Arabe

Page 1


‫ﻷﻧﻲ ﻋﺮﺑﻲ‬


‫المملكة األردنية الھاشمية‬ ‫رقم اإليداع لدى دائرة‬ ‫المكتبة الوطنية‬ ‫)‪(٢٠٠٩/٦/٢٤١٨‬‬ ‫‪٨١٣ .٩‬‬ ‫العمري‪ ،‬أحمد سليمان العمري‬ ‫ألني عربي‪ /‬أحمد سليمان العمري ‪ _.‬عمان‪ :‬المؤلف‪.٢٠٠٩ ،‬‬ ‫) (ص‬ ‫ر‪.‬أ‪.(٢٠٠٩ / ٦ / ٢٤١٨) :.‬‬ ‫الواصفات‪ / :‬الروايات العربية ‪//‬القصص العربية ‪//‬العصر الحديث‪//‬‬

‫أعدت دائرة المكتبة الوطنية بيانات الفھرسة والتصنيف األولية‬ ‫يتحمل المؤلف كامل المسؤولية القانونية عن محتوى مصنفه وال‬ ‫ّ‬ ‫يعبر ھذا المصنف عن رأي دائرة المكتبة الوطنية أو أي جھة حكومية‬ ‫أخرى‪.‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة‬ ‫يطلب الكتاب من‬ ‫‪Ahmed83la@yahoo.com‬‬ ‫‪Mob. 00962777033285‬‬ ‫‪00962788033312‬‬ ‫‪٢٠٠٩‬م‬ ‫‪ISBN: 978-9957-8636-2-3‬‬

‫‪٢‬‬


Ù£


٤


‫ﺍﻹﻫﺪﺍء‬ ‫ ــ ــ ـ ‪%‬ــ ‪%& $‬ــ ‪ $‬ــ ‪#‬ــ"! ' ــ ــ! ــ ‪* +‬ــ )(‬ ‫ ‪، /; $< 1 ، /0 1 2 31 & ,4 5 67 , !'189 :;& ..., -‬‬ ‫‪.E1)F E ...)?4 @ > ! AB !; $ C / D 1 ، =8> 1‬‬ ‫ ' ‪ D; , 8; I1 J' K8 L 1 M N J;4 /# C G E E/H‬ـ?‬ ‫‪. =) ?> 3 O‬‬ ‫ ‪' :;& !G) PQ !G R D' , * !> SD4‬ـ!‪ 0 ...‬ـ ‪T‬‬ ‫ ــ [ '‪ Z‬ــ‪ +‬ــ‪W XYLA‬ــ ‪Q $8‬ــ‪V P‬ـ‪U ! 8‬ــ _ ^ــ]‪ X‬ــ‪\ E‬ــ ‪ $‬ــ! &‪5‬ــ‪)8‬‬ ‫` ‪.a1 Q SB b0) ! ; c= ،3H‬‬ ‫ ‪. / <1‬‬

‫‪٥‬‬


โ ซ๏บฃ๏ป ๏บ ๏บ ๏ป โ ฌ โ ซ ู โ ฌQ โ ซู โ ฌd;& 8โ ซ =ู โ ฌุ B8โ ซ ู โ ฌ- โ ซู โ ฌ# ู โ ซู โ ฌ1 โ ซู โ ฌ/G ) โ ซ ู โ ฌe โ ซ;ู โ ฌD 8 - d;' , โ ซู โ ฌVA' =) ?โ ซ] >ู โ ฌ1 j ;= .iูกhูกh ,; T8 1 G !" A& ุ .S: 9 # l A' 1 /; ุ k D S / i ?; 81 โ ซ ู โ ฌT 8โ ซ>ู ู โ ฌ8=) oโ ซ 'ู ู โ ฌ1 ( โ ซู ู โ ฌ1 > , D โ ซู ู โ ฌV (8โ ซู ู โ ฌ4 p"โ ซ ู ู โ ฌA& ุ iูกูกnูก iูกูกูกm i โ ซ ู ู โ ฌEโ ซ ู ู โ ฌ .!H 4 V E " 0 kYD , q r l I- (Hugue de Payens (Council on Foreign

,โ ซ )> ู ู ู โ ฌs N โ ซู ู ู โ ฌ4Y N ) tโ ซ 'ู ู ู โ ฌM ,โ ซู ู ู โ ฌ5 )

,โ ซ ู ู ู ู โ ฌ:w'- โ ซ =ู ู ู ู โ ฌุ iูกvnูก ,;โ ซ( ู ู ู ู โ ฌuโ ซ ู ู ู ู โ ฌj)8โ ซ ) ู ู ู ู โ ฌp"โ ซ ู ู ู ู โ ฌuโ ซ ู ู ู ู โ ฌRelations) ()y8โ ซ;ู ู โ ฌ- ,โ ซ ู ู โ ฌD5 R โ ซ )>ู ู โ ฌM /โ ซ< ู ู โ ฌ1 2 /"โ ซ ู ู โ ฌA& ?โ ซ ;ู ู โ ฌุ ,โ ซ ู ู โ ฌ- N โ ซู ู โ ฌV)8D T xโ ซ'ู ู โ ฌ4M .(Illuminati) R R 84 ุ |8 } ุ /{) 8& ุ / Y N d;' z?= ,1 T) SB . T 8= , 5- ,1T x'4~ N 1 d; ?B 9 3V ,1 .ย L , ...r4 8 ( '" /0 ย ,

ูฆ


‫ﻣﻘﺪﻣﺔ‬ !‫ ـ ـ ـ‬u‫ ـ‬,dw ... Zx r4 8 ) p 5V iY N ZD& !‫ـ‬D ً ‫ـ‬D 4 N?L =T p ` 8& pw & ،p 'B ( * l z %'D- SV ...! SB B ‫ـ‬/> ‫ ـ‬$ ‫ـ‬Q " :, !' `8\ V J X 0 R ...X 0 ... " ) 5 SD4 '"‫ ) ــ 'ــ‬p‫ ــ‬5 @ S‫ " =ــ‬:a‫ ' ــ‬b#Z;‫ ــ‬N8x‫ ــ‬R ‫ــ‬4 !‫ ــ' ) ــ‬ . /4]^ 0 D& B & ` ( B E ;'' K i ‫ ؟‬Y

٧


٨


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫أرفض ك ل م شروع أن ت ل ست في ه‪ ...‬ال أري د أن تغيب ي عن ي‪ ،‬فأن ا‬ ‫أھيم في فجوات ظنوني‪ ،‬لم أعد أعبأ بمن حولي‪ ،‬ال بالدنيا وال أعم الي‬ ‫وحتى أصدقائي وضياع سنيني‪ ،‬أصبحت أعيش وحيداً في قاربي أبحر‬ ‫من نھر إلى بحر معتق داً أن ي مخت ار لطريق ي‪ ،‬أبح ث عن ك أدع وك أن‬ ‫تقتربي‪ ،‬وال تسأليني صبراً‪ ،‬فھناك شيء في داخلي ال يريد سواك‪.‬‬ ‫قالوا عن ك س احرة‪ ،‬ق الوا إن ھم ساتك ت سبيحات ش يطانية‪ ،‬ق الوا ل ي‬ ‫اذھب إلى الشيخ فالن فھو يجيد فك السحر‪.‬‬ ‫لم يعلموا حبيبتي بذلك السر المكنون‪ ...‬جنوني وحب ي وت ولعي ب ك‪،‬‬ ‫بأنفاسك ولمساتك‪ ...‬ھل البعد عنك سيأويني؟ أم يجع ل من ي مجنون ا ً‪...‬‬ ‫أھذي‪ ،‬أحكي لنساء الدنيا عنك؟‬ ‫في ليلي أنت حت ى ف ي أنفاس ي الھارب ة م ن ص دري وأنين ي‪ ،‬ھ ا أن ا‬ ‫وضعت نف سي ف ي س جن ش جوني‪ ...‬ولك ن ل ن أرك ع‪ ،‬ل ن أخ ضع‪ ،‬ل ن‬ ‫أبقى موھوما ً حالما ً منتظراً في سجني‪ ،‬سأخرج قويا ً وال أري د أن أراك‬ ‫ف

سحر عيني

ك يك

ويني‪ ،‬ال أري

د أن أراك فن

سماتك ني

ران تحرقن

ي‪،‬‬ ‫أرجوك ال أريد أن أراك‪.‬‬ ‫يا امرأة ذكراھا لم تع د س وى ألم ا ً أح ب اإلح ساس ب ه وكأن ه أص بح‬ ‫أنيسي وجليسي‪ ،‬كنت في الماض ي تبحث ين عن ي‪ ،‬ع ن ودي والي وم ھ ا‬ ‫أنت جداً بعيدة عني أناديك وأنت بھجرك تصليني‪.‬‬

‫‪٩‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫أص

حو ف

ي ال

ساعة الخام

سة ص

باحا ً كالع

ادة‪ ،‬أذھ

ب إل

ى المط

بخ‪،‬‬ ‫أضع القھوة في )الكف ي ميك ر( جھ از ص انع القھ وة‪ ،‬أذھ ب بع دھا إل ى‬ ‫الحمام‪ ،‬أستحم وأنظف أسناني في آن واحد تحت المياه الساخنة‪ ،‬أخرج‬ ‫م

ن الحم

ام وش

عري ن

صف مبل

ل‪ ،‬أرك

ض إل

ى غرف

ة الجل

وس وأم

ي‬ ‫تسمع صوت فيروز الذي اعتادت عليه وعودتني‪ ،‬وم ن ث م أدخ ل م رة‬ ‫أخرى إلى الحم ام وأحل ق ذقن ي‪ ،‬وھ ذه ال دورة ال صباحية ت ستغرق م ن‬ ‫الوقت دقائق تكون فيھا القھوة قد جھزت‪ ،‬كانت أمي تجھزھا فھي تفيق‬ ‫معي‪.‬‬ ‫أبدأ احتساء قھوتي معھا جال سا ً عل ى األريك ة ذاتھ ا ف ي ك ل ص باح‪،‬‬ ‫مستمتعا ً بمذاقھا المر ووجود أمي‪ ،‬فھو يعيدني للحظ ة األول ى بب سمات‬ ‫وأغنيات عمري‪ ،‬وبين رشفة وأخ رى أرت دي بع ض مالب سي‪ ،‬ورش فة‬ ‫أخرى كبيرة ألبس البنطال‪ ،‬والتي تليھ ا أل بس القم يص‪ ،‬وم ن ث م أع ود‬ ‫جالسا ً على األريكة ذاتھا‪ ،‬وبرشفة قھوة أخرى أب دأ بل بس ربط ة العن ق‬ ‫يعلوھا صفيري‪ ،‬وال أبالي بالمطر الغزير الذي أراقبه من خالل زجاج‬ ‫الشرفة المطل على حديقة المنزل‪ ،‬فأنا لم أعد أعطي للطقس أي أھمي ة‬ ‫تذكر‪ ،‬إن كانت الشمس قوية ساطعة أم السماء صاخبة غاضبة ماطرة‪،‬‬ ‫أعيش اللحظة مثلما أنا أختارھا‪ ،‬ألني خالقھا وصانعھا ولو لم أك ن لم ا‬ ‫كانت ھناك في حياتي دقائق وال ساعات‪.‬‬

‫‪١٠‬‬


‫أرتدي حذائي وأحيانا ً أستغرق وقتا ً في البح ث ع ن ج وارب تتناس ق‬ ‫ول

ون البذل

ة أو القم

يص‪ ،‬وتك

ون أحيان ا ً مثقوب

ة‪ ،‬كن

ت أرت

دي بع

ضھا‬ ‫رغم عدم تناسبھا وھندامي وال يھمني في تلك اللحظة أي لون لھا‪.‬‬ ‫وتمام

ا ً ف

ي ال

ساعة الخام

سة والخم

سين دقيق

ة أك

ون جال

سا ً ج

اھزاً‬ ‫للخروج وأبق ى خم س دق ائق أحت سي م ا تبق ى م ن القھ وة وأس مع آخ ر‬ ‫خبر بعد صوت فيروز عنوة عن أم ي وتك ون ال ساعة دخل ت الخام سة‬ ‫وخمس وخم سين‪ ،‬وكن ت أت رك ف ي كثي ر م ن األحي ان آخ ر رش فة ف ي‬ ‫فنج

اني خارج

ا ً إل

ى محط

ة الحافل

ة الت

ي تبع

د ث

الث دق

ائق ع

ن ب

اب‬ ‫البيت‪ ،‬ھذا قبل أن أشتري سيارتي األولى‪.‬‬ ‫أسير بين خطوط ظلمة فجر لم ي شرق‪ ،‬أحم ل أوراق ي وكتب ي‪ ،‬أرى‬ ‫سروراً من بين الظلمات ويقينا ً في داخلي يخ اطبني وال يك ذبني‪ ...‬بع د‬ ‫مضي ساعتين سيبرز فجر جديد‪.‬‬ ‫كنت أبدأ يوم عمل شاق‪ ،‬إال أني كن ت أعم ل برغب ة كبي رة رغ م أن‬ ‫طبيع

ة عمل

ي ش

اقة ج

داً وص

عبة‪ ،‬ف

واجبي ك

ان البح

ث ع

ن مج

رمين‬ ‫ھ

اربين م

ن الق

انون‪ ،‬وكان

ت ھ

ذه الواجب

ات توك

ل إل

ي م

ن ش

ركات‬ ‫خاص

ة‪ ،‬موظفوھ

ا رج

ال ش

رطة س

ابقون ول

يس بإمك

انھم ممارس

ة‬ ‫وظائفھم لسوابقھم‪.‬‬ ‫لم أكن أنظر لألمور بمنظار أسود‪ ،‬كن ت أرى األم ور كم ا يج ب أن‬ ‫ترى‪ ،‬أرى األلوان كما ھ ي عل ى حقيقتھ ا‪ ،‬األس ود أس ود والف اتح ف اتح‬ ‫ول

ون ال

ورد تمام

ا ً كم

ا خلق

ه ‪ ،S‬كان

ت االبت

سامة لوح

ة م

ن لوح

ات‬ ‫وجھي‪ ،‬ال حقد وال ضغينة‪ ،‬وليس للكراھية حجر وال م ربط ف رس ف ي‬ ‫‪١١‬‬


‫داخلي‪ ،‬أنا من كان يخاطب الشباب ويح دثھم ع ن م ذاق الحي اة ول ذتھا‪،‬‬ ‫أنا كنت القائل‪" :‬بأنن ا نح ن ص ناع الزم ان والق رار‪ ،‬نح ن م ن ي ستطيع‬ ‫الوقوف أمام األحداث وتغييرھا‪ ،‬نحن صناع اإلرادة وأصحاب ص حوة‬ ‫وعطاء‪ ،‬فنحن من سيكتب التاريخ عنھم‪ ،‬أو من سيمر علينا مر الكرام‪،‬‬ ‫فإما أن نكون أحياء نعيش على أطراف الع الم مث ل ش جر أو حج ر‪ ،‬أو‬ ‫أن نك ون مم

ن اختارت ه الحي

اة ب دالً وأراد أن يك

ون ش يء ال ع

دما ً وال‬ ‫عالة على الزمان وأصحابه"‬ ‫فكيف للشخص رجالً أم امرأة أن يتسنى له التعامل م ع اآلخ رين إذا‬ ‫ك ان يواج ه م

صاعب ف ي التعام

ل م ع نف

سه؟ ألن ه إذا فق

د الت وازن م

ع‬ ‫نفسه وتصادمت أفكاره ولم يجد نقاط التقاء مع ذاته مم ا يت سبب ل ه ف ي‬ ‫صدام فكري مع العالم الخارجي وأشيائه‪ ،‬ويعود ھذا بطابع سلبي عل ى‬ ‫شخصه وقد يكون ال شعوري ال نحس به إال من خالل إرھاق وأزمات‬ ‫نفسية متتالية ال نستطيع التحدث عنھا مع اآلخرين خوفا ً من ردود فعل‬ ‫سلبية أو نفور‪ ،‬وھذا بحد ذاته قد يتسبب بآثار أكث ر س لبية م ن الم شكلة‬ ‫الحقيقي ة الت

ي نعانيھ

ا وتحرمن

ا االس

تقرار النف

سي ال

ذي يتمت

ع ب

ه أي‬ ‫شخص عادي‪.‬‬ ‫ف

ي الحقيق

ة إن األش

خاص ال

ذين يت صفون بھ

ذه ال

صفة ھ

م قل

ة م

ن‬ ‫القلة‪ ،‬وھو تفاوت من شخص آلخر بحيث يكون عندي طبيع ي وعن دك‬ ‫أكثر م ن الح د الت ي تتحمل ه نف سك‪ ،‬مم ا ي ؤثر عل ى ت صرفاتك فيجعل ك‬ ‫ً‬ ‫معرف ة‬ ‫ُتظھر لباقة أكثر من االعتيادي أو توازن أكث ر م ن اآلخ رين أو‬ ‫أو خبرة مبالغ بھا بحيث تلفت األنظار حتى تع زز م ن ثقت ك بنف سك أو‬ ‫حتى ال تشعر اآلخرين بالعقد النفسية التي تعانيھا وال تفھمھا‪ ،‬وھذا في‬ ‫‪١٢‬‬


‫الحقيق

ة يظھ

ر ھ

ذه العي

وب أكث

ر م

ن ل

و ت

صرفت م

ع نف

سك ب

شكل‬ ‫طبيعي‪ ،‬مما ينعكس بطبيعية أكثر على العالم الخارجي وھذا أكبر ق سم‬ ‫من العالج الذاتي وليس كله دون التحدث مع أحد بھذا الخصوص‪ ،‬وال‬ ‫أستثني النفس ذاتھا‪ ،‬أي أن يتحدث الشخص لنفسه ويفصح لھا ب صوت‬ ‫م

سموع ع

ن الم

شاكل الت

ي يعانيھ

ا‪ ،‬والعب

رة ف

ي ح

ديث ال

نفس بأنن

ا‬ ‫نستطيع معرفة أزماتنا باعترافنا ألنفسنا بأن ھذا األمر ھو فعالً المح ك‬ ‫الذي أعاني من ه‪ ،‬ف ي الوق ت نف سه كن ت أخ دع نف سي وال أعت رف ب أن‬ ‫ال

ذي ف

ي داخل

ي ل

م يك

ن أم

راً طبيعي

ا ً إنم

ا م

شكلة حقيقي

ة وج

ب عل

ي‬ ‫التعامل معھا كمشكلة ولزوم البحث عن بدائل وحلول‪.‬‬ ‫كيف يذھب أحدنا إلى الطبيب إذا كان مقتنعا ً بتم ام ص حته وعافيت ه؟‬ ‫قد يتشابه عالمنا )عالم الكبار( في كثير م ن األحي ان م ع ع الم األطف ال‬ ‫)عالم الصغار( فھو في حيثياته عالم مثيل لنا باختالف جوان ب طبيعي ة‬ ‫لھا أطوارھا وأزمانھا ووقت محسوب‪.‬‬ ‫فكثير من القرارات التي تتعلق بمصائرنا نكون غالبا ً نح ن أص حاب‬ ‫الجانب الكبير فيھا أو بأكملھا والتي قد تؤثر سلبا ً أو إيجابا ً على المحيط‬ ‫الذي نتواجد فيه أو نعيشه‪ ،‬وبالتالي علينا بالقدر الكبير‪.‬‬ ‫إن ھناك قدر كبير من التصرفات واألطباع واالنصياعات النفسية ال‬ ‫نعيھا تماما ً أو ندركھا أو نفھم معناھا الحقيقي أو المغزى من ورائھا‪.‬‬ ‫قد نق ول‪ ،‬نفع ل‪ ،‬ن ومئ أو نقط ب الح اجبين عن د س ماعنا‪ ،‬رؤيان ا أو‬ ‫إحساسنا بشيء ما‪ ،‬ومن الضروري أن يكون لھذا كله معنى يتوافق مع‬ ‫ردود الفعل‪ ،‬وليس من الضروري أن تكون ردود فعلنا ناتجة ع ن فھ م‬ ‫‪١٣‬‬


‫للح

دث أو ع

ن وع

ي م

سبق وإدراك‪ ،‬فف

ي كثي

ر م

ن األحي

ان يك

ون ال‬ ‫ش

عوري‪ ،‬م

ن العق

ل الب

اطن أو م

ن وراء القل

ب‪ ،‬وأن

ا أعن

ي م

ن وراء‬ ‫القلب أن نقول أو نفعل دون معرفة ما يجول في الخاطر وقد يكون ھذا‬ ‫أحد أنواع العشوائية‪.‬‬

‫‪١٤‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫كنت أبدأ عملي قبل طلوع الشمس وأنھي ه بع د غروبھ ا‪ ،‬أك ون عل ى‬ ‫رأس عمل

ي ف

ي الثامن

ة ص

باحا ً وي

ستمر أحيان

ا ً حت

ى الي

وم الت

الي ف

ي‬ ‫الحادي

ة ع

شر ل

يالً‪ ،‬ك

ان ي

وم العم

ل الطبيع

ي اثن

ي ع

شر س

اعة‪ ،‬م

ن‬ ‫الثامنة صباحا ً حتى الثامنة ليالً‪ ،‬إال أن طبيعة العمل أحيان ا ً كان ت تح تم‬ ‫ ي وعل

ى زمالئ

ي أن نعم

ل ثالث

ون س

اعة أو ثم

ان وثالث

ون س

اعة‬ ‫عل ّ‬ ‫متواصلة‪.‬‬ ‫كانت ساعات العمل طويلة‪ ،‬لم أكن أشعر بھا‪ ،‬تمضي‪ ،‬لم نكن ننظر‬ ‫إل

ى عق

ارب ال

ساعة‪ ،‬فكالن

ا يعل

م أن

ه بمج

رد ب

دء العم

ل ال نعل

م مت

ى‬ ‫سنعود إلى أسرنا‪ ...‬أو قد ال نعود أبداً‪.‬‬ ‫ھك ذا ك ان برن امجي ف ي ي وم وليل

ة حت ى أص بت بخيب ة أم ل كبي

رة‪،‬‬ ‫أحسست بھا أني سأموت‪ ،‬كانت خناجر انتقام تخرق أحشائي‪ ،‬ما زالت‬ ‫روحي تفتش عنھا في األحالم‪ ،‬أريد أن أمحوھا من أذكاري وانحناءات‬ ‫جسدھا وأحالمي‪ ،‬صرت متسكعا ً في الشوارع ليس معي سوى أحذيتي‬ ‫وأحزاني‪ ،‬تراودني أفكاراً حمقى‪ ،‬وھم اعتقدته حبا ً‪ ...‬تمكن اليأس مني‬ ‫وصار في داخلي قرار‪ ،‬مسكين قلبي لم يعرف مع أي امرأة كان!‬ ‫أن

ا م

ن جع

ل للخدع

ة ت

اريخ وس

جل أس

ماء وأش

خاص‪ ،‬وفي

ه زم

ان‬ ‫أسراب تاريخي؟‬ ‫ونسائه من شياطين بابل‪َ َ ...‬‬ ‫عرفت أنه س راب بع د أن ش ربت أول جرع ة م اء منھ ا‪ ...‬ام رأة ل م‬ ‫أتوقع أن تسقيني‪ ،‬ظمآن ل م أش رب ون سيت طع م الم اء‪ ،‬أش رب الك أس‬

‫‪١٥‬‬


‫من ي ديھا وف ي ك ل جرع ة طعن ة أن ا م ن أح س بھ ا‪ ،‬أغ رق ف ي الي أس‬ ‫أتنفس يأسا ً‪ ،‬أحس بسكرات الروح وذكراھا بالشھيق األخير‪...‬‬ ‫أرسم العيش على وجھي‪ ،‬أض عه ف ي عين ي ي ؤلمني‪ ،‬أري د أن تك ون‬ ‫ذكراك وھما ً‪ ...‬قد شربت جرعة الماء مجبراً‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫س

واك سأش

رب! وھ

ا أن

ا‬ ‫من

ك ھ

ارب وم

ن أي س

اقية‬ ‫أعل

ن أن

ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أش

رب‪ ،‬أح

س ب

سم مرتق

ب مث

ل قنبل

ة موقوت

ة أس

مع دق

ات س

اعتھا‬ ‫التنازلية‪ ،‬أحس بألم قريب‪ ،‬ألم سيأتي في شكل جديد فيه الوھم يضيق‪.‬‬

‫‪١٦‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫ل

م يتغي

ر وق

ت ص

حياني والموس

يقى أي

ضا ً ل

م تتب

دل‪ ،‬وحت

ى ن

وع‬ ‫القھوة لم يتغي ر‪ ،‬أن ا ھ و ال ذي ل م يع د كم ا ك ان‪ ،‬وك أن ص وت الم ذياع‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫سجن وقطع األثاث سجانين‪.‬‬ ‫إنذار وبيتي‬ ‫أصبحت مالبسي قيداً وقھوتي سما ً حتى شرفة البيت والحديقة رقيبا ً‪.‬‬ ‫ال أرى شيئا ً جميالً حولي وكرھت عملي‪ ،‬قررت أن أستقيل‪ ،‬ص ارت‬ ‫الساعات تقتلني والجلوس مع الناس يؤذيني‪.‬‬ ‫بدأت بخطى جادة في س بيل ال تخلص م ن العم ل‪ .‬تكلم ت م ع رئ يس‬ ‫عمل ي‪ ،‬وتأس

ف كثي

راً لق

راري إال أن

ي ولألس

ف ل

م أس

تطع أن أكم

ل‪،‬‬ ‫والق

رار الث

اني ت

رك البي

ت فھ

ذا مترت ٌ‬ ‫ ب عل

ى الق

رار األول ألن

ي ل

ن‬ ‫أستطيع مستقبالً دفع الكراء‪.‬‬ ‫وب

دأت معان

اة جدي

دة أت

ت عل

ى ش

كل وطريق

ة مختلف

ة‪ ،‬كن

ت ق

د‬ ‫توقعتھا‪ ،‬لم أعد كما كنت‪...‬‬ ‫ٌ‬ ‫واقتصاد حتى فق دت كام ل إرادت ي‬ ‫لم أعترف يوما ً أن المرأة سياسة‬ ‫وأكثر من نصف حياتي‪ ،‬ابنتي‪ ،‬زوجتي‪ ،‬أمي‪ ،‬عملي وبيتي‪...‬‬ ‫ھناك كانت أحالمي معلقة على الج دران‪ ،‬وس اعات الح ائط‪ ،‬وھن اك‬ ‫كانت روحي تتنزه بين كتبي‪ ،‬وقلبي كان له ھناك قصص وروايات‪.‬‬ ‫ش يطان ف ي داخل ي‪ ،‬اخت

ارني دون ا ً ع ن غي

ري‪ ،‬فأن ا المرس وم عل

ى‬ ‫قدمه‪ ،‬أنا من أخرج فخارته من قل ب ص خور البت راء‪ ،‬ك ان ف ي الظ الم‬

‫‪١٧‬‬


‫يعيش مجبراً سجينا ً‪ ،‬أدخله في تلك الفخارة رجل مثلي‪ ،‬وشاءت األقدار‬ ‫أن أخرجه أنا بعد أالف السنين‪ ...‬ليعذبني؟‬ ‫كن ت أعتق

د أن تل

ك رح الت تتغ

ذى بھ

ا ال روح‪ ،‬تب

رق بھ

ا العين ان‪،‬‬ ‫يصفى بھا العقل‪ ،‬ينعم بھا الجسد وترقى بھا الحياة‪ ...‬مسكين أنا‪ ،‬خ ٌ‬ ‫داع‬ ‫ٌ‬ ‫وخيانة ولوحة إخالص متقنة‪.‬‬ ‫أسير في أحي اء أثين ا ال أعل م إل ى أي ن‪ .‬ق د س معت أن ھن اك مؤس سة‬ ‫حكومي

ة يمك

ن المبي

ت فيھ

ا مقاب

ل أج

ر رم

زي‪ ،‬وھ

ي مق

ررة ألن

اس‬ ‫أمثالي ال مأوى لھم‪ ،‬ما أشبه األمس باليوم‪ ،‬في األمس كنت أسكن أح د‬ ‫األحياء الراقية‪ ،‬اليوم أبحث عن حانة من أمتار بين بناء شاھق‪ ،‬أبح ث‬ ‫عن سكينة ومكان جاف من األمطار‪.‬‬ ‫ال أحم

ل س

وى مت

اعي ومن

ه القلي

ل فق

ط‪ ،‬أم

ا كتب

ي وأوراق

ي وك

ل‬ ‫ش

يء ل

ه معن

ى ف

ي حي

اتي‪ ،‬س

اعات الح

ائط ذوات األش

كال الغريب

ة‪،‬‬ ‫وفناجين القھوة‪ ،‬كل واحد منھا ك ان يحم ل معن ى وذك رى خاص ة بھ ا‪،‬‬ ‫أخذت بع ضھا وترك ت أخوتھ ا‪ ،‬أخ ذت آخ ر فنج ان يحم ل آخ ر ذك رى‬ ‫ووقعة‪ ،‬أما ما تبقى فسأتركه ع ن ص ديقي ق د وع دني أن يح افظ عليھ ا‬ ‫حتى أعود مرة أخرى‪ ...‬ولكن متى؟ ھذا الذي ال أعلمه‪.‬‬

‫‪١٨‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫ف

ي الم

ساء ف

ي ال

ساعة العاش

رة ح

سب التقري

ب وقف

ت عل

ى حاف

ة‬ ‫الطري

ق والم

ساء م

ازال م

اطراً أنتظ

ر في

ه س

يارة أج

رة‪ ،‬وبقي

ت وقت

ا ً‬ ‫أنتظر كان كافيا ً ليجعل مني وكأني خارج من بركة ماء دون أن أش عر‬ ‫بشدة المطر والبرد‪ ،‬وكأن جسدي تحت تأثير مخدر‪.‬‬ ‫الروح تعتصر ألما ً‪ ،‬ھي التي تعاني وأنا ِقشرتھا‪ ،‬ل م تك ن الم ؤثرات‬ ‫من حولي تھمھا‪ ،‬فمعاناة روحي من أشياء أخرى‪ ،‬وعالجھا أنا أعرفه‪،‬‬ ‫قلبي ھو المسيطر على عقلي‪ ،‬ھو صاحب القرار‪ ...‬اآلمر الناھي‪ ،‬وي ا‬ ‫حزني على امرئ قلبه ليس بيده‪ ،‬ونفسه فرحة باستسالمھا‪ ،‬ھي تعرف‬ ‫أنھ

ا عليل

ة مري

ضة‪ ...‬تت

ألم‪ ،‬تبح

ث ع

ن م

أوى دون ج

دوى‪ ،‬تحل

م‬ ‫بالطمأنين

ة‪ ،‬تحل

م أن تك

ون كم

ا أراد لھ

ا ‪ ،S‬م

ن ي

ساعدھا إذا ك

ان‬ ‫صاحبھا عليالً ھشا ً وال يسعى لقت ل ال شياطين م ن حول ه؟ ال ب ل أح بھم‬ ‫ويعمل على إبقائھم‪ ،‬فكيف للروح من خالص؟‬ ‫من بين قطع الليل وبين أشجار عمالقة تحتضن الشارع من جانبي ه‪،‬‬ ‫تجعل من ظلمة تلك الليلة ظلمات على ظلمات‪ ،‬وضباب مخيم يخنقني‪،‬‬ ‫ال أرى من خالله سوى موضع أقدامي‪.‬‬ ‫وبدا لي ضوء سيارة مقبلة ودعوت ‪ S‬أن تحملني معھا‪ ،‬ووقفت في‬ ‫وسط الشارع حتى يراني السائق‪.‬‬ ‫لم يھمني في تل ك اللحظ ة إن كان ت س يارة أج رة أو خاص ة‪ ،‬ووق ف‬ ‫السائق فعالً وكان يسير ببطء من شدة المطر وكثافة الظباب‪ ،‬ودون أن‬

‫‪١٩‬‬


‫اسأله أو يسألني ركبت السيارة‪ ،‬وقال لي بلط ف‪" :‬إعطن ي حوائج ك ي ا‬ ‫سيدي"‬ ‫ودون ت

ردد أعطيت

ه حقيب

ة مت

اعي الوحي

دة‪ ،‬فق

ال ل

ي‪" :‬وال

سترة‬ ‫الطويلة إن شئت؟"‬ ‫وكانت مبللة تقط ر بالم اء‪ ،‬أخ ذھا من ي وخ رج م ن ال سيارة ب سرعة‬ ‫ليضع متاعي في صندوق السيارة من الخارج‪.‬‬ ‫س

رنا ول

م ي

سألني مباش

رة كأن

ه أح

س ورأى ش

يئا ً مم

ا يُ

رى ف

ي‬ ‫وجھي‪ ،‬وبعد دقائق قليلة خرجنا من الشارع العريض بأشجاره الكبي رة‬ ‫الذي كان باألمس شارعي‪ ،‬وسألني‪" :‬إلى أين يا سيدي؟"‬ ‫ولم يسألني بصوت منخفض يتناسب وطبق ات ص وته‪ ،‬وك أن المط ر‬ ‫الشديد وتشتت أفكاري أمليا عليه أن يرفع صوته على غير المعتاد‪.‬‬ ‫ونظرت إليه‪ ،‬لم أعلم إلى أين‪ ...‬وقلت‪" :‬ال أعلم!"‬ ‫وأردفت قائالً‪" :‬سمعت أن ھناك مؤس سة ف ي الح ي الق ديم تأخ ذ القلي ل‬ ‫مقابل المبيت!"‬ ‫نعم أعرفھا‪ ،‬ولكن ھذا السكن ليس ألمثالك سيدي"‬ ‫وقلت دون أن أعلق‪" :‬إذن إلى ھناك"‬ ‫وأح

س اآلخ

ر أن

ي ال أري

د أن أكث

ر مع

ه الك

الم وت

ابع دون أن يعل

ق‬ ‫بشيء‪.‬‬

‫‪٢٠‬‬


‫كنت أجلس خلف السائق‪ ...‬وبدأت أح س بال دفء‪ ،‬أنظ ر م ن زج اج‬ ‫السيارة للخارج‪ ،‬تارة من الزجاج الجانبي وأخرى من األمامي‪ ،‬وكأني‬ ‫ٌ‬ ‫أح

زان تقتلن

ي ع

اجٌز حت

ى ع

ن‬ ‫أل

م يع

صرني‪،‬‬ ‫أبح

ث ع

ن م

ستقر‪ٌ ،‬‬ ‫الحراك‪ ،‬أدعو ‪ S‬أن يقطع ھذه الحقبة من ال زمن م ن عم ري ويجعلھ ا‬ ‫خلف العالم وكأنھ ا ل م تخل ق‪ ،‬أو أن تنق ضي دون أن أش عر بھ ا‪ ،‬أو أن‬ ‫أنام وال أصحو إال على صبح مشرق جدي د في ه الماض ي حثال ة قھ وتي‬ ‫م

ن البارح

ة‪ ،‬ال أرى في

ه س

وى م

ا ي

رى )حثال

ة(‪ ،‬أحملھ ا إل

ى س

لة‬ ‫النفايات ومن الخزانة العليا أخرج القھوة الجديدة‪...‬‬ ‫وف

ي خ

ضم ھواج

سي وتمني

اتي وازدح

ام أفك

اري‪ ،‬س

معت ال

سائق‬ ‫يخاطبني‪" :‬ھا نحن قد وصلنا"‬ ‫أحضرني وأفكاري من مكان بعيد وأعادني م رة أخ رى إل ى مقع دي‬ ‫وحافلته‪.‬‬ ‫وق ف ال

سائق عل

ى ط رف ش

ارع كبي

ر وأش

ار ل ي م

ن الزج

اج إل

ى‬ ‫شارع فرعي صغير معتم فيه عامود إضاءة حزين حيث السكن‪" :‬ھناك‬ ‫يا سيدي‪ ،‬مباشرة أمام اإلشارة الضوئية باب المؤسسة"‬ ‫"لماذا ال تدخل في الشارع؟"‬ ‫"ھذا شارع للمشاة وال يجوز أن أدخله في السيارة"‬ ‫خرجت من السيارة وھو أيضا ً وساعدني في إخ راج حقيبت ي وتمن ى‬ ‫لي ليلة سعيدة وحظا ً وافراً‪ ،‬دخلت الشارع في عجل ة حت ى ال أب ل م رة‬

‫‪٢١‬‬


‫أخ رى‪ ،‬ھ ذا ألن ي أحس ست بال دفء ول و ل ساعة‪ ،‬فكي ف بم ن أح س ب ه‬ ‫لسنين؟‬ ‫وصلت إلى الب اب بدرجات ه ال ثالث‪ ،‬ك ان أس وداً زجاجي ا ً مغلق ا ً مث ل‬ ‫ليلت

ي‪ ،‬وعل

ى الب

اب م

ن الجھ

ة اليمن

ى الج

رس فقرعت

ه‪ ،‬وف

ي الجھ

ة‬ ‫المقابلة كانت ھناك حانة يسمر بھ ا أن اس كث رة‪ ،‬فتي ان وفتي ات ودخ ان‬ ‫يمأل المكان‪ ،‬وضوء خافت عله بالنسبة لھم رومانسي‪.‬‬ ‫فُ تح الب

اب ودخل

ت إل

ى ص

الة لي

ست ب

الكبيرة وال ال

صغيرة‪ ،‬وف

ي‬ ‫الجھ

ة اليمن

ى االس

تقبال وف

ي المقاب

ل قاع

ة للجل

وس‪ ،‬وأول م

ا لف

ت‬ ‫انتب

اھي عن

د دخ

ولي ح

ديث فت

اة وش

اب كان

ا يقف

ا خل

ف طاول

ة‬ ‫االستعالمات ولم يكن ھن اك س واي‪ ،‬نظ رت إل ي الفت اة وقال ت‪" :‬لحظ ة‬ ‫واحدة من فضلك سيدي‪ ،‬تفضل بالجلوس"‬ ‫وفي األثناء كان الشاب يوقع على أوراق منھا كأنھ ا أوراق اس تالم‪،‬‬ ‫وللحظ ات قليل ة كن

ت أراق ب فيھ

ا االثن ين حت ى ينتھي

ا‪ ،‬وس ألھا اآلخ

ر‪:‬‬ ‫"كيف كان يوم عملك؟"‬ ‫"لم يكن سيئا ً‪ ،‬ھل أفتح له السجل أم أنت؟" ردت بابتسامة‪.‬‬ ‫"ال‪ ،‬إذھبي أنت‪ ،‬سأقوم أنا بتسجيله‪ ،‬فأنت ھنا منذ الصباح"‬ ‫أخ

ذت متاعھ

ا ولب

ست س

ترتھا ونظ

رت إل

ي تب

ادلني ذات االبت

سامة‬ ‫وقالت‪" :‬مساءك سعيد يا سيدي"‬ ‫ونظرت إليھا مصطنعا ً ابتسامة مثيلة شاحبة‪" :‬وأنت كذلك سيدتي"‬

‫‪٢٢‬‬


‫خرجت ودخل ھواء عاصف بخروجھا وصفعني الصفعة األخيرة م ن‬ ‫تلك الليلة‪.‬‬ ‫وحياني ذلك الشاب‪" :‬مساءك سعيد يا سيدي‪ ،‬تفضل"‬ ‫وقفت متجھا ً نح وه تعب ا ً أحم ل عل ى ي دي معطف ي وحقيبت ي وقل ت ل ه‪:‬‬ ‫"أريد غرفه" قال‪" :‬ھل تحمل وثيق ة رس مية س يدي م ن دائ رة األح وال‬ ‫االجتماعية؟"‬ ‫فقلت‪" :‬وما ھذه الوثيقة؟"‬ ‫"كما تعلم يا سيدي ھذا سكن مؤقت لمن ال يملك مسكنا ً"‬ ‫"أنا ال أملك ھذه الوثيقة وليس عندي مسكنا ً أيضا ً"‬ ‫"ليس ھناك مشكلة يا سيد‪ ،‬تستطيع أن تبقى ولك ن ف ي الغ د أرج وك أن‬ ‫ت ذھب إل

ى دائ

رة األح

وال االجتماعي

ة وتح ضر الت

صريح م

ن ھن

اك‪،‬‬ ‫وھذا ال يتطلب منك سوى أن تثبت أنه ال مأوى لك"‬ ‫وطلب مني ھويتي الشخصية حتى ي دون المعلوم ات الت ي يحتاجھ ا‪،‬‬ ‫وسأل‪" :‬سلوان ھو اسمك من المقطع األول؟"‬ ‫"نعم‪ ،‬والمقطع الثاني الرمعي وھو اسم العائلة"‬ ‫أعطاني مفتاح الغرفة ورقمھا ‪ ،٤٣‬وقال‪" :‬أحب أن أطمئن ك ي ا س يد‬ ‫رمعي بأن كل النزالء عندنا ھم من الطبقة البسيطة في المجتم ع ول يس‬ ‫لھم أي سابقة إنما ھي الظروف التي أتت بھم إلى ھنا"‬ ‫"الحم

د ‪ ،d‬عل

ى األق

ل ل

ن يك

ون ھن اك ش

جار أو ع

راك‪ ،‬ألن

ه ف

ي‬ ‫معظم الحاالت تكون مثل ھذه السكنات مأوى للمشردين والمدمنين"‬ ‫‪٢٣‬‬


‫"أنا اسمي يورغوس" قدم نف سه ل ي وك ان يقربن ي ف ي العم ر‪ ،‬أش ار‬ ‫إلى مدخل ب درجات ملتوي ات نح و الي سار‪ ،‬وق ال‪ " :‬الحج رة ھن اك ف ي‬ ‫آخر الممر على اليمين"‬ ‫سرت في الممر الطويل حتى النھاي ة وانتھ ى المم ر ب شباك زج اجي‬ ‫كبير‪ ،‬وفي الجھة اليمنى الغرفة رقم ‪ ،٤٣‬غرفت ي‪ ،‬وم ن الي وم م سكني‬ ‫وم

أواي‪ ،‬فتح

ت الغرف

ة ودخل

ت إل

ى ظلم

ة‬ ‫أشد من التي كانت في الخارج‪ ،‬أشعلت الن ور وإذا ب ه أب يض مث ل ن ور‬ ‫المست

شفيات‪ ،‬وس

رير ف

ي الواجھ

ة وأغطي

ة زرق

اء‪ ،‬ج

دران بي

ضاء ال‬ ‫تحمل معنى‪ ،‬وخزانة حديد في الجھة اليمنى أبوابھ ا االثن ين م شرعين‪،‬‬ ‫وطاولة بيضاء عريضة قواعدھا من حديد مستدير‪ ،‬ف ي الجھ ة المقابل ة‬ ‫عند النافذة الوحيدة في الغرفة‪ ،‬واألرضية رمادية عارية‪.‬‬ ‫وضعت حقيبتي على المنضدة الب اردة ومعطف ي‪ ،‬جل ست عل ى حاف ة‬ ‫السرير مطالً على الباب‪ ،‬ل م أك ن أعب أ ب ضيق المك ان كثي راً‪ ،‬اس تلقيت‬ ‫عل

ى الفرش

ة الغريب

ة وأحس

ست ب

دوار‪ ،‬وك

أن دوائ

ر زرق

اء مرس

ومة‬ ‫عل

ى الح

ائط‪ ،‬وب

دا ل

ي أن ال

سرير ي

دور ب

ي ف

ي دوام

ة ال أمل

ك الق

وة‬ ‫للخ

روج منھ

ا‪ ،‬وأحس

ست ب

أن دوائ

ر ال

سقف الزرق

اء ب

دت ت

ضيق‬ ‫وتسرع وسريري أيضا ً يسرع وبعك س عق ارب ال ساعة‪ ،‬أش عر وك أني‬ ‫أغوص ف ي داخ ل تل ك ال دوائر‪ ،‬حت ى أن دورانھ ا ف ي ال سقف ودوران‬ ‫سريري شكال شكالً لولبيا ً من خطوط زرقاء كثيف ة م ن ح ولي‪ ،‬وك أني‬ ‫أصبحت داخ ل أنب وب ي سعني‪ ،‬أو س ماء ت ضمني ول يس ھن اك س واي‪،‬‬ ‫تعصف بي حيث المجھول‪ ،‬أشعر وكأني أقذف بھا مث ل ص خرة تھ وي‬

‫‪٢٤‬‬


‫من أعلى الجبل‪ ،‬ولم أعد أحس بما حولي‪ ،‬جفوني تغل ق رغ م إرادت ي‪،‬‬ ‫لم أعد أنا من يسيطر على روحي‪ ،‬أشعر بھا خارجة من صدري رغما ً‬ ‫عني‪.‬‬ ‫‪ ...‬عيناي تحرقني كأن أحداً وضع فيھما حامضا ً أمينيا ً‪ ،‬أفتحھما عنوة‬ ‫عني‪ ،‬أضواء بيضاء تبرق فيھما بسرعة‪...‬‬ ‫عرفت أني كنت نائم ا ً‪ ،‬وإذا بأش عة ش مس ال صباح حل ت م ن زج اج‬ ‫الناف

ذة وب

رزت ب

شفافية خالق

ة أل

وان تم

سح عن

ي بل

ل البارح

ة‪ ،‬تغ

سل‬ ‫عني ألم األمس تعطيني إشراقة جديدة ال خداع فيھا وال مجاملة‪.‬‬ ‫صحوت من ن ومي ول م أش عر بغف وة البارح ة‪ ،‬وك أن ال رحمن أن زل‬ ‫عل

ي س

كينة‪ ،‬والبارح

ة حل ٌ م ل

يس ب

ه واق ٌ ع س

وى ثي

ابي الت

ي مازل

ت‬ ‫أرتديھا‪.‬‬ ‫وقفت أنظر للخ ارج م ن خ الل زج اج الناف ذة المغلق ة‪ٌ ،‬‬ ‫بن اء م ن ك ل‬ ‫الن

واحي يحت

ضن س

احة ف

ي األس

فل ف

ي مرم

ى نظ

ري‪ ،‬عزل

ة ھادئ

ة‬ ‫خلقھا ‪ S‬في قلب الصخب‪.‬‬ ‫خلع ت عن

ي الثي

اب أش

تم رائح

ة البارح

ة ف

ي ك

ل قطع

ة منھ

ا مث

ل‬ ‫رائحة فاجرة يشتمھا زوجھ ا منھ ا‪ ،‬رائح ة كريھ ة ت شمئز ال نفس منھ ا‪،‬‬ ‫فيھا أرق الروح وارھاقة القلب‪ ،‬عذاب تلك الليلة الماطرة‪ ،‬كانت النفس‬ ‫بھا مخنوقة مجب ورة مغلوب ة‪ ،‬أش تم ثي ابي‪ ،‬تخ اطبني تتوع دني وت سخر‬ ‫مني وكأنھا تقول‪" :‬ال تغتر ي ا م سكين بإش راقة ق صيرة ف األمس قري ب‬ ‫والفحش لم يقتل"‬

‫‪٢٥‬‬


‫لطف

ا ً‪ ...‬ال تحطم

ي مج

اديفي‪ ،‬ال ت

ستبقي آالم

ا ً ق

د ال أعي

شھا‪ ،‬وال‬ ‫أع ذب بھ ا‪ ،‬ال أري د أن تق رأي فنج اني وال‬ ‫تتنبأي لي بليال ال أن وي أن ُ َ َ َ‬ ‫تنظري في أوراق حظي‪ ،‬وال تتنجمي النجوم وال تقولي لي عن غدي‪،‬‬ ‫أمل‪،‬‬ ‫فأنا عاھدت نفسي أن ال أعيش مرة أخرى‪ ...‬ال أريد ألما ً أو خيبة ٍ‬ ‫وال غرغرة في أحشائي من حب شيطاني يقتلني‪.‬‬ ‫جلست ح ول الطاول ة عل ى الكرس ي الوحي د‪ ،‬أخاط ب نف سي أعاتبھ ا‬ ‫أأنبھا على ما ال ذنب لھا به‪ ،‬أسأل نفسي أسئلة ال جواب لھا عندي‪.‬‬ ‫أح

س بج

سدي منھك

ا ً ال يمل

ك الق

وى‪ ،‬قلب

ي ي

زداد نب

ضه مم

ا يثي

ر‬ ‫قلقي‪ ،‬ال يثير قلقي من الناحية الصحية‪ ،‬ال بل قلقا ً يتسبب بنبضات قلب‬ ‫قوية‪ ،‬قلق‪ ،‬أرق وعدم اس تقرار‪ ،‬أن ين تت ألم من ه ال روح‪ ،‬وأس ئلة معلق ة‬ ‫مث

ل ن

ساء األربع

ين ينتظ

رن ع

ودة أزواجھ

ن م

ن ح

رب ك

شمير‬ ‫وأفغانستان‪.‬‬ ‫كيف لحب مثل الذي كان في قلبي لھا أن يفشل من أول اختبار؟ ھي‬ ‫التي ھدمت كل شيء‪.‬‬ ‫لم تعطي نفسھا ولم تعطني فرص ة‪ ،‬ھ ل كان ت تبح ث ع ن الف شل أو‬ ‫اعتادت عليه؟‬ ‫لم يكن اختبار للحب إنما لھا‪ ،‬لو أني علمت لرفضت أي امتحان‪...‬‬ ‫أعيش على الھامش أو أھمش‪ ،‬ال معنى لوجودي وال ھدفا ً في حي اتي‪،‬‬ ‫أصبحت منھمكا ً في عالم أجوائه محبطة‪ ...‬سيء حزين ال يعجبني‪،‬‬

‫‪٢٦‬‬


‫يخصني وال أريده‪ ،‬ي سلبني إرادت ي يھزمن ي‪ ،‬وكي ف ال؟ وأن ا م ن أراد‬ ‫االستسالم‪.‬‬ ‫منذ أي ام ل م أذق الطع ام أح اول أن آك ل‪ ،‬نف سي ت رفض ك ل أنواع ه‪،‬‬ ‫أنظ

ر إل

ى الن

اس أتمن

ى أن أتن

اول الطع

ام م

ثلھم‪ ،‬يلھم

ون )ال

شاورما(‬ ‫و)الھمب

ورجر(‪ ،‬يحت

سون الع

دس كم

ا وأنھ

م ل

م ي

أكلوا‪ ،‬أرى اللح

م‬ ‫مزدحم على موائ دھم‪ ،‬وأي دھم ب ين الح ساء وال دجاج وأن واع ال سلطات‬ ‫تتسابق وتتشاجر‪ ،‬أتمنى أن يكون لي شھيتھم‪.‬‬ ‫أرى وأعي أن عدم اإلقبال على الطعام سيتسبب لي بأزمات ص حية‬ ‫ونفسية أنا في غنى عنھا‪ ،‬إال أني لم أعد أملك السلطة على نفسي‪.‬‬ ‫أصبح غذائي الوحيد الحليب‪ ،‬الماء‪ ،‬الشاي والقھوة‪ .‬ال أريد أن أرى‬ ‫ً‬ ‫م شرقا؟ وأي ن‬ ‫أحداً‪ ،‬فكلھم يسألونني‪" :‬لم اذا ن زل وزن ك؟ لم اذا ل م تع د‬ ‫ضحكتك العريضة؟"‬ ‫أس

ئلة أص

بحت ُت

سيئني وتزي

د م

ن ألم

ي‪ ،‬أحت

ار ف

ي اإلجاب

ة أق

ول‬ ‫أحيانا ً‪" :‬كثرة العمل وقلة الوقت"‬ ‫يُرى من خالل حروفي كل ال ذي أداري ه ع ن األنظ ار‪ ...‬جعل ت م ن‬ ‫األحزان الطعام بدالً‪.‬‬ ‫ال استطيع أن أبتعد عنھا وعن الماضي الذي يالزمني‪ ،‬أقسم أن ينفذ‬ ‫ ي‪ ،‬ماض

ي في

ه ذك

رى الي

وم تع

صرني وكان ت س

عادة‬ ‫حك

م اإلع

دام عل ّ‬ ‫ومن حولي‪.‬‬ ‫تسعني َ‬

‫‪٢٧‬‬


‫اليوم أعاني وجعا ً كان حظا ً وافراً‪ ،‬ھل كانت حياتي مثل طعام طاب‬ ‫في الحقل ومضى عليه عشرة أيام حتى تتخلل وفسد؟‬ ‫لو أن األمر ھكذا فإني أعترف بأني أكب ر أبل ه أو م ن ھ و مثل ي‪ ،‬ل و‬ ‫أن المحموم علم أن دوائه يتسبب بأزمة قلبية‪ ،‬يقينا ً ما تناوله‪.‬‬ ‫أن

ا ل

ست قبيح

ا ً وال مم

الً‪ ،‬ل

ست فاش

الً وال ك

ان أح

د أص

دقائي م

ن‬ ‫الفاشلين‪ ،‬لم أكن من المحبطين ولم يحبط ٌ‬ ‫أحد من خالل ي‪ ،‬إذن لم اذا ال‬ ‫ُأحب ُ َ‬ ‫وأعشق؟‬ ‫أسأل نفسي مراراً‪ ،‬ھل أنا ال أتناسب مع ھذا المجتمع أو مع تمني ات‬ ‫النساء؟ ھل شخصي ليس ال ذي تتمن اه ام رأة أو ت ستطيع أن تع يش إل ى‬ ‫جانبه؟‬ ‫لم أتوقع تلك النھاية أو أن تكون النھاية على ھذه ال شاكلة‪ ...‬ل م تك ن‬ ‫في الحسبان‪.‬‬ ‫كنت أعتقد أن ھذه الحياة ھي حياتي التي بدأتھا‪ ،‬عشتھا أعيشھا ولن‬ ‫أع

يش س

واھا‪ ،‬ل

م يك

ن ف

ي الب

ال أو ف

ي ال

ذاكرة أو خلفھ

ا أي أحجي

ة‬ ‫تتنافى وحياتي وطموحاتھا‪.‬‬ ‫ت ال محالة‪ ...‬وإذا بي أس قط م ن‬ ‫مستقبال كنت أعتقد أنه أمر حيثي آ ٍ‬ ‫أعلى دون إنذار مسبق إلى الھاوية‪.‬‬ ‫ھذا ھو األلم وخيبة األمل‪ ،‬عن دما ت شعر بالطمأنين ة واألم ان‪ ،‬عن دما‬ ‫تحس بالوطن‪ ،‬عندما تكون لمسات الم رأة قدس ا ً ف ي حج رة‪ ،‬وھم ساتھا‬ ‫وطن في غربة وأما ً وأبا ً وأخوة‪ ،‬عندما تشرد ال روح إل ى الربي ع ال ذي‬ ‫‪٢٨‬‬


‫ال يليه خريف وال صيف وال شتاء‪ ،‬عندما تعطيك إحساسا ً بأنك المل ك‪،‬‬ ‫الع َ‬ ‫ الم الحل

و‬ ‫أن

ت ال

ذي ال جمي

ل س

واه وال وس

يما‪ ،‬أن

ت الخبي

ر وأن

ت َ‬ ‫الفسيح‪.‬‬ ‫ف

ي ال

صخب وازدح

ام األحاس

يس الجميل

ة وأخ

ر الق

بالت‪ ،‬وإذا‬ ‫ب

صوت ص

ارخ يع

ود ب

ي إل

ى غرف

ة الجل

وس وأق

داح ش

اي األم

س‬ ‫واألطباق المفرغة وبقايا عشاء‪" :‬أنت الذي جعل من حياتي جحيما ً‪ ،‬لن‬ ‫أص

بر أكث

ر م

ن ھ

ذا‪ ،‬أخ

رج م

ن بيت

ي وم

ن حي

اتي‪ ،‬ال أري

د أن أراك‬ ‫ثانية"‬ ‫وإذا بي في الشارع ومتاعي يتطاير من كل النوافذ‪ ،‬وإذا بال ذي كن ت‬ ‫أعتقده حياة أبدية مھزلة جارحة وأخالقا ً بربرية وخ داعا ً‬ ‫ً‬ ‫م تقن يك اد أن‬ ‫يكون صدق وصراحة‪.‬‬ ‫كن

ت أص

دق ك

ل كالمھ

ا وھ

ي عل

ى ص

دري وف

ي فراش

ي‪ ،‬كأن ه‬ ‫منزال ٌ‪ ...‬ھناك تكذب المرأة‪.‬‬ ‫ال أريد أن أقتنع ب أن ھ ذا ال ذي أعي شه اآلن حقيق ة‪ ،‬أري د أن أص حو‬ ‫ٌ‬ ‫مفزع أفيق منه بقبلة م ن الت ي أعرفھ ا منھ ا‪ ،‬ال أري د‬ ‫حلم‬ ‫وإذا بكل ھذا ٌ‬ ‫أن أصدق‪ ،‬فتلك الم شاعر الجميل ة وال سنين الطويل ة ال يمك ن أن تك ون‬ ‫كذبا ً وال خدع ة‪ ،‬تل ك األي ام‪ ،‬وك ل ش يء ك ان‪ ،‬ال يمك ن أن يك ون اآلن‬ ‫ً‬ ‫مؤلمة أقتل نفسي بھا ببطء‪.‬‬ ‫كالم وذكرى‬ ‫لم أعرف أن تلك الشفاه التي كانت تقبلني بحرارة تستطيع أن تكذب‪،‬‬ ‫ل

م أع

رف أن تل

ك العي

ون البريئ

ة كان

ت م

سرحية جميل

ة متقن

ة وعل

ى‬

‫‪٢٩‬‬


‫ح

ساب م

شاعري وأحاسي

سي وحي

اتي الت

ي آل

ت مث

ل طاول

ة بثالث

ة‬ ‫أرجل‪.‬‬ ‫لك يا امرأة أن تعيشي يوما ً من أيامي حتى تعرفي ألم ي‪ ،‬وأن‬ ‫أتمنى ِ‬ ‫ً‬ ‫وبين ك ل يس م س ً‬ ‫مغ امرة وال جل سة عل ى ش طآن‬ ‫اء وال‬ ‫الذي ك ان بين ي‬ ‫ِ‬ ‫القمر بعد الثانية عشر ليالً‪.‬‬ ‫لماذا وأنا الذي أحبك أكثر من نفسه؟ قد أكون أخطأت التعبير أو أني‬ ‫حبك!‬ ‫بالغت في‬ ‫ِ‬ ‫ولك

ن ال يعاق

ب الحبي

ب ھك

ذا ي

ا جاھل

ة‪ ،‬ل

يس ھك

ذا ي

ا خائن

ة‪ ،‬ل

م‬ ‫ل ك حت ى‬ ‫تستحقي حبي ل م تعريف ه‪ ،‬ل م ت ستطيعي أن تمي زي حب ا ً كننت ه ِ‬ ‫حتفك من حب ينتھي بالخروج من غرفة النوم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫كي

ف أن

ت وم

ا أن

ت؟ أب

ين ض لوعك قل

ب أم ش

يطان ك

ان يظھ

ر ف

ي‬ ‫امرأة جميلة حنونة كلھا عطف؟‬ ‫أأنت ھي التي تقتلني في ك ل لحظ ة وتبقين ي عل ى قي د الحي اة؟ كي ف‬ ‫ھان عليك تعذيبي؟‬ ‫أنا أحبك وأنت تعرفين أن حبي لك ل ن يحب ه رج ل الم رأة‪ ،‬كي ف ي ا‬ ‫ت أن تعذبيني‪...‬؟‬ ‫امرأة استطع ِ‬ ‫ح ٌ‬ ‫ألم في قلبي وأصبح في دمي‪ ...‬قد حزنت عندما تزوجت أم ي‬ ‫زن ٌ‬ ‫وتركتني وموت أبي إال أني علمت أنه قدراً‪...‬‬ ‫قدر؟ ال يا امرأة‪ ،‬ال تق ولي ھ ذا ٌ‬ ‫أخداعك لي ٌ‬ ‫ق در! ب ل خ داعك‪ ...‬ل ن‬ ‫أعترف بأنه ٌ‬ ‫قدر وسأبقى أحس فيه حتى أموت‪.‬‬ ‫‪٣٠‬‬


‫أن ت م ن اس تبدلت حب ي ب ضحكة اعتق دتھا حنان ا ً‪ ...‬اس تبدلت عطف ي‬ ‫ٌ‬ ‫ش كر‪ ...‬بخدع ة أن ا األبل ه عاص رتھا ن شوة‬ ‫عليك بصوت تصورت أنه‬ ‫وفرحة‪...‬‬ ‫م

ن أن

ت م

ن الن

ساء ي

ا ام

رأة؟ مازل

ت أجھ

ل‪ ...‬ب

ل م

ن أن

ت م

ن‬ ‫البشر‪...‬؟‬ ‫أكان حليب الذي رضعته من ثدي أمك؟ أم كانت جرعات ش يطانية؟‬ ‫أعناقات أمك لك وأنت طفلة صغيرة كانت لمسات جنية؟‬ ‫أكانت نظرات أمك في عينيك وأنت نائمة ي ا حبيبت ي ھم سات س خط‬ ‫أبدية؟ من أنت م ن الن ساء؟ أنظ ر إلي ك ال أس تطيع إال أن أحب ك! وأرى‬ ‫أعمال

ك وأت

ذكر خ

داعك‪ ،‬أح

ب ل

و طل

ة ص

غيرة قتلت

ك‪ ...‬ال‪ ،‬ال فأن

ا‬ ‫أحبك!‬ ‫ ك‬ ‫ ك‪ ،‬وأنظ

ر إلي ِ‬ ‫ ك ‪ S‬أن يحمي ِ‬ ‫ ك وأدع

و ل ِ‬ ‫ت

أتين إل

ي باكي

ة ف

أقول ل ِ‬ ‫دموع ك ف أقول‪" :‬ھك ذا ي صدق أحم ق مثل ي ك ذب‬ ‫وأنت ذاھبة تمسحين‬ ‫ِ‬ ‫النساء"‬ ‫وبحركة من أعضائي رجعت إلى غرفتي ورأيت حوائجي ح ولي‪...‬‬ ‫ماذا أفعل يا ربي؟‬ ‫حقيق

ة أن

ي أص

بحت ھ

زيالً وج

سدي نح

يالً ول

ست ق

ادراً عل

ى‬ ‫الطعام‪...‬‬ ‫أريد أن أخرج من أحزاني‪ ،‬أريد أن أعود كما كن ت‪ ،‬أري د أن أمح و‬ ‫الماضي وكأني لم أعشه‪ ...‬لكنه يطاردني وكأني مجرم ھارب‪ ...‬آه‪...‬‬ ‫‪٣١‬‬


‫"وماذا تفيد الحياة بع د ك ل ھ ذا؟ بع د ك ل ھ ذه ال سنين؟ أتري د أن ت ستعد‬ ‫لخدعة جديدة؟" أخاطب نفسي‪.‬‬ ‫ال أريد الحياة‪ ،‬أتمنى الموت في المنام وحتى في أنفاسي وال أريد أن‬ ‫أبكي على نفسي‪ ،‬فھذا قدري أن أموت في خيبات أملي وال أحيا‪ ،‬ألن ي‬ ‫ال أريد أن أحيا كي أبدأ قصة جديدة‪ ...‬خدعة جديدة‪ !...‬خيانة قد تك ون‬ ‫في شكل أجمل!‬ ‫أح

س ب

دموعي ف

ي عين

ي لحن

ا ً ش ً ً‬ ‫ جيا◌‪ ،‬ع

شقت الح

زن وص ارت‬ ‫خليلته في الليالي الماطرة‪...‬‬ ‫أراھ

ا مع

ه يعانقھ

ا وتعانق

ه‪ ،‬تقبل

ه ف

ي نف

س تل

ك اللحظ

ة الت

ي بھ ا‬ ‫قبلتني‪ ...‬أعزمت على قتلي؟‬ ‫أراك ف

ي شاش

ة التلف

از وف

ي عتم

ة زج

اج الغرف

ة! عل

ى ال

سرير‬ ‫تضاجعينه في نفس الحجرة‪ ،‬لماذا تطاردينني حيث أنا؟‬ ‫أراك‪ ،‬وھ م يع يش‬ ‫وحتى في فراشي الذي لم أتوسده من بعد‪ ،‬وأفيق‬ ‫ِ‬ ‫في مقلتي‪.‬‬ ‫أراك ال في عيني وال في خي الي‪،‬‬ ‫أريدك‪ ،‬ال أريد أن‬ ‫اذھبي عني ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال أريد أن أجن بك وال أصبح نبيا ً‪...‬‬ ‫لم يبقى لي بفراقك سوى ھموما ً ل و نزل ت عل ى‬ ‫جب ل لجعلت ه يع انق‬ ‫ٍ‬ ‫األرض ردما‪.‬‬ ‫أعارك ظالمات الليل أبك ي‪ ،‬ال أري د أن أرى أح داً‪ ،‬ودمع ي ل م يع د‬ ‫يواسي جفوني‪.‬‬ ‫‪٣٢‬‬


‫ال أري د أن يران

ي أح

د ف

دموعي عل ي ثمين

ة‪ ،‬وال نظ

رة مت

شمت أو‬ ‫سفيه‪ ،‬أو مواساة صديق أو متأسف‪.‬‬ ‫منك ال أستطيع إال أن أكون باكيا ً‪،‬‬ ‫طبعي يا جاھل غلبه تطبعي‪ ،‬فأنا ِ‬ ‫من ك بقاي ا رج ل‪ ...‬بقاي ا إن سان‪ ،‬ف ي بع ض األحي ان أح س أن ي‬ ‫صرت‬ ‫ِ‬ ‫حثالة‪ ،‬أو حتى ال شيء‪...‬‬ ‫أتمنى أن يكون فراشي كفنا ً أرقد فيه ھذه الليل ة وال أص حو‪ ،‬ال أري د‬ ‫أن أع

اني من ك ومن

ي فأن

ت تقتلينن ي ف

ي الي

وم أل

ف م

رة‪ ،‬أراك ف

ي‬ ‫خياالتي وكيف تعانقين ه ف ي الي وم أل ف م رة وف ي ك ل م رة أرى حتف ي‬ ‫دون أن أموت ألف مرة‪.‬‬ ‫إلھي م ا ال ذي جنيت ه حت ى أس تحق ك ل ھ ذا؟ ھ ي م ع ع شيقھا تتمت ع‬ ‫بالوقت وأحيانا ً بأصدقائھا الذين لم تعرفھم لوالي‪ ،‬فھ م ك انوا أص دقائي‬ ‫وأنا ھنا أقاتل أحزاني وأعيش على ذكرى أيام خوالي‪.‬‬ ‫ولم أشعر بنفسي حتى الصباح‪...‬‬ ‫"صباح الخير يا كل الخي ر‪ ،‬ص باح الخي ر‪ ،‬فھ ذا ال صباح ل يس كك ل‬ ‫وصوتك في ال صباح‪ ،‬ص باح الخي ر ي ا عم ري‬ ‫أنت‬ ‫ِ‬ ‫صباح‪ ،‬صباح فيه ِ‬ ‫وي

ا لي

ت ك

ل ص

باحاتي مث

ل ھ

ذا ال

صباح‪ ،‬فھ

ذا ال

صباح في

ه ص

وت‬ ‫أيقظن

ي ورق

ص بلط

ف عل

ى أوت

ار قلب

ي‪ ،‬ص

باح الخي

ر أدع

و ‪ S‬ي

ا‬ ‫صوتك في كل صباح‪ ،‬صباح في ه خ دي‬ ‫ئه بعد‬ ‫ِ‬ ‫حبيبتي وأحمده على أآل ِ‬ ‫خ دك‪ ،‬ص باح الخي ر‪ ،‬أقولھ ا‬ ‫تغري دك الن اعم ك اد أن يالم س‬ ‫من خ الل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وللقھوة السمراء من غير سكر أو عسل طعم حلو لم أش عر‬ ‫اليوم بنشوة‬ ‫ِ‬ ‫ ت وص

وتِك ف

ي‬ ‫ب

ه بقھ

وة األم

س وال ال

ذي م

ن قب

ل‪ ،‬قھ

وة مزاجھ

ا أن ِ‬ ‫‪٣٣‬‬


‫ال

صباح‪ ،‬ي

ا ص

باح الن

ور‪ ،‬ص

باح الخي

ر حبيبت

ي ميلين

دا" ت

ذكرتھا‪...‬‬ ‫واستيقظت عل ى كرس ي أب يض حدي دي ي ؤلمني‪ ،‬وإذا ب ي عل ى مقع دي‬ ‫مازلت جالسا ً أفيق على آالمي وأصحو‪ ،‬كرھ ت الحي اة أري د الھ روب‪،‬‬ ‫إل

ى أي

ن؟ م

ن نف

سي؟ م

ن روح

ي؟ م

ن قلب

ي؟ م

ن ك

ل الھ

واجس الت

ي‬ ‫تمكنت مني والماضي الذي مازال يعانقني مثل الطفل ألمه؟‬ ‫ً‬ ‫ھ وى ال أحي ا‪ ،‬أبح ث‬ ‫علي‪ ،‬فذا قدري أم وت‬ ‫عشقت الموت ال تبكي‬ ‫ّ‬ ‫عن حتفي فقد اكتفيت من الموت اليومي‪ ،‬أبحث ع ن الخ الص األب دي‪،‬‬ ‫أريد قتل الماضي‪ ،‬أريد خلعه كخلعي لحذائي‪ ،‬لم أعد أرغب ف ي إع ادة‬ ‫ذكره‪ ،‬فھو يؤذيني ورغما ً عني يطاردني‪...‬‬ ‫خياالت أريد حرقھا مثلما ھي حرقت أوراقي ول م تت رك لھ ا أث راً‪...‬‬ ‫أعاتب قلبي الذي أذلني؟‬ ‫كنت فتى شقيا ً ال علم ل ي بالح ب ل م أت رك فت اة ف ي الح ي إال قبلتھ ا‪،‬‬ ‫كنت أسمع الحب مجرد كلمة حتى ذھبت إليه وھناك لم أعد أملك سوى‬ ‫البكاء وآھات‪ ،‬ال أعلم‪ ...‬ال أعلم أين س تؤدي ب ي‪ ،‬إل ى أي أرض؟ إل ى‬ ‫أي جزيرة مجھولة سيذھب بي قاربي؟ ال أعرف لي مستقراً أو مك ان‪،‬‬ ‫لم أعد أعرف متى؟ أين؟ ولما؟‬ ‫نظرت من النافذة المغلقة وكان الج و مشم سا ً بع ض ال شيء وجم يالً‬ ‫بعد ليلة ماطرة‪ ،‬أرى جمال الجو في أعين الناس وفي تصرفاتھم لكن ي‬ ‫ال أحس به‪.‬‬

‫‪٣٤‬‬


‫ك

ان ھن اك باح

ة كبي

رة مغلق

ة م

ن جمي

ع الجھ

ات وص

وت أجھ

زة‬ ‫كھربائي

ة خارج

ة منھ

ا‪ ،‬ل

م أع

ط اھتمام

ا ً كثي

راً وقل

ت لنف

سي‪" :‬ھ

ذا‬ ‫المنظر أفضل من أن تطل النافذة على شارع مزدحم"‬ ‫كنت قد أحضرت بعضا ً من الكتب كي أقرأھا‪ ،‬فقد قررت أن أعتزل‬ ‫الن

اس‪ ،‬وجل

ست عل

ى الكرس

ي الوحي

د المم

ل وب

دأت بكت

اب كن

ت ق

د‬ ‫قرأت شيئا ً منه محاوالً الذھاب بأفكاري إلى حيث أحداثه‪...‬‬ ‫أبوء بالفشل مثل العادة‪ ،‬أفكاري وخيبة أملي أقوى مني فھما يعودان‬ ‫بي حيث ال أريد‪.‬‬ ‫لم تعد الق راءة ممتع ة‪ ...‬أراھ ا ف ي ص فحات الكت اب ت سير مع ه ب ين‬ ‫السطور‪ ،‬يضيق صدري بما حمل‪ ،‬أسير في الغرفة مث ل أس د م سجون‬ ‫لم يعتد القيد من قبل‪ ،‬أحاول مراراَ الھروب من خالل الكتب‪ ،‬الھ روب‬ ‫من أفكاري ولكن ال حياة لمن تنادي‪ ،‬في كل مرة أجدھا أمامي‪.‬‬ ‫قررت أن أن زل إل ى األس فل إل ى االس تراحة وھن اك أحت سي قھ وتي‬ ‫ ل وع

سى ھ

ذه الم

رة أس

تطيع م

ن خ

الل الن

اس‬ ‫وس

آخذ كت

ابي مع

ي ع ّ‬ ‫حولي الھروب ولو للحظات من أفكاري‪.‬‬ ‫دخلت إلى الحمام وغسلت وجھي وبيداي كالعادة سرحت شعري‪ ،‬لم‬ ‫أعتد النظر في المرآة‪ ،‬وخرجت‪.‬‬ ‫وإذا بتلك الفتاة التي كانت باألمس‪ .‬كانت ال ساعة العاش رة والن صف‬ ‫صباحا ً‪ ،‬نظرت إليھا مبتسما َ وحييتھا‪" :‬صباح الخير"‬

‫‪٣٥‬‬


‫"صباح الخير يا سيد" قالت ھي‪.‬‬ ‫كانت لطيفة ج داً مبت سمة وجميل ة أي ضا ً‪ ،‬تبل غ م ن العم ر م ا يق ارب‬ ‫األربعة والعشرون‪ ،‬ولم يكن ٌ‬ ‫أحد ھناك ف ي ال صالون س واي‪ ،‬وص رت‬ ‫أبحث عن جھاز القھوة حتى وجدته على الحائط في الجھة اليمنى حيث‬ ‫الدرجات المؤدية إلى الغرف‪.‬‬ ‫نظ

رت إليھ ا وكان

ت ت

ارة تنظ

ر إل

ي وأخ

رى إل

ى أوراقھ

ا كأنھ ا ال‬ ‫تريد أن أرى عينيھا‪ ،‬في اللحظة الت ي كان ت ت صطنع العم ل بأوراقھ ا‪،‬‬ ‫قلت لھا بكل جرأة كعادتي‪" :‬لو سمحت ي ا س يدتي‪ ،‬ھ ل باس تطاعتك أن‬ ‫تقولي لي كيف أستخدم ھذا الجھاز؟" وأشرت إلى جھاز القھوة‪.‬‬ ‫وكان الجواب على شفتيھا كأنھا كانت تنتظر سؤالي‪.‬‬ ‫"نع

م‪ ،‬ض

ع نق

داً مع

دنيا ً ف

ي ذل

ك الثق

ب الظ

اھر علي

ك وف

ي الجھ

ة‬ ‫األخ

رى اللوح

ة االلكتروني ة مكت

وب عليھ

ا أن

واع القھ

وة‪ ،‬ل

يس علي

ك‬ ‫س

وى أن ت

ضغط ال

زر المؤش ر للن

وع ال

ذي تري

د‪ ،‬فك

ل واح

د بجانب

ه‬ ‫صنف القھوة"‬ ‫كنت أتمعنھا خالل شرحھا لي طريقة االستعمال‪ ،‬وكانت تقف خل ف‬ ‫طاولة االستعالمات‪.‬‬ ‫كن

ت مھتم

ا ً أكث

ر بجم

ال عينيھ

ا وش

كل ش

فتيھا ورس

مة حاجبيھ

ا‬ ‫النحيل ين‪ ،‬ش

كلھا ي

دل عل

ى الب

راءة‪ ،‬بريئ ة وش

عرھا م

وج البح

ر ھ

ائج‬ ‫أص

فر مم

وج‪ ،‬عينيھ

ا‪ ...‬حاجبيھ

ا‪ ...‬خ

ديھا‪ ...‬ھ

ي جميل

ة بك

ل‬ ‫المصطلحات‪ ،‬وأراھا رقيقة‪...‬‬

‫‪٣٦‬‬


‫آه ك

م خ

دعت النظ

رة األول

ى‪ ،‬ونظ

رت إل

ى جھ

از القھ

وة متناس

يھا‬ ‫ألني لم أعي أي كلمة منھا‪...‬‬ ‫كنت مھتما ً بجمالھا ونسيت أني أري د القھ وة‪ .‬كان ت طريق ة اس تخدام‬ ‫الجھاز سھلة‪ ،‬أخذت قھوتي وكنت الوحيد الجالس ھناك‪.‬‬ ‫كان ج دار ال صالون عب ارة ع ن زج اج ي ستطيع الج الس النظ ر م ن‬ ‫خالله إلى المارة في الخارج‪.‬‬ ‫ھي كانت في الجھة الي سرى من ي والزج اج م ن أم امي‪ ،‬وب دأت ف ي‬ ‫إكم

ال ق

راءة الكت

اب‪ ،‬أص

بحت ال أرى ف

ي الكت

اب س

وى وج

ه تل

ك‬ ‫الفتاة‪...‬‬ ‫إلھي أكتب علي أال أرى في كتبي سوى النساء‪...‬؟‬ ‫أغلقت عيناي لفترة قصيرة كي أستطيع متابعة قراءة الكتاب‪ ،‬تابعت‬ ‫رغم األفكار الت ي تتملكن ي وأص ررت ھ ذه الم رة عل ى المتابع ة‪ ،‬عل ي‬ ‫بھذه الطريقة أصل إلى عالج نفسي‪.‬‬ ‫وق

رأت م

دة لي

ست طويل

ة‪ ...‬وملل

ت‪ ،‬ھ

ي ح

رب بين

ي وب

ين ذات

ي‬ ‫والماضي‪ ،‬وضعت الكتاب وبيداي أفرك عيناي ووجھي‪...‬‬ ‫شربت رشفة من فنجاني الذي لم أذقه بعد‪ ،‬وإذا بسؤال بصوت ناعم‬ ‫لم يكن منتظر فأنا زحفت في س رعة إل ى الماض ي ون سيت للحظ ة م ن‬ ‫حولي‪.‬‬ ‫"ما ھي الكتب التي تقرأھا؟" سألتني الفتاة‪.‬‬

‫‪٣٧‬‬


‫تح

دثت م

ع نف

سي‪" :‬ھ

و س

ؤال خ

اص! ش

يء م

ن اثن ين‪ ،‬ق

د يك

ون‬ ‫س

ؤالھا ل

ي ألنھ

ا تح

س بمل

ل وتري

د قتل ه؟ أو‪ ...‬أو أنھ

ا تح

ب فع

الً أن‬ ‫تتحدث معي وأني أثرت حب الفضول لديھا!"‬ ‫واستدرت إليھا وبقيت جالسا ً مكاني وقل ت لھ ا‪" :‬أن ا؟ أن ا أق رأ أش ياء‬ ‫كثيرة كنت أقرأ في الماضي قصص حب وروايات فقط‪ ،‬ومن ثم قرأت‬ ‫الفلسفة اليونانية – أجدادك" وأسعدتني ابتسامتھا حينھا ولمعان عينيھ ا‪:‬‬ ‫"ومن ثم قرأت للفالسفة العرب‪ ،‬كانوا أطباء أيضا ً‪ ،‬وقرأت شعراً كثيراً‬ ‫من

ه ق

ديم وبع

ضه ح

ديث‪ ،‬واتجھ

ت بع

دھا إل

ى ق راءة الت

اريخ‪ ،‬فف

ي‬ ‫التاريخ أجد متعة كبيرة‪ ،‬واتجھت فيما بعد إلى قراءة األديان وفي نفس‬ ‫الفترة عمدت إلى دراسة اإلسالم‪ ،‬بتعمق وخالل كل تلك الفت رات كن ت‬ ‫أكتب خواطر ھي ليست بتلك القيمة إال أنھا مشاعري وأكتب م ا أح س‬ ‫به‪ ،‬فإن كنت س عيداً أعب ر ع ن س عادتي عل ى أوراق ي وان كن ت حزين ا ً‬ ‫أجعل من دموعي حبراً أرسمه ل ً‬ ‫وحة على أوراقي"‬ ‫"كالمك جميل"‬ ‫نظ

رت إل ي وكان

ت تري

د أن تكم

ل ش

يئا ً أرادت أن تقول

ه ولكن

ي ل

م‬ ‫أدعھا تكمل حديثھا وقلت لھا‪" :‬شكراً‪ ،‬وأنت ماذا تقرأين؟"‬ ‫"أنا أقرأ روايات فقط‪"!...‬‬ ‫"لغاية فترة قصيرة رجعت إلى الرواي ات وخاص ة الغربي ة منھ ا‪ ،‬ل م‬ ‫يكن ھدفي االستمتاع في قرائتھا‪ ،‬ألني ال استمتع في ق راءة الخي ال بي د‬ ‫أن

ي أش

عر أن روح

ي تطلب

ه‪ ،‬رجع

ت إل

ى رواي

ات الخي

ال م

ن جدي

د‬ ‫للذھاب إلى عالم غير عالمنا‪ ،‬وسأعود مرة أخرى"‬ ‫‪٣٨‬‬


‫"ومن ھم الرواة الذين تقرأ كتبھم؟"‬ ‫"ھ

م كث

رة‪ ،‬مث

ل )ج

ورج أثناس

ياديس ‪(Giorgos Athanasiadis‬‬

‫واي

ضا ً )ق

سطنطينوس كاف

افيس ‪ (Konstantínos Kaváfis‬واألدي

ب‬ ‫ال

شاعر )كوس

تيس باالم

اس ‪ (Kostís Palamás‬وكث

رة غي

رھم‪،‬‬ ‫والف

ضل يع

ود للم

رأة الت

ي كان

ت يوم

ا م

ا زوجت

ي‪ ،‬فھ

ي الت

ي كان

ت‬ ‫تحثني على القراءة دائما ً‪ ...‬لقد بدأت بقراءة الروايات من جدي د‪ ،‬أعن ي‬ ‫الخيالية وقوية التعبير منھا‪ .‬أن ا ق ررت أن أجع ل نھاي ة لك ل بداي ة‪ ،‬ف ي‬ ‫الماض ي كن

ت أتجاھ

ل م

ا يج

ول ف

ي خ

اطري وعن

دما يتبخ

ر م

ا ف

ي‬ ‫رأسي أرمي بأوراقي تارة في خزانة الطاولة وأخرى في سلة النفايات‪،‬‬ ‫ل م أك ن أھ تم ف ي المحافظ ة عل ى الكت ب الت ي أقرأھ ا ولكن ي ق ررت أن‬ ‫ٌ‬ ‫وجواب على سؤالك أنا لم أعتن ي بكت ب كات ب‬ ‫أحتفظ بكل شيء أقرؤه‪.‬‬ ‫مع

ين ب

ل أق

رأ مواض

يع متنوع

ة وش

تى‪ ،‬أق

رأ م

ا أش

عر أن

ي بحاج

ة‬ ‫لقراءته وعند ما أفق د المتع ة م ن أس لوب لكات ب أبح ث ع ن آخ ر‪ ،‬مث ل‬ ‫بعض الروايات التي أحس أنھ ا تت رجم أحاسي سي أو تع يش م شاعري‪،‬‬ ‫س

أبحث ع

ن كات

ب مع

ين وأس

لوب ك

ذلك عن

دما أح

س باس

تقرار‬ ‫مشاعري‪ ،‬أو اس تبدل ھواي ة الق راءة بھواي ة أخ رى حت ى أس تطيع م رة‬ ‫أخرى ترجمة ما بداخلي‪ ،‬عل ي أج د نف سي‪ ،‬وس أبحث ع ن أث اث من زل‬ ‫جديد وأشتري مكتبة لكتبي وتلفاز وما أحتاجه في مطبخ ي ول ن أرح ل‬ ‫بعدھا‪ .‬سأخط اللحظة كي تكون أبدية بسطور ضاحكة وأحرف راقصة‬ ‫لي

ست ك

التي كان

ت‪ ،‬وق

د تك

ون مازال

ت‪ ،‬وأح

اول اآلن محوھ

ا وكتاب

ة‬ ‫غيرھا"‬

‫‪٣٩‬‬


‫"أن ا أس

مع م

ن مخ

ارج أحرف

ك لحن

ا ً حزين

ا ً ولمعان

ا ً ف

ي عيني

ك في

ه‬ ‫فرحة قديمة‪ ،‬أرى عتمة حول عينيك قد تكون ليالي باكيه‪"!...‬‬ ‫"أوكل ھذا في وجھي؟" وكنت أنظر إليھا مبتسما ً‪.‬‬ ‫"قد يخطئ اإلنسان أحيانا‪"!...‬‬ ‫"أنت محقة‪ ،‬فاإلنسان ال يخطئ أحيانا ً بل كثيراً"‬ ‫"لماذا تلون كالمك باليأس؟"‬ ‫"أخداعنا ألنفسنا ھواية؟ أم أننا ال نجد بديل يكون لنا عزاء؟"‬

‫‪٤٠‬‬


‫"ماذا تعني؟"‬ ‫"ھل أنت صريحة؟"‬ ‫"نعم‪ ،‬صريحة في معظم األحيان!"‬ ‫"أن ا ال أس ألك ع ن ال صراحة المتع

ارف عليھ ا‪ ،‬أن ا أعن ي ال صراحة‬ ‫المتناھي

ة لدرج

ة أن

ي أري

د أن أس

ألك اآلن ع

ن الفك

رة الت

ي جال

ت‬ ‫بخاطرك أثناء حديثي‪ ،‬إذا كنت مستعدة لبضع دقائق صراحة؟"‬ ‫ودون أن أنتظر جوابا ً قلت‪" :‬فلنبدأ ولكن صراحة كمثل التي ذكرت‪،‬‬ ‫ما رأيك؟"‬ ‫ونظ رت إل

ى ال سقف تھ

ز برأس ھا ت

ومئ بالرض ا وتبت

سم‪ ،‬وس

ألتھا‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫صعب لھذه الدرجة؟"‬ ‫"ھل األمر‬ ‫"ال ولكني‪ ...‬بلى سأبدأ معك"‬ ‫"ال تخ

افي‪ ،‬فالمواض

يع الت

ي س

أطرحھا ب

سيطة ولكن

ي م

ن خاللھ

ا‬ ‫سأريك حقائق أنت ال تريدين أن تعرفيھا وأنا كنت في الماض ي ك ذلك‪.‬‬ ‫صديقة لك منذ زمن بعيد كنت قد اتفقت معھ ا لل ذھاب إل ى حفل ة معين ة‬ ‫وكان االتفاق أن تكون نقطة اللقاء في الحفلة‪ ،‬وفرحت كثيراً بموافقتھا‪،‬‬ ‫وذھبت إلى الحفلة مع يقينك بأنھ ا س تأتي ف ي الموع د الم ذكور‪ ،‬وط ال‬ ‫االنتظار وأنت جالسة على الطاولة تنتظ رين ح ضورھا‪ ،‬ون دمت ألن ك‬ ‫تمني ت أن تھاتفيھ ا‪ ،‬وق ررت أن‬ ‫لم تحضري الھاتف الجوال معك فأنت‬ ‫ِ‬ ‫تسألي أحد الع املين ف ي ھن اك عل ه ي سمح ل ك باالت صال‪ ،‬وفع الً ت م م ا‬ ‫‪٤١‬‬


‫تمنيت‪ ...‬المحاول ة األول ى االت صال ف ي البي ت ال أح د يرف ع ال سماعة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫المحاولة الثاني ة االت صال عل ى الھ اتف الج وال‪ ...‬الھ اتف مغل ق! وم ر‬ ‫أكثر من ساعتين على الموعد المتفق علي ه‪ ،‬أم ا أن ت فق د فق دت المتع ة‬ ‫ف

ي ذل

ك الم

ساء‪ ،‬ل

م يك

ن ف

ي الح

سبان أن تك

وني وح

دك ب

ين جم

وع‬ ‫الناس‪ ،‬فأنت ال تعرفين أحداً ھن اك وأن ت ل ست م ن الن وع ال ذي ي ذھب‬ ‫إلى أي شخص لمجرد الحديث فقط أو لقضاء ليلة‪ ...‬ألم تكن تلك الليل ة‬ ‫خيبة أمل كبيرة؟"‬ ‫"بلى ولكن‪"...‬‬ ‫"أنا لم أكمل حديثي بعد‪ ...‬وت ذھبين إل ى البي ت بأذي ال الن دم وخ وف‬ ‫عليھ

ا وغ

ضب‪ ...‬ت

ارة عل

ى ص

ديقتك وأخ

رى ت

دعين ال

رب أن

ك ل

م‬ ‫ت

صابين بمك

روه‪ ،‬وتبق

ين ھك

ذا حت

ى ت

صلين إل

ى البي

ت‪ ...‬خ

سارة ق

د‬ ‫اس

تغرقت وقت

ا ً ط

ويالً ف

ي ت

سريح ش

عرك ولب

ست ثوب

ا ً جم

يالً وحت

ى‬ ‫الماكياج الثلجي لم يكن ظاھراً كثيراً‪ ،‬أليس كذلك؟"‬ ‫وھي تنظر إلي بدھشة وغرابة‪" :‬وصلت إلى البيت وقب ل أن تخلع ي‬ ‫ثوبك ذھب ت إلج راء ات صاالت م ع ص ديقاتك الل واتي م ضت فت رة م ن‬ ‫الزمن ولم يكن بينكن أي تواص ل‪ ،‬إال أن قلق ك عل ى ص ديقتك دف ع ب ك‬ ‫تكلم ت م

ع األول ى‪ ،‬الثاني ة وقال

ت الثالث ة‪" :‬لق

د‬ ‫إل ى القي ام بھ

ذا‪ ،‬وفع ال‬ ‫ِ‬ ‫س ألتني الي وم ل و أن ي أح ب رفقتھ

ا إل ى حفل ة )كرازامي را(" وھ ي أح

د‬ ‫ص

ديقاتك‪" :‬أل

م تبلغ

ك؟" قال

ت ص

ديقتك م

ن خ

الل الھ

اتف‪ .‬فأجب

ت‬ ‫بدھ

شة‪" :‬ال‪ ...‬ال عل

م ل

ي" أم

ا ليلت

ك تل

ك ف

ال تتح

دثي عنھ

ا‪ ...‬وال‬ ‫تشرحي لي مدى غضبك فأنا أستطيع تصوره دون شرح مط ول‪ .‬وف ي‬

‫‪٤٢‬‬


‫الي

وم الت

الي ف

ي ال

صباح الب

اكر تت

صلين ب

صديقتك تري

دين س

ماع أي‬ ‫تبرير عن فعلتھا‪ ،‬أليس كذلك؟"‬ ‫"بلى‪"...‬‬ ‫"وتفاجئين بردة فعل باردة منھا فتقول لك‪" :‬عزيزتي قد ن سيت فع الً‬ ‫موع

دي مع

ك" وبك

ل فت

ور ت

ردف‪" :‬حبيبت

ي اللي

الي القادم

ة س

تكون‬ ‫أجم

ل‪ ،‬دعين

ي اآلن أكم

ل ن

ومي" وأن

ت ب

رغم علم

ك بأنھ

ا ل

م تن

سى‪،‬‬ ‫أحببت أن تصدقي ما قالت‪ ،‬وجلست تحدثين نفسك وتختلقين لھا أعذاراً‬ ‫أكثر من الت ي اختلقتھ ا ھ ي‪ .‬ھ ذه أول خيب ة أم ل م ن ص ديقة ق د يراھ ا‬ ‫ٌ‬ ‫اآلخ رون ش يئا ً‬ ‫ب سيط وأن ا أق ول اإلن سان مب دأ‪ ،‬م ن اس تھان بق ولي فق د‬ ‫استھان بي‪ ،‬والخدعة يب دأھا اإلن سان م ع نف سه‪ .‬لق د أعطي ت ل صديقتك‬ ‫صورة غير التي ھي عليھا‪ .‬قد أكون عقدت األمور بالنسبة لك‪ ،‬إال أني‬ ‫أخ

وض ف

ي ص

غار األم

ور وأن

ا ل

ن أنتظ

ر حت

ى تكب

ر الجرثوم

ة ف

ي‬ ‫جسمي في وقت لن ينفعني فيه ال طبيب وال حتى الوقت‪ ،‬أنا لم أرد أن‬ ‫ل ك ع ن تج اربي وإنم ا اخت رت ل ك مث االً بعي داً ك ل البع د عن ي‪،‬‬ ‫أحكي ِ‬ ‫مثال تعيشه معظم الفتيات في عمرك‪ ...‬أوليس األمر كذلك؟"‬ ‫"بلى ولكن ردة الفعل من فتاة ألخرى تكون دائما ً مختلف ة‪ ،‬ق د تك ون‬ ‫ردة فعلي تماما ً مثل ردة فعلك فأنا قد ال أختلف معك في التفكير كثيراً‪،‬‬ ‫ما ھو اسمك بالمناسبة؟"‬ ‫"أنا سلوان"‬ ‫ھي قد قدمت لي نفسھا دون أن اسألھا‪" :‬وأنا )غراتسيا ‪"(Grazzia‬‬

‫‪٤٣‬‬


‫"غراتسيا‪ !...‬إنه اسم إيطالي‪ ،‬أليس كذلك؟ وما ھو سر ھ ذه الت سمية‬ ‫رغم علمي بفخر اليونان بيونانيتھم"‬ ‫"ھ

ذه ق

صة ق

د ذكرھ

ا ل

ي أب

ي وإن ذكرتھ

ا ل

ك ال يج

ب عل

ى أم

ي‬ ‫معرفتھا"‬ ‫وضحكت‪" :‬ھذه المرأة التي أحبھا أبي وقوبل حبه لھا بالرفض فكان‬ ‫يجب على أبي أن يتزوج بيونانية طبقا ً لعاداتنا"‬ ‫"وھل أنت من ھؤالء اليونانيين؟"‬ ‫"ال‪ ،‬أنا لم أعن ھذا‪ ،‬رغم أن والداي يفكران بنفس الطريقة"‬ ‫"وأنت؟"‬ ‫"أنا أتمنى أن أحب شابا ً يونانيا ً!"‬ ‫"إذن أنت أيضا ً تتبنين نفس عادات وتقاليد والديك؟"‬ ‫"ال عل

ى اإلط

الق‪ ،‬إنم

ا ال أري

د أن أواج

ه ع

ائلتي وس

أكون أن

ا ف

ي‬ ‫النھاية الخاسرة"‬ ‫"أتمنى لك حياة سعيدة مع شاب يوناني!"‬ ‫"شكراً"‬ ‫لقد أح ست أن ي أس خر منھ ا‪ ،‬ول و أردت أن أك ون ص ادقا ً م ع نف سي‬ ‫كان ھناك بعض الشيء من التھكم‪ ،‬ألن الشيء الوحيد الذي ال حكم لن ا‬ ‫فيه ھو القلب‪ ،‬قد تتزوج ھي من ش اب يون اني ألن ه فق ط يون اني ولك ن‬ ‫ال

سؤال ال

ذي س

تواجه نف

سھا في ه‪ ،‬ھ ل أحب

ه؟ وق

د تحب

ه أي

ضا ً وتل

ك‬

‫‪٤٤‬‬


‫الدوام

ة الت

ي وض

عت نف

سھا بھ

ا م

ن البداي

ة ھ

ي الت

ي س

تكون دائم

ا ً‬ ‫وسواس وھاجس يعيش في داخلھا‪.‬‬ ‫"وأنت‪ ...‬أال تتمنى فتاة من بلدك؟"‬ ‫"أنا‪...‬؟ حلمي الوحيد الخالص"‬ ‫"ماذا تعني بالخالص؟"‬ ‫الماضي‬ ‫"أنا كنت أعيش مع امرأة سنين طويلة‪ ...‬أريد الخالص من‬ ‫ِ‬ ‫ومنھا‪ ،‬فھي تطاردني حيث أنا"‬ ‫"لماذا؟ ألم تقل لھا أنك ال تريدھا؟"‬ ‫"خياالتھا‪ ،‬أيامنا وعذاباتي التي تطاردني‪ ،‬لذلك أنا ال أريد امرأة‪ ،‬ال‬ ‫م

ن بل

دي وال يوناني

ة‪ ،‬ال تفھم

ي م

ن كالم

ي أن

ي متح

امال عل

ى‬ ‫اليونانيين‪ ،‬ال بالعكس فأنا أعيش ھنا من ذ ص غري حت ى أن ي ال أع رف‬ ‫ق

راءة لغ

ة األم وأش

عر ب

أن اليون

ان بل

دي‪ ،‬حقيق

ة بعي

د فيھ

ا ع

ن أي‬ ‫مجاملة‪ ،‬وامرأتي وطفلتي أيضا ً يونانيتين"‬ ‫"ھذا يسعدني أنك تشعر في بلدنا وبيننا انك في بلدك‪ ،‬شعور يجعلني‬ ‫أحس بارتياح أكثر أثناء الحديث معك"‬ ‫"وأن

ا اآلن أح

س بارتي

اح ف

ي الح

ديث مع

ك‪ ،‬وأود س

ماعك أكث

ر‬ ‫ومعرفة أشياء عنك أكثر"‬ ‫"أخ‪ ...‬م

اذا تري

دين أن تعرف ي عن

ي أكث

ر؟ أب

دأ عمل

ي م

ن ال

ساعة‬ ‫العاشرة أحيانا ً لغاية الثامنة ليالً وبعض األحي ان لغاي ة العاش رة‪ ،‬أذھ ب‬ ‫إل ى البي ت إذا كان ت أم ي ق د طھ ت ف ي ذل ك الي وم‪ ...‬أحت سي طع

امي‪،‬‬

‫‪٤٥‬‬


‫فأمي طباخة ماھرة‪ ،‬أبدل ثيابي أنظر إلى التلف از س اعتين أو ث الث م ع‬ ‫والداي ومن ثم أذھب إلى فراشي‪ ...‬حياة مملة"‬ ‫"ال تق ولي ممل ة‪ ...‬فجم ال الحي اة ھ و أنن ا ال ن رى الم صاعب خ

الل‬ ‫أيامنا وأثن اء أوق ات أعمالن ا‪ ،‬ق د نق ضي أوق ات جميل ة أو نتع رف عل ى‬ ‫أشخاص قد يثيرون اھتمامنا وتلك الساعات المتبقي ة أي ضا ً نح اول ق در‬ ‫اإلمكان االستمتاع بھا‪ ،‬إن كان تلف از أو موس يقى أو ح وار م ع ص ديق‬ ‫أو صديقة‪ ،‬الشيء الذي ال يجب علينا ن سيانه ھ و رؤيتن ا لألش ياء الت ي‬ ‫حولن

ا‪ ،‬أن ن

رى الخط

أ خط

أ ً وال

صواب ص

وابا ً‪ ،‬وبن

اءاً علي

ه نتخ

ذ‬ ‫قراراتن

ا‪ ،‬ال عل

ى أوھ

ام نح

ن م

ن ص

نعھا‪ ،‬وبرغب

ة تام

ة ص

دقناھا‬ ‫وأص

بح ھ

دفنا ف

ي الحي

اة الوص

ول إليھ

ا ون

سينا أنھ

ا أوھام

ا ً ونح

ن‬ ‫نسجناھا‪ ...‬أليس الحديث معي جميالً؟"‬ ‫"بلى‪ ،‬وأحس أن أمثالك من الرجال ندرة"‬ ‫"إذا‪ ،‬ھ

ذا أول ش

يء نوھ

ت إلي

ه م

ن خ

الل ح

ديثي‪ ،‬بي

دك أن

ت أن‬ ‫تبدلي الحياة التي زعمت قب ل قلي ل بأنھ ا ممل ة‪ ،‬بحي اة مليئ ة بالمفاج آت‬ ‫وال علم لنا بھا لحسن الحظ‪ .‬رغم علمنا بھذه األشياء ونعيش كآبة وألما‬ ‫م ن الماض ي‪ .‬ي

سھل الك الم ف

ي ھ ذا الموض وع وي

سھل ج داً أن نجعل

ه‬ ‫حديث صباحنا ھذا‪ ،‬أنا وحدي أشعر بألمه‪ ،‬حروفه وكل كلمة أقولھا أو‬ ‫أسمعھا منك أرى بھا أمام عيناي أيام وس نين كان ت س عادة ل م أك ن ف ي‬ ‫لحظة أتصور أنھا كلھا خيانة ولعبة طويلة‪ ،‬أآلم أنا وحدي اآلن أعيشھا‬ ‫ألني أنا من أحبھا"‬

‫‪٤٦‬‬


‫وتغي

ر ل

ون وجھ

ي وعين

اي وانفعل

ت حت

ى أنھ

ا قطع

ت ح

ديثي‬ ‫وتأسفت‪.‬‬ ‫"لم أعرف أن حديثي سيزعجك‪ ،‬أن ا آس فة وأتمن ى أن ي ل م أوج ه ل ك‬ ‫السؤال‪ ...‬أنا آسفة جداً"‬ ‫"ال عالقة ل ك بھ ذا االض طراب‪ ،‬أن ا أرى ك ل م شكلة س تجلب معھ ا‬ ‫إيجابية غير معروف متى وكيف"‬ ‫واختلف لون وجھ ي وتب سمت ونظ رت إليھ ا ب سرور‪" :‬أول إيجابي ة‬ ‫أش

عر بھ

ا ھ

و ل

و أن

ي ل

م أع

رف تل

ك الم

رأة وحزن

ي ل َ م ھرب ت حت

ى‬ ‫وصلت إلى ھنا‪َ ،‬لمَ◌ تعرفت على فتاة جميلة مثلك"‬ ‫ابتسمت وبدا على وجھھا المقطب جمالة‪ ،‬وص ارت ض حكتھا أجم ل‬ ‫من التي كانت‪.‬‬ ‫"ھا أنا أرى جمال وجھك أكثر من قبل"‬ ‫"ماذا تعني؟"‬ ‫سألت وھي تنظر إلى األرض وتحس بشيء من الخجل‪.‬‬ ‫"نعم عندما تحزنى لفترة قصيرة وفجأة تتحول تلك اللحظة إلى بسمة‬ ‫خارجة من القلب‪ ،‬أرى جم االً ف ي وجھ ك ال أراه إال ف ي ھ ذه اللحظ ة‪.‬‬ ‫عينان يلمعان وكأن إله الحب ق د خلقھ ن ف ي أس عد لحظات ه‪ ،‬وبع دھا ل م‬ ‫يخلق غيرھن‪ ،‬خدين آه منھن‪ ،‬قرر اآلخر الموت وقبل أن يموت عاھد‬ ‫نفسه أن يخلق خدين كخدين حبيبت ه ويم وت بع دھا‪ ،‬وكان ت خ دودك ي ا‬ ‫غراتسيا‪ ،‬أما شفتيك عندما رجعت إليك ابتسامتك وكأنھا كانت في سفر‬ ‫‪٤٧‬‬


‫بعيد‪ ...‬شفتان رأيتھما في يوم جميل ف ي ليل ة زارتن ي بھ ا ألھ ة الجم ال‬ ‫)أفروديت("‬ ‫وأثناء حديثي قالت‪" :‬يكفي‪ ،‬أنا لست معتادة على س ماع ك الم جمي ل‬ ‫مثل الذي تقول"‬ ‫"لماذا قطعتي علي خلوتي مع جمالك‪ ،‬كنت مستمتعا ً في السفر مع ك‬ ‫في خياالتي"‬ ‫"لقد فھمت من كالمك أنك ھارب! أھارب أنت من أحد؟"‬ ‫"بطريقة وأخرى نعود ثانية إلى نفس الموضوع الذي ال أريد الخوض‬ ‫فيه بأي نوع من النقاش"‬ ‫ارتبكت وصرت أحرك بيداي وأھز برأسي كأني باح ث ع ن ش يء‪،‬‬ ‫كنت في بعض األحيان أحس أني فاقد السيطرة على أع صابي فت صدر‬ ‫مني حركات تلقائية‪ ،‬وھكذا أسيطر على أعصابي أحيانا ً‪.‬‬ ‫"سأعدك أني س أجلس ف ي ي وم مع ك وأح دثك بك ل ش يء عن ي‪ ،‬فأن ا‬ ‫بحاجه لشخص أستطيع الح ديث مع ه ف ي ذل ك الموض وع‪ ...‬فق د أش عر‬ ‫براحة‪ ،‬من يعلم ؟! ولكن ليس اآلن يا غراتسيا"‬ ‫"أنا لم اقصد إثارتك إال أني أبدي تعليقات تمام ا مثل ك أثن اء الح ديث‬ ‫ولكني اآلن ب دأت أع رف عل ى األق ل ال شيء ال ذي ال تح ب س ماعه أو‬ ‫الحديث عنه"‬ ‫"صرت أشعر أني بحاجة للحديث معك‪ ،‬أريد أن أبوح لك بكثير م ن‬ ‫األشياء التي كان ت ف ي الماض ي‪ ،‬ولك ن دعين ي أح دثك ع ن حي اتي ف ي‬ ‫‪٤٨‬‬


‫وقت أنا من يريد الح ديث‪ ،‬ال أري د أن يك ون ح ديثي عب ارة ع ن ت سلية‬ ‫لقت

ل الف

راغ‪ ...‬ال أري

د أن ت

سخر كلم

اتي من

ي فھ

ي تع

رف ك

م ك

ان‬ ‫الماضي جميالً وكم ك ان أليم ا ً‪ ...‬ك م فرح ت ب ه ومن ه عاني ت وب ذكراه‬ ‫مازلت أعاني‪ ،‬ال أريد أن يكون الحديث عن حي اتي عب ارة ع ن أجوب ة‬ ‫ألسئلة اآلخرين إلشباع فضولھم"‬ ‫أسأل نفسي أحيانا ً عن الح ديث وفائ دة الح ديث أص الً‪ ،‬ف ي كثي ر م ن‬ ‫األحيان تعتلجن ي لحظ ات ال أري د الح ديث عل ى اإلط الق‪ ،‬م اذا يج دي‬ ‫الحديث أو التعليق أو سماع اآلراء؟‬ ‫في وقت ال تعلي ق وال آراء ال دنيا كلھ ا ت ستطيع أن تغي ر م ن الواق ع‬ ‫شيء‪ ،‬في وقت أنا اآلن في ه الق در وت صبح المعان اة أكب ر‪ ،‬ك أن ي صاب‬ ‫ال

شخص بم

رض حتم

ا ً س

يكون موت

ه في

ه‪ ،‬يج

ب أن يعت

رف بوج

وده‬ ‫فيه‪ ...‬سيعاني‪ ،‬إنما علم أنه ف ي أي لحظ ه س تكون نھايت ه وعلم ه ب ذلك‬ ‫الشيء يجعل ه م ستعداً لتل ك اللحظ ة‪ ،‬ھ و ل ن يك ون س عيداً‪ ،‬إال أن ه ق در‬ ‫النھاي

ة وآم

ن بھ

ا‪ ،‬وقتھ

ا يح

س اإلن

سان باس

تقرار ف

ي شخ

صيته‬ ‫واطمئنان‪.‬‬ ‫األل

م األكث

ر‪ ...‬عن

دما أفق

د ال

شجاعة ف

ي مواجھ

ة نف

سي ف

ي البداي

ة‬ ‫ومن ثم اآلخرين‪ ،‬لقد أصبت بالمرض الذي س يكون ب ه حتف ي‪ ،‬وأخ دع‬ ‫نفسي مبتسما ً ابتسامة صفراء‪.‬‬ ‫أح

اول إقن

اع الن

اس ب

أني‪" :‬كم

ا ت

رون س

ليما ً" والمأس

اة األكب

ر أن‬ ‫الزمان كفيلي وأني أقنعت نف سي بك ذبتي‪ ،‬وتب دأ ھن اك المعان اة الكب رى‬

‫‪٤٩‬‬


‫التي تضاعف اآلالم‪ ...‬وتيقظن ي جروح ي م ن من امي‪ ...‬ل م أع د أنظ ر‬ ‫سوى لقروحي وتناسيت أسبابھا وال أعيش إال بھا ومن خاللھا‪.‬‬ ‫ھذا ھو الحزن األكب ر‪ ،‬والبح ث ع ن الخ الص ش يء يك اد أن يك ون‬ ‫مستحيل‪...‬‬ ‫"سھل أن يقال في المجالس أو الحديث م ع فت اة جميل ة مثل ك‪ ،‬إال أن‬ ‫الواق

ع والع

يش في

ه مختل

ف تمام

ا ً‪ ...‬ھ

ذا ھ

و الواق

ع حت

ى أن حرك

ات‬ ‫أعضائي آلت لخناجر تقتلني ولباسي ورائحتھ ا تخنقن ي وحت ى ھروب ي‬ ‫من المدين ة والمت اجر الت ي كن ا ن شتري منھ ا وم ن وساوس ي‪ ...‬ھروب ا ً‬ ‫إليھا‪ ،‬كيف الخالص؟ ومكانتھا في قلبي مازالت‪"...‬‬ ‫"أنت مازلت تحبھا؟!"‬ ‫"ال‪ ...‬ال أنا ال أحبھا"‬ ‫ويظھر على وجھي احمرار وف ي عين ي‪ ،‬وتجنب ت النظ ر إليھ ا ك ي ال‬ ‫ترى لوعتي التي ال تخفى على أحد‪.‬‬ ‫رن ھ

اتف االس

تعالمات وكان

ت فرص

تي حت

ى أعي

د لنف

سي ھيبت

ي‬ ‫األولى‪ ،‬ذلك الرجل الواثق من نف سه‪ ،‬كن ت أن زعج ح ين ي رن الھ اتف‪،‬‬ ‫وھي ينبغي عليھا أن ترد ومقاطع ة الھ اتف كان ت تك اد تفق دني الرغب ة‬ ‫في متابعة الحديث‪.‬‬ ‫كان يرن مثل جرس الحكم ف ي حلب ة المالكم ة‪ ،‬فرص ة المالك م ك ي‬ ‫يستطيع أن يأخذ قسطا ً من الراحة‪.‬‬ ‫حملت سماعة الھاتف ولم أصغي لھا حتى أتمت مكالمتھا‪.‬‬ ‫‪٥٠‬‬


‫"ھا أنا مرة أخرى!" قالت غراتسيا‪.‬‬ ‫"كنت تقولين عن قدرة اإلنسان على النسيان وإرادته فيه‪ ،‬أو رف ضه‬ ‫له!"‬ ‫"أنا قلت كل ھذا؟َ!"‬ ‫"ال أعلم أنك سريعة النسيان لھذا الحد!"‬ ‫وكن

ت أق

صد المداعب

ة‪ ،‬قاص

داً الھ

روب م

ن الموض

وع‪ ،‬وأوم

أت‬ ‫برأسي وابتسامة أبين لھا ق صدي ف ي ع دم رغبت ي ف ي متابع ة الح ديث‬ ‫في نفس الموضوع‪.‬‬ ‫ونظرت إلي نظرة واستدارت بوجھھا إل ى جن ب وبقي ت ن اظرة إل ي‬ ‫معب

رة ع

ن فھمھ

ا وعلمھ

ا بق

صدي‪ ،‬وداعبتن

ي قائل ً ة‪" :‬نع

م‪ ...‬ھ

ذا ھ

و‬ ‫الحديث الذي بدأته‪ ،‬غير أن أكث ر الكلم ات تجعلن ي أفق د تركي زي عل ى‬ ‫علي‪ ،‬قد تك ون ش يقة‬ ‫األشياء! دعنا إذن نبحث في المسألة التي افتريتھا ّ‬ ‫وخاصة رأيك فيھا"‬ ‫"غرات سيا‪ ،‬أري د أن أوض ح ل ك ف

ي البداي ة األم ور المرتبط ة ب إرادة‬ ‫اإلنسان‪ ،‬طبعا أعني األمور المتعلق ة ف ي ذات ه ول يس ف ي األش ياء الت ي‬ ‫يبحث بھا أو عنھا‪ ،‬ونبدأ في قدرته على النسيان‪ ،‬و تنقسم إلى ق سمين‪،‬‬ ‫األول أن ينسى حدثا من جذوره‪ ،‬وھذا يحدث في معظم األحيان بعفوية‬ ‫ال بتفكي

ر م

سبق وم

ن دون تخط

يط‪ ،‬وھ

ذا الن

وع في

ه ايجابي

ة وس

لبية‬ ‫تماما ً مثل كل األشياء ال أريد الخوض بھا اآلن‪ ،‬أما الق سم الث اني‪ ،‬فھ و‬ ‫يحتاج إلى إرادة قوية‪ ،‬وھذا ليس بالسھل‪ ،‬فعندما يع يش ش خص واقع ة‬

‫‪٥١‬‬


‫ما وتترك أثاراً في نف سه‪ ،‬ق د تك ون ذات وق ع ش ديد‪ ،‬كث رة ال سعادة‪ ،‬أو‬ ‫ك

م م

ن خيب

ات األم

ل‪ ،‬ف

ي ھ ذه الحال

ة ل

و اس

تطاع الم

رء ب

إرادة قوي

ة‬ ‫متناسيا البحث عن مصدرھا إن كانت نابعة من نفس طيبة ھدفھا إنقاذه‬ ‫أو من نفس لئيمة ھدفھا ن سيان م ا ك ان‪ .‬ف ي ھ ذه الحال ة ل و زعمن ا أن ه‬ ‫استطاع بقدرته النسيان! فھل يكون نسي فعالً كل األحداث؟ أنا سأعطي‬ ‫جوابا ً واضحا ً أكثر وضوحا ً‪ ،‬نعم نسى‪ !...‬عند قول أحدنا‪" :‬نعم نسيت"‬ ‫ھو لم ينسى فعالً ھو يعني أن ذلك الحدث أو تلك التجرب ة الت ي عاش ھا‬ ‫لم تعد تطارده‪ ،‬إذا تكلم فيھا أو سئل عنھا لم يع د يح س بغرغ رة س لبية‬ ‫في أحشائه‪ ،‬عدم إحساسه السلبي أو السعادة‪ ،‬كل حسب تجربت ه‪ ،‬يعتق د‬ ‫أنه قد نسي‪ ،‬ول و حاولن ا أن ن سأل ع ن أح داث ومجري ات س نجد ھن اك‬ ‫أجوبة وتفاصيل‪ ،‬وإن دل ھذا على شيء‪ ،‬إنما يدل على آث ار ف ي نف سه‬ ‫أص

بحت الي

وم كأنھ

ا ج

زء من

ه‪ .‬إذن‪ ...‬نق

ول ق

درة ال

شخص ف

ي ھ

ذه‬ ‫الحالة على النسيان تتمحور في عدم اإلحساس باألح داث الت ي ال ق درة‬ ‫لنا على نسيانھا"‬ ‫كانت تحدق بي حتى أني أحس ست أنھ ا س افرت بأفكارھ ا بعي داً ع ن‬ ‫المكان‪.‬‬ ‫"أمازلت تصغين يا غراتسيا؟"‬ ‫"بلى‪ ...‬وأحب متابعة االستماع لك"‬ ‫"أما النقطة الثانية )إرادة اإلنسان في النسيان( وھي أن يبح ث أح دنا‬ ‫عن سبل للنسيان‪ ،‬وھذه النقط ة لھ ا ش عبتين‪ ،‬األول ى‪ ،‬أن تك ون اإلرادة‬ ‫موجودة وقدرته على النسيان‪ ،‬أم ا ال شعبة الثاني ة‪ ،‬إرادت ه وع دم قدرت ه‬ ‫على النسيان وكله نابع من ذاته وضعف في داخلة س بب ذل ك ال ضعف‬ ‫‪٥٢‬‬


‫الذي يؤثر سلبا ً عليه وباتخ اذه قرارات ه‪ ،‬وھ ذا ھ و ال شيء ال ذي نھ رب‬ ‫منه في معظم األحيان‪ .‬العلم بالضعف يسبب آلما ً مضاعفا ً‪ ،‬ورغما ً عن‬ ‫ھذا نبقى في نفس الطريق فاق دين الق درة وال سيطرة عل ى أنف سنا‪ ،‬نفي ق‬ ‫لحظة صغيرة نستطيع أن نبني قوة تكون بھا نجاتن ا‪ ،‬وال ضعف يحت اج‬ ‫لوقت طويل ومحاوالت أقوى‪ ،‬وھ ذا ھ و الف رق ب ين الق وي وال ضعيف‬ ‫من غير مبالغات‪ ،‬فضعيف اإلرادة تماما ً مث ل الزج اج الھ ش ال يحتم ل‬ ‫أي صدمة والق وي ق د يت أثر بخ دش أو ب شيء ش بيه إنم ا يبق ى محافظ ا ً‬ ‫على ھيكله مع بعض التشوھات ويبقى قائما ً بذات ه‪ .‬أم ا النقط ة األخي رة‬ ‫واألصعب رفض الذات النسيان‪ ،‬وھ و ك الراقص م ع ال ذئاب‪ ،‬ال ي سمع‬ ‫أو يحس برجائه بينھم سواه‪ .‬كيف المرأة اغتصبت وبرم ال ال صحراء‬ ‫كان غسلھا‪ ،‬كيف لھا النسيان؟ لو أن لھا إرادة مالئكة ال سماء لرف ضت‬ ‫ل ك ع ن رف ض ال ذات دون ص ور خيالي ة‬ ‫ذاتھا الن سيان‪ .‬دعين ي أحك ي ِ‬ ‫كبيرة‪ ،‬دعين ي أت ابع منطقيت ي كم ا كن ت‪ ،‬عن دما يع يش أح دنا رج ل أو‬ ‫ام

رأة س

نين م

ع إن

سان ق

د أعتق

د أن

ه الحبي

ب‪ ،‬تمام

ا ً مثلم

ا كن ت أن

ا‪،‬‬ ‫ونعيش أياما ً ملؤھا فرح وسعادة‪ ،‬أجمل ُ‬ ‫القب ل والعناق ات‪ ،‬اعتق دت أنھ ا‬ ‫أزلية خالدة لن تموت وحتى يموت البشر‪ ،‬فنحن من رآھا‪ ،‬ذلك الح ب‪،‬‬ ‫كنت أقول أنه ال ولن يشيخ‪ ،‬سيبقى شابا ً يانع ا ً يافع ا ً‪ ...‬وب ه ل ن نم وت‪،‬‬ ‫ف

نحن ملك ه وم

ن الظل

م أن يكت

ب علي

ه الم

وت‪ ،‬خرجن

ا ع

ن األق

دار‬ ‫وأصبحنا أزليين‪ ...‬في الحب حياتنا وال ممات لنا‪ ،‬لم سات جعل ت من ي‬ ‫أجمل الرجال‪ ،‬وحملي لھا عارية أحس ست أن ي أس تطيع قت ل الم وت‪...‬‬ ‫لم أرى أجمل منھا‪ ،‬بنظراتي وكلماتي كانت تزداد جماالً‪ ...‬ليس كمثلھا‬ ‫امرأة‪ ،‬لم تكن امرأة جميلة فقط بل كانت كل أحالم الرج ال مج سدة ف ي‬

‫‪٥٣‬‬


‫امرأة‪ ،‬فھي كانت حبيبتي‪ ...‬ھا أنا أريد نسيانھا‪ ،‬أتحدث مع ك ألن ساھا‪،‬‬ ‫أراھا في حديثي‪ ،‬أقرأ كتبي أراھا بين السطور‪ ،‬أذھب الى الحانة أراھا‬ ‫في كل فتاة ھناك‪ ،‬أريد أن أنسى ونف سي تح اربني حرب ا ً ال أع رف لھ ا‬ ‫نھاية‪ ،‬أنا ھو من يري د البح ث عنھ ا وع ن أي وس يلة أس تطيع ن سيانھا‪،‬‬ ‫أراھا حيث أنا‪ ...‬أنا ھذا‪ ...‬ھو أنا الذي بدأ م ع نف سه ص راعا ً وال أرى‬ ‫سوى خسارة تتلوھا خسارة‪ ،‬حتى أني لم أع د أود معرف ة نھ ايتي‪ ،‬ھ ي‬ ‫وخيمة ال بد‪ ،‬وبأي شكل ستكون ال أريد أن أعرف"‬ ‫لم تعلق على كالمي سوى أن قالت‪" :‬نعم أنت محق"‬ ‫انت

ابني ف

ي تل

ك اللحظ

ة رغب

ة ف

ي الخ

روج‪ ،‬أحس

ست أن

ي مخن

وق‬ ‫أري د الخ روج ف ي الھ واء الطل

ق‪ ،‬ك ان الج واب ب ارداً بع ض ال

شيء‪...‬‬ ‫وخرجت‪.‬‬ ‫أنا أتكلم ع ن أل م يع صرني وأح س بأنھ ا ھ ي أو غيرھ ا ي ستمع مث ل‬ ‫الذي يستمع إلى رواية أو حكاية أو أي شيء عادي ليس ل ه أي أھمي ة‪،‬‬ ‫ما ھو إال مجرد كالم‪ ،‬وقفت وقلت‪" :‬غراتسيا‪ ،‬أال يوجد ھنا مكان بعيد‬ ‫عن ازدحام الناس والسيارات؟ أريد أن أكون في الھواء الطلق حيث ال‬ ‫شيء سوى الھواء النقي"‬ ‫"شارعنا ھذا شعبي متواضع وممنوع على السيارات دخوله‪ ،‬أم شي‬ ‫فيه حتى النھاية وھو ليس بالصغير"‬ ‫"إذن س

أذھب إل

ى غرفت

ي الرت

داء س

ترة خفيف

ة‪ ،‬فن

سمات الھ

واء‬ ‫الباردة تنعشني وتقلل من سخونة رأسي ووجھي"‬

‫‪٥٤‬‬


‫"كي يبرد رأسك! وھل ھذا ينعشك؟"‬ ‫"عن

دما أنغم

س ف

ي التفكي

ر وأع

يش اللحظ

ة خاص

ة إذا ل

م تك

ن م

ن‬ ‫اللحظات السعيدة أحس بارتفاع في درجات الحرارة في رأسي ووجھي‬ ‫ق د يك

ون م

ن ش

دة االنفع ال‪ ،‬ولك

ي أح

د من ه أذھ ب إل

ى الھ

واء ف

أحس‬ ‫باالرتياح ولو للحظات"‬ ‫ذھب

ت إلح

ضار س

ترتي‪ ،‬وللت

و‪ ،‬عن

دما دخل

ت الغرف

ة ت

ذكرت أن

ي‬ ‫مازلت لم أفرغ حقيبتي كي أرتبھا في الخزانة‪.‬‬ ‫"آه‪ ...‬ما زال كل شيء على حاله!"‬ ‫سؤال استنكاري اسأله لنفسي وكأني كنت أتوق ع أن أج د مت اعي ف ي‬ ‫الخزانة! فتح ت س حاب الحقيب ة ال سوداء ول م تك ن مالب سي مرتب ة مث ل‬ ‫الع

ادة‪ ،‬أخرج

ت ال سترة م

ن ب

ين المالب

س وترك

ت الحقيب

ة كم

ا كان

ت‬ ‫علي

ه وخرج

ت ب

سرعة‪ ،‬ال أري

د أن أبق

ى ط

ويالً‪ ،‬أري

د أن أخ

رج إل

ى‬ ‫الھواء‪ ،‬لم أعد أحتمل البقاء بين الجدران‪ ،‬أريد أن يالمس وجھي ھواء‬ ‫بارداً‪ ،‬يتخلل شعري ويدخل إلى رأسي ويقلل من حدة أفكاري‪.‬‬ ‫ب أو م

ستقبل لحم

يم‪ .‬س

ألت‬ ‫نزل

ت ال

درج بخط

ى س

ريعة مث

ل ھ

ار ٍ‬ ‫نفسي‪َ" :‬لم العجلة؟"‬ ‫وقف

ت أس

مع أنفاس

ي الخارج

ة م

ن ص

دري‪ ،‬وأخ

ذت ش

ھيقا ً وزفي

راً‬ ‫عميقين وخاطب ت نف سي‪" :‬اآلن أس ير ببط يء‪ ،‬فالوق ت ملك ي‪ ،‬أن ا اآلن‬ ‫ملك نفسي أصحو متى شئت‪ ،‬أسكن إلى فراشي متى شئت‪ ،‬أذھب متى‬ ‫أشاء ووقت ما أشاء"‬

‫‪٥٥‬‬


‫ً‬ ‫ھ دوء عميق ا ً وس كينة‬ ‫نزلت الدرج بخطى أقل م ن البطيئ ة‪ ،‬أص طنع‬ ‫دافئة ال أملكھما‪.‬‬ ‫عملك يا غراتسيا؟" سألتھا‪.‬‬ ‫"متى سينتھي‬ ‫ِ‬ ‫"الثامنة مساء"‬ ‫"إذن حتى المساء! أنا سأكون ھنا بالتأكيد قبل الثامنة"‬

‫‪٥٦‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫خرجت من السكن متجھا ً نحو اليسار فالجھ ة اليمن ى نھاي ة ال شارع‪،‬‬ ‫ك

ان يظھ

ر ب

ه ب

ساطة س

اكنيه‪ ،‬وواجھتي

ه ملئ ى بالحواني

ت والمق

اھي‪،‬‬ ‫ض

حكات رنان

ة خارج

ة منھ

ا وفكاھ

ات خليط

ة مت

شابكة ب

ين أص

وات‬ ‫الفتي

ان والفتي

ات معب

رة ع

ن أنف

س ل

يس بھ

ا ش

وائب أو عق

د عالق

ات‬ ‫سابقة‪.‬‬ ‫مازالت الحياة أمامھم بيضاء‪ ،‬يقولون كل ما يريدون دون خوف من‬ ‫ردود فعل أو انفعاالت‪ ،‬يفعلون كل ما تصبوا إليه أنفسھم‪ ،‬يلعب ون ك رة‬ ‫القدم إذا أحبوا‪ ،‬أو يذھبون إلى المسبح في صيفھم في ساعاته الساخنة‪،‬‬ ‫يتب

ادلون الق

بالت ف

ي ال

صباح والم

ساء‪ ،‬يتخاص

مون ف

ي الي

وم والليل

ة‬ ‫مرتين وثالث وأربع مرات ويعاودون العناقات بعد شجارھم بثوان‪.‬‬ ‫سألت نفسي‪" :‬ھل أستطيع يوما ً ما أن أضحك كما يضحكون؟ أو أن‬ ‫أتكل

م باس

ما ً ب

صوت مرتف

ع ھك

ذا؟ أو أت

شاجر أو أن

اقش أو أتب

ادل‬ ‫المزاحات مع اآلخرين مثلھم؟"‬ ‫ل

م أع

د أذك

ر إذا كن

ت ف

ي ي

وم م

ن األي

ام م

ثلھم أو قريب

ا ً لحي

اتھم‪،‬‬ ‫وكأني فقدت الذاكرة‪ ،‬أو كل جميل في ال ذاكرة‪ ،‬ل م أع د أذك ر البارح ة!‬ ‫أحس أحيانا ً بألم عند سماعي ضحكات اآلخرين‪ ،‬وال يتھمني أح د ب أني‬ ‫أك

ره الخي

ر للن

اس‪ ،‬قول

وا إن

ي م

ريض أو مج

روح أو فاق

د لحبي

ب أو‬ ‫صديق أو قريب‪ ،‬الذي أعلمه أني فقدت كل شيء ل ه معن ى ف ي الحي اة‪،‬‬ ‫ولم يعد لي سببا ً للسعادة والبھج ة وال سرور‪ ،‬ل م أع د أذك ر معناھ ا وإن‬ ‫ّ‬ ‫عرفتھا بكلماتي إال أني ال أحسھا أو أشعر بھا‪.‬‬ ‫‪٥٧‬‬


‫أكل ھذا من امرأة؟ لن أجعل على قلب ي س لطانا ً أب داً‪ ،‬ل ن أول ي عل ى‬ ‫قلبي امرأة أبداً‪ ،‬أقسم أني سأحب كما أشاء‪ ،‬كل النساء ولن أجع ل عل ى‬ ‫قلبي أحدھن أبداً‪ ،‬س أحب ھ ذه الم رة عل ى طريقت ي وعل ى الوج ه ال ذي‬ ‫أبغيه وأنتقيه‪ ،‬وليس كما تحب النساء وتشتھي‪.‬‬ ‫ال أريد لوعة وال أتلوع‪ ،‬أريد أن أع يش الح ب متع ة وجم االً ال ألم ا ً‬ ‫ودموع ا ً‪ ،‬أن أك

ون ض احكا ً وب

صوت مرتف ع مث

ل ن زالء الحواني

ت‪ ،‬ال‬ ‫أريد أن أصطنع بسمات أو سعادة مثل زھور عصرنا البالستيكية‪.‬‬ ‫أري

د حظ

ا ً واف

راً س

ببه اس

تقرار وكلم

ات تعب

ر ع

ن حقيق

ة مكانھ

ا‬ ‫ومصدرھا نفسي وليست من اآلخرين‪ ،‬أنا لم أعد أثق بھ ن وال ببق ائھن‬ ‫وال اس

تمراريتھن بج

انبي‪ ،‬فھ

ن الي

وم أوغ

داً ذاھب

ات وعل

ي أن أع

الج‬ ‫الفراغ الذي سيخلفنه من ورائھن‪ ،‬ھذا الفراغ الذي سأكون أنا من يملؤه‬ ‫غداً ليس ھن وكالمھن المعسول أو مجامالت لم أعد أتحملھا وال أطيق‬ ‫سماعھا‪.‬‬ ‫ل

ن أؤم

ن بالح

ب طوي

ل الم

دى‪ ،‬ل

ن أع

يش الي

وم س

وى قص

صه‬ ‫القصيرة الصامتة الخالية من البكاء والوحدة ول يس فيھ ا أن ين‪ ،‬ق صص‬ ‫حب قصيرة‪ ،‬عناقات وقبالت عارية‪ ،‬عارية من نفاق وكالم نتجمل ب ه‬ ‫ووعيد‪ ...‬حديثنا روحاني‪ ،‬واضح‪ ،‬بسيط وال ت تحكم ب ه قافي ة وال بح ر‬ ‫شعري‪.‬‬ ‫س

أعيش ب

دون حرق

ة ول

ن يك

ون للبع

د أل

م إنم

ا راح

ة واس

تجمام‬ ‫والخلوة ستكون نزھ ة لل ذھن واألع صاب ورحل ة للقل ب ول ن يك ون ل ه‬

‫‪٥٨‬‬


‫عمل سوى الفيزيائي وقليل م ن ال ذي سأس مح ل ه من ه‪ ...‬وھ ذا إلش عار‬ ‫آخر‪.‬‬ ‫رجال قد اھت زت لھ م الجب ال وخ شيتھم جي وش‪ ،‬ملك وا الع الم بأس ره‬ ‫والتواريخ خدما ً ينتظرون خلف الب اب‪ ،‬رج ال أص يبت أش جار األرض‬ ‫وترابھا بالرعب بمرورھم‪ ،‬تھابھم ك ل الع والم م ا دام وا خ ارج غ رف‬ ‫نومھم‪ ،‬وعند دخولھم حجراتھم يصبحون عبيداً الم رأة‪" ...‬إن رض يت‬ ‫ ت ب

ي رج

الً ف

ي‬ ‫ب

ي حبيب

ا ً حبيبت

ي قبل

ت الت

راب تح

ت ق ِ‬ ‫ دميك‪ ،‬إن قبل ِ‬ ‫ش عرك قي داً‬ ‫نھ ديك‪ ،‬وجعل ت م ن‬ ‫شفتيك‬ ‫فيك‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حياتك عبدت كل شيء ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫عاري ة ي ا‬ ‫أراك‬ ‫لي‪ ...‬أنت سجاني وأنا العبد المطيع فارحميني‪ ،‬دعيني‬ ‫ِ‬ ‫أميرتي‪ "...‬ويدخل الحاجب إل ى حج رة المل ك م ذعوراً دون إذن ه‪ ،‬وإذا‬ ‫بالملك راكعا ً متوسالً أمام امرأة بثوبھا األبيض الشفاف‪ ،‬كأنه قطعة من‬ ‫جسدھا‪ ،‬تقف وكأنھا ملكا ً وتحت قدميھا من يتوسل ويرجوا قربھا‪.‬‬ ‫"جالل

ة المل

ك‪ ،‬الجي

وش تحاص

ر القلع

ة!" ق

ال الحاج

ب‪ .‬وي

ستدير‬ ‫الملك وينظر إلى الوراء حيث الحاج ب يرتج ف ذع راً واآلخ ر غاض با ً‬ ‫صارخا ً مزمجراً مثل األسد‪" :‬أذھب أنت والجيوش إلى الجحيم‪ ،‬أخ رج‬ ‫قبل أن أقطع رأسك"‬ ‫يخرج الحاجب أكثر ذعراً من قبل‪ ،‬فھو يعلم أن قراره ال رجعة في ه‬ ‫والجي

وش المحاص

رة ال تخيف

ه أكث ر م

ن غ

ضب المل

ك‪ ،‬وم

ع خ

روج‬ ‫الحاجب يعود الملك بنظره إلى األم ام حي ث بقي ت روح ه والقل ب‪ ،‬وإذا‬ ‫بالغاض ب يتح

ول ب

سرعة لم ح الب

صر مث

ل حم ل ودي

ع متوس

الً ينظ

ر‬ ‫ً‬ ‫تارة لألرض وأخ رى إل ى وجھھ ا ي ستجلب عطفھ ا‪ ،‬علھ ا ترف ق بح ال‬

‫‪٥٩‬‬


‫ذل ك الراج

ي الواق ف عل

ى ب اب قلبھ

ا‪ ،‬وب صوت ن

اعم كل ه رج

اء‪" :‬إن‬ ‫ ت م ً‬ ‫ وك ي

ا أميرت

ي‬ ‫ ساءتي‪ ،‬أرج ِ‬ ‫ ذك وأن ِ‬ ‫رض

يت عن

ي ف

سأكون أن

ا نبي ِ‬ ‫جسدك العاري دواء لجراح اتي‪ ،‬س ألت طبيب ي وھ و م ن أف ضل‬ ‫اجعلي‬ ‫ِ‬ ‫األطباء في العالم وقد قال لي‪" :‬انساھا"‬ ‫ ديك‪ ...‬ال‬ ‫ ساك وأن

ا ال

ذي اخت

ار العبودي

ة ب

ين ي ِ‬ ‫فقل ت ل

ه‪" :‬وكي

ف أن ِ‬ ‫تحزني فأنا حذرته بأن ال يعاودوھا"‬ ‫"يا صاحب الجاللة األيام كفيلة بھا" قال الطبيب‪.‬‬ ‫"أص

مت‪ ...‬ال أري

د س

ماعك‪ ،‬إن

ك ال تع

ي ق

وة العاص

فة الت

ي‬ ‫تجتاحني‪ ،‬إن أيامي وساعاتي ستعيد ذكراھا"‬ ‫"أنظر لغيرھا يا صاحب الجاللة"‬ ‫"لقد أصبحت مخموراً في أقدامھا وأعشق وأذوب في مقلتيھا"‬ ‫"ال تشرب من خمورھا وال حتى من مائھا"‬ ‫"سأشرب مائھا وخمرھا وأسكر وأھذي وأصرخ بأني أحبھا وأحبھ ا‬ ‫ول

ن أح

ب س

واھا وأبح

ث ع

ن رض

اھا حت

ى ترض

ى وس

أبحث عنھ

ا‬ ‫وس

أجدھا وأقتلھ

ا‪ ...‬س

أبقى س

اجداً لھ

ا حت

ى ت

سمح ل

ي ب

النظر إل

ى‬ ‫عينيھا"‬ ‫أم

ا أن

ا ف

ال أري

د أن أك

ون أمي

راً وال ملك

ا ً وال قي

صراً‪ ،‬ب

ل أري

د أن‬ ‫أكون ملكا ً على قلبي وليس ألحد سطوة وال قوة‪ ،‬ال أمراً وال نھي ا ً ول ن‬ ‫أجعل عليه امرأة سلطانا ً أبداً‪.‬‬

‫‪٦٠‬‬


‫خلقت ك بكالم ي‬ ‫أن ت‪ ،‬أن ت الت ي أحبب ت‪ ،‬أن ا‬ ‫ببت ك فق ط‬ ‫ِ‬ ‫ألن ك ِ‬ ‫ِ‬ ‫كنت أح ِ‬ ‫أنت‬ ‫بك ِ‬ ‫أنت آخر الخالصة بيني وذاتي‪ِ ،‬‬ ‫وبك كانت أخر أحالمي‪ ،‬كنت ِ‬ ‫ِ‬ ‫كنت‪.‬‬ ‫جننت باختياري ولوال جنوني ما‬ ‫ِ‬ ‫ دك م

ا دام‬ ‫ ك قتلتن

ي وحب

ي‪ ،‬ال أري ِ‬ ‫ل

م تثق ي ب

ي ول

م تحبين

ي وظنون ِ‬ ‫ ك مك

ان‪ ،‬ل

ن تك

وني بع

د الي

وم ال نجم

ا ً وال س ً‬ ‫ ماء ف

ي‬ ‫لل

شك ف

ي قلب ِ‬ ‫عمري‪.‬‬

‫‪٦١‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫بدأ النھار يجر بأذياله الخريفية القصيرة حتى يستعد لغد غريب‪ .‬كان‬ ‫ال

شھر العاش

ر ف

ي آخ

ر الخري

ف‪ ،‬ول

م يك

ن ب

ارداً مث

ل الع

ادة‪ ،‬تمط

ر‬ ‫ً‬ ‫القزحي ة مودع ًة‬ ‫أحيانا ً مبشرة بشتاء قريب‪ ،‬وتشرق الشمس بخطوطھ ا‬ ‫منتظرًة شوقا ً حتى تعود في العام القادم كم ا كان ت‪ ،‬شم سا ً نورھ ا يم أل‬ ‫القلوب ويظھر في سمرة الوجوه‪.‬‬ ‫دخل

ت ال

ساعة عل

ى التاس عة والن

صف وق

د تب

ددت س

اعات النھ

ار‬ ‫البرتقالية القصيرة مصافحة مساء يليه ليل طويل‪.‬‬ ‫حملت أطرافي عائداً إلى مسكني بعدما لم يعد من س خونة رأس ي إال‬ ‫أفك

اره سداس

ية ال

شكل والمثلث

ات‪ ،‬ل

م أبتع

د كثي

راً عن ه إنم

ا بقي

ت ف

ي‬ ‫الشارع الشعبي المجاور‪ ،‬وما ھي إال خط وات حت ى أص ل إل ى ھن اك‪،‬‬ ‫وعن

دما رأي

ت الم

دخل عل

ى بع

د أمت

ار ذھب

ت ك

ل جع

ب أفك

اري‬ ‫واستبدلتھا غراتسيا بوجھھا النحيل الصغير وتقاطيعه اليونانية األصيلة‬ ‫وش

عرھا المم

يش الن

اعم معانق

ا ً خ

ديھا دون أن ي

صل إل

ى ش

فتيھا‪،‬‬ ‫مضموما ً بكتفيھا النحيلين مثل طفل يعانق أخته الطفلة‪.‬‬ ‫دخل

ت المك

ان وص

عدت ال

درجات الثالث

ة المؤدي

ة لم

دخل ال

سكن‬ ‫ودفعت ببابه ودخلت‪ ،‬لم يكن أح داً ھن اك س وى المقاع د وجھ از القھ وة‬ ‫الكبير وغراتسيا بينھم تتخللھم بنظراتھا بين حين وأخر‪.‬‬ ‫"مرحبا ً" حييتھا‪ ،‬لم أكن مبتسما ً‪ ،‬كان يبدو على وجھي جدية ليس‬ ‫لي سلطة عليھا‪.‬‬

‫‪٦٢‬‬


‫"م

ساءك س

عيد" حيتن

ي وأردف

ت‪" :‬كي

ف كان

ت جولت

ك ف

ي الح

ي‬ ‫اليوم؟"‬ ‫"جيدة‪ ،‬أمطرت قليالً ولكن تحسن الج و فيم ا بع د‪ ،‬أن ا ال أح ب الج و‬ ‫إذا ك

ان في

ه ض

بابا ً وخاص

ة ف

ي الم

ساء‪ ،‬مث

ل ھ

ذا الج

و يجل

ب ل

ي‬ ‫اإلحباط‪ ،‬سأصعد إلى غرفتي قل يالً‪ ،‬إذا ك ان ل ديك وق ت س أنزل ونقت ل‬ ‫الوقت سويا ً"‬ ‫"افعل ھذا‪ ...‬يسعدني!"‬ ‫صعدت إلى الغرفة بخطواتي البطيئة حت ى وص لت إل ى الب اب وقب ل‬ ‫أن أدخل تصورت أمامي خلو حجرتي من كل لون أو دف ئ‪ ،‬ل يس فيھ ا‬ ‫سوى جدرانھا الخاوية وحقيبة متاعي المغلقة‪.‬‬ ‫دخل

ت وخاطب

ت نف

سي ق

ائالً‪" :‬يج

ب علي

ك أن تخ

رج متاع

ك م

ن‬ ‫الحقيبة على األقل حتى يسھل علي اختيار أشيائي أو البحث عن فوط ة‬ ‫أنشف بھا شعري المبتل قليالً‪ ،‬أو بنطال يعجبني ارتداءه‪.‬‬ ‫بدأت بإخراج متاعي القليل ووض عته واح دا تل و األخ ر ف ي الخزان ة‬ ‫الحديدية رمادية اللون المثيرة لإلحباط‪ ،‬وض عت ال سترة عل ى الكرس ي‬ ‫ول

م أس

تبدل ال بنط

الي الجين

ز األزرق الغ

امق وال قمي

صي األب

يض‬ ‫المقلم‪.‬‬ ‫لم أمكث طويالً حتى أني لم أجلس‪ .‬وضعت حقيبتي متاعي المفرغة‬ ‫في الخزانة من األسفل وخرجت قاصداً الصالون في األسفل‪.‬‬

‫‪٦٣‬‬


‫نزلت الدرجات اللواتي ينتھين عند غراتسيا في الصالون حيث تق ف‬ ‫مباشرًة في اليسار من خل ف طاول ة االس تعالمات الممت دة حت ى الب اب‪،‬‬ ‫وكان ت الم سافة ال تتج اوز الثالث

ة أمت ار م ن ال

درج حت ى الب اب‪ ،‬وف

ي‬ ‫الجھة اليمنى مقابل االستعالمات الصالون الذي ال يتجاوز العشر أمتار‬ ‫مربعة‪ ،‬وعلى الحائط كان جھاز صانع القھوة مثبت ومن أمام ه كنب ات‬ ‫جلدية تتوسطھا طاولة عريضة بكل زواياھا قريبة من األريكة‪.‬‬ ‫اتجھت نحو )الكفي ميكر( وقلت لغراتسيا‪" :‬أنا أريد أشرب قھ وة‪،‬‬ ‫وأنت؟"‬ ‫"ال ش كراً أن ا أش رب القھ وة بكث

رة‪ ،‬ول م يبق ى حت ى نھاي ة عمل

ي إال‬ ‫القليل‪ ،‬ونحن في المساء نأكل سويا ً في العادة‪ ،‬أبي وأمي وأنا"‬ ‫"إذا سأشرب أنا وحدي‪ ،‬ھل يستبدل الجھاز النق د أم يج ب أن نرم ي‬ ‫نقداً يوازي القيمة المطلوبة؟"‬ ‫"ضع أي نقد تريد فھو يبدل النقد ويعطيك الباقي"‬ ‫أخرج

ت ي

ورو وثمنھ

ا خم

سون س

نت‪ .‬اخت

رت م

ن لوح

ة المف

اتيح‬ ‫األيقون ة الت ي تمث ل القھ وة م

ن دون س كر وحلي ب‪ ،‬وم ا ھ ي إال ث

واني‬ ‫صبت فيه القھوة‪.‬‬ ‫حتى خرج الفنجان البالستيكي و ُ‬ ‫جلست مقابالً لغرات سيا ووض عت أم امي القھ وة ورش فت أول رش فة‬ ‫ساخنة وكالعادة ال أستطيع شربھا ساخنة كثيراً‪.‬‬ ‫"م

ن أي

ن أن

ت ي

ا س

لوان؟ أج

ب فق

ط إذا أردت اإلجاب

ة!" س

ألتني‬ ‫غراتسيا‪.‬‬ ‫‪٦٤‬‬


‫"أنا أردني"‬ ‫"منذ متى تعيش ھنا؟"‬ ‫"أعيش ھنا منذ عام ‪"١٩٧٩‬‬ ‫"أتيت طفالً إلى ھنا؟"‬ ‫"تستطيعين القول أني أتيت طفالً‪ ...‬كان عمري خمس سنين"‬ ‫"وما ھو إحساسك تجاه األردن واليونان؟"‬ ‫"أما األردن ما ھي إال ذكريات أبي وأمي‪ ،‬وحديثھم مثل حلم أو فيلم‬ ‫شاھدته ومازالت صوره خالدة في رأسي"‬ ‫"وھل ھذا يعني أنه لم يعد عندك انتماء إلى بلدك؟"‬ ‫"ال أع

رف! فأن

ا ال أع

رف أح

داً ھن

اك‪ .‬عن

دما أتي

ت إل

ى ھن

ا كن

ت‬ ‫طفالً‪ ،‬وال ذكرى ل ي م ن بل دي س وى وج ه أم ي وكالمھ ا‪ ،‬ھ ي ص ور‬ ‫تم

ر م

ن أم

امي س

ريعة ال أس

تطيع ترتيبھ

ا بوقتھ

ا وأح

داثھا ألن

ي ل

م‬ ‫أعاصرھا"‬ ‫"في سن الخامسة‪ ...‬كنت مع أسرتك بالتأكيد!"‬ ‫"من أين أبدأ لكي يا غراتسيا؟ ب سيرة ل م أع رف منھ ا س وى رؤوس‬ ‫أقالمھ

ا‪ ،‬أم بال

ذي ح

دثتني عن

ه وال

دتي وال أذك

ر من

ه س

وى أس

طر‬ ‫متناثرة‪ .‬أنا ابن رجل في الخامسة والستين وزوجته بعد ثالث ة أي ام م ن‬ ‫عرس

ھا أكمل

ت ال

سابعة ع

شر‪ .‬عن دما أنجبتن

ي كان

ت ق

د بلغ

ت الثامن ة‬ ‫عشر وخمسة أش ھر‪ ،‬ل م يعم ر أب ي كثي راً‪ ،‬وأن ا ال أذك ر من ه إال القلي ل‬ ‫القليل‪ ،‬ال أذكر كلمات قالھا لي‪ ،‬وال لمسات أحسھا اليوم‪ ،‬كل ما أذك ره‬ ‫‪٦٥‬‬


‫وما بقي في ذاكرتي له صورة سجينة ال أس تطيع تحريرھ ا أح اول م ن‬ ‫خاللھا الدخول إليه أكثر‪ ،‬ولكني ال أستطيع‪ ،‬حاولت مراراً أن أص طنع‬ ‫صورة م ن خي الي ل يس ألب ي ش يء فيھ ا‪ ،‬وأن ا ال أري د أن أك ذب عل ى‬ ‫نفسي‪ .‬كان أبي من محبي الترحال‪ ،‬فقد خرج م ن األردن ف ي ال سادسة‬ ‫عشر من عمره إلى لبنان وبقي ھناك أكثر من عامين‪ ،‬ال أذكر بالتحديد‬ ‫مدة إقامته ھناك‪ ،‬فھذا ما حدثتني عنه أمي‪ ،‬من ھناك انطلق إلى فرن سا‬ ‫ولم تمتد مدة إقامته ھناك بأكثر من إقامته في لبنان‪ ،‬ومن ثم غ ادر إل ى‬ ‫اليونان وبقي فيھا حتى عام ‪ .١٩٧١‬رجع إلى األردن ولم يكن له أح داً‬ ‫ھناك إال القليل‪ ،‬وقد فرحوا به كثيراً إال أنھا كانت أسابيع قصيرة حت ى‬ ‫علموا أنه ال يملك سوى قوت يومه‪ ،‬وما كانت إال أي ام وإذا بم ن حول ه‬ ‫ينفضون بأكثر من قل ة الحي اء‪ .‬وإذا ب أبي وحي داً ل يس م ن حول ه س وى‬ ‫أثاثه الب سيط وج دران بيت ه ال ذي ل م يملك ه‪ ،‬وك ان ي دفع أج رة ف ي ذل ك‬ ‫الوقت خمس دنانير‪.‬‬ ‫بدأ وضعه الصحي يسوء يوما ً بعد يوم‪ ،‬وكأنه لم يحتمل خيبة األم ل‬ ‫التي لقيھ ا م ن أھل ه وص حبه‪ ،‬ول م يك ن ھن اك م ن ي زوره وي دخل بيت ه‬ ‫المتكون من غرفتين يتخللھما مم ر ص غير ومط بخ ال يتج اوز األربع ة‬ ‫أمتار مربعة وحمام‪.‬‬ ‫كان أحد جيرانه الذي تعرف عليه من بعد‪ ،‬وھو الذي رح ب ب ه م ن‬ ‫أول مرة سكن بھا بجواره دون أن يعل م بغربت ه وعودت ه وخيب ة آمال ه‪،‬‬ ‫أو أن ه غن

ي أو فقي ر‪ .‬ك

ان ج

اره يع

يش م

ع زوجت

ه وابنت

ه الت

ي كان

ت‬ ‫مازالت لم تبلغ السابعة عشر من عمرھا‪.‬‬

‫‪٦٦‬‬


‫في الوقت الذي ُترك أبي من كل الناس‪ ،‬ك ان ج اره خ ضر وزوجت ه‬ ‫مريم ھما الوحيدان اللذان كانا يزورانه باستمرار‪ ،‬ومن بع د م ا س اءت‬ ‫حالة أبي الصحية ھما وحدھما اللذان أشرفا عليه وس اعداه وكأن ه أح داً‬ ‫منھم‪.‬‬ ‫بقي األمر ھكذا حتى عرض خضر ج ار أب ي ابنت ه علي ه‪ ،‬ول م يقب ل‬ ‫أبي في البداية وعارض أش د المعارض ة‪ ،‬إال أن األق دار ش اءت وقبل ت‬ ‫فتاة السابعة عشر بالزواج من رجل يكاد أن يكون والدھا أو جدھا‪.‬‬ ‫تزوجت نور‪ ،‬أمي‪ ،‬وھي على مضض‪ ،‬فلم ُيسألن بنات ذلك العصر‬ ‫ع

ن القب

ول أو الع

دول‪ ،‬وال أذك

ر أن أم

ي ح دثتني ع

ن أب

ي إال بح

سن‬ ‫الخلق والمعاملة‪ ،‬حتى أنھا أحبته وأحبت الحياة معه‪.‬‬ ‫ع

اد ذل

ك الرج

ل الم

ريض إل

ى ص

حته وك

أن الم

رض ل

م يك

ن‪،‬‬ ‫وصارت نور األمس غير نور اليوم‪ ،‬سعادة وكأنھ ا ل م تتمن ى زوج إال‬ ‫إبراھيم‪ ،‬أبي‪.‬‬ ‫في ربيع عام ‪١٩٧٩‬م‪ ،‬بعد م ضي خم سة أع وام م ن زواجھم ا ق رر‬ ‫أبي أن يعود إلى اليونان ليقضي مع أمي ومعي إجازة م ن إلح اح منھ ا‬ ‫لم يتحمله أبي‪ ،‬وفرحت كثيراً بموافقته‪.‬‬ ‫ذھب بنا أبي إلى المكان ال ذي ك ان يع يش في ه‪ ،‬مين اء بيري وس‪ ،‬ف ي‬ ‫اليون

ان‪ ،‬حي

ث كان

ت ك

ل ذكريات

ه وحيات

ه‪ ،‬ل

م ي

ستطع أن يبتع

د أكث

ر‪،‬‬ ‫وكأن

ه ك

ان ممزق

ا ً ب

ين حن

ين الماض

ي ف

ي اليون

ان وص

ور ثابت

ة ف

ي‬ ‫ذاكرت

ه ل

م تتغي

ر م

ن األردن‪ ...‬بي

وت الط

ين والفالح

ين‪ ،‬ك

ان دائم

ا‬

‫‪٦٧‬‬


‫يحدث أمي عن فزعة الناس لبن اء بي ت الع ريس‪ ،‬وف ي ي ومين أو ثالث ة‬ ‫يكون البيت جاھزاً الستقبال أھله الجدد‪.‬‬ ‫في موسم حصاد القمح وبيادر القري ة الذھبي ة مث ل أرواح حاص ديھا‬ ‫المليئة بالتعاون والعطاء‪ ،‬ونھارھم الذي تعلوه الق صائد البدوي ة المغن اة‬ ‫الذي يثير الحم اس ويزي د م ن ق وة العط اء‪ ،‬فأنف سھم كان ت خاوي ة مث ل‬ ‫بيوتھم‪ ،‬ليس فيھا سوى العدس وأكوام القمح التي تكفيھم لعامھم‪.‬‬ ‫وموسم قط اف الزيت ون‪ ،‬وك أن الع الم كل ه من شغل ف ي ھ ذا الموس م‪،‬‬ ‫كان يتشارك الفالحون في حميرھم لبعث قط اف الزيت ون إل ى البي وت‪،‬‬ ‫لم يكن ھناك فقير وغني‪ ،‬أو قصر وبجانبه بيت قن اطر طين ي‪ ،‬ل م يك ن‬ ‫جاري عنده سيارة فاخرة وأنا مازلت على بغلي الذي اس تعاره ج اري‪،‬‬ ‫كانت حياتھم متشابھة مثل أصابعھم‪ ،‬لم يعرفوا سوى ھذه الحياة وواقعا ً‬ ‫كان أبي يعيشه في الخارج وأصبح بلده البديل‪.‬‬ ‫فالح األمس لم يعد ف الح‪ ،‬وأم ام البي ت ل م يع د الحم ار‪ ،‬فق د اس تبدله‬ ‫بسيارة مرسيدس فاخرة كما استبدل كل جميل في داخله‪ ،‬حصالة القمح‬ ‫أصبح مكانھا ثالجة ببابين وفيھا أسماك من الياب ان ولح م خ روف أت ى‬ ‫به من بادية الشمال‪.‬‬ ‫القرية لم تعد قرية‪ ،‬والفالحون أص بحوا م ضاربين ف ي البورص ة ال‬ ‫يعرفوا سوى األرقام"‬

‫‪٦٨‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫كي ف ب

شاعر يكت ب ب

ال قل

م أو أوراق؟ ص رت أت

ذكرھا وأت

صورھا‬ ‫ ك‬ ‫ ك وأحببت ِ‬ ‫ ت حب

ري ودف

اتري‪ ،‬ص

برت علي ِ‬ ‫أم

امي وأخاطبھ

ا‪" :‬وأن ِ‬ ‫وتمكن ت من ي‬ ‫كب رت‬ ‫ن ضجت وعن دما‬ ‫ورعيتك مثل طفل صغير حت ى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وذكراك‪...‬‬ ‫وذھبت‪،‬‬ ‫خنتني وتركتني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫

ك ع

ذاباتي‪...‬؟‬ ‫

ك ل

م ترت

وي م

ن دم

ي وأدمع

ي‪ ،‬أال يكفي ِ‬ ‫وكأن ِ‬ ‫ھروبي‪...‬؟ وحدتي‪...‬؟ عزلتي وانقطاع ابتساماتي؟‬ ‫ً‬ ‫ ت زھ

رة الربي

ع ورمادي

ة الخري

ف‬ ‫ ك م ‬ ‫ ستنكرة! كن ِ‬ ‫ال ت

ومئي برأس ِ‬ ‫ورزانة الصيف‪ ،‬أما اليوم فلم أعد أرى فرقا ً بين المواسم‪ ،‬كلھم سواء‪.‬‬ ‫ھل‬ ‫دموع ك مث ل فاكھ ة ع صرنا ھرموني ة؟‬ ‫بكيت علي فع الً أم كان ت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قال لي اآلن صديقي وھو جالس لجانبي‪" :‬إن كتاباتك إباحية" فقلت له‪:‬‬ ‫"وھل إذا كتبت عن نفسي أخالف القوانين الشرعية؟"‬ ‫ عرك‬ ‫ نعت‪ .‬لق

د تع

ودت ي

داي عل

ى مالم

سة ش ِ‬ ‫ ك وم

ا ص ِ‬ ‫أع

وذ بحب ِ‬ ‫ ديك ي

ا‬ ‫ عرك‪ ،‬تع

ودت ش

فتاي عل

ى خ ِ‬ ‫المم

وج األس

ود‪ ،‬م

وج البح

ر ش ِ‬ ‫وتنبأت بغ ٍد لم يكن سيأتي‪ ،‬تعودت أناملي‬ ‫جاھلة‪ ،‬يا من استعجلت القدر‬ ‫ِ‬ ‫مالم

ستك حت

ى أثن

اء الطع

ام وم

شاھدة التلف

از وقب

ل أن ن

ذھب‬ ‫عل

ى‬ ‫ِ‬ ‫لفراشنا‪.‬‬ ‫جفني ك ووض عت قلب ي‬ ‫عيني ك وس مائي تح ت‬ ‫كانت كل نجومي ب ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قدميك‪.‬‬ ‫تحت‬ ‫ِ‬

‫‪٦٩‬‬


‫وأن ت تعلم ين بقلب ي ب ين‬ ‫استطعت أن تتخ ذي مث ل ھ ذا الق رار‬ ‫كيف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي ديك ول م يع رف الح ب األول إال‬ ‫مقلتيك‪ ،‬قد كبر قلب ي وترع رع عل ى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عھدك‪.‬‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ل ك ك ل قص صي وغرام اتي ول م‬ ‫لك كتاب ا ً مفتوح ا ً وروي ت ِ‬ ‫لقد كنت ِ‬ ‫لك أسرارھا ثغرھ ا ومحواھ ا‪ ،‬ل و‬ ‫أستثني من فتياتي فتاة إال وقصصت ِ‬ ‫يديك‪.‬‬ ‫عرفتك لتعلمت الكذب والخداع بدالً من الحب على‬ ‫أني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ ك‪" :‬كي ف حالھ

ا؟" ي ا م ن ب

صبري عليھ ا ك

ل‬ ‫وي سألني ال صحب عن ِ‬ ‫لك أن‬ ‫ل

ك‬ ‫حب

ا◌ وحنان

ا ً‪ ،‬كن

ت أس

أ ِ‬ ‫ال

سنين ك

ان جرم

ي‪ ،‬ق

د غزلتھ

ا ِ‬ ‫ًَ‬ ‫تجيبين

ي ول

و م

رة‪ ،‬الي

وم ال! أن

ا م

ن يط

رح ال

سؤال وأن ا م

ن ع

رف‬ ‫الجواب وأجاب‪ ،‬ال أريد أن تجيبيني وال تحاولي سؤالي وال تلوميني لو‬ ‫عرفك كل العالم من خالل حروفي‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫منك مازالت تدمع وإن لم أشعر بحزن أحيانا ً وقلبي قد انكسر!‬ ‫عيني ِ‬ ‫م

ن أن

ا؟ كي

ف أع

يش؟ وكي

ف أب

دو؟ م

ن يران ي غن

ي ع

ن س

ؤالي‪ .‬ال‬ ‫تحاولي االتصال بي وال تراسليني وإن مرضت فال تزوريني‪ ،‬أتركيني‬ ‫واھجري خاطري وال تصحبيني حتى في خلوة م ن خي االتي‪ ،‬وإن ق رأ‬ ‫أنت؟" ق ولي لھ م‪" :‬ال إنم ا ھ ي‬ ‫أوراقي أحد أصدقائي‬ ‫وسألك‪" :‬ھل ھو ِ‬ ‫ِ‬ ‫حقيبة متاعه‪ ،‬أحبھا وغزل الشعر بھا وتركھا في بيتي"‪.‬‬ ‫من ك‪ ،‬ول و أن‬ ‫قررت دفن قلبي وھم ساتي وح واراتي إن كان ت كلھ ا‬ ‫ِ‬ ‫الباقي منھا آھات وجراحات‪.‬‬

‫‪٧٠‬‬


‫ال تحاولي انتظاري في محطة الحافلة المعتادة كي تلوميني‪ ،‬فأني قد‬ ‫أنت والزمان لم تعرفوا مدى اخالصي‬ ‫نك ِ‬ ‫رحلت بعدما علمت وتيقنت أ ِ‬ ‫وانتمائي‪.‬‬ ‫عنك‪" :‬أمازلت تذكرھا؟"‬ ‫مازال الصحب يسألونني‬ ‫ِ‬ ‫ويسألونني عن أيامي‪" :‬أليس لديك جديد؟"‬ ‫عنك‪" :‬أعادت من رحلتھا بعد أن طال الغياب؟ ھل‬ ‫مازالوا يسألونني‬ ‫ِ‬ ‫عادت وقاربھا من عالم النسيان ومن دون سؤالھا عن غدھا؟"‬ ‫وعندما كانت معي لطالما سألت عن طالعھا وحظھا‪ ،‬ولطالما تنب أت‬ ‫عن غدھا وقد كان قرارھا‪.‬‬ ‫كنت في حيرة دائم ا ً كي ف أجي ب عل ى ف يض م ن األس ئلة المتن اثرة‪،‬‬ ‫كيف؟ ولما؟ ومتى؟ وأين؟‬ ‫أس

ئلة كن

ت ال أج

د أجوب

ة عليھ

ا وي

ؤلمني س

ماعھا‪ .‬الي

وم ال‪ ،‬فأن

ا‬ ‫

ك ف

ي خي

االتي دون أذن

ي‬ ‫عزم

ت أن ال‬ ‫أراك‪ ،‬وإذا زرتن

ي كعادت ِ‬ ‫ِ‬ ‫فسأرجو مالئكة النار أن تحرق كل خياالتي وبرمادھا أنثر ليل ة مظلم ة‬ ‫ماطرة‪.‬‬ ‫اختلطت دم وعي بحب ات المط ر وف ي داخل ي قرح ة وش قى كان ا ف ي‬ ‫األمس عشقا ً وندى‪ ،‬ويعاتبني أصدقاء األمس‪" :‬لم اذا ل م تع د كم ا كن ت‬ ‫في الماضي‪ ،‬زياراتك وسؤاالتك ورسمك"‬ ‫ال أريد يا صحبي أن أسمع عتابا ً وال أريد أن أك ون بي نكم ال أم امكم‬ ‫وال خلفك

م إنم

ا ك

ل م

ا أرج

وه أن ال ت

سألوني وال تھ

اتفوني وإن‬ ‫‪٧١‬‬


‫رأيتم وني ف

ي زق اق الح

ي حي وني وال تلبث

وا مع ي حت

ى تخرج وا ع

ن‬ ‫التحية وتدخلوا في السؤال‪.‬‬ ‫أريد أن أكون وحدي وال تدعوا الخوف علي‪ ،‬أما أنا إذا احتجت إلى‬ ‫صديق فھا حبات المط ر تم سح ب دموعي دون س ؤاالت أو عتاب ات‪ ،‬ق د‬ ‫أنسى ما ك ان‪ ،‬ق د أجع ل م ن الماض ي ج سراً أخط و علي ه نح و األم ام‪،‬‬ ‫سأنظر إلى الماضي مثل جندي على برج المراقبة في ليلة ش تاء قاس ية‬ ‫ستكون عن قريب أمس قد أذكره‪.‬‬ ‫أح

س بال

ضياع أس

ير بال

شوارع مت

سكعا ً ض

االً ال أع

رف لنف

سي‬ ‫م ٌ‬ ‫ ستقر وال ق

رار‪ ،‬ھ

ل لك

ل نھ

ار جمي

ل‪ ،‬م

شرق وخ

الب‪ ،‬م ٌ‬ ‫ تم‬ ‫ ساء مع ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مظلم‬ ‫وليل‬ ‫داكن حسود؟‬ ‫ٌ‬ ‫ھ

ل نح

ن دائم

ا ً الم

سؤلون أم

ام أنف

سنا ف

ي اتخ

اذ الق

رارات؟ ھ

ل‬ ‫بمقدورنا فعالً أن ننضح السعادة من داخلنا؟‬ ‫أم أن الحياة أمر حتم ي وقراراتھ ا ص ادرة ومف روغ منھ ا وال ج دال‬ ‫فيھا؟‬ ‫وھل من العدل أن نعيش أيام لم نردھا ول م نبح ث عنھ ا ول م نتمناھ ا‬ ‫في يوم من األيام؟‬ ‫وھل ھناك من حكمة في آھات دون أن نكون نحن المسؤلون عنھا؟‬ ‫أحكام عرفية لم نردھا ولم نبحث عنھا ولم تكن في خريطة أحالمنا‪.‬‬ ‫تلك الخريطة والتخطيط وحصيلة أحالم الصبي في عمر كله حلم يافع‬ ‫قتل

ه حاض

ر قاس

ي ال يع

رف المج

امالت وال يحاس

ب عل

ى أح

الم‬ ‫‪٧٢‬‬


‫المراھقين وال ش فافية م ن أح ب بن ت الجي ران ال ذي ك ان يبكي ه ي وم ال‬ ‫يراھا فيه ويرفعه إلى عنان ال سماء ي وم في ه اس ترق رؤياھ ا م ن خل ف‬ ‫قضبان الشبابيك في الطابق العلوي وبينھم شارع إسفلتي عريض‪.‬‬ ‫كانا أقرب إلى بعضھم أكثر من ال ذي ف ي جانب ه وعل ى س ريره تن ام‬ ‫عارية‪.‬‬ ‫لق

د أطن ب الج

نس عل

ى ك

ل الم

شاعر وأص

بح النظ

ر ف

ي العين

ين‬ ‫موض

وعي ودراس

ة وح

ديث الم

رأة فل

سفي‪ ،‬ك

ل ش

يء في

ه م

ا ع

دا‬ ‫األنوثة‪.‬‬

‫‪٧٣‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫"غراتسيا‪ ،‬عندما كنت في الثامنة عشر حلمت أن أت زوج الفت اة الت ي‬ ‫كنت أحبھا‪ ،‬وعندما بلغت االثنين وعشرين تزوجتھا ومازل ت أذكرھ ا‪،‬‬ ‫حلمت أني س افرت معھ ا إل ى عم ان الت ي ل م أزرھ ا‪ ،‬حلم ت أن ي كن ت‬ ‫معھ ا ف ي ك ل أرج

اء الع الم‪ ،‬ذھب ت معھ

ا إل ى البت راء‪ ،‬وادي رم‪ ،‬قلع

ة‬ ‫ال

ربض‪ ،‬جب

ال عجل

ون وأم ق

يس‪ ،‬المالھ

ي الليلي

ة وك

ل مك

ان‪ ،‬ك

ل‬ ‫األماكن التي رأيت صور أمي وأبي فيھا‪.‬‬ ‫كن

ت أض

ع ي

دي بي

ديھا وال نخ

شى أح

داً فھ

ي زوجت

ي والفت

اة الت

ي‬ ‫لطالم

ا حلم

ت بھ

ا‪ ،‬ال أك

اد أص

دق‪ ،‬نم

شي س

ويا ً ف

ي ش

وارع القري

ة‬ ‫ال

ضيقة وال نخ

شى أح

داً‪ ،‬م

ضى ع

ام ومازل

ت أحبھ

ا مث

ل األس

بوع‬ ‫األول‪َ ...‬حَملت‪ ،‬وإذا بي أرى الدنيا بشكل آخر غير الذي ك ان‪ ،‬أص بح‬ ‫يومنا‪ ،‬نھارنا‪ ،‬مساءنا وليلنا كله دحنونة حمراء‪.‬‬ ‫ف

ي أي

ام حملھ

ا كان

ت ت

زداد جم

االً ف

ي ك

ل ي

وم أكث

ر وأكث

ر‪ ،‬كن

ت‬ ‫أحبھا‪ ،‬اليوم أدمنتھا وأمسى أفيون أعيشه ف ي ك ل ي ومي‪ ،‬رأس ي مل يء‬ ‫بھا إيجابا ً‬ ‫ً‬ ‫وعطاء نضال وكفاح‪ ،‬أصبحت ھي والطفل المنتظر دواع ي‬ ‫حياتي وأحد أكبر أسرار وجودي‪.‬‬ ‫حلمت أن يكون لنا طفل جميل‪ ،‬وبعد م ضي ع امين ن رزق ب آخر‪...‬‬ ‫طفلة‪ ...‬حلمت أن يجمعنا بيت نحن أصحابه‪ ،‬في ه الم رأة الت ي أح ب‪...‬‬ ‫لطالما أحببتھا‪ ،‬حلمت في الثالثين أن يكون طفلنا في المرحلة االبتدائية‬ ‫والطفلة في عمر تك ون ھ ي لن ا س ر الحي اة ومتعتھ ا‪ ،‬دمي ة‪ ،‬م الك م ن‬ ‫السماء صغير‪ ...‬ونجدد سعادة بعمر جدي د‪ ...‬وأول م ا أف اجئ ب صراخ‬ ‫‪٧٤‬‬


‫رجل في الخمسين يجلس على حافة الشارع ثمالً‪ ،‬يخاط ب نف سه‪ ،‬ت ارة‬ ‫كأن

ه يخاط

ب ام

رأة وي

صرخ عليھ

ا‪ ،‬يري

د أن يثب

ت لنف

سه أن

ه ال

سيد‬ ‫وصاحب القرار‪ ...‬وإذا بي واقفا َ أمامه دون أن أشعر عائداَ لذاتي بأول‬ ‫صرخة ثملة منه‪" ...‬أنت‪ ...‬أغرب عن وجھي قبل أن أحطم رأسك"‬ ‫صرخ في وجھي‪ .‬كانت غراتسيا تسمعني وال تستطيع أن تتابعني‪ ،‬جم‬ ‫من األحداث واألحاديث وتشابك في األحاسيس‪.‬‬ ‫"ما ھو سبب الفراق بينك وبين زوجتك؟"‬ ‫"لق

د وص

لت ي

ا غرات

سيا لعم

ر كن

ت ب

ه ف

ي الماض

ي عل

ى خريط ة‬ ‫حياتي زوج ا ً ورب ا ً ألس رة‪ ،‬أف اجئ أن ي خ سرت ك ل ش يء‪ ...‬زوجت ي‪،‬‬ ‫حبيبتي‪ ،‬طفلتي وأحالم عشرة أعوام كان مقرراً اليوم نصفھا‪.‬‬ ‫لقد توقفت حبات المطر ع ن مواس اتي ي ا غرات سيا ب أمر م ن ال سماء‬ ‫واستبدلتھا بشعاع الشمس الشتوي في عيناي‪ ،‬لم تكن ساطعة‪ ،‬أحسست‬ ‫بحرقة فيھا نشوة تحت جفوني‪ ،‬كأنھا السماء ھ ي الت ي بعثتھ ا ب دالً م ن‬ ‫حبات المط ر‪ ،‬ص ارت روح ي تبح ث ف ي تل ك اللحظ ة َعم ن يواس يھا‪،‬‬ ‫يشاطرھا راحة لم تدم‪.‬‬ ‫وتابع

ت م

سيري تارك

ا ً ورائ

ي ص رخات س

كارى‪ ،‬كان

ت ب

األمس‬ ‫اغلب الظن ضحكات وابتسامات"‬ ‫تابعت سرد األحداث لغرات سيا دون أن يھمن ي إن ك ان ح ديثي مم الً‬ ‫علي أيام كثيرة ل م أرى‬ ‫أو ليس له معنى‪ ،‬كنت أريد الحديث‪ ،‬فقد مرت‬ ‫ّ‬ ‫بھا أحداً ولم أبادلھم حتى كلمة‪ ،‬وأكمل ت‪" :‬حي ث كن ت أس ير ك ان عل ى‬

‫‪٧٥‬‬


‫أطراف الشارع مقاعد يجلس عليھا بعض العجزة‪ ،‬تابعت المسير حت ى‬ ‫وص

لت ألول مقع

د ف

ارغ‪ ،‬ك

ان عل

ى حاف

ة ال

شارع مط

ال عل

ى باح

ة‬ ‫خ

ضراء لي

ست كبي

رة‪ ،‬جل

ست ل

م أع

د أرى الم

ارة ألن ظھ

ري ص

ار‬ ‫جھة الشارع حيث الحوانيت الصغيرة الكثيرة‪...‬‬ ‫كأن المقعد وضع خصيصا لي‪ ،‬أحسست بارتياح في المك ان‪ ،‬أخ ذت‬ ‫نفسا طويالً مثل التنھيدة‪ ،‬نظ رت أم امي حت ى آخ ر م ا أس تطيع رؤي اه‪،‬‬ ‫كل شيء ساكن"‬ ‫"أين ھذا المكان بالتحديد يا سلوان؟"‬ ‫"ھن

اك س

احة كبي

رة وبناي

ة س

كانية وعل

ى أطرافھ

ا يمين

ا ً وش

ماالً‬ ‫شارعان يحتضنان تلك البقعة الخضراء في وسط السوق المزدحم‪ ،‬لق د‬ ‫تمعنت كل األشياء حولي يا غراتسيا دون أن ألتفت إل ى ال سوق خلف ي‪،‬‬ ‫ودون أن أعي نسيت جوارحي للحظة‪ ،‬ف سبحت روح ي دون أن أس مح‬ ‫لھا‪ ،‬ال عج ب‪ ،‬كان ت ومازال ت تري د عك س م ا أري د‪ ،‬وكأنھ ا ل ي ع دو‬ ‫لدود‪ ،‬بحثت لي عن حب جارح وتجربة عمياء‪ ،‬تحيا بألمي وتتمتع به‪،‬‬ ‫وما ذنبي أنا؟‬ ‫ال أريد ألما ً وال أريد أن يسلخ جلدي عن ي‪ ،‬كي ف تك ون ال سعادة؟ إن‬ ‫ً ً‬ ‫أح دا◌‬ ‫روحي ح صيلة أرواح كلھ ا لھ ا نف س تجربت ي‪ ،‬وكي ف ي ستطيع‬ ‫االستمتاع بالحياة وله روح ا ً مث ل روح ي؟ ھ ي آالم أالف أرواح س نين‬ ‫قد مضت‪ ،‬فكيف لي مواجھة أعاصير ساحقة‪ ،‬آھات قديمة بقدم العرب‬ ‫ال

ذين ع

شقوا وم

اتوا وھ

م عل

ى أط

راف األنھ

ار دون أن يتق

ابلوا ول

و‬ ‫مرة‪.‬‬ ‫‪٧٦‬‬


‫َ​َ‬ ‫مثلي ومثل حبي كاثنين يرمى بھم بحلبة المصارعة الرومانية ويلقى‬ ‫بأيديھم قيد واحد أمام أسد مفترس‪ ،‬ويھم كليھما بالھرب باتج اه مع اكس‬ ‫فيسقطان في قيدھما األوحد‪ ،‬ويكون األسد الجائع أقل متعة من المتفرج‬ ‫األكثر شراسة ووحشية من األسد ذاته‪ ...‬فيقطع أشالئھما بتصفيق حار‬ ‫وصرخات سكرى‪.‬‬ ‫روحي تكبر نشوتھا كلم ا عاني ت أكث ر‪ ،‬وھ ي لي ست ش يطانية‪ ،‬أرى‬ ‫فيھ

ا رس

الة حملھ

ا َم ن قبل

ي‪ ،‬فم

ا َفَعلت ه بھ

م‪ ،‬ھ

ي الي

وم فاعل

ة ب

ي‪،‬‬ ‫أأھرب؟ وھل يھرب أحدكم من ن ار كان ت ب األمس دافئ ه؟ ھ ي تك ويني‬ ‫اليوم وأشعر بحرارتھا مثلما كنت باألمس أح س ب دفئھا‪ ،‬أوال أنج و؟ أم‬ ‫نح

ن م

ن ذھ

ب إل

ى الواش

م ونح

ن م

ن اخت

ار الوش

م؟ نح

ن م

ن ف

رح‬ ‫بغ

رس أول إب

رة‪ ،‬نح

ن م

ن اخت

ار ال

شكل والرس

م عل

ى العن

ق‪ ،‬وج

ه‬ ‫حبيبتي‪ ،‬والشفتان في منحري‪.‬‬ ‫ذكراھ

ا ل

م يع

د باطن

ا ً فق

د أص

بح ظ

اھراً مث

ل ال

شمس ف

ي رابع

ة‬ ‫النھار‪ ...‬أخلقت لھا مثل عينيھا؟ وجنتيھا التي حلفت أن ال يكون غسلھا‬ ‫إال م

ن دم

وعي؟ أھ

ي مثلم

ا اعتق

دت؟ أم أنھ

ا فل

سفة غام

ضة‬ ‫ومصطلحات مبھمة؟ قد تكون سلسة سھلة أنانية!"‬ ‫صرت كأني أخاطبھا‪" :‬ال تغضبي يا حبيب ة األم س فالح ب أناني ة‪...‬‬ ‫ما أجملك عندما تك وني جدي ة وف ي حال ة إص غاء ت ام ل ي‪ ،‬فت ارة يجع ل‬ ‫كالمي من ك وح شا ً غاض با ً ھائج ا ً‪ ،‬وأخ رى تجعل ك ابت سامة أنيق ة كلھ ا‬ ‫أنوثة‪ ،‬ويعود كالمي بك غاضبا ً بصرخات مدوية بزوايا الغرف‪...‬‬

‫‪٧٧‬‬


‫وأبت

سم‪ ...‬وت

ارة تجع

ل كلم

اتي من

ك طف

ال وديع

ا ً ب

ين ذراع

ي‪ ،‬ك

ل‬ ‫كلماتي كونتك كما أنا أحببتك أن تكوني‪ ،‬إال غدرك يا امرأة لم أتوقع ه‪،‬‬ ‫لم أعرفه‪ ،‬ولم تھمس لي نفسي به ولو مرة‪ ،‬أنت لست كم ا كن ت أعتق د‬ ‫طوال حياتي‪...‬‬ ‫كنت مثل التاجر الجشع زعم أنه يحب الناس‪ ،‬يعطيھم الم ال‪ ،‬يظھ ر‬ ‫الحب لھم وفي قلبه حقد قديم‪ ،‬حتى يح ين األج ل ويأخ ذ م نھم أغل ى م ا‬ ‫يملك

وا‪ ...‬أرض

ھم‪ ،‬أبن

ائھم ون

سائھم‪ ،‬كلھ

م حق

ا ً م

شروعا ً ل

ه‪ ،‬وواج

ب‬ ‫عليھم التنفيذ وإال‪!...‬‬ ‫قدمت حبك لي مثل الت اجر للفق راء؟ أم أن ك ممثل ة ناجح ة وأن ا‬ ‫وھل‬ ‫ِ‬ ‫الذي اكتشفتھا؟ وقد أكون األخير! ال‪ ...‬سأكون األخي ر‪ ،‬فاألي ام القادم ة‬ ‫بدأت الطريق‪ ،‬وأن ا اآلن أرى م ا ال ت رين‪ ،‬أو م ا‬ ‫ستجعل منك أنا‪ ،‬وقد‬ ‫ِ‬ ‫ال تري

دين رؤي

اه‪ ،‬ست

صدمين ي

ا حبيب

ة الماض

ي بم

ا س

يذكرك ب

ي‪،‬‬ ‫ستكونين بطلة مسلسل أنا اآلن العب دور البط ل في ه‪ ،‬س تذھبين وح دك‬ ‫إلى البحي رة‪ ،‬وتجل سين عل ى حجارتھ ا‪ ،‬ست ضعين أص ابعك ف ي الم اء‪،‬‬ ‫ودون أن ت

شعري تك

ون أط

راف قمي

صك الخم

ري ق

د ابتل

ت‪ ،‬ول

ن‬ ‫تنزعج

ي‪ ،‬فھن اك أم

ور كثي

رة س

تأخذ ك

ل حي

ز ف

ي تفكي

رك أكث

ر م

ن‬ ‫قميصك الخمري المبلل‪.‬‬ ‫ستكون أسماك البحيرة واإلوز ھي التي تنتظر بلھفة حتى ترمي لھ ا‬ ‫فتات خبز األمس‪ ،‬ھ ن فق ط الل واتي ست شكين أخط اء الماض ي وآالم ك‬ ‫ونھاية الق صة لھ ن‪ ...‬وس تذكرينني‪ ،‬وس ترين ف ي المي اه وجھ ا ً مبت سما ً‬ ‫كأنه وجھي‪ ...‬حيث كن ت أجل س‪ ،‬وس ترين نظ رات عين ي ف ي عيني ك‪،‬‬

‫‪٧٨‬‬


‫ولمسات يداي على خديك‪ ...‬تأسف عليك ول م تبرئ ي م ن الج رح ال ذي‬ ‫أنت تسببتيه‪ ،‬لن أفرح بآالمك ألني يوم ا ً م ا أحببت ك‪ ،‬ول ن أرت اح يوم ا ً‬ ‫ألني أرى الحزن بين عينيك وخيبة أمل على كل ما فعلت‪.‬‬ ‫أنا لم أعد معاتبا ً‪ ،‬ولو أن األمر ھكذا لتمنيت العودة إلي ك‪ ...‬رغ م اال‬ ‫رجعة‪.‬‬ ‫ ي؟ أو أن

ك ل

ن تنظ

ري إل

ي م

رة‬ ‫ھ

ل مازل

ت تحب

ين النظ

ر ف

ي عين ّ‬ ‫أخرى؟‬ ‫ھ

ل ست

سألين ع

ن مك

ان س

كني وعن

ي؟ أم س

يبقى ش

وقك دف

ين‬ ‫أحشائك؟ أو قد تكون ذكراي مثل سيجارتك التي امتنعت ع ن ت دخينھا!‬ ‫أين تجلسين اآلن؟ في مث ل ھ ذا الوق ت تك ونين ف ي المط بخ‪ ،‬وأن ا أراك‬ ‫في كل أرجاء المنزل‪ ،‬في حجرة النوم تستبدلي قميصك‪ ،‬أو في الحم ام‬ ‫تقف

ين أم

ام الغ

سالة لتخرج

ي الثي

اب منھ

ا‪ ،‬أو تقف

ين اآلن عل

ى ش

رفة‬ ‫المن

زل تن

شرينھا بعجل

ة كعادت

ك‪ ،‬ھ

ل ت

ذكرين ليالين

ا عليھ

ا ونظ

رات‬ ‫جارنا المتطفل بعد منتصف الليل؟‬ ‫قد تكوني اآلن في غرفة الجلوس متكئة بع د أرب ع س اعات عم ل! أو‬ ‫مخف ضة أو لق ضاء س اعتين أو أكث ر‬ ‫أنك في السوق تبحثين ع ن أش ياء‬ ‫ّ‬ ‫كما كنت تفعلين‪ ،‬أو أنك ستسرعين للبيت ألن ه بانتظ ارك جب ل مالب س‬ ‫على األريكة بحاجة لتحديد‪.‬‬ ‫أنت منھك ة م ن يوم ك وتحت اجين لق سط م ن الراح ة‪ ،‬ال تري د س ماع‬ ‫شيء‪ ،‬تغلقين عينيك ولو لبضعة دقائق‪ ،‬وأحيانا ً ال تستطيعين من كث رة‬

‫‪٧٩‬‬


‫صراخ أطفال صديقتك ومھاتفات األصدقاء‪ ،‬أنت عصبية جداً وتخفينھا‬ ‫خلف ضحكاتك‪...‬‬ ‫وإذا ك

ان ھن

اك زوار ف

ي البي

ت تع

انين م

ن ص

داع ش

ديد بع

د‬ ‫خروجھم‪.‬‬ ‫ھل مازال زوج صديقتك طريح الفراش؟ مازلت أذكره‪ ،‬لقد قلت لي‬ ‫يوما ً أنه لن ي ستطيع إكم ال دراس ته الجامعي ة‪ ،‬خ سارة لق د أوش ك عل ى‬ ‫االنتھاء‪ ،‬لم يبقى عليه سوى ثالثة فصول"‬ ‫"أنا أحسدھا التي تملكت ك بھ ذه ال صورة‪ ،‬إن ك ھ ائم بھ ا وال ت ستطيع‬ ‫إخف

اء ش

وقك‪ ،‬جرح

ك وذك

راك‪ .‬ل

م أع

رف أن الرج

ال ق

د تح

ب لھ

ذه‬ ‫الدرجة‪ ،‬أو أنھم قد يتفانون مرة"‬ ‫"غراتسيا‪ ،‬لقد رأيت في البارحة فتاة جميلة تجلس في الحافلة‪ ،‬كانت‬ ‫تتبسم لي وال ترفع نظرھا عني‪ ،‬وبجانبي ص ديقة‪ ،‬ولف ت انتباھھ ا تل ك‬ ‫النظرات الجريئة‪ ،‬وقبل أن تسألني ع ن تواص ل النظ رات الت ي بادلتھ ا‬ ‫إياھا‪ ،‬قلت لھا‪" :‬أنا أعرف ھذه الفتاة‪ ،‬ولكن ال أذك ر أي ن وكي ف‪ ،‬كن ت‬ ‫أحاول حقيقة التبرير عن وقاحتي‪ ،‬وقررت أن أذھب إليھا واسألھا ع ن‬ ‫نفسھا ألني فعالً أعرفھا‪ ،‬وقفت واتجھت نحوھا وقبل أن أص ل بخط وة‬ ‫أو اثنت

ين قال

ت ل

ي‪ " :‬أل

ست أن

ت الع

م س

لوان؟" عرفتھ

ا‪ ،‬كان

ت طفل

ة‬ ‫واآلن فتاة فاتنة لھا جسد السيدة‪...‬‬ ‫إنھا األقدار! وإذا بتلك الفتاة ھي ابنة صديق لي من الذين تركتھم من‬ ‫زمن‪ ،‬كانت طفلة واليوم تقطر أنوثة‪ ،‬فرحت برؤيتي‪ ،‬وأنا رجعت م ن‬ ‫خاللھا إلى الماضي‪ ،‬كانت ھي طفلة وأنا وصديقة والديھا أح ب اثن ين‪،‬‬ ‫‪٨٠‬‬


‫كن

ا نراقبھ

ا وھ

ي تبك

ي وألم

س حبيب

ة األم

س فتلتف

ت إل

ي وأق

ول لھ

ا‪:‬‬ ‫"أتمنى أن يكون لنا طفلة جميلة مثلك"‬ ‫فتق

ول‪" :‬ال‪ ...‬ال‪ ،‬فأن

ا أري

د طف

الً ف

ي ح

ضني وكل

ه من

ك وعيني

ه‪،‬‬ ‫جبينه وشفتيه‪ ،‬خديه وذراعيه‪ ،‬أريده أنت"‬ ‫ذھب

ت حي

ث أرادت‪ ،‬تارك

ة ورائھ

ا الحل

م الم

شترك المزھ

ر‪ ،‬كان

ت‬ ‫أحالمن

ا‪ ...‬م

ا ھ

ي إال أح

الم‪ ،‬ل

و أرادت ألص

بحت واقع

ا ً جم

يالً تمام

ا ً‬ ‫مثلما حلمنا‪ ،‬لقد استبقت األحداث واستكثرت على نفسھا أن تعيش معي‬ ‫آمالنا‪...‬‬ ‫كان بي دھا أن تجعل ه واقع ا ً‪ .‬س أعود ي ا غرات سيا إل ى قريتن ا الت ي ل م‬ ‫أعرفھ

ا‪ ،‬س

أترك ش

وائب أحالم

ي خلف

ي‪ ،‬س

أعود إل

ى نھ

ر األردن‬ ‫وأشجار البرتقال والليمون‪ ،‬إل ى الجن ة ال صغيرة عل ى ض فافه‪ ...‬حي ث‬ ‫كان

ت أب

ي وأم

ي‪ ،‬س

أعود إل ى نھ

ر اليرم

وك ال

صافية حي

ث الماش

ية‬ ‫ترع

ى وح

دھا م

ن غي

ر راع‪ ...‬أمن

ت عل

ى نف

سھا‪ ،‬س

أعود إل

ى وادي‬ ‫العرب‪ ،‬إلى برك الماء الصغيرة‪ ،‬إلى الشالالت المنحدرة عن الصخور‬ ‫الالمعة‪ ،‬سأعود إلى أجران المي اه الت ي مألتھ ا مي اه األمط ار‪ ،‬حي ث ال‬ ‫عط

ش وال ج

وع‪ ،‬س

أعود حي

ث ال حرق

ة وال أل

م‪ ،‬س

أعود إل

ى فتي

ات‬ ‫قريتنا‪ ،‬إلى الفتيات اللواتي يقفن على شواطئ بحور الحب التي أبحرت‬ ‫ب

ه خليل

ة البارح

ة واكت

شفت ج

زر وكن

وز‪ ،‬وقال

ت ع

ن أف

ضل م

ا‬ ‫وجدت‪ ...‬ورحلتھا مازالت طويلة‪ ...‬ستبقى باحثة حتى تفاجأ بعد فوات‬ ‫األوان بأن البحث في بحور الحب ال نھاية له‪"...‬‬

‫‪٨١‬‬


‫قمت أتخيلھا أمامي وأخاطبھا‪" :‬ابحث ي كم ا ت شائين‪ ،‬وأبح ري حي ث‬ ‫تشائين‪ ،‬فطريقك ال رجعة فيه حتى لو أردت ي الرج وع‪ ،‬ف الطريق الت ي‬ ‫سلكت ھي دون إياب وأنت م ن وق ع ف ي أس فل الورق ة بالرض اء الت ام‪،‬‬ ‫ورغم كل الشكوك والوساوس الت ي دارت ومازال ت ب ين ثناي اك‪ ،‬ل ست‬ ‫أنت المرأة التي كانت‪ ،‬لم يبق ى من ك س وى ال شكل الخ ارجي‪ ،‬ال ذي ق د‬ ‫يخفى حتى على أمك‪ ،‬أن ا وح دي م ن يعل م بأن ك ل م تع ود أن ت‪ ،‬فنف سي‬ ‫براء منك‪ ،‬وأن ت م ا ع دت أن ت ول ن ترجع ي حي ث كن ت‪ ،‬وداع ا ً دون‬ ‫ع

ودة‪ ،‬وداع

ا ً دون أم

ل بع

ودة‪ ،‬وداع

ا ً ينط

ق بھ

ا ل

ساني وترف

ضھا‬ ‫جوارحي‪ ،‬لقد خسرنا كالنا‪ ،‬أن ا خ سرتك وق ت أحببت ك‪ ،‬وخ سرت أن ت‬ ‫عندما زعمت أني أنا من أراد الخالص‪ ،‬كالن ا ي دفع ثم ن إف راط الح ب‬ ‫ال

ذي ك

ان ل

ك وح

دك‪ ،‬أن

ت إفراط

ك ف

ي إتق

ان دور المح

ب حت

ى أن

ك‬ ‫أتقنتيه واآلن عانيتي ه‪ ...‬كالن ا ي دفع ال ثمن وي ا للق در ك الً عل ى طريقت ه‬ ‫وشاكلته‪...‬‬ ‫أحب العودة‪ ...‬ال تفرحي فطريق العودة ليس إليك‪ ،‬فأنا ف ي الطري ق‬ ‫إلى حديقة رملية سأخط عليھا م ستقبالً تجريبي ا ً لحي اتي‪ ،‬ول ن أب دأ بتات ا ً‬ ‫بن

اء علي

ه‪ ،‬فأن

ا أع

رف اآلن أنھ

ا رملي

ة‪ ،‬وأن

ي أن

ا م

ن رس

مھا‪ ،‬س

أبدأ‬ ‫حياتي كما أنا أحب وليس كما يحب اآلخ رون ويتمن ون‪ ...‬أو أن ت‪ ،‬ل ن‬ ‫أبحث عن امرأة تشبھك‪ ،‬ال شعرك وال وجنتيك وال شفتيك‪"...‬‬ ‫التفت إلى غراتسيا وقلت‪" :‬أھناك أجمل منھا؟ فال شفتان وال وجنتان‬ ‫وال خ

دان وال ش

عاع عين

ان أق

رب وأش

به إليھ

ا‪ ،‬دعين

ي أبح

ث حي

ث‬ ‫شئت‪ ،‬فال ولن أجد مثلھا‪ ،‬أنا لم أعشق رموش العيون‪ ،‬ما عشقت عنق ا ً‬ ‫ناعم

ا ً وال أص

ابع مث

ل ش

موع ق

صور المل

وك الم

ضاءة ف

ي حج

ر‬ ‫‪٨٢‬‬


‫الحبيبات الخل يالت‪ ،‬إنم ا ع شقت ام رأة بقلب ي وروح ي وك ل ج وارحي‬ ‫وحتى شعر صدري أحب يداھا وأظافري أحبت منكبيھا‪ ...‬لو كان أب ي‬ ‫حيا ً لزوجته أمھا أو خالتھا"‬ ‫"ھل ستسافر يا سلوان إلى بلدك دون رجعة؟ أن ا ال أرى في ك س وى‬ ‫اليوناني‪ ،‬حتى شكلك‪ ،‬أنت لم ت زر بل دك من ذ أن أتي ت إل ى ھن ا‪ ،‬فكي ف‬ ‫ستستطيع العيش ھناك؟"‬ ‫"لقد اخترت العودة حتى لو تأخرت‪ ،‬ال صفاء إال ھناك‪ ،‬ال وفاء إلى‬ ‫ھناك‪ ...‬ھناك‪ ،‬في المك ان ال ذي س كنته أم ي وورود ح ديقتھا‪ ،‬أري د أن‬ ‫أع

ود طف

الً ك

ي تفرحن

ي ق

صاصات ال

ورق‪ ،‬وان بكي

ت ل

سقوطھا ف

ي‬ ‫حوض الماء القريب من شجرة الرمان‪ ،‬فستأتي أمي وتصنع لي طائرة‬ ‫ورقية جديدة غيرھا‪...‬‬ ‫وتع

ود س

عادتي وفرحت

ي م

ن جدي

د بكب

ر ال

سماء وات

ساع األرض‪،‬‬ ‫أذھب إلى بئر الماء الخاوي أمام بيتنا ألعب مع أصدقائي من غي ر كل ل‬ ‫أو مل

ل‪ ،‬أو إح

ساس بج

وع أو عط

ش‪ ،‬وين

زل اللي

ل بثوب

ه األس

ود‬ ‫ويرخي المساء سرواله‪ ،‬وتخرج أمي تبحث عني‪...‬‬ ‫أسمع صوتھا تنادي‪ ،‬أصطنع عدم السماع كي أمكث وق ت أكث ر ف ي‬ ‫الخارج‪ ،‬وتنادي‪" ...‬ولدي ‪ ...‬ولدي أين أنت؟ أنا أعرف أنك تسمعني‪،‬‬ ‫تع

ال إل

ي ي

ا ول

دي‪ ...‬حبيب

ي‪ ،‬أل

ست أم

ك الت

ي تحب

ك؟ تع

ال ي

ا ول

دي‬ ‫فالليل حل وال أريد أن تكون الظلمة بيني وبينك"‬ ‫أس

مع ك

ل حروفھ

ا نابع

ة م

ن ال

صميم‪ ،‬وأبق

ى أرك

ض م

ع ال

صبية‬ ‫صحبي‪ ،‬وأقول لھم‪" :‬ابقوا بعض الوقت"‬ ‫‪٨٣‬‬


‫ويردوا علي بكلمات فيھا الخوف‪" :‬ال‪ ...‬ال سيغضب أبي"‬ ‫أما أنا فكنت أعرف أن أمي تحبني حب ا ً جم ا ً وال تغ ضب عل ي أب داً‪،‬‬ ‫وإن غضبت فكان ت تجل سني جنب ا ً منھ ا بثي ابي المبتل ة عرق ا ً م ن كث رة‬ ‫اللعب‪ ،‬تضع يداھا على خ دي وتم سح عرق ي ع ن جبين ي‪ ،‬وتنظ ر ف ي‬ ‫عل ي وخ وف‬ ‫عيناي نظ رات ال أس تطيع الي وم ن سيانھا‪ ...‬كلھ ا ح رص‬ ‫ّ‬ ‫وھم وقلق من اآلتي‪" :‬ولدي أال تعرف أني أحبك أكثر من نفسي؟"‬ ‫"نعم‪ ...‬نعم أعرف‪ ،‬أنت تقولين دائما ً ھذا الكالم"‬ ‫كان عدم إحساسي بأمي في ذل ك الوق ت يجع ل كلماتھ ا المك ررة ل ي‬ ‫‪ ...‬أحبك‪ ...‬أحبك مملة‪ ،‬لم أستطع فھم مشاعرھا‪" :‬ولدي أسمع كالم ي‬ ‫ولن تخسر‪ ،‬فليس في الوج ود م ن يحب ك بق در حب ي ل ك‪ ،‬ول دي س يأتي‬ ‫ي

وم ونترك

ك في

ه أن

ا وأب

وك وحي

داً‪ ،‬أري

د أن أك

ون عل

ى يق

ين بحال

ك‬ ‫وأذھ

ب وأن

ا مطمئن ة علي

ك‪ ،‬فأن

ا ي

ا ول

دي وأب

وك ال رجع

ة لن

ا‪ .‬ان

ك‬ ‫وص

لت لمرحل ة يج

ب علي

ك االعتم

اد عل

ى نف

سك‪ ،‬فأن

ا قلق

ة علي

ك ي

ا‬ ‫ولدي! أال تجيبني؟"‬ ‫"بلى يا أمي‪ ،‬ولكن لماذا تقولين ھذا دائما ً بأنك ستذھبي؟"‬ ‫"نع

م ي

ا ول

دي فأن

ا ل

ن أبق

ى دائم

ا ً مع

ك‪ ،‬وأن

ت؟ أن

ت ول

دي حبيب

ي‬ ‫ستبقى وحدك‪ ،‬ولھذا أري دك أن تعم ل بك ل ح رف أقول ه ل ك ك ي أك ون‬ ‫مطمئنة عليك"‬ ‫"ال يا أمي ال تقولي ھذا أرجوك‪ ،‬أن ا ل ن أس مح أن تم وتي قبل ي‪ ،‬أن ا‬ ‫سأدعو ربي أن يكون أجلي قبلك‪ ،‬وف ي ق رارة نف سي عن دي يق ين ب أني‬

‫‪٨٤‬‬


‫س

أكون قبل

ك‪ ،‬ف

ألمي ف

ي فق

دانك أكب

ر بكثي

ر م

ن م

وتي‪ ،‬ولھ

ذا ل

ن‬ ‫يجرعني ‪ S‬ألم فقدانك"‬ ‫"في كل مرة يا غراتسيا أعيش فيھا ألما ً وحرقة‪ ،‬أرجع فيھا إلى ك ل‬ ‫آالمي الماضية‪ .‬ھكذا ھ و اإلن سان ف ي لحظ ات أس د ض رغام‪ ،‬وأخ رى‬ ‫عبداً أسيراً قصيراً في حجر خباياه مخادعا ً لنفسه‪ ،‬وف ي ك ل م رة عل ى‬ ‫شاكلة جديدة‪ ،‬تماما ً مثل شارب السم‪ ...‬يعتقد أنه الخالص"‬

‫‪٨٥‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫ف

ي الجھ

ة الخلفي

ة م

ن ال سكن ش

ارع كبي

ر وعل

ى أطراف

ه حواني

ت‬ ‫لي

ست بالقليل

ة‪ ،‬تب

اع فيھ

ا وجب

ات س

ريعة وبأس

عار منخف

ضة‪ ،‬وكن

ت‬ ‫أكلت في جميعھا تقريبا ً‪ ،‬لكني أعتدت على مطعم صيني فوجباته شھيه‬ ‫وبأسعار مناسبة جداً‪.‬‬ ‫ف ي اح

دى األي

ام الجمي

ل طق

سھا كن ت أجل

س ف

ي غرفت

ي ف

ي وع

ن‬ ‫يميني الشباك الزجاجي الكبير المطل على الشارع وف ي الجھ ة المقابل ة‬ ‫مبنى كأنه مصنع للجلود‪ ،‬كانت النافذة منخفضة حتى أن حافتھا السفلى‬ ‫كانت توازي ركبتي‪ ،‬ويدخل الھواء من خاللھا ينعشني‪ ،‬لم أك ن معت اداً‬ ‫الجلوس بجانب النافذة طويالً‪ ،‬إال أن ذاك النھار كان ھوائه جميالً يم ر‬ ‫على وجھي يريحني‪ ،‬لم تك ن ال شمس م شرقة‪ ،‬ت ارة أنظ ر لألم ام‪ ،‬إل ى‬ ‫سعة الفضاء‪ ...‬وأخرى لألسفل حيث يعملن الفتيات‪.‬‬ ‫ُك َن ف

ي حرك

ة متواص

لة ب

ين الم

صنع وباحت

ه المطل

ة عل

ى ناف

ذة‬ ‫غرفت

ي‪ ،‬تابع

ت النظ

ر بع

ض الوق

ت أراق

بھن أثن

اء اس

تراحتھن وھ

ن‬ ‫يشربن القھوة وال دخان‪ُ ،‬ك َن تقريب ا ً س بع ول م ين تھن ع ن الت دخين فت رة‬ ‫جلوسھن في الباحة‪ ،‬فكلما خ رج إح داھن لل ساحة أخرج ت عل ى الف ور‬ ‫علبة سجائرھا وأشعلت سيجارة تحرق فيھا عقداً أو حقداً على الواقع‪...‬‬ ‫إال فتاة واحدة لم تكن إال القليل من الوقت بينھن‪ ،‬وإذا تواجدت تلعب‬ ‫بالحصى أو تتحدث لزميالتھا‪ ،‬ولم تكن تكثر الضحك مثل األخريات‪.‬‬

‫‪٨٦‬‬


‫ل

م أكت

رث كثي

را بت

صرفھن ف

ي األس

فل‪ ،‬فأن

ا كن

ت أراق

ب م

ن ب

اب‬ ‫الفضول ال أكثر‪ ،‬كنت أراقب السماء والبنايات المقابلة ونوافذھا غريبة‬ ‫التصميم‪ ،‬أشكالھا مثل اللوحات الحرارية‪.‬‬ ‫وألن

ي اعت

دت تن

اول وجبت

ي ف

ي المطع

م ال

صيني ھمم

ت بتجھي

ز‬ ‫نف

سي لتن

اول وجب

ة االرز بالخ

ضار ولح

م اإلوز المقل

ي ال

ذي أتناول

ه‬ ‫تقريبا ً يوميا ً‪ ،‬وھذا ألذ ما تناولته ھناك على اإلطالق‪.‬‬ ‫دخلت المطعم وجلست ھذه المرة على كرسي مرتفع ف ي ش رفته ف ي‬ ‫الخ

ارج‪ ،‬ص

رت أراق

ب الم

ارة والحواني

ت الت

ي ف

ي المقاب

ل‪ ،‬كن

ت‬ ‫الزبون الوحيد في المكان‪ ،‬كانت الساعة الثامن ة م ساء وم ا زال النھ ار‬ ‫م ضيء وبق

ي س

اعتين حت ى ي

سدل الظ

الم أذيال ه‪ ،‬ولف

ت نظ

ري الفت

اة‬ ‫ذاتھا التي رأيتھا ف ي الم صنع‪ ،‬ھ ي الت ي كان ت تلع ب بالح صى‪ ،‬لكنھ ا‬ ‫بدت اآلن أجمل بكثير‪ ،‬شعرھا أسود مسترسل‪ ،‬تقف في وس ط ال شارع‬ ‫تراق

ب ال

سيارات حت

ى تقطع

ه إل

ى الجھ

ة األخ

رى دون أن تراع

ي‬ ‫إشارات المرور‪ ،‬وأنا ال أراعي إشارات المرور كثيراً من األحيان‪.‬‬ ‫عب

رت ال

شارع وأقبل

ت إل

ى الح

انوت حي

ث أجل

س‪ ،‬كان

ت جدي

ة ال‬ ‫تبتسم‪ ،‬تسير بثقة وج سدھا األني ق الظ اھر م ن بنطالھ ا الجين ز األزرق‬ ‫الغ

امق ال

ضيق‪ ،‬وقمي

صھا أزرق ف

اتح ض

يق أي

ضا ً يك

اد أن يك

ون‬ ‫رمادي‪ ،‬وكانت ترتديه فوق البنطال وال يغطي أردافھا‪.‬‬ ‫دخل

ت والحظ

ت نظرات

ي إليھ

ا‪ ،‬كان

ت ت

صطنع تج

اھلي‪ ،‬رمق

ت‬ ‫المكان بطرف عينھا تجاھي لكن كبريائھا الفاضح كان يكشف م ا تري د‬ ‫إخفائه‪.‬‬ ‫‪٨٧‬‬


‫في تلك اللحظات أحضرت العاملة وجبت ي‪ ،‬وكع ادتي انتظ رت قل يالً‬ ‫حتى أباشر الطعام‪ ،‬فأنا ال آكله ساخنا ً‪.‬‬ ‫بدأت أتناوله ببطء ألن ي ل م أك ن جائع ا ً كثي راً‪ ،‬وبقي ت بأفك اري عن د‬ ‫الفت

اة الجميل

ة حت

ى أذھب

ت عن

ي الم

ارة وجھھ

ا م

ن رأس

ي‪ ،‬وإذا بھ

ا‬ ‫تخرج وتعيدني إليھا رغما ً عني‪.‬‬ ‫خرجت لباحة المطعم تبحث عن مقعد مناسب‪ ،‬جل ست عل ى المقاع د‬ ‫المنخف

ضة وص

ار م

دخل المطع

م بين

ي وبينھ

ا‪ ،‬جل

ست وأخرج

ت م

ن‬ ‫حقيبتھا صور وصارت تقلبھا‪ ،‬كأنھا أحضرتھا للتو‪ ،‬تارة تبتسم وتطيل‬ ‫النظر وتقلبھا‪ ،‬وأخرى تت ساءل‪ ،‬م رة تتجم د عالم ات وجھھ ا بحي ث ال‬ ‫يبدو عليھا أي انفعال كالزجاج‪.‬‬ ‫قلت لھا من غير تردد وكأني أعرفھا من قبل‪" :‬انك أجمل بكثير مما‬ ‫كنت عليه في الباحة"‬ ‫نظرت إلي متعجبة متسائلة وبدا عليھا الخج ل وقال ت‪" :‬وكي ف أب دو‬ ‫في الباحة؟"‬ ‫"أراك جميلة ھادئة"‬ ‫"واآلن؟" قالت ھي‪.‬‬ ‫"أراك أيضا ً ھادئ ة جميل ة‪ ،‬إال أن جمال ك اآلن وح شي ص ارخ وفي ه‬ ‫ش يء حي

ث ال يج رؤ الرج

ل عل ى س

ؤالك أو الح ديث إلي

ك دون س

ابق‬ ‫معرفة‪ ،‬كأنك بشخصيتين‪ ،‬تل ك الفت اة الب سيطة الت ي ف ي الم صنع وھ ذه‬ ‫المرأة السيدة القوية ذات الجم ال الث ائر الواض ح مل ي م ن ل ون ش عرك‬ ‫‪٨٨‬‬


‫وتسريحته‪ ،‬عينيك‪ ،‬حاجبيك‪ ،‬قامتك وخطوتك الراقصة الطويل ة‪ ...‬ھ ذا‬ ‫الذي يقبض قلوب الرجال ويبتلع كلماتھم"‬ ‫"ھل كل ھذا أنا؟"‬ ‫ورشقتني بنظرة جانبية بدا فيھا استحسان كالمي‪.‬‬ ‫نعم ھذه ھي المرأة التي تظھر بعض األحيان حزينة مسكينة‪ ،‬ووجھا‬ ‫اآلخر‪ ...‬آه منه‪ ،‬ال نعرفه حتى نتجرع أآلمه‪.‬‬ ‫"أما أنت فال يبدو عليك أنك تخاف من ھذا الجمال الوحشي الصارخ‬ ‫كما تصفه أنت!" قالت ھي‪.‬‬ ‫"كنت أخافه‪ ،‬أما اآلن فال‪ ،‬فما عدت أھوى النساء فقط لعل و جم الھن‬ ‫أو صخب أنوثتھن"‬ ‫كانت تجلس باتجاه الشارع تماما ً مثلي‪ ،‬وأثناء محادثتن ا الق صيرة ل م‬ ‫نكن ننظر بأعين بعض‪ ،‬ب ل كن ا نھ رب بأعينن ا نح و ال شارع والم ارة‪،‬‬ ‫استدرت نحوھا وقلت‪" :‬أت سمحين أن أجل س إلي ك؟ ك ي ن ستطيع تن اول‬ ‫طعامنا سويا ً"‬ ‫"نعم برغبة‪ ،‬تفضل"‬ ‫جل

ست إليھ ا وحمل

ت طبق

ي مع

ي ووض

عته أم

امي أقابلھ

ا وب

نفس‬ ‫الوق

ت أح

ضرت العامل

ة لھ

ا طبقھ

ا‪ ،‬ك

ان معكرون

ة ناعم

ة ب

اللحم أو‬ ‫الدجاج ال أعرف بالضبط‪.‬‬ ‫"أتمنى لك شھية طيبة" قلت لھا‪.‬‬

‫‪٨٩‬‬


‫"وأن

ا أتمن

ى ل

ك أي

ضا ً المث

ل‪ .‬واآلن ق

ل ل

ي كي

ف رأيتن

ي ف

ي باح

ة‬ ‫المطبعة؟"‬ ‫"ھل المكان الذي تعملين به مطبعة؟"‬ ‫"نعم‪ ،‬وماذا كنت تعتقد إذن؟"‬ ‫"ال أعلم بالضبط‪ ...‬أما الذي أعلمه أن تل ك الفت اة مختلف ة تمام ا ً ع ن‬ ‫ھذه التي أشاطرھا الحديث ھنا اآلن"‬ ‫"أنا ال أرى ذاك الفرق ال ذي تح اول أن ت صوره ل ي‪ ،‬وإال أخبرن ي‪،‬‬ ‫كيف كنت ھناك؟ ھل أنت من زبائن المطبعة؟"‬ ‫"ال أنا لست من زبائنكم"‬ ‫رافق كالمي ابتسامة دعابة‪.‬‬ ‫"ھ ا ھ

ا ھ

ا" ض

حكت ب

صوت م صطنع تق

صد الم

زاح وقال

ت‪" :‬أن

ه‬ ‫فخراً لك أن تكون من زبائننا! أخبرني اآلن كي ف وج دتني ف ي العم ل؟‬ ‫ھيا أخبرني اآلن وال تتھرب"‬ ‫"كنت أود للتو أن أق ول ل ك‪ ...‬لك ن اآلن أح ب أن أع رف تل ك الفت اة‬ ‫ذات الوجه الحزين‪ ،‬ألني إذا قلت لك اآلن سأفقد فرصة التع رف علي ك‬ ‫حسب طريقتي"‬ ‫"حسب طريقتك! ماذا تعني بھذا؟"‬ ‫"ال عليك أنا أھذي أحيانا ً أو أقول ما ال أعني"‬ ‫شعرت أني تورطت بكالمي وتھربت من اإلجابة عليھا‪.‬‬ ‫‪٩٠‬‬


‫"أنه أنا نفسي التي في العمل والتي معك ھنا‪ ،‬فتكلم اآلن"‬ ‫"نعم‪ ،‬إنك أن ت الجميل ة الحزين ة بع ض ال شيء‪ ،‬ق د يك ون ھ ذا ألن ك‬ ‫اآلن أمامي‪ ،‬أما تلك الصامتة المبتعدة عن دخان سجائر الزميالت‪"...‬‬ ‫"أنت تتحدث عني وكأنك تراقبني طيلة الوقت أو تعرفني عن كثب"‬ ‫"يلفت النظر بالعادة كثير الكالم والحركة‪ ،‬أيضا ً يلف ت النظ ر قليلھ ا‪.‬‬ ‫أري

د أن أتع

رف عل

ى الشخ

صية الت

ي ف

ي العم

ل‪ ،‬حت

ى أس

تطيع أن‬ ‫أتعرف عليك وخباياك‪ ،‬ألني لن أتمكن من معرفة ھذه ال ساحرة أم امي‬ ‫قبل تلك"‬ ‫"ھ

ل أن

ا مھم

ة لھ

ذه الدرج

ة حت

ى ت

سخر وقت

ك كل

ه للتع

رف عل

ى‬ ‫شخصيتي؟"‬ ‫"كلنا ينظر لألمور بأم عينه‪ ،‬قد يكون شيء واحد بتسميات كثير‪ ،‬قد‬ ‫أعل

ل اھتم

امي ھ

ذا ب

شيء أث

ار ف

ضولي أو اھتم

امي‪ ،‬والتفكي

ر في

ه‬ ‫يخرجني من واقعي‪ ،‬أو قد يكون ھو ذلك الوجه البسيط المعتم وھو في‬ ‫الحقيقة ذاته المشرق اآلن أمامي"‬ ‫"أو العك

س‪ ،‬ف

نحن الن

ساء ال نفھ

م أنف

سنا كثي

راً م

ن األحي

ان‪ ...‬لق

د‬ ‫ذكرت آنفا ً أنك تريد الھروب م ن واقع ك‪ ...‬كأن ك ترف ضه أو تتجاھل ه‪،‬‬ ‫رغم أن شخصك ال يوحي بھذا"‬ ‫"ھا أنت تؤكدي لي بأن أسلوبي ناجح"‬ ‫"ماذا تعني؟"‬

‫‪٩١‬‬


‫"أعني أني بدأت أخرج من اإلطار الذي كنت أح بس نف سي في ه قب ل‬ ‫أن أعرف

ك‪ ،‬واآلن ب

دا القي

د لين

ا ً عل

ى ي

داي‪ ،‬وأح

س باس

ترخاء ف

ي‬ ‫عضالتي وأعصابي وايجابية تنعشني"‬ ‫"رغم أني ال افھم ماذا تعني‪ ،‬إال أن اإليجابية في الحي اة أھ م أس باب‬ ‫ال

سعادة‪ ،‬وأن

ا أزع

م أن

ي م

ن ھ

ذه النخب

ة‪ ،‬وال أس

مح لل

سلب أن يك

ون‬ ‫الخط العريض في كتابي"‬ ‫"أين مدخل المطبعة من جھة الشارع؟"‬ ‫"ھل ترى تلك البوابة الكبيرة؟ الباب الذي على يمينھا"‬ ‫وأشارت لي بيدھا نحو المك ان‪ .‬كن ت أم ر يومي ا ً تقريب ا ً م ن أمامھ ا‪،‬‬ ‫وكنت ألحظ من خلف الزجاج آالت تصوير وحواسيب الكترونية كثيرة‬ ‫ولم أكن ألق ي ب ال ل ذلك‪ ،‬فھ و كغي رة م ن المكات ب المج اورة المتواج دة‬ ‫بكثرة في الشارع‪.‬‬ ‫"ال

ذي ي

رى المطبع

ة م

ن الخل

ف ال يعتق

د أنھ

ا نف

سھا عن

د رؤيت

ه‬ ‫مدخلھا الرئيسي" قال لھا سلوان‪.‬‬ ‫"أمر طبيعي‪ ،‬فنحن نعمل في الداخل واجبات ال يج ب عل ى الزب ائن‬ ‫االطالع عليھا‪ ،‬ورؤيتھا أمر ليس من الضروري من قبلھم"‬ ‫"حدثيني اآلن بغير العمل‪ ...‬عن حياتك الشخصية"‬ ‫ل

م أك

ن أتج

رأ الك

الم معھ

ا بھ

ذه العفوي

ة ل

وال إح

ساسي بب

ساطتھا‬ ‫وارتياحي لھا‪ ،‬كأني قريب منھا مما سمح لي بالتالي الكثير معھا‪...‬‬

‫‪٩٢‬‬


‫أعتقد أنھا ھي التي أتاحت ل ي الفرص ة للتق رب أكث ر ولخل و الجل سة‬ ‫م

ن الرس

ميات وال

شكليات المعت

ادة ب

ين ط

رفين غرب

اء أو ت

ربطھم‬ ‫عالقات رسمية تكلفية‪.‬‬ ‫ب

دأت ب

أول كلم

ة وراح

ت ت

سرد ع

ن حياتھ

ا‪ ...‬نظ

رت إل

ى أعل

ى‬ ‫عينيھ

ا ترافقھ

ا ابت

سامة رقيق

ة كأنھ

ا تق

ول‪" :‬أري

د أن أق

ول ل

ك الكثي

ر‬ ‫وليس اآلن"‬ ‫"ما الذي يثير اھتمامك بحياتي؟" قالت لي‪.‬‬ ‫لم أتوقع سؤالھا في تلك اللحظة ألني كنت أصغي لھا‪ ،‬أجبتھا بسؤال‬ ‫ف ي خ

ضم كالمھ

ا وب

دت ل

ي مث

ل المت

أثر بتن

ويم مغناطي سيي وأعادھ

ا‬ ‫سؤالي إلى الواقع وصارت بين مجيب وال يريد اإلجابة‪.‬‬ ‫لم أحرج من سؤالھا وقلت‪" :‬أنا لم أسأل من باب التطفل إنم ا‪ ...‬نع م‬ ‫ق د أك

ون ف

ضوليا ً بع ض ال

شيء ولك

ن ھ ذا ل

يس طبع

ي م ع جمي

ع م

ن‬ ‫أعرفھم‪ ،‬عندما تعجبين بمطرب أو كاتب أو شاعر أو أي شخصية‪ ،‬أال‬ ‫تح

اولين ق

راءة مجل

ة أو ص

حيفة أو إذا س

معت خب

راً م

ن التلف

از أو‬ ‫المذياع أال تصغين؟ أو إذا حدثتك صديقتك عن زميل دراسة قديم وسيم‬ ‫كنت تتوددين إليه أال تنھالين عليھ ا بأس ئلة مج رد التنوي ه ع ن أخت ه أو‬ ‫اختصاصه؟"‬ ‫"بلى‪ ،‬وأعتقد أنه شيء طبيع ي‪ ،‬وس يكون ھ ذا ت صرف عام ة الن اس‬ ‫حسب ضني"‬ ‫"إذن أنا لم أختلف عن الناس عندما سألتك عن حياتك!"‬

‫‪٩٣‬‬


‫"أين أنا من مشاھير العالم والنجوم؟ أو حتى األقل شأنا ً منھم"‬ ‫"ليس من المھ م أن تك وني م شھورة حت ى تن الين إعج اب اآلخ رين‪،‬‬ ‫فأنت لك من الجمال والجاذبية وأناقة في المعاملة م ع نف سك واآلخ رين‬ ‫م

ا لغي

رك‪ ،‬وأن

ت وأن

ا والكثي

ر نعل

م ب

أن اإلعج

اب ال

ذي يح

وز علي

ه‬ ‫مشاھير العالم ما كان لينالوه ل وال ش ھرتھم‪ ،‬ال ألشخاص ھم بح د ذاتھ ا‪.‬‬ ‫ھناك من اش تھر لق وة شخ صيته أو لجم ال ف ائق أو لفك ر خ ارق للع ادة‬ ‫بغض النظر إن كان مفيد للبشرية أو ضدھا‪ ،‬إنما ھذا اإلعجاب المب الغ‬ ‫فيه ما كان ليصله لوال شھرته‪ ،‬ال لفكره أو ذكائه أو جرأت ه عل ى نف سه‬ ‫أو األش ياء‪ .‬عل

ى أيٍ‪ ،‬إذا ك

ان الح

ديث ع

ن شخ

صك ي

سبب إحراج

ا ً‬ ‫فلنع دل عن

ه ونح

ن بغن

ى ع

ن احم

رارة ف ي خ ديك أكث

ر م

ن الت

ي ھ

ي‬ ‫عليھا اآلن"‬ ‫كن

ت أتكل

م بأس

لوب س

لس م

رح ض

احك بحي

ث اس

تطعت دمجھ

ا‬ ‫بأجوائي ولم تعد تحس بتكلف أو غربة‪.‬‬ ‫"ال م

انع عن

دي م

انع ف

ي الح

ديث ع

ن حي

اتي‪ ،‬فل

يس ھن

اك أح

داث‬ ‫كثيرة في أيامي‪ ،‬عمل وبيت‪ ،‬بيت وعمل‪ ،‬وأحيانا ً أخرج مع ص ديقاتي‬ ‫في أوقات فراغي‪ ،‬قد ال أرى أش ياء مثي رة بحي اتي العتق ادي ت شابھھا‪،‬‬ ‫فالذي يدور اليوم يعيده الغد"‬ ‫"قد يكون ھذا ردي بم ا أن ال سؤال ي دور ح ولي‪ ،‬ولك ن م ن الممك ن‬ ‫للمراق

ب أن ي

رى م

ا ال أرى‪ ،‬أو ألن برنامج

ك الي

ومي أص

بح مث

ل‬ ‫فنج

ان قھوت

ك أو ت

سريحة ش

عرك‪ ،‬ومج

رد أن ُت سألين ع

ن ال

روتين‬ ‫الي ومي وتب

دئين ب سرد األح

داث وت راقبين ال

سامع تالحظ ين دھ

شته أو‬ ‫‪٩٤‬‬


‫استغرابه‪ ،‬إما من إعجاب أو طرح منه أو استف سار وتج دي نف سك ف ي‬ ‫أحداث اعتقدت أنھا صارت من النسيان أو أنك لن تتطرقي لھ ا أو أنھ ا‬ ‫ل

م تك

ون موض

وع الح

وار ومقابل

ة الي

وم أخرجتھ

ا عن

وة عنھ

ا‪ ،‬وق

د‬ ‫تصلي باستطرادك إلى نقطة خرجت بھا عن المعتاد وتعمقت بأشياء ما‬ ‫توقع

ت أنھ

ا مازال

ت ف

ي خ

اطرك‪ .‬ل

و س

ألتني أب

سط س

ؤال‪ ،‬ق

د يك

ون‬ ‫شيء عابر‪ ،‬ويسأله معظم األشخاص ألنفسھم أو لبعضھم إال أن طريقة‬ ‫الطرح تبلور اإلجابة إم ا بكلم ة ونقط ة أو حكاي ات‪ ،‬أس رار ل م نعت رف‬ ‫بھا ألحد من قب ل وتفاجئن ا الي وم نك شفھا لم ن تعرفن ا علي ه من ذ دق ائق‪.‬‬ ‫مجرد سؤال متداول‪" :‬ماذا تعمل؟" قد يكتفي أحداً بذكر الوظيفة أو أن ه‬ ‫عاطل عن العمل‪ ،‬وق د يك ون لآلخ ر امت داداً ك أن يق ول‪" :‬عمل ت س ابقا ً‬ ‫مبرمج حاسوب وكان لي أسرة ودخل ممتاز وزوجة م ن أس رة عريق ة‬ ‫وبيت ملك‪ ...‬زوجتي كن ت أحبھ ا‪ ،‬أھاتفھ ا ص باح م ساء‪ ،‬ويومي ا ً نف س‬ ‫السؤال ونفس اإلجابة وفي نفس الوقت وم ن نف س تلف ون المكت ب‪ ،‬ھ ل‬ ‫أفطرت؟ وتجبني‪" :‬نع م حبيب ي‪ ،‬وأن ت؟" وأرد ق ائالً‪" :‬ل م أفط ر‪ ،‬فأن ت‬ ‫تعرفين أنه مازال وقت على استراحتي" نفس الكلمات نتداولھا كل ي وم‬ ‫ولكن وقعھ ا يختل ف ب اختالف أشخاص نا وعالقاتن ا‪ ،‬من ا م ن ي سعد بھ ا‬ ‫ويتملك

ه ال

شوق وعظمت

ه ويك

ون بداخل

ه مث

ل زل

زال ال يھ

دأ حت

ى‬ ‫يصطدم بفراش المساء ويلقى قتيل النشوة والقبالت‪ ،‬وآخ ر يقتل ه ال شك‬ ‫والغيرة‪ ،‬وھن اك م ن فق د اإلح ساس حت ى أن ه ت سمر وص ار مث ل تحف ة‬ ‫زجاجية أو خشبية معاد تصنيعھا‪ .‬وحياتك قد تكون بالن سبة ل ك أح داث‬ ‫طبيعية مملة أم ا لآلخ رين فھ ي أح داث جم ة جدي دة وق د تك ون م شوقة‬ ‫مثي

رة‪ ،‬وق

د نكت

شف أش

ياء ف

ي أشخاص

نا م

ا كن

ا لنعرفھ

ا ل

وال م

ن‬

‫‪٩٥‬‬


‫نشاطرھم حكاياتنا وأمانينا دون علمھم‪ ،‬ونسأل أنفسنا‪" :‬كيف فعلت ھذا‬ ‫أو كيف قلت ه؟ وم ا كن ت أت صور لحظ ة ب أني س أتجرأ يوم ا ً عل ى ھ ذا"‬ ‫سأحكي لك عن أيامي وسأعترف بأن معظمھما لم أفھم ه‪ ،‬وك ل م ا م ر‬ ‫علي منھا رؤوس أقالمھا"‬ ‫أنا الذي سألھا أن تحكي عن حياتھا‪ ،‬وإذا ب ي أن ا ال ذي أتح دث عن ي‬ ‫وعن أيامي دون أن أشعر‪ ،‬ھل كانت حياتي أط راف مواض يع ح سابية‬ ‫لم أفھمھا؟ أم أني فسرتھا بطريق ة بع دت فيھ ا ع ن الواق ع مم ا أدى ب ي‬ ‫لنتائج لم أنتظرھا؟ طبعا بسلبھا أو إيجابھا‪.‬‬ ‫نح

ن ال ن

رى س

وى م

ا ت

راه أعينن

ا بأبعادھ

ا ال

ضيقة أو تح

س ب

ه‬ ‫جوارحنا وأما ما وراء القلب فال ندير ل ه ب ال لبع د الح دث عن ه‪ ،‬أو أن‬ ‫حساباتنا تتم على انفراد مع الذات وعند محاول ة أح د ال دخول ألجوائن ا‬ ‫ن

ضع المحب

رة عل

ى الطاول

ة ون

دعي ّأن ا أنھين ا الخط

اب ودون وض

ع‬ ‫نقطة أو فاصلة أو حتى أتمام أخ ر كلم ة أو رق م ق د ب دأناه‪ ،‬دون مب االة‬ ‫بما سيضيع أو يتالشى من الذاكرة‪.‬‬ ‫"إن اإلنسان مخلوق معقد التشكيل والتكوين" قلت لھا‪" :‬بحيث أن أي‬ ‫يحول القوي إلى‬ ‫عارض يطرأ عليه‪ ،‬ناھيك عن صغر حجمه أو كبره‪ّ ،‬‬ ‫ذليل ض عيف‪ ،‬أو الك ريم إل ى بخي ل‪ ،‬أو معط اء إل ى س كير م دمن عل ى‬ ‫قارعة الطريق‪ ،‬وھذا ليس الجسد فقط إنما األشد وطأة النفس وال روح‪،‬‬ ‫فمج

رد ح

دث ع

ارض أو فع

ل أو ش

يء ن

راه‪ ،‬نواجھ ه أو نعاص

ره ق

د‬ ‫يسعدنا ويرفعنا حتى نعانق الغيوم أو يع صف بن ا ب ين الث رى واألق دام‪.‬‬ ‫ن

صل لمرحل

ة نتمن

ى ف

صل ال

روح ع

ن الج

سد أو مراك

ز التفكي

ر ع

ن‬

‫‪٩٦‬‬


‫القل

ب‪ ،‬وف

ي خ

ضم تمني

ات ل

ن تتج اوز ح

د األح

الم واإلحب

اط ينتابن

ا‬ ‫شعور باالرتياح ال نعرف مصدره يتع دى ال روح واإلح ساس وي نھض‬ ‫بالجسد الملقى فنحمد ‪ S‬على ج ل نعمائ ه الت ي فاق ت ال نفس وال صورة‬ ‫ونزلت بالكيان وخرجت عن الخيال وآلت واقع يالمسنا ونعتركه‪ .‬وفي‬ ‫ً‬ ‫لوحة جميلة ن ضعھا‬ ‫أول نكسة‪ ،‬صدمة أو صرخة من امرأة رسمت لنا‬ ‫على الحائط األبيض الثلجي تثير اإلعج اب وننظ ر إليھ ا ونع اود وبك ل‬ ‫مرة ندخل غرفة الجلوس بذلك اليوم‪ ...‬وأول ما نفاجأ باأللوان الزاھي ة‬ ‫الت

ي ش

كلت عھ

داً بأشخاص

ھا داخ

ل اإلط

ار لوث

ت الح

ائط األب

يض‬ ‫بألوانھا‪ ...‬ذاب ت علي ه‪ ،‬ك ان يج ب علين ا وض عھا ل ساعات ف ي ال شمس‬ ‫حتى تجف‪ُ ،‬بھرنا بھا ولم نصبر عليھا ونسينا بأن ألوانھا مائية‪.‬‬ ‫"ما ھو اإلحساس الذي يجب أن يراودني اآلن كامرأة؟ لن ت سعد أي‬ ‫امرأة لسماع ھذا الكالم‪ ،‬ولن تعتبره مجاملة‪ ،‬وأجبرتني رغما ً عن ي أن‬ ‫أعيشه ولو للحظات"‬ ‫كانت ترافق كالمھا ضحكة مخبأة خل ف نواج ذھا لع دم اس تيائھا م ن‬ ‫حواري واستفزازي اللطيف‪.‬‬ ‫"ال أن

ا ل

ست متح

امالً عل

ى الن

ساء‪ ،‬عن

دما تح

بس إن

سان لفت

رة م

ن‬ ‫الزمن‪ ،‬عام أو عامين أو عشرة‪ ...‬تنتھ ي الم دة ويخ رج ال سجين ويب دأ‬ ‫بمقارنة األشياء‪ ،‬الماء‪ ،‬الھ واء‪ ،‬الطع ام‪ ،‬الن اس وزق اق الح ي ون سائھا‪.‬‬ ‫ل

يس م

ن ال

سھل وض

ع ب

ضع م

ن ال

زمن ف

ي زاوي

ة الن

سيان لمج

رد‬ ‫محاوالتنا رف ضھا أو إنكارھ ا أو فق داننا ت وازن ال سنين‪ ،‬س يبقى س جين‬ ‫األمس طلي ق الي وم حب يس داخ ل ذات ه وذاكرت ه ف ي ك ل س اعة ولحظ ة‬

‫‪٩٧‬‬


‫رغم أن ه ص احب الق رار‪ ،‬ونف سه‪ ...‬مازل ت أس ير الم رارة والحرم ان‪.‬‬ ‫كلنا يحتاج إلى فترة زمنية حتى يستطيع الخروج م ن أزم ة واجھت ه أو‬ ‫تواجھه‪ ،‬وخاصة إذا كانت األزمة أنثوية الشكل‪ ،‬فقد نحتاج لعم ر حت ى‬ ‫ن

تخلص م

ن ش

وائبھا‪ ،‬فح

ب الرج

ل للم

رأة مث

ل ال

شوك ب

القطن‪...‬‬ ‫والخالص منه ھيھات‪ ...‬تذھب الحبيبة وال يبقى منھا سوى عذاباتھا ما‬ ‫دامت أشجار الصبار وأشواكھا"‬ ‫"كالمك كله عناء امرأة! من ھي تلك الم رأة الت ي أحببتھ ا لھ ذا الح د‬ ‫وبقدر حبھا تعاني؟"‬ ‫"وما أدراك أني أعاني من قصة امرأة؟"‬ ‫"لو أني أعاني من صداع شديد فسأضع ي دي عل ى رأس ي ب ين ت ارة‬ ‫وأخ

رى‪ ،‬ول شكوت بالتأكي

د‪ .‬وأن

ت‪ ،‬معانات

ك ب

دت جل

ي ب

نفس الوق

ت‬ ‫والطريق

ة الت

ي أردت أن

ت إخفائھ

ا‪ ،‬ح

دثني اآلن بع

د أن أص

بح األم

ر‬ ‫واضحا ً‪ ،‬ما ھي أوصافھا؟ كم عمرھا وما لون شعرھا؟ أھي بق امتي أم‬ ‫أطول؟"‬ ‫في الوقت الذي ال أريد أن أتحدث عنھا ال أجد نفسي إال وأنا منغمس‬ ‫بوصفھا‪ ،‬عاھدت نفسي أن ال أتكلم عنھا‪.‬‬ ‫"شعرھا أطول م ن ش عرك‪ ،‬ول ون ب شرتھا قري ب إل ى ل ون وجھ ك‪،‬‬ ‫قامت

ك أن

ت أط

ول فھ

ي ق

صيرة بع

ض ال

شيء بالمقارن

ة مع

ك‪ ،‬لكنھ

ا‬ ‫كانت تعجبني كثيراً"‬ ‫ابتسمت أثناء وصفي لھا ودون أن أشعر‪.‬‬

‫‪٩٨‬‬


‫"نعم وصبغة شعرھا أجمل ما رأيت‪ ،‬أنا الذي أختارھ ا لھ ا وأن ا م ن‬ ‫صبغھا‪ ،‬لم أكن أصبغ شعرھا فحسب‪ ...‬أريني أظافرك‪ ...‬ال فأظافرھ ا‬ ‫مختلف

ة عن

ك‪ ،‬كن

ت أقلمھ

ا لھ

ا أي

ضا ً‪ ،‬وكثي

ر م

ن األش

ياء الت

ي يعتق

د‬ ‫الرجال بأنه تنازل عن كبريائھم‪ ،‬كنت أتنازل عن كبري وكبريائي عند‬ ‫شفتيھا وعلى وسادتھا"‬ ‫"ال أعرف‪ ،‬أنا لم أحب لغاية اآلن‪ ...‬ليس بالضبط‪ ،‬إنما لم أقابل م ن‬ ‫أحب

ه فع

الً‪ ،‬أعجب

ت برج

ال وم

ا أزال‪ ،‬لك

ن ل

م أس

تطع تج

اوز ھ

ذه‬ ‫المشاعر وتعديھا إلى ما ھو أكبر‪ ،‬واعتقدت أحيانا ً أني أحبب ت‪ ،‬إال أن ه‬ ‫لم يطل حتى عرفت أنه الذي كان شيء من نسائمه‪ ،‬فالحب حت ى الي وم‬ ‫ل

م أعرف

ه‪ ،‬ق

د أك

ون ع

شت أش

باھه‪ ،‬إعج

اب ش

ديد‪ ،‬احت

رام‪ ،‬ارتي

اح‬ ‫وبعض األحيان يصل لخاطري شيء أكثر‪ ...‬لكن ال يتعدى ليلتي حت ى‬ ‫أفيق وأعي أنه مغ امرة‪ ،‬س ھرة أو ن شوة طلبتھ ا واآلن كرھتھ ا وأحيان ا ً‬ ‫نفسي معھا"‬ ‫في األثناء كانت قد أنھت طبقھا ولم تكمله‪.‬‬ ‫"واآلن حان الوقت لمتابعة العمل"‬ ‫وقف

ت وص

افحتني وقال

ت‪" :‬لق

د أس

عدني الح

ديث مع

ك‪ ،‬ق

د ت

سنح لن

ا‬ ‫الفرصة باللقاء مرة أخرى‪ ...‬من يعلم؟"‬ ‫وقفت أنا أيضا ً وكنت لم آكل إال القليل من طبقي‪ ،‬فكان حديثي أكث ر‬ ‫من لھمي لألرز‪.‬‬

‫‪٩٩‬‬


‫"لقد أسعدني أنا أيضا ً التعرف علي ك‪ ،‬وربم ا تجمعن ا ص دفة أخ رى‪.‬‬ ‫أتمنى لك مساء سعيد في العمل"‬ ‫"م

ساء س

عيد ف

ي العم

ل؟ ل

و ك

ان الم

ساء ف

ي س

ھرة لكن

ت بالتأكي

د‬ ‫أسعد‪ ،‬وخاصة إذا كنت أنت من يدعوني‪ ...‬إلى اللقاء"‬ ‫سحبت يدھا من ي دي وبنطقھ ا آخ ر كلم ة ال أعل م ج دھا م ن ھزلھ ا‪،‬‬ ‫استدارت وتركتني مبھما ً ال أعرف أن أجيبھا‪.‬‬ ‫"أتقصدين ما تقولين؟"‬ ‫رفع

ت ص

وتي حت

ى ت

سمعني فق

د كان

ت تتوس

ط ال

شارع وتك

اد أن‬ ‫تصل لبوابة عملھا‪ ،‬وردت من بعيد‪" :‬أنا أقصد ما أقول دائما ً"‬ ‫ودون أن تلتفت إلي‪.‬‬ ‫ذھب

ت إلتم

ام عملھ

ا‪ ،‬فق

د كان

ت تل

ك اس

تراحتھا‪ ...‬وافترقن

ا دون‬ ‫موعد‪ .‬لم يكن البحر بعيداً عن المكان‪ ،‬فھ و يبع د م سافة ع شرين دقيق ة‬ ‫سيراً على األقدام‪ ،‬لم أنھي طبقي‪ ،‬فقدت شھيتي وأحس ست بال شبع م رة‬ ‫واح

دة‪ ،‬س

رت إل

ى ھن

اك كع

ادتي ف

ي الفت

رة األخي

رة‪ ،‬عل

ى الطري

ق‬ ‫الممتد للشاطئ‪...‬‬ ‫ال

زوج م

ع زوجت

ه وأطفال

ه‪ ،‬الحبي

ب م

ع حبيبت

ه واألص

دقاء م

ع‬ ‫بع ضھم‪ ،‬كن

ت بحاج

ة للوح دة‪ ،‬ل

م أفتق

ر الم رأة بج

انبي أو ص

ديق‪ ،‬ل

م‬ ‫أشعر أني وحيد أو متروك‪...‬‬

‫‪١٠٠‬‬


‫كانت ابتسامات النساء للرجال بالنسبة لي وح شية س افلة‪ ،‬خالي ة م ن‬ ‫الوفاء التي كانت نفسي تبحث عنه‪ ،‬صرت أرى النساء بصورة مختلفة‬ ‫عن التي يراھا الرجال‪...‬‬ ‫أرى م

ا يُ

رى‪ ،‬ض

مائرھن بوج

وھھن‪ ،‬ل

م تع

د ام

رأة ت

سحرني أو‬ ‫تخدعني ضحكاتھا ووردي ة خ دودھا الت ي تظھ ر ن صفھا واآلخ ر حي اء‬ ‫مصطنع‪.‬‬ ‫ذھبت الفتاة وتركت انطباع عندي عن حي اة ومعان اة وح زن أخ ضر‬ ‫لم أفھمه‪.‬‬ ‫جل ست عل ى الرص يف المط ل مباش رة عل ى البح ر ول م يك ن مرتف

ع‬ ‫كثيراً‪ ،‬وھو الممتد حتى أطراف المدينة‪...‬‬ ‫ن

سيم الھ

واء الن اعم اآلت

ي م

ن بعي

د م

ن وراء البح

ار م

ن مرتفع

ات‬ ‫الجب

ال‪ ...‬الھماالي

ا أو م

ن ال

بالد الب

اردة ت راقص م

وج البح

ر الھ

ائج‬ ‫وتالمس وجھي‪ ،‬أو قد تكون لمسة شوق‪ ،‬حنان وتحية من ميليندا‪...‬‬ ‫ناعم

ة كأنھ

ا م

ن أناملھ

ا‪ ...‬أح

س برجف

ة م

ن ي

داھا ت

داعب خ

دي‪،‬‬ ‫أصابعھا تلعب بشعري‪ ،‬أنظر لموج البحر القادم نحوي وأنا في مك اني‬ ‫ال أنوي الھرب كالعادة‪ ،‬لن أھرب س أكون أن ا ھ ذه الم رة ول ن أتقم ص‬ ‫آخر كان أنا في الماضي‪...‬‬ ‫أقبلت الموجة بقوة مندفعة نحوي واصطدمت بح ائط الرص يف تك اد‬ ‫أن تقتلعه من مكانه وتخ رج لم دى أبع د وأبع د‪ ،‬وأن ا أنتظرھ ا ك ل م رة‬

‫‪١٠١‬‬


‫حت

ى تع

انق ج

دار الرص

يف وت

أتي ل

ي برحي

ق يالم

س ج

سدي كأنھ

ا‬ ‫ھي‪...‬‬ ‫فأحس بقشعريرة أحسستھا فقط من جيدھا وثورة ف ي تق اطيع وجھھ ا‬ ‫عندما تحبني‪ ،‬أشتم رائحتھا حتى من الھ واء المنبث ق م ن أعل ى الج سر‬ ‫المقابل وم ن الن ساء الم ارات م ن جنب ي أو حت ى م ن الطري ق المقاب ل‪،‬‬ ‫عبق خليط فيه أناقتھا ورائحة عرقھا‪ ...‬عطري‪ ...‬أنوثتھا‪.‬‬ ‫المرأة وردة جميلة عطرة ولكل واحدة منھا رحيق خاص بھا يميزھا‬ ‫ع

ن غيرھ

ا‪ ...‬إال امرأت

ي‪ ،‬فق

د جمع

ت ن

دى الفج

ر والربي

ع وأس

رار‬ ‫النساء بين وجنتيھا‪ ،‬في إقبالھا ومرواحھا‪...‬‬ ‫في المساء تجلس في غرفة الجل وس بثوبھ ا األزرق الغ امق الطوي ل‬ ‫مثل سحابة تتجلى لمسائنا‪ ،‬ھي تعرف أني أحظر بھذا الوقت للبيت م ع‬ ‫ال

ساعة الحادي

ة ع

شر حي

ث ال

سكينة والغري

زة الھائج

ة‪ ،‬ت

سمع ص

وت‬ ‫الباب عند دخولي وتبقى م ستلقية عل ى األريك ة ب شھوتھا المتبعث ره ف ي‬ ‫أرجاء المنزل وتحتويني لمجرد دخولي‪.‬‬ ‫"مرحبا ً" أحيھا وأدخل‪.‬‬ ‫"مرحبا حبيبي" تحيني ھي وعيناھا تعانقني‪.‬‬ ‫كان البيت مقسم لثالثة غرف وممر وشرفة مطلة على الحديق ة‪ .‬ف ي‬ ‫مدخل البيت مباشرة المم ر الع ريض ومن ه تتف رع الغ رف‪ ،‬م ن اليم ين‬ ‫الحمام وبجانبه المطبخ وفي الجھة المقابلة غرفة كنت أحب الخلوة فيھا‬ ‫وعن الشمال غرفة الجلوس الكبيرة وبجانبھا حجرة النوم‪.‬‬

‫‪١٠٢‬‬


‫وأول ش

يء كن

ت أفعل

ه عن

د دخ

ولي البي

ت‪ ،‬أدخ

ل حج

رة الجل

وس‬ ‫حيث ھ ي دائم ا ً ھن اك بانتظ اري‪ ،‬أحيھ ا م ن الب اب وأع ود إل ى خزان ة‬ ‫األحذية أخلع حذائي وأدخل إلى الحم ام ك ي أس تحم‪ ،‬ول م أك ن أس تغرق‬ ‫وقتا ً طويالً بالداخل‪ ،‬ال أتجاوز الخمس دقائق‪ ،‬أغ سل عن اء الي وم عن ي‬ ‫وأخرج بسرعة ألبس ثوبا ً خفيفا ً وأسرع إليھا مثل الطفل ألمة‪.‬‬ ‫يق

ودني حب

ي إليھ

ا ورجف

ة ال تھ

دأ إال بح

ضنھا وارتعاش

ة ت

ستقر‬ ‫بضمھا وعناقھا‪...‬‬ ‫أحيھ

ا اآلن بقبل

ة ولم

سة ح

ب م

ن عل

ى خ

ديھا‪ ،‬أش

تمھا وأنوثتھ

ا‬ ‫الھائج ة‪ ،‬أش عر برغبتھ ا تمام ا ً مثل ي والت

ي كان ت ت زداد ك ل ي وم أكث

ر‬ ‫وأكثر مثل نيران الصيف تحرق حقول القمح في الشھر الث امن‪ ،‬ني ران‬ ‫ام

رأة ت

شتعل أكث

ر وأل

سنة لھيبھ

ا ت شعلني وال تقتلن

ي‪ ،‬ال ب

ل تحين

ي‬ ‫وأملك العالم بلحظة‪.‬‬ ‫"لقد طھوت لك مما تحب‪ ،‬ھل نأكل اآلن؟"‬ ‫"ھل أنت جائعة؟"‬ ‫"ليس كثيراً‪ ،‬وأنت؟"‬ ‫"وأنا ليس عندي شھية رغم أني جائعا ً جداً"‬ ‫كانت ھي أي ضا ً جائع ة ولك ن غرغ رة ف ي المع دة أق وى م ن حفيفھ ا‬ ‫ولن يطفئھا إال ساعة قبل العشاء‪...‬‬ ‫اس

تلقيت عل

ى ذات األريك

ة جنبھ

ا‪ ،‬أرت

شف رحيقھ

ا‪ ،‬متع

ة النظ

ر‬ ‫بعينيھا وھمساتھا‪...‬‬ ‫‪١٠٣‬‬


‫وتداعبني‪ ،‬تجمل الحياة وتزيدني حيوية‪ ،‬تقبلني‪ ،‬أغرد وأصبح أكث ر‬ ‫ايجابية‪...‬‬ ‫"اقتربي مني" قلت لھا‪.‬‬ ‫ع

انقتني وك

أني س

أفارقھا‪ ،‬يراودن

ي ش

عور ح

زين لث

وان‪ ،‬كأنھ

ا‬ ‫النھاي

ة‪ ،‬تم

ضي الث

واني ب

سرعة ويتجل

ى الح

ب وتمط

ر الرغب

ة مث

ل‬ ‫حبات مطر الشتاء القاسي‪ ،‬أحس بنبض قلبي م ن ش دة الن شوة الطائ شة‬ ‫الالس

معية المح

سوسة‪ ،‬روحي

ة ال أش

رحھا وال أق

در حج

م قوتھ

ا‬ ‫وأبعادھا‪ ،‬يسكت قلبي أو يھرب لوقت م ن ب ين ال ضلوع وي أتي بع د أن‬ ‫أرقد بين يديھا ونصحوا‪...‬‬ ‫ھي أنعم من ردائھا الحريري‪ ،‬ل م أحب ه يوم ا ً عل ى جي دھا‪ ،‬ف ال أنع م‬ ‫وال أرق وال أكثر سطوة علي منھا وظلما ً‪...‬‬ ‫ال سلطة أعل ى م ن س لطة الم رأة‪ ،‬ف وراء ك ل س لطان س يدة‪ ،‬وكلھ ن‬ ‫أبدعن الكذب‪ ،‬جعل ن م ن الح ب م سرحية ن ضحك فيھ ا ونبك ي‪ ،‬نح زن‬ ‫فيھا ونفرح‪ ،‬نع يش الح دث وعن دما نفي ق ال يبق ى لن ا م ن الم رأة س وى‬ ‫دورھا في المسرحية أو حجرة النوم‪...‬‬ ‫أجمل أيام العمر كانت كذبتھا‪ ،‬خدعة امرأة‪ ،‬وقت كان ت بالن سبة لھ ا‬ ‫تجربة مثل كثير تجاربھا‪...‬‬ ‫ب اق‪ ،‬ول م أع رف لحظ ة أن ي كن ت مث ل‬ ‫كان عھداً ذھبيا ً اعتقدت أنه ٍ‬ ‫عاھرة التاجر ورئيس البلدية ونائب البرلمان‪.‬‬

‫‪١٠٤‬‬


‫نتح

دث ع

ن ماض

ي حقيق

ي مل

يء باللحظ

ات والمواق

ف‪ ،‬ال ب

ل كل

ه‬ ‫سعادة‪ ،‬واليوم نعيش ألمه وقساوته في كل حرف ننطق فيه‪ ،‬نفق د ش ھية‬ ‫الطعام والحياة بذكراھا وھي ال يھتز لھا خاطر عند رؤيانا أو ذكرانا‪.‬‬ ‫تمثيلي

ة حقي

رة رخي

صة ثمنھ

ا ش

ھوة ف

اجرة‪ ،‬ون

شوة م

صطنعة‪ .‬أن

ا‬ ‫ال

ذي ذھ

ب للمخب

ز وطل

ب ن

وعين م

ن الخب

ز‪ ،‬األب

يض الم

ستدير‬ ‫واألسمر‪ ،‬وأنا من وضع شريحة الخبز األسمر ب ين ش ريحتيه البي ضاء‬ ‫منھا كي تبدو مثل سندوت شات )الھمبرغ ر(‪ ،‬يران ي م ن يران ي ويتمن ى‬ ‫لي شھية طيبة‪ ،‬والكل يريد شراء الھمبرغر‪...‬‬ ‫لم يك ن ھن اك س وى فطيرت ي‪ ،‬فل يس ھن اك س وى الحم ص والفالف ل‬ ‫سأح ضر فطي رتين فھ ي تب دو لذي ذة واللح م‬ ‫وأنا اليوم بعد انتھاء ال دوام‬ ‫ّ‬ ‫يتقطر من أطراف الخبز‪...‬‬ ‫ويقول لي الجالس في جانبي‪" :‬لقد جلبت لي شھية على )الھمبرغ ر(‬ ‫وأنا لم آكلھا منذ زمن"‬ ‫ال أحد يعلم أن مكونات فطيرتي فقط من الخبز الجاف ويصعب علي‬ ‫ابتالعه‪.‬‬ ‫أنا لم أخدع سوى نفسي‪ ،‬واآلخرين لم يروا سوى الظ اھر من ي وم ا‬ ‫يرى‪.‬‬ ‫يعيدني موج البحر ثانية إلى ضفافه بع د رحل ة ق صيرة بالن سبة لم ن‬ ‫حولي‪ ،‬أدخلتني مياه البحر الھائج إلى زقاق الماضي وشعاب لم أستطع‬ ‫رؤيا كل ما فيھا‪.‬‬

‫‪١٠٥‬‬


‫ورحلة اليوم فتحت لي دروب لم أكن ألسلكھا‪ .‬لم أعد أرى م ن مي اه‬ ‫البحر سوى لمعانھا‪ ،‬فيھا خوف وأمل‪ ،‬رھب ة تجان ست م ع ظلم ة اللي ل‬ ‫أو بصيص أم ل ب اق م ن ب ين النج وم‪ ،‬أو م ن ن صف القم ر ال ذي يب دو‬ ‫وجه باسم‪ ،‬يختفي لحظات وراء الغيوم السود الكاذبات توحي بالمطر‪.‬‬ ‫سرت عل ى الرص يف أراق ب لمع ة م وج البح ر كأنھ ا م رآة لل سماء ال‬ ‫نھاية لھا وال حدود‪...‬‬ ‫أس

ير بمحاذات

ه والح

اجز الحدي

د والقم

ر‪ ،‬كأن

ه ي

سير عك

سي‪،‬‬ ‫ويختفي‪...‬‬ ‫أدق

ق النظ

ر بال

سماء وال أرى س

وى ب

ضع نج

وم متفرق

ات يك

اد أن‬ ‫ينطفئ نورھا‪ ،‬وأبتعد بنظري إلى السماء وإذا ببريق كالنجوم‪...‬‬ ‫إنه القمر ثانية يبدو أكثر جماالً وبري ق‪ ،‬س ر جمال ه ف ي اختفائ ه ب ين‬ ‫الغيوم في الحين واآلخر‪...‬‬ ‫لكنه يعود دائما ً ھالالً‪ ،‬ب دراً مك تمالً وأن ا عل ى ش واطئه بع د ال ساعة‬ ‫الثانية عشر ليالً‪.‬‬

‫‪١٠٦‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫رجع ت إل ى ال سكن بخط اي البطيئ ة‪ ...‬ولم

ا ال سرعة؟ الوق ت ملك

ي‬ ‫وأنا ملك نفسي‪.‬‬ ‫أن ت؟" قل ت لھ ا قب ل‬ ‫دخلت وكانت غراتسيا على االستعالمات "أي ن ِ‬ ‫أن أحيھا‬ ‫"منذ ذلك الحين لم أراك"‬ ‫"نعم‪ ،‬أنا كنت مريضة وفي الفترة ما قبل المرض لم أكن أراك"‬ ‫"ص

رت أخ

رج وال أع

ود إال بع

د منت

صف اللي

ل ف

ي كثي

ر م

ن‬ ‫األحيان‪ .‬رؤياك مرة أخرى مفاجئة سارة بالنسبة لي‪ ،‬في كل م رة عن د‬ ‫خروجي من ھنا وال أراك أتذكرك"‬ ‫"فقط عندما تخرج كنت تتذكرني؟" قالتھا بأسلوب تھكمي مداعب‪.‬‬ ‫"بصراحة! نعم"‬ ‫"كنت أعتقد أنك ستتذكرني دائما ً! كنت أنتظر كل يوم س ؤالك عن ي"‬ ‫تقصد لمزاح‪.‬‬ ‫"لم أعرف أنك مريضة‪ ،‬ھل تعتقدين أني سيء العشرة؟"‬ ‫"ال أنا لم أقل ذلك‪ ،‬أنا أمازحك فقط"‬ ‫كنا الوحيدين في ذل ك الوق ت ھن اك‪ ،‬بقي ت ھ ي جال سة مكانھ ا خل ف‬ ‫طاول

ة االس

تعالمات وأن

ا جل

ست عل

ى األريك

ة ف

ي الل

وج بعي

د عنھ

ا‬ ‫بأمتار‪.‬‬ ‫‪١٠٧‬‬


‫"إذاً كان عندك الوقت الكثير في المنزل!"‬ ‫"نعم كنت أحس طوال الوقت بالضجر ولم يك ن ينق ضي‪ ،‬ك ان الي وم‬ ‫يم

ر مث

ل المط

اط أو مث

ل أول ي

وم عم

ل بع

د إج

ازة طويل

ة‪ ،‬كان

ت‬ ‫تراودني أفكار جنونية كنت أھرب منھا"‬ ‫"لماذا يبدو عليك عدم الرضا؟ ھ ل ھن اك أش ياء ال تري دھا وال حت ى‬ ‫مع نفسك؟"‬ ‫"أفكار كثيرة تجتاحني إذا كن ت وح دي حت ى لب ضع دق ائق‪ ،‬وأتعم ق‬ ‫بھا حتى أني لحظتھا ال أعرف الصواب من الخطأ"‬ ‫"غرات

سيا‪ ،‬لم

اذا ال تجل

سي لج

انبي؟ ف

ي مث

ل ھ

ذا الوق

ت ل

ن ي

أتي‬ ‫أحداً"‬ ‫"نعم‪ ،‬وكل النزالء موجودون وھم ثالثة أو أربعة فقط"‬ ‫أتت وجل ست تق ابلني كأنھ ا انتظ رت دع وتي‪ ،‬ص ار وجھھ ا محم راً‬ ‫خجالً‪.‬‬ ‫"ما الذي يؤرقك ويحيرك؟"‬ ‫"أح

س ب

أن حي

اتي ال معن

ى لھ

ا‪ ،‬أض

حك والع

ب م

ن ص

ميم قلب

ي‬ ‫وعندما أجلس وحدي أحس أني خاوي ة م ن دون ھ دف ف ي الحي اة‪ ،‬ھ ل‬ ‫أخدع نفسي عندما أضحك وألھو؟"‬ ‫"ال ي

ا غرات

سيا‪ ،‬أن

ت تعي

شين حي

اة مفعم

ة كلھ

ا اس

تقرار‪ ،‬ت أكلين‬ ‫وتشربين بشھية‪ ،‬تضحكين وتستمتعين بأيام ك‪ ،‬والف راغ ال ذي تعي شينه‬

‫‪١٠٨‬‬


‫تعرفيه‪ ...‬الرجل‪ ،‬أن ت ف ي عم ر تحت اجين لق صة ح ب أو رفي ق يك ون‬ ‫نقيضك ويتمم عليك شخ صك ويم أل حف ر وثق وب وقت ك ق بالً‪ ،‬ھم سات‬ ‫ولمسات‪ ،‬رج ل ج دير ب ك وسيتالش ى ھ ذا ال ذي ت شكين من ه‪ ،‬طبع ا ً إذا‬ ‫بادلته ذات المشاعر"‬ ‫"قد يكون األمر ھكذا‪ ،‬ولكن أين ھو ذلك الرجل ال ذي تتح دث عن ه؟‬ ‫كلھم ذكور يبحثون عن اللھو والسخافة"‬ ‫"مازلت في مقتبل العمر يا غراتسيا‪ ،‬إذا لم تبدئي اآلن فلن تب دئي‪...‬‬ ‫ھل عندك صديق؟"‬ ‫"ال‪ ،‬كنت قد تعرفت على شاب قبل ثالثة ش ھور ول م ت ستمر العالق ة‬ ‫طويالً فقد انفصلنا في الشھر السالف"‬ ‫"ھل أحببته؟"‬ ‫"ال بالعكس كان بالنسبة لي ھما ً وزال‪ ،‬لم أستطع البقاء معه"‬ ‫"واآلن ما ھي مشاريعك المستقبلية؟"‬ ‫"اآلن ال أفك

ر بعالق

ة عل

ى اإلط

الق‪ ،‬ل

ست بحاج

ة لمث

ل ھ

ذه‬ ‫العالقات‪ ،‬أنا بغنى عن ال دخول ف ي المھ اترات والنقاش ات الفارغ ة‪ ،‬ال‬ ‫أريد صديق كالذي م ضى أو أمثال ه‪ ...‬كلھ م ف ارغين أص الً وس خيفين‪،‬‬ ‫ليس في أذھانھم س وى الج نس‪ ،‬ال ي ستطيع أح دھم أن ي رى ف ي الم رأة‬ ‫غير جھاز جنس متنقل"‬ ‫"ھل كانت تلك العالقة ھي األولى؟"‬

‫‪١٠٩‬‬


‫"ال لم يكن ص ديقي األول‪ ،‬لك ن كلھ م ك انوا كاألطف ال‪ ،‬ص بيانيين ال‬ ‫يعتمد عليم بأقل األمور وأبسطھا‪ ،‬ل يس عن دھم أي ن وع م ن اإلح ساس‬ ‫بالمسؤولية‪ ،‬وكنت بالن سبة ألح دھم مث ل ش يء امتلك وه‪ ،‬مث ل الطاول ة‪،‬‬ ‫الكرس

ي أو أي قطع

ة أث

اث ف

ي البي

ت‪ ،‬ال‪ ،‬ال أري

د أن أعي

د نف

س‬ ‫التجربة‪ ،‬في المرة القادمة سأبحث عن رجل‪ ،‬مثلك مثالً"‬ ‫ابتسمت تقصد المداعبة‪.‬‬ ‫"يسعدني سماع ھذا منك‪ ،‬وأي رجل يسعد بسماع ھذا من فتاة جميلة‬ ‫مثل ك وكلھ

م يتمن

ى أن يك

ون الرج

ل إل ى جانب

ك‪ ،‬وف

ي أيامن

ا ھ

ذه م

ن‬ ‫الصعب أن نجد امرأة مناسبة‪ ،‬وأمثال ك ي ا غرات سيا حقيق ة ن درة‪ ،‬فأن ت‬ ‫جميلة‪ ،‬صادقة‪ ،‬صريحة وذات شخصية جذابة وتقولين ما تفك رين م ن‬ ‫غي

ر ت

ردد‪ ،‬وك

ل ھ

ذه إش

ارات ت

دل عل

ى طيب

ك‪ ،‬سالس

تك وح

سن‬ ‫عشرتك"‬ ‫"ف

ي الحقيق

ة أن

ك أن

ت ال

ذي ف

تح ل

ي الب

اب ف

سكنت س

جيتي ل

ك‬ ‫وأحسست أني أعرفك من قبل وتحدث بطالقة وعفوية‪ ،‬وھذا يعود إليك‬ ‫أنت‪ ،‬فأنت الذي أعطاني ھ ذا اإلح ساس‪ .‬أن ت ح دثتني ع ن نف سك دون‬ ‫حرج في الوقت الذي تھرب الرجال من مث ل ھ ذه األحادي ث خوف ا ً م ن‬ ‫ردود فعل المرأة كأنھا حاكم أو سجان‪ ،‬لم يعرف وا أنن ا ننتظ ر نظ رة أو‬ ‫كلمة حتى ننطلق بالحديث دون انقطاع"‬ ‫"ھل أقرأ لك الكف؟ يا غراتسيا؟"‬ ‫"وھل تستطيع قراءة الطالع؟"‬

‫‪١١٠‬‬


‫"دعيني أحاول"‬ ‫وأقبلت علي‪ ،‬جلست إلى جانبي ومدت يدھا لي‪.‬‬ ‫"ھيا اقرأ لي الطالع‪"...‬‬ ‫م

دت ي

دھا اليمن

ى ل

ي وأن

ا مح

دق بعينيھ

ا وھ

ي تت

ساءل بنظراتھ

ا‬ ‫وتعلوھا ابتسامة رقيقة‪ ،‬نظراتھا متواصلة ساحرة‪ ،‬ال ت رمش وال يھت ز‬ ‫لھا ساكن غير العبق المنبعث من بياض مقلتيھا‪...‬‬ ‫وصرت كالذي يبحث عن الذنب معھا حتى أن داخلي ارتعش واھتز‬ ‫وھذا لم يكن من طبعي‪.‬‬ ‫أخذت يدھا اليسار ھاربا ً من الذي بعينھا وفجوري‪.‬‬ ‫"اآلن سأقرأ لك الكف"‬ ‫"ولماذا اليسار؟"‬ ‫"ألنھا متصلة بالقلب يا عزيزتي"‬ ‫أمسكت يدھا بكلتا يداي‪ ،‬أحكي لھا من نسج خي الي م ن ف رح‪ ،‬ح زن‬ ‫وخيب

ات أم

ل حت

ى س

ال دم

ع عينيھ

ا األخ

رس يتق اطر مث

ل الآلل

ئ‪،‬‬ ‫ ي‬ ‫م

سحتھا ع

ن خ

دھا وھ

ي مطأطئ

ة رأس

ھا قريب

ة من

ي وض

ممتھا عل ّ‬ ‫وأحس

ست ب

دموعھا عل

ى ص

دري‪ ،‬فقبلتھ

ا عل

ى الجب

ين دون أن أس

أل‬ ‫نفسي أو أفكر‪ ،‬فعانقتني بكلتا يداھا وزادت في بكاءھا الصامت‪.‬‬ ‫لم اسألھا‪ ،‬في الوقت الذي صرت أحس بنعومة وجھھا تح ت عنق ي‪،‬‬ ‫لم أعد أعرف الذي يجول في خاطرھا‪...‬‬

‫‪١١١‬‬


‫نعومتھا أخرجتني م ن ب اب ال شفقة وأدخلتن ي إل ى الرذيل ة فأحس ست‬ ‫بھا وقبلتھا مرة أخرى على الجبين ولم تكن كاألولى‪...‬‬ ‫كانت بن شوة‪ ،‬وقبلتن ي عل ى ص دري حي ث أرخ ت رأس ھا‪ ،‬أحس ست‬ ‫بلھيب في جسدي أشعلته بقبلتھا الحارة الغير متوقعة‪.‬‬ ‫"ماذا أفعل؟" سألت نفسي‪ .‬ل م أك ن أتوق ع يوم ا ً أن ي س أبدأ ش يء م ع‬ ‫غراتسيا‪ ،‬فھ ي رقيق ة ج داً وأن ا ال أس تطيع أن أعطيھ ا ال ذي تتمن ى‪ ،‬ال‬ ‫أستطيع أن أكون ذلك الحبيب الذي تنتظره‪.‬‬ ‫وإذا بھ

ا تقبلن

ي وأقبلھ

ا بح

رارة‪ ...‬ھ

دأت‪ ...‬ورم

ت برأس

ھا عل

ى‬ ‫صدري مرة أخرى وضممتھا إلي بعطف ورقة‪ ،‬وقالت ل ي‪" :‬يروادن ي‬ ‫إحساس لم أعرفه من قبل‪ ،‬أحس بلھيب في داخلي وطمأنينة‪ ...‬ما الذي‬ ‫فعلته بي؟"‬ ‫"أنا الذي يجب أن يسأل‪ ،‬ما الذي فعلتيه أنت بي؟"‬ ‫"ال أعلم‪ ،‬أنا لم أعرف رجال مثل ك‪ ،‬أن ت تمل ك إح ساسا ً مرھف ا ً ج داً‬ ‫وق

د فھمتن ي رغ

م معرفتن

ا الق

صيرة ب

بعض‪ ،‬أن

ت أني

ق ف

ي التعام

ل‬ ‫والشخصية وعندك شاعرية جمة‪ ،‬تحملني إلى ع الم ل م أعرف ه وتخ رج‬ ‫بي من محيطي إلى عالمك الجميل‪ ،‬وھ ذا ل م أراه م ن قب ل ف ي الرج ال‬ ‫الذين عرفتھم‪ ،‬لم يكونوا رجال بمعنى الكلم ة‪ ،‬ھ م ص بيان ل م تعت ركھم‬ ‫الحياة‪ ،‬تافھين ال يفكروا إال بأنفسھم"‬ ‫"أال تخافين أن أكون ممثالً‬ ‫ً‬ ‫ممتازا؟"‬

‫‪١١٢‬‬


‫"ال‪ ،‬ال يمكن أن تقطر دموعي أمام أحداً بھذه السھولة‪ ،‬ودموعك في‬ ‫تل

ك الليل

ة ال ت

ستطيع أن تخ

دع أب

داً‪ ،‬وأن

ا ل

م أس

تمع لرج

ل بقلب

ي ق

ط‬ ‫س

واك اآلن‪ ،‬فھ

م ي

راودون كالثعال

ب بك

ذب مك

شوف‪ ،‬حت

ى الك

ذب‬ ‫والخداع لم يتقنوه‪ .‬قد تقتنع الفتاة منا بعض األحي ان بك ذبھم ألنھ ا تري د‬ ‫أن ت

صدق‪ ،‬ونتمن

ى أن تك

ون الكذب

ة محكم

ة حت

ى ال نب

دو ض

عفاء‬ ‫أمامھم"‬ ‫"ماذا أفع ل ي ا رب ي؟ ال أري د أن أعطيھ ا أم الً‪ ،‬ال أري د أن أخ دعھا"‬ ‫صرت أخاط ب نف سي‪" :‬أن ا ل ست ذل ك ال ذي تتمن اه وتعتق ده وغريزت ي‬ ‫األناني

ة ت

أبى إال أن تلب

ي ن

دائھا‪ ...‬ولم

ا ال؟ فھ

ي فت

اة جميل

ة جذاب

ة‬ ‫ومعجبة بي‪ ،‬قد تتفھم يوم ا ً اعت ذاري‪ ،‬أو س تكون لھ ا ص دمة جدي دة أو‬ ‫خدعة لم تعرف مثلھا من قبل وتفقدھا ثقتھا بالرجال تماما ً أو حتى بكل‬ ‫الناس‪.‬‬ ‫ستكرھني وتظلمني‪ ،‬أنا ال أخدعھا إنما أترجم مشاعري وھي أيضا ً‪.‬‬ ‫لماذا يجب على كل من يبدي مشاعره المرأة أن يحبھا؟ وإال فھ و م ن‬ ‫وجھة نظ ر الن ساء خ ائن ومخ ادع‪ ،‬لم اذا ال ت ستطيع الم رأة فھ م أش ياء‬ ‫تكون تحت الحب وفوق اإلعجاب؟ لماذا؟‬ ‫ھ

ل م

شروط بھ

ذه الم

شاعر أن يوازيھ

ا الح

ب؟ ق

د تك

ون لحظ

ات‬ ‫جميلة نعيشھا‪ ،‬ونست سلم لھ ا‪ ،‬فكلن ا يع يش س اعات س عيدة ق د نفع ل بھ ا‬ ‫الكثير ولوال ھذا َلم كانت بحجم الفرحة الحاضرة‪...‬‬ ‫وتتالش

ى ك

ل ھ

ذه األحاس

يس المرھف

ة عن

دما نت

رك بع

ضنا وقتھ

ا‪،‬‬ ‫ونبدأ من جديد في طريق مختلف مع امرأة أخرى‪.‬‬ ‫‪١١٣‬‬


‫نحن لسنا مسؤلون عن ھذه اللحظات التي ُتنمي بداخلنا أشياء جميل ة‬ ‫تتشتت أحيانا ً كثيرة بأسرع من تصورنا‪.‬‬ ‫نحن غي ر م سؤلون ع ن االنقالب ة ف ي الم شاعر ب ين ي وم وليل ة مث ل‬ ‫موج ھاج أو ساكن مثل وجه الساحرة‪...‬‬ ‫ھل ھو ذنب أن نشعر باآلخرين ونتعايش معھ م؟ نع يش آالمھ م ول و‬ ‫للحظات أو نشوة لم تمن بالحسبان؟‬ ‫قد تنموا وتكبر وتغي ر م ن ش كل الحديق ة وترتيبھ ا أو ق د تبق ى عل ى‬ ‫شكلھا وبأوراقھا السبع تماما ً مثل يوم غرستھا‪.‬‬ ‫"س

لوان‪ ،‬م

ا ال

ذي ي

دور بخ

اطرك اآلن؟ ھ

ل تعتق

د أن

ي مھوس

ة؟‬ ‫متسرعة؟ أو أقبل أول رجل يقابلني؟ أخبرني أرجوك! أنا لست كذلك"‬ ‫"غراتسيا‪ ،‬أنا لم أفكر بھ ذا الطريق ة عل ى اإلط الق‪ ،‬فأن ا أؤم ن بأنن ا‬ ‫نقاب

ل أش

خاص بحياتن

ا وم

ن أول م

رة نجل

س أم

امھم نح

س باالرتي

اح‬ ‫واللط

ف تج

اھھم‪ ،‬رج

ال أم ن

ساء عل

ى ح

د س

واء‪ ،‬والزم

ان قي

د دلي

ل‬ ‫علينا‪ .‬أنا أعجبت بك من أول ليل ة دخل ت بھ ا ھن ا‪ ،‬رغ م أن ي كن ت ف ي‬ ‫حالة لست على استعداد أن أنظر بوجه أي امرأة‪ ،‬وال أريد أن أبالغ في‬ ‫كالمي‪ ،‬بعد أن دخلت الغرفة راحت كل أفكاري التي كانت معك‪ ،‬فكان‬ ‫الكثير يشغلني ومازال"‬ ‫"أنا لم أنسى الحوار الذي دار بيننا‪ ،‬ذھبت إلى البيت وبقيت حروفك‬ ‫ترافقني مردد بعضھا أحاول فھمھا‪ ...‬أو فھمك أو تفھم الرجل الذي ل ه‬ ‫مث

ل ھ

ذه ال شفافية‪ ،‬كأنھ

ا م

ن زب

د البح

ر خلق

ت م

ن رقتھ

ا‪ .‬وم

ن ذل

ك‬

‫‪١١٤‬‬


‫الوقت أحببت أن أراك مرة أخرى وأستمع إليك علي أطم ئن بأن ك أن ت‬ ‫الذي أتخيله‪ ،‬الذي يترك انطباع عند اآلخرين دون الحديث أو التأش ير‪،‬‬ ‫أو قد تكون ماھراً في ترتيب الحروف ورسم الكلم ات‪ ...‬وأن ا ال أعتق د‬ ‫ب

أن كتل

ة الحن

ان ھ

ذه المرھف

ة وال

ذي أض

ع رأس

ي عل

ى ص

دره اآلن‬ ‫ويعطيني إحساس بأني وليدة اليوم يتقن الكالم فحسب‪ ،‬ويداك تالم سني‬ ‫دون رجفة‪ ،‬انفعال أو اضطراب الذي ال يظھر إال م ن ص غار الرج ال‬ ‫وأش

باھھم‪ ،‬عناق ك في

ه رحم

ة وعطف

ا ً أكث

ر م

ن الج

نس ال

ذي ال ينك

ره‬ ‫كالنا‪ .‬أال يكفيني ھذا الشعور وأنا مطمئنة بجانبك وبين ذراعيك؟"‬ ‫"ليس كل ال ذي ت صفيه مبالغ ة! لق د دخل ت ألعم اقي وعرف ت ق رارة‬ ‫نفسي‪ ،‬لكن ليس كل امرأة تستطيع أن ترى الذي تريه اآلن أو تعي شيه‪،‬‬ ‫فكث

رة الوض

وح أحيان

ا ً ق

د ت

وحي ب

الغموض! ق

د يعج

ز أح

دنا أحيان

ا ً‬ ‫للوصول إلى حلقة الوصل التي يتبين من خاللھا عتمة الليل من وض ح‬ ‫النھار‪ ،‬قد تكون الثقة باآلخرين! وإن كانا في آن واح د فق د ت ستطيع أن‬ ‫تخرج بذات النتيجة التي خرج ت بھ ا أن ت‪ .‬لق د فوجئ ت بجرأت ك الغي ر‬ ‫متوقعة"‬ ‫"أن

ا ل

ست جريئ

ة‪ ،‬إنم

ا أن

ت ھ

و الج

ريء‪ ،‬فق

د أعطيتن

ي اح

ساس‬ ‫وسرقت مني الحرج والخجل فأقبلت عليك من غير تردد ألني وقتھا لم‬ ‫أرى نف

سي أو أراقبھ

ا‪ ،‬فق

د أوص

لتني لھ

ذه المرحل

ة ألن

ك تق

دم عل

ى‬ ‫الم

رأة وكأنھ

ا طفلت

ك وت

سيرھا ف

ال تمل

ك إال أن تطي

ع‪ ،‬إن

ك ال تع رف‬ ‫الخ

وف م

ن الن

ساء‪ ،‬فأن

ت تق

دم ف

ي لحظ

ة تك

ون مت

يقن أن

ك ل

ن ُت رد‪،‬‬ ‫مواس

يا ً‪ ،‬عارف

ا ً وواثق

ا ً م

ن نف

سه وم

ن ردود فع

ل األنث

ى الت

ي تقابل

ك‪،‬‬ ‫وھ

ذا ال

شيء ال

ذي ي

ضعف الن

ساء‪ ،‬أن

ت ت

زرع ال

شجاعة بقل

وبھن‬ ‫‪١١٥‬‬


‫بلحظات فيصلن إلى ما وصلت أنا معك‪ ،‬جلست بين يديك كأن ك ق ديس‬ ‫يحمل الشفاعة لروحي دون س ؤالي ع ن ذنب ي‪ ،‬ي صفح عن ي ويت ضرع‬ ‫ل

ي عن

د ‪ ،S‬أجل

س ب

ين ي

ديك وأص

غي إلي

ك ب

صوتك الم

تمكن م

ن‬ ‫القلوب‪ ،‬ال أملك إرادة سوى التي تمنحن ي أن ت إياھ ا‪ ،‬كأن ك ال ذي ش ھد‬ ‫والدتي وت سبيحي‪ ،‬أنظ ر إلي ك وأقبل ك دون أن أخ اف م ن الغ د‪ ،‬دعن ي‬ ‫أقبلك أكثر وأالمس يديك أكثر‪ ،‬اعشقني أنت أكثر وليرضى عني ‪ S‬أو‬ ‫يغضب أكثر"‬ ‫بقين

ا نت

سامر ونتب

ادل ت

ارة الك

الم وأخ

رى القب

ل‪ ،‬ت

ضمني وأتلفعھ

ا‬ ‫حتى كشفنا ضوء الفجر مثل قبة األقصى من غير أن نعيه‪.‬‬ ‫أشرق الفجر وبعد قليل سيحل النھار‪" :‬ھل ستبقى غرات سيا كم ا ھ ي‬ ‫اآلن؟" سألت نفسي‪" :‬أم سيأتي الوضوح وتذھب السفوح؟"‬ ‫

ك حلم

ا ً زار خيالت

ي‪ ،‬أو س

أفيق عل

ى‬ ‫"سأص

حو بع

د قلي

ل وإذا ب ِ‬ ‫صفحة أو قطعة أدبية أن ت م ن ألھمن ي إياھ ا‪ .‬ب أي وج ه س أراك ع شية‬ ‫الي

وم؟ س

أذھب إل

ى البح

ر وس

آتي قب

ل منت صف اللي

ل وس

أجدك عل

ى‬ ‫رأس عمل

ك‪ ،‬س

أحييك وت

ردي تحيت

ي‪ ...‬س

تعطيني مفت

اح غرفت

ي"‬ ‫ستقولين لي‪" :‬تفضل يا سلوان‪ ،‬ليلة سعيدة"‬ ‫"سأص

عد ال

درج ويقين

ي ب

أن تل

ك الليل

ة حت

ى الفج

ر ل

م تك

ن س

وى‬ ‫خاطرة مؤثرة كتبتھا وأنا ناظراً بعينيك"‬ ‫"سلوان ليس من العادة أن تحكي كالما ً من غير معنى"‬ ‫كانت تضحك أثناء كالمھا‪.‬‬

‫‪١١٦‬‬


‫"أنا لن أتغير‪ ،‬لقد بحت لك بمشاعري وصدقني لم يك ن س ھالً عل ّي‪،‬‬ ‫وأنا لست فتاة لع وب ألجع ل م ن أحاسي سك ص حيفة أو رواي ة أطالعھ ا‬ ‫حت

ى ينق

ضي عمل

ي‪ ،‬س

لوان اذھ

ب لفراش

ك‪ ،‬اآلن س

يأتي )‪،Georg‬‬ ‫يورغو( ليبدأ عمله وليس من الضروري أن يرانا بھذه الحالة"‬ ‫اتجھت نحو جھاز الكفي ميكر‪.‬‬ ‫"أنتظر سلوان أنا سأعطيك قھوة بنكھة الشوكوالة"‬ ‫وقفت واتجھت خلف طاولة االس تعالمات وانحن ت لألس فل وتناول ت‬ ‫فنجان من ھناك وصبت فيه القھوة‪ ،‬فقد كانت جاھزة في إبري ق حافظ ا ً‬ ‫للحرارة‪ .‬تفضل يا سلوان‪ ،‬ھذه قھوتي المفضلة"‬ ‫أخذت القھوة من يدھا وكنت أقف أمامھا‪.‬‬ ‫"شكراً يا غراتسيا‪ ،‬غداً سأقول لك عن مذاقھا‪ ،‬متفقين؟"‬ ‫"متفقين‪ ،‬أتمنى لك أحالم سعيدة"‬ ‫اتجھت نحو الدرج وأخلف نظراتي عندھا‪.‬‬ ‫"وأنا أتمنى لك أيضا ً أحالم سعيدة"‬ ‫"ألم تنسى شيء؟"‬ ‫"ال" أجبتھا وصرت ألمس بثيابي‪" :‬وماذا تراني نسيت؟"‬ ‫"أال تريد أن تقبلني قبل أن تذھب"‬ ‫أحسست بالحرج وأحمر وجھي‪ .‬قبلتھا بنعومة وشفافية‬

‫‪١١٧‬‬


‫"ھل تعلمين كم أسعدني أنك طلبتي مني أن أقبلك؟"‬ ‫وضعت الفنجان على الطاولة ووضعت كلتا يداي على خديھا "شكراً‬ ‫يا غراتسيا على شفافيتك ورقتك"‬ ‫"سيأتي بأي لحظة يورغو"‬ ‫أمسكت يدھا وصرت أستل يدي منھا شيء فشيئا ً وتراودني أفكار ال‬ ‫أعرف من أين أبدأ بھا‪.‬‬ ‫ذھب ت وأن

ا أش

عر أنھ

ا مازال

ت تق

ف تنظ

ر إل

ي‪ ،‬ل

م أنظ

ر للخل ف‬ ‫علي أصحو في الغد وكأن الذي دار اليوم حلما ً‪.‬‬ ‫وتابعت صعود الدرج ّ‬ ‫دخل

ت الغرف

ة المعتم

ة المغلق

ة ناف

ذتھا‪ ،‬جل

ست عل

ى حاف

ة ال

سرير‪،‬‬ ‫خلعت حذائي وكأن عيناھا مازالت أمامي‪ ،‬رميت بجسدي المنھك عل ى‬ ‫السرير وكلماتھا تدوي ف ي أذن ي‪ ،‬لم سات ي ديھا عل ى ج سدي‪ ،‬أرت شف‬ ‫القھ

وة وأراھ

ا ف

ي الفنج

ان ت

ارة مبت

سمة وأخ

رى باكي

ة ت

سألني‪" :‬أال‬ ‫تقبلني؟"‬ ‫وإذا بأح

د يق

رع الب

اب ف

ي ھ

دوء كأن

ه ال يري

د إزع

اجي‪ ،‬وقب

ل أن‬ ‫أنھض تساءلت‪" :‬م ن ذا ال ذي يق رع ب ابي؟" وف ي نف س الوق ت اتجھ ت‬ ‫نحو الباب‪" :‬قد تكون موظفة النظافة"‬ ‫فتحت الباب واستدرت‪ ،‬وإذا بمن يحضنني من الخلف‬ ‫"من كنت تنتظر؟ ھل فرحت عندما قلت لك أني سأذھب إلى البيت؟‬ ‫ھل شعرت بالخالص؟ ال‪ ...‬أنا لن أتركك تنام"‬

‫‪١١٨‬‬


‫وكانت تقصد المداعبة‪.‬‬ ‫علي وال حتى في خيالي"‬ ‫"لم أتوقع أنك ستدخلين ّ‬ ‫"قد يكون خيالك ضيقا ً! فخيالي إخطبوط كبير متمكن من قعر البح ار‪،‬‬ ‫ينال كل ما يريد"‬ ‫وضعت يداي في شعرھا وقلت‪" :‬أنت مجنونة‪ ،‬ھل راءاك يورغو؟"‬ ‫"م

اذا تعتق

د؟ م

ن الطبيع

ي أن يران

ي‪ ،‬لكن

ي تركت

ه من

شغالً بجھ

از‬ ‫الحاسوب وأتيت إليك مثل الحمامة الضالة العائدة إلي عشھا"‬ ‫أجلستھا على حافة السرير بجانبي‪ ،‬صرت أنظ ر إليھ ا وص راخ ف ي‬ ‫داخلي وھدوء أصطنعه وشھوة عارمة فاجرة‪ ،‬ظالم يدخل في ه خط وط‬ ‫ش

عاع ش

مس م

ن ناف

ذة س

جن نبط

ي تغطي

ه ش

باك العنكب

وت حي

ث ال‬ ‫أنتظر أي امرأة من المدينة‪...‬‬ ‫تغت

صبني دخلتھ

ا وتھزمن

ي نف

سي‪ ،‬ت

صرعني ش

ھوتي الھارب

ة إل

ى‬ ‫النار وھي تكفي لترسم على الحائط فحشي وجرمي‪...‬‬ ‫صحوت بعد نوم عميق‪ ،‬أيقظتن ي رائح ة الخطيئ ة وأنوث ة غرات سيا‪،‬‬ ‫يديھا ملتفة حول عنقي‪...‬‬ ‫ھي ال تنوي قتلي إنما أعادتني لبقايا حبي‪ ...‬ص ار غط ائي م ن ب رد‬ ‫ليلة األمس جسدھا األمرد وصابون الفراش ووجھي إلحاد ليلتي‪.‬‬ ‫نظ

رت إليھ

ا وعينيھ

ا مغلق

ة واس

تدارت خ

ديھا البريئ

ة وعالم

ات‬ ‫اإلرھاق تبدو تحت وجنتيھا‪...‬‬

‫‪١١٩‬‬


‫جسدھا النصف عاري‪ ،‬فالغطاء كان لي وحدي‪ ،‬جسدھا ملتوي على‬ ‫نصفي‪.‬‬ ‫لقد بدأت معي طريقا ً لن يكون سھالً‪ ،‬س تعاني في ه‪ ،‬ل ن يك ون ملتھب ا ً‬ ‫مثلھا ألنھا ال ترى سوى ما يرى القناص من بين األشجار‪.‬‬ ‫أنظ

ر إليھ

ا وأع

ود ب

ذاكرتي ال ى حج

رة ن

ومي‪ ...‬فيھ

ا نف

س الب

راءة‬ ‫والتواءة الجسد‪.‬‬ ‫كن

ت أقبلھ

ا عل

ى الجب

ين ال أري

دھا أن ت

صحو‪ ،‬أبتع

د عنھ

ا مت

سلالً‬ ‫ببطء م ن فراش نا مث ل ثعل ب يترق ب دج اج الف الح‪ ،‬أع ود إليھ ا بع د أن‬ ‫أكون قد تجھزت للخروج لبداية يوم جديد‪.‬‬ ‫أدخ ل لفراش ھا ب

نفس الطريق ة الت

ي خرج ت منھ ا وأس

ترق قبل ة م

ن‬ ‫ش

فاھھا م

ن غي

ر أن تفي

ق‪ ،‬وأول م

ا تترب

ع ش

فاھي عل

ى ش

فاھھا‬ ‫تصحو‪...‬‬ ‫تفتح عينيھا وتضع يديھا على وجھي وتقول‪" :‬تعال‪ ،‬دعني اح ضنك‬ ‫دقائق قبل أن تذھب"‬ ‫"لم أرد أن اوقظك حبيبتي"‬ ‫وأنا كنت أنتظر ھذه القبلة وھي طاقتي ليومي حتى أعود‪.‬‬ ‫"أش

عر بنظرات

ك إل

ي رغ

م أن

ي مغلق

ا ً عين

اي‪ ،‬أدع

و ال

رب أن ال‬ ‫يحرمن

ي م

ن ھ

ذا اإلح

ساس‪ ،‬أن

ت تعتق

د أن

ي ف

ي س

بات عمي

ق‪ ،‬أن

ت‬ ‫مخط

ئ ي

ا زوج

ي‪ ،‬فأن

ا أنتظ

رك حت

ى ت

دخل ف

ي أح

ضاني وتالم

سني‬ ‫وتتأملني وتخرج"‬ ‫‪١٢٠‬‬


‫وإذا بجسد غراتسيا يتحرك فأعادتني رعشتھا إلى ذاتي ونعومتھا‪.‬‬ ‫ھا أنا أعاص رھا‪ ،‬ف ي األس فل ف ي الل وج وعل ى األريك ة‪ ،‬تقبلن ي ت ارة‬ ‫وأخ

رى تبك

ي وف

ي غرفت

ي وعل

ى س

ريري يراق

صنا الج

ن وتزينن

ا‬ ‫الشياطين‪ ،‬وأخذت آخر قطرة خجل وحرج وخوف منا وذھبت‪...‬‬ ‫عارية نائمة بين يدي في فراشي ويھتز آخر جفن منھا وتصحو‪.‬‬ ‫"صباح الخير يا جميلة‪ ،‬جميل أن أراك عل ى وس ادتي‪ ،‬تل ك الجميل ة‬ ‫الت

ي تعم

ل ف

ي االس

تعالمات بلباس

ھا الرس

مي المم

ل‪ ،‬واآلن ترت

دي‬ ‫صدري والشال على عنقھا ذراعي"‬ ‫"أحقا ً ما تقول؟"‬ ‫أن ت أنيق ة عل

ى رأس عمل ك وعط رك الف

واح فاض ح‪ ،‬وعن دي ھن

ا‬ ‫" ِ‬ ‫فاتن

ة وع

رق ج

سدك م

ن الياس

مين‪ ...‬خل

ق ‪ S‬جي

دك م

ن ال

سحاب‬ ‫والرق

ود بجانب

ك ث

ورة عل

ى الرق

ة واألنوث

ة وال

تمعن بب

شرك المل

وكي‬ ‫قدس

ية واإلح

ساس بوج

ودك خراف

ة وعھ

داً ق

ديما ً أعاص

ره‪ ،‬أس

تحقه‬ ‫وأعرف ق دره‪ .‬كن ت أرى في ك رق ة وحن ان وش كا ً فيھم ا يراودن ي‪ ،‬أم ا‬ ‫اآلن‪"...‬‬ ‫مازالت صامتة تظھر وبدا عليھا شيء من عدم الرضى‪.‬‬ ‫"ھل خاب ظنك بي؟ أنا لم أتصور أنك‪ ...‬أنت‪"...‬‬ ‫وصارت تومئ برأسھا مثل الذي انكسر خاطره‪.‬‬ ‫"ماذا بك يا غراتسيا؟ إنك أكثر حنانا ً‪ ،‬عطفا ً ورقة من تصوري"‬

‫‪١٢١‬‬


‫وض

حكت وك

م ھ

و خفي

ف ض

لھا وجمي

ل مب

سمھا‪ ،‬س

لس ح

ديثھا‪،‬‬ ‫خلقھا للمواقف واألحاديث وتغيير األحداث وقلب التاريخ كما تحب ھي‬ ‫وترضى‪.‬‬ ‫"كم الوقت اآلن؟" قالت غراتسيا‪.‬‬ ‫استدرت للخلف نحو ھاتفي الخلوي ألن ي ل م أحم ل س اعة‪ ،‬ونظ رت‬ ‫لساعة ھاتفي‪" :‬الحادية عشر وثالثة وأربعون دقيقة"‬ ‫"أنا مازلت مرھقة"‬ ‫كانت تتكلم وھي نصف نائمة وعينيھ ا مغلقت ين‪ ،‬وض عت ي دي عل ى‬ ‫ظھرھا وصرت أالمسھا‪ ،‬أشعرھا بوجودي‪" :‬نامي" قلت لھا‪.‬‬ ‫"ال أريد أن أصحو"‬ ‫كان

ت ت

تكلم مخ

درة ال تك

اد تنط

ق بن

صف الح

روف‪ ،‬فتح

ت عينيھ

ا‬ ‫قليالً وعاودت أغلقتھم ثانية وراحت بسبات عميق‪.‬‬ ‫لم أستطع البقاء في السرير رغ م أن ي ل م أن م س وى س اعتين‪ .‬ذھب ت‬ ‫إلى الحمام واغتسلت وھي في نومھا‪.‬‬ ‫جل

ست عل

ى ط

رف الناف ذة‪ ،‬وأول م

ا نظ

رت للخ

ارج ودون تفكي

ر‬ ‫ص

رت أبح

ث ع

ن الفت

اة ذات ال

وجھين ف

ي باح

ة المطبع

ة والمطع

م‬ ‫الصيني‪.‬‬ ‫خاو ممل كأنه مھجور منذ سنين‪ .‬نزلت إلى الل وج‬ ‫كان المكان ھناك ٍ‬ ‫وكان يورغو على االستعالمات‪.‬‬

‫‪١٢٢‬‬


‫"صباح الخير يورغو"‬ ‫"صباح الخير سلوان"‬ ‫"يورغو أريد دلة قھوة‪ ،‬ھل باإلمكان أن تبيعني؟"‬ ‫"ھل تعني دلة ممتلئة؟"‬ ‫"نعم يورغو‪ ...‬ھل ھذا ممكن؟"‬ ‫"سأح

ضر ل

ك ح

االً‪ ،‬نح

ن نق

دمھا لزبائنن

ا بالمج

ان‪ ،‬إن أردت أن‬ ‫تذھب لغرفتك سأحضرھا لك ھناك بعد قليل"‬ ‫"ال‪ ...‬ال داعي‪ ،‬سأنتظر"‬ ‫ل

م أرد أن ي

رى غرات

سيا ف

ي فراش

ي‪ .‬جل

ست أنتظ

ر حت

ى أح ضر‬ ‫القھوة ف ي الح ال م ن المط بخ‪ ،‬يب دو أنھ ا كان ت ج اھزة‪ ،‬أعط اني إياھ ا‬ ‫وفنجان‪.‬‬ ‫"يورغو ھل باإلمكان أن تعطيني آخر؟"‬ ‫ذھب إلحضاره من دون أن يسألني‪ ،‬وعند عودته رأيت ال سؤال ف ي‬ ‫عينيه‪.‬‬ ‫"لمن الفنجان اآلخر يا سلوان؟ إذا سمحت لي بال سؤال طبع ا ً‪ ،‬أن ا ل م‬ ‫أرى أحداً حتى اآلن دخل المھج ع‪ .‬س لوان خ ذ مع ك س كر وحلي ب م ن‬ ‫على الطاولة‪ ،‬من العبوات الصغيرة"‬ ‫أخذت الفنجان من يده وحفنة من العبوات الصغيرة‪.‬‬ ‫"شكراً يورغو"‬ ‫‪١٢٣‬‬


‫ذھبت وأجبته على سؤاله بسؤال‪" :‬متى بدأت العمل اليوم؟"‬ ‫ولم أنتظر أثناء صعودي الدرج‪ ،‬كأنه عرف أني ھربت من اإلجابة‪.‬‬ ‫دخل

ت الغرف

ة وش

عاع ال

شمس س

اطع فيھ

ا‪ .‬وض

عت القھ

وة عل

ى‬ ‫المنضدة المربعة المحايدة للسرير‪ ،‬صببت لنفسي فنجان ا ً وجل ست عل ى‬ ‫حاف

ة الف

راش وق

صدت إص

دار األص

وات ت

ارة م

ن الفن

اجين وأخ

رى‬ ‫حركتي بجانبھا كي أوقظھا‪ ...‬دون جدوى‪ ...‬لم تستيقظ‪.‬‬ ‫قبلتھ

ا عل

ى الجب

ين أكث

ر م

ن م

رة ول

م ت

صحو‪ ،‬اض

طجعت جنبھ

ا‬ ‫وساقاي على األرض‪...‬‬ ‫بنصف قامتي‬ ‫ّ‬ ‫"غراتسيا‪ ،‬يا حلوة"‬ ‫صرت أالمس خديھا وأمعن النظر في وجھھا البريء‪.‬‬ ‫"أنت يا ابنة أثينا! يا جميلة اليونان استيقظي"‬ ‫بدأت تھز بأكتافھا وأنا أحسس عل ى ش عرھا المبعث ر عل ى وس ادتي‪،‬‬ ‫صارت تعود لنفسھا شيء فشيء‪...‬‬ ‫ما أجمل صحوتھا‪ ،‬كأنھا أميرة عائدة م ن ع صر النھ ضة ون شوتي‪،‬‬ ‫أو لحظتي‪.‬‬ ‫"لقد أحضرت لك قھوة‪ ،‬أال تحبين أن تشربي قھوتك معي؟"‬ ‫صارت تسحب جسدھا ألعلى السرير‪.‬‬ ‫"بلى‪ ،‬ھل أحظرت القھوة من أسفل‪ ،‬من )الكفي ميكر(؟"‬ ‫"ال‪ ،‬لقد أعطاني إياھا يورغو من المطبخ‪ ،‬أعطاني دلة كاملة"‬ ‫‪١٢٤‬‬


‫"ھل سألك عني؟"‬ ‫"ال‪ ،‬لكنه كان متسائالً عن الفنجان الثاني"‬ ‫"أعطني قميصا ً أرتديه لو سمحت"‬ ‫"ھل ترتدي قميصي؟"‬ ‫"نعم‪ ،‬أريد أن أرتدي أحد قمصك"‬ ‫أعطيتھا أحد قمصاني‪ ،‬وضعته على جسدھا المالئكي الناعم وأغلقت‬ ‫بعض أزراره‪.‬‬ ‫"تب

دين جميل

ة بقمي

صي ي

ا غرات

سيا‪ .‬خ

ذي القھ

وة‪ ،‬ل

م أض

ع عليھ

ا‬ ‫شيء"‬ ‫"أريد قليل من الحليب‪ ،‬لو سمحت!"‬ ‫وضعت لھا عبوة حليب واحد في فنجانھا‪.‬‬ ‫"ھل يكفي واحدة؟"‬ ‫"نعم‪ ،‬يكفي شكراً"‬ ‫حملت قھوتھا بكلتا يديھا المغطاة بأكم ام قمي صي مث ل الطفل ة بثي اب‬ ‫والدتھا‪.‬‬ ‫صرت أسترق النظر إليھا وھي ترتشف وترتجف أحيان ا ً ك أن ليلتھ ا‬ ‫كانت في الثلوج‪.‬‬ ‫"ما ھو برنامجك اليوم يا غراتسيا؟"‬

‫‪١٢٥‬‬


‫"ال أعلم لغاي ة اآلن‪ ،‬أري د البق اء مع ك‪ ،‬وھ ذا ال ذي أعرف ه‪ ،‬أري د أن‬ ‫أكون معك‪ ،‬ھنا‪ ،‬في الخارج‪ ،‬في الشوارع وبين الحانات"‬ ‫ ي‬ ‫وض

عت قھوتھ

ا عل

ى المن

ضدة عل

ى ش

مالي ومال

ت ب

صدرھا عل ّ‬ ‫حتى تتمكن من الوصول‪.‬‬ ‫"عانقني‪ ،‬ال أري د أن أع ود للبي ت‪ ،‬أري د أن أبق ى مع ك ھن ا‪ ،‬ال أري د‬ ‫رؤية أحدا سواك"‬ ‫كنت أحس أنھا تعني ما تقول‪ ،‬كانت جوارحھا لحظتھا شھود عليھا‪.‬‬ ‫"غرات

سيا‪ ،‬أن

ا أحب

ذ الخ

روج‪ ،‬ولك

ن مع

ك‪ ،‬أود ل

و نخ

رج للھ

واء‬ ‫الطلق"‬ ‫"وأنا أري د أن أك ون مع ك‪ ،‬س أعمل الي وم وغ داً أرب ع س اعات فق ط‪،‬‬ ‫حسب برنامج العمل‪ ،‬وفي بح ر األس بوع عن دي ي ومين عم ل‪ ،‬س نكون‬ ‫طوال الوقت سويا ً"‬ ‫ص

رت أح

س بخ

وف م

ن طي

ات ح

ديثھا‪ ،‬خوف

ا ً عليھ

ا‪ .‬ل

ن تتغي

ر‬ ‫معاملتي معھا‪ ،‬وإن تغيرت فلألفضل‪ ،‬الشيء الذي يؤرقني ھي تمنياتھا‬ ‫معي‪ ،‬فھي تنتظر الكثير من المشاعر واألحاس يس‪ ،‬وھ ذا ال شيء ال ذي‬ ‫ال أملكه وال سطوة لي عليه‪.‬‬ ‫ل ن أس بب لھ ا ألم ا ً‪ ،‬س أخلق لھ ا أم الً ال أري ده وس يعذبني‪ ،‬ل ن أك ون‬ ‫شديداً صريحا ً وأجرحھا‪.‬‬

‫‪١٢٦‬‬


‫ھل أخدع نفسي وأخدعھا؟ أم كليھا؟ وأنا من س يدفع ال ثمن يوم ا ً م ا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫م ساءت وھ ي عل ى األريك ة بج انبي‪ ،‬ول ن يك ون‬ ‫سأبوح لھ ا ف ي أح د ال‬ ‫الصدق سھالً‪...‬‬ ‫"غراتسيا‪ ،‬أنت اليوم صاحبة الق رار ف ي ذھابن ا وإيابن ا‪ ،‬كم ا تعلم ين‬ ‫أنا ال أعرف المدينة مثلك‪ ،‬حتى أني ال أعرف سوى شارعين فيھا"‬ ‫"أن

ا ال يھمن

ي أي

ن ن ذھب‪ ،‬المھ

م أن

ا أك

ون مع

ك‪ .‬ل

ن آخ

ذك لمك

ان‬ ‫غريب علي ك‪ ،‬س آخذك لبقعت ك المحبب ة‪ ...‬للبح ر‪ ،‬ھن اك حي ث المق اھي‬ ‫المطلة على الالنھاية‪ ،‬حيث ال سماء تع انق المي اه وم وج البح ر يالم س‬ ‫وج

ه القم

ر ف

ي س

اعات اللي

ل وعتم

ة منت

صفه ش

اھداً‪ ،‬وإن اختف

ت‬ ‫األنظار"‬ ‫جھزن

ا للخ

روج‪ ،‬وج

ال ف

ي خ

اطري س

ؤال‪" :‬غرات

سيا ھ

ل نخ

رج‬ ‫سويا ً من ھنا؟"‬ ‫أمسكت بيدي بكل ثقة وسرنا نح و األس فل‪ .‬س ألتھا ألن ي كن ت أعتق د‬ ‫أنھا تريد أن تخفي عالقتنا‪.‬‬ ‫"ھل تعتقد أن ي أخ اف أو أتحاش ى م ا س يقول يورغ و أو غي ره؟ ھي ا‬ ‫لنذھب فأنا أريد أن أطير لو كان بإمكاني"‬ ‫كانت خطاھا أسرع مني وھي تشدني خلفھا مثل طفلھ ا حت ى ص رنا‬ ‫أمام يورغو‪.‬‬ ‫"صباح الخير يورغو"‬

‫‪١٢٧‬‬


‫حيت

ه غرات

سيا دون أن تق

ف وتابع

ت م

سيرھا مع

ي‪ ،‬وف

تح عيني

ه‬ ‫منبھراً من خروجنا سويا ً ويدھا بيدي‪.‬‬ ‫"مرحبا ً يا غراتسيا"‬ ‫حياھا اآلخر مندھشا ً ولم ينطق بكلمة واحدة بعدھا‪ ،‬ل م يك ن الموق ف‬ ‫متوقع

ا ً بالن

سبة ل

ه‪ ،‬فالھيئ

ة العام

ة لخروجن

ا أمام

ه ك

ادت أن تفق

ده‬ ‫صوابه‪.‬‬ ‫كان

ت ت

سير ب

سرعة‪ ،‬ومازال

ت ت

شدني خلفھ

ا‪ .‬دخلن

ا ال

شارع حي

ث‬ ‫المطعم الصيني والمطبعة التي تعمل بھا الفتاة‪.‬‬ ‫"غراتسيا ال تسرعي‪ ،‬أبطئي خطوتك‪ ،‬ولما السرعة؟"‬ ‫أخذت بيدھا ناحية المطعم حتى أتجنب المرور من أمام المطبع ة‪ ،‬ال‬ ‫أريد أن تراني تلك الفتاة‪.‬‬ ‫أكملنا الشارع حتى النھاي ة‪ ،‬وأدخلتن ي ف ي زق اق ص غير م ؤدي إل ى‬ ‫ش

ارع ع

ريض مفت

وح وكأن

ه ب

ال نھاي

ة‪ ،‬ال أرى أم

امي غي

ر ال

سماء‪،‬‬ ‫ھواء طلق ونساء نصف عاريات‪ ،‬حوانيت كثيرة وال وجود للسيارات‪،‬‬ ‫ھو للمشاة فقط‪.‬‬ ‫ال أرى أمامي س وى ص فاء ال سماء ولمع ان فيھ ا كأنھ ا تعك س وج ه‬ ‫البحر‪.‬‬ ‫قربنا شيء فشيئا ً إلى البحر‪ ،‬ما زلن ا ل م ن راه‪ ،‬ن سمع ص خبه‪ ،‬موج ه‬ ‫والھدير‪.‬‬

‫‪١٢٨‬‬


‫األج

واء ھن

ا تلف

ت النظ

ر م

ن ش

دة البھج

ة وال

ضحكات وال

صيحات‬ ‫ال

صاعدة م

ن قل

وب خاوي

ة م

ن ش

وائب الحي

اة ملئھ

ا ال

سرور‪ ،‬حت

ى‬ ‫جدران المنازل المج اورة مزين ة بحج ارة قديم ة كأنھ ا م ن العھ د الب ار‬ ‫وكي‪.‬‬ ‫"ھ

ل ك

ل ال

ذي أراه حقيق

ة؟ أم أن

ي ف

ي اس

تراحة منحن

ي ‪ S‬إياھ

ا‬ ‫وسيعيدني مرة أخرى إلى الشقاء؟ أو أن الحقيقة مرتبطة بالخي ال حت ى‬ ‫ّأنا ل نعد نعرف الدجى من ضوء الفجر؟ أم أن ه الماض ي زارن ي بحل ة‬ ‫جديدة؟ قناعات أحيانا ً تتبخر وال يبقى منھ ا إال مدون ة نم سح عنھ ا ب ين‬ ‫الحين واآلخر غبار العز ونتذكر سطحياتنا في المجتمع اليوم" أخاط ب‬ ‫نفسي‪.‬‬ ‫أغلق

ت جمي

ع ثق

وب الح

زن والكآب

ة‪ ،‬ل

م اع

د أرى بق

ع األم

س من

ذ‬ ‫ص رت أغ سل مالب سي وح دي‪ ،‬أض عھا كلھ ا ف ي ط ست وأغمرھ ا ف

ي‬ ‫الماء والصابون لساعة أو اثنتين‪ ،‬أخرجھا ناصعة البي اض أن شرھا ف ي‬ ‫شمس النھار حتى تجف‪ ،‬ألملمھا عن الحبل وأدخلھا غرفة الجلوس كي‬ ‫أحددھا‪ ،‬أختار القطعة التي سأرتديھا وإذا ببقع قھوة البارحة مازالت‪...‬‬ ‫أليلتي ونھاري وأنوثة كل النساء مثل قطعة ثيابي؟‬ ‫"سلوان ما رأيك‪ ،‬ھل يعجبك المكان؟"‬ ‫بيداي وتسير أمامي بالعكس‪.‬‬ ‫كانت تسألني وتمسك‬ ‫ّ‬ ‫"سأآخذك إلى مك ان ال يوج د في ه س وى أمثالن ا‪ ،‬حي ث تختف ي ش مس‬ ‫النھار بستائر من الورود‪ ،‬مليئة بالشموع‪ ،‬قد ال تك ون م ن الثمين ة ج داً‬

‫‪١٢٩‬‬


‫ولكن ھذا ال يھم‪ ،‬فوج داننا تع انق أل سنتھا الحم راء‪ ،‬الزرق اء‪ ،‬الخمري ة‬ ‫صفراء بعض الشيء ولون آخر بينھما‪ .‬أترى تلك السفينة ھناك؟"‬ ‫وأشارت ل ي بي دھا‪ ،‬ل م أرى منھ ا س وى ھيكلھ ا البعي د‪ ،‬فكان ت تبع د‬ ‫مسافة أكث ر م ن ع شرين دقيق ة س يراً عل ى األق دام‪ ،‬كان ت راس ية عل ى‬ ‫حافة الشاطئ الذي نسير عليه‪ ،‬لم نشعر بمضي الوقت وحرارة الشمس‬ ‫ھناك‪ ،‬فالكل س عيد حت ى ل و أنھ ا س عادة م صطنعة‪ ،‬ض حكة ص فراء أو‬ ‫مجامالت منافقة‪.‬‬ ‫وصلنا لغاية جسر ممتد من الشاطئ حتى السفينة‪.‬‬ ‫"ما رأيك؟"‬ ‫"بماذا؟"‬ ‫"أريد أن أدعوك الحتساء النبيذ معي في السفينة؟"‬ ‫"ھنا في السفينة؟"‬ ‫"نعم‪ ،‬إنه مطعم ع ائم‪ ،‬فري د م ن نوع ه‪ ،‬فأن ت ال ت رى حول ك س وى‬ ‫ماء البحر وسعته"‬ ‫دخلنا الجسر القوسي الحديدي وعرضه يتسع تقريبا ً لثالث ة أش خاص‬ ‫وطوله يتجاوز الخمسين متر‪.‬‬ ‫وص

لنا ب

اب ال

سفينة وكان

ت ف

ي االس

تقبال فت

اة ترح

ب ب

الزوار‬ ‫بابتسامة عريضة‪ ،‬صرنا في ال داخل والتف ت للخل ف حي ث تق ف الفت اة‪،‬‬ ‫وإذا بابتسامتھا آلت إلى صبارة مثل التي في أطراف حقلنا‪.‬‬

‫‪١٣٠‬‬


‫يدل المظھر العام للزبائن أنھم أثرياء‪ .‬ك ل ش يء الم ع ب راق‪ ،‬زواي ا‬ ‫الجداران الخمرية الداخلي ة‪ ،‬أناق ة الع املين ھن اك‪ ،‬ص رت أمع ن النظ ر‬ ‫بكل أنحاءه وأخاطب نف سي‪" :‬ھ ذا ل يس المك ان ال ذي ي سعدني الجل وس‬ ‫فيه"‬ ‫نظ

رت لغرات

سيا وقب

ل أن أتكل

م قال

ت‪" :‬ال‪ ،‬قب

ل أن ت

سأل‪ ،‬دعن

ي‬ ‫آخذك للمكان الذي أريد وال أريد أن أسمع منك أي تعليق"‬ ‫أخذتني للجھة اليمنى ودخلنا مم ر ض يق‪ ،‬س رنا في ه بع ض خط وات‬ ‫حتى انتھ ى بن ا إل ى س لم ي ؤدي لألس فل‪ ،‬نزلن ا ال درج ول م تك ن كثي رة‪،‬‬ ‫عشرة حسب التقريب‪ ،‬وآخرھا كانت تنتھي بممر أيضا ً مشابه‪.‬‬ ‫كنت أمشي معھ ا ال أعل م إل ى أي ن‪ ،‬لك ن قن اعتي أنھ ا س تأخذني إل ى‬ ‫مكان ما سينال إعجابي‪ ،‬ھي لن تخيب ضني بذوقھا المتناھي‪.‬‬ ‫انتھى الممر بنا بمدخل في أق صى اليم ين‪ ،‬وف ور ولوجن ا ل م أس تطع‬ ‫أن أنظر بشيء واحد أو إل ى بقع ة بعينھ ا‪ ،‬ل م أع ي ف ي الث واني األول ى‬ ‫أين أنا أو ماھية الذي أراه‪ ،‬كأني في وسط البحر دون أن تبللن ي المي اه‬ ‫أو تحبس أنفاسي‪.‬‬ ‫"واآلن! ماذا تقول؟" سألتني غراتسيا‪.‬‬ ‫أنا مازلت منبھراً من المكان‪ ،‬داخله وخارجه‪ ،‬مقھى في قعر البحر‪،‬‬ ‫ج

دران ال

سفينة زجاجي

ة‪ ،‬الج

الس ھن

اك ي شعر كأن

ه ف

ي وس

ط البح

ر‪،‬‬ ‫أرى من خالل الزج اج ال شفاف األس ماك تلت صق عل ى الج دران حي ث‬ ‫نضع يدينا‪ ،‬وبعضھا ساكنة ال تتحرك كـأنھا حجارة أو نبات ات بحري ة‪،‬‬

‫‪١٣١‬‬


‫وعندما أتعمق بالتفكير بذلك الشيء وأتمحصه حيث ال بحر وال ش جر‪،‬‬ ‫فيعيدني ذلك الكائن بحركة سريعة مفاجأة منه غير متوقع ة إل ى مك اني‬ ‫ورونقته وغراتسيا‪.‬‬ ‫رغ

م جم

ال المك

ان ھن

ا وب

ساطته والجال

سين في

ه‪ ،‬إال أن األج

واء‬ ‫العام

ة كان

ت ت

وحي ل

ي بقلي

ل م

ن ع

دم االرتي

اح‪ ،‬ق

د يك

ون ألن

ي ل

م‬ ‫أغطس مرة تحت الماء وإحساسي بالدوار للحظة‪.‬‬ ‫بدأت غراتسيا تخلق جواً شاعريا ً نحن بغنى عنه‪ ،‬فلن يكون حصيلته‬ ‫إال خيبات أمل‪ ...‬وسألت نفسي‪" :‬ولما خيبة األمل؟ قد تكون ھ ي ھك ذا‬ ‫كما تقدم نفسھا فعالً! بريئة ال تعرف الخداع‪...‬‬ ‫كلھ

ن ك َ ن بريئ

ات ف

ي البداي

ة‪ ،‬ول

م أح

صد م

نھن س

وى ح

سرة‪ ،‬أل

م‬ ‫ومرارة وأزمات نفسية أعانيھا"‬ ‫جلسنا في إحدى الزوايا ومن جميع الجھات جدار زجاجي ن رى م ن‬ ‫خالله قعر البحر وأعشابه بجميع أنواعھا‪ ،‬وم ن ھن اك كن ا ن رى جمي ع‬ ‫الجالسين في المكان‪ ،‬ش باب وش ابات ال ي سيطروا عل ى أنف سھم‪ ،‬يقبل وا‬ ‫بعضھم بجرأة طائشة‪ ،‬جاھلة ووقحة‪.‬‬ ‫ص

رت أنظ

ر ف

ي وج

وھھم وأراق

ب ت

صرفاتھم وغرات

سيا ال ت

رى‬ ‫س

واي وال تري

د أن ي

شاركھا أح ٌ د خلوتن

ا الت

ي كن

ت أخ

رج منھ

ا ب

ين‬ ‫الحينة واألخرى‪.‬‬ ‫"أين تنظر؟ ھل جمال الفتيات ھنا جلب انتباھك وأبھرك؟"‬

‫‪١٣٢‬‬


‫"ال عل ى اإلط الق‪ ،‬إنم

ا جم ال المك

ان‪ ،‬وإن ك ان ف

ي المك ان جميل

ة‬ ‫فھي أنت‪ .‬وقت دخلنا لم أعجب في الوھلة األولى بالسفينة حتى أسكتني‬ ‫أنت‪ ،‬فعرفت أنك ستأخذينني إلى ما ھو أجمل"‬ ‫"وما المشكلة بالنسبة لك لو أتينا في أحد ال ً‬ ‫مساءت وبقينا في الط ابق‬ ‫العلوي؟ أنا لم أجل س م رة ھن اك‪ ،‬لق د أيقظ ت ردة فعل ك عن دي ف ضول‬ ‫لشرب النبيذ أو الحتساء شيء من الطع ام‪ ،‬دعن ا نق ضي الم ساء ھن اك!‬ ‫ما الذي يھمك؟ أنا التي تجلس أمامك وأنا ال أرى سواك‪ ،‬حتى األسماك‬ ‫لو تحولت خلفي لجمار فلن يغير م ن إح ساسي وال م ن ص فوي ش يء‪،‬‬ ‫لقد أدخلت سعادة في قلبي جم‪ ،‬وأنت ترس م عل ى ش فاھي ب سمة ت صبوا‬ ‫اآلن لمراق

صة ش

فتيك‪ .‬ل

وال وج

ودك الي

وم مع

ي م

ا كن

ت س

ررت وال‬ ‫سعدت"‬ ‫"ل

و أردت أن ن

أتي الم

ساء م

رة أخ

رى إل

ى ھن

ا ف

سنأتي‪ ،‬أن

ا وقت

ي‬ ‫ملكي ولكن على شرط أن ال نأتي للطابق العل وي‪ .‬مت ى س يكون عن دك‬ ‫وقت؟"‬ ‫"ال تف

زع‪ ،‬كم

ا تح ب‪ ،‬إنم

ا ھ

و ح

ب ك

ل ش

يء مع

ك‪ .‬العاش

رة أو‬ ‫الحادية عشر‪ ،‬ما رأيك؟"‬ ‫"فلنبقى على الحادية عشر"‬ ‫"وليس من الضروري أن نلتقي في السكن‪ ...‬عند المنارة مثالً"‬ ‫"ھل تقصدين التي على شرفة البحر؟"‬ ‫"نعم‪ ،‬وھل ھناك غيرھا؟ ھل تعلم ألي عھد يعود تاريخھا؟"‬ ‫‪١٣٣‬‬


‫"ال‪ ،‬ال أعلم‪ ،‬إنما تبدو أثرية"‬ ‫"إنھا منذ ست مائة سنة قبل الميالد‪ .‬سلوان‪ ،‬حدثني عن نفسك أكثر‪،‬‬ ‫فأنا لم أسمع منك سوى أشياء تكاد أن تكون قصاصات ورقية من كثير‬ ‫أوراقك"‬ ‫"ماذا تريدين أن تسمعي يا غراتسيا؟ أنا عربي من الع رب ال ذين ل م‬ ‫يبقى منھم غير سمرتھم‪ ،‬الذين جعلوا من حقول زيتونھم ثكنات ع سكر‬ ‫غربية‪ ،‬أنا م ن الع رب ال ذين تطبع وا وتم دنوا حت ى أنھ م أوش كوا عل ى‬ ‫الموت واالحتضار‪ ،‬فقد سكن أنف سھم الع دم والالمب االة‪ .‬ل م ي أتي ال دود‬ ‫ف

ي ثمارن

ا م

ن س

حابة وال م

ن ھ

واء قريتن

ا‪ ،‬ب

ل م

ن ج

وف ش

جرة‬ ‫المشمش والدراق في بستاننا‪ ،‬أفرغت داخلھ ا‪ ،‬افترس ته وفتح ت أب واب‬ ‫القلعة على مصراعيه ودخلت قبائل البربر حت ى ل م يع د لن ا ف ي ديارن ا‬ ‫باع وال ذراع‪ ،‬أجھضت المرأة‪ ،‬قتل الجنين وأعدمت ب راعم األش جار‪.‬‬ ‫أنا من العرب يا غراتسيا الذين أبدعوا في الفسيفساء ولم يعلموا بالطين‬ ‫تحتھا‪ ،‬لم يروا غير لمعانھا وبري ق حجارتھ ا حت ى تغلغ ل الوب اء وقت ل‬ ‫كل خاليا المناعة ُ‬ ‫وشرب الدم‪ ...‬ومازالت الوحوش مجتمعة على ج سد‬ ‫أمي‪ .‬أنا من القرية يا غرات سيا الت ي ل م يبق ى منھ ا إال أش باه الن اس‪ ،‬ل م‬ ‫أرى سوى وجوھھم الميت ة ول م أق رأ ع نھم ف ي تاريخن ا‪ ،‬ال ب ل وج دت‬ ‫أس

مائھم ف

ي س

جالت الغ

رب ال

شرفية‪ .‬رأي

ت عراف

ة القري

ة م

رة ي

ا‬ ‫غراتسيا وسألتھا عن الشباب‪ ،‬فقالت‪" :‬لقد حزموا كل أحالمھم وأبحروا‬ ‫نحو الغرب" لم أكن وحدي ھناك‪ ،‬ك ان الف راغ ون ساء القري ة‪ ،‬ي رجعن‬ ‫م

ع الغ

روب م

ن االحتط

اب م

ن الجب

ل لف

راش أزواجھ

ن‪ ،‬فق

د حول

ت‬ ‫الرجال نسائھا حطبا ً يابسا ً مثل الذي على أكتافھن‪ ،‬فترقد المرأة بجانب‬ ‫‪١٣٤‬‬


‫زوجھا ورائحة التنور عطرھا‪ ...‬كلھن ساخطات على شركاء حياتھن‪،‬‬ ‫حت

ى أنھ

ن يلع

نھم بأنفاس

ھن‪ .‬ت

راب الحق

ول أس

ود والحج

ارة س

وداء‬ ‫والغبار يعم كل األمكنة ويشحب الوجوه"‬ ‫أسھمت وجھھا وتبخر الكالم منھا وقالت ببساطتھا‪" :‬أنا ال يھمني ي ا‬ ‫سلوان من أين أنت وم ا ھ و أص لك‪ ،‬إنم ا فق ط أحبب ت أن أع رف عن ك‬ ‫وخصوصياتك بعض الشيء"‬ ‫رافقتني في طريق العودة حتى وصلنا للشارع حيث السكن‪ ...‬ھن اك‬ ‫افترقنا‪.‬‬ ‫رجعت غراتسيا وھ ي تنظ ر للخل ف تج اھي أثن اء م سيرھا‪ ،‬تم ضي‬ ‫نحو األمام وتعود تنظر للخلف نحوي‪ ،‬كنت أقف أتابعھا أبادلھا ال وداع‬ ‫حتى اختفت عن األنظار‪.‬‬ ‫التف

ت إل

ى األم

ام وس

رت أرم

ي برأس

ي ب

ين أكت

افي أح

دق‬ ‫بالرصيف‪...‬‬ ‫روحھ

ا ترافقن

ي‪ ،‬أم امي‪ ،‬خلف

ي وم

ن ح

ولي حت

ى وص

لت الب

اب‪،‬‬ ‫دخلت وحييت الحضور دون النظر إليھم‪ ،‬صعدت الدرج مسرعا ً وليس‬ ‫كعادتي‪.‬‬ ‫كانت فرحة ف ي داخل ي ف ي وق ت ن سيتھا بجمي ع أش كالھا وألوانھ ا‪...‬‬ ‫وصلت الغرفة أغرد كأني لست أنا‪ ،‬لم أكن مرھق ا ً‪ ،‬ب ل ن شيطا ً وعن دي‬ ‫طاق

ة كبي

رة‪ ،‬ال ت

سعني حجرت

ي‪ ،‬أجل

س وأع

ود أق

ف‪ ،‬أف

تح الخزان

ة‬ ‫في نحو الالمعلوم‪...‬‬ ‫المفرغة‪ ،‬ال أفھم نفسي‪ ،‬شيء في داخلي يعصف ّ‬

‫‪١٣٥‬‬


‫اتجھ

ت نح

و الناف

ذة‪ ،‬وقب

ل أن أھ

م بفتحھ

ا ت

ذكرت م

رة أخ

رى تل

ك‬ ‫الفتاة‪ ،‬فتحتھا ونظرت لألسفل أبح ث عنھ ا‪ ،‬ل و رأيتھ ا لحظتھ ا لحييتھ ا‬ ‫من ھناك بصوت مرتفع‪...‬‬ ‫ل

م تك

ن ھن

اك‪ ،‬بع

دت بب

صري حت

ى ال

سماء‪ ...‬غيوم

ا ً س

ابحات‪،‬‬ ‫وص

لت إل

ى خل

وة ال ص

خب فيھ

ا وال إش

ارات م

رور أو بي

وت وال‬ ‫عرب

ات نق

ل‪ ،‬أو س

كة حدي

د‪ ،‬تق اطع ط

رق‪ ،‬ح

ائط أو س

ياج كھرب

ائي‬ ‫يفصل بين خط أخضر أو أحمر وال أناس‪...‬‬ ‫وح

دي ف

ي بقع

ة م

ن األرض ل

يس فيھ

ا س

واي وأمني

اتي‪ ،‬ل

يس في

ه‬ ‫أبع

اد وال مرتفع

ات في

ه اس

توائة خرافي

ة وك

ل ش

يء وردي‪ ،‬ب

ساطا ً‬ ‫أخضر وفيه زھور بكل األلوان‪...‬‬ ‫نسيم الھواء فيه صفاء وانتعاشة ال مثي ل لھ ا‪ ...‬خل ق ‪ S‬ھ ذا المك ان‬ ‫لي وحدي‪ ،‬أح س بلمع ان عين اي ونعوم ة ج سدي م ن غي ر أن تالم سه‬ ‫امرأة‪ ،‬لم أعد أرى ج دران الغرف ة ص رت ف ي مك ان ال أع ي كينونت ه‪،‬‬ ‫فكله أنا‪ ،‬لن افاجئ‪ ،‬فالوضوح أمامي واسع وھوائي ال ض باب في ه وال‬ ‫غبار‪ ،‬أينما أكون يرقد الليل وال يصحو وال مك ان لخي وط الظ الم في ه‪،‬‬ ‫فشعاع الشمس تعكسه النباتات والحقول‪.‬‬ ‫كن

ت ف

ي س

بات عمي

ق‪ ،‬ل

م أع

رف كي

ف غلبن

ي النع

اس ونم

ت‪ ،‬ل

م‬ ‫أشعر بنفسي ول م أت ذكر أن ي رمي ت بج سدي عل ى فراش ي‪ ،‬غل ب عل ي‬ ‫النوم وكان عميقا ً كأنه لحظة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مساء تقريبا ً مرت ما يقارب الساعتين‬ ‫الساعة اآلن السابعة والنصف‬ ‫ودون أن أتذكر آخر لحظة قبل نومي‪ ،‬قيلولة أراحتني‪.‬‬ ‫‪١٣٦‬‬


‫نھ

ضت م

ن س

ريري وراودن

ي ح

زن ك

أن الن

وم س

ببه‪ ...‬قل

ت‬ ‫لنفسي‪":‬ما ھو إال‪ ...‬ھا أنا أحس بن شاط وحيوي ة جدي دة أكث ر م ن الت ي‬ ‫كان

ت قب

ل ن

ومي‪ ،‬مازل

ت مغ

رداً وفرح

ا ً‪ ...‬وأش

عر ب

الجوع‪ ،‬س

أذھب‬ ‫للمطعم الصيني"‬

‫‪١٣٧‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫نزلت وتناولت فنجان قھوة من اللوج وجلست على األريكة أرت شفھا‬ ‫وأتلذذھا‪ ،‬فللقھوة نكھة بعد صحوي أكثر من أي األوقات‪...‬‬ ‫ورشفة تلو الرشفة ودون عجل ة حت ى أنھيتھ ا وخرج ت م ن المك ان‪.‬‬ ‫اتجھت نحو المطعم ولم يكن بعيداً من ھناك حتى ص رت أرى المقاع د‬ ‫خارج الحانوت وتذكرت لحظتھا الفتاة‪ ،‬نظ رت نح و المطبع ة‪ ،‬ال يب دو‬ ‫أن أحداً ھناك‪.‬‬ ‫جلست في شرفة المطعم على المقاعد البالستيكية وجھتي الشارع‪...‬‬ ‫أنتظ

ر الغائ

ب‪ ،‬ح

دثا ً ال أعلم

ه‪ ،‬أو تغي

راً أجھل

ه‪ ،‬ش

يء مفق

ود ال‬ ‫بخياالتي وال أبعادي‪ ،‬أنتظر سعادة‪ِ ،‬ممن؟ أو كيف س تأتي؟ م ن س يارة‬ ‫قد تق ف اآلن أم امي ويحين ي س ائقھا؟ أو م ن ھ اتفي المحم ول ال ذي ل م‬ ‫يدق منذ زمن؟ أو من بريد مجھول ال يذكرني وال يرف عنواني‪...‬؟ أو‬ ‫من المطبعة المقفلة؟ قد يأتي من يفتحھا! أو لعلھا تأتي الفتاة!‬ ‫كل شيء حولي فيه حركة وصخب مستمران وتغيرات متتالي ة‪ ،‬ك ل‬ ‫الناس ھنا على عجلة‪ ،‬إال أنا‪ ،‬إما أنھم في عالم متسارع مجنون أو أنھم‬ ‫يتسابقون نحو المجھول‪ ،‬يبحثون عن سعادة وكل على ش اكلته‪ ،‬أو أن ي‬ ‫أعيش على حافة العالم تمر األحداث عني دون أن تترك بصمة أو أثر‪،‬‬ ‫من فينا على صواب؟ متأمالً يراقب األحداث وص انعيھا ينتظ ر الجدي د‬ ‫ب

سلبه وإيجاب

ه؟ يح

اول فھ

م الواق

ع م

ن خ

الل حرك

ات واست

شعارات‬ ‫وردود فعل وك م م ن الخي االت؟ أم م ن ي ركض وال ي رى أمام ه س وى‬ ‫ھدف يعتقد أنه الحقيقة وسر الحياة ومعناھا؟ وكلھم ھكذا‪.‬‬ ‫‪١٣٨‬‬


‫أعتقد أنه إدمان حقيقي أن ال أرى العالم إال من وجھ ة نظ ري‪ ،‬وأن ه‬ ‫م

ن ال

سذاجة أن أدع ي أن

ي ال أرى م

ن ح

ولي ألن وجھت ي ل

يس فيھ

ا‬ ‫رجوع أو التفات‪...‬‬ ‫إنه من الحكمة إذا زعمت أني أنا العالم أن يكون العالم وسكانه جزء‬ ‫ص

غيرا ف

ي داخل

ي‪ ،‬أبح

ث ع

ن فھم

ه أوافق

ه وي

وافقني‪ ،‬ن

سعى ونج ّ د‬ ‫ونلتقي ونسير بخطى متوازية‪ ،‬تارة أك ون أن ا ف ي األم ام وأخ رى ھ و‪،‬‬ ‫وأحيان

ا ً نع

انق بع

ضنا ون

سعد‪ ،‬نك

ون ف

ي اس

تراحة م

ن ع

سكرية‬ ‫طموحاتنا وتسلط أرواحنا وأوامر عقولنا وتناقض القلوب‪.‬‬ ‫بينما أراقب الحدث أتى عامل المطعم وسألني‪" :‬ماذا تريد أن تتناول‬ ‫يا سيدي؟"‬ ‫في لحظتھا ذھب عني الجوع‪ ،‬شعرت وقتھا بالشبع‪.‬‬ ‫مرھق أنا‪ ،‬أبحث عن السعادة‪ ،‬تع صفني أم واج داخل ي‪ ،‬ال أعل م وال‬ ‫أعرف طريق السعادة‪ ،‬مع كل امرأة أعتقد أني وجدتھا‪.‬‬ ‫وما ھي إال أيام قد تك ون م ساء أو س اعات أع ود إل ى مك اني أبح ث‬ ‫عن معايير للسعادة غير التي كانت‪.‬‬ ‫"اعطني طبق الخضار مع اإلوز من فضلك"‬ ‫قلت للعامل وأنا أتنھد‪.‬‬ ‫"في الحال سيدي"‬

‫‪١٣٩‬‬


‫ذھب وبقيت المنضدة البالستيكية اللزجة أمامي كلم ا ت روح أفك اري‬ ‫تعيدني وساختھا مرة أخرى‪.‬‬ ‫ناديت بلطف أحد الع املين ھن اك‪" :‬اعطن ي ل و تف ضلت ش يء أم سح‬ ‫الطاولة‪ ،‬فھي لزجة وتثير القلق"‬ ‫ودون أن يرد أحدھم أتت فتاة تمشي بخطى سريعة ودون أن تكلمني‬ ‫مسحت بسرعة من أمامي وذھبت‪.‬‬ ‫ما ھي إال لحظات حتى حضر طبقي يعلوه البخار والخضرة وأشياء‬ ‫ال أعرفھا والعامل عليه ابتسامة مصطنعة كأنه يعاقب بھا‪.‬‬ ‫ذھ ب لل داخل وبقي

ت أن ا والمقاع

د وطبق ي وال أح

د غيرن ا‪ ...‬زج

اج‬ ‫المطع

م م

ن خلف

ي ول

يس وراءه س

وى مناض

د فارغ

ة والع

املين عل

ى‬ ‫وجوھم إرھاقة قترة‪ ،‬سخط على واقع؟ كأنھم دفنوا أحالمھم ب ين االرز‬ ‫والخضرة وضاعت بين رائحة اللحم والزبائن مثلي‪ ،‬حتى أن أنظ ارھم‬ ‫ال تتجاوز الحانوت‪.‬‬ ‫ل ن أرض ى أن تك ون حي اتي م ذبحا ً إم ا أن أتعب د في ه أو أم سح عل

ى‬ ‫جدرانه‪.‬‬ ‫لن أرضى أن أكون ظالً لنفسي أو أن أكون في ظل ظالم امرأة‪ ،‬لن‬ ‫أزور أص

حاب القب

ور إال إذا م

ررت بھ

م‪ ،‬فأن

ا أق

سمت عل

ى أن أحي

ا‬ ‫وأرافق األحياء‪ ،‬أذھب إليھم وأحيى معھم وإن فارقتھم أحيا بھم‪.‬‬ ‫ھن

اك الكثي

ر ِمم

ن رحل

وا وأرواحھ

م تع

يش من

ذ أالف ال

سنين بينن

ا‬ ‫بأفكارھم أكثر من األحياء الذين يشاطروننا بيوتنا ومعنا‪ ،‬ممزقين أشباه‬ ‫‪١٤٠‬‬


‫األموات في عيونھم فقراً وثنايا وجوھھم حسرة وكآبة‪ ،‬إحباطا ً حتى في‬ ‫لمسات ثيابھم وخطى أقدامھم‪.‬‬ ‫ال

شوارع مت

سخة وأش

جارھم ص

فراء تعلوھ

ا غب

رة‪ ،‬ج

دران بي

تھم‬ ‫قاتمة ليس لھا سجل في الحاضر وال قيد رسم‪ ،‬ح افالتھم ش اخت تتوك أ‬ ‫على ركابھا على قارعة الطريق والمستقبل عنھم غريب‪...‬‬ ‫نسائھم مطلقات صار ال شارع والمقھ ى لھ ن محراب ا ً والن ادي الليل ي‬ ‫معبداً‪ ،‬يتبرجن يمارسن شھواتھن في الساعات األخيرة من الليل بفجور‬ ‫وفظاظة‪...‬‬ ‫ف

اق الطف

ل تداعب

ه بيمينھ

ا وي

سارھا وك

ل ج

سدھا منھمك

ة م

ع‬ ‫عشيقھا‪...‬‬ ‫ت

صحوا وعينيھ

ا مغلق

ة عل

ى ص

ريخ طفلھ

ا الج

ائع وقب

ل أن ت

ذكر‬ ‫حليبه تبحث في السرير عن سكرة األمس‪...‬‬ ‫لكن الفراش ليس فيه غيرھا‪ ،‬وحدتھا‪ ،‬فراغھا ونشوة لم تكتمل‪ ...‬لقد‬ ‫ھرب في طيات الليل وتركھا مع فجورھا‪.‬‬ ‫عن ماذا يبحث اإلنسان؟ كلھم منھمك من الفجر حتى الليل م ن أج ل‬ ‫المال حتى يملك س يارة م ن الط راز الح ديث‪ ،‬أو الطال ب ي سعى لطل ب‬ ‫العلم من أجل مستقبل آمن وعامل اليومية يبحث عن قوت يومه‪.‬‬ ‫موظف الحكومة متعب ل يس لحيات ه معن ى وزوجت ه مت ذمرة وتھ دده‬ ‫بالرجوع لبيت أھلھا‪.‬‬

‫‪١٤١‬‬


‫كلھ

م يع

اني وك

ال عل

ى ش

اكلته‪ ،‬وھن

اك ھ

دف ومعان

اة م

شتركة‬ ‫بينھم‪...‬‬ ‫الم

رأة ھ

ي الت

ي تلع

ب ال

دور الكبي

ر حت

ى م

ن طفولتھ

ا وھ

ي عل

ى‬ ‫المقاع

د الدراس

ية ومغرم

ة ب ابن الجي

ران وعن

دما تخ

رج م

ن مح

يط‬ ‫ال شارع ال ذي ت سكن في ه إل ى أول حافل ة رك اب نح و المدرس ة الثانوي

ة‬ ‫تنظر أول ما تنظر إلى سائق الحافلة حتى تتعداه ويصبح عمي كأبي‪.‬‬ ‫وتتع

دى مرحل

ة ال

شارع والح

ارة وس

ائق الحافل

ة حت

ى ت صل إل

ى‬ ‫أب

واب الكلي

ة وينق

ضي الع

ام الدراس

ي األول وت صبح عينھ

ا لھ

ا ش

كل‬ ‫آخر غير التي كانت في المدرسة‪ ،‬في الحي وبين الجيران‪.‬‬ ‫ص

ار الن

اظر لھ ا ال ي

رى س

وى ش

ھوة ون

شوة وإن ابتع

دت بع

ض‬ ‫األحيان ف ي أنظارھ ا نح و األش جار وتجاھل ت ش ابا ً ك ل م ا ف ي داخلھ ا‬ ‫يصرخ نحوه‪.‬‬ ‫ال

سعادة وال

شقاء‪ ...‬عالم

ان مترادف

ان قريب

ان بعي

دان‪ ،‬قري

ب ف

ي‬ ‫الطفول

ة وعل

ى مقع

د واح

د بعي

دين ف

ي الع

شرين م

ن العم

ر والثالث

ين‬ ‫واألربعين‪.‬‬ ‫ھناك من له مرجع داخلي قوي ال ينفذ وال يأخذ باألسباب م ن حول ه‬ ‫ويجع

ل م

ن حيات

ه ف

سحة ب

ين اللحظ

ات وال يت

رك حت

ى ص

رخة عل

ى‬ ‫أبوابھا‪.‬‬

‫‪١٤٢‬‬


‫وھناك من ي ستمد قوت ه م ن اآلخ رين في صبح قوي ا ً ويح س أن الع الم‬ ‫ش

كل بي

ضاوي ف

ي ي

ده‪ ،‬تب

دو علي

ه الع

زة والرفع

ة كأن

ه م

ثالً تتداول

ه‬ ‫الناس‪ ،‬يرسمه الطامحون ويصير أسطورة بين العامة‪...‬‬ ‫حتى يتركه من حوله ويفنى كل الذي بداخله بفنائھم‪ ...‬ذھبوا وتركوا‬ ‫ما كان في األمس إخالص ووالء ووفاء وصار اليوم جراحات وصدى‬ ‫وأنين‪.‬‬ ‫راح كل ال ذي ك ان يجل ب ل ه ال سعادة‪ ،‬ألن س بب قوت ه وعنفوان ه ل م‬ ‫يكن من خلق ذاته وال إيمان بنفسه واطمئنان زرعه ونماه‪.‬‬ ‫ل

يس الخل

ود ف

ي ال

دنيا أن نعم

ر فيھ

ا وال بكث

رة م

ن حولن

ا‪ ،‬ال ب

ل‬ ‫باالعتقاد بأنفسنا‪ ،‬وال يكون لكالم اآلخرين فينا باع وال ذراع‪ ،‬فال يرفع‬ ‫بنا في العاللي وال يعصفنا في اآلبار المضمحلة‪ ،‬فل نكن كم ا نح ن دون‬ ‫كذب وتصنع أو تنطع‪.‬‬ ‫فاألكن كما أنا وإن حاولوا إصغاري وتقليل ي‪ ،‬ل ن أك ون غي ري وإن‬ ‫رفع

وني وقدس

وني‪ ،‬فرج

ال رفع

وا حت

ى أنھ

م ٌعب

دوا‪ ،‬وعن

دما تريب

وا‬ ‫عريت أج سادھم وقتل وا‪ ،‬وأمث الھم ش ردوا وھان ت عل ى ط وب األرض‬ ‫أنفسھم وذلوا ولم يقنن ھذا من عزھم وعنفوانھم شيء‪.‬‬ ‫فھم ما زالوا شامخين وليس لملوك األرض أمجادھم‪ ...‬وس أبقى كم ا‬ ‫أن

ا وإن قتل

وني‪ ،‬فكلن

ا مقت

ول‪ ،‬ول

ن يغرن

ي لمع

ان ال

دراھم وبري

ق‬ ‫الدنانير‪ ،‬وال انحناءة امرأة أو سحر عينيھا فكلھن قاتالت‪.‬‬

‫‪١٤٣‬‬


‫سأموت كما أحب أنا وأرضى ولن أقبل أن أكون قتيل امرأة أنا لست‬ ‫آخرھا‪.‬‬ ‫وإن بح صوتي فإن لساني رط ب ب ذكر رب ي‪ ،‬وإن قطع وا ي داي ل ن‬ ‫تنتھي أفعالي‪ ،‬فأنا كلي عطاء‪.‬‬ ‫وس اقي ف ستبقى روح ي ص ارخة ب ين‬ ‫إن حقنت بالسم وشلت دماغي‬ ‫ّ‬ ‫أضلعي‪.‬‬ ‫وإن م

ت فق

د ن

صرت‪ ،‬فھ

م إن يقتل

وني إنم

ا أھلك

وا ج

سداً ال يمل

ك‬ ‫لنفسه ضراً وال نفعا‪ ،‬أما فكري فھو درع تتبادله الناس بينھم ويتوارثوه‬ ‫وحبالً مديداً يمسكوه‪.‬‬ ‫لن أكون أسير درھم ودينار أنا لست ص احبه‪ ،‬فأن ا املك ه إذا أنفقت ه‪،‬‬ ‫وال أرجو أحداً غير ‪...S‬‬ ‫وال أخاف إال من فجري وجھلي‪ ،‬وليكن حالي مع الصبر مث ل الم اء‬ ‫وآنية مكسورة‪ ،‬حت ى ال أك ن كم ن أراد الغن ى بغي ر الم ال والكث رة ب ال‬ ‫ع شيرة‪ ،‬ول

ن أخ اف م

ن الغ

د حت

ى ال أج

بن عم

ري كل

ه‪ ،‬وآمن ت ب

أن‬ ‫البقاء ھو عين اليقين والغنى في القناعة‪ ،‬وأن الدنيا ونحن مثل العج وز‬ ‫ً‬ ‫وخط ى ثابت ة والكل ب ت ارة يع دوا عن ه‬ ‫وكلبه‪ ،‬ف العجوز يم شي ببط يء‬ ‫ويسبقه وأخرى يبقى يلھم ما على األرض حتى يبلغه صاحبه ويتعداه‪.‬‬

‫‪١٤٤‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫صرت أتذكر الماضي حيث اعت ادت الن اس ف ي الم ساء ف ي حين ا أن‬ ‫تخ

رج وت

سير ف

ي ال

شوارع‪ ...‬تجل

س ف

ي المق

اھي ي

أكلون )الج

اتوه(‬ ‫ويحتسون القھ وة اليوناني ة الب اردة‪ ،‬ورغ م ظلم ة ال شوارع وض يقھا إال‬ ‫أنھم كانوا يسعدوا في الخروج إليھا‪.‬‬ ‫كنا ننتظر المساء حتى نخرج نسترق السعادة من ظلمة الطري ق م ن‬ ‫أمامنا‪ ،‬أسعد ويدھا تتخللھا يدي وأحسس بإبھامي يدھا أثناء المسير‪.‬‬ ‫أحس بنعومة يديھا ولمعان أظافرھا‪ ،‬ال أرى في الشارع سواھا‪ ،‬وال‬ ‫أتوق إلى حديث مع غيرھا‪.‬‬ ‫أتحدث معھا برغبة قوية ولم يكن ينتھي الحديث بيننا فقد كنت انتھي‬ ‫م

ن مق

ال وأدخ

ل ف

ي مق

ام‪ ،‬وعن

دما ينتھ

ي الك

الم كن

ت أح

دثھا ع

ن‬ ‫أحالمي معھا قبل زواجنا وعن أحالم الغد ألتي سأقضيھا معھا‪ ،‬وكثيراً‬ ‫ما نضحك‪...‬‬ ‫ل

و تعرف

ون جم

ال مب

سمھا عن

دما‪ ...‬كأنھ

ا ھدي

ة ال

سماء ون

شوة‬ ‫األرض وخضرتھا‪.‬‬ ‫اضحكي وأبق ى مبت سمًة فأن ا أح س بغرغ رة ف ي قلب ي مث ل فراش ات‬ ‫الصيف تداعبني‪.‬‬ ‫ شبھك حت

ى‬ ‫أن

ا ل

م أع

شق بح

راً وال قم

راً إنم

ا ع

شقت ك

ل ش

يء ي ‬ ‫ِ‬ ‫

سكونك وجدول

ة النھ

ر‬ ‫

ك‪ ،‬وال

سماء ك ‬ ‫ِ‬ ‫الطري

ق ال

ساكن مث

ل طبع ِ‬ ‫واعوجاجه أحيانا ً مثل‬ ‫مزاجك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪١٤٥‬‬


‫أن

ا ال أك

ذب إن قل

ت أن

ي أح

ب الحي

اة ألجل

ك‪ ،‬فأن

ت ك

ل الحي

اة‪،‬‬ ‫شجرھا‪ ،‬حجرھا‪ ،‬صيفھا‪ ،‬شتائھا وبيادر الفالحين وقمحھا‪.‬‬ ‫كنا مثل المطاردين‪ ،‬نأخذ الحافلة المتجھة إلى أثينا‪ ،‬نخرج من حيين ا‬ ‫في السر حتى ننعم سويا ً في السير بين الحوانيت ون دخل المق اھي دون‬ ‫أن يرانا والديھا‪ ،‬فقد كبرنا وبلغنا الثامنة عشر وكثرة سؤاالت وال ديھا‪:‬‬ ‫"ھل مازلت تلتقين مع سلوان؟"‬ ‫عندما كنا في الرابعة عشر كانت تأتي إلى بيتنا‪ ،‬وكان ت أم ي تحبھ ا‬ ‫بصورة غير عادية‪ ،‬فھي كانت تتمن ى أن ت رزق بطفل ة أي ضا ً‪ ،‬وكان ت‬ ‫ت

سألني‪" :‬أال تتمن

ى أن يك

ون ل

ك أخ

ت ب

ضفائر طويل

ة تلع

ب معھ

ا‬ ‫وتخرج إلى الحوانيت ومعكم ميليندا؟"‬ ‫لم تكن سؤاالت أمي إال تمنياتھا وحلمھا ال ذي علم ت أن ه ل ن يتحق ق‬ ‫وعزائھا كان في وجود ميليندا بحياتنا‪ ،‬وأنا‪...‬‬ ‫كنت أجيبھا بكل قسوة بريئة‪" :‬ال يا أمي أنا ال أريد أحداً أن ينافسني‬ ‫حبك"‬ ‫ِ‬ ‫كنت أقضي الوقت الطوي ل ف ي بي تھم ول م تك ن أم ي تقل ق إذا علم ت‬ ‫أني في بيت ميليندا‪.‬‬ ‫مضت السنين بسرعة أكثر من توقعاتنا وكنت مثل أبناء جيلي‪ ،‬وھي‬ ‫تزداد جماالً وفتنة وأناقة وتزداد غيرتي معھا وخوفي من ذھابھا‪.‬‬ ‫ ك س ً‬ ‫ نا؟ أن

ت مح

ل‬ ‫كن

ت اس

ألھا‪" :‬ھ

ل تعجب

ين بال

شباب األكب

ر من ِ‬ ‫أنظارھم أينما نزلنا وحللنا"‬ ‫‪١٤٦‬‬


‫"ھل تعجبك الفتيات الالتي يصغرنك في السن؟" سألتني ميليندا‪.‬‬ ‫"أنا ال أنظر لسواك‪ ،‬وھل رأيتني أنظر إل ى الفتي ات؟ إن ي أخ اف أن‬ ‫أسامحك‪ ،‬ولن أتزوج كل عمري‪ ،‬وسأنتظرك‬ ‫تأخذي غيري‪ ،‬سوف لن‬ ‫ِ‬ ‫سأتزوجك"‬ ‫أنجبت‬ ‫حتى يطلقك حتى لو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫"حبيبي المسكين سلوان‪ ،‬ال تذھب بأفكارك إلى حق ل ل ن أدخل ه‪ ،‬وال‬ ‫لحافلة لن أركبھا‪ ،‬فأن ا ف ي ح ديقتك وردة جميل ة‪ ،‬وف ي عم رك ابت سامة‬ ‫رقيقة‪ ،‬وبين ذراعيك ام رأة نبيل ة‪ ،‬فكي ف أذھ ب إل ى المجھ ول ول و ب دا‬ ‫منه كل المحاسن وأفكار في المساء ال يبقى منھا سواك‪ ،‬وم ا دون ذل ك‬ ‫يزول‪.‬‬ ‫إني أحبك ولم أعرف سواك وكل من ھو غيرك عندي غريب‪ ،‬كيف‬ ‫ألناملي ويداي مالمسة جمر أو شوك؟‬ ‫إال إذا س

قطت م

ن أعل

ى الھاوي ة وأن

ت م

ن رم

اني‪ ،‬أو أس

ير ب

ين‬ ‫الطرقات وأنت لست بجانبي أو في أفكاري؟‬ ‫كيف لي أن أخلع ثوب الحياء في حجرة أنت الذي ال يغلق بابھا؟ مثلك‬ ‫أنت وأفكارك وحبك وھمسك ولمسك وحفيف شفتيك‪.‬‬ ‫أن

ا أكث

ر من

ك ع

صبية ونزع

ة وانحي

ازاً تخلف

ا ً وغجري

ة ورجعي

ة‬ ‫ دي‪ ،‬ب

ل‬ ‫وانج

ذابا ً إلي

ك‪ ،‬ف

ال تق ل ل

ي ع

ن خوف

ك م

ن الي

وم والغ

د ووال ّ‬ ‫أحبني وعانقني وكن بجانبي أنت القوي السند وأنا الضعيف المسد"‬ ‫"كي

ف ل

ي ي

ا ميلين

دا بوال

ديك؟ وأن

ا مازل

ت عل

ى أب

واب الدراس

ة‪...‬‬ ‫وأنت؟‬ ‫ِ‬ ‫‪١٤٧‬‬


‫كيف ل ي وأن ا أح ارب نف سي ف ي ك ل ي وم خوف ا ً م ن أن أص حو وإذا‬ ‫بھاتفي فيه رسالة من ك فيھ ا تعت ذرين م ن ض عفك وقل ة الحيل ة وس طوة‬ ‫والديك‪ ،‬أنا قررت أن ال ألتحق بجامعة بل سأعمل حت ى أس تطيع إقن اع‬ ‫والديك"‬ ‫"ال تقل ھذا يا سلوان‪ ،‬يجب عليك أن تلتحق بكليت ك ودراس تك مع ي‬ ‫وقد يكون ھذا مقنعا ً عند‬ ‫والدي أكثر"‬ ‫ّ‬ ‫كنت قد اتخذت قرارا نھائيا ً في عدم التحاقي ف ي الجامع ة‪ ،‬وانت سبت‬ ‫للشرطة وبھذا أكون قد بدأت الحياة العملية من ب اب وم ن األخ ر حي ث‬ ‫المكانة االجتماعية وقناعة والديھا‪.‬‬ ‫لم يكن األمر سھالً عندما أبلغت ميلين دا بق راري ال ذي ال رجع ة في ه‬ ‫عل

ي بك

ل الوس

ائل ھ

ي وأم

ي حت

ى أتراج

ع ع

ن‬ ‫وحاول

ت ال

ضغط‬ ‫ّ‬ ‫مشروعي‪.‬‬ ‫كنت أخاف من الغد والسنين القادمة واالنتظار‪ ،‬ال أريد أن أفيق وإذا‬ ‫بھا في المكان الذي ال أتمنى وال حولي‪.‬‬ ‫التحق

ت فع

الً ف

ي ص

فوف ال

شرطة‪ ،‬وكان

ت ال

ستة ش

ھور األول

ى‬ ‫ص

عبة ج

داً‪ ،‬حي

ث أن

ي ل

م أك

ن ف

ي أثين

ا ب

ل بعث ت إل

ى ال

شمال إل

ى‬ ‫)سالونيكي(‪ ،‬كنت في ك ل ش ھر أق ضي س تة أي ام م ع وال دتي وميلين دا‪،‬‬ ‫وعن

د ق

ضاء األي

ام ال

سريعة الق

صيرة ت

أتي الليل

ة الت

ي س

أغادر ف

ي‬ ‫فجرھا‪ ،‬فيصبح الطعام والشراب والحديث والجل وس م ع أم ي وميلين دا‬ ‫ال معنى لھما إال الحرقة والفراق كأني لن أعود أبداً‪.‬‬

‫‪١٤٨‬‬


‫ومضت الثالثة سنين بحلوھا وكثرة مرارھ ا والبع د فيھ ا‪ ،‬حت ى أت ى‬ ‫اليوم الذي سأرجع به إلى مينائنا وحينا وميليندا وأمي‪.‬‬ ‫وضعت أول متاعي ف ي الحقيب ة ال شرطية تعل وني ابت سامة عري ضة‬ ‫أشعر من ثناياھا بفرح قريب‪.‬‬ ‫خرجن

ا أن

ا وزمالئ

ي م

ن س

كان أثين

ا وأحيائھ

ا وبيري

وس واألنح

اء‬ ‫القريبة من ھناك‪.‬‬ ‫مازلت أذكرھم وأتمنى أن يجمعنا القدر مرة أخرى‪ ،‬ليس في ثكن ات‬ ‫الشرطة إنما في المدنية وفي حانات أثينا‪.‬‬ ‫توسطنا الباحة ننتظر الحافلة التي ستأخذنا إلى المطار‪ ،‬كلھم تملؤھم‬ ‫فرح

ة النج

اح والع

ودة‪ ،‬فخ

ورين بإنجازن

ا واجتيازن

ا ال

دورة ال

شاقة‬ ‫منتظرين عمراً جديداً وحلم األمس يعانقنا اليوم حقيقة‪.‬‬ ‫أتت أول حافلة أراھا م ن بعي د مقبل ة والغب ار م ن خلفھ ا مث ل وح ش‬ ‫قادم ألبنائه‪.‬‬ ‫وص

لت الحافل

ة م

ن ط

راز ‪ MAN‬األلم

اني الكبي

رة‪ ،‬وتوس

طت‬ ‫ال

ساحة الحربي

ة‪ ،‬ب

دأنا ن

صعد إل

ى مقاع

دنا الزرق

اء الداكن

ة العري

ضة‬ ‫بمركاھا الذي يصل إلى الرقبة من الخلف‪.‬‬ ‫كانت ترافقنا السكينة دون العجلة‪ ،‬فاليوم ل ن تك ون ھن اك ع ودة بع د‬ ‫ستة أيام‪ ،‬إنما سنبقى حيث جئنا وحيث نحب البقاء‪.‬‬ ‫لم تكن الحافلة سريعة وحتى نصل إلى أرض المطار أمامنا أقل م ن‬ ‫ساعة وھي ليست بالكثيرة وال المملة‪.‬‬ ‫‪١٤٩‬‬


‫كنا نزغرد فرحا ً ونغني أنشودة ترياق القلوب نجاحا ً‪ .‬تعالت أصواتنا‬ ‫وقرب المطار‪.‬‬ ‫ننظر م ن النواف ذ للرص يف م ن ورائن ا وم ن أمامن ا‪ ،‬تقت رب أجنح ة‬ ‫الطائرة وكأنھا لعبة خشبية‪.‬‬ ‫ما ھي إال دق ائق حت ى دخلن ا المط ار الع سكري‪ ،‬وإذا بالط ائرة الت ي‬ ‫كانت تبدو مثل سيارة األسالك المعدنية التي كنت ألعب بھا في طفولتي‬ ‫عمالقا ً أخضراً زيتيا ً يتسع لحافلتنا وأخرى‪.‬‬ ‫لم ننتظر كثيراً‪ ،‬ال أذكر وقت االنتظار‪ ،‬فكانت الساعات تمضي مثل‬ ‫خيول الخوارج في النھر وان وأعمارنا‪.‬‬ ‫ص

عدنا الط

ائرة الع

سكرية وص

وتھا يزمج

ر وكأنھ

ا م

ن بقاي

ا العھ

د‬ ‫الثالث‪.‬‬ ‫لم تكن المقاعد مثل المعتاد في الطائرات المدني ة‪ ،‬كان ت عل ى ط ول‬ ‫جانبي الطائرة وفي الوسط رواق عريض يكف ي لنق ل خم سة م درعات‬ ‫حربية‪.‬‬ ‫أغل ق ذي ل الط ائر حي

ث دخلن ا وب دا يرتف ع أزي

ر األس د المقب ل عل

ى‬ ‫فريسته‪...‬‬ ‫ق دمي‪ ،‬ول م تك ن تل ك الم رة‬ ‫وأقلعت وأحسست وكأن قلبي س قط ب ين‬ ‫ّ‬ ‫األولى التي أطير بھ ا ف ي تل ك الط ائرة‪ ،‬إال أن اإلح ساس ھ ذا يرافقن ي‬ ‫في كل مرة‪.‬‬

‫‪١٥٠‬‬


‫ولم تكد تحتضن الساعة نف سھا ول م تكتم ل وإذا ببناي ات أثين ا تح اول‬ ‫اإلمساك بنا‪ ،‬وغاصت الطائرة نحو األرض من بين البناء كأنھا تحاول‬ ‫اصطيادھا‪.‬‬ ‫نزلنا أرض المطار المدني ولم نخرج ھذه المرة من الم دخل المعت اد‬ ‫حيث المدنيين‪ ،‬إنما من مم ر الطي ارين وم وظفي المط ار‪ ،‬م ن الم دخل‬ ‫الخلفي إلى الشارع ولم ندخل التفتيش‪.‬‬ ‫ودخلت المطار حيث أمي تنتظرني من الباب الرئيسي‪ ،‬فھي تأخذني‬ ‫دائما ً بسيارتھا‪.‬‬ ‫دخلت س احة المنتظ رين م ن الخل ف أبح ث ب ين الجم وع عنھ ا‪ ،‬وم ا‬ ‫كانت إال دقائق حتى رأيتھا من عند بوابة االستقبال‪...‬‬ ‫يداي على عينيھ ا‪،‬‬ ‫وعانقتھا من الخلف من غير أن تراني ووضعت‬ ‫ّ‬ ‫يداي بأناملھا الرقيق ة مث ل أق الم الرص اص‪ ،‬وقال ت‪" :‬حم داً ‪d‬‬ ‫ولمست‬ ‫ّ‬ ‫على سالمتك يا ولدي"‬ ‫اس

تدرت إليھ

ا وعانقتھ

ا ش

ديداً بفرح

ة اجتي

ازي دورت

ي ونج

احي‬ ‫وشوقي‪.‬‬ ‫عانقتني بحبھا لي ولھفة لقائھا وحنينھا‪ ،‬وأمسكت ي دھا وس رنا‪ ،‬وإذا‬ ‫بھا تقول‪" :‬إلى أين؟"‬ ‫"إلى البيت يا أمي‪ ،‬أم تودين الذھاب إلى مكان ما؟"‬ ‫"ال يا ولدي فأن ا كل ي ش وق لن ذھب إل ى بيتن ا‪ ،‬ولك ن لننتظ ر ميلين دا‬ ‫فھي ذھبت قبل قليل لقضاء الحاجة"‬ ‫‪١٥١‬‬


‫"رائع‪ ،‬ميليندا حضرت أيضا ً؟ إنه ليوم من أجمل األيام‪ ،‬لم أتوقع أن‬ ‫تكون برفقتك"‬ ‫وإذا بصوتھا الناعم من خلفي يناديني فاستدرت إلى الخل ف ف إذا بھ ا‬ ‫واقفة ال تتقدم‪...‬‬ ‫وعرقھ

ا الن

اعم واش

تياقي‪ ،‬عانقتھ

ا ول

م ألتف

ت للزھ

ور‬ ‫ي ا لجمالھ

ا ِ‬ ‫ساعديي التي ل م أش عر بق ساوتھا‬ ‫بيديھا‪ ،‬ضممتھا بريح فؤادي وصالبة‬ ‫ّ‬ ‫تقسى على ميليندا الرقيقة الناعمة‪ ،‬وكادت أضلعھا تألمھا‪.‬‬ ‫"حسبك يا سلوان‪ ،‬فأنا مشتاقة أيضا ً"‬ ‫وق

دمت ل

ي وردودھ

ا ول

م تك

ن بنعوم

ة خ

ديھا وال ب

شفافية ش

فتيھا‬ ‫وأناقة طبعھا‪.‬‬ ‫سرنا‪ ،‬أم ي‪ ،‬ميلين دا وأن ا أتوس ط نب ع الحن ان وص در الحي اة وس رھا‬ ‫وغرغرة القلب وانصياعي وعشقي‪.‬‬ ‫كنت أحس بأنن ا ن شكل لوح ة س يدة ال صخور إن فق د أح د أشخاص ھا‬ ‫بدت وكأنھا لوحة نشاط مدرسي‪.‬‬ ‫اقتربن ا م

ن س يارة أم

ي ال صغيرة م

ن ط راز ‪ Polo‬مودي

ل ‪،١٩٩٢‬‬ ‫بأبوابھا االثنين وكانت تعرف بسيارة النساء‪.‬‬ ‫فتح

ت الكرس

ي األم

امي م

ن جان

ب ال

سائق وص

عدت ميلين

دا م

ن‬ ‫الخلف م ن ورائ ي وص عدت م ن األم ام بجان ب أم ي‪ ،‬بع د أن وض عت‬ ‫الحقيبة في الصندوق الخلفي للسيارة‪.‬‬

‫‪١٥٢‬‬


‫"اآلن يا خالتي أجلس أنا في الخلف والحبي ب العزي ز إل ى جانب ك؟!"‬ ‫وأوم

أت ميلين

دا بعينيھ

ا تلمع

ان ف

رح قاص

دة مم

ازحتي وأم

ي‪ ،‬وأم

ي‬ ‫بطيب

ة قلبھ

ا قال

ت‪" :‬ال ي

ا ابنت

ي‪ ،‬ال تق

ولي ھ

ذا‪ ،‬فأن

ت طفلت

ي الت

ي ل

م‬ ‫أنجبھا"‬ ‫ولم تبالغ أمي‪ ،‬فكانت تعانقھا أحيانا ً وتبكي‪ ،‬وتقول‪" :‬يا لألقدار‪"!...‬‬ ‫منذ أن دخلت بيتنا وكانت في الرابعة عشر‪ ،‬عملت ضحكاتھا وكلماتھا‬ ‫وخطواتھ

ا عم

ل ال

سحر‪ ...‬إيماءاتھ

ا بي

ديھا وق

دميھا‪ ،‬عينيھ

ا وح

سن‬ ‫تعبيرھا وجلوسھا بجانب أمي واالرتماء في أحضانھا‪ ...‬وتسألھا‪" :‬متى‬ ‫سترجعين يا حلوة سلوان إلى بيتنا مرة أخ رى؟ فل يس ل سلوان أص دقاء‬ ‫غيرك"‬ ‫لقد أحبتھا وأحب ت أن ال تغ ادر بيتن ا‪ ،‬أحبتھ ا حت ى أنھ ا عمل ت عل ى‬ ‫خلق صداقة بينھا وبين والديھا‪.‬‬ ‫سرنا مع أمي نحو البيت وكنت فخوراً أن ي م ن الي وم أس تطيع قي ادة‬ ‫السيارة‪ ،‬وھي من األشياء التي البد تعلمھ ا ف ي المؤس سة ال شرطية‪ .‬ل م‬ ‫تكن المسافة بين المطار والبيت بالطويلة‪ ،‬إنما كانت ال تتجاوز الثالثين‬ ‫كيلو متراً‪ ،‬ولك ن بزحم ة الط رق وكث رة ال سيارات نحت اج ف ي األغل ب‬ ‫لساعة على األقل‪.‬‬ ‫وقد اضطرت بلدية أثينا إلنشاء ق انون للتحدي د م ن زحم ة ال سيارات‬ ‫في المدينة‪ ،‬فقد عملوا على السماح للسيارات أص حاب األرق ام الفردي ة‬ ‫ليوم واآلخر لألرقام الزوجية‪.‬‬

‫‪١٥٣‬‬


‫وكأنھا دقائق ومن غير اإلحساس بزحم ة ال شوارع وص لنا بيري وس‬ ‫حيث نسكن‪.‬‬ ‫وقف

ت ال

سيارة عل

ى حاف

ة ال

شارع م

ن الجھ

ة اليمن

ى أم

ام ال

سور‬ ‫المرتفع متراً ونصف‪ ،‬المبني من الطوب األبيض المحيط بالدار ب شكله‬ ‫العاري من دون دھان‪ ،‬وبالمقابل ميناء بيري وس‪ُ ،‬ت رى س فنه التجاري ة‬ ‫محملة من بعيد‪.‬‬ ‫نزل

ت م

ن ال

سيارة ب

سرعة وك

أن ش

يء ف

ي البي

ت ف

ي انتظ

اري‪،‬‬ ‫سحبت الباب األمامي إلى األمام حيث كنت أجلس وأمسكت بي د ميلين دا‬ ‫وأخرجتھ

ا م

ن ال

سيارة وتوجھ

ت حي

ث ال

صندوق الخلف

ي وأخرج

ت‬ ‫متاعي وعانقت أمي وميليندا ودخلنا البوابة الحديدية ببابيھا العري ضين‬ ‫المؤدية إلى مدخل البي ت وحديق ة بع رض أربع ة أمت ار وطولھ ا ع شرة‬ ‫من البوابة حتى مدخل البيت وعل ى الج انبين ج دار ب ين الح ديقتين م ن‬ ‫الجھت

ين بارتف

اع س

تين س

نتي مت

ر‪ ،‬وف

ي الجھ

ة اليمن

ى ش

جرتان م

ن‬ ‫الليم

ون البرازيل

ي األخ

ضر وف

ي الجھ

ة المقابل

ة كان

ت الحديق

ة أكب

ر‬ ‫وفيھ

ا أربع

ة أش

جار‪ ،‬واح

دة م

ن الليم

ون األص

فر وأخ

رى تف

اح م

ن‬ ‫الحج

م الكبي

ر‪ ،‬ونخل

ة أنث

ى وش

جرة م

شمش كبي

رة‪ ،‬وكان

ت أم

ي ب

ين‬ ‫الفترة واألخرى تزرع بين األشجار بعض الباقالء والخضرة‪.‬‬ ‫صعدت أمي الدرجتين االثنتين من أمامي ومن خلفھا ميليندا‪ ،‬وھناك‬ ‫ً‬ ‫ك شوفة مرتفع ة بع ض ال شيء بحي ث ي رى‬ ‫كانت الشرفة من الجھت ين م‬ ‫من في الشارع أثناء وقوفنا‪ ،‬وطراز البناء ھذا معتاد عند اليون ان وھ و‬ ‫قريب إلى الطراز الشرقي بعض الشيء‪.‬‬

‫‪١٥٤‬‬


‫دخلن

ا البي

ت إل

ى غرف

ة الجل

وس الت

ي اعت

دنا الجل

وس فيھ

ا‪ ،‬وھ

ي‬ ‫واسعة وأثاثھا بسيط متواضع‪ ،‬وھي بجانب المطبخ ومن أمامھ ا غرف ة‬ ‫نوم أمي وفي المقابل حجرتي وغرفة استقبال أخ رى عن د الم دخل إل ى‬ ‫اليسار حيث نستقبل عامة الزوار‪.‬‬ ‫كان الشھر السابع ومازلت لم أتمم االثنين وعشرين عام من عم ري‬ ‫فأنا من مواليد ‪ ،٠٥.٠٩.١٩٧٤‬وميليندا في نفس العام ولكن في الشھر‬ ‫‪ ،٢١.٠٦.١٩٧٤‬كانت تكبرني بثالثة أشھر حسب التقريب‪.‬‬ ‫كنت أحب ميليندا حبا ً جما ً ولكنا لم نتحدث يوما ً بجدية ف ي موض وع‬ ‫الزواج‪...‬‬ ‫كان حلما ً‪ ...‬عدت من دورة الشرطة وأحس ست ب أني اآلن أھ الً ب أن‬ ‫أك

ون زوج

ا ً وعل

ى ق

در م

ن الم

سؤولية وتحم

ل أعب

اء الزوجي

ة‬ ‫ومتطلباتھا‪.‬‬ ‫كانت ميليندا قد أوشكت على إنھاء دراستھا الجامعية‪ ،‬فلم يبقى عليھا‬ ‫سوى عام حتى تنتھي من تقديم امتحانھا ف ي البك الوريوس‪ ،‬اخت صاص‬ ‫صحافة واإلعالم‪.‬‬ ‫كان

ت أم

ي وميلين

دا ق

د جھ

زا الطع

ام قب

ل خروجھم

ا إل

ى المط

ار‬ ‫الستقبالي‪.‬‬ ‫وضعت متاعي وجلسنا جميعا ً على األريكة م رھقين م ن ذل ك الي وم‬ ‫الحار‪.‬‬

‫‪١٥٥‬‬


‫كانت درج ة الح رارة ف ي وقتھ ا تتج اوز ال ـ ‪ ٣٧‬درج ة‪ .‬دخل ت أم ي‬ ‫على المطبخ لتجھيز الغداء وبقيت ميليندا وأنا ف ي الغرف ة مم ا أت اح لن ا‬ ‫في لحظتھا أن نع انق بع ضنا ونتب ادل الق بالت دون ح رج م ن وال دتي‪،‬‬ ‫كنا نحس بشوق ولھفة عارمين‪.‬‬ ‫إليك كثيراً‪ ،‬وأحمد ‪ S‬أني أنھيت دورت ي‬ ‫"ميليندا حبيبتي لقد اشتقت ِ‬ ‫بجوارك"‬ ‫من سالونيكي ولن أخرج بعد اليوم من بيريوس وسأبقى‬ ‫ِ‬ ‫"ومن قال لك أني سأسمح لك بمغادرة البيت أصالً؟"‬ ‫كانت تقولھا ب شوق ولھف ة وح ب دف ين‪ ،‬كن ت أح س بأنفاس ھا المليئ ة‬ ‫بالنشوة إلي وھي تحادثني وتحاورني وكأنھ ا ال ت ستطيع كتم ان ش وقھا‬ ‫وحرقتھا‪.‬‬ ‫لم أكن أقل منھا شوقا ً‪ ،‬فأن ا أحبھ ا من ذ ب دأت أفك ر‪ ،‬أحبھ ا من ذ ب دأت‬ ‫أميز الفرق الحقيقي بين الفتاة والفتى‪ ،‬أحبھا منذ بدأنا الخروج سويا ً بعد‬ ‫المدرسة إلى البيت‪ ،‬منذ وقت االستراحة المدرسية التي لم أھنأ بھا م ن‬ ‫دونھ

ا‪ ،‬أبح

ث عنھ

ا ب

ين الفتي

ات ف

ي المدرس

ة وھ

ن ينتظ

رن أم

ام‬ ‫المقصف لشراء سندوتشاتھن في استراحة العاشرة والربع‪.‬‬ ‫وعندما يرونني زمالئي يقولوا لي‪" :‬إنھا في المكتبة"‬ ‫من دون أن اسألھم‪ ،‬فھم يعرفوا أني أبحث عنھا‪ ،‬فھ م ال يرون ي ف ي‬ ‫االستراحة إال معھا‪.‬‬ ‫"ميلين

دا أن

ا اآلن ق

ادر عل

ى تحم

ل م

سؤوليتك‪ ،‬أن

ا اآلن ل

ي دخ

ل‬ ‫والديك لن يعارضا اآلن زواجنا"‬ ‫شھري منتظم وأنا أعتقد بأن‬ ‫ِ‬ ‫‪١٥٦‬‬


‫عين ي‪ ...‬أس قطت رأس ھا نح و األرض‬ ‫تنھدت ميليندا وھي تنظر في‬ ‫ّ‬ ‫

داي بھ

ذا‬ ‫وقال

ت‪" :‬حبيب

ي‪ ...‬ال أعل

م‪ ...‬ال أعل

م كي

ف س

أواجه وال ّ‬ ‫الموض

وع‪ ،‬حقيق

ة ال أعل

م كي

ف أب

دأ معھ

م‪ ،‬وأن

ت تع

رف م

دى‬ ‫معارضتھم لعالقتنا"‬ ‫والدي ميليندا المستمرة واستيائھما لعالقتنا كنت دائما ً‬ ‫رغم معارضة‬ ‫ّ‬ ‫أزيد أكثر وأكثر في التمسك بھا‪.‬‬ ‫دخلت أمي في األثناء إلينا وبدأت بإدخال الطعام لغرفة الجلوس التي‬ ‫اعتدنا الطعام بھا‪.‬‬ ‫وقفت ميليندا لتساعد أمي في تجھيز السفرة‪ ،‬كانت تعرف ك ل ش يء‬ ‫في بيتنا‪ ،‬فھي تقضي معظم األوقات عندنا‪.‬‬ ‫بقيت أنا جالسا ً على غير الع ادة‪ ،‬فأن ا ف ي الع ادة أعم ل م ع أم ي ف ي‬ ‫المط

بخ أس

اعدھا ف

ي أش

ياء ب

سيطة مث

ل تجھي

ز مائ

دة الطع

ام م

ثالً أو‬ ‫غ

سل األطب

اق‪ ،‬إال أن

ي لحظتھ

ا كن

ت أت

صور وج

ه ميلين

دا عن

دما ب

دا‬ ‫عليھا اإلحباط وقت ذكرت لھا موضوع الزواج‪.‬‬ ‫لم يكن ھذا المنظر جديداً بالنسبة لي‪ ،‬إال أنه اليوم ترك أثراً أكثر من‬ ‫المعتاد في داخلي‪ ،‬قد يكون ھكذا ألني عزمت فع الً العم ل عل ى خط ى‬ ‫فعلية ھذه المرة‪ ،‬فأنا مولع بھ ا وأع شقھا وال أري د أن تبع د عن ي لحظ ة‬ ‫واحدة‪.‬‬ ‫أريدھا زوج ة ل ي‪ ،‬فھ ذا ق راري ول ن أتراج ع عن ه ف ي أي ح ال م ن‬ ‫األحوال‪ ،‬وال أتصور حياتي من دونھا‪.‬‬

‫‪١٥٧‬‬


‫دخلت أمي وبيدھا طبق فخاري كبير وضعته على الطاول ة‪ ،‬وإذا ب ه‬ ‫الطبق المفضل عندي‪ ،‬الباذنجان المحشي باللحم البقري المفروم الناعم‬ ‫ومن فوقه الكريما‪.‬‬ ‫"ھذا طبقك المفضل يا ولدي‪ ،‬لقد طھوته في الف رن كم ا يحب ه ول دي‬ ‫ويشتھيه" وقفت وقبلت أمي‪.‬‬ ‫دون ك‪،‬‬ ‫لك يا أمي‪ ،‬يا حبيبتي‪ ،‬أنا ال أعلم ما ل ون حي اتي م ن‬ ‫"شكراً ِ‬ ‫ِ‬ ‫أن ت‬ ‫أن ت معن ى الحي اة وكينونتھ ا‪ِ ،‬‬ ‫أنت أمي‪ِ ،‬‬ ‫أنت مزة الحياة وطعمھا‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫أنت في أي ام وح دتي‪،‬‬ ‫أنت فرفيقتي وصديقتي وخليلتي‪ ،‬وونيستي ِ‬ ‫أمي‪ِ ،‬‬ ‫أنت الظل الذي‬ ‫أنت الصديق الذي لم يتركني رغم سوء طبعي وتلوني‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫واراني وحماني وأنعم علي بن سمة ال صيف الرقيق ة الت ي عانق ت خ دي‬ ‫أنت دفيء الشتاء ونعم ة األم ن واالس تقرار ي ا‬ ‫أنت أمي‪ِ ،‬‬ ‫وأدفأت قلبي‪ِ ،‬‬ ‫أنت من منحني القوة وقت كنت في ه نحيف ا ً ض عيفا ً مري ضا ً منھك ا ً‬ ‫أمي‪ِ ،‬‬ ‫ ت م

ن ح

ول‬ ‫ھ

شا ً يتلطمن

ي زم

الء المدرس

ة وس

كان الح

ي‪ ،‬أم

ي‪ ،‬أن ِ‬ ‫ً‬ ‫أناق ة وأدب ا ً‪ ،‬وم ن مرض ي‬ ‫ھشاشة جسمي رونقا ً أعتز به‪ ،‬ومن ضعفي‬ ‫م

صدر ق

وة ودافع

ا ً للنج

اح واالس

تمرار‪ ،‬وم

ن تعب

ي راح

ة أس

تمد بھ

ا‬ ‫طاق

ة أع

دو بھ

ا لألم

ام‪ ،‬فأص

بح م

ن ك

ان ف

ي األم

س يتخبطن

ي ف

ي‬ ‫المدرسة والحي يقدم الطاعة لي اليوم حبا ً ومھابا‪ ،‬كنت لي ومازلت أبا ً‬ ‫وأما ً‪ ،‬أھالً وعشيرة‪ ،‬سنداً وسترة‪ ،‬أنت كل شيء في عمري يا أمي"‬ ‫"حبيبي ولدي‪ ،‬إني أشكر ‪ d‬بأن أنعم علي بك‪ ،‬فأصبحت أنت الحياة‬ ‫وعبرتھا‪ ،‬أصبحت أنت سر الوجود ومعناه‪ ،‬كنت أن ت ومازل ت ع وني‬ ‫في العطاء واستمرار البسمة والحياة‪ ،‬ل وال وج ودك ي ا ول دي لكن ت أن ا‬

‫‪١٥٨‬‬


‫مث

ل قطع

ة ديك

ور بالس

تيكية ال ش

كل لھ

ا وال معن

ى‪ ،‬ل

وال وج

ودك ي

ا‬ ‫ولدي لق ست عل ي الن اس وج دران البي ت وأھل ي‪ ،‬أن ت ول دي الج وھرة‬ ‫التي وضعتھا في قلبي وضممتھا وتزينت بھ ا‪ ،‬إن ك ال نفس الوحي د ب ين‬ ‫ض

لوعي وآھ

اتي وأدمع

ي ف

ي لي

الي وح

دتي‪ ،‬كن

ت أن

ت ومازل

ت‬ ‫ب

صراخك وبكائ

ك وأن

ت طف

ل إيمان

ا ً ل

ي ب

سر وج

ودي وأن

وثتي ب

ين‬ ‫النساء‪ ،‬أنت حديقة عمري ووردة شبابي ومعبدي أسكن إليه وأرجو ‪S‬‬ ‫ب

ك وأن

ت بج

انبي‪ ،‬أن

ت ول

دي حبيب

ي وق

رة عين

ي‪ ،‬وس

بب وج

ودي‬ ‫وسعادتي‪ ...‬أنت يا ولدي"‬ ‫كانت ميليندا تعجب مني ومن أمي وعالقتنا الحميمة‪ ،‬كيف ال وأنا لم‬ ‫أعرف من ھو بسواھا؟‬ ‫كيف ال وھي أمي وأبي؟ وھي التي عانت وكافحت من أجلي؟ حلقت‬ ‫ال

سنين وأص

بح أطف

ال البارح

ة ش

باب الي

وم‪ ،‬تب

ددت عالقاتن

ا بوال

ديھا‬ ‫بكبر وعظمة الحب بين ميليندا وبيني‪.‬‬ ‫نشأ خوف جديد لم نعرفه في الماضي ول م نتوقع ه‪ ،‬ال رفض البط يء‬ ‫والدي ميليندا‪.‬‬ ‫الذي ُقبلت به من‬ ‫ّ‬ ‫علم

ت أن لك

ل ش

يء ثم

ن وح

ساب‪ ،‬ول

م أعل

م أن ثم

ن ن

ضوجي‬ ‫وشبوبيتي وعروبتي ستكون يوما ً عائقا ً في طريق سعادتي‪.‬‬ ‫عروبتي التي لم أعرف منھا سوى حواراتي التي تتوسطھا اليوناني ة‬ ‫م

ع أم

ي‪ ،‬وس

مرة ف

ي وجھ

ي وأنف

ي األقن

ى واقتط

اب جبين

ي وغ

رة‬ ‫حاجبي ورأسي بشعره المموج الذي لطالما أحببته وفخرت بين الشباب‬ ‫ّ‬ ‫الصفر برجولتي‪.‬‬ ‫‪١٥٩‬‬


‫وآل

ت ص

داقة ال

صبيان إل

ى ح

ب‪ ،‬وص

ارت ص

راعاتھم عناق

ات‪،‬‬ ‫وباتت مالمساتھم أيديھم نشوة‪ ،‬والسكوت بين اللحظة واألخرى فرصة‬ ‫لإلحساس باالنقالب في أنفسھم‪.‬‬ ‫علم

وا أن ھ

ذا اإلع

صار ف

ي أعم

اقھم ع

شق‪ ،‬فقبلتھ

ا قبل

ة مليئ

ة‬ ‫بالسكوت وھي ساكنة‪ ...‬بعد وقفة طالت‪.‬‬ ‫وبحثنا بذواتنا حتى كان ت ترجم ة ك ل م ا م ضى بقبل ة الي وم‪ .‬عن دما‬ ‫يحب اإلنسان ألول مرة ال يشعر البتة بمن حوله‪ ،‬كالم ميليندا وكالم ي‬ ‫وخروجنا ودخولنا وقلة األوقات التي ال نكون فيھ ا س ويا ً‪ ،‬وتول د القل ق‬ ‫عند والديھا‪ ،‬فقد الحظا حجم العالقة بين ابنتھم وبيني‪ ...‬العربي‪.‬‬ ‫"سلوان أعذرني‪ ،‬أريد أن أذھب للبيت اآلن"‬ ‫كانت ميليندا تجلس جانبي وھي تسألني الذھاب‪ ،‬وكأنھا أحست بالذنب‬ ‫ألنھا لم تتمكن من البقاء أكثر‪.‬‬ ‫ولم يا ميليندا تذھبين اآلن؟"‬ ‫" َ‬ ‫"غ

داً س

آتي ف

ي ال

صباح ك

ي ن

شرب القھ

وة س

ويا ً‪ ،‬فأن

ا ل

ن أذھ

ب‬ ‫للجامعة"‬ ‫"كما تشائين" قلت لھا ولم أكن سعيداً بذھابھا‪.‬‬ ‫بقيت ميليندا ف ي ذل ك الي وم ف ي بيتن ا حت ى م ا يق ارب الحادي ة ع شر‬ ‫ليالً‪.‬‬

‫‪١٦٠‬‬


‫وقف

ت ميلين

دا وقال

ت ألم

ي‪" :‬اع

ذريني ي

ا خ

التي أن

ا س

أذھب اآلن‬ ‫للبيت"‬ ‫"ولما ال تبقين الليلة عندنا يا ابنتي؟"‬ ‫في األثناء كنت أنظر لميليندا وأحس ببرود في كالمھا‪.‬‬ ‫"سأرافق ميليندا يا أمي للبيت ولن أطيل"‬ ‫خرجن

ا‪ ،‬ميلين

دا وأن

ا دون أن نتب

ادل كلم

ة واح

د حت

ى ص

رنا ف

ي‬ ‫الشارع‪.‬‬ ‫"لماذا ال تحدثني" قالت ميليندا‪.‬‬ ‫"ماذا تريدين أن تسمعي؟"‬ ‫"وھل نفذ الكالم عندك لدرجة أنك ال تجد كلمة تقولھ ا ل ي ف ي خل وة‬ ‫اآلن؟"‬ ‫"إنك تتحدثين وكأن الذي جرى اآلن شيء طبيعي"‬ ‫"أن

ا أع

رف أن

ك تعن

ي ذھ

ابي للبي

ت‪ ،‬لق

د اختل

ف الوض

ع اآلن ي

ا‬ ‫سلوان‪ ،‬أمي وأبي ضيقا علي أكثر مما تتصور‪ ،‬س ؤاالت واستف سارات‬ ‫وأشياء ال أحب طرحھا اآلن"‬ ‫والديك بخصوصنا؟"‬ ‫بينك وبين‬ ‫ِ‬ ‫"ماذا تعني بھذا؟ ھل دار كالم ِ‬ ‫"يوميا ً تقريبا ً‪ ،‬وأنا لم أعد أحتمل ضغوطھم‪ ،‬لم أتوقع أنھم يرفضوك‬ ‫لھ

ذا الح

د‪ .‬أرج

وك حبيب

ي ال أري

د الخ

وض اآلن بھ

ذا الموض

وع‪ ،‬أن

ا‬ ‫سعيدة جداً بعودتك وال أريد أن أعكر صفوي وصفوك"‬ ‫‪١٦١‬‬


‫وص

لنا لبي

ت ميلين

دا وكن

ت معت

اداً ال

دخول إذا رافقتھ

ا حت

ى البي

ت‪،‬‬ ‫لكن وبعد سماع المستحدثات اليوم لم أكن مستعداً أن أصافح أحدھم‪.‬‬ ‫وقفنا أمام البيت لبضعة دقائق وعانقتھا ولم أستطع تقبيلھا‪ ،‬كأني من‬ ‫غير أن أشعر أحملھا مسؤولية فكر والديھا‪.‬‬ ‫أحست ھي أي ضا ً ب ي وقبلتن ي عل ى جبين ي‪ ،‬وبقي ت أن ا واقف ا ً أنتظ ر‬ ‫دخولھا‪.‬‬ ‫والدي؟"‬ ‫"أال تريد أن تدخل معي وتسلم على‬ ‫ّ‬ ‫"ال حبيبتي‪ ،‬اليوم ال"‬ ‫"إذن حتى الغد يا سلوان‪ ،‬سأكون تقريبا ً مع العاشرة في بيتكم"‬ ‫"تصبحين على خير ميليندا"‬ ‫دخلت بوابة بيتھم وأنا أرقبھا وھي تغلق البوابة خلفھا وتسترق آخ ر‬ ‫نظرة من بين صفائح الحديد‪.‬‬

‫‪١٦٢‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫"م ساء الخي ر" دخل ت ميلين

دا البي ت وحي ت وال

ديھا وھ م ف ي حج

رة‬ ‫الجلوس دون أن تنظر فيھم‪.‬‬ ‫دخلت المطبخ كي تحضر زجاجة ماء وتأخذھا لغرفتھا كعادتھا‪ .‬ف ي‬ ‫األثناء دخلت أمھا خلفھا وقالت لھا‪" :‬كيف كان يومك اليوم"‬ ‫وھ

ي ال تع

رف بأنھ

ا كان

ت م

ع أم س

لوان ف

ي المط

ار وأح ضروه‬ ‫سويا ً‪.‬‬ ‫"أنا جيدة يا أمي" أجابتھا في الوقت الذي كانت تفتح به الثالجة‪.‬‬ ‫"ميليندا‪ ،‬أريد أن أتحدث معك"‬ ‫"أرجوك ليس اآلن"‬ ‫"متى سيأتي اليوم الذي أستطيع ب ه الح ديث مع ك دون أن ت أجلي أو‬ ‫تقولين ليس اآلن؟"‬ ‫"ل

ن ي

أتي الي

وم ال

ذي س

أتحدث ب

ه مع

ك ب

أي موض

وع غي

ر عم

ل‬ ‫المنزل"‬ ‫"ما ھي طبيعة العالقة يا ميليندا بينك وبين سلوان؟"‬ ‫"ماذا تعني؟"‬ ‫"أن

ت اآلن فت

اة جميل

ة ي

ا ميلين

دا ويج

ب أن تتع

املي م

ع ذات

ك‬ ‫واآلخ رين عل

ى ھ ذا النح

و‪ ،‬عن دما كن

ت طفل ة تلعب

ين م ع س

لوان ك

ان‬

‫‪١٦٣‬‬


‫األم

ر طبيع

ي‪ ،‬أم

ا اآلن وق

د كب

رت وب

دا علي

ك س

يمة ال

شابة األنيق

ة‬ ‫وتالشت عن خديك ريحانة الطفولة البريئة‪"...‬‬ ‫"ماذا تريدين أن تقولي يا أمي؟ ودون مقدمات"‬ ‫"متى ستنھي عالقتك بسلوان؟"‬ ‫"عن أي عالقة تتحدثين؟ نحن مجرد أصدقاء ال أكثر" لم تك ن تج رأ‬ ‫ميليندا على مواجھة والديھا بطبيعة عالقتھا بسلوان‪.‬‬ ‫"ھل تعتقدي أني مغفلة وال أعرف الذي يدور بيني وبينه؟"‬ ‫"أمي أرجوك ال أريد الحديث بمثل ھذه الخرافات"‬ ‫لم تكن عالقة ميليندا بأمھ ا تل ك العالق ة الحميم ة المعت ادة ب ين البن ت‬ ‫وأمھا‪.‬‬ ‫وكان ت ت زداد ك ل م رة ف

ي نقاش اتھم‪ ،‬إن تعل ق األم ر بطريق ة لب اس‬ ‫ميليندا التي تصفھا أمھا بأنھا على الط راز الق ديم‪ ،‬بي د أنھ ا وأبيھ ا كان ا‬ ‫مثل صديقين يتحدثا ويتحاوران بكل ما يدور بسريرتھم‪.‬‬ ‫ك

ان وال

د ميلين

دا ف

ي غرف

ة الجل

وس يح

اول أن يعل

ق لوح

ة داخ

ل‬ ‫إطاراً على الحائط‪ ،‬وكان يسمع الحوار بين ابنته وزوجته‪.‬‬ ‫لم ينتظر حتى ينتھن‪ ،‬وناد زوجت ه‪" :‬ميلوذي ا‪ ،‬أح ضري ل و س محتي‬ ‫مسماراً آخر"‬ ‫لم تلبي النداء مباشرة بل واصلت الكالم مع ميلين دا محاول ة ال ضغط‬ ‫عليھا أو إقناعھا في الحديث معھا‪.‬‬

‫‪١٦٤‬‬


‫"ھل حضرتي يا ميلوذيا‪...‬؟"‬ ‫واص

ل الن

داء وال

د ميلين

دا‪ .‬ص

ارت ميلوذي

ا تبح

ث ع

ن ص

ندوق‬ ‫األدوات كي تحضر مسماراً له‪.‬‬ ‫دخل

ت حج

رة الجل

وس بع

د أن فق

دت األم

ل ف

ي العث

ور علي

ه ف

ي‬ ‫المطبخ‪ ،‬وحال دخولھا وجدته على األرض مقابل الباب‪.‬‬ ‫"لماذا تطلب مني أن أحضر لك المسامير وھي عندك ھنا؟"‬ ‫كان اآلخر في األثناء قد انتھى من تعليق اإلطار على الحائط‪.‬‬ ‫"أنا ال أريد مطرقتا ً وال مسماراً‪ ،‬إنما ال أريد أن تتح دثي م ع ميلين دا‬ ‫بھ

ذه الطريق

ة الفظ

ة‪ ،‬أن

ا أرف

ض األم

ر تمام

ا ً مثل

ك‪ ،‬ولك

ن ل

يس بھ

ذه‬ ‫الحيثي ة الت ي تح اولي تطبيقھ ا م ع ابنتن ا‪ ،‬األم ر تط ور ول م تع د ميلين

دا‬ ‫طفلة‪ ،‬وأنا أعتقد أنھا تحب سلوان‪ ،‬وقبل أن يتأزم األمر يجب أن أضع‬ ‫حداً لھذا األمر‪ ،‬وعلى طريقتي"‬ ‫"وماذا علينا عمله لقطع عالقتھا بسلوان من وجھة نظ رك؟ أن ا أرى‬ ‫بأم عين ي كي ف تعانق ه وتق ضي ك ل الوق ت ف ي بي تھم‪ ،‬ول ن أس مح بع د‬ ‫اليوم أن ترقد ھناك‪ ،‬لن أسمح بأن يكون زوج ميليندا بربري"‬ ‫واليونان يعتبرون كل الشعوب من غير جن سيتھم براب رة ف ي الك الم‬ ‫المتداول بين العامة‪.‬‬ ‫"ماذا ستقول الناس عنا؟ زوجت ابنتھا لعربي مسلم! مجرد تصوري‬ ‫لھذا الموقف أصاب بالغثيان‪ ،‬وال تقل لي م رة أخ رى أن ال أت دخل‪ ،‬أو‬

‫‪١٦٥‬‬


‫أنك ستحل الموضوع بأسرع وقت ممكن‪ ،‬ألنك ستفقدني وسأموت قھراً‬ ‫إن لم تمنعھا"‬ ‫"وھل تعتقدي بأني مسرور من تصرفاتھا‪ ،‬خروجھا معه وسھراتھا؟‬ ‫ولكن ليست ھذه الطريقة األنجع إلقناعھا بتركه يا ميلوذيا"‬ ‫"وما ھي الطريقة بنظرك إذن؟"‬ ‫أرج وك‪ ،‬فأن ت كلم ا فتحت ي ھ ذا الموض

وع‬ ‫"ال أعل م‪ ،‬اتركين ي اآلن‬ ‫ِ‬ ‫معي تسببي لي الصداع"‬ ‫كانت ميليندا ما تزال في المط بخ وق د س معت ك ل الح وار ال ذي دار‬ ‫بينھم‪ .‬لم يزدھا األمر إال سوء في يومھا‪.‬‬

‫‪١٦٦‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫ع دت أج ر خط

اي نح و البي ت‪ ،‬وتقنن

ت فرحت ي ب العودة والتخ

ريج‪،‬‬ ‫وأحسست أني ال شيء‪.‬‬ ‫وصلت البيت حييت أمي وجلست لجانبھا‪.‬‬ ‫"م

اذا ب

ك ي

ا س

لوان؟ لم

اذا يب

دو علي

ك الح

زن؟ ھ

ل ت

شاجرت م

ع‬ ‫ميليندا؟"‬ ‫"ال يا أمي‪ ،‬ولكني ال أفھم لماذا تغير والدي ميليندا من جھتي‪ ،‬أنا لم‬ ‫ل م ھ ذه‬ ‫أسيء بشيء‪ ،‬أنا أحترمھم كثيراً كأنھم أھلي‪ ،‬وھم أيضا ً‪ ،‬ولكن َ‬ ‫االنقالبة؟ لماذا يرف ضونني اآلن؟ م ا ال ذي تغي ر ب ي؟ أن ا مازل ت عل ى‬ ‫عھدي معھم‪ ...‬أحبھم"‬ ‫"أنت لست مذنبا ً‪ ،‬إنما ھي األقدار"‬ ‫"وھ

ل األق

دار ق

ضت أحكامھم

ا عل

ي ب

أن أرف

ض م

ن األس

رة الت

ي‬ ‫عشت بينھم وكأني واحداً منھم؟"‬ ‫"ال يا ولدي إنما األقدار أنك ابن نور وإبراھيم وميليندا بنت دميترس‬ ‫وميلوذيا‪ ،‬إنك ولدت عربي مسلم‪ ،‬وھي ابنة اليونان أرثوذكسية"‬ ‫لغاية ھذه اللحظة لم أعرف أن ه ذن ب أن أخل ق عرب ي وم سلم‪ ،‬كن ت‬ ‫تماما ً مثلھم أشرب العرق )الراك ي( معھ م آك ل أكلھ م‪ ،‬ل م أس مع ب شيء‬ ‫اسمه حرام أو حالل منذ أن مات أبي‪.‬‬

‫‪١٦٧‬‬


‫أحتف

ل بأعي

ادھم ول

م أع

رف أعي

اداً غيرھ

ا‪ ،‬والحل

وى الت

ي كان

ت‬ ‫تعملھا أمي في العام مرتين من غير أن أعي المناسبة‪.‬‬ ‫"وھل نحن بشر غيرھم؟ ھل خلقن ا م ن جم ر وحج ار وھ م م ن زب د‬ ‫البحر والثمار؟ لماذا خلقت عربي؟ ولماذا إسالمي الذي ال أع رف من ه‬ ‫غير اسمه عار؟ أنا لم أكن م رة ش يء آخ ر مختل ف ع نھم‪ ،‬فلم اذا اآلن‬ ‫علي؟"‬ ‫عندما كبرت وتمنيت مثل أبناء جيلي أعزل ويشار ّ‬ ‫أحم

ل أم

ي ال

ذنب ألنھ

ا ول

دتني‬ ‫كن

ت أص

رخ ف

ي الح

ديث وك

أني ّ‬ ‫عربي‪.‬‬ ‫"أين الفرق يا أمي بيننا وبينھم؟"‬ ‫كن

ت أص

رخ‪" :‬أن

ت ال تلب

سين الحج

اب وأن

ا أش

رب الخم

ر معھ

م‪،‬‬ ‫أخ رج م

ع ن

سائھم وأن ت ت

شربين القھ

وة م ع رج

الھم‪ ،‬وتق

ضين معظ

م‬ ‫الوقت مع زاكس‪ ،‬ھل سألك مرة ماذا تعبدين قبل أن يخرج معك؟ أن ت‬ ‫تلب

سين م

ن نف

س ثي

ابھم وتتقن

ين فط

ائرھم ول

م أرى في

ك يوم

ا ً ش

يء‬ ‫فلم◌ اختلفنا اليوم عنھم وطردنا م ن رحم تھم‬ ‫يميزك عنھم غير لكنتك‪َ َ ،‬‬ ‫وقربھم؟"‬ ‫كان

ت ن

ور تنظ

ر ل

ألرض وال ت

ستطيع النظ

ر بع

ين ول

دھا‪ ،‬كأنھ

ا‬ ‫أحست بالذنب ألنھا لم تعرفه على ھويت ه من ذ أن ك ان طف الً‪ ،‬حت ى أن ه‬ ‫اليوم أحس بأنه ال ينتمي ألحد وليس له ھوية‪.‬‬ ‫ضائع‪ ،‬ممزق ومرفوض من أھل ميليندا لعروبته التي لم تقل له أمه‬ ‫عنھا غير ذكرى والده وخيبات أمله‪.‬‬

‫‪١٦٨‬‬


‫وراح سلوان شريداً يبكي ف ي ي وم ت صوره بداي ة م ع ميلين دا وأھلھ ا‬ ‫وتوحدھم أسرة واحدة‪.‬‬ ‫امتأل رأس ه غ ضب‪" :‬أن ا ذاھ ب لحجرت ي" دخ ل دون أن يب ادل أم ه‬ ‫نظرة واحدة‪.‬‬ ‫"اذھ

ب ي

ا ول

دي" قالتھ

ا وھ

ي جال

سة عل

ى ط

رف األريك

ة ترمق

ه‬ ‫بعينيھا الذبلتين‪.‬‬

‫‪١٦٩‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫في صباح الي وم الت الي اس تيقظت ن ور م ع ال ساعة العاش رة والرب ع‪.‬‬ ‫نظفت ما كان باألمس في المط بخ وحج رة الجل وس وس لوان راق داً ف ي‬ ‫غرفته‪.‬‬ ‫قرعت نور الباب ونادت من الخلف‪" :‬سلوان‪ ...‬ول دي أل م تتف ق م ع‬ ‫ميليندا أن تلتقي معھا في الجامعة اليوم؟"‬ ‫لم يرد على أمه‪ ،‬رغم أنه ك ان م ستيقظا ً فھ و ل م يھ دأ ل ه جف ن حت ى‬ ‫الفجر‪ ،‬وما كانت إال ساعات قليلة حتى أيقظه األرق وشرذمة تفكيره‪.‬‬ ‫لم تھدأ نور‪ ،‬وتابع ت ق رع الب اب بھ دوء‪ ،‬فھ ي تع ي وض عه النف سي‬ ‫وال تريد أن تزيد عليه قرعا ً غير الذي منه عليه‪.‬‬ ‫"اس

تيقظ ي

ا ول

دي" قالتھ

ا األخي

رة وذھب

ت تواص

ل أعم

ال المن

زل‬ ‫وقلبھا مشغول بولدھا‪ .‬فھي تعرفه وردود فعله‪.‬‬ ‫ما كان ت إال دق ائق حت ى س معت ص وت ب اب حجرت ه ينف تح وم شت‬ ‫نحوه‪.‬‬ ‫تقصدت أن ال تعانقه فھ ي تع ي أن ه ال يحتم ل أن ي شعر بال شفقة وال‬ ‫حتى من أمه‪.‬‬ ‫"صباح الخير يا سلوان"‬ ‫"صباح الخير يا أمي"‬

‫‪١٧٠‬‬


‫أقبل عليھا ويبدو ف ي عيني ه قل ة الن وم واإلرھ اق وعانقھ ا وق ال‪" :‬ال‬ ‫تغضبي مني يا أمي‪ ،‬لقد تجاوزت البارحة حدود األدب معك"‬ ‫كأنھا كانت تنتظر منه حتى يرق كي تعانقه‪ ،‬ضمته بقوة إليھا‪" :‬ال يا‬ ‫ولدي أنت ما كنت أب داً ِمم ن يتج اوز األدب م ع أم ه‪ ،‬أل سنا أص دقاء ي ا‬ ‫س

لوان؟ فكي

ف ب

صديق ال يب

وح ل

صديقه‪ ،‬أل

سنا كي

ان واح

د؟ فكي

ف‬ ‫لجسدي أن ال ينعل أو يقھر وأنت مني؟"‬ ‫دخل سلوان غرفة الجل وس وھ و يرت دي ثي اب الن وم‪ .‬أح ضرت أم ه‬ ‫فنجانين قھوة وقطعة )بيتا( وھي فطيرة خبز بالجبن األبيض‪.‬‬ ‫جلست لجانبه ووضعت الطبق بالفطيرة والقھوة أمامه وأبقت قھوتھا‬ ‫بيدھا ترتشفه‪.‬‬ ‫تناول سلوان قھوته وصارت أمه تراقبه كي يتكلم‪ ،‬ولم تصبر علي ه‪:‬‬ ‫"كيف نمت يا سلوان؟"‬ ‫"لم أنم كثيراً‪ ،‬كنت أود أن أغفوا ولكن عيناي كانا مفتوحين كأني ما‬ ‫صحوت في األيام األخيرة أبدا‪ .‬نمت قبل طلوع الفجر بقليل"‬ ‫"أال تريد أن ترتدي ثيابك بعد قليل؟ ألم تتفق مع ميليندا بأنك ستذھب‬ ‫إليھا؟"‬ ‫علي أن أكون ھناك مع العاشرة‪ ،‬إال أن ي ل م أك ن‬ ‫"في الحقيقة ينبغي‬ ‫ّ‬ ‫مستعداً أن أقابلھا‪ ،‬ولق د حاول ت أن تكلمن ي أكث ر م ن م رة عل ى ھ اتفي‬ ‫الخلوي وتعمدت أن ال أرد"‬

‫‪١٧١‬‬


‫ولم يا ولدي؟ ما ذنبھا كي تعاقبھا؟ إنھ ا تحب ك أكث ر م ن ت صورك‪،‬‬ ‫" َ‬ ‫وھل ھذا جزائھا؟ يج ب أن تك ون لجانبھ ا‪ ،‬فھ ي تع اني نف س معانات ك‪،‬‬ ‫ھاتفھا يا ولدي وقل لھا أنك ستأتي بعد قليل‪ ،‬وأنت اآلن تحم ل رخ صة‬ ‫قي

ادة ال

سيارة‪ ،‬خ

ذ س

يارتي واذھ

ب إليھ

ا‪ ،‬وح

اولوا أن تتح

دثوا‬ ‫تعصب أو أن تحملھا ذنب ھي ليس لھا باع أو ذراع‬ ‫بموضوعكما دون َ َ‬ ‫فيه"‬ ‫وقف سلوان وبدا عليه االقتناع من كالم أمه‪.‬‬ ‫"سأرتدي ثيابي وأذھب إليھا"‬ ‫دخل الحمام ولم يتأخر كعادته حت ى خ رج ودخ ل حجرت ه ول م يلب ث‬ ‫كثيراً حتى خرج وجلس جنب أمه يرتشف آخر قھوته‪.‬‬ ‫"ما أجمل ك ي ا س لوان‪ ،‬ھك ذا أري دك ي ا ول دي‪ ،‬أنيق ا ً‪ ،‬سل سا ً ول ين‪ .‬ال‬ ‫تسرع في الطريق وأبلغ ميليندا مني التحية"‬ ‫"ال تخافي يا أمي‪ ،‬أنا أحسن القيادة جيداً"‬ ‫"لم أعني ھذا يا سلوان‪ ،‬إنما قصدت االحتراس م ن الك اميرات الت ي‬ ‫على أطراف الطريق‪ ،‬فھي تصور على سرعة فوق ثالثة وستون"‬ ‫"أعرفھا يا أمي‪ ،‬ال تقلقي‪ ،‬لن أجلب لك مخالفات"‬ ‫وانفكت أول عقدي بابتسامة رقيقة قصدت بھا مداعبة أمي‪.‬‬ ‫"حفظك ‪ S‬يا ولدي"‬ ‫"أعطتني المفتاح وقبلتھا على الجبين وخرجت‪.‬‬

‫‪١٧٢‬‬


‫"مع السالمة يا أمي"‬ ‫لم يكن الطقس حاراً كثيراً في مثل ذلك الوقت‪ .‬ق د ال تتج اوز درج ة‬ ‫الحرارة الخمس وعشرين‪.‬‬ ‫صعدت السيارة ولم تكن المرة األولى التي أقودھا ولكن ب شكل غي ر‬ ‫رسمي وبعدم رضا من أمي‪ ،‬فلم أكن أحمل رخصة القيادة‪.‬‬ ‫قدت السيارة ال أسرع ولم أقصد العمل بوصية أمي‪ ،‬إنما كن ت أفك ر‬ ‫في الطريق بالطريقة التي سأبدأ مع ميليندا بھا‪.‬‬ ‫كان

ت تبع

د جامع ة أثين

ا )كابوذي

سترياكو الوطني

ة ‪Εθνικό και‬‬ ‫‪ (Καποδιστριακό Πανεπιστήµιο Αθηνών‬والت

ي تع

رف‬ ‫أيضا باسم )جامعة أثينا( نحو اثني وعشرون كيلو متراً من البيت‪.‬‬ ‫وأول م

ا دخل

ت الح

رم الج

امعي ات

صلت م

ع ميلين

دا عل

ى ھاتفھ

ا‬ ‫الخلوي‪.‬‬ ‫"صباح الخير حبيبتي"‬ ‫"لقد مضى على الصباح الكثير يا سلوان‪ ،‬أين أنت؟ لماذا تأخرت؟"‬ ‫"آسف ميليندا‪ ،‬أين أنت اآلن؟ أنا اآلن عند البوابة الرئيسية"‬ ‫"أنا في مبنى الكلية‪ ،‬سأحضر حاالً للكفتريا"‬ ‫س رت نح و الكفتري ا وكان ت تبع د ثالث ة أبني ة م ن الم دخل الرئي سي‪.‬‬ ‫دخلت المكان وكان مزدحم بالطلبة فكانت فترة الغداء‪ ،‬بقي ت أنظ ر ف ي‬ ‫أرجائه وإذا بميليندا تشدني من خلفي‪ ،‬استدرت إليھا وعانقتھا‪.‬‬

‫‪١٧٣‬‬


‫"مرحبا حبيبي" حيتني ميليندا‪.‬‬ ‫"مرحبا ميليندا‪ ،‬كيف حالك؟"‬ ‫"أنا بخير‪ ،‬ما الذي ب در من ي حت ى أن ك ل م ترف ع س ماعة ھاتف ك ف ي‬ ‫الصباح؟"‬ ‫"ليس اآلن ميليندا‪ ،‬المكان مزدحم ھنا فلنخرج إلى مكان آخر"‬ ‫"أال تري

د أن ت

شرب ش

يء؟ سأح

ضر ع

صير وفطي

رة بيت

ا‪ ،‬ھ

ل‬ ‫ً‬ ‫أيضا؟"‬ ‫أحضر لك قھوة وفطيرة‬ ‫"قھوة فقط ميليندا‪ ،‬ولكن ابقي أنا سأحضرھا"‬ ‫"تعالي معي ألني ال أستطيع حملھم جميعا ً وحدي‪ ،‬لن آخ ذھم بطب ق‬ ‫ألننا سنخرج"‬ ‫آخ

ذت قھ

وتي وميلين

دا ع صير برتق

ال وفطي

رة بيت

ا ب

الجبن‪ ،‬ك

ان‬ ‫النظام ھناك مثل البوفيه المفتوح‪ ،‬وقفنا ننتظر في الطابور الطويل ول م‬ ‫تك

ن الموظف

ة المحاس

بة بطيئ

ة‪ ،‬كان

ت أص

ابعھا تلع

ب عل

ى جھ

از‬ ‫الحاسوب من غير أن تنظر إليه وبنفس الوقت تحدث الزبائن ضاحكة‪.‬‬ ‫كان ت ميلين

دا تق ف أم

امي عن دما ص

ار ال دور لن

ا‪ ،‬وأرادت أن ت

دفع‬ ‫الحساب كالعادة‪ ،‬أخرج ت محفظت ي م ن جي ب بنط الي الخلف ي وم ددت‬ ‫عشرين يورو فخوراً قبل أن تطلب الحساب‪.‬‬ ‫"أنا سأدفع يا سلوان" قالت األخرى‪.‬‬ ‫"من اليوم ال‪ ،‬فلي اآلن دخل منتظم"‬

‫‪١٧٤‬‬


‫في األثناء قالت المحاسبة‪" :‬بالضبط سبعة يورو"‬ ‫وأخذت ورقة النقد مني وأردفت‪" :‬فلندع الرجال على األقل يتحمل وا‬ ‫مصروف قھوتنا"‬ ‫"عندك حق" قالت ميليندا رغم عدم رضاھا‪.‬‬ ‫خرجن

ا م

ن المك

ان الم

زدحم وك

الم الطلب

ة م

ع بع

ضھم مث

ل طن

ين‬ ‫النحل حول أكوام السكر في الربيع‪.‬‬ ‫اتجھنا نحو كلية الصحافة واإلعالم حيث تدرس ميليندا‪ ،‬فكانت ھناك‬ ‫أروقة تحيط بھا وساحة خضراء تقابلھا‪ ،‬كن ا كثي ر م ن األحي ان نجل س‬ ‫ھناك في األوقات بين محاضراتھا‪.‬‬ ‫"لماذا دفعت أنت الحساب؟"‬ ‫"أن

ا اآلن أتقاض

ى راتب

ا ً وم

ن المف

روض أن اب

دأ م

ن الي

وم ب

دفع‬ ‫الحساب‪ ،‬منذ عرفتك وأنت التي تتكلفين مصاريفنا"‬ ‫ولم ال نكمل المشوار كما كنا"‬ ‫" َ‬ ‫كانت تعني بما يتعلق في المصروف‪.‬‬ ‫ وك‪ ،‬أن

ت ال تعلم

ين ك

م ي

سعدني أن أخ

رج محفظت

ي أم

ام‬ ‫"ال أرج ِ‬ ‫اآلخرين وأدفع‪ ،‬شأني شأن الشباب أمثالي"‬ ‫"ما علينا‪ ،‬ولكن ليس كل مرة‪ ،‬مرة أنت وعشرة أنا‪ ،‬ما رأيك؟ أليس‬ ‫ً‬ ‫عدال؟"‬ ‫ھذا‬ ‫"ال تسخري مني يا ميليندا"‬ ‫‪١٧٥‬‬


‫كنت أتحدث بجدية وحساسية في الوقت الني كانت ھي ت داعبني‪ .‬ق د‬ ‫أك

ون مت

أثراً أو متح

سس م

ن ھ

ذا الموض

وع ف

ي ھ

ذا الوق

ت بالتحدي

د‬ ‫إلقبالي الجدي على الزواج منھا‪.‬‬ ‫"ھل نحن ذاھبون لساحة الكلية؟"‬ ‫"نعم‪ ،‬كنت أجلس مع صوفيا‪ ،‬أم أنك ال تحبذ وجودھا اآلن معنا؟"‬ ‫ولم ال؟ ولكني‪ ...‬كنت أود الحديث معك"‬ ‫" َ‬ ‫كان

ت ميلين

دا تع

ي م

ا أعن

ي‪ ،‬إال أنھ

ا كان

ت تھ

رب م

ن الح

وار‬ ‫بالموضوع‪.‬‬ ‫"صوفيا ليست غريبة عنا‪ ،‬فلنتحدث ھناك"‬ ‫أبكمتني بجاھزيتھا في الردود دائما ً‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا؟ أنا ال أحتمل وجودة وإطرائه الدائم لصوفيا‬ ‫"وھل يانس ھناك‬ ‫وتمنعھا المصطنع"‬ ‫يانس من موالي د ع ام ‪١٩٧٥‬م‪ ،‬وھ و ف ي الثالث ين م ن عم ره‪ ،‬أش قر‬ ‫الب

شرة وأزرق العين

ين طول

ه ‪ ١٨٠‬س

نتمتر ح

سب التقري

ب وھ

و م

ن‬ ‫عائل ة غني

ة ل

م يع رف ف

ي حيات

ه الفق

ر وال الحاج ة‪ ،‬ترب

ى من

ذ والدت

ه‬ ‫وحيداً لوالديه في أسرة غنية عريقة في أثينا‪.‬‬ ‫ل

م يك

ن مث

ل ال

شباب م

ن طبقت

ه ف

ي المرحل

ة الدراس

ية ال

ذين ك

انوا‬ ‫يھيمون في اللھو واللع ب والتب ذير‪ ،‬ب ل ك ان م ن الن شيطين والمتف وقين‬ ‫جداً من المرحلة االبتدائية حتى الدراسة الجامعية‪.‬‬

‫‪١٧٦‬‬


‫لم يكن يانس من الذين يتعاملون م ع اآلخ رين م ن فوقي ة رغ م غن ى‬ ‫عائلته الفاحش‪ ،‬ال بل كان على خلق ويعيش منعزالً على نفسه‪.‬‬ ‫لق

د ت

أثر ي

انس بوال

ده كثي

راً‪ ،‬ك

ان وال

ده قاض

يا ً ف

ي المحكم

ة العلي

ا‬ ‫للشؤون الدولية‪ ،‬حتى أن يانس درس القضاء وبعد إنھاء دراسته بأشھر‬ ‫كانت ھدية والده له مكتبا ً في )كفيف شيا( وھ و أثم ن وأع رق ش ارع ف ي‬ ‫أثينا‪.‬‬ ‫ص

يت عائلت

ه ووال

ده ون

شاطه الشخ

صي جعل

وا من

ه محامي

ا ً م

ن‬ ‫الدرجة األولى‪.‬‬ ‫كانت حياته مكونة من عمل ثم عم ل ث م عم ل‪ ،‬ول م يك ن ح ديثھم إال‬ ‫عن المحاكم ودور القضاء وأنواع الجنايات والمجرمين ودوافع جرمھم‬ ‫والمجتمع تجاھھم وتفكيرھم أمام مجتمعھم والقوانين التي لم يكن يراھا‬ ‫عادلة ومنصفة من وجھة نظره‪ ،‬وكله وحياته وحديثه من ھذا القبيل‪.‬‬ ‫لم يكن يشغله شيء سوى العمل ولوال ھذا َلم كان ي انس اس ما ً المع ا ً‬ ‫في أوساط القضاء‪.‬‬ ‫أما صوفيا كانت زميلته في الدراسة الجامعية وھي أي ضا ً م ن عائل ة‬ ‫غني

ة‪ ،‬بي

ضاء جميل

ة ع

سلية العين

ين أي

ضا ً م

ن عم

ره‪ ،‬طولھ

ا ‪١٦٥‬‬ ‫سنتمتر‪ ،‬شعرھا ناعم مسترسل طويل‪ ،‬ولھا جسد أني ق رغ م أن وزنھ ا‬ ‫يفوق الستين كيلو غرام إال أنه متناسق وأنثوي‪.‬‬ ‫كان

ت نق

يض ي

انس ف

ي حياتھ

ا‪ ،‬أص

حاب كث

رة‪ ،‬عالق

ات كثي

رة‬ ‫ومغامرات في كل يوم وليلة‪ ،‬ال تخرج في سيارتھا إال وش اب أو ش ابة‬

‫‪١٧٧‬‬


‫عل

ى يمينھ

ا‪ ،‬كان

ت تق

ول أنھ

ا ال ت

ستطيع أن تع

يش لحظ

ة دون‬ ‫أصدقائھا‪ ،‬إذا جلست وحدھا دقائق لسبب أو آلخر تحمل ھاتفھا الخلوي‬ ‫وتبدأ بمھاتفة أصدقائھا‪.‬‬ ‫ب دأت عالق ة ص

وفيا وي انس بع د انتھ

اء المرحل ة الجامعي ة ودخولھ

ا‬ ‫حقل العمل‪.‬‬ ‫وقنن العمل من نشاط تل ك الفت اة ال شائطة ومغامراتھ ا‪ .‬وھك ذا ب دأت‬ ‫اللقاءات الجدية بين يانس وص وفيا بانتھ اء مغامراتھ ا ودخولھ ا روت ين‬ ‫العم

ل‪ ،‬حت

ى انتھ

ى بھ

م األم

ر ف

ي ال

زواج ول

م يك ن ي

صدق أح

د م

ن‬ ‫أصدقائھا الخبر‪.‬‬ ‫"صوفيا تتزوج يانس!!! لو بقيت صوفيا طول عمرھ ا عل ى المقاع د‬ ‫الجامعية ما تزوجت يانس‪ ،‬فھي الفتاة المشتعلة التي ال تع رف الھ دوء‪،‬‬ ‫ويانس الھدوء ذاته" كان تعليق الزمالء‪ .‬أنھا األقدار‪...‬‬ ‫نعم إنھ ا األق دار الت ي جمع ت س لوان اليت يم اب ن الم رأة ذات الوض ع‬ ‫االجتم

اعي الب

سيط بأبن

اء الع

ائالت أص

حاب األم

وال الت

ي ال تأكلھ

ا‬ ‫النيران‪ ...‬ميليندا وأصدقائھا‪.‬‬ ‫"وم

ا ال

ذي يھم

ك بھم

ا؟ أن

ا ب

العكس اس

تمتع بمراقبتھم

ا‪ ،‬س

خرية‬ ‫صوفيا وصبيانيتھا وجدية يانس ونحنحته عندما تستخف بكالمه" قال ت‬ ‫ميليندا‪.‬‬ ‫وصلنا مبنى الكلية وسرنا بمحاذاة الرواق المط ل عل ى الباح ة حي ث‬ ‫كانت صوفيا‪ ،‬وھناك ومجموعة من الفتيات معھا‪.‬‬

‫‪١٧٨‬‬


‫"مرحبا يا سلوان‪ ،‬كيف حالك؟ منذ زمن لم ن راك‪ ،‬أي ن كن ت تخبئي ه‬ ‫يا ميليندا كل ھذا الوقت؟" قالت صوفيا مازحة‪.‬‬ ‫"حقيقة ّأنا لم نرى بعض منذ زمن‪ ،‬لكني دائم ال سؤال عن ك وع ن‪...‬‬ ‫زوج المستقبل"‬ ‫ارتفع

ت ض

حكات الفتي

ات م

ن ح

ول ص

وفيا‪ ،‬وقال

ت إح

داھن لھ

ا‪:‬‬ ‫"متى سنبحث عن فساتين كي نحظر زفافك ويانس؟"‬ ‫كانت تقولھا بسخرية ال تقصد أن تسيء لھا‪ ،‬إنما من يانس‪.‬‬ ‫"اخرسي‪ ،‬إذا تزوج ت أن ا ي انس فأن ت س تھرمين م ن دون أن يقبل ك‬ ‫حتى نادي ليلي"‬ ‫كانت صوفيا وصديقاتھا يستخدمن كلمات بذيئة جداً في مزاحاتھن‪.‬‬ ‫"آس

ف ي

ا ص

بايا‪ ،‬لكن

ي سأس

رق م

نكم ص

وفيا اآلن‪ ،‬فھن

اك م

ن‬ ‫ينتظرنا" قالت ميليندا للفتيات‪.‬‬ ‫"طبع

ا‪ ،‬ل

يس م

ن ال

ذوق أن ينتظ

ر الفيل

سوف كثي

راً حت

ى تحظ

ر‬ ‫عروسه"‬ ‫قالت أخ رى س اخرة وھ ي تعن ي ي انس‪" :‬ھي ا بن ا ن ذھب إل ى ط الب‬ ‫الفن ون‪ ،‬فھ م أق ل عق داً م ن الحق وق واإلع الم‪ ،‬وأن ا كل ي رغب ة اآلن‪...‬‬ ‫بأحد طالبھا"‬ ‫مشينا معا ً‪ ،‬صوفيا وأنا وميليندا متجھين فعالً نح و كلي ة الحق وق‪ ،‬ل م‬ ‫يكن الھدف يانس‪ ،‬بل الھروب من سخرية الفتيات‪.‬‬

‫‪١٧٩‬‬


‫"أنا ال أريد أذھب للحقوق" قال ت ص وفيا‪" :‬ل ن يتركن ي ھن اك ي انس‬ ‫أتنفس من دون أن يحدثني عن حقوق اإلنسان‪ ،‬وق ضايا األلب ان والقت ل‬ ‫الخف ي لھ م‪ ،‬أو ع ن )‪ Jack the Rippe‬جال ك ذا رب ا(‪ ،‬واالدع اءات‬ ‫حول قتله الثمانية عاھرات وتقطيع أشالء أربعة منھن ألبحاثه العلمية"‬ ‫"وأن

ا أي

ضا ً" ق

ال س

لوان‪" :‬أن

ا ال أفھم

ك أحيان

ا ً ي

ا ص

وفيا‪ ،‬لم

اذا‬ ‫تدارينه رغم أنك ال تحتملين الجلوس معه"‬ ‫"أنا أتسلى فقط‪ ،‬ولكنه يعتقد أني أكن ل ه م شاعر أو أن ه م ن الممك ن‬ ‫أن يربطنا زواج في المستقبل"‬ ‫ما أتمت كالمھا وإذا بيانس مقبل م ن بعي د يظھ ر ابت سامة عري ضة‪،‬‬ ‫مشيته المبالغ االتزان بھا‪ ،‬ھندامه الرسمي وما تبقى من شعره‪ ،‬فالصلع‬ ‫صار يغزوه شيء فشيء‪ ،‬حتى أنه يبدو دكتوراً ال طالبا ً‪.‬‬ ‫"عندما نتحدث ع ن ال شيطان!" ق ال س لوان‪ ،‬وھ و مث ل يون اني يق ال‬ ‫عند الكالم عن شخص وحضوره بنفس اللحظة‪.‬‬ ‫تمنيت ألف يورو!" قالت ميليندا‪.‬‬ ‫"لو أنك‬ ‫ِ‬ ‫ ي‬ ‫"مرحب ا‪ ،‬الي وم س لوان معن ا!" ق ال ي انس‪" :‬كي ف حال ك؟ يج ب عل ّ‬ ‫الحذر منك اآلن‪ ،‬فأنت تمثل القانون"‬ ‫"أال تقول له كلمة تھنأة في البداية قبل أن تحذر من ه؟" قال ت ص وفيا‬ ‫وحركت شفتيھا متھكمة‪.‬‬ ‫"آسف‪ ،‬أنا أقصد المزاح مع سلوان ال أكثر"‬

‫‪١٨٠‬‬


‫تھ اني‬ ‫خاطب صوفيا واتجه بنظره م رة أخ رى نح و س لوان وق ال‪" :‬‬ ‫ّ‬ ‫القلبي

ة ي

ا س

لوان‪ ،‬ي

سعدني أن

ك أنھي

ت ت

دريبك ال

شرطي بنج

اح‪ ،‬وم

ن‬ ‫اليوم لن نحسب لمخالفات دوريات األمن حساب وأنت معنا"‬ ‫"أن

ت تل

ومين عل

ى ي

انس ف

ي الوق

ت ال

ذي ل

م تتكرم

ي أن

ت بتھنئ

ة‬ ‫سلوان" قالت ميليندا‪.‬‬ ‫"لقد ھنأته يا متخلفة‪ ،‬قل لھا يا سلوان‪ "...‬وضحكت وعانقته وقالت‪:‬‬ ‫"أتمنى لك ولميليندا الفرحة األكبر"‬ ‫لك أيضا ً النجاح والتفوق حياة سعيدة مع‬ ‫"شكراً يا عزيزتي‪ ،‬وأتمنى ِ‬ ‫من تحبين"‬

‫‪١٨١‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫"ھل كنت تح س أن ك غري ب ع نھم؟ أو أنھ م مختلف ون عن ك؟" قال ت‬ ‫غراتسيا‪.‬‬ ‫"من أي ناحية تقصدين؟"‬ ‫"ال أعرف‪ ،‬يبدو عليھم وكأنھم من مجتمع آخر غير الذي أنت منه"‬ ‫"أنت محقة‪ ،‬ھم من الطبقة الغنية في الحقيق ة‪ ،‬وأن ا م ن الطبق ة الت ي‬ ‫تكاد أن تكون فقيرة‪ ،‬فأمي كانت تعمل محل لصناعة الحل وى بع د وف اة‬ ‫أب

ي‪ ،‬وھ

ي م

ن فت

رة لي

ست بالطويل

ة تعم

ل ف

ي م

صنع تعلي

ب زي

ت‬ ‫الزيتون‪ ،‬وھي تتقاضى راتبا ً يسد الحاجة فقط"‬ ‫"وما الذي جمعك بھم وھم من طبقة غي ر الت ي أن ت منھ ا‪ ،‬وبالتأكي د‬ ‫يعيشون في حي غير الذي أنت تسكنه؟"‬ ‫"إنھا ميليندا‪ ...‬أنا ل م أع رف ي انس وص وفيا إال م ن طري ق ميلين دا‪،‬‬ ‫فھي تعرفت عل يھم ف ي الكلي ة‪ .‬ص وفيا ت درس معھ ا نف س االخت صاص‬ ‫وي

انس م

ن دفع

ت ص

وفيا وأس

رھم أص

دقاء من

ذ زم

ن‪ ،‬وأن

ا حقيق

ة ال‬ ‫أعرف عنھم إال الذي تقصه لي ميليندا"‬ ‫"وھل كانوا يشعروك أنك لست منھم؟ أو يتحدثوا معك من فوقية؟"‬ ‫"ال‪ ،‬ھذه لم يبدر منھم أبداً‪ ،‬ال بالعكس أنا الذي كان ينف ر م نھم وم ن‬ ‫طريقة كالمھ م‪ .‬فم ثالً ي انس يتح دث بمواض يع كثي ر ال أعرفھ ا وممل ة‬ ‫ج

داً‪ ،‬ھ

و كثي

ر االط

الع ويح

ب الكت

ب والمكتب

ات ف

ي الوق

ت ال

ذي ل

م‬ ‫أدخل فيه لمكتبة إال إذا كنت أبحث عن ميلين دا‪ .‬وص وفيا ال تتح دث إال‬ ‫‪١٨٢‬‬


‫ع

ن مغامراتھ

ا م

ع ال

شبان ودور األزي

اء وثيابھ

ا‪ .‬كن

ت أم

ل الجل

وس‬ ‫معھم ولم أكن أفھم ميليندا كيف تتحمل قضاء الوقت معھم‪ ،‬فھي تشاطر‬ ‫يانس مواضيعه في القضايا الجنائية وكأنھا قاضي متمرس وأخرى عن‬ ‫المالبس وأدوات التجميل مع صوفيا وسطحيتھا"‬ ‫"كيف بدأت مع ميليندا أول خط وة جدي ة بعالق تكم؟" كان ت غرات سيا‬ ‫مھتم

ة كثي

راً ل

سماع اآلخ

ر وھ

و يح

دثھا ع

ن حيات

ه كأنھ

ا مغ

امرة‬ ‫وخاصة بطريقة الشيقة الجذابة‪.‬‬ ‫"ف

ي أول م

رة تح

دثت معھ

ا بجدي

ة عن

دما كن

ت معھ

ا ف

ي الجامع

ة‬ ‫ومعن

ا ي

انس وص

وفيا‪ .‬كن

ت أس

ير معھ

م والكلم

ات تت

ردد ف

ي رأس

ي‬ ‫مراراً وتكراراً‪ ،‬وكنت أعي د ص ياغتھا م ع نف سي ف ي اللحظ ة ع شرات‬ ‫الم

رات‪" :‬أأق

ول لھ

ا وھ

ي معھ

م اآلن؟" أس

أل نف

سي‪" :‬أم أھم

س لھ

ا‬ ‫بأذنھا أن نت ركھم اآلن ك ي ن تمكن م ن الح ديث بروي ة؟" وفج أة وك أني‬ ‫فكرت بصوت مرتفع وقلت وھم سكوت‪" :‬يانس‪ ،‬صوفيا‪ ،‬لقد ح ضرت‬ ‫اليوم‪"...‬‬ ‫"ما الذي جرى لك يا سلوان؟" قالت صوفيا‪" :‬كن ت ص امتا ً وتكلم ت‬ ‫وكأنك كنت نائما ً وصحوت من حلم مفزع وأفزعتنا معك"‬ ‫"ل

م أق

صد إف

زاعكم‪ ،‬إنم

ا‪ ...‬أري

د أن أتكل

م م

ع ميلين

دا‪ ،‬وإذا س

محتم‬ ‫لي‪"...‬‬ ‫وك

أني أھ

ديت ي

انس ش

يء ثم

ين‪ ،‬فھ

و يبح

ث ع

ن أي فرص

ة حت

ى‬ ‫يختلي بصوفيا‪.‬‬

‫‪١٨٣‬‬


‫"طبعا ً نحن متفھمين تماما ً‪ ،‬اذھبوا حيث ش ئتم‪ ،‬ونح ن عل ى ات صال‪.‬‬ ‫أكيد أنكم اآلن متشوقون للحديث وكل المستجدات!"‬ ‫"للح

ديث والم

ستجدات؟ ق

ل إنھ

م متلھف

ون للف

راش والق

بالت" قال

ت‬ ‫صوفيا بلسانھا السليط‪.‬‬ ‫"مت

ى س

تتأدبين وتتعلم

ين ص

ياغة الك

الم دون أن تنزل

ي تح

ت‬ ‫الحزام؟" قالت ميليندا‪.‬‬ ‫ك

ان وج

ه ي

انس يحم

ر عن

د تف

وه ص

وفيا بمث

ل ھ

ذه الكلم

ات‪ ،‬وال‬ ‫يعرف كيف يتصرف ألن ه يع ي م دى س الطة ل سانھا إذا تكل م بكلم ة ال‬ ‫تعجبھا‪.‬‬ ‫انصرفنا دون أن تعلق ميليندا بشيء‪.‬‬ ‫"أنا ال أريد أن أخرج من الجامعة اآلن‪ ،‬عندي محاضرة أخرى"‬ ‫"ال تفزعي أنا ال أري دك أن تخرج ي‪ ،‬إنم ا أري د الح ديث مع ك عل ى‬ ‫انفراد‪ ،‬ھل ھذا ممكن؟"‬ ‫"ما بك تتكلم بجدية قاسية يا سلوان؟"‬ ‫"ميليندا‪ ،‬ھل تحبيني ً‬ ‫حقا؟"‬ ‫ولم تسأل؟ طبع ا ً أحب ك‪ ،‬أن ت ال شيء الوحي د ف ي دنيت ي ذات أھمي ة‬ ‫" َ‬ ‫ومعنى"‬ ‫"ميلين

دا‪ ،‬فلنت

زوج إذن‪ ،‬أن

ا اآلن أھ

الً لتحم

ل م

سؤولية بي

ت م

ستقل‬ ‫وسأتحمل كل مستلزماتك الجامعية‪ ،‬ال نريد من والديك أي شيء"‬

‫‪١٨٤‬‬


‫وال دي بھ ذا الموض وع بھ ذا الوق ت وأن ا‬ ‫"أنا ال أستطيع أن أتكلم مع‬ ‫ّ‬ ‫مازلت ل م أنھ ي دراس تي‪ ،‬وال أس تطيع أن أواجھھ م‪ .‬ھ م اآلن م ن دون‬ ‫ھذا وذاك يستاءون م ن ذك ر اس مك و‪ ...‬أع ذرني حبيب ي‪ ،‬أن ا ال أعن ي‬ ‫شيء‪ ،‬إنما أحاول أن أقرب لك الصورة عما يدور حاليا ً في بيتنا"‬ ‫"أنا أحبك يا ميليندا وال أري د أن أفھ م عم ا ي دور ف ي بي تكم‪ ،‬وأن ا ل م‬ ‫ألتحق بصفوف الشرطة إال لنعجل بزواجنا‪ ،‬واآلن تقولين لي أن ت أب ي‬ ‫وبيتنا و‪"...‬‬ ‫"على فكرة‪ ،‬أبي قال لي اليوم أن أدعوك للبيت"‬ ‫ووال ديك ينظ رون إل ي بطريق ة كرھ ت دخ ول‬ ‫"منذ تركت المدرس ة‬ ‫ِ‬ ‫بيتكم من أجلھا"‬ ‫"وال

دي يري د الح

ديث مع

ك الي

وم ال ليعت

ذر من

ك‪ ،‬ب

ل حت

ى يقنع

ك‬ ‫باالنفصال عني"‬ ‫"وأنت تطلبين مني أن احضر!؟‬ ‫"أريد أن تبين موقفك أمامه‪ ،‬ويعرف مدى حبك لي وخوفك علي"‬ ‫"وأنت؟ أال تريدين أن تقولي له عن تمسكك بي وحبك؟ كيف س نقف‬ ‫مكتوفي األيدي دون أن ندافع عن حبنا ومستقبلنا؟"‬ ‫أمامھم إذن‬ ‫ّ‬ ‫"ھل أبقى معك حتى تنھ ي آخ ر محاض رة ون ذھب س ويا ً لبي تكم‪ ،‬أن ا‬ ‫وال دك‪ ،‬أري د أن أق ول ل ه ك م أن ا أحب ك وك م أن ا‬ ‫كلي شوق للحديث م ع‬ ‫ِ‬ ‫مستعد أن أضحي في سبيل إسعادك"‬

‫‪١٨٥‬‬


‫"ال حبيب

ي‪ ،‬وال

دي يري

د الح

ديث مع

ك ف

ي الم

ساء‪ ،‬أم

ي س

تجھز‬ ‫عشاء‪ ،‬وبعد أن نتناوله سيكلمك"‬ ‫يدي والديك مثل التحقيق‪ ،‬أمك من جھة‬ ‫"أنا أتصور اآلن موقفي بين ّ‬ ‫ووالدك من أخرى"‬ ‫"ال‪ ،‬أبي سينفرد معك في الحديث‪ ،‬لقد استرقت السمع أثناء م شاجرة‬ ‫والدي بشأننا"‬ ‫قامت بين‬ ‫ّ‬ ‫"مشاجرة؟"‬ ‫"نعم فھم في كل يوم يتحدثون عن الطرق والوسائل الت ي س يتبعونھا‬ ‫إلقناعي لتركك"‬ ‫علي؟"‬ ‫"ھل عندك أي فكرة عن المواضيع التي سيطرحھا‬ ‫والدك ّ‬ ‫ِ‬ ‫"نعم‪ ،‬سيحاول إقناعك أن تنفصل عني"‬ ‫"وھل يتوقع مني أن أقول له‪" :‬نعم ي ا ع م‪ ،‬م ن الغ د س أترك ميلين دا‬ ‫وستكون بالنسبة لي مثل أختي كي نبقى أسرة متكاتف ة كم ا كن ا‪ ،‬وتبق ى‬ ‫تعطي أمي بين الحين واآلخر صدقة؟"‬ ‫وبان عليه الغضب والتھكم‪.‬‬ ‫وال داي يحب ون خ التي‬ ‫"لماذا تتحدث ھكذا يا سلوان؟ أنت تع رف أن‬ ‫ّ‬ ‫نور كأنھا واحدة منھم"‬ ‫"ميليندا‪ ،‬أنا سأذھب اآلن‪ ،‬ھل ستأتي لبيتنا بعد إنھاء الدوام؟"‬

‫‪١٨٦‬‬


‫"ال حبيبي‪ ،‬لن أستطيع الحضور‪ ،‬أنت ال تعرف مدى الضغوط التي‬ ‫أعيشھا في البيت‪ ،‬سأراك في المساء في بيتنا"‬

‫‪١٨٧‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫"أن

ا ال أح

س م

ن كالم

ك ح

ب كبي

ر م

ن قب

ل ميلين

دا ل

ك" قال

ت‬ ‫غراتسيا‪.‬‬ ‫"بل

ى‪ ،‬أن

ت ال تعلم

ين م

دى المعان

اة الت

ي واجھتھ

ا أم

ام تح

ديات‬ ‫ل ك‪ ،‬ف سرد األح داث‬ ‫والديھا‪ ،‬لم يكن األمر سھالً مثلما أصورة أنا اآلن ِ‬ ‫على األريكة غير أن نكون أم ام األض واء أو عل ى جبھ ة الح دث‪ .‬وأن ا‬ ‫أعترف أني كنت أحس ب نقص دائم ا ً بي نھم‪ ،‬أن ا أعن ي أص دقاء ميلين دا‪،‬‬ ‫فكانوا يتح دثون ع ن مواض يع وأس ماء غريب ة ل م أعرفھ ا مث ل جيوت و‪،‬‬ ‫أندريا مانتين ا‪ ،‬ماس ا ش يو‪ ،‬مايك ل أنجل و‪ ،‬بي رو دال فرانس سكا ورفائي ل‬ ‫وإبداعاتھم في اللوحات الجصية والزيتي ة وغيرھ ا‪ ،‬وع ن األدب الق ديم‬ ‫والح

ديث‪ ،‬اليون

اني والع

المي‪ ،‬ع

ن ھ

وميروس وطريق

ة ص

ياغته‬ ‫لإللي

اذة واألودي

سة‪ ،‬والكات

ب الث

ائر نيك

وس ك

ازنتزاكيس وروائع

ه‬ ‫الروائية مثل زوربوس واإلغ واء األخي ر للم سيح وغي رھم‪ .‬كن ت أق ف‬ ‫مذھوالً للك م الھائ ل م ن األس ماء والت واريخ الت ي ك انوا يطرحونھ ا ف ي‬ ‫جلسة واحدة‪ ،‬وعندما كن ت أس تاء م ن ع دم الم شاركة والغي اب ال ذھني‬ ‫بينھم أقول‪" :‬فلنغير الموضوع‪ ،‬أليس ھناك ما ھ و ممت ع أكث ر م ن ھ ذا‬ ‫الحديث المتشابه؟"‬ ‫فتق

ول ال

ساخرة ص

وفيا‪" :‬س

لوان مح

ق‪ ،‬دائم

ا ً أدب‪ ،‬ف

ن وت

اريخ‬ ‫وقضايا يانس الممل ة‪ ،‬فلنتح اور الي وم ع ن الم شاكل الجن سية ف ي جيلن ا‬ ‫وكيفية التخلص من الصديق عندما يصبح مم الً ف ي الف راش!" كعادتھ ا‬ ‫متھكمة ساخرة‪.‬‬ ‫‪١٨٨‬‬


‫"وما ھي المواضيع التي كنت تشاركھم بھا" قالت غراتسيا‪.‬‬ ‫"ف

ي الحقيق

ة ل

يس الكثي

ر‪ ،‬إنم

ا ھ

ي ب

ين الع

شرة دق

ائق وأخ

رى‬ ‫يسألونني‪" :‬ما رأيك يا سلوان‪ ،‬ھل الصحافة تعك س أراء الن اس؟ أم أن‬ ‫الناس ھم الذين يبنوا قناعاتھم وثقاف اتھم م ن ال صحافة؟ أم أن ال صحيفة‬ ‫ھي الكلمة الكاذبة التي تقدم إلينا كما يحب الرئيس ويشتھي؟"‬ ‫فيتوه الكالم مني ويحمر وجھي خجالً وأرد عليھم بكالم المجالس بع د‬ ‫الع

شاء‪" :‬كلھ

م ك

ذابون‪ ،‬وم

اذا يعني

ك أن

ت أو يعنين

ي ق

ولھم أو م

ا‬ ‫يسطرون"‬ ‫فيعرف

وا أن

ه ال ذن

ب ل

ي أن

ي خلق

ت ھك

ذا‪ ،‬ويت

ابعوا مواض

يعھم‬ ‫المتشابكة وكأنھا لغة غريبة بالنسبة لي‪.‬‬ ‫"وكيف كنت تحتمل قضاء الوقت دائما ً معھم؟ ھل كان وجود ميليندا‬ ‫ھ

و ال

دافع الوحي

د عل

ى تحم

ل األطروح

ات؟ وم

اذا ج

رى بين

ك وب

ين‬ ‫والدھا في ذلك المساء؟"‬ ‫"رافقتھا نحو مبنى الكلية وتركتھا ھناك بعدما أخذ الك الم بينن ا وج ه‬ ‫ح

اداً وأوش

ك وق

ت محاض

رتھا عل

ى االقت

راب‪ .‬اتجھ

ت نح

و بواب

ة‬ ‫الجامعة الرئيسية ويشغل ذھني زحمة الشوارع والمساء مع والدھا"‬

‫‪١٨٩‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫"ماذا تريد أن تقول اليوم لسلون؟ أنا لم أعد أحتمل أكثر‪ ،‬ماذا ستقول‬ ‫عائلتي‪" :‬تزوجت ابنتھا من بربري عربي ومسلم أيضا ً! ياللعار" قال ت‬ ‫والدة ميليندا لزوجھا بصوت مرتفع وعصبية‪.‬‬ ‫"أنا ال أعرف ماذا سأقول له‪ ،‬لكني أرجوك أن تخفضي صوتك وأن‬ ‫ال تتكلم

ي مع

ي بھ

ذه الطريق

ة‪ ،‬ألن

ي أفك

ر تمام

ا ً مثل

ك‪ ،‬وھ

ي بالنھاي

ة‬ ‫ليست وحيدتك وحدك‪ ،‬بل وحيدتي أنا أيضا ً‪ ،‬في المساء س يأتي وأعتق د‬ ‫علي طريقة الط رح مع ه‪ ،‬والم شكلة األكث ر‬ ‫األجواء ھي التي ستفرض‬ ‫ّ‬ ‫تعقيداً أن ي أحب ه وأع رف أن ه س أحطمه بكالم ي وس يكرھني‪ ،‬لكن ي ل ن‬ ‫أرضى به زوجا ً البنتي تحت أي ظرف‪ ،‬أنا أكن ل ه عاطف ة كبي رة‪ ،‬إال‬ ‫أن ھناك خطوط عريضة في حياتنا ال نتجاوزھا"‬ ‫"وھل تعتقد أني ال أحب نور وولدھا؟ كنت أتمنى أن يكونوا يون ان‪،‬‬ ‫فحياتھم وطريقتھا تماما ً مثلنا إال أنھم ليسوا أرثوذكس"‬ ‫"ماذا ستطھين اليوم؟"‬ ‫"في الحقيقة أني ال أفكر اآلن بوجب ة الع شاء أكث ر م ن الحي ز الكبي ر‬ ‫من ه ف

ي ميلين دا وحياتھ

ا‪ ،‬ال أع

رف كي ف أت

صرف معھ ا‪ ،‬ت

رفض ك

ل‬ ‫كالمي‪ ،‬وتعتبره ھجومي"‬ ‫"أن

ت ال تراقب

ي نف

سك كي

ف تتح

دثين معھ

ا‪ ،‬تعيب

ين عليھ

ا ألنھ

ا ال‬ ‫تدخن السجائر‪ ،‬ألنك تعتقدين أنه من التحضر أن تحم ل ال سيجارة مث ل‬ ‫الفتي

ات ال

سطحيات‪ ...‬آس

ف المتح

ضرات ح

سب رأي

ك‪ ،‬وأن تل

بس‬

‫‪١٩٠‬‬


‫الروك فوق الركبة القصير‪ .‬كل أسلوبك خ اطئ معھ ا‪ ،‬أن ت ال تح اولي‬ ‫أن تع

ي أو أن تع

رفين اھتماماتھ

ا ك

ي ت

شاركيھا إياھ

ا‪ ،‬ال ب

ل تنك

ري‬ ‫عليھا كل شيء ھي تريده أو تحبه أو تتمنى أن تشاركيھا أنت ولو م رة‬ ‫أحد ھواياتھا أو أن تعيشي عمرھا وتكوني لھا بدالً من المعيب الصديقة‬ ‫والحبيب‪ .‬أنت ال تريدين أن تفھمين أن ميليندا واعية على قدر من العلم‬ ‫والدراي

ة وھ

ي عميق

ة وتك

ره المج

امالت والنف

اق وال

سطحيات‪ ،‬ف

ي‬ ‫الوقت الذي تحاولي إجبارھا على تقمص ھذه الشخصية الركيكة"‬ ‫علي‬ ‫"أنت السبب في عالقة ميليندا السيئة معي‪ ،‬كنت دائما ً تحرضھا ّ‬ ‫وتقول لھا أن ال تأخذ بكالمي‪ ،‬كنت أحوال أن أرقيھا‪ ،‬وأطل ب منھ ا أن‬ ‫تصاحب الفتيات الراقي ات م ن الطبق ة الت ي تواس ينا وأكث ر‪ ،‬ف ي الوق ت‬ ‫الذي كنت أنت تح دثھا ع ن س خافاتھم وس خريتھم بالحي اة والن اس‪ ،‬إذن‬ ‫كي ف ست

سمع كالم

ي أو تأخ ذ بن

صيحتي وتواك

ب جيلھ ا؟ ل

يس س

لوان‬ ‫وأمه ال بل البرجوازيين من أمثال نيك وس والك ساندروس‪ ،‬ھ ل تع رف‬ ‫قيمة شركة والد نيكوس البحرية في كوريذالوس وأمالك ه ف ي أثين ا؟ أو‬ ‫العقارات التي يملكھا والد الكساندروس‪...‬؟"‬ ‫لم يتركھا تكمل حديثھا وقال لھا‪" :‬أنا أعلم أنه يصيبني غثيان عن دما‬ ‫تحدثينني عن فالن أو ف الن وع ن س ياراتھم وممتلك اتھم‪ ،‬أن ا ال أع رف‬ ‫كيف تزوجتك‪ ،‬ال أعرف حقيقية أي نوع من المشاركة معك في الحي اة‬ ‫غير طاولة العشاء وكالم ك ال ذي ال ينتھ ي ب نفس المواض يع ال سخيفة‪،‬‬ ‫أرجوك‪ ،‬بحق السماء أن تصمتي‪ ...‬اذھبي للمطبخ وأكمل ي عمل ك‪ ،‬أل م‬ ‫تبدئي بعمل العجينة؟" سألھا كي يتخلص منھا‪.‬‬

‫‪١٩١‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫سمعت نور صوت سيارتھا مثل خوار البقر تقف أمام البي ت‪ ،‬قام ت‬ ‫من مكانھا وك ان الھ اتف األرض ي بي دھا وھ ي تكل م ص ديقھا‪" :‬زاك س‬ ‫سلوان قد حضر سأكلمك فيما بعد"‬ ‫تربط زاك س ون ور عالق ة حميم ة ك ان ي شك بھ ا س لوان‪ ،‬إال أن ه ل م‬ ‫يبدي أي اعتراض‪ ،‬فھو تطبع بطباعھم‪ ،‬وأمه كذلك‪.‬‬ ‫"ھل أزوركما اليوم في الم ساء ك ي أحي ي س لوان؟" ق ال زاك س ف ي‬ ‫المقابل‪.‬‬ ‫"ال‪ ،‬ل

يس الي

وم‪ ،‬لك

ن م

ن الممك

ن أن أزورك أن

ا لب

ضعة س

اعات‪.‬‬ ‫س أنھي المكالم

ة اآلن‪ ...‬فيم

ا بع

د‪ .‬م

ع ال

سالمة" وض

عت ن

ور الھ

اتف‬ ‫األرضي المحمول على قاعدته واتجھت نحو الخارج‪.‬‬ ‫دخل سلوان من البوابة الرئيسية يرمي رأسه بين منكبيه‪.‬‬ ‫"مرحبا ً يا أمي"‬ ‫"مرحبا ً يا ولدي‪ ،‬كيف حالك؟ ھل قابلت ميليندا؟ لم أتوقع أنك ستأتي‬ ‫مبكراً!"‬ ‫دخل سلوان إل ى غرف ة الجل وس الرئي سية وأم ه خلف ه‪ .‬رم ى بج سده‬ ‫على األريكة جالسا ً يبدو عليه االنزعاج‪.‬‬ ‫"كيف كان مشوارك؟"‬ ‫"لقد التقيت بميليندا"‬ ‫‪١٩٢‬‬


‫رد سلوان وكأنه يجد صعوبة في الكالم‪ ،‬أو أنه ال يريد الحديث‪.‬‬ ‫"ھل تحدثتم بشيء أزعجك؟"‬ ‫"ال‪ ،‬إنما لم أجدھا متحمسة كما كنت أتوقع"‬ ‫"ھل تقصد بشكل عام‪ ،‬أم لزواجكما؟"‬ ‫"ال أعرف يا أمي‪ ،‬لم أحس بأنھا في صفي‪ ،‬أو أنھا فرحة أو مستعدة‬ ‫لمواجھة والديھا"‬ ‫"الحق ي ا س لوان أن ميلين دا كان ت تع اني ف ي الفت رة األخي رة كثي راً‪،‬‬ ‫فھ

ي تحب

ك أكث

ر م

ن ت

صورك‪ .‬أن

ت ال تع

رف م

دى ال

ضغط ال

ذي‬ ‫يمارسه والديھا عليھا"‬ ‫"وكأنك تبحثين لھا عن أع ذار! وأن ا؟ أال تفك ري ف ي م شاعري أم ام‬ ‫الرفوض المتتالية م نھم وض عفھا أم امھم؟ الي وم س أذھب لوال ديھا‪ ،‬فھ م‬ ‫يري

دون الح

ديث مع

ي‪ ،‬وأن

ا ألول م

رة أدخ

ل بي

تھم وأن

ا أش

عر‬ ‫باالشمئزاز‪ ،‬ال أستطيع النظر في وجوھھم‪ ،‬لماذا كرھونني؟ ماذا فعلت‬ ‫لھم حتى أرفض بھذا الصورة القاسية؟"‬ ‫"أنت ل م تفع ل لھ م ش ي ي ا ول دي‪ ...‬واآلن ال تحم ل نف سك ذنب ا ً أن ت‬ ‫لست صاحبه‪ ،‬ويكفيك مالمة‪ ،‬ولنفكر ماذا سنقول اليوم"‬ ‫"ھل ستأتي معي؟"‬ ‫"أوال تريد أن أرافقك في مثل ھذه اللحظة؟"‬ ‫"بلى‪ ...‬بلى‪ ،‬لكني اعتقدت أن والد ميليندا يريد مقابلتي على انفراد"‬

‫‪١٩٣‬‬


‫"لقد كلمتني اليوم ميلوذيا بع د خروج ك ودعتن ا س ويا ً للع شاء وقال ت‬ ‫أن دميترس يود الحديث معك أيضا ً‪ .‬وفي الحقيقة أني استغربت الدعوة‬ ‫ألني اعتقدت أنھا لم تعد تحبذ عالقتي معھم‪ ،‬أو ب األحرى عالقتن ا‪ .‬لق د‬ ‫تكلم اليوم زاكس وھو يبلغك السالم‪ ،‬لقد أحب أن يحضر الي وم لي راك‪،‬‬ ‫لكني قلت له غداً"‬ ‫"من

ذ مت

ى ي

ستأذن زاك

س لزيارتن

ا؟" رد عليھ

ا متھكم

ا ً ألن

ه اآلخ

ر‬ ‫بصورة يومية متواجد في بيتھم‪.‬‬ ‫"زاكس يحبك يا سلوان وأنت تعرف ھذا‪ ،‬وھو دائم السؤال عنك"‬

‫‪١٩٤‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫انتھ

ت المحاض

رة األخي

رة ف

ي قاع

ة رق

م ث

الث م

ن كلي

ة ال

صحافة‬ ‫واإلعالم‪ ،‬وكانت الساعة في األثناء الثانية والربع‪.‬‬ ‫خرج

ت ميلين

دا م

ن ض

من الطلب

ة بخط

واتھم البطيئ

ة إال ميلين

دا‬ ‫مسرعة وترافقھا ھلينا وھي أحد الزميالت التي تأخذ معھا نفس المادة‪.‬‬ ‫"َلم السرعة يا ميليندا؟" قالت ھلينا‪.‬‬ ‫"أريد أن أذھب للبيت"‬ ‫"رافقيني للمكتبة‪ ...‬إن شئت!"‬ ‫"ال‪ ،‬آسف ھلينا‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬أني اليوم على عجلة من أمري"‬ ‫خرجت ميليندا من مبنى الكلية وأخرجت ھاتفھا الخلوي‪ ،‬وكان آخ ر‬ ‫رقم طلبته ھو رقم سلوان‪ ،‬فطلبته‪.‬‬ ‫قرع ھاتف سلوان في المقاب ل‪ ،‬وك ان لميلين دا ف ي ھاتف ه رن ة ممي زة‬ ‫عن اآلخرين‪ ،‬بحيث يعرف أنھا ھي‪.‬‬ ‫ك

ان ف

ي األثن

اء ق

د وض

ع ھاتف

ه عل

ى من

ضدة الوس

ط ف

ي غرف

ة‬ ‫الجلوس‪ ،‬أخذ الھاتف بسرعة ورد‪" :‬مرحبا حبيبتي"‬ ‫"لق

د أنھي

ت المحاض

رة األخي

رة اآلن‪ ،‬إذا أن

ت موج

ود ف

ي البي

ت‬ ‫سأحضر بعد قليل"‬ ‫"أنا في البيت‪ ،‬سأنتظرك‪ ،‬ولكن ألم تق ولي أن ك س تذھبين بع د انتھ اء‬ ‫الدوام للبيت مباشرة؟"‬ ‫‪١٩٥‬‬


‫"سأقول لھم أن ي ت أخرت ف ي المكتب ة‪ .‬أن ت ل م تبتع د ع ن ذھن ي من ذ‬ ‫ذھبت لحظة‪ ،‬أريد أن أراك"‬ ‫"ولك

ن لم

اذا راودن

ي ش

عور الي

وم بأن

ك بعي

دة عن

ي‪...‬؟ ال يھ

م‪،‬‬ ‫احضري اآلن‪ ،‬أنا بانتظارك"‬ ‫"جميل‪ ...‬مع السالمة سلوان" وأنھت المكالمة‪.‬‬ ‫سلوان في المقابل‪" :‬فليرعاك ‪"S‬‬ ‫وأنھى ھو أيضا ً المكالمة من جھته‪.‬‬ ‫ارتسمت على شفتي سلوان ابتسامة أثارت الفضول لدى والدته‪.‬‬ ‫"ھل كانت ھذه ميليندا؟"‬ ‫"نعم‪ ،‬ستحضر بعد قليل"‬ ‫وكان من حسن الحظ بالنسبة لنور ألنھا تريد الذھاب لزاكس‪.‬‬ ‫"سأذھب إذن للسوق بما أنا ميليندا ستحضر‪ ،‬وأنت لن تكون وحدك"‬ ‫كان سلوان يعرف أمه جي داً‪ ،‬فھ ي تغت نم أي فرص ة لمقابل ة ص ديقھا‬ ‫ويعي طبيعة الشيء الذي يربطھم‪ ،‬فھي لم تكن العالقة الجنسية األول ى‬ ‫بعد والده‪ ،‬ولم تك ن تج رأ عل ى إعالنھ ا رس ميا ً أم ام س لوان رغ م ع دم‬ ‫رفضه أو اكتراثه بعالقاتھا الكثيرة‪.‬‬ ‫خلع سلوان حذائه واستلقى على األريكة يمد س اقيه فوقھ ا‪ .‬م ا كان ت‬ ‫إال دقائق حتى غرق بالنوم من غير أن يشعر بنفسه‪.‬‬

‫‪١٩٦‬‬


‫دخلت عليه والدته في األثناء بعدما ارتدت جميل ثيابھا‪ ،‬وإذا ب ه ف ي‬ ‫عالم آخر‪.‬‬ ‫قبلته وقالت‪" :‬أنا سأخرج"‬ ‫لم يسمعھا وبقي في سبات نومه‪.‬‬ ‫خرجت وقبل خروجھا من البوابة الرئيسية أخرجت ھاتفھا الخلوي‬ ‫وطلبت رقم زاكس‪.‬‬ ‫رأى زاكس رقم نور على شاشة ھاتفه ورد في المقابل‪" :‬مرحبا نور"‬ ‫"أنا اآلن في طريقي إليك‪ ،‬ھل أنت في البيت؟"‬ ‫مع ك‪ ،‬فلنلتق ي ف ي ال

سوق إذا‬ ‫"ال أن ا خرج ت بع دما أنھي ت مك المتي‬ ‫ِ‬ ‫أحببت! ھل ستأتي بالسيارة؟"‬ ‫ِ‬ ‫"ال‪ ،‬لقد تركتھا في البيت حتى ال يمل سلوان إذا أراد الخروج"‬ ‫"سأنتظرك في المحطة الرئيسية ومن ھناك سننطلق سويا ً"‬ ‫وتبعد المحطة الرئيسية من )بيريوس( وھي مدينة كبيرة تابعة ألثينا‬ ‫حيث يسكن سلوان ووالدته عن البيت ما يقارب العشرين دقيقة‪.‬‬ ‫وقف

ت ن ور عن

د المحط

ة تنتظ

ر المواص

لة الت

ي س

تقلھا‪ ،‬وط

الب‬ ‫المرحلة اإلعدادية يتصايحون حولھا‪.‬‬ ‫وما كانت إال دقائق وإذا بشخير الحافلة يسبقھا قب ل أن ت صل‪ .‬ص ار‬ ‫ال

صبية يت

سارعون أمامھ

ا لي

صعدوا‪ ،‬وتمكن

ت ھ

ي اقتح

ام جم

وعھم‬ ‫ضاحكة‪.‬‬ ‫‪١٩٧‬‬


‫"تذكرة واحدة إلى أثينا‪ ،‬لو سمحت" قالت نور للسائق‪.‬‬ ‫"ثالث

ة ي

ورو وثم

انون س

نت" ق

ال لھ

ا ال

سائق وب

نفس اللحظ

ة ن

زل‬ ‫بإصبعه على لوحة تحكم جھ از طب ع الت ذاكر و خرج ت ورق ة الت ذكرة‬ ‫ويرافقھ

ا أزي

ز ص

ادر م

ن الجھ

از ال ين

افس ارتف

اع ص

وت ال

صبية‬ ‫وكالمھم المتداخل‪.‬‬ ‫أخرج التذكرة عن يمينه وأعطاھا لھا‪" :‬تفضلي سيدتي"‬ ‫قال لھا السائق بلطف‪.‬‬ ‫كانت نور قد أخرجت من محفظتھا ورق ة نقدي ة بقيم ة ع شرة ي ورو‬ ‫قبل صعدوھا الحافلة‪.‬‬ ‫أعطته النقد بيده‪ ،‬وعاود على لوحة التحكم وتساقط النقد المعدني من‬ ‫الجھاز يقرقع عبوة معدنية مستديرة من الجھة التي تقف بھا نور‪.‬‬ ‫وض

عت القط

ع المعدني

ة ف

ي محفظتھ

ا داخ

ل الحقيب

ة الجلدي

ة عل

ى‬ ‫كتفھا ودخلت تبحث عن مكان تقف فيه بين زحمة الواقفين‪.‬‬ ‫أش عل زاك

س س

يجارة أثن

اء انتظ

اره ف

ي الجھ

ة الت

ي تقاب

ل المحط

ة‬ ‫حيث ستقف الحافلة‪.‬‬ ‫ولم يكن يترك ام رأة تتع دى م ن أمام ه م ن غي ر أن يغازلھ ا بكلم ة‪،‬‬ ‫حركة أو إماءة‪.‬‬ ‫م

شت ن

ور نح وه تقط

ع ال

شارع وھ

ي تراقب

ه ونظرات

ه الت

ي تت

ابع‬ ‫أرداف فتاة صارت تبعد بأكثر من عشرين متر عنه‪.‬‬

‫‪١٩٨‬‬


‫"أال تريد أن تتخلص من ھذه العادة السيئة؟"‬ ‫قالت له بأسلوبھا المازح وتعني الجدية قبل أن تحييه‪.‬‬ ‫"أي عادة تعني؟ فأنا عندي أطب اع كثي رة س يئة‪ ،‬فح ددي أن ت الع ادة‬ ‫التي تقصدين"‬ ‫وضحك حتى يھرب من موقفه المحرج أمامھا‪.‬‬ ‫قبلھا على شفتيھا قبلة حارة كما كانا يفعال دائما عند لقائھما‪.‬‬ ‫"أين تقف سيارتك؟" سألته نور‪.‬‬ ‫"ھناك أمام مركز الشرطة"‬ ‫"ھناك؟ حتى تتأكد من المخالفة كأنھا في جيبك؟"‬ ‫"ال بالعكس‪ ،‬فھو أكثر األماكن التي ال ينتبه إليھا الشرطة"‬ ‫سارا نحو السيارة يقصدان بي ت زاك س‪ .‬ل م يك ن ھ و ي رى م ن ن ور‬ ‫سوى جسدھا‪ ،‬ولم يھتم مرة بشخصھا وھو يعي أن عالقت ه بھ ا جن سية‬ ‫رغم وجوده بحياتھا أيضا ً في كثير من المواقف‪.‬‬ ‫ھي تعلم بالطريقة التي يفكر بھا زاكس تجاھھا وھي لم تختل ف عن ه‬ ‫كثيراً‪.‬‬

‫‪١٩٩‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫قرعت ميليندا الجرس مرات عديدة وھي تقف في الخارج‪ ،‬لم تنتظر‬ ‫حتى دفعت الباب ودخلت‪.‬‬ ‫وقف سلوان غضبا ً مفزوعا ً من الرنين المتواصل‪ ،‬وم ا أن ع اد إل ى‬ ‫ذاته وإذا بميليندا تقف أمامه‪.‬‬ ‫تبخ

ر غ

ضبه فج

أة عن

دما مال

ت ھ

ي علي

ه وعانقت

ه وص

ارت تقبل

ه‬ ‫ويقبلھا دون أن يتبادال الكالم‪.‬‬ ‫فلم تسمح لھم الفرصة أن يختليا منذ ليلة األمس‪ ،‬وشوق يغزوھما ال‬ ‫يخفى من التحام جوارحھما‪.‬‬ ‫"أين نور؟"‬ ‫وقفت ميليندا وكأنھا أفاقت من سكرة‪.‬‬ ‫"قبلين

ي حبيبت

ي وال تھ

دئي‪ ،‬وال ت

سألي ع

ن أم

ي‪ ،‬فھ

ي أي

ضا ً تقب

ل‬ ‫اآلن زاكس"‬ ‫"ھي اآلن عنده؟"‬ ‫"قالت أنھا ستذھب إلى السوق‪ ،‬لكن ك تعرفيھ ا تغت نم أي فرص ة ك ي‬ ‫تقابله"‬ ‫"ھ

ل تعل

م أن الن

ساء بع

د األربع

ين ت

زداد ال

شھوة والن

شوة عن

دھم؟‬ ‫ونور تعيش نشوة معه أكثر من التي بيننا"‬ ‫لك أنھا تحبه أو على عالقة حميمة معه؟"‬ ‫"ھل قالت ِ‬ ‫‪٢٠٠‬‬


‫"ال‪ ،‬لكني أعرف أمك عندما تحب رجل‪ ،‬ولكن ما ال ذي ي دريك ع ن‬ ‫طبيعة العالقة بينھم؟"‬ ‫"أنا أعرف أمي أكثر منك‪ ،‬وأحس بھ ا ف ي ك ل م رة عن دما تق دم ل ي‬ ‫رج

ل عل

ى أن

ه ص

ديق‪ ،‬وزاك

س حال

ه ح

ال غي

رة م

ن ال

ذين س

لفوا‬ ‫وقدمتھم لي"‬ ‫مالت ميلنيدا على سلوان فوق األريكة وصارت تقبله وتح سس عل ى‬ ‫خديه وتنظر في عينيه‪.‬‬ ‫"لن تأتي نور إذن قبل ثالثة ساعات أو أربع"‬ ‫"ھي تعلم أنك عندي‪ ،‬وھي لن تفاجئنا‪ .‬ستھاتفني قبل أن تأتي"‬ ‫رم

ت ميلين

دا بج

سدھا ف

وق س

لوان‪ ،‬وھام

ا ملتھب

ين يتعارك

ا الح

ب‪،‬‬ ‫الھي

ام وان

سجام اللحظ

ة وح

رارة ش

مس النھ

ار الت

ي ال تق

ل ع

ن‬ ‫حرارتھما‪.‬‬

‫‪٢٠١‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫"متى ستنھي اليوم ميليندا محاضراتھا" سأل دميترس زوجته‪.‬‬ ‫"م ن المف روض أن تك

ون ھ ي من ذ أكث

ر م ن ن صف س

اعة ھن ا‪ ،‬ل

و‬ ‫راھنتك اآلن على أن ابنتك مع سلوان في بيت نور سأكسب الرھان"‬ ‫"ال تبالغي كثيراً‪ ،‬أنت تعرفين م دى ن شاط ميلين دا واجتھادھ ا‪ ،‬وھ ي‬ ‫تفصل بين عالقتھا مع سلوان ودراس تھا‪ ،‬وھ ي ل ن تقابل ه‪ ،‬وف ي م ا ل و‬ ‫قابلته اآلن حسب زعمك لن يكون على حساب دراستھا ومستقبلھا"‬ ‫"لقد ھاتفتني وقالت أنھا ستذھب مع صديقتھا إلى المكتب ة‪ ،‬ول و ن زل‬ ‫اليسوع اآلن وح ل عن دي ل ن أص دق أنھ ا لي ست م ع س لوان‪ .‬لق د أنھ ى‬ ‫البارحة دورته الشرطية وھي لم تراه منذ أس بوعين‪ ،‬وتري د أن تقنعن ي‬ ‫أنھا س تذھب إل ى المكتب ة! دميت رس‪ ،‬أن ت س تنھي الموض وع الي وم م ع‬ ‫سلوان بأي طريقة كانت‪ ،‬أنا لن أصبر أكثر من ھذا‪ ،‬س أموت قھ راً إذا‬ ‫بقيت ميليندا على عالقتھا معه"‬ ‫وصارت تدور في الغرفة أثناء حديثھا وتأشر بيدھا وترف ع ص وتھا‪،‬‬ ‫فھي تنفعل بسرعة عندما تتحدث بھذا الموضوع‪.‬‬ ‫"أنا ال أعرف كيف احتملتك كل ھذا العمر؟ أنا الذي س أموت بأزم ة‬ ‫قلبية أو صدمة في الدماغ إذا بقيت أنت على ذمت ي وف ي بيت ي‪ .‬أس كتي‬ ‫أرجوك وال تتحدثي بشيء على اإلطالق‪ ،‬لم أعد أحتمل الحديث مع ك‪.‬‬ ‫إال تستطيعين أن تحاوريني مث ل أي ام رأة طبيعي ة حت ى نت ساعد س ويا ً‬ ‫على التخلص من ھذه الكارثة التي لم نحسب لھا يوم حساب"‬

‫‪٢٠٢‬‬


‫علي ك الي وم أن ت أي ضا ً أن تتح دثي‬ ‫وقف دميترس من مكانه وق ال‪" :‬‬ ‫ِ‬ ‫م

ع ن

ور بھ

ذا الموض

وع وتخاطبيھ

ا بمنطقي

ة حت

ى ت

ساعدنا ھ

ي م

ن‬ ‫التخلص من ھذا المأزق"‬ ‫"وكي

ف س

أطلب منھ

ا أن تقن

ع ول

دھا أن يت

رك ابنتن

ا؟ ب

أي ص

ورة‬ ‫سأقدم لھا طريقة الطرح ھذه؟ قلي بح ق ال سماء أن ت! أن ت تع رف أنھ ا‬ ‫صديقتي منذ زمن وأنت نفسك ل م يك ن يم ضي عي د أو مناس بة دون أن‬ ‫تكون ھي وولدھا معنا"‬ ‫"ال أع

رف‪ ،‬أن

ا ال أس

تطيع أن أواج

ه ن

ور بھ

ذا الموض

وع أب

داً‪ ،‬أال‬ ‫يكف

ي أنھ ا من

ذ ع

ام ل

م ت

دخل بيتن

ا لعلمھ

ا م

ن موقفن

ا تج

اه س

لوان؟‬ ‫أسمعي‪ ،‬بعد أن نتن اول الع شاء س ويا ً س أختلي م ع س لوان ف ي الخ ارج‪،‬‬ ‫وألجل ھذا ھي دعوت اليوم وال يھمني وجود ميليندا معن ا‪ ،‬ال ب العكس‬ ‫فقد أتمكن من إقناعھا ھي أيضا ً من خالل الحديث مع سلوان‪ ،‬وأنت في‬ ‫طبيعة الحال ستكونين م ع ن ور وح دك‪ ،‬وقتھ ا خاطبيھ ا بمنطقي ة ح ول‬ ‫االختالفات بيننا وبينھم‪ ،‬والدين واألشياء الجوھرية في العالقة الزوجية‬ ‫وضرورة مساواة الزوجين من وجوه كثيرة"‬ ‫سكتت ميلوذيا وھي تفكر بالطريقة التي ستكلم نور بھا وخاصة أنھ ا‬ ‫لم ترھا منذ زمن‪ ،‬فھي خجلة ألنھا قطعت العالقة معھ ا م ن ب اب وم ن‬ ‫اللقاء األول والحديث معھا بھذا الموضوع ب دالً م ن االعت ذار م ن ب اب‬ ‫آخر‪.‬‬

‫‪٢٠٣‬‬


‫"ما رأيك أن نبعث ميليندا إلى بيت أخي ألكساندروس ف ي س االميني‬ ‫في اإلجازة الصيفية؟ قد يكون بعدھا لفترة من جھة سببا ً لنسيانه وحتى‬ ‫ترتاح من أخرى من ضغوطنا"‬ ‫"وماذا ستفعل ھناك في الجزيرة؟ وأنت تعرفين أن عالقتھا مع أبناء‬ ‫خالھ ا لي

ست بالحميم ة‪ ،‬وھ

ل تعتق

دي أن ه م

ن ال

سھولة أن تواف

ق عل

ى‬ ‫قضاء العطلة كاملة ھناك؟"‬ ‫"انك ال تبدي أي نوع من التعاون معي‪ ،‬كل فكرة أطرحھا مرفوضة‬ ‫عندك‪"...‬‬ ‫وقبل أن تنھ ي كالھم ا رد عليھ ا دميت رس ق ائالً‪" :‬أن ا ال أس تطيع أن‬ ‫أتح

دث مع

ك بموض

وعية‪ ،‬كلم

ا حاول

ت أن أب

ين س

ذاجة خطط

ك‬ ‫وأفك

ارك غ

ضبتي واتخ

ذت األم

ر بخ

صوصية وھجومي

ة‪ .‬أن

ا ال‬ ‫أھاجم

ك‪ ،‬ال ب

ل أوافق

ك بالھ

دف‪ ،‬إال أن

ك ال تري

دين أن ت

ستوعبين أن‬ ‫ابنتنا ليست طفلة حتى تتخذين قرارات دون الرجوع إليھا‪ ،‬وأنت تع ين‬ ‫أنھا لن توافقك على ھذا الذي تقترحيه"‬ ‫"أنت تحطم مجاديفي ف ي ك ل محاول ة تق رب م ع ميلين دا حت ى أوط د‬ ‫العالقة بيني وبينھا‪ ،‬فأنت دائما ً في صفھا وتقف ضدي في أي طرح أو‬ ‫اقتراح يتلق بحياتھا"‬ ‫وكان ت ت شير بي ديھا أثن اء الح

ديث كعادتھ ا عن دما تنفع ل‪ ،‬وم ا أكث

ر‬ ‫انفعاالتھ

ا وخاص

ة إذا ك

ان الح

ديث ح

ول حي

اة ميلين

دا‪ ...‬ف

ي طريق

ة‬ ‫لبسھا‪ ،‬أسلوبھا في الحديث أو أصداقھا‪.‬‬

‫‪٢٠٤‬‬


‫كانت تعلق عل ى ك ل ش يء حت ى أظافرھ ا وق صة ش عرھا وحرك ات‬ ‫ي

ديھا‪ ،‬ل

م تك

ن تتركھ

ا ت

ستقل بفكرھ

ا وال حت

ى ف

ي ترتي

ب حجرتھ

ا‬ ‫وأقجارھا‪.‬‬

‫‪٢٠٥‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫رن ھاتف ميليندا وھي مستلقية على األريكة بجانب س لوان ورأس ھا‬ ‫تحت عنقه ويدھا ملتفة على صدره واألخرى تحت رأسه‪.‬‬ ‫ك ان الھ

اتف ف

ي حقيبتھ

ا عل

ى األرض وبينھ

ا وب

ين ھاتفھ

ا الخل

وي‬ ‫سلوان وھو غارق في النوم‪ ،‬لم تستطع الوصول بسرعة حتى بعد أكثر‬ ‫من سبعة رنات سكت‪ ...‬أفاق سلوان على صوته‪.‬‬ ‫"ھل أفاق حبيبي؟ لق د كن ت ف ي س بات عمي ق وكأن ك من ذ أس ابيع ل م‬ ‫تنم"‬ ‫"نعم حبيبتي‪ ،‬فأنا فعالً منذ أكثر م ن أربع ة ع شر يوم ا ً ل م أذق طع م‬ ‫النوم‪ ،‬ھل نمت أنت أيضًا؟"‬ ‫"ال‪ ،‬كنت أتمعنك‪ ،‬أعشقك وأحسس على خديك"‬ ‫سحب سلوان جسده بعض الشيء لألعلى وأمسك يد ميليندا وقبلھا‪.‬‬ ‫"أنت حبيبتي‪ ،‬ھل تعلمين كم أحبك؟ وكم أنا مستعد لتقديم التضحيات‬ ‫حتى نستقل بحياتنا؟"‬ ‫"أعل

م حبيب

ي‪ ،‬وأعل

م أي

ضا ً أن أم

ي اآلن ل

ن تھ

دأ حت

ى أرد عل

ى‬ ‫مكالمتھا"‬ ‫"وما أدراك أنھا ھي؟"‬ ‫"أنا أعرف أنھا ھي‪ ،‬فھذه الرنة ھي لھا فقط"‬ ‫وقفت ميليندا عارية وأخذت حوائجھا وذھبت إلى الحمام‪.‬‬ ‫‪٢٠٦‬‬


‫"سأغتسل بسرعة وأذھ ب إل ى البي ت‪ ،‬ال أري دھم أن ي شكوا بكالم ي‬ ‫وأني كنت معك"‬ ‫اس

تند س

لوان ووض

ع الغط

اء المتط

اير عل

ى فخذي

ه وق

ال ب

صوته‬ ‫المتعب‪" :‬نعم حبيبتي‪ ،‬أنت محقة"‬ ‫وكأنه لم يرد أن يناقشھا أو يدخل ف ي مھ اترات معھ ا لرف ضه إخف اء‬ ‫العالقة بينھما‪.‬‬ ‫عاود الھاتف الرنين متصاعداً من جدي د‪ ،‬حت ى ص ار ال رنين مرتف ع‬ ‫وأثار سلوان‪.‬‬ ‫أقبل عليه وكبس على أحد أزرار اللوحة إلصماته‪.‬‬ ‫"ال ت

رد عل

ى الھ

اتف ي

ا س

لوان أرج

وك" قال

ت ميلين

دا وھ

ي داخ

ل‬ ‫الحمام‪.‬‬ ‫"ال تخافي‪ ،‬لن أرد‪ ،‬فأنا لست متحمس للحديث مع والدتك" قال وھو‬ ‫باديٍ عليه عدم الرضا‪" :‬ھل تعتقدي أني سأرفع ال سماعة اآلن للح ديث‬ ‫معھا ً‬ ‫حقا؟"‬ ‫"طبعا ً ال‪ ،‬لكني خائفة‪ ...‬ال تغضب حبيبي مني"‬ ‫كان

ت تكلم

ه وھ

ي ف

ي ال

داخل ل

م تخ

رج‪" :‬ال أري

د أن يت

أزم الوض

ع‬ ‫أكثر‪ ،‬نحن اآلن في موقف حرج وخاصة اليوم"‬ ‫"ھل تعلمين أن أمي ستأتي معي؟"‬

‫‪٢٠٧‬‬


‫كنت أتحدث معھا بصوت مرتفع حتى تستطيع سماعي‪" :‬لقد فوجئت‬ ‫عندما قالت لي أنھا ستأتي معي"‬ ‫خرجت ميليندا من الحمام وكانت قد انتھت من تجھيز نفسھا‪ ،‬فھي لم‬ ‫تكن من الفتيات اللواتي يستغرقن ساعات أمام المرآة‪.‬‬ ‫"وما ھو سبب المفاجئة؟ أم أنك ال تريد أن تأتي نور معك؟ ولكني ال‬ ‫أفھم ھذه المرة سبب استيائك لحضورھا!"‬ ‫"أن

ا ال

ذي ال أفھم

ك‪ ،‬أن

ت ت

سألين نف

سك وتجيب

ين‪ ،‬أن

ا ل

ست م ً‬ ‫ ستاء‬ ‫لوج

ود أم

ي مع

ي‪ ،‬ال ب

العكس‪ ،‬فأن

ا أح

س بأنھ

ا ت

شد م

ن ع

ضدي ف

ي‬ ‫الوق

ت ال

ذي س

أكون في

ه وح

دي أم

ام ش

الل م

ن أس

ئلة‪ ،‬استف

سارات‬ ‫وتبريرات"‬ ‫وقفت أثناء حديثي واتجھت أنا اآلخر إل ى الحم ام وبقي ت واقف ا ً عل ى‬ ‫بابه وأنا أتحدث مع ميليندا‪.‬‬ ‫"أنا لن أنتظرك يا سلوان‪ ،‬سأذھب اآلن وتستطيع أنت بع د خروج ي‬ ‫أن تستحم على مھلك"‬ ‫كان سلوان قد اعتقد لحظة أنه سيرافقھا إلى البيت ونسي أنھ ا بال سر‬ ‫عنده وال علم لوالديھا بوجودھما معا ً‪.‬‬ ‫أخذ سلوان فوطة من الحمام ووضعھا حول محاش مه وراف ق ميلين دا‬ ‫حتى البوابة الرئيسية‪.‬‬ ‫"أرجوك يا سلوان أن تكون الي وم أني ق أكث ر م ن أيام ك‪ ،‬الي وم مھ م‬ ‫والدي"‬ ‫جداً بالنسبة لنا‪ ،‬وأنا ال أعرف كيف ستكون ردود فعل‬ ‫ّ‬ ‫‪٢٠٨‬‬


‫"أن

ت تتح

دثي وك

أني س

أدخل بي

تكم للم

رة األول

ى‪ ،‬ال تب

الغي‬ ‫حبيبتي‪"...‬‬ ‫"الي وم غي

ر ك

ل األي

ام‪ ،‬أن

ت الي

وم غي

ر ال

ذي ك

ان ف

ي بيتن

ا ف

ي‬ ‫الماضي‪ ...‬الصبي الذي يزور ميليندا‪ ،‬لكن ك الي وم ھ و ال ذي س يخطفھا‬ ‫م

ن ب

ين ي

ديھم‪ ،‬وأن

ت ال

ذي ك

ل األنظ

ار وال

رفض حول

ك‪ ،‬فك

ن عل

ى‬ ‫األق

ل أنيق

ا ً ج

داً‪ ،‬فأن

ت تع

رف أم

ي ال تت

رك ش

يء م

ن غي

ر تعلي

ق أو‬ ‫تعلي ل‪ ،‬ال أري دھا أن تنھ ال عل ي بع

د خ روجكم ب سيل م ن الل وم وك

الم‬ ‫سينغص علي مسائي‪ ،‬ال بل األسبوع كله‪ ...‬من أجلي حبيبي‪"...‬‬ ‫"كم

ا تري

دين ميلين

دا‪ ،‬أتمن

ى م

ن ‪ S‬أن نخ

رج ب

أقرب فرص

ة م

ن‬ ‫السياج القاتل من القيود والقوانين العرفية من أمك وأبيك"‬ ‫قبل

ت ميلين

دا س

لوان عل

ى خدي

ه وھ

و واق

ف ف

ي داخ

ل س

ور البي

ت‬ ‫وھي في الخارج على عجلة من أمرھا‪.‬‬ ‫"انتبھي لنفسك في الطريق حبيبتي"‬ ‫وض

ع س

لوان براح

ة ي

ده عل

ى أعل

ى خ

دھا والم

س بأص

بعه تح

ت‬ ‫عينھا‪ ،‬وكانت ھذه عادته‪.‬‬ ‫أسرع يركض سلوان للبيت حتى صار يقف داخ ل ال رواق الرئي سي‬ ‫للبيت ووقعت عيناه على س اعة الح ائط المعلق ة ھن اك ف وق الحم ام ف ي‬ ‫المقابل‪.‬‬ ‫كانت الساعة السابعة وخمس دقائق‪ ،‬وخطر بباله أن أمه لم تأتي ولم‬ ‫تتصل‪.‬‬ ‫‪٢٠٩‬‬


‫دخل غرفة الجلوس حيث ك ان ھاتف ه الخل وي عل ى من ضدة الوس ط‪،‬‬ ‫حمله وبحث عن رقم أمه في الئحة األرقام وطلبھا‪.‬‬ ‫رن ھاتفھ

ا وھ

ي ملق

اة عل

ى س

رير زاك

س عاري

ة‪ ،‬أخرج

ت ھاتفھ

ا‬ ‫المحم

ول م

ن حقيبتھ

ا ورأت اس

م س

لوان عل

ى ال

شاشة‪ ،‬وقب

ل أن ت

رد‬ ‫أومأت بيدھا لزاكاس أن يسكت‪.‬‬ ‫"سلوان كيف حالك حبيبي؟"‬ ‫"أنا جيد يا أم ي‪ ،‬ولكن ك إذا ل م تخرج ي اآلن بع د أن تنھ ي مك المتي‬ ‫سيستاء حالي جداً‪ .‬في الثامنة يجب أن نكون في بيت دميترس‪ ،‬أم أن ك‬ ‫نسيت؟"‬ ‫بدا على نور الدھشة ألنھا نسيت فعالً الموعد‪.‬‬ ‫"كيف أنسى يا سلوان! سأكون حاالً في البيت"‬ ‫"أنا بإنتظارك"‬ ‫لم يرد سلوان أن يطيل الحديث‪ ،‬كان يعرف أنھا عند عشيقھا‪.‬‬ ‫"مع السالمة"‬ ‫قالتھا في اليونانية مثل عادتھا في أغلب األحيان وأغلقت السماعة‪.‬‬ ‫نھضت من السرير مفزوعة وقالت‪" :‬لقد نسيت حقا ً أننا اليوم مدعوون‬ ‫والدي ميليندا"‬ ‫في بيت‬ ‫ّ‬ ‫لب

ست أش

يائھا ب

سرعة ك

ي ت

تمكن م

ن الح

ضور ف

ي الوق

ت المح

دد‬ ‫وھي من النوعية التي ال تلتزم بالمواعيد‪ ،‬لكنھا تعي أھمية موعد اليوم‬ ‫‪٢١٠‬‬


‫لولدھا ولھا أيضا ً‪ ،‬ف ستكون انقالب ة ف ي حياتھ ا ألنھ ا ل م تك ن ح رة كم ا‬ ‫تتمنى لوجود سلوان في البيت‪ ،‬ھذا رغم حبھا الكبير له‪.‬‬ ‫"على مھلك يا نور‪ ،‬أنا سأوصلك إلى البيت"‬ ‫"وھل كنت تعتقد أني سأنتظر الحافل ة؟ حت ى ت دور ك ل ن واحي أثين ا‬ ‫يكون سلون قد انفجر غيضا ً‪ .‬قم اآلن أرجوك ب سرعة حت ى ينتھ ي ھ ذا‬ ‫المساء على خير"‬ ‫وقف زاكس ببطء من فراش ه حال ه ح ال ن ور ل يس علي ه غي ر ش عر‬ ‫جسده‪.‬‬

‫‪٢١١‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫"أن

ا أعتق

د أن ھ

ذا الم

ساء غي

ر مج

رى حيات

ك ي

ا س

لوان" قال

ت‬ ‫غراتسيا‪.‬‬ ‫"ف

ي ذل

ك الم

ساء تغي

رت أش

ياء كثي

رة ف

ي الحقيق

ة‪ ،‬إال أن موق

ف‬ ‫وال

ديھا ھ

و الوحي

د ال

ذي بق

ي كم

ا ك

ان‪ ،‬ص

لبا ً‪ ،‬متحج

راً مث

ل أفك

ار‬ ‫العصور الوسطى والصخرة التي زرع عليھا والدھا دالية خلف بيتھم"‬ ‫كان سلوان مع غراتسيا في ل وج المؤس سة الخ اوي م ن الن زالء ف ي‬ ‫ذلك اليوم‪.‬‬ ‫"أنت عالم ق ائم ب ذاتك ي ا س لوان‪ ،‬في ك ومع ك يق رب البعي د‪ ،‬ي تقلص‬ ‫الوقت‪ ،‬يتسع المكان ويرحب الخيال"‬ ‫ص

رت أنظ

ر ف

ي لمع

ان عينيھ

ا وات

ساعھا أثن

اء ح

ديثھا‪ .‬اس

تدارت‬ ‫نحوي‪ ،‬كانت متكئة جانبي فاستندت وجلست على حاف ة األريك ة ت ضع‬ ‫ق دمھا اليمن

ى عل ى ش

مالھا وأن ا أرخ

ي بظھ ري مك

ان جل ستي وم

شبك‬ ‫يني‪.‬‬ ‫أصابعي فوق بطني أحرك إبھامي وأتابعھا بحديثي وع ّ‬ ‫"ل

م أك

ن دائم

ا ً مثلم

ا ترين

ي اآلن‪ ،‬كن

ت كثي

ر م

ن األحي

ان ال أط

اق‬ ‫وخاصة الفترة األخيرة من عالقتنا‪ .‬تغيرت‪ ...‬ال أعرف أني تغيرت أم‬ ‫أني كنت دائما ً ھكذا‪ ،‬ل م أع د أحتم ل س ماعھا وال يورغ و وص وفيا‪ ،‬ل م‬ ‫أعد أحتمل نقاشھم وكرھ ت الجل وس معھ م ف ي الوق ت ال ذي كان ت ك ل‬ ‫العالق

ة ك

ل ي

وم تتوط

د بي

نھم وأن

ا أفق

د لغ

ة الح

وار م

ع أم

ي وميلين

دا‬ ‫وبالتالي معھم"‬

‫‪٢١٢‬‬


‫"ھل تعرف أني أحس بھذا ال شعور م ع أھل ي‪ ،‬وك أني ف ي ع الم غي ر‬ ‫ال

ذي يعي

شونه‪ ،‬والعجي

ب ف

ي األم

ر أنھ

م ال يح

اولوا أخ

ذي معھ

م‬ ‫ألجوائھم"‬ ‫ولم ال؟ أنت ابنتھم الوحي دة‪ ،‬أل يس م ن المف روض أن يأخ ذوك إل ى‬ ‫" َ‬ ‫كل مكان يذھبان إليه‪ ...‬ليس ك ل مك ان إنم ا عل ى األق ل ف ي اإلج ازات‬ ‫والمناسبات"‬ ‫ص

ارت غرات

سيا تھ

ز برأس

ھا أثن

اء ح

ديث س

لوان وكأنھ ا تري

د أن‬ ‫تقاطعه‪.‬‬ ‫"أنا ال أعني أن ي ال أرافقھ م ف ي م شاوريھم أو رحالتھ م‪ ،‬إنم ا ال ذي‬ ‫أعنيه ھو أني أحس بعزلة روحية‪ ،‬وأنھم ال يشاركونني أفكاري أو أنھم‬ ‫ال يريدون أن يشاركونني إياھا‪ .‬يحزنني أحيانا ً ھذا التغريب بين األھل‬ ‫رغم تضامن أسرتنا‪ .‬أنا أعتق د أنھ م ال يفھم ونني‪ ،‬أو أن ه مغل وب عل ى‬ ‫أمرھم لفرق العمر بيننا"‬ ‫تقل

صت ابت

سامة غرات

سيا واختف

ى لمع

ان عينيھ

ا وص

ارت تھ

رب‬ ‫بأنظارھا إلى األرض تارة ھنا وأخرى ھناك‪.‬‬ ‫"وھل الفرق بينكم في العمر كبير لھذا الحد؟"‬ ‫"نع

م‪ ،‬عم

ر أم

ي أثن

ين وس

بعون ع

ام وأب

ي ي

صغرھا بع

ام‪ ،‬أن

ا ال‬ ‫أع

رف إن ك

ان ھ

ذا ھ

و ال

سبب أم أنھ

م ال يري

دون معرف

ة م

ا يج

ول‬ ‫بخاطري ألنھم مھتمون بأنفسھم أكثر م ن اھتم امھم ب ي وخاص ة أم ي‪.‬‬

‫‪٢١٣‬‬


‫أنا أكرھھا‪ ،‬ال أذك ر الم رة األخي رة الت ي ع انقتني بھ ا‪ ،‬قبلتن ي أو قال ت‬ ‫أنھا تحبني"‬ ‫"ومت

ى قل

ت لھ

ا أن

ت أن

ك تحبيھ

ا؟ أو مت

ى عانقتھ

ا وقل

ت لھ

ا أن

ك‬ ‫بحاجة لھا؟" ولم أكد أنھي كالمي حت ى قال ت‪" :‬أن ا عانقتھ ا وقبلتھ ا ف ي‬ ‫عيد ميالدھا قبل تسعة أشھر"‬ ‫"أعتق

د أنھ

ا ھ

ي أي

ضا ً عانقت

ك وقال

ت ل

ك أنھ

ا تحب

ك ف

ي ي

وم عي

د‬ ‫ميالدك! غراتسيا حتى األم تحتاج للحنان من ابنتھا تماما ً مثل احتياجك‬ ‫أنت لھا‪ .‬اذھبي اليوم لھا وقول لھا عن أحاسيسك وأنك تحت اجين لحبھ ا‬ ‫وقولي لھا أنك تحبيھا كثيراً وضميھا إليك‪ .‬ھي تحتاج لھذا تماما ً مثلك‪،‬‬ ‫لكن كبريائھا يضعفھا وأنت أي ضا ً‪ ،‬ك وني قوي ة واب دئي أن ت معھ ا‪ ،‬أن ا‬ ‫أع

رف ان

ه ل

يس س

ھالً علي

ك أن تق

اومي نف

سك وتقف

زي ع

ن كبريائ

ك‬ ‫مرة‪ .‬ستكونين أنت األقوى ل و فعلت ي ھ ذا‪ .‬أن ت تع ي وتع رفين بالتأكي د‬ ‫حقيقة كينونتك وتتصرفي عن علم ووعي بما يدور بعقلك الباطن"‬ ‫"أنا ال أختلف كثيراً عنھم‪ ،‬ال أفھم عقلي الباطن وال أعي كثي راً كم ا‬ ‫تصورني أنت‪ ،‬الذي أعرفه أني ال أحس من أمي بأي نوع م ن الح ب‪،‬‬ ‫ال بالعكس دائما شجار أو تجاھل"‬ ‫"كما تريدين‪ ...‬ولكن ال تغضبي"‬ ‫ارتف

ع ص

وتھا قل

يالً وانفعل

ت وھ

ي تتح

دث ع

ن أمھ

ا فقل

ت لھ

ا‪:‬‬ ‫"حاولي اليوم أن تتحدثي معھ ا بك ل م ا ت شعرين وتري دين‪ ،‬ھ ي تنتظ ر‬ ‫تماما ً الشيء الذي أنت تنتظريه منھا‪ ...‬ابدئي أنت"‬

‫‪٢١٤‬‬


‫ولم أنا؟ ھي أمي وھ ي الت ي يج ب عليھ ا أن ت ضمني إل ى ص درھا‬ ‫" َ‬ ‫وتشعرني بالحب وليس العكس"‬ ‫"غراتسيا‪ ،‬ھي امرأة أيضا ً ال تنسى ھذا‪ ،‬وھي تحس بذات اإلحساس‬ ‫مثلك‪ ،‬وقد يكون أكثر‪ ،‬أنا ال أعرف طبيعة العالقة بالضبط بينكم‪ ،‬لكني‬ ‫أعتق

د أن ھ

ذه العالق

ه ح

صيلة س

نين ولي

ست م

ن البارح

ة‪ ،‬وم

ن غي

ر‬ ‫الحديث لن يستطيع أحدكم وضع قاعدة أساسھا الحب ومنھا تنطلقا"‬ ‫ع

دلت غرات

سيا جل

ستھا وأش

رقت عل

ى وجھھ

ا ابت

سامة كان

ت ق

د‬ ‫اختفت قبل قليل‪.‬‬ ‫"حدثني أنت سلوان عما دار في ذلك المساء‪ ،‬كيف كانت مقابلة والد‬ ‫ميليندا ووالدتھا لك؟"‬ ‫"أنا أعرف اآلن سبب ھذه االبتسامة العريضة على شفتيك‪ ،‬ھ ل ھ و‬ ‫حب الفضول؟ أنا أكرھه حتى النخاع"‬ ‫عبست غراتسيا ثانية وقالت بصوت خاف ت وھ ي حرج ة‪" :‬ال‪ ،‬ل يس‬ ‫حب الفضول‪ ،‬ولكن ما ھو ذنب ي إن كن ت أن ت وض عتني ف ي ص ندوق‬ ‫العابك‪...‬؟ وفيه الكثير‪ ،‬إلى ميليندا‪ ،‬دميترس وأعالم األدب والجريمة"‬

‫‪٢١٥‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫دخل

ت ميلين

دا م

ن بواب

ة البي

ت الرئي

سية وأول م

ن ف

رح بق

دومھا‬ ‫الكل ب‪ ،‬وك ان م

ن ف صيلة )الجي

رمن ش يبرد( وك ان يحبھ

ا كثي راً‪ ،‬أقب

ل‬ ‫عليھ

ا وقف

ز يلعقھ

ا معب

راً ع

ن س

روره بق

دومھا‪ ،‬نزل

ت بركبتيھ

ا عل

ى‬ ‫األرض وھي ترتدي بنطالھا الجينز الرمادي وصارت تعانقه وتح سس‬ ‫عليه وھو يلھث فرحا ً بھا‪.‬‬ ‫دخلت البيت وصارت تنظر في الغ رف تبح ث ع ن أبيھ ا‪ ،‬وخرج ت‬ ‫أمھا من المطبخ على صوت الب اب والكل ب‪" :‬أي ن أن ت ي ا ميلين دا؟ ك ل‬ ‫ھذا في المكتبة؟"‬ ‫ومن دون أن تجيبھا سألتھا‪" :‬أين والداي"‬ ‫وراح

ت بعينيھ

ا ف

ي جمي

ع أرج

اء المن

زل‪" :‬ھ

ل ھ

و ف

ي الحديق

ة‬ ‫الخلفية؟"‬ ‫"ميليندا‪ ،‬إذا مت أو أصبت بنوبة قلبية فستكون منك‪ ،‬أو من والدك"‬ ‫"ال تقلقي يا أمي أنت مازلت شابة وتحاسبين على برنامجك الغ ذائي‬ ‫جيداً‪ ،‬لن تصابي ب أي مك روه إذا تركتن ي بح الي وانتھي ت م ن الت ذمر‪،‬‬ ‫ألنه إذا انھارت أعصابك مرة لن تكون إال من كثرة تذمرك"‬ ‫اتجھت ميليندا نحو الباب الخلفي للبيت ال تبادل أمھا أي نظرة‪" :‬ھل‬ ‫ھو في الخارج يا أمي؟"‬

‫‪٢١٦‬‬


‫كانت ميلوذيا تراقبھا متعجبة م ن تجاھلھ ا وتم شي خلفھ ا‪" :‬أحق ا ً أن ا‬ ‫أمك؟ إن كنت حقا ً كما تقولين‪ ،‬لم اذا ال تقف ي وأن ت تح دثيني وتب ادليني‬ ‫ذات الحب الذي تبادليه ألبيك‪ ،‬أو على األقل أجيبيني على سؤالي"‬ ‫وقفت ميليندا وصارت بين رواق المنزل من الخ ارج وق دمھا اآلخ ر‬ ‫حبب ت‪،‬‬ ‫في ال داخل‪" :‬أن ت ل م ت سأليني‪ ،‬م اذا تري دين؟ اس أليني اآلن إن ا‬ ‫ِ‬ ‫ماذا ھناك؟ إذا كان السؤال ھل التقيت بسلوان فالجواب ال"‬ ‫"ميليندا أريدك أن تساعدينني في المطبخ‪ ،‬أنا أعددت كل شيء‪ ،‬فقط‬ ‫في تحضير األطباق والفوط"‬ ‫"سأحضر‪ ...‬على الفور"‬ ‫ردت عل

ى وال

دتھا وھ

ي تع

دو ف

ي ال

رواق إل

ى الحديق

ة الخلفي

ة تج

اه‬ ‫أبيھا‪.‬‬ ‫كان دميترس يھذب أحد األشجار التي زرعھا من وقت قري ب‪ ،‬فھ و‬ ‫من المھتمين بعنايتھا‪.‬‬ ‫"أتمن

ى أن أك

ون ش

جرة التف

اح ھ

ذه ي

ا أب

ي حت

ى تھ

تم ب

ي مثلھ

ا"‬ ‫خاطبته قبل أن تصل إليه‪" :‬متى ستثمر وتتف رغ ل ي‪ ،‬ألن ي ب دأت أفك ر‬ ‫في اقتالعھا"‬ ‫نزل

ت ع

ن األرض

ية اإلس

منتية وم

شت بح

ذر ب

ين األزھ

ار حت

ى‬ ‫وصلت لوالدھا‪.‬‬ ‫عانقته وقال ت ل ه تداعب ه‪" :‬ھ ل أقتلعھ ا اآلن أو تنتھ ي وتجل س مع ي‬ ‫ً‬ ‫قليال؟ متى سنأكل منھا"‬ ‫‪٢١٧‬‬


‫"تبدأ األشجار في اإلثمار عادة يا ميلين دا ف ي ال سنة الثاني ة أو الثالث ة‬ ‫ح

سب ال

صنف واألص

ل ومك

ان الزراع

ة ومق

دار العناي

ة باألش

جار‪،‬‬ ‫والتقليم يلعب دوراً كبيراً في صيانتھا"‬ ‫"وھل تعتقد أني سأصبر ثالثة سنين على ھذا الحال؟ سأعطيك مھلة‬ ‫أقصاھا ثالثة أشھر‪ ،‬فإن لم نأكل من ثمارھا سأقطعھا وأضع مكانھ ا‪...‬‬ ‫ماذا سأضع مكانھا؟" كانت ميليندا تالطف والدھا‪.‬‬ ‫"لماذا ال تذھبي لوالدتك وتتركيني أكمل؟"‬ ‫كان دميترس جال سا ً عل ى ركبتي ه ويل بس قف ازات م ن التفت ا ويج ور‬ ‫حول الشجيرة بيديه‪.‬‬ ‫"ال‪ ...‬أنا سأقتلعھا اآلن‪ ،‬أتحدث معك وتقول لي اذھبي إلى أمك‪ ،‬كل‬ ‫ھذا من أجل ھذه النبتة؟" مدت يدھا تريد اقتالعھا تقصد مداعبته‪.‬‬ ‫"ال يا ميليندا‪ ،‬أنا سأنتھي حاالً" وأمسك بيدھا وھو يعي أنھا تمازحه‪:‬‬ ‫"سآتي على التو‪ ،‬أعطني خمس دقائق وسأكون قد انتھيت"‬ ‫"خمسة دقائق ال غير وإال‪ ...‬سأحرمك من حناني لمدة يوم‪ ...‬ال يوم‬ ‫كثير أنا ال أحتمل‪ ،‬نصف يوم‪ ...‬أيضا ً ھذا كثير‪ ...‬خمس ساعات على‬ ‫ع

دد دق

ائق‪ ...‬ال‪ ،‬ل

ن أحتم

ل أي

ضا ً‪ .‬الح

ل الوحي

د أن تنتھ

ي ح

االً‪ ،‬م

ا‬ ‫رأيك؟"‬ ‫كانت ميليندا تقف فوق رأسه وتمنع ه م ن المتابع ة فق ال لھ ا‪" :‬أع دك‬ ‫م

ن وق

ت ذھاب

ك ل

ن أتج

اوز الخم

سة دق

ائق‪ ،‬واآلن اتركين

ي أكم

ل ي

ا‬ ‫حبيبتي"‬ ‫‪٢١٨‬‬


‫قبلته‪ ،‬شدت شعره وقالت‪" :‬إياك أن تتأخر"‬ ‫أخرج

ت ميلوذي

ا رأس

ھا م

ن الناف

ذة المطل

ة عل

ى الحديق

ة الخلفي

ة‬ ‫لك سلوان متى سيحظر مع والدته؟"‬ ‫وسألت ميليندا‪" :‬ھل قال ِ‬ ‫"قلت له بأن يحظر على الثامنة مساء ولم أكن أعلم أن نور س تحظر‬ ‫معه"‬ ‫واتجھت ميليندا نحو الباب الخلفي للبي ت أثن اء ح ديثيھا‪" :‬أل م تھ اتفي‬ ‫نور؟"‬ ‫"بلى‪ ،‬قالت أنھا ستكون ھنا مع الثامنة‪"...‬‬ ‫كان دميترس منشغالً بشجيرته ورد على سؤالھا لميليندا‪" :‬الساعة لم‬ ‫تبلغ الثامنة يا ميلوذيا‪َ ،‬لم أنت مشوشة؟ وتعممي ھذا على أجوائنا"‬ ‫"من سألك أنت؟ أترك ما بيدك اآلن وادخل حتى تستقبلھم"‬ ‫دخلت ميليندا إلى المطبخ وقبل أن تبدأ بإخراج األطباق سمعت نباح‬ ‫الكلب قبل أن يرن الجرس‪ ،‬فقالت ألمھا‪" :‬ھا قد حظروا"‬ ‫وعدت للباب مث ل غزال ة يتط اير ش عرھا خلفھ ا ون سيمھا كالري اض‬ ‫يتقاطر‪.‬‬ ‫دخل سلوان ووالدته وأقبل عليھم الكلب وقفز على سلوان يرحب به‪.‬‬ ‫ ي‬ ‫فتح

ت ميلين

دا الب

اب وأول م

ا وق

ع نظرھ

ا عل

ى الكل

ب عل

ى كتف ّ‬ ‫سلوان‪.‬‬ ‫"أنظري‪ ،‬لقد اشتاق لي وحسبته قد نسيني"‬ ‫‪٢١٩‬‬


‫"أنت تعلم أن الكالب أكثر إخالصا ً من البشر" عانقت ن ور وحيتھ ا‪:‬‬ ‫"مرحبا يا نور‪ ،‬أنا سعيد ألنك مرة أخرى في بيتنا‪ ،‬لقد مضى زمن منذ‬ ‫كنت عندنا"‬ ‫"نعم يا ميليندا‪ ،‬وأنا سعيد بدعوة والديك‪ ،‬أتمنى أن نرج ع أس رة كم ا‬ ‫كنا يا ابنتي"‬ ‫وحيت سلوان بيدھا من غي ر أن تقبل ه‪ ،‬ورمقت ه بعينيھ ا كأنھ ا تعت ذر‬ ‫منه‪.‬‬ ‫والديك؟"‬ ‫"أال تريد أن يراك‬ ‫ِ‬ ‫ق

ال لھ

ا س

لوان ب

صوت يك

اد أن يك

ون م

نخفض وأجابت

ه بقولھ

ا‪:‬‬ ‫"أدخال اآلن‪ ،‬أمي تنتظرك يا ن ور‪ ،‬لق د أتعبتن ي ب سؤاالتھا‪" :‬مت ى ت أتي‬ ‫نور‪ ...‬متى تأتي؟"‬ ‫"نور في بيتنا! يوم سعيد"‬ ‫حييت ميلوذيا نور وھي تقف على الشرفة‪ ،‬نزلت ال درجات‪" :‬تع الي‬ ‫يا نور"‬ ‫عانقتھا وسعدت بھا كثيراً‪ ،‬اس تدارت ل سلوان وض مته أي ضا ً‪ ،‬ول يس‬ ‫بالشوق الكبير‪ ،‬بل تكاد أن تكون ابتسامة صفراء مجبرة‪.‬‬ ‫دخل الجميع غرفة الجلوس وحياھم دميترس من الخارج وھو يل بس‬ ‫القفازات يبدو عليھا آثار الت راب‪" :‬أك اد ال أص دق‪ ...‬ن ور وس لوان ف ي‬ ‫بيتنا"‬

‫‪٢٢٠‬‬


‫"أنا التي أك اد ال أص دق‪ ...‬لم اذا ل م تخل ع القف ازات ف ي الخ ارج؟ أم‬ ‫أنك تستلذ عند رؤيتي أثناء معاناتي في تنظي ف المن زل؟ ھ ل ت رين ك م‬ ‫ھم الرجال متعبون يا نور؟ أنا أغبطك عل ى حال ك دون أن يتع ب قلب ك‬ ‫رج

ل أو ينث

ر الت

راب مث

ل زوج

ي ف

ي ك

ل أرج

اء المن

زل كلم

ا عم

ل‬ ‫عشرة دقائق في الحديقة"‬ ‫"ال تق

ولي ھ

ذا ع

ن دميت

رس‪ ،‬فھ

و مطي

ع ويحب

ك وال ي

ستطيع أن‬ ‫يفارقك يوم واحد" قالت نور‪" :‬لكنك أنت تثقلي عليه أحيانا ً"‬ ‫"ولمن أشكو اآلن؟ أنت كنت دائما يا نور من نصيب دميت رس وف ي‬ ‫صفه ضدي"‬ ‫كان كالم ميلوذي ا يتخلل ه الم زاح وھ ي تح اكي ن ور وتعن ي زوجھ ا‪.‬‬ ‫خلع دميترس القفازات وغسل يديه في الحمام وأقبل على نور وسلوان‪:‬‬ ‫"تع

الي أعانق

ك ي

ا ن

ور" عانقھ

ا وأم

سك بي

ديھا وب

دا علي

ه ال

سرور‬ ‫لوجودھا‪" :‬أخيراً رأيتك‪ ...‬لق د أوش كت عل ى أن أفق د األم ل ب أن نلتق ي‬ ‫مرة أخرى‪ ،‬سلوان تعال يا ولدي" عانق ه ھ و أي ضا ً‪" :‬تھانين ا القلبي ة ي ا‬ ‫سلوان‪ ،‬أنا فخور بك كثيراً‪ ،‬لقد اجت زت دورة م ن ال صعب النج اح بھ ا‬ ‫حتى على أبناء اليونان"‬ ‫رفع حاجبيه سلوان وكأنه لم يسعد بالكلم ة‪" :‬أوول ست أن ا يون اني ي ا‬ ‫دميترس؟"‬ ‫"ال تتحسس مني يا سلوان‪ ،‬أنا ل م أعن ي انتم اءك‪ ،‬ب ل ق صدت لغت ك‬ ‫األم‪ ...‬أنت أكثر مني يونانية"‬

‫‪٢٢١‬‬


‫أح

س دميت

رس بأن

ه ق

ال ش

يئا ً ك

ان المف

روض أن ال يقول

ه‪ ،‬إال أن

ه‬ ‫قصدھا ولم يكن يعرف بردة فعل سلوان المتحسسة‪.‬‬ ‫جلس الجميع وبقيت ميليندا واقفة تراقبھم وتارة تبتعد بأفكارھا‪.‬‬ ‫"لماذا ال تجلسين يا ميليندا" سألھا دميترس‪.‬‬ ‫اقتربت من نور وجلست لجانبھا وصارت تتوسط أمھا واألخرى‪.‬‬ ‫ك

ان س

لوان يجل

س جان

ب دميت

رس ول

م يك

ن من

دمجا ً معھ

م‪ ،‬فك

ان‬ ‫مشغول الذھن بالحوار الذي سيدور بينه وبين دميترس‪.‬‬ ‫وض

ع وال

د ميلين

دا راح ة ي

ده عل

ى فخ

ذ س

لوان وش

د علي

ه يب

ين ل

ه‬ ‫ترحيبه به وحبه كما كان يفعل بالعادة‪.‬‬ ‫ابتسم سلوان كالمخنوق ال يعرف كيف يرد عليه‪.‬‬ ‫"ماذا بك يا سلوان؟ لماذا أنت مرتبك ھكذا؟ وكأنك لست بيننا"‬ ‫"أن

ا؟" رد علي

ه س

لوان وھ

و محم

ر ال

وجنتين ض

يعته ثق

ة دميت

رس‬ ‫وشروده‪" :‬في الحقيقة ومن غير مجامالت أنني حقا ً مرتبك وكأني أمام‬ ‫م

دير ال

شرطة وكل

ي ذن

وب‪ .‬ق

د يك ون ال

سبب أنن

ا ل

م نتقاب

ل من

ذ فت

رة‬ ‫طويلة"‬ ‫ولم يرد أن يبوح له بما يجول في خاطرة ومخاوفه من الرفض‪.‬‬ ‫"أن

ا مازل

ت دميت

رس ال

ذي يحب

ك كأن

ك ول

ده وميلوذي

ا ل

م تتغي

ر‬ ‫أيضا ً‪ ...‬غير أنھا زادت عشرة كيلو غرام فحسب‪ ،‬أعني أنھ ا ل م تتغي ر‬ ‫مشاعرھا تجاھك"‬

‫‪٢٢٢‬‬


‫كان يتھكم دميترس على زوجته كي يعطي الجو بع ضا ً م ن الفكاھ ة‬ ‫ويخرج عن الشكليات‪.‬‬ ‫"م

ا رأي

ك ي

ا نور؟ھ

ل ن

شرب ش

يئا ً أم نتن

اول الطع

ام أو‪ "...‬قال

ت‬ ‫ميلوذيا متجاھلة سخرية زوجھا‪.‬‬ ‫ل

م تك

ن ن

ور لحظتھ

ا عل

ى اس

تعداد الب

تالع ش

يء أو ھ

ضمه‪ ،‬ك

أن‬ ‫معدتھا أصيبت للحظة بقرحة من جراء المجامالت ولحظة اللقاء األول‬ ‫من بعد فراق والخوف من القادم‪.‬‬ ‫"ال يا ميلوذيا‪ ،‬ليس اآلن‪ ،‬فلنشرب أي شيء"‬ ‫ً‬ ‫سويا؟"‬ ‫"ھل نعد قھوة‬ ‫"فكرة‪ ،‬ولكن ليس لي‪ ،‬أنا سأشرب ماء بحسب"‬ ‫التفتت نور ل دميترس وس ألته‪" :‬بالتأكي د ست شرب أن ت قھ وة! أم أن ك‬ ‫امتنعت عنھا؟"‬ ‫"حقيقة ّأنا لم نلتقي من ذ زم ن‪ ،‬لك ن ل م يك ن ط ويالً لدرج ة أن تك ون‬ ‫أطباعن

ا ق

د تغي

رت‪ ،‬عل

ى األق

ل أح

دھا وأھمھ

ا أن

ي أحب

ك ي

ا ن

ور‪...‬‬ ‫سأشرب القھوة بشرط أن تطھيھا أنت"‬ ‫"ھ

ل رأي

ت ي

ا ن

ور؟ اآلن ح ضرت أن

ت وأن

ا ھم

شت‪ "...‬وض

عت‬ ‫براحة يدھا على وجنتيھا وقالت‪" :‬أنا أم زح ي ا ن ور‪ ،‬ال تحمل ي كالم ي‬ ‫محمل الجد"‬

‫‪٢٢٣‬‬


‫"ال‪ ،‬أنت أھنتني وجرحتني كثيراً‪ ...‬وكأني ال أعرفك‪ ،‬أنت حبيبتي‪،‬‬ ‫وأنا أعرف أنك تمازحيني‪ ،‬ھيا فلنجھز القھوة"‬ ‫أومأت األخرى بعينيھا تبدي الحزن المصطنع كي تأكد لھا أنھا تفھم‬ ‫مزاحھا‪.‬‬ ‫بقي دميت رس م ع س لوان وميلين دا وص ار ي راوده وقتھ ا التفكي ر ف ي‬ ‫طرح الموضوع معه‪ ،‬ث م تراج ع ب سرعة حت ى ال يح بط األج واء الت ي‬ ‫النت شيئا ً ما وتبخر منھا التشنج من قبل الطرفين‪.‬‬ ‫مازال سلوان ملتھب األعصاب يجلس على حافة األريكة مثل جلسة‬ ‫الفتاة الخجلة‪ ،‬تراوده أفكار حمقى‪ ،‬تارة بأسئلة يختلقھا من بحر شكوكه‬ ‫المتن

اثرة م

ن موق

ف ميلين

دا‪ ،‬وأخ

رى م

ن تعل

يالت ق

د يعرض

ھا علي

ه‬ ‫دميت

رس وكي

ف س

يرد علي

ه وھ

و يعل

م ب

ضالعته ف

ي إقن

اع اآلخ

رين‬ ‫وضعفه في الردود عليه‪.‬‬ ‫تراكم

ت أفك

اره حت

ى ب

دا علي

ه االض

طراب‪ ،‬وقب

ل أن يلف

ت نظ

ر‬ ‫دميترس كان ت ميلين دا تلحظ ه ط وال الوق ت فقال ت ل ه‪" :‬أن ت ست شرب‬ ‫أيضا ً مع أبي القھوة‪ ،‬أم أن الشرطة ال تشربھا؟"‬ ‫قصدت المداعبة حتى تحسن من وضعه الذي صار يزداد سوء‪.‬‬ ‫"ال ب

العكس فال

شرطة ھ

م أكث

ر الن

اس ل

شرب القھ

وة‪ ،‬ھ

ذا وألن‬ ‫وظائفھم تستوجب الحيطة والحرس الدائمين"‬

‫‪٢٢٤‬‬


‫قال دميترس والتف ت ل سلوان ح ين ك ان ي ستمع ل ه ويبادل ه النظ رات‬ ‫دون أن ين

بس ببن

ت ش

فه‪" :‬فلن

سأل س

لوان ي

ا ميلين

دا‪ ،‬اآلن ھ

و ف

ي‬ ‫صفوف الشرطة وھو واحد منھم"‬ ‫كان يحس دميترس بالضغط النفسي الذي يمارسه سلوان على نفسه‪،‬‬ ‫وھو يسعى للتخفي ف عن ه بطريق ة م ا حت ى ي ستطيع فيم ا بع د الخ وض‬ ‫معه بموضوعية بعيدة عن أحالمه وتمنياته‪.‬‬ ‫"أنا مازلت ل م أم ارس أعم الي ال شرطية بع د‪ ،‬ول ذلك ال أس تطيع أن‬ ‫أجزم عما يشربوه كثيراً أم قليالً‪ .‬أما نح ن فل م نك ن ش رطة بالكلي ة م ن‬ ‫ناحية طبيعة العمل‪ ،‬إنم ا ھ ي وظيف ة تك اد أن تك ون ع سكرية وخاص ة‬ ‫في السنة األولى‪ ...‬نعم‪ ،‬قد تكون السنة األخيرة شرطية أكثر من كونھا‬ ‫عسكرية لخوضنا كثيراً في التدريب التحقيقي والجنائي"‬ ‫"ألم تحققوا في قضايا أثناء التدريب؟" سأله دميترس‪.‬‬ ‫"بل

ى‪ ،‬ف

ي ال

سنة الثاني

ة كن

ا ن

درس ال

دعاوى المح

سومة م

ن قب

ل‬ ‫الھيئ

ات التحقيقي

ة الق

ضائية بم

شاركة ض

باط االس

تخبار الجنائ

ي‪،‬‬ ‫وبإشراف من نائب المدير المساعد أو أحد المتخصصين لتق ديم التحليل‬ ‫والتدريب واإلسناد التحقيقي"‬ ‫"م

ا ھ

ي األش

ياء الت

ي كان

ت ترك

ز عليھ

ا الكلي

ة ال

شرطية أثن

اء‬ ‫تدريبكم؟" سألته ميليندا‪.‬‬ ‫"ليس ھناك نقطة بعينھا أستطيع أن أقول أنھ ا ھ ي المھم ة دون ا ً ع ن‬ ‫غيرھ

ا‪ ،‬إال أن الت

دريب عل

ى مكافح

ة ال

شغب وكيفي

ة التعام

ل م

ع‬

‫‪٢٢٥‬‬


‫المتظاھرين كان ص احب الن صيب الكبي ر ف ي ال دورة‪ .‬وال يخف ى عل ى‬ ‫أح

د األح

داث األخي

رة ومكافح ة ال

شرطة لتھدئ

ة غ

ضب ال

شبان ب

شأن‬ ‫ال

شاب ال

ذي زع

م ال

شارع أن أح

د أف

راد ال

شرطة أطل

ق علي

ه العي

ار‬ ‫الناري فقتله"‬ ‫"أنا ال أعتقد بأن أعمال الشغب التي دمرت مئات السيارات والبنوك‬ ‫والشركات ھ ي فق ط م ن ج راء قت ل فت ى ف ي ال سادسة ع شر‪ ،‬إنم ا ھ ي‬ ‫تراكم ات م ن ال ضغوطات الحكومي ة وارتف اع البطال ة وت دني األج ور‪،‬‬ ‫ومصرعه كان القشة التي قصمت ظھر البعير‪ ،‬فھ اج ال شارع ال ساخط‬ ‫بوحشية وبربرية كان من المفروض أن تكون منظمة وموضوعية" رد‬ ‫عليه دميترس‪.‬‬ ‫"لقد استخدمت الشرطة أكثر م ن ‪ ٤٦٠٠‬عب وة ف ي األس بوع األخي ر‬ ‫من الغاز المسيل للدموع‪ ،‬ولقد قرأت في تقرير س ري بطري ق ال صدفة‬ ‫أن الحكومة قامت باتصاالت مع إسرائيل وألمانيا إلمدادھم"‬ ‫اختفت أثار التشنج عن سلوان بعد أن دخل في الحديث م ع دميت رس‬ ‫في األحداث التي شلت وقتھا الحركة في اليونان وأعطبت الشارع‪.‬‬ ‫"ھ

ل خرج

ت الي

وم ي

ا أب

ي؟ ال

شوارع الي

وم مزدحم

ة وخاص

ة‬ ‫السيارات المتوجھة إلى المنطقة الشرقية"‬ ‫"من المفروض أن تكون األخبار عندك يا ميليندا"‬ ‫"ماذا تعني؟ ولماذا يتوجب علي معرفة األخبار قبلك؟"‬ ‫"ألست أنت الصحفية‪...‬؟"‬ ‫‪٢٢٦‬‬


‫"أنا مازلت طالبة‪ ...‬أرج وك" ردت ميلين دا عل ى وال دھا وض حكت‪:‬‬ ‫"ھل زحمة اليوم لھا عالقة بالصحافة؟"‬ ‫"لق

د ص

در ف

ي األس

بوع ال

سالف ق

رار م

ن وزارة التربي

ة واألدي

ان‬ ‫ت

صريحا ً ي

تم بموجب

ه بن

اء كني

سة م

صرية قبطي

ة‪ ،‬والي

وم ال أع

رف‬ ‫بالتحدي

د مت

ى ك

ان االجتم

اع للجالي

ة عل

ى قطع

ة أرض ف

ي المنطق

ة‬ ‫ال

شرقية ولق

د ش

ارك الكثي

ر م

ن اليون

ان‪ ،‬وكان

ت أي

ضا ً ھن

اك م

سيرة‬ ‫كنائسية"‬ ‫"ھ

ل كان

ت الم

سيرة ض

د ال

سماح ف

ي بن

اء الكني

سة القبطي

ة؟" س

أل‬ ‫سلوان دميترس‪.‬‬ ‫"ال يا سلوان‪ ،‬إنما بسبب إعالن المحكم ة االبتدائي ة قب ول طلب ا ً مق دم‬ ‫م

ن ع

ضو اللجن

ة األرثوذك

سية العربي

ة‪ ،‬ف

ي كني

سة تابع

ة لمنطق

ة‬ ‫)غاليلياس( والتحقيق حول الطريقة ونتائج انتخابات تنصيب المط ران‬ ‫اليوناني إيرينيوس بطريركا ً للقدس‪ ،‬وعدم االعتراف به"‬ ‫دخلت ميلوذيا تحمل إبريق القھوة الزجاجي وخلفھا ن ور بي دھا طبق ا ً‬ ‫واسعا ً عليه الفناجين والحليب وقطع السكر الصغيرة‪.‬‬ ‫"لما كل ھذا؟ أبي فقط من يريد أن يشرب القھوة"‬ ‫"وأنا أيضا ً" رد عليھا سلوان‪.‬‬ ‫"آسف‪ ...‬ال تغضب‪ ،‬أنا لم أقل شيئا ً"‬

‫‪٢٢٧‬‬


‫رمقت

ه بعينيھ

ا تب

ين ل

ه الممازح

ة‪" :‬ولكن

ك ل

ن تأك

ل إذا ش

ربت‬ ‫القھوة‪ ...‬لست أن ت الم ذنب‪ ،‬أم ي ھ ي المذنب ة" وأش ارت بي دھا ألمھ ا‪:‬‬ ‫"كان عليك أن تحضري فنجانا ً فقط لوالدي"‬ ‫"أنا دائما المذنبة‪ ،‬مھما عملت أو قلت ال أستطيع أن أرضيك"‬ ‫"ليس والدك وحده من يريد أن يشرب القھوة يا ميلين دا‪ ،‬أن ا أري د أن‬ ‫أشاركه قھوته أي ضا ً" قال ت ن ور‪" :‬وأن ت ي ا ميلوذي ا‪ ،‬ال تأخ ذي ميلين دا‬ ‫مأخذ الجد‪ ،‬ھي ال تعني الظاھر من كالمھا"‬ ‫"ھذا ليس جديداً عليك يا نور‪ ،‬دائمة ال دفاع عنھ ا‪ ،‬وم ن ي دافع عن ي‬ ‫أنا؟"‬ ‫"ألست أنا من نصيبك يا ميلوذيا؟" رد عليھا سلوان‪" :‬أل م أك ن دائم ا ً‬ ‫في صفك؟ مع من كنت تلعبي األوراق أمام أمي ودميترس؟"‬ ‫"أنا ال أذكر مرة ّأنا ربحنا عندما كنت ألعب معك"‬ ‫"ليس عجيبا ً يا أمي‪ ،‬فأنت وسلوان ال تتقنا اللعب كما ينبغ ي‪ ،‬ناھي ك‬ ‫أن أبي ونور إذا لعبا سويا ً فال يتمكن أحداً الفوز أمامھم"‬ ‫لك؟" ردت عليھا ميلوذيا‪.‬‬ ‫"وھل كنت ستربح لوال غش والدك ِ‬ ‫جلس الجميع وكلھم أمام فنجان قھوته عدا ميليندا‪.‬‬ ‫"وأنا يا أمي؟ وھل ال تقدمي لي شيء إذا لم أشرب معكم القھوة؟"‬ ‫وقفت نور وقالت‪" :‬أنا سأحضر لك عصير البرتقال"‬

‫‪٢٢٨‬‬


‫قبل أن تقف نور وضعت ميليندا براحة يدھا على كتفھا وھي تجلس‬ ‫على يسارھا وقال ت‪" :‬ال‪ ،‬أن ا ال أرض ى‪ ،‬ت دخلي بيتن ا بع د زم ن وأن ت‬ ‫التي تحضر لي مشروبي‪ ،‬أنا سأحضر لنفسي"‬

‫‪٢٢٩‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫"أن

ا ال أرى تل

ك الح

دة بي

نكم‪ ،‬يب

دو ل

ي أنك

م أس

رة واح

دة‪ ،‬تتب

ادلوا‬ ‫المجامالت ولكم أيام كثيرة مشتركة في اللھو واللعب‪ ...‬وأشياء أخرى"‬ ‫والدي ميليندا ل م يحب وني‪ ،‬أو أنھ م يوم ا ً‬ ‫"أنا ال أدعي يا غراتسيا أن‬ ‫ّ‬ ‫أحبوني‪ ،‬إنما ھم رفضوني ليس لكوني سلوان اليتيم المسكين ابن ن ور‪،‬‬ ‫لكن ألن ذلك المحروم وصل لدرجة أن ه تع دا ح دوده كم ا ميلوذي ا م رة‬ ‫قالت وصار يطمع أن يأخذ ابنتھم‪ ...‬وأخذھا‪ .‬الرفض ليس لشخصي يا‬ ‫غرات

سيا‪ ،‬ب

ل ھ

و أبع

د‪ .‬لق

د أعلن

وا ع

دائي ألن

ي العرب

ي الم

سلم ال

ذي‬ ‫سيتزوج ابنتھم‪ ،‬العداء كان ع داء عروبت ي وإس المي الل ذان ل م أع رف‬ ‫منھم ا ش

يء‪ ،‬وأن

ا أعت

رف الي

وم أن

ي م

دين لھم ا بعروبت

ي‪ .‬لق

د كن

ت‬ ‫أتعام

ل م

ع نف

سي عل

ى أن

ي يون

اني لدرج

ة أن

ي كن

ت أتجن

ب ص

حبة‬ ‫األجانب وكنت أنظر لصديقي الوحيد األلباني أنه أقل ق دراً من ي أو أن ه‬ ‫نخب ثاني بطريقة أو بأخرى‪ .‬إنھا الحقيق ة ي ا غرات سيا‪ .‬ك ان يق ول ل ي‬ ‫صديقي‪" :‬ال تنسى يا سلوان أنك عربي مسلم ال تنخ رط باليون ان حت ى‬ ‫تنسى أصلك" الشيء الذي لم يعرف ه ص ديقي أن ي ل م أع رف ان أص لي‬ ‫مرة‪ ،‬لم أعرف أن ه ال يربطن ي بالعروب ة أو ال دين غي ر اس مي وس مرة‬ ‫أمي‪ .‬أنا ال أنكر‪ ،‬كنت أقول له‪" :‬أن ت متخل ف ي ا رم ضان‪ ،‬مت ى تخل ع‬ ‫أمك الحجاب؟ ومتى ستشرب معي أول كأس العرق؟" كان يصمت‪ ،‬ال‬ ‫يع

رف كي

ف ي

رد عل

ي‪ ،‬ي

صمت‪ ،‬أن

ا الي

وم أع

رف ال

ذي ك

ان ي

دور‬ ‫بمخيلت

ه‪ ،‬ك

ان يع

رف أن

ي س

أطرد م

ن رحم

تھم‪ ،‬س

أخلع م

ن قل

وبھم‬ ‫وديارھم في اللحظة التي س أفكر أن ي ص رت م نھم‪ .‬ال الخم ر وال لح م‬

‫‪٢٣٠‬‬


‫قربنا لقل وبھم‪ ،‬كن ا براب رة بالن سبة لھ م‬ ‫الخنزير وال بنطال أمي الضيق ّ‬ ‫متخلفين"‬ ‫"انك تتحدث بحدة وتغير لونك‪ ،‬لماذا كل ھذا؟ كيف ح دثت اإلنقالب ة‬ ‫بينكم في يوم وليلة؟"‬ ‫صارت غراتسيا تكلمه بجدية ألنھا الحظت عليه التغير في الدقيقة‪.‬‬ ‫بدأ ي تكلم طبيع ي وس رد منطق ي حت ى ت ضاعفت م شاعره كأن ه يع يش‬ ‫اللحظة‪.‬‬ ‫"ما الذي خطر ببالك حتى ثارت أعصابك يا س لوان وفق دت ھ دوئك‬ ‫المعتاد؟"‬ ‫احم

ر وج

ه أكث

ر مم

ا ك

ان علي

ه وق

ال ب

صوت متع

ب وھ

و يح

دق‬ ‫باألرض‪" :‬أنا لم أفق د أع صابي‪ ...‬نع م‪ ،‬ممك ن أن أك ون ق د بالغ ت ف ي‬ ‫ردود فعلي أثناء كالمي معك وارتفع صوتي‪ ،‬أنا آسف‪"...‬‬ ‫وقب

ل أن ينھ

ي كالم

ه قاطعت

ه غرات

سيا وقال

ت‪" :‬ال تعت

ذر أرج

وك‪،‬‬ ‫أن

ت ل

م ت

سيء األدب ول

م يرتف

ع ص

وتك‪ ،‬أن

ت ت

أثرت فق

ط واحم

رت‬ ‫وجنتاك ولم أرد أن تبقى في أجوائك وأحبب ت أن تبق ى ھ ادئ م ن غي ر‬ ‫أن ينقل

ب مزاج

ك‪ ،‬والماض

ي م

ا ھ

و إال ماض

ي‪ ،‬ال تغ

ضب علي

ه وال‬ ‫تحزن‪ ،‬وإن أحببت فلنتحدث بشيء آخر‪ ،‬ليس من الضروري أن يكون‬ ‫محور الحديث حياتك أو الماضي"‬ ‫وضعت يدھا في األثناء على رأسه تعطيه اإلحساس بأنھا مع ه وھ و‬ ‫ينظر لألرض‪.‬‬ ‫‪٢٣١‬‬


‫رفع رأسه وعينيه ب دا عليھم ا االحم رار وأم سك ي دھا وقب ل راحتھ ا‬ ‫وقال‪" :‬ال بالعكس يا غراتسيا‪ ،‬أنا سعيد جداً بالحديث مع ك ع ن حي اتي‬ ‫ألني أعاني منه‪ ،‬أنا بحاجة ألحد يبادلني خيبات أملي وأحزان ي‪ ،‬وأن ت‬ ‫ال

شخص األن

سب ال

ذي أس

تطيع أن أرم

ي ل

ه بحقيب

ة أي

امي م

ن غي

ر‬ ‫خوف وال حرج"‬ ‫"أن

ت ال تعل

م ك

م ي

سعدني س

ماع ھ

ذا من

ك وثقت

ك ب

ي رغ

م ق

صر‬ ‫العالقة بينن ا‪ ،‬لك ن م ا ال ذي ي دفعك للب وح ل ي وإظھ ار ال ضعف أم امي‬ ‫وھذا ليس سھالً على الرجال؟ ما الذي قدمته ل ك حت ى أك سب ك ل ھ ذه‬ ‫الثقة منك؟"‬ ‫"ل

يس م

ن ال

ضروري أن تق

دمي ل

ي ش

يء‪ ،‬أن

ا اس

تھجن كثي

راً م

ن‬ ‫اآلراء التي يفھم من طياتھا المقابل"‬ ‫"ماذا تعني يا سلوان؟ أنا ال أريد منك مقابل"‬ ‫"تعالي احضنك‪ ،‬لكم أنت بريئة يا غراتسيا‪ ،‬أنا ال أعني أنك تري دين‬ ‫مقابل‪ ،‬إنما الذي أعنيه أن السواد األعظم من الناس ال يقدم شيء إال إذا‬ ‫ُقدم له أشياء‪ ،‬وال يستطيع أن ي سمع إال ال ذي يري د‪ ،‬وإن أجب ر بطريق ة‬ ‫او بأخرى فيسمع على م ضض‪ .‬وال ذي عنيت ه أي ضا ً أن ي أرف ض اللغ ة‬ ‫أصالً التي يبدو منھا ومن كالماتھا الم صالح وإن أراد ال بعض إخفائھ ا‬ ‫فتظھر أكثر م ن تركھ ا عل ى ظاھرھ ا‪ .‬لق د فھم ت س ؤالك وال أري د أن‬ ‫أقدم كثيراً‪ ،‬إنما ھي عادتي‪ .‬لقد أعطيتني أح ساس يمك ن أن ي ال أعرف ه‬ ‫اآلن‪ ،‬لكن أقول لك أنه فعل بي فعل السحر وھذا قد نسميه باالرتياح أو‬ ‫أكثر من ه‪ ،‬أو س ھولتك وعفويت ك‪ ...‬وم شاعر قوي ة ربطتن ا ب بعض م ن‬ ‫‪٢٣٢‬‬


‫أول م

رة‪ .‬أك

ذب علي

ك إذا قل

ت أن

ي ال أري

د الح

ديث ع

ن ميلين

دا‪ ،‬ال‬ ‫بالعكس أريد أن أتحدث الكثير عنھ ا‪ ،‬ل ن أس تطيع الخ روج م ن أزمت ي‬ ‫إال إذا س ردت ل

ك عنھ

ا وعن

ي وع

ن ص

غائرنا وكبائرن

ا و‪ ...‬ويمك

ن‬ ‫بعدھا أن أبدأ من جديد"‬ ‫"قل لي يا سلوان كل ال ذي تري د‪ ،‬وال تتوق ع من ي الغي رة أو النف ور‪،‬‬ ‫حدثني وسأكون لك آذانا ً صاغية"‬ ‫"لقد ذھب الكالم وت اه بوج ودك ي ا غرات سيا‪ ،‬ن سيت أي ن كن ت وعم ا‬ ‫كنت أتحدث"‬ ‫وال دي ميلين دا ألن ه أراد الح ديث‬ ‫"لكني لم أنسى‪ ،‬لق د كن ت ف ي بي ت‬ ‫ّ‬ ‫معك بما يتعلق بعالقتك مع ابنته"‬ ‫اتكأ سلوان على األريكة وأخذ نفسا ً عميقا ً وصار يحلق بزجاج اللوج‬ ‫م

ن أمام

ه وال ي

رى م

ن ورائ

ه إال نف

سه وغرات

سيا ألن الم

ساء أس

دل‬ ‫ثيابه‪.‬‬ ‫ھي تجلس بجانبه على حافة األريكة وھو يراھا تحدق به وتنتظر أن‬ ‫يتكلم‪.‬‬ ‫"ما الذي أسكتك؟ أم أنك ال تريد الحديث؟"‬ ‫بقي س لوان متكئ ا ً واس تدار نحوھ ا ووض ع س اقه اليمن ى تح ت فخ ذه‬ ‫اليسار وقال‪" :‬ال‪ ،‬أنا ال أعني بسكوتي أني ال أريد الحديث‪ ،‬إنما‪"...‬‬ ‫وتاه الك الم من ه ول م تترك ه ي تم ال ذي يري ده وقاطعت ه‪" :‬إنم ا م اذا ي ا‬ ‫سلوان؟ لقد ذھبت بأفكارك بعيداً حتى أنك نسيت أني بجانبك"‬ ‫‪٢٣٣‬‬


‫أمسك بيدھا وشدھا نحوه وھي متمتعة ومريدة وقال‪" :‬أنا ھنا والدليل‬ ‫أني أعانقك‪ ،‬أما فكري فأنا ال أسيطر عليه أحيانا ً وھذا رغما ً عني‪ ،‬ف ال‬ ‫تغضبي أو ُتجرحي"‬ ‫ألق

ت غرات

سيا رأس

ھا عل

ى ص

در س

لوان وأدخل

ت ي

دھا قمي

صه‬ ‫وص

ارت ت

شد ب

شعر ص

دره م

ن دون أن تألم

ه وھ

ي متمتع

ة وأناملھ

ا‬ ‫تروح وتجيء متخللة شعره‬ ‫"أنا لم أغضب وأنت لم تجرحني إنما ھي المرأة بداخلي تغار أحيان ا ً‬ ‫حتى من خياالتھا إذا كان الظل فيھ ا ام رأة‪ .‬لق د ن سيت أن أق ول ل ك أن‬ ‫يورغو سألني البارحة عنك"‬ ‫"ھل تعني عن طبيعة العالقة بيننا؟"‬ ‫"ال‪ ،‬إنم

ا ع

ن الورق

ة الت

ي ل

م تح

ضرھا مع

ك وق

ت مجيئ

ك عن

دنا‪،‬‬ ‫أعني ورقة استحقاق اإلعانة كي تتمكن من البقاء ھنا في المؤسسة"‬ ‫نعم‪ ،‬فھمت اآلن الذي تقصديه‪ ،‬لقد ن سيتھا تمام ا ً ول م أفك ر بھ ا عل ى‬ ‫اإلطالق‪ ،‬والحقيقة أني ال أعلم من أين سأحضرھا"‬ ‫"إن ك

ان ل

يس ل

ديك م

انع س

أذھب أن

ا مع

ك إل

ى دائ

رة ال

شؤون‬ ‫االجتماعية كي نحضرھا‪ ،‬لكني ال أعرف يقينا ً إن كنت ستأخذھا أم ال‪،‬‬ ‫فھ

ي مخص

صة لم

ن ل

يس لدي

ه من

زل وي

ستحق اإلعان

ة‪ ،‬طبع

ا ويج

ب‬ ‫إثب

ات ذل

ك‪ ،‬وف

ي وض

عك فأن

ا ال أع

رف‪ ...‬أعن

ي ماھي

ة ش

ؤونك‬ ‫االجتماعية المادية منھا"‬

‫‪٢٣٤‬‬


‫"ھل األمر معقد لھذه الدرجة؟ ما ھو المطلوب مني بالتحدي د؟ أن ا ال‬ ‫أملك اآلن غير حقيبتي وجواز سفري"‬ ‫ب دت الجدي ة عل

ى وج ه س

لوان فأح ست ب

ه غرات سيا م

ن تغي ر نب

رة‬ ‫الكالم ونبضات قلبه‪ ،‬وھي على صدره‪.‬‬ ‫اس

تندت وأم

سكت ي

ده وقال

ت‪" :‬ال ي

ا س

لوان األم

ر ل

يس معق

داً كم

ا‬ ‫تتصوره‪ ،‬إنما ھي إجراءات روتينية عادية‪ .‬في حالتك أن ت أعتق د أن ك‬ ‫لست بحاجة إلثبات شيء"‬ ‫لم ترد غراتسيا أن تفصل له في الموضوع خوفا ً أن تجرحه بطريقة‬ ‫او بأخرى‪ ،‬فھذه المؤسسة ھي في االعتياد فقط لمن فقد سقفا ً من فوق ه‪،‬‬ ‫أي ألكثر الناس عوزاً وھم المتشردون في غالب األحيان‪.‬‬ ‫"غراتسيا‪ ،‬أنا ال أملك شيئا على اإلطالق‪ ،‬وأنا أعني ما أقول‪ ،‬حت ى‬ ‫ال أبالغ في جيبي ثالثمئ ة ي ورو وھ ي ك ل حيلت ي‪ ،‬وال يغ رك مظھ ري‬ ‫فھ

ذا م

ن بقاي

ا األم

س‪ ،‬أم

ا الي

وم فأن

ا ال أع

رف أي

ن أذھ ب فيم

ا ل

و‬ ‫مؤسستكم أخرجتني من ھنا"‬ ‫كان سلوان يتحدث بكل موضوعية من غير أن يتأثر من حال ه ال ذي‬ ‫آل إليه‪.‬‬ ‫"أنت تبھرني كل مرة بطريقة وأخرى‪ ،‬أنت ال تملك ش يء وتتح دث‬ ‫وعيناك كالزجاج خاليات من أي تأثير أو تعبير‪ ،‬كيف تتحدث بك ل ثق ة‬ ‫وقوة وكأن كل شيء لديك بيد أنك ال تع رف‪ ...‬نظري ا ً أي ن س تكون ف ي‬ ‫الغد‪ ،‬تحت جسر أو أن غسلك سيكون من مياه الميناء"‬

‫‪٢٣٥‬‬


‫"لم يعد ھذا كله يھم يا غراتسيا‪ ،‬لقد خسرت كل شيء‪ ،‬وھل تعتقدين‬ ‫أن معاناة المتسول تحت الجسور أقل منھا لو أنه خسر كل حياته وليس‬ ‫فقط مسكنه؟ ال يا جميلة"‬ ‫وك

أن عيني

ه الزج

اجيتين تحولت ا فج

أة إل

ى كت

اب مفت

وح ب

أحرف‬ ‫متشابكة‪ ،‬أو كورقة مطبوعة ببقايا حبر قد نفد أو جف‪.‬‬ ‫"في الحقيقة يا سلوان أحيانا ً أح س أن ي أم ام لغ ز أعتق د ف ي س اعات‬ ‫المساء أني أفھمه ولمج رد الخ وض مع ك ب أي نقط ة أتأك د أن ي بحاج ة‬ ‫لسنين حتى أتابع"‬ ‫ابتسم س لوان ابت سامة م ن خل ف ش فتيه يب ين لھ ا ع دم اس تغرابه م ن‬ ‫توھانھ ا‪" :‬ھ

ي الحي اة ي

ا غرات سيا ول

يس أن ت أو أن

ا‪ ،‬ھ ي الظ

روف ال‬ ‫ألن

ك أو ألن

ي وأص

لك وأص

لي‪ ،‬ل

يس عروبت

ي أو ھلنيت

ك‪ ،‬إنم

ا ھ

و‬ ‫التوقي

ت الخ

اطئ والزم

ان‪ .‬أن

ا خ

سرت ك

ل ش

يء ف

ي الوق

ت ال

ذي‬ ‫اعتقدت أني ملكت الق رار ف ي حي اتي‪ .‬م ا أس رع الھب وط‪ ،‬يع يش أح دنا‬ ‫عمراً ومن بعده أجيال حتى نصل للرفعة والشموخ وبين ليلة وض حاھا‬ ‫نعوم في الوحل ونسكن مزابل التاريخ‪ .‬لسنا بحاجة لعلم أو علماء حتى‬ ‫نندثر أو نمحى عن خارطة الحضارة ونشحذ عطف األم م‪ ،‬ل يس علين ا‬ ‫سوى إخفاء ھويتنا‪ ،‬إنكارھا‪ ،‬محاولة تغيرھ ا بحج ة المدني ة والتواص ل‬ ‫مع الشعوب أو دمجھا بحضارات قامت على أس س من ا‪ ...‬بنجاحن ا ف ي‬ ‫االن

صھار معھ

م ب

دل ال

سير بخ

ط مت

وازي بوج

ه يعب

ر ع

ن طم

وح‬ ‫وتمنيات أمتنا ھي بداية فشلنا وتھميشنا"‬

‫‪٢٣٦‬‬


‫"أنت تبالغ يا سلوان‪ ،‬نحن نعيش في القرن العشرين‪ ،‬ولم تع د ھن اك‬ ‫أفكار وانطواءات مقتصرة على فئة من ال شعوب معين ة‪ ،‬أن ا ال أع رف‬ ‫المحيط الذي كبرت أنت فيه وترعرعت‪ ،‬قد يك ون ھ و ال سبب ل سلبيتك‬ ‫الظاھرة أو بعض أفكارك بما يتعلق بالشعوب وتطلعاتھم"‬ ‫"ق

د أك

ون مبالغ

ا ً ح

سب ت

صورك‪ ،‬إال أن

ي ال أس

تطيع ق

ول وتبن

ي‬ ‫أش

ياء ال أعرفھ

ا‪ ،‬وبالت

الي أتح

دث م

ن منظ

ار أح

سه بج

الء أكث

ر م

ن‬ ‫غيري‪ ،‬ق د يك ون ھ ذا لقرب ي م ن الح دث‪ ،‬أي أن ي أعاص ر ح ضارتين‬ ‫على األقل من وجھة نظر اآلخرين‪ ،‬رغم أني لم أتبنى قوميتي يوما ً إال‬ ‫علي رغما عني ولوال الظ روف القاس ية الت ي م ررت بھ ا‬ ‫أنھا فرضت‬ ‫ّ‬ ‫م

ا ك

ان ل

ي يوم

ا ً أن أفھ

م ول

و بع

ض ال

شيء ع

ن ھ

ويتي وفك

ر الع

الم‬ ‫الخارجي عنھا"‬ ‫"كيف بدا لك ھذا الفرق في الفترة األخيرة م ن عم رك؟ أم أن ك أن ت‬ ‫الذي بحث عن العوامل الفارقة بينك وبين المجتم ع المح يط ب ك‪ ،‬أعن ي‬ ‫ھنا في اليونان"‬ ‫"أن

ا ل

م أع

رف مجتم

ع غي

ره‪ ،‬كم

ا وس

بق وذك

رت ل

ك أن

ي ع

شت‬ ‫طفولتي وشبابي ھنا بينكم وكبرت‪ ،‬وفي كل حياتي حت ى يومن ا ھ ذا ل م‬ ‫أعرف بلداً غير اليونان‪ ،‬حتى أني كنت أسأل أمي وأنا طفل‪" :‬لماذا أن ا‬ ‫أردن

ي وميلين

دا يوناني

ة؟ وم

ا ھ

و الف

رق؟ ھ

ل ل

ون العين

ين ي

ا أم

ي أم‬ ‫الشعر واللغة؟" لم تكن أمي من المثقفين العارفين حت ى تجيبن ي بدراي ة‬ ‫أو حكم

ة عل

ى س

ؤالي ال

ذي عرف

ت جواب

ه مت

أخراً‪ ،‬حت

ى أم

ي نف

سھا‬

‫‪٢٣٧‬‬


‫مازال

ت ل

م تع

رف‪ ،‬فھ

ي غارق

ة ب

شھواتھا وال ت

ستطيع أن ت

رى غي

ر‬ ‫رغبتھا في الرجال وشذوذھا"‬ ‫انبھ

رت غرات

سيا م

ن طريق

ة س

لوان وتعبي

ره ع

ن فك

ر أم

ه أو‬ ‫شخصھا‪.‬‬ ‫"لماذا تتحدث عن أمك بھذه الطريقة يا سلوان؟"‬ ‫"وما ھي الطريقة التي يتوجب عل ى ش خص مثل ي ف ي الح ديث ع ن‬ ‫أمه التي لم تعلم يوما ً الفرق بين الجنس ف ي حياتھ ا وإرثھ ا ال ذي س رق‬ ‫من عمھا؟"‬ ‫أقطبت غراتسيا حاجبيھا تومئ بعدم الفھم‪" :‬ما الذي تعنيه يا سلوان؟‬ ‫أنا ال أفھم كثيراً في الفيزياء"‬ ‫وابتسمت تعني أنھا لم تفھم أي شيء مما ذكر‪.‬‬ ‫"ليس مھم يا غراتسيا‪ ،‬جميل أنك بجانبي‪ ،‬أما أم ي وحياتھ ا فل م تع د‬ ‫تعنيني ألني صرت عالة عليھا وحريتھا‪ .‬ليس أمي فقط‪ ،‬بل الع الم كل ه‬ ‫حتى نفسي لم تعد تعنيني"‬ ‫وقف سلوان ي ضع يدي ه ف ي جي ب بنطال ه الجين ز األزرق وغرات سيا‬ ‫تجلس وتتابعه في أنظارھا لألعلى‪.‬‬ ‫"لماذا وقفت؟ ھل تريد الخروج؟ أم أن الكالم معي ممل؟ أو قد أكون‬ ‫أثرت الماضي اآلن بلحظة؟"‬ ‫"ال يا غراتسيا‪ ...‬ال شيء"‬

‫‪٢٣٨‬‬


‫وق

ف س

لوان ألن

ه بتل

ك اللحظ

ة ل

م يع

رف م

اذا يفع

ل وق

د ب

دا علي

ه‬ ‫األرق النفسي بوضوح‪ ،‬وكأنه يھرب من أفكاره إذا تح رك م ن مكان ه‪،‬‬ ‫أو أنه رد فعل طبيعي إذا ثار الحنين وھاج‪.‬‬ ‫لملم سلوان ضياع أفكاره وارتباك كلماته وصار يحرك بقدميه ويديه‬ ‫بطريقة عفوي ة وابت سم يخف ي م ا ھ و ب ا ٍد رغم ا ً عن ه‪" :‬ال‪ ،‬أن ا ال أعن ي‬ ‫ھذا‪ ،‬إنما‪ ...‬ال أعرف‪ ،‬أحببت أن أتحرك ال أكثر‪ ،‬بماذا كنا نتحدث؟"‬ ‫وقف

ت غرات

سيا وقال

ت‪" :‬ان الموض

وع ال

ذي كن

ا نتح

دث ب

ه ل

يس‬ ‫مھما‪ ،‬المھم ھو أنت‪ ،‬وأن تبق ى واقعي ا ً وأال تھ رب بأفك ارك بعي داً ع ن‬ ‫الموضوعية وتتجاوز حد السوداوية"‬ ‫تلبك سلوان في الكالم ولم يع د يع رف م اذا يق ول‪" :‬ال أب داً إنم ا ھ ي‬ ‫ت

شابك األفك

ار أحيان

ا ً وس

وء ف

ي التعبي

ر حين

ا ً آخ

ر‪ .‬فلنن

سى ونقل

ب‬ ‫الصفحة"‬ ‫والدي‬ ‫"إذن اجلس إذا كنت ال تريد الخروج ولنكمل الجلسة أو دعوة‬ ‫ّ‬ ‫ميليندا لك وألمك"‬ ‫جل

ست غرات

سيا وأجل

ست س

لوان معھ

ا وھ

ي تم

سك بي

ده‪" :‬أكم

ل‬ ‫حبيبي"‬ ‫انف

ردت س

ريرته بع

ض ال

شيء وع

اد ل

ون وجھ ه إلي

ه‪" :‬أن

ت ل

ست‬ ‫س

ھلة ي

ا غرات

سيا‪ ،‬رغ

م المتاھ

ة الت

ي أدخلت

ك إياھ

ا إال أن

ك ل

م تن

سي‬ ‫الموضوع الرئيسي"‬

‫‪٢٣٩‬‬


‫"نعم‪ ،‬إنه من الصعب خداعي‪ ،‬وجميل أنك عرفت ھذا بسرعة حت ى‬ ‫تحتاط مني أكثر"‬ ‫وكانت تأشر بإصبعھا نحوه وترافقھا ضحكة خفيفة تبين نواجذھا‪.‬‬ ‫"بدأت ميلوذيا وأمي بإعداد المائدة في غرفة الطعام‪ .‬وقال ت ميلوذي ا‬ ‫ألمي‪" :‬لماذا ال تجلسين يا نور معھم؟ وأنا سأكمل حاالً تجھيز المائدة"‬ ‫كانت أمي واألخرى قد أوشكتا على االنتھاء‪.‬‬ ‫"لم يبقى الكثير‪ ،‬والبقاء معك خير م ن الك الم م ع دميت رس وس لوان‬ ‫وح

ديثھما المم

ل‪ ،‬ناھي

ك بم

دى س

عادتي بوج

ودي مع

ك وعن

دك م

رة‬ ‫أخرى" قالت لھا أمي‪.‬‬ ‫ن

ادت ميلوذي

ا عل

ى ميلين

دا م

ن المط

بخ‪" :‬ميلين

دا لم

اذا ال ت

ساعدينا‬ ‫ھنا؟"‬ ‫"أمي ال ت ستطيع أن ترت اح إال إذا رأتن ي أتح رك ف ي البي ت‪ ،‬أم ا أن‬ ‫أجلس وأتحدث معك م فھ ذا ال يج وز‪ ،‬يتوج ب عل ي أن أك ون معھ ا ف ي‬ ‫المطبخ"‬ ‫ك

ان الح

ديث ق

د تط

ور بين

ي وب

ين دميت

رس وميلين

دا حي

ث تج

اوز‬ ‫الدورات الشرطية التي اجتزتھا واألوضاع العام ة ف ي اليون ان وتوس ع‬ ‫إلى النطاق العالمي وتحديداً االقتصادي السياسي من ه‪ ،‬فھ ذه المواض يع‬ ‫الدائمة عند دميت رس والت ي كان ت تثي ر قلق ي ألن ي ل م أك ن أس تطيع أن‬ ‫أتابعه أو حتى فھمه في كثير من األحيان‪.‬‬

‫‪٢٤٠‬‬


‫"ل

م أك

ن أت

صور أن أص

حاب الق

رار ف

ي الع

الم كان

ت تم

ر عل

يھم‬ ‫األحداث مر الك رام دون أن يحرك وا س اكن‪ .‬إن األزم ة االقت صادية ل م‬ ‫تبدأ حقيقة منذ عام ‪ ٢٠٠٧‬إنما بدأت قبل عشرون أو حتى ثالثون عام‪،‬‬ ‫ولم تكن تخفى ع ن رؤس اء ال دول العظم ى‪ ،‬إال أنھ م ل م يت صورا حج م‬ ‫الخطورة التي تنبأ بھا خب راء االقت صاد الع المين‪ ،‬فق د أعلن وا ف ي أكث ر‬ ‫م

ن مك

ان ون

شر أكث

ر م

ن كت

اب ح

ول األزم

ة القادم

ة‪ ،‬بينم

ا كان

ت‬ ‫رج

االت ال

شركات والبن

وك العظم

ى ف

ي الط

ابق العل

وي ي

ستھجنون‬ ‫ويتجاھلوا إحصائياتھم القائمة على أسس لم يكن أحداً يستطيع إنكارھا‪،‬‬ ‫بي

د أن أص

حاب ال

دخل الكبي

ر والق

ائمين عل

ى البن

وك الكب

رى ك

انوا‬ ‫يتمتعوا في الحفالت ويستغلوا األموال لمصالحھم الشخصية"‬ ‫كان يعلم دميترس أني ل م أك ن أھ تم بمواض يعه الت ي يطرحھ ا‪ ،‬لكن ه‬ ‫ك

ان يت

ابع رغ

م ذل

ك‪" :‬ھ

ل تعل

م ي

ا س

لوان ب

أن معظ

م النظري

ات‬ ‫االقتصادية أثبتت فشلھا مع الوقت‪ ،‬فم ثالً النظري ة )الكنزي ة( ب دت أول‬ ‫إشارات فشلھا عن دما ارتفع ت ف ي ال سبعينات ن سبة البطال ة ف ي أميرك ا‬ ‫واوروبا ووازھما ارتفاع في نسبة التضخم مم ا أدى بالت الي إل ى ك ساد‬ ‫ع

م الق

ارة األمريكي

ة وال

دول الم

صدرة وتوس

ع إل

ى خارجھ

ا‪ .‬وف

ي‬ ‫ال

ستينات وال

سبعينات ظھ

رت نظري

ة بديل

ة للكنزي

ة أال وھ

ي‬ ‫)‪ Monetarism‬الدولة النقدية(‪ ،‬من أستاذ االقتصاد ال سياسي )ميلت ون‬ ‫فري

دمان ‪ (Milton Friedman‬الت

ي حول

ت الع

الم فيم

ا بع

د إل

ى‬ ‫معسكرين‪ ،‬العمل واالستغالل‪ ،‬واآلخر التعذيب واالعتقال"‬ ‫"ما ھو الفرق بين النظريتين يا أبي؟ وكي ف لھ ذه األخ رى أن ت نجح‬ ‫رغم فظاعتھا‪ ،‬كما أنت صورتھا"‬ ‫‪٢٤١‬‬


‫"لم يكن ھناك بديل يا ابنتي‪ ،‬ھذا من جانب ومن آخر فالعالم ال يقوم‬ ‫باقتصاد قوي إال على حساب الفئة الضعيفة األكبر من الشعب"‬ ‫"م

ا ھ

ي النق

اط الت

ي س

اھمت ف

ي إنج

اح نظري

ة ھ

ذا األخي

ر؟ أو‬ ‫األسباب التي عملت على ارتفاع نسبة البطالة والكساد؟"‬ ‫صار الملل يقتلني شيء فشيء وأح اول أن أغم ز ميلين دا بطريق ة او‬ ‫بأخرى حتى ال تسأل والدھا بأكثر من الكم التي طرحت ه‪ ،‬ألن ي أع رف‬ ‫ب

أن الج

واب س

يكون س

اعات م

ن المعان

اة أثن

اء س

ماعي ل

ه ولتف

صيله‬ ‫القاتل‪.‬‬ ‫"إن نظريته قائمة على وجوب تمويل المشاريع العامة والخاصة بما‬ ‫يتناس

ب م

ع رأس الم

ال العين

ي للم

شروع‪ .‬ھ

ذه النظري

ة ھ

ي النق

يض‬ ‫ل

سياسة كين

ز الت

ي قام

ت عليھ

ا النھ

ضة ال

صناعية والعمراني

ة بع

د‬ ‫الحرب العالمية الثانية وأدت إلى إيجاد فرص العمل لماليين الع اطلين‪.‬‬ ‫ولم يقدم منتقدوا نظرية كينز برھانا ً مقنعا ً على خطئھا‪ ،‬ولكن عرض وا‬ ‫وق

ائع ح

سية قابل

ة للتأوي

ل والج

دل‪ ،‬فالت

ضخم الم

الي‪ ،‬وخاص

ة ف

ي‬ ‫جمھوري

ات الم

وز وال

دكتاتوريات البونابرتي

ه‪ ،‬يرج

ع إل

ى توظي

ف‬ ‫القروض في مشاريع غير منتج ة كبن اء الق صور والح رس الجمھ وري‬ ‫ومظاھر األبھة والفساد وتھريب األموال وإعادتھا إلى البنوك األجنبي ة‬ ‫عل

ى ح

ساباتھم الخاص

ة‪ ،‬أم

ا الدول

ة والمجتم

ع ال

ذي ي

سوسونه فعل

يھم‬ ‫دف

ع فوائ

د ديون ه‪ ،‬وكان

ت ال

دول الدائن

ة جذالن

ة فرح

ة بھ

ذه ال

سياسة‬ ‫وتدعمھا بالفعل والق ول‪ ،‬وتغ ض الط رف ع ن ك ل الممارس ات القمعي ة‬ ‫وانتھاكات لحقوق اإلنسان‪ .‬على سبيل المثال دي ون الجزائ ر الخارجي ة‬

‫‪٢٤٢‬‬


‫في عام ‪١٩٨٨‬م التي وصلت إلى ‪ ٢٨‬مليار دوالر ب نفس الوق ت كان ت‬ ‫الودائع الخاصة في البنوك الغربي ة لرج ال ال سلطة وبط انتھم وأق اربھم‬ ‫تصل إلى ‪ ٣٠‬مليار دوالر"‬ ‫وفج

أة اھتمم

ت بالموض

وع عل

ى غي

ر ع

ادتي وس

ألته‪" :‬ھ

ل ھن

اك‬ ‫مصلحة للدول الغربية في تغيير ھذه السياسة أو تغيير القائمين عليھا؟"‬ ‫"ب

الطبع ال‪ ،‬ألن

ه ك

ان م

ن الممك

ن ح

ل الم

شاكل القائم

ة ف

ي ال

دول‬ ‫ال

صناعية ودول الع

الم الثال

ث بطريق

ة إن

سانية م

ن الجھ

ة االقت

صادية‬ ‫وغير السياسية العسكرية"‬ ‫وأحسست باإلھان ة عن دما س معت م صطلح الع الم الثال ث‪ ،‬فقل ت ل ه‪:‬‬ ‫"أنا ال أحب ھذه التسمية‪ ،‬فھي نظرة علوية من الغرب للشعوب الفقيرة‬ ‫وخاصة العرب"‬ ‫"أنت محق يا ولدي‪ ،‬إال أنه ال مھرب أحيانا ً من الوق وع ف ي الخط أ‪.‬‬ ‫لق

د اس ُ تعمل ھ

ذا التعبي

ر ألول م

رة س

نة ‪١٩٥٢‬م ف ي مقال

ة ص

درت‬ ‫لالقت

صادي وال

سكاني الفرن

سي )ألفري

د س

وفي( ف

ي إش

ارة إل

ى ال

دول‬ ‫الت

ي ال تنتم

ي إل

ى مجموع

ة ال

دول الغربي

ة وال إل

ى مجموع

ة ال

دول‬ ‫الشرق أوروبية‪ .‬وقد استوحى )سوفي( ھذه التسمية من الفئة الثالثة ف ي‬ ‫المجتمع الفرنسي أثناء النظام القديم وقبل الثورة الفرنسية‪ .‬وع ودة إل ى‬ ‫سؤالك يا ميليندا عن حقول البطاطا في ألمانيا‪"...‬‬ ‫كان يحاول دميترس التخفيف من ح دة الموض وع ب ين فين ة وأخ رى‬ ‫باستطراد ليس له أي عالقة بموضوعه الرئيس حت ى يك ون الح ديث ذا‬ ‫ظل خفيف‪.‬‬ ‫‪٢٤٣‬‬


‫"ال يا أبي المحترم‪ ،‬أنا لم أسألك عن قصص العمال في الميناء‪ ،‬إنما‬ ‫عن التضخم والكساد في ظل الكنزية"‬ ‫"أما سبب التضخم في الدول الصناعية الذي وصل إلى أسوء حاالته‬ ‫يعود إلى ارتفاع سعر الفائدة وتمويل مشاريع البنية التحتية التي تحت اج‬ ‫إلى قروض طويلة األمد"‬ ‫"ولماذا تقبل الحكومات بمثل ھذه الق رارات الت ي ت ؤدي بالدول ة إل ى‬ ‫الھالك االقتصادي؟"‬ ‫"إن اإلقب

ال عل

ى تح

سين البني

ة األساس

ية ف

ي ال

بالد فائ

دتھا تع

ود‬ ‫للمنفعة العامة وخاصة أصحاب الفعاليات االقتصادية"‬ ‫"في الحقيقة يا دميترس أنا ال أفھم الكثير م ن ھ ذه النظري ات‪ ،‬ال ب ل‬ ‫ال أعلم الفرق بين الكنزية وعيد الفصح المجيد‪ ،‬إنما الذي يشدني أحيانا ً‬ ‫ول

يس دائم

ا ً‪ ،‬إذا كن

ت ص

ريحا ً مع

ك‪ ،‬ھ

و ربط

ك لألح

داث وتحليل

ك‬ ‫السريع"‬ ‫ضحكت ميليندا ودميترس بصوت مرتفع حتى أن نور وميلوذيا سأال‬ ‫من المطبخ‪" :‬ما الذي يضحككما ھكذا؟"‬ ‫"ال ش

يء‪ ،‬إنم

ا ھ

ي ميلين

دا تق

ول أن

ك تتكلم

ين أكث

ر م

ن تجھي

زك‬ ‫للطعام" قال دميترس‪.‬‬ ‫"ال تصدقيه يا أمي‪ ،‬إنه يريد أن يفتن بيننا"‬ ‫"وكأني ال أعرفك يا ميلين دا‪ ...‬تع الي أن ت واترك ي وال دك يق ول م ا‬ ‫يريد"‬ ‫‪٢٤٤‬‬


‫تجاھلت ميليندا نداء والدتھا وبدل أن تذھب إليھا سألت والدھا‪" :‬م ن‬ ‫أي

ن أت

ت ي

ا وال

دي ت

سمية النظري

ة المنزي

ة؟ ھ

ل ھ

ي م

ن اليون

اني‬ ‫منزاكيس؟"‬ ‫ضحكت‪ ،‬فقد تذكرت فيلم أمريكي شاھدته مع ميليندا اس مه )الع رس‬ ‫اليوناني( عن أس رة يوناني ة تع يش ف ي أميرك ا وك ان رب األس رة كلم ا‬ ‫سمع كلمة انجليزية أعادھا وأصلھا إلى اليونانية بطريق ة ض احكة دون‬ ‫أن يعني المزاح‪.‬‬ ‫"ما الذي يضحكك يا سلوان؟ ھل بكالمي شي مضحك؟"‬ ‫وش دت ش عره تداعب ه وتألم ه‪" :‬أرأي

ت ي ا وال دي؟ ھ و ھك ذا ال يأخ

ذ‬ ‫كالمي بجدية"‬ ‫"ال على اإلطالق يا دميترس‪ ،‬إنما تذكرت فيلم"‬ ‫واتجھ

ت بنظ

ري إل

ى ميلين

دا‪" :‬ھ

ل ت

ذكري الف

يلم ال

ذي ش

اھدناه م

ع‬ ‫ص

وفيا وي

انس؟ بالمناس

بة نح

ن ل

م ن

دخل ال

سينما وح

دنا م

رة‪ ،‬دائم

ا ً‬ ‫صوفيا أو يانس أو كليھما"‬ ‫"وھل يزعجك ھذا؟" قالت ميليندا‪.‬‬ ‫"ال تغيري الموضوع اآلن‪ ،‬ما ھو أسم الفيلم؟"‬ ‫"أنت تعني )العرس اليوناني(؟"‬ ‫"بالضبط‪ ،‬ھو ذاك"‬

‫‪٢٤٥‬‬


‫تبادل

ت ميلين

دا م

ع وال

دھا النظ

رات وك

أنھم ل

م يفھم

وا ال

ذي يعني

ه‬ ‫سلوان لحضتھا‪.‬‬ ‫"ماذا بكما؟ لماذا تتبادال نظرات تعنيني؟"‬ ‫"ما ھو الربط بين الفيلم وموضوعنا؟" قال دميترس‪.‬‬ ‫"ليس الكثير‪ ،‬إنما ميليندا ذكرتني ب رب األس رة ف ي الف يلم ال ذي ك ان‬ ‫يعيد كل الكالم إل ى ج ذور يوناني ة‪ ،‬وھ ا ھ ي ميلين دا تعي د المنزي ة إل ى‬ ‫منزاكيس"‬ ‫"في الحقيقة أن النظرية المنزية تعود إلى مؤسسھا البريطاني )جون‬ ‫ماينرد كين ز ‪ (John Maynard Keynes‬وھ ي الت ي كان ت المھيمن ة‬ ‫على صناعة القرار في العالم الغربي سواء قادة األحزاب اليميني ة مث ل‬ ‫)لودف

غ إرھ

ارد ‪ ،(Ludwig Erhard‬المست

شار األلم

اني ال

سابق‬ ‫وص

احب نظري

ة )الرف

اه للجمي

ع( أو المخ

ضرم )ھيلم

وت ش

ميت‬ ‫‪ "(Helmut Schmidt‬قال دميترس‪.‬‬ ‫"الطعام جاھز" قالت نور ودخلت مع ميلوذيا إلى غرفة الجلوس‪.‬‬ ‫"مازل

ت ل

م تنتھ

ي م

ن ح

ديثك ع

ن البورص

ة ي

ا دميت

رس؟" قال

ت‬ ‫ميلوذيا‪.‬‬ ‫"بلى‪ ،‬لقد أنھيت كالمي عن إنتاج أجبان الماشية منذ أكثر من نصف‬ ‫ساعة‪ ،‬كنا ننتظر فقط حتى يجھز الطعام"‬ ‫رد عليھا بتھكم وال يقصد تجريحھا وت ابع‪" :‬ھ م أش خاص يتحكم ون‬ ‫باقتصاد العالم أو االقتصاد السياسي‪ ،‬قد يكون الكالم للسامع غري ب أو‬ ‫‪٢٤٦‬‬


‫يبدو غير معقول‪ ،‬إنما ھي الحقيقة ومن ھو مطلع على األمور العالمية‬ ‫يعي صحة قولي‪ .‬فمثالً الرابطة األكثر أھمية في العالم حتى يومنا ھ ذا‬ ‫)‪ ،Council on Foreign Relations‬رابطة االستشارات للعالق ات‬ ‫الخارجي

ة(‪ ،‬والت

ي أس

سھا‪ Edward Mandell) House‬ادوارد‬ ‫مانديل ھاوس( سنة ‪١٩٢١‬م في )نيورك ستي( والذي لع ب دوراً كبي ر‬ ‫ف ي الح

رب العالمي ة األول

ى‪ ،‬وق

د ترأس ھا اب

ن أھ م شخ

صية اقت

صادية‬ ‫عرفھ

ا الت

اريخ )‪ David Rockefeller‬ديفي

د روك ه فيل

ر( من

ذ س

نة‬ ‫‪١٩٧٥‬م"‬ ‫"أي

ن التواف

ق ي

ا أب

ي ب

ين الم

صالح الم

شتركة ب

ين المجتم

ع والف

رد‬ ‫والذي يتوقف عليھما الكي ان الع ام؟ إذا ك ان تواف ق ب ين الط رفين فل يس‬ ‫عل

ى الم

ذھب االجتم

اعي إال أن يطل

ق الحري

ة للف

رد ويف

تح المج

ال‬ ‫لدوافع

ه الذاتي

ة أن تق

وده إل

ى تحقي

ق م

صالحه الخاص

ة الت

ي ت

ؤدي‬ ‫بصورة آلية إلى توفير المصالح العامة‪ .‬والحرية يج ب أن تك ون قائم ة‬ ‫عل

ى ھ

ذا األس

اس الفك

ري وت

وفير ك

ل أداة فيھ

ا س

عادة المجتم

ع الع

ام‬ ‫وضمان ما يتطلبه من خير وأمان ورفاه"‬ ‫كنت مبھوراً من كالم ميلين دا م ع وال دھا وھ ي تبادل ه ال رأي وأن ا ال‬ ‫أكاد أفھم ظاھره‪.‬‬ ‫"أن

ت تتح

دثين ع

ن نظري

ات مثالي

ة ي

ا ابنت

ي‪ ،‬الي

وم أص

بحت س

لعة‬ ‫مفقودة‪ ،‬الواق ع أن مجموع ة معين ة ھ ي الت ي ت تحكم ب القرار ف ي جمي ع‬ ‫أنحاء العالم‪ ،‬فمثالً الرابطة الت ي ذكرتھ ا آنف ا ً ق ام عليھ ا كثي ر م ن النق د‬ ‫ويق

ال أنھ

م مت

آمرين وكثي

ر م

ن المھتم

ين ب

األمور االقت

صادية كتب

وا‬

‫‪٢٤٧‬‬


‫نظري

ات ح

ول طبيع

ة عملھ

م‪ ،‬ھ

ذا وألن رئي

سھا أح

د كب

ار أع

ضاء‬ ‫الطائف

ة المن ّ ورة ف

ي الع

الم‪ ،‬وم

نھم م

ن ين

سبوه للماس

ونية وھ

ذا ل

يس‬ ‫صحيح"‬ ‫"م

ا ھ

و ن

شاط ھ

ذه المؤس

سة ي

ا دميت

رس" س

ألته م

ن ب

اب ح

ب‬ ‫الفضول‪.‬‬ ‫"نعم يا أبي‪ ،‬وأنا أود أن أعرف طبيعة عمل ھذه الرابطة"‬ ‫"ھل تعنيان رابطة االستشارات للعالقات الخارجية؟"‬ ‫"نعم يا أبي‪ ،‬ھو ذا"‬ ‫"إن المفھ

وم الع

ام لھ

ذه الرابط

ة ھ

و الدراس

ة ال

سياسية لألم

ور‬ ‫الخارجي

ة‪ ،‬والحقيق

ة أنھ

م بحك

م س

طوتھم ب

ين ال

سلطة ورأس الم

ال‬ ‫صاروا الجھة االستشارية في العالم‪ .‬فمثالً تعقد الشركات ال ضخمة ف ي‬ ‫العالم اجتماعا ً دوريا ً يقام في ك ل ع ام‪ ،‬ويك ون ف ي معظ م األحي ان ف ي‬ ‫ال

شھر الخ

امس‪ ،‬في

ه ينتخ

ب األع

ضاء م

ن ال

شركة ذاتھ

ا وم

ن‬ ‫الم

ساھمين‪ ،‬وال

سواد األعظ

م م

ن ال

شركات الكب

رى ملتزم

ة م

ع ھ

ذه‬ ‫الرابطة‪ ،‬وللرابطة الحق بخمسة عشر في المائة من قيمة األصوات في‬ ‫االنتخاب الدوري المقام للمؤسسات‪ ،‬وأكث ر م ن أربع ين ف ي المائ ة م ن‬ ‫أصحاب األسھم ال يحضر فيصوت أعضاء الشركة بدورھم ألعضائھم‬ ‫المرش

حين والموص

ى عل

يھم م

ن قب

ل الرابط

ة وباس

تخدامھا أي

ضا ً‬ ‫الخمسة عشر بالمائة تكون كفتھم ھي الراجحة‪ ،‬وبھذه الحيثي ة الب سيطة‬ ‫يت

سنى لھ

م ف

ي العم

وم ال

سيطرة الكامل

ة عل

ى رؤوس األم

وال بغ

ض‬ ‫النظر عن أصحاب الشركات أو ملكيتھا"‬ ‫‪٢٤٨‬‬


‫دخل الجميع إلى غرفة الطعام وكن ت أس عدھم ألن ي تخل صت أخي راً‬ ‫من الحديث الممل عن التجارة والتجار وأصحاب رؤوس األموال الذي‬ ‫أرھقني به دميترس‪.‬‬ ‫جلس دميترس على رأس المنضدة وطلب مني أن أجلس على يمينه‪،‬‬ ‫جلست ميليندا عن شمال والدھا تقابل والدتھا وبجانبھا أمي‪.‬‬ ‫"ھل أضع لكم الطعام في األطب اق" قال ت ن ور‪ ،‬فكان ت تح س نف سھا‬ ‫وكأنھا في بيتھا بعد طول غياب‪ ،‬ھذا ألن عالقتھا بھم كانت وطيدة جداً‬ ‫وزيارة اليوم أعطتھا ذات الشعور القديم بحجم المودة بينھم‪.‬‬ ‫"أنا سأضع وجبتي وحدي" قالت أمي‪.‬‬ ‫كان دميترس مشغول بأفكاره األخيرة حول موضوعه ال ذي ل م ينھي ه‪:‬‬ ‫"أنا أعتق د أن ف شل نظريت ه ب دأ عن دما من ع ت دخل الدول ة ف ي كثي ر م ن‬ ‫المج

االت‪ ،‬حي

ث تترك

ز ھ

ذه النظري

ة عل

ى دور ك

ال القط

اعين الع

ام‬ ‫والخاص في االقتصاد أي المختلط من ه حي ث يختل ف كين ز م ع ال سوق‬ ‫الحر‪"...‬‬ ‫"إذا ل

م تنتھ

ي اآلن م

ن كالم

ك س

أفرغ الحل

ة ف

ي ص

درك" قاطعت

ه‬ ‫ميلوذيا وكاد أن يكون كالمھا صراخ ولكن بطريقة ضاحكة‪.‬‬ ‫"لم

اذا ال تدعي

ه ي

تكلم عل

ى راحت

ه؟" قال

ت أم

ي لميلوذي

ا ونظ

رت‬ ‫لدميترس‪" :‬أنت المذنب‪"...‬‬ ‫"الرجال دائما ھم المذنبون" رد عليھا قبل أن تكمل حديثھا‪.‬‬

‫‪٢٤٩‬‬


‫"أن

ت اس

تبقتني‪ ،‬لكن

ي ل

م أعن

ي ھ

ذا‪ ،‬أن

ت ت

سمح لھ

ا ب

أن ت

صرخ‬ ‫عليك"‬ ‫لم تقصد أمي توليد شرارة جدل بينھما إنم ا لتلطي ف الج و بقلي ل م ن‬ ‫المداعبة الھجومية‪.‬‬ ‫أكل الجميع واستلذوا وكان في األثناء قد اختل ى دميت رس ب ي ودن ت‬ ‫الساعة التي ذھبت النقاشات الودية وقرب ت المحاس بة وأحس ست ب دوار‬ ‫وكأني سأستفرغ‪.‬‬ ‫جلسنا كلينا على شرفة المنزل وقد أسدل الم ساء أذيال ه وص ار وج ه‬ ‫القمر يزين السمر معھم‪.‬‬ ‫"متى ستبدأ عملك يا سلوان"‬ ‫كنت أطل إلى جھة جدار المنزل فاستدرت إليه وقلت‪" :‬عندي إجازة‬ ‫اآلن لم

دة أس

بوعين وح

ال انتھائھ

ا س أبدأ ف

ي ج

ادة أثين

ا الغربي

ة‪ ،‬ف

ي‬ ‫المخفر الرئيسي"‬ ‫"ھل تعلم ماذا سيكون عملك ھناك؟"‬ ‫"نعم‪ ،‬سأكون في قسم المخدرات‪ ،‬وقد أخطرون ي ب أني س أعمل ع ام‬ ‫في مجال العمل السري"‬ ‫فوجئ دميترس بالخبر‪ ،‬كأنه لم يتمنى له عمالً كھذا‪.‬‬ ‫"ھل أنت اخترت االتجاه؟"‬

‫‪٢٥٠‬‬


‫"نعم‪ ،‬لم يكن لدي خي ار كبي ر‪ ،‬إم ا دوري ات‪ ،‬مكافح ة ش غب أو ق سم‬ ‫المخدرات‪ ،‬فاخترته"‬ ‫ح

اول دميت

رس تجمي

ع أفك

اره قب

ل أن يب

دأ مع

ه وكي

ف س

يبدأ‪" :‬أن

ا‬ ‫س

عيد ج

داً ي

ا س

لوان ألن

ك اس

تطعت أن ت

شق طريق

ك بنج

اح‪ ،‬وأن

ت‬ ‫تعرف أنك كنت ومازلت مثل ابني الذي لم أنجبه‪ ،‬وأنا فخور بك"‬ ‫تغير لون وجھي وبدا علي الخجل‪" :‬شكراً ي ا دميت رس‪ ،‬وأن ت كن ت‬ ‫بالنسبة لي مثل والدي‪ ،‬أنا لم أعرف ه‪ ،‬إنم ا عرفت ك‪ ،‬أن ت أعطيتن ي ھ ذا‬ ‫اإلحساس"‬ ‫"كنت مثل والدك يا سلوان!؟"‬ ‫رد عليه متسائالً‪ ...‬يود سماع شيء آخر‪.‬‬ ‫"كنت وبقيت يا دميترس"‬ ‫في الحقيقة أن ي عني ت م ا أق ول ألن ي كن ت أرى ال رفض منھم ا ف ي‬ ‫الفترة األخي رة مم ا س بب ل ي أزم ة نف سية ل م تك ن س ھلة‪ ...‬وتع وم ف ي‬ ‫داخلي لغاية اللحظة التي كنت أحادث دميترس بھا‪.‬‬ ‫"أنا فخور بك كثيراً يا سلوان‪ ،‬وأن ت ال تع رف ك م أحب ك‪ ،‬ق د تك ون‬ ‫الفت

رة األخي

رة أظھ

رت من

ي العك

س‪ ،‬لك

ن ھ

ذا ل

م يغي

ر م

ن حب

ي ل

ك‬ ‫ولوالدتك شيء"‬ ‫تفتحت سرائري بع ض ال شيء وانفك ت عن ي تل ك الربك ة والت شتت‪:‬‬ ‫"ولم اذا كل ه ھ

ذا ي ا ع

م؟ لم اذا وم ن غي

ر س ابق إن

ذار أخرجتمون ا م

ن‬ ‫حياتكم؟ ما الذي بدا منا حتى صرنا بين يوم وليلة غرباء؟"‬ ‫‪٢٥١‬‬


‫صار األمر يصعب على دميترس أكثر مما كان‪.‬‬ ‫"ھن

اك أش

ياء ي

ا ول

دي ال ذن

ب لن

ا بھ

ا‪ ،‬فال

دم الج

اري بعروقن

ا ال‬ ‫نستطيع التحكم ب ه وبف صيلته‪ ،‬وال ن ستطيع أن نخت ار أبائن ا وال أن سابنا‬ ‫وال الجذور التي ننت سب لھ ا‪ ،‬ھن اك أش ياء ي ا ول دي كثي رة ال ع دل بھ ا‬ ‫أنم

ا فرض

ت علين

ا م

ن غي

ر أن ن

سأل‪ ،‬نح

ن نع

يش ف

ي مجتم

ع‬ ‫أرثوذوكسي وحياتنا أيضا ً كذلك‪ ،‬أنت ال تختلف عنا أبداً ال بالطابع وال‬ ‫بأسلوب الحياة‪ ،‬إنما أنت مسلم‪ ،‬ل و كن ت عربي ا ً م سيحيا ً لكان ت األم ور‬ ‫أسھل بكثير‪ ،‬أنا ال أتصور أن ترتدي ابنتي في المستقبل الحجاب‪ ...‬أو‬ ‫حفيدتي"‬ ‫قاطعته وقلت له‪" :‬ومن قال لك أني أريد أن ترت دي ميلين دا الحج اب‬ ‫أو ابنت

ي؟ ھ

ل ترتدي

ه أم

ي؟ أن

ا ال أحب ه أص

الً وأنك

ر عل

ى أص

دقائي‬ ‫عندما أراھم مع زوجاتھم األلبانيات أو غيرھم من العرب"‬ ‫"أنا ال أعني اآلن يا سلوان‪ ،‬لكن في الم ستقبل ال نعل م كي ف س تتغير‬ ‫األمور وتتطور في حياتك"‬ ‫"أنا لم أعرف من اإلسالم شيئا ً يا دميترس‪ ،‬ال أنا وال أمي‪ ،‬وال أقتنع‬ ‫بك

ل ھ

ذه الخراف

ات‪ ،‬أل

م نأك

ل معك

م لح

م الخنزي

ر؟ أل

م أش

رب معك

م‬ ‫الخمر؟ أال ترى أمي والثياب التي ترت دي وعالقاتھ ا رغ م أنھ ا تخفيھ ا‬ ‫ً‬ ‫خجال؟"‬ ‫عني‬ ‫وض

ع دميت

رس براح

ة ي

ده عل

ى كتف ي وق

ال‪" :‬ل

يس األم

ر ھك

ذا ي

ا‬ ‫ولدي‪ ،‬إنما ھي الجذور‪ ،‬وھل تقب ل أن ت دخل األرثوذوك سية؟ ل و قبل ت‬ ‫سأزوجك ميليندا؟"‬ ‫‪٢٥٢‬‬


‫انبھرت من سؤاله الغير متوقع‪" :‬وما ھو الفرق بين بقائي على ديني‬ ‫الذي ال أعمل به وال أعرف منه شيء‪ ،‬أو دخولي دينك الذي لن أعم ل‬ ‫به ولن أقتنع أيضا ً بمبادئه تماما ً مثل الدين الذي أنا عليه؟"‬ ‫"أري

د أن تتعم

د بالكني

سة‪ ،‬وھن

اك س

تأخذ اس

ما ً أرثوذوك

سيا ً وقتھ

ا‬ ‫أس

تطيع أن أع

رض األم

ر عل

ى ع

ائلتي وأرى ردود فعلھ

م‪ ،‬وقناعت

ك‬ ‫شيء متعلق بك"‬ ‫غضبت من كالمه وقلت ل ه‪" :‬أدخ ل الم سيحية وأنتظ ر أن ت ستقبلني‬ ‫عائلتك ومن الممكن أن أرفض؟"‬ ‫"ال تأخذ كالمي بحساسية زائدة ي ا س لوان‪ ،‬إن ه الواق ع ال ذي ت رفض‬ ‫االقتناع به وأنا ال أستطيع أن أھرب من أسرتي وأضع رأسي بالرمال"‬ ‫لي شيء‪ ،‬ال بل زاد الوقع أكثر مما كان عليه‪" :‬أنا‬ ‫لم يخفف الكالم ع ّ‬ ‫أرفض الدخول في المسيحية ال ألني م سلم‪ ،‬ب ل لموقف ك تج اھي وتج اه‬ ‫أصولي"‬ ‫شطت غضبا ً وأحتد صوتي من غير أن أسيء األدب‪.‬‬ ‫"إذا كنت فعالً تحب ميليندا اتركھا يا سلوان"‬ ‫تعجبت من صراحته وجرأته التي لم أتوقع أن يبديھا بھذه الشكل‪.‬‬ ‫"أنا أحبھ ا‪ ،‬ول ن أتركھ ا إال إذا ھ ي اخت ارت أن تنف صل عن ي‪ ،‬ول ن‬ ‫أستسلم بھذه السھولة‪ ،‬أنا أق ول ل ك م ن اآلن‪ ،‬س أجاھد حت ى تبق ى مع ي‬ ‫ولن أستسلم"‬

‫‪٢٥٣‬‬


‫س

كت دميت

رس لحظ

ة وكأن

ه أراد أن ي

ستعيد أفك اره وتنظ

يم كالم

ه‬ ‫ليختار الطريقة المناسبة التي يستطيع إقناعي بھا‪.‬‬ ‫"أنا أكبر منك في السن ولي خبرة في الحياة أكثر منك يا ولدي‪ ،‬وأنا‬ ‫أنصحك ألني أحبك‪"...‬‬ ‫لم أتركه يكمل وقلت له‪" :‬تنصحني؟ بماذا؟ بأن أت رك حي اتي والفت اة‬ ‫التي أحب‪...‬؟"‬ ‫"ال‪ ،‬أنا أنصحك أن تتزوج فتاة مسلمة‪ ،‬أردنية مثالً‪ ،‬أو حتى من أي‬ ‫قومية أخرى‪ ،‬المھم أن تكون على دينك حتى ال تقع مشاكل قد ال تراھا‬ ‫أنت اآلن‪"...‬‬ ‫وقب

ل أن يكم

ل ردت علي

ه‪" :‬أرج

وك ي

ا دميت

رس‪ ،‬ال تع

ارض‬ ‫زواجنا‪ ،‬أرجوك"‬ ‫وضع اآلخر يديه على عينيه ال يعرف ماذا يق ول‪" :‬أرج وك أن ت ي ا‬ ‫س

لوان‪ ،‬تفھ

م وض

عي‪ ،‬أن

ا أب ويعنين

ي م

صلحة ابنت

ي‪ ،‬ول

يس م

ن‬ ‫م

صلحتھا أن تت

زوج بغي

ر يون

اني‪ ،‬ھن

اك ف

وارق كثي

رة غي

ر ال

دين‪،‬‬ ‫العادات والتقاليد‪ ،‬مجتمع مختلف تماما ً عن مجتمعك"‬ ‫"دميت رس أن

ا ل

م أع

رف ش

عبا ً غي

ر اليون

اني‪ ،‬ل

م أع

رف حي

اة غي

ر‬ ‫حياتكم‪ ،‬وال عادات وتقاليد غير التي مارسناھا معكم‪ ،‬أنا ال أع رف أي‬ ‫ش

يء ع

ن عروبت

ي أو إس

المي‪ ،‬إذا ك

ان االس

م ي

ضركم س

أغيره‪ ،‬أو‬ ‫طبع

ي‪ ،‬س

أتطبع بط

بعكم وأخالق

ي ھ

ي م

نكم‪ ،‬ل

م أتعل

م م

ن أم

ي م

ا‬ ‫ناقضكم أو جابھكم"‬

‫‪٢٥٤‬‬


‫وك

أن الك

الم ق

د نف

ذ‪ ،‬س

كتنا ودخل

ت ميلين

دا معھ

ا طبق

ا ً كبي

راً في ه‬ ‫الجاتوه والقھوة والحظت على الفور ت أزم الحال ة بينن ا‪ ،‬ل م تع رف ھ ي‬ ‫األخرى كي ف س تبدأ معن ا وب أي طريق ة أو موض وع‪ ،‬ت سأل ع ن ال ذي‬ ‫يسكتنا؟ تبادلنا الحوار؟ أو أن تحاول أن تضفي على األج واء ش يئا ً م ن‬ ‫الدعابة؟‬ ‫وض

عت الطب

ق عل

ى الطاول

ة وص

بت ف

ي األك

واب الثالث

ة القھ

وة‬ ‫وكان واحد لھ ا‪ ،‬ق دمتھا‪ ،‬ترمقن ا أثنائھ ا بنظ رات ال تع رف كي ف تق ول‬ ‫لنا‪.‬‬ ‫جلست وقبل أن ترتخي في جلستھا قال لھا والدھا‪" :‬ھل م ن الممك ن‬ ‫أن تتركينا يا حبيبتي وحدنا قليالً"‬ ‫ومن غير أن ترد عليه أو تنبس ببنت شفة قامت فأم سك بي دھا وق ال‬ ‫لھا‪" :‬قولي لھما أن يتركانا وحدنا بعض الوقت"‬ ‫"حاضر يا أبي"‬ ‫كانت ردود ميليندا متوترة أكثر منا‪.‬‬ ‫وقف دميترس وحمل معه فنجانه ونزل الدرجات نحو حديقة المنزل‬ ‫األمامية وقال‪" :‬رافقني يا سلوان"‬ ‫حملت بدوري أيضا ً فنجاني وسرت خلفه‪.‬‬ ‫جلس دميترس على حافة جدار الحديقة وجلست أقابله وكالن ا يحم ل‬ ‫كوبه بيده‪.‬‬

‫‪٢٥٥‬‬


‫"أنا لست ضدك كشخص ي ا س لوان‪ ،‬إنم ا ض د العالق ة الت ي تربط ك‬ ‫بميليندا‪ ،‬أنت إنسان راقي يا ولدي‪ ،‬لكن ھناك معايير في حياتنا ترغمنا‬ ‫عل

ى اتخ

اذ ق

رارات ق

د نك

ون س

اخطين عليھ

ا‪ ،‬وأن

ت يج

ب علي

ك أن‬ ‫تتفھم موقفي‪ ،‬ولو أنك لحظة واحدة فك رت بمنطقي ة وعقالني ة ل وافقتني‬ ‫الرأي وبقيت أنت وميليندا مثل األخوين ونكون عائلة س عيدة مثلم ا كن ا‬ ‫في الماضي‪ ،‬ألم نكن ھكذا يا سلوان؟"‬ ‫تنھ

دت وھ

ززت رأس

ي والك

الم تغ

رب عن

ي وت

اه‪ ،‬ك

أنني ملل

ت‬ ‫التكرار والضغوط التي يمارسھا علي دميترس باسم المنطق والعقل‪.‬‬ ‫"ل

يس ذنب

ي وال ذنبھ

ا ّأن

ا خلقن

ا م

ن ج

ذرين مختلف

ين‪ ،‬أن

ا ل

م أخت

ر‬ ‫قوميتي وال ھي‪ ،‬لم أسأل نفسي قبل أن أحبھا إذا كنت م ن الطبق ة الت ي‬ ‫قد أرف ض أو أقب ل‪ ،‬ل م أفك ر‪ ،‬إنم ا س لمت ل سجيتي كم ا ھ و الح ال عن د‬ ‫الكثير بعمري‪ .‬قل لي أنت‪ ،‬ھل فكرت مليا ً قبل زواجك من ميلوذيا؟"‬ ‫ضحك من سؤالي‪" :‬لو أني فكرت لحظة ما تزوجتھا بتاتا ً"‬ ‫وأوم

أ بي

ده ورأس

ه ليب

ين ل

ه المداعب

ة وأن المث

ال المط

روح ل

يس‬ ‫بمكان

ه‪" :‬ل

و أن

ي وعي

ت وقتھ

ا األم

ور مث

ل الي

وم لكان

ت أش

ياء كثي

رة‬ ‫تغيرت في حياتنا‪ ،‬إنما ھي األقدار"‬ ‫"ولم

اذا ال ت

سلم الي

وم لألق

دار وتتركن

ا نع

يش حياتن

ا كم

ا نح

ب‬ ‫ونرضى"‬ ‫كان دميترس مثل الذي وضع في دوام ه‪ ،‬ال يع رف كي ف ي رد عل ى‬ ‫فيض من التساؤالت‪.‬‬

‫‪٢٥٦‬‬


‫"إنھا أنانية أن تتحكم بمصيرنا أنت وميلوذيا‪ ،‬دعنا نسعد سويا ً وھ ي‬ ‫حياتنا بالدرجة األخيرة‪ ،‬وأنتم قدمتم حياتكم ألجل إسعاد أبنائكم‪ ،‬أليست‬ ‫ھ

ذه ھ

ي الغاي

ة م

ن جلوس

ك مع

ي اآلن وتحم

ل ك

ل مناق

ضاتي وع

دم‬ ‫تفھمي؟ إذا كانت ال سعادة البنت ك ھ ي الحي اة مع ي‪ ،‬لم اذا ال ت سعد أن ت‬ ‫بقرارھا؟ إنھا أنانية اآلباء يا دميترس‪ ،‬في الحقيقة أنكم ال تبحث ون عم ا‬ ‫يسعد األبناء إنما تجعلوا منا كالدمى كي تسعدوا أنتم"‬ ‫لم يتوقع دميترس سماع شيء من ھذا القبيل من سلوان‪.‬‬ ‫"قد أكون أنانيا ً مثل كل والد‪ ،‬لكنك أنت أي ضا ً ل ست أق ل من ي أناني ة‬ ‫ألنك ستحرمني من أقل األشياء الت ي حلم ت بھ ا ط ول عم ري‪ ،‬حلم ت‬ ‫أن تكون ابنتي زوجة ليوناني يفھمن ا ونفھم ه‪ ،‬يحتف ل معن ا ف ي كني ستنا‬ ‫ويقدس مريم الع ذراء وال روح الق دس‪ ،‬ص غائر األم ور ي ا س لوان الت ي‬ ‫أنت ال تريد أن تتفھمھا‪ ،‬الواقع مر ليس مثلما تتصوره‪ ،‬والواقع أني ال‬ ‫أتمن ى أن تك ون أن

ت زوج ميلين دا ھ

ذا عل ى ق در حب

ي ل ك‪ ،‬وال أتمن

ى‬ ‫أيضا ً أن أخسرك"‬ ‫سكت ولھة وقالت‪" :‬دميترس ھل ھذا آخر كالم لديك؟"‬ ‫"سلوان أنا أحبك‪ ،‬ولكن لن أرضى أن تكون زوج ابنتي"‬ ‫أحبطت من النھاية والقرار الذي خرج به والد ميليندا‪.‬‬ ‫"أنا سأذھب اآلن‪ ،‬أشكركم على العشاء وحسن الضيافة"‬ ‫لم يكن دميترس راضيا ً بالنھاية التي وصلنا إليھ ا مع ا ً‪ ،‬كأن ه ت صور‬ ‫بطريقة او بأخرى أن أستقبل ردود فعله وموقفه بصدر رحب وتفھم‪.‬‬ ‫‪٢٥٧‬‬


‫كان ت تق

ف ميلين دا ف

ي األثن

اء عن د ب

اب المن

زل وتراقبن ا م

ن بعي

د‪،‬‬ ‫وسألتھا‪" :‬ميليندا‪ ،‬ھل من مكن أن تقولي ألمي أن تجھز حتى نذھب؟"‬ ‫نظرت األخرى نظرة فيھا عتاب قوي وغضب على والدھا ودخلت‪.‬‬ ‫"خالتي‪ ،‬سلوان يقول لك أن تجھزي ألنه يريد أن يخرج"‬ ‫جل

ست ن

ور لتوھ

ا ول

م ت

شرب قھوتھ

ا م

ع ميلوذي

ا فق

د رتب

ا حج

رة‬ ‫الطع

ام ف

ي الوق

ت ال

ذي جل

سا االثن

ين ف

ي ال

شرفة‪ ،‬ول

م يت

سنى أي

ضا ً‬ ‫لميلوذيا أن تطرح الموضوع معھا حسب اتفاقھا مع زوجھا‪.‬‬ ‫ب

دا عل

ى الجمي

ع االض

طراب وأكث

رھم ن

ور‪ ،‬أح

ست بح

رج وھ

ي‬ ‫تنظر الحمرار وجه ميليندا وسكوت ميلوذيا بجانبھا‪.‬‬ ‫راود ميلوذيا شعور بالخجل أمام نور وسكوتھا فأحست أنھا ال بد أن‬ ‫تقول ش يء‪ ،‬أي ش يء حت ى تخ رج م ن الموق ف الوج ل والح رج ال ذي‬ ‫خيم على الجميع‪.‬‬ ‫"لم العجلة؟" قالت ميلوذيا تصطنع الھدوء رغم تنبئھا بسبب الخروج‬ ‫السريع‪.‬‬ ‫"أنا ال أعرف أيضا ً لماذا يريد سلوان ال ذھاب اآلن‪ ،‬س ألبس وأخ رج‬ ‫وللحديث بقية يا ميلوذيا"‬ ‫لم تعلم نور بالفازعة الت ي يعي شھا ول دھا اآلن وال ب الكالم ال ذي دار‬ ‫بينھم‪.‬‬

‫‪٢٥٨‬‬


‫لملمت نور تلبكھا األخير وإحراجھا من الموقف الع ام وس ارت نح و‬ ‫الخارج وإذ باالثنين يقفا متباعدين بع ض ال شيء ويالح ظ عل ى س لوان‬ ‫الغضب وعلى اآلخر خيبة أمل سببھا له والبنت ه وھ و يع ي أن بإمكان ه‬ ‫إسعادھما‪.‬‬ ‫أقبلت أمي على دميترس ال تعرف كيف تودعه وبأي طريقة‪.‬‬ ‫ل

م ينتظ

ر اآلخ

ر حت

ى أق

دم عل

ى أم

ي بابت

سامة عري

ضة مت

أثرة‬ ‫وعانقھا‪" :‬يؤسفني أن المساء لم يطول بيننا"‬ ‫نظ رت بوج

ه باس

م وھ ي م

سبلة عيناھ

ا الناع ستين ھم

ا ً وقال

ت‪" :‬ال‬ ‫عليك يا دميترس‪ ،‬ستصطلح األمور وتنعدل‪ ،‬أنا واثقة من ذلك"‬ ‫عين ي وأقبل ت عل ى ميلوذي ا وھ

ي‬ ‫كن ت أراق ب الوض ع م ن أط راف‬ ‫ّ‬ ‫تق

ف بجان

ب أم

ي تري

د أن تعانقھ

ا وقل

ت لھ

ا‪" :‬ش

كراً ي

ا ميلوذي

ا عل

ى‬ ‫المساء الجميل والعشاء"‬ ‫اص

طنعت االبت

سامة حت

ى ال يك

ون ال

وداع ثقي

ل الظ

ل عل

ى جمي

ع‬ ‫األطرف‪.‬‬ ‫"ميليندا أتمنى لك مساء سعيداً" وصافحتھا بيدي من غي ر أن أبادلھ ا‬ ‫أي نظ

رة‪" :‬دميت

رس‪ ،‬أتمن

ى ل

ك م

ساء س

عيد وأش

كرك عل

ى ح

سن‬ ‫الضيافة"‬ ‫كنت أنظر لألرض مكسور الخاطر وھو يبادلھم التحية‪.‬‬ ‫خرجت دون أن أنتظر والدتي بعدما صافحتھم جميعا ً‪.‬‬

‫‪٢٥٩‬‬


‫ركبن

ا ال

سيارة االثن

ين دون أن نتب

ادل كلم

ة واح

دة‪ ،‬لق

د رأت أم

ي‬ ‫الغضب في وجھي ولم ترد أن تسألني عن الذي دار بيننا‪.‬‬ ‫أثن

اء الطري

ق أوقف ت مح

رك ال

سيارة عل

ى ط

رف ال

شارع مقاب

ل‬ ‫حانوت ونزلت بخطى سريعة كأني على عجلة من أمري‪.‬‬ ‫ما كانت إال دقائق حتى خرجت وبيدي كيس بالستيكي شفاف مملوء‬ ‫بعبوات مختلفة األشكال من الخمور‪.‬‬ ‫"لماذا كل ھذا؟"‬ ‫وض

عت الك

يس عل

ى المقع

د الخلف

ي لل

سيارة وأجبتھ

ا‪" :‬ال أري

د أن‬ ‫أفيق اليوم‪ ،‬ھل تشربين معي اليوم؟"‬ ‫سألتھا بھدوء غاضب‪.‬‬ ‫"ومنذ متى أشرب أنا الكحول؟"‬ ‫اختل ف لونھ ا وھ ي ت

دافع ع ن نف سھا رغ م علمھ

ا ب أني أع رف أنھ

ا‬ ‫تشرب بين الحين واآلخر‪.‬‬ ‫"إلى متى يا أمي نخفي الحقيق ة ع ن بع ضنا؟ أن ا أعل م وأن ت تعلم ين‬ ‫أنك تشربين‪ ،‬اشربي معي اليوم فقط ألجلي‪ ،‬ال أريد أن أكون إال معك‪،‬‬ ‫ال أريد أن أرى أح داً‪ ،‬كلھ م يكرھونن ا وكأنن ا حثال ة أو نخ ب ثال ث م ن‬ ‫المجتمع‪ ،‬وھل نحن ھكذا يا أمي؟"‬ ‫بعيني ال أريد أن أبكي أمامھا‪،‬‬ ‫كدت أبكي وأنا أكلمھا‪ ،‬حبست الدمعة‬ ‫ّ‬ ‫مقھوراً ال أفھم نفسي وال الذي يدور حولي‪.‬‬

‫‪٢٦٠‬‬


‫وضعت أمي براحة يدھا على خدي وأن ا أق ود ال سيارة‪" :‬أن ا ال أعل م‬ ‫بالذي دار بينكما يا ولدي‪ ،‬لكني توقعت ھذا يوم ا م ا‪ ،‬ل يس بال ضرورة‬ ‫اليوم‪ ،‬إنم ا كن ت أنتظ ر ھ ذا من ذ زم ن‪ ،‬وكلم ا ت صورت الموق ف كن ت‬ ‫أح

س باالختن

اق ألن

ي أع

ي خيب

ة األم

ل الت

ي ست

صاب بھ

ا م

ن ج

راء‬ ‫االص

طدام ب

الواقع الم

ر‪ .‬نح

ن ل

م نتح

دث م

رة ع

ن حياتن

ا ب

شكل‬ ‫موضوعي والمجتمع الذي نعيش بظله ونظرتھم لنا"‬ ‫ل

م أك

ن وقتھ

ا أس

توعب ش

يء م

ن ك

الم أم ي‪ ،‬كن ت أرى فق

ط وج

ه‬ ‫دميترس وھو يصرح لي بالرفض بكل الصور‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ص مت يقتلن ي وإع صار‬ ‫استمرت أمي بالحديث معي وأنا ال أجي ب‪،‬‬ ‫يجتاح ھ دوئي المخن وق‪ ،‬ت شابكت أفك اري وش عرت بغمام ة ت صاعدت‬ ‫من بطني وصارت تعم جميع دماغي حتى أني أحسست برأسي قد أقفل‬ ‫ولم أعد أستطيع الرؤية أمامي‪.‬‬ ‫ما كانت إال لحظات حتى وصلنا إلى البيت وكدت أن أقول ألم ي أن‬ ‫تقود السيارة لعدم قدرتي على تحمل السخونة التي تجتاح وجھي وتك اد‬ ‫عيني‪.‬‬ ‫أن تخرج من‬ ‫ّ‬ ‫"ھل أنت على ما يرام يا ولدي؟"‬ ‫سألتني أمي بعدما بدا على وجھي بجالء شيء أكث ر م ن الحم رة ب ل‬ ‫تجاوزت الزرقة والسواد‪.‬‬ ‫دخلنا البيت بسرعة وبيدي خمرتي وقلت لنفسي‪" :‬اآلن سأكون على‬ ‫ما يرام"‬

‫‪٢٦١‬‬


‫من غير أن أخلع حذائي كما أفعل أحيانا ً دخلت إلى حجرتي ورميت‬ ‫بجسدي المنھك على السرير وأخذت بأول زجاجة )راكي( وشربت من‬ ‫فمھا ال للمتعة‪ ،‬بل ألعاقب نفسي على جرم ليس لي به باع أو ذراع‪.‬‬ ‫دخلت علي أمي وقالت‪" :‬أرجوك يا ولدي ال تفعل بنفسك ھكذا"‬ ‫ل

م يك

ن غريب

ا ً عليھ

ا ھ

ذا المنظ

ر من

ي‪ ،‬إنم

ا الغري

ب القھ

ر ال

ذي‬ ‫يعصرني وقلة الحيلة مني ومنھا‪.‬‬ ‫قربت من ي ووض عت ي دھا عل ى رأس ي وع انقتني وأن ا ج الس عل ى‬ ‫السرير وأحست ھي بقلة الحلية‪.‬‬ ‫"أنت لست وحدك حبيبي‪ ،‬نحن معا ً سويا ً لألبد"‬ ‫كانت تحبس الدمعة بجفنيھا كي ال تحسسني بضعفھا‪ ،‬كان ت تحت رق‬ ‫ب

داخلھا وھ

ي قاص

رة ال تمل

ك غي

ر مع

انقتي ودمعاتھ

ا تت

ساقط عل

ى‬ ‫شعري من غير أن أحس‪ ،‬فشعرت ببل برأسي جراء نحيبھا الصامت‪.‬‬ ‫"اقعدي يا أمي واشربي معي‪ ،‬أرجوك"‬ ‫جلست على السرير بجانبي وقالت‪" :‬سلوان أن ا محرج ة من ك‪ ،‬كن ت‬ ‫أتمنى أن تعرف بأني أشرب بغير ھذه المناسبة"‬ ‫أخرجت زجاجة )الراكي( وأعطيتھا ألمي‪" :‬خذي‪ ،‬إشربي مع ي‪ ،‬ال‬ ‫ً‬ ‫دائما؟"‬ ‫عليك يا أمي‪ ،‬لكل أجل كتاب‪ ...‬ألم تقولي لي ھذا‬ ‫"نعم يا ولدي‪ ،‬لقد قلت لك ھذا"‬ ‫قبلت فم الزجاجة وصارت تشرب بغل وسخط أكثر مني‪...‬‬

‫‪٢٦٢‬‬


‫ثملنا االثنين وجلسنا على األرض وأمي م ستلقية عل ى ظھرھ ا عل ى‬ ‫سريري‪ ،‬اس تلقيت أن ا اآلخ ر عل ى ظھ ري وص رت أبك ي وھ ي ت سمع‬ ‫نحيبي وتشاركني إياه‪.‬‬ ‫رن ھاتفي تصاعديا ً حتى أن ي ل م أع د أس تطيع س ماعه‪" :‬أي ن ھ اتفي‬ ‫الخلوي؟"‬ ‫س

ألت نف

سي ب

صوت المثم

ل وأبح

ث ف

ي س

ترتي وس

روالي دون‬ ‫جدوى‪ ،‬صرت ال أعي شيئا ً والھاتف يأبى أن يسكت‪.‬‬ ‫وقف

ت ن

ور تت

رنح وب

دأت تبح

ث ع ن الھ

اتف بجيوب

ه الكثي

رة علھ

ا‬ ‫تسكته‪.‬‬ ‫أخرجته من جيب سترته الداخلية وضغطت على أح د أزراره تن وي‬ ‫إسكاته حتى صار االثنان يسمعان صوت ميليندا منه‪.‬‬ ‫"ألو‪ ...‬ألو‪ ...‬سلوان‪ ...‬أتسمعني؟"‬ ‫صارت ھي تسمع صوت نور الثمل وھي تخاطب سلوان وتقول له‪:‬‬ ‫"خذ ھاتفك‪ ...‬صمت أخيراً"‬ ‫وضعته على بطن س لوان وھ و م ستلقي عل ى ظھ ره حت ى أن ه س مع‬ ‫صوت يخرج منه بعد أن اتكأت والدته على سريره‪.‬‬ ‫وضع يده على الھاتف فوق بطنه وقال‪" :‬ميليندا‪ ...‬ھل ھو أنت‪...‬؟"‬ ‫ميليندا في المقابل‪" :‬سلوان أرجوك كلمني‪ ،‬ماذا بك؟"‬

‫‪٢٦٣‬‬


‫رفعت صوتھا ميليندا حتى يسمعھا أحدھما‪" :‬نور‪ ...‬ھل تسمعيني‪...‬‬ ‫سلوان‪"...‬‬ ‫أمسك سلوان الھاتف كي يكلمھا فنزل ب العفو عل ى ال زر ال ذي ينھ ي‬ ‫المكالم

ة ووض

عه م

ن غي

ر أن يع

رف أن الخ

ط ق

د ف

صل‪" :‬ميلين

دا‪...‬‬ ‫تعالي أمي سكرت معي ألول مرة"‬ ‫كان يبكي وھو يتكلم ولم تسمعه غير أمه‪.‬‬ ‫عاود الھاتف يرن من جديد‪ ،‬وتنھدت نور ف ي الھ واء ك ـأنھا تعارك ه‬ ‫من كثرة ثمالتھا‪" :‬الھاتف من جديد‪"...‬‬ ‫كان اآلخر يحمله بيده ووضعه أم ام وجھ ه حت ى تمك ن م ن اس تقبال‬ ‫المكالمة‪" :‬ميليندا‪ ...‬أن ا أحب ك ي ا وردت ي‪ ...‬ال تبك ي‪ ...‬ال تقلق ي‪ ...‬أن ا‬ ‫أع

دك أن

ي س

أبذل ك

ل جھ

دي حت

ى نحتف

ل ب

العرس تح

ت الم

اء كم

ا‬ ‫وعدتك" كان صوته متقطعا ً ثمالً حتى النخاع‪.‬‬ ‫بكت ميليندا بعدما أحست بحالة سلوان وأمه‪ ،‬فھي لم ترى ن ور م رة‬ ‫ثملة وال س لوان محطم ا ً لھ ذه الدرج ة‪" :‬س لوان حبيب ي‪ ،‬اس معني‪ ...‬أن ا‬ ‫سأحضر اآلن" وأغلقت السماعة‪.‬‬

‫‪٢٦٤‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫في الوقت الذي ھاتفت ميليندا س لوان كان ت تجل س ف ي حجرتھ ا‪ ،‬ل م‬ ‫ترد أن يسمعھا والديھا‪.‬‬ ‫بعد أن أنھت المكالمة التي لم تطل‪ ،‬جل ست عل ى س ريرھا وص ارت‬ ‫تبكي وتارة أخرى تصمت غضبا ً وسخطا ً على والديھا‪.‬‬ ‫مسحت دموعھا وبدأت تستعد للك الم م ع وال دھا ومواجھت ه برغبتھ ا‬ ‫وألول مرة‪ ...‬صارت تردد بصوت تكاد ھ ي ال ت سمعه بالكلم ات الت ي‬ ‫ستقولھا لوالديھا وكيف ستبدأ معھم‪.‬‬ ‫كان دميترس يجلس في الحديقة األمامية للمنزل‪ ،‬ومن وق ت خ روج‬ ‫سلوان وأمه بقيت ميلوذيا معه لتعرف الذي جرى معھم‪.‬‬ ‫كانت ميليندا قد تنب أت ب الحوار بي نھم لعلمھ ا ب سبب ال دعوة ف ي ذل ك‬ ‫المساء‪.‬‬ ‫خرجت من حجرتھ ا ت صطنع الھ دوء وتع اود الكلم ات الت ي س تلقيھا‬ ‫عل

يھم مث

ل الطف

ل ال

ذي ي

ستعد المتح

ان نھاي

ة الف

صل الدراس

ي‪" :‬أن

ا‬ ‫سأتزوج سلوان إن شئتم أم أبيتم"‬ ‫قالتھا وأخذت نفسا ً عميقا ً كالذي حقق رقما ً قياسيا ً بالغطس‪.‬‬ ‫نظرا كليھما مبھ ورين بال ذي ب در منھ ا ول م ين بس أح دھما أو ي رتم‪،‬‬ ‫فھم

ا لي

سا معت

ادان عل

ى جرأتھ

ا وخاص

ة وال

دھا‪ ،‬فالعالق

ة بين

ه وب

ين‬ ‫ميلين دا مث ل األص دقاء ولك

ن ل م ي سمع منھ ا م

رة ب صراحة ب شيء ع

ن‬ ‫عالقتھا الجدية مع سلوان‪.‬‬ ‫‪٢٦٥‬‬


‫"أنا لم أعتد منك طريقة الكالم ھذه يا ميليندا"‬ ‫"وم

ا ھ

ي الطريق

ة الت

ي تنتظرھ

ا من

ي ي

ا أب

ي وأن

ت تق

ف أم

ام‬ ‫سعادتي؟ أني آسف إذا كنت قد تجاوزت األدب معك أو رفعت صوتي"‬ ‫انخفض صوتھا بعد أن سمعت عتاب أبيھا لھ ا بطريق ة أخجلتھ ا م ن‬ ‫نفسھا وأحست أنھا تجاوزت حدودھا معه‪.‬‬ ‫"أبي أنا فكرت كثيراً قبل أن أتخذ قراري وأتمنى أن ال تك ون وأم ي‬ ‫عث رة ف

ي حي

اتي‪ ،‬ب ل أتمن

ى واطم

ع أن ت شاركوني فرحت

ي وتحترم

وا‬ ‫قراري ولن أسعد مرة إذا تركتموني من غير أن تشاركوني أجم ل أي ام‬ ‫حياتي"‬ ‫وقفت ميلوذيا وصارت تضرب على فخذيھا غضبا ً وتقول‪" :‬س أندب‬ ‫حضي أنا على ابنت ي الوحي دة‪ ،‬كن ت أعتق د أنھ ا س تكون مث ل ص ديقتي‬ ‫عندما تكبر‪ ،‬وأول ما بلغت تغربت عني ولج أت ألبيھ ا‪ ،‬وعن دما ش بت‬ ‫أحبت عربيا ً ومسلما ً‪ ،‬يا للعار‪ ...‬وزوجي جالس ال يحرك ساكن"‬ ‫أمسكت بكتفه وقالت‪" :‬أنا لن أسامحك إذا ل م تقن ع ابنت ك ف ي الع دول‬ ‫عن رأيھا‪ ،‬ماذا سأقول لعائلتي؟ ميليندا ستتزوج العربي البربري"‬ ‫لم تھ دأ ميلوذي ا بع د أن س معت ك الم ميلين دا واش تاطت غ ضبا ً‪" :‬أن ا‬ ‫سأموت يا ميليندا وأن ت م ن س يقتلني إذا بقي ت عل ى رأي ك‪ ،‬ل ن يتحم ل‬ ‫قلب

ي ھ

ذه ال

صدمة أب

داً وستعي

شين أن

ت حيات

ك كلھ

ا وض

ميرك متع

ب‬ ‫ألنك تسببتي بقتل أمك"‬

‫‪٢٦٦‬‬


‫كانت ميلوذيا ت صرخ وص وتھا رنين ه ي صدع خ ارج أس وار المن زل‬ ‫فوق ف دميت

رس وأم

سك ي دھا وش

د عليھ

ا وق ال لھ

ا ب

صوت م

نخفض‪:‬‬ ‫"أغلقي فمك وإال وضعت فيه وسادة الكلب حتى ال تنطقي للغد‪ ،‬أدخل ي‬ ‫معي للبيت"‬ ‫دخل وھو ممسك بي د زوجت ه خلف ه وص عدا ال درجات وميلين دا تق ف‬ ‫ھناك وأمسك بي دھا ھ ي األخ رى وق ال‪" :‬أدخل ي أن ت أي ضا ً مع ي‪ ،‬لق د‬ ‫خيبت ظني‪ ،‬ما كنت يوما ً أعتقد أنك ستكونين ساذجة لھذه الدرجة"‬ ‫دخ

ل الجمي

ع غرف

ة الجل

وس‪" :‬اقع

دي اآلن" ق

ال لزوجت

ه‪" :‬وأن

ت‬ ‫أيضا ً"‬ ‫بقي ھو واقف ا ً ي دور ف ي الغرف ة وميلوذي ا تبك ي ك أن أح داً م ن أھلھ ا‬ ‫مات لتوه‪.‬‬ ‫"إلى متى ستبكين؟ أسكتي أرجوك يا ميلوذيا‪ ...‬وال تتكلمي‪ ،‬ال أري د‬ ‫أن أسمع أي مداخلة منك‪ ،‬فأنت كل شيء غير الموضوعية"‬ ‫كانت حقا ً ميلوذيا تبكي ألي سبب قد يزعجھ ا أو يقلقھ ا‪ ،‬فھ ي رقيق ة‬ ‫ولكن بطابع مختلف‪.‬‬ ‫"ميلين

دا‪ ،‬أن

ت ص

دمتني الي

وم بكالم

ك وق

رارك ال

سخيف‪ ،‬م

ا كن

ت‬ ‫يوما ً سأتكلم معك بھذه الصورة لو لم تخيب أملي في ك‪ .‬كن ت أعل ق ك ل‬ ‫أمالي علي ك‪ ،‬عل ى م ستقبلك وأت صور الشخ صية الت ي س تكون بجانب ك‬ ‫يوما ً من األيام‪ ...‬زوجك‪ ...‬واليوم تأتين إلي وتقولين لي أنك قررت‪...‬‬ ‫أنت ال تملكين قرارك‪ ،‬وليس لك الحق أن تتخذي قراراً س خيفا ً مخج الً‬

‫‪٢٦٧‬‬


‫وحدك‪ ،‬أنا والدك ومازلت في منزلي وأن ا ص احب الق رار ف ي حيات ك‪،‬‬ ‫أعطيتك الحرية المطلقة وأنت‪ ...‬ماذا فعلتي؟ أسأت استخدام الثق ة الت ي‬ ‫منحتك إياھا‪ ،‬كنت أعتقد أنك ناضجة‪ ...‬من اليوم فصاعداً لن أسمح لك‬ ‫أن تقابليه أبداً"‬ ‫وقفت ميليندا كأنھا تدارست الكالم مراراً وتكراراً في وقت وض عت‬ ‫الظروف بھا في حيص بيص وبين والديھا‪ " :‬يؤسفني أني أخيب ظن ك‬ ‫بي يا والدي‪ ،‬لكنني اليوم أعي ما اق ول تمام ا ً‪ .‬أن ا اخت رت س لوان ول ن‬ ‫أرجع عن قراري مھما ك ان ال ثمن‪ ،‬وس أخرج اآلن إلي ه‪ ،‬إن ه ف ي أم س‬ ‫الحاج

ة إل

ي‪ ،‬وال تح

اول منع

ي ألن

ي ذاھب

ة ول

ن ي

صدني ال أن

ت وال‬ ‫الموت حتى"‬ ‫صدم دميترس من كالمھا وصار ينظر إليھ ا وعيني ه مت سمرتان م ن‬ ‫خيبة األمل والغضب في آن واحد‪" :‬كنت أخطط يا ميليندا ل ك بم ستقبل‬ ‫غير الذي ستبدأيه‪ ،‬كنت أت صورك عروس ا ً م ع أح د أع الم محفلن ا ك ي‬ ‫تخطي معه خطى لمستقبل زاھر وليس مستقبل مربوط مع عربي مسلم‬ ‫أو باألحرى خلية نائم ة‪ .‬أن ا ال أك ره س لوان ال ب العكس أن ا أحب ه لكن ي‬ ‫أحبه بطريقة يكون فيھ ا م ن العائل ة م ن ب اب العط ف ال أكث ر‪ ،‬أم ا أن ه‬ ‫يأخذ ابنتي عروسا ً فأنا لن أسمح"‬ ‫كان والد ميليندا من أعضاء البن ائين األح رار الن شطين وك ان يجھ ز‬ ‫ميليندا كي تلتحق بمحافل النساء أيضا ً عندما تبلغ الخامسة والعشرين‪.‬‬ ‫"أنظري أنت الفرق بينك وبينه! م اذا تفعل ين ف ي أوق ات فراغ ك؟ أو‬ ‫الھوايات التي تمارسينھا؟ ما ھي اآللة الموسيقية المفضلة التي تع زفين‬ ‫‪٢٦٨‬‬


‫عليھا؟ الحظي نوعية الك الم الم ستخدمة عن د س لوان وأم ه‪ ...‬ھ ل ھ ي‬ ‫شبيھة بالتي تتداولينھا معي أو مع صوفيا أو يانس؟"‬ ‫لم تكن ميليندا وقتھا لتفكر بالكالم والفروق الت ي يق دمھا وال دھا لھ ا‪،‬‬ ‫كان

ت ت

سمع غي

ر أن عقلھ

ا وقلبھ

ا ي

دق ب

آخر كالم

ات الثمال

ة الت

ي‬ ‫سمعتھا من سلوان وأمه والحالة التي ھم اآلن عليھا‪.‬‬ ‫"أن

ا ال تعنين ي الف

روق االجتماعي

ة‪ ،‬ھ

ذا إن ك

ان ھن

اك ش

يء منھ

ا‪،‬‬ ‫نحن اآلن نع يش بع الم منف تح ال يع رف الع روق والجن سيات وال يف رق‬ ‫بين غني وفقير أو يوناني وعربي أو بربري كما تقول أنت"‬ ‫صار يفكر دميترس بالطريقة التي تعيد ميليندا لصوابھا بعد أن اقتنع‬ ‫تماما ً بأن الشدة لن تجدي معھا بشيء‪ ،‬وما كانت ھذه إال ردة فع ل من ه‬ ‫على كالم بدر منھا لم يكن يوما ً يتوقعه أو أنھا س تكلمه بھ ذه ال صراحة‬ ‫الوقحة‪.‬‬ ‫"تعالي يا ابنتي" أقبل عليھا وعانقھا وھي مسدلة يديھا كأنھا ت رفض‬ ‫عناقه‪" :‬اقعدي اآلن أرجوك يا ميليندا"‬ ‫جل

ست عل

ى م

ضض وأخ

ذ أريك

ة منف

ردة ووض

عھا أمامھ

ا وجل

س‬ ‫يقابلھا‪ ،‬أمسك يديھا الناعمتين اللتين يبدو من ملمسھما العز الذي تعيش‬ ‫في كنفه‪.‬‬ ‫"يا ابنتي فلنن سى أن ال رفض ب سبب عروبت ه أو إس المه‪ ،‬ولنت دارس‬ ‫سويا ً شخصية سلوان‪ ،‬حيات ه‪ ،‬ھوايت ه‪ ،‬تطلعات ه ونقارنھ ا أو نح اول أن‬ ‫نقاربھا إليك وأحالمك المستقبلية التي لطالما جلسنا سويا ً نخطھا ونعمل‬

‫‪٢٦٩‬‬


‫لتحقيقيھا‪ ،‬وھذا ليس من الماض ي أو فت رة طفولت ك إنم ا بقين ا بتواص ل‬ ‫حتى اليوم‪ .‬أم أن ي أب الغ؟ أو أن ي أخط أت ط وال عم ري بح سن ض ني‬ ‫بك؟"‬ ‫طأطأت ميليندا رأسھا خجالً ولم تعد تع رف كي ف س تخرج اآلن م ن‬ ‫المنزل رغما ً عن والدھا‪.‬‬ ‫ف

ي األثن

اء كان

ت تجل

س ميلوذي

ا وتھ

ز رأس

ھا وظھرھ

ا تعب

ر ع

ن‬ ‫غضبھا وقلة حيلتھا وتقول بين الفين ة واألخ رى )تيباثم ه( وھ ي الكلم ة‬ ‫اليونانية التي ترددھا دائما ً عند غضبھا أو حزنھا وتعني ما الذي جرى‬ ‫لنا؟ وھي كلمة معتادة عند كثير من نساء اليونان‪.‬‬ ‫"أن

ا س

أموت إذا تزوجت

ه ي

ا ميلين

دا‪ ،‬م

اذا س

أقول ل

صديقاتي أو‬ ‫ألخوتي؟ ميليندا تزوجت عربي‪...‬؟ يا للعار"‬ ‫"أصمتي أرجوك‪ ،‬دعيني أتحدث مع ابنت ي بعقالني ة‪ ،‬كالم ك ھ ذا ال‬ ‫يفي

د اآلن أب

داً‪ ،‬إذا أردت أن تبك

ي أو تن

دبي حظ

ك ف

أرجوك اذھب

ي‬ ‫للغرفة األخرى"‬ ‫وقفت وھي تردد ذات الكلمة وخرجت من عندھم وھي تعبر عن قلة‬ ‫حيلتھا بھمس الكالم لنفسھا والمسموع‪.‬‬ ‫"من التأمل واالستبصار ينبع الحب يا ابنتي‪ ،‬الح ب ال ينتظ ر س ؤال‬ ‫أو إجاب

ة‪ ،‬ھ

و ي

أتي كالتي

ار م

ن األح

شاء ويتخ

بط ب

المحيط م

ن غي

ر‬ ‫وع

ي‪ .‬أن

ا اآلن أتكل

م بحري

ة وال يتملكن

ي ش

يء م

ن ھ

ذه الم

شاعر‬

‫‪٢٧٠‬‬


‫الجياش

ة‪ ،‬أم

ا أن

ت‪ ...‬ف

ي وض

عك الح

الي ال ت

ستطيعين أن تفك

ري‬ ‫وتحكمي عقلك وال الظروف أو الوسط الذي تعيشين فيه"‬ ‫"ھذا ليس صحيح‪ ،‬أنا أعي ما أفعل‪ ،‬وأحب سلوان بعقالنية أكثر من‬ ‫العاطفية‪ .‬أعتقد أنه اإلنسان األنسب لي م ن ك ل الن واحي رغ م الف روق‬ ‫التي ذكرتھا أو بعض منھا‪ .‬وليس م ن ال ضروري أن نك ون مت شابھين‬ ‫باألفكار حتى نكون زوجين سعيدين‪ ،‬وجميل أن يكون ھو نقيضي حتى‬ ‫نكمل بعضنا ونسير بخط متوازي ونلتقي"‬ ‫كانت ميليندا تضع والدھا في طريق مسدود عندما تقول له بإص رار‬ ‫أنھ

ا تري

ده ول

ن تع

يش م

ع غي

ره‪ ،‬فھ

ذا يعن

ي ل

ه ف

ي النھاي

ة أن ك

ل‬ ‫األس

اليب الت

ي يتبعھ

ا معھ

ا ال تعن

ي لھ

ا ش

يئا ً‪ ،‬ھ

ذا ألنھ

ا ال ت

رى وال‬ ‫تتصور حياة من دونه‪.‬‬ ‫"سؤال آخر يا ميليندا" قال دميترس‪" :‬ل و افترض نا أن ك تحبين ه بك ل‬ ‫الخواص العقلية وحاالته وأنماط ه فق د تك ون ھ ذه مج رد تعبي رات ع ن‬ ‫أمر فيزيائيي‪ ،‬وأم ا الح دث العقل ي‪ ،‬فلنق ل حب ك ل سلوان‪ ،‬م ا ھ و س وى‬ ‫تنبي

ه وإض

رام مجموع

ة م

ن الع

صبونات ف

ي ال

دماغ‪ .‬فأن

ت ف

ي ھ

ذه‬ ‫الحال

ة تحبين

ه فع

الً بعقالني

ة‪ ،‬لكن

ك أخ

ذت جانب

ا ً واح ٌ د منھ

ا وترك

ت‬ ‫اآلخر كل ه‪ ،‬وھ ذه تمث ل الفل سفة الفيزيائي ة النموذجي ة أو نظري ة الھوي ة‬ ‫النموذجية التي تأخذ جانبا ً معينا ً وتنطلق منه ويكون بالتالي كل قرارات‬ ‫ذلك الشخص صادرة من ھذا الج زء م ن العق ل ال ذي أخ ذ ط وراً معين ا ً‬ ‫من الحياة وأنطلق منه"‬

‫‪٢٧١‬‬


‫لم تكن ميليندا في وضع يسمح لھا وقتھا ل سماع فل سفة وال دھا‪ ،‬فھ ي‬ ‫مشغولة بالطريقة التي ستخرج بھ ا م ن البي ت اآلن وم ن غي ر أن تثي ر‬ ‫موجة غضب كالتي كانت قبل قليل‪.‬‬ ‫"أب

ي‪ ،‬ق

د تك

ون محق ا ً بك

ل م

ا تق

ول‪ ،‬لكن

ي اآلن مت

وترة ج

داً م

ن‬ ‫السيناريو الذي دار ف ي بيتن ا‪ ،‬وأن ا أري د أن أذھ ب لن ور وس لوان ألن ي‬ ‫ھاتفتھما وكانا في حالة يرثى لھا"‬ ‫شعر دميترس بإحباط شديد‪ ،‬وأحس أنھا لم تكن لتصغي له أو ت سمع‬ ‫رأيه بالموضوعية التي كان يقدمھا لھا من وجھة نظره‪.‬‬ ‫كان

ت ميلوذي

ا ف

ي المط

بخ وت

سمع كالمھم ا ول

م تعل

ق ب

شيء حت

ى‬ ‫سمعت األخيرة تقول أنھا ستذھب لنور لوضعھا النفسي‪.‬‬ ‫"أن

ت دائم

ا ً ھك

ذا‪ "...‬دخل

ت ميلوذي

ا ھائج

ة‪" :‬ال يھم

ك كي

ف أش

عر‬ ‫اآلن‪ ،‬أم

وت قھ

راً أو أص

اب بنوب

ة ع

صبية ويك

ون بھ

ا حتف

ي وأن

ت‬ ‫سببھا‪ ،‬ھذا ال يھم‪ ،‬أما نور وابنھا فال يجوز أن تتركيھما وح دھما بھ ذه‬ ‫الظروف‪ ،‬وأنا‪"...‬‬ ‫"أرجوك يا ميلوذيا" قاطعھا دميترس ولم يدعھا تكمل تذمرھا الدائم‪:‬‬ ‫"دعيھ

ا ت

ذھب وأن

ا عن

دك‪ ،‬أن

ا أق

در حالتھ

ا وأن

ت يج

ب علي

ك أن‬ ‫تتفھميھا"‬ ‫"شكراً لك يا أبي"‬ ‫أقبلت عليه وقبلته وأسرعت خارجة قبل أن يجد جديد ويغير رأيه‪.‬‬

‫‪٢٧٢‬‬


‫ص

عدت س

يارتھا م

ن ط

راز أوب

ل ك

ورزا م

ن س

نة ‪ ٢٠٠٢‬وكان

ت‬ ‫ھدية والدھا لھا عندما أنھت رخصة السواقة وأتمت الثامنة عشر‪.‬‬ ‫وم

ا كان

ت إال ع

شر دق

ائق م

ن وق

ت خرج ت م

ن )أس

بروبيغوس(‬ ‫حيث تسكن وھي احدى ضواحي أثينا‪ ،‬وإذا بھا أمام بيت س لوان‪ ،‬وف ي‬ ‫الع

ادة ت

ستغرق ال

سيارة حت

ى ھن

اك م

ا ب

ين الخم

سة ع

شر دقيق

ة‬ ‫والعشرين‪.‬‬ ‫قرع

ت الج

رس األول وانتظ

رت‪ ...‬ل

م تحتم

ل كثي راً حت

ى قرع

ت‬ ‫مراراً وتكراراً وبصورة متتالية‪.‬‬ ‫كانت نور غارق ة بالثمال ة حت ى أنھ ا نام ت ول م تع د ت سمع أو تح س‬ ‫شيء‪.‬‬ ‫"أمي‪ ...‬أمي‪ ...‬الباب‪ ...‬ھناك أحداً على الباب"‬ ‫ل م يك ن س

لوان أق ل منھ ا ثمال

ة‪ ،‬إال أنھ ا ل م تك

ن لت سمع م ا يق

ول أو‬ ‫يدور حولھا‪.‬‬ ‫"إن

ه زاك

س ي

ا أم

ي‪ ،‬بالتأكي

د يري

د أن ين

ام مع

ك‪ ...‬أن

ا أع

رف أن

ك‬ ‫تمارسين الجنس مع ه دائم ا ً‪ ،‬أفتح ي ل ه الب اب‪ ،‬وأن ا‪ ...‬سأص طنع الن وم‬ ‫حتى تضاجعيه من غير أن تحسي بخجل"‬ ‫سلوان ملق ى عل ى األرض وال يك اد ي ستطيع الح راك ل وال أن رن ين‬ ‫الجرس أقلقه ولم يتمكن من متابعة غفوته‪.‬‬ ‫وق

ف وھ

و يت

رنح حت

ى ف

تح الب

اب ودخ

ل م

ن غي

ر أن ينظ

ر م

ن‬ ‫الداخل‪.‬‬ ‫‪٢٧٣‬‬


‫"أمي في فراشي‪ ...‬خذھا لحجرتھا وارقد معھا ھناك"‬ ‫أمسكت ميليندا سلوان وأدارته إليھا‪" :‬سلوان حبيبي‪ ،‬تعال معي‪"...‬‬ ‫صارت تشد به من غي ر أن ت سيطر علي ه وعل ى حركات ه الع شوائية‬ ‫السكرة‪.‬‬ ‫أجل

سته ف

ي الحج

رة الت

ي اعت

ادت الجل

وس معھ

م فيھ

ا‪" :‬س

أذھب‬ ‫وأطمئن على نور‪ ،‬سأحضر حاالً حبيبي"‬ ‫تفاجئ

ت لحظ

ة دخولھ

ا عن

دما رأت عب

وات الخم

ور بكث

رة أنواعھ ا‬ ‫فارغة منتثرة بجميع أرجاء الغرفة‪.‬‬ ‫صارت تمشي بحذر تبتعد عنھا‪ .‬لمست براحة يدھا خد نور األصفر‬ ‫من أثار الكحول الكثيرة بدمھا ووضعت الغطاء عليھا وتركتھا تنام‪.‬‬ ‫خرج

ت وراودھ

ا خوف

ا ً عن

دما ت

صورت ل

ون ب

شرتھا م

رة أخ

رى‬ ‫أمامھ

ا وع

ادت حت

ى توقظھ

ا لتطم

ئن عنھ

ا يقين

ا ً خ

وف أن تك

ون ق

د‬ ‫أصيبت بتسمم كحولي من كثرة ما شربت‪.‬‬ ‫"نور‪ ...‬نور"‬ ‫ھزت وجھھا ورأس ھا حت ى ت ستيقظ ولك ن ال حي اة لم ن تن ادي حت ى‬ ‫أنھ

ا فزع

ت وص

فعتھا عل

ى خ

دھا ص

فعة أفاقتھ

ا مفزوع

ة‪" :‬م

ا ال

ذي‬ ‫يحدث‪...‬؟ ما ھذا؟"‬ ‫أول ما رأت‪ ،‬رأت ميليندا‪" :‬لماذا توقظينني بھذه الطريقة يا ابنتي"‬ ‫كلماتھا متقطعة تكاد ال تفھم‪.‬‬

‫‪٢٧٤‬‬


‫"الحمد للرب يا نور"‬ ‫"على ماذا؟ ألنك صفعتني؟"‬ ‫ضحكت ميليندا تحس باطمئنان لوضعھا‪.‬‬ ‫"لقد خفت عليك يا نور‪ ،‬أكملي نومك‪ ،‬غداً سنتحدث"‬ ‫ذھب

ت ل

سلوان وك

ان اآلخ

ر ع

اد ف

ي س

بات عمي

ق كأن

ه ل

م يح

س‬ ‫بوجودھا معه‪.‬‬ ‫أح ضرت ل

ه ثي

اب الن

وم وأبدلت

ه ثياب

ه وھ

و ن

صف واع

ي ل َ م ي

دور‬ ‫حوله‪.‬‬ ‫لبست ھي األخرى )شورت( من خواص سلوان ولم يكن ھذا الشيء‬ ‫جديداً عليھا‪.‬‬ ‫احت

ضنته وص

ارت تتأمل

ه وتقبل

ه وتحدث

ه وھ

ي عل

ى يق

ين بأن

ه ال‬ ‫يسمعھا حتى راحت ھي األخرى في النوم معه‪.‬‬ ‫أفاقت على صوت ھاتفھا‪ ،‬ھي تعي تماما ً بأن أباھا ھو الذي يرن‪.‬‬ ‫"نعم يا أبي"‬ ‫ھو في المقابل بصوت غير راضي‪" :‬إلى مت ى س تمكثين ھن اك؟ أل م‬ ‫يحن الوقت للرجوع؟"‬ ‫"أبي أرج وك‪ ،‬أن ا نائم ة ول ن أس تطيع قي ادة ال سيارة اآلن‪ ،‬سأح ضر‬ ‫غداً للبيت‪ ،‬ليليتك سعيدة"‬

‫‪٢٧٥‬‬


‫أغلق

ت الخ

ط وعن

دما أح

س أنھ

ا ل

ن تطي

ل مع

ه ف

ي المكالم

ة ق

ال‬ ‫بصوت مضطرب‪" :‬ال تنھي المكالمة يا ميليندا‪ ...‬ميليندا"‬ ‫كانت قد أغلقت السماعة والھ اتف مع ا ً ورمت ه عل ى األرض وب نفس‬ ‫اليد ألقتھ ا عل ى ص در س لوان وتابع ت نومھ ا دون أن تفك ر بقل ق أبيھ ا‬ ‫وانزعاجه لحظة واحدة‪.‬‬ ‫أفاق ت ميلين

دا ھ ي األول ى وك ان الجمي

ع ني ام‪ ،‬دخل

ت حج رة س

لوان‬ ‫التي ترق د بھ ا ن ور وب دأت بخل سة تجم ع الق وارير المفرغ ة م ن س كرة‬ ‫األمس كي ال تذكرھما بحادثة البارحة‪.‬‬ ‫وضعتھا كلھا في كيس ورقي وأخذته معھا لتلق ي ب ه ف ي أق رب س لة‬ ‫مھمالت‪.‬‬ ‫لم تنتظر حتى يستيقظا ألنھا ستذھب إلى جامعتھا‪ .‬لبست ثيابھا على‬ ‫عجلة وكأن شيء كان يمنعھا من البقاء ھناك أو أنھا لم ترد أن تراھم ا‬ ‫في الصباح في تلك الحالة السيئة‪.‬‬ ‫ومن غير أن تضع ماكياجھا الخفيف المعت اد أس رعت نح و س يارتھا‬ ‫تقصد دوامھا‪.‬‬ ‫وصلت مت أخرة قل يال وقب ل أن ت دخل القاع ة بأمت ار ناداھ ا م ن بعي د‬ ‫صوت تعرفه تماما ً‪" :‬ميليندا‪ ...‬تعالي"‬ ‫كانت صوفيا تجلس مع شاب كان الجميع ي شك بعالق ة حميم ة بي نھم‬ ‫رغم إنكارھما الدائم‪.‬‬ ‫"ماذا تفعلين أنت ھناك؟ لماذا ال تدخلي للمحاضرة؟"‬ ‫‪٢٧٦‬‬


‫تجاھلت ندائھا ولم تنتظر ردھا وواصلت خطوتھا السريعة‪.‬‬ ‫قفزت صوفيا عن الحافة داخل القسم التي كانت تجلس عليھا وع دت‬ ‫نحو ميليندا‪" :‬انتظري يا خائنة"‬ ‫قالت لميليندا ألنھا ل م ت ستجب لن دائھا‪ ،‬ول م تك ن ھ ذه األلف اظ غريب ة‬ ‫على ميليندا فھي تسمعھا بطريقة تكاد أن تكون دائمة‪.‬‬ ‫دفع

ت ميلين

دا ب

اب القاع

ة المقطع

ي ذو النواف

ذ الزجاجي

ة الدائري

ة‬ ‫الشفافة ودخلت‪ ،‬وأول ما وقع نظرھا وقع على الدكتور المحاضر الذي‬ ‫ك

ان ف

ي مرم

ى ب

صرھا‪ ،‬فك

ان ش

كل القاع

ة مث

ل الم

درج الروم

اني‪،‬‬ ‫وبادلھ

ا النظ

رة م

ن ج

راء ص

وت الب

اب ونظ

ر الجمي

ع لھ

ا وكان

ت‬ ‫مقاعدھم موجھة نحو األسفل وباب القاعة من الخلف‪.‬‬ ‫كانت المحاضرة لم تبدأ والدكتور كان يعد بأوراقه‪" :‬مألوف ج داً أن‬ ‫تأتي صوفيا متأخرة‪ ،‬أما أنت يا ميليندا!" قال الدكتور‪.‬‬ ‫لم تكن تعرف ميليندا أن صوفيا خلفھا‪ ،‬إال عندما خاطبھما الدكتور‪.‬‬ ‫"آسف جداً‪ ،‬لكني‪"...‬‬ ‫لم تكن مستعدة الختالق أي عذر ولتبكت‪.‬‬ ‫"اقعدي ميليندا‪ ،‬أنا أع رف أن ھن اك س ببا ج اداً ح ال دون ح ضورك‬ ‫في وقت المحاضرة"‬ ‫خجلت ھي األخرى‪" :‬أشكرك يا دكتور على ثقتك بي"‬

‫‪٢٧٧‬‬


‫دفع

ت ص

وفيا ميلين

دا م

ن خلفھ

ا ألق

رب مقع

د وقال

ت‪" :‬يكف

ي‬ ‫إطراءات" بصوت تكاد ميليندا ومن حولھا يسمعه‪" :‬ھو مستعد أن يدفع‬ ‫كل الذي يملكه حتى بدلته التي لم يغيرھا منذ أن بدأ التدريس في س بيل‬ ‫أن يالمس نھديك ولو مرة"‬ ‫"أنت ستموتين وسيبقى ل سانك يقف ز حول ك" كناي ة عل ى س الطة ف ي‬ ‫الكالم‪.‬‬ ‫الدكتور آجلوس كان في الرابع ة واألربع ين م ن عم ره أع زب غي ر‬ ‫متزوج‪ ،‬طوله متر وس بعة وس بعين س نتيمتر ال يتج اوز وزن ه الخم سة‬ ‫والثمانون كيلو جرام‪ ،‬أبيض الب شرة ل يس بكثي ف ال شعر لك ن ق صيره‪.‬‬ ‫وكان من الشخصيات الراقية النادرة في الوسط الجامعي ال ذين تق درھم‬ ‫ميليندا‪.‬‬ ‫"ماذا أعددتي لنا اليوم يا ميليندا"‬ ‫كانت األخرى لم تخرج أوراقھا ولتوھا فتحت حقيبة الحاسوب اآللي‬ ‫المحمول التي تضع فيھا أحيانا ً أوراقھا وكتبھا‪.‬‬ ‫فاجأھا الدكتور آجلوس ب سؤاله ورفع ت عينيھ ا م ن حقيبتھ ا الت ي ل م‬ ‫تخرج منھا غير نظرھا‪" :‬أعددت‪ ...‬اليوم‪...‬؟" لم ت سمع حقيق ة س ؤاله‪:‬‬ ‫"إذا كنت تعني استعدادي النفسي‪ ،‬فأنا مثل كل يوم"‬ ‫ضحك الطلبة وقال أحدھم‪" :‬أشك أنا أنھا اليوم مثل كل يوم"‬ ‫كان أحد الطلبة األغنياء من أصحاب األمالك الكثيرة ومعروف عن‬ ‫سياستھم المالية واستبدادھم‪.‬‬ ‫‪٢٧٨‬‬


‫"غريب‪ ،‬ما الذي جرى اليوم؟ كوستاس فائق على غير العادة"‬ ‫ردت عليه صوفيا‪.‬‬ ‫ارتفع صوت الطلبة بالضحكات والھمھمات سخرية منه‪.‬‬ ‫"ھل نبدأ اليوم؟" قال الدكتور‪.‬‬ ‫موض وعنا الي

وم ع

ن موس

يقى )الريبتك

و( وأث

ر ال

صحافة واإلع

الم‬ ‫عليھا"‬ ‫"ريمبيتكو يا دكتور"‬ ‫قال أحد الطلبة يقصد تعديل التسمية بأسلوب ساخر‪.‬‬ ‫"جمي

ل أن

ك بع

د س

تة أع

وام عل

ى مقاع

د الدراس

ة عرف

ت أخي

راً أن‬ ‫االختالف فقط باللفظ"‬ ‫وكان ھذا الطالب من المھملين جداً لدرجة أنه م ن س نتين وھ و يعي د‬ ‫الفصول األخيرة دون أن ينجح‪.‬‬ ‫"ھذا كل الذي عرفه طوال فترته الجامعية" قال أحد أصدقائه بجانبه‬ ‫متھكما ً‪.‬‬ ‫"ما ھي الريمبيتكو؟"‬ ‫"موسيقى يونانية ال تسمع إال في أثينا" قال أحد الطلبة المستھزئين‪.‬‬ ‫"صحيح" قال الدكتور‪" :‬ولكن ھذا ليس كل شيء‪ .‬من يق ول ل ي ف ي‬ ‫البداية من أين أتت ھذه التسمية؟"‬

‫‪٢٧٩‬‬


‫"ھي الكلمة الالتينية بيالرا ومعناھا الثائر‪ ،‬وھي مستخدمة اليوم ف ي‬ ‫معظم اللغات األوروبية )‪ ،Rebellion‬ريبليون(" قالت ميليندا‪.‬‬ ‫"جمي

ل ي

ا ميلين

دا‪ ،‬ولم

اذا س

مي ھ

ذا الن

وع م

ن الموس

يقى بھ

ذه‬ ‫التسمية؟"‬ ‫"ألنھا مورست من مجموعة من البروتاريين الذين كانوا م ن وجھ ة‬ ‫نظر القانون متمردين أو ثائرين"‬ ‫قال سوتيرس وھو أحد المجتھدين الجادين والمنافس الوحي د لميلين دا‬ ‫عل ى الدرج

ة األول

ى رغ

م أن ھن

اك فت اة أخ

رى وص

ولية اس

مھا ھلين

ا‬ ‫كانت تعتقد بأنھا ستكون ھي األولى بحكم عالقات والدھا وجمالھا‪.‬‬ ‫"بدأت الرمبيتكو في عام ‪١٩٢٢‬م ف ي بداي ة سياس ة التھجي ر لليون ان‬ ‫من )سميرانا( و)إزمير( ومناطق مختلفة من تركيا الي وم‪ ،‬وكثي ر م نھم‬ ‫سكن )بيريوس( ومن ھناك كانت االنطالقة األولى لھ ذا الف ن‪ .‬وأنغام ه‬ ‫مشتركة بين الفن الشرقي والبيزنطي بحكم الموقع الجغرافي"‬ ‫مشى الدكتور وكأنه يفكر بالنقطة التي تليھا أو في موعد العشاء ھذا‬ ‫المساء مع الباحثة االجتماعي ة الت ي تع رف عليھ ا من ذ ش ھرين‪ ،‬وت ابع‪:‬‬ ‫"من يقول لي ما ھي أھم اآلالت الموسيقية المستخدمة في الرمبيتكو؟"‬ ‫"البوزق" قال أحدھم‪.‬‬ ‫"القيثارة" قال آخر‪.‬‬ ‫"األكورديون" قال آخر‪.‬‬

‫‪٢٨٠‬‬


‫"نعم‪ ،‬صحيح‪ ،‬الب وزق‪ ،‬القيث ارة‪ ،‬األكوردي ون‪ ،‬الكمنج ا والباغالم ا‪.‬‬ ‫ومن أھم نجوم ھذا الفن أسماء بالتأكيد الكثي ر م نكم ب ل الجمي ع يعرفھ ا‬ ‫مث

ل )م

اركوس فامفاك

اريس( وفاس

يليس تسيت

سانيس( و)م

انوليس‬ ‫ھيوتيس( الذين أضافوا لھذا اللون من الموس يقى ص بغة خاص ة أخ ذت‬ ‫طابع من أشخاصھم وصارت من خصائص ھذا الفن وتطوره"‬ ‫كانت ميليندا غير مطمئنة في جلستھا وندمت بان خرجت م ن البي ت‬ ‫قبل أن تراھم وتجلس معھم ولو قليل‪ ،‬وكأنھا لم تكن البارحة ھناك‪.‬‬ ‫ك

أن الفك

رة أيقظتھ

ا م

ن ن

وم مغناطي

سي‪ ،‬وقف

ت دون أن تفك

ر‬ ‫وخرجت‪.‬‬ ‫"إلى أين انت ذاھبة يا مجنونة؟" قالت صوفيا‪.‬‬ ‫"أنا ذاھبة‪ ،‬ابتعدي عني أو افتحي لي طريق"‬ ‫كانت صوفيا تجلس من الخارج وتعيق خروجھا بالتالي‪.‬‬ ‫"سأخرج معك‪ ،‬أنا لم أدخل المحاضرة إال ألجلك"‬ ‫خرجا سويا ً بتسلل مثل اللصوص قبل أن يشعر بھما ال دكتور‪ .‬وقب ل‬ ‫أن يفتحا الباب بث وان ق ال لھ م بع دما أح س بھ م وض حك‪" :‬ھ ل انتھي تم‬ ‫بسرعة اليوم؟"‬ ‫"تذكرت أوراقي يا دكتور"‬ ‫علم ھو أن ھناك شيئا ً مھ م أخرجھ ا م ن القاع ة‪ ،‬فھ و يع ي اھتمامھ ا‬ ‫وخاصة في ھذا الشھر الدراسي األخير وقبل التخريج‪.‬‬

‫‪٢٨١‬‬


‫"نعم‪ ،‬أكيد" قال الدكتور‪.‬‬ ‫ما كادت أن تسمع كلمته حتى طارت وخلفھا صوفيا‪.‬‬ ‫"وأنت يا صوفيا؟" سألھا الدكتور‪.‬‬ ‫لكنھا لم تلقي ب االً لكالم ه وخرج ت ھ ي ب دورھا تع دو خل ف ميلين دا‬ ‫حتى توس طتا ص الة الق سم وأم سكت ص وفيا األخ رى م ن كتفھ ا‪" :‬ھ ال‬ ‫قلت لي ما الذي يدور في رأسك؟" وقفت ميلين دا متع صبة م ن غي ر أن‬ ‫تنطق بحرف‪" :‬ماذا بك يا ميليندا‪ ،‬لماذا أنت متبعثرة الكيان؟"‬ ‫"كيف أبدأ لك‪...‬؟ ومن أين؟ من ليلة البارحة أم من ق راري ال ذي ال‬ ‫ً‬ ‫تماما؟"‬ ‫أعيه‬ ‫رفعت ص وفيا حاجبھ ا األيم ن كأنھ ا تنب أت ب شيء م ن تق اطيع وج ه‬ ‫األخرى وحيرتھا‪" :‬سلوان وأبوك؟ ھل حصل ما توقعت؟"‬ ‫"أن

ا ال أع

رف بالتحدي

د توقع

ك‪ ،‬إنم

ا ح

صل أكث

ر م

ن ك

ل توقع

اتي‬ ‫وتوقعاتك‪ .‬المشكلة األكبر أني ال أعرف ماذا سأفعل! أقف أم ام وال داي‬ ‫وأخي ب ظ ن أب

ي ب ي وأحط

م أحالم ه؟ أم أخت

ار س عادتي وأدوس عل

ى‬ ‫آمالھما وتمنياتھما؟ لقد كانت ليلة البارحة حافلة باألحداث كأنھا أس بوع‬ ‫وأكثر‪ ،‬وقفت أمامي أبي ورفعت صوتي ألول مرة في حياتي وواجھته‬ ‫برأي ي بك

ل ص

راحة‪ ،‬لق

د ص

عق عن

دما قل

ت ل

ه أن

ي س

أتزوج س

لوان‬ ‫رغما ً عنكما‪ ،‬وأن ي ل ن أترك ه وس أختار الحي اة مع ه‪ ،‬طبع ا ً أم ي ن دبت‬ ‫حظھا حتى أني كرھت نفسي وتمنيت أن تبتلعني الجدران"‬

‫‪٢٨٢‬‬


‫أثناء حديثھا رن ھاتفھا الخلوي‪ ،‬وقبل أن تنظر له قالت‪" :‬من يك ون‬ ‫حسب توقعك؟ أمي بالتأكيد تريد أن تعرف إذا مازلت عند سلوان"‬ ‫حملھا حب الف ضول أن تخرج ه م ن حقيبتھ ا وإذا ب رقم س لوان عل ى‬ ‫شاشة الھاتف على عكس توقعھا‪ .‬فتحت خط الھاتف‪" :‬صباح الخي ر ي ا‬ ‫سلوان"‬ ‫وقبل أن تكمل قال لھ ا م ن غي ر أن يحيھ ا‪" :‬لم اذا خرج ت دون أن‬ ‫تيقظيني؟"‬ ‫احتارت كيف ترد عليه‪ ،‬وخجلت أن تذكره بالوضع الذي ك ان علي ه‬ ‫وأمه‪" :‬حبيبي أنت كنت نائم ولم أرد أن أزعج ك‪ ،‬وھ ا أن ا ف ي طريق ي‬ ‫إليك"‬ ‫"وأين أنت اآلن"‬ ‫"أن ا م

ع ص

وفيا ح ضرت إل

ى الجامع

ة ك ي أح

ضر بع

ض المراج

ع‬ ‫وسأكون بعد قليل عندكما"‬ ‫"أنا أعرف الحالة السيئة التي كنت أنا وأمي عليھا البارحة‪ ،‬أنا أحبك‬ ‫ي

ا ميلين

دا‪ ...‬ال أس

تطيع الع

يش م

ن دون

ك‪ ،‬أن

ا ال أت

صور حي

اتي م

ن‬ ‫غيرك‪ ،‬فوجودك بجانبي ومعي ھو كل حياتي"‬ ‫بدا من صوته أنه متأثر جداً‪.‬‬ ‫"وأنا أحبك حبيبي ولن أسمح لوالداي أن يقفا أم ام س عادتنا‪ ،‬غي ر أن‬ ‫الخمر ليس حل يا سلوان‪ ،‬أنت تشرب كثيراً في الفترة األخيرة"‬

‫‪٢٨٣‬‬


‫أحس بالحرج من أسلوبھا اللين وقال‪" :‬إن الخمر ليست إثم يا ميليندا‬ ‫إنما مطعمھا اآلثم وأنت" وضحك ليذھب أجواء الجدية على تعليقھا‪.‬‬ ‫"سأنھي المكالمة يا سلوان‪ ،‬سأكون بعد عشرين دقيقة عندك"‬ ‫"ال‪ ،‬لن تذھبي اآلن قبل أن تحدثيني بكل ال ذي ج رى األم س" قال ت‬ ‫صوفيا‪.‬‬ ‫بعد أن أنھت المكالمة لم تنتظر حتى سارت وصوفيا خلفھا دون كلل‬ ‫أو ملل‪ ،‬تتحدث معھا من غير فاصلة أو نقطة‪.‬‬ ‫"وأن

ا بحاج

ة للح

ديث مع

ك ي

ا ص

وفيا‪ ،‬أن

ا ف

ي حي

رة م

ن أم

ري‪،‬‬ ‫والوضع في بيتنا أصبح ال يطاق‪ ،‬صدقيني أني لم أعد أتصور الحديث‬ ‫مع أبي أو أنظر حتى في وجه أمي"‬ ‫صوفيا من الفتيات التي يمكن أن تعزل مشاعرھا في وق ت ق د يت أثر‬ ‫اآلخرون كثيراً حتى يظھر عليھم‪ ،‬وتستطيع أن تتحدث بكل موضوعية‬ ‫دون أن يبدو عليھا أي تغير‪ ،‬فتكون كالزجاج‪.‬‬ ‫"إذن تعالي معي‪ ،‬أنا سأدعوك لنأكل فطيرة بالجبن سويا"‬ ‫"موافقة" قالت ميليندا‪.‬‬ ‫ك ان ال شاب م ازال يجل س عل ى الحاف ة وم شغول ف ي ھاتف ة الخل

وي‬ ‫وعن

دما رأى ص

وفيا وس

ط الق

سم نادھ

ا‪" :‬لق

د عرف

ت أن

ك س

تخرجين‪،‬‬ ‫وأنا ألجل ھذا بقيت في انتظارك"‬

‫‪٢٨٤‬‬


‫"أكم

ل رس

التك الھاتفي

ة لبنيلوب

ه وھ

ي كالع

ادة ل

ن تجي

ب عليھ

ا"‬ ‫وأشارت بيدھا متھكمة ساخرة وتعدت عنه تتجاھله‪.‬‬ ‫"إلى أين أنتما ذاھبتان؟" ووقف يريد أن يتبعھما‪.‬‬ ‫"ابقى جالسا ً مكانك يا أبوستولس‪ ،‬عندما أحتاجك سأكلمك‪ ،‬أنت اآلن‬ ‫ال حاجة لك"‬ ‫نظرت ميليندا إليھا ترمقھا بعينيھا وتستغرب م ن جرأتھ ا وس الطتھا‬ ‫على الشبان‪.‬‬ ‫"أنا ال أفھمك أحيان ا ً كثي رة‪ ،‬تداعبين ه أحيان ا ً حت ى يح سب أن ه أجم ل‬ ‫ال

شبان وت

أتي إلي

ه حين

ا ً آخ

ر وتھم

شيه وت

سمعيه ك

الم ق

د يك

ره نف

سه‬ ‫ألشھر‪ .‬ما أقسى طبعك يا صوفيا"‬ ‫"ال تتفلسفي كثيراً يا حبيبتي‪ ،‬أن ا ال أرى بال شبان غي ر الج نس‪ ،‬وإذا‬ ‫فرغت منه أو راح تفكيري لشيء آخر أحس بلع اب واس تفراغ إذا ك ان‬ ‫أحدھم بجانبي"‬ ‫وص ال ف

ي األثن اء إل

ى الكفتيري

ا ول

م يك

ن ف

ي داخلھ

ا إال القلي

ل م

ن‬ ‫الطلبة‪.‬‬ ‫أخذا زاوية منفرده بعيد عن اآلخرين وجلسا بجانب الجدار الزجاجي‬ ‫الشفاف المطل على الشرفة الخارجية للكفتيريا‪.‬‬ ‫"اآلن‪ "...‬قال

ت ص

وفيا‪" :‬ح

دثيني بالتف

صيل المم

ل ع

ن ح

دث‬ ‫البارحة"‬

‫‪٢٨٥‬‬


‫وضعت ميليندا رأسھا ب ين أكتافھ ا وي ديھا عل ى الطاول ة أمامھ ا‪" :‬ال‬ ‫أعرف كيف أبدأ لك ومن أين‪ ،‬ھل أقول لك عن الحديث ال ذي دار ب ين‬ ‫وال

دي وس

لوان؟ أم ع

ن ش

كليھما بع

د أن ح

ضرت وك

ان ك

ل ش

يء‬ ‫منتھيا‪"...‬‬ ‫"ماذا تعني بمنتھي؟"‬ ‫"أنا نفسي ال أعرف‪ .‬فجأة اضطربت األوضاع بعد أن جل س وال دي‬ ‫معه بأقل من نصف ساعة ولم أعرف بالتحديد الذي دار بينھما"‬ ‫"وكي

ف تنب

أت ب

الرفض م

ن غي

ر أن تعلم

ي؟ وم

ن ق

ال ل

ك أن

ه‬ ‫رفض؟"‬ ‫"لقد تشاجرت مع والدي ورفع ت ص وتي علي ه وقل ت ل ه رأي ي بك ل‬ ‫وضوح وصراحة‪ ،‬طبعا ً بعدما بين لي رفضه المطلق لسلوان وعالقتي‬ ‫به"‬ ‫"لماذا تختصرين بالكالم معي؟ حدثيني بالذي ج رى م ن األل ف إل ى‬ ‫الياء"‬ ‫"أرجوك يا صوفيا‪ ،‬دعيني أحدثك على طريقت ي وال ت ضغطي عل ي‬ ‫أكثر‪ ،‬أنا منھارة وال ينقصني تسلطك وسيطرتك علي"‬ ‫"وھل أنا صرت الشخص البذيء المتسلط؟ منذ متى ھذا؟ ميليندا‪ ،‬أنا‬ ‫لن أسمح لك أن تكوني وحدك‪ ،‬ولي الح ق‪ ،‬وك ل الح ق بحك م ص داقتي‬ ‫أن أمل

ي علي

ك وأحيان

ا ً رغ

م أنف

ك إذا اس

تدعت ال

ضرورة‪ .‬أن

ت ل

ست‬ ‫صديقتي فقط‪ ،‬إنم ا أخت ي وك ل ش يء أن ت‪ ،‬وأعتق د أن ه ل ي الح ق بھ ذه‬ ‫‪٢٨٦‬‬


‫رأي بم ا اعتق ده ص وابا ً وإن أمنع ك‬ ‫الحثيثة‪ ،‬ومن الحكمة أن أق ول ل ك‬ ‫ّ‬ ‫أحيانا ً أخرى إذا دعت الحاجة"‬ ‫بكت ميليندا وھي صامته من غير أن ترد على صوفيا ولو بكلمة‪.‬‬ ‫"ميليندا‪ ،‬حبيبت ي‪ ،‬أن ت ل ست اآلن بموق ف ي سمح ل ك أن ت ضعفي أو‬ ‫تھزمي‪ ،‬ھذا إذا كنت تعرفين تماما ً ما تريدين"‬ ‫"رفع

ت رأس

ھا ودموعھ

ا الخرس

اء عل

ى خ

دھا ت

سيل حت

ى بلغ

ت‬ ‫شدقيھا‪ ،‬ومسحت صوفيا بإصبعيھا تلك األدمع الالمعات عن وجنتيھا"‬ ‫أنا أتفھ م وض عك النف سي‪ ،‬غي ر أن ك ف ي مرحل ة حرج ة ج داً ويج ب‬ ‫عليك التفكير طويالً قبل أن تتخذي قرار‪ ،‬ألنه سيغير حياتك كلھا"‬ ‫"م

اذا تري

دين أن تق

ولي؟ ھ

ل أتخل

ى ع

ن س

لوان وأترك

ه؟ أن

ا ل

ن‬ ‫أستطيع العيش من دونه‪ ،‬ھو ك ل حي اتي ي ا ص وفيا‪ ،‬كي ف تطلب ي من ي‬ ‫شيء كھذا؟ وأنا أعتقد أنك تحبين سلوان وتحترميه"‬ ‫"أنا لم أقل شيء مما ذك رت‪ ،‬م ا ال ذي ج رى ل ك أن ت؟ أن ت ص رت‬ ‫حساسة أكثر من المعقول يا ميليندا‪ ،‬أن ا أتح دث مع ك بموض وعية أن ت‬ ‫اآلن بأمس الحاجة لھا وتقولي لي كالم سخيف ال معنى له"‬ ‫وقفت ميليندا وزاد بكائھا بأكثر من األول‪" :‬أنا ذاھبة‪"...‬‬ ‫عانقتھا صوفيا وقالت‪" :‬ال يا حبيبت ي‪ ،‬ال ت ذھبي وأن ت بھ ذه الحال ة‪،‬‬ ‫لماذا غضبتي مني؟ أنا جانبك الموضوعي اآلخر‪ ،‬أنت عاطفية كثير يا‬ ‫ميليندا‪ ،‬أنا أحاول دراسة الوضع بمعزل عن العاطفة‪ ،‬وأنا لم أقل شيء‬ ‫رأي م

ن ھ

ذه‬ ‫ع

ن س

لوان ول

م أع

ارض‪ ،‬ال ب

العكس‪ ،‬أن

ت تع

رفين‬ ‫ّ‬ ‫‪٢٨٧‬‬


‫الناحي

ة‪ .‬اقع

دي اآلن حبيبت

ي ولنتح

دث ع

ن الق

ادم وع

ن م

شاريعك‬ ‫الم

ستقبلية ول

نفھم أوالً ال

شيء ال

ذي أن

ت تريدين

ه ول

يس ال

ذي يري

ده‬ ‫س

لوان أو وال

ديك‪ ،‬ال تخ

ضعي ألي

ة ض

غوط م

ن الط

رفين‪ ،‬علي

ك أن‬ ‫تعرفين أوالً ما الذي يناسب تطلعاتك وأن تختاري أن ت التوقي ت ول يس‬ ‫الوضع الحالي أو اآلخرين"‬ ‫"أنا ال أعرف ش يء‪ ،‬لق د فق دت ك ل التركي ز‪ ،‬ل و رأي ت الحال ة الت ي‬ ‫ك

ان س

لوان ون

ور البارح

ة عليھ

ا‪ ،‬أن

ا ل

م أرى ن

ور بحي

اتي ثمل

ة‪ .‬إن‬ ‫الطريقة التي تحدث بھا والدي مع سلوان بالتأكي د كان ت جاف ة وغليظ ة‬ ‫لدرجة أنھما كانا محبطين حتى الغثيان‪ ،‬لقد ھاتفني س لوان وك ان يبك ي‬ ‫وھ

و ثم

الً لدرج

ة ع

دم قدرت

ه عل

ى الك

الم‪ ،‬والمنظ

ر‪ ...‬عن

دما دخل

ت‬ ‫عل

يھم‪ ،‬آه ي

ا ص

وفيا م

ن الحال

ة الت

ي ك

انوا عليھ

ا‪ ،‬س

لوان ملق

ى عل

ى‬ ‫األرض وقميصه مبلل بالخمر ونور حالتھا أسوء منه بكثير‪ ،‬ملقاة على‬ ‫سريره والقوارير في كل صوب وناحية"‬ ‫ساء حال ميليندا أثناء حديثھا وانھالت بالبكاء حتى أن الجالسين لف ت‬ ‫نظرھم صوتھا الذي كاد أن يكون نواح‪.‬‬ ‫"اھ

دئي ي

ا ميلين

دا‪ ،‬أرج

وك ي

ا حبيبت

ي‪ ،‬ك

ل ش يء س

يكون عل

ى م

ا‬ ‫يرام‪ ،‬بالصبر‪ .‬فلنتحدث عن شيء آخر"‬ ‫رفعت رأسھا مثل الذي تنب ه ل شيء مف اجئ‪" :‬ال أري د أن أھ رب م ن‬ ‫الموضوع‪ ،‬إلى متى؟ إذا لم أتخذ اليوم قراري فلن أقرر كل عمري‪ ،‬أنا‬ ‫مللت يا صوفيا‪ ،‬منذ ولدت وأمي ھي التي تختار كل أش يائي‪ ،‬أمني اتي‪،‬‬ ‫ثيابي‪ ،‬ھواياتي حتى أحالمي‪ ،‬إلى متى سأبقى طفل ة؟ إنھ م ال ي روا ف ي‬ ‫‪٢٨٨‬‬


‫إال طفل

ة الثاني

ة ع

شر‪ ،‬يتج

اھلون أن

وثتي واختي

اري‪ ،‬أن

ا س

أختار ھ

ذه‬ ‫المرة وحدي بمعزل عنھم وسأتحمل كل النتائج"‬

‫‪٢٨٩‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫دخلت الساعة الحادية عشر صباحا ً وكان والدي ميلين دا يجل سان ف ي‬ ‫المطبخ يحتسيان القھوة سويا ً‪.‬‬ ‫كانت عادة ميلوذيا في الصباح بعد أن تكون قد أنھ ت عم ل المن زل‪،‬‬ ‫الجلوس في الغرفة الرئيسية قرب الھاتف األرضي وتبدأ بمكالماتھا مع‬ ‫ص

ديقاتھا الت

ي ل

م تح

بھم يوم

ا ً ول

م ي ربطھم ب

بعض غي

ر الح

ديث ع

ن‬ ‫المالبس واألثاث وقبالت الخدود المنافقة عند اللقاء والوداع‪.‬‬ ‫وفي العادة يك ون دميت رس ف ي ال ساعة الثامن ة والن صف عل ى رأس‬ ‫عمله على كرسي مكتبه في ميناء بيريوس‪.‬‬ ‫اليوم ليس ككل األيام‪ ،‬لم يغمض له جفن ط وال اللي ل‪ ،‬وم ا أن ب دت‬ ‫الشمس بأطرافھا حتى استيقظ وجلس في مكتب المنزل يحاول أن يق رأ‬ ‫كتاب من مكتبته الزاخرة حتى يھرب من أفكاره التي لم تتركه منذ ليلة‬ ‫األمس‪.‬‬ ‫كان يحس بخيبة أمل وإحباط معا ً لدرجة أنه لم يرغ ب بال ذھاب إل ى‬ ‫شركته ولم يكلمھم حتى ليخبرھم عن عدم مجيئه‪.‬‬ ‫وقفت ميلوذيا وھي محتارة ماذا تفعل بع د أن ع م ال صمت أكث ر م ن‬ ‫عشرين دقيقة‪.‬‬ ‫"م

اذا ب

ك؟ لم

اذا ال تجل

سين؟ أم أن وج

ودي الغي

ر معت

اد أخ

ر‬ ‫مكالماتك مع سيدات المجتمع" دميترس متھكما ً‪.‬‬

‫‪٢٩٠‬‬


‫"من الذي ي تكلم؟ زوج ي العزي ز ال ذي ت رك ابنت ه وأعطاھ ا الحري ة‬ ‫بباعھا وذراعھا حتى أنھا وقفت اليوم ض دنا ك ي تت زوج برب ري‪ ،‬وأي‬ ‫بربري‪ ...‬عربي‪ ،‬حتى نكون أضحوكة بين الناس والعائلة"‬ ‫كان دميترس من المدخنين الكثير التدخين واليوم لم يطفئ ال سيجارة‬ ‫أو يتركھا من يده‪.‬‬ ‫فرغ فنجان قھوته العربية وھم ي سمونھا التركي ة‪ ،‬وض جر م ن ك الم‬ ‫زوجته وتأنيبھا له من غير مبرر‪.‬‬ ‫"ميلوذيا‪ ،‬اطھي دلة كبيرة م ن القھ وة خي ر ل ك م ن الك الم‪ ،‬فكالم ك‬ ‫يثي

ر ونتائج

ه فق

ط غ

ضبي وتعكي

ر مزاج

ي‪ .‬لم

اذا ال تھ

اتفين ميلين

دا‬ ‫وتعرفين أين ھي بدالً من ھذيانك"‬ ‫وكأنھا كانت تنتظر أن يقول لھا حتى أسرعت نحو الھاتف وطلبتھا‪.‬‬ ‫في تلك اللحظة كان ت ميلين دا ف ي طريقھ ا ل سلوان ب سيارتھا‪ ،‬وس معت‬ ‫الھ

اتف إال أنھ

ا ل

م تخرج

ه م

ن حقيبتھ

ا فكان

ت ھ

ي حازم

ة بكثي

ر م

ن‬ ‫األمور أحدھا عدم اللھو بأي شيء أثناء قيادة السيارة‪.‬‬ ‫"ابنتك ال ترفع السماعة"‬ ‫قالت ميلوذيا بصوت مرتفع من غرفة الجلوس مغتنم ة الفرص ة ك ي‬ ‫يبدو صراخھا بصفة طبيعية دون أن ينھال عليھا زوجھا باللوم‪.‬‬ ‫"بالتأكيد أنھا مع سلوان وأھملت جامعتھا‪ ،‬ل ن يك ون ف شلھا إال عل ى‬ ‫يدي ھذا الفتى"‬

‫‪٢٩١‬‬


‫"ھ

ي ف

ي المحاض

رة‪ ،‬رغ

م عالقتھ

ا مع

ه غي

ر أنھ

ا تع

ي أھمي

ة‬ ‫مستقبلھا وھي لن تھمل دراستھا ألج ل ش اب مھم ا تك ن طبيع ة العالق ة‬ ‫الت

ي تربطھم

ا‪ ،‬وخاص

ة ف

ي ال

شھور األخي

رة قب

ل إنھ

اء الدراس

ة‬ ‫ومنافستھا على الدرجة األولى"‬ ‫"ھذا في الماضي يا عزيزي‪ ،‬أنت ال تشعر بمضي األحداث‪ .‬قل ل ي‬ ‫عن آخر مرة شاركت بھا ابنتك في مسابقة البيانو؟ أو حتى أي مشاركة‬ ‫عادية"‬ ‫فكر قليالً بسؤالھا الغير متوقع وأجاب‪" :‬ال أعلم‪ ،‬من شھرين؟"‬ ‫"ال يا زوجي الغالي‪ ،‬أكثر من عام‪ ،‬كانت ميليندا أفضل عازفة بيانو‬ ‫في المركز‪ ،‬أما اليوم فأشك في ذلك"‬

‫‪٢٩٢‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫دخل

ت ميلين

دا لتوھ

ا بي

ت س

لوان وص

ارت تبح

ث ع

ن اآلث

ار الت

ي‬ ‫رأتھا في ليلة البارحة وصباح الي وم‪ ،‬غي ر أن البي ت ب دا ك أن ش يء ل م‬ ‫يكن‪.‬‬ ‫لم تسأل ن ور ع ن ش يء‪ ،‬جل س الجمي ع ب الحجرة الت ي يق ضون فيھ ا‬ ‫معظم الوقت‪.‬‬ ‫"ھل أنت جائعة يا ابنتي؟" سألتھا نور‪.‬‬ ‫"ال يا نور‪ ،‬شكراً‪ ،‬أما إذا أحببت احظري لي كوب حليب"‬ ‫بقيت ميليندا مع س لوان بع د أن أحظ رت ن ور الحلي ب لھ ا وخرج ت‬ ‫من البيت قاص دة لتت ركھم س ويا ً وألول م رة دون أن تفك ر ف ي ال ذھاب‬ ‫ألحد الرجال التي تربطھم بھا عالقة جنسية أو دون أن تفكر بنفسھا‪.‬‬ ‫تبادال النظرات ولم يتحمل سلوان حتى بكى بصوت مرتفع ومن شدة‬ ‫البكاء لم يكن يستطيع الكالم‪.‬‬ ‫لم تعد ميلين دا تتحم ل أكث ر‪ ،‬فوض ع س لوان الح الي ص ار ي سبب لھ ا‬ ‫ضغوطا ً إضافية ھي ف ي ھ ذه المرحل ة بغن ى عنھ ا ل ضعفھا وھ شاشتھا‬ ‫الجسدية التي تحس بھا‪.‬‬ ‫"س

لوان حبيب

ي" عانقت

ه والم

ست بي

ديھا خدي

ه وش

فتيه ووض

عت‬ ‫برأسه على بط ن فخ ذھا ووض عت ي داھا عل ى ش عره الق صير تحس سه‬ ‫بالحنان وبقربھا وسمعت له أحاحا ً وھو يتوجع من الغيظ‪.‬‬

‫‪٢٩٣‬‬


‫"ال تبكي يا حبيبي‪ ،‬ستربل حياتن ا وتخ ضر‪ ،‬والخري ف عل ى أب واب‬ ‫عمرنا"‬ ‫ھزج ا ً‬ ‫"لقد أجشني حبك يا ميليندا وطحنني طحنا ً غليظ ا ً وغ دا قلب ي ِ‬ ‫ط ِربا ً‪ ،‬وغبن ولم يلغب‪ ،‬وفي عيني يا حبيبة عبرة‪ ،‬وفي ال صدر ح زاز‬ ‫وحسرة‪ .‬لقد َأسفت على ما فات من حياتي كلھا بلحظة وض عني وال دك‬ ‫في تشابك نفسي وتداخلت علي األشياء واختلطت"‬ ‫"سأدافع أنا ومن مثلي عن حبنا وحلمنا وستكون األيام مجداً وش اھداً‬ ‫علين

ا إذا َ‬ ‫التق

ت المج

امع ونب

ذني ق

ومي وان

دفعوا ع ن مك

انھم وتغي

ر‬ ‫ظرفي َأو حالي‪ ،‬سأبقى معك وإليك ومنك وإن شحت القادم ات وبخل ت‬ ‫ّ‬ ‫تحزن ي‪ ،‬إنھ ا أي ام‬ ‫وعلي‪ ،‬ال تحزن حبيبي وال يكمدك الحزن وال‬ ‫عليك‬ ‫ّ‬ ‫وستكون غداً ماضي ستذكرني به‪ ،‬سنصبر ونتحمل سويا ً والمستقبل لنا‬ ‫ومعنا"‬ ‫أمسك يدھا س لوان ووض عھا عل ى وجھ ه وص ار يقب ل راحتھ ا‪" :‬إن‬ ‫قلبي يحترق لوعة وخوفا ً من القادم والغد‪ ،‬إني أحسك قريبة مني ق رب‬ ‫نفسي مني وبعيدة مثل زواجي منك وحلم ي بأطفالن ا‪ ،‬ت شبھينني بخلق ي‬ ‫ُ‬ ‫وخلقي‪ ،‬تعيشين معي كأننا ما افترقنا لحظة واحدة ال بالفكر وال بالعرق‬ ‫وال المكان"‬ ‫اختنق ت ميلين

دا وھ

ي ت رى األل

م بعيني

ة ونغم ة حن

ين تحت

ضر عل

ى‬ ‫فخذيھا حتى أنھا من غي ر أن تح س س قطت دموعھ ا عل ى خ ده األيم ن‬ ‫تبرده من حرارة اإلحباط واالنحطاط التي يعشھا‪.‬‬

‫‪٢٩٤‬‬


‫"سلوان حبيبي‪ ،‬أن ا مع ك ول ن أتن ازل عن ك أب داً‪ ،‬لك ن أري د الح ديث‬ ‫معك بعيداً عن العاطفة كي نكون قريبين من الواقع‪"...‬‬ ‫لم يتركھا حتى تكمل ورفع رأسه من حضنھا وق ال‪" :‬أن ا كن ت أش ك‬ ‫أن

ك س

تختلقين األع

ذار حت

ى تنف

صلي عن

ي‪ .‬إن

ك عل

ى ح

ق ي

ا ميلين

دا‬ ‫وأبوك أيضا ً‪ ،‬ماذا سأقدم لك؟ بيتا ً فاخراً؟ أم سيارة من الطراز الح ديث‬ ‫كال

ذي س

يقدمھما الك

ساندروس ل

ك؟ أن

ت محق

ة حبيبت

ي‪ ،‬أن

ا زمي

ل‬ ‫الدراسة وحبيب المقاع د الدراس ية‪ ،‬ل ست ب ذلك الم ستوى ال ذي ي شرفك‬ ‫وأھلك‪ ،‬ماذا س تقولين ألعمام ك وأخوال ك وص ديقات وال دتك‪ ،‬س أتزوج‬ ‫سلوان؟ ما أنا؟ ما أنا إال نكرة في بيتكم وفي المجتمع كله‪"...‬‬ ‫صارت ميليندا تضع يديھا على عينيھ ا وتھ ز برأس ھا تعن ي ال رفض‬ ‫دون أن تتكلم بكلمة واحدة من شدة إرھاقھا الذي ل م يعرف ه س لوان ول م‬ ‫ي

ستطع أن ي

راه بعينيھ

ا م

ن ش

دة ال

سوداوية الت

ي ت

سيطر علي

ه تل

ك‬ ‫اللحظة‪.‬‬ ‫"ھذا كله ل يس ص حيح" قال ت ب صوت متقط ع تع ب تك اد ال ت ستطيع‬ ‫الكالم‪" :‬أنا مازلت لم أتكل م ي ا س لوان‪ ،‬أن ت ل م تف سح ل ي المج ال حت ى‬ ‫أقول لك ما في بالي‪"...‬‬ ‫كان ال يسمح لھا بأن تكمل الكالم من الغضب وارتفاع صوته‪.‬‬ ‫"ل

يس ھن

اك أي داع

ي أن تكمل

ي‪ ،‬مق

دمتك كافي

ة لفھ

م م

ضمون م

ا‬ ‫ت

ودين تقديم

ه م

ن األع

ذار الت

ي ال مك

ان لھ

ا عن

دي‪ ،‬كن

ت أح

سبك‬ ‫ستكافحين من أجلي‪ ،‬من أجلنا‪ ،‬لقد توقعت ردة فعلك ھ ذه وكن ت أخ دع‬ ‫نفسي وأسليھا بكالمك اللين وص وتك الن اعم ووع ودك الكاذب ة‪ ،‬أن ت ال‬ ‫‪٢٩٥‬‬


‫تختلفين كثيراً عن والديك يا ميليندا‪ ،‬الفرق الوحيد أني كنت بالنسبة لك‬ ‫لعبة في صغرك وحبيبا ً إلشعار آخر وأن ت ف ي مقتب ل العم ر‪ ،‬أم ا اآلن‬ ‫وقد بينت لك جديتي وصرت أنت ودميت رس تلتقي ان بالھ دف وتختلف ان‬ ‫بالطريقة‪"...‬‬ ‫وقف

ت ميلين

دا باكي

ة‪" :‬يكف

ي ي

ا س

لوان‪ ،‬أن

ا ل

م أع

د احتم

ل س

ماعك‬ ‫أكثر" دون أن تدافع عن نف سھا أو تنف ي االدع اءات الت ي يلقيھ ا س لوان‬ ‫عليھا‪" :‬أنا سأذھب للبيت"‬ ‫خرجت من الغرفة ترتدي سترتھا وتخطو نحو باب المن زل ب سرعة‬ ‫وحزن في قلبھا يعصرھا ويكبت على أنفاسھا‪.‬‬ ‫صار يكلمھا سلوان وھي تھم في الخ روج إال أنھ ا ل م تع د ت سمع أي‬ ‫شيء من شدة التوتر والبكاء الشديد‪.‬‬

‫‪٢٩٦‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫دخلت ميليندا المنزل واحمرار عينيھا يفضحھا‪ ،‬لم تخاطب أحداً ول م‬ ‫ترى أحد‪.‬‬ ‫ك ان وال

دھا يجل

س ف

ي غرف

ة الجل

وس وھ

ي دخل

ت مث

ل ال

ذي يم

ر‬ ‫خلسة بين جدران الجيران ودخلت حجرتھا‪.‬‬ ‫"ميليندا‪"...‬‬ ‫ناداھا دميترس وھو جالس إال أنھا لم ترد عليه‪.‬‬ ‫اتجه نحو حجرتھا ولم ينتظر وحاول دفع الباب وكانت قد أقفلته‪.‬‬ ‫"ميليندا‪ ...‬حبيبتي‪ ،‬ماذا بك؟"‬ ‫ھي من الداخل تصطنع الھدوء‪" :‬ال شيء يا أبي‪ ،‬أنا مرھقة وعن دي‬ ‫محاضرات كثيرة يجب أن أعد لھا"‬ ‫وضع دميترس أذنيه على الباب يحاول أن يفھم شيء من صوتھا‪.‬‬ ‫"ميليندا‪ ،‬أريد أن أتحدث معك يا ابنتي"‬ ‫"أبي أرجوك‪ ،‬أريد أك ون وح دي‪ ،‬احت رم رغبت ي أرج وك" وانفلت ت‬ ‫بالبكاء ولم تعد تسيطر على نفسھا‪.‬‬ ‫"ميليندا‪ ،‬حبيبت ي‪ ،‬أل ست أن ا ص احبك؟ كلمين ي‪ ،‬م ا ال ذي ج رى؟ أن ا‬ ‫م

ستعد ل

سماعك والح

ديث مع

ك ب

أي ش

يء وإن ك

ان األم

ر يتعل

ق‬ ‫بسلوان‪ ...‬أو أي شيء‪ ،‬ولكن ال تقطعي الحوار معي يا ابنتي"‬

‫‪٢٩٧‬‬


‫ھ

ز رأس

ه يعب

ر ع

ن حيرت

ه‪ ،‬فھ

و يبح

ث ع

ن وس

يلة حت

ى ي

دخل‬ ‫لشخ

صية ميلين

دا كم

ا ك

ان ف

ي ال

سابق‪ ،‬ليت

سنى ل

ه أن يم

تص غ

ضبھا‬ ‫ويقنعھا بالعدول عن رأيھا‪ ،‬وأردف قائالً‪" :‬أنا الذي أرجوك يا ميلين دا‪،‬‬ ‫أال تالحظين البعد الذي طرأ بينن ا؟ وھ ذا ل يس م ن البارح ة ب ل من ذ أن‬ ‫قررت التمسك بسلوان‪ ،‬رغم أننا لم ندخل في ھذه القضية م رة بجدي ة‪،‬‬ ‫لكني كنت أحس بالثغرة وتوسعھا وابتعادك عني وأمك"‬ ‫لم تعد ترد عليه ميليندا‪ ،‬وكأنه يتحدث مع الفراغ‪.‬‬ ‫"لماذا ال تجيبينني‪...‬؟ ميليندا؟ ھذا ليس بتصرف عاقل‪"...‬‬ ‫بدأ يقنن من حدة الحديث معھ ا بع دما الح ظ رف ضھا الت ام‪" :‬حبيبت ي‬ ‫ميليندا‪ ...‬أجيبيني‪"...‬‬ ‫كان صوت نحيب ميليندا يتصاعد حتى أن دميترس رق قلبه وص ار‬ ‫يبكي معھا ورأسه على الباب من غير أن ينطق بحرف‪.‬‬ ‫"أن

ا ال أري

د من

ك الكثي

ر‪ ،‬ك

ل ال

ذي أري

ده ھ

و أن ال تقف

ا بطري

ق‬ ‫س

عادتي‪ ،‬أن

ا ل

م أع

د طفل

ة‪ ،‬أن

ا اآلن أكمل

ت الثالث

ة والع

شرون ع

ام‬ ‫وأس

تطيع أن أق

وم بحي

اتي بغن

ى عنكم ا‪ ...‬ل

م أعتق

د لحظ

ة واح

دة أن

ك‬ ‫ستكون حاداً لھذه الدرجة معي"‬ ‫بقي دميترس ملقي رأسه بين كتفيه ال يعرف ماذا يقول البنته‪.‬‬ ‫"ما رأيك يا ميليندا؟ عمك سأل عن أخبارك أكثر من مرة وحاول أن‬ ‫يھاتف

ك‪ ...‬لم

اذا ال تزورين

ه؟ ق

د تخ

رجين م

ن ھ

ذه ال

ضغوط الت

ي‬ ‫تحاصرك منا ھنا في البيت ومن ضغوطك أنت على نفسك‪ ...‬ھناك في‬ ‫‪٢٩٨‬‬


‫الجزيرة ستجدين الجو المناس ب حت ى تتخ ذي قرارات ك أو أن ت ستجمي‬ ‫وترخي أعصابك وتستعدي للمرحلة الدراسية األخيرة القادمة"‬ ‫وجد كالمه أذن صاغية لديھا وأعجبتھا الفكرة فسكتت‪.‬‬ ‫"ميليندا‪ ...‬حبيبتي"‬ ‫م

سحت أدمعھ

ا وقال

ت ب

صوت راح من

ه التقط

ع والبح

ة الحزين

ة‬ ‫وقالت‪" :‬سأذھب إلى عمي‪ ،‬ھو اإلنسان الوحيد الذي ال يكره سلوان في‬ ‫العائلة"‬ ‫"ھذا ليس صحيح يا ميليندا‪ ...‬أنا ال أكره سلوان‪ ،‬ال بل أحب ه‪ ،‬لكن ي‬ ‫ال أتمنى أن يكون زوج ابنتي عربي مسلم‪ ،‬أنا ال أعترض على وضعه‬ ‫االجتماعي أو الم ادي‪ ،‬ب ل عل ى دين ه وعروبت ه‪ ،‬أن ت ال تع رفين كي ف‬ ‫تفكر الشخصية المسلمة‪ ،‬سيجبرك غداً على الدخول في دينه وسيلب سك‬ ‫الحجاب رغما ً عنك‪ ،‬وإذا كتب لكم األطفال سيجبر ابنت ك الطفل ة أي ضا ً‬ ‫على ارتداءه"‬ ‫اشتطت غضبا ً مرة أخرى عن دما س معت كالم ه ال ذي ع اوده م راراً‬ ‫عليھا حتى يؤثر على قرارھا‪.‬‬ ‫"ھذا ليس صحيح‪"...‬‬ ‫وع

اودت البك

اء‪ ...‬م

ا أس

رعھا عن

دما تبك

ي وم

ا أرقھ

ا وأس

رع‬ ‫جرحھا‪ ،‬فھي شفافة حد مبالغ فيه وكان يزعج والديھا‪.‬‬

‫‪٢٩٩‬‬


‫"س

لوان ل

يس ك

العرب ال

ذين تع

رفھم‪ ،‬فھ

و ي

شرب الخم

ر ويأك

ل‬ ‫الخنزير ويحتفل في أعيادنا وال يريد أن يعرف شيئا ً عن دينه وال يرى‬ ‫بنفسه غير شاب يوناني‪ ،‬فكيف تقول أنت عنه وأنت أعرف الناس به"‬ ‫احتار دميترس كيف يقنعھا بأن ھ ذا ال شخص ال ي شرفه وال ي شرفھا‬ ‫مستقبالً‪.‬‬ ‫"حبيبتي ميليندا‪ ،‬العرب والمسلمين كلھ م خالي ا نائم ة‪ ،‬يك ون أح دھم‬ ‫أكث

ر اجتماعي

ة ودبلوماس

ية م

ن س

لوان وثقاف

ة ومناص

ب راقي

ة ف

ي‬ ‫مجتمعنا حتى يأتي أمر ربه فينقلب رأسا ً على عقب ويصبح جسداً فاق د‬ ‫السيطرة على ذاته وشيئا ً آخر يتحكم به مثل اإلنسان اآللي‪ ،‬فيفجر نفسه‬ ‫أو أسرته أو أبرياء في الشارع أو أي مكان عام‪ ،‬ھل تعرفين‪"...‬‬ ‫"ال أريد أن أعرف شيء" صرخت ولم تدعه يكمل حديث ه‪" :‬يكفين ي‬ ‫من سماع الخراف ات ھ ذه الت ي ال تقنع ك أن ت نف سك‪ ،‬س أذھب غ داً إل ى‬ ‫عمي وأتحدث معه‪ ،‬ھو الوحيد في ھذه العائلة ال ذي ي سمعني وال يقتن ع‬ ‫بھذه السخافات التي تمليھا علي ك وعل ى أم ي القن وات اإلخباري ة وأن ت‬ ‫تعيدھا مثل الجھاز التسجيلي‪ .‬كنت أعتقد يا والدي أنك لست ك اآلخرين‬ ‫ولك رأيك الخاص‪ ...‬خسارة‪ ،‬إنك ال تختلف عنھم"‬ ‫نادت ميلوذيا على زوجھا‪" :‬دميترس"‬ ‫ومن غير أن يرد عليھا دخل مكتبه وحيرته أكبر مما كانت عليه قبل‬ ‫أن يتحدث مع ميليندا‪.‬‬

‫‪٣٠٠‬‬


‫دخلت خلفه زوجته وقبل أن يجلس عل ى كرس يه س ألته‪" :‬م اذا قال ت‬ ‫لك ابنتك؟"‬ ‫لم ينظر إليھا حتى جلس على مقعده خلف طاولة المكتب وم ن خلف ه‬ ‫وعلى جانبيه مكتبة حافلة بالكتب‪ ،‬ال بل بذخائر أدبية وعلمية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا؟ أنا فخور بميليندا‪ ،‬ال بل ھي مصدر‬ ‫"أبنتك؟ أليست ھي ابنتك‬ ‫سعادتي في ھذه الحياة‪ ،‬ولوالھا لكن ت ال ترين ي ھن ا إال ف ي المناس بات‬ ‫واألعياد"‬ ‫جل

ست ميلوذي

ا عل

ى المقع

د تقابل

ه‪" :‬أن

ا ال أري

د أن أدخ

ل مع

ك‬ ‫بمھاترات نحن بغنى عنھا‪ ،‬لكن يھمني أن أعرف ما الذي ستفعله حت ى‬ ‫تمنع ھذا الزواج‪ ،‬ال بل المصيبة التي حلت علينا من حيث ال نعلم"‬ ‫وضع دميترس براحة يديه على خديه وھ و مطأط أ رأس ه ال يع رف‬ ‫كيف يتصرف وكأن الدنيا ضاقت عليه بما رحبت‪.‬‬ ‫"سأكلم أخي في )سالمينا("‬ ‫"وماذا ستقول له؟ ابنتي ستتزوج من عربي؟ ال‪ ...‬ال تق ل ل ه ش يء‪،‬‬ ‫أنا أعرف أخوك جيداً سيھزأ بي وسيحملني كل العار"‬ ‫"منذ متى يكلمك أخي أو يسألك عن حياتنا؟"‬ ‫"ھ

و ل

ن يج

رؤ أن يكلمن

ي‪ ،‬س

يقول ل

ك أن

ت أن زوجت

ك ھ

ي الت

ي‬ ‫أساءت تربية ميليندا‪"...‬‬

‫‪٣٠١‬‬


‫"أرجوك يا ميلوذيا ال تھذي كثيراً‪ ،‬أنا ال أعرف من أي ن ت أتين بھ ذه‬ ‫األفكار الجنونية‪ ،‬لو أنك تستخدمين عقلك حتى نخرج من ھذه المصيبة‬ ‫بدل من خياالت ك وأھوائ ك الفارغ ة‪ .‬أن ا س أكلم أخ ي حت ى يقن ع ميلين دا‬ ‫بالعدول عن رأيھا‪ ،‬فھو اإلنسان الوحيد الذي تبوح له ميليندا بكل شيء‬ ‫وھو بمثابة صديق لھا"‬ ‫رفع السماعة دون أن يضيع لحظة بعد أن اقتنع ب الفكرة‪ ،‬ف أخوه ھ و‬ ‫األمل الوحيد اآلن للخروج من ھذا المأزق االجتماعي‪.‬‬ ‫طلب رقم المنزل‪ .‬لم يلبث كثيراً حتى رفعت زوجة أخيه السماعة‪.‬‬ ‫"مساء الخير" قالت زوجة أخيه ھلينا‪" :‬من معي؟"‬ ‫"مساء الخير ھلينا‪ ،‬كيف حالك؟ أين أخي؟"‬ ‫"كوس

تاس ف

ي العم

ل‪ ،‬أن

ت تع

رف‪ ،‬ف

ي مث

ل ھ

ذا الوق

ت ال يك

ون‬ ‫أخوك في البيت‪ .‬كيف حالك أنت؟ لماذا صوتك مخنوق يا دميترس؟"‬ ‫تلب

ك ف

ي الك

الم فق

د فاجأت

ه ھلين

ا عن

دما رفع

ت ھ

ي س

ماعة الھ

اتف‬ ‫فاحتار ماذا يقول لھا‪.‬‬ ‫"ال ش

يء ي

ا ھلين

ا‪ ،‬عن

دما ي

أتي كوس

تاس ق

ولي ل

ه ل

و تف

ضلت أن‬ ‫يكلمني"‬ ‫"ھ

ل ميلوذي

ا وميلين

دا بخي

ر ي

ا دميت

رس؟ ص

وتك ال يعجبن

ي عل

ى‬ ‫اإلطالق"‬

‫‪٣٠٢‬‬


‫"كلنا بخير وميلوذيا تسأل عنك وستكلمك في المساء وميلين دا أي ضا ً‪.‬‬ ‫مساءك سعيد يا ھلينا"‬ ‫لم ينتظر كثيراً حتى أنھى المكالمة وكان ت مث ل ال صدمة لھلين ا فھ ي‬ ‫غير معتادة على طريقة حديث دميترس الجاف ة ك التي ك ان يح دثھا بھ ا‬ ‫للتو‪.‬‬

‫‪٣٠٣‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫دخلت الساعة على الرابعة وك ان س لوان م ازال ف ي الف راش ن صف‬ ‫ثمل‪.‬‬ ‫وقف يت رنح وأول ش يء فعل ه حم ل ھاتف ه الخل وي وأراد أن يھ اتف‬ ‫ميليندا‪ ،‬وعندما وق ع ب صره عل ى اس مھا وك ان آخ ر رق م طلب ه خاط ب‬ ‫نفسه وقال‪" :‬ال‪ ...‬لن أكلمھا‪ ،‬سأكلم من ال تريد ھي أن أكلمه"‬ ‫وكان يعني صديقه األلباني رمضان الذي ترب ى مع ه أي ضا ً وميلين دا‬ ‫تعرفه جيداً وكانت ترفض عالقته مع ه لتع صبه ال ديني كم ا كان ت ھ ي‬ ‫تصفه وتقول عنه متخلف ومتحجر‪.‬‬ ‫"سأتكلم مع رمضان اآلن ولميليندا أن تنفجر غضبا ً" قال لنفسه‪.‬‬ ‫طلب رقمه الخلوي وبقي يرن إال أن أحداً لم يرد‪.‬‬ ‫م

ا كان

ت إال دق

ائق حت

ى ع

اود رم

ضان االت

صال‪" :‬أن

ا ال أص

دق‬ ‫سلوان يطلبني شخصيا ً" متھكما ً‪.‬‬ ‫"نعم‪ ،‬بدمه ولحمه‪ ،‬لماذا ال ترد على ھاتفك؟ أم أنك تبيع اآلن بعض‬ ‫غرامات ھروين مخلوط بمعجونة أطفال؟"‬ ‫"اخ

رس ي

ا فاش

ل" كان

ت ألف

اظھم دائم

ا ً ھجومي

ة ولك

ن عل

ى س

بيل‬ ‫المداعبة‪" :‬ما الذي طرأ عليك حتى قررت أن تكلمني؟ ھل س محت ل ك‬ ‫أخيراً السيدة ميليندا؟ وھل يج ب عل ي أن أكلمھ ا حت ى أش كرھا لتف ضل‬ ‫سيادتھا عليك وسماحھا لك بأن تتحدث معي؟"‬

‫‪٣٠٤‬‬


‫"يكفي يا رمضان‪ ،‬أنا أريد أن أراك"‬ ‫"ماذا بك يا سلوان؟ ھل أنت بحاجة لمال؟"‬ ‫"ال‪ ،‬أنا لست بحاجة لمالك‪ ،‬أريد أن أراك وأتحدث معك‪ ،‬أن ا بحاج ة‬ ‫إليك‪ ،‬أنت صديقي الوحيد‪ ،‬كلھم يكرھونني وال أحد يحبني سواك"‬ ‫"ھ ل اكت شفت ھ ذا ح

ديثا ً ي ا س لوان‪ ،‬ل يس ھن

اك يون اني يح ب م

سلم‬ ‫على اإلطالق"‬ ‫"ال تبالغ يا رمضان‪ ،‬ال أريدك أن تبدأ مرة أخرى بأرائك المتع صبة‬ ‫والالمنطقية‪ .‬أين أنت اآلن؟"‬ ‫"أن

ا ف

ي البي

ت وأم

ي طھ

ت قب

ل قلي

ل )ال

دولماذايكا( ‪ -‬وھ

ي أوراق‬ ‫العنب المحشوة باألرز واللحم ‪ -‬لماذا ال تأتي ستسعد أمي لرؤياك"‬ ‫"ف

ي الحقيق

ة أن

ا خج

ل ج

داً م

ن وال

ديك‪ ...‬م

رة أخ

رى‪ ،‬فلنلتق

ي ف

ي‬ ‫)البانورما( ذات القھوة التي لم أزرھا منذ آخر مرة رأيتك بھا"‬ ‫"كي نعيد ذكرياتنا؟"‬ ‫"شيء من ھذا القبيل‪ ،‬إذا متى ستكون ھناك؟"‬ ‫"متى تريد أنت أن تران ي؟ أن ا اآلن ف ي البي ت وقل ق ال أع رف م اذا‬ ‫أفعل‪ ،‬بعد ساعة؟"‬ ‫"بعد ساعة يا صديقي"‬ ‫"حقا ً يا سلوان؟ مازلت صديقك؟"‬

‫‪٣٠٥‬‬


‫"أنا لن أتخلى عنك ھذه المرة أبداً‪ ،‬شاءت ميلين دا أم أب ت‪ ،‬أن ت وأن ا‬ ‫كنا الفريق القوي في المدرسة وفي المدينة ولن ننفصل مرة أخرى‪ .‬إذا‬ ‫بعد ساعة سأكون في )البانوراما("‬ ‫"إذن في )البانوراما("‬ ‫وأنھ

ى كليھم

ا المكالم

ة وھ

م س

عيدان بلق

اء بع

د ف

راق دام أكث

ر م

ن‬ ‫ثالثة سنين‪.‬‬ ‫دخل سلوان المقھى وكان نصف ممتلئ‪ ،‬نظر في أرجاءه يبحث عن‬ ‫رمضان‪.‬‬ ‫اخت

ار س

لوان مكان

ا ًعلى الناف

ذة المطل

ة عل

ى ال

شارع الرئي

سي ف

ي‬ ‫الزاوية‪ .‬جلس يتمعن زوار المك ان والم ارة بال شارع وك ل أفك اره عن د‬ ‫ميليندا وكالم أبيھا‪.‬‬ ‫ك

ان ي

ردد ك

الم دميت

رس ذات الوق

ع الم

ؤذي والمھ

ين "ل

وال أن

ك‬ ‫عربي!"‬ ‫الكلمات ذاتھا التي كان والد ميليندا يعيدھا على مسامع سلوان مراراً‬ ‫"لو أنك يوناني!"‬ ‫"م

ن أن

ا؟" ص

ار س

لوان يخاط

ب نف

سه‪" :‬أي

ن الف

رق بين

ي وب

ين‬ ‫اليون

اني؟ ل

ون الب

شرة؟ قري

ب ج

داً‪ ،‬القام

ة؟ تك

اد أن تك

ون ذاتھ

ا‪...‬‬ ‫الطب اع؟ أن ا أش

رب خم رتھم أكث

ر م نھم‪ .‬إذن م ا ھ

ي الف روق الجذري

ة‬ ‫بيني وبينھم؟"‬

‫‪٣٠٦‬‬


‫ف

ي خ

ضم تن

اثر أفك

اره وشخ

صيته أح

س بي ٍد تغط

ي عل

ى وجھ ه‬ ‫بطريقة ال عالقة لھا بالنعومة أو الشفافية‪.‬‬ ‫"من سيكون صاحب ھاتين اليدين الرقيقتين؟" قال متھكما ً‪.‬‬ ‫وقف سلوان وعانق كليھما بعض‪ .‬كان رمضان‪ ...‬صديقه‪.‬‬ ‫"معقول يا سلوان؟ أنت مرة أخرى؟"‬ ‫"ولم ال؟ لقائي معك مرة أخرى ما كان إال قضية وقت ال أكث ر‪ ،‬ھ ل‬ ‫كنت تعتقد أنك تخلصت مني بھذه السھولة؟"‬ ‫جلس رم ضان يقابل ه وعل ى ش ماله ال شباك الزج اجي الكبي ر المط ل‬ ‫على الشارع‪.‬‬ ‫"حدثني يا س لوان‪ ،‬م ا ال ذي حث ك عل ى مك المتي بھ ذا التوقي ت؟ ھ ل‬ ‫حدث شيء بينك وبين ميليندا؟"‬ ‫"وھل من الضروري أن تكون ھناك حادثة أو سوء فھم بيني وبينھ ا‬ ‫حتى أكلمك؟"‬ ‫ض

حك رم

ضان ال يق

صد إزعاج

ه وق

ال‪" :‬ال ي

ا س

لوان‪ ،‬ل

يس م

ن‬ ‫الضروري‪ ،‬لكني أعرفك‪ ،‬حدثني ما الذي جرى؟"‬ ‫وضع سلوان يديه على خديه وطأطأ رأسه‪.‬‬ ‫"ارف

ع رأس

ك ي

ا س

لوان‪ ،‬ال تخ

ضع وال ترك

ع الم

رأة مھم

ا كان

ت‪،‬‬ ‫ميليندا أو غيرھا‪"...‬‬

‫‪٣٠٧‬‬


‫لم يدعه يكمل حديثه وقال له‪" :‬رمضان‪ ،‬أرجوك‪ ،‬ال أري د أن أس مع‬ ‫أي شيء يسيء لميليندا‪ .‬ھي لم تفعل شيء وليست ھي ال سبب المباش ر‬ ‫لمشكلتي"‬ ‫أمسك اآلخر بكتف سلوان وھزه‪" :‬سلوان‪ ،‬أنا لم ولن أس يء لميلين دا‬ ‫رغم قناعتھا ورأيھا عني‪ ،‬ھذا ألنھا حبيبتك‪ .‬أنا أريد أن أق ول ل ك فق ط‬ ‫أن ال تخضع وال تضعف مھما كانت الظروف‪ .‬أن ت تع رف رأي ي بم ا‬ ‫يتعلق بالنساء وخاصة اليونانيات‪"...‬‬ ‫"نعم‪ ،‬نعم أنا أعرف رأيك وليس من الضروري أن تقوله لي في كل‬ ‫مرة عندما أراك‪ ،‬أنت متخلف في كثير من األشياء يا رمضان"‬ ‫لم يقصد سلوان اإلھانة‪ ،‬إنما ھي اللغة المتداولة بينھم‪.‬‬ ‫"أنا لست متخلف يا صديقي‪ ،‬إنما أنا مسلم ورغم أخطائي لن أتنازل‬ ‫عن جذوري وال ديني‪ .‬سلوان أنت اندمجت مع اليون ان لدرج ة أن ك ل م‬ ‫تعد تقول أنك عربي أو أردني إذا سؤلت‪ ،‬ثق تماما ً مھما فعلت‪ ،‬قلت أو‬ ‫تقربت ستبقى أنت العربي البربري في أنظارھم"‬ ‫"أن

ا ل

م ألتق ي ب

ك ي

ا رم

ضان حت

ى تعي

د ل

ي دروس

ك الممل

ة‪ .‬أن

ت‬ ‫مسلم؟ مخدرات ونساء وحدث وال حرج عن تجارتك حتى بالبشر‪ ،‬ك ل‬ ‫ھذا وتريد أن تقول لي أنك مسلم؟"‬ ‫"افع

ل م

ا ت

شاء ي

ا س

لوان‪ ،‬ت

اجر ف

ي الن

ساء واألطف

ال‪ ،‬روج‬ ‫المخدرات واقتل إن شئت‪ ،‬لكن ال تتخلى عن دينك أو أصلك‪ ،‬أن ا أع ي‬ ‫جرم ي وف

سادي لكن

ي ال أش رب الخم

ر وال أقط

ع ف رض ال

صالة‪ ،‬أم

ا‬

‫‪٣٠٨‬‬


‫أنت يا سلوان! لقد اندمجت معھ م حت ى أن ك ن سيت أن س لوان اب ن ذل ك‬ ‫الرجل البسيط وابن نور‪ ،‬إنك تتمنى أن تكون أمك ماريا وأبوك يورغو‬ ‫ودين

ك األرثوذك

سية حت

ى تتمت

ع ب

القرب م

نھم وتتخل

ى ع

ن آخ

ر ق

شة‬ ‫تربطك بعروبتك أو دينك"‬ ‫لم يكن سلوان مسروراً بكالم رمضان معه وبصراحته الدائم ة‪ .‬فھ و‬ ‫من األلبان الذين ال يتخلون عن دينھم رغم نشاطاتھم المخالفة للق انون‪،‬‬ ‫ال بل للعرف والدين وكل مبادئ البشر‪.‬‬ ‫"رمضان أنا في حيرة من أمري‪ ،‬ال أعرف كي ف أت صرف‪ ،‬ق ل ل ي‬ ‫أنت ماذا أفعل؟"‬ ‫"ح

دثني ي

ا س

لوان‪ ،‬أن

ا رم

ضان ص

ديقك‪ ،‬ق

ل ل ي م

ا ال

ذي يتع

ب‬ ‫خاطرك ويؤرقك"‬ ‫"م

اذا تعتق

د؟ إنھ

ا ميلين

دا وأھلھ

ا‪ .‬لق

د تق

دمت ب

شكل رس

مي لھ

ا‬ ‫ورفضت بطريقة كرھت نفسي وتمنيت أني لم أخل ق عرب ي‪ ،‬وھ ل ھ و‬ ‫ع

ار أن أخل

ق عرب

ي أو م

سلم ي

ا رم

ضان؟ ھ

ل ھ

و ج

رم أن يك

ون‬ ‫والديك من العرب؟ أو عار أن تنتسب إل يھم؟ وھ ل الع رب ق ذرين لھ ذا‬ ‫الحد حتى أن الجمي ع يبت سم ل ك فق ط مازل ت بعي داً ع نھم؟ وإذا اقترب ت‬ ‫منھم يعاملوك وكأنك جرذ أو شيء حقير‪ .‬ال أريد أن أك ون عرب ي وال‬ ‫مسلم سأغير اسمي بشكل رسمي‪"...‬‬ ‫ضحك رمضان في الوقت الذي كان به سلوان يموت غيضا ً‪.‬‬

‫‪٣٠٩‬‬


‫"ھل تعتقد أنك بتغيير اسمك ستنال رضاھم أو تدخل قلوبھم؟ لو أنك‬ ‫ق

رأت الق

رآن لوج

دت في

ه آي

ة معناھ

ا ل

ن يرض

ى عن

ك الروم

ان وال‬ ‫اليونان حتى تصبح واحد منھم‪"...‬‬ ‫ضحك اآلخر بعدما كاد يموت غيضا ً‪" :‬وھل ھذا الذي تقوله موج ود‬ ‫في القرآن؟ أنا ال أعرف محتواه‪ ،‬لكني متأكد أن شيء مثل ھذا بالتأكيد‬ ‫ليس فيه"‬ ‫اس

تند رم

ضان ووس

ع جل

سته وص

ار ينظ

ر ل

سلوان ال يع

رف م

اذا‬ ‫يقول له‪.‬‬ ‫"حدثني اآلن عن الذي جرى بالتفصيل‪ ،‬وال تحدثني عن الدين ألن ك‬ ‫آخر واحد يحبه أو يفكر أن يلتزم به"‬ ‫لم يسعد سلوان بنقد اآلخر الحاد‪.‬‬ ‫"يكف

ي أن تك

ون أن

ت م

سلم ومنق

ذاً لل

دين‪ .‬وال

د ميلين

دا بمخت

صر ال‬ ‫يريد أن يزوجني ابنته ألني عربي مسلم‪ ،‬وال أريد أن أعيد لك الكلمات‬ ‫التي استخدمھا ليبرر لي رفضه‪ .‬أنا ال أعرف ماذا أفعل اآلن؟"‬ ‫"وما ھو موقف األخرى؟"‬ ‫"ھي تقول لي أنھا لن تتخلى عني‪ ،‬لكني ال أعرف إذا كانت تستطيع‬ ‫أن تجبر والديھا على الموافقة"‬ ‫"وأنت ماذا تحس؟ ليس مھم أن تقول‪ ،‬بل الذي تعنيه‪ ،‬ھل تعني ھ ي‬ ‫ما تقول؟ أم تمتص غضبك فحسب؟"‬

‫‪٣١٠‬‬


‫تنھد سلوان وأومأ برأسه يحس بالحيرة‪.‬‬ ‫"أعتقد أنھا تعني ما تقول‪ ،‬ھي تحبني كثيراً وأنا أعرف ھذا وأحسه‪،‬‬ ‫وأنت أيضا ً تعرف مدى حبھا لي"‬ ‫"ميلين دا تحب ك ي ا س لوان وھ ذا ال يخف ى عل ى أح د‪ ،‬إال أن موض وع‬ ‫إجب

ار وال

ديھا آخ

ر‪ ،‬ال أع

رف م

دى العالق

ة وطبيعتھ

ا بينھ

ا وب

ين‬ ‫والديھا‪ ،‬أنت مطلع على حالھم‪ ،‬ماذا تعتقد؟"‬ ‫"أنا ال أعرف شيء‪ ،‬أنا تائھه يا رمضان‪ ،‬لدرجة أني ال أع ي ش يء‬ ‫حولي‪ ...‬صدقني"‬ ‫"قل لي‪ ،‬متى ستنھي دورتك الشرطية؟"‬ ‫رفع سلوان حاجبيه يبدي عدم رضاه‪" :‬أنا أقول لك أني منھار وأن ت‬ ‫تسألني عن دورتي؟ أنا أنھيتھ ا م ن أي ام وس أبدأ ع ن قري ب بع د انتھ اء‬ ‫اإلجازة في العمل في أثينا"‬ ‫ضحك رمضان بصوت مرتفع ال يعني التھكم بل السرور‪" :‬مب روك‬ ‫يا أخي" وقف وقال‪" :‬تع ال‪ ،‬أري د أن أعانق ك ي ا س لوان‪ ،‬أخي راً أنھي ت‬ ‫ونجحت‪ .‬أني فخور بك ونجاحك ھو نجاحي"‬ ‫تعانقا وسلوان مبتسم دون أن يحس بالفرحة‪.‬‬ ‫"رمضان أنا بحاجة لك‪ ،‬أنت اإلن سان الوحي د ال ذي يفھمن ي ويخ اف‬ ‫علي‪ ،‬حتى أمي ال يعنيھا إال نفسھا‪ .‬قل لي ماذا أفعل؟"‬

‫‪٣١١‬‬


‫"أنت ال تريد سماع إال الشيء الذي تتمناه‪ ،‬إنك تبتعد عن الواقع وإذا‬ ‫قلت لك رأيي بصراحة ستغضب مني‪"...‬‬ ‫"أرجوك احتفظ برأيك لنفسك‪ ،‬أن ا أعرف ه‪ ،‬س لوان ال تت زوج يوناني ة‬ ‫مھم

ا كان

ت األس

باب‪ ،‬س

لوان ت

زوج م

سلمة وبغ

ض النظ

ر ع

ن بل

د‬ ‫إقامتھا‪ ،‬سلوان ال تصادق يونان‪"...‬‬ ‫"ھذا ليس صحيح‪ ،‬أن ا ل م أق ل ل ك ال ت صادق يون ان‪ ،‬إنم ا ال تت زوج‬ ‫ن

سائھم‪ ،‬حت

ى ال تن

سى قوميت

ك ودين

ك أكث

ر مم

ا أن

ت علي

ه اآلن م

ن‬ ‫تجاھل لھويتك وعرقك‪ .‬لن أق ول ل ك الكثي ر‪ ،‬فق ط ال تتخل ى ع ن دين ك‬ ‫وال عروبتك مھم ا ك ان حب ك لميلين دا‪ ،‬وم ا دون ذل ك فل ك أن تفع ل م ا‬ ‫تشاء"‬ ‫كان يتوقع سلوان أكثر من صديقه‪ ،‬على األقل مواساة بدل العتاب أو‬ ‫تأني ب ال ضمير‪ .‬ك ان يعتق

د أن ه بع د لقائ ه ب

ه س يرتاح أو يح س ب

بعض‬ ‫ً‬ ‫سوء‪.‬‬ ‫الطمأنينة‪ ،‬إال أن الحال النفسي عنده زاد‬ ‫لم يجرؤ أن يقول له بالفكرة التي كانت تراوده‪ ،‬فقد كان يفكر بجدي ة‬ ‫في اقت راح دميت رس ب أن يتعم د ف ي الكني سة‪ ،‬ھ ذا م ع ع دم قناع ة وال د‬ ‫ميليندا بالزواج حتى لو وافق سلوان أن يعمد‪.‬‬ ‫"ھل ستقبض علي يا سلوان إذا وقعت الصدفة؟"‬ ‫ل م يك

ن س

لوان ف

ي وض

ع نف

سي حت

ى يبادل

ه أي موض

وع ج

دي أو‬ ‫ھزلي‪ ،‬كل الذي كان يشغله ميليندا ال غير‪ ،‬ال الدنيا وال نفسه‪.‬‬

‫‪٣١٢‬‬


‫"وماذا تتوقع؟ سأكون أول شرطي عميل‪ .‬ما رأيك أن تأتي اليوم إلى‬ ‫بيتنا؟ وأحضر معك المھلوسات"‬ ‫انبھر رمضان متعجبا ً‪ ،‬ألن سلوان منذ أكثر من ثالثة سنين أقلع عن‬ ‫تعاطيھا‪.‬‬ ‫"أخيراً عاد سلوان الذي أعرفه‪ ،‬صديقي القديم‪ ...‬حشيش؟"‬ ‫"ال‪ ،‬أحضر القنب الھندي فقط"‬ ‫فرح اآلخر ألن صديقه سيبادله حياته كما كانا سابقا ً‪.‬‬ ‫"سأحضر )الميسكالين(‪) ،‬األمانيت(‪) ،‬البالذون( وكل األنواع"‬ ‫"ال تف

رح كثي

راً‪ ...‬فق

ط الي

وم‪ ،‬أن

ا وع

دت ميلين

دا ب

أن أنتھ

ي ع

ن‬ ‫التعاطي ولن أرجع‪ ،‬اليوم فقط ألني محبط ا ً وفرح ا ً ب آن واح د‪ ،‬محبط ا ً‬ ‫من الوضع العام‪ ،‬وفرحا ً بلقائك مرة أخرى"‬

‫‪٣١٣‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫كان

ت غرات

سيا ت

صغي ل سلوان وكأن

ه يح

دثھا ع

ن ق

صة ش

يقة ف

ي‬ ‫الوق

ت ال

ذي ك

ان اآلخ

ر ي

سترجع األح

داث بحلوھ

ا ومرھ

ا حت

ى أنھ

ا‬ ‫كان

ت ت

رى ف

ي وجھ ه أل

وان وأش

كال وتغي

رات م

ع تغي

رات ال

سرد‬ ‫واألشخاص وتبخر األحالم وتبعثر األمنيات في لحظة واحدة‪.‬‬ ‫"أنت عالم قائم بذاتك يا سلوان"‬ ‫وھي تنظر إليه بإعجاب ومبتعدة عنه بعض الشيء‪.‬‬ ‫"لماذا ال تقتربي مني؟" ومد يده إليھا يومئ لھا بحاجته لقربھا‪.‬‬ ‫"ال ي

ا أمي

ري‪ ...‬أري

د أن أتمعن

ك قل

يال ع

ن بع

د‪ ،‬أري

د أن أح

اول‬ ‫فھمك‪ ،‬أو أعرف السر الذي يشدني إليك"‬ ‫"وھل أنا غامض أو معقد لھذا الحد؟"‬ ‫وابتسم ابتسامة يبدو عليھا تأثره من الحديث عن ميليندا وماضيه‪.‬‬ ‫"أنت تعرف أني ال أعن ي أن ك معق د أو م بھم‪ ،‬إنم ا ھ ي ھالت ك الت ي‬ ‫تبھرني"‬ ‫احمر وجه اآلخر على غير العادة‪" :‬أنا لست معتاداً على سماع كالم‬ ‫جميل وإطراء مبالغ فيه مثل ھذا"‬ ‫"ال‪ ،‬إنھا‪"...‬‬ ‫أمسك بيدھا وشدھا قبل أن تكمل وقال‪" :‬أنت يا غرات سيا دارة القم ر‬ ‫وساعات جميلة في الحياة‪ ،‬ھل علمت بجاذبيتك التي يمارسھا شخ صك‬ ‫‪٣١٤‬‬


‫علي؟ أو رقت ك الت ي ق د ال تع رفين م دى خطورتھ ا عن دما ت ستھل وأن ا‬ ‫بجانبك؟"‬ ‫رم

ت رأس

ھا ب

ين كتفيھ

ا خج

الً‪" :‬أن

ا ال أتحم

ل كالم

ك ي

ا س

لوان‪،‬‬ ‫ولست بحاجة ألكثر‪ ،‬فقد وص لت لمرحل ة مع ك ل م أع د أمل ك أي ق رار‬ ‫تصعب األمور‬ ‫لنفسي‪ُ ...‬ذبت وفقدت السيطرة على نفسي‪ ،‬فأرجوك ال ّ‬ ‫علي أكثر مما ھو الحال عليه"‬ ‫ّ‬ ‫رفع

ت رأس

ھا بعينيھ

ا الق

اتلتين ب

البراءة وحم

رة وجنتيھ

ا م

ن ك

الم‬ ‫سلوان الذي لم يعد ھ و نف سه يعرف ه إن ك ان حقيق ة أو حفي ف رغب ة أو‬ ‫حبه لميليندا تأصل في شخصه وروحه حتى أنه يب ادل ك ل الن ساء ذات‬ ‫المشاعر وكأنھن كلھن ميليندا‪.‬‬ ‫ھي وحدھا التي يراھا بين النساء حتى بعد أن صارت ماضي يحدث‬ ‫جراتي

سا عن

ه وھ

و وح

ده ال

ذي يعي

شه ويعاص

ره‪ ،‬يع

شش ف

ي أفك

اره‬ ‫واتجاھاته ويعتصره‪.‬‬ ‫"سلوان! ھل مازلت ھنا؟ أين ذھبت بأفكارك؟"‬ ‫ت

صرف اآلخ ر بعفوي

ة عن

دما ح

ول نظ

ره م

ن الناف

ذة إليھ

ا وأوم

أ‬ ‫بحاجبه إلى األعلى وابتسامة يعوج فمه فيھا بنفس اتجاه حاجبه‪.‬‬ ‫"طبعا ً ھنا‪ ،‬وإال أين سأكون‪ ،‬إنما‪"...‬‬ ‫"يبدو عليك أنك معي بجالء"‬ ‫كانت تتھكم بطريقة ضاحكة وليست ساخرة‪.‬‬

‫‪٣١٥‬‬


‫خيم على كليھما نوع من السكوت بقالب فيه تواصل روحي بينھم‪.‬‬ ‫"أنا ال أستطيع فھم س بب االنف صال بين ك وب ين ميلين دا‪ ،‬رغ م الح ب‬ ‫الكبير بينكم"‬ ‫وكأن

ه ك

ان دائم

ا ً ينتظ

ر أن ت

سأله ع

ن ميلين

دا حت

ى يب

دأ ب

سيل م

ن‬ ‫السرد عن حياته معھا‪.‬‬ ‫"أعتقد أن االفتراق بينن ا أت ى بطريق ة ھرمي ة م رة م ن أعل ى ألس فل‬ ‫وأخرى من أسفل ألعلى"‬ ‫أقطب

ت األخ

رى حاجبيھ

ا تب

دي ع

دم الفھ

م‪" :‬م

اذا تعن

ي ي

ا س

لوان؟‬ ‫حدثني مثل كل أحاديث الناس وال تقل لي ألغاز لم أتعلمھا وال أفھمھا"‬ ‫ض

حك س

لوان م

ن ف

وق قلب

ه ك

أن طريق

ة كالمھ

ا المريح

ة وخفيف ة‬ ‫الظل أضحكته رغما ً عنه‪.‬‬ ‫"ال ي

ا جميل

ة‪ ،‬أن

ا ال أن

وي أن أق

دم ل

ك أحجي

ات أو مغالط

ات‪ ،‬إنم

ا‬ ‫أصف لك حياتي أو النقطة التي انتھت بھا"‬ ‫"ال تق

ل ھ

ذا أرج

وك‪ ،‬أن

ت ش

اب أني

ق وف

ي بداي

ة حيات

ك ف

ال تفك

ر‬ ‫بسوداوية وسلبية غير مبررة"‬ ‫"ش كراً ل

ك ي

ا غرات

سيا عل

ى مواس

اتك ودعم

ك المعن

وي‪ .‬الواق

ع أو‬ ‫المحيط الذي يحاصرني نفسيا ً أكبر من اللج وء إل ى العق ل والمنط ق أو‬ ‫الخروج من مستنقع فكري أو مبدئيا ً امتداده منذ ولدت"‬

‫‪٣١٦‬‬


‫ص

متت األخ

رى وك

أن الك

الم انتھ

ى وھ

ي تراق

ب س

لوان وش

روده‬ ‫الطويل‪.‬‬ ‫"لو أعرف ما الذي يدور في ذھن ه" تخاط ب نف سھا‪" :‬ولكن ي أف ضل‬ ‫أن يبقى األم ر ھك ذا‪ ،‬ق د يجرحن ي فك ره أو تھزن ي خاطرت ه أو تقتلن ي‬ ‫عناقاته لو كانت مع غيري"‬ ‫"أال ترى أنك تبالغ في تأنيبك لنفسك؟"‬ ‫أحضرته بسؤالھا إلي واقعه رغم عنه‪.‬‬ ‫"ھل تعنيني بسؤالك؟" رد عليھا متعجبا ً‪.‬‬ ‫"ال أنا سألت أمي‪ ...‬وم ن أعن ي ي ا ت رى س واك؟ أي ن الجم وع الت ي‬ ‫تجلس معنا حتى أعني غيرك؟ أنت تتعمق في شتاتك الفكري حتى أنك‬ ‫تن

سى ك

ل ش

يء حول

ك‪ ،‬حت

ى أن

ك تج

اوزت ال

شرود وتع

ديت عق

اب‬ ‫نفسك"‬ ‫"أنت تبالغين‪ ،‬أعتقد أني مثل اآلخرين في شطحاتي الذھني ة بأق ل أو‬ ‫أكثر"‬ ‫"أنت تعرف أن ك ل ست ك اآلخرين‪ ،‬وأن ك مح زن أكث ر م ن المعق ول‬ ‫وأقرب إلى الجنون"‬ ‫ك

ان يب

دو عل

ى س

لوان ال

شتات والحي

رة وقتھ

ا‪ ،‬ف

ي تلب

ك كالم

ه‪،‬‬ ‫اص

طناع التبري

رات‪ ،‬ال

ضغوط الواض

حة بج

الء عل

ى وجھ

ه وتقط

ع‬ ‫كلماته‪.‬‬

‫‪٣١٧‬‬


‫صار يحس بقلق كبير وارتفاع في درجات حرارت ه ول م يع د يحتم ل‬ ‫البقاء ھناك‪.‬‬ ‫"غراتسيا‪ ،‬اعذريني‪ ،‬أريد أن اخرج"‬ ‫وقف على غير عادته مع غراتسيا دون أن يبادلھا أي كلمة فيھا نوع‬ ‫من اإلطراء كما كان يفعل معھا منذ أن تعرف عليھا‪.‬‬ ‫ذبلت عيني األخرى وھ ي تراقب ه وھ و خ ارج م ن الل وج وب اد علي ه‬ ‫الكسور‪ ،‬الذلول‪ ،‬االنحطاط واإلحباط‪.‬‬ ‫كاد سلوان أن يسقط عن الدرجات وھو خارج لوال أن تدارك نفسه‪.‬‬ ‫فزعت غراتسيا وجرت نحوه‪" :‬ھل أنت بخير يا حبيبي؟"‬ ‫لم تتوقع ھي نفسھا مدى تعلقھا به وخوفھا عليه‪.‬‬ ‫"أنا بخير"‬ ‫صمت وھو يبادلھا النظرة اليائ سة‪" :‬ش كراً ي ا غرات سيا عل ى خوف ك‬ ‫في!"‬ ‫وفعله ّ‬ ‫علي‪ ،‬أنت ال تعلمين ما فعل فزعك علي ھذا ِ‬ ‫لم ت رد علي ه األخ رى وك ادت أن تبك ي مت أثرة بوض عه ال سيء ج داً‬ ‫والذي ال يخفى على كل من يراه‪.‬‬ ‫"سأراك فيما بعد يا جميلة"‬ ‫وسار وھو يعي أنھا تراقبه وتربكه وخطواته وتزيده ارتباكا ً يكاد أن‬ ‫يتعثر بنفسه‪.‬‬

‫‪٣١٨‬‬


‫أخذ نفسا ً طويالً عن دما خ رج م ن ال شارع واتج ه دون تفكي ر م سبق‬ ‫نحو الشارع الذي صار يربطه بتلك الفتاة‪.‬‬ ‫"أكاد أجن" يخاطب نفسه‪.‬‬ ‫"ما الذي أفعله بنفسي؟ وھل أنا الذي أعاقبھا أم أن ميليندا وكل الذي‬ ‫مضى تحول إلى سرطان مدمن ال أستطيع أن أح س ب شيء غي ر آث اره‬ ‫وآالمه"‬ ‫أحس بدوار وھو يم شي ف ي ال شارع ب ين ال سيارات دون أن يراع ي‬ ‫إشارات الم رور وال سائقين ي شتمونه ب صوت مرتف ع أكث ر م ن مزامي ر‬ ‫عرباتھم من اتجاھه واالتجاه المعاكس‪.‬‬ ‫وبسرعة جلس على أطراف الطريق عندما فقد ال سيطرة عل ى نف سه‬ ‫وب

دت األرض ت

دور ب

ه‪ ،‬تنقل

ب علي

ه والطرق

ات تعل

وه وت

دنوه حت

ى‬ ‫أحس األشياء كلھا تجري بسرعة خارقة للعادة‪ ...‬وفقد الوعي‪.‬‬ ‫"من ھذا؟"‬ ‫"ماذا به؟ ما الذي أصابه؟"‬ ‫"ما أكثر حوادث السير ھذه األيام"‬ ‫ص

ار ي

سمع س

لوان أص

وات وال ي

رى أص

حابھا‪ ،‬ت

داخلت علي

ه‬ ‫العبارات وھو مثل النائم ال يحس بشيء حوله غير عبارات متشابكة‪.‬‬

‫‪٣١٩‬‬


‫كانت تلك الفتاة التي تعرف عليھا ف ي المطع م ال صيني ق د رأت ه قب ل‬ ‫أن يسقط وجرت نحوه وصرخت تطلب مساعدة من المارة حتى حملوه‬ ‫مغمى عليه إلى المطبعة حيث تعمل ھي وكانت أنھت العمل لتوھا‪.‬‬ ‫ص

ارت ت

ضع بالم

اء الب

ارد عل

ى وجھ

ه عل

ه يفي

ق إال أن الم

اء ل

م‬ ‫يجدي ش يء حت ى أن م دير المطبع ة أح ضر س ائالً كيماوي ا ً مع داً لمث ل‬ ‫ھذه الحاالت ووضع منه قليالً عند أنفه حتى بدأ يعود لذاته‪.‬‬ ‫فتح عينيه ووجه مصفراً كأنه ميت‪.‬‬ ‫"ھل أطلب الطبيب"‬ ‫قال أحد الموظفين‪ ،‬فقد اجتمعوا حوله ال يعرفوا ما الذي جرى له‪.‬‬ ‫واحد متطفالً يريد أن يشبع أنانيته وتطفله وآخر متعج ب وم نھم م ن‬ ‫يشفق عل ى رج ل يب دو علي ه آث ار حي اة كريم ة ي سقط مث ل بقاي ا أوراق‬ ‫شجرة ھرمت‪.‬‬ ‫"ھل تسمعني؟" سألته الفتاة‪.‬‬ ‫"أين أنا؟ ما الذي جرى لي؟"‬ ‫حرك رأسه يمين وشمال يريد أن يعرف أين ھو أو يح اول أن يع ود‬ ‫إلى ذاته‪ ،‬فقد غاب جزئيا ً عن الوعي وفقد القدرة على الحراك‪.‬‬ ‫"كيف تشعر اآلن؟"‬ ‫سألته الفتاة وھي تضع رأسه على فخذھا وھي جال سة عل ى األرض‬ ‫وجسده ملقى على قطع أوراق كبيرة وضعوه عليھا‪.‬‬

‫‪٣٢٠‬‬


‫"أنا ال أحس بجسدي‪ ،‬ال أستطيع أن أحرك أطرافي"‬ ‫"ال تخف‪ ،‬أنت فقدت وعيك ال أكثر"‬ ‫قال له أحد زمالء الفتاة المشفقين عليه‪.‬‬ ‫"أرج

وكم أن تبتع

دوا حت

ى ي

تمكن اآلخ

ر م

ن الت

نفس" ق

ال م

دير‬ ‫المصلحة‪" :‬واألفضل أن تعودا إلى أعمالكم"‬ ‫بدأ سلوان يحرك يديه قليالً وكأن الحياة بدت تعود إليه‪.‬‬ ‫"ال تجب ر نف سك عل ى الح راك‪ ،‬ابق ى اآلن م ستلقيا ً قل يالً حت ى ت

شعر‬ ‫بارتياح" قالت الفتاة‪.‬‬ ‫"من أنت؟"‬ ‫ك ان ي

رى فت اة وھ

ي تنظ ر إلي

ه م

ن أعل ى وھ

و ملق ى عل

ى فخ

ذھا ال‬ ‫يستطيع أن يرى وجھھا بوضوح من جراء فقدانه الوعي‪.‬‬ ‫"ال يھم من أنا‪ ،‬المھم أنك أنت بخير وسالمه"‬ ‫وضع يديه على األرض يحاول أن يقف على قدميه‪.‬‬ ‫"ال تجبر نفسك على النھوض‪ ،‬ارتح اآلن قليالً" قالت له الفتاة‪.‬‬ ‫اس

ترد أنفاس

ه وأرخ

ى جمي

ع أع

ضاء ج

سده حت

ى يأخ

ذ ق

سطا ً م

ن‬ ‫الراحة يھيئه للقيام بنفسه‪.‬‬ ‫"اآلن عرفت

ك" ات

ضحت ص

ورتھا أم

ام عيني

ه ورأاھ

ا بج

الء‬ ‫وارتسمت عليه ابتسامة منھكة‪.‬‬

‫‪٣٢١‬‬


‫"جميل أنك عدت لذاتك‪ ،‬بماذا تحس اآلن؟"‬ ‫أسبل عينيه مخادعا ً بدعاب ة وق ال‪" :‬أي رج ل بمك اني سي شعر بفخ ر‬ ‫وھو ملقى في حضن امرأة مثلك"‬ ‫ضحكت فرحة بتحسن حال ه لدرج ة أن ه ب دأ ي داعبھا بكلمات ه السل سة‬ ‫على قلوب النساء‪.‬‬ ‫"إذن‪ ...‬حان لك اآلن أن تقف كي تح دثني وأن ت ج الس أم امي ع ن‬ ‫الفخر ومجامالتك بدالً من ارتمائك بوزنك الخفيف على ساقي"‬ ‫نھض وكان مترنحا ً بعض الشيء‪.‬‬ ‫"اجلس ھنا يا سيد‪"...‬‬ ‫عرض عليه كرسي وقربه إليه وكان يريد أن يناديه باسمه‪" :‬ما اسم‬ ‫ضيفنا يا دوروماري؟"‬ ‫"اسمك دوروم اري؟ ل و أن ي فق دت ال وعي من ذ عرفت ك الخت صرت‬ ‫الطريق أكثر حتى أعرف اسمك"‬ ‫أسندته األخرى على الكرسي وقالت ل ه‪" :‬ھ ا ق د عرف ت‪ ،‬وح ان ل ي‬ ‫أن أعرف اسمك"‬ ‫"أنا سلوان"‬ ‫"اس

م غري

ب وجمي

ل ي

ا س

لوان‪ .‬سأح

ضر ل

ك م

اء أو أي م

شروب‬ ‫بارد"‬ ‫دخلت دوروماري إلى الداخل كي تحضر المشروب‪.‬‬ ‫‪٣٢٢‬‬


‫"كم ھي لطيفة دوروماري!" قال لمديرھا‪.‬‬ ‫"نعم إنھا كذلك‪ ،‬والجميع يحبھا ھنا"‬ ‫أت

ت األخ

رى وقب

ل أن ت

صل قال

ت‪" :‬لق

د س

معتكما‪ ،‬م

اذا تق

والن‬ ‫عني؟"‬ ‫وضعت الكأس أمام فمه فأمسك به ھو اآلخر وقال‪" :‬ليس لھذا الحد‪،‬‬ ‫أنا أستطيع أن أشرب الماء وحدي"‬ ‫ل

م يبق

ى ط

ويالً حت

ى وق

ف أق

ل م

ن ن

صف مت

رنح وش

كر الم

دير‬ ‫ودوروماري وقصد الباب‪ ،‬فأوقفته ھي‪" :‬انك ال تزال متعبا ً‪ ،‬ابقى قليالً‬ ‫حتى تسترد عافيتك ولو بعض الشيء"‬ ‫تجاھ

ل اھتمامھ

ا ب

أدب وق

ال‪" :‬أن

ا أح

س بتح

سن‪ ،‬م

ا ھ

و إال دوار‪،‬‬ ‫شكراً لكم"‬ ‫وخرج وھو متخما ً ت ارة م ن ارھاق ة ج سده الت ي ال تخف ى عل ى أح د‬ ‫وأخرى من شالل أفكار ينازعه ويقاتله‪.‬‬ ‫لم تبقى دوروماري إال أقل من دقيقة بعد خروجه حتى خرج ت ھ ي‬ ‫األخرى وسارت خلفه مثل الخائفة عليه‪.‬‬ ‫م

شت خلف

ه ع

ن بع

د ت

راه م

ن ب

ين زحم

ة الم

ارة حت

ى وص

ل إل

ى‬ ‫طرف الشارع حيث كانت ورشة عمل لم تكتمل ولم تعد ت راه‪ ،‬راودھ ا‬ ‫شعور غريب حتى أسرعت كي ال يختفي ع ن أنظارھ ا فق د ق ررت أن‬ ‫ترافقه‪.‬‬

‫‪٣٢٣‬‬


‫وصلت إلى النقطة التي اختف ى فيھ ا ول م يك ن ھن اك وص ارت تبتع د‬ ‫ببصرھا في كل الشوارع المتفرقة حتى رأته في أحدھا الخاوية الضيقة‬ ‫وحده‪.‬‬ ‫سارت خلفه موسعة خطوتھا حتى قاربت عليه بخطوات‪.‬‬ ‫"سلوان‪ "...‬نادت عليه‪.‬‬ ‫التفت اآلخر‪" :‬أنت!"‬ ‫"ولماذا تقولھا ھكذا مث ل ال ذي م ا ك اد أن ي تخلص م ن طليقت ه حت ى‬ ‫قابلھا في أول زنقة"‬ ‫ظلھا خفيف وكالمھا ناعم وحاضر على أطراف لسانھا ورقيق على‬ ‫القلب‪.‬‬ ‫"ال تق

ولي ھ

ذا أرج

وك‪ ،‬أن

ا ل

م أتوق

ع أن تن

اديني فت

اة جميل

ة مثل

ك‬ ‫وخاصة بوضعي الحالي السيئ"‬ ‫كان سلوان يضع كلتا يدي ه ف ي جي وب بنطال ه فأدخل ت ي دھا ال شمال‬ ‫بين يده وخاصرته وقالت‪" :‬ما رأيك أن أرافقك؟"‬ ‫"وھل تعتقدي أني أو أي رجل عاقل سيرفض؟ إلى أين؟"‬ ‫"إلى أين أنت كنت ذاھب في ھذا المساء؟"‬ ‫"ال أعرف‪ ،‬كنت أريد الخروج فقط‪ ،‬إلى أين ال أعلم"‬ ‫وقفت وأوقفته ونظرت إليه قليالً وقالت‪" :‬ھل تتكلم بحق ‪ S‬وتعني م ا‬ ‫تقول؟"‬ ‫‪٣٢٤‬‬


‫"نعم ولم َال؟"‬ ‫"ولكن انظر إلى حالتك الصحية‪ ،‬إنك تسير مت رنح مث ل الثم ل حت ى‬ ‫أطراف قدميك"‬ ‫"ال أعرف ما الذي حدث معي‪ ،‬خرجت من‪ "...‬لم يعرف ماذا يقول‪،‬‬ ‫بنسيون أم مؤس سة‪ ...‬ل يس ل ه م سكن‪" :‬ولك ن قب ل أن أخ رج أحس ست‬ ‫بدوار شديد اعتقدت أنه سيزول عندما أخرج إلى الھواء الطلق"‬ ‫"الھواء الطلق‪ "!...‬ردت عليه متھكمة‪.‬‬ ‫"وأين ھو ھذا الطلق في زحام السوق ھنا؟"‬ ‫"كنت أنوي أن أمشي حتى البحر"‬ ‫"أنت مرھق كثيراً‪ ،‬لم اذا ال أوص لك إل ى بيت ك ك ي تأخ ذ ق سطا ً م ن‬ ‫الراحة‪"...‬‬ ‫وقبل أن تكمل تذكر غراتسيا وھي واقفة خلف منضدة االستعالمات‪،‬‬ ‫فق

ال دون تفكي

ر كثي

ر‪" :‬ال‪ ،‬أن

ا ال أري

د أن أذھ

ب إل

ى المن

زل وال‬ ‫تسأليني لماذا"‬ ‫استغربت رده ولم تفھ م س بب رف ضه ال ذي ب دا علي ه الجدي ة وش يء‬ ‫أكبر يكاد أن يكون فزع‪.‬‬ ‫"ما رأيك أن نذھب إلى بيتي؟ أنا لن أتركك تسير وحدك ھكذا"‬ ‫ولم ال!"‬ ‫فكر قليالً باقتراحھا ودون أن يطيل أو يرد بآخر قال‪َ " :‬‬

‫‪٣٢٥‬‬


‫"أنا ال أسكن بعيداً من ھن ا‪ ،‬أق ل م ن كيل و مت راً واح د‪ ،‬ھ ل ت ستطيع‬ ‫السير أم أطلب تكسي؟"‬ ‫"األفضل أن نمشي"‬ ‫كان

ت تح

س وي

دھا تالم

س ج

سده م

دى ال

ضعف في

ه‪ ،‬فكان

ت ي

ده‬ ‫ترتجف وكبريائه تقنن ھرميا ً تنازلي ا ً عن دما أح س بارتي اح م ن طرفھ ا‬ ‫وتوازى مع حالته الصحية‪.‬‬ ‫قب

ل أن ي

صال منزلھ

ا ب

دقائق قليل

ة س

قط م

ن ب

ين ي

ديھا‪ ،‬ففزع

ت‬ ‫وجسده الثقيل يسقط من بين ذراعيھا ال تستطيع أن تمسك به أكثر‪.‬‬ ‫"من ي ساعدني ھن ا‪ ...‬الرج ل فق د ال وعي‪ ...‬م ن ي ساعدني" ص ارت‬ ‫تصرخ وھي فجعة فاقدة السيطرة ھ ى األخ رى عل ى نف سھا حت ى أقب ل‬ ‫عليھا شابان وحملوه إلى بيتھا‪.‬‬ ‫"ھل نطلب اإلسعاف؟" قال أحدھما‪.‬‬ ‫أما اآلخر فقد حمل ھاتفه الخلوي وم ن غي ر س ؤال طل ب اإلس عاف‪:‬‬ ‫"ما ھو عنوانك يا سيدتي؟" سألھا اآلخر‪.‬‬ ‫كان

ت ھ

ي متلبك

ة خائف

ة وص

ارت تبك

ي‪ .‬أقب

ل عليھ

ا ال

شاب وھ

و‬ ‫ينتظر منھا أن تعطيه العنوان‪" :‬اھدئي ي ا س يدتي س يكون زوج ك عل ى‬ ‫ما يرام"‬ ‫وبأحرفھا المتقطع ة ودموعھ ا ت سيل بغ زارة عل ى خ دھا قال ت‪" :‬إن ه‬ ‫ليس زوجي"‬

‫‪٣٢٦‬‬


‫لم يعرف بماذا يجيبھا وأعاد سؤاله مرة أخرى‪" :‬لن يتمكن اإلسعاف‬ ‫من الحضور من دون أن نعطيھم العنوان"‬ ‫تقري

ب الع

شرين دقيق

ة كان

ت س

يارة اإلس

عاف ق

د ح

ضرت وك

ان‬ ‫سلوان قد أفاق من غيبوبته إال أن دوروماري تركته في فراشھا مستلقيا‬ ‫حتى شخص حالته الطبيب‪.‬‬ ‫"إنه إرھاق وقلة تغذية" قال الطبيب‪" :‬ما اسمك؟"‬ ‫"سلوان"‬ ‫"ماذا تعمل يا سلوان؟"‬ ‫وبصوت مبحوح متعب رد عليه‪" :‬حاليا ً ال شيء"‬ ‫"جسدك مرھق جداً وضغطك الدموي منخفض ب شكل خطي ر‪ ،‬يج ب‬ ‫عليك أن تتدارك نفسك"‬ ‫"وماذا يجب عليه أن يفعل يا دكتور؟"‬ ‫"إنه يحتاج إلى راحة‪ ،‬ومن ثم راحة‪ ،‬وكثير من الراحة‪ ...‬إن جسده‬ ‫منھك وال أفھم السبب‪ ،‬قد يك ون عام ل نف سي‪ .‬وال تن سي الغ ذاء ب شكل‬ ‫طبيعي واألفضل وجبات صغيرة وكثيرة في اليوم"‬ ‫أعطاه الطبيب حقنة عضلية ثم مغذي بالوري د وحقن ة أخ رى بع د أن‬ ‫انتھى من المغذي حتى يستعيد عافيته وينام‪.‬‬

‫‪٣٢٧‬‬


‫أف

اق س

لوان م

ن الن

وم وص

ار ينظ

ر بأرج

اء الحج

رة الغريب

ة علي

ه‬ ‫وف

راش خم

ري ن

اعم غي

ر أن وس

ائده م

ن ال

ريش ال

ذي ل

م يحب

ه يوم

ا ً‬ ‫وذكره بفراشه مع ميليندا‪.‬‬ ‫استعاد ذاكرته بعد أن استيقظ وھو يح س بارتي اح كبي ر وع رف أن ه‬ ‫في منزل دوروماري فقام من فراشه وكان صدره عاري‪ ،‬لبس قميصه‬ ‫وخ

رج م

ن غرف ة نومھ

ا متجھ

ا ً نح

و ص

وت التلف

از وكان

ت األخ

رى‬ ‫تجلس وحدھا تشاھد فيلم يوناني من األفالم الشاعرية العاطفية‪.‬‬ ‫"وأنت أيضا ً تشاھدين ھذه األفالم؟"‬ ‫وقفت مسرورة به وبتحسن وضعه‪" :‬لماذا قمت من الفراش؟"‬ ‫"أنا أحس بارتياح وكأني نمت أيام متواصلة"‬ ‫"كيف تحس اآلن؟" ووضعت يدھا على جبينه وأمسك يداھا تالم سه‬ ‫تري

د أن تع

رف درج

ة حرارت ه‪" :‬حم

داً لل

رب عل

ى س

المتك‪ ،‬أن

ت ال‬ ‫تعرف كيف ك ان لون ك الي وم من ذ أن أخ ذناك م ن ال شارع حت ى النوب ة‬ ‫األخيرة‪ ،‬أنت نفسك ذاك األنيق الذي تعرفت عليه في المطعم الصيني"‬ ‫جل

س س

لوان عل

ى األريك

ة وأجل

سھا إل

ى جانب

ه‪" :‬دوروم

اري‪ ،‬أن

ا‬ ‫إي اي‪ ،‬فل والك‬ ‫أشكرك جزيل الشكر على لطفك المبالغ فيه‪ ،‬ومساعدتك‬ ‫ّ‬ ‫ال أعرف إلى ماذا آلت حالتي"‬ ‫"ال تق

ل ھ

ذا أرج

وك‪ ،‬ھ

ذه عم

ل إن

ساني أن

ا أو غي

ري س

يقدم نف

س‬ ‫الشيء‪ ،‬وھل تصرفت أنت معي بعكس ذل ك ل و أن ي أن ا ال ذي ك ان ف ي‬ ‫وضعك؟"‬ ‫‪٣٢٨‬‬


‫"طبعا ً ال‪"...‬‬ ‫"إذن‪ ...‬نحن متفقين‪ ،‬إال على شيء واحد مازلنا لم نتفق عليه"‬ ‫"وما ھو" رد عليھا وھو كله حب فضول‪.‬‬ ‫"األول أن تسمع كالم ي عل ى األق ل حت ى تتع افى والثاني ة أن ترج ع‬ ‫إلى الفراش وال تنھض منه حتى الغد"‬ ‫أحس اآلخر بالحرج وق ال‪" :‬ال ھ ذا ال يج وز‪ ،‬أن ت كريم ة كثي راً ي ا‬ ‫دوروماري‪ ،‬أنا سأذھب إلى البيت"‬ ‫"ھل زوجتك بانتظارك؟"‬ ‫كانت تريد أن تعرف بأسلوب مؤدب إن كان متزوج أو عل ى عالق ة‬ ‫مع امرأة‪.‬‬ ‫"أنا كنت متزوج يا دوروماري وخسرت كل شيء‪ ،‬ليس فقط المرأة‬ ‫التي أحبھا‪ ...‬ميليندا ال بل أمي وابنتي"‬ ‫تفاج

أت األخ

رى م

ن ص

راحته‪ ،‬فھ

ي معت

ادة عل

ى ن

زع آخ

ر م

ن‬ ‫الرجال‪ ،‬إما متزوجون ويخونون زوجاتھم معھا وھي النسبة لھم جھاز‬ ‫جنسي ال أكثر‪ ،‬أو شبان مخادعون آخرون ال يختلفون من حيث المب دأ‬ ‫عن المتزوجون كثيراً‪.‬‬ ‫"من ھي ميليندا؟"‬ ‫كانت زوجتي‪ ...‬وأحبھا"‬

‫‪٣٢٩‬‬


‫صمت وتغير لون وجه ألنه لم يرد أن يتحدث عنھا على األقل ل يس‬ ‫اآلن أو في ھذه المناسبة‪.‬‬ ‫"لماذا تتكلم بإحباط؟ في الم رة األول ى كان ت طريق ة كالم ك مختلف ة‬ ‫عن اليوم‪ ،‬فكنت كل شيء غير اإلنسان المھزوز‪ ،‬أما اآلن‪"...‬‬ ‫"ھل خاب ظنك بي؟ أعرف أني أخيب ضن اآلخرين بي دائما ً"‬ ‫"ال تق

ل ھ

ذا‪ ،‬أن

ا ل

م أفك

ر كثي

راً بشخ

صك‪ ،‬س

لبك أو إيجاب

ك حت

ى‬ ‫أحي ي في ك ص راحتك‪ ،‬أم ا جانب ك اآلخ ر الواض ح‬ ‫تخيب ض ني‪ ،‬ال ب ل‬ ‫ّ‬ ‫الحزن لم أراه غي ر اآلن‪ .‬أن ا ل م أراك كثي راً‪ ،‬لك ن بالمقارن ة م ع الم رة‬ ‫األولى تبدو حزينا ً‪ .‬حدثني عن ميليندا‪ ،‬إن أحببت طبعا ً"‬ ‫رمى بنفسه على األريكة ليس تعبا ً إنما كي يستعيد األح داث الت ي ال‬ ‫تغيب عنه لحظة‪.‬‬ ‫"أحببتھا دائما ً ومازلت أحبھا‪ ،‬ووص ل حب ي لھ ا قمت ه عن دما حمل ت‬ ‫وخاصة في األيام األخيرة‪ .‬كنت أتنبأ أن يكون المولود طفالً‪ ،‬قد يك ون‬ ‫أمراً بديھيا ً أن يأمل األب بأن يك ون مول وده دائم ا ً ص بي ول يس طفل ة‪،‬‬ ‫ھي كان ت تق ول‪" :‬رغم ا ً عن ك س يكون ولي دي طفل ة ل يس ھن اك أجم ل‬ ‫منھا"‬ ‫وكنت أقول لھا‪" :‬سيأتي طفالً وسيما ً مثل أبيه"‬ ‫وأومئ برأسي ضاحكا ً‪ ،‬وأما في قرارة نفسي لم يكن يھمني ذك راً أم‬ ‫أنثى‪ ،‬كل الذي كنت أرجوه أن يكون المولود بيني وبين أمه كي أحبھما‬ ‫معا ً‪.‬‬ ‫‪٣٣٠‬‬


‫أت

ت األي

ام األخي

رة وك

أن المول ود عل

ى عجل

ة م

ن أم

ره يري

د أن‬ ‫يتعرف أخيراً على والديه‪ ،‬كنت ف ي انتظ اره أكث ر م ن أم ه‪ ،‬ھ ذا وألن‬ ‫أمه في األيام األخيرة كانت تعاني م ن اآلم م ستمرة‪ ،‬وكان ت تتمن ى أن‬ ‫تنجب اليوم قبل الغد‪ .‬وفي أحد ال ً‬ ‫مساءت لم تشعر بألم على غير العادة‪،‬‬ ‫وأثقلتھا بمزاحات‪" :‬أال تحسين اليوم بألم على غيرالعادة؟"‬ ‫كنت أريد أن أثير عصبيتھا حتى نضحك‪ ،‬وقالت متھكم ة‪" :‬إذا ك ان‬ ‫األمر ھذا يسعدك فأنا سأنجب الليلة حتى أفسد عليك ليلتك"‬ ‫مر المساء بظله الخفيف ومزاحاتھا ومداعبتي إياھ ا حت ى ح ل علين ا‬ ‫التعب وسقتھا إلى فراشنا وما كدت أغمض عيناي حتى ص حوت عل ى‬ ‫صريخھا‪.‬‬ ‫"أنا سأنجب أنا سأنجب‪ ...‬أخبر والدي‪ ...‬أخبره أرجوك بسرعة"‬ ‫فتح

ت عين

اي ال أك

اد ال

تمكن م

ن فتحھم

ا‪ ،‬لك

ن ص

ريخھا وش

دھا‬ ‫لشعري لم يعطياني فرصة أغمض بھما جفناي‪ .‬قمت م ن فراش ي مث ل‬ ‫المفزوع ال أعرف كيف أرتدي مالب سي‪ ،‬أأدخ ل القم يص ف ي س اقي أم‬ ‫البنطال في رأسي‪ ،‬سألتھا‪" :‬أألبس الحذاء أم أنه ليس من الضروري؟"‬ ‫صرخت في وجھي أكثر مما كانت عليه وقالت‪" :‬أن ت تع رف كي ف‬ ‫ت

ضاجعني وال تع

رف إذا كن

ت بحاج

ة إل

ى ح

ذائك حت

ى تأخ

ذني إل

ى‬ ‫ً‬ ‫حذاء أم ال‬ ‫المستشفى أم ال؟ خذني إلى المستشفى وال يھم إن كنت تلبس‬ ‫وھاتف والدي بسرعة"‬

‫‪٣٣١‬‬


‫ل

م أع

رف كي

ف أب

دأ! أأحملھ

ا أم أم

سك بي

ديھا أم أتركھ

ا تق

وم م

ن‬ ‫فراش

ھا وح

دھا أم أھ

اتف وال

دھا؟ كن

ت خائف

ا ً بك

ل المع

اني‪ ،‬حري

صا ً‪،‬‬ ‫قلقا ً‪ ،‬لم أعرف ما الذي يجول في رأسي وك أن أوام ر دم اغي اختلط ت‬ ‫في بعضھا ولم أعد أميز بين قول وفعل‪.‬‬ ‫أصبحت أنظر إليھا متسمرة أفكاري أبح ث ف ي الغ رف وأنظ ر إليھ ا‬ ‫ال أعرف كيف ابدأ وماذا أفعل‪ ،‬حركات يداي وقدماي س ريعة دون أي‬ ‫قوة مني تسيطر على أعضائي‪.‬‬ ‫وفي خضم صراخھا وع دم ق درتھا عل ى الح راك وفق داني س يطرتي‬ ‫على نفسي‪ ،‬حملتھ ا دون وع ي وخرج ت أرك ض بھ ا م ن غرف ة الن وم‬ ‫متجھا ً نحو باب المنزل الرئيسي ونزلت الدرجات االثنتين وم ن أم امي‬ ‫كان مدخل المنزل المحاط بجدار ع ال وف ي داخل ه كان ت تق ف ال سيارة‬ ‫الجولف ذات البابين‪ .‬تابعت خطاي بسرعة نحو السيارة ووضعتھا ف ي‬ ‫الكرس

ي الخلف

ي وق

دت ال

سيارة ال أق

ول م

سرعا ً إنم

ا م

نفعالً حت

ى أن‬ ‫ميليندا في الوقت الذي كانت تعاني من آالم كانت تصرخ قائلة‪" :‬أسرع‬ ‫لم أعد أحتمل" وتارة تقول‪" :‬ال تسرع أتريد أن تقتلني؟"‬ ‫وصلنا إلى أقرب مستشفى وكان يبعد سبعة كيلو مترات ع ن البي ت‪،‬‬ ‫وقف

ت أم

ام الم

دخل الرئي

سي للمست

شفى وأخرج

ت ميلين

دا م

ن المقع

د‬ ‫الخلفي أحملھا مسرعا ً نح و ال داخل ص ارخا ً‪" :‬أس عفوني‪ ...‬أس عفوھا‪...‬‬ ‫إلى أين أذھب"‬ ‫وأول م

ا دخل

ت الباح

ة كان

ت مليئ

ة بالمرض

ى ونظ

رت إل

ى اليم

ين‬ ‫وإلى الشمال باحثا ً َعمن يسعفني ويسعفھا‪ ،‬حتى وقع نظري إل ى األم ام‬ ‫‪٣٣٢‬‬


‫حي ث االس

تعالمات وبفت اة خل

ف زج اج ش

فاف‪ ،‬وس رت إليھ

ا أھ

رول‪،‬‬ ‫وعندما رأتني أركض نحوھا ن ادت ف ي ال سماعة عل ى فري ق اإلس عاف‬ ‫وقالت‪" :‬اإلسعاف بسرعة إلى االستعالمات حالة والدة"‬ ‫وما ھي إال أقل من دقائق وإذا بمجموعة م ن أطب اء‪ ...‬ممرض ين‪...‬‬ ‫ال أعلم فكلھم يلبسون نفس الزي‪.‬‬ ‫حملوھ

ا م

ن ي

دي ب

سرعة ووض

عوھا عل

ى س

ريرھم ورك

ضوا بھ

ا‬ ‫عائدين من حيث أتوا‪.‬‬ ‫وقفت مبھوراً ال أعرف ماذا أفعل أأركض خلفھم؟ أم أبقى في الباحة‬ ‫أنتظر؟‬ ‫نظ

رت م

ن ح

ولي ف

ي المم

ر ال

ضيق الفاص

ل ب

ين الغ

رف وإذا ب

ي‬ ‫وحدي وكأن شيء لم يكن‪ ،‬فركضت خلفھم‪ ،‬مثل ال ذي ل يس لدي ه ب ديل‬ ‫سوى ذلك‪.‬‬ ‫ركضت حتى وصلت إل ى م دخل غرف ة بب ابين زج اجيين عري ضين‬ ‫غير شفافين حيث أدخلوھا‪.‬‬ ‫ودخل

ت خلفھ

م قب

ل أن يغل

ق الب

اب الزمبرك

ي‪ .‬كان

ت تنظ

ر إل

ي‬ ‫وتصرخ‪" :‬ال تتركني وحدي‪ ،‬إبقى معي‪ ...‬ھاتف والدي"‬ ‫وتبك

ي‪ ،‬كان

ت ت

ؤلمني ت

ارة وأخ

رى تثي

ر أع

صابي وت

وترني‬ ‫بصراخھا وقلة حيلتي‪.‬‬

‫‪٣٣٣‬‬


‫وضعوھا بسرعة لمح البصر على السرير ومن فوق ه أض واء كثي رة‬ ‫وب

دؤا بوض

ع ثي

اب العملي

ات الخ

ضر الت

ي تثي

ر الم

شاعر وت

وحي‬ ‫باالشمئزاز والنفور‪.‬‬ ‫ل

م أس

تطع البق

اء والنظ

ر‪ ،‬قل

ت للطبي

ب ال

ذي ك

ان يباش

ر م

سؤولية‬ ‫الوالدة‪" :‬أنا ال أستطيع البق اء س أخرج أنتظ ر ف ي المم ر‪ ،‬أن ا ال أحتم ل‬ ‫كل ھذا"‬ ‫وإذا بميليندا تصرخ‪" :‬إل ى أي ن تري د أن ت ذھب وتتركن ي وح دي؟ ال‬ ‫أريد أن أكون وحدي"‬ ‫قلت لھا‪" :‬حبيبتي أنا ال أستطيع البقاء‪ ،‬أنا ال أحتمل أن أراك تتألمين‬ ‫إليك مكتوف اليدين‪ ،‬ال‪ ...‬أن ا ال‬ ‫وليس بإمكاني أن‬ ‫أساعدك‪ ،‬بل وأنظر ِ‬ ‫ِ‬ ‫أحتمل ھذا"‬ ‫استدرت إلى الخلف وسارعت في الخروج تارك خلفي ميليندا بألمھا‬ ‫وصراخھا‪ ،‬وأثناء خروجي كنت أومئ برأسي معبراً عن ألمي ألني ال‬ ‫أستطيع البقاء معھا‪.‬‬ ‫لم يكن الحال في الخارج أفضل منه في الداخل‪ ،‬فق د كن ت أس ير ف ي‬ ‫الرواق أنتظر خ روج أيٍ ك ان حت ى يطمئنن ي ع ن ميلين دا ف ي ال داخل‪،‬‬ ‫كان صراخھا يصعق في قلبي ورأسي‪.‬‬ ‫ داي ميلين

دا‪ ...‬أس

تمر‬ ‫وأخرج

ت ھ

اتفي المحم

ول وب

دأت أھ

اتف وال ّ‬ ‫الھاتف في بيتھم يرن أكثر من سبع دقائق إال أن أحد لم يرفع السماعة‪.‬‬

‫‪٣٣٤‬‬


‫ونظ

رت إل

ى س

اعة الھ

اتف المحم

ول وإذا بال

ساعة الثالث

ة ص

باحا ً‪،‬‬ ‫أغلقت الھاتف بعد أن فقدت األمل من إخبارھم‪.‬‬ ‫حاولت مھاتفة والدتي أي ضا ً إال أن الح ال عن د أم ي ل م يك ن مختل ف‬ ‫وال داي ميلين دا‪ ،‬فف ي ھ ذا الوق ت ال أتوق ع أن يك ون أح داً م ن‬ ‫عن حال‬ ‫ّ‬ ‫خاصتي يقظا ً‪ ،‬غير أن ي أع رف أن وال دتي عل ى عالق ة م ع زاك س م ا‬ ‫ولو كانت فائقة فلن ترد على الھاتف أيضا ً‪.‬‬ ‫كنت أود أيضا ً أن يكون أحد من والديھا معي‪ ،‬كنت محتاجا ً لھ م ف ي‬ ‫تلك اللحظة أو ألمي حتى تشد من عضدي‪.‬‬ ‫كان قلبي يخفق بسرعة حتى أني ل م أع د أحتم ل الوق وف وأحس ست‬ ‫بدوار ف ي رأس ي وخفق ان قلب ي وس قطت عل ى األرض دون أن اش عر‪،‬‬ ‫استلقيت على األرض ال أرى من حولي أحداً‪ ،‬لم أعد أرى سوى سواداً‬ ‫مثل الغمام وفيه خطوط بيضاء تدور بي وكأني محمول في سرير ب ين‬ ‫السماء واألرض وال أرى من حولي سوى ظلمة تدوي من فوقي وع ن‬ ‫جنبي وتحيط بي من كل ناحية وتضيق علي أنفاسي‪.‬‬ ‫فتحت عيناي وإذا بي ال أرى بمرمى ب صري س وى ج دران بي ضاء‬ ‫لونھا يجلب اإلحباط‪ ،‬نظرت من حولي وإذا ب ي ملق ى عل ى أح د أس رة‬ ‫المستشفى فعرفت أنه أغمي علي‪.‬‬ ‫خرجت من الغرفة أحاول أن أسرع في الخطى ولكن ساقايا وجسدي‬ ‫ل

م ي

ساعداني عل

ى الم

ضي س

وى مبطئ

ا ً‪ ،‬كن

ت ال أزال أش

عر ب

دوار‪،‬‬ ‫وسألت أول ممرضة في طريقي حيث أن ي ل م أع د أع رف تحدي داً أي ن‬ ‫أنا‪.‬‬ ‫‪٣٣٥‬‬


‫"لقد أحضرت زوجتي قبل قليل إلى ھنا‪"...‬‬ ‫وقب

ل أن أكم

ل كالم

ي عرف

ت س

ؤالي وقال

ت‪" :‬نع

م‪ ...‬نع

م لق

د‬ ‫أح

ضروك قب

ل أق

ل م

ن ن

صف س

اعة وأخبرون

ي أن

ك كن

ت تنتظ

ر‬ ‫زوجتك أمام غرفة العمليات‪ ،‬سر حتى نھاية الممر وأنزل حتى الطابق‬ ‫الثاني ومن ثم اذھب إلى اليمين حتى تصل إلى غرف ة رق م ‪ ٢١٤‬وھ ي‬ ‫الغرفة التي بھا زوجتك"‬ ‫تابع

ت م

سيري أح

اول اإلس

راع ف

ي خط

وتي وكل

ي لھف

ة‪ ،‬أري

د أن‬ ‫أراھا سالمة وال يھم إن كان ھناك جنين أم ال! أرى وجھھا أمامي وھي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫منھكة من صراخھا وألمھ ا وعرقھ ا ب دأ يج ف عل ى‬ ‫راقدة على فراشھا‬ ‫جبينھا وخصالت شعرھا مبللة بالعرق تتدلى على جبينھا‪.‬‬ ‫وصلت إلى الغرفة رقم ‪ ٢١٤‬ودفعت الب اب بلھف ة ودخل ت‪ ،‬وإذا بھ ا‬ ‫نائمة على السرير وأثار اإلجھاض بين وجنتيھا ومن جنبھا من الي سار‬ ‫حيث النافذة األخت الممرضة منحنيًة في سرير مثل القفص وي ديھا ف ي‬ ‫إلي وقالت‪" :‬أنت زوج السيدة ميليندا؟"‬ ‫داخله‪ .‬نظرت ّ‬ ‫"نع

م أن

ا زوجھ

ا" بنب

رة م

شرذمة ب

أحرف مقطع

ة فيھ

ا خل

يط م

ن‬ ‫المشاعر ال أعرفه‪.‬‬ ‫انت

ابني ش

عور بالطمأنين

ة عن

دما رأيتھ

ا ملق

اة تعلوھ

ا الب

راءة ف

ي‬ ‫فراشھا‪.‬‬ ‫مازل

ت أق

ف أم

ام الب

اب م

ن ال

داخل ومم

سك بمقب

ضه‪ ،‬وارتخ

ى‬ ‫جسدي المشدود وارتسمت على وجھ ي ابت سامة وتق دمت بخط ى واثق ة‬

‫‪٣٣٦‬‬


‫نحو س ريريھا وجل ست عل ى حافت ه ووض عت راح ة ي دي عل ى جبينھ ا‬ ‫البارد والمست خديھا وحمدت ‪ S‬على نعمائه بأن ردھا لي سالمة‪.‬‬ ‫"أال تريد أن ترى طفل ك؟ أو أن ت سألني ف ي البداي ة إن ك ان المول ود‬ ‫فتاة أم فتى؟"‬ ‫ اجبي‬ ‫س

ألتني األخ

ت الممرض

ة بأس

لوب م

ازح م

رح وأوم

أت بح ‬ ‫ّ‬ ‫وقلت لھا‪" :‬لقد دخلت الغرفة ولم يكن في رأسي سوى زوجتي ون سيت‬ ‫سبب وجودھا‪ ،‬وكنت أدعو ‪ S‬أن يعيدھا لي معافاة‪ ،‬أما اآلن وق د ع اد‬ ‫ً‬ ‫حقيقة أن زوجتي ف ي ص حة وعافي ة وولي دنا‬ ‫لي صوابي والذي يعنيني‬ ‫صحيح ومعافى‪ ،‬ذكراً أم أنثى ھذا شيء ال يھم"‬ ‫وقف

ت واتجھ

ت نح

و األخ

ت الممرض

ة وطفل

ي‪ ،‬وكن

ت أس

ترق‬ ‫النظرات قبل أن أصل علي أراه حتى وقع بصري في السرير‪ ،‬وإذا به‬ ‫ملقى على ظھره مغلقا ً عيني ه ومقطب ا ً حاجبي ه الل ذان ل م ينم و ش عرھما‬ ‫بعد‪ ،‬نائما ً رافعا ً قدميه مثل وضعية تمرين المعدة‪.‬‬ ‫"أال تريد أن تحمل طفلتك؟" قالت األخت الممرضة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أطفلة ھي؟"‬ ‫"‬ ‫"أوال يسعدك ھذا؟"‬ ‫"ال‪ ...‬ال بل

ى‪ ،‬وأوم

أت بكلت

ا ي

داي مبت

سما ً فرح

ا ً نافي

ا ً ومعب

راً ع

ن‬ ‫العكس"‬ ‫"ال أعني ھذا ال بل إني أكثر سعادة من كونه ولد"‬

‫‪٣٣٧‬‬


‫وحملتھ

ا ألول م

رة وانت

ابني ش

عور غري

ب ال أعرف

ه‪ ،‬غرغ

رة ف

ي‬ ‫داخلي فيھا وجه سعادة لم أعرفھا من قبل‪ ،‬ح ضنتھا وغ رد قلب ي فرح ا ً‬ ‫ليس كالذي كان مع أمي‪ ،‬أبي‪ ،‬زوجتي‪ ،‬نجاحا ً‪ ،‬ماالً‪ ،‬جاھ ا ً أو وجاھ ا ً‪،‬‬ ‫وك

أني احت

ضنت قلب

ي أو قطع

ة م

ن أح

شائي‪ ،‬مث

ل م

ستحيل ال يمك

ن‬ ‫حدوث

ه وأن

ا اآلن أعي

شه وك

ل م

ن يران

ي ي

صدقه دون أن يح

سه أو‬ ‫يعاصره أو يلمسه‪.‬‬ ‫أنظر إلى األخت الممرضة وأحاول أن أصف لھا فرحتي ھذه ببريق‬ ‫عيناي ورعشة م ن ج سدي وتلك ؤاً ف ي كالم اتي وإيم اءات م ن أكت افي‬ ‫الالت ي أص بحن مث ل أس وار الق الع ال صليبية يح ضناھا خوف ا ً وحرص

ا ً‬ ‫عليھا‪.‬‬ ‫ب

دأت أم

شي بھ ا ف

ي الغرف

ة‪ ،‬أحملھ ا ب

ين ذراع

ي‪ ،‬واقترب

ت من

ي‬ ‫األخت الممرضة ووضعت يدي اليسار تحت رأسھا وقالت‪" :‬عليك من‬ ‫اليوم أن تتعلم كيف تحمل األطفال"‬ ‫وأبقيت يدي حيث وضعتھا الممرضة‪.‬‬ ‫كلمة أقولھا ألول مرة وال أستطيع ربط عاطفتي الجائشة تجاه طفلتي‬ ‫وكلمة ابنتي‪ ،‬أعتقد أنه مع الوقت وتكرار كلمة ابنتي ق د أتمك ن م ن أن‬ ‫أربط كل عواطفي بالكلمة التي س أعتاد عليھ ا‪ ،‬إن ك ان اس مھا أو كلم ة‬ ‫ابنتي أو أي كلمة أصطلحھا لندائھا‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫حرص حتى‬ ‫ابنتي‪ ...‬نظرت إليھا وقبلتھا على خديھا الناعمين وكلي‬ ‫ال أخدشھا بقبلتي‪.‬‬

‫‪٣٣٨‬‬


‫أن ت بع د الي وم ف ي حي اتي أص بحت‪،‬‬ ‫أنت ابنتي وحبيبتي وكل ش يء ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي دي‪ ،‬ابنت ي ي ا حبيبت ي ل ن‬ ‫أنت وقطعة مني ومھجتي أحملھا بين‬ ‫ّ‬ ‫ابنتي ِ‬ ‫لفرح ك‪ ،‬ابنت ي أقولھ ا‬ ‫لبكائك وال فرحة لي بعد الي وم إال‬ ‫أبكي اليوم إال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫في ك ل لحظ ة عل ي أس تطيع أن أص ف بھ ا وبنطقھ ا وحروفھ ا ولفظھ ا‬ ‫حبك‪.‬‬ ‫للعالم‬ ‫ِ‬ ‫ابنت

ي س

امحيني إذا ب

الكالم ل

ن أس

تطيع أن أص

ف ن

شوة ف

ي داخل

ي‬ ‫أنت سببھا‪ ،‬وأسألك صفحا ً إذا بالوص ف ل م ول ن يع ي م ن ح ولي ش كل‬ ‫ِ‬ ‫بقدومك‪.‬‬ ‫وسر السعادة التي حلت ونزلت علي‬ ‫ِ‬ ‫ ك ف

ال‬ ‫ابنت

ي ل

و أن الع

الم ق

سى عل

ي لحظ

ة وفيھ

ا ش

رد الب

ال عن ِ‬ ‫تحزني‪ ...‬ال تحزني يا ابنتي ألني بعد اليوم لن أفرح ول ن أس عد إذا م ا‬ ‫أنت مصدرھا مسببھا ومنبعھ ا‪ ،‬ال تحزن ي ي ا ابنت ي ف إني عاھ دت‬ ‫كنت ِ‬ ‫ِ‬ ‫آلمك‬ ‫نفسي اآلن أني في ألمي وجراحاتي وخيبة أملي لن تكون إال من ا ِ‬ ‫وجراحاتك وخيب ة أمال ِك‪ ،‬وال تحزن ي ي ا ابنت ي ف إني ال ول ن أس مح أن‬ ‫ِ‬ ‫تجرحي أو تدمعي أو تھربي خوفا ً أو أن تفزعي‪.‬‬ ‫ل ك ص لة ب ه أو‬ ‫ابنتي‪ ...‬حبيبتي لن أعرف بعد اللحظة أي حب ليس ِ‬ ‫يرضيك‪.‬‬ ‫يغضبك أو‬ ‫عالقة أو خيط قد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اقتربت من سرير ميليندا حاضنا ً ابنتن ا‪ ،‬وض عت ي دي الي سار كامل ة‬ ‫تحت جسد طفلتي الناعم المالئكي لم يمس سه ھوائن ا الم تعفن مث ل طب ع‬ ‫كثير من سكانه‪.‬‬ ‫وضعت يدي على جبين ميليندا وكلمتھا وھ ي نائم ة ويقين ي أنھ ا ل ن‬ ‫ت

سمعني فعينيھ

ا المغلقت

ان ووجنتيھ

ا ال

داكنتين تعب

ا ً وإرھاق

ا َ ال يوحي

ا‬ ‫‪٣٣٩‬‬


‫بأنھا ستسمعني ولن تستطيع مشاطرتي فرحتي إال أني سأكلمھا وأغ رد‬ ‫فرحا ً ويكفيني أنھا ترقد بجانبي‪.‬‬ ‫سأنشد لھا عرسا ً بدقائق ولحظات‪ ،‬وأروي لھ ا فرح ة فالح ي قريتن ا‬ ‫في موسم قطاف الزيتون والع صير‪ ،‬وفرح ة أم ي ف ي ت ذوق أول طب ق‬ ‫زيت من زيتوننا المسلوق من ھذا العام‪ ،‬سأقول لھا عن فرحة عم أم ي‬ ‫العجوز عن دما وج د حم اره ال ضائع وأق سم فرح ا ً عل ى أن يحم ل نت اج‬ ‫زيتون فالحي قريتنا بالمجان‪ ،‬وس أروي لھ ا فرح ة بن ت الجي ران الت ي‬ ‫أقسمت وأضربت عن الطع ام إذا ل م يزوجھ ا وال دھا م ن الجن دي ال ذي‬ ‫يخدم بمعسكر خلف بيتھم‪.‬‬ ‫أما خيبات األم ل والھ زائم وعمالتن ا والح روب وساس تھا فل ن أروي‬ ‫لھا عنھا شيء‪ ،‬ق د أق ول لھ ا ع ن مواق ف ع ساكرنا ال شجاعة وب سالتھم‬ ‫وسخرية ساستھم منھم‪.‬‬ ‫"ھل يكفيك اليوم من طفلتك؟" قالت األخت الممرضة‪.‬‬ ‫أجبتھا وأنا أنظر البنتي وحجمھا الصغير الناعم‪" :‬ال أنا لم أشبع بعد‬ ‫من ابنتي" مبتسما ً‪.‬‬ ‫وضعت الطفلة بين يديھا وكن ت أالحقھ ا بنظرات ي‪ ،‬أراھ ا م ن خل ف‬ ‫كتفي الممرضة ورقبتھا حتى أوصلتھا إلى س ريرھا الخ شبي ال صغير‪،‬‬ ‫وقل

ت ف

ي نف

سي‪" :‬ھ

ذا ل

ن يك

ون س

ريرھا فق

د كن

ت أحل

م أن

ا وميلين

دا‬ ‫بشيء أجمل بكثير لدرجة أننا لغاية اآلن لم نشتري السرير لعدم وج ود‬ ‫الشكل الذي نبحث عن ه‪ ،‬حت ى أنن ا قررن ا أن ن صف ال شكل ال ذي نري د‬

‫‪٣٤٠‬‬


‫ألحد النجارين في المنطقة‪ ،‬وقد خطر في بالي آنذاك صديق نج ار أث ق‬ ‫بحرفته"‬ ‫سألت الممرضة‪" :‬متى س تفيق زوجت ي؟ وھ ل ھ ذا أم ر طبيع ي بع د‬ ‫الوالدة أن تكون في نوم عميق ھكذا؟"‬ ‫"ف ي الحقيق

ة ال‪ ،‬لق د تألم

ت زوجت

ك كثي راً لدرج

ة أنن ا كن

ا س

نولدھا‬ ‫بعملية قيصرية‪ ،‬إال أن مشيئة الرب غلبت ونف ذت وأنھين ا ال والدة دون‬ ‫الحاجة إلى إجراء جراحة‪ ،‬وھذا مما تسبب باآلم كثيرة لھا وحرصا ً منا‬ ‫على مرضانا فقد أعطيناھا مسكنا ً ك ي ت ستطيع أن ت سترد قواھ ا عن دما‬ ‫تستيقظ"‬ ‫"وھل يستغرق ھذا وقتا ً حتى تفيق من نومھا؟"‬ ‫"لقد أعطاھا الطبي ب جرع ة لي ست ب الكبيرة إنم ا كافي ة لترق دھا م ن‬ ‫خمس إلى سبع ساعات"‬ ‫"إذا سأنتظر في الخارج حتى تصحو"‬ ‫وخرجت دون انتظار جواب منھا وردت علي أثن اء خروج ي قائل ة‪:‬‬ ‫"من األفضل أن تذھب إلى البي ت فانتظ ارك ف ي الخ ارج حت ى ت صحو‬ ‫لن يجدي نفعا ً ألنه لم يبق ى ع ن ش روق الفج ر إال س اعات‪ ،‬اذھ ب إل ى‬ ‫البي ت وح

اول أن ترق

د الس ترداد ق

واك لي

وم جدي

د في ه طف

ل وقل

ة ن

وم‬ ‫وسھر من نوع يجب عليك أنت وزوجتك أن تعتادا عليه من اليوم"‬

‫‪٣٤١‬‬


‫في الحقيقة أني سمعت كالمھا كل ه إال أن ي م ن ش دة فرحت ي ل م أك ن‬ ‫ألتصور أي شكل من أشكال السھر دون متعة مع طفلتي بعد ھذا الي وم‬ ‫وزوجتي‪.‬‬ ‫وأعتق

د أن

ه م

ن الطبيع

ي أن يك

ون األم

ر ك

ذلك وإال ف

إن ھ

ذا ال

ذي‬ ‫أعاصره اللحظة شيء آخر غير السرور والسعادة‪.‬‬ ‫ وان أفك

ر ف

ي اقتراحھ

ا ونظ

رت إل

ى‬ ‫اس

تدرت بظھ

ري ووقف

ت لث ٍ‬ ‫الساعة وإذا بھا الرابعة وعشر دقائق فجراً‪.‬‬ ‫ونظرت من خالل النافذة التي لم يلفت نظري أي شيء من خارجھ ا‬ ‫سوى أضواء النوافذ في الغرف البعيدة من المستشفى في الجھة المقابلة‬ ‫والمظلمة من بيننا‪.‬‬ ‫"اقتراح جيد" قلت لألخت الممرضة‪.‬‬ ‫"نعم إنه اقتراح جيد وعليك العمل به ولن تندم"‬ ‫ً‬ ‫لك‬ ‫مساء أم صباحا ً سعيداً؟"‬ ‫"إذن! ھل أتمنى ِ‬ ‫"كما تحب‪ ،‬وأنا أتمنى لك أحالما ً‬ ‫ً‬ ‫سعيدة‪ ،‬وحتى الغد"‬ ‫خرج ت م ن الغرف ة أط وي األرض البي ضاء الالمع ة م ن تحت

ي وال‬ ‫أرى عليھ

ا س

وى ص

ور ابنت

ي الراس

خة ف

ي ذھن

ي‪ ،‬أراھ

ا ف

ي ب

الط‬ ‫المستشفى والجدران‪ ،‬ال أش عر ب الخطى وال بم ن ح ولي وعل ى وجھ ي‬ ‫ابتسامة عريضة ال تخف عن األنظار وال على من ال يريد أن يراني‪.‬‬ ‫أسير كأن أقدامي ھي التي تأخذني تجاه الخارج نحو الباب الرئي سي‬ ‫حيث دخلنا‪.‬‬

‫‪٣٤٢‬‬


‫ي

ا للق

در قب

ل لحظ

ات دخلن

ا ن

صرخ م

سرعين ألم

ا ً‪ ،‬فزع

ا ً‪ ،‬خوف

ا ً‬ ‫وحي

رة‪ ...‬أآلن أس

ير بخط

ى ناعم

ة ھادئ

ة وبفرح

ة ال ي

سعني إال أن‬ ‫أصرخ وأعبر عنھا‪.‬‬ ‫قبل اآلن كان صراخا ً واآلن صراخا ً‪ ،‬ش تان م ا ب ين ص راخ اللحظ ة‬ ‫وآخراً يعلوه تنھداً وأنين‪.‬‬ ‫خرج

ت م

ن بواب

ة المست

شفى الزجاجي

ة ال

سحابة وس

رت خط

وات‬ ‫خليط

ة ب

ين أض

واء الم

دخل وعتم

ة ال

شارع المكون

ة مزيج

ا ً م

ن تقني

ة‬ ‫عصرنا وتخلف الطبيعة خفيفة الظل‪.‬‬ ‫ركب

ت س

يارتي ودون أن أض

ع ح زام األم

ان ول

م تك

ن ھ

ذه ع

ادتي‬ ‫متجھ

ا ً نح

و البي

ت وأك

اد ال أرى أم

امي س

وى وج

ه طفلت

ي وميلين

دا‬ ‫النائم ه ب

صفوتھا المتعب

ة وض

فائر ش

عرھا تعانقھ

ا وتھ

دأ م

ن روعھ

ا‬ ‫وتھنئھ

ا ب

المولود الجدي

د وت

روي لھ

ا فرحت

ي وتؤن

سھا ف

ي غرفتھ

ا‬ ‫والخلوة‪.‬‬ ‫أق ود ال

سيارة بك

ل أناق

ة ورق

ة وك

أن ال

دواليب تع

انق الرص

يف م

ن‬ ‫تحتي في )شبارتا األسطورة( أو على ضفاف )اجيه‪ (...‬وأنا يح اورني‬ ‫مقودي وكـأنه ال يريد الوصول‪.‬‬ ‫أشرفت على بوابة منزلنا وقربت ساعة الرقود رغم أن الروح مليئة‬ ‫بالحركة والطاقة‪.‬‬

‫‪٣٤٣‬‬


‫عبرت بالسيارة من البوابة العريض بواجھتيھا إلى موقفھ ا م ن أم ام‬ ‫المنزل‪ ،‬أوقف ت المح رك وخرج ت م ن ال سيارة ودون أن أقفلھ ا متجھ ا ً‬ ‫نحو باب المنزل‪.‬‬ ‫دخلت في ظلمة الغرفة وأنرتھا بفرحتي أكثر من ض وئھا الكھرب ائي‬ ‫الفقير‪.‬‬ ‫ذھب

ت إل

ى المط

بخ وأح

ضرت ع

صيراً م

ن الثالج

ة وألواح

ا ً م

ن‬ ‫الشوكوالة البي ضاء وذھب ت إل ى غرف ة الجل وس واتك أت عل ى األريك ة‬ ‫ذات المقاعد الثالثة ووضعتھا أمامي وعصير العنب البالغ الحالوة‪.‬‬ ‫بدأت أتناولھ ا وأن ا متك ئ‪ ،‬أتن اول قطع ة تل و األخ رى تتخللھ ا رش فة‬ ‫عصير العنب ودون أن أشعر بالكم الذي أتناوله من الع صير والحل وى‬ ‫وكأن أحد أنامني مغناطيسيا ً وأصبحت أفكاري في بقعة ال عل م ل ي بھ ا‬ ‫ول م أع

د أعل م أي

ن تجوالھ ا‪ ،‬وك

أن ھ

ذه اللحظ ة وق

ف الزم ان بھ

ا ع

ن‬ ‫الحركة حيث ال أحداث وال أفكار غير فراغ فكري ال يتخلله شيء‪ ،‬فيه‬ ‫فقد العقل السيطرة وسلم كل قواه إلى خالقه وفقدت الجوارح قدرتھا ولم‬ ‫تعد سوى شيئا ً ملقى على شيء كالھا جماد وصرت أنا خارج الوجود‪.‬‬ ‫أفقت على ألم في عنقي وأكتافي وفتحت عيناي يحرقاني وكأن أح داً‬ ‫وضع فيھما حامض أميني‪.‬‬ ‫وأول ما ع دت إل ى نف سي ت ذكرت البارح ة وك ل حوادثھ ا‪ ...‬ميلين دا‬ ‫والطفل

ة‪ ،‬فقم

ت م

ن رق

دتي مث

ل الف

زع م

سرعا ً إل

ى الحم

ام وغ

سلت‬ ‫وجھي دون النظر إليه ودون أن أمشط شعري القصير وخرجت ب نفس‬

‫‪٣٤٤‬‬


‫ثياب األمس مسرعا ً نحو الخارج وقف زت الم دراجات وركب ت ال سيارة‬ ‫وشغلت محركھا وسرت‪ ،‬وكل ھذا في حوالي دقيقة‪.‬‬ ‫ق

دت ال

سيارة ف

ي ض

وء النھ

ار أس

ارع ال

شارع وإش

ارات الم

رور‬ ‫والسائقين من أمامي حتى وصلت إلى المستشفى وقفت ف ي أول موق ف‬ ‫أم

ام الم

دخل الرئي

سي‪ ،‬خرج

ت م

سرعا ً نح

و الم

دخل وأول م

ا دخل

ت‬ ‫وقع نظري على باقات ورد كثيرة أمامي تع ديت عنھ ا وك أني ل م أرھ ا‬ ‫واتجھ

ت نح

و الغرف

ة حي

ث زوجت

ي وفك

رت ب

الورود الت

ي ف

ي باح

ة‬ ‫االستقبال‪.‬‬ ‫رجعت بنفس الخطى السريعة نح و الخ ارج‪ ،‬لق د أن ستني فرحت ي أن‬ ‫أحظر معي باقة ورد‪.‬‬ ‫خرج ت م

ن المست

شفى م

رة أخ

رى وس

رت أبح

ث ع

ن مح

ل ورود‬ ‫فإن ه باالعتي اد يك ون دائم ا ً قري ب م ن المست شفى‪ ،‬ول م أخط و إال ب

ضع‬ ‫أمتار حتى رأي ت المح ل ف ي زاوي ة ال شارع تك شف الح ي بأكمل ه مث ل‬ ‫جارتنا المتطفلة‪.‬‬ ‫دخلت إليه‪ ،‬كان ت الفت اة البائع ة تق ف بظھرھ ا وتق ص بع ض أوراق‬ ‫أحد الشجيرات المعلقة‪.‬‬ ‫"صباح الخير يا سيدتي"‬ ‫استدارت بوجھھا إلي‪" :‬صباح الخير" قالت البائعة‪.‬‬ ‫"لو سمحت يا سيدتي أري د باق ة ورد لزوجت ي لق د وض عت طف الً ف ي‬ ‫األمس"‬ ‫‪٣٤٥‬‬


‫"تھاني القلبية‪ ،‬طفل أم طفلة؟"‬ ‫"طفلة مثل وجه القمر"‬ ‫"أتريد باقة معينة؟"‬ ‫وقل

ت لھ

ا وأن

ا أرتج

ف م

ن الفرح

ة‪ ،‬فأن

ا أري

د أن اخ

ذ باق

ة حل

وة‬ ‫ذوقك الرفي ع‬ ‫بأسرع وقت ممكن وال يھم أي شكل أو نوع‪" :‬أنا أثق في‬ ‫ِ‬ ‫يا سيدتي"‬ ‫"نعم ولكن قد تختلف األذواق!"‬ ‫كان ت ت

تكلم ب بطء وحركاتھ

ا أي ضا ً مث

ل كالمھ ا‪ ،‬وك

ان ھ ذا يثيرن

ي‬ ‫وأخفي عجلتي وعدم رغبتي بسماع كالمھ ا م ن وراء ش فتاي بابت سامة‬ ‫مصطنعة تكاد أن تكون بعد قليل جادة موضوعية‪.‬‬ ‫وف

ي خ

ضم كالمھ

ا ع

ن األذواق وأن

واع ال

ورود كن

ت ق

د تجول

ت‬ ‫بعيناي في دكانھا ووقع نظري على باقة ورد أعجبتني فقطعت ح ديثھا‬ ‫الممل وقلت لھا‪" :‬ھذه يا سيدتي"‬ ‫"أال تريد‪"...‬‬ ‫سألت ھي وقطعت كالمھا وقلت‪" :‬ھذه أعجبتني‪ ،‬لو س محتي ض مي‬ ‫عروقھا بشريط وردي"‬ ‫وق

د تعم

دت ف

ي لھجت

ي الجدي

ة مترافق

ة بابت

سامة مالطف

ة اخت

صار‬ ‫للوقت وتجنبا ً لمجامالتھا الزبائنية‪.‬‬ ‫وفي الوقت الذي كانت تجھز به الباقة سألتھا عن الثمن‪" :‬كم تريدين‬ ‫مني يا سيدتي؟"‬ ‫‪٣٤٦‬‬


‫"سآتي إليك حاالً‪"...‬‬ ‫أخرج

ت محفظت

ي وبقي

ت أراق

ب ھ

دوئھا القات

ل ووجھھ

ا األش

قر‬ ‫الجرماني وبساطة طبعھا الظاھر بأصابعھا وانحناءات جسدھا والمثيرة‬ ‫للفضول في السؤال عن شخصھا‪.‬‬ ‫"خمسة وعشرون يورو" طلبت مني ثمن الباقة‪.‬‬ ‫أعطيتھا المبلغ وأخذت الباقة وقلت لھا‪" :‬شكراً"‬ ‫دون أن أنتظر خرجت مسرعا ً‪.‬‬ ‫قطعت الشارع الفاصل بين الحانوت والمستشفى أع دو نح و الم دخل‬ ‫وما كانت أقل من دقيقة وإذا بي أقرع باب الغرفة‪.‬‬ ‫ولم أنتظر‪ ،‬فتحته أسترق النظر إلى الداخل وإذا بميليندا مستلقية ف ي‬ ‫فراش

ھا ولك

ن ل

يس ك

األمس فھ

ي الي

وم كلھ

ا إش

راقة وقابل

ت نظرات

ي‬ ‫عينيھا في اللحظة التي برزت بھا في الغرفة‪.‬‬ ‫إليك يا ميليندا‪ ،‬صباح الخير يا حبيتي"‬ ‫"ما أحلى الرجوع ِ‬ ‫دخلت الغرفه وجلست على السرير بجانبھا وقبلتھا على الجبين‪.‬‬ ‫سالمتك يا حبيبتي"‬ ‫"أحمد ‪ S‬على‬ ‫ِ‬ ‫"سلمك ‪ S‬يا سلوان" قالت ميليندا‪.‬‬ ‫"بارك ‪ S‬لنا في طفلتنا‪ ،‬اآلن أصبحنا حقا ً أبا ً وأم‪ ،‬أھي نائمة؟"‬ ‫"نعم فھي تصحو تقريبا ً في كل نصف ساعة"‬ ‫"ھل آتي بھا وأضعھا بيننا؟"‬ ‫‪٣٤٧‬‬


‫"ليس اآلن‪ ،‬ستستيقظ ھي بعد قليل فال داعي لالستعجال"‬ ‫"أال تالحظي بأننا لم نفكر مرة بجدية في اسم لھا؟"‬ ‫"نحن لم نكن نعلم عن المولود‪ ،‬قد يكون ھذا السبب!"‬ ‫"عله ھو السبب! اآلن ماذا سنسمي أميرتنا؟"‬ ‫"أنا أعرف أن اسم فاتن سيعجبك"‬ ‫"وما يدريك؟"‬ ‫"على األقل أنا أعتقد أن ھذا االسم سينال إعجابك"‬ ‫"أنا أعتقد أنك أنت من يحب ھذا االسم وليس أنا"‬ ‫"نعم أنا يعجبني ھذا االسم‪ ،‬ھل عندك اقتراح آخر؟"‬ ‫"كنت أتمنى أن نسميھا ھلينا أو بيني لوبه"‬ ‫"ال مانع عندي‪ ،‬ولكن لكم تمنت أمي ھذا االسم‪ ،‬حتى أني أحببته‬ ‫كثيراً"‬ ‫"نحن متفقان‪ ،‬ھذا االسم يعجبني أيضا ً"‬ ‫"إذن ھي من الساعة فاتنة"‬ ‫"سألقي نظرة على فاتن الفاتنة‪ ،‬اسم جميل يليق بابنتنا"‬ ‫استدرت إلى اليسار حيث كانت ترقد‪ ،‬كان سريرھا يسار ميليندا من‬ ‫جھة النافذة‪.‬‬ ‫نظرت إليھا وإذا بھا بحر من الب راءة‪ ،‬مل ك ق ائم بذات ه م ن ال صفاء‪،‬‬ ‫حرك

ات ش

فتيھا ورأس

ھا الالش

عورية وھ

ي نائم

ة ت

وحي ل

ي باألم

ان‬ ‫والطمأنين ة دون خ

وف م

ن الغ

د‪ ،‬وك

أن الع

الم مقت

صر علين

ا أن

ا وھ

ي‬ ‫‪٣٤٨‬‬


‫وميليندا‪ ،‬لمست وجھھا الن اعم ب رؤوس أص ابعي أخ اف أن أؤلمھ ا م ن‬ ‫خ

شونتھا إذا قارنتھ

ا بب

شرتھا الت

ي ل

م تن

ل بع

د م

ن ش

عاع ال

شمس إال‬ ‫نوره‪.‬‬ ‫"أال تريد أن تعرف من الذي زارني اليوم" قالت ميليندا‪.‬‬ ‫كنت مندمجا ً متمعن ا ً ب ابنتي‪ ،‬اس تدرت إل ى الخل ف حي ث كان ت ترق د‬ ‫زارك اليوم أحد؟"‬ ‫وقلت‪" :‬ھل‬ ‫ِ‬ ‫"كان عندك اليوم زائر! ومن ھو ھذا الزائر؟"‬ ‫"أال تريد أن تعرف من ھو؟"‬ ‫كالمك أن ه ل يس م ن ال ذين يزورونن ا ف ي االعتي اد! ف ي‬ ‫"الظاھر من‬ ‫ِ‬ ‫الحقيقة أنه ال يأتي اآلن في خاطري أحداً‪ ،‬ال أعرف‪ ،‬من ھو؟"‬ ‫"يانس وصوفيا كانا اليوم ھنا"‬ ‫أنت تعرفين أني لست سعيد بھ ذه العالق ة معھ م‪ ،‬ك ل كالمھ م دائم ا ً‬ ‫" ِ‬ ‫ع ن األخ

الق والمب

ادئ ومعلمھ

م األعظ م‪ ،‬وك

أن الن

اس جميع

ا ً براب

رة‬ ‫أنت من يسر دائما ً بزيارتھم"‬ ‫وھم وحدھم نبالء العصر‪ِ .‬‬ ‫"نع

م أن

ت مح

ق‪ ،‬إن أفك

ارھم تعجبن

ي‪ ،‬فھ

م أص

حاب مب

دأ ولھ

م‬ ‫مرجعھم‪ ،‬وھل ھذا يعي بھم؟ وأب ي واح داً م نھم‬ ‫أي ضا◌‪ ،‬أم أن ك ل م تع د‬ ‫ًَ‬ ‫تحب أبي؟"‬ ‫تجاھل سؤالھا عن أبيھا وقال‪" :‬مرجعھم ھذا الذي تتحدثين عن ه ھ و‬ ‫أحد أكثر األندية غموضا ً في ماضيه وحاضره"‬

‫‪٣٤٩‬‬


‫"لق

د دع

اني وأن

ت بع

د أن أخ

رج م

ن المست

شفى إل

ى محفلھ

م‪ ،‬وأن

ا‬ ‫سعيدة جداً بھذه الدعوة"‬ ‫"ولكن ح سب علم ي ب أن مح افلھم ال ت سمح للن ساء ف ي الع ضوية أو‬ ‫حتى الزيارة"‬ ‫"ھذا في الماضي‪ ،‬ولك ن اآلن ي سمح للن ساء ف ي بع ض المحاف ل ف ي‬ ‫العضوية‪ ،‬صوفيا ھي أيضا ً عضو في ذات المحف ل ال ذي يرت اده ي انس‬ ‫وأب

ي‪ ،‬ھ

ذا ولك

ن ب

شرط أن تج

د الم

رأة م

ن ي

ضمنھا ف

ي المحف

ل م

ن‬ ‫الرجال‪ ،‬ويانس وأبي قاال لي بأن ھذا يسعدھم جداً بأن أكون أختھم ف ي‬ ‫المحفل"‬ ‫مع ك‪،‬‬ ‫بدأت تتكلمي تماما ً مثلھم‪ ،‬أنا لست على استعداد ف ي ال ذھاب‬ ‫ِ‬ ‫" ِ‬ ‫لك مطلق الحرية"‬ ‫وأنت ِ‬ ‫ِ‬ ‫"أن

ا أع

رف أن

ك ال تح

ب أص

دقائي‪ ،‬ول

م أتوق

ع أن

ك س

تذھب مع

ي‪،‬‬ ‫س أذھب وح

دي‪ ،‬ھ

ذا الق

رار ق

د اتخذت

ه م

ن أش

ھر ولكن

ي كن

ت أنتظ

ر‬ ‫اللحظة المناسبة"‬ ‫قرارك‬ ‫أصدقائك‪ ،‬وإن كنت مختلفا ً في الرأي معھم‪...‬‬ ‫"أنا أحترم كل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أنك لن تتخذي مثل ھ ذا الق رار م ن‬ ‫يحزنني‪ ،‬فأنا لغاية اآلن كنت أعتقد ِ‬ ‫دوني"‬ ‫"أنت ال تريد أن تكون معي"‬ ‫يھمك؟ لم يع د يعني ك تواف ق اتجاھاتن ا ومنھاجن ا؟‬ ‫"وھل رأيي لم يعد‬ ‫ِ‬ ‫أنت ال تريدين أن تخرجي مع صديقة أنا معترض عليھا‪ ،‬إنما ستنتمين‬ ‫ِ‬ ‫‪٣٥٠‬‬


‫أن ت علي ه اآلن‪ ،‬وھ ذا‬ ‫إلى محفل له شريعة وطريقة ومسار غي ر ال ذي ِ‬ ‫يعني بالتالي تصادما ً معي ف ي الم ستقبل‪ ،‬وھ ذا أم راً س يؤثر س لبا ً عل ى‬ ‫عائلتنا الجديدة‪ ،‬أال ترين ذلك أيضا؟ً"‬ ‫"أنت تبالغ كثيراً‪ ،‬إن أبي من القدامى في المحفل ولم يختلف مع أمي‬ ‫إال بأس

لوبھا ال

ذي ل

م يتغي

ر رغ

م كب

ر س

نھا‪ ...‬أن

ا ل

ن أس

مح لعائلتن

ا‬ ‫بالتفكك أبداً"‬ ‫"في ھذا القرار سيكون انشقاق في االتجاه وھذا ما سنالحظه سويا ً"‬ ‫كان

ت ص

دمة ل

م أتوقعھ

ا‪ ،‬ھ

ذا ف

ي الوق

ت ال

ذي رزقن

ا ‪ S‬ب

ه طفل

ة‬ ‫وفرحة عارمة وأحالما ً جديدة ومستقبل‪.‬‬ ‫كأن قانون القدر يلزم دائما ً مع كل بشرى سارة خب راً فاجع ا ً يلي ه أو‬ ‫يأتي معه يسيء ويقنن من الفرحة حتى نبق ى عل ى األرض وال نطي ر‪،‬‬ ‫حتى نستقبل الفرحة بواقع وال نبالغ وال نخرج بھا إلى الخيال‪.‬‬ ‫ت

صادمت أفك

اري وم

شاعري ب

ين ابنت

ي وزوجت

ي وقرارھ

ا ف

ي‬ ‫االنت

ساب للبن

ائين األح

رار‪ ،‬وك

أني كن

ت ف

ي غرف

ة ال

ساونا بدرج

ة‬ ‫حرارة ‪ ٩٠‬وفجأة خرجت إلى ‪ ٣٠‬تحت الصفر‪.‬‬ ‫لم أعد أعرف أين أبدأ في التفكي ر وأي ن أنتھ ي‪ ،‬ودون مق دمات قل ت‬ ‫لھا‪" :‬أنا سأذھب اآلن"‬ ‫ل

م ت

سر ميلين

دا عن

دما رأت أن

ي ع

ازم عل

ى الخ

روج‪ ،‬وھ

ذا م

ن‬ ‫الطبيعي في مثل وضع أي امرأة بعد الوالدة‪.‬‬

‫‪٣٥١‬‬


‫"إلى أين تريد أن تذھب؟ أنت دائما ھكذا‪ ،‬ال تناقش إنما تخرج‪ ،‬ابقى‬ ‫وال تغضب كعادتك"‬ ‫إليك وكأن شيء لم‬ ‫"ال‪ ...‬ال أنا سأذھب فأنا ال أستطيع اآلن التحدث ِ‬ ‫يقال‪ ،‬سأذھب إلى العم حليم"‬ ‫العم حليم يبلغ من العمر ‪ ٧٤‬عام‪ ،‬ھو أحد أص دقاء وال د س لوان م ن‬ ‫الذين ھاجروا معه من األردن إلى اليونان‪.‬‬ ‫زوجته يونانية‪ ،‬إليني‪ ،‬تزوجا سنة ‪ ،١٩٤٩‬وكانا االثنين يبلغ ان م ن‬ ‫العمر السادسة عشر‪ ،‬في مصر ألن أول محطة له كانت ھن اك قب ل أن‬ ‫يھاجر م ع زوجت ه إل ى اليون ان ف ي الوق ت ال ذي كان ت م صر وخاص ة‬ ‫اإلسكندرية بلد اليونان البديل‪.‬‬ ‫الع

م حل

يم متقاع

داً م

ن مؤس

سة النق

ل البح

ري ف

ي أثين

ا‪ ،‬يع

يش م

ع‬ ‫زوجته وحدھما في بيت مستقل ال يبعد كثيراً عن خليج )زارونيش(‪.‬‬ ‫وھ

و أح

د م

دمني ق

راءة الكت

ب وھ

و مثق

ف ومطل

ع وس

ماع حديث

ه‬ ‫بالن

سبة ل سلوان متع

ة كبي

رة‪ ،‬وھ

ذا يع

ود لتن

وع مواض

يعه وح

صرھا‬ ‫وتفصيلھا وقناعته الشخصية لكثير منھا‪.‬‬ ‫"أنا أعرف أن كل أفكارك السلبية بما يتعلق باألخوية تعود إل ى الع م‬ ‫حليم" قالت ميليندا‪.‬‬ ‫معك ف ي ھ ذا الموض وع‪ ،‬أن ا‬ ‫وك حبيبتي ال أريد اآلن الخوض‬ ‫ِ‬ ‫"أرج ِ‬ ‫إليك بعد الظھيرة أو‬ ‫أحس فعالً بضيق في النفس‪ ،‬سأخرج اآلن وسآتي ِ‬ ‫في المساء"‬ ‫‪٣٥٢‬‬


‫ذھب

ت باتج

اه ال

سرير وقبل

ت طفلتن

ا‪ ،‬وقبل

ت ميلين

دا عل

ى جبينھ

ا‬ ‫وخرجت‪ ،‬لم أرد أن أخرج وأترك جواً من التوتر‪ ...‬قد أكون أنا سببه‪.‬‬ ‫وال داي‬ ‫"أرجوك قبل أن تذھب اعطني ھاتف ك المحم ول ك ي أھ اتف‬ ‫ّ‬ ‫علي"‬ ‫فھما اآلن بالتأكيد قلقان ّ‬ ‫أعطيتھ

ا ھ

اتفي وقل

ت لھ

ا‪" :‬لق

د حاول

ت البارح

ة أن أھاتفھم ا ف

ي‬ ‫البيت‪ ،‬إال أن أحداً لم يجب‪ ،‬ال عجب فقد كان الوقت متأخراً جداً"‬ ‫أخذت ميليندا الھاتف من يدي وبدأت بطلب رقم منزل والديھا‪.‬‬ ‫حالك حبيبتي؟"‬ ‫ردت ميلوذيا في المقابل‪" :‬ميليندا كيف‬ ‫ِ‬ ‫"أمي أنا بخير‪ ،‬لقد أنجبت فتاة جميلة يا أمي"‬ ‫"مب

روك ي

ا حبيبت

ي‪ ،‬لم

اذا ل

م تخبرين

ا حت

ى أك

ون عن

دِك عن

دما‬ ‫تنجبين؟"‬ ‫"ليس مھم يا أمي‪ ،‬أنا بخير اآلن‪ ،‬متى ستأتين مع والدي؟"‬ ‫لك ال تخبري أمك وأحضر والدته!"‬ ‫"بالتأكيد سلوان ھو الذي قال ِ‬ ‫"أمي‬ ‫أنت ووالدي"‬ ‫أرجوك ال تھذي كثيراً واحضري اآلن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل

م ت

رد ميلين

دا أن تطي

ل الح

ديث م

ع وال دتھا بح

ضور س

لوان فھم

ا‬ ‫دائما ً على طرفي نقيض‪.‬‬ ‫"ھل أخبرت والدتك يا سلوان؟"‬ ‫أخذ الھاتف من يدھا وأجابھا والغضب واضح بين حاجبيه المقطبين‪:‬‬ ‫"ال لم أخبرھا‪ ،‬سأخبرھا بعد قليل‪ ،‬أنا ذاھب اآلن‪ ،‬ھل تريدين شيء؟"‬ ‫‪٣٥٣‬‬


‫"نعم‪ ...‬أريد الحديث معك يا سلوان"‬ ‫أرجوك ليس اآلن‪ ،‬أنا سأذھب"‬ ‫"‬ ‫ِ‬ ‫"سلوان أنتظر"‬ ‫كلمته ميليندا بصوت مرتف ع ف ي الوق ت ال ذي ك ان ب ه س لوان تقريب ا ً‬ ‫خارج الحجرة‪.‬‬ ‫"ماذا تريدين يا ميليندا؟"‬ ‫ وك ي

ا حبيب

ي أح

ضر ل

ي مالب

س داخلي

ه ومالب

س الن

وم‪ ،‬لق

د‬ ‫"أرج ِ‬ ‫أعطوني مالبس من المستشفى‪ ،‬أرجوك ال تنسى يا حبيبي"‬ ‫أرجوك‪ ،‬أريد أن أخرج"‬ ‫"لن أنسى‪ ،‬لكني أنا اآلن‬ ‫ِ‬ ‫كان يتكلم سلوان ويبدو عليه الغضب واصطناع ھدوء بركاني‪.‬‬ ‫"أنتبه حبيبي أثناء قيادة السيارة‪ ...‬أرجوك"‬ ‫"سأفعل"‬ ‫لم يتكلم أكثر من ھذه الكلمة وخرج دون أن ينظر إليھا وأغلق الباب‬ ‫من خلفه وذھب‪.‬‬

‫‪٣٥٤‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫يبعد بيت العم حليم ما يقارب الخمسة كيلو متراً من المستشفى‪ ،‬سار‬ ‫س

لوان حت

ى موق

ف ال

سيارات حي

ث كان

ت تق

ف س

يارته‪ ،‬رك

ب ف

ي‬ ‫السيارة‪.‬‬ ‫كان

ت ال

ساعة الثاني

ة ع

شر قب

ل الظھي

رة عن

دما وص

لت إل

ى بيت ه‪،‬‬ ‫وكنت أزوره باستمرار حتى أنه سمح لي بزيارته دون أن أھاتفه أو أن‬ ‫اسأله قبل الزيارة‪.‬‬ ‫إال أني كنت دائما ً أتصل به قبل أن أخرج ھ ذا لعلم ي بأن ه ال يخ رج‬ ‫من البيت إال نادراً‪.‬‬ ‫قرع

ت الج

رس وخرج

ت إلين

ي‪" :‬س

لوان كي

ف حال

ك؟ عم

ك ك

ان‬ ‫ي

سألني‪ ،‬لم اذا ت

أخرت زي

ارة س

لوان ھ

ذه الم

رة؟ أخبرن

ي كي

ف ح

ال‬ ‫ميليندا؟ ھل أنجبت؟"‬ ‫"نعم لقد أنجبت طفلة جميلة وأسميناھا فاتن"‬ ‫كنت في الطريق إلى الع م حل يم قاط ب الح اجبين ال أرى وأس مع إال‬ ‫كلماتھ

ا وھ

ي تق

ول بك

ل ب

رودة أع

صاب واقتن

اع بأنھ

ا ستنت

سب إل

ى‬ ‫األخوية‪...‬‬ ‫حت

ى س

ألتني إلين

ي عنھ

ا إذا أنجب

ت‪ ...‬وإذا بابت

سامة ترت

سم عل

ى‬ ‫وجھي وكـأنه لم تزرني أي خاطرة أزعجتني أو تزعجني‪.‬‬ ‫"أدخل حليم في انتظارك"‬

‫‪٣٥٥‬‬


‫دخل

ت المم

ر الم

ؤدي إل

ى غرف

ة الجل

وس وف

ي آخ

ر الغرف

ة حي ث‬ ‫حجرة الطعام ذات المقاعد اإلثني ع شر المفتوح ة عل ى غرف ة الجل وس‬ ‫وفي النھاية كانت غرفة العم حليم ومكتبته البار وكية الطراز‪.‬‬ ‫دخلت إليه وكان يجل س ف ي انتظ اري ف ي الجھ ة اليمن ى م ن الغرف ة‬ ‫حي

ث المقاع

د الجلدي

ة البني

ة المتناس

قة م

ع طاول

ة مكتب

ه العري

ضة‬ ‫المصنوعة من خشب السنديان البني الغامق التي يعود تاريخ ت صميمھا‬ ‫إل

ى ل

ويس الراب

ع ع

شر‪ ،‬وم

ن خلفھ

ا عل

ى امت

داد الح

ائط وارتفاع

ه‬ ‫المكتب

ة الخيالي

ة م

ن ذات الط

راز الت

ي تثي

ر الدھ

شة‪ ،‬الممتلئ

ة بالكت ب‬ ‫بشتى مواضيعھا‪ ،‬قديمھا وحديثھا واختالف لغاتھا‪ ،‬العربية واإلنجليزية‬ ‫واليونانية‪.‬‬ ‫"مرحبا ً يا عم" حييته عندما دخلت‪.‬‬ ‫"مرحبا ً يا سلوان‪ ،‬أين أنت؟ كنت أعتقد أني لن أراك ھذا العام"‬ ‫أومأ برأسه مازحا ً‪ ،‬فھو من أخفاء الظل‪.‬‬ ‫كانت إليني تقف من خلف ي وقال ت وس ط ح ديثنا‪" :‬ميلين دا ق د أنجب ت‬ ‫طفلة يا حليم"‬ ‫"مبروك يا سلوان‪ ،‬اآلن أصبحت أبا ً"‬ ‫ورأيت في عينيه فرحة وكأن ابنته التي أنجبت‪.‬‬ ‫صافحته وعانقني مثل عادته‪ ،‬فھوا يعتبرني مثل ابنه‪ ،‬لم يكن له سوا‬ ‫ديان

ا ول

م تك

ن تع

يش ف

ي بيت

ه‪ ،‬وديان

ا تبل

غ م

ن العم

ر ‪ ٣٦‬ع

ام غي

ر‬

‫‪٣٥٦‬‬


‫متزوجة‪ ،‬تعيش ف ي أح د ض واحي أثين ا وتعم ل ف ي ش ركة االت صاالت‬ ‫اليونانية )أتي( وتأتي في المناسبات فقط لزيارة والديھا‪.‬‬ ‫"أجلس يا سلوان" قال العم حليم‪.‬‬ ‫أجل

سني الع

م حل

يم إل

ى جانب

ه م

ن الجھ

ة الي

سار‪ ،‬ووض

ع ي

ده عل

ى‬ ‫كتف

ي وھزن

ي معب

راً ع

ن اش

تياقه ل

ي‪" :‬أخبرن

ي اآلن م

ا ھ

و ش

عورك‬ ‫كأب؟"‬ ‫"في الحقيقة أني مازلت ل م أس توعب الوض ع ك وني أب ا ً لطف ل ورب‬ ‫أسرة‪ ...‬شعور جميل غريب لم أعرفه من قب ل‪ ،‬أعتق د أن ي بحاج ة إل ى‬ ‫ً‬ ‫أيضا؟"‬ ‫أيام حتى أستوعب دوري كوالد‪ ،‬أال ترى ذلك‬ ‫حر طليق‬ ‫"نعم‪ ،‬فھذا طبيعي‪ ،‬إنك اآلن في مرحلة انتقالية من إنسان ٍ‬ ‫إلى رب أسرة يقيد نفسه بقيد من الحب على شاكلة أخرى‪ ،‬أنا أق ول أن‬ ‫المرحلة وخاصة إذا كان الرجل بعد الثالثين من عمره‪ ،‬انقالب وث ورة‬ ‫من المشاعر‪ ،‬فالرجل قب ل أن يك ون ل ه طف ل يعتق د أن ه م ازال ص غيراً‬ ‫والحياة أمامه طويلة وبفرص عديدة‪ ،‬حت ى إذا ش اء الق در ورزق أح دنا‬ ‫بطف

ل‪ ،‬وإذا برج

ل األم

س غي

ر ال

ذي ب

ين ي

دينا اآلن‪ ،‬أو ل

يس ھ

ذا‬ ‫انقالب؟ فأنت األمس غير اليوم"‬ ‫"وكأنك في داخلي يا عم‪ ،‬حين رأيت فاتن أحسست بھ ذا ال ذي تق ول‬ ‫وأكثر‪"...‬‬ ‫"ھل أسميتموھا فاتن؟"‬ ‫"نعم‪ ،‬وما رأيك بھذا االسم؟ يعجبني كثيراً"‬ ‫‪٣٥٧‬‬


‫"ھذا اختيارك أليس كذلك؟ فلو كان اختيار ميليندا لك ان االس م ماري ا‬ ‫أو كاترينا"‬ ‫"لق

د أعجبھ

ا االس

م أي

ضا ً‪ ،‬ولكن

ي ي

ا ع

م ل

ست س

عيداً‪ ،‬فھن

اك م

ا‬ ‫يخنقني"‬ ‫بدا على س لوان الح زن واألل م‪ ،‬انقالب ة س ريعة ب ين لحظ ة وأخ رى‪،‬‬ ‫وفجأة ذھبت تلك االبتسامة السعيدة المعبرة ع ن ف رح ج م‪ ،‬وعن دما ب دأ‬ ‫الكالم عن األخوية وزوجته‪ ،‬حل محلھا اس تياء وعتم ة وأص بح الوج ه‬ ‫الباسم شاحبا ً مثل الذي شرب سما ً زعاف‪.‬‬ ‫"مالي أرى السعادة ھربت عنك وكأنھا لم تكن‪ ،‬ما ال ذي يثي ر قلق ك؟‬ ‫أخبرني يا ولدي ما بسريرتك"‬ ‫"ال أع

رف ي

ا ع

م م

ن أي

ن أب

دأ‪ ،‬ميلين

دا س

تنتمي إل

ى منظم

ة‬ ‫األخوية‪"...‬‬ ‫"أي األخوية‪...‬؟ ھل تعني الماسونية؟"‬ ‫"نعم يا عم‪ ،‬وأنا ال أعرف ماذا أفعل‪ ،‬عظم السعادة في قلبي ألن ‪S‬‬ ‫رزقنا فاتن‪ ،‬وعظم األسف ألن ميليندا ستنتمي إلى محافلھم"‬ ‫"ھذا يؤسفني يا سلوان‪ ،‬ولكن كيف أتت على مثل ھذه الفكرة؟ أليس‬ ‫من المحتمل أنھا تريد أن تداعبك؟‪ ...‬آه‪ ،‬والدھا أيضا ً من الن شطين ف ي‬ ‫المحفل الكبير‪ ...‬لقد نسيت"‬ ‫"ال يا عم‪ ،‬ھي ال تق صد المداعب ة أن ا أتي ت اآلن م ن المست شفى وق د‬ ‫كدنا نتشاجر ولكني اختصرت وخرجت"‬ ‫‪٣٥٨‬‬


‫"ولكنه ليس من السھل ال دخول إل ى مح افلھم‪ ،‬يج ب أن يك ون ھن اك‬ ‫من الماسونيون من يضمنھا غير والدھا"‬ ‫"ھناك من يضمنھا‪ ،‬ميليندا لھا أصدقاء من أيام الدراسة وھم ينتمون‬ ‫إلى الماسونية ودميترس أيضا ً‪ ،‬ولقد دعونا أنا وميلين دا لزي ارة محفلھ م‬ ‫ولكني رفضت وميليندا أصرت رغم اعتراض ي ال شديد‪ ،‬وھ ذا ي ؤلمني‬ ‫جداً‪ ،‬أنا ال أعرف عن ھذه المجموع ة إال القلي ل‪ ،‬ح دثني ي ا ع م ع نھم‪،‬‬ ‫ن

شاطھم ت

اريخھم‪ ،‬وحقيق

تھم‪ ،‬ولم

اذا س

موا بن

ائين أح

رار أو ماس

ون؟‬ ‫عندما أتذكر أن زوجتي ستكون منھم يصيبني دوار"‬ ‫"إن أص

ل كلم

ة الماس

ونية ي

ا س

لوان م

شتقة م

ن الكلم

ة اإلنجليزي

ة‬ ‫)ميسون ‪ (Mason‬وأصل الكلمة م ن الفرن سية‪ .‬وھ ي تعن ي َّ‬ ‫البن اء‪ ،‬ث م‬ ‫تضاف كلمة )فري ‪ (free‬بمعنى حر وتعني ) َّ‬ ‫البناء الحر(‪ ،‬وقد اختلف‬ ‫المؤرخون في تعريف أصل كلمة حر‪ ،‬فيُقال إنھا نسبة إلى)فري ستون‬ ‫‪ ،(Free Stone‬أي الحج

ر ال

سلس‪ .‬وق

د ورد ف

ي ت

اريخ الع

صور‬ ‫الوس

طى العب

ارة الالتيني

ة )إس

كالبتور البي

دوم ليبي

روروم(‪ ،‬أي ناح

ت‬ ‫األحجار الحرة وھذا ما ذھب إليه كثير م ن المؤرخ ون‪ ،‬ولك ن بع ضھم‬ ‫قال أن كلمة حر وردت لتمييز الـ )فري ميسون(‪ ،‬أي البن اء الح ر‪ ،‬ف ي‬ ‫مقابل الـ )راو أور رو ميسون(‪ ،‬أي َّ‬ ‫البن اء الخ ام الغي ر منح وت‪ .‬وثم ة‬ ‫رأي ثال

ث يق

ول إل

ى أن ال

ـ )ف

ري مي

سون( ع ضو ف

ي نقاب

ة البن

ائين‪،‬‬ ‫ول يس المق

صود ب

ه األخوي ة‪ ،‬ول

ذا فھ

و ح ر‪ ،‬أي أن م

ن حق

ه ممارس

ة‬ ‫مھنت

ه ف

ي المدين

ة الت

ي يع

يش بھ

ا‪ .‬وھن

اك رأي أخ

ر يق

ول ب

أن كلم

ة‬ ‫)فري( إنما تشير إلى أن البنائين لم يستقروا في قطاع أو والية معين ة‪،‬‬ ‫ال ب

العكس إنم

ا كان ت عن

دھم حري

ة التنق

ل م

ن مك

ان إل

ى آخ

ر داخ

ل‬ ‫‪٣٥٩‬‬


‫ص

دَ قت ھ

ذه النظري

ة‪ ،‬فھ

ذا يعن

ي أن البن

ائين ك

انوا مث

ل‬ ‫اوروب

ا‪ .‬وإن َ‬ ‫الغج

ر ف

ي الغ

رب ال

ذين ك

انوا يُعتب

رون عن

صراً ح

راً يمكن

ه االنتق

ال‬ ‫حي ث ش

اؤا‪ .‬وق

د ك ان ھ

ذا حق

ا ً مق

صوراً عل ى فرس

ان الھيك

ل ورج

ال‬ ‫الدين‪ .‬في الحقيقة يا سلوان أن ھذه المجموعة ال يستطيع أحداً أن يجزم‬ ‫في الحديث عنھا‪ ،‬فھناك من يق ول أن ت اريخھم يع ود إل ى آدم وإدري س‬ ‫وموسى عليھم السالم‪ ،‬وھذه مبالغ ة كبي رة أن ا ال أرى للحقيق ة فيھ ا أي‬ ‫وجه‪ ،‬فمعظ م المؤرخ ون األوروبي ون العظ ام الثق ات ي رى ھ ذا أي ضا ً‪،‬‬ ‫وھناك من يقول أنھم بدؤوا في عھ د المل ك الروم اني )ھي روديس( ف ي‬ ‫القدس‪ ،‬وأنا أعتقد بأن التنظيم الذي كان في عھده ليس له أي عالقة في‬ ‫التنظ

يم الح

ديث والم

سجل ف

ي ع

ام ‪١٧١٧‬م‪ ،‬أي الت

اريخ الرس

مي‬ ‫الم سجل للماس ونية وال

ذي ال يختل ف ف

ي ص حته اثن

ين‪ ،‬فل و زعمن

ا أن‬ ‫تنظيم الملك مع رؤوس اليھودية ھم ذاتھ م ماس ونيون الي وم‪ ،‬لم اذا من ع‬ ‫اليھود االنتساب لمحافلھم وھذا يع ود إل ى ع ام ‪١٨٤٢‬م حي ث ت م إن شاء‬ ‫أول محفل ماسوني خاص باليھود في الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬وق د‬ ‫سمي ھذا المحفل بالـ )بني بعريت( أو )أبناء العھد(‪ ،‬وال ذي انت شر م ن‬ ‫بع ُ د ب

ين النخ

ب اليھودي

ة ف

ي أوروب

ا وال

ذي يتب

ع الطق

س )اإليقوس

ي(‬ ‫الممارس في المحافل اإلنكليزية أو شبيھه الطق س األمريك ي المع روف‬ ‫َ‬ ‫بـ )األود فيلووز(‪ ،‬وما قب ل ذل ك فك ان ال يح ق لليھ ود وال سود والن ساء‬ ‫لالنت

ساب للمحاف

ل الماس

ونية عل

ى اإلط

الق‪ ،‬وأن ي أعتق

د ب

أن دخ

ول‬ ‫اليھود المحافل رسميا ً فيم ا بع د جع ل لھ م س يطرة ق د تك ون تام ة عل ى‬ ‫محافل البن ائيين األح رار مم ا أعطاھ ا وجھ ا ً وطابع ا ً أس تطيع أن أق ول‬ ‫يھودي"‬

‫‪٣٦٠‬‬


‫ب

دا عل

ى س

لوان االنج

ذاب الت

ام أثن

اء س

ماعه الح

ديث وھ

ذا ل

يس‬ ‫غريب عليه عند سماعه كالم العم حليم الشيق‪.‬‬ ‫واليوم غير كل يوم فھو يحدثه عن مجموع ة س ببت ل ه األرق وھ ي‬ ‫التي ستنظم إليھم زوجته‪.‬‬ ‫"أخبرني عن الحقيقة التي تراھا أنت حقيقة يا عم‪ ،‬وع ن المالب سات‬ ‫التي حولھم أيضا ً‪ ،‬أريد أن ألم بكل ما يتعلق بھم"‬ ‫"بدأ تنظيم في ع ام ‪٤٣‬م‪ ،‬وال ذي ين سبه كثي ر م ن المھتم ين ب األمور‬ ‫الماسونية لماسون اليوم يا سلوان وخاصة من الم ؤرخين الع رب‪ ،‬وأن ا‬ ‫ال أعتقد بأن ھ ذا التنظ يم ل ه أي عالق ة ب أي وج ه م ن الوج وه ب التنظيم‬ ‫الح الي‪ .‬وي زعم كثي ر م ن م ؤرخي الع

رب ب أن اليھ ود ف ي ذل ك الح

ين‬ ‫عملت على القضاء على الديانة النصرانية فأنشؤا جمعية س رية أطلق وا‬ ‫عليھ

ا اس م )الق

وة الخفي

ة( واس

تعانوا بشخ

صية يھودي

ة تع

رف باس

م‬ ‫)احيرام أبيود( أحد مستشاري والي القدس )بيالطس البنطي( وھو م ن‬ ‫الحكام المثاليين الرومان والمعروفين بالقسوة لتحقيق ھذه الغاية‪.‬‬ ‫وي دعي أن )ب

يالطس( ل

م ي

دخر جھ

داً ف

ي التنكي

ل برم

وز ال

دعوة‬ ‫الن

صرانية مث

ل قت

ل الق ديس يعق

وب وس

جن الداعي ة )بط

رس( وقط

ع‬ ‫رأس يحيى عليه السالم‪ .‬ويذكر البعض من ال ذين ل م ي ستند إل ى وث ائق‬ ‫تاريخية معتمدة ب أن ھ ذا التنظ يم بق ي حت ى بداي ة الق رن الث امن ع شر‪،‬‬ ‫وأن ھذه المرحلة التاريخي ة الفاص لة ب ين تأس يس التنظ يم وب دأ الت اريخ‬ ‫الرسمي في عام ‪١٧١٧‬م‪ ،‬من أكثر المراحل غموضا ً في تاريخھا‪ .‬إني‬ ‫لم أجد في طي ما ُكتب عن الماسونية بما يمك ن أن يُ ستدل ب ه عل ى م ا‬ ‫‪٣٦١‬‬


‫آلت إليه أمورھم طيلة ھذه الفترة‪ ،‬غير أن ھناك م ن يق ول عل ى ض وء‬ ‫المستجدات التاريخية‪ ،‬وألسباب لم يصل إليھ ا الكثي ر‪ ،‬أن الق وة الخفي ة‬ ‫قد ُ‬ ‫شلت حركتھا من الناحي ة العملي ة‪ ،‬بي د أن تعاليمھ ا ون شاطھا آل إل ى‬ ‫إرث مخطوط توارثت ه نخب ة م ن اليھ ود م ن ن سب المؤس سين األوائ ل‪.‬‬ ‫لكن ال والي القدس وال االضطھادات التي عانھا معتقدي الم سيحية لھ ا‬ ‫أي عالقة بالماسونية‪ ،‬إنما ھ و س رد ال ي ستند عل ى دلي ل وأن ا أق ول أن‬ ‫ھذا الزعم خرافة‪.‬‬ ‫إن ھذا ليس ب األمر الم ستغرب‪ ،‬إذا عرفن ا طبيع ة الحرك ات ال سرية‬ ‫الخفي

ة الت

ي تمي

ل إل

ى الجم

ود واالنط

واء والتك

تم عل

ى ك

ل م

ا يت

صل‬ ‫بتاريخ رموزھا‪ ،‬غير أنه لم يتسنى ألي تنظيم سري أن يخف ي أس راره‬ ‫ألكثر من مئة عام‪ ،‬فكي ف لن ا أن ن سلم ب أن ھ ذا الحرك ة حافظ ت عل ى‬ ‫خصوصيتھا وسريتھا ألف عام؟"‬ ‫"أنا ال أعتقد ي ا ع م أن ھ ذه الجمعي ة الت ي ت سمي نف سھا الماس ون أو‬ ‫البن

اؤون األح

رار لھ

م عالق

ة بال

ذي أس

س ف

ي عھ

د )ب

يالطس‬ ‫البنطي(‪"...‬‬ ‫"أنا أشاطرك الرأي‪ ،‬فالمصدر الذي يدعم ھذه النظرية مصدر واحد‬ ‫وليس من المصادر الموثوق بھا تاريخيا ً‪ .‬فإن اآلراء حول بداية البنائين‬ ‫األحرار اليوم وجذورھم كثيرة متعددة وشائكة‪ ،‬بيد أن ھناك العديد م ن‬ ‫المنظمات العالمية المنتشرة بتسميات قد تختلف من دولة ألخرى يمك ن‬ ‫حصر تأسي سھا الرس مي بت اريخ مثب ت وھ ي عل ى ارتب اط م ع بع ضھا‬ ‫بطريق

ة م

ا‪ ،‬ويع

ود ھ

ذا إل

ى ال

سرية الت

ي تح

يط بالمحف

ل أو ب

األحرى‬

‫‪٣٦٢‬‬


‫إدارته وتنظيمه الداخلي‪ ،‬ألنه في معظم األحيان يكون جمي ع األع ضاء‬ ‫عبارة عن ھياكل وليس لھ م ن شاط حقيق ي‪ ،‬حت ى ال رئيس ذات ه إذا ك ان‬ ‫ي

دير محف

الً ل

يس ذا أھمي

ة‪ .‬وھ

ذا ال

ذي جع

ل المحاف

ل ف

ي ال

سنوات‬ ‫األخي

رة تأخ

ذ ط

ابع أق

ل س

رية العتق

اد األع

ضاء بغم

وض المراس

م‬ ‫والطقوس الحركية وكيفية تمييز األعضاء من غيرھم في التنظيم‪ ،‬وفي‬ ‫الحقيق

ة أن

ي ال أرى ف

ي ھ

ذه المراس

م إال تعبي

راً ع

ن االلت

زام وال

والء‬ ‫لمعايير يعتقد الكثير أو يحاول إقناع المھتمين بالشؤون الماسونية بأنھ ا‬ ‫لھ

ا عالق

ة بالبن

ائين األح

رار األوائ

ل والت

ي ي

سيروا ھ

م الي

وم عل

ى‬ ‫نھجھم‪.‬‬ ‫استند سلوان وغير من شكل جلسته وصار يقابل العم حليم رغ م أن ه‬ ‫يجلس لجانبه وقال‪" :‬ھل نستطيع أن نجزم بالتحديد عن وقت إنشاء ھذه‬ ‫المنظمة؟ أو تحديد الجھة أو الشخص الذي برز وقام على تأسيسھا؟"‬ ‫"ال يع

رف بالتحدي

د مت

ى ب

دأ البن

اؤون األح

رار‪ ،‬وھن

اك العدي

د م

ن‬ ‫الفرضيات حول وقت تأسيسھم‪ ،‬فھناك م ن ي رى ج ذورھم ض اربة ف ي‬ ‫أعم

اق الت

اريخ وارتب

اطھم باألدي

ان ال

سماوية ورس

الة بع

ض الرس

ل‬ ‫كنوح وإدريس و سليمان عل يھم ال سالم وعالق ة ت شييد ھيكل ه ب التنظيم‪،‬‬ ‫غي

ر أن ال

رأي ال

راجح ح

سب الم

صادر التاريخي

ة م

ا ن

سب لفرس

ان‬ ‫الھيكل"‬ ‫"وھل من الممكن أن يكون المحفل المنظم إليه دميت رس وي انس ھ و‬ ‫ذات

ه ال

ذي تتح

دث عن

ه اآلن ي

ا ع

م؟ وم

ا عالق

ة ھ

ؤالء الفرس

ان‬ ‫بالماسونيون؟"‬

‫‪٣٦٣‬‬


‫"إن فرسان الھيك ل ي ا س لوان عب ارة ع ن ق وة ع سكرية كان ت قائم ة‬ ‫على أساس ديني‪ ،‬وال يعرف بالتحديد وقت تأسي سھا إال أنھ ا تم ت ب ين‬ ‫‪١١١٨‬م و‪١١٢١‬م‪ ،‬ويعتب ر )ھوج و دي ب ايو ‪(Hugue de Payens‬‬ ‫أح

د الن

بالء الفرن

سيين ومؤس

س ھ

ذه الق

وة م

ن مقاطع

ة ال

شمبانية ف

ي‬ ‫ش

مال فرس

ا م

ع ثماني

ة ن

بالء م

ن أص

دقائه‪ ،‬وأق

سموا عل

ى أنف

سھم‬ ‫ونذروھا لإلله ولحماية الدين‪ ،‬وھذا في أوج أولى الحمالت الصليبية"‬ ‫"لكني لغاية اآلن ال أفھم طبيعة العالقة بينھم وبين البنائين األحرار‪،‬‬ ‫أو أني ال أستوعب الكثير من فيض ما تدليه علي يا عم"‬ ‫"ال‪ ،‬ھذا ليس صحيح‪ ،‬أنت تصغي وت ستوعب ك ل ال ذي أس رده م ن‬ ‫الوقائع التاريخية‪ ،‬ولكنك كعادتك ال تصبر وتستبق األحداث دائما ً"‬ ‫كان العم حليم يقص تاريخ منظمات كثيرة قد تكون لھا عالقة بال ذي‬ ‫يريد سماعه سلوان وآخر يتمنى أنه لم يسأله وخاصة في تلك اللحظات‬ ‫التي كانت تملئ قلبه حزنا ً وخيبة أمل م ن الموق ف ال ذي أص رت علي ه‬ ‫ميليندا‪.‬‬ ‫وأردف الع

م حل

يم ق

ائالً‪" :‬أن

ا أذك

ر ل

ك المقدم

ة ك

ي ت

ستطيع أن‬ ‫تتابعني في سرد األحداث‪ ،‬ألني لو حدثتك عن حقبة معينة من تاريخھم‬ ‫الذي قد يكون منھم أو ال يكون‪ .‬إني أرى أنه من الع دل واإلن صاف أن‬ ‫نعطي التاريخ حقه على األقل من وجھة نظري في روايتھا"‬ ‫أعاد سلوان السؤال مرة أخرى‪" :‬أين العالقة بين الفرس ان والبن ائين‬ ‫األحرار؟"‬

‫‪٣٦٤‬‬


‫"في ‪١٣.٠٧.١٠٩٩‬م سقطت القدس بأيدي الصليبيين‪ ،‬في وقت كان‬ ‫الجو العام ضاجا ً بالحرب وع دم االس تقرار والطري ق م ن الغ رب نح و‬ ‫الق

دس لحج

يجھم ل

م يك

ن أمن

ا ً م

ن مقاوم

ة الم

سلمين‪ ،‬ك

ون جي

وش‬ ‫الصليبين متمركزة في الق دس‪ ،‬والطري ق ب ين ال شرق والغ رب خاوي ة‪،‬‬ ‫تارة للمسلمين وأخرى للصليبين‪ ،‬مما دفع بعض فرسان من الفرن سيين‬ ‫نذروا أنفسھم لحماية الطريق من الديار المقدسة إلى الغرب‪ ،‬وبمبارك ة‬ ‫من البطريرك )بالدوين ‪ (Balduin‬الثاني‪ ،‬تم تنظيم جيش قوي وال ذي‬ ‫أصبح فيما بعد من أكبر الجيوش الصليبية وأغناھا في الغرب"‬ ‫صار سلوان يخاطب نفسه أثناء سماعه العم حليم‪" :‬أنا اسأله عن شيء‬ ‫وھو يقول لي عن آخر‪ ،‬ھو يتح دث بك ل رغب ة وي ستمتع ف ي إص غائي‬ ‫وھي فرصة له حتى ال ينسى بعض األحداث والتواريخ‪ ،‬وأنا‪ ...‬أعاني‬ ‫حتى يعطيني المعلومة التي أريد سماعھا"‬ ‫ل

م ينتھ

ي ع

ن الك

الم واس

تطراده المتواص

ل‪" :‬وك

ان ھ

ذا الج

يش‬ ‫يتصف بصفة غير التي تداولت من قبل‪ ،‬فكانوا رھبانا ً وفرسان ف ي آن‬ ‫واحد‪ ،‬حتى أن )بادوين( الثاني جعل ق صره لھ م أول محف ل ف ي ت اريخ‬ ‫التنظ يم‪ .‬وت

م أول اجتم

اع وب

ه ك

ان التأس

يس عل

ى بقاي

ا ھيك

ل النب

ي‬ ‫سليمان المزعوم‪ ،‬ونودوا من األسقفية ابتداء من تلك اللحظة ب ـ فرس ان‬ ‫الھيكل‪ .‬عندما طبق )ھيجو دي بايو( المؤسس نظرية الراھب والفارس‬ ‫في آن واح د‪ ،‬لج أ إل ى الكني سة ف ي الغ رب حت ى يوث ق محفل ه ب صورة‬ ‫رسمية طبقا ً لقانون األسقفية في أوروبا‪ ،‬وبھذا يستطيع الح صول عل ى‬ ‫نسبة كبيرة من األعضاء‪ .‬وفي المجمع الكنائ سي ف ي ش مال فرن سا ف ي‬ ‫مدينة )تروا ‪ (Troyes‬عام ‪1129‬م‪ ،‬أجتم ع رج ال الكني سة الكب ار ف ي‬ ‫‪٣٦٥‬‬


‫ذلك العھد وأ ُعترف بشكل رسمي بھم وتمثيلھم للراھب والفارس في آن‬ ‫واحد‪ ،‬وبھذا أصبحوا ھيئة كنائ سية رس مية لھ ا م ا للكني سة وعل يھم م ا‬ ‫عليھ

ا باإلض

افة لل

سلطة الع

سكرية‪ .‬وبھ

ذا ن

الوا ال

دعم الم

ادي م

ن‬ ‫أصحاب المزارع الكبيرة وبإدارة حكيمة أصبحوا أكبر سلطة مالية ف ي‬ ‫ذل ك الوق

ت‪ .‬ون

ستطيع أن نق

ول أن فرس

ان الھيك

ل ھ

م تقريب

ا ً أول م

ن‬ ‫عمل على نظام البنوك الحالية بالمعنى الواسع"‬ ‫"ھل يعود الفضل في انتشار محافل الفرسان وق وتھم لك ونھم رھب ان‬ ‫وفرسان؟ ولك ن م ا وج ه العالق ة ب ين انت شارھم والمنظم ة الخفي ة الت ي‬ ‫نحن بصدد الحديث عنھا؟"‬ ‫كان س لوان يح اول أن ي شاركه س رده الت اريخي المم ل م ن غي ر أن‬ ‫ع ل وع سى‬ ‫يشعره بالضجر ويطرح السؤال عليه م رة أخ رى ب سياسة ّ‬ ‫أن يجيبه‪.‬‬ ‫"نعم ھذا صحيح يا سلوان‪ ،‬فقد تبنت كنيسة )التسيسترتسينز( الفرسان‬ ‫ومبادئھم فألزمتھم إل ى االن صياع لك ل مب ادئ الكني سة القاس ية‪ ،‬أي ف ي‬ ‫حال

ة ع

دم الح

رب يتوج

ب عل يھم البق

اء ف

ي ال

صومعات تمام

ا ً مث

ل‬ ‫الرھب

ان‪ ،‬وأن تحل

ق رؤوس

ھم مث

ل رھب

انھم م

ن األط

راف والخل

ف‬ ‫ويبقى فقط شعر قصير من األعلى تماما ً مثل القبعة‪ ،‬وحتى يعرفوا أنھم‬ ‫الفرسان أ ُلبسوا ثيابا ً طويلة بيضاء ومن الخل ف ص ليب أحم ر ح افري‪،‬‬ ‫ومثاله ثوب بني وأخر أسود حسب رتبته‪ ،‬نب يالً‪ ،‬عريف ا ً أو عاب داً‪ ،‬وق د‬ ‫أض

اف الباب

ا )أويج

ن ‪ (Eugen‬الثال

ث ف

ي ع

ام ‪ ،1147‬ھ

ذا ال

زي‬ ‫للكنيسة‪ .‬وعند ع ودت ھ ذه المجموع ة م ن الفرس ان إل ى بالدھ م ن ودي‬

‫‪٣٦٦‬‬


‫لھم بالسمع والطاعة لألعمال المجيدة التي أنجزوھا في الديار المقدسة‪،‬‬ ‫وب

صفة رس

مية م

ن الكني

سة ومرك

ز الق

رار‪ .‬وتط

ورت ح

ركتھم ف

ي‬ ‫الغرب وأصبحوا قوة منتشرة في كل فرنسا وأجزاء كبيرة من اوروب ا‪،‬‬ ‫ورفع

ت ال

ضريبة ع

نھم ال ب

ل أص

بح ل

ديھم ح

ق جباي

ة ال

ضريبة م

ن‬ ‫المواطنين وسمح لھم تداول المال من مكان إلى آخر وإقراضه بصورة‬ ‫تشابه الصكوك البنكية في العصر الحديث م ن منطل ق كنائ سي ب ابوي‪،‬‬ ‫وبھذا أصبح البابا اسما ً رمزيا ً دون أي سلطة تذكر‪ ،‬حتى أنھم أصبحوا‬ ‫الق

وة المالي

ة والع

سكرية ف

ي ال

شرق األدن

ى وممول

وا مل

وك أوروب

ا‬ ‫وقصورھم‪ ،‬صار لھم موانئھم الخاصة وسفن حربي ة وك ان م ن ق ادتھم‬ ‫ص

ناع مل

وك وخب

راء بدس

ائس ال

سياسة وال

ساسة‪ ،‬ومن

ذ ن

شأتھم لغاي

ة‬ ‫يومنا ھذا لم تكتشف حقيقتھم وأسرارھم فعالً‪ ،‬ھل كانوا مارقة ھراطقة‬ ‫زنادقة ملحدين؟ أم فرسان نبالء رھبان؟ ويقال أنھم كانوا يعبدوا صنما ً‬ ‫أس

موه )باھوم

ت ‪ .(Baphomet‬واللغ

ز ال

داكن ك

ان نھاي

ة الفرس

ان‬ ‫فجأة‪ ،‬فق د انمح ت أث ارھم ف ي ليل ة وض حاھا وط وردوا ف ي ك ل مك ان‪.‬‬ ‫وقتل من الفرسان ما يزيد على الثالثة آالف والغريب في األمر أنھم لم‬ ‫يقاوموا بأي نوع من المقاوم ة رغ م ق وتھم ونف وذھم‪ .‬ال أري د أن أطي ل‬ ‫عليك يا سلوان الكثير حول األحجوات التي تدور حولھم‪ ،‬لكني س أقول‬ ‫لك اآلن حسب قناعتي الشخصية كي ف ب دأت حرك ة البن اؤون األح رار‬ ‫بنھاي

ة فرس

ان الھيك

ل‪ .‬لق

د قت

ل م

ن قت

ل وف

ر م

ن نج

ا م

ن االعتق

ال‬ ‫والتعذيب‪ ،‬عندما اتھم وا بت دنيس ال صليب والب صق علي ه‪ ،‬ال ب ل ك انوا‬ ‫يجبروا تحت التعذيب بأن يقولوا الكثير عن نظريتھم ما ليس منھا مث ل‬ ‫ال

شذوذ الجن

سي‪ ،‬وعب

ادة ال

شيطان وال

سحر وال

شعوذة الت

ي كان

ت ف

ي‬

‫‪٣٦٧‬‬


‫العصور الوسطى تستوجب القتل‪ .‬لجأ من نجا منھم إلى العمل السري‪،‬‬ ‫ونتيجة لھذا ھرب فرسان الھيكل إل ى بريطاني ا‪ ،‬ول م يك ن ھ روبھم إل ى‬ ‫بريطانيا محضا ً للصدفة‪ ،‬فق د ك ان لھ م عالق ة ونف وذ ف ي الماض ي عن د‬ ‫الملك )ستيف ‪ (Stephen‬ال ذي ت سلم ال سلطة ع ام ‪1135‬م‪ ،‬بع د المل ك‬ ‫)ھ

اينريش األول ‪ ،(Heinrich‬وتظ

اھروا فيم

ا بع

د بحرف

ة البن

اء‬ ‫وتحولوا بعد ذلك إلى ما يسمى البنائين‪ .‬ھل رأيت اآلن يا س لوان لم اذا‬ ‫شرحت لك كل ھذه المقدمة؟"‬ ‫"أنت محق يا عم"‬ ‫جاملته حتى ي ستمر بكالم ه رغ م قن اعتي ب أن المقدم ة الطويل ة ك ان‬ ‫بإمكانه أن يختصرھا بكثير‪.‬‬ ‫"يعتقد البعض يا ولدي أن الماسونية نشأت من فرسان الھيكل‪ ،‬وھذه‬ ‫الفرضية م ستندة عل ى الوث ائق أكث ر م ن غيرھ ا م ن الفرض يات‪ .‬نع م‪،‬‬ ‫واستنادا إلى الوثائق فإن أول مرة تم فيه استعمال كلمة )لوج ‪(Lodge‬‬ ‫للفرسان ومعناھا كوخ‪ ،‬والمستعملة لدى الماسون لغاية الي وم‪ ،‬ك ان ف ي‬ ‫سنة ‪١٢٧٨‬م أثناء عملية بناء دير لكنيسة )الزيسترزينسر( بالقرب م ن‬ ‫مدينة )جيستر ‪ (Chester‬البريطانية‪ ،‬ويعتقد بعض المؤرخون أن ھ ذا‬ ‫المق

ر ك

ان عل

ى األغل

ب كوخ

ا ً أو مجموع

ة م

ن األك

واخ يتن

اول في

ه‬ ‫البناؤون طعامھم‪ .‬وفي ع ام ‪١٣٥٦‬م ت شكلت حرك ة البن اؤون األح رار‬ ‫في لندن وتم اختيار كاتدرائية )يورك( كمقر للمجموعة‪ ،‬وبعد ‪ ٢٠‬سنة‬ ‫أي ف

ي ع

ام ‪١٣٧٦‬م ت

م ألول م

رة اس

تعمال كلم

ة الماس

ونية حي

ث ت

م‬ ‫اختيار ‪ ٤‬أشخاص ليمثلوا البنائين في لندن ف ي مناق شات لھيئ ة التج ارة‬

‫‪٣٦٨‬‬


‫وأطل

ق الوف

د عل

ى نف

سه )البن

اؤون ‪ ،(Masonry‬ول

م ت

ستعمل كلم

ة‬ ‫األحرار آنذاك‪ .‬وفي عام ‪١٣٩٠‬م تم كتابة ما يعتبر أول ن ص ماس وني‬ ‫وكان

ت عب

ارة ع

ن ‪ ٦٤‬ص

فحة مكتوب

ة بأس لوب ش

عري‪ ،‬وتوج

د ھ

ذه‬ ‫النصوص حاليا ً في المتحف البريطاني‪ .‬وقد تستغرب يا سلوان إذا قلت‬ ‫ل

ك أن ھن

اك اعتق

اد أن موج

ة انت

شار وب

اء الط

اعون ف

ي أوروب

ا ع

ام‬ ‫‪١٣٤٨‬م والحرب الداخلية على ع رش بريطاني ا ف ي ع ام ‪١٤٥٣‬م أدت‬ ‫إلى ارتقاء الماسونية إلى حركة منظمة"‬ ‫"وما ھو وج ه ال ربط ب ين الط اعون والوض ع ال داخلي ف ي بريطاني ا‬ ‫وارتقاء الماسونيون؟"‬ ‫"في الوقت الذي عمت به الفوضى أنحاء البالد آنذاك تبلورت تعاليم‬ ‫وإرش

ادات الحرك

ة وأخ

ذت مراس

يم االنتم

اء طابع

ا ً وش

كالً خاص

ا ً‪،‬‬ ‫ويعتق

د ال

بعض أن ھ

ذه المراس

يم ك

ان لھ

ا عالق

ة بع

دد س

اعات العم

ل‬ ‫ومعدالت األجور‪ ،‬وأن النظ ام الحرك ي ك ان أكث ر عمق ا ً م ن ال شكليات‬ ‫النقابي ة أو الع

ضوية‪ .‬فف

ي ‪١٥٩٨‬م ت

م تعي ين الھيكل ة وتحدي

د التنظ

يم‬ ‫اإلداري لھم في اسكتلندا"‬ ‫"ھل صحيح يا عم أن ال يصح ألع ضاء الماس ونية االنفك اك ع نھم؟‬ ‫أو أنه يقتل من يريد التخلي عن محفلھم؟ أو يفشي أسرارھم؟"‬ ‫"ھذه خرافة األمس يا سلوان‪ ،‬إذا لم يدفع العضو الق سط ال شھري أو‬ ‫السنوي يمھل على ما أعتقد لغاية ثالث ة ش ھور ث م يمن ع م ن دخ ول أي‬ ‫محفل ماسوني‪ ،‬ھذا بعد إقالت ه‪ ،‬أم ا الب رامج التلفزيوني ة وبع ض الكت ب‬ ‫الركيك

ة الت

ي تثي

ر الدھ

شة بم

ا يتعل

ق بالماس

ونية فم

ا ھ

ذا إال أس

لوب‬ ‫‪٣٦٩‬‬


‫لكسب الشھرة وبالتالي ھي سياسة مادي ة بحت ة‪ .‬كان ت الماس ونية تعتم د‬ ‫السرية والتعتيم أوالً لتضليل الناس ع ن حقيق ة أھ دافھا‪ ،‬الت ي آل ت فيم ا‬ ‫بعد لخدمة ال صھيونية‪ ،‬وثاني ا ً لك ي ي شد ھ ذا التنظ يم بع ض الن اس إل ى‬ ‫السعي لفھم حقيقة الماسونية‪ ،‬وبذلك يتدافع أمثال ھ ؤالء محب ي الك شف‬ ‫ع

ن األلغ

از‪ ،‬لالنت

ساب إليھ

ا‪ .‬وكثي

راً م

ا ي

سمع الواح

د من

ا أحادي

ث‬ ‫وروايات عن ھذا األمر كأن يُقال فالن انخرط في الماسونية ثم انسحب‬ ‫منھا وقت ل‪ ،‬أو قتل وا زوجت ه حت ى ال يف شي بأس رارھم‪ ،‬أو ف الن الح ظ‬ ‫إشارات بين شخصين يعتقد أنھ ا إش ارات التع ارف ب ين الماس ون‪ ،‬إل ى‬ ‫آخر ما ھنالك م ن مق والت كھ ذه‪ .‬إن ه أم ر حقيق ي أن الماس ونية تعتم د‬ ‫الرموز واإلشارات في طقوسھا وكتاباتھا ومحافلھا إلدراكھ م أن األم ر‬ ‫توھم قدرة عجيبة وراء ھذه الحركة الغامضة‪ ،‬أو أن‬ ‫يحمل المرء على ّ‬ ‫الق

ائمين عليھ

ا يملك

ون م

ن الق

درة والمعرف

ة م

ا ل

يس ل

سواھم ول

ذا‬ ‫ي

ستحقون التق

دير‪ .‬أن

ا اعتق

د أن

ه بع

د انخ

راط اليھ

ود ف

ي ھ

ذا التنظ

يم‬ ‫شيدوا‬ ‫وت

أثيرھم الكام

ل عرف

وا ت

أثير الرم

وز ف

ي قل

ب اإلن

سان ف

ّ‬ ‫الماسونية على الطريقة التي ترمز إلى تاريخھم‪ ،‬ال ذي ھ و ذات ه رم وز‬ ‫دينية بحتة‪ ،‬فكانت الحركة الماسونية أكث ر التجمع ات ال سرية اس تعماالً‬ ‫للرموز‪ ،‬وأھمية الرم وز فيھ ا ش ديدة الت أثير بم ا ت ضمنته درجاتھ ا م ن‬ ‫إشارات وكلمات وحركات وكل رم ز يُ ستر وراءه معن ى م ن معانيھ ا‪.‬‬ ‫وتستفيد المنظمة من موض وع ال سرية والرمزي ة ف ي ض بط عناص رھا‬ ‫وتخويفھم؛ حيث أن المنتسب لھم‪ ،‬أو أحد الجمعي ات التابع ة لھ ا‪ ،‬إذ م ا‬ ‫ك شف أباطيلھ

ا وق رر الخ

روج م ن ص

فوفھا ت راه يح

سب أل ف ح

ساب‬ ‫وح

ساب‪ .‬وھن

اك بع

ض محاف

ل الماس

ون ف

ي ال

سابق ك

انوا يحك

ون‬

‫‪٣٧٠‬‬


‫ح

وادث وھمي

ة ع

ن أض

رار وانتق

ام ألحق

وه ب

شخص تع

رض لھ

م‪ ،‬أو‬ ‫انت

سب لجم

اعتھم ث

م تركھ

ا فاغت

الوه حت

ى ال ُتف

شى أس

رارھم‪ .‬أن‬ ‫المحافل الي وم وإدارتھ ا أكث ر مدني ة وأق ل س رية وأق رب إل ى الواقعي ة‪.‬‬ ‫والغريب في األمر أنھم أنفسھم في مؤلف اتھم ب احوا بأس رار ومعلوم ات‬ ‫إن صحت التسمية‪ ،‬أكثر بكثير مما كتبه األشخاص من غيرھم في ھذه‬ ‫الموضوعات‪.‬‬ ‫"إذن ل يس الماس ون ف ي ھ

ذه ال صورة الت ي كن

ت أحملھ ا ف ي رأس

ي‬ ‫من‪ ...‬من طقوس غريبة م ن حم ل ال سيف ب ين كتف ي الع ضو وإغمائ ه‬ ‫ووضعه في غرفة مظلمة فيھا ھياكل عظمية مرسومة على الجدران؟"‬ ‫"إن موض

وع االنت

ساب للماس

ونية ل

ه م

ستلزماته‪ ،‬ومنھ

ا مراس

م‬ ‫إدخال

ه للم

رة األول

ى إل

ى المحف

ل بأس

لوب يحم

ل عل

ى الغراب

ة‬ ‫واالس تھجان‪ ،‬يم ر الع ضو الجدي د ل دى تكري سه بعملي ة مخيف ة‪ ،‬ولكنھ

ا‬ ‫سخيفة وربما مضحكة‪ .‬يزور العضو الجديد المحفل في الوق ت المح دد‬ ‫له‪ ،‬يتم استقباله من قبل شخص يسمى المرشد‪ ،‬ويبدأ الطقس بنق ر غي ر‬ ‫م

ؤلم بمطرق

ة عل

ى رأس

ه‪ ،‬ويدخلون

ه غرف ة مظلم

ة ي

سمونھا )غرف

ة‬ ‫التأمل( فيھا طاولة وعليھا جمجمة وعظام ساعدي اإلنسان أو فخذية –‬ ‫اصطناعية ‪ -‬وشمعة‪ ،‬وساعة رملية‪ ،‬ثم يخرج من غرفة التأمل ويجرد‬ ‫العضو من جميع المواد المعدنية الت ي يحملھ ا م ن س اعة وخ اتم ونق ود‬ ‫معدني

ة‪ ،‬وعلي

ه ك

ذلك أن يخل

ع س

ترته‪ ،‬ويف

تح قمي

صه بحي

ث يك

ون‬ ‫صدره مفتوحا ً تمام ا ً م ن الجھ ة الي سار‪ ،‬ويك شف ع ن س اعده ويك شف‬ ‫عن ساقه األيسر لفوق الركبة ويخلع حذاءه‪ ،‬ويل بس بمكان ه نع الً أو م ا‬

‫‪٣٧١‬‬


‫يشبه‪ ،‬ويسأل مرة أخرى من صاحب السدة‪" :‬ھل ما تزال م صراً عل ى‬ ‫طلب النور الماسوني؟‬ ‫فيجي

ب ب

القبول‪ ،‬ث

م تع

صب عين

ي المرش

ح بع

صابة س

وداء‪ ،‬ويُل

ف‬ ‫حول عنقه حبل غليظ طويل أشبه بحبل المشنقة ويقاد بھذه الصورة إلى‬ ‫غرفة الھيكل – نسبة إلى ھيكل سليمان ‪ -‬وھي أھم غرفة ف ي المحف ل‪،‬‬ ‫وعلى العضو الجديد أن يطرق الباب ثالث مرات‪ ،‬فيقول الح ارس م ن‬ ‫الداخل من الطارق؟ ويرد المرشد‪" :‬طالب فقي ر ف ي حال ة الظ الم س بق‬ ‫وطلب انتسابه ودخوله إل ى الماس ونية مخت اراً‪ ،‬وق د ج اء اآلن ليكت سب‬ ‫النور من ھذا المحفل المحفوظ"‬ ‫ويقول الحارس من الداخل‪" :‬بم يأمل ھذا؟"‬ ‫يرد المرشد‪" :‬بطيب السيرة وحرية النسب"‬ ‫يفتح الباب الحارس من الداخل ثم يسيرا به في متاھات المحفل حتى‬ ‫يدخال إلى غرف ة س وداء أح دھما أمام ه واآلخ ر وراءه‪ ،‬وي دخل الثالث ة‬ ‫إلى الغرفة وھناك ترفع العصابة السوداء عن عينيه‪ ،‬حتى يتب ين مع الم‬ ‫الغرف ة الت

ي ھ

و اآلن فيھ

ا‪ ،‬وإذا بھ

ا غرف

ة س

وداء أرض

ھا‪ ،‬وج

درانھا‬ ‫وسقفھا أسود‪ ،‬عليھا لوحات بكتاب ات ھ ي بع ض ال شعارات الماس ونية‪،‬‬ ‫وال يوج

د بھ

ا أي ناف

ذة‪ ،‬وف

ي بع

ض أرج

اء الغرف

ة جم

اجم وھياك

ل‬ ‫عظمية صناعية‪ ،‬وھناك في الغرفة تابوتين أحدھما به جث ة م ن ال شمع‬ ‫مغطاة بكفن أسود وبجواره تابوت آخر فارغ معد الستقبال جثة أخرى‪،‬‬ ‫ھ

ي جث

ة الع

ضو الجدي

د ال

ذي س

يجري علي

ه االمتح

ان لمعرف

ة م

دى‬ ‫استھتاره بالموت وم دة م ا يمك ن أن يق دم للماس ونية م ن ت ضحيات‪ ،‬ث م‬ ‫‪٣٧٢‬‬


‫يطلبون منه أن ينام في التابوت الخالي لمدة من ال زمن بع د أن ي ضعوا‬ ‫على صدره جمجمة ويجعلوه يتمعن ف ي محتوي ات الغرف ة‪ ،‬ث م يطلب ون‬ ‫منه أن يكتب قسم والئه على ورقة"‬ ‫دخلت إليني في األثناء معھ ا الم شروب ال ذي تقدم ه تقريب ا ً ك ل م رة‬ ‫ً‬ ‫بناء على رغبة زوجھا لسلوان‪.‬‬ ‫"لقد أحضرت لنا إليني الكركديه يا سلوان‪ ،‬أم أنك كرھته؟"‬ ‫"طبع

ا ً ال‪ ،‬أن

ا ي

سعدني ك

ل م

رة ش

رابه مع

ك‪ ،‬أن

ت تع

رف أن

ي ال‬ ‫أشربه إال في بيتكم‪ ،‬وقد يكون ھذا السبب في رغبتي الدائمة الحتسائه"‬ ‫وض

عت إلين

ي ال

صينية وعليھ

ا كأس

ين م

ن الكركدي

ه ذو الل

ون‬ ‫الخمري الفاتح وطعمه المنعش‪ ،‬وكنت أنا والعم نشربه بارداً أو س اخنا ً‬ ‫وبسكر كثير‪.‬‬ ‫"أين كأسك يا إليني؟" سألھا سلوان‪.‬‬ ‫"تصور يا سلوان أني كل يوم أشربه مع عمك حليم‪ ،‬ھ ذا يعن ي أن ي‬ ‫لغاية اليوم اآلن شربت اثنين‪ ،‬أوال يكفي ھذا؟ والوقت لم يتجاوز الثانية‬ ‫عشر"‬ ‫"مسكينة إليني‪ ...‬ليس ذنبك أن زوجك محب لھذا المشروب الى ھذا‬ ‫الحد"‬ ‫"ال‪ ،‬ليس األمر صعبا ً لھ ذه الدرج ة‪ ،‬أن ا أحب ه أي ضا ً‪ ،‬لكن ي اآلن ل ن‬ ‫أستطيع أن أشربه معكم"‬

‫‪٣٧٣‬‬


‫"شكراً إليني‪ ،‬ھل تحبي الجلوس معنا؟" سألھا زوجھا‪.‬‬ ‫"ال أرجوك‪ ،‬أنا عندي عمل كثير في المطبخ‪ ،‬وھذا سلوان معك"‬ ‫قالت له شكراً كأنھا ھاربة منه لعلمھا بكثرة حديثه وشرحه المفصل‪.‬‬ ‫"أين كنا يا سلوان؟ في سبب إبادة الفرسان؟"‬ ‫فزعت وقلت له‪" :‬ال‪ ...‬ال يا عم لقد أنھيت موضوع الفرس ان‪ ،‬كن ت‬ ‫تتحدث كيفية استقبال العضو الجديد في الماسونية"‬ ‫"نعم أنت محق يا سلوان"‬ ‫حول نظره إل ى إلين ي وق ال لھ ا‪" :‬ھ ذا لموض وع مھ م‪ ،‬اقع دي حت ى‬ ‫تستفيدي بعض الشيء بدالً من التنظيف في المطبخ الذي ال ينتھي"‬ ‫خرج

ت زوجت

ه دون أن تبادل

ه أي كلم

ة‪ ،‬ك

ان يب

دو عليھ

ا ال

ضجر‬ ‫منه‪ ،‬فھي معتادة على كثرة كالمه‪.‬‬ ‫"نعم يا سلوان‪ ،‬توضع الستارة السوداء على عينيه مرة أخرى" تابع‬ ‫العم حليم حديثه عن مراسم الماسونية‪" :‬ويقاد حتى يدخل وسط المحفل‬ ‫وبنائه على شكل ھيكل سليمان‪ ،‬وف ي وس طه الم ذبح‪ ،‬وھ و عب ارة ع ن‬ ‫منضدة عليھ ا الكت ب ال سماوية‪ ،‬وم ن تح ت الطاول ة أرض ية م ن ب الط‬ ‫مثل الشطرنج باللون األب يض واألس ود‪ ،‬ث م يرك ع الع ضو الجدي د عل ى‬ ‫ركبت

ه اليمن

ى وعل

ى جانبي

ه ح

راس الھيك

ل وي

ضع ي

ده عل

ى كتاب

ه‬ ‫المق دس إن ك

ان إنجي

ل أو ت

وراة أو ق

رآن وم

ن فوق

ه الفرج

ار ويق

سم‪:‬‬ ‫"اق

سم بمھن

دس الك

ون األعظ

م‪ ،‬أنن

ي ل

ن أف

شي أس

رار الماس

ونية أو‬ ‫أش

اراتھا أو أقوالھ

ا أو تعاليمھ

ا أو عاداتھ

ا‪ ،‬وأتعھ

د ب

أن أحفظھ

ا ف

ي‬ ‫‪٣٧٤‬‬


‫ص

دري مكتوب

ة إل

ى األب

د‪ ...‬واق

سم ب

أن ال أخ

ون عھ

د ھ

ذا التنظ

يم‬ ‫وأس

راره ال باإلش

ارة وال ب

الكالم وال بالحرك

ات‪ ،‬وأن ال أكت

ب ش

يئا‬ ‫منھا‪ ،‬وال أنشره بالطبع أو الحفر أو التصوير‪ ،‬وأنني إذا حنث ت بيمين ي‬ ‫أن تحرق شفتاي بحديد محمي‪ ،‬وأن تقطع ي داي‪ ،‬ويح ز عنق ي‪ ،‬ويعل ق‬ ‫جسدي في محفل ليراه طالب آخ ر وليعتب ر ب ه‪ ،‬ث م تح رق جثت ي وي ذر‬ ‫رمادھا في الھواء حتى ال يبقى شيء من جريمتي"‬ ‫وم

ن ث

م ي

ضع بنف

سه رأس الفرج

ار الم

دبب ع

ل قلب

ه‪ ،‬ث

م ي

ضرب‬ ‫األستاذ األعظم بإصبعيه فوق الفرج ار ض ربا ً يك اد أن يك ون لم سا ً‪ ،‬ث م‬ ‫يدخل العضو الجديد إلى غرفة على شكل كھف حيث تقرأ عليه التعاليم‬ ‫والمح

ذورات‪ ،‬وبع

د ذل

ك وف

ي قاع

ة ف

سيحة يجتم

ع جمي

ع األع

ضاء‬ ‫الستقبال العضو الجديد‪ .‬والمحفل الماس وني مك ون م ن رئ يس وأربع ة‬ ‫م

ساعدين وح

ارس ف

ي ال

داخل وآخ

ر ف

ي الخ

ارج‪ ،‬وكلھ

م يحمل

ون‬ ‫السيوف‪ ،‬ثم يسمح للعضو بالدخول بعد أن يكون قد عصبوا عينيه مرة‬ ‫أخرى‪ ،‬وفور دخول ه يُنغ ز بال سيف نغ زة خفيف ة ج دا ف وق قلب ه‪ ،‬وي شد‬ ‫الحبل الموجود على رقبته ث م يأخ ذه مرش دان إل ى المك ان ال ذي يجل س‬ ‫فيه الرئيس أو)األس تاذ األكب ر( وي سمى أي ضا ً )أس تاذ الع رش األعظ م(‬ ‫ال

ذي يك

ون جال

سا ً عل

ى الع

رش الماس

وني‪ ،‬وھن

اك يرك

ع ويبارك

ه‬ ‫ال

رئيس بال

سيف عل

ى كتف

ه األيم

ن‪ .‬وھ

ذا الطق

س يع

ود إل

ى الع

صور‬ ‫الوسطى ف ي ترقي ة رج الھم م ن ع ادي إل ى نبي ل أو ف ارس‪ ،‬وال يك ون‬ ‫فارس ا ً إال إذا ك ان نبي ل‪ ،‬ويق سم ق سما آخ ر‪ ،‬ث م ي أمر ال رئيس ب أن تف ك‬ ‫الع

صابة ع ن عيني

ه ث

م يتق

دم من

ه ال

رئيس ليق

ول ل

ه ف

ي ص

وت ي

شبه‬ ‫الھمس‪" :‬إنك قد نجوت من خطرين عظيمين‪ ،‬وبقي خط ر ثال ث يتع ين‬ ‫‪٣٧٥‬‬


‫علي

ك أن تح

ذره إل

ى آخ

ر نف

س ف

ي حيات

ك‪ ،‬ف

الخطران الل

ذان نج

وت‬ ‫منھما ھما الطعن والخنق‪ ،‬فلقد كان ھذا السيف موجھا إلى صدرك عند‬ ‫دخولك‪ ،‬حتى إذا بدر منك سوء نية كنت ساعيا ً إلى قتل نفسك"‬ ‫"إن ھذه الطريقة المسرحية‪ ،‬التي يخ ضع لھ ا الع ضو الجدي د‪ ،‬كافي ة‬ ‫ل م أمكن ه‬ ‫فعالً لخلق الوساوس في ذھنه بحيث لو فكر لوقت طوي ل بھ ا َ‬ ‫ً‬ ‫م ثال؟ ولم اذا‬ ‫فھم كل حركة أمر بھا رغم تفاھتھا‪ ،‬فلماذا ُتع صب عين اه‬ ‫يخل

ع نعل

ه األيم

ن دون األي

سر؟ أو لم

اذا يف

تح قمي

صه؟ إنھ

ا خديع

ة‬ ‫ومكيدة تقدم ألعضاء ھذا التنظيم لتثبيت انتم ائھم وتمك نھم م ن إض الل‬ ‫منتسبيھم والسيطرة عليھم من خالل ھذا السيناريو" قال سلوان‪.‬‬ ‫"ولكن ما أود أن أنوه إليه يا سلوان أن ك ل م ا ي دور ف ي ھ ذا الحف ل‬ ‫الذي ذكرته آنفا ً‪ ،‬عادة ال يتم كله في المرة األولى‪ ،‬بل يمر على العضو‬ ‫الجديد مرحلة طويلة من ال زمن ق د ت صل إل ى أكث ر م ن ع شرين ع ام‪،‬‬ ‫يوضع خاللھا في العديد من التجارب قبل أن ي دخل إل ى مرحل ة الحب ل‬ ‫والمشنقة والتابوت والكھف‪ ،‬وھي المرحلة األخيرة من التكريس‪ ،‬وقبل‬ ‫أن ي

صل إل

ى مرحل

ة متقدم

ة م

ن ال

درجات الت

ي ت

صل أعالھ

ا ‪٣٣‬‬ ‫درج

ة‪ ،‬وھ

ي درج

ة بع

ض المل

وك ورؤس

اء الجمھوري

ات ورؤس

اء‬ ‫الوزارات والنواب ورؤساء بعض المنظمات وكبار التج ار ف ي الع الم‪،‬‬ ‫وزعماء حركات قوية لھا سيطرة في البلد التي ھو فيھا"‬ ‫"كيف يستطيع أحداً أن يذھب في خياله بعيداً ويع يش في ه لدرج ة أن‬ ‫يجعل منه ع الم واقع ا ً يعتق ده ويحمل ه رس الة للن اس؟ وي ضم إلي ه أي ضا ً‬

‫‪٣٧٦‬‬


‫أصحاب القرار في الع الم‪ ،‬وي ضع ش عارات ورم وز وأش كال ال تحم ل‬ ‫أي معنى!"‬ ‫"لطالم

ا ارتبط

ت الماس

ونية ب

الرموز‪ ،‬واإلش

ارات‪ ،‬والم

صافحات‬ ‫ال

سرية الت

ي يع

ود تاريخھ

ا إل

ى البن

ائيين ف

ي الق

رون الوس

طى الت

ي‬ ‫استخدموھا للتعرف على بعضھم وللحفاظ على أسرار مھن تھم‪ ،‬فھ م ل م‬ ‫يأتوا بالرموز من خياالتھم‪ ،‬إنما لكل رم ز م ن رم وزھم معن ى ل ه أث ر‬ ‫في تكوين ھذا التنظ يم وتاريخ ه‪ .‬وم ا دمن ا نتح دث ع ن رم وز التنظ يم‬ ‫ف

يمكن أن ن

ضيف ھن

ا أن م

ن رم

وز الماس

ونية المثل

ث‪ ،‬الفرج

ار‪،‬‬ ‫الم

سطرة‪ ،‬المق

ص‪ ،‬الرافع

ة والنجم

ة الخماس

ية وال

سداسية أي

ضا ً‪،‬‬ ‫واألرق ام ‪ ٣‬و‪ ٥‬و‪ ٧‬وھ ي رم وز وطق وس ت ساعد عل ى اكت شاف الن ور‬ ‫ح

سب زعمھ

م‪ .‬إن القاع

دة األساس

ية ف

ي التنظيم

ات الماس

ونية ھ

ي‬ ‫ً‬ ‫محف ال‪ ،‬والمحف ل يمك ن‬ ‫المحفل‪ ،‬ويحق لكل سبعة ماسونيين أن ي شكلوا‬ ‫أن يضم خمسين عضواً‪ .‬أما رمزية الفرجار والزاوي ة الل ذين ي شاھدان‬ ‫كثيراً في أرجاء المحفل‪ ،‬فھم يمثالن الطبيعة األخوية للماس ونية ح سب‬ ‫زعمھم‪ ،‬وغالبا ً ما يشاھد داخل الفرجار والزاوية رمز آخر ھو النجم ة‬ ‫أو القم

ر أو ال

شمس الت

ي تمث

ل الحقيق

ة والمعرف

ة أو الع

ين أو الح

رف‬ ‫الالتين

ي ‪ G‬ويق

ال إن

ه يمث

ل أول ح

رف م

ن كلم

ة )‪ (God‬أي اإلل

ه‪،‬‬ ‫فالماس

ونيون ملزم

ون باإليم

ان بوج

ود ك

ائن أس

مى ي

سمونه )مھن

دس‬ ‫الكون األعظم( وإن كانوا ال يطلقون عليه اسم ‪ S‬أو ال رب‪ .‬أم ا الع ين‬ ‫داخل الفرجار والزاوية فھ ي الع ين الت ي ت رى ك ل ش يء‪ .‬وھن اك رأي‬ ‫أخر يقول أن رمز العين التي تظھر في قمة المثلث على الختم األعظ م‬ ‫للواليات المتحدة وعلى فئ ة ال دوالر الواح د ال ورقي‪ ،‬أو حت ى الكلم ات‬ ‫‪٣٧٧‬‬


‫التي في أسفل ورقة الدوالر المكتوبة بالالتينية تدل على سيطرتھم على‬ ‫الوالي

ات المتح

دة والع

الم‪ ،‬باعتب

ار أن م

ن ص

مم الخ

تم ووض

ع الرس

م‬ ‫والكلمات له خلفية ماسونية أو ماسوني‪ ،‬وھذا القول له عالقة بالحقيقة‪،‬‬ ‫بي

د أن الماس

ونيون ينف

ون أن يكون

وا ھ

م وراء وض

ع الخ

تم األعظ

م‬ ‫للوالي

ات المتح

دة وص

ورة ال

دوالر‪ ،‬ويقول

ون إن الت

صميم ي

شابه‬ ‫رم

وزھم بال

صدفة فق

ط‪ ،‬وإن م

صممه ل

م يك

ن ماس

وني‪ .‬أم

ا الزاوي

ة‬ ‫القائمة التي ترمز إلى الزاوية المطلوبة في بناء جدار على أساس قوي‬ ‫وھناك في ھذه المرحلة عامودين عند مدخل قبر رم زي لمعب د س ليمان‬ ‫ويعتق

د ال

بعض أن الع امودين يم

ثالن ال

سحاب والن

ار ال

ذي أس

تعملھما‬ ‫الخالق األعظم إلرشاد بني إسرائيل إل ى الطري ق الم ؤدي إل ى األرض‬ ‫الموعودة‪ .‬والمسطرين أو المالج تستخدم في طقوس وصول الماس وني‬ ‫إلى مرحلة خبير وھ ي أعل ى المرات ب الماس ونية‪ ،‬وھن اك محاف ل تقب ل‬ ‫فق

ط ع

ضوية الماس

ونيون الحاص

لين عل

ى ھ

ذه المرتب

ة‪ ،‬وف

ي ھ

ذه‬ ‫المرحلة وحسب المعتقد الماسوني ي صل الع ضو إل ى حال ة ت وازن ب ين‬ ‫العوام ل الداخلي ة الت ي تح رك اإلن سان والجان ب الروح ي ال ذي يربط

ه‬ ‫بالخ

الق األعظ

م‪ .‬وم

ن م

سؤوليات الخبي

ر ھ

و االقت

راع عل

ى قب

ول‬ ‫أعضاء جدد والقيام بأعمال أو م شاريع خيري ة والبح ث والتح ري ع ن‬ ‫خلفية طالبي العضوية ومسؤوليات مالية متفرقة"‬ ‫"ھل تعتقد يا عم بأن الرموز مثالً التي على الدوالر محض ال صدفة‬ ‫فعالً؟"‬ ‫"ھن

اك بع

ض م

ن الحقيق

ة ف

ي م

ا يتعل

ق ب

الرموز الموج

ودة عل

ى‬ ‫ال

دوالر األمريك

ي‪ ،‬ومثالھ

ا الثالث

ة ع

شر نجم

ة الموج

ودة عل

ى الخ

تم‬ ‫‪٣٧٨‬‬


‫األمريكي والتي تكون النجمة السداسية‪ ،‬وھ ي أح د الرم وز الماس ونية‪،‬‬ ‫والتي إذا وضعتھا على الدوالر حيث الھرم لكانت كل زاوية من زوايا‬ ‫النجمة عل ى ح رف م ن الكلم ات المكتوب ة عل ى ال دوالر ومكون ة ب ذلك‬ ‫كلمة )‪ ،(MASON‬وھي الكلم ة الت ي تعن ي البن اء‪ ،‬والع ين أي ضا ً م ن‬ ‫فوق الھرم‪ .‬ويعود إنشاء الدوالر بھذه الصورة التي ھو اليوم عليھا إلى‬ ‫عھد الرئيس األمريكي )روز فيلد( سنة ‪١٩٣٥‬م‪ ،‬ووزير ماليته‪ ،‬وھم ا‬ ‫م

ن الماس

ونيون الفع

الين‪ ،‬وأن

ا ال أعتق

د ب

أن يك

ون ھ

ذا الت

رابط ب

ين‬ ‫مصممي الدوالر من أصحاب القرار في ذلك العھد وانتمائھم للماسونية‬ ‫والرموز محض صدفة‪ .‬ھي حقيقة وإن نفاھا البعض وأنكرھا"‬ ‫"ولكن ي كن ت أعتق

د ب أن الخ

تم األمريك ي ق د أن

شأ ف ي وق

ت م ا قب

ل‬ ‫‪١٩٠٠‬م‪ ،‬بل يعود إلى ما بعد الحرب األھلية في أمريكا بوق ت ق صير‪،‬‬ ‫والنج

وم الثالث

ة ع

شر كان

ت تعن

ي الوالي

ات األمريكي

ة الثالث

ة ع

شر‬ ‫المتحالفة!"‬ ‫"نعم ھذا صحيح‪ ،‬لقد صمم الختم األمريكي في سنة ‪١٧٨٢‬م‪ ،‬إال أنه‬ ‫لم يكن على الدوالر‪ ،‬ولم يكن ترتيب النجوم بھذه ال صورة الت ي تك ون‬ ‫نجمة داود السداسية‪ ،‬بل كان صاحب ھذه الفكرة )روز فيلد( ف ي وق ت‬ ‫حكومته"‬ ‫"كلما أتذكر ميليندا وكالمھا عن األخوية أص اب باإلحب اط‪ ،‬أل م يك ن‬ ‫ھ

ذا التنظ

يم مق

صور عل

ى الرج

ال فق

ط؟ من

ذ مت

ى ي

سمح للن

ساء ف

ي‬ ‫االنتساب إلى األخوية؟"‬

‫‪٣٧٩‬‬


‫"لم يسمح ف ي الحقيق ة لل سيدات باالنت ساب لألخوي ة أو الماس ونية إال‬ ‫ف

ي ح

االت ن

ادرة ومنھ

ا عل

ى س

بيل المث

ال قب

ول ع

ضوية ال

سيدة‬ ‫)اليزابيث أولد ورث( قبل عام ‪١٧٧٠‬م وھناك من يق ول بأنھ ا ش اھدت‬ ‫عن طريق الصدفة من خالل ثقب ف ي الب اب الطق وس الكامل ة العتم اد‬ ‫عضو جديد‪ ،‬وعندما تم اكتشاف أمرھا تم ضمھا للمنظمة للحف اظ عل ى‬ ‫السرية‪ ،‬وھذه أحد الطرق التي تثير الدھشة عند عامة الناس‪ ،‬والحقيق ة‬ ‫أنھا البداية التي أصبح للنساء في محافل الماسونية مكان رسمي‪ ،‬وھ ذه‬ ‫فرص

ة للتنظ

يم إلدخ

ال أس

طورة جدي

دة عل

ى أس

اطيرھم‪ .‬وبم

ا أنن

ا‬ ‫نتح

دث اآلن ع

ن ال

سيدات ف

ي الع

الم‪ ،‬فھن

اك س

يدة م

ن الجم

يالت ف

ي‬ ‫تحبك ي ا ول دي وھ ي ف ي انتظ ارك اآلن وف ي أش د الحاج ة إلي ك‪،‬‬ ‫العالم‬ ‫ِ‬ ‫اذھب إليھا واسمعھا وتحدث إليھا وحاول أن تفھمھا‪ ،‬أال ترى ي ا ول دي‬ ‫أنه من الواجب عليك ف ي مث ل ھ ذا الوق ت أن تك ون إل ى جان ب ميلين دا‬ ‫بدالً م ن الح ديث الكثي ر ح ول األخوي ة وخ داعھم؟ اذھ ب إل ى زوجت ك‬ ‫وابق

ى إل

ى جانبھ

ا وتق

رب إليھ

ا أكث

ر م

ن الماض

ي‪ ،‬ھ

ي اآلن ب

أمس‬ ‫الحاجة إليك‪ ،‬فأنت زوجھا ووالد طفلتھا ورب بيتھا‪ ،‬وأنتـم اآلن مقبلون‬ ‫عل

ى حي

اة جدي

دة وبي

نكم طف

ل‪ ،‬اجعل

وه س

بب س

عادتكم وينب

وعكم ف

ي‬ ‫الصفح والتسامح وسر الحياة بينكم"‬ ‫"أنت محق يا عم‪ ،‬سأذھب اآلن إليھ ا وأدخ ل عليھ ا وك أن ال ذي دار‬ ‫بيننا لم يكن"‬ ‫شربت عصير الكركديه وفي خضم الحديث كانت إليني قد أحضرت‬ ‫لنا القھوة‪.‬‬

‫‪٣٨٠‬‬


‫وأنا مازلت لم أش رب منھ ا ش يء‪ ،‬ولق د ھمم ت بتجھي ز نف سي حت ى‬ ‫أرجع إلى ميليندا وطفلتي ولم أعد أحتمل االنتظ ار وك أن النق اش الح اد‬ ‫الذي كان بيننا لم يكن‪.‬‬ ‫أن

ا اآلن ال أرى أم

امي س

وى ميلين

دا عل

ى فراش

ھا وطفلتن

ا عل

ى‬ ‫صدرھا‪.‬‬ ‫"إذن س

أذھب اآلن‪ ،‬ش

كراً ل

ك ي

ا ع

م عل

ى ال

ضيافة وح

سن ال

سماع‬ ‫والنصيحة الطيبة"‬ ‫"أال تريد أن تشرب فنجان القھوة؟"‬ ‫وقف ت وتناول

ت الفنج

ان وك

ان س

اخنا ً وقل ت‪" :‬سأش

رب ي

ا ع

م أخ

ر‬ ‫رشفة وأذھب"‬ ‫وشربت رشفات متتالية وعزمت على الخروج‪ .‬وق ف الع م ورافقن ي‬ ‫حتى الباب وحييت إليني من بعيد وكانت في المطبخ ال ذي ال يبع د ع ن‬ ‫مدخل المنزل من الداخل بأكثر من سبعة أو عشرة أمتار‪.‬‬ ‫"مع السالمة ي ا س لوان وقب ل ميلين دا عن ي وق ل لھ ا أن ي س أزورھا"‬ ‫قالت إليني‪.‬‬ ‫عانقني العم وقال لي‪" :‬إياك يا سلوان أن تتھور وتجرح ميليندا فإنھا‬ ‫إنسانة رقيقة وحساسة‪ ،‬تكلم معھا واھتم لكالمھا وال تھمله‪ ،‬بل ش اركھا‬ ‫الح

ديث ع

ن اھتماماتھ

ا رغ

م ع

دم قناعات

ك‪ ،‬فالح

ب والحي

اة الزوجي

ة‬ ‫ليست معادلة رياض ية وأرق ام تقب ل الق سمة وأخ رى ال تقب ل‪ ،‬ال ب ل أن‬ ‫تسمع ما ال تحب سماعه أحيانا ً وتتصرف أحيانا ً كثي رة بم ا يتواف ق م ع‬ ‫‪٣٨١‬‬


‫شريكتك وال يتقابل مع وجھات نظرك‪ ،‬وتذكر أنك م اثن ين وشخ صيتين‬ ‫كل منكما له خصائصه التي تميزه عن اآلخر‪ ،‬فليكن ھ ذا األم ر إيجاب ا ً‬ ‫ٌ‬ ‫ال س لبا ً‪ ،‬فب

دل أن تك

ون ص

احب فك

رة ك

ون ذا اثنت

ين وب

دل أن تك

ون‬ ‫ذك

ي ت

صبح ذك

ي وفط

ن‪ .‬خ

ذ األم

ر م

ن ھ

ذا المنظ

ار وال تتع

صب‬ ‫لرأيك‪ ،‬وھو مبدأ حكيم ليس بالعقيم ولن تندم يا ولدي‪ ،‬أذھب حفظك ‪S‬‬ ‫من شر نفسك واآلخرين"‬ ‫عانقني مرة أخرى وأحسست بحبه لي كأني ولده‪ .‬ركبت في السيارة‬ ‫وكان

ت ال

سيارة س

اخنة ج

داً‪ ،‬فق

د كان

ت تق

ف أكث

ر م

ن س

اعتين ف

ي‬ ‫الشمس‪ ،‬وكان الوقت بعد الظھر بقليل والطقس في مثل ھذا الوق ت ف ي‬ ‫العادة ال يكون حاراً مثل ھذا اليوم‪.‬‬ ‫وقبل أن أنطلق أومأت للعم بإشارة من ي دي أودع ه‪ ،‬وأخ ذت أط وي‬ ‫الطريق من أمامي نحو المستشفى‪ ،‬أقود السيارة وال أرى أم امي س وى‬ ‫وجه ميليندا وفاتن‪ ،‬ولوال حفظ ‪ S‬لي لتھافتت سيارات أثين ا المتراص ة‬ ‫علي في ذھابي وإيابي‪.‬‬ ‫م

ا كان

ت إال أق

ل م

ن ع

شرة دق ائق وكن

ت أم

ام المست

شفى‪ ،‬أوقف

ت‬ ‫ال

سيارة ف

ي أق

رب مك

ان ف

ارغ وس

رت نح

و الم

دخل الرئي

سي ب

صبر‬ ‫أصطنعه وال أملكه‪.‬‬ ‫وقف

ت أم

ام الم

صعد الكھرب

ائي وف

ي ج

انبي ام

رأة يب

دو عليھ

ا أي

ام‬ ‫الحمل األخيرة‪.‬‬ ‫دخلن ا الم صعد الف ارغ ل يس في ه س وانا وص وت حب ال الم صعد مث

ل‬ ‫جعجعة الرحى تحملنا لألعلى‪.‬‬ ‫‪٣٨٢‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫لم تكن ميليندا سعيدة بالموقف األخير والحديث الذي دار بينھ ا وب ين‬ ‫زوجھا حول انتمائھا لألخوية‪.‬‬ ‫قام

ت ميلين

دا م

ن س

ريرھا متجھ

ة بخط

ى بطيئ

ة مث

ل الح

ذرة نح

و‬ ‫الطفلة‪ ...‬حملت فاتن‪...‬‬ ‫وبدأت تحدثھا كأنھا تفھمھ ا‪" :‬أتمن ى أن تعي شي ي ا ابنت ي بين ي وب ين‬ ‫والدك‪ ،‬ال أريد أن أخسره بمبالغاته وتعن ت مواقف ه‪ .‬العم ل ف ي ص حيفة‬ ‫ِ‬ ‫صغيرة ومواضيع روتينية ال تلتقي مع طموحاتي‪ .‬ليست ھذه حياتي يا‬ ‫حبيبتي التي تمنيتھا وحلمت بھا‪ ،‬أنا بحاجة لمن يقف م ن ورائ ي وي شد‬ ‫عضدي من الذين لھم باع في السلطة وأصحاب القرار حتى يتسنى ل ي‬ ‫وض ع نقط ة البداي

ة ف ي حي اتي العملي

ة وإال س أبقى مك اني‪ ،‬ال ب

العكس‬ ‫س

أتراجع أل

ف خط

وة إل ى ال

وراء‪ .‬أن

ا أع

رف أن

ي أحم

ل ق

درات ال‬ ‫تستطيع صحيفتي الحالية تنميتھ ا واس تغاللھا‪ ،‬وھ ذا ھ و ال سبب الوحي د‬ ‫ال

ذي يجعلن

ي أبح

ث ع

ن تجم

ع أو اتح

اد ق

ادر عل

ى دفع

ي لألم

ام‪...‬‬ ‫حبيبتي أنا لن أسمح بتفكك أسرتنا الصغيرة وأنت سر سعادتھا"‬ ‫كانت ميليندا تشعر باختالف اتجاھاتھا مع سلوان وھذا من ذ أن بلغ ا‪،‬‬ ‫غير أنھا كانت دائما ً تطمح بأن يتغير مع الوقت وع شرتھا مع ه‪ ،‬وھ ي‬ ‫تجد نفسھا اآلن في منعطف عائلي ومستقبلي معه خطير‪.‬‬ ‫صارت ميليندا تخاطب نفسھا‪" :‬عندما نعيش مغامرة قد تنتھي بح ب‬ ‫وزواج‪ ،‬نھاي

ة م

ساء وبداي

ة م

شوار يفت

رض أن

ه س

عيد‪ ،‬نختل

ف ف

ي‬ ‫اآلراء واالتجاھات والتوجھات‪ ،‬في وجب ات الطع ام وق ضاء الحاج ات‪،‬‬ ‫‪٣٨٣‬‬


‫نفترق في أفكارنا وكالً منا يعيش في عالم في داخله مستقل عن ش ريك‬ ‫فراشه الراقد في جانبه‪ ،‬نتفق في صرخة تمأل القلب وتسد فجواته وك ل‬ ‫زواياه‪ ،‬تجعل م ن فراغ ه عط اء وق رة ع ين لن ا ف ي ال صباح والم ساء‪،‬‬ ‫نعيش الحدث سويا ً ونھرب من كل نق اش وج دال واق ع ال مف ر من ه‪ ،‬ال‬ ‫نريد أن نجل س م ع واق ع إن ل م يك ن الي وم س يكون غ داً‪ ،‬تم ضي األي ام‬ ‫ونسعد بھا ونجع ل م ن ح وارات االخ تالف ف ي زواي ا الغ رف‪ ،‬نؤجلھ ا‬ ‫للغد ويأتي الغد ونقول‪" :‬ال‪ ...‬ال ليس اليوم"‬ ‫جرت األيام والساعات وم رت ش ھور وس نين وھ ا نح ن الي وم نق ف‬ ‫باق وكأنه قاصد البقاء‪ ،‬وكأنه صخرة‬ ‫أمام يوم قد أجل من سنين‪ ،‬اليوم ٍ‬ ‫ينتظ

ر م

ن يزيلھ

ا‪ ...‬وبزوالھ

ا س

يترك أث

راً أن

ا وزوج

ي وطفلتن

ا م

ن‬ ‫سنعانيه" قطع خلوتھا مع نفسھا قرع الباب‪.‬‬ ‫"أدخل" قالت ميليندا‪.‬‬ ‫دخ

ل ي

انس وزوجت

ه وحي

ا ميلين

دا‪" :‬مرحب

ا ً ميلين

دا" قال

ت ص

وفيا‬ ‫وأقبلت عليھا وعانقتھا بشدة‪.‬‬ ‫"كيف حالك يا حبيبتي؟ لكم ھو جميل أن أراك أما ً تحملين طفلك بين‬ ‫ذراعيك"‬ ‫نظ

رت إل

ى ي

انس وقال

ت‪" :‬ألي

ست ميلين

دا وطفلتھ

ا لذي

ذتين‪ ...‬ف يھم‬ ‫جمال مالئكي يا يانس؟"‬ ‫"تھ

اني القلبي

ة ي

ا عزيزت

ي ميلين

دا‪ ،‬إن

ك الي

وم جميل

ة ج

داً عزيزت

ي‬ ‫وطفلتك بين يديك" أقبل عليھا يانس وعانقھا‪.‬‬

‫‪٣٨٤‬‬


‫فرحت ميليندا جداً بزيارتھم‪.‬‬ ‫"لكم أسعدتني زيارتكم أحبائي" وانھالت بالبكاء‪.‬‬ ‫تقدمت صوفيا وجلست على السرير جانب ميليندا وم سحت دموعھ ا‬ ‫براحة يدھا وقالت‪" :‬ما الذي يبكيك حبيبتي؟ أھي فرحة المولود؟"‬ ‫"ال‪ ...‬لقد تشاجرت مع سلوان"‬ ‫لك اليوم كل أسباب السعادة الداعية للفرح والع رس‪ ،‬أال‬ ‫"ولماذا؟ إن ِ‬ ‫ت

ستطيعان الف

رح؟ أم أنك

م ال تتمكن

ا الع

يش دون ش

جار ومنازع

ات؟"‬ ‫وأومأت برأسھا قاصدة المزاح والمداعبة‪.‬‬ ‫"لقد قلت له أني أريد أن أنتسب إلى األخوي ة فاش تط غ ضبا ً‪ ،‬ودخلن ا‬ ‫بنقاش حاد حتى أنه خرج دون أن ننھي الكالم"‬ ‫ك

ان ص

وتھا يعل

وه حرق

ة تقط

ع أحرفھ

ا وال تك

اد ت

ستطيع ح

سن‬ ‫التعبير وال الكالم‪.‬‬ ‫"ألم نتفق يا ميليندا على إبقاء األمر سراً على األق ل ف ي البداي ة؟ إن ه‬ ‫ليس من الضروري إعالم سلوان على اإلطالق"‬ ‫"ولكن األم ر ل ن يبق ى لألب د س راً ف ال ب د أن يعل م يوم ا م ا وس يكون‬ ‫موقفي حرجا ً‪ ،‬ناھيك عن الكذب في كل موعد االجتماع‪ ،‬تارة أق ول ل ه‬ ‫أن

ي ف

ي البي

ت عن

دك‪ ،‬وأخ

رى ف

ي ال

سوق وم

رة م

ع أم

ي‪ ،‬ال‪ ...‬ال‬ ‫ووالداي"‬ ‫أستطيع أن أخفي عليه‪ ،‬فھوا يعلم بأني ال أزور أحداً سواكما‬ ‫ّ‬ ‫"وھل ھذا سيؤثر على قرارك يا ميليندا؟" سألھا يانس‪.‬‬

‫‪٣٨٥‬‬


‫"ال‪ ،‬لق

د اتخ

ذت ق

راراً نھائي

ا ً ھ

ذه الم

رة وال رجع

ة في

ه‪ ،‬وأب

ي من

ذ‬ ‫زمن سعيد بقراري"‬ ‫كيانك الخ اص وشخ صيتك الم ستقلة‬ ‫لك‬ ‫ِ‬ ‫"كالم حكيم‪ ،‬يجب أن يكون ِ‬ ‫مثل والدك دون أن تك ون للعاطف ة دخ ل ف ي قرارات ك الم صيرية‪ ،‬وأن ا‬ ‫أعتق

د أن س

لوان مث

ل ك

ل الرج

ال ي

رفض ف

ي البداي

ة إال أن

ه فيم

ا بع

د‬ ‫سيستوعب األمر ويتقبله" رد عليھا يانس‪.‬‬ ‫"وأنا أيضا ً لم أتقبل األمر في البداية عن دما علم ت ب أن ي انس أخوي ا ً‬ ‫رغم أن أبي من األخوية من زمن طويل‪ ،‬ولكني اآلن كما ت رين مقتن ع‬ ‫ل ك‬ ‫بھذا القضية تماما ً‪ ،‬وف ي النھاي ة فالمحف ل والمعل م الكبي ر ل ن ي ضعا ِ‬ ‫دستوراً يقلب حياتك رأسا ً عل ى عق ب‪ ،‬إنم ا ھ ي أفك ار وقناع ات نلت زم‬ ‫بھا أكثر من غيرنا‪ ،‬وھذا الذي يجعلنا أكثر خصوصية من كل الناس"‬ ‫"أن ا مت

شوقة ج داً ألن أذھ

ب إل

ى المحف ل‪ ،‬لق

د ق

ال ل ي الطبي

ب أن

ي‬ ‫أستطيع الخروج غداً"‬ ‫وذھاب ك‬ ‫"اآلن عليك يا حبيبتي أن تخرجي وتنتبھ ي لنف سك وطفل ك‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫إلى المحفل سيكون عن قريب" قالت صوفيا‪.‬‬ ‫"وھل في اإلمكان أن أذھب معكم في الموعد القادم؟"‬ ‫بانتظارك"‬ ‫"نعم بالتأكيد‪ ،‬فالمعلم الكبير‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫يوما‪،‬‬ ‫"محفلنا يعقد اجتماعا ً دوريا ً مثل بقية المحافل كل خمسة عشر‬ ‫يح

ضره المت

دربون والعرف

اء والمعلم

ون‪ .‬أم

ا ذوي الرت

ب العلي

ى‬ ‫فيجتمعون على حدة"‬ ‫‪٣٨٦‬‬


‫"ھل تلبسين بنطاالً أم فستان طويالً يوم ذھابك للمحفل؟"‬ ‫معين

ا ً‪،‬‬ ‫"يُفت

رض ف

ي الم

شاركين ف

ي االجتم

اع أن يك

ون لھ

م لباس

ا ً َّ‬ ‫فنحن نلبس في أيدينا قفازات بيضاء‪ ،‬ونزين صدورنا بشريط عريض‪،‬‬ ‫ونربط على الخصر مئ زر ص غير‪ ،‬وھ و ال ذي يرتدي ه أص حاب حرف ة‬ ‫البن

اء‪ ،‬وھن

اك م

ن يرت

دي ثوب

ا ً أس ود ط ً‬ ‫ ويال‪ ،‬أو ب

زة‪ ،‬ق

د تك

ون م

ن‬ ‫السموكينج‪ ،‬ھذا حسب تقاليد المحفل‪ ،‬وھي تقاليد بالغة الدھشة والتنوع‪.‬‬ ‫أن

ت تعلم

ين ب

أن للن

ساء محاف

ل منف

صلة ع

ن محاف

ل الرج

ال! إال أن‬ ‫معلمنا األعظم ھو ذاته في المحفلين" أجابتھا صوفيا‪.‬‬

‫‪٣٨٧‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫خرج

ت وح

دي م

ن الم

صعد وم ن أم

امي باح

ة الق

سم الكبي

رة الت

ي‬ ‫يتخللھا ثالثة ممرات طويلة من الجھة المقابلة عل ى اليم ين الق سم ال ذي‬ ‫ترق

د في

ه ميلين

دا وطفلت

ي‪ ،‬وف

ي الجھ

ة الي

سار ق

سم مثيل

ه وم

ن خلف

ي‬ ‫أيضا ً‪.‬‬ ‫دخلت القسم وبين عين ي ص ورة ميلين دا وطفلت ي حت ى وص لت ب اب‬ ‫الغرفة‪ ،‬قرعت الباب ودخلت دون أن أنتظر‪ ،‬وأول ما وقع نظري وقع‬ ‫على ما لم أتوقع وجوده‪ ...‬يانس وزوجته‪.‬‬ ‫وكأن غمامة لحظتھا أغلقت على قلبي وتبدلت االبتسامة باالستغراب‬ ‫وابتسامة مصطنعة‪.‬‬ ‫"مرحبا ً" حييت صوفيا وأقبلت على ميليندا وقبلتھا على الجبين‪.‬‬ ‫"كيف حالك يا حبيبتي؟" قلت لميليندا‪.‬‬ ‫"أحمد الرب على نعمائه بأن رزقنا طفلة معافاة وليس بجمالھا أح د"‬ ‫ردت عليه ميليندا‪.‬‬ ‫لم تكن الطفلة على صدرھا كم ا كان ت ال صورة ف ي خي الي ترافقن ي‬ ‫أثناء الطريق‪.‬‬ ‫"ھل فاتن نائمة؟"‬ ‫"نعم‪ ،‬إنھا ال تصحو إال القليل تأخذ رضاعتھا وتنام بعدھا مباشرة"‬ ‫استدرت إلى الخلف حيث كان يجلس يانس‪.‬‬ ‫‪٣٨٨‬‬


‫"كيف حالك يا يانس؟"‬ ‫"بخي

ر وأتمن

ى لك

م والمول

ود الجدي

د حي

اة س

عيدة أكث

ر مم

ا كان

ت‪.‬‬ ‫تھانينا القلبية يا سلوان"‬ ‫"شكراً‪ ،‬أتمنى لكم أيضا ً مثل ھ ذه ال سعادة‪ ،‬أم أراك م ال تري دون ھ ذا‬ ‫النوع من منھا؟" كنت أعني التفكير في إنجاب طفل‪.‬‬ ‫"بلى‪ ...‬لكنا لم نفكر حقيقية في األطفال لغاية اآلن"‬ ‫"أما بعد اليوم فسنفكر ف ي الموض وع‪ ،‬فأن ا أري د أي ضا ً أن يك ون ل ي‬ ‫فاتن‪ ،‬أم أنت ت رى غي ر ذل ك؟" قال ت ص وفيا لزوجھ ا وأوم أت بعينيھ ا‬ ‫تقصد المزاح‪.‬‬ ‫لم تلبث صوفيا ويانس كثيراً بعد حضور سلوان‪ ،‬تقدمت صوفيا نحو‬ ‫ميليندا وعانقتھا وقالت‪" :‬حمداً للرب على س المتك ي ا حبيبت ي‪ ،‬س أعود‬ ‫لزيارت

ك ف

ي الغ

د‪ ،‬ھ

ل أح

ضر ل

ك ش

يء م

ن الطع

ام؟ أو أي ش

يء‬ ‫تريدين‪ ،‬عصائر أو شيء من ھذا القبيل؟"‬ ‫"ال حبيبتي ليس من الضروري فأنا عل ى أغل ب الظ ن س أخرج غ داً‬ ‫أو بعد غد"‬ ‫"س

لوان‪ ،‬ال أري

د أن أوص

يك عل

ى زوجت

ك‪ ،‬وال تغ

ضبھا وإال‪...‬‬ ‫سأعد لكما الحلوى" ضحكت وأقبلت على ميليندا وقبلتھا‪.‬‬ ‫"ك

وني مطمئن

ة ي

ا ص

وفيا‪ ،‬فھ

ي حبيبت

ي وزوجت

ي ومن

ذ األم

س أم‬ ‫طفلتي" رد عليھا سلوان‪.‬‬

‫‪٣٨٩‬‬


‫كان ي انس يق ف خل ف زوجت ه وكأن ه ينتظ ر حت ى يخل و المك ان ك ي‬ ‫يحضن ميليندا قبل أن يخرج‪.‬‬ ‫"انتبھي لنفسك ولطفلتك يا ميليندا‪ ،‬وأتمنى لكم يوم جميل"‬ ‫عانقھا يانس وھي ملقاة على السرير‪" :‬كن كلبھا األليف مثل عادتك"‬ ‫قال يانس لسلوان وھو ال يقصد اإلساءة‪ ،‬إنما ھ ي كلم ة يت داو لھ ا مع ه‬ ‫دائما ً‪.‬‬ ‫خرج يانس وزوجته وبقي سلوان مع ميليندا وطفلتھم‪.‬‬ ‫أقبل سلوان وجلس إلى جانب ميليندا على السرير وضمھا إليه‪" :‬ھل‬ ‫مازلت غاضبة مني حبيبتي؟"‬ ‫"أن

ا؟ أن

ت تعل

م أن

ي أحب

ك وال أس

تطيع أن أخاص

مك لحظ

ة‪ ،‬لم

اذا‬ ‫تأخرت؟"‬ ‫أنت تعلمين بأن العم و إليني ال يدعاني أخ رج إل ى بع د أن أحت سي‬ ‫" ِ‬ ‫شيئا ً معھم"‬ ‫"كيف حال إليني؟ لماذا لم تأتي معك؟"‬ ‫ً​ً‬ ‫فرحا◌ بسماع‬ ‫"لقد فرحت جداً عندما أخبرتھا بفاتن‪ ،‬كادت أن تطير‬ ‫الخبر‪ ،‬وقالت لي أن أقبلك" وقبلتھا وقل ت لھ ا‪" :‬ھ ذه القبل ة لي ست من ي‬ ‫إنما من إليني"‬ ‫"وأن

ت؟ أال تري

د أن تقبلن

ي؟ أم أن

ي اآلن أص

بحت أق

ل إث

ارة م

ن‬ ‫قبل؟"‬

‫‪٣٩٠‬‬


‫"ال تقولي ھذا حبيبتي‪ ،‬فأنت تزدادين إث ارة ي وم بع د ي وم‪ ،‬ويق ال أن‬ ‫النساء يزددن إثارة وجم االً بع د اإلنج اب ال العك س‪ ،‬وأن ا الي وم مقتنع ا ً‬ ‫وشفتيك أخ ذا ش كالً‬ ‫تماما ً بھذا القول‪ ،‬فھا‬ ‫عينيك يلمعان رونقا ً وجماالً‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وجھك األبيض الناعم‬ ‫وسحراً وجاذبية أكثر من التي كانتا عليھما‪ ،‬وأما‬ ‫ِ‬ ‫صار مثل الدمية التي سال عليھ ا ش مع ليالين ا ومنحھ ا نعومت ه وجعلھ ا‬ ‫خديك"‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫"أنت يا زوجي العزي ز ال ت تقن إال الك الم‪ ...‬أھ ذا س لوان ذات ه ال ذي‬ ‫كان عندي في الصباح؟ أعجب من حسن كالمك!"‬ ‫"ھ

ذا ل

يس كالم

ي ي

ا ميلين

دا إنم

ا ھ

ي أحاسي

سي وم

شاعري تتبل

ور‬ ‫جيدك ولو لم‬ ‫وأناقتك ورسم‬ ‫سحرك‬ ‫على شكل أحرف وكلمات يسوغھا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فأنت وحيه ومحياه‪ ،‬سره ومح واه‪ ،‬كي ف‬ ‫تكوني ما كان لكالمي وجود‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫

والك‪ ،‬أو حت

ى للحي

اة‬ ‫يك

ون للك

الم والعب

رة والمعن

ى أي رون

ق ل ‬ ‫ِ‬ ‫وھوائھ

ا‪ ،‬الطبيع

ة وخ

ضرتھا‪ ،‬المدني

ة ورتابتھ

ا أو القري

ة ودفئھ

ا أي‬ ‫أنت الشيء يا ميليندا ال ذي ال ت صلح األش ياء م ن دون ه‪،‬‬ ‫صبغة‬ ‫لوالك‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫وأنت القبلة األخيرة ف ي ف يلم األس بوع‬ ‫أنت الحدث واإلثارة في الكتاب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أنت س عادة الفت اة ف ي ي وم‬ ‫أنت فرحة الطفل في أول عجلة له‪ِ ،‬‬ ‫السالف‪ِ ،‬‬ ‫وأنت فرحة الرجل بعد الخالص من أھل زوجته"‬ ‫عرسھا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ ت ي

ا حبيبت

ي ل

ذة الم

دخن ف

ي أول س

يجارته بع

د‬ ‫ف

ضحكا مع

ا ً‪" .‬أن ِ‬ ‫ ت الت

ي كلم

ا‬ ‫ ت ال

شيء ي

ا عم

ري ال

ذي ل واله ل

ن أك

ذب‪ ،‬أن ِ‬ ‫الطع ام‪ ،‬أن ِ‬ ‫ ت ي

ا ميلين

دا الت

ي‬ ‫ ك أكث

ر وأكث

ر‪ ،‬ھ

ي أن ِ‬ ‫ت

ذكرت ق

بالت الن

ساء أحببت ِ‬ ‫جعلت للدنيا ھذا الشكل والھيكل الذي أنا أعيش فيه‪ ،‬ال تق ولي ب أن تل ك‬

‫‪٣٩١‬‬


‫الفتاة جميل ة‪ ،‬وال تق ولي أنظ ر لعينيھ ا‪ ،‬لنھ ديھا أو خ ديھا‪ ،‬فل يس ھن اك‬ ‫مثلك‪ ،‬قد يك ون الم رأة خ دين فيھم ا إض اءة القم ر ن اعمين‪ ،‬أو ألخ رى‬ ‫ِ‬ ‫جسد مالئكي ساحر رقيق‪ ،‬وقد يك ون لزميلت ك ف ي العم ل عين ين فيھم ا‬ ‫شق الجذابة من كل الن ساء وبھارتھ ا‪ ،‬إال أن ك ي ا ميلين دا ملك ت إض اءة‬ ‫القمر والجسد المالئكي الساحر وشق الجذاب ة م ن ك ل الن ساء‪ ،‬ك ل ھ ذا‬ ‫ ت‪ ،‬أحب

ك قب

ل دخول

ك‬ ‫ ت اآلن وكم

ا كن ِ‬ ‫ ك‪ ،‬أحب

ك كم

ا أن ِ‬ ‫ألنن

ي أحببت ِ‬ ‫ ك‪،‬‬ ‫ ودك‪ ،‬وس ‬ ‫ احبك عن

دما تخ

رجين وتع

ودين إل

ى طبع ِ‬ ‫ِ‬ ‫المست

شفى ورق ِ‬ ‫وس

أحبك عن

دما‬ ‫وس

أحبك عن

دما تع

ود أي

ام ت

صرخين فيھ

ا وتبك

ي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫

ك وت

سكتين‪،‬‬ ‫ت

شاجرينني وت

دمعين‪ ،‬أو تح

سي بج

رح وتح

بس أدمع ِ‬ ‫سأحبك عندما ترقد طفلتنا ونجل س أم ام التلف از س اعات دون أن نتب ادل‬ ‫ِ‬ ‫قبلة أو حتى كلمتين‪ ،‬وسأحبك عندما يغزونا الملل وتت شابه األي ام‪ ،‬ھ ي‬ ‫أنت التي فھمتني وقرأت منيتي‬ ‫أنت يا ميليندا التي شابھتني وناقضتني‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫أنت التي عرفت كيف تمتص غضبي وتجعلني أعتذر‪،‬‬ ‫من شفتاي‪ ،‬ھي ِ‬ ‫أن ت‬ ‫وقلبت م ا كن ت اعتق ده فخ راً وأص بح الي وم خ زي ال أذك ره‪ ،‬ھ ي ِ‬ ‫أن ت‬ ‫التي جعلت من الھدوء طبعي وإن كان في لساني لباقة فھي‬ ‫من ك‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫التي بخرتي الرتابة في حياتي حتى أخذت شكالً غير ال ذي ك ان‪ ،‬حت ى‬ ‫ف

ي المط

بخ ي

ا حبيبت

ي أص

بحت أنظ ف األوان

ي وأجففھ

ا وأرتبھ

ا ف

ي‬ ‫األقجار بأناقة ودقة وكأنھا تحف إغريقية"‬

‫‪٣٩٢‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫ي ميليندا‪ ،‬دميترس وميلوذيا‬ ‫في الساعة الرابعة بعد الظھر دخل والد ّ‬ ‫إلى غرفتھا في المستشفى وھي ملقاة على سريرھا‪ .‬اقترب والديھا منھا‬ ‫ووضع والدھا يده على خديھا وقبلھا وبكى‪" :‬اآلن أص بحت ابنت ي أم ا ً‪،‬‬ ‫لي ك ف ي مث ل‬ ‫ما أجملك يا ميليندا‪ ،‬لم أكن أعتقد يوما ً من األيام أن آت ي إ ِ‬ ‫ھذا الموقف‪ ،‬أصبحت أبنت ي ص غيرتي أم ا ً‪ ،‬ل م أك ن أح سب لھ ذا الي وم‬ ‫ ك س

وى الطفل

ة‬ ‫ح

ساب‪ ،‬كن

ت ومازل

ت طفلت

ي ال أس

تطيع أن أرى في ِ‬ ‫أنك‬ ‫مھما‬ ‫أنجبت ع شرين طف الً‪ ،‬س تبقي طفلت ي ي ا حبيبت ي"‬ ‫ِ‬ ‫كبرت ولو ِ‬ ‫ِ‬ ‫كان والدھا يخاطبھا وھي نائمة‪.‬‬ ‫اقتربت أمھا منھا وقالت‪" :‬استيقظي يا ميليندا"‬ ‫جنن ت دعيھ ا نائم ة‪ ،‬أال ت رين اإلرھ اق عل ى وجنتيھ ا؟" عن ف‬ ‫"ھل‬ ‫ِ‬ ‫دميترس زوجته‪.‬‬ ‫"أسكت أنت‪ ،‬إنھا ابنتي أنا أيضا ً‪ ،‬أريد أن أطمأن عليھا"‬ ‫اس

تيقظت ميلين

دا م

ن ص

وت أمھ

ا والك

الم ال

ذي دار بي

نھم‪ ،‬فتح

ت‬ ‫عينيھا وإذا بأمھا تقف فوق رأسھا‪.‬‬ ‫رت؟" قالت ميليندا بصوت ناعس‪.‬‬ ‫"أمي‪ ...‬لماذا تأخ ِ‬ ‫عانقت ميلوذيا ميليندا بحرارة ووض عت ي ديھا عل ى خ ديھا وش عرھا‬ ‫تشعرھا بحنان وحب األم البنتھا‪ ،‬وحيدتھا في مناسبة كھذه‪.‬‬ ‫"لم نتأخر يا حبيبتي‪ ،‬لقد خرجنا فور س ماعنا الخب ر‪ ،‬كي ف حال ك ي ا‬ ‫عندك ألم؟ كيف كانت الوالدة؟"‬ ‫ابنتي؟ كيف تشعرين؟ ھل مازال‬ ‫ِ‬ ‫‪٣٩٣‬‬


‫"اطمئن

ي ي

ا أم

ي‪ ،‬ت

م ك

ل ش

يء عل

ى أح

سن وج

ه‪ ،‬لق

د أح

ضرني‬ ‫س

لوان م

ع الفج

ر ول

م تنتظ

ر الطفل

ة ط

ويالً‪ ،‬لق

د أنجب

ت ف

ور دخ

ولي‬ ‫غرفة العمليات بدقائق"‬ ‫ ك عل

ى الف

ور؟ ولك

ن م

اذا أق

ول‪...‬؟ أن

ا ال‬ ‫"ولم

اذا ل

م يخبرن

ا زوج ِ‬ ‫أنتظر منه الكثير"‬ ‫ ت تعلم

ين أن‬ ‫ وك ي

ا أم

ي أن تنتھ ي م

ن كالم

ك ھ

ذا عن ه‪ ،‬فأن ِ‬ ‫"أرج ِ‬ ‫كالمك عن سلوان ما ھو إال تجريحا ً‪ ،‬ألنك ال تحبينه" ونظ رت ميلين دا‬ ‫ِ‬ ‫لوالدھا وقالت‪" :‬جميل أنك حضرت يا حبيبي"‬ ‫سالمتك‬ ‫أقبل والدھا عليھا وضمھا إليه بشده وقال‪" :‬حمداً للرب على‬ ‫ِ‬ ‫أجملك طفلة وأما ً‪ ،‬وأما ً طفلة"‬ ‫يا حبيبتي‪ ،‬ما‬ ‫ِ‬ ‫"أال تريد يا والدي أن ترى فاتنتي؟"‬ ‫"وھل أسميتموھا؟" سألھا والدھا‪.‬‬ ‫"نعم يا والدي‪ ،‬لقد أسميناھا فاتن"‬ ‫"بالتأكيد سلوان ھو من اختار االسم" قال والدھا‪.‬‬ ‫"نعم يا والدي‪ ،‬وأنا أيضا ً‪ ،‬أال يعجبك اسمھا؟"‬ ‫"ال عجب أن يكون اسمھا فاتن‪ ،‬فھي ال تملك قرار حت ى ف ي ذھابھ ا‬ ‫إلى الحانوت" قالت والدتھا مظھرة عدم إعجابھا باالسم‪.‬‬ ‫أرجوك يا أمي‪ ،‬ال تب الغي كثي راً‪ ،‬فأن ا اآلن بغن ى ع ن ال شجار م ن‬ ‫"‬ ‫ِ‬ ‫معك"‬ ‫غير معنى‬ ‫ِ‬

‫‪٣٩٤‬‬


‫"ھ

ذا ل

يس ش

جار ي

ا ميلين

دا إنم

ا أن

ا أرف

ض أن يك

ون اس

م حفي

دتي‬ ‫عربي"‬ ‫أنت‪ ،‬ھ ذا األم ر يرج ع إل ى ميلين دا وزوجھ ا ف ي اختي ار‬ ‫"وما‬ ‫شأنك ِ‬ ‫ِ‬ ‫اسم طفلھما" قال دميترس‪.‬‬ ‫وأرجوك يا أمي ال تق ولي ھك ذا ع ن طفلت ي‪ ،‬فطفلت ي اس مھا ف اتن‪،‬‬ ‫"‬ ‫ِ‬ ‫وأنا سعيد جداً وزوجي أيضا ً بھا وباسمھا"‬ ‫لقد كان دميترس من الرافضين لزواج ابنت ه م ن عرب ي‪ ،‬إال أن ه م ع‬ ‫م

رور الوق

ت خ

ضع بع

ض ال

شيء لألم

ر الواق

ع وتقبل

ه ول

و عل

ى‬ ‫مضض لعلمه بحب ميليندا لسلوان‪ ،‬وكثيرا م ن األحي ان ك ان يق ف ف ي‬ ‫صف سلوان ضد زوجته لعلمه من موقفھا المبالغ بھ ا وال ذي ل م يتغي ر‬ ‫أمام سلوان مع السنين‪.‬‬ ‫وقف دميترس عند سرير ميليندا ونظر تج اه س رير الطفل ة المج اور‬ ‫من جھة اليسار وقال‪" :‬ھل حفيدتي في ھذا السرير يا ميليندا؟"‬ ‫"نعم يا والدي‪ ...‬ھل تريد أن ترى حفيدتك؟ إنھ ا ت شبه ج دھا تمام ا ً"‬ ‫قال

ت ميلين

دا بابت

سامة عري

ضة وس

عادة تعب

ر بھ

ا ع

ن حبھ

ا الكبي

ر‬ ‫لوالدھا‪.‬‬ ‫"ال تبالغي حبيبتي إنھ ا ص غيرة وال ي رى بھ ا س وى وجھھ ا الجمي ل‬ ‫البريء"‬ ‫وفي األثناء كان دميترس يقف أمام سرير فاتن يتأملھا بفرح ة كبي رة‬ ‫تظھر من بين وجنتيه‪.‬‬ ‫‪٣٩٥‬‬


‫كانت فاتن راقدة على جنبھا األيمن وضامة س اقيھا ال صغيرين إليھ ا‬ ‫ويديھا على صدرھا ببراءة تثير المشاعر حتى أن دميترس بكى‪.‬‬ ‫انحنى إليھا وقبلھا قبلة خفيفة من دون أن يوقظھا من نومھ ا ووض ع‬ ‫إصبعه العريض على خدھا حتى بدا أكبر من وجھھ ا ال سكري األحم ر‬ ‫الجميل‪.‬‬ ‫في األثناء كانت ميلوذيا تقف أمام الطفلة تتأملھا ويراودھا ش عور ال‬ ‫طفلت ك ي ا‬ ‫تحتمله إليقاظھا‪ ،‬ودون أن تنظر لميلين دا قال ت‪" :‬مت ى نام ت‬ ‫ِ‬ ‫ميليندا؟"‬ ‫أرجوك‪ ،‬فأنا أريد أن أنام بعض الشيء"‬ ‫"دعيھا نائمة يا أمي‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫دائما؟ أنا لم أفعل شيء"‬ ‫"لماذا تخاطبينني يا ميليندا بلھجة ھجومية‬ ‫ سك‬ ‫ ك بق

رارة نف ِ‬ ‫ ك بھجومي ة ي

ا أم

ي‪ ،‬إنم

ا أع

رف أن ِ‬ ‫"أن

ا ال أخاطب ِ‬ ‫داخل ك‪،‬‬ ‫عيني ك ورغب ة ف ي‬ ‫شوقك ولمع ان‬ ‫تودين إيقاظ فاتن‪ ،‬فأنا أرى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وھذا شيء جميل يسعدني إال أنن ي مرھق ة وال أع رف إذا كان ت إح دى‬ ‫الممرضات مستعدة أن تأخذ فاتن إذا بكت"‬ ‫ ت دائم

ا ً ي

ا ميلين

دا‪،‬‬ ‫ ك أن

ي أري

د أن أوقظھ

ا؟ ھك

ذا أن ِ‬ ‫"وم

ن ق

ال ل ِ‬ ‫من

ك وت

سعدين بك

ل كلم

ة‬ ‫دميت

رس يحم

ل ت

صريح وتف

ويض كام

ل‬ ‫ِ‬ ‫أمك‪ ،‬ماذا أفعل حتى تب ادلينني نف س‬ ‫وحركة منه‪ ،‬وأما أنا وكأنني لست ِ‬ ‫والدك؟" كانت تتكلم بلھجة حادة كعادتھا‪.‬‬ ‫المشاعر التي تبادلينھا‬ ‫ِ‬ ‫بينك وبين أبي ھو أن وال دي‬ ‫"ھذا ليس صحيح يا أمي‪ ،‬ولكن الفرق ِ‬ ‫يحبني كما أنا بثيابي التي تعتبريھا طرازاً ق ديما ً وتع املي م ع اآلخ رين‬ ‫‪٣٩٦‬‬


‫ ت تق

ولين أن فتي

ات‬ ‫ال

ذي ترين

ه ال يناس

ب عم

ري ول

يس ح

ضاريا ً‪ ،‬أن ِ‬ ‫اليوم يرتدين الروك القصير ويدّخن السجائر‪ ،‬وأنا ألبس البنطال وأكره‬ ‫الثي

اب الق

صيرة‪ ،‬أس

امر م

ن أرى ب

ه موض

وعية وص

راحة وأت

رك‬ ‫أصحاب المجامالت الكاذبة‪ ،‬أبي يا أمي يحبني كما أنا‪ ،‬ھك ذا‪ ،‬ويحت رم‬ ‫مشاعري واتجاھ اتي ف ي الحي اة وال يح اول إجب اري ف ي التعام ل عل ى‬ ‫نفس مبدئه‪ ،‬فھو يؤمن بأننا شخصين أثنين وكل منا له شخصية مستقلة‬ ‫أنك تحبينني تماما ً مثل أبي‪،‬‬ ‫عن اآلخر ويحترم ھذا ويقدره‪ ،‬أنا أعرف ِ‬ ‫ ك تري

دين أن تجعل

ي م

ن ميلين

دا‬ ‫ ك تمام

ا ً مثل ه أي

ضا ً‪ ،‬إال أن ِ‬ ‫وأن

ا أحب ِ‬ ‫فأرجوك حبيني كم ا‬ ‫لك يا أمي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ميلوذيا وھذا الذي ال أريده ولن يتسنى ِ‬ ‫أنا‪ ،‬خذيني من دون شروط وقي ود‪ ،‬اعترف ي بشخ صي كم ا أن ا دون أن‬ ‫تقبلي مني جانب وترفضي آخر‪ ،‬أنا أصبحت اآلن أم ا ً ي ا أم ي‪ ،‬أم ا آن‬ ‫في المرأة األم؟"‬ ‫لك أن تري ّ‬ ‫ِ‬ ‫أعطي ك‬ ‫كالمك منطق ي وجمي ل أي ضا ً‪ ،‬وق د ال أس تطيع أن‬ ‫"قد يكون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وال دك‪ ،‬إال أن ي أع ي تمام ا ً‬ ‫مثلك ومثل‬ ‫جوابا ً مقنعا ً‪ ،‬فأنا ال أجيد الكالم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أنت أصبحت اآلن أما ً‬ ‫فأنت إبنتي وليس لي في الدنيا‬ ‫لك‪،‬‬ ‫غيرك‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حبي ِ‬ ‫ ك وتفھمينن

ي‪ ،‬أن

ا ال‬ ‫ ك تحت

اجين ل

زمن حت

ى تكب

ر ابنت ِ‬ ‫ولكن

ي أعتق

د أن ِ‬ ‫أن ت م شروعي ف ي الحي اة‬ ‫بك ابنتي فقط وال شيء غير ذلك‪ ،‬إنما ِ‬ ‫أرى ِ‬ ‫فشلت فشلت أنا وإن وصلتي لألفاق فھو نجاحي‪ ،‬طال ب العل م‬ ‫كلھا‪ ،‬إن‬ ‫ِ‬ ‫يسعى ويبحث وينقب‪ ،‬فالعلم والدراسة والتحري ھ م ال شيء الكبي ر ف ي‬ ‫حياته‪ ،‬والراھب في صومعته يتعبد لربه ويصلي‪ ،‬يسمع ش كوى الن اس‬ ‫وال يبكي‪ ،‬يختزن مشاعره ويبقيھا دفينة‪ ،‬فھذا الشيء الثمين في حياته‪،‬‬ ‫أن ت‬ ‫أنت مشروعي في الحي اة وكني ستي‪ِ ،‬‬ ‫أنت علمي وبحثي ورسالتي‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫‪٣٩٧‬‬


‫ ت‬ ‫ ت غ

ضبي وفرح

ي‪ ،‬أن ِ‬ ‫ ت ص

التي ودي

ري‪ ،‬أن ِ‬ ‫إنجيل

ي وقدس

يتي‪ ،‬أن ِ‬ ‫ ت قلب

ي وش

راييني‬ ‫ ت الحي

اة كلھ

ا‪ ،‬أن ِ‬ ‫ ست ج

زء من

ي فح

سب‪ ،‬ب

ل أن ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫ودمي الذي ش اءت األق دار أن ينف صل عن ي‪ ،‬فھ ل تعتق دين أن أح شائي‬ ‫رف ضت‪ ،‬ل ن أش رب ال سم‬ ‫أنت ولو‬ ‫ِ‬ ‫أمك‪ ،‬أنا ِ‬ ‫لھا الحق أن تناقضني؟ أنا ِ‬ ‫ ئت‬ ‫ ت من

ي‪ ،‬أغ

ضبي إن ش ِ‬ ‫ول

ن أس

مح أن ٌأعط

اه فأن

ا أح

ب الحي

اة وأن ِ‬ ‫في"‬ ‫علي‪ ،‬اصرخي وارفضي فھذا ال ولن يغير ما ّ‬ ‫واسخطي ّ‬ ‫

دي ميلين

دا فاكھ

ة وع

صائر‪ ،‬ك

اكي وبرتق

ال وكي

وي‪،‬‬ ‫أح

ضر وال ّ‬ ‫وعصير كوكتيل متنوع يحوي فيتامينات كثيرة‪.‬‬ ‫أخرج دميترس زجاج ات الع صائر الثالث ة والفاكھ ة ووض عھا عل ى‬ ‫المن

ضدة م

ن جھ

ة اليم

ين‪" :‬لق

د أح

ضرنا ث الث أن

واع م

ن ع

صائر‬ ‫الكوكتيل يا ميليندا من التي تحبينھا"‬ ‫تحركت ميليندا تجاه المنضدة تريد أن تأخذ بعضا ً من الع صير ال ذي‬ ‫أح

ضروه‪ ،‬وق

ف دميت

رس ووض

ع ي

ده عل

ى كت

ف ميلين

دا وق

ال‪" :‬أن

ا‬ ‫سأعطيك حبيبتي"‬ ‫ِ‬ ‫وق ف وم

أل الك

وب الزج

اجي م

ن ع

صير الكوكتي

ل وأراد أن ي

سقي‬ ‫ميليندا بيده‪.‬‬ ‫"أنا سأشرب وحدي يا والدي‪"...‬‬ ‫وابتسمت ميليندا ابتسامة خفيفة وقالت‪" :‬أنا أستطيع أن أساعد نفسي"‬ ‫"طبع

ا ً ي

ا حبيبت

ي‪ ...‬وھ

ل ھ

ذا ال يعطين

ي الح

ق أن أس

عد وأس

قي‬ ‫أميرتي بيدي؟"‬ ‫‪٣٩٨‬‬


‫"بلى يا حبيبي‪ ،‬لو تعلم يا أبي كم أنا سعيد بوجودكم معي"‬

‫‪٣٩٩‬‬


‫فصل‬

‫ألني عربي‬

‫نسى سلوان نفسه كعادته عندما بدأ الحديث عن ميليندا‪.‬‬ ‫"ھل كانت ھذه القضية فقط السبب في انفصالكما؟ وما عالقة والدتك‬ ‫وابنت ك ف ي س لبيتك الت

ي كم ا أرى أث رت عل

ى ج سدك فيزيائي ا ً وص

ار‬ ‫ً‬ ‫عضويا؟"‬ ‫أرقك الروحي‬ ‫انتبه اآلخ ر ف ي األثن اء ل ساعة الح ائط وكان ت ق د دخل ت الثاني ة بع د‬ ‫منتصف الليل‪.‬‬ ‫"لقد تأخر الوقت ويجب أن أذھب إلى البيت"‬ ‫كان متكئا ً مكانه وقمي صه مفت وح ك ل أزراره إل ى األخي ر‪ ،‬وص دره‬ ‫عين ي دوروم اري نظ رات‬ ‫الشعوري كان في أكثر م ن حين ه ين ال م ن‬ ‫ّ‬ ‫تشدھا إليه ويمنعھا حيائھا ووضعه الصحي المنھك‪.‬‬ ‫"ألم تقل لي أنك لست متزوج؟ أم أن ھناك صديقة تنتظرك؟"‬ ‫"ال‪ "...‬وتذكر حينھ ا غرات سيا‪" :‬ل يس ھن اك م ن يربطن ي ب ه عالق ة‬ ‫حتى أخرج من بيتك في مثل ھذه الساعة ألجله‪ ،‬إنما‪"...‬‬ ‫كان خجالً من البقاء ھناك فھو لم يتيقن من رغب ة األخ رى الجامح ة‬ ‫به‪ ،‬ھذا ألنه ال يعطي نفسه وال لھا فرصة من كثرة الحديث عن ميليندا‬ ‫وماضيه وعراكاته‪.‬‬ ‫"إذا أنك لست ملتزما ً مع شخص معين‪ ،‬فسيسعدني بقائ ك ھ ذه الليل ة‬ ‫عندي"‬

‫‪٤٠٠‬‬


‫وبدا عليھا الح شمة رغ م جرأتھ ا وأح س اآلخ ر بأنھ ا تري د أن يبق ى‬ ‫عندھا دون أن يبحث عن سبب أو آخر‪.‬‬ ‫"ھل اعتقدت لحظة أني ال أريد المكوث عن دك ألنن ي ملل ت الح ديث‬ ‫معك؟"‬ ‫س

كتت قل

يالً محت

ارة كي

ف ت

رد علي

ه بطريق

ة ال يظھ

ر كثي

راً حبھ

ا‬ ‫لوجوده معھا‪" :‬في الحقيقة أن ي ل م أفك ر كثي راً‪ ،‬إنم ا خجل ت أن أترك ك‬ ‫في مثل ھذه الساعة أن تخرج وحدك"‬ ‫ابتسم اآلخر فھو لماح وفھم أنھا تريده رغم تغير عبارتھا األخيرة‪.‬‬ ‫"ھذا يعني أني اآلن لو اتصلت مع صديقي وقلت له أن يأخ ذني إل ى‬ ‫البيت ستشعرين بارتياح ألنك تخلصت من عبئ ثقيل؟"‬ ‫ارتفع صوتھا قليالً الذي كاد أن يكون غير مسموع‪" :‬أنا لم أقل ھذا‪،‬‬ ‫ھذا زعمك أنت‪ "...‬وضحكت وعلى وجھھا احمراره‪.‬‬ ‫كانت تجلس دوروماري على الجھة اليمنى من األريكة تقابل التلف از‬ ‫وھو إلى جانبھا يبعدھا مسافة شخص جالس بينھم‪.‬‬ ‫"ھ

ل تعل

م ك

م س

عدت الي

وم عن

دما أفق

ت وح

دثتني ورأس

ك عل

ى‬ ‫فخذي؟"‬ ‫"حقا ً‪...‬؟"‬ ‫"نعم‪ ،‬في لحظة ذھب الخوف من ي علي ك أن ت الغري ب قب ل س اعات‬ ‫وقريب كثيراً اآلن"‬

‫‪٤٠١‬‬


‫"أي رج

ل ف

ي ال

دنيا ال ُي سعد ام

رأة مثل

ك ال ي

ستحق الحي

اة‪ ...‬وأن

ا‬ ‫أمليت عليك سعادة لم تستمر أكثر من دقائق"‬ ‫ وان حت

ى‬ ‫واقت

رب منھ

ا وألق

ى رأس

ه عل

ى فخ

ذھا ول

م يبق

ى غي

ر ث ٍ‬ ‫نھض مرة أخرى وسألھا بطريقة ضاحكة‪" :‬أم أني تجاوزت حدي؟"‬ ‫"ال على اإلطالق" ردت عليه بموضوعية خجلة فضحت شھوتھا‪.‬‬ ‫ع

اد ووض

ع رأس

ه عل

ى فخ

ذھا وكان

ت تل بس بنطالھ

ا ال

ضيق الت

ي‬ ‫كانت ترتديه خالل النھار‪.‬‬ ‫رفعت يديھا فوق رأسه وأخ رى ف وق ص دره مرتبك ة ال تع رف أي ن‬ ‫تضع يديھا‪ ،‬على قدميھا أم يمناھا على رأسه واألخرى على صدره‪.‬‬ ‫أخيراً نزلت براحة يدھا على رأسه واألخرى وضعتھا على فخ ذھا‪،‬‬ ‫وشيئا ً فشيئا ً صارت أصابعھا تتخلل شعره القصير الذي ال يكاد تج اوز‬ ‫أناملھا‪.‬‬ ‫كان يحس اآلخر برعشة جسدھا ولم يختلف الحال عنده عنھا كثيراً‪.‬‬ ‫كان مستلقي على يمين ه ويب دو عل ى كالھم ا م شاھد التلف از لك ن ف ي‬ ‫الحقيقة كانت أعينھم تلم ع وال ت رى غي ر م ا يخف ق ب ه القل ب وي صرخ‬ ‫صامتا ً إلى سكون تحرر السنتھما و شھوتھم المترددة الخائفة العطشى‪.‬‬ ‫أمسك بشمالھا وأحس بنبض وريدھا المتزايد ووضعھا على صدره‪،‬‬ ‫لم تحرك ساكنا ً وأبقت يدھا حيث وضعھا‪.‬‬

‫‪٤٠٢‬‬


‫أمسكھا مرة أخرى وحركھا تحت عنق ه بقلي ل وق ال‪" :‬ھن ا جمي ل أن‬ ‫أحس بيدك تالمسني"‬ ‫حركت رؤوس أناملھا ببطيء ورجفتھا تالمسه أكثر من تحسيسھا‪.‬‬ ‫أم

سك ي

دھا م

رة أخ

رى وقبلھ

ا قبل

ة ناعم

ة ووض

عھا م

رة أخ

رى‬ ‫مكانھا على ص دره وحركھ ا علي ه كل ه وق ال لھ ا‪" :‬أال ت شاركيني نف س‬ ‫اإلحساس؟"‬ ‫"بلى‪ "...‬كأنھا لم تتوقع أن يتكلم أحدھما‪.‬‬ ‫"إذن ال تقتل

ي جرأت

ك وال تخنق

ي ش

ھوتك وال تمارس

ي عل

ى نف

سك‬ ‫ضغوط أكثر من التي تمارسھا عليك الحياة وروتين اليوم"‬ ‫"أنت محق‪ ...‬لكن ي" تلبك ت‪" :‬أن ا رأيت ك للم رة الثاني ة‪ ،‬م اذا س تقول‬ ‫عني؟ سطحية وال توفر فرصة حتى تذوب بين أحضان الرجال؟"‬ ‫"س

أقول عن

ك رقيق

ة وقوي

ة عرف

ت م

اذا تري

د ف

ي وق

ت ال يع

رف‬ ‫السواد األعظم ماذا يريد‪ ،‬سأقول أنيقة رقيق ة فھم ت نف سھا وعرف ت أن‬ ‫الحي

اة مث

ل ي

وم طوي

ل‪ ،‬س

أقول أن ھ

ذه الم

رأة فھم

ت ج

سدھا وأحب

ت‬ ‫روحھا ولم تضطھد ذاتھا وال نشوتھا كاضطھاد ساستنا لنا"‬ ‫"كالمك جميل ويحسسني بارتياح أكثر ويزيل الخوف عني أكثر"‬ ‫ولم الخوف؟ وھل أنا وحش سيفترسك؟"‬ ‫" َ‬ ‫واستدار بوجھه على فخ ذھا وع ضھا م ن غي ر أن يؤذيھ ا‪" :‬س أآكلك‬ ‫اآلن"‬

‫‪٤٠٣‬‬


‫ضحكت وأبعدت رجلھا قليالً تبادله المزاح وبنفس الوقت شدت شعر‬ ‫صدره وقالت‪" :‬وأنا سأسلخ عنك جلدك"‬ ‫"لقد اخترت الطريقة الخاطئة‪ ،‬أن ا أح ب أن ت شدي ش عري ويعجبن ي‬ ‫أن يؤلمني قليالً"‬ ‫شدت أكثر وقال ت‪" :‬وھ ل ھ ذا ممتع ا ً؟ أم ب دأ أل م المتع ة يتح ول إل ى‬ ‫عقاب؟"‬ ‫"عاقبيني أكثر‪ ،‬ليس ھناك أجمل من يديك وھي تصطنع القسوة وأنا‬ ‫من له الفخر أن يؤنب"‬ ‫أم سك ي دھا وقبلھ ا م

رة أخ رى لك ن ھ ذه الم

رة عل ى راحتھ ا وب

دت‬ ‫ال

شھوة بج

الء علي

ه ول

م تع

د تحتم

ل األخ

رى وبادلت

ه القبل

ة عل

ى ي

ده‬ ‫األخرى حتى استدار إليھا وأمعن النظر بعينھا وھي ال تجرأ اإلطالة‪.‬‬ ‫وضع كلتا يديه بين شعرھا وتحت أذنھ ا وقري ب م ن خ دھا واقت رب‬ ‫من وجھھا وصار يالم س خ ده خ دھا وت ارة يقبلھ ا قبل ة تك اد أن تك ون‬ ‫ھمس حتى تصاعدت أنفاسھا وأحس بأنھا لم تعد تحتمل ضغوطھا على‬ ‫نفسھا بحجة الغريب أو اللقاء الثاني الكالسيكي‪.‬‬ ‫تب

ادال الح

ب ألول م

رة عل

ى أريكتھ

ا ذات المقاع

د الثالث

ة ول

م ي

رد‬ ‫أحدھم النھوض من مكانه اللتصاقھما الحميم وبقيا حتى الصباح‪.‬‬ ‫لم ينم أحدھم حقيقة لضيق األريكة ونشوة المرة األولى‪.‬‬ ‫وأول م

ا طلع

ت ال

شمس قام

ت ھ

ي قبل

ه ودخل

ت إل

ى الحم

ام‬ ‫واستحمت‪.‬‬ ‫‪٤٠٤‬‬


‫خرجت تلبس روبا ً أسود طويل مربوط على خصرھا يكشف ساقيھا‬ ‫وكثير من صدرھا‪.‬‬ ‫"ھل تريد أن تستحم؟"‬ ‫ولم ال؟"‬ ‫" َ‬ ‫لق د وض

عت ل

ك الف

وط عل ى الغ

سالة‪ ،‬إذا أردت أدخ

ل وس

أكون ف

ي‬ ‫األثناء قد جھزت القھوة"‬ ‫"فكرة جيدة"‬ ‫وقف وعانقھا قليالً وفرحت كثيراً بمالمسته إياھا كأنھا ل م تتج رأ أن‬ ‫تضمه خوفا ً أن يصدھا‪ ،‬فعانقته ھي األخرى بقوة‪.‬‬ ‫حمل سلوان جمي ع ثياب ه ودخ ل حت ى ال يخ رج عاري ا ً‪ .‬م ا كان ت إال‬ ‫دقائق قليلة حتى أتم غسله وخرج وھو يلبس كما كان البارحة‪.‬‬ ‫"ھ

ل تن

وي الخ

روج؟" قال

ت ل

ه األخ

رى وھ

ي تل

بس ثوبھ

ا األس

ود‬ ‫الطويل وتكاد أن تكون عارية بداخله‪" :‬أنت في ھذه الحالة تجبرن ي أن‬ ‫أرتدي ثيابي"‬ ‫"لماذا؟ لو كان عندي أشيائي الرتديت الداخلية منھا فق ط‪ ،‬ولك ن ف ي‬ ‫المرة القادمة‪ .‬ھل تعلمين أنك أحسستني بخجل؟"‬ ‫كانت تكلمه وھي في المطبخ وھو من دون ب اب ومط ل عل ى غرف ة‬ ‫الجلوس أثناء تحضريھا القھوة‪.‬‬ ‫"كيف تشرب قھوتك؟"‬

‫‪٤٠٥‬‬


‫"مثل حظي في الدنيا"‬ ‫"ھل تعني شقراء؟ بالحليب وحلوة بالسكر؟"‬ ‫"ھل تعتقدين أن نصيبي من الدنيا ھكذا؟"‬ ‫ولم ال؟ نحن من نقرر مصيرنا وحياتنا‪ .‬أنت لم تق ل ل ي لغاي ة اآلن‬ ‫" َ‬ ‫ً‬ ‫مخجال؟ أعني أن نمارس الح ب مع ا ً م ن‬ ‫عن أصولك‪ ،‬أليس ھذا األمر‬ ‫دون أن نعرف حتى أبسط األشياء عن أنفسنا‪ ،‬أنت تعرف م ن أن ا وأن ا‬ ‫ك

ذاك‪ .‬ولكن

ي أعت

رف أن ال

ذي ج

رى بينن

ا ال يتك

رر ك

ل ي

وم‪ ،‬ھ

ل‬ ‫تبادلني الرأي؟"‬ ‫"نعم‪ ،‬أعتقد أنك ت شابھيني ف ي النظ رة ف ي الحي اة بم ا يتعل ق ب شريك‬ ‫الحياة أو على األقل من تربطنا بھم عالقة أكثر من ال صداقة وأق ل م ن‬ ‫الحب"‬ ‫"أنت لم تجبني عن أصلك"‬ ‫"وھل يعنيك كثيراً البلد أو الدين أو حتى االنتماء؟"‬ ‫"أنا لم أفكر كثيراً‪ ،‬إنما يسعدني أن أعرف عن الرجل ال ذي وص لت‬ ‫معه لمرحلة أن يرقد بجانبي وأكثر‪ ...‬أقلھا بلده أو اسمه الحقيقي"‬ ‫"أنا لم أكذب عليك عن اس مي وال ب شيء آخ ر‪ ،‬أم ا بل دي فأن ا ل ست‬ ‫فخوراً كثيراً به‪ ،‬ھل يكفي أن أقول لك أني عربي؟"‬ ‫جلست حول منضدة في جانب الحجرة معتادة ھي على شرب القھوة‬ ‫وتناول وجبات الطعام عليھا‪.‬‬

‫‪٤٠٦‬‬


‫واآلخر كان جلس دون سؤالھا وكأن الفطرة ھي التي دعته لذلك‪.‬‬ ‫وضعت كوب قھوة كبير أمامه وآخر لھا‪.‬‬ ‫"كل ھذا؟ متى سأشربه كله؟"‬ ‫"ال تبالغ‪ ،‬أنه أكبر بقليل من األكواب التي في المقاھي‪ .‬ھ ل تعل م أن‬ ‫نصفي اآلخر عربي؟"‬ ‫فتح سلوان فاه‪" :‬أنت تمزحين‪ ،‬بحق ‪ S‬أن تقولي الصحيح"‬ ‫"وح

ق ال

رب أن أب

ي عرب

ي ولك

ن ال أري

د اآلن أن أتح

دث بھ

ذا‬ ‫الموضوع ألنه يؤلمني كثيراً"‬ ‫أحب أن يسألھا عن البلد الذي ينتمي له نصفھا اآلخر غير أنه لم يرد‬ ‫أن يثقل عليھا ألنه أحس بعدم الرغبة الحقيقة التي بدت عليھا‪.‬‬ ‫تبادال الحديث طيلة الصبيحة وعندما أراد أن يخرج سألته عن س بب‬ ‫االنفصال ونظرته المحبطة في الحياة‪ ،‬كأنھا لم ترد أن يخرج من بيتھا‬ ‫وقد كانت سعيدة بوجوده ولم يخفى عليه ذلك‪.‬‬ ‫ دي ميلين

دا وعل

ى م

ضض عل

ى‬ ‫"لق

د عانين

ا كثي

راً حت

ى واف

ق وال ّ‬ ‫زواجنا إال أن المشاكل بدأت بعد أقل من عام بيننا"‬ ‫"دائما ً في بداية الحياة الزوجية تكون خالفات لك ن م ن ع دم الحكم ة‬ ‫أن يستسلم المرء لھا"‬ ‫"لم تكن ھذه النوعية من المشاكل التي سببت في التالي الطالق‪ ،‬إنما‬ ‫بقى والديھا يخوفإنھا من م ستقبلھا مع ي وخاص ة بع دما أنجب ت‪ ،‬ك وني‬

‫‪٤٠٧‬‬


‫عربي‪ ،‬وكانا دائما يرددان أنه سيأتي يوم ويجبرك على دينه وسترتدي‬ ‫الحجاب وأشياء أنا نف سي ل ست مقتنع ا ً بھ ا‪ .‬أم ا القاص مة الت ي ح سمت‬ ‫عالقتھا فكانت بعد أن انتسبت زوجتي لطائفة والدھا أحد النشطين بھا‪،‬‬ ‫وبدأت الفجوة من ذلك الحين تكبر بيننا حتى أنه بعد مضي ستة ش ھور‬ ‫من تاريخ انتسابھا أصبحنا مثل الغرباء‪ ،‬كنت أحاول إنقاذ الحب الكبير‬ ‫بكل الوسائل والسبل حتى أني تعمدت في الكنيسة وغيرت اسمي لكن ي‬ ‫كنت مثل من يواسي نفسه بظله‪ ،‬كنت أنا من ق دم ك ل التن ازالت وك ان‬ ‫ردھا علي دائما ً أنھا تحدت أھلھا جميعا ً وتزوجتن ي وھ ذا ال شيء ال ذي‬ ‫كان يجبرني لتقديم كل الخطوات م ن دون أن تتق دم ھ ي خط وة واح دة‬ ‫حتى تعود حياتنا كما كانت‪ ،‬ناھيك ع ن الف روق االجتماعي ة الت ي ب دت‬ ‫تظھر بجالء بيننا"‬ ‫"ماذا تعني بالفروق االجتماعية؟ وھل ھي من طبقة برجوازية؟"‬ ‫"ل

يس بال

ضبط‪ ،‬لكنھ

ا م

ن عائل

ة غني

ة وأن

ا نقي

ضھا‪ ،‬ھ

م م

ن طبق

ة‬ ‫مثقف

ة متعلم

ة وأن

ا‪ ...‬ل

م أك

ن بم

ستواھا بك

ل ال

صور‪ ،‬خاص

ة بع

د أن‬ ‫صرت أسمع الك الم بطري ق مباش ر أو غي ر مباش ر م ن محيطھ ا ال ذي‬ ‫توسع فيما بعد ولم يقتصر على أصدقاء يبادلوھا فكرھا الماسوني كأني‬ ‫نخب ثاني‪ ،‬ولم أع د أحتم ل‪ ،‬حت ى أن وف اة ابنت ي كان ت الخ يط األخي ر‬ ‫ال ذي ف صلنا إل ى األب

د‪ ،‬وأح ست بالراح ة عن

دما احترم ت قرارھ ا ب

أن‬ ‫أك

ون ماض

ي ف

ي حياتھ

ا‪ .‬ك

ل الع

الم ھ

دم أم

امي مث

ل النھاي

ة‪ ،‬أم

ي‬ ‫تزوجت من رجل تحبه وھو يطمع ببيت والدي ويھزأ بھ ا ول م تكت رث‬ ‫لرأي‪ .‬في عام واحد دمرت حي اتي‪ ،‬أم ي تزوج ت بع د وف اة ابنت ي‬ ‫مرة‬ ‫ّ‬ ‫بشھرين وزوجتي التي أحببتھ ا وكان ت تحبن ي‪ ،‬تركتن ي بع دما خ سرت‬ ‫‪٤٠٨‬‬


‫وظيفتي كشرطي وص رت أعم ل ف ي ش ركات أم ن برات ب ال يكف ي أن‬ ‫تشتري به حقيبة لھا‪ ،‬تعاملت مع تجار المخدرات وأنا أعمل في الخفاء‬ ‫معھم وتعاطيتھا في وقت لم أجد صديق غير صديق من المھربين الذي‬ ‫وكل

ت أن أق

بض علي

ه متلب

سا ً حت

ى ق

بض عل

ي أن

ا متلب

سا ً وط

ردت‪،‬‬ ‫خسرت عملي وماتت ابنتي وطرتني زوجت ي وتزوج ت أم ي‪ .‬ل م يبق ى‬ ‫ل

ي ش

يء ف

ي ال

دنيا أخ

اف علي

ه‪ ،‬ل

و تع

رف كي

ف مات

ت ابنت

ي ف

ي‬ ‫حضني!"‬ ‫وصار يبك ي ل م يحتم ل أن ي تحكم بنف سه‪ ،‬أم سكت يدي ه دوروم اري‬ ‫وصارت تواسيه وال تعرف كيف تھدئ من روعه‪.‬‬ ‫"لو تعرف كيف ماتت فاتن!"‬ ‫"أرجوك يا سلوان أن تھدأ وال تتحدث عن أي شيء يذكرك بھا"‬ ‫"ال بالعكس‪ ،‬أنا أريد أن أتحدث عنھا‪ ،‬أنا مخن وق ل م أتكل م م ع أح داً‬ ‫عن معاناتي بفقدانھا وھذا يؤرقني‪ ،‬أنا مازلت لم أستوعب موتھا"‬ ‫"أنا سأسمعك إذا كان ھذا الشيء يريحك يا سلوان"‬ ‫كان ينحب وھو مصر على أن يجعلھا ماض ي ويحت رم الق در ويق در‬ ‫أنھا صارت في عالم آخر‪.‬‬ ‫"ف

ي م

ساء ي

وم خريف

ي كان

ت ترق

د ف

اتن بريئ

ة ف

ي س

ريرھا وأن

ا‬ ‫ووالدتھا كال في حجرة منفصلة من كثرة الخالف ات الت ي تك اثرت بم دة‬ ‫قصيرة حتى أصبحت الحياة صعبة‪ ،‬وسببھا األول والرئيس ألن ي قل ت‬ ‫لھ

ا أن

ي أري

د أن أتعل

م ال

صالة‪ ...‬وإذا ب

صوت غري

ب مث

ل ال

شخير‬ ‫‪٤٠٩‬‬


‫يصدر من فاتن ف ركض كلين ا إليھ ا وإذا بھ ا مت شنجة وزب د يخ رج م ن‬ ‫فمھا ولم نعرف كيف نتصرف وحضنتھا أمھا وص رنا نبك ي م دة أكث ر‬ ‫من ثالثة دقائق في الوقت الذي ھاتفت ب ه الطبي ب‪ ،‬بع د م ضي ال دقائق‬ ‫الثالثة ھدأ كالنا‪ ،‬كنا مفجعين من الحالة التي أص ابتھا‪ .‬ح ضر الطبي ب‬ ‫ووص

فنا ل

ه الحال

ة حت

ى ق

ال أن

ه م

ن الممك

ن أن يك

ون عن

دھا ص

رع‬ ‫وسأل ميليندا وس ألني إذا ك ان م ن أس رنا أح داً م صاب ب ذات الم رض‪.‬‬ ‫ھ

ززت رأس

ي عن

دما س معت تشخي

صه رغ

م إب

داءه ع

دم اليق

ين‪ .‬بع

د‬ ‫خروجه رفعت سماعة الھاتف وسألت أمي‪" :‬أمي ھل أح داً م ن أس رتنا‬ ‫كان يعاني من الصرع؟"‬ ‫فتعجبت من سؤالي وقالت‪ :‬لماذا تسأل يا ولدي؟"‬ ‫فقل

ت لھ

ا وأن

ا أرج

ف م

ن الع

صبية‪" :‬أم

ي أرج

وك‪ ،‬ق

ول ل

ي‪ ،‬ھ

ل‬ ‫ھناك من األسرة من عنده الصرع؟"‬ ‫فقالت‪" :‬أبوك يا سلوان‪ ،‬أبوك كان يع اني ط وال حيات ه م ن ال صرع‬ ‫الكبير‪ ،‬ولكن لماذا تسأل؟"‬ ‫"لماذا لم تق ول ل ي م رة؟ ف اتن مري ضة ي ا أم ي والطبي ب يعتق د أنھ ا‬ ‫مصابة بالصرع‪ ،‬وق ال ل ي أن ه وراث ي أي ضا ً ول ذلك س ألتك‪ ،‬أتمن ى أن‬ ‫تخيب ظنوننا‪ .‬أمي أنا سأنھي المكالمة اآلن"‬ ‫بع

د أن أنھي

ت المكالم

ة ات

صلت ميلين

دا م

ع وال

ديھا وس

ألتھم نف

س‬ ‫السؤال وكانت ردت فعلھم رھيبة وحضروا بنفس اللحظة وتكلم والدھا‬ ‫مع الطبيب ذاته ونصحه بطبيب مشھور‪.‬‬

‫‪٤١٠‬‬


‫أخذنا منه عنوان مستشفى أعصاب مختص ونسق دميترس في اليوم‬ ‫التالي موعد لنا مع أھم طبيب فيه‪.‬‬ ‫وزرناه ف ي الغ داة ول م ننتظ ر كثي راً حت ى دخلن ا إل ى الطبي ب ومعن ا‬ ‫فاتن‪.‬‬ ‫"ومن ھو دميترس يا سلوان؟"‬ ‫"ھذا الرجل الذي أحبني مثل ولده وعندما قررنا أنا وابنته أن نتزوج‬ ‫كرھني كأني عدوه"‬ ‫"ولماذا كل ھذه الكراھية؟ ماذا فعلت ل ه حت ى يكرھ ك أو يتمن ى ل ك‬ ‫الشر؟"‬ ‫"أنا ال أدعي أنه تمنى ل ي ال شر‪ ،‬إنم ا كراھيت ه ل ي كان ت لعروبت ي‪،‬‬ ‫فقط ألني عربي"‬ ‫"وماذا قال لك م الطبي ب عن دما ش خص حال ة ف اتن؟ ف اتن اس م جمي ل‬ ‫وبالتأكيد كانت ھي جميلة أيضا ً‪ .‬كم كان عمرھا؟"‬ ‫"أكملت الستة اشھر وأربعة ع شر ي وم‪ ،‬ي وم وفاتھ ا‪ .‬ك ان فيھ ا روح‬ ‫مالئكية وكانت تفھم كل تصرفاتنا رغم صغر سنھا‪ .‬قرأ تقرير الطبيب‬ ‫وسألني وميليندا عن أعراض الحال ة الت ي انتابتھ ا‪" :‬ھ ل ت ستطيعان أن‬ ‫تصفا لي النوبة؟"‬ ‫كنت أنا قبل ميليندا في الغرف ة عن دما انتابتھ ا الحال ة ورأيناھ ا كالن ا‬ ‫وب دأت أص ف للطبي

ب‪" :‬فق دت ال وعي ب

صفة مؤقت ة وكان ت تحركاتھ

ا‬ ‫ت

شنجية غي

ر إرادي

ة‪ ،‬وارتعاش

ا ً ح

ول الع

ين والف

م‪ .‬اس

تغرقت الم

رة‬ ‫‪٤١١‬‬


‫األولى ث واني وفق دت ال وعي برھ ة وجي زة وكان ت راق دة ف ي فراش ھا‪،‬‬ ‫ويبدو انه لم يطرأ عليھا سوى غفل ة أو لحظ ة م ن ال شرود ال ذھني بع د‬ ‫النوبة‪ ،‬وبعد دقائق تكررت الحالة مرة أخرى ولك ن أط ول‪ ،‬دقيقت ين أو‬ ‫ثالث حسب التقريب"‬ ‫"قد تكون أربعة دقائق يا دكتور" قالت ميليندا‪.‬‬ ‫"أما النوبة الثانية فكانت بين دقيقتين أو أرب ع‪ ،‬فق دت ال وعي وخ رج‬ ‫م

ن فمھ ا ھ

ذه الم

رة رغ

وة وش

دت عل

ى فمھ

ا واھت زت أطرافھ ا ف

ي‬ ‫عنف" قال سلوان‪.‬‬ ‫"ھل بدا عليھا شيء قبل النوبة الثانية؟"‬ ‫"ظھرت بقع أمام عينيھا"‬ ‫حضن الطبيب فاتن وقبلھا وقال لھا‪" :‬كيف حالك يا جميلة؟"‬ ‫والتفت إلى ميليندا وسألھا عن أسمھا‪.‬‬ ‫"اسمھا فاتن يا دكتور"‬ ‫"اسم جميل‪ ،‬فاتن من يقول انك مريضة؟ أنت سليمة معافاة يا أميرة"‬ ‫وضعھا في حضن ميليندا وقال‪" :‬أعتقد‪ ،‬ال بل أجزم أنھا تع اني م ن‬ ‫الصرع‪ ،‬ولكن ليطمأن قلبي سنبقيھا في المستشفى تحت المراقب ة حت ى‬ ‫نستطيع قياس كھرباء الدماغ"‬

‫‪٤١٢‬‬


‫أم

سكت ميلين

دا بي

دي وھ

ي تح

ضن ف

اتن وس

ألت الطبي

ب‪" :‬م

ا ھ

و‬ ‫الصرع؟ أنا أعرف أشخاص يعانون من ھذا الم رض لكن ي ال أع رفھم‬ ‫عن كثب‪ ،‬فلو حدثتنا قليالً عنه!"‬ ‫"طبعا ً‪ ،‬سأشرح لكم عنه كي تتعلموا الطريقة التي ستتعاملون بھا مع‬ ‫ف

اتن‪ .‬ال

صرع ھ

و اض

طراب ف

ي الجھ

از الع

صبي وھ

و واح

د م

ن‬ ‫مجموعة اعتالالت في أداء الدماغ‪ ،‬وتتميز بصدمات مفاجئة ومتواترة‪،‬‬ ‫ففي الوضع الطبيعي تقوم خالي ا ال دماغ بإنت اج الطاق ة الكھربائي ة الت ي‬ ‫ترسل عبر الجھاز العصبي وتحرك العضالت وتتحكم باألطراف وكل‬ ‫الجسد‪ ،‬ھذا في الحالة الطبيعية لعمل ال دماغ‪ .‬لك ن إذا ف شل بعمل ه وفق د‬ ‫قدرته على التحكم مثل أن ي صدر ال دماغ أم ر ف ي إنت اج كمي ات كبي رة‬ ‫وعنيفة من الكھرباء وت وزع عل ى ك ل الخالي ا الع صبية فيفق د س يطرته‬ ‫في عملية توزيع الطاقة‪ ،‬وتح دث لحظتھ ا تحرك ات غي ر إرادي ة ودون‬ ‫مراقبة الدماغ لھا وھذه الحالة ھي النوبة التي تسمى بنوبة الصرع"‬ ‫"وھل حالة فاتن من الحالة الب سيطة أم أنھ ا خطي رة؟ وم اذا ن ستطيع‬ ‫أن نفعله لھا في حالة النوبة؟" سألت الطبيب وأنا أرتعش‪.‬‬ ‫"في الحقيقة أن للصرع ثالث ة أن واع رئي سية أھمھ ا ال صرع الكبي ر‪،‬‬ ‫الصغير يسمى أيضا ً الخفيف والنوبة النفسية الحركي ة‪ .‬أم ا النوب ة الت ي‬ ‫أص

ابت ف

اتن فأن

ا أعتق

د أنھ

ا م

ن الن

وع الخفي

ف‪ ،‬لكن

ي ال أس

تطيع أن‬ ‫أج

زم إال إذا راقبتھ

ا شخ

صيا ً‪ .‬أم

ا اإلس

عافات األولي

ة الت

ي ت

ستطيعا‬ ‫تقديمھا لفاتن فھي أن تبعدا عنھ ا ك ل م ا يمك ن أن ي سبب ل ه ض رراً أو‬ ‫أذى‪ ،‬وضعا شيء مط اطي ب ين فكيھ ا أو قطع ة قم اش مطوي ة أو فل ين‬

‫‪٤١٣‬‬


‫ويج ب أن تك ون كبي رة ك ي ال تبتلعھ ا ھ ذا م شروط قب ل النوب ة أم ا إذا‬ ‫حصلت فال تحاوال ألنكم ستكسروا فكيھ ا وح ذار أن تفتح ا فمھ ا ب القوة‬ ‫ولننتظر حتى يرتخي من تلقاء نف سه وال ي دخل أح دكم يدي ه أو أص بعه‬ ‫ف

ي فمھ

ا لك

ي ال تع

ضھا‪ ،‬وإي

اكم أن ت

ضعا س

ائل ف

ي فمھ

ا ف

ي حال

ة‬ ‫التشنج‪ ،‬وبإمكانكما فك ما حول رقبتھا وصدرھا وبطنھا حت ى ال تعي ق‬ ‫حرك

ة الت

نفس‪ .‬وبإمكانكم

ا م

سح لعابھ

ا ك

ي ال يت

سرب إل

ى الم

سالك‬ ‫الھوائية ويزيد في عسر التنفس‪ ،‬وتركھا نائم ة حت ى ت ستيقظ م ن تلق اء‬ ‫نفسھا‪ ،‬ومھم جداً أن ال تغيبا عنھا لحظة واحدة"‬ ‫كوبي دوروماري وسلوان قد فرغا في األثن اء‪ ،‬دخل ت األخ رى‬ ‫كان‬ ‫ّ‬ ‫المطبخ وأحضرت القھوة مرة أخرى وقالت لسلوان‪" :‬لكن ما ھو سبب‬ ‫وفاتھا؟ مرض الصرع ليس شيء صعبا ً في الوقت الحالي ألنه ينضبط‬ ‫بالعالج"‬ ‫"أنت محقة يا دوروماري لكن في حالة فاتن كان سبب موتھا"‬ ‫"ولكن كيف؟"‬ ‫"بقينا نراجع المستشفى المختص وكثير من األطباء حتى صرفوا لھا‬ ‫دواء معين وواظبنا عليه وكان وضعھا الصحي عل ى م ا ي رام غي ر أن‬ ‫نوبات الليل لم تكن تنتھي‪ .‬فكانت تنتابھا في كل ليلة نوبة وأحيانا ً طوال‬ ‫اللي

ل‪ .‬كان

ت تع

صر قلب

ي حزن

ا ً عن

دما ت

صرع حت

ى ش

اءت األق

دار‬ ‫وكانت نوبتھا األخيرة ھي التي أخذتھا منا وأخذت كل جميل في حياتي‬ ‫معھا"‬ ‫"أنا ال أستطيع تصور كيف يموت اإلنسان بنوبة صرع!"‬ ‫‪٤١٤‬‬


‫"أحد الليالي مثل كثير من اللي الي انتابتھ ا نوب ات غي ر أن تل ك الليل ة‬ ‫استمرت أكثر م ن س بعة دق ائق ول م نع رف كي ف نفع ل‪ ،‬طلبن ا الطبي ب‬ ‫المن

اوب إال أن

ه ح

ضر مت

أخر فق

د ابتلع ت ل

سانھا ول

م ت

ستطع الت

نفس‬ ‫وماتت‪ ...‬م ات ك ل ش يء ف ي داخل ي‪ ،‬م ت أن ا وقلب ي‪ ،‬م ا أن ا إال ج سد‬ ‫ھامد من حينھا‪ ،‬أنا ال أريد العيش أكث ر‪ ،‬أتمن ى الم وت ف ي الي وم أكث ر‬ ‫من عدد ساعاته"‬ ‫اقتربت منه وھو يبكي نحيبا ً وال يھدأ‪.‬‬ ‫"اھدأ يا سلوان‪ ،‬كل شيء سيكون على ما ي رام‪ ،‬أن ا س أكون بجانب ك‬ ‫ولكن ال تفقد األمل في الحياة"‬ ‫"أنا فقدت كل شيء يا دوروماري‪ ،‬أمي‪ ،‬زوجتي‪ ،‬ابنت ي ووظيفت ي‪،‬‬ ‫ك

ل ش

يء‪ ،‬لق

د فق

دت ك

ل ال

دوافع والح

وافز للحي

اة‪ .‬ھ

ل تعلم

ين كي

ف‬ ‫كانت بداية االنشقاق في عالقتنا؟ إنھا سخيفة جداً‪ .‬عن دما قل ت لھ ا أن ي‬ ‫أريد تعلم الصالة وأذھب إلى المسجد مع صديقي األلباني‪ ،‬جن جنونھ ا‬ ‫وبقيت تبكي في ذلك اليوم وبقيت أكثر من أسبوع ال تبادلني كلمة غي ر‬ ‫الكلم

ة الوحي

دة الت

ي كان

ت ترددھ

ا ف

ي الي

وم أل

ف م

رة فتق

ول‪" :‬أن

ت‬ ‫مخادع‪ ،‬أبي كان عنده ح ق عن دما ق ال أن ك خلي ة نائم ة‪ ،‬أن ا عرفت ك ال‬ ‫تب

ت للع

رب والم

سلمين ب

صلة وعن

دما تزوجن

ا تري

د أن ت

ذھب إل

ى‬ ‫المسجد وتتعلم ال صالة‪ .‬كرھ ت ال صالة ودين ي وعرق ي وك ل ش ي‪ ،‬م ا‬ ‫كانت إال فكرة حتى تأصل الخوف في قلبھا وھز حبنا الكبير ودمر ك ل‬ ‫شيء‪ .‬لكم عانت ھي حتى تزوجن ا ورغم ا ً ع ن عائلتھ ا وباع ت حياتن ا‬ ‫في لحظة فكرت فقط أن أتعرف على ديني"‬

‫‪٤١٥‬‬


‫لم تتصور دوروماري أن يكون ال صباح مفعم ا ً ب األحزان‪ ،‬فق د ك ان‬ ‫لھا تخطيط آخر مع سلوان ال عالقة ل ه بالم شاكل األس رية ال م ن بعي د‬ ‫وال من قريب‪.‬‬ ‫بدا على اآلخر االرتباك وص ار يلع ب بأص ابعه ويح رك ب ساقيه وال‬ ‫يرفع برأسه من على المنضدة الزجاجية الشفافة‪.‬‬ ‫"م

اذا ب

ك ي

ا س

لوان؟ لم

اذا ال تھ

دأ؟ يج

ب علي

ك أن تب

دأ م

ن جدي

د‬ ‫وتنسى الماضي وكل أشخاصه‪ ...‬جمليه ورديئه"‬ ‫"أنا سأخرج‪ ،‬ال تغضبي مني يا دوروماري"‬ ‫"مازال باكراً‪ ،‬إلى أي ن ت ذھب اآلن‪ ،‬يع ز عل ي أن تخ رج وأن ت ف ي‬ ‫ھذه الحالة"‬ ‫"ال يھم"‬ ‫وأقب

ل عليھ

ا وقب

ل رأس

ھا ورفع

ه وھ

ي جال

سه وقب

ل ش

فتيھا وق

ال‪:‬‬ ‫"متى ستكونين في البيت اليوم"‬ ‫"سأبقى في البيت‪ ،‬لن أخرج إلى الدوام‪ ،‬فقط سأح ضر بع ض أش ياء‬ ‫للبيت‪ ،‬أنا أتسوق في األسبوع مرة‪ ،‬إذا أحببت فلنذھب سويا ً"‬ ‫"إذا أنت في المساء في البيت سأزورك‪ ...‬إذا سمحت لي طبعا ً!"‬ ‫"فألفك

ر‪ ...‬آه‪ ...‬سأس

مح ل

ك‪ ،‬أن

ا س

عيدة كثي

راً بمعرفت

ك ي

ا س

لوان‬ ‫وأحب أن تتطور عالقتنا أكثر"‬

‫‪٤١٦‬‬


‫"وأنا أبادلك ذات الشعور وأتمنى أن أراك الي وم أي ضا ً لكن ي اآلن ال‬ ‫احتمل البقاء"‬ ‫وكان يبدو عليه القلق والھ روب أي ضا ً كعادت ه عن دما يھ يج وت زدحم‬ ‫أحداث الماضي في رأسه وتتشابك أمام عينيه‪.‬‬ ‫"إذن حتى المساء"‬ ‫رافقته حتى خرج من البيت وبقيت تراقبه من النافذة حتى خرج م ن‬ ‫الشارع‪.‬‬ ‫دخ

ل البن

سيون وك

ان يعل

م أن يورغ

و ھ

و الموج

ود الي

وم عل

ى‬ ‫االستعالمات‪.‬‬ ‫"صباح الخير يورغو‪ ،‬كيف حالك؟"‬ ‫"شكراً يا س لوان أن ا جي د أتمن ى أن تك ون أن ت ك ذلك أي ضا ً‪ ،‬ص باح‬ ‫الخير"‬ ‫ص عد ال درج دون أن يبادل ه نظ رة وك ان اآلخ ر يري د أن ي سأله ع

ن‬ ‫األوراق الالزم

ة الت

ي طلبھ

ا من

ه‪ ،‬لكن

ه ف

ي اللحظ

ة األخي

رة خج

ل أن‬ ‫يعيده بعد أن رآه يصعد من دون أن يبدي له اھتمام مثل عادته‪.‬‬ ‫دخل حجرته ورمى بجسده المنھك على سريره وكان من كث رة الھ م‬ ‫ال

ذي ال يخف

ى عل

ى ك

ل م

ن ي

راه وھ

و قط

ب الح

اجبين‪ ،‬ك

ان عالج

ه‬ ‫الوحيد في ھذه الحالة اللجوء إلى النوم‪.‬‬

‫‪٤١٧‬‬


‫لم يلبث دقيقة حتى غرق بالنوم ولم يصحو إال م ع غ روب ال شمس‪،‬‬ ‫نظر من الشباك وھو ٌ‬ ‫راقد في فراشه ال يكاد يفتح عينيه‪ ،‬فأحس بإحباط‬ ‫عندما رأى الغروب واللون في الخ ارج معتم ا ً مث ل أي ام ال شتاء يرافق ه‬ ‫عرق يتصبب من جسده‪.‬‬ ‫لم يبقى طويالً حت ى غي ر ثياب ه المبتل ة وغ سل ص دره بالم اء ول بس‬ ‫وخرج‪.‬‬ ‫ك

ان يورغ

و ف

ي األس

فل‪ ،‬حي

اه وأخ

ذ قھ

وة م

ن الجھ

از الكھرب

ائي‬ ‫وجلس واآلخر يراقبه يبحث عن أول فرص ة حت ى ي سأله ع ن األوراق‬ ‫المطلوبة للتسجيل‪ .‬وقرر أخيراً أن يسلم األمر لغراتسيا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫م ساء‬ ‫وقف سلوان بعد أن شرب القھوة مثل الماء وق ال‪" :‬أتمن ى ل ك‬ ‫سعيداً"‬ ‫"مساءك س عيداً أن ت أي ضا ً" وأردف ق ائالً‪" :‬س لوان أال تري د البق اء؟‬ ‫غراتسيا ستحضر في الحال"‬ ‫"سأراھا فيما بعد‪ ،‬شكراً لك يا يورغو"‬ ‫وخرج من دون تخطيط ينوي الشارع حي ث الفت اة تعم ل وت ذكر أن ه‬ ‫على عالقة اآلن بھا وبإمكانه أن يزورھا في بيتھ ا‪ ،‬فع اد وأخ ذ االتج اه‬ ‫المعاكس حيث بيتھا‪.‬‬ ‫ل

م تك

ن بعي

دة فك

ان بيتھ

ا ب

ين المؤس

سة الت

ي ي

سكن فيھ

ا س

لوان‬ ‫وعملھا‪.‬‬

‫‪٤١٨‬‬


‫وقبل أن يصل إلى البيت وھو طابق أرض ي مق سم إل ى أربع ة ش قق‬ ‫اثنتين منھما فارغة‪ ،‬تذكر أنه ل م ي سألھا ع ن اس م عائلتھ ا حت ى يع رف‬ ‫أي

ن يق رع الج

رس وخاط

ب نف

سه‪" :‬س

أعرف بطريق

ة او ب

أخرى وإذا‬ ‫استدعت الحاجة سأقرع على الجيران"‬ ‫نظر على لوحة األسماء م ن أعل ى إل ى أس فل ول م يك ن غي ر اس مين‬ ‫وواحد منھم مكتوب بخط اليد فاقترب منه قليالً حت ى ي تمكن م ن قرآت ه‬ ‫ولم يصدق عينيه‪ ،‬إن االسم المكتوب بخط اليد كان نفس اسم عائلته‪ ،‬لم‬ ‫يستوعب األمر ورن على االسم اآلخر حتى فتح الباب ودخل وظن أن‬ ‫دوروماري ھي التي فتحت له الباب‪.‬‬ ‫دخل الممر الموزع بين الشقق األربعة وكانت سيدة كبيرة تقف أم ام‬ ‫بابھا‪.‬‬ ‫حياھ

ا ورن عل

ى ب

اب دوروم

اري مت

سائالً ألن

ه ل

م تك

ن عل

ى ب

اب‬ ‫منزلھا‪.‬‬ ‫"أال ترى أنه من قلة األدب أن تقرع جرسي وال تعتذر؟"‬ ‫استدار وقال‪" :‬أنا قرعت على السيدة دوروماري"‬ ‫رد عليھا ولم يشعر بالذنب أو الخطأ‪.‬‬ ‫"أنت قرعت جرسي‪"...‬‬ ‫أثناء حديثھم فتحت األخرى باب منزلھا وقبل أن تحي س لوان كان ت‬ ‫قد فھمت أنه رن على جارتھا‪.‬‬

‫‪٤١٩‬‬


‫"اقبلي اعتذاري‪ ...‬لم يقصد إزعاجك"‬ ‫أغلق

ت بابھ

ا الج

ارة العج

وز م

ن غي

ر أن ت

رد عل

ى األخ

رى‪ ،‬لك

ن‬ ‫السؤال بدا يكبر اآلن عند سلوان‪.‬‬ ‫عانقته عندما دخل‪" :‬جميل أنك في بيتي"‬ ‫"وأنا سعيد ألني معك"‬ ‫دخل كالھما إل ى غرف ة الجل وس ول م ينتظ ر كثي راً حت ى س ألھا ع ن‬ ‫االسم المكتوب على الباب‪.‬‬ ‫"أي اسم تعني؟ أنت قرعت الجرس الخاطئ يا سلوان"‬ ‫"ال‪ ،‬أنا أعني اسم )الرمعي(‪ ،‬ھل ھنا في بيتكم شخص بھذا االسم؟"‬ ‫"اعتقد أنه من الطبيعي إذا كان االسم بالخارج أن يكون صاحبه أحد‬ ‫سكان الشقق"‬ ‫وضحكت ال تعني ال تھكم إنم ا حت ى ت ضفي عل ى األج واء قل يالً م ن‬ ‫المرح‪.‬‬ ‫"ھل تعرفين من ھو صاحب ھذا االسم؟"‬ ‫"أنت تمزح يا سلوان"‬ ‫"أنا أتكلم بكل جدية"‬ ‫"أنا صاحبة االسم يا سلوان‪ ،‬كنت أعتقد أنك تعرف ھذا!"‬

‫‪٤٢٠‬‬


‫انبھ

ر س

لوان ول

م يع

رف وقتھ

ا ش

عوره‪ ،‬فرح

ة أو ش

يء غري

ب ل

م‬ ‫يفھمه‪.‬‬ ‫"ھل تعلمين أن لنا نفس اسم العائلة؟"‬ ‫"ال أنت تمزح"‬ ‫وق

ف س

لوان وأخ

رج رخ

صة ال

سواقة وإذا مكت

وب عليھ

ا س

لوان‬ ‫الرمعي‪.‬‬ ‫"ل

م تق

ل ل

ي أم

ي أن أح

داً م

ن أق

ارب وال

دي ف

ي اليون

ان‪ ،‬م

ن ھ

و‬ ‫أبوك؟"‬ ‫"لم أحب يوما ً أن أتحدث بھذا الموضوع لكن صدفة اليوم تحتم علينا‬ ‫الحديث عن جذورنا رغما ً عنا‪ .‬من أين أبدأ لك يا سلوان؟"‬ ‫"وھل الموضوع معقداً لھذه الدرجة أو محرج؟"‬ ‫جلست على الكرسي المنفصل تقابله وھو على األريكة‪.‬‬ ‫

دا؟ حرج ً‬ ‫"معق ً‬ ‫

ا؟ ال أع

رف‪ ،‬لق

د عاني

ت بطف

ولتي لفق

داني وال

دي‬ ‫وكانت أمي تقول انسي أن لك والد‪"...‬‬ ‫"ھل ھو ميت؟"‬ ‫"كنت أتمنى‪ ...‬األمر شائك أكثر من الم وت‪ ،‬أن ا ال أعرف ه ول م أراه‬ ‫مرة"‬ ‫"وھل ھناك شيء أكثر من الموت؟"‬

‫‪٤٢١‬‬


‫"نع

م‪ .‬أن يك

ون ل

ك أس

رة وأب ول

م تع

رفھم م

رة‪ ،‬أم

ي كان

ت تح

ب‬ ‫عربي وكانت بينھم عالقة حميمة وبعد أقل من ثالث ة أش ھر عل ى بداي ة‬ ‫عالقتھما حملت أمي‪ ،‬وعندما أخبرته جن وشاط وشتمھا‪ .‬أصرت أم ي‬ ‫عل

ى متابع

ة الحم

ل رغ

م ال

ضغوط الت

ي ك

ان يمارس

ھا ذل

ك الرج

ل‬ ‫عليھا‪"...‬‬ ‫"إنه والدك يا دوروماري"‬ ‫"بيولوجيا ً ولكن ليس أبي بالمعني الحقيقي‪ ،‬على أيٍ‪ ،‬توسلت له أمي‬ ‫أن يتزوجھا حت ى ال تنب ذھا أس رتھا حت ى ش ھر فق ط ك ي ال أك ون بن ت‬ ‫زنى ف ي أنظ ار األس رة وحت ى ال ت سبب ل ي أزم ة نف سية ف ي مكب ري‪،‬‬ ‫تزوجھا ذلك الرجل ستة ش ھور إال أن ه خ رج م رة ول م يع د للبي ت أب داً‬ ‫ومنذ ذلك الحين لم تراه أمي"‬ ‫تغير وجه سلوان وانفعل بقصتھا وبدا عليھا خيبة األمل كأنھ ا كان ت‬ ‫تتمنى أن يكون لھا أب مثل ك ل الن اس حت ى م ن غي ر أن تربطھ ا مع ه‬ ‫عالقة‪.‬‬ ‫"ومن أي بلد كان أبوك؟"‬ ‫"أن ه م

ن األردن‪ ،‬ھ

ذا ك

ل ال

ذي أعرف ه عن

ه‪ ،‬أم

ي ل

م تخبرن

ي عن

ه‬ ‫كثيراً وأنا فقدت الدافع مع السنين في السؤال أو البحث عنه"‬ ‫احمر وجه سلوان وقال لھ ا‪" :‬كن ت متوقع ا ً أن ه م ن األردن ألن ھ ذه‬ ‫العائلة موجودة فق ط ف ي األردن‪ ،‬سأس أل أم ي وص ديق أب ي عن ه وھ و‬

‫‪٤٢٢‬‬


‫بمثاب

ة وال

د بالن

سبة ل

ي‪ ...‬رغ

م أن

ي قطع

ت عالقت

ي م

ع أم

ي من

ذ‬ ‫االنفصال وزواجھا‪ ،‬ھل تسمحي لي باستخدام الھاتف؟"‬ ‫"طبع

ا ً‪ ،‬تف

ضل‪ ،‬ولك

ن ل َ م؟ الموض

وع ل

م يع

د يھ

م كثي

راً‪ ،‬ھ

و مي

ت‬ ‫بالنسبة لي"‬ ‫"األمر يھمني أنا يا دوروماري‪ ،‬أريد أن أعرف من ھ ي الفت اة الت ي‬ ‫يربطني معھا ذات االسم‪ ،‬قد نكون أقرباء"‬ ‫طل

ب رق

م الع

م حل

يم‪ ،‬ردت بالمقاب

ل زوجت

ه‪" :‬إلين

ي‪ ،‬س

لوان مع

ك‬ ‫على الخط‪ ،‬كيف حالك؟"‬ ‫ھي بالمقابل‪" :‬شكراً يا ولدي‪ ،‬لماذا انقطعت أخبراك عنا منذ زمن؟"‬ ‫"ليس اآلن مكانه حتى أشرح لك‪ ،‬ھل عمي حليم في البيت؟"‬ ‫"ثوان يا ولدي"‬ ‫"س

لوان طمن

ي ع

ن أخب

ارك ي

ا ول

دي‪ ،‬لق

د قلق

ت علي

ك" حي

اه الع

م‬ ‫حليم‪.‬‬ ‫"عمي أنا بخير‪ ،‬أنا عندي س ؤال مھ م‪ ،‬ھ ل تع رف أح داً م ن أق ارب‬ ‫والدي من سكان أثينا؟"‬ ‫سكت العم حليم لم يعرف معني سؤاله بالتحديد‪.‬‬ ‫"ال يا ولدي ال أعرف أقارب لوالدك على اإلطالق في اليونان"‬ ‫"أنا جالسا ً اآلن عند فتاة جميلة من عائلتي يا عمي"‬ ‫تساءل قليالً مع نفسه وسأله كم عمرھا‪" :‬دوروماري كم عمرك؟"‬ ‫‪٤٢٣‬‬


‫"أن ا ال أفھ

م عالق

ة عم

ري بموض وع العائل

ة‪ ،‬لك

ن‪ ...‬س

أتم ال

سابعة‬ ‫والثالثون في الشھر القادم"‬ ‫"ھل سمعت يا عمي؟"‬ ‫صدم العم حليم بالخبر وھو مازال لم يتيقن‪.‬‬ ‫"اسألھا ما أس م أمھ ا‪ ،‬وھ ل س كنت بيري وس قب ل أكث ر م ن ع شرون‬ ‫عام"‬ ‫"ما اسم والدتك وھل سكنتم بيريوس قبل عشرون عام؟"‬ ‫صارت تجيب رغم عدم فھمھا‪" :‬أمي اس مھا إالذا ورحل ت م ع أم ي‬ ‫من بيريوس منذ اثنتي عشر عام إلى ھنا"‬ ‫"ھل سمعت‪...‬؟"‬ ‫قبل أن يتم قال له العم حليم نعم لقد سمعت‪ ،‬وسكت‪.‬‬ ‫"ماذا بك يا عم؟ ھل عرفتھم؟ ھل ھي م ن أس رتنا أم أن ه فق ط ت شابه‬ ‫أسماء؟"‬ ‫"ال بل ھي قريبتك يا ولدي‪ ،‬ال بل أكثر من الكثير‪ ...‬إنھا أختك"‬ ‫صعق سلوان عندما سمع الخبر‪" :‬ماذا تق ول ي ا ع م؟ ھ ذا ھ راء‪ ،‬أن ا‬ ‫وحيد وأنت تعرف أن أمي لم تنجب غيري"‬ ‫"سلوان اھدأ‪ ،‬إنھا أختك من أبيك"‬ ‫وضع سلوان سماعة الھاتف على األريك ة وفق د ص وابه وض اع ك ل‬ ‫الكالم من بين حناياه‪.‬‬ ‫‪٤٢٤‬‬


‫"سلوان‪ ،‬ما ال ذي ج رى؟ م اذا ق ال ل ك الرج ل حت ى أبكم ك؟ س لوان‬ ‫أجبني أرجوك"‬ ‫بقى اآلخر ساكتا ً مصدوما ً من الخبر ال يع رف كي ف يتعام ل ب الخبر‬ ‫والذي جرى‪.‬‬ ‫"سلوان ال تصمت أجبني‪ ،‬ھل كل شيء على ما يرام؟ م اذا ق ال ل ك‬ ‫قريبك حتى أخرسك؟ قل لي أرجوك‪ ،‬يكفيك الذي تعانيه"‬ ‫"قال لي أنك أختي‪ ،‬وأن ذلك الرجل ھو أبي"‬ ‫"ماذا؟"‬ ‫ثوان وسقطت من طولھا واتكأت عل ى من ضدة الوس ط‬ ‫بقيت أقل من‬ ‫ٍ‬ ‫وبعد سكوت لم يطل غير لحظ ة أم سكت ب سماعة الھ اتف وكلم ت الع م‬ ‫حليم‪" :‬إنه ھراء ھذا الذي تزعم"‬ ‫"أنا آسف على كل السنين الت ي م ضت دون أن تع رفين أن ل ك وال د‬ ‫مق

يم بعي

د عن

ك ع

شرون كيل

و مت

راً وأخ

ا ً‪ ،‬لكن

ي أتمن

ى أن تب

دئي م

ع‬ ‫أخوك سلوان بداية جديدة وتسانديه وخاصة بوضعه الحالي‪"...‬‬ ‫"ماذا تقول أنت يا عجوز يا خ رف؟ لق د مارس نا الج نس س ويا ً‪ ،‬اآلن‬ ‫تفكرت أن تقول له أن له أخت؟ وأغلقت ال سماعة ورم ت بنف سھا عل ى‬ ‫األريكة بجانبه وانحلت بالبكاء واآلخر صمته يقتله‪.‬‬ ‫وق

ف واتج

ه نح

و الخ

ارج دون أن يبادلھ

ا أي كلم

ة وف

تح الب

اب‬ ‫وخرج‪.‬‬

‫‪٤٢٥‬‬


‫"سلوان إل ى أي ن أن ت ذاھ ب؟ س لوان إبق ى أتوس ل إلي ك؟ ال تتركن ي‬ ‫وحدي‪ ،‬كلمني‪"...‬‬ ‫كأنه لم يسمع أو انه نائم مغناطي سي‪ .‬اتج ه نح و ال سكن ودف ع الب اب‬ ‫يحي غراتسيا صعد إلى حجرته‪.‬‬ ‫ودون أن‬ ‫ّ‬ ‫"سلوان حبيبي؟" كلمته لكنه لم ينبس ببنت شفة‪.‬‬ ‫كانت وحدھا في اللوج‪" :‬سلوان إلى أين؟ لماذا ال تجبني؟"‬ ‫خرجت من خل ف االس تعالمات تط ارده ب سؤالتھا لك ن ال حي اة لم ن‬ ‫تنادي‪.‬‬ ‫دخل حجرته الكئيبة وحمل حقيبته وخرج‪ .‬وقف عند غرات سيا وق ال‬ ‫لھا‪" :‬أنا ذاھب غراتسيا‪ ،‬أمثالي ال يستحقون الحياة‪"...‬‬ ‫"ال تقل ھذا حبيبي‪ ،‬ما الذي جرى؟"‬ ‫لكنه كان يتابع الحديث مثل الشريط المسجل متجاھالً تعليق األخرى‬ ‫مثل فاقد الوعي‪.‬‬ ‫"أنت محطة سعيدة وجميلة ف ي حي اتي ل ن أن ساھا‪ ،‬أن ت ب صمة مث ل‬ ‫سياط األقدار علي ال تمحى" وخرج‪.‬‬ ‫"سلوان‪ ،‬أرج وك أجبن ي‪ ،‬م ا ال ذي ج رى؟ ھ ل أخط أت بحق ك؟ وإن‬ ‫أخطأت فسامحني واصفح عني‪"...‬‬ ‫كأنه ال يسمع شيء منھا‪ ،‬تابع مسيره واألخرى ل م تنتھ ي م ن الن داء‬ ‫وعبرتھا على خدھا ال تكترث للمارة في الشارع والناظرين إليھا وھي‬

‫‪٤٢٦‬‬


‫تتوسل لرجل شكله ثمل ال يكترث لھا وال حت ى بنظ رة‪ ،‬ل م يعرف وا أن ه‬ ‫حطام وبقايا رجل‪.‬‬ ‫أخذ أول سيارة أجرة وقال له‪" :‬إلى بيريوس"‬ ‫ق

صد بي

ت الع

م حل

يم ول

م يع

رف ھ

و نف

سه لم

اذا ل

م يخت

ر ص

ديقه‬ ‫األلب

اني الوحي

د‪ ،‬ق

د تك

ون الفط

رة ال

سليمة؟ أو الح

س ب

الرجوع إل

ى‬ ‫األصل والجذور؟‬ ‫قرع جرسه حت ى خرج ت زوجت ه وك ان الع م حل يم ق د أطلعھ ا عل ى‬ ‫المستجدات ولم تسأله نھائيا ً‪ ،‬بل رحبت به ودخل بعد أن حياھا بصوت‬ ‫مخنوق‪.‬‬ ‫تلقاه اآلخر أمام حجرة مكتبه وعانق ه وانفل ت س لوان بالبك اء وارتف ع‬ ‫صوته حتى أن إليني صارت تبكي ويسمع بكائھا وھي في المطبخ‪.‬‬ ‫"عم

ي‪ ،‬أن

ت وال

دي ال

ذي عرفت

ه‪ ،‬أن

ا ال أذك

ر م

ن أب

ي غي

ر خي

ال‬ ‫واآلن نقمت عليه وعلى أمي وكل الناس‪ ،‬ماذا أفع ل ي ا عم ي؟ أن ا تائ ه‬ ‫حائر"‬ ‫"ول

دي ارج

ع إل

ى ‪ ،S‬إن

ك م

ا ب

دأت متاھت

ك إال لبع

دك ع

ن ال

دين‬ ‫بعدما عرفت الحق من الباطل‪ ،‬م ا أتعب ك إال تخلي ك ع ن أص لك ورب ك‬ ‫الذي لم تعرفه مرة وكل اإلثم عل ى وال دتك‪ ،‬كن ت تح رق قلب ي ف ي ك ل‬ ‫م

رة أس

مع أن

ك تخلي

ت ع

ن ش

يء م

ن ج

ذورك ت

ارة اس

مك وأخ

رى‬ ‫تعمدك في الكنيسة حتى ترضي زوجتك‪ .‬ولدي ليس ھناك م ا ھ و أج ل‬ ‫وأقوى من التمسك بالدين وعروبتنا رغم ذلنا وضعفنا"‬

‫‪٤٢٧‬‬


‫"إن

ي تب

ت إل

ى ‪ S‬ي

ا ع

م ول

ن أرج

ع بع

د ھ

ذا الي

وم إل

ى الماض

ي‪،‬‬ ‫أعاھدك يا عم أني سأبقى على عھدي معك حتى الموت"‬ ‫فاضت عيناھما بالدموع واألخرى صار بكائھا نحيب‪.‬‬ ‫"ول

دي عاھ

د ‪ S‬عل

ى توبت

ك وال تعاھ

دني وت

ذكر أن

ه ت

واب رح

يم‬ ‫ال ذين َ ْ َ‬ ‫بعھ د‬ ‫وأذكرك بقوله تعالى" وذكر له اآلية الكريمة‪َّ ِ " :‬‬ ‫ون ِ َ ْ ِ‬ ‫ي شترُ َ‬ ‫إن َّ ِ َ‬ ‫وأيمانھم َ َ ً‬ ‫أولـئك الَ َ َ َ‬ ‫خالق َلھ ُْم‪"...‬‬ ‫ِّ‬ ‫ثمنا َ ِقليالً ُ ْ َ ِ َ‬ ‫‪ْ ِ ِ َ َْ َ S‬‬ ‫جل

سا كليھم ا وص

ار يھ

دأ م

ن روع س

لوان ويق

ول ل

ه‪" :‬ق

د تك

ون‬ ‫العرب اليوم في ھوان وتتناب شھم ك ل ال شعوب م ن ك ل ح دب وص وب‬ ‫غي

ر أن لھ

م ف

ضالً ي

ا ول

دي كبي

ر عل

ى ال

دنيا وأن

ت ك

ن فخ

وراً بأن

ك‬ ‫ولدت عرب ي ال يون اني‪ ،‬فأن ت م ن أص ل إذا س ئلوا ف إنھم يعط وا لك رم‬ ‫أحسابھم واستحياء بعضھم من بعض وقربة إلى ‪ ،S‬ونحن أعقل األم م‬ ‫وإن بدا لك غير ذلك‪ ،‬وإن فاتك الكثير فال تترك حظك م ن المعرف ة ي ا‬ ‫ولدي‪ ،‬اعلم أنك من قوم حكموا على غير مثال ٌ‬ ‫مثل لھم أو آثار شعوب‬ ‫تخلف

ت‪ ،‬ب

ل ك

انوا أص

حاب إب

ل وغ

نم إال أنھ

م ك

انوا ي

شاركون ف

ي‬ ‫مي

سورھم ومع

سورھم وي

صفون ال

شيء بالعق

ل فيك

ون ق

دوة ويفعل

ون‬ ‫ويكون فعلھم حجة‪ ...‬أدبتھم أنف سھم ورفع تھم ھممھ م‪ ،‬فل م ينقط ع حب ل‬ ‫‪ S‬بينھم حتى تقلدوا قالئد الغرب وساروا في نھجھم فضاعوا"‬ ‫سجد على ركبتيه ووضع رأسه على األرض وقال‪" :‬إن ي تب ت إلي ك‬ ‫يا ربي بع دما عرف ت أن الف رح وال سرور ل يس جل وس عل ى س رير أو‬ ‫سالم على أمي ر‪ ،‬وال دار واس عة وزوج ة مم شوقة‪ ،‬وال قط ع الخ صوم‬ ‫وط

ول بق

اء م

ع ص

حة ونم

اء‪ ،‬عرف

ت الي

وم أن ال

سعادة لي

ست ام

رأة‬ ‫‪٤٢٨‬‬


‫بي

ضاء مدھون

ة بالطي

ب رعبوب

ة وقامتھ

ا مكروب

ة‪ ،‬ل

يس ال

سر بالحي

اة‬ ‫خم

ر ص

افية أو ممزوج

ة‪ ،‬إنم

ا إحي

اء ال

دين وإدراك الحقيق

ة وع

دم‬ ‫تجاھل الصغيرة والكبيرة"‬

‫‪٤٢٩‬‬



Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.