4404 AlmashriqNews

Page 9

‫‪4‬‬

‫ملفات وقضايا‬

‫اخلمي�س املوافق ‪ 22‬من �آب ‪ 2019‬العدد ‪ 4404‬ـ ال�سنة ال�ساد�سة ع�شرة‬ ‫‪Thursday.22 August.2019 No.4404 Year 16‬‬

‫من ملفات حقبة البعث الثانية‬

‫كتاب يف حلقات‬

‫احللقة (‪)18‬‬

‫م�ؤامرة عبدالغني الراوي يف كانون الثاين عام ‪( ..1970‬وقائع ‪� -‬شهادات ‪� -‬آراء)‬

‫�صفوك ريكان نائب �ضابط حربي �أطلق عليه لقب (بو�سطجي امل�ؤامرة)‬ ‫ت�أليف ‪� /‬شامل عبدالقادر‬ ‫واور َد امللحق تقريبا ال�سيناريو نف�سه الذي ذكره برزان يف كتابه‬ ‫ورمبا كان برزان قد ا�ستن�سخ الن�ص من ملحق االنوار!‬ ‫ابرز املتامرين هم ‪:‬‬ ‫�صالح ال�سامرائي‬ ‫�سليم داود الدركزيل‬ ‫�سلمان مهدي التميمي‬ ‫ذك��ر ب��رزان يف كتابه ان ال��ذي فتح الباب على املتامرين الذين‬ ‫دخلوا اىل اروق��ة الق�صر اجلمهوري وجل�سوا يف القاعة داخل‬ ‫الق�صر بينما ك��ان جمل�س قيادة ال�ث��ورة والقيادة القطرية يف‬ ‫اجتماع م�شرتك برئا�سة البكر يتداولون باخر تطورات التاين‬ ‫هو ال�سيد مر لكن ملحق االنوار ي�ؤكد ان الذي اطل على املتامرين‬ ‫هو ال�سيد �صالح عمر العلي!‬ ‫كتب امللحق باحلرف الواحد‪ ( :‬وفجاة ظهر ال�سيد �صالح عمر‬ ‫العلي اح��د اع�ضاء القيادة القطرية ال��ذي نفذ �صربه من طول‬ ‫االنتظار و�صفع العقيد الركن املتقاعد �سليم داوود الدركزيل‬ ‫على وجهه وامر باعتقاله هو ومن معه)!‬ ‫اقتيد الدركزيل ومن معه اىل حيث كانت جتتمع القيادة القطرية‬ ‫!‬ ‫�سجلت اعرتافات الدكتورة فاطمة حميد اخلر�سان والتي ذكرت‬ ‫فيها ان �سلمان التميمي زاره��ا يف بيتها و�سالها عن رايها يف‬ ‫االو�ضاع ال�سيا�سية فقالت له انت م�ستواك فرا�ش يف املدار�س‬ ‫اجلعفرية ال مديرا لها ‪ ..‬وانها طلبت منه ان ي�صحب زوجته يف‬ ‫زيارته لها ‪..‬‬ ‫قالت اخلر�سان‪ :‬ان التميمي كر�ش بال مخ – ح�سب تعبريها –‬ ‫وان �سعد �صالح جرب "امريكاين للعظم" فال عالقة يل به ويف عهد‬ ‫عبدالرحمن عارف كان موجودا يف العراق وبعد ثورة ‪ 17‬متوز‬ ‫ات�صل بي بالتلفون وقال يل ‪ :‬ابعثلك ال�سيارة لتاتون عندنا ‪..‬‬ ‫فاجبته ‪ :‬انا ل�ست جبانة !‬ ‫وا�ضافت اخلر�سان ‪ :‬كان بيتي قريب من الق�صر اجلمهوري وعند‬ ‫قيام ثورة ‪ 17‬متوز �سمعت �صوت عيارات نارية وكانت ال�ساعة‬ ‫الرابعة والن�صف �صباحا وركبت �سيارتي وانطلقت لر�ؤية ما‬ ‫كان يجري‪ ..‬انا �شجاعة ويهمني ان اطلع على ما يجري وقد‬ ‫خ�شيت ان تكون احلركة لعنا�صر اخرى الين كنت م�ستاءة من‬ ‫وزارة طاهر يحيى وكنت ملمة باالحدات ال�سيا�سية !‬ ‫وا�ضافت اخلر�سان ‪ :‬قدم �سلمان التميمي ر�سالة �سعد �صالح‬

‫جرب الهارب اىل وكيلهم حممود احلاج وكتبت باللغة الفار�سية‬ ‫وجاء فيها ان �سعد موجود على احلدود االيرانية العراقية ثم‬ ‫تلقى حممود مكالفة هاتفية من �شخ�ص جمهول طلب منه ال�سفر‬ ‫ملقابلة �سعد على احلدود قبل را�س ال�شهر واال كان ن�صيبه القتل‬ ‫‪..‬حدث ذلك يف ‪ 5‬رم�ضان املا�ضي وبعدها جاءين حممود احلاج‬ ‫ي�ست�شريين ويطلب مني ان اتدبر االمر ب�صفتي �سيدة عاقلة‬ ‫فانا كنت اعطف عليه وقلت له ما ذنب هذا الرجل حتى يقتل ؟‬ ‫وقالت اخلر�سان انها مل تر اخاها عبا�س حميد اخلر�سان منذ‬ ‫فرتة طويلة وتعتقد انه االن يف لندن وهو قومي �سوري !‬ ‫وورد يف ت�سجيل يف ال�سفارة االي��ران�ي��ة م��ن خ�لال اجتماع‬ ‫برئا�سة الدكتور فرزي انهم حتركوا على العميد الركن حممد‬ ‫علي �سعيد يف لندن عند زيارته لها وارادوا و�ضع مبلغ من املال‬ ‫ر�صيدا له يف احد بنوك لندن فاعرت�ض حممد علي كما اعرت�ض‬ ‫على نقل اي مبلغ معه خالل العودة اىل بغداد خ�شية التفتي�ش‬ ‫والعثورعلى املبلغ !‬ ‫ووج��ه ف��رزي �س�ؤاال للحا�ضرين عن رايهم بعبدالغني الراوي‬ ‫فاجابوه بانه معروف يف اجلي�ش وعنده جماعات ي�ؤيدونه‬ ‫وعلق احد احلا�ضرين انه لو قي�ض للراوي ال�سيطرة ملحا الب�شر‬ ‫وخا�صة اعدا�ؤه !‬ ‫العميد حممد فرج اجلا�سم‬

‫ورد يف ملحق االن��وار التي ن�شرت نبذة عن �سريته مع �صورة‬ ‫قدمية ل��ه‪ :‬اوق��ف يف ‪ 25‬كانون االول ‪ 1960‬من قبل احلاكم‬ ‫الع�سكري العام لقيامه بالقاء خطب يف جامع امل�شتل ميتدح فيها‬ ‫العهد امللكي املباد وقدم اىل جمل�س حتقيقي ملخالفته القوانني‬ ‫الع�سكرية ثم قدم للمحاكمة وحكمت عليه املحكمة باعتقال ثكنة‬ ‫ملدة ا�سبوع ملخالفته القوانني الع�سكرية‪ .‬احيل اىل التقاعد يف‬ ‫‪ 2‬كانون الثاين ‪ 1962‬لعدم كفاءته ثم اعيد اىل اخلدمة يف ‪8‬‬ ‫�شباط ‪ .!1963‬ويف اجتماع الحق جرى مناق�شة كيفية اي�صال‬ ‫اال��س�ل�ح��ة اىل ب �غ��داد وال �ت��ي يبلغ وزن �ه��ا ‪ 120‬ط�ن��ا‪ .‬وناق�ش‬ ‫املتامرون قلة ال�سالح املخ�ص�ص وهو ‪ 3000‬بندقية يف مواجهة‬ ‫‪ 25‬الف بعثي �سيت�صدون للحركة االنقالبية لذا يجب انزال عدد‬ ‫من م�ؤيديهم اىل ال�شوارع حتى يوازي القوة احلكومية و(حدد‬ ‫املتامرون عددا من مناطق بغداد وهي ال�شعلة والثورة واحلرية‬ ‫حيث يوجد فيها من ينا�صرهم )!‪ .‬ا��ص��درت اللجنة املركزية‬ ‫للحزب الكردي اال�شرتاكي بيانا يف اواخر كانون الثاين ‪1970‬‬ ‫ا�ستنكرت فيه ما �سمته بامل�ؤامرة الرجعية االمربيالية االخرية!‪.‬‬ ‫كما ا�ستنكر احلزب ال�شيوعي العراقي يف بيان �سيا�سي م�ؤرخ‬ ‫يف الثاين والع�شرين من كانون الثاين ‪ 1970‬حمل عنوان (من‬

‫ور�شح عبدالرزاق النايف رئي�سا للوزراء‬ ‫ابراهيم عبدالرحمن الداود وزيرا للداخلية‬ ‫او حممد ر�شيد اجلنابي لوزارة الداخلية‬ ‫ويتوىل �صالح مهدي ال�سامرائي وزارة الدفاع‬ ‫الدكتور نظام الدين عارف وزارة االقت�صاد‬ ‫جابر ح�سن حداد وزارة العمل وال�ش�ؤون االجتماعية‬ ‫�صالح كبة‬ ‫بابا علي ال�شيخ حممود وزارة �ش�ؤون جمل�س الرئا�سة‬ ‫عبدالغني �سندالله لال�شغال واال�سكان‬ ‫ح�سن اخلفاف وزيرا ل�ش�ؤون الرئا�سة‬ ‫�سلمان التميمي وزيرا للرتبية‬ ‫�شامل �سلمان لالوقاف‬ ‫ر�شيد م�صلح‬ ‫ملاذا اعدم ر�شيد م�صلح وجماعته ؟!‬

‫سعدية صالح جرب‬

‫سعدية صالح جرب تعرتف أن‬ ‫زوجها هو الذي ورطها‬ ‫اجل قطع دابر التامر الرجعي اال�ستعماري)‪ ..‬قال البيان (ان‬ ‫حماولة ح��ل ق�ضية االك ��راد قد اث��ارت القلق ل��دى املخابرات‬ ‫االمريكية واال�سرائيلية واحلكم يف ايران واالوكار الرجعية يف‬ ‫العراق)!‪ .‬وقال البيان‪( :‬ان اع��دام العميل (ر�شيد م�صلح) بانه‬ ‫كان عني ال�صواب‪ !)..‬وقال م�صدر حكومي انهم عرثوا يف جيب‬ ‫حممد ر�شيد حم�سن اجلنابي قائمة با�سماء حكومة املتامرين!‪.‬‬ ‫كان الرت�شيح مبا يلي‪:‬‬ ‫عبد الغني الراوي رئي�سا للجمهورية‬ ‫او �سليم (او �سلمان كما ورد ا�سمه يف امللحق اللبناين �ص ‪21‬او‬ ‫د الدركزيل رئي�سا للجمهورية احيل اىل التقاعد يف ‪ 14‬متوز‬ ‫‪.1958‬‬

‫يقول امللف اللبناين بهذا ال�صدد‪( :‬ال�س�ؤال الذي طرح اكرث من‬ ‫مرة يتعلق بر�شيد م�صلح وجماعته ملاذا نفذ فيهم االعدام؟ اما‬ ‫اجلواب فهو‪ :‬لقد كان املتامرون يريدون اال�ستعانة بجماعة رفعت‬ ‫احل��اج �سري "ورد اال�سم بامللف باخلط�أ فاملق�صود هو مدحت‬ ‫احلاج �سري �شقيق ال�شهيد رفعت احلاج �سري ولي�س رفعت" وهم‬ ‫الذين اعدموا بعد اعرتافاتهم قبل �شهور بالتج�س�س وهم‪ :‬رفعت‬ ‫احل��اج �سري "املق�صود مدحت احل��اج �سري"‪ ،‬عبدالله خياط‪.‬‬ ‫البري نونو‪ .‬مطاع احل�سامي‪� .‬سعد �شاكر فهمي‪ .‬كانوا يريدون‬ ‫اال�ستعانة به�ؤالء اجلوا�سي�س وبخربتهم حتى انهم عينوا ر�شيد‬ ‫م�صلح ع�ضوا يف جمل�س الرئا�سة‪ ..‬هناك عدة ر�سائل متبادلة بني‬ ‫املتامرين البينها ر�سائل من عبدالغني الراوي امللقب بال�سيد اىل‬ ‫�صفوك ريكان)!‪� .‬صفوك ريكان نائب �ضابط حربي وكان يعقب‬ ‫معامالت املوقوفني يف عام ‪ 1964‬وعمل يف مركز ا�سخبارات‬ ‫الرمادي ثم اعفي منه ب�سبب ا�ستغالله لنفوذه الوظيفي ودخل‬ ‫كلية االحتياط وف�صل منها ث�لاث م��رات ل�سوء �سلوكه ثم منح‬ ‫رتبة نائب �ضابط حربي بعد تخرجه منها يف املرة الرابعة ثم‬ ‫�سرح من اجلي�ش ل�سوء �سلوكه واطلق عليه لقب (بو�سطجي‬ ‫امل�ؤامرة)‪ .‬كلف من قبل عبد الغني الراوي باختطاف �صدام من‬ ‫مدينة العوجة ونقله عرب نهر دجلة ب��زورق اىل ال�ضفة الثانية‬ ‫او تهريبه اىل احل��دود االي��ران�ي��ة!‪ .‬وقالت �سعدية �صالح جرب‬ ‫يف اعرتافها ان زوجها هو الذي ورطها وكان يجتمع مع جعفر‬ ‫منريي و�شامل الربيعي وكان يرتدد عليهم �ضابط برتبة نقيب‬ ‫يدعى ابو �شهاب وكان يجتمع يف الدار برفقة ال�سكرتري الثالث‬ ‫يف ال�سفارة االيرانية داود طاهر!‪..‬‬

‫العراق منذ فجر التاريخ حتى ثورة تموز ‪1958‬‬

‫احللقة (‪)4‬‬

‫ال�شعــب العراقـــي يتكون من عرب و�أكراد مع طوائف �صغرية �أخرى و�أن‬ ‫االختالفات االجتماعية التي ينطوي عليها هذا ال�شعب هي اختالفات مميزة‬ ‫�ستيفن هم�سلي لونكريك وفرانك �ستوك�س‬ ‫ترجمة‪ :‬م�صطفى نعمان �أحمد‬ ‫تحَ ت نطاق �آ�شور القدمية و�شمايل اجلزيرة اجلرداء‪،‬‬ ‫واملقحمة بني �صحراء �شمايل اجلزيرة العربية والتالل‬ ‫الفار�سية جنوبي دي��اىل‪ ،‬تكمن املنطقة الأك�ثر متيز ًا‬ ‫يف للعراق‪ .‬وت�شمل الألوية العراقية املركزية بغداد‪،‬‬ ‫ودي ��اىل‪ ،‬وال �ك��وت‪ ،‬واحل�ل��ة‪ ،‬وال��دي��وان�ي��ة‪ ،‬والعمارة‪،‬‬ ‫واملنتفك‪ ،‬والب�صرة‪ .‬واملنطقة‪ ،‬التي تنف�صل بحدو ٍد‬ ‫وا�ضحة عن �شمايل العراق وكذا عن غربه‪ ،‬هي تلك التي‬ ‫ت�شكل الدلتا احلقيقية لدجلة والفرات‪ ،‬وهذه املنطقة‬ ‫التي تتميز بانب�ساطها الغريني ال�شديد ف�ض ًال عن غياب‬ ‫كل �أنواع احلجر فيها‪ ،‬متتد امتداد ًا غري منقطع باجتاه‬ ‫اجلنوب ال�شرقي عرب احلدود الفار�سية �إىل �سهل ودلتا‬ ‫الكارون‪ .‬وميثل اجلزء املتجه �أق�صى اجلنوب لل�سهل‬ ‫العراقي الطريق النهري العام ل�شط العرب‪ ،‬متدفق ًا �إىل‬ ‫اخلليج‪ ،‬حيث ترتا�صف ب�ساتني كثيفة جيدة الرتتيب‬ ‫للنخيل‪ ،‬وتقع خلفها‪ ،‬نحو الغرب‪ ،‬ال�صحراء والهور‪.‬‬ ‫ويتكون اجلزء ال�شمايل الغربي للب�صرة‪ ،‬وعلى امتداد‬ ‫(‪ )200‬ميل‪ ،‬الذي ي�شكل جنوبي العراق‪ ،‬من �صحراء‬ ‫مقفرة‪ ،‬حيث ال ي�صلها ال��ري‪ ،‬و�أه��وار وا�سعة وتعرية‬ ‫مو�سمية حيث ال يتم ال�سيطرة على مياه الفي�ضانات‬ ‫�أو ت�أخذ جمراها �إىل بحريات دائمية متكونة من ع�صر‬ ‫�سابق‪ ،‬وتتكون �أي�ض ًا من ب�ساتني نخيل وا�سعة‪ ،‬ومن‬ ‫حقول رز‪ ،‬تفي�ض كل ربيع‪ ،‬ومن حقول ذرة تتكون جراء‬ ‫قنوات ري حتجز املياه يف موا�سم الفي�ضانات الكبرية‪،‬‬ ‫وبوا�سطة �أعمال ري مُ�سيطر عليها �أو م�ضخات رافعة‬ ‫ت�ضمن منو حما�صيل احلبوب يف الربيع –�إن معدل‬ ‫ت�ساقط ملجرد (‪� )8‬إجنات �إىل (‪� )4‬إجنات �سنوي ًا يبدو‬ ‫�أمر ًا غري مالئم‪ -‬ف�ض ًال عن املناطق الأ�صغر للمحا�صيل‬ ‫ال�صيفية ك��احل�ب��وب‪ ،‬وال�ق�ط��ن‪ ،‬واخل �� �ض��روات‪ .‬ويعد‬ ‫اجلامو�س املائي احليوان الأكرث متيز ًا للمنطقة‪ ،‬فيما‬ ‫يعد �صيد الأ��س�م��اك م���ص��در ًا ل��رزق العديد م��ن �سكان‬ ‫املنطقة‪ .‬وال�ب�ي��وت امل�ك��ون��ة م��ن ح�صائر الق�صب يف‬ ‫الأه ��وار –وت�شمل الق�صور املبنية من الق�صب التي‬

‫يت�سم بنا�ؤها باملهارة الكبرية وتعود لكبار ال�شيوخ‪-‬‬ ‫وامل�ساكن املبنية من الطني املحم�ص ب�أ�شعة ال�شم�س‬ ‫و�سعف النخيل يف الأرا� �ض��ي اجل��اف��ة‪ ،‬ه��ي امل�ساكن‬ ‫االعتيادية ل�سكان الأه��وار حيث مل تتغري �إال تغيري ًا‬ ‫قرون عدة‪� .‬أما اجلزء الأو�سط من العراق‬ ‫طفيف ًا خالل ٍ‬ ‫–والية بغداد الرتكية القدمية‪ -‬فهو م�شابه من حيث‬ ‫امل�شهد‪ ،‬حيث منطقة اهوار �أقل مما هو عليه الأمر يف‬ ‫اجلنوب‪ ،‬وب�ساتني نخيل �أ�صغر‪ ،‬ومياه اف�ضل من ناحية‬ ‫ال�سيطرة عليها‪ ،‬وامتداد �أ�ضيق ملناطق �صحراوية بدون‬ ‫مياه‪ .‬وميتاز البلد بتوافر العديد من القنوات القدمية‬ ‫املتكونة م��ن الأن �ه��ار الرئي�سة ال�سابقة واملهجورة‬‫الآن‪ -‬مع بقاء بع�ض بحريات ال�صرف الراكدة‪ .‬وزراعة‬ ‫القمح وال�شعري‪ ،‬ولي�س الرز‪ ،‬ممكنة حيثما يتمكن املاء‬ ‫من الو�صول‪ ،‬وتتوافر �إمكانات وا�سعة للري العلمي؛‬ ‫وتخ�صي�ص مناطق حمدودة للقطن والب�ستنة التجارية‬ ‫والفواكه عدا التمور‪ .‬والزراعة‪ ،‬يف الأجزاء الو�سطى‬ ‫كما يف الأج��زاء الأخ��رى من العراق‪ ،‬هي طريقة حياة‬ ‫با�شكال تقليدية دائمية يف كل �إقليم‪،‬‬ ‫مقبولة‪ ،‬وتتوا�صل‬ ‫ٍ‬ ‫عدا عندما تبلور الأ�ساليب والو�سائل احلديثة مظهراً‬ ‫حملي ًا ولكنه غري ذي �ش�أن‪.‬‬ ‫ال�شعب‬ ‫جرى التطرق فعلي ًا �إىل احلقيقة ال�شائعة تقريب ًا من �أن‬ ‫العراق بلد زراع��ي ع��دا يف مناطق البلدات والأه��وار‬ ‫ويف ال�صحراء الغربية للمنطقة التي يكرث فيها البدو‬ ‫الذين يقطنون اخليم ويقومون برتبية اجلمال‪ ،‬ويف‬ ‫بع�ض املناطق املحيطة الأ�صغر؛ وقد لوحظ �أن املجتمع‬ ‫العراقي‪ ،‬من �أط��راف اجلبال الرتكية والفار�سية �إىل‬ ‫املياه الدافئة للخليج‪ ،‬متجمع يف م�ستوطنات ترتاوح‬ ‫بني بع�ض الأك��واخ يف الب�ساتني �أو يف �أط��راف حقول‬ ‫ال��رز �أو ال��ذرة‪� ،‬إىل القرى املبنية من الطني‪ ،‬وبلدات‬ ‫الأ�سواق ال�صغرية مع ما تولده هذه املناطق من فخر‬ ‫متزايد كونها حتوز على نظام جيد و�أ�سباب متعددة‬ ‫للراحة؛ فالبلدات الإقليمية الكربى‪ ،‬تو�سعت وحتدثت‬ ‫الآن تو�سع ًا وحتديث ًا كبريين ‪-‬النا�صرية‪ ،‬والعمارة‪،‬‬ ‫واحل �ل��ة‪ ،‬وال �ن �ج��ف‪ ،‬وك��رب�ل�اء‪ ،‬وب�ع�ق��وب��ة‪ ،‬وكركوك‪،‬‬ ‫و�أربيل‪ -‬وامل��دن الثالث الكربى‪ -‬الب�صرة‪ ،‬واملو�صل‪،‬‬

‫والعا�صمة بغداد‪ ،‬ف�ض ًال عن �ضواحيها املنت�شرة‪ .‬وعلى‬ ‫امتداد البلد‪ ،‬ف�إن الت�شابه العام للثقافة ال يحول دون‬ ‫ظهور اختالفات حملية كبرية بل حتى �ضاربة للم�شهد‬ ‫ال �ع��ام وامل �ن��اخ‪ .‬فكل ب�ل��دة حت��وز على �سمات مميزة‬ ‫م�ستوحاة من تاريخها وخلفيتها‪ ،‬ومزيجها اخلا�ص من‬ ‫ال�سكان‪ ،‬ومنطها من حيث البناء‪ ،‬ومكانتها يف احلياة‬ ‫الإدارية‪� ،‬أو االقت�صادية‪� ،‬أو الع�شائرية‪ ،‬يف حني توجد‬ ‫اختالفات كهذه ‪-‬بال �شك تواجدت عرب التاريخ‪ -‬بني‬ ‫امل�ستوطنات الريفية وال�ب�ل��دات الواقعة يف �أط��راف‬ ‫ال�صحراء‪ ،‬والأرا�ضي التي متتاز بوفرة الزراعة فيها‪،‬‬ ‫واحلقول اجلميلة التي تقع يف ال�ضواحي‪ ،‬وب�ساتني‬ ‫ال�ن�خ�ي��ل‪ ،‬والأرا�� �ض ��ي امل��رت�ف�ع��ة ال�ت��ي ُت ��زرع احلبوب‬ ‫فيها‪ ،‬وال �ق��رى النهرية ال�ت��ي تكرث فيها ن��واع�ير املاء‬ ‫ومراكب الإبحار‪ ،‬والبيوت املرتفعة والنائية للأغوات‬ ‫لكل من هذه املكونات مكان ًا يف‬ ‫الأك��راد‪ :‬ومع ذلك‪ ،‬ف�إن ٍ‬ ‫امل�شهد‪ ،‬واملجتمع‪ ،‬وال�سيا�سة الوطنية لعراق اليوم‪.‬‬ ‫وه��ذه االختالفات امللحوظة بقوة يف مناطق العراق‬ ‫املختلفة‪ ،‬التي يبدو �أنها جت��اوزت مواطن االختالف‬ ‫االعتيادية لتبلور دول��ة م��وح��دة �سيا�سي ًا ذات حجم‬ ‫ميتاز بالتو�سط ون�سبة �سكانية �صغرية‪� ،‬أعطت البلد‬ ‫ال�سحر والرثاء‪ ،‬واجلوانب املتعددة لالهتمام‪ ،‬بيد �أنها‬ ‫احتوت على �صراعات مزمنة بني (على �سبيل املثال)‬ ‫ال�صحراء واملنطقة الزراعية‪ ،‬وبني اجلبال وال�سهول‪،‬‬ ‫والأك��راد والعرب‪ ،‬والقبيلة والبلدة‪ .‬وا�شتملت �أي�ض ًا‬ ‫على خماطر الإقليمية املدمرة لوحدة العواطف‪ ،‬ورمبا‬ ‫الوالء الوطني‪ :‬كمناطقية الديرة الع�شائرية‪ ،‬و�إقليمية‬ ‫املدينة الكبرية‪ ،‬واملراكز الدينية ‪-‬كربالء‪ ،‬والنجف‪،‬‬ ‫و��س��ام��راء‪� -‬أو امل��دن ال�شمالية واجلنوبية بو�صفها‬ ‫خمتلفة عن اجل��زء الأو�سط من العراق‪ .‬وقد ا�شتملت‬ ‫ه��ذه االختالفات على اال�ستيعاب املنقو�ص للقاطنني‬ ‫يف املناطق املختلفة‪ ،‬مع توجهاتهم الفكرية‪ ،‬وعاداتهم‪،‬‬ ‫واقت�صاداتهم املختلفة‪ .‬وهي (�أي االختالفات) ت�شدد‬ ‫على املراحل املختلفة اختالف ًا وا�سع ًا للم�ستوى الثقايف‬ ‫الذي و�صلت �إليه ال�شرائح واملناطق وال�سكان‪ ،‬والتي‬ ‫حت��ول دون وح��دة املفاهيم والطموحات بني جمهور‬ ‫الناخبني العراقيني‪� .‬إن االجن��ذاب للجوار املتداخل‬

‫التشابه العام للثقافة ال‬ ‫يحول دون ظهور اختالفات‬ ‫محلية كبرية بل حتى ضاربة‬ ‫للمشهد العام‬ ‫احلدود بالإمكان �أن يحول االنتباه عن القوة املنجذبة‬ ‫ن�ح��و امل��رك��ز امل��رغ��وب��ة �سيا�سي ًا بالن�سبة للعا�صمة‬ ‫ووالءاتها املحلية‪ :‬ومييل الأكراد القاطنون عند احلدود‬ ‫�إىل التطلع لفار�س �أو رو�سيا‪ ،‬ويتطلع م�سيحيو املو�صل‬ ‫�إىل حماتهم الفرن�سيني يف ال�شرق‪ ،‬يف حني يتطلع بدو‬ ‫املنطقة الغربية يف العراق �إىل الوجهاء الع�شائريني يف‬ ‫اجلزيرة العربية‪ .‬وعند قبول التنوع املحلي والقبول‬

‫البديهي بالوحدة الداخلية املنقو�صة‪ ،‬ف ��إن ال�سائل‬ ‫م يتكون �إذن ال�شعب العراقي؟‬ ‫�سيطرح ال�س�ؤال الآتي‪ :‬مِ َ‬ ‫وما هي االختالفات املهمة التي توجد بينه؟ و�ستكون‬ ‫الإجابة املوجزة �أنه يتكون من عرب و�أكراد‪ ،‬مع طوائف‬ ‫�صغرية اخرى‪ ،‬يبلغ تعداده التقريبي (يف ‪� )1957‬ستة‬ ‫ماليني ون�صف املليون‪ ،‬و�أن االختالفات االجتماعية‬ ‫التي ينطوي عليها هذا ال�شعب هي اختالفات مميزة‬ ‫ومهمة‪ .‬وال يمُ كن الت�شكيك بالطابع العربي لل�شعب‬ ‫العراقي‪ ،‬ولكن بالإمكان درا�سته درا�سة وثيقة ف�ض ًال‬ ‫عما تقدمه درا�سة كهذه من فوائد‪ .‬وبالن�سبة للطابع‬ ‫العربي فلم تكن له بالت�أكيد هيمنة حتى القرن ال�سابع‬ ‫من حقبتنا‪ ،‬مع �أن اجلزيرة العربية‪� ،‬آنذاك‪ ،‬كما هو عليه‬ ‫احلال اليوم‪ ،‬كانت ذات ت�أثري فعال و�أحيان ًا لعبت دور‬ ‫الغازي �أو املت�سلل‪ .‬وال�صفحات الآتية املكر�سة لتاريخ‬ ‫العراق �س ُتظهر الظروف التي جرى يف خ�ضمها فر�ض‬ ‫ط��اب��ع ع��رب��ي و�إ��س�لام��ي على �سكانه الأ�صليني وغري‬ ‫العرب املتمازجني‪..‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.