القدوة التي هي‬ ‫ثمرة من ثمار شجرة رسول اهلل (�ص) أسوة حسنة‪.‬‬ ‫من أدوارها اإلصالحية والتوجيهية للنساء‪ :‬دروس لها في معالم الدين وأحكام وتفسير‬ ‫القرآن‪ .‬طيلة أربع سنوات في الكوفة‪.‬‬ ‫قيادي أ ّهلها إلى أن تبقى كوكبا مضيئ ًا يحلق في سماء المجد والخلود‬ ‫وكان لها دور‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويظل اسمها المع ًا إلى جنب اسم أخيها الحسين (ع) رمز ًا لخير من نصر الدين وصرخ في‬ ‫وجه الظالمين فكان دور ًا جعلته العقيلة (ع) صورة واضحة للمرأة المؤمنة المثالية من غير‬ ‫أن تهتز في إيمانها وصالبتها‪ ،‬ومثال ذلك ما حدث عندما كان يزيد يترنم فرح ًا ويتشفى‬ ‫ّ‬ ‫يصك‬ ‫بقتله اإلمام الحسين (ع)‪ ،‬والسبايا قد ُأدخلت قصره فإذا بصوت العقيلة زينب (ع)‬ ‫مسامعه بخطبة اقتطفنا منها هذا اليسير إذ تقول له‪:‬‬ ‫(( أظننت يايزيد حيث أخذت علينا أقطار األرض وآفاق السماء‪ ،‬فاصبحنا نساق سوق ًا‬ ‫ال مه ً‬ ‫في قطار كما تساق األسارى‪ ،‬أن بنا على اهلل هوان ًا وبك عليه كرامة وامتناناً‪ ...‬مه ً‬ ‫ال‬ ‫التطش جهال أنسيت قول اهلل‪ :‬ﱫ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ‬ ‫ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﱪ‬

‫آل معران‪١٧٨ :‬‬

‫أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإمائك وسوقك بنات رسول اهلل (�ص) سبايا‬ ‫معهن من‬ ‫قد هتكت ستورهن وأبديت وجوههن تحدو بهن األعداء من بلد إلى بلد‪ ،‬ليس‬ ‫ّ‬ ‫حماتهن حمي‪ ...‬عتوا منك على اهلل وجحودا لرسول اهلل والعجب من فعلك وكيف يرتجى‬ ‫ّ‬ ‫مراقبة من لفظ فوه أكباد األزكياء ونبت لحمه بدماء الشهداء السعداء ونصب الحرب لسيد‬ ‫األنبياء‪ ...‬ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك ‪ ،‬إني الستصغر قدرك واستعظم تقريعك‪...‬‬ ‫ولئن اتخذتنا مغنما لتجدنا وشيكا مغرماً‪ ،‬حين التجد إلاّ ماقدمت‪ ،‬وماربك بظالم للعبيد‬ ‫‪87‬‬


‫فإلى اهلل المشتكى وعليه المعول‪ْ ،‬‬ ‫واسع سعيك‪ ،‬وناصب جهدك فواهلل التمحو‬ ‫فكد كيدك‬ ‫َ‬ ‫ذكرنا والتميت وحينا والتدرك أمدنا والترحض عنك عارها وهل رأيك إلاّ فند وهل أيامك‬ ‫إلاّ عدد وجمعك إال بدد يوم ينادي المنادي أال لعنة اهلل على الظالمين فالحمد هلل الذي ختم‬ ‫ألولنا بالسعادة وآلخرنا بالشهادة‪ ...‬إنه رحيم ودود وحسبنا اهلل ونعم الوكيل))‪.‬‬ ‫نتعلم منها‪ :‬لقد كانت خطبة العقيلة وسط قصريزيد وسلطانه‪ ،‬صرخة الحقّ المدوية‬ ‫بوجه حاكم ظالم‪ ،‬فكانت أعظم جهاد‪ ،‬لتناديه باسمه وتستخف به وبقوته وتفضحه وتبين‬ ‫جرأته على اهلل ورسوله ‪ ،‬فبينت له ماكسبت يداه من إثم وكيف ستكون عاقبته فأين هـو يزيد‬ ‫اليوم؟ وأين الشهداء السعداء من آل بيت النبوة؟ ثم أشارت إلى حرمة المرأة وكيف يجب‬ ‫كن نساء بيت‬ ‫يتفحص وجهها الغرباء‬ ‫حفظ كرامتها وعدم هتـك سترها بأن ّ‬ ‫والسيما إذا ّ‬ ‫ّ‬ ‫النبوة األطهار‪ ،‬ثم وقفت تستصغره بكل شجاعة من دون خوف وبإيمان راسخ اليتزحزح‬ ‫مبينة له ماستكون عاقبة فعله‪ ،‬ثم بينت عدل اهلل وكيف سيجازيه‪ ،‬وأشارت إلى حقيقة‬ ‫مر الزمان يتجدد‪،‬‬ ‫تحقق مصداقها حين أقسمت فواهلل التمحو ذكرنا‪ ،‬نعم الزال ذكرهم على ّ‬ ‫بالفخر واإليمان آلل بيت النبوة األطهار ‪ ،‬والعار والخذالن ألعدائهم وقتلتهم‪ ،‬ثم ختمت‬ ‫فأي امرأة تمتلك تلك الشجاعة لتفضح‬ ‫خطبتها بحمد اهلل وثنائه وتوكلت عليه فهو حسبها‪ّ .‬‬ ‫وتهين سلطان في داره وأي شجاعة وإيمان ثابت اليتزحزح وهي تحتمل مصائب الطف‬ ‫بصبر وجالدة ولتقف إمام جسد أخيها الحسين (ع) لتقول اللهم تقبل منا هذا القربان‪.‬‬ ‫وتحمل‬ ‫فلنا بالعقيلة زينب (ع) أسوة حسنة وهي تجسد اإليمان والصبر والشجاعة‬ ‫ّ‬ ‫المسؤولية وتجاهد في اهلل أعظم جهاد وتلتزم شرع اهلل‪.‬‬ ‫‪88‬‬


‫املناقشة‬

‫‪ .1‬أثبت اإلسالم للمرأة حقوق‪ .‬تحدث عنها‪.‬‬ ‫‪ .2‬في خطبة العقيلة زينب (ع) إشارة إلى ضرورة صون المرأة لعفتها وحجابها وعدم‬ ‫تفحص الرجال لوجهها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ .3‬في سيرة العقيلة العطرة مواقف ّ‬ ‫تدل على الصبر‪ ،‬تحدث عنها‪.‬‬ ‫جسدت قيم اإلسالم‪ ،‬ب ّين تلك‬ ‫‪ّ .4‬إن السيدة زينب (ع) تعدّ بحق المرأة القدوة‪ ،‬فقد ّ‬ ‫القيم ومواضعها‪.‬‬ ‫فكد كيدك واسع سعيك‪ ،‬وناصب جهدك فواهلل التمحو ذكرنا والتميت وحينا‬ ‫‪ْ .5‬‬ ‫والتدرك أمدنا والترحض عنك عارها وهل أيامك ّإال عدد وجمعك إال بدد يوم ينادي‬ ‫المنادي أال لعنة اهلل على الظالمين‪ ،‬عال َم يدل هذا الجزء من خطبة العقيلة (ع)؟‬

‫‪89‬‬


‫الدر�ص الخام�ص‪ :‬التهذيب‬ ‫أدب االختالف‬

‫االختالف هو التباين في الرأي‪ ،‬والمغايرة في األفكار‪.‬‬

‫االختالف بين الناس أمر مالزم لطبيعة اإلنسان‪ ،‬وذلك عائد إلى عدم اتفاق أغراض الناس‬ ‫وأهدافهم‪ ،‬وأفهامهم‪ ،‬وقوى إدراكهم‪.‬‬

‫وأدب االختالف في الرأي واحد من ُأسس رقي مسيرة الوعي وتقدمها لدى أبناء المجتمع‬

‫اإلسالمي‪ .‬واالختالف عنصر فاعل البدَّ من التآلف والتك ّيف معه‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن االعتماد عليه‬

‫وصو ًال إلى الحلول الناجعة‪.‬‬

‫ويقرر القرآن الكريم في عدد من آياته الكريمات ّأن مشيئة اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪-‬اقتضت‬

‫أن يخلق الناس مختلفين‪ ،‬فقال‪ :‬ﱫ ! " ‪+ * ) (' & % $ #‬‬

‫‪ ,‬ﱪ هود‪ ،11٨ :‬وآية آخرى تؤكد ّأن اهلل وحده الذي ص ّير هذا االختالف وجعله من ثوابت‬ ‫الحياة‪ ،‬قال سبحانه‪ :‬ﱫ ‪X W V U T S R Q P O‬‬ ‫‪k j ih g f e d c b a` _ ^ ] \ [Z Y‬‬

‫‪| {z y x w v u t s r q p on m l‬‬ ‫}~ ﮯ ¡ ‪ © ¨ § ¦ ¥ ¤ £ ¢‬ﱪ املائدة‪. ٤٨ :‬‬ ‫ثم ان هذا االختالف ليس متعلق ًا باإلنسان وحده‪ ،‬إنّما هو من ثوابت نظام المخلوقات‬ ‫جميع ًا في هذا الكون المتسع كما جاء في قوله تعالى ‪:‬‬

‫ﱫ¦ § ¨ © ‪³ ² ± ° ¯ ®¬ « ª‬‬

‫´‪ » º ¹ ¸ ¶ µ‬ﱪ‬

‫فاﻃر‪٢٨ :‬‬

‫إذن‪ ،‬وجود االختالف ضرورة من ضرورات الكون‪ ،‬ووجود أكثر من وجهة نظر‪ ،‬أو رأي‬ ‫بشأن موضوع واحد ال يمكن تفسيره على أنه حالة سلبية‪ ،‬بل العكس من ذلك‪ ،‬فإنها حالة‬ ‫أي نقاش يجري بين مجموعة من األفراد‪ ،‬فأعقل الناس‬ ‫إيجابية تحتضن فائدة البدّ منها في ّ‬ ‫من جمع إلى عقله عقول الناس‪.‬‬ ‫‪90‬‬


‫وقد قبل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة اختالف المسلمين بينهم أو مع غيرهم‬ ‫بحدود الشريعة وضوابطها‪ .‬وما مبدأ الشورى الذي قرره اإلسالم اإل تشريع ًا لهذا االختالف‬ ‫الحميد‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱫ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﱪ إلى جانب عدد من النصوص الكريمة‪ ،‬ومنها‬ ‫التي يقول فيها الحقّ ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ﱫ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﱪ‪ ،‬وقوله ‪ :‬ﱫﭚ‬ ‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﱪ‪ ،‬وقوله ‪ :‬ﱫ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﱪ‪.‬‬ ‫وفي التوجه نفسه‪ ،‬قال المصطفى (�ص) ‪( :‬ال تقاطعوا‪ ،‬وال تدابروا‪ ،‬وال تباغضوا‪،‬‬ ‫وكونوا عباد اهلل اخواناً)‪ ،‬وقال (�ص)‪( :‬والذي نفسي بيده ال تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا‪،‬‬ ‫وال تؤمنوا حتى تحا ّبوا)‪ ،‬وقد عرفنا عن نبينا األكرم أنه كان يستشير أصحابه‪ ،‬ويستمع الى‬ ‫آرائهم وأفكارهم‪ .‬وكان ُي ِ‬ ‫رأي أبداه‪ ،‬أو موقف تبناه‪،‬‬ ‫يلم أحد ًا على ٍ‬ ‫نصت إلى أصحابه‪ ،‬ولم ُ‬ ‫تحزب‪ ،‬بل كان الحق غايتهم والمصلحة رائدهم‪.‬‬ ‫تعصب أحد منهم‪ ،‬وال ّ‬ ‫وما ّ‬ ‫وألن النبي األكرم قدوتنا‪ ،‬فيجب على ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل م ّنا أن يتجنب الخالف‪ ،‬اتباع ًا ألمر اهلل‪،‬‬ ‫وتطبيق ًا لسنة نبيه الكريم ‪ ،‬وإن كان البدّ من اختالف أو تقاطع فينبغي الرجوع إلى النبع‬ ‫الصافي‪ ،‬إلى اإلسالم الذي يدعو دائما إلى األلفة والمحبة والتراحم والتعاطف‪ ،‬ومن هو بعيد‬ ‫عن هذه الدعوات‪ ،‬ومن يدعو إلى عكسها فهو بعيد عن اإلسالم‪.‬‬ ‫ّإن مسألة أن يكون ّ‬ ‫لكل منا وجهة نظره أو رأيه‪ ،‬في حقيقة األمر‪ ،‬مسألة مهمة ودقيقة‬ ‫جداً‪ ،‬والبدَّ منها في َّ‬ ‫كل نقاش وحوار ‪ ،‬ألنها تعكس شخصية الفرد وعقليته‪ ،‬ومستوى وعيه‬ ‫وثقافته‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن نفسيته‪ ،‬فعن اإلمام علي بن أبي طالب (ع) أنه قال‪( :‬اللسان ترجمان‬ ‫الجنان)‪ ،‬لذلك البدَّ في كل حوار أو نقاش في شأن تختلف حوله اآلراء ووجهات النظر أن‬ ‫يستند إلى قواعد وأسس ثابتة قوية‪ ،‬إذا ما توافرت صار تبادل اآلراء واالختالف بشأنها مثمر ًا‬ ‫ومفيد ًا تبع ًا لذلك‪.‬‬ ‫‪91‬‬


‫ومن قواعد التحاور والنقاش في شأن مختلف فيه ينبغي مراعاة حرية رأي الجميع وعدم‬ ‫االستبداد بالرأي وفرضه على اآلخرين‪ ،‬وضرورة استمرار الود واللطف والتواصل بين أفراد‬ ‫الحوار مهما اشتد الصراع وامتد‪ ،‬مع ضرورة عدم االستهانة بآراء اآلخرين وأفكارهم مهما‬ ‫كانت ساذجة أو بسيطة أو غير صحيحة‪ ،‬ويجب على من يمتلك شيئ ًا من الثقافة والدراية‬ ‫وخزين معلومات حول موضوع النقاش ألاّ يستعرض نفسه ومعلوماته بغرور وعجرفة وأن‬ ‫يعترف بالخطأ وينزل إلى ما هو حقّ ‪ .‬وفض ً‬ ‫ال عن ذلك يجب أن تكون األفكار المطروحة‬ ‫مبنية على أسس سليمة وعدم الجدال بشأنها دون دراسة دقيقة وموضوعية ومن غير علم ‪،‬‬ ‫قال تعالى‪:‬‬ ‫ﱫ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬ ‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﱪ‬

‫الزمر‪٩ :‬‬

‫وأخير ًا يجب االبتعاد عن التطرف والتعصب مع مراعاة األدب في الشأن المختلف فيه‪،‬‬ ‫مثل حسن االستماع‪ ،‬وعدم المقاطعة والتواضع وجميل الكالم ولينه‪ ،‬وقدوتنا في ذلك هو‬ ‫عز ّ‬ ‫وجل ‪ :‬ﱫ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﱪ‬ ‫الرسول األعظم الذي قال عنه الحق ّ‬

‫القمل‪٤ :‬‬

‫وقال (�ص)‪( :‬أدبني ربي فأحسن تأديبي)‪.‬‬

‫املناقشة‬

‫‪ -1‬ماذا يقصد باالختالف؟ وهل ُيضعف االختالف األمة اإلسالمية؟‬ ‫‪ -2‬هل خلق اهلل تعالى الناس مختلفين أو متشابهين في اإلنسانية وباقي مخلوقاته؟‬ ‫‪ -3‬لماذا بقي الخالف محدد ًا بحدود الشريعة وضوابطها؟‬ ‫‪ -4‬لماذا جعل اهلل الخالف ضرورة من ضرورات الكون؟‬ ‫‪ -5‬هل كان نبي الرحمة محمد (�ص) يستشير أحد ًا ويستمع إلى آرائهم وأفكارهم؟‬ ‫‪ -6‬هل التطرف والتعصب من أخالق ديننا الحنيف؟ استشهد لكالمك بآية كريمة‪.‬‬ ‫‪ -7‬لماذا أمرنا ديننا الحنيف باالختالف ونهانا عن الخالف؟‬ ‫‪92‬‬


‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ح‬ ‫د‬ ‫ة‬ ‫الرابعة‬

‫‪93‬‬


‫الدر�ص االأو∫‪ :‬من القراآن الكريم‬ ‫آيات الحفظ (‪)6-1‬‬ ‫سورة القصص من اآلية (‪)22- 1‬‬ ‫ﭑﭒﭓ‬

‫ﱫﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬

‫ﮬﮭﮮ ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯘﯙﯚ‬ ‫ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬ ‫ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ‬ ‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ‬ ‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬ ‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬ ‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬ ‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬ ‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬ ‫ﯖﯗﯘ ﯙﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯣﯤﯥﯦ‬ ‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬ ‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ‬ ‫ﭙﭚ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭤﭥﭦ ﭧ‬ ‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬ ‫ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬ ‫ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬ ‫‪94‬‬


‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬ ‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ‬ ‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‪Ë Ê É È Ç‬‬ ‫‪ÛÚ ÙØ×ÖÕÔÓÒÑ ÐÏÎÍÌ‬‬ ‫‪) ( ' & % $ # " ! å ä ã â á à ß ÞÝ Ü‬‬

‫* ‪ , +‬ﱪ �صدق الله العلي العظيم‬ ‫معاني الكلمات‬ ‫الكلمة‬ ‫شيع ًا‬

‫معناها‬ ‫ِفرق ًا وأصنافاً‪.‬‬

‫يستحيي نساءهم‬

‫يبقيهن أحياء للخدمة‪.‬‬ ‫ّ‬

‫َن ُم ّن‬

‫وننعم‪.‬‬ ‫نتفضل‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬

‫ّ‬ ‫نمكن لهم في األرض‬

‫نجعل لهم فيها سلطة‪.‬‬

‫هامان‬

‫وزير فرعون‪ ،‬مستشاره‪.‬‬

‫أليم‬

‫البحر‪ ،‬الماء الكثير (نهر النيل)‪.‬‬

‫فارغ ًا‬

‫خالي ًا من ّ‬ ‫كل شيء سوى موسى‪.‬‬

‫ربطنا على قلبها‬

‫قويناه بالصبر والتثبيت‪.‬‬

‫قصيه‬ ‫ّ‬

‫وتعرفي خبره‪.‬‬ ‫تتب ّعي أثره ّ‬

‫وكزه‬

‫ضربه بجمع كفه على الصدر‪.‬‬

‫لغوي‬ ‫ّ‬

‫لشديد الضالل‪.‬‬ ‫‪95‬‬


‫المعنى العام‬ ‫ﱫ ﮝ ﮞ ﱪ ذكرت هذه الحروف في أول بعض السور بيان ًا إلعجاز القرآن‪ّ ،‬‬ ‫وإن الخلق‬ ‫عاجزون عن معارضته بمثله‪ ،‬مع أنه ّ‬ ‫مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون‬ ‫بها‪ ،‬ولهذا ّ‬ ‫كل سورة افتتحت بالحروف‪ ،‬غالبا ما يذكر فيها االنتصار للقرآن‪ ،‬وبيان‬ ‫إعجازه وعظمته‪.‬‬ ‫ﱫ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﱪ هذه آيات القرآن الذي أنزلناه إليك ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬ ‫مب ّين ًا ّ‬ ‫لكل ما يحتاج إليه العباد في دنياهم وأخراهم‪.‬‬ ‫ﱫ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬ ‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬ ‫ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬ ‫ﯯ ﯰﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬ ‫ﭜ ﭝﱪ‬ ‫نقص عليك ‪ -‬يامحمد ‪ -‬من أخبار موسى وفرعون بالصدق لقوم يؤمنون بهذا القرآن‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الحد‬ ‫ويصدّ قون بأنه من عند اهلل‪ ،‬ويعملون بهديه‪ .‬إن فرعون الطاغية استكبر وتجبر‪ ،‬وجاوز ّ‬ ‫في الطغيان في أرض مصر‪ ،‬فجعل أهلها طوائف متفرقة‪ ،‬ويستضعف (بني اسرائيل) يذ ّبح‬ ‫نتفضل على الذين‬ ‫أبناءهم‪ ،‬ويترك اإلناث للخدمة إنه كان من المفسدين في األرض‪ .‬نريد أن ّ‬ ‫‪96‬‬


‫استضعفهم فرعون في األرض‪ ،‬ونجعلهم قادة في الخير ودعا ًة إليه‪ ،‬ونجعلهم يرثون‬ ‫األرض بعد هالك فرعون وقومه‪ .‬و ُنري الطاغية ووزيره (هامان) وجنودهما‪ ،‬ومن معهما ما‬ ‫كانوا يخافون من ذهاب ملكهم وهالكهم فنعاقبهم بذهاب ملكهم‪.‬‬ ‫ﱫﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ‬ ‫ﭰ ﭱﭲ ﭳﭴﭵﭶ ﭷﭸﭹﭺ ﭻﭼ‬ ‫ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﱪ وألهم اهلل تعالى أ ّم‬ ‫موسى حين ولدته أن أرضعيه مطمئنةً‪ ،‬فاذا خشيت أن يعرف أمره فرعون فيذبحه؛‬ ‫إذ كان يذ ّبح َّ‬ ‫كل ذكر ُيولد خوف ًا على عرشه وملكه‪ ،‬فضعيه في صندوق وألقيه‬ ‫في النيل من دون خوف من أن يقتله فرعون وقومه‪ ،‬ومن دون حزن على فراقه‪ ،‬فنحن‬ ‫رادّو ُه إليك وجاعلوه رسوالً‪ .‬فوضعته في صندوق وألقته في النيل‪ ،‬فعثر عليه أعوان‬ ‫فرعون وأخذوه‪ ،‬فكانت عاقبة ذلك ما قدّ ره اهلل تعالى بأن يكون موسى عدو ًا لهم بمخالفة‬ ‫دينهم‪ ،‬ومن بعد ذلك‪ ،‬إغراقهم وزوال ملكهم على يده ‪ّ ،‬إن فرعون وهامان وأعوانهما‬ ‫كانوا آثمين مشركين‪.‬‬ ‫ﱫ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬ ‫ﮘ ﮙ ﱪ ولما شاهدته امرأة فرعون ألقى اهلل محبته في قلبها‪ ،‬وقالت لفرعون‪:‬‬ ‫هذا الطفل سيكون مصدر سرور لي ولك‪ ،‬التقتلوه ‪ ،‬فقد نصيب منه خيراً‪ ،‬أو ن ّتخذه‬ ‫ولداً‪ ،‬وفرعون وآله اليدركون أن هالكهم على يديه‪.‬‬ ‫‪97‬‬


‫ﱫ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬ ‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯛ‬ ‫ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯣﯤﯥﯦ ﯧﯨﯩﯪ‬ ‫ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬ ‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﱪ‬ ‫صار قلب أم موسى خالي ًا من ذكر ّكل شيء في الدنيا‪ ،‬إلاّ من ذكر موسى‪ ،‬وكادت أن‬ ‫تظهر أنه ابنها‪ ،‬لوال أن ث ّبت اهلل قلبها‪ ،‬فصبرت‪ ،‬لتكون من المؤمنين بوعد اهلل الموقنين به‪.‬‬ ‫وقالت أ ّم موسى‪ :‬ألخته ألقيه في اليم واتّبعي أثره حتى تعلمي خبره‪ ،‬فتتبعت أثره‪ ،‬عن بعد‪،‬‬ ‫وقوم فرعون ال يعرفون أنها أخته‪ ،‬وأنها تتبع خبره‪ ،‬حتى وصل الصندوق إلى بيت فرعون‪.‬‬ ‫أي مرضعة‪ ،‬فخرجوا يبحثون عن مرضعة خارج القصر‪ ،‬فرأوا‬ ‫ومنعنا موسى أن يقبل ثدي ّ‬ ‫أخته فقالت لهم ‪ :‬هل أد ّلكم على أهل بيت يحسنون تربيته وإرضاعه‪ ،‬وهم مشفقون عليه؟‬ ‫فأجابوها إلى ذلك ووافقوا على عرضها‪ .‬فرددنا موسى إلى أمه كي تقر عينها به‪ ،‬ووفينا‬ ‫اليها بالوعود‪ ،‬ولكن أكثر الناس يرتابون ويشكون في وعد اهلل القاطع‪.‬‬ ‫ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﱪ‬ ‫ولما بلغ موسى واشتدت قوته ‪ ،‬وتكامل عقله ‪ ،‬آتيناه حكما وعلم ًا يعرف بهما األحكام‬ ‫الشرعية وبمثل هذا الجزاء الكريم نجازي المحسنين‪ -‬من عبادنا‪ -‬على إحسانهم‪.‬‬

‫‪98‬‬


‫ﱫ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬ ‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬ ‫ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ‬ ‫ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﱪ‬ ‫ودخل موسى المدينة مستخفي ًا وقت غفلة أهلها‪ ،‬فوجد فيها رجلين يتقاتالن‪ :‬أحدهما‬ ‫من قومه‪ ،‬واآلخر من قوم فرعون‪ ،‬فطلب الذي من قوم موسى نصرته على الذي من عدوه‪،‬‬ ‫فضربه موسى بجمع كفه فهلك‪ِ ،‬‬ ‫ندم موسى (ع) على فعلته وقال ‪ :‬إن هذا فعل الشيطان‬ ‫ّ‬ ‫رب ظلمت‬ ‫عدو البن آدم‪،‬‬ ‫مضل له عن سبيل الرشاد‪ ،‬ظاهر العداوة‪ .‬ثم قال موسى‪ّ :‬‬ ‫وهو ّ‬ ‫نفسي بقتل النفس‪ ،‬فاغفر لي‪ ،‬فغفر اهلل له‪ ،‬إن اهلل غفور لعباده‪ ،‬رحيم بهم‪ .‬وقطع موسى‬ ‫علي بالتوبة والمغفرة والنعم الكثيرة‪ ،‬فلن‬ ‫(ع) عهد ًا على نفسه وقال‪ِّ :‬‬ ‫رب بما أنعمت ّ‬ ‫أكون عون ًا ألحد من المجرمين‪.‬‬ ‫ﱫ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬ ‫ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬ ‫ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﱪ‬ ‫فأصبح موسى في المدينة التي قتل فيها القبطي خائف ًا على نفسه‪ ،‬فإذا صاحبه اإلسرائيلي‬ ‫الذي خ ّلصه باألمس يقاتل قبطي ًا آخر‪ ،‬ويطلب منه المساعدة‪ ،‬قال له موسى‪ :‬إنك لكثير‬ ‫الغواية ظاهر الضالل‪ .‬فلما أراد موسى أن يبطش بالقبطي‪ ،‬قال‪ :‬يا موسى أتريد أن تقتلني‬ ‫كما قتلت نفس ًا باألمس؟ ما تريد يا موسى إلاّ أن تكون طاغية في األرض‪ ،‬وما تريد أن تكون‬ ‫من المصلحين بين الناس‪.‬‬ ‫‪99‬‬


‫ﱫ ‪×ÖÕÔÓÒÑ ÐÏÎÍÌËÊÉÈÇ‬‬ ‫‪Ù Ø‬ﱪ‬ ‫وجاء رجل من آخر المدينة مسرعاً‪ ،‬قال ‪ :‬ياموسى ّإن وجوه قوم فرعون وزعماءهم‬ ‫يتشاورون فيك بقصد قتلك ‪ ،‬فأخرج من هذه المدينة إنّي لك من الناصحين المشفقين‪.‬‬ ‫ﱫ‪å ä ã â á à ß ÞÝ Ü Û Ú‬ﱪ فخرج موسى من المدينة خائفا‬ ‫على نفسه يتر ّقب وينتظر أن يدركه أنصار فرعون فيأخذوه فسأل اهلل ان ينقذه من القوم‬ ‫الظالمين ‪.‬‬ ‫ﱫ ! " ‪ , + * ) ( ' & % $ #‬ﱪ ولما قصد موسى‬ ‫بالد (مدين)‪ ،‬قال‪ّ :‬‬ ‫لعل اهلل يرشدني إلى الطريق السوي الذي يوصلني إلى (مدين)‪.‬‬

‫ما يرشد إلي ِه النص‬ ‫أهم ُ‬ ‫‪ -1‬بيان تدبير اهلل تعالى‪ ،‬ولطفه‪ ،‬وعنايته ‪ ،‬بأنبيائه والصالحين من عباده‪ ،‬وتج َّلى ذلك‬ ‫في إلهامه الى أم موسى بإرضاعه‪ ،‬وإلقائه في البحر‪ ،‬والتقاط آل فرعون لموسى‪،‬‬ ‫ليتربى في بيت الملك عزيز ًا مكرماً‪ .‬وبعد ذلك تحريم المراضع عليه ليعود إلى‬ ‫أحضان ا ّمه‪ّ ،‬‬ ‫كل ذلك من لطف اهلل تعالى وعنايته ‪.‬‬ ‫وتجلى ذلك فيما ّ‬ ‫حل بفرعون‬ ‫‪ -2‬بيان سوء الخطيئة وآثارها السيئة وعواقبها المدمرة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وهامان وجنودهما‪.‬‬ ‫‪100‬‬


‫‪ -3‬فضيلة الرجاء تجلت في قول زوجة فرعون « ّقرة عين لي ولك» فقال فرعون‪ :‬أما لي‬ ‫فال‪ .‬فكان موسى (ع) ّقرة عين لزوجة فرعون ولم يكن كذلك لفرعون‪.‬‬ ‫‪ّ -4‬أن وعد اهلل حق‪ ،‬وأنه تعالى ال يخلف الوعد وال الميعاد‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان إنعام اهلل على موسى (ع) بالحكمة والعلم قبل النبوة والرسالة‪.‬‬ ‫‪ -6‬وجوب عدم التعصب والتسرع في األفعال واألقوال‪.‬‬ ‫‪ -6‬وجوب التوبة بعد الوقوع في الزلل‪ ،‬وأول التوبة االعتراف بالذنب‪.‬‬ ‫‪ -7‬وجوب شكر النعم والتوبة عن الذنوب‪ ،‬فموسى شكر اهلل لما غفر له و تعهد هلل أن‬ ‫ال يقف إلى جنب مجرم أبداً‪.‬‬ ‫شر مصاحبة األحمق والغوي إذ تسبب اإلسرائيلي بالمتاعب لموسى (ع)‪.‬‬ ‫‪ّ -8‬‬

‫‪ -10‬وجوب النصح وبذل النصيحة ألهل اإليمان‪ ،‬فمؤمن آل فرعون نصح موسى (ع)‬ ‫بالخروج من المدينة‪.‬‬

‫املناقشة‬

‫ّ‬ ‫استهل عدد من اآليات الكريمة بالحروف المقطعة‪ ،‬أجب عن اآلتي‪:‬‬ ‫‪-1‬‬ ‫أ‪ -‬ابحث في القرآن الكريم عن بعض السور التي بدأت بالحروف المقطعة‪ ،‬وث ّبت‬ ‫هذه الحروف مع اسم كل سورة‪.‬‬ ‫ب‪ -‬ب ّين سبب تصدر هذه الحروف‪.‬‬ ‫جـ‪ّ -‬‬ ‫كل سورة افتتحت بالحروف‪ ،‬غالب ًا ُيذكر فيها االنتصار للقرآن الكريم‪ ،‬وبيان‬ ‫وضح ذلك باألدلة‪.‬‬ ‫إعجازه وعظمته‪ّ ،‬‬ ‫‪ -2‬تحدّ ث عن طغيان فرعون واستكباره‪ ،‬ثم اذكر أدلة على هذا الطغيان‪.‬‬ ‫‪ -3‬هذا وعد من اهلل سبحانه ألم موسى‪ ،‬تحدّ ث عن ذلك‪.‬‬ ‫‪101‬‬


‫الدر�ص الثاني‪ :‬من الحديث النبوي ال�صريف‬ ‫للشرح‬

‫المفلس في اآلخرة‬

‫درهم له وال‬ ‫المفلس فينا َم ْن ال‬ ‫قال رسول اهلل (�ص)‪( :‬أتدرون َم ِن المفلس؟ ) قالوا‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫وصيام وزكاةٍ ‪ .‬ويأتي‬ ‫المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصالةٍ ‪،‬‬ ‫متاع ‪ ،‬فقال‪َّ ( :‬إن‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬

‫وقد شتم هذا وقذف هذا‪ ،‬وأكلَ َ‬ ‫َ‬ ‫وضرب هذا‪ ،‬فيعطي هذا من‬ ‫وسفك د َم هذا‪،‬‬ ‫مال هذا‪،‬‬ ‫َ‬

‫فطرحت عليه ثم‬ ‫نيت حسنا ُته قبل أن َيقضي ما عليه‪ ،‬أخذ من خطايا ُهم ‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫حسنات ِه‪ ،‬فإنْ َف ْ‬ ‫ُط ِر َح في النار )‪.‬‬

‫صدق رسول اهلل (�ص)‬

‫معاني الكلمات‬ ‫الكلمة‬ ‫متاع‬ ‫شَ َت َم‬ ‫قذف هذا‬ ‫سفك دم هذا‬ ‫خطاياهم‬

‫معناها‬ ‫بضاعة ‪ ..‬حاجات أو أثاث ‪.‬‬ ‫سب‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫اتهمه بالزنا بال ب ّينة شرعية ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أهرق الدم ‪ ،‬وهدر ُه ‪ ،‬والمراد به القتل ‪.‬‬ ‫ذنوبهم ‪.‬‬

‫‪T‬صر‪ ì‬الحديث ال�صريف‬ ‫‪ -1‬يهتم اإلسالم بتصحيح المفاهيم غير الصحيحة التي تحكم آراء الناس وأفكارهم‪ ،‬ذلك‬ ‫ّ‬ ‫ألن كثير ًا من الناس شغلتهم الدنيا‪ ...‬وتصورات بعضهم تتقيد بالمنافع المادية فيها‬ ‫وأكثرهم غافل عن اآلخرة فعندما سأل النبي (�ص) الصحابة عن المفلس في ُعرفهم‬ ‫فوضح لهم الرسول (�ص) أن هذا اإلفالس‬ ‫قالوا‪ :‬إنه من ال يملك درهم ًا وال متاعاً‪ّ ...‬‬ ‫ينتهي أثره بانتهاء العمر‪ ،‬ويمكن التخلص منه بالعمل والربح أو بمساعدة اآلخرين له‬ ‫أو ما إلى ذلك‪.‬‬ ‫‪102‬‬


‫أما المفلس الحقيقي فهو من ُأخذت حسناته وفاء بسيئاته و ُأعطيت لغيره تعويض ًا لهم‬ ‫عن السيئات التي اقترفها بح ِّقهم‪ ،‬فضاعت منه حسناته‪ ،‬وقد يؤخذ من خطايا غيره‬ ‫فتطرح عليه‪ ..‬ويكون مصيره النار ‪.‬‬ ‫والبر والمنكر ضدان ال‬ ‫البر ‪ :‬هو الخيرك ّله وهو عمل متكامل يتمم بعضه بعضاً‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ّ -2‬‬ ‫يجتمعان أبداً‪ ...‬وبتعبير آخر فاإليمان واإلسالم اليجتمعان مع المنكر أبداً‪ .‬فمن دروس‬ ‫هذا الحديث الشريف وعبره نفهم ذلك‪ ..‬ونفهم أيض ًا أن الصالة التي قال عنها رب‬ ‫العزة‪ :‬ﱫ‪¸ ¶ µ ´ ³² ± ° ¯ ® ¬ « ª‬‬ ‫‪ Ä Ã Â Á À ¿¾ ½ ¼ »º ¹‬ﱪ‬

‫العنكبوت‪٤5 :‬‬

‫هذه الصالة ال يمكن أنْ تجتمع مع شتم المسلمين أو قذفهم‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪ :‬ﱫ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﱪ‬

‫اهلمزة‪1 :‬‬

‫أو أكل مالهم بالباطل أو سفك دمائهم‪ ..‬أو ما يماثل ذلك من الذنوب والخطايا‪ ،‬ألن‬ ‫الصالة ّ‬ ‫وتسهل عليها اكتساب األخالق الطيبة وطرد اإلخالق الخبيثة‪،‬‬ ‫وتطهرها‬ ‫تزكي النفس‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫والصالة تشعر اإلنسان بصلته الدائمة المستمرة باهلل تعالى ‪ ...‬وهذا الشعور ُيبعد اإلنسان‬ ‫عن الفحشاء والمنكر والعدوان خوف ًا من اهلل تعالى أو حيا ًء منه‪ ..‬فالصالة إذن معراج المؤمن‬ ‫ويتضرع إليه ويرجو رضاه بقلب خاشع‬ ‫إلى ر ّبه تعالى‪ ،‬فهو يقف بين يديه يناجيه ويدعوه‬ ‫ّ‬ ‫مملوء بالحب هلل والخوف من عقابه‪ ..‬وهذه المشاعر ك ّلها تؤدي إلى أن ُيح ّلق المؤمن‬ ‫جو من السموِ الروحي يستعلي به على الشهوات والنزوات والمحرمات‪ ،‬فيجد‬ ‫المصلي في ٍ‬ ‫نفسه في القمة العالية ويرى تلك المحرمات في الوادي السحيق‪ ،‬وهما ال يجتمعان‪.‬‬ ‫‪103‬‬


‫فالصالة على طرفي نقيض مع كل ُفحش أو منكر‪ ...‬وأ ّما إذا اجتمع عند المصلي‪،‬‬ ‫الصال ُة وسوء الفحشاء والمنكر‪ ..‬فصال ُة مثل هذا المصلي‪ ،‬ليست صالة‪ ...‬بل هي حركات‬ ‫مجردة ال ترتبط باهلل وال باإليمان وال بأدنى شروط الصالة التي أرادها اهلل‪...‬‬ ‫قال (�ص)‪( :‬ان اهلل ال ينظر إلى أجسادكم وال إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم )‪.‬‬ ‫وقال (�ص) أيض ًا في حديث آخر‪( :‬إنّما األعمال بالنيات وإنّما ِّ‬ ‫لكل امرئ ما نوى)‪.‬‬ ‫فاهلل سبحانه يحاسب على ما في القلب وال تهمه المظاهر الكاذبة ‪ ،‬فالمظاهر قد تخدع‬ ‫ُ‬ ‫(أول ما ُيحاسب عليه‬ ‫البشر حين ًا من الزمن لكنها عند اهلل مكشوفة و معروفة‪ ،‬قال (�ص)‪:‬‬ ‫العبد يوم القيامة الصالة‪ .‬فإن ص ُلحت صلح سائر عمله‪ ،‬وإن فسدت فسد سائر عمله)‪.‬‬ ‫تلك هي منزلة الصالة‪ ..‬فهي مقياس إيمان الفرد‪ .‬وحسن إيمانه يؤدي إلى حسن‬ ‫سلوكه‪ ،‬فالصالة إيمان وتطبيق وليست مجرد حركات‪ ،‬ومن هنا وصفت بأنها عمود الدين‪،‬‬ ‫قال (�ص)‪( :‬الصالة عمود الدين من أقامها أقام الدين ومن تركها فقد هدم الدين )‪.‬‬ ‫يتجرد الصائم عن المعاصي والذنوب‪ ..‬وأن‬ ‫بر وعبادة‪ ..‬ويجب أن ّ‬ ‫والصيام أيض ًا ‪ٌّ ..‬‬ ‫مجرد جوع وعطش وال عالقة له بالعبادة‪ ..‬قال‬ ‫يبتعد عن أي منكر كان‪ ،‬وإلاّ كان الصيام ّ‬ ‫(�ص)‪( :‬كم من صائم ليس له من صيامه إلاّ الجوع والعطش) وهكذا‪ ،‬فالصيام مع المنكر‬ ‫إفالس وتعب دونما مثوبة أو جزاء‪.‬‬ ‫كالصالة مع المنكر‪ ،‬كالهما‪:‬‬ ‫ٌ‬

‫‪104‬‬


‫والزكاة حالها كحال الصالة والصيام‪ ..‬قال (�ص)‪( :‬من أدى الزكاة مؤتجر ًا فله أجره)‬ ‫ومعنى مؤتجر ًا فله اجره‪ :‬يطلب األجر من اهلل تعالى‪ ...‬فال أجر في الزكاة مع المنكر‪.‬‬ ‫أثم وذنب عظيم‪ ...‬وعدم صون اللسان وعدم‬ ‫فيحرم بذلك أكل أموال الناس بالباطل فهو ٌ‬ ‫السيطرة على زمامه‪ ،‬وإعماله في الطعن والتعريض والشتم والقذف بالمسلمين وأعراضهم‪،‬‬ ‫وعدم ردعه عن الغيبة والنميمة والكذب والبذيء من القول‪ ...‬ذلك ك ُّله يعني‪ :‬مجافاة‬ ‫اإليمان والخلق اإلسالمي‪ ،‬ومعناه اإلفالس‪.‬‬ ‫(سباب‬ ‫فاحش وال بذيء) وقال أيض ًا‬ ‫المسلم بط ّع ٍان وال ل ّع ٍان وال‬ ‫قال (�ص)‪( :‬ليس‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫المسلم فسوق ‪ ،‬وقتاله كفر)‪.‬‬ ‫فليس من اإلسالم في شيء قذف المسلمين‪ ...‬فالمؤمن يحفظ لسانه من الزيغ والزلل‪.‬‬ ‫الهوة‪ ،‬قال (�ص) في بعض حديثه‪( .‬من كان يؤمن‬ ‫ويأبى عليه إيمانه اإلنحدار لمثل هذه ّ‬ ‫باهلل واليوم اآلخر فليقل خير ًا أو ليصمت)‪.‬‬ ‫ومن كبائر الذنوب قتل النفس‪ ،‬قال (�ص)‪( :‬الكبائر‪ :‬اإلشراك باهلل‪ ،‬وعقوق الوالدين‪،‬‬ ‫وقتل النفس‪ ،‬واليمين الغموس) ‪.‬‬ ‫فالمفلس إذن‪ ...‬مفلس الدرجات ال ُعلى في الدار األخرى‪ ،‬الذي أضاع أعماله في الدنيا‪،‬‬ ‫البر‪.‬‬ ‫من صالةٍ‬ ‫وبر العمل‪ ،‬ألنه جاء بالمنكر مع ّ‬ ‫وصيام وزكاةٍ وغيرها من طيب الفعل ّ‬ ‫ٍ‬ ‫فسب هذا ورمى هذا بالزنى وأكل مال هذا بغير رضاه‪ .‬وبغير حقَّ وأهرق دم هذا‪ ،‬وضرب‬ ‫َّ‬ ‫ذلك‪ ،‬فيعطي كل واحد من هؤالء ح َّق ُه من حسناته‪ .‬بأخذ غرمائه لها قبل أن يقضي ما عليه‬ ‫من التبعات فإن انتهت حسناته ‪ ،‬أخذ من ذنوبهم فطرحت عليه‪ .‬ثم ُط ِرح في النار ‪ ...‬وهذا‬ ‫إفالس مابعده من إفالس ‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪105‬‬


‫ما يرشد إلي ِه النص‬ ‫أهم ُ‬ ‫أ‪ -‬الصالة والصوم والزكاة‪ ..‬أركان مهمة في اإلسالم ‪ ،‬وفي أدائها‪ ،‬على وجوهها‬ ‫المطلوبة‪ .‬يكون المسلم قد نهض بعمل من ِّ‬ ‫أجل األعمال التي ُت ِصلح مسار حياته‬ ‫كلها‪.‬‬ ‫البر والمنكر عند المسلم في آن واحد‪ ،‬فأما هذا وأما ذاك‪ .‬وإن اجتمعا‪،‬‬ ‫ب‪ -‬اليجتمع ُّ‬ ‫فهذا هو اإلفالس يوم القيامة ‪ ..‬فلو كان العمل الطيب مؤثر ًا في المسلم لدفعه‬ ‫بعيد ًا عن المنكر ‪.‬‬ ‫ج‪ -‬المظاهر وحدها التكفي‪ ،‬فيجب أن تقترن باإليمان المؤ ّثر في قول المرء المسلم‬ ‫وفعله‪ .‬واألعمال بالنيات ال بالحركات‪ ...‬فاهلل سبحانه التخفى عليه خافية‪.‬‬ ‫د‪ -‬اللسان أداة بناء عند المؤمنين ‪ .‬وله تأثير عظيم في اإلصالح ألنه يأتي بالطيب‬ ‫والثناء من القول وبعكسه عند الفاسق ‪ ،‬فهو أداة هدم وقذف وشتم وتفريق وغيبة‬ ‫ونميمة‪.‬‬ ‫وقتل النفس‪َّ ..‬‬ ‫أكل أموال الناس بالباطل ُ‬ ‫هـ‪ -‬استنكر الحديث الشريف بقوة ُ‬ ‫وحذر من‬ ‫أن فاعلهما مآله الخسران واإلفالس‪ ...‬والنار مآواه يوم القيامة‪.‬‬ ‫و‪ -‬يريد الحديث من المسلم معاملة الناس بالحسنى كما قال (�ص)‪( :‬الدين‬ ‫الح َسن مع المسلمين‪.‬‬ ‫المعاملة) ‪ ،‬أي التعامل َ‬

‫املناقشة‬

‫‪َ -1‬م ِن المفلس في نظر الناس ؟ و َم ِن المفلس في نظر اإلسالم ؟‬ ‫‪ -2‬ماجزاء الذين يؤدون حقَّ اهلل ‪ ،‬واليؤدون حقوق عباده ؟‬

‫‪ -3‬ما سبب اإلفالس الذي يصيب بعض الناس الذين يؤدون العبادات ؟‬

‫‪ -4‬كيف يحافظ المسلم على أعماله من الضياع؟‬ ‫‪106‬‬


‫الدر�ص الثالث‪ :‬من ق�ص�ص القراآن‬ ‫نبي اهلل إسحاق (ع)‬ ‫قال تعالى‪:‬‬ ‫ﱫﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ‪\ [ Z YX W V U‬‬ ‫] ^ _ `ﱪ‬ ‫الصافات ‪11٣-11٢‬‬

‫هرم‬ ‫كان نبي اهلل ابراهيم (ع) قد تزوج من ابنة عمه (ساره) ولم ينجب منها‪ .‬حتى ِ‬ ‫وشاخ وكذلك زوجته ساره‪ ،‬ولذا فقد تزوج من السيدة هاجر وأنجب منها ولد ُه إسماعيل‬ ‫(ع)‪.‬‬ ‫ولقد تمنى إبراهيم (ع) وتم ّنت ساره لو يكون لهما ولد‪ّ ،‬إال ّأن اهلل سبحانه وتعالى‬ ‫لم يشأ ذلك حتى بلغ إبراهيم (ع) المائة والعشرين من عمره الشريف وقد قالت ساره‬ ‫تقر أعيننا به‪ ،‬فإن اهلل اتخذك‬ ‫إلبراهيم (ع)‪( :‬قد كبرت‪ ،‬فلو دعوت اهلل أن يرزقك ولد ًا ُّ‬ ‫خلي ً‬ ‫مجيب لدعوتك)‪.‬‬ ‫ال وهو‬ ‫ٌ‬ ‫فسأل إبراهيم (ع) ر َّبه أن يرزقه غالم ًا عليماً‪ ،‬وبشرته المالئكة بما قاله تعالى‪ :‬ﱫ <‬ ‫=> ?@‪CBA‬ﱪ‬

‫احلجر‪55 :‬‬

‫لقد بشرت المالئكة إبراهيم (ع) بابنه إسحاق (ع) وكانت امرأته ساره واقفة‬ ‫في إحدى زوايا البيت وسمعت البشرى‪ ،‬وضحكت تعجب ًا إذ إنها لم تكن تتوقع أن‬ ‫السن‪ ،‬فيما كانت هي أيض ًا قد كبرت وشاخت‬ ‫ُتنجب وقد صار زوجها شيخ ًا طاعن ًا في‬ ‫ِّ‬ ‫‪107‬‬


‫وصارت عاقر ًا وعمرها قد تجاوز التسعين‪ ،‬لكن مالئكة اهلل سبحانه قالت لها‪ :‬ﱫﭟ‬ ‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﱪ وقد كانت‬ ‫البشرى ّأن الوليد سيكون نبي ًا ومن الصالحين‪ :‬ﱫ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﱪ‬ ‫الصافات‪ ، ١١٢ :‬وقال تعالى ‪:‬‬ ‫ﱫﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭑ ﭒ ﭓ‬ ‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ‬ ‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﱪ‬ ‫هود ‪73-71‬‬

‫المنتظر لنبي اهلل ابراهيم (ع) وزوجه ساره وكان غالم ًا عليم ًا‬ ‫وو ِلد اسحاق (ع) ُ‬ ‫األبن ُ‬

‫ونبياً‪ ،‬وهنا جاء تنبيه المالئكة لها ﱫﭠ ﭡ ﭢ ﭣﱪ وهو الذي ال يعجزه شيء‬ ‫والقادر على إجراء األمور على خالف العادة إذا اقتضت الحكمة ذلك وقد شمل اهلل تعالى‬ ‫إبراهيم وأهل بيته بلطفه ورحمته وعنايته بما أخلصوا له في أقوالهم وأعمالهم وهذه البشارة‬ ‫هي من رحمة اهلل وفضله وبركته عليهم‪.‬‬ ‫وبذلك علمت سارة بأن اهلل يرحم من يشاء‪ .‬هذه القصة تعطينا عبرة وموعظة بإن ال‬ ‫نيأس من رحمة اهلل مهما تأخرت االستجابة للدعاء‪.‬‬

‫املناقشة‬

‫‪ -1‬كم زوجة لنبي اهلل إبراهيم (ع)؟‬

‫‪َ -2‬م ْن الذي ّ‬ ‫بشر إبراهيم (ع) بإسحاق (ع)؟‬ ‫عمر ساره عندما ولدت إسحاق (ع)؟‬ ‫‪ -3‬ما ُ‬

‫‪ -4‬هل ييأس المؤمن من رحمة اهلل في أوقات الشدة‪ ،‬ولماذا؟‬ ‫‪108‬‬


‫الدر�ص الرابع‪ :‬االبحاث‬ ‫العمل في النظام االقتصادي اإلسالمي‬ ‫أ‪ -‬أهمية العمل في اإلسالم‪:‬‬

‫لكي ندرك أهمية العمل في اإلسالم‪ ،‬وحقيقة نظرته إليه‪ ،‬البدَّ من المقارنة بين نظرة‬ ‫اإلسالم إلى العمل ونظرة العصور التي سبقت مجيئه‪.‬‬

‫العمل قبل اإلسالم‬ ‫كان قسم من العرب في العصر الذي سبق اإلسالم يعيشون في مدن وقرى عامرة‪ ،‬كانوا‬ ‫يحترفون الزراعة وتربية الحيوانات‪ ،‬ويصنعون ما يحتاجون إليه من أدوات وأنسجة وأسلحة‪.‬‬ ‫كما كانت فئة منهم تعمل بالتجارة‪ ،‬من هؤالء عرب اليمن‪ ،‬وعرب الشام والعراق‪ ،‬وعرب‬ ‫الخليج‪.‬‬ ‫وهم صيادون وغواصون الستخراج اللؤلؤ‪ ،‬أما أهل مكة‪ ،‬وهي أ ّم القرى‪ ،‬فهم تجار‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أهل مكة أرباح ًا طائلة‪ ،‬إذ كانت قوافلهم هي‬ ‫وأهل يثرب ز ّراع‪ .‬وكانت التجاره تد ُّر على ِ‬ ‫الواسطة بين الشرق والغرب‪ ،‬وهم نقلة البضائع بين بحر العرب جنوب ًا وموانئ البحر‬ ‫المتوسط شماالً‪ ،‬وعرب شمال الجزيرة واسطة لنقل البضائع من موانئ الخليج العربي إلى‬ ‫موانئ البحر المتوسط‪.‬‬ ‫وكان القسم اآلخر بدواً‪ ،‬وهم العرب الذين يعيشون في أواسط الجزيرة‪ ،‬ويعيشون على‬ ‫الرعي والصيد ‪ ،‬ويفرضون األتاوات على القوافل المارة بمضاربهم‪.‬‬ ‫وقد ظل البدو (األعراب) قبل اإلسالم يحتقرون الحرف‪ ،‬فأطلقوا على أعمال الزراعة‬ ‫والصناعة وحرفها اسم (المهن)‪ .‬وكلمة (امتهن) تعني‪ :‬ذل‪ ،‬ألنها من مادة المهانة‪.‬‬ ‫‪109‬‬


‫ولما كانت التجارة وفيرة الربح‪ ،‬تكونت لدى التجار آراء شبيهة بهذه‪.‬‬ ‫فقد أصبح العمل عندهم يعني المهانة وابتذال النفس‪ .‬فالرجل منهم ال يقوم لعمله‪،‬‬ ‫فض ً‬ ‫ال عن خدمة غيره‪ ،‬وهو يستنكف الخدمة لنفسه أو لغيره‪ ،‬إذ كان لهم من الخدم والعبيد‬ ‫واإلماء ما يكفيهم كل عمل‪ .‬فالسيد المحترم ‪ -‬في ُعر ِفهم ‪ -‬من عاش آمر ًا ناهياً‪ ،‬فارغ ًا‬ ‫عاط ً‬ ‫ال يخدمه غيره من رعاة إبله ورعاة شياهه والص ّناع من عبيده وخدمه‪ .‬ومن هنا نتبين‬ ‫منزلة العمل والعمال في المجتمع الذي يسوده التجار‪ ،‬والمجتمع الذي يعيش فيه البدو‪،‬‬ ‫مثل مجتمع مكة‪ ،‬أو القبائل التي تسكن الصحراء‪ ،‬بل قد نذهب الى أبعد من ذلك‪ ،‬فأهل‬ ‫المدن والقرى ممن يحترفون الزراعة محتقرون في رأيهم‪ ،‬فقد كانت قريش ‪ -‬أو بعضها في‬ ‫األقل‪ -‬تحتقر أهل المدينة النهم ز ّراع‪.‬‬

‫العمل في اإلسالم‬ ‫جاء اإلسالم رحمة للعالمين‪ ،‬جاء إلزالة ِّ‬ ‫كل التناقضات التي تنخر في جسم المجتمع‪:‬‬ ‫جاء لينصف الفقراء من األغنياء وينصف األغنياء من أنفسهم‪ .‬جاء ليعيد لإلنسان قيمته‪،‬‬ ‫ويحفظ له كرامته‪ ،‬ويعطي ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫للناس أشياءهم أن يبخسها باخس‪.‬‬ ‫ويحفظ‬ ‫كل ذي حقٍّ ح َّقه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وكانت ّأول مبادئ اإلسالم َّأن اهلل خالق َّ‬ ‫كل شيء‪ .‬مدَّ لإلنسان مائدته‪ :‬هذه األرض وما‬ ‫عليها من زرع وأحراش وغابات‪ ،‬وما يجري عليها من أنهار‪ ،‬وما يتفجر فيها من عيون‪ ،‬وما‬ ‫في باطنها من كنوز‪ ،‬وما ُينزله من السماء من ماء يحيي به األرض الميتة‪ ،‬وما في األنهار‬ ‫طري وحلية ‪ ..‬هذه المائدة خلقها اهلل تعالى للناس كافة‪...‬‬ ‫والبحيرات والبحار من لحم ّ‬ ‫وجعل وسيلتهم إلى اكتساب ما يريدون هو العمل‪ .‬العمل الصالح الشريف‪ ،‬العمل الذي ال‬ ‫ضرر فيه وال ضرار‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪110‬‬


‫هكذا رفع اإلسالم شأن العمل‪ ،‬وأعلى منز ّلته‪ ،‬ورفع منزلة اإلنسان العامل ‪ ،‬بل جعل‬ ‫العمل الصالح مقياس ًا للتفاضل بين الناس‪ ،‬ولم يفرق بين العمل الذي هو فريضة عبادة‪،‬‬ ‫والعمل الذي هو وسيلة معيشة ورزق‪ .‬وقد أجاب عن السؤال الدائم الذي يدور في خلد‬ ‫اإلنسان‪ :‬ما سبب وجودي على األرض؟! فقال تعالى ‪:‬‬ ‫ﱫﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﱪ‬

‫الذاريات‪٥٦ :‬‬

‫والعبادة‪ -‬كما قدمنا في فصول سابقة‪ -‬فيها الفرائض التي أوجبها اهلل تعالى إلصالح‬ ‫النفس البشرية والمجتمع اإلنساني‪ ،‬وفيها إعمار األرض ‪:‬‬ ‫ﱫﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﱪ‬

‫هود‪٦١ :‬‬

‫ُ‬ ‫سر وجود اإلنسان على هذه األرض‪.‬‬ ‫فالعمل هو ُّ‬

‫العمل في النصوص اإلسالم ّية‬ ‫ورد في القرآن الكريم آيات كثيرة تتضمن أحكام ًا شاملة للعمل وتقديره‪ .‬فهو بحق ثورة‬ ‫اجتماعية على العصر‪ ،‬بل على العصور التي سبقته‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫ﱫ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯰ ﱪ‬

‫التوبة‪١٠٥ :‬‬

‫وأن اهلل ورسوله والمؤمنين ينتظرون رؤية العمل‪ .‬هذا العمل هو ّ‬ ‫إنّه يأمر بالعمل‪َّ ،‬‬ ‫كل ما‬ ‫لإلنسان‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱫ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﱪ‬

‫المجن‪40-٣9 :‬‬

‫فالعمل وحده هو مايميز اإلنسان من سواه‪ ،‬ويفضله على سائر خلق اهلل‪.‬‬ ‫والعمل ‪ -‬في نظر القرآن الكريم‪ -‬نعمة ‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫ﱫ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﱪ‬

‫يس‪٣٥ :‬‬

‫‪111‬‬


‫وهل يكون شكر النعمة بغير حفظها والمداومة عليها؟! وأجر العمل محفوظ ال يضيع‪.‬‬ ‫وهل أصدق من قوله تعالى‪ :‬ﱫ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﱪ‬

‫الكهف‪٣٠ :‬‬

‫وأجر العمل الحسن سعادة في الدنيا وثواب في اآلخرة‪ّ ،‬إن ما أجمله القرآن الكريم‬ ‫َف َّصله الرسول (�ص)‪ ،‬فقال‪ّ :‬‬ ‫كسب الرجل من يده)‪ .‬والعمل في سبيل‬ ‫(إن أشرف الكسب‬ ‫ُ‬ ‫الرزق مثل العمل الصادق في عبادة اهلل‪ .‬قال رسول اهلل (�ص)‪( :‬من أمسى كا ًال من عمل‬ ‫يده أمسى مغفور ًا له)‪ ،‬بل َّإن العمل في سبيل الرزق مقدم على العبادة غير الواجبة (ليست‬ ‫ّ‬ ‫يقوت لك‪ ،‬ولكن ابدأ برغيفيك فاحرزهما ثم تع ّبد)‪.‬‬ ‫العبادة عندنا أن‬ ‫تصف قدميك وغيرك ِّ‬

‫وواجب على الجميع‪:‬‬ ‫ب‪ -‬العمل حقّ للجميع‬ ‫ٌ‬

‫َّ‬ ‫حث اإلسالم على العمل‪ ،‬كما رأينا‪ ،‬وحارب البطالة‪ .‬ومن المعروف أن أكثرية الكادحين‬

‫ال يجدون وسيلة لالمتالك غير العمل‪ .‬فهم ال يعتمدون على إرث أو هبة‪ .‬وقد كره لهم اإلسالم‬ ‫وفضل العاملين على القاعدين‪ ،‬حتى أموال الدولة‪ ،‬فقد حجبها عن الغني المقتدر‪،‬‬ ‫التواكل‪َّ ،‬‬ ‫كما حجبها عن القوي الممتنع عن العمل‪ .‬وقد جعل العمل حفظ ًا للكرامة اإلنسانية من ِّ‬ ‫ذل‬ ‫السؤال‪.‬‬ ‫تشريع لصالح الطبقات الكادحة‪ ،‬ووجوبه على الجميع‬ ‫ّإن جعلَ العمل حقّ للجميع‪ ،‬إنّما هو‬ ‫ٌ‬ ‫إنما هو منع للكسالى من استمرار كسلهم وتواكلهم‪ ،‬قال رسول اهلل (�ص)‪:‬‬ ‫حب العبد المحترف‪ ،‬ويكره العبد َّ‬ ‫ّ‬ ‫حب اهلل له‬ ‫أحب شيء للمسلم هو ُّ‬ ‫البطال)‪َّ .‬إن ّ‬ ‫(إن اهلل ُي ُّ‬ ‫حب اهلل تعالى‬ ‫ورضوانه عنه‪ ،‬وأخشى ما يخشاه المسلم ُكره اهلل له‪ ،‬وغضبه عليه‪.‬‬ ‫والسر في ِّ‬ ‫ّ‬

‫وكرهه هو حفظ كرامة اإلنسان من إراقة ماء الوجه‪ّ ،‬‬ ‫وذل السؤال‪ .‬قال رسول اهلل (�ص)‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫فيكف اهلل‬ ‫(ألن يأخذ أحدكم حبله ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها‬ ‫بها وجهه‪ ،‬خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه)‪.‬‬ ‫‪112‬‬


‫روي عن أنس (رض) َّأن رج ً‬ ‫ال من األنصار أتى النبي (�ص) فسأله‪ ،‬فقال له‪ :‬أما في بيتك‬ ‫شيء؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬حلس (كسا ٌء غليظ) نلبس بعضه‪ ،‬وقعب (إناء) نشرب فيه الماء‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ائتني بهما‪ .‬فأتاه بهما‪ .‬فأخذهما رسول اهلل (�ص) بيده وقال‪ :‬من يشتري هذين‪ :‬قال رجل‬ ‫أنا آخذهما بدرهم‪ ،‬فقال (�ص)‪ :‬من يزيد في ثمنهما‪ :‬فقال رجل‪ :‬أنا آخذهما بدرهمين‪،‬‬ ‫فأعطاهما إياه‪ ،‬وأخذ الدرهمين فأعطاهما األنصاري‪ ،‬وقال اشتر باحدهما طعام ًا فانبذه إلى‬ ‫أهلك‪ ،‬واشتر باآلخر قدوم ًا فائتني به‪ ،‬فأتاه به‪ ،‬فشدَّ فيه رسول اهلل (�ص) عود ًا بيده‪ ،‬ثم‬ ‫بع‪ ،‬وال أرينك خمسة عشر يوم ًا ففعل‪ ،‬فجاءه بعد وقد أصاب عشرة‬ ‫قال‪ :‬إذهب فاحتطب و ْ‬ ‫خير لك من أن‬ ‫دراهم‪ ،‬فاشترى ببعضها ثوب ًا وببعضها طعاماً‪ ،‬فقال رسول اهلل (�ص)‪ ( :‬هذا ٌ‬ ‫تجيء والمسألة (أي سؤال الناس) نكتة في وجهك يوم القيامة)‪.‬‬ ‫فقطع الطريق على الذين يأكلون‬ ‫واإلسالم ‪ -‬وقد أوجب الكسب عن طريق مشروع‪-‬‬ ‫َ‬ ‫أموال الناس بالباطل عن طريق الربا واالحتكار والغش وبخس الناس أشياءهم وتوعدهم‬ ‫عذاب ًا عظيماً‪.‬‬ ‫والقرآن الكريم يعطي من ِعبره العظيمة ما يجعل العمل واجب ًا على ِّ‬ ‫كل إنسان‪ ،‬فهؤالء‬ ‫أنبياء اهلل ورسله وهم صفوة خلق اهلل كانوا يأكلون من كدِّ أيديهم‪ ،‬ويسعون في األرض طلب ًا‬ ‫للرزق‪ ،‬فقد كان نوح (ع) نجاراً‪ ،‬وكان إبراهيم (ع) نجار ًا كذلك‪ ،‬وكان داود (ع) ‪ -‬على‬ ‫غناه ‪ -‬حداد ًا يصنع الدروع السابغة‪ ،‬وكان زكري ًا نجاراً‪ ،‬ويونس صياداً‪ ،‬وكل األنبياء رعوا‬ ‫الغنم‪ .‬رعى موسى (ع) غنم شعيب‪ ،‬وتعلمون من السيرة الشريفة ّ‬ ‫أن الرسول محمد ًا (�ص)‬ ‫عمل بالتجارة‪.‬‬ ‫َّإن تنوع األعمال والقائمين عليها يوفر لنا مستلزمات الحياة الكريمة‪.‬‬ ‫‪113‬‬


‫فلو امتنع الفالح مث ً‬ ‫ال عن الزراعة لم نجد مانأكله وكذلك جميع الحرف واألعمال‬ ‫فالنجار يهييء لنا مستلزمات السكن من األثاث وكذلك الحداد وعامل البناء وغيرهم‬ ‫كعامل النظافة جميعهم يتفضلون علينا وجميعهم موضع فخر واعتزاز‪ ،‬ألنهم سعوا إلى‬ ‫كسب رزقهم بشرف ومثابرة وحفظوا كرامتهم بالعمل‪.‬‬

‫ج‪ -‬توفير فرص العمل من واجبات الدولة في اإلسالم‪:‬‬ ‫إن اإلسالم يهيئ الفرص ّ‬ ‫لكل األفراد على وفق مبدأ تكافؤ الفرص‪ ،‬فالناس متساوون‬ ‫في الحقوق والواجبات‪ ،‬وفي تهيئة الفرص المتعادلة ّ‬ ‫لكل أبناء األمة العاملين‪ ،‬ويذ ّلل لهم‬ ‫سبل الحصول على العمل‪ ،‬ويعطي ّ‬ ‫لكل مجتهد جزاء اجتهاده من ثمرات الحياة‪ ،‬ويفسح‬ ‫المجال أمامهم للمنافسة‪ ،‬والعمل على التفوق‪ ،‬كما يتيح لهم فرص ًا متكافئة في الثقافة‬ ‫والمال والمتاع‪.‬‬ ‫ويؤكد اإلسالم وجوب رعاية الدولة للمرافق التي تحت يدها‪ ،‬وفي توزيعها األرض على‬ ‫القادرين على إعمارها وإستثمارها‪ ،‬وفي جعل المرافق العامة ملكية عامة ال يجوز ألحد‬ ‫االختصاص بها‪ ،‬فالناس شركاء في النار والماء والكأل والملح وسواها‪ ..‬وفي إنشائها‬ ‫المصانع واالستثمارات المتعددة‪ ،‬وأهم من ذلك كله في منع اكتناز المال‪ ،‬ووجوب تشغيله‬ ‫وتوفير العمل لطالبيه‪ ،‬في كل ذلك ما يضمن توفير العمل لجميع المواطنين ‪ ،‬فاذا لم‬ ‫تف بتشغيل ّ‬ ‫تستطع الدولة توفير ذلك‪ .‬أو أن مؤسساتها لم ِ‬ ‫كل العاملين‪.‬وجب على الناس‬ ‫عدم التكاسل والركون إلى البطالة بل وجب عليهم السعي إلى األعمال الحرفية وإلى أي‬ ‫عمل مهما كان يسير ًا ليحفظ الكرامة بعيد ًا عن ذ َِّل السؤال‪ ،‬كما يجب على الدولة ‪ -‬عندئذ‬ ‫ إعالة العاطلين من بيت مال المسلمين‪.‬‬‫‪114‬‬


‫د‪ -‬المساواة بين الرجل والمرأة في حقوق العمل وواجباته‪:‬‬

‫قرر اإلسالم المساواة بين الرجل والمرأة في حقّ العمل وواجباته‪ ،‬وفي أحكام عالقات‬

‫العمل وأجوره بما تقتضيه العدالة اإلجتماعية‪ ،‬وكرامة اإلنسان وطبيعة المرأة والرجل‬ ‫الجسمية والنفسية‪.‬‬

‫قال تعالى‪ :‬ﱫﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ‬

‫ﮖ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﱪ‬

‫النحل‪٩٧ :‬‬

‫وقال سبحانه‪:‬‬

‫ﱫ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯟ ﱪ‬

‫النساء‪٣٢ :‬‬

‫وهذا التوازن الذي قرره اإلسالم بين حقوق المرأة وواجباتها إنّما هو هدم لما كان في‬ ‫عز من‬ ‫الجاهلية من إلقاء أعباء ثقيلة من الواجبات والتكاليف على المرأة‪ ،‬في ذلك يقول ّ‬

‫قائل‪:‬‬

‫ﱫ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭿ ﱪ‬

‫آل معران‪١٩٥ :‬‬

‫فالمرأة والرجل متساويان في الواجبات والحقوق وهما كذلك متساويان أمام القانون‪،‬‬ ‫وفي الحقوق المدنية‪ ،‬وفي حقِّ التعليم والثقافة‪ ،‬وفي حقِّ العمل وإدارة الوظائف واألعمال‬ ‫التي تتناسب وطبيعة جسمها‪ ،‬وحفظ كرامتها‪ ،‬وصيانتها من االبتذال‪.‬‬

‫هـ‪ -‬واجبات العمال وحقوقهم‪:‬‬

‫العامل‪ :‬هو كل من أدى عم ً‬ ‫أجر معين‪ .‬قال تعالى في قصة سيدنا الخضر‬ ‫ال شريف ًا لقاء ٍ‬

‫مع موسى (ع)‪:‬‬

‫ﱫﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﱪ الكهف‪٧٧ :‬‬

‫فليسم له أجرته)‪.‬‬ ‫قال رسول اهلل (�ص)‪ ( :‬من استأجر أجير ًا‬ ‫ِّ‬

‫وقد ثبت انه (�ص) استأجر دلي ً‬ ‫ال للطريق‪ ،‬وحادي ًا للركائب‪.‬‬ ‫هذه النصوص تثبت جواز اإلجارة للقيام بالعمل‪.‬‬

‫واألجير– في الفقه اإلسالمي‪ -‬واحد من اثنين‪ :‬أجير خاص‪ ،‬وأجير مشترك‪ ،‬والثالث‬ ‫عمل واحد أ ّيا كان مركزه‪ ،‬فقد‬ ‫لهما‪ .‬فاألجير الخاص‪ :‬من يقف وقته وجهده على صاحب ٍ‬

‫يكون فرد ًا أو جماعة أو هيأة أو سلطة عامة‪.‬‬

‫‪115‬‬


‫وسع‬ ‫واألجير المشترك‪ :‬من يعرض مهارته وعمله أو خدماته على من يطلبها‪ ،‬وفي‬ ‫ِ‬ ‫األجير المشترك أن يكون في خدمة جهات متعددة في وقت واحد كالخياط والحالق‬ ‫والسائق وسواهم‪.‬‬ ‫والعامل‪ ،‬سواء أكان أجير ًا خاص ًا أم مشتركاً‪ ،‬عليه واجبات وله حقوق‪.‬‬ ‫فمن واجبات العامل‪:‬‬ ‫‪ -1‬أن يتقن عمله‪ ،‬وأن ينشط في أدائه‪ .‬جاء في الحديث الشريف‪َّ :‬‬ ‫(أن اهلل يحب إذا عمل‬ ‫أحدكم عم ً‬ ‫ال أن يتقنه)‪.‬‬ ‫‪ُ -2‬يـسـ َأل العامل عن كل تقصير أو إهمال‪ .‬قال تعالى‪:‬‬

‫ﱫﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﱪ‬

‫النحل‪٩٣ :‬‬

‫وفي ذلك وضع المسؤولية على عاتق المسؤول‪ ،‬وقد قال رسول اهلل (�ص)‪( :‬كلكم‬ ‫راع وكلكم مسؤول عن رعيته)‪ .‬فالعامل مسؤول عن كل تقصير أو إهمال أو خيانة ألمانة‬ ‫العمل‪ .‬أ ّما الضرر الخارج عن إرادة العامل فهو غير مسؤول عنه‪.‬‬ ‫‪ -3‬أن يكون العامل أميناً‪ :‬قال تعالى‪ :‬ﱫ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬ ‫ﭭﭮﭯ ﭰﱪ‬

‫األنفال‪٢٧ :‬‬

‫فالعمل أمانة في عنق العامل‪ .‬وكذلك اآلالت واألجهزة التي يعمل بها‪ .‬ومثل ذلك إفشاء‬ ‫أسرار العمل الواجب صونها‪ .‬ومن ذلك االنتاج على نحو يخالف المواصفات‪ّ ،‬‬ ‫ألن فيه ضرر ًا‬ ‫بالمعمل وسمعته وسمعة العاملين‪.‬‬ ‫يضر بعمله األول‪ :‬ويرى بعض الفقهاء ّأن العامل إذا اشتغل‬ ‫‪ -4‬ألاّ يشتغل العامل بعمل ّ‬ ‫يضر بعمله سقطت أجرة عمله‪ .‬مثل أن يجاز من عمله ليعمل عم ً‬ ‫ال آخر‪ ،‬أو أن‬ ‫بعمل ّ‬ ‫يعمل نهاراً‪ .‬ثم يعمل مسا ًء مما يق ّلل من انتاجيته في عمله‪.‬‬

‫‪ -5‬أن يتعاون العامل ورئيسه في العمل وذلك بتقديم النصح الالزم لرفع االنتاج أو تحسينه‬ ‫أو صيانة اآللة‪ .‬وقد روي َّأن الرسول (�ص) قال ‪( :‬الدين النصيحة)‪.‬‬ ‫‪116‬‬


‫ّإن االستهانة بالوقت‪ ،‬والتباطؤ في العمل‪ ،‬والتمتع باإلجازات بغير حق فيما ال يعود‬ ‫بالنفع على العامل والمعمل‪ ،‬كل هذه أمور مسؤول عنها العامل‪.‬‬

‫حقوق العمال‬ ‫‪ -1‬حقّ العامل في األجر ِّ‬ ‫لكل عامل أجر‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫ﱫ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﱪ‬

‫األحقاف‪١٩ :‬‬

‫فليس في اإلسالم سخرة‪ ،‬وال فيه عمل من غير أجر‪ ،‬اللهم إال إذا تطوع العامل للعمل‬ ‫من أجل الثواب‪ ،‬قال رسول اهلل (�ص)‪ :‬الساعي على األرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل‬ ‫اهلل‪ ،‬و أحسبه كالقائم ال يفتر‪ ،‬وكالصائم الذي ال يفطر)‪.‬‬ ‫حرم اإلسالم مقاسمة العامل شيئ ًا من أجره نظير تقديمه العمل‪ .‬قال‬ ‫‪ -2‬تحريم القسامة‪َّ :‬‬ ‫الرسول الكريم (�ص)‪( :‬إ ّياكم والقسامة)‪ .‬قلنا وما القسامة؟ قال ‪( :‬الرجل يكون على‬ ‫حظ هذا ِّ‬ ‫طائفة من الناس فيأخذ من ِّ‬ ‫وحظ هذا‪.)..‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪ُ -3‬يعطى العامل أجره بحسب ما بين العامل والجهة التي يعمل لها من عقد‪ ،‬يومي ًا أو‬ ‫أسبوعي ًا أو شهرياً‪ .‬وال يجوز تأخير األجر أو حبسه عن العامل‪ .‬قال رسول اهلل (�ص)‪:‬‬ ‫(أعطوا األجير أجره قبل أن ّ‬ ‫يجف عرقه)‪.‬‬ ‫‪ -4‬كفاية األجر‪ :‬يوجب اإلسالم أن يكون األجر من الكفاية حتى يسع مطالب العامل‬ ‫األساسية المعقولة‪ ،‬بما يعيله ويعيل أهله‪ .‬وهذا ال يمنع من أن يكون األجر مكافئ ًا‬ ‫للعمل الذي يؤديه العامل‪ .‬استمعوا إلى هذه الحادثة‪:‬‬ ‫شكا رجل خادمه إلى عمر بن الخطاب (رض)‪ .‬فلم ينكر الخادم وإنما اعتذر بعدم كفاية‬ ‫يضن عليه باألجر الكافي‪ .‬فأقسم عمر بن الخطاب‬ ‫ما يأخذه‪ ،‬وبجشع صاحبه الذي‬ ‫ّ‬ ‫(رض) ليقطعن يد السيد إذا عاد الخادم إلى السرقة‪ ،‬وأمر أن يعطيه ما يكفيه‪.‬‬

‫‪117‬‬


‫‪ -5‬حقّ العامل في الحفاظ على كرامته ألاّ تهان بالكالم الخشن أو الضرب أو التهديد‪ ،‬أو‬ ‫االم ِتهان‪.‬‬ ‫‪ -6‬حقّ للعامل تقديم الشكوى والتقاضي‪ :‬العامل مشمول بالضمان االجتماعي‪ ،‬والدولة‬ ‫اإلسالمية تضمن له‪.‬‬ ‫واليوم يحق للدولة أن ُتشرع القوانين لتحديد ساعات العمل‪ ،‬وفرض األجر المناسب‪،‬‬ ‫والزيادة المشجعة على العمل‪ ،‬والمكافآت عن االتقان واالبداع والتفوق‪ ،‬وبناء دور الصحة‬ ‫للعمال إلى جانب ّ‬ ‫كل مصنع أو مزرعة‪ .‬وضمان تعليم أبنائهم‪ ،‬ومعالجتهم وأسرهم‪،‬‬ ‫وفرض الفحص الطبي الدوري لمن يعملون في األعمال الخطرة‪ ،‬وتغذيتهم ببعض األغذية‬ ‫مجان ًا حفاظ ًا على صحتهم‪ ،‬مثل الحليب الذي يقدم إلى العاملين في أفران صهر المعادن‬ ‫وسباكتها‪ ..‬وغير هذا من التشريعات التي تتفق وروح العدالة التي جاء بها اإلسالم‪.‬‬

‫املناقشة‬

‫ّ‬ ‫تحث على العمل‪،‬‬ ‫‪ -1‬أمر اهلل تعالى بالعمل وكذلك رسول اهلل (�ص)‪ ،‬استشهد بآية‬ ‫وحادثة تب ّين ّ‬ ‫حث رسول اهلل (�ص) على العمل أو حديث شريف؟‬

‫‪ -2‬ما الذي يضمنه لنا تنوع األعمال والحرف؟‬

‫‪ -3‬أوجب اهلل تعالى الكسب الحالل‪ ،‬فقطع الطريق على الذين يكسبون المال بالباطل‬ ‫والحرام‪ ،‬ب ّين طرق الكسب المحرمة‪.‬‬

‫‪ -4‬عدد واجبات العمال فقط‪.‬‬ ‫‪ -5‬عدد حقوق العمال‪.‬‬

‫‪ -6‬أنبياء اهلل وصفوته كانوا يأكلون من كدِّ أيديهم‪ ،‬استشهد على ذلك‪.‬‬

‫‪118‬‬


‫الدر�ص الخام�ص‪ :‬التهذيب‬ ‫المؤمنون إخـوة‬

‫لما أشرق فجر اإلسالم بأنواره على البشرية استطاع بمبادئه السامية أن يجعل من أمة‬

‫َّ‬ ‫فأحل اإليمـان محل الكفر‪ ،‬والنظام محل الفوضى‪،‬‬ ‫أمة أخرجت للناس‪،‬‬ ‫المسلمين خير ٍ‬ ‫النبي (�ص)‬ ‫والسالم محل الحرب‪ ،‬والعفو محل االنتقام‪ ،‬والتآخي محل الفرقة‪ ،‬وراح‬ ‫ّ‬

‫يبني وينشئ أمة يسودها النظام‪ ،‬ومما سعى إليه رسـول اهلل (�ص) ّ‬ ‫وركز من مبدأ المؤاخـاة‬

‫بأسـلوب فريد‪ ،‬حتى جعل أواصر العقيـدة أقـوى من أواصر النسب ووشائج اإليمـان تـسمو‬ ‫على وشائج القبيـلة والقوميـة وغـدا المسلمون أمـة واحدة مرصوصة الصف ال تفرقهم‬ ‫الـنعرات والـفوارق‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫ﱫ ‪T S R Q PO N M L K J I H G F E‬‬

‫‪ [ Z Y X W VU‬ﱪ‬

‫احلجرات‪1٣ :‬‬

‫فقد جهد اإلسالم في تـعزيز التـآخي الروحي وحماه من أنواع الفرقـة واالنقسام بما‬

‫شرعه من دستـور الروابط االجتمـاعية في نظامه الخالـد من ذلك أنه أ ّلف ما بين القـلوب‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ووحد ما بين المشاعـر والعواطف‪ ،‬وعقـد أواصر اإلخـاء بين المسلمين‪ .‬قال تعالى‪:‬‬ ‫ّ‬

‫ﱫ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬

‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬ ‫ﮑﮒﮓﮔ ﮕﱪ‬

‫آل معران‪1٠٣ :‬‬

‫األخوة العامـة بين األبيض واألسود‪ ،‬الغني والفقير‪،‬‬ ‫فآخى بين المسلمين ورفع شعار‬ ‫ّ‬

‫إذ آخى رسول اهلل (�ص) بين المسلمين مرتين‪ ،‬فمرة بين المهاجرين خاصة‪ ،‬وأخرى بين‬ ‫المهاجرين واألنصار في المدينة وذلك ُليذهب عنهم وحشة الغربة ويشدّ بعضهم أزر بعض‬

‫األخـوة‪ ،‬حتى أنهم كانوا يتوارثون بعد الممات دون ذوي األرحام ‪ ،‬فلما‬ ‫ولـيزرع فيهم قيم‬ ‫ّ‬

‫عز اإلسالم واجتمع الشمل وذهبت الوحشة أنزل اهلل سبحانه قوله تعالى‪:‬‬ ‫َّ‬

‫‪119‬‬


‫ﱫﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇﱪ‬

‫األنفال‪٧٥ :‬‬

‫أي في الميراث ثم جعل المؤمنين كلهم إخوة‪ ،‬وقال تعالى‪:‬‬

‫ﱫ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬ ‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬ ‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﱪ احلجرات‪١٠ - ٩ :‬‬

‫وهذه اآلية نزلت في جمع من األنصار كان بينهما قتـال باأليدي‪.‬‬ ‫والخطاب في هذه اآلية عام ّ‬ ‫لكل األمة اإلسالميـة المؤمنة وقد أمرهم اهلل فيها بأوامر لو‬ ‫عز وجل‪ ،‬لسعدوا جميع ًا ولما قامت بينهم الحروب الطاحنـة‬ ‫اتبعوها كما أمرهم الباري َّ‬

‫التي يذهب ضحيتها األلوف المؤلفـة واألمر األول هو أن ُيصلح المؤمنون بين الفريقين‪.‬‬ ‫وقد ّأكد اإلسالم اإلصالح وب ّين أهميته قوله تعالى‪:‬‬

‫ﱫﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﱪ‬

‫احلجرات‪10 :‬‬

‫وقال (�ص)‪(( :‬أال أخبركم بأفضل من درجة الصالة والصيام والصدقة‪ ،‬إصالح ذات‬ ‫البين وفساد ذات البين هي الحالقـة ))‪.‬‬

‫وذلك ألن اإلصالح يؤدي إلى عالج كثير من الممارسات الخاطئة التي ّ‬ ‫تفكك أواصر‬

‫اإلخاء وتستأصل الوئام‪.‬‬

‫أخوة منتجـة ‪ ،‬تترتب عليها آثار عملية‬ ‫ّإن‬ ‫األخوة التي أشـارت إليها اآلية الكريمـة هي ّ‬ ‫ّ‬

‫بالفعـل فيستشعر المؤمن جدواهـا وفعاليتهـا إذ جعل مسؤولية الصلح بين المؤمنين ناشئـة‬ ‫أخوة اإليمـان‪ ،‬ألنه‬ ‫عن‬ ‫األخوة اإليمانيـة فما يربط الفئتين المتقاتـلتين والمصلحين هو ّ‬ ‫ُّ‬

‫أساس من عناصر التماسـك والتفـاهم فيبعدهم عن التنازع والتـخاصم ويبعث على‬ ‫عنصر‬ ‫ّ‬

‫االستقرار النفسي ويمنحهم الشعور باألمن والطمأنينة‪.‬‬

‫والشعور باإلخـاء هو الشعور بوحدة الـنسب نسب اإليمـان‪ ،‬والـعقيدة‪ ،‬نسب السماء‪،‬‬ ‫ال نسب األرض‪ ،‬فالمرء بإخوة اإليمـان كثير وعزيز بإخوانـه فيتألم إذا تألموا ويفرح إذا‬ ‫فرحوا‪ ،‬وهذا ما يسمى بـ (المشاركة الوجدانية) فتـسعد النفوس وتهنأ بها فال خوف وال‬ ‫قـلق وال اكتئـاب وال حسد وال حقد كل ذلك بفضل دستـور الشريعـة في كتاب اهلل وسنة‬ ‫نبـيـه الكريـم (�ص)‪.‬‬ ‫‪120‬‬


‫قال تعالى‪:‬‬ ‫ﱫﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﯴﯵ ﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﯼﯽﯾﯿ ﱪ‬ ‫املائدة‪٢ :‬‬

‫مقر ًا لمبدأ التعاون فيما بينهم ‪ ،‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫ﱫ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬ ‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬ ‫ﮒﮓﮔ ﮕﱪ‬

‫آل معران‪103 :‬‬

‫فقد َّ‬ ‫عز َّ‬ ‫وجل المؤمنين بنعمة اإلخاء التي قلبت حياتهم االجتماعية رأس ًا‬ ‫ذكر الباري َّ‬ ‫على عقب ونقلتهم من حالة الكفر والعداء إلى حالة اإليمان واإلخاء وش َّبه رسول اهلل (�ص)‬

‫وتراحمهم وتعـاطـفهم‬ ‫المؤمنين بالجسد الواحد فقال (�ص)‪( :‬مثل المؤمنين في توادّهم‬ ‫ُ‬ ‫والح ّمى )‪.‬‬ ‫بالسهر ُ‬ ‫مثل الجـسد إذا اشتـكى منه عضو تـداعى له سائر الجسد َّ‬ ‫كما ب ّين رسولنا الكريم حقَّ األخ على أخيـه وواجبـه تجاهه في أحـاديث كثيرة منها‪:‬‬ ‫(المسلم أخو المسلم ال يظلمه وال يسلمه)‪.‬‬ ‫قوله (�ص)‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫وقال أيضا (�ص) ‪ ( :‬ال تبـاغضوا وال تحـاسدوا وال تـدابـروا وكونوا عبـاد اهلل إخوانـا وال‬ ‫ُّ‬ ‫لمسلم أنْ يهجر أخـاه فوق ثالث )‪.‬‬ ‫يحل‬ ‫ٍ‬ ‫لألخوة هو ذاك المستند إلى الحقوق المتقابلة ‪ ،‬فكل إخالل بها‬ ‫فالمقياس الصحيح‬ ‫َّ‬ ‫سوف ينعكس سلب ًا على رابطة اإلخاء وتحقيق عالقة غير سليمة بين الطرفين تؤدي إلى‬ ‫القطيعة والجفاء‪ ،‬قال رسول اهلل (�ص)‪( :‬حقّ المسلم على المسلم خمس‪ :‬ر ّد السالم‪،‬‬ ‫وعيادة المريض وإتباع الجنائز وإجابة الدعوة‪ ،‬وتسميت العاطس)‪.‬‬ ‫وقال رسول اهلل (�ص)‪( :‬من َن ّف َس عن أخيه ُكربة من ُكرب الدنيا نفس اهلل عنه ُكربة من‬

‫كرب اآلخرة) وقوله (�ص)‪:‬‬

‫عز ّ‬ ‫وجل في عون العبد ما كان العبد في ِ‬ ‫عون أخيه)‪.‬‬ ‫(اهلل َّ‬ ‫‪121‬‬


‫وذكر اإلمام زين العابدين (ع) حقَّ األخ في رسالة الحقوق فقال‪:‬‬ ‫وعزك الذي تعتمد‬ ‫يـدك التي تبسطهـا ‪ ،‬وظهرك الـذي تلتجئ إليه‪ّ ،‬‬ ‫(وحقُّ أخيك أن تعلم أنـه ُ‬ ‫عليه‪ ،‬وقوتـك التي تصول بها‪ ،‬فال تتخذه سالح ًا على معصية اهلل وال عدة للظلم لخلق اهلل وال‬ ‫تدع نصرته على نفسـه‪ ،‬ومعونته على عـدوه والحول بينه وبين شياطينه وتأديـة النصيحة‬ ‫إليه واإلقبال عليه في اهلل‪ ،‬فإن انقاد لر ّبه وأحسن اإلجـابة له‪ ،‬وإلاّ فليكن اهلل آثر عندك‬ ‫وأكرم عليك منه)‪ .‬فيكون سندك في الحقِّ وكذلك تكون أنت له‪ ،‬وتعينه على نفسه األ ّمارة‬ ‫بالسوء وتنصحه وتعتمد عليه في الشدة‪.‬‬ ‫فوجب‬ ‫الحب في اهلل والبغض في اهلل فقد قال (�ص)‪ :‬يقول اهلل تعالى(أين المتحابون‬ ‫ّ‬ ‫بجاللي اليوم أظ ّلهم في ظ ّلي يوم ال ّ‬ ‫ظل إلاّ ظ ّلي)‪.‬‬ ‫فحب المؤمن ألخيه المؤمن في اهلل من كمال اإليمان‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فيحب ألخيه ما‬ ‫كما وجب على المؤمن أن يستشعر حال أخيه ويجعله بمنزلة النفس‬ ‫ّ‬ ‫يحب لنفسه )‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يحب ألخيه ما َّ‬ ‫يحب لنفسه فقال (�ص)‪ ( :‬ال يؤمن أحدكم حتى َّ‬ ‫وحب أهل اإليمـان وبغض االنـحراف وأهله‪،‬‬ ‫وحب اهلل هو‬ ‫الحب في اهلل ّ‬ ‫ُّ‬ ‫فمن آثار اإليمان ّ‬ ‫وفي الـتزام ما أمر به (�ص) في هذا الحديث تطهيـر للنفس األ ّمارة بالسوء وتخليصهـا من‬ ‫حب الـذات ممـا يجعلها تسمو روحيـاً‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫حب أبعد الخلق منه في‬ ‫قال اإلمام الصادق (ع) ‪ :‬ال يبلغ أحدكم حقيقة اإليمان حتى ُي َّ‬ ‫اهلل‪ ،‬ويبغض أقرب الخلق منه في اهلل ‪.‬‬ ‫‪122‬‬


‫واجبات األخوة‬

‫• الحقوق الستة المعروفة المذكورة في الحديث‪(( :‬حقُّ المسلم على المسلم ست‪ :‬إذا‬ ‫لقيته فس ّلم عليه واذا دعاك فأجبه‪ ،‬واذا استنصحك فانصح له‪ ،‬وإذا عطس فحمد اهلل‬ ‫فسمته‪ ،‬وإذا مرض فعده‪ ،‬وإذا مات فاتبعه)) ‪.‬‬ ‫• اجتناب سوء الظن والتجسس والتحسس والتنافر والتحاسد والتباغض و التدابر‪ :‬كما‬ ‫الظن أكذب الحديث والتجسسوا والتحسسوا‬ ‫جاء في الحديث ((إياكم‬ ‫والظن فإن ّ‬ ‫ّ‬ ‫والتنافروا والتحاسدوا والتباغضوا والتدابروا وكونوا عباد اهلل إخوانا‪. ))...‬‬

‫• اجتناب ظلم المسلم وخذله واحتقاره قوله (�ص)‪:‬‬ ‫((المسلم أخو المسلم اليظلمه واليخذله وال يحقره))‪.‬‬ ‫• التبسم في وجه المسلم قوله (�ص)‪:‬‬ ‫((ال تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق))‪.‬‬ ‫• عدم إظهار الشماتة فيه قوله (�ص)‪:‬‬ ‫((ال تظهر الشماتة بأخيك فيرحمه اهلل ويبتليك))‪.‬‬ ‫بأحب األسماء إليه ثم يجلس‪.‬‬ ‫• أن يوسع له في المجلس وأن يدعوه‬ ‫ِّ‬

‫• الردُّ عن عرضه‪َ (( :‬م ْن ر َّد عن عرض أخيه رد اهلل عن وجهه النار يوم القيامة))‪.‬‬

‫• إعانته ومواساته بالمال إذا احتاج إلى ذلك والسعي في حاجته والقيام بخدمت ِه‪.‬‬ ‫المن‬ ‫يمن عليه بمعروفه إذا أعانه وواساه بالمال أو سعى في حاجته وقام بخدمته فإن َّ‬ ‫• ألاّ َّ‬ ‫يبطل الصدقة والمعروف قال تعالى‪:‬‬

‫ﱫ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﰊ ﱪ البقرة‪. ٢٦٤ :‬‬

‫• أن يشكره على صنيعه‪ :‬وقد جاء في الحديث الشريف قوله (�ص)‪(( :‬من لم يشكر‬ ‫الناس لم يشكر اهلل))‪.‬‬ ‫• زيارته هلل وح ُّبه في اهلل‪ .‬والبدَّ من التأدب بآداب الزيارة مثل اختيار الوقت المناسب واال‬

‫تكون الزيارة سبب ًا في إضاعة الوقت بما اليفيد وغير ذلك من اآلداب المعروفة‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫وبذل الطعام اليهم إذا ِ‬ ‫قدموا لزيارتك أو اجتمعت معهم في مكان ما‪.‬‬ ‫• النفقة على األخوان‬

‫• عدم التكلف والتكليف‪ :‬إذا زارك أخوك فينبغي ألاّ تتكلف له‪ .‬ألن ذلك يترتب عليه أنك‬ ‫‪123‬‬


‫ستتضايق من مجيئه مرة أخرى أو يتضايق أهلك بذلك‪ ،‬ألن مجيء هذا األخ سيتعبهم‬ ‫أو يتضايق أخوك هذا ألنه اليريد أن يشق عليك بمجيئه‪ ،‬كذلك لو زرته أنت فال تكلفه‬ ‫واطلب منه عدم التكلف ‪.‬‬ ‫• عدم إخالف الموعد‪ :‬لو تواعدتما في ميعاد معين فاحرص على أن تأتي في الموعد فإن‬ ‫إخالفك للموعد بعدم حضورك أو بحضورك متاخر ًا يضايق أخاك‪.‬‬ ‫• أن يكون تعاملكما مبني ًا على األخالق الحسنة فالغيظ يكظم وكل منكم يصبر على اآلخر‪،‬‬ ‫وقد ساد بينكما التواضع والحلم والصدق والرفق والحياء وطالقة الوجه والبشاشة عند‬ ‫اللقاء وغير ذلك من األخالق الحسنة‪.‬‬ ‫• كتمان سره وستر عيبه وأن تساعده في إصالحه‪.‬‬ ‫• أن تؤثره على نفسك‪ ،‬فتؤثره في المجلس بأن تجلسه في المكان المناسب الذي قد‬ ‫ترغب فيه أنت كأن تتنازل له عن المتكأ ليتكىء هو‪ ،‬تؤثره على نفسك في األكل‬ ‫والشرب والتقدم في اثناء ركوب السيارة وهكذا‪.‬‬ ‫• مشاركته مشاعره بأن تحزن لحزنه وتفرح لفرحه ‪ ،‬إذا أصيب بمصيبة بادرت بمساعدته‬ ‫ومحاولة تخفيف وقعها عليه‪ ،‬وإذا ّسره شيء بادرت إلى تهنئته وأظهرت الفرح والسرور‬

‫بذلك‪.‬‬

‫• ألاّ يقاطعه إذا تكلم بل يصغي إليه ويظهر له االهتمام بكالمه ‪.‬‬ ‫• ُيبلغه مدح الناس له وال يبلغه ذم الناس له؛ ألن هذا يوغر صدره إال أن يكون قد ذم لعيب‬ ‫فيه‪ ،‬فليتلطف بنصحه ومحاولة إصالح هذا العيب ‪.‬‬

‫• تقديم النصيحة له‪ :‬سواء قصر في واجب أو ارتكب منهي ًا عنه يقدم له النصيحة ويلتزم‬ ‫آدابها من مثل النصيحة على انفراد وأن تكون بلطف وأسلوب حسن‪.‬‬

‫املناقشة‬

‫‪ .1‬استشهد بآية كريمة ُّ‬ ‫تحث على اإلصالح بين المؤمنين ‪.‬‬ ‫‪ .2‬كيف ش ّبه رسول اهلل (�ص) المؤمنين في توادّهم؟‬

‫‪ .3‬عدد عشر ًة من حقوق األخوة واشرح خمس ًة منها مع الشاهد‪.‬‬ ‫‪ .4‬ما أثر غياب روح األخوة في المجتمع؟‬ ‫‪124‬‬


‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ح‬ ‫د‬ ‫ة‬ ‫ا‬ ‫خل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ة‬

‫‪125‬‬


‫الدر�ص االأو∫‪ :‬من القراآن الكريم‬ ‫سورة القصص من اآلية (‪)42-23‬‬

‫آيات الحفظ (‪)42-38‬‬

‫ﭑﭒﭓ‬ ‫ﱫ‪: 9 8 7 6 5 4 3 2 1 0 / . -‬‬ ‫;< = > ?@ ‪ K J I H GF E D C B A‬ﭼ ﭽ‬ ‫ﭾﭿﮀ ﮁﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋﮌﮍ ﮎﮏ‬ ‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬ ‫ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬ ‫ﮱﯓﯔ ﯕﯖﯗ ﯘﯙﯚﯛ ﯜ ﯝﯞﯟ ﯠ‬ ‫ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯰ ﯱ ﯲ‬ ‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ‬ ‫ﰄﰅﰆﰇﰈ !ﭒ ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭛ ﭜ‬ ‫ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬ ‫ﭬ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭴﭵﭶ ﭷﭸﭹ‬ ‫‪126‬‬


‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬ ‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬ ‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬ ‫ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬ ‫ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬ ‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ‬ ‫ﯼﯽﯾﯿﰀ ﭑﭒﭓﭔ ﭕﭖﭗﭘﭙ ﭚ‬ ‫ﭛﭜﭝﭞ ﭟﭠﭡﭢﭣ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩ‬ ‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺﭻ‬ ‫ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬ ‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬ ‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ‬ ‫ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬ ‫ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﱪ‬

‫�صدق الله العلي العظيم‬ ‫‪127‬‬


‫معاني الكلمات‬ ‫الكلمة‬

‫معناها‬

‫تلقاء مدين‬ ‫حجج‬ ‫أ ِنس‬ ‫ّ‬ ‫الطور‬ ‫جان‬

‫جهة قرية (مدين) وهي قرية نبي اهلل (شعيب (عليه السالم))‪.‬‬ ‫سنين‪.‬‬ ‫أبصر بوضوح‪.‬‬ ‫جبل في سيناء‪.‬‬ ‫حية خفيفة سريعة الحركة‪.‬‬

‫أسلك يدك‬

‫ادخلها‪.‬‬

‫األجل‬

‫الموعد المحدد‪.‬‬

‫جذوة‬

‫قطعة من الجمر ‪.‬‬

‫تصطلون‬

‫تستدفئون‪.‬‬

‫جان‬

‫حية خفيفة سريعة الحركة‪.‬‬

‫يعقب‬

‫يرجع‪.‬‬

‫الرهب‬

‫الخوف‪.‬‬

‫من غير سوء‬

‫من غير مرض كالبرص‪.‬‬

‫ردء ًا‬

‫عوناً‪.‬‬

‫المقبوحين‬

‫المهلكين‪.‬‬

‫المعنى العام‬ ‫ﱫ‪: 9 8 7 6 5 4 3 2 1 0 / . -‬‬ ‫;< = > ?@ ‪ K J I H GF E D C B A‬ﱪ‬ ‫ولما وصل موسى ماء (مدين) وجد على البئر زحام من الرعاة يسقون مواشيهم‪ ،‬ووجد‬ ‫امرأتين منفردتين من زحام الرعاة تبتعدان عن الماء‪ ،‬لعجزهما وضعفهما عن مزاحمة‬

‫الرجال‪ّ ،‬‬ ‫فرق لهما موسى وقال لهما‪ :‬ما شأنكما؟ فقالت إحداهما‪ :‬الطاقة لنا على مزاحمة‬ ‫الرعاة والنستقي حتى يسقي الناس‪ ،‬وأبونا شيخ كبير اليقوى على سقاية الغنم‪.‬‬ ‫‪128‬‬


‫ﱫﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﱪ فسقى موسى‬ ‫لهما غنمهما رحمة بهما‪ ،‬ثم تنحى جانب ًا فجلس تحت ّ‬ ‫رب إني‬ ‫ظل شجرة‪ ،‬وقال‪ّ :‬‬ ‫أي خير‪ ،‬كالطعام‪ ،‬وكان قد أشتدّ به الجوع‪.‬‬ ‫إلي من ّ‬ ‫محتاج إلى ماتسوقه ّ‬ ‫ﱫﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ‬ ‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﱪ‬ ‫فجاءت إحدى المرأتين اللتين سقى لهما إليه في حياء ‪ ،‬قالت ‪ّ :‬إن أبي يدعوك ليعطيك‬ ‫وقص عليه قصصه مع فرعون وقومه‪ ،‬قال له األب‪ :‬ال تخف‬ ‫أجر ما سقيت لنا‪ ،‬فلما جاء أباها ّ‬ ‫لقد نجوت من القوم الظالمين‪ ،‬وهم فرعون وقومه ‪ ،‬إذ ال سلطان لهم بأرضنا‪.‬‬ ‫ﱫﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﱪ قالت إحدى‬ ‫المرأتين ألبيها‪ :‬يا أبت استأجره لرعي أغنامنا وسقايتها‪ّ ،‬إن خير من تستأجره للرعي‬ ‫القوي على حفظ ماشيتك‪ ،‬األمين الذي ال تخشى خيانته فيما تأمنه عليه‪.‬‬ ‫ﱫﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬ ‫ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﱪ‬ ‫قال الشيخ لموسى ‪ :‬إني أريد إن أزوجك إحدى ابنتي هاتين‪ ،‬على أنْ تكون أجير ًا لي‬ ‫في رعي ماشيتي ثماني سنين مقابل ذلك‪ ،‬فإن أكملت عشر سنين فإحسان منك‪ ،‬وما أريد‬ ‫لين الجانب ومن‬ ‫أن أشقّ عليك بجعلها عشراً‪ ،‬وستجدني إن شاء اهلل حسن المعاملة‪ّ ،‬‬ ‫الصالحين‪.‬‬ ‫‪129‬‬


‫ﱫ ﯷﯸﯹ ﯺﯻﯼﯽ ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﱪ‬ ‫وقبل موسى (ع) أن يتزوج إحدى الفتاتين‪ ،‬ورضي الذي اختاره الشيخ‪ ،‬وقال موسى‪:‬‬ ‫وأي المدتين‪ ،‬الثماني أو العشر سنين‪ ،‬أقضيها‬ ‫ّإن ما قلته وعاهدتني عليه قائم بيني وبينك‪ّ ،‬‬ ‫علي‪ ،‬واهلل على ما نقول وكيل وشاهد على ما تعاهدنا عليه‪.‬‬ ‫في العمل فال إثم وال حرج ّ‬ ‫ﱫ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ‬ ‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﱪ‬ ‫أتم موسى المدة التي اتفقا عليها‪ ،‬سار بأهله إلى (مصر)‪ ،‬أبصر من بعيد نار ًا‬ ‫فلما ّ‬ ‫الطور‪ ،‬قال موسى ألهله‪ :‬تمهلوا فقد أبصرت نار ًا عن بعد‪ ،‬لع ّلي‬ ‫تتوهج من جانب جبل ّ‬ ‫آتيكم منها بقبس‪ ،‬أو آتيكم بشعلة من النار لعلكم تستدفئون بها‪.‬‬ ‫ﱫ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬ ‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬ ‫ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬ ‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬ ‫ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﱪ‬ ‫فلما أتى موسى النار ناداه اهلل من جانب الوادي األيمن لموسى في البقعة المباركة من‬ ‫جانب الشجرة‪ :‬أنْ يا موسى إنّي أنا اهلل رب العالمين‪ ،‬وأنْ ألقي عصاك‪ ،‬فألقاها فصارت ح ّية‬ ‫تسعى‪ ،‬فلما رآها موسى تضطرب وتتحرك كأنها ثعبان سريع الحركة‪ ،‬و ّلى هارب ًا منها‪ ،‬ولم‬ ‫يلتفت من الخوف‪ ،‬فناداه ّربه‪ :‬يا موسى أقبل إ ّلي وال تخف‪ ،‬إنك من اآلمنين من ّ‬ ‫كل خوف‪.‬‬ ‫‪130‬‬


‫وأدخل يدك يا موسى في جيب قميصك‪ ،‬ثم أخرجها تخرج بيضاء كالثلج من غير‬ ‫مرض‪ ،‬واضمم يدك إلى صدرك لتأمن من الخوف‪ ،‬فهذان ‪ -‬العصا واليد‪ٌ -‬‬ ‫قاطع على‬ ‫دليل‬ ‫ٌ‬ ‫صدقك‪ ،‬وهما آيتان من ربك إلى فرعون وأشراف قوم ِه وانها ُحج ٌة قوية للطغاة المتجبرين‬ ‫والخارجين عن طاعتنا‪ ،‬المخالفين ألمرنا‪.‬‬ ‫ﱫﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬ ‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﱪ‬ ‫رب إني قتلت من قوم فرعون نفساً‪ ،‬فأخاف أن يقتلوني‪ ،‬وأخي هارون‪ ،‬هو‬ ‫قال موسى ‪ّ :‬‬ ‫أفصح مني نطقاً‪ ،‬فأرسله معي عون ًا يصدقني‪ ،‬ويب ّين لهم عني ما أخاطبهم به‪ ،‬إني أخاف‬ ‫أن يكذبوني في قولي لهم ‪ :‬إني أرسلت إليهم‪.‬‬ ‫ﱫ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬ ‫ﯾ ﯿ ﰀﱪ‬ ‫سنقويك بأخيك‪ ،‬ونجعل لكما حجة على فرعون وقومه‪ ،‬فال يصلون إليكما‬ ‫قال اهلل لموسى‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫بسوء‪ ،‬أنتما ‪ -‬يا موسى وهارون ‪ -‬ومن آمن بكما المنتصرون على فرعون وقومه‪.‬‬ ‫ﱫ ﭑﭒﭓﭔ ﭕﭖﭗﭘﭙ ﭚ ﭛﭜﭝﭞ ﭟﭠ‬ ‫ﭡﭢ ﱪ‬ ‫نبوته‪ ،‬قالوا‪ :‬ما الذي جئتنا به‪ ،‬من‬ ‫فلما جاءهم موسى بالبراهين الساطعة‪ ،‬الدالة على صدق ّ‬

‫العصا واليد‪ ،‬إلاّ سحر افتريته كذب ًا وباطالً‪ ،‬وما سمعنا بهذا الذي تدعونا إليه في آبائنا‬

‫وأجدادنا األولين‪.‬‬ ‫ﱫﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭲ ﭳ ﭴ‬ ‫ﭵ ﭶ ﱪ قال موسى‪ّ :‬إن ما جئتكم به حقّ وليس بسحر‪ ،‬ور ّبي عالم بذلك‬ ‫يعلم أني محقّ وانتم مبطلون‪ ،‬ويعلم من تكون له العاقبة المحمودة في الدار اآلخرة‪ ،‬إنه‬ ‫ال يظفر الظالمون‪.‬‬ ‫‪131‬‬


‫ﱫﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬ ‫ﮆﮇﮈﮉ ﮊ ﮋﮌﮍﮎ ﮏﮐﮑﮒ ﱪ‬ ‫وقال فرعون ألشراف قومه‪ :‬ما علمت لكم من إله غيري‪ ،‬فاصنع لي يا هامان صرح ًا عالياً‪،‬‬ ‫لع ّلي أرى وأشاهد إله موسى الذي يعبده‪ ،‬ويدعو إلى عبادته‪ ،‬وإني ألظنه فيما يقول من‬ ‫الكاذبين‪.‬‬ ‫ﱫ ﮓﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞﮟ ﱪ‬ ‫واستعلى فرعون وجنوده في أرض (مصر) بغير الحق‪ ،‬وتك ّبر عن اإليمان بموسى‪،‬‬ ‫وحسبوا أنهم بعد مماتهم ال يبعثون‪.‬‬ ‫ﱫﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫﱪ‬ ‫يبق منهم أحد‪،‬‬ ‫فأخذ اهلل تعالى فرعون وجنوده‪ ،‬فألقاهم جميع ًا في البحر وأغرقهم فلم َ‬ ‫بربهم‬ ‫فانظر ‪ -‬يا محمد ‪ -‬كيف كانت نهاية هؤالء الذين ظلموا أنفسهم‪ ،‬فكفروا‬ ‫ِّ‬ ‫وكذلك هو جزاء الظالمين جميعاً‪.‬‬ ‫ﱫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗﯘ ﯙ‬ ‫ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﱪ‬ ‫وجعلنا فرعون وقومه قادة وزعماء في الكفر‪ ،‬ويوم القيامة ليس لهم ناصر يدفع عنهم‬ ‫العذاب‪ .‬وجعلنا اللعنة تلحقهم في هذه الحياة الدنيا من اهلل والمالئكة والمؤمنين‪ ،‬وفي‬ ‫اآلخرة هم من المبعدين المطرودين عن رحمة اهلل عز وجل‪.‬‬ ‫‪132‬‬


‫ما يرشد إلي ِه النص‬ ‫أهم ُ‬ ‫عفو غفور‪.‬‬ ‫‪ -1‬ان اهلل ٌ‬ ‫‪ -2‬استحباب إغاثة الملهوف‪.‬‬ ‫‪َ -3‬أهمية الحياء وال سيما للنساء‪ ،‬وعدم المخالطة قدر المستطاع‪.‬‬ ‫‪َ -4‬أهمية العمل ووجوب الوفاء بالعهد واألمانة‪.‬‬ ‫‪ -5‬تأييد اهلل تعالى ألنبيائه بالمعجزات‪.‬‬ ‫‪ -6‬طغيان اإلنسان مهما تعاظم فمصيره إلى زوال‪.‬‬ ‫وعلوه وفساده في األرض‪ ،‬هو صراع بين‬ ‫‪ -7‬ظلم فرعون وتجبره‪ ،‬ومن هم على شاكلته‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫جند الرحمن‪ ،‬وجند الشيطان‪.‬‬

‫املناقشة‬

‫‪ ( -1‬وجاء رجل من اقصى المدينة يسعى ) و ( وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى )‪:‬‬ ‫اقرأ هذين النصين الكريمين ملياً‪ ،‬ثم أجب عن اآلتي‪:‬‬ ‫أ‪ -‬أين موضع ّ‬ ‫كل من هاتين اآليتين؟‬ ‫كل منهما؟‬ ‫ب‪ -‬ما تفسير ٍ‬

‫جـ‪ -‬ابحث في الفرق بينهما من حيث التركيب اللغوي‪.‬‬

‫‪ -2‬ما سبب إقدام نبي اهلل (شعيب) على تزويج إحدى ابنتيه لموسى (ع)؟‬ ‫رب‬ ‫‪ -3‬تخيل شعور نبي اهلل موسى (ع) وهو يسمع نداء اهلل‪ :‬يا موسى إني أنا اهلل ُّ‬ ‫العالمين‪.‬‬

‫‪ ( -4‬إنه ال يفلح الظالمون ) ‪ ،‬ابحث عن اكبر عدد ممكن من اآليات المشابهة في سور‬ ‫القرآن الكريم بالمعنى نفسه‪ ،‬ثبت رقم اآلية واسم السورة‪.‬‬ ‫‪133‬‬


‫الدر�ص الثاني‪ :‬من الحديث النبوي ال�صريف‬ ‫للشرح‬

‫نزاهة الموظف‬

‫استعمل النبي (�ص) رج ً‬ ‫ابن اللتيبة على صدقات بني سليم‪ ،‬فلما‬ ‫ال من ا َألزد يقال له ُ‬ ‫إلي‪ ،‬فقام الرسول (�ص)‬ ‫جاء إلى النبي (�ص) وحاسبه قال‪ :‬هذا الذي لكم وهذا ُأهدي ّ‬

‫على المنبر فحمد اهلل وأثنى عليه ثم قال‪ :‬أما بعد فأني أستعمل الرجل منكم على العمل‬ ‫إلي ‪ ،‬أفال جلس في بيت أبيه وأمه حتى‬ ‫مما والني اهلل‪ ،‬فيأتي فيقول‪ :‬هذا هدية ُأهديت ّ‬ ‫أحد منكم شيئ ًا بغير ح ّقه ّإال لقى اهلل تعالى يحمله‬ ‫تأتيه هديته إن كان صادقاً‪ .‬واهلل ال يأخذ ٌ‬ ‫يوم القيامة ‪ .‬فال أعرفن أحد ًا منكم لقي اهلل يحمل بعير ًا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة‬ ‫تيعر‪ ،‬ثم رفع يديه حتى ُرئي بياض إبطيه فقال ‪ :‬ال ّلهم هل بلغت‪.‬‬ ‫صدق رسول اهلل (�ص)‬

‫معاني الكلمات‬ ‫الكلمة‬ ‫استعمل‬

‫معناها‬ ‫أوكل اليه عمالً‪ .‬وفي الحديث‪ :‬أوكل إليه أموال الزكاة ‪.‬‬

‫الرغاء‬

‫صوت البعير‪.‬‬

‫الخوار‬

‫صوت البقرة أو الثور ‪.‬‬

‫تيعر‬

‫تصيح‪ .‬واليعار ‪ :‬صوت الشاة‪.‬‬

‫‪134‬‬


‫‪T‬صر‪ ì‬الحديث ال�صريف‬ ‫ضعف من‬ ‫‪ -1‬تبتلى األمم في أيام محنتها وضعف نفوس أبنائها بكثير من األمراض التي ُت‬ ‫ُ‬ ‫وتقوض دعائم األمن والطمأنينة فيها‪.‬‬ ‫شأنها وتقضي على نظامها ِّ‬ ‫شر ما تصاب به األمم ّ‬ ‫تفشي الرشوة فيها وامتداد يد الحكام إلى تناول ما ليس من‬ ‫وأن َّ‬ ‫ح ِّقهم‪ ،‬فال ترى صاحب حقّ ينال ح ّقه ّإال إذا قدم هدية لمن عنده وسيلة الحصول عليها‪،‬‬ ‫والترى ذا ُظالمة يطمع في رفع ظالمته عنه ّإال برشوة من يقدر على رفعها ‪.‬‬ ‫‪ -2‬وفي هذا الحديث الشريف يضرب رسول اهلل (�ص) من نفسه مث ً‬ ‫ال لمن تو ّلى الحكم‬ ‫في محاسبة عمالهم ومرؤوسيهم على ما و َّلوهم عليه‪ ،‬فال ينامون عنهم وال يتركونهم‬ ‫يجمعون الثروات ويبتزون أموال الناس‪ ،‬مستغلين مناصبهم في اإلثراء غير المشروع‪،‬‬ ‫ويسلطون أذنابهم وأتباعهم يظلمون الناس في جباية األموال منهم بغير حقّ ‪ ،‬ويتخذون‬ ‫من هؤالء األتباع وسطاء البتزاز الرشوة واألموال‪ ،‬ترى الواحد منهم يتولى المسؤولية‬ ‫وهو فقير‪ ،‬فال يلبث ّإال قلي ً‬ ‫ال حتى يصبح ثر ّي ًا ذا مال كثير بما يقدم إليه من هدايا ورش ًا‬ ‫ُيتقى بها شره أويجتلب نفعه‪ ،‬ويكون من نتيجة ذلك انتشار الفساد في العمل الذي‬ ‫يتواله‪ ،‬وضياع حقوق الناس وسريان روح الفوضى واالضطراب في النفوس‪.‬‬ ‫‪ّ -3‬إن محاسبة الحكام والرؤساء مرؤوسيهم ومؤاخذتهم على ما يرتكبون من مخالفات‬ ‫تجعلهم حريصين على إقامة العدل بين الناس والسهر على راحتهم وقضاء مصالحهم‪،‬‬ ‫فينصرف الناس إلى أعمالهم تسودهم الطمأنينة ويعيشون في ِّ‬ ‫ظل األمن والسكينة ‪.‬‬ ‫‪ -4‬وقد ّ‬ ‫حذر رسول اهلل (�ص) من سوء العاقبة لمن يأخذ ما ًال ال حقَّ له فيه بأن يأتي يوم‬ ‫القيامة يحمل ما أخذه على كتفه فيفتضح أمره ويعرف عنه الخالئق ظلمه وجوره ‪ ،‬وهو‬ ‫تصوير لما يالقيه هؤالء من الفضيحة والعار في الدنيا واآلخرة‪.‬‬ ‫‪135‬‬


‫ما يرشد إلي ِه النص‬ ‫أهم ُ‬ ‫‪ -1‬من واجب الحكام والرؤساء أن يحاسبوا موظفيهم وعمالهم محاسب ًة دقيقة وال سيما‬ ‫على المال الذي يزيد في ثروتهم مدة عملهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬يجب ّأاليقبل من يتولى عم ً‬ ‫ال له عالقة بمصالح الناس شيئ ًا من المال ال على سبيل‬ ‫ّ‬ ‫وتظل نفسه في سكينة‬ ‫الرشوة وال على سبيل الهدية‪ ،‬لكي يدرأ عنه الشبهات‬ ‫وطمأنينة‪.‬‬ ‫‪ -3‬الموظف خادم وأمين على عمله ويجب أن يوقف جهوده على المصلحة العامة‪ ،‬فإن‬ ‫قصر في مسؤوليته وخان األمانة‬ ‫استغل منصبه ونفوذه لتحقيق منفعة شخصية فقد ّ‬

‫وأضر بمصالح الناس‪.‬‬ ‫َّ‬

‫‪ -4‬ومن المفيد أن نذكر هنا أن سوء عاقبة أخذ الهدية أو الرشوة المحرمة ال يصيب‬ ‫فقط من يقبلها‪ ،‬وإنما يصيب من يعطيها ومن يكون واسطة بين االثنين كذلك‪ ،‬وفي‬ ‫هذا يقول (�ص)‪( :‬لعن اهلل الراشي والمرتشي والرائش)‪ .‬والرائش‪ :‬هو الوسيط بين‬ ‫الراشي والمرتشي‪.‬‬

‫املناقشة‬

‫‪ -1‬ما نتيجة انتشار الرشاوى في المجتمع؟‬ ‫‪ -2‬ما عاقبة من يأخذ ما ًال ال حقَّ له فيه يوم القيامة؟‬ ‫‪ -3‬ماواجب الحكام تجاه موظفيهم إذا ما رأوا أنهم قد أثروا ثرا ًء غير مشروع؟‬

‫‪( -4‬قبول الموظف الهدية ضرب من ضروب الرشوة) ما أثر ذلك في أمن المجتمع‬ ‫وتقدمه؟‬

‫‪( -5‬استغالل الموظف منصبه في اإلثراء غير المشروع يؤدي إلى تقويض دعائم‬ ‫المجتمع وقيمته) ما واجب الحاكم لمنع ذلك؟‬ ‫‪ -6‬متى ُتعدّ الهدية رشوة؟‬ ‫‪136‬‬


‫الدر�ص الثالث‪ :‬من ق�ص�ص القراآن‬ ‫ذو القرنين‬ ‫ﱫ ‪% $ # " ! Ý Ü Û Ú Ù Ø ×Ö Õ Ô Ó‬‬ ‫& ' () * ‪ . - , +‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬ ‫‪; : 9‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ‪M L K J I‬‬ ‫‪ V U T S R Q P O N‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ‬ ‫ﮒﮓﮔ ﮕﱪ‬

‫الكهف‪٨٨ - ٨٣ :‬‬

‫سئل النبي محمد (�ص) عن ذي القرنين ما شأنه‪ ،‬وما قصته؟ فأنزل اهلل على رسول ِه من‬ ‫نبأه وخبره قرآن ًا ووحياً‪.‬‬ ‫وسمي‬ ‫و(ذو القرنين) هو عبد صالح م َّلكه اهلل األرض وأعطاه العلم والحكمة والسلطان ُ‬ ‫يسر اهلل له أسباب‬ ‫ذي القرنين لبلوغه المشرق والمغرب‪ ،‬فكأنه حاز قرني الدنيا‪ ،‬وقد ّ‬ ‫الملك والسلطان والفتح والعمران‪ ،‬وأعطاه اهلل سبحانه ّ‬ ‫كل ما يحتاج إليه للوصول إلى‬ ‫غرضه‪ ،‬من أسباب العلم والقدرة والتصرف واإللهام القلبي الذي يمنحه اهلل لغير األنبياء قال‬ ‫تعالى‪ :‬ﱫ! " ‪ + * ) ( ' & % $ #‬ﱪ‬

‫الكهف ‪٨٤ :‬‬

‫وذلك عندما قام بثالث حمالت عسكرية مظفرة‪.‬‬ ‫‪137‬‬


‫المرحلة األولى‪:‬‬ ‫شقَّ ذو القرنين طريقه نحو المغرب ﱫﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬ ‫المحملة بالطين األسود‪ ،‬ورأى الشمس‬ ‫مكان مغمور بالمياه‬ ‫ﭨ ﭸ ﱪ أي أنه أنتهى إلى ٍ‬ ‫ّ‬ ‫تغرب هناك‪ ،‬وهذا ُّ‬ ‫يدل على أنه وصل إلى شاطئ مياه تغمر مساحة واسعة من األرض‪ ،‬ولذلك‬ ‫رأى الشمس كأنها تغرب فيها‪.‬‬ ‫واألية ّ‬ ‫جرار ًا وقدرة مالية ووسائل نقل وأرزاق ًا متوافرة‬ ‫تدل على أن لذي القرنين جيش ًا ّ‬ ‫إلى غير ذلك مما تتوقف عليه تلك الرحالت العسكرية بواسطة المواصالت الرائجة‬ ‫في ذلك العصر‪ .‬فلما وصل إلى البالد التي تقع عندها هذه العين‪ ،‬ترك له سبحانه‬ ‫كما هو ظاهر اآلية‪ -‬حرية معاملة أهلها‪ :‬ﱫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬‫ﭷ ﭸ ﱪ وكل ذلك كان من قبيل اإللهام القلبي الذي يمنحه سبحانه لغير األنبياء‬ ‫خيره بين تعذيبهم واإلحسان إليهم‪ ،‬ولم يكن التعذيب مختص ًا‬ ‫وان اهلل سبحانه وتعالى ّ‬ ‫بالمشركين بل يعم المفسدين ولذلك زاد اإليمان العمل الصالح وقال‪ :‬ﱫ ﮇ ﮈ ﮉ‬ ‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﱪ فشرط العمل الصالح وراء اإليمان‬ ‫وسنقول له من أمرنا يسرا) أي نعامله بالحسنى قو ًال وعمالً‪.‬‬

‫المرحلة الثانية‪:‬‬ ‫ﱫﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬ ‫أتم ذو القرنين رحلته األولى وبلغ مقصوده وغايته‪ ،‬بدأ برحلة أخرى تقابل‬ ‫ﮨ ﮩﱪ لما َّ‬ ‫األولى أي رحل إلى جهة المشرق‪ ،‬فوجد هناك أناساً‪ ،‬وصف تعالى حالهم بقوله‪ :‬ﱫ ﮣ ﮤ‬ ‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﱪ أي من دون الشمس‪ ،‬فيظهر أن األرض كانت صحراوية قاحلة‬ ‫‪138‬‬


‫وكان أهلها يعيشون فيها عيشة بدائية‪ .‬فلم يعرفوا بناء البيوت التي تؤويهم وتحجبهم‬ ‫عن الشمس‪ .‬ويمكن أن يقال إنه يحتمل أنه تركهم بحالهم فلم يكونوا ناضجين من ناحية‬ ‫الفكر والعقل لعدم فهمهم للقول‪.‬‬

‫المرحلة الثالثة‪:‬‬ ‫أتم ذو القرنين رحلته إلى الشرق والغرب‪ ،‬ذكر القرآن الكريم رحلة ثالثة له وهذا ما‬ ‫ولما َّ‬ ‫تشير إليه اآليات التالية‪ :‬ﱫ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬ ‫ﯱﯲﯳﯴﯵ ﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﯾﯿ ﰀﰁ ﰂﰃﰄ‬ ‫ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ‬ ‫ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬ ‫ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﱪ شرع ذو القرنين هذه المرة برحلة ثالثة‪ ،‬وسلك طريق ًا لم يحدد‬ ‫القرآن الكريم اتجاهه‪ ،‬ألن هدف القرآن الكريم يتعلق بالقصة نفسها ال بخصوصياتها‪.‬‬ ‫وصل ذو القرنين الى مكان يقع بين جبلين منيفين‪ .‬ووجد قريب ًا منهما أمة من الناس‬ ‫يصعب التفاهم معهم‪ .‬لبساطتهم وسذاجة فهمهم أو لغرابة لغتهم طلب هؤالء القوم من ذي‬ ‫القرنين ‪-‬لما رأوا ما معه من القدرة والعدد والقوة والعظمة‪ -‬أن ُيحدث لهم سدّ ًا بين الجبلين‪،‬‬ ‫ليحول دون إغارة يأجوج ومأجوج عليهم من خالل هذا المضيق مرة بعد أخرى‪ :‬ﱫﯤ‬ ‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﱪ‬ ‫وهذا ُّ‬ ‫يدل على أنه كان بين هؤالء القوم والمفسدين سلسلة جبال شاهقة ال يمكن تسلقها‬ ‫خصوص ًا بدوابهم ومراكبهم لإلغارة‪ ،‬ولكن كان هناك مضيق بين الجبلين يسهل لهم العبور‬ ‫‪139‬‬


‫إلى أراضي اآلخرين واإلغارة عليها من خالله‪ ،‬ومن هنا اقترحوا على ذي القرنين أن يسدَّ لهم‬ ‫هذا المضيق‪ ،‬في مقابل مبلغ من المال يدفعونه إليه‪.‬‬ ‫استجاب ذو القرنين القتراحهم معرب ًا عن استغنائه عن المال الذي عرضوه عليه‪ ،‬قائ ً‬ ‫ال ‪:‬‬ ‫ﱫ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﱪ أي‪ :‬ما أعطاني اهلل من السلطان والمال خير من المال الذي تريدون‬ ‫بذله‪ ،‬لكن يجب عليكم المشاركة بشكل آخر ﱫ ﯾ ﯿ ﱪ والمراد بالقوة العمال‬ ‫وأدوات البناء ﱫﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﱪ حاجز ًا حصيناً‪.‬‬ ‫ثم بدأ بالعمل ﱫ ﰅ ﰆ ﰇﱪ وقاموا بقطع الحديد ثم إشعال النار فيه ثم أذاب‬ ‫النحاس فص َّبه على الحديد المسخن لكي يتماسك ويزيد صالبة فصار سد ًا منيعاً‪ .‬وهذا‬ ‫ُّ‬ ‫تسور السد‬ ‫يدل على تقدم الحضارة آنذاك وهكذا عجز المفسدون (يأجوج ومأجوج) عن ّ‬ ‫والصعود عليه ﱫﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﱪ كما عجزوا عن خرقه والنفوذ منه ﱫ ﰟ‬ ‫ﰠ ﰡ ﰢ ﱪ ثم أشار ذا القرنين بعد انجاز السدّ إلى أمرين‪.‬‬ ‫وجه فكرهم إلى أن العمل رحمة من اهلل سبحانه وتعالى ونعمة منه أجراها على يده وهذا‬ ‫‪َّ -1‬‬ ‫ّ‬ ‫يغتر بإنجازه لهذا العمل ولم‬ ‫يدل على كونه مؤمن ًا متواضع ًا شاكر ًا اهلل تعالى ‪ -‬فلم ّ‬ ‫يفتخر به بل نسبه إلى اهلل سبحانه وتعالى و قال‪ :‬ﱫ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﱪ‪.‬‬ ‫‪ّ -2‬إن ّ‬ ‫لكل شيء أج ً‬ ‫ال حتى األبنية الشاهقة والسدود المحكمة‪ ،‬فلها عمر محدود وتنتهي‬ ‫بعده وتزول من الوجود‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ‬ ‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﱪ‪.‬‬ ‫‪140‬‬


‫ما يرشد إلي ِه النص‬ ‫أهم ُ‬ ‫‪َ -1‬أن اهلل سبحانه خلق العالم على نظام األسباب والمسببات‪ ،‬وجعل ّ‬ ‫لكل ظاهرة‬ ‫سبب ًا وع ّلة‪.‬‬ ‫‪َ -2‬أن على الحاكم الصالح أن يتبع نظام ًا عاد ًال يحضى فيه المؤمنون الصالحون‬ ‫العاملون خير ًا بالتكريم والتقدير واإلحسان ويلقى فيه الشريرون والمسيئون‬ ‫اإلهانة واإلذالل والعقاب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يسخر نفسه لخدمة الرعية وال يمنعه تخلفهم وقلة‬ ‫‪ -3‬أن الحاكم الصالح يجب أنْ‬ ‫فطنتهم عن توفير مصالحهم وتحقيق منافعهم‪.‬‬ ‫‪ّ -4‬أن األرض واألمان من ِن َع ِم اهلل الكبرى ومن شروط الحياة االجتماعية السالمة‪.‬‬ ‫‪ -5‬يرشدنا عمل ذي القرنين إلى ّأن االتقان في العمل وإحكامه هو المطلوب‪.‬‬ ‫‪َ -6‬أن اإلنسان المؤمن َيش ُعر بفقره إلى اهلل تعالى مهما بلغ من القدرة والعظمة ويشعر‬ ‫ّ‬ ‫بدت عظيمة‬ ‫بأن ما ينجزه من أعمال كبيرة‪ ،‬ال يستند إلى قدرته المحدودة وإنْ ْ‬ ‫في مقياس البشر‪ ،‬بل إلى قدرة اهلل المطلقة التي أفاضت عليه بالنعم وشملته‬ ‫باأللطاف‪.‬‬

‫املناقشة‬

‫‪ -1‬لماذا سمي بذي القرنين؟ ومن وهبه األسباب؟‬ ‫أي طريق كان الخطاب لذي القرنين مع العلم أنّه لم يكن نبياً؟‬ ‫‪ -2‬عن ّ‬

‫ّ‬ ‫‪ -3‬ذو القرنين‪َ ،‬ض َرب مث ً‬ ‫والتوكل على اهلل‪ّ ،‬بين ذلك‪ ،‬واستشهد عن ذلك‬ ‫ال في النزاهة‬ ‫بآية كريمة‪.‬‬

‫‪ -4‬ما الغاية من طلبهم إلى ذي القرنين‪ ،‬بناء السدّ ؟‬ ‫‪141‬‬


‫الدر�ص الرابع‪:‬االبحاث‬ ‫المحـرمـة‬ ‫المعامـالت‬ ‫ّ‬ ‫لقد ر ّبى اإلسالم في نفوس معتنقيه‪ ،‬أدب التزام تعاليمه‪ ،‬والرقابة التي يشعر المسلم من‬ ‫خاللها أن اهلل ُم ّطلع عليه‪ ،‬وال تخفى عليه خافية‪ ،‬وال يغفل عنه طرفة عين مما يوجب على‬ ‫المسلم الخشية من اهلل تعالى والخوف من عقابه ومراقبة أعماله‪ ،‬فيعصمه ذلك عن مخالفة‬ ‫شرعه والتزام أوامره ومنها السعي إلى الكسب الحالل واالبتعاد عن الحرام والمعامالت‬ ‫المحرمة‪ .‬إن المال الحرام إنما يحرم إما لمعنى في عينه أو لخلل في جهة اكتسابه‪ .‬أ ّما الحرام‬ ‫ّ‬ ‫لصفة في عينه كالخمر والخنزير والميتة‪ ،‬وكل ما يزيل العقل أو يزيل الحياة فمزيل العقل‬ ‫الخمر وسائر المسكرات‪ ،‬ومزيل الحياة السموم‪ ،‬ومزيل الصحة األدوية في غير وقتها‪.‬‬ ‫وإما ماكان لخلل في جهة اكتسابه نحو الربا والقمار والسطو وغيره‪ ،‬فمن اكتسب مالـه عن‬ ‫ضرر بالناس‬ ‫طريق هـذه األمور فقد ِأذن‬ ‫ٍ‬ ‫بحرب من اهلل تعالى وعقابه؛ وذلك لما ُيلحقه من ٍ‬ ‫وإساءة إليهم‪ ،‬كالتعامل بالربا‪ ،‬أو أخذ الرشاوي‪ ،‬أو الغش التجاري أو السرقة أوالسطو على‬ ‫ّ‬ ‫والغش والغبن واالستغالل‪ ،‬والخداع‪ ،‬والقمار أو‬ ‫أموال الناس وممتلكاتهم وأكلها بالباطل‬ ‫محرم‬ ‫الحرابة ‪ -‬أي قطع الطريق وتسليب الناس ‪ -‬أو فوائد القروض والبيوع‪ ،‬وبيع ماهو ّ‬ ‫كالخمر والمخدرات وما انتهت صالحيته من طعام ودواء وجميع حاالت أكـل أمــوال الناس‬ ‫بالبـاطل‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫ﱫ‪xw vutsr qpo nmlk‬‬ ‫‪|{zy‬ﱪ‬ ‫‪142‬‬


‫وقال رسول اهلل (�ص)‪ُّ « :‬‬ ‫كـل المسلم على المسلم حرام‪ :‬دمه وماله وعرضه»‪.‬‬ ‫كسب المال عن هذا الطريق بالباطل قت ً‬ ‫ال وضياع ًا َلمن قام بهذا‬ ‫وقد عـدّ القرآن الكريم ْ‬ ‫الكسب لما سيناله من عقوبة عاجلة وأخرى آجلة‪ .‬ولذا ُت َع ِّقب اآلية بقول اهلل ّ‬ ‫جل شأنه‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ﱫﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬ ‫ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬

‫ﮀ ﮁ ﮂ ﱪ النساء‪29 :‬‬

‫ُّ‬ ‫الكسب‬ ‫بتحري الحالل في‬ ‫الم ْث ِمر‪ ،‬ويأمر‬ ‫ِّ‬ ‫دائما على العمل الجاد ُ‬ ‫ويحث اإلسالم ً‬ ‫ْ‬ ‫واالبتعاد عن الشبهات‪.‬‬ ‫لقد حدّ د اإلسالم الطرق السليمة التي يكسب منها المسلم ماله والطرق المشروعة‬ ‫الستثمارالمال ومنعه عما وراء ذلك‪ .‬ومن المعامالت المحرمة‪:‬‬ ‫حرم اإلسالم الحصول على الثروة عن طريق الربا تحريم ًا بات ًا وجعلها من‬ ‫‪ .1‬الربا‪ :‬لقد ّ‬ ‫بحرب من اهلل ورسوله قال تعالى‪ :‬ﱫﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬ ‫وتوعـد مرتكبيها‬ ‫الكبائر ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ‬ ‫ﯞﯟﯠ ﯡﯢ ﯣﯤﯥﯦ ﱪ‬

‫البقرة‪٢٨٠ - ٢٧٥ :‬‬

‫هذا في الدنيـا أ ّما في اآلخرة فعقابه أشدّ وخزيه أكبر ومهما كان نوع الربا ومقداره‬ ‫فهو حرام اليجوز تملكه؛ وذلك لما يخ ّلفه من آثار في الفرد والمجتمع كالتضخم وارتفاع‬ ‫األسعار وزيادة معدالت الفقر‪ ..‬وفي مقابل ذلك ّ‬ ‫حث اهلل تعالى الدائنين على التسامح اتجاه‬ ‫‪143‬‬


‫المدينين الذين اليستطيعون َأداء الدين في موعده ‪ ،‬بتمديد األجل أو بالتنازل عن الدين‬ ‫أو بجزء منه ‪ ،‬من دون مقابل قال تعالى ‪ :‬ﱫ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ‬ ‫ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﱪ‬

‫البقرة ‪٢٨٠ :‬‬

‫وحرم تملك مايأتي‬ ‫حرم اإلسالم النفوذ والسلطان للحصول على المال ّ‬ ‫‪ .2‬استغالل النفوذ ‪ّ :‬‬ ‫وضمه إلى بيت مال المسلمين إلنفاقـه في‬ ‫عن هذا الطريق وأجاز لولي األمر مصادرته‬ ‫ّ‬ ‫سن قانون الكسب غير‬ ‫المصالح العامة على المحتاجين منهم ‪ ،‬وهو بذلك أول تشريع ّ‬ ‫المشروع ون ّفـــذ قانون ( من أين لك هذا؟)‬ ‫‪ .3‬الرشوة الظاهرة‪ :‬محرمة ‪ ،‬وهي التي تقدم إلى الحكام وذي النفوذ لتحقيق نفع مادي أو‬ ‫لتيسير االستيالء على أموال الناس بالباطل‪.‬‬ ‫محرمة أيضا‪ :‬وهي التي تتمثل في هدايا تقدم إلى الحكام والموظفين‬ ‫‪ .4‬والرشوة المستترة‪ّ :‬‬ ‫لتحقيق غرض غير مشروع أو تسيير معاملة‪.‬‬ ‫حرم اإلسالم الغش في المبيعات وإخفاء عيوبها قال رسول اهلل‬ ‫‪ .5‬الغش في المبيعات ‪ّ :‬‬ ‫(�ص)‪( :‬من ّ‬ ‫غش أمتي فليس مني ) وقال (�ص)‪( :‬ليس م ّنا من غشنا)‪ .‬وقال (�ص)‪:‬‬ ‫(البيعان بالخيار مالم يفترقا‪ ،‬فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا‬ ‫حرم ال ُغبن الفاحش وهو الخداع في البيع ‪.‬كأن يبيع‬ ‫ُمحقت برك ُة بيعهما)‪ ،‬كما قد ّ‬ ‫البائع الشيء بأكثر مما يساوي أوبأقل مما يساوي وقال (�ص)‪ ( :‬إذا بايعت فقـل‬ ‫الخالبة ) أي الخداع‪.‬‬ ‫‪144‬‬


‫حرم اإلسالم التدليس في البيع‪ ،‬وهو أن يكتم البائع العيب الذي في السلعة‬ ‫‪ .6‬التدليس‪ّ :‬‬ ‫على المشتري مع علمه به‪ ،‬أو يغطي العيب عنه بما يوهم المشتري َّأن السلعة سليمة‬ ‫يوجه السلعة بإظهار أنها حسنة كلها‪ ،‬أما التدليس من جانب المشتري‬ ‫من العيوب‪ ،‬أو ّ‬ ‫فبأن يزيف العملة ‪ ،‬أو يكتم مافيها من زيف مع علمه به‪.‬‬ ‫حرم اإلسالم أكـل السحت من المال قال رسول اهلل (�ص)‪( :‬اليدخل الجنة ‪،‬‬ ‫‪ .7‬السحت ‪ّ :‬‬ ‫لحم نبت من السحت‪ ،‬ومن نبت لحمه من السحت كانت النار أولى به)‪ ،‬ومن السحت‬ ‫حرم كسب المال‬ ‫أن يبيع المسلم‬ ‫حرم اهلل تعاطيها ّ‬ ‫ماحرمه اهلل كالخنزير والخمر فكما ّ‬ ‫ّ‬ ‫ببيعها قال تعالى‪:‬‬ ‫ﱫﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﱪ‬ ‫املائدة‪62 :‬‬

‫حرم مايربحه المقامرمن طريق القمار ‪.‬‬ ‫وكذلك ّ‬ ‫حرم اإلسالم التطفيف في الكيل والميزان قال تعالى ‪:‬‬ ‫‪ .8‬التطفيف‪ّ :‬‬ ‫ﱫﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬ ‫ﯦﯧﯨﯩ ﯪﯫﯬﯭ ﯮﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﱪ‬ ‫املطففني‪٦ -١ :‬‬

‫‪145‬‬


‫ويقص علينا القرآن الكريم قصة أصحاب األيكة الذين كانوا يط ّففون الكيل والميزان‬ ‫ُّ‬ ‫فأرسل اهلل إليهم شعيبا لهدايتهم وينهـاهم عن ذلك‪ ،‬فلم ينتهوا‪ ،‬فأهلكهم اهلل بذنوبهم‬ ‫وأعدّ لهم عذاب ًا أليم ًا في اآلخرة‪.‬‬ ‫‪ .9‬السحر والشعوذة والكهانة والتنجيم‪ :‬السحر من الكبائر وهو عزائم ورقى وعقد يؤ ِّثر‬ ‫فيمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه‪ ،‬وهو كفر‪ ،‬والساحر‬ ‫في القلوب واألبدان‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫كافر باهلل العظيم‪ ،‬وما له في اآلخرة من خالق‪ ،‬قال اهلل تعالى‪:‬‬ ‫ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬ ‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ‬ ‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬ ‫ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬ ‫ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ‬ ‫ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﱪ‬ ‫البقرة ‪102 :‬‬

‫‪146‬‬


‫شر النفاثات في ال ُعقد‪ .‬وأ ّما التنجيم أومايسمى باألبراج‪ :‬فهو‬ ‫لذا وجب التعوذ باهلل من ّ‬ ‫االستدالل باألحوال الفلكية على الحوادث األرضية التي لم تقع‪ ،‬قال رسول اهلل (�ص)‪:‬‬ ‫«من اقتبس علما من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد»‪ .‬وأ ّما الكهانة‪ :‬فهي‬ ‫ّ‬ ‫الكف والفنجان‪ ،‬وجميع‬ ‫ادعاء علم الغيب كالضرب بالحصى وادعاء علم الغيب وقراءة‬ ‫ّ‬ ‫وكل مال يكسب من خاللها محرم أشدّ التحريم وأثم من يذهب‬ ‫محرمة‬ ‫هذه األعمال ّ‬ ‫إلى ساحر أو عراف! قال النبي (�ص)‪:‬‬ ‫ين ْليلةً)‪.‬‬ ‫( َم ْن َأ َتى َع َّ‬ ‫ــرافًا َف َس َأل ُه َع ْن شَ ْيءٍ ْلم تُقْ َبل ل ُه َصال ٌة َأ ْر َب ِع َ‬ ‫حرم اإلسالم احتكارالضروريات للتحكم في أسعارها‪ ،‬وفي هذا يقول‬ ‫‪ .10‬االحتكــار‪ّ :‬‬ ‫(�ص)‪َ ( :‬م ْن احتكر طعامـ ًا أربعين يوما فقد برأ من اهلل وبرأ اهلل منه)‪.‬‬ ‫وحكم االحتكار مصادرة المال المحتكر وبيعه بالمثل وتسليم الثمن إلى صاحبه‪ ،‬وقال‬ ‫(�ص)‪« :‬من احتكر طعام ًا يريد أن يغلي بها على المسلمين‪ ،‬فهو خاطئ‪ ،‬وقد برئت منه‬ ‫ذمة اهلل ورسوله» والقاعدة اإلسالمية التي تخضع لها جميع المعامالت هي قول رسول‬ ‫اهلل‪( :‬الضرر وال ضرار) ‪.‬‬

‫‪147‬‬


‫فحري بنا التزام أوامر اهلل تعالى‬ ‫مما تقدم تتبين لنا صور المعامالت والكسب الحرام ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫باجتناب هذه المعامالت وهذا الكسب المحرم‪ ،‬لما فيه من ضرر كبير على المجتمع فيشيع‬ ‫يضر بصاحبه فينال عقابا‬ ‫الفقر والطبقية وارتفاع األسعار والضغينة والعداوة والفساد كما ّ‬ ‫عاجال في الدنيا وحربا من اهلل تعالى ورسوله في اآلخرة وخلود ًا في جهنم ‪.‬‬

‫املناقشة‬

‫‪ .1‬ما الذي يترتب على الخشية من اهلل تعالى والخوف من عقابه ومراقبة أعماله؟‬ ‫وضح‬ ‫‪( .2‬المال الحرام إنما يحرم إما لمعنى في عينه أو لخلل في جهة اكتسابه)‪ّ ،‬‬ ‫معنى ذلك‪.‬‬ ‫‪ .3‬مامعنى ّ‬ ‫كل من الكهانة والتنجيم؟ وماحكم المال المكسوب بالعمل بهما ؟‬ ‫ممن يأكلون المال الحرام ‪ ،‬ب ّين نوع كسبهم‪.‬‬ ‫‪ .4‬لقد كان أصحاب األيكة ّ‬ ‫المحرمة‪ ،‬واشرح خمس ًا منها مع االستشهاد على‬ ‫‪ .5‬عدد عشر ًا من طرق الكسب ّ‬ ‫حرمتها من القرآن الكريم أو السنة المطهرة ‪.‬‬ ‫‪ .6‬ماحكم االحتكار ؟‬

‫‪148‬‬


‫الدر�ص الخام�ص‪ :‬التهذيب‬ ‫اإلسالم يخرجنا من الظلمات إلى النور‬ ‫أشرق فجر اإلسالم بنوره وعقيدته السمحة ومبادئه السامية ليزيح غياهب الظلمات‬ ‫ويخرج الناس من عتمة الكفر والعبودية‪ ،‬إلى نور الرحمة والعدل اإللهي‪ ،‬ومما تجدر اإلشارة‬ ‫إليه أن أعداء اإلسالم يسعون بشتى الطرق إلى تشويهه من خالل تصويره دين حرب ودماء‬ ‫وعبودية شجعهم على ذلك تصرفات أدعياء اإلسالم من المأجورين لتشويه صورته السمحة‪،‬‬ ‫لذا كان البدّ لنا من أن نعرض عليكم ‪ -‬طلبتنا األعزاء ‪ -‬بعض ًا من سمات المجتمعات في‬ ‫الجاهلية ونقارن بينها وبين ماجاء به اإلسالم لر ّد شبهات األعداء إلى نحورهم‪.‬‬

‫اتسمت مجتمعات ماقبل اإلسالم الجاهلية بما يأتي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الضالل العقائدي‪ .‬فكانت عباداتها على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫أ‪ .‬عبادة األصنام‪ :‬وتتمثل بتقديسها والتقرب إليها بالنذور وتقديم القرابين لها‪ ،‬وتعدّ‬ ‫مكة من أهم مراكز عبادة األصنام في الجزيرة العربية آنذاك‪ ،‬كما تعدّ قريش إالبني‬ ‫هاشم أهم قبيلة عربية إبراهيمية تدعو إلى عبادة األصنام‪.‬‬ ‫ب ‪ .‬عبادة الملوك‪ :‬وتتمثل بتقديس أوامرهم وجعلها دينا وقانونا يؤخذ به سواء كانوا‬ ‫أحيا ًء أو أموا ًتا‪ ،‬وتعدّ المدائن في العراق عاصمة الفرس الساسانيين الزرادشيين ‪ ،‬من‬ ‫أهم مراكز عبادة الملوك آنذاك‪.‬‬ ‫‪149‬‬


‫ج ‪ .‬عبادة األحبار (علماء اليهود) والرهبان (علماء النصارى)‪ :‬وتتمثل بتقديس‬ ‫أوامرهم وتشريعاتهم أحياء وأموات ًا مع وضوح مخالفتها لكتب اهلل وسنن أنبيائه‪ ،‬و ُت َعدُّ‬ ‫يثرب واليمن ِ‬ ‫والكفْ ل قرب الحيرة في العراق آنذاك من أهم مراكز اليهودية‪ ،‬وكذلك‬ ‫كانت نجران والحيرة والشام والحبشة من أهم مراكز النصرانية‪.‬‬

‫د‪ .‬عبادة الشهوات من األموال والنساء واألوالد‪:‬‬

‫فكانوا ُأسارى لشهواتهم‬

‫شح وبخل شديد وكان الرجل يتزوج من النساء قدر مايشاء وله‬ ‫ورغباتهم دون ضابط‪ ،‬مع ٍّ‬ ‫من اإلماء والجواري ماال يعدّ والسيما إذا كان غنياً‪.‬‬ ‫وجاء اإلسالم ُليحرر اإلنسانية من عبادة الطاغوت والحجارة إلى عبادة سامية‪ ،‬عبادة‬ ‫القادر الواحد األحد الذي يستدل عليه بعظمة خلقه وقدرته التي يعجز عنها جميع خلقه‬ ‫قال تعالى‪ :‬ﱫ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﱪ‬ ‫وقال تعالى‪ :‬ﱫ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﱪ‬

‫يونس‪١٠٥ :‬‬

‫البقرة‪١٦٣ :‬‬

‫وحرر اإلنسان من الخضوع إلى عبودية السلطان فأمر بأعظم الجهاد فقال رسول اهلل‬ ‫(�ص)‪( :‬أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر)‪ ،‬وحرره من عبودية المال فأمر‬ ‫باإلنفاق والصدقة ليهذب النفوس ويسدّ حاجة المحتاجين‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱫﮡ ﮢ‬ ‫ﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮩﮪﮫﮬﮭ‬ ‫ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﱪ‬ ‫‪150‬‬

‫التوبة‪٦٠ :‬‬


‫وحرم الزنا فأبعد َّ‬ ‫رق السفاح‪ .‬فقال‬ ‫وحرر اإلنسان من عبودية الشهوات فأمر بالتزويج‪َّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫تعالى‪ :‬ﱫ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﱪ اإلرساء‪ ، ٣٢ :‬فقال رسول اهلل‬ ‫وحرم اهلل تعالى الزنا لما له من آثار وخيمة في‬ ‫(�ص)‪( :‬من استطاع الباءة منكم فليتزوج)‪َّ .‬‬ ‫األبناء واألنساب واألعراض ومخاطر على النفس‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬الضالل االجتماعي‬ ‫الذي تمثل بصور شتى منها ‪:‬‬

‫‪ -1‬كثرة الحروب واالقتتال ألتفه األمور ‪:‬‬ ‫فكانت حياتهم تتسم بالقسوة والغلظة والتقاتل فلقد كان الناس في الجاهلية قبل‬ ‫هم لها إلاّ المفاخرة والتعالي بعضهم على بعض‪ ،‬تشتعل‬ ‫اإلسالم قبائل متنازعة متناحرة‪ ،‬ال َّ‬ ‫الحرب بينهم ألتفه أمر‪ ،‬وقد تستمر الحرب بينهم لعشرات السنوات ألجل ناقة ‪ -‬على‬ ‫سبيل المثال ‪ -‬كما حصل في حرب البسوس التي استمرت أربعين سنة بين تغلب وبكر؛‬ ‫مرة الكلبي‪.‬‬ ‫ألن كليب بن ربيعة التغلبي قتل ناقة البسوس خالة جساس بن ّ‬ ‫وحرب داحس والغبراء التي كانت بين قبيلتي عبس وذبيان‪ ،‬لخالف على سباق خيل‬ ‫بين فرسين ‪ -‬وهما داحس والغبراء ‪ -‬واستمرت هذه الحرب أربعين سنة أيضاً‪.‬‬ ‫في حين جاء اإلسالم يأمر بالسلم والسالم ودفع الظلم قال تعالى ‪:‬‬ ‫ﱫ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ‬ ‫ﯛﯜﯝﯞﱪ‬

‫البقرة‪٢٠٨ :‬‬

‫‪151‬‬


‫وحرم اهلل تعالى الدماء‪ ،‬وأوجب القصاص على القاتل ليكون رادعاً‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫قال تعالى‪ :‬ﱫﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬ ‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﱪ‬

‫اإلرساء‪٣٣ :‬‬

‫وقد قال رسول اهلل (�ص) في حجة الوداع ‪( :‬إنّما دماؤكم حرام كحرمة يومكم هذا)‪.‬‬ ‫فشع نور اإلسالم في قلوب أولئك القوم وقلب أفعالهم وأقوالهم رأس ًا على عقب‬ ‫َّ‬ ‫مجرد شعار في كلمة‬ ‫فاستيقظوا بعد الضاللة والعمى‪ ،‬وأدركوا أن التآخي في اهلل ليس ّ‬ ‫يجرونها على ألسنتهم وتتناقلها أفواههم وإنما هو حقيقة عملية يتصل بواقع الحياة‪ ،‬وبكل‬ ‫أوجه العالقات القائمة من تعاون وتناصر‪ ،‬وتناصح وإيثار ومحبة‪ ،‬وقد قام بتطبيق ذلك‬ ‫تطبيق ًا عملي ًا كل من المهاجرين واألنصار‪ ،‬رضوان اهلل عليهم‪ ،‬ثم تبعهم على ذلك عامة‬ ‫المسلمين على درجات متفاوتة‪.‬‬

‫‪ -2‬وأد البنات وقتل األوالد‬ ‫وصل الفساد في الجاهلية إلى أن يعادي اإلنسان منهم ابنته‪ ،‬فلذة كبده‪ ،‬فيقتلها مواالة‬ ‫لعرف بعض القبائل‪ ،‬ولكسب رضا العشيرة والقبيلة‪ ،‬وخوفا من شماتتها وعدائها أو خوف ًا‬ ‫فحرم وأد البنات‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫من العار أو الفقر‪ ،‬فجاء اإلسالم ليمحو هذا الظلم َّ‬ ‫ﱫﭭ ﭮ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﱪ‬

‫التكوير‪٨ :‬‬

‫ولم يقتصر قتلهم على البنات بل شمل الذكور أيضاً‪ ،‬يدفعهم الفقر إلى ذلك‪ ،‬فجاء اإلسالم‬ ‫ليحرم هذا الفعل الشنيع ويطمئن الناس بأن اهلل تعالى سيرزقهم ما يسدّ حاجاتهم‪ ،‬قال‬ ‫َّ‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫‪152‬‬

‫ﱫﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﰃ ﱪ األنعام‪١٥١ :‬‬


‫‪ -3‬نظرتهم الدونية للمرأة ‪:‬‬ ‫األمرين‪ ،‬من ذلك ما أشار اليه القرآن‬ ‫فقد حرموها من أبسط حقوقها فكانت النساء تعاني ّ‬ ‫الكريم في سورة االنعام قال تعالى‪ :‬ﱫ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬ ‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ‬ ‫ﮁﮂ ﮃ‬

‫ﮄ ﮅ ﮆ ﱪ األنعام‪١٣٩ :‬‬

‫فهذه اآليات تب ّين بشاعة أعمالهم ومعتقداتهم فحتى الطعام كانوا يحلونه ألنفسهم‬ ‫ويحرمونه على النساء‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فمن صفحات العار على البشرية‪ ،‬أن تعامل المرأة على أنها ليست من البشر‪ ،‬فلم تمر‬ ‫حضارة من الحضارات الغابرة‪ ،‬إ ّال وسقت المرأة ألوان العذاب‪ ،‬وأصناف الظلم والقهر‪.‬‬ ‫فعند اإلغريق قالوا عنها‪ :‬شجرة مسمومة‪ ،‬وقالوا‪ :‬هي رجس من عمل الشيطان‪ ،‬وتباع‬ ‫كأي سلعة متاع‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وعند الرومان قالوا عنها‪ :‬ليس لها روح‪ ،‬وكان من صور عذابها أن يصب عليها الزيت‬ ‫الحار‪ ،‬وتسحب بالخيول حتى الموت‪.‬‬ ‫وعند الصينيين قالوا عنها‪ :‬مياه مؤلمة تغسل السعادة ‪ ،‬وللصيني الحق أن يدفن زوجته‬ ‫ح ّية‪ ،‬وإذا مات حقّ ألهله أن يرثوه فيها‪.‬‬ ‫وعند الهنود قالوا عنها‪ :‬ليس الموت‪ ،‬والجحيم‪ ،‬والسم‪ ،‬واألفاعي‪ ،‬والنار‪ ،‬أسوأ من‬ ‫المرأة‪ ،‬بل وليس للمرأة الحقّ عند الهنود أن تعيش بعد ممات زوجها‪ ،‬بل يجب أن تحرق‬ ‫معه‪.‬‬ ‫‪153‬‬


‫وعند اليهود قالوا عنها‪ :‬لعنة ألنها سبب الغواية‪ ،‬ونجسة في حال حيضها‪ ،‬ويجوز‬ ‫ألبيها بيعها‪.‬‬ ‫حتى أن الفرنسيين عقدوا مؤتمر ًا للبحث‪ :‬هل تعدُّ المرأة إنسان ًا أم غير إنسان؟ !‬ ‫وهل لها روح أم ليست لها روح؟ وإذا كانت لها روح فهل هي روح حيوانية أم روح‬ ‫إنسانية؟ وإذا كانت روح ًا إنسانية فهل هي على مستوى روح الرجل أم أدنى منها؟‬ ‫وأخير ًا قرروا أنَّها إنسان‪ ،‬ولكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب‪ .‬وأصدر البرلمان‬ ‫اإلنكليزي قرار ًا في عصر هنري الثامن ملك إنكلترا يحظر على المرأة أن تقرأ كتاب (العهد‬ ‫الجديد) أي اإلنجيل (المحرف)؛ ألنَّها نجسة‪.‬‬ ‫وعند العرب في الجاهلية قبل اإلسالم كانت المرأة تبغض بغض الموت ‪ ،‬بل يؤدي‬ ‫الحال إلى وأدها‪ ،‬أي دفنها حية أو قذفها في بئر بصورة تذيب القلوب الميتة‪.‬‬

‫تحرير المرأة‬ ‫ثم جاءت رحمة اهلل المهداة إلى البشرية جمعاء ‪ ،‬بصفات غيرت وجه التاريخ القبيح‪،‬‬ ‫لتخلق حياة لم تعهدها البشرية في حضاراتها ّ‬ ‫قط ‪..‬‬ ‫جاء اإلسالم ليقول اهلل تعالى ‪:‬‬ ‫ﱫ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮥ ﱪ‬

‫البقرة‪٢٢٨ :‬‬

‫جاء اإلسالم ليقول اهلل تعالى‪:‬‬ ‫ﱫ ﯢ ﯣﱪ‬ ‫‪154‬‬


‫جاء اإلسالم ليقول اهلل تعالى‪:‬‬ ‫ﱫﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯝ ﱪ‬

‫البقرة‪236 :‬‬

‫جاء اإلسالم ليقول اهلل تعالى‪:‬‬ ‫ﱫﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭵ ﱪ‬

‫الطالق‪6 :‬‬

‫جاء اإلسالم ليقول اهلل تعالى‪:‬‬ ‫ﱫﭗﭘ ﭙﭚﭛﭜﭥﱪ‬

‫النساء‪٧ :‬‬

‫وجاء الرسول الكريم (�ص) ليبين لنا مكانة المرأة‪.‬‬ ‫فهو القائل (�ص)‪:‬‬ ‫(( استوصوابالنساء خير ًا ))‬ ‫وهو القائل (�ص)‪:‬‬ ‫(( خيركم خيركم ألهله وأنا خيركم ألهلي))‬ ‫وهناك الكثير والكثير من األدلة والبراهين ‪ ،‬على أن اإلسالم هو المحرر الحقيقي‬ ‫لعبودية المرأة‪ ،‬أما األدعياء الذين يصورون اإلسالم سجن قيد المرأة بالحجاب‪ ،‬فهذا هراء‬ ‫وانما أمر اإلسالم بالحجاب‪.‬‬

‫‪155‬‬


‫حفاظا عليها من ضعاف النفوس خوف تعرضهم لها بالقول والفعل الس ّيئ الذي يجرحها‪،‬‬ ‫وحفاظا على أنوثتها المتمثلة في عفتها وخجلها لقد حفظ اإلسالم حقوق المرأة جميع ًا في‬ ‫المعيشة والكسوة و في معاقبة من رماها بالفاحشة‪ ،‬من غير ب ّينة بالجلد وحفظ حقها في‬ ‫أقر لها نصف ما للرجل‪ّ ،‬‬ ‫فإن ذلك جاء ألن المرأة‬ ‫الميراث‪ .‬أ ّما مايثيره األعداء كون اإلسال ّم ّ‬ ‫غير مسؤولة شرع ًا عن اإلعالة والرجل هو المسؤول عن التك ّفل بأمرها‪.‬‬

‫المحرمة‬ ‫جـ ‪ -‬المعامالت‬ ‫ّ‬ ‫فقد سادت في تلك المجتمعات المعامالت الربوية والغزو والغارات واستباحة الحرمات‬ ‫حرمها اإلسالم جميعا‪ .‬إن المقارنة بين معالم الضالل‬ ‫والسرقة والمقامرة من دون رادع وقد َّ‬ ‫في تلك المجتمعات وماجاء به اإلسالم اليمكن حصرها‪ ،‬لذا يتيبن لكم ‪ -‬طلبتنا األعزاء‪-‬‬ ‫من هذا القليل عظمة اإلسالم الذي يأمر بالعدل واإلحسان والرحمة واإليثار والسلم‪ ،‬كما‬ ‫يتضح لكم زيف ادعاءات أعداء االسالم‪ّ .‬‬ ‫وإن أي إساءة إلى اإلسالم فهي ناجمة عن سلوك من‬ ‫يدعي االنتساب إليه َك َمن يقتل ويقطع الطريق ويستبيح الحرمات فهؤالء ليسوا من اإلسالم‬ ‫واإلسالم منهم براء‪ ،‬لذا وجب علينا الدفاع عن اإلسالم ممن يحاول النيل منه أو اإلساءة‬ ‫اليه‪ ،‬فلو التزمنا جميعا خُ ـلق اإلسالم وما أراده لنا لكنا اآلن في عيش رغيد الحرب وال اقتتال‬ ‫والجائع وال محتاج فيه‪.‬‬

‫‪156‬‬


‫املناقشة‬

‫‪ -1‬تعددت أشكال العبودية في المجتمعات التي سبقت اإلسالم ‪ ،‬ب ّين ذلك‪ ،‬وب ّين‬ ‫ماجاء به اإلسالم‪.‬‬

‫‪ -2‬اذكر أشكال الضالل في مجتمعات قبل اإلسالم وتحدّ ث عن أحدها‪.‬‬ ‫‪ -3‬ب ّين نظرة المجتمعات السابقة للمراة‪ ،‬ونظرة اإلسالم لها ‪.‬‬ ‫وضح ذلك ‪.‬‬ ‫‪ -4‬هل اإلسالم ابتدع الحروب أو هذب النفوس ؟ ّ‬ ‫وضح ذلك‪ ،‬واستشهد‬ ‫‪ -5‬هل كانت العرب تقتل الذكور من األبناء أو البنات فقط؟ ّ‬ ‫بآية كريمة‪.‬‬

‫‪157‬‬


‫الـمـحـتـــــــــــــــــويـات‬ ‫مقدمة ‪3 ..............................................................................................‬‬

‫احكام التالوة‬

‫‪5 ....................................................................................‬‬

‫الوحدة االولى‬ ‫�أوالً ‪:‬‬

‫من القر�آن الكريم‪ :‬الم�ؤمنون ‪10 .........................................................‬‬

‫ثاني ًا ‪ :‬من الحديث النبوي ال�شريف‪ :‬الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪21 ............‬‬ ‫ثالث ًا ‪ :‬من ق�ص�ص القر�آن ‪ :‬النبي يحيى بن زكريا (ع) ‪24 ....................................‬‬ ‫رابع ًا ‪ :‬الأبحاث‪ :‬ال�شهيد ‪30 ...................................................................‬‬

‫خام�س ًا ‪ :‬التهذيب ق�ص�ص وعبر‬

‫‪ -1‬الكفاف ‪33 ...........................................‬‬ ‫‪ -2‬حب الدنيا وعبادة الطاغوت ‪34 ................‬‬ ‫‪ -3‬حتى ال ين�سكب الحليب ‪36 .........................‬‬

‫الوحدة الثانية‬ ‫�أوالً ‪:‬‬

‫من القر�آن الكـريم‪ :‬الم�ؤمنون ‪38 ........................................................‬‬

‫ثاني ًا ‪ :‬من الحديث النبوي ال�شريف‪ :‬حق ال�صديق والجار ‪43 ...............................‬‬ ‫ثالث ًا ‪ :‬من ق�ص�ص القر�آن ‪� :‬أ�صحاب ال�سبت ‪46 ................................................‬‬ ‫رابع ًا ‪ :‬الأبحاث‪ :‬حقوق االوالد واالبوين ‪49 .................................................‬‬

‫خام�س ًا ‪ :‬التهذيب‪� :‬آفات الل�سان‬ ‫‪158‬‬

‫‪52 .........................................................‬‬


‫الوحدة الثالثة‬ ‫�أوالً ‪ :‬من القر�آن الكريم‪ :‬الم�ؤمنون ‪66 ............................................................‬‬ ‫ثاني ًا ‪ :‬من الحديث النبوي ال�شريف‪ :‬وجوب المجاهرة بالحق ‪74 ............................‬‬ ‫ثالث ًا ‪ :‬من ق�ص�ص القر�آن ‪� :‬سليمان بن داود (ع) ‪77 ..........................................‬‬ ‫رابع ًا ‪ :‬الأبحاث‪ :‬دور المر�أة في المجتمع ‪82 ..................................................‬‬ ‫خام�س ًا ‪ :‬التهذيب‪� :‬أدب االختالف ‪90 .........................................................‬‬

‫الوحدة الرابعة‬ ‫�أوالً ‪:‬‬

‫من القر�آن الكريم ‪ :‬الق�ص�ص ‪94 ...........................................................‬‬

‫ثاني ًا ‪ :‬من الحديث النبوي ‪ :‬المفل�س في االخرة ‪102 ............................................‬‬ ‫ثالث ًا ‪ :‬من ق�ص�ص القر�آن ‪ :‬نبي الله �أ�سحاق (ع) ‪107 ............................................‬‬ ‫رابع ًا ‪ :‬الأبحاث ‪ :‬العمل في النظام االقت�صادي الإ�سالمي ‪109 ..............................‬‬

‫خام�س ًا ‪:‬‬

‫التهذيب‪ :‬الم�ؤمنون �أخوة ‪119 ........................................................‬‬

‫الوحدة الخام�سة‬ ‫�أوالً ‪:‬‬

‫من القر�آن الكريم ‪ :‬الق�ص�ص ‪126 .........................................................‬‬

‫ثاني ًا ‪ :‬من الحديث النبوي ال�شريف ‪ :‬نزاهة الموظف ‪134 ....................................‬‬

‫ثالث ًا‬

‫‪ :‬من ق�ص�ص القر�آن ‪ :‬ذو القرنين ‪137 .....................................................‬‬

‫رابع ًا ‪ :‬الأبحاث‪ :‬المعامالت المحرمة ‪142 ......................................................‬‬

‫خام�س ًا ‪:‬‬

‫التهذيب ‪ :‬الإ�سالم يخرجنا من الظلمات �إلى النور ‪149 ..........................‬‬ ‫‪159‬‬


‫َت َّم ِب َع ِ‬ ‫ون اهلل َتعالى‬

‫‪160‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.