4209 AlmashriqNews

Page 6

‫ال�سبت املوافق ‪ 15‬من كانون الأول ‪ 2018‬العدد ‪ 4209‬ـ ال�سنة ال�ساد�سة ع�شرة‬

‫| كتاب |‬

‫‪Saturday ,15 December . 2018 No. 4209 Year 16‬‬

‫‪7‬‬

‫الفـخ الرئـا�سـي للرفاق‬ ‫حفريات جديدة يف ذاكرة جمزرة قاعة اخللد متوز ‪1979‬‬ ‫ت�أليف ‪� -‬شامل عبد القادر‬ ‫( كتاب يف حلقات )‬ ‫(‪ )3‬الفريق الركن وليـد حممـود �سـريت‬ ‫َ‬ ‫حاول ف�ؤاد االبتعاد عن اجلدران‪ ،‬والتح�س�س من‬ ‫ً‬ ‫�سماعها للكالم‪ ،‬باخلروج معا اىل الباحة املجاورة‪،‬‬ ‫بحجة انقطاع النف�س‪ ،‬وقرب ال�شعور باالختناق‪،‬‬ ‫و�أج��اب عن ال�س�ؤال ال��ذي وجهه قبل قليل قائال‪:‬‬ ‫لقد ه��وى ه��ذا ال�ضابط العظيم‪ ،‬ب�سبب تاريخه‬ ‫الع�سكري الفريد‪� ،‬إنه الأول يف تخرجه على دورته‬ ‫يف الكلية الع�سكرية الربيطانية "�سانت هري�ست"‬ ‫وكذلك الأول على كلية الأرك���ان العراقية‪� .‬أجاد‬ ‫اللغة الإجنليزية بطالقة‪ ،‬فهم العربية بحرفية‬ ‫عالية‪� .‬ألف يف العلوم الع�سكرية كتب ًا‪ ،‬وكرا�سات‬ ‫ع��دة بعد تخرجه مبا�شرة‪� .‬أ َّ‬ ‫مل ب�صنوف اجلي�ش‬ ‫وتعاليمها �أكرث من �أ�صحابها‪ .‬ع�شق مهنته‪ ،‬بات‬ ‫فيها معلم ًا من الطراز الأول‪� .‬أحب عائلته و�أخل�ص‬ ‫لها‪ .‬ق�� َّدر �أ�صدقائه القليلني‪� .‬آرا�ؤه عن التوازن‬ ‫والردع‪ ،‬وعن الطبيعة‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬وعلوم النف�س‪،‬‬ ‫واالجتماع تبهر �سامعيه‪ ،‬تثري احرتام العارفني‪،‬‬ ‫وعداء اجلهلة الو�صوليني واالنتهازيني‪ .‬ثم عاود‬ ‫ط��رح ال�����س���ؤال‪ :‬ه��ل ع��رف��ت‪َ ،‬‬ ‫مل ه��وى ه��ذا النجم‬ ‫ال�لام��ع‪ ،‬و�سط ال��ظ�لام؟‪ .‬ف���أج��اب��ه‪� :‬أن ه��ذا الكالم‬ ‫خطري‪ ،‬ي���أم��ل ع��دم ت��ك��راره �أم���ام �أح��د ���س��واي قال‬ ‫حامت‪ ،‬ومع هذا قد يكون ما ح�صل نتيجة ا�شتباه‪،‬‬ ‫وقد يعود قريب ًا اىل مقره‪ ،‬خا�صة وان القيادة ال‬ ‫تفرط منطقي ًا‪ ،‬بقائد كبري مثل ال��ل��واء ول��ي��د‪ .‬مل‬ ‫ي�ؤيده يف هذا ال��ر�أي‪� ،‬أك��د وهم ًا يتلب�سه يف هذا‬ ‫اجل��ان��ب على وج��ه اخل�صو�ص‪ .‬ولتعزيز وجهة‬ ‫نظره اخلا�صة بالوهم‪ ،‬ق�ص عليه ما �سمعه من‬ ‫خاله ا�سماعيل حنتو�ش‪ ،‬الذي ولد يف الكرخ عام‬ ‫‪ ،1900‬وعا�ش معهم �أعزب يف البيت القدمي ب�سوق‬ ‫حمادة‪ ،‬من �أن �صناعي ًا من �أهل الكرخ‪ ،‬كان ماهر ًا‬ ‫يف �صنعته‪ .‬عكف على �صنع بندقية ت�شبه بندقية‬ ‫الربنو الأملانية ال�شهرية‪� .‬أهداها اىل امللك في�صل‬ ‫الأول الذي كرمه على �صنعها‪� .‬س�أل حامت‪ ،‬وما �شكل‬ ‫العالقة بني املو�ضوعني؟‪ ..‬فطلب ف���ؤاد الرتيث‪،‬‬ ‫وعدم اال�ستعجال حتى انتهاء الق�صة‪ .‬و�أكمل‪ ،‬ان‬ ‫ال�صنائعي املاهر‪ ،‬مات يف ال�سجن بعد تكرمي امللك‬ ‫ب�شهور‪ ،‬بتهمة التج�س�س للأملان‪ .‬ومن ذاك اليوم‪،‬‬ ‫مل ن�سمع �أح��د ًا يف العراق �صنع بندقية‪� ،‬أو حتى‬ ‫�إبرة لها‪ ،‬و�سوف لن ن�سمع من الآن ف�صاعد ًا‪ ،‬عن‬ ‫قائد متميز وعامل كبري‪ .‬منهي ًا كالمه‪ ،‬بالت�أكيد على‬ ‫عدم عودة القائد‪ ،‬لأن وجود ُه عامل ًا‪ ،‬و�ضابط ًا جيد ًا‬ ‫�أ�صبح عائق ًا �أمام ت�سلق الأقل منه قدم ًا‪ ،‬ومنزلة من‬

‫الطالب وليـد حممـود �سـريت‬ ‫الأول على طالب الكلية‬ ‫الع�سكرية الربيطانية‬

‫باقي ال�ضباط‪.‬‬ ‫ف���ؤاد‪� ،‬أنت تهذي‪ ،‬ماذا تقول؟‪ .‬دعنا ننتظر الأيام‬ ‫و�سن�سمع ال��ع��ج��ب‪ .‬ال��ق��ائ��د �سيقدم حياته ثمن ًا‬ ‫لقدرات عالية‪ ،‬و�سط �صفوف من اجلهلة‪ ،‬و�صائدي‬ ‫فر�ص انتهازيني‪.‬‬ ‫ما زلت تهذي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫رد وعيونه كادت تدمع حزنا على قائد‪ ،‬وبلد بعبارة‬ ‫ق�صرية "وما فائدة الهذيان �سوى ال�تروي��ح عن‬ ‫النف�س‪ ،‬التي خارت قواها من وقع ال�صدمة"‪.‬‬ ‫�إنها رواية وثقت �أحداث وتفا�صيل كثرية‪ ،‬مبئتني‬ ‫و�أرب���ع و�أرب��ع�ين �صفحة‪ ،‬ت�ستحق �أن يطلع على‬ ‫مو�ضوعها العراقيني وغريهم ملعرفة احلقيقة‪.‬‬ ‫ملحوظه‪ :‬وردت بع�ض اال�سماء مغايره لأغرا�ض‬ ‫الرواية‪ ،‬والبع�ض الآخر حقيقية‪.‬‬ ‫كتب اال���س��ت��اذ ف����ؤاد ح�سني علي – �ضابط كبري‬ ‫م��ت��ق��اع��د‪ -‬يف ع���ام ‪ 2014‬ع��ن ذك��ري��ات��ه م��ع وليد‬ ‫���س�يرت‪( :‬حياتي وحياتك‪ ،‬وح��ي��اة اخللق مليئة‬ ‫باملفارقات‪ ،‬وكذلك بالذكريات مت�سح من خاليا‬ ‫احلفظ املوجودة يف العقل‪ .‬وقبل �أن يحدث هذا‬ ‫امل�سح‪ ،‬ا�ستوقفتني �أحداها كانت الأكرث تنططا يف‬

‫خميلتي التي تزدحم بالذكريات‪ ،‬حلوها ومرها‪،‬‬ ‫وك�أنها تريد �أن تخلد يف ذاكرة الغري قائدا ع�سكريا‬ ‫ي�ستحق التخليد‪ ..‬تناولته بقدر م��ن التف�صيل‬ ‫دفعني اللهاث عائدا اىل ال��وراء‪ ،‬اىل العام ‪1977‬‬ ‫يوم تخرجت من كلية االرك��ان العراقية بدورتها‬ ‫‪ ،42‬وانتظرت مع ثالثني متخرجا ح�صيلة الدورة‬ ‫ن�صيبا من التن�سيب على ال��وح��دات الع�سكرية‪،‬‬ ‫ك�سياق كان متبعا لتوزيع اخلريجني‪ .‬جاء الن�صيب‬ ‫�ضابط ركن الثالث حركات يف لواء امل�شاة التا�سع‬ ‫ع�شر‪ ،‬فرحت يف حينه الرتباط اللواء التا�سع ع�شر‬ ‫بثورة ‪ 14‬متوز ‪ ،1958‬وحزنت �أخريا لتيقني �أن‬ ‫قادته الذين ق��ادوا الثورة مع اللواء الع�شرين قد‬ ‫فتحوا �أب��واب اال�ضطراب وع��دم اال�ستقرار على‬ ‫ع���راق ك��ان �سائرا اىل امل�ستقبل بخطى بطيئة‪،‬‬ ‫مقبولة مبقا�سات اليوم‪� ،‬إذ �أنهم وعندما حاولوا‬ ‫اال�ستعجال وج��دوا �أنف�سهم وال��ع��راق يف طريق‬ ‫مليء باحلفر ال ميكن الو�صول اىل نهايته ب�سالم‪.‬‬ ‫اللواء التا�سع ع�شر كان مقره يف منطقة �شارل�سنت‬ ‫التي تتو�سط يف خ�ضرتها اجلميلة جبل �آ�سو�س‬ ‫ال�شامخ بعلوه وجبل قره �سرد املطل بهامته على‬ ‫بحرية دوك���ان ال�ساحرة مبائها ال��ع��ذب و�سمكها‬ ‫البني اللذيذ‪ .‬موقع جميل ومنظر خ�لاب‪ ،‬ين�سي‬ ‫الع�سكر ه��م��وم ال�ترق��ب و�أع��م��ال القتال يف هذه‬ ‫املنطقة التي مل تهد�أ منذ ع�شرات ال�سنيني‪ .‬االيام‬ ‫وقعها بطيء‪ ،‬وال بد من التعود على هذا الواقع‪،‬‬ ‫م��رت االي��ام الع�شرون االوىل منها ب�سالم‪ ،‬وحل‬ ‫موعد االج��ازة الدورية‪ ،‬تبلغت بح�صول املوافقة‬ ‫على التمتع بها م�ساءا‪ ،‬رزمت حوائجي‪ ،‬جل�ست‬ ‫�أت���أم��ل �صفاء ال�سماء وجنومها املتفرقة يف هذه‬ ‫املنطقة اجلميلة‪� ،‬أفكر يف الغد‪ ،‬ويف كيفية التمتع‬ ‫ب�أول �إجازة يل بحياتي اجلديدة ك�ضابط ركن‪ .‬رن‬ ‫جر�س الهاتف امليداين‪ ،‬تبليغ من �آمر اللواء بت�أجيل‬ ‫الإجازات الدورية ب�سبب الزيارة التي ينوي قائد‬ ‫الفرقة ال�سابعة العميد الركن وليد حممود �سريت‬ ‫القيام بها اىل قاطع اللواء‪� .‬إحباط م�شوب بقلق‬ ‫الرتقب والرغبة بالتعرف‪ ،‬فت�أجيل الإج��ازات يف‬ ‫اخلدمة الع�سكرية �أثناء احلركات الفعلية من �أكرث‬ ‫الأمور �إحباطا للع�سكر‪ ،‬لأنها بال�ضد من الرغبات‬ ‫ال�شخ�صية‪ .‬ومالقاة قائد مثل وليد حممود �سريت‬ ‫فيها قدر من التوتر لأنه ال يجامل �أحدا يف مواقف‬ ‫ال�شعور بالتق�صري‪ .‬وال��ت��ع��رف على �شخ�صيته‬ ‫الفريدة عن قرب فر�صة ال تعو�ض‪ ،‬لأنها �شخ�صية‬ ‫ع�سكرية فريدة‪ ،‬ومعرفية راقية واجتماعية متزنة‪،‬‬ ‫�أنه قائد ال ي�ضاهيه �آخر من جيله تلك الأي��ام‪ .‬حل‬ ‫ال�����ص��ب��اح م��ب��ك��را يف رب��ي��ع املنطقة اخل�����ض��راء –‬ ‫حو�ض �شارل�سنت ‪ ،-‬كل اال�ستح�ضارات قد متت‪،‬‬ ‫التوتر على �أ�شده بني عموم ال�ضباط �أنه العميد‬ ‫الركن وليد حممود �سريت قائد الفرقة ال�سابعة‪،‬‬ ‫طائرته ال�سمتية املخ�ص�صة لال�ستطالع حتوم يف‬ ‫املنطقة‪ ،‬ابتعدت قليال‪ ،‬ظن البع�ض �أنه قد ال ينزل‬ ‫يف مهبط املقر‪ ،‬وظننت مبحاولته الإمل��ام بطبيعة‬ ‫امل��ن��ط��ق��ة‪ ،‬ق��ب��ل ال��ن��زول ب�ين ع�سكرها‪ ،‬ه��ك��ذا هي‬ ‫عادته وباقي القادة الكبار‪ ..‬رغبة يف الإمل��ام بكل‬ ‫التفا�صيل قبل الدخول يف املواقف ذات ال�صلة بها!‬ ‫و�صل القائد‪� ،‬أ�صطف ال�ضباط يف �صف عري�ض‬ ‫ح�سب القدم الع�سكري‪� ،‬أ�صبحت مبواجهته‪ ،‬قدمت‬ ‫نف�سي وفقا لل�سياقات الع�سكرية‪ ،‬رد التحية بيده‬ ‫الي�سرى على غري العادة لإ�صابة يده اليمنى يف‬

‫�أع��م��ال قتال �سابقة‪ .‬قيافته الع�سكرية كاملة‪ ،‬له‬ ‫هيبة القادة العظام‪ ،‬ق�صر قامته �أ�ضاف له م�سحة‬ ‫وج��اه��ة ق��ل ح�صولها بالن�سبة ل�ل�آخ��ري��ن‪� .‬أجرى‬ ‫ج��ول��ة ك��ان يريدها معرفية‪ ،‬رك��ز على جغرافية‬ ‫املنطقة و�أثرها على القتال‪ ،‬وقف �أم��ام اخلرائط‬ ‫امل�سطرة على لوحة احل��رك��ات‪� ،‬س�أل عن عالمات‬ ‫ونتوءات جبلية‪ ،‬و�أ�شجار متفرقة‪ ،‬ومنابع املياه‪،‬‬ ‫ك���أن��ه مكت�شف للطبيعة ولي�س ق��ائ��دا يف ميدان‬ ‫ق��ت��ال‪ .‬تكلم ق��ب��ل م��غ��ادرت��ه ال��ل��واء ع��ن جغرافية‬ ‫املنطقة وتفا�صيل االر�ض مثل �أهل االخت�صا�ص‪.‬‬ ‫�أث����ار ا���س��ت��غ��راب��ي‪ ،‬ت��اب��ع��ت م�سريته الح��ق��ا‪ ،‬تبني‬ ‫�أن��ه قد تخرج االول على طالب الكلية الع�سكرية‬ ‫الربيطانية‪ ،‬والأول على كلية االرك��ان العراقية‪،‬‬ ‫يجيد االنكليزية بطالقة‪ ،‬ويفهم العربية باحرتاف‪،‬‬ ‫وان���ه ب���د�أ الت�أليف يف ال�����ش���ؤون الع�سكرية بعد‬ ‫تخرجه مبا�شرة‪ .‬وتبني �أنه ملم ب�صنوف اجلي�ش‬ ‫�أكرث من �أ�صحابها‪ ،‬يحاججهم وين�صحهم بالعودة‬ ‫اىل املكتوب يف الكرا�سات الع�سكرية‪ ،‬ك�أنه هو من‬ ‫�ألفها‪ ..‬عا�شق حقا ملهنته‪� ،‬أحبها بجد‪ ،‬ف�ضلها على‬ ‫عائلته و�أ�صدقائه و�أقاربه‪ ،‬معلم من الطراز االول‪،‬‬ ‫مربي فا�ضل‪ ،‬ريا�ضي مقتدر‪ ،‬طروحاته عن التوازن‬ ‫والردع‪ ،‬وعن احلمام الزاجل والتاريخ واالقت�صاد‬ ‫والنف�س االن�سانية‪ ،‬تبهر �سامعيه‪ ،‬فتثري احرتام‬ ‫العارفني ملكانته‪ ،‬وعدوانية اجلهلة ل�شخ�صه‪ ،‬كلمته‬ ‫واح��دة ال يتنازل عنها مهما ك��ان اخلطر‪ ،‬ور�أيه‬ ‫ثاقب يف كل الظروف واملواقف‪ ،‬ير�شد املخطئ اىل‬ ‫الطريق ال�صواب بهدوء مقلق‪ ،‬ي�ؤنب املذنب بذات‬ ‫ال��ه��دوء‪ ،‬نزيه اىل �أبعد احل���دود‪ ،‬يطبق القانون‬ ‫بجدية دون حتريف‪ .‬مرت االيام‪ ،‬وطوى الن�سيان‬

‫احللقة ‪28‬‬ ‫�أدرك بفطنته النبهة حرجي‪ ،‬فغري املو�ضوع‪� ،‬سائال‬ ‫عن طبيعة اجلولة اال�ستطالعية‪.‬‬ ‫حطت الطائرة يف املهبط‪ ،‬مل يتوجه اىل اال�سرتاحة‬ ‫من ي��وم عمل طويل‪ ،‬وب��دال من ذل��ك طلب مت�شية‬ ‫االم���ور ال�بري��دي��ة‪� ،‬أجن���زه بعد ف�ت�رة‪� ،‬أط��ف���أ نور‬ ‫مكتبه‪ ،‬؟�إي��ذان��ا لباقي هيئة ال��رك��ن بانتهاء يوم‬ ‫العمل‪ .‬جاء ال�صباح‪ ،‬نه�ض مبكرا قبل غريه من‬ ‫ال�ضباط‪ .‬توجه اىل مكتبه بكامل قيافته الع�سكرية‬ ‫النظيفة‪ ،‬وتوجهنا نحن كل اىل مكتبه‪ ،‬خلية نحل‬ ‫تعمل دومنا كلل‪� .‬أ�صوات �أق��دام مبعرثة يف املمر‬ ‫الرئي�سي‪ ،‬وهم�س كالم م�سموع بني املا�شني‪ ،‬منظر‬ ‫غريب غري طبيعي‪ ،‬تنبه اليه اجلميع‪ ،‬فخرجوا‬ ‫يف غالبهم من الغرف ي�ستفهمون‪� ،‬أمني �سر الفرع‬ ‫الع�سكري حلزب البعث يف مقدمة املا�شني‪ ،‬وثالثة‬ ‫من �أع�ضاء الفروع يتبعانه بطريقة ال توحي �أنهم‬ ‫قادمون لعقد االجتماع احلزبي يف مكتب القائد‬ ‫باعتباره �أح��د �أع�����ض��اء ال��ف��رع‪ ،‬معهم �ضباط من‬ ‫اال�ستخبارات تدل هيئتهم على انهم قادمون من‬ ‫ب��غ��داد‪ .‬حلظات ترقب عا�شه املقر‪ ،‬كانت وك�أنها‬ ‫�سنة‪ ،‬انتهت ب��خ��روج القائد ال��ل��واء ال��رك��ن وليد‬ ‫حممود �سريت‪ ،‬كان �شاخ�صا بنظره �صوب ال�ضباط‬ ‫الواقفني وراء ابواب الغرف‪ ،‬ك�أنه يريد �أن يقول‬ ‫�شيئا مل نكن نفهمه يف تلك اللحظات القا�سية‪ ،‬ومل‬ ‫ن�ستطع �أدراك مغزاه‪ ،‬فالقائد وليد �سريت هو ابن‬ ‫ال��دول��ة وع�ضو ف��رع يف حزبها احل��اك��م‪ ،‬و�ضابط‬ ‫م�شهور يف �إخال�صه للدولة‪ .‬غلقنا اب��واب غرفنا‬ ‫الفريق الركن وليـد حممـود �سـريت‬ ‫ينزل من الطائرة مع مرافقه‬

‫ذاك ال��ل��ق��اء‪ ،‬و�سيطرت م�شاعل القتال على نهج‬ ‫التفكري‪ ،‬وا�ستب�شر املنت�سبون بنقل قائد فرقتهم‬ ‫اىل من�صب ق��ائ��د الفيلق االول يف ك��رك��وك‪� ،‬أنه‬ ‫�سيبني فيلقا ع�سكريا بقيا�سات الفخر واالعتزاز‪.‬‬ ‫كان الكر�سي ال��ذي �شهد ت�أجيل الإج��ازة الدورية‬ ‫قبل عام‪ ،‬موجود يف نف�س املكان الذي يطل على‬ ‫البحرية من بعيد‪ ،‬وكانت اجلل�سة امل�سائية للت�أمل‬ ‫هي ذاتها يف ذلك اليوم‪ ،‬وكان جر�س الهاتف يرن‬ ‫لأم��ور بينها ما يتعلق بالقتال الدائر وبينها ماله‬ ‫�صلة بالعالقات اخلا�صة بني اال�صدقاء‪ ،‬كان هذه‬ ‫املرة �آمر اللواء �شخ�صيا �ألقى التحية مثل كل مرة‬ ‫يبد�أ فيها الكالم‪ ،‬بلغني ب�ضرورة ت�سليم ما بذمتي‬ ‫تنفيذا لأمر النقل من مقر اللواء اىل مقر الفيلق‪،‬‬ ‫ح�سب �أم��ر �صدر من قائد الفيلق‪ ،‬العمل يف مقر‬ ‫الفيلق خمتلف متاما‪ ،‬يبد�أ منذ ال�صباح الباكر‪ ،‬وال‬ ‫ينتهي عند امل�ساء‪ ،‬فالوقت ثمني وهو ملك للفيلق‬ ‫طول االيام التي ميكث فيها ال�ضباط يف املقر‪ ،‬من‬ ‫يتعرث يعرف �أن��ه على قائمة النقل القادمة‪ ،‬ومن‬ ‫يبدع يعي مقدار حتمله ملزيد من الأعباء‪ ،‬هكذا هي‬ ‫�أ�صول العمل ونهجه يف الفيلق‪ ،‬ال�سرعة والدقة‬ ‫عوامل مطلوبة‪ ،‬ي�ؤكد عليها القائد با�ستمرار‪ .‬كان‬ ‫العام ‪ 1979‬وكان القائد اللواء الركن وليد حممود‬ ‫���س�يرت‪ ،‬ق��د طلبني ملرافقته يف ج��ول��ة ا�ستطالع‬ ‫بالطائرة ال�سمتية �شملت منطقة ال�سليمانية حتى‬ ‫احلدود العراقية االيرانية‪ ،‬عدنا منها بعد منت�صف‬ ‫الليل بقليل‪ ،‬كنت �أرق��ب��ه ط��وال اجل��ول��ة‪� ،‬شعرت‬ ‫وك�أنه مهموم‪� ،‬س�ألني قبل هبوط الطائرة‪:‬‬ ‫ رائد ركن ف�ؤاد هل ما يجري يف بغداد هذه االيام‪،‬‬‫�أمر طبيعي؟‬ ‫فاجئني ب�����س���ؤال��ه‪� ..‬أج��ب��ت��ه بطريقة ال��ت��ه��رب من‬ ‫الإجابة‪ ..‬نعم �سيدي‪..‬‬

‫بائ�سني قلقني‪ ،‬غ��ادر ال�سجانون وال�ضحية معا‬ ‫مقر الفيلق‪ ،‬مي�سكون �صيدا ثمينا‪� ،‬شعرنا �ساعتها‬ ‫�أننا ال�ضحية‪ ،‬و�أننا على نف�س اخلط �سائرون‪ .‬مر‬ ‫اليوم‪ ،‬ومل يغادرنا منظر القيود يف يد القائد الذي‬ ‫كان �أع�ضاء الفرع يقفون خلفه‪ ،‬يح�سبون ح�سابه‬ ‫قبل �ساعات‪ .‬تعددت االقاويل بني ال�ضباط الذين‬ ‫توقفوا عن العمل وانهمكوا بالتحليل والتكهنات‪،‬‬ ‫وجاء الع�صر يحمل معه �أنباء االتهام املوجه لهذا‬ ‫القائد اجل�سور باال�شرتاك يف الت�آمر على احلزب‬ ‫وال���ث���ورة‪ .‬مل ي�سعفنا ال��وق��ت مل��زي��د م��ن التكهن‬ ‫والتحليل‪ ،‬فاليوم الثاين حمل �أنباء احلكم باالعدام‬ ‫رميا بالر�صا�ص على اللواء الركن وليد حممود‬ ‫�سريت و�آخ��ري��ن من رفاقه الع�سكريني واملدنيني‬ ‫بذات التهمة التي مل ن�صدقها يف دواخلنا املتعبة‪،‬‬ ‫و�أن تكلمنا عن حدوثها يف العلن‪ ،‬م�سايرة للنهج‬ ‫العام وتفاديا لالتهام اجلاهز‪ ..‬مل ينته الأمر بعد‪،‬‬ ‫ومل تتوقف اجتاهات احل�يرة‪ ،‬ف�أعمدة الت�سقيط‬ ‫من�صوبة‪ ،‬وتهم التلفيق موجودة‪� ،‬أيام مل تن�شف‬ ‫فيها ال��دم��اء‪ ،‬ومل ينته القلق من النفو�س‪ ،‬بد�أت‬ ‫دوامة التحقيق مع �ضباط الفيلق االول‪ ،‬يف متثيلية‬ ‫يراد منها الت�أكيد على �أن م�ؤامرة قد حدثت بالفعل‬ ‫ان اللواء الركن وليد حممود �سريت كان م�شاركا‬ ‫فيها‪ ،‬وما دام الأمر هكذا‪ ،‬فال بد و�أن يكون هناك‬ ‫�ضباط و�إي��اه م�شاركون‪ .‬ا�ستدعينا اىل التحقيق‬ ‫وب��د�أ امل�سل�سل عن العالقة بالقائد وليد �سريت‪،‬‬ ‫ن�سي املحققون �أو تنا�سوا طبيعة العمل الع�سكري‪،‬‬ ‫وماهية العالقة املهنية بالقائد‪ ،‬ا�ستمروا بف�صول‬ ‫التمثيلية اىل نهايتها‪ ،‬ق�سموا نتائجها لكي تكون‬ ‫معقولة‪ ،‬بع�ض من �أحيل على التقاعد والبع�ض‬ ‫الآخ��ر �أحيل لوظائف مدنية و�آخ���رون نقلوا اىل‬ ‫�أبعد نقطة يف العراق)‪..‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.