أخلاقهم وأخلاقنا

Page 1

‫أخالقھم وأخالقنا‬ ‫وجھتا النظر الماركسية والليبرالية‬ ‫في المثل األخالقية‬ ‫ليون تروتسكي‬ ‫جون ديوي‬ ‫جورج نوفاك‬ ‫ترجمة‬ ‫سمير عبده‬ ‫منشورات دار اآلفاق الجديدة بيروت‬ ‫النسخ االلكتروني ‪ :‬جريدة المناضل‪-‬ة‬ ‫‪www.almounadil-a.info‬‬ ‫**********************************‬ ‫الفھرس‬ ‫‪ -1‬مقدمة استھاللية‪ -‬جورج نوفاك‬ ‫‪ -2‬المقدمة‪ -‬جورج نوفاك‬ ‫‪-3‬أخالقھم وأخالقنا‪ -‬ليون تروتسكي‬ ‫‪ -4‬الخلقيون والمنافقون ضد الماركسية‪ -‬ليون تروتسكي‬ ‫‪ -5‬الوسائل والغايات‪ -‬جون ديوي‬


‫‪ -6‬األخالق الليبرالية‪ -‬جورج نوفاك‬ ‫ثبت بالمصطلحات الرئيسية المستعملة في الكتاب‬

‫****************************‬ ‫مقدمة استھاللية‬ ‫جورج نوفاك‬ ‫ال يشغل بال الراديكاليين الجدد لفترة الستينات من المسائل‪،‬‬ ‫قدر ما تشغلھم مسألة العالقة بين األخالق والسياسة‪ .‬ترى ھل‬ ‫يمكن لھذين الوجھين من الفعالية اإلنسانية أن ينسقا‪ ،‬أو أن من‬ ‫المحتم عليھما أن يظل كل منھما معاديا لآلخر؟ إن سجل‬ ‫الستالينية الشائن وخضوع االشتراكيين اإلصالحيين لسياسة‬ ‫الحرب الباردة في واشنطن‪ ،‬قد أدت بكثير من الثوريين‬ ‫الشبان إلى االعتقاد بأن النظرية الماركسيبة عاجزة عن حل‬ ‫ھذه المعضلة‪ .‬ولذلك فھم يبحثون في ميادين أخرى أمال في‬ ‫العثور على جواب لھذه المشكلة المكدرة في النزعة السلمية‬ ‫والوجودية واألخالقية المحضة والفعالية دون إيديولوجية أو‬ ‫منھاج‪ ،‬ال بل حتى باالرتداد إلى اإليمان الديني‪.‬‬ ‫إن الصراع بين األخالق والسياسة ليس بالمشكلة الجديدة على‬ ‫اإلطالق‪ .‬ففي عصرنا الراھن جرى النقاش حولھا بضراوة‬ ‫حيثما كان‪ ،‬وفي الوقت الذي جوبه فيه الناس بمھام عاجلة‬ ‫تتعلق بالثورة السياسية وإعادة البناء االجتماعي‪ .‬وقد كان‬ ‫الجدل حول المسألة في غاية الحدة‪ ،‬في النصف األخير من‬ ‫فترة الثالثينات‪ .‬وبإمكان الجيل الجديد أن يتعلم الكثير من‬ ‫المناقشات التي جرت بين الليبراليين واإلصالحيين والثوريين‬ ‫في تلك الفترة‪.‬‬ ‫إن بإمكانھم العثور على قضايا أساسية تتعلق بالمجابھة بين‬ ‫الليبرالية والستالينية والماركسية فيما يختص باألخالق‬ ‫والسياسة‪ ،‬وھي قضايا طرحت بإسھاب في ھذه المقاالت‪.‬‬ ‫وھي تنشر في ھذا الشكل في وقت مناسب جدا‪ .‬فشھر‬ ‫آب‪/‬أغسطس من عام ‪ 1966‬يصادف العيد الثالثين لمحاكمات‬


‫موسكو األولى المشينة التي جرت في الفترة الواقعة بين عام‬ ‫‪ 1936‬و‪ .1938‬كما يصادف ھذا التاريخ الذكرى السادسة‬ ‫والعشرين الغتيال تروتسكي في ميكسيكو عام ‪ .1940‬إن‬ ‫ھاتين الحادثتين متصلتان مباشرة‪ .‬فاغتيال تروتسكي من قبل‬ ‫أحد عمالء ستالين‪ ،‬مثل تنفيذ حكم اإلعدام الذي حكم به على‬ ‫الثوري المنفي في محاكمات موسكو‪.‬‬ ‫إن تدھور الثورة الروسية في ظل الحكم التوتاليتاري‬ ‫للبيروقراطية السوفيتية قد تجلى بأشد صورة دراماتيكية بإدانة‬ ‫وإعدام جميع أعضاء مكتب لينين السياسي‪ ،‬باستثناء ستالين‬ ‫نفسه‪ .‬ولم تثر المحاكمات وعمليات التطھير الدموية التي‬ ‫تناولت ماليين الناس‪ ،‬الفزع فحسب‪ ،‬بل أثارت لدى العديد من‬ ‫األوساط الشكوك حول المؤھالت األخالقية للماركسية‬ ‫والبلشفية‪.‬‬ ‫وقد قامت جماعة كبرى تضم عددا من الراديكاليين‬ ‫والشيوعيين السابقين بإدانة الماركسية الثورية مع نقيضھا‬ ‫ومخربتھا الستالينية‪ ،‬باسم المبادئ األخالقية العالمية‪ .‬ومن‬ ‫أبرز ھؤالء في الواليات المتحدة ماكس ايستمان ويوجين‬ ‫ليونز‪ ،‬وسيدني ھوك ونورمان توماس‪.‬‬ ‫وباإلضافة إلى الدفاع عن شرفه وحياته كثوري ضد اتھامات‬ ‫موسكو الباطلة‪ ،‬اضطر تروتسكي إلى الدفاع عن مراكز‬ ‫الماركسية المحصنة‪ ،‬وتبريرھا في المسائل التي تتعلق‬ ‫باألخالق ضد ھجمات ھؤالء الخصوم‪.‬‬ ‫وقد فعل ذلك في مقاله الشھير‪ :‬أخالقھم وأخالقنا‪ ،‬الذي ننشره‬ ‫في مطلع مجموع المقاالت ھذه‪ .‬وقد ظھر ھذا المقال ألول‬ ‫‪New‬‬ ‫مرة باالنكليزية في نشرة األممية الجديدة‬ ‫‪ International‬عدد شباط‪/‬فبراير ‪ ،1938‬وھذه المعالجة‬ ‫لمشكلة الغاية والوسيلة في العمل الجماعي والسلوك الفردي‪،‬‬ ‫تعتبر من أثمن إسھامات تروتسكي في النظرة الماركسية‪ .‬وقد‬ ‫كرست في ذكرى ليون سيدوف‪ ،‬ولده البالغ ‪ 32‬عاما‪ ،‬والذي‬ ‫توفي بأحد مستشفيات باريس في ظروف غامضة‪ ،‬بينما كان‬ ‫تروتسكي يكتب ھذا الكراس‪ .‬وثمة دالئل مقنعة لالعتقاد بأنه‪،‬‬ ‫مثله مثل آالف أتباع تروتسكي في ذلك الوقت‪ ،‬قتل بناء على‬ ‫أوامر بوليس ستالين السري‪.‬‬


‫وبعد عام ونصف عاد تروتسكي إلى الموضوعات نفسھا‬ ‫عندما أجاب على ناقديه بمقال تحت عنوان‪ :‬األخالقيون‬ ‫والمنافقون ضد الماركسية‪ .‬إن ھذين المقالين يشكالن وحدة‬ ‫في الواقع‪.‬‬ ‫وقد كتب المفكر والمربي األمريكي الشھير جون ديوي )‪(1‬‬ ‫بعد قراءة مقال تروتسكي األصلي‪ ،‬تحليال نقديا آلرائه من‬ ‫وجھة نظر فلسفته الوسيلة ‪ .instrumentalist‬وفي شھر‬ ‫آب‪/‬أغسطس عام ‪ 1938‬نشر مقاله )الوسائل والغايات( في‬ ‫النيو انترناشيونال‪.‬‬ ‫ھذا وقد قام ديوي بمھمة رئيس لجنة التحقيق الدولية في‬ ‫محاكمات موسكو‪ ،‬وھي اللجنة التي اتجھت إلى مكسيكو في‬ ‫نيسان من عام ‪ 1937‬لكي تأخذ شھادة تروتسكي‪ ،‬حول‬ ‫االتھامات التي وجھت ضده وضد سيدوف في محاكمات‬ ‫موسكو‪ .‬وفي تشرين األول من العام نفسه قدمت اللجنة‬ ‫مطالعتھا القائلة بأن محاكمات ستالين كانت ملفقة‪ ،‬وأن‬ ‫تروتسكي وابنه كانا بريئين كليا من الجرائم المريعة التي‬ ‫نسبت إليھما في االتھامات واالعترافات التي انتزعت بالقوة‪.‬‬ ‫ومنذ خطبة خروتشوف السرية الشھيرة حول جرائم ستالين‬ ‫في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي في‬ ‫شباط‪/‬فبراير من عام ‪ ،1956‬دلل خلفاء ستالين بطريقتھم‬ ‫الخاصة على صحة مطالعات لجنة ديوي قبل عشرين عاما‪.‬‬ ‫وباستثناء بعض المتعصبين الستالينيين‪ ،‬يقبل المطلعون على‬ ‫السياسة داخل وخارج الحركة الشيوعية في العالم‪ ،‬يقبلون‬ ‫اآلن في الحقيقة القائلة إن محاكمات موسكو كانت تزييفا‬ ‫للعدالة وإنھا لوثت قضية االشتراكية بالدم‪.‬‬ ‫وقد توقع ديوي أن يتلقى جوابا على تحديه من تروتسكي‪،‬‬ ‫غير أن ھذا المنفي المعذب لم يستطع أن يستأنف المناقشة في‬ ‫الوقت القصير الذي سبق مصرعه‪.‬‬ ‫ونظرا ألن المناظرة بين الطرفين لم تتم‪ ،‬قمت في الذكرى‬ ‫الخامسة والعشرين الغتيال تروتسكي‪ ،‬بمراجعة مختلف‬ ‫جوانب الحوار حول ھذه المسألة بين مختلف مدارس الفكر‬ ‫المتصارعة‪ .‬وقد نشر مقال )األخالق الليبرالية( الذي نختتم به‬ ‫مجموعة المقاالت ھذه‪ ،‬في خريف عام ‪ ،1965‬في‬


‫‪International‬‬ ‫االنترناشيبونال سوسشياليست ريفيو‬ ‫‪ .Socialist Review‬إن ھذه المقاالت األربعة ستساعد على‬ ‫إيضاح الوسائل المختلفة واآلراء المستخدمة من قبل الليبرالية‬ ‫والماركسية في معالجة مستويات األخالق‪ ،‬وبخاصة في‬ ‫تطبيقھا على مشكالت العمل السياسي والتغير االجتماعي‬ ‫الذي يبدي الراديكاليون الجدد وآخرون غيرھم اھتماما بھا في‬ ‫ھذه األيام‪.‬‬ ‫آب‪/‬أغسطس سنة ‪1966‬‬ ‫)‪ (1‬يعتبر جون ديوي )‪ (1952-1859‬الفيلسوف األمريكي‬ ‫من الفالسفة القالئل الذي كان لھم تأثير كبير في الشؤون‬ ‫العملية‪ .‬إنه يميل إلى أن يستبدل بالسؤال القائل )ما ھي النتيجة‬ ‫الصادقة؟( سؤاال آخر يقول )ما ھي النتيجة التي )ينبغي(‪ -‬إذا‬ ‫وضعنا في اعتبارنا ظروف المشكلة التي كانت مثارا لتفكيرنا‬ ‫على اإلطالق‪ -‬أن ننتھي إليھا؟(‪ .‬مشكلة القيمة إذن ھي‬ ‫موضع اھتمامه الرئيسي في كل ما كتب‪ ،‬وليس مما يثير‬ ‫الدھشة أن فلسفته قد انتھت به إلى أفكار ثورية بصدد العملية‬ ‫التربوية‪ ،‬فقد كان البرنامج الذي وضعه ديوي للتربية التقدمية‬ ‫نتيجة طبيعة لفلسفته ككل‪) .‬المترجم(‪.‬‬ ‫****************************‬ ‫في ذكرى ليون سيدوف‬ ‫‪1938-1906‬‬ ‫المقدمة‬ ‫جورج نوفاك‬ ‫خالل األعوام التي أعقبت الحرب العالمية األولى‪ ،‬ظھرت‬ ‫طائفة جديدة من نقاد الماركسية الثورية‪ ،‬انطلقت من منطلق‬ ‫األخالقية‪ .‬ويمثل ھؤالء ماكس ايستمان ونورمان توماس‬ ‫ويوجين ليونز وسيدني ھوك في الواليات المتحدة‪ ،‬وبوريس‬ ‫سوفارين ومارسيو بيفر في فرنسا‪ .‬وقد تضخمت ھذه الجوقة‬ ‫‪New‬‬ ‫بانضمام مجموعة ذي نيشن ‪ The Nation‬والـ‬ ‫‪ Republic‬التي بعد أن سحبت دعمھا وتأييدھا لجرائم‬ ‫الستالينية ومحاكمات واسبانيا‪ ،‬ما لبثت أن انتقلت إلى القول‬


‫بأن الستالينية وبلشفية لينين وتروتسكي متساوية في ال‬ ‫أخالقيتھا‪ .‬ھذه األصوات كانت لفترة من الزمن عونا لنقد‬ ‫الثورة االجتماعية باسم )األخالقية العالمية(‪.‬‬ ‫وقد تعرض تروتسكي لھؤالء في مقاله‪ :‬أخالقھم وأخالقنا‪،‬‬ ‫الذي نشر في أمريكا في عام ‪ 1938‬بمجلة نيو انترناشيونال‬ ‫)األممية الجديدة( وفي فرنسا بكراس مستقل‪ .‬وبعد مضى عام‬ ‫ونصف كتب تروتسكي مقاله‪ :‬األخالقيون والمنافقون ضد‬ ‫الماركسية‪ ،‬اعتبره تتمة لمقاله األصلي‪ ،‬وعلى ذلك فھا نحن‬ ‫ننشر المقالين معا في ترجمة مراجعة‪.‬‬ ‫لقد أثبت التاريخ أن رأي تروتسكي في أن محاولة األخالقيين‬ ‫)تحسين( الماركسية بوضع كوابح أخالقية على جميع‬ ‫الطبقات‪ ،‬كانت في الواقع خطوة من قبلھم نحو معسكر الطبقة‬ ‫الرأسمالية‪ .‬وقد تحول جميع األخالقيين منذ ذلك الوقت‪ ،‬دون‬ ‫استثناء تقريبا‪ ،‬إلى مؤيدين لالمبريالية الديموقراطية بعد أن‬ ‫أعاد الكثيرون منھم النظر في فكرتھم التي تقوم على اعتبار‬ ‫الستالينية والتروتسكية توأمين‪ ،‬وذلك في صالح فكرة ستالين‬ ‫ديموقراطي‪ .‬إن نقدھم )األخالقي( للبلشفية قد أصبح كما ھو‬ ‫األمر بالنسبة لنقد ايستمان وھوك )الفلسفي( للدياليكتيك‬ ‫الماركسي‪ ،‬جسرا عبروا فوقه عائدين إلى معسكر االمبريالية‪.‬‬ ‫وإن أخالقيتھم متعفنة حتى النخاع‪.‬‬ ‫إن ھذا الكراس الذي كتب في معرض المحاورة‪ ،‬ھو دون‬ ‫ريب أحد إسھاماته الخالدة في الماركسية‪ .‬إنه أول عرض‬ ‫منھجي لفكرة الماركسية في العالقة بين الغايات والوسائل‬ ‫كعالقة داخلية ديالكيتيكية‪ .‬ومن الواجب أن يضع حدا‪ ،‬بالقدر‬ ‫الذي يدكه الطلبة الشرفاء‪ ،‬ألسطورة )ال أخالقية( البلشفية‬ ‫واالدعاءات األخالقية لدى نقادھا من البرجوازيين الصغار‪.‬‬ ‫أخالقھم وأخالقنا‬ ‫ليون تروتسكي )‪(1‬‬ ‫األخالق الطوباوية‬ ‫خالل حقبة من رد الفعل الظافر‪ ،‬بدأ السادة الديمقراطيون‬ ‫والديمقراطيون االشتراكيون والفوضويون وممثلون آخرون‬


‫عن )المعسكر اليساري(‪ ،‬بإفراز ضعف كميتھم المعتادة من‬ ‫األخالق الطوباوية‪ ،‬أشبه شيء بأشخاص يتعرقون في حالة‬ ‫الخوف ضعف ما يتعرقونه عادة‪ .‬وال يخاطب ھؤالء‬ ‫األخالقيون وكأنھم يشرحون الوصايا العشر أو موعظة الجيل‬ ‫إلى الرجعية المنتصرة‪ ،‬قدر ما يخاطبون أولئك الثوريين‬ ‫الذين يعانون من اضطھادھا‪ ،‬والذين يثيرون الرجعية‬ ‫وبمبادئھم‬ ‫)بتطرفھم(‬ ‫الخلقي‪،‬‬ ‫تبريرھا‬ ‫ويعطونھا‬ ‫)الالأخالقية(‪ .‬وأكثر من ذلك‪ ،‬فإنھم يصفون وسيلة بسيطة‬ ‫ولكنھا مضمونة لتجنب الرجعية‪ :‬إن من الضروري أن‬ ‫يناضل المرء وأن يجدد نفسه خلقيا‪ .‬وھناك عينات مجانية‬ ‫للكمال الخلقي تقدمه جميع مكاتب النشر المعنية لھؤالء‬ ‫الراغبين‪.‬‬ ‫إن األساس الطبقي لھذه الموعظة الفخمة والزائفة‪ ،‬ھو‬ ‫البرجوازية الصغيرة المثقفة‪ ،‬واألساس السياسي ھو عجزھم‬ ‫واضطرابھم في وجه الرجعية المتقدمة‪.‬‬ ‫وأما األساسي السيكولوجي فيكمن في محاولتھم التغلب على‬ ‫الشعور بالنقص لديھم عن طريق االختفاء وراء لحية نبي‪.‬‬ ‫ولعل الطريقة المفضلة لدى جاھل أخالقي ھي الخلط بين‬ ‫سلوك الرجعية والثورة‪ .‬إنه يتبجح في حيلته ھذه عن طريق‬ ‫العودة إلى المطابقات الشكلية‪ ،‬فالقيصرية والبلشفية توأمان‬ ‫بالنسبة له‪ ،‬والتوأمية ھذه يكتشفھا أيضا في الفاشية‬ ‫والشيوعية‪ .‬وقد ابتدع اختالق آخر حول الصفات المشتركة‬ ‫بين الكاثوليكية‪ ،‬أو بشكل أدق اليسوعية وبين البلشفية‪ .‬ويعلن‬ ‫ھتلر وموسيليني باستخدام الوسيلة نفسھا بالضبط‪ .‬إن‬ ‫الليبرالية والديمقراطية والبلشفية تمثل أشكاال مختلفة لشر‬ ‫واحد‪ .‬والرأي القائل بأن الستالينية والتروتسكية واحدان من‬ ‫حيث الجوھر‪ ،‬يتمتع بالموافقة الجماعية لكل من الليبراليين‬ ‫الديمقراطيين والكاثوليك المؤمنين والمثاليين والذرائعيين‬ ‫والفوضويين والفاشيين‪ .‬وإذا ما كان الستالينيون عاجزين عن‬ ‫االنتساب للجبھة الشعبية ھذه‪ ،‬فإن األمر يعود فقط لكونھم‬ ‫مشغولين بالقضاء على التروتسكيين‪.‬‬ ‫إن الصفة األساسية لھذه المقاربات والمشابھات‪ ،‬تكمن في‬ ‫تجاھلھا الكلي لألساس المادي للتيارات المختلفة‪ ،‬أي لطبيعتھا‬ ‫الطبقية‪ ،‬وكذلك أيضا لدورھا التاريخي الموضوعي‪ .‬وبدال‬


‫يقومون ويصنفون التيارات المختلفة حسب بعض‬ ‫من ذلك‬ ‫ﱢ‬ ‫المظاھر الثانوية والخارجية‪ ،‬وفي كثير من األحوال حسب‬ ‫عالقتھا بمبدأ تجريدي معين‪ ،‬أو بمبدأ آخر‪ ،‬مبدأ يحمل‬ ‫للمصنف قيمة مھنية خاصة‪ .‬وعلى ذلك‪ ،‬فبالنسبة لبابا روما‪،‬‬ ‫يبدو الماسونيون والدارونيون والماركسيون والفوضويون‬ ‫سواء‪ ،‬ألن جميعھم ينكرون إنكارا شديدا حمل العذراء‪ .‬وأما‬ ‫بالنسبة لھتلر فالليبرالية والماركسية توأمان ألنھما يتجاھالن‬ ‫)الدم والشرف(‪ ،‬وأما الديمقراطي‪ ،‬فإن الفاشية والبلشفية‬ ‫توأمان ألنھما ال تحترمان معاناة وآالم العالم‪ .‬ال يخضعنا‬ ‫للتصويت العام‪.‬‬ ‫وال شك أن التيارات التي سبق جمعھا لھا صفات مشتركة‬ ‫معينة‪ ،‬إال أن أساس المشكلة يكمن في حقيقة أن تطور الجنس‬ ‫البشري ال يستنفد بالشقاء العالمي‪ ،‬أو )بالدم والشرف( أو‬ ‫بعقيدة )الحبل بال دنس(‪ .‬إن العملية التاريخية تمثل قبل كل‬ ‫شيء صراع الطبقات‪ .‬وأكثر من ذلك‪ ،‬فإن الطبقات المختلفة‬ ‫قد تلجأ‪ ،‬في مناسبات معينة‪ ،‬إلى استخدام وسائل متشابھة باسم‬ ‫اختالف األھداف‪ .‬وال يمكن أن يكون األمر خالف ذلك من‬ ‫حيث الجوھر‪ ،‬فالجيوش في المعارك تكون متماثلة بشكل أو‬ ‫بآخر‪ .‬ولو لم يكن ھناك شيء مشترك في وسائل الصراع‬ ‫بينھا لما استطاع واحدھا تسديد ضربات لآلخر‪.‬‬ ‫وإذا ما وجد فالح جاھل أو صاحب حانوت نفسه بين نارين‪،‬‬ ‫وھو ال يدرك أصل أو معنى الصراع بين البروليتارية‬ ‫والبورجوازية‪ ،‬فسينظر إلى المعسكرين المتخاصمين بكراھية‬ ‫متساوية‪ .‬ومن ترى ھؤالء األخالقيون الديمقراطيون؟ إنھم‬ ‫إيديولوجيو الطبقات الوسطى الذين سقطوا‪ ،‬أو الذين ھم‬ ‫فريسة للخوف من الوقوع بين النارين‪ .‬والصفات األساسية‬ ‫التي تميز األنبياء من ھذا الطراز‪ ،‬ھي االنعزال عن الحركات‬ ‫التاريخية الكبرى‪ ،‬ووجود عقلية شديدة المحافظة‪ ،‬وضيق‬ ‫أفق‪ ،‬ولون من أشد ألوان الجبن السياسي بدائية‪ .‬إن األخالقيين‬ ‫يأملون أكثر من أي شيء آخر أن يتركھم التاريخ بسالم مع‬ ‫كتبھم ومجالتھم الصغيرة ونشراتھم وحسھم المشترك‬ ‫ودفاترھم األخالقية‪ .‬إال أن التاريخ ال يتركھم بسالم فھو‬ ‫يصفعھم تارة من اليسار وطورا من اليمين‪ .‬ومن الواضح أن‬ ‫الثورة والرجعية‪ ،‬القيصرية والبلشفية‪ ،‬الشيوعية والفاشية‪،‬‬ ‫الستالينية والتروتسكانية كلھا توائم‪ .‬ومن يشك بذلك فقد يشعر‬


‫بضربات متماثلة على يافوخ طرفي اليمين واليسار لدى‬ ‫ھؤالء األخالقيين‪.‬‬ ‫الالأخالقية )‪ (2‬الماركسية والحقائق الخالدة‬ ‫إن أشد االتھامات الموجھة ضد الالأخالقية البلشفية شيوعا‬ ‫وثقال‪ ،‬تستند على ما يسمى بالقاعدة اليسوعية للبلشفية‪) :‬الغاية‬ ‫تبرر الوسيلة(‪ .‬ومن ھنا ليس من الصعب الوصول إلى‬ ‫النتيجة التالية‪ :‬ما دام التروتسكيون مثلھم بذلك مثل البالشفة‬ ‫)أو الماركسيين( ال يعترفون بمبادئ األخالق‪ ،‬فليس ھناك‬ ‫بالنتيجة فرق أساسي بين التروتسكية والستالينية‪.‬‬ ‫لقد أجرت مجلة شھرية أمريكية في غاية السوقية والتھكم‬ ‫استفتاء حول الفلسفة األخالقية للبلشفية‪ ،‬وكان االستفتاء معدا‬ ‫كالعادة لكي يخدم غايات األخالق واإلعالن في وقت واحد‪.‬‬ ‫ولم يكن ھـ‪.‬جـ‪ .‬ولز الذي ال يقلد‪ ،‬والذي تفوق قناعته الذاتية‬ ‫الھومرية خياله‪ ،‬يتلكأ عن التضامن مع المتطرفين الرجعيين‬ ‫المؤمنين بالحس المشترك ‪ Common Sense‬وھنا يصبح‬ ‫كل شيء منتظما‪ ،‬بيد أن أولئك المعنيين الذين اعتبروا من‬ ‫الضروري الدفاع عن البلشفية‪ ،‬لم يفعلوا ذلك في معظم‬ ‫الحاالت‪ ،‬دون بعض المراوغات التي تنضح بالتملص‬ ‫والتھرب )ايستمان(‪ :‬إن مبادئ الماركسية سيئة بالطبع‪ ،‬إال أن‬ ‫بين البالشفة‪ ،‬على أية حال‪ ،‬بعض األشخاص الذين يستحقون‬ ‫التقدير‪ .‬إن مثل ھؤالء )األصدقاء( ھم في الحق اشد خطرا‬ ‫من األعداء‪.‬‬ ‫إذا ما نظرنا إلى ھؤالء السادة المھتمين بجدية‪ ،‬علينا أن‬ ‫نسألھم قبل كل شيء‪ :‬ما ھي مبادئكم الخلقية؟ ذلكم سؤال‬ ‫بالكاد أن نسمع له جوابا‪ .‬دعونا نعترف اآلن إنه ال الغايات‬ ‫الشخصية وال الغايات االجتماعية يمكنھا أنة تبرر الوسيلة‪.‬‬ ‫ھنا يتضح أنه من الضروري البحث عن مقياس خارج‬ ‫المجتمع التاريخي‪ ،‬وخارج تلك الغايات التي تظھر خالل‬ ‫تطورھا‪ ،‬ولكن أين؟ إذا لم يكن على األرض فال بد إذن أن‬ ‫يكون في السماء‪ .‬لقد اكتشف الكھنة قبل زمن طويل‪ ،‬اكتشفوا‬ ‫في الوحي اإللھي مقياسا خلقيا معصوما‪ ،‬ويتحدث الكھنة‬ ‫العلمانيون الصغار عن الحقائق الخلقية الخالدة دون أن يسموا‬ ‫مصادرھا األصيلة‪ .‬ومع ذلك فنحن محقون في استنتاجنا‬ ‫التالي‪ :‬بما أن ھذه الحقائق خالدة‪ ،‬وجب أن توجد‪ ،‬ليس قبل‬


‫ظھور اإلنسان الذي نصفه اآلخر إنسان على األرض فحسب‪،‬‬ ‫وإنما قبل تطور النظام الشمسي‪ .‬فمن أين ظھرت إذن؟ إن‬ ‫نظرية القيم األخالقية الخالدة ال يمكن أن تستمر مطلقا دون‬ ‫الـله‪.‬‬ ‫إن األخالقيين من النوع االنغلوساكسوني‪ ،‬يبدون طالما أنھم ال‬ ‫يقصرون أنفسھم على النفعية العقالنية وعلى األخالق‬ ‫البورجوازية‪ ،‬يبدون بوعي منھم أو بعدم وعي تالميذ‬ ‫للفيزكونت شافتسبوري ‪ Viscount Shaftesbury‬الذي‬ ‫استنتج في بداية القرن الثامن )!( أحكاما خلقية من )حس‬ ‫خلقي( خاص افترض أنه منح لإلنسان مرة واحدة والى األبد‪.‬‬ ‫إن فوق الطبقية تؤدي بشكل حتمي إلى االعتراف بمضمون‬ ‫خاص )بمس خلقي(‪ ،‬بضمير بنوع من المطلق الذي ال يعدو‬ ‫كونه االسم الفسلفي الواجف لـله‪ .‬وبمعزل عن الغايات‪ ،‬أي‬ ‫بمعزل عن المجتمع واألخالق وسواء استنتجت من الحقائق‬ ‫الخالدة‪ ،‬أو من )طبيعة اإلنسان( يبدو األمر في النھاية شكال‬ ‫من أشكال )الالھوت الطبيعي(‪ .‬وتظل السماء المركز‬ ‫المحصن الوحيد للعمليات العسكرية ضد المادية الديالكتيكية‪.‬‬ ‫وفي نھاية القرن الماضي‪ ،‬ظھرت في روسيا مدرسة كاملة‬ ‫للماركسيين ضمت كال من ستروف وبردييف وبلفاكوف‬ ‫وآخرين من الذين أرادوا إغناء تعاليم وماركس بأساس ذاتي‪،‬‬ ‫أي بأساس خلقي يجاوز فوق الطبيعة‪ .‬وقد بدأ ھؤالء بكنط‬ ‫‪ Kant‬واألمر المطلق‪ .‬ولكن كيف انتھوا؟ إن ستروف ھو‬ ‫اآلن وزير متقاعد رانغل القرمي وابن بار للكنيسة‪ ،‬وبلفاكوف‬ ‫كاھن ارثوذكسي‪ ،‬وبردييف يشرح )الرؤيا( بلغات متنوعة‪.‬‬ ‫إن ھذه التحوالت التي تبدو غير متوقعة للوھلة األولى‪ ،‬ال‬ ‫تفسرھا إطالقا )الروح السالفية( ‪-‬لدى ستروف روح ألمانية‪-‬‬ ‫وإنما تفسر بمد الصراع االجتماعي في روسيا‪ .‬إن التيار‬ ‫األساسي لھذه التبدالت دولي جوھريا‪.‬‬ ‫وتمثل المثالية الفلسفية الكالسيكية من حيث كونھا قد استھدفت‬ ‫في زمانھا علمنة األخالق‪ ،‬أي تحريرھا من القيود الدينية‪،‬‬ ‫تمثل خطوة ھائلة إلى األمام )ھيغل( إال الفلسفة الخلقية وقد‬ ‫انشقت عن السماء‪ ،‬واضطرت للبحث عن جذور أرضية‪ .‬وقد‬ ‫كانت إحدى مھام المادية اكتشاف ھذه الجذور‪ ،‬فبعد‬ ‫شافتسبوري جاء داروين وبعد ھيغل جاء ماركس‪ .‬فاالتجاه‬ ‫اآلن نحو )الحقائق األخالقية الخالدة( يمثل محاولة إلعادة‬


‫العجالت إلى الوراء‪ .‬إن المثالية الفسلفية مجرد مرحلة‪ :‬من‬ ‫الدين إلى المادية‪ ،‬أو بالعكس من المادية إلى الدين‪.‬‬ ‫الغاية تبرر الوسيلة‬ ‫إن النظام اليسوعي الذي تبلور في النصف األول من القرن‬ ‫السادس عشر لمحاربة البروتستانتية‪ ،‬لم يبشر مطلقا بفكرة أن‬ ‫أية وسيلة‪ ،‬حتى ولو كانت إجرامية من وجھة نظر القيم‬ ‫األخالقية الكاثوليكية‪ ،‬مسوغة في حال كونھا تؤدي إلى لغاية‬ ‫المتوخاة أي إلى انتصار الكاثوليكية‪ .‬إن مبدأ متناقضا من‬ ‫الداخل‪ ،‬وغير ذي داللة سيكولوجيا كھذا‪ ،‬كان ينسب إلى‬ ‫اليسوعيين بخبث‪ ،‬من قبل خصومھم البروتستانت وبعض‬ ‫الخصوم الكاثوليك‪ ،‬الذين لم يتورعوا عن اختيار عن اختيار‬ ‫الوسائل لتحقيق غاياتھم الخاصة‪ .‬وقد علم الالھوتيون‬ ‫اليسوعيون الذين كانوا مشغولين‪ ،‬مثلھم في ذلك مثل الھوتيي‬ ‫المدارس األخرى بمسألة المسؤولية الشخصية‪ ،‬علموا في‬ ‫الواقع أن الوسيلة في حد ذاتھا يمكن أن تكون أمرا ال أھمية‬ ‫له‪ ،‬ولكن تبرير الوسيلة المعنية خلقيا أو إدانتھا ينطلق من‬ ‫الغاية‪ .‬فإطالق النار مسألة ال أھمية في حد ذاتھا‪ ،‬أما إطالق‬ ‫النار على كلب مسعور يھدد طفال فھذه فضيلة‪ ،‬وأما إطالق‬ ‫النار بھدف االعتداء أو القتل فجريمة‪ .‬وخارج ھذه المجاالت‬ ‫العامة لم يبد الھوتيو ھذا النظام أية آراء‪.‬‬ ‫ولم يكن اليسوعيون في المدى الذي يتعلق بأخالقيتھم العملية‪،‬‬ ‫أسوا من الرھبان اآلخرين أو الكھنة الكاثوليك على اإلطالق‪.‬‬ ‫وعلى العكس من ذلك‪ ،‬فقد كانوا متفوقين عليھم‪ ،‬وحيث كانوا‬ ‫على أية حال أشد ثباتا وجرأة وتبصرا‪ .‬وقد كان اليسوعيون‬ ‫يمثلون منظمة مناضلة شديدة المركزية‪ ،‬عدوانية وخطرة‪،‬‬ ‫ليس تجاه األعداء فحسب‪ ،‬وإنما تجاه الحلفاء أيضا‪ .‬وبھذه‬ ‫السيكولوجية وطريقة العمل‪ ،‬ميز يسوعي تلك الفترة‬ ‫)البطولية( نفسه عن الكاھن العادي كمحارب من أجل‬ ‫الكنيسة‪ ،‬ال صاحب حانوتھا‪ .‬وليس من سبب يجعلنا ننظر إلى‬ ‫أي منھما على انه مثالي‪ ،‬بيد أنه ليس بذي قيمة إطالقا النظر‬ ‫إلى محارب متعصب بعيني صاحب حانوت كسول وخامل‪.‬‬ ‫إذا ما ظللنا في مجال الممثالت الشكلية أو السيكولوجية البحتة‬ ‫أمكن القول‪ ،‬إذا ما شئتم‪ ،‬أن البالشفة يبدون بالنسبة‬ ‫للديمقراطيين االشتراكيين بكافة أشكالھم‪ ،‬كما يبدو اليسوعيون‬


‫بالنسبة للسلك الكنسي المسالم‪ .‬وبالمقارنة مع الماركسيين‬ ‫الثوريين‪ ،‬يبدو الديمقراطيون االشتراكيون والمركزيون أشبه‬ ‫شيء بالمعتوھين‪ ،‬أو أشبه شيء بدجال أمام طبيب‪ :‬فھم‬ ‫يفكرون بمسألة ما حتى النھاية‪ ،‬ويؤمنون بقوة السحر‬ ‫والشعوذة‪ ،‬ويعجبون بجبن كل صعوبة‪ ،‬آملين بحدوث‬ ‫معجزة‪ .‬وأما االنتھازيون فھم في الفكر االشتراكي‪ ،‬أصحاب‬ ‫حوانيت مسالمون‪ ،‬بينما البالشفة محاربوه األشداء‪ .‬من ھنا‬ ‫تنشأ العداوة والكراھية للبالشفة من جانب أولئك الذين لديھم‬ ‫فيض من األخطاء التاريخية المشروطة‪ ،‬وليس فيضا في أية‬ ‫حسنة من الحسنات‪.‬‬ ‫ومع ذلك يظل تناظر البالشفية واليسوعية وحيد الجانب‪،‬‬ ‫وسطحيا كليا‪ ،‬ال بل أنه من نوع أدبي أكثر من كونه من نوع‬ ‫تاريخي‪ .‬ووفقا لطبيعة مصالح ھذه الطبقات التي بنوا أنفسھم‬ ‫عليھا‪ ،‬يمثل اليسوعيون الرجعية ويمثل البروتستانتيون التقدم‪.‬‬ ‫إن محدودية ھذا التقدم تجد تعبيرھا المباشر بدورھا في‬ ‫أخالقية البروتستانتيين‪ ،‬ومن ھنا فتعاليم المسيح التي قاموا‬ ‫بتنقيتھا‪ ،‬لم تمنع لوثر برجوازي المدينة من الدعوة إلى‬ ‫القضاء على الفالحين الثائرين ووصفھم بالكالب المسعورة‪.‬‬ ‫ومن الواضح أن الدكتور مارتن اعتبر أن الغاية تبرر الوسيلة‬ ‫حتى قبل أن ينسب ھذا المبدأ إلى اليسوعيين‪ .‬وبالمقابل قام‬ ‫اليسوعيون في منافستھم مع البروتستانتية بالتأقلم أكثر من قبل‬ ‫مع روح المجتمع البرجوازي وروح العھود الثالثة‪ :‬الفقر‬ ‫والعفة والطاعة‪ ،‬وحافظوا على الطاعة فقط وبشكل بالغ‬ ‫المرونة‪ .‬ومن جھة نظر المثل األعلى المسيحي‪ ،‬انحدرت‬ ‫أخالقية اليسوعيين بقدر ما كفوا عن كونھم يسوعيين‪ .‬وقد‬ ‫أصبح المجاھدون في سيبل الكنيسة بيروقراطيي اليسوعية‪،‬‬ ‫وأصبحوا مثلھم في ذلك مثل جميع البيروقراطيين دجاجلة‬ ‫ناجحين‪.‬‬ ‫اليسوعية والنفعية‬ ‫إن ھذه المراجعة المختصرة ربما كانت كافية لتوضح أن‬ ‫الجھل وضيق األفق ضروريان للنظر بجدية إلى المركز‬ ‫المعاكس للمبدأ اليسوعي )الغاية تبرر الوسيلة(‪ ،‬إلى المحكمة‬ ‫األسمى‪ ،‬والقائلة بأن كل وسيلة تحمل عنوانھا األخالقي‬ ‫الخاص بھا كالبضاعة التي تحمل سعرھا المحدد في مخزن‬ ‫لدى‬ ‫المشترك‬ ‫الحس‬ ‫أن‬ ‫المالحظ‬ ‫ومن‬ ‫تجاري‪.‬‬


‫االنغلوساكسوني الجاھل والمتعصب قد توصل إلى حالة من‬ ‫السخط على المبدأ اليسوعي‪ ،‬وإن يجد اإلسھام في الوقت‬ ‫نفسه‪ ،‬في األخالقية النفعية التي تتميز بھا الفلسفة البريطانية‪.‬‬ ‫ومن ھنا فإن مقياس بنتام –جون مل القائل )أعظم سعادة‬ ‫ممكنة ألكبر عدد ممكن من الناس( تعني أن ھذه الوسائل‬ ‫األخالقية تؤدي إلى تعميم الرفاھية واعتبارھا الھدف األسمى‪.‬‬ ‫وعلى ذلك فإن المذھب النفعي االنغلوساكسوني في أشكاله‬ ‫العامة يتفق كليا مع المبدأ اليسوعي‪) :‬الغاية تبرر الوسيلة(‪.‬‬ ‫فالمذھب التجريبي‪ ،‬كما نرى‪ ،‬يوجد في العالم فقط لتحريرنا‬ ‫من الحاجة إلى جعل الطرفين يلتقيان‪.‬‬ ‫لقد علم ھربت سبنسر الذي أدخل داروين في مذھبه التجريبي‬ ‫فكرة التطور كلقاح خاص‪ ،‬أن التطور في الميدان الخلقي‬ ‫ينطلق من األحاسيس إلى األفكار‪ .‬واألحاسيس تفرض مقياس‬ ‫المتعة المباشرة‪ ،‬بينما تسمح األفكار للمرء بأن يتبع مقياس‬ ‫المتعة المستقبلية والخالدة والسامية‪ ،‬وعلى ذلك فإن المقياس‬ ‫الخلقي ھنا ھو المتعة والسعادة أيضا‪ ،‬إال أن مضمون ھذا‬ ‫المقياس يتطلب اتساعا وعمقا يعتمدان على مستوى التطور‪.‬‬ ‫وقد بيّن ھربرت سبنسر بھذه الطريقة أيضا وبواسطة طرائق‬ ‫تتعلق بمذھبه النفعي )التطوري( أن مبدأ )الغاية تبرر‬ ‫الوسيلة( ال يتضمن أي شيء غير أخالقي‪.‬‬ ‫وعلى أية حال‪ ،‬فإن من السذاجة أن نتوقع من ھذا المبدأ‬ ‫المجرد جوابا للسؤال العملي‪ :‬ماذا يمكننا أن نفعل‪ ،‬وماذا ال‬ ‫يمكننا أن نفعله؟ وأكثر من ذلك‪ ،‬فإن مبدأ الغاية تبرر الوسيلة‬ ‫يطرح السؤال التالي بشكل طبيعي‪ :‬وما الذي يبرر الغاية؟ في‬ ‫الحياة العملية كما في الحركة التاريخية‪ ،‬تتبادل الغاية‬ ‫والوسيلة أماكنھما باستمرار‪ .‬فاآللة في طور التركيب )غاية(‬ ‫لإلنتاج‪ ،‬وال يمكن أن تصبح الوسيلة إال عندما تدخل المصنع‪،‬‬ ‫والديمقراطية في فترات معينة ھي غاية الصراع الطبقي وال‬ ‫تلبث أن تتحول فيما بعد إلى وسيلة له‪ .‬ومع ذلك فالمبدأ‬ ‫اليسوعي‪ ،‬باعتبار أنه ال يحتضن أي شيء غير أخالقي‪،‬‬ ‫يخفق في حل المشكلة األخالقية‪.‬‬ ‫وبنفس الطريقة يلقي بنا مذھب سبنسر النفعي )التطوري( في‬ ‫منتصف الطريق دون جواب‪ ،‬باعتبار أنه بتبعيته لداروين‬ ‫يحاول حل الفضائل األخالقية التاريخية المتماسكة في‬ ‫الحاجات البيولوجية‪ ،‬أو )في الغرائز االجتماعية( التي تميز‬


‫الحيوانات القطعية‪ .‬ويحدث ھذا في وقت يثار فيه فھم الفضائل‬ ‫األخالقية فقط في مجتمع متخاصم‪ ،‬أي مجتمع منقسم إلى‬ ‫طبقات‪.‬‬ ‫إن التطورية البرجوازية‪ ،‬تتعثر عاجزة على عتبة المجتمع‬ ‫التاريخي‪ ،‬ألنھا ال ترغب باالعتراف بالقوة الدافعية في تطور‬ ‫األشكال االجتماعية‪ ،‬أي بالصراع الطبقي‪ .‬واألخالق ھي‬ ‫إحدى الوظائف اإليديولوجية في ھذا الصراع‪ ،‬فالطبقة‬ ‫الحاكمة تفرض أھدافھا على المجتمع‪ ،‬وتعوده على أن يعتبر‬ ‫جميع ھذه الوسائل التي تناقض غاياته‪ ،‬غير أخالقية‪ .‬وھذه‬ ‫ھي الوظيفة الرئيسية لألخالقية الرسمية‪ ،‬أنھا تتبع فكرة‬ ‫)أعظم سعادة ممكنة( ليس لألغلبية‪ ،‬وإنما ألقلية صغيرة‬ ‫تتناقض باستمرار‪ .‬ومثل ھذا النظام لم يكن ليصمد حتى لمدة‬ ‫أسبوع واحد بواسطة القوة وحدھا‪ ،‬بل أنه ليحتاج إلى اسمنت‬ ‫األخالق‪ .‬وبشكل إنتاج ھذا االسمنت مھنة المتطرفين‬ ‫البرجوازيين الصغار واألخالقيين الصغار واألخالقيين‪ ،‬وھم‬ ‫يعكسون جميع ألوان قوس قزح‪ ،‬إال أنھم يظلون في التحليل‬ ‫األخير دعاة للعبودية واالستسالم‪.‬‬ ‫القواعد الخلقية ملزمة للجميع‬ ‫إن من ال يكترث بالعودة إلى موسى والمسيح ومحمد‪ ،‬وال‬ ‫يرضى بالخالئط المنتخبة‪ ،‬عليه االعتراف بأن األخالق نتيجة‬ ‫لتطور االجتماعي‪ ،‬وإنه ليس ثمة من شيء ثابت بشأنھا‪،‬‬ ‫وإنما تخدم المصالح االجتماعية‪ ،‬وإن ھذه المصالح المتناقضة‬ ‫لألخالق‪ ،‬أكثر من أي شيء آخر لإليديولوجية‪ ،‬ذات مظھر‬ ‫طبقي‪.‬‬ ‫ولكن أال توجد قواعد خلقية مبدئية جرى التوصل إليھا خالل‬ ‫تطور الجنس البشري ككل‪ ،‬وال غنى عنھا لوجود الجماعة‬ ‫نفسھا؟ ال شك أن مثل ھذه القواعد موجودة‪ ،‬إال أن مدى‬ ‫فعاليتھا محدود جدا وغير ثابت‪ .‬وبقدر ما تكون الشخصية‬ ‫التي نتجت عن الصراع الطبقي حادة وذكية‪ ،‬بقدر ما تصبح‬ ‫المقاييس )الملزمة للجميع( أقل قوة‪ .‬وأعلى شكل للصراع‬ ‫الطبقي ھو الحرب األھلية التي تفجر في الھواء جميع‬ ‫االرتباطات الخلقية بين الطبقات المتصارعة‪.‬‬


‫وفي الشروط )الطبيعية( يلتزم اإلنسان )الطبيعي( بالوصية‬ ‫القائلة‪) :‬ال تقتل( ولكن إذا ما قتل في شروط استثنائية من‬ ‫الدفاع عن النفس‪ ،‬فإن المحلفين يبرئون ساحته‪ .‬وإذا ما سقط‬ ‫ضحية قاتل فإن المحكمة ستقتل القاتل‪ .‬وضرورة المحاكم‬ ‫باإلضافة إلى الدفاع عن النفس‪ ،‬تنطلق من مصالح عدائية‪،‬‬ ‫وفيما يتعلق بالدولة‪ ،‬فإنھا تقتصر نفسھا في أوقات السلم على‬ ‫القتل المشروع لألفراد بحيث أنھا في وقت الحرب تستطيع‬ ‫تحويل الوصية اإللزامية‪) :‬ال تقتل( إلى نقيضھا‪ .‬وأشد‬ ‫الحكومات إنسانية‪ ،‬والتي تمقت الحرب في أوقات السلم‪ ،‬تعلن‬ ‫خالل الحرب‪ ،‬أن الواجب العظم لجيوشھا ھو محق أكبر عدد‬ ‫ممكن من الناس‪ .‬إن ما يسمى بالقواعد الخلقية المعترف بھا‬ ‫عامة‪ ،‬تحتفظ في جوھرھا بسمة جبرية‪ ،‬أي بسمة غير ثابتة‪،‬‬ ‫وھي تبين فقط حقيقة كون اإلنسان في سلوكه الفردي مرتبطا‬ ‫بمقاييس عامة معينة تمنع من كونه عضوا في المجتمع‪،‬‬ ‫وأعلى أشكال تعميم ھذه المقاييس ھو أمر كنط المطلق‪ .‬بيد أنه‬ ‫على الرغم من حقيقة كون ھذا األمر يحتل مركزا مرموقا في‬ ‫أولمب ‪ Olympus‬الفلسفة‪ ،‬فإنه ال يضم أي شيء مطلق ألنه‬ ‫شيئا محسوسا‪ ،‬إنه صدفة بال نواة‪.‬‬ ‫إن خواء ھذه المقاييس الملزمة للجميع‪ ،‬ينبع من الحقيقة القائلة‬ ‫أنه بالنسبة لجميع المسائل الحاسمة‪ ،‬يشعر الناس بعضويتھم‬ ‫الطبقية بشكل أشد حدة ومباشرة من عضويتھم في المجتمع‪.‬‬ ‫إن مقاييس األخالق )اإللزامية( ھي في الواقع مليئة بمضمون‬ ‫الطبقة‪ ،‬أي بمضمون عدائي‪ .‬وبقدر ما يصبح المقياس‬ ‫األخالقي مطلقا‪ ،‬بقدر ما يكون )إلزاما للجميع(‪ .‬فالتضامن‬ ‫بين العمال‪ ،‬وبخاصة بين المتظاھرين أو المقاتلين خلف‬ ‫المتاريس‪ ،‬ھو أشد )إطالقا( من التضامن اإلنساني بشكل عام‪.‬‬ ‫إن البرجوازية التي تفوق البروليتارية بمراحل في كمال‬ ‫وعناد وعيھا الطبقي‪ ،‬مھتمة بشكل حيوي بفرض فلسفتھا‬ ‫الخلقية على الجماھير المستثمرة ولھذا السبب بالذات‪ ،‬نجد أن‬ ‫المقاييس المحسوسة للوعظ البرجوازي تختفي وراء ستار من‬ ‫التجريدات الخلقية تتجسد بالدين والفلسفة‪ ،‬أو بذلك المزيج‬ ‫الھجين المسمى )بالحس المشترك(‪ .‬إن اللجوء إلى القواعد‬ ‫المجرد ليس بخطيئة‪ ،‬فلسفية غير مقصودة‪ ،‬وإنما ھو عنصر‬ ‫ضروري في ميكانيكية الخداع الطبقي‪ ،‬والكشف عن ھذا‬ ‫الخداع الذي ينطوي على تقليد يعود إلى آالف السنين‪ ،‬ھو‬ ‫أول واجب للثوري البروليتاري‪.‬‬


‫أزمة األخالق الديمقراطية‬ ‫من أجل أن تضمن الطبقات الحاكمة انتصار مصالحھا في‬ ‫المسائل الكبرى‪ ،‬تجد نفسھا مرغمة على القيام بتنازالت حول‬ ‫المسائل الثانوية‪ ،‬وھذا طبيعي‪ ،‬طالما أن ھذه التنازالت تتفق‬ ‫وحساباتھا‪ .‬وخالل حقبة الموجة الرأسمالية‪ ،‬وبخاصة خالل‬ ‫العقود األخيرة التي سبقت الحرب العالمية‪ ،‬كانت ھذه‬ ‫التنازالت ذات طبيعة أمنية كليا بالنسبة للطبقات العليا‬ ‫للبروليتارية‪ ،‬على األقل‪ .‬وفي ذلك الوقت‪ ،‬اتسعت الصناعة‬ ‫دون أن يعرقل اتساعھا شيء‪ .‬كما أن رخاء الدول المتمدنة‪،‬‬ ‫ورخاء الجماھير الكادحة أيضا‪ ،‬قد ازداد‪ .‬وبدت الديمقراطية‬ ‫قوية متماسكة‪ ،‬كما نمت المنظمات العمالية‪ ،‬وازدادت‬ ‫النزعات اإلصالحية عمقا في القوت نفسه‪ .‬وأما العالقات بين‬ ‫الطبقات‪ ،‬فقد النت ظاھريا على األقل‪ .‬وھكذا أقيمت قواعد‬ ‫أخالقية أولية في مجال العالقات االجتماعية‪ ،‬جنبا إلى جنب‬ ‫مع أسس الديمقراطية وعادات التضامن الطبقي‪ .‬وتكونت‬ ‫صورة مجتمع متزايد الحرية والعدالة إنسانية‪ ،‬وبدا خط التقدم‬ ‫المتصاعد للحس المشترك غير متناه‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬اندلعت الحرب جارة معھا ذيال من االنتفاضات‬ ‫واألزمات والكوارث واألوبئة والوحشية‪ .‬ووجدت الحياة‬ ‫االقتصادية للجنس البشري نفسھا في طريق مسدود‪ ،‬وأصبح‬ ‫العداء الطبقي حادا ومكشوفا‪ .‬كما بدأت صمامات األمان‬ ‫الديمقراطية باالنفجار واحدا بعد اآلخر‪ .‬وبدت القواعد الخلقية‬ ‫المبدئية أشد ھشاشة من المؤسسات الديمقراطية واألوھام‬ ‫اإلصالحية‪ .‬ونما الكذب واالفتراء والرشوة والجشع واإلكراه‬ ‫والقتل إلى أبعاد لم يسبق لھا مثيل‪ .‬وبدت جميع ھذه‬ ‫المزعجات بالنسبة للبسطاء المشدوھين‪ ،‬نتيجة من نتائج‬ ‫الحرب‪ ،‬بينما كانت في الواقع‪ ،‬وما تزال‪ ،‬من مظاھر التدھور‬ ‫االستعماري‪ .‬إن انھيار الرأسمالية يشير إلى انھيار المجتمع‬ ‫المعاصر بقوانينه ومثله األخالقية‪.‬‬ ‫إن طباق ‪ Synthesis‬االنحطاط االمبريالي ھو الفاشية التي‬ ‫تتولد مباشرة عن إفالس الديمقراطية البرجوازية أمام‬ ‫مشكالت الحقبة االمبريالية‪ .‬وتستمر بقايا الديمقراطية بالوجود‬ ‫فقط في أنظمة الحكم االرستقراطية الرأسمالية الغنية‪ .‬فمقابل‬ ‫كل ديمقراطي في انكلترا وفرنسا وھولندا وبلجيكا‪ ،‬يوجد عدد‬


‫معين من العبيد ال ُمستَعْ َمرين‪ ..‬وھناك ستون أسرة تسيطر على‬ ‫ديمقراطية الواليات المتحدة‪ ...‬وھكذا‪ ...‬وأكثر من ذلك فإن‬ ‫فروع الفاشية تنمو باطراد في جميع الديمقراطيات‪ .‬وأما‬ ‫الستالينية فھي بدورھا حصيلة الضغط االمبريالي على دولة‬ ‫للعمال متخلفة ومنعزلة‪ ،‬تعتبر بمثابة تكملة مماثلة للفاشية من‬ ‫حيث النوع‪.‬‬ ‫وفي الوقت الذي يقوم فيه الجھلة المثاليون الذين يحتل‬ ‫الفوضويون مكان الصدارة بينھم بالطبع‪ ،‬بكشف القناع في‬ ‫صحافتھم دون ھوادة عن الأخالقية الماركسية‪ ،‬تقوم‬ ‫التروستات األمريكية حسبما يقول جون لـ‪ .‬لويس بإنفاق ما ال‬ ‫يقل عن ‪ 80‬مليون دوالر في العام الواحد في نضال عملي‬ ‫مضاد يستھدف تخريب الثورة‪ ،‬عن طريق التجسس ورشوة‬ ‫العمال والتزييف وعمليات القتل في الشوارع أو في األزقة‬ ‫المظلمة‪ ،‬إن األمر المطلق يختار في بعض األحيان طرقا‬ ‫ملتوية من أجل إحراز االنتصار‪.‬‬ ‫دعونا نالحظ بحق أن اشد أخالقيي البرجوازية الصغيرة‬ ‫محدودية وإخالصا‪ ،‬ما يزالون يعيشون حتى اليوم ذكريات‬ ‫األمس المفعمة بخياالت المثل األعلى واألمل بعودة ھذه‬ ‫الخياالت‪ .‬إنھم ال يدركون أن األخالق التي ھي وظيفة من‬ ‫وظائف الصراع الطبقي‪ ،‬وأن األخالق الديمقراطية التي‬ ‫تتصل بحفنة الرأسمالية الليبرالية والتقدمية‪ ،‬وان الصراع‬ ‫الطبقي الذي يزداد حدة ويجتاز آخر مراحله‪ ،‬قد دمر ھذه‬ ‫األخالق بشكل نھائي وحاسم‪ .‬كما ال يدركون أنه حلت محلھا‬ ‫أخالقية الفاشية من طرف‪ ،‬وأخالقية القوة البروليتارية من‬ ‫طرف آخر‪.‬‬ ‫الحس المشترك‬ ‫إن الديمقراطية واألخالقية المعروفة بشكل عام‪ ،‬ليستا‬ ‫الضحيتين الوحيدتين لالمبريالية‪ .‬إن الشھيد الثالث المعذب ھو‬ ‫الحس الكوني المشترك ‪Universal Common Sense‬‬ ‫وھذا الشكل األدنى للمثقف ليس ضروريا فقط في جميع‬ ‫الشروط‪ ،‬وإنما ھو كاف في ظروف معينة أيضا‪ .‬فرأس المال‬ ‫األساسي للحس المشترك يتضمن االستنتاجات الدولية للتجربة‬ ‫الكونية‪ :‬عدم وضع األصابع في النار عندما يكون في اإلمكان‬ ‫التقدم على طريق مستقيمة‪ ،‬دون إثارة الكالب الشرسة‬


‫وھكذا‪ ،‬إن الحس المشترك وفق مجتمع مستقر كاف للمقايضة‬ ‫والعالج وكتابة المقاالت وقيادة نقابات العمال والتصويت في‬ ‫البرلمان والزواج وإنجاب الذرية‪ .‬ولكن عندما يحاول الحس‬ ‫المشترك نفسه تجاوز حدوده النافذة إلى حلبة من التعميميات‬ ‫األشد تعقيدا‪ ،‬يصبح مكشوفا ككتلة من أھواء وحقبة معينة‪ .‬إن‬ ‫أزمة رأسمالية بسيطة كافية لكي تضع الحس المشترك في‬ ‫طريق مسدود‪ ،‬وقبل حدوث كوارث كالثورة المضادة‬ ‫والحرب‪ ،‬يثبت الحس المشترك أنه أحمق كامل‪ .‬ولكي نفھم‬ ‫تعديات المجرى الطبيعي لألحداث‪ ،‬ھذه التعديات الفاجعة‪،‬‬ ‫تبدو المميزات األسمى للذكاء ضرورية‪ .‬وھذه المميزات‬ ‫يمكن شرحھا فلسفيا بواسطة الديالكتيكية فقط‪.‬‬ ‫إن ماكس ايستمان الذي يحاول بنجاح تطعيم الحس المشترك‬ ‫بأسلوب أدبي بالغ الجاذبية‪ ،‬قد توصل نتيجة لنضاله ضد‬ ‫الديالكتيك ما ال يقل عن وظيفة لنفسه‪ .‬فھو يعتبر تفاھات‬ ‫المحافظين المتعلقة بالحس المشترك مخرجة بطريقة جيدة‪،‬‬ ‫علما للثورة وبعد أن يؤيد متعاظمي الحس المشترك‬ ‫الرجعيين‪ ،‬يوضح للجنس البشري بتأكيد ال مثيل له‪ ،‬أنه لو‬ ‫كان تروتسكي ال يھتدي بھدي العقيدة الماركسية‪ ،‬وإنما بھدي‬ ‫الحس المشترك‪ ،‬إذا لما خسر السلطة‪ ،‬إن ذلك الديالكتيك‬ ‫الداخلي الذي ظھر حتى اآلن في سلسلة من المراحل الثابتة‪،‬‬ ‫وفي جميع الثورات‪ ،‬ال يوجد بالنسبة اليستمان‪ .‬فتحويل‬ ‫الثورة من قبل الرجعية‪ ،‬يحدث بالنسبة له‪ ،‬من خالل وجود‬ ‫احترام غير كاف تجاه الحس المشترك‪ .‬إن ايستمان ال يفھم أن‬ ‫ستالين ھو الذي سقط ضحية للحس المشترك بالمعنى الديني‬ ‫أي نقصه‪ ،‬ما دامت تلك القوة التي يمتلكھا تخدم أھدافا معادية‬ ‫للبلشفية‪ .‬فالعقيدة الماركسية من وجھة أخرى‪ ،‬سمحت لنا أن‬ ‫ننشق في الوقت المناسب عن البيروقراطية الثيرميدورية‬ ‫‪ ،(3) Thermidorian‬وأن نستمر في خدمة أھداف‬ ‫االشتراكية الدولية‪.‬‬ ‫إن كل علم‪ ،‬بما في ذلك علم الثورة‪ ،‬يبرھن عليه بواسطة‬ ‫التجربة‪ .‬ومادام ايستمان يعرف جيدا كيف يحافظ على السلطة‬ ‫الثورية في ظل شروط الثورة المضادة العالمية‪ ،‬فھو يعلم‬ ‫أيضا‪ ،‬كما نأمل‪ ،‬كيف يستولي على السلطة‪ .‬وسيكون من‬ ‫المرغوب فيه جدا أن يكشف أخيرا عن أسراره‪ ،‬وأفضل من‬ ‫ھذا كله أن يفعل ذلك على شكل مشروع منھاج لحزب ثوري‬ ‫تحت عنوان‪ :‬كيف تستولي على السلطة وتحافظ عليھا‪ .‬إننا‬


‫نخشى‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬أن الحس المشترك بالذات‪ ،‬ھو الذي سيدفع‬ ‫ايستمان لعدم القيام بمشروع محفوف بالخطر كھذا‪ .‬وفي ھذه‬ ‫المرة‪ ،‬سيكون الحس المشترك على صواب‪.‬‬ ‫لقد مكنتنا العقيدة التي لم يفھمھا ايستمان إطالقا لألسف‪ ،‬أن‬ ‫نرى الحتمية في ظل أوضاع تاريخية معينة لثيرميدور‬ ‫سوفيتي بكل ما فيھا من خفايا وجرائم‪ ،‬وھذه العقيدة نفسھا‬ ‫تنبأت قبل وقت طويل بحتمية سقوط البرجوازية الديمقراطية‬ ‫وأخالقھا‪ .‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬جوبه دعاة الحس المشترك على‬ ‫حين غرة بالفاشية والستالينية‪ .‬إن الحس المشترك يعمل‬ ‫بأحجام ثابتة ال تتبدل في عالم ال يثبت فيه إال التغير‪ .‬إن‬ ‫الديالكتيك على العكس‪ ،‬يأخذ بعين االعتبار جميع الظواھر‬ ‫والمؤسسات والمقاييس لدى ظھورھا وتطورھا وانحاللھا‪،‬‬ ‫واعتبار الديالكتيك لألخالق نتيجة من نتائج الصراع الطبقي‪،‬‬ ‫يبدو )الأخالقية( للحس المشترك‪ .‬إال أنه ليس ثمة أخالق أشد‬ ‫عنفا وضيقا وانطواء وتھكما من أخالق الحس المشترك‪.‬‬ ‫األخالقيون والغيبو‬ ‫لقد قدمت محاكمات موسكو الفرصة لشن حملة ضد‬ ‫الالأخالقية البلشفية‪ .‬وأكثر من ذلك‪ ،‬فإن ھذه الحملة الصليبية‬ ‫لم تشن دفعة واحدة‪ .‬والحقيقة أن أغلبية األخالقيين كانوا‬ ‫أصدقاء الكرملين بشكل مباشر وغير مباشر‪ ،‬وھكذا فقد‬ ‫حاولوا طويال إخفاء دھشتھم‪ ،‬ال بل أنھم تظاھروا بأن شيئا‬ ‫غير عادي لم يحدث‪.‬‬ ‫ولكن محاكمات موسكو لم تكن حادثا عارضا على اإلطالق‪.‬‬ ‫فالطاعة العمياء‪ ،‬والنفاق‪ ،‬وعبادة الكذب الرسمية‪ ،‬والرشوة‪،‬‬ ‫واألشكال األخرى للفساد‪ ،‬بدأت تزدھر ازدھارا عظيما في‬ ‫موسكو بين عام ‪ 1924‬و‪ .1925‬فمحاكمات المستقبل‬ ‫الصورية أعدت عالنية أمام أعين العالم أجمع‪ .‬ولم يكن ثمة‬ ‫نقص في التحذير‪ ،‬إال أن األصدقاء مع ذلك‪ ،‬لم يشاؤوا‬ ‫مالحظة أي شيء‪ .‬وال عجب في ذلك‪ ،‬فأغلبية ھؤالء السادة‬ ‫الذين كانوا أعداء ألداء لثورة تشرين األول‪/‬أكتوبر‪ ،‬أصبحوا‬ ‫أصدقاء لالتحاد السوفييتي‪ ،‬بقدر انحطاطه الثيرميدوري‪ .‬لقد‬ ‫وجد ديمقراطيو الغرب‪ ،‬ھؤالء البرجوازيون الصغار‪ ،‬في‬ ‫بيروقراطية الشرق البرجوازية الصغيرة‪ ،‬قرابة بالدم‪.‬‬


‫ترى ھل صدق ھؤالء الناس اتھامات موسكو حقا؟ لقد صدقوا‬ ‫أشد ھذه االتھامات غموضا‪ ،‬أما اآلخرون فلم يشاؤوا أن يقلقوا‬ ‫أنفسھم بالتثبت من األمر‪ .‬ھل من المنطقي تعكير صفو‬ ‫الصداقة المتينة والمريحة والجيدة المردود على األغلب مع‬ ‫السفارات السوفيتية؟ وأكثر من ذلك من ذلك ‪-‬ياه‪ ،‬إنھم لم‬ ‫ينسوا ذلك‪ -‬فإن الحقيقة الھوجاء قد تجرح كرامة االتحاد‬ ‫السوفييتي‪ .‬لقد كشف ھؤالء الناس الجرائم باعتبارات نفعية‪،‬‬ ‫أي إنھم طبقوا عالنية مبدأ )الغاية تبرر الوسيلة(‪.‬‬ ‫وقد أخذ بريت مستشار الملك‪ ،‬الذي نجح في حينه بالظھور‬ ‫من خالل العھود الستالينية‪ ،‬واكتشف كل شيء في مكانه‪ ،‬اخذ‬ ‫على نفسه المبادھة التي ال حياء فيھا‪ ،‬وسارع رومان روالن‬ ‫الذي تقدر سلطته األخالقية تقديرا عظيما من قبل دور النشر‬ ‫السوفيتية‪ ،‬سارع إلى إصدار أحد بياناته التي اتحدت فيھا‬ ‫الغنائية االسيانه بالتھكم‪ .‬كما سارعت عصبة حقوق اإلنسان‬ ‫الفرنسية‪ ،‬التي أرغت وأزبدت حول الأخالقية لينين‬ ‫وتروتسكي في عام ‪ 1917‬عندما فسخا التحالف العسكري مع‬ ‫فرنسا‪ ،‬سارعت لتصوير جرائم ستالين في عام ‪ ،1936‬وذلك‬ ‫لصالح الحلف الفرنسي السوفيتي‪ .‬إن غاية وطنية تبرر‪ ،‬كما‬ ‫ھو معروف‪ ،‬أية وسيلة‪ .‬فقد تغاضت صحيفة )ذي نيشن(‬ ‫و)ذي نيو ريبوبليك( عن استثمار ياغودا ‪ ،Yagods‬باعتبار‬ ‫أن صداقتھما مع االتحاد السوفيتي ضمنت سلطتھما على‬ ‫الموضوع‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬قبل عام واحد فقط‪ ،‬لم يقم ھؤالء‬ ‫السادة‪ ،‬باعتبار الستالينية والتروتسكية شيئا واحدا على‬ ‫اإلطالق‪ .‬ووقفوا إلى جانب ستالين عالنية لواقعيته وعدالته‬ ‫ولياغوداه‪ .‬وھم يلتزمون بھذا الموقف طالما تسنى لھم ذلك‪.‬‬ ‫وحتى لحظة إعدام توخاشفسكي وتاكير وآخرين‪ ،‬راقب‬ ‫البرجوازيون الكبار في الدول الديمقراطية بسرور‪ ،‬على‬ ‫الرغم من أنھم تخفوا وراء قناع تصنع الفتيان‪ ،‬راقبوا إعدام‬ ‫الثوريين في االتحاد السوفييتي‪ .‬وقد استجابت لھذا المعنى كل‬ ‫من )ذي نيشن( و)ذي نيو ريبوبليك( و)دورانتي( و)لويس‬ ‫فيشر( وما شابھھم من أوغاد الفكر‪ ،‬استجابوا كلية لمصالح‬ ‫االمبريالية الديمقراطية‪ .‬وأثار إعدام الجنراالت البرجوازية‬ ‫وأرغمھا على أن تدرك أن تحلل الجھاز الستاليني قد ساعد‬ ‫كال من ھتلر وموسوليني والميكادو‪ .‬وقد بدأت النيويورك‬ ‫تايمز بحرص‪ ،‬ولكن بإصرار‪ ،‬بتصحيح تعليقاتھا‪ ،‬وكذلك‬ ‫أخذت صحيفة الطام الباريسية بإلقاء ضوء على الوضع في‬


‫االتحاد السوفييتي‪ .‬أما بالنسبة ألخالقيي البرجوازية الصغيرة‪،‬‬ ‫ومنافقيھا‪ ،‬فلم يكونوا سوى أصداء خاضعة للطبقة الرأسمالية‪.‬‬ ‫وأكثر من ذلك‪ ،‬فبعد أن أصدرت لجنة االستقصاء الدولية‬ ‫برئاسة جون ديوي قرارھا‪ ،‬أصبح الواضح حتى ألتفه‬ ‫العقول‪ ،‬أن أي دفاع مكشوف آخر عن غيبو )‪ (4‬ينطوي على‬ ‫خطر الموت الخلقي والسياسي‪ .‬وفي تلك اللحظة قرر‬ ‫األخوان أن يشيعوا الحقائق الخلقية الخالدة في عالم الـله‪ ،‬أي‬ ‫أن يتقھقروا عائدين إلى خندق الصف الثاني‪.‬‬ ‫إن الستالينيين وأشباھھم من الخائفين‪ ،‬ال يحتلون المكان‬ ‫األخير بين األخالقيين‪ .‬فيوجين ليونز قد انسجم انسجاما تاما‬ ‫مع العصبة الثيرميدورية معتبرا نفسه بلشفيا تقريبا‪ ،‬وبعد أن‬ ‫ترك الكرملين –لسبب ال يھمنا‪ -‬صعد على الفور إلى غيوم‬ ‫المثالية‪ .‬وليستون أول من كان إلى وقت قريب يتمتع بقدر‬ ‫كبير من الثقة‪ ،‬من جانب الكومينترن بحيث أنه عھد إليه‬ ‫باإلشراف على الدعاية باالنكليزية في اسبانيا الجمھورية‪.‬‬ ‫ولكن ھذا‪ ،‬بطبيعة الحال‪ ،‬لم يمنعه عندما تنحى عن مركزه‬ ‫من التنكر أللف باء الماركسية‪ .‬وبعد أن انشق المنفي وولتر‬ ‫كريفتسكي عن الغيبو‪ ،‬التحق في الحال بالديمقراطيين‬ ‫البرجوازيين‪ .‬وھذا أيضا نفس التحول الذي طرأ على تشارلز‬ ‫رابو بورت الھرم‪ .‬فبعد أن القوا بالستالينية جانبا‪ ،‬ال يستطيع‬ ‫الذين ينتمون إلى ھذا الطراز –وھم كثر‪ -‬إال أن يبحثوا عن‬ ‫التعويض في مسلمات األخالقية المجردة‪ ،‬بسبب خيبة األمل‬ ‫في المثل العليا التي خبروھا‪ .‬وإذا ما سألتھم قائال‪) :‬لماذا‬ ‫انتقلتم من صفوف الكومينترن أو الغيبو إلى الصفوف‬ ‫البرجوازية( كان جوابھم حاضرا‪) :‬التروتسكية ليست أفضل‬ ‫من الستالينية(‪.‬‬ ‫ميول العبي الشطرنج السياسيين‬ ‫)إن التروتسكية رومانطقية ثورية‪ ،‬والستالينية سياسة عملية(‪.‬‬ ‫من ھذا التضاد التافه الذي يبرر فيه الجھلة حتى األمس‬ ‫صداقتھم مع ثيرميدور ضد الثورة‪ ،‬ال يبقى أي أثر اليوم‪.‬‬ ‫فالتروتسكية والستالينية لم تعودا مضادتين بعد اآلن‪ ،‬وإن‬ ‫متماثلتين‪ .‬وھذا التماثل ينطبق‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬على الشكل وليس‬ ‫على الجوھر‪ .‬فبعد أن ارتد الديمقراطيين إلى األمر المطلق‪،‬‬ ‫فإنھم يستمرون في الواقع بالدفاع على الغيبو‪ ،‬ولكن بقدر‬ ‫أعظم من التمويه‪ .‬وھكذا فإن أولئك الذين يتھجمون على‬


‫الضحية يقدمون المساعدة للجالد‪ .‬وفي ھذه الحالة‪ ،‬كما ھو‬ ‫األمر بالنسبة للحاالت األخرى‪ ،‬تقوم األخالق بخدمة السياسة‪.‬‬ ‫إن المتعصب الديمقراطي‪ ،‬والبيروقراطي الستاليني شقيقان‬ ‫في الروح‪ ،‬إذا لم يكونا توأمين‪ .‬وعلى أية حال فھما ينتميان‬ ‫سياسيا إلى المعسكر نفسه‪ .‬فنظام الحكم الراھن في فرنسا وفي‬ ‫اسبانيا الجمھورية –وإذا أردنا أن نضيف الفوضويين‪ -‬يستند‬ ‫االجتماعيين‬ ‫والديمقراطيين‬ ‫الستالينيين‬ ‫تعاون‬ ‫على‬ ‫والليبراليين‪ .‬وإذا ما بدا حزب العمال البريطاني المستقل‬ ‫يعاني من المصاعب‪ ،‬فھذا يعود إلى انه لم ينسحب من دائرة‬ ‫الكومينترن طيلة عدد من السنين‪ .‬وقد أقصى الحزب‬ ‫االشتراكي الفرنسي التروتسكيين من مناصبھم عندما أعد‬ ‫العدة لالتحاد مع الستالينيين‪ ،‬وإذا لم يكن ھذا االتحاد قد‬ ‫تحققق‪ ،‬فإن ھذا ال يعود إلى التباين المبدئي بين الطرفين –‬ ‫ترى ماذا بقي منه؟ وإنما إلى خوف الديمقراطيين االشتراكيين‬ ‫على مناصبھم‪ .‬فبعد أن عاد نورمان توماس من اسبانيا أعلن‬ ‫)بموضوعية( أن التروتسكيين ساعدوا فرانكو‪ ،‬وبھذه العبثية‬ ‫الذاتية قدم خدمة )موضوعية( إلى جالدي الغيبو‪ .‬وقد طرد‬ ‫ھذا الرجل التروتسكيين األمريكيين من حزبه‪ ،‬في نفس الوقت‬ ‫الذي قام فيه الغيبو بإعدام مفكريھم في االتحاد السوفييتي‬ ‫واسبانيا‪ .‬وفي كثير من الدول الديمقراطية‪ ،‬استطاع‬ ‫الستالينيون على الرغم من الأخالقيتھم‪ ،‬أن يتعلقوا في جھاز‬ ‫الدولة بنجاح‪ .‬وفي مجال اتحادات العمال‪ ،‬انسجموا بمودة مع‬ ‫البيروقراطيين من االتجاھات األخرى‪ .‬صحيح أن الستالينيين‬ ‫يتصرفون بكثير من الالمباالة تجاه األنظمة الجنائية‪ ،‬وبالتالي‬ ‫يوقعون الرعب في قلوب أصدقائھم )الديموقراطيين( في‬ ‫أوقات السلم‪ ،‬إال أنھم في الظروف االستثنائية التي تتجلى في‬ ‫مثال اسبانيا‪ ،‬أصبحوا بثقة أكبر زعماء البرجوازية الصغيرة‬ ‫ضد البروليتارية‪.‬‬ ‫وبالطبع لم تحمل األممية الثانية وأممية أمستردام على‬ ‫كاھليھما مسؤولية تزييف المحاكمات‪ ،‬وإنما تركنا ھذا‬ ‫للكومينترن‪ .‬وقد ظلتا صامتتين‪ ،‬بينما كانتا تبينان سرا أنھما‬ ‫معاديتان للستالينية من وجھة النظر األخالقية‪ ،‬وإنما كانتا‬ ‫مؤيدتين لھا من وجھة النظر السياسية‪ .‬ولم يجد ليون بلو‬ ‫المعادالت األخالقية في مقر بئره إال عندما تصدعت الجبھة‬ ‫الشعبية في فرنسا تصدعا نھائيا‪ ،‬وأرغمت االشتراكيين على‬ ‫التفكير في الغد‪.‬‬


‫وإذا كان أوتو بوير قد أدان عدالة فشينسكي إدانة طفيفة‪ ،‬فإن‬ ‫ھذا يعود فقط لرغبته في تأييد سياسة سالين بقدر أعظم من‬ ‫عدم االنحياز‪ .‬إن مصير االشتراكية‪ ،‬كما جاء في بيان بوير‬ ‫األخير‪ ،‬مرھون بمصير االتحاد السوفيتي‪ .‬و)مصير االتحاد‬ ‫السوفيتي( كما يرى بوبر في بيانه‪) :‬ھو مصير الستالينية‬ ‫طالما أن )!( التنمية الداخلية في االتحاد السوفيتي نفسه ال‬ ‫تتفوق على مرحلة التنمية الستالينية(‪ .‬إن جميع آراء بوير‬ ‫متضمنة في عبارته الشھيرة ھذه‪ .‬إن ھذه العبارة تشتمل على‬ ‫الماركسية النمساوية بأكملھا‪ ،‬وعلى كل الكذب واالفتراء‬ ‫والفساد الذي تنطوي عليه الديمقراطية االشتراكية! )طالما‬ ‫أن( البيروقراطية الستالينية قوية إلى الحد الذي يكفي لقتل‬ ‫ممثلي )التنمية الداخلية(‪ ،‬فإن بوير يظل متعلقا بستالين‪.‬‬ ‫وعندما تطيح القوى الثورية بستالين‪ ،‬على الرغم من أنف‬ ‫بوير‪ ،‬فإن بوير سيعترف بكرم )بالتنمية الداخلية( بعد ما ال‬ ‫يزيد على عشر سنوات من التأخير‪.‬‬ ‫ووراء األمميات القديمة ينشط مكتب لندن للمركزيين سعيدا‪،‬‬ ‫ألنه يجمع في ذاته خصائص روضة لألطفال‪ ،‬ومدرسة‬ ‫للمراھقين المعتوھين‪ ،‬وملجأ للعجزة‪ .‬وقد بيّن سكرتير‬ ‫المكتب فيرنر بروكوي أن إجراء تحقيق حول محاكمات‬ ‫موسكو يمكن أن يصيب االتحاد السوفيتي بأذى‪ ،‬واقترح بدال‬ ‫من ذلك إجراء استقصاء حول النشاط السياسي لتروتسكي‬ ‫بواسطة لجنة غير منحازة تتألف من خمسة من أعداء‬ ‫تروتسكي األلداء‪ .‬وقد تضامن كل من براندلر ولوفستون‬ ‫عالنية مع ياغودا‪ ،‬وتراجعوا من يزوف فقط‪ .‬وأما جيكوب‬ ‫والشير فقد رفض بحجة واضحة التزييف أن يدلي بشھادة في‬ ‫غير صالح ستالين أمام اللجنة الدولية التي ترأسھا جون دوي‪.‬‬ ‫إن أخالق ھؤالء الناس المتعفنة ليست سوى نتاج سياستھم‬ ‫المتعفنة‪.‬‬ ‫غير أنه ربما كان الدور الذي لعبه الفوضويون أشد األدوار‬ ‫التي يؤسف لھا‪ .‬فإذا ما كانت الستالينية والتروتسكية شيئا‬ ‫واحدا‪ ،‬كما يؤكدون في كل عبارة من عباراتھم‪ ،‬إذا فلماذا‬ ‫يساعد الفوضويون االسبان الستالينيين في االنتقام من‬ ‫التروتسكيين ومن الفوضويين الثوريين في الوقت نفسه؟ إن‬ ‫منظرين الفوضويون األشد صراحة يجيبون على ذلك‬ ‫ال ُ‬ ‫بقولھم‪ :‬إن ھذا ثمن لألسلحة‪ .‬وبكلمات أخرى‪ :‬الغاية تبرر‬


‫الوسيلة‪ .‬ولكن ما ھي غايتھم؟ الفوضوية؟ االشتراكية؟ كال‪.‬‬ ‫إن غايتھم ھي فقط إنقاذ ھذه الديمقراطية البرجوازية نفسھا‪،‬‬ ‫البرجوازية التي مھدت لنجاح الفاشية‪.‬‬ ‫تلكم ھي الميول الحقيقة ألحجار الشطرنج فوق لوحة السياسة‬ ‫العالمية‪.‬‬ ‫الستالينية نتاج المجتمع القديم‬ ‫لقد قفزت روسيا أكبر قفزة لھا في التاريخ‪ ،‬قفزة وجدت فيھا‬ ‫أشد القوى تقدمية في البالد‪ ،‬المجال للتعبير عن نفسھا‪ .‬وفي‬ ‫ظل التيار الرجعي الراھن الذي يماثل تيار الثورة‪ ،‬يأتي‬ ‫التخلف ليأخذ بالثأر‪ .‬إن الستالينية تحتضن ھذا التيار الرجعي‪،‬‬ ‫وبربرية التاريخ الروسي القديم تبدو أشد إثارة لالشمئزاز‬ ‫وھي مستندة على قواعد اجتماعية جديدة‪ ،‬مادامت مكرھة‬ ‫على أن تخفي نفسھا في ثوب النفاق الذي ال مثيل له في‬ ‫التاريخ‪.‬‬ ‫إن ليبراليي وديمقراطيي الغرب االشتراكيين الذين أرغموا‬ ‫بفعل الثورة الروسية على التشكيك بآرائھم العفنة‪ ،‬يشعرون‬ ‫اآلن بدفق جديد من الشجاعة‪ .‬إن الغنغرينا األخالقية‬ ‫للبيروقراطية السوفيتية بدت لھم بمثابة إعادة العتبار‬ ‫الليبرالية‪ .‬وھكذا توضع الدفاتر المكررة تحت األضواء‪) :‬كل‬ ‫دكتاتورية تتضمن بذور انحدارھا(‪) ،‬الديمقراطية فقط تضمين‬ ‫تنمية الشخصية( وھكذا‪ .‬إن المقارنة بين الديمقراطية التي‬ ‫تنطوي في الحالة التي قدمناھا على تنديد باالشتراكية في‬ ‫صالح النظام البرجوازي‪ ،‬تصرع إحداھا نظريا بما تنطوي‬ ‫عليه من أمية واعوجاج‪ .‬إن الفساد الستاليني‪ ،‬كحقيقة‬ ‫تاريخية‪ ،‬يقف في المركز المعاكس للديمقراطية‪ :‬ھذا تجريد‬ ‫فوق –تاريخي ولكن الديمقراطية تمتلك تاريخا أيضا ال يفتقر‬ ‫إلى الفساد‪ .‬لقد استعرنا كلمتي ثيرميدور والبونابريتة من‬ ‫تاريخ البرجوازية من أجل تصوير البيروقراطية السوفيتية –‬ ‫فليصبح معلوما ألصحاب العقائد الليبرالية المتقھقرين أن‬ ‫الديمقراطية لم تظھر في العالم بواسطة الطريق الديمقراطية‬ ‫على اإلطالق‪ .‬إن عقلية سوقية فقط تستطيع أن ترضي نفسھا‬ ‫باحتراز فكرة كون البونابرتية النتاج الطبيعي لليعقوبية‪،‬‬ ‫العقاب التاريخي النتھاك حرمة الديمقراطية‪ ...‬وھكذا بدون‬ ‫العقاب الذي أوقعته اليعقوبية على اإلقطاعية‪ ،‬لم تكن‬


‫البرجوازية الديمقراطية لتحقق على اإلطالق‪ .‬فمقارنة‬ ‫المراحل الثابتة لليعقوبية والثيروميدورية والبونابرتية مع‬ ‫التجريد المالي للديمقراطية‪ ،‬مقارنة تنطوي على شر يماثل‬ ‫مقارنة آالم الوضع‪.‬‬ ‫إن الستالينية بدورھا ليست تجريدا للديكتاتورية‪ ،‬وإنما ھي‪،‬‬ ‫رد فعل بيروقراطي واسع ضد الديكتاتورية البروليتارية في‬ ‫دولة متخلفة منعزلة‪ .‬لقد قضت ثورة أكتوبر على االمتيازات‪،‬‬ ‫وشنت حربا ضد فقدان المساواة االجتماعية‪ ،‬واستبدلت‬ ‫بالبيروقراطية حكومة ذاتية للكادحين‪ ،‬وقضت على‬ ‫الدبلوماسية السرية‪ ،‬وحاولت جھدھا لكي تجعل جميع‬ ‫العالقات االجتماعية واضحة للعيان‪ .‬وأما الستالينية فقد‬ ‫أعادت أشد أنواع االمتيازات جورا‪ ،‬وموھت عدم المساواة‬ ‫بطريقة استفزازية‪ ،‬وقضت على النشاط الذاتي قضاء مبررا‬ ‫عن طريق سلطة البوليس المطلقة‪ ،‬وحولت الدولة إلى احتكار‬ ‫ألوليغارشية الكرملين‪ ،‬وأعادت الحياة لوثنية القوة من خالل‬ ‫أشكال لم تكن الملكية المطلقة لتحلم بھا‪.‬‬ ‫إن الرجعية االجتماعية بجميع أشكالھا‪ ،‬مضطرة إلخفاء‬ ‫نواياھا الحقيقية‪ ،‬وبقدر ما يكون االنتقال من الثورة إلى‬ ‫الرجعية حادا‪ ،‬بقدر ما تعتمد الرجعية على أعراف الثورة‬ ‫وتقاليدھا‪ ،‬أي أنه بقدر ما يعظم خوفھا من الجماھير‪ ،‬بقدر ما‬ ‫تضطر للجوء إلى الخداع واالحتياط في صراعھا ضد ممثلي‬ ‫الثورة‪ .‬إن تلفيقات الستالينية ليست ثمرة الالأخالقية البلشفية‪.‬‬ ‫كال إنھا‪ ،‬مثلھا مثل جميع األحداث الھامة في التاريخ‪ ،‬نتاج‬ ‫الصراع االجتماعي الحاد‪ ،‬وحصيلة اشد ھذه الصراعات‬ ‫حدة‪ ،‬أي الصراع االرستقراطية الجديدة ضد الجماھير التي‬ ‫أوصلتھا للحكم‪.‬‬ ‫والحق أن االنفراج الخلقي والثقافي المطلق ضروري‬ ‫للمفاضلة بين أخالقية البوليس الرجعية للستالينية‪ ،‬وأخالقية‬ ‫البلشفيك الثورية‪ .‬لقد انتھى حزب لينين قبل وقت طويل‪،‬‬ ‫وتصدع بفعل الصعوبات الداخلية واالمبريالية العالمية‪،‬‬ ‫ونشأت محله البيروقراطية الستالينية‪ ،‬أداة البت االمبريالية‪.‬‬ ‫وقد أحلت البيروقراطية التعاون بين الطبقات‪ ،‬محل الصراع‬ ‫الطبقي في المسرح العالمي‪ ،‬وأحلت الوطنية االجتماعية محل‬ ‫األممية‪ .‬ولكي تھيئ البيروقراطية الحزب الحاكم لتنفيذ‬


‫مھمات الرجعية‪ ،‬قامت بتجديد تركيبھا عن طريق إعدام‬ ‫الثوريين واستخدام المحترفين‪.‬‬ ‫إن الرجعية تنعش وتقوي وتعيد الحياة إلى تلك العناصر ذات‬ ‫الماضي التاريخي‪ ،‬والتي قضت عليھا الثورة دون أن تنجح‬ ‫في محوھا‪ .‬إن طرق الستالينية تدفع إلى أقصى درجات التوتر‬ ‫وإلى قمة الالمعقول‪ ،‬جميع وسائل الكذب والوحشية التي‬ ‫تنطوي عليھا أجھزة السيطرة في كل مجتمع طبقي‪ ،‬بما في‬ ‫ذلك المجتمع الديمقراطي‪ .‬إن الستالينية مركز تجمع لكل‬ ‫األعمال الوحشية للدولة التاريخية‪ ،‬وألشد صورھا حقدا‬ ‫وبشاعة وإثارة لالشمئزاز‪ .‬وعندما يضع ممثلو المجتمع القديم‬ ‫تجريدا مصفى للديمقراطية مقابل غنغرينا الستالينية‪ ،‬نكون‬ ‫محقين كل الحق الطلب إليھم بأن ينظروا إلى أنفسھم في مرآة‬ ‫الثيرميدورية السوفيتية المنحرفة‪ .‬أجل إن الغيبو قد فاق جميع‬ ‫األنظمة األخرى في وحشية جرائمه‪ ،‬إال أن ھذا ينبع من‬ ‫اتساع رقعة األحداث التي ھزت روسيا بتأثير حمالت‬ ‫االمبريالية العالمية التي استھدفت إفسادھا وتثبيط عزيمتھا‪.‬‬ ‫إن من بين الليبراليين والراديكاليين‪ ،‬نفر من األفراد الذين‬ ‫تمثلوا طرائف التفسير المادي لألحداث ويعبرون أنفسھم‬ ‫ماركسيين‪ ،‬إال أن ھذا ال يمنعھم من أن يظلوا صحفيين‬ ‫برجوازيين أو أساتذة أو سياسيين‪ .‬إن البلشفي ال يمكن أن‬ ‫يتحقق دون وجود األسلوب المادي طبعا‪ ،‬وھذا ينطبق على‬ ‫مجال األخالق أيضا‪ .‬إال أن ھذا األسلوب ال يساعده فقط على‬ ‫تفسير األحداث‪ ،‬وإنما على خلق حزب ثوري للبروليتارية‪.‬‬ ‫ومن المستحيل تحقيق ھذه المھمة دون وجود انفصال كلي‬ ‫عن البرجوازية وأخالقيتھا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن الرأي العام‬ ‫البرجوازي يسيطر اآلن كلية على حركات العمال الرسمية‪،‬‬ ‫ابتداء من حركة وليم غرين في الواليات المتحدة‪ ،‬وليون بلوم‬ ‫وموريس توريز في فرنسا إلى غارسيا أوليفر في اسبانبا‪.‬‬ ‫وبھذه الحقيقة يصل الوجه الرجعي للفترة الراھنة‪ ،‬أشد‬ ‫درجات تعبيره حدة‪.‬‬ ‫إن الماركسي الثوري ال يمكن أن يبدأ برسالته التاريخية دون‬ ‫أن ينشق أخالقيا عن الرأي العام البرجوازي وعمالئه في‬ ‫طبقة البروليتارية‪ .‬ومن ھنا فإن المطلوب وجود شجاعة‬ ‫خلقية من مقياس آخر يختلف عن فتح األفواه في االجتماعات‬ ‫والھتاف‪) :‬يسقط ھتلر(‪) ،‬يسقط فرانكو(‪ .‬إن ھذا االنشقاق‬


‫الحازم والمدبر والذي ال تلين قناته‪ ،‬ھذا االنشقاق لدى‬ ‫البالشفة عن الفلسفة الخلقية المحافظة‪ ،‬وليس عن البرجوازية‬ ‫الصغيرة فحسب‪ ،‬ھو الذي يصيب تجار الكلمات‪ ،‬وأنبياء‬ ‫الصالونات‪ ،‬وأبطال الكواليس بالرعب القاتل‪ .‬من ھنا تنبع‬ ‫شكواھم حول الأخالقية البالشفة‪.‬‬ ‫إن ھذه المطابقة بين األخالق )بشكل عام(‪ ،‬يمكن أن تتحقق‬ ‫في أفضل وجوھھا لدى جناح البرجوازية الصغيرة اليساري‬ ‫المتطرف‪ ،‬ويتحقق لدى أحزاب مكتب لندن المركزية‪.‬‬ ‫ومادامت ھذه المنظمة تعترف بمنھاج الثورة البروليتارية‪،‬‬ ‫فإن مخالفتنا لھا تبدو ثانوية للوھلة األولى‪ .‬والواقع أن‬ ‫اعترافھا عديم القيمة ألنھا ال تربطه بشيء‪ .‬فھي تعترف‬ ‫بالثورة البروليتارية‪ ،‬كما يعترف أتباع كنط باألمر المطلق‪،‬‬ ‫أي كمبدأ مقدس‪ ،‬ولكنه غير ممكن التطبيق في الحياة العملية‪.‬‬ ‫وفي مجال السياسة العملية‪ ،‬يوجد مكتب لندن بين أعنف‬ ‫أعداء الثورة )اإلصالحيين والستالينيين( من أجل الصراع‬ ‫ضدنا‪ .‬إنه تفكير مغرق في التزييف‪ .‬فإذا ما كان المركزيون‬ ‫حسب القاعدة العامة ال يضعون أنفسھم في موضع من يرتكب‬ ‫الجرائم‪ :‬فإن ھذا يعود ألنھم يظلون في الشوارع الخلفية‬ ‫للسياسة‪ :‬إنھم نشالون صغار للتاريخ‪ ،‬ولھذا السبب فھم‬ ‫يعتبرون أنفسھم مدعوين لتجديد حركة العمال بأخالقية جديدة‪.‬‬ ‫وإلى أقصى يسار ھذا اإلخاء )اليساري( تقف مجموعات‬ ‫صغيرة من المھاجرين األلمان ال أھمية لھا إطالقا من الناحية‬ ‫السياسية‪ ،‬وتصدر صحيفة )الطريق الجديد ‪.(Neuer Weg‬‬ ‫دعونا ننحي أكثر ونستمع إلى ھؤالء المتھمين )الثوريين(‬ ‫الذين يشيرون بأصابعھم إلى الأخالقية البالشفة‪ .‬إن صحيفة‬ ‫)الطريق الجديد( تعلن بلھجة غامضة أن البالشفة يتميزون‬ ‫عن األحزاب األخرى باختفاء عنصر النفاق لديھم –ويعلنون‬ ‫أن اآلخرين يطبقون مبدأ الغاية تبرر الوسيلة‪ .‬إال أنه وفقا‬ ‫لقناعات )الطريق الجديد( يبدو مثل ھذا المبدأ البرجوازي‬ ‫متناقضا مع )حركة اشتراكية صحيحة(‪) .‬الكذب وما ھو أسوأ‬ ‫منه ليس وسيلة مشروعة للنضال‪ ،‬كما ال يزال لينين يؤمن(‪.‬‬ ‫إن كلمة )ال يزال( تشير إلى أن لينين لم ينجح في التغلب على‬ ‫أوھامه حتى اكتشاف )الطريق الجديد(‪.‬‬ ‫وفي معادلة )الكذب وما أسوأ منه( تدل كلمة )أسوأ( كما ھو‬ ‫واضح‪ ،‬على العنف والقتل وما إلى ذلك‪ ،‬مادام في ظل شروط‬


‫متعادلة أسوأ من الكذب‪ ،‬والقتل أشد أشكال العنف تطرفا‪.‬‬ ‫وھكذا نصل إلى نتيجة مفادھا أن الكذب والعنف والقتل تتنافى‬ ‫مع حركة اشتراكية صحية‪ .‬فما ھي عالقتنا إذن بالثورة؟ إن‬ ‫الحرب األھلية ھي أشد أشكال الحرب حدة‪ ،‬وال يمكن أن‬ ‫تحدث دون استخدام العنف فحسب‪ ،‬وإنما دون استخدام‬ ‫التكتيك المعاصر لقتل الشيوخ والنساء واألطفال‪ .‬فھل على‬ ‫المرء أن يتذكر اسبانيا‪ ،‬إن الجواب الممكن الوحيد ألصدقاء‬ ‫اسبانيا الجمھورية ھو كالتالي‪ :‬إن الحرب األھلية أفضل من‬ ‫العبودية الفاشية‪ ،‬غير أن الجواب الصحيح تماما يعني فقط أن‬ ‫الغاية )الديمقراطية أو االشتراكية( تبرر على ضوء شروط‬ ‫معينة‪ ،‬وسائل كالعنف والقتل‪ ،‬ھذا إذا لم نذكر الكذب! فبدون‬ ‫الكذب تبدو الحرب مستحيلة‪ ،‬كما أن اآللة ال تعمل دون وجود‬ ‫الزيت‪ .‬فمن أجل حماية جلسة مجلس النواب من قنابل‬ ‫الفاشيين‪ ،‬خدعت حكومة برشلونة الصحفيين عدة مرات عن‬ ‫عمد‪ ،‬كما خدعت رعاياھا‪ .‬فھل كان بوسعھا التصرف على‬ ‫نحو آخر؟ عن من يقبل بالغاية‪ :‬النصر على فرانكو‪ ،‬عليه أن‬ ‫يقبل بالوسيلة‪ :‬الحرب األھلية وما يرافقھا من فظائع وجرائم‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬أال يثير الكذب والعنف )في حد ذاتھما( االستنكار؟‬ ‫بالطبع إنھما يثيران االستنكار‪ ،‬كما يثير االستنكار ذلك‬ ‫المجتمع الطبقي الذي يتولدان عنه‪ .‬إن مجتمعا بال تناقضات‬ ‫اجتماعية‪ ،‬سيكون بطبيعة الحال مجتمعا دون كذب ودون‬ ‫عنف‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فليس ھناك من طريق لبناء جسر يوصل إلى‬ ‫ذلك المجتمع‪ ،‬إال بالوسائل الثورية‪ ،‬أي بالعنف‪ .‬إن الثورة في‬ ‫حد ذاتھا نتاج المجتمع الطبقي‪ ،‬وھي تحمل آثاره بالضرورة‪.‬‬ ‫ومن وجھة نظر )الحقائق األزلية( تبدو الثورة )ضد األخالق(‬ ‫بطبيعة الحال‪ .‬إال أن ھذا يعني فقط أن األخالقية المثالية‬ ‫مناھضة للثورية‪ ،‬أي أنھا في خدمة المستغلين‪.‬‬ ‫إن الحرب )األھلية( كما قد يرى الفيلسوف‪) :‬ھي استثناء‬ ‫محزن على أية حال‪ .‬بيد أن حركة اشتراكية صحيحة يجب أن‬ ‫تنجح في أوقات السلم‪ ،‬دون عنف وكذب(‪ .‬مثل ھذا الجواب ال‬ ‫يشكل أقل من مواربة تنطوي على شيء من العطف‪ .‬ال توجد‬ ‫حدود ال يمكن اجتيازھا بين النضال الطبقي السلمي وبين‬ ‫الثورة‪ .‬فكل إضراب يضم بشكل مركز جميع عناصر الحرب‬ ‫األھلية‪ ،‬وكل طرف يجھد للتأثير على الخصم بواسطة صورة‬ ‫مبالغ فيھا‪ ،‬تبين تصميمه على النضال وإمكاناته المادية‪.‬‬ ‫وعمالئھم‬ ‫صحافتھم‬ ‫بواسطة‬ ‫الرأسماليون‬ ‫ويحاول‬


‫وجواسيسھم‪ ،‬دب الرعب والوھن في قلوب المتظاھرين‪،‬‬ ‫وتضطر شراذم العمال من جانبھا إلى اللجوء للقوة عندما ال‬ ‫ينجح اإلقناع‪ .‬وھكذا‪ ،‬فإن )الكذب وما ھو أسوأ منه( ھما جزء‬ ‫ال يتجزأ من النضال الطبقي‪ ،‬حتى في أشد مراحله بدائية‪.‬‬ ‫ونضيف على ذلك‪ ،‬أن معنى الحقيقة والكذب قد تولد عن‬ ‫التناقضات االجتماعية‪.‬‬ ‫الثورة ونظام الرھائن‬ ‫إن ستالين يقبض على أطفال خصومه ويعدمھم رميا‬ ‫بالرصاص‪ ،‬بعد أن يقضي على ھؤالء الخصوم‪ ،‬عن طريق‬ ‫اتھامات مزيفة‪ .‬وبمساعدة مؤسسة األسرة‪ ،‬يرغم ستالين‬ ‫أولئك الدبلوماسيين السوفييت الذين سمحوا ألنفسھم بالتعبير‬ ‫عن شكوكھم في عصمة ياغودا أو يازوف‪ ،‬يرغمھم على‬ ‫العودة من الخارج‪ .‬ويجد أخالقيو )الطريق الجيد( إن من‬ ‫الضروري والمناسب تذكيرنا بھذه المناسبة‪ ،‬بحقيقة كون‬ ‫تروتسكي قد قدم أيضا قانونا في عام ‪ 1919‬يتعلق بالرھائن‪،‬‬ ‫ولكن يصبح من الضروري ھنا أن نقتطف كالم )الطريق‬ ‫الجديد( حرفيا‪) :‬إن اعتقال األقرباء األبرياء منم قبل ستالين‬ ‫بربرية تثير االشمئزاز‪ ،‬ولكنھا تظل بربرية عندما أمر بھا‬ ‫تروتسكي عام ‪ .(1919‬ذلكم ھو األخالقي المثالي بكل روعته‬ ‫وجماله! إن مقاييسه تناھز في تزييفھا تزييف مقاييس‬ ‫الديمقراطية البرجوازية وفي الحالتين يفترض التشابه‪ ،‬حيث‬ ‫ال يوجد أثر له في الواقع‪.‬‬ ‫إننا لن نصر ھنا على حقيقة كون قانون عام ‪ 1919‬لم يؤد‪،‬‬ ‫إال في أحوال نادرة جدا‪ ،‬إلى إعدام أقرباء أولئك القادة الذين‬ ‫لم تؤد خيانتھم إلى فقدانھا أعدادا ال تحصى من البشر فحسب‪،‬‬ ‫وإنما ھددت الثورة نفسھا بالدمار‪ .‬والمسألة في النھاية ال‬ ‫تتعلق بھذا‪ ،‬فلو أن الثورة أبدت كرما أقل منذ البداية‪ ،‬ألمكن‬ ‫إنقاذ حياة مئات اآلالف من الناس‪ .‬ھكذا فإنني أتحمل‬ ‫المسؤولية الكاملة لقانون ‪ .1919‬لقد كانت وسيلة ضرورية‬ ‫للنضال ضد الظالمين‪ .‬إن تبرير القانون يكمن في المحتوى‬ ‫التاريخي للنضال فقط‪ ،‬كما يمكن تبرير الحرب األھلية أيضا‪،‬‬ ‫وھي الحرب التي يمكن أن تدعوھا بحق )بربرية تثير‬ ‫االشمئزاز(‪.‬‬


‫إننا نترك ألميل لودفيغ أو أمثاله رسم صورة أبراھام لنكولن‬ ‫بأجنحة وردية صغيرة‪ .‬فمغزى لنكولن ال يمكن في تردده أمام‬ ‫أشد الوسائل حدة‪ ،‬عندما تبدو ھذه الوسائل ضرورية من أجل‬ ‫انجاز ھدف تاريخي عظيم يفرضه تطور دولة ناشئة‪ .‬إن‬ ‫المسألة ال تكمن حتى في عدد الضحايا الذي سببه المعسكران‬ ‫المتصارعان‪ ،‬أو تحماله‪ .‬فالتاريخ لديه مقاييس مختلفة يقيس‬ ‫بھا قسوة الشماليين والجنوبيين في الحرب األھلية‪ .‬فھناك‬ ‫مالك العبيد الذي يكبد عبيده بواسطة المكر والعنف‪ ،‬وھناك‬ ‫العبد الذي يحطم بالمكر أو األعنف أغالله –أال فليكف‬ ‫الخصيان المھانون عن إخبارنا بأنھم متساوون أمام محكمة‬ ‫األخالق!!‬ ‫بعد أن أغرقت كومونة باريس بالدماء‪ ،‬وأخذ األوغاد‬ ‫الرجعيون في العالم أجمع يلطخون رايتھا بالقدح والتشھير‪ ،‬لم‬ ‫يوجد حتى عدد قليل من جھّال الديمقراطية المتأملقين مع‬ ‫الرجعية‪ ،‬يبادر إلى مھاجمة القائمين على الكومونة‪ ،‬بسبب‬ ‫إعدامھم لـ ‪ 64‬رھينة‪ ،‬وعلى رأسھم كبير أساقفة باريس‪ .‬إن‬ ‫ماركس لم يتردد لحظة في الدفاع عن تصرف الكومونة‬ ‫الدموي ھذا‪ .‬وقد ذكرنا ماركس في منشور صادر عن‬ ‫المجلس العام لألمية األولى‪ ،‬كان ينضح بنيران المھل )‪،(5‬‬ ‫ذكرنا بالبرجوازية التي اتبعت نظام الرھائن ضد الشعوب‬ ‫المستعمرة‪ ،‬وضد طبقاتھا الكادحة‪ .‬ثم أشار بعد ذلك إلى‬ ‫اإلعدام المنظم الذي نفذه الرجعيون المسعورون ضد أسرى‬ ‫الكومونة‪ ،‬وقال )لقد اضطرت الكومونة لكي تحمي حياة‬ ‫أسرارھا‪ ،‬للجوء إلى األسلوب البروسي‪ ،‬أسلوب الحصول‬ ‫على الرھائن‪ .‬وقد فقدت حياة الكثيرين من الرھائن بسبب‬ ‫استمرار إعدام المساجين من جانب فرساي‪ ،‬فكيف يمكن‬ ‫إنقاذھم بعد اآلن‪ ،‬بعد المذبحة التي دشن حرس مكماھون بھا‬ ‫دخولھم إلى باريس‪ .‬فھل اعتبر آخر قيد على وحشية‬ ‫الحكومات البرجوازية العديمة الضمير –أخذ الرھائن‪ -‬عارا‬ ‫يثير الخجل؟(‪ .‬لقد دافع ماركس عن إعدام الرھائن‪ ،‬على‬ ‫الرغم من انه جلس خلفه في )المجلس العام(‪ ،‬عدد غير قليل‬ ‫من إتباع فيرنر بروكوي ونورمان توماس واوتو بورز‪ .‬ولكن‬ ‫غضب العالم البروليتاري ضد وحشية فرساي كان ال يزال‬ ‫ماثال في األذھان‪ ،‬بحيث أن األخالقيين الرجعيين األغبياء‪،‬‬ ‫فضلوا االعتصام بالصمت انتظارا لوقت أشد مالءمة لھم‪ ،‬لم‬ ‫يلبث أن حان بسرعة ويا لألسف‪ ،‬ولم يحزب األخالقيون من‬ ‫البرجوازيين الصغار‪ ،‬وبيروقراطيو اتحادات العمال‬


‫والفوضويون‪ ،‬على األممية األولى‪ ،‬إال عندما بدا أن الرجعية‬ ‫قد أحرزت نصرا ساحقا‪.‬‬ ‫وعندما كانت ثورة تشرين األول‪/‬أكتوبر تدافع عن نفسھا ضد‬ ‫قوى االمبريالية المتحدة‪ ،‬على طول ‪ 5000‬ميل‪ ،‬اتبع عمال‬ ‫العالم أجمع خط النضال باندفاع شديد‪ ،‬جعلھم يرون من‬ ‫الخطورة بمكان الشكوى من )البربرية المثيرة لالشمئزاز(‬ ‫لنظام الرھائن‪ .‬إن تدھور الدولة السوفيتية الكامل وانتصار‬ ‫الرجعية في عدد من البلدان‪ ،‬كان ضروريا لكي يزحف‬ ‫األخالقيون من داخل مخابئھم لمد يد المساعدة لستالين‪ .‬فإذا ما‬ ‫كان صحيحا أن أعمال القمع التي تحمي امتيازات‬ ‫االرستقراطية الجديدة‪ ،‬تحمل نفس القيمة الخلقية التي تحملھا‬ ‫الخطوات الثورية للنضال التحرري‪ ،‬فإن ستالين معذور كليا‬ ‫إذن‪ ،‬إذا لم تتعرض الثورة البروليتارية كلھا لإلدانة‪.‬‬ ‫إن السادة األخالقيين‪ ،‬في بحثھم عن نماذج تمثل الأخالقية‬ ‫الحرب األھلية الروسية يجدون أنفسھم‪ ،‬في الوقت نفسه‪،‬‬ ‫مرغمين على التعامي عن حقيقة كون الثورة االسبانية قد‬ ‫استخدمت أيضا نظام الرھائن‪ ،‬خالل الفترة التي كانت فيھا‬ ‫ثورة حقيقية للجماھير على األقل‪ .‬فإذا لم يھاجم الذين يوجھون‬ ‫المثيرة‬ ‫)بربريتھم‬ ‫لسبب‬ ‫االسبان‪،‬‬ ‫العمال‬ ‫االتھام‪،‬‬ ‫لالشمئزاز(‪ ،‬فإن ھذا يعود فقط ألن أراضي شبه جزيرة‬ ‫البرنيه ‪ Pyrennean‬ما تزال حارة جدا بالنسبة لھم‪ .‬إن من‬ ‫المناسب أكثر بكثير العودة إلى عام ‪ ،1919‬فإن ھذا التاريخ‬ ‫نسيه الكھول‪ ،‬ولم يتعلمه الشبان بعد‪ .‬ولھذا السبب نفسه‪ ،‬فإن‬ ‫الفريسيين من جميع الفئات يتذكرون كرونشتاد ‪Kronstadt‬‬ ‫)‪ (6‬وماخنو ‪ (7) Makhno‬بكثير من العناد –وھنا يوجد‬ ‫المخرج للطوباوية الخلقية‪.‬‬ ‫أخالق الكفير )‪(8‬‬ ‫من المستحيل أال نقف مع األخالقيين في أن التاريخ يختار‬ ‫مسالك قاسية‪ .‬ولكن أي نوع من النتائج لنشاطنا العملي‪ ،‬يمكن‬ ‫أن نستخلصه من ذلك؟ لقد أوصى ليون تولستوي بأن ننسى‬ ‫األعراف االجتماعية وأن نصل إلى درجة الكمال‪ .‬وينصح‬ ‫المھاتما غاندي بشرب حليب الماعز‪ .‬إن أخالقيي )الطريق‬ ‫الجديد(‪) ،‬الثوريين( لم يذھبوا بعيدا –لألسف‪ -‬عن ھذه‬ ‫الوصفات‪ .‬إنھم يبشرون بان )علينا أن نحرر أنفسنا( من‬


‫)أخالق الكفير( الذي يعتبر أم ما يفعله العدو ھو الخطأ‬ ‫فحسب‪ .‬إنھا لنصيحة ممتازة! )إن علينا أن نحرر أنفسنا‪،(...‬‬ ‫لقد أوصى تولستوي أيضا بأن نحرر أنفسنا من خطايا الجسد‪.‬‬ ‫ومع ذلك فإن األرقام تخفق في تأكيد نجاح وصيته‪ .‬لقد نجح‬ ‫أقزام الوسط عندنا في رفع أنفسھم إلى أخالقية الطبقة العليا‬ ‫في مجتمع طبقي‪ .‬ولكن ‪ 2000‬عام مضت تقريبا منذ أن قيل‪:‬‬ ‫)أحب أعداءك(‪) ،‬أ ِدر خ ّدك األيمن(‪ ،‬ومع ذلك فحتى األب‬ ‫الروماني المقدس لم ينجح حتى اآلن في )تحير نفسه( من‬ ‫كراھية أعدائه‪ .‬حقا أن الشيطان عدو الجنس البشري‪ ،‬على‬ ‫قدر كبير من القوة!‬ ‫إن تطبيق مقاييس مختلفة للعمل‪ ،‬بالنسبة للمستغلين‬ ‫وال ُمست َغلين يمثل‪ ،‬بالنسبة لھؤالء األقزام‪ ،‬الذين يستحقون‬ ‫الشفقة‪ ،‬الوقوف عند مستوى )أخالق الكفير(‪ .‬فقبل كل شيء‬ ‫ليس من عادة )االشتراكيين( اإلشارة إلى الكفيريين بازدراء‪،‬‬ ‫فھل أخالق الكفيريين سيئة حقا؟ إليكم ما تقوله الموسوعة‬ ‫البريطانية حول الموضوع‪:‬‬ ‫)إن الكفيريين يبدون في عالقاتھم االجتماعية والسياسية‬ ‫الكثير من اللطف والذكاء‪ ،‬وھم شجعان إلى حد كبير‪،‬‬ ‫ومحاربون وكرماء‪ .‬كما أنھم ظلوا أمناء وصادقين‪ ،‬حتى‬ ‫اتصل بھم البيض‪ ،‬فأصبحوا شكاكين ومحبين لالنتقام‪،‬‬ ‫والسرقة‪ ،‬ھذا باإلضافة إلى أنھم اكتسبوا معظم رذائل‬ ‫األوربيين(‪ .‬ومن المحال أال نصل إلى نتيجة مفادھا أن بعثات‬ ‫التبشير البيضاء‪ ،‬مبشري األخالق األزلية‪ ،‬قد أسھموا في‬ ‫إفساد الكفيريين‪.‬‬ ‫إن ما قمنا بإخبار الكادح الكفير كيف ھب العمال في جزء من‬ ‫كوكبنا‪ ،‬وداھموا مستغليھم على غفلة منھم‪ ،‬فإنه سيكون سعيدا‬ ‫جدا‪ .‬ومن جھة أخرى‪ ،‬فإنه سيشعر بكثير من االكتئاب‪ ،‬إذا ما‬ ‫اكتشفت أن الظالمين قد نجحوا في خداع المظلومين‪ .‬إن‬ ‫الكفير الذي لم تفسده البعثات التبشيرية حتى النخاع‪ ،‬لن يطبق‬ ‫نفس المقاييس األخالقية المجردة على الظالمين والمظلومين‪.‬‬ ‫ومن ھنا‪ ،‬فھو سيفھم بسھولة توضيحا مفاده أن وظيفة ھذه‬ ‫المقاييس المجردة منع المظلومين من الثورة ضد ظالميھم‪.‬‬ ‫يا لھا من مصادفة بناءة! فلكي يتھج مبشرو )الطريق الجديد(‬ ‫على البالشفة‪ ،‬اضطروا في الوقت نفسه إلى التھجم على‬


‫الكفيريين‪ .‬وأكثر من ذلك‪ ،‬فإن التھجم يسير في خط الكذبة‬ ‫البرجوازية الرسمية‪ :‬أي ضد الثوريين وضد الملونين‪ .‬كال‬ ‫أننا لنفضل الكفيريين على جميع بعثات التبشير الروحية‬ ‫والعلمانية!‬ ‫ومع ذلك فإن من الضروري بالنسبة ألية قضية‪ ،‬أن نغالي في‬ ‫تقدير شدة الضمير لدى أخالقيي )الطريق الجديد( والجماعات‬ ‫األخرى التي تسير في طريق مسدودة‪ .‬إن نوايا ھؤالء الناس‬ ‫ليست سيئة جدا‪ ،‬إال انه على الرغم من ھذه المؤسسات‪ ،‬فإنھم‬ ‫يقومون بدور الرافعة في جھاز الرجعية‪ .‬في ھذا الوقت الذي‬ ‫تلتصق فيه أحزاب البرجوازية الصغيرة بالبرجوازية‬ ‫الليبرالية‪ ،‬أو بظلھا )سياسة الجبھة الشعبية( تقوم بشل‬ ‫البروليتارية‪ ،‬وتمھيد الطريق للفاشية )اسبانيا‪ ،‬فرنسا‪(...‬‬ ‫ويصبح البالشفة‪ ،‬أي الماركسيين الثوريين‪ ،‬جماعة ممقوتة‬ ‫في أعين الرأي العام البرجوازي‪ .‬إن الضغط السياسي‬ ‫األساسي في زماننا ينتقل من اليمين إلى اليسار‪ .‬وفي التحليل‬ ‫األخير‪ ،‬يقع ثقل الرجعية كلھا على كواھل أقلية ثورية‬ ‫صغيرة‪ ،‬وھذه األقلية تدعى بـ)األممية الرابعة( ذلكم ھو‬ ‫العدو‪.‬‬ ‫إن الستالينية تحتل في جھاز الرجعية مراكز قيادية عديدة‪.‬‬ ‫فجميع تجمعات المجتمع البرجوازي‪ ،‬بما في ذلك‬ ‫الفوضويين‪ ،‬تعتمد على مساعدتھا في نضالھا ضد الثورة‬ ‫البروليتارية‪ ،‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬يحاول ديمقراطيو البرجوازية‬ ‫الصغيرة بنسبة خمسين بالمائة على األقل‪ ،‬أن يلقوا بعبء‬ ‫جرائم حلفائھم في موسكو‪ ،‬على األقلية الثورية التي ال تقھر‪.‬‬ ‫وفي ھذا يكمن معنى القول الشائع‪) :‬التروتسكية والستاليينة‬ ‫كل واحد ومتماثل(‪ .‬وھكذا فإن خصوم البالشفة والكفيريين‬ ‫يساعدون الرجعية في التھجم على حزب الثورة‪.‬‬ ‫الأخالقية لينين‬ ‫لقد كان )الثوريون االجتماعيون( الروس‪ ،‬أشد ألفراد أخالقية‬ ‫دائما‪ ،‬وھم يتألفون من األخالقيين وحدھم‪ .‬ولكن ھذا لم‬ ‫يمنعھم‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬من خداع الفالحين الروس وقت الثورة‪.‬‬ ‫يكتب زنزينوف ‪ ،Zenzinov‬ذلك االشتراكي األخالقي جدا‪،‬‬ ‫والذي سبق ستالين في تلفيف االتھامات ضد البالشفة‪ ،‬يكتب‬ ‫ھذا )الثوري االجتماعي( في الصحيفة الباريسية الناطقة باسم‬


‫كيرنسكي قائال‪) :‬لقد علم لينين كما ھو معروف أن الشيوعيين‬ ‫يستطيعون تحقيق األھداف المرجوة ويتوجب عليھم في بعض‬ ‫األحيان‪ ،‬اللجوء إلى جميع أنواع الحيل والمناورات(‪) .‬روسيا‬ ‫الجديدة عدد ‪ 17‬شباط ‪ 1938‬ص ‪ .(3‬من ھذا استنتجوا‬ ‫استنتاجھم الطقسي‪ :‬الستالينية ھي النتيجة الطبيعة للينينية‪.‬‬ ‫ولسوء الحظ‪ ،‬فإن موجھي االتھام األخالقيين ليسوا قادرين‬ ‫حتى على االستشھاد بأقوال اآلخرين بأمانة‪ .‬لقد قال لينين‪:‬‬ ‫)إن من الضروري أن نكون قادرين‪ ...‬للجوء إلى جميع أنواع‬ ‫الحيل والمناورات واألساليب غير المشروعة‪ ،‬وإلى المراوغة‬ ‫والتحايل‪ ،‬من أجل النفاذ إلى نقابات العمال والبقاء فيھا‪،‬‬ ‫إن‬ ‫واالستمرار بالعمل الشيوعي في داخلھا بأي ثمن(‪.‬‬ ‫الحاجة للمراوغة والمناورة‪ ،‬كما يوضح لينين‪ ،‬تحتمھا حقيقة‬ ‫كون البيروقراطية األخالقية تخون العمال‪ ،‬وتقف بجانب‬ ‫رأس المال‪ ،‬وتھاجم الثوريين وتضطھدھم‪ ،‬وتلجأ حتى إلى‬ ‫إرشاد بوليس البرجوازية إليھم‪ .‬إن )المناورات( و)الحيل(‬ ‫ھي في ھذه الحالة مجرد أساليب للدفاع المشروع عن النفس‬ ‫ضد البيروقراطية اإلصالحية الغادرة‪ .‬إن حزب زنزينوف‬ ‫ھذا قام مرة بعمل غير مشروع ضد القيصرية‪ ،‬وضد البالشفة‬ ‫فيما بعد‪ .‬وفي الحالتين لجأ إلى الخبث والمراوغة وجوازات‬ ‫السفر المزورة‪ ،‬وأشكال التحايل األخرى‪ .‬كل ھذه األساليب لم‬ ‫تعتبر أخالقية فحسب‪ ،‬وإنما بطولية أيضا‪ ،‬ألنھا اتفقت‬ ‫واألھداف السياسية للبرجوازية الصغيرة‪ .‬ولكن الموقف يتبدل‬ ‫دفعة واحدة عندما يضطر الثوريون البروليتاريون إلى اللجوء‬ ‫بأساليب تآمرية ضد الديمقراطية البرجوازية‪ .‬إن مفتاح‬ ‫أخالقية ھؤالء السادة له‪ ،‬كما نرى‪ ،‬شكل طبقي!‬ ‫إن )الالأخالقي( لينين يقدم في الصحافة عالنية‪ ،‬نصيحة‬ ‫تتعلق بالدھاء العسكري ضد القادة الخونة‪ .‬ويعتبر األخالقي‬ ‫زنزينوف بحقد‪ ،‬طرفي عبارة لينين لخداع القارئ‪ .‬إن موجه‬ ‫االتھام األخالقي يتبين كالعادة‪ ،‬مجرد محرف صغير‪ .‬إن‬ ‫لينين لم يكن مغرما بتكرار عبارة‪) :‬إن من الصعب مقابلة‬ ‫األعداء من أصحاب الضمائر( لم يكن لينين مغرما بتكرار‬ ‫ھذه العبرة دون سبب!‬ ‫والعامل الذي ال يخفي عن الرأسماليين حقيقة الخطط التي‬ ‫يعتزم المضربون تنفيذھا‪ ،‬إنما ھو خائن يستحق االزدراء‬ ‫والمقاطعة‪ .‬والجندي الذي يفضح الحقيقة للعدو يعاقب على‬


‫أساس أنه جاسوس‪ .‬لقد حاول كيرنسكي أن يتھم البالشفة بأنھم‬ ‫قد أفصحوا عن الحقيقة لجماعة لودندوف‪ .‬ويبدو أنه حتى‬ ‫الحقيقة المقدسة ليست غاية في حد ذاتھا‪ ،‬فإن مقاييس أشد‬ ‫تعسفا‪ ،‬تبدو من خالل التحليل‪ ،‬وتحمل شكال طبقيا ھي التي‬ ‫تسيطر عليھا‪.‬‬ ‫إن نضال الحياة والموت غير ممكن دون دھاء عسكري‪ ،‬أو‬ ‫بعبارة أخرى دون كذب وخداع‪ .‬فھل المطلوب من‬ ‫البروليتاري األلماني أال يخدع بوليس ھتلر‪ ،‬أم لعل موقف‬ ‫البالشفة السوفييت باالأخالقية عندما يخدعون الغيبو‪ .‬إن كل‬ ‫برجوازي يصفق لذكاء البوليس عندما ينجح بخبثه ودھائه‪،‬‬ ‫بالقبض على مجرم خطر‪ ،‬فھل الخبث والدھاء العسكريان‬ ‫مسموح بھما حقا عندما يتعلق األمر باإلطاحة بغانغستر‬ ‫االمبريالية؟‬ ‫يتحدث نورمان توماس عن )الالاخالقية الشيوعية العجيبة‬ ‫التي ال يھمھا سوى الحزب وسلطته( )سوسشياليست كول‪،‬‬ ‫‪ 12‬آذار ‪ 1938‬ص ‪ .(5‬وأكثر من ذلك‪ ،‬فإن توماس يضرب‬ ‫بالكومنتيرن عرض الحائط ويعتبره مؤامرة دبرتھا‬ ‫بيروقراطية الكرملين المعادية للطبقة العاملة مع حزب‬ ‫البالشفة الذي مثل مؤامرة العمال المتقدمين ضد البرجوازية‪.‬‬ ‫ھذه المطابقة غير األمنية إطالقا‪ ،‬قد فضحت أعاله بما فيه‬ ‫الكفاية‪ .‬إن الستالينية تفضح نفسھا بخضوعھا لعبادة الحزب‪،‬‬ ‫والواقع أنھا تدمر الحزب وتمرغه بالوحل‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإنه‬ ‫لصحيح أن الحزب بالنسبة للبالشفة ھو كل شيء‪ .‬و)توماس(‬ ‫اشتراكي الصالونات يشعر بالدھشة من وجود عالقة متشابھة‬ ‫بين ثوري ما وبين الثورة‪ ،‬ويعترض عليھا ألنه ھو نفسه‬ ‫مجرد برجوازي يحمل )مثال أعلى( اشتراكيا‪ .‬والحزب في‬ ‫أعين توماس وإضرابه مجرد أداة ثانوية للحمالت االنتخابية‬ ‫واألغراض المشابھة‪ ،‬ال أكثر‪ .‬فحياته الشخصية ومصالحه‬ ‫وارتباطاته ومقاييسه الخلقية توجد خارج الحزب‪ ،‬وھو ينظر‬ ‫من عل وبشيء من الدھشة العدائية إلى البالشفة‪ ،‬الذين يرون‬ ‫في الحزب سالحا لتجديد بناء المجتمع ثوريا‪ ،‬بما في ذلك‬ ‫أخالقه أيضا‪ .‬وبالنسبة للماركسي الثوري‪ ،‬ال يمكن أن يوجد‬ ‫تناقض بين األخالق الشخصية ومصالح الحزب باعتبار أن‬ ‫الحزب يضم في ضميره ووجدانه أعلى مھمات وأھداف‬ ‫الجنس البشري‪ .‬إنه لمن السذاجة أن نتخيل أن لدى توماس‬


‫قدرا أعلى من الفھم لألخالق‪ ،‬مما لدى الماركسيين‪ ،‬إن لديه‬ ‫مجرد تصور مبدئي للحزب‪.‬‬ ‫يقول الديالكتيكي غوته‪) :‬أن كل ما يظھر مآله إلى زوال(‪.‬‬ ‫وزوال حزب البالشفة –حديث الرجعية العالمية‪ -‬ال يقلل مع‬ ‫ذلك من داللته العالمية التاريخية‪ .‬لقد كان خالل صعوده‬ ‫الثوري‪ ،‬أي عندما مثل فعال طليعة البروليتارية‪ ،‬كان أشد‬ ‫األحزاب أمانة في التاريخ‪ ...‬وبالطبع فقد خدع األعداء‬ ‫الطبقيين أنّى استطاع إلى ذلك سبيال‪ .‬ومن وجھة أخرى أخبر‬ ‫الكادحين بالحقيقة‪ ،‬الحقيقة الكاملة وال شيء سوى الحقيقة‪.‬‬ ‫ولھذا السبب فقط يعزى نجاحه في كسب ثقتھم إلى درجة لم‬ ‫يحرزھا أي حزب آخر في العالم من قبل‪.‬‬ ‫إن كتبة الطبقات الحاكمة يدعون منظمي ھذا الحزب‬ ‫بالالأخالقيين‪ .‬وھذا االتھام يحمل في أعين العمال الواعين‬ ‫لونا من اإلطراء‪ ،‬فھو يشير إلى أن لينين قد رفض االعتراف‬ ‫بالمقاييس الخليقة التي وضعھا ملوك العبيد لعبيدھم‪ ،‬ولم يلتزم‬ ‫بھا أنفسھم‪ ،‬وھو يشير أيضا إلى أن لينين قد دعا البروليتارية‬ ‫لكي توسع من نطاق نضالھا الطبقي إلى المجال الخلقي أيضا‪.‬‬ ‫إن الذين يتملقون الشرائع التي وضعھا العدو‪ ،‬لن ينجحوا‬ ‫مطلقا في التغلب على ذلك العدو!‬ ‫إن )الأخالقية( لينين‪ ،‬أي رفضه ألخالق الطبقة العليا‪ ،‬لم‬ ‫يمنعه من أن يظل أمينا لمثل أعلى واحد خالل حياته كلھا‪ ،‬ولم‬ ‫يمنعه من تكريس كل وجوده لقضية المظلومين‪ ،‬ومن عرض‬ ‫أعلى درجات الضمير في مجال األفكار‪ ،‬وعلى درجات‬ ‫الشجاعة في مجال العمل‪ ،‬ومن الحفاظ على موقف نقي ال‬ ‫يشوبه أي قدر من التعالي على عامل )عادي(‪ ،‬أو امرأة‬ ‫مغلوبة على أمرھا‪ ،‬أو طفل‪ .‬أال يبدو أن )الالاخالقية( في ھذه‬ ‫الحالة مجرد اسم مستعار ألخالقية إنسانية أسمى‪.‬‬ ‫حادثة بناءة‬ ‫من المناسب أن نقص ھنا حادثة‪ ،‬ال تفشل في تصوير الفرق‬ ‫بين أخالقھم وأخالقنا‪ ،‬على الرغم من أبعادھا المتواضعة‪.‬‬ ‫ففي عام ‪ 1935‬طورت‪ ،‬من خالل رسالة إلى أصدقائي‬ ‫البلجيكيين‪ ،‬فكرة أن محاولة حزب ثوري شاب‪ ،‬أن ينظم‬ ‫اتحادات عمال خاصة به‪ ،‬ھي بمثابة االنتحار‪ .‬إن من‬


‫الضروري أن نسعى إلى العمال حيثما وجدوا‪ .‬ولكن ھل يعني‬ ‫ھذا أن نبذل األموال من اجل إقامة جھاز انتھازي؟ لقد أجبت‬ ‫على ھذا السؤال بقولي‪) :‬طبعا فلكي نسيطر على اإلصالحيين‬ ‫من الضروري أن نبذل لھم األعطيات مؤقتا(‪.‬ولكن‬ ‫اإلصالحيين لن يسمحوا لنا بالسيطرة عليھم؟ أجبت ذلك قائال‪:‬‬ ‫)حقا أن السيطرة تتطلب اتخاذ خطوات تآمرية‪ .‬فاإلصالحيون‬ ‫ھم البوليس السياسي للبرجوازية‪ ،‬داخل الطبقة العاملة‪ .‬إن‬ ‫علينا أن نتصرف دون إذن منھم‪ ،‬وضد أوامرھم‪ .(...‬وقد‬ ‫استولى البوليس البلجيكي على رسالة خالل غارة حدثت‬ ‫عرضا‪ ،‬على منزل الرفيق )د( تتعلق –على ما أظن‪ -‬بتزويد‬ ‫العمال االسبان بالسالح‪ .‬وخالل عدة أيام نشرت الرسالة‪،‬‬ ‫وبالطبع لم تتورع صحافة فندر فيلد‪ ،‬ودومان‪ ،‬وسباك‪ ،‬عن‬ ‫شن الھجوم ضد )مكيافيلتي( و)يسوعيتي(‪ .‬ومن ترى ھؤالء‬ ‫الذين يوجھون االتھامات‪ .‬إن فندر فيلد‪ ،‬رئيس األممية الثانية‬ ‫لسنوات عدة‪ ،‬أصبح قبل وقت طويل‪ ،‬خادما أمينا لرأس المال‬ ‫البلجيكي‪ .‬ودومان الذي يضخم االشتراكية باألخالقيات مثالية‬ ‫في سلسلة من المجلدات الضخمة‪ ،‬ويتقرب من الدين‪ ،‬اغتنم‬ ‫أول فرصة لخيانة العمال‪ ،‬وأصبح وزيرا برجوازيا عاديا‪.‬‬ ‫وأما قضية سباك فھي أشد طرافة‪ ،‬فقبل عام ونصف كان ھذا‬ ‫السيد ينتمي إلى المعارضة اليسارية االشتراكية‪ ،‬وجاءني إلى‬ ‫فرنسا بحثا عن نصيحتي حول طرق النضال ضد بيروقراطية‬ ‫فندر فيلد‪ .‬وقد قدمت نفس األفكار التي تضمنتھا رسالتي فيما‬ ‫بعد‪ ،‬ولكن بعد عام من ھذه الزيارة‪ ،‬رفض سباك األشواك حبا‬ ‫بالزھور‪ .‬وبعد أن خان رفاقه في المعارضة‪ ،‬أصبح أشد‬ ‫عمالء رأس المال البلجيكي استخفافا‪ .‬إن ھؤالء السادة‬ ‫يخنقون كل صوت يرتفع منتقدا في نقابات العمال‪ ،‬وفي‬ ‫حزبھم‪ .‬ويفسدون ويرشون بطريقة منظمة أشد العمال تقدمية‪،‬‬ ‫كما يطردون العمال المنحرفين بنفس الطريقة‪ ،‬وھو يتميزون‬ ‫عن الغيبو فقط بحقيقة كونھم لم يلجأوا بعد إلراقة الدماء‪.‬‬ ‫فباعتبارھم وطنيين طيبين‪ ،‬يوفرون دماء العمال للحرب‬ ‫االمبريالية المقبلة‪ ،‬ومن الواضح أن على المرء أن يكون‬ ‫شديد الكراھية‪ ،‬أن يكون كسيحا خلقيا‪ ،‬وأن يكون كافيريا‪،‬‬ ‫بلشفيا‪ ،‬من أجل أن ينصح العمال الثوريين بااللتزام بتعاليم‬ ‫التآمر في النضال ضد ھؤالء السادة!‬ ‫إن رسالتي لم تنطو على أي شيء جنائي‪ ،‬من وجھة نظر‬ ‫القوانين البلجيكية‪ .‬وقد كان من واجب البوليس )الديمقراطي(‬ ‫أن يعيد الرسالة إلى المرسل إليه‪ ،‬مع االعتذار‪ .‬وكان من‬


‫واجب الحزب االشتراكي أن يحتج ضد الغارة التي أملتھا‬ ‫دوافع تتعلق بمصالح الجنرال فرانكو‪ .‬ولكن السادة‬ ‫االشتراكيين لم يعترھم الخجل إطالقا من استغالل خدمات‬ ‫البوليس الفظة‪ .‬فبدون ذلك لم يكن ليتاح لھم التمتع بفرصة‬ ‫طيبة لعرض تفوق أخالقھم مرة أخرى‪ ،‬على الأخالقيي‬ ‫البالشفة‪.‬‬ ‫وكل شيء رمزي في ھذه الحادثة‪ .‬فقد صب الديمقراطيون‬ ‫االشتراكيون في بلجيكا جام غضبھم علي‪ ،‬في الوقت نفسه‬ ‫الذي اعتقلت فيه أنا وزوجتي من قبل أصدقائھم المفكرين في‬ ‫النرويج‪ ،‬لمنعنا من الدفاع عن أنفسنا ضد اتھامات الغيبو‪ .‬لقد‬ ‫علمت الحكومة النرويجية جيدا أن اتھامات موسكو كانت‬ ‫ملفقة –وقد أكدت ھذه الصحيفة الديمقراطية االشتراكية شبه‬ ‫الرسمية‪ ،‬عالنية خالل األيام األولى‪ .‬ولكن موسكو ضغطت‬ ‫على أصحاب السفن وتجار السمك النروجيين‪ -‬أن مارتن‬ ‫ترانمايل زعيم الحزب االشتراكي الديمقراطي‪ ،‬ليس مجرد‬ ‫حجة في الميدان الخلقي‪ ،‬ولكنه رجل فاضل عالنية‪ :‬فھو ال‬ ‫يشرب وال يدخن وال يأكل اللحم وال يستحم بالجليد في الشتاء‬ ‫وھذا لم يمنعه بعد أن قبض علينا بأمر من الغيبو من دعوة‬ ‫عميل الغيبو النروجي جاكوب فريز –برجوازي بال شرف‬ ‫وضمير‪ -‬من الوشاية بي‪ ،‬ولكن ھذا يكفي‪...‬‬ ‫إن أخالق ھؤالء السادة تتألف من الشرائع التقليدية‪ ،‬التي تمثل‬ ‫مصالحھم ورغباتھم ومخاوفھم‪ ،‬وأغلبھم مستعد لرفض‬ ‫القناعات السائدة‪ ،‬والغدر والخيانة باسم طموحه‪ ،‬أو نزواته‪.‬‬ ‫والغاية بالنسبة لھم تبرر أية وسيلة في مجال المصالح‬ ‫الشخصية المقدس‪ ،‬ولكنھم يحتاجون إلى شرائع أخالقية‬ ‫خاصة ومستمرة‪ ،‬ومرنة في الوقت نفسه لھذا السبب بالذات‪.‬‬ ‫إنھم يمقتون كل من يفضح أسرارھم المھنية للجماھير‪ .‬وفي‬ ‫أوقات )السلم( يعبرون عن كراھيتھم بالتھجم بلغة فلسفية‪.‬‬ ‫وفي أوقات الصراعات االجتماعية الحادة‪ ،‬كما ھو األمر في‬ ‫اسبانيا‪ ،‬فإن ھؤالء األخالقيين‪ ،‬يقتلون الثوريين جنبا إلى جنب‬ ‫مع الغيبو‪ .‬ولكي يبررون أنفسھم يكررون عبارة‪:‬‬ ‫)التروتسكية والستالينية صنوان(‪.‬‬ ‫التواقف ‪ Interdependence‬الديالكتيكي للغاية والوسيلة‬


‫إن الوسيلة يمكن أن تبرر بغايتھا فقط‪ ،‬ولكن الغاية بدورھا‬ ‫بحاجة إلى التبرير‪ .‬والغاية‪ ،‬من وجھة النظر الماركسية التي‬ ‫تعبر عن المصالح التاريخية للبروليتارية‪ ،‬مبررة إذا ما كانت‬ ‫تؤدي إلى سلطة اإلنسان على الطبيعة‪ ،‬وإلغاء سلطة اإلنسان‬ ‫على أخيه اإلنسان‪.‬‬ ‫)ولكن ھل نفھم من ھذا أن أي شيء مباح من أجل الوصول‬ ‫إلى ھذه الغاية(‪ .‬ھكذا يلح الجھلة بالسؤال باستھزاء مفصحين‬ ‫عن عدم فھمھم لشيء‪ .‬إن المباح‪ ،‬كما نجيبھم‪ ،‬ھو ما يؤدي‬ ‫فعال إلى تحرير الجنس البشري‪ .‬وما دامت ھذه الغاية ممكنة‬ ‫التحقيق بواسطة الثورة‪ ،‬فإن أخالقية البروليتارية المحررة‪،‬‬ ‫ذات طبيعة ثورية بالضرورة‪ .‬إنھا ال تجابه بشكل سافر‬ ‫العقائد الدينية المتحجرة فحسب‪ ،‬وإنما جميع التعاويذ المثالية‪.‬‬ ‫وتجابه الشرطة الفلسفية للطبقة الحاكمة‪ ،‬وھي تستنتج قاعدة‬ ‫السلوك من وقوانين تطور المجتمع‪ ،‬أي من الصراع الطبقي‬ ‫بشكل رئيسي‪ ،‬من قانون جميع القوانين‪.‬‬ ‫)ويستمر األخالقيون في السؤال بإصرار‪ :‬وما الفرق؟ ھل ھذا‬ ‫يعني أن جميع الوسائل مباحة في الصراع الطبقي ضد‬ ‫الرأسماليين‪ :‬أي الكذب والتلفيق والخيانة والقتل وھكذا(‬ ‫ونجيب على ھذا بقولنا‪ :‬إن الوسائل المباحة والتي ال غنى‬ ‫عنھا ھي تلك توحد البروليتارية الثورية وتمأل قلبھا بعداوة‬ ‫للظلم ال ھوادة فيھا‪ ،‬وتعلمھم ازدراء األخالق الرسمية‬ ‫وطبولھا الديمقراطيين‪ ،‬تشبعھم بوعي لرسالتھم التاريخية‪،‬‬ ‫ترفع من شجاعتھم وروح التضحية في نضالھم‪ .‬ومن ھذا‬ ‫بالذات يمنع قولنا بأنه ليست جميع الوسائل مباحة‪ .‬وعندما‬ ‫نقول أن الغاية تبرر الوسيلة‪ ،‬فإن النتيجة التي تتبع ذلك‬ ‫بالنسبة لنا‪ ،‬ھي أن الغاية الثورية العظيمة تطيح بتلك الوسائل‬ ‫التي توقع بين فريق من العمال ضد فريق آخر‪ ،‬أو تحاول أن‬ ‫تجعل الجماھير سعيد‪ ،‬دون مشاركتھا‪ ،‬أو تخفض من إيمان‬ ‫الجماھير بنفسھا وبتنظيمھا‪ ،‬متبدلة ذلك بعبادة القادة‪.‬‬ ‫إن األخالقية الثورية ترفض بشكل مبدئي وال ھوادة فيه التذلل‬ ‫من قبل البرجوازية‪ ،‬والغطرسة من جانب الكادحين‪ ،‬أي تلك‬ ‫الخصائص التي رسخ جذورھا متعالمو البرجوازية الصغيرة‬ ‫وأخالقيتھا‪.‬‬


‫إن ھذه المقاييس ال تقدم بطبيعة الحال جوابا جاھزا‪ ،‬على‬ ‫السؤال عما ھو مباح أو غير مباح‪ ،‬في كل قضية منفصلة‪ .‬إذ‬ ‫ال يمكن أن توجد أجوبة أوتوماتيكية على ھذا النحو‪.‬‬ ‫فمشكالت األخالقية الثورية متصلة بمشكالت اإلستراتيجية‬ ‫الثورية وتكتيكھا‪ .‬إن التجربة الحية للحركة في ظل نظرية‬ ‫واضحة‪ ،‬تقدم الجواب الصحيح على ھذه المشكالت‪.‬‬ ‫والمادية الديالكتيكية ال تعرف ازدواج الوسيلة والغاية‪ .‬فالغاية‬ ‫تنبع بشكل طبيعي من الحركة التاريخية‪ ،‬والوسيلة تابعة‬ ‫عضويا للغاية‪ ،‬والغاية المباشرة تصبح وسيلة لغاية أبعد‪ .‬إن‬ ‫فردينالد السال يتحدث على لسان أحد أبطال مسرحية‬ ‫)فرانزفون سيكينجن( قائال‪:‬‬ ‫)‪ ...‬أرني الھدف‬ ‫ولكي أرني الطريق إليه أيضا‬ ‫إنھما لمتصالن بدرجة تجعل كال منھما‬ ‫دائم التبدل‬ ‫وتظھر طرق أخرى وھدف آخر(‬ ‫إن أبيات السال ليست كاملة على اإلطالق‪ .‬وأسوأ منھا حقيقة‬ ‫أن السال نفسه مختلف في سياسته العملية عن التعاليم‬ ‫المشروحة أعاله‪ .‬إنه ليكفي أن نتذكر أنه ذھب إلى حد عقد‬ ‫اتفاقيات سرية مع بسمارك! ولكن التواقف الديالكتيكي بين‬ ‫الغاية والوسيلة‪ ،‬معبر عنه بشكل صحيح كليا في الجمل التي‬ ‫أوردتھا أعاله‪ .‬إن حبوب القمح يجب أن تبذر من أجل سنبلة‬ ‫القمح‪.‬‬ ‫ھل اإلرھاب الفردي مباح أو غير مباح من ووجھة نظر‬ ‫)األخالق المحضة(؟ إن ھذا السؤال ال يھمنا أبدا بشكله‬ ‫المجرد ھذا‪ .‬وتكيل البرجوازية السويسرية المحافظة حتى‬ ‫اآلن الثناء على اإلرھابي )وليم تل(‪ .‬إن عواطفنا منحازة كليا‬ ‫لإلرھابيين االيرلنديين والروس والبولنديين والھندوس في‬ ‫نضالھم ضد الطغيان السياسي والقومي‪ .‬وكيروف الطاغية‬ ‫الوقح الذي مات اغتياال‪ ،‬ال يثير أية شفقة لدينا‪ ،‬وعالقتنا‬ ‫بالقاتل تظل محايدة‪ ،‬ألننا ال نعرف الدوافع التي دعته لقتله‪.‬‬ ‫فإذا أصبح معلوما أن نيقواليف قد تصرف كصاحب ضمير‬ ‫انتقم لحقوق العمال التي داسھا كيروف باألقدام‪ ،‬فإن عواطفنا‬ ‫ستكون القاتل كليا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فليس السؤال حول الدوافع‬


‫الذاتية‪ ،‬وإنما الدوافع الموضوعية‪ ،‬ھو الذي يحمل داللة‬ ‫حاسمة بالنسبة لنا‪ .‬ھل الوسائل المتوفرة قادرة على أن تؤدي‬ ‫بنا إلى الھدف حقا؟ بالنسبة لإلرھابي الفردي تشھد النظرية‬ ‫والتجربة‪ ،‬أن ھذه ليست القضية وإننا لنقول لإلرھابي‪ :‬إنه‬ ‫لمن المحال االستعاضة عن الجماھير‪ ،‬بالحركة الجماھيرية‬ ‫فقط يمكنك أن تجد التعبير عن بطولتك‪ .‬ومع ذلك فضمن‬ ‫شروط الحرب األھلية‪ ،‬يكف اغتيال الظالمين فرديا عن أن‬ ‫يكون إرھابا فرديا‪ .‬فإذا ما قلنا أن ثوريا ألقى قنبلة على‬ ‫الجنرال فرانكو وأركانه فمزقھم إربا إربا‪ ،‬فإن ھذا بالكاد أن‬ ‫يثير الغضب األخالقي‪ ،‬حتى لدى الخصيان الديمقراطيين‪ .‬إن‬ ‫تصرف مشابھا سيبدو مناسبا كليا من الناحية السياسية في‬ ‫ظروف حرب أھلية‪ .‬وعلى ھذا‪ ،‬فإن القوانين األخالقية‬ ‫المطلقة‪ ،‬يثبت بطالنھا حتى عندما تصل المسألة إلى أقصى‬ ‫حد لھا‪ :‬قتل إنسان إلنسان آخر‪ .‬وإن التقويمات األخالقية جنبا‬ ‫إلى جنب مع السياسة‪ ،‬تنبع من الحاجات الداخلية للصراع‪.‬‬ ‫إن تحرير العمال يمكن أن يتم بواسطة العمال أنفسھم‪ .‬ولذلك‬ ‫ال توجد جريمة أعظم من خداع الجماھير وتصوير الھزائم‬ ‫على أنھا انتصارات‪ ،‬واألصدقاء على أنھم أعداء‪ ،‬ورشوة‬ ‫القادة العماليين واختالق األساطير‪ ،‬وتلفيق المحاكمات‬ ‫المزيفة‪ ،‬أو بعبارة واحدة‪ ،‬القيام بما يفعله الستالينيون‪ .‬إن ھذه‬ ‫الوسائل يمكن أن تخدم غاية واحدة فقط‪ ،‬أال ھي إطالة أمد‬ ‫سيطرة طغمة أدانھا التاريخ‪ ،‬ولكنھا ال يمكن أن تسھم في‬ ‫تحرير الجماھير‪ ،‬وھذا ھو ما جعل األممية الرابعة تخوض‬ ‫صراع حياة أو موت ضد الستالينية‪.‬‬ ‫ليست الجماھير معصومة بطبيعة الحال‪ ،‬فتأليه الجماھير‬ ‫غريب عنا‪ .‬لقد رأيناھم في شروط مختلفة‪ ،‬ومراحل مختلفة‪،‬‬ ‫وخالل أضخم الصدمات السياسية‪ .‬لقد رأينا جوانبھم القوية‬ ‫والضعيفة‪ ،‬ووجد جانبھم القوي –تصميمھم‪ ،‬تضحيتھم‪،‬‬ ‫وبطولتھم‪ -‬تعبيره األوضح دائما في أوقات الثورة‪ .‬وخالل‬ ‫ھذه الفترة‪ ،‬قاد البالشفة الجماھير‪ .‬وبعد ذلك افتتح فصل‬ ‫تاريخي مختلف‪ ،‬عندما برز الجانب الضعيف من المظلومين‬ ‫إلى المقدمة‪ ،‬بنقص ثقافته وضيق أفقه العالمي‪ .‬وسرعان ما‬ ‫خاب أمل الجماھير التي أتعبھا التوتر‪ ،‬ففقدت األمل بنفسھا‬ ‫ومھدت الطريق لالرستقراطية الجديدة‪ .‬وفي ھذه الفترة وجد‬ ‫البالشفة )التروتسكيين( أنفسھم معزولين عن الجماھير‪.‬‬ ‫والواقع أننا مررنا بدورتين تاريخيتين كبيرتين من ھذا النوع‪:‬‬


‫‪ ،1905-1897‬سنوات مد الفيضان‪ 1913-1907 ،‬سنوات‬ ‫الجزر‪ 1923-1917 ،‬فترة اضطراب ال مثيل لھا في‬ ‫التاريخ‪ ،‬وأخيرا فترة جديدة من الرجعية لم تنته حتى اليوم‪.‬‬ ‫وخالل ھذه األحداث الجسام‪ ،‬تعلم التروتسكيون إيقاع التاريخ‪،‬‬ ‫أي ديالكتيك الصراع الطبقي‪ .‬كما أنھم تعلموا‪ ،‬كما يبدو‪،‬‬ ‫بدرجة معينة من النجاح كيف يخضعون خططھم وبرامجھم‬ ‫الذاتية لھذا اإليقاع الموضوعي‪ .‬لقد تعلموا أال يسقطوا فريسة‬ ‫لليأس بسبب حقيقة كون قوانين التاريخ ال تعتمد على أذواقھم‬ ‫الفردية‪ ،‬وال تخضع لمقاييسھم الخلقية الخاصة بھم‪ .‬وتعلموا‬ ‫أن يخضعوا أذواقھم الفردية لقوانين التاريخ‪ .‬كما تعلموا أال‬ ‫يفزعوا أمام أعتى األعداء‪ ،‬إذا ما كانت قوتھم مناقضة‬ ‫لحاجات التطور التاريخي‪ .‬إنھم يعرفون كيف يسبحون ضد‬ ‫التيار‪ ،‬وھم قانعون قناعة عميقة أن الطوفان التاريخي الجيد‬ ‫سيحملھم إلى الشاطئ اآلخر‪ .‬ولن يصل الجميع إلى الشاطئ‬ ‫بل سيغرق الكثيرون‪ .‬ولكن أن يسھم المرء في تلك الحركة‬ ‫بعينين مفتوحتين وإرادة شديدة –ذلكم فقط ھو الطريق إلى‬ ‫أعلى درجات االكتفاء األخالقي لدى كائن مفكر‪.‬‬ ‫كويوكان د‪.‬ف‪ 16 .‬شباط‪/‬فبراير ‪1938‬‬ ‫حاشية‪ :‬كتبت ھذه السطور خالل أيام‪ ،‬كان ولدي يصارع‬ ‫فيھا الموت دون علم مني‪ .‬غنني أقدم لذكراه ھذا العمل‬ ‫الصغير الذي آمل أنه كان سيحوز على موافقته –لقد كان‬ ‫ليون سيدوف ثوريا حقيقا يحتقر الفريسيين‪.‬‬ ‫***************************‬ ‫الخلقيون والمنافقون ضد الماركسية )‪(1‬‬ ‫بائعو صكوك الغفران وحلفاؤھم االشتراكيون‬ ‫أو‪ :‬طائر الكوكو في عش غريب‬ ‫إن كراس أخالقھم وأخالقنا له ميزة واحدة على األقل‪ :‬فقد‬ ‫أرغم بعض الجھلة والمنافقين على الكشف عن أنفسھم كليا‪.‬‬ ‫وأول القصاصات من الصحف الفرنسية والبلجيكية التي‬ ‫تلقيتھا تؤكد ذلك‪ .‬ولكن أشد التعليقات من نوعھا جالء‪ ،‬المقال‬ ‫الذي ظھر في صحيفة الكروا ‪ La Croix‬الفرنسية‬


‫الكاثوليكية‪ .‬إن ھؤالء السادة لديھم نظام خاص بھم‪ ،‬وھم ال‬ ‫يخجلون من الدفاع عنه‪ ،‬فھم ينافحون عن األخالقية المطلقة‪،‬‬ ‫وفوق كل ھذا‪ ،‬فھم ال يؤمنون الجزار فرانكو‪ ،‬إنھا إرادة الـله‪.‬‬ ‫وخلف ھؤالء يقف منظف سماوي يجمع أوساخھم وينظفھا‬ ‫خالل صحوھم‪ .‬ولذلك فليس من المستغرب أن يحملوا على‬ ‫أخالقية الثوريين الذين يأخذون المسؤولية على كواھلھم‪،‬‬ ‫واصفين إياھا بأنھا ليست ذات قيمة‪ .‬بيد أننا لسنا مھتمين اآلن‬ ‫ببائعي صكوك الغفران المحترفين‪ ،‬وإنما باألخالقيين الذين‬ ‫ينجحون بالعيش دون الـله‪ ،‬بينما يحاولون أن يضعوا أنفسھم‬ ‫مكانه‪.‬‬ ‫إن صحيفة بروكسيل االشتراكية )لو بوبل ‪– (Le Peuple‬‬ ‫الشعب‪ -‬قد نجحت في عدم العثور على شيء في كتابنا‬ ‫الصغير‪ ،‬باستثناء وصفة مجرمة لبناء زنزانات سرية من‬ ‫أجل تحقيق أحد أشد األھداف الأخالقية‪ ،‬أال وھو الھزء‬ ‫بكرامة البيروقراطية العمالية البلجيكية والسيطرة على‬ ‫مواردھا‪ .‬وقد يقال بالطبع في معرض الرد على ھذا‪ ،‬بأن ھذه‬ ‫البيروقراطية ملطخة بحوادث خيانة وغش وخداع ال يحصى‬ ‫‪Labor‬‬ ‫)ما علينا إال أن نستعيد تاريخ »البور بانك‬ ‫‪ («!Bank‬وإنھا تخنق كل لمعة للفكر االنتقادي في الطبقة‬ ‫العاملة وإن أخالقيتھا العملية ليست متفوقة بأي حال من‬ ‫األحوال على الكھنوت الكاثوليكي‪ ،‬حليفھا السياسي‪ .‬ولكن‬ ‫المحدودي التعليم فقط ھم الذين يذكرون مثل ھذه األشياء غير‬ ‫السارة‪ .‬ثانيا‪ ،‬يحتفظ جميع ھؤالء السادة مھما كانت‬ ‫خطيئاتھم‪ ،‬يحتفظون بأعلى أسس األخالق كاحتياطي لھم‪.‬‬ ‫وھذه المسألة يعالجھا ھنري دومان ‪Henri de Man‬‬ ‫شخصيا‪ ،‬فيرى أننا نحن البلشفيك ال نستطيع أن نتوقع‬ ‫الحصول على أية صكوك غفران‪.‬‬ ‫وقبل أن ننتقل إلى أخالقيين آخرين‪ ،‬دعونا نتوقف لحظة عند‬ ‫كراس أصدره الناشرون الفرنسيون الذين أصدروا كتابنا‪ .‬إن‬ ‫الكراس بطبيعته إما أن يقدم كتابا أو يصف محتوياته‬ ‫بموضوعية‪ .‬وأمامنا كراس من نوع مختلف كليا‪ ،‬واكتفي‬ ‫بإيراد مثال واحد منه‪) :‬إن تروتسكي يؤمن بأن حزبه الذي‬ ‫كان في السلطة مرة وھو في المعارضة اآلن قد مثل دائما‬ ‫البروليتاري الحقيقي‪ ،‬ومثل األخالقية الحقيقية‪ ،‬ويستنتج من‬ ‫ذلك على سبيل المثال‪ :‬إن إعدام الرھائن يحمل معنى مختلفا‬ ‫كليا يعتمد ما إذا كان األمر باإلعدام صادرا عن ستالين أو‬


‫تروتسكي(‪ .‬إن ھذه العبارة المقتطفة كافية تماما لتقويم المعلق‬ ‫الذي يختفي وراء الستار‪ .‬ومن حق المؤلف الذي ال مراء فيه‬ ‫أن يشرف على كراس‪ ،‬إال أن المسألة بالنسبة لھذه الحالة‪ ،‬ھي‬ ‫أن المؤلف يقف على الطرف اآلخر من المحيط ومن الواضح‬ ‫أن صديقا ما يكسب من النقص في المعلومات لدى الناشر قد‬ ‫تحايل من أجل التسلل إلى عش غريب‪ ،‬وضع فيه بيضته‬ ‫الصغيرة‪ .‬ياه! إنھا لبيضة صغيرة جدا بطبيعة الحال‪ ،‬بيضة‬ ‫عذراء تقريبا‪ .‬من ھو مؤلف ھذا الكراس‪ ،‬إنه فكتور سيرج‬ ‫الذي ترجم الكتاب‪ ،‬والذي يعتبر في الوقت نفسه من أشد النقاد‬ ‫له‪ ،‬يستطيع أن يقدم المعلومات‪ .‬لن أكون مستغربا إذا ما‬ ‫اتضح أن الكراس لم يكتبه فيكتور سيرج بطبيعة الحال‪ ،‬وإنما‬ ‫أحد تالميذه الذين يقلدون أفكار أستاذھم وطريقته‪ .‬ولكن ربما‬ ‫كان األستاذ نفسه‪ ،‬أي فيكتور سيرج ھو صديق المؤلف؟‬ ‫أخالق الھوتنتوت )‪(2‬‬ ‫لقد استغل سوفارين ‪ Souvarine‬ومنافقون آخرون البيان‬ ‫الذي ورد في الكراس‪ ،‬والذي وفر عليھم مؤونة البحث‪ .‬فإذا‬ ‫ما كان تروتسكي يحتفظ الرھائن فھذا حسن‪ ،‬وإذا ما كان‬ ‫ستالين ھو الذي يفعل ذلك فھذا سيء‪ .‬وبالنسبة لمثل األخالق‬ ‫الھوتنتية‪ ،‬ليس من الصعب أن نجد مخرجا للحنق النبيل‪ ،‬ومع‬ ‫ذلك‪ ،‬فليس ثمة ما ھو أسھل من فضح خواء وتزييف ھذا‬ ‫الحق‪ ،‬اعتمادا على ھذا المثال الذي سنذكره اآلن‪ .‬لقد أصبح‬ ‫فيكتور سيرج عالنية عضوا في حزب ‪ P.O.U.M‬وھو‬ ‫حزب كتالوني ‪–Catalan‬من مقاطعة كتالونيا في اسبانبا‪ -‬له‬ ‫قوات ميليشيا خاصة به‪ ،‬كانت في المقدمة خالل الحرب‬ ‫األھلية االسبانية‪ .‬وفي الجبھة‪ ،‬كما ھو معروف‪ ،‬يطلق الناس‬ ‫النار ويقتلون‪ ،‬ولذلك فقد يقال‪) :‬إن القتل بالنسبة لفيكتور‬ ‫سيرج يأخذ معنى مختلفا كليا‪ ،‬يعتمد على ما إذا كان األمر قد‬ ‫أصدره الجنرال فرانكو أو زعماء أو زعماء حزب فيكتور‬ ‫سيرج(‪ .‬فإذا ما حاول أخالقينا أن نفكر بمعنى أعماله‪ ،‬قبل أن‬ ‫يحاول إصدار التعليمات لآلخرين‪ ،‬فإن من المحتمل أن يقول‬ ‫ما يلي‪ :‬ولكن العمال االسبان قاتلوا لتحرير الشعب‪ ،‬بينما‬ ‫قاتلت عصابات فرانكو الستبعاده! إن سيرج لن يكون قادرا‬ ‫على ابتكار جواب مختلف‪ .‬وبكلمات أخرى‪ ،‬فإن عليه أن‬ ‫يكرر حجة الھوتنتوت )‪ (3‬المتعلقة بتروتسكي والرھائن‪.‬‬ ‫الرھائن مرة أخرى‬


‫ومھما يكن من أمر‪ ،‬ال بل من المحتمل أن أخالقيينا‬ ‫سيرفضون الحديث بصراحة وسيتيھون على غير ھدى‪) :‬إن‬ ‫القتل في الجبھة شيء وأن تطلق النار على الرھائن شيء‬ ‫آخر!(‪ .‬إن ھذه الحجة‪ ،‬كما سنثبت عما قريب‪ ،‬حجة سخيفة‪.‬‬ ‫ولكن دعونا نتوقف لبرھة على األرض التي اختارھا خصمنا‪.‬‬ ‫إن نظام الرھائن‪ ،‬كما يقال‪ ،‬الأخالقي في حد ذاته‪ .‬حسن‪ ،‬ھذا‬ ‫ما نريد أن نعرفه‪ ،‬ولكن ھذا النظام قد اتبع في جميع الحروب‬ ‫األھلية في التاريخ القديم والحديث‪ .‬ومن الواضح أنه ينبع من‬ ‫طبيعة الحرب األھلية نفسھا‪ .‬ومن ھذا المنطلق‪ ،‬من المكن أن‬ ‫نستنتج نتيجة واحدة فقط‪ ،‬ونعني بذلك أن طبيعة الحرب‬ ‫األھلية نفسھا الأخالقية‪ .‬ذلكم ھو منطلق صحيفة الكروا التي‬ ‫تعتقد أن من الضروري طاعة السلطة السائدة‪ ،‬بأن السلطة من‬ ‫عند الـله‪ .‬وماذا عن فيكتور سيرج؟ إنه ال يحمل وجھة نظر‬ ‫معتبرة‪ .‬فأن يلقي المرء بيضة صغيرة في عش صغير شيء‪،‬‬ ‫وأن يحدد المرء موقعه بالنسبة لمشكالت تاريخية معقدة شيء‬ ‫آخر‪ .‬وإنني ألعترف بأن أولئك الذين لديھم أخالقية متعالية‪،‬‬ ‫من أمثال أزانا ‪ Azana‬وكاباليرو ‪ Caballero‬ونيغرين‬ ‫‪ Negrin‬وشركاه‪ ،‬كانوا ضد أخذ رھائن من المعسكر‬ ‫الفاشي‪ .‬فبالنسبة للجانبين لديك برجوازيون مقيدون بقيود‬ ‫األسرة والقيود المادية‪ ،‬ومقتنعون بأنه حتى في حال الھزيمة‪،‬‬ ‫فإنھم لن ينقذوا أنفسھم فقط‪ ،‬وإنما سيحتفظون بوجبات غذائھم‬ ‫من اللحم‪ .‬لقد كانوا على حق بطريقتھم‪ .‬إال أن الفاشيين أخذوا‬ ‫رھائن من البرجوازيين الفاشيين‪ ،‬ألنھم كانوا يعلمون القدر‬ ‫من الذل الذي تنطوي عليه الھزيمة بالنسبة لھم وإلخوتھم في‬ ‫الطبقة‪ ،‬حتى لو كانت ھذه الھزيمة جزئية ومؤقتة‪.‬‬ ‫وال يستطيع فيكتور سيرج نفسه أن يصرح تماما بما يريد‪ :‬ھل‬ ‫يطھر الحرب األھلية من نظام الرھائن‪ ،‬أم يطھر التاريخ‬ ‫البشري من الحرب األھلية‪ .‬إن األخالقي البرجوازي الصغير‬ ‫يعتقد أنه غير قادر على معالجة الظواھر بالنسبة لعالقتھا‬ ‫الداخلية‪ .‬إن مسألة الرھائن إذا ما وضعنا جانبا بشكل مزيف‪،‬‬ ‫تشكل بالنسبة له مشكلة خلقية خاصة‪ ،‬مستقلة عن تلك‬ ‫الشروط العامة‪ ،‬التي تزيد من حدة النزاعات المسلحة بين‬ ‫الطبقات‪ .‬إن الحرب األھلية ھي التعبير األسمى عن الصراع‬ ‫الطبقي‪ ،‬فأن نحاول أن نخضعھا لمقاييس مجردة‪ ،‬فإن ھذا‬ ‫يعني في الواقع تجريد العمال من أسلحتھم‪ ،‬وھم يجابھون‬ ‫عدوا مدججا بالسالح‪ .‬إن األخالقي البرجوازي ھو األخ‬


‫األصغر للبرجوازي المسالم‪ ،‬الذي يريد )أنسنة( الحرب عن‬ ‫طريق منع استخدام الغازات السامة‪ ،‬وقصف المدن غير‬ ‫المحصنة الخ‪ ...‬إن مثل ھذه المناھج‪ ،‬من الناحية السياسية‪،‬‬ ‫إنما تخدم في أبعاد أفكار الناس عن الثورة‪ ،‬كطريق وحيدة‬ ‫لوضع حد للحرب‪.‬‬ ‫فزع الرأي العام البرجوازي‬ ‫إن األخالقي المحاصر بالتناقضات‪ ،‬ربما يحاول أن يناقش‬ ‫بقوله أن صراعا مكشوفا وواعيا بين المعسكرين شيء‪ ،‬وأن‬ ‫احتجازا غير المشتركين في الصراع شيء آخر‪ .‬وھذه الحجة‬ ‫مع ذلك ھي مجرد حرف غبي وممطوط للموضوع‪ .‬ففي‬ ‫معسكر فرانكو حارب عشرات اآلالف الذين جندوا بالقوة‪،‬‬ ‫وقد أطلقت جيوش الجمھوريين على ھؤالء األسرى التعساء‪،‬‬ ‫أسرى جنرال رجعي‪ .‬فھل كان ھذا أخالقيا أم غير أخالقي؟‬ ‫وأكثر من ذلك فإن الحرب الحديثة‪ ،‬بما فيھا من مدفعية بعيدة‬ ‫المدى‪ ،‬وقنابل غاز‪ ،‬وطيران‪ ،‬وتخريب‪ ،‬ومجاعات وحرائق‬ ‫وأوبئة‪ ،‬تعني بالضرورة فقدان أرواح مئات اآلالف والماليين‬ ‫من الكھول واألطفال الذين لم يشتركوا في الصراع مباشرة‪.‬‬ ‫إن الذين يؤسرون ھم مرتبطون بقيود الطبقة والتضامن‬ ‫العائلي مع معسكر من معسكرين على األقل‪ ،‬أو مع زعماء‬ ‫ھذا المعسكر‪ .‬وأن االختيار الواعي ممكن لدى أخذ الرھائن‪،‬‬ ‫إن قذيفة من بندقية أو طائرة‪ ،‬يمكن أن تدمر العدو والصديق‬ ‫على حد سواء‪ ،‬أو اآلباء واألطفال‪ .‬لماذا إذن يستثنى‬ ‫أخالقيون مسألة الرھائن ويغلقون أعينھم على مضمون‬ ‫الحرب األھلية كلھا؟ ألنھم ليسوا شجعانا بما فيه الكفاية‪،‬‬ ‫وكيساريين فإنھم يخشون من تدمير الجسور مع الرأي العام‬ ‫الرسمي وبإدانة نظام الرھائن يشعرون أن لديھم أصدقاء‬ ‫طيبين ضد البالشفة‪ ،‬فھم يمارسون صمتا جبانا إزاء اسبانيا‪.‬‬ ‫وسيستمر فيكتور سيرج باالحتجاج على حقيقة أن العمال‬ ‫االسبان والفوضويين وأعضاء حزب ‪ P.O.U.M‬قد أخذوا‬ ‫رھائن‪ ،‬سيحتج على ذلك بعد عشرين عاما‪.‬‬ ‫الشريعة الخلقية للحرب األھلية‬ ‫وإلى نفس الفئة تنتمي مجموعة أخرى من اكتشافات فيكتور‬ ‫سيرج‪ ،‬وأقصد بھا أن انحطاط البالشفة يبدأ من اللحظة التي‬ ‫أعطي فيھا الشيكا )‪ (4‬حتى تقرير مصير الشعب من وراء‬


‫األبواب المقفلة‪ .‬إن سيرج يعبث بفكرة الثورة ويكتب القصائد‬ ‫عنھا‪ ،‬غال أنه عاجز عن فھمھا كما ھي‪.‬‬ ‫إن المحاكمات العامة ممكنة فقط في ظروف نظام مستقر‪.‬‬ ‫والحرب األھلية ھي شرط عدم االستقرار األقصى للمجتمع‬ ‫والدولة‪ .‬وكما أنه من المستحيل أن ننشر خطط الدولة في‬ ‫الصحف‪ ،‬كذلك فإن من المستحيل أن نكشف بمحاكمات عامة‬ ‫عن شروط وظروف المؤامرات‪ ،‬ذلك أن ھذه المؤامرة تتصل‬ ‫اتصاال وثيقا بمجرى الحرب األھلية‪ .‬وال شك أن المحاكمات‬ ‫السرية قد زادت كثيرا من احتمال وقوع األخطاء‪ .‬وھذا يدل‬ ‫فقط على أن من الصعب في ظروف الحرب األھلية ممارسة‬ ‫العدالة غير المتحيزة‪.‬‬ ‫إننا نقترح أن يعين فيكتور سيرج رئيسا للجنة تتألف من‬ ‫مارسيو بيفر وسوفارين ووالدو فرانك وماكس ايستمان‬ ‫ومجدولين باز وآخرين لوضع شريعة أخالقية للحرب‬ ‫األھلية‪ ،‬والشخصية العامة لھذه اللجنة واضحة مقدما‪.‬‬ ‫الطرفان يتعھدان بعدم أخذ األسرى‪ ،‬والمحاكمات العامة تظل‬ ‫دائرة‪ ،‬ومن أجل أن تتم ھذه المحاكمات على ما يرام‪ ،‬فإن‬ ‫الحرية الكاملة للصحافة محفوظة خالل الحرب األھلية‪،‬‬ ‫وقصف المدن ممنوع كليا باعتباره يرتبط بالعدالة وحرية‬ ‫الصحافة وعدم خرق حرمة األفراد‪ .‬وألسباب أخرى مشابھة‬ ‫يمنع استخدام المدفعية‪ .‬وكما ھو األمر بالنسبة للبنادق‪ ،‬فإن‬ ‫القنابل اليدوية والحراب تؤثر تأثيرا مشؤوما على المخلوقات‬ ‫البشرية‪ ،‬بقدر ما تؤثر على الديمقراطية بشكل عام‪ .‬إن‬ ‫استخدام األسلحة النارية في الحرب األھلية ممنوع كليا‪.‬‬ ‫شريعة رائعة! نص عظيم لخطابة فيكتور سيرج ومجدولين‬ ‫باز! ومع ذلك‪ ،‬فطالما أن ھذه الشريعة تظل غير مقبولة‬ ‫ھدين‪ ،‬فإن‬ ‫كقاعدة للسلوك من قبل جميع المضطھدين والمضط َ‬ ‫الطبقات المتخاصمة ستسعى لنوال النصر بأية وسيلة‪ ،‬بينما‬ ‫يستمر األخالقيون البرجوازيين بالتساؤل بالضياع واالرتباك‬ ‫بين المعسكرين‪ ،‬وھم يتعاطفون ذاتيا مع المضطھدين –ال شك‬ ‫في ذلك‪ .‬ولكنھم يظلون من الناحية الموضوعية أسرى‬ ‫أخالقية الطبقة الحاكمة‪ ،‬ويسعون لفرضھا على المضطھَدين‪،‬‬ ‫بدال من مساعدتھم على إتقان أخالقية العصيان‪.‬‬ ‫الجماھير ال عالقة لھا بذلك مطلقا!‬


‫لقد أوضح فيكتور سيرج عرضا األسباب التي أدت إلى انھيار‬ ‫حزب البالشفة‪ ،‬وھي‪ :‬المركزية الشديدة‪ ،‬وعدم الثقة بالنضال‬ ‫اإليديولوجي وانعدام الروح المحبة للحرية‪ .‬فمزيدا من الثقة‬ ‫بالجماھير‪ ،‬مزيدا من الحرية! كل ذلك خارج الزمان والمكان‪.‬‬ ‫غير أن الجماھير ليست متشابھة على اإلطالق‪ ،‬فھناك‬ ‫جماھير ثورية‪ ،‬وجماھير سلبية‪ ،‬وجماھير رجعية‪ .‬والجماھير‬ ‫نفسھا تستلھم‪ ،‬خالل أوقات مختلفة‪ ،‬أمزجة وأھدافا مختلفة‪.‬‬ ‫ولھذا السبب نفسه يبدو وجود منظمة مركزية للطليعة أمر ال‬ ‫غنى عنه‪ .‬فالحزب الواحد فقط والذي يستخدم السلطة التي فاز‬ ‫بھا‪ ،‬قادر على التغلب على ذبذبة الجماھير‪ .‬فإن نحيط‬ ‫الجماھير بھاالت من القداسة‪ ،‬وأن نخفض برنامجنا إلى‬ ‫مستوى )الديمقراطية( غير الممدودة‪ ،‬معناه أن نحل أنفسنا في‬ ‫الطبقة كما ھي‪ ،‬وأن نتحول من طليعة إلى مؤخرة‪ ،‬وبالتالي‬ ‫أن نتخلى عن مھمات الثورة‪ .‬ومن وجھة أخرى‪ ،‬فإذا ما كانت‬ ‫ديكتاتورية البروليتارية تعني أي شيء على اإلطالق‪ ،‬فإنھا‬ ‫تعني عندئذ أن طليعة الطبقة مسلحة بموارد الدولة من أجل‬ ‫درء األخطار‪ ،‬بما في ذلك األخطار التي تنطلق من الصفوف‬ ‫الخلفية للبروليتارية نفسھا‪ .‬كل ذلك أساسي وكل ذلك أوضحته‬ ‫تجربة روسيا وأكدته تجربة اسبانيا‪.‬‬ ‫إال أن السر كله ھو أن مطالبة فيكتور سيرج بالحرية‬ ‫)للجماھير( تعني في الواقع الحرية لنفسه ولرفقائه‪ ،‬الحرية‬ ‫من كل سيطرة ونظام‪ ،‬والحرية من النقد إذا أمكن ذلك‪ .‬إن‬ ‫)الجماھير( ال عالقة لھا بذلك مطلقا‪ ،‬وعندما يتأرجح‬ ‫ديمقراطيونا من اليمين إلى اليسار‪ ،‬ومن اليسار إلى اليمين‬ ‫زارعين الشك واالضطراب‪ ،‬يتخيل أن ذلك يعني تحقق حرية‬ ‫نقوم منطلقين من منطلق ماركسي‪ ،‬فإن‬ ‫الفكر‪ .‬ولكن عندما‬ ‫ّ‬ ‫الحكم على ذبذبة مثقف برجوازي صغير مصاب بخيبة‬ ‫األمل‪ ،‬يبدو بالنسبة له بمثابة اعتداء على فرديته‪ ،‬ثم ما يلبث‬ ‫أن يدخل في تحالف مع جميع المشوشين لشن حملة صليبية‬ ‫ضد طغياننا وتعصبنا المذھبي‪.‬‬ ‫إن الديمقراطية الداخلية لحزب ثوري ليست ھدفا في حد‬ ‫ذاتھا‪ .‬فمن الواجب أن تدعم وتربط عن طريق المركزية‪.‬‬ ‫فبالنسبة للماركسي كان السؤال دائما‪ :‬الديمقراطية ألي شيء؟‬ ‫وألي برنامج؟ إن إطار البرنامج ھو إطار الديمقراطية في‬ ‫الوقت نفسه‪ .‬لقد طالب فيكتور سيرج من األممية الرابعة أن‬


‫تعطي حرية العمل لجميع المشوشين والمتعصبين المذھبيين‬ ‫ومركزيي ‪ P.O.U.M‬من أمثال فيريكن ‪Vereecken‬‬ ‫وللبيروقراطيين‬ ‫‪Marceau‬‬ ‫‪Pivert‬‬ ‫بيفر‬ ‫ومارسيو‬ ‫المحافظين من أمثال سنيفلييت ‪ Sneevliet‬أو للمغامرين من‬ ‫أمثال ر‪ .‬مولينييه ‪ .R.Molinier‬ومن جھة أخرى ساعد‬ ‫فيكتور سيرج بشكل منظم‪ ،‬ساعد المنظمات المركزية على أن‬ ‫تطرد من بين صفوفھا أنصار األممية الرابعة‪ .‬إننا منسجمون‬ ‫كليا مع الديمقراطية‪ ،‬فھي مسالمة ومطيعة‪ ،‬وتميل نحو‬ ‫اليمين‪ .‬وفي الوقت نفسه فإنھا ضرورية وحقودية ومخادعة‬ ‫باتجاه اليسار –إنھا تمثل نظام الدفاع عن النفس لدى مركزية‬ ‫البرجوازية الصغيرة‪.‬‬ ‫الصراع ضد الماركسية‬ ‫إذا كان موقف فيكتور سيرج من المشكالت النظرية‪ ،‬كان‬ ‫جادا‪ ،‬فإنه سيشعر بالحرج من الظھور في المقدمة كمبتكر‬ ‫أفكار‪ ،‬وأن يعود بنا إلى برنشتاين ‪ Bernstein‬وستروف‬ ‫‪ Struve‬وجميع المراجعين في القرن الماضي الذين حاولوا‬ ‫إلصاق الكنطية بالماركسية‪ ،‬أو بكلمات أخرى‪ ،‬إخضاع‬ ‫النضال الطبقي للبروليتارية إلى مبادئ ترتفع عنه‪ .‬وكما فعل‬ ‫كنط نفسه‪ ،‬اعتبروا »األمر المطلق« )فكرة الواجب( مقياسا‬ ‫مطلقا لألخالق يسري على الجميع‪ .‬والواقع أن المسألة‬ ‫)واجب( بالنسبة لمجتمع برجوازي‪ .‬وقد كان لدى كل من‬ ‫برنشتاين وستروف وفورالندر ‪ ،Vorlander‬كان لھم موقف‬ ‫من النظرية على طريقتھم الخاصة‪ .‬فقد دعوا عالنية للعودة‬ ‫إلى كنط‪ .‬إن فيكتور سيرج ورفاقه ال يشعرون بأبسط‬ ‫المسؤوليات تجاه الفكر العلمي‪ ،‬إنھم يقصرون أنفسھم على‬ ‫الخياالت واالستعارات‪ ،‬وعلى التعميميات األدبية في أفضل‬ ‫األحوال‪ .‬ومع ھذا‪ ،‬فإذا ما امتحنت أفكارھم فإنھم يبدون وقد‬ ‫انضموا لقضية قديمة‪ ،‬يثبت بطالنھا منذ زمن طويل‪ :‬إخضاع‬ ‫الماركسية بالكنطية‪ ،‬شل الثورة االشتراكية بواسطة )المقاييس‬ ‫المطلقة(‪ ،‬التي تمثل في الواقع التعميمات الفلسفية للمصالح‬ ‫البرجوازية –وھذه ليست برجوازية يومنا ھذا‪ ،‬وإنما‬ ‫برجوازية فترة التجارة الحرة والديمقراطية‪ .‬إن البرجوازية‬ ‫االمبريالية تلتزم بھذه المقاييس بقدر أقل من ذلك الذي التزمت‬ ‫به حقوقھا الليبرالية‪ ،‬وھي تنظر بعطف إلى محاوالت‬ ‫المبشرين البرجوازيين الصغار‪ ،‬بإشاعة االرتباك والفوضى‬ ‫والتذبذب بين صفوف البروليتارية الثورية‪ .‬إن الھدف‬


‫الرئيسي لھتلر والليبراليين والديمقراطيين ھو التھجم على‬ ‫البلشفية‪ ،‬في وقت تھدد فيه شريعتھا التاريخية بأن تصبح‬ ‫بشكل مطلق للجماھير البلشفية‪ ،‬الماركسية –ذلكم العدو!‬ ‫عندما زيف )األخ( فيكتور باش ‪ (5) Victor Basch‬الكاھن‬ ‫األعظم لألخالق الديمقراطية بمساعدة )أخيه( روزنمارك‬ ‫‪ Rosenmmark‬وذلك دفاعا عن محاكمات موسكو‪ ،‬فضح‬ ‫عالنية‪ .‬وعندما أدين بتھمة التزوير‪ ،‬دق على صدره وصاح‪:‬‬ ‫)ھل أنا متحيز إذن؟ لقد استنكرت دائما إرھاب لينين‬ ‫وتروتسكي(‪ .‬لقد فضح باش الدافع الداخلي ألخالقيي‬ ‫الديمقراطية‪ ،‬فبعضھم قد يصمت عن محاكمات موسكو‪،‬‬ ‫والبعض اآلخر قد يھاجم المحاكمات‪ ،‬وھناك من يدافع عنھا‪.‬‬ ‫إال أن اھتمامھم الرئيسي ينصب على استخدام المحاكمات‬ ‫إلدانة )أخالقية( لينين وتروتسكي‪ ،‬أي الطرق التي تلجأ إليھا‬ ‫الثورة البروليتارية‪ .‬وفي ھذا المجال يبدو الجميع أشقاء‪.‬‬ ‫لقد ذكر في الكراس المليء بالفضائح‪ ،‬والذي نظرنا فيه آنفا‪،‬‬ ‫أنني )أؤسس نفسي على لينين(‪ ،‬وھذه العبارة غير المحدودة‪،‬‬ ‫والتي ترددت في منشورات أخرى‪ ،‬يمكن أن تعني أنني‬ ‫طورت أسس لينين النظرية‪ .‬ولكن ما أعلمه ھو أن لينين لم‬ ‫يكتب عن األخالق‪ .‬لقد تمنى فيكتور سيرج في الواقع أن يقول‬ ‫شيئا مختلفا كليا‪ ،‬وأعني بذلك أن أفكاري الالأخالقية ھي‬ ‫تعميم لسلوك لينين )الالأخالقي( وھو يحاول الطعن بشخصية‬ ‫لينين‪ ،‬عن طريق استخدام أحكامي‪ ،‬والطعن بأحكامي عن‬ ‫طريق استخدام شخصية لينين‪ .‬إنه ببساطة يدخل السرور على‬ ‫الرجعية التي تعادي البلشفية والماركسية بشكل عام‪.‬‬ ‫سوفارين المنافق‬ ‫إن بطل السلم السابق‪ ،‬والشيوعي السابق‪ ،‬والتروتسكي‬ ‫السابق‪ ،‬والشيوعي الديمقراطي السابق‪ ،‬والماركسي السابق‪...‬‬ ‫ال بل سوفارين السابق يحمل على الثورة البروليتارية‬ ‫والثوريين بقدر من الصفاقة‪ ،‬يعظم كلما قلت معرفته لما يريد‪.‬‬ ‫إن ھذا الرجل يحب ويعرف كيف يجمع المقتطفات والوثائق‪،‬‬ ‫والفواصل‪ ،‬واألقواس‪ ،‬وكيف يرتب الملفات‪ .‬وأكثر من ذلك‬ ‫فھو يعرف كيف يمسك بالقلم‪ .‬ولقد تمنى منذ البداية أن ھذا‬ ‫المتاع سوف يكفيه طيلة حياته‪ ،‬إال أنه سرعان ما اضطر إلى‬ ‫إقناع نفسه‪ ،‬بأنه يحتاج باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬إلى القدرة على‬


‫التفكير‪ .‬إن كتابه عن ستالين‪ ،‬على الرغم من توفر المقتطفات‬ ‫والحقائق الھامة‪ ،‬ما ھو إال شھادة ذاتية على فقره‪ .‬إن‬ ‫سوفارين ال يفھم ما ھي الثورة وال الثورة المضادة‪ ،‬إنه يطبق‬ ‫على العملية التاريخية مقياس معقّل صغير‪ ،‬تؤرقه دائما‬ ‫اإلنسانية الخاطئة‪ .‬والتناقض بن روحه االنتقادية وعجزه على‬ ‫الخلق يستھلكه وكأنه األسيد‪ .‬ومن ھنا يبدو نزقه وبرمه الدائم‪،‬‬ ‫وفقدانه لألمانة المبدئية في تقويم األفكار والبشر والحوادث‪،‬‬ ‫بينما يغطي ذلك كله بإضفاء ستار أخالقي جاف‪ .‬وكما ھو‬ ‫األمر بالنسبة لجميع الكارھين للبشر والكلبيين‪ ،‬فإن سوفارين‬ ‫منجذب عضويا باتجاه الرجعية‪.‬‬ ‫ھل انشق سوفارين عالنية عن الماركسية؟ إننا لم نسمع عن‬ ‫ذلك‪ ،‬إنه يفضل المواربة والمراوغة‪ ،‬فھذا ھو عنصره‬ ‫األساسي‪ .‬لقد كتب في مراجعته لكراسي قائال‪) :‬إن تروتسكي‬ ‫يمتطي مرة أخرى حصان الصراع الطبقي الذي يستھويه(‪.‬‬ ‫وبالنسبة لماركسي األمس‪ ،‬فإن الصراع الطبقي ھو‪) :‬حصان‬ ‫تروتسكي(‪ .‬إنه ليس باألمر الذي يدعو للدھشة أن سوفارين‬ ‫نفسه فضل أن يتخطى كلب األخالق األزلية الميت‪ ،‬وھو‬ ‫يعارض الفكرة الماركسية القائلة بوجود )إحساس بالعدالة‬ ‫دونما اھتمام بالفوارق الطبقية(‪ .‬إنه لما يحمل العزاء أن نعلم‬ ‫أن مجتمعنا قائم على )اإلحساس بالعدالة(‪ ،‬أن سوفارين‬ ‫سيصل باكتشافه إلى مدى أبعد بال شك في الحرب القادمة‪،‬‬ ‫سيصل باكتشافه إلى الجنود في الخنادق‪ ،‬وعند ذلك يستطيع‬ ‫أن يفعل الشيء نفسه مع مشلولي الحرب األخيرة‪ ،‬والعاطلين‬ ‫عن العمل‪ ،‬واألطفال الذين تخلى عنھم ذووھم‪ ،‬والعاھرات‪.‬‬ ‫إننا نعترف مقدما أنه إذا ما تعرض لألذى فيما ھو ملتزم على‬ ‫ھذا النحو‪ ،‬فإن )إحساسنا بالعدالة( لن ينحاز إلى جانبه‪.‬‬ ‫إن المالحظات االنتقادية لھذا المدافع عن العدالة البرجوازية‬ ‫الفاقد للحياء‪) ،‬دونما اھتمام بالفوارق الطبقية( تعتمد كليا على‬ ‫الكراس الذي استلھمه من فيكتور سيرج‪ .‬وھذا األخير في كل‬ ‫محاوالته للتنظير‪ ،‬ال يذھب إلى أبعد من االستعارة الھجينة‬ ‫من سوفارين‪ ،‬الذي يمتلك مع ذلك المزية التالية‪ :‬أنه يتفوه بما‬ ‫لم يجرؤ سيرج على التفوه به بعد‪.‬‬ ‫يكتب سوفارين بلھجة تتصنع االستياء –ال يوجد شيء من‬ ‫األصالة فيه‪ -‬قائال أنه بقدر ما يدين تروتسكي أخالقية‬ ‫الديمقراطيين واإلصالحيين والستالينيين والفوضويين‪ ،‬فإن‬


‫ھذا يعني أن ممثل األخالقية الوحيد ھو )حزب تروتسكي(‪.‬‬ ‫وما دام حزبه غير موجود‪ ،‬فإن رمز األخالق‪ ،‬في التحليل‬ ‫األخير ھو تروتسكي نفسه‪ .‬كيف بوسع المرء أن يتصنع‬ ‫االبتسام إزاء ھذا؟ إن من الواضح أن سوفارين يتخيل انه‬ ‫قادر على التمييز بين ما ھو موجود‪ ،‬وبين ما ھو ليس‬ ‫موجودا‪ .‬إنھا لمسألة بسيطة جدا طالما أنھا مسألة بيضة‬ ‫مخفوقة‪ ،‬أو زوج من الحماالت‪ .‬إال أن مثل ھذا التمييز‬ ‫بالنسبة لمقياس العملية التاريخية‪ ،‬يتميز من الوضوح من أنه‬ ‫يقع على رأس سوفارين‪ .‬إن )ما ھو موجود( يخلق أو يموت‪،‬‬ ‫يتطور أو يتفتت‪ ،‬وما ھو موجود يمكن فھمه من قبله فقط‬ ‫باعتباره يفھم اتجاھاته الداخلية‪.‬‬ ‫إن عدد الناس الذين تسنموا مركزا ثوريا لدى اندالع الحرب‬ ‫األخيرة‪ ،‬يمكن أن يعدوا على أصابع اليد الواحدة‪ .‬لقد كان‬ ‫حقل السياسة الرسمية كله مفعما تقريبا بظالل مختلفة من‬ ‫الشوفينية‪ .‬وقد بدا اليبكنيشت ‪ Liebknecht‬ولوكسمبورغ‬ ‫‪ Luxemburg‬ولينين أفرادا عاجزين ومعزولين‪ ،‬ولكن ھل‬ ‫ھناك أي شك في أن أخالقيتھم كانت تفوق األخالقية الحيوانية‬ ‫)للحلف المقدس(‪ .‬إن سياسة اليبكنيشت الثورية‪ ،‬لم تكن‬ ‫)فردية( إطالقا كما بدا آنذاك للجاھل الوطني العادي‪ .‬وعلى‬ ‫العكس من ذلك‪ ،‬فقد عكس اليبكنيشت‪ ،‬اليبكنيشت وحده‬ ‫التيارات األساسية الخفية لدى الجماھير‪ ،‬ومجرى األحداث‬ ‫الالحقة أكد ذلك كليا‪ .‬أال نخشى اليوم القطيعة الكاملة مع‬ ‫الرأي العام الرسمي من أجل أن نكسب في الغد حق التعبير‬ ‫عن أفكار ومشاعر الجماھير الثائرة‪ ،‬ھو الشكل الخاص‬ ‫للوجود الذي يختلف عن الوجود التجريبي لتقليديين‬ ‫البرجوازيين الصغار‪ .‬إن جميع أحزاب المجتمع الرأسمالي‪،‬‬ ‫وجميع أخالقييه ومنافقيه سيتالشون تحت وقع الكارثة‪.‬‬ ‫والحزب الوحيد الذي سينجو ھو حزب الثورة العالمية‬ ‫االشتراكية‪ ،‬على الرغم من أنه يبدو موجودا اليوم بالنسبة‬ ‫للمعلقين القصيري النظر‪ ،‬كما بدا لھم خالل الحرب األخيرة‪،‬‬ ‫عن حزب لينين و اليبكنيشت غير موجود‪.‬‬ ‫ثوريون وحاملو وباء‬ ‫كتب انجلز مرة أنه وماركس ظال طيلة حياتھما مع القلة‬ ‫وشعرا بالسعادة بذلك‪ .‬إن الفترات التي ترتفع فيھا الطبقات‬ ‫المضطھدة في عداد إلى مستوى المھمات العامة للثورة‪ ،‬تمثل‬


‫أندر االستثناءات في التاريخ‪ ،‬ذلك أن ھزائم المضطھدين أكثر‬ ‫عددا من انتصاراتھم‪ .‬وبعد كل ھزيمة تأتي فترة طويلة من‬ ‫الرجعية تلقي بالثوريين إلى الوراء في حالة من االنعزال‬ ‫الحاد‪ .‬وأشباه الثوريين )فرسان الساعة( كما دعاھم شاعر‬ ‫روسي‪ ،‬أما أن يخونوا قضية المضطھدين عالنية في مثل ھذه‬ ‫الفترات‪ ،‬أو يبدأون البحث عن معادلة للخالص تسمح لھم‬ ‫بتجنب القطيعة مع أي من المعسكرين‪ .‬إنه لمن غير الممكن‬ ‫في زماننا أن نعثر على معادلة مسالمة في مجال االقتصاد‬ ‫السياسي أو علم االجتماع‪ ،‬والتناقضات الطبقية قد أطاحت إلى‬ ‫األبد بمعادلة )االنسجام( التي يطرحھا اإلصالحيون‬ ‫الليبراليون والديمقراطيون‪ .‬ويظل ھناك مجال األخالق الدينية‬ ‫والمتعالية‪ .‬لقد حاول )الثوريون االجتماعيون( الروس إنقاذ‬ ‫الديمقراطية بالتحالف مع الكنيسة‪ .‬إن مارسيو بيفر يستبدل‬ ‫الكنيسة باألخوة الماسونية‪ .‬ومن الواضح أن فيكتور سيرج لم‬ ‫ينضم إلى ھذه الكتلة‪ ،‬إال انه لم يجد صعوبة في العثور على‬ ‫لغة مشتركة مع بيفر ضد الماركسية‪.‬‬ ‫ھناك طبقتان تقرران مصير المجتمع الحديث‪ :‬الطبقة‬ ‫البرجوازية والطبقة البروليتارية‪ .‬وآخر ملجأ للبرجوازية ھو‬ ‫الفاشية التي تستبدل المقاييس االجتماعية والتاريخية‬ ‫بمستويات حيوانية لكي تعفي نفسھا من كل قيد في صراعھا‬ ‫من أجل الملكية الرأسمالية‪ .‬ويمكن إنقاذ الحضارة عن طريق‬ ‫الثورة االشتراكية فقط‪ .‬ومن أجل تحقيق االنقالب المنشود‬ ‫تحتاج البروليتارية إلى كل قوتھا وعزمھا ومضائھا وعنفوانھا‬ ‫وقسوتھا‪ .‬وفوق كل ھذا‪ ،‬يجب أن تكون متحررة كليا من‬ ‫خرافات الدين‪ ،‬والديمقراطية واألخالقية المتعالية يجب أن‬ ‫تتحرر من القيود الروحية التي خلفھا العدو لترويضھا‬ ‫واستعبادھا‪ ،‬كلما يمھد الطريق كلية لإلطاحة بوحشية‬ ‫االمبريالية األخالقية‪ ،‬وال شيء غير ذلك‪ .‬سالمة الثورة فقط‪:‬‬ ‫ذلكم ھو القانون األسمى‪.‬‬ ‫إن الفھم الواضح للعالقة الداخلية بين طبقتين أساسيتين –‬ ‫البرجوازية والبروليتارية في فترة صراعھما المميت‪ -‬يوضح‬ ‫لنا المعنى الموضوعي لدور األخالقيين البرجوازيين‬ ‫الصغار‪ .‬إن سمعتھم الغالبة ھي العجز‪ :‬العجز االجتماعي‬ ‫بسبب التدھور االقتصادي للبرجوازية الصغيرة‪ ،‬العجز‬ ‫اإليديولوجي بسبب خوف البرجوازية الصغيرة من إثارة‬ ‫الصراع الطبقي المرعب‪ .‬ومن ھنا يبدو حرص البرجوازية‬


‫الصغيرة المتعلمة والجاھلة كل كبح جماح الصراع الطبقي‪.‬‬ ‫فإذا ما كان البرجوازي عاجزا عن النجاح في مسعاه باستخدام‬ ‫األخالق المطلقة‪ ،‬فإنه يلقي بنفسه في أحضان الفاشية التي‬ ‫تكبح الصراع الطبقي بواسطة األساطير وفأس الجالد‪ .‬إن‬ ‫أخالقية فيكتور سيرج وزمالئه ھي جسر العودة من الثورة‬ ‫إلى الوراء‪ .‬وقد أصبح سوفارين على الطرف اآلخر من‬ ‫الجسر فعال‪ ،‬وأية تنازالت لھذه الميول تمثل بداية االستسالم‬ ‫للرجعية‪ .‬فلندع حاملي الوباء ھؤالء يستخلصون قواعد‬ ‫األخالق من ھتلر وموسوليني وتشمبرلين وداالدييه‪ .‬أما‬ ‫بالنسبة لنا فإن منھاج الثورة البروليتارية يكفي‪.‬‬ ‫كويوكان د‪.‬ف ‪ 9‬حزيران‪/‬يونيو ‪.1939‬‬ ‫الوسائل والغايات )‪(1‬‬ ‫جون ديوي‬ ‫إن عالقة الوسائل بالغايات قد كانت لوقت طويل موضوعا‬ ‫رئيسيا في األخالق‪ ،‬كما أنھا كانت موضوعا ملما في النظرية‬ ‫السياسية وتطبيقھا‪ .‬وبالنسبة للناحية األخيرة تركزت المناقشة‬ ‫حول التطورات األخيرة في االتحاد السوفيتي‪ .‬وقد دافع عن‬ ‫االتجاه الستاليني عدد من المؤمنين به البلدان األخرى‪ ،‬على‬ ‫أساس أن عمليات التطھير واالضطھادات كانت ضرورية‪،‬‬ ‫حتى مع وجود قدر معين من التلفيق‪ ،‬وذلك من أجل الحفاظ‬ ‫على النظام االشتراكي في تلك البالد‪ .‬وقد استخدم آخرون‬ ‫اإلجراءات التي قامت بھا البيروقراطية الستالينية إلدانة‬ ‫السياسة الماركسية على أساس أنھا تؤدي إلى ألوان من‬ ‫التطرف‪ ،‬على غرار ما حدث في االتحاد السوفييتي‪ ،‬وذلك‬ ‫ألن الماركسية تعتقد أن الغاية تبرر الوسيلة‪ .‬وقد آمن بعض‬ ‫أولئك النقاد أنه ما دام تروتسكي ماركسيا أيضا‪ ،‬فإنه ملتزم‬ ‫بالسياسة نفسھا‪ ،‬وبالتالي لو كان تروتسكي في الحكم‪ ،‬فإنه‬ ‫كان سيشعر بأنه مضطر الستعمال أية وسيلة تبدو ضرورية‬ ‫لتحقيق الغاية المتعلقة بدكتاتورية البروليتارية‪.‬‬ ‫وقد كان للمناقشة نتيجة نظرية مفيدة واحدة على األقل‪ ،‬فقد‬ ‫كشف ألول مرة عن مناقشة جليلة لماركسي رصين حول‬ ‫عالقة الوسائل بالغايات في العمل االجتماعي )‪ .(2‬وبناء على‬ ‫الدعوة الكريمة ألحد المشرفين على ھذه المجلة‪ ،‬أريد مناقشة‬


‫ھذه المسألة على ضوء مناقشة تروتسكي لتواقف‬ ‫‪ Interdependence‬الوسائل والغايات‪ .‬والقسم األعظم من‬ ‫مطلع ھذا المقال ال يدخل بالتالي ضمن مناقشتي‪ ،‬ھذا على‬ ‫الرغم من أنني أستطيع أن أقول معتمدا على برھان »وأنت‬ ‫أيضا يا بروتوس« )التي يثيرھا العنوان(‪ ،‬إن تروتسكي لم‬ ‫يجد كبير عناء في اإليضاح بأن بعض نقاده قد تعرفوا‬ ‫بالطريقة نفسھا التي ينسبونھا إليه‪ .‬وما دام تروتسكي يوضح‬ ‫أيضا أن المركز البديل الوحيد لفكرة الغاية تبرر الوسيلة‪ ،‬ھي‬ ‫شكل من أشكال األخالق المطلقة يعتمد على التحرر من‬ ‫الضمير‪ ،‬أو الحس الخلقي‪ ،‬أو بعض أنواع الحقائق الخالدة‪.‬‬ ‫وأرغب بالقول أنني أكتب منطلقا من كوني أرفض جميع ھذه‬ ‫العقائد بنفس الدرجة التي يكرھھا بھا تروتسكي نفسه‪ .‬وإنني‬ ‫أعتقد بأن الغاية من ناحية التسلل تقدم األساس الوحيد لألفكار‬ ‫الخلقية والعمل‪ ،‬وبالتالي فھي تقدم التبرير الوحيد الذي يمكن‬ ‫إيجاده للوسائل المستخدمة‪.‬‬ ‫والنقطة التي أقترح معالجتھا ھي تلك التي أثيرت في نھاية‬ ‫مناقشة السيد تروتسكي في القسم المعنون بـ)التواقف‬ ‫الديالكتيكي للغاية والوسيلة(‪ .‬إن البيان التالي أساسي‪) :‬إن‬ ‫الوسيلة يمكن أن تبرر بغايتھا فقط‪ ،‬ولكن الغاية بدورھا‬ ‫بحاجة إلى التبرير‪ .‬والغاية من وجھة النظر الماركسية التي‬ ‫تعبر عن المصالح التاريخية للبروليتارية‪ ،‬مبررة إذا ما كانت‬ ‫تؤدي إلى سلطة اإلنسان على الطبيعة‪ ،‬وإلغاء سلطة اإلنسان‬ ‫على أخيه اإلنسان(‪ .‬وھذه الزيادة في سلطة اإلنسان على‬ ‫الطبيعة‪ ،‬يرافقھا إلغاء سلطة اإلنسان على اإلنسان‪ ،‬تبدو‬ ‫الغاية‪ ،‬وأعني بذلك الغاية التي ال تحتاج إلى أن تبرر في حد‬ ‫ذاتھا‪ ،‬وإنما ھي تبرير الغايات التي بدورھا وسائل لھا‪ .‬ويمكن‬ ‫أن نضيف أيضا أن آخرين غير الماركسيين قد يقبلون بمعادلة‬ ‫الغاية ھذه ويعتبرون أنھا تعبر عن المصالح الخلقية للمجتمع‬ ‫–إذا لم نقل المصالح التاريخية‪ -‬وليس مصالح البروليتارية‬ ‫فقط‪.‬‬ ‫إال أن من الھام بالنسبة لھدفي اآلن أن نالحظ بأن كلمة )غاية(‬ ‫استخدمت ھنا لتغطي شيئين‪ :‬الغاية المبررة األخيرة‪،‬‬ ‫والغايات التي ھي في حد ذاتھا وسائل لھذه الغاية األخيرة‪.‬‬ ‫ذلك أنه في الوقت الذي لم يتضح فيه لعدد كاف من الكلمات‬ ‫أن بعض الغايات ليست سوى وسائل‪ ،‬فإن ھذا االقتراع‬ ‫متضمن بالطبع في البيان القائل‪) :‬إن بعض الغايات تؤدي إلى‬


‫زيادة سلطة اإلنسان على الطبيعة الخ(‪ .‬ويمضي تروتسكي‬ ‫ليوضح بأن المبدأ القائل بأن الغاية تبرر الوسيلة ال يعني أن‬ ‫كل وسيلة مباحة )إن ما ھو مباح‪ ،‬ھكذا نجيب‪ ،‬ھو ما يؤدي‬ ‫فعال إلى تحرير الجنس البشري(‪.‬‬ ‫إذا ما التزمنا بھذا الرأي األخير وقمنا بتمحيصه‪ ،‬فسيكون‬ ‫منسجما مع المبدأ الشھير لتواقف الوسيلة والغاية‪ .‬وھذا يؤدي‬ ‫إلى قيامنا بتدقيق الوسائل التي استخدمت لكي نثبت ما ستكون‬ ‫عليه نتائجھا الموضوعية‪ ،‬بالقدر الذي يكون فيه ذلك ممكنا‪،‬‬ ‫من الناحية اإلنسانية –لنوضح أنھا تؤدي فعال إلى تحرير‬ ‫الجنس البشري‪ .‬عند ھذه النقطة يصبح المغزى المزدوج‬ ‫للغاية ھاما‪ .‬فطالما أنھا تعني النتائج التي جرى التوصل إليھا‬ ‫فعال‪ ،‬فإن من الواضح اعتمادھا على الوسائل المستخدمة‪،‬‬ ‫بينما نعتمد اإلجراءات التي تعتبر بمثابة وسائل‪ ،‬على الغاية‪،‬‬ ‫بمعنى أنھا يجب أن ينظر إليھا ويحكم عليھا على أساس‬ ‫نتائجھا الموضوعية مباشرة‪ .‬وعلى ھذا األساس‪ ،‬فإن الغاية‬ ‫الموضوعية نصب أعيننا تمثل‪ ،‬أو ھي في حد ذاتھا فكرة‬ ‫النتائج النھائية‪ ،‬في حال كون الفكرة قد تشكلت على أساس‬ ‫الوسائل التي تعتبر أقرب الوسائل لتحقيق الغاية‪ .‬وعلى ذلك‬ ‫فالغاية التي ھي في حد ذاتھا وسيلة لتوجيه العمل‪ ،‬تماما كما‬ ‫أن فكرة إنسان ما عن الصحة التي يريد اكتسابھا‪ ،‬أو البيت‬ ‫الذي يريد بناءه‪ ،‬ليست مطابقة للغاية بمعنى النتائج المباشرة‪،‬‬ ‫ولكنھا وسيلة لتوجيه العمل من أجل تحقيق تلك الغاية‪.‬‬ ‫وأما السبب الذي أعطى مقياس )والتطبيق المنبثق عنه( الغاية‬ ‫تبرر الوسيلة اسما سيئا‪ ،‬ھو أن الغاية التي ھي نصب أعيننا‪،‬‬ ‫الغاية التي نؤمن بھا )ونعتنقھا ربما بإخالص( تبرر استخدام‬ ‫وسائل معينة‪ ،‬وبذلك تبرر أنه ليس من الضروري أن نمحص‬ ‫ما ستكون عليه النتائج المباشرة الستخدام الوسائل الممتازة‪.‬‬ ‫وقد يؤمن فرد ما بإخالص أن بعض الوسائل ستؤدي فعال إلى‬ ‫الغاية المتوخاة والمرغوب فيھا‪ .‬غير أن المسألة الحقيقية‬ ‫ليست مسألة اعتقاد شخصي‪ ،‬وإنما مسألة األسس الموضوعية‬ ‫التي يستند عليھا ھذا االعتقاد‪ ،‬وأعني بذلك النتائج التي‬ ‫ستتسبب عنھا مباشرة‪ .‬وھكذا فعندما يقول السيد تروتسكي أن‬ ‫)المادية الديالكتيكية ال تعرف ثنائية بين الوسيلة والغاية( فإن‬ ‫التفسير الطبيعي لذلك ھو أنه يدعو الستخدام الوسائل التي‬ ‫يمكن أن يبدو من طبيعتھا أنھا تؤدي إلى الجنس البشري‬ ‫كنتيجة موضوعية‪.‬‬


‫ومن ھنا فإن المرء ليتوقع أن يوجد مع فكرة تحرير الجنس‬ ‫البشري كغاية‪ ،‬موضوعية نصب أعيننا‪ ،‬سيكون ھناك‬ ‫تمحيص لجميع الوسائل التي يمكن أن تحقق ھذه الغاية‪ ،‬دونما‬ ‫أفكار مسبقة عما يجب أن تكون عليه‪ ،‬وأن أية وسيلة مقترحة‬ ‫ستوزن ويحكم عليھا حسب النتائج التي يحتمل أن تؤدي إليھا‪.‬‬ ‫ولكن ھذا ليس ھو السبيل الذي اتبعه تروتسكي في مناقشته‪.‬‬ ‫فھو يقول‪) :‬إن األخالق المحورة للبروليتارية ذات طبيعة‬ ‫ثورية‪ ،‬فھي تستنتج قاعدة للسلوك من قواعد تطور المجتمع‪،‬‬ ‫أي من النضال الطبقي قانون جميع القوانين(‪ .‬فكأنه لكي يقطع‬ ‫دابر كل شك حول المعنى الذي قصده‪ ،‬يقول )الغاية تنبع من‬ ‫الحركة التاريخية(‪ ،‬أي الصراع الطبقي‪ .‬إن مبدأ تواقف‬ ‫الوسيلة والغاية قد اختفى على ھذا األساس أو اغرق على‬ ‫األقل‪ .‬ذلك أن اختيار الوسيلة ال يثور على أساس فحص‬ ‫مستقل للوسائل والسياسات بالنسبة لنتائجھا الموضوعية‬ ‫المباشرة‪ .‬وعلى العكس من ذلك‪ ،‬فإن الوسائل تستنتج من‬ ‫مصدر مستقل‪ ،‬مما يزعم بأن قانون التاريخ‪ ،‬ھو قانون جميع‬ ‫قوانين التطور االجتماعي‪ .‬كما أن منطق المسألة ال يتبدل في‬ ‫حال شطبنا على كلمة )ما يزعم(‪ .‬ذلك أنه حتى في ھذه‬ ‫الحال‪ ،‬فإن الوسائل التي تستخدم ليست مستمدة من اعتبارات‬ ‫الغاية وھي تحرير الجنس البشري‪ ،‬وإنما من مصدر خارجي‬ ‫آخر‪ .‬وعلى ھذا‪ ،‬فإن الغاية المتوخاة‪ ،‬الغاية الموضوعة‬ ‫نصب العينين‪ ،‬تحرير الجنس البشري‪ ،‬خاضعة للصراع‬ ‫الطبقي‪ ،‬كوسيلة يمكن بھا التوصل إليه‪ .‬وبدال من تواقف‬ ‫الوسيلة والغاية‪ ،‬فإن الغاية تعتمد على الوسائل‪ ،‬إال أن‬ ‫الوسائل ليست مستمدة من الغاية‪ .‬ومادام الصراع الطبقي‬ ‫يعتبر الوسيلة الوحيدة التي يمكن التوصل بھا إلى الغاية‪ ،‬وما‬ ‫دامت الفكرة القائلة بأنه الطريق الوحيد‪ ،‬قد جرى التوصل‬ ‫إليھا بطريق االستنتاج‪ ،‬وليس عن طريق التمحيص‬ ‫االستداللي للوسائل –النتائج في توافقھا‪ ،‬فإن الوسائل‪ ،‬أي‬ ‫الصراع الطبقي‪ ،‬ال تحتاج إلى التمحيص االنتقادي بما يتعلق‬ ‫بنتائجھا الموضوعية المباشرة‪ .‬إنھا مبرأة أوتوماتيكيا من كل‬ ‫حاجة للتمحيص االنتقادي‪ .‬فإذا لم نعد بذلك إلى الوضع الذي‬ ‫تصبح فيه الغاية المتوخاة )المتميزة عن النتائج الموضوعية(‬ ‫تبرر استخدام أية وسيلة تتفق والصراع الطبقي‪ ،‬وأن تبرر‬ ‫إھمال جميع الوسائل األخرى فإنني لعاجز عن فھم منطق‬ ‫وضع السيد تروتسكي‪.‬‬


‫إن الوضع الذي أوضحته‪ ،‬وضع التواقف الحقيقي للوسائل‬ ‫والغايات ال يستعيد بشكل أوتوماتيكي الصراع الطبقي كوسيلة‬ ‫لتحقيق الغاية‪ .‬ولكنه يستبعد فعال األسلوب االستنتاجي‬ ‫للوصول إليه كوسيلة‪ ،‬ھذا إذا لم نقل شيئا عن كونه الوسيلة‬ ‫الوحيدة‪ .‬إن اعتبار الصراع الطبقي وسيلة يجب تبريره على‬ ‫أساس تواقف الغاية والوسيلة‪ ،‬وتمحيص النتائج المباشرة‬ ‫الستخدامھا‪ ،‬ليس بطريقة استنتاجية‪ .‬واالعتبارات التاريخية‬ ‫متعلقة بھذا التمحيص بطبيعة الحال‪ ،‬إن افتراض قوانين ثابتة‬ ‫للتطور االجتماعي ليس واردا‪ .‬فكأننا نريد لعالم أحياء أو‬ ‫طبيب أن يؤكد قانونا معينا لعلم األحياء يؤمن به‪ ،‬يتعلق بغاية‬ ‫الصحة إلى الحد الذي يجعل باإلمكان أن نستنتج من الوسيلة‬ ‫التي يتوصل بھا إلى الصحة –الوسيلة الوحيدة بحيث أنه ال‬ ‫حاجة لدراسة أبعد لظاھرة البيولوجية‪ .‬إن القضية كلھا محكوم‬ ‫عليھا سلفا‪.‬‬ ‫فأن تقول أن الصراع الطبقي وسيلة لتحقيق غاية تحرير‬ ‫الجنس البشري شيء‪ ،‬وأن تقول أن ھناك قانونا مطلقا‬ ‫للصراع الطبقي يقرر الوسيلة التي يجب استخدامھا شيء‬ ‫آخر‪ .‬ذلك أنه إذا ما كان يقرر الوسيلة فإنه يقرر الغاية أيضا‪-‬‬ ‫النتيجة المباشرة‪ .‬وبناء على مبدأ التواقف الحقيقي للوسيلة‬ ‫والغاية‪ ،‬فإنه لمن التعسف والذاتية القول بأن النتيجة ستكون‬ ‫تحرير الجنس البشري‪ .‬إن تحرير الجنس البشري ھو الغاية‬ ‫التي نتوق إليھا‪ ،‬وھي غاية أخالقية بأي معنى مشروع‬ ‫)لألخالق(‪ .‬وال يوجد أي قانون علمي يستطيع تقرير غاية‬ ‫خلقية إذا ما تخلى عن مبدأ تواقف الوسيلة والغاية‪ .‬وقد يؤمن‬ ‫ماركسي ما بإخالص أن الصراع الطبقي ھو قانون التطور‬ ‫االجتماعي ولكننا إذا صرفنا النظر عن حقيقة كون االعتقاد‬ ‫يغلق األبواب في وجه أي تمحيص أبعد للتاريخ –تماما‬ ‫كالتأكيد بأن قوانين نيوتن ھي القوانين النھائية للفيزياء تمنع‬ ‫أي بحث آخر في القوانين الفيزيائية‪ -‬فإن ھذا ال يعني صحة‬ ‫ذلك‪ ،‬حتى لو كانت قوانين التاريخ العلمية ھي الوسيلة للھدف‬ ‫األخالقي لتحرير الجنس البشري‪ .‬ذلك أن مثل ھذه الوسيلة‬ ‫يجب أال يتوصل إليھا بطريق االستنتاج‪ ،‬من قانون ما‪ ،‬وإنما‬ ‫بطريق تمحيص العالقات المباشرة للوسائل والنتائج‪ ،‬أي‬ ‫تمحيص العالقات المباشرة للوسائل والنتائج‪ ،‬الذي يوجد فيه‬ ‫بحث حر غير متعصب للوسيلة التي يمكن بواسطتھا تحقيق‬ ‫ھدف تحرير الجنس البشري‪.‬‬


‫ونريد ھنا أن نضيف اعتبارا واحدا آخر للصراع الطبقي‬ ‫كوسيلة‪ .‬فھناك عدد من الطرق المختلفة –كما افترض‪ -‬التي‬ ‫يمكن بواسطتھا للصراع الطبقي أن يتحقق‪ ،‬فكيف يمكن أن‬ ‫نختار من بين ھذه الطرق المختلفة‪ ،‬إال عن طريق تمحيص‬ ‫نتائجه بالنسبة لھدف تحرير الجنس البشري؟ إن االعتقاد بأن‬ ‫قانون التاريخ يحدد الطريق الذي يمكن أن يحقق النضال يبدو‬ ‫مياال نحو تكريس متعصب‪ ،‬ال بل تكريس صوفي الستخدام‬ ‫طرق معينة لتحقيق الصراع الطبقي واستبعاد جميع الطرق‬ ‫األخرى‪ .‬ولست أرغب في الخروج خارج المسألة النظرية‬ ‫لتواقف الوسائل والغايات إال أنه من الواضح أن الطريق الذي‬ ‫سلكته النظرية لتواقف الوسائل والغايات إال أنه من الواضح‬ ‫أن الطريق الذي سلكته الثورة في االتحاد السوفيتي يصبح أشد‬ ‫وضوحا‪ ،‬عندما نالحظ بان الوسائل قد استنتجت من قانون‬ ‫علمي مفترض‪ ،‬بدال من البحث عنھا وتبينھا على أساس‬ ‫عالقتھا بالغاية الخلقية لتحرير الجنس البشري‪.‬‬ ‫إن النتيجة الوحيدة التي استطيع الوصول إليھا ھي بتجنب‬ ‫نوع واحد من االطالقية إلى نوع آخر من االطالقية‪ .‬ويبدو أن‬ ‫ھناك تحوال عجيبا بين الماركسيين األرثوذكس‪ ،‬تحوال عن‬ ‫االمتثال للمثل العليا االشتراكية‪ ،‬والطرق العلمية لتحقيقھا‬ ‫)علمية بمعنى أنھا تعتمد على العالقات الموضوعية بين‬ ‫الوسائل والنتائج‪ ،‬إلى الصراع الطبقي كقانون للتغيير‬ ‫التاريخي‪ .‬إن االستنتاج الذي يعتمد على الوسائل والمواقف‬ ‫من ھذا القانون كشيء أساسي‪ ،‬يجعل جميع المسائل الخلقية‪،‬‬ ‫أي جميع مسائل الغاية المتوخاة‪ ،‬ال معنى لھا‪ ،‬فأن نكون‬ ‫علميين بالنسبة للغايات‪ ،‬ال يعني أن نستخلصھا من القوانين‪،‬‬ ‫سواء أكانت قوانين طبيعة أو اجتماعية‪ .‬إن الماركسية‬ ‫األرثوذكسية تشارك الدينية األرثوذكسية والمثالية التقليدية‪،‬‬ ‫االعتقاد بأن الغايات البشرية محبوكة بنسيج وبنية الوجود –‬ ‫وھذه فكرة ربما كانت موروثة عن أصولھا الھيغلية‪.‬‬ ‫مدينة نيويورك ‪ 3‬تموز‪/‬يوليو ‪1938‬‬ ‫جون ديوي(‬ ‫******************************‬ ‫األخالق الليبرالية‬


‫المناظرة بين جون ديوي وليون تروتسكي‬ ‫جورج نوفاك‬ ‫إن الليبراليين األمريكان يقتنعون بأن مواقعھم ھي أمنع بكثير‬ ‫من مواقع الماركسيين على صعيد النظرية األخالقية‬ ‫واألخالق العملية‪ .‬وقد اقنعوا الكثيرين من اآلخرين بأن ھذه‬ ‫الحقيقة‪ .‬وقد منح إرھاب نظام ستالين الذي وصل إلى ذروته‬ ‫بحوادث اإلعدام ضد البالشفة القدامى في محاكمات موسكو‬ ‫الملفقة‪ ،‬منح الديمقراطيين ألف فرصة الستعراض تفوقھم‬ ‫الخلقي‪ ،‬ليس على الستالينيين فحسب‪ ،‬وإنما على االشتراكيين‬ ‫الثوريين الذين كانوا ضحاياھم أيضا‪ .‬وقد جرت مناقشة في‬ ‫أواخر الثالثينات في دوائر ثقافية مختلفة في العالم‪ ،‬حول‬ ‫مشكلة العالقات بين األخالق والسياسة إلى أن قضى عليھا‬ ‫عرض األخالق المشبع بالدم والذي قدمته االمبريالية‬ ‫الرأسمالية في الحرب العالمية الثانية‪ .‬وقد تعرضت اإلفادات‬ ‫التي قدمت في نيسان من عام ‪ 1937‬من قبل لجنة التحقيق‬ ‫الدولية التي قامت بالتحقيق بمحاكمات موسكو في كويوكان‬ ‫بالمكسيك‪ ،‬تعرضت لھذه المسائل بشكل عابر‪ .‬وبعد ذلك كتب‬ ‫تروتسكي مقالته »أخالقھم وأخالقنا« التي ظھرت في )النيو‬ ‫انترناشيونال( في شباط‪/‬فبراير من عام ‪ .1938‬وقد كتب‬ ‫الفيلسوف المربي جون ديوي رئيس اللجنة التي برأت‬ ‫تروتسكي من التھم الموجھة إليه‪ ،‬كتب نقدا ألفكار تروتسكي‬ ‫بعنوان‪ :‬الوسائل والغايات‪ ،‬نشر في المجلة نفسھا في شھر‬ ‫آب‪/‬أغسطس من العام نفسه‪ ،‬وقد منع ضغط العمل تروتسكي‬ ‫من الرد على الحجج التي قدمھا ديوي‪.‬‬ ‫ھذه المناظرة المبتسرة بين اثنين من طالئع المؤمنين‬ ‫بالبرغماتية )الذرائعية( والماركسية‪ ،‬كانت مجابھة مباشرة‬ ‫ونادرة بين وجھات النظر األساسية للفلسفتين حول الجوانب‬ ‫الخلقية للعمل االجتماعي والسياسي‪ .‬ومنذ ذلك الحين لم تفقد‬ ‫ھذه المسألة أھميتھا‪ ،‬أو تكف عن االستحواذ على انتباه‬ ‫الليبراليين والثوار خالل سبعة وعشرين عاما‪ .‬والحق أنھا‬ ‫أشد مالءمة اليوم منھا باألمس‪.‬‬ ‫مشكالت األخالق‬


‫قبل أن نخوض في مسائل الطريقة التي أثيرت في ھذا‬ ‫الصراع اإليديولوجي‪ ،‬قد يكون من المفيد أن نستعرض‬ ‫المشكالت األساسية المتعلقة بتكوين أخالق انتقادية وعقالنية‪.‬‬ ‫إن منظري األخالق يجابھون صعوبتين أساسيتين في‬ ‫الوصول إلى أساس عقالني أو تفسير علمي لمستويات‬ ‫السلوك‪ .‬وأحد ھاتين الصعوبتين التغير الحاد في األفكار‬ ‫المتعلقة بالصواب والخطأ خالل العصور‪ .‬وسيكون من‬ ‫الصعب العثور على عمل إنساني لم يكن عرضة لألحكام‬ ‫الخلقية المتعارضة‪ ،‬فأكل لحوم البشر ممنوع في كل مكان‬ ‫اليوم‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬فقد كان شائعا ففي األزمان البدائية‪ ،‬وتقوم‬ ‫بعض القبائل التي تجمع الطعام وتمارس الصيد‪ ،‬بالقضاء‬ ‫على المسنين‪ .‬وأما اليوم فنحن نناضل من أجل إطالة أمد‬ ‫حياتھم‪.‬‬ ‫وحرية العالقات الجنسية التي تعتبر غير مشروعة‪ ،‬كانت‬ ‫سائدة ومسموحا بھا في الماضي‪ .‬وعلى الرغم من أن الكذب‬ ‫يعتبر عمال خاطئا‪ ،‬فإن األطباء يختلفون بشكل عام وبالنسبة‬ ‫للمسائل الحساسة‪ ،‬حول ما إذا كان من الصواب البوح‬ ‫بالحقيقة للمريض فيما يتعلق بحالته‪ ،‬إذا ما كان مصابا بداء‬ ‫عضال‪ .‬والملكية المتفاوتة إلى حد كبير‪ ،‬وتوزيع الثروة الذي‬ ‫يعتبر من األمور المسلم بصحتھا في ظل الرأسمالية‪ ،‬كل ذلك‬ ‫مما يعترض عليه الھنود البدائيون‪ .‬وھذه الصور يمكن أن‬ ‫يضاف إليھا الكثير‪.‬‬ ‫وأسوأ من ذلك بالنسبة للباحثين عن األخالق المطلقة‪ ،‬ھو‬ ‫حقيقة أن أشكال العمل نفسھا التي تعتبر الخير األقصى‬ ‫لمجموعة معينة من الناس‪ ،‬ھي في الوقت نفسه الشر األعظم‬ ‫بالنسبة لمجموعة أخرى‪ .‬فمحطمو اإلضرابات ھم أبطال‬ ‫بالنسبة ألرباب العمل‪ ،‬ولكنھم أوغاد بالنسبة للعمال‪ .‬وقنبلة‬ ‫ھيروشيما ونغازاكي الذرية التي روعت آسيا‪ ،‬كانت مبررة‬ ‫من قبل القوات المتحالفة‪ .‬ومع مصادرة الملكية في كوبا‪،‬‬ ‫تبودلت في أمريكا الخلقية المتعارضة من قبل المدافعين عن‬ ‫الرأسمالية والمؤمنين باالشتراكية‪.‬‬ ‫وعلى ضوء ھذه األوضاع الخلقية المتعارضة التي تتعلق‬ ‫بتعايش تقيّمات متناقضة ألعمال واحدة‪ ،‬ولنفس الذين قاموا‬ ‫بھذه األعمال‪ ،‬أية أسس ثابتة يمكن أن نعثر عليھا للتمييز بين‬


‫ما ھو خير وما ھو شر‪ ،‬وبين ما ھو خطأ وما ھو صواب؟‬ ‫ھل المستويات الخلقية الثابتة ممكنة على اإلطالق؟ إن كل‬ ‫مدرسة من مدارس األخالق قدمت جوابھا الخاص بھا على‬ ‫ھذه األسئلة‪ .‬فالديانات التقليدية تقدم تبريرا إلھيا ألخالقھا‪،‬‬ ‫والشرائع التي تدعو إليھا تعتبر كلمة الـله‪ ،‬كما ظھرت‬ ‫لموسى والمسيح ومحمد‪ ،‬وفسرھا الحاخامون والكھنة‬ ‫ومسؤولون آخرون للكنيسة‪ .‬إن وصايا الـله أبدية وال يجوز‬ ‫خرقھا‪ ،‬ألنھا جواز المرور إلى الجنة والخلود‪.‬‬ ‫وبالتدريج تحررت األخالق من مثل ھذه النواحي واألوامر‬ ‫الدينية‪ .‬ومع تقدم الحضارة وازدياد الثقافة والمعرفة العلمية‪،‬‬ ‫اضطر الفالسفة إليجاد أسس عقالنية وعلمانية ألخالقھم‪ .‬وفي‬ ‫اللحظة التي انتزعت مرساة األخالق من السماء أصبح من‬ ‫الضروري إيجاد أسباب لوجودھا وتطورھا على ضوء‬ ‫الحاجات المتبدلة للبشر‪ .‬وأخيرا قدمت المادية التاريخية أصح‬ ‫تفسير علمي ألصول وفحوى الشرائع الخلقية‪ ،‬ولدورھا‬ ‫االجتماعي وحدودھا‪.‬‬ ‫الفكرة الماركسية لألخالق‬ ‫)إن البشر يستمدون أفكارھم الخلقية‪ ،‬عن وعي منھم أو دون‬ ‫وعي‪ ،‬يستمدون ھذه األفكار بالحساب األخير من العالقات‬ ‫العملية التي يستند إليھا وضعھم االجتماعي من العالقات‬ ‫االقتصادية التي تحتم باإلنتاج والتبادل(‪ ،‬ھكذا يقول انجلز‬ ‫‪ Engels‬في عرضه للنظرية الماركسية لألخالق في كتابه‬ ‫)انتي دوھرينغ ‪ .(Anti-Duehring‬إن أخالق الحياة القبلية‬ ‫تختلف بالضرورة فيما يختص بقيمتھا األساسية عن أخالق‬ ‫المجتمعات المتمدنة‪ ،‬بسبب االختالفات في عالقاتھا اإلنتاجية‬ ‫وأشكال الملكية فيھا‪ .‬إن الوصية التي تمنع السرقة واشتھاء‬ ‫زوجة الجار تبدو سخيفة بالنسبة ألناس بدائيين غير مرتبطين‬ ‫الملكية الخاصة‪ ،‬سواء فيما يختص بأدوات اإلنتاج أو وسائل‬ ‫إعادة اإلنتاج‪.‬‬ ‫لقد أوضح انجلز أن ھناك ثالثة أنماط أساسية من األخالق‬ ‫شائعة اليوم‪ .‬فھناك األخالق المسيحية اإلقطاعية التي تتمثل‬ ‫بالكاثوليكية أفضل تمثيل‪ ،‬واألخالق البرجوازية العصرية‪،‬‬ ‫واألخالق البروليتارية‪ .‬ومواقف ھذه األخالق من الزواج‬ ‫والطالق يمكن أن توضح الفروق في وجھات نظرھم‬


‫األخالقية‪ .‬فالنسبة للكاثوليك‪ ،‬الزواج من صنع السماء ويجب‬ ‫أن يستمر إلى األبد‪ .‬وبالنسبة للبرجوازي العادي يعتبر الزواج‬ ‫نتيجة لتعاقد مدني ينظمه موظفو الحكومة ويجعلونه شرعيا‪،‬‬ ‫او يقومون بإنھائه‪ .‬وبالنسبة لالشتراكي يعتبر الزواج مسألة‬ ‫تتم أو تلغى بواسطة اإلرادة الحرة لذوي العالقة‪.‬‬ ‫ھذه المظاھر الخلقية العامة تمثل ثالث مراحل متتالية في‬ ‫تطور العالقات االقتصادية‪ ،‬وتشرح حاجات ووجھات نظر‬ ‫تشكالت طبقية اجتماعية مختلفة‪ ،‬تتعايش وتتصارع في عقول‬ ‫البشر وحياتھم اليوم‪.‬‬ ‫لقد استنتج انجلز أن األخالق ومبرراتھا النظرية كانت نتيجة‬ ‫للمجتمع في المرحلة االقتصادية‪ ،‬ذلك المجتمع الذي توصل‬ ‫إليه في تلك الحقبة بذاتھا‪ .‬وما ادم المجتمع المتمدن قد انتقل‬ ‫إلى مرحلة العداء الطبقي‪ ،‬وما دام مستمرا في ذلك‪ ،‬فإن كل‬ ‫أخالق ھي –ويتعين أن تكون كذلك‪ -‬أخالق طبقية )إنھا إما أن‬ ‫تبرر سيطرة ومصالح الطبقة الحاكمة‪ ،‬وإما أن تمثل‪ ،‬عندما‬ ‫يصبح المضطھدون أقوياء بما فيه الكفاية‪ ،‬الثورة على ھذه‬ ‫السيطرة ومصالح المضطھدين في المستقبل(‪ ،‬وھكذا فإن‬ ‫تفسيره المادي لتبدالت واتساع األحكام الخلقية يقدم التبرير‬ ‫ألخالق جديدة وأسمى‪.‬‬ ‫الموقف األخالقي للبرغماتية‬ ‫يعتبر الذرائعيون أنفسھم اختصاصيين في مشكالت األخالق‪.‬‬ ‫ومن جھة أخرى فإن النظرية األخالقية ھي بديلھم عن الديانة‬ ‫التقليدية‪ ،‬كما أنھا تمثل وسيلتھم الرئيسية للدفاع والھجوم على‬ ‫الموقف المادي من المشكالت االجتماعية‪ .‬إن الذرائعيين ال‬ ‫يعتمدون على أية )حقائق مطلقة( تجدد مستوياتھم الخلقية‪،‬‬ ‫فھم يرون أن ھذه )الحقائق المطلقة( قد ھزمت إلى غير رجعة‬ ‫بواسطة نظرية التطور‪ ،‬وبفعل المعرفة الحديثة‪ .‬فعلى أية‬ ‫أسس إذا يمكن أن تدعو لممارسة أية فضائل ونبرر ذلك؟ إن‬ ‫ھذه الفضائل ليست خيرة في حد ذاتھا‪ ،‬أو منزلة كالوصايا‬ ‫العشر‪ ،‬أو تفرضھا المحرمات‪ .‬إن قيمة أي عمل لجون ديوي‪،‬‬ ‫قيمة أي أسلوب للسلوك‪ ،‬أية سياسة‪ ،‬يجب أن يحكم عليھا‬ ‫بنتائجھا الحقيقة فقط‪ .‬ومما يؤخذ بعين االعتبار ليس نوايا‬ ‫ودوافع وأھداف األفراد‪ ،‬وإنما النتائج المحضة الناتجة عن‬ ‫أعمال الناس‪ .‬إن ديوي يرى في األخالق )فعالية ظاھرة لھا‬


‫نتائج بدال من كونھا مجرد صفة شخصية داخلية( )البحث عن‬ ‫يقين‪ ،‬ص ‪ .(6‬وھذا المقياس الموضوعي قد فصل ديوي عن‬ ‫جميع أولئك البشر شبه المتدينين والعاطفيين الذين تعتمد‬ ‫القيمة الخلقية لديھم على )طيبة القلب(‪.‬‬ ‫فأية أعمال تميل إلى زيادة الثروة وتوزيعھا بالتساوي‪ ،‬وزيادة‬ ‫الديمقراطية والحرية‪ ،‬وترسيخ العالقات السلمية‪ ،‬وتفتح‬ ‫فرصا أكثر لعدد أكبر من الناس‪ ،‬وتشحذ حساسياتھم‪ ،‬وتزيد‬ ‫من إدراكھم الخ‪ ،‬ھي أعمال خيرة‪ .‬فإذا ما كانت لديھا نتائج‬ ‫معاكسة وجب إدانتھا واعتبارھا غير أخالقية‪.‬‬ ‫وعلى ذلك فاالستثمار خطأ ألنه يسرق ويقسم ويضطھد‬ ‫الناس‪ ،‬ويجب أن نجعل المضطھدين يعترفون بذلك‪ ،‬وأن‬ ‫يصلحوا أنفسھم أو يصلحھم المجتمع‪ .‬والقوة خطأ أو أنھا‬ ‫ضارة أكثر منھا نافعة بالنسبة لنتائجھا‪ .‬ولھذا فمن الواجب‬ ‫عدم اللجوء إليھا أو استخدامھا‪ ،‬إال في حال الضرورة‬ ‫القصوى‪ .‬والصراع الطبقي خطأ ويجب أن يستعاض عنه‬ ‫باالنسجام والتعاون الطبقي‪.‬‬ ‫مثل ھذا المبدأ ينم عن قدر كبير من اإلرادة الطيبة ويشھد‬ ‫بطيبة األخالقي الذرائعي‪ ،‬إال أن الذرائعيين ال يقدمون إدراكا‬ ‫علميا للوضع الحقيقي الذي خلق ھذه الصراعات االجتماعية‪،‬‬ ‫كما أنھم ال يفصحون عن حل عملي لھا‪ .‬فمن السھل أن نحمل‬ ‫على األثرياء وان نقول بأن على أصحاب االمتيازات أن‬ ‫ينظروا في أمر حاجات الفقراء‪ ،‬وأن يتخذوا الخطوات‬ ‫الالزمة لمعونتھم‪ .‬لقد بشر الدين بمثل ھذه المواعظ ومارس‬ ‫مثل ھذا اإلحسان طيلة قرون عديدة دون أن يستأصل الشروط‬ ‫التي تمخض عنھا عدم المساواة‪.‬‬ ‫وھناك فرق شاسع بين مثل ھذه الخلقنة المجردة‪ ،‬وبين‬ ‫االستقصاء العلمي الصحيح لألخالق وتطورھا‪ .‬إن الموقف‬ ‫العلمي من األخالق يجب أال يكون قادرا على إخبارنا بأن‬ ‫االستثمار شر فحسب‪ ،‬وإنما أن يخبرنا بماذا يتعين على‬ ‫األشياء أن تسلك ذلك السبيل من الھداية‪ ،‬وان يوضح‪ ،‬على‬ ‫ھذا األساس كيف يمكن إزالة شرور االستثمار‪ .‬تلك المشكلة‬ ‫ليست فردية وإنما ھي مشكلة اجتماعية جمعية‪.‬‬


‫إن أعلى ھدف ألية أخالق إنسانية ھي إدراك كل فرد لنفسه‬ ‫وتطويره لشخصيته اإلنسانية ومحاولة إكمالھا‪ .‬لقد آمن ديوي‪،‬‬ ‫وھو محق في ذلك‪ ،‬أن السلوك الفردي خاضع عنوة للعمل‬ ‫االجتماعي‪ ،‬وأن األخالق مرتبطة ارتباطا وثيقا بالشروط‬ ‫االجتماعية وبالسلوك ونتائجه‪ .‬لقد كان على استعداد لعرض‬ ‫المسألة والدخول في نزاع مع الماركسية دفاعا عن وجھات‬ ‫نظره في تلك الحلبة المتقدمة‪.‬‬ ‫الوسائل والغايات األخالقية‬ ‫إن أول المسائل التي عالجھا ديوي ھي مسألة العالقة الشائكة‬ ‫بين الوسائل والغايات في األخالق‪ .‬فالعديد من أصحاب‬ ‫األخالق الليبرالية يعتقدون بأن مثل ھذا المبدأ ھو أساس لكل‬ ‫الشرور‪ .‬وعلى ذلك فربما جاء اتفاق ديوي مع تروتسكي بأن‬ ‫الغاية تبرر الوسيلة بمثابة صدمة مفاجئة لھم‪ .‬إن الغاية‬ ‫والوسيلة متوافقان‪.‬‬ ‫إال أن كال منھما‪ ،‬كما يقول ديوي‪ ،‬يمكن أن يبرر بما يسمى‬ ‫بـ)إراحة الضمير أو الحس الخلقي‪ ،‬أو بعض أشكال الحقائق‬ ‫األبدية(‪ .‬إنھا يمكن أن تبرر –كما يعلن‪ -‬ليس بنتائجھا‬ ‫المباشرة )أؤمن أن الغاية من ناحية نتائجھا تقدم األساس‬ ‫الوحيد لألفكار والعمل الخلقي‪ ،‬وبذلك تقدم التبرير الوحيد‬ ‫الذي يمكن إيجاده للوسائل المستخدمة(‪ .‬ال شيء آخر يمكن أن‬ ‫يجعل الوسائل خيرة أو سيئة باستثناء نتيجة استخدامھا‪.‬‬ ‫لقد بين تروتسكي أن أعلى غايات العمل االشتراكي ھي زيادة‬ ‫سيطرة اإلنسان على الطبيعة‪ ،‬وإلغاء سيطرة اإلنسان على‬ ‫اإلنسان )القھر االجتماعي( نتيجة لذلك‪ .‬وقد اعتبر ديوي‬ ‫أيضا أن ھذه األھداف ھي األشد جدارة من سواھا‪ .‬ويوضح‬ ‫تروتسكي أكثر من ذلك أن جميع ھذه الوسائل التي أسھمت‬ ‫في تحقيق ھذه األھداف‪ ،‬مبررة أخالقيا‪ .‬وحتى اآلن ال يوجد‬ ‫عدم اتفاق بين الماركسي والذرائعي‪.‬‬ ‫فقد افترق موقف كل منھما عن اآلخر‪ ،‬عندما وضعت مسائل‬ ‫المؤسسات والطرق التي يمكن بھا تحقيق ھذه األھداف‪،‬‬ ‫موضع الدراسة واالعتبار‪ .‬ولقد أكد تروتسكي أن القوة‬ ‫الوحيدة في المجتمع الحديث القادرة على القيام بھذا العمل‪،‬‬ ‫ھي الطبقة العاملة المنظمة‪ .‬والطريقة الوحيدة التي يمكن أن‬


‫يقضي بھا العامل على الظلم واالضطھاد والسيطرة سيطرة‬ ‫تامة على الطبيعة‪ ،‬ھي تطوير نضاله حتى النھاية‪ ،‬ضد‬ ‫المنتفعين الرأسماليين ورافعي لواء االمتيازات االقتصادية‪.‬‬ ‫وھنا يختلف ديوي مع تروتسكي بشدة‪ .‬فھو يرى أن كال من‬ ‫ھاتين الفكرتين خاطئ‪ .‬فتروتسكي ليس مقتنعا في وضع‬ ‫المھام األساسية بتحديد البناء االجتماعي في زماننا‪ ،‬في يد‬ ‫العمال‪ .‬إن ھذه المسألة ذات أھمية عامة تتجاوز أية مصالح‬ ‫طبقية خاصة‪ ،‬جميع الناس من ذوي اإلرادة الطيبة بدءا من‬ ‫أعلى طبقات المجتمع وحتى أخفضھا‪ ،‬يجب أن يستنفروا‬ ‫لضمان السيطرة الجمعية على الطبيعة واالقتصاد‪.‬‬ ‫ويزعم ديوي أيضا أن تروتسكي قد أخطأ في اعتماده الكلي‬ ‫على قمع الصراع الطبقي كوسيلة للوصول إلى األھداف‬ ‫المرغوب فيھا‪ .‬والطرق األخرى غير الصدام بين‬ ‫الرأسماليين والعمال ليست جديدة فحسب‪ ،‬وإنما ستؤدي إلى‬ ‫نتائج أفضل‪ .‬وھكذا فإن خالفاتھم حول النظرية الخلقية‬ ‫تركزت حول عدم اتفاقھم على الوسائل الكفيلة بتحقيق التقدم‬ ‫االجتماعي‪ .‬ومن حيث الجوھر‪ ،‬كان الخالف يتركز حول‬ ‫الطريقة‪ :‬طريقة التفكير وطريقة السلوك‪.‬‬ ‫وقد قام ديوي عمدا برفع خالفاتھما إلى مستوى الطريقة‬ ‫المنطقية والعلمية‪ .‬فھو يقول بأن طريقة تروتسكي في التفكير‬ ‫غير صحيحة‪ ،‬ألنه يستنتج الوسيلة )الصراع الطبقي( من‬ ‫قراءته )أو خطأ قراءته( لمجرى التطور االجتماعي‪.‬‬ ‫وبوصفه للصراع الطبقي على نحو غير مشروع‪ ،‬قانونا‬ ‫مطلقا وأسمى للتاريخ‪ ،‬اخضع تروتسكي في الواقع‪ ،‬أخضع‬ ‫الغايات لوسائل معينة بدال من أن يسمح للغايات بأن تحدد‬ ‫وسائلھا‪ .‬فكيف كان يتعين على تروتسكي أن يجد الوسائل؟‬ ‫يقول ديوي أن ذلك يمكن أن يتم بـ)تمحيص النتائج المباشرة‬ ‫لنفعھا(‪ .‬وھذا ھو الموقف العلمي الصحيح والوحيد الذي يأخذ‬ ‫بعين االعتبار التواقف الحقيقي لھذين العاملين‪.‬‬ ‫ومقابل االستنتاج‪ ،‬أي استنباط نتائج معينة من قواعد عامة‪،‬‬ ‫وضع ديوي عملية االستقراء‪ ،‬كوسيلة للتوصل إلى تعميمات‬ ‫على أساس الحوادث المكررة أو المطابقة‪.‬‬


‫إن ھذا الطباق غير موجود‪ ،‬فھل يستمد تروتسكي وسائله‬ ‫بشكل تعسفي كما يفھم من ديوي‪ ،‬بواسطة عمليات االستنتاج‬ ‫قوم الوسائل باإلشارة إلى‬ ‫وحدھا؟ الواقع أن تروتسكي قد‬ ‫ّ‬ ‫قوانين وحاجات الصراع الطبقي‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن ھذه القوانين‬ ‫لم تخلق بحرية وتفرض من قبل الماركسيين على المجتمع‪،‬‬ ‫لقد استمدت من دراسة شاملة قبلية للعمليات االجتماعية خالل‬ ‫عدد من األجيال وبوسائل علمية محضة‪ .‬إن قوانين الصراع‬ ‫الطبقي ھي قبل كل شيء تعميمات تجريبية تطورت من‬ ‫تحليل الحقائق التي يقدمھا تاريخ الحضارة‪ ،‬بما في ذلك‬ ‫التاريخ األمريكي‪.‬‬ ‫الوضع المنطقي للصراع الطبقي‬ ‫إن الترتيب الرائع لمواد الواقع المتعلقة بالصراع الطبقي‬ ‫ودوره الحاسم في التاريخ‪ ،‬ھذا الترتيب الذي استمدت منه ھذه‬ ‫القوانين‪ ،‬قد لوحظ وسجل قبل وقت طويل من ظھور ماركس‬ ‫على المسرح‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬قام العديد من الكتاب‬ ‫أرسطو‬ ‫)ثيوكيديدس‪،‬‬ ‫القدماء‬ ‫اإلغريق‬ ‫والمؤرخين‬ ‫وأفالطون( بمالحظة ووصف ھذا الترتيب‪ .‬وما فعله الماديون‬ ‫التاريخيون ھو أن أعطوا أول تفسير كاف وصحيح للحوادث‪.‬‬ ‫فقد شرحوا كيف نشأت الطبقات خالل نمو القوى المنتجة‪،‬‬ ‫وانقسام العمل االجتماعي ووجود فائض كبير لإلنتاج‪ ،‬ولماذا‬ ‫تركزت الصراعات الطبقية حول االستيالء على ھذا الفائض‬ ‫المتزايد في الثروة‪.‬‬ ‫أليس ذلك أكثر من نظرية حول التطور االجتماعي؟ ذلكم ھو‬ ‫ما يود ديوي‪ ،‬الوسلي أن يقوله‪ ،‬غير أن الصراع الطبقي كان‬ ‫له دور مختلف عن الدور المبھم الذي ينسبه الليبراليون له‪.‬‬ ‫إنه أكثر من مجرد إمكانية أو فرصة أو توافر للحوادث في‬ ‫مجتمع متمدن‪ .‬إنه ضرورة‪ ،‬إنه يقين‪ ،‬وھو يتعمق حسب‬ ‫مجموعة من القوانين تشكل العوامل األساسية التي تنشأ عن‬ ‫أعمق تركيب للمجتمع الطبقي‪ .‬وھذا ينطبق على جميع‬ ‫المجتمعات الطبقية بصرف النظر عن مستويات التطور فيھا‪،‬‬ ‫وبصرف النظر عن عوامل محدودة أخرى )‪.(1‬‬ ‫فمتى اكتشفت القوانين التي تتحكم بالصراع الطبقي وتشكلت‬ ‫ونسقت‪ ،‬أمكن تطبيقھا كما ھو األمر بالنسبة لجميع القوانين‬ ‫العلمية األخرى‪ .‬وقد مكنت الباحثين من التغلغل أعمق فأعمق‬


‫في بنية وحركات المجتمع الداخلية‪ ،‬وفي تجمعاته وشخصياته‬ ‫القيادة‪ ،‬وبالتالي توجيه تطويره تحت ظروف معينة‪ ،‬على حد‬ ‫معين‪.‬‬ ‫طبيعة التصورات والقوانين‬ ‫تصور مسبق ال‬ ‫إن الوسليين من أمثال ديوي لديھم مع ذلك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يھين‪ ،‬حتى ضد أشد األحكام المسبقة ثباتا‪ .‬وھذا النفور‬ ‫واالشمئزاز ھو األساس الرئيسي لنظريتھم في المعرفة التي‬ ‫تشتمل على تناقض في صلبھا‪ .‬ويصر الوسليون على وجود‪.‬‬ ‫تبدل عالمي في جميع األشياء‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬فإن األفكار بالنسبة‬ ‫لھم ذات جوھر سكوني‪ .‬واألفكار ال تفقد طبيعتھا االفتراضية‬ ‫الموروثة‪ ،‬وال يمكن أن تتبدل فعال إلى تعيينات مھما كان‬ ‫مجرى أو نتائج التطور العلمي واالجتماعي‪.‬‬ ‫ھذا االفتراض ليس تجريبيا أو عقالنيا‪ .‬والواقع أن العديد من‬ ‫األفكار التي تبدأ كفرضيات تتحول إلى شيء مختلف كليا‬ ‫نتيجة لالستقصاء العلمي والممارسة‪ ،‬وتصبح حقائق مجربة‬ ‫وقوانين علمية‪ .‬فنظرية وجود الذرات والبنية النووية الداخلية‬ ‫للمادة‪ ،‬كانت مجرد تخمين ذكي‪ ،‬مجرد حدس عندما فكر بھا‬ ‫اإلغريق القدماء‪ .‬أما اآلن فقد أصبحت حقيقة ناجزة يمكن أن‬ ‫نستمد منھا أشد النتائج انفجارا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فالذرة لم تكن‬ ‫بالنسبة لديوي‪ ،‬مثله في ذلك مثل الوضعي ارنست ماخ‬ ‫‪ Ernest Mach‬حقيقة‪ ،‬وإنما ھي مجرد )فكرة عملية( )انظر‬ ‫في كتابه المنطق ص ‪ 153‬والبحث عن يقين ص ‪-119‬‬ ‫‪.(131‬‬ ‫لقد اعترض ديوي على قوانين الصراع الطبقي واعتبر أن‬ ‫ھذه القوانين ال تمتلك أساس متينا ألنھا )تحكم سلفا على‬ ‫خصائص وأنواع الظواھر المباشرة التي تتعلق بھا خطط‬ ‫العمل المقترحة(‪ .‬غير أنھا ال تختلف عن قوانين النشاط‬ ‫الذري أو القوانين الفيزيائية األخرى‪.‬‬ ‫إن التعميمات الفكرية تظل بالنسبة للذرائعي موضع اختبار‬ ‫دائم‪ .‬وال يمكن ألي قاض أن يتوصل إلى رأي حاسم حول‬ ‫حقيقتھا أو زيفھا مھما كانت مبررة‪ .‬لماذا؟ ألن العناصر غير‬ ‫الحاسمة ال يمكن استئصالھا من الواقع كليا‪.‬‬


‫وبالنسبة للذرائعيين يتعين أن يجري تقديم كل فكرة أو تصور‬ ‫من جديد‪ ،‬وأن تمحص كل نتيجة من القمة إلى القاعدة تتعلق‬ ‫بكل وضع جديد‪ .‬وتكرار الفكرة للمرة األلف ليست له طبيعة‬ ‫مختلفة نوعيا عن حدوث الفكرة للمرة األولى‪ .‬إن الوسْ ليين‬ ‫يتحدثون وكأن من الممكن والضروري للناس‪ ،‬البدء من جديد‬ ‫لدى كل مناسبة‪ ،‬ومجابھة العالم الذي يحيط بھم صفر اليدين‬ ‫وفارغي الرؤوس‪.‬‬ ‫إن ھذا بالضرورة إنكار لجميع المعرفة المكتسبة‪ ،‬والطرق‬ ‫العلمية‪ ،‬وحتى لنتائج االستقراء‪ ،‬وال أحد سوى الرضع‬ ‫يتصرف إزاء العالم ويعالج المشكالت التي يطرحھا دون‬ ‫استخدام المصادر المتراكمة للتطور االجتماعي‪ ،‬بما في ذلك‬ ‫صندوق األحكام المستمدة من التجربة التاريخية والدراسة‬ ‫المباشرة للواقع‪.‬‬ ‫ھذه ليست مجرد مجموعة تأمالت فھي تشتمل بكليتھا على‬ ‫معلومات محققة وتعميمات مدققة‪ ،‬غير أن مضمون األفكار‬ ‫يظل غير حاسم جوھريا ونظريا دائما في أعين الوسليين‬ ‫األصالء الذين يرون )أن األفكار ال تفصح عن الواقع(‪.‬‬ ‫إن تقدم العلم يؤدي إلى الحصول على معرفة القوى الحقيقية‬ ‫التي تحدد إنتاج الظواھر وتشكلھا الالحق في قوانين‪ .‬لقد بالغ‬ ‫ديوي مبالغة كبرى في )تقييم( جانب التردد في الواقع وعدم‬ ‫اليقين في المعرفة الحقيقية‪ .‬كما أنه قلل من تقديره ونُحّ ي نسبة‬ ‫ألھدافه الشخصية‪ ،‬وكان يعرف ھذا مسبقا‪ ،‬وقد تعرف على‬ ‫الحقائق المؤكدة عن المواضيع الحقيقية‪.‬‬ ‫)كل خطوة سياسة ھي بشكل منطقي‪ ،‬يتعين أن تكون بشكل‬ ‫مباشر‪ ،‬من طبيعة تجربة ما( ھكذا يقول بإصرار في كتابه‬ ‫)المنطق( )‪ .(508‬إن ھذا التوكيد الكاسح ليس صحيحا‬ ‫منطقيا‪ ،‬كما انه ليس كامال في الحقيقة‪ .‬إنه نصف حقيقة‬ ‫خطرة ومضللة‪.‬‬ ‫وكون سياسة ما‪ ،‬جوھريا أو عرضيا فحسب )من طبيعة‬ ‫تجربة ما( يعتمد على الظروف المميزة لموقف ما‪ ،‬وعلى‬ ‫طبيعة االقتراح المطروح‪ .‬وفي معظم الحاالت ھناك إجراء ال‬ ‫مناص منه من عدم الحسم والتردد الذي يمنح رد الفعل عليه‪،‬‬ ‫شخصية مشكوك فيھا‪ .‬غير أن ھذا اإلجراء الذي ينطوي على‬


‫عدم اليقين وعلى المصادفة ھو متنوع ك ّما وكيفا‪ .‬إن قيمة‬ ‫النظرية العلمية وھدف الممارسة العقالنية ھما تخفيض ھذا‬ ‫الحد إلى الحد األدنى‪.‬‬ ‫ولنأخذ مثلين من الممارسة الصناعية‪ .‬إن عامل المخرطة في‬ ‫معمل ما يستطيع أن يعرف مقدما ما إذا كانت القاطعة ْ‬ ‫ين‬ ‫أل َ‬ ‫بكثير من أن تستطيع قطع فوالذ ذي صالبة معينة‪ ،‬وھو لن‬ ‫يستخدم فوالذا أشد ليونة‪ ،‬كما لن يستخدم ملقطا خشبيا بطبيعة‬ ‫الحال لتحقيق ھذا الغرض‪ .‬وبھذه الحالة فإن الھدف –صنع‬ ‫معدن بشكل وحجم معين‪ -‬والحقيقة المادية –وصالبة المعدن‪-‬‬ ‫يحددان بشكل متبادل وأمام العين‪ ،‬إيجابا وسلبا‪ ،‬نوع الوسيلة‬ ‫لتحقيق النتاج المطلوب‪.‬‬ ‫فلماذا ال يمكن للقواعد نفسھا أن تنطبق على العالقات‬ ‫الصناعية كما تنطبق على أعمال المخزن‪ ،‬أليس بوسع العامل‬ ‫نفسه أن يعرف مقدما كيف سيتصرف رب عمله عندما يطلب‬ ‫ھو وزمالؤه زيادة في األجور‪ .‬إن رب العمل حقيقة اجتماعية‬ ‫من نوع معين‪ ،‬ومصالحه المادية تمنحه درجة معينة من‬ ‫الصالبة‪ ،‬تمنحه مقاومة محددة الرتفاع تكاليف اإلنتاج لديه‬ ‫وانخفاض أرباحه‪ .‬ولتحقيق ھذه األھداف فإن عماله يحتاجون‬ ‫إلى أدوات اجتماعية من نوع معين‪ ،‬أدوات قوية إلى الحد‬ ‫الذي يكفي للتغلب على تلك المقاومة‪ .‬وھذا ھو السبب في أنھم‬ ‫قد أسسوا االتحادات ونظموا اإلضرابات بدال من االعتماد‬ ‫على رفع العرائض بشكل فردي‪.‬‬ ‫وھنا نصل إلى لب المشكلة‪ ،‬إن كل مفاوضة حول األجور‬ ‫ليست ضرورية‪ ،‬ويجب أال تكون تجربة جديدة كليا ولھا‬ ‫عوامل غير معروفة مھما كانت حاالت عدم اليقين بالنسبة‬ ‫ألي وضع مطروح‪ .‬لقد كان العمال وأرباب العمل يتعاملون‬ ‫فيما بينھم خالل عشرات السنين وفي جميع أنحاء العالم‪،‬‬ ‫وباستطاعة قيادة اتحاد ذات خبرة جنبا إلى جنب مع عضوية‬ ‫نيرة أن تدخل في مفوضات جماعية وھي مسلحة بمعرفة‬ ‫طبيعة أرباب العمل‪ ،‬تلك المعرفة المستمدة من العلم‬ ‫االجتماعي والتجربة اليومية‪ ،‬األمر الذي يساعدھا على‬ ‫التصدي للمعارضة تجاه مطالب العمال العادلة‪.‬‬ ‫فإذا ما كانت كل مفاوضات أو كل عمل من أعمال اإلنتاج‬ ‫يجب أن يعامل نظريا أو عمليا على أساس أنه تجريبي بشكل‬


‫إجمالي‪ ،‬كما يطالب ديوي‪ ،‬فإنه ال يمكن أن نعتبر أية وسيلة‬ ‫معينة لدينا أفضل بالضرورة أو أشد مالءمة لمتطلبات‬ ‫النضال من وسيلة أخرى‪ .‬وھذا يستبعد االعتماد على‬ ‫إجراءات محققة ويترك الميدان واسعا أمام أي ابتكار خاضع‬ ‫للنزوات‪.‬‬ ‫مثل ھذه التجريبية غير المقيدة غريبة كليا عن اإلجراءات‬ ‫المباشرة للعلماء وعن طرق الصناعة الحديثة العادية‪.‬‬ ‫إن ھدف إنتاج مصنع آلي ھو عدم ترك أي شيء للصدفة‪ ،‬بل‬ ‫تنظيم جميع العوامل في العملية‪ .‬وتحدث الحوادث‬ ‫واالستثناءات في أفضل األنظمة تنظيما‪ ،‬ولكن حتى ھذه‬ ‫الحوادث واالستثناءات يحسب حسابھا مقدما بواسطة أجھزة‬ ‫توضع مسبقا الكتشافھا عندما تبتعد عن الحدود المسموح بھا‪،‬‬ ‫ولكي تعوض عنھا وتصححھا في الوقت المالئم‪ .‬إن األنظمة‬ ‫المنظمة ذاتيا ھي قطعية بشكل خاص‪ ،‬فيما يتعلق بتعقيدات‬ ‫صناعية‪ ،‬كالمصانع النووية الذرية التي تشتمل على أعلى‬ ‫ألوان االتحاد بين النظرية العلمية واإلنتاج‪.‬‬ ‫لقد قال ديوي أنه أراد أن تشمل آخر أساليب العلم والصناعة‬ ‫جميع المشكالت اليومية‪ ،‬فإذا ما حدث ھذا‪ ،‬فإنه يتعين أن‬ ‫يكون حقل الفعالية بالنسبة للتجارب االتفاقية في معظم‬ ‫المناطق الحيوية من الحياة االجتماعية في أن ينخفض ويصبح‬ ‫ھو نفسه عرضة لمراقبة‪ .‬إن التجربة ضرورية لجميع‬ ‫مجاالت النشاط‪ ،‬والعلم والصناعة يتعھدان ھذه الحاجة بتقديم‬ ‫أماكن خاصة إلجراء ھذه التجارب‪ .‬وفي الصناعة يجري‬ ‫فصل العمل التجريبي في المصانع الرئيسية والمخابر‪ ،‬عن‬ ‫اإلنتاج الكبير الذي يتم بواسطة أساليب للتقنية وآالت موثوق‬ ‫بھا‪.‬‬ ‫وفي الوقت الحاضر حدثت تجارب ال تعد وال تحصى‪ ،‬ال بل‬ ‫حدثت اختبارات كثيرة‪ ،‬قامت بھا القوى المتنازعة في حقل‬ ‫العالقات الطبيعية‪ .‬والنتائج االيجابية والسلبية ألساليب العمل‬ ‫المختلفة ھذه‪ ،‬قد لخصتھا االشتراكية العلمية في قوانين‬ ‫الصراع الطبقي وبرمجتھا في برامج أحزاب العمال‪ ،‬وھي‬ ‫تحمل قيمة عملية عظمى باعتبارھا ترشد إلى القوى‬ ‫االجتماعية التقدمية في نضالھا األبعد مدى‪.‬‬


‫ومن جھة أخرى فإن وجھة النظر البرغماتية تعتمد على‬ ‫التعادل الشكلي بين جميع األفكار‪ ،‬أكثر مما تعتمد على‬ ‫وضعھا المادي الحقيقي‪ .‬فكل فكرة تعتبر في حد ذاتھا حقيقية‬ ‫ومفيدة وفعالة كأية فكرة أخرى‪ ،‬وبالطريقة ذاتھا يفترض أن‬ ‫سوق السلع يعتمد على التعادل الشكلي بين التبادالت‪ ،‬كما‬ ‫يعتمد القانون البرجوازي على التعادل الشكلي بين جميع‬ ‫المواطنين أمام حدود العدالة‪ ،‬والديمقراطية تعتمد على التعادل‬ ‫بين أصوات جميع المواطنين‪ .‬كل ھذه االفتراضات تتناقض‬ ‫والوضع الحقيقي في المجتمع الرأسمالي بكل ما فيه من فقدان‬ ‫للعدالة االقتصادية وتمايز بين الطبقات‪ .‬إن فكرة ما ليست في‬ ‫الواقع خيرة قدر فكرة أخرى‪ .‬فبعض األفكار أصح من أفكار‬ ‫أخرى ألنھا ال تعكس كلھا الواقع بشكل متكافئ وبالتالي فھي‬ ‫ال تنطوي على التبعات نفسھا عندما تستخدم إلدارة وتوجيه‬ ‫فعالية ما‪.‬‬ ‫الحتمية المتبادلة للغايات والوسائل‬ ‫إن الوسائل والغايات مترابطة ‪ Interdependent‬بالنسبة‬ ‫لديوي‪ ،‬بيد أنه اعتقد أن كال من ھذين االصطالحين شرط‬ ‫لآلخر‪ .‬وال يمكن ألحدھما أن يحدد اآلخر أو أن تحدده مسبقا‬ ‫الشروط المادية الكافية‪ ،‬فأحدھما شرطي ونظري قدر اآلخر‪.‬‬ ‫وعلى سبيل المثال فإن االستغالل سيء ويجب القضاء عليه‪،‬‬ ‫غير أنه بالنسبة لدوي‪ ،‬يمكن استئصاله بعدد من الطرق‪:‬‬ ‫بواسطة الصراع الطبقي أو االتفاق الطبقي أو بالمزح بين‬ ‫الطريقين‪ .‬إن )أيا من ھذه الوسائل ليس حاسما فيما يتعلق‬ ‫بالھدف المرغوب فيه(‪ :‬أي القضاء على االستغالل‬ ‫الرأسمالي‪ .‬ذلكم ھو وضعه النظري المجرد‪.‬‬ ‫وھذا يبدو غير متحيز على اإلطالق‪ ،‬ولكن عندما تدخل حيّز‬ ‫التطبيق –الذي ھو االختبار الحاسم بالنسبة لكل برغماتي –‬ ‫فإن الليبرالي ليس بغير متحيز‪ ،‬فھو يفضل ويختار في تسع‬ ‫حاالت من أصل عشر الوسائل التي يتحقق فيھا أقل قدر من‬ ‫المقاومة ‪ .‬وأن اللجوء إلى المقاومة الكبرى يأتي كآخر ملجأ‬ ‫دائما‪ ،‬وھذا االنحياز ليس اتفاقيا‪ ،‬فموقفه ينبع من حاجة‬ ‫طبيعية ككائن اجتماعي‪ ،‬ومن مطامحه كمثقف من الطبقة‬ ‫الوسطى ومن غموض وجوده في وسط المعسكرات‬ ‫االجتماعية المتعارضة‪.‬‬


‫وفي بعض األحيان يتخذ الليبرالي اليساري طريق الصراع‬ ‫فعال ولكن مرغما وبفعل ضغط الظروف القاھرة‪ ،‬فھو يشعر‬ ‫أن ھذا األسلوب ينافي الواقع بطريقة ما وينافي مصالح جميع‬ ‫الفرقاء المعنيين بما في ذلك مصالحه ھو‪ .‬وأساليب الصراع‬ ‫الطبقي ھي في الواقع منافية لمركزه الوسط حيث تتجاذبه‬ ‫االتجاھات المتعارضة والعداوات بين رأس المال والعمل‬ ‫وبين والسواد‪.‬‬ ‫إن نقد ديوي الرئيسي والثاني لتروتسكي ھو أن الماركسيين‬ ‫مطلقون في لجوئھم إلى القوانين المرسومة عندما يختارون‬ ‫وسيلة العمل االجتماعي‪ .‬وقد ادعى أن تروتسكي لم يكن‬ ‫تجريديا أو علميا وإنما مثاليا وذا تفكير ديني ألنه فرض‬ ‫أھدافه التي يرغب فيھا التطور االجتماعي‪ ،‬وتصرف وكأن‬ ‫)األھداف اإلنسانية مندمجة بنسيج وتركيب الوجود(‪.‬‬ ‫فكم من التبرير يحمل ھذا النقد؟ إن تروتسكي كمادي لم يعتقد‬ ‫مطلقا بأن األھداف اإلنسانية مندمجة بوجود الطبيعة‪ ،‬ومع‬ ‫ذلك فقد أكد أن الغايات الطبقية محبوكة موضوعيا )في نسيج‬ ‫وبنية( الوجود االجتماعي في ظل ظروف تاريخية معينة‪.‬‬ ‫وقد أنكر ديوي ذلك‪ .‬فالمجتمع بالنسبة إليه‪ ،‬ال يمتلك نسيجا‬ ‫وبنية محددين على ھذا النحو وبحيث أن القوانين العامة‬ ‫المتعلقة بأھداف الطبقات يمكن أن نستخلص من تحليل‬ ‫التطور االجتماعي وبالتالي تستخدم لحساب سلوكھا كأساس‬ ‫للعمل‪.‬‬ ‫فإذا لم تكن ثمة قوانين مطلقة تتحكم بنشاطات الطبقات فإنه ال‬ ‫يمكن أن توجد وسائل ضرورية كالصراع الطبقي لتحقيق‬ ‫األھداف االجتماعية‪ .‬وإذا لم تكن ثمة قوانين مؤكدة وال‬ ‫وسائل معتمدة فمن الذي يأخذ مكانھا إذن؟ الحدوث‬ ‫االختبارية‪ ،‬الخطط المبنية على اآلمال‪ ،‬والجھود التجريبية‪،‬‬ ‫وقبل العمل يمكن للعديد من الوسائل المختلفة وألية وسيلة‬ ‫بشكل رئيسي أن تحرز الغايات المتوخاة‪ .‬فإذا لم تكن تعلم إلى‬ ‫أين تذھب أو من الذي تقف ضده حقا فإنه من المفروض أن‬ ‫أي طريق سوف يصل بك إلى ھناك‪.‬‬


‫وعلى أي أساس إذن يجب اختيار طريق معينة من بين‬ ‫الطرق األخرى؟ بالطبع يعترف ديوي بأن المعرفة والتجربة‬ ‫السابقين ستستخدمان في عملية االنتقاء‪ ،‬ولكنھما ليستا كافيتين‬ ‫على اإلطالق وقيمتھما تتجلى فقط من الفائدة التي تتبع منھما‪،‬‬ ‫ولسوء الحظ فإن النتائج تأتي فقط بعد اختيار الخطوات‬ ‫الالزمة‪.‬‬ ‫فلماذا ال يمكن إذن أن تدير عملية االختيار وتحددھا الدروس‬ ‫المستفادة من النتائج المتراكمة من الماضي؟ وعلى الرغم من‬ ‫أن دوي ال يستبعد ذلك فھو ال يعطي ھذا األمر الوزن الحازم‪.‬‬ ‫فبالنسبة للبرغماتي ليس أي مقدار من القدر محددا ونھائيا‪.‬‬ ‫فھو يأتي فقط بعد الفعل وعلى أثر ذلك الفعل بعينه فحسب‪.‬‬ ‫إن وجھة النظر ھذه مناقضة للعقل‪ ،‬فھي تستھين بالحقيقة‬ ‫القائلة أن كل شيء تحدده بعد الحقيقة المعتمدة عليھا وھي‬ ‫تتحول إلى شيء آخر تحدده الحقيقة التالية‪ .‬وال شيء يظل‬ ‫بشكل مطلق في الحالة المؤقتة المحضة التي يتطلبھا منطق‬ ‫ديوي‪ .‬فعندما تتراكم عوامل قدرية مادية كافية فإن اتجاه‬ ‫ونتاج التطورات يمكن التنبؤ به‪.‬‬ ‫ھل القوانين االجتماعية نسبية أم مطلقة؟‬ ‫فلنقارن بين منطق ديوي الخارج –عن ھذا العالم وبين منطق‬ ‫الماركسية المادي الذي يتمثل للمجرى الحقيقي للتطور‬ ‫ووضع األحداث‪.‬‬ ‫إن كل قانون بما في ذلك أشد القوانين ضرورة وعالمية تحدده‬ ‫طبيعة الواقع الذي يتعامل معه وطبيعته ھو كتكوين إنساني‬ ‫وتاريخي متطور‪ ،‬وھذا يعطيه شخصية نسبية مشروطة‪ ،‬إال‬ ‫أن ھذا ليس جانب واحد من مضمونه‪ ،‬فإذا ما كان القانون‬ ‫صحيحا فھو مطلق بالنسبة للعمليات والظواھر التي تغطيھا‬ ‫منطقة فعاليته‪.‬‬ ‫وعلى سبيل المثال‪ ،‬فإن قوانين الصراع الطبقي بالنسبة‬ ‫للقضية موضع المناقشة تنطبق فقط ضمن شروط المجتمع‬ ‫الطبقي‪ .‬وقبل تقسيم المجتمع البدائي إلى طبقات‪ ،‬لم تكن ھذه‬ ‫القوانين غير قابلة للتطبيق فحسب‪ ،‬وإنما لم تكن موضع تفكير‬ ‫أحد‪ .‬ومن الطرف اآلخر للعملية التاريخية ستفقد ھذه القوانين‬


‫مع اختفاء المجتمع الطبقي في المستقبل االشتراكي‪ ،‬ستفقد‬ ‫تدريجيا حقل فعاليتھا وتذبل حتى الجذور‪.‬‬ ‫وعلى ھذا‪ ،‬فإن ھذه القوانين التي تتحكم بالعالقات االجتماعية‬ ‫نسبية ومطلقة في تطبيقھا‪ .‬وھذه النسبية تعتمد على المجرى‬ ‫المتبدل والمتناقض للتطور االجتماعي من الجماعية البدائية‪،‬‬ ‫ومرورا بالمدينة حتى االشتراكية‪ ،‬واطالقيتھا تعتمد على‬ ‫الدور المركزي الذي يلعبه تضارب المصالح الطبقية في بنية‬ ‫ونشاط المجتمع المتمدن‪.‬‬ ‫الحتمية التاريخية ألھداف المجتمع‬ ‫يوافق ديوي على أن حقائق الحياة االجتماعية يجب أن تكون‬ ‫نقطة االنطالق واألساس ألية أخالق حقيقية مرتبطة بعمل‬ ‫اجتماعي فعال‪ .‬وھذا يعني أنه في مجتمع تنازعه الخصومات‬ ‫والعداوات يجب االعتراف بأن ثمة مطالب خلقية مختلفة‬ ‫ستطرح وأحكاما خلفية مختلفة ستفرض من قبل الطبقات‬ ‫المتصارعة‪ .‬فإذا ما طرحنا ھذه الحقيقة األساسية جانبا‪ ،‬فإن‬ ‫األخالق الناتجة قمينة بأن تكون خيالية أو منافقة وأي سلوك‬ ‫ينجم وما توصي به سيقدم نتائج سيئة‪.‬‬ ‫لقد أدرك دوي أن الفعاليات الفردية ھي في إطار اجتماعي‬ ‫اقتصادي معين‪ ،‬وأن األخالق الفردية مرتبطة بتعاليم عامة‬ ‫للسلوك والغايات االجتماعية بالنسبة له حاسمة في القضايا‬ ‫الخلقية‪ ،‬ولكن ھل ما تفعله الشروط في الواقع وما يجدر بھا‬ ‫أن تفعله يحددان الوسائل التي ستقدم الغايات المبتغاة؟ لقد علم‬ ‫ديوي بأن الذكاء المطلع أو )الذكاء الخالق( يجب أن يتدخل‬ ‫ويقوم بدوره‪.‬‬ ‫ودون أن نخاصم في ھذا‪ ،‬يظل ذلك ال يجيب على السؤال‬ ‫العام‪ .‬ما الذي يحدد كيف يتصرف الناس في ھذا المجتمع‪،‬‬ ‫وأي لون من السلوك ھو الذكي والخالق؟ ھنا تبدو العالقات‬ ‫الطبقية الحقيقية وأدوارھا في المجتمع الرأسمالي حاسمة‪.‬‬ ‫إن أھداف وغايات الطبقات وأعضاءھا وحركاتھا تحددھا في‬ ‫الواقع الحاجات والمصالح المادية‪ ،‬وھذا ينبع من األدوار التي‬ ‫تلعبھا في اإلنتاج االجتماعي ودروھا في األشكال المحددة‬ ‫للملكية‪ .‬وعلى ھذا فإن الھدف الجمعي لطبقة الرأسمالية في‬


‫الواليات المتحدة ھو الحفاظ على نظامھا االقتصادي‬ ‫وتوسيعه‪ ،‬وذلكم ھو ھدفھا األساسي‪ ،‬كما أنه يحدد سلوك‬ ‫األشخاص الذين ينتمون إلى تلك الطبقة‪ ،‬كما يشكل شرطا‬ ‫لحياة جميع أفراد المجتمع‪.‬‬ ‫بيد أن العمال الذين ينشطون في النظام نفسه لديھم غايات‬ ‫مختلفة‪ ،‬سواء أكانوا مدركين لھذه الحقيقة كأفراد أو مدركين‬ ‫لھا كليا‪ .‬فھم مدفوعون بحاجات معاشھم وشروط العمل في‬ ‫ظل الرأسمالية‪ ،‬ألن يحاولوا وأن يلجموا استغاللھم‪ ،‬وعلى‬ ‫المدى الطويل سيضطرون لمحو مصدره‪ :‬أي محو الملكية‬ ‫الخاصة لوسائل اإلنتاج والتبادل‪ .‬وفي ھذا الصراع لديھم‬ ‫الحق في استخدام وسائل الصراع التي يستطيعون ابتكارھا‬ ‫لمثل ھذه األھداف القيمة‪ .‬وھذه األسلحة تتراوح بين الحركة‬ ‫النقابية واإلضراب‪ ،‬ومن التنظيم السياسي إلى الثورة‬ ‫االجتماعية‪.‬‬ ‫والصدام بين الغايتين المتناقضتين يحدد الوسائل المستخدمة‬ ‫بين القوى المتصارعة‪ .‬فالحركة النقابية تثير الحركة المضادة‬ ‫لھا‪ ،‬واإلضراب يثير قوي تحطيم اإلضراب‪ .‬وعندما يواجه‬ ‫الحكام الرأسماليون بالعمل الثوري الجماعي ذي األھداف‬ ‫االشتراكية‪ ،‬يلجأون إلى الدكتاتورية العسكرية أو الفاشية‪،‬‬ ‫ويؤدي المجرى التاريخي للصراع إلى المعركة الحاسمة‬ ‫والنھائية التي تبرز فيھا إحدى الطبقات التي تشكل القطب‬ ‫الحاسم منتصرة على األخرى‪ .‬والماركسيون يعملون بشكل‬ ‫نوعي لسيادة العمال‪.‬‬ ‫إن الغايات الطبقية ھذه حاسمة وواضحة حتى لو لم تكن‬ ‫مدركة دائما أو مطروحة بدقة من قبل ممثلي رأس المال‬ ‫وممثلي العمال الذين يضطرون للعمل وفق الظروف السائدة‬ ‫ألوضاعھم االجتماعية االقتصادية‪ ،‬فيما تتطور ھذه األوضاع‬ ‫من مرحلة إلى أخرى‪.‬‬ ‫دور ليبرالية الطبقة الوسطى‬ ‫ولكن ما ھو الھدف التاريخي الموضوعي للطبقات الوسطى‬ ‫ولممثليھا المثقفين من أمثال ديوي؟ في مجال النظرية يقوم‬ ‫دورھا على إنكار األھمية القصوى للصراع الطبقي‪،‬‬ ‫وضرورته وثماره إذا ما أحسن تنظيمه وتوجيھه‪ .‬وفي مجال‬


‫التطبيق تدفع الطبقات الوسطى عادة إلى لجم تطور الصراع‬ ‫الطبقي لدى الطبقة العاملة في الوقت الذي يظل فيه أعداؤھا‬ ‫أقوياء وبال كوابح‪ .‬إن ھذا الدور لبالغ الرجعية في العلم‬ ‫االجتماعي والسياسة واالقتصاد واألخالق‪.‬‬ ‫وقد حقق ديوي في اختباره لوسائل وإحاطته للغايات‬ ‫بالغموض دورا اجتماعيا معينا كممثل فلسفي لتلك العناصر‬ ‫الليبرالية من الطبقة الوسطى التي تتوق ألن تصبح الوسيط‬ ‫األول في الصراع الطبقي في مجتمعنا‪ .‬وباختيارھم للغايات‬ ‫والوسائل يحقق الماركسيون الثوريون الذين تحدث إليھم‬ ‫تروتسكي‪ ،‬يحققون دورھم كأبطال للمصالح األساسية البعيدة‬ ‫المدى للجماھير العاملة‪ .‬إن غايات ووسائل الطرفين من حيث‬ ‫المبدأ والتطبيق تحددھا الفعاليات والوالءات الطبقية‪.‬‬ ‫لقد تنازع الكثيرون من واضعي األخالق الليبراليين حول‬ ‫فكرة أنه إذا ما كانت الوسائل مبررة فقط بنفعھا في تحقيق‬ ‫الغايات‪ ،‬فإن أشد أنواع التطبيق شراسة مسموح به واألبواب‬ ‫مفتوحة أمام المخازي والشرور البروليتارية للستالينية‪ .‬وقد‬ ‫أوضح تروتسكي وجھة نظره بقوله أن جميع الوسائل ليست‬ ‫مناسبة في الصراع الطبقي‪ ،‬باستثناء تلك التي تؤدي حقا إلى‬ ‫تحرير الجنس البشري‪.‬‬ ‫)إننا نجيب بأن الوسائل المباحة والضرورية ھي فقط تلك‬ ‫الوسائل التي توحد البروليتارية الثورية وتمأل قلوبھا بروح‬ ‫الالھوادة ضد الظلم والقھر‪ ،‬وتعلمھا احتقار األخالق الرسمية‬ ‫وأصدائھا الديمقراطية‪ ،‬وتشبعھا بضمير رسالتھا التاريخية‬ ‫وترفع من شجاعتھا وروح تضحيتھا في النضال(‪.‬‬ ‫إن ادعاء الليبراليين البرغماتيين بأن أخالقھم متفوقة على‬ ‫أخالق الماركسيين في النظرية والتطبيق ال يثبت أمام‬ ‫الدحض‪ .‬فأخالقھم تفتقر إلى أساس علمي يعتد به‪ ،‬ألنھا‬ ‫تتجاھل أھم عامل أساسي في تشكيل العالقات االجتماعية‬ ‫وتحريك السلوك الفردي في الحياة الحديثة‪ :‬أي انقسام‬ ‫وصراع الطبقات‪ .‬ووصاياھم الخلقية تصبح عديمة التأثير‬ ‫بفعل أخالقھم في االعتراف بواقعھم االجتماعي‪ ،‬وھذا ال‬ ‫يعرقل سيرھم نحو دعم المثل العليا الحميدة للمساواة والتعاون‬ ‫والسالم الذي يطمحون اليه‪ .‬فعماھم عن حقائق الحياة يساعد‬ ‫على تقوية الرجعية لتشتيتھم وبكبحھم قوى الصراع األساسية‬


‫ضد شرور النظام القائم ومنعه من االتجاه إلى الطريق‬ ‫الصحيح‪.‬‬ ‫وھذا واضح في ھذه األيام عندما نجد الليبراليين ودعاة السالم‬ ‫يدينون )دون تحيز( إرھاب العرقيين البيض ويرفضون‬ ‫خطوات الدفاع عن النفس التي يلجأ إليھا الزنوج ضد مثل ھذه‬ ‫الھجمات‪ .‬وھذا مماثل للمركزي األخالقي السياسي الذي يضع‬ ‫العنف العدواني‪ ،‬الذي تسلكه واشنطن على أساس أنه يعادل‬ ‫الحركات الثورية التي يقوم بھا الشعب الكونغولي‬ ‫والدومينكاني والفيتنامي في نضاله المناھض لالمبريالية‪،‬‬ ‫ولتحقيق الحرية والوحدة واالستقالل والتقدم االجتماعي‪ .‬إن‬ ‫مثل ھذه األحكام الزائفة تأتي من تطبيق مثل ھذه الشرائع‬ ‫األخالقية المجردة على األوضاع التاريخية الحقيقة‪ ،‬بدال من‬ ‫تحليل المصالح الطبقية المعينة واألھداف السياسية لألطراف‬ ‫المتنازعة‪.‬‬ ‫إن األخالقية الثورية لالشتراكية العلمية فعالة وتقدمية ألنھا‬ ‫تسلح الجماھير العاملة بذلك النوع من المطامح والقيم التي‬ ‫تحتاجھا للتحرر‪ ،‬وھي تعمم وتبرھن نظريا عن مشاعرھم‬ ‫بأن الھدف الذي يتوقون لتحقيقه ھدف عادل‪ ،‬كما تفسر أھداف‬ ‫جھودھم وتوضح ذلك النوع من الوسيلة الالزمة لتحقيقھا‪.‬‬ ‫وكما قال المشرع األخالقي القديم بكلمات بسيطة )فإننا‬ ‫سنكتشف الحقيقة وستجعلنا الحقيقة طلقاء(‪.‬‬ ‫‪ 26‬تموز‪/‬يوليو ‪1965‬‬ ‫*********************************‬

‫ھوامش الفصل االول ‪:‬‬ ‫)‪ (1‬يراجع الفصل الثاني للتعريف بتروتسكي‪.‬‬ ‫)‪ (2‬ليس المقصود باالأخالقية ھنا المعنى المبتذل الذي‬ ‫يستعمله العامة‪ ،‬بل أن المعنى ھنا يختلف بعض الشيء‪.‬‬ ‫وسوف يرى القارئ في الصفحات المقبلة كثرة استعمال‬ ‫تروتسكي لھذا المصطلح‪) .‬المترجم(‬


‫)‪ (3‬الثيرميدور‪ :‬أحد المشتركين في إسقاط روبسبير في‬ ‫الثورة الفرنسية‪) .‬المترجم(‪.‬‬ ‫)‪ (4‬غيبو ‪ :G.P.U‬البوليس الروسي‪) .‬المترجم(‪.‬‬ ‫)‪ (5‬المھل ‪ :Lava‬أي السائل الناري الذي يندفع مع البراكين‪.‬‬ ‫)المترجم(‪.‬‬ ‫)‪ (6‬كرونشتاد‪ :‬قاعدة بحرية لالتحاد السوفياتي‪ ،‬بناھا بطرس‬ ‫الكبير‪ ،‬تقع في جزيرة من خليج فنلندا‪ ،‬على مصب نھر اليفا‪.‬‬ ‫)المترجم(‪.‬‬ ‫)‪ (7‬ماخنو‪ :‬عاصمة داغستان عدد سكانھا ‪ 140000‬نسمة‪،‬‬ ‫تقع على بحر قزوين وفيھا صناعة كيميائية‪.‬‬ ‫)‪ (8‬الكفير ‪ :Kaffirs‬إحدى قبائل الكفرة الذين ينزلون جنوبي‬ ‫افريقية وخاصة الزولو‪) .‬المترجم(‪.‬‬

‫‪----------------------‬‬‫ھوامش الفصل الثاني ‪:‬‬ ‫)‪ (1‬ليون تروتسكي )‪ (1940-1879‬ھو االسم المستعار لـ‬ ‫ليف دافيدوفيتش برونشتاين‪ ،‬ولد في أوكرانيا عام ‪1879‬‬ ‫واغتيل في المكسيك مضروبا ببلطة في رأسه‪ .‬كما حوكم‬ ‫غيابيا في محاكمات موسكو السيئة السمعة عام ‪ 1936‬بتھمة‬ ‫التآمر ضد النظام االشتراكي السوفييتي الستاليني وحكم عليه‬ ‫باإلعدام غيابيا‪.‬‬ ‫كان تروتسكي يعتبر الرجل الثاني بعد لينين‪ ،‬بل كان البعض‬ ‫يعتبره الرجل األول في الثورة الروسية‪ ،‬حتى أن إحدى‬ ‫الصحف األمريكية نشرت نبأ الثورة في ‪ 8‬تشرين‬ ‫الثاني‪/‬نوفمبر على صفحتھا األولى بعناوين تقول أن‬ ‫تروتسكي ھو قائد تلك الثورة‪ ،‬وأن لينين ليس سوى واجھة‬ ‫ظاھرية‪.‬‬


‫ويمكننا القول أن تروتسكي وقف في أوقات كثيرة موقف‬ ‫المعارضة من الماركسية ومن لينين وأخيرا من حكم ستالين‪،‬‬ ‫حتى أصبح رمزا للمعارضة في صفوف الحركة الثورية‬ ‫االشتراكية الروسية‪ ،‬وتلتزم جميع األحزاب الشيوعية بإدانته‬ ‫وإدانة أفكاره مواقفه‪ .‬كما تعتبر التروتسكية في نظر‬ ‫الشيوعيين جريمة وخيانة‪.‬‬ ‫وترجع جميع الخالفات بين تروتسكي ولينين وستالين في‬ ‫جذورھا إلى نظرية تروتسكي )الثورة الدائمة( وھي النظرية‬ ‫التي وضع خطوطھا العامة في عام ‪ ،1905‬ثم أخذ يطورھا‬ ‫ويتوسع فيھا حتى عام ‪ ،1931‬وظل يمتحن تطبيقھا على‬ ‫تفسير أحداث الثورة الصينية‪ ،‬والثورة االسبانية‪ ،‬وثورات‬ ‫المستعمرات‪ ،‬ومسار الثورة االشتراكية السوفيتية نفسھا حتى‬ ‫يوم مماته‪ .‬وقد كون تروتسكي األممية الرابعة بعد حل الدولية‬ ‫الثالثة‪ ،‬ولكن ما لبث أن اختلف مع الكثيرين من أعضاء ھذه‬ ‫الدولية‪ .‬وكما الحظ القارئ فغن تروتسكي يكتب بقلم من‬ ‫سيف‪) .‬المترجم(‬ ‫)‪ (2‬الھوتنتوت ‪ Hottentot‬من سكان جنوب وجنوب غرب‬ ‫افريقيا الذين انقرضوا تقريبا على يدي الھولنديين‪) .‬المترجم(‬ ‫)‪ (3‬لن يعالج ھنا تلك العادة القميئة‪ ،‬عادة اإلشارة إلى‬ ‫الھوتنتوتيين بازدراء من أجل اإلشادة بأخالق تجار العبيد من‬ ‫البيض‪ .‬لقد عالجنا ھذه المسألة في ھذا الكراس بالشكل‬ ‫الكافي‪.‬‬ ‫)‪ (4‬الشيكا ‪ Cheka‬جھاز البوليس السري في االتحاد‬ ‫السوفيتي‪ ،‬أنشئ عام ‪ 1918‬ثم استبدل بالغيبو‪) .‬المترجم(‪.‬‬ ‫)‪ (5‬فيكتور باش ھو رئيس عصبة حقوق اإلنسان في فرنسا‪،‬‬ ‫الصغار‪.‬‬ ‫والبرجوازيين‬ ‫للبرجوازيين‪،‬‬ ‫منظمة‬ ‫وھي‬ ‫وروزنمارك أحد أعضائھا‪ ،‬محام استخدمه الستالينيون لتبرئة‬ ‫محاكمات موسكو التي حدث أن حضرھا مثله في ذلك مثل‬ ‫االنكليزي )بريت(‪.‬‬ ‫‪---------------------------------‬‬‫ھوامش الفصل ‪:3‬‬


‫)‪ (1‬حتى نتعرف بشكل دقيق على أفكار ديوي لنأخذ فكرته‬ ‫األساسية في ميدان أكثر تحديدا ھو ميدان األخالق بجانبيه‬ ‫النظري والعملي‪ .‬فموضوع األخالق ھو سلوك الناس‪،‬‬ ‫وغرضھا ھو أن نضع على نحو عام الفارق بين السلوك‬ ‫الحميد والسلوك السيء‪ ،‬ويترتب على ذلك في نظر ديوي أن‬ ‫المھمة األولى لألخالق ھي أن نتفھم طبيعة ھذه الكائنات‬ ‫العضوية البيولوجية التي يتألف من مجموع سلوكھا السياق‬ ‫االجتماعي‪ ،‬والمھمة الثانية لألخالق ھي أن تتفھم أنواع‬ ‫المواقف المشكلة التي تدفعنا إلى أن نحاول التفرقة بين‬ ‫السلوك الحميد والسلوك السيء‪ ،‬ومتى قمنا بھاتين وليس قبل‬ ‫ذلك –نكون في وضع يتيح لنا أن نضع الفارق بين )الخير‬ ‫والشر(‪ ،‬للمزيد من االطالع يراجع‪:‬‬ ‫‪J.Dewey: The Theory of Enquiry. Allenand‬‬ ‫‪Unwin, London and New York, 1939‬‬ ‫)‪ (2‬أخالقھم وأخالقنا‪ ،‬بقلم ليون تروتسكي‪ .‬النيوناشيونال‪،‬‬ ‫حزيران‪/‬يونيو ‪ 1938‬صفحة ‪) .173-163‬المترجم(‬ ‫‪---------------------‬‬‫ھوامش الفصل ‪:4‬‬ ‫)‪ (1‬ھذه الحقيقة تأكدت قبل وقت قصير لدى بعض الكھنة‬ ‫العمال في فرنسا‪ ،‬الذين أرسلتھم الكنيسة لتغلغل بين صفوف‬ ‫العمال ومجابھة ھرطقة الماركسية والملحدة‪ .‬فقد كتبوا في‬ ‫رسالة موجھة للكردينال فيلتن ‪ Feltin‬بتاريخ الخامس من‬ ‫تشرين األول‪/‬أكتوبر ‪ 1953‬قائلين‪) :‬لقد علمنا أن الصراع‬ ‫الطبقي مجرد مبدأ يمكن للفرد القبول به أو رفضه‪ ،‬وإنما ھو‬ ‫حقيقة شرسة فرضت على الطبقة العاملة(‪ .‬ونظرا لرفضھم‬ ‫التراجع‪ ،‬طردوا من سلك الكھنوت‪.‬‬

‫****************‬ ‫ثبت بالمصطلحات الرئيسية المستعملة في الكتاب‬


Amoral

‫الأخالقية‬

Absolutism

‫اطالقية‬

Absurdity

‫عبث‬

Bestial Morality ‫أخالقية حيوانية‬ The Conception

‫الفكرة‬

The Carriers of infection

‫حاملو الوباء‬

Common Sense

‫الحس المشترك‬

Cement of Morality

‫اسمنت األخالق‬

Ends

‫الغايات‬

Chauvinism

‫الشوفينية‬

Interdependent

‫مترابطة‬

Interdependence

‫تواقف‬

Instrumentalist Philosophy

‫الفلسفة الوسيلة‬

Jesuitism

‫اليسوعية‬

Moralizing

‫الخلقنة‬

Moral Precepts

‫القواعد الخلقية‬

Means

‫الوسائل‬

Moral Sense

‫الحس الخلقي‬

Moral Effluvia ‫األخالق الطوباوية‬


Pharisees

‫الفريسيين‬

Sycophant

‫منافق‬

Sugjective

‫الذاتي‬

Swindlers ‫ جمع دجال‬:‫دجاجلة‬ Social Development

‫التطور االجتماعي‬

Synthesis

‫طباق‬

The Moral Gangrene

‫الغنغرينا األخالقية‬

Scientific Knowledge

‫معرفة علمية‬

Secular

‫علمانية‬

Revolutionists

‫ثوريون‬

Rational

‫عقالنية‬

Orthodox Religionism

‫الدينية األرثوذكسية‬

Traditional Idealism Utilitarianism

‫المثالية التقليدية‬ ‫النفعية‬

Universal Common Sense ‫الحس الكوني المشترك‬



Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.