أخالقھم وأخالقنا وجھتا النظر الماركسية والليبرالية في المثل األخالقية ليون تروتسكي جون ديوي جورج نوفاك ترجمة سمير عبده منشورات دار اآلفاق الجديدة بيروت النسخ االلكتروني :جريدة المناضل-ة www.almounadil-a.info ********************************** الفھرس -1مقدمة استھاللية -جورج نوفاك -2المقدمة -جورج نوفاك -3أخالقھم وأخالقنا -ليون تروتسكي -4الخلقيون والمنافقون ضد الماركسية -ليون تروتسكي -5الوسائل والغايات -جون ديوي
-6األخالق الليبرالية -جورج نوفاك ثبت بالمصطلحات الرئيسية المستعملة في الكتاب
**************************** مقدمة استھاللية جورج نوفاك ال يشغل بال الراديكاليين الجدد لفترة الستينات من المسائل، قدر ما تشغلھم مسألة العالقة بين األخالق والسياسة .ترى ھل يمكن لھذين الوجھين من الفعالية اإلنسانية أن ينسقا ،أو أن من المحتم عليھما أن يظل كل منھما معاديا لآلخر؟ إن سجل الستالينية الشائن وخضوع االشتراكيين اإلصالحيين لسياسة الحرب الباردة في واشنطن ،قد أدت بكثير من الثوريين الشبان إلى االعتقاد بأن النظرية الماركسيبة عاجزة عن حل ھذه المعضلة .ولذلك فھم يبحثون في ميادين أخرى أمال في العثور على جواب لھذه المشكلة المكدرة في النزعة السلمية والوجودية واألخالقية المحضة والفعالية دون إيديولوجية أو منھاج ،ال بل حتى باالرتداد إلى اإليمان الديني. إن الصراع بين األخالق والسياسة ليس بالمشكلة الجديدة على اإلطالق .ففي عصرنا الراھن جرى النقاش حولھا بضراوة حيثما كان ،وفي الوقت الذي جوبه فيه الناس بمھام عاجلة تتعلق بالثورة السياسية وإعادة البناء االجتماعي .وقد كان الجدل حول المسألة في غاية الحدة ،في النصف األخير من فترة الثالثينات .وبإمكان الجيل الجديد أن يتعلم الكثير من المناقشات التي جرت بين الليبراليين واإلصالحيين والثوريين في تلك الفترة. إن بإمكانھم العثور على قضايا أساسية تتعلق بالمجابھة بين الليبرالية والستالينية والماركسية فيما يختص باألخالق والسياسة ،وھي قضايا طرحت بإسھاب في ھذه المقاالت. وھي تنشر في ھذا الشكل في وقت مناسب جدا .فشھر آب/أغسطس من عام 1966يصادف العيد الثالثين لمحاكمات
موسكو األولى المشينة التي جرت في الفترة الواقعة بين عام 1936و .1938كما يصادف ھذا التاريخ الذكرى السادسة والعشرين الغتيال تروتسكي في ميكسيكو عام .1940إن ھاتين الحادثتين متصلتان مباشرة .فاغتيال تروتسكي من قبل أحد عمالء ستالين ،مثل تنفيذ حكم اإلعدام الذي حكم به على الثوري المنفي في محاكمات موسكو. إن تدھور الثورة الروسية في ظل الحكم التوتاليتاري للبيروقراطية السوفيتية قد تجلى بأشد صورة دراماتيكية بإدانة وإعدام جميع أعضاء مكتب لينين السياسي ،باستثناء ستالين نفسه .ولم تثر المحاكمات وعمليات التطھير الدموية التي تناولت ماليين الناس ،الفزع فحسب ،بل أثارت لدى العديد من األوساط الشكوك حول المؤھالت األخالقية للماركسية والبلشفية. وقد قامت جماعة كبرى تضم عددا من الراديكاليين والشيوعيين السابقين بإدانة الماركسية الثورية مع نقيضھا ومخربتھا الستالينية ،باسم المبادئ األخالقية العالمية .ومن أبرز ھؤالء في الواليات المتحدة ماكس ايستمان ويوجين ليونز ،وسيدني ھوك ونورمان توماس. وباإلضافة إلى الدفاع عن شرفه وحياته كثوري ضد اتھامات موسكو الباطلة ،اضطر تروتسكي إلى الدفاع عن مراكز الماركسية المحصنة ،وتبريرھا في المسائل التي تتعلق باألخالق ضد ھجمات ھؤالء الخصوم. وقد فعل ذلك في مقاله الشھير :أخالقھم وأخالقنا ،الذي ننشره في مطلع مجموع المقاالت ھذه .وقد ظھر ھذا المقال ألول New مرة باالنكليزية في نشرة األممية الجديدة Internationalعدد شباط/فبراير ،1938وھذه المعالجة لمشكلة الغاية والوسيلة في العمل الجماعي والسلوك الفردي، تعتبر من أثمن إسھامات تروتسكي في النظرة الماركسية .وقد كرست في ذكرى ليون سيدوف ،ولده البالغ 32عاما ،والذي توفي بأحد مستشفيات باريس في ظروف غامضة ،بينما كان تروتسكي يكتب ھذا الكراس .وثمة دالئل مقنعة لالعتقاد بأنه، مثله مثل آالف أتباع تروتسكي في ذلك الوقت ،قتل بناء على أوامر بوليس ستالين السري.
وبعد عام ونصف عاد تروتسكي إلى الموضوعات نفسھا عندما أجاب على ناقديه بمقال تحت عنوان :األخالقيون والمنافقون ضد الماركسية .إن ھذين المقالين يشكالن وحدة في الواقع. وقد كتب المفكر والمربي األمريكي الشھير جون ديوي )(1 بعد قراءة مقال تروتسكي األصلي ،تحليال نقديا آلرائه من وجھة نظر فلسفته الوسيلة .instrumentalistوفي شھر آب/أغسطس عام 1938نشر مقاله )الوسائل والغايات( في النيو انترناشيونال. ھذا وقد قام ديوي بمھمة رئيس لجنة التحقيق الدولية في محاكمات موسكو ،وھي اللجنة التي اتجھت إلى مكسيكو في نيسان من عام 1937لكي تأخذ شھادة تروتسكي ،حول االتھامات التي وجھت ضده وضد سيدوف في محاكمات موسكو .وفي تشرين األول من العام نفسه قدمت اللجنة مطالعتھا القائلة بأن محاكمات ستالين كانت ملفقة ،وأن تروتسكي وابنه كانا بريئين كليا من الجرائم المريعة التي نسبت إليھما في االتھامات واالعترافات التي انتزعت بالقوة. ومنذ خطبة خروتشوف السرية الشھيرة حول جرائم ستالين في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي في شباط/فبراير من عام ،1956دلل خلفاء ستالين بطريقتھم الخاصة على صحة مطالعات لجنة ديوي قبل عشرين عاما. وباستثناء بعض المتعصبين الستالينيين ،يقبل المطلعون على السياسة داخل وخارج الحركة الشيوعية في العالم ،يقبلون اآلن في الحقيقة القائلة إن محاكمات موسكو كانت تزييفا للعدالة وإنھا لوثت قضية االشتراكية بالدم. وقد توقع ديوي أن يتلقى جوابا على تحديه من تروتسكي، غير أن ھذا المنفي المعذب لم يستطع أن يستأنف المناقشة في الوقت القصير الذي سبق مصرعه. ونظرا ألن المناظرة بين الطرفين لم تتم ،قمت في الذكرى الخامسة والعشرين الغتيال تروتسكي ،بمراجعة مختلف جوانب الحوار حول ھذه المسألة بين مختلف مدارس الفكر المتصارعة .وقد نشر مقال )األخالق الليبرالية( الذي نختتم به مجموعة المقاالت ھذه ،في خريف عام ،1965في
International االنترناشيبونال سوسشياليست ريفيو .Socialist Reviewإن ھذه المقاالت األربعة ستساعد على إيضاح الوسائل المختلفة واآلراء المستخدمة من قبل الليبرالية والماركسية في معالجة مستويات األخالق ،وبخاصة في تطبيقھا على مشكالت العمل السياسي والتغير االجتماعي الذي يبدي الراديكاليون الجدد وآخرون غيرھم اھتماما بھا في ھذه األيام. آب/أغسطس سنة 1966 ) (1يعتبر جون ديوي ) (1952-1859الفيلسوف األمريكي من الفالسفة القالئل الذي كان لھم تأثير كبير في الشؤون العملية .إنه يميل إلى أن يستبدل بالسؤال القائل )ما ھي النتيجة الصادقة؟( سؤاال آخر يقول )ما ھي النتيجة التي )ينبغي( -إذا وضعنا في اعتبارنا ظروف المشكلة التي كانت مثارا لتفكيرنا على اإلطالق -أن ننتھي إليھا؟( .مشكلة القيمة إذن ھي موضع اھتمامه الرئيسي في كل ما كتب ،وليس مما يثير الدھشة أن فلسفته قد انتھت به إلى أفكار ثورية بصدد العملية التربوية ،فقد كان البرنامج الذي وضعه ديوي للتربية التقدمية نتيجة طبيعة لفلسفته ككل) .المترجم(. **************************** في ذكرى ليون سيدوف 1938-1906 المقدمة جورج نوفاك خالل األعوام التي أعقبت الحرب العالمية األولى ،ظھرت طائفة جديدة من نقاد الماركسية الثورية ،انطلقت من منطلق األخالقية .ويمثل ھؤالء ماكس ايستمان ونورمان توماس ويوجين ليونز وسيدني ھوك في الواليات المتحدة ،وبوريس سوفارين ومارسيو بيفر في فرنسا .وقد تضخمت ھذه الجوقة New بانضمام مجموعة ذي نيشن The Nationوالـ Republicالتي بعد أن سحبت دعمھا وتأييدھا لجرائم الستالينية ومحاكمات واسبانيا ،ما لبثت أن انتقلت إلى القول
بأن الستالينية وبلشفية لينين وتروتسكي متساوية في ال أخالقيتھا .ھذه األصوات كانت لفترة من الزمن عونا لنقد الثورة االجتماعية باسم )األخالقية العالمية(. وقد تعرض تروتسكي لھؤالء في مقاله :أخالقھم وأخالقنا، الذي نشر في أمريكا في عام 1938بمجلة نيو انترناشيونال )األممية الجديدة( وفي فرنسا بكراس مستقل .وبعد مضى عام ونصف كتب تروتسكي مقاله :األخالقيون والمنافقون ضد الماركسية ،اعتبره تتمة لمقاله األصلي ،وعلى ذلك فھا نحن ننشر المقالين معا في ترجمة مراجعة. لقد أثبت التاريخ أن رأي تروتسكي في أن محاولة األخالقيين )تحسين( الماركسية بوضع كوابح أخالقية على جميع الطبقات ،كانت في الواقع خطوة من قبلھم نحو معسكر الطبقة الرأسمالية .وقد تحول جميع األخالقيين منذ ذلك الوقت ،دون استثناء تقريبا ،إلى مؤيدين لالمبريالية الديموقراطية بعد أن أعاد الكثيرون منھم النظر في فكرتھم التي تقوم على اعتبار الستالينية والتروتسكية توأمين ،وذلك في صالح فكرة ستالين ديموقراطي .إن نقدھم )األخالقي( للبلشفية قد أصبح كما ھو األمر بالنسبة لنقد ايستمان وھوك )الفلسفي( للدياليكتيك الماركسي ،جسرا عبروا فوقه عائدين إلى معسكر االمبريالية. وإن أخالقيتھم متعفنة حتى النخاع. إن ھذا الكراس الذي كتب في معرض المحاورة ،ھو دون ريب أحد إسھاماته الخالدة في الماركسية .إنه أول عرض منھجي لفكرة الماركسية في العالقة بين الغايات والوسائل كعالقة داخلية ديالكيتيكية .ومن الواجب أن يضع حدا ،بالقدر الذي يدكه الطلبة الشرفاء ،ألسطورة )ال أخالقية( البلشفية واالدعاءات األخالقية لدى نقادھا من البرجوازيين الصغار. أخالقھم وأخالقنا ليون تروتسكي )(1 األخالق الطوباوية خالل حقبة من رد الفعل الظافر ،بدأ السادة الديمقراطيون والديمقراطيون االشتراكيون والفوضويون وممثلون آخرون
عن )المعسكر اليساري( ،بإفراز ضعف كميتھم المعتادة من األخالق الطوباوية ،أشبه شيء بأشخاص يتعرقون في حالة الخوف ضعف ما يتعرقونه عادة .وال يخاطب ھؤالء األخالقيون وكأنھم يشرحون الوصايا العشر أو موعظة الجيل إلى الرجعية المنتصرة ،قدر ما يخاطبون أولئك الثوريين الذين يعانون من اضطھادھا ،والذين يثيرون الرجعية وبمبادئھم )بتطرفھم( الخلقي، تبريرھا ويعطونھا )الالأخالقية( .وأكثر من ذلك ،فإنھم يصفون وسيلة بسيطة ولكنھا مضمونة لتجنب الرجعية :إن من الضروري أن يناضل المرء وأن يجدد نفسه خلقيا .وھناك عينات مجانية للكمال الخلقي تقدمه جميع مكاتب النشر المعنية لھؤالء الراغبين. إن األساس الطبقي لھذه الموعظة الفخمة والزائفة ،ھو البرجوازية الصغيرة المثقفة ،واألساس السياسي ھو عجزھم واضطرابھم في وجه الرجعية المتقدمة. وأما األساسي السيكولوجي فيكمن في محاولتھم التغلب على الشعور بالنقص لديھم عن طريق االختفاء وراء لحية نبي. ولعل الطريقة المفضلة لدى جاھل أخالقي ھي الخلط بين سلوك الرجعية والثورة .إنه يتبجح في حيلته ھذه عن طريق العودة إلى المطابقات الشكلية ،فالقيصرية والبلشفية توأمان بالنسبة له ،والتوأمية ھذه يكتشفھا أيضا في الفاشية والشيوعية .وقد ابتدع اختالق آخر حول الصفات المشتركة بين الكاثوليكية ،أو بشكل أدق اليسوعية وبين البلشفية .ويعلن ھتلر وموسيليني باستخدام الوسيلة نفسھا بالضبط .إن الليبرالية والديمقراطية والبلشفية تمثل أشكاال مختلفة لشر واحد .والرأي القائل بأن الستالينية والتروتسكية واحدان من حيث الجوھر ،يتمتع بالموافقة الجماعية لكل من الليبراليين الديمقراطيين والكاثوليك المؤمنين والمثاليين والذرائعيين والفوضويين والفاشيين .وإذا ما كان الستالينيون عاجزين عن االنتساب للجبھة الشعبية ھذه ،فإن األمر يعود فقط لكونھم مشغولين بالقضاء على التروتسكيين. إن الصفة األساسية لھذه المقاربات والمشابھات ،تكمن في تجاھلھا الكلي لألساس المادي للتيارات المختلفة ،أي لطبيعتھا الطبقية ،وكذلك أيضا لدورھا التاريخي الموضوعي .وبدال
يقومون ويصنفون التيارات المختلفة حسب بعض من ذلك ﱢ المظاھر الثانوية والخارجية ،وفي كثير من األحوال حسب عالقتھا بمبدأ تجريدي معين ،أو بمبدأ آخر ،مبدأ يحمل للمصنف قيمة مھنية خاصة .وعلى ذلك ،فبالنسبة لبابا روما، يبدو الماسونيون والدارونيون والماركسيون والفوضويون سواء ،ألن جميعھم ينكرون إنكارا شديدا حمل العذراء .وأما بالنسبة لھتلر فالليبرالية والماركسية توأمان ألنھما يتجاھالن )الدم والشرف( ،وأما الديمقراطي ،فإن الفاشية والبلشفية توأمان ألنھما ال تحترمان معاناة وآالم العالم .ال يخضعنا للتصويت العام. وال شك أن التيارات التي سبق جمعھا لھا صفات مشتركة معينة ،إال أن أساس المشكلة يكمن في حقيقة أن تطور الجنس البشري ال يستنفد بالشقاء العالمي ،أو )بالدم والشرف( أو بعقيدة )الحبل بال دنس( .إن العملية التاريخية تمثل قبل كل شيء صراع الطبقات .وأكثر من ذلك ،فإن الطبقات المختلفة قد تلجأ ،في مناسبات معينة ،إلى استخدام وسائل متشابھة باسم اختالف األھداف .وال يمكن أن يكون األمر خالف ذلك من حيث الجوھر ،فالجيوش في المعارك تكون متماثلة بشكل أو بآخر .ولو لم يكن ھناك شيء مشترك في وسائل الصراع بينھا لما استطاع واحدھا تسديد ضربات لآلخر. وإذا ما وجد فالح جاھل أو صاحب حانوت نفسه بين نارين، وھو ال يدرك أصل أو معنى الصراع بين البروليتارية والبورجوازية ،فسينظر إلى المعسكرين المتخاصمين بكراھية متساوية .ومن ترى ھؤالء األخالقيون الديمقراطيون؟ إنھم إيديولوجيو الطبقات الوسطى الذين سقطوا ،أو الذين ھم فريسة للخوف من الوقوع بين النارين .والصفات األساسية التي تميز األنبياء من ھذا الطراز ،ھي االنعزال عن الحركات التاريخية الكبرى ،ووجود عقلية شديدة المحافظة ،وضيق أفق ،ولون من أشد ألوان الجبن السياسي بدائية .إن األخالقيين يأملون أكثر من أي شيء آخر أن يتركھم التاريخ بسالم مع كتبھم ومجالتھم الصغيرة ونشراتھم وحسھم المشترك ودفاترھم األخالقية .إال أن التاريخ ال يتركھم بسالم فھو يصفعھم تارة من اليسار وطورا من اليمين .ومن الواضح أن الثورة والرجعية ،القيصرية والبلشفية ،الشيوعية والفاشية، الستالينية والتروتسكانية كلھا توائم .ومن يشك بذلك فقد يشعر
بضربات متماثلة على يافوخ طرفي اليمين واليسار لدى ھؤالء األخالقيين. الالأخالقية ) (2الماركسية والحقائق الخالدة إن أشد االتھامات الموجھة ضد الالأخالقية البلشفية شيوعا وثقال ،تستند على ما يسمى بالقاعدة اليسوعية للبلشفية) :الغاية تبرر الوسيلة( .ومن ھنا ليس من الصعب الوصول إلى النتيجة التالية :ما دام التروتسكيون مثلھم بذلك مثل البالشفة )أو الماركسيين( ال يعترفون بمبادئ األخالق ،فليس ھناك بالنتيجة فرق أساسي بين التروتسكية والستالينية. لقد أجرت مجلة شھرية أمريكية في غاية السوقية والتھكم استفتاء حول الفلسفة األخالقية للبلشفية ،وكان االستفتاء معدا كالعادة لكي يخدم غايات األخالق واإلعالن في وقت واحد. ولم يكن ھـ.جـ .ولز الذي ال يقلد ،والذي تفوق قناعته الذاتية الھومرية خياله ،يتلكأ عن التضامن مع المتطرفين الرجعيين المؤمنين بالحس المشترك Common Senseوھنا يصبح كل شيء منتظما ،بيد أن أولئك المعنيين الذين اعتبروا من الضروري الدفاع عن البلشفية ،لم يفعلوا ذلك في معظم الحاالت ،دون بعض المراوغات التي تنضح بالتملص والتھرب )ايستمان( :إن مبادئ الماركسية سيئة بالطبع ،إال أن بين البالشفة ،على أية حال ،بعض األشخاص الذين يستحقون التقدير .إن مثل ھؤالء )األصدقاء( ھم في الحق اشد خطرا من األعداء. إذا ما نظرنا إلى ھؤالء السادة المھتمين بجدية ،علينا أن نسألھم قبل كل شيء :ما ھي مبادئكم الخلقية؟ ذلكم سؤال بالكاد أن نسمع له جوابا .دعونا نعترف اآلن إنه ال الغايات الشخصية وال الغايات االجتماعية يمكنھا أنة تبرر الوسيلة. ھنا يتضح أنه من الضروري البحث عن مقياس خارج المجتمع التاريخي ،وخارج تلك الغايات التي تظھر خالل تطورھا ،ولكن أين؟ إذا لم يكن على األرض فال بد إذن أن يكون في السماء .لقد اكتشف الكھنة قبل زمن طويل ،اكتشفوا في الوحي اإللھي مقياسا خلقيا معصوما ،ويتحدث الكھنة العلمانيون الصغار عن الحقائق الخلقية الخالدة دون أن يسموا مصادرھا األصيلة .ومع ذلك فنحن محقون في استنتاجنا التالي :بما أن ھذه الحقائق خالدة ،وجب أن توجد ،ليس قبل
ظھور اإلنسان الذي نصفه اآلخر إنسان على األرض فحسب، وإنما قبل تطور النظام الشمسي .فمن أين ظھرت إذن؟ إن نظرية القيم األخالقية الخالدة ال يمكن أن تستمر مطلقا دون الـله. إن األخالقيين من النوع االنغلوساكسوني ،يبدون طالما أنھم ال يقصرون أنفسھم على النفعية العقالنية وعلى األخالق البورجوازية ،يبدون بوعي منھم أو بعدم وعي تالميذ للفيزكونت شافتسبوري Viscount Shaftesburyالذي استنتج في بداية القرن الثامن )!( أحكاما خلقية من )حس خلقي( خاص افترض أنه منح لإلنسان مرة واحدة والى األبد. إن فوق الطبقية تؤدي بشكل حتمي إلى االعتراف بمضمون خاص )بمس خلقي( ،بضمير بنوع من المطلق الذي ال يعدو كونه االسم الفسلفي الواجف لـله .وبمعزل عن الغايات ،أي بمعزل عن المجتمع واألخالق وسواء استنتجت من الحقائق الخالدة ،أو من )طبيعة اإلنسان( يبدو األمر في النھاية شكال من أشكال )الالھوت الطبيعي( .وتظل السماء المركز المحصن الوحيد للعمليات العسكرية ضد المادية الديالكتيكية. وفي نھاية القرن الماضي ،ظھرت في روسيا مدرسة كاملة للماركسيين ضمت كال من ستروف وبردييف وبلفاكوف وآخرين من الذين أرادوا إغناء تعاليم وماركس بأساس ذاتي، أي بأساس خلقي يجاوز فوق الطبيعة .وقد بدأ ھؤالء بكنط Kantواألمر المطلق .ولكن كيف انتھوا؟ إن ستروف ھو اآلن وزير متقاعد رانغل القرمي وابن بار للكنيسة ،وبلفاكوف كاھن ارثوذكسي ،وبردييف يشرح )الرؤيا( بلغات متنوعة. إن ھذه التحوالت التي تبدو غير متوقعة للوھلة األولى ،ال تفسرھا إطالقا )الروح السالفية( -لدى ستروف روح ألمانية- وإنما تفسر بمد الصراع االجتماعي في روسيا .إن التيار األساسي لھذه التبدالت دولي جوھريا. وتمثل المثالية الفلسفية الكالسيكية من حيث كونھا قد استھدفت في زمانھا علمنة األخالق ،أي تحريرھا من القيود الدينية، تمثل خطوة ھائلة إلى األمام )ھيغل( إال الفلسفة الخلقية وقد انشقت عن السماء ،واضطرت للبحث عن جذور أرضية .وقد كانت إحدى مھام المادية اكتشاف ھذه الجذور ،فبعد شافتسبوري جاء داروين وبعد ھيغل جاء ماركس .فاالتجاه اآلن نحو )الحقائق األخالقية الخالدة( يمثل محاولة إلعادة
العجالت إلى الوراء .إن المثالية الفسلفية مجرد مرحلة :من الدين إلى المادية ،أو بالعكس من المادية إلى الدين. الغاية تبرر الوسيلة إن النظام اليسوعي الذي تبلور في النصف األول من القرن السادس عشر لمحاربة البروتستانتية ،لم يبشر مطلقا بفكرة أن أية وسيلة ،حتى ولو كانت إجرامية من وجھة نظر القيم األخالقية الكاثوليكية ،مسوغة في حال كونھا تؤدي إلى لغاية المتوخاة أي إلى انتصار الكاثوليكية .إن مبدأ متناقضا من الداخل ،وغير ذي داللة سيكولوجيا كھذا ،كان ينسب إلى اليسوعيين بخبث ،من قبل خصومھم البروتستانت وبعض الخصوم الكاثوليك ،الذين لم يتورعوا عن اختيار عن اختيار الوسائل لتحقيق غاياتھم الخاصة .وقد علم الالھوتيون اليسوعيون الذين كانوا مشغولين ،مثلھم في ذلك مثل الھوتيي المدارس األخرى بمسألة المسؤولية الشخصية ،علموا في الواقع أن الوسيلة في حد ذاتھا يمكن أن تكون أمرا ال أھمية له ،ولكن تبرير الوسيلة المعنية خلقيا أو إدانتھا ينطلق من الغاية .فإطالق النار مسألة ال أھمية في حد ذاتھا ،أما إطالق النار على كلب مسعور يھدد طفال فھذه فضيلة ،وأما إطالق النار بھدف االعتداء أو القتل فجريمة .وخارج ھذه المجاالت العامة لم يبد الھوتيو ھذا النظام أية آراء. ولم يكن اليسوعيون في المدى الذي يتعلق بأخالقيتھم العملية، أسوا من الرھبان اآلخرين أو الكھنة الكاثوليك على اإلطالق. وعلى العكس من ذلك ،فقد كانوا متفوقين عليھم ،وحيث كانوا على أية حال أشد ثباتا وجرأة وتبصرا .وقد كان اليسوعيون يمثلون منظمة مناضلة شديدة المركزية ،عدوانية وخطرة، ليس تجاه األعداء فحسب ،وإنما تجاه الحلفاء أيضا .وبھذه السيكولوجية وطريقة العمل ،ميز يسوعي تلك الفترة )البطولية( نفسه عن الكاھن العادي كمحارب من أجل الكنيسة ،ال صاحب حانوتھا .وليس من سبب يجعلنا ننظر إلى أي منھما على انه مثالي ،بيد أنه ليس بذي قيمة إطالقا النظر إلى محارب متعصب بعيني صاحب حانوت كسول وخامل. إذا ما ظللنا في مجال الممثالت الشكلية أو السيكولوجية البحتة أمكن القول ،إذا ما شئتم ،أن البالشفة يبدون بالنسبة للديمقراطيين االشتراكيين بكافة أشكالھم ،كما يبدو اليسوعيون
بالنسبة للسلك الكنسي المسالم .وبالمقارنة مع الماركسيين الثوريين ،يبدو الديمقراطيون االشتراكيون والمركزيون أشبه شيء بالمعتوھين ،أو أشبه شيء بدجال أمام طبيب :فھم يفكرون بمسألة ما حتى النھاية ،ويؤمنون بقوة السحر والشعوذة ،ويعجبون بجبن كل صعوبة ،آملين بحدوث معجزة .وأما االنتھازيون فھم في الفكر االشتراكي ،أصحاب حوانيت مسالمون ،بينما البالشفة محاربوه األشداء .من ھنا تنشأ العداوة والكراھية للبالشفة من جانب أولئك الذين لديھم فيض من األخطاء التاريخية المشروطة ،وليس فيضا في أية حسنة من الحسنات. ومع ذلك يظل تناظر البالشفية واليسوعية وحيد الجانب، وسطحيا كليا ،ال بل أنه من نوع أدبي أكثر من كونه من نوع تاريخي .ووفقا لطبيعة مصالح ھذه الطبقات التي بنوا أنفسھم عليھا ،يمثل اليسوعيون الرجعية ويمثل البروتستانتيون التقدم. إن محدودية ھذا التقدم تجد تعبيرھا المباشر بدورھا في أخالقية البروتستانتيين ،ومن ھنا فتعاليم المسيح التي قاموا بتنقيتھا ،لم تمنع لوثر برجوازي المدينة من الدعوة إلى القضاء على الفالحين الثائرين ووصفھم بالكالب المسعورة. ومن الواضح أن الدكتور مارتن اعتبر أن الغاية تبرر الوسيلة حتى قبل أن ينسب ھذا المبدأ إلى اليسوعيين .وبالمقابل قام اليسوعيون في منافستھم مع البروتستانتية بالتأقلم أكثر من قبل مع روح المجتمع البرجوازي وروح العھود الثالثة :الفقر والعفة والطاعة ،وحافظوا على الطاعة فقط وبشكل بالغ المرونة .ومن جھة نظر المثل األعلى المسيحي ،انحدرت أخالقية اليسوعيين بقدر ما كفوا عن كونھم يسوعيين .وقد أصبح المجاھدون في سيبل الكنيسة بيروقراطيي اليسوعية، وأصبحوا مثلھم في ذلك مثل جميع البيروقراطيين دجاجلة ناجحين. اليسوعية والنفعية إن ھذه المراجعة المختصرة ربما كانت كافية لتوضح أن الجھل وضيق األفق ضروريان للنظر بجدية إلى المركز المعاكس للمبدأ اليسوعي )الغاية تبرر الوسيلة( ،إلى المحكمة األسمى ،والقائلة بأن كل وسيلة تحمل عنوانھا األخالقي الخاص بھا كالبضاعة التي تحمل سعرھا المحدد في مخزن لدى المشترك الحس أن المالحظ ومن تجاري.
االنغلوساكسوني الجاھل والمتعصب قد توصل إلى حالة من السخط على المبدأ اليسوعي ،وإن يجد اإلسھام في الوقت نفسه ،في األخالقية النفعية التي تتميز بھا الفلسفة البريطانية. ومن ھنا فإن مقياس بنتام –جون مل القائل )أعظم سعادة ممكنة ألكبر عدد ممكن من الناس( تعني أن ھذه الوسائل األخالقية تؤدي إلى تعميم الرفاھية واعتبارھا الھدف األسمى. وعلى ذلك فإن المذھب النفعي االنغلوساكسوني في أشكاله العامة يتفق كليا مع المبدأ اليسوعي) :الغاية تبرر الوسيلة(. فالمذھب التجريبي ،كما نرى ،يوجد في العالم فقط لتحريرنا من الحاجة إلى جعل الطرفين يلتقيان. لقد علم ھربت سبنسر الذي أدخل داروين في مذھبه التجريبي فكرة التطور كلقاح خاص ،أن التطور في الميدان الخلقي ينطلق من األحاسيس إلى األفكار .واألحاسيس تفرض مقياس المتعة المباشرة ،بينما تسمح األفكار للمرء بأن يتبع مقياس المتعة المستقبلية والخالدة والسامية ،وعلى ذلك فإن المقياس الخلقي ھنا ھو المتعة والسعادة أيضا ،إال أن مضمون ھذا المقياس يتطلب اتساعا وعمقا يعتمدان على مستوى التطور. وقد بيّن ھربرت سبنسر بھذه الطريقة أيضا وبواسطة طرائق تتعلق بمذھبه النفعي )التطوري( أن مبدأ )الغاية تبرر الوسيلة( ال يتضمن أي شيء غير أخالقي. وعلى أية حال ،فإن من السذاجة أن نتوقع من ھذا المبدأ المجرد جوابا للسؤال العملي :ماذا يمكننا أن نفعل ،وماذا ال يمكننا أن نفعله؟ وأكثر من ذلك ،فإن مبدأ الغاية تبرر الوسيلة يطرح السؤال التالي بشكل طبيعي :وما الذي يبرر الغاية؟ في الحياة العملية كما في الحركة التاريخية ،تتبادل الغاية والوسيلة أماكنھما باستمرار .فاآللة في طور التركيب )غاية( لإلنتاج ،وال يمكن أن تصبح الوسيلة إال عندما تدخل المصنع، والديمقراطية في فترات معينة ھي غاية الصراع الطبقي وال تلبث أن تتحول فيما بعد إلى وسيلة له .ومع ذلك فالمبدأ اليسوعي ،باعتبار أنه ال يحتضن أي شيء غير أخالقي، يخفق في حل المشكلة األخالقية. وبنفس الطريقة يلقي بنا مذھب سبنسر النفعي )التطوري( في منتصف الطريق دون جواب ،باعتبار أنه بتبعيته لداروين يحاول حل الفضائل األخالقية التاريخية المتماسكة في الحاجات البيولوجية ،أو )في الغرائز االجتماعية( التي تميز
الحيوانات القطعية .ويحدث ھذا في وقت يثار فيه فھم الفضائل األخالقية فقط في مجتمع متخاصم ،أي مجتمع منقسم إلى طبقات. إن التطورية البرجوازية ،تتعثر عاجزة على عتبة المجتمع التاريخي ،ألنھا ال ترغب باالعتراف بالقوة الدافعية في تطور األشكال االجتماعية ،أي بالصراع الطبقي .واألخالق ھي إحدى الوظائف اإليديولوجية في ھذا الصراع ،فالطبقة الحاكمة تفرض أھدافھا على المجتمع ،وتعوده على أن يعتبر جميع ھذه الوسائل التي تناقض غاياته ،غير أخالقية .وھذه ھي الوظيفة الرئيسية لألخالقية الرسمية ،أنھا تتبع فكرة )أعظم سعادة ممكنة( ليس لألغلبية ،وإنما ألقلية صغيرة تتناقض باستمرار .ومثل ھذا النظام لم يكن ليصمد حتى لمدة أسبوع واحد بواسطة القوة وحدھا ،بل أنه ليحتاج إلى اسمنت األخالق .وبشكل إنتاج ھذا االسمنت مھنة المتطرفين البرجوازيين الصغار واألخالقيين الصغار واألخالقيين ،وھم يعكسون جميع ألوان قوس قزح ،إال أنھم يظلون في التحليل األخير دعاة للعبودية واالستسالم. القواعد الخلقية ملزمة للجميع إن من ال يكترث بالعودة إلى موسى والمسيح ومحمد ،وال يرضى بالخالئط المنتخبة ،عليه االعتراف بأن األخالق نتيجة لتطور االجتماعي ،وإنه ليس ثمة من شيء ثابت بشأنھا، وإنما تخدم المصالح االجتماعية ،وإن ھذه المصالح المتناقضة لألخالق ،أكثر من أي شيء آخر لإليديولوجية ،ذات مظھر طبقي. ولكن أال توجد قواعد خلقية مبدئية جرى التوصل إليھا خالل تطور الجنس البشري ككل ،وال غنى عنھا لوجود الجماعة نفسھا؟ ال شك أن مثل ھذه القواعد موجودة ،إال أن مدى فعاليتھا محدود جدا وغير ثابت .وبقدر ما تكون الشخصية التي نتجت عن الصراع الطبقي حادة وذكية ،بقدر ما تصبح المقاييس )الملزمة للجميع( أقل قوة .وأعلى شكل للصراع الطبقي ھو الحرب األھلية التي تفجر في الھواء جميع االرتباطات الخلقية بين الطبقات المتصارعة.
وفي الشروط )الطبيعية( يلتزم اإلنسان )الطبيعي( بالوصية القائلة) :ال تقتل( ولكن إذا ما قتل في شروط استثنائية من الدفاع عن النفس ،فإن المحلفين يبرئون ساحته .وإذا ما سقط ضحية قاتل فإن المحكمة ستقتل القاتل .وضرورة المحاكم باإلضافة إلى الدفاع عن النفس ،تنطلق من مصالح عدائية، وفيما يتعلق بالدولة ،فإنھا تقتصر نفسھا في أوقات السلم على القتل المشروع لألفراد بحيث أنھا في وقت الحرب تستطيع تحويل الوصية اإللزامية) :ال تقتل( إلى نقيضھا .وأشد الحكومات إنسانية ،والتي تمقت الحرب في أوقات السلم ،تعلن خالل الحرب ،أن الواجب العظم لجيوشھا ھو محق أكبر عدد ممكن من الناس .إن ما يسمى بالقواعد الخلقية المعترف بھا عامة ،تحتفظ في جوھرھا بسمة جبرية ،أي بسمة غير ثابتة، وھي تبين فقط حقيقة كون اإلنسان في سلوكه الفردي مرتبطا بمقاييس عامة معينة تمنع من كونه عضوا في المجتمع، وأعلى أشكال تعميم ھذه المقاييس ھو أمر كنط المطلق .بيد أنه على الرغم من حقيقة كون ھذا األمر يحتل مركزا مرموقا في أولمب Olympusالفلسفة ،فإنه ال يضم أي شيء مطلق ألنه شيئا محسوسا ،إنه صدفة بال نواة. إن خواء ھذه المقاييس الملزمة للجميع ،ينبع من الحقيقة القائلة أنه بالنسبة لجميع المسائل الحاسمة ،يشعر الناس بعضويتھم الطبقية بشكل أشد حدة ومباشرة من عضويتھم في المجتمع. إن مقاييس األخالق )اإللزامية( ھي في الواقع مليئة بمضمون الطبقة ،أي بمضمون عدائي .وبقدر ما يصبح المقياس األخالقي مطلقا ،بقدر ما يكون )إلزاما للجميع( .فالتضامن بين العمال ،وبخاصة بين المتظاھرين أو المقاتلين خلف المتاريس ،ھو أشد )إطالقا( من التضامن اإلنساني بشكل عام. إن البرجوازية التي تفوق البروليتارية بمراحل في كمال وعناد وعيھا الطبقي ،مھتمة بشكل حيوي بفرض فلسفتھا الخلقية على الجماھير المستثمرة ولھذا السبب بالذات ،نجد أن المقاييس المحسوسة للوعظ البرجوازي تختفي وراء ستار من التجريدات الخلقية تتجسد بالدين والفلسفة ،أو بذلك المزيج الھجين المسمى )بالحس المشترك( .إن اللجوء إلى القواعد المجرد ليس بخطيئة ،فلسفية غير مقصودة ،وإنما ھو عنصر ضروري في ميكانيكية الخداع الطبقي ،والكشف عن ھذا الخداع الذي ينطوي على تقليد يعود إلى آالف السنين ،ھو أول واجب للثوري البروليتاري.
أزمة األخالق الديمقراطية من أجل أن تضمن الطبقات الحاكمة انتصار مصالحھا في المسائل الكبرى ،تجد نفسھا مرغمة على القيام بتنازالت حول المسائل الثانوية ،وھذا طبيعي ،طالما أن ھذه التنازالت تتفق وحساباتھا .وخالل حقبة الموجة الرأسمالية ،وبخاصة خالل العقود األخيرة التي سبقت الحرب العالمية ،كانت ھذه التنازالت ذات طبيعة أمنية كليا بالنسبة للطبقات العليا للبروليتارية ،على األقل .وفي ذلك الوقت ،اتسعت الصناعة دون أن يعرقل اتساعھا شيء .كما أن رخاء الدول المتمدنة، ورخاء الجماھير الكادحة أيضا ،قد ازداد .وبدت الديمقراطية قوية متماسكة ،كما نمت المنظمات العمالية ،وازدادت النزعات اإلصالحية عمقا في القوت نفسه .وأما العالقات بين الطبقات ،فقد النت ظاھريا على األقل .وھكذا أقيمت قواعد أخالقية أولية في مجال العالقات االجتماعية ،جنبا إلى جنب مع أسس الديمقراطية وعادات التضامن الطبقي .وتكونت صورة مجتمع متزايد الحرية والعدالة إنسانية ،وبدا خط التقدم المتصاعد للحس المشترك غير متناه. ومع ذلك ،اندلعت الحرب جارة معھا ذيال من االنتفاضات واألزمات والكوارث واألوبئة والوحشية .ووجدت الحياة االقتصادية للجنس البشري نفسھا في طريق مسدود ،وأصبح العداء الطبقي حادا ومكشوفا .كما بدأت صمامات األمان الديمقراطية باالنفجار واحدا بعد اآلخر .وبدت القواعد الخلقية المبدئية أشد ھشاشة من المؤسسات الديمقراطية واألوھام اإلصالحية .ونما الكذب واالفتراء والرشوة والجشع واإلكراه والقتل إلى أبعاد لم يسبق لھا مثيل .وبدت جميع ھذه المزعجات بالنسبة للبسطاء المشدوھين ،نتيجة من نتائج الحرب ،بينما كانت في الواقع ،وما تزال ،من مظاھر التدھور االستعماري .إن انھيار الرأسمالية يشير إلى انھيار المجتمع المعاصر بقوانينه ومثله األخالقية. إن طباق Synthesisاالنحطاط االمبريالي ھو الفاشية التي تتولد مباشرة عن إفالس الديمقراطية البرجوازية أمام مشكالت الحقبة االمبريالية .وتستمر بقايا الديمقراطية بالوجود فقط في أنظمة الحكم االرستقراطية الرأسمالية الغنية .فمقابل كل ديمقراطي في انكلترا وفرنسا وھولندا وبلجيكا ،يوجد عدد
معين من العبيد ال ُمستَعْ َمرين ..وھناك ستون أسرة تسيطر على ديمقراطية الواليات المتحدة ...وھكذا ...وأكثر من ذلك فإن فروع الفاشية تنمو باطراد في جميع الديمقراطيات .وأما الستالينية فھي بدورھا حصيلة الضغط االمبريالي على دولة للعمال متخلفة ومنعزلة ،تعتبر بمثابة تكملة مماثلة للفاشية من حيث النوع. وفي الوقت الذي يقوم فيه الجھلة المثاليون الذين يحتل الفوضويون مكان الصدارة بينھم بالطبع ،بكشف القناع في صحافتھم دون ھوادة عن الأخالقية الماركسية ،تقوم التروستات األمريكية حسبما يقول جون لـ .لويس بإنفاق ما ال يقل عن 80مليون دوالر في العام الواحد في نضال عملي مضاد يستھدف تخريب الثورة ،عن طريق التجسس ورشوة العمال والتزييف وعمليات القتل في الشوارع أو في األزقة المظلمة ،إن األمر المطلق يختار في بعض األحيان طرقا ملتوية من أجل إحراز االنتصار. دعونا نالحظ بحق أن اشد أخالقيي البرجوازية الصغيرة محدودية وإخالصا ،ما يزالون يعيشون حتى اليوم ذكريات األمس المفعمة بخياالت المثل األعلى واألمل بعودة ھذه الخياالت .إنھم ال يدركون أن األخالق التي ھي وظيفة من وظائف الصراع الطبقي ،وأن األخالق الديمقراطية التي تتصل بحفنة الرأسمالية الليبرالية والتقدمية ،وان الصراع الطبقي الذي يزداد حدة ويجتاز آخر مراحله ،قد دمر ھذه األخالق بشكل نھائي وحاسم .كما ال يدركون أنه حلت محلھا أخالقية الفاشية من طرف ،وأخالقية القوة البروليتارية من طرف آخر. الحس المشترك إن الديمقراطية واألخالقية المعروفة بشكل عام ،ليستا الضحيتين الوحيدتين لالمبريالية .إن الشھيد الثالث المعذب ھو الحس الكوني المشترك Universal Common Sense وھذا الشكل األدنى للمثقف ليس ضروريا فقط في جميع الشروط ،وإنما ھو كاف في ظروف معينة أيضا .فرأس المال األساسي للحس المشترك يتضمن االستنتاجات الدولية للتجربة الكونية :عدم وضع األصابع في النار عندما يكون في اإلمكان التقدم على طريق مستقيمة ،دون إثارة الكالب الشرسة
وھكذا ،إن الحس المشترك وفق مجتمع مستقر كاف للمقايضة والعالج وكتابة المقاالت وقيادة نقابات العمال والتصويت في البرلمان والزواج وإنجاب الذرية .ولكن عندما يحاول الحس المشترك نفسه تجاوز حدوده النافذة إلى حلبة من التعميميات األشد تعقيدا ،يصبح مكشوفا ككتلة من أھواء وحقبة معينة .إن أزمة رأسمالية بسيطة كافية لكي تضع الحس المشترك في طريق مسدود ،وقبل حدوث كوارث كالثورة المضادة والحرب ،يثبت الحس المشترك أنه أحمق كامل .ولكي نفھم تعديات المجرى الطبيعي لألحداث ،ھذه التعديات الفاجعة، تبدو المميزات األسمى للذكاء ضرورية .وھذه المميزات يمكن شرحھا فلسفيا بواسطة الديالكتيكية فقط. إن ماكس ايستمان الذي يحاول بنجاح تطعيم الحس المشترك بأسلوب أدبي بالغ الجاذبية ،قد توصل نتيجة لنضاله ضد الديالكتيك ما ال يقل عن وظيفة لنفسه .فھو يعتبر تفاھات المحافظين المتعلقة بالحس المشترك مخرجة بطريقة جيدة، علما للثورة وبعد أن يؤيد متعاظمي الحس المشترك الرجعيين ،يوضح للجنس البشري بتأكيد ال مثيل له ،أنه لو كان تروتسكي ال يھتدي بھدي العقيدة الماركسية ،وإنما بھدي الحس المشترك ،إذا لما خسر السلطة ،إن ذلك الديالكتيك الداخلي الذي ظھر حتى اآلن في سلسلة من المراحل الثابتة، وفي جميع الثورات ،ال يوجد بالنسبة اليستمان .فتحويل الثورة من قبل الرجعية ،يحدث بالنسبة له ،من خالل وجود احترام غير كاف تجاه الحس المشترك .إن ايستمان ال يفھم أن ستالين ھو الذي سقط ضحية للحس المشترك بالمعنى الديني أي نقصه ،ما دامت تلك القوة التي يمتلكھا تخدم أھدافا معادية للبلشفية .فالعقيدة الماركسية من وجھة أخرى ،سمحت لنا أن ننشق في الوقت المناسب عن البيروقراطية الثيرميدورية ،(3) Thermidorianوأن نستمر في خدمة أھداف االشتراكية الدولية. إن كل علم ،بما في ذلك علم الثورة ،يبرھن عليه بواسطة التجربة .ومادام ايستمان يعرف جيدا كيف يحافظ على السلطة الثورية في ظل شروط الثورة المضادة العالمية ،فھو يعلم أيضا ،كما نأمل ،كيف يستولي على السلطة .وسيكون من المرغوب فيه جدا أن يكشف أخيرا عن أسراره ،وأفضل من ھذا كله أن يفعل ذلك على شكل مشروع منھاج لحزب ثوري تحت عنوان :كيف تستولي على السلطة وتحافظ عليھا .إننا
نخشى ،مع ذلك ،أن الحس المشترك بالذات ،ھو الذي سيدفع ايستمان لعدم القيام بمشروع محفوف بالخطر كھذا .وفي ھذه المرة ،سيكون الحس المشترك على صواب. لقد مكنتنا العقيدة التي لم يفھمھا ايستمان إطالقا لألسف ،أن نرى الحتمية في ظل أوضاع تاريخية معينة لثيرميدور سوفيتي بكل ما فيھا من خفايا وجرائم ،وھذه العقيدة نفسھا تنبأت قبل وقت طويل بحتمية سقوط البرجوازية الديمقراطية وأخالقھا .وفي الوقت نفسه ،جوبه دعاة الحس المشترك على حين غرة بالفاشية والستالينية .إن الحس المشترك يعمل بأحجام ثابتة ال تتبدل في عالم ال يثبت فيه إال التغير .إن الديالكتيك على العكس ،يأخذ بعين االعتبار جميع الظواھر والمؤسسات والمقاييس لدى ظھورھا وتطورھا وانحاللھا، واعتبار الديالكتيك لألخالق نتيجة من نتائج الصراع الطبقي، يبدو )الأخالقية( للحس المشترك .إال أنه ليس ثمة أخالق أشد عنفا وضيقا وانطواء وتھكما من أخالق الحس المشترك. األخالقيون والغيبو لقد قدمت محاكمات موسكو الفرصة لشن حملة ضد الالأخالقية البلشفية .وأكثر من ذلك ،فإن ھذه الحملة الصليبية لم تشن دفعة واحدة .والحقيقة أن أغلبية األخالقيين كانوا أصدقاء الكرملين بشكل مباشر وغير مباشر ،وھكذا فقد حاولوا طويال إخفاء دھشتھم ،ال بل أنھم تظاھروا بأن شيئا غير عادي لم يحدث. ولكن محاكمات موسكو لم تكن حادثا عارضا على اإلطالق. فالطاعة العمياء ،والنفاق ،وعبادة الكذب الرسمية ،والرشوة، واألشكال األخرى للفساد ،بدأت تزدھر ازدھارا عظيما في موسكو بين عام 1924و .1925فمحاكمات المستقبل الصورية أعدت عالنية أمام أعين العالم أجمع .ولم يكن ثمة نقص في التحذير ،إال أن األصدقاء مع ذلك ،لم يشاؤوا مالحظة أي شيء .وال عجب في ذلك ،فأغلبية ھؤالء السادة الذين كانوا أعداء ألداء لثورة تشرين األول/أكتوبر ،أصبحوا أصدقاء لالتحاد السوفييتي ،بقدر انحطاطه الثيرميدوري .لقد وجد ديمقراطيو الغرب ،ھؤالء البرجوازيون الصغار ،في بيروقراطية الشرق البرجوازية الصغيرة ،قرابة بالدم.
ترى ھل صدق ھؤالء الناس اتھامات موسكو حقا؟ لقد صدقوا أشد ھذه االتھامات غموضا ،أما اآلخرون فلم يشاؤوا أن يقلقوا أنفسھم بالتثبت من األمر .ھل من المنطقي تعكير صفو الصداقة المتينة والمريحة والجيدة المردود على األغلب مع السفارات السوفيتية؟ وأكثر من ذلك من ذلك -ياه ،إنھم لم ينسوا ذلك -فإن الحقيقة الھوجاء قد تجرح كرامة االتحاد السوفييتي .لقد كشف ھؤالء الناس الجرائم باعتبارات نفعية، أي إنھم طبقوا عالنية مبدأ )الغاية تبرر الوسيلة(. وقد أخذ بريت مستشار الملك ،الذي نجح في حينه بالظھور من خالل العھود الستالينية ،واكتشف كل شيء في مكانه ،اخذ على نفسه المبادھة التي ال حياء فيھا ،وسارع رومان روالن الذي تقدر سلطته األخالقية تقديرا عظيما من قبل دور النشر السوفيتية ،سارع إلى إصدار أحد بياناته التي اتحدت فيھا الغنائية االسيانه بالتھكم .كما سارعت عصبة حقوق اإلنسان الفرنسية ،التي أرغت وأزبدت حول الأخالقية لينين وتروتسكي في عام 1917عندما فسخا التحالف العسكري مع فرنسا ،سارعت لتصوير جرائم ستالين في عام ،1936وذلك لصالح الحلف الفرنسي السوفيتي .إن غاية وطنية تبرر ،كما ھو معروف ،أية وسيلة .فقد تغاضت صحيفة )ذي نيشن( و)ذي نيو ريبوبليك( عن استثمار ياغودا ،Yagodsباعتبار أن صداقتھما مع االتحاد السوفيتي ضمنت سلطتھما على الموضوع .ومع ذلك ،قبل عام واحد فقط ،لم يقم ھؤالء السادة ،باعتبار الستالينية والتروتسكية شيئا واحدا على اإلطالق .ووقفوا إلى جانب ستالين عالنية لواقعيته وعدالته ولياغوداه .وھم يلتزمون بھذا الموقف طالما تسنى لھم ذلك. وحتى لحظة إعدام توخاشفسكي وتاكير وآخرين ،راقب البرجوازيون الكبار في الدول الديمقراطية بسرور ،على الرغم من أنھم تخفوا وراء قناع تصنع الفتيان ،راقبوا إعدام الثوريين في االتحاد السوفييتي .وقد استجابت لھذا المعنى كل من )ذي نيشن( و)ذي نيو ريبوبليك( و)دورانتي( و)لويس فيشر( وما شابھھم من أوغاد الفكر ،استجابوا كلية لمصالح االمبريالية الديمقراطية .وأثار إعدام الجنراالت البرجوازية وأرغمھا على أن تدرك أن تحلل الجھاز الستاليني قد ساعد كال من ھتلر وموسوليني والميكادو .وقد بدأت النيويورك تايمز بحرص ،ولكن بإصرار ،بتصحيح تعليقاتھا ،وكذلك أخذت صحيفة الطام الباريسية بإلقاء ضوء على الوضع في
االتحاد السوفييتي .أما بالنسبة ألخالقيي البرجوازية الصغيرة، ومنافقيھا ،فلم يكونوا سوى أصداء خاضعة للطبقة الرأسمالية. وأكثر من ذلك ،فبعد أن أصدرت لجنة االستقصاء الدولية برئاسة جون ديوي قرارھا ،أصبح الواضح حتى ألتفه العقول ،أن أي دفاع مكشوف آخر عن غيبو ) (4ينطوي على خطر الموت الخلقي والسياسي .وفي تلك اللحظة قرر األخوان أن يشيعوا الحقائق الخلقية الخالدة في عالم الـله ،أي أن يتقھقروا عائدين إلى خندق الصف الثاني. إن الستالينيين وأشباھھم من الخائفين ،ال يحتلون المكان األخير بين األخالقيين .فيوجين ليونز قد انسجم انسجاما تاما مع العصبة الثيرميدورية معتبرا نفسه بلشفيا تقريبا ،وبعد أن ترك الكرملين –لسبب ال يھمنا -صعد على الفور إلى غيوم المثالية .وليستون أول من كان إلى وقت قريب يتمتع بقدر كبير من الثقة ،من جانب الكومينترن بحيث أنه عھد إليه باإلشراف على الدعاية باالنكليزية في اسبانيا الجمھورية. ولكن ھذا ،بطبيعة الحال ،لم يمنعه عندما تنحى عن مركزه من التنكر أللف باء الماركسية .وبعد أن انشق المنفي وولتر كريفتسكي عن الغيبو ،التحق في الحال بالديمقراطيين البرجوازيين .وھذا أيضا نفس التحول الذي طرأ على تشارلز رابو بورت الھرم .فبعد أن القوا بالستالينية جانبا ،ال يستطيع الذين ينتمون إلى ھذا الطراز –وھم كثر -إال أن يبحثوا عن التعويض في مسلمات األخالقية المجردة ،بسبب خيبة األمل في المثل العليا التي خبروھا .وإذا ما سألتھم قائال) :لماذا انتقلتم من صفوف الكومينترن أو الغيبو إلى الصفوف البرجوازية( كان جوابھم حاضرا) :التروتسكية ليست أفضل من الستالينية(. ميول العبي الشطرنج السياسيين )إن التروتسكية رومانطقية ثورية ،والستالينية سياسة عملية(. من ھذا التضاد التافه الذي يبرر فيه الجھلة حتى األمس صداقتھم مع ثيرميدور ضد الثورة ،ال يبقى أي أثر اليوم. فالتروتسكية والستالينية لم تعودا مضادتين بعد اآلن ،وإن متماثلتين .وھذا التماثل ينطبق ،مع ذلك ،على الشكل وليس على الجوھر .فبعد أن ارتد الديمقراطيين إلى األمر المطلق، فإنھم يستمرون في الواقع بالدفاع على الغيبو ،ولكن بقدر أعظم من التمويه .وھكذا فإن أولئك الذين يتھجمون على
الضحية يقدمون المساعدة للجالد .وفي ھذه الحالة ،كما ھو األمر بالنسبة للحاالت األخرى ،تقوم األخالق بخدمة السياسة. إن المتعصب الديمقراطي ،والبيروقراطي الستاليني شقيقان في الروح ،إذا لم يكونا توأمين .وعلى أية حال فھما ينتميان سياسيا إلى المعسكر نفسه .فنظام الحكم الراھن في فرنسا وفي اسبانيا الجمھورية –وإذا أردنا أن نضيف الفوضويين -يستند االجتماعيين والديمقراطيين الستالينيين تعاون على والليبراليين .وإذا ما بدا حزب العمال البريطاني المستقل يعاني من المصاعب ،فھذا يعود إلى انه لم ينسحب من دائرة الكومينترن طيلة عدد من السنين .وقد أقصى الحزب االشتراكي الفرنسي التروتسكيين من مناصبھم عندما أعد العدة لالتحاد مع الستالينيين ،وإذا لم يكن ھذا االتحاد قد تحققق ،فإن ھذا ال يعود إلى التباين المبدئي بين الطرفين – ترى ماذا بقي منه؟ وإنما إلى خوف الديمقراطيين االشتراكيين على مناصبھم .فبعد أن عاد نورمان توماس من اسبانيا أعلن )بموضوعية( أن التروتسكيين ساعدوا فرانكو ،وبھذه العبثية الذاتية قدم خدمة )موضوعية( إلى جالدي الغيبو .وقد طرد ھذا الرجل التروتسكيين األمريكيين من حزبه ،في نفس الوقت الذي قام فيه الغيبو بإعدام مفكريھم في االتحاد السوفييتي واسبانيا .وفي كثير من الدول الديمقراطية ،استطاع الستالينيون على الرغم من الأخالقيتھم ،أن يتعلقوا في جھاز الدولة بنجاح .وفي مجال اتحادات العمال ،انسجموا بمودة مع البيروقراطيين من االتجاھات األخرى .صحيح أن الستالينيين يتصرفون بكثير من الالمباالة تجاه األنظمة الجنائية ،وبالتالي يوقعون الرعب في قلوب أصدقائھم )الديموقراطيين( في أوقات السلم ،إال أنھم في الظروف االستثنائية التي تتجلى في مثال اسبانيا ،أصبحوا بثقة أكبر زعماء البرجوازية الصغيرة ضد البروليتارية. وبالطبع لم تحمل األممية الثانية وأممية أمستردام على كاھليھما مسؤولية تزييف المحاكمات ،وإنما تركنا ھذا للكومينترن .وقد ظلتا صامتتين ،بينما كانتا تبينان سرا أنھما معاديتان للستالينية من وجھة النظر األخالقية ،وإنما كانتا مؤيدتين لھا من وجھة النظر السياسية .ولم يجد ليون بلو المعادالت األخالقية في مقر بئره إال عندما تصدعت الجبھة الشعبية في فرنسا تصدعا نھائيا ،وأرغمت االشتراكيين على التفكير في الغد.
وإذا كان أوتو بوير قد أدان عدالة فشينسكي إدانة طفيفة ،فإن ھذا يعود فقط لرغبته في تأييد سياسة سالين بقدر أعظم من عدم االنحياز .إن مصير االشتراكية ،كما جاء في بيان بوير األخير ،مرھون بمصير االتحاد السوفيتي .و)مصير االتحاد السوفيتي( كما يرى بوبر في بيانه) :ھو مصير الستالينية طالما أن )!( التنمية الداخلية في االتحاد السوفيتي نفسه ال تتفوق على مرحلة التنمية الستالينية( .إن جميع آراء بوير متضمنة في عبارته الشھيرة ھذه .إن ھذه العبارة تشتمل على الماركسية النمساوية بأكملھا ،وعلى كل الكذب واالفتراء والفساد الذي تنطوي عليه الديمقراطية االشتراكية! )طالما أن( البيروقراطية الستالينية قوية إلى الحد الذي يكفي لقتل ممثلي )التنمية الداخلية( ،فإن بوير يظل متعلقا بستالين. وعندما تطيح القوى الثورية بستالين ،على الرغم من أنف بوير ،فإن بوير سيعترف بكرم )بالتنمية الداخلية( بعد ما ال يزيد على عشر سنوات من التأخير. ووراء األمميات القديمة ينشط مكتب لندن للمركزيين سعيدا، ألنه يجمع في ذاته خصائص روضة لألطفال ،ومدرسة للمراھقين المعتوھين ،وملجأ للعجزة .وقد بيّن سكرتير المكتب فيرنر بروكوي أن إجراء تحقيق حول محاكمات موسكو يمكن أن يصيب االتحاد السوفيتي بأذى ،واقترح بدال من ذلك إجراء استقصاء حول النشاط السياسي لتروتسكي بواسطة لجنة غير منحازة تتألف من خمسة من أعداء تروتسكي األلداء .وقد تضامن كل من براندلر ولوفستون عالنية مع ياغودا ،وتراجعوا من يزوف فقط .وأما جيكوب والشير فقد رفض بحجة واضحة التزييف أن يدلي بشھادة في غير صالح ستالين أمام اللجنة الدولية التي ترأسھا جون دوي. إن أخالق ھؤالء الناس المتعفنة ليست سوى نتاج سياستھم المتعفنة. غير أنه ربما كان الدور الذي لعبه الفوضويون أشد األدوار التي يؤسف لھا .فإذا ما كانت الستالينية والتروتسكية شيئا واحدا ،كما يؤكدون في كل عبارة من عباراتھم ،إذا فلماذا يساعد الفوضويون االسبان الستالينيين في االنتقام من التروتسكيين ومن الفوضويين الثوريين في الوقت نفسه؟ إن منظرين الفوضويون األشد صراحة يجيبون على ذلك ال ُ بقولھم :إن ھذا ثمن لألسلحة .وبكلمات أخرى :الغاية تبرر
الوسيلة .ولكن ما ھي غايتھم؟ الفوضوية؟ االشتراكية؟ كال. إن غايتھم ھي فقط إنقاذ ھذه الديمقراطية البرجوازية نفسھا، البرجوازية التي مھدت لنجاح الفاشية. تلكم ھي الميول الحقيقة ألحجار الشطرنج فوق لوحة السياسة العالمية. الستالينية نتاج المجتمع القديم لقد قفزت روسيا أكبر قفزة لھا في التاريخ ،قفزة وجدت فيھا أشد القوى تقدمية في البالد ،المجال للتعبير عن نفسھا .وفي ظل التيار الرجعي الراھن الذي يماثل تيار الثورة ،يأتي التخلف ليأخذ بالثأر .إن الستالينية تحتضن ھذا التيار الرجعي، وبربرية التاريخ الروسي القديم تبدو أشد إثارة لالشمئزاز وھي مستندة على قواعد اجتماعية جديدة ،مادامت مكرھة على أن تخفي نفسھا في ثوب النفاق الذي ال مثيل له في التاريخ. إن ليبراليي وديمقراطيي الغرب االشتراكيين الذين أرغموا بفعل الثورة الروسية على التشكيك بآرائھم العفنة ،يشعرون اآلن بدفق جديد من الشجاعة .إن الغنغرينا األخالقية للبيروقراطية السوفيتية بدت لھم بمثابة إعادة العتبار الليبرالية .وھكذا توضع الدفاتر المكررة تحت األضواء) :كل دكتاتورية تتضمن بذور انحدارھا() ،الديمقراطية فقط تضمين تنمية الشخصية( وھكذا .إن المقارنة بين الديمقراطية التي تنطوي في الحالة التي قدمناھا على تنديد باالشتراكية في صالح النظام البرجوازي ،تصرع إحداھا نظريا بما تنطوي عليه من أمية واعوجاج .إن الفساد الستاليني ،كحقيقة تاريخية ،يقف في المركز المعاكس للديمقراطية :ھذا تجريد فوق –تاريخي ولكن الديمقراطية تمتلك تاريخا أيضا ال يفتقر إلى الفساد .لقد استعرنا كلمتي ثيرميدور والبونابريتة من تاريخ البرجوازية من أجل تصوير البيروقراطية السوفيتية – فليصبح معلوما ألصحاب العقائد الليبرالية المتقھقرين أن الديمقراطية لم تظھر في العالم بواسطة الطريق الديمقراطية على اإلطالق .إن عقلية سوقية فقط تستطيع أن ترضي نفسھا باحتراز فكرة كون البونابرتية النتاج الطبيعي لليعقوبية، العقاب التاريخي النتھاك حرمة الديمقراطية ...وھكذا بدون العقاب الذي أوقعته اليعقوبية على اإلقطاعية ،لم تكن
البرجوازية الديمقراطية لتحقق على اإلطالق .فمقارنة المراحل الثابتة لليعقوبية والثيروميدورية والبونابرتية مع التجريد المالي للديمقراطية ،مقارنة تنطوي على شر يماثل مقارنة آالم الوضع. إن الستالينية بدورھا ليست تجريدا للديكتاتورية ،وإنما ھي، رد فعل بيروقراطي واسع ضد الديكتاتورية البروليتارية في دولة متخلفة منعزلة .لقد قضت ثورة أكتوبر على االمتيازات، وشنت حربا ضد فقدان المساواة االجتماعية ،واستبدلت بالبيروقراطية حكومة ذاتية للكادحين ،وقضت على الدبلوماسية السرية ،وحاولت جھدھا لكي تجعل جميع العالقات االجتماعية واضحة للعيان .وأما الستالينية فقد أعادت أشد أنواع االمتيازات جورا ،وموھت عدم المساواة بطريقة استفزازية ،وقضت على النشاط الذاتي قضاء مبررا عن طريق سلطة البوليس المطلقة ،وحولت الدولة إلى احتكار ألوليغارشية الكرملين ،وأعادت الحياة لوثنية القوة من خالل أشكال لم تكن الملكية المطلقة لتحلم بھا. إن الرجعية االجتماعية بجميع أشكالھا ،مضطرة إلخفاء نواياھا الحقيقية ،وبقدر ما يكون االنتقال من الثورة إلى الرجعية حادا ،بقدر ما تعتمد الرجعية على أعراف الثورة وتقاليدھا ،أي أنه بقدر ما يعظم خوفھا من الجماھير ،بقدر ما تضطر للجوء إلى الخداع واالحتياط في صراعھا ضد ممثلي الثورة .إن تلفيقات الستالينية ليست ثمرة الالأخالقية البلشفية. كال إنھا ،مثلھا مثل جميع األحداث الھامة في التاريخ ،نتاج الصراع االجتماعي الحاد ،وحصيلة اشد ھذه الصراعات حدة ،أي الصراع االرستقراطية الجديدة ضد الجماھير التي أوصلتھا للحكم. والحق أن االنفراج الخلقي والثقافي المطلق ضروري للمفاضلة بين أخالقية البوليس الرجعية للستالينية ،وأخالقية البلشفيك الثورية .لقد انتھى حزب لينين قبل وقت طويل، وتصدع بفعل الصعوبات الداخلية واالمبريالية العالمية، ونشأت محله البيروقراطية الستالينية ،أداة البت االمبريالية. وقد أحلت البيروقراطية التعاون بين الطبقات ،محل الصراع الطبقي في المسرح العالمي ،وأحلت الوطنية االجتماعية محل األممية .ولكي تھيئ البيروقراطية الحزب الحاكم لتنفيذ
مھمات الرجعية ،قامت بتجديد تركيبھا عن طريق إعدام الثوريين واستخدام المحترفين. إن الرجعية تنعش وتقوي وتعيد الحياة إلى تلك العناصر ذات الماضي التاريخي ،والتي قضت عليھا الثورة دون أن تنجح في محوھا .إن طرق الستالينية تدفع إلى أقصى درجات التوتر وإلى قمة الالمعقول ،جميع وسائل الكذب والوحشية التي تنطوي عليھا أجھزة السيطرة في كل مجتمع طبقي ،بما في ذلك المجتمع الديمقراطي .إن الستالينية مركز تجمع لكل األعمال الوحشية للدولة التاريخية ،وألشد صورھا حقدا وبشاعة وإثارة لالشمئزاز .وعندما يضع ممثلو المجتمع القديم تجريدا مصفى للديمقراطية مقابل غنغرينا الستالينية ،نكون محقين كل الحق الطلب إليھم بأن ينظروا إلى أنفسھم في مرآة الثيرميدورية السوفيتية المنحرفة .أجل إن الغيبو قد فاق جميع األنظمة األخرى في وحشية جرائمه ،إال أن ھذا ينبع من اتساع رقعة األحداث التي ھزت روسيا بتأثير حمالت االمبريالية العالمية التي استھدفت إفسادھا وتثبيط عزيمتھا. إن من بين الليبراليين والراديكاليين ،نفر من األفراد الذين تمثلوا طرائف التفسير المادي لألحداث ويعبرون أنفسھم ماركسيين ،إال أن ھذا ال يمنعھم من أن يظلوا صحفيين برجوازيين أو أساتذة أو سياسيين .إن البلشفي ال يمكن أن يتحقق دون وجود األسلوب المادي طبعا ،وھذا ينطبق على مجال األخالق أيضا .إال أن ھذا األسلوب ال يساعده فقط على تفسير األحداث ،وإنما على خلق حزب ثوري للبروليتارية. ومن المستحيل تحقيق ھذه المھمة دون وجود انفصال كلي عن البرجوازية وأخالقيتھا .ومع ذلك ،فإن الرأي العام البرجوازي يسيطر اآلن كلية على حركات العمال الرسمية، ابتداء من حركة وليم غرين في الواليات المتحدة ،وليون بلوم وموريس توريز في فرنسا إلى غارسيا أوليفر في اسبانبا. وبھذه الحقيقة يصل الوجه الرجعي للفترة الراھنة ،أشد درجات تعبيره حدة. إن الماركسي الثوري ال يمكن أن يبدأ برسالته التاريخية دون أن ينشق أخالقيا عن الرأي العام البرجوازي وعمالئه في طبقة البروليتارية .ومن ھنا فإن المطلوب وجود شجاعة خلقية من مقياس آخر يختلف عن فتح األفواه في االجتماعات والھتاف) :يسقط ھتلر() ،يسقط فرانكو( .إن ھذا االنشقاق
الحازم والمدبر والذي ال تلين قناته ،ھذا االنشقاق لدى البالشفة عن الفلسفة الخلقية المحافظة ،وليس عن البرجوازية الصغيرة فحسب ،ھو الذي يصيب تجار الكلمات ،وأنبياء الصالونات ،وأبطال الكواليس بالرعب القاتل .من ھنا تنبع شكواھم حول الأخالقية البالشفة. إن ھذه المطابقة بين األخالق )بشكل عام( ،يمكن أن تتحقق في أفضل وجوھھا لدى جناح البرجوازية الصغيرة اليساري المتطرف ،ويتحقق لدى أحزاب مكتب لندن المركزية. ومادامت ھذه المنظمة تعترف بمنھاج الثورة البروليتارية، فإن مخالفتنا لھا تبدو ثانوية للوھلة األولى .والواقع أن اعترافھا عديم القيمة ألنھا ال تربطه بشيء .فھي تعترف بالثورة البروليتارية ،كما يعترف أتباع كنط باألمر المطلق، أي كمبدأ مقدس ،ولكنه غير ممكن التطبيق في الحياة العملية. وفي مجال السياسة العملية ،يوجد مكتب لندن بين أعنف أعداء الثورة )اإلصالحيين والستالينيين( من أجل الصراع ضدنا .إنه تفكير مغرق في التزييف .فإذا ما كان المركزيون حسب القاعدة العامة ال يضعون أنفسھم في موضع من يرتكب الجرائم :فإن ھذا يعود ألنھم يظلون في الشوارع الخلفية للسياسة :إنھم نشالون صغار للتاريخ ،ولھذا السبب فھم يعتبرون أنفسھم مدعوين لتجديد حركة العمال بأخالقية جديدة. وإلى أقصى يسار ھذا اإلخاء )اليساري( تقف مجموعات صغيرة من المھاجرين األلمان ال أھمية لھا إطالقا من الناحية السياسية ،وتصدر صحيفة )الطريق الجديد .(Neuer Weg دعونا ننحي أكثر ونستمع إلى ھؤالء المتھمين )الثوريين( الذين يشيرون بأصابعھم إلى الأخالقية البالشفة .إن صحيفة )الطريق الجديد( تعلن بلھجة غامضة أن البالشفة يتميزون عن األحزاب األخرى باختفاء عنصر النفاق لديھم –ويعلنون أن اآلخرين يطبقون مبدأ الغاية تبرر الوسيلة .إال أنه وفقا لقناعات )الطريق الجديد( يبدو مثل ھذا المبدأ البرجوازي متناقضا مع )حركة اشتراكية صحيحة() .الكذب وما ھو أسوأ منه ليس وسيلة مشروعة للنضال ،كما ال يزال لينين يؤمن(. إن كلمة )ال يزال( تشير إلى أن لينين لم ينجح في التغلب على أوھامه حتى اكتشاف )الطريق الجديد(. وفي معادلة )الكذب وما أسوأ منه( تدل كلمة )أسوأ( كما ھو واضح ،على العنف والقتل وما إلى ذلك ،مادام في ظل شروط
متعادلة أسوأ من الكذب ،والقتل أشد أشكال العنف تطرفا. وھكذا نصل إلى نتيجة مفادھا أن الكذب والعنف والقتل تتنافى مع حركة اشتراكية صحية .فما ھي عالقتنا إذن بالثورة؟ إن الحرب األھلية ھي أشد أشكال الحرب حدة ،وال يمكن أن تحدث دون استخدام العنف فحسب ،وإنما دون استخدام التكتيك المعاصر لقتل الشيوخ والنساء واألطفال .فھل على المرء أن يتذكر اسبانيا ،إن الجواب الممكن الوحيد ألصدقاء اسبانيا الجمھورية ھو كالتالي :إن الحرب األھلية أفضل من العبودية الفاشية ،غير أن الجواب الصحيح تماما يعني فقط أن الغاية )الديمقراطية أو االشتراكية( تبرر على ضوء شروط معينة ،وسائل كالعنف والقتل ،ھذا إذا لم نذكر الكذب! فبدون الكذب تبدو الحرب مستحيلة ،كما أن اآللة ال تعمل دون وجود الزيت .فمن أجل حماية جلسة مجلس النواب من قنابل الفاشيين ،خدعت حكومة برشلونة الصحفيين عدة مرات عن عمد ،كما خدعت رعاياھا .فھل كان بوسعھا التصرف على نحو آخر؟ عن من يقبل بالغاية :النصر على فرانكو ،عليه أن يقبل بالوسيلة :الحرب األھلية وما يرافقھا من فظائع وجرائم. ومع ذلك ،أال يثير الكذب والعنف )في حد ذاتھما( االستنكار؟ بالطبع إنھما يثيران االستنكار ،كما يثير االستنكار ذلك المجتمع الطبقي الذي يتولدان عنه .إن مجتمعا بال تناقضات اجتماعية ،سيكون بطبيعة الحال مجتمعا دون كذب ودون عنف .ومع ذلك ،فليس ھناك من طريق لبناء جسر يوصل إلى ذلك المجتمع ،إال بالوسائل الثورية ،أي بالعنف .إن الثورة في حد ذاتھا نتاج المجتمع الطبقي ،وھي تحمل آثاره بالضرورة. ومن وجھة نظر )الحقائق األزلية( تبدو الثورة )ضد األخالق( بطبيعة الحال .إال أن ھذا يعني فقط أن األخالقية المثالية مناھضة للثورية ،أي أنھا في خدمة المستغلين. إن الحرب )األھلية( كما قد يرى الفيلسوف) :ھي استثناء محزن على أية حال .بيد أن حركة اشتراكية صحيحة يجب أن تنجح في أوقات السلم ،دون عنف وكذب( .مثل ھذا الجواب ال يشكل أقل من مواربة تنطوي على شيء من العطف .ال توجد حدود ال يمكن اجتيازھا بين النضال الطبقي السلمي وبين الثورة .فكل إضراب يضم بشكل مركز جميع عناصر الحرب األھلية ،وكل طرف يجھد للتأثير على الخصم بواسطة صورة مبالغ فيھا ،تبين تصميمه على النضال وإمكاناته المادية. وعمالئھم صحافتھم بواسطة الرأسماليون ويحاول
وجواسيسھم ،دب الرعب والوھن في قلوب المتظاھرين، وتضطر شراذم العمال من جانبھا إلى اللجوء للقوة عندما ال ينجح اإلقناع .وھكذا ،فإن )الكذب وما ھو أسوأ منه( ھما جزء ال يتجزأ من النضال الطبقي ،حتى في أشد مراحله بدائية. ونضيف على ذلك ،أن معنى الحقيقة والكذب قد تولد عن التناقضات االجتماعية. الثورة ونظام الرھائن إن ستالين يقبض على أطفال خصومه ويعدمھم رميا بالرصاص ،بعد أن يقضي على ھؤالء الخصوم ،عن طريق اتھامات مزيفة .وبمساعدة مؤسسة األسرة ،يرغم ستالين أولئك الدبلوماسيين السوفييت الذين سمحوا ألنفسھم بالتعبير عن شكوكھم في عصمة ياغودا أو يازوف ،يرغمھم على العودة من الخارج .ويجد أخالقيو )الطريق الجيد( إن من الضروري والمناسب تذكيرنا بھذه المناسبة ،بحقيقة كون تروتسكي قد قدم أيضا قانونا في عام 1919يتعلق بالرھائن، ولكن يصبح من الضروري ھنا أن نقتطف كالم )الطريق الجديد( حرفيا) :إن اعتقال األقرباء األبرياء منم قبل ستالين بربرية تثير االشمئزاز ،ولكنھا تظل بربرية عندما أمر بھا تروتسكي عام .(1919ذلكم ھو األخالقي المثالي بكل روعته وجماله! إن مقاييسه تناھز في تزييفھا تزييف مقاييس الديمقراطية البرجوازية وفي الحالتين يفترض التشابه ،حيث ال يوجد أثر له في الواقع. إننا لن نصر ھنا على حقيقة كون قانون عام 1919لم يؤد، إال في أحوال نادرة جدا ،إلى إعدام أقرباء أولئك القادة الذين لم تؤد خيانتھم إلى فقدانھا أعدادا ال تحصى من البشر فحسب، وإنما ھددت الثورة نفسھا بالدمار .والمسألة في النھاية ال تتعلق بھذا ،فلو أن الثورة أبدت كرما أقل منذ البداية ،ألمكن إنقاذ حياة مئات اآلالف من الناس .ھكذا فإنني أتحمل المسؤولية الكاملة لقانون .1919لقد كانت وسيلة ضرورية للنضال ضد الظالمين .إن تبرير القانون يكمن في المحتوى التاريخي للنضال فقط ،كما يمكن تبرير الحرب األھلية أيضا، وھي الحرب التي يمكن أن تدعوھا بحق )بربرية تثير االشمئزاز(.
إننا نترك ألميل لودفيغ أو أمثاله رسم صورة أبراھام لنكولن بأجنحة وردية صغيرة .فمغزى لنكولن ال يمكن في تردده أمام أشد الوسائل حدة ،عندما تبدو ھذه الوسائل ضرورية من أجل انجاز ھدف تاريخي عظيم يفرضه تطور دولة ناشئة .إن المسألة ال تكمن حتى في عدد الضحايا الذي سببه المعسكران المتصارعان ،أو تحماله .فالتاريخ لديه مقاييس مختلفة يقيس بھا قسوة الشماليين والجنوبيين في الحرب األھلية .فھناك مالك العبيد الذي يكبد عبيده بواسطة المكر والعنف ،وھناك العبد الذي يحطم بالمكر أو األعنف أغالله –أال فليكف الخصيان المھانون عن إخبارنا بأنھم متساوون أمام محكمة األخالق!! بعد أن أغرقت كومونة باريس بالدماء ،وأخذ األوغاد الرجعيون في العالم أجمع يلطخون رايتھا بالقدح والتشھير ،لم يوجد حتى عدد قليل من جھّال الديمقراطية المتأملقين مع الرجعية ،يبادر إلى مھاجمة القائمين على الكومونة ،بسبب إعدامھم لـ 64رھينة ،وعلى رأسھم كبير أساقفة باريس .إن ماركس لم يتردد لحظة في الدفاع عن تصرف الكومونة الدموي ھذا .وقد ذكرنا ماركس في منشور صادر عن المجلس العام لألمية األولى ،كان ينضح بنيران المھل )،(5 ذكرنا بالبرجوازية التي اتبعت نظام الرھائن ضد الشعوب المستعمرة ،وضد طبقاتھا الكادحة .ثم أشار بعد ذلك إلى اإلعدام المنظم الذي نفذه الرجعيون المسعورون ضد أسرى الكومونة ،وقال )لقد اضطرت الكومونة لكي تحمي حياة أسرارھا ،للجوء إلى األسلوب البروسي ،أسلوب الحصول على الرھائن .وقد فقدت حياة الكثيرين من الرھائن بسبب استمرار إعدام المساجين من جانب فرساي ،فكيف يمكن إنقاذھم بعد اآلن ،بعد المذبحة التي دشن حرس مكماھون بھا دخولھم إلى باريس .فھل اعتبر آخر قيد على وحشية الحكومات البرجوازية العديمة الضمير –أخذ الرھائن -عارا يثير الخجل؟( .لقد دافع ماركس عن إعدام الرھائن ،على الرغم من انه جلس خلفه في )المجلس العام( ،عدد غير قليل من إتباع فيرنر بروكوي ونورمان توماس واوتو بورز .ولكن غضب العالم البروليتاري ضد وحشية فرساي كان ال يزال ماثال في األذھان ،بحيث أن األخالقيين الرجعيين األغبياء، فضلوا االعتصام بالصمت انتظارا لوقت أشد مالءمة لھم ،لم يلبث أن حان بسرعة ويا لألسف ،ولم يحزب األخالقيون من البرجوازيين الصغار ،وبيروقراطيو اتحادات العمال
والفوضويون ،على األممية األولى ،إال عندما بدا أن الرجعية قد أحرزت نصرا ساحقا. وعندما كانت ثورة تشرين األول/أكتوبر تدافع عن نفسھا ضد قوى االمبريالية المتحدة ،على طول 5000ميل ،اتبع عمال العالم أجمع خط النضال باندفاع شديد ،جعلھم يرون من الخطورة بمكان الشكوى من )البربرية المثيرة لالشمئزاز( لنظام الرھائن .إن تدھور الدولة السوفيتية الكامل وانتصار الرجعية في عدد من البلدان ،كان ضروريا لكي يزحف األخالقيون من داخل مخابئھم لمد يد المساعدة لستالين .فإذا ما كان صحيحا أن أعمال القمع التي تحمي امتيازات االرستقراطية الجديدة ،تحمل نفس القيمة الخلقية التي تحملھا الخطوات الثورية للنضال التحرري ،فإن ستالين معذور كليا إذن ،إذا لم تتعرض الثورة البروليتارية كلھا لإلدانة. إن السادة األخالقيين ،في بحثھم عن نماذج تمثل الأخالقية الحرب األھلية الروسية يجدون أنفسھم ،في الوقت نفسه، مرغمين على التعامي عن حقيقة كون الثورة االسبانية قد استخدمت أيضا نظام الرھائن ،خالل الفترة التي كانت فيھا ثورة حقيقية للجماھير على األقل .فإذا لم يھاجم الذين يوجھون المثيرة )بربريتھم لسبب االسبان، العمال االتھام، لالشمئزاز( ،فإن ھذا يعود فقط ألن أراضي شبه جزيرة البرنيه Pyrenneanما تزال حارة جدا بالنسبة لھم .إن من المناسب أكثر بكثير العودة إلى عام ،1919فإن ھذا التاريخ نسيه الكھول ،ولم يتعلمه الشبان بعد .ولھذا السبب نفسه ،فإن الفريسيين من جميع الفئات يتذكرون كرونشتاد Kronstadt ) (6وماخنو (7) Makhnoبكثير من العناد –وھنا يوجد المخرج للطوباوية الخلقية. أخالق الكفير )(8 من المستحيل أال نقف مع األخالقيين في أن التاريخ يختار مسالك قاسية .ولكن أي نوع من النتائج لنشاطنا العملي ،يمكن أن نستخلصه من ذلك؟ لقد أوصى ليون تولستوي بأن ننسى األعراف االجتماعية وأن نصل إلى درجة الكمال .وينصح المھاتما غاندي بشرب حليب الماعز .إن أخالقيي )الطريق الجديد() ،الثوريين( لم يذھبوا بعيدا –لألسف -عن ھذه الوصفات .إنھم يبشرون بان )علينا أن نحرر أنفسنا( من
)أخالق الكفير( الذي يعتبر أم ما يفعله العدو ھو الخطأ فحسب .إنھا لنصيحة ممتازة! )إن علينا أن نحرر أنفسنا،(... لقد أوصى تولستوي أيضا بأن نحرر أنفسنا من خطايا الجسد. ومع ذلك فإن األرقام تخفق في تأكيد نجاح وصيته .لقد نجح أقزام الوسط عندنا في رفع أنفسھم إلى أخالقية الطبقة العليا في مجتمع طبقي .ولكن 2000عام مضت تقريبا منذ أن قيل: )أحب أعداءك() ،أ ِدر خ ّدك األيمن( ،ومع ذلك فحتى األب الروماني المقدس لم ينجح حتى اآلن في )تحير نفسه( من كراھية أعدائه .حقا أن الشيطان عدو الجنس البشري ،على قدر كبير من القوة! إن تطبيق مقاييس مختلفة للعمل ،بالنسبة للمستغلين وال ُمست َغلين يمثل ،بالنسبة لھؤالء األقزام ،الذين يستحقون الشفقة ،الوقوف عند مستوى )أخالق الكفير( .فقبل كل شيء ليس من عادة )االشتراكيين( اإلشارة إلى الكفيريين بازدراء، فھل أخالق الكفيريين سيئة حقا؟ إليكم ما تقوله الموسوعة البريطانية حول الموضوع: )إن الكفيريين يبدون في عالقاتھم االجتماعية والسياسية الكثير من اللطف والذكاء ،وھم شجعان إلى حد كبير، ومحاربون وكرماء .كما أنھم ظلوا أمناء وصادقين ،حتى اتصل بھم البيض ،فأصبحوا شكاكين ومحبين لالنتقام، والسرقة ،ھذا باإلضافة إلى أنھم اكتسبوا معظم رذائل األوربيين( .ومن المحال أال نصل إلى نتيجة مفادھا أن بعثات التبشير البيضاء ،مبشري األخالق األزلية ،قد أسھموا في إفساد الكفيريين. إن ما قمنا بإخبار الكادح الكفير كيف ھب العمال في جزء من كوكبنا ،وداھموا مستغليھم على غفلة منھم ،فإنه سيكون سعيدا جدا .ومن جھة أخرى ،فإنه سيشعر بكثير من االكتئاب ،إذا ما اكتشفت أن الظالمين قد نجحوا في خداع المظلومين .إن الكفير الذي لم تفسده البعثات التبشيرية حتى النخاع ،لن يطبق نفس المقاييس األخالقية المجردة على الظالمين والمظلومين. ومن ھنا ،فھو سيفھم بسھولة توضيحا مفاده أن وظيفة ھذه المقاييس المجردة منع المظلومين من الثورة ضد ظالميھم. يا لھا من مصادفة بناءة! فلكي يتھج مبشرو )الطريق الجديد( على البالشفة ،اضطروا في الوقت نفسه إلى التھجم على
الكفيريين .وأكثر من ذلك ،فإن التھجم يسير في خط الكذبة البرجوازية الرسمية :أي ضد الثوريين وضد الملونين .كال أننا لنفضل الكفيريين على جميع بعثات التبشير الروحية والعلمانية! ومع ذلك فإن من الضروري بالنسبة ألية قضية ،أن نغالي في تقدير شدة الضمير لدى أخالقيي )الطريق الجديد( والجماعات األخرى التي تسير في طريق مسدودة .إن نوايا ھؤالء الناس ليست سيئة جدا ،إال انه على الرغم من ھذه المؤسسات ،فإنھم يقومون بدور الرافعة في جھاز الرجعية .في ھذا الوقت الذي تلتصق فيه أحزاب البرجوازية الصغيرة بالبرجوازية الليبرالية ،أو بظلھا )سياسة الجبھة الشعبية( تقوم بشل البروليتارية ،وتمھيد الطريق للفاشية )اسبانيا ،فرنسا(... ويصبح البالشفة ،أي الماركسيين الثوريين ،جماعة ممقوتة في أعين الرأي العام البرجوازي .إن الضغط السياسي األساسي في زماننا ينتقل من اليمين إلى اليسار .وفي التحليل األخير ،يقع ثقل الرجعية كلھا على كواھل أقلية ثورية صغيرة ،وھذه األقلية تدعى بـ)األممية الرابعة( ذلكم ھو العدو. إن الستالينية تحتل في جھاز الرجعية مراكز قيادية عديدة. فجميع تجمعات المجتمع البرجوازي ،بما في ذلك الفوضويين ،تعتمد على مساعدتھا في نضالھا ضد الثورة البروليتارية ،وفي الوقت نفسه ،يحاول ديمقراطيو البرجوازية الصغيرة بنسبة خمسين بالمائة على األقل ،أن يلقوا بعبء جرائم حلفائھم في موسكو ،على األقلية الثورية التي ال تقھر. وفي ھذا يكمن معنى القول الشائع) :التروتسكية والستاليينة كل واحد ومتماثل( .وھكذا فإن خصوم البالشفة والكفيريين يساعدون الرجعية في التھجم على حزب الثورة. الأخالقية لينين لقد كان )الثوريون االجتماعيون( الروس ،أشد ألفراد أخالقية دائما ،وھم يتألفون من األخالقيين وحدھم .ولكن ھذا لم يمنعھم ،مع ذلك ،من خداع الفالحين الروس وقت الثورة. يكتب زنزينوف ،Zenzinovذلك االشتراكي األخالقي جدا، والذي سبق ستالين في تلفيف االتھامات ضد البالشفة ،يكتب ھذا )الثوري االجتماعي( في الصحيفة الباريسية الناطقة باسم
كيرنسكي قائال) :لقد علم لينين كما ھو معروف أن الشيوعيين يستطيعون تحقيق األھداف المرجوة ويتوجب عليھم في بعض األحيان ،اللجوء إلى جميع أنواع الحيل والمناورات() .روسيا الجديدة عدد 17شباط 1938ص .(3من ھذا استنتجوا استنتاجھم الطقسي :الستالينية ھي النتيجة الطبيعة للينينية. ولسوء الحظ ،فإن موجھي االتھام األخالقيين ليسوا قادرين حتى على االستشھاد بأقوال اآلخرين بأمانة .لقد قال لينين: )إن من الضروري أن نكون قادرين ...للجوء إلى جميع أنواع الحيل والمناورات واألساليب غير المشروعة ،وإلى المراوغة والتحايل ،من أجل النفاذ إلى نقابات العمال والبقاء فيھا، إن واالستمرار بالعمل الشيوعي في داخلھا بأي ثمن(. الحاجة للمراوغة والمناورة ،كما يوضح لينين ،تحتمھا حقيقة كون البيروقراطية األخالقية تخون العمال ،وتقف بجانب رأس المال ،وتھاجم الثوريين وتضطھدھم ،وتلجأ حتى إلى إرشاد بوليس البرجوازية إليھم .إن )المناورات( و)الحيل( ھي في ھذه الحالة مجرد أساليب للدفاع المشروع عن النفس ضد البيروقراطية اإلصالحية الغادرة .إن حزب زنزينوف ھذا قام مرة بعمل غير مشروع ضد القيصرية ،وضد البالشفة فيما بعد .وفي الحالتين لجأ إلى الخبث والمراوغة وجوازات السفر المزورة ،وأشكال التحايل األخرى .كل ھذه األساليب لم تعتبر أخالقية فحسب ،وإنما بطولية أيضا ،ألنھا اتفقت واألھداف السياسية للبرجوازية الصغيرة .ولكن الموقف يتبدل دفعة واحدة عندما يضطر الثوريون البروليتاريون إلى اللجوء بأساليب تآمرية ضد الديمقراطية البرجوازية .إن مفتاح أخالقية ھؤالء السادة له ،كما نرى ،شكل طبقي! إن )الالأخالقي( لينين يقدم في الصحافة عالنية ،نصيحة تتعلق بالدھاء العسكري ضد القادة الخونة .ويعتبر األخالقي زنزينوف بحقد ،طرفي عبارة لينين لخداع القارئ .إن موجه االتھام األخالقي يتبين كالعادة ،مجرد محرف صغير .إن لينين لم يكن مغرما بتكرار عبارة) :إن من الصعب مقابلة األعداء من أصحاب الضمائر( لم يكن لينين مغرما بتكرار ھذه العبرة دون سبب! والعامل الذي ال يخفي عن الرأسماليين حقيقة الخطط التي يعتزم المضربون تنفيذھا ،إنما ھو خائن يستحق االزدراء والمقاطعة .والجندي الذي يفضح الحقيقة للعدو يعاقب على
أساس أنه جاسوس .لقد حاول كيرنسكي أن يتھم البالشفة بأنھم قد أفصحوا عن الحقيقة لجماعة لودندوف .ويبدو أنه حتى الحقيقة المقدسة ليست غاية في حد ذاتھا ،فإن مقاييس أشد تعسفا ،تبدو من خالل التحليل ،وتحمل شكال طبقيا ھي التي تسيطر عليھا. إن نضال الحياة والموت غير ممكن دون دھاء عسكري ،أو بعبارة أخرى دون كذب وخداع .فھل المطلوب من البروليتاري األلماني أال يخدع بوليس ھتلر ،أم لعل موقف البالشفة السوفييت باالأخالقية عندما يخدعون الغيبو .إن كل برجوازي يصفق لذكاء البوليس عندما ينجح بخبثه ودھائه، بالقبض على مجرم خطر ،فھل الخبث والدھاء العسكريان مسموح بھما حقا عندما يتعلق األمر باإلطاحة بغانغستر االمبريالية؟ يتحدث نورمان توماس عن )الالاخالقية الشيوعية العجيبة التي ال يھمھا سوى الحزب وسلطته( )سوسشياليست كول، 12آذار 1938ص .(5وأكثر من ذلك ،فإن توماس يضرب بالكومنتيرن عرض الحائط ويعتبره مؤامرة دبرتھا بيروقراطية الكرملين المعادية للطبقة العاملة مع حزب البالشفة الذي مثل مؤامرة العمال المتقدمين ضد البرجوازية. ھذه المطابقة غير األمنية إطالقا ،قد فضحت أعاله بما فيه الكفاية .إن الستالينية تفضح نفسھا بخضوعھا لعبادة الحزب، والواقع أنھا تدمر الحزب وتمرغه بالوحل .ومع ذلك ،فإنه لصحيح أن الحزب بالنسبة للبالشفة ھو كل شيء .و)توماس( اشتراكي الصالونات يشعر بالدھشة من وجود عالقة متشابھة بين ثوري ما وبين الثورة ،ويعترض عليھا ألنه ھو نفسه مجرد برجوازي يحمل )مثال أعلى( اشتراكيا .والحزب في أعين توماس وإضرابه مجرد أداة ثانوية للحمالت االنتخابية واألغراض المشابھة ،ال أكثر .فحياته الشخصية ومصالحه وارتباطاته ومقاييسه الخلقية توجد خارج الحزب ،وھو ينظر من عل وبشيء من الدھشة العدائية إلى البالشفة ،الذين يرون في الحزب سالحا لتجديد بناء المجتمع ثوريا ،بما في ذلك أخالقه أيضا .وبالنسبة للماركسي الثوري ،ال يمكن أن يوجد تناقض بين األخالق الشخصية ومصالح الحزب باعتبار أن الحزب يضم في ضميره ووجدانه أعلى مھمات وأھداف الجنس البشري .إنه لمن السذاجة أن نتخيل أن لدى توماس
قدرا أعلى من الفھم لألخالق ،مما لدى الماركسيين ،إن لديه مجرد تصور مبدئي للحزب. يقول الديالكتيكي غوته) :أن كل ما يظھر مآله إلى زوال(. وزوال حزب البالشفة –حديث الرجعية العالمية -ال يقلل مع ذلك من داللته العالمية التاريخية .لقد كان خالل صعوده الثوري ،أي عندما مثل فعال طليعة البروليتارية ،كان أشد األحزاب أمانة في التاريخ ...وبالطبع فقد خدع األعداء الطبقيين أنّى استطاع إلى ذلك سبيال .ومن وجھة أخرى أخبر الكادحين بالحقيقة ،الحقيقة الكاملة وال شيء سوى الحقيقة. ولھذا السبب فقط يعزى نجاحه في كسب ثقتھم إلى درجة لم يحرزھا أي حزب آخر في العالم من قبل. إن كتبة الطبقات الحاكمة يدعون منظمي ھذا الحزب بالالأخالقيين .وھذا االتھام يحمل في أعين العمال الواعين لونا من اإلطراء ،فھو يشير إلى أن لينين قد رفض االعتراف بالمقاييس الخليقة التي وضعھا ملوك العبيد لعبيدھم ،ولم يلتزم بھا أنفسھم ،وھو يشير أيضا إلى أن لينين قد دعا البروليتارية لكي توسع من نطاق نضالھا الطبقي إلى المجال الخلقي أيضا. إن الذين يتملقون الشرائع التي وضعھا العدو ،لن ينجحوا مطلقا في التغلب على ذلك العدو! إن )الأخالقية( لينين ،أي رفضه ألخالق الطبقة العليا ،لم يمنعه من أن يظل أمينا لمثل أعلى واحد خالل حياته كلھا ،ولم يمنعه من تكريس كل وجوده لقضية المظلومين ،ومن عرض أعلى درجات الضمير في مجال األفكار ،وعلى درجات الشجاعة في مجال العمل ،ومن الحفاظ على موقف نقي ال يشوبه أي قدر من التعالي على عامل )عادي( ،أو امرأة مغلوبة على أمرھا ،أو طفل .أال يبدو أن )الالاخالقية( في ھذه الحالة مجرد اسم مستعار ألخالقية إنسانية أسمى. حادثة بناءة من المناسب أن نقص ھنا حادثة ،ال تفشل في تصوير الفرق بين أخالقھم وأخالقنا ،على الرغم من أبعادھا المتواضعة. ففي عام 1935طورت ،من خالل رسالة إلى أصدقائي البلجيكيين ،فكرة أن محاولة حزب ثوري شاب ،أن ينظم اتحادات عمال خاصة به ،ھي بمثابة االنتحار .إن من
الضروري أن نسعى إلى العمال حيثما وجدوا .ولكن ھل يعني ھذا أن نبذل األموال من اجل إقامة جھاز انتھازي؟ لقد أجبت على ھذا السؤال بقولي) :طبعا فلكي نسيطر على اإلصالحيين من الضروري أن نبذل لھم األعطيات مؤقتا(.ولكن اإلصالحيين لن يسمحوا لنا بالسيطرة عليھم؟ أجبت ذلك قائال: )حقا أن السيطرة تتطلب اتخاذ خطوات تآمرية .فاإلصالحيون ھم البوليس السياسي للبرجوازية ،داخل الطبقة العاملة .إن علينا أن نتصرف دون إذن منھم ،وضد أوامرھم .(...وقد استولى البوليس البلجيكي على رسالة خالل غارة حدثت عرضا ،على منزل الرفيق )د( تتعلق –على ما أظن -بتزويد العمال االسبان بالسالح .وخالل عدة أيام نشرت الرسالة، وبالطبع لم تتورع صحافة فندر فيلد ،ودومان ،وسباك ،عن شن الھجوم ضد )مكيافيلتي( و)يسوعيتي( .ومن ترى ھؤالء الذين يوجھون االتھامات .إن فندر فيلد ،رئيس األممية الثانية لسنوات عدة ،أصبح قبل وقت طويل ،خادما أمينا لرأس المال البلجيكي .ودومان الذي يضخم االشتراكية باألخالقيات مثالية في سلسلة من المجلدات الضخمة ،ويتقرب من الدين ،اغتنم أول فرصة لخيانة العمال ،وأصبح وزيرا برجوازيا عاديا. وأما قضية سباك فھي أشد طرافة ،فقبل عام ونصف كان ھذا السيد ينتمي إلى المعارضة اليسارية االشتراكية ،وجاءني إلى فرنسا بحثا عن نصيحتي حول طرق النضال ضد بيروقراطية فندر فيلد .وقد قدمت نفس األفكار التي تضمنتھا رسالتي فيما بعد ،ولكن بعد عام من ھذه الزيارة ،رفض سباك األشواك حبا بالزھور .وبعد أن خان رفاقه في المعارضة ،أصبح أشد عمالء رأس المال البلجيكي استخفافا .إن ھؤالء السادة يخنقون كل صوت يرتفع منتقدا في نقابات العمال ،وفي حزبھم .ويفسدون ويرشون بطريقة منظمة أشد العمال تقدمية، كما يطردون العمال المنحرفين بنفس الطريقة ،وھو يتميزون عن الغيبو فقط بحقيقة كونھم لم يلجأوا بعد إلراقة الدماء. فباعتبارھم وطنيين طيبين ،يوفرون دماء العمال للحرب االمبريالية المقبلة ،ومن الواضح أن على المرء أن يكون شديد الكراھية ،أن يكون كسيحا خلقيا ،وأن يكون كافيريا، بلشفيا ،من أجل أن ينصح العمال الثوريين بااللتزام بتعاليم التآمر في النضال ضد ھؤالء السادة! إن رسالتي لم تنطو على أي شيء جنائي ،من وجھة نظر القوانين البلجيكية .وقد كان من واجب البوليس )الديمقراطي( أن يعيد الرسالة إلى المرسل إليه ،مع االعتذار .وكان من
واجب الحزب االشتراكي أن يحتج ضد الغارة التي أملتھا دوافع تتعلق بمصالح الجنرال فرانكو .ولكن السادة االشتراكيين لم يعترھم الخجل إطالقا من استغالل خدمات البوليس الفظة .فبدون ذلك لم يكن ليتاح لھم التمتع بفرصة طيبة لعرض تفوق أخالقھم مرة أخرى ،على الأخالقيي البالشفة. وكل شيء رمزي في ھذه الحادثة .فقد صب الديمقراطيون االشتراكيون في بلجيكا جام غضبھم علي ،في الوقت نفسه الذي اعتقلت فيه أنا وزوجتي من قبل أصدقائھم المفكرين في النرويج ،لمنعنا من الدفاع عن أنفسنا ضد اتھامات الغيبو .لقد علمت الحكومة النرويجية جيدا أن اتھامات موسكو كانت ملفقة –وقد أكدت ھذه الصحيفة الديمقراطية االشتراكية شبه الرسمية ،عالنية خالل األيام األولى .ولكن موسكو ضغطت على أصحاب السفن وتجار السمك النروجيين -أن مارتن ترانمايل زعيم الحزب االشتراكي الديمقراطي ،ليس مجرد حجة في الميدان الخلقي ،ولكنه رجل فاضل عالنية :فھو ال يشرب وال يدخن وال يأكل اللحم وال يستحم بالجليد في الشتاء وھذا لم يمنعه بعد أن قبض علينا بأمر من الغيبو من دعوة عميل الغيبو النروجي جاكوب فريز –برجوازي بال شرف وضمير -من الوشاية بي ،ولكن ھذا يكفي... إن أخالق ھؤالء السادة تتألف من الشرائع التقليدية ،التي تمثل مصالحھم ورغباتھم ومخاوفھم ،وأغلبھم مستعد لرفض القناعات السائدة ،والغدر والخيانة باسم طموحه ،أو نزواته. والغاية بالنسبة لھم تبرر أية وسيلة في مجال المصالح الشخصية المقدس ،ولكنھم يحتاجون إلى شرائع أخالقية خاصة ومستمرة ،ومرنة في الوقت نفسه لھذا السبب بالذات. إنھم يمقتون كل من يفضح أسرارھم المھنية للجماھير .وفي أوقات )السلم( يعبرون عن كراھيتھم بالتھجم بلغة فلسفية. وفي أوقات الصراعات االجتماعية الحادة ،كما ھو األمر في اسبانيا ،فإن ھؤالء األخالقيين ،يقتلون الثوريين جنبا إلى جنب مع الغيبو .ولكي يبررون أنفسھم يكررون عبارة: )التروتسكية والستالينية صنوان(. التواقف Interdependenceالديالكتيكي للغاية والوسيلة
إن الوسيلة يمكن أن تبرر بغايتھا فقط ،ولكن الغاية بدورھا بحاجة إلى التبرير .والغاية ،من وجھة النظر الماركسية التي تعبر عن المصالح التاريخية للبروليتارية ،مبررة إذا ما كانت تؤدي إلى سلطة اإلنسان على الطبيعة ،وإلغاء سلطة اإلنسان على أخيه اإلنسان. )ولكن ھل نفھم من ھذا أن أي شيء مباح من أجل الوصول إلى ھذه الغاية( .ھكذا يلح الجھلة بالسؤال باستھزاء مفصحين عن عدم فھمھم لشيء .إن المباح ،كما نجيبھم ،ھو ما يؤدي فعال إلى تحرير الجنس البشري .وما دامت ھذه الغاية ممكنة التحقيق بواسطة الثورة ،فإن أخالقية البروليتارية المحررة، ذات طبيعة ثورية بالضرورة .إنھا ال تجابه بشكل سافر العقائد الدينية المتحجرة فحسب ،وإنما جميع التعاويذ المثالية. وتجابه الشرطة الفلسفية للطبقة الحاكمة ،وھي تستنتج قاعدة السلوك من وقوانين تطور المجتمع ،أي من الصراع الطبقي بشكل رئيسي ،من قانون جميع القوانين. )ويستمر األخالقيون في السؤال بإصرار :وما الفرق؟ ھل ھذا يعني أن جميع الوسائل مباحة في الصراع الطبقي ضد الرأسماليين :أي الكذب والتلفيق والخيانة والقتل وھكذا( ونجيب على ھذا بقولنا :إن الوسائل المباحة والتي ال غنى عنھا ھي تلك توحد البروليتارية الثورية وتمأل قلبھا بعداوة للظلم ال ھوادة فيھا ،وتعلمھم ازدراء األخالق الرسمية وطبولھا الديمقراطيين ،تشبعھم بوعي لرسالتھم التاريخية، ترفع من شجاعتھم وروح التضحية في نضالھم .ومن ھذا بالذات يمنع قولنا بأنه ليست جميع الوسائل مباحة .وعندما نقول أن الغاية تبرر الوسيلة ،فإن النتيجة التي تتبع ذلك بالنسبة لنا ،ھي أن الغاية الثورية العظيمة تطيح بتلك الوسائل التي توقع بين فريق من العمال ضد فريق آخر ،أو تحاول أن تجعل الجماھير سعيد ،دون مشاركتھا ،أو تخفض من إيمان الجماھير بنفسھا وبتنظيمھا ،متبدلة ذلك بعبادة القادة. إن األخالقية الثورية ترفض بشكل مبدئي وال ھوادة فيه التذلل من قبل البرجوازية ،والغطرسة من جانب الكادحين ،أي تلك الخصائص التي رسخ جذورھا متعالمو البرجوازية الصغيرة وأخالقيتھا.
إن ھذه المقاييس ال تقدم بطبيعة الحال جوابا جاھزا ،على السؤال عما ھو مباح أو غير مباح ،في كل قضية منفصلة .إذ ال يمكن أن توجد أجوبة أوتوماتيكية على ھذا النحو. فمشكالت األخالقية الثورية متصلة بمشكالت اإلستراتيجية الثورية وتكتيكھا .إن التجربة الحية للحركة في ظل نظرية واضحة ،تقدم الجواب الصحيح على ھذه المشكالت. والمادية الديالكتيكية ال تعرف ازدواج الوسيلة والغاية .فالغاية تنبع بشكل طبيعي من الحركة التاريخية ،والوسيلة تابعة عضويا للغاية ،والغاية المباشرة تصبح وسيلة لغاية أبعد .إن فردينالد السال يتحدث على لسان أحد أبطال مسرحية )فرانزفون سيكينجن( قائال: ) ...أرني الھدف ولكي أرني الطريق إليه أيضا إنھما لمتصالن بدرجة تجعل كال منھما دائم التبدل وتظھر طرق أخرى وھدف آخر( إن أبيات السال ليست كاملة على اإلطالق .وأسوأ منھا حقيقة أن السال نفسه مختلف في سياسته العملية عن التعاليم المشروحة أعاله .إنه ليكفي أن نتذكر أنه ذھب إلى حد عقد اتفاقيات سرية مع بسمارك! ولكن التواقف الديالكتيكي بين الغاية والوسيلة ،معبر عنه بشكل صحيح كليا في الجمل التي أوردتھا أعاله .إن حبوب القمح يجب أن تبذر من أجل سنبلة القمح. ھل اإلرھاب الفردي مباح أو غير مباح من ووجھة نظر )األخالق المحضة(؟ إن ھذا السؤال ال يھمنا أبدا بشكله المجرد ھذا .وتكيل البرجوازية السويسرية المحافظة حتى اآلن الثناء على اإلرھابي )وليم تل( .إن عواطفنا منحازة كليا لإلرھابيين االيرلنديين والروس والبولنديين والھندوس في نضالھم ضد الطغيان السياسي والقومي .وكيروف الطاغية الوقح الذي مات اغتياال ،ال يثير أية شفقة لدينا ،وعالقتنا بالقاتل تظل محايدة ،ألننا ال نعرف الدوافع التي دعته لقتله. فإذا أصبح معلوما أن نيقواليف قد تصرف كصاحب ضمير انتقم لحقوق العمال التي داسھا كيروف باألقدام ،فإن عواطفنا ستكون القاتل كليا .ومع ذلك ،فليس السؤال حول الدوافع
الذاتية ،وإنما الدوافع الموضوعية ،ھو الذي يحمل داللة حاسمة بالنسبة لنا .ھل الوسائل المتوفرة قادرة على أن تؤدي بنا إلى الھدف حقا؟ بالنسبة لإلرھابي الفردي تشھد النظرية والتجربة ،أن ھذه ليست القضية وإننا لنقول لإلرھابي :إنه لمن المحال االستعاضة عن الجماھير ،بالحركة الجماھيرية فقط يمكنك أن تجد التعبير عن بطولتك .ومع ذلك فضمن شروط الحرب األھلية ،يكف اغتيال الظالمين فرديا عن أن يكون إرھابا فرديا .فإذا ما قلنا أن ثوريا ألقى قنبلة على الجنرال فرانكو وأركانه فمزقھم إربا إربا ،فإن ھذا بالكاد أن يثير الغضب األخالقي ،حتى لدى الخصيان الديمقراطيين .إن تصرف مشابھا سيبدو مناسبا كليا من الناحية السياسية في ظروف حرب أھلية .وعلى ھذا ،فإن القوانين األخالقية المطلقة ،يثبت بطالنھا حتى عندما تصل المسألة إلى أقصى حد لھا :قتل إنسان إلنسان آخر .وإن التقويمات األخالقية جنبا إلى جنب مع السياسة ،تنبع من الحاجات الداخلية للصراع. إن تحرير العمال يمكن أن يتم بواسطة العمال أنفسھم .ولذلك ال توجد جريمة أعظم من خداع الجماھير وتصوير الھزائم على أنھا انتصارات ،واألصدقاء على أنھم أعداء ،ورشوة القادة العماليين واختالق األساطير ،وتلفيق المحاكمات المزيفة ،أو بعبارة واحدة ،القيام بما يفعله الستالينيون .إن ھذه الوسائل يمكن أن تخدم غاية واحدة فقط ،أال ھي إطالة أمد سيطرة طغمة أدانھا التاريخ ،ولكنھا ال يمكن أن تسھم في تحرير الجماھير ،وھذا ھو ما جعل األممية الرابعة تخوض صراع حياة أو موت ضد الستالينية. ليست الجماھير معصومة بطبيعة الحال ،فتأليه الجماھير غريب عنا .لقد رأيناھم في شروط مختلفة ،ومراحل مختلفة، وخالل أضخم الصدمات السياسية .لقد رأينا جوانبھم القوية والضعيفة ،ووجد جانبھم القوي –تصميمھم ،تضحيتھم، وبطولتھم -تعبيره األوضح دائما في أوقات الثورة .وخالل ھذه الفترة ،قاد البالشفة الجماھير .وبعد ذلك افتتح فصل تاريخي مختلف ،عندما برز الجانب الضعيف من المظلومين إلى المقدمة ،بنقص ثقافته وضيق أفقه العالمي .وسرعان ما خاب أمل الجماھير التي أتعبھا التوتر ،ففقدت األمل بنفسھا ومھدت الطريق لالرستقراطية الجديدة .وفي ھذه الفترة وجد البالشفة )التروتسكيين( أنفسھم معزولين عن الجماھير. والواقع أننا مررنا بدورتين تاريخيتين كبيرتين من ھذا النوع:
،1905-1897سنوات مد الفيضان 1913-1907 ،سنوات الجزر 1923-1917 ،فترة اضطراب ال مثيل لھا في التاريخ ،وأخيرا فترة جديدة من الرجعية لم تنته حتى اليوم. وخالل ھذه األحداث الجسام ،تعلم التروتسكيون إيقاع التاريخ، أي ديالكتيك الصراع الطبقي .كما أنھم تعلموا ،كما يبدو، بدرجة معينة من النجاح كيف يخضعون خططھم وبرامجھم الذاتية لھذا اإليقاع الموضوعي .لقد تعلموا أال يسقطوا فريسة لليأس بسبب حقيقة كون قوانين التاريخ ال تعتمد على أذواقھم الفردية ،وال تخضع لمقاييسھم الخلقية الخاصة بھم .وتعلموا أن يخضعوا أذواقھم الفردية لقوانين التاريخ .كما تعلموا أال يفزعوا أمام أعتى األعداء ،إذا ما كانت قوتھم مناقضة لحاجات التطور التاريخي .إنھم يعرفون كيف يسبحون ضد التيار ،وھم قانعون قناعة عميقة أن الطوفان التاريخي الجيد سيحملھم إلى الشاطئ اآلخر .ولن يصل الجميع إلى الشاطئ بل سيغرق الكثيرون .ولكن أن يسھم المرء في تلك الحركة بعينين مفتوحتين وإرادة شديدة –ذلكم فقط ھو الطريق إلى أعلى درجات االكتفاء األخالقي لدى كائن مفكر. كويوكان د.ف 16 .شباط/فبراير 1938 حاشية :كتبت ھذه السطور خالل أيام ،كان ولدي يصارع فيھا الموت دون علم مني .غنني أقدم لذكراه ھذا العمل الصغير الذي آمل أنه كان سيحوز على موافقته –لقد كان ليون سيدوف ثوريا حقيقا يحتقر الفريسيين. *************************** الخلقيون والمنافقون ضد الماركسية )(1 بائعو صكوك الغفران وحلفاؤھم االشتراكيون أو :طائر الكوكو في عش غريب إن كراس أخالقھم وأخالقنا له ميزة واحدة على األقل :فقد أرغم بعض الجھلة والمنافقين على الكشف عن أنفسھم كليا. وأول القصاصات من الصحف الفرنسية والبلجيكية التي تلقيتھا تؤكد ذلك .ولكن أشد التعليقات من نوعھا جالء ،المقال الذي ظھر في صحيفة الكروا La Croixالفرنسية
الكاثوليكية .إن ھؤالء السادة لديھم نظام خاص بھم ،وھم ال يخجلون من الدفاع عنه ،فھم ينافحون عن األخالقية المطلقة، وفوق كل ھذا ،فھم ال يؤمنون الجزار فرانكو ،إنھا إرادة الـله. وخلف ھؤالء يقف منظف سماوي يجمع أوساخھم وينظفھا خالل صحوھم .ولذلك فليس من المستغرب أن يحملوا على أخالقية الثوريين الذين يأخذون المسؤولية على كواھلھم، واصفين إياھا بأنھا ليست ذات قيمة .بيد أننا لسنا مھتمين اآلن ببائعي صكوك الغفران المحترفين ،وإنما باألخالقيين الذين ينجحون بالعيش دون الـله ،بينما يحاولون أن يضعوا أنفسھم مكانه. إن صحيفة بروكسيل االشتراكية )لو بوبل – (Le Peuple الشعب -قد نجحت في عدم العثور على شيء في كتابنا الصغير ،باستثناء وصفة مجرمة لبناء زنزانات سرية من أجل تحقيق أحد أشد األھداف الأخالقية ،أال وھو الھزء بكرامة البيروقراطية العمالية البلجيكية والسيطرة على مواردھا .وقد يقال بالطبع في معرض الرد على ھذا ،بأن ھذه البيروقراطية ملطخة بحوادث خيانة وغش وخداع ال يحصى Labor )ما علينا إال أن نستعيد تاريخ »البور بانك («!Bankوإنھا تخنق كل لمعة للفكر االنتقادي في الطبقة العاملة وإن أخالقيتھا العملية ليست متفوقة بأي حال من األحوال على الكھنوت الكاثوليكي ،حليفھا السياسي .ولكن المحدودي التعليم فقط ھم الذين يذكرون مثل ھذه األشياء غير السارة .ثانيا ،يحتفظ جميع ھؤالء السادة مھما كانت خطيئاتھم ،يحتفظون بأعلى أسس األخالق كاحتياطي لھم. وھذه المسألة يعالجھا ھنري دومان Henri de Man شخصيا ،فيرى أننا نحن البلشفيك ال نستطيع أن نتوقع الحصول على أية صكوك غفران. وقبل أن ننتقل إلى أخالقيين آخرين ،دعونا نتوقف لحظة عند كراس أصدره الناشرون الفرنسيون الذين أصدروا كتابنا .إن الكراس بطبيعته إما أن يقدم كتابا أو يصف محتوياته بموضوعية .وأمامنا كراس من نوع مختلف كليا ،واكتفي بإيراد مثال واحد منه) :إن تروتسكي يؤمن بأن حزبه الذي كان في السلطة مرة وھو في المعارضة اآلن قد مثل دائما البروليتاري الحقيقي ،ومثل األخالقية الحقيقية ،ويستنتج من ذلك على سبيل المثال :إن إعدام الرھائن يحمل معنى مختلفا كليا يعتمد ما إذا كان األمر باإلعدام صادرا عن ستالين أو
تروتسكي( .إن ھذه العبارة المقتطفة كافية تماما لتقويم المعلق الذي يختفي وراء الستار .ومن حق المؤلف الذي ال مراء فيه أن يشرف على كراس ،إال أن المسألة بالنسبة لھذه الحالة ،ھي أن المؤلف يقف على الطرف اآلخر من المحيط ومن الواضح أن صديقا ما يكسب من النقص في المعلومات لدى الناشر قد تحايل من أجل التسلل إلى عش غريب ،وضع فيه بيضته الصغيرة .ياه! إنھا لبيضة صغيرة جدا بطبيعة الحال ،بيضة عذراء تقريبا .من ھو مؤلف ھذا الكراس ،إنه فكتور سيرج الذي ترجم الكتاب ،والذي يعتبر في الوقت نفسه من أشد النقاد له ،يستطيع أن يقدم المعلومات .لن أكون مستغربا إذا ما اتضح أن الكراس لم يكتبه فيكتور سيرج بطبيعة الحال ،وإنما أحد تالميذه الذين يقلدون أفكار أستاذھم وطريقته .ولكن ربما كان األستاذ نفسه ،أي فيكتور سيرج ھو صديق المؤلف؟ أخالق الھوتنتوت )(2 لقد استغل سوفارين Souvarineومنافقون آخرون البيان الذي ورد في الكراس ،والذي وفر عليھم مؤونة البحث .فإذا ما كان تروتسكي يحتفظ الرھائن فھذا حسن ،وإذا ما كان ستالين ھو الذي يفعل ذلك فھذا سيء .وبالنسبة لمثل األخالق الھوتنتية ،ليس من الصعب أن نجد مخرجا للحنق النبيل ،ومع ذلك ،فليس ثمة ما ھو أسھل من فضح خواء وتزييف ھذا الحق ،اعتمادا على ھذا المثال الذي سنذكره اآلن .لقد أصبح فيكتور سيرج عالنية عضوا في حزب P.O.U.Mوھو حزب كتالوني –Catalanمن مقاطعة كتالونيا في اسبانبا -له قوات ميليشيا خاصة به ،كانت في المقدمة خالل الحرب األھلية االسبانية .وفي الجبھة ،كما ھو معروف ،يطلق الناس النار ويقتلون ،ولذلك فقد يقال) :إن القتل بالنسبة لفيكتور سيرج يأخذ معنى مختلفا كليا ،يعتمد على ما إذا كان األمر قد أصدره الجنرال فرانكو أو زعماء أو زعماء حزب فيكتور سيرج( .فإذا ما حاول أخالقينا أن نفكر بمعنى أعماله ،قبل أن يحاول إصدار التعليمات لآلخرين ،فإن من المحتمل أن يقول ما يلي :ولكن العمال االسبان قاتلوا لتحرير الشعب ،بينما قاتلت عصابات فرانكو الستبعاده! إن سيرج لن يكون قادرا على ابتكار جواب مختلف .وبكلمات أخرى ،فإن عليه أن يكرر حجة الھوتنتوت ) (3المتعلقة بتروتسكي والرھائن. الرھائن مرة أخرى
ومھما يكن من أمر ،ال بل من المحتمل أن أخالقيينا سيرفضون الحديث بصراحة وسيتيھون على غير ھدى) :إن القتل في الجبھة شيء وأن تطلق النار على الرھائن شيء آخر!( .إن ھذه الحجة ،كما سنثبت عما قريب ،حجة سخيفة. ولكن دعونا نتوقف لبرھة على األرض التي اختارھا خصمنا. إن نظام الرھائن ،كما يقال ،الأخالقي في حد ذاته .حسن ،ھذا ما نريد أن نعرفه ،ولكن ھذا النظام قد اتبع في جميع الحروب األھلية في التاريخ القديم والحديث .ومن الواضح أنه ينبع من طبيعة الحرب األھلية نفسھا .ومن ھذا المنطلق ،من المكن أن نستنتج نتيجة واحدة فقط ،ونعني بذلك أن طبيعة الحرب األھلية نفسھا الأخالقية .ذلكم ھو منطلق صحيفة الكروا التي تعتقد أن من الضروري طاعة السلطة السائدة ،بأن السلطة من عند الـله .وماذا عن فيكتور سيرج؟ إنه ال يحمل وجھة نظر معتبرة .فأن يلقي المرء بيضة صغيرة في عش صغير شيء، وأن يحدد المرء موقعه بالنسبة لمشكالت تاريخية معقدة شيء آخر .وإنني ألعترف بأن أولئك الذين لديھم أخالقية متعالية، من أمثال أزانا Azanaوكاباليرو Caballeroونيغرين Negrinوشركاه ،كانوا ضد أخذ رھائن من المعسكر الفاشي .فبالنسبة للجانبين لديك برجوازيون مقيدون بقيود األسرة والقيود المادية ،ومقتنعون بأنه حتى في حال الھزيمة، فإنھم لن ينقذوا أنفسھم فقط ،وإنما سيحتفظون بوجبات غذائھم من اللحم .لقد كانوا على حق بطريقتھم .إال أن الفاشيين أخذوا رھائن من البرجوازيين الفاشيين ،ألنھم كانوا يعلمون القدر من الذل الذي تنطوي عليه الھزيمة بالنسبة لھم وإلخوتھم في الطبقة ،حتى لو كانت ھذه الھزيمة جزئية ومؤقتة. وال يستطيع فيكتور سيرج نفسه أن يصرح تماما بما يريد :ھل يطھر الحرب األھلية من نظام الرھائن ،أم يطھر التاريخ البشري من الحرب األھلية .إن األخالقي البرجوازي الصغير يعتقد أنه غير قادر على معالجة الظواھر بالنسبة لعالقتھا الداخلية .إن مسألة الرھائن إذا ما وضعنا جانبا بشكل مزيف، تشكل بالنسبة له مشكلة خلقية خاصة ،مستقلة عن تلك الشروط العامة ،التي تزيد من حدة النزاعات المسلحة بين الطبقات .إن الحرب األھلية ھي التعبير األسمى عن الصراع الطبقي ،فأن نحاول أن نخضعھا لمقاييس مجردة ،فإن ھذا يعني في الواقع تجريد العمال من أسلحتھم ،وھم يجابھون عدوا مدججا بالسالح .إن األخالقي البرجوازي ھو األخ
األصغر للبرجوازي المسالم ،الذي يريد )أنسنة( الحرب عن طريق منع استخدام الغازات السامة ،وقصف المدن غير المحصنة الخ ...إن مثل ھذه المناھج ،من الناحية السياسية، إنما تخدم في أبعاد أفكار الناس عن الثورة ،كطريق وحيدة لوضع حد للحرب. فزع الرأي العام البرجوازي إن األخالقي المحاصر بالتناقضات ،ربما يحاول أن يناقش بقوله أن صراعا مكشوفا وواعيا بين المعسكرين شيء ،وأن احتجازا غير المشتركين في الصراع شيء آخر .وھذه الحجة مع ذلك ھي مجرد حرف غبي وممطوط للموضوع .ففي معسكر فرانكو حارب عشرات اآلالف الذين جندوا بالقوة، وقد أطلقت جيوش الجمھوريين على ھؤالء األسرى التعساء، أسرى جنرال رجعي .فھل كان ھذا أخالقيا أم غير أخالقي؟ وأكثر من ذلك فإن الحرب الحديثة ،بما فيھا من مدفعية بعيدة المدى ،وقنابل غاز ،وطيران ،وتخريب ،ومجاعات وحرائق وأوبئة ،تعني بالضرورة فقدان أرواح مئات اآلالف والماليين من الكھول واألطفال الذين لم يشتركوا في الصراع مباشرة. إن الذين يؤسرون ھم مرتبطون بقيود الطبقة والتضامن العائلي مع معسكر من معسكرين على األقل ،أو مع زعماء ھذا المعسكر .وأن االختيار الواعي ممكن لدى أخذ الرھائن، إن قذيفة من بندقية أو طائرة ،يمكن أن تدمر العدو والصديق على حد سواء ،أو اآلباء واألطفال .لماذا إذن يستثنى أخالقيون مسألة الرھائن ويغلقون أعينھم على مضمون الحرب األھلية كلھا؟ ألنھم ليسوا شجعانا بما فيه الكفاية، وكيساريين فإنھم يخشون من تدمير الجسور مع الرأي العام الرسمي وبإدانة نظام الرھائن يشعرون أن لديھم أصدقاء طيبين ضد البالشفة ،فھم يمارسون صمتا جبانا إزاء اسبانيا. وسيستمر فيكتور سيرج باالحتجاج على حقيقة أن العمال االسبان والفوضويين وأعضاء حزب P.O.U.Mقد أخذوا رھائن ،سيحتج على ذلك بعد عشرين عاما. الشريعة الخلقية للحرب األھلية وإلى نفس الفئة تنتمي مجموعة أخرى من اكتشافات فيكتور سيرج ،وأقصد بھا أن انحطاط البالشفة يبدأ من اللحظة التي أعطي فيھا الشيكا ) (4حتى تقرير مصير الشعب من وراء
األبواب المقفلة .إن سيرج يعبث بفكرة الثورة ويكتب القصائد عنھا ،غال أنه عاجز عن فھمھا كما ھي. إن المحاكمات العامة ممكنة فقط في ظروف نظام مستقر. والحرب األھلية ھي شرط عدم االستقرار األقصى للمجتمع والدولة .وكما أنه من المستحيل أن ننشر خطط الدولة في الصحف ،كذلك فإن من المستحيل أن نكشف بمحاكمات عامة عن شروط وظروف المؤامرات ،ذلك أن ھذه المؤامرة تتصل اتصاال وثيقا بمجرى الحرب األھلية .وال شك أن المحاكمات السرية قد زادت كثيرا من احتمال وقوع األخطاء .وھذا يدل فقط على أن من الصعب في ظروف الحرب األھلية ممارسة العدالة غير المتحيزة. إننا نقترح أن يعين فيكتور سيرج رئيسا للجنة تتألف من مارسيو بيفر وسوفارين ووالدو فرانك وماكس ايستمان ومجدولين باز وآخرين لوضع شريعة أخالقية للحرب األھلية ،والشخصية العامة لھذه اللجنة واضحة مقدما. الطرفان يتعھدان بعدم أخذ األسرى ،والمحاكمات العامة تظل دائرة ،ومن أجل أن تتم ھذه المحاكمات على ما يرام ،فإن الحرية الكاملة للصحافة محفوظة خالل الحرب األھلية، وقصف المدن ممنوع كليا باعتباره يرتبط بالعدالة وحرية الصحافة وعدم خرق حرمة األفراد .وألسباب أخرى مشابھة يمنع استخدام المدفعية .وكما ھو األمر بالنسبة للبنادق ،فإن القنابل اليدوية والحراب تؤثر تأثيرا مشؤوما على المخلوقات البشرية ،بقدر ما تؤثر على الديمقراطية بشكل عام .إن استخدام األسلحة النارية في الحرب األھلية ممنوع كليا. شريعة رائعة! نص عظيم لخطابة فيكتور سيرج ومجدولين باز! ومع ذلك ،فطالما أن ھذه الشريعة تظل غير مقبولة ھدين ،فإن كقاعدة للسلوك من قبل جميع المضطھدين والمضط َ الطبقات المتخاصمة ستسعى لنوال النصر بأية وسيلة ،بينما يستمر األخالقيون البرجوازيين بالتساؤل بالضياع واالرتباك بين المعسكرين ،وھم يتعاطفون ذاتيا مع المضطھدين –ال شك في ذلك .ولكنھم يظلون من الناحية الموضوعية أسرى أخالقية الطبقة الحاكمة ،ويسعون لفرضھا على المضطھَدين، بدال من مساعدتھم على إتقان أخالقية العصيان. الجماھير ال عالقة لھا بذلك مطلقا!
لقد أوضح فيكتور سيرج عرضا األسباب التي أدت إلى انھيار حزب البالشفة ،وھي :المركزية الشديدة ،وعدم الثقة بالنضال اإليديولوجي وانعدام الروح المحبة للحرية .فمزيدا من الثقة بالجماھير ،مزيدا من الحرية! كل ذلك خارج الزمان والمكان. غير أن الجماھير ليست متشابھة على اإلطالق ،فھناك جماھير ثورية ،وجماھير سلبية ،وجماھير رجعية .والجماھير نفسھا تستلھم ،خالل أوقات مختلفة ،أمزجة وأھدافا مختلفة. ولھذا السبب نفسه يبدو وجود منظمة مركزية للطليعة أمر ال غنى عنه .فالحزب الواحد فقط والذي يستخدم السلطة التي فاز بھا ،قادر على التغلب على ذبذبة الجماھير .فإن نحيط الجماھير بھاالت من القداسة ،وأن نخفض برنامجنا إلى مستوى )الديمقراطية( غير الممدودة ،معناه أن نحل أنفسنا في الطبقة كما ھي ،وأن نتحول من طليعة إلى مؤخرة ،وبالتالي أن نتخلى عن مھمات الثورة .ومن وجھة أخرى ،فإذا ما كانت ديكتاتورية البروليتارية تعني أي شيء على اإلطالق ،فإنھا تعني عندئذ أن طليعة الطبقة مسلحة بموارد الدولة من أجل درء األخطار ،بما في ذلك األخطار التي تنطلق من الصفوف الخلفية للبروليتارية نفسھا .كل ذلك أساسي وكل ذلك أوضحته تجربة روسيا وأكدته تجربة اسبانيا. إال أن السر كله ھو أن مطالبة فيكتور سيرج بالحرية )للجماھير( تعني في الواقع الحرية لنفسه ولرفقائه ،الحرية من كل سيطرة ونظام ،والحرية من النقد إذا أمكن ذلك .إن )الجماھير( ال عالقة لھا بذلك مطلقا ،وعندما يتأرجح ديمقراطيونا من اليمين إلى اليسار ،ومن اليسار إلى اليمين زارعين الشك واالضطراب ،يتخيل أن ذلك يعني تحقق حرية نقوم منطلقين من منطلق ماركسي ،فإن الفكر .ولكن عندما ّ الحكم على ذبذبة مثقف برجوازي صغير مصاب بخيبة األمل ،يبدو بالنسبة له بمثابة اعتداء على فرديته ،ثم ما يلبث أن يدخل في تحالف مع جميع المشوشين لشن حملة صليبية ضد طغياننا وتعصبنا المذھبي. إن الديمقراطية الداخلية لحزب ثوري ليست ھدفا في حد ذاتھا .فمن الواجب أن تدعم وتربط عن طريق المركزية. فبالنسبة للماركسي كان السؤال دائما :الديمقراطية ألي شيء؟ وألي برنامج؟ إن إطار البرنامج ھو إطار الديمقراطية في الوقت نفسه .لقد طالب فيكتور سيرج من األممية الرابعة أن
تعطي حرية العمل لجميع المشوشين والمتعصبين المذھبيين ومركزيي P.O.U.Mمن أمثال فيريكن Vereecken وللبيروقراطيين Marceau Pivert بيفر ومارسيو المحافظين من أمثال سنيفلييت Sneevlietأو للمغامرين من أمثال ر .مولينييه .R.Molinierومن جھة أخرى ساعد فيكتور سيرج بشكل منظم ،ساعد المنظمات المركزية على أن تطرد من بين صفوفھا أنصار األممية الرابعة .إننا منسجمون كليا مع الديمقراطية ،فھي مسالمة ومطيعة ،وتميل نحو اليمين .وفي الوقت نفسه فإنھا ضرورية وحقودية ومخادعة باتجاه اليسار –إنھا تمثل نظام الدفاع عن النفس لدى مركزية البرجوازية الصغيرة. الصراع ضد الماركسية إذا كان موقف فيكتور سيرج من المشكالت النظرية ،كان جادا ،فإنه سيشعر بالحرج من الظھور في المقدمة كمبتكر أفكار ،وأن يعود بنا إلى برنشتاين Bernsteinوستروف Struveوجميع المراجعين في القرن الماضي الذين حاولوا إلصاق الكنطية بالماركسية ،أو بكلمات أخرى ،إخضاع النضال الطبقي للبروليتارية إلى مبادئ ترتفع عنه .وكما فعل كنط نفسه ،اعتبروا »األمر المطلق« )فكرة الواجب( مقياسا مطلقا لألخالق يسري على الجميع .والواقع أن المسألة )واجب( بالنسبة لمجتمع برجوازي .وقد كان لدى كل من برنشتاين وستروف وفورالندر ،Vorlanderكان لھم موقف من النظرية على طريقتھم الخاصة .فقد دعوا عالنية للعودة إلى كنط .إن فيكتور سيرج ورفاقه ال يشعرون بأبسط المسؤوليات تجاه الفكر العلمي ،إنھم يقصرون أنفسھم على الخياالت واالستعارات ،وعلى التعميميات األدبية في أفضل األحوال .ومع ھذا ،فإذا ما امتحنت أفكارھم فإنھم يبدون وقد انضموا لقضية قديمة ،يثبت بطالنھا منذ زمن طويل :إخضاع الماركسية بالكنطية ،شل الثورة االشتراكية بواسطة )المقاييس المطلقة( ،التي تمثل في الواقع التعميمات الفلسفية للمصالح البرجوازية –وھذه ليست برجوازية يومنا ھذا ،وإنما برجوازية فترة التجارة الحرة والديمقراطية .إن البرجوازية االمبريالية تلتزم بھذه المقاييس بقدر أقل من ذلك الذي التزمت به حقوقھا الليبرالية ،وھي تنظر بعطف إلى محاوالت المبشرين البرجوازيين الصغار ،بإشاعة االرتباك والفوضى والتذبذب بين صفوف البروليتارية الثورية .إن الھدف
الرئيسي لھتلر والليبراليين والديمقراطيين ھو التھجم على البلشفية ،في وقت تھدد فيه شريعتھا التاريخية بأن تصبح بشكل مطلق للجماھير البلشفية ،الماركسية –ذلكم العدو! عندما زيف )األخ( فيكتور باش (5) Victor Baschالكاھن األعظم لألخالق الديمقراطية بمساعدة )أخيه( روزنمارك Rosenmmarkوذلك دفاعا عن محاكمات موسكو ،فضح عالنية .وعندما أدين بتھمة التزوير ،دق على صدره وصاح: )ھل أنا متحيز إذن؟ لقد استنكرت دائما إرھاب لينين وتروتسكي( .لقد فضح باش الدافع الداخلي ألخالقيي الديمقراطية ،فبعضھم قد يصمت عن محاكمات موسكو، والبعض اآلخر قد يھاجم المحاكمات ،وھناك من يدافع عنھا. إال أن اھتمامھم الرئيسي ينصب على استخدام المحاكمات إلدانة )أخالقية( لينين وتروتسكي ،أي الطرق التي تلجأ إليھا الثورة البروليتارية .وفي ھذا المجال يبدو الجميع أشقاء. لقد ذكر في الكراس المليء بالفضائح ،والذي نظرنا فيه آنفا، أنني )أؤسس نفسي على لينين( ،وھذه العبارة غير المحدودة، والتي ترددت في منشورات أخرى ،يمكن أن تعني أنني طورت أسس لينين النظرية .ولكن ما أعلمه ھو أن لينين لم يكتب عن األخالق .لقد تمنى فيكتور سيرج في الواقع أن يقول شيئا مختلفا كليا ،وأعني بذلك أن أفكاري الالأخالقية ھي تعميم لسلوك لينين )الالأخالقي( وھو يحاول الطعن بشخصية لينين ،عن طريق استخدام أحكامي ،والطعن بأحكامي عن طريق استخدام شخصية لينين .إنه ببساطة يدخل السرور على الرجعية التي تعادي البلشفية والماركسية بشكل عام. سوفارين المنافق إن بطل السلم السابق ،والشيوعي السابق ،والتروتسكي السابق ،والشيوعي الديمقراطي السابق ،والماركسي السابق... ال بل سوفارين السابق يحمل على الثورة البروليتارية والثوريين بقدر من الصفاقة ،يعظم كلما قلت معرفته لما يريد. إن ھذا الرجل يحب ويعرف كيف يجمع المقتطفات والوثائق، والفواصل ،واألقواس ،وكيف يرتب الملفات .وأكثر من ذلك فھو يعرف كيف يمسك بالقلم .ولقد تمنى منذ البداية أن ھذا المتاع سوف يكفيه طيلة حياته ،إال أنه سرعان ما اضطر إلى إقناع نفسه ،بأنه يحتاج باإلضافة إلى ذلك ،إلى القدرة على
التفكير .إن كتابه عن ستالين ،على الرغم من توفر المقتطفات والحقائق الھامة ،ما ھو إال شھادة ذاتية على فقره .إن سوفارين ال يفھم ما ھي الثورة وال الثورة المضادة ،إنه يطبق على العملية التاريخية مقياس معقّل صغير ،تؤرقه دائما اإلنسانية الخاطئة .والتناقض بن روحه االنتقادية وعجزه على الخلق يستھلكه وكأنه األسيد .ومن ھنا يبدو نزقه وبرمه الدائم، وفقدانه لألمانة المبدئية في تقويم األفكار والبشر والحوادث، بينما يغطي ذلك كله بإضفاء ستار أخالقي جاف .وكما ھو األمر بالنسبة لجميع الكارھين للبشر والكلبيين ،فإن سوفارين منجذب عضويا باتجاه الرجعية. ھل انشق سوفارين عالنية عن الماركسية؟ إننا لم نسمع عن ذلك ،إنه يفضل المواربة والمراوغة ،فھذا ھو عنصره األساسي .لقد كتب في مراجعته لكراسي قائال) :إن تروتسكي يمتطي مرة أخرى حصان الصراع الطبقي الذي يستھويه(. وبالنسبة لماركسي األمس ،فإن الصراع الطبقي ھو) :حصان تروتسكي( .إنه ليس باألمر الذي يدعو للدھشة أن سوفارين نفسه فضل أن يتخطى كلب األخالق األزلية الميت ،وھو يعارض الفكرة الماركسية القائلة بوجود )إحساس بالعدالة دونما اھتمام بالفوارق الطبقية( .إنه لما يحمل العزاء أن نعلم أن مجتمعنا قائم على )اإلحساس بالعدالة( ،أن سوفارين سيصل باكتشافه إلى مدى أبعد بال شك في الحرب القادمة، سيصل باكتشافه إلى الجنود في الخنادق ،وعند ذلك يستطيع أن يفعل الشيء نفسه مع مشلولي الحرب األخيرة ،والعاطلين عن العمل ،واألطفال الذين تخلى عنھم ذووھم ،والعاھرات. إننا نعترف مقدما أنه إذا ما تعرض لألذى فيما ھو ملتزم على ھذا النحو ،فإن )إحساسنا بالعدالة( لن ينحاز إلى جانبه. إن المالحظات االنتقادية لھذا المدافع عن العدالة البرجوازية الفاقد للحياء) ،دونما اھتمام بالفوارق الطبقية( تعتمد كليا على الكراس الذي استلھمه من فيكتور سيرج .وھذا األخير في كل محاوالته للتنظير ،ال يذھب إلى أبعد من االستعارة الھجينة من سوفارين ،الذي يمتلك مع ذلك المزية التالية :أنه يتفوه بما لم يجرؤ سيرج على التفوه به بعد. يكتب سوفارين بلھجة تتصنع االستياء –ال يوجد شيء من األصالة فيه -قائال أنه بقدر ما يدين تروتسكي أخالقية الديمقراطيين واإلصالحيين والستالينيين والفوضويين ،فإن
ھذا يعني أن ممثل األخالقية الوحيد ھو )حزب تروتسكي(. وما دام حزبه غير موجود ،فإن رمز األخالق ،في التحليل األخير ھو تروتسكي نفسه .كيف بوسع المرء أن يتصنع االبتسام إزاء ھذا؟ إن من الواضح أن سوفارين يتخيل انه قادر على التمييز بين ما ھو موجود ،وبين ما ھو ليس موجودا .إنھا لمسألة بسيطة جدا طالما أنھا مسألة بيضة مخفوقة ،أو زوج من الحماالت .إال أن مثل ھذا التمييز بالنسبة لمقياس العملية التاريخية ،يتميز من الوضوح من أنه يقع على رأس سوفارين .إن )ما ھو موجود( يخلق أو يموت، يتطور أو يتفتت ،وما ھو موجود يمكن فھمه من قبله فقط باعتباره يفھم اتجاھاته الداخلية. إن عدد الناس الذين تسنموا مركزا ثوريا لدى اندالع الحرب األخيرة ،يمكن أن يعدوا على أصابع اليد الواحدة .لقد كان حقل السياسة الرسمية كله مفعما تقريبا بظالل مختلفة من الشوفينية .وقد بدا اليبكنيشت Liebknechtولوكسمبورغ Luxemburgولينين أفرادا عاجزين ومعزولين ،ولكن ھل ھناك أي شك في أن أخالقيتھم كانت تفوق األخالقية الحيوانية )للحلف المقدس( .إن سياسة اليبكنيشت الثورية ،لم تكن )فردية( إطالقا كما بدا آنذاك للجاھل الوطني العادي .وعلى العكس من ذلك ،فقد عكس اليبكنيشت ،اليبكنيشت وحده التيارات األساسية الخفية لدى الجماھير ،ومجرى األحداث الالحقة أكد ذلك كليا .أال نخشى اليوم القطيعة الكاملة مع الرأي العام الرسمي من أجل أن نكسب في الغد حق التعبير عن أفكار ومشاعر الجماھير الثائرة ،ھو الشكل الخاص للوجود الذي يختلف عن الوجود التجريبي لتقليديين البرجوازيين الصغار .إن جميع أحزاب المجتمع الرأسمالي، وجميع أخالقييه ومنافقيه سيتالشون تحت وقع الكارثة. والحزب الوحيد الذي سينجو ھو حزب الثورة العالمية االشتراكية ،على الرغم من أنه يبدو موجودا اليوم بالنسبة للمعلقين القصيري النظر ،كما بدا لھم خالل الحرب األخيرة، عن حزب لينين و اليبكنيشت غير موجود. ثوريون وحاملو وباء كتب انجلز مرة أنه وماركس ظال طيلة حياتھما مع القلة وشعرا بالسعادة بذلك .إن الفترات التي ترتفع فيھا الطبقات المضطھدة في عداد إلى مستوى المھمات العامة للثورة ،تمثل
أندر االستثناءات في التاريخ ،ذلك أن ھزائم المضطھدين أكثر عددا من انتصاراتھم .وبعد كل ھزيمة تأتي فترة طويلة من الرجعية تلقي بالثوريين إلى الوراء في حالة من االنعزال الحاد .وأشباه الثوريين )فرسان الساعة( كما دعاھم شاعر روسي ،أما أن يخونوا قضية المضطھدين عالنية في مثل ھذه الفترات ،أو يبدأون البحث عن معادلة للخالص تسمح لھم بتجنب القطيعة مع أي من المعسكرين .إنه لمن غير الممكن في زماننا أن نعثر على معادلة مسالمة في مجال االقتصاد السياسي أو علم االجتماع ،والتناقضات الطبقية قد أطاحت إلى األبد بمعادلة )االنسجام( التي يطرحھا اإلصالحيون الليبراليون والديمقراطيون .ويظل ھناك مجال األخالق الدينية والمتعالية .لقد حاول )الثوريون االجتماعيون( الروس إنقاذ الديمقراطية بالتحالف مع الكنيسة .إن مارسيو بيفر يستبدل الكنيسة باألخوة الماسونية .ومن الواضح أن فيكتور سيرج لم ينضم إلى ھذه الكتلة ،إال انه لم يجد صعوبة في العثور على لغة مشتركة مع بيفر ضد الماركسية. ھناك طبقتان تقرران مصير المجتمع الحديث :الطبقة البرجوازية والطبقة البروليتارية .وآخر ملجأ للبرجوازية ھو الفاشية التي تستبدل المقاييس االجتماعية والتاريخية بمستويات حيوانية لكي تعفي نفسھا من كل قيد في صراعھا من أجل الملكية الرأسمالية .ويمكن إنقاذ الحضارة عن طريق الثورة االشتراكية فقط .ومن أجل تحقيق االنقالب المنشود تحتاج البروليتارية إلى كل قوتھا وعزمھا ومضائھا وعنفوانھا وقسوتھا .وفوق كل ھذا ،يجب أن تكون متحررة كليا من خرافات الدين ،والديمقراطية واألخالقية المتعالية يجب أن تتحرر من القيود الروحية التي خلفھا العدو لترويضھا واستعبادھا ،كلما يمھد الطريق كلية لإلطاحة بوحشية االمبريالية األخالقية ،وال شيء غير ذلك .سالمة الثورة فقط: ذلكم ھو القانون األسمى. إن الفھم الواضح للعالقة الداخلية بين طبقتين أساسيتين – البرجوازية والبروليتارية في فترة صراعھما المميت -يوضح لنا المعنى الموضوعي لدور األخالقيين البرجوازيين الصغار .إن سمعتھم الغالبة ھي العجز :العجز االجتماعي بسبب التدھور االقتصادي للبرجوازية الصغيرة ،العجز اإليديولوجي بسبب خوف البرجوازية الصغيرة من إثارة الصراع الطبقي المرعب .ومن ھنا يبدو حرص البرجوازية
الصغيرة المتعلمة والجاھلة كل كبح جماح الصراع الطبقي. فإذا ما كان البرجوازي عاجزا عن النجاح في مسعاه باستخدام األخالق المطلقة ،فإنه يلقي بنفسه في أحضان الفاشية التي تكبح الصراع الطبقي بواسطة األساطير وفأس الجالد .إن أخالقية فيكتور سيرج وزمالئه ھي جسر العودة من الثورة إلى الوراء .وقد أصبح سوفارين على الطرف اآلخر من الجسر فعال ،وأية تنازالت لھذه الميول تمثل بداية االستسالم للرجعية .فلندع حاملي الوباء ھؤالء يستخلصون قواعد األخالق من ھتلر وموسوليني وتشمبرلين وداالدييه .أما بالنسبة لنا فإن منھاج الثورة البروليتارية يكفي. كويوكان د.ف 9حزيران/يونيو .1939 الوسائل والغايات )(1 جون ديوي إن عالقة الوسائل بالغايات قد كانت لوقت طويل موضوعا رئيسيا في األخالق ،كما أنھا كانت موضوعا ملما في النظرية السياسية وتطبيقھا .وبالنسبة للناحية األخيرة تركزت المناقشة حول التطورات األخيرة في االتحاد السوفيتي .وقد دافع عن االتجاه الستاليني عدد من المؤمنين به البلدان األخرى ،على أساس أن عمليات التطھير واالضطھادات كانت ضرورية، حتى مع وجود قدر معين من التلفيق ،وذلك من أجل الحفاظ على النظام االشتراكي في تلك البالد .وقد استخدم آخرون اإلجراءات التي قامت بھا البيروقراطية الستالينية إلدانة السياسة الماركسية على أساس أنھا تؤدي إلى ألوان من التطرف ،على غرار ما حدث في االتحاد السوفييتي ،وذلك ألن الماركسية تعتقد أن الغاية تبرر الوسيلة .وقد آمن بعض أولئك النقاد أنه ما دام تروتسكي ماركسيا أيضا ،فإنه ملتزم بالسياسة نفسھا ،وبالتالي لو كان تروتسكي في الحكم ،فإنه كان سيشعر بأنه مضطر الستعمال أية وسيلة تبدو ضرورية لتحقيق الغاية المتعلقة بدكتاتورية البروليتارية. وقد كان للمناقشة نتيجة نظرية مفيدة واحدة على األقل ،فقد كشف ألول مرة عن مناقشة جليلة لماركسي رصين حول عالقة الوسائل بالغايات في العمل االجتماعي ) .(2وبناء على الدعوة الكريمة ألحد المشرفين على ھذه المجلة ،أريد مناقشة
ھذه المسألة على ضوء مناقشة تروتسكي لتواقف Interdependenceالوسائل والغايات .والقسم األعظم من مطلع ھذا المقال ال يدخل بالتالي ضمن مناقشتي ،ھذا على الرغم من أنني أستطيع أن أقول معتمدا على برھان »وأنت أيضا يا بروتوس« )التي يثيرھا العنوان( ،إن تروتسكي لم يجد كبير عناء في اإليضاح بأن بعض نقاده قد تعرفوا بالطريقة نفسھا التي ينسبونھا إليه .وما دام تروتسكي يوضح أيضا أن المركز البديل الوحيد لفكرة الغاية تبرر الوسيلة ،ھي شكل من أشكال األخالق المطلقة يعتمد على التحرر من الضمير ،أو الحس الخلقي ،أو بعض أنواع الحقائق الخالدة. وأرغب بالقول أنني أكتب منطلقا من كوني أرفض جميع ھذه العقائد بنفس الدرجة التي يكرھھا بھا تروتسكي نفسه .وإنني أعتقد بأن الغاية من ناحية التسلل تقدم األساس الوحيد لألفكار الخلقية والعمل ،وبالتالي فھي تقدم التبرير الوحيد الذي يمكن إيجاده للوسائل المستخدمة. والنقطة التي أقترح معالجتھا ھي تلك التي أثيرت في نھاية مناقشة السيد تروتسكي في القسم المعنون بـ)التواقف الديالكتيكي للغاية والوسيلة( .إن البيان التالي أساسي) :إن الوسيلة يمكن أن تبرر بغايتھا فقط ،ولكن الغاية بدورھا بحاجة إلى التبرير .والغاية من وجھة النظر الماركسية التي تعبر عن المصالح التاريخية للبروليتارية ،مبررة إذا ما كانت تؤدي إلى سلطة اإلنسان على الطبيعة ،وإلغاء سلطة اإلنسان على أخيه اإلنسان( .وھذه الزيادة في سلطة اإلنسان على الطبيعة ،يرافقھا إلغاء سلطة اإلنسان على اإلنسان ،تبدو الغاية ،وأعني بذلك الغاية التي ال تحتاج إلى أن تبرر في حد ذاتھا ،وإنما ھي تبرير الغايات التي بدورھا وسائل لھا .ويمكن أن نضيف أيضا أن آخرين غير الماركسيين قد يقبلون بمعادلة الغاية ھذه ويعتبرون أنھا تعبر عن المصالح الخلقية للمجتمع –إذا لم نقل المصالح التاريخية -وليس مصالح البروليتارية فقط. إال أن من الھام بالنسبة لھدفي اآلن أن نالحظ بأن كلمة )غاية( استخدمت ھنا لتغطي شيئين :الغاية المبررة األخيرة، والغايات التي ھي في حد ذاتھا وسائل لھذه الغاية األخيرة. ذلك أنه في الوقت الذي لم يتضح فيه لعدد كاف من الكلمات أن بعض الغايات ليست سوى وسائل ،فإن ھذا االقتراع متضمن بالطبع في البيان القائل) :إن بعض الغايات تؤدي إلى
زيادة سلطة اإلنسان على الطبيعة الخ( .ويمضي تروتسكي ليوضح بأن المبدأ القائل بأن الغاية تبرر الوسيلة ال يعني أن كل وسيلة مباحة )إن ما ھو مباح ،ھكذا نجيب ،ھو ما يؤدي فعال إلى تحرير الجنس البشري(. إذا ما التزمنا بھذا الرأي األخير وقمنا بتمحيصه ،فسيكون منسجما مع المبدأ الشھير لتواقف الوسيلة والغاية .وھذا يؤدي إلى قيامنا بتدقيق الوسائل التي استخدمت لكي نثبت ما ستكون عليه نتائجھا الموضوعية ،بالقدر الذي يكون فيه ذلك ممكنا، من الناحية اإلنسانية –لنوضح أنھا تؤدي فعال إلى تحرير الجنس البشري .عند ھذه النقطة يصبح المغزى المزدوج للغاية ھاما .فطالما أنھا تعني النتائج التي جرى التوصل إليھا فعال ،فإن من الواضح اعتمادھا على الوسائل المستخدمة، بينما نعتمد اإلجراءات التي تعتبر بمثابة وسائل ،على الغاية، بمعنى أنھا يجب أن ينظر إليھا ويحكم عليھا على أساس نتائجھا الموضوعية مباشرة .وعلى ھذا األساس ،فإن الغاية الموضوعية نصب أعيننا تمثل ،أو ھي في حد ذاتھا فكرة النتائج النھائية ،في حال كون الفكرة قد تشكلت على أساس الوسائل التي تعتبر أقرب الوسائل لتحقيق الغاية .وعلى ذلك فالغاية التي ھي في حد ذاتھا وسيلة لتوجيه العمل ،تماما كما أن فكرة إنسان ما عن الصحة التي يريد اكتسابھا ،أو البيت الذي يريد بناءه ،ليست مطابقة للغاية بمعنى النتائج المباشرة، ولكنھا وسيلة لتوجيه العمل من أجل تحقيق تلك الغاية. وأما السبب الذي أعطى مقياس )والتطبيق المنبثق عنه( الغاية تبرر الوسيلة اسما سيئا ،ھو أن الغاية التي ھي نصب أعيننا، الغاية التي نؤمن بھا )ونعتنقھا ربما بإخالص( تبرر استخدام وسائل معينة ،وبذلك تبرر أنه ليس من الضروري أن نمحص ما ستكون عليه النتائج المباشرة الستخدام الوسائل الممتازة. وقد يؤمن فرد ما بإخالص أن بعض الوسائل ستؤدي فعال إلى الغاية المتوخاة والمرغوب فيھا .غير أن المسألة الحقيقية ليست مسألة اعتقاد شخصي ،وإنما مسألة األسس الموضوعية التي يستند عليھا ھذا االعتقاد ،وأعني بذلك النتائج التي ستتسبب عنھا مباشرة .وھكذا فعندما يقول السيد تروتسكي أن )المادية الديالكتيكية ال تعرف ثنائية بين الوسيلة والغاية( فإن التفسير الطبيعي لذلك ھو أنه يدعو الستخدام الوسائل التي يمكن أن يبدو من طبيعتھا أنھا تؤدي إلى الجنس البشري كنتيجة موضوعية.
ومن ھنا فإن المرء ليتوقع أن يوجد مع فكرة تحرير الجنس البشري كغاية ،موضوعية نصب أعيننا ،سيكون ھناك تمحيص لجميع الوسائل التي يمكن أن تحقق ھذه الغاية ،دونما أفكار مسبقة عما يجب أن تكون عليه ،وأن أية وسيلة مقترحة ستوزن ويحكم عليھا حسب النتائج التي يحتمل أن تؤدي إليھا. ولكن ھذا ليس ھو السبيل الذي اتبعه تروتسكي في مناقشته. فھو يقول) :إن األخالق المحورة للبروليتارية ذات طبيعة ثورية ،فھي تستنتج قاعدة للسلوك من قواعد تطور المجتمع، أي من النضال الطبقي قانون جميع القوانين( .فكأنه لكي يقطع دابر كل شك حول المعنى الذي قصده ،يقول )الغاية تنبع من الحركة التاريخية( ،أي الصراع الطبقي .إن مبدأ تواقف الوسيلة والغاية قد اختفى على ھذا األساس أو اغرق على األقل .ذلك أن اختيار الوسيلة ال يثور على أساس فحص مستقل للوسائل والسياسات بالنسبة لنتائجھا الموضوعية المباشرة .وعلى العكس من ذلك ،فإن الوسائل تستنتج من مصدر مستقل ،مما يزعم بأن قانون التاريخ ،ھو قانون جميع قوانين التطور االجتماعي .كما أن منطق المسألة ال يتبدل في حال شطبنا على كلمة )ما يزعم( .ذلك أنه حتى في ھذه الحال ،فإن الوسائل التي تستخدم ليست مستمدة من اعتبارات الغاية وھي تحرير الجنس البشري ،وإنما من مصدر خارجي آخر .وعلى ھذا ،فإن الغاية المتوخاة ،الغاية الموضوعة نصب العينين ،تحرير الجنس البشري ،خاضعة للصراع الطبقي ،كوسيلة يمكن بھا التوصل إليه .وبدال من تواقف الوسيلة والغاية ،فإن الغاية تعتمد على الوسائل ،إال أن الوسائل ليست مستمدة من الغاية .ومادام الصراع الطبقي يعتبر الوسيلة الوحيدة التي يمكن التوصل بھا إلى الغاية ،وما دامت الفكرة القائلة بأنه الطريق الوحيد ،قد جرى التوصل إليھا بطريق االستنتاج ،وليس عن طريق التمحيص االستداللي للوسائل –النتائج في توافقھا ،فإن الوسائل ،أي الصراع الطبقي ،ال تحتاج إلى التمحيص االنتقادي بما يتعلق بنتائجھا الموضوعية المباشرة .إنھا مبرأة أوتوماتيكيا من كل حاجة للتمحيص االنتقادي .فإذا لم نعد بذلك إلى الوضع الذي تصبح فيه الغاية المتوخاة )المتميزة عن النتائج الموضوعية( تبرر استخدام أية وسيلة تتفق والصراع الطبقي ،وأن تبرر إھمال جميع الوسائل األخرى فإنني لعاجز عن فھم منطق وضع السيد تروتسكي.
إن الوضع الذي أوضحته ،وضع التواقف الحقيقي للوسائل والغايات ال يستعيد بشكل أوتوماتيكي الصراع الطبقي كوسيلة لتحقيق الغاية .ولكنه يستبعد فعال األسلوب االستنتاجي للوصول إليه كوسيلة ،ھذا إذا لم نقل شيئا عن كونه الوسيلة الوحيدة .إن اعتبار الصراع الطبقي وسيلة يجب تبريره على أساس تواقف الغاية والوسيلة ،وتمحيص النتائج المباشرة الستخدامھا ،ليس بطريقة استنتاجية .واالعتبارات التاريخية متعلقة بھذا التمحيص بطبيعة الحال ،إن افتراض قوانين ثابتة للتطور االجتماعي ليس واردا .فكأننا نريد لعالم أحياء أو طبيب أن يؤكد قانونا معينا لعلم األحياء يؤمن به ،يتعلق بغاية الصحة إلى الحد الذي يجعل باإلمكان أن نستنتج من الوسيلة التي يتوصل بھا إلى الصحة –الوسيلة الوحيدة بحيث أنه ال حاجة لدراسة أبعد لظاھرة البيولوجية .إن القضية كلھا محكوم عليھا سلفا. فأن تقول أن الصراع الطبقي وسيلة لتحقيق غاية تحرير الجنس البشري شيء ،وأن تقول أن ھناك قانونا مطلقا للصراع الطبقي يقرر الوسيلة التي يجب استخدامھا شيء آخر .ذلك أنه إذا ما كان يقرر الوسيلة فإنه يقرر الغاية أيضا- النتيجة المباشرة .وبناء على مبدأ التواقف الحقيقي للوسيلة والغاية ،فإنه لمن التعسف والذاتية القول بأن النتيجة ستكون تحرير الجنس البشري .إن تحرير الجنس البشري ھو الغاية التي نتوق إليھا ،وھي غاية أخالقية بأي معنى مشروع )لألخالق( .وال يوجد أي قانون علمي يستطيع تقرير غاية خلقية إذا ما تخلى عن مبدأ تواقف الوسيلة والغاية .وقد يؤمن ماركسي ما بإخالص أن الصراع الطبقي ھو قانون التطور االجتماعي ولكننا إذا صرفنا النظر عن حقيقة كون االعتقاد يغلق األبواب في وجه أي تمحيص أبعد للتاريخ –تماما كالتأكيد بأن قوانين نيوتن ھي القوانين النھائية للفيزياء تمنع أي بحث آخر في القوانين الفيزيائية -فإن ھذا ال يعني صحة ذلك ،حتى لو كانت قوانين التاريخ العلمية ھي الوسيلة للھدف األخالقي لتحرير الجنس البشري .ذلك أن مثل ھذه الوسيلة يجب أال يتوصل إليھا بطريق االستنتاج ،من قانون ما ،وإنما بطريق تمحيص العالقات المباشرة للوسائل والنتائج ،أي تمحيص العالقات المباشرة للوسائل والنتائج ،الذي يوجد فيه بحث حر غير متعصب للوسيلة التي يمكن بواسطتھا تحقيق ھدف تحرير الجنس البشري.
ونريد ھنا أن نضيف اعتبارا واحدا آخر للصراع الطبقي كوسيلة .فھناك عدد من الطرق المختلفة –كما افترض -التي يمكن بواسطتھا للصراع الطبقي أن يتحقق ،فكيف يمكن أن نختار من بين ھذه الطرق المختلفة ،إال عن طريق تمحيص نتائجه بالنسبة لھدف تحرير الجنس البشري؟ إن االعتقاد بأن قانون التاريخ يحدد الطريق الذي يمكن أن يحقق النضال يبدو مياال نحو تكريس متعصب ،ال بل تكريس صوفي الستخدام طرق معينة لتحقيق الصراع الطبقي واستبعاد جميع الطرق األخرى .ولست أرغب في الخروج خارج المسألة النظرية لتواقف الوسائل والغايات إال أنه من الواضح أن الطريق الذي سلكته النظرية لتواقف الوسائل والغايات إال أنه من الواضح أن الطريق الذي سلكته الثورة في االتحاد السوفيتي يصبح أشد وضوحا ،عندما نالحظ بان الوسائل قد استنتجت من قانون علمي مفترض ،بدال من البحث عنھا وتبينھا على أساس عالقتھا بالغاية الخلقية لتحرير الجنس البشري. إن النتيجة الوحيدة التي استطيع الوصول إليھا ھي بتجنب نوع واحد من االطالقية إلى نوع آخر من االطالقية .ويبدو أن ھناك تحوال عجيبا بين الماركسيين األرثوذكس ،تحوال عن االمتثال للمثل العليا االشتراكية ،والطرق العلمية لتحقيقھا )علمية بمعنى أنھا تعتمد على العالقات الموضوعية بين الوسائل والنتائج ،إلى الصراع الطبقي كقانون للتغيير التاريخي .إن االستنتاج الذي يعتمد على الوسائل والمواقف من ھذا القانون كشيء أساسي ،يجعل جميع المسائل الخلقية، أي جميع مسائل الغاية المتوخاة ،ال معنى لھا ،فأن نكون علميين بالنسبة للغايات ،ال يعني أن نستخلصھا من القوانين، سواء أكانت قوانين طبيعة أو اجتماعية .إن الماركسية األرثوذكسية تشارك الدينية األرثوذكسية والمثالية التقليدية، االعتقاد بأن الغايات البشرية محبوكة بنسيج وبنية الوجود – وھذه فكرة ربما كانت موروثة عن أصولھا الھيغلية. مدينة نيويورك 3تموز/يوليو 1938 جون ديوي( ****************************** األخالق الليبرالية
المناظرة بين جون ديوي وليون تروتسكي جورج نوفاك إن الليبراليين األمريكان يقتنعون بأن مواقعھم ھي أمنع بكثير من مواقع الماركسيين على صعيد النظرية األخالقية واألخالق العملية .وقد اقنعوا الكثيرين من اآلخرين بأن ھذه الحقيقة .وقد منح إرھاب نظام ستالين الذي وصل إلى ذروته بحوادث اإلعدام ضد البالشفة القدامى في محاكمات موسكو الملفقة ،منح الديمقراطيين ألف فرصة الستعراض تفوقھم الخلقي ،ليس على الستالينيين فحسب ،وإنما على االشتراكيين الثوريين الذين كانوا ضحاياھم أيضا .وقد جرت مناقشة في أواخر الثالثينات في دوائر ثقافية مختلفة في العالم ،حول مشكلة العالقات بين األخالق والسياسة إلى أن قضى عليھا عرض األخالق المشبع بالدم والذي قدمته االمبريالية الرأسمالية في الحرب العالمية الثانية .وقد تعرضت اإلفادات التي قدمت في نيسان من عام 1937من قبل لجنة التحقيق الدولية التي قامت بالتحقيق بمحاكمات موسكو في كويوكان بالمكسيك ،تعرضت لھذه المسائل بشكل عابر .وبعد ذلك كتب تروتسكي مقالته »أخالقھم وأخالقنا« التي ظھرت في )النيو انترناشيونال( في شباط/فبراير من عام .1938وقد كتب الفيلسوف المربي جون ديوي رئيس اللجنة التي برأت تروتسكي من التھم الموجھة إليه ،كتب نقدا ألفكار تروتسكي بعنوان :الوسائل والغايات ،نشر في المجلة نفسھا في شھر آب/أغسطس من العام نفسه ،وقد منع ضغط العمل تروتسكي من الرد على الحجج التي قدمھا ديوي. ھذه المناظرة المبتسرة بين اثنين من طالئع المؤمنين بالبرغماتية )الذرائعية( والماركسية ،كانت مجابھة مباشرة ونادرة بين وجھات النظر األساسية للفلسفتين حول الجوانب الخلقية للعمل االجتماعي والسياسي .ومنذ ذلك الحين لم تفقد ھذه المسألة أھميتھا ،أو تكف عن االستحواذ على انتباه الليبراليين والثوار خالل سبعة وعشرين عاما .والحق أنھا أشد مالءمة اليوم منھا باألمس. مشكالت األخالق
قبل أن نخوض في مسائل الطريقة التي أثيرت في ھذا الصراع اإليديولوجي ،قد يكون من المفيد أن نستعرض المشكالت األساسية المتعلقة بتكوين أخالق انتقادية وعقالنية. إن منظري األخالق يجابھون صعوبتين أساسيتين في الوصول إلى أساس عقالني أو تفسير علمي لمستويات السلوك .وأحد ھاتين الصعوبتين التغير الحاد في األفكار المتعلقة بالصواب والخطأ خالل العصور .وسيكون من الصعب العثور على عمل إنساني لم يكن عرضة لألحكام الخلقية المتعارضة ،فأكل لحوم البشر ممنوع في كل مكان اليوم ،ومع ذلك ،فقد كان شائعا ففي األزمان البدائية ،وتقوم بعض القبائل التي تجمع الطعام وتمارس الصيد ،بالقضاء على المسنين .وأما اليوم فنحن نناضل من أجل إطالة أمد حياتھم. وحرية العالقات الجنسية التي تعتبر غير مشروعة ،كانت سائدة ومسموحا بھا في الماضي .وعلى الرغم من أن الكذب يعتبر عمال خاطئا ،فإن األطباء يختلفون بشكل عام وبالنسبة للمسائل الحساسة ،حول ما إذا كان من الصواب البوح بالحقيقة للمريض فيما يتعلق بحالته ،إذا ما كان مصابا بداء عضال .والملكية المتفاوتة إلى حد كبير ،وتوزيع الثروة الذي يعتبر من األمور المسلم بصحتھا في ظل الرأسمالية ،كل ذلك مما يعترض عليه الھنود البدائيون .وھذه الصور يمكن أن يضاف إليھا الكثير. وأسوأ من ذلك بالنسبة للباحثين عن األخالق المطلقة ،ھو حقيقة أن أشكال العمل نفسھا التي تعتبر الخير األقصى لمجموعة معينة من الناس ،ھي في الوقت نفسه الشر األعظم بالنسبة لمجموعة أخرى .فمحطمو اإلضرابات ھم أبطال بالنسبة ألرباب العمل ،ولكنھم أوغاد بالنسبة للعمال .وقنبلة ھيروشيما ونغازاكي الذرية التي روعت آسيا ،كانت مبررة من قبل القوات المتحالفة .ومع مصادرة الملكية في كوبا، تبودلت في أمريكا الخلقية المتعارضة من قبل المدافعين عن الرأسمالية والمؤمنين باالشتراكية. وعلى ضوء ھذه األوضاع الخلقية المتعارضة التي تتعلق بتعايش تقيّمات متناقضة ألعمال واحدة ،ولنفس الذين قاموا بھذه األعمال ،أية أسس ثابتة يمكن أن نعثر عليھا للتمييز بين
ما ھو خير وما ھو شر ،وبين ما ھو خطأ وما ھو صواب؟ ھل المستويات الخلقية الثابتة ممكنة على اإلطالق؟ إن كل مدرسة من مدارس األخالق قدمت جوابھا الخاص بھا على ھذه األسئلة .فالديانات التقليدية تقدم تبريرا إلھيا ألخالقھا، والشرائع التي تدعو إليھا تعتبر كلمة الـله ،كما ظھرت لموسى والمسيح ومحمد ،وفسرھا الحاخامون والكھنة ومسؤولون آخرون للكنيسة .إن وصايا الـله أبدية وال يجوز خرقھا ،ألنھا جواز المرور إلى الجنة والخلود. وبالتدريج تحررت األخالق من مثل ھذه النواحي واألوامر الدينية .ومع تقدم الحضارة وازدياد الثقافة والمعرفة العلمية، اضطر الفالسفة إليجاد أسس عقالنية وعلمانية ألخالقھم .وفي اللحظة التي انتزعت مرساة األخالق من السماء أصبح من الضروري إيجاد أسباب لوجودھا وتطورھا على ضوء الحاجات المتبدلة للبشر .وأخيرا قدمت المادية التاريخية أصح تفسير علمي ألصول وفحوى الشرائع الخلقية ،ولدورھا االجتماعي وحدودھا. الفكرة الماركسية لألخالق )إن البشر يستمدون أفكارھم الخلقية ،عن وعي منھم أو دون وعي ،يستمدون ھذه األفكار بالحساب األخير من العالقات العملية التي يستند إليھا وضعھم االجتماعي من العالقات االقتصادية التي تحتم باإلنتاج والتبادل( ،ھكذا يقول انجلز Engelsفي عرضه للنظرية الماركسية لألخالق في كتابه )انتي دوھرينغ .(Anti-Duehringإن أخالق الحياة القبلية تختلف بالضرورة فيما يختص بقيمتھا األساسية عن أخالق المجتمعات المتمدنة ،بسبب االختالفات في عالقاتھا اإلنتاجية وأشكال الملكية فيھا .إن الوصية التي تمنع السرقة واشتھاء زوجة الجار تبدو سخيفة بالنسبة ألناس بدائيين غير مرتبطين الملكية الخاصة ،سواء فيما يختص بأدوات اإلنتاج أو وسائل إعادة اإلنتاج. لقد أوضح انجلز أن ھناك ثالثة أنماط أساسية من األخالق شائعة اليوم .فھناك األخالق المسيحية اإلقطاعية التي تتمثل بالكاثوليكية أفضل تمثيل ،واألخالق البرجوازية العصرية، واألخالق البروليتارية .ومواقف ھذه األخالق من الزواج والطالق يمكن أن توضح الفروق في وجھات نظرھم
األخالقية .فالنسبة للكاثوليك ،الزواج من صنع السماء ويجب أن يستمر إلى األبد .وبالنسبة للبرجوازي العادي يعتبر الزواج نتيجة لتعاقد مدني ينظمه موظفو الحكومة ويجعلونه شرعيا، او يقومون بإنھائه .وبالنسبة لالشتراكي يعتبر الزواج مسألة تتم أو تلغى بواسطة اإلرادة الحرة لذوي العالقة. ھذه المظاھر الخلقية العامة تمثل ثالث مراحل متتالية في تطور العالقات االقتصادية ،وتشرح حاجات ووجھات نظر تشكالت طبقية اجتماعية مختلفة ،تتعايش وتتصارع في عقول البشر وحياتھم اليوم. لقد استنتج انجلز أن األخالق ومبرراتھا النظرية كانت نتيجة للمجتمع في المرحلة االقتصادية ،ذلك المجتمع الذي توصل إليه في تلك الحقبة بذاتھا .وما ادم المجتمع المتمدن قد انتقل إلى مرحلة العداء الطبقي ،وما دام مستمرا في ذلك ،فإن كل أخالق ھي –ويتعين أن تكون كذلك -أخالق طبقية )إنھا إما أن تبرر سيطرة ومصالح الطبقة الحاكمة ،وإما أن تمثل ،عندما يصبح المضطھدون أقوياء بما فيه الكفاية ،الثورة على ھذه السيطرة ومصالح المضطھدين في المستقبل( ،وھكذا فإن تفسيره المادي لتبدالت واتساع األحكام الخلقية يقدم التبرير ألخالق جديدة وأسمى. الموقف األخالقي للبرغماتية يعتبر الذرائعيون أنفسھم اختصاصيين في مشكالت األخالق. ومن جھة أخرى فإن النظرية األخالقية ھي بديلھم عن الديانة التقليدية ،كما أنھا تمثل وسيلتھم الرئيسية للدفاع والھجوم على الموقف المادي من المشكالت االجتماعية .إن الذرائعيين ال يعتمدون على أية )حقائق مطلقة( تجدد مستوياتھم الخلقية، فھم يرون أن ھذه )الحقائق المطلقة( قد ھزمت إلى غير رجعة بواسطة نظرية التطور ،وبفعل المعرفة الحديثة .فعلى أية أسس إذا يمكن أن تدعو لممارسة أية فضائل ونبرر ذلك؟ إن ھذه الفضائل ليست خيرة في حد ذاتھا ،أو منزلة كالوصايا العشر ،أو تفرضھا المحرمات .إن قيمة أي عمل لجون ديوي، قيمة أي أسلوب للسلوك ،أية سياسة ،يجب أن يحكم عليھا بنتائجھا الحقيقة فقط .ومما يؤخذ بعين االعتبار ليس نوايا ودوافع وأھداف األفراد ،وإنما النتائج المحضة الناتجة عن أعمال الناس .إن ديوي يرى في األخالق )فعالية ظاھرة لھا
نتائج بدال من كونھا مجرد صفة شخصية داخلية( )البحث عن يقين ،ص .(6وھذا المقياس الموضوعي قد فصل ديوي عن جميع أولئك البشر شبه المتدينين والعاطفيين الذين تعتمد القيمة الخلقية لديھم على )طيبة القلب(. فأية أعمال تميل إلى زيادة الثروة وتوزيعھا بالتساوي ،وزيادة الديمقراطية والحرية ،وترسيخ العالقات السلمية ،وتفتح فرصا أكثر لعدد أكبر من الناس ،وتشحذ حساسياتھم ،وتزيد من إدراكھم الخ ،ھي أعمال خيرة .فإذا ما كانت لديھا نتائج معاكسة وجب إدانتھا واعتبارھا غير أخالقية. وعلى ذلك فاالستثمار خطأ ألنه يسرق ويقسم ويضطھد الناس ،ويجب أن نجعل المضطھدين يعترفون بذلك ،وأن يصلحوا أنفسھم أو يصلحھم المجتمع .والقوة خطأ أو أنھا ضارة أكثر منھا نافعة بالنسبة لنتائجھا .ولھذا فمن الواجب عدم اللجوء إليھا أو استخدامھا ،إال في حال الضرورة القصوى .والصراع الطبقي خطأ ويجب أن يستعاض عنه باالنسجام والتعاون الطبقي. مثل ھذا المبدأ ينم عن قدر كبير من اإلرادة الطيبة ويشھد بطيبة األخالقي الذرائعي ،إال أن الذرائعيين ال يقدمون إدراكا علميا للوضع الحقيقي الذي خلق ھذه الصراعات االجتماعية، كما أنھم ال يفصحون عن حل عملي لھا .فمن السھل أن نحمل على األثرياء وان نقول بأن على أصحاب االمتيازات أن ينظروا في أمر حاجات الفقراء ،وأن يتخذوا الخطوات الالزمة لمعونتھم .لقد بشر الدين بمثل ھذه المواعظ ومارس مثل ھذا اإلحسان طيلة قرون عديدة دون أن يستأصل الشروط التي تمخض عنھا عدم المساواة. وھناك فرق شاسع بين مثل ھذه الخلقنة المجردة ،وبين االستقصاء العلمي الصحيح لألخالق وتطورھا .إن الموقف العلمي من األخالق يجب أال يكون قادرا على إخبارنا بأن االستثمار شر فحسب ،وإنما أن يخبرنا بماذا يتعين على األشياء أن تسلك ذلك السبيل من الھداية ،وان يوضح ،على ھذا األساس كيف يمكن إزالة شرور االستثمار .تلك المشكلة ليست فردية وإنما ھي مشكلة اجتماعية جمعية.
إن أعلى ھدف ألية أخالق إنسانية ھي إدراك كل فرد لنفسه وتطويره لشخصيته اإلنسانية ومحاولة إكمالھا .لقد آمن ديوي، وھو محق في ذلك ،أن السلوك الفردي خاضع عنوة للعمل االجتماعي ،وأن األخالق مرتبطة ارتباطا وثيقا بالشروط االجتماعية وبالسلوك ونتائجه .لقد كان على استعداد لعرض المسألة والدخول في نزاع مع الماركسية دفاعا عن وجھات نظره في تلك الحلبة المتقدمة. الوسائل والغايات األخالقية إن أول المسائل التي عالجھا ديوي ھي مسألة العالقة الشائكة بين الوسائل والغايات في األخالق .فالعديد من أصحاب األخالق الليبرالية يعتقدون بأن مثل ھذا المبدأ ھو أساس لكل الشرور .وعلى ذلك فربما جاء اتفاق ديوي مع تروتسكي بأن الغاية تبرر الوسيلة بمثابة صدمة مفاجئة لھم .إن الغاية والوسيلة متوافقان. إال أن كال منھما ،كما يقول ديوي ،يمكن أن يبرر بما يسمى بـ)إراحة الضمير أو الحس الخلقي ،أو بعض أشكال الحقائق األبدية( .إنھا يمكن أن تبرر –كما يعلن -ليس بنتائجھا المباشرة )أؤمن أن الغاية من ناحية نتائجھا تقدم األساس الوحيد لألفكار والعمل الخلقي ،وبذلك تقدم التبرير الوحيد الذي يمكن إيجاده للوسائل المستخدمة( .ال شيء آخر يمكن أن يجعل الوسائل خيرة أو سيئة باستثناء نتيجة استخدامھا. لقد بين تروتسكي أن أعلى غايات العمل االشتراكي ھي زيادة سيطرة اإلنسان على الطبيعة ،وإلغاء سيطرة اإلنسان على اإلنسان )القھر االجتماعي( نتيجة لذلك .وقد اعتبر ديوي أيضا أن ھذه األھداف ھي األشد جدارة من سواھا .ويوضح تروتسكي أكثر من ذلك أن جميع ھذه الوسائل التي أسھمت في تحقيق ھذه األھداف ،مبررة أخالقيا .وحتى اآلن ال يوجد عدم اتفاق بين الماركسي والذرائعي. فقد افترق موقف كل منھما عن اآلخر ،عندما وضعت مسائل المؤسسات والطرق التي يمكن بھا تحقيق ھذه األھداف، موضع الدراسة واالعتبار .ولقد أكد تروتسكي أن القوة الوحيدة في المجتمع الحديث القادرة على القيام بھذا العمل، ھي الطبقة العاملة المنظمة .والطريقة الوحيدة التي يمكن أن
يقضي بھا العامل على الظلم واالضطھاد والسيطرة سيطرة تامة على الطبيعة ،ھي تطوير نضاله حتى النھاية ،ضد المنتفعين الرأسماليين ورافعي لواء االمتيازات االقتصادية. وھنا يختلف ديوي مع تروتسكي بشدة .فھو يرى أن كال من ھاتين الفكرتين خاطئ .فتروتسكي ليس مقتنعا في وضع المھام األساسية بتحديد البناء االجتماعي في زماننا ،في يد العمال .إن ھذه المسألة ذات أھمية عامة تتجاوز أية مصالح طبقية خاصة ،جميع الناس من ذوي اإلرادة الطيبة بدءا من أعلى طبقات المجتمع وحتى أخفضھا ،يجب أن يستنفروا لضمان السيطرة الجمعية على الطبيعة واالقتصاد. ويزعم ديوي أيضا أن تروتسكي قد أخطأ في اعتماده الكلي على قمع الصراع الطبقي كوسيلة للوصول إلى األھداف المرغوب فيھا .والطرق األخرى غير الصدام بين الرأسماليين والعمال ليست جديدة فحسب ،وإنما ستؤدي إلى نتائج أفضل .وھكذا فإن خالفاتھم حول النظرية الخلقية تركزت حول عدم اتفاقھم على الوسائل الكفيلة بتحقيق التقدم االجتماعي .ومن حيث الجوھر ،كان الخالف يتركز حول الطريقة :طريقة التفكير وطريقة السلوك. وقد قام ديوي عمدا برفع خالفاتھما إلى مستوى الطريقة المنطقية والعلمية .فھو يقول بأن طريقة تروتسكي في التفكير غير صحيحة ،ألنه يستنتج الوسيلة )الصراع الطبقي( من قراءته )أو خطأ قراءته( لمجرى التطور االجتماعي. وبوصفه للصراع الطبقي على نحو غير مشروع ،قانونا مطلقا وأسمى للتاريخ ،اخضع تروتسكي في الواقع ،أخضع الغايات لوسائل معينة بدال من أن يسمح للغايات بأن تحدد وسائلھا .فكيف كان يتعين على تروتسكي أن يجد الوسائل؟ يقول ديوي أن ذلك يمكن أن يتم بـ)تمحيص النتائج المباشرة لنفعھا( .وھذا ھو الموقف العلمي الصحيح والوحيد الذي يأخذ بعين االعتبار التواقف الحقيقي لھذين العاملين. ومقابل االستنتاج ،أي استنباط نتائج معينة من قواعد عامة، وضع ديوي عملية االستقراء ،كوسيلة للتوصل إلى تعميمات على أساس الحوادث المكررة أو المطابقة.
إن ھذا الطباق غير موجود ،فھل يستمد تروتسكي وسائله بشكل تعسفي كما يفھم من ديوي ،بواسطة عمليات االستنتاج قوم الوسائل باإلشارة إلى وحدھا؟ الواقع أن تروتسكي قد ّ قوانين وحاجات الصراع الطبقي .ومع ذلك ،فإن ھذه القوانين لم تخلق بحرية وتفرض من قبل الماركسيين على المجتمع، لقد استمدت من دراسة شاملة قبلية للعمليات االجتماعية خالل عدد من األجيال وبوسائل علمية محضة .إن قوانين الصراع الطبقي ھي قبل كل شيء تعميمات تجريبية تطورت من تحليل الحقائق التي يقدمھا تاريخ الحضارة ،بما في ذلك التاريخ األمريكي. الوضع المنطقي للصراع الطبقي إن الترتيب الرائع لمواد الواقع المتعلقة بالصراع الطبقي ودوره الحاسم في التاريخ ،ھذا الترتيب الذي استمدت منه ھذه القوانين ،قد لوحظ وسجل قبل وقت طويل من ظھور ماركس على المسرح .فعلى سبيل المثال ،قام العديد من الكتاب أرسطو )ثيوكيديدس، القدماء اإلغريق والمؤرخين وأفالطون( بمالحظة ووصف ھذا الترتيب .وما فعله الماديون التاريخيون ھو أن أعطوا أول تفسير كاف وصحيح للحوادث. فقد شرحوا كيف نشأت الطبقات خالل نمو القوى المنتجة، وانقسام العمل االجتماعي ووجود فائض كبير لإلنتاج ،ولماذا تركزت الصراعات الطبقية حول االستيالء على ھذا الفائض المتزايد في الثروة. أليس ذلك أكثر من نظرية حول التطور االجتماعي؟ ذلكم ھو ما يود ديوي ،الوسلي أن يقوله ،غير أن الصراع الطبقي كان له دور مختلف عن الدور المبھم الذي ينسبه الليبراليون له. إنه أكثر من مجرد إمكانية أو فرصة أو توافر للحوادث في مجتمع متمدن .إنه ضرورة ،إنه يقين ،وھو يتعمق حسب مجموعة من القوانين تشكل العوامل األساسية التي تنشأ عن أعمق تركيب للمجتمع الطبقي .وھذا ينطبق على جميع المجتمعات الطبقية بصرف النظر عن مستويات التطور فيھا، وبصرف النظر عن عوامل محدودة أخرى ).(1 فمتى اكتشفت القوانين التي تتحكم بالصراع الطبقي وتشكلت ونسقت ،أمكن تطبيقھا كما ھو األمر بالنسبة لجميع القوانين العلمية األخرى .وقد مكنت الباحثين من التغلغل أعمق فأعمق
في بنية وحركات المجتمع الداخلية ،وفي تجمعاته وشخصياته القيادة ،وبالتالي توجيه تطويره تحت ظروف معينة ،على حد معين. طبيعة التصورات والقوانين تصور مسبق ال إن الوسليين من أمثال ديوي لديھم مع ذلك، ّ يھين ،حتى ضد أشد األحكام المسبقة ثباتا .وھذا النفور واالشمئزاز ھو األساس الرئيسي لنظريتھم في المعرفة التي تشتمل على تناقض في صلبھا .ويصر الوسليون على وجود. تبدل عالمي في جميع األشياء ،ومع ذلك ،فإن األفكار بالنسبة لھم ذات جوھر سكوني .واألفكار ال تفقد طبيعتھا االفتراضية الموروثة ،وال يمكن أن تتبدل فعال إلى تعيينات مھما كان مجرى أو نتائج التطور العلمي واالجتماعي. ھذا االفتراض ليس تجريبيا أو عقالنيا .والواقع أن العديد من األفكار التي تبدأ كفرضيات تتحول إلى شيء مختلف كليا نتيجة لالستقصاء العلمي والممارسة ،وتصبح حقائق مجربة وقوانين علمية .فنظرية وجود الذرات والبنية النووية الداخلية للمادة ،كانت مجرد تخمين ذكي ،مجرد حدس عندما فكر بھا اإلغريق القدماء .أما اآلن فقد أصبحت حقيقة ناجزة يمكن أن نستمد منھا أشد النتائج انفجارا .ومع ذلك ،فالذرة لم تكن بالنسبة لديوي ،مثله في ذلك مثل الوضعي ارنست ماخ Ernest Machحقيقة ،وإنما ھي مجرد )فكرة عملية( )انظر في كتابه المنطق ص 153والبحث عن يقين ص -119 .(131 لقد اعترض ديوي على قوانين الصراع الطبقي واعتبر أن ھذه القوانين ال تمتلك أساس متينا ألنھا )تحكم سلفا على خصائص وأنواع الظواھر المباشرة التي تتعلق بھا خطط العمل المقترحة( .غير أنھا ال تختلف عن قوانين النشاط الذري أو القوانين الفيزيائية األخرى. إن التعميمات الفكرية تظل بالنسبة للذرائعي موضع اختبار دائم .وال يمكن ألي قاض أن يتوصل إلى رأي حاسم حول حقيقتھا أو زيفھا مھما كانت مبررة .لماذا؟ ألن العناصر غير الحاسمة ال يمكن استئصالھا من الواقع كليا.
وبالنسبة للذرائعيين يتعين أن يجري تقديم كل فكرة أو تصور من جديد ،وأن تمحص كل نتيجة من القمة إلى القاعدة تتعلق بكل وضع جديد .وتكرار الفكرة للمرة األلف ليست له طبيعة مختلفة نوعيا عن حدوث الفكرة للمرة األولى .إن الوسْ ليين يتحدثون وكأن من الممكن والضروري للناس ،البدء من جديد لدى كل مناسبة ،ومجابھة العالم الذي يحيط بھم صفر اليدين وفارغي الرؤوس. إن ھذا بالضرورة إنكار لجميع المعرفة المكتسبة ،والطرق العلمية ،وحتى لنتائج االستقراء ،وال أحد سوى الرضع يتصرف إزاء العالم ويعالج المشكالت التي يطرحھا دون استخدام المصادر المتراكمة للتطور االجتماعي ،بما في ذلك صندوق األحكام المستمدة من التجربة التاريخية والدراسة المباشرة للواقع. ھذه ليست مجرد مجموعة تأمالت فھي تشتمل بكليتھا على معلومات محققة وتعميمات مدققة ،غير أن مضمون األفكار يظل غير حاسم جوھريا ونظريا دائما في أعين الوسليين األصالء الذين يرون )أن األفكار ال تفصح عن الواقع(. إن تقدم العلم يؤدي إلى الحصول على معرفة القوى الحقيقية التي تحدد إنتاج الظواھر وتشكلھا الالحق في قوانين .لقد بالغ ديوي مبالغة كبرى في )تقييم( جانب التردد في الواقع وعدم اليقين في المعرفة الحقيقية .كما أنه قلل من تقديره ونُحّ ي نسبة ألھدافه الشخصية ،وكان يعرف ھذا مسبقا ،وقد تعرف على الحقائق المؤكدة عن المواضيع الحقيقية. )كل خطوة سياسة ھي بشكل منطقي ،يتعين أن تكون بشكل مباشر ،من طبيعة تجربة ما( ھكذا يقول بإصرار في كتابه )المنطق( ) .(508إن ھذا التوكيد الكاسح ليس صحيحا منطقيا ،كما انه ليس كامال في الحقيقة .إنه نصف حقيقة خطرة ومضللة. وكون سياسة ما ،جوھريا أو عرضيا فحسب )من طبيعة تجربة ما( يعتمد على الظروف المميزة لموقف ما ،وعلى طبيعة االقتراح المطروح .وفي معظم الحاالت ھناك إجراء ال مناص منه من عدم الحسم والتردد الذي يمنح رد الفعل عليه، شخصية مشكوك فيھا .غير أن ھذا اإلجراء الذي ينطوي على
عدم اليقين وعلى المصادفة ھو متنوع ك ّما وكيفا .إن قيمة النظرية العلمية وھدف الممارسة العقالنية ھما تخفيض ھذا الحد إلى الحد األدنى. ولنأخذ مثلين من الممارسة الصناعية .إن عامل المخرطة في معمل ما يستطيع أن يعرف مقدما ما إذا كانت القاطعة ْ ين أل َ بكثير من أن تستطيع قطع فوالذ ذي صالبة معينة ،وھو لن يستخدم فوالذا أشد ليونة ،كما لن يستخدم ملقطا خشبيا بطبيعة الحال لتحقيق ھذا الغرض .وبھذه الحالة فإن الھدف –صنع معدن بشكل وحجم معين -والحقيقة المادية –وصالبة المعدن- يحددان بشكل متبادل وأمام العين ،إيجابا وسلبا ،نوع الوسيلة لتحقيق النتاج المطلوب. فلماذا ال يمكن للقواعد نفسھا أن تنطبق على العالقات الصناعية كما تنطبق على أعمال المخزن ،أليس بوسع العامل نفسه أن يعرف مقدما كيف سيتصرف رب عمله عندما يطلب ھو وزمالؤه زيادة في األجور .إن رب العمل حقيقة اجتماعية من نوع معين ،ومصالحه المادية تمنحه درجة معينة من الصالبة ،تمنحه مقاومة محددة الرتفاع تكاليف اإلنتاج لديه وانخفاض أرباحه .ولتحقيق ھذه األھداف فإن عماله يحتاجون إلى أدوات اجتماعية من نوع معين ،أدوات قوية إلى الحد الذي يكفي للتغلب على تلك المقاومة .وھذا ھو السبب في أنھم قد أسسوا االتحادات ونظموا اإلضرابات بدال من االعتماد على رفع العرائض بشكل فردي. وھنا نصل إلى لب المشكلة ،إن كل مفاوضة حول األجور ليست ضرورية ،ويجب أال تكون تجربة جديدة كليا ولھا عوامل غير معروفة مھما كانت حاالت عدم اليقين بالنسبة ألي وضع مطروح .لقد كان العمال وأرباب العمل يتعاملون فيما بينھم خالل عشرات السنين وفي جميع أنحاء العالم، وباستطاعة قيادة اتحاد ذات خبرة جنبا إلى جنب مع عضوية نيرة أن تدخل في مفوضات جماعية وھي مسلحة بمعرفة طبيعة أرباب العمل ،تلك المعرفة المستمدة من العلم االجتماعي والتجربة اليومية ،األمر الذي يساعدھا على التصدي للمعارضة تجاه مطالب العمال العادلة. فإذا ما كانت كل مفاوضات أو كل عمل من أعمال اإلنتاج يجب أن يعامل نظريا أو عمليا على أساس أنه تجريبي بشكل
إجمالي ،كما يطالب ديوي ،فإنه ال يمكن أن نعتبر أية وسيلة معينة لدينا أفضل بالضرورة أو أشد مالءمة لمتطلبات النضال من وسيلة أخرى .وھذا يستبعد االعتماد على إجراءات محققة ويترك الميدان واسعا أمام أي ابتكار خاضع للنزوات. مثل ھذه التجريبية غير المقيدة غريبة كليا عن اإلجراءات المباشرة للعلماء وعن طرق الصناعة الحديثة العادية. إن ھدف إنتاج مصنع آلي ھو عدم ترك أي شيء للصدفة ،بل تنظيم جميع العوامل في العملية .وتحدث الحوادث واالستثناءات في أفضل األنظمة تنظيما ،ولكن حتى ھذه الحوادث واالستثناءات يحسب حسابھا مقدما بواسطة أجھزة توضع مسبقا الكتشافھا عندما تبتعد عن الحدود المسموح بھا، ولكي تعوض عنھا وتصححھا في الوقت المالئم .إن األنظمة المنظمة ذاتيا ھي قطعية بشكل خاص ،فيما يتعلق بتعقيدات صناعية ،كالمصانع النووية الذرية التي تشتمل على أعلى ألوان االتحاد بين النظرية العلمية واإلنتاج. لقد قال ديوي أنه أراد أن تشمل آخر أساليب العلم والصناعة جميع المشكالت اليومية ،فإذا ما حدث ھذا ،فإنه يتعين أن يكون حقل الفعالية بالنسبة للتجارب االتفاقية في معظم المناطق الحيوية من الحياة االجتماعية في أن ينخفض ويصبح ھو نفسه عرضة لمراقبة .إن التجربة ضرورية لجميع مجاالت النشاط ،والعلم والصناعة يتعھدان ھذه الحاجة بتقديم أماكن خاصة إلجراء ھذه التجارب .وفي الصناعة يجري فصل العمل التجريبي في المصانع الرئيسية والمخابر ،عن اإلنتاج الكبير الذي يتم بواسطة أساليب للتقنية وآالت موثوق بھا. وفي الوقت الحاضر حدثت تجارب ال تعد وال تحصى ،ال بل حدثت اختبارات كثيرة ،قامت بھا القوى المتنازعة في حقل العالقات الطبيعية .والنتائج االيجابية والسلبية ألساليب العمل المختلفة ھذه ،قد لخصتھا االشتراكية العلمية في قوانين الصراع الطبقي وبرمجتھا في برامج أحزاب العمال ،وھي تحمل قيمة عملية عظمى باعتبارھا ترشد إلى القوى االجتماعية التقدمية في نضالھا األبعد مدى.
ومن جھة أخرى فإن وجھة النظر البرغماتية تعتمد على التعادل الشكلي بين جميع األفكار ،أكثر مما تعتمد على وضعھا المادي الحقيقي .فكل فكرة تعتبر في حد ذاتھا حقيقية ومفيدة وفعالة كأية فكرة أخرى ،وبالطريقة ذاتھا يفترض أن سوق السلع يعتمد على التعادل الشكلي بين التبادالت ،كما يعتمد القانون البرجوازي على التعادل الشكلي بين جميع المواطنين أمام حدود العدالة ،والديمقراطية تعتمد على التعادل بين أصوات جميع المواطنين .كل ھذه االفتراضات تتناقض والوضع الحقيقي في المجتمع الرأسمالي بكل ما فيه من فقدان للعدالة االقتصادية وتمايز بين الطبقات .إن فكرة ما ليست في الواقع خيرة قدر فكرة أخرى .فبعض األفكار أصح من أفكار أخرى ألنھا ال تعكس كلھا الواقع بشكل متكافئ وبالتالي فھي ال تنطوي على التبعات نفسھا عندما تستخدم إلدارة وتوجيه فعالية ما. الحتمية المتبادلة للغايات والوسائل إن الوسائل والغايات مترابطة Interdependentبالنسبة لديوي ،بيد أنه اعتقد أن كال من ھذين االصطالحين شرط لآلخر .وال يمكن ألحدھما أن يحدد اآلخر أو أن تحدده مسبقا الشروط المادية الكافية ،فأحدھما شرطي ونظري قدر اآلخر. وعلى سبيل المثال فإن االستغالل سيء ويجب القضاء عليه، غير أنه بالنسبة لدوي ،يمكن استئصاله بعدد من الطرق: بواسطة الصراع الطبقي أو االتفاق الطبقي أو بالمزح بين الطريقين .إن )أيا من ھذه الوسائل ليس حاسما فيما يتعلق بالھدف المرغوب فيه( :أي القضاء على االستغالل الرأسمالي .ذلكم ھو وضعه النظري المجرد. وھذا يبدو غير متحيز على اإلطالق ،ولكن عندما تدخل حيّز التطبيق –الذي ھو االختبار الحاسم بالنسبة لكل برغماتي – فإن الليبرالي ليس بغير متحيز ،فھو يفضل ويختار في تسع حاالت من أصل عشر الوسائل التي يتحقق فيھا أقل قدر من المقاومة .وأن اللجوء إلى المقاومة الكبرى يأتي كآخر ملجأ دائما ،وھذا االنحياز ليس اتفاقيا ،فموقفه ينبع من حاجة طبيعية ككائن اجتماعي ،ومن مطامحه كمثقف من الطبقة الوسطى ومن غموض وجوده في وسط المعسكرات االجتماعية المتعارضة.
وفي بعض األحيان يتخذ الليبرالي اليساري طريق الصراع فعال ولكن مرغما وبفعل ضغط الظروف القاھرة ،فھو يشعر أن ھذا األسلوب ينافي الواقع بطريقة ما وينافي مصالح جميع الفرقاء المعنيين بما في ذلك مصالحه ھو .وأساليب الصراع الطبقي ھي في الواقع منافية لمركزه الوسط حيث تتجاذبه االتجاھات المتعارضة والعداوات بين رأس المال والعمل وبين والسواد. إن نقد ديوي الرئيسي والثاني لتروتسكي ھو أن الماركسيين مطلقون في لجوئھم إلى القوانين المرسومة عندما يختارون وسيلة العمل االجتماعي .وقد ادعى أن تروتسكي لم يكن تجريديا أو علميا وإنما مثاليا وذا تفكير ديني ألنه فرض أھدافه التي يرغب فيھا التطور االجتماعي ،وتصرف وكأن )األھداف اإلنسانية مندمجة بنسيج وتركيب الوجود(. فكم من التبرير يحمل ھذا النقد؟ إن تروتسكي كمادي لم يعتقد مطلقا بأن األھداف اإلنسانية مندمجة بوجود الطبيعة ،ومع ذلك فقد أكد أن الغايات الطبقية محبوكة موضوعيا )في نسيج وبنية( الوجود االجتماعي في ظل ظروف تاريخية معينة. وقد أنكر ديوي ذلك .فالمجتمع بالنسبة إليه ،ال يمتلك نسيجا وبنية محددين على ھذا النحو وبحيث أن القوانين العامة المتعلقة بأھداف الطبقات يمكن أن نستخلص من تحليل التطور االجتماعي وبالتالي تستخدم لحساب سلوكھا كأساس للعمل. فإذا لم تكن ثمة قوانين مطلقة تتحكم بنشاطات الطبقات فإنه ال يمكن أن توجد وسائل ضرورية كالصراع الطبقي لتحقيق األھداف االجتماعية .وإذا لم تكن ثمة قوانين مؤكدة وال وسائل معتمدة فمن الذي يأخذ مكانھا إذن؟ الحدوث االختبارية ،الخطط المبنية على اآلمال ،والجھود التجريبية، وقبل العمل يمكن للعديد من الوسائل المختلفة وألية وسيلة بشكل رئيسي أن تحرز الغايات المتوخاة .فإذا لم تكن تعلم إلى أين تذھب أو من الذي تقف ضده حقا فإنه من المفروض أن أي طريق سوف يصل بك إلى ھناك.
وعلى أي أساس إذن يجب اختيار طريق معينة من بين الطرق األخرى؟ بالطبع يعترف ديوي بأن المعرفة والتجربة السابقين ستستخدمان في عملية االنتقاء ،ولكنھما ليستا كافيتين على اإلطالق وقيمتھما تتجلى فقط من الفائدة التي تتبع منھما، ولسوء الحظ فإن النتائج تأتي فقط بعد اختيار الخطوات الالزمة. فلماذا ال يمكن إذن أن تدير عملية االختيار وتحددھا الدروس المستفادة من النتائج المتراكمة من الماضي؟ وعلى الرغم من أن دوي ال يستبعد ذلك فھو ال يعطي ھذا األمر الوزن الحازم. فبالنسبة للبرغماتي ليس أي مقدار من القدر محددا ونھائيا. فھو يأتي فقط بعد الفعل وعلى أثر ذلك الفعل بعينه فحسب. إن وجھة النظر ھذه مناقضة للعقل ،فھي تستھين بالحقيقة القائلة أن كل شيء تحدده بعد الحقيقة المعتمدة عليھا وھي تتحول إلى شيء آخر تحدده الحقيقة التالية .وال شيء يظل بشكل مطلق في الحالة المؤقتة المحضة التي يتطلبھا منطق ديوي .فعندما تتراكم عوامل قدرية مادية كافية فإن اتجاه ونتاج التطورات يمكن التنبؤ به. ھل القوانين االجتماعية نسبية أم مطلقة؟ فلنقارن بين منطق ديوي الخارج –عن ھذا العالم وبين منطق الماركسية المادي الذي يتمثل للمجرى الحقيقي للتطور ووضع األحداث. إن كل قانون بما في ذلك أشد القوانين ضرورة وعالمية تحدده طبيعة الواقع الذي يتعامل معه وطبيعته ھو كتكوين إنساني وتاريخي متطور ،وھذا يعطيه شخصية نسبية مشروطة ،إال أن ھذا ليس جانب واحد من مضمونه ،فإذا ما كان القانون صحيحا فھو مطلق بالنسبة للعمليات والظواھر التي تغطيھا منطقة فعاليته. وعلى سبيل المثال ،فإن قوانين الصراع الطبقي بالنسبة للقضية موضع المناقشة تنطبق فقط ضمن شروط المجتمع الطبقي .وقبل تقسيم المجتمع البدائي إلى طبقات ،لم تكن ھذه القوانين غير قابلة للتطبيق فحسب ،وإنما لم تكن موضع تفكير أحد .ومن الطرف اآلخر للعملية التاريخية ستفقد ھذه القوانين
مع اختفاء المجتمع الطبقي في المستقبل االشتراكي ،ستفقد تدريجيا حقل فعاليتھا وتذبل حتى الجذور. وعلى ھذا ،فإن ھذه القوانين التي تتحكم بالعالقات االجتماعية نسبية ومطلقة في تطبيقھا .وھذه النسبية تعتمد على المجرى المتبدل والمتناقض للتطور االجتماعي من الجماعية البدائية، ومرورا بالمدينة حتى االشتراكية ،واطالقيتھا تعتمد على الدور المركزي الذي يلعبه تضارب المصالح الطبقية في بنية ونشاط المجتمع المتمدن. الحتمية التاريخية ألھداف المجتمع يوافق ديوي على أن حقائق الحياة االجتماعية يجب أن تكون نقطة االنطالق واألساس ألية أخالق حقيقية مرتبطة بعمل اجتماعي فعال .وھذا يعني أنه في مجتمع تنازعه الخصومات والعداوات يجب االعتراف بأن ثمة مطالب خلقية مختلفة ستطرح وأحكاما خلفية مختلفة ستفرض من قبل الطبقات المتصارعة .فإذا ما طرحنا ھذه الحقيقة األساسية جانبا ،فإن األخالق الناتجة قمينة بأن تكون خيالية أو منافقة وأي سلوك ينجم وما توصي به سيقدم نتائج سيئة. لقد أدرك دوي أن الفعاليات الفردية ھي في إطار اجتماعي اقتصادي معين ،وأن األخالق الفردية مرتبطة بتعاليم عامة للسلوك والغايات االجتماعية بالنسبة له حاسمة في القضايا الخلقية ،ولكن ھل ما تفعله الشروط في الواقع وما يجدر بھا أن تفعله يحددان الوسائل التي ستقدم الغايات المبتغاة؟ لقد علم ديوي بأن الذكاء المطلع أو )الذكاء الخالق( يجب أن يتدخل ويقوم بدوره. ودون أن نخاصم في ھذا ،يظل ذلك ال يجيب على السؤال العام .ما الذي يحدد كيف يتصرف الناس في ھذا المجتمع، وأي لون من السلوك ھو الذكي والخالق؟ ھنا تبدو العالقات الطبقية الحقيقية وأدوارھا في المجتمع الرأسمالي حاسمة. إن أھداف وغايات الطبقات وأعضاءھا وحركاتھا تحددھا في الواقع الحاجات والمصالح المادية ،وھذا ينبع من األدوار التي تلعبھا في اإلنتاج االجتماعي ودروھا في األشكال المحددة للملكية .وعلى ھذا فإن الھدف الجمعي لطبقة الرأسمالية في
الواليات المتحدة ھو الحفاظ على نظامھا االقتصادي وتوسيعه ،وذلكم ھو ھدفھا األساسي ،كما أنه يحدد سلوك األشخاص الذين ينتمون إلى تلك الطبقة ،كما يشكل شرطا لحياة جميع أفراد المجتمع. بيد أن العمال الذين ينشطون في النظام نفسه لديھم غايات مختلفة ،سواء أكانوا مدركين لھذه الحقيقة كأفراد أو مدركين لھا كليا .فھم مدفوعون بحاجات معاشھم وشروط العمل في ظل الرأسمالية ،ألن يحاولوا وأن يلجموا استغاللھم ،وعلى المدى الطويل سيضطرون لمحو مصدره :أي محو الملكية الخاصة لوسائل اإلنتاج والتبادل .وفي ھذا الصراع لديھم الحق في استخدام وسائل الصراع التي يستطيعون ابتكارھا لمثل ھذه األھداف القيمة .وھذه األسلحة تتراوح بين الحركة النقابية واإلضراب ،ومن التنظيم السياسي إلى الثورة االجتماعية. والصدام بين الغايتين المتناقضتين يحدد الوسائل المستخدمة بين القوى المتصارعة .فالحركة النقابية تثير الحركة المضادة لھا ،واإلضراب يثير قوي تحطيم اإلضراب .وعندما يواجه الحكام الرأسماليون بالعمل الثوري الجماعي ذي األھداف االشتراكية ،يلجأون إلى الدكتاتورية العسكرية أو الفاشية، ويؤدي المجرى التاريخي للصراع إلى المعركة الحاسمة والنھائية التي تبرز فيھا إحدى الطبقات التي تشكل القطب الحاسم منتصرة على األخرى .والماركسيون يعملون بشكل نوعي لسيادة العمال. إن الغايات الطبقية ھذه حاسمة وواضحة حتى لو لم تكن مدركة دائما أو مطروحة بدقة من قبل ممثلي رأس المال وممثلي العمال الذين يضطرون للعمل وفق الظروف السائدة ألوضاعھم االجتماعية االقتصادية ،فيما تتطور ھذه األوضاع من مرحلة إلى أخرى. دور ليبرالية الطبقة الوسطى ولكن ما ھو الھدف التاريخي الموضوعي للطبقات الوسطى ولممثليھا المثقفين من أمثال ديوي؟ في مجال النظرية يقوم دورھا على إنكار األھمية القصوى للصراع الطبقي، وضرورته وثماره إذا ما أحسن تنظيمه وتوجيھه .وفي مجال
التطبيق تدفع الطبقات الوسطى عادة إلى لجم تطور الصراع الطبقي لدى الطبقة العاملة في الوقت الذي يظل فيه أعداؤھا أقوياء وبال كوابح .إن ھذا الدور لبالغ الرجعية في العلم االجتماعي والسياسة واالقتصاد واألخالق. وقد حقق ديوي في اختباره لوسائل وإحاطته للغايات بالغموض دورا اجتماعيا معينا كممثل فلسفي لتلك العناصر الليبرالية من الطبقة الوسطى التي تتوق ألن تصبح الوسيط األول في الصراع الطبقي في مجتمعنا .وباختيارھم للغايات والوسائل يحقق الماركسيون الثوريون الذين تحدث إليھم تروتسكي ،يحققون دورھم كأبطال للمصالح األساسية البعيدة المدى للجماھير العاملة .إن غايات ووسائل الطرفين من حيث المبدأ والتطبيق تحددھا الفعاليات والوالءات الطبقية. لقد تنازع الكثيرون من واضعي األخالق الليبراليين حول فكرة أنه إذا ما كانت الوسائل مبررة فقط بنفعھا في تحقيق الغايات ،فإن أشد أنواع التطبيق شراسة مسموح به واألبواب مفتوحة أمام المخازي والشرور البروليتارية للستالينية .وقد أوضح تروتسكي وجھة نظره بقوله أن جميع الوسائل ليست مناسبة في الصراع الطبقي ،باستثناء تلك التي تؤدي حقا إلى تحرير الجنس البشري. )إننا نجيب بأن الوسائل المباحة والضرورية ھي فقط تلك الوسائل التي توحد البروليتارية الثورية وتمأل قلوبھا بروح الالھوادة ضد الظلم والقھر ،وتعلمھا احتقار األخالق الرسمية وأصدائھا الديمقراطية ،وتشبعھا بضمير رسالتھا التاريخية وترفع من شجاعتھا وروح تضحيتھا في النضال(. إن ادعاء الليبراليين البرغماتيين بأن أخالقھم متفوقة على أخالق الماركسيين في النظرية والتطبيق ال يثبت أمام الدحض .فأخالقھم تفتقر إلى أساس علمي يعتد به ،ألنھا تتجاھل أھم عامل أساسي في تشكيل العالقات االجتماعية وتحريك السلوك الفردي في الحياة الحديثة :أي انقسام وصراع الطبقات .ووصاياھم الخلقية تصبح عديمة التأثير بفعل أخالقھم في االعتراف بواقعھم االجتماعي ،وھذا ال يعرقل سيرھم نحو دعم المثل العليا الحميدة للمساواة والتعاون والسالم الذي يطمحون اليه .فعماھم عن حقائق الحياة يساعد على تقوية الرجعية لتشتيتھم وبكبحھم قوى الصراع األساسية
ضد شرور النظام القائم ومنعه من االتجاه إلى الطريق الصحيح. وھذا واضح في ھذه األيام عندما نجد الليبراليين ودعاة السالم يدينون )دون تحيز( إرھاب العرقيين البيض ويرفضون خطوات الدفاع عن النفس التي يلجأ إليھا الزنوج ضد مثل ھذه الھجمات .وھذا مماثل للمركزي األخالقي السياسي الذي يضع العنف العدواني ،الذي تسلكه واشنطن على أساس أنه يعادل الحركات الثورية التي يقوم بھا الشعب الكونغولي والدومينكاني والفيتنامي في نضاله المناھض لالمبريالية، ولتحقيق الحرية والوحدة واالستقالل والتقدم االجتماعي .إن مثل ھذه األحكام الزائفة تأتي من تطبيق مثل ھذه الشرائع األخالقية المجردة على األوضاع التاريخية الحقيقة ،بدال من تحليل المصالح الطبقية المعينة واألھداف السياسية لألطراف المتنازعة. إن األخالقية الثورية لالشتراكية العلمية فعالة وتقدمية ألنھا تسلح الجماھير العاملة بذلك النوع من المطامح والقيم التي تحتاجھا للتحرر ،وھي تعمم وتبرھن نظريا عن مشاعرھم بأن الھدف الذي يتوقون لتحقيقه ھدف عادل ،كما تفسر أھداف جھودھم وتوضح ذلك النوع من الوسيلة الالزمة لتحقيقھا. وكما قال المشرع األخالقي القديم بكلمات بسيطة )فإننا سنكتشف الحقيقة وستجعلنا الحقيقة طلقاء(. 26تموز/يوليو 1965 *********************************
ھوامش الفصل االول : ) (1يراجع الفصل الثاني للتعريف بتروتسكي. ) (2ليس المقصود باالأخالقية ھنا المعنى المبتذل الذي يستعمله العامة ،بل أن المعنى ھنا يختلف بعض الشيء. وسوف يرى القارئ في الصفحات المقبلة كثرة استعمال تروتسكي لھذا المصطلح) .المترجم(
) (3الثيرميدور :أحد المشتركين في إسقاط روبسبير في الثورة الفرنسية) .المترجم(. ) (4غيبو :G.P.Uالبوليس الروسي) .المترجم(. ) (5المھل :Lavaأي السائل الناري الذي يندفع مع البراكين. )المترجم(. ) (6كرونشتاد :قاعدة بحرية لالتحاد السوفياتي ،بناھا بطرس الكبير ،تقع في جزيرة من خليج فنلندا ،على مصب نھر اليفا. )المترجم(. ) (7ماخنو :عاصمة داغستان عدد سكانھا 140000نسمة، تقع على بحر قزوين وفيھا صناعة كيميائية. ) (8الكفير :Kaffirsإحدى قبائل الكفرة الذين ينزلون جنوبي افريقية وخاصة الزولو) .المترجم(.
----------------------ھوامش الفصل الثاني : ) (1ليون تروتسكي ) (1940-1879ھو االسم المستعار لـ ليف دافيدوفيتش برونشتاين ،ولد في أوكرانيا عام 1879 واغتيل في المكسيك مضروبا ببلطة في رأسه .كما حوكم غيابيا في محاكمات موسكو السيئة السمعة عام 1936بتھمة التآمر ضد النظام االشتراكي السوفييتي الستاليني وحكم عليه باإلعدام غيابيا. كان تروتسكي يعتبر الرجل الثاني بعد لينين ،بل كان البعض يعتبره الرجل األول في الثورة الروسية ،حتى أن إحدى الصحف األمريكية نشرت نبأ الثورة في 8تشرين الثاني/نوفمبر على صفحتھا األولى بعناوين تقول أن تروتسكي ھو قائد تلك الثورة ،وأن لينين ليس سوى واجھة ظاھرية.
ويمكننا القول أن تروتسكي وقف في أوقات كثيرة موقف المعارضة من الماركسية ومن لينين وأخيرا من حكم ستالين، حتى أصبح رمزا للمعارضة في صفوف الحركة الثورية االشتراكية الروسية ،وتلتزم جميع األحزاب الشيوعية بإدانته وإدانة أفكاره مواقفه .كما تعتبر التروتسكية في نظر الشيوعيين جريمة وخيانة. وترجع جميع الخالفات بين تروتسكي ولينين وستالين في جذورھا إلى نظرية تروتسكي )الثورة الدائمة( وھي النظرية التي وضع خطوطھا العامة في عام ،1905ثم أخذ يطورھا ويتوسع فيھا حتى عام ،1931وظل يمتحن تطبيقھا على تفسير أحداث الثورة الصينية ،والثورة االسبانية ،وثورات المستعمرات ،ومسار الثورة االشتراكية السوفيتية نفسھا حتى يوم مماته .وقد كون تروتسكي األممية الرابعة بعد حل الدولية الثالثة ،ولكن ما لبث أن اختلف مع الكثيرين من أعضاء ھذه الدولية .وكما الحظ القارئ فغن تروتسكي يكتب بقلم من سيف) .المترجم( ) (2الھوتنتوت Hottentotمن سكان جنوب وجنوب غرب افريقيا الذين انقرضوا تقريبا على يدي الھولنديين) .المترجم( ) (3لن يعالج ھنا تلك العادة القميئة ،عادة اإلشارة إلى الھوتنتوتيين بازدراء من أجل اإلشادة بأخالق تجار العبيد من البيض .لقد عالجنا ھذه المسألة في ھذا الكراس بالشكل الكافي. ) (4الشيكا Chekaجھاز البوليس السري في االتحاد السوفيتي ،أنشئ عام 1918ثم استبدل بالغيبو) .المترجم(. ) (5فيكتور باش ھو رئيس عصبة حقوق اإلنسان في فرنسا، الصغار. والبرجوازيين للبرجوازيين، منظمة وھي وروزنمارك أحد أعضائھا ،محام استخدمه الستالينيون لتبرئة محاكمات موسكو التي حدث أن حضرھا مثله في ذلك مثل االنكليزي )بريت(. ---------------------------------ھوامش الفصل :3
) (1حتى نتعرف بشكل دقيق على أفكار ديوي لنأخذ فكرته األساسية في ميدان أكثر تحديدا ھو ميدان األخالق بجانبيه النظري والعملي .فموضوع األخالق ھو سلوك الناس، وغرضھا ھو أن نضع على نحو عام الفارق بين السلوك الحميد والسلوك السيء ،ويترتب على ذلك في نظر ديوي أن المھمة األولى لألخالق ھي أن نتفھم طبيعة ھذه الكائنات العضوية البيولوجية التي يتألف من مجموع سلوكھا السياق االجتماعي ،والمھمة الثانية لألخالق ھي أن تتفھم أنواع المواقف المشكلة التي تدفعنا إلى أن نحاول التفرقة بين السلوك الحميد والسلوك السيء ،ومتى قمنا بھاتين وليس قبل ذلك –نكون في وضع يتيح لنا أن نضع الفارق بين )الخير والشر( ،للمزيد من االطالع يراجع: J.Dewey: The Theory of Enquiry. Allenand Unwin, London and New York, 1939 ) (2أخالقھم وأخالقنا ،بقلم ليون تروتسكي .النيوناشيونال، حزيران/يونيو 1938صفحة ) .173-163المترجم( ---------------------ھوامش الفصل :4 ) (1ھذه الحقيقة تأكدت قبل وقت قصير لدى بعض الكھنة العمال في فرنسا ،الذين أرسلتھم الكنيسة لتغلغل بين صفوف العمال ومجابھة ھرطقة الماركسية والملحدة .فقد كتبوا في رسالة موجھة للكردينال فيلتن Feltinبتاريخ الخامس من تشرين األول/أكتوبر 1953قائلين) :لقد علمنا أن الصراع الطبقي مجرد مبدأ يمكن للفرد القبول به أو رفضه ،وإنما ھو حقيقة شرسة فرضت على الطبقة العاملة( .ونظرا لرفضھم التراجع ،طردوا من سلك الكھنوت.
**************** ثبت بالمصطلحات الرئيسية المستعملة في الكتاب
Amoral
الأخالقية
Absolutism
اطالقية
Absurdity
عبث
Bestial Morality أخالقية حيوانية The Conception
الفكرة
The Carriers of infection
حاملو الوباء
Common Sense
الحس المشترك
Cement of Morality
اسمنت األخالق
Ends
الغايات
Chauvinism
الشوفينية
Interdependent
مترابطة
Interdependence
تواقف
Instrumentalist Philosophy
الفلسفة الوسيلة
Jesuitism
اليسوعية
Moralizing
الخلقنة
Moral Precepts
القواعد الخلقية
Means
الوسائل
Moral Sense
الحس الخلقي
Moral Effluvia األخالق الطوباوية
Pharisees
الفريسيين
Sycophant
منافق
Sugjective
الذاتي
Swindlers جمع دجال:دجاجلة Social Development
التطور االجتماعي
Synthesis
طباق
The Moral Gangrene
الغنغرينا األخالقية
Scientific Knowledge
معرفة علمية
Secular
علمانية
Revolutionists
ثوريون
Rational
عقالنية
Orthodox Religionism
الدينية األرثوذكسية
Traditional Idealism Utilitarianism
المثالية التقليدية النفعية
Universal Common Sense الحس الكوني المشترك