3550 AlmashriqNews

Page 9

‫‪4‬‬

‫ملفات وقضايا‬

‫االثنني املوافق ‪ 8‬من �آب ‪ 2016‬العدد ‪ 3550‬ـ ال�سنة الثالثة ع�شرة‬ ‫‪Monday ,8 August . 2016 No. 3550 Year 13‬‬

‫نتنياهو)‬ ‫غوريون إلى‬ ‫(من بن‬ ‫إسرائيل‬ ‫لقادة‬ ‫(رعدالسري‬ ‫التاريخ‬ ‫واإلسالمي‬ ‫العالم العربي‬ ‫األكبر في‬ ‫المناورة‬ ‫الشمال) ‪..‬‬

‫الحلقة السادسة واألربعون‬

‫رابني انخرط يف العمل ال�صهيوين امل�سلح وهو ما يزال طالب ًا يف املدر�سة‬ ‫المؤلف‪ /‬شامل عبد القادر‬ ‫�إن احلديث عن الأوراق ال�سرية والعلنية لقادة‬ ‫ا�سرائيل يعني امل�ضي يف رحلة طويلة عرب �أوراق‬ ‫ال�صراع العربي – اال�سرائيلي وبالتايل ت�سليط‬ ‫الأ�ضواء على خلفيات رموز الدولة العربية و�أدواتها‬ ‫بعد انعقاد م�ؤمتر بازل ال�شهري عام ‪.1897‬‬ ‫حتت �شعار اعرف ا�سرائيل ينبغي �أن يكون املدخل‬ ‫لقراءة جديدة لرموز الدولة ال�صهيونية من �سيا�سيني‬ ‫وقادة وهذا �أمر مهم يدخل يف االعتبار �إذ �أن معرفة‬ ‫ا�سرائيل �ضرورة البد منها لالطالع على عقل‬ ‫الدولة وتدابريها كما �أن درا�سة قادتها وزعمائها‬ ‫ورموزها يعني فك طال�سم وهدم �أ�سوار قالع حت�صن‬ ‫قادة ا�سرائيل االوائل واحلاليني يف اركانها املعتمة‬ ‫وامل�ضيئة‪� .‬إن الكيان اال�سرائيلي وهو يدفع برجاالت‬ ‫حركته �إىل ال�صفوف الأمامية يف الوزارة وامل�ؤ�س�سة‬ ‫الع�سكرية والكني�ست وعلى قمة الأحزاب العلمانية‬ ‫�أو الدينية �إمنا يدفع بطوابري نحو �إ�صابة الهدف وهو‬ ‫خدمة الكيان وم�صاحله‪.‬‬ ‫�إن درا�سة بن غوريون الأب الروحي ورموز احلركة‬ ‫ال�صهيونية بعد عام ‪� 1948‬أو االطالع على ال�سري‬ ‫الذاتية ملناحيم بيغن �أو دايان �أو �شارون ونتنياهو‬ ‫ت�ؤكد ان العرب بحاجة ما�سة لدرا�سة الزعماء والقادة‬ ‫الذين يتحكمون بالقرار ال�سيا�سي داخل الدولة‬ ‫العربية‪ .‬هذه الأوراق حماولة لالطالع على جوانب‬ ‫مثرية وخفية من �سري حياة بع�ض رموز ا�سرائيل‬ ‫واعماما للفائدة ون�شرا للثقافة اجلماهريية ن�ضع هذا‬ ‫الكتاب بني يدي القارئ العزيز‪..‬‬

‫ولد ا�سحق رابني يف القد�س يف الأول من �آذار ‪1922‬‬ ‫من �أبوين مهاجرين من رو�سيا وكان والده يحمل ا�سم‬ ‫(روبيت�سوف) �إال انه غري ا�سمه �إىل رابني بعد هجرته �إىل‬ ‫فل�سطني وكان يعمل يف �شركة الكهرباء‪ ،‬ويف ذات الوقت‬ ‫مت جتنيده ع�ضوا يف �إحدى اجلماعات ال�صهيونية الأوىل‬ ‫التي �أوكل �إليها مهمة الدفاع عن التجمعات وامل�ستوطنات‬ ‫اليهودية ال�صهيونية فكان من املدافعني عن احلي اليهودي‬ ‫يف القد�س‪.‬‬

‫�أما والدة رابني فقد كانت تعمل مديرة ح�سابات يف �إحدى‬ ‫�أهم امل�ؤ�س�سات اال�ستيطانية ال�صهيونية التي �أخذت على‬ ‫عاتقها �أمر بناء من�ش�آت اال�ستيطان وهي �شركة (�سوليل‬ ‫بونيه) للبناء‪ ،‬وهكذا فقد ن�ش�أ رابني يف بيت �صهيوين‬ ‫اخذ يكت�سب فيه القيم واملبادئ ال�صهيونية وي�صف رابني‬ ‫يف مذكراته البيئة التي ترعرع فيها بقوله ب�أنه على الرغم‬ ‫من �أن منزله كان ذا طابع علماين غري متدين �إال انه مليء‬ ‫باالفتخار باليهودية‪.‬‬ ‫عام ‪ 1973‬التحق رابني مبدر�سة خ�ضوري الزراعية من‬ ‫منطلق �صهيوين فمدر�سة خ�ضوري كانت حينئذ تعترب‬ ‫هدفا ملن �أع��دوا �أنف�سهم للزراعة واال�ستيطان ويف تلك‬ ‫الأي��ام �أخ��ذت حدة ال�صدام واملواجهة مع الفل�سطينيني‬ ‫باالرتفاع حيث �أعلنت الثورة على االنتداب الربيطاين‬ ‫وهوجمت امل�ستوطنات ال�صهيونية – ث��ورة ‪1936‬‬ ‫فانخرط ا�سحق راب�ين وه��و ما ي��زال طالبا يف مدر�سة‬ ‫خ�ضوري يف العمل ال�صهيوين امل�سلح وكلف من الطلبة‬ ‫اليهود الآخرين يف املدر�سة بالقيام مبهمات ذات طابع‬ ‫ع�سكري تتمثل �أ�سا�سا يف ت�أمني االت�صال بني امل�ستوطنات‬ ‫واملواقع ال�صهيونية املنت�شرة يف �أنحاء فل�سطني‪ ،‬مع ما‬ ‫يقت�ضيه ذلك من التدرب على ال�سالح وا�ستخدامه وكان‬ ‫�أول �شخ�ص تلقى راب�ين على يديه التدريب الع�سكري‬ ‫هو ايغال �آلون الذي كان �أحد قادة الباملاخ وا�صبح فيما‬ ‫بعد �أح��د الأع�ضاء البارزين يف حزب اح��دوت هاعفودا‬ ‫الذي ان�ضم فيما بعد �إىل حزب العمل فكان من الزعماء‬ ‫البارزين لهذا احلزب‪ .‬عام ‪ 1941‬اندمج رابني بقوة يف‬ ‫العمل ال�صهيوين امل�سلح حني ان�ضم �إىل الكتائب اليهودية‬ ‫ال�صهيونية التي �ساهمت باحلرب مع الربيطانيني �ضد‬ ‫ق��وات في�شي يف �سوريا ولبنان‪ ،‬ويف هذه الكتائب قام‬ ‫راب�ي�ن ب� ��أوىل عمليات التخريب ح�ين ك��ان ي�ق��وم �ضمن‬ ‫وحدته بالت�سلل �إىل احل��دود اللبنانية لتخريب خطوط‬ ‫االت�صاالت الهاتفية واملن�ش�آت املدنية والع�سكرية متهيدا‬ ‫للغزو الربيطاين لكل من �سوريا ولبنان‪.‬وبعد انتهاء هذه‬ ‫املرحلة انخرط رابني يف كتائب الباملاخ وان�ضم مبا�شرة‪،‬‬ ‫يف دورة ق��ادة ح�ظ��ائ��ر‪ ،‬وك��ان ق��ائ��د ال ��دورة م��درب��ه يف‬ ‫خ�ضوري ايغال �آلون‪ ..‬وبعد انتهاء الدورة اختاره �آلون‬ ‫ليكون مدرب م�سد�سات يف الق�سم العربي يف الباملاخ وهذا‬ ‫الق�سم كان ي�ضم يهودا قدموا من البالد العربية مالحمهم‬ ‫عربية ويتقنون اللغة العربية وكان يجري �إعدادهم للقيام‬ ‫مبهمات ا�ستخبارية جت�س�سية تخريبية يف املدن والقرى‬

‫العربية داخل فل�سطني وخارجها‪.‬وا�ستمرت خدمة رابني‬ ‫يف كتائب الباملاخ و�أ�سندت �إليه مهام ع�سكرية قيادية‬ ‫عديدة‪ :‬فقد عني �سنة ‪ 1945‬مدربا للكتيبة الأوىل ونائبا‬ ‫لقائد الكتيبة وك��ان من �ضمن املهمات التي �أوكلت �إليه‬ ‫بلورة النظرية الع�سكرية للباملاخ‪.‬‬ ‫بعد انتهاء احل��رب العاملية الثانية ت�سلم قيادة الكتيبة‬ ‫الثانية يف الباملاخ ولت�سهيل حتركاته يف �أنحاء فل�سطني‬ ‫ومن اجل القيام مبهماته الع�سكرية القيادية كان يحمل‬ ‫وثيقتني �شخ�صيتني مزيفتني �إحداهما حتمل ا�سم ا�سحق‬ ‫روزنربغ والأخرى با�سم روزنباوم‪.‬‬ ‫لقد كانت النظرية الأ�سا�سية للباملاخ جتمع بني العمل‬ ‫اال�ستيطاين ال��زراع��ي يف الكيبوت�سات وب�ين احلياة‬ ‫الع�سكرية وكان التهي�ؤ جاريا والت�سليح قائما على قدم‬ ‫و�ساق ا�ستعدادا للمرحلة التالية من العمل ال�صهيوين‬ ‫وه��ي مهاجمة ال�سكان العرب و�إج�ب��اره��م على الرحيل‬ ‫من �أر�ضهم ووطنهم القامة الكيان ال�صهيوين والتهي�ؤ‬ ‫ملواجهة اجليو�ش العربية التي قد تتدخل للحيلولة دون‬ ‫احتالل فل�سطني من قبل الع�صابات ال�صهيونية يف حال‬ ‫ان�سحاب الربيطانيني منها‪ ،‬وهو ما كانت عالئمه تلوح‬ ‫يف الأف��ق امللبد بالغيوم وخا�صة على اث��ر ق��رار الأمم‬ ‫املتحدة بتق�سيم فل�سطني �أواخر عام ‪.1947‬‬ ‫يف ه��ذه املرحلة من العمل ال�صهيوين ت�سلم ديفيد بن‬ ‫غوريون املهام الع�سكرية يف �إدارة الوكالة اليهودية‪،‬‬ ‫وبد�أ التح�ضري للمرحلة القادمة وبحكم هذا املن�صب فقد‬ ‫خ�ضعت لقيادته املبا�شرة قوات الهاغاناه وكتائب الباملاخ‬ ‫ال�ضاربة حيث يقود رابني �إحدى كتائبها‪.‬‬ ‫ع�ين راب�ي�ن �ضابط عمليات يف ال�ب��امل��اخ ويف �أوا�سط‬ ‫ني�سان ‪� 1948‬أ�سندت �إليه قيادة ق��وة هرئيل املكونة‬ ‫م��ن الكتيبتني الرابعة واخلام�سة م��ن كتائب الباملاخ‪،‬‬ ‫وبهذه ال�صفة �ساهم رابني يف حرب ‪ ،1948‬فقد حتول‬ ‫هرئيل بعد قليل من ت�سلم رابني لقيادته �إىل لواء وكلف‬ ‫بالعمليات الع�سكرية يف منطقة القد�س‪ ،‬فكان ا�سحق‬ ‫رابني هو القائد الذي قاد بقوات �صهيونية يف املحاوالت‬ ‫املتكررة لال�ستيالء على القد�س �ضمن اال��س��م الرمزي‬ ‫للعمليات (نح�شونويبو�سي) و�ضمن ه��ذه العمليات‬ ‫ظهر مرة اخرى‪ ،‬ال�صراع بني قوات الباملاخ وقوات من‬ ‫الهاغاناه بقيادة (�شالتيئل) وهي ا�ستمرار لل�صراع اخلفي‬ ‫الذي بد�أ يتعمق بني بن غوريون زعيم حزب ماباي وبي‬ ‫الأح��زاب واملنظمات ال�صهيونية الأخ��رى‪ ،‬يف حماوالت‬

‫عام ‪ 1941‬قام رابني ب�أوىل عمليات التخريب حني‬ ‫قام بالت�سلل �إىل احلدود اللبنانية لتخريب خطوط‬ ‫االت�صاالت الهاتفية واملن�ش�آت املدنية والع�سكرية‪..‬‬ ‫وا�ضحة منها للدفاع عن ا�ستقالليتها‪.‬بعد توقف العمليات‬ ‫على جبهة القد�س نقل رابني يف �شهر �آب للعمل ك�ضابط‬ ‫عمليات على اجلبهة امل�صرية ويف خ�ضم العمليات �صدر‬ ‫ق��رار بن غوريون بحل كتائب الباملاخ وت�شكيل جي�ش‬ ‫موحد (اجلي�ش الإ�سرائيلي) وهكذا ح�سم ال�صراع بني‬ ‫ال�ب��امل��اخ وال�ه��اغ��ان��اه ل�صالح ه��ذه الأخ�ي�رة ال�ت��ي توىل‬ ‫قادتها قيادة (اجلي�ش الإ�سرائيلي) اجلديد‪.‬ا�ستمر رابني‬ ‫ك�ضابط يف ظل الو�ضع الع�سكري اجلديد و�ساهم يف‬ ‫العمليات الع�سكرية على اجلبهة امل�صرية �إىل حني انتهاء‬ ‫العمليات‪ ..‬وبعد انتهاء احلرب‪ ،‬وبدء مفاو�ضات رود�س‬ ‫اختري رابني ع�ضوا يف الوفد ال�صهيوين املفاو�ض (حيث‬ ‫كان برتبة مقدم) ومل ي�ستمر �ضمن الوفد �إىل النهاية بل‬

‫عاد من جديد ليقود العملية الع�سكرية الحتالل منطقة‬ ‫�أم الر�شرا�ش –ايالت‪ -‬فلم ي�ساهم يف توقيع اتفاقيات‬ ‫رود���س‪ .‬بعد احلرب عني رابني قائدا للواء الثاين ع�شر‬ ‫�شبه املدرع وكان هذا اللواء �أحد �ألوية الباملاخ قبل حله‪..‬‬ ‫ثم جرى حل هذا اللواء فعني رابني م�ؤقتا قائدا للقيادة‬ ‫اجلنوبية بالوكالة‪.‬يف �أواخ��ر العام ‪ 1950‬عني رئي�سا‬ ‫ل�شعبة الأركان للعمليات‪ ،‬حيث بقي يف هذا املن�صب مدة‬ ‫عامني ثم �أر�سل �إىل بريطانيا يف دورة ع�سكرية درا�سية‬ ‫يف كلية الأركان التابعة للجي�ش الربيطاين يف كمربيل‪،‬‬ ‫وبعد انتهاء الدورة عني رئي�سا لق�سم التدريب يف �شعبة‬ ‫الأركان‪.‬‬

‫يتبع‬

‫التحقيقات الجنائية في العراق وموقفها من األحزاب الوطنية ‪1957 -1921‬‬

‫الحلقة الرابعة‬

‫خالل احلرب العاملية الأوىل ‪ 1914‬تقدمت القوات الربيطانية الحتالل الب�صرة‬ ‫الدكتورة زينة شاكر سلمان‬

‫املبحث الثاين‬ ‫التحقيقات اجلنائية بعد االحتالل الربيطاين حتى‬ ‫عام ‪1920‬‬ ‫بعد �إعالن احلرب العاملية الأوىل يف الثامن والع�شرين‬ ‫من حزيران عام ‪ ،1914‬ا�ستغلت بريطانيا ان�ضمام‬ ‫ال��دول��ة العثمانية �إىل املانيا لذلك ��ص��درت الأوام��ر‬ ‫�إىل القوات الربيطانية الهندية بالتحرك نحو ر�أ�س‬ ‫اخلليج العربي لتنفيذ خمططها باحتالل الب�صرة عن‬ ‫طريق �شط العرب وحماية م�ؤ�س�سات النفط واحلفاظ‬ ‫على �سمعة بريطانيا ال�سيا�سية �إذ مل مي�ض �أكرث من‬ ‫ي��وم واح��د على ا��ش�تراك ال��دول��ة العثمانية ب�صورة‬ ‫ر�سمية يف احلرب حتى هاجمت القوات الربيطانية‬ ‫امل�سلحة جنوبي العراق ومتكنت من احتالل الفاو يف‬ ‫ال�ساد�س من ت�شرين الثاين ‪ 1914‬ثم وا�صلت احلملة‬ ‫تقدمها واحتلت مدينة الب�صرة يف الثاين والع�شرين‬ ‫من ت�شرين الثاين من العام نف�سه‪.‬‬ ‫ويف ال�ث��ال��ث والع�شرين م��ن ت�شرين ال�ث��اين و�صل‬ ‫اجلرنال باريت ‪ Barrett‬مع الق�سم الأكرب من القوة‬ ‫ودخل الب�صرة باحتفال ر�سمي ورفع العلم الربيطاين‬ ‫عليها وات �خ��ذت القن�صلية الأمل��ان �ي��ة دار ًا للحاكم‬ ‫الربيطاين والقى ال�سري بر�سي كوك�س (‪)P. Cox‬‬ ‫خطاب ًا على �أع �ي��ان املدينة باللغة العربية �أو�ضح‬ ‫ن�صه‪" :‬لقد احتلت‬ ‫فيه �سيا�سة حكومته‪ ،‬وفيما يلي ّ‬ ‫بريطانيا الآن الب�صرة وعلى �أث��ر قيام احل��رب مع‬ ‫احلكومة العثمانية لي�س هناك عداء بيننا وبني �أهلها‬ ‫ونحن ال ننطوي على �سوء ق�صد ب�إزائهم فالأمل يعتلج‬ ‫يف نفو�سنا ع�سانا نوفق �إىل �أن نثبت لهم �أننا حماتهم‬ ‫و�أ�صدقا�ؤهم مل تبق هنا �آث��ار ل�ل�إدارة العثمانية‪� ,‬إن‬ ‫العلم الربيطاين يرفرف على هذه الأرجاء و�ستتمتعون‬ ‫يف ظله باحلرية والعدالة بقدر تعلق الأمر ب�ش�ؤونكم‬ ‫الدينية والدنيوية"‪� .‬أوكلت حكومة الهند الربيطانية‬ ‫لل�سري بر�سي كوك�س و�ضع ترتيبات الإدارة املدنية‬ ‫يف املناطق التي �سيتم احتاللها من القوات الع�سكرية‬

‫م�ستغلة بذلك خربته ال�سابقة التي اكت�سبها حينما‬ ‫ك��ان ي�شغل من�صب املقيم ال�سيا�سي الربيطاين يف‬ ‫اخلليج العربي قبل احلرب العاملية الأوىل حيث با�شر‬ ‫عمله معتمد ًا على جمموعة من ال�ضباط الربيطانيني‬ ‫بت�شكيل وتنظيم دوائ��ر الإدارة املدنية والتي كانت‬ ‫خا�ضعة لتوجيهات الدائرة ال�سيا�سية العليا‪.‬‬ ‫قامت �سلطة االحتالل الربيطانية بت�سيري �إدارتها يف‬ ‫الب�صرة مبزيج �آين من نظامي الإدارت�ين العثمانية‬ ‫وال�ه�ن��دي��ة ب�سبب ع��دم ت��وف��ر ن�ظ��ام م�ع� ّد ��س��اب�ق� ًا لذا‬ ‫ر�أت بريطانيا انه �إذا ت�سنى لها املحافظة على الأمن‬ ‫وتوطيد دعائم ال�سالمة‪ ،‬ف�إنها ت�ستطيع تكوين قوة‬ ‫عامة تقف �أم��ام كل خطر يهدد �سالمتها لذلك با�شرت‬ ‫ب�أ�سبقية التنفيذ ل�ت��وف�ير الأم���ن ل�ق��واع��د ومقرات‬ ‫اجلي�ش وخطوط �إمداده‪ ،‬وللحد من الفو�ضى و�أعمال‬ ‫ال�سلب والنهب التي جتتاح املدينة‪ ،‬و�إعادة اخلدمات‬ ‫ال �� �ض��روري��ة ال �ي �ه��ا وا��ش�ت�م�ل��ت ع �ل��ى دائ� ��رة احلاكم‬

‫بعد ان�سحاب اجلندرمة العثمانية قامت القوات‬ ‫الربيطانية بـ�إن�شاء دائرة ال�شرطة يف الب�صرة نتيجة‬ ‫تكاثر الل�صو�ص وامل�سلحني‪..‬‬

‫الع�سكري ودائرة ال�شرطة‪ .‬فر�ضت الظروف االمنية‬ ‫الآنية �ضرورة التعجيل بان�شاء دائرة ال�شرطة‪ ،‬وذلك‬ ‫بعد ان�سحاب واختفاء اجلندرمة العثمانية‪ ،‬وتكاثر‬ ‫الل�صو�ص امل�سلحني يف ب�ساتني النخيل الوا�سعة‬ ‫واملمتدة بني الفاو والب�صرة‪ ،‬وتزايد التعر�ض لل�سفن‬ ‫يف �شط ال �ع��رب‪ .‬بعد �أ��س�ب��وع م��ن اح�ت�لال الب�صرة‬ ‫حلت ال�شرطة املدنية حمل ال�شرطة الع�سكرية و�أُتبع‬ ‫يف ت�شكيلها الطراز الهندي‪ ،‬وجيء مب�سرت كريك�سن‬ ‫‪ E.G.Gregson‬وه��و �أح��د منت�سبي ال�شرطة‬ ‫الهندية ولديه خربة طويلة باحلدود ال�شمالية‪-‬الغربية‬ ‫يف الهند ت�صحبه جماعة م��ن ال�شرطة املج ّربة من‬ ‫الهنود البنجابيني كما كانت هناك قلة من ال�صوماليني‬ ‫الذين وفدوا من عدن ليتولوا مهام تنظيم الأمن فيها‪.‬‬ ‫كتب ال�سري �أي‪ .‬تي ويل�سون ‪ A.T. Wilson‬وهو‬ ‫�ضابط �شرطة بريطاين �أ�سهم يف و�ضع �أ�س�س بناء‬ ‫وعمل وتنظيم �شرطة العراق �إبان االحتالل الربيطاين‬ ‫مقالة يف جملة ال�شرطة ‪The Police Journal‬‬ ‫يف �آذار ع��ام ‪ 1928‬ب�ع�ن��وان "‪Iraqi Police:‬‬ ‫‪A Notable Example of British‬‬ ‫‪ ،"Administrative Adaptability‬جاء‬ ‫فيها "�إنّ الإدارة اجليدة ال ميكن �أن تنجز وظائفها يف‬ ‫ظل غياب قوة �شرطة كفوءة و�إنّ ال�شرطة يف الأقطار‬ ‫ال�شرقية املقامة على النمط الغربي �سارت بخطى‬ ‫ثقيلة باجتاه التكامل‪ ،"...‬ووفق ًا لتحليل املقالة �أ�شار‬

‫�أكرم امل�شهداين �إىل انه "يجب �أن ال يغيب عن البال‬ ‫�إنّ �ضباط ال�شرطة الربيطانيني الذين �أُر�سلوا من‬ ‫الهند مل يتم اختيارهم ب�شكل خا�ص لزمن ال�سلم‪� ،‬إمنا‬ ‫�أغلبهم مل يكن راغب ًا ل�سحبه من كتائب امل�شاة ولكن‬ ‫الب��د لنا من القول اننا ف�خ��ورون متام ًا عن اخلدمة‬ ‫التي �صنعت رج��ا ًال ق��ادري��ن يف مثل ه��ذه الظروف‬ ‫على قلب الأمور نحو الأح�سن لتحقيق هذه النتائج"‪،‬‬ ‫وا�ست�صحب ال�ضابط ال�سيا�سي الأقدم ال�سري بر�سي‬ ‫كوك�س قائد احلملة الربيطانية القادمة من بومباي‬ ‫عدد ًا من �ضباط و�أفراد ال�شرطة الهنود املتمر�سني مع‬ ‫عدد �آخر من امل�ساعدين القديرين �أغلبهم �سحبوا من‬ ‫مقاطعات ال�شمال الغربية للهند لكونهم على مقدرة‬ ‫التكلم بالعربية والفار�سية الدارجة‪ .‬على الرغم من‬ ‫�أنّ �أ�سلوب املقالة يعك�س ر�أي �ضابط بريطاين �شارك‬ ‫يف احلملة الع�سكرية وا��ش�ترك يف ت�أ�سي�س �شرطة‬ ‫ال �ع��راق فهو منحاز �إىل بلده يف كثري م��ن النقاط‪،‬‬ ‫لكنها يف الواقع �شهادة على تفوق العراقيني و�سرعة‬ ‫ا�ستيعابهم لنظام وواجبات ال�شرطة وت�سلم ال�ضباط‬ ‫العراقيني مهام �إدارة ال�شرطة بوقت قيا�سي فيما‬ ‫بعد‪ .‬قام قومي�سري ال�شرطة م�سرت كريك�س بت�أ�سي�س‬ ‫خمافر لل�شرطة يف الأماكن التي كانت للعثمانيني فيها‬ ‫خمافر �شرطة �أو القريبة منها على الرغم من �أن بع�ضها‬ ‫تعر�ض للتدمري بعد االحتالل‪.‬‬ ‫لوحظ �أنّ الإدارة املدنية قد اعتمدت على ال�ضباط‬

‫ال�بري�ط��ان�ي�ين ومل ت�ك��ن راغ �ب��ة ب��ا��س�ت�خ��دام عنا�صر‬ ‫ال���ش��رط��ة العثمانيني ال���س��اب�ق�ين خ��وف � ًا م��ن والئهم‬ ‫ل �ل��دول��ة ال�ع�ث�م��ان�ي��ة‪ .‬م��ار� �س��ت ه ��ذه ال �ق��وة اجلديدة‬ ‫ومب�ساعدة عيونها وجوا�سي�سها ال��ذي��ن �أر�سلتهم‬ ‫الإدارة الربيطانية يف كل �أنحاء والي��ة الب�صرة من‬ ‫�أج��ل نقل الأخ�ب��ار وحتركات ال�سكان وك��ل �شيء من‬ ‫�ش�أنه الإ�ضرار بالقوات الربيطانية‪ ،‬و�إدارتها املدنية‪،‬‬ ‫وف��ر���ض �أ�سلوب القمع والإره���اب واال�ضطهاد �ضد‬ ‫املواطنني العراقيني الذين كانوا يقومون مبحاوالت‬ ‫الإغارة على الدوريات الع�سكرية وم�ؤ�س�ساتها املدنية‬ ‫والع�سكرية‪ ،‬وقامت هذه امل�ؤ�س�سة ب�إ�صدار وتنفيذ‬ ‫�أح�ك��ام الإع ��دام مبجموعة من املواطنني الب�صريني‬ ‫وك��ان ذل��ك ب�صورة علنية يف و�سط املدينة لإ�شاعة‬ ‫الرعب واخلوف يف نفو�س ال�سكان‪.‬‬ ‫وا��ص�ل��ت ال �ق��وات الربيطانية بعد احتاللها ملدينة‬ ‫الب�صرة تقدمها �شما ًال ومتكنت من احتالل العمارة‬ ‫يف �أوائل حزيران عام ‪ 1915‬والنا�صرية يف الرابع‬ ‫والع�شرين من متوز من العام نف�سه والكوت يف كانون‬ ‫الثاين ‪ ،1917‬ثم قامت الإدارة الربيطانية بت�شكيل‬ ‫دوائر الإدارة املدنية يف املناطق املحتلة ففي العمارة‬ ‫مت تعيني الكاتب ويلت ‪ Wieelt‬معاون مدير �شرطة‬ ‫العمارة عام ‪ 1917‬خلفه الكابنت �ساركون ‪،Sarkun‬‬ ‫حيث ب��د�أت ال�شرطة مبمار�سة الواجبات االعتيادية‬ ‫املتمثلة بحماية الطرق والأنهار وا�ستخدامهم حرا�س‬ ‫للمخازن احلكومية يف بع�ض املناطق والقب�ض على‬ ‫املجرمني ومنع وقوع امل�شاكل بني الع�شائر القاطنة‬ ‫يف العمارة‪ ،‬وتكليف رجال ال�شرطة يف �أكرث الأحيان‬ ‫يف جباية ال�ضرائب‪� .‬ش ّكلت قوة ال�شرطة املحلية يف‬ ‫النا�صرية يف �أيلول ‪ 1915‬وعهد ب�إدارتها �إىل الرائد‬ ‫بلفور ‪ Belfor‬وك��ان��ت تقوم ب��واج�ب��ات احلرا�سة‬ ‫والدوريات الليلية يف �سوق املدينة وحرا�سة خزينة‬ ‫الإدارة ال�بري�ط��ان�ي��ة امل ��وج ��ودة يف دائ� ��رة احلاكم‬ ‫الع�سكري وتنفيذ �أوامره‪.‬‬ ‫الحظت �سلطة االحتالل الربيطانية تخوف الأهايل‬ ‫و�أخذ احليطة واحلذر يف �إظهار والئهم لها حيث كانوا‬ ‫يخ�شون ع��ودة العثمانيني م��رة �أخ��رى ال�سيما انهم‬ ‫ذاقوا �شتى �أن��واع البط�ش والقتل والتعذيب هذا من‬ ‫جانب‪ .‬ومن جانب �آخر طبيعة املجتمع العراقي الذي‬ ‫كان يت�ألف يف غالبيته العظمى من القبائل البدوية‬ ‫والريفية املتح�ضرة‪ .‬كما �أن بريطانيا دول��ة حمتلة‬ ‫وتختلف عن ال�شعب العراقي �شك ًال وم�ضمون ًا ف�ض ًال‬ ‫عن كونها متثل �سلطة �أجنبية غري م�سلمة‪.‬‬

‫يتبع‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.