واقع الفلسطينيين في سوريا سمير الزبن

Page 1

‫واقع الفلسطينيني يف سوريا‬ ‫سمري الزبن‬

‫‪2013‬‬


‫سمري الزبن‬ ‫واقع الفلسطينيني يف سوريا‬ ‫منشورات مركز األبحاث ‪ -‬منظمة التحرير الفلسطينية‬ ‫نيسان (أبريل) ‪2013‬‬ ‫‪ISBN 978-9950-382-04-6‬‬


‫تقديم‬

‫تتناول دراسة املحامي سمري الزبن‪« ،‬واقع الفلسطينيني يف سوريا»‪ ،‬وتأيت يف وقت‬ ‫تتعرض فيه املخيامت الفلسطينية يف سوريا‪ ،‬إىل قصف وتهجري غري مسبوق‪.‬‬ ‫تأيت هذه الدراسة يف وقتها‪ ،‬لتلقي نظرة شاملة‪ ،‬حول أوضاع الفلسطينيني يف‬ ‫سوريا‪ .‬منذ تهجريهم عن بالدهم‪ ،‬ولجوئهم لألرايض السورية ‪.1948‬‬ ‫ميكن اعتبار القانون ‪ ،260‬تاريخ ‪ ،1956/7/10‬األساس الناظم ألوضاع الالجئني‬ ‫الفلسطينيني يف سوريا‪ ،‬وعىل أساسه تفرعت الترشيعات والقرارات لتنظيم شؤونهم‪.‬‬ ‫نص هذا القانون عىل أنه‪« :‬يعترب الفلسطينيون املقيمون يف أرايض الجمهورية‬ ‫العربية السورية‪ ،‬بتاريخ نرش هذا القانون‪ ،‬كالسوريني أصالً يف جميع ما نصت عليه‬ ‫القوانني واألنظمة النافذة وبحقوق التوظيف والعمل والتجارة وخدمة العلم مع‬ ‫االحتفاظ بجنسيتهم األصلية»‪.‬‬ ‫ترتب عىل هذا القانون‪ ،‬وما تفرع عنه من قوانني وأنظمة‪ ،‬انخراط الفلسطينيني‬ ‫يف سوريا‪ ،‬يف املجتمع السوري‪ ،‬وأضحوا جزءا ً من النسيج االجتامعي واالقتصادي‬ ‫السوري‪ ،‬دون أن يفقدوا هويتهم الوطنية‪ ،‬بل عىل النقيض‪ ،‬فقد ساعد ذلك‪،‬‬ ‫ويف أجواء قومية زمن حكم حزب البعث العريب االشرتايك‪ ،‬عىل انخراط الالجئني‬ ‫الفلسطينيني يف صفوف الفصائل الفلسطينية املسلحة‪ ،‬واحتضان قادتها‪ ،‬واملشاركة‬ ‫يف العمل املسلح منذ بداياته‪.‬‬ ‫شهدت العالقات الفلسطينية – السورية‪ ،‬ومنذ ‪ ،1970‬تقلبات عديدة‪ ،‬تراوحت‬ ‫‪3‬‬


‫ما بني التحالف اإلسرتاتيجي إىل االقتتال املسلح‪.‬‬ ‫تأيت دراسة املحامي سمري الزبن‪ ،‬يف وقتها‪ ،‬خاصة وأن تطورات األزمة السورية‬ ‫وآفاق مستقبلها‪ ،‬ال يزال مجهوالً‪ ،‬وبالتايل فإن مستقبل الوضع الفلسطيني يف سوريا‪،‬‬ ‫يحتاج إىل محاوالت استرشاف جدية‪ ،‬حفاظاً عىل الشعب الفلسطيني وقضيته‬ ‫الوطنية‪.‬‬

‫النارش‬

‫‪4‬‬


‫توطئة‬

‫لطاملا شعر الالجئون الفلسطينيون يف سوريا باالطمئنان النسبي لوجودهم فيها‪،‬‬ ‫وكانت حالهم من حال املواطن السوري صعودا ً وهبوطاً‪ ،‬كانوا مندمجني بشكل‬ ‫كامل عىل املستوى االقتصادي‪ ،‬ومل يكن عدد املتفرغني يف إطار الفصائل الفلسطينية‬ ‫كبريا ً يف أوساط الفلسطينيني يف سوريا يف أي وقت‪ ،‬حتى يف األوقات التي كان وجود‬ ‫الفصائل يف سوريا قوياً‪ ،‬وفعاليتها عالية‪ ،‬كان عدد املتفرغني يف الفصائل محدودا ً‪.‬‬ ‫مل يغرتب الفلسطينيون يف عيشهم يف سوريا‪ ،‬ومل يشعروا أيضاً بأنهم سوريون‪،‬‬ ‫كانوا حالة من االندماج واالنفصال معاً‪ ،‬االندماج لحد كبري عىل املستويني‬ ‫االجتامعي ‪ -‬االقتصادي‪ ،‬واالنفصال عىل مستوى الحياة السياسية‪ .‬فلم يتوقف‬ ‫الالجئون الفلسطينيون عن املساهمة الفعالة يف الحياة السياسية الفلسطينية‪ ،‬منذ‬ ‫والدة العمل السيايس الفلسطيني يف منتصف الستينات‪.‬‬ ‫شكلت الحياة يف سوريا منوذجاً إيجابياً لحياة املنفى الفلسطيني‪ ،‬حالة احتضان‬ ‫عالية التضامن‪ ،‬وصلت يف الكثري من الحاالت إىل حالة االندماج يف الحياة السياسية‬ ‫الفلسطينية‪ ،‬فهناك الكثري من السوريني اختاروا االنضامم إىل الفصائل الفلسطينية‪،‬‬ ‫وقدموا حياتهم من أجل فلسطني‪ .‬كذلك هناك فلسطينيون اختاروا االنخراط يف‬ ‫الحياة السياسية السورية وانضموا إىل حزب البعث وحصلوا عىل امتيازات يف هذا‬ ‫اإلطار‪ ،‬وهناك من انتمى ألحزاب املعارضة ودفع مثن ذلك سنوات طويلة من عمره‬ ‫يف السجن‪ .‬ويف الحالتني مل يكن االنتامء الفلسطيني إىل قوى سورية ظاهرة تهدد‬ ‫العمل السيايس الفلسطيني وفعاليته يف األوساط الفلسطينية‪ ،‬وال كان االنتامء‬ ‫السوري إىل الفصائل الفلسطينية‪ ،‬يدفع هذه القوى للتدخل يف الشأن السوري‪،‬‬ ‫رغم التدخل السوري املستمر يف الشأن الفلسطيني‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫عاىن الفسطينيون يف سوريا ما عاىن املواطن السوري‪ ،‬سواء عىل مستوى الحياة‬ ‫واملتاعب االقتصادية‪ ،‬أو عىل مستوى القبضة األمنية التي حكمت املجتمع السوري‪،‬‬ ‫والتي شملت املخيامت بشكل طبيعي‪ .‬فاملخيامت يف سوريا مل تكن معازل أمنية‬ ‫كام هي املخيامت الفلسطينية يف الجنوب اللبناين التي ال تخضع لألمن اللبناين‪ .‬يف‬ ‫سوريا املوضوع مختلف‪ ،‬كل يشء تحت القبضة األمنية‪ ،‬وما يخضع السوريون له‬ ‫من تدقيقات أمنية‪ ،‬يخضع الفلسطينيون له بالقدر ذاته‪ .‬كان عيش الفلسطيني‬ ‫برشوط السوري يريح الفلسطيني‪ ،‬فلم يكن هناك متييز ضد الفلسطينيني ألنهم‬ ‫فلسطينيون‪ ،‬كان القمع يشمل الجميع‪.‬‬ ‫كان الشعور بعدم التهديد السمة البارزة لحياة الفلسطينيني يف سوريا‪ ،‬وكانوا‬ ‫يعتقدون أ ّن مسارا ً واحدا ً ميكن أن يجعلهم يغادرون سوريا‪ ،‬وهو مسار العودة‬ ‫إىل فلسطني‪.‬‬ ‫فجأة‪ ،‬تبني أن الثابت ميكن أن يهتز‪ ،‬فال ميكن لوضع الالجئ أن يبقى ثابتاً‪،‬‬ ‫يف الوقت الذي يهتز البلد التي يقيم فيه‪ ،‬مل يكن من املمكن أن يبقى الوجود‬ ‫الفلسطيني عىل حاله‪ ،‬يف الوقت الذي تشهد سوريا صداماً دامياً يف كل املناطق‬ ‫السورية بفعل االحتجاجات التي اجتاحت سوريا وتم التصدي لها من قبل النظام‬ ‫بوحشية‪ .‬امتد هذا الصدام من محيط املخيامت والتجمعات الفلسطينية إىل قلبها‪،‬‬ ‫يف تلك اللحظة التي توحدت فيها التجمعات الفلسطينية مع املحيط السوري‬ ‫بالتعرض إىل القمع والقصف العنيف من املدافع والطائرات‪.‬‬ ‫يف حالة التهديد املبارش والداهم‪ ،‬يكتشف الالجئ أنه ال ينتمي إىل املكان‪ ،‬أو‬ ‫هناك من يُفهمه ذلك‪ ،‬عند ذلك يكتشف مرة أخرى هشاشة وجوده يف املنفى‪.‬‬ ‫وهذا ما وصل إليه املسار الفلسطيني يف محطته األخرية يف سوريا‪.‬‬ ‫القاهرة‬ ‫‪ 4‬آذار (مارس) ‪2013‬‬ ‫‪6‬‬


‫الفصل األول‬ ‫األوضاع القانونية للفلسطينيني‬

‫يشكل اللجوء حالة ضعف إنساين مأساوية‪ ،‬فالالجئ هو الشخص الذي يجد‬ ‫نفسه بسبب أخطار تهدده يغادر بلده إىل بلد آخر مجردا ً من كل يشء‪ ،‬فاقدا ً‬ ‫ألي حامية‪ ،‬يعيش يف أرض غريبة ويحتاج إىل املساعدة‪ .‬وألن اللجوء حالة مثىل‬ ‫للضعف والهشاشة اإلنسانيني‪ ،‬فهي احتاجت إىل الحامية من الحاجة والعسف‬ ‫مبوجب القوانني الدولية‪ .‬هذه الحامية التي يُفرتض أن يتمتع بها الالجئ بوصف‬ ‫حالة اللجوء البائسة التي يعيشها هي حالة مؤقتة‪ ،‬وهي عادة ما يجب أن تنتهي‬ ‫بأن يعود الالجئ إىل وطنه‪ ،‬أو تزول حالة اللجوء من خالل التحول إىل مواطن يف‬ ‫الدولة التي لجأ إليها أو يف دولة أخرى‪ ،‬حيث يتمتع بكل حقوق املواطنة يف بلده‬ ‫الجديد‪ ،‬هذا ما حدث يف الكثري من حاالت اللجوء‪ ،‬رغم أن حالة اللجوء ملاليني‬ ‫البرش حالة مستمرة ومتزايدة يف عامل اليوم‪.‬‬ ‫الالجئون الفلسطينيون‬ ‫عاش الالجئون الفلسطينيون يف شتاتهم الطويل الذي زاد عىل ستة عقود مفارقة‬ ‫غريبة من نوعها‪ ،‬وهي أنهم مل يعودوا إىل وطنهم كام نصت قرارات األمم املتحدة‬ ‫ممثلة بقرار الجمعية العامة لألمم املتحدة رقم ‪ 194‬لعام ‪ ،1948‬وال هم حصلوا‬ ‫عىل جنسيات الدول املضيفة املحيطة بإرسائيل وتحولوا إىل مواطنني يف دولة أخرى‪،‬‬ ‫باستثناء الحالة األردنية‪ .‬فكانت الحالة الفلسطينية الغريبة والفريدة يف العامل‪،‬‬ ‫حيث‪ ،‬يتناسل الالجئون الجئني لثالثة أجيال‪ ،‬ومن املنتظر أن تتناسل األجيال‬ ‫الجديدة الجئني من جديد‪ .‬ومن أراد من الفلسطينيني أن يخرج من هذا الوضع‬ ‫الغريب والقلق والدائرة الجهنمية التي وجد نفسه فيها‪ ،‬كان عليه أن يغادر إىل‬ ‫‪7‬‬


‫بلدان أخرى‪ ،‬أوروبا وأمريكا وكندا واسرتاليا ليحصل عىل جنسيتها مبوجب اإلقامة‪.‬‬ ‫فكانت نسبة الهجرة بني الفلسطينيني يف الدول املضيفة كبرية‪ ،‬وكلام كانت أوضاع‬ ‫الالجئني الفلسطينيني يف البلد املضيف أسوأ‪ ،‬كلام زادت نسب هجرتهم إىل تلك‬ ‫البلدان‪ ،‬لذلك نرى أكرب نسبة هجرة بني الالجئني الفلسطينيني هي بني الالجئني‬ ‫الفلسطينيني يف لبنان بحكم األوضاع املزرية التي يعيشونها هناك‪.‬‬ ‫ليس هناك مأساة إنسانية طال أمدها‪ ،‬مثلام طال أمد املأساة الفلسطينية يف‬ ‫الشتات‪ ،‬مأساة تولد ٍ‬ ‫مآس إنسانية تتكرر منذ أكرث من ستة عقود‪ ،‬دون أن يظهر أفق‬ ‫ني الفلسطينيون بنكبة فككت مجتمعهم‬ ‫لحلها‪ .‬بدأت املأساة الفلسطينية حني ُم َ‬ ‫ودمرت وطنهم وغيبته عن الخريطة السياسية للمنطقة‪ ،‬جراء الجرمية الصهيونية يف‬ ‫احتالل فلسطني العام ‪ 1948‬واقتالع سكانها حيث أصبحوا أشالء شعب موزعني عىل‬ ‫الدول املضيفة‪ .‬لقد أسفرت الجرمية الصهيونية بحق الفلسطينيني عن طرد ما يزيد‬ ‫عىل ‪ 800‬ألف فلسطيني من وطنهم إىل بلدان الشتات تناسلوا فيها أجياالً ليزيد‬ ‫عددهم عن خمسة ماليني فلسطيني بعد أكرث من ستة عقود منترشين يف أربعة‬ ‫جهات األرض يدفعون مثن الجرمية التي ارتكبت بحقهم جيالً بعد جيل‪ .‬استولت‬ ‫الحركة الصهيونية عىل ما يزيد عىل ثالثة أرباع مساحة فلسطني التاريخية وأسست‬ ‫عليه املرشوع الصهيوين‪ ،‬وقد عملت عىل طرد سكان األرايض التي استولت عليها‪،‬‬ ‫ما أوجد واقعاً جديدا ً يف دول الجوار العريب لفلسطني‪ ،‬التي تدفق الالجئون إليها‪،‬‬ ‫حيث ولدت مشكلة الالجئني الفلسطينيني‪.‬‬ ‫الالجئون والترشيعات الدولية‬ ‫تعددت الترشيعات الدولية التي تحمي الالجئني بوصفهم فئات مستضعفة‪،‬‬ ‫بدءا ً من النظام األسايس للمفوضية السامية لألمم املتحدة لشؤون الالجئني‪ ،‬الذي‬ ‫ينص عىل أن مهمة املفوضية‪ ،‬توفري الحامية الدولية لالجئني وإيجاد الحلول الدامئة‬ ‫لقضية الالجئني‪ ،‬مرورا ً باالتفاقية الدولية الخاصة بوضع الالجئني العام ‪ 1951‬وصوالً‬ ‫إىل بروتوكول العام ‪ 1969‬الخاص بالالجئني‪ ،‬وغريها من الترشيعات ذات الصلة‪.‬‬ ‫رغم أن هذه الترشيعات ينضوي تحت نصوصها الالجئون يف كل العامل‪ ،‬إال أن‬ ‫‪8‬‬


‫االتفاقية الخاصة بوضع الالجئني للعام ‪ 1951‬اعتربت وضع الالجئني الفلسطينيني‬ ‫وضعاً خاصاً واستثناهم من عمليات املفوضية السامية ومل تشملهم بحاميتها‪ .‬فقد‬ ‫حددت اتفاقية جنيف لعام ‪ 1951‬واجبات الدول تجاه الالجئني عىل أراضيها‪ ،‬ولكنها‬ ‫حرمت الفلسطينيني من هذه الحامية مبوجب هذه الترشيعات‪ .‬وإذا كانت هذه‬ ‫الترشيعات تعرف الالجئ‪ :‬بأنه أي شخص يقيم خارج وطنه األصيل وهو ال يرغب‬ ‫أو ال يقدر عىل الحصول عىل حامية يف بلده خوفاً من اضطهاد حقيقي يتعرض له‬ ‫ألسباب عرقية أو دينية أو قومية أو كونه عضوا ً يف مؤسسة اجتامعية أو بسبب آرائه‬ ‫السياسية‪ .‬وهو ما ينطبق عىل الفلسطينيني وميكن الزيادة عليه بأن الفلسطينيني‬ ‫يمُ نعون من العودة إىل وطنهم‪ .‬ولكن هذه الترشيعات استثنت الفلسطينيني من‬ ‫والية املفوضية السامية لشؤون الالجئني‪ ،‬حيث نصت اتفاقية العام ‪ 1951‬عىل‬ ‫استثناء الفلسطينيني من هذه الوالية بنص خاص يف االتفاقية‪« :‬أن هذا القانون ال‬ ‫ينطبق عىل األشخاص الذين يتلقون الدعم واملساعدة ـ حالياًـ من أعضاء أو هيئات‬ ‫األمم املتحدة باستثناء املفوضية العامة لشؤون الالجئني‪ .‬ويف حال توقفت هذه‬ ‫الحامية أو املساعدة لسبب أو آلخر‪ ،‬ودون أن يحسم وضع هؤالء األشخاص بشكل‬ ‫واضح نهايئ وفقاً للقرارات التي تبنتها الجمعية العمومية لألمم املتحدة‪ ،‬فإن هؤالء‬ ‫(‪)1‬‬ ‫األشخاص يؤهلون‪ .‬بطبيعة الحال‪ .‬لالستفادة من هذا القانون‪».‬‬ ‫من الواضح أن هذا النص يقصد به الفلسطينيون دون أن يسميهم‪ ،‬فهم الطرف‬ ‫الذي كان يتلقى املساعدة من هيئات األمم املتحدة يف ذلك الوقت‪ ،‬حيث تم‬ ‫إنشاء وكالة غوث وتشغيل الالجئني الفلسطينيني (األونروا) يف العام ‪ ،1949‬وهي‬ ‫الوكالة أو الهيئة التي أعدت خصيصاً لتقديم خدمات لالجئني الفلسطينيني‪ ،‬والتي‬ ‫من املفرتض أن تنتهي مهمتها خالل عامني‪ ،‬وهي ما زالت مستمرة بعد أكرث من‬ ‫ستة عقود عىل إنشائها‪ .‬ورغم أهمية الدور الذي قامت به (األونروا) من ناحية‬ ‫الخدمات للفلسطينيني‪ ،‬حيث اهتمت بتزويدهم مبساعدات غذائية‪ ،‬كام اهتمت‬ ‫بتقديم خدمات صحية وتعليمية كانت مهمة الستمرار الفلسطينيني بحياتهم يف‬ ‫بلدان الشتات بحدها األدىن‪ ،‬خاصة يف السنوات األوىل لتجربة اللجوء القاسية‪ .‬إال‬ ‫أنها مل توفر لهم الحامية القانونية التي نصت عليها االتفاقية الخاصة للعام ‪،1951‬‬ ‫‪9‬‬


‫واقترصت مهامتها عىل جانب الخدمات‪ ،‬التي استمرت بالرتاجع يوماً بعد يوم خالل‬ ‫العقود املنرصمة‪ ،‬وهو ما ترك الالجئني تحت رحمة الدول املضيفة يف موضوع‬ ‫الحامية القانونية والحقوق الخاصة بهم‪.‬‬ ‫الالجئون والترشيعات العربية‬ ‫من جهتها حاولت الدول العربية أن تصل إىل صيغة موحدة للتعامل مع الالجئني‬ ‫الفلسطينيني‪ ،‬فاتفقت عىل ما يعرف بربوتوكول الدار البيضاء يف العام ‪ .1965‬مل‬ ‫يستطع هذا الربوتوكول أن يكون أفضل من الترشيعات الدولية يف حامية الالجئني‬ ‫الفلسطينيني ويعوض النقص يف الحامية الذي مل توفره (األونروا) لهم‪ .‬وضعت‬ ‫الجامعة العربية يف هذا الربوتوكول معايري التعامل مع وضعية اإلقامة‪ ،‬ووثائق‬ ‫السفر والتنقل‪ ،‬وحقوق العمل والتشغيل لالجئني الفلسطينيني يف الدول األعضاء يف‬ ‫الجامعة العربية‪ .‬كام عالجت قرارات جامعة الدول العربية قضايا تتعلق بالوضع‬ ‫القانوين والسيايس لالجئني الفلسطينيني داخل الدول األعضاء يف الجامعة‪ .‬فقد‬ ‫منعت قرارات الجامعة العربية منح الفلسطينيني جنسية الدول العربية‪ .‬كام وضع‬ ‫بروتوكول الدار البيضاء بعض التوجهات فيام يتعلق بالتشغيل‪ ،‬اإلقامة ووثائق‬ ‫السفر‪ ،‬لكن تحفظات بعض الدول جعل القرارات ليست ذات أهمية تذكر‪ .‬وألن‬ ‫قرارات الجامعة العربية ليست ملزمة لألعضاء عىل املستوى العميل‪ ،‬أخذ التعامل‬ ‫مع الالجئني الفلسطينيني أشكاالً مختلفة حسب موقف ومزاج السلطة يف الدولة‬ ‫املضيفة‪ .‬مل مينح بروتوكول الدار البيضاء الحقوق والحامية التي متنحها الترشيعات‬ ‫الدولية لالجئني‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬مل تشمل هذه القرارات الحق يف املمتلكات‬ ‫املنقولة وغري املنقولة‪ ،‬والحقوق الفنية‪ ،‬وحقوق التقايض‪ ،‬والحصول عىل التعليم‪،‬‬ ‫ودخول سوق العمل‪ ،‬وهو ما بقي تحت رحمة قرارات الدول املضيفة‪.‬‬ ‫ألغت االعتبارات والسياسات والقوانني الداخلية للدول املضيفة العمل حتى‬ ‫بربوتوكول الدار البيضاء عىل محدودية الحقوق التي مينحها لالجئني الفلسطينيني‪.‬‬ ‫بالرغم من التزام دول الجامعة العربية عىل املستوى النظري مبعاملة الالجئني‬ ‫بنفس درجة معاملة املواطنني فيام يتعلق بالتشغيل والتوظيف‪ ،‬الحق يف الدخول‬ ‫‪10‬‬


‫والخروج‪ ،‬والحصول عىل وثائق السفر الالزمة والتأشريات‪ .‬لكن عىل املستوى‬ ‫العميل‪ ،‬مل تطبق أي من الدول العربية أي من هذه القرارات‪ ،‬وبقي الفلسطيني‬ ‫يعامل يف كل الدول العربية تقريباً‪ ،‬معاملة أسوأ من معاملة األجنبي‪.‬‬ ‫بسبب عدم وجود معايري عربية واحدة‪ ،‬تفاوت تعامل الدول العربية املضيفة مع‬ ‫الفلسطينيني عىل كل املستويات‪ ،‬وخصوصاً عىل املستوى القانوين ومنح الحقوق من‬ ‫الدول التي وجدوا أنفسهم ضيوفاً فيها بعد النكبة‪.‬‬ ‫الالجئون‪ :‬أوضاع قانونية متفاوتة‬ ‫تفاوتت األوضاع القانونية لالجئني الفلسطينيني يف الدول التي متركزوا فيها يف‬ ‫انتظار عودة طالت أكرث بكثري مام توقعوا‪ .‬ففي بلد مثل األردن تم منح الفلسطينيني‬ ‫الجنسية األردنية‪ ،‬ما رتب لهم حقوقاً مدنية وسياسية كاملة يف األردن بوصفهم‬ ‫يتمتعون بكامل املواطنة من الناحية القانونية‪ ،‬وبذلك شغلوا مناصب يف كل‬ ‫املؤسسات الترشيعية والتنفيذية والقضائية‪ .‬جاء ذلك عىل خلفية ضم امللك عبد‬ ‫الله األول الضفة الغربية للمملكة األردنية بعد مؤمتر أريحا العام ‪ 1949‬وتم الضم‬ ‫رسمياً يف العام ‪ ،1951‬ما ألزم األردن بطبيعة الحال إعطاء الفلسطينيني املقيمني يف‬ ‫الضفة الغربية التي باتت جزءا ً من اململكة األردنية كل الحقوق املدنية والسياسية‪.‬‬ ‫ورغم التمييز غري املعلن الذي ميارس عىل األردنيني من أصول فلسطينية يف الكثري‬ ‫من الحاالت‪ ،‬فإن األوضاع يف األردن كانت إجامالً‪ ،‬األفضل للفلسطينيني من ناحية‬ ‫الحقوق املدنية والسياسية والحامية القانونية‪.‬‬ ‫مقابل النموذج األردين‪ ،‬كانت لبنان النموذج املتطرف يف التعامل الرديء مع‬ ‫الفلسطينيني‪ ،‬ففي الوقت الذي يختلف اللبنانيون عىل كل يشء‪ ،‬يتفقون عىل‬ ‫«خطر!» الوجود الفلسطيني يف لبنان‪ ،‬لذلك أجمع اللبنانيون عىل أن يرد رفض‬ ‫توطني الفلسطينيني يف لبنان يف منت الدستور اللبناين‪ ،‬وهي مادة غريبة يف األعراف‬ ‫الدستورية‪ .‬مل مينح لبنان الفلسطينيني ال الحقوق السياسية وال الحقوق املدنية‪،‬‬ ‫وضيق عليهم يف الكثري من الحاالت يف رزقهم‪ ،‬بل وحرمهم من مامرسة الكثري من‬ ‫املهن‪ ،‬حيث يحرم القانون اللبناين الفلسطينيني من العمل يف ‪ 73‬مهنة‪ ،‬ما يعني‬ ‫‪11‬‬


‫إغالق سبل العيش أمامهم وجعلهم يعملون يف نهاية املطاف يف أعامل هامشية‪،‬‬ ‫وهو ما جعل نسبة البطالة العالية هي السائدة يف أوساط فلسطينيي لبنان‪ ،‬كام‬ ‫شكل التعامل التعسفي مع الفلسطينيني يف لبنان الدافع القوي إىل هجرة واسعة‬ ‫إىل خارج لبنان خالل العقود الثالثة املنرصمة‪ ،‬خاصة بعد االجتياح اإلرسائييل للبنان‬ ‫العام ‪ 1982‬ومذبحة صربا وشاتيال التي دفع مئات الفلسطينيني العزل حياتهم مثن‬ ‫(‪)2‬‬ ‫وحشية بشعة‪.‬‬ ‫شكلت أوضاع الالجئني الفلسطينيني يف سوريا حالة وسطاً‪ ،‬بني الحالة اللبنانية‬ ‫والحالة األردنية‪ ،‬فلم يمُ نح الفلسطينيون الجنسية السورية‪ ،‬وبالتايل مل يحصلوا عىل‬ ‫الحقوق السياسية‪ .‬وكذلك مل مينعوا من مامرسة العمل يف السوق السورية حسب‬ ‫النموذج اللبناين‪ ،‬بل أعطوا حق العمل مبا فيه الحصول عىل وظائف يف مؤسسات‬ ‫الدولة السورية‪ ،‬ويحق لهم مامرسة كل املهن التي يحق للمواطن السوري مامرستها‪،‬‬ ‫وعىل هذا املستوى تم معاملتهم معاملة املواطن السوري‪.‬‬ ‫أساس الوضع القانوين للفلسطينيني‬ ‫منذ وصل الالجئون الفلسطينيون إىل سوريا‪ ،‬صدر العديد من الترشيعات‬ ‫والقرارات التي حاولت أن تنظم بعض شؤون الالجئني الفلسطينيني يف سوريا‪ .‬مثل‬ ‫تنظيم مهنة مامرسة الصيد يف املياه اإلقليمية السورية عرب القرار ‪ 769‬الصادر عن‬ ‫مجلس الوزراء بتاريخ ‪ .1948 /11/22‬والتوظيف يف إدارات الدولة ومؤسساتها‪،‬‬ ‫عرب املرسوم الترشيعي رقم ‪ 33‬تاريخ ‪ .1949/9/17‬ومامرسة الفلسطينيني ملهنة‬ ‫املحاماة يف سوريا‪ ،‬عرب املرسوم رقم ‪ 51‬بتاريخ ‪ ،1952/8/13‬إضافة إىل العديد من‬ ‫املهن األخرى‪.‬‬ ‫لكن عىل صعيد الترشيعات‪ ،‬ميكن اعتبار القانون رقم ‪ 260‬الصادر يف ‪1956/7/10‬‬ ‫األساس الناظم لألوضاع القانونية لالجئني الفلسطينيني يف سوريا‪ ،‬وهو قانون من‬ ‫ثالث مواد‪ ،‬ولكنه عملياً من مادة واحدة تنص عىل‪« :‬يعترب الفلسطينيون املقيمون‬ ‫يف أرايض الجمهورية العربية السورية بتاريخ نرش هذا القانون كالسوريني أصالً يف‬ ‫جميع ما نصت عليه القوانني واألنظمة النافذة وبحقوق التوظيف والعمل والتجارة‬ ‫‪12‬‬


‫وخدمة العلم مع احتفاظهم بجنسيتهم األصلية‪ ».‬أما املادتان املتبقيتان من القانون‬ ‫فإحداهام تنص عىل إلغاء األحكام «املخالفة لهذا القانون» واألخرى تقول أن «وزراء‬ ‫(‪)3‬‬ ‫الدولة مكلفون بتنفيذ أحكام هذا القانون»‬ ‫شكل هذا القانون األساس للتعامل مع الفلسطينيني من ناحية الحقوق يف سوريا‪،‬‬ ‫ويف التطبيق أعطى القانون للفلسطينيني األغلبية الساحقة من الحقوق املدنية‬ ‫التي مينحها القانون للمواطن السوري‪ ،‬من زاوية مامرسة جميع املهن التي ميارسها‬ ‫املواطن السوري دون تقييد‪ .‬وبقيت الحقوق السياسية ممنوعة عىل الفلسطينيني‪،‬‬ ‫ومل مينحهم القانون السوري الحق يف مامرستها‪ ،‬واحتفظوا بجنسيتهم الفلسطينية‪.‬‬ ‫ولكن يف حقيقة التطبيق القانوين للحقوق املدنية املمنوحة لالجئني الفلسطينيني تم‬ ‫تقييد حق التملك التي حرصها بتملك منزل واحد للفلسطيني املتزوج‪ ،‬ويشرتط يف‬ ‫هذا التملك أن يحصل عىل موافقة وزير الداخلية‪ ،‬أي ينطبق عليه امللكية العقارية‬ ‫لألجانب‪ .‬ويف ذات اإلطار يحق للفلسطينيني االنتساب إىل النقابات السورية (مثل‬ ‫نقابة األطباء‪ ،‬واملحامني‪ ،‬واملهندسني‪ ،‬واملقاولني الخ‪ )...‬ويكون للفلسطيني ذات‬ ‫الواجبات والحقوق التي تكون للمنتسب السوري لهذه النقابات‪.‬‬ ‫تنظيم أوضاع الالجئني يف سوريا‬ ‫مل ينتظر تنظيم أوضاع الالجئني الفلسطينيني يف سوريا القانون ‪ 260‬لعام ‪،1956‬‬ ‫فقد سبق أن أصدرت سوريا مجموعة من القوانني املنظمة ألوضاع الالجئني‬ ‫الفلسطينيني فيها‪ ،‬ومنذ العام ‪ 1949‬تم استحداث مؤسسة الالجئني الفلسطينيني‬ ‫العرب‪ ،‬بالقانون رقم ‪ .450‬وكانت املهمة األساسية للمؤسسة وما زالت اإلرشاف‬ ‫عىل أوضاع الالجئني الفلسطينيني‪ ،‬وقد حدد قانون استحداثها مهامتها بأنها تتوىل‪،‬‬ ‫تنظيم سجالت بأسامء الالجئني وأحوالهم الشخصية ومهنهم التي كانوا ميارسونها‪،‬‬ ‫وتأمني إعاشتهم وكسوتهم وإقامتهم يف مختلف املناطق السورية‪ ،‬وإيجاد األعامل‬ ‫املناسبة لهم يف شتى املهن الحرة أو الخدمات الحكومية‪ ،‬واستالم كل ما يخصص‬ ‫لهم من التربعات والهبات من أي مصدر كان‪ ،‬سواء أكانت هذه املوارد عينية أم‬ ‫نقدية وتوزيعها عليهم‪ ...‬الخ من املهامت املنوطة باملؤسسة التي أُلحقت بداية‬ ‫‪13‬‬


‫بوزارة الداخلية‪ ،‬ومن ثم ألحقت بوزارة الشؤون االجتامعية والعمل يف العام ‪.1958‬‬ ‫إلكامل تنظيم أوضاع الالجئني الفلسطينيني صدر يف العام ‪ 1963‬قرار وزير‬ ‫الداخلية رقم ‪ 1311‬مبنح الالجئني الفلسطينيني يف سوريا وثائق سفر‪ .‬واشرتط ملنحهم‬ ‫هذه الوثائق بصفتهم مقيمني يف الجمهورية العربية السورية أن يكونوا مسجلني‬ ‫لدى مديرية مؤسسة الالجئني الفلسطينيني العرب‪ ،‬وحائزين عىل تذكرة إقامة من‬ ‫املديرية العامة لألمن العام‪ .‬ومنح حق إصدار الوثائق إىل وزارة الداخلية السورية‪.‬‬ ‫وقد نصت املادة رقم ‪ 10‬من القرار «تخول الوثيقة صاحبها خالل مدة صالحيتها‬ ‫حق العودة إىل الجمهورية العربية السورية دون تأشرية عودة» وتكمن أهمية‬ ‫هذه املادة يف أنها اعتربت الالجئ الفلسطيني قادر عىل العودة إىل سوريا يف أي‬ ‫وقت‪ ،‬وأعطته له كحق‪ ،‬بينام مل تخول وثائق السفر املرصية للفلسطينيني حامليها‬ ‫الدخول إىل األرايض املرصية دون تأشرية عودة‪ .‬وكذلك كان الحال يف الكثري من‬ ‫األوقات يف وثيقة السفر املمنوحة من قبل الحكومة اللبنانية لالجئني الفلسطينيني‬ ‫يف لبنان والتي كان عىل حاملها يف أوقات التضييق الشديد عىل الفلسطينيني‪ ،‬رضورة‬ ‫الحصول عىل تأشرية عودة إذا كان خارج لبنان قبل عودتهم‪ ،‬أو وضع تأشرية ذهاب‬ ‫وعودة قبل السفر من لبنان إىل خارجه‪ ،‬وهو األمر الذي طبقته لبنان صيف عام‬ ‫‪ 1995‬عندما أقدمت السلطات الليبية عىل طرد الفلسطينيني من ليبيا‪ ،‬ومل تسمح‬ ‫لهم مرص بالدخول وبقوا عالقني لفرتة طويلة عىل الحدود بن البلدين‪.‬‬ ‫حق العمل لالجئني الفلسطينيني‬ ‫مل يضع القانون السوري أي قيد عىل دخول الفلسطينيني سوق العمل السورية يف‬ ‫أي من قطاعات العمل سواء الوظائف الحكومية أو العمل الخاص‪ ،‬أو املرشوعات‬ ‫االستثامرية‪ ،‬وقد انتسبوا إىل كافة النقابات املهنية دون عبقات أو متييز (أطباء‪،‬‬ ‫محامون‪ ،‬مهندسني‪ ،‬صيادلة‪ ،‬متعهدين‪ ...‬الخ) فقد شغلوا كل املناصب‪ ،‬باستثناء‬ ‫املناصب الترشيعية التي تحتاج إىل االنتخاب والتي حرموا منها ترشحاً وانتخاباً‪ .‬حتى‬ ‫أن البعض منهم وصل ليشغل مرتبة وزير يف الحكومة السورية‪ ،‬مثل أحمد يوسف‬ ‫الحسن من أم الفحم والذي شغل منصب عميد كلية الهندسة يف حلب ثم وزير‬ ‫‪14‬‬


‫الكهرباء واملعادن والنفط ملدة أربع سنوات‪ ،‬ثم عني رئيساً لجامعة حلب‪ ،‬وكذلك‬ ‫شغل أحمد سليم درويش وهو من مواليد ترشيحا منصب وزير دولة ثم عني وزيرا ً‬ ‫لإلسكان‪ُ ،‬م ِنحا الجنسية السورية لتسلم املنصب‪ .‬وإذا كانت املناصب استثنائية‪،‬‬ ‫ومل يشغلها سوى الشخصني املذكورين‪ ،‬فقد شغل العديد من الفلسطينيني مراتب‬ ‫معاون وزير ومدراء عامني‪ ،‬وهناك الكثري من الضباط الفلسطينيني الذي تطوعوا يف‬ ‫الجيش السوري ووصلوا إىل أعىل املراتب‪ ،‬حتى وصل بعضهم إىل قيادة منطقة‪ ،‬أي‬ ‫قيادة فرقة‪ .‬وكان حملة اإلجازة الجامعية يؤدون الخدمة العسكرية اإللزامية التي‬ ‫فرضت عىل الفلسطينيني برتبة مالزم يؤدون الخدمة يف قطاعات الجيش السوري‪.‬‬ ‫وكان إسهام الفلسطينيني كبريا ً يف مجال التدريس‪ ،‬خاصة وأن سوريا بعد االستقالل‬ ‫عن فرنسا‪ ،‬استبدلت منهاج اللغة الفرنسية التدرييس مبنهاج اللغة االنكليزية‪ ،‬وألن‬ ‫سوريا افتقدت إىل الكوادر املؤهلة للقيام بهذه املهمة عىل مستوى البلد‪ ،‬وبحكم‬ ‫شح الذين يجيدون اللغة االنكليزية ويقدرون عىل تدريسها‪ ،‬وهو ما جعل جزءا ً‬ ‫رئيساً من املهمة تقع عىل الالجئني الفلسطينيني القادمني من احتالل انكليزي‬ ‫ويعرفون اللغة االنكليزية جيدا ً‪ ،‬لذلك شغل الفلسطينيون أغلب وظائف تدريس‬ ‫اللغة االنكليزية‪ .‬تراجعت ظاهرة وجود الفلسطينيني يف الوظائف العليا يف سوريا‬ ‫يف العقود الثالثة األخرية‪ ،‬فلم يعد هناك أي فلسطينيي يشغل منصب معاون وزير‬ ‫أو مدير عام مؤسسة يف وزارات الدولة‪ .‬لكن حق الفلسطينيني يف التوظيف والتقدم‬ ‫إىل كافة الوظائف يف الدولة أو القطاع الخاص‪ ،‬أو العمل يف املهن الحرة‪ ،‬أو بناء‬ ‫مؤسسات اقتصادية‪ ،‬مل يتغري وبقي حقهم مثل حق أي سوري‪.‬‬ ‫حق متلك الفلسطينيني يف سوريا‬ ‫إذا كان من الصحيح أن القانون السوري منح الالجئني الفلسطينيني كل الحقوق‬ ‫املدنية التي يتمتع بها املواطن السوري‪ ،‬فإنه أبقى القيود صارمة عىل التملك‬ ‫العقاري للفلسطينيني‪ ،‬وهذا التضييق منح الفلسطيني املتزوج حق متلك منز ٍل‬ ‫ٍ‬ ‫واحد فقط وبعد الحصول عىل موافقة وزير الداخلية‪ .‬ويف هذه القضية تفاوتت‬ ‫التسهيالت والتضييق بني فرتة وأخرى‪ ،‬وأحياناً تأثرت بالعالقات السياسية مع منظمة‬ ‫‪15‬‬


‫التحرير الفلسطينية‪ ،‬تحسناً وسوءا ً‪ .‬ولكن طبيعة التنظيم العقاري يف سوريا‪ ،‬وعدم‬ ‫خضوعه كامالً للتسجيل يف السجل العقاري‪ ،‬جعلت من هذه املشكلة ليست ذي‬ ‫شأن فعلياً يف الكثري من األوقات‪ ،‬إال يف املناطق املسجلة يف السجل العقاري أو يف‬ ‫السجل العقاري املؤقت‪ .‬ولكن يف ما تبقى من مناطق‪ ،‬والتي تعادل مدناً كاملة‪،‬‬ ‫فإن آلية متلكها ال تكون عرب انتقال امللكية يف السجل العقاري‪ ،‬ألنها غري موجود‬ ‫أصالً يف هذا السجل‪ ،‬إال بوصفها أرايض زراعية‪ ،‬فهناك مناطق واسعة تم تشييدها‬ ‫وتنظيمها ودخلت يف األماكن املأهولة‪ ،‬ال زالت يف السجل العقاري تعترب أرايض‬ ‫زراعية‪ .‬وتنتقل ملكية هذه الشقق عرب شكلني‪:‬‬ ‫الشكل األول‪ :‬عرب ما يسمى «وكالة لبيع عقار» أو «بيع عقار مع توكيل» وتوثق‬ ‫هذه الوثائق عرب دوائر الكاتب بالعدل‪ ،‬وسلسلة الوكاالت تعتمد بوصفها انتقال‬ ‫للملكية من موكل إىل آخر‪ ،‬وتكون هذه الوكاالت غري قابلة للعزل لتعلق حق‬ ‫الوكيل فيها‪ ،‬ما يعني أنها ال تسقط بوفاة البائع‪ .‬وذات الصيغة هي التي يتملك‬ ‫السوريني أيضاً الشقق يف هذه األرايض التي ال تزال زراعية يف السجل العقاري‪،‬‬ ‫وهذه الوكالة يحصل عليها الفلسطيني‪ ،‬ليس من موقع متلك العقارات‪ ،‬إمنا من‬ ‫موقع الحقوق التي مينحها له القانون رقم ‪ 260‬لعام ‪ 1956‬الذي يعطيه الحق يف‬ ‫مامرسة التجارة كالسوري‪ ،‬وتعترب الجهات الرسمية السورية أن الوكالة عمالً من‬ ‫أعامل التجارة‪ ،‬كام جاء يف توضيح لوزير الداخلية‪ ،‬بعد إصدار قانون متلك األجانب‬ ‫يف سوريا العام ‪ ،2008‬فبعد صدور هذا القانون توقف كتّاب العدل يف سوريا عن‬ ‫منح هذه الوكاالت للفلسطينيني‪ ،‬وهو ما تكرر القيام به من قبل الجهات الرسمية‬ ‫السورية عده مرات خالل العقود الثالثة املنرصمة‪ .‬وقد تم منع دوائر كتاب العدل‬ ‫يف مثانينات القرن املايض من منح هذه الوكاالت للفلسطينيني‪ ،‬ومل يكن مينح وزير‬ ‫الداخلية أي موافقات للفلسطينيني لتملك منازل‪ ،‬ما أجرب الفلسطينيني عىل تسجيل‬ ‫أمالكهم باسم مواطنني سوريني أقرباء أو أصدقاء لهم‪.‬‬ ‫الشكل الثاين‪ :‬كان التملك عن طريق تثبيت هذه البيوع أمام املحاكم املختصة‪،‬‬ ‫حيث ميكن اللجوء إىل القضاء ليحكم بتثبيت البيع لصالح املشرتي استنادا ً لهذه‬ ‫الوكاالت‪ ،‬وميكن بعد ذلك بيع هذا العقار بواسطة قرار املحكمة‪ ،‬عرب قرار محكمة‬ ‫‪16‬‬


‫جديد إىل شخص جديد‪ .‬وقد تم التساهل لسنني مع الفلسطينيني يف التملك مبوجب‬ ‫حكم محكمة‪ ،‬ومل يكن هذا التسهيل يشملهم وحدهم‪ ،‬فقد جرى التساهل يف‬ ‫املحاكم لتملك العرب أيضاً‪ ،‬أي مل يكن املقصود يف التساهل الفلسطينيني وحدهم‪،‬‬ ‫بل كان العرب جميعاً يستفيدون من ذلك‪ .‬وبعد موجة اللجوء التي تسبب بها‬ ‫االحتالل األمرييك للعراق يف العام ‪ ،2003‬والذي جلب إىل سوريا أكرث من مليون‬ ‫ونصف املليون الجئ عراقي‪ ،‬حيث ضغطت هذه املوجة من اللجوء العراقي عىل‬ ‫سوق العقار من خالل متلك الكثري من العقارات‪ ،‬وهو ما رفع أسعار العقارات يف‬ ‫سوريا عموماً ويف دمشق خصوصاً ألسعار قياسية‪ .‬وهو ما دفع السلطات السورية‬ ‫إىل معالجتها من خالل الرتاجع عن هذا التساهل‪ ،‬وهذا الرتاجع مل يشمل العراقيني‬ ‫فحسب‪ ،‬بل شمل كل العرب‪ ،‬وعىل رأسهم الفلسطينيني أكرث املترضرين من القرار‬ ‫الذي فرض عىل املحاكم عدم تثبيت هذه البيوع‪ ،‬إال بعد الحصول عىل املوافقة‬ ‫األمنية الالزمة‪ ،‬قبل إصدار قانون التملك لألجانب رقم ‪ 11‬لعام ‪ 2008‬والذي نص‬ ‫عىل الرشوط التي يجب أن توفر يف العريب حتى يتملك‪ ،‬وهو ما أصبح ينطبق‬ ‫عىل الفلسطينيني حتى رشط مساحة العقار التي يجب أن ال تقل عن ‪ 200‬م‪ 2‬وتم‬ ‫تخفيضها يف تعديل العام ‪ 2011‬إىل ‪ 140‬م‪ 2‬وهو ما يتعامل مع الفلسطينيني بوصفهم‬ ‫تجمع من األغنياء‪ .‬وليس هناك قدرة لالجئني الفلسطينيني أصحاب اإلمكانيات‬ ‫املتواضعة لرشاء هذا النوع من الشقق‪ ،‬لذلك أصبحت إمكانية متلك الفلسطيني‬ ‫مكاناً للسكن عن غري طريق دوائر الكاتب بالعدل يتسم بالصعوبة الشديدة‪ ،‬ألن‬ ‫من الصعب الحصول عىل موافقة من الجهات األمنية بالنسبة للفلسطينيني‪.‬‬ ‫يحكم متلك الفلسطينيني للعقارات يف سوريا القانون رقم ‪ 11‬تاريخ ‪2011/4/10‬‬ ‫وهو قانون متلك األجانب يف سوريا الذي عدل القانون رقم ‪ 11‬العام ‪ .2008‬وحسب‬ ‫نص هذا القانون‪« :‬يجوز إنشاء أو تعديل أو نقل أي حق عيني عقاري يف أرايض‬ ‫الجمهورية العربية السورية السم أو ملنفعة شخص غري سوري طبيعياً كان أم اعتبارياً‬ ‫وفق األحكام التالية‪ :‬متلك األرسة بقصد سكنها الشخيص وعىل وجه االستقالل عقارا ً‬ ‫واحدا ً مبنياً برخصة نظامية وفق نظام ضابطة البناء ال تقل مساحته املبنية الدنيا‬ ‫عن ‪ 140‬مرتا ً مربعاً ويشكل وحدة سكنية متكاملة وال يقبل طلب اإلفراز الطابقي‬ ‫‪17‬‬


‫لهذا العقار يف حال قابليته لإلفراز عىل أن يتم التملك برتخيص مسبق يصدر بقرار‬ ‫عن وزير الداخلية ويقصد باألرسة يف معرض تطبيق هذا القانون الزوج والزوجة‬ ‫واألوالد الذين هم بوالية الزوج عىل أن تكون إقامتها يف الجمهورية العربية‬ ‫السورية إقامة مرشوعة» ومينع القانون عىل غري السوري الذي اكتسب ملكية عقار‬ ‫وفق أحكام هذا القانون أن يترصف به بأي وجه من وجوه الترصف قبل ميض‬ ‫سنتني عىل اكتساب امللكية إال مبوافقة وزير الداخلية‪ .‬ويقيد ملكيته بشأن االنتقال‬ ‫عن طريق اإلرث‪ ،‬فينص يف مادته الثالثة‪« :‬إذا انتقل لغري السوري بطريق اإلرث‬ ‫أو االنتقال أو الوصية عقار واقع داخل أو خارج املخططات التنظيمية للوحدات‬ ‫اإلدارية والبلديات يسقط حقه فيه إذا مل يكن هناك تعامل باملثل من قبل الدولة‬ ‫التي يحمل جنسيتها ويف هذه الحالة عليه نقل ملكيته إىل مواطن سوري خالل‬ ‫مدة سنتني من تاريخ انتقاله إليه وإال ينتقل إىل إدارة أمالك الدولة لقاء دفع قيمته‬ ‫املقدرة وفقاً ألحكام قانون االستمالك» ومينع القانون الدوائر العقارية ودوائر‬ ‫السجل املؤقت وسائر الجهات األخرى املختصة بنقل امللكية العقارية كام ميتنع‬ ‫عىل الكتاب بالعدل توثيق بيوع العقارات املشمولة بأحكام هذا القانون ما مل تربز‬ ‫قرارات الرتخيص أو املوافقات املطلوبة مبوجبه‪ .‬ويعاقب بالحبس من سنة إىل ثالث‬ ‫سنوات وبالغرامة املعادلة لقيمة األموال والحقوق التي تناولها العقد كل من أقدم‬ ‫عىل إجراء عقد ملصلحة شخص غري سوري خالفا ألحكام هذا القانون أو توسط‬ ‫بإجرائه إضافة إىل مصادرة تلك األموال والحقوق‪ .‬ومبا أن الفلسطينيني يف أغلبهم‬ ‫ينتمون إىل الطبقة الوسطى‪ ،‬وليس لها القدرة عىل امتالك هذا النوع من العقارات‪،‬‬ ‫بذلك فقد الفلسطينيون هذا الطريق من طرق التملك التي ميكن أن ميلكوا مبوجبها‬ ‫شققاً صغرية مسجلة يف السجل العقاري كان يتم التساهل معهم سابقاً وتجاوز‬ ‫رشط املساحة‪.‬‬ ‫عدا عن ذلك‪ ،‬تسمح القوانني السورية بأن يتملك الالجئ الفلسطيني األموال‬ ‫املنقولة مهام كانت‪ ،‬حتى تلك التي تسجل يف سجل خاص مثل السيارات ووسائط‬ ‫النقل‪ ،‬عىل أن ال يكون القانون مينع متلك املنقول أصالً‪ ،‬فطاملا مباح متلك املنقول‬ ‫يحق للفلسطيني متلكه‪.‬‬ ‫‪18‬‬


‫الجئون من نوع آخر‬ ‫الحقوق التي منحها القانون السوري لالجئني الفلسطينيني والتي تحدثنا عنها‬ ‫سابقاً‪ ،‬شملت الفلسطينيني الذين لجئوا إىل سوريا يف العام ‪ ،1948‬ولكن الوجود‬ ‫الفلسطيني يف سوريا مل يقترص عليهم‪ .‬فهناك أعداد من الالجئني الفلسطينيني‬ ‫وفدت إىل سوريا بعد العام ‪ .1948‬وهم ينقسمون إىل أربع فئات أخرى من الالجئني‬ ‫الفلسطينيني‪:‬‬ ‫‪1‬ـ هناك أعداد من الالجئني الفلسطينيني جاءت إىل سوريا يف العام ‪ 1956‬أكرثهم‬ ‫من لبنان نتيجة الظروف السياسية واالجتامعية واالقتصادية التي كانوا يعيشونها‬ ‫هناك‪ .‬شكّل هؤالء فئة خاصة من الالجئني الفلسطينيني من حيث تعامل القانون‬ ‫السوري معهم‪ ،‬وإن كانوا قد أضيفوا إىل الكتلة األساسية التي وفدت سنة ‪1948‬‬ ‫والسنوات التي تلتها عرب تسجيلهم عىل قيود مؤسسة الالجئني الفلسطينيني وقيود‬ ‫(األونروا)‪ ،‬لكن مل يتم إعطاءهم حق العمل‪ ،‬ومل يعاملوا معاملة السوري‪ ،‬وال يؤدون‬ ‫الخدمة العسكرية‪ ،‬ويف حال الدخول إىل سوق العمل يحتاجون إىل بطاقة عمل مثل‬ ‫أي أجنبي‪.‬‬ ‫‪2‬ـ بعد حرب العام ‪ 1967‬وفدت إىل سوريا أعداد من الالجئني الفلسطينيني‪،‬‬ ‫وهؤالء مل يعاملوا معاملة السوري ومل يسجلوا يف سجالت الهيئة العامة لالجئني‪ ،‬وإن‬ ‫كان البعض منهم قد نقل تسجيله يف (األونروا) من املكان الذي كان يقيم فيه قبل‬ ‫العام ‪ 1967‬إىل سوريا‪ .‬أما بالنسبة لغري املسجلني فإنهم يُعاملون معاملة األجنبي‪،‬‬ ‫إذا كانوا من حملة وثائق السفر املرصية (قطاع غزة)‪ ،‬ومعاملة العريب املقيم إذا‬ ‫كانوا من حملة جوازات السفر األردنية‪.‬‬ ‫‪3‬ـ وفدت أعداد من الفلسطينيني إىل سوريا بعد الصدامات املسلحة التي شهدها‬ ‫األردن عام ‪ 1970‬بني املقاومة الفلسطينية والسلطات األردنية‪ ،‬والتي أ ّدت إىل طرد‬ ‫املقاومة من األردن‪ ،‬حيث وفدت إىل سوريا أعداد من الفلسطينيني املنضوين يف‬ ‫صفوف املقاومة مع عائالتهم‪ ،‬كام أن آخرين ليسوا من رجال املقاومة اندفعوا‬ ‫تحت وطأة الخوف من مجازر قادمة للقدوم إىل سوريا‪ .‬وأغلب هؤالء فقدوا‬ ‫جوازاتهم األردنية نتيجة أسباب الهجرة والنزوح فال يتطلّب األمر منهم الحصول‬ ‫‪19‬‬


‫عىل بطاقة إقامة‪ ،‬لكنهم باملقابل ال يستطيعون الحركة خارج سوريا‪ ،‬وال يستطيعون‬ ‫الدخول إىل سوق العمل بشكل منتظَم‪ .‬ويف الواقع ال توجد قوانني واضحة يف‬ ‫التعامل مع هذه الفئة‪ ،‬فهم حسب القانون أجانب يقيمون يف سوريا بشكل غري‬ ‫رشعي‪ .‬ولكن يف الواقع يتم التعامل معهم من خالل التغايض عن وضعهم القانوين‬ ‫من جهة اإلقامة‪ .‬وتعترب أوضاع هذه الفئة األكرث تعقيدا ً‪ ،‬إذ إن الغالبية العظمى‬ ‫منهم ال متتلك وثائق بعد إلغاء أو انتهاء مفعول جوازات السفر األردنية التي كانوا‬ ‫يحملونها‪ ،‬وهم الفئة األكرث معاناة بني الفئات املذكورة‪.‬‬ ‫‪4‬ـ هناك عدد من قطاع غزة وفدوا إىل سوريا يحملون وثائق سفر لالجئني‬ ‫الفلسطينيني تصدر عن الحكومة املرصية (بالنسبة ألبناء قطاع غزة) ويتو ّجب عىل‬ ‫حملة الوثائق املرصية تجديد إقامتهم يف سوريا سنوياً‪ ،‬ومثة تقييد عىل دخولهم‬ ‫سوق العمل وإن كانوا ال يعانون متييزا ً يف الخدمات الصحية والتعليمية‪.‬‬ ‫إقامة مؤقتة‬ ‫يحمل الفلسطينيون يف سوريا بطاقة تعريف شخصية‪ ،‬كتب عليها «تذكرة إقامة‬ ‫مؤقتة للفلسطينيني»‪ ،‬وقد مىض عىل إقامة الفلسطينيني يف سوريا أكرث من ستة‬ ‫عقود‪ ،‬ماتت خاللها أجيال وولدت أجيال‪ ،‬وما زالت هذه اإلقامة مؤقتة‪ .‬لقد نظمت‬ ‫القوانني السورية إقامة الفلسطينيني بوصفها إقامة مؤقتة‪ ،‬ومنعت عنهم الحصول‬ ‫عىل الجنسية بحكم اإلقامة‪ ،‬للحفاظ عىل قضيتهم الوطنية وحقهم يف العودة إىل‬ ‫وطنهم‪ ،‬رغم كل االمتيازات التي منحت لهم مقارنة بأوضاع الالجئني يف لبنان‪ ،‬أليس‬ ‫من الغريب أن تقرأ عىل قيد نفوس لشاب ولد يف دمشق العام ‪ 1990‬أو طفل ولد‬ ‫يف العام ‪ 2012‬أن تاريخ لجوءه إىل سوريا كان العام ‪ ،1948‬أي قبل أن يولد بأكرث من‬ ‫نصف قرن أو قبل أن يولد والده ورمبا جده‪ .‬إنه الجئ ألنه ولد ألب الجئ‪ ،‬وسالالت‬ ‫العائالت الفلسطينية الالجئة يبدو أنها لن تنتهي‪.‬‬

‫‪20‬‬


‫الفصل الثاين‬ ‫التحوالت االقتصادية واالجتامعية‬ ‫عندما غادر الالجئون الفلسطينيون ديارهم يف نكبة العام ‪ ،1948‬كانت أغلبيتهم‬ ‫الساحقة من الفالحني والطبقة الوسطى‪ ،‬فعشية النكبة كان االقتصاد الفلسطيني‬ ‫اقتصادا ً زراعياً‪ ،‬وتشكيلته االجتامعية الرئيسية فالحية‪ .‬وبفعل النكبة تحول كل‬ ‫هؤالء بني ليلة وضحاها إىل فقراء ومعوزين‪ ،‬لقد تركوا كل يشء خلفهم عىل أمل أن‬ ‫يعودوا اىل ديارهم خالل أيام معدودة‪ ،‬لكن األيام تحولت اىل سنوات والسنوات اىل‬ ‫عقود‪ ،‬وطال االنتظار‪ .‬كانت السنوات األوىل للجوء هي سنوات الحاجة والعوز يف‬ ‫اوساط الالجئني‪ .‬كان الفلسطينيون القادرين عىل العيش بدون حاجة للمساعدات‬ ‫أقلية نادرة‪ ،‬بينام كان األغلبية الساحقة يائسة وقلقة عىل مستقبلها ومعوزة لكل‬ ‫يشء‪ .‬وبحكم الواقع املأساوي الذي عاشه مئات اآلالف من الالجئني الفلسطينيني‬ ‫يف أماكن تواجدهم‪ ،‬أقامت األمم املتحدة هيئة خاصة ملعالجة مشكلة الالجئني‬ ‫الفلسطينيني واحتياجاتهم وحملت اسم‪ :‬وكالة غوث وتشغيل الالجئني الفلسطينيني‬ ‫(األونروا) التي تأسست يف ‪ 8‬كانون األول (ديسمرب) ‪ 1949‬ومبوجب القرار رقم‬ ‫‪ 302‬الصادر عن الجمعية العامة لألمم املتحدة‪ ،‬وحددت مناطق عملياتها يف دول‬ ‫الطوق سوريا ولبنان واألردن ـ باستثناء مرصـ ويف الضفة الغربية وقطاع غزة‪ .‬قامت‬ ‫األونروا بتقديم املساعدات الغذائية والطبية والتعليمية األولية عىل مدى عقود‬ ‫من عمر املأساة الفلسطينية‪ ،‬وقد استفادت األغلبية الساحقة من الفلسطينيني من‬ ‫هذه الخدمات‪ ،‬باستثناء أقلية بسيطة مل تسجل نفسها يف سجالت األونروا‪ )4(.‬وعىل‬ ‫مدى العقود املنرصمة من عمر النكبة‪ ،‬تراجعت الخدمات التي تقدمها األونروا‬ ‫لالجئني الفلسطينيني يف كل مناطق عملياتها‪ ،‬خاصة يف سوريا‪ ،‬ويف مطلع الثامنينات‬ ‫مل يعد يستفيد من الحصص الغذائية التي توزعها األونروا من الالجئني الفلسطينيني‬ ‫يف سوريا‪ ،‬سوى تلك الحاالت التي تصنف «حاالت صعبة» والتي توضع رشوط‬ ‫‪21‬‬


‫وعقبات كثرية أمام اثبات وضعها للحصول عىل الحصة الغذائية‪.‬‬ ‫واقع اقتصادي جديد‬ ‫تجربة الشتات ليست حرصا عىل الفلسطينيني‪ ،‬وهناك دامئا مشرتكات بني هذه‬ ‫التجارب عىل الرغم من خصوصية كل تجرية‪ .‬لكل شعب يعيش يف تشتته‪ ،‬جزء‬ ‫منه مشرتك‪ ،‬لجهة ارتباطها باملعاش الخاص أو املوروث‪ ،‬وجزء منه مطبوع بطابع‬ ‫صريورة املجتمعات املضيفة‪ .‬ومبا أن الفلسطينيني يف سوريا ال يشذون عن هذه‬ ‫القاعدة‪ ،‬فإن أسئلة تطرح حول ما يعود إىل الهوية املشرتكة للشعب الفلسطينيي‬ ‫وما يعود اىل تداخل الهويات الجامعية والتفاضلية يف املجتمع السوري نفسه‪ .‬بكالم‬ ‫آخر ميكن التساؤل حول كيفية احتفاظ الفلسطينيني يف سوريا بشعورهم باالنتامء‬ ‫اىل هوية خاصة‪ ،‬وكيفية تطويرهم لهذا الشعور رغم اندراجهم يف مواقع طبقية‬ ‫(‪)5‬‬ ‫واجتامعية وتطبعهم بثقافة البيئة السورية‪.‬‬ ‫ميكن القول أن الالجئني الفلسطينيني شكلوا يف سوريا حالة التقاطع بني مجتمعني‪،‬‬ ‫املجتمع الذي يعيشون يف اطاره وهو املجتمع السوري وهو الحاضنة اليومية‬ ‫للتحركات والتفاعالت االقتصادية ‪ -‬االجتامعية‪ ،‬والتجمعات الفلسطينية األخرى‬ ‫يف الشتات والوطن‪ ،‬التي تضامنت وتفاعالت مع بعضها رغم العوائق الجغرافية‬ ‫لصناعة صورة الفلسطيني الحديثة‪ ،‬وقد لعب الالجئون الفلسطينيون يف الشتات‬ ‫دورا ً رئيساً يف تشكيل الهوية الوطنية الفلسطينية الحديثة‪ ،‬وبتأسيس منظمة‬ ‫التحرير‪ ،‬عرب هذا االطار عن التفاعالت السياسية والوطنية الفلسطينية‪.‬‬ ‫شكل الالجئون الفلسطينيون يف سوريا ‪ 10.7‬يف املئة إىل مجموع الالجئني‬ ‫(‪)7‬‬ ‫الفلسطينيني يف الشتات(‪ .)6‬وبلغت نسبتهم ‪ 2.1‬يف املئة إىل مجموع سكان سوريا‪.‬‬ ‫تركز معظم الفلسطينيني يف مدينة دمشق ومحيطها‪ .‬فاستأثرت دمشق بنحو ‪66.8‬‬ ‫يف املئة من مجموع الالجئني الفلسطينيني يف سوريا‪ ،‬يف حني استحوذت محافظة‬ ‫درعا عىل نحو ‪ 7.9‬يف املئة‪ ،‬ومحافظة حلب ‪ 7.6‬يف املئة‪ ،‬وحمص ‪ 4.8‬يف املئة‪،‬‬ ‫وحامة ‪ 2.1‬يف املئة‪ ،‬والالذقية ‪ 2.4‬يف املئة وباقي النسبة هم من املسجلني يف‬ ‫سجالت محافظة القنيطرة ونسبتهم ‪ 8.4‬يف املئة‪.‬‬ ‫‪22‬‬


‫يقيم نحو ‪ 30‬يف املئة فقط من اجاميل الفلسطينيني يف ‪ 13‬مخيامً‪ 9 ،‬تصنفها‬ ‫األونروا مخيامت‪ ،‬والباقي ال تصنفه مخيامت‪ ،‬وعىل رأس املخيامت غري املعرتف‬ ‫بها‪ ،‬مخيم الريموك الذي يضم أكرث من ‪ 150‬الف فلسطيني‪ ،‬عىل الرغم من وجود‬ ‫خدماتها فيه من صحة وتعليم وغريها من الخدمات األخرى‪ )8(.‬وهناك تجمعات‬ ‫فلسطينية ال تدخل يف تصنيف املخيامت‪ ،‬مثل التجمعات الفلسطينية يف كل من‬ ‫الحسينية ودوما ودمر‪.‬‬ ‫شكلت السنوات األوىل للجوء الفلسطيني يف سوريا‪ ،‬السنوات األصعب يف حياة‬ ‫الالجئني وتجربة اللجوء‪ ،‬آالف الالجئني الفلسطينيني الهامئني عىل وجوههم‪ ،‬خرسوا‬ ‫كل يشء‪ ،‬ديارهم‪ ،‬مصادر رزقهم‪ ،‬مجتمعهم‪ ،‬عائالتهم‪ ،‬متعلقاتهم الشخصية حملوا‬ ‫مفاتيح ديارههم التي سيعودون اليها بعد أيام‪ ،‬لكنها صدئت يف املنايف‪ .‬خيم اليأس‬ ‫واإلحباط عىل حياة الالجئني الفلسطينيني يف كل أماكن تواجدهم‪ .‬آالف وجدوا‬ ‫أنفسهم مرتوكني للقدر والصدفة ولصدقات الناس ولتالعبات الزمن مبصائرهم‪ .‬من‬ ‫حالة العدم والعوز‪ ،‬كان عىل الفلسطينيني إعادة بناء حياتهم وأرسهم وأحالمهم‬ ‫وصالتهم االجتامعية ووطنهم الواقعي واملتخيل‪ .‬كانت تجمعات الالجئني تحاول‬ ‫إعادة بناها االجتامعية التي تدمرت بفعل استيالء العصابات الصهيونية عىل‬ ‫فلسطني واقتالعهم منها‪ ،‬األرض التي شكلت حاضن العالقات االجتامعية للمجتمع‬ ‫الفالحي الذي كان قامئاً يف فلسطني قبل النكبة‪ ،‬مل تعد موجودة ابتلعها املرشوع‬ ‫الصهيوين بتأسيس دولة إرسائيل‪ .‬لكنهم يف املنايف أعادوا بناء عالقاتهم االجتامعية‬ ‫عىل األساس الذي كان قامئا يف بلدهم قبل النكبة‪ .‬لقد كان ذلك نوعا من مقاومة‬ ‫املصري الذي وجدوا أنفسهم يعيشون دوامته «إن الحفاظ عىل القيم الفالحية‬ ‫والتنظيم االجتامعي من قبل الفلسطينيني كان بحد ذاته شكالً من أشكال املقاومة‬ ‫وشمل الكفاح بني قيمه‪ )9(».‬لكن ما كانت التجمعات الفلسطينية يف الشتات تحاول‬ ‫الحفاظ عليه يف عالقاتها االجتامعية استنادا ملا كان قبل النكبة‪ ،‬كانت العوامل‬ ‫االقتصادية واالجتامعية تدمره لصالح بنية اجتامعية واقتصادية مختلفة يف مخيامت‬ ‫الشتات‪.‬‬ ‫‪23‬‬


‫االندماج االقتصادي‬ ‫منحت القوانني والتسهيالت السورية وعىل رأسها القانون رقم ‪ 260‬لعام ‪1956‬‬ ‫املجال أمام اندماج الفلسطينيني يف االقتصاد السوري‪ ،‬دون أن متنحهم االندماج‬ ‫يف الحياة السياسية‪ .‬فقد اعطتهم الحقوق التي أعطتها للسوريني بشأن العمل‬ ‫والتوظيف والتجارة‪ ،‬وقننت عليهم بشأن امللكيات العقارية ومنعتهم من متلك‬ ‫األرايض الزراعية‪ .‬كل ذلك مع االحتفاظ بجنسيتهم الفلسطينية‪ ،‬ما أخرجهم من‬ ‫الحياة السياسية السورية باملعنى القانوين للكلمة‪ ،‬أي مل يعطيهم الحق يف الرتشيح‬ ‫واالنتخاب يف املؤسسات الترشيعية السورية‪ ،‬ومل مينحهم الحق يف الوصول إىل‬ ‫مناصب وزارية‪ ،‬رغم أن الكثريين منهم شغلوا مناصب معاون وزير‪ )10(.‬وبذلك كان‬ ‫الفلسطينيون جزءا من البنية االقتصادية للمجتمع السوري‪ ،‬دون أن يكونوا جزءا‬ ‫(‪)11‬‬ ‫من الحياة السياسية السورية‪.‬‬ ‫عندما وقعت النكبة‪ ،‬كان االقتصاد الفلسطيني اقتصادا ً زراعياً‪ ،‬وكان أكرث من‬ ‫ثلثي السكان يف فلسطني يعملون يف قطاع الزراعة‪ ،‬ومبا أن املرشوع الصهيوين‬ ‫كمرشوع اقتالعي اجاليئ احاليل للسكان اليهود مكان الفلسطينيني‪ ،‬كان يستهدف‬ ‫األرض الفلسطينية والفالحني املقيمني عليها‪ .‬لذلك‪ ،‬شكل الفالحون الفلسطينيون‬ ‫الضحية األساسية لالقتالع‪ ،‬هذا ال يعني أن املدن الفلسطينية مل تستهدف يف عملية‬ ‫االقتالع التي استهدفت الفلسطينيني‪ ،‬بل تم استهدافها واقتالع سكانها‪ ،‬لكن األرض‬ ‫الفلسطينية كانت مستهدفة‪ ،‬بوصف االقتصاد الصهيوين املستهدف يف بناء إرسائيل‬ ‫يف العام ‪ 1948‬كان اقتصادا ً زراعياً‪ ،‬قامئاً عىل الكيبوتز والكولخوز‪ ،‬أي االستيطان‬ ‫الزراعي بوصفه عامد املرشوع الصهيوين يف بناء الدولة وبوتقة الصهر يف املرشوع‬ ‫الصهيوين‪ .‬لذلك كان االقتالع الوحيش للقرى الفلسطينية وتدمري أكرث من ‪ 400‬قرية‬ ‫فلسطينية يف العام ‪ 1948‬عىل أيدي العصابات الصهيونية وطرد سكانها بالقوة‬ ‫ومنعهم من العودة إىل أراضهيم‪.‬‬ ‫وجدت األغلبية الفالحية الفلسطينية نفسها يف الشتات‪ ،‬معدمة ويائسة ومعوزة‪،‬‬ ‫وكانت قد وقعت يف رشوط اقتصادية جديدة‪ ،‬فبعد االقتالع‪ ،‬أخذ الالجئون يبحثون‬ ‫عن أعامل تساعدهم عىل ترميم حياتهم يف الشتات‪ ،‬وكانت بنيتهم الفالحية عائقاً‬ ‫‪24‬‬


‫رئيساً أمام االندماج يف سنواتهم األوىل يف االقتصاد السوري‪ ،‬فهم مل مينعوا من‬ ‫الحصول عىل فرص عمل يف االقتصاد السوري‪ ،‬حتى قبل إصدار القانون ‪ .260‬ولكن‬ ‫شكلت البنية الفالحية عائقاً أمام هذا االندماج بحكم تركز وتم وضع اقامة األغلبية‬ ‫الساحقة من الالجئني الفلسطينيني يف تجمعات املدن أو يف محيطها القريب‪ .‬ومبا‬ ‫أن اقتالع الفلسطينيني كان من أراضيهم الزراعية بوصفها مورد رزقهم ومستقرهم‬ ‫يف وطنهم‪ ،‬فلم يجد الفالحون الفلسطينيون بدالً عن أراضيهم الزراعية يف بلدان‬ ‫الشتات ليعودوا إىل مامرسة أعاملهم السابقة عىل النكبة‪ .‬إضافة إىل بحث الالجئني‬ ‫الفلسطينيني يف السنوات األوىل للجوء عن أعامل مؤقتة ألن أملهم يف العودة إىل‬ ‫ديارهم بقي قامئاً بقوة يف تلك السنوات‪ ،‬فلم يحرصوا عىل العمل يف قطاعات ثابتة‬ ‫إال بعد سنوات من وجودهم يف الشتات‪ ،‬وازدياد قناعتهم بأن إقامتهم ستطول‬ ‫هناك‪ .‬إضافة إىل فائض العاملني يف الزراعة يف سوريا‪ ،‬يف مجتمع ال تختلف بنيته‬ ‫االقتصادية الزراعية عن املجتمع الفلسطيني يف ذلك الوقت‪ ،‬مجتمع زراعي‪ ،‬يعمل‬ ‫أغلبية سكانه يف القطاع الزراعي‪ ،‬لذلك كان عىل الفالحني الفلسطينيني أن يغريوا‬ ‫مهنهم رسيعاً تحت ضغط العوز والحاجة‪ ،‬فاملنايف ال ترحم‪.‬‬ ‫تناقض االجتامعي مع االقتصادي‬ ‫كان عىل املخيامت أن تحافظ عىل عالقاتها الفالحية التي جلبتها معها من‬ ‫فلسطني‪ ،‬للحفاظ عىل عالقتها االجتامعية‪ ،‬وأن تتحول اقتصادياً يف القطاعات‬ ‫اإلنتاجية التي تعمل فيها‪ ،‬وشكل هذا نوعاً من التناقض بني العالقات االجتامعية‬ ‫والتحول االقتصادي‪ )12(.‬ورغم ان الحفاظ عىل عالقات اجتامعية تقوم عىل األسس‬ ‫التي كانت قامئة يف فلسطني‪ ،‬شكل نوعا من مقاومة حالة اللجوء‪ ،‬وتكريس االنتامء‬ ‫اىل الوطن املفقود الذي بقي الحلم الذي نظم حياة الفلسطينيني يف املنايف‪ .‬لكن‬ ‫هذا مل مينعهم أن يتحولوا ورسيعا اىل قطاعات اقتصادية مل يكونوا يعملون بها‬ ‫يف فلسطني‪ ،‬الحاجة أجربتهم عىل التحول اقتصادياً‪ ،‬دون أن تستطيع إجبارهم‬ ‫عىل التحول االجتامعي‪ .‬ومع التحول يف قطاعات األعامل‪ ،‬كان التناقض يزداد‪ ،‬بني‬ ‫مدنية األعامل التي يقومون بها ويندمجون اقتصادياً بها‪ ،‬وبني حفاظهم عىل شكل‬ ‫‪25‬‬


‫عالقاتهم االجتامعية الفالحية السابقة عىل وقوع النكبة‪.‬‬ ‫وبحكم تكيفهم االقتصادي فقد تحولت بنيتهم الفالحية باملعنى االقتصادي إىل‬ ‫بنية مدنية‪ ،‬ال يشكل فيها العاملون يف قطاع الزراعة أكرث من ‪ 2‬يف املئة من مجموع‬ ‫القوى الفلسطينية العاملة يف سوريا‪ ،‬يف الوقت الذي كانت فيه نسبة العاملني يف‬ ‫القطاع الزراعي من السوريني يبلغ حوايل ثلث السكان‪ ،‬ويف السنوات األخرية تراجع‬ ‫القطاع الزراعي يف سوريا وأصبح العاملون فيه ال يشغلون أكرث من ‪ 20‬يف املئة من‬ ‫العاملني يف سوريا‪ .‬بذلك‪ ،‬تغريت الرتكيبة االقتصادية للفلسطينني يف سوريا خالل‬ ‫العقدين التاليني عىل النكبة‪ ،‬وأصبح العاملون يف الزراعة يشكلون نسبة هامشية‬ ‫بني الالجئني الفلسطينيني يف سوريا‪ ،‬بينام استقطب قطاع الخدمات أكرث من ‪ 41‬يف‬ ‫املئة من القوى العاملة يف اوساط الفلسطينيني‪ .‬مقابل ذلك امتص قطاع الصناعة‬ ‫التحويلية ‪ 14.6‬يف املئة من اجاميل العاملة‪ ،‬والتجارة ‪ 8.4‬يف املئة‪ ،‬واحتل قطاع‬ ‫البناء املرتبة الثانية من حيث استيعاب القوة العاملة فاستأثر بنحو ‪ 27‬يف املئة من‬ ‫إجاميل العاملة الفلسطينية‪ .‬وتوزع العاملون الفلسطينيون يف سوريا عىل القطاعات‬ ‫املختلفة بنسب متفاوتة‪ ،‬بلغت ‪ 0.2‬يف املئة يف قطاع املناجم‪ 1.4 ،‬يف املئة يف قطاع‬ ‫الكهرباء‪ 4.8 ،‬يف املئة يف قطاع النقل ‪ 0.4‬يف املئة يف قطاع املال‪.‬‬ ‫التوزع عىل القطاعات االقتصادية‬ ‫من املالحظ أن قطاع الخدمات احتل املرتبة األوىل من حيث استيعابه للقوى‬ ‫العاملة الفلسطينية يف سوريا‪ ،‬ما يؤكد مرة أخرى‪ ،‬أن القطاع الحكومي بفروعه‬ ‫املختلفة‪ ،‬وعىل وجه التحديد قطاع التعليم‪ ،‬قد استحوذ عىل النصيب األكرب من‬ ‫العاملة الفلسطينية يف سوريا‪ .‬وقد يكون الرتفاع مستويات التعليم بني الفلسطينيني‬ ‫االثر الكبري يف هيكلية توزيع العاملة الفلسطينية يف سوريا عىل القطاعات االقتصادية‬ ‫السورية املختلفة‪.‬‬ ‫بحكم االنتقال إىل األعامل غري الزراعية‪ ،‬فقد التفت الالجئون الفلسطينيون‬ ‫إىل التعليم‪ ،‬حيث ارتفعت نسبة املتعلمني بينهم وتراجعت نسبة األمية‪ .‬وقد‬ ‫ساعد عىل تعلم الفلسطينني‪ ،‬الخدمات التعليمية التي قدمتها األونروا لالجئني‬ ‫‪26‬‬


‫الفلسطينيني عرب بناء مدارس تديرها يف البلدان املضيفة لالجئني‪ .‬حيث تقوم األونروا‬ ‫حسب ارقام العام ‪ 2012‬بإدارة ‪ 118‬مدرسة تعمل جميعها بنظام الفرتتني وتقدم‬ ‫التعليم األسايس االبتدايئ واإلعدادي ملا مجموعه ‪ 66,500‬طفل من أطفال الالجئني‬ ‫الفلسطينيني‪ )13(.‬وتتبع املدارس املنهاج الوطني لوزارة الرتبية والتعليم السورية‪.‬‬ ‫وتقوم األونروا أيضاً بإدارة مركز تدريب مهني يف دمشق يعمل عىل إعداد الالجئني‬ ‫الشباب من أجل التوظيف وذلك من خالل تجهيزهم باملهارات القابلة للتسويق‪.‬‬ ‫(‪ )14‬وقد كانت األونروا بحد ذاتها‪ ،‬ليس مقدما للمساعدات لالجئني الفلسطينيني‬ ‫فحسب‪ ،‬بل كانت مشغال لهم يف نفس الوقت‪ ،‬فاملدرسون الذين يغطون التعليم يف‬ ‫املدارس التي تديرها األونروا‪ ،‬جلهم من الالجئني الفلسطينيني‪ ،‬واإلداريني والعامل‬ ‫الذين يعملون يف املباين اإلدارية واملستوصفات والعيادات الطبية‪ ،‬كذلك جلهم‬ ‫من الالجئني‪ .‬وبذلك قدمت األونروا لهم فرص العمل اضافة اىل املساعدات‪ ،‬وقد‬ ‫تزايدت هذه الفرص مع تزايد اعداد الالجئني‪ ،‬ويقدر عددهم يف السنوات األخرية‬ ‫(‪)15‬‬ ‫يف سوريا بحويل ‪ 4‬آالف موظف وموظفة‪.‬‬ ‫يف قلب االقتصاد السوري‬ ‫تقع سوريا يف مجال التنمية البرشية يف موقع متأخر‪ ،‬فهي تقع حسب مؤرش‬ ‫التنمية لألمم املتحدة يف املوقع ‪ 14‬عربياً ويف موقع ‪ 119‬عىل مستوى دول العامل‬ ‫حسب تصنيفات العام ‪ .2011‬وكان ترتيب سوريا قد تراجع عىل مدى السنوات‬ ‫األخرية‪ ،‬حيث شغل موقع الـ ‪ 92‬بني دول العامل يف تقرير العام ‪ 1996‬وتراجع‬ ‫إىل املوقع ‪ 111‬يف تقرير عام ‪ ،1999‬وصوالً إىل املوقع ‪ 119‬يف العام ‪ ،2011‬أي أن‬ ‫موقع سوريا قد تراجع خالل ‪ 17‬عاماً ‪ 27‬موقعاً‪ .‬وتبقى معطيات الوضع االقتصادي‬ ‫يف سوريا غامضة‪ ،‬مثل الكثري من األشياء يف سوريا‪ ،‬فحتى عىل مستوى تقدير‬ ‫دخل الفرد هناك تقديرات تتفاوت لدرجة كبرية‪ .‬يف الوقت الذي يقدر البعض أن‬ ‫متوسط دخل الفرد يف سوريا للعام ‪ 2011‬بلغ نحو ‪ 2803‬دوالرات‪ ،‬وهو املعدل‬ ‫األقل مقارنة بدول الجوار كلبنان واألردن‪ )16(.‬ويف تقديرات أخرى فإن دخل الفرد‬ ‫يرتاجع إىل أقل من نصف املبلغ السابق‪ .‬ففي العام ‪ 2010‬بلغ دخل الفرد حسب‬ ‫‪27‬‬


‫تقديرات أخرى ‪ 1210‬دوالر‪ )17(.‬والرقم الرسمي السوري تحدث عنه الدكتور عبد‬ ‫الله الدردري نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون االقتصادية الذي قال يف مجلس‬ ‫الشعب‪« :‬سريتفع الدخل السنوي للمواطن من ‪ 1100‬دوالرا ً إىل ‪ 1800‬دوالرا ً بعد‬ ‫خمس سنوات» خالل الخطة الخمسية العارشة التي انتهت عام ‪ 2010‬ومل يتحقق‬ ‫(‪)18‬‬ ‫الهدف حسب الخرباء‪.‬‬ ‫يعيش الفلسطينيون ذات الواقع االقتصادي الذي يعيشه السوريون‪ ،‬لذلك تأثر‬ ‫التجمع الفلسطيني بكل التغريات والتحوالت االقتصادية التي شهدتها سوريا‪ .‬وقد‬ ‫كانت التحوالت االقتصادية الوحشية التي جرت اعتبارا ً من العام ‪ 2000‬تحت عنوان‬ ‫«التحول إىل السوق االجتامعي» سبباً أساسياً يف ازدياد نسبة الفقر الرسيعة يف‬ ‫سوريا يف العقد األول من القرن الجديد‪ .‬وقد غطت هذه السياسة عىل عمليات‬ ‫النهب الواسعة التي جرت يف سوريا‪ ،‬وغطت نوعاً من خصخصة غري معلنة عرب‬ ‫عقود اإليجار طويلة املدى للرشكات املحلية والرشكات الخليجية استفاد منها‬ ‫أشخاص محددون ال يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة‪ .‬وبسبب من السياسات‬ ‫املتوحشة زادت نسبة الفقر يف سوريا مبعدالت قياسية اعتبارا ً من العام ‪.2000‬‬ ‫وحسب تقرير أعدته الحكومة السورية بالتعاون مع الربنامج اإلمنايئ لألمم املتحدة‬ ‫يف سوريا حمل عنوان «الفقر يف سوريا ‪ »2004-1996‬أظهر أن نسبة الذين يعيشون‬ ‫تحت خط الفقر األعىل يف سوريا تصل إىل ‪ 30‬يف املئة (‪ 40‬دوالرا ً شهرياً) ميثلون‬ ‫حوايل ‪ 5.3‬ماليني شخص‪ ،‬يف حني تصل نسبة خط الفقر األدىن إىل ‪ 11‬يف املئة (‪30‬‬ ‫دوالرا ً شهرياً) ميثلون حوايل ‪ 2‬مليون شخص‪ ،‬فيام مل تتمكن الحكومة يف خطتها‬ ‫الخمسية العارشة (‪ )2010 - 2006‬تخفيض هذه النسبة‪ .‬وحسب ذات الدراسة‬ ‫ازدادت الهوة االقتصادية بني السوريني‪ ،‬بني األعوام ‪ ،2004 – 1997‬بوالدة غنى‬ ‫فاحش مل يكن ملحوظاً يف سوريا سابقاً‪ ،‬حيث استهلك ‪ 20‬يف املئة من السكان األكرث‬ ‫ثرا ًء ‪ 95‬يف املئة من اإلنفاق يف سوريا مقابل استهالك ‪ 80‬يف املئة من السكان األدىن‬ ‫‪ 5‬يف املئة فقط‪ )19(.‬وال تختلف نسبة الفقر األدىن عند الفلسطينيني عن متوسطها‬ ‫السوري‪ ،‬حيث بلغت نسبة الفقر األدىن ‪ 7‬يف املئة بني فلسطيني سوريا وذلك‬ ‫حسب تقديرات وكالة الغوث نهاية العام ‪ )20(.2007‬وإذا أخذنا بعني االعتبار أن‬ ‫‪28‬‬


‫الفقر يف سوريا يرتكز يف الشامل السوري‪ ،‬نستطيع أن نقدر‪ ،‬ان نسبة الفقر بني‬ ‫أوساط الفلسطينيني الذين يرتكز وجودهم يف مدينة دمشق ومحيطها‪ ،‬أكرب منها‬ ‫نسبياً بني الفلسطينيني‪.‬‬ ‫الجئون من جديد‬ ‫لقد منحت سوريا الفلسطينيني ذات الحقوق التي ملواطنيها‪ ،‬وخفف هذا عن‬ ‫الالجئني الفلسطينيني معاناتهم‪ ،‬ومل يذوقوا املعاناة القاسية التي عاناها الالجئون‬ ‫الفلسطينيون يف لبنان مبنعم من العمل بـ ‪ 73‬مهنة ما حول حياتهم اىل جحيم‪.‬‬ ‫وهذا ال يعني أن الفلسطينيني يف سوريا عاشوا حياة مثالية ومرفهة‪ ،‬فمثلام خففت‬ ‫عنهم الحقوق التي ُمنحت لهم‪ ،‬كذلك جعلتهم بوصفهم جزءا من االقتصاد السوري‬ ‫يعانون معاناة املواطن السوري وهم الذين أصابهم ما أصابه جراء املتغريات التي‬ ‫شهدها االقتصاد السوري‪.‬‬ ‫مع انفجار االحتجاجات يف سوريا‪ ،‬عاش الفلسطينيون املعاناة ذاتها التي تعرضت‬ ‫لها املناطق السورية‪ ،‬فمع انفجار الصدام املسلح‪ ،‬كانت املناطق التي يقطنها‬ ‫فلسطينيون عرضة للقنص وللقصف املدفعي وغارات الطريان‪ ،‬مخيم درعا الذي‬ ‫سوي باألرض‪ ،‬ومخيم الرمل يف الالذقية ومخيم خان الشيح ومخيم السبينة وصوال‬ ‫اىل مخيم الريموك‪ ،‬تعرضت للقصف الوحيش والتهجري‪ .‬كام تعرضت التجمعات‬ ‫الفلسطينية للقصف العنيف خاصة تجمع الحسينية يف جنوب دمشق‪.‬‬ ‫ولّد استهداف املخيامت موجة كبرية من الالجئني الفلسطينيني داخل سوريا‬ ‫وخارجها‪ ،‬بنكبة جديدة ذكرتهم بالنكبات التي تعرضوا لها عىل مدار أكرث من ستة‬ ‫عقود‪ .‬لقد غادر من مخيم الريموك وحده عىل إثر غارات طائرات امليغ أكرث من ‪140‬‬ ‫ألف الجئ‪ ،‬تقطعت يف الكثري منهم السبل‪ ،‬ومل يجدوا مكانا يؤويهم سوى املدراس‬ ‫والجوامع‪ .‬وخضع الالجئون الفلسطينيون الذين لجأوا إىل دول الجوار‪ ،‬خاصة يف‬ ‫األردن إىل معاملة سيئة جدا ً‪ ،‬وقد عومل الذين استطاعوا الدخول معاملة املعتقلني‪،‬‬ ‫وقد أعلن األردن وعىل لسان رئيس وزراءه أن دخول الالجئني الفلسطينيني إىل‬ ‫األردن «خط أحمر»(‪ )21‬كام يعيش أكرث من ‪ 20‬ألف الجئ فلسطيني من سوريا إىل‬ ‫‪29‬‬


‫لبنان أوضاعاً صعبة‪ ،‬وهم بحاجة إىل مساعدات عاجلة‪ .‬وتشري تقديرات «األونروا»‬ ‫إىل أنه «منذ بدء النزاع‪ ،‬فإن أكرث من ‪ 300‬ألف الجئ فلسطيني يف سوريا من أصل‬ ‫عدد إجاميل يبلغ ‪ 500‬ألف‪ ،‬يحتاجون إىل مساعدة طارئة»(‪ )22‬وقد نرشت األونروا‬ ‫عىل موقعها إعالناً يقول أن «نداء سوريا الطارئ‪ 500.000 ...‬الجئ فلسطينيي‬ ‫يحتاجون مساعدتكم اآلن»‬

‫‪30‬‬


‫الفصل الثالث‬ ‫الحياة السياسية الفلسطينية يف سوريا‬ ‫رغم أن اتفاقيات سايكس ـ بيكو قسمت بالد الشام بني الدول االستعامرية التي‬ ‫ربحت الحرب العاملية األوىل‪ ،‬تحديدا ً بريطانيا وفرنسا‪ ،‬إال أن التداخل الجغرايف‬ ‫واالجتامعي والتاريخي بني هذه املناطق بقي قامئاً‪ ،‬ومل تكن هناك تعقيدات التنقل‬ ‫بني هذه البلدان‪ ،‬رغم خضوع سوريا ولبنان لالحتالل الفرنيس‪ ،‬وخضوع فلسطني‬ ‫واألردن لالحتالل االنكليزي‪ .‬ومؤرش لهذا التداخل‪ ،‬ما زالت إىل اليوم عائالت يف سوريا‬ ‫تحمل أسامء النابليس والقديس والغزاوي وغريها من النسب إىل املدن الفلسطينية‪،‬‬ ‫وهناك الكثري من العائالت الفلسطينية التي تحمل النسبة إىل الشامي والحوراين‬ ‫والحلبي والحميص‪ .‬وقد اشرتك العديد من السوريني يف مقاومة االحتالل االنكليزي‬ ‫واملرشوع الصهيوين يف فلسطني‪ ،‬يف مؤرش عىل هذا التداخل الذي تعمد بالدم‪.‬‬ ‫وقاد سوريون الثورات واملقاومة يف فلسطني وكانوا عىل رأس املتصدين للمرشوع‬ ‫الصهيوين‪ ،‬ومن أشهر األسامء السورية يف التاريخ الفلسطيني الحديث التي شاركت‬ ‫الفلسطينيني مصريهم‪ ،‬عز الدين القسام وسعيد العاص‪.‬‬ ‫صدمة النكبة‬ ‫عندما وقعت النكبة الفلسطينية يف العام ‪ 1948‬مل تكن الدولة القطرية قد‬ ‫تكرست بعد‪ ،‬وكان االستعامر الفرنيس قد غادر قبل أشهر سوريا ولبنان‪ .‬واالستعامر‬ ‫االنكليزي يغادر فلسطني تاركاً كل عتاده إىل العصابات الصهيونية التي أعلنت دولة‬ ‫إرسائيل عىل أنقاض املجتمع الفلسطيني الذي جرى تدمريه وطرد سكانه‪ ،‬ما ولّد‬ ‫مشكلة الالجئني الفلسطينيني يف املنطقة(‪.)23‬‬ ‫ما أن انتهت حرب العام ‪ 1948‬حتى وجد حوايل ‪ 80‬ألف فلسطيني من بني ‪800‬‬ ‫ألف الجئ فلسطيني طردتهم العصابات الصهيونية من مدنهم وقراهم التي دمرتها‬ ‫‪31‬‬


‫هذه العصابات‪ ،‬وجدوا أنفسهم يعيشون يف الخيم التي اقيمت عىل عجل‪ ،‬أو يف‬ ‫جوامع ومدارس ليست معدة للسكن البرشي‪.‬‬ ‫مل يدمر االحتالل اإلرسائييل القرى العربية يف فلسطني فحسب‪ ،‬بل دمر املجتمع‬ ‫الفلسطيني‪ ،‬ودمر الحياة السياسية واالجتامعية واالقتصادية التي كانت قامئة يف‬ ‫فلسطني أيضاً‪ .‬وجد الفلسطينيون أنفسهم الجئني يف بالد اآلخرين‪ ،‬أفرادا ً وعائالت‬ ‫يحتاجون إىل كل يشء‪ ،‬مل يعد مجتمعهم موجودا ومل تعد قواهم السياسية‬ ‫وحاضنتهم االجتامعية والعائلية قامئة‪.‬‬ ‫عاشت التجمعات الفلسطينية يف بلدان اللجوء السنوات األوىل يف حالة من‬ ‫الصدمة والضياع وعدم التوازن‪ ،‬كان البحث األسايس للكتلة الرئيسية لالجئني هي‬ ‫إخراج أنفسهم من وضع العوز الذي وجدوا أنفسهم فيه‪ .‬ويف هذه الظروف‪ ،‬ال‬ ‫ميكن القول أنه كان للفلسطينيني حياة سياسية‪ .‬ففي السنوات التي تلت العام‬ ‫‪ 1948‬كان الجميع مشغوالً يف ترميم أوضاعه املعيشية‪.‬‬ ‫بحث جديد عن الذات‬ ‫مع بدء الخروج من الصدمة التي إصابتهم‪ ،‬بدأ الالجئون الفلسطينيون يعيدون‬ ‫النظر يف أوضاعهم‪ .‬فجراء قيام دولة إرسائيل‪ ،‬مل تغب فلسطني عن الخريطة‬ ‫السياسية للمنطقة فحسب‪ ،‬بل وما تبقى منها وقع بني ضم األردن للضفة الغربية‬ ‫وإدارة مرص لقطاع غزة أيضاً‪ .‬كام غاب الشعب الفلسطيني الذي كان موجودا ً عىل‬ ‫أرضه عن الخريطة السياسية‪ ،‬ومل يعد له وجود سوى بوصف قضيته قضية إنسانية‪،‬‬ ‫أي قضية الجئني بؤساء موزعني عىل دول الجوار‪ ،‬وليست قضية وطنية لوطن تم‬ ‫سلبه بأكرب جرمية رسقة معلنة يف التاريخ البرشي‪.‬‬ ‫وجد الالجئون أنفسهم يف وضع غري مسبوق يف املنطقة‪ ،‬اختفى وطنهم‪،‬‬ ‫وهناك من يحاول أن يخفيهم عن الوجود كشعب‪ ،‬وأخذ العرب يتحدثون باسم‬ ‫الفلسطينيني الحارضين ‪ /‬الغائبني‪ ،‬وهو ما جعلهم مقطوعي اللسان أيضاً يف التعبري‬ ‫عن أنفسهم‪ .‬لذلك عندما بدأوا يفيقون من الصدمة التي تسببت بها النكبة‪ ،‬كانوا‬ ‫يفكرون يف استعادة وطنهم ليستعيدوا أنفسهم كفلسطينيني‪ ،‬وألن هذه املهمة‬ ‫‪32‬‬


‫ظهرت بوصفها أكرب منهم‪ ،‬وأكرب من الظروف التي يعيشونها‪ ،‬فقد قرروا العمل‬ ‫يف اطار الحياة السياسية العربية يف املجتمعات التي وجدوا انفسهم يعيشون عىل‬ ‫هامشها‪ ،‬عىل أمل أن تساعدهم الدول العربية يف استعادة الوطن املسلوب‪.‬‬ ‫انتمى الالجئون الفسطينيون يف سنوات اللجوء األوىل وعملوا ضمن القوى‬ ‫وأحزاب البلدان املضيفة‪ ،‬وانتمت أغلبيتهم إىل القوى القومية الداعية إىل تحرير‬ ‫فلسطني‪ ،‬عىل أساس أن هذا التحرير يخلصها من اذالل اللجوء‪ .‬وحتى ذلك الوقت ال‬ ‫ميكن اعتبار أن هناك حياة سياسية يف تجمعات ومخيامت اللجوء‪ .‬بدأت ارهاصات‬ ‫الحياة السياسة يف التجمعات الفلسطينية يف أواخر الخمسينات‪ ،‬عندما بدأت تظهر‬ ‫قوى ومنابر فلسطينية‪ ،‬تحاول اإلجابة عىل سؤال النكبة وكيفية الرد عليها وكيفية‬ ‫(‪)24‬‬ ‫اسرتجاع فلسطني وتحريرها من االحتالل اإلرسائييل‪.‬‬ ‫كان عنوان النقاش الذي استمر سنوات طويلة بعد ذلك‪ ،‬يقوم عىل أساس‪ :‬هل‬ ‫الطريق إىل فلسطني مير عرب الوحدة العربية‪ ،‬أو أن الوحدة العربية متر عرب تحرير‬ ‫فلسطني‪ .‬كانت حركة القومني العرب عرب منربها «الثأر» تدافع عن الخيار األول‪،‬‬ ‫ونرشة «فلسطيننا» تدافع عن الخيار الثاين‪.‬‬ ‫مل يكن الالجئون الفلسطينيون يف سوريا بعيدين عن هذا النقاش‪ ،‬كانوا مشغولني‬ ‫مثل كل الالجئني بالعمل عىل استعادة فلسطني‪ ،‬دون أن يجدوا الوسيلة املناسبة‬ ‫للعمل‪ ،‬كان بعضهم ينتمي إىل حركة القوميني العرب التي كانت ناشطة يف تلك‬ ‫الفرتة‪ ،‬خاصة أيام الوحدة السوريةـ املرصية‪ ،‬وكانت أغلبية الفلسطينيني تؤيد هذا‬ ‫االتجاه القومي والنارصي تحديدا ً‪ ،‬ألن الوحدة السورية ـ املرصية أعطتهم األمل يف‬ ‫إمكانية تحرير فلسطني‪ .‬بينام كان املؤيدون للخيار الثاين أقلية يف وسط الالجئني‬ ‫الفلسطينيني يف سوريا‪.‬‬ ‫أحبط االنفصال بني مرص وسوريا العام ‪ 1961‬الفلسطينيني وجعلهم يشككون‬ ‫يف الخيار القومي‪ ،‬ويف منتصف الستينات انتبهت الدول العربية أن الفلسطينيني‬ ‫ليس لهم من يتحدث باسمهم‪ ،‬فقامت الجامعة العربية بتأسيس منظمة التحرير‬ ‫الفلسطينية وكلفت أحمد الشقريي بتشكيلها‪ ،‬وتم اإلعالن عنها يف القدس عام‬ ‫‪ .1964‬وإىل جانب هذا التحرك الرسمي العريب‪ ،‬كان هناك عمل فلسطيني مسلح‬ ‫‪33‬‬


‫يحاول اإلعالن عن نفسه منذ النصف األول من الستينات‪.‬‬ ‫إحباط االنفصال والسياسات الشكلية التي اتبعتها الدول العربية تجاه القضية‬ ‫الفلسطينية‪ ،‬مبا فيها مرص عبد النارص‪ ،‬أعطى مزيدا ً من الدفع للخيار الثاين‪ ،‬وصل‬ ‫النقاش إىل أوجه‪ ،‬بتحول الخيار الثاين إىل مامرسة سياسية وعسكرية يف منتصف‬ ‫الستينات بتأسيس حركة فتح‪ ،‬التي أعلنت عن انطالقتها بعملية عسكرية يف مطلع‬ ‫(‪)25‬‬ ‫العام ‪.1965‬‬ ‫والدة العمل الفلسطيني‬ ‫مع هزمية العام ‪ 1967‬انهزم الخيار القومي ممثالً مبرص النارصية وسوريا البعثية‪،‬‬ ‫فقد احتلت إرسائيل يف تلك الحرب الساحقة بقية األرايض الفلسطينية وأرايض تعود‬ ‫لكل من سوريا ومرص تبلغ مساحتها أربعة أضعاف مساحة فلسطني يف كل من‬ ‫هضبة الجوالن وشبه جزيرة سيناء‪.‬‬ ‫أعطت األوضاع الكارثية التي سادت بعد الهزمية دفعا قويا للعمل الفدايئ‬ ‫الذي كان قد انطلق متواضعاً قبل هزمية حزيران‪ ،‬وبفعل الشلل الذي أصاب دول‬ ‫املواجهة‪ ،‬بات العمل الفدايئ عنوان املقاومة لالحتالل اإلرسائييل‪ ،‬وهذا ما عجل يف‬ ‫جعل العديد من الفصائل الفلسطينية تنطلق عىل أساس العمل الفدايئ املسلح‬ ‫يف ما تبقى من سنوات الستينات‪ .‬وقد تأثرت حركة القوميني العرب بهذه الوقائع‬ ‫العنيدة‪ ،‬وتحولت يف العام ‪ 1968‬إىل فصيل فلسطيني باسم الجبهة الشعبية لتحرير‬ ‫فلسطني‪ ،‬بعد أن كانت فصيالً عربياً له تواجد يف الكثري من البلدان العربية‪ .‬وقد تم‬ ‫اإلقرار بالعمل الفدايئ الفلسطيني بوصفه طريقاً فلسطينياً ملواجهة االحتالل‪ ،‬وتم‬ ‫تكريس االعرتاف بهذا الواقع بسيطرة فصائل العمل املسلح عىل منظمة التحرير‬ ‫الفلسطينية ومؤسساتها‪ ،‬ووالدة نظام الكوتا الفلسطيني‪.‬‬ ‫شكل انطالق العمل املسلح الفلسطيني إعالناً عن وجود الشعب الفلسطيني‬ ‫املغيب عن الخريطة السياسية‪ ،‬ووجد الفلسطينيون أنفسهم مجربين عىل خيار‬ ‫أن يكونوا بدالء عن وطنهم‪ ،‬وإذا كان من غري املمكن يف تلك الظروف استعادة‬ ‫وطنهم املسلوب‪ ،‬فإن تكريس وجودهم كشعب عىل الخريطة السياسية للمنطقة‪،‬‬ ‫‪34‬‬


‫ال يقل أهمية عن استعادة وطنهم‪ .‬يف هذا اإلطار شكلت منظمة التحرير الكيانية‬ ‫الفلسطينية‪ ،‬والوطن املعنوي‪ ،‬والعنوان السيايس لشعب أعاد تأسيس ذاته كشعب‬ ‫يف املنايف‪ ،‬وأصبحت منظمة التحرير عنوان الحلم الفلسطيني يف استعادة الوطن‬ ‫والعودة إليه‪ ،‬وتم تكريس ذلك بعد نضال طويل‪ ،‬باعتبار منظمة التحرير ممثالً‬ ‫رشعياً ووحيدا ً للشعب الفلسطيني‪.‬‬ ‫العالقات السورية ـ الفلسطينية‬ ‫منذ والدة التجربة الفلسطينية الحديثة يف أواسط ستينات القرن املنرصم‪،‬‬ ‫كان حزب البعث العريب االشرتايك يحكم سوريا‪ ،‬فقد حكم الحزب سوريا بعد‬ ‫انقالب عسكري يف ‪ 8‬آذار (مارس) ‪ ،1963‬وخالل فرتة الستينات جرى العديد من‬ ‫االنقالبات يف إطار حكم البعث نفسه‪ ،‬كان بعضها ناجحاً وبعضها أخفق‪ ،‬فقد نجح‬ ‫انقالب العام ‪ 1966‬يف االطاحة بالقيادة القدمية‪ ،‬وجاء بالقيادة الشابة التي كان‬ ‫عىل رأسها صالح جديد ونور الدين األتايس والتي وقعت هزمية العام ‪ 1967‬يف ظل‬ ‫حكمها لسوريا‪ ،‬رغم أنها كانت تحمل أكرث الشعارات راديكالية‪ .‬ويف العام ‪1970‬‬ ‫جاء انقالب حافظ األسد‪ ،‬لتدخل بعدها سوريا يف طور طويل من االستقرار تحت‬ ‫قبضة أمنية شديدة‪ ،‬مل تشهد محاوالت جدية لالنقالب‪ .‬وقد استمر حكم حافظ‬ ‫األسد لثالثني عاماً‪ ،‬وتم توريث ابنه بشار السلطة بعد وفاته‪ ،‬عرب تعديل الدستور‬ ‫ليتناسب مع عمر الرئيس الجديد‪.‬‬ ‫واجهت العالقة الفلسطينية ـ السورية تجاذبات صعود وهبوط خالل تاريخها‪،‬‬ ‫حتى أن هناك من يفرس الكثري من التجاذبات بالطبيعة الشخصية لكل من يارس‬ ‫عرفات الذي قاد التجربة الفلسطينية ألربعة عقود وبني حافظ األسد الذي حكم‬ ‫سوريا بقبضة من حديد طوال ثالثني عاماً ساهمت يف تعزيز الخالفات‪ .‬ورغم كل‬ ‫الخالفات التي حصلت عىل املستوى الرسمي الفلسطيني السوري‪ ،‬إال أن ذلك مل‬ ‫يؤثر عىل عالقات الالجئني الفلسطينيني يف سوريا مع محيطهم ومع حاضنتهم‬ ‫(‪)26‬‬ ‫الشعبية السورية‪.‬‬ ‫دعمت السلطة البعثية العمل الفدايئ بقوة بعد هزمية العام ‪ ،1967‬فقد فشلت‬ ‫‪35‬‬


‫يف التصدي للحرب اإلرسائيلية وهي التي كانت تحكم سوريا وقت وقوع الهزمية‪،‬‬ ‫رغم الشعارات املتطرفة التي رفعها حزب البعث والحكم يف سوريا يف ذلك الوقت‪.‬‬ ‫وخرجت تفسريات غريبة لفشل الحرب اإلرسائيلية يف العام ‪ 1967‬يف تحقيق‬ ‫أهدافها‪ ،‬وتم تربير ذلك يف كل من مرص وسوريا‪ ،‬بأن أهداف العدوان كانت اسقاط‬ ‫األنظمة الوطنية يف كل من سوريا ومرص‪ ،‬وقد فشل هذا العدوان يف تحقيق أهدافه‬ ‫ببقاء هذه األنظمة يف السلطة بعد العدوان(‪ .)27‬الفشل املدوي لألنظمة القامئة‬ ‫يف التصدي للعدوان اإلرسائييل‪ ،‬جعلها بحاجة إىل التمسك بأي عنوان للمقاومة‪،‬‬ ‫وكان العنوان يف تلك الفرتة‪ ،‬العمل الفدايئ الفلسطيني‪ ،‬والذي استقطب يف نهاية‬ ‫الستينات الكثري من العرب متطوعني يف صفوف الفدائيني‪ ،‬بعد األداء املختلف الذي‬ ‫قدمه العمل الفدايئ والنرص الجزيئ الذي حققه يف معركة الكرامة يف العام ‪.1968‬‬ ‫منذ نهاية الستينات شكل الوجود الفلسطيني يف سوريا موقعا أساسياً فاعالً يف‬ ‫التجربة السياسية الفلسطينية‪ ،‬وقد ساهم هذا التجمع مساهمة فعلية يف تشكيل‬ ‫الوطنية الفلسطينية الحديثة التي دافعت عن وطنها املعنوي والكياين منظمة‬ ‫التحرير الفلسطينية‪ .‬وقدم الفلسطينيون يف سوريا ومنذ بدايات العمل املسلح‬ ‫الفلسطيني قافلة من الشهداء يف كل املواقع التي خاضت فيها رصاعات‪ ،‬سواء مع‬ ‫إرسائيل أو مع غريها‪.‬‬ ‫رغم ذلك‪ ،‬حكمت املواقف السياسية عالقة سلطة البعث يف سوريا بالفصائل‬ ‫الفلسطينية‪ ،‬ومنذ العام ‪ 1968‬وعىل خلفية الخالف مع مرص يف ظل حكم عبد‬ ‫النارص‪ ،‬قامت السلطة السورية باعتقال جورج حبش األمني العام للجبهة الشعبية(‪.)28‬‬ ‫وبعد أحداث األردن مل تستقبل سوريا العمل الفدايئ‪ ،‬لكنها سهلت انتقاله إىل‬ ‫لبنان‪ ،‬ليتحول لبنان مركز ثقل العمل الفدايئ بعد خسارة الساحة األردنية‪ ،‬وبانفجار‬ ‫الحرب األهلية اللبنانية يف العام ‪ ،1975‬توسع الوجود الفلسطيني يف لبنان وبات‬ ‫يسيطر عىل مناطق واسعة(‪.)29‬‬ ‫بني التحالف والصدام املسلح‬ ‫مع االعرتاف مبنظمة التحرير ممثالً رشعياً ووحيدا ً يف العام ‪ 1974‬واستقرار الحكم‬ ‫‪36‬‬


‫يف سوريا بعد حرب ترشين األول (أكتوبر)‪ ،‬كانت هناك دامئاً خالفات سورية مع‬ ‫طرف فلسطيني‪ ،‬باستثناء السنوات القليلة التي تلت زيارة الرئيس املرصي أنور‬ ‫السادات إىل القدس يف العام ‪ 1977‬والتي شهدت تحالفاً فلسطينياً وسوريا مع‬ ‫أطراف عربية أخرى‪.‬‬ ‫يف منتصف السبعينات كانت الجبهة الشعبية ومن معها من فصائل يف جبهة‬ ‫الرفض للحلول االستسالمية ممنوعة من العمل ومالحقة يف سوريا‪ ،‬بسبب من‬ ‫موقفها الرافض للربنامج املرحيل القائل بسلطة وطنية عىل أرايض الضفة الغربية‬ ‫وقطاع غزة‪ .‬وكان الخالف األوسع والذي نتج عنه أول صدام عسكري سوري مع‬ ‫الوجود الفلسطيني املسلح يف لبنان‪ ،‬بعد القرار السوري بالتدخل العسكري يف‬ ‫لبنان ملصلحة ما كان يسمى وقتها يف األدبيات الفلسطينية وأدبيات الحركة الوطنية‬ ‫اللبنانية بـ«التيار االنعزايل» وهو ما تسبب يف مواجهات عسكرية‪ ،‬وقد كان الهدف‬ ‫من الدخول السوري وقف التقدم الذي كانت تحرزه القوى الوطنية والفلسطينية‬ ‫يف سياق الحرب األهلية اللبنانية‪ ،‬والذي كانت دوائر غربية كثرية‪ ،‬إضافة إىل إرسائيل‬ ‫ترغب يف وقفه‪ ،‬ملنع حسم الرصاع لصالح الحركة الوطنية اللبنانية والفصائل‬ ‫الفلسطينية‪ .‬وقد حصل الدخول السوري إىل لبنان عىل مباركة أمريكية ـ إرسائيلية‪،‬‬ ‫مبا ُعرف باتفاق املبعوث األمرييك ريتشارد مرييف بني سوريا وإرسائيل والذي تقرر‬ ‫فيه حدود الدخول السوري إىل لبنان‪ ،‬وقد دفع الفلسطينيون مثناً غالياً يف هذه‬ ‫الصدامات‪ ،‬وصلت حد املذابح‪ ،‬وهو ما جرى يف مخيم تل الزعرت الذي اختفى عن‬ ‫الوجود‪.‬‬ ‫عادت العالقات إىل التحسن بعد زيارة الرئيس املرصي أنور السادات إىل القدس‬ ‫يف العام ‪ ،1977‬وتحسنت أيضاً العالقة مع العراق‪ ،‬ما أسفر عن تأسيس ما عرف يف‬ ‫وقتها بـ«جبهة الصمود والتصدي» التي ضمت كل من ليبيا‪ ،‬سوريا‪ ،‬العراق‪ ،‬الجزائر‪،‬‬ ‫منظمة التحرير الفلسطينية واليمن الجنويب‪ .‬ورسعان ما انفرط عقدها مع اندالع‬ ‫الثورة االسالمية يف إيران‪ ،‬وانتهت نهائياً مع اندالع الحرب العراقية اإليرانية‪ .‬يف فرتة‬ ‫جبهة الصمود والتصدي‪ ،‬تم السامح للقوى الفلسطينية التي كانت محسوبة عىل‬ ‫جبهة الرفض بالعودة للعمل عىل الساحة السورية‪ ،‬باستثناء الجبهة العربية التابعة‬ ‫‪37‬‬


‫فعلياً للعراق‪ .‬وعادت الجبهة الشعبية وحلفاؤها إىل سوريا وأعضاؤها الذين كانوا‬ ‫يعملون رسا ً‪ ،‬تحولوا إىل العمل العلني‪.‬‬ ‫مع بداية الثامنينات كانت األوضاع االقليمية قد تغريت بشكل كبري‪ ،‬العراق ومن‬ ‫وراءه دول الخليج مشغول بالحرب العراقية ‪ -‬اإليرانية التي امتدت لثامن سنوات‪،‬‬ ‫وكانت حرباً مدمرة ومكلفة ووقفت سوريا إىل جانب إيران يف هذه الحرب‪ ،‬مرص‬ ‫وقعت عىل اتفاقات كامب ديفيد مع إرسائيل‪ ،‬التي قضت بانسحاب إرسائيل من‬ ‫شبه جزيرة سيناء مبوجب ترتيبات أمنية وتوقيع معادة سالم وتطبيع العالقات‬ ‫بني البلدين وخرجت من معادلة الرصاع العريب ‪ -‬اإلرسائييل‪ ،‬ودول املغرب العريب‬ ‫مشغولة بالخالفات حول الصحراء الغربية‪.‬‬ ‫يف هذه الظروف السياسية التي سادت يف املنطقة‪ ،‬خاضت إرسائيل حربها ضد‬ ‫منظمة التحرير والحركة الوطنية اللبنانية يف العام ‪ .1982‬وقد تذرعت مبحاولة‬ ‫اغتيال السفري اإلرسائييل يف لندن‪ ،‬لتطلق ما أسمته «عملية سالمة الجليل» والتي‬ ‫أدت إىل اجتياح لبنان وصوالً إىل العاصمة بريوت ومحارصتها‪ .‬كانت إرسائيل يف‬ ‫العام ‪ 1978‬قد قامت باجتياح جزيئ للجنوب اللبناين‪ ،‬أقامت عىل أثره منطقة‬ ‫أمنية عازلة‪ ،‬لكن هذه املنطقة مل تنجح يف ايقاف العمليات الفدائية ضد الشامل‬ ‫اإلرسائييل‪ ،‬ومل توقف سقوط صواريخ الكاتيوشا التي كانت تطلقها الفصائل‬ ‫الفسطينية عىل مستوطنات شامل إرسائيل‪.‬‬ ‫مل تكن الحرب الجديدة هذه املرة من أجل إبعاد منظمة التحرير عن الحدود‬ ‫اإلرسائيلية كام ادعت إرسائيل يف بداية الحرب‪ ،‬لقد كان الهدف هذه املرة اقتالع‬ ‫منظمة التحرير من األرايض اللبنانية‪ .‬وبحكم الوجود العسكري السوري عىل‬ ‫األرايض اللبنانية‪ ،‬دخلت القوات السورية املعركة يف األيام األوىل‪ ،‬ولكن الخسائر‬ ‫الجوية واألرضية التي منيت بها‪ ،‬حيث اسقطت إرسائيل حوايل ‪ 90‬طائرة سورية‬ ‫يف األيام األوىل للحرب‪ ،‬دفعت سوريا إىل االنسحاب من الحرب‪ ،‬عرب بيان الجتامع‬ ‫قيادة الجبهة الوطنية التقدمية يقول‪ ،‬أن سوريا تنسحب من الحرب مع االحتفاظ‬ ‫بحقها يف الرد عىل العدوان اإلرسائييل يف املكان والزمان املناسبني‪ .‬وتم ترك قوات‬ ‫منظمة التحرير والفصائل وقوات الحركة الوطنية اللبنانية وحدها يف مواجهة‬ ‫‪38‬‬


‫االجتياح اإلرسائييل الذي رسعان ما حارص العاصمة اللبنانية بريوت لثالثة أشهر‬ ‫متواصلة‪ ،‬استخدمت فيه إرسائيل كل ترسانتها الحربية من برية وبحرية وجوية يف‬ ‫قصف مكثف للمدينة‪ ،‬أو باألصح للجزء الغريب الذي كانت تسيطر عليه منظمة‬ ‫التحرير والحركة الوطنية اللبنانية‪ ،‬وسطر املحارصون يف بريوت من فلسطينيني‬ ‫ولبنانيني صمودا ً أسطورياً يف مواجهة اآللة العسكرية اإلرسائيلية التي حشدت أكرث‬ ‫من ‪ 100‬ألف جندي إرسائييل وقصفت مدينة بريوت بوحشية فاقت كل تصور‪.‬‬ ‫لقد شكلت سوريا عىل الرغم من خروجها من الحرب القاعدة الخلفية التي‬ ‫ساهمت بإطالق ما عرف وقتها بـ«العمليات خلف خطوط العدو» للتخفيف‬ ‫عن بريوت املحارصة وإشغال خلفية القوات اإلرسائيلية‪ .‬لقد التحق كل الشباب‬ ‫الفلسطيني يف سوريا املنتمي إىل الفصائل الفلسطينية بقوات املقاومة للدفاع عن‬ ‫لبنان وعن الوجود الفلسطيني هناك‪ ،‬وقد تطوع جزء كبري من الشباب الفلسطيني‬ ‫من الشباب غري املنتمي للفصائل وذهب للقتال يف تلك الحرب سواء داخل بريوت‬ ‫أو خلف الخطوط اإلرسائيلية‪ ،‬رغم عدم وجود خربة عسكرية لدى الكثريين منهم‪.‬‬ ‫ولإلنصاف فإن الحرب اإلرسئيلية عىل لبنان التي وقعت يف العام ‪ 1982‬قد استقطبت‬ ‫متطوعني فلسطينيني من كل أصقاع األرض‪.‬‬ ‫محاولة إمساك الورقة الفلسطينية‬ ‫وضعت الحرب عىل لبنان وخروج منظمة التحرير من األرايض اللبنانية التجربة‬ ‫الفلسطينية يف مرحلة جديدة‪ ،‬فقد خرست منظمة التحرير مركز ثقلها الرئيس‬ ‫يف لبنان‪ .‬ووجد النظام السوري يف الضعف الذي شهدته منظمة التحرير التي‬ ‫خرجت منهكة ومشتتة‪ ،‬الفرصة لإلمساك بالورقة الفلسطينية يف معادلة الرصاع‬ ‫يف املنطقة‪ .‬أدرك يارس عرفات حتى قبل انتهاء الحرب الرشوط السياسية القاسية‬ ‫التي ستعيشها منظمة التحرير وفصائلها يف اليوم التايل للحرب‪ ،‬وأدرك سعي النظام‬ ‫السوري لالمساك بالورقة الفلسطينية‪ ،‬فعندما ُسئل عن املكان الذي سيذهب إليه‬ ‫من بريوت‪ ،‬قال‪« :‬سأذهب إىل فلسطني» كان الجواب رمزياً ومراوغاً‪ ،‬ويف النهاية‬ ‫قرر عرفات أن ينقل مقر قيادة املنظمة إىل تونس‪ .‬وبعد انتهاء الحرب دخل الخالف‬ ‫‪39‬‬


‫السوري ـ الفلسطيني مرحلة جديدة‪ .‬لقد نقلت الفصائل الفلسطينية األخرى مثل‬ ‫الجبهة الشعبية والجبهة الدميقراطية وغريها مقراتها الرئيسة إىل دمشق‪ ،‬أما حركة‬ ‫فتح وقيادة املنظمة التي تهيمن عليها حركة فتح فقد انتقلت إىل تونس‪.‬‬ ‫رغم أن قيادة حركة فتح واملنظمة كان مقرها يف تونس‪ ،‬إال أنه بقي الكثري من‬ ‫الكوادر يف سوريا‪ ،‬وجزء من القوات العسكرية يف األرايض اللبنانية يف املناطق‬ ‫التي مل يصلها الغزو اإلرسائييل‪ ،‬يف البقاع اللبناين وطرابلس‪ .‬كان عرفات يتفلت من‬ ‫رصا عىل عدم تفويت الفرصة لإلمساك‬ ‫القبضة السورية‪ ،‬وكان النظام السوري م ّ‬ ‫بالورقة الفلسطينية‪ ،‬وعندما فشل يف دفع عرفات إىل تسليم الورقة الفلسطينية إىل‬ ‫النظام السوري‪ .‬قام النظام السوري بطرده من دمشق واعتباره شخصاً غري مرغوب‬ ‫فيه يف العام ‪ ،1983‬ومل يكتف النظام بذلك‪ ،‬فمن أجل اإلمساك بالورقة الفلسطينية‬ ‫وإضعاف عرفات‪ ،‬عمل عىل انشقاق حركة فتح وشق الصف الفلسطيني‪.‬‬ ‫كانت هناك خالفات جدية بني الفصائل الفلسطينية وداخل هذه الفصائل بعد‬ ‫حرب العام ‪ ،1982‬إال أن تغذيتها من قبل النظام السوري للقبض عىل الورقة‬ ‫الفلسطينية‪ ،‬دفع بها باتجاه شق حركة فتح التي خرج منها ما عرف فيام بعد «حركة‬ ‫فتح ـ االنتفاضة»(‪ )30‬ومن ثم تم الدفع باتجاه االقتتال الفلسطيني ‪ -‬الفلسطيني‬ ‫الذي جرى عىل األرايض اللبنانية التي ال تسيطر عليها إرسائيل‪ ،‬تحديدا ً يف البقاع‬ ‫وطرابلس‪ ،‬آزرت فيه القوات واملدفعية السورية يف كثري من املواقع القوات املنشقة‬ ‫عن حركة فتح وداعميها مثل قوات الجبهة الشعبيةـ القيادة العامة وقوات الصاعقة‬ ‫التابعة للنظام السوري‪ ،‬والتي أسفرت يف النهاية عن طرد عرفات مرة أخرى من‬ ‫مدينة طرابلس(‪.)31‬‬ ‫يف الفرتة التي تلت حرب بريوت العام ‪ ،1982‬ترك النظام السوري األطراف‬ ‫املتحالفة معه تعمل بحرية نسبية عىل األرايض السورية‪ ،‬طبعاً ضمن رقابة أمنية‬ ‫بحكم الطبيعة األمنية للنظام‪ .‬ويف املقابل الحقت األجهزة األمنية كوادر حركة‬ ‫فتح وحلفائها عىل الساحة الفلسطينية‪ ،‬وزجت بهم يف السجون‪ ،‬وقدر عدد‬ ‫املعتقلني الفلسطينيني الذين دخلوا السجون السورية عىل خلفية الخالف السوري‬ ‫ الفلسطيني حوايل خمسة آالف معتقل(‪.)32‬‬‫‪40‬‬


‫انتقال مركز الثقل‬ ‫شكلت السنوات التي تلت حرب العام ‪ 1982‬املرحلة األخرية يف مركزية الخارج‬ ‫الفلسطيني كمركز ثقل للعمل السيايس الفلسطيني‪ ،‬ففقدت الحركة الفلسطينية‬ ‫آخر موقع رئيس لها يف الشتات وكان االستنتاج التي توصلت إليه كل الفصائل‬ ‫الفلسطينية تقريباً‪ ،‬هو انتقال ثقل الحركة الوطنية الفلسطينية إىل الداخل(‪.)33‬‬ ‫أسايس من القيادات الفلسطينية يف سوريا بعد‬ ‫يف الثامنينات‪ ،‬شكل وجود جز ٍء‬ ‫ٍّ‬ ‫الحرب‪ ،‬مساهمة يف رفع فعالية التجمع الفلسطيني يف سوريا يف االنخراط يف‬ ‫العمل الفلسطيني‪ ،‬وباتت القوى الفلسطينية املوجودة يف سوريا مقررة يف الوضع‬ ‫الفلسطيني يف ذلك الوقت‪ ،‬الذي شهد حوارات فلسطينية ‪ -‬فلسطينية يف العديد من‬ ‫املواقع للخروج من دائرة الخالف التي كانت سائدة‪ ،‬والتي توجت يف اتفاق فلسطيني‬ ‫أطلق عليه اتفاق عدن ‪ -‬الجزائر وقعت عليه الفصائل الرئيسة يف منظمة التحرير‪.‬‬ ‫أعطى الوجود املكثف لفصائل اليسار الفلسطيني يف سوريا يف الثامنينات هامشاً‬ ‫للعمل السيايس للوجود الفلسطيني يف سوريا‪ ،‬مل يكن متوفرا ً للسوريني يف ذلك‬ ‫الوقت‪ ،‬ويبدو أن النظام كان عىل قناعة أن العمل السيايس يف املوضوع الفلسطيني‪،‬‬ ‫ال يشكل خطرا عليه‪ ،‬فالفلسطينيون ليسوا منخرطني وال طامحني يف أي شكل من‬ ‫األشكال يف الرصاع عىل السلطة يف سوريا‪ ،‬كام هو العمل السيايس بني السوريني‬ ‫سيكون حكام بهذا االتجاه‪ ،‬لذلك‪ ،‬تم تقييد العمل السيايس يف أوساط السوريني‬ ‫لدرجة اإللغاء‪ .‬وهذا ال يعني أن الفلسطيني كفرد يف سوريا مل يكن يشهد تضييقات‪،‬‬ ‫أو أن وضعه مل يكن يدار عرب القبضة األمنية‪ ،‬بل كان يعاين من كل ما يعاين منه‬ ‫السوري من تضييقات ورضورة الحصول عىل املوافقات األمنية الالزمة وإىل جميع‬ ‫املراجعات األمنية‪ .‬لكن يف الشق السيايس الذي كان يتعلق بالخالفات الفلسطينية ‪-‬‬ ‫الفلسطينية‪ ،‬كان الفلسطينيون يف سوريا يتمتعون بهامش عمل سيايس يف التجمعات‬ ‫الفلسطينية أكرب بكثري من السوريني‪ ،‬الذين مل تكن لهم حياة سياسية عىل االطالق‪.‬‬ ‫هامشية الفصائل‬ ‫كانت االنتفاضة الفلسطينية األوىل يف العام ‪ 1987‬اإلعالن النهايئ والعميل عن‬ ‫‪41‬‬


‫انتقال مركز ثقل الحركة الوطنية إىل الداخل‪ ،‬ليس استنتاجاً‪ ،‬بل بفعل اجرتاح آليات‬ ‫كفاحية سلمية‪ ،‬واطالق عمل نضايل يف مواجهة االحتالل‪ ،‬مل يعرف االحتالل كيف‬ ‫يواجهها‪ .‬جعل هذا االنتقال التجمعات الفلسطينية يف الخارج‪ ،‬تدرك تراجع دورها‪،‬‬ ‫والذي بات يقترص عىل دعم انتفاضة الداخل‪ ،‬وهذا ما بات يشعر به فلسطينيو‬ ‫سوريا رغم وجود جز ٍء ٍ‬ ‫رئيس من القيادات الفلسطينية يف سوريا‪ .‬ومنذ ذلك الوقت‬ ‫بدأ الوجود الفصائيل يتحول يف سوريا يف ظل تراجع ثابت ومستمر إىل وجود‬ ‫هاميش‪ ،‬ومع العديد من الصدمات التي تلقاها الوجود الفلسطيني يف كل من‬ ‫الكويت والعراق‪ ،‬والتحوالت التي جرت يف املنطقة منذ غزو العراق للكويت ومن‬ ‫ثم الحرب األمريكية إلخراج العراق من الكويت‪ ،‬وكل هذه التحوالت التي جعلت‬ ‫من املوضوع الفلسطيني موضوعاً هامشياً يف مطلع التسعينات‪ ،‬ليجد الفلسطينيون‬ ‫انفسهم يخوضون مفاوضات رسية‪ .‬أدت إىل اتفاقات أوسلو‪ ،‬التي شعر فلسطينيو‬ ‫الشتات ومنهم فلسطينيو سوريا بالخذالن‪ ،‬جراء توقيع هذه االتفاقات التي مل‬ ‫تلحظهم إال بوصفهم موضوعاً مؤجالً إىل مفاوضات الوضع النهايئ‪ ،‬التي مل تجر مطلقاً‪.‬‬ ‫وأحسوا أنهم خارج نطاق أي حل سيايس‪ ،‬وتم التخيل عنهم من قبل قيادتهم‪ .‬فشل‬ ‫النظام السوري يف إمساك الورقة الفلسطينية‪ ،‬رغم أنه احتوى العديد من الفصائل‬ ‫الفلسطينية‪ ،‬وكان له امتداد فيها مثل الصاعقة والقيادة العامة‪ ،‬وتحول القوى‬ ‫املوجودة يف سوريا إىل قوى هامشية يف الساحة الفلسطينية‪ ،‬خاصة بعد توقيع‬ ‫اتفاقات أوسلو وانتقال القيادة الفلسطينية إىل الداخل عىل رأس السلطة الوليدة‪.‬‬ ‫يف هذه الفرتة شكّل ظهور حركة «حامس»‪ ،‬وصعودها كقوة رئيسة يف الساحة‬ ‫السياسية الفلسطينية‪ ،‬وتحالفها مع سوريا‪ ،‬التعويض عن اخفاق النظام السوري يف‬ ‫اإلمساك بالورقة الفلسطينية‪ ،‬لكن‪ ،‬حركة حامس أبقت وجودها التنظيمي يف سوريا‬ ‫وجودا ً هامشياً‪ ،‬كام بقي وجودها التنظيمي داخل التجمع الفلسطيني يف سوريا‬ ‫وجودا ً محدودا ً‪ .‬ولكنه عىل مدى العقدين املنرصمني اعتربت حركة حامس ورقة بيد‬ ‫النظام السوري‪ ،‬إىل أن خرجت من سوريا بفعل الحراك الثوري وتفاعالته‪.‬‬ ‫شكل الفلسطينيون جزءا من التشكيل االقتصادي ـ االجتامعي السوري‪،‬‬ ‫بانخراطهم يف سوق العمل عىل مستوى القطاعني الخاص والعام‪ ،‬وهو ما منحهم‬ ‫‪42‬‬


‫إياه القانون السوري الذي عاملهم معاملة السوريني عىل هذا املستوى‪ .‬لكنهم عىل‬ ‫املستوى السيايس شكلوا حقلهم الخاص بهم والساعي إىل إنجاز مهامت وطنية‬ ‫فلسطينية باستعادة وطن مسلوب‪ ،‬مل يتمكن إجاميل الوضع الفلسطيني يف كل‬ ‫مكان من إنجازه‪ .‬وقد عاش الفلسطينيون يف سوريا طوال العقدين املنرصمني‪ ،‬حالة‬ ‫من االنفضاض عن فصائل العمل الوطني الفلسطيني بحكم االحباط الذي عاشته‬ ‫هذه التجمعات‪ ،‬حتى أصبحت تجربة الفصائل الفلسطينية يف سوريا هامشية(‪.)34‬‬ ‫ولذلك عندما انفجر الحراك السوري يف مواجهة النظام السوري كانت الفصائل‬ ‫الفلسطينية وبحكم البنية التي وصلت لها من تر ٍّد سيايس وثقايف ونظري‪ ،‬غري قادرة‬ ‫عىل فهم ما يجري‪ ،‬وغري قادرة عىل التعامل معه‪ .‬ووجدت التجمعات الفلسطينية‬ ‫نفسها تواجه مصريها وحدها‪ ،‬يف الوقت الذي كان متفرغو الفصائل يعقدون‬ ‫االجتامعات ويصدرون البيانات التي ال تقول أي يشء‪ ،‬وتتجنب بأي مثن اإلشارة إىل‬ ‫القاتل الفعيل للفلسطينيني والسوريني يف سياق الحراك السوري يف مواجهة قمع‬ ‫النظام الدموي‪.‬‬

‫‪43‬‬


‫الفصل الرابع‬ ‫الفلسطينيون والثورة السورية‬ ‫عندما انفجرت الثورات العربية انطالقاً من تونس‪ ،‬كان الوضع الفلسطيني‬ ‫قد وصل إىل حالة مأساوية‪ ،‬انقسام دموي بني حركتي فتح وحامس‪ ،‬وكل جهود‬ ‫املصالحة بني الطرفني بقيت تراوح مكانها‪ .‬تآكل الوضع الفلسطيني بسبب االنقسام‬ ‫السيايس‪ ،‬بني خيار املفاوضات وخيار املقاومة‪ ،‬و دخل الخياران مأزقاً حادا ً‪ ،‬فال‬ ‫املفاوضات استطاعت انجاز تسوية شاملة وعادلة‪ ،‬وال خيار املقاومة استطاع أن‬ ‫يحقق انجازات جدية‪ ،‬وبات أصحاب هذا الخيار سلطة يف قطاع غزة‪ ،‬يحمون‬ ‫أنفسهم‪ ،‬فيقيمون تفاهامت مع إرسائيل للتهدئة ووقف اطالق النار‪ .‬سلطة رام‬ ‫الله مشغولة بتأمني الرواتب للموظفني‪ ،‬وأصبحت هذه أكرب املهامت عىل عاتقها‪،‬‬ ‫وسلطة حامس مشغولة بتمويل سلطتها يف مواجهة الحصار‪ ،‬ومن أجل إعادة اعامر‬ ‫ما دمرته حرب ‪ .2008‬كان من الواضح أن الواقع الفلسطيني يحتاج إىل إصالحات‬ ‫واسعة‪ ،‬قبل تلك التي انطلقت من تونس‪ ،‬للخروج من املأزق الذي دخل الوضع‬ ‫الفلسطيني فيه‪.‬‬ ‫يف هذه الظروف كان اهامل الفصائل الفلسطينية‪ ،‬خاصة فتح وحامس‪ ،‬لتجمعات‬ ‫الشتات قد بلغ ذروته‪ .‬فمنذ أوسلو كان تركيز حركة فتح عىل السلطة الوليدة عىل‬ ‫حساب منظمة التحرير‪ ،‬ما عنى مزيدا ً من اإلهامل لتجمعات الشتات‪ ،‬وكادت‬ ‫منظمة التحرير تختفي من الخريطة الفلسطينية‪ ،‬لوال أن االنقسام فرض عىل حركة‬ ‫فتح استعادتها لتربير رشعيتها‪ .‬ومل تكن حركة حامس أحسن حاالً‪ ،‬فهي مل تعترب‬ ‫نفسها معنية بتجمعات الشتات أصالً‪ ،‬حتى عندما أقامت تحالفها القوي مع النظام‬ ‫السوري‪ ،‬مل تعمل عىل التغلغل يف أوساط الالجئني‪ ،‬من خالل اقامة بنية تنظيمية‬ ‫تتناسب مع إمكانياتها‪ ،‬وبقيت حركة طارئة عىل التجمعات يف سوريا ولبنان‪.‬‬ ‫‪44‬‬


‫ميكن القول أنه عشية انطالق الحراك السوري‪ ،‬كانت الصلة بني الفصائل‬ ‫الفلسطينية والتجمعات واملخيامت الفلسطينية يف سوريا يف أضعف حاالتها‪.‬‬ ‫الثورة السورية‬ ‫ميكن التأريخ لوالدة االحتجاجات السورية التي تحولت إىل ثورة(‪ ،)35‬مبظاهرة‬ ‫صغرية خرجت بتاريخ ‪ 2011 /3 /15‬بدعوة شبابية عىل الفيس بوك‪ ،‬من أمام الجامع‬ ‫األموي يف وسط دمشق‪ ،‬وجابت سوق الحميدية لتتفرق يف منطقة الحريقة(‪ ،)36‬وقد‬ ‫كانت الحشود األمنية الكبرية التي استقدمت للمكان ملواجهة عرشات املتظاهرين‪،‬‬ ‫مؤرشا ً عىل أن النظام قد أعد نفسه ملواجهة أي تحركات احتجاجية بقسوة‪ .‬رغم‬ ‫أن أعداد املشاركني يف تلك املظاهرة مل يتجاوز العرشات‪ ،‬فإنها كانت مؤرشا ً قوياً‬ ‫عىل مستوى االحتقان الذي وصل حد االنفجار يف سوريا‪ ،‬ليس بسبب عدوى الربيع‬ ‫العريب عىل أهميته فحسب‪ ،‬بل ألسباب وتفاعالت ومعطيات سورية أساساً‪.‬‬ ‫يعترب ‪ 2011/3/18‬التاريخ الفعيل للحراك السوري فقد بدأ يف مدينة درعا عندما‬ ‫خرج األهايل يف تظاهرات احتجاجاً عىل اعتقال ‪ 11‬طفالً من املدينة قاموا بكتابة‬ ‫شعارات مناوئة للنظام السوري عىل جدران املدينة‪ ،‬واحتجاجاً عىل إهانة العميد‬ ‫عاطف نجيب قريب الرئيس السوري ورئيس فرع األمن السيايس يف املدينة لشيوخ‬ ‫املدينة‪ ،‬الذين توسطوا من أجل اطالق رساح األطفال الذين تعرضوا للتعذيب‬ ‫الوحيش‪ .‬وقد تصدت قوات األمن للمتظاهرين فورا ً بإطالق النار دون أي استخدام‬ ‫لوسائل قمع املظاهرات املعروفة‪ ،‬من غاز مسيل للدموع أو مدافع املياه أو‬ ‫الهراوات‪ ..‬ما أدى إىل سقوط شهيدين من أبناء املدينة ما زاد من اشتعال مدينة‬ ‫درعا وامتدت إىل ريفها‪ ،‬ومل تلبث أن انترشت االحتجاجات عىل مجمل األرايض‬ ‫السورية مدناً وأريافاً‪ ،‬وكلام انترشت يف بقع جغرافية إضافية ازدادت وحشية‬ ‫النظام‪ ،‬فقد استخدم كل الوسائل الحربية ضد املتظاهرين السلميني‪ ،‬من االعتقال‬ ‫إىل اطالق النار إىل القصف املدفعي إىل االقتحام بالدبابات لألماكن السكنية إىل‬ ‫حصار املدن ومعاقبتها جامعياً‪ .‬كل ذلك ومل يكن املتظاهرون السوريون يرفعون غري‬ ‫الالفتات املنددة بالنظام وقمعه الوحيش‪ ،‬وعىل مدى ستة أشهر من القمع الوحيش‪.‬‬ ‫‪45‬‬


‫كام اعرتف الرئيس السوري يف ما بعد ـ مل ترفع أي قطعة سالح يف مواجهة قوات‬ ‫النظام‪ .‬وبقي النظام يربر قمعه الوحيش لشعبه‪ ،‬بأنه يتصدى إىل عصابات إرهابية‬ ‫مسلحة‪ ،‬تندس بني املتظاهرين‪ .‬بقيت االحتجاجات السورية تتوسع حتى عمت كل‬ ‫األرايض السورية‪ ،‬وباتت أشمل ثورة عربية عىل الرغم من أن القمع الوحيش الذي‬ ‫تعرضت له فاق كل ما تعرضت له الثورات العربية مجتمعة‪.‬‬ ‫جرت محاوالت عىل املستوى السيايس لزج الفلسطينيني يف دوامة الرصاع منذ‬ ‫األيام األوىل‪ ،‬عندما روجت أوساط النظام وأجهزته األمنية أن الذين قاموا بحرق‬ ‫عدد من املراكز الحكومية من بينها القرص العديل يف درعا القريب من املخيم يف‬ ‫األيام األوىل لالحتجاجات السورية‪ ،‬جاءوا من مخيم درعا للفلسطينيني وينتمون‬ ‫إىل «فتح االسالم» املرتبطة بتنظيم القاعدة‪ .‬وعىل الفور اتهمت السلطات السورية‬ ‫ووسائل اإلعالم الناطقة باسمها والناطقني باسم النظام الفلسطينيني باألحداث‪،‬‬ ‫وكام جاء يف تغطية لصحيفة الوطن السورية القريبة من النظام والتي اتهمت‬ ‫الفلسطينيني بـ«أعامل الشغب»‪ )37(.‬وبعد أيام وبامتداد االحتجاجات إىل املزيد من‬ ‫املدن السورية عادت يوم ‪ 2011 /26/3‬عندما انفجرت االحتجاجات يف الالذقية يف‬ ‫حي الرمل املتاخم للمخيم الفلسطيني التهام الفلسطينيني ولكن هذه املرة عىل‬ ‫لسان بثينة شعبان مستشارة الرئيس السوري حني وجهت االتهام يف مؤمتر صحفي‬ ‫عقدته يف ذلك اىل مجموعات فلسطينية من املخيم قامت «بتكسري املحال التجارية‬ ‫(‪)38‬‬ ‫وبدء مرشوع الفتنة» حسب تعبريها‪.‬‬ ‫التعاطف الفلسطيني‬ ‫تعاطف الفلسطينيون مع االحتجاجات السورية دون أن يكونوا جزءا ً من الحراك‬ ‫السوري‪ ،‬وقد قدموا مساعدات إنسانية وإغاثية للمحتاجني يف درعا‪ .‬وقد سقط أول‬ ‫شهيد فلسطيني يف درعا أثناء مهمة اسعافية‪ ،‬عندما سقط وسام الغول ابن مخيم‬ ‫درعا يف ‪ 2011 /3 /23‬أثناء اسعافه بعض الجرحى يف حي املحطة مبدينة درعا وكان‬ ‫الشهيد الفلسطيني األول يف االحتجاجات السورية والشهيد رقم ‪ 65‬بني الشهداء‬ ‫(‪)39‬‬ ‫السوريني‪.‬‬ ‫‪46‬‬


‫استمر سقوط الشهداء الفلسطينيني بحكم تواجدهم وعيشهم بني أخوتهم‬ ‫السوريني دون أن يكون هناك أي تحرك ألي تجمع فلسطيني يف إطار التحركات‬ ‫االحتجاجية‪ ،‬وقد وصل عدد الشهداء من الفلسطينيني إىل أكرث من ‪ 400‬شهيد قبل‬ ‫أي تحرك فلسطيني‪ ،‬باستثناء التحرك الذي جرى عىل خلفية الذهاب الثاين إىل‬ ‫الجوالن ‪ 2011/6/5‬والذي استدعى يف اليوم التايل مظاهرة حاشدة حارصت مقر‬ ‫الخالصة التابع للجبهة الشعبية ـ القيادة العامة‪ ،‬تم خاللها محارصة أحمد جربيل‬ ‫ونائبه طالل ناجي يف املبنى لساعات‪ ،‬وقد أطلق مسلحو القيادة العامة النار عىل‬ ‫املحتجني ما أوقع شهيدين بني املتظاهرين‪ ،‬وأدى يف النهاية إىل انسحاب مقاتيل‬ ‫القيادة العامة وإحراق املبنى جزئياً‪ .‬لكن هذه الواقعة اعتربت واقعة فلسطينية‬ ‫ فلسطينية‪ ،‬أو مظهرا من مظاهر تأثر الوضع الفلسطيني بالرصاع القائم داخل‬‫سوريا‪ ،‬أكرث مام اعتربت دخوالً فلسطينياً عىل خط األزمة السوري‪ .‬وكانت هناك‬ ‫محاولة من القيادة العامة تحميل مسؤولية الهجوم عىل مقر الخالصة ألهايل الحجر‬ ‫األسود املجاور للمقر‪ ،‬التي كانت منطقة مشتعلة يف سياق الحراك السوري‪ .‬لكن‬ ‫كل الدالئل تشري إىل أن املتظاهرين الذين حارصوا الخالصة كانوا من سكان مخيم‬ ‫الريموك‪ ،‬وجزء منهم من أهايل وأصدقاء الشهداء الذين سقطوا يف اليوم السابق عىل‬ ‫الرشيط الحدودي‪ .‬كام جرت العديد من املحاوالت من قبل النظام لزج الفلسطينيني‬ ‫يف الرصاع السوري‪ ،‬وتنوعت هذه املحاوالت‪ ،‬من الشائعات التي رددتها أطراف‬ ‫النظام عن دخول أطراف فلسطينية لقمع التحركات السورية‪ ،‬خاصة يف املناطق‬ ‫املجاورة للمخيم‪ .‬ففي أول اطالق نار لقوات األمن السوري عىل املتظاهرين‬ ‫يف الحجر األسود‪ ،‬نُرشت شائعة تقول‪ :‬أن من أطلق النار عىل املتظاهرين‪ ،‬هم‬ ‫فلسطينيون يضعون ربطات سوداء عىل جباههم كتب عليها «حركة حامس»(‪ )40‬إىل‬ ‫اغتيال ضباط من جيش التحرير الفلسطيني‪ ،‬الذي مل يشارك يف قمع املتظاهرين‪،‬‬ ‫وال يف االشتباكات العسكرية التي شهدتها املدن واألرياف السورية‪ ،‬وبقيت قضية‬ ‫اغتيال ضباط جيش التحرير غامضة‪ ،‬ومل يعرف أي يشء عن مرتكبيها‪ ،‬وبعضها تم‬ ‫يف ظروف مريبة‪.‬‬ ‫لقد عملت الوحشية التي قمع فيها النظام السوري االحتجاجات السلمية‪،‬‬ ‫‪47‬‬


‫عىل زيادة التعاطف مع الحراك السوري‪ ،‬لقد شاهد الفلسطينيون اصدقاء لهم‬ ‫يقتلون ويسجنون وينكل بهم دون أي ذنب‪ .‬ومع دخول القمع مرحلة جديدة‬ ‫بدخول اآلليات الثقيلة والطائرات لقمع املتظاهرين‪ ،‬كان الرصاع قد دخل مرحلة‬ ‫بالغة الدموية‪ ،‬وأصبح الكالم عن مؤامرة تستهدف سوريا وموقفها املامنع مدعاة‬ ‫للسخرية‪ .‬ذهاب النظام بعيدا ً بالحل األمني وإغالق الباب أمام أي حل سيايس‪ ،‬زاد‬ ‫من تعاطف سكان املخيامت الفلسطينية مع املناطق املجاورة التي تتعرض ألبشع‬ ‫أنواع القمع الوحيش‪ ،‬القصف باملدفعية والطريان‪ .‬فكان من الطبيعي أن يلجأ سكان‬ ‫املناطق املجاورة إىل املخيامت من أجل الحصول عىل حاجاتهم الطبية والغذائية‪،‬‬ ‫وحتى النزوح إليها‪ ،‬حصل هذا يف درعا حيث دفع العديد من شبابها حياتهم مثنا‬ ‫ملهامت ايصال مساعدات غذائية ودواء إىل مدينة درعا‪ ،‬وحصل هذا يف حمص‪،‬‬ ‫وكانت ذروته يف مخيم الريموك والدور اإلغايث الذي لعبه‪ ،‬ملا يقدر بأكرث من ‪250‬‬ ‫ألف نازح لجأوا إىل املخيم‪ ،‬حيث قام أهايل املخيم بإيوائهم يف بيوتهم ويف املدارس‬ ‫والجوامع‪ ،‬وأمنوا لهم حاجياتهم الغذائية الحياتية‪ ،‬خالل أشهر قبل أن يقع املخيم‬ ‫يف قلب الرصاع وينزح أغلبية سكانه من فلسطينيني وسوريني‪.‬‬ ‫دفع الفلسطينيون عىل مدار الحراك السوري الذي يتجاوز العامني‪ ،‬أمثاناً غالية‬ ‫يف تعاطفه وتضامنه مع الحراك السوري‪ ،‬من سقوط عرشات الشهداء والجرحى‬ ‫أثناء تأديتهم لواجبهم األخالقي واإلنساين يف فك الحصار عن األحياء املجاوره‬ ‫ملخيامتهم‪ .‬ومع تعرض كل املدن السورية لحمالت القمع والقصف فلم يقترص دفع‬ ‫الثمن عىل مخيامت درعا والالذقية التي كانت أول من دفع الثمن‪ ،‬بل شمل ذلك‬ ‫املخيامت والتجمعات الفلسطينية أيضاً‪ ،‬مثل خان الشيح وخان ذا النون والسبينة‬ ‫والحسينية‪ ...‬الخ‪ .‬وقد تم تدمري عرشات املنازل يف املخيامت‪ ،‬خاصة مخيم درعا‬ ‫والريموك‪ ،‬اللذين تعرضا لقصف مكثف ومتكرر عىل مدار أشهر طويلة‪.‬‬ ‫لقد بلغ عدد الشهداء الفلسطينيني الذي سقطوا حتى نهاية العام ‪851 ،2012‬‬ ‫شهيدا ً حسب موقع قاعدة بيانات الثورة السورية حيث تشكل نسبتهم ‪ 1.77‬يف‬ ‫املائة من عدد الشهداء السوريني املسجلني‪ ،‬وهي تقرتب من نسبة تزيد عن نسبة‬ ‫سكان املخيامت التي تقدر حويل ‪ 1.2‬يف املائة‪ ،‬وتقرتب من نسبة عدد الالجئني إىل‬ ‫‪48‬‬


‫عدد سكان سوريا والتي تقدر بحوايل ‪ 2.1‬يف املائة‪.‬‬

‫(‪)41‬‬

‫الدخول عىل الحراك السوري‬ ‫حاول الفلسطينيون حرص مشاركتهم يف الجانب اإلنساين اإلغايث‪ ،‬وذلك بحكم‬ ‫حساسية وضعهم يف سوريا‪ )42(،‬يف الوقت الذي كانوا يدركون أن النار السورية‬ ‫ستصل إىل أماكنهم طاملا أن كل األرض السورية تحرتق‪ .‬وسيأيت اليوم الذي ينتقل‬ ‫هذا الرصاع اآلخذ يف التوسع إىل املخيامت الفلسطينية‪ ،‬بوصفها تعيش يف جغرافيا‬ ‫سورية مشتعلة‪ .‬ومل يكن من املمكن واقعياً أن تشتعل سوريا وتبقى املخيامت بؤرا ً‬ ‫وواحات آمنة‪ .‬رغم ذلك متنى الفلسطينيون أن ينجحوا يف إبقاء املخيامت خارج‬ ‫الرصاع(‪ ،)43‬لكن التمنيات يشء والواقع يشء آخر‪ ،‬فالسيل الجارف للرصاع جرف كل‬ ‫املناطق يف سوريا‪ ،‬ونسبيا حافظ مخيم الريموك عىل حيادية لوقت أطول من أماكن‬ ‫أخرى‪ ،‬ولكنه يف النهاية وجد نفسه يف قلب الرصاع وليس عىل ضفافه‪.‬‬ ‫حافظ مخيم الريموك عىل مدى أكرث من عام عىل حيادية تجاه الرصاع املسلح‬ ‫املحتدم يف املناطق املجاورة له‪ ،‬خاصة يف أحياء التضامن والحجر األسود ويلدا‬ ‫والقدم املالصقة واملتداخلة مع املخيم‪ ،‬والذي ال تفصل بينه وبينها أي فراغات‬ ‫عمرانية‪ .‬ومل يشهد املخيم مظاهرات تذكر معارضة للنظام‪ ،‬دون أن يعني ذلك عدم‬ ‫خروج مظاهرات ال تتجاوز العرشات يف األشهر األوىل للحراك السوري‪.‬‬ ‫(‪)44‬‬ ‫دارت حوارات ونقاشات كثرية عىل كل من الصعيدين السيايس واملجتمعي ‪،‬‬ ‫حول أي الخيارات التي ميكن أن يأخذها التجمع الفلسطيني يف سوريا‪ ،‬اتجاه الرصاع‬ ‫الدموي الذي تشهده سوريا‪ .‬كان واقع الالجئني الفلسطينيني يف سوريا منقسامً إزاء‬ ‫الثورة السورية‪ ،‬وإن كان الخط العام والغالب وفقاً ملؤرشات التظاهرات السورية‬ ‫املعارضة للنظام‪ ،‬يشري إىل أن القوة الداعمة للثورة يف الشارع الفلسطيني أكرب‬ ‫من القوة املؤيدة للنظام‪ ،‬وتبدو هذه الحالة طبيعية يف ظل االندماج االجتامعي‬ ‫الشديد بني الشعبني السوري والفلسطيني‪ ،‬وتوفر الرشوط الذاتية واملوضوعية‬ ‫يف سوريا بشكل مبارش مبا يجري من أحداث‪ )45(.‬عىل الرغم من أن األغلبية‬ ‫الفلسطينية كانت متعاطفة مع االحتجاجات السورية‪ ،‬وعىل الرغم من املواقف‬ ‫‪49‬‬


‫الشخصية للفلسطينيني املنقسمني حول املوضوع السوري كان النقاش املجتمعي يف‬ ‫أغلبيته يؤيد بقاء املخيم عىل الحياد‪ ،‬ليؤدي الوظيفة التي اختارها يف املجال اإلغايث‬ ‫واستقبال النازحني من املناطق املجاورة‪ ،‬خاصة من التضامن والحجر األسود ويلدا‪.‬‬ ‫موقف الفصائل من الحراك السوري‬ ‫شكل موقف الفصائل من الحراك السوري املؤرش عىل ارتباك وضحالة هذه القوى‬ ‫السياسية من جهة‪ ،‬وإىل دورها الهاميش يف التجمع الفلسطيني يف سوريا‪ ،‬بعد‬ ‫عقود من تراجع عىل مستوى الدور واملكانة من جهة أخرى‪ .‬عكست هذه الصورة‬ ‫مفاعيل أحدثها الحراك السوري عىل وعي وتفكري الشباب الفلسطيني‪ ،‬ومل ِ‬ ‫تخف ما‬ ‫أحدثته التطورات التي عصفت باملخيامت‪ ،‬من قسوة إحساسهم بغياب املرجعية‬ ‫الوطنية الفلسطينية والتي فاقمت من الشعور باليتم الوطني‪ ،‬ولجوء بعضهم إىل‬ ‫حمل السالح واإلنضواء يف كتائب الجيش الحر تحت مسميات فلسطينية‪ ،‬تعبريا ً عن‬ ‫هذا املناخ الجديد الذي يُح ّمل الفصائل الفلسطينية املسؤولية التاريخية عن بؤس‬ ‫الواقع الفلسطيني عموماً‪ ،‬واملسؤولية الراهنة عن غياب وتقصري الفصائل يف املحنة‬ ‫(‪)46‬‬ ‫التي يشهدها املخيم عىل وجه الخصوص‪.‬‬ ‫فقد أصدرت الفصائل العديد من البيانات التي تؤكد عىل حياد املخيامت تجاه‬ ‫ما يجري يف سوريا‪ ،‬كانت تدين القتل الذي يحدث للفلسطينيني والقصف الذي‬ ‫يتعرضون له‪ ،‬دون تحديد املتسبب بهذا القصف‪ ،‬حتى عندما يكون يفقأ العني‪،‬‬ ‫وكأن القصف يأيت من املريخ‪ .‬وكانت بيانات الفصائل مدعاة للتندر بني أوساط‬ ‫الفلسطينيني يف سوريا‪ ،‬وكانت مؤرشا عىل ذعر وخوف فصائل منظمة التحرير‪،‬‬ ‫وهو ما شمل الجميع من حركة فتح مرورا ً بالجبهتني الشعبية والدميقراطية وصوالً‬ ‫إىل القوى الصغرية مثل جبهة التحرير والنضال وحزب الشعب وفدا‪ .‬حتى أن‬ ‫هذه القوى‪ ،‬أرسلت مذكرة اىل الرئيس محمود عباس بتخفيف الهجوم عىل النظام‬ ‫السوري بعد ترصيحات يارس عبد ربه التي أدانت قصف النظام ملخيم الريموك‪،‬‬ ‫معتربة أن هذه الترصيحات متس بالوجود الفلسطيني يف سوريا‪ .‬وقد كرر ممثلو‬ ‫فصائل منظمة التحرير الذين اجتمعوا مع الرئيس الفلسطيني يف بريوت أوائل العام‬ ‫‪50‬‬


‫‪ 2012‬رواية النظام عن املؤامرة واملجموعات املسلحة‪ .‬يف الوقت الذي كانت الجبهة‬ ‫الشعبية‪.‬ـ القيادة العامة تتحدث بلسان النظام وتشكل امليليشيات الخاصة بها‪.‬‬ ‫عىل تواضعها ميكن القول أن هناك اربع مواقف فلسطينية من الحراك السوري‬ ‫عالجت املوقف داخل سوريا(‪:)47‬‬ ‫املوقف األول‪ :‬هو موقف فصائل منظمة التحرير(‪ )48‬التي اقترص نشاطها عىل‬ ‫إصدار بيانات تدين أي اعتداء عىل املخيامت الفلسطينية من قبل طرف ُمجهل يف‬ ‫هذه البيانات‪ .‬ومثال ذلك البيان الذي تىل سقوط قذائف عىل املخيم سقط عىل‬ ‫أثرها عرشات الشهداء بتاريخ ‪ 2‬آب (أغسطس) ‪ .2012‬اصدرت هذه القوى بياناً‪،‬‬ ‫أدانت فيه الجرمية النكراء‪ ..‬ودعت فيه اىل التوقف عن استهداف الفلسطينيني‪.‬‬ ‫دون ذكر ملصدر القذائف التي أطلقها النظام وتجنب البيان وكل بيان صدر عن‬ ‫فصائل منظمة التحرير يف سوريا‪ ،‬اإلشارة إىل قصف النظام للمخيم‪ ،‬وقامت بتوزيع‬ ‫بعض املساعدات التي أرسلتها السلطة الفلسطينية‪.‬‬ ‫(‪)49‬‬ ‫املوقف الثاين‪ :‬موقف تحالف الفصائل الفلسطينية ‪ ،‬الذي تفكك عملياً يف ظل‬ ‫الثورة السورية‪ ،‬فهذا التحالف كان قامئاً تحت الرعاية السورية‪ .‬وكان اتخاذ حامس‬ ‫موقف الصمت يف البداية وعدم حضور اجتامعات التحالف األثر الكبري يف افقاد‬ ‫التحالف ثقله الفلسطيني األسايس‪ .‬والثقل الثاين يف التحالف املمثل يف حركة الجهاد‬ ‫صمت عام يجري يف سوريا محافظاً عىل العالقة العميقة مع ايران‪.‬‬ ‫املوقف الثالث‪ :‬موقف حركة حامس‪ ،‬التي تعاملت بحذر يف بداية الحراك‬ ‫السوري‪ ،‬وحاولت أن تتوسط بني السلطة واملناطق املحتجة‪ ،‬إال أن رفض النظام‬ ‫ِ‬ ‫يكتف برفض طلب الوساطة الذي اقرتحته‬ ‫جعلها تلوذ بالصمت‪ .‬ولكن النظام مل‬ ‫حامس‪ ،‬فقد طلب الرئيس السوري بشار األسد شخصياً من خالد مشعل رئيس‬ ‫املكتب السيايس لحركة حامس‪ ،‬الرد عىل يوسف القرضاوي الذي أيد الثورة السورية‬ ‫منذ بدايتها‪ .‬فامتنع عن االنضامم إىل جوقة النظام الدعائية‪ )50(.‬ذروة الترصيحات‬ ‫الحمساوية التي أيدت الثورة السورية بعد العديد من الترصيحات التي ترفض‬ ‫الحل األمني‪ ،‬مثل ترصيحات موىس أبو مرزوق‪ ،‬وبعد نقل قيادات حامس لخارج‬ ‫دمشق‪ ،‬كانت خطاب خالد مشعل يف مؤمتر حزب العدالة والتنمية الرتيك ‪/9/30‬‬ ‫‪51‬‬


‫‪ 2012‬حيث أعلن الوقوف الرصيح إىل جانب الشعب السوري‪ .‬وعاد ليؤكد هذا‬ ‫املوقف يف احتفاالت انطالقة حركة حامس يف قطاع غزة ‪ 2013/1/4‬وقام هو شخصياً‬ ‫برفع علم الثورة السوري‪.‬‬ ‫املوقف الرابع‪ :‬هو موقف االنخراط مع النظام يف مواجهة الثورة السورية‪ ،‬وقد‬ ‫مثل هذا املوقف القوى األكرث ارتباطا بالنظام‪ ،‬وكانت الجبهة الشعبية ـ القيادة‬ ‫العامة األكرث متثيالً لهذا املوقف‪ ،‬ليس فقط‪ ،‬مبشاركة قياداتها يف الحمالت اإلعالمية‬ ‫التي تكرر أكاذيب املجموعات املسلحة‪ ،‬بل ودعوتها مبكرا لتشكيل اللجان الشعبية‬ ‫للدفاع عن املخيامت‪ ،‬وحاولت ان تفرضه عىل فصائل منظمة التحرير بدعوتها‬ ‫للمشاركة معها يف هذه اللجان‪ ،‬وعرضت عليها تسليحها‪ ،‬لكن فصائل منظمة‬ ‫التحرير رفضت الفكرة‪ .‬شكلت القيادة العامة بشكل رئييس هذه اللجان التي كانت‬ ‫استطالة استخباراتية ألدوات النظام السوري األمنية‪ .‬وألن القيادة العامة تفتقد إىل‬ ‫الكوادر‪ ،‬فقد قامت بتجنيد أصحاب السمعة السيئة يف املخيامت‪ ،‬وشكلت الصاعقة‬ ‫لجاناً خاصة بها‪ ،‬وإىل حد ما فتح االنتفاضة التي كانت شبه اختفت من الساحة‬ ‫قبل الثورة السورية‪.‬‬ ‫“القيادة العامة” واالنخراط يف الرصاع‬ ‫كان مخيم الريموك هو العنوان األخري للدخول الفلسطيني عىل الرصاع السوري‪،‬‬ ‫ليس بقرار فلسطيني‪ ،‬بل بحكم الواقع الجغرايف وبحكم متدد الرصاع عىل مزيد من‬ ‫األرايض السورية‪ .‬واملخيم الذي وجد نفسه عىل تخوم املناطق املشتعلة بالصدام‬ ‫املسلح‪ ،‬أقامت “القيادة العامة” داخله حالة مستفزة بانتشار اللجان الشعبية عىل‬ ‫حدود املخيم‪ ،‬ورغم أنها كانت حالة مرفوضة من األغلبية الساحقة من أهايل‬ ‫املخيم‪ ،‬الذين رفضوا التسليح أصالً‪ ،‬إال أنها باتت مبثابة احتالل واقعي للمخيم‪،‬‬ ‫وكانت مخولة من قبل أجهزة النظام بالقيام بهذه املهام‪ .‬وقد قامت هذه اللجان‬ ‫بإغالق املخيم يف وجه النازحني ويف وجه الجرحى‪ .‬وقد زاد من ذلك أنهم أخذوا‬ ‫يتعرضون لتحركات الجيش الحر التي حاولت تجنبهم أكرث من مرة‪ ،‬ولكن مع‬ ‫حصول عدة اشتباكات ومع اعتقال اللجان لبعض أعضاء الجيش الحر وتسليمهم‬ ‫‪52‬‬


‫لألجهزة األمنية بات الصدام محتامً‪ ،‬وألنهم أصبحوا يشكلون خطرا ً عىل الجيش الحر‬ ‫يف املناطق املجاورة‪ ،‬فكان املخيم يشكل مكان املعركة لو بعد حني‪ .‬عندما حصل‬ ‫الصدام دخل الجيش الحر إىل املخيم يف ‪ ،2012 /15/12‬رسعان ما ف ّرت اللجان‬ ‫الشعبية التي شكلتها القيادة العامة بادعاء حامية املخيم‪ ،‬وعادت فلولها مع القوى‬ ‫األمنية لتساهم يف حصار املخيم الطويل‪.‬‬ ‫دخول الجيش الحر إىل مخيم الريموك‪ ،‬جعل املكان مستباحاً لكل أنواع القصف‪،‬‬ ‫ومل تلبث طائرات امليغ يف يوم ‪ 12/16‬أن أغارت عليه‪ ،‬وأدخلت الفلسطينيني يف‬ ‫مرحلة جديدة يف إطار الرصاع السوري‪ .‬مل تكن املرة األوىل التي يتعرض الريموك‬ ‫فيها للقصف‪ ،‬ولكن كل تجارب القصف السابقة اعتربت عىل هامش قصف املناطق‬ ‫املحيطة باملخيم‪ ،‬وأن املخيم مل يكن مستهدفاً بحد ذاته‪ .‬مع قصف طائرات امليغ‬ ‫لجامع عبد القادر الحسيني ومدرسة املالكية وسقوط العرشات‪ ،‬وهام يف القلب‬ ‫من املخيم‪ .‬أصبح املخيم بحد ذاته هدفا للقصف‪ ،‬وهو ما ولّد يف اليوم التايل‬ ‫‪ 2012/12/17‬موجة هائلة من النازحني التي غادرت املخيم من فلسطينيني وسوريني‬ ‫مقيمني يف املخيم‪ .‬كانت موجة من الجموع البرشية تذكر بكل املآيس الفلسطينية‬ ‫السابقة‪ ،‬عائالت‪ ،‬آباء وأمهات وأطفال‪ ،‬يحملون ما تيرس من متاع ويسريون باتجاه‬ ‫منطقة الزاهرة القريبة‪ ،‬سيارات تحمل أكرث من طاقتها عىل الحمولة واألغراض‬ ‫الشخصية ملن توفرت لهم وسيلة نقل‪ ،‬رجال ونساء‪ ،‬واطفال يبكون‪ ،‬عائالت ال‬ ‫تعرف إىل أين تذهب‪ ،‬اليأس والحرية تعتيل الوجوه‪ ،‬كان املشهد من القسوة بأن‬ ‫دفع الجميع للبكاء‪ ،‬الذي مل ِ‬ ‫يبك ملا وصلت له حالته الشخصية وحالة عائلته من‬ ‫بؤس وخوف وقلق‪ ،‬كان يبيك ما وصلت إليه حالة اآلخرين من الضياع‪ ..‬إنها مشاهد‬ ‫أصعب من أن توصف‪ ،‬مشاهد تذكر بذل طويل عاشه الفلسطينيون‪ ،‬ووجدوا‬ ‫أنفسهم يعيشونه من جديد رشاكة مع اخوتهم السوريني‪ .‬فعىل طول شوارع‬ ‫الزاهرة‪ ،‬مل تكن تستطيع التمييز‪ ،‬بني العائلة السورية والعائلة الفلسطينية‪ ،‬وجوه‬ ‫عليها ذات عالمات الصدمة‪ ،‬عيون حائرة وقلقلة‪ ،‬تبيك أو تحتلها الدموع‪ ،‬قلق‬ ‫وخوف يخيم عىل آالف الناس التي تسري بال هدى‪ ،‬أسئلة الدهشة يف عيون وعىل‬ ‫لسان األطفال‪ ،‬ال أحد يعرف اإلجابة عليها‪ ،‬عيون الكبار تنظر إىل صغارها املتساءلة‪،‬‬ ‫‪53‬‬


‫تبلع دموعها‪ ،‬أو ترتكها تسيل‪ ،‬دون القدرة عىل قول أي كلمة ردا ً عىل تساؤل بريء‬ ‫لطفل يريد أن يعرف ما يحدث حوله‪.‬‬ ‫لقد غادر املخيم أغلب سكانه من فلسطينيني وسوريني‪ ،‬والذين يقدرون ما بني‬ ‫يبق منهم خالل ساعات سوى أقل من ‪ 10‬يف املائة حسب‬ ‫‪ 600‬ـ ‪ 700‬ألف نسمة‪ ،‬مل َ‬ ‫تقديرات ميدانية‪ ،‬وجزء من الذين بقوا كانوا غري قادرين عىل الخروج‪ .‬ومنذ ذلك‬ ‫الوقت خضع املخيم لحصار خانق‪ ،‬وتم وضع الحواجز عىل مداخله‪ ،‬والتي تعاملت‬ ‫بقسوة مع الداخلني والخارجني منه‪ ،‬ومل يتوقف القصف عليه‪ ،‬ما حول املخيم‬ ‫إىل مدينة أشباح‪ .‬يف هذه األجواء كان من املستحيل تبديد الحذر والخوف لدى‬ ‫(‪)51‬‬ ‫الفلسطينيني يف بالد هشة القوانني‪ ،‬مزيفة املؤسسات‪.‬‬ ‫ما جرى يف مخيم الريموك كان صورة متكررة ملا جرى يف مخيامت فلسطينية‬ ‫أخرى يف املدن السورية‪ ،‬مل تكن املخيامت الفلسطينية جزءا من الرصاع يف سوريا‪،‬‬ ‫وبرصف النظر عن مشاعر الفلسطينيني باالنحياز إىل هذا الطرف أو ذاك‪ ،‬حافظ‬ ‫الفلسطينيون عىل موقف أخالقي تجاه أخوتهم السوريني الذين احتضنوهم مبحبة‬ ‫وود طوال سنوات اللجوء الفلسطيني القاسية‪ .‬وكان تقديم الخدمات اإلنسانية‬ ‫واإلغاثية واحتضانهم الالجئني السوريني يف بيوتهم وتقديم الخدمات الصحية‬ ‫واملساعدات الغذائية‪ ،‬ليس نوعاً من رد الجميل عىل ما قدمه الشعب السوري‬ ‫للفلسطينيني فحسب‪ ،‬بل ردا ً عىل حالة اللجوء املذلة التي اختربها الفلسطينيون‬ ‫ومست كرامتهم وأذلتهم أيضاً‪ ،‬فحاولوا بكل ما استطاعوا أن يحفظوا كرامة‬ ‫طويالً ّ‬ ‫من حفظ كرامتهم عىل أرضه‪ .‬لقد فتح أهايل املخيامت بيوتهم ألخوتهم السوريني‬ ‫وتقاسموا معهم طعامهم وأماكن نومهم وأحزانهم‪ ،‬وحاول الفلسطينيون املجروحني‬ ‫منذ ستة عقود مداواة جراح إخوتهم السوريني التي ما زالت تنزف‪ ،‬فقدموا ما‬ ‫استطاعوا تقدميه ردا ً للدين السوري عليهم‪.‬‬ ‫يف النهاية تفوقت الجغرافيا السياسية عىل اختيار الدور‪ ،‬فاملخيامت ليست جزرا ً‬ ‫معزولة يف الجغرافيا السورية‪ ،‬وكانت الصدامات املسلحة ستطالها ولو بعد حني‪،‬‬ ‫ألن اشتعال املدن السورية باملعارك املسلحة لن يست ِنث املخيامت فيها‪ .‬ظهر هذا‬ ‫مبكرا ويف األشهر األوىل من الحراك السوري‪ ،‬عندما قصفت قوات النظام منطقة‬ ‫‪54‬‬


‫الرمل يف الالذقية‪ ،‬ومل تستثني املخيم الذي يقع هناك‪ ،‬فنال نصيبه من القذائف‪،‬‬ ‫وتم تهجري أهايل املخيم بسبب القصف الشديد عليه‪ .‬كانت تجربة مخيم الرمل‬ ‫يف الالذقية بروفا الوضع الفلسطيني الذي تكرر يف درعا وحمص وحلب‪ ،‬وأخريا يف‬ ‫الريموك يف دمشق‪.‬‬ ‫لقد دفع الفلسطينيون مثناً غالياً يف الرصاع املسلح يف سوريا‪ ،‬حتى وصل عدد‬ ‫الفلسطينيني الذين سقطوا يف الرصاع أكرث من ‪ 1150‬شهيدا ً‪ ،‬وقد سقط يف عموم‬ ‫سوريا(‪ ،)52‬حسب املرصد السوري لحقوق اإلنسان‪ ،‬أكرث من ‪ 70‬ألف سوري‪ .‬وإذا‬ ‫حسبنا عدد الشهداء لعدد السكان ـ رغم الحسبة املؤملة‪ ،‬ألن كل ضحية إنسانية‪،‬‬ ‫هي ضحية‪ ،‬مطلقة يجب أن يهتز الضمري اإلنساين لها ـ فيكون الفلسطينيون‬ ‫دفعوا مثناً غالياً ملوقفهم األخالقي مبساعدة ضحايا الرصاع‪ ،‬ففي الوقت الذي دفع‬ ‫السوريون شهيدا ً لكل ‪ 342‬سوري تقريباً‪ ،‬دفع الفلسطينيون شهيدا ً لكل ‪434‬‬ ‫فلسطيني‪ .‬وما زال الدم السوري والفلسطيني يسيل عىل األرض السورية‪ ،‬وال أحد‬ ‫يعرف متى يتوقف‪ ،‬وال أين ستتوقف الكلفة البرشية!!‬ ‫لقد سال الدم الفلسطيني بغزارة مع الدم السوري‪ ،‬وكان هناك موقف ال أخالقي‬ ‫من العامل الذي تفرج عىل املجازر التي ترتكب بحق السوريني وكانت مواقف‬ ‫القيادة والفصائل الفلسطينية األكرث غرابة يف التعامل مع الرصاع الجاري يف سوريا‪،‬‬ ‫واملوقف املائع من املذابح التي طالت الفلسطينيني‪ .‬وأقل ما يقال يف هذه املواقف‬ ‫تفتقد إىل الحد األدىن من املطلوب الوطني‪ ،‬ليس من الدم السوري الذي يراق عىل‬ ‫األرض السورية بوحشية فحسب‪ ،‬بل حتى من الدم الفلسطيني الذي يراق هناك‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫مل يكن الفلسطينيون يف سوريا جزءا من الرصاع‪ ،‬هذا صحيح‪ ،‬لكنهم كانوا جزءا ً‬ ‫من املوقف األخالقي‪ ،‬الذي أعلن عن نفسه مبكرا ً يف الوقوف اإلنساين مع الضحايا‬ ‫بتقديم العون واإلغاثة لضحايا الرصاع املسلح‪ .‬وألن الضحايا ال ميكن إال أن يشعروا‬ ‫مع الضحايا‪ ،‬خاصة عندما ترى الضحية تجربتها تتكرر مع ضحية أخرى تشاركها‬ ‫الحياة لسنوات طويلة‪.‬‬ ‫لقد رد الفلسطينيون جزءا من الدين القديم ألخوتهم السوريني‪ ،‬وقد دفعوا‬ ‫‪55‬‬


‫دماءهم مثناً لهذا املوقف‪ ،‬وعىل الرغم من املوقف الفلسطيني الرسمي والفصائيل‬ ‫غري ذي صلة واملنفصل عن الواقع‪ ،‬إال أن الدماء الفلسطينية التي سالت عىل األرض‬ ‫السورية‪ ،‬ستبقى تيضء سامء فلسطني كام ستبقى الدماء السورية والفلسطينية‬ ‫تيضء سامء سوريا‪.‬‬

‫‪56‬‬


‫خامتة‬ ‫هشاشة اللجوء‬ ‫فجأة‪ ،‬يتغري كل يشء‪ ،‬املكان العامر بالناس والحركة يتحول إىل مكان مهجور‪،‬‬ ‫يشء ما ينكرس بعد ثبات عقود‪ .‬الجئون فلسطينيون جاءوا إىل أماكن متعددة يف‬ ‫سوريا أغلبهم سكن دمشق وضواحيها‪ ،‬ليبنوا ما تيرس من األبنية لتؤويهم يف مكان‬ ‫نا ٍء‪ ،‬بعيدا عن املدينة‪.‬‬ ‫يف مكان بني أشجار الغوطة بأبنيته املتفرقة والبائسة‪ ،‬أشاد الالجئون الفلسطينيون‬ ‫مخيامً كان اسمه الريموك‪ .‬بنوا حياتهم فيه بالكثري من الجهد والتعب‪ ،‬وحالفهم‬ ‫الحظ ومتددت مدينة دمشق ليجدوا أنفسهم يقيمون يف وسطها بعد عقود من‬ ‫العيش عىل هامشها‪ ،‬ما زاد يف ازدهار املخيم‪ ،‬وجعله واحدا ً من إحياء دمشق‬ ‫املعروفة‪ ،‬لذلك مل يكن صدفة أن يطلق البعض عىل مخيم الريموك صفة عاصمة‬ ‫الشتات الفلسطيني‪.‬‬ ‫مل يكن املخيم ليلقى هذا االزدهار لوال التعامل السوري مع الفلسطيني‬ ‫بإعطائه حقوق العمل‪ ،‬ومن املفارقة أن هذه الحقوق التي منحتها سوريا لالجئني‬ ‫الفلسطينيني‪ ،‬وقد تم اقرارها يف ظل الربملان الدميقراطي السوري الذي نتج عن‬ ‫انتخابات العام ‪ 1954‬األكرث متثيالً يف تاريخ سوريا الحديث‪.‬‬ ‫رغم ذلك‪ ،‬القصة ليست قصة قانون‪ ،‬كلنا نعرف إمكانية التالعب بالقوانني يف‬ ‫العامل العريب‪ .‬األهم من القانون كانت تجربة احتضان الشارع السوري للفلسطينيني‬ ‫الذين لجأوا إىل سوريا‪ ،‬وهذا االحتضان خفف كثريا ً من مرارة اللجوء وقسوته‪.‬‬ ‫كل العقود التي عاشها الفلسطيني يف سوريا مل تشفع له‪ ،‬فجأة يُقصف املخيم‬ ‫بالطائرات‪ ،‬كام تقصف مئات املواقع السورية‪ ،‬وبعد أن تعرض مرات للقصف‬ ‫املدفعي‪.‬‬ ‫فجأة‪ ،‬يشعر الالجئ الفلسطيني بهشاشة وضعه حتى يف بلد وجد فيه من‬ ‫‪57‬‬


‫االحتضان الكثري‪ ،‬ال يعرف أين يذهب‪ ،‬وترتبك هويته كام ترتبك حياته‪ ،‬يستعيد‬ ‫كل املآيس التي م ّر بها أخوته من الالجئني الفلسطينيني ويحفظها عن ظهر قلب‪.‬‬ ‫يعود رشيط الذكريات لينكأ الجراح التي عاشتها التجمعات الفلسطينية يف الشتات‪،‬‬ ‫التجربة القاسية يف األردن‪ ،‬واألقىس منها التي وصلت لحد املذابح يف لبنان وما‬ ‫زال االذالل مستمرا ً‪ ،‬التهجري القرسي من الكويت بعد االحتالل العراقي‪ ،‬الذبح‬ ‫االنتقامي يف عراق ما بعد االحتالل األمرييك‪ ..‬كل مخزون الذاكرة من الظلم الذي‬ ‫وقع عىل الفلسطينيني استحرضه الجئو سوريا يف لجوئهم الثاين الصعب والقايس‪.‬‬ ‫لجوء هز بقوة هوية الفلسطينيني يف سوريا الذين كانوا يعتقدون أنها أقوى من‬ ‫أن تهتز‪.‬‬ ‫كان مخيم الريموك النموذج‪ ،‬شكل هذا املخيم جزءا ً من تاريخ فلسطني‪ ،‬ألن‬ ‫الوطنية الفلسطينية الحديثة ولدت يف مخيامت اللجوء داخل فلسطني وخارجها‪،‬‬ ‫وكان لهذا املخيم دوره‪ .‬كان مخيم الريموك بهويته الوطنية الفلسطينية املنفتحة‬ ‫عىل الجميع والحاضن ملن احتضنه‪ ،‬نوعا من املزيج الوطني الفلسطيني العرويب‪،‬‬ ‫ورغم أنه أكرب تجمع فلسطيني يف سوريا ويبلغ عدد سكانه الفلسطينيني حسب‬ ‫تقديرات األونروا حوايل ‪ 150‬ألف نسمة‪ ،‬فإنه يعيش يف وسط اغلبي سوري‪ ،‬حيث‬ ‫يقدر عدد سكان مخيم الريموك بحوايل ‪ 700‬ألف نسمة‪ .‬مل يشهد هذا التعايش‬ ‫الفلسطيني‪ .‬السوري أي صدام عىل االطالق‪ ،‬وكان من الصعب التمييز بني أبناء‬ ‫املخيم من الفلسطينيني أو السوريني‪ .‬كان املخيم يفخر بحفاظه عىل الصلة القوية‬ ‫مع فلسطني‪ ،‬ويفخر مبئات الشهداء الذين زفهم عىل طريق النضال الفلسطيني يف‬ ‫معركة الوجود الفلسطيني‪ .‬وبعد أن وجد الشعب الفلسطيني عنوانه السيايس‪،‬‬ ‫أخذت التجمعات الفلسطينية تدفع أمثاناً غالية‪ ،‬كان منوذجها األكرث قسوة تجربة‬ ‫اللجوء يف لبنان حيث مورس وما زال ميارس عليه التمييز ويقر ضدهم قوانني‬ ‫عنرصية نجحت يف خفض أعدادهم يف لبنان بشكل كبري‪ ،‬واختفوا من العراق‪،‬‬ ‫واليوم هم مهددون يف سوريا‪.‬‬ ‫لقد وقع االنهيار يف مخيم الريموك‪ ،‬كام املخيامت األخرى‪ ،‬وكشف هشاشتها‬ ‫وضع الالجئني‪ ،‬وكشف أيضاً‪ ،‬هشاشة الوطنية الفلسطينية‪ .‬انهار مخيم الريموك‪،‬‬ ‫‪58‬‬


‫بانهياره ينهار مكان آخر كان عنواناً لفلسطني وينهار مك ّون من مك ّونات الوطنية‬ ‫الفلسطينية‪ .‬الالجئون الفلسطينيون الذين حملوا قليل متاعهم وغادروا املخيم‬ ‫تحت القصف‪ ،‬تغريوا إىل األبد‪ ،‬مثة يشء ما انكرس داخلهم ويف هويتهم يف رحلة‬ ‫اللجوء األخرية‪.‬‬

‫‪59‬‬


‫الهوامش‬ ‫‪ 1‬ـ راجع‪ :‬د‪ .‬إبراهيم دراجي ـ الالجئون الفلسطينيون يف سوريا دراسة قانونية‬ ‫ـ دراسة مقدمة اىل حلقة نقاش تحت عنوان «الالجئون الفلسطينيون يف سوريا»‬ ‫أقامها تجمع العودة الفلسطيني يف دمشق ـ املتحف الوطني ‪ 29‬نيسان ‪.2010‬‬ ‫‪ 2‬ـ لالطالع عىل تفاصيل أوضاع الالجئني الفلسطينيني يف لبنان راجع‪:‬‬ ‫ـ سمري الزبن ـ أوضاع الالجئني الفلسطينيني يف لبنان ـ رام الله‪[ ،‬فلسطني]‪ :‬مركز‬ ‫الالجئني والشتات الفلسطيني (شمل)‪2000 ،‬‬ ‫ـ نرصي حجاج ـ الالجئون الفلسطينيون يف لبنان‪ ،‬إىل متى ـ مركز الالجئني‬ ‫والشتات الفلسطيني (شمل)‪.2000 ،‬‬ ‫‪ 3‬ـ املواد القانونية مأخوذة من مجموعة الترشيع السوري ـ وزارة العدل ـ املجلد‬ ‫السابع ـ مادة فلسطني‬ ‫يف ظل الحراك الثوري الذي تشهده سوريا احتجاجا عىل القمع الوحيش للنظام‪،‬‬ ‫يبدو أن النظام يصنف الفلسطينيني يف خانة الحراك السوري‪ ،‬من أجل ذلك بدأ‬ ‫بخطوات للتضييق عليهم يف هذا الشأن‪ ،‬حيث استثناهم من مسابقة وزارة الرتبية‬ ‫والتعليم بقرار من الوزير‪ ،‬وهي مخالفة رصيحة لنص القانون ‪ 260‬لعام ‪.1956‬‬ ‫ـ راجع أيضا‪ :‬ملهم الحميص ـ نظام األسد يستثني الفلسطينيني السوريني من‬ ‫الوظائف العامة ـ موقع ايالف ـ ‪ 9‬نوفمرب ‪2012‬‬ ‫كام أصدر الرئيس السوري قانون البعثات العلمية‪ ،‬الذي مل يُشمل الفلسطينيني‬ ‫يف نصه كام كانت تفعل القوانني واملراسيم السابقة التي تنص عىل‪« :‬السورين ومن‬ ‫هم يف حكمهم» وكان الفلسطينيون السوريون هم املقصودين يف هذه العبارة التي‬ ‫اسقطت من قانون البعثات الجديد‪.‬‬ ‫ـ راجع املرسوم الترشيعي رقم ‪ 6‬الصادر عن رئاسة الجمهورية السورية بتاريخ‬ ‫‪.2013 /1/14‬‬ ‫‪60‬‬


‫‪ 4‬ـ تقول احصاءات األونروا لعام ‪ 2012‬أن عدد الالجئني الفلسطينيني يف سوريا‬ ‫املسجلني لديها يبلغ ‪ 487.000‬الجئ‪ .‬بينام تختلف هذه األرقام لدى الهيئة العامة‬ ‫لالجئني الفلسطينيني التي تقدر أن عدد الفلسطينيني يف سوريا للعام ذاته قد بلغ‬ ‫‪ 494.819‬الجئاً‪ .‬أي ان ‪ 7819‬الجئ فلسطيني غري مسجل يف سجالت األونروا‪،‬‬ ‫حسب فرق الرقمني بني الهيئة واألونروا‪ .‬وإذا عدنا اىل فرتة تأسيس األونروا نستطيع‬ ‫القول أن الذين مل يسجلوا يف سجالت األونروا وحسبنا نسبة وتناسباً بني أرقام العام‬ ‫‪ 2012‬والعام ‪ 1949‬وبتقدير أعداد ذلك العام الذي تأسست فيه األونروا بـ ‪90.000‬‬ ‫الجئ فإن عدد الذين مل يسجلوا يف األونروا يف ذلك العام يكون حوايل‪ 1400 :‬الجئ‬ ‫من أصل ‪ 90‬ألفاً‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ ساري حنفي ـ الفلسطينيون يف سوريا وعملية السالم ـ مجلة الدراسات‬ ‫الفلسطينية ـ العدد ‪ 28‬ـ خريف ‪ 1996‬ص ‪86‬‬ ‫‪ 6‬ـ راجع نبيل السهيل ـ الفلسطينيون يف سوريا ـ الواقع الدميغرايف واالقتصادي‬ ‫واالجتامعي ـ‪ :‬مركز الالجئني والشتات الفلسطيني (شمل)‪ 1996 ،‬رام الله‪ -‬فلسطني‬ ‫‪ 7‬ـ طارق حمود ـ الالجئون الفلسطينيون يف ظل الثورة السورية ـ املركز العريب‬ ‫لالبحاث ودراسة السياسات ـ الدوحة ـ يناير ‪ 2013‬ص ‪.31‬‬ ‫‪ 8‬ـ نبيل السهيل ـ مرجع سبق ذكره‪.‬‬ ‫‪ 9‬ـ روز ماري صايغ ـ الفالحون الفلسطينيون ـ من االقتالع إىل الثورة ـ ترجمة‪:‬‬ ‫خالد عايد ـ مؤسسة األبحاث العربية ـ ط‪ 1‬ـ ‪ 1980‬ص‪219‬‬ ‫‪ 10‬ـ هناك حاالت استثنائية وصلت إىل منصب وزير يف الحكومات السورية‪ ،‬كام‬ ‫ذكرنا يف فصل «األوضاع القانونية»‪ ،‬كان الوصول اىل منصب وزير‪ ،‬بوصفه منصباً‬ ‫سياسياً‪ ،‬يحتاج إىل الجنسية السورية‪ ،‬وقد تم منح الوزيرين الجنسية السورية‪.‬‬ ‫أما بالنسبة إىل معاون وزير وهو منصب إداري وليس سيايس‪ ،‬احتفظ من يشغله‬ ‫بجنسيته الفلسطينية‪ .‬كام تم منح الجنسية إىل بعض الضباط الفلسطينيني الذين‬ ‫‪61‬‬


‫خدموا يف الجيش السوري برتب عالية‪ ،‬قيادة سالح الجو يف العام ‪( 2004‬اللواء حازم‬ ‫الخرضاء)‪ ،‬وقيادة منطقة عسكرية (اللواء مصباح البديري) الذي ُع نِّ َي يف الثامنينات‬ ‫قائدا ً للمنطقة الوسطى‪.‬‬ ‫‪ 11‬ـ هذا مل مينع العديد من الفلسطينيني املساهمة يف الحياة السياسية السورية‪،‬‬ ‫أو االنتامء إىل أحزاب سياسية معارضة‪ ،‬وقد تعرض العديد من الفلسطينيني لالعتقال‬ ‫النتامئهم ألحزاب سورية معارضة‪.‬‬ ‫‪ 12‬ـ يف مخيامت اللجوء مل يُصنف الالجئون الفلسطينيون أنفسهم باملعنى‬ ‫االجتامعي عىل أساس املال‪ ،‬أي التصنيف الطبقي‪ ،‬بل عىل أساس املناطق التي‬ ‫جاءوا منها‪ ،‬بني سكان مدن وفالحني وبدو‪ ...‬رغم أنهم كانوا وما زالوا جميعا سكان‬ ‫مخيامت‪ ،‬وقد اثرت هذه التصنيفات عىل عالقات املصاهرة‪ ،‬وقد تم رفض الكثري‬ ‫من طلبات الزواج عىل أساس االنتامءات السابقة التي كانت قامئة يف فلسطني‪ .‬وال‬ ‫يزال الالجئون الفلسطينيون اىل اليوم يحددون انتامءاتهم بالبلدان والقرى التي‬ ‫جاءوا منها من فلسطني‪ .‬لقد حافظت هذه التصنيفات عىل انتامء فلسطيني‪ ،‬صنع‬ ‫يف الستينات الوطنية الفلسطينية الحديثة‪ ،‬وحافظت عىل نقل االنتامء الفلسطيني‬ ‫اىل األجيال التي ولدت يف املنايف‪ ،‬عرب حكايات األمهات والجدات‪ .‬لكنها يف املقابل‬ ‫شكلت عائقا أمام الدمج االجتامعي إىل حد ما‪.‬‬ ‫‪ 13‬ـ تستأثر مدارس األونروا بحوايل ‪ 76‬يف املئة‪ ،‬و‪ 84‬يف املئة من الطالب املسجلني‬ ‫يف املرحلتني االبتدائية واإلعدادية عىل التوايل‪.‬‬ ‫‪ 14‬ـ راجع موقع األونروا ‪http://www.unrwa.org‬‬ ‫تقدم مدارس األونروا إىل الطالب الفلسطينيني الكتب املدرسية مجانا‪ .‬وقد كانت‬ ‫يف الستينات والسبعينات تقدم اضافة اىل الكتب‪ ،‬الدفاتر واألقالم واألدوات املدرسية‬ ‫املختلفة‪ ،‬وكانت ترشف عىل األوضاع الصحية يف املدارس حيث كانت تقوم بتلقيح‬ ‫الطالب بصورة دورية‪ .‬كام يعترب التدريس يف مدارس االونروا أعىل مستوى منه يف‬ ‫مدارس الدولة السورية‪ ،‬وهذا أوال‪ ،‬بسبب الدخل املرتفع ملدريس األونروا مقارنة‬ ‫‪62‬‬


‫باملدرسني املوظفني يف قطاع الدولة‪ ،‬والرقابة أشد يف األونروا عىل املدرسني منها يف‬ ‫مدارس الدولة‪.‬‬ ‫‪ 15‬ـ راجع موقع األونروا ‪http://www.unrwa.org‬‬ ‫توفر األونروا ‪ 29.000‬فرصة عمل يف بلدان عملياتها‪ ،‬أكرب عدد للعاملني يف قطاع‬ ‫غزة حيث يبلغ عددهم ‪ 10.000‬وأقلّهم يف لبنان حيث يبلغ عدد العاملني ‪3.000‬‬ ‫آالف موظف وموظفة‪.‬‬ ‫‪ 16‬ـ عالء أويس ـ االقتصاد السوري‪ ...‬جردة حساب ـ جريدة النور ‪ 15‬كانون‬ ‫الثاين (يناير) ‪ 2013‬ـ وهي جريدة ناطقة باسم الحزب الشيوعي السوري ـ جامعة‬ ‫يوسف فيصل‪ ،‬وهو حزب رشيك يف الجبهة الوطنية التقدمية الحاكمة يف سوريا‪.‬‬ ‫‪ 17‬ـ موقع عكس السري السوري االحد ‪ 19 -‬حزيران (يونيو) ‪ - 2011 -‬مجلة‬ ‫“غلوبل فاينانس” االقتصادية‬ ‫‪ 18‬ـ ثامر قرقوط ـ الفقر يف سوريا بالعني املجردة ـ ‪ SPR‬للبحوث والدراسات‬ ‫‪http://www.spraweb.com‬‬ ‫‪ 19‬ـ املرجع نفسه‪.‬‬ ‫‪ 20‬ـ الالجئون األكرث تعليامً وفقراً ـ الهيئة الفلسطينية لالجئني ـ عىل موقعها‬ ‫‪http://www.pcrp.ps‬‬ ‫‪ 21‬ـ اجابة عىل سؤال جريدة الحياة اللندنية‪« :‬ملاذا متنعون الالجئني الفلسطينيني‬ ‫الفارين من سوريا دخول اململكة‪ ،‬علامً أنهم يحملون وثائق سفر سورية؟»‬ ‫قال عبد الله النسور رئيس الوزراء األردين‪« :‬هناك من يريد إعفاء إرسائيل‬ ‫مرة أخرى من التبعات املرتتبة عليها يف خصوص تهجري الفلسطينيني من ديارهم‪.‬‬ ‫األردن ليس مكاناً لحل مشاكل إرسائيل‪ ،‬وهناك قرار أردين سيادي واضح ورصيح‬ ‫بعدم عبور اإلخوة الفلسطينيني من حملة الوثائق السورية اىل األردن‪ .‬استقبالنا‬ ‫‪63‬‬


‫لهؤالء األشقاء خط أحمر ألن ذلك سيكون مقدمة ملوجة تهجري أخرى‪ ،‬وهو ما‬ ‫تريده الحكومة اإلرسائيلية‪ .‬إخواننا الفلسطينيون يف سوريا أصحاب حق يف بالدهم‬ ‫األصلية‪ ،‬وعليهم البقاء هناك لحني انتهاء األزمة» راجع املقابلة مع جريدة الحياة‬ ‫‪ 9‬يناير ‪2013‬‬ ‫‪ 22‬ـ إجراءات جديدة لألمن العام يف شأن فلسطينيي سوريا ـ جريدة السفري‬ ‫اللبنانية ‪2013/2/22‬‬ ‫ـ يف ترصيح لسالم فياض رئيس الوزراء الفلسطيني يوم ‪ 27‬شباط‪ ،‬قال‪ :‬أن‬ ‫السلطة ستخصص مليون دوالر لالجئني الفلسطينيني يف سوريا‪ ،‬بسبب األوضاع التي‬ ‫ميرون بها‪ ،‬وذلك لتقصري الهيئات الدولية يف دعمهم‪ ،‬وأن هذا الدعم سيبقى طاملا‬ ‫أن تقصري املؤسسات الدولية قائم‪.‬‬ ‫ال يفي هذا املبلغ بالغرض كواجب يقع عىل كاهل السلطة الفلسطينية تجاه‬ ‫الجئني فلسطينيني يعانون نكبة جديدة‪ .‬راجع الصحف ‪2013/2/28‬‬ ‫‪ 23‬ـ راجع العديد من الكتابات االرسائيلية التي اعتمدت عىل االرشيف االرسائييل‪،‬‬ ‫والتي تتحدث عن طرد الفلسطينيني وهو ما عرف يف ارسائيل بتيار «املؤرخني‬ ‫الجدد» عىل رأسهم بني موريس‪ ،‬ايالن بابيه‪ ،‬وتوم سيغيف‪ ،‬وايلبا شوحط‪ ،‬وغريهم‪.‬‬ ‫ـ بني موريس ـ والدة مشكلة الالجئني «وثيقة إرسائيلية» دار الجليل للنرش‬ ‫واألبحاث الفلسطينية ـ عامن ـ األردن‪.1993 ،‬‬ ‫ـ ايالن بابيه ـ التطهري العرقي يف فلسطني ـ مؤسسة الدراسات الفلسطينية ـ‬ ‫بريوت ـ الطبعة األوىل ‪.2007‬‬ ‫‪ 24‬ـ يف النصف الثاين من الخمسينات أخذت االتجاهات الفلسطينية تذهب‬ ‫باتجاهني‪ :‬األول‪ :‬االتجاه القومي‪ ،‬والذي عرب عنه تأسيس جورج حبش ورفاقه لـ‬ ‫«حركة القوميني العرب» يف العام ‪ 1956‬والتي عربت عن نفسها يف نرشة «الثأر»‪.‬‬ ‫االتجاه الثاين الذي عرب عن نفسه بتوجه وطني فلسطيني‪ ،‬عربت عنه مجلة‬ ‫«فلسطيننا» التي صدرت يف العام ‪ 1959‬والتي التف حولها مجموعة من الشباب‬ ‫‪64‬‬


‫الفلسطينيني وكانت النواة األوىل لتجمع الناشطني الذين أطلقوا بعد سنوات تجربة‬ ‫حركة فتح‪.‬‬ ‫‪ 25‬ـ كان الرئيس محمود عباس واألخوين خالد وهاين الحسن من بني مؤسيس‬ ‫حركة فتح وكانوا أعضاء يف اللجنة املركزية للحركة وكانوا من الالجئني الفلسطينيني‬ ‫الذين لجأوا إىل سوريا‪.‬‬ ‫‪ 26‬ـ يف نيسان العام ‪ 1988‬اغتالت وحدة كوماندوس ارسائيلية القيادي‬ ‫الفلسطيني يف حركة فتح ومنظمة التحرير خليل الوزير (أبو جهاد) يف تونس عىل‬ ‫خلفية مساهمته الفعالة يف االنتفاضة الفلسطينية األوىل التي تفجرت نهاية العام‬ ‫‪ ،1987‬وقد جرت مراسم دفنه يف مخيم الريموك‪ .‬وقد قُدر عدد الذين شاركوا يف‬ ‫جنازته‪ ،‬أقلها بنصف مليون مشارك‪ ،‬وأعالها مبليون‪ ،‬يف الوقت الذي كان عدد‬ ‫الفلسطينيني يف سوريا ال يتجاوز الـ ‪ 280‬ألف بني اطفالهم وشيبهم وشبابهم‪ .‬وكانت‬ ‫حركة فتح التي ينتمي لها خليل الوزير عىل خالف مع النظام السوري وصل حد‬ ‫الصدام املسلح‪ ،‬وكان حوايل ‪ 5000‬آالف معتقل ينتمون للحركة يقبعون يف السجون‬ ‫السورية يف ذلك الوقت‪.‬‬ ‫‪ 27‬ـ استخدم محمد حسنني هيكل الصحفي املرصي ورئيس تحرير األهرام‬ ‫املقرب من الرئيس جامل عبد النارص مصطلح «النكسة» للتخفيف من وقع الهزمية‬ ‫املروعة التي تعرضت لها ثالث بلدان عربية من ارسائيل وبزمن قيايس يف العام‬ ‫‪.1967‬‬ ‫‪ 28‬ـ قام أعضاء من الجبهة الشعبية بإطالق رساح جورج حبش عرب عملية قامت‬ ‫بها مجموعات من الجبهة بتخطيط من وديع حداد وأبو عيل مصطفى‪ ،‬حيث تم‬ ‫اعرتاض سيارة الرشطة العسكرية التي تنقل جورج حبش من مكان إىل آخر يف قلب‬ ‫دمشق‪ ،‬تم تحريره وتهريبه إىل لبنان‪.‬‬ ‫كذلك‪ ،‬اعتقل يارس عرفات قبل ذلك لفرتة وجيزة يف سوريا عندما كان الناطق‬ ‫باسم حركة فتح‪.‬‬ ‫‪65‬‬


‫‪ 29‬ـ نحن هنا ال نق ّيم صحة السيطرة الفلسطينية عىل أجزاء من لبنان أو خطأها‪،‬‬ ‫ولكن نسوقها فقط كوقائع تاريخية كانت مؤثرة يف تاريخ التجربة الفلسطينية ويف‬ ‫تاريخ العالقة السورية ـ الفلسطينية‪.‬‬ ‫‪ 30‬ـ كان من أبرز الوجوه التي قادت االنشقاق يف مواجهة حركة فتح التي‬ ‫يقودها يارس عرفات‪ ،‬كل من عضوي اللجنة املركزية‪ ،‬منر صالح (أبو صالح) وسميح‬ ‫أبو كويك (قدري)‪ ،‬ومن بني الضباط سعيد موىس مراغة (أبو موىس) وموىس محمود‬ ‫العملة (أبو خالد) ومن العاملني بالحقل الكتايب‪ ،‬الياس شوفاين‪.‬‬ ‫‪ 31‬ـ حصلت بعض االحتجاجات املحدودة يف خروج تظاهرات شبابية احتجاجا‬ ‫عىل املعارك التي شهدتها األرايض اللبنانية‪ ،‬خاصة قصف مدينة طرابلس اللبنانية‪،‬‬ ‫وتركزت هذه االحتجاجات يف مخيم الريموك تحديدا‪.‬‬ ‫‪ 32‬ـ كانت هناك أعداد من الفلسطينيني الذين اعتقلوا بذات الفرتة‪ ،‬ولكن‬ ‫ليس عىل خلفية الخالف السوري ـ الفلسطيني‪ ،‬بل لعمل هؤالء مع قوى سياسية‬ ‫سورية‪ ،‬مثل األخوان املسلمني والحزب الشيوعي ـ املكتب السيايس ورابطة العمل‬ ‫الشيوعي‪ ،‬وهؤالء مل تتجاوز أعدادهم العرشات‪.‬‬ ‫‪ 33‬ـ راجع الوثائق التي أصدرتها القوى الفلسطينية بعد الحرب‪ ،‬خاصة فتح‬ ‫والجبهة الشعبية والجبهة الدميقراطية‪ ،‬القوى املركزية يف منظمة التحرير‪ .‬فقد‬ ‫خلصت كل املراجعات بصيغة أو بأخرى إىل أن مركز ثقل العمل الوطني الفلسطيني‬ ‫انتقل إىل األرايض املحتلة‪ ،‬بعد فقدان الركيزة األساسية يف لبنان‪.‬‬ ‫‪ 34‬ـ عىل مدى عقدي التسعينات‪ ،‬والسنوات العرشة األوىل من القرن الجديد‪،‬‬ ‫تراجعت العضوية يف الفصائل‪ ،‬لتتحول إىل فصائل هامشية‪ ،‬وما زاد من هامشيتها‪،‬‬ ‫أنها عانت خالل هذه الفرتة من أزمات مالية متالحقة‪ ،‬أثرت كثريا ً عىل قدرتها‬ ‫عىل االحتفاظ بكادر قادر عىل إيجاد فرصة أفضل من التفرغ الحزيب‪ .‬وما حصل‬ ‫يف الفصائل الفلسطينية بكل طيفها يشبه ما يحصل يف سوق العملة‪ ،‬حيث تطرد‬ ‫‪66‬‬


‫يبق يعمل يف الفصائل سوى أقلية هامشية‬ ‫العملة الرديئة العملة الجيدة‪ .‬لذلك مل َ‬ ‫تفتقد إىل املواهب والقدرات والتعليم املناسب‪.‬‬ ‫‪ 35‬ـ يف ‪ 2011/1/31‬بعد هروب زين العابدين بن عيل‪ ،‬وذروة االحتجاجات‬ ‫املرصية ضد نظام مبارك‪ ،‬اجرت صحيفة «وول سرتيت جورنال» مقابلة مع الرئيس‬ ‫السوري بشار األسد‪ ،‬وقال ردا عىل سؤال حول تأثريات ما يجري عىل سوريا بالقول‪:‬‬ ‫«إذا أردت أن تتحدث عن تونس ومرص‪ ،‬فنحن خارج هذا األمر‪ .‬ويف النهاية‪ ،‬نحن‬ ‫لسنا تونسيني ولسنا مرصيني‪».‬‬ ‫‪ 36‬ـ كانت قد جرت مظاهرة عفوية بتاريخ ‪ 2011/2/17‬يف منطقة الحريقة‬ ‫وسط دمشق‪ ،‬بعد أن اعتدى أفراد الرشطة عىل فتى‪ ،‬فتجمعت الحشود بشكل‬ ‫عفوي‪ ،‬ومل تنفض إال بعد أن حرض وزير الداخلية سعيد سمور ووعد مبحاسبة الذين‬ ‫اعتدوا عىل الشاب‪ .‬يف تلك املظاهرة العفوية هتفت الحشود الشعار «الشعب‬ ‫السوري ما بينذل» الذي رافق الثورة السورية يف مسارها الطويل‪ .‬واعتربت تلك‬ ‫املظاهرة ارهاصات الثورة السورية‪.‬‬ ‫‪ 37‬ـ جريدة الوطن السورية ‪2011/3/22‬‬ ‫‪ 38‬ـ راجع وكالة رويرتز لألنباء ‪2011/3/27‬‬ ‫‪ 39‬ـ طارق حمود ـ الالجئون الفلسطينيون يف ظل الثورة السورية ـ املركز العريب‬ ‫لألبحاث ودراسة السياسات ـ الدوحة ـ يناير ‪ 2013‬ـ ص ‪.31‬‬ ‫‪ 40‬ـ لقد تم تكذيب هذه االشاعة من قبل من تعرضوا إلطالق النار‪ ،‬فشيخ جامع‬ ‫حمزة يف الحجر األسود (أبو بالل) الذي فقد ابنه يف اطالق النار املذكور‪ ،‬قد كذّب‬ ‫وجود أعضاء من حامس أطلقوا النار عىل املتظاهرين أثناء تشييع ولده ومن عىل‬ ‫منرب الجامع ذاته‪.‬‬ ‫‪ 41‬ـ طارق حمود ـ املرجع نفسه ـ ص ‪31‬‬ ‫‪67‬‬


‫‪ 42‬ـ هذا املوقف العام للفلسطينيني حتى الذين يحملون وجهة نظر مؤيدة‬ ‫للنظام‪ ،‬وهنا ليس املقصود املشاركني مع النظام يف القمع أو األبواق الفلسطينية‬ ‫التي استخدمها النظام للدفاع عنه‪ ،‬وأيضاً ليس املقصود الذين انخرطوا يف الثورة‬ ‫السورية منذ البداية‪ ،‬واعتربوا أن الحياد وهم ويخدم النظام‪ ،‬الجهتان كانتا أقلية‬ ‫هامشية يف الوسط الفلسطيني‪ ،‬وشاركوا مع أوساط سورية‪ ،‬سواء مع الثورة‪ ،‬أو‬ ‫شاركوا يف قمعها‪.‬‬ ‫‪ 43‬ـ ظهرت عىل األنرتنت الكثري من الصفحات الفلسطينية التي أسسها شباب‬ ‫متحمسون مؤيدة ومشاركة يف الثورة السورية‪ ،‬وكانت تدعو للمشاركة بقوة يف‬ ‫االحتجاجات السورية‪ ،‬لكن حجم الفلسطينيني املشاركني مبارشة يف االحتجاجات‬ ‫السورية بقي محدودا‪ ،‬وبقي تعبريا ً عن حاالت فردية‪ ،‬وليس التحاقاً ملجموعات‬ ‫كبرية‪.‬‬ ‫‪ 44‬ـ منيز هنا بني النقاش السيايس املجتمعي‪ ،‬وبني النقاش السيايس بني القوى‬ ‫السياسية الفلسطينية‪ ،‬ونعطي الوزن األكرب لألول‪ ،‬كانت فصائل العمل السيايس‬ ‫الفلسطيني مع انطالق الحراك السوري‪ ،‬قد تحولت إىل قوى ذات تأثري هاميش منذ‬ ‫سنوات منرصمة‪ .‬وبات النقاش السيايس األهم‪ ،‬هو ذلك النقاش السيايس املجتمعي‪،‬‬ ‫الذي نعتقد أنه املساهم الرئيس يف صياغة موقف الحياد‪ ،‬لكن مع االلتزام األخالقي‬ ‫تجاه الضحايا‪ ،‬وهذا ما تجسد يف الدور الذي لعبته املخيامت تجاه املناطق املالصقة‬ ‫لها كحاضنة للنازحني ومغيث لهم عىل املستوى اإلنساين والغذايئ والطبي‪.‬‬ ‫‪ 45‬ـ نضال بيطاري ـ الفلسطينيون يف سوريا بني الثورة والقلق ـ مجلة دراسات‬ ‫فلسطينية ـ العدد ‪ 91‬صيف ‪ 2012‬ـ ص ‪159‬‬ ‫‪ 46‬ـ أمين أبو هاشم ـ تداعيات الثورة السورية عىل فلسطينيي سوريا ـ مجلة‬ ‫شؤون فلسطينية العدد ‪ 251‬شتاء ‪ 2013‬ص ‪ 232‬ـ ‪.240‬‬ ‫‪ 47‬ـ لتفاصيل أكرث حول موقف الفصائل راجع‪ :‬صالح حسن ـ الفلسطينيون يف‬ ‫‪68‬‬


‫سوريا واالنتفاضة السورية ـ املركز العريب لألبحاث ودراسة السياسات ـ الدوحة ـ‬ ‫سبتمرب ‪.2012‬‬ ‫‪ 48‬ـ وتتشكل من حركة فتح‪ ،‬والجبهة الشعبية‪ ،‬والجبهة الدميقراطية‪ ،‬وحركة فدا‪،‬‬ ‫وحزب الشعب‪ ،‬وجبهة التحرير الفلسطينية‪ ،‬وجبهة النضال (سمري غوشة)‪.‬‬ ‫‪ 49‬ـ يتشكل التحالف من كل من‪ ،‬حركة حامس‪ ،‬وحركة الجهاد‪ ،‬وحركة فتح‬ ‫االنتفاضة‪ ،‬و الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة‪ ،‬والحزب الشيوعي الثوري‪ ،‬وجبهة‬ ‫النضال (خالد عبد املجيد) والصاعقة‪.‬‬ ‫‪ 50‬ـ عيل صالح ـ مشعل وحامس ‪ ..‬رحلة عمر ـ جريدة الرشق األوسط اللندنية‬ ‫ـ ‪ 28‬أيلول (سبتمرب) ‪2012‬‬ ‫‪ 51‬ـ صادق أبو حامد ـ الفلسطينيون يف الثورة السورية ـ مدخلة يف إطار مرشوع‬ ‫رصد ملسار التغيري يف العامل العريب ـ جامعة لويس ـ روما ـ ايطاليا‪.‬‬ ‫‪ 52‬ـ هذا الرقم حتى وقت انجاز هذه الدراسة يف مطلع آذار ‪.2013‬‬

‫‪69‬‬


70


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.