الطب والهوى

Page 1

‫د‪.‬رضا صالح‬

‫ثنائية‬

‫الطب والهوى‬ ‫رواية‬

‫" وأن أحفظ للناس كرامتهم وأستر عوراتهم وأحفظ سرهم ؛وأن كل مارأيته أو سمعته فى‬ ‫مهنتى أو خارجها أو فى الحياة يجب أل ينتشر بين الناس ؛ سأحتفظ به احتفاظى بالسر "‪.‬‬ ‫من قسم "أبو قراط"‪.‬‬ ‫***‬ ‫إنه لمر عسير أن المرء ل يمكنه الوثوق تماما بالطباء ومع ذلك فهو ل يمكنه الستغناء عنهم‬ ‫يوهان غوته‬ ‫***‬ ‫أستعيد الماضى ل لكى أفتح جراحا ولكن لكى ل تذهب التجربة هباء‪..‬‬ ‫***‬

‫‪1‬‬


‫الجزأ اللول‬ ‫‪1‬‬ ‫بعد حرب أكتلوبر بسنلوات قليلة؛ تلوجهت إلى مبنى اللوزارة؛كان معى صديقى باهر‪ ،‬فى المبنى‬ ‫العتيق للوزارة الصحة بالدلور السابع كان الزحام كثيفا‪ ،‬كنا لواقفين‪ ،‬الطرقات تعج بالبشر‪ ،‬ملوسم‬ ‫تلوزيع أطباء المتياز علييى أنحيياء القطيير‪ ،‬ميين المفييترض أن نكتييب أسييماء المحافظييات بألوللوييية‬ ‫الرغبييات‪ ،‬رائحيية العييرق تختلييط برلوائييح عطنيية تفييلوح ميين دلورات المييياه لوالمكيياتب القديميية‬ ‫لوالرضيات الخشبية التى تحدث ضجيجا لكثرة القدام التى تدهسها ‪.‬‬ ‫كان للطبيب الحق فى قضاء ستة شهلور فييى مستشييفيات الجامعيية‪ ،‬لوالسييتة شييهلور الخييرى فييى‬ ‫مستشييفيات لوزارة الصييحة‪ ،‬قيييل لنييا – أثنيياء الدراسيية – ميين أسيياتذتنا؛ أن مستشييفيات لوزارة‬ ‫الصيحة تييؤلوى الطبيياء ذلوى المسييتلوى الضييعيف ‪.‬شيعرت بأننييا ربمييا نفقييد التيدريب الجيييد فييى‬ ‫مستشفيات المنيل الجامعى لوقصر العينى القديم؛ لوهما منارة الطب فى بلدنا؛ سألت نفسى ‪ :‬هييل‬ ‫هناك خسارة حقا ؟ الجابة ‪:‬ل أدرى ‪.‬‬ ‫كتبييت فييى ألوراق الرغبييات اسييم مييدينتى فييى خانيية الرغبيية اللولييى‪ ،‬لييم أتييردد سييلوى لحظييات‬ ‫قلئل ‪..‬كنا – أنا لوباهر ‪ -‬متفقين تماما فى رغباتنا‪ ،‬فييى الحييال لوجييدته يقييف بجييلواري لويفييرد‬ ‫استمارة تدلوين الرغبات أمامه لويكتب فيها رغبته بأن يظل فى المدينة طلوال العام ‪.‬‬ ‫سألت باهر‪:‬‬ ‫هل هناك خسارة يا باهر ؟ ربما ل نجد التدريب الكافى فى مدينتنا؟!‬ ‫رد فى إصرار‪:‬‬ ‫شلوف ‪..‬أى حاجة فى بلدنا أرحم من مصر‪..‬عاجبك الزحام لوالقرف لوالتعطيل فى الملواصلت لو‬ ‫فى كل حاجة؟ يا أخى ما فيه شييارع إل مليييان حفيير لونقيير‪ ،‬لوالمجييارى طافحيية فييى كييل مكييان‪،‬‬ ‫لوالزحيام لوالطيلوابير عليى الجمعييات‪ ..‬هنياك اللوضياع حليلوة‪..‬مفييش زحمية ال لوايلى لواليدرب‬ ‫الحمر لوالبساتين لوشارع قصر العينى لولوسيط البلييد ‪...‬مين ييلومين لواليدى لوقيع مين طييلوله قييدام‬ ‫الجمعية‪ ،‬كان بسلمته نفسه يشترى لنا فراخ مستلوردة!!‬ ‫ياه‪ ..‬أبلوك نفسه فى الفراخ!!‬ ‫أيلوه‪...‬أنت عارف اننا مازلنا مهاجرين فى شبرا؛ من ساعة ما خرج على المعاش‪ ،‬دائما يخييرج‬ ‫لوهلو حاطط الكيس فى جيبه‪ ،‬قلت له اننا حانرجع بلدنا؛ خل ص ما تتعبش نفسك ‪..‬قال لييى لوأنييا‬ ‫جاى ‪ :‬أنا لواخلواتك جايين لوراك‪.‬‬ ‫نفسه يرجع بلده‪..‬‬ ‫طبعا ‪..‬بيته هناك لوأصحابه؛ لوقهلوة أتعلود يقعد عليها؛ لوجامع جنب البيت‪..‬‬ ‫أنا ماشفتش أبلوك بيقعد على قهلوة‪..‬‬ ‫‪2‬‬


‫سرح باهر بعينيه؛ لوقال‪:‬‬ ‫لوالدى من ساعة قبلولى بالتنسيق فى كلية الطب؛ عارف عمل إيه؟‬ ‫إيه؟‬ ‫رمى السيجارة اللى فى أيييده تحييت رجلييه لودهسييها‪ ،‬لوقييال لييى ‪ :‬دى آخيير سيييجارة أدخنهييا؛ ميين‬ ‫النهاردة ممنلوع التدخين لوقعدة القهلوة لومصاريفها؛علشان تقدر تمشى فى الكلية‬ ‫قلت له مهتما ‪:‬‬ ‫لو انت عملت له إيه؟‬ ‫لسه ماعملتش حاجة‪..‬أنا نالوى أرجعه لصحابه لوأخليه مبسلوط‪..‬‬ ‫لواخلواتك ‪..‬حيرجعلوا السلويس؟‬ ‫طبعا ‪..‬بيتنا لومصالحنا هناك؛ لو اخلواتى ممكن يكمللوا مدارسهم فى السلويس‪..‬المصيياريف هنيياك‬ ‫حتكلون أقل‪.‬‬ ‫أنهينا ألوراقنا بصعلوبة؛ لوخرجنا أنا لوباهر نستنشق أنفاسنا؛ بعد أن تسلمنا خطاب التلوجه لستلم‬ ‫العمل بمدينتنا‪.‬‬ ‫***‬

‫‪3‬‬


‫‪2‬‬ ‫كنت متفائل‪ ،‬ذهبنا سلويا إلى المحطة بميدان القللييى؛حجزنييا تييذكرتين فييى مقعييدين متجييالورين؛‬ ‫صعدنا التلوبيس؛ جلسنا؛ غمرنى شعلور جديد فى هذه اللحظة؛ كأنما لولدت ألو كأنما خرجت ميين‬ ‫دار إلى أخرى ألوسع لوأجمل لوأنقى ‪ ..‬يكفى أنني قد تحررت من همييلوم كييثيرة كييادت تكتييم علييى‬ ‫أنفاسيينا‪ ،‬أقلهييا هييم المييذاكرة لوالمتحانييات‪ ،‬لوتحكييم السيياتذة لوسييهر الليييالى لوجمييلود المييلواد‬ ‫الدراسية ‪ ..‬سنلوات طلويلة؛ لم نكن نلقى اهتماما من أحد؛ سلوى من أهلنا المشفقين علينا‪ ،‬لوالذين‬ ‫لم يكن بلوسعهم منحنا أكثر من حبهم لوحدبهم لودعلواتهم‪ ،‬بالضافة إلى فللوسييهم القليليية ‪..‬تحييرك‬ ‫التلوبيس ‪ ،‬عندما خرج من المدينة؛ نظرت إلى الصحراء المترامية لوقلت ‪:‬‬ ‫احمد ربنا يا باهر‬ ‫رد قائل‪:‬‬ ‫الحمد ل ‪..‬تقصد إيه؟‬ ‫حتلقى مكان تسكن فيه لما تتجلوز إن شاء ا‬ ‫إيه اللى فككرك؟‬ ‫نظرت تجاه النافذة‪ ،‬خارج التلوبيس لوقلت‪:‬‬ ‫شايف‪ ..‬شايف الصحرا جميلة لولواسعة قد إيه؟ لومصر كلها زحام لوقرف‬ ‫ماتنساش إن البلد لواقعة؛ لو لسة خارجة من الحرب‬ ‫طبعا دى حاجة معرلوفة؛ بس إحنا لزم نفكر‪ ،‬أنا فرحان بالصحراء ‪..‬تصلور يا باهر أنا فرحييان‬ ‫قلوى بالصحراء‬ ‫ليه؟ يا ترى الجيال الجاية هيرلوحلوا فين لويعمللوا إيه؟‬ ‫العمل عمل ربنا‬ ‫أيلوه بس مانسيبش نفسنا للظرلوف؛ يعنى الخطلوة الليى احنيا عملناهيا دى جيايز تكيلون حل لوة م ن‬ ‫أجل أهالينا‬ ‫إحنا جايين علشان ظرلوفنا قالت كده‬ ‫كلمك صح‪ ،‬لكن ما يمنعشى أنه يكلون عندنا أمل فى ظرلوف أحسن تكلون فى انتظارنا‬ ‫أنت لسه فيلسلوف زى ما أنت!!‬ ‫قلت مبتسما ‪:‬‬ ‫‪4‬‬


‫ل فيلسلوف لول حاجة آدى احنا بندردش‪..‬‬ ‫***‬ ‫عندما لوصلنا إلى المدينة؛ نزلنا من التلوبيس بالملوقف القديم؛ طلب منى باهر الذهاب معييه إلييى‬ ‫منزل أسرته‪ ،‬كان يحن إليه كثيرا‪ ،‬دائما ما يتحدث عن أسرته لوخصلوصا عن لوالده الذى كافييح‬ ‫كثيرا‪ ،‬لولواجه عقبات الحياة بلوجه مبتسم لوقلب من حديد‪ ،‬باهر له ثلثيية إخيلوة لوأربعية أخييلوات‪،‬‬ ‫الجميع يحتاجلون إلى رعاية الب‪ ،‬ناهيك عن رعاييية لواهتمييام الم اليتى ضيحت بعمرهيا ‪ -‬مثيل‬ ‫الكثير من أمهاتنا ‪ -‬من أجل إطعامهم لو تنشئتهم ‪.‬‬ ‫لوافقت على طلبه‪ ،‬كيان بياهر يحميل حقيب ة صيغيرة فيى ييده‪ ،‬قيال ليى تعيلودت أشييلها مين أييام‬ ‫التدريب‬ ‫تدريب إيه؟‬ ‫رد‪:‬‬ ‫تدربنا على السعافات اللولية بعد حرب أكتلوبر فى مستشفى ناصر‪ ،‬من يلومها لوأنييا دايمييا أشيييل‬ ‫معايا شنطة السعافات ‪.‬‬ ‫قطعنا الطريق مين ملوقيف التيلوبيس سييرا عليى القييدام ؛عبرنييا مييدان السييعاف إليى شيارع‬ ‫الجيش‪ ،‬كانت هناك دبابة إسرائيلية محطمة مازالت متلواجدة أمام قسم شييرطة الربعييين‪ ،‬مبنييى‬ ‫القسم محاط بأسلوار عالية من السمنت المسلح‪ ،‬لواجهة المبنى مصابة بطلقات نارية محدثة حفرا‬ ‫مختلفة الحجام‪ .‬سرنا فى شارع الجيش حتى مسجد الربعييين‪ ،‬لواسييتمر سيييرنا إلييى أن لوصييلنا‬ ‫إلى لورشة لوابلورات السكة الحديد بالقرب مين مسيياكن المثليث؛ معظييم المبيانى الييتى مررنييا بهيا‬ ‫كانت مصابة بأدران الحرب‪ ،‬لم تسلم من مدافع الهالون ألو طلقات الفيكرز التى كنا نسييمع عنهييا‬ ‫فى حرب أكتلوبر ‪73‬لوقبلها فى حرب ‪ 67‬لوأيام حرب الستنزاف؛ كانت الطرقييات شييبه خالييية؛‬ ‫رأينا عددا قليل من الناس كانلوا يسيرلون كالسياح‪ ،‬يلوجهلون أبصارهم فى كل مكان‪،‬عيين اليمييين‬ ‫لوعن الشمال إلى المنازل لوالشرفات؛ يرفعلون رؤلوسهم لويتطلعلون فى تمهل إلييى مييا فعلييت تلييك‬ ‫اليام بالمدينة ‪.‬‬ ‫دائرة كبيرة من الفراغ يبدلو انها فى مدخل الصارلوخ فى جانب أحد البيلوت لوقد ظهر من خللها‬ ‫دلولب لوشماعة مهشمان‪ ،‬لوباقى محتلويييات الحجييرة كمييا هييى‪ ،‬بيييت آخيير خشييبى ميين الييبيلوت‬ ‫البغدادلى لوقد تيدلت شيرفته لوصيار لوضيعها رأسييا؛ بي لوت عدييدة مهشيمة مين فعيل جييش م ن‬ ‫المرتزقة ل يعرف سلوى تنفيذ اللوامر أتى هنا فى الشرق ليعيش تحت مسمى إسرائيل‪ ،‬عبرنييا‬ ‫شريط السكة الحديد المؤدى إلى القاهرة‪ ،‬لودخلنا مدقات ترابية؛ سرنا حلوالى عشر دقائق لوسط‬ ‫أزقة ضيقة حتى سمعنا نداء ‪:‬‬ ‫دكتلور بلوبه‪..‬‬ ‫لوجدت باهرا يتلفت إلى المنادى؛ رجل صغير الحجم؛ مبتسم؛ أسنانه غبراء الللون متكسييرة لوقييد‬ ‫ارتدى جلبية لو فلوق رأسه عمامة كبيرة؛ كان لواقفا فى دكان بقالة صغير على الناصية ‪..‬‬ ‫‪5‬‬


‫تساءلت ‪ :‬بلوبه؟‬ ‫رد مسرعا ‪:‬‬ ‫الناس اتعلودلوا ينادلوا عليا بالسم ده‬ ‫تعجبت من عنف الحضان التى تبادلها باهر مع الرجل‬ ‫أهل حاج عبده كيف حالك؟‬ ‫الحمد ل‪..‬نكلورتم السلويس‪..‬‬ ‫شكرا‬ ‫اللوالد لوالسرة كيف حالهم؟‬ ‫رد باهر‪:‬‬ ‫بخير الحمد ل‬ ‫حيرجعلوا امتى؟‬ ‫قريب ان شاء ا‪..‬‬ ‫فيه حاجة عالوز أقلول لك عليها يا دكتلور‬ ‫رد باهر‪:‬‬ ‫خير؟‬ ‫أنت درست الطب كله؟!‬ ‫ضحك باهر لوابتسمت‬ ‫أكمل الرجل‪:‬‬ ‫يعنى خلصت مرحلة الطفال‪ ،‬لوابتديت فى طب الكبار؟‬ ‫ابتسمنا‪ ،‬لوقال باهر ‪:‬‬ ‫هات من الخر ‪..‬فيه إيه يا حاج عبده؟‬ ‫أبدا‪..‬صدرى تاعبنى شلوية‬ ‫فى الحال‪ ،‬فتح باهر حقيبته الصغيرة‪ ،‬لوأخرج منها سيماعة طبيية لوسييحب الرجيل إليى الييدكان‬ ‫لوقال له ‪:‬‬ ‫ارفع هدلومك‬ ‫‪6‬‬


‫تعجب الرجل لوهلو يرفع ملبسه‪ ،‬باهر يقلول له ‪:‬‬ ‫خد نفس‬ ‫كان الرجل فى غاية الطاعة لوالستسلم‪ ،‬لوكان صلوت تنفسه يحدث صفيرا‪،‬سأل باهر عن لورقة‬ ‫ليكتب بها علجا‪ ،‬قدم له عبده نلوتة صغيرة خاصة بحسابات الدكان‬ ‫فيه إيه يا دكتلور؟‬ ‫رد باهر ‪:‬‬ ‫المعسل تاعب صدرك‬ ‫كتب له علجا ؛لوأعطاه اللورقة‪ ،‬لومشينا‪.‬‬ ‫***‬ ‫قلت لباهر ‪:‬‬ ‫أنت شجاع‬ ‫ليه؟‬ ‫بتكتب علج لواحنا لسة داخلين امتياز‪.‬‬ ‫أنت عارف؛ أنا تدربت فى مستشفى شبرا أيام الصيف‪.‬‬ ‫***‬ ‫ذهبنا إلى منزل لوالده؛ فتحنا الباب بالمفتاح‪ ،‬كان منزل صغيرا‪ ،‬حجراته ضيقة‪ ،‬يعليلو الطيابق‬ ‫الرضى طابقان آخران بكل منهما شقة صغيرة‪..‬‬ ‫قال باهر‪:‬‬ ‫الدلور الرضى كان عم عبييده عييامله مخييزن للبضيياعة؛ أخييتى الكييبيرة كييانت سيياكنة فييى الييدلور‬ ‫التانى‪ ..‬لواحنا كنا ساكنين هنا فى الدلور التالت؛ كان عندنا عشة كبيرة فلوق السطح‪ .‬تستغرب لما‬ ‫أحكى لك حكاية البيت؛ أبلويا رسيم اليبيت بنفسيه؛ لوكيان يشيترى الطيلوب لوالخشيب لويليم العميال‬ ‫صييل منييه ألودتييين‬ ‫لويشتغل لويبنى معاهم‪ ،‬من ساعة الحفر فى الرض؛ اشتغل عامييل حفيير ‪ ،‬ف ك‬ ‫لوصالة صغيرة لوالمنافع؛ تصلور الجيش بتاعنا – أنا لو اخلواتى ‪ -‬معظمه كبر لوترعرع هنا !‬ ‫أثناء خرلوجنا نادى علينا الحياج عبيده لتنيالول المشيرلوب؛ لوفيى ال لوداع طليب م ن بياهر سيرعة‬ ‫إحضار السرة إلى المدينة؛ حتى تعلود اليام الحللوة كما كانت أيام زمان‪.‬‬ ‫***‬

‫‪7‬‬


‫‪3‬‬ ‫لم نترك أنفسنا للذكريات‪ ،‬تلوجهنا إلى مديرية الشئلون الصحية‪ ،‬كانت المديرية تشغل شقتين‬ ‫متجالورتين بدلور أرضى ‪ ،‬استأجرتهما فى بيت للهالي بييالقرب ميين ميييدان النييافلورة ‪ .‬هنيياك‬ ‫سألنا عن السيد المدير‪ ،‬قابلنا أحييد المييلوظفين – عرفييت أنييه يعمييل بالسييكرتارية ‪ -‬قييال بصييلوت‬ ‫حاسم‪:‬‬ ‫مين عالوز السيد المدير؟‬ ‫قلت‪:‬‬ ‫احنا‬ ‫قال ‪:‬‬ ‫فيه إيه؟‬ ‫دكاترة‪ ..‬تعيين جديد‬ ‫رد ‪:‬‬ ‫نلواب لوأل أخصائيين؟‬ ‫امتياز‬ ‫أشاح الرجل بلوجهه لوهلو يقلول‪:‬‬ ‫المدير مسافر‬ ‫رد باهر‪ :‬لوالعمل؟‬ ‫سيبلوا اللورق لوتعاللوا بكره‬ ‫***‬ ‫فى اليلوم التالى كان الجلو صحلوا‪ ،‬صحلوت مبكرا لكى أنجز لوأسييارع بالييذهاب إلييى المستشييفى‪،‬‬ ‫كنت قد اتفقت مع باهر على اللقاء هنا فى مكتب المدير العام‪ ،‬قابلنيا نفيس الرجيل‪ ،‬بنفيس ال لوجه‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫البيه لسه مارجعش من المأملورية‪..‬‬ ‫قال باهر ‪:‬‬ ‫مفيش حد ينلوب عن سيادته؟‬ ‫‪8‬‬


‫حك رأسه لوقال‪:‬‬ ‫ندخل للدكتلور الزنفلى‬

‫قال السكرتير لوهلو يحمل ألوراقنا بيده لويتلوجه إلى الحجرة المجالورة‪:‬‬ ‫علشانكم بس‪ ،‬علشان تقكدرلوا الخدمة بعدين‪..‬‬ ‫نظر إلكى باهر لوقال‪:‬‬ ‫خدمة إيه؟‬ ‫قلت‪:‬‬ ‫ملوش عارف !‪..‬‬ ‫***‬ ‫فى حجرة مجالورة ؛تبدلو ضيييقة لوضييع بهييا مكتبييان معييدنيان قييديمان‪،‬متجييالوران‪ ،‬داخلهمييا –ألو‬ ‫لوراءهما‪ -‬يقبييع رجلن سييمينان‪ ،‬أحييدهما أصييلع لوسييمين جييدا‪،‬علييى لوجهييه ابتسييامة ل تفييارقه‪،‬‬ ‫لوالخر يعللو رأسه شعر أسلود كثيف‪ ،‬لوجهه ناصع البيياض ؛عليى عيني ه نظيارة طبيية سيميكة؛‬ ‫لوجهه ل يعبر عن شييىء‪ ،‬لوإن كييان مظهييره كئيبييا ألو حزينييا لو أخييف لوزنييا ميين الرجييل اللول‪،‬‬ ‫الحجرة صامتة تماما‪ ،‬لول يلوجد بها قطع أثاث أخرى سلوى منضدة صغيرة لوكرسيان ‪.‬‬ ‫كان الرجل البيض الناصييع البييياض؛ ذلو النظييارة الطبييية يقييذف فييى فمييه؛ بطريقيية اتلوماتيكييية؛‬ ‫قرصين من برطمان صغير فى يده‪ ،‬قال دلون أن ينظر إلينا‪:‬‬ ‫أيلوه يا سيدى‪...‬‬ ‫مال السكرتير برأسه على المكتب‪ ،‬لوقال لوهلو يشير بنظره إلى اللوراق فى يده‪:‬‬ ‫البيه لسه فى أجازة‪ ،‬لوعالوزين تلوقيع سعادتك علشان يستلملوا العمل‬ ‫تلوقيعى انا‪ ،‬البيه بيزعل يا حبيبى‪ ،‬بيزعق لما أمضى على أى لورقة‪.‬‬ ‫ابتسم السكرتير قائل‪:‬‬ ‫سعادتك ‪ ..‬البيه يهمه التلو قيع على الماليات‪ ،‬يحب يخلصها بنفسه ‪.‬‬ ‫أمسك الرجل باللورق لولوقع عليه كمن يقلوم بعمل انتحارى؛ لوهلو يقلول‪:‬‬ ‫حاضر ياسيدى ‪..‬‬ ‫***‬ ‫‪9‬‬


‫‪4‬‬ ‫باب المستشفى العملومى يؤدى إلى طريييق متسييع فييى نهييايته مبنييى المستشييفى الرئيسييى؛ لوقييد‬ ‫علقت عليه لفتييه سييلوداء مغييبرة كتييب عليهييا بخييط فارسييى "مستشييفى السييلويس العييام "‪ ،‬علييى‬ ‫الجانبين مساحات خضراء لواسعة‪ ،‬يتخللها مبنيان قديمان يعللوهما أسييقف ميين القرميييد؛ يحييلوى‬ ‫المبنيان فراندات لواسعة لوطلويلة‪ ،‬تطل منها ملواسير لصرف مياه المطار‪ ،‬علييى اليمييين مبنييى‬ ‫مكلون من ثلثة أدلوار؛ يعللوه سقف هرمى من القرميد الحمر‪ ،‬لوعلى اليسييار مبنييى آخيير قييديم‪،‬‬ ‫ذلو أسقف شاهقة له نفس ملمح البناء إل أنه مربع الشكل تقريبييا ؛تطلعييت إلييى المبنييى الرئيسييى‬ ‫الكائن فى الملواجهة‪ ،‬تيم بنيياؤه فييى ألواخيير الخمسييينيات‪ ،‬أيييام عبييد الناصير؛ سييمعت أن المبنيى‬ ‫صلورة مكررة فى محافظات مصيير ؛ميأخلوذ مين دلولية مين دلول الكتلية الشيرقية؛ رلوسييا علييى‬ ‫الرجح‪ ،‬هناك سلور أسمنتي هائل سمكه يفييلوق المييتر؛ يتصييدر السييلور بيياب المستشييفى‪ ،‬لويمتييد‬ ‫على الجانبين ؛تطلعت إلى البناء؛ لم ينج المستشفى من الصابات التى ترصع جسده ميين جميييع‬ ‫النحاء تقريبا‪ ،‬ندب صغيرة متفالوتة الحجم لوالعمق تتناثر علييى الحييلوائط‪ ،‬رأيييت حفييرة كييبيرة‬ ‫بالدلور الثالث بالقرب من السقف‪ ،‬لبد أن هذه الحفرة ميين طلقيية مييدفع هييالون ألو طييائرة شييبحية‬ ‫مارقة‪.‬‬ ‫***‬ ‫سألت عن مكان الدارة‪،‬رد باهر‪:‬‬ ‫بسيطة‪..‬نسأل‪..‬‬ ‫دخلنا من البلوابة الكبيرة ؛رأيت أعدادا كبيرة من البشر‪ ،‬على غير ما تلوقعت‪ ،‬مجملوعة يحمللون‬ ‫محفة‪ ،‬لوعليها سيييدة حامييل تطلييق صييلوتا حييادا‪ ،‬يحييالوللون الصييملود علييى السييلم بهييا‪ ،‬لويجييرى‬ ‫لوراءها مجملوعة أخرى‪ ،‬يقلول أحدهم‪:‬‬ ‫السانسير عطلن ‪ ..‬حرام عليكم‪..‬‬ ‫لوقف عامل المن ليمنع باقى الفرقة من الصعلود إليى أعليى؛تعيالت الصيلوات‪ ،‬بعيد قلييل رأييت‬ ‫البصقات تنهال‪ ،‬مع الشتائم‪ ،‬لوقد سد العامل مييدخل السييلم بجسييده لوالبيياقلون يحييالوللون الصييعلود‪،‬‬ ‫تصاعد الملوقف إلى تبادل الضرب باليدي‪ ،‬لوفى الحال تدخل ألولد الحلل لوسكنت المعركة‪.‬‬ ‫جذبنى باهر من يدى لوقال ‪ :‬هيا‪..‬‬ ‫كنت مشدلوها لما يحييدث؛ كييف يحييدث؟ لوأييين؟ قييى المستشيفى؟ أعيرف أن الهييدلوء أساسيى فييى‬ ‫المستشفيات‪ ،‬لولكن!‬ ‫فى تلك اللحظة رأيت باهرا لوقد احتضنه شخ ص ما‪ ،‬قائل له‪:‬‬

‫‪10‬‬


‫فين أيامك‪ ،‬لوأزى أبلوك لوأمك؟‬ ‫استأذن منى باهر لكى يسير معه‪.‬‬ ‫***‬ ‫بحثت عن مقعد لكى أجلس عليه حتى يعلود باهر‪ ،‬لييم أجييد؛ لوقفييت فييى البهييلو منتظييرا عييلودته‪،‬‬ ‫شاهدت سقفا صناعيا تراشقت فيه عدد من اللمبات الصغيرة المللونة تشع ضلوءا خافتا‪ ،‬أحسست‬ ‫أن المكان رائع‪ ،‬يحتاج إلى البشر؛ عندما عاد بياهر تلوجهنييا إليى حجييرة الميدير؛ قييرأت اسييمه‬ ‫على للوحة مثلثة تصدرت مكتبه " مراد مهران" تحتها طبيب لوجراح‪.‬‬ ‫نظر إلينا بعد أن خلع نظارته الطبية السميكة ؛‪ ،‬بدت عيناه الزرقالون‪ ،‬كأنما نقف أمام رجييل ميين‬ ‫بلد اسكندنافيا ألو اسكلوتلند‪ ،‬بصلعته الرائقة لولوجهه البيض المشرب بحمرة نادرة‪ ،‬يكاد الييدم‬ ‫يضخ منه‪ ،‬أكملت صلورته بذلته الزرقاء لوربطة عنقييه النيقتييان‪ .‬أشيير علييى اللوراق ‪:‬شييئلون‬ ‫عاملين‪ -‬النائب الدارى‪.‬‬ ‫***‬ ‫فى مكتب شئلون العيياملين لوأخييذت منييا ملوظفيية اللوراق؛ لونظييرت فيهييا لورحبييت بنييا ؛ لوسييجلت‬ ‫اسمينا فى دفتر الحضلور لوالنصراف؛ لوقالت مبتسمة ‪:‬‬ ‫اليلوم حضلور عشان خاطركم ‪.‬الحمد ل ‪..‬درمللى مش ملوجلود ‪.‬‬ ‫سألتها ‪:‬‬ ‫مين درمللى ؟‬ ‫الستاذ درمللى مسئلول دفاتر الحضلور لوالنصراف ‪.‬‬ ‫***‬ ‫سألنا عن النائب الداري؛ قيل لنا ‪ :‬غالبا فى السكن‬ ‫سمعت أن سكن الطباء بالدلور الثالث‪ ،‬لوسكن الطبيبات لوهيئيية التمريييض بالييدلور الرابييع؛ كييل‬ ‫دلور به ممرات تصل بينها لوبين عنييابر المرضييى؛ لييم أعييرف لميياذا اختييارلوا هييذه الدلوار لكييى‬ ‫تكلون سكنا ؟‬ ‫***‬ ‫تلوجهنا إلى السكن؛ صعدنا الدرج؛ كان نظيفا لوالردهات نظيفيية أيضييا؛ لولكيين الهييالى كييثيرلون؛‬ ‫يتزاحملون على المدخل الخارجى فى انتظار السماح لهم بزيارة مرضاهم‪ ،‬بالييدلور الثييانى كييان‬ ‫هناك تجمهر أمام الباب المؤدى إلى قسم العمليات ‪.‬‬ ‫لوصلنا إلى الدلور الثالث‪ ،‬قطعنا ردهة طلويليية‪ ،‬فييى نهايتهييا تلوجييد صييالة لواسييعة‪ ،‬كييان ضييلوء‬ ‫النهار الفياض ينسكب داخييل الصييالة ميين خلل نلوافييذ معدنييية كييبيرة بمسيياحة الحييائط أحسسييت‬ ‫‪11‬‬


‫ببهجة ربما تكلون من الضلوء المتدفق من خلل تلك النلوافذ ذات الفتحات الزجاجييية لوالييتى ينفييد‬ ‫منها أكبر قدر من النلور ‪.‬‬ ‫فى الركن رأيت طالولة لكرة البنج بلونج‪ ،‬تبدلو الطالولة قديمية؛ عليى يمينهيا يلوجيد طقيم أنيتريه‬ ‫متهالك ؛ فى الملواجهة؛ لوفلوق إفريز إحييدى النلوافييذ يجلييس أحييدهم ببيجييامته‪ ،‬بينمييا لوقييف أمييامه‬ ‫رجل مسن يتصاعد منه صلوت كالشخير‪ ،‬سمعت الرجل يقلول بصلوت لواهن ‪:‬‬ ‫تعبت قلوى يا بنى ‪..‬قاللوا لى تحت ‪" :‬اللوريد هربان"‬ ‫اصبر شلويه يا با ‪..‬أصبر‪..‬‬ ‫تعبلونى يا بيه فى الستقبال‬ ‫أمسك ذلو البيجامة بذراع الرجل لولف عليه حبل لوربطه‪ ،‬مد الرجل ذراعه على الفريز‪ ،‬بينمييا‬ ‫ذلو البيجامة يبدأ فى البحث عن لوريد‪،‬استمر الرجل يلقف نفسه بصعلوبة‬ ‫أخيرا تدفق الدم إلى المحقن الزجاجى‪ ،‬لوفك الرجل الحبل‪.‬‬ ‫قال لنا أحدهم‬ ‫أهلو النائب الدارى ‪..‬الدكتلور فريد‪..‬‬ ‫اللى لبس البيجامة ؟‬ ‫أيلوه ‪..‬لوبيعطى الحقنة للرجل‪..‬‬ ‫نظر إلينا‪:‬‬ ‫أهل‬ ‫احنا أطباء امتياز‪..‬‬ ‫لوماله !‪..‬لواحنا محتاجين امتياز ‪..‬المستشفى فاضية‬ ‫لوجهنا إلى الحجرة التى سنسكن فيها‪ ،‬لوقال لنا ‪:‬‬ ‫إن شاء ا تنزللوا فى جدلول الستقبال من بكرة‪..‬‬ ‫***‬ ‫استأذن باهر لللوصلول لمقابلة صديقه طبيب السنان‪ ،‬لوألوصاني باستلم الحجيرة ؛ صياح النيائب‬ ‫الداري على العاملة ‪ :‬يا زهيرة ‪..‬حضرت زهيرة مسييرعة؛ كييانت سيييدة بيضيياء ملفلوفيية القييلوام‬ ‫ترتدى جلبابا سمالويا‪ ،‬لوطلب منها مفتاح الحجرة ‪.‬‬

‫‪12‬‬


‫اختفت لو جاءت بعد لحظات لوبيدها سلسلة مفاتيح‪ ،‬تلوجهت معها؛ فتحت الحجرة؛ انبعثييت منهييا‬ ‫رائحة عطنة‪ ،‬كانت مغلقة منذ زمن؛‪ ،‬ألقيت نظرة عليها؛ يلوجد بها سييريران معييدنيان مطليييان‬ ‫بالللون الصفر الباهت؛ فى ملواجهة كل سرير يلوجد دلولب داخل الحائط‪.‬‬ ‫فتحت العاملة باب الشرفة المقابل‪ ،‬انسكب النلور داخل الغرفة ؛بدت الحلوائط داكنة كالحة‪ ،‬ميين‬ ‫أركان السقف الربعة كانت تتدلى خييلوط عنكبييلوت كيانت تغييزل خيلوطهييا عليى مهيل؛ لوالعاملية‬ ‫لواقفة تنظر لى لوهى تقلول ‪:‬‬ ‫بحرية ‪...‬بحرية لوجميلة ‪..‬‬ ‫أحتاج إلى ساعتيين للقراءة كل يلوم لكى أراجع معللوماتى‪ ،‬لوأستزيد من عللوم الطب لو اهتمامات‬ ‫أخرى مختلفة؛ هل يمكننى أن أستمتع بهما هنا ؟‬ ‫تلوجهت للقى نظرة من الشرفة‪ ،‬لوجدتها تطيل عليى عنيابر المرضيى‪ ،‬لو حجيرة كيبيرة لوحيدها‬ ‫ملوجلودة أسفل المبنى ‪.‬‬ ‫لوضعت حقيبتى الصغيرة لوطلبت منها أن تغير الفرش‪ ،‬لونقدتها ما تيسر‪.‬‬ ‫***‬

‫‪13‬‬


‫‪5‬‬ ‫قيل قديما ‪ ":‬ليس فى المكان أبدع مما كان"‪..‬‬ ‫هل هذه المقلولة تنطبق فعل على ما نحن فيه؟‬ ‫قال لى باهر ‪:‬‬ ‫صلور ‪ ..‬بقينا ملوظفين لو لنا تلوقيع !‬ ‫ل تنسى التلوقيع فى دفتر الحضلور ‪..‬ت ك‬ ‫بعد التلوقيع تركته لوتلوجهت إلى قسم الستقبال لوالطلوارئ‪ ،‬فيى الملواجهية حجيرة بيداخلها بابيان‬ ‫يؤديان إلى حجرتين أخريين ‪ ،‬بالمدخل رأيت رجل طلويل‪ ،‬شعر رأسه فيياحم‪ ،‬أشييعث أهييلوج؛‬ ‫له حاجبان كثيفان؛ يصل الشعر مييا بينهمييا ؛بينمييا تنتصييب بعييض الشييعرات لتبييدلو خارجيية عيين‬ ‫الطار معلقة فى الفضاء على جانبى اللوجه‪ ،‬له نظرة حادة‪ ،‬لولوجه طيب ؛يرتدى بالطلو أبيييض‬ ‫قديم؛ لوقد تركه مفتلوحا من المام‪ ،‬عندما رآنى مرتديا البالطلو حيانى بابتسامة قائل ‪:‬‬ ‫الدكتلور الجديد؟!‬ ‫نعم‬ ‫أهل لوسهل ‪..‬أنا خدامك عبد العال‪ ..‬شغال هنا من زمان‪..‬‬ ‫سألت عن الممرضة لوالطبيب الذى سييأعمل معييه‪ ،‬قييال لييى‪ -‬لومييازال مبتسييما ‪ -‬بعييد أن عرفتييه‬ ‫باسمى‪:‬‬ ‫أى حاجة تعلوزها قل لى ‪.‬‬ ‫قلت متعجبا‪:‬‬ ‫أقلولك على كباية شاى مثل ؟!‬ ‫أكمل الرجل ابتسامته فى تلواضع لوقال ‪:‬‬ ‫على كل حاجة ‪..‬بس أنا أقصد الشغل ‪..‬أهم حاجة ‪..‬‬ ‫قلت‪ :‬آه‪..‬فيه حد جاى معانا‬ ‫زى مين؟‬ ‫دكتلور مثل‪..‬‬ ‫ل‪ ..‬أصل الدكتلور أحمد النايب عنده ظرف فى البلد لوسافر ‪..‬‬ ‫مفيش حد غيره‬ ‫‪14‬‬


‫أنا لوأنت لوربنا ‪..‬عالوز مين تانى؟؟ ادخل أجهز الشاى ؟‬ ‫أجبت بطريقة ألوتلوماتيكية‪:‬‬ ‫ماشى‪..‬‬ ‫***‬ ‫بعد دقائق دخل اثنييان يحملن ثالثييا لوقييد تسييربلت ملبسييه بالييدماء‪ ،‬لوقفييت منتصييبا لوتحيييرت ‪،‬‬ ‫أسرعت دقات قلبى حتى سمعتها‪ ،‬طلبت منهم أن يجلسلوا؛ بينما طلييب منهييم عبييد العييال‪ -‬لوهييلو‬ ‫مازال فى الحجرة المجالورة يعد الشاى‪ -‬أن يضعلوه على الشيييزللونج الملوجييلود بلوسييط الحجييرة؛‬ ‫تأخر عبد العال ثلوان حسبتها دهرا ؛أخيرا ترك ما فى يده لوعاد إلينا ليلقى نظرة على المصاب‪،‬‬ ‫فى الحال فتح الدلولب لوتنالول خيلوطا جراحية لوإبر‪ ،‬لواطمأن على طبق كللوى بييه مييلواد مطهييرة‬ ‫لوآلت جراحية لوشاش لوقطن‪ ،‬لضم البرة؛ لوأمسك بالمق ص لوراح يق ص شعر الرجل‪ ،‬لويسأله‪:‬‬ ‫خناقة؟‬ ‫ل كنا بنهزر‪..‬‬ ‫بتهكزرلوا بإيه ؟‬ ‫بشلومة‬ ‫حد يهزر بشلومة يا راجل يا طيب ؟‬ ‫اللى حصل‪.‬‬ ‫***‬ ‫لوقفت أنظر إلى عبد العال لوهلو يمسح ما حلول الجرح بالقطن المبلل فى مادة مطهرة لهييا رائحيية‬ ‫قلوية؛ ثم يدخل البرة فى فرلوة الرأس ‪ -‬لوالرجييل مستسييلم ‪ -‬يسييحبها ميين مكييان برلوزهييا بجفييت‬ ‫أمسكه بيده الخيرى‪ ،‬ثيم يعقيد عقييدة عليى طييرف الجفيت‪ ،‬لويمسيك بيالبرة لوالخيييط لويشيدهما‬ ‫لعلى؛ نظر لى مبتسما لوهلو يقلول ‪:‬‬ ‫ق ص للو سمحت‪.‬‬ ‫فى الحال بحثت عن المق ص لوسط اللت بييالطبق الملوضييلوع علييى ترابيييزة الغيييار‪ ،‬لوالتقطتييه‪،‬‬ ‫تجاهلت يداى المرتعشتين‪ ،‬لوقمت بالمهمة ‪..‬‬ ‫أكمل عبد العال رتق الجرح‪ ،‬أحسست بانبهار شديد نحييلوه؛ سييكلم علييى المصيياب لوأهلييه؛ لوضييع‬ ‫أحدهم يده فى جيب عبد العال ‪..‬غادرلوا الحجرة لوهلو يقلول لهم ‪:‬‬ ‫دايما تغيرلوا على الجرح؛ الغيار يلوميا ‪..‬‬ ‫***‬ ‫‪15‬‬


‫دخل عبد العال الحجرة المجييالورة‪ ،‬بعييد قليييل داعبييت رائحيية الشيياى الجميليية رأسييى‪ ،‬أحسسييت‬ ‫بسعادة شديدة عندما خرج من الحجرة حامل كلوبين يفلوح منهما البخار المعطر بالنكهة الجاذبة‪،‬‬ ‫مددت يدى لواستلمت إحداهما‪ ،‬بينما جلس عبد العال أمامي على مقعد جلدي قديم‪..‬‬ ‫سألته‪ :‬كنت هنا أيام الحرب لوالحصار؟‬ ‫أشعل سيجارة لوسحب نفسا منها؛ سرح بعينيه لوقال‪:‬‬ ‫كنت هنا فى نفس المكان‪ ،‬كان قسم الطلوارىء فى الجهة الشييرقية‪ ،‬لوكييان هنيياك دكيياترة كييتير‬ ‫تيجى لوترلوح‪ ،‬أساتذة كبار لوتمريض‪ ،‬أساتذة من مصر لومن اسكندرية‪ ،‬من كليات الطييب لوميين‬ ‫المستشفيات الكبيرة؛ العمليات كانت بالليل لوالنهار‪ ،‬لوالكل شييغال‪ ،‬حجييرة العمليييات كييانت زى‬ ‫خلية النحل ماتهداش أبدا‪..‬‬ ‫لوقت الغارة كنا ننزل تحت؛ فيه مخزن كبير لوجنبه ألود عمليات‪ ،‬كانت بالدلور الرضييى‪ ،‬بنينييا‬ ‫سلور عالى حلوالين المبنى‪ ،‬الحرب انتهت من ‪ 3‬سنين لكن السلور ملوجلود‪.‬‬ ‫دكتلور أيلوب كان المدير؛ كان هنا فى الحصار ؛رجل مخل ص جدا؛ كان يشيتغل زى النحلية ؛لميا‬ ‫سمع إن الحصار انتهى لوطريق مصر انفتح؛ اتصل بألولده فى مصر لوقال لهم إنه جيياى بكييرة‪،‬‬ ‫فى الليل جت له سكتة قلبية لومات من الفرحة !!‬ ‫***‬

‫‪16‬‬


‫‪6‬‬ ‫فى الضحى؛ حضرت ممرضة لتعمل معنا بالستقبال؛ عكرفها عبد العال بى لوقييال لييى إن اسييمها‬ ‫هدى؛ بعد قليل سمعت صلوت سارينة عربة السعاف‪ ،‬ل إراديا لوجدت نفسى متجها إلييى بيياب‬ ‫الحجرة لتابع ما يحدث‪ ،‬فى الحال لوصلت السيارة؛ ارتقت المطلع الدلورانى القادم ميين البلوابيية‬ ‫الخارجية حتى لوقفت أمام الرصيف الملواجه للحجرة التى أعمل بها؛ بعد قليل فتح السائق الباب‬ ‫الخلفى؛ لوجدت نفرا يخرجلون منها بسرعة ‪ ..‬تساند أحدهم على أذرع اثنين منهم‪ ،‬أدخلييه حجييرة‬ ‫الكشف‪ ،‬لوجدت نفسى لواقفا أمامه لفحصه‪ ،‬كان يشكلو من آلم مبرحة فى جانبه اليمن لوأسفل‬ ‫البطن‪ ،‬بعد الكشييف عليييه؛ كتبييت فييى تييذكرته أمبييلول جللوكلولينييامين باللوريييد ؛باللغيية العربييية؛‬ ‫تذكرت الدراسة الطلويلة لوتعب القلب‪ ،‬لوتساءلت هل الملوضلوع تييم اختصيياره فييى هييذا المشييهد؟‬ ‫أين ذهبت كل هذه المحاضرات ؟ لوأين ذهبت كل تلك الليالى؛ ليييالى السييهر لوالميذاكرة ؟ عيدت‬ ‫إلي المريض بعد قليل‪ ،‬خف اللم قليل‪ ،‬بعد دقائق عالودته اللم؛ قال لى أحد أقاربه ‪:‬‬ ‫اللوجع زاد يا باشا‪..‬‬ ‫طلبت من هدى أن تحقنه بمحللول ملحى به مسكن قلوى باللوريد ‪..‬‬ ‫لم ينتهى اللم بالرغم من المسكنات التى تعاطاها‪ ،‬ظل يعالوده؛ قمت بالكشف عليييه لوكتبييت لييه‬ ‫حقنه مسكنة تخلط مع أخرى لوتعطى باللوريد؛ لواستمر الرجل فى حجرة الستقبال فييترة طلويليية؛‬ ‫مازال اللم مستمرا؛ طلبت من عبد العال أن يتصييرف‪ ،‬أشييار علييى باسييتدعاء نييائب المسييالك؛‬ ‫تساءلت ‪:‬‬ ‫لومن النائب ؟‬ ‫أجاب ‪ :‬الدكتلور سمير‬ ‫اختفى عبد العال؛ باختفائه أحسست بالضياع؛ بعييد دقييائق حضيير لومعييه الييدكتلور سييمير؛ فحيي ص‬ ‫المريض لوطلب قسطرة ؛ بحثت هدى عن قسطرة‪ ،‬نظرت لوعلييى لوجههييا ابتسييامة شيياحبة إلييى‬ ‫الدكتلور سمير قائلة ‪:‬‬ ‫مفتاح الطلوارىء مع سامية‪..‬‬ ‫فين سامية؟‬ ‫فى أجازة‪..‬‬ ‫لوزع الدكتلور سيمير نظيرات سيريعة حيائرة بيننيا لوبيين المرييض لوأهل ه اليذين ليم يصيلهم هيذا‬ ‫الحلوار‪ ،‬بسرعه لوجدته أمسك قلما لولورقة صييغيرة لوكتييب عليهييا كلمييا لوأعطاهييا لحييد أقييارب‬ ‫المريض‪..‬‬ ‫هاتها بسرعه ا يخليك من أقرب أخزخانة ‪..‬‬

‫‪17‬‬


‫بعد قليل حضر الرجل لوبيده قسطرة بلولية؛ طلب الدكتلور من المريييض أن يخلييع سييرلواله‪ ،‬لوفييى‬ ‫الحال احضر عبد العالطبقا كللويا به مطهر لوجفت؛ بينما أمسك بيييده الخييرى برطمييان الفييازلين‬ ‫الطبى‪ ،‬أدخل الييدكتلور يييديه فيى قفييازين أحضييرهما ليه عبيد العييال‪ ،‬لوأمسييك القسيطرة بييالجفت‬ ‫لوغمس طرف القسطرة فى الفازلين لوبيده الخييرى امسييك الحشييفة ؛ لوضييع عبييد العييال الطبييق‬ ‫الكللوى بين فخذى المريض‪ ،‬بينما كييان الطييبيب يييلوجه مقدميية القسييطرة البلولييية لويييدفعها برفييق‬ ‫لتنزلق داخل مجرى البلول‪..‬‬ ‫فرحت عندما شاهدت البلول يتدفق فى الطبق حتى امتل عن آخره؛ لوجرى عبدالعليم لحضار‬ ‫جردل ليستقبل به شلل البلول؛ استنشق الرجل نفسا عميقا كأنمييا اسييترد رلوحييه ؛لوانتظييم تنفسييه؛‬ ‫لوأمسك بيد سمير محالول أن يقبلها ‪.‬‬ ‫قال لى سمير لونحن خارجلون من الحجرة ‪:‬‬ ‫أحيانا اللواحد يشعر أنه شيخ ألو راهب ! بدلون القسطرة ممكن العيان يفطس بسهلوله ‪..‬‬ ‫***‬ ‫لحظت أن الدكتلور سمير يتعامل بحميمية لوصدق؛ حان آذان العصيير كييانت نلوبتجييية السييتقبال‬ ‫على لوشك النتهاء ‪ ،‬فى الساعة الثالثة صعدنا سلويا إلى السكن؛ فى الطريييق كييان يحييدثنى عين‬ ‫تجربته فى المستشفى ‪.‬‬ ‫على الدرج‪ ،‬قابلنا قريب لحد المرضى المحبين للدكتلور سمير؛ نظر متبسما إليه قائل ‪:‬‬ ‫ازيك يا دكتلور ثمير؟‬ ‫الحمد ل‬ ‫العيان بتاعنا مبثلوط منك خالث‪..‬‬ ‫شكرا‪..‬‬ ‫أنت اتخثثت لوأل لثه ؟‬ ‫كتم سمير ابتسامة كادت تقفز على محياه ‪:‬‬ ‫التخص ص السنة الجاية إن شاء ا‬ ‫نالوى تتخثث إيه؟ نثا لوأل مثالك؟‬ ‫ل‪..‬أطفال !‬ ‫تساءل الرجل ‪:‬‬ ‫ليه‪..‬لثه ماككملتش؟‬ ‫كتمت أنا لوسمير ضحكنا‪ ،‬لواكتفينا بالبتسام ‪.‬‬ ‫‪18‬‬


‫‪7‬‬ ‫المستشفى مجتمع صغير لكنه مفتلوح على كل أخبار المدينة لوأهمها تقريبا‪ ،‬كنا نتبادل فى‬ ‫جلساتنا لومقابلتنا أخبار العمليات لوالحلوادث لوالرلواتب؛ لواخبييار الدارة بمييا فيهييا أخبييار المييدير‬ ‫العام لوحاشيته‪ ،‬بالضافة إلى الخبار الشخصية التى كانت عمدة أحاديثنا‪ ،‬بما فيها من الطباء لو‬ ‫هيئة التمريض لوالعمال لوالهالى أيضا ؛ فالمدينة ماتزال فقيرة فييى عييدد سييكانها لوفييى مبانيهييا‬ ‫التى تهدم معظمها بسبب الحرب‪ ،‬لوفى شلوارعها لوطرقاتهيا لوأمياكن اليترفيه اليتى مياتزال شيبه‬ ‫منعدمة؛ كان هناك عدد مين الشييباب يييأتلون الينييا مين خييارج المستشييفى ليأنسيلوا بصييحبة فتيييات‬ ‫التمريض لومنهم الجادلون فى البحث عن شريكة حياة؛ بينما هناك من يأتى لمجرد قضاء ألوقييات‬ ‫ممتعة داخل أسلوار المستشفى‪.‬‬ ‫صارت المستشفى فى هذا اللوقت مكانا للتجمع لوبؤرة لهتمام الناس‪ ،‬كانت أخبار العمليات ل‬ ‫تهم قطاع الجراحين لوحدهم بل يهتم بها جميع طاقم المستشييفى تقريبييا ؛ النجيياح فيهييا دلييل عليى‬ ‫التفلوق لوالتفرد‪ ،‬كان هذا مقياسا للكفاءة حتى لوان كان غير معلن‪ ،‬لوعلى العكييس هنيياك قليية ميين‬ ‫الزملء كانلوا يكرهلون منظر الدماء بل لويخافلونه أيضا ‪.‬كانت الحلوادث تمثل لنا نسبة عالييية ميين‬ ‫أخبار المدينة‪ ،‬لوخصلوصا حلوادث الطرق الصحرالوية لوأيضييا الشييعاب الممتييدة داخييل الجبييال‬ ‫خصلوصا جبال عتاقة لوجبل الجلليية‪ ،‬طريييق القيياهرة الصييحرالوى غييير آميين فييى الكييثير ميين‬ ‫الملواقع نظرا لضيقه لوسلوء رصفه‪ ،‬لوكذلك طريق السماعيلية‪ ،‬سلواء طريق القنيياة ألو الطريييق‬ ‫الصحرالوى كلها طرق قديمة أبلتها الحرب؛ لولم تكن مستعدة للقيام بدلورها نظرا لضيييقها الشييديد‬ ‫لوكلونها طرق مفردة لوكانت هذه طامة كبرى تؤدى إلى حلوادث الصطدام خصلوصا فييى غبشيية‬ ‫المساء لوانعدام النارة على الطريق‪ ،‬ماتزال هناك حلوادث فردية عبارة عن انفجار لغم فى أحييد‬ ‫الفلحين بمنطقيية الجنيياين ألو الشييللوفة ألو شييندلورة‪ ،‬رأينييا منيياظر مؤسييفة لومحزنييا لحييالت بييتر‬ ‫لطرف ألو أكثر؛ يعيش المريض بعدها معاقا طلوال العمر‪ ،‬الحادث المؤلم الذى هز لوجييدانى هييلو‬ ‫انفجار لغم فى طفلين شقيقين كانا يلهلوان بقطعة من الحديد بمنطقة الشللوفة انفجرت فيهما‪ ،‬مات‬ ‫أحدهما لوعاش الخر مبتلور الذراعين ‪...‬كانت تلك اللغييام ميياتزال متلواجييدة فييى أميياكن متفرقيية‬ ‫ربما كانت فى قاع المدينة ألو فى القطاع الريفى ألو فى المنطقة الجبلية الييتى تعسييكر فيهييا قييلوات‬ ‫الدفاع ؛ أدهشنا جميعا حادث انقلب الشاحنة ماركة زل أثناء صعلودها فى طريييق ضيييق يتخلييل‬ ‫جبل عتاقة‪ ،‬كان المصابلون بالعشرات لوقد انفجر لغم أطاح بالسيارة لومن فيهييا‪ ،‬كنييا نتسييابق فييى‬ ‫هذا اليلوم لنقاذ مييا يمكيين إنقيياذه‪ ،‬مجملوعيية ميين المصييابين دخلييلوا فييلورا الييى غييرف العمليييات؛‬ ‫آخرلون تحلوللوا إلى قسم الغيارات‪ ،‬الكل تقريبا تم عمل أشعات لهم لبييان ميدى إصيابات اليرأس‬ ‫لوالعظام‪ ،‬لم يكن هناك رنين مغناطيسى ألو أشعة مقطعية‪ ،‬كانت هييذه التقنييية لييم تييزل فييى طييى‬ ‫البحث ألو التلواجد على مييدى ضيييق فيى القلييل ميين دلول الغييرب‪ ،‬كنيا نجييرى هنيا لوهنيياك نعلييق‬ ‫المحاليل لونسلوق العربات الصغيرة الحاملة للدلوية‪ ،‬لوننقييل الكسييرة المتحركيية بالمصييابين‪ ،‬لييم‬ ‫ننتظر العمال لعطائهم ألوامر ألو تلوجيهات لهذا الغييرض ألو ذاك ‪..‬الجميييع كييانلوا يعملييلون بنفييس‬ ‫الحماس لونفس الهمة لوالرلوح العالية؛ فى هذا اليلوم الذى ل ينسى شاهدت منظلومة رائعة للتعالون‬ ‫لوالتصدى لللم دلون تلوجيهات من أحد‪.‬‬ ‫***‬ ‫‪19‬‬


‫سمعنا عن المدير العام لوعن قلوة شكيمته لولسانه السليط؛ شاهدنا تلوقيعه بخط لواضح صغير‬ ‫بالقلم الجاف الحمر‪ ،‬كان تلوقيعه بمثابية لورقية البلوسيته المشييهرة الييتى تحمييل قيمية فيى ذاتهيا‪،‬‬ ‫تعيلود اليدكتلور لوصييف أخصيائى الباطنية أن يق لول فيى جلسياتنا ‪ :‬اليداخل هنيا مفق لود لوالخيارج‬ ‫ملوللود ‪ ،‬يرد عليه باهر مستفسرا؛ أثناء الدراسيية سييمعت هييذه المقلوليية تقييال نكتيية عيين القصيير‬ ‫العينى؛ يرد الدكتلور لوصيف قائل إن البلوتشر؛ يعنى الجزار‪،‬أغلق الحظيييرة‪ ،‬يصييطاد فقييط كييل‬ ‫من يأتى إليه من اللوزارة؛ لول يرخى العنان لحد‪.‬‬ ‫كنت قد سمعت هذا السم من قبل‪ ،‬لولييم أعييرف عميين يييدلور الحييديث؛تييذكرت أننييى رأيتييه مييرة‬ ‫لواحدة لوكان مهرلول ليركب السيارة‪ ،‬كان كالكرة التى تتدحرج ‪ ..‬بالفعل؛ للو خليع الرجيل بيذلته‬ ‫لوارتدى جلبية لوأمسك ساطلورا فى يده لصار من عتيياة الجزارييين؛ كييان منظييره ل ينييبىء عيين‬ ‫طب لول ديالوللو!! بعينيه الحمرالوين لو نظراته الحادة‪ ،‬لولوجهه الجامد‪ ،‬سمعنا إنه نادرا ما يبتسييم‬ ‫إل فى حضرة الحريم ‪...‬كان سمينا إلى حد مخيف‪ ،‬بطنه البارز دائما يجعل الصديرى مشحلوطا‬ ‫إلى أعلى؛ مبرزا جزءا كبيرا من تلك الستدارة الجهنمية التى ربما تحتلوى علييى عشييرة أرغفيية‬ ‫بالضافة إلى الفلول لوالطعمية لوأكيلواب السيياقع لوالسيياخن لوالجاتلوهيات‪ ،‬؛الييتى يحبهييا لويحيير ص‬ ‫على صبها فى كرشه لوحبذا للو كانت من جيلوب الخرين ‪..‬‬

‫***‬ ‫كنت ذاهبا مييع سيمير لسييتلم مكافيأة المتيياز؛ قيمتهييا خمسية لوعشيرلون جنيهيا نتسييلمها بعيد‬ ‫الخصلومات؛ حلوالي ثلثة لوعشرين‪.. ،‬سمير كان نائبا لومرتبه أعلى قليل بعدة جنيهات؛ تحييدثنا‬ ‫عن زميل أراد السفر للخارج‪ ،‬كان قد حصل على عقد عمل فى بلد خليجى‪ ،‬كانت هييذه خطييلوة‬ ‫جديدة علينا‪ ،‬سمعنا أنه سار فى إجراءات لعمل اخلء طرفه‪ ،‬فييلوجىء فييى الخطييلوة اللولييى أن‬ ‫المدير العام أشر على طلبه ‪:‬‬ ‫ألوافق بالبدل ‪.‬‬ ‫سار يحدثنا جميعا عن هذه التأشيرة العجيبة‪ ،‬صار يقلول لكل من يقابله ‪ :‬تعرف الستاذ بدل ؟‬ ‫يتساءل السامع‪:‬‬ ‫بدل إيه؟‬ ‫يرد الزميل غاضبا لوقد تطاير من عينيه شرر ‪:‬‬ ‫بدل ما أقتل‪ ..‬بدل انتقام ‪ ..‬بدل صفاقة‪ ..‬بدل تحكم فى عباد ا‪..‬‬ ‫يسمع السامع لوينظر شذرا الى الطبيب؛ لويسير فى حال سبيله ‪:‬‬ ‫بدل ياناس‪ ..‬بدل يا هلوه‪ !...‬نصحه الدكتلور لوصيف بالذهاب الى اللوزارة ‪..‬‬ ‫***‬ ‫‪20‬‬


‫عاد خائبا من اللوزارة بعد أن لوعدلوه بحل المشكلة لوقاللوا له سلوف نرسل للمدير العام خطابا‬ ‫اطلعه السكرتير على خطاب اللوزارة ‪:‬‬ ‫برجاء تسهيل مهمته لوشكرا ‪.‬‬ ‫يقلول السكرتير ان المدير ضحك عندما قرأ خطاب الييلوزارة‪ ،‬لوكتييم ضييحكه‪ ،‬لوسييارت المييلور‬ ‫كما هى لم يتغير شىء؛ لولم يسافر الزميل ‪.‬‬ ‫قال لى سمير ‪:‬‬ ‫عدد كبير من زمايلنا سافرلوا‬ ‫ليه؟‬ ‫علشان الفللوس ‪..‬البلد حالها تعبان ‪ .‬أى بلد بترلولى يدفع أضعاف أضعاف المرتب هنا‪.‬‬ ‫طبعا مفيش نسبه‪..‬‬ ‫لوكمان يعيش فى سكن مؤثث لوله تذاكر سفر مجانية فى كل أجازة‪.‬لوميزات تانيه‪..‬‬ ‫الغربة صعبة‪..‬هم بيسافرلوا قبل التخص ص؟‬ ‫أحيانا ‪. ..‬‬ ‫يعنى يشتغل ممارس عام على طلول ؟‬ ‫مشلوار الدراسة لوالتخص ص مشلوار طلويل؛ لوكلنا بتصادفنا صعلوبات فى التخص ص‪ ،‬يعنييى أنييا‬ ‫مثل‪..‬‬ ‫أنت مالك؟‬ ‫كنت نالوى أتخص ص نسا لولولدة ‪..‬‬ ‫لوإيه اللى غير مسارك؟‬ ‫مش بإرادتى ‪..‬قلوانين زبانية اللوزارة‪..‬‬ ‫ياسلم!‬ ‫لزم تكلون أمضيت كم سنة تكليييف ألو قطيياع ريفييى‪..‬لوكييم سيينة نييائب تخصيي ص‪ ،‬لوالمجمييلوع ؛‬ ‫لوكمان فيه حاجة مهمة ‪!..‬‬ ‫إيه هى؟‬ ‫اللواسطة يا حبيبى !‬

‫‪21‬‬


‫ممكن اللواحد يشتغل هناك ممارس على طلول؟‬ ‫رد بل مباله ‪:‬‬ ‫لوماله؟ طالما جيبه عمران !‬ ‫***‬

‫‪8‬‬ ‫أثناء الغداء؛ كنت جالسا أنا لوباهر‪ ،‬كان أحد الزملء يجلس أمامى علييى نفييس المائييدة؛ عرفنييى‬ ‫باهر به؛ قائل ‪:‬‬ ‫الدكتلور طه ‪..‬‬ ‫قلت‪ :‬أهل لوسهل‪..‬‬ ‫لحظت أنه قد أحضر أشياء معه‪ ،‬منها م ك‬ ‫لحة لوضعها علييى المائييدة؛ لوفلوطيية كمييدها لواحكمهييا‬ ‫على ركبتيه‪ ،‬لوأخرج من جيبه ملعقة خاصة لوشلوكة؛ نظرت إليه فقال بصلوت هادىء‪:‬‬ ‫أحب أن تكلون هذه الشياء للستعمال الشخصى‬ ‫تبسمت قائل‪:‬‬ ‫لوأنا احترم رغبتك‬ ‫***‬ ‫كان الدكتلور طه يقضى فترة تدريبه فى قسم الجراحة مع باهر‪ ،‬كان يحكى عيين ملواقييف تنييبىء‬ ‫عن ابتعاده التام عن منظر الدماء‪ .‬هناك نظام متبع فى تدريب أطباء المتياز‪ ،‬هذا النظييام يلييزم‬ ‫الطبيب بأن يجتاز دلورات فى أقسام أساسية لوأخرى فى أقسام اختيارية‪ ،‬كان قسم الباطنة لوقسييم‬ ‫الجراحة لوأمراض النساء لوالتلوليد ضمن القسام الساسية التى ل بد لطبيب المتياز من المرلور‬ ‫عليها‪ ،‬لمدة شهرين تقريبا فى كل قسم ‪.‬‬ ‫قال ملوجها كلمه لباهر ‪:‬‬ ‫فات علينا أسبلوعين فى قسم الجراحة‪ ،‬باقي‪ ..‬شهر لونصف‬ ‫أنت فرحان لوأل زعلن ؟‬ ‫ل‪ ..‬زعلن طبعا أنا أكره منظر الدم؛ لومقدرش أفتح بطن مريض‬ ‫الضرلورات تبيح المحظلورات؛ لونظر لى باهر قائل‪:‬‬ ‫على فكرة ‪..‬الدكتلور طه نلوبتجى طلوارىء‪ ،‬لوسرق لوقت الغدا‪..‬‬ ‫‪22‬‬


‫يرد طه محتدا‪:‬‬ ‫احنا لغاية الن نجهل جسم النسان ‪ .‬سيبك من الجلد لوالعضم لوالدم لوالعضلت؛ أنا أقصد حاجيية‬ ‫تانية‬ ‫قلت‪:‬‬ ‫تقصد إيه؟‬ ‫أنت سمعت عن الطب الصينى ؟‬ ‫أكيد‬ ‫فى القصيير العينييى شييفنا عمليييات جراحييية فييى قسييم النسييا؛ كييان البنييج عبييارة بييالبر الصييينية‪،‬‬ ‫لوالمريضة فى كامل لوعيها‪ ،‬لوتتكلم لوبطنها مفتلوحة أنا لغاية الن مقدرتش أفهم السر‪..‬‬ ‫رد باهر ‪:‬‬ ‫خبرات تاريخية متلوارثة ‪..‬‬ ‫أنت عارف إيه ملوجلود جلوه يا بنى ؟ دى علوالم خالقها الملولى عز لوجل ؛جسم النسان ده مقدس‬ ‫ل يجب العبث فيه‪..‬‬ ‫أنت اخترت إيه؟‬ ‫أنا ؟! أكيد باطنه‬ ‫الباطنة بتأككل عيش؟‬ ‫ربنا يا بنى هلو اللى بيرزق‪.‬‬ ‫رد باهر مدعيا الشفقة ‪:‬‬ ‫عندك حق‪.‬‬ ‫أم سيد حضرت فى هذه اللحظة‪ ،‬جاءت تنادى الدكتلور طه‪:‬‬ ‫يا دكتلور طه ‪ ..‬الحق فيه حادثة فى الستقبال‬ ‫يا ساتر يا رب ! لوشك حللو علكي يا عم باهر ‪.‬‬ ‫نفض فلوطته‪ ،‬لوقام مسرعا لوهلو يقلول ‪:‬‬ ‫عن إذنكم‪..‬‬ ‫لوهرلول على السلم ‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫‪9‬‬ ‫تكعلود المدير العام أن يأتى كل صباح – لومعه سكرتيره الخا ص‪ -‬إلى الشييرفة البغييدادلى الخشييبية‬ ‫اللواسعة الملحقة بالمبنى القديم لمدرسة التمريض لوبصحبته الرجل الثانى فييى المديرييية لويييدعى‬ ‫خرمان‪ ،‬المديرالمالى لوالدارى‪،‬صاحب العقل المدبر بالمديرية‪ ،‬يحمل رأسا ضخمة على كتفيييه‬ ‫العريضتين‪ ،‬تبدلو عيناه الماكرتان من خلل نظارته الطبية ذات الطييار السييلود الكييبير‪ ،‬تعلييلو‬ ‫ملمحييه ابتسييامة زئبقييية‪ ،‬اشييتهر خرمييان بهييلوايته للطيييلور لوخصلوصييا البييط لواللوز لوالحمييام‪،‬‬ ‫سمعنا أنه تم تلوظيف عدد ل بييأس بييه ميين العمييال لوالسييائقين بلواسييطة أنييلواع مختلفيية ميين ذلوات‬ ‫الريش ‪.‬‬ ‫يحمل السكرتير ملفا ضخما به البلوستة‪ ،‬يقلوم بعرضها على السيد المدير لوقتما يشاء الخير‬ ‫يجلس المدير العام هلو لوخرمان‪ ،‬مع ناظر المدرسة‪ ،‬يييدعى الييبرالويطى‪ ،‬الييبرالويطى رجييل‬ ‫خشن الطباع‪ ،‬ل تجده إل لوهلو يزجر تلميذا ألو يشتم آخر؛ سمعنا عنيه أن ه أحيانيا يسيتخدم الفلكية‬ ‫فى عقاب الطلب؛ لو ربما يكلف أحدهم بإحضار أشياء من خارج المدرسة‪ ، ،‬قييد ل يييدفع لييه‬ ‫ثمنها‪ ..‬دائما يضع الشيشة لوالتمباك لوالمعسل أمييامه‪ ،‬حييتى إذا مييا حضيير المييدير العييام تركهييا‬ ‫جانبا‪ ،‬لونفض يده ليكلون فى استقبال سيده؛ يكلييف أحييد الطلبيية بمراجعيية الفحييم لواحمييائه‪ ،‬كييان‬ ‫الييبرالويطى ضييخم الجثيية‪ ،‬يضييع نظييارة طبييية علييى عينيييه؛ منتفييخ اللوداج؛ تميييل بشييرته إلييى‬ ‫السمرة القاتمة‪ ،‬له ذقن حليق على الدلوام؛ كان باهر يقلول إن الرجل ل ينبت له شعر فى لوجهه؛‬ ‫يضحك لويقلول لهذا السبب لم يتزلوج لوقد اقترب من الستين؛ أحيانا يقلول إنه غالوى أكييل لوإمييارة‬ ‫على عباد ا مثل صاحبه المدير العام؛ كان يجلس على مقعد لويمد رجله على مقعد آخر ليريييح‬ ‫ساقيه السمينتين من الدلوالى ‪ ،‬يتبادل ثلثتهم النكات الفجة لوالضحكات المفتعلة لوالكلم الناشف‬ ‫لو سحب النفاس من نفس المبسم‪ ،‬يفتح المدير الحديث‪:‬‬ ‫حاطط الشيشة جنبك يا برالويطى‬ ‫اعتقد البرالويطى أنها تهمة‪ ،‬حالول أن يزيحها بيده‪ ،‬يجيبه المدير ‪:‬‬ ‫ل هاتها‪ ،‬احنا مالناش نفس لول إيه؟‬ ‫يبتسم البرالويطى لوتنفرج أسيياريره‪ ،‬ينييادى علييى احييد الطلبيية‪ ،‬يييأتى الطييالب مهييرلول لويحنييى‬ ‫البرالويطى رأسه ليحدثه سرا‬ ‫يهرلول الطالب مختفيا‬ ‫يمسح المدير ذقنه بيده لويقلول ‪:‬‬ ‫اللواد عالوز يسيب البلد لويمشى يرلوح مصر‪..‬‬ ‫يتساءل الناظر‪:‬‬ ‫مين يا باشا؟‬

‫‪24‬‬


‫اللولد بتاع النفسية‬ ‫يرد خرمان‪:‬‬ ‫ضر دكتلوراه‬ ‫عرفت إنه عالوز يح ك‬ ‫ضر عفاريت ملوش حا اخلي طرفه إل بالبدل‪..‬‬ ‫ضر دكتلوراه ‪..‬يح ك‬ ‫يح ك‬ ‫يضحك خرمان لوهلو يقلول‪:‬‬ ‫دخلول الحمام مش زى خرلوجه يا باشا‪..‬أنا عرفت إن عنده مزرعة يا باشا‬ ‫يا سلم !‬ ‫أيلوة عنده مزرعة فى الجناين‪ ،‬لوبيربى فيها بقر لوجاملوس لوضانى ‪..‬‬ ‫أنت باين عليك بتحب الضانى يا خرمان‬ ‫طبعا يا باشا‬ ‫هرش المدير فى رأسه قائل ‪:‬‬ ‫العيال دى مش تفتح مخها شلوية ؟!‬ ‫فين اللى يفهم يا باشا؟‬ ‫يرد المدير‪:‬‬ ‫هم فاكرين الحكاية لعب لوأل إيه؟‬ ‫أنا مستعد أكلمه يا باشا‪ ،‬لوأفهمه إنى أنا اللى حاخل ص الملوضلوع ‪..‬‬ ‫يبتسم المدير قائل ‪:‬‬ ‫لورينا بركاتك يا خرمان !‬ ‫يفرح الثنان عندما يشاهدان كييرش السيييد المييدير لوقييد ترجييرج ميين الضييحك‪ ،‬لواحميير لوجهييه‪،‬‬ ‫لوبانت حمالة بنطاله‪ ،‬لوبدت أسنانه صفراء كاحليية اللييلون ميين أثيير المعسييل لوالتمبيياك لوالسييجائر‬ ‫لوباقى أنلواع الدخان؛ لوصيار طفل يمكنييه أن يقبييل أى شيىء لويلوقيع علييى أشييياء كيثيرة كيان قييد‬ ‫رفض التلوقيع عليها من قبل‪.‬‬ ‫***‬

‫‪25‬‬


‫‪10‬‬ ‫الدكتلور غربالوى طبيب الطفال يصاحب كثيرا من الطبيياء لويهييلوى جلسييات النميميية لول تفييلوته‬ ‫فائتية‪ ،‬ل يحيب أن يكيلون جياهل بيأى حيدث فيى المستشيفى ألو خارجهيا؛ عنيدما يتحيدث اثنيان‬ ‫لويتصادف حضلوره؛ يمد أذنيه إلى الحلوار لوسرعان ما يمسك بتلبيب الملوضلوع لويلم بأطرافه ‪.‬‬ ‫فى قسم الطفال الداخلى‪ ،‬مثل باقى القسام الخرى؛ تلوجييد حجييرة الطييبيب لوحجييرة التمريييض‬ ‫لوصيدلية طلوارىء‪ ،‬لوبجلوارها دلورات المياه مثل باقى القسام؛ علييى امتييداد لواحييد فييى ملوجهية‬ ‫عنابر المرضى ؛ بعييد النتهيياء ميين العيييادة الخارجييية‪ ،‬يصييعد الغربييالوى إلييى القسييم الييداخلى‪،‬‬ ‫لويجلس فى حجرته ليبدأ العمييل‪ ،‬تعييلود علييى أن تحضيير لييه الممرضيية أنصيياف حييالت القسييم‬ ‫الداخلى من العنبر الملواجه للحجرة؛ كنت جالسا معه عندما قال لنصاف ‪:‬‬ ‫أعملى لنا بن يا أنصاف‪..‬‬ ‫نظر لى لوقال‪:‬‬ ‫تشرب بن يا دكتلور ؟‬ ‫قلت ‪ :‬شكرا‬ ‫رد بسرعة؛ لوعلى لوجهه شبح ابتسامة خابية ‪:‬‬ ‫ضر ‪..‬‬ ‫البن عملوما م ك‬ ‫أعطتنا أنصاف ظهرها؛ لوبدأت فى تجهيز البن على السخان الكهربائى؛ أخرجت الكنكة لوالملعقة‬ ‫لوالفنجان لوالطبق من الدلولب‪ ،‬لوفتحت علبة السكر لوالشاى؛ لوضعت الطبق على المكتب لوفلوقه‬ ‫الفنجان ‪ .‬غسلت الكنكة تحت مياه الحلوض بالحجرة‪ ،‬لوضعت بها ملعقة سكر لوملعتين بن‬ ‫رد عليها غربالوى ‪:‬‬ ‫خفى البن شلوية يا أنصاف !‬ ‫تبتسم أنصاف قائلة ‪:‬حاضر !!‬ ‫ظهرت العاملة لواقفة على باب الحجرة ‪:‬‬ ‫أى خدمة يا دكتلور غربالوى ؟‬ ‫هاتى الحالت يا م سيد‪.‬‬ ‫اختفت أم سيد لوعادت لومعها أم حاملة طفلها‪ ،‬يتبعها مجملوعة أخرى من النسيياء الشيياحبات كييل‬ ‫منهن تحمل طفل على يديها ‪.‬‬ ‫سماعة الغربالوى معلقة فى رقبته؛ يضعها على صدر الطفل‪ ،‬تقلول له أمه‪:‬‬ ‫شلوف بطنه بالسماعة يا دكتلور ‪...‬بطنه لوجعاه‪..‬لويحك فى دماغه‬ ‫‪26‬‬


‫يضع السماعة على بطن الطفل لودماغه أيضا‪..‬‬ ‫تبكسمت لورشقته بنظرة متسائلة؛ بعد خرلوج الم قال لى ‪:‬‬ ‫أحيانا أحط السماعة على رجله كمان‬ ‫يا سلم!‬ ‫لزم ترضى الزبلون ‪..‬شغل سلوق!‬ ‫فاحت رائحة القهلوة؛ لوملت المكان‪ ،‬رفَعت أنصاف الكنكة من فلوق السخان؛ لوسحبت الكبس؛‬ ‫لوصبت القهلوة فى الفنجان؛ تضلوعت الرائحة لوانتشرت فى أرجاء الحجرة الضيقة ‪.‬‬ ‫لوضعت الفنجان أمام الغربالوى‬ ‫نظر لى الغربالوى؛ لوهلو يرشف من فنجانه قائل ‪:‬‬ ‫بن محلوج‪ ..‬دايما أشتريه من مصر أحب أشتريه من باب الللوق ‪.‬‬ ‫***‬ ‫قال لى أحد الزملء لويدعى الدكتلور زارع إن الغربالوى يدكعى أن المدير العييام صييديقه؛ يقييلول‬ ‫أنهما من بلد لواحد لوبينهما صلة نسب‪ :‬عندما علمت ذلك قصدته فى خدمة‪..‬‬ ‫قلت له‪ :‬ماهى؟‬ ‫قال لى ‪:‬‬ ‫النقل من الطب اللوقائى إلى الطب العلجى ‪..‬‬ ‫سألته متشلوقا‪:‬‬ ‫لوماذا تم؟‬ ‫ترك لى تليفلون المنزل لوالعيادة لوقال لى اتصل بى عند اللزلوم‬ ‫لوهل اتصلت به؟‬ ‫نعم حالولت التصال به لولكن الرقمين غير ملوجلودين بالخدمة ! لوعندما رأيتييه؛ ذكرتييه باللوعييد‬ ‫لوحكيت له عن ملوضلوع التليفلونات‪ ،‬لولكنه تجاهل المر لوقال لى ‪:‬‬ ‫لوهل أنا كلمتك عن المدير ؟‬ ‫نعم‪..‬‬ ‫رد زارع متحسرا ‪:‬‬

‫‪27‬‬


‫الغربالوى قال لى لوهلو يحك رأسه ‪:‬‬ ‫أنا مش فاكر الملوضلوع من أصله!‪.‬‬

‫***‬

‫‪11‬‬ ‫ل يمكنك الفكاك من أسر سامية ألو نسيانها بسهلولة‪ ،‬تعمل ممرضة بالقسم الداخلى؛ فى أمسياتنا‬ ‫كانت تلوزع الحب لوالملودة علييى الحاضييرين لول تظلييم أحييدا‪ ،‬لكييل منييا سييلم يييدلوي دسييم‪ ،‬مييع‬ ‫ابتسامة مصاحبة لنظرة خارقة منها‪ ،‬تلوحى بأمل لولوعد‪..‬‬ ‫كنت قد تعرفت على الدكتلور طه طبيب المتياز معنا بالمستشفى؛ بدين إلى حد ما‪ ،‬له لوجيه‬ ‫طفلولى‪ ،‬يحب ان يرتدى حلة كاملة‪ ،‬عندما يجلس فى العيادة كان يحر ص علييى لوجييلود شييماعة‬ ‫لكى يعلق عليها الجاكت‪ ،‬لويرتدى البالطلو؛ كان رلومانسيا؛ يتحدث إليك كأنمييا يهمييس فييى أذنييك‪،‬‬ ‫رقيق الحاشية‪ ،‬سريع التأثر بأى حدث ألو ملوقف يمر به‪ .‬؛يهلوى سماع أم كلثييلوم لوعبييد اللوهيياب‬ ‫لوعيد الحليم حافظ‪ ،‬كان يسميهم "الثلثي" ‪.‬‬ ‫تكعلود طه أن يسهر كل مساء فى حجرة الطبيب النلوبتجى بقسم المراض الباطنة حتى الساعات‬ ‫اللولى من الصباح‪ ،‬كان يضع ملفات المرضييى أمييامه علييى المكتييب‪ ،‬لويحفييظ أسييماءهم لواحييدا‬ ‫لواحدا ‪ ،‬كان يهلوى هذا القسم‪ ،‬لم نكن ندرى لماذا‪ ،‬فالكل يتحيدث ع ن اليدخل لوالمكسيب؛ عين‬ ‫هلواييية المشييرط لوالمقيي ص‪ ،‬أى فييرع بييه جراحيية‪ ،‬الكييثير كييانلوا ل يعييترفلون للطييبيب البيياطني‬ ‫بكفاءته‪ ،‬حتى إدارة المستشفى كانت قاصرة تقريبا على الجراحين‪.‬‬ ‫تصادف أن تلوزعت سامية فى هذا الشييهر نلوبتجييية سيهر فييى قسييم الباطنيية؛ كييان اليدكتلور طيه‬ ‫يسهر بالقسم‪ ،‬كانت سامية تحضر معها الشماعة كل مساء‪ ،‬يحضر هلو لومعه كتيياب لوشييريط‬ ‫لم كلثلوم ألو عبد اللوهاب ألو عبد الحليم ‪ ،‬كان يحفظ أغانيهم عن ظهر قلب‪ ،‬كما كان يأخذ معه‬ ‫حللوى‪ ،‬أحيانا يمل جيلوبه بقطع النلوجا لوالشيكلولتة‬ ‫***‬ ‫عندما تدخل سامية الحجرة لتنفيذ العلج كانت تميل بلوسطها على المكتييب لوتمير بإصيبعها علييى‬ ‫سطلور الملف لتقرأ العلج المكتلوب؛ لتقلوم بتجهيزه‪ ،‬بيييدها الخييرى تمسييك بييالمحقن ألو بعلبيية‬ ‫دلواء‪ ،‬أثناء هذه الحركة يكلون طه أحيانا جالسيا إليى الناحيية الخيرى مين المكتيب؛ كيان يلحيظ‬ ‫صدرا نافرا بفلقته السحرية من فتحة الرقبة اللواسعة خلف البالطلو‪ ،‬قد عبر عن قييلوته لوجييبرلوته‬ ‫بتلك الحمرة التى يصطبغ بها لوجه طه لوأذناه أيضا!‬ ‫شباك الحجرة مفتلوح على حديقة المستشفى اللواسعة‪ ،‬لوتحته مبنى مدرسة التمريض؛ اللوقت يمر‬ ‫جميل لوالهلواء عليل‪ ،‬لول يلوجد حسلود ألو عزلول ‪..‬‬ ‫‪28‬‬


‫على كلمات الغانى ‪..‬أم كلثلوم عندما تشدلو ‪ :‬ياللى كان يشجيك أنينى كل ما أشكي لك أسايا‪..‬‬ ‫لوعبد اللوهاب ‪..‬كل ده كان ليه لما شفت عينيه؛ اللى حيرنى لواللى سهرنى ‪ ..‬لوجفنه علم الغييزل؛‬ ‫عندما تترك العنبر لوتنتهى النلوبتجية يفترقان‪ ،‬ليذهب كل منهما إلى اسييتراحته ؛كييان يعييز عليييه‬ ‫الفراق‪ ،‬لويغنى لها أغنية عبد الحليم ‪..‬‬ ‫تهجرنى ليه لما أنت حبيبى؟! ‪..‬‬ ‫فى تلك الليلة اشتعل قلب طه بالغرام‪ ،‬عندما قرأ كلمات الغنية التى كتبتها له سامية فييى لورقيية‬ ‫لوتركتها على المنضدة التى كان جالسا إليها ‪..‬‬ ‫قدمتها إليه لوقالت له ‪:‬‬ ‫احبها قلوى‬ ‫إيه هى؟‬ ‫عندما غادرت سامية الحجرة إلى عنبر المرضى؛ فتح اللورقة المطلوية بعناية لوقرأ ما فيها‪:‬‬ ‫"بافككر فى اللى ناسينى؛ لوانسى اللى فاكرنى‬ ‫لوأدكلور ع اللى بايعنى؛ لوأنسى اللى شارينى !"‬ ‫فى الحال طلوى اللورقة مرة أخرى لوخبأها فى جيبه‪ ،‬اخرج لورقة لوراح يكتب ‪:‬‬ ‫"أتمنييى أن أتييزلوج ميين تحبنييى‪ ،‬شييعلور جميييل أن يكييلون النسييان محبلوبييا‪ ،‬لولكيين ! هييل هييذه‬ ‫مشاعرك الصادقة ؟ أرجلو أل يخلونك التقدير ألو أن تلعبى بعلواطفى !"‬ ‫طلوى اللورقة لوتركها فى دفتر الحلوال‪ ،‬عندما عادت من العنبر‪ ،‬فتحت الدفتر لسييتكمال تنفيييذ‬ ‫العلج رأت اللورقة‪ ،‬فنظييرت إلييى طييه بعينييين تغمرهمييا الفرحيية لوالحسيياس القييلوى بالنصيير ‪.‬‬ ‫أخذت اللورقة لوقرأتها‪ ،‬لوأطالت النظر إلى أعماق طه الذى خارت قلواه لوأحمر لوجنتاه‪ ،‬لوصييار‬ ‫كالطفل الذى اجترح ذنبا ‪.‬‬ ‫***‬ ‫استأذنت سامية لعمل كلوب من الشاى لييم يطلبييه منهييا طييه؛ غييابت قليل لوعنييدما عييادت فييلوجىء‬ ‫بأكلوام من البسكلوت لوالفطائر فى طبق إلى جلوار كلوب الشاى الخزفى المجهز بعناية ‪.‬‬ ‫***‬ ‫قبل أن تغادر‪ ،‬لوضعت له لورقة فلوق سجلت المرضى‪ ،‬كانت قد كتبتهييا أثنيياء غيابهييا‪ ،‬لوقييالت‬ ‫له‪:‬‬ ‫اقرأها لما ترجع السكن‪.‬‬ ‫***‬ ‫‪29‬‬


‫قبيل الفحر؛ عندما عيياد طييه إلييى السييكن‪ ،‬كنييت صيياحيا لوبيياب غرفتنييا مفتييلوح‪ ،‬دخييل علينييا لو‬ ‫البتسامة تمل محياه‪ ،‬قال له باهر ‪:‬غريبة‪..‬‬ ‫رد طه‪:‬‬ ‫إيه هى الغريبة؟ ما غريب إل الشيطان‬ ‫ابتسامتك‪..‬‬ ‫ضحك طه لواقترب منا لوجلس على حرف السرير‪ ،‬كانت اللورقة مطلوية فى يده‪ ،‬سأله باهر ‪:‬‬ ‫ماسك إيه يا طه؟‬ ‫نظر إلى يده متحيرا لوقال فى براءة ‪:‬‬ ‫أبدا‪ ..‬شهادة حبنا‬ ‫قلت‪:‬‬ ‫شهادة حبكم‪ ..‬ممكن أشلوفها ؟‬ ‫قال كأنما يتمنع‪:‬‬ ‫دى أسرار ناس ‪..‬‬ ‫مد باهر يده لونزع اللورقة بلطف من يده‪ ،‬لوقرأها علينا‪:‬‬ ‫ياللى كان يشجيك أنينى‪‬كل ماأشكى لك أسايا‬ ‫‪‬كان‪ ‬منايا يطلول حنيني للبكا لوانت معايا !‬ ‫حرمتنى من نار حبك لوأنا حرمتك من دمعى !‬ ‫ياما شكيت‪ ‬لوارتاح قلبك أيام ما كنت أبكى‪ ‬لوأنعى‬ ‫عزة جمالك فين من غير ذليل يهلواك؟‬ ‫***‬

‫‪30‬‬


‫‪12‬‬ ‫فى الصباح؛ رفضت صنابير المياه بالسكن أن تبلوح بنقطة لواحدة من الماء‪ ،‬بين لحظة لوأخييرى‬ ‫كنا نعالود السؤال عن سبب قطييع المييياه‪ ،‬لييم نسييتطع التصييال مباشييرة بمسييئلولى العطييال فييى‬ ‫محطة المياه‪ ،‬فما زالت شبكة التليفلونات معطلة‪ ،‬كان البعض يقلوللون ‪:‬‬ ‫الماسلورة الم ضربت فى شارع عرابى‪..‬‬ ‫نتساءل فيما بيننا ‪ :‬أل يلوجد خزانات احتياطية للمياه بالمستشفى ؟ شىء أساسى لومهم ‪..‬‬ ‫***‬ ‫فى هذا اليلوم كان الدكتلور الغربالوى يجلس فييى مكتبييه بالعيييادة الخارجييية منييذ الثامنيية لوالنصييف‬ ‫تقريبا؛ علم بزيارة مسئلول كبير للمستشفى هذا الصباح‪ ،‬ظل جالسا يشرب قهلوته لويقييرأ جريييدة‬ ‫الهرام كالعادة‪ ،‬لوقد ألوصى الممرضة بأن تغليق بياب العييادة لول تيدخل أحيدا إل عنيد اقيتراب‬ ‫ملوعد الزيارة‪ ،‬اقتربت الساعة من العاشرة‪ ،‬أثنيياء مييرلور المحييافظ علييى العيييادات‪ ،‬لوجييد‬ ‫زحاما على عيادة الطفال‪ ،‬تجمهرت المهات حيياملت أطفييالهن‪ ،‬صييحن فييى لوجييه المحييافظ‪،‬‬ ‫كان الغربالوى قد بدأ فح ص الحالت منذ لحظات‪ ،‬سأله المحافظ ‪:‬‬ ‫أنت لوحدك فى العيادة؟‬ ‫ل‪ ..‬فيه دكتلور تانى معايا‬ ‫فين هلوه؟‬ ‫ماجاش‬ ‫اكتب لى اسمه‪..‬‬ ‫بسرعه‪ ،‬سحب الغربالوى سلوستة حقيبته الجلديية السييلوداء اليتى ل تفيارقه أبيدا – لوكأنميا حصيل‬ ‫علييى أمنيتييه‪ -‬لوأخييرج منهييا لورقيية فللوسييكاب مشييطلورة نصييفين‪ ،‬لوكتييب عليهييا السييم‪ ،‬لوبيياقى‬ ‫البيانات‪ ،‬لونالولها لمساعد المحافظ‬ ‫***‬ ‫فى الحال حضرت العاملة إلى السكن لتنادى على ‪..‬‬ ‫فى إيه يا أم محمد؟‬ ‫المحافظ عندنا‬ ‫المحافظ؟‬ ‫أيلوه‬ ‫‪31‬‬


‫دى الميه مقطلوعة لوأنا منتظر الميه أما تيجى علشان ادخل الحمام‪..‬‬ ‫ارتديت ملبسى مسرعا لونزلت دلون أن أغسل لوجهى‪.‬‬ ‫قبل أن ينتصف النهار‪ ،‬أبلغنى عامييل السييلويتش أن هنيياك اسييتدعاء للمثييلول أمييام محقييق الشييئلون‬ ‫القانلونية بالمديرية‪.‬‬ ‫***‬

‫‪13‬‬ ‫حضرت لجنة من اللوزارة لكى تقف على أخبار الستعدادات الطبية بالمدينة‪ ،‬لوألوصت بحضلور‬ ‫جميع الطباء خصلوصا رؤساء القسام لوالمعالون لورئيسة التمريض كى يييدلى كييل منهييم برأيييه‬ ‫فى كيفية تحسين الداء فى المستشفى‪ ،‬؛ كما فهمنا‪..‬‬ ‫فى هذا اليلوم جهز كل رئيس قسم تصيلوره للرقييى بالعمييل؛ بالضيافة إلييى أى طلبييات خاصيية؛‬ ‫استعد الجميع ؛ لم تكن هناك قاعة مهيئة للجتماع‪ ،‬قال المدير إن الجتماع سيييكلون فييى السييطح‬ ‫المجالور للستراحة‪ ،‬فى الهلواء الطلق‪ ، ،‬لم يعارضه أحد‪ ،‬فلم يكن هنيياك قاعيية اجتميياع ألو أى‬ ‫قاعة مجهزة‪ ،‬الكل فرح بهذا الحدث‪ ،‬على القل سلوف يكلون هناك فرصة أكييبر للتعييارف بييين‬ ‫الزملء‪ ،‬لوسلوف يعرض كل من الحاضرين مشاكله‪ ،‬بالرغم من فكرتهم المسبقة عيين الرفييض‬ ‫الذى يتحلى به لسان المدير العام؛ كان الجلو معتدل؛ الجميع يتحدثلون سلويا قبيل حضلور المييدير‬ ‫العام؛ كان لى نصيب فييى حضييلور الجتميياع؛ بيياهر جييالس الييى جييلوارى ممسييكا بيييديه لورقيية‬ ‫يقرأها‪ ،‬سألته عن فحلواها؛ قال‪:‬‬ ‫النشرة‪ ...‬نشرة الجتماع‬ ‫لوجهييت نظييرى إليهييا‪ ،‬قييرأ بيياهر بسييخرية ‪ " :‬لمناقشيية أحييلوال العمييل لوحييل مشيياكل العيياملين‬ ‫لوالرتقاء بالداء اللوظيفى "‪..‬‬ ‫عدد كبير من المقاعد‪ ،‬أمامها اصطف عدد من الطالولت المتلصقة؛ تم لوضع ملءة خضراء‬ ‫عليها بينما جلس الزائرلون لوراءها‪ ،‬المدير العام بجلواره مندلوب اللوزارة‪ ،‬لوآخر علييى اليمييين‪،‬‬ ‫بينما جلس كل من خرمان لوالبرالويطى على يسار المدير‪ ،‬أما الدكتلور مراد مدير المستشفى فقد‬ ‫جلس فى مقاعد الحضلور ‪.‬‬ ‫لوجدت المسئلول اللوزارى ينظر إلى المدير لويسأل‪:‬‬ ‫فيه كم سرير عندك يا مطرالوى ؟‬ ‫فى العام لوالحميات لوالصدر ؟‬ ‫ل فى المستشفى العام؟‬ ‫‪32‬‬


‫نظر المدير بدلوره إلى مدير المستشفى قائل ‪:‬‬ ‫رد يا مراد‪..‬‬ ‫قال الدكتلور مراد إن المستشفى به أكثر من ثلئمائة سريرا ‪..‬‬ ‫كم أسانسير ؟‬ ‫رد يا مراد ‪:‬‬ ‫اسأللونا عن عدد السانسيرات الشغالة‪ ،‬لننا طلبنا اصلح الباقى من سنة‪.‬‬ ‫كلهم ‪ 12‬أسانسير منهم ‪ 2‬شغالين !‬ ‫لم يرد المسئلول اللوزارى؛ تشاغل بالحديث مع جاره المطرالوى‪ ،‬لوتجالوز الكلم قائل ‪:‬‬ ‫حاضر حاضر ‪..‬كميات الدلوية ؟‬ ‫فى الحقيقة عندنا ما يكفى ‪.‬‬ ‫***‬ ‫طبيب الجراحة ترالوده فكرة الجراحييات الميكرلوسييكلوبية‪ ،‬لوجييراح آخيير يريييد إدخييال جراحييات‬ ‫التجميل‪ ،‬بينما الدكتلور فهمى يرغب فى إنشاء قسييم لجراحييات المييخ لوالعصيياب نظييرا لكييثرة‬ ‫حالت الحلوادث التى تتطلب هذا التخص ص الدقيق ‪...‬طبيب الرمد كان يحلم بجهاز جديد للكشف‬ ‫على قاع العين؛ بينما طبيب التخدير يتكلم عن حجرة عمليات حديثة ‪:‬‬ ‫لوالفاقة ! فين حجرة الفاقة ؟ احنا تعلودنا نخبط العيان قلمين علشان نطمئيين عليييه بعييد العملييية‬ ‫لونزعق فى لوشه علشيان يفيلوق؛ لوممكين نقرصيه؛ دى طيرق ميش حضيارية ؛ لوالملونيتيلورز ييا‬ ‫اخلواننا لزم يكلون عندنا ملونيتلورز حديثة ‪..‬مجرد نظرة فى الجهاز تعرف كل الحدلوته ‪..‬‬ ‫***‬ ‫بانت على لوجه المسئلول إمارات الجهاد‪ ،‬لوهمس الى المدير العام‪ ،‬استأذن خارجا لومعه سائقه‬ ‫الخا ص‪ ،‬بينما هرلول معه المطرالوى إلى الخارج لوعاد الى الجلسة مسرعا ‪.‬‬ ‫***‬ ‫أخذ لوضعه على المنصة؛ جلس على مقعد آخر أكبر من اللول لوأعلى ؛أحضييره لييه سييكرتيره‬ ‫الخا ص‪ ،‬بصلوت مرتفع لولوجه كئيب قال ‪:‬‬ ‫اللوضع زفت‪...‬‬

‫لونظر يمينا لوشمال ليتفح ص اللوجلوه‪..‬‬

‫دايما ننسى التعليمات‬ ‫نظر الحاضرلون بعضهم لبعض ‪..‬‬ ‫‪33‬‬


‫البلطى‪ ...‬البلطى لزم تتلبس ‪..‬لوالبادجات‬ ‫الدكتلور اللى من غير بالطلو زى الدلولة من غير علم ‪...‬فاهمين‪ ..‬يتحقق من انفعالت الحضلور‬ ‫قائل ‪ :‬تنفع؟‬ ‫يمصم ص البعض شفاههم لويغمغملون‪ :‬ل‪..‬‬ ‫أنا من هنا لورايح للو شيفت لواحيد م ن غيير البيالطلو ‪ ..‬ل يليلوكمن إل نفس ه‪ .‬لوأشيار بسيبابته فيى‬ ‫الفضاء محذرا ‪..‬‬ ‫يسكت قليل‪ ،‬لويحرك رقبته الغليظة ‪ -‬كجذع شجرة الجميز ‪ -‬يمينا لوشييمال؛ يحييدق فييى اللوجييلوه‬ ‫مستطلعا ردلود الفعال ؛ يستأنف‪:‬‬ ‫الحضييلور لوالنصييراف ‪ ..‬حييرام عليكييم ‪ ..‬الفندييية بتييلوع المجلييس المحلييى خلكييلوا رقبييتي قييد‬ ‫السمسمة ‪...‬‬ ‫يستمر الصمت لويبدلو القلق على لوجييلوه الحاضييرين‪ ،‬الكييل يريييد أن يعييرض المشيياكل الحقيقييية‬ ‫مثلما جاء فى النشرة‪ ،‬النق ص فى الجهزة لوالمعدات لوالثاثات‪ ،‬لونق ص عدد الطباء؛ لوالحاجيية‬ ‫إلى التدريب‪ ،‬لوالبعثييات الطبييية؛ لوالهتمييام بعقييد النييدلوات لوالمييؤتمرات الطبييية لنعيياش الحقييل‬ ‫العلمى؛ لومناقشة تلوقف إرسال أطباء من قبل اللوزارة منذ فترة طلويلة ‪..‬نظرت إلى باهر قائل‪:‬‬ ‫المجلس المحلى يفهم إيه فى شغلنا ؟ ما كان بلش تعب القلب ‪ 7‬سنين‬ ‫رد باهر ضاحكا‪:‬‬ ‫غير البتدائي لوالعدادى لوالثانلوى ‪...‬الكل جاى تفتيش‪ ،‬يعنى أذي‪ ،‬لواصطياد أخطاء ‪..‬‬ ‫لويكمل الدكتلور سمير الذى كان يجلس بجلوار باهر‪:‬‬ ‫ماتنسلوش الكككتاب؛ أهم مرحلة فى حياتى‪...‬فى الكتاب حفظت جزأ عم لوتبارك علييى يييد سيييدنا؛‬ ‫من ساعتها حصيلتى زى ما هى فى القرآن للسف !!‬ ‫أكمل‬

‫‪:‬‬

‫لو التخص ص محتاج كم سنة ؟ ما دام المجلس شايف العملية سييهلة؛ مييا يجيبييلوا الحيياج فلن لول‬ ‫الستاذ كعلن من المجلس ‪..‬يدخل ألودة العمليات لويقلوم بالمهمة ‪..‬‬ ‫المفرلوض إن اللى يراجعنى ألو يشرف على شغلى يكلون مستلواه أعلى منى فى المهنة ‪..‬‬

‫***‬

‫‪34‬‬


‫‪14‬‬ ‫كنت أراه أحيانا بمكتبه؛ كان يجلييس دائمييا علييى حييرف الكرسييى‪ ،‬لول ينييدلق متمرغييا داخلييه ؛‬ ‫مكانه الثير غرفة العمليات لوالمرلور على القسام‪ .‬نادرا ما يجلس فييى المكتييب‪ .‬لوجهييه الحميير‬ ‫لونظارته لوابتسامته لوحركيياته المحسييلوبة لوآراءه الصييائبة جعلتييه يحصييل علييى قسييط كييبير ميين‬ ‫احترام لوحب الخرييين؛ مثلمييا يحييدث فييى كييل مكييان‪ ، ،‬هنيياك كلوكبيية ميين المحييبين ألو راغييبى‬ ‫الشهرة لوالمنافقين يحيطلون دائما بكل مدير ألو رئيس‪ ،‬الدكتلور غربالوى طبيب الطفييال متلواجييد‬ ‫بصفة شبه مستديمة مع الدكتلور مراد بالمكتب ‪ -‬بييالرغم ميين عييدم اسييتلطافه – إل أنيه مكشييلوف‬ ‫اللوجه كما يقال ‪..‬‬ ‫قال له الغربالوى يلوما ‪:‬‬ ‫خد راحتك فى الكرسى يا سعادة الباشا‬ ‫ابتسم مراد لوقهقه قائل ‪:‬‬ ‫البلد دى ما فيش فيها مضملون يا حبيبي‪ ،‬ممكن بكرة الصبح يطلع قرار بإقالتي !‬ ‫***‬ ‫دخل النائب الدارى‪ ،‬تكلم معه الدكتلور الغربالوى‪ ،‬ثم نظر إلى الدكتلور مراد لوسأله‪:‬‬ ‫أطباء المتياز عالوزين يستفهملوا من سعادتك على حاجة ‪..‬‬ ‫مد الغربالوى رقبته لوأرهف أذنه ‪..‬‬ ‫تساءل الدكتلور مراد ‪:‬‬ ‫فيه حاجة ؟‬ ‫عالوزين يعرفلوا إيه المقرر عليهم فى الجراحة يا باشا ؟‬ ‫كان سؤال مفاجئا؛ ضحك الييدكتلور مييراد حييتى بييانت أسيينانه البيضيياء‪ ،‬كييانت ضييحكة مجلجليية‬ ‫لورائعة‪ ،‬سرت ملوجة من الضحك على لوجلوه الجللوس ؛قال‪:‬‬ ‫المقرر؟ هلو احنا فى مدرسة ؟ المفرلوض يتعلم ينقذ المريض‪..‬‬ ‫تدخل الدكتلور الغربالوى قائل‪:‬‬ ‫أظن يا دكتلور مراد ل يلوجد برلوتلوكلول من اللوزارة بالتفاصيل‪.‬‬ ‫قال الدكتلور مراد‪:‬‬ ‫تفتكر يكتبلوا إيه فى التفاصيل؟‬ ‫‪35‬‬


‫نظر إليه الغربالوى قائل‪:‬‬ ‫الدلول كلها فيها برلوتلوكلولت نافذة ‪..‬هنا اللوضع مختلف‪.‬‬ ‫اسمع يا بنى ‪..‬يعنى يقدر يشخ ص زايدة لويعملها‪ ،‬لويفتح خراج لو يطاهر‪ ،‬لويصلح فتييق لويعمييل‬ ‫عمليات بلواسير لوشرخ شرجى لوغيار للجرلوح‪..‬‬ ‫رد النائب الدارى لينقذ نفسه من اللورطة‪:‬‬ ‫يعنى نكتب الكلم ده فى لورق نلوزعه على قسم الجراحة يا باشا؟‬ ‫ل با بنى الكلم ده تقريبى‪ ،‬لن فيه حاجات كثير ممكن تقابل الحكيم‪ ،‬تقدر تكتب ‪:‬‬ ‫" يعرف يتصرف فى الملواقف المختلفة "‬ ‫***‬ ‫‪15‬‬ ‫يلوم الجتماع سافرت سامية لمر مفاجىء‪ ،‬لم تقابل طه لتخبره فى نفييس اليييلوم‪ ،‬كييان مشييغلول‬ ‫فى اجتماع المدير العام الذى اسييتمر سياعات ؛خشيييت أن يعلييم طييه بسيفرها المفياجىء دلون أن‬ ‫تخبره‪،‬هى تعلم تماما مدى حساسيته المفرطة‪ ،‬لذا كان القلق يرالودها‬ ‫فى اليلوم التالى للجتماع كان طه جالسا على المكتب فى القسم الييداخلى‪ ،‬يعبييث بييالقلم لوالييلورق‬ ‫لوبعض الملفات امامه؛ عندما رأى فايزة علم منها أن سامية قد تلقت برقية من لوالدها يطلب منها‬ ‫أن تحضر حال‪..‬‬ ‫ترى ما الذى جرى ؟ أحس بالحباط الشديد‪ ،‬كيف تتصرف هكذا دلون أن تخبرنى ؟ قال ‪:‬‬ ‫لما ترجع قلولى لها خل ص‪..‬‬ ‫تساءلت فايزة بمكر‪:‬‬ ‫خل ص إيه يا دكتلور طه؟‬ ‫خل ص لوبس ‪..‬قلولى لها كل شىء انتهى ‪.‬‬ ‫لوأخذ يكتب بطريقة هستيرية لومتسرعة فى لورقة ‪:‬‬ ‫" كلما بحثت عنك لوجدتك هائمة فييى ملكييلوت غريييب؛ مسييتحيل أن أقبييض بيييدى هيياتين عليييك‬ ‫لحتضنك‪ ،‬فأنت صرت بالنسبة لى كالرلوح السارية ألو كالخيال ألو حلم فلوق المستحيل‪...‬‬ ‫هل استطعت أن أعكبر عنك؟‬ ‫كل شىء راح لوانقضى لواللى بيننا خل ص مضى !‪.".‬‬ ‫طلوى اللورقة بإحكام‪ ،‬لولصقها بقطعة من البلستر الطبى‪ ،‬لوقال لفايزة‪:‬‬ ‫‪36‬‬


‫لما تيجى اعطى لها اللورقة دى‪..‬‬ ‫عاد ليفكر لويضرب أحماسا فى أسداس‪ ،‬ترى ما السبب فى سفرها المفاجىء؟‬ ‫***‬ ‫بعد يلومين عادت من السفر؛ عندما أخذت اللورقة فتحتها أمام زميلتها‬ ‫قرأت سامية ‪":‬لوجدتك هائمة فى ملكلوت " ‪ .‬أخذن يتضاحكن لويقهقهن‪ .‬لوتكمل فييايزة " مسييتحيل‬ ‫أن أقبض بيدى هاتين عليك لحتضنك " ياسلم ‪..‬يا سلم سكلم !!‬ ‫***‬ ‫فى المساء تسلمت سامية عملهييا بالقسييم الييداخلى كالمعتيياد‪ ،‬كييان طييه جالسييا فييى مكتييب الييدلواء‬ ‫الملحق بعنبر المرضى‪ ،‬يقرأ فى كتيياب‪ ،‬كأنمييا ل يراهييا؛ فتحييت الييدلولب‪ ،‬لوأحضييرت ملفييات‬ ‫المرضى‪ ،‬لوبدأت تقلوم بتفيذ العلج ‪.‬‬ ‫جاهد نفسه أل يبدأها بكلم؛ اقتربت منه بحركة رشيقة؛ لوهى ترسم ابتسامة لواسعة علييى شييفتيها‬ ‫قائلة‪:‬‬ ‫أخبار الجميل إيه؟‬ ‫ل جميل لول ديالوللو !!‬ ‫يعنى إيه؟‬ ‫خل ص!‬ ‫خل ص إيه يا طه؟ المفرلوض تسألنى اللول !‬ ‫***‬ ‫هدأ طه قليل؛ رفع عينيه إليها لوهلو يمسك بكتابه ‪:‬‬ ‫المفرلوض تقلولى لى ‪..‬إيه سبب سفرك المفاجىء ؟‬ ‫ابتسمت لوهى تتطلع إلى عينيه ‪:‬‬ ‫أبدا ‪..‬كان فيه عريس ‪..‬بابا قال لى عريس جاهز لو لقطة‬ ‫سكت لحظة؛ احمكر فيها لوجهه‪ ،‬لوقال‪:‬‬ ‫بيشتغل فين؟‬ ‫تاجر ‪..‬رجل أعمال‬ ‫لوأنتى رأيك إيه؟‬ ‫‪37‬‬


‫حدقت فى عينيه؛ لوجهت له سهما جريئا؛ لوهى تقلول ‪:‬‬ ‫أبدا‪..‬مش عارفة‪..‬رأيك أنت إيه؟‬ ‫فى تلك اللحظة ارتفع صياح أحد المرضى من العنبر المجالور‪ ،‬انطفأت البتسييامة‪ ،‬لوخرجييت‬ ‫سامية مسرعة لوهى تقلول لطه ‪:‬‬ ‫فككر لو رد على ك!‬ ‫***‬ ‫فى هذه الليلة‪ ،‬لم يغادر طه حجرته‪ ،‬كان يستمع لويعيد الكاست عدة مييرات علييى كلمييات كامييل‬ ‫الشنالوى التى يغنيها عبد الحليم ‪:‬‬ ‫أنت قلبى ؛ فل تخف‬ ‫‪ ..‬لوأجب ‪ :‬هل تحكبها ؟‬ ‫لوالى ا ك‬ ‫لن لم يزل‬ ‫نابضا فيك حكبها ؟‬ ‫لست قلبى أنا اذن ! !‬ ‫‪ ..‬انما أنت قلبها ! !‬ ‫*****‬

‫‪16‬‬ ‫‪38‬‬


‫بالدلور الرضى يلوجييد مبنييى شييئلون العيياملين؛ تعييلودت إحييدى الملوظفييات أن تييبيع لزميلتهييا‬ ‫لوزملئها المفارش لوجهاز العرايس لو التريننييج سييلوت لوبعييض أدلوات المطبييخ بالقسييط‪ ،‬شييهريا‬ ‫تقف بجلوار شباك الخزينة لتصطاد أى ملوظفة مدينة لها؛ بمجرد حصلولها على المرتب؛ تتابعها‬ ‫الكاتبة حتى تحصل منها قسط المديلونية‬ ‫بالجهة الغربية؛ يلوجد جناح العيادات الخارجية‪ ،‬كلوريدلور طلويل جدا‪ ،‬يحلوى فييى أحييد جييلوانبه‬ ‫حجرات للشعة لوالتحاليل لوحجرات للشراف لوحجرة للخصائى الجتماعى‪ ،‬لوحجرة للمعالون‬ ‫المسئلول عن العمال‪ ،‬لودلورات للمياه‪ ،‬لوعليى الجيانب الخير منافيذ تيؤدى إليى العييادات‪ ،‬فيى‬ ‫مدخل الباب الخارجى للعيادات يتنياثر أنيلواع مختلفية مين البشيير‪ ،‬طييلوابير تقييف لقطيع التيذكر‪،‬‬ ‫سيدة تجلس على باب العيادات تبيع البسكلويت لواللبان لوالطلوفى لوالنعناع‪ ،‬سيييدة تفييترش الرض‬ ‫لترضع صغيرها ‪..‬‬ ‫يسد الباب جزئيا من الخارج رجل يقف أمييام عربيية يييد لوقييد ضييع عليهييا أصييناف ميين الدلوات‬ ‫الكهربائييية؛ مفاتيييح لومفكييات لوأسييلك كهربييية لوأكبيياس‪ ،‬لوجلييد حنفييية‪ ،‬لودبييابيس‪ ،‬لوكراسييات‬ ‫لوأقلم ‪ ...‬لوآخر يقف على نهاية الرصيف لويضع كليما على الرض فييلوقه أدلوات خياطيية؛ إبيير‬ ‫لومقصات لوخيلوط مختلفة الللوان لوالحجام‪ ،‬لو تلوك لوبنس شعر لوأساتك لومفارش بأللوان عديدة‬ ‫لوأملواس حلقة لو كريم حلقة لومعجلون أسنان لوبطاريات ترانسستلور لولعب أطفييال لوبنييس شييعر‬ ‫لولولعات لومقالور لومحفظة لوجلدة بطاقة لوعلب كبريت لوأشياء أخرى غير ملحلوظة‪.‬‬ ‫على الناحية الخرى يقف بائع البطاطا بعربه فلوقها فييرن يتصيياعد ميين مييدخنته الطلويلية دخييان‬ ‫الشى ‪ ..‬تتدافع ملوجاته فى الهلواء لوقد تضلوعت رائحتها الجميلة لوسط القيظ لوالزحام ‪.‬‬ ‫جماهير الناس لوزحامهم الكثيف فى الصباح؛ داخل العيييادات يسييلود الحيير لوبتصييبب العييرق ميين‬ ‫الجميع‪..‬بالرغم مين لوجيلود عيدد مين المييرالوح‪ ،‬كييانت ضييعيفة لو تكياد تلتصييق بالسيقف الهائييل‬ ‫الرتفاع‬

‫***‬ ‫العيادة غرفتان ضيقتان‪ ،‬اللولى تجلييس بهييا الممرضيية لسييتقبال الحييالت لوتسييجيل البيانييات‪،‬‬ ‫لوالحجرة الخرى ملحقة بها لولها باب يفتح عليى غرفية التمرييض‪ ،‬العاملية يعليلو صيلوتها حينيا‬ ‫لوينخفض حينا لتلوقف زحف المرضى دلون نظام إلى الطبيبة الجالسة بالحجرة الداخلية‬ ‫كانت الدكتلورة حنان متأففة من ضييق المكيان لوالحير بيالرغم مين دلوران مرلوح ة السيقف عليى‬ ‫أعلى سرعة لهييا‪ ،‬الرطلوبيية عالييية لو اللحظييات تمضييى ثقيليية لوالجييلو الخييانق‪ ،‬بييالحجرة مكتييب‬ ‫متهالك؛ يعللوه الصدأ؛ يهتز لمجرد اللمس ألو الصطدام الخفيف ألو لوضع طفل عليه لفحصه‪..‬‬

‫ببياضها الشاهق لوجسمها الممشلوق كانت جالسة إليى المكتيب تتلقيى سييل م ن البشير؛ جعلهيا‬ ‫تنظر إلى الممرضة لوتتساءل فى تعجب لوسخط ‪:‬‬ ‫‪39‬‬


‫إذا كان الناس كلهم هنا؛ يعنى المصالح فاضية؟! مين بيرلوح شغله؟‬ ‫تضحك الممرضة لوترد من حجرتها الضيقة الملصقة ‪:‬‬ ‫الناس تعبانه يا دكتلوره ‪..‬ظرلوفهم لوحشه‪..‬‬ ‫طلبت الدكتلورة حنان من الممرضة أن تنادى على المرضى‪ ،‬رفعت الخيرة صلوتها قائلة ‪:‬‬ ‫زغللول‪ ....‬لم يرد؛ قال أحد الملوجلودين ‪:‬‬ ‫مفيش زغللول لول ق ص لول سكللوم!*‬ ‫دخل رجل عجلوز له شفة أرنبية مشقلوقة لوسلم على الملوجييلودين‪ ،‬اقييترب ميين الطبيبيية لومييد يييده‬ ‫ليصافحها‪ ،‬صرخت الطبيبة عندما أحسييت يييده فييى يييدها‪ ،‬كييان الرجييل مبتييلور الصييابع؛ يييده‬ ‫مشلوهة ليس بها سلوى أصبع لواحدة‪ ،‬يتحلى بابتسامة دائمة تفترش لوجهه‪ ،‬يصيير علييى السييلم‬ ‫بتلك اليد؛ ارتعدت الطبيبة ساحبة يدها بحركة ل ارادية مفاجئة؛ عندما أحست الصبع المخلبية‬ ‫التى احتلوت يدها بخشلونة ‪..‬‬ ‫***‬ ‫بعد قليل اقتربت سيدة عجلوز لوقد أمسكت بيدها منديل لوضعته على أنفها‪ ،‬نظرت إليها الطبيبة‪،‬‬ ‫قالت لها متسائلة باستنكار ‪:‬‬ ‫هلوه فيه ريحه لوحشه ؟‬ ‫ل يا دكتلورة‪...‬‬ ‫لحظت الدكتلورة أن المنديل مبقع بقطرات من الدم ؛قالت للسيدة ‪:‬‬ ‫مالك يا ماما؟‬ ‫تعبانة يا بنتى‪ ،‬جسمى هبطان ‪..‬الضغط ‪..‬‬ ‫هاتى جهاز الضغط يا فاطمة‬ ‫فى القسم الهندسى يا دكتلورة‬ ‫شلوفى لواحد غيره‬ ‫مافيش يا دكتلورة‬ ‫_______________‬ ‫*أنلواع من المعسل المصرى‪.‬‬

‫‪40‬‬


‫اتصرفى يا فاطمة‬ ‫أتصرف اعمل إيه يا دكتلورة ؟‬ ‫قالت المريضة‪:‬‬ ‫ممكن أقعد يا بنتى‪ ...‬لوهلوت مرتطمة ببلط الرضية ‪.‬‬ ‫الدكتلورة حنان رقيقة جدا لوحساسة جدا لوتتجمد أطرافها عندما ترى شيئا غير عييادى؛ لييم تتخيييل‬ ‫أنها ستقع فى مثل هذا الملوقف ‪.‬‬ ‫شيللوها يا فاطمة شيللوها‪..‬‬ ‫هرلولت فايزة من الحجرة المجالورة؛ دخل لوراءها مجملوعة من البشر ‪..‬‬ ‫ألولد الحلل حمللوا السيدة مرابعة إلى حجرة الستقبال‪..‬‬ ‫***‬

‫استردت الدكتلورة حنان أنفاسها المقطلوع ة مين هيذا المشيهد الفظييع كميا تسيميه‪ ،‬أخرجيت مين‬ ‫حقيبتها مناديل لورقية لومسحت العرق الناضح من جبينها؛ نظرت إلى العاملة لوسألتها ‪:‬‬ ‫من فضلك هاتى لى حاجة ساقعة من الكانتين يا أم أحمد‪.‬‬ ‫كانتين إيه يا دكتلورة؟‬ ‫الكافيتريا يعنى‬ ‫مفيش هنا كانتين لول كافيتريات؛ اخرج أجيب لحضرتك من بره ؟‬ ‫ماشى يا أم أحمد بسرعه لوالنبى‬ ‫دست الدكتلورة فى يدها نقلودا‪..‬‬ ‫قالت فايزة ‪:‬‬ ‫للو كان فيه كانتين كان يشتغل تمام‪ .‬الدارة مانعة الحاجات دى يا دكتلورة‬ ‫ليه يا فاطمة؟‬ ‫ا أعلم يا دكتلوره‪.‬‬ ‫***‬

‫‪41‬‬


‫العاملة الملوجلودة تتغير حسب الحلوال‪ ،‬لم يعييد اللوضييع مسييتقرا كمييا كييان فييى الماضييى‪ ،‬معظييم‬ ‫العاملت يعملن حاليا بنظام التعاقد المؤقت " كزكهرات " بمرتب بخس؛ ربما ل يكفييى للوقييايتهن‬ ‫من شر اللوقلوع فى الكبائر‪ ،‬قدمت الدكتلورة حنان شكلوى للمعالون المسييئلول عيين العمييال يلومييا‬ ‫من تغيير العاملة لوغيابها المتكرر؛ رد قائل ‪:‬‬ ‫حطى نفسك مكانى؛ قلول لى أعمل إيه ؟ الحكلومة عالوزه كييده‪ ،‬العامييل الملوسييمى يحضيير علييى‬ ‫كيفه‪ ،‬لويغيب على مزاجه‪.‬‬ ‫***‬

‫‪17‬‬ ‫ظل طه يكتب كلمات لوأشعارا فى قصاصات لورقية صغيرة لويقدمها لسامية‪ ،‬احيانا يتركها على‬ ‫المكتب‪ ،‬كانا سلويا فى الحجرة عندما اقتربت بلوجهها من لوجهه تماما؛ لوهيى تنظير فيى المليف‬ ‫الكائن أمامه على المكتب‪ ،‬حالول أن يقبلها‪ ،‬ابتعدت عنه مبتسمة لوهى ترفع بنصرها لوتقربه من‬ ‫شفتيها لوهى تشييير بييالتمنع لوالنفييى ‪...‬فييى هييذه الليليية امتقييع لوجهييه لوظييل سيياهرا حييتى مشييرق‬ ‫الشمس؛ كتب جزءا من قصيدة لكامل الشنالوى لوأرسلها لها مع صديقتها فايزة؛ فتحت الخطيياب‬ ‫أمام فايزة؛ لوبدءتا تتضاحكان؛ لوهما تقرءان ‪:‬‬ ‫ل يي لوعينيييك يي يا حبيبة رلوحييى‬ ‫لم أعييد فيك هائمييا‬ ‫‪..‬فاسيييترييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييحى !‬ ‫سكنت ثييلورتى فصييار سيييلواء‬ ‫أن تلينى ألو تجنييحى للجمييلوح !‬ ‫لواهتييييدت حييييرتى فسيييكيان عنييييدى‪:‬‬ ‫أن تبييلوحى بالحب ألو ل تبييلوحى !‬ ‫لوخيييالى الذى سما بك يلوميا‬ ‫ياله اليلوم من خيييال كسيييييح !!‬ ‫لوالمراد الذى سكييينت الحناييييا منه ‪..‬‬ ‫ألودعتييه مكهب اليييريح !‬

‫‪42‬‬


‫* * *‬ ‫ل ‪ ..‬لوعينييييك‬ ‫ما سللوتك عمييرى‬ ‫فاسييتريحى !! لوحاذرى أن تريييحى !‬ ‫***‬ ‫الساعة السابعة لوالربع صباحا؛ لم أسمع لطييه صييلوتا؛ كييان مين المفييرلوض أن يرتييدى ملبسييه‬ ‫لوينزل إلى عمله بقسم الطلوارىء من الساعة السابعة‪ ،‬ذهبت إلى حجرته لو دفعت البيياب برفييق؛‬ ‫رأيته مستلقيا على سريره يحدق فى قف ص الكناريا؛ كأنه لم يحس بى؛ قلت له ‪:‬‬ ‫عندك شغل الن‪..‬‬ ‫نظر لى بنصف لوعى قائل‪:‬‬ ‫شغل؟‬ ‫آه ‪..‬‬ ‫تصكلور نسيت‪!!..‬‬ ‫ظل محدقا فى قف ص الكناريا أمامه ‪..‬كان الذكر يلغى أنثاه؛ يقتربان من بعضهما لويضع منقيياره‬ ‫فى منقارها لويدلور حلولهيا لوتيدلور هيى حيلوله‪ ،‬كأنهميا يستعيضييان ع ن حبسيهما ببهجية الحيب‬ ‫لوالفرح؛ يفرغان فيه طاقة متجددة تمكنهما من حب البقاء لوالشعلور بالسعادة مع كل صباح ‪.‬‬ ‫قال لى ‪:‬‬ ‫الكناريا أستاذة فى الحب لوالشاعرية‪ .‬تصلور!‪ .‬كائنات عجيبة جدا‪..‬‬ ‫قلوم يا طه‪ ..‬اللوقت ضكيق‪..‬لوكدع الكناريا لوانزل شغلك!‬ ‫حاضر ياسيدى ‪..‬‬ ‫***‬ ‫حكت لنا نادية ‪ -‬الممرضة بقسم الطلوارىء‪ -‬أنها كانت مع الدكتلور طه فى النلوبتجييية‪ ،‬لحظييت‬ ‫بقعة الشيكلولتة التى ساحت فى جيب البالطلو‪ ،‬نظرت إليه لوسألته بلهفة ‪:‬‬ ‫إيه الللون اللى فى جيب البالطلو ده يا دكتلور طه؟‬ ‫أمسك الدكتلور طه بذيل البالطلو لورفعه لوقد احمر لوجهه؛ لوقال‪:‬‬ ‫أبدا مفيش حاجة ‪..‬الظاهر الشاى اندلق عليه‪..‬‬ ‫**‬ ‫‪43‬‬


‫‪18‬‬ ‫بعد انتهاء نلوبتجية اليلوم‪ ،‬فى نلك المسية الهادئة‪ ،‬كانا متلواعدين على اللقيياء‪ ،‬طلبييت سييامية‬ ‫الخرلوج مع طه لجبر ما انكسر‪ ،‬تقييابل خييارج أسييلوار المستشييفى؛ عنييد ناصييية نييادى الشييرطة‬ ‫الملواجه للمستشفى؛ الجلو شتاء لوالشلوارع شبه خالية؛ أخذا يتمشيان بشييارع الشييهداء حييتى اتخييذا‬ ‫طريقهما إلى ضاحية بلورتلوفيق؛ كانت تسير بجانبه محاذية لوملصقة له‪ ،‬لم يفكرا فييى ركييلوب‬ ‫ملواصلة ألو البحث عن تاكسى‪ ،‬ترتدى المعطف الصييلوف البنييى لوتضييع قبعيية ميين نفييس اللييلون‬ ‫على شعرها لوقد تدلت منه خصلت كسييتنائية ناعميية ميين الخلييف لوعلييى الجييانبين‪ ،‬تعلييق يييدها‬ ‫بمرفقه؛ الشلوارع لمعة لونظيفة‪ ،‬لم يصادفا إل عدد قليل من المشاة‪ ،‬الهدلوء يشمل العالم؛ قطعا‬ ‫عدة كيللو مترات فى الذهاب حتى ظهرت مياه القناة‪ ،‬يتسع الخليج أمامهما رلويدا رلويييدا؛ بعييض‬ ‫السفن تبدلو مضيئة فى الفق‪ ،‬على البعد تبدلو جبال عتاقة؛ طريق القنيياة محيياط بالشييجار علييى‬ ‫الجانبين‪ ،‬حدائق كثيرة متناثرة تحيط ببيلوت الفرنسالوى المخصصة لملوظفى هيئة القنيياة‪ ،‬كييل‬ ‫بيت عبارة عن فيلل مستقلة محاطيية بحديقيية خاصيية‪ ،‬الفيلل بارتفياع دلوريين فقييط‪ ،‬لهييا أسيقف‬ ‫مائلة من القرميد الحمر‪ ،‬تزدان الحديقة عادة بشييجيرات الزينيية لوالشييجار المثمييرة ؛غالبييا ل‬ ‫تخللو حديقة من شجرة المانجلو الرائعة التى تعللو لوتثمر لوتقترب بثمارهييا ميين النلوافييذ لوالبييلواب‪،‬‬ ‫فى الملوسم يمد السكان أيديهم ليلتقطلوا أحلييى الثمييار‪ ،‬هنيياك أيضييا أشييجار البرتقييال لو اليلوسييفى‬ ‫لوالجلوافة لوالليملون لوالعنييب بمعظيم الحييدائق‪ ،‬أضييلواء فيلوانيس الطريييق تنعكييس عليى صييفحة‬ ‫المياه‪ ،‬يرفييع طيه ياقيية الجياكت لويييدس كلتيا ييديه فييى جييلوب سيترته ؛همسييت ليه لوهيى تعبييث‬ ‫بأصابعها فى صدره‪:‬‬ ‫عالوزة أقلول لك على ملوضلوع‪..‬‬ ‫إيه هلو ؟‬ ‫فى البيت منتظرين منى رد‪.‬‬ ‫كأنما أفاق متسائل‪ :‬على إيه؟‬ ‫لحقت تنسى‪..‬على ملوضلوع العريس طبعا‪..‬‬ ‫أبدا ‪..‬لزم نحافظ على حبنا لونحافظ على مستقبلنا‪..‬‬ ‫يعنى إيه يا طه؟‬ ‫يعنى تساعدينى لوتنتظرينى ‪..‬‬ ‫انتظرك قد إيه؟‬ ‫ملوش عارف إنتى عارفة أنى لسه حادخل الجيش بعد المتياز‪ ،‬لومحتاج كام سنه أككييلون نفسييى‪..‬‬ ‫تكلون نفسك؟ إيه الكلم الغريب ده ياطه؟ أنت زى الفل لومييش ناقصييك حاجيية ‪..‬احنييا محتيياجين‬ ‫شقة؛ إذا كنت بتحبنى فعل متقلولش الكلم ده‪ ..‬للو قلت أككلون نفسى لومحتاج لوقت ؛ ممكين أهليى‬ ‫يرفضلوا بسهلوله‪..‬‬ ‫‪44‬‬


‫***‬ ‫انقشع حزن طييه بسييرعة أكييبر ممييا كييانت تتلوقييع‪ ،‬أخييرج ميين جيبييه كيسييا ضييخما مليئييا بيياللب‬ ‫لوالسلودانى؛ بدأ يغنى لها ‪:‬‬ ‫ضى القناديل والشارع الطويل‬ ‫فكرنى يا حبيبى‪ ..‬بالموعد الجميل ‪..‬‬ ‫دى ليالى سهرناها‪ ..‬وسهروا القناديل ‪..‬‬ ‫ضحكت قائلة ‪ :‬تعرف إن صلوتك جميل ! كان الشتاء يعبرعن نفسه بأمطار خفيفة؛ تناثر الرذاذ؛‬ ‫عبثا حالول أن يجفف لوجهها‪ ،‬كانت تضحك لوتتباعد عنه فى حياء‪ ،‬اسييتمرا يتبييادلن النظييرات‬ ‫لوقد التمعت قطرات المطر على لوجهيهما لوملبسهما‪ ،‬لم يعبئا‪ ،‬لواستمرا يقزقييزان حبييات اللييب‬ ‫لوالسلودانى ؛كان قد ألوصاها أن تتدثر بكل ما عندها من ملبس‪ ،‬قال لها ‪:‬‬ ‫الجلو ثلج‬ ‫معاك باشعر بالدفا‬ ‫خلى بالك من نفسك‬ ‫حاضر؛ المهم أنت!‬ ‫سرت فى الجلو لسعة برد‪ ،‬كانا يسرعان الخطى حتى تنقشع عنهما البرلودة‪ ،‬ثم تهييدأ خطلواتهمييا‬ ‫ثانية؛ لوصل هذه الليلة إلى حالة من النشييلوى لوالخيييال لييم يشييعرا بهييا ميين قبييل ‪..‬ظل علييى هييذه‬ ‫الحال حتى قطعا المسافة دلون أن يشعرا باللوقت لوالتعب؛ من مبنى اسييتراحة هيئيية القنيياة‪ ،‬حييتى‬ ‫لوصل إلى ملوقع المسلة لو قاعدتى النمرين البنغالين اللذين حطمتهما الحرب عند قميية الخليييج‪..‬‬ ‫فى تلك المسافة لم يقابل سلوى القليل جدا من البشر‪ ،‬كأنما تدثر العالم بالهدلوء‪ ،‬لوصافحت الدنيا‬ ‫أيادى الحب لوالطمأنينة‪ ،‬تطلعا إلى سفينة قادمة يشع ضلوءها منعكسا على سطح المييياه‪ ،‬كييانت‬ ‫تعبر القنال فى هدلوء لوثبات‪ ،‬قال لها ‪:‬‬ ‫بعد الزلواج هاخدك لواطير !‬ ‫على فين؟‬ ‫نهاجر ‪..‬نرلوح آخر الدنيا‪ ..‬نركب مركب لونلف العالم سلوا‬ ‫أنت خيالى قلوى !‬ ‫ل أنا منتهى اللواقعية؛ بس لزم أحلم ! كل شىء عظيم دايما يبتدى بحلم !‬ ‫***‬

‫‪45‬‬


‫‪19‬‬ ‫عبدلول هلو اسم الدلع لخصائي التحاليل المعملية لونائب مدير المعامل‪ ،‬اسمه الحقيقى عبد الله‪،‬‬ ‫يحمل لوجها طفلوليا لفحته الشمس‪ ،‬لوعينين صغيرتين لوأنف أفطس منبعج قليل؛ من المام تبييدلو‬ ‫فتحتا منخريه لواضحتين‪ ،‬له أذنان طال صلواناهما لوبرزا كأذني فيل‪ ،‬يقطن عبدلول هييلو لومييدير‬ ‫المعمل الدكتلور السيلوفى الحجرة المجالورة لحجرتنا أنا لوباهر‪ ،‬للسيلوفى شخصية قلوييية؛ أحيانييا‬ ‫يعكنف عبدلول ألو يشتمه‪ ،‬ثم يصالحه بعد ذلك‪ ،‬بعدها يأتى لوقت آخر يحللو فيه الهزار ‪..‬‬ ‫***‬ ‫كل مساء يحمل عبدلول علبتييه البلسيتيكية لويحكييم عليهييا الغطيياء؛ لويدسييها داخيل حقيبيية قماشيية‬ ‫معرلوفة لنا‪ ،‬يخرج ليشترى نفس المأكلول‪ :‬الفلول الساخن‪ ،‬لوالطعمية؛ لوطقم الرغفة مع قطعة‬ ‫جبن لوحللوة طحينية‪.‬‬ ‫بعد العشاء عادة يجتمع الزملء فييى حجييرة عبييدلول لومييدير المعمييل‪ ،‬لتنييالول الطعييام لواحتسيياء‬ ‫الشاى الذى يتقن عبدلول تجهيزه على السخان الكهربائى‪ ،‬ألو للحييلوار فييى أى ملوضييلوع لوسييماع‬ ‫الطرائف لوالنكت ‪.‬‬ ‫الحنش اسم الشهرة للصيدلى المدير الذى يقيلود حركية الصييدلة فيى المديريية‪ ،‬كيان فيى حجيرة‬ ‫السيلوفى؛ تفننا معا لزجاء الييلوقت فييى الضييحك مييع عبييدلول‪ ،‬دس الحنييش علبية أعيلواد الخليية‬ ‫الخاصة بالسيلوفى فى دلولب عبدلول؛ لواستلقى على سريره؛ دخيل علي ه عبيدلول حيامل صيينية‬ ‫عليها أكلواب الشاى الفارغة بعد أن غسلها لوجهزها لشرب الشاى‬ ‫مساء الخير يا باشا‬ ‫لونظر إلى السخان لوعليه الكنكة قائل ‪:‬‬ ‫صب الشاى يا باشا ؟‪..‬‬ ‫الشاى غلى‪ ..‬ن ك‬ ‫يرد السيلوفى بل مبالة‪ :‬ماشى ‪.‬‬ ‫بدأ عبدلول يصب الشاى الحمر فى الكلواب‪ ،‬تصاعدت أبخرة رائعيية النكهيية‪ ،‬سييحب كييل ميين‬ ‫الحاضرين كلوبا‪ ،‬بينما قام عبدلول بتلوصيل كلوب السيلوفى إليه لوهلو راقد فى سريرة ‪..‬‬ ‫قال السيلوفى – دلون أن ينظر اليه ‪ -‬لوهلو يعبث فى مرلوحة لورقية بيده ‪:‬‬ ‫مين أخذ الخكلة من هنا ؟‬ ‫الخلة ؟!‬ ‫مين فتح دلولبى فى غيابى ؟‬ ‫ل يا باشا‪..‬مفيش‪..‬‬ ‫دلور عليها يا عبدلول ‪..‬يمكن تكلون فى دلولبك‪..‬‬ ‫‪46‬‬


‫احتار عبدلول لواخذ يبحث عن الخلة‪ ،‬أخذ يبحييث فييى كييل مكييان‪ ،‬ثييم اتجييه إلييى دلولبييه حسييب‬ ‫نصيحة مديره‪ ،‬فتح عبدلول دلولبه علييى مصييراعيه‪ ،‬انكشييف كييل مييافيه؛ لمييح السيييلوفى لمبيية‬ ‫سهارى بجلوار حاجيات عبدلول ؛تساءل بخبث‪:‬‬ ‫إيه دى يا عبدلول ؟‬ ‫الكباية ؟‬ ‫ل يا حبيبي؛ اللى لوراها‬ ‫ضحك عبدلول بأريحية لوقال ‪:‬‬ ‫دى لمبة أمى‪ ،‬ملوصيانى عليها لمبه نمرة عشرة علشان النلور لما يقطع ‪.‬‬

‫***‬ ‫انسحب الحنش من الحجرة؛ فجأة انقطع النلور ‪.‬‬ ‫ضحك عبدلول؛ ‪ ..‬لوبدأ فى إشعال لمبة أم عبدلول نمرة عشرة‪..‬‬ ‫***‬ ‫انتشرت فى المستشفى كرامات عبدلول‪ ،‬لوأذاع الجميع الخبر‪ ،‬لوقاللوا إن عبدلول لديه شىء ل‬ ‫***‬ ‫بعد يلومين؛ فى المساء اقتحم الحنش الصيدلى حجرة عبدلول لومديره ليتساءل ‪:‬‬ ‫فين العشا يا عبدلول؟‬ ‫رد السيلوفى ‪:‬‬ ‫عشا إيه يا بني؟عبدلول خلكفك لونسيك؟‬ ‫رد الحنش ‪ :‬هى الكرامة دى مجانا؟‬ ‫كرامة إيه؟‬ ‫يرد الحنش‪:‬‬ ‫كرامة اللمبة نمرة عشرة‪..‬‬ ‫يرد عبدلول مبتسما‪:‬‬ ‫ألوعى لطكيرك!!‬ ‫‪47‬‬


‫تطكيرنى إيه يا بنى ؟‬ ‫يرد عبدلول مبتسما‪:‬‬ ‫كراماتى لوصلت!!‬ ‫رد الحنش ساخرا‪:‬‬ ‫كرامات إيه يا عبدلول‪ ...‬أنت صدقت نفسك لوأل إيه؟ أنا كنت سييامعكم لوانتييم بتتكلمييلوا؛ لورحييت‬ ‫شادد سكينة الكهربا من المدخل‪ ،‬يعنى أنا صاحب الكرامة !‬ ‫لوضحك؛ لونغزه فى صدره‪.‬‬ ‫***‬

‫‪48‬‬


‫‪20‬‬ ‫اللوحدات الصحية الريفية تابعة لمديرية الشئلون الصحية؛ فى بعض المحافظييات يكييلون للقطيياع‬ ‫الريفى سطلوة لوصلوت‪ ،‬حيث تلوجد مساحات لواسعة من الراضى الزراعية‪ ،‬لوأعداد كبيرة ميين‬ ‫السكان تلزمهم الخدمة الصحية‪ ،‬عندما أخللو إلى نفسى ‪ -‬بييالرغم مين مييرلور أكييثر ميين شييهرين‬ ‫على اقامتى بالسكن ‪ -‬أجدنى مازلت ل أعرف أماكن كييثيرة فييى المستشيفى‪ ،‬ليم تطأهييا قيدماى‪،‬‬ ‫لن أذهب بعيدا‪ ،‬فكرت فى الحجرات اللولى بالكلوريدلور الذى أقيم فيه؛ تعجبت لننى ل أعييرف‬ ‫إن كانت كلها مشغلولة أم ل ؟ أدركت أنى ل أعرف كل من يقيملون بالحجرات المسكلونة‪ ،‬أحيانييا‬ ‫أجد أحد البلواب ملواربا فى المساء الو الصباح المبكر‪ ،‬لم أهتم بالمر ‪.‬‬ ‫فى إحدى المسيات؛ كالعادة؛ عندما دعانا عبدلول ‪ -‬أنييا لوبياهر ‪ -‬لنشييرب الشياى فيى حجرتييه؛‬ ‫شاهدت لوجهين جديدين‪ ،‬سبق أن تعرفت على أحدهما؛ لوهلو طلويل لورشيق عليه مسحة هييدلوء‪،‬‬ ‫متبسم دائما يسمى الدكتلور زارع‪ ،‬لوالخر ذلك الرجل العجلوز الهادىء الذى يقيم معه فيى نفيس‬ ‫الحجرة؛ لويعمل مديرا لقسم التطهير ‪.‬‬ ‫قال لى عبدلول ‪:‬‬ ‫الدكتلور زارع مدير مركز الفحلو ص‪.‬‬ ‫سألت‪:‬‬ ‫بحلوث إيه؟‬ ‫رد‪:‬‬ ‫الفحلو ص ‪..‬فح ص المشتغلين بالغذية بجميع أنلواعها؛ لوالعاملين بالبحر‪.‬‬ ‫إيه الغرض؟‬ ‫لستخراج الشهادات الصحية‬ ‫يعنى فح ص اكلينيكى لوفح ص معملى‬ ‫بالضبط‪..‬‬ ‫خلى بالك معظم الباعة السريحة ضلوافرهم طلويلة ‪.‬‬ ‫لوسللوكياتهم لوهم بيشتغللوا فى الكل مين يضييبطها؟ فييى مييرة قلييت للواحييد منهييم قيي ص ضييلوافرك‬ ‫لوتعالى ‪..‬‬ ‫رد قال لى ‪:‬‬ ‫لواشتغل إزاى يا بيه ؟ أنا باستعملهم فى شغلى‬ ‫قلت ‪:‬‬ ‫‪49‬‬


‫بتشتغل إيه؟‬ ‫بياع خضار فى السلوق‪..‬أفك بهم الحبال المربلوط بها القفا ص على العربية‪ ،‬لوفى الصيف بأعكلم‬ ‫بهم البطيخ لوالشمام‪.‬‬ ‫***‬ ‫سألت الدكتلور زارع ‪:‬‬ ‫انت رفضت التخص ص؟‬ ‫ل ‪..‬الحكاية غير كده‪.‬‬ ‫امال إيه؟‬ ‫علشان تقديرى مقبلول؛ اللوزارة لوزعتنى قطاع ريفى‪ ،‬لوقيت السيتلم الييدكتلور مطييرالوى زعيق‬ ‫فى لوشى لوقال‪:‬‬ ‫يا بنى البلد ما فيهاش قطيياع ريفييى زى مييا انييت فيياكر؛ لومفيهيياش لوحييدة فاضييية؛ كييل اللوحييدات‬ ‫مشغلولة ‪..‬‬ ‫قلت له بهدلوء‪:‬‬ ‫سمعت أن أطباء بالقطاع الريفى أقل لواحد له أكثر من ‪ 3‬سيينين‪ ،‬المفييرلوض يكييلون فيييه عداليية؛‬ ‫يعنى كل لواحد يقعد سنتين مثل فى القطاع الريفى‪ ،‬علشان يشلوف مستقبله المهنييى؛ لوتخصصييه‬ ‫قبل ما يعدى به الزمن‪ ،‬لوفى نفس اللوقت يسيب الفرصة لغيره!‪.‬‬ ‫رد مفزلوعا‪:‬‬ ‫أنت سيادتك جاى تنظم الكلون ؟! أنت مالك لومال الكلم ده يا دكتلور ‪..‬خليك فى حالك يا حبيييبي؛‬ ‫مستقبل إيه لوبتاع إيه؟! لوقتك انتهى ‪..‬‬ ‫خرجت من المكتب لوالدم يغلى فى عرلوقى‪ ،‬تماسكت لولكنى لم أتلوصل إلى حل ‪.‬‬ ‫تساءل باهر‪:‬‬ ‫لوعملت إيه؟‬ ‫أكمل زارع لوهلو حزين‪:‬‬ ‫أبدا ‪..‬تانى يلوم رحت للدكتلور سالم مدير القسم اللوقييائى‪ ،‬لوعرضييت علييه الملوضييلوع قلييت لييه‬ ‫‪:‬حضرتك مدير القطاع اللوقائى لوالقطاع الريفى تابع للقسم اللوقائى ‪ ..‬يعنى المفرلوض إن القييرار‬ ‫يكلون من حضرتك أنت‬ ‫ما تزال ابتسامته المعهلودة الفارغة مرسلومة على لوجهه؛ لوهلو يقلول لى‪:‬‬ ‫‪50‬‬


‫أنا ممكن اخلي البيه بلوافق لك تبقى طبيب تانى فى اللوحدة الريفية ‪.‬‬ ‫لولوافقت؟‪.‬‬ ‫لوافقت طبعا‪ ..‬أعمل إيه؟‬ ‫كان ممكن ترلوح اللوزارة فى مصر تقدم شكلوى‬ ‫أنت عارف الشكالوى مصيرها إيه ؟‬ ‫إيه؟‬ ‫يرجعلوها فى البريد مرة تانيه للعرض على المدير العام لبداء الرأى لوالتحقيق لوالفادة ‪.‬‬ ‫ضحك باهر ‪:‬‬ ‫ها‪..‬ها ها‪..‬يعنى القط يمكسكلوه مفتاح الكرار‪...‬ممكن يقلول عنك ما قال مالك فى الخمر‪.‬‬ ‫رد زارع‪:‬‬ ‫المهم أنا قبلت لوقلت لنفسى معلهش يا لواد ‪..‬ممكن تكلون خطلوة ألولى للدخلول لوالعمل فى القطيياع‬ ‫الريفى ‪ ..‬أنا سمعت إن بعض الزملء مبسييلوطين جييدا لومكاسييبهم محترميية ؛علشييان كييده مييلوش‬ ‫عالوزين يمشلوا من هناك‪.‬‬ ‫تساءلت‪:‬‬ ‫لوعملت إيه يا دكتلور زارع ؟‬ ‫رد باهر ضاحكا‪:‬‬ ‫باين زرعته أكلتها الدلودة!!‬ ‫ابتسم زارع فى حياء لوأكمل‪:‬‬ ‫أبدا يا اخلواننا ‪..‬اللواحد لزم يحسبها صح؛ أنا رحت لو معايا خطياب اسيتلم عم ل فيى اللوحيدة‪،‬‬ ‫كنت فرحان‪ ..‬هناك قابلت المدير عرفت إنه شغال لوحده مفيش أطباء معاه لوساكن فلوق اللوحدة‪،‬‬ ‫كل أهالى البلد عارفينه‪.‬‬ ‫مسك الخطاب‪ ،‬لو ب ص فيه لوقال لى ‪:‬‬ ‫أنت عالوز إيه؟‬ ‫تعجبت لوقلت له‪:‬‬ ‫أستلم عمل فى اللوحدة‪..‬‬ ‫قال لى ‪:‬عمل إيه؟‬ ‫‪51‬‬


‫طبيب‬ ‫رد بضيق ‪ :‬لو أنا أشتغل إيه؟‬ ‫قلت له ‪:‬‬ ‫حضرتك طبيب ألول لومدير اللوحدة؛ إذا كان فيه شك ممكن تسأل المديرية‪..‬‬ ‫أخذ الخطاب لوعلى سحنته كآبة‪ ،‬سكلمه للكاتب‪ ،‬لولوقعت عنده بدفتر الحضلور لوالنصراف‪..‬‬ ‫المهم ‪..‬بعد ما استلمت العمل لقيت نفسى لواقف لوحدي ‪..‬اشتغل عيادة المجانى الصبح لوأمشى ‪..‬‬ ‫سمعت عن أعداد كبيرة من البشر تأتى فى الفترة المسييائية لوطييلوال الليييل للكشييف الخصلوصييى‬ ‫لوالطهارات لواللولدات لوالغيارات لوخلفها ‪..‬اشتاقت نفسى للخصلوصى؛ حتى ل تمر اليييام دلون‬ ‫أن أحقق أى شيء‪..‬بعد يلومين سألته عن مكان أبات فيه؛ قال لى بغضب‪:‬‬ ‫أنت داخل على طمع بقى‪ ..‬أنا سمعت إنك ساكن فى البلد هنا‪..‬‬ ‫أيلوه بس المسافة بعيدة؛ لوكل يلوم آخد ساعة رايح لوساعة جاى فى الملواصلت؛ غييير مصيياريف‬ ‫الملواصلت ‪..‬بتاخد ن ص المرتب ‪..‬‬ ‫لوأنا أعمل لك إيه؟‬ ‫قلت له ‪ :‬أنا عالوز اشتغل خصلوصي بعد الظهر‬ ‫لوكأنما قرصه حنش؛ قال لى بحسم لوجفاء‪:‬‬ ‫حاجة العمل ل تسمح يا دكتلور"‪.‬‬ ‫***‬ ‫كان عبدلول منسجما من الحكى لوكله آذان صاغية‪ ،‬كييان يعلييق أحيانييا بكلمييات صييغيرة لوهييلو‬ ‫يجهز الشاى؛ يقلول مثل ‪ :‬ظلم ألو حرام ‪ .‬ألو عيب ‪..‬الزمالة فين؟‬ ‫أخذ الدكتلور زارع رشفة من كلوب الشاى الذى أعده عبدلول؛ لوأكمل‪:‬‬ ‫سمعت يابنى حاجات عجب!‬ ‫إيه؟‬ ‫بط لو لوز لوحاجات كثير بتلوصل المديرين فى بيلوتهم؛ لواطعم الفم تستحى العين!‬ ‫قال عبدلول لوهلو يدير الملعقة فى الكلوب‪:‬‬ ‫مظبلوط !‬ ‫رد باهر مبتسما‪:‬‬ ‫‪52‬‬


‫الكلم لوأل الشاى؟‬ ‫رد عبدلول ضاحكا‪:‬‬ ‫التنين!‬ ‫قال زارع بأسى‪:‬‬ ‫عشان كده البلد تعبانة لوالناس دى مستقره فى لوحداتها‪.‬ماحدش يقدر يطكلعهم منها !‬ ‫***‬ ‫‪21‬‬ ‫تلقى عامل السلويتش مكالمة‪ ،‬قال له المتحدث‪:‬‬ ‫المحافظة معاك‬ ‫أهل لوسهل يا يافندم ‪..‬أى خدمة ؟‬ ‫كحلولني للمدير بسرعة‬ ‫حاضر‬ ‫كحلول العامل المكالمة إلى مكتب المدير‪..‬‬ ‫عالوزين طبيب بسرعة للمحافظة‬ ‫خير فيه إيه؟‬ ‫شخصية كبيرة محتاجه دكتلور باطني ‪ ..‬السيد السكرتير‪..‬السكرتير العام‪..‬‬ ‫المدير ل يحب هذه الفهللوة لول يهلوى النصياع للتلوجهات غير القانلونيية‪ ،‬لولكنيه يرضيخ أحيانيا‬ ‫من باب " الباب الذى يجىء منييه الريييح؛ سييده لواسييتريح " ‪ ..‬يعييرف أن السييلطة أحيانييا تفييرض‬ ‫طلباتها دلون قيد ألو شرط لولكن هذا جزء من المنظلومة‪ ،‬اكتفى بأن قال‪:‬‬ ‫حاضر ‪!..‬‬ ‫***‬ ‫طلب الدكتلور ميراد اليدكتلور كسياب رئييس قسيم الميراض الباطنيية‪ ،‬تبسيم فيى لوجه ه لوأبلغ ه‬ ‫بالملوضلوع؛ لورجاه الذهاب إلى المحافظة للكشف على السيد السكرتير؛ لوضحك قائل ‪:‬‬ ‫أنت تعرف إن العين ل تعللو على الحاجب !‬ ‫رد بغضب ظاهر‪:‬‬

‫‪53‬‬


‫المستشييفى مفتييلوح يييا دكتييلور مييراد ‪..‬يشييرفلونا هنييا مفيييش عنييدنا كشييف منزلييى لول كشييف‬ ‫خصلوصى ‪..‬دى مستشفى عام‪ ..‬حضرتك عارف للو حالته حادة ممكن يستدعى السييعاف لونقييلوم‬ ‫بعمل اللزم‬ ‫يرد الدكتلور مراد‪:‬‬ ‫الكلم ده معرلوف‪ ،‬لكن!‬ ‫لكن إيه يا دكتلور مراد ؟‬ ‫يا حبيبى احنا مش قد المناهدة !!‪..‬‬ ‫اعتقد الدكتلور كساب أنه من الصعب أن يكلف أحد أطباء القسم بهذه المهميية‪ ،‬؛اتصييل بالييدكتلور‬ ‫لوصيف لوشرح له الملوضلوع؛ لوطلب منه أن يقلوم بالمطللوب لولوعده بأن تكييلون سيييارة السييعاف‬ ‫تحت تصرفه فى هذه المهمة لينهى الملوقف‪.‬‬ ‫على العكس مما تلوقع الدكتلور كساب؛ فرح الدكتلور لوصيييف بهييذا النييداء؛ لوجهييز حقيبتييه لونييزل‬ ‫مسرعا ليذهب إلى المحافظة فى سيارته الخاصة ‪.‬‬ ‫***‬ ‫فى المحافظة سأل عن مكتب السيد السكرتير‪ ،‬تلوجه إليه حذرا‪ ،‬لوجهز كييل مييا فييى جعبتييه ميين‬ ‫كلم‪،‬‬ ‫جلس فى غرفة النتظار لوبعد حلوالي ثلث ساعة أشار إليه مدير المكتب‪:‬‬ ‫تفضل ‪..‬لوفتح له باب الغرفة لوتركه يدخل ‪.‬‬ ‫كان الرجل يجلس على مكتبه الضخم ‪ ،‬يحيط به اثنان لوقيد انهمكيا معيه فيى الحيلوار‪ ،‬لوأميامهم‬ ‫ألوراق على المكتب‪ ،‬أشار السكرتير بالقلم فى يده ناحية الطبيب الذى بادءه بالحديت‪:‬‬ ‫أهل يا باشا‬ ‫الدكتلور‬ ‫رد لوصيف بصلوت خفيض‪:‬‬ ‫تحت أمرك‬ ‫أقعد‬ ‫ما يصحش ياباشا‬ ‫اغتصب الرجل ابتسامة لوقال له‪:‬‬ ‫اتفضل اقعد‬ ‫‪54‬‬


‫جلس لوصيف على مقعييد لوثييير‪ ،‬بينمييا تشيياغل الثلثيية فييى حييلوارهم‪ ،‬ظييل السييكرتير منشييغل‪،‬‬ ‫يشرح للرجلين لويشير بالقلم فى اللوراق الملوضلوعة أمامهم على المكتب ‪...‬‬ ‫***‬ ‫الغرفة لواسعة لوطلويلة‪ ،‬خلل مجملوعة النلوافذ المتجالورة‪ ،‬من مجلسه شيياهد بانلورامييا جميليية‪،‬‬ ‫الحدائق لوالبحر لوسفنا بعيدة؛ لوسفنا أخرى رابضة بحييلوض الترسييانة البحرييية لومييدخل المينيياء ؛‬ ‫على البعد هناك أجزاء من مساكن ضاحية بلورتلوفيق تبدلو بلوضلوح كعلب الكبريت تحت لوهييج‬ ‫الشمس بضلوئها المبهر‪ ،‬اتجه بنظره ليرى جبييال عتاقية لوقيد ظهييرت إلييى جلوارهيا لوكأنميا فيى‬ ‫حضنها بعض مصافى البييترلول الييتى ارتفعييت مييداخنها مشييرعة فييى السييماء‪ ،‬لو انعكييس عليهييا‬ ‫ضلوء الشمس بللونه الفضى البهيج؛ لومن فلوهاتها تتصاعد ألسنة لهب حمراء مستديمة ل ينطفييئ‬ ‫لها ألوار بليل ألو نهار ‪.‬‬ ‫فى جلوانب الحجرة لمح أصصا من النباتييات الصييناعية لونباتييات الظييل‪ ،‬علييى الحييائط المييلواجه‬ ‫للباب خارطة كبيرة باهتة للمحافظة؛ لوفى نهاية الحجرة مكتبة تحييلوى بعييض الكتييب لوالضييابير‬ ‫المتفالوتة الحجام‬ ‫***‬ ‫سلم السكرتير على الضيفين لولودعهما إلى باب الحجرة‪ ،‬لوعاد ينظر إلى لوجه لوصيف قائل له‪:‬‬ ‫انت الطبيب؟‬ ‫رد لوصيف بأدب ظاهر‪:‬‬ ‫نعم يا باشا‪..‬‬ ‫معاك جهاز ضغط؟‬ ‫طبعا يافندم‬ ‫عالوز أقيسه‪..‬تعرف تقيسه كلويس؟‬ ‫طبعا يا باشا‬ ‫الجهاز اللى معاك مظبلوط؟‬ ‫أكيد‪..‬‬ ‫مد السكرتير ذراعه‪ ،‬لوقال‪:‬‬ ‫طيب يلل اشتغل‬ ‫حاضر ‪..‬بكل ممنلونية‪.‬‬

‫‪55‬‬


‫فتح لوصيييف حقيبتييه‪ ،‬لوأخييرج منهييا جهيياز الضييغط لوالسييماعة‪ ،‬شييلح السييكرتير كييم القمييي ص‪،‬‬ ‫لوأراح ذرعه على المكتب‪ ،‬ربط الطبيب جهاز الضغط حلول الذراع الممدلودة؛ لوبدأ فى القييياس‪،‬‬ ‫بينما استمر الرجل فى الكلم‪..‬‬ ‫أنتم عاملين إيه فى المستشفى ؟‬ ‫الحمد ل‬ ‫كله تمام ؟!‬ ‫الحمد ل‪..‬‬ ‫رد السكرتير بغضب ‪:‬‬ ‫أنا باسألك عشان تقلول لى كله تمام ؟! قلول لى اللى بيحصل ‪..‬‬ ‫بخصلو ص إيه يا باشا؟‬ ‫بخصلو ص أى حاجة يا أخى !‬ ‫لحظة لواحدة يا باشا‪..‬‬ ‫رد السكرتير متأففا‪:‬‬ ‫حاضر يا سيدى ‪..‬أسكت يعنى ‪..‬أحط لسانى فى بقى ! حاضر ياسيدى !‬ ‫عندما انتهى من مهمته سأله السكرتير مهتما ‪:‬‬ ‫كم ‪..‬كم ؟‬ ‫‪ 130‬على ‪80‬‬ ‫يعنى كلويس؟‬ ‫أيلوه‬ ‫أكيد؟‬ ‫أيلوه يا باشا‪..‬‬ ‫امال إيه الصداع اللى عندى ده‪ ..‬سببه إيه؟‬ ‫نقيسه تانى‪..‬‬ ‫أراد أن يلعب الرجل‪ ،‬لويأخذه على هلواه؛ كرر نفس العملييية مسيتخدما اليذراع الخيرى لينفييى‬ ‫عن ذهنه تهمة الشك‪ ،‬بعد أن انتهى من مهمته قال له السكرتير‪:‬‬

‫‪56‬‬


‫تشرب إيه؟‬ ‫ل شكرا يا باشا‬ ‫لزم تشرب حاجة‬ ‫مال على السكرتير قائل ‪ :‬يا باشا اعتبرنى شربت‪ ..‬بس لي طلب صغير عند سعادتك!‬ ‫إيه هلوه؟‬ ‫أهالى حى فيصل طالبين عيادة لوانا عالوز أخدمهم بس ماعنديش شقة ‪.‬‬ ‫أكتب لى طلب؛ لوأنا جاهز‪.‬‬ ‫***‬ ‫خرج لوصيف من عند السييكرتير لوقلبيه يييرف ميين الفرحيية ‪ .‬تعجييب المييدير لومجملوعية الطبيياء‬ ‫المتلواجدين معه‪ ،‬من هذه السرعة التى لبى بها الدكتلور لوصيف النداء‪ ،‬عنييدما عيياد ميين المهميية‬ ‫سأله المدير ‪:‬‬ ‫الرجل عنده إيه؟‬ ‫أبدا عالوز يكشيك على ضغطه ‪.‬‬ ‫***‬ ‫‪22‬‬ ‫صحلوت من نلومى على صلوت أم كلثلوم يصدح فى الفضاء‪ :‬هل رأى الحب سكارى مثلنا؟ قلت‬ ‫أكيد طه‪..‬طه السكران لوالمشييلوى بنييار الحييب؛ خرجييت انييا لو بيياهر ميين حجرتنييا‪ ،‬بيياب حجرتييه‬ ‫مفتلوح؛ لوجدته يقييف أمييام المييرآه لويصييفف شييعره لوقييد تضييلوعت منييه رائحيية جميليية‪ ،‬لوزجاجيية‬ ‫كلوللونيا ملوضلوعة على المنضدة‪:‬‬ ‫لسه بدرى يا طه‪..‬‬ ‫بدرى من عمرك‬ ‫قال باهر‪:‬‬ ‫على فين ياعم طه؟‬ ‫قال كمن يفجر هما بداخله‪:‬‬ ‫اسمعلوا يا اخلواننا‪ ..‬أنا اتخذت القرار‪..‬‬ ‫قرار إيه يا طه ؟‬ ‫‪57‬‬


‫سأله باهر ‪.‬‬ ‫قرار العش‬ ‫عش إيه ؟‬ ‫عش الزلوجية‬ ‫قلت له ‪:‬‬ ‫زلوجية إيه يا بنى ؟ أنت لسه كلونت نفسك؟ نسيت إن الجيش منتظرك ‪..‬‬ ‫عارف‪ ..‬عارف يا أخى ؛بس حرام علكي أما أربط بنت الناس معايا بالصلورة دى؛ لوالخير أقيلول‬ ‫لها باى باى!‬ ‫بنت الناس ؟ مين؟‬ ‫لواحده أنتم عارفينها‪..‬‬ ‫قلت له‪:‬‬ ‫قصدك سامية؟‬ ‫أيلوه هيه ‪..‬‬ ‫رد باهر‪:‬‬ ‫يا بنى دا لعب عيال‬ ‫ل ‪ ..‬ملوش لعب عيال ‪ ..‬خل ص الجماعة جايين النهاردة من طنطا‪ ،‬لولزم أقابلهم رسمى!‬ ‫حتقلول لهم إيه؟‬ ‫حنتفق على كل الخطلوط العريضة‪.‬‬ ‫إيه العريضة لوالرفيعة‪..‬؟!‬ ‫العريضة يعنى المهر لوالشبكة لوالشقة ‪..‬‬ ‫يا حبيبى أنت لسه بدرى عليك‪..‬‬ ‫خل ص اخدت القرار ‪..‬أنا أخدت مبلغ من لوالدى ‪ ..‬باع قيراطين فى البلد‪ ،‬لوأعطانى ثمنهم ‪.‬‬ ‫كان لزم يعنى ؟‬ ‫كان لزم إيه؟‬ ‫أبدا ‪..‬لول حاجه ‪..‬لول حاجه‪..‬‬ ‫‪58‬‬


‫سادت فترة صمت قصيرة‪ ،‬كأنها زمن؛ قلت ‪:‬‬ ‫اسمع يا طه‬ ‫نعم؟‬ ‫فيه حاجة كنت عالوز أقلول لك عليها‬ ‫إيه ؟‬ ‫أنت متأكد انك بتحبها لو إنها مخلصة لك لوبتحبك؟‬ ‫طبعا يا حبيبى هلوه لعب عيال؟ ‪ ...‬فيه حاجة تانية؟‬ ‫ل؛ هى دى أهم حاجة كنت عالوزك تتأكد منها‬ ‫عقبالك يا حبيبى ) بابتسامة عريضة(‬ ‫مبرلوك يا طه ‪..‬لوربنا يتمم بخير ‪..‬‬ ‫***‬

‫‪23‬‬ ‫الدكتلور شرف فى حجرة العمليات‪ ،‬ينظر إلى ملف المريييض الملوضييلوع فييلوق الييترلوللى؛ يييردد‬ ‫هامسا منغما ‪ :‬فتق إربى ‪..‬فتق إربى‪..‬‬ ‫لم يحضر الييدكتلور شييكرى طييبيب التخييدير حييتى هييذه اللحظيية‪ ،‬المريييض يصييعد إلييى سييرير‬ ‫العمليات‬ ‫يدلور حلوار بين الطبيب لوالحكيمة ‪:‬‬ ‫فين شكرى علشان ينكيم العيان ‪..‬‬ ‫زمانه جاى يا دكتلور شرف‪..‬‬ ‫الرجل بتاع الستكشاف عمل إيه؟‬ ‫حلوللوه على مصر؛ أهله أخدلوه فى عربية إسعاف لونقللوه‪..‬‬ ‫ضحك بيأس؛ قائل‪:‬‬ ‫مفيش منه رجا‪..‬‬ ‫‪59‬‬


‫ينظر المريض الراقد على طالولة العمليات بجانب عينيه إلى الطبيب؛ لوقد تلوجس خيفة ‪:‬‬ ‫العملية ناجحة يا دكتلور ‪..‬مالى إيدك منها‪.‬؟‬ ‫عملية إيه يا حاج؟‬ ‫العملية بتاعتى‪..‬عملية الفتق‪ ..‬أنت مالى يدك منها ؟‬ ‫مالى إيه لومالك إيه يا راجل أنت ؟!‪...‬عيب تقلول الكلم ده !‬ ‫دى عملية بسيطة يقلوم بها أصغر حكيم‪..‬‬ ‫***‬ ‫فى اللوقت الذى يدخل فيه طبيب البنج الدكتلور شكرى‬ ‫السلم عليكم‬ ‫لوعليكم‬ ‫إزى الحال؟‬ ‫يرد الدكتلور شرف بزهق‪:‬‬ ‫خكلصنا من الراجل ده؛ أسئلته كتيرة؛ نكلومه بسرعة ) يضحك(‬ ‫يجهز الدكتلور شكرى المحقن لويمسك ذراع المريض لويبدأ الحقن ‪...‬‬ ‫عد يا بابا‪ .‬لواحد‪ ..‬اتنين تلتة‪...‬‬ ‫لواحد ‪....‬اتنين‪...‬‬ ‫يختفى المريض فى عالم آخر‬ ‫يمسك الدكتلور شرف المشرط لوينظر إلى الحكيمة المساعدة لويسألها‪:‬‬ ‫هلوه الفتق يمين لوأل شمال يا آمال؟‬ ‫تشير آمال بإصبعها‪:‬‬ ‫ده فتق باين فى الكيس أهه يا دكتلور شرف‪..‬‬ ‫يضحك الدكتلور شرف لويقلول لوهلو يفتح بطن المريض‪:‬‬ ‫انتى شفتى الكيس ! قال لك من لورايا ابن اليه !‬ ‫تبتسم آمال‪..‬لويكمل‪:‬‬

‫‪60‬‬


‫ماقالش ابن اليه ده‪..‬فالح بس فى الكلم الفارغ!!!‬ ‫لوأنت سألته يا دكتلور؟‬ ‫يضحك لويقلول ‪:‬‬ ‫أسأل إيه لوبتاع إيه‪...‬‬ ‫***‬ ‫يمر اللوقت بطيئا‪ ،‬ينقطع التيار الكهربييى فجييأة‪ ،‬تميير لحظييات دلون أن يعمييل الملولييد الكهربييى‪،‬‬ ‫تصيح الممرضة على التلومرجى ‪:‬‬ ‫رلوح شلوف القسم الهندسى ‪..‬‬ ‫يصرخ الدكتلور شرف‪:‬‬ ‫فين الحمار الكهربائى ؟‬ ‫ينظر إلى تلومرجى العمليات ‪ :‬خليه يشكغل الجنرايتلور بسرعة ‪..‬‬ ‫يختفى التلومرجى خارجا من حجرة العمليات‬ ‫يمضى لوقت أطلول فى حجرة العمليات‪ ..‬تنهمر حبات العرق على جبهات طاقم العملية‪ ،‬يصيح‬ ‫الدكتلور شرف ‪:‬عرق ‪..‬عرق‪..‬‬ ‫تمسك الممرضة بقطعة من الدرسنج لوتمسح بها جبهة الطبيب الذى يردد‪:‬‬ ‫دلولة بايظة ‪..‬عالم نايمه على رلوحها ‪..‬مفيش منظلومة عمل ‪..‬‬ ‫تتساءل الممرضة بإبتسامة ‪:‬‬ ‫يعنى إيه منظلومة يا دكتلور شرف ‪..‬؟‬ ‫ينظر إليها نظرة سريعة لوهلو يدفع البرة فى عضلت البطن ليكمل الغرزة ‪:‬‬ ‫منظلومة أخت هنلومة ‪ ..‬لوهنلومة أخت برهلومة‪ ..‬هاها ها‪..‬‬ ‫ل بجد‪ ..‬يعنى إيه منظلومة ؟‬ ‫لوانتى كمان يا آمال ‪..‬مفيش فايدة يعنى ‪..‬؟‬ ‫يمسك الطبيب بالخيط لويقلوم بعمل غرزة أخرى‪ ،‬لويقلول ‪:‬‬ ‫الحمد ل اننا بالنهار لوفيه شلوية نلور من الشباك‪..‬‬

‫‪61‬‬


‫يشد الخيط بعنف‪ ،‬ينقطع الخيط‪ ،‬تمسح آمال العرق الهاطل ميين جبهيية الطييبيب؛ يقييلول متأذيييا‬ ‫بصلوت خفيض ‪:‬‬ ‫خيط ابن لوسخة!!‬ ‫***‬

‫‪24‬‬ ‫فايزة الممرضة الطلويلة السمراء‪ ،‬لها شعر فاحم‪ ،‬لوجهها متبسم على الدلوام‪ ،‬علوضها ا عن‬ ‫الفقر بجسد متين هائل‪ ،‬لها صفان من أسنان لؤلؤية بيضاء مكتملة؛ لم يسييبق لهيا الشيكلوى ميين‬ ‫آلم السنان‪ ،‬تقضى طلول النهار فييى شيقاء دلون كلييل ألو ملييل؛ تتمتييع بنظيير حياد لوقيدرة علييى‬ ‫التصرف السريع ‪ .‬تعرفت فايزة على أحد المرضى الذى جاء مصابا بكسلور فى عظام الفخييذ؛‬ ‫كان يعمل بالبحر؛ أثناء خرلوجه من القارب قفز قفزة لواسعة‪ ،‬اختل تلوازنه لولوقع انحشرت ساقه‬ ‫بين الحائط السمنتى لوالقارب لوتم حجزه بعنبر العظام‪ ،‬ظلت ساقه مشييدلودة إلييى السييرير أكييثر‬ ‫من شييهرين‪ ،‬كييانت فيايزة تنفييذ العلج؛ تغييير علييى الجييرلوح لوتييزرف المحياقن لوتقيلوم بتعليييق‬ ‫المحاليل ‪..‬لوتطمئن على قياس الحرارة لوالضغط لوالنبض؛ قال لها إن اسم الشهرة حمييام الهبيياش‬ ‫لو اسمه الحقيقى أحمد؛ حكى لها عن زياراته لبلد ا‪ ،‬كان يسافر على البييلواخر الضييخمة الييتى‬ ‫ترسلو فى ملوانىء الشرق لوالغرب ‪ ،‬قييال لهييا إنيه عياش فييى السييكندرية‪ ،‬لو حكيى عين جميال‬ ‫السييكندرية الييتى لولييد فيهييا‪ ،‬حكييى أيضييا عيين بيييرلوت لواللذقييية لونييابلولى لورلومييا لواسييطنبلول‬ ‫لوهامبلورج لوغيرها‪.‬‬ ‫‪62‬‬


‫جاء إلى السلويس ليعمل فى الميناء‪ ،‬قال لها إنه سافر على مراكب الشرق؛ لوتمكن من النييزلول‬ ‫صلوع لوكلكتا لوشنغهاى لوسنغافلورة‪ ،‬لوشاهد حقلول الشاى السييريلنكى‪ ،‬قييال‬ ‫فى جدة لوعدن لوم ك‬ ‫أيضا إنه لم يترك دلولة من العالم لم يزرها ‪ .‬حكى عن حييياة المييلوانىء لوالمكاسييب الكييبيرة الييتى‬ ‫يجدلونها هناك‪ ،‬لوع ن السيجائر الجنبيية لوالخميلور المهربية اليتى يبيعلونهيا للفنيادق لوالخميارات‬ ‫‪..‬كانت فايزة تنتشى من هذه الحكايات‪ ،‬لوتظل جالسة أمييامه كالطفييل مسييتمعة سيياكنة فييى عنييبر‬ ‫العظام؛ أحيانا ينادلون عليها لول تسمع‪ ،‬يعيدلون النداء عليهييا أكييثر ميين مييرة‪ ،‬أحيانييا تقييلوم رغييم‬ ‫أنفها؛ لتلبى النداء لوهى متضايقة؛ تعلود مسييرعة لكييى تكمييل جلسييتها معييه؛ بمييرلور اليييام نمييا‬ ‫برعم الحب صغيرا بينهما؛ ألورق لوازدهر‪ ،‬كان حمام الهكباش ينظر إليها بكرقيية‪ ،‬عنييدما يطلييب‬ ‫منها أى شىء ؛تنالوله كيل مايرييد؛ تعيلودت أن تحضير ليه الشيياء اليتى يحتاجهيا مين الخيارج‪،‬‬ ‫مأكلولت ألو مثلجات ألو شاى لوقهلوة ‪ ،‬حتى سييجائر مييارلبلورلو الييتى يحبهييا؛ كييانت تشييترى لييه‬ ‫فطيييرا بالعسييل ميين محييل بييالقرب ميين مسييجد سيييدى الغريييب‪ ،‬كمييا اشييترت مقصييا لظييافره‪،‬‬ ‫لومعجلون أسنان لوفرشاة أسنان لوماكينة حلقة؛ كانت تاخييذ ملبسييه المتسييخة إلييى بيتهييا لتغسييلها‬ ‫لوتكلويها بالرغم من لوجلود مغسلة بالمستشفى‪ ،‬لولوصل بها الحال إلييى ترقيييع جييلواربه لوالهتمييام‬ ‫بشعره لوأحضرت فرشاه لومشطا مخصلوصا له؛ لواتفقت معه علييى أن تمشييط لييه شييعره بيييديها‬ ‫كل صباح؛ عندما تجلس بجانبه كانت يداها تسرح فى شعره لتمسده‪ ،‬كما كانت ترفض تماما أن‬ ‫تحاسبه علي أى مشتريات ‪ ،‬عندما تماثل للشفاء بدأ حمام يمشى مستندا إلى فايزة‪ ،‬كييانت تسييمح‬ ‫له بأن يضع ذراعه حلول كتفها‪ ،‬ليذهب إلى دلورة المياه ألو يتمشييى فييى الكلوريييدلور؛ أحيانييا كييان‬ ‫كان يستند إلى الحائط‪ ،‬أحضر له أخلوه عصا ليتعكز عليها‪ ،‬لولكنها رفضت أن تراه متكئا عليهييا؛‬ ‫لوخبأت العكاز‪ ،‬قبل أن يخرج من باب المستشفى كانا متفقين على الزلواج ‪.‬‬ ‫***‬ ‫لوالد فايزة رجل مسن يتقاضى معاشا ل يكفيه نصف شهر‪ ،‬يمتلك بيتييا قييديما علييى أرض حكيير‬ ‫بزقاق ضيق بحى الربعين‪ ،‬كان قد بنيياه بيييديه أيييام الشييباب بعييد أن نييزح ميين الصييعيد‪ ،‬الييبيت‬ ‫مكلون من دلورين‪ ،‬كل دلور عبارة عن شقة صغيرة ل تتجالوز مساحتها خمسين مترا؛ الييبيت لييه‬ ‫مدخل ضيق هابط تحت مستلوى الطريق الترابى‪ ،‬على الداخل أن يحنى رأسييه لوجييذعه حييتى ل‬ ‫تصطدم جبهته بأعلى الباب‪ ،‬فلوق السطح تلوجد غابيية ميين الكراكيييب‪ ،‬كراسييى قديميية‪ ،‬لوألييلواح‬ ‫خشب‪ ،‬لوباب مكسلور‪ ،‬لوألوانى خزفية قديمة‪ ،‬لورحاية‪ ،‬لوخرق قماشييية لوملبييس قديميية‪ ،‬لوفييى‬ ‫الركن الشرقى تلوجد عشة للفراخ تحتل العشة حلوالى ربع مساحة السطح ‪.‬‬ ‫فلوق هذا السطح تمت مراسم الفرح‪ ،‬يلومها جاء الجيران لوالمعارف لوالقارب لوأقارب القييارب‬ ‫من المدينة لومن الصعيد؛ صعدلوا جميعا إلى سطح البيت ؛عشة الفراخ لوالبييط تحتييل ركنييا كييبيرا‬ ‫من السطح‪ ،‬كانت هناك بعض البطات سارحة فى السييطح؛ أدخلتهييا أخييت العرلوسيية فييايزة إلييى‬ ‫العشيية بعييد أن لوضييعت لهييا بقايييا الطعييام‪ ،‬فييى الملواجهيية لوضييع كرسيييان كييبيران للعرلوسييين؛‬ ‫لواصطفت بعض مقاعد خشبية أحضرها اللولد من مقهى مجييالور للييبيت‪ ،‬علييى ظهركييل مقعييد‬ ‫حفر اسم المقهى‪ ،‬على الرض فرشت مفارش ميين الحصييير؛ دارت صييلوانى الشييربات الحميير‬ ‫الفاقع على الحضلور‪ ،‬سيدات صعيديات يلوزعن أكلواب الشربات لويزعردن فى آن لواحد‪ ،‬تضييع‬ ‫اللواحدة يدها أمام فمها لوتطلق الزغاريد ‪..‬عييدد كييبير ميين الطفييال قييدملوا ميين الشييارع بعرقهييم‬ ‫لوملبسهم المتسخة لوالتربة العالقة بهم؛ يستكمللون لهلوهم‪ ،‬بييين حييين لوآخيير كييانت رلوائييح بقايييا‬ ‫‪63‬‬


‫الطعام لورلوائح الطيلور لومخلفاتها المنبعثة من العشة تهب على أنلوف المدعلويين‪ ،‬جيياء مطييرب‬ ‫صعيدى أجش الصلوت لوراح يغنى للحضلور ‪:‬‬ ‫كخش عليا خش‪ ..‬نلعب تحت الدش!‬ ‫بينما يتصاعد صياح أحد الديكة منتشيا لومشاركا فى الفرح‪ :‬كلو كلو كلو كلولولولولو!‬ ‫***‬ ‫لها ردفان هائلن لوساقان سمرالوان مرمريتان؛ عندما تغير ملبسها كان زلوجها حمام يطالع‬ ‫نهدين مدملكين بينهما شق ساحر كأنما يحلوى أسرارا مبهمة تحتاج إلى الستطلع؛ لوترنلو إلييى‬ ‫مستكشف لها ‪ ..‬أمضييت فييايزة لوعريسييها أسييبلوع العسييل فييى شييقتها الييتى جهزهييا لهييا بمسيياكن‬ ‫المثلث‪ ،‬انقضت أجازتها بسرعة‪ ،‬لوعادت لتتسلم العمل مرة أخييرى‪ ،‬عنييدما تنتهييى فييايزة ميين‬ ‫عملها كانت كتهرع إلى المنزل‪ ،‬لوتقلوم بترلويق الشقة لوإعداد الطعام لزلوجها ‪ .‬فى المساء ل تنس‬ ‫نفسها؛ كانت تتجمل لتبدلو فى أرلوع صلورة‪ ،‬حتى ل يلتفت حمام إلى امرأة أخرى لوليشعر أنهييا‬ ‫تغنيه عن نساء العالم ‪.‬‬ ‫***‬ ‫لحظت فايزة أن زلوجها يحضيير صييناديق خشييبية لو صييناديق كرتييلون لويخبئهييا تحييت السييرير‪،‬‬ ‫أحيانا يلوصيها أل تقترب من شىء مما خبأه لويتركه مغلفا تغليفا جيدا‪ ،‬بعد شييهلور ميين الييزلواج‬ ‫كانت قد جهزت العشياء لوانتظيرت زلوجهيا‪ ،‬طبخيت ليه مللوخيية بيالفراخ البليدى اليتى يحبهيا‪،‬‬ ‫انتظرت لولم تضع لقمة فى فمها حتى يعلود فى ميعاده قرب العشاء‪ ،‬ليم يحضير هيذه الليلية بيرد‬ ‫الكل‪ ،‬لواضطرت أن تضعه فى الثلجة‪ ،‬لم يعد حمام الى الييبيت‪ ،‬سييأل عليييه أهلهييا لواتصييللوا‬ ‫بالتليفلونات‪ ،‬ذهبلوا إلى مراكز الشرطة‪ ،‬لم يحصللوا على خبر‪ ،‬بعد منتصف الليل ذهب لوالدها‬ ‫لوأخلوها إلى الميناء ليبحثا عنه‪ ،‬لم يتمكنا من دخلول الميناء لعدم حصلولهما على تصريح‪ ،‬قبيل‬ ‫الفجر عادا دلون أن يتلوصل إلى شىء ‪.‬‬ ‫فى اليلوم التالى جاءها تليفلون من أحد زملءه فى العمل يبلغها أن زلوجها حمام قبضلوا عليييه فييى‬ ‫العمل؛ أدخللوه الحجز‪ ،‬لوتحلول إلى النيابة الييتى حييلولت الملوضييلوع إلييى المحكميية‪ ،‬لوحكييم عليييه‬ ‫بالسجن ثلث سنلوات‪ ،‬انتقل بعدها إليى سيجن الزقيازيق ليقضيى الميدة‪ ،‬قيال لهيا إن الشيرطة‬ ‫دبرت له مقلبا اثناء خرلوجه من باب الجمرك‪ ،‬لولوضعلوا له فييى جيبييه قطعيية حشيييش‪ ،‬لواتهمييلوه‬ ‫بتهريب المخدرات لنه – كما يقلول‪ -‬رفض يلوما أن يخرج معه صندلوقا خاصا بأحد الضباط‪.‬‬ ‫***‬ ‫بدأت فايزة تشكلو لصديقتها سامية سلوء الحلوال‪ ،‬فى هذا اللوقت كانت حييامل؛ انتفخييت بطنهييا‪،‬‬ ‫لوصارت فى اشد الحيرة لواللم‪ ،‬مشييتتة الفكيير لوالبييدن بييين حملهييا الييذى يثقلهييا يلومييا بعييد يييلوم‪،‬‬ ‫لومشاكل زلوجها الذى اقتيد إلى غياهب السجن‪ ، ،‬ظلت تتردد عليه فى سييجن الزقييازيق مييرارا‪،‬‬ ‫حتى بعد أن لوضعت كانت تحمل رضيعتها‪ ،‬لوتسافر بهييا لزيييارة زلوجهييا فييى ملواعيييد الزيييارة‪،‬‬ ‫كانت تحر ص على أن تأخذ معها احلى هدية كما تقلول‪ ،‬تسألها سامية عن هذه الهدييية‪ ،‬تضييحك‬ ‫‪64‬‬


‫فايزة من الغم قائلة ‪ :‬هلو لوأصحابه المساجين بيهرشلوا طلول الليل؛ قاللوا إن عندهم جرب‪ ،‬لولد‬ ‫الحلل جابلوا لى باكتة كريم بنزانيل من الصيدلية علشان يبطللوا هرش لوحكة‪..‬‬ ‫اشتعلت الحزان فى قلب فايزة‪ ،‬لوخصلوصا عندما تجلس بييين زميلتهييا لويتحييدثن كالعييادة عيين‬ ‫حياتهن العائلية‪ ،‬ل تدرى ماتقلول لول تدرى كييف تحكيى ! ينظيرن إليهيا بعيين الشيفقة لويكتفيين‬ ‫بالسؤال العام‪ ،‬هبطت الحزان على ضرلوسها؛ تعلودت فييايزة الييتردد علييى عيييادة السيينان الييتى‬ ‫صارت زبلونة مستديمة لها‪ ،‬تعجب طبيب السنان من " الشلوطة " التى دمرت فمها‪ ،‬قييالت لييه‬ ‫من الحمل لواللولدة لولكنه لم يقتنع قائل لها ‪:‬‬ ‫معقلوله اللوالدة سنانها تخسر بالشكل ده ؟!‬ ‫بدأ فى إجراء عمليات حشلو لوخلييع لهييا‪ ،‬كمييا ظلييت تتسييلول للحصييلول علييى باكتيية ميين دهييان‬ ‫البنزانيل كل حين ‪ ،‬كما ظلت تتسلول أيضا لشراء لبن الطفيال‪ ،‬لوتسيأل الصييدلى الجدييد عنيه‬ ‫دلوما حتى تلوفر لبنتها الرضيعة ما يكفيها‪ ،‬حيث أن ثييديها اليسيير قييد جييف بعييد عملييية خييكراج‬ ‫أجرتها داخل المستشفى ‪.‬‬ ‫***‬

‫‪25‬‬ ‫اقترب العيد‪ ،‬طه نلوبتجي بالستقبال‪ ،‬بالرغم من ضيقه من فرع الجراحة لوعدم ميله إليه؛ إل‬ ‫انه لوافق على العمل بقسم الجراحة بييدل ميين أحييد الييزملء؛ لحييين عييلودته ميين الجييازة‪ ،‬لعييدم‬ ‫الحراج؛ من الصعب أن يرفض طه طلبا لحد‪ ،‬كان يقرأ فى كتاب أمامه على المكتب‪ ،‬قصة‬ ‫حياة إبراهيم المازنى جذبته عبارة قال فيها ‪" :‬الطبيب ليس كمثله أحد؛ يقتل الناس لويأخذ جييزاء‬ ‫يده" ‪..‬ضحك كثيرا لهذه العبارة‪ ،‬لوأسمعها لمن حلوله‪..‬‬ ‫***‬ ‫فى الضحى جاء أحد الملواطنيين يشكلو من ألم فى جنبه اليمن‪ ،‬سييجل الكيياتب اسييمه بالتييذكرة‪،‬‬ ‫شحاتة السماك الشهير "بأبلو قطة "‪ ،‬كشف الدكتلور طه عليه‪ ،‬لوكتب فيى تيذكرته اشيتباه التهياب‬ ‫بالزائدة‪ ،‬سجلت الممرضة درجة الحرارة؛ حقنته بأمبلول أترلوبين مضاد للتقلصييات‪ ،‬كتييب فييى‬ ‫تذكرته دخلول جراحة‪ ،‬مع عمل تحليل بلول كامل ؛عد كرات دم بيضاء نلوعى‪ ،،‬لوكتب يلوضع‬ ‫تحت الملحظة مع قياس ضغط لونبض لوحرارة كل ساعتين‪.‬‬ ‫‪65‬‬


‫***‬ ‫قبيل العشاء؛ انتهي طه من النلوبتجية‪ ،‬كان مرهقا‪ ،‬صعد إلى السكن‪ ،‬غييير ملبسييه بسييرعة لو‬ ‫تنالول لوجبة خفيفة‪ ،‬لودخل فى النلوم ‪.‬‬ ‫فى الصباح ؛ فلوجئ بالعاملة تنادى عليه فى السكن‪ ،‬قام من نلومه مسرعا لو فتييح البيياب لولوقييف‬ ‫كالمذهلول‪.‬‬ ‫فيه إيه يا أم سيد ؟‬ ‫ممرضة الجراحة عالوزه سيادتك‬ ‫عالوزانى أنا؟‬ ‫أيلوه‬ ‫خير ؟‬ ‫قالها لوفى الحال تذكر الرجل الذى تركه أمس تحت الملحظة‪..‬‬ ‫خير إن شا ا‪..‬‬ ‫ارتدى طه ملبسه متعجل‪ ،‬تذكر المريض الذى تركه أمييس تحييت الملحظيية‪ ،‬تييلوجه مسييرعا‬ ‫إلى قسم الجراحة‪ ،‬هناك لوجد المريض مازال راقدا على سريره‪ ،‬فحصييه مييرة ثانييية لولوجييد بييه‬ ‫علمات كلسيكية للتهاب الزائدة الدلودية ‪.‬‬ ‫سأل الممرضة عن اخصائى جراحة‪ ،‬أجابت بالنفى لن العيد كقرب لوالكل فى إجازات‪ ،‬أخبرته‬ ‫أنها اتصلت بالدكتلور شرف من السلويتش لولكن تليفلونه ل يرد ‪.‬‬ ‫تذكر أنه قائم بعمل زميله بقسم الجراحة‪ ،‬احتار طه لوبدأ يضرب اخماسا فى أسداس‬ ‫فى نفس اللحظة لوجد باهرا يقف أمامه‪ ،‬شعر طييه بيأن ايي أرسيله فييى اللحظيية المناسيبة؛ بياهر‬ ‫يهييلوى الجراحيية‪ ،‬تعييلود أن يتييأخر فييي العيييادة ‪ ،‬كييان حريصييا علييى عمييل الطهييارات‪ ،‬لوفتييح‬ ‫الخرريج‪ ،‬لوعمل الغيارات للجرلوح‪ ،‬اكتسب شعبية كبيرة‪ ،‬ساعدته فيما بعد فى تخصصه الذى‬ ‫لوجد نفسه فيه‪ ،‬كان يمتلك يدا ماهرة لوقلبا قلويا‪ ،‬لوعقل متيقظا ‪.‬‬ ‫سأله باهر‪:‬‬ ‫مالك؟‬ ‫فيه زايده‬ ‫مين؟ أبلو قطة ؟‬ ‫أيلوه‬ ‫‪66‬‬


‫تعالى ندخل العمليات أنا لوأنت‪..‬‬ ‫أنت عملتها قبل كده طبعا‬ ‫رد باهر بثقة‪:‬‬ ‫كتير‬ ‫***‬ ‫حضر طبيب البنج‪ ،‬تعقم باهر لوطه؛ عرف الجميع أن أبلو قطيه يعالييج مين مييرض السيكر‪ ،‬تيم‬ ‫تضبيط السكر بحقن النسلولين فى المحللول‪ ،‬قال أبلو قطة إنه يعانى من البلواسير أيضا‪ ،‬قال لييه‬ ‫باهر‪:‬‬ ‫بعدين يابلو قطة لما نخل ص من الزايدة نشلوف البلواسير ‪..‬‬ ‫تلوكل الجميع على ا؛ قام طه بإجراء العملية‪ ،‬لوكان باهر مساعدا لطه ‪ ،‬لم يكن طه مصدقا‬ ‫نفسه‪ ،‬فتخص ص الجراحة بعيد عن ذهنه‪ ،‬كان يشعر بدلوخة عندما يرى سن البرة ينغرس فييى‬ ‫جلد أى إنسان‪ ،‬لوخصلوصا إذا كانت إبره باللوريد لوقد تدفق الدم داخلها ‪.‬‬ ‫أمسك طه بالمشرط؛ قال له باهر‪:‬‬ ‫جمد قلبك‬ ‫أنا عارف كل الخطلوات ‪..‬‬ ‫أشار بالمشرط على مكان الفتح؛ لوبدأ يفتح فى حذر؛ بينما كان باهر يجفف الييدماء بقطييه الشيياش‬ ‫المجهزة؛ باعد بين طرفى الجلد‪ ،‬فتح العضلت‪ ،‬باعد بينها ثم فتح داخل البطن ‪..‬‬ ‫بين الحين لوالخر كان طه ينظر إلى لوجه المريض لويسأل طبيب البنج بصلوت خفيض ‪:‬‬ ‫لسه عايش؟‬ ‫يضحك الجميع؛ لوترد الممرضة التى تقلوم بمنالولة اللت ‪:‬‬ ‫له كعمر يا دكتلور طه ‪..‬‬ ‫انهى الستئصال‪ ،‬لواخرج الزائدة الملتهبة‪ ،‬أكمل المشلوار لوقفل الجرح بإهتمام لوركلوية‪...‬‬ ‫***‬ ‫بعد انتهاء العملية قال باهر‪:‬‬ ‫شفت يا سيدى العملية بسيطة لوانت كنت شايل طاجن ستك !‬ ‫كلنا أسرار لوجسد النسان مقدس ! أنا دخلت عالم تانى مهمييا كييانت معللوميياتى عنييه؛ فهييى غييير‬ ‫كاملة !!‬ ‫‪67‬‬


‫جرى طه لوراء الجسد المسجى على الترلوللى عائدا إلى سريره؛ يدفع العامل الترلوللى أمامه؛‬ ‫بينما يمسك الدكتلور طه بزجاجة المحللول‪ ،‬حتى لوصل الجميع إلى العنبر لوارقداه على سريره‬ ‫لم يغادر طه العنبر إل بعد أن اطمأن على إفاقة أبلو قطة من المخدر ‪.‬‬ ‫***‬ ‫بعد نجاح عملية الزائدة‪ ،‬سبر أبلو قطة أغلوار المستشفى‪ ،‬لوعرف دهاليزها‪ ،‬لوتعرف على معظم‬ ‫الطبياء لوأطقيم التمرييض لوالمرضيى لوالعميال‪ ،‬كيان يحيادث كيل النياس‪ ،‬يتكليم ميع الجمييع؛‬ ‫لويصادق الجميع‪ ،‬تراه فى الليل لوالنهار‪ ،‬ساهرا كان يضن بلوقته فى النييلوم‪ ،‬صييار كييأنه فييرد‬ ‫عامل من أفراد المستشفى؛ كان يقف مع الممرضات أثناء تنفيذ العلج‪ ،‬لويحضيير أدلوات الغيييار‬ ‫لوالشاش لوالقطن‪ ،‬لوينقل عربة الغيار أمامه إلى الحجرات ‪.‬‬ ‫***‬ ‫عاد الدكتلور شرف رئيس قسم الجراحة بعد انتهاء إجازة العيد‪ ،‬تلوجه بصحبة الطباء الصغار‬ ‫للمرلور على عنابر الجراحة‪ ،‬اثناء مرلوره‪ ،‬كتب فى تذكرة أبلو قطيية خييرلوج تحسيين‪ ،‬لييم يكيين‬ ‫أبلو قطة مستعدا للخرلوج؛ كان قد تعلود على المستشفى لواستمرأ تلواجده فيهيا؛ استسيمح اليدكتلور‬ ‫شرف لتأجيل الخرلوج ؛ تبكسم قائل ‪:‬‬ ‫يابيه الشغل نايم برة ! لوآدى اللواحد فى المستشفى يلقى له حسنة من هنا‪ ،‬لوحسنة من هناك‪...‬‬ ‫أحمر لوجه الدكتلور شرف‪ ،‬لوانتفخ قائل‪:‬‬ ‫انت فاكرها مألوى لوأل للوكاندة يا رلوح أمك ؟!‬ ‫لم يرد أبلو قطة؛ شالها فى صدره لولم ينسها له‪ ،‬حزن حزنا مريرا‪ ،‬طأطيأ رأسييه‪ ،‬لوطلييب مين‬ ‫زلوجته الستعداد للخرلوج قائل ‪:‬‬ ‫يلل يا لولية لكمى الحاجة ‪..‬‬ ‫لوضعت قفطانا متسخا لوسرلوال لوفانلة بيضاء داخلية لو فلوطة لوبرلوة صابلونة‪ ،‬لومشطا قديما‪ ،‬لو‬ ‫بقية علبة سجائر؛ لودستهم فى حقيبيية مدرسييية قديميية حملتهييا‪ ،‬لوانسييحبا للخييرلوج إلييى الشييارع‬ ‫ليلواجها هملوم الحياة اليلومية‪ ،‬لوطلباتها لوآلمها التى ل تنتهى ‪.‬‬ ‫***‬

‫‪68‬‬


‫‪26‬‬ ‫فيى إحيدى العصيارى؛ كيان الهيدلوء سياريا بالمستشيفى‪ ،‬فجيأة انقلبيت الحيلوال؛ مجملوع ة مين‬ ‫المصابين قدملوا فى حادث على طريق القاهرة‪ ،‬طبيب الطلوارىء حديث العمل لوليست لديه أى‬ ‫خبرة ادارية‪ ،‬لم تكن العامليية ملوجييلودة‪ ،‬اسييتأذنت قبييل ميعادهييا بسيياعتين للييذهاب إلييى مديرييية‬ ‫التملوين لتجدد بطاقة التملوين‪ ،‬فايزة الممرضة كان المفرلوض أن تكلون ملوجلودة لولكنها استأذنت‬ ‫أيضا من الصباح لكى تسافر إلى الزقازيق لزيارة زلوجهييا فييى هييذا اليييلوم فييى السييجن‪ ،‬احتيياج‬ ‫الميير الييى عييدد إضييافى ميين الممرضييات‪ ،‬ألوشييكت الشييمس علييى الغييرلوب ‪ ،‬تليفييلون سييكن‬ ‫الممرضات ل يعمل‪ ،‬احتار الطبيب‪ ،‬لم يكن أمامه سلوى ضاحى ‪...‬ضاحى العامل أتييى حييديثا‬ ‫من محافظة بجنلوب البلد‪ ،‬كانت لهجته صعيدية‪ ،‬اضطر الطبيب أن يكلفه بالصعلود إلى سييكن‬ ‫الممرضات لستدعاء عدد من الحتياطى ‪ ..‬صعد ضاحى بالسانسير إلى الدلور الرابييع‪ ،‬خييرج‬ ‫من باب السانسير ليجد نفسه مباشييرة أمييام مييدخل يييؤدى إلييى سييكن الممرضييات‪ ،‬أزاح البيياب‬ ‫العريض بيده‪ ،‬لودخل إلى الكلوريدلور؛ لوجد بابا مغلقا فى ملواجهته ‪ ،‬لم يجييد مقبييض ألو كيياللون‬ ‫للباب‪ ،‬رأى فقط فتحة مستديرة الشكل مكان الكاللون لوالمقبض المنزلوع‪ ،‬اقترب ضاحى ميين‬ ‫الفتحة بهدلوء لو مد عينيه ميين خللهييا‪ ،‬تسييارعت نبضييات قلبييه لوعل صييلوتها‪ ،‬لوصييار يسييمعها‬ ‫‪69‬‬


‫بشدة‪ ،‬اعتدل بقامته؛ لوالتفت حلوله يمينا لويسارا‪ ،‬كان الهدلوء سائدا‪ ،‬ثنى جذعه لوعاد ليمد عينييه‬ ‫ليبحلق من فتحة الكاللون المخللوع؛ سمع دقات قلبه ترن فى أذنيه‪ ،‬تدفق الدم إلى رأسه‪ ،‬حييالول‬ ‫أن يمسك نفسه‪ ،‬أطال النظر لوتمنى أل يتحرك من أمام الباب؛ ظل على هذه الحييال ثييلوان تمنييى‬ ‫للو كانت دهرا‪ ،‬نصب جذعه لونظيير حييلوله متلوجسييا؛ انحنييى ثانييية لواعيياد النظيير خلل الفتحيية؛‬ ‫بالداخل كانت هناك ثلثة فتيات يجلسين شييبه عاريييات بييالكيللوت لوالييبرا‪ ،‬أخييذته حللوة الجسياد‬ ‫البيضاء الطرية اللمعة‪ ،‬فى البداية لم ينظر إلييى لوجييلوههن‪ ،‬أخيييرا شيياهد اللوجييلوه؛ لوجييد نفسييه‬ ‫يعرفهن جميعا‪ ،‬لويراهن صباح مساء فى طرقات المستشفى لودهاليزها‪ ،‬لكنييه لييم يكيين يعلييم أن‬ ‫لديهن تلك الكنلوز الخفية التى رآها مصادفة فى أمسيته تلك التى قلبت كيانه تماما‪ ،‬كانت الفتيات‬ ‫يتحركن لويتمايلن لويتحسسن أجسادهن لويتداعبن سلويا فييلوق السييرير لوبجييانبه‪ ،‬لييم يييرد أن يييترك‬ ‫الفتحة السحرية لولكنه خشى أن تفتح لواحدة الباب من الداخل فتراه فى ملواجهتها ‪..‬‬ ‫حييالول أن يهييدىء ميين رلوعييه قليل؛ حبييس أنفاسييه‪ ،‬لوقييف لوتماسييك‪ ،‬حييتى تهييدا دقييات قلبييه‬ ‫المتسارعة؛ كاد قلبه يقفز من صييدره؛ طييرق البيياب بظيياهر يييده طرقييات خفيفيية؛ فجييأة فتحييت‬ ‫إحداهن الباب؛ تلقت عيناها بعينى ضاحى التى امتلت رعبا ‪..‬‬ ‫صرخت الممرضة؛ لوشق صراخها فضاء المستشفى ‪..‬‬ ‫كان صلوتها حادا‪..‬‬ ‫أنا ضاحى ‪..‬أنا ضاحى ‪..‬ماتخافيش ياهانم‪..‬‬ ‫إيه اللى جابك هنا يا مجنلون؟!‬ ‫مدت أثنتان منهما أيديهما على ضاحى لوحالولت احداهما أن تجذبه من كتفه‪ ،‬قالت ‪:‬‬ ‫انا حالوديه فى داهية !‬ ‫تحلول للون ضاحى إلى للون الكركم الصفر‪ ،‬هرب الدم من عرلوقه‪ ،‬تبدل للون لوجهه الذى كان‬ ‫يطفح بالاحمرار منذ لحظات إلى هذا الللون الباهت المسحلوب ‪..‬قال بصلوت خفيض ‪:‬‬ ‫ليه يا ست هانم؟‬ ‫إيه اللى جابك هنا لويالواد؟‬ ‫أنا العبد المأملور ‪..‬الدكتلور أمرنى ‪..‬‬ ‫أنت حمار؟ ماعنكدش مخ؟ بتستهبل يابنى آدم!‬ ‫***‬ ‫لم يتركنه أل بعد أن أخذت منه لوعدا أل يكرر فعلته الدنيئة هذه ألوحيتى يفكير فيى الخطيلو بقيدمه‬ ‫إلى سكن الممرضات‪ ،‬قالت أحداهن‪:‬‬ ‫الراجل أخد منكم حاجة ؟ زكعلكم فى حاجة ‪..‬مالكم كده داخلين فيه شمال ؟!‬ ‫‪70‬‬


‫***‬ ‫صار ضاحى يحكى عن تجربته التى دلوخته لوتشتت فكره بسببها طلويل‪ ،‬قال منبهرا ‪:‬‬ ‫البنت اللى احنا مابنعبرهاش هنا حاجة تانية من جلوه يا اخلواننا ‪..‬‬ ‫يتساءل باهر متخابثا ‪:‬‬ ‫من جلوه إيه يا ضاحى ؟‬ ‫يرد ضاحى ‪:‬‬ ‫من جلوه إيه يا أستاذ باهر ؟ حيكلون من جلوه إيه يعنى ؟ تحييت الهيدلوم‪ ..‬بصيييت لجيييت المرمير‬ ‫ياهلولولوه !!‬

‫***‬

‫‪27‬‬ ‫فى الظهيرة قابلنى باهر بلوجه مكفهر‪ ،‬سألته ‪:‬‬ ‫مالك ‪..‬؟‪.‬‬ ‫ل‪ ..‬أبدا‪..‬‬ ‫أبدا يعنى إيه؟‬ ‫بعد ما خرجنا من ألودة العمليات؛ طه جرى لورا المريض عشان خايف عليييه؛ لوأنييا نزلييت ألوكقييع‬ ‫فى الدفتر؛ الباشكاتب اللى اسمه عكرام ‪ ،‬منعنى لوقال‪:‬‬ ‫انتهى يا دكتلور‬ ‫إيه اللى انتهى ؟‬ ‫التلوقيع ‪ ..‬ممكن أسيبك تلوقع فى التأخير عشان خاطرك!‬ ‫‪71‬‬


‫عشان خاطرى ! أنا خارج من العمليات يا بنى آدم‪..‬‬ ‫ماعرفش حاجة غير اللورق !‬ ‫يعنى أجيب لك لورقة من العيان أنى كنت معاه فى العمليات ؟‬ ‫يا دكتلور بلش استخفاف للو سمحت !‬ ‫***‬ ‫بعد الساعة الثامنة لوالنصف كان عكرام يرفع الدفاتر لويترك فقط دفتر التأخير حتى التاسعة‪ ،‬فييى‬ ‫التاسعة تماما يخبئ جميع الدفاتر خلف باب الحمام الملحق بحجرة مكتب المييدير الييتى ل يييدخلها‬ ‫أحد حتى يحضر المدير‪ ،‬يضع الدفاتر أعلى طاقة صغيرة متربة تشييرف علييى الحكمييام ‪.‬كييان‬ ‫يشعر بالنشلوة لوالنتصار عندما يهزم طبيبا ألو أى ملوظف آخر فى معركة التلوقيع ‪.‬‬ ‫فى نفس اللوقت دخل الدكتلور فهمى ‪..‬‬ ‫فين الدفتر؟‬ ‫رد عليه عكرام ‪:‬‬ ‫خل ص‪..‬‬ ‫خل ص إيه ؟ خلصت رلوحك‪..‬‬ ‫عيب يا دكتلور‪..‬‬ ‫هجم عليه فهمى؛ لوأمسكه من رقبته‪ ،‬قائل‪:‬‬ ‫أنا طلول الليل فى الستقبال يا بنى آدم ‪..‬عيب إيه ؟ أنت تعرف العيب؟‬ ‫استمر فهمى ممسكا برقبة عرام حتى برزت عينيياه؛ لواحميير لوجهييه لوتغيييرت نييبرة صييلوته لوهييلو‬ ‫يقلول‪ :‬النجدة الحقلونى ‪.‬‬ ‫سدد له فهمى لكمات سريعة على لوجهه لوقفاه‬ ‫كان طه لوباهر ينظران إلى الرجل لوهما يتشفيان ‪..‬‬ ‫دفع فهمى رقبة عرام لوهلو ينزع عنها ذراعه قائل‪ : :‬غلور‪..‬‬ ‫جرى عرام إلى التليفلون ليرفع السماعة لوهلو يقلول‪:‬‬ ‫لزم أطلب النجدة ‪..‬‬ ‫هدأه باهر لوقال له ‪:‬‬ ‫نجدة إيه‪..‬؟ أنت غلطان‪.‬‬ ‫‪72‬‬


‫***‬

‫‪28‬‬ ‫بعد أقل من شهر؛ ألوائل الخريف‪ ،‬عيياد أبييلو قطيية إلييى المستشييفى‪ ،‬هييذه المييرة كييان يشييكلو ميين‬ ‫البلواسير‪ ،‬تحكملها حتى بدأت تنزف دمييا‪ ،‬حجييز بعنييبر الجراحيية ‪ ،‬صييار يكسييلم علييى الجميييع‪،‬‬ ‫لوكأنما عاد إلى بيته؛ هذه المرة تعكمد دخلول المستشفى فى اليلوم الذى يكييلون فيييه الييدكتلور شييرف‬ ‫منلوابا‪ ،‬لكى يجرى له العملية هلو بنفسيه ‪ ،‬لوفييى ذات اليلوقت يسييتطيع أبيلو قطيية أن ينفيذ خطتييه‬ ‫التى أعدها للنتقام على طريقته الخاصة ؛فقد أراد أن يضرب عصفلورين بحجر لواحد ‪.‬‬ ‫***‬ ‫بعد اجراء عملية البلواسير بأيام؛ كان أبلو قطة جالسا يتحدث مع جاره فى العنبر ‪:‬‬ ‫العالم دلول عايزين الناشف‬ ‫يتعجب زميله قائل‪:‬‬ ‫عالم مين ؟ لوناشف إيه ؟ فيه خناقة؟‬ ‫‪73‬‬


‫ل أبدا ‪ ..‬أقصد عالوزين البنى آدم الناشف ‪..‬‬ ‫علشان إيه؟‬ ‫الدكتلور اللى اسمه شرف‪..‬‬ ‫ماله؟‬ ‫عمل لى العملية‪ ،‬لومراتى بصراحة من قبل العملية لوهى غضبانة لوفى بيت أهلها‪..‬‬ ‫ليه يا أبلو قطة ؟‬ ‫بتقلول لى ترجع هنا لوانت سليم‪..‬‬ ‫لوماله؟‬ ‫أنا فكرت ان البلواسير هى السبب‪.‬‬ ‫السبب فى إيه؟‬ ‫فى الضعف يا أخى ‪..‬الرتخا يعنى ‪..‬انا قلت بعد العملية حاكلون كلويس‪..‬‬ ‫لوالدكتلور ذنبه إيه؟‬ ‫ضحك ضحكة باهتة؛ لوقال بصلوت خفيض ‪:‬‬ ‫أدارى خيبتى يا أخى !‬ ‫قلت أتهم الدكتلور علشان مراتى تسكت‪ ،‬لويمكن آخد منه تعلويض‬ ‫تعلويض؟‬ ‫آه‪..‬المحامى قال لى ممكن‪..‬هات لى شهادة طبية بالعجز لوانا أقلوم باللزم!‬ ‫***‬ ‫كنا فى السكن بعد منتصف الليل نستعد للنلوم‪ ،‬سمعنا زعيقا عاليييا آتيييا مين ناحييية الشييرفة؛ قمنييا‬ ‫مسرعين ‪ -‬باهر لوأنا ‪ -‬لنعرف ما الملوضلوع ؟ ربما يكلون هناك مريض يسييأل عيين مسييعف‪ ،‬ألو‬ ‫قريب لمريض حالول أن يستعرض أحباله الصلوتية لويجرب مهارته فى إرهيياب الممرضيية لويلييم‬ ‫العالم حلوله استجلبا للشفقة‪ ،‬ألو من الممكن أن يكلون أحد المرضى أدركتيه للوث ة مفاجئية ‪ -‬كميا‬ ‫نرى أحيانا‪ -‬أدخلته فى نلوبة هياج نفسى محتمل حدلوثه عند التعرض لنلواع كثيرة من الزمات‬ ‫ألو الضغلوط النفسية ألو الجسدية ‪..‬‬ ‫سمعت الصلوت مدلويا فى فضاء الليل ‪:‬‬ ‫أبلو قطة حبيب النسلوان ‪..‬بقى َمَرة !‬ ‫‪74‬‬


‫أبلو قطة اللى كان زى الحديد‪ ...‬بقى مرة‪!..‬‬ ‫أبلو قطة اللى كان زى القتاية ‪..‬بقى مرة‪!..‬‬ ‫ربنا المنتقم ‪..‬يارب ‪..‬أنت عارف السبب ‪..‬عارفه مين يارب؟ ‪...‬الملك الطاهر هأ ‪..‬‬ ‫إن شاء ا يرلوح فى مصيبة ‪..‬‬ ‫أنا حالوديه فى داهية‪..‬‬ ‫حاشتكيه فى النيابة لوالنقابة‪!..‬‬ ‫عملية بلواسير ياعالم ‪..‬عملية صغكيرة ‪..‬‬ ‫دا المفرلوض يشتغل فى سلخانة ‪ ...‬دا ملوش دكتلور ‪..‬دا أصله جزار ‪...‬‬ ‫فى الحال ‪ ،‬ارتدينا ملبسنا لونزلنا بسرعة لنستطلع المر ‪..‬‬ ‫***‬ ‫عندما أقتربنا من العنبر‪ ،‬شاهدنا الرجل؛ كان لواقفا بجلوار النافذة‪ ،‬يميييل إلييى القصيير ؛مسييتدير‬ ‫اللوجه‪ ،‬ضرب الصلع رأسه الضخم المدكلوك فلوق جذعه‪ ،‬دلون رقبة ملحلوظة‪ ، ،‬لوسرح إلييى‬ ‫نهايات فرلوة الرأس‪ ،‬متين البنية بدين‪ ،‬مرتديا سرلوال داخليا أبيض يصل إلييى الركبييتين؛ يعلييلوه‬ ‫قفطان مرفلوع إلى لوسييطه‪ ،‬تييدحرجت قطييرات الييدملوع علييى لوجنييتيه‪ ،‬كييأنه لييم يرنييا‪ ،‬أكمييل‬ ‫بصلوته العريض؛ كانما يكمل سيمفلونية قد بداها لويخشى عليها من البلوار‪ ،‬كان ينظيير إلييى أعلييى‬ ‫من النافذة المفتلوحة كأنما يكلم أحدا بعينه‪:‬‬ ‫الملواضيع ساحت على بعض‪..‬‬ ‫أبلو قطة بقى زى أم قطة يا عالم‪..‬‬ ‫أم قطة لوأبلو قطة بقلوا لواحد‪ ...‬فتح لى المسائل على بعض‬ ‫يا ناس يا عالم ‪..‬بنتى قطة تقلول إيه على أبلوها ؟؟‬ ‫يا مسلمين‪..‬يا مسيحيين‪ ..‬يا يهلود‪...‬يا كفرة ‪..‬يا أي ملة فى العالم ‪..‬‬ ‫مين يرضى بكده؟؟‬ ‫لوأجهش بالبكاء‪..‬‬ ‫***‬ ‫حالول باهر أن يتحدث معه‪ ،‬لوقال له‪:‬‬ ‫ازيك يابلو قطة ؟‬ ‫‪75‬‬


‫ا يسلمك يابنى‬ ‫مالك فيه إيه؟‬ ‫َلوَقف حالى ‪..‬ا يلوقف حاله‪!!.‬‬ ‫طيب أنت بتدعى عليه ليه؟ ادعى له ربنا يصلح حاله‬ ‫يصلح حاله علشان لوقف حالى ؟ أنتم عالوزين إيه بالظبط؟‬ ‫عالوزينك بخير ‪ ..‬عالوز أقلول لك حاجة‬ ‫اتفضل‬ ‫أخرج باهر علبة سجائر من جيبه‪ ،‬فتحها لومد يده إلى الرجل لوسأله ‪:‬‬ ‫اسمع يا أبلو قطة‪ ..‬قطة كبرت؟‬ ‫أمسك أبلو قطة سيجارة لولوضعها بين شفتيه ‪ ،‬ألوقد باهر لولعته الرلونسلون لواقترب بها من فييم‬ ‫الرجل ‪..‬‬ ‫سحب أبلو قطة نفسا بعمق قائل‪:‬‬ ‫أيلوه‪ ..‬بنتى قطة بقت عرلوسة ‪..‬‬ ‫اسمع ‪..‬الدكتلور شرف عالوز العملية تفشل؟‬ ‫ل‬ ‫طيب تعالى أكشف عليك‬ ‫***‬ ‫طلب باهر من الممرضة تجهيز حجرة الكشف‪ ،‬دخل أبلو قطيية‪ ،‬خلييع سييرلواله‪ ،‬لوانقلييب علييى‬ ‫سرير الكشف‪ ،‬صارت مقعدته فى ملواجهة الطبيب ‪ .‬اقترب بيده المغطاة بالقفاز‪ ،‬بللييه فييى مييادة‬ ‫فازلينية‪ ،‬أمسك منظارالشرج لواقترب من مؤخرة أبلو قطة‪ ،‬لوحيالول أن ي لولجه داخيل الشيرج؛‬ ‫تألوه أبلو قطة ‪..‬‬ ‫قال باهر لوهلو يخلع القفاز من يده ‪:‬‬ ‫شىء جميل ‪..‬أدعى للدكتلور شرف ‪..‬العملية زى الفل‪.‬‬ ‫رد أبلو قطة لوهلو يرفع سرلواله ‪:‬‬ ‫معقلولة يا باشا؟‬ ‫معقلولة يا ابلو قطة‬ ‫‪76‬‬


‫فيه حاجة تانية عالوز أقلول لسيادتك عليها ‪..‬‬ ‫إيه هى ؟‬ ‫أمسك أبلو قطة بيد باهر لوسحبه جانبا لوتحدث معه همسا‪.‬‬ ‫***‬

‫‪29‬‬ ‫صباحا؛ بالعيادات الخارجية كان الزحام كثيفا؛ بمجرد أن انتهينا جاءنى باهر مهملوما‪ ،‬قلت له‪:‬‬ ‫إيه الحكاية؟‬ ‫سكت قليل‪ ،‬لوقال‪:‬‬ ‫سكر أبلو قطة مرتفع جدا‪ ،‬قكرب من درجة الخطلورة؛ سبحان ا ! إزاى أبلو قطة مييادخلش فييى‬ ‫غيبلوبة سكرية ؟!‬ ‫ثم ابتسم‬ ‫قلت ‪ :‬خيرا‬ ‫أبلو قطة طلب منى شهادتين‬ ‫شهادتين إيه؟‬ ‫‪77‬‬


‫ألول شهادة طبية فيها تقرير عن حالته‬ ‫لوثانيا‬ ‫ثانيا؛ شهادة فقر يقدمها للشئلون الجتماعية‬ ‫تعجبت ‪..‬‬ ‫محتاج اعانة؟ سمعنا انه تاجر سمك‪..‬‬ ‫رد باهر ‪:‬‬ ‫بيشتغل فى تنضيف السمك؛ رافض يخرج من باب المستشفى‪ ،‬أما يسمع سيرة الخيرلوج يقيلول ‪:‬‬ ‫على جثتى‪..‬أبلو قطة عبارة عن بقين كلم لوبس! قال لى عالوز تقرير طييبى لوشييهادة فقيير ملوقعيية‬ ‫من اتنين ملوظفين لوتختم بختم المصلحة‬ ‫شهادة إيه؟‬ ‫شهادة فقر ! لوختم المصلحة !‬ ‫***‬ ‫اليلوم أثناء المرلور؛ تلوجهنا إلى عنبر الجراحة؛ جاء الدكتلور شييرف لوجلسيينا سييلويا فييى المكتييب‬ ‫الملحق بالقسم‪ ،‬بينما لوقفت الممرضة تعرض عليه ملفات المرضى‪ ،‬سمع الدكتلور شرف عيين‬ ‫حكاية " ابلو قطة "‪ ،‬قالت الممرضة إن ابلو قطة كان قد أضرب عن الطعام من يلومين‪..‬‬ ‫ياسلم!‬ ‫خل ص ‪..‬الملوضييلوع انتهييى‪ ..‬ضيياحى لوعبييد العييال طلعييلوا أكلييلوا معيياه بالليييل لغاييية ماخلكصييلوا‬ ‫الشلوربة لوالسمك‬ ‫شلوربة لوسمك بالليل؟‬ ‫أيلوه؛ مراته كانت كل يلوم تجيب له سمك‪ ..‬أصله كان بياع سمك !‬ ‫إيه السبب فى الضراب يا مس ؟‬ ‫سمعنا إنه عالوز تعلويض‬ ‫تعلويض عن إيه؟‬ ‫عن مضاعفات العملية‬ ‫تعجب الدكتلور شرف قائل‪:‬‬ ‫مضاعفات العملية؟!‬ ‫‪78‬‬


‫نظر لنا لوتبسم ‪..‬‬ ‫رد باهر ‪ :‬عنده ضعف جنسى !‬ ‫ضرب الدكتلور شرف كفا على كف‪ ،‬ثم ضحك حتى كاد يستلقى ‪ ..‬لوقال ‪:‬‬ ‫أبلو قطة ؟ استمر يتحايل علكى عشان أعمل له العملية؛ قلييت لييه لزم نظبييط السييكر ألول ‪ ،‬مخييه‬ ‫تاعبه؛ ماحدش ياخد على كلمه‪..‬‬ ‫ضحك الدكتلور شرف لولواصل كلمه ‪:‬‬ ‫أبلو قطة بيحالول يبرر ملوقفة ‪...‬العملية مالهاش علقة بالضعف‪ ،‬السكر هلو السبب‬ ‫***‬ ‫بكل بساطة خرج أبلو قطة من المستشفى بعد أن اقتحمه الدكتلور شرف فى نلوبة المرلور على عنييبر‬ ‫الجراحة‪ ،‬تبسم فى لوجهه لوثكبت عينيه فى عينى أبلو قطة قائل ‪:‬‬ ‫ازيك يا ابلو قطة ؟‬ ‫ا يسلمك يابيه‬ ‫خرلوج النهاردة ؟!‬ ‫تلجلج أبلو قطة لوهلو يقلول ‪:‬‬ ‫على راحتك يا باشا !‬ ‫***‬

‫‪30‬‬ ‫فى هذا اليلوم تأخر باهر فييى السييتيقاظ صيباحا‪ ،‬نظيير فيى سياعته لوقييام ليلحيق نيلوبتجيته؛ دخييل‬ ‫الحمام؛ حلق ذقنه لوتلوضأ لوعاد إلى حجرته ليصلى ركعتين‪ ،‬ارتدى البالطلو على عجل‪ ،‬تييلوجه‬ ‫ألول إلى مكتب الحضلور لوالنصراف للتلوقيع‪ ،‬عاد متلوجهيا إليى العييادة بعيد أن لوكقيع فيى دفيتر‬ ‫التأخير ‪..‬فى الكلوريدلور الطلويل المؤدى إلى العيييادات الخارجييية أعييداد ميين البشيير تتكيياثر مييع‬ ‫مجىء الضحى‪ ،‬شغل عينيه منظر أنثى ترتدى سرلوال أحميير مجسييما‪ ،‬يعلييلوه بلييلوزة صييفراء‬ ‫قصيرة‪ ،‬يبدلو معالم ردفيها الهائلين المترجرجين مييع كيل حركيية‪ ،‬لوقييد علهميا خصير ضييامر‪،‬‬ ‫كانت مهملة الملبس‪ ،‬تضع قدميها فى حييذاء مييترب يكيياد يفقييد لييلونه‪ ،‬شييعرها الفيياحم الطلويييل‬ ‫مكشلوف مسترسل ببساطة على كتفيها‪ ،‬عندما اقترب منهييا أدارت لوجههييا إليييه‪ ،‬ارتسييمت عليييه‬ ‫ملمح البراءة لوالطفلولة‪ ،‬بينما صدرها النافر يتطلع إلى الدنيا بشبق غييير مسييبلوق؛ رآهييا تسييأل‬ ‫أحدى الممرضات‪ ،‬ثم تعلود أدراجها لوتسأل ثانية‪ ،‬لوجد فى نفسه رغبة فى التعرف إليها‪ ،‬ميين‬ ‫‪79‬‬


‫باب حب الستطلع؛ اقترب منها كأنما مصادفة‪ ،‬ابتسم فى لوجهها‪ ،‬حارب نفسيه لوتجيرأ لو قيال‬ ‫لها برقة مصطنعة ‪:‬‬ ‫صباح الخير‪..‬‬ ‫نظرت فى عينيه نظرة جريئة؛ لوردت ببساطة لوفرح ‪:‬‬ ‫صباح النلور ‪..‬أنت عارفنى؟‬ ‫طبعا أعرفك ‪..‬‬ ‫ردت بسرعة‪:‬‬ ‫انييا شييفيقة ‪..‬شييفيقة الشييامى ‪..‬فيياكرنى ‪..‬اللييى حييدفت نفسييى ميين الييدلور التييالث لواتحجييزت فييى‬ ‫المستشفى ‪..‬‬ ‫قال كأنما أفاق من صدمة ‪:‬‬ ‫أيلوه أيلوه‪..‬‬ ‫افتكرت؟‬ ‫قال مداريا أسفه لوجهله‪ ،‬لومتماشيا معها‪:‬‬ ‫طبعا ‪..‬‬ ‫انت عارف إنى مازلت تحت العلج‪..‬‬ ‫عند مين؟‬ ‫كل الدكاترة النفسيين‪..‬‬ ‫اندهش متلوجسا‪:‬‬ ‫كلهم ؟‬ ‫طبعا كلهم‪ ،‬سعدلون لوغيره لوغيره‪..‬‬ ‫راجع فكره‪ ،‬لوأكمل لينهى اللقاء ‪:‬‬ ‫أى خدمة أقلوم بيها ؟‬ ‫أنا عالوزه أعرف دكتلور نفسية كلويس؟‬ ‫اسألى فى عيادة النفسية فى آخر الكلوريدلور ‪..‬‬ ‫قبل أن ينسحب قالت له ‪:‬‬ ‫‪80‬‬


‫أنت اسمك إيه؟‬ ‫باهر ‪..‬الدكتلور باهر‬ ‫قالت له بابتسامة ‪ :‬اسمك حللو ‪..‬‬ ‫شكرا سلم‪..‬‬ ‫***‬

‫‪31‬‬ ‫بالدلور الثالث؛ فى نهاية الكلوريييدلور بياب ييؤدى إليى سيطح جييانبي متسيع‪ ،‬فيى المسياء كنيا فيى‬ ‫الصيف نتجمع فلوق السطح‪ ،‬الجلو حار‪ ،‬أطباء امتياز لونييلواب؛ لييم يكيين بالمدينيية أميياكن مناسييبة‬ ‫لقضاء اللوقيات؛ أحيانيا يحضير بعيض الخصيائيين هيذه الجلسيات؛ بعيد النتهياء مين أعميالهم‬ ‫بعيادتهم الخاصة لوخصلوصا العزاب‪ ، ،‬كان حضلورهم إلى المستشفى مفيدا ؛ لمتابعة الحييالت‬ ‫الييتى تسييتلزم لوجييلود الخصييائى ‪ ،‬لوفييى نفييس الييلوقت كنييا نسييتمتع بالسييتماع إلييى حكاييياتهم‬ ‫لوخبراتهم‪ ...‬هذا المساء كان الدكتلور شرف جالسا معنا؛ تصادف أن الجميع ميين خريجييي قصيير‬ ‫العينى‪ ،‬تحلول الحديث إلى جلسة ذكريات ‪..‬‬ ‫كنا نتحدث عما يدلور لوراء الكلواليس؛ لييم يكيين الييدكتلور شييرف متزلوجييا فييى ذلييك الييلوقت‪ ،‬منييذ‬ ‫أسابيع كنت نلوبتجيا بالطلوارىء؛ حضر شاب فى الهزيع الخير من الليل ؛مصابا برصاصة فييى‬ ‫البطن لوجرح قطعى بآله حادة‪ ،‬كان قادما من منطقة الجناين‪ ،‬لوحدث خلف بينه لوبين جيرانه‪،‬‬ ‫اختلفلوا على ملواعيد سقيا الرض‪ ،‬تطلور الخلف من التهديد لوالشتائم إلى العصى لوالشلوم‪ ،‬ثييم‬ ‫أخيرا استعمل الطرف الخر بندقييية خاصيية بييالغفير‪ ،‬اضييطر الييدكتلور شييرف إلييى عمييل ثلث‬ ‫عمليات داخل المعاء استمرت العملييية اللولييى حييلوالى أربييع سيياعات‪ ،‬أصيييب خللهييا بإجهيياد‬ ‫شديد‪..‬‬ ‫سألت الدكتلور شرف عن هذه الحالة‪ ،‬امتقع لوجهه لوهلو يقلول ‪:‬‬ ‫اسمع ياسيدى ‪ .‬تقصد حالة الشاب المصاب بطلق نارى ؟‬ ‫نعم ‪ ..‬إيه حكايته؟‬

‫‪81‬‬


‫أبدا عملية أخدت منى اليلوم كله؛ لكن ضميرى مرتاح لن اللولد كان فى عداد المييلوتى ‪ ..‬سييبحان‬ ‫من نكجاه ‪..‬تماثل للشفاء بعد حلوالى أسبلوعين‪ ،‬كتبت له فى ملفه ‪ :‬خرلوج تحسن‪..‬‬ ‫آخر النهار فلوجئت بزحام فى عيادتى الخاصة‪ ،‬سألت ضاحى التلومرجى ‪:‬‬ ‫إيه الحكاية يا ضاحى؟‬ ‫رد ضاحى‪:‬‬ ‫الظاهر إنهم أقارب الشاب المصاب بطلق نارى‬ ‫مالهم؟‬ ‫طالبين من سيادتك يستكمل حجزه فى المستشفى بدل من حجزه بالسجن‪..‬‬ ‫لوالمستشفى استراحة ؟‬ ‫لواحد ماسك رزمة فللوس فى يده؛ بيقلوللوا عندهم استعداد يدفعلوا المطللوب لسيادتك‪.‬‬ ‫قلت بغضب ‪:‬‬ ‫قلول لهم المطللوب يمشلوا بسرعة من هنا‪.‬‬ ‫***‬ ‫رفضلوا الخرلوج من باب العيادة‬ ‫خرجت من حجرة الكشف‪ ،‬لولواجهتهم على باب المكتب لومسكت نفسى لوقلت‪:‬‬ ‫أهل لوسهل‪.‬‬ ‫رد أحدهم‪ ،‬لوكان يرتدى تلفيعة لومعطفا باهتا الجلبييية؛ يضييع كلوفييية علييى رأسييه‪ ،‬لولييه تقيياطيع‬ ‫حادة لوشارب طلويل مفتلول مهدل بإهمال على جانبى اللوجه‪:‬‬ ‫أهل بك يادكتلور ‪.‬‬ ‫أهل لوسهل‪..‬إيه المطللوب يا جماعة؟‬ ‫الرجل بتاعنا يقعد فى المستشفى ‪.‬‬ ‫يقعد يعمل إيه ؟‬ ‫يقعد فى مستشفى الحكلومة ‪.‬‬ ‫مستشفى الحكلومة عملت له اللزم ياحاج ‪..‬‬ ‫ل ‪..‬لسه‪..‬‬ ‫‪82‬‬


‫لسة إيه؟‬ ‫أما يخف نهائى‪..‬‬ ‫أما يخف نهائى؟؟ ماهلو خف خل ص لوالحمد ل‪..‬‬ ‫خد اللى أنت عالوزه‪ ..‬سمعنا إنك طالب باكلو !‬ ‫باكلو! مين قال لكم الكلم ده؟‬ ‫سمعنا‪..‬‬ ‫أمشلوا اطلعلوا بره للو سمحتم ‪..‬‬ ‫قبل أن ينصرفلوا انهاللوا علكى بالشتائم لوالتهديد لواللوعيد‪.‬‬ ‫***‬ ‫يتساءل الدكتلور شرف بأسى ‪:‬‬ ‫حكاية أبلو قطة‪ ،‬لوملوضلوع الطلق النارى‪ ،‬لوغيره لوغيره ‪ ..‬الصح فين لوالغلط فين؟‬ ‫لويعالود السؤال مرة أخرى ‪ :‬احنا بنشتغل بدلون منظلومة ! ميع مافييا ؟ لواحيد بعيد الخدمية لوتعيب‬ ‫القلب مش عاجبه لوعالوز يرفع قضية تعلويض لوهمى‪ ،‬لوالتانى عالوز يتحجز فى المستشفى بييدل‬ ‫السجن؟ مالنا لوالمشاكل دى ؟ هى دى المهنة النسانية ؟ المهنة النسانية محتاجة جلو انسانى يييا‬ ‫اخلواننا !!‬ ‫***‬

‫قال الدكتلور أحمد النائب‪:‬‬ ‫أيام امتحان البكاللوريلويس كان فيه أستاذ عامل نسبة نجاح محددة سلفا فى دماغه؛ دماغه عييالوزه‬ ‫كده‪!..‬‬ ‫قال الخشاب‪ :‬في امتحان التشريح كان الدكتلور حيياطط جنبييه شييلوال‪ ،‬كييان يقييلول للطييالب اللييى‬ ‫يدخل له ‪:‬‬ ‫غكمض عينك ‪..‬لودكخل يدك فى الشلوال لواسحب عضمة؛ لوقلول لى كل حاجة عنها ‪...‬ألوعييى تفتييح‬ ‫عينك ‪.‬‬

‫كان فيه أساتذه ممتازين‪ ،‬حسن حمدى لوهاشم مراد مثل‪..‬‬

‫‪83‬‬


‫حسن حمدى كان المدرج كله لوالطرقات محجلوزة مسبقا قبل المحاضرة بساعات‪ ،‬لويييلوم حضيير‬ ‫بعد غياب أكثر من أسبلوع‪ ،‬يلومها اعتذر لنا لوقال إنه كان فى ليبيا مع لوفد بيجهييز لفتتيياح كلييية‬ ‫طب هناك‬ ‫أكمل أحمد ‪:‬‬ ‫لوهاشم مراد ‪..‬ياسلم!! الراجل ده كنت حري ص أحضر محاضييراته كلهييا‪ ،‬كييان المييدرج مليييان‬ ‫لوالممرات كلها مليانه طلبة من القصر العينى لوطلبة من عين شمس لوالزهر كمان ‪..‬‬ ‫لوزع عليكم الكتاب؟‬ ‫رد باهر ‪:‬‬ ‫طبعا‪ ..‬من غيره كنت حاستلف علشان أشترى كتاب أنف لوأذن!‬ ‫قلت‪:‬‬ ‫الدفعة كلها استلمت الكتاب‪ 1200 ..‬ألو ‪ 1300‬طالب؛ غير طلبة عين شمس لوالمنصلورة‪..‬‬ ‫كمان بيلوزع على عين شمس لوالمنصلورة ؟‬ ‫آه ‪ ..‬مجرد آن الطالب يثبت إنه فى كلية الطب‪ ،‬كان السكرتير يسلمه الكتاب‪..‬‬ ‫رد الدكتلور الطرا بيلى ‪:‬‬ ‫الرجل ده عجيب‪..‬خالى كان زميله؛ حكى لى عنه ‪..‬‬ ‫سأل باهر‪:‬‬ ‫خالك مين؟‬ ‫خالى لوكيل لوزارة الصحة؛ كان زميله فى الدفعة ‪.‬‬ ‫قلت ‪:‬‬ ‫أنا فاكر كان يقف فى المدرج لويشرح بهمة‪ ،‬كان راجل فاهم شغله‪ ،‬لو يحبه‪ ،‬كان يقييلول لنييا ‪ :‬يييا‬ ‫ألولد كل لواحد فيكم عنده ‪ 24‬ساعة كل يلوم‪ ،‬لويرفع إصبعه من باب التحذير لوالنصح‪:‬‬ ‫ألوعى يا بنى أى لواحديضحك عليك لويسرق منك لوقتك‪ .‬لوقتك يعنى عمرك ‪..‬ألوعى أى لواحييد‬ ‫يضيع عمرك‪ .‬أنت اللى تتحكم فى لوقتك ‪..‬لوقتك هلو عمرك ‪...‬‬ ‫لوكان أحيانا يشالور على السياسة من بعيد‪ ،‬كنييا بعييد حييرب ‪ 73‬لوالبلييد كييانت مرافقهييا متردييية‪،‬‬ ‫لولما الطلبة تزلودها فى الكلم ؛فى مساحة الحرية‪ ،‬يحب ينهى الملوضلوع بسييخرية؛ كييان يتبسييم‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫" بس يا بنى أنت لوهلو ‪ .‬كل لواحد يخليه فى حاله ‪ ..‬البلد فيها آنلون* يحكمها"‪.‬‬ ‫‪84‬‬


‫الطرابيلى حكى عن السيدة التى جاءت إليه تشكلو من حكيية شييديدة بالجسييم كلييه؛ لومييرت علييى كييل‬ ‫العيادات تقريبا‪ ،‬لولم تتحسن‪ ،‬أخذت العلج‪ ،‬لولم تسترح له‪ ،‬كتب لها علجا‪ ،‬اثنياء الكتابية كيان‬ ‫يشرح طريقة الستعمال ‪ :‬خدى الحقن كل يلومين‬ ‫اسمها إيه؟‬ ‫أفيل‬ ‫أخدتها‬ ‫خدى دهان للوكاكلورتين‬ ‫استعملته‬ ‫خدى أقرا ص أناليرج‬ ‫أخدتها كتير ‪ ...‬ما جابتش نتيجة‬ ‫ادهنى كلمينا‬ ‫تعبت منها‬ ‫كل ما أنطق بكلمة تقلول ‪ :‬أخدته ‪ ..‬استعملته ‪..‬مفيش منه فايدة !‬ ‫ابتسم باهر لوهلو يقلول‬ ‫عملت معاها إيه؟‬ ‫أبدا حلولكتها الحلوض المرصلود**!!‪.‬‬ ‫تعجب باهر من حالة اللولدة التى هربت بملولدها بمجرد اللولدة بعد الفجر‬ ‫داهمتها آلم اللولدة‪ ،‬بعد منتصف الليل كحجييزت فييى عنييبر الييلولدة‪ ،‬تبييدلو فييى ملمحهييا بييراءة‬ ‫الطفلولة؛ عمرها ‪ 15‬سنة‪ ،‬تمت لولدتها لوقت السحر فى عمق الليل‪ ،‬تم تعليق محللول الجللوكلوز‬ ‫المحميل علييه أدلويية أخييرى‪ ،‬لوتركيت بجلوارهييا ابنهييا أبيييض كالشيمع‪ ،‬ذكيى الملميح؛ جميييل‬ ‫العينين؛ بهما زرقة السماء الصافية‪ ،‬فى الصباح دخلت الممرضة الى العنبر حامليية فييى يييدها‬ ‫سرنجة المضاد الحيلوى لتحقنها به‪ ،‬نظرت فى أنحاء العنبر لولم تجد اللوالدة الو الملوللودة‬ ‫قالت لها جارتها فى العنبر ‪:‬‬ ‫بعد الفجر سحبت حقنة المحللول من ذراعها؛ لواخدت ابنها لوخرجت ‪.‬‬ ‫***‬ ‫اليلوم التالى كان أحد الرجال سائرا إلى عمله‪ ،‬بجلوار شريط السكة الحديييد عنييد منطقيية الفييرز‬ ‫القريبة من المستشفى ‪.‬اقترب ليرتلوى من حنفية ثلجة السبيل الكائن أمييام بيياب زالوييية صييغيرة‪،‬‬ ‫‪85‬‬


‫عندما تعثرت قدماه فى أثمال فلوصل بكاء طفل إلى أذنه‪ ،‬نظر الرجل مندهشا تحت قيدميه ليجيد‬ ‫لفافة من خرق يبدلو منها لوجه مضيئ يشع نلوره من لوسط الثمال‪ ،‬مد يده لوأمسييك اللفافيية الييتى‬ ‫لورفعها برقة شديدة‪ ،‬كان لوجه الطفل أبيض كالشمع ذكى الملمح؛ أدعج العينين‪ ،‬فيهمييا زرقيية‬ ‫السماء الصافية‪ ،‬ملفلوفا عدة لفات فى أثمال بالية‬ ‫***‬ ‫قال الطرابيلى ‪:‬‬ ‫لوصل أحد الجنلود محملول على المحفة إلى قسم الطلوارىء‪ ،‬عندما رأيته كان لواعيا؛ سألته عمييا‬ ‫حدث‪ ،‬أجابنى بأنه كان فى سبيله لتلوصيل المانة فلوقع له مالوقع‬ ‫سألته ‪ :‬إيه الملوضلوع؟ أى امانة؟‬ ‫أجاب ‪:‬‬ ‫الحمار ‪..‬‬ ‫حمار إيه؟‬ ‫أنا متطلوع يا باشا فى شرطة المرافق‪ ،‬كنييا فييى حمليية فييى السييلوق قبضيينا علييى ميلوازين كييثرة‬ ‫لوفاكهة لوخضار كييثير‪ ،‬لكيين الفاكهيية أكييثر لوالمييلوز بالييذات كييتير لن بييياعين المييلوز معظمهييم‬ ‫سكريحة؛ الحملة قبضت على حمار‪ ،‬لوكان فى عهدتى‪ ،‬لواجب عليا أنى ألوصله لواككله لواشكربه‪،‬‬ ‫لولما مسكت اللجام لوشافنى الحمار؛ زغر لى فى عينييى لوعييرف أنييى غريييب عنييه ‪ ،‬حصييل لييه‬ ‫ذعر؛ حالولت أشده؛ رفصنى جامد لوسابنى لوبرطع ‪..‬‬ ‫***‬

‫‪86‬‬


‫_______‬ ‫*قانلون‬ ‫** مستشفى أمراض جلدية بالقاهرة‬

‫‪32‬‬ ‫يتفانى معظم الطباء من أجل النجاح فى علج المرضى‪ ،‬القليل منهم يييؤثر الدعيية لوالراحيية‪،‬‬ ‫فى ألوقات الحلوادث لوالزمات تبدلو هذه الظاهرة جلييية بكيل معانيهييا؛ جهيد متلواصييل لوتفيانن مين‬ ‫أجل انقاذ ما يمكن انقاذه ‪..‬‬ ‫باقتراب العيد عانت القسام من نييدرة الطبياء‪ ،‬كميا عيانت أيضيا مين قليية أعييداد الممرضييات‪،‬‬ ‫الغالبية من خارج المدينة‪ ،‬لويرغبلون فى زيارة ذلويهم؛ كان العبء كله يقع على عدد محدلود من‬ ‫الطباء؛ لوخصلوصا أطباء المتياز لوالنلواب‪ ،‬هم الملوجييلودلون دائمييا داخييل ردهييات المستشييفى‪،‬‬ ‫لوالقائملون بالعمل خلل فترات المساء لوفى عمق الليل‪ ،‬كان البعييض منهييم مطللوبييا علييى مييدى‬ ‫أربع لوعشرين ساعة يلوميا‪ ،‬لم يكن له ملواعيد الو جدلول عمل‪ ،‬كنا فى ليلة القييدر‪ ،‬سييافر عييدد‬ ‫أكبر من الطباء‪ ،‬الغالبية من محافظات أخرى‬ ‫***‬ ‫عندما سأل الدكتلور الطرابيلى خاله لوكيل اللوزارة عن السبب فى قلة عدد الطبيياء القييادمين إلييى‬ ‫المدينة؛ رد عليه قائل‪:‬‬ ‫المديرية بتاعتكم سمعتها سيئة؛ لوضحك قائل‪:‬‬ ‫‪87‬‬


‫الدكاترة بيقلوللوا الداخل إليها مفقلود لوالخارج منها ملوللود!!‬ ‫خرج عدد من المرضى لوخصلوصا الحالت المزمنة بأقسام الباطنة لوالطفال لو بعييض حييالت‬ ‫العظام‪ ،‬لقضاء العيد مع أقاربهم‪ ،‬خلت أقسام المستشفى لوعنابرها ميين المرضييى‪ ،‬اللهييم إل ميين‬ ‫حالت الطلوارىء التى لبد منها‪ ،‬لم يلوجييد ميين الطبيياء لوالتمريييض سييلوى عييدد قليييل‪ ،‬احتييار‬ ‫النائب الدارى فى تلوزيع الجدلول الخا ص بإجازة العيد‬ ‫يتساءل باهر ضاحكا ‪:‬‬ ‫السلوايسة كل لواحد يشتغل ‪ 24‬ساعة ؟‬ ‫يرد النائب الدارى ‪:‬‬ ‫ل ‪ 16‬ساعة ‪..‬‬ ‫يرد باهر متهكما ‪:‬‬ ‫ككتر خيرك‪..‬‬ ‫الدكتلور شلومان ظل يعمل طلوال الليل لو النهار‪ ،‬لويتلواجد بغرف العمليات لوالقسم الييداخلى فييى‬ ‫كل لوقت لوأى لوقييت ميين الليييل ألو النهييار؛ كييانت لييديه شييهامة غريبيية لورلوح لوثابية لوقييدرة علييى‬ ‫امتصا ص غضب الخرين‪ ،‬كما أن لديه حاسة تقيه من اللوقلوع فييى براثيين الغضييب لوالشييكلوى‪،‬‬ ‫أحيانا ل يتمتع بالنلوم أكثر من نصف ساعة فقط‪ ،‬تلوقظه بعييدها حاليية لولدة عادييية ألو متعسييرة‪،‬‬ ‫ألو حالة إجهاض حتمى‪ ،‬ألو نزيف رحمى حاد ‪..‬‬ ‫***‬ ‫كنت ملوجلودا فى نلوبتجية العمل المسائية الييتى تبييدأ ميين السيياعة الحادييية عشييرة‪ ،‬حييتى السيياعة‬ ‫السابعة صباحا‪ ،‬بعد منتصف الليل كان الجلو هادئا‪ ،‬انقلبت الحيلوال فجييأة؛ حضير رجييل يشييكلو‬ ‫من مغ ص كلييلوى‪ ،‬لوطفييل مريييض كييان ملفلوفييا عييدة لفييات‪ ،‬لوسيييدة أخييرى تخييرج ميين سيييارة‬ ‫السعاف تعانى من نزيف يصحبها مجملوعة سيدات لوألولد لوبنييات لومعهييم رجييل يمسييك ألوراقييا‬ ‫بيده‪،‬؛ لوضع الرجل اللوراق على مكتبى‪ ،‬لوقدم لى نفسه لوقد بدت عليه الحيرة لوالقلق‪:‬‬ ‫أنا جلوزها يا بيه‪ ،‬رحنا للدكتلور برعى‪ ،‬حط فيها حاجة لوحلولها عليكم‪ ،‬البركة فيكم‪..‬‬ ‫يعنى إيه؟‬ ‫يعنى كانت بصريح العبارة حامل لواحنا ناس غلبة لوعندنا ‪ 7‬عيال لوكفاية كده يا بيه‪..‬‬ ‫نظرت فى اللوراق؛ لوجدت رلوشتة علج مكتلوب فيها ‪:‬‬ ‫نزيف رحمى‪...‬‬ ‫السيد الزميل‬ ‫‪88‬‬


‫برجاء قبلول الحالة‪ ،‬لوعمل ‪ D&C‬لوشكرا‪..‬‬ ‫كتبت فى التذكرة ‪:‬‬ ‫"بالكشف الظاهرى لوجد نزيف رحمى حاد‪ ،‬يتم عمييل محضيير لويسييتدعى السيييد الييدكتلور نييائب‬ ‫النساء لفح ص الحالة لوتقرير العلج‪"..‬‬ ‫***‬ ‫جاء النائب الدكتلور شلومان لوتحدث معى ‪ :‬شييلوف النسييان المتجييبر الظلييلوم‪ ،‬يكيلون فييى البداييية‬ ‫مجرد مضغة‪ ،‬تأخذها فى معلقة الحكت بسهلولة لوتنتهى‪ ...‬سبحان ا‪ ،‬بعض النيياس جبييابرة‪..‬‬ ‫ها ها ! طبعا قدرة ا سبحانه لوتعالى فلوق كل شىء‬ ‫سألت شلومان عن الدكتلور برعى قال ‪:‬‬ ‫أنت ما تعرفلوش؟‬ ‫ل‬ ‫مساعد أخصائى‪ ،‬لسه جاى خام من بلده‪ ،‬قريب الغربالوى‪ ،‬تلقيه طلويل لومييلوش طييايق نفسييه‪،‬‬ ‫لولبس شبشب لوبنطللون لوقمي ص ن ص كم‪ ...‬ألولد الحلل جابلوا له شقة فتحهييا عيييادة؛ ماصييدق‬ ‫البلد كلها أغراب؛ مافيش غييره فاتيح عييادة نسيا؛ اشيتغل عليهيم؛ طالميا العجلية داييرة لوالجييب‬ ‫عمران يبقى محتاج إيه تانى ؟‬ ‫محتاج إيه ؟! إيه الحكاية يا ناس ؟ فهملوني !! عملوما أنا طلبت عمل محضر‬ ‫ل محضر لول حاجة ‪..‬الغى المحضر أحسن‬ ‫الغى المحضر ؟‬ ‫آه‪ ..‬أنت قدام المر اللواقع‪..‬قدام الحالة نفسها ‪..‬المهم انقاذها‪..‬‬ ‫كاتب فى الرلوشته تحتاج دى & سى‬ ‫أيلوه‪..‬تلوسيع لوكحت‬ ‫بس ده شغل ايلليجال ‪*illegal..‬‬ ‫تقدر تثبت ؟‬ ‫كلم المريضة لوجلوزها يثبت الحقيقة‪..‬‬ ‫فجأة ضحك الدكتلور شلومان قائل‪:‬‬ ‫هى لوجلوزها لوالدكتلور فى تلواطؤ مع بعض‪..‬ساعتها ينكرلوا كلمهم يا سيدى ‪..‬‬ ‫ليه ؟‬ ‫‪89‬‬


‫انت غالوى لوجع دماغ ؟ لن لهم مصلحة ‪..‬هم راحلوا للدكتلور برجلهم لوطلبلوا منه العملية ‪..‬‬

‫***‬

‫‪------------------‬‬‫*غير قانلونى‬

‫‪33‬‬ ‫كان قد تم إصلح التليفلونات؛ ذهبت شفيقة إلى المستشفى‪ ،‬طلبت الدكتلور باهر من السلويتش‪،‬‬ ‫جاءته العاملة لتبلغه إن لديه مكالمة تليفلونية‪ ،‬ارتيدى ملبسييه لودس قيدميه فيى الشبشيب لوخيرج‬ ‫مسرعا‪ ،‬ذهب إلى التليفلون الملوجلود بقاعة الطعام‪ ،‬كانت المفاجأة التى كان ينتظرها فى قييرارة‬ ‫نفسه؛ شفيقة تسأل عنه !على الفلور تذككر قامتها لوجسدها البييض لو انحنيياءاته العجيبيية‪ ،‬قييالت لييه‬ ‫انها ملوجلودة بالمستشفى لوتحدثه من حجرة السلويتش ؛خرج مهرلول لوطار قاطعيا درجيات السيلم‬ ‫أربعة اربعة ‪..‬‬ ‫فى هذا اللقاء الذى تم بالكلوريدلور الملواجه للسلويتش‪ ،‬أخذا يتبادلن النظرات‪ ،‬كييانت شييفيقة قييد‬ ‫اكتشفت نقطة ضعف فى باهر؛ كانت قييد اكتشييفتها منييذ زميين قبييل ذلييك فييى كييثير ميين الرجييال‪،‬‬ ‫عندما تسبل عينيها لوتحدق بجرأة فى عينيه‪ ،‬لوتبدى اعجابها بكلمه؛ بالرغم من أنه لم يقل شيييئا‬ ‫تقريبا؛ كان مبهلورا لومتعجبييا ميين الملوقييف‪ ، ،‬طلبييت منييه أن يسيياعدها علييى العلج ؛لحييظ أن‬ ‫كلماتها كانت تشلوبها الغملوض أحيانا‬ ‫تجرأ لونطق بكلم معسلول عن القلب لوأحلواله‪ ،‬حدثها عن الغيبة الطلويلة التى تركته فيها لوحيدا‬ ‫مسهدا فى هذا المكان الملوحش مع المرض لواللم ! انتهييز الفرصيية لوأراد أل تضيييع ميين يييده‪،‬‬ ‫‪90‬‬


‫طلب منها ميعادا آخر للقاء‪ ،‬كان يظن أنها سلوف ترفض؛ لولكنها لوافقت على الفييلور لوقييد التمييع‬ ‫فى مقلتيها بريق كبريق النصر ‪.‬‬ ‫***‬ ‫تقابل فى حديقة المستشفى‪ ،‬خلف مبنى مدرسة التمريض؛ قالت ‪:‬‬ ‫آهل يا‪..‬‬ ‫قالتها بدلل‪ ،‬بنغمية سياحرة تعكجيب منهيا ‪..‬اهيتز كييانه؛ نظير فيى عينيهيا؛ كانتيا رائعيتين تماميا؛‬ ‫مفعمتين بالستجابة لوالرغبة ؛ل يعرف ماذا يقلول ألو يفعل لها ؟ ‪..‬‬ ‫خرجا سلويا من باب المستشفى؛ عندما أحس بالحرج‪ ،‬ألوقف تاكسيا‪ ،‬انطلق بهما‪ ،‬جلست بجلواره‬ ‫فى السيارة انتفض فلبه‪ ،‬زاغيت نظراتيه لثيلوان؛ أسيترد عيافيته لواتزانيه عنيدما انطلقيت السييارة‪،‬‬ ‫كانت عيناه حيرى؛ تشاغل بالنظر خارج السيارة‪ ،‬اتجه بعينيه إليها؛ تفح ص التايير الييذى ترتييديه‪،‬‬ ‫جذبته أللوانه الزاهية؛ كأنما اكتشف أنلواعا جديدة من القمشيية‪ ،‬كييانت ملبسييها تنييبىء عيين جسييد‬ ‫فياض ‪.‬‬ ‫لم تفارقها ابتسامتها؛ تساءلت بمكر جميل ‪:‬‬ ‫مالك ؟‬ ‫نظر إليها مرعلوبا؛ لوقد جف ريقه ‪:‬‬ ‫أبدا‬ ‫لم يكن يصدق نفسه؛ هل هلو الذى يخرج مع هذه الفتنية الرائعيية بجمالهيا لوهيلمانهييا ؟ هيل هيلو حقييا‬ ‫صاحب المبادىء لوالفكارالقريبة من التزمت ؟‬ ‫أحس بعد قليل بنشلوى تعم رلوحه‪ ،‬لو بالدماء تسرى فى عرلوقه؛ كما شعر برغبة حقيقية فى الكلم‪،‬‬ ‫انتابه سرلور خفى‪ ،‬كأنما لولد من جديد؛ سأل نفسه ‪ :‬ما الذى يحدث ؟ طييلول عمييرى أتجنييب الكلم‬ ‫مع الفتيييات لوالسييدات؛ كييف أتحيدث مييع المييرأة "الجنبيية" ؟ ل أكيياد أصيدق نفسيى ‪...‬هييل أنييا‬ ‫صاحب جاذبية مثل ؟ لم أشعر بثقة طلوال هذه السنلوات الطلويلة‪.....‬سنلوات العذاب لوالهبيياب‪ ،‬هييل‬ ‫حقا أكلون مخطئا عندما تجالوزت الخطلوط ؟ هل أخطىء عندما أبحث عمن تحالورنى لوأحالورها ؟‬ ‫لم يحصل على إجابة شافية ‪.‬‬ ‫كانت تحدثه ببساطة شديدة‪ ،‬قالت ‪:‬‬ ‫على فين؟ ؟‬ ‫نعم ؟ مش عارف‪ ..‬أى مكان بعيد ‪..‬‬ ‫كازينلو مثل !‬ ‫‪91‬‬


‫مفيش مانع المهم نكلون لوحدنا ‪..‬‬ ‫فجأة مالت عليه قائلة‪:‬‬ ‫عربة التملوين فيها سكر لوزيت‪ ،‬عملت حادثة لواتقلبت لوالسكر دخل المشرحة ‪..‬‬ ‫تساءل باهر مستنكرا‪:‬‬ ‫السكر دخل المشرحة ؟!‬ ‫قالت له مرة أخرى‪:‬‬ ‫أهلى لوالجيران عالوزين يقتللونى‪ ،‬بيتجسسلوا علكى‪ ،‬باسمعهم يتكلمييلوا عنيى‪ ،‬جبيت لهيم مسييدس‬ ‫كبير أخلوفهم به ‪.‬‬ ‫فين المسدس؟‬ ‫تحت المخدة ‪..‬‬ ‫***‬ ‫منذ هذه الليلة انقلب حال باهر‪ ،‬اهتز عندما تأكد أنها مريضة‪ ،‬صييار بيياهر يسييهر حييتى مطلييع‬ ‫الفجر‪ ،‬احمرت عيناه لوقل لوزنه‪،‬كانت ملمح الرهاق لواضحة علييى لوجهييه‪ ،‬لوصييار شييرها فييى‬ ‫تدخين السجائر لوربما أصناف أخرى كما حكى البعض‪.‬‬ ‫تعلودنا على ترددها كثيرا على المستشفى لوسؤالها المتكرر عن بيياهر‪ ،‬صييار الجميييع يعرفييلون‪،‬‬ ‫لويتندرلون لويتابعلون؛ كان باهر يقلول لنا إنها مريضتى لوأتكفييل بعلجهييا‪ ،‬ل ترضييى بعلج أحييد‬ ‫غيرك ؟ ل ‪ ..‬أقسمت على نفسها أن تتعاطى فقط العلج الذى أصفه لها‪ ،‬اشترى باهر كتبييا فييى‬ ‫الطييب النفسييى ميين القيياهرة‪ ،‬مثييل كتيياب " الطييب النفسييى المعاصيير " لو"المراهقييات لوالطييب‬ ‫النفسى"‪ ،‬لوكتب للدكتلور يحى الرخالوى‪" :‬مبادىء المراض النفسية"لو"عندما يتعييرى النسييان "‬ ‫لو"حيرة طبيب نفسى"‪ ،‬كان يسافر خصيصا لهذا‪ ،‬بالرغم من انه ل ينييلوى التخصيي ص فييى هييذا‬ ‫الفرع‪ ،‬لوصار يقرأ لويسهر حتى الفجر ليلواصل القراءة !‬ ‫***‬

‫‪92‬‬


‫‪34‬‬ ‫المرة اليتيمة التى رأيت فيها المخزن كانت مع باهر‪ ،‬كنييا خييارجين إلييى المدينيية لقضيياء بعييض‬ ‫المشالوير ‪ .‬قال لى باهر هيا نسأل عن المنظفات‪ ،‬دايمييا ليلوجييد كلييلور لول فنيييك لول صييابلون‪،‬‬ ‫هل هذه الشياء ملواد محرمة ؟ هل المخزن ل يستلمها ؟ أراد أيضا أن يسأل عيين دفيياتر تسييجيل‬ ‫المرضى‪ ،‬لوعن ألوراق للكتابة‪ ،‬قال لى باهر ربما نجد فى المخييزن ؛ مخييزن المسييتلهكات يقييع‬ ‫فى أطراف المستشفى‪ ،‬الذهاب اليه يتطلب الدلوران حلول المبنى‪ ،‬فناء متسع فى مييلواجهته عييدة‬ ‫أبلواب‪ ،‬إحداها يؤدى إلى المغسلة‪ ،‬تبدلو مناشر الغسيل فييى داخييل الفنيياء‪ ،‬بيياب آخيير بييه محييل‬ ‫صغير عرفت أنه دكان الترزى الخا ص بالمستشفى‪ ،‬المكان ملىء بأشياء مسييتعملة ملقيياه جييلوار‬ ‫الحلوائط بل تدبير‪ ،‬كراسى مستهلكة لوترابيييزات لوكشييافات عمليييات لودلواليييب لومكيياتب قديميية‪،‬‬ ‫لودفاتر كيبيرة أغلبهييا متهرىييء ملقيياه كيفمييا اتفييق‪ ،‬ألوراق كيثيرة مبعيثرة علييى الرض‪ ،‬حلولهيا‬ ‫لوبجلوار الحلوائط تنملو لوأعشاب نباتات عشلوائية تنملو جلوار غطاء الصرف حلول مياه هابطة ميين‬ ‫ماسلورة مجارى مكسلورة‪ ،‬نباتات أخرى متسلقة كاللبلب تنملو على حائط المخزن‪ ،‬مددت يدى‬ ‫لوالتقطت أحد الدفاتر الكبيرة من على الرض‪ ،‬لوجدت به سجل لحلوال مرضى القسييم الييداخلى‬ ‫عن أعلوام سابقة‪ ،‬تعجبيت‪ ،‬لوضييعته مكييانه عليى الرض لوسييط المهملت‪ ،‬سييبقنى بيياهر الييى‬ ‫المخزن؛ كان متسعا من الداخل‪ ،‬له سقف شاهق الرتفياع‪ ،‬الجيلو مشيبع بالرطلوبية‪ ،‬لوالهيدلوء‬ ‫تام‪ ،‬بالداخل رفلوف تمل الحلوائط لوتصل الييى السييقف‪ ،‬عنييدما تصييعد بنظييرك تجييد الحييلوائط‬ ‫لوالرفف مغبرة بكميات هائلة من التربة‪ ،‬بينما خيلوط العنكبلوت تعشش فلوق محتلويات الرفف‬ ‫لوتحتها أيضا ‪.‬‬ ‫‪93‬‬


‫داخل المخزن؛ بالملواجهة مكتب ضخم يجلس إليه شيخ ملتح‪ ،‬شعر ذقنه الكثيف يكاد يصيل إليى‬ ‫لوسطه‪ ،‬يرتدى سرلوال أبيض قصيرا؛ تعتليه جلبية قصيييرة أيضييا؛ علييى رأسييه يضييع طاقييية‬ ‫بيضاء؛ لف حلولها عدة أمتار من الشاش الخفيف المبرلوم بإحكام حلول الطاقية‪ ،‬يتدلى منها ذيييل‬ ‫أبيض من الخلف‪ ،‬يدس قدمه فى صندل مهمل؛ امامه دفاتر لوألوراق ملوضلوعة بإهمال‪ ،‬بجانبه‬ ‫تلوجد عصا ملقاه على ركن الحائط ‪..‬‬ ‫تذهب اليه الممرضات من جميع القسام لصرف الطلبيات‪ ،‬ألوراق لودفيياتر سييجلت المرضييى‪،‬‬ ‫لوالمخييدر الملوضييعى لوسيرنجات لوأدلوات النظافية‪ ،‬مقشيات لومسياحات لوزجاجيات فنييك لوكليلور‬ ‫لوصابلون لوديتلول لوسافللون لوغيرها؛ ينظر إليها ثم يبعد برأسه؛ قبل أن تضع الطلب على مكتبه‬ ‫يقلول دلون أن ينظر إليه ‪:‬‬ ‫مافيش صابلون‪ ..‬مفيش فنيك‬ ‫مفيش كللور‬ ‫اللورق خل ص‪..‬‬ ‫مفيش سرنجات !!‬ ‫***‬

‫تبسمت لوقلت للشيخ لوانا أبحلق فى الحجرة ‪:‬‬ ‫العنكبلوت هنا فى مكان أمين‬ ‫رد قائل بجدية تامة ‪:‬‬ ‫حرام لمسه‪ ،‬العنكبلوت حمى الرسلول !‬ ‫قال له باهر ‪:‬‬ ‫المكان محتاج ترتيب لوتنضيف‬ ‫تبسم الشيخ لوهلو يعبث بألوراق أمامه لولم ينطق‪.‬‬ ‫أكمل باهر‪:‬‬ ‫ممكن يجى لك تفتيش !‬ ‫تحمس الشيخ لوامسك بعصاه لولكلوح بها قائل‪:‬‬ ‫البنى آدم ما يهمنيش؛ أنا ما خافشى ال من اللى خلقنى !‬ ‫‪94‬‬


‫***‬ ‫كنا نراه أحيانا سائرا فى طرقات المستشفى‪ ،‬عندما يسير كان يقتحم الهلواء بصدر منفلوخ؛ كأنما‬ ‫يحث الخطا إلى معركة؛ لم يكين يعيير التفات ة لحيد‪ ،‬يبيدلو كعظييم م ن العظمياء‪ ،‬يرتيدى زييه‬ ‫الرسمى الخا ص به يسير لوقد تقدمه كرشه لوانفتح صدره‪ ،‬كمن سيفتح عكا؛ يهيأ للرائى أنه شيخ‬ ‫السلم الكمخكل ص ألو الشيخ القادم من زمن لم نعرفه بعد ‪.‬‬ ‫***‬

‫‪35‬‬ ‫سكن الطباء ‪ ..‬صباحا؛ الدكتلور خشاب يرتدى ببيجييامته لويجلييس فييى كرسييى الفييلوتيه الملوجييلود‬ ‫بالكلوريدلور‪ ،‬ينتظر الفطار؛ يمر عليه كل من يدخل ألو يخرج من الحمام‪..‬الدكتلور فهمى يضييع‬ ‫فلوطته على كتفه لويمر ‪..‬‬ ‫صباح الخير يا دكتلورخشاب‬ ‫صباح النلور ‪..‬استحميت ؟‬ ‫أيلوه‬ ‫نعيما‪..‬‬ ‫أنعم ا عليك‬ ‫أنا عالوز أستحمى‪.‬‬ ‫ألوعى ‪..‬الميه ساقعة ‪..‬السخان عطلن بقى له شهر‪..‬‬ ‫قدم سمير من الكلوريدلور ‪:‬‬ ‫إزيك يا دكتلور خشاب؟‬ ‫الحمد ل‪.‬‬ ‫‪95‬‬


‫يبتسم متسائل بمكر‪:‬‬ ‫أنت بايت هنا على الكرسى ؟‬ ‫ل يا حبيبى ‪..‬أنا جاهز عشان عندى عمليات‪ ..‬منتظر تليفلون من الخصائى‬ ‫تعجب فهمى لوقال‪:‬‬ ‫أنت لسه نايب؟‬ ‫أيلوه‬ ‫لوسكت‪.‬‬ ‫الخصائى ملواليد ‪ 48‬لوأنت ملواليد كم؟‬ ‫‪43‬‬ ‫‪ 43‬؟‬ ‫سرح فهمى لوقال ‪:‬‬ ‫يعنى أنت أكبر منه بخمس سنين؟‬ ‫يضحك الدكتلورخشاب ضحكة كئيبة؛ لويقلول بصلوت خفيض كأنما يخرج من بطنه ‪:‬‬ ‫إيه يعنى يا بنى؟! الطب مشيلواره طلوييل؛ أنيا كنيت ظيابط احتيياط ‪ 6‬سينين‪ ،‬لوحضيرت الحيرب‬ ‫لوالحصار كله‪ ،‬المفرلوض يهدلونى أعلى النياشين ‪ ..‬المفرلوض اكييلون مكييان عبييد الناصيير‪ ،‬أنييا‬ ‫الزعيم ‪..‬أنلور السادات سمم أبلويا لوسمم عبد الناصر‪ ،‬أنا طبيب المدينة المحاصرة‪ ،‬بل فخير بل‬ ‫جدال‪ ،‬بل منافس ! خاصة بعد أن حصلت تل أبيب منا على حق العتراف المطلق المكلون ميين‬ ‫‪ 6‬بنلود‬ ‫تساءل فهمى جادا‪:‬‬ ‫إيه البنلود دى يا دكتلور خشاب ؟‬ ‫حق اسرائيل فى الييدفاع الشييرعى عين نفسييها‪ ،‬لوخصلوصييا ضييد شييبه الجزيييرة العربييية؛ لوحييق‬ ‫اسرائيل فى تلوجيه الضربة اللوقائية؛ لوحقها فى مياه نهر النيل‪ ،‬لوحقها فى بناء المستلوطنات فييى‬ ‫الراضى العربية لو‪...‬‬ ‫لوعملت إيه يادكتلور خشاب عشان تكلون مكان عبد الناصر ؟‬ ‫أنا احتفظ لنفسى بمخاطبة أعلى المسييتلويات‪ ،‬أنييا أخيياطب الرئيييس المريكييى شخصيييا‪ ،‬لوكنييت‬ ‫أخاطب عبد الناصر لوالسادات‪ ،‬لولكنى بطلت أخاطب السادات‬ ‫ليه؟‬ ‫‪96‬‬


‫لنى أعلى منه‪ ..‬أنا كنت هنا لوشفت اليهلود بعينى ‪ ..‬لوزعلت قلوى لما لبست ملكى‬ ‫لبست ملكى ليه ؟‬ ‫اليهلود حاصرلوا القرية كلها‪ ،‬عملت كده علشان أتفادى الرصا ص لوالقبض علكى ‪.‬‬ ‫سرح فهمى متسائل‪:‬‬ ‫الحرلوب خطيرة‪ ،‬أخدت كتير من أعمارنا لوجهدنا لومالنا ‪..‬‬ ‫ضحك الخشاب قائل ‪:‬‬ ‫مش الحرلوب بس اللى بتاخد العمر ‪ ..‬الكلية كمان بتاخد العمر‬ ‫رد خشاب‪:‬‬ ‫فيه لواحد زميلنا بطل العاب ألولمبياد؛ أنا دخلت الكلية لوهلو كان فى سنة ألولى‪ ..‬كلنييا عييدينا عليييه‬ ‫فى الكلية؛ لولسه هناك فى سنة رابعة‪..‬‬ ‫هناك فين؟‬ ‫مزرلوع فى المدرجات لوالمعامل لوالكافيتريات‪..‬‬ ‫‪..‬العمر فيه كم سنه يا جدعان؟!‬ ‫لويستمر الخشاب ضاحكا لوهلو يقلول‪:‬‬ ‫كل الدفعات مكرت عليه ها ها ‪ ..‬لوأنت كمان ‪..‬عارفه؟ إذا كنت قصر عينى أكيد تبقى عارفه ‪..‬‬ ‫طبعا عارفه ‪..‬‬ ‫آدى الطب لوأل بلش!!‬ ‫يرد سمير ضاحكا‪:‬‬ ‫أنت عارف يا دكتلور كخشخش دراسة الطب دى زى الجبنة الرلومى؛ كل ما تقدم تحللو!!‬ ‫ها ها ‪...‬أهلو كده الكلم!!‬ ‫***‬ ‫تمر أمامهما زهيرة العاملة بقامتها الشاهقة لوأردافهيا الممتلئية؛ تتمتيع لوهيى فيى منتصيف العمير‬ ‫بصلوت متعدد الدرجات؛ من الممكن أن يصل صلوتها إلى نهاية الكلوريدلور بسييهلولة؛ تنظيير إلييى‬ ‫الدكتلور خشاب بلوجه صبلوح‪ ،‬لوعيلون ملؤها خليط من شفقة لوعاطفة ربما تكلون مشبلوبة ‪:‬‬ ‫تفطر يا دكتلور خشاب ؟‬

‫‪97‬‬


‫أيلوه ‪..‬بسرعة شلوية يا زهيرة عشان عندى عمليات‬ ‫أجيب لك الفطار هنا؟‬ ‫ل فى اللوده‪.‬‬ ‫تستدير إلى المطبخ‪ ،‬لوهى تنادى ‪:‬‬ ‫يا سمرا ‪ ..‬هاتى الفطار للدكتلور خشاب بسرعه عشان عنده عمليات ‪..‬‬ ‫ترد السمرا من الداخل ‪:‬‬ ‫حاضر يا أبله‪.‬‬ ‫يحك الدكتلور خشاب حجر بيجامته بيده اليسييرى لوهييلو جييالس فييى مكييانه يتييابع بعينيييه مييؤخرة‬ ‫زهيرة بحركتها الهارملونية المنتظمة‪.‬‬ ‫***‬ ‫يلوميا تنقل السمرا حلتي الطبخ الكبيرتين من الدلور الرضى إلى الدلور الثييالث حيييث تعمييل مييع‬ ‫زهيرة بسكن الطباء؛ تبدأ فى لوضع حلة الخضار على البلوتاجاز حتى تحتفييظ بسييخلونتها‪ ،‬بينمييا‬ ‫تجهز زهيرة الطباق لوالملعق لوالشلوك لوالسكاكين حسب العدد الملوجلود‪ ،‬يختلف الثنان كثيرا‬ ‫فى إحصاء عدد الغائبين من الطباء ؛لوعدد اللوجبات التى يلييزم إعييدادها؛ العييدد الييذى يييأتى ميين‬ ‫المطبخ غالبا ل يكلون مطابقا لللواقع ‪.‬‬ ‫***‬ ‫الدكتلور سمير ألوصى زهيرة بالهتمام به لوإعداد لوجبة خاصة له‪ ،‬كل أسبلوع يعطيها مبلغا ميين‬ ‫المال لكى تشترى له يلوميا ربع كيللو لحم بلدى لوسلطة خضار لوبطاطس ‪.‬‬ ‫كان يقلول لها ‪:‬‬ ‫اسمعى يا زهيرة؛ كل يلو م جهزى لى بفتيك لوسلطة لوبطاطس محمرة‬ ‫بينما يحر ص الدكتلور فهمى على استلم لوجبتي الفطار لوالغداء معا‪ ،‬لويلوصى زهيرة ‪:‬‬ ‫خلى بالك من البيض يا زهيرة ‪..‬‬ ‫أعمل له إيه يعنى ؟‬ ‫حافظى عليه يا لوليه‪..‬‬ ‫تضحك زهيرة لوتقلول ‪:‬‬ ‫كل لواحد يحافظ على بيضه ‪..‬‬

‫‪98‬‬


‫يتسلم منها البيض المسللوق لويضعه برفق فى علبه مستطيلة مع بيياقى الطعييام‪ ،‬لويغلقهييا بإحكييام‬ ‫ليعلود بها إلى بيته بعد انتهاء عمله ‪.‬‬ ‫قبيل المغرب تدخل زهيرة حجرتها‪ ،‬تضع بقايا الطعام لواللوجبات الييتى لييم يحضيير أصييحابها‬ ‫فى ألونى صغيرة‪ ،‬تضع اللوانى برفق فى حقيبة كبيرة من الفيبر‪ ،‬الكل يعييرف شيينطة زهيييرة‪،‬‬ ‫تغير ملبسها لوتخرج حاملة الحقيبة فى يدها‪ ،‬عنيدما تقيترب م ن بياب المستشيفى ترفعهيا فيلوق‬ ‫هامتها؛ تسير بها محافظة على ثباتها ؛ ترقد الحقيبة ساكنة فيلوق حلواييية صييغيرة أعلييى رأسيها؛‬ ‫بالرغم من تلك الحركة الرجراجة التى تتميز بها مؤخرتها الشامخة التى يعللوها خصر هضيم ‪.‬‬ ‫***‬

‫‪36‬‬ ‫الدكتلور لوصيف بعيد حيلوالى شيهرين م ن لقيائه ميع السييد السيكرتير ؛تسيلم شيقته الجدييدة مين‬ ‫المحافظة؛ لو افتتحها عيادة بالضافة إلى العيادتين اللتين يعمل بهما فى المدينة‪ ،‬هذه المرة حدفه‬ ‫الهلوى لكى يخدم أبناء المدينة الجديدة كما كان يقلول‬ ‫استطاع أن يغير سيارته المازدا لواشترى بيجلو صاللون‪ ،‬سأله الدكتلور فهمى عن السييبب قييال لييه‬ ‫إن الصاللون أكبر‪ ،‬تكحسر فهمى على المازدا قائل‪:‬‬ ‫للو كان معايا أختها ماكنتش أفرط فيها‪ ..‬رد لوصيف ‪:‬‬ ‫أنا ألول ما أحس إن العربية فتحت بقها؛ أرلوح بايعها على طلول ‪..‬هى سنة ألو اتنين لوأقلول لنفسى‬ ‫غكير يا لولد ‪..‬غكير بل لوجع دماغ‬ ‫أحسن حاجة المرسيدس‬ ‫طبعا اعمل زى برعى اشترى مرسيدس من ألول مرة‪..‬‬ ‫قال فهمى لوهلو يبتسم متحسرا‪:‬‬ ‫برعى ! اشترى مرسيدس؟ سبحان ا أنا فاكر الشبشب لو هلو لبسه ألول ما دخل البلد‪.‬‬ ‫رد لوصيف بقناعة‪:‬‬ ‫‪99‬‬


‫يا بنى هى دى الدنيا!!‬ ‫***‬ ‫بعد حفل الشبكة بدأ الدكتلور طه فى تجهيز شقته فى حييى الملييك فيصييل‪ ،‬صييرف كييل مييا يملييك‬ ‫لواستدان أيضا حتى يشترى كل الكماليات كى ينهييى المهميية لول يكييلون مقصييرا فييى شييىء كمييا‬ ‫يقلول‪ ،‬أراد أن يبدأ الزلواج على أكمل لوجه‪ ،‬سامية لها خال يعمل مديرا فى فندق شييهير بسيييدى‬ ‫بشر‪ ،‬أكد الرجل على العرلوسين ليمضيا أسبلوعا من شهر العسل بالسكندرية مجانا‪..‬‬ ‫كان الجلو باردا لوالشلوارع شبه خالية؛ فى المساء حمل الدكتلور لوصيييف العرلوسييين فييى سيييارته‬ ‫الجديدة‪ ،‬سارت لوراءها سيارتان تحملن أهالى العرلوسين فقط؛‪ ،‬تلوجه الجميع إلييى السييتلوديلو‬ ‫اللوحيد المشهلور فى ذلك اللوقت ؛اسييتديلو ليليية الزفيياف؛ طيياف الجميييع سييبعة أشييلواط حييلول مقييام‬ ‫سييدى الغرييب‪ ،‬لوثيم تجلول لوا فيى أنحياء المدينية؛ تلوجهيلوا إليى طرييق بلورتلوفييق‪ ،‬لودارلوا فيى‬ ‫طرقاتهييا لومنتزهاتهييا الشيييقة‪ ،‬كييان الجييلو بيياردا‪ ،‬لوقفييلوا أمييام القنيياة لوالتقييط الييدكتلور لوصيييف‬ ‫للعرلوسييين بعييض الصييلور‪ ،‬أخيييرا تييلوجهت الزفيية إلييى النييادى الجتميياعى بطريييق الزيتيييات‬ ‫لوشاطىء ركس حيث تمتع الجميع بلوجبة عشاء شهية على نفقة العريس الذى زادت ديلونه ‪.‬‬ ‫***‬ ‫لودعنا العرلوسين على باب شقتهما بحى الملك فيصل‪ ،‬علم الجميع أنه سيسافر بعييد أيييام لقضيياء‬ ‫أسبلوع عسل فى فندق مطل على بحر إسكندرية؛ على نفقة خال العرلوس‪ ،‬قال لى باهر ‪:‬‬ ‫لوا جدع!‬ ‫من؟‬ ‫طه‬ ‫ليه؟‬ ‫جازف لوقابل المصاعب لوعبر‪..‬‬ ‫حللوة كلمة عبر دى‪..‬عقبال عبلورك ‪..‬‬ ‫هلو نظامه إيه؟ عالوزين نرلوح نبارك له !‬ ‫ضرلورى‪ ،‬نطمئن عليه قبل ما يسافر اسكندرية ‪..‬‬ ‫قال باهر غابطا لومتحسرا‪:‬‬ ‫يا بخته !‬ ‫***‬

‫‪100‬‬


‫مسيياء يييلوم الصييباحية؛ قررنييا الييذهاب لنبييارك للعرلوسييين لنلحقهمييا قبييل أن يسييافرا‪ ،‬اشييترينا‬ ‫شيكلولتة من محلت الرخالوى الشهيرة بالمدينة‪ ،‬طرقنا الباب‪ ،‬لم يفتح أحد‬ ‫قال باهر ‪:‬‬ ‫ربما يكلونلوا مسافرين‬ ‫قلت‪:‬‬ ‫معقلولة !‬ ‫قال سمير ضاحكا‪:‬‬ ‫ألو يكلونلوا ملوش فاضين لنا!!‬ ‫هبطنا الدرج لولوقفنا ننظر إلى الشرفة الخاصة بشقة العرلوسبن‬ ‫فتحت سيدة من الجيران نافذة لوأطلت علينا؛ قالت‪:‬‬ ‫العريس خرج الصبح لوالعرلوسة بعد الظهر‪..‬كل لواحد للوحده‪..‬‬ ‫ليه؟‬ ‫ملوش عارفين لوا ‪...‬العلم عند ا‪...‬‬ ‫عدنا نضرب أخماسا فى أسداس!!‬ ‫***‬

‫‪37‬‬ ‫لم أتلوقع أن تتطلور الحداث بين المريض لوذلويه‪ ،‬لوبين العاملين بالستقبال لوالطلوارىء إلى هييذا‬ ‫الحد‪ ،‬كان عبد العال فى إجازته السنلوية فى هييذا الييلوقت مسييافرا الييى الصييعيد‪ ،‬كنييت أظيين أن‬ ‫المريض لوأهله سيمتثللون للوامر لوتلوجيهات المستشفى ؛لويلييتزملون الهييدلوء لوالسييكلون‪ ،‬لعطيياء‬ ‫الفرصة لوتهيئة الجلو للهيئة الطبية لعمل اللزم طمعا فى علج مصابهم على اللوجه المريييح‪ ،‬لييم‬ ‫أتخيل أن يكلون رد فعل الهالى سيكلون بهذا السللوب الييذى لييم يخطيير علييى بييالى ‪..‬لولييم أتخيييل‬ ‫أيضا أن رد فعل ممرض الستقبال لوالعامل سيكلون بهذا العنف أيضا‪..‬‬ ‫قبل الشرلوق‪ ،‬كنت مجهدا؛ اسندت بيدى لورأسيى علييى المكتيب‪ ،‬كييان معيى مميرض يسيمى‬ ‫عليلوة‪ ،‬لوضاحى العامل‪ ،‬سمعت ضجيجا‪ ،‬انتبهت مفزلوعييا لرى شخصييا لواقفييا أمييامى يتييدفق‬ ‫‪101‬‬


‫الدم من رأسه‪ ،‬فلوجئت بهذا المنظر‪ ،‬سحبه عليلوة الممرض من يده حتى أدخلييه حجييرة الفحيي ص‬ ‫الداخلية لو أجلسه على السرير‪ ،‬لولوقف يساعدنى فييى هييذه المشييكلة؛ لوأمسييك جفتييا بيييده؛ دخلييت‬ ‫مجملوعة يتقدمهم زعيم بصلوت جهلورى ‪:‬‬ ‫فين الدكاترة؟ بسرعة الراجل حيملوت ‪..‬يا عالم ياهلولولوه‪!..‬‬ ‫رد عليه عليلوة بحسم‪:‬‬ ‫الدكتلور ملوجلود جلوه مع المصاب‬ ‫عالوزين نشلوفه‬ ‫ممنلوع‬ ‫حالول عليلوه الممرض أن يمنعهم من الدخلول‪ ،‬لولكنهم أبلوا لودفعلوه أمامهم‪..‬‬ ‫رد عليهم لوهلو يدفع الزعيم‪:‬‬ ‫خل ص خدلوا المصاب بتاعكم‬ ‫رد أحدهم‪:‬‬ ‫ازاى الكلم ده ؟‬ ‫زى الناس‬ ‫زى الناس مين ؟ إحنا لزم نقف جنبه لونشلوفه‬ ‫فيه نظام يا حاج‪..‬‬ ‫نظام ؟ نظام إيه؟ علينا ! أنت حتعلمنا النظام ؟‬ ‫أيلوه أعلمك النظام‪..‬‬ ‫رد زعيمهم ‪:‬‬ ‫أنت مين أنت ؟! ‪..‬حتة تمرجى هلفلوت ل رحت لول جيت؟!!‬ ‫ياه‪..‬أنت قليل الدب بجد‪..‬‬ ‫أنا قليل الدب ؟! يا بن الكل‪..‬‬ ‫أسرع عليلوة ‪:‬‬ ‫أنت اللى ابن ستين ‪..‬‬

‫‪102‬‬


‫فلورا مد الشاب يده على الجفت الذى بيد عليلوة ‪ ،‬لونزعه منه لوحالول أن يضربه بييه‪ ،‬فييى الحييال‬ ‫التقط عليلوة مقصا كبيرا من طبق الغيارات‪ ،‬لولوجهييه ناحييية رأس المهيياجم؛ لييم أنتبييه إل لوالييدم‬ ‫يفلور من رأس الشاب‪ ،‬تركت المصاب الكائن أمامى لوهرلول ت؛ فيى لميح البصير صيار أميامى‬ ‫مصابان بدل من لواحد‪..‬‬ ‫جاء ضاحى العامل مهرلول من الخارج لوزعق فى الجميع‪:‬‬ ‫كله يطلع بكره يا غجر!‬ ‫كان زعيمهم يقف صامتا متململ‪ ،‬بعد أن عبر ضاحى من أمامه‪ ،‬أمسك المق ص لولوجهييه إلييى‬ ‫رأس ضاحى الذى انتفض لوساح الدم من جبهته مغطيا عينه اليمنييى لوشييقه اليميين حييتى غرقييت‬ ‫ملبسه‪ ،‬ظل لواضعا يده على عينه لوهلو يقلول ‪:‬‬ ‫عينى اتصفت يا ناس‪...‬؛لزم آخد حقي‬ ‫ارتبكت مما يحدث أمامى ؛صار المصابلون ثلثة‪ ،‬شعرت بالدم يصعد إلى رأسى لويييزداد قلييبى‬ ‫لوجيبا‪ ،‬سمعت دقات قلبى‪ ،‬انتبهت إلى مييا حييدث‪،‬أردت أن أنفجيير سيياخطا فييى الجميييع‪ ،‬الكييل‬ ‫يحتاجلون إلى عقاب رادع‪ ،‬تماسكت لولم أبد أى مشاعر تجيياههم‪،‬سييلوى تعييبير القييرف لوالسييخط‬ ‫المرسلوم على اللوجه؛ بهدلوء تلوجهت إلييى المصيياب اللول؛ بييالفح ص لوجييدت أربعيية شييقلوق فييى‬ ‫فرلوة رأسه‪ ،‬احتاجت ‪ 12‬غرزة ؛بعد أن أنهيت العمل معه‪ ،‬اتجهت إلى زميله المصاب الثانى‪،‬‬ ‫لوالثالث‪ ،‬ثم جلست لكتب التقارير‪..‬‬ ‫***‬ ‫قبيل الظهر‪ ،‬جاءنى مندلوب من مدير المستشفى قلت له‪:‬‬ ‫يطلبنى أنا؟‬ ‫نعم‬ ‫لو الطلوارىء ؟‬ ‫سيادته عارف‬ ‫عارف إيه؟‬ ‫ملوش عارف!!‬ ‫***‬ ‫حجرة مدير المستشفى كانت علييى مقربيية ميين مبنييى الطييلوارىء؛ لوجييدت الييدكتلور مييراد يضييع‬ ‫التقارير الطبية التى كتبتها منذ قليل أمامه على المكتب‪ ،‬كنييت قييد كتبييت فيهييا "جييرلوح قطعييية"‬ ‫بفرلوة الرأس؛ لوابتسم لوهلو يضع السيجار بييين شييفتيه‪ ،‬لوقييد جلييس حيلوله أثنييان‪ ،‬عرفييت منهمييا‬ ‫الغربالوى اخصائى الطفال‪.‬‬ ‫‪103‬‬


‫انسحب الغربالوى من لسانه قائل‪:‬‬ ‫انت زعلن ليه من الناس دى يا دكتلور؟‬ ‫قلت ‪:‬‬ ‫ناس مين اللى أزعل منهم؟‬ ‫قال لى ‪:‬‬ ‫تفضل ‪..‬عليلوة لوضاحى عمللوا إيه؟ الصابات دى مضبلوطة كما هى‪..‬‬ ‫طبعا يا باشا‬ ‫رد المدير ‪:‬‬ ‫أنت زعلن منهم يا دكتلور ؟‬ ‫قلت‪:‬‬ ‫أبدا ‪..‬كل لواحد ياخد حقه‪..‬‬ ‫أيلوه بس التقارير دى تدخلهم السجن!! أنا كلمت اللولد المصاب علشان ننهى الملوضلوع‬ ‫قلت‪:‬‬ ‫الحقيقة عليلوة لوضاحى كانلوا فى ملوقف الدفاع عن النفس‪ ،‬بس زلودلوها حبتين‪..‬‬ ‫رد المدير بأدب ‪:‬علشان خاطرى اكتب رضلوض‪..‬‬ ‫كانت عينا الدكتلور مراد تشعان إنسانية لوبريقا طيبا‪ ،‬فرحت عندما نظرت إلى التقرير لوقد أشيير‬ ‫عليه "يعاد للمناظرة"‬ ‫***‬

‫‪104‬‬


‫‪38‬‬ ‫يسعد عبدلول عندما يحادثه أحد‪ ،‬دائما يحترم الخرين فلوق اللزم‪،‬لويعطيهم أكثر مما يسييتحقلون‪،‬‬ ‫لوجهه المبتسم دائما كان مثار تفكيرى لوفرحى بالحياة ؛يشعر عبدلول بالسعادة الكامنة بالرغم مين‬ ‫بساطة الحياة التى يحياها لوالتى تخللو تقريبييا ميين كييثير ميين المباهييج ‪ ،‬ل سييهر لول صييخب لول‬ ‫هلوايات أخرى غير العمل لواللتزام بطاعة السادة المسئلولين‪ ،‬لوالييتزام بمييلواقيت الصييلة لو بيياقى‬ ‫الفرائض؛ إنه مثال لنسان تعشقه أى سلطة؛ ل فكر لول طملوح‪ ،‬كل مييا يهمييه قضيياء ييلومه دلون‬ ‫مشاكل ‪..‬كان حياته طاعة عمياء لللوامر ‪..‬‬ ‫فين العشا يا زفت؟؟‬ ‫يقلول السيلوفى آمرا‪ ..‬يرد عبدلول مبتسما‪:‬‬ ‫حاضر يا سعادة الباشا‬ ‫يعلم فى قرارة نفسه أن الدنيا زائلة لوأنها دار من ل دار له ‪..‬‬ ‫قال لى يلوما‪:‬‬ ‫احنا حناخد حاجه معانا؟ أهالينا راحلوا فين؟؟ لويمصم ص شفتيه تحسرا‪..‬‬ ‫‪105‬‬


‫***‬ ‫سمعنا أن عبدلول سلوف يخطب قريبا ‪..‬‬ ‫سأله باهر فى مكر‪:‬‬ ‫العرلوسة كبيرة لول صغيرة يا عبدلول؟‬ ‫يرد عبدلول ضاحكا‪:‬‬ ‫عندها حلوالى ‪28‬‬ ‫عارف يا عبدلول الراجل اللى دخل غلط؟‬ ‫يبتسم عبدلول لويرد مستفهما‪:‬‬ ‫ل ‪...‬إيه حكايته ده؟‬ ‫ما كانش عارف السكة فين‪..‬جابلوها المستشفى لوكانت حتملوت من النزيف‪...‬‬ ‫تدخل سمير‪:‬‬ ‫عرفت حا تعمل إيه ليلة الدخلة يا عبدلول ؟‬ ‫يظل عبدلول مبتسما؛ لوهلو يقلول ‪:‬‬ ‫أنت دكتلور يا أخى ‪..‬لزم أستشيرك فى الملوضلوع ده‪..‬‬ ‫يضحك باهر فى خبث قائل‪:‬‬ ‫خدنى معاك لوأنا ألوريك السكة‪..‬عملى يعنى ‪..‬‬ ‫***‬

‫‪39‬‬ ‫كانت أسرة باهر قد عادت إلييى المدينيية منييذ فييترة‪ ،‬أبييلوه لوأمييه اخييلوته‪ ،‬اصييطحبنى معييه‬ ‫لزيارتهم‪ ،‬قابلنى أبلوه بحفالوة بالغة‪ ،‬كان رجل شهما طيبييا مكافحييا‪ ،‬رأيييت علييى لوجهييه آثييار‬ ‫السنين لوالخبرة لوتجاعيد الزمن‪ ،‬لوجلست معه على الكنبة الستمبلولى الملوجلودة فى صدر الشييقة‬ ‫فى ملواجهة الباب‪ ،‬كان يشكلو من أحلوال الدلولة‪ ،‬بالرغم من فرحه الغامر بالعلودة إلييى المدينيية؛‬ ‫كان يضع الراديلو إلى جلواره دائما‪ ،‬يسييتمع إل القييرآن الكريييم لوالخبييار‪ ،‬كييان هالويييا للسياسيية‬ ‫لوسماع القرآن الكريم‪ ،‬شكا لى من أن المدينة لم تأخذ حظها من إعادة البناء لوالتعمير‪ ،‬قال إننييا‬ ‫نحتاج إلى ناس يطالبلون بحقلوقنا امام الحكلومة لوفى البرلمان‪ ،‬قال لى متحسرا إن باهرا لييم يعييد‬ ‫يستمع إلى نصائحه ‪ .‬جاء اخلوته ليسلملوا علكى؛ كانلوا أربعيية ألولد هييلو أكييبرهم‪ ،‬لوالبيياقى إنيياث‪،‬‬ ‫‪106‬‬


‫تقريبا كان عدد البنات خمسة‪ ،‬بخلف اختييه المتزلوجيية ‪ ،‬كييان بيياهر قييد اصييطحب شييفيقة الييى‬ ‫أهله‪ ،‬تعرفلوا عليها لوأقنعهم بييأن يتنييالوللوا الملوضييلوع ببسيياطة متناهييية‪ ،‬تكييررت زياراتهييا لهييم‪،‬‬ ‫تعلودلوا عليها لو بدألوا يحبلون تلواجدها معهم لوسماع حلواديتها الخيالية كما يقلوللون‪ ،‬تييتراءى لهييا‬ ‫هللوس سمعية لوبصرية‪ ،‬ميين فييرط انييدماجهم معهييا ببسيياطة؛ كييانت أحيانييا تتلواجييد فييى الييبيت‬ ‫لوحدها‪ ،‬أخلوته فى أعمالهم لومدارسييهم‪ ،‬كأنمييا صييار بيتهييا‪ ،‬تييتردد عليييه فييى ألوقييات مختلفيية‪،‬‬ ‫تعلودلوا هذا منها‪ ،‬ألوصاهم باهر أن يرأفييلوا بحالهييا لنهييا تحييت العلج؛ صييارلوا ينظييرلون إليهييا‬ ‫بشفقة‪ ،‬لويفرحلون بتلواجدها لوسطهم‪ ،‬لويجدلون معها تسليتهم لومتنفسا للضحك لوالتهريييج‪ ،‬تجلييس‬ ‫معهم لوتبدأ الكلم لوالحكى‪ ،‬تسألهم ألول ‪:‬‬ ‫فين الشاى ؟‬ ‫تضحك أم باهر قائلة ‪:‬‬ ‫قلومى جهزيه أنت !‬ ‫تنهض شفيقة ضاحكة لوهى تقلول ‪:‬‬ ‫بالنعناع طبعا!‬ ‫أخلواته البنات غالبا ما يفرحن بلوجلودها لو يحدقن فى قامتها الفارعة لوأحيانييا يشيييعنها بنظييرة‬ ‫حسييد لوهييى متجهيية إلييى المطبييخ‪ ،‬خصلوصييا عنييدما يتأكييدن ميين قلوامهييا الملفييلوف لواليتيهييا‬ ‫المترجرجتين؛ لوبياضها العاجى لولوسطها الرشيق‪.‬‬ ‫***‬ ‫تطلورت العلقة بينهما‪ ،‬صارا يتلقييان كيثيرا‪ ،‬لوأصييبحا يظهيران سيلويا علنييا لوسيط اليزملء‪،‬‬ ‫عندما تتحدث الفتاة كانت كأنميا تحليم‪ ،‬تنظير إليى بياهر لوتراقبيه دلوميا‪ ،‬ل تنيزل عينيهيا منيه‪،‬‬ ‫صارت تهيم به‪ ،‬لولكن هناك شيئا غير لواضح فى تلك العلقة ‪.‬‬ ‫سألت باهر ‪:‬‬ ‫ما حدلود علقتك بشفيقة يا باهر ؟‬ ‫تبدلو علمات الحيرة لوالقلق على ملمحه لوهلو يقلول ‪:‬‬ ‫أبدا ‪..‬علقة مريضة لوطبيب‬ ‫قلت متلوجسا‪:‬‬ ‫معقلولة ؟ البنت متعلقة بك على الخر‬ ‫يتمل ص من الكلم لويرد بضيق ظاهر ‪:‬‬ ‫يا جماعة افهملونى ! الملوضلوع مجرد طبيب لومريضة ‪..‬ما فيش داعى للتلوابل ‪.‬‬ ‫‪107‬‬


‫أحيانا كانا لوتقف من بعيد نكتفى بملحظته لوالفرجة عليه؛ لول مانع من قليل ميين التهكييم إذا لييزم‬ ‫المر‪ ،‬لوخصلوصا بعد أن عرفنا أن البنت عنييدها سييكيزلوفرانيا‪ ،‬كنييا نييأتى بعييدها لنفنييد كلمييه‬ ‫لوأفعاله بعد أن يكلون اللوقت قد انتهى‪ ،‬لوفى الغالب ل نجد منييه أذنييا صيياغية ‪ .‬كنييا نضييطر إلييى‬ ‫السكلوت ‪.‬‬ ‫***‬ ‫كان يفاجأ أثناء حديثه معها بلوجه غريب ألو قناع الغضب الصامت لوالشرر المتطاير من عينيها‬ ‫؛يتساءل فى نفسه ‪ :‬ما الذى حدث؟ ماذا جنيت؟ ليدرى أى شىء عن سر هذا الغضب يريييد أن‬ ‫يسأل لولكن تجاربه السابقة معها فى مثل هذه الملواقف ل تنبىء بخير‪ ،‬صار يخشى المبييادأة فييى‬ ‫الكلم لنه لن يقابل بخير كان يقابييل إمييا بالصييد الرهيييب لوالمعييان فييى الصييمت فييى البداييية ‪..‬‬ ‫الصمت الذى يسبق العاصفة‪ ،‬أحيانا تصب عليه سيل من الشتائم لواللفاظ النابية ‪.‬‬ ‫***‬ ‫سافر معها إلى القيياهرة ليعرضييها علييى أسيياتذته فييى الكلييية‪ ،‬صييار يكييثر السييفر معهييا؛ ألوشييك‬ ‫الخريف على النتهاء لوصار اسم شفيقة مرتبطييا باسييم بيياهر‪ ،‬الكييل يعلييم ماعييدا بيياهر نفسييه‪،‬‬ ‫الذى كان يظن أن افعاله فى طى الكتمان‪ ،‬كان يكره الحلوار معييه فييى هييذا الملوضييلوع‪ ،‬اعتييبره‬ ‫فى النهاية ملوضلوعا شخصيا ‪.‬‬ ‫***‬

‫تطايرت كلمات تقلول إن شفيقة صارت حامل‪ ،‬أعلن ذلك عبدلول بكل بساطة‪ ،‬اسييتنكرالجميع؛‬ ‫تعجبنا من لوصييلول خييبر كهييذا إلييى عبييدلول ليكييلون ألول متلقييى لييه‪ ،‬تأثرنييا بشييدة‪ ،‬لو لييم يصييدق‬ ‫البعض‪ ،‬من قال لك ياعبدلول ؟ قال إنهيا جياءت إلييه لعميل اختبيار الحمييل ‪.‬قيال ليى عبييدلول –‬ ‫بصلوت خفيض‪ -‬متعجبا ‪:‬‬ ‫التحليل إيجابى !‬ ‫قالت لك مين السبب ياعبدلول ؟‬ ‫قالت إنها متزلوجة بعقد عرفى‬ ‫باهر ؟‬ ‫آه‪ ..‬لوأردف متسائل‪:‬‬ ‫صحيح هم ملوش متجلوزين؟‬ ‫احترت فى الجابة لوقلت‪:‬‬ ‫لوا يا عبدلول علمى علمك !‬ ‫‪108‬‬


‫***‬ ‫قلق باهر قلقا شديدا لواعترته نلوبة من الحزن غيمييت علييى آفيياق حييياته؛ مييع تزايييد ثقييل الحمييل‬ ‫يلوميا يتفاحل ثقل المشكلة‪ ،‬احتار باهر لوصار الهلع يأخذ بمجامع فكييره عنييد ذكيير هييذه البلييلوى‬ ‫التى كان يسميها "الرهيبة "؛ عرض علي شفيقة أن يذهب بها إلى احد زملئه ليجهضها لوأفهمها‬ ‫أن الملوضلوع بسيط‪ ،‬لوأن هذه العمليات تجرى مرات عديدة كل يلوم فى المستشفى‪ ،‬أبت شييفيقة‬ ‫أن تستجيب لكلمه‪ ،‬اتهمته بالخسة لوالنذاليية؛ لوقييالت لييه الرجييل هييلو ميين يتحمييل نتيجيية أفعيياله!‬ ‫لوراحت تبلغ كل أصدقائه لومعارفه لواحدا لواحدا بما حدث‬ ‫صار باهر يرفض الحلوار فى هذا الملوضلوع نهائيا‪ ،‬كانت قطرات العرق تبلل يديه لوجبهته عند‬ ‫سماع اسم شفيقة‪ ،‬التى لم تتركه بل لواصلت البحييث بييدأب حييتى لوصييلت إلييى النيابيية الدارييية‬ ‫لوالنيابة العامة‪ ،‬لورفعت الشكلوى للنقابة أيضا ‪.‬‬ ‫حفاظا على مستقبله أقفل المطرالوى الملف قائل ‪:‬‬ ‫اللواد اتجنن !! إيه اللى لوقكعه اللوقعة المهببة دى؟ شيزلوفرنيا ؟! مش يعقل شلوية ؟ حرام !‬ ‫***‬ ‫فى النيابة تم طلب باهر لوالتحقيق معه‪ ،‬ألودعه لوكيل النيابة السجن أربعة أيام على ذمة التحقيييق‪،‬‬ ‫كان زملؤه جميعا مشفقين عليييه‪ ،‬جييدد الحبييس إلييى خمسيية عشيير يلومييا آخرييين‪ ،‬كيياد بيياهر أن‬ ‫ينهار‪ ،‬تدخل الجميع من أجل انقاذه من البكاء لوالنهيييار الشييديد الييذى كييان يلزمييه؛ لو اقترحنييا‬ ‫تحلويله لغرفة العمليات لستئصال الزائدة الدلودية حتى يتفادى عزلة السييجن لوأسييلواره الرهيبيية‪،‬‬ ‫لويستمر لوجلوده بيننا داخل المستشفى ‪.‬‬ ‫اضييطر المطييرالوى إلييى فتييح الملييف مييرة أخييرى‪ ،‬لوكتييب فيييه بعييض الشييتباهات فقييط‪ ،‬لن‬ ‫الملوضلوع بيد النيابة العامة ‪.‬‬ ‫تم استصال الزائدة‪ ،‬كل يلوم كنا نجد شرطى الحراسة المنلوب جالسيا ببيذلته السيلوداء المهملية‬ ‫على كرسى خشبى قصير؛ يتدلى من حزامه العريض جراب قديم يحييلوى مسدسيا ؛ فييى أغليب‬ ‫اللوقات يمسك بيده كلوب شاى‪ ،‬لوبجلواره على الرض يضع زجاجة مياه لوكيس به طعام اليييلوم‬ ‫الخا ص به‪ ،‬أمام باب الحجرة التى يقطنها بيياهر ‪ .‬كييان جميييع الييزملء يزلورلونييه يلوميييا‪ ،‬صييار‬ ‫جزءا من أجندة عملهم لوبهار حديثهم اليلومى‪..‬‬ ‫فهمى يتحدث بصلوت خفي ص‪:‬‬ ‫مفيش حد يتعلم ببلش !‬ ‫يرد سمير متلوشحا بابتسامة أسى ‪:‬‬ ‫السجن للجدعان!‬ ‫**‬ ‫‪109‬‬


‫‪40‬‬ ‫باختفاء الدكتلور طه المفاجىء دارت التساؤلت لوتحركت الشييفاه لولكييت اللسيينة حكييايته‪ ،‬الكييل‬ ‫يتكهن بما جرى‪ ،‬قال فهمى‪:‬‬ ‫يبدلو أنه سافر يقضى شهر العسل بعيد جدا‬ ‫قال سمير ‪:‬‬ ‫فيه حاجة ملوش مفهلومة ‪...‬طه مش من النلوع اللى يعمل كده؛ طه بيتى جدا‪..‬‬ ‫أما عبدلول فقال‪:‬‬ ‫لزم نبلغ البلوليس يا أخلواننا ‪..‬احنا أكلنا عيش لوملح سلوا‪ .‬أنا خايف يكلون جرى له حاجة‬ ‫***‬ ‫تلبدت سماء طه بالغيلوم‪ ،‬سافر الصعيد‪ ،‬هناك صار شبحا بعد أن التهمه الفكر ؛لم يعد يعييرف‬ ‫له طريقا؛ بعيلون دامعة لوقلب كسير جلس يكتب خطابا إلى صديقه عبدلول‬ ‫ألودع الخطاب مكتب البريد؛ راح يتأمل الدنيا لو يتأمل حبه العظيم الذى أنفق فيه الييام لواللييالى‪،‬‬ ‫لودافع عنه لوبناه لوحارب العالم من أجله‪ ،‬حالول أن يبحث عن تفسير لمييا حييدث لوكيييف حييدث ؟‬ ‫أحس ان ا ربما لم يكن راضيا عنه‪ ،‬ربما كان غاضباعليه؛ قال لنفسه ‪ :‬قد تكييلون هييذه فتنيية ‪..‬‬ ‫نعم لقد لوضعنى ا ملوضع اختبار‪ ،‬ماذا أفعل يا الهى ؟ ل ملجأ لول منجييى منييك إل إليييك راح‬ ‫يدعلو ربه أن ينتشله من ألوحال الضياع إلى مرافىء الدعة لولراحيية البييال لوالسييكلون ‪..‬تمنييى فييى‬ ‫هذه اللحظات أن تنشق الرض لوتبتلعه‪ ،‬كيف أدارى خيبتى ؟ يا للوعة قلبى ؟! تعلقت لوتشييعلقت‬ ‫بخيلوط عنكبلوت‪ ..‬تذكر ملمح لوجلوه زملئه لوحلوارهم معه قبيل أن يقيدم عليى خطيلوبته لوقرانيه‬ ‫السعيد!! ملمح التعجب لوالستنكار لوالرفض لم يكن ذلك فيى بيالى مطلقيا !أينيك ييا أبيى ؟ليتنيى‬ ‫تعلقت بشعرة من كلمك كان الجدى بى أن أعالود حساباتى مييرة لواثنييتين لوثلثييا قبييل أن أقتحييم‬ ‫هذا النفق المظلم‬ ‫لوصل خطاب إلى عبدلول‪ ،‬فضه لوقرأ ما فيه‪:‬‬ ‫" عزيزى عبد ا‪..‬‬ ‫أعرفك أننى بخير لوقد ذهبت إلى اللوزارة لوطلبت نقلى؛ لوتركت البلد كلها ! قد تتعجب ‪..‬لولكنييى‬ ‫أحب أن اطمئنك أننى بخير‪ ،‬بخير طالما بعدت عن الزيف لوالخداع‪ ،‬كأننى كنييت مخييدرا‪ ،‬قييل‬ ‫لى ‪..‬كيف تقبل إنسانة لوضعت فيها كييل آمالييك‪ ،‬لومنحتهييا كييل ثقتييك أن تخييدعك؟ كيييف تعيييش‬ ‫‪110‬‬


‫داخل بيت مبنى على الغش ؟هذا ما جعلنى أهرب أحسست أننى كالملييدلوع‪ ،‬ألو كأنمييا أعيييش مييع‬ ‫حية رقطاء !! تخيل ‪...‬ماذا تفعل إذا اكتشفت أن النسانة الييتى أعطيتهييا نفسييك لورلوحييك تكييذب‬ ‫عليك‪ ،‬تقر أنها عذراء لوليست كذلك ؟ للسف اكتشفت أنها تملك ميياض عريييض لييم أكيين أعلييم‬ ‫عنه شيئا‪ ،‬اللواقع هلو خير معلم ‪ ،‬الحياة بكل ما فيها‪ ،‬اكتشفت أننى كنت أعيش فى لوهم ‪ ..‬ليلة‬ ‫الدخلة اصطدمت بالحقيقة‪ ،‬سقطت من مدينة الحلم لصطدم باللواقع؛ تنام معى كسيدة مجربة‪،‬‬ ‫لوليس كفتاة بكر‪ ،‬لم أجد أى أثر للعذرية ‪ ،‬لحظت انفضاض غشاء البكارة‪ ،‬بل لوعدم لوجييلوده‬ ‫بالمرة‪ ،‬أحسست بالمرارة لوالحزن‪ .‬فى صباح اليلوم التالى مباشرة قييررت أن أتييرك الييبيت دلون‬ ‫كلم‪ .‬كثيرا ما هاجت فى نفسى ملوجات من اليأس لوالحباط كادت تعصف بى عصفا‪ ،‬انتهييى‬ ‫بى اللوضع إلى قناعة تامة باليأس من إصلح الحلوال بهذه الصلورة‪ ،‬قلت فى نفسى ‪ :‬ل بد ميين‬ ‫التغيير الكلى‪ ،‬يا عزيزى عبدلول؛ أتعرف أن المراض تحط علييى الجسييد عنييدما يجتيياز الييرأس‬ ‫علوالم المل الجميل إلييى متاهييات اليييأس لوالملييل لوالحبيياط ؟ انتييابتنى الرغبيية فييى الهييرلوب ألو‬ ‫النتحار ألو الختفاء التام ‪...‬‬ ‫ليتك يا أبى لم تتزلوج أمى ! ياليتنى كنت ترابا ‪..‬ياليتنى كنت ترابا !!‬ ‫***‬ ‫كتبت ألواسى نفسى ‪ :‬فالتسكنى يا نفس‪ ،‬لولتنعمى بالراحيية لوالهييدلوء‪ ،‬فالكييل إلييى فنيياء ‪..‬ل داع‬ ‫للخلوف ألو الحباط؛ لول للفيرح الشيديد ألو قمية النشيراح ‪..‬ل أحيد يبقيى‪ ،‬فالكيل يمتطيى – إن‬ ‫لوافق ألو أبى – قاطرة زلواله‪..‬‬ ‫فى أسلوان تسلمت خطابا إلى مركز ادفييلو؛ هنيياك تييم تييلوزيعى للعمييل بمستشييفى مركييزى بقرييية‬ ‫السباعية‪ ،‬هنا الخضرة رائعيية تشييمل المكييان‪ ،‬تتخللهييا قضييبان رفيعيية لعربييات سييكك حديييد‬ ‫صغيرة تنقل الفلوسفات‪ ،‬طبيب المستشفى رجل جنتلمان؛ صعيدى لو فى منتهييى الدب لوالكييرم‪،‬‬ ‫سكنت فى عنبر المرضى ألول ليلة حتى يتم تجهيز مكان لى‪ ،‬فييى المسياء كيان البعيلوض كثيفيا‪،‬‬ ‫كنت أخبىء جسدى كله بالغطاء‪ ،‬بالرغم من ذلك كانت البعلوضة تنفث خرطلومها خلل الملءة‬ ‫داخل جسدى لوتخترفه بسييهلولة‪ ،‬لوجييدت أن البعييلوض هنييا مختلييف اللواحييدة كييبيرة جييدا لوتبييدلو‬ ‫ملمحها لواضحة؛ عرفت ذلييك بعييد مييا اصييطدت لواحييدة فييى الظلم‪ ،‬قمييت لوأضييأت المصييباح‬ ‫لورأيتها عالقة بيدى‪ ،‬أطرافها طلويلة بصلورة ملحلوظة‪ ،‬لم أنم هذه الليليية‪ ،‬بييالرغم ميين ذلييك كييان‬ ‫قلبى فى راحة‬ ‫فى الصباح جاءت سيدة حاملة لبشة قصب لوضعته عند مدخل العنبر؛ سالتها ‪:‬‬ ‫قصب؟‬ ‫قالت أيلوه‪ ..‬هدية من لولد الحلل‪..‬‬ ‫بعد صلة الظهر عزمنى الدكتلور على الغداء؛ فلوجئت بصينية كييبيرة تحملهييا إحييدى العيياملت‪،‬‬ ‫فلوق رأسها لوضعت الصينية امامنا لوقالت ‪:‬‬ ‫بسم ا‬ ‫‪111‬‬


‫رد الدكتلور ‪:‬‬ ‫شكرا ياأم إبراهيم‪ ..‬زغالييل لومللوخيية لولحيم لوأرز محشيلو بالكبيد لوالقيلوان ص‪ ،‬تلل مين أرغف ة‬ ‫العيش لوبصل اخضر لوطبقين من الطرشى‪..‬‬ ‫تعرفت على ملوظفى المستشفى "‬ ‫تحياتى إلى كل الزملء‪..‬‬ ‫***‬ ‫بعد أيام جاء منشلور من اللوزارة للمديرية علمنا منه بالملوافقة على نقل الطبيب طه محمد بيييلومى‬ ‫إلى أسلوان بناء على طلبه‪.‬الكل تعجب ميين هييذا الطلييب‪ ،‬فل أحييد يحييب الييذهاب إلييى المنيياطق‬ ‫النائية إل إذا كان مقيما هناك‪ ،‬ألو ينقل نقل اداريا؛ كأن يكلون مشيياغبا لوملفييه ملىييء بييالجزاءات‬ ‫مثل‪ ،‬ألو يكلون فى فترة انتقاليية للترقييية‪ ،‬لوطيه ليم يكيين منتظيرا ترقيية‪ ،‬لنييه ميازال فيى فيترة‬ ‫المتياز‪ ،‬هلو أيضا ليس مشاغبا ميين أصييحاب الزيييارات المتكييررة للشييئلون القانلونييية ‪...‬لولكيين‬ ‫اللوزارة تفرح لمن يقدم لها طلبا للذهاب إلى الماكن النائية التى تفتقييد الخييدمات ‪ ..‬لوضييربنا كفييا‬ ‫بكف‪.‬‬ ‫***‬ ‫‪41‬‬ ‫يوليييو وصييل‪ ،‬اشييتد الحيير وبييدأ العييرق يسيييل علييى الجبيياه‪ ،‬يقييول عييم محمييد الخفييير‪:‬‬ ‫الجو ماعادش زى زمان‪ ..‬الدنيا تغيرت يا ولدى !‬ ‫فوجئنا بانقل ب حدث داخل ردهات المستشفى‪ ،‬صار الجو عبقا‪ ،‬أربعة جميلت حضرن‬ ‫سويا من السكندرية للعمل داخل أروقة المستشفى‪ ،‬أصبحنا فى وضع آخر؛ هرع الجميع‬ ‫للعمل والسهر بالقسام الداخلية؛ تبدلت أحوالنا وتغيرت وازدحمت عقولنا وقلوبنا باللهجات‬ ‫الجديدة والشفاه التى بلون الكريز‪ ،‬والجسام ذوات القوام الممشوق؛ واليدى الرقيقة واللفتات‬ ‫المبهرة‪ ،‬بالضافة الى الحداث والخبار الجديدة ‪..‬تطلعنا إلى تلك اللوجلوه الجديدة بشغف‬ ‫لواهتمام أقلق قدامى هيئة التمريض‪ ،‬انتهى عصر اللوجلوه السمراء المجعدة لوالجسام الهزيلة‪،‬‬ ‫‪ ..‬اشتعلت الرؤس بالحلم‪ ،‬لوداخت القللوب معها لوبينها‬ ‫مين البيضا‪..‬؟‬ ‫نسرين‬ ‫استلمت بقسم الباطنة‬ ‫آه ‪..‬من بحرى‪..‬‬

‫‪112‬‬


‫والطويلة الرشيقة نعم ‪ ..‬ماجدة ‪..‬موجا‪..‬‬ ‫نعم‪...‬‬ ‫بدأت تعمل فى العظام ‪..‬مع فايزة‪...‬‬

‫وفيفيان ‪..‬فيفى ‪ ....‬من السيوف فى قسم المسالك‬

‫وصابرين ‪ ..‬صاصا السمراء من محرم بك‬ ‫فى قسم الصيدلية‪..‬‬ ‫***‬ ‫من ألول يلوم حالول فريق اسكندرية أن يثبت لوجلوده‪،‬‬ ‫قامت نسرين بعمل ملفات جديدة لمرضى قسم الباطنة‪ ،‬اهتمت بنظافيية القسييم‪ ،‬ل تحييب أن تييرى‬ ‫لورقة ألو غبار على الرض ألو الحلوائط‪..‬‬

‫بينما قامت ملوجا بتجدييد حجيرة الجبيس الملحقية بقسيم العظيام‪ ،‬لوطلبيت طالول ة جدييدة لوتسيلمت‬ ‫المنشار الكهربائى الذى يسهل العمل فى حل الجبائر‪ ،‬فرحت بهييا فييايزة‪ ،‬فييى نفييس الييلوقت الييذى‬ ‫حزنت فيه على ما اصابها من مصائب ينلوء به كاهلها‬

‫فيفي تسلمت مفتاح حجرة قسم المسالك‪ ،‬لوبدأت فى احضار جهاز التسجيل الخا ص بها تسمع منييه‬ ‫أغييانى عبييد المطلييب لومحمييد قنييديل أثنيياء العمييل‪ ،‬لوضييبت دلولب الدلوييية الملوجييلود بييالحجرة‪،‬‬ ‫لورصت كل صنف فى مكانه‪ ،‬المبلولت لوالقرا ص لوالشربة؛ كل صنف له مكان معللوم ‪.‬‬

‫بينما تلوجهت صاصا إلى قسم الصيدلية الرئيسى‪ ،‬بدأت تتعلم هناك أسماء الدلوية لوكيفية اسييتعمال‬ ‫دفاتر المخزنية‪ ،‬دفتر ‪ 112‬أهم لواحد‪ ،‬بينما استمارات ‪ 111‬تستعمل لستلم الدلوية لوتييدالولها‬ ‫بين لوحدات المديرية‬ ‫***‬

‫‪113‬‬


‫‪42‬‬ ‫عصرا؛ الجلو حار بالرغم من تشغيل مرلوحة السقف بالحجرة‪ ،‬عند مرلورى بالكلوريدلورالجانبى‬ ‫رأيت باب الحجرة الثانية ملواربا؛ داخل الحجرة لمحت أحدهم جالسا إلى مكتب ر ص عليييه عييدد‬ ‫من الكتب لوالمراجع‪ ،‬لوكتاب ضخم مفتلوح أمامه ؛ ظهر الجالس إلى المكتييب يبييدلو نيياحيتى‪ ،‬لييم‬ ‫أكن قد تعرفت عليه حتى اليلوم ‪ .‬أعجبنى هذا المنظيير‪ ،‬قلمييا أصييادف أحييدا هنييا يهتييم بييالقراءة‬ ‫الجادة حتى الن‪ ،‬الكل يبحث عن العملى دلون النظرى‪ ،‬بالرغم من أنهما متلزمييان‪ ،‬لبييد ميين‬ ‫القراءة؛ لبد من القراءة كنت أقلولها لوأرددها لنفسى ‪..‬‬ ‫عرفت أنها حجرة الدكتلور خالد؛ سمعت عنه أنه رجل متزن؛ ينطق الكلمة بحساب‪ ،‬ياخذ أملوره‬ ‫بنظام صارم لودقة متناهية‪ ،‬تعلمت منه أشياء كثيرة‪ ،‬حجرته التى رأيتها؛ تقع فى هييذا المميير‬ ‫الجانبى‪ ،‬كنت كلما مررت بها قبل ذلك ؛أعتقد أنها خالية؛ لول احد يقيم فيها نظرا للهدلوء التييام‬ ‫الييذى ألحظييه‪ ،‬لوالييذى أعجبنييى لوأثييار اهتمييامى‪،‬عرفييت ميين زهيييرة العامليية أن حجييرات هييذا‬ ‫الكلوريدلور كلها تقريبا مشغلولة‪ ،‬قالت لييى إن هنيياك أطبيياء حيياجزين المكييان لويقيمييلون هنييا فقييط‬ ‫عندما تكلون لديهم نلوبتجية ألو عمليات طلول الليل ألو أى ظرلوف طارئة‬ ‫***‬ ‫كان الكتلور خالد خارجا من حجرة العمليات؛ جلس فى السييتراحة المجييالورة للعمليييات يتحييدث‬ ‫لويدخن ‪..‬‬ ‫ألول مرة أقلوم بعملية انسداد معلوى فى طفل حديث اللولدة !‬ ‫رد الدكتلور مراد ‪:‬‬ ‫خلى بالك ‪..‬نجاح العملية يعتمد على المتابعة لو التمريض؛ أهم حاجة ‪..‬ال ‪post operative‬‬ ‫عملت فيها مجهلود كبير‪ ،‬ربنا يستر !‬ ‫***‬ ‫كنت قد تعرفت على الدكتلور خالد؛ قابلته بعد أيام فى عنبر الجراحة؛ كان مهملوما‪ ،‬انفجر فجأة‬ ‫ليقلول ‪:‬‬ ‫ليه زميلكم بيعمل كده ؟‬ ‫‪114‬‬


‫زميلنا مين؟‬ ‫الخشاب‬ ‫عمل إيه؟‬ ‫حالة طفلة عندها انسداد معلوى؛ دخلت من أسيبلوعين‪ ،‬عمليت لهيا عمليية استكشياف لو الخشياب‬ ‫اشتغل معايا‪ ،‬كان مساعد لى‪ ،‬استمرينا فى العمليات حييلوالى ‪ 6‬سياعات النهيياردة سييألت عين‬ ‫الحالة فى القسم‪،‬‬ ‫الطفلة حالتها حرجة‪ ،‬انسداد معلوى؛ كنت متابعها يلوم بيلوم كل يلوم أميير عليهييا مرتييين ألو تلتييه‬ ‫بعد ‪ 3‬أيام فؤجت بها مش ملوجلودة بالعنبر‪.‬‬ ‫هربت؟‬ ‫ل ‪..‬تهرب إزاى؟‬ ‫الممرضة قالت لى الدكتلور الخشاب كتب لها خرلوج‬ ‫لما سألته قال لى ‪:‬‬ ‫الم كانت قلقانة على طفلها لونفسها تخرج ‪..‬كتبت إقرار لوخرجت‪ .‬لزم اتصرف‬ ‫اتصرف إيه؟ الناس عندنا بسطاء قلوى لوما يعرفلوش حاجة‪ ...‬أمييال إيييه فايييدتنا ؟ أمييا كييل لواحييد‬ ‫يعمل اللى نفسه فيه؟ الحالة ممكن تملوت منها لن الجرح لسه محتاج عناية لومتابعة !‬ ‫***‬ ‫فى مكتب المدير ظهرت علمات الضيق على لوجه الدكتلور خالد لوهلو ينفث دخان سيجارته‬ ‫قال له الدكتلور مراد ‪:‬‬ ‫مالك ؟ فيه إيه؟‬ ‫تأكييدت إن فيييه نيياس مييش ممكيين يتعلمييلوا ‪..‬خل ص المييخ ل يقبييل التعلييم‪ ،‬كييل معللوميية جديييدة‬ ‫مرفلوضة؛ هؤلء محتاجين إعادة تأهيل من البداية ‪..‬‬ ‫تقصد إيه يا دكتلور خالد؟‬ ‫حكى له القصة ‪..‬‬ ‫الدكتلورالخشاب كتب لها خرلوج ليه؟‬ ‫سألت قاللوا لى أهلها كتبلوا إقرار لوكانلوا فاهمين إن عمرهييا قصييير؛ الييدكتلور الخشيياب قييال لهييم‬ ‫خدلوها لوإذا ماتت تملوت فى البيت ؛ بدل ما ترلوح المشرحة ! ككتبهم القرار لوقال لهم خدلوها‪.‬‬ ‫كده ببساطة ؟!‬ ‫‪115‬‬


‫أكيد ماتت‪ .‬انا حزين على شغلى لو مجهلودى !‬ ‫قلة عقل ‪..‬أكتب مذكرة لويتحلول للتحقيق‪.‬‬ ‫***‬ ‫‪43‬‬ ‫أرسلت قلوات المن إشارة إلى المديرية ؛تقلول ‪:‬‬ ‫"رجاء سرعة إرسال طبيب لتلوقيع الكشف على مرضى المعسكر لوذلك للهمية لوشكرا"‬ ‫كنت فى قسم المراض الباطنية أمضى فييترة شييهري التييدريب‪ ،‬تييم إرسييال الشييارة إلييى مييدير‬ ‫المستشفى الذى أرسلها بدلوره إلى رئيس قسييم المييراض الباطنييية‪ ،‬حييتى يقييلوم بتييلوفير الطييبيب‬ ‫اللزم ‪...‬‬ ‫كان الدكتلور أحمد النائب قد أخلى طرفه لوسافر منذ حلوالى شهر‪ ،‬لوالدكتلور سمير نقييل إلييى قسييم‬ ‫الجراحة لستكمال تدريبه من ألول الشهر الحالى‬ ‫لم يبق فى القسم سلواى لوالدكتلور لوصيف لوالدكتلور فهمى رئيس القسم‪ ،‬الذى قال لى ‪:‬‬ ‫عالوزك فى خدمه‬ ‫أمرك‬ ‫ترلوح لقلوات المن تكشف عليهم‬ ‫ليه؟‬ ‫هم طالبين دكتلور‬ ‫أنا لسه امتياز؟‬ ‫لوماله؟ أنا لواثق أنك حتقلوم بالمهمة على ما يرام‬ ‫***‬ ‫صباح اليلوم التالى أخذت خطابا من المستشفى لوتلوجهت إلى مركز قلوات المن لقييلوم بمهمييتى‪،‬‬ ‫تعجبت من هذه المهمة لولكنى لوجدت نفسى مستعدا للقيام بها‪ ،‬ل أدرى لماذا ‪.‬‬ ‫***‬ ‫عندما لوصيلت إليى الميدخل العميلومى‪ ،‬قيابلت جنيديين مسيلحين يقفيان عليى البلوابية‪ ،‬لواجهنيى‬ ‫أحدهما قائل ‪:‬‬ ‫على فين؟‬ ‫‪116‬‬


‫قلت‪:‬‬ ‫أنا مطللوب هنا‬ ‫رد بخشلونة‪:‬‬ ‫يعنى إيه ؟ مجند؟‬ ‫قلت ‪:‬‬ ‫ل‪..‬طبيب‬ ‫طبيب؟‬ ‫تحالور مع زميله الذى دخل بدلوره‪ ،‬لوتركنى لواقفا‬ ‫أيلوه‪..‬ادخل بكلغ القائد إن الدكتلور لوصل‬ ‫جلست على أحد المقاعد المتهالكة بحجرة الستقبال‪.‬‬ ‫جاء الجندى من الداخل مناديا‪:‬‬ ‫خليه يدخل للباشا بسرعة‪..‬‬ ‫مشى الجندى بجلوارى‪ ،‬لتلوصيلي إلى القائد‪ ،‬على الجانبين أرى مبييان كلهيا ميين دلور لواحييد‪ ،‬ل‬ ‫تتميز بمسحة جمال‪ ،‬فى الملواجهة؛ دخلت أكثرها تعللوه مسحة جمال؛ المبنى اللوحيد الذى يحظى‬ ‫بمجملوعة من أص ص الزرع على مدخله‪ ،‬بعد مقابلة سريعة مع القائد‪ ،‬بعثنييى مييع مرسييال إلييى‬ ‫الداخل؛ لكى ألوقع الكشف الطبى على المساجين ‪.‬‬ ‫***‬ ‫فى السجن كانت العتمة طاغية؛ أحسست أن الليل قد هبط بالرغم من أننا مازلنا فى الضحى‪،‬‬ ‫الحجييرات مزدحميية بالسييرة المتعييددة الطلوابييق؛ ثلثيية أدلوار فييى كييل سييرير‪ ،‬تفصييل بييين‬ ‫مجملوعات الكسرة فلواصل ضيقة ل تكاد تكفى لمرلور فرد لواحد‪ ،‬زحام كثيف ‪ ..‬لوجييدت النلوافييذ‬ ‫مغلقة بالمسامير من الداخل لوالخارج تقريبا ل تلوجد نلوافييذ للتهلوييية‪ ، ،‬تييدافع الجميييع ميين أجييل‬ ‫القتراب منى؛ بعد لحظات لوجدتنى لوسط حلقة ميين البشيير‪ ،‬أردت أن أنييدفع للخييارج هربييا ميين‬ ‫رائحة العرق لوالحرارة لوالرطلوبة‪ ،‬مناظر الشباب كانت مهينيية‪ ،‬أحييدهم كشييف لييى عيين بطنييه؛‬ ‫رأيت فيها ندلوبا لوجرلوحا تبدلو لواضحة من الهرش المتلواصل‪ ،‬سألت‪:‬‬ ‫انت بتستحمى ؟‬ ‫ضحك الجميع من السؤال‪.‬‬ ‫أعدت السؤال‪:‬‬ ‫أنت بتاخد دش لول ل؟ ظهرت ابتسامة خابية على لوجهه؛ رد آخر من الخلف بصلوت مرتفع ‪:‬‬ ‫‪117‬‬


‫دش إيه اللى انت جاى تقلول عليه؟‬ ‫رد ثانن من لورائى كأنما يغنى‪:‬‬ ‫أنت عارف حتى معنى الدش إيه؟‬ ‫رد ثالث‪:‬‬ ‫دى حنفية لواحدة أرضى يا باشا‪ ،‬لوالكل يستعملها‬ ‫سألت‪:‬‬ ‫أدخل أشلوفها؟‬ ‫تفضل !‬ ‫أشار لى احدهم إلى حجرة صغيرة على يمين المدخل بالكياد يسييتطيع شيخ ص لواحييد أن يييدخلها‪،‬‬ ‫كبنيه بلدى‪ ،‬لوحنفية أرضية صغيرة مربلوطة بقطع سلك؛ تتصاعد دقات رتيبة من قطرات الماء‬ ‫المتهالوية من فلوهة الحنفية إلى كلوز صدىء لوضع تحتها على الرض ‪...‬‬ ‫لوبتستحملوا فين؟‬ ‫لما نخرج من السجن‬ ‫شاهدت حالت مرضية أثنيياء الدراسيية كييانت تسييمى " حييالت كلسيييكية" يعنييى كييل علمييات‬ ‫المرض ظاهرة لومكتملة فيها تماما‪ ،‬تكررت هذه الحالت اليلوم‪ ،‬شاهدت علمات مختلفة‪ ،‬ندلوب‬ ‫لوحفر لوقرح جلدية بالقدم‪ ،‬لوأمييراض فطرييية مثييل التينيييا منتشييرة بصييلورة لوبائييية‪ ،‬ممييا يييدعلو‬ ‫للتساؤل ‪:‬هل هؤلء الجنلود فى دائرة النسيان أم ماذا؟‬ ‫***‬ ‫قبل خرلوجى من المكان‪،‬تلوجهت إلى مكتب القائد‪،‬أصييريت أن أبلغييه‪،‬حييتى يأخييذ ملوقفييا إيجابيييا‪،‬‬ ‫قلت له‪:‬‬ ‫العساكر محتاجين ميه علشان يستحملوا‬ ‫عندهم يا باشا ميه سخن لوبارد‪ ،‬لكن مفيش فايدة‬ ‫يعنى إيه؟‬ ‫هم بيحبلوا اللوساخة !!‬ ‫أمال بيقلوللوا مفيش إل حنفية لوحيدة‬ ‫كدابين !‬ ‫لومحتاجين أدلوية‪ ،‬كتبتها لسعادتك‬ ‫‪118‬‬


‫رد القائد ‪:‬‬ ‫شلوف لنا عندك فى المستشفى شلوية دلوا‬ ‫***‬ ‫‪44‬‬ ‫فى المساء كنا فى السكن؛ سمير لوفهمى لوانا‪ ..‬اقترح سمير أن نزلور جارنا الدكتلور ابراهيييم فييى‬ ‫حجرته؛ أقنعنى أننى سلوف أرى لوأتعرف على عالم آخر لودنيا اخرى غير الييتى يتصييارع فيهييا‬ ‫الناس ‪.‬‬ ‫الدكتلور ابراهيم يبدلو رجل عجلوزا‪ ،‬كل من يراه يعطيه أكبر من سنه‪،‬ل يتبادر إلى الذهن أنه‬ ‫طبيب؛ يرتدى ملبس قديمة رثة ؛ل يحتفى بها‪ ،‬لول يهتم بمظهره؛ ربما يرتدى جلوربييا متهرئييا‪،‬‬ ‫ل تعرف ملبسه المكلوي لوربما ل تعرف الغسيل أيضا! يظهر شعر صدره أشييعث؛ لوقييد كسيياه‬ ‫الللون البيض؛ يتسييم بالهييدلوء لوالبطييء فييى الحركيية‪ ،‬ل يتعجييل المييلور‪ ،‬كأنمييا جيياء ميين عييالم‬ ‫آخر ‪...‬‬ ‫نظر لى الدكتلور ابراهيم للول مرة؛ لوجدته يخلع نظارته الطبية القديمة لويمسكها بيييده لويلوجههييا‬ ‫ناحيتى‪ ،‬كان يحدق فى عينى؛ أحسسيت انيه يبحيث عين شييىء مجهييلول‪ ،‬كأنمييا يخييترق أميياكن‬ ‫جديدة لويحالول استكشافها؛ علوالم غير معللومة لدى؛ سألته ‪:‬‬ ‫أنت ماسك قسم الملريا؟‬ ‫تبكسم لوقال ‪:‬‬ ‫الملريا لوالفلريا‬ ‫***‬ ‫جاء عبدلول من الخارج حامل أصناف العشياء‪ ،‬لوضييع أشيياءه عليى المنضييدة؛ أمسييك الييدكتلور‬ ‫ابراهيم بنظارته لوأشار بها إلى عبدلول قائل ‪:‬‬ ‫أهلو الحصالوى لوصل ‪..‬تعالى أدخل المربط‪..‬‬ ‫يتجاهل عبدلول ما سمع؛ لويسأل ببساطة ‪:‬‬ ‫أنت اكلت يا دكتلور إبراهيم؟‬ ‫إحنا صايمين على طلول ‪..‬‬ ‫تعجب سمير لوقال‪:‬‬ ‫الدنيا ليل ياهيما‪ ..‬صيام إيه؟‬ ‫اسكت يا أبلو جهل‪..‬‬ ‫‪119‬‬


‫يضحك سمير حتى يقهقه لونحن معه؛ يسأل عبدلول هيما ‪:‬‬ ‫تحب تاكل إيه؟‬ ‫عيش لوجبنة‬ ‫رد فهمى‪:‬‬ ‫غكيير بقيى ياهيميا ‪ ..‬طيلول عميرك تاكيل عييش لوجبنية ‪...‬مفييش لحم ه ؟ مفييش فيراخ ؟مفييش‬ ‫طلواجن؟‬ ‫قال هيما متبسما ‪:‬‬ ‫ساعات أغكير !‬ ‫أردف فهمى بلهفة مصطنعة‪:‬‬ ‫تغير إزاى؟‬ ‫أغير الكل‬ ‫تاكل إيه؟‬ ‫آكل عيش من غير جبنة !!‬ ‫لوضحك الجميع حتى استلقى فهمى على ظهره فلوق السرير ‪..‬‬ ‫***‬ ‫ينظر الدكتلور ابراهيم إلكى قائل‪:‬‬ ‫أنت مشيت مع مشايخ؟‬ ‫ل‪..‬أنا قابلت مشايخ بس ما كملتش معاهم‬ ‫باين عليك ضحية‬ ‫يرد عبدلول متعجبا‪ :‬ضحية؟!‬ ‫أيلوه يا بنى ضحاياهم كتير؛ لول يهمهم حاجة ‪..‬نظر ناحيتى قائل‪:‬‬ ‫لوإيه رأيك؟‬ ‫تدكخل سمير ‪:‬‬ ‫بكطل ياهيما ‪..‬سيب الرجل فى حاله‪..‬‬ ‫أكمل الدكتلور إبراهيم حلواره معى ‪:‬‬ ‫‪120‬‬


‫قابلت مين؟‬ ‫شيخ فى مصر ‪...‬بعيد ‪..‬فى شارع مصر لوالسلودان‬ ‫بعيد إيه يا شيخ ! مييش بعيييد لول حاجيية ‪..‬انييت عييارف إن فيييه دكتييلور هنييا بيسييافر للشيييخ فييى‬ ‫السلودان‬ ‫فى السلودان؟! ياه!!‬ ‫آه ‪ ..‬فى الخرطلوم‪ .‬بيرلوح له الخرطلوم‪..‬‬ ‫لوضع الدكتلور ابراهيم ساقا فلوق ساق؛ لواعتدل فى جلسته قائل‪:‬‬ ‫أيلوه ياخد الطيارة لويرلوح له الخرطلوم كل سنة ‪..‬آه ‪..‬أنت فيياكر الملوضييلوع لعييب لوأل إيييه؟ أنييت‬ ‫مشيت معاه كتير ؟‬ ‫ل‪..‬رحت مع صاحبى مرتين ألو تلته تقريبا‬ ‫ها ‪..‬لوشفت إيه؟‬ ‫الراجل كان حالق دقنه لوبيتكلم بصلوره علمية عن سلسال النبياء لوالرسل لوعن العصييمة‪ ،‬لوعيين‬ ‫السرائيليات المدسلوسة على كتب الحديث لوالتفسير‪ ،‬حافظ التلواريخ النبياء لوالرسييل ؛لودميياغه‬ ‫حاضرة لوكأنه بيقرا من كتاب مفتلوح ‪..‬‬ ‫صليت لوراه ؟‬ ‫آه ‪ ..‬صلته معقلولة جدا ‪ ..‬ل هى طلويلة لول قصيرة قلوى‪..‬‬ ‫عجبك يعنى؟‬ ‫أيلوه‬ ‫لوما كملتش معاه ليه؟‬ ‫قلت ‪:‬‬ ‫الصراحة خفت‪ ..‬لقيته عارف كل حاجة ‪ ..‬كنت حاسس إنى عريان قدامه‪..‬كان بيتكلم مع الناس؛‬ ‫لوكل لواحد يسلم عليه لويقلول له كلمتين‪..‬الغالبية كانلوا يبلوسلوا أييديه‪..‬سييألت صيياحبى الليى رحيت‬ ‫معاه؛ إيه الحكاية ؟ قال لى الكلمتين دلول فيهم حل لمشكلة ‪..‬‬ ‫***‬ ‫كان باهر يعبر الكلوريدلور أمام باب الحجرة المفتلوح؛ عيياد بعييد أن انتهييى الييدرس الييذى تجرعيية‬ ‫بخرلوجه من الحجز لو إطلق سراحه بعد أن صكرحت شفيقة بأن أب الجنييين لواحييد آخيير خلف‬ ‫باهر؛ انتهت قصة مأسأة حبه العقيم‪ ،‬لوعاد الى عملييه‪ ،‬حييامل بييراءة قييال فيهييا القاضييى‪ ،‬إنهييا‬ ‫‪121‬‬


‫منحييت لييه مراعيياة لظرلوفييه؛ لولعييدم العتييداد بكلم الشيياكية‪ ،‬حيييث أنهييا معرضيية للهللوس‬ ‫لوالخيالت التى هى علمات أكيدة لمرضها ‪...‬لوقف باهر مبتسما‪ ،‬لورفع عقيرته بالغناء ‪..‬‬

‫آمنت لك يا دهر لو رجعت خنتني !*‬ ‫صمت قليل لوأردف‪:‬‬ ‫راح اللى راح ‪...‬ما بقى غير الجراح‪..‬‬ ‫لونظر إلى الدكتلور إبراهيم قائل‪:‬‬ ‫يا هيما ‪..‬إيه الفرق بين الملريا لوالفلريا ؟‬ ‫يضحك الدكتلور إبراهيم قائل‪:‬‬ ‫الملريا بالنهار لوالفلريا بالليل !!‬ ‫يضحك الجميع؛ لويرد باهر‪:‬‬ ‫آه يا مكار !! لوعامل نفسك أهبل !‬ ‫______‬ ‫‪ ‬من قشتمر ‪ -‬نجيب محفوظ‬

‫‪45‬‬ ‫البرالويطى كان يعيش بمفرده؛ أعزب فى شقة صغيرة من حجرتييين بييأعلى مدرسيية التمريييض‬ ‫الملصقة لمبنى المستشفى‪ ،‬تعددت القلوال فى سبب اعتزاله للنساء‪ ،‬قيل أن لييه تجربيية مؤلميية‬ ‫فى شبابه أدت إلى اعتزال الصنف كله؛ لوقبل إن عنده خلل خلقى فى الهرملونات‪ ،‬تسييبب لييه فييى‬ ‫عنة مزمنة‪ ،‬لوقيل أنه مير أييام الصيبا بقصية حيب عاصيفة؛ لوليم يتمكين مين الرتبياط رسيميا‬ ‫بخطيبته لوزلوجها أبلوها بابن عمها‪ ،‬لوقيل أنه فقد الرغبه لوليم يعيد ليه فيى الحرييم‪ ،‬ليم يعيد مين‬ ‫ألولى الربة‪ ،‬كانت الحجرة التى يسكنها كبيرة مجالورة للسطح‪ ،‬بييداخلها حجييرة أخييرى تطييل‬ ‫على الحديقة‪ ،‬لها شرفة لوسعة سقفها مغطى بالقرميد ‪.‬‬ ‫كان البرالويطى – مثل صديقه اللدلود المدير العييام – قابضييا علييى عييدة مناصييب فييى يييده‪ ،‬فهييلو‬ ‫مدير لوناظر لمدرسة التمريض لومدير لقسم الحمى الصفراء لورئيس أمن المستشفى؛ لومشييرف‬ ‫على المخازن‪ ،‬انطلوت رحلته ميع اللوظيفية ألو كيادت تنطيلوى‪ ،‬ميا هيى إل شيهلور لويصيير مين‬ ‫أصحاب المعاشييات‪ ،‬سييأل نفسييه للول مييرة – بعييد ألول نلوبيية قلبييية أصييابته ‪ -‬ميياذا فعلييت فييى‬ ‫‪122‬‬


‫حياتك ؟ هل ناديت بمعرلوف؟ هل مددت يدك لتنقذ منكلوبا هل زرت مريضا ؟ هل ربيت يتيما ؟‬ ‫إذا لم تفعل لوشاهدت صحيفة أيامك خالية فأنت إذن لم تحتك بالحياة لول بالحياء؛ كنت هاربا من‬ ‫اليييام يييزداد رصيييدك البنكييى كييل يييلوم‪ ،‬عشييت متييدثرا بالرييياش لوالييدفء لوالكلت الجميليية‬ ‫لوالجازات الهادئة لو الصاخبة التى كنت تمضيها فييى شييمال البلد ألو فييى جنلوبهييا ‪..‬كلهييا كييانت‬ ‫على حساب الدلولة ألو حساب الخرين‪ ،‬دارت عجليية الزميين بسييرعة؛ أفلتييت شييهلور لوسيينلوات‪،‬‬ ‫لواشتعل الرأس شيبا !‬ ‫كان يحس من آن لخر بآلم ضاغطة على صدره‪ ،‬يأتى إليه الدكتلور لوصيف بصحبته الممرض‬ ‫حامل جهاز رسم القلب‪ ،‬يقلوم بعمل رسم قلب داخل حجرته بمبنى مدرسيية التمريييض‪ ،‬يصييف‬ ‫له دلواء‪ ،‬يشير البرالويطى بسبابته إلى دلولبه الضييخم الملصييق لبيياب الشييرفة‪ ،‬يفتييح لوصيييف‬ ‫الدلولب يجده مليئا بأصناف الدلوية؛ يتخير منها ما يصلح‬ ‫عندما كان الطبيب يذكر له اسم دلواء‪ ،‬كان البرالويطى يرد ‪:‬‬ ‫عندى ‪ ..‬نادرا ما يقلول غير ملوجلود‪.‬‬ ‫***‬ ‫تعجب باهر من ملوضلوع الحمى الصفراء هذا ؛لوقال إن هذا الرجل لوضع القسم كله فى جيبه ؛‬ ‫لو ليس من اختصاصه أن يعمل فى الحمى الصفراء ألو الحمراء ! فهلو المتحكييم فييى كييل الملفييات‬ ‫لوله سلطة إصدار اللوامر الدارية لوما يخ ص القسم ‪ -‬بل لوالمستشفى ‪ -‬من قرارات لومييا يييدخل‬ ‫فيها لو ما يخرج منها ‪.‬‬ ‫***‬ ‫أهلت بدايات الشتاء‪ ،‬ارتفعت حرارة البرالويطى فجأة؛ لوصار يهذى فييى منتصييف الليييل‪ ،‬لييم‬ ‫يكن بجلواره أحد‪ ،‬كما لم يحس به أحد؛ استمر يهذى حتى راح فى غيبلوبة عميقة‪ ،‬فييى الصييباح‬ ‫تلوجه عامل النظافة ليقلوم بعمله اليلومى‪ ،‬لم يخرج البرالويطى ميين حجرتييه هييذا اليييلوم ‪ ،‬تعجييب‬ ‫العامل لنه لم يتعلود على غياب البرالويطى يلوما لواحدا‪ ،‬اتجييه إلييى حجرتييه؛ ظييل ينييادى لويييدق‬ ‫على الباب‪ ،‬لم يرد أحيد‪ ،‬فتيح بياب الحجيرة لوجيد اليبرالويطى مميددا عليى السيرير‪ ،‬لوقيد عل‬ ‫شخيره‪ ،‬أمسيك ييده لوحيالول أن يحركهيا؛ كيانت ثقيلية‪ ،‬ليم يجيد اسيتجابة ميا‪ ،‬صيارت عينياه‬ ‫مطفئتين لولوجهه ممتقعا‪ ،‬نادى بصلوت مرتفع‪:‬‬ ‫الحقلوا هاتلوا السعاف ‪..‬بسرعة يا ناس ‪..‬البرالويطى انتهى‪..‬‬ ‫أبلغلوا السعاف لوبحث عامل السلويتش عن رقم تليفلون ليتصل بأحد من أقييارب الييبرالويطى‪ ،‬لييم‬ ‫يجد أى رقم له صلة بالبرالويطى‪ ،‬لولم يعثر على أى اسم لى قريب له‪..‬‬ ‫عندما حضر المسعفلون‪ ،‬كان الشخير قد تلوقف ‪.‬‬ ‫***‬

‫‪123‬‬


‫صعد العمال لوالطلبة تبعهييم الييدكتلور بيياهر لوالييدكتلور سييمير لوالمعييالون‪ ،‬اقتحييم الجميييع حجييرة‬ ‫البرالويطى المحرمة لوجاسيلوا فيهيا؛ عيثرلوا عليى أشيياء غريبية ليم تكين فيى الحسيبان‪ ،‬ملبيس‬ ‫عسكرية لونياشييين عديييدة؛ لوأكيلوام مين المعلبييات القديمية لوأصيناف مين منتلوجيات كتييب عليهييا‬ ‫حرفان ‪ U&N‬لوكتب لوألوراق لم تمس‪ ،‬ألوراق أخرى لودلوسيهات عليها عنلواين كبيرة ‪:‬‬ ‫الحصار ‪ -‬ملف المائة يلوم‬ ‫المم المتحدة‬ ‫من ذقنه لوافتل له‪..‬‬ ‫تعجب الناس من هذه الملفات‪ ،‬اندهش السكرتير من هذا العنلوان الخير؛ لوفتح الملف لوقرأ‪:‬‬ ‫" بعض أخطاء المدير العام ‪:‬‬ ‫جمع كل السلطات فى يده؛ أكل اليلوم جاتلوهات أحضرتها رئيسة التمريض ميين الييبيت‪ ،‬صييرف‬ ‫مكافاة لسائقه الخصلوصي‪ ،‬سلم شقة للواحد غريب عن المديرية )مندلوب المديرية المالية (‬ ‫يعمل نقيبا للطباء‪ " ،‬النقابة عبارة عن ملف فى حجرة المدير !!"‬ ‫اقتحملوا الحجرة‪ ،‬كأنهم مجملوعة من الثائرين‪ ،‬لوجدلوا فيها الييدلولب الضييخم‪ ،‬بييه علييب أدلوييية‬ ‫مصنفة‪ ،‬المبييلولت لوالزجاجييات فييى صييف لوحييدها‪ ،‬لوكييذلك القييرا ص لوالكبسييلولت ‪ ،‬علييى‬ ‫الرض بجلوار الييدلولب كييانت تلوجييد آنييية زجاجييية ضييخمة لهييا صيينبلور جييانبى‪ ،‬يتييدلى منييه‬ ‫خرطلوم صغير‪ ،‬كانت تستخدم زمان فى تحضير الدلوية‪ ،‬كتب علي إحداها بخط بيياهت مزيييج‬ ‫صدرى لوعلى الخرى مزيج حديد‪ ،‬لوثالثة كتب عليها رالوند ‪..‬‬ ‫استدعلوا الحنش لكى يصنف الدلوية‪ ،‬جاء الحنش مسرعا من مبنى المستشفى المجيالور‪ ،‬لوجيد‬ ‫عبلوات كتب عليها اسم منظمة المم المتحييدة‪ ،‬لوأسييماء منظمييات أجنبييية أخييرى‪ ،‬لوجييد كميييات‬ ‫كبيرة من أربطيية الشيياش لوالقطيين لوالبلسييتر الطييبى‪ ،‬لوالمحيياقن الزجاجييية‪ ،‬لوبلواتييق التعقيييم ‪،‬‬ ‫لوأصناف من الدلوية مرصلوصة فلوق ثلثة أرفف‪ ،‬كل نلوع لوحده‪ ،‬الرف العللوى يحتلوى على‬ ‫أمبييلولت الحقيين؛ منهييا أمبييلولت برلوماسيييد لوأترلوبييين لونلوفييالجين‪ ،‬لوأمبييلولت مخييدر يسييمى‬ ‫الفاكامفين ؛أما الرف اللوسط يحلوى القرا ص لوالكبسييلولت؛‪ ،‬أقييرا ص السييبرين لوالنلوفييالجين‬ ‫لوعلييب نلوفيياجين‪ ،‬لوأقييرا ص باراسيييتاملول‪ ،‬لوالبلدلونييا لوأقييرا ص فينلوبيياربيتلون‪ ،‬لوكبسييلولت‬ ‫المضادات الحيلوية مثل الكللورامفينكلول لوالمبيسللين‬ ‫لوجد أيضا زجاجات الكييلودايين لوالبيياراملول لو أنييلواع أخييرى ميين أدلوييية علج النييزلت المعلوييية‬ ‫لوعسر الهضم لوالحملوضة ‪.‬‬ ‫لوحقن ستربتلوميسين لو بنسلين مائى‪ ،‬لوسيدلوستين‪ ،‬كانت الرفف السييفلى محتشييدة بزجاجييات‬ ‫الجللوكلوز لوالمحللول الملحى لوأكياس بدائل الدم لوأصناف أخرى كثيرة ‪..‬‬ ‫قال الحنش ‪ :‬معظمها انتهى تاريخه‪ ،‬ربما كان يحتفظ بها للطلوارىء ‪..‬‬

‫‪124‬‬


‫دقق الحنش الرؤية فى عبلوات المحاليل لوقال ان هذه الدلوية كانت تأتى المستشفى هدايا من كل‬ ‫الجهات أيام الحرب‪ ،‬ظل البرالويطى محتفظا بها‪ ،‬كأنما يعيش على الذكرى ‪ ..‬تساءل أحدهم‪:‬‬ ‫كان مستخسرها !‬ ‫تساءل آخر‪ :‬لوالمخدرات ؟‬ ‫رد الحنش‪ :‬فيه شك فيها‬ ‫***‬ ‫فى الضحى؛ كانت السماء تزدحم بسحب داكنة‪ ،‬غابت الشمس لوكان الجلو عاصفا؛ تساقط‬ ‫المطر لوسط العاصييفة‪ ،‬بييدألوا بتفريييغ المكييان ميين المحتلويييات‪ ،‬مييازالت المطييار تهبييط بشييدة‪،‬‬ ‫حمللوا أكلوام الملبس؛ قذفلوا سترات لوبنطللونات لومعاطف كان يشتريها من باعيية الكييانتلو لوتجييار‬ ‫البالت فى بلورسييعيد‪ ،‬تضيياحكلوا لوهييم يقييذفلون بييالملبس الداخلييية قطعيية قطعيية‪ ،‬تتهييالوى ميين‬ ‫الشرفة‪ ،‬نادرا ما تهبط الثللوج؛ فى هذا اليلوم كانت ندف الثلج تهبط مين السيماء‪ ،‬تليت الملبيس‬ ‫كراتين كبيرة تحلوى معلبيات‪ ،‬كراتييين لوصييناديق مختلفية تحميل علمييات دلوليية‪ ،‬كييان الطلبية‬ ‫يرفعلون رؤسهم إلى أعلى‪ ،‬مهللين لوهيم يسيتقبللون الشيياء الهابطية عليهيم م ن السيماء‪ ،‬كأنميا‬ ‫هناك فرح ‪ ،..‬معظمهم شباب من تلميييذ مدرسيية التمريييض‪ ،‬كييانلوا يتصييايحلون عنييدما يييرلون‬ ‫بنطللونا يطير فى الهلواء ألو معطفا هابطا كالبراشلوت ‪..‬‬ ‫جاء دلور اللوراق؛ قذفلوها من الشرفة‪ ،‬طارت متفرقة لوتييلوزعت فييى جميييع النحيياء‪ ،‬يضييحك‬ ‫اللواقفلون أسفل المبنى ناصبين جييذلوعهم‪ ،‬مبحلقييين فييى السييماء‪ ،‬فييى انتظييار مييا يهبييط منهييا ‪،‬‬ ‫هبطت عليهم أكلوام من الكراتين لو المعلبات لوالصناديق الخشبية الصييغيرة؛ لملمييلوا الزجاجييات‪،‬‬ ‫لولوضعلوها فى سلة‪ ،‬زجاجات بيرة لوزجاجات كلوكاكلول لوبيبسى كان يحبها كثيرا‪ ،‬كان يحتسى‬ ‫البيرة لومشرلوب الكلونياك الذى لوجدلوا زجاجاته مخبأة أسفل دلولب الملبس بحجرة النلوم‪ ،‬كلما‬ ‫هبط شىء ارتفع صياحهم؛ صار دلوى الزجاجات عاليا‪ ،‬تحطييم معظمهييا باصييطدامها بييالرض‪،‬‬ ‫تلطخت الملبس باللوحل؛ تعجب الجميع من تلك الشياء التى كييان الرجييل يجمعهييا لويحتفييظ بهييا‬ ‫فى حياته‪ ،‬اعتقد البعض إنه كييان مقيياتل أثنيياء الحييرب؛ لواعتقييد آخييرلون أنييه كييان يخييبىء هييذه‬ ‫الملبس للمقاتلين‪ ،‬لوقال ثالث إنه كان يحتفظ بملبييس كييل شييهيد يقضييى نحبييه فييى المستشييفى‪،‬‬ ‫لوقال رابع ‪:‬ل‪ ..‬بل كان هلو نفسه يرتدى هذه الملبس فى مناسبات مختلفة ‪..‬كان مقاتل خفيا ‪.‬‬ ‫***‬ ‫بعد انتهاء العرض العجيب؛ انسحب الحاضرلون رلويدا رلويدا‪ ،‬اختفى الطلبيية‪ ،‬اقتصييرت جنييازة‬ ‫البرالويطى على حاملى الخشبة؛ بالضافة إلى ثلثة ألو أربعة رجال كانلوا يتبييادللون الحميل فيمييا‬ ‫بينهم؛ هؤلء فقط هم الذين لوصللوا مع الجثة إلى مثلواها الخير ‪.‬‬ ‫قال أحدهم لوهلو ينالول الخشبة إلى آخر لوقد لوجعه كتفه ‪:‬‬ ‫المرحلوم كان باين عليه أككيل!‬

‫‪125‬‬


‫***‬

‫‪46‬‬ ‫فى تلك اليام جاءنا الدكتلور صافى ضمن كلوكبة من أطباء المتياز الجدد‪ ،‬صافى يحر ص علييى‬ ‫أناقته التى يتكلوجها علوده الرشيق لوابتسامته الخفيية اليتى تبيدى أسيينانه الناصيعة البيياض لوشييعره‬ ‫الفاحم الناعم المسترسل على فلوديه؛ رلوحه المرحة‪ ،‬لوهدلوءه الذى ينم عن أدب جم‪..‬‬ ‫كانت أقسام كثيرة فى المستشفى تعانى خلواء حادا‪ ،‬اشتهرت محافظتنا فييى الييلوزارة بالسييمعة‬ ‫السيئة‪ ،‬لم يكن أحد يقدم على التييلوجه لسييتلم العمييل فيهييا‪ ،‬اللهييم إل القليييل‪ ،‬تلييك السييمعة كييان‬ ‫للمدير العام القسط اللوفر فى إشعالها؛ بعدم إتاحة حرية الحركة سلواء للعاملين ألو الطباء لوعدم‬ ‫ملوافقته على ترك أحد‪ ،‬كالصياد الذى ينصب شيباكا للسيمك حيتى ل يهيرب‪ ،‬يحيالول المسياك‬ ‫بالجميع لوتحريكهم كالدمى‪ ،‬فالداخل إليها مفقلود لوالخارج منها ملوللود‪..‬‬ ‫***‬ ‫كان قسم النفسية يعانى نقصا شديدا فى عدد الطباء؛ لم يكن بالقسم سلوى الدكتلور سعدلون ؛ هلو‬ ‫رئيس القسم؛ لوهلو نفسه طبيب القسم المنالوب‪ ،‬هلو القسم كله؛ طبيب لواحد فقط؛ فييلوجىء صييافى‬ ‫بتلوزيعه على قسم النفسية لوالعصبية ‪..‬‬ ‫تعجب لواشتكى للنائب الدارى‪:‬‬ ‫أنا مش غالوى نفسية ‪..‬‬ ‫مش مهم تكلون غالوى‪..‬‬ ‫النفسية آخر حاجة كنت أفكر فيها ‪..‬‬ ‫المهم تنفذ‪..‬أنت دخلت جيش؟‬ ‫ل عندى إعفاء ‪..‬لوحيد‬ ‫عشان كده‪..‬‬ ‫انا امتياز‬ ‫نلو برلوبليم !*‬ ‫***‬ ‫‪126‬‬


‫فى عيادة النفسية تعرف صافى على الطبيب اللوحيد بالقسم؛ قال له‪:‬‬ ‫‪----------‬‬‫*ل مشكلة‬

‫أنا الدكتلور سعدلون ‪ ..‬أنا معايا ماستر من القصر العينى‬ ‫رد صافى بأدب‪:‬‬ ‫أهل لوسهل ‪..‬تشرفت بحضرتك‪..‬‬

‫لوأنت اسمك إيه؟‬ ‫اسمى صافى الفقى ‪..‬‬ ‫كلملونى عنك ‪..‬أنت من عائلة الفقى ؟‬ ‫بتلوع الزقازيق مش بتلوع اسكندرية‪..‬‬ ‫أهل لوسهل ‪..‬‬ ‫أهل بسيادتك‬ ‫أنا باحب النتظام فى العمل؛ بكره تتعلود على الشغل ‪..‬أنت أسرتك عايشه فين؟‬ ‫فى المهندسين‬ ‫لوالدك عايش؟‬ ‫أيلوه‬ ‫بيشتغل فين؟‬ ‫بيشتغل فى المارات؛ هلو لو لوالدتي‬ ‫تعجب الدكتلور سعدلون‪ ،‬لورفع حاجبيه لوسرح بعينيه قائل‪:‬‬ ‫فى الخليج؟‬ ‫آه ‪..‬فى المارات‪..‬‬ ‫يعنى أنت عايش هنا لوحدك؟‬

‫‪127‬‬


‫تقريبا‪..‬‬ ‫حك سعدلون رأسه بيده اليمنى لوسكت‪.‬‬ ‫***‬ ‫ليلة الجمعة؛ فى عمق الليل؛ تم استدعاء الدكتلور صافى من السكن لوذلك للوجييلود مريييض نفسييى‬ ‫بالستقبال؛ يحالول النتحار بشرب التلوكسافين‪ ،‬دخل المريض يمسكه اثنان لويحيط به أكثر ميين‬ ‫خمسة آخرلون‪ ،‬لوهلو يحالول أن ينزع يديه من قبضاتهم‪ ،‬كان يزعق محالول الفكاك ‪:‬‬ ‫سيبلونى ياعالم لزم أقابله‪..‬‬ ‫يقابل مين؟‬ ‫عالوز يقابل أبلوه ‪..‬‬ ‫أبلوه فين؟‬ ‫أبلوه مات لوهلو عالوز ينتحر علشان يشلوفه‪..‬‬ ‫كتب على رلوشتة المريض هياج نفسى حاد‪ ،‬لوصف له حقنة فينلوبيياربيتلون‪ ،‬لييم يهييدأ المريييض‬ ‫لوظل على هياجه؛ ساءت حالته لوأراد ان يكسر كل ما حلوله؛ مكد يده إلى مكتب الطييبيب لوسييحب‬ ‫جهيياز الضييغط لوقييذفه ميين النافييذة‪ ،‬لوقييذف حييذاءه لوراءه؛ لوأمسييك بملءة السييرير لوحييالول ان‬ ‫يقطعها لولوضعها على الرض لولوقف فلوق السييرير لواسييتعد ليبييلول عليهييا؛ قييال الييدكتلور صييافى‬ ‫للممرضة ‪:‬‬ ‫خكلى ضاحى يمسكه مع قرايبه لويربطه فى السرير لواعطيه أمبلول برلوماسيد ‪.‬‬ ‫لوكتب فى التذكرة‪:‬‬ ‫يستدعى اخصائى النفسية ‪..‬‬ ‫لودفع بها إلى الممرضة ‪...‬‬ ‫***‬ ‫الدكتلور سعدلون غير ملوجيلود ؛ لومين الصييعب الحصييلول عليييه فييى هييذا التيلوقيت‪ ،‬فييالجلو شييتاء‬ ‫لوالدنيا كانت تمطر منذ قليل لوالساعة حلوالى ‪ 2‬من صباح الجمعة‪ ،‬ربما يكلون قد سافر ليقضييى‬ ‫الخميس لوالجمعة مع أسرته بالقاهرة ‪ .‬لم يكن عامل السلويتش متلواجدا‪ ،‬جرى صافى بنفسه إلييى‬ ‫السلويتش لوفتح الباب الملوارب لواتصل بالدكتلور سعدلون‪..‬‬ ‫فرح صافى عندما سمع صلوت الدكتلور سعدلون يرد عليه قائل‪:‬‬ ‫خير‪ ..‬فيه إيه يا صافى؟‬ ‫حالة هياج شديد لوالحالة خارجة عن السيطرة المريض؛ معاه قزازة تلوكسافين‪..‬‬ ‫‪128‬‬


‫اتصرف معاه يا أخى ‪..‬‬ ‫سيادتك مشغلول؟‬ ‫أيلوه المزرعة لواخده لوقتى لوجهدى‬ ‫تساءل صافى‪:‬‬ ‫مزرعة إيه؟‬ ‫مزرعتى!‬ ‫لوسحب نفسا من سيجارته قائل‪:‬‬ ‫لوفللوسى كمان‬ ‫قال صافى متعجبا بصلوت خفيض‪:‬‬ ‫ياه !!‬ ‫رد سعدلون مسرعا‪:‬‬ ‫المزرعة محتاجه إشرافى الشخصى عليها‪ ،‬لومحتاجة فللوس ‪..‬أنا محتاج سيلولة‬ ‫سيلولة‪..‬؟؟‬ ‫أيلوه‪..‬أنا عندى فى المزرعة بتاعتى ملواشييى كييتيرة‪ ،‬لوجييايب للزريبيية عامييل لوللمزرعيية عامييل‪،‬‬ ‫يعنى بادفع مرتبين‪ ،‬العمال متعبين قلوى يا صافى‪ ،‬لوكمان مصاريف العلف لوخلفه‪..‬‬ ‫قال صافى متبسما بأدب‪:‬‬ ‫أنا إيه علقتى بالملوضلوع ده ؟‬ ‫يعنى ‪..‬أكيد اللوالد سايب لك شلوية بلواكى ‪!!!..‬‬ ‫***‬

‫‪129‬‬


‫‪47‬‬ ‫يمسك مسبحة فى يده؛ لوتعللو جبهته البيضاء زبيبة صلة‪ ،‬على عينيه نظييارة طبييية تبييدلو كييبيرة‬ ‫الحجم؛ له لحية خفيفة سلوداء فاحمة‪ ،‬تمل لوجهه ابتسامة مشرقة قلما تختفيى حيتى تحيت أحليك‬ ‫الظرلوف‪ ،‬كان يجلس فى قسم المراض الباطنة‪ ،‬فى حجرة التمريض‪ ،‬إلى المكتيب الصييغير؛‬ ‫ألتكفت حلوله طالبات من مدرسة التمريض‪ ،‬بالضافة إلييى ممرضيية ألو اثنييتين‪ ،‬لويبييدأ بمراجعيية‬ ‫ملفات المرضى ؛ يقرأ لواحدا لواحدا ‪..‬‬ ‫التهاب شعبى حاد‬ ‫الحمد ل الذى عافانا من الكحة لوالسخلونة لوضيق النفس‬ ‫غيره‪..‬‬ ‫يقلب فى الملف لويقرأ ‪:‬‬ ‫هبلوط بالقلب لوألوديما بالقدمين ‪..‬‬ ‫ينظر فى لوجلوه الطالبات الصغيرات المحكلى بعضها بالشييقالوة لوالبعييض الخيير يكسييلوه البييؤس‪،‬‬ ‫لويقلول ‪:‬‬ ‫الحمد ل المعافى‪ ،‬لوا نحن فى نعمة‪ ،‬هبلوط القلب يا أختى يعنى نق ص كفيياءة القلييب‪ ،‬يعنييى‬ ‫المضخة ضعيفة‪ ،‬أصابها اللوهن‬ ‫لوهن يعنى إيه يا دكتلور ؟‬ ‫لوهن يا بنتى يعنى ضعف‪ ،‬يعنى هبلوط لوالعياذ بال !‬ ‫لوإيه السبب ؟‬ ‫العضلة مريضة‪ ،‬من الممكن أن يكلون أحد الصمامات ألو أكييثر بييه نييلوع ميين الرتجيياع‪ ،‬يعنييى‬ ‫الدم ل يسير فى التجاه العادى‪ ،‬لويرجع مرة ثانية يا بنتى ! يعنى الدم المؤكسج ل يصييل جيييدا‬ ‫إلى الطراف لوالدماغ ‪..‬‬ ‫تسأل احداهما لوهى تبتسم ‪:‬‬ ‫إيه هى الطراف يا دكتلور انس ؟‬ ‫‪130‬‬


‫الطراف هى الطرفين العللويين لوالطرفين السفليين !‬ ‫***‬ ‫تحدث جلبة فى الكلوريدلور الملواجه للحجرة الجالس بها الدكتلور انييس لوالبنييات‪ ،‬يخييرج مسييرعا‬ ‫ليرى ما يحدث‪ ،‬مريض محملول على الييترلوللى‪ ،‬يييدفعه عبييدالعال بجييلواره إحييدى الممرضييات‬ ‫تلحق المسيرة لوهى رافعة ذراعها إلى أعلى حاملة زجاجة محللول يقطر فى ذراع الرجل ‪...‬‬ ‫تقدم الملف إلى الدكتلور أنس لوهى تقلول له ‪:‬‬ ‫غيبلوبة سكرية يا دكتلور أنس‬ ‫نظيير الييدكتلور أنييس إلييى المريييض‪ ،‬لوجههييم لدخيياله إلييى عنييبر الحييالت الحرجيية‪ ،‬دخييل مييع‬ ‫المريض تصاحبه كلوكبة الفتيات‪ ،‬مييد يييده لوجييس نبييض المريييض ؛حييرك كفييه بملواجهيية عينييى‬ ‫المريض‪ ،‬أخرج كشافا صغيرا من جيب البالطلو‪ ،‬لوأضاءه أمام عينى المريض‪ ،‬أغلق الكشاف‬ ‫لولوضعه فى جيبه‪ ،‬نظر إلي الفتيات لوقال ‪:‬‬ ‫عندما ترين حالة مثل هذه ماذا تفعلن ؟‬ ‫قالت إحداهن‪:‬‬ ‫أستدعى الطبيب‬ ‫لونظر إلى الخرى التى قالت ‪:‬‬ ‫أعطيه أنسلولين‪.‬‬ ‫قال بهدلوء ألول شىء ل تنزعجن لول تفقدن أعصابكن !‬ ‫طلب الدكتلور انيس سيماعة لوجهياز ضيغط‪ ،‬لورفعيت الممرضية الغطياء عين صيدر المرييض‬ ‫لوبطنه بدا فى فحصه بالسماعة‪ ،‬قال إن القلب سليم لوالحمد ل ‪..‬أراح بيياطن يييده اليسييرى علييى‬ ‫الناحية اليمنى من البطن لونقر نقيير خفبفييا بإصييبعه اللوسييطى اليسييرى علييى ظيياهر كفييه اليمنييى‬ ‫لوقال ‪ :‬الكبد متضخمة ‪..‬الحمد ل الذى عافانا ‪..‬‬ ‫اتجه إلى قدمى المريض‪ ،‬ضغط عليهما برفق لواحدة إثر أخرى ؛ لوقال ‪:‬‬ ‫ألوديما خفيفة ‪..‬لوجرح بالقدم‪ ،‬يبدلو أن الحرارة مرتفعة ‪ ..‬نظر إلى الممرضة لوقال ‪:‬‬ ‫مقياس الحرارة يا نيرس ‪..‬‬ ‫قالت بعد قياس الحرارة ‪ 38 :‬لو ‪ 6‬شرطات‪..‬‬ ‫كما تلوقعت يا فتيات؛ الجرح رفع درجة الحرارة ‪..‬مطللوب غيار ألول ‪.‬‬ ‫اتجهت الممرضة إلى الخارج لوهى تحدث نفسها ‪:‬‬ ‫‪131‬‬


‫إلى الجراحة ‪..‬‬ ‫***‬ ‫بعد قليل دخلت ممرضة الجراحة تسلوق أمامها ترلوللى عليه زجاجييات لوأدلوات جراحييية لوشيياش‬ ‫لوقطن لوبلستر تسأل الدكتلور انس ‪:‬‬ ‫طلبتم غيارات لمريض السكر ؟‬ ‫نعم‪ ،‬عندنا مريض سكرى لومحتاج إلى الغيارات على قدمه‬ ‫لوضعت الممرضة زجاجات لوعلبة بها أدلوات لوشاش لوقطن على المكتب‬ ‫نظر الدكتلور انس إلى العلبة لوأشار إلى إحدى الزجاجات قائل ‪:‬‬ ‫ها هلو الكسجين‪ ،‬ماء الكسجين ! الماء السحرى !‬ ‫سألت إحدى الفتيات ‪ :‬يعنى إيه سحرى يا دكتلور ؟‬ ‫إنه هام جدا للصابات الميكرلوبية العميقة‪ ،‬ماء الكسجين يختلف عن الماء العادى يييااخلوتى ألو‬ ‫يا بناتى‪ ،‬جزىء الماء العادى يتكلون من ذرتييى هيييدرلوجين معهمييا ذرة لواحييدة ميين الكسييجين‪،‬‬ ‫أما ماء الكسجين فيحتلوى على ذرتين من الهيدلوجين متحدتان مع ذرتين من الكسجين‪ ،‬لو ذرة‬ ‫الكسجين الزائدة هى التى تقلوم بمفعلول السحر لوتقتل الميكرلوب الل هلوائى‪ ،‬أى الييذى ل يحييب‬ ‫الهلواء‪ ،‬أى الذى يخاف من الكسجين‪ ،‬فهمتم يا سادة يا كرام ؟‬ ‫تسأله إحداهما لوهى تشير إلى الزجاجة الخرى ‪:‬‬ ‫لوالزجاجة التانية فيها سافللون ‪..‬‬ ‫نعم هلو كما تعلمتن مادة مطهرة ‪..‬عادة نضعها للجرلوح حتى تطهرها‪..‬‬ ‫يتفح ص لوجلوههن مبتسما‪ ،‬لويستأنف ‪:‬‬ ‫المحللول يابنات ‪..‬نعكلق له محللول الجللوكلوز المحتلوى على كمييية ميين النسييلولين حسييب مقييياس‬ ‫السكر‬ ‫هذا المريض بائس‬ ‫ليه يا دكتلور ؟ حرام !‬ ‫يا بنيتى بيائس لنيه مرييض سيككرى‪ ،‬كميا يعيانى مين بلهارسييا قديمية أدت إليى تضيخم بالكبيد‬ ‫لوالطحييال ممييا أدى إليى تيلورم بالقييدمين ! مين الطيبيعى أن منيياعته الضييعيفة سيهلت للميكيرلوب‬ ‫الهجلوم إلى قدمه‪ ،‬خصلوصا إذا كان ل يعتنى بها ‪.‬‬ ‫تتبسم الممرضات؛ تقلول إحداهن ‪:‬‬ ‫‪132‬‬


‫الظهر قكرب يا دكتلور أنس ‪..‬‬ ‫ينظر الدكتلور أنس فى ساعته لوينظر الى المريض الذى عادت له الحييياة ؛يقييلول لييه لوهييلو يربييت‬ ‫على كتفه حمد ا ع السلمة‬ ‫يقلوم مهرلول ‪:‬‬ ‫أشكرك يا بنتى‪ ،‬سأذهب لصلة الضحى لوالحق آذان الظهر الذى ألوشك فعل!‬ ‫***‬ ‫‪48‬‬ ‫مع انتهاء الخريف سمعنا أن إدارة المستشفى سلوف تتغير‪ ،‬سمعنا عن طبيب جراح قديم سييلوف‬ ‫يأتى إلينا من الصعيد؛ يحمل درجة زمالة كلية الجراحين الملكية‪ ،‬تعجبنا‪ ،‬فى تلك اليييام كييانت‬ ‫تلك الدرجات العلميية الرفيعية نيادرة‪ ،‬لوخصلوصيا فيى الصيعيد‪ ،‬صيار الميدير الجدييد مح لورا‬ ‫مشتركا فى أحاديث الطباء لوالعيياملين بالمستشييفى‪ ،‬لييم يكيين احييد متأكييدا؛ هيل الرجييل قييادم ميين‬ ‫انجلترا أم من القاهرة؛ أم هلو قادم من الصعيد؟‬ ‫تنالولته اللسنة لوقاللوا إنه رجل شديد لوناصح فى عمله؛ كفاءته عالية‪ ،‬فرحنييا بييالتغيير المتلوقييع‪،‬‬ ‫لوزادت التكهنات عندما قال أحدهم‪:‬‬ ‫الرجل سيقيم فى المستشفى هنا‬ ‫أهل لوسهل‬ ‫باين عليه أعزب‬ ‫ل‪ ..‬أسرته عايشه فى مصر‬ ‫ملوش مهم يا إخلواننا‪ ..‬المهم خبرته‪ ،‬نستفيد منها ‪.‬‬ ‫***‬ ‫تسلم المدير الجديد حجرة متلواضعة فى السكن بجلوار طبيب البنج الشهير فى نهاية الكلوريدلور‪،‬‬ ‫لم يكن يهتم بالمظاهر كثيرا‬ ‫بدأت ملمحه فى الظهلور‪ ،‬اسمه قمر الدين‪ ،‬ينام سلويعات بالنهار لويسعى فى طرقات المستشفى‬ ‫ليل بعد منتصف الليييل‪ ،‬أحيانييا يبييدأ جييلولته بعييد السيياعة الثانييية صييباحا‪ ،‬لوأحيانييا بعييد الفجيير‪،‬‬ ‫البعض شاهده يتجلول خارج أسلوار المستشفى‪ ،‬كان يذرعها طلول لوعرضا‪ ،‬يتلوجه بعينيييه إلييى‬ ‫أسلوار المستشفى‪ ،‬يسير من الطيلوارىء إليى العييادات الخارجيية‪ ،‬إليى المعميل‪ ،‬لويصيعد إليى‬ ‫الدلوار العليا‪ ،‬يمر على عنابر المرضى فى العلج المجانى لوالعلج القتصادى‪ ،‬لويسييلم علييى‬ ‫الجميع بصلوت يتعمد رفع صلوته حتى يكييلون كلمييه مسيييطرا لومفهلومييا؛ لوقيييل إن سييمعه ثقيييل‪،‬‬ ‫لوقال فهمى حتى يشعر الخرلون أنييه المييدير لويحييترملونه بمييا يليييق؛ لوقيييل لن فييى صييلوته بحيية‬ ‫‪133‬‬


‫تجعله يضطر إلييى رفيع صييلوته‪ ،‬يظيل سيائرا متجييلول‪ ،‬فييى الظلم يييذهب ليسييير ناحيية سييلور‬ ‫المستشفى‪ ،‬يقف قليل لويتأمل المبنى القديم لمدرسة التمريض‪ ،‬يتأمل المبنى الخر المقابييل لييه‪،‬‬ ‫يعرف أن به لجنة القلومسيلون الطبى‪ ،‬التى يرأسها طبيب يسييتحق أن يطلييق عليييه اسييم الحكيييم‪،‬‬ ‫كما كان يسمى الطبيب فيما مضى‪ ،‬كان رئيس القلومسيلون هذا طلويل لوضخما؛ بشيلوش المحيييا‪،‬‬ ‫متلورد الخدين‪ ،‬يحافظ دائما على إرتداء بذلته صيييفا لوشييتاء؛ فييى الشييتاء يرتييدى بييذلته الشييتلوية‬ ‫المصنلوعة من الصلوف النجليزي العريق‪ ،‬فى الصيف كنا نراه ببذلة من قماش الييلولوتربرلوف‬ ‫نصف كم‪ ،‬سمعنا أن له زلوجة سلورية‪ ،‬كان الدكتلور قميير الييدين يتأمييل المبييانى لوالسييلوار فييى‬ ‫صمت لوعندما يقابله أحد كان يحيه لويسلم عليه هاشا باشا حتى لوإن كان عيامل صييغيرا؛ بكلمتيه‬ ‫المعتادة لوصلوته المرتفع ‪:‬‬ ‫أهل يا سعادة البيه‪...‬‬ ‫يظل قمر الدين فى جلولته طلوال الليل‪ ،‬تنتهى جييلولته فييى جنيياح العمليييات حيييث يييدخل لجييراء‬ ‫عملية ألو يساعد أحد الزملء ألو يشرف على الناحية الفنية‪ ،‬عادة يظل هكذا حتى انفلق الصبح‪.‬‬ ‫***‬ ‫يرى الناس تتحرك بالنهار فى أرلوقة المستشفى بسهلولة كما يتحركلون فى السلوق‪ ،‬لم يرق له هذا‬ ‫اللوضع ‪.‬‬ ‫من الناحية الشرقية؛ لوعلى يسار الداخل من الباب العملومى تلوجد المعامييل لوالقلومسيييلون الطييبى‪،‬‬ ‫بعييدها حديقيية تفصييل بينهييا لوبييين مبنييى المستشييفى الرئيسييى‪ ،‬ميين الناحييية الغربييية يلوجييد قسييم‬ ‫الطلوارىء لوالستقبال‬ ‫***‬ ‫بدأ العمل بداية غريبة؛ قلوية كما كان يقلول‪ ،‬قال للمدير العام‪:‬‬ ‫المستشفى مفكتحة يا باشا‬ ‫يعنى إيه؟‬ ‫يعنى لزم نفصل المستشفى عن القلومسيلون لوالمعامل لوالطلوارىء‪ ،‬كل قسييم علييى حييده‪ ،‬النيياس‬ ‫بتمشى فى المستشفى زى الشارع ‪ ،‬لبد من عمل أسلوار لوأبلواب داخلية ؛كده نقدر نحكمها !‬ ‫***‬ ‫لقى هذا الطلب هلوى فى نفس المدير العام‪ ،‬لوكأنمييا غيا ص قميير الييدين فييى أعميياق المطييرالوى‬ ‫لوبحث عما يليق به من الللىء الفالصيلو‪ ،‬لوافيق الميدير العيام؛ لوبيدأ المقيالول فيى العميل فيلورا؛‬ ‫ظهرت عربات نقل تحمل كميات ضخمة الحديد‪ ،‬يلوميييا كنييا نييرى الحييدادين بنظيياراتهم اللواقييية‬ ‫لوصلواريخ اللحام الخاصة بأضلوائها المبهرة التى بدأت تنبعث فى كل مكان ‪.‬‬

‫‪134‬‬


‫فى الحال أقيمت السلوار لوالبلواب‪ ،‬سلور طلويل يفصل بين مبنييى المستشييفى الرئيسييى لومعمييل‬ ‫التحالييل لوالقلومسييلون الطيبى؛ لوسيلور يفصيل بيين مبنيى المستشييفى مين الناحيية الغربييية لوقسييم‬ ‫الطلوارىء‪ ،‬أبلواب حديدية داخل طرقات االمستشفى؛ باب حديد يمنع الصعلود إلى قسم العملييات‬ ‫من ناحية الطلوارىء‪ ،‬سلور حديدى مرتفييع يفصييل بييين العيييادات الخارجييية لوقسييم الطييلوارىء‪،‬‬ ‫انتشرت البلواب الحديدية فييى كييل مكييان‪ ،‬صييارت الحركيية مجكلوميية بتلييك البييلواب الحديدييية‪،‬‬ ‫تحلولت أرلوقة المستشفى إلى كانتلونات منعزلة عن بعضها !‬ ‫ظهر خلل لواضح فى حركة العاملين؛ فى جلساتهم‪ ،‬بدأ الطباء يتندرلون لويشكلون من هذا المر‬ ‫الغريب‪ ،‬صار من يريد اللوصلول إليى العييادة الخارجيية م ن داخيل المستشيفى علييه أن يخيرج‬ ‫خارج أسلوار المستشفى لويدخل مرة أخرى من باب العيادات الخارجية‪ ،‬تعلودنييا أن نتكلييم لو فييى‬ ‫المساء ننسى ما قلناه فى الصباح‪ ،‬لم يقدم أحييد عليى الشييكلوى المكتلوبية‪ ،‬صيار انتقييال الطبياء‬ ‫لوالتمريض لوالعمال صعبا؛ لم يعد من السهل التحرك بين أقسام المستشفى‪ ،‬صار اللوصييلول إلييى‬ ‫غرف العمليات مشلوارا مجهدا بعد أن كان مجرد نزلول الييدرج‪ ،‬عليييك أن تسييير مسييافة طلويليية‬ ‫إلى السلم الملوصل إلى القسييم الييداخلى ألول ثييم تهبييط مين هنيياك لوتعييلود نفييس المسييافة إلييى قسييم‬ ‫العمليات ‪.‬‬ ‫***‬ ‫فى سكن الطباء يحللو السهر عادة بعد منتصييف الليييل‪ ،‬يكييلون الحكييى فييى الغييالب عيين أحييداث‬ ‫النهار ‪...‬‬ ‫قال باهر ‪:‬‬ ‫الرجال كان على لوشك الملوت !‬ ‫من؟‬ ‫فى العيادة الخارجية‪ ،‬لواحد دخل العيادة لوعنده مغ ص‪ ،‬بالصدفة كييان عنييده أزميية ربييلو‪ ،‬الزميية‬ ‫لوصلت فجأة‪ ،‬رلوحه كانت طالعة؛ لوطبعا مفيش إسعافات فى العيادات‪ ،‬طلبيت نقل ه للطيلوارئ؛‬ ‫مفيش نقالة‪ ،‬لول ترلوللى أهله داخلوا بيه لغاية ما لوصللوه هناك‬ ‫طبعا خرجلوا من باب العيادات للشارع ؛ لولف لوا مين بيره السيلور مسيافة لغايية ميا لوصيللوا بياب‬ ‫الطلوارىء ‪..‬‬ ‫ده كلم فارغ ‪..‬من الكلوريدلور الداخلى كانلوا يلوصللوا فى ثلوانى‬ ‫الباب الحديد اللى فى الكلوريدلور هلو السبب ؛البلواب الحديد كلها مقفلولة؛ لوا الرجل كييان علييى‬ ‫لوشك الملوت ‪ .‬أنا رحت معاه‪ ،‬حالته صعبت على ‪..‬‬ ‫مفيش نقالة‬ ‫مفيش نقالت فى العيادة الخارجية‬

‫‪135‬‬


‫***‬

‫تبسم باهر لوهلو يقلول ‪:‬‬ ‫الخفاش مسك فايزة لوهى قاعدة مع لواحد فى القسم الداخلى ‪ ،‬لوحلولها للتحقيق‬ ‫رد سمير‪:‬‬ ‫مين الخفاش؟‬ ‫رد باهر ضاحكا‪:‬‬ ‫أنت لسة ما عرفتلوش؟ المدير الجديد‬ ‫يا ترى كانت قاعدة مع مين؟‬ ‫لواحد من الديانة‪ ،‬جاى يطلب القسط الشهرى‬ ‫الساعة كم ؟‬ ‫الساعة كانت ‪ 2‬الظهر‪..‬‬ ‫الراجل ده ملوش حا يهمد؟؟‪.‬‬ ‫***‬

‫‪136‬‬


‫‪49‬‬ ‫بالناحية الغربية من اليدلور الرضيي يلوجيد قسيم الطيلوارىء؛ فيلوقه باليدلور الثيانى تلوجيد غيرف‬ ‫العمليات‪ ،‬بالدلور الثالث سكن الطباء ثم سكن التمريض لوالطبيبات بالدلور الرابع ‪.‬‬ ‫كانت لوسائل العلم مشغلولة خلل اليام الماضية فى أحاديث عن غلء أسعار الملواد الغذائية‬ ‫أدى إلى غليان فى الشارع المصرى‪ ،‬لم نعرف هل هلو غليان حقيقى أم مجييرد دعابييات دعائييية‬ ‫إل بعدما شاهدنا لوشهدنا ما حدث اليلوم ‪..‬‬ ‫بالضحى؛ شتاء يناير؛ بقسم الطييلوارىء كييان الجييلو هادئييا‪ ،‬لييم يييدم الهييدلوء طييلويل؛ عبييد العييال‬ ‫يرتدى البالطلو البيض كالعادة؛ كان يقف على باب الحجييرة قابضييا علييى كييلوب الشيياى السيياخن‬ ‫بيديه الثنتين عندما سمع صياحا لوضجيجا قادما من الخارج‪ ،‬قال بصلوت خفيض لوهلو خييارج‬ ‫من الحجرة مستطلعا‪:‬‬ ‫يا ساتر ‪..‬‬ ‫رأى زحاما؛ هناك أناس يحمللون مصابا على أكتافهم‪ ،‬عندما اقتربلوا ألوسع لهم الطريييق‪ ،‬أشييار‬ ‫لهم ليدخللوه الغرفة‪ ،‬فى الحال لوضعلوه على الشيزللونج‪ ،‬فى لحظات انقلبت غرفة الستقبال ميين‬ ‫النقيض إلى النقيض‪ ،‬تبدد الهدلوء لوعلت الصلوات لوالصيحات لوالضجيج‪..‬‬ ‫لوكسعلوا يا جماعة‬ ‫خكللوا الدكتلور يشلوفه‬ ‫عنده إيه يا دكتلور؟‬ ‫الحقق يا عم ‪..‬هات له دم ‪..‬أصله محتاج دم؛ باين دمه اتصفى من ضرب الرصا ص‬ ‫لوسعلوا يا جماعه علشان الدكتلور يقدر يشلوفه‬ ‫النفس مكتلوم يا اخلواننا حرام عليكم‬ ‫‪137‬‬


‫الخ أبلو سجارة ‪...‬اطفى السيجارة يا عم‪..‬‬ ‫حالولت أن أخرجهم من الحجرة‪ ،‬لم يكن المر سهل‪ ،‬كان الجميع متربصين‪ ،‬القليييل اسييتجابلوا‬ ‫لوخرجلوا من الحجرة‪ ،‬أغلبهم ظللوا مرابطين معى‪ ،‬باب الحجرة مازال مفتلوحا لم يمكننييا غلقييه‪،‬‬ ‫لم يكن هناك رجال أمن‪ ،‬كان هناك شالويش النقطة فقط‪ ،‬لوهلو غالبا مشغلول مع حكمييدار القسييم‬ ‫الذى يتصل به لويستدعيه على الدلوام ‪.‬‬ ‫بدأت الفح ص‪ ،‬لوضعت يدى على ساعد المصاب‪ ،‬لم أحس نبضا‪،‬لوضعت السماعة على صدره؛‬ ‫لم اسمع ضييربات قلبيه‪ ،‬نظييرت إلييى عينييه كانتييا مطفييأتين‪ ،‬حيالولت أن أكييذب نفسيى لوأتأكيد‪،‬‬ ‫أضأت الكشاف الصغير لولوجهته ناحية عينه‪ ،‬لرى تفاعل البؤبؤ مع الضلوء؛ ل رد فعييل لييديه؛‬ ‫اقتربت من فمه لوانفه لحس نفسا خارجا ألو داخل ‪...‬لم أجد شيئا ‪..‬أحضرت قطعة قطن صغيرة‬ ‫لوبرمتها لومررت بها على رملوش لوجفن المصيياب لولكيين ل أمييل يرجييى ‪ .‬فييى النهاييية أردت أن‬ ‫أقلول لهم شيللوه‪..‬لوخذلوه مثلما أتيتم به‪ ..‬ل أمل فيه‪..‬‬ ‫نظرت حلولى كل العيلون تتجه إلى‪ ،‬علمات الغضب لوالفلوضييى تمل المكييان‪ ،‬ميين الممكيين أن‬ ‫تتفرع من هذه التظاهرة الحقيقية مظاهر أخرى غلوغائية ‪ ،‬هذه الكلمات ؛ لين أسيتطيع قلولهيا ألو‬ ‫الفصاح عن مكنلون صدرى؛ للو قلتها ربما ينهيياللوا علييى ضييربا ألو يصيييبنى مكييرلوه بحييال ميين‬ ‫الحلوال‪..‬‬ ‫قلت لعبد العال ‪:‬‬ ‫إلى غرفة العمليات؛ لواستدعى له طييبيب التخييدير لوالجراحيية لوالبيياطني لوالقلييب لعمييل كلونسييلتلو‬ ‫عليه‪..‬‬ ‫جرى الحشد لوراء الجثة‪ ،‬البعض سبقلوا الجثة صعدلوا فلوق البلوابيية الحديدييية لوعبرلوهييا مرتقييين‬ ‫الدرج إلى الدلور الثانى حيث غرف العملييات؛ بييدأت استنشيق أنفاسيي لوأنييا أنظيير إليهيم ‪ ،‬جثيية‬ ‫صاعدة يجرى لوراءها العشرات‪..‬‬ ‫***‬ ‫عاد عبد العال بعد قليل لوقد خلع البالطلو لوعكلقه فى مسمار خلف باب الحجرة؛ قال لى ‪:‬‬ ‫اخلع البالطلو لوأخرج بسرعة‬ ‫قلت‪:‬‬ ‫ليه؟ أرلوح فين؟‬ ‫اخلع البالطلو اللول‪..‬لواخرج من هنا بسرعة‬ ‫أحسست أن الفكرة غير مقبلولة‪ ،‬لولكن فى نفس اللوقت الذى خطرت لى هذه الفكييرة نفسييها علييى‬ ‫بالى‪ ،‬لم أحكدث عبد العال بها‪ ،‬لولكنى لوجدته هلو يطلب منييى ذلييك‪ ،‬خشيييت ميين اللييلوم النفسييى‬ ‫لوالعتاب‪ ،‬عندما رأيت الجماهير قادمة فى صلورة هستيرية تلوقعت أن يحدث منهم أى شىء‪ ،‬ل‬ ‫‪138‬‬


‫أحد مسئلول عن أى تصرف فى تلك اللحظات الصعبة‪ ،‬اقتنعت فى النهاية لوسريعا؛ بأن اللوقاييية‬ ‫خير من العلج ‪..‬‬ ‫ليه يا عبد العال؟‬ ‫الراجل ميت لوالناس بيتكلملوا عن التار‬ ‫يا خبر اسلود!! لواحنا مالنا؟‬ ‫دلول ما يعرفلوش حاجة‪ ..‬دلول بتلوع المظاهرة‪ ..‬ممكن يعمللوا أى حاجة‪..‬أنت عارف إن الحكلومة‬ ‫رفعت الدقيق لوالعيش لوالسكر لوالزيت لوالبنزين ‪..‬‬ ‫ذهب عبد العال إلى المرحاض؛ فى لحظات رأيتهييم يهبطييلون‪،‬جيياء البعييض لوسييحبلوا النقاليية ميين‬ ‫داخل الغرفيية المجييالورة‪ ،‬لوضييعلوا عليهييا الجثيية ‪ ،‬جييرلوا بهييا إلييى خييارج المستشييفى‪ ،‬سييمعتهم‬ ‫يتصايحلون ‪:‬‬ ‫مجلس شعب قرع لوكلوسة‬

‫لوالحرية يا ناس محبلوسة‬

‫الوعلوا تمسلوا رغيف العيش كفاية كفاية لبسنا الخيش !‬ ‫***‬ ‫عندما خيرج عبيد العيال كيانت الجثية قيد غيادرت محملولية عليى الكتياف لواسيتمرلوا يصييحلون‬ ‫لويرددلون خلف قائد لهم لويهتفلون ضد الغلء لوالقهر‪.‬‬ ‫كنت لواقفا – دلون البالطلو‪ -‬بجلوار الباب تحت شجرة الكييافلور العتيقيية المجييالورة للمييدخل‪ ،‬أتأمييل‬ ‫الحداث منتظرا حتى أعلود إلى عملى؛ بعدما ينتهى الملوقف بسلم‪.‬‬ ‫لمحهم عبد العال قبل أن يخرجلوا من الباب‪ ،‬جرى لوراءهم مسرعا لوهلو يقلول ‪:‬‬ ‫النقالة ‪...‬النقالة يا إخلواننا ‪..‬العهدة يا عالم‪..‬‬ ‫لم يسأل أحد عنه‪ ،‬لوسارت المظاهرة إلى خارج المستشفى‪ ،‬جرى المتظاهرلون؛لوجرى لوراءهييم‬ ‫لوهلو يصيح‪:‬‬ ‫العهدة يا اخلواننا ‪...‬النقالة يا ألولد ال‪..‬‬ ‫****‬ ‫غاب عبيد العيال أكيثر مين سياعة؛ المكيان فيى حاجية إلي ه؛ بصيراحة هيلو دينياملو الشيغل فيى‬ ‫الطلوارىء؛ قلقت الممرضة لوقالت‪:‬‬ ‫ربما يكلون دخل فى خناقة !‬ ‫***‬ ‫‪139‬‬


‫مع آذان العصر رأيته قادما يحمل النقالة على كتفه‪..‬‬ ‫سألته الممرضة ‪:‬‬ ‫إيه اللى أكخرك باعبد العال ؟‬ ‫أكخرني ؟!‪..‬أنا لوصلت معاهم لغاية قسم الربعين ‪ ..‬فيييه كيياردلون حييلوالين القسييم؛ النيياس تحييدف‬ ‫الحجييارة لوالخشيياب لوكييلور محرلوقيية ‪ ..‬الضييباط حييالول تهدئيية الملوقييف لوقييال ‪ :‬الشيييلوعية لورا‬ ‫الحداث‬ ‫رد عليه ملواطن‪:‬‬ ‫يعنى كل الملوجلودين شيلوعيين؟‬ ‫أنا سحبت النقالة؛ لوكنت عالوز استمر معاهم هناك‪..‬بس رجعت أجرى عشان ألحق الشغل !‬ ‫***‬

‫‪50‬‬ ‫كان يلوما مشهلودا؛ فى ذلك اليلوم عملييت فييى المستشييفى كالنحليية‪ ،‬أحمييد ايي علييى هييذا المجهييلود‬ ‫الكبير الذى بذلته‪ ،‬كلما تيذكرت أسيأل نفسيى كييف بيذلت كيل ذليك المجهيلود خلل ‪ 24‬سياعة‪،‬‬ ‫أتعجب من خلقة ا‪ ،‬يحركنى دافيع خفيى يجعلنيى أجيرى هنيا لوهنياك‪ ،‬بيين العييادة الخارجيية‬ ‫صباحا لوالمرلور على عمليات اليلوم بالقسم الداخلى ‪...‬بعد الظهر تنالولت غداء خفيفا؛ بعده عييدت‬ ‫لعمل بالطلوارئ لو الباطنة بدل من الدكتلور أنس؛ كنت قد لوقعت لييه بالعمييل نيابيية عنييه قبييل أن‬ ‫يسافر ليحضر اجتماع إحييدى الجمعيييات الخيرييية الييتى يحتييل منصييبا رئيسيييا فيهييا‪ ،‬كييانت‬ ‫نلوبتجية عجيبة صادفنى فيها عدة حلوادث‪ ،‬أغربهييا حادثيية التسييمم بالكسكسييى الييتى جيياء فيهييا ‪3‬‬ ‫عائلت مجملوع أفرادهم ‪ 17‬نفرا‪ ،‬كل لواحد منهم محتيياج للعناييية بيه لوالكشييف عليييه مييع عميل‬ ‫التقارير الطبية اللزمة‪ ،‬أكملت عملى لوقميت بنلوبتجيية اليدكتلور أنيس‪ ،‬عنيدما هبطيت الشيمس‬ ‫لوجاء المساء‪ ،‬بقيت فى مكانى‪ ،‬حان ميعاد نلوبتجيتى الصلية حتى الصباح‪ ...‬طلبييت ميين عبييد‬ ‫العال أن يجهز لنا كلوبين من الشاى الثقيل‪ ،‬بعد عشاء خفيف من سندلوتشات الكفتيية الييتى طلبييت‬ ‫من عبدلول أن يشتريها لى أثناء علودته من مشلواره اليلومى المسائى ‪..‬‬ ‫الساعة حلوالى ‪3‬صباحا‪ ،‬الجلو رائق‪ ،‬الهدلوء يشمل المكان‪ ، ،‬شعرت بالجهاد الشديد‪ ،‬تثاءبت‬ ‫عدة مرات؛ طلب منى عبد العال أن أصعد إلى السكن لرتاح قليل؛ أردف‪:‬‬ ‫النهاردة المفرلوض تاخد ميدالية ‪..‬‬ ‫‪140‬‬


‫سعدت من الكلمة؛ أحسست أنها هى الميدالية؛ لوقلت‪:‬‬ ‫ميدالية إيه يا عبد العال !‬ ‫نظر إلى الدفتر الملوضلوع على المكتب لوقال جادا‪:‬‬ ‫‪ 347‬حالة ‪..‬يا بلش‪..‬‬ ‫الحمد ل ‪..‬المهم أن كل شىء تمام‪..‬‬ ‫ا يقلويك‪..‬أطلع استريح شلوية‪ ،‬أنا ملوجلود إذا كان فيه حاجة مهمة حاأقلولك لك‬ ‫***‬ ‫فى جلوف الليل‪ ،‬صعدت الدرج بصعلوبة؛ حالولت أن ألملم قلواى لوأشد سيياقاى‪ ،‬تعلودنييا أل نغلييق‬ ‫الحجرات من الداخل حتى يمكن إخبارنا بأى شىء لعدم لوجلود اتصال تليفييلونى‪ ، ،‬رددت البيياب‬ ‫دلون أن أغلقه بالمزلج؛ لوتلوجهت إلى السرير مشتاقا؛ أسقطت جسدى عليه ‪..‬‬ ‫لم أدر بنفسى إل لوقد استيقظت‪ ،‬لوعبد العال يقف أمامى مضطربا‪ ،‬كاننى فى حلم‪ ،‬كان ينادى‬ ‫لو"يزغدنى" فى كتفى قائل ‪:‬‬ ‫قلوم يا دكتلور ‪..‬البيه المدير تحت لومعاه حالة جرح قطعى !‬ ‫قلت متثائبا ‪:‬‬ ‫الساعة كم؟‬ ‫قال‪ :‬حلوالى أربعة‪..‬‬ ‫لم أتمالييك نفسييى ميين التعييب‪ ،‬سييبقنى عبييد العييال هابطييا إلييى الطييلوارىء‪ ،‬قمييت لونزلييت فييلورا‬ ‫بملبسى للحق المصيياب لو المييدير؛ فييلوجئت بييه لوهييلو يضييع ماسييك البيير لوالجفييت فييى الطبييق‬ ‫الكللوى‪ ،‬عندما رآنى كان قد انتهى من عمل غرزتين فى فييرلوة رأس المصيياب؛ قييال لييى بنييبرة‬ ‫هادئة‪:‬‬ ‫هات لورقة يا سعادة البيه‪..‬‬ ‫تعجبت من اللهجة‪ ،‬لوقلت لعبد العال ‪ :‬شلوف لورقة للبيه‬ ‫قدم له عبد العال لورقة من تذكرة علج فارغة؛ قطع المدير شريحة من اللورقة لوأخرج قلمييا ميين‬ ‫جيبه؛ لوكتب لوهلو يقلول بصلوت مسملوع ‪:‬‬ ‫لونظر لى لوقال‪:‬‬ ‫اسمك إيه يا بيه؟‬ ‫كتب اسمى فى اللورقة؛ لوقال لوهلو يكتب ‪:‬‬ ‫‪141‬‬


‫"يحلول سيادته للتحقيق ‪..‬غياب عن النلوبتجية "‬ ‫‪ ،‬طلواها متأنيا‪ ،‬لوأعطانى إياها قائل‪:‬‬ ‫سلمها يا بيه للنايب الدارى‪ ،‬الصبح يا بيه ألوعى تتأخر‬ ‫نظرت إليه متعجبا‪ ،‬لوأنا أمد يدى لخذ منه اللورقة قائل له‪ :‬حاضر‪.‬‬ ‫لوغادر المكان‪.‬‬ ‫***‬ ‫بعد انتهاء النلوبتجية‪ ،‬صييعدت إلييى حجرتييى للقييى بجسييدى علييى السييرير؛ فييى لحظييات فقييدت‬ ‫ال لوعى لودخليت فيى ن لوم عمييق ‪ ،‬عنيدما فتحيت عينياى‪ ،‬لوجيدت بياهر يقيلوم بتجهييز الشياى‪،‬‬ ‫اعتقدت أن الشمس أشرقت‪ ،‬سألت عن الساعة أبلغنى أنها الخامسة مساء ‪.‬‬ ‫أثناء خرلوجى من الحمام لمحت النائب الدارى‪ ،‬كان يلعب البنييج بلونييج مييع سييمير فييى الردهيية‬ ‫اللواسعة التى رأيته فيها للمرة اللولى‪ ،‬نظر لى بجانب رأسه متسائل‪:‬‬ ‫معك لورقة من المدير ؟‬ ‫أيلوه‬ ‫ابتسم لوقال‪:‬‬ ‫خليها معاك‪ ..‬عارف ليه؟‬ ‫قلت ‪ :‬ليه؟‬ ‫رد ضاحكا‪ :‬علشان تكتب لنفسك جزا ‪ 5‬أيام ‪...‬هاها‪!!..‬‬ ‫***‬

‫‪51‬‬ ‫تعجبت كثيرا من هذا التغيير الكبير الذى طرأ على شخصيه الدكتلور سييمير‪ ،‬تحييلول ميين إنسييان‬ ‫متقلوقع يعيش لوحيدا إلى شخ ص آخر تماما ‪..‬كان سمير يحلييم بأشييياء جميليية؛ كمييا ظهييرت لييديه‬ ‫ملواهب اجتماعية‪ ،‬كان يتابع تاريييخ الترشيييح لنتخابييات النقابيية الطبيياء؛ لويتحييدث عيين ضييآلة‬ ‫المرتبات‪ ،‬قال للو فزت فى انتخابات نقابة الطباء على مستلوى المحافظة سأتقدم للترشيييح علييى‬ ‫مستلوى الجمهلورية‪ ،‬أيدلونى تجدلونى ‪ ،‬سأطالب بأن تبدأ المرتبات بألف جنيه !! كنا نسييمع ذلييك‬ ‫‪142‬‬


‫لونضحك‪ ،‬البعض كان يسكت لول يرد؛ كما تبنى مشرلوع إقامة مسجد داخييل أسييلوار المستشييفى‪،‬‬ ‫تكلم عن فتح باب التبرع له‪ ،‬لوتكلم عن البالطلو البيييض؛ قييال إن المريييض لييم يعييد يميييز بييين‬ ‫الطبيب لوالممرض لوفنى العلج الطبيعى لوفنى المعمل؛ الكل يرتييدى نفيس الييرداء بنفييس الليلون‪،‬‬ ‫المريض يطلق على أي لواحد منهم لقب دكتلور ‪..‬صارت نسبة الطبيياء الييذين يرتييدلونه أقييل ميين‬ ‫نسبتهم فى التخصصات الخرى ؛ باقى الفنيييين يحرصييلون علييى ارتييدائه للحصييلول علييى اللقييب‬ ‫المجانى الذى يدعلوهم به المرضى؛ كان سمير يطالب بأن يكلون لكييل تخصيي ص الييرداء المميييز‬ ‫بشكله لوللونه الخا ص به‪ ،‬حتى ل يختلط الحابل بالنابل ‪..‬‬ ‫أحب سمير أيضا أن يتلواجد دائما بقسم المسالك البلولية‪ ،‬فييى الليييل لوالنهييار كنييا نييراه لوقييد ازداد‬ ‫نشاطه بالقسم‪ ،‬مع اليام ذاعت شهرته أكثر ميين الخصييائي‪ ،‬كييان يطمئيين دائمييا علييى تييلوفير‬ ‫القساطر الطبية؛ حتى ل يعانى القسم عجزا فيها ‪ ،‬كنت معه أنييا لو فهمييى عنييدما رأينيياه لواضييعا‬ ‫السماعة حلول رقبته‪ ،‬قال له فهمى ‪:‬‬ ‫اسمع يا سمير؛ أنا عندى فكرة‬ ‫خير يا سيدى ؟‪..‬‬ ‫تبدل السماعة بقسطرة تلفها على رقبتك !‬ ‫يضحك سمير لويحالول أن يلكمه برفق فى صدره‪.‬‬ ‫***‬ ‫اقترح سمير أن نذهب معه ليطلعنا على مكان المقترح لبناء المسجد‪ ،‬ذهبنا إلى مكان شييبه خييال‬ ‫بالناحية الشمالية بالقرب من باب المستشفى العملومي‪ ،‬نظر سمير لوقال ‪:‬‬ ‫عالوزين نبنى الجامع هنا‪..‬‬ ‫لوأشار بيده إلى الركن البعيد بحذاء سلور المستشفى ‪..‬‬ ‫تطلعت إلى مبنى أثرى له أسقف عالية مغطاة بالقرميييد المييدرج؛ ينتهييى بييإفريز كمحلكييى بييالللونين‬ ‫الصييفر لوالزرق ميين جميييع جييلوانبه؛ لوتتييلوزع ميييازيب مييياه المطييار بالتسييالوى علييى جميييع‬ ‫النلواحى؛ بالجهة الشمالية الغربية من المستشقى كان قسم التطهير لوالملريا يشييغل حيييزا كييبيرا؛‬ ‫ثلث مبان قديمة متجالورة يفصل بينها طرقات بينية ضيقة؛ المبنى اللول للدارة‪ ،‬لومبنييى آخيير‬ ‫مكتلوب عليه بخط ردىء سملوم‪ ،‬رسمت على بييابه جمجمية لو‪ ......‬عرفييت أنيه مخييزن للسيملوم‬ ‫لوالمبيدات؛ بعض الجلوليية ملقيياة جييلوار البيياب خييارج المبنييى‪ ،‬أحييد العمييال رآنييا مقبلييين ناحييية‬ ‫المبنى؛ ركحب بنا‪ ،‬لوقف معنا؛ أصر على أن يصطحبنا؛ تقاطرت نقط المياه على أكتافنييا لونحيين‬ ‫لوقلوف؛ رفعت رأسى إلى أعلى فلوجييدت غسيييل منشييلورا علييى حبييل‪ ،‬قييال لنييا العامييل أن هييذا‬ ‫المبنى الثالث مخص ص حاليا لسكن العمال المغتربين سييلوف ينقلييلونهم إلييى حييى فيصييل ألو حييى‬ ‫الصباح فيما بعد لن رلوائح المبيدات تهب عليهم بالليل لوالنهار ‪.‬‬ ‫***‬ ‫‪143‬‬


‫تذكرت أيام زمان‪ ،‬كانت عربة التيفا * تمر أمام بيتنا محدثة ذلك الدخان الذى تعلودت عليه لولم‬ ‫أكرهه حتى الن؛ لنييه يييذكرنى بطفلولييتى ‪ ،‬كنييا نجييرى لوراء تلييك العربيية لوهييى تجييلول أنحيياء‬ ‫المدينة بصفة يلومييية خصلوصييا فييى الصيييف؛ أحيانييا كنييا نتييدافع لونركييض لنغييلو ص فييى دخانهييا‬ ‫البيض المندفع بقلوة كندف القطن المتصاعدة إلى أعلى كالسحب‪ ،‬مخبئة أى شىء داخلها‪ ،‬كنييا‬ ‫نعطس أكثر من مرة حتى تتقاطر الدملوع من عيلوننا ‪.‬‬ ‫بالمحيط الخارجي شاهدت حديقة شبه مهملة؛ بها بعض أنلواع من النباتييات لوالشييجار المثمييرة‬ ‫الحديثيية بالضييافة إلييى شييجرتى النبييأ لوالتييلوت العتيقييتين‪ ،‬هنيياك شييجرة لبلب تزحييف سيييقانها‬ ‫لوألوراقها على حرف المبنى صاعدة إلى نهايته تقريبا‪ ،‬بجلوارهييا شييجرة مييانجلو قصيييرة تطييرح‬ ‫ثمارها كل عام‪ ،‬على يسارها تكعيبة عنب‪ ،‬لوعلى الطرف الخر شجرتا تين لو ليملون ‪.‬‬ ‫***‬ ‫دعانا العامل لنييدخل لولنسييلم علييى الييدكتلور إبراهيييم لونشييرب الشيياى حييتى ل يزعييل كمييا قييال‪،‬‬ ‫بالداخل رأيناه جالسا فى ردهة لواسعة لوسط الملوظفين لوالعمال‪ ،‬بعض الجلولة بجييلوار الحييائط‪،‬‬ ‫السقف شاهق الرتفاع‪ ،‬لوالحلوائط كالحة لوقييد عششييت العنيياكب فييى أركانهييا لو علييى المصييباح‬ ‫الفللورسيينت المتييدلى مين السيقف تحمليه سلسييلة مغطياة أيضييا بيبيت العنكبييلوت‪ ،‬كمييا أن غطياء‬ ‫المصباح مغطى هلو الخيير حييتى كيياد لييلونه البيييض الصييلى يختفييى ‪..‬الرائحيية هنييا نفيياذة لول‬ ‫تطاق‪ ،‬تكلم سمير عن تلك الرائحة‪ ،‬قال إن رائحة المبيدات فظيعة؛ طلب منه اليدكتلور إبراهييم‬ ‫أن يجلس؛ قال سمير ‪:‬‬ ‫انت عايش هنا إزاى ؟‬ ‫رد الدكتلور إبراهيم ‪:‬‬ ‫أنت فافى باين عليك !‬ ‫انسحب العمال لوالملوظفلون فردا فردا من الحجرة بعد أن سلملوا علينا‬ ‫***‬ ‫يحكى سمير أنه عندما قامت الحرب ‪ 73‬جهز الدكتلور هيما حقيبته لوقال‪:‬‬ ‫بكره السلويس يبقى الدم فيها للركب ‪..‬‬ ‫ثم غادر المدينة إلى القاهرة‬ ‫لوحدث الحصار بعدها بيلومين ‪.‬‬ ‫‪...‬‬ ‫بدأ الدكتلور سمير يتحدث عن القيم لوالدين لوأثره فى رقى المجتمع‪ ،‬يقلوم بجمييع التبرعييات لبنيياء‬ ‫المسجد‪ ،‬الدكتلور إبراهيم يقلول عنه إنه لوهابى‬ ‫‪144‬‬


‫سأله سمير‪:‬‬ ‫لوهابي يعنى إيه؟‬ ‫تساءل الدكتلور إبراهيم ‪:‬‬ ‫هل الدين طقلوس؟ تصلى لوتعمل حركات ؟‪ ..‬تقلوم لوتركع لوتسجد ‪..‬أشكال ؟‬ ‫تقصد إيه يعنى؟‬ ‫أنت تحب المبانى لوأل المعانى؟‬ ‫المعانى طبعا‪..‬‬ ‫نظر إلى فهمى قائل‪:‬‬ ‫صاحبك سايب المعانى لومسك فى المبانى ‪..‬‬ ‫الدكتلور سمير؟‪..‬‬ ‫المبانى مالهاش لزلوم من غير معانى ‪.‬‬ ‫يا دكتلور ابراهيم ‪..‬نعمل المبانى لوبعدين تيجى المعانى !‬ ‫آه يا حبيبى يعنى العربة قدام الحصان !‬ ‫***‬ ‫سمع آذان الظهر‪ ،‬قام سمير قائل‪:‬‬ ‫الصلة الصلة ‪..‬‬ ‫نظر إليه إبراهيم متسائل‪:‬‬ ‫انت تعرف تصلى ؟‬ ‫رفع سمير صلوته متأففا‪:‬‬ ‫أعرف أصلى ؟! أنت اتجننت باين عليك؟‬ ‫ل ‪...‬اسمع ‪..‬أنت معاك معراج؟‬ ‫معراج إيه؟‬ ‫رد هيما بثقة‪:‬‬ ‫من ل معراج له فل صلة له‪..‬أنت مالكش صلة !‬

‫‪145‬‬


‫***‬ ‫كان الدكتلور هيما جالسا لوضع ساقه اليمنى على فخذه اليسر‪ ،‬بين الحين لوالخر يعبث بقدمه لو‬ ‫يمسك بجلوربه لوقد بانت أصابعه من فتحات الجلورب المتهالك‪ ،‬كأنما تعمد ذلك ‪..‬‬ ‫نظر له سمير؛ لوأشار إلى الجلورب قائل ‪:‬‬ ‫إيه يا هيما فتحات التهلويه عندك لواسعة قلوى !‬ ‫ضحك الدكتلور إبراهيم لوقال‪:‬‬ ‫خليك فى المهم‬ ‫إيه المهم؟‬ ‫المعانى لوالل المبانى ؟‬ ‫المعانى طبعا!‬ ‫احنا مخللوقين من طين ‪...‬استحاله الطين يفهم فى الميتافيزيكز ‪..‬ما لوراء الطبيعة !‬ ‫يعنى إيه؟‬ ‫رد هيما ساخرا‪:‬‬ ‫يعنييى انييت تييرلوح تفكيير فييى البامييية لوالكلوسييا لوالعيييش لوالمييزاج لوتسييحب لييك نفسييين‪ ،‬تعمييل‬ ‫دماغ !‪...‬هلو ده اللى الناس بتفكر فيه !‬ ‫تضايق سمير قائل‪:‬‬ ‫طبعا‪ ..‬كأمال يفكرلوا فيك؟‬ ‫يتبسم هيما لوهلو يبحلق فى سمير متسائل بهدلوء‪:‬‬ ‫أنت باين عليك حمار‪!! ..‬‬ ‫حمار؟! انا حمار يا بنى آدم ؟ طيب ‪ ...‬يحمل كرسيا لويخكلوف به الدكتلور هيما قائل‪:‬‬ ‫أككسر عضمك لوأبعتك الستقبال ؟ ها‪ ..‬إيه رأيك ؟ تقدر تدافع عن نفسك ؟‬ ‫يدارى هيما رأسه بيديه قائل‪:‬‬ ‫حاسب يا أخينا‪..‬‬ ‫يقلول سمير مهددا‪:‬‬ ‫أمسك لسانك أحسن لك !‬ ‫‪146‬‬


‫يضحك هيما فى براءة؛ لويشع من عينيه ألق طفلولى غريب لوهلو يقلول ‪:‬‬ ‫يا بنى آدم لزم تمشى فى الطريق ‪..‬تشلوف لك سكة ؛ بعد الميلوت رايحيين فيين ؟ تعيرف تق لول‬ ‫لى ؟‬ ‫يرد فهمى مبتسما‪:‬‬ ‫قلول أنت يا هيما‪..‬‬ ‫ينظر إليه هيما متفحصا‪ ،‬لويبتسم قائل‪:‬‬ ‫أنت رايح جهنم لوبئس المصير!!‬ ‫يبتسم فهمى بسخرية ‪:‬‬ ‫شكرا يا مؤدب ‪..‬شكرا ‪..‬‬ ‫يكمل هيما كلمه ناظرا إلى سمير ‪:‬‬ ‫أنت عمال تضرب صلة لوصلوم ‪ ...‬سألت نفسك أنت استفدت منهم لوأل ل؟‬ ‫رد فهمى مغتاظا‪:‬‬ ‫أنت تقصد إيه يا جدع أنت؟‬ ‫اسكت أنت !‬ ‫يقلوم سمير لويعالود المساك بالكرسي لويرفعه تجاه هيما الجييالس مكييانه ؛ل يتحييرك حييتى تلمسييه‬ ‫أرجل الكرسى؛ لويستمر فى الضحك؛ يضحك سمير لويقلول متصنعا الجدية ‪:‬‬ ‫ألوعلوا تمنعلونى ! سيبلونى أخكل ص عليه ؟‬ ‫يبتسم هيما قائل لسمير ‪:‬‬ ‫أقعد يا أخينا؛ خليك رزين ‪ ..‬فهمت الكلم؟‬ ‫كلم إيه؟‬ ‫يتغابى هيما متسائل‪:‬‬ ‫أنا قلت لك أنت إيه؟‬ ‫تانى ؟‬ ‫كل لواحد "يضرب"صلة لوصلوم؛ فاكر نفسه لما يصحى يلقى العكمة نزلت فلوق دماغه !‬ ‫طيب نعمل إيه يا هيما ‪ ..‬فعل لزم النسان يستطعم العبادة لويحس بها !‪.‬‬ ‫‪147‬‬


‫يشير هيما بإصبعه فى الفضاء؛ قائل ‪:‬‬ ‫هلو ده المطللوب ‪ :‬أنك تحس انك ماشى فى الطريق؛ لوالدم بيجرى فى عرلوقك؛ لوإن فيه تقدم ‪..‬‬ ‫**‬

‫‪52‬‬ ‫فككر فى رفع الخدمة لوتحسين مستلوى الداء؛ حلييم أن يتييلوفر الجهيياز المطلييلوب فييى القسييم؛سييهر‬ ‫طلوال الليل لكى يكتب مذكرة للعرض على السيد الدكتلور المييدير العييام‪ ،‬شييطبها لوأعيياد كتابتهييا‬ ‫عدة مرات؛ ذهب بها إلى مكتب المدير العام‪ ،‬قال له السكرتير ‪:‬‬ ‫قدمها للستاذة جنات ‪..‬‬ ‫سأل على جنات فعلم أنها قابعيية فييى كشييك أسييفل المبنييى بجييلوار بلوابيية الييدخلول‪ ،‬يشييغله عامييل‬ ‫الحراسة بعد الظهر‪ ،‬فى الحييال تييلوجه إليهييا لوكلييه أمييل فييى تحقيييق المييراد‪ ،‬عنييد دخييلوله إلييى‬ ‫الحجرة‪ ،‬لوجدها جالسة إلى المكتب لوقد استندت بمرفقها إلى المكتب ؛ بينما تستند راسها بكفيهييا‬ ‫المضملومين على خديها‪ ،‬كانت تتثاءب عندما دخل المكتب‪ ،‬محدثة صلوتا ‪..‬آه آه‪...‬عنما راتييه‬ ‫حركت عينيها بثقل تجاهه؛ بينما تعبث بأصابعها فى عينيها؛ قال لها ‪:‬‬ ‫استاذة جنات ‪..‬؟‬ ‫كأنما صحت من نلومها قائلة ببرلود‪:‬‬ ‫أيلوه ‪..‬‬ ‫قدم لها الطلب على المكتب؛ نظرت إليه متثاقلة ؛لوقالت دلونما اهتمام ‪:‬‬ ‫مذكرة ؟‬ ‫نعم!‬ ‫طيب ‪ ..‬سيبها‪.‬‬ ‫لها رقم استلم ؟‬ ‫ل ‪..‬لما البيه يقرأها اللول لويحدد إذا كنا نستلمها لول ل‪..‬‬ ‫‪148‬‬


‫تعجب قائل‪:‬‬ ‫إذا كنا نستلمها لوأل لأ؟؟!‬ ‫نعم؟!‬ ‫ده شغل معلمين !!‬ ‫نظرت فى عينيه دلون أن تنبس ‪ .‬اضطر إلى ترك المييذكرة؛ لوغييادر المكييان لوهييلو يشييعر بشييىء‬ ‫كالغثيان ‪..‬‬ ‫***‬ ‫انتظر أياما على أمل أن يتصل به مكتب السيد المدير العام ؛ لم يسأل عنه أحيد ؛عيياد بعيد فيلوات‬ ‫أسبلوعين بالتمام لوالكمال ليسأل عما تم ‪...‬‬ ‫قالت له الستاذة جنات ‪:‬‬ ‫فككرني بالملوضلوع‬ ‫المذكرة‬ ‫نظرت فى الدلوسيهات المتناثرة أمامها لوقالت‪:‬‬ ‫آه‪...‬أظن مازالت فى مكتب المدير ‪..‬‬ ‫طيب أطلع للمدير أشلوفها ‪.‬‬ ‫أنت حر ‪..‬‬ ‫***‬ ‫على مدخل مكتب المدير قال له الستاذ سيد السكرتير ‪:‬‬ ‫الباشا عنده اجتماع‪ ..‬ممكن سيادتك تسأل بالتليفلون لو تاخد ميعاد للمقابلة‬ ‫طيب إنا نفسى تسأل لى عن المذكرة لوتشلوفها راحت فين ‪..‬البيه أكشر عليها لوأل ل؟!‬ ‫حاضر‪..‬‬ ‫***‬ ‫فى المحالولة الثالثة تمكن من الدخلول إلى المدير‬ ‫قدمت لسعادتك مذكرة‬ ‫مذكرة إيه؟‬ ‫‪149‬‬


‫بخصلو ص جهاز القسم محتاجه‪..‬جهاز ثلثي البعاد‪..‬‬ ‫أنت بتحلم يا بنى ؟ باين عليك أهبل‪..‬‬ ‫أهبل‪ .‬أنا أهبل؟! ‪..‬‬ ‫ل عيب ‪..‬أنت قدلوة ‪ ..‬حافظ على لسانك‬ ‫أحافظ على لسانى ؟! أنت جاى تعلمنى الدب ؟ امشي أطلع بره !‬ ‫احمر لوجه الطبيب لوتغيرت سحنته؛ لوبسرعة انحنى برأسه تجاه المكتب لومد كلتييا يييديه ليمسييك‬ ‫بتلبيب المدير‪ ،‬جذبه من ياقة قميصه ‪...‬‬ ‫فى الحال ارتبك المدير لونادى بأعلى صلوته ‪:‬‬ ‫يا سيد‪ ..‬يا رجب‪..‬‬ ‫دخل السكرتير لومعه شاب آخر مسرعين؛ قال لهما بخلوف لوغضب ‪:‬‬ ‫خدلوه من قدامى‪ ..‬ارملوه بره ‪..‬الحيلوان!!‬ ‫***‬

‫‪150‬‬


‫‪53‬‬ ‫أثناء سيرنا فى ممرات المستشفى كنا نجد حجرات مغلقة‪ ،‬كانت هييذه الحجييرات تييثير شييهيتنا إلييى‬ ‫معرفة ما بداخلها ن انشغالنا فى عملنا عادة مييا يجعلنييا ننسييى هييذا الملوضييلوع‪ ،‬لييم يكيين ذا اهمييية‪،‬‬ ‫فالحجرات كثيرة لول يلوجد نق ص فيها؛ لول احد يعانى من الحتياج إلى حجرات اضافية !‬ ‫الطرقات داخل المستشفى كثيرة لومتشعبة لول تلوجييد لفتييات تشييير إلييى الميياكن المطللوبيية؛ لوإن‬ ‫لوجدت فغالبا ل ينظر الناس إليها‪ ،‬لوإن التفتلوا إليها فهناك نسبة كبيرة منهم ل يقرءلون ؛‬ ‫الكلوريدلور الرئيسى الذى يمر بالعيادات الخارجيية ييؤدى إليى قسيم الشيعة‪ ،‬غالبيا ميا يحتياج‬ ‫الناس إلى دليل‬ ‫بنفس المدخل المؤدى إلى الستقبال لوالطلوارىء كانت تلوجد حجييرات عديييدة مغلقيية‪ ،‬لييم نكيين‬ ‫نسال لماذا ؟ قال البعض إن بها عفاريت لملوتى أثنيياء الحييرب‪ ،‬لوقيياللوا إن الرلواح تييأتى بالليييل‬ ‫لوتحتل الحجرات لوتمنع إدارة المستشفى ميين الييدخلول إليهييا ن لوقييال آخييرلون إن بهييا بقايييا جثييث‬ ‫لورفات ملوتى من أيام الحرب‪ ،‬لم يستقر الجميع على رأى لولكنهم قيياللوا إن فتييح هييذه الحجييرات‬ ‫من الممكن أن يسبب مشاكل ل حصر لها ‪.‬‬ ‫***‬ ‫احتجنا إصلح لوتغيير بعض الكلوالين لومقابض البلواب لوالشبابيك‪ ،‬لن معظم الحجرات ل يغلق‬ ‫أبلوابها لول نلوافذها جيدا‪ ،‬الشتاء على البلواب‪ ،‬ذهبت مع سمير إلى القسييم الهندسييى‪ ،‬لوهنيياك‬ ‫قابلنا رئيس القسم بكل لطف لوترحاب‬ ‫سأله سمير عن تلك الحجرات المغلقة‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫هل تحتاج ألودة ؟‬ ‫ل ‪..‬لكن أسأل فقط !‬ ‫تبسم الرجل قائل‪:‬‬ ‫بعضها فيه أدلوية من ايام الحرب ‪ ،‬لوبعض الحجرات بها أدلوات للقسييم الهندسييى‪ ،‬مفرلوشييات‬ ‫لوأسرة لودلواليب لوحلوامل أطباق لوكلوملودينلو‪ ،‬لوملءات سرير لوأغطية لوألحفة من أيييام الحييرب‪،‬‬ ‫أيام المعلونة‪ ،‬فيها حاجات كثيرة اتسييرقت‪ ،‬لومازلنييا نحتفييظ بييالبعض‪ ،‬لوفييه عنييبر مقفييلول فيييه‬ ‫عفريت من أيام الحرب‪!..‬‬ ‫خاف سمير لوبعد عنا قليل ‪:‬‬ ‫عفريت ؟! ‪..‬عفريت مين ؟‬ ‫الست صابرة مسك‬ ‫أنا سمعت عنها‬ ‫‪151‬‬


‫أصابتها شظية لوهى شايلة الكل على راسها‪ ،‬لورايحة عنبر المحاريق‪ ،‬الشظية خرمييت حيطيية‬ ‫العنبر لو اختارت صابرة مسك لوحدها دلون الناس‪ ،‬الشظية عملت نافلورة دم من رقبتها؛ هى ما‬ ‫حستش بحاجة‪ ،‬الطبق لوقع من إيديها لومالت علييى السييرير‪ ،‬شيياللوها علييى ألودة العمليييات‪ ،‬لمييا‬ ‫لوصلت كان السر اللهى طلع ‪ ..‬العيانين شملوا بعدها ريحة قلوية ‪ ..‬ريحة حللوة قلوى ‪ ..‬فى نفييس‬ ‫المكان الصابة فى العنبر‪ ،‬لواحد قال ‪ :‬ريحة مسك لوالتييانى قييال ‪ :‬ريحيية ياسييمين‪ ،‬الغريبيية إن‬ ‫الريحة استمرت فى العنبر مكان بقع الدم ‪..‬استمرت على طييلول ‪..‬النيياس اتعييلودت تييدخل العنييبر‬ ‫بعدها عشان تتفرج على المكان لوتقكرب من السرير لوتشم ريحة المسك لوالياسييمين ! العنييبر بقييى‬ ‫فيه نلور طلول الليل لوالنهار من غير ما نقيد النلور ‪ ..‬كان فيه نلور بربييانى ! كييأن فيييه شييعلة ميين‬ ‫السما على شباك العنبر‪ ،‬النلور داخل منها على طلول؛ ليل لونهار !! الييدكتلور المييدير اللييى مييات‬ ‫فى الحرب‪ ،‬قال لنا يلومها سيبلوا كل حاجة زى مييا هييى لواقفلييلوا العنييبر ‪..‬السييت دى اسييمها ميين‬ ‫النهارده صابرة مسك ‪ ..‬الست دى مبرلوكة ‪.‬‬ ‫بقع الدم سيبتلوها زى ما هى ؟‬ ‫بقع الدم لوالهدلوم لوالمليات اللى مبقعة بالدم ملوجلودة بالعنبر زى ما هى ‪!..‬‬ ‫***‬ ‫على النقيض كانت حجرة سييد‪ ،‬اليذى رآه عبيدلول لوكشيف سيره‪ ،‬كيان يسيتغل هيذه الحجيرات‬ ‫المغلقة فى ادعاء غلقها منذ زمن‪ ،‬حصل سيد على طفاشة يفتييح بهييا بعييض الحجييرات المغلقيية؛‬ ‫كان يللوح بها يلوما لوهلو جالس لواضعا ساقا على ساق مرتييديا البييالطلو البيييض كعييادته‪ ،‬جالسييا‬ ‫أمام مكتب الشعة‪ ،‬بالدلور الرضى؛ رآه زميلنا عبدلول؛ لفت أنظاره منظر الطفاشة التى لحت‬ ‫فى الهلواء لوهلو يشير بها أثناء حديثه مع عبدلول؛ سأله عبدلول ‪:‬‬ ‫إيه دى؟‬ ‫دى با فتح بيها باب البيت؛ أحيانا المفتاح يضيع !‬ ‫آه طفاشة يعنى ؟‬ ‫حاجة زى كده !‬ ‫***‬ ‫كان سيد يدخل الحجرة لومعه المزة‪ ،‬ثم يقفل الباب من الداخل ‪..‬‬ ‫***‬ ‫سيد شاب طلويل مفتلول العضلت؛ يعمل فنى أشعة‪ ،‬كنا نناديه اللواد سيييد؛ لييه عينييان زرقييالوان‪،‬‬ ‫للونهما كللون البحر‪ ،‬عميقتان بهما سحر لوغملوض‪ ،‬شعره أسييلود فيياحم نيياعم لوطلويييل؛ أحيانييا‬ ‫يتركه متهدل على قفاه لوأحيانا على جبهته؛ يمتلك غمازتين مميزتيين فيى لوجنيتيه‪ ،‬عنيدما يكيلون‬ ‫فى الخارج يضع نظارته البيرسلول التقليد السلوداء على عينيه‪ ،‬لتزيييده سييحرا لوغملوضييا ‪..‬دائمييا‬ ‫يسحب كرسيه ليجلس أمام القسم بالممر الذى يعييبر منييه الهييالى‪ ،‬يبييدلو المميير أمييامه كالشييارع‬ ‫‪152‬‬


‫الضيق‪ ،‬يرتدى بالطلو أبيض يحر ص على بياضييه لونظيافته‪ ،‬يكييلويه دائمييا‪ ،‬كمييا يحيير ص عليى‬ ‫إظهار البادج المعلق على الجيب العللوى للبالطلو لوقد ظهر علي ه اسيمه بحيرلوف كيبرى بياللغتين‬ ‫العربية لوالنجليزييية‪ ،‬هييلوايته الحريييم ؛يحييب الكلم معهيين لوالتييلودد إليهيين‪ ،‬لومحالوليية خييدمتهن‬ ‫لوإرشادهن‪ ،‬غالبا ما تراه لواقفييا مييع أنييثى‪ ،‬لوليسييت أى أنييثى‪ ،‬عييادة يقييلوم سيييد باختيييار نلوعييية‬ ‫خاصة من الحريم‪ ،‬له مذاق مميز فى تلك الناحية‪ ،‬تبدلو أنها هلواية ملورلوثة‪ ،‬كنا قييد سييمعنا أن‬ ‫أباه تزلوج أكثر من ست مرات‪ ،‬لوقيل أكثر من عشرين مرة‪ ،‬بالضافة إلى عدد ل يحصى ميين‬ ‫الرفيقات؛ كان يقلول سارحا بعينيه‪:‬‬ ‫الحياه بدلون ستات تبقى صحرا ‪..‬‬ ‫كلما حانت مناسبة للكلم كان يفخر بسيللوك لواليده‪ ،‬لوأحيانيا يشييتمه‪ ،‬لويقيلول كيان لوارث فليلوس‬ ‫كتيرة‪ ،‬لوضيعها على الحريم‪ ،‬يقلول فى النهاية ‪:‬‬ ‫ل تجلوز عليه غير الرحمة ‪..‬‬ ‫آخر النهار‪ ،‬كنا نلمحه لواقفا بصفة شبه يلومية بجلوار الكافيتريا مع سيدة جديدة؛ يلوما كييان لواقفييا‬ ‫مع سيدة بيضاء ممتلئة‪ ،‬ترتدى بللوزة حمراء يبدلو من فتحتهييا اللواسييعة بيياض ثيدييها النييافرين؛‬ ‫لوبنطللون محزق على خصيير هضيييم تبييدلو منييه عجيزتهييا لوقييد ارتفعييت إلييى مسييتلوى أعلييى ميين‬ ‫المسملوح به‪ ،‬أصناف كثيرة أخرى من النساء؛ عندما يسأله أحد‪:‬‬ ‫من هذه يا سيد ؟ كان يقلول بثقة ‪:‬‬ ‫بنت أختى ‪..‬‬ ‫لومن هذه يا سيد؟‬ ‫دى جارتنا ‪..‬‬ ‫لوهذه ؟‬ ‫ست غلبانة لها أب متلوفى لوجلوزها مسجلون‪..‬‬ ‫لومن صاحبة الملية اللف ؟‬ ‫صاحبة عيال لوعالوزة علج مجانى ‪..‬‬ ‫لوهكذا ‪..‬‬ ‫***‬ ‫كان سيد يغلق الحجرة عليه من الداخل لويطيل المكلوث مع المرضى؛ لم يكتشف أحد سيير سيييد‬ ‫سلوى عبدلول‪ ،‬عبدلول هذا الذى لم يمل عين مديره‪ ،‬لوكان دائما يسخر به‪ ،‬كان المفتاح اللوحيد‬ ‫لسرار كثيرة‪ ،‬دلون أن يدرى هلو بذلك‪ ،‬يبدلو أنها كانت ملوهبة منحها ا له ‪.‬‬ ‫***‬ ‫‪153‬‬


‫‪54‬‬ ‫الدكتلور شامل الصيدلى ظهر فجأة فى ردهات المستشفى‪ ،‬تبدلو عليه الشهامة لوالرجلولة‪ ،‬يظهر‬ ‫دائما بالبذلة كاملة؛ كان يكثر الكلم بقرف عن الحلوال المعيشيية؛ لوعيين الدلوليية لوعيين المهييازل‬ ‫التى تقع يلوميا تحت سماء مصر العزيييزة‪ ،‬كييان يتحييدث بالرقييام عيين لوزراء مرتشييين لورجييال‬ ‫أعمال تشلوب صفقاتهم التهم‪ ،‬أحيانا نتجمع فى ردهة من ردهات السكن‪ ،‬ليحكى كييل لواحييد مييا‬ ‫يريد؛كان شامل يأخذ نصيب السد من الحكى؛ لوكلنا آذان صاغية‪..‬‬ ‫مفيش صيادلة خبرة فى المديرييية غيييرى أنييا لوالحنييش؛ المييدير العييام كييان عييالوز يخلينييي مييدير‬ ‫للمخزن القليمى‪ ،‬لوالحنش يبقى تحت إيدى؛ أنا قلت عيب لو رفضت طلبه؛ لنه ل المرلوءة لول‬ ‫الجدعنة تلوافق على كده‪..‬لوأل إيه رأيكم يا رجالة؟‬ ‫ينظر فى أعين الحضلور؛ ثم يقلول‪:‬‬ ‫أنا لوافقت أخيرا أمسك صيدلية المستشفى‪ ،‬حاجة كده على قدى ‪..‬‬ ‫***‬ ‫فاطمة الحكيمة انقلب حالها بعد ضييياع كرتلونيية السييملوم ميين المخييزن‪،‬الييدكتلور شييامل الصيييدلى‬ ‫أرسل مذكرة فلورية ‪ -‬كما قال ‪ -‬إلى المدير العام لومييدير المستشييفى‪ ،‬اسييتدعى مييدير المستشييفى‬ ‫مس منال لكي تبحث عن كرتلونية المخيدرات المفقيلودة‪ ،‬عرفيت أن بهيا أمبيلولت " الفاكيامفين"‬ ‫المخييدرة؛ اسييتدعت الممرضييات لواحييدة لواحييدة لوبييدأت معهيين تحقيقييات لواسييعة‪ ،‬كييانت تسييهر‬ ‫بالمستشفى لوتترك بيتها لتعرف أين ذهبت كرتلونة المخدرات‪ ،‬طلبت تحلويييل اثنييين ميين العمييال‬ ‫للشئلون القانلونية‪ ،‬فى النهاية لم يتم العثلور على شىء ‪..‬‬ ‫***‬ ‫مع مقدم الشتاء‪ ،‬سمعنا عن لجان الجيرد؛ هيذا العيام جياءت لجنية مين ال لوزارة ليتراجع أرصيدة‬ ‫المستشفى من أدلوية لوعقاقير لوملواد مخدرة لوخلفه‪ ،‬تهامس الطباء لوالعامللون أيضييا بمييا يييدلور‬ ‫داخل اللجنة من مخالفات يسملونها "جسيمة" ؛هذه المخالفات الجسيمة كان معظمها فى الصيييدلية‬ ‫الخاصة بالمستشفى‪ ،‬جاء التقرير النهيائى ليؤكيد هيذه المخالفيات‪ 6 ،‬كراتيين مضيادات حيلويية‬ ‫باهظة الثمن‪ ،‬لو ‪3‬كراتين زجاجات كلودافين شراب؛ لو ‪ 4‬باكتات من أقرا ص مخدرة لومنلومة؛ لو‬ ‫أمبلولت مسكن قلوى يسمى " ألفاكمفين "‪ ،‬لوكميات غير محددة ميين القطيين لوالشيياش لوالبلسييتر‬ ‫‪154‬‬


‫لوالجلوانتيات بالضافة إلى عدد كبير من كراتين بها زجاجات محاليييل تعلويضييية جيياءت للمدينيية‬ ‫على سبيل المعلونة من هيئات طبية عالمية ‪..‬‬ ‫***‬ ‫عبدلول مصاب بصداع نصفى مزمن؛ بييين حييين لوآخيير كييان يطلييب ميين شييامل أن يحضيير ليه‬ ‫شريطا من أقرا ص الميجرانيل‪ ،‬لو يستسمحه فى ذلك‪ ،‬عندما يحضر شامل الشريط كييان يعطيييه‬ ‫لعبدلول أمام الجميع قائل‪:‬‬ ‫خد يا عبدلول ‪..‬إن شا ا يتمر فيك‪!!..‬‬ ‫عبدلول كان اللوحيد تقريبا الذى يدخل حجرة الصيدلى شامل‪ ،‬تعلود أن يقدم له يلوميا كلوبا من‬ ‫شاى العصارى على سييبيل رد الجميييل‪ ،‬تنيياقلت ألسيينة العمييال لوالتمريييض لوالطبيياء ملوضييلوع‬ ‫ضياع كراتين الدلوية؛ صار هذا الملوضلوع حديث المستشفى ‪ ،‬لوأصبح مثار سخرية لواسييتنكار‬ ‫الجميع‪..‬‬ ‫***‬ ‫كان السيلوفى راقدا على سريره بينما يجهز عبدلول الشيياى؛ مييد عبييدلول يييده بكييلوب الشيياى إلييى‬ ‫مديره الراقد فى استرخاء قائل ‪:‬‬ ‫أنا عالوز أقلول سيادتك على حاجة‬ ‫فيه إيه يا زفت؟‬ ‫أنا شفت كراتين عنده‬ ‫كراتين إيه ؟ لوعند مين؟‬ ‫كراتين الدلوا ‪..‬عند الدكتلور شامل‪..‬‬ ‫الدكتلور شامل هلوه اللى بيشتكى؛ أنت عجيب قلوى! شفتها فين؟‬ ‫الكراتين تحت السرير‬ ‫سرير مين ؟‬ ‫سرير شامل‬ ‫انت اللوحيد اللى بتدخل عنده‪..‬‬ ‫رد عبدلول متخلوفا‪:‬‬ ‫كأنى ما قلتش حاجة ‪..‬بعدين يفتكر أنى باتكلم عنه‪..‬‬ ‫بعد أيام اختفى الدكتلور شامل من المدينة ؛ لم يترك أثرا؛ سمعنا انه سافر خارج البلد‪.‬‬ ‫‪155‬‬


‫***‬

‫‪55‬‬ ‫مع مقدم الخريف حان ميعاد إخلء نلواب العملوم طرفهم من المستشفى؛ لوذلك تمهيدا لعلودتهم‬ ‫إلى دهاليز اللوزارة لكى يعاد تلوزيعهم بالقرعة‪ ،‬ألو بالختييار ؛عليى المحافظيات؛ ليعمليلوا نلوابيا‬ ‫فييى فييرلوع الطييب المختلفيية ؛فييى هييذه الحاليية يحصييل الطييبيب علييى لقييب نييائب تخصيي ص؛ ميين‬ ‫المفرلوض أن يمضى عامين ألو عاما آخر على القل فى فرع التخص ص فى إحدى المستشفيات؛‬ ‫بعد عامى المتياز لو النائب العملومى؛ ثم يبدأ التفرغ للدراسة‪ ،‬ثم يسمح له بدخلول المتحان بعد‬ ‫أن يكلون قد طلوى فى الدراسة عاما ألو عامين ألو أكثر حسب نصيبه‪..‬مشلوار طلويل ل حيل ل ه ‪..‬‬ ‫لول احد يبحث عن حل‪ ،‬ل أحد يهتم‪ ،‬الكل معتقد أن هذا من للوازم " الييدكترة " ‪...‬الدهييى ميين‬ ‫ذلك السفر لوالغتراب الدائم الذى يعانيه الطبيب فى رحلته‪ ..‬لم يكن إخلء الطرف سييهل؛ قبيييل‬ ‫انتهاء مدة النيابة العملومية بأيام‪ ،‬سأل الدكتلور الخشاب على إجراءات إخلء الطرف؛ فى مبنييى‬ ‫شئلون العاملين قالت له الملوظفة‪:‬‬ ‫تعمل إخلء طرف من المستشفى ألول‬ ‫لوثانيا؟‬ ‫تعمل إخلء من المديرية خد النملوذج لواعمل اصل لو ‪ 5‬صلور‬ ‫‪ 5‬صلور؟‬ ‫آه‪ .‬إخلء ميين المخييازن لوإخلء ميين المكتبيية لوإخلء ميين الشييئلون القانلونييية لوإخلء ميين إدارة‬ ‫المستشفى لوتاخدهم كلهم لوترلوح على المديرية‪ ،‬تعمل إخلء من هناك!‬ ‫***‬

‫الدكتلور فهمى لوالخشاب لوالطرابيلى اتفقلوا على الحضلور سلويا للقيياء المييدير للتييأثير عليييه؛ لكييى‬ ‫يخلى طرفهم؛ قال فهمى‪:‬‬ ‫الزفت ده ممكن مايلوافقش‪ ،‬مش كفاية المهزلة بتاعة الساتذة لوالتحكمات الفارغة فى الكلية ؟‬ ‫بعد أن تمكنلوا من مقابلته قال لهم‪:‬‬ ‫‪156‬‬


‫ل يمكن أسيبكم‬ ‫ليه يا باشا؟‬ ‫احنا معتمدين عليكم‬ ‫لولكن مستقبلنا يا باشا‬ ‫يا بنى ماله مستقبلكم ؟ هل أنا باشكغلكم عمال لول دكاترة؟‬ ‫***‬ ‫بعد أن خرجلوا‪ ،‬فكر الخشاب قائل ‪:‬‬ ‫الرجل بيحب البط لواللوز‪ ،‬نجيب له هدية ‪..‬‬ ‫تضايق الطرابيلى زاعقا ‪:‬‬ ‫هدية إيه ؟ احنا لزم ناخد حقنا‪ ،‬احنا بنطلب حاجة غاط؟‬ ‫لوأكمل ‪:‬‬ ‫أنا حا تصرف يا جماعة‬ ‫رد الخشاب ‪ :‬حاتعمل إيه يعنى ؟‬ ‫ربنا يسهل‬ ‫***‬ ‫سافر الطرابيلى إلى القاهرة؛ لوعاد بعد يلوم لومعه خطيياب سييرى لوهييام للمييدير العييام؛ فييى نفييس‬ ‫اليلوم تم إخلء طرف الطباء الثلثة ‪.‬‬ ‫تساءل الخشاب عن السر‬ ‫رد عليه فهمى قائل‪:‬‬ ‫أنت آخر من يعلم؟‬ ‫يعلم إيه؟‬ ‫يا حبيبى؛ الطرابيلى خاله لوكيل لوزارة ‪!!..‬‬ ‫***‬

‫‪157‬‬


‫الجزأ الثانى‬ ‫‪1‬‬ ‫نزهة أسوانية‬ ‫انتهى عام المتياز ‪ ،‬تفرقنا وذهب كلل منا إلى حاله‪ ،‬ظلت علقاتنا مع المستشفى والعاملين بها‬ ‫دون انقطاع تقريبا ‪ ،‬كنا نسأل عنهم ونزورهم ونتقابل سويا بين حين وآخر مع من بقى منهم‪،‬‬ ‫نتعرف أيضا على الزملء الجدد‪ ،‬ذهبنا إلى الوزارة أنا وباهر ‪ ،‬قلت له‪ :‬السنة طارت بسرعة؛‬ ‫قال لى ‪..‬العمر بيجرى ‪...‬‬ ‫جرت العادة على أن يتم توزيع الخريجين على وحداتهم لحفظ الوظيفة قبل التجنيد ‪ ،‬بمقدم‬ ‫الربيع؛ قبيل معاهدة كامب ديفيد سافرنا الى الوزارة لنتعرف على أماكن توزيعنا؛زميلنا‬ ‫الطرابيلى لم يسافر معنا‪ ،‬تعلل بوجود بعض المشاغل ‪..‬سألنى أن أبحث له عن مكان تكليفه؛‬ ‫عندما وصلنا مبنى الوزارة شاهدنا بعض زملء الدراسة؛ الكل متزاحمون فى مكان ضيق‬ ‫يبحلقون فى كشوف ملصقةعلى سبورة باهتة معلقةعلى الحائط‪،‬بحثنا عن أسمائنا ‪ ،‬أخيرا وجدت‬ ‫الطرابيلى موزعا على محافظة سوهاج وشاهدت اسمى بقطاع ريفى أسوان ‪ ،‬بينما ذهب باهر‬ ‫إلى العريش! ؛للوهلة الولى تضايقت ثم ددهشت ‪،‬كان أول همومى أن أبلغ الطرابيلى فور‬ ‫عودتى مباشرة بمكان توزيعه حتى يطمئن ‪ .‬بمبنى الوزارة تعرفت على بعض أفراد المجموعة‬ ‫التى ستسافر إلى أسوان؛الردهة ضيقة ‪ ،‬تتصاعد دقات أحذيتنا على أرض خشبية متهالكة؛ وقفنا‬ ‫سويا دقائق ؛ أكد لى أكثر من زميل أن الوزارة "بزرميط"‪ ،‬وأن الوسايط مازالت تلعب دورا‬ ‫رئيسيا فى عملية التوزيع‪ ،‬وأن من ليس له ظهر من السهل أن ديضر ب على قفاه ‪..‬أخذنا‬ ‫الموضوع بسخرية‪ ،‬انقلبت بعد لحظات إلى فرحة ‪ ،‬لم أستأ لبعد المسافة‪ ،‬اعتبرناها جميعا فسحة‪،‬‬ ‫وخصوصا أن معظمنا سوف يقدم نفسه للتجنيد بعد حوالى شهر‪،‬تذكرت مثل يقول "إذا جاءتك‬ ‫السخرة دخدها جوده"!‬ ‫استلمت خطا ب التوجه إلى مديرية الشئون الصحية بأسوان‪ ،‬واتفقنا على اللقاء مساء اليوم التالى‬ ‫فى محطة مصر استعدادا للسفر بقطار النوم ‪.‬‬ ‫عدت إلى مدينتى وأبلغت الطرابيلى بأن تكليفه فى سوهاج ؛ضحك كثيرا‪،‬سألته عن السبب ‪،‬أجا ب‬ ‫‪:‬لننى لن أذهب الى الصعيد وسكت؛لم أعرف ما السر ولم أسأله عن ذلك‪.‬‬ ‫‪158‬‬


‫بأسوان وصلنا الى مقر مديرية الشئون الصحية ؛انتظرنا لنتسلم خطابات التوزيع ‪ ،‬قالوا لنا ل‬ ‫تتعجلوا ‪ ،‬انتم معنا فى ضيافتنا اليوم ؛ تذكرت أن زميلناالدكتور طه كان قد نقل إلى أسوان‪ ،‬ل‬ ‫أعلم إذا كان قد غادرها أم ل ‪ .‬انقطعت صلتى به منذ أن غادرنا بعد حادثة زواجه الشهيرة من‬ ‫سامية والتى لم تستمر أكثر من ‪ 48‬ساعة؛وطلب نقله إلى أسوان ‪ ،‬أسوان محافظة ممتدة‬ ‫وواسعة؛ بها أربعة مراكز شهيرة ادفو ودراو وكوم امبو ومركز ناصر؛ سألنا عن مكان للقامة‬ ‫‪ ،‬قضينا ليلة فى نزل الشبا ب كيفما اتفق ‪ ،‬سرائر مزدوجة)بدورين (‪،‬الجو حار ولكن الطبيعة‬ ‫خلبة‪ ،‬الناس هنا يشملهم هدوء جميل ومريح‪ ،‬ل يتطاحنون ول يتشاكسون إل فيما ندر‪،‬السكون‬ ‫تقريبا هو السمة السائدة فى المدينة‪ ،‬يكاد يكون ممل‪ ،‬صباح اليوم التالى استعددنا للذها ب الى‬ ‫أماكن توزيعنا على أنحاء القطاع الريفى بأسوان‪ ،‬تم تقسيمنا إلى عدة مجموعات ‪ ،‬خطا ب واحد‬ ‫يشمل مجموعتنا كلها‪ ،‬سنذهب إلى قرية من قرى ادفو؛صباحا كان فى انتظارنا أتوبيس قديم من‬ ‫أتوبيسات زمان‪ ،‬خاص بمديرية الشئون الصحية‪ ،‬له مقدمة طويلة‪،‬نزل السائق وأدار المانيفيلة‬ ‫حتى يتم تشغيل الموتور‪ ،‬سار بنا فى طريق أسفلتي قديم متهالك‪ ،‬انتهى إلى طرق ضيقة ملتوية‪،‬‬ ‫القليل منها مطلى بالسفلت‪،‬سلك بنا السائق طريقا ضيقا محفوفا بالشجار ‪ ،‬خرجنا إلى طريق‬ ‫ترابي‪،‬شاهدت عن اليمين نهر النيل ؛بينما بدا اللون الخضر الجميل يكسو الناحية‬ ‫الخرى‪،‬ظهرت أمامنا مزارع البرسيم والكرنب والطماطم ‪ ،‬بعدها مساحات شاسعة للقصب وقد‬ ‫نهضت و تزاحمت الزعازيع الخضراء متهافتة إلى عنان السماء‪،‬كانت العربة أثناء سيرها تترك‬ ‫غيمة ترابية كثيفة؛ وسط مزارع القصب توجد قضبان حديدية بينها مسافة ضيقة؛ عرفت أنها‬ ‫لعربات صغيرة تنقل محصول القصب إلى مراكز التجميع النهائية ‪ .‬بالرغم من بشائر الربيع؛ إل‬ ‫أن الجو حار‪،‬عند وصولنا الى الوحدةالصحية طالعنا مبنى قديم يبدو أنه من المبانى التى استولت‬ ‫عليها الثورة؛محاط بسور منخفض يطل على النهر ويفصله عنه الطريق من الجانب الشرقى ؛أما‬ ‫الجانب الشمالى والغربى يطلن على مزارع هائلة للقصب ‪.‬‬ ‫تعرفنا على مدير الوحدة ‪ ،‬كان شابا هادئا يرتدى تريننج سوت صيفى‪ ،‬ابتسامته الواسعة أضفت‬ ‫سحرا على المكان ‪ ،‬رحب بنا وصحبنا لنتعرف على الوحدة ‪ ،‬صعد معنا إلى الدور الثانى ‪،‬‬ ‫دخلنا ردهة طويلة ملحق بآخرها عنبر متسع به عدد كبير من السرة تصطف على الجانبين‪،‬‬ ‫‪..‬بالسقف المرتفع كشاف له غطاء معدنى وقد تراكمت عليه التربة والعناكب ‪،‬على أحد السرة‬ ‫يرقد مريض إلى جواره زجاجة محلول معلقة فى حامل معدنى ويتدلى منها انبو ب فى نهايته‬ ‫محقن مغروس بذراع الرجل ‪ ،‬اقتر ب من المريض ونزع المحقن برفق ‪ .. ،‬قام المريض مطيعا‬ ‫للمر وغادر المكان سيرا على قدميه ‪.‬نزعت العاملة الغطية من فوق السرة ‪ ،‬واختفت بها ‪.‬‬ ‫على العكس مما تخيلت ‪ ،‬من السهل قضاء الوقت بالرغم من ندرة أسبا ب الترفيه‪ ،‬لم يكن‬ ‫الكمبيوتر أو الموبايل موجودين فى ذلك الوقت الذى يبدو بعيدا؛البعض خرج ليستكشف المكان‬ ‫حولنا‪ ،‬آخرون خرجوا بغرض شراء حاجيات ‪ ،‬والبعض جلس ليمارس هواية الطاولة‬ ‫والشطرنج وإلقاء النكات وتبادل المعلومات والحديث عن مستقبل الطبيب فى مصر مقارنة به فى‬ ‫دول العالم ‪ .‬فى المساء ؛ فى نفس القاعة وجدنا ملءات سرير ومخدات نظيفة ‪ ،‬صعدنا‬ ‫أسررتنا ‪ ،‬تركنا الضاءة كماهى؛ المصابيح الصفراء تتدلى من السقف بأسلك طويلة بهت لونها‬ ‫من آثار الذبا ب‪،‬هناك من يخاف من الزواحف والحشرات والفئران ‪ ،‬خرجنا من العنبر ‪ ،‬تجولنا‬

‫‪159‬‬


‫حول المبنى ‪ ،‬فى المسافة بين السور والمبنى هناك مغسلة ومصلى صغير وحديقة مهملة ‪ ،‬رقدنا‬ ‫على النجيلة وبدأنا نحكى ؛قال فايز‪:‬‬ ‫تعودت الرضا بما قسم ا لى ‪ ،‬ليجب أن نترك أنفسنا للحزن تحت أى ظرف؛ اعتقد أن اجترار‬ ‫الحزن نوع من الكفر بنعمة ا‪ ،‬أذكر تلك السيدة المريضة؛ سيدة مسنة ‪ ،‬بكت وهى تقول ان ابنها‬ ‫الكبير توفى منذ ‪ 4‬شهور ؛ ابنها الكبر عمره عشرون‪ ،‬أما اخوه الصغير فقد مات منذ ‪3‬‬ ‫سنوات ‪ ..‬قالت وهى تمسح دموعها بظاهر يدها ‪..‬لم يبق لى سوى البنتين !‬ ‫بعد أيام زالت الحواجز بيننا؛ كان الدكتور خالد نجم يهوى التمثيل ‪ ،‬ارتدى فانلة وتركها‬ ‫مشلوحة ‪ ،‬بانت كأنه يرتدى أثمال ‪ ،‬فى المساء ونحن نستعد للنوم ؛كان يمسك كتيبا فى يده ويسير‬ ‫بيننا فى العنبر وهو يبحلق فى وجوهنا واحدا واحدا ‪ ..‬ويتساءل فى زمن النفتاح ؛ محتاجين‬ ‫نعرف أجدادنا ؛هل سمعتم الفلح الفصيح ؟ ثم يقرأ من كتا ب صغير فى يده ‪:‬‬ ‫أيها الممدوح والذي يمدحه الممدوحون‬ ‫أنا ذا أتكلم‪ ،‬فاسمع‪:‬‬ ‫أقم العدل‪.‬‬ ‫ارفع المعناة عني! فأنا مثقل بالهموم وبسببها أنا ضعيف‪!..‬‬ ‫تفحصني‪ ،‬وانظر‪ ،‬أنا في بؤس!‬ ‫أتريد أن تكون من أهل البدية؟‬ ‫أليس العار أن الميزان مائل‪،‬ومقيم العدل منحرف ! أنظر هاهو العدل يرزح تحت ثقلك مشردا‬ ‫من مكانه!‬ ‫بينما زميل فى آخر العنبر – ل أتذكر اسمه ‪ -‬يضع يديه تحت رأسه متحدثا أخونا خالد بيقول‬ ‫اننا فى عصر النفتاح ‪ ،‬يعنى لزم ننفتح على العالم‪ ,‬أنا شخصيا أحب أهتم بالكون كله ‪ ،‬يهمنى‬ ‫أعرف احنا مين واحنا فين ؟ ورايحين على فين ؟ وايه حقيقة الحياة والموت ؟! وينظر إلى‬ ‫كتا ب فى يده ويقرأ‪"..‬ما أصل الكون؟هل الكون نبع من لشيء ؟ ‪ .‬هذاالسؤال لم يخض العلماء‬ ‫فيه حتي الن وتركوا هذه المسألة للغيبيات واللهيات والنظرة الفطرية‪ .‬ولم يخضعوه لفرضيات‬ ‫علمية بل تحاشوها ‪.‬لنهم لن يصلوا فيها لتفسير علمي منطقي ‪ .‬لن الخلق يلزمه خالق ‪.‬‬ ‫واعتبروا أن أكبر غموض في الكون هو وجودنا في حد ذاته ‪.‬لنه الحقيقة الماثلة للجميع ‪.‬فأحالوا‬ ‫هذه المسألة اللغزية للفلسفة وعلم ماوراء الطبيعة )الميتافيزقيا( مدعين أنهم يتعاملون مع‬ ‫المدركات البصرية والحسية وهي تخضع للطبيعة التي تقول إن الشيء ليخلق من لشيء؛‬ ‫والوجود ليعبر عن ل وجود ‪ .‬إل أنهم في نظرتهم لخلق الكون وفهم وجوده ما زالوا تائهين‬ ‫‪.‬رغم أن الصورة السائدة عن الكون منذ اللحظات الولي من وجوده لن تتغير أو تتبدل ‪ .‬فهذه‬ ‫الصورة تعود بنا إلي جزء من تريلليون تريلليون تريلليون الثانية الولي من عمر الكون الذي بلغ‬ ‫بليين السنين هي جملة الزمن الكوني الذي تضخم فيه الكون وتمدد لما هو عليه حاليا ‪ .‬لكن ماذا‬ ‫كان قبل هذا ؟‪.‬ل أحد يعرف‪.‬لن الخلق لم يكن بل شك من لشيء ‪ .‬وليس هناك نقطة محددة‬ ‫يمكن أن يقال أن منها بدأ الكون حقيقةالعلماء يظنون أنهم تعرفوا علي كيفية بدء الكون لكنهم لم‬ ‫يهتدوا إلي متي سيظل الزمن ممتدا أو ماذا يحدث عندما يصل تمدد الكون إلي الجانب الخر من‬ ‫‪160‬‬


‫الفضاء ‪.‬؟‪ .‬فلقد فشل جهابذة علماء الفلك في معرفة حل الغموض حول ماذا سيحدث في الجانب‬ ‫الخر من الزمن ‪ .‬وهل المجرات ستظل طائرة لتتباعد عن بعضها للبد؟‪.‬وهل سيخبو ضياؤها‬ ‫حتي يصبح الكون باردا ومعتما ؟‪.‬أو سيتمدد ببطء ليتوقف ويعود لسيرته الولي معرضا‬ ‫‪10‬تريليون بليون نجم للنسحاق الكبيرو ‪ 100‬بليون مجرة أو أكثر ستختفي من الوجود ليصبح‬ ‫الكون صورة مرآتية منضغطة للحظة مولد انفجاره كعود علي بدء ‪ .‬كما كان من قبل عند بدء‬ ‫ظهوره ؟‪ .‬وقد يصبح كما يقال ثقبا اسود متناه ‪ .‬هذه التساؤلت لم يبت فيها العلماء برأي قاطع‬ ‫رغم طول مراقبتهم للفضاء عدة عقود‪ .‬وأخيرا ‪..‬العلماء ولسيما علماء الفيزياء الفلكية يرحبون‬ ‫بكل جديد يكتشف في منظومة الكون ليعيدوا صياغة مجلداته ‪.‬إل أن الكون سيظل مثار جدل‬ ‫وحدس لينتهي ‪ .‬لنه كون غامض ليسهل سبر أغواره أو الفصاح عن مكنوناته ‪.‬وهذا‬ ‫الغموض يداعب عقول البشر منذ خلقوا وحتي قيام الساعة‪ .‬وسيظلون محتارين فيه وحائرين معه‬ ‫ومختلفين حوله !‬ ‫***‬ ‫عقار ب الساعة تعبر منتصف الليل‪ ،‬أطفأ خالد لمبة السقف الصفراء الكبيرة التى تشع المزيد من‬ ‫الحرارة ‪ ،‬اكتفينا ببصيص الضوء الفوسفورى المتهادى إلى العنبر من عمود النور الخشبى‬ ‫المجاور للمركز‪..‬حرصنا على أن نغطى أجسامنا تماما ‪ ،‬وبالرغم من ذلك يوجد هنا نوع غريب‬ ‫من الناموس له لدغة حادة يمكنها اختراق الجلد خلل الملءة أو البطانية بسهولة !‬ ‫من الكاسيت الصغير الذى يحمله زميل خريج مدارس مير دى ديو بمدخل العنبر كنا نستمع قبل‬ ‫النوم إلى أغانى ومقطوعات موسيقية أثارت إعجابى ‪ ،‬واعجا ب عدد من الزملء ‪ ،‬على مدى‬ ‫ليال من ليالى أسوان الحارة استمعنا إلى عدد كبير من المطربين والموسيقيين العالميين مثل‬ ‫الفيس بريسلى وفرانك سيناترا فى ماى واى ‪،‬وفرقة البونى إم التى اشتهرت فى أواخر‬ ‫السبعينات ‪ ،‬وتعرفنا على مون ليت سوناتا – أو سوناتا ألشيارو دى لونا )ضوء القمر(‬ ‫لبيتهوفين‪ ،‬واستمتعنا بفالس الدانو ب الزرق لشوبان‪ ،‬ماريا كالس فى مدام يتر فلى؛ كنا أحيانا‬ ‫ننام على صوت المطربة الفرنسية إديث بياف القوى المتصاعد فى هدوء العنبر وهى تصدح‬ ‫‪ le foule‬الزحام –أو الحشد &‪ la vie en rose‬الحياة الوردية‬ ‫بأغانيها‬ ‫‪ Non, je ne regrette rien‬ل‪ ..‬ل أندم على شيئ‬ ‫‪ C'est payé, balayé, oublié‬فكرله مضى‪ ..‬انقضى ‪..‬اتنسى‬ ‫و لويس أرمسترونج وهويغنى ‪ :‬ما أجمله من عالم !‪- !what a wonderful world‬أرى‬ ‫السعادة فى جناح طائر محلق فى الفضاء‪ ،‬فى قطرة تتساقط من ورقة شجر ساعة السحر‪ ،‬فى‬ ‫ألوان قوس قزح وفى ابتسامات الناس وتحياتهم لبعضهم !‪.‬أزفت ساعة النوم ‪.‬‬ ‫فى الصباح بعد خروجه من الحمام؛ وقف خالد ليمشط شعره أمام مرآة صغيرة أخرجها من‬ ‫حقيبته‪ ،‬سمعناه ينشد من كلمات صلح جاهين وهو يضحك ‪:‬‬ ‫عجبى‬ ‫يا طير يا عالي في السما طظ فيك‬ ‫ما تفتكرشي ربنا مصطفيك‬ ‫‪161‬‬


‫برضك بتاكل دود و للطين تعود‬ ‫وأكمل بالفرنسية" ‪" "Avoir dit la vérité m'a laissé sans ami‬قول الحقيقة يتركني بل‬ ‫صديق"!‪.‬‬ ‫ضحكنا جميعا وقمنا لنغير ملبسنا ونستعد للفطار والعمل ‪.‬‬ ‫‪---*** --‬‬‫عددنا حوالى ثلثين طبيبا ؛اكتشفنا أنه لم يكن لدينا عمل؛ كانت اليام تنقضى فى التجول فى‬ ‫السوق وأحيانا تحضير الطعام ولعب الكوتشيتة والدومينو والشطرنج ‪ ،‬بينما كان البعض‬ ‫يقضون وقتا ل بأس به فى الصلوات وتلوة القرآن ؛كان فى صحبتنا ملحظ صحى يحرص‬ ‫على مصاحبتنا فى السوق ؛كان الجميع يعرفونه بل استثناء ‪ ،‬يمد يده ليأخذ زوجا من الزغاليل‬ ‫أو ‪5‬بيضات ول يعط البائعة ثمنها ‪ ،‬تعجبت من تلك "الفردة" التى يقبلها على نفسه؛ومازلت ل‬ ‫أعلم هل كان يأخذ على النوتة؟أم هى فردة كما بان لى ؟‬ ‫أوشكت أيام الشهر على النفاد؛قبل أن نعود الى القاهرة لنسلم أنفسنا لدارة التجنيد ‪ ،‬فكرنا فى‬ ‫زيارة معالم أسون‪،‬اختلفنا فى برنامج الزيارة ‪ ،‬تدخل أولد الحلل وانتهى بنا المر إلى التفاق‬ ‫على الذها ب الى أسوان وكوم امبو وادفو واسنا والقصر وقنا أيضا ‪..‬‬ ‫أثناء العودة من رحلتنا قال لى خالد " اذا كانت التماثيل حرام ‪ ،‬فما بال ا سبحانه خلق الجمال‬ ‫فى الكون‪ ،‬كما وضعه فى هيئة أشكال عديدة من المخلوقات ‪،‬فى النسان والحيوان وفى الطبيعة‬ ‫الخلبة ؛فى الزروع والجبال والبحار والنهار ‪، ..‬وال فكان من الولى أل يخلق الجمال حتى ل‬ ‫ينصرف الناس عن ا ويعبدوا الجمال !‬ ‫أذكر هذه اليام بشوق وأذكر أيضا هؤلء الزملء الذين سقطوا فى سجل النسيان أو الغربةأو‬ ‫الموت ‪.‬‬ ‫***‬

‫‪162‬‬


‫‪2‬‬ ‫تجنيد‬ ‫قبيل معاهدة كامب ديفيد بشهور ؛مصادفة ؛ فى منطقة التجنيد قابلت الدكتور طه! أخذته‬ ‫بالحضان‪،‬مازال يميل الى البدانة بالرغم من منظره الشاحب ؛ خف وزنه كثيرا‪،‬عرفنا أن كل‬ ‫خريجى هذا العام تقريبا من الطب والصيدلة والطب البيطرى وطب السنان والعلوم والهندسة‬ ‫والتجارة والحقوق سيلحقون كضباط احتياط ‪ ،‬تسلمنا المخالى وضربوا لنا ميعادا لنجهز انفسنا‬ ‫ونستعد للسفر إلى وادى الجن ! وادى الجن؟! نعم؛كانت شهرة وادى الجن قد ذاعت بيننا كالنار‬ ‫فى الهشيم ‪ ،‬قيل لنا إنها منطقة مجهولة على الخريطة ‪ ،‬عرفنا أنها منطقة فى أعماق الصعيد ‪،‬‬ ‫وان اسمها الحقيقى غير معلن ‪ ،‬وأن هذا السم مجرد اسم حركى فقط ‪ ،‬تفاوتت الفكار عن وادى‬ ‫الجن ؛ البعض قال إنها منطقة مليئة بالثعالب والعقار ب والتعابين ‪ ،‬آخرون ادعوا انها منطقة غير‬ ‫موجودة على الخريطة ‪ ،‬زميل لنا قال انه ليمكن الخروج من السكن فى الليل هناك لن من‬ ‫يخرج فى الفضاء سوف يعرض نفسه للعيب الجن ووحوش البرية ‪،‬والبعض قالوا ربما تكون‬ ‫على حدود السودان ‪ ،‬وأن الوصول إليها ل يمكن إل عن طريق سيارات الجيش فقط ‪ ،‬ولنها‬ ‫منطقة عسكرية فل يمكن لى مدنى الذها ب إليها أو حتى معرفة مكانها‪.‬‬ ‫تجرمعنا وأندسسنا فى صناديق عربات الزل المكشوفة التى تحركت بنا من مركز التجنيد بالحلمية‪،‬‬ ‫أخذت تجو ب شوارع القاهرة ‪،‬لول مرة أشعر أننى بالعراء‪ ،‬كانت العربات مسرعة ‪ ،‬ل أدرى‬ ‫لماذاهذه السرعة بالرغم من إتساع الوقت ‪ ،‬فمازلنا بعد العصر ‪،‬وسوف نأخذ قطار الصعيد فى‬ ‫الثامنة مساء تقريبا ‪،‬والمسافة كيلومترات ربما تعد على أصابع اليدين؛أو ربما عشرون كيلو‬ ‫متراعلى الكثر ‪،‬مع كل ملف أو انحناءة للعربة يتصايح الشبا ب ويتماسكون فيما بينهم خشية أن‬ ‫يطيرأحدنا فيهبط مرتطما بأسفلت الطريق؛وصلنا شارع رمسيس‪ ،‬ثم محطة با ب الحديد حيث‬ ‫استقرت العربات ‪ ،‬قفزنا من السيارات‪ ،‬لم تأت الساعة السادسة مساء ‪ ،‬باقى أكثر من ساعتين‬ ‫على ميعاد السفر‪.‬‬ ‫هناك عربتا قطار محجوزتان لنا ‪ ،‬عددنا يفوق الثلثمائة‪ ،‬لم ننتظر دخوله المحطة ووقوفه بجوار‬ ‫الرصيف‪ ،‬حملنا المخالى على أكتافنا وسرنا فى طابور واحد إلى مخازن القطار بداخل محطة‬ ‫مصر ‪،‬سلم عربة القطار مرتفع عن الرض بمسافة كبيرة ‪،‬بدأنا نتقاذف المخالى ونتدافع‬ ‫للصعود ‪،‬البعض اقتنص مقعدا وآخرون ظلوا واقفين‪،‬بعد اكثر من ساعة ؛سار القطار مسافة‬ ‫‪163‬‬


‫قصيرة ثم توقف أسفل الجمالون الحديدى الشاهق الرتقاع حتى يقوم فى ميعاده وقد ازدحم‬ ‫بالركا ب ‪ ،‬بعد قليل ارتجت أرجاء المحطة بصفير القطار ‪ ،‬مع الرهاق جلس الواقفون فوق‬ ‫المخالى‪ ،‬ظل الجميع يتحدثون ويتندرون‪ ،‬عند منتصف الليل خفتت الصوات ‪،‬ساد الصمت مع‬ ‫حركة القطار الرتيبة ‪ ،‬كانت مناظرنا مؤسفة ونحن مرهقين مكومين كيفما اتفق على المقاعد‬ ‫وعلى أرض القطار أو فوق رفوف المتعة‪ ،‬البعض اتخذ المخلة وسادة وأراح رأسه عليها‪ ،‬فى‬ ‫ضحى اليوم التالى هدأ القطار من سرعته حتى وقف فى محطة رأينا اسمها مكتوبا على يافطة‬ ‫مثبتة بماسورتين على الرض "إسنا" ؛حملنا المخالى وغادرنا القطار‪.‬‬ ‫بمخرج المحطة؛ شاهدنا بعض الباعة السريحة يقفون ببضائعهم؛ أحدهم يبيع أقماع السكرالجلد‬ ‫وآخر يبيع العرقسوس ‪ ،‬وثالث يحمل قربة على ظهره ويبيع أكوا ب مياه ‪،‬هناك عربة يد عامرة‬ ‫باللون الخضر؛كانت عامرة بالخيار‪ ،‬الرهاق والجوع والعطش قد أخذوا منا مبلغا وافرا‬ ‫‪،‬هجمنا جميعا على العربة ‪ ،‬الكل يمد يده‪ ،‬من يقضم ومن يضع فوق الميزان ومن يمل يديه قبل‬ ‫ان ينتهى الخيار وديقضى عليه ‪ ،‬ومن يبحث عن الفلوس فى جيبه‪..‬أو يبحث عن كيس أو قرطاس‬ ‫يضع فيه الوليمة ‪ ،‬وقع البائع فى حيرة بالغة ‪ ،‬خلل دقيقتين أو ثلثة صارت العربة جرداء ‪ ،‬ل‬ ‫أثر للون الخضر بها ‪ ،‬سحبها البائع وهو يتضاحك معنا سعيدا بتلك الفرصة اليتيمة التى أعتقد‬ ‫أنه قلما يفوز بها‪ ،‬هؤلء الباعة عادوا إلى بيوتهم فى هذا اليوم مجبورى الخاطر‪.‬‬ ‫فى الصعيدأخذتنا السيارات المكشوفة مرة أخرى إلى حيث ل ندرى ‪ ،‬كلما سارت بنا تضاءل‬ ‫العمار ‪ ،‬بعد حوالى ساعة هدأت سيرها ‪ ،‬تقريبا انعدم العمار ‪ ،‬دخلنا ثكنة عسكرية؛ هبطنا من‬ ‫السيارات كلما نظرت حولك ل تجد سوى صحراء مترامية الطراف ‪،‬فى الشمال والجنو ب‬ ‫والشرق والغر ب أيضا ‪ ..‬ليوجد مكان على مرمى البصر يمكنك تمييز أى حياة فيه أو اللجوء‬ ‫إليه عند اللزوم!‪ ،‬أخبرونا أننا صرنا داخل الموقع ‪ ،‬المبانى من دور واحد أرضى ‪ ،‬موزعة فى‬ ‫المنطقة الصحراوية الشاسعة التى نقف عليها ‪ ،‬المعسكر مقسم إلى شوارع وحارات؛ لون المبانى‬ ‫الموحد يشبه لون الرض الرملية ‪ ،‬يغلب عليه اللون الصفر‪.‬مجموعات المبانى من دور واحد‬ ‫متشابهة ‪ ،‬عبارة عن حجرات تفتح على الصحراء ‪ ،‬عندما نفتح البا ب فى الظهيرة يدخل الهواء‬ ‫ساخنا ‪ ،‬كل مجموعة من المبانى لها اسم مميز ‪ ،‬تتكون من عدد من تلك الحجرات التى طليت‬ ‫بلون أصفر باهت ربما يضاهى لون الصحراء ‪،‬تم تسكيننا فى تلك الحجرات ‪ ،‬كل حجرة بها‬ ‫سريران أو ثلثة ‪ ،‬هناك دول ب صغير فى الحائط ‪ ،‬كنا ثلثة ؛عندما دخلنا الحجرة المخصصة‬ ‫لنا وجدت بعض علب السالمون وفوارغ المربى الصفيح مهملة على الرض ‪ ،‬قال لى زميل‬ ‫سمعت أنهم يضعونها فى رجل السرير ويملؤنها بالماء ‪ ،‬لبد أيضا من إبعاد السرير عن الحائط‬ ‫حتى ل يتعرض لهجمات العقار ب‪..‬‬ ‫صرنا طلبة ضباط احتياط ؛ فى الصباح شاهدنا رجل يقف أمام الطابور ‪ ،‬على كتفه ‪ 4‬شرائط ‪،‬‬ ‫قال لنا صفا ‪..‬انتباه أعرفكم بنفسى أنا باشاويش الطبلوى ‪،‬كل مجموعة مسئولة عن نضافة‬ ‫"الفيلل " الزم الهدوء مرنك له ‪..‬تكرر مزاحنا فى الطابور ‪ ،‬كنا نتندر على كلمة "الفيلل "‬ ‫تضايق الباشاويش وزعق فينا قائل ‪ :‬اسمع ياطالب؛ أنا ممكن أزحرفك وأر رقدك وأمنع عنك الميه‪،‬‬ ‫وأقول لك اجمع ياطالب ‪ ...‬هدومك وسخه ليه؟ وأحطك فى السجن! ضحك البعض ‪ ،‬والبعض‬ ‫استهجن هذه اللهجة واستاء منها ‪،‬اعتبروها ارهابا ل محل له ‪،‬كنت أنظر إلى مايدور حولى بعين‬ ‫المتفرج أو عين الغريب ل عين المشارك‪ ،‬اعتبرت نفسى ضيفا‪ ،‬فى المساء كنا نسخر من تلك‬ ‫‪164‬‬


‫المصيبة أو ذلك الفخ الذى نصب لنا ‪ ،‬هل هذا هو التجنيد الصح؟ كان الوقت يمر ‪ ،‬النظام والتعب‬ ‫والرهاق لم يعطنا فرصة لكى نشعر بالغربة ‪ ،‬اليوم كله مشغول فى التدريبات والطوابير‬ ‫والوامر ‪،‬قبيل الغرو ب كانت تنتهى أعمال الجندية ونبدأ فى العشاء ثم نخلد إلى الراحة ثم النوم‬ ‫فيللتنا ‪،‬فى المساء يكون الماء مقطوعا تقريبا كل يوم ‪ ،‬فناطيس المياه تمل صباحا و تفرغ بعد‬ ‫الظهر ‪ ،‬ننتظر حتى تجىء عربة المياه لتمل الفنطاس ‪ ،‬ل أحد يعرف متى تجىء العربة ‪،‬تعودنا‬ ‫على تلك الحياة ‪ ،‬كل واحد معه زجاجة مياه احتياطى ‪ ،‬كان الطبلوى يقول لنا ‪:‬اسمع ياطالب‪..‬‬ ‫لما تسمع صوت الصفارة عفريت يشيلك من الفيلل ويحطك فى أرض الطابور ! ضحكنا ‪،‬‬ ‫وارتفعت أصوات ضحكاتنا ‪ ،‬حتى ان الطبلوى بانت على ملمحه عدوى الضحك ‪ ،‬ولكنه فى‬ ‫الحال تماسك وعاد إلى المساك بتلبيب وظيفته ‪ ،‬تجهم وجهه ‪ ،‬وقال سكوت ياطالب ‪ ..‬امنع‬ ‫الصوت منك له! ‪.‬‬ ‫***‬ ‫مع مطلع الشمس ‪،‬سمعنا الصفارة الولى ‪ ،‬توجهنا إلى دورة المياه ‪ ،‬الكل يريد أن يدخل الحمام‬ ‫ويحلق ذقنه والبعض يريد أن يتوضأ ‪ ،‬أخرج طه كريم الحلقة والفرشاه وموس الحلقة ومرآة‬ ‫صغيرة وضعهم على إفريز الحوض أمامه ‪ ،‬فتح سرسو ب المياه وبدأ فى اعمال الرغوة الكثيفة‬ ‫فى ذقنه ‪،‬بمجرد أن حلق جانبا واحدا انقطع السرسو ب وسمعنا صوت الصفارة ‪ ،‬قمنا جميعا ‪،‬قال‬ ‫أحد الزملء لطه ‪ ،‬قوم و سيب دقنك زى ما هى‪..‬الشاويش قال عفريت يشيلك !بالرغم من فقدان‬ ‫طه عدة كيلوجرامات إل أنه مازال سمينا ‪ ،‬يميل إلى القصر ‪ ،‬استجا ب للكلم وقام يعدو إلى‬ ‫أرض الطابور‪ ،‬دون أن يكمل حلقته‪ ،‬كان يهرول كمن يتدحرج على الطريق ونصف ذقنه‬ ‫اليمن محلوقا ‪ ،‬بينما النصف اليسر مازال مكسوا بطبقة كثيفة من رغوة ثلجية بيضاء ‪.‬واجهه‬ ‫الباشاويش الطبلوى بوجه خشن ‪،‬عبس وتساءل منزعجا وهو يحدق فى طه‪ :‬إيه ده ياطالب ؟‬ ‫سايب الرغوة على دقنك ليه ؟ انتزع طه ابتسامة وقال بصوت مؤد ب ‪:‬‬ ‫حضرتك قلت لنا على موضوع العفريت‬ ‫يعنى إيه ياطالب ؟‬ ‫يعنى عفريت شالنى من الحمام حطنى فى أرض الطابور‬ ‫زعق الطبلوى فى وجهه محاول أن يتماسك من الضحك‪:‬‬ ‫أجرى يا طالب روح كرمل حلقتك وإياك أشوفك كده تانى !!‬ ‫تلك اليام عودتنا على الخشونة وقوة التحمل ‪،‬لم أكن شخصيا متبرما بها‪ ،‬ولكن أحيانا أتبرم‬ ‫باللعقل أو اللمعقول ‪ ،‬فكيف يحملك عفريت من مكانك ويلقى بك على أرض الطابور ؟‬ ‫صباحا تحت شمس محرقة؛ كنا واقفين فى أرض الطابور ‪ ،‬سمعنا الميكروفون‪ :‬من يسمع اسمه‬ ‫ينزل أرض الطابور ‪ ،‬توالى النداء على عدد من السماء ‪ ،‬بينما سرى الهمس فى الطابور عن‬ ‫تلك السماء ولماذا نزل هؤلء بالذات إلى أرض الطابور ؟ استمر النداء دقائق؛ فجأة سمعت‬ ‫اسمى ضمن من سمعوا اسماءهم ‪..‬بعدهاسمعت النداء على باهر؛ طلب مناأن نجهز المخالى‬ ‫‪165‬‬


‫ونستعد للعودة غدا للقاهرة ‪ ،‬تعجبت كما تعجب الجميع لهذا الخبر‪ ..‬عدت ضمن من عادوا؛انتلقت‬ ‫يومها للقاهرة مستكمل فترة تجنيدى فى مستشفى للعاملين المدنيين بمصر العتيقة‪،‬بينما توجه‬ ‫باهر مع قائده الى مرسى مطروح! أتذكر أيامها كلم باهر‪ ،‬وقتها تدهورت العلقات بين مصر‬ ‫وليبيا ‪ ،‬لم نكن نتوقع ذلك ‪ ،‬لول مرة يحدث خلف حاد بين الدولتين ‪،‬أو بين الرئيسين ‪ ،‬أنور‬ ‫السادات والقذافى‪ ،‬دفع السادات بعض الحشود إلى ليبيا ‪ ،‬أيامها قلت لباهر ماذا ستفعل إذا قامت‬ ‫الحر ب ؟ وانت بالقر ب من الحدود الليبية ؟ ضحك بطريقته المتفائلة ‪ ،‬وقال سوف أرفع البالطو‬ ‫فوق سونكى البندقية واسلم نفسى للقذافى !!‬ ‫***‬ ‫‪3‬‬ ‫استلم عمل‬ ‫بانتهاء التجنيد عدنا لنتسلم عملنا ‪ ،‬البعض من أصحا ب الحظوة حصلوا على نيابات التخصص‬ ‫فى فروع الطب التى يرغبونها ‪ ،‬أولئك هم أصحا ب المجاميع أو الوسائط العالية ‪ ،‬استقر معظمهم‬ ‫فى شمال مصر‪،‬خصوصا بالقاهرة أو السكندرية ‪ ،‬آخرون ذهبوا لقضاء فترات اجبارية فى‬ ‫الجنو ب ‪،‬عدد كبير سافر خارج البلد ‪ ،‬آخرون استقالوا من الحكومة بعد أن تعينوا داخل‬ ‫شركات ‪،‬عرفت طبيبا يعمل مترودوتيل فى فندق كبير وآخر أسعده الحظ بميراث ضخم ‪ ،‬يشمل‬ ‫عمارتين فى وسط المدينة ‪ ،‬و تريللة ينقل بها مواد بترولية مما جرنبه مشقة فتح العيادات‬ ‫والتسول‪،‬وثالث قرر العمل فى كافيتيريا بالهرم يمتلكها أحد أقاربه ‪.‬اعتقدت أننا أنهينا خدمة‬ ‫القطاع الريفى ‪،‬لبد أن أذهب إلى الوزارة أول؛ هناك أعدنا كتابة رغباتنا‪ ،‬فوجئنا بإعادة توزيعنا‬ ‫مرة أخرى على القطاع الريفى‪،‬استلمنا خطابات الوزارة‪،‬كنا نسمع عن أطباء قضوا ردحا هائل‬ ‫من أعمارهم مغمورين بالريف ‪ ،‬تعجبت من اطالة مدة الخدمة هكذا‪،‬انجراف الطبيب للعمل دون‬ ‫أن يكمل دراسته التخصصية قد يصل به إلى مرحلة اللعودة ‪ ،‬لبد من التفرغ للتخصص؛‬ ‫الوولى أن تشجع الوزارة الخريجين على اللتحاق بالدراسات العاليا ؛قيل لنا إنها سياسة دولة!‬ ‫مادام الوضع هكذا ‪ ،‬لبد أن يكون هناك عوض عن اهدار الوقت دون دراسة ؛ طلبنا أن تكون‬ ‫خدمة القطاع الريفى فى مدينتنا ‪،‬وافقت الوزارةبسهولة تحسد عليها؛ كنا مشحونين بالمل فى‬ ‫"تكوين" مستقبلنا كما يقولون‪ ،‬كيف تكون مستقبلك ؟ كان باهر يضحك متفائل وهو سعيد بعودته‬ ‫إلى مدينته وأهله‪ ،‬كان يقول لى ‪:‬احنا زى السمك نفطس لو خرجنا من هنا !‬ ‫إلى المديرية عدنا‪ ،‬معنا أوراقنا وثقتنا كاملة أننا ذاهبون إلى القطاع الريفى؛ مازال الدكتور‬ ‫مطراوى المدير العام موجودا بالمديرية‪ ،‬فى اليوم الذى وصلنا فيه كان الوزير موجودا بالمدينة؛‬ ‫يصاحبه المطراوى وفرقته‪ ،‬لحقنا بهم فى المستشفى العام ؛كان الوزير طويل وجيها ؛سريع‬ ‫البديهة ؛يسير مسرعا والمطراوى كأنما يتدحرج ويتدقلق بجانبه محاول اللحاق به‪ ،‬حولهما هالة‬ ‫من البشر ‪،‬ينظر الوزير وهو يعبر الكوريدور المؤدى الى العيادات الخارجية؛ يمد يده إلى كمر‬ ‫علوى أمامه ويخبطه بيده قائل ترا ب ‪..‬ترا ب يامطراوى! !نظر الوزير الى دورة مياه تنبعث منها‬ ‫روائح كريهة أثناء وقوفه مصادفة ‪ ،‬صاح موبخا‪..‬إيه الوساخة دى يا مطراوى ؟!لول مرة‬ ‫نشعر بانكماش المطراوى وتقلص حجمه‪،‬لم نستطع فى هذا اليوم سوى أن نضحك ونحن نشاهد‬ ‫أيضا أصص الزرع والورود والرياحين التى أصطفت على الجانبين والتى يبدو أنها لم تلفت‬ ‫‪166‬‬


‫نظر الوزير ‪،‬بهاأصناف لم نرها فى المستشفى من قبل ‪ ،‬تذكرت منها حنك السبع وعباد الشمس‬ ‫والكاسيا والرياحين والورود ذات الرائحة الفواحة ‪ ،‬وأصناف أخرى لم أعرف لها أسما ‪،‬كدنا‬ ‫نفطس على أنفسنا من الضحك‪ ،‬صاح باهر أخيرا حتى الورد مش عامل مفعول !‬ ‫***‬ ‫ظللنا فترة نتحدث عن وحدات القطاع الريفى بالمدينة‪،‬هناك وحدات يتبعها كثافة سكانية عالية‪،‬‬ ‫ووحدات أخرى على العكس‪،‬ل يتردد عليها سوى أعداد بسيطة من المرضى ‪.‬بمكتب المدير العام‬ ‫تركنا أوراقنا ؛ فى اليوم التالى‪،‬تسلمنا خطابينا من السكرتير‪ ،‬على خطابى وجدت تأشيرة بالقلم‬ ‫الجاف الحمر بخط واضح وصغير" يلحق بمكتب الصحة " نطقت الكلمة وقد اختلط التعجب‬ ‫بالضيق ‪ :‬مكتب الصحة !رفع باهر عينيه من على خطابه قائل فى ذهول ‪ :‬مستشفى الصدر !‬ ‫طلبنا أن ندخل للمدير ونناقشه فى المر‪..‬‬ ‫يا باشا احنا قوة قطاع ريفى‪..‬‬ ‫وماله؟‬ ‫وماله يعنى إيه ؟‬ ‫حاجة العمل ل تسمح‪ ،‬أنت عارف انت وهو ان القطاع الريفى هنا محدود‪ ،‬ومليان على الخر‬ ‫بالدكاترة ‪.‬‬ ‫رد باهر ‪:‬أكيد الوزارة عارفة شغلها !‬ ‫وزارة إيه يابنى؟ أنت عاوز تفهم وأل ل ؟‬ ‫رد باهر متأففا ‪:‬عاوز طبعا !‬ ‫اسمع‪ ..‬انت بتاع الصحة ؟‬ ‫ل ‪..‬بتاع الصدر‬ ‫يعنى بتاع الصحة ماتكلمش وانت المسحو ب من لسانك ! انت صدر يا أخى يعنى مكان يأركلك‬ ‫بغاشة !‬ ‫بغاشة ؟!‬ ‫أيوه بغاشة ‪..‬سمعت عن البغاشة وأل ل ؟!‬ ‫قلت لباهر مكتب الصحة يتبع الوكيل الوقائى ‪ ،‬سوف أدخل له ‪ ،‬وأناقشه فى الموضوع ‪ ،‬أنا ليس‬ ‫لدى أى فكرة عن مكاتب الصحة !عدنا الى نفس الحجرة التى رأيناها أول مرة ‪،‬هى هى لم تتغير‬ ‫منذ أن رأيناها عندما قدمناالى المدينةلنعمل طبيبى امتياز ‪ ،‬كان الطبيبان الكهلن جالسين‬ ‫كالحملين الوديعين‪ ،‬الوكيل العلجى الدكتور الزنفلى غائب‪ ،‬قابلنا الدكتور سالم الوكيل الوقائى‬ ‫بوجه بشوش‪ ،‬بعد اللقاء تأكد لنا أنهما مازل منزوعا السلطات؛ كان كلمه كله منصبا على أن‬ ‫‪167‬‬


‫النسان من الفضل أن يرضى بما قسم له ا ‪.‬حاول أن يقنعنايومها أن ما يفعله ولة المور هو‬ ‫من ارادة ا وقدره‪.‬‬ ‫***‬ ‫توجهت لتسلم عملى بمكتب الصحة ‪ ،‬بينما تسلم باهر عمله بمستشفى الصدر؛ لم أدر ما أفعل ؟‬ ‫قابلنى أحدهم بشعره الفضى وأسنانه المتكسرة الصفراء ‪ ،‬عرفت أنه الباشكاتب ‪،‬قلت له‬ ‫صراحة ‪ ،‬أن هذا ليس مكانى ‪،‬واننى لم أكن أقصد المجىء الى هنا بعد التخرج ووجع السنين ‪،‬أنا‬ ‫ل أفقه أى شىء فى مكتب الصحة ! ابتسم وقال وهو يتسلم منى خطا ب استلم العمل‪ ،‬ول‬ ‫يهمك ‪ ،‬حتعرف كل حاجة فى يوم واحد‪ ،‬وأشار بسبابته وهو ينظر لى ويبتسم ويكمل‪ ..‬ل فى‬ ‫ساعة واحدة ! جلست على مكتب خشبى ضخم ‪،‬تنقلت عيناى فيما حولى لتأمل حوائط باهتة‬ ‫عليها آثار من طلء جيرى قديم ‪ ،‬وجدت يداى تمتدان إلى أدراج المكتب‪ ،‬أخرجت بعض‬ ‫الوراق القديمة ‪ ،‬وبدات أتفرس بها ‪ ،‬شهادات ميلد وشهادات وفاة ‪،‬وكيس صغير فتحته وجدت‬ ‫فيه ختم النسر ‪،‬قال لى الباشكاتب ‪،‬هذا عهدتى ‪،‬مددت يدى اليه وسلمته الختم ‪،‬فيما بعد عرفت أن‬ ‫ختم النسر هذا أهم من الطبيب وباقى الموظفين الموجودين بالمكتب كله‪.‬‬ ‫بعد أيام عرفت أن الباشكاتب يقوم بكل شىء ‪ ،‬بداية من استقبال الجمهور ومناقشته في طلبه ؛‬ ‫و إعطاء الحقن بالضافة إلى ذهابه إلى المنازل حسب التفاق؛ لجراء عمليات الختان‪،‬أفهمنى‬ ‫أنه عملة نادرة ‪،‬يمكن بأمثاله الستغناء عن الطبيب‪ ،‬اذن فالباشكاتب يعرف كل شىء! كنت‬ ‫أقضى الساعات فى قراءة الجرائد والمجلت ‪،‬وحل الكلمات المتقاطعة ‪،‬وأسأل من حولى أحيانا‬ ‫عن بطل جنو ب أفريقى يبدأ اسمه بحرف النون ‪،‬أو عن نهر شهير فى أمريكا الجنوبية ينتهى‬ ‫أيضا بنون ‪،‬أو عن زعيم من زعماء مؤتمر باندونج عام ‪ 1955‬أو عن أول رئيس لمريكا ؛ أو‬ ‫رواية شهيرة لفوكنر ‪،‬أو صاحب لوحة المونا ليزا ‪،‬على كل حال كان الوقت يمر ‪،‬أحيانا أتلفت‬ ‫حولى وفوقى لرى العناكب وهى تنسج خيوطها فى أركان السقف بتراخ وكسل ‪ ،‬ألحظها وقد‬ ‫أوقعت ذبابة فى شباكها ‪ ،‬كنت ألحظ التغييرات الظاهرية التى تحدث لها كل يوم ‪ ،‬حتى نشأت‬ ‫بينى وبين العناكب ألفة‪ ،‬وصرت شغوفا بأحوالها ‪.‬تعودت أن أوفر أصناف المشاريب المطلوبة ؛‬ ‫شاى وبن ونس كافيه وغيرها ؛بعد شهور صرت أسأل نفسى ؛ وماذا بعد ؟ لم أرتح للمكان الذى‬ ‫أعمل فيه ‪،‬زهقت وأصابنى ملل ‪،‬أحسست أن عقد اليام ينفرط من بين يدى ‪،‬يقول المثل عندما‬ ‫ترى مصائب الخرين تهون عليك مصيبتك ؛ بالرغم من موافقة باهر على عمله فى مستشفى‬ ‫الصدر أمل فى الحصول على أى تخصص حتى ولو لم يكن يرغب فيه ‪،‬إل أن المدير المطراوى‬ ‫قرر أن يسد به خانة؛نقله ليعمل مديرا بوحدة رعاية أمومة وطفولة من المفترض افتتاحهامع‬ ‫احتفالت أكتوبر !‬ ‫من حين لخر كنت أذهب انا وباهر إلى المديرية لمقابلة الوكيل الوقائى عسى أن يجد لنا‬ ‫حل ‪.‬أثناء خروجنا من مكتبه قابلتنا موظفة جديدة ‪،‬صاحبة جسد فياض عندما تتحرك تهتز‬ ‫عجيزتها خيلء وعجبا !كنت أخشى أن يقوم زلزال كما كان يغنى محمد رشدى ! أردت الحوار‬ ‫معها ‪ ،‬سألتها إيه رأيك فى موضوعنا يا أستاذة؟ ردت باهتمام‪ :‬أى موضوع ؟ عندما وجدتها‬ ‫جادة ‪ ،‬اضطررت أن أتكلم معها بجدية ‪ ،‬وشرحت لها موقفنا وعدم توزيعنا بالقطاع الريفى كما‬ ‫جاء فى خطا ب الوزارة؛ لمحت علمات الهتمام بادية على وجهها ‪،‬أعطتنى اسم أحد العاملين‬ ‫‪168‬‬


‫بالوزارة وقالت لى اذهب اليه وقل له بطة تهديك السلم ؛سوف يساعدكم ‪.‬عندما قلت لباهر‪ ،‬رد‬ ‫ساخرا ‪ ..‬ربما يكون عشيقها وأل‪...‬قلت له ل يهم ‪ ،‬المهم اننا نسير وفقا للعقل والمنطق‪ ،‬إذا كان‬ ‫فى هذا الطريق مصلحة لم ل نسلكه؟ للم نعرقد أنفسنا ونسير عكس التجاه؟ لم يعتقد باهر فى‬ ‫كلمى؛ ورفض أن يسافر معى ‪.‬لم أكذ ب خبرا ‪،‬سافرت إلى القاهرة ‪ ،‬بالوزارة سألت عن‬ ‫الرجل ‪ ،‬دلنى أحدهم على عامل بوفيه ؛عندما وصلت إليه رأيته مسنا محنى الظهر يحمل صينية‬ ‫بيده‪ ،‬ويتجه بها ناحية دورة المياه ‪ ،‬بجوارها ركن يقوم فيه بتجهيز الشاى والقهوة وباقى‬ ‫المشاريب للزبائن من وكلء الوزارة والموظفين والعمال‪ ،‬تعجبت ‪ ،‬وقلت لبد انه مقلب ‪،‬‬ ‫وتذكرت كلم باهر وأسفت لعدم موافقته على رأيه‪.‬‬ ‫صباح الخير ‪..‬صباح النور يا بنى ‪..‬عم زكريا‪ ...‬أيوه خدامك زكريا ‪..‬النسة بطة بتسلم عليك‬ ‫‪..‬بنت أختى ؟ ا يسلمك ويسلمها‪ ..‬اى خدمة أقوم بيها ؟ حكيت له الموضوع ‪ ،‬تعجبت عندما أخذ‬ ‫منى الخطا ب القديم‪ ،‬وقال ‪:‬تعديل‪ .‬جهز لى كوبا من الشاى الثقيل ‪،‬وضعها على صينية صغيرة‬ ‫قدمها لى قائل اقعد هنا ‪ ،‬أخذ الخطا ب واختفى بين الردهات ‪،‬جلست دقائق ارشف الشاى واتفرج‬ ‫على المارة بالكوريدور‪ ،‬وفجأة ظهر الرجل مبتسما وهو يقول ‪:‬البحر الحمر ياسيدى ‪ ..‬جاركم‪..‬‬ ‫مش بعيد ‪ ..‬قلت ماشى ‪ ،‬شكرته ‪ ،‬وحاولت أن أكافئه على عمله ولكنه أبى‪ ،‬تركت مبلغا بسيطا‬ ‫على الصينية وأخذت الخطا ب وخرجت مهرول لعود إلى مدينتى استعدادا للذها ب الى البحر‬ ‫الحمر ‪.‬‬ ‫***‬

‫‪4‬‬ ‫مبروك يادمهجة!‬ ‫عندما علم باهر ما حدث معى ‪،‬حاول أن يفعل ما فعلته ‪ ،‬سافر إلى الوزارة ليقابل عم زكريا‬ ‫أبلغوه أنه فى إجازة ‪ ،‬عاد من سفره بخفى حنين ‪ ،‬سافرت الى البحر الحمر ‪،‬برأس غار ب فرح‬ ‫الطبيب القاهرى الموجود بالوحدة بوصولى حتى يمكنه إخلء طرفه ؛ استلمت العمل وأقمت‬ ‫بمنزل مجاور للمركز‪،‬تذكرت أيام اقامتى بسكن الطباء وماكان يدور بيننا‪ ،‬و تلك الرائحة الطيبة‬ ‫التى مازالت تتهادى إلى من نافذة البهو القديم عندما يأتى المساءيصحبها نقيق الضفادع من‬

‫‪169‬‬


‫الحديقة المجاورة ‪ ،‬هناك قابلت النائب الدارى لول مرة عندما كنت قادما لستلم العمل طبيب‬ ‫امتياز ومعى باهر‪.‬‬ ‫تعرفت على شخصية مهمة ‪ ،‬جودة عامل وطباخ أيضا‪ ،‬عرفت أن له صلة قرابة بالمدير المالى ‪،‬‬ ‫تقريبا خاله ولكنه ل يقول صراحة‪ ،‬يتصادف أن أقابله على الدرج ‪ ،‬أقف معه قليل‪ ،‬أناوشه‬ ‫وأجاذبه الحديث‪ ،‬اكتشفت أنه يحب القراءة‪ ،‬يوميا يحمل معه الجرائد وكتابا أو أثنين‪ ،‬يشتريها‬ ‫مبكرا من كشك الصحافة الوحيد ؛يفرح باللقاء ويشعر أن هناك متنفسا لهمومه‪ ،‬يضع حقائبه‬ ‫وأكياس الطعام على الرض برفق حتى ل يصيبها مكروه‪ ،‬يخرج منديل ليجفف عرقه‪.‬‬ ‫فى المساء كان الضجيج عاليا ‪،‬يقول ‪:‬الشارع صار مزدحما بعد أن كان هدوءه ممل‪ ،‬لم يكن‬ ‫يتواجد فيه سوى عدد قليل من التلميذ وبعض الموظفين والعمال السريحة؛ الن صارت عربات‬ ‫نقل البضائع مثل الشاحانات والثلجات ل تهدا ليل نهار‪ ،‬وتتم عملية إنزال البضائع مصحوبة‬ ‫بصخب وأصوات رتيبة تاك تاك‪ ،‬وكما أن العربة الثلجة يصاحبها صوت دوى الموتور الذى ل‬ ‫يطفئه السائق حتى تظل البضائع محتفظة ببرودتها ‪ ،‬هذه العملية عندما تحدث فى الليل فإنها‬ ‫تكون غاية فى الزعاج؛ ويكون من المحتم الذها ب إلى حجرة بعيدة ‪ -‬اذا كانت هناك حجرةخالية‬ ‫للنوم فيها‪ -‬أو مضطرا ألجأ الى النوم متقلبا على السرير‪ ،‬مع وضع الوسادة فوق رأسى حتى‬ ‫تغطى الذنين تماما فى محاولة لستجل ب النوم ‪.‬قال لى جودة إن العربة الثلجة تخص المدير‬ ‫المالى للوحدة الصحية ‪ ،‬والمخازن والثلجة أسفل المبنى الذى نقيم فيه‪ ،‬وأنه اشتراها منذ شهور‬ ‫قليلةلنه "غاوى تجارة"‪.‬‬ ‫عندما استيقظ تكون الشمس غائبة؛أنتهى من الصلة و قراءة الورد يكون اللون الصفر قد بدأ‬ ‫يطل عبر النافذة‪ ،‬اسمع صوتا مكتوما لهديل الحمام ‪ ،‬اصواتا صغيرة هامسة لزغاليل عرفت أنها‬ ‫تعشش مع أمهاتها فوق سطح مطبخى تماما ‪ ،‬تعبر عن فرحتها بالحنان والطعام وعن رغبتها فى‬ ‫المزيد؛ يحكى لى جودة ان هذا الحمام خاص بالمدير المالى وانه ل ينفق عليه مليما واحدا‬ ‫دائما أسمع صوت جودة وهو يتحدث فى المطبخ ويجادل العاملين الموجودين معه ‪ ،‬لكل منهم‬ ‫طلب خاص ‪ ،‬نادرا ما يجتمعون على صنف واحد من الطعام يطلبونه حتى ل يتعبونه معهم ‪،‬‬ ‫أحيانا أقابله فى السوق حامل الخضار والفاكهة واللحوم ‪ ،‬تكاد ساقاه ل تحملنه ‪،‬ولكنه حريص‬ ‫على شراء كل ما يحتاجه مطبخه العزيز‪.‬‬ ‫بين حين وآخر يصعد جودة ليصطاد زوجين أو ثلثة من الزغاليل ‪،‬سألته مداعبا وماذا لو وقعت‬ ‫فى يدك حمامة أم ؟ قال انها تحدث كثيرا‪ ،‬وسكت ثم أردف سبحان ا!‪ ،‬لو كانت هذه الم راقدة‬ ‫على بيض أو لها صغار فإن البيض يجد من يكمل المسيرة ويرقد عليه ‪ ،‬وكذلك الصغار ‪ ،‬هناك‬ ‫الم البديلة التى سرعان ما تقوم بالمهمة وتطعمهم كأبنائها تماما ‪.‬‬ ‫***‬ ‫أنا الن بعيد بعيد ‪ ..‬جنوبا بالقر ب من الساحل ‪ ،‬المركز الذى أعمل فيه يطل على البحر‪ ،‬الشمس‬ ‫تغلف المكان ونشوة تسرى تنهض سيقان الزروع وتبعث الورود والرياحين من أكمامها ‪ ،‬تفوح‬ ‫بعبقها الحانى ‪ ،‬سطح المياه الفيروزية الممتد يبدو من تلك النافذة التى فى مواجهتى ‪..‬يوميا ينتهى‬ ‫‪170‬‬


‫جودة من أعمال النظافة ؛ يجهز شاى الصباح ويضعه على المكتب ‪،‬أتطلع إلى عينيه الذابلتين‬ ‫وشاربه السميك المتهدل على جانبى وجهه ‪ ،‬كرشه المكور يدفع معطفه البيض إلى المام‬ ‫أى خدمة أقوم بها؟‬ ‫شكرا يا جودة ‪..‬ل تنسى تجهيزالسلطة‪.‬‬ ‫هو يجيد الطبخ ؛ أنا‪ ..‬أستطيع فقط أن أسلق البيض أو أقليه؛ أحيانا أقلى السمك بالزيت عندما‬ ‫يغيب جودة؛ غالبا ما نتناول طعام الغداء سويا بعد النتهاء من العيادة الصباحية التى يأتى إليها‬ ‫عدد ل بأس به من المرضى ‪ ،‬كنت أكتب لهم علجا خارجيا بالضافة إلى أدوية المركز‬ ‫المحدودة‪.‬أحب السمك مع الرز ‪ ،‬هنا تعلمت صيد السمك فى أوقات الغرو ب ‪،‬بعد أن أدمنت‬ ‫الصيد صرت أتناول السمك من يد جودة بصفة شبه يومية ‪.‬‬ ‫أعشق البحر ؛ أراقب الن مجموعة من الكل ب السارحة فى تلك المسافة الفاصلة بين البحر‬ ‫والشاطىء ؛تأكدت أنها عائلة تحيا حياة متكاملة تماما‪ ،‬بهرني منظرها وهى تعاقب أحد أفرادها‬ ‫يوما؛ كما بهرتنى عندما ارتفع نباحها وتجمهرت إثر إصابة أحدها بشوكة فى قدمه ‪.‬عن اليمين‬ ‫والشمال تناثرت فيللت لعمال البترول ‪ ،‬تمتد مساكنهم بحذاء الشاطىء‪ ،‬كل فيلل مستقلة محاطة‬ ‫بحديقة واسعة ‪ .‬بامتداد الفق هناك مدرسة ابتدائية ومحل صغير للبقالة كتب على لفتته " سوبر‬ ‫ماركت" ؛ يوميا فى المساء يجىء إلى المركز الستاذ على ناظر المدرسة ‪ ،‬يجلس معى قليل؛‬ ‫نحتسى الشاى ثم يغادر ؛قال لى يوما ‪:‬الولد هنا عمليون ل يريدون الندماج فى الدراسة ‪،‬‬ ‫أحدهم سمين ينام فى مكانه؛ عندما يكون متيقظا يعبث بساعةرقمية فى يده‪ ،‬يخرج كومة من‬ ‫السندوتشات والعجائن من حقيبته ‪ ،‬عائلته تقطن إحدى الفيللت المجاورة‪،‬يجلس الستاذ معى‬ ‫حتى أتثاء ب ؛ يبتسم فى أد ب وينظر فى ساعته ويستأذن خارجا وهو يقول‪ :‬الساعة عدت ‪11‬‬ ‫‪..‬الوقت سرقنا‪..‬‬ ‫***‬ ‫عادة أقابل مرضاى فى أى وقت من الليل أو النهار ‪ ،‬غالبا ل يأت أحد فى عمق الليل؛ اللهم إل‬ ‫حالت الولدة أو الحوادث أو اللم المفاجئة والمغص بأنواعه ‪،‬تعرفت هنا على مهجة ‪ ،‬مهجة‬ ‫تسكن قريبا من الوحدة ‪ ،‬تعودت التردد عليها ‪ ،‬كانت حامل ‪،‬ترعرعت بينها وبين جميع العاملين‬ ‫بالوحدة صداقة وحميمية ؛ تعرف تاريخ الوحدة الصحية منذ إنشائها ‪ ،‬تتذكر أسماء قدامى هيئة‬ ‫التمريض والطباء والموظفين‪ ،‬تعودت تقوم بمساعدة التمريض والستجابة لطلبات الوحدة‬ ‫الصحية مادامت فى استطاعتها ‪،‬توجد لفتة على با ب المركز " الكشف والعلج مجانا "‬ ‫منذ أيام استدعيت لفيلل جارى ‪ ،‬كانت مهجة على وشك الولدة ؛الذها ب إلى المنازل يمثل لى‬ ‫مشكلة؛ وخصوصا هنا ‪ ،‬فاجأتها آلم الوضع ليل ‪ ،‬الولدة فى عمق الليل وفى هذا المكان البعيد‬ ‫عن التجهيزات للطوارىء المحتملة يمثل خطورة ؛ تقريبا كانت الولدة السابعة ‪ -‬ما شاء ا‪-‬‬ ‫اطمأننت على حالتها وتركت معها القابلة الشهيرة بالمدينة ‪ ،‬لمهجة أبناء فى المعاهد والكليات‬ ‫الخاصة ‪ ،‬طمأنت زوجها بأن الولدة طبيعية ووشيكة ‪.‬‬

‫‪171‬‬


‫بالمس شاهدت من نافذتى عجل سمينا بحديقة فيلل جارى ؛ ظللت أسمع خواره فى أوقات‬ ‫متباينة من الليل والنهار ؛ يعلو صوته فى أواخر الليل و مع مطلع الفجر ‪،‬حاولت أن أقدر ثمنه؛‬ ‫تسليت بالحسبة التى أدرتها فى ذهنى ؛ وجدت المبلغ ضخما‪ ..‬كان جارى يضع له كمية هائلة من‬ ‫البرسيم والعلف الجاف ‪.‬‬ ‫بعد أيام جاءت بابنها الوليد إلى المركز‪ ،‬ألقت السلم ؛ أزالت الوحشة من صدرى؛ رددت عليها‬ ‫السلم بصوت جهورى وابتسامة رسمتها على شفتى ؛ رحبت قائل‪:‬‬ ‫مبروك‬ ‫من قال لك على اسمه؟‬ ‫ك!‬ ‫اسمه؟! أنا عاوزأبارك ل ل‬ ‫بارك ا فيك وعليك ‪ ،‬سماه أبوه مبروك على اسم جده"مبروك رابح مبروك" ؛جئت لدعوك‬ ‫إلى عقيقة مبروك ‪ .‬شكرتها ؛ تذكرت يوم أن كنا طلبة فى الكلية ‪ ،‬ذهبت الى باهر ولم أحلق‬ ‫ذقنى كما كنت أنوى ؛ كنت جالسا مع والده نتحدث سويا عندما دق جرس البا ب ودخل مصطفى‬ ‫وهو تلميذ بالعدادية عرفت أن والده تاجر مواشى وغنم و مريض بالربو منذ أكثر من عشرين‬ ‫عاما ؛طلب من باهر أن يحقن أباه ‪ ،‬ذهبنا اليه وحاولنا اعطاؤه حقنة بالوريد ولكن المحاولت‬ ‫باءت بالفشل ؛كل الوردة متخثرة وهربانة؛كدنا نيأس من حالته جلسنا معه ؛لم نصل الجمعة فجأة‬ ‫ظهر الدم بالمحقن ؛فرحنا و فرح الرجل ‪ ،‬أثناء خروجنا حلف على الطلق أل نغادر دون أن‬ ‫نتغدى ‪ ،‬روحه عادت اليه ‪ ،‬كان مجهزا لنا مفاجأة؛فقد ذبح خروفا ؛عدت من ذكرياتى على‬ ‫صوت مهجة متسائلة‪ :‬عندكم ميزان؟‬ ‫ميزان؟‬ ‫أيوه ‪..‬عاوزه أوزن المبروك‬ ‫لقد تسلمت المركز قريبا وسوف نطلب ميزانا من الدارة‪..‬‬ ‫ردت ساخرة‪:‬‬ ‫يا عيني! ‪.‬وحدة صحية وتقولون مجانية ؛ ول يوجد لديكم ميزان ؟‬ ‫حاولت أن أغير الموضوع ؛ قلت‪:‬‬ ‫هل كلكم تفهمون فى الزراعة؟‬ ‫تبرسمت وقالت‪:‬‬ ‫تقصد إيه من سؤالك؟‬ ‫أرى حدائق محيطة بالفيللت ؛ وكلها تقريبا مزروعة بطريقة ممتازة ‪.‬‬

‫‪172‬‬


‫نعم ‪.‬هناك جناينى مخصص‪ ،‬أكثر من واحد؛ كلهم يشرفون على الحدائق ‪ ،‬سوف آخذ الرجل‬ ‫المخصص لنا هنا ليزرع لى حديقة منزلى الذى بنيته فى البلد ‪ ،‬لقد رفع رابح خمسة أدوار –‬ ‫وأشارت بأصابعها الخمسة ‪ -‬وحولها مساحة كبيرة خصصتها للحديقة !‬ ‫ياه ؟ لبد أنه جناينى قديم!‬ ‫نعم! إنه يفهم فى جميع أنواع الزراعة الشتوية والصيفية ‪ ،‬يفهم فى زراعة الخضر والفاكهة‬ ‫بأنواعها ‪ ،‬يفهم فى الكنتالو ب والفراولة والزهور والورود بأنواعها ‪..‬قالت لى جارتى إنه يعلم‬ ‫أبناءه فى الكليات الخاصة ‪ ،‬عشرون ألفا فى العام ‪ ،‬وثلثون ألفا للخر ‪ ،‬سألته‪:‬‬ ‫كل عام؟‬ ‫أجا ب‪:‬‬ ‫نعم ؛ كل عام دون السكن والمواصلت!‬ ‫يوم السبوع ذهبت للبى الدعوة ‪ ،‬نحر العجل السمين عقيقة لمبروك‪.‬‬ ‫***‬ ‫الوقت هنا فيه متسع للقراءة والستجمام ؛ قال لى جودة أنه يحرص على الذها ب الى معرض‬ ‫الكتا ب ‪ ،‬وقال انه ينوى على إجازة موافقة لموسم المعرض ‪ ،‬ليشترى بعض ما ينقصه من‬ ‫كتب ‪ ،‬عندما افتتح المعرض ذهب ولكن لم يستطع شراء سوى القليل مما أعجبه‪ ،‬وقال نفدت‬ ‫أموالى وتعجبت من ارتفاع السعار ؛ لم أتأكد‪ ..‬أهو ارتفاع فى السعار ؛ أم ندرة المال فى‬ ‫جيبى ؟‬ ‫مرت شهور ؛لحظت فى اليام الخيرة كثرة تردد مهجةعلى الوحدة ‪ ،‬تسألنى مهجة بإلحاح؛‬ ‫وهى تنظر إلى ثدييها فى المرآة ‪:‬‬ ‫هل لدى ثدى مهدل عن الخر ؟‬ ‫ابتلعت ريقى ؛ و أعدت النظر والحسا ب‬ ‫تخاف من المرض اللعين ؛ ارتديت القفاز وتحسست المكان المصا ب ؛ وجدت كتلة تشى‬ ‫بالصلبة فى المنتصف‪ ،‬حولها إفراز مدمم ‪ ،‬وشىء كالمخاط ‪..‬طبعا هناك فرق واضح‪..‬‬ ‫لم أقل لها ذلك ؛ تركت المر غائما ؛حتى ل تفقد المرأة صوابها ‪.‬‬ ‫قلت لها‪:‬‬ ‫لبد من السفر لجراء بعض التحاليل ‪..‬‬ ‫***‬

‫‪173‬‬


‫عدت من إجازتي القصيرة لجد المركز وقد خرجت أمعاؤه ؛ عرفت أن المقاول قد بدأ العمل ‪،‬‬ ‫"أعمال التجديد والصيانة " هكذا يسمونها ‪ ، ،‬نزع البوا ب والشبابيك ‪..‬قام بتكسير السيراميك‬ ‫الرضي والحائطي‪..‬‬ ‫قلت‪ :‬وما الداعى؟‬ ‫قالوا ‪:‬هكذا المناقصة‪.‬‬ ‫بعدها قام بتكسير النوافذ وإزالة الملط‬ ‫تساءلت بدهشة ممزوجة بالحزن‪:‬‬ ‫النوافذ سليمة وملط الحوائط على ما يرام‪.‬‬ ‫رد بخشونة ‪:‬‬ ‫لبد من اللتزام بكل البنود‪ .‬أرسلت خطابا الى الوزارة أشكو فيه من التخطيط غير الواعى ‪،‬‬ ‫الفلوس تصرف فى غير مكانها السليم ‪ ،‬ول يؤخذ رأى طبيب الوحدة ‪ ،‬هناك نقص فى الدوية‬ ‫والجهزة الطبية ‪ ،‬وطلبت نقلى ان كان الحال سيستمر على ما هو عليه‪.‬‬

‫***‬ ‫لم يغادر طيف المرأة ذهني ‪ ،‬هى ل تدرى ما أفكر فيه واعتقده ؛ أخاف أن ينتشر المرض اللعين‬ ‫فى جسدها ؛ هى ترفض أن يكون أحد ثدييها مشوها ‪ ،‬هذا حقها ‪ ،‬واجبها أيضا أن تخاف وأن‬ ‫يدفعها الخوف إلى البحث عن علج ؛ وهذا أيضا شعور مطلو ب ‪ ،‬النسان وحدة واحدة ‪..‬لن‬ ‫تسعد المرأة إل بتساوى الثديين ‪ ،‬اليمن واليسر ؛ لو ترك هكذا سوف تهاجم الخليا باقى‬ ‫الجسد ؛ستنفى عن الثدى الخر روعته ودفئه وليونته وتدفقه بالحياة‪ ،‬ستهاجم العظام والكبد‬ ‫والطحال‪ ،‬ستأتى على الرئتين ؛ ستقضى على البناء كله‪ ،‬سينهار الجسد رويدا رويدا‬ ‫نعم كلنا سنسعد باعتدال الدفة ‪ ،‬هل افتقدنا السيمترية و صرنا كالجسد المشوه؟ مجرد أشلء‬ ‫متجاورة تحتاج إلى جراح ماهر ينفى عنا الخليا الكولة المتطفلة ؛ التى تنهش الجسد نهشا !‬ ‫نصحتها بالسفر لعمل البحاث اللزمة‪ ،‬حتى ل يميل القار ب وينقلب مع عنف أمواج الداء‪..‬‬ ‫***‬ ‫تناولت رشفة من فنجان القهوة الموضوع أمامى على المكتب ‪ ،‬سمعت طرقا خفيفا قلت‪ :‬ادخل‬ ‫‪..‬تبسمت وهى داخلة ؛ تبدو كأنها ل تكترث ول تعرف شيئا عما يدور داخلها ؛ انتزعت ابتسامة‬ ‫رسمتها على شفتى ‪..‬‬ ‫أمازلت هنا يا مهجة؟‬ ‫نعم يا دكتور‪..‬‬ ‫‪174‬‬


‫لن يفيدك البقاء‪ ،‬يجب أن تبحثى عن حل لمشاكلك ‪..‬لبد أن تذهبى إلى هناك‪.‬‬ ‫ل أحب السفر‪ ،‬أنا فى حيرة ‪ ،‬أل ترى أننى قد تحسنت ؟‬ ‫سكت برهة وقلت‪:‬‬ ‫أريدك أن تأخذى المر بجدية‬ ‫قالت ‪:‬‬ ‫ذهبت إلى ضاربة الودع ‪ ،‬وسألت شيخا طاعنا فى السن‪ ،‬وعدنى أعرابى بعلج سيحضره لى‪،‬‬ ‫أجلت السفر قليل!‬ ‫***‬

‫‪5‬‬ ‫دراسات عليا‬ ‫كنت أخشى أن تتسر ب السنوات وأتكاسل فى البحث عن التخصص ‪ ،‬بانفلت الزمن يبدأ‬ ‫الطموح فى الضمحلل ‪،‬وتبدأ الجذوة فى الخمود ‪،‬بعد أسابيع قليلة فوجئت بخطا ب من‬ ‫الوزارة‪،‬فرحت به وفتحته متلهفا ‪،‬وجدت به قرار السيد الدكتور وكيل الوزارة بالموافقة على‬ ‫نقلى الى الواحات على أن ينفذ ويتم اعلم الوزارة والمديرية بذلك ‪.‬الواحات ! لم أطلب النقل الى‬ ‫الواحات !غلى الدم فى عروقى ؛بالرغم من أننى أردت السفر لرى ذلك المكان ‪ ،‬ولكن هذا ليس‬ ‫وقته ‪،‬متى أستكمل دراساتى التخصصية ؟ زبانية الوزارة ل يهمهم شىء سوى تسديد الماكن‬ ‫الخالية على قطعة الشطرنج دون تأمل فى مدى عقلنية القرار‪ ،‬كل دفعة أطباء يتخرج فيها‬ ‫حوالى الفان أو أكثر ‪ ،‬العدد فى اللمون؛بجرة قلم تتغير مصائر؛ يرتفع ناس وينخفض أخرون ‪،‬‬ ‫صرت مكتئبا ‪،‬عدت إلى مدينتى لمكث فى البيت ‪،‬لم أنفذ المر‪،‬انقطعت عن العمل ؛ احتياطيا‬ ‫أبلغت المديرية بمرضى ‪،‬اتصل بى باهر وبرشرنى أنه توجد فرصة عمل فى مستشفى خاص‬ ‫بضواحى القاهرة الكبرى ‪،‬وافقت وسافرت؛عندما سألت عن مكان المستشفى لم أصدق ال عندما‬ ‫قال لى أكثر من واحد ان هذا المبنى القديم بداخله المستشفى ‪،‬يطل على طريق ترابى مكتظ‬ ‫بالناس والسيارات وباقى المركبات من كل صنف ‪ ،‬وهناك العديد من الباعة الجائلين ومحطة‬ ‫اتوبيس ‪،‬الجو مليء بالتربة والغبار وعوادم السيارات ‪ ،‬قابلت مدير المستشفى ‪ ،‬حكى لى عما‬ ‫أسماه هو بعض "السرار" أو "الخفايا" فى العمل ‪ ،‬رعرفنى بقيمة الكشف وقال لى إن الكشف‬ ‫ماهو إل مدخل؛ مدخل فقط لتعا ب الطبيب ‪ ،‬سألته ماذا تقصد؟ قال لبد من الطمئنان على‬ ‫المريض‪ ،‬يعنى إذا كان المريض يشكو من مغص كلوى ‪ ،‬فل يكفى أن يأخذ حقنة لتسكين اللم‬ ‫‪175‬‬


‫‪،‬بل لبد من تركيب محلول ولمانع من عمل آشعة ولبد من طلب تحاليل وهكذا ‪..‬أخذنى بعدها‬ ‫إلى أعلى؛ وقفنا فى صالة ضيقة تطل على ثلث مداخل لثلث حجرات معتمة باهتة اللون ‪،‬‬ ‫حوائطها مطلية بالجير فيما يبدو‪ ،‬هناك حجرة واحدة مشغولة ‪ ،‬نظر إلى الحجرة المشغولة‪،‬‬ ‫هناك مريض يرقد وحيدا على سرير أكله الصدأ وقد تدلت أنبوبة من زجاجة محلول معلقة بحامل‬ ‫معدنى انغرس محقنها فى ذراعه‪،‬قال ‪ :‬القسم الداخلى ‪ ..‬لبد من المواظبة على الحضور‪ ..‬أحيانا‬ ‫يكون عندنا عمليات ‪ ،‬تضايقت ‪ ،‬أين حجرة العمليات ؟ أخذنى إلى الدور الثانى العلوى وقال لى‬ ‫قسم العمليات ‪،‬حجرة فى وسطها سرير عمليات قديم ‪ ،‬ومصباحين وجهاز تخدير بدائى ‪،‬بينما‬ ‫يتدلى من السقف كشافان قديمان علهما الصدأ والتربة وخيوط العنكبوت ‪ ،‬أحسست بألم‬ ‫وانقباض ‪ ،‬أثناء النزول قال لى تعال لترى الصيدلية ‪ .‬وجدتها عبارة عن دولبين أو ثلثة بجوار‬ ‫مدخل المستشفى لم تلفت نظرى عند الدخول ‪ ،‬قلت كمان صيدلية؟! أجا ب طبعا وضحك ضحكة‬ ‫خائبة قائل الخدمة عندنا متكاملة !‬ ‫قال لى هيا لترى باقى القسام تعجبت من كلمة "أقسام "‪ ،‬نظر لى وقال الشعة فى غاية الهمية‬ ‫‪ ،‬رأيت جهازا مركبا على ناصية عمودين بوسط الصالة ‪ ،‬نظر اليه وقال الشعة‪ ..‬قسم‬ ‫الشعة ‪..‬سألت عندكم طبيب اشعة؟رد‪ :‬طبيب الشعة ؟! أنا‪ ..‬أنا أفهم فى الشعة كويس ‪.‬‬ ‫تبسمت وأنا أنظر إليه ؛ كان مزيجا من الحاوى والدجال والطبيب؛ يتكلم مع المريض بما ل‬ ‫يعتقد هو شخصيا فيه‪ ،‬أمل فى الفوز بالفلوس وطمعا فى محاولة إقناع من الممكن أن تؤدى إلى‬ ‫الشفاء‪.‬فى هذا الوقت كانت البلد فى حالة قلق وفوضى ‪ ،‬قتل السادات وتغيرت القيادة ولم تعرف‬ ‫الناس لها مصيرا‪ ،‬فى المساء أسرعت إلى باهر وحكيت له ما حدث ‪ ،‬قال لى أنت ل تعرف‬ ‫صاحب المستشفى ‪ ،‬قلت ل ‪ ،‬أنا قابلت المدير فقط ‪ ،‬توقعت أن يكون هو صاحب المستشفى ‪،‬‬ ‫أخبرنى باهر أن صاحب المستشفى يعمل سائقا بالصحة ‪ ،‬كان يقضى المساء جالسا فى كشك‬ ‫صغير أمام بيته القديم المقام على مساحة واسعة أمام حديقة ‪ ،‬الدورالول والثانى مشغولن‬ ‫بالمستشفى ‪ ،‬والدور الثالث اسأجرته شركة قطاع عام ‪ ،‬أما الدور الرابع فكان سكنا للسطى‬ ‫صاحب البيت ‪،‬حكيت له عن أحوال المستشفى ؛‬

‫لم أستمر فى هذا المكان سوى اسبوعين ؛ بعدها تركته هربا‪ ،‬وخصوصا انه قد جاءنى انذاران‬ ‫من العمل ؛ بالثالث أكون قد استنفدت انذارات الفصل من الحكومة!‬ ‫عرفت فيما بعد من باهر أن السطى صابر السائق صاحب المبنى صرف مبالغ طائلة كما يقول‬ ‫لكى يطرد الشاغلين ‪ ،‬دفع مبلغا كبيرا لحد المديرين لكى يوافق على إخلء "العين" ؛ وأخيرا‬ ‫خرج هو واسرته من الدور الرابع ‪ ،‬ذهب ليقيم فى شقة كان مؤجرا إياها ‪،‬كان قد استلمها من‬ ‫المحافظة منذ سنوات تحت بند "زواج حديث" بعد أن مضى على زواجه أكثر من ‪ 12‬سنة‪،‬‬ ‫أخلها و نقل عفشه هناك ‪ ،‬صار المبنى فارغا ‪ ،‬أخلى المستشفى وسرح الطباء ‪،‬ونفذ خطته فى‬ ‫إقامة مشروع عمارة ضخمة‪ ،‬رأى الناس المعاول تد ب فى المبنى المتهالك ‪ ،‬بدأوا يتساءلون ‪،‬‬ ‫كثرت طلبات الحجز ‪ ،‬تحول السائق إلى رجل مهم ‪،‬أقام مكتبا بدل من الكشك ‪ ،‬وعلق عليه لفتة‬ ‫كبيرة "مكتب الصابر للمقاولت العمومية " يمارس فيه نشاطه و يقابل زبائنه من طالبى الشقق‬ ‫والمكاتب والمحلت وكذلك العمال والمقاولين‪.‬‬ ‫‪176‬‬


‫نصحنى باهر أن أتخذ قرارا فى موضوع النذارات التى ترسلها المديرية ‪ ،‬حتى ل أفاجأ بفصلى‬ ‫‪،‬تذكرت على الفور النسة بطة بمكتب المدير العام ‪ ،‬أخشى أن تكون قد تركت مكانها ‪ ،‬ذهبت‬ ‫اليها وجل ‪ ،‬لحسن الحظ كانت ماتزال موجودة‪ ،‬أبلغتنى اننى تأخرت وأن الحل بيد الوزارة ‪،‬‬ ‫أخشى أن ترفض مساعدتى هذه المرة ‪ ،‬أو ربما يكون خالها عم زكريا قد ترك الديوان !فرحت‬ ‫عندما وجدتها رحبت برغبتى فى الذها ب إلى الوزارة واعتبرتنى مندوبا عنها لزيارة خالها‬ ‫‪،‬وطلبت منى أن أوصل له رسالة ‪،‬يوم السفر عرفت ان الرسالة لفافة كبيرة ‪ ،‬ألصقت معها لفافة‬ ‫أخرى عامرة بالجمبرى والجلمبو الذى حرصت أن يكون مثلجا لقصى درجة حتى يتحمل‬ ‫السفر ‪ ،‬وضعته فى حقيبة‪ ،‬وضعتها داخل علبة فوم وضعت الخير داخل كيس بلستيكى كبير‬ ‫وأغلقته باحكام ‪.‬‬ ‫الجو حار ‪،‬أثناء سفرى ؛ فى محطة الباص قابلت وجها معروفا؛ الدكتور قمر الدين‪ ،‬تعجبت لهذه‬ ‫الصدفة ‪ ،‬جلسنا متجاورين ‪ ،‬لحسن الحظ كانت السيارة مكيفة ؛ يصل الى سمعنا صوت رتيب‬ ‫لموتور السيارة وتبريد الهواء ؛ سألته عن أحواله ‪،‬وعن أسهل طريق للحصول على دبلوم‬ ‫التخصص ‪،‬فى تلك اللحظة تذكرت اننى أضعت فرصة ذهبية للحصول على التخصص عندما‬ ‫كنت بالمستشفى العسكرى التى تخدم العاملين المدنيين‪ ،‬كان بها خليط من المدنيين والعسكريين‪،‬‬ ‫أيامهاتعجبت؛للمستشفى مديران؛ أحدهما مدنى والخر قائد عسكرى‪ ،‬هو البريمو‪ ،‬بعض الزملء‬ ‫المجندين استطاعوا أن يستغلوا الفرصة ويسجلوا للدراسات عليا ‪ ،‬كانوا يتحدثون عن )فضة (؛‬ ‫عرفت أنه موظف بقسم الدراسات العليا بإحدى الجامعات ‪ ،‬كان يقبل تسجيل أى طبيب فى أى‬ ‫تخصص يريده بطريقته الخاصة التى ل نعلم عنها شيئا بصرف النظر عن مجموعه ‪ ،‬المهم هو‬ ‫قيمة ما يدفعه من "فضة"‪ ،‬رفضت يومها أن أدفع على سبيل انها رشوى ‪ ،‬لو عادت بى اليام‬ ‫كنت دفعت وخرلصت نفسى‪ ،‬والوزر‪ -‬فى رأيى‪ -‬يتحمله هو لننى مجرد صاحب حاجة ومستحق‬ ‫لها‪.‬‬ ‫قال قمر الدين "أنا لم أحصل على دبلومة فقط‪ ،‬حصلت ماجستير وزمالة ؛ الفضل ان تحصل‬ ‫على ماجستير ثم دكتوراه "! وقال إنه يتحسر على أيام زمان ‪ ،‬تساءلت لماذا ؟ أخبرنى انه أحس‬ ‫يوما بآلم فى أسفل الظهر ‪ ،‬فذهب إلى عيادة طبيب عجوز شهير‪ ،‬عندما عرف التومرجى أنه‬ ‫طبيب سأله عن نخصصه ‪ ،‬عندما علم أنه لم يحصل على تخصص انفتح الحوار بينهما ‪ ،‬قال‬ ‫التومرجى ان طبيبه العجوز لم يحصل أيضا على تخصص! كان قمر الدين فى بداية حياته‬ ‫العملية ‪،‬تعجب وأنكر هذا الكلم وقال كيف وكل أهالى المدينة يذهبون اليه ؟ ودائما عيادته‬ ‫مزدحمة ! قال التومرجرى ان طبيبه دايما يقرأ؛عنده كتب ومجلت طبية وكل يوم والتانى يأتى‬ ‫البوستجى برزمة من الكتب والمجلت الطبية ‪..‬وأكمل ‪:‬أنا بعون ا ممكن أشرغل العيادة وحدى ‪،‬‬ ‫تعجب قمر الدين قائل كيف ؟ قال أنا عارف العلج ‪ ،‬مضاد وحقن هيبابيكو وشرا ب‬ ‫فوسفوبلكس واذا كان فيه سخونه نضيف خافض للحرارة ‪ ،‬وفوت علينا بعد أسبوع ‪،‬سأل قمر‬ ‫الدين‪ :‬يعنى الشهرة دى كلها أونطه؟ رد التومرجى العجوز أيوه‪..‬أنا ممكن ألبس البالطو أقوم‬ ‫بنفس المهمة بس المشكلة انى ماعرفش أكتب انجليزى !كان العلج أيام زمان حسب النكتة ؛‬ ‫ششربة دوبلغة ! ظل قمرالدين منصتا‪ ،‬مهتما جدا ومهموما ‪ ،‬يكمل التومرجى مواسيا كانوا زمان‬ ‫يجمعوا الدكاترة ويسألوهم مين عاوز يبقى اخصائى باطنة ؟‬ ‫اللى يرفع ايده يكتبوا اسمه فى التخصص‪.‬‬ ‫‪177‬‬


‫مين عاوز يبقى اخصائى جراحة ؟‬ ‫مين اشتغل اطفال؟‬ ‫وهكذا !‬ ‫ولم يكن هناك اختبارات سوى خبرته وشهادة رئيسه فى العمل!‬ ‫***‬ ‫أحسست أنها فرصة لستفيد منه ؛كان قد استقر فى المدينة واستراح لها ‪ ،‬أثبت وجوده بمهارته‬ ‫الفائقة فى العمليات الجراحية ‪ ،‬الدكتور شرف ينصحنابالستفادة منه ‪،‬يقول هذاالرجل لو ترك‬ ‫المدينة سيكون فقده هائل ‪ ،‬أرجر قمر الدين عيادة واستمر يعمل بها سنوات ‪ ،‬تدر ب على يديه‬ ‫أجيال من الجراحين ‪،‬قال لى انه أثناء دراسة الماجستير كان كالعادة مكلفا بالمرور على الساتذة‬ ‫فى عياداتهم أو مراكزهم الطبية التى يتواجدون فيها ؛ يظل يسعى ويدور حتى يناله التعب وسط‬ ‫العاصمة الهوجاء المشتعلة بالزحام والضجيج ‪ ،‬ينتظر حتى يؤذن له تكرما بالمثول بين يدى‬ ‫الستاذ المبجل ‪ ،‬حتى إذا ما حاز ذلك الشرف الكبير وصار أمامه وجها لوجه ‪ ،‬دار يمخيلته أنه‬ ‫كان من المستحب أن يأتى معه بمصور يأخذ له صورا تذكارية مع الستاذ ‪ .‬يذكر أنه يوما فكر‬ ‫أن ينتقم من أستاذه هنا فى مصر لكثرة تغيبه وسفره ‪ ،‬ومواعيده المضروبة !كان هذا الستاذ ل‬ ‫يهتم اطلقا بالطالب ول يقيم له وزنا ويحاول أن يشعره أنه مجرد حشرة أو نكرة ل وجود له‬ ‫تقريبا ‪ ،‬يومها كان على موعد مع أستاذه؛سافر قمر الدين بالقطار من الصعيد إلى القاهرة ‪ ،‬بذل‬ ‫وقتا وجهدا ؛عندما وصل إلى الكلية قال له السكرتير إن الستاذ خرج مع أصحابه ‪ ..‬انتظره باقى‬ ‫اليوم ولكن الستاذ لم يحضر ولم يكلف خاطره بابلغ السكرتير بأنه سيتغيب‪ ،‬عاد قمر الدين‬ ‫إلى الصعيد خائبا بخفرى حنين ‪.‬‬ ‫فكر الدكتور قمر فى السفر الى انجلترا للحصول على الزمالة؛شجعه والده الثرى فقد كان لديه‬ ‫عزبة بأسيوط بها اسطبل للخيول وزريبة للعجول والضأن وأرض زراعية شاسعة يعمل بها أنفار‬ ‫عديدون‪،‬تعجبت من قوة ارادته واصراره؛فالثراء من الممكن أن يكون حاجبا عن بذل الجهد‬ ‫وتجشم عناء السفر والغربة ؛ سافر ليتعلم وليرى كيف تعامل تلك الدول المتحضرة رعاياها ؟‬ ‫‪،‬وبالفعل فى انجلترا أحس بالفارق الكبير أو "بالهروة " كما قال فى التعامل وحصل على زمالة‬ ‫كلية الجراحين الملكية ‪.‬‬ ‫***‬ ‫بالوزارة؛ بالدور السادس شاهدت عم زكريا؛ عادت إلرى ابتسامتى ‪ ،‬تفاءلت خيرا ‪ ،‬سلمت عليه‬ ‫وضعت أشيائى على الرض وذركرته بنفسى ‪،‬قال أى خدمة؟ قلت أريد أن أعود لستلم عمل فى‬ ‫مدينتى؛ أخذ منى الطلب واختفى فى ردهات الوزارة بعد أن ترك لى كوبا من الشاى ‪،‬جلست‬ ‫انتظر واتفرج على أجواء الوزارة وأنا أحتسى الشاى؛ هذه المرة تأخر‪،‬لعب الفأر فى عبى‪ ،‬بين‬ ‫حين وآخر تمتد عيناى إلى عقار ب الساعة‪،‬بعد حوالى ساعة وجدته عائدا ‪،‬وفى يده بعض‬ ‫الوراق‬

‫‪178‬‬


‫خير ياعم زكريا ؟‬ ‫خير‪ ..‬انت تعبتنى المرة دى ‪...‬الفندية بعتوا لك انذار أول وتانى وتالت‪..‬يعنى قرار الفصل كان‬ ‫على مكتب الوكيل ‪..‬‬ ‫وبعدين إيه العمل ؟‬ ‫أبدا ‪..‬دخلت للسيد الوكيل طلبت منه القرار ‪،‬ولغيته؛ ورحت للموظف وكتب خطا ب استلم عمل‬ ‫موجه لمديرية الشئون الصحة عندكم‪.‬نائب تخصص‪ .‬أمسكت برأس عم زكريا واقتربت منه‬ ‫وقبلت وجهه ورأسه بحميمية‪.‬تركت الكيس البلستيكى ولفافة النسة بطة وهرولت خارجا ؛ أفكر‬ ‫فيم كنت أفعل لو لم أتعرف على هذا الرجل ؟‬ ‫***‬ ‫أخيرا صرت نائب تخصص ‪،‬وضعت قدمى على الطريق ‪ ،‬كان من حظ باهر أن جاءه‬ ‫التخصص عن طريق مستشفى الصدر ‪ ،‬بعد أن تركها؛يقول باهر‪ :‬كأن الدولة لتريد أن تمنحنا‬ ‫هذا الحق فى التخصصات التى نريد‪ ،‬او كأننا ننزع قطعة من جسدها ‪ ،‬كنا نقابل البعض‬ ‫متعجرفا‪ ،‬يتسم بثقل الدم والغلسة ‪،‬أكمل قائل ‪ ..‬أكون مخطئا عندما أزعم أن الدولة هى التى ل‬ ‫تريد ‪،‬فهى بريئة من هذا ولكن العيب فى ممثليها الرابضين على المكاتب !"‬ ‫منحتنى الوزارة "نصف تفرغ" كنت أعمل فقط ثلثة أيام فى السبوع ؛تخبطت قرارات بعض‬ ‫المديرين‪ ،‬أحدهم كان يمسك العصا من المنتصف ؛ أثناء فترة الدراسات العليا ؛حصل أحد‬ ‫الزملء على "نصف تفرغ "؛ كان مديرا لحدى الوحدات الصحية‪ ،‬منتظما فى عمله ‪،‬معه طبيب‬ ‫ثان‪ ،‬وقع المدير على قرار بأن يكون أحد الطبيبين مديرا للوحدة خلل الثلثة أيام الولى و‬ ‫الخر مديرا للثلثة الباقية من السبوع ‪ ،‬كانت تحدث مصادمات ومواقف غريبة ‪ ،‬يوقع أحدهما‬ ‫على قرار ‪ ،‬فيأتى الخر ليلغيه‪ ،‬وهكذا ‪،‬استغل بعض العاملين تلك الثغرة ‪ ،‬وزاد التخبط و الفرقة‬ ‫بين الطبيبين‪،‬وأوعز البعض لكل منهما بأن الخر يتحداه ول يعمل له حسابا حتى كانت بينهما‬ ‫معارك لم تنته إل بنقل أحدهما بعيدا عن الخر‪.‬‬ ‫فى العادة يظل الطبيب نائبا فى فرع التخصص لمدة عام أو عامين أو أكثر ‪ ،‬ثم يتفرغ للدراسة‬ ‫ليحصل على دبلومة أو ماجستير فى فرع التخصص‪،‬يمر عليه عام أو عامان أو أكثرأيضا‬ ‫للحصول على التخصص ‪ ،‬عندما ينتهى منها يظل نائبا كما هو مالم يقدم أوراقه للحصول على‬ ‫ترقية ورقية إلى مساعد اخصائى‪ ،‬كان بعض الطباء – نظرا للحالة المادية المتردية – يفضلون‬ ‫البقاء نوابا لطول فترة ممكنة ‪ ،‬ول يتقدمون بطلب الترقية حتى يتمتعوا بالقامة المجانية فى‬ ‫المستشفى‪ ،‬والحصول على وجبات مجانية وبدلت زهيدة مقابل قيامهم بأعمال النوبتجيات ‪،‬‬ ‫بالنسبة للبعض الخر كان الوضع مختلفا‪ .‬فى الدراسات العليا كنا نسمع عن أنواع من الرق أو‬ ‫الستعباد ‪ ،‬ل يوجد لدى الدولة مخطط قومى لتلك الدراسات والمطلو ب منها !! مازالت تقع تحت‬ ‫هوى الساتذة مائة بالمائة ‪ ،‬الستاذ هو وحده الذى يحدد نوع الدراسة وموضوعها ‪ ،‬بصرف‬ ‫النظر عن عمليتها أو دورها فى فائدة المجتمع ‪ ،‬كان لبد لدارس الماجستير أن يطيع طاعة‬ ‫عمياء ‪ ،‬كما كان نائب التخصص الجامعى يفعل ذلك أيضا ‪.‬قابلت زميل فى الربعينات‪ ،‬يميل‬ ‫إلى السمنة‪،‬تعرفت عليه بقصر العينى أثناء الدراسات العليا ‪،‬أعجبنى فيه نقاؤه ‪ ،‬وصفاء قلبه‪،‬كان‬ ‫‪179‬‬


‫يقف قليل عندما نرتقى السلم ليلتقط أنفاسه ‪،‬قال لى ان قلبه متعب ‪،‬اكتشف مؤخرا أن لديه ارتجاع‬ ‫فى الصمام الميترالى أدى إلى هبوط وتضخم بعضلة القلب ‪ ،‬لذا يحاول أن يغير تخصص النساء‬ ‫والولدة لنه ليستطيع الستمرار فيه ‪،‬تخصص يحتاج الى الخروج والستعداد فى أى وقت‬ ‫‪،‬صحته الن ل تساعده ‪ ،‬وخصوصا بعد اصابته بجلطة ‪،‬أصر على توصيلى بسيارته‪ ،‬طلب منى‬ ‫دفتر المحاضرات ‪ ،‬كان دفترا ضخما سجلته بخط يدى ‪ ،‬أعطيته له بعد أن وعدنى وعدا خالصا‬ ‫بأنه سيعيده بعد أن يستنسخه ‪،‬بعدها غا ب ولم أعرف له أثرا‪ ،‬تحريت عنه وسألت باقى الزملء ‪،‬‬ ‫لم يعرفه أحد سوى زميل أبلغنى أنه من دمياط‬ ‫عندما انتهيت من دراسة الجزأ الول ‪ ،‬تلقفت أنفاسى وبدأت فى الشروع للبدء فى الرسالة‬ ‫‪،‬أشرف عليها أستاذان‪،‬المشرف الحقيقى الذى قام بالجهد كله هو أحد مدررسى القسم ‪،‬كان شابا‬ ‫وجيها ‪،‬مشحونا بالصدق والخلص ‪ ،‬عند القترا ب من نهاية الرسالة أوصانى بالذها ب إلى‬ ‫الستاذ فى عيادته لمراجعة الرسالة وعرضها عليه ‪،‬كان الوقت ظهرا ‪،‬أخذت مخطط الرسالة فى‬ ‫يدى وذهبت إلى عيادته ببا ب اللوق‪ ،‬تعرفت على المكان عندما أشار لى أحد المارة إلى اللفتة‬ ‫المكتو ب عليها اسم الستاذ ‪ ،‬صعدت إلى العيادة وقابلت التومرجى‪ ،‬كانت العيادة خالية سوى من‬ ‫شخص واحد كان جالسا فى الركن ‪ ،‬انتظرت عندما قال لى التومرجى ان سفير اليمن موجود‬ ‫بالداخل مع الستاذ ‪،‬خرج السفير أمامى ‪،‬لمحت رجل قصير القامة‪،‬متوشحا بحزام وقد دس فيه‬ ‫خنجراهائل‪،‬وخرج الستاذ فى وداعه حتى با ب العيادة‪ ،‬وجدته سارحا ‪،‬ضحك وهو عائد الى‬ ‫مكتبه قائل دنيا !! فوراعاد الى طبيعته ولمحنى وهو يدخل حجرته وقال لى متجهماتفضل دخلت‬ ‫الحجرة وراءه وأشار إلى المقعد أمام مكتبه ‪ ،‬عندما جلس كاد رأسه الصلع أن يختبىء تحت‬ ‫كومة الكتب الموضوعة أمامه بطريقة بوهيمية وإهمال فوق المكتب العريض‪،‬وقد اكتفى باضاءة‬ ‫خافتة من أباجورة موضوعة على المكتب ؛ عرفته بنفسى ‪ ،‬قال لى اقرأ‪ ..‬قرأت ‪..‬من الصفحة‬ ‫الولى ‪ ،‬غضب وقال مندفعا البستراكت ‪..‬اقرا الملخص يابنى ‪..‬تعجبت ولكنى استجبت فورا‬ ‫‪.‬عندما قرأت قاطعنى قائل كفاية ‪ very good..‬وقد بانت علي وجهه علمات الستحسان‬ ‫‪،‬فرحت ولملمت أواقى وفى داخلى حزن دفين ‪،‬هناك تمثيليات مكرورة نقوم بها‪ ،‬رسخ فى ذهنى‬ ‫وقتها أن رسائلنا معظمها للحصول على الشهادة فقط وأنها فى الحقيقة ل تجدى فتيل لننا تعودنا‬ ‫أن نلقيها فى الدرج بمجرد حصول صاحبها على الدرجة‪.‬‬ ‫كان باهر قد اتفق مع أحد الساتذة على أن يبدأ فى رسالة الماجستير ‪ ،‬وبعد شهور سافر الستاذ‬ ‫المشرف واحتار باهر الذى بذل مجهودا رائعا وقطع شوطا طويل فى الرسالة‪ ،‬قال لى مكتئبا‬ ‫تأكدت أن لدي الساتذة عذرهم عندما علمت أنهم يتقاضون مبالغ تافهة مقابل الشراف على‬ ‫رسائل الماجستير والدكتوراة و مناقشتها‪،‬مر عام ولم يعد الستاذ ‪،‬بعد عام آخر اشتكى لرئيس‬ ‫القسم الذى قال له ‪ :‬أمامك حل من ثلثة إما ان تنتظر عودة الباشا؛ أو أن تطلب تغييره هو‬ ‫والرسالة‪ ،‬وعند اجتماع القسم نقرر ‪ ،‬والحل الثالث أن تستغنى عن الرسالةوتقعد فى البيت؛وأتبع‬ ‫كلمه بضحكة مجلجلة !‬ ‫***‬

‫‪180‬‬


‫‪6‬‬ ‫سفر وعودة‬ ‫بعد حصولى على الماجستير لم أعد الى المستشفى بناء على تأشيرة من مدير مغرض أراد أن‬ ‫يسدد بى خانة فى احدى الوحدات الصحية‪ ،‬لم أمانع ؛ وقتها كنت أرغب فى رؤية الجديد ؛بالرغم‬ ‫من أن العمل فى الوحدات الصحية كان يسيرا؛ مرت سنوات تم اقتطاعها من العمر ؛لم تكن‬ ‫تجربة مفيدة طبيا أو ماليا‪،‬كانت فقط مفيدة انسانيا‪،‬مضى مايقر ب عقد من الزمن ؛ معظم الزملء‬ ‫كانوا قد سافروا للعمل بالخارج؛ومنهم من يستعد للسفر ومنهم من يجهز أوراقه؛ كان زميلنا طه‬ ‫يتردد على مكاتب الحاق العمالة بالقاهرة ‪،‬شجعنى على السفر ؛لم يستغرق بحثنا عن عقد وقتا‪،‬‬ ‫وجدنا عروضا كثيرة فى أماكن متفرقة بالمملكة‪ ،‬سافرنا سويا ؛ البعض نسى نفسه واستمرأ‬ ‫الحياة هناك وقرر الستمرار حتى يقضى ا أمرا كان مفعول‪.‬‬ ‫***‬ ‫عدت مسرعا؛ غصة فى حلقى؛ لم أرتح للغربة وتحكمات الكفيل‪،‬بعودتى تعاظم احساسى بالغربة‬ ‫فى أرض الوطن! ظللت أياما ل أكلم أو أقابل أحدا‪،‬مرت اليام متكاسلة ‪ ،‬مازالت الوضاع فى‬ ‫بلدنا لتسر ‪ ،‬مازالت أكوام القمامة وطفح المجارى وضيق الشوارع وعطانتها و حوارى‬ ‫الكفور وروحها المميزةبالفقر كما هى ؛ بالرغم من فرحى بأشياء كثيرة رأيتها هناك ؛ كان من‬ ‫المفروض ‪ -‬بل من السهل ‪-‬ان نحققها فى بلدنا قبلهم‪ ،‬ربما كان حكامنا والحرو ب التى خضناها‬ ‫والسرقات والقرارات المتضاربة واللعب بالمال العام والنهب المنظم الذى تعرضت له البلد ‪،‬‬ ‫بالضافة الى افتقادنا للطار القوى والمحكم لمشاريع فى كل المجالت؛كل ذلك كان كفيل‬ ‫بسرعة خرابها وابتئاس شعبها وانحطاط خدماتها! كنت اتمنى أن أغلق عينى وأفتحهما لرى‬ ‫غول ضخما على هيئة لودر قد أقتحم المدينة وكفورها وأزالها ‪،‬تعود اناس كثيرون على الركون‬ ‫الى الفراغ وعدم الجدية ‪،‬دائما يتقاطرون على السواق والمستشفيات وأقسام الشرطة والمحاكم‬ ‫والنيابات ! ل احد يهتم بالشأن العام‪ ،‬ارتبط فى ذهنى معرفة ا بالشأن العام !ل أحد يعرف ا؟‬ ‫ا هو الشأن العام ! هو الخروج من الذات ‪،‬قرأت يوماأن الحاكم هو خليفة ا المسئول عنا أمامه‬ ‫‪،‬هو المسئول عن الشأن العام ومسئول عن مد اليد إلى الناس ومحاولة مساعدتهم !‬ ‫بعد سنوات تركت الوحدة التى كنت أعمل بها؛ فى هذا الوقت صدر قرار بإخلء الماكن التى‬ ‫تشغلها وحدات حكومية بمساكن الهالى وتسليمها الى أصحابها؛تم إعادةالمبنى الى أصحابه؛لم‬ ‫أكن أدرى أن الصحة كانت مستأجرة للمكان ! وعرفت أن العاملين بها قد توزعواعلى‬ ‫المستشفى والوحدات؛فى المديرية تسلمت خطابا للعمل بالمستشفى‪ ،‬استلمت العمل‪ ،‬صرت سعيدا‬ ‫‪181‬‬


‫بتواجدى فى مدينتى ‪،‬مفعما بالرغبة فى العطاء‪ ،‬اجتاحنى شوق لمقابلة زميلنا عبدول‪ ،‬ذهبت إليه؛‬ ‫فى بهو المستشفى سمعت صوتا ل أجهله ينادينى‪ ،‬تلف ت‬ ‫ت ؛كانت سيدة فى الربعينيات جالسة على‬ ‫كرسى متحرك ؛ ومعها فتاه تمسك بمقود الكرسى‪ ،‬حدقت فى وجهها‪،‬بشرة باهتة متعضنةوعتامة‬ ‫داكنة حول العينين ‪..‬أنا سامية يادكتور ؛تذكرتها على الفور ‪ ،‬سامية ‪..‬ياه ‪..‬ونظر و‬ ‫ت إلى أعل‬ ‫ناحية الفتاة قائلة بنتى ‪ ..‬؛ تحدثت مباشرة معى ‪..‬شفت اللى حصل لى ؟ بولينا وفشل كلوى وقالت‬ ‫‪.. renal failure‬باغسل كلى ‪ ،‬كانت تميل إلى السمنة ‪،‬لم أكن رأيتها منذ أن غادرنا المستشفى‬ ‫بعد عام المتياز الى القطاع الريفى؛ ابتسمت فى وجهى ابتسامة واسعة ‪،‬حدقت فى وجهها‬ ‫‪،‬شحو ب هائل ‪..‬ياااه‪..‬سنوات طويلة ياسامية ‪،‬تصفحتها ثانية ؛حفر الزمن ندوبا بأياديه‬ ‫العفية‪،‬لمحت على وجهها حزنا بائساوجمودا‪ ،‬اتضحت لى حقيقة مشاعرها؛أبلغتنى أنها أصيبت‬ ‫بصدمة بعد فشل زواجها من طه‪ ،‬وطلبت أجازة بدون مرتب لرعاية أمها ‪ ،‬ثم تزوجت من ثرى‬ ‫خليجى ‪ ،‬وسافرت معه ‪ ،‬هناك أنجبت له خمسة‪ ،‬ثلث بنات وولدين ‪،‬ظلت تجىء الى مصر كل‬ ‫عامين لتزور أهلها وتحاول اسعادهم بالهدايا ‪،‬ثم تعود إلى حيث منابع البترول ‪.‬بعد وفاة زوجها‬ ‫عادت لتكمل ما بقى لها من أيام فى مصر ‪.‬‬ ‫خرجنا سويا أنا وعبدول وتمشينا فى شوارع المدينة ‪ ،‬أيام مبادرة السادات كنا نرى آثار الدمار‬ ‫عالقة فى كل مكان ‪ ،‬ولماذا نذهب بعيدا ؟ فى بيتنا اخترقت دانة سقف حجرة جدتى وهبطت‬ ‫لتستقر داخل الحجرة ‪ ،‬أدى اختلل الضغط الى تحطيم كل محتوياتها‪،‬كانت جدتى تحتفظ بالهون‬ ‫تحت السرير‪،‬تهشم الزجاج وتفشخ خشب الدول ب بينما صارت يد الهون كقطعة الملبن الملتوية‪،‬‬ ‫دخل رجال سلح المهندسين وجدوا الدانة راقدة تحت السرير‪ ،‬حملوها كما هى بعد أن أبطلوا‬ ‫مفعولها‪ .‬تغيرت معالم المدينة ؛انتهت تقريبا مناظر البيوت الخشبية البغدادلى القديمة و البيوت‬ ‫المهدمة من آثار الحر ب‪ ،‬تم إصلح العمارة الكائنة بمدخل المدينة بمساكن حى المثلث‬ ‫والمتروكة لمعاينه ومشاهده الضيوف ليتعرفوا على مثل من آثار دمار الحر ب‪ ،‬ازدحمت المدينة‬ ‫بالناس والسيارات والموتسيكلت والدراجات والحمير أيضا ‪..‬كان السيوفى قد أحيل إلى‬ ‫المعاش ‪ ،‬تسلم عبدول إدارة المعمل بدل منه ‪،‬لنه القدم ‪ ،‬تزوج من مدرسة متوسطة‬ ‫الجمال‪،‬لكنها تنعم بجمال الروح ‪ ،‬صار زملؤه ينادونه بأبو مايسة التى أنجبها بعد ‪ 6‬سنوات من‬ ‫الزواج‪.‬‬ ‫حكى لى عن نفسه وعن الزملء سمير وخشا ب وصافى وعن الدكتور فهمى والمدير الجديد؛‬ ‫وحكى حكايات أخرى كثيرة‪ ..‬عرفت بعض الخبار عن الدكتور شرف وقمر الدين والغرباوى‬ ‫ودكتوره حنان والممرضات فايزة وسامية‪،‬قررت الذها ب الى باهر فى عيادته التى علمت أنه‬ ‫افتتحها أثناء سفرى بالخارج‪ ،‬ولكنى لم أعرف أى خبر حتى هذه اللحظة عن مريضنا الشهير‬ ‫"أبو قطة" !‬ ‫***‬ ‫كان مبنى مديرية الشئون الصحية يحتل شقتين فى عمارة للهالى وسط المدينة بجوار حديقة‬ ‫النافورة المتاخمة لمبنى المحافظة‪،‬تم اخلؤها وانتقل الموظفون الى مبنى قديم متهالك ببورتوفيق‬ ‫تابع للكارانتينا يطل على الخليج ومدخل القناة؛ بانوراما رائعة ‪ ،‬تشرذم الموظفون وأصحا ب‬ ‫الحاجة ‪ ،‬كل من اراد توقيعا أو تقديم طلب ؛عليه القيام برحلة الى بورتوفيق‪ ،‬تم الشروع فى‬ ‫‪182‬‬


‫بناء مبنى مستقل للمديرية داخل أرض خاصة تحيط بها مستشفى الحميات ومبنى ادارةالسعاف‬ ‫من جهة ومن الجهة الخرى مستشفى الصدر وجراجات المديرية والقسم الهندسى وقسم الصيدلة‬ ‫ومخازن الدوية والتموين الطبى ‪.‬‬ ‫بالعيادة الخارجية كنت أشاهد هذا الرجل العجيب‪ ،‬بعد أن خرج الى المعاش كان يحرص على‬ ‫تواجده يوميا باستراحة عيادة الجراحة ‪ ،‬يجلس مندسا وسط المرضى خارج حجرة الفحص على‬ ‫مقاعد النتظار ؛ يجاذبهم أطراف الحديث ‪،‬يلعب طفل أو يجيب على سؤال إحدى السيدات ‪،‬‬ ‫يتشمم أخبار مرضى فى حاجة الى ختان طفل أو فتح خراج صغير أو عمل غيارات للجروح‬ ‫والحروق ‪ ،‬كان يصطاد حالت الطهارة ويقوم بعمل ديباجة فى ذم الطباء ول مانع أيضا من‬ ‫إفتضاح أمر أحدهم أو التجنى عليه إذا لزم المر‪ ،‬أوتشويه صورته لخضاع ضحيته واقتناص‬ ‫ما تيسر له من حالت ‪،‬كان يرتمى على مقعد من مقاعد النتظار وسط المساكين من المرضى ‪،‬‬ ‫يعدهم بالقيام بالمهمة‪ ،‬ويطلب منهم العودة مصطحبين مريضهم الى منازلهم ؛يفرح أهل المريض‬ ‫أو الطفل المراد طهارته عندما يعرفون أن الرجل سيأتى إليهم فى المنزل ‪ ،‬يصفون له العنوان ؛‬ ‫ل يكتب ول يقرأ ‪ ،‬يسجل العنوان فى رأسه ؛بعد انتهاء موعد العيادة كان يقضى باقى النهار‬ ‫وزلفا من الليل فى التجوال بدراجته البخارية شمال وجنوبا ‪ ،‬شرقا وغربا ؛ يقوم بتمشيط المدينة‬ ‫بشوارعها وكفورها وأزقتها وحاراتها بحثا عن فرائسه التى كان قد اقتنصها بالنهار ‪ .‬فى الطريق‬ ‫قال لى باهر ‪:‬هذا الرجل يكسب من المهنة أكثر من رئيس القسم !‬ ‫سمعت عن وفاة عبدالعال دينامو الستقبال والطوارىء بعد إحالته الى المعاش بشهور ‪ ،‬يبدو أن‬ ‫النقلة المفاجئة تسببت له فى صدمة نفسية حادة ‪ ،‬بعد أن كان شعلة نشاط صار ل قيمة له ول‬ ‫طلب عليه‪.‬‬ ‫***‬ ‫استلم ضاحى العمل فى قسم العمليات كان مسئول عن التروللى يحمل المرضى وأنابيب‬ ‫غازالكسجين من والى حجرة العمليات‪ ،‬ل يكف عن مديح نفسه فى محاولة منه أن يشعر‬ ‫الخرين يقيمته ‪ ،‬كان ينظر إلى المريض وهو راقد على سرير العمليات يقول مبتسما لولى‬ ‫ما استطاع أى مريض أن يدخل أودة العمليات ‪ ،‬عندما أسترجع كلمه ‪ ،‬يتأكد لى كم كان محقا ‪،‬‬ ‫مازال معظمنا يسخر من العمال المعاونة ‪ ،‬مازال الناس يتأذون منها ‪ ،‬من يتمنى أن يعمل ابن‬ ‫له فى نظافة الشوارع مثل أو فى المجارى ؟ ل أحد تقريبا ‪ ،‬ولكن كم هى جليلة تلك الخدمات‬ ‫التى تؤدى لنا عن طريق هذين المرفقين؛ مرفق النظافة والصرف الصحى‪ .‬بالقر ب من با ب‬ ‫حجرة العمليات تحلق حول تروللى المريض عدد من المرافقين ‪،‬جاء ضاحى وعلى وجهه‬ ‫إمارات التعجل ؛أزاح التروللى بيديه ناحية حجرة العمليات قائل لهم لو سمحتم لو سمحتم ‪،‬‬ ‫تشبس احدهم بالتروللى وقفز وراءه إلى حجرة العمليات ‪ ،‬زعق فيه ضاحى وهو يشيح بيده "اقعد‬ ‫استريح بره لو سمحت" لم يتزحزح الرجل ‪،‬فأعاد الكلم ماسكا نفسه حتى ل ينفعل والطبيب‬ ‫يراقب الموقف عن قر ب بجوار ترابيزة العمليات ‪..‬بره أقعد استريح لو سمحت ؛ لم يستجب‬ ‫الرجل ‪ ،‬وكزه فى كتفه قائل بصوت أعلى ‪..‬اخرج استريح بره يا اخينا ‪..‬آوت إكسو ‪!..‬‬ ‫انتشرت ظاهرة العاملت بنظام العقد الموسمى ‪،‬معظم العاملت الموسميات يطوين تحت‬ ‫جلودهن مآسى حياتية ‪ ،‬سمعنا عن كثير جدا من مشاكل لهؤلء البشر وأسرهم ‪ ،‬ل أدرى كيف‬ ‫‪183‬‬


‫يعشيون على ظهر الرض ؟كيف يتنفسون ويأكلون يشربون وماذا يلبسون وأين ينامون ؟فعل لنا‬ ‫ر ب اسمه الكريم ! كانت تقولها احدى العاملت عندما تسقط فى يدها قروش أو جنيهات !‬ ‫العاملت الموسميات لحقوق لهن ‪ ،‬ل تستطيع الموسمية أن ترفع صوتها على العاملة المثبتة ‪،‬‬ ‫فما بالك بالمعاون ! كان المعاون ممسكا قبضته على العاملت بصورة فائقة ‪،‬أحيانا نشكو‬ ‫للمعاون عدم وجود عاملت ‪ ،‬نسمع أنه عامل" فلوردة " عليهن ‪ ،‬وأنه يستقطع من بعضهن مبالغ‬ ‫شهرية حتى ل ينقلب عليها ويريها النجوم فى عز الظهر ‪.‬تذكرت معاون المستشفى القديم‪ ،‬عندما‬ ‫أقارن بين الثنين أجد فرقا بين السماء والرض ‪،‬كان رجل ظريفا‪ ،‬سمينا جدا‪،‬فى النوبتجية كنا‬ ‫نقضى الوقت فى الحكى ‪،‬عرفت إنه زوج لمرأتين ‪،‬يقول ان ام العيال امرأة عنيفة؛ ل تعرف‬ ‫شيئا عن الزوجة الجديدة ؛ ويدارى وجهه كأنما يخشى أن تسمعه ‪،‬مع اليام تبلدت وصارت‬ ‫عنيدة ‪ ،‬وانها أسمن منه ‪ ،‬يبتسم عندما يحكى عن زوجته الثانية ويقول انها عكس أم العيال‬ ‫تماما ‪ ،‬وان ريحها خفيف وانها مثل غصن البان‪ ،‬ويدير سبابته فى الهواء‪ ،‬وانها تحبه بالرغم من‬ ‫منظره وجسده السمين ‪ ،‬وانه دائما يكون أسفل منها سواء على السرير أو على الكرسى‪،‬هو‬ ‫يفضل الكرسى لنه أسهل وأمتع بالنسبة لهما ‪ ،‬أتعجب وهو يضحك بصوته الجش الغريب‪.‬‬ ‫ازدحمت المستشفى بالموظفين والطباء ‪ ،‬ازداد عدد المغتربين من باقى المحافظات؛ تبوأوا‬ ‫مواقع عديدة‪ ،‬الغالبية كانت تخدم الهالى بضمير حى‪ ،‬بينما قلة دأبوا على النهش فى جسد المدينة‬ ‫بصورة لم يسبق لها مثيل‪ ،‬حضروا بأجسادهم دون أرواحهم التى تركوها هناك عند مساقط‬ ‫رؤوسهم ‪ ،‬جاءت مع البعض افكار غريبة و حمقاء بل و شرسة فى غالب الحايين‪ ،‬النصاف‬ ‫هى التى قامت وتتكلم فى هذا الزمن الذى يطلق عليه جورا اسم الزمن الردىء ‪،‬يقول فهمى إن‬ ‫الرداءة ليست فى الزمن ولكن فى تصرفات أصحابه ومعايشيه ‪ ،‬تتحرك هذه الفاعي والثعالب‬ ‫تحت جنح الليالى الكالحة؛ لتفعيل قرارات وهمية وخرقاء من أجل رغباتهم الدفينة ‪.‬‬ ‫فى هذه اليام أبتليت المديرية برجل قصير ذى عاهة ‪ ،‬كان هذا الرجل ذو العاهة خطيرا ‪ ،‬لم يكن‬ ‫يألو جهدا فى إظهار غير ما يبطن ‪ ،‬كان يبدو فى صورة الحكيم الهادىء او ال ب الرؤوف‬ ‫الحاد ب على مصلحة أبنائه ؛المشفق عليهم؛ تصادف ظهور المعونات المريكية الموجهة ‪ ،‬دأ ب‬ ‫المذكور على الهتمام بالحجر دون البشر ‪ ،‬اتخذ طريقة شاذة فى عمله‪ ،‬عادة ما تؤدى إلى شذوذ‬ ‫آخر ‪ ،‬عندما يدخل عليه أحد الموظفين كان وجهه يحتقن ‪ ،‬وتتبدل سحنته ‪ ،‬ويبدو عليه الضيق‬ ‫والشمئزاز ‪،‬صار الموظفون كارهين لمقابلته‪ ،‬لعلمهم بزلقة لسانه وسوء أدبه ‪ ،‬يتساءل البعض‬ ‫فى الخفاء وهم ينظرون إلى الورم بجسده ‪ ،‬والذى لم يتعظ به ؛ حقا إنه جبار ! أدوية كثيرة تكتب‬ ‫للمرضى غير متوفرة بالمستشفى ‪،‬يكتب الطبيب ويضطر المريض أن يشتريه اذا كان قادرا ‪،‬‬ ‫يلجأ الطبيب إلى مداراة المريض حتى يتجنب إثارة المشاكل معه‪،‬عند نقله من المديرية عرفنا أنه‬ ‫صار مالكا لحد الشاليهات على الخليج ؛ وعدة شقق ‪ ،‬وأرصدة محترمة بالبنوك ‪..‬‬ ‫***‬

‫‪184‬‬


‫‪7‬‬ ‫باهر وعيادته‬ ‫بالمقارنة بالعمر؛كانت طويلة تلك السنوات التى انطوت فى الحصول على التخصص ثم‬ ‫السفر؛ ولكنهاكالحلم مرت بالرغم من احساسنا فى الغربة بتوقف الزمن أحيانا ؛ بعد عودتنا؛‬ ‫صارت احلمنا موجهة نحو العيادة ‪،‬نعم ؛ فتح العيادة مصدر الرزق وكيان الطبيب! مربط‬ ‫الفرس‪ ،‬وخصوصا فى مصر ؛أحد العيون الربعة التى سمعنا عنهاوضحكنا أثناء دراستنا بالكلية‬ ‫؛العيادة والعروسة والعمارة والعزبة ! هل سمعت عن طبيب مشهور دون عيادة ؟ يقول الخشا ب‬ ‫ان العيادة مفسدة للطبيب‪ ،‬بمعنى انها قد تعلمه التجارة وتنسيه الطب‪ ،‬بينما يقول فهمى إن هذا‬ ‫الكلم فى حقيقته فشل ‪،‬اختار معظم الطباء مواقع فى أشهر شوارع المدينة إزدحاما ‪،‬بينما‬ ‫استمر آخرون فى أطراف المدينة‪ ،‬كان طه يقول ان الطب لبد أن يمارس من خلل المستشفيات‬ ‫فقط ؛دأ ب وصيف على عمله بثلث عيادات فى أماكن متفرقة بالمدينة‪ ،‬البعض لم يهتم بالمكان‬ ‫معتمدا على أن الرزاق على ا وعلى كفاءته الشخصية التى ستجذ ب اليه المريض حتى لو كان‬ ‫فى آخر الدنيا ‪،‬لم يسافر باهر‪ ،‬كان قد ترك دراسة الماجستير وانهمك فى عمله اليومى للحصول‬ ‫على ما يؤهله للزواج ؛افتتح عيادته طبيبا عاما؛كان تحتها مقهى كبير‪ ،‬فى المساء نتلقى ومعنا‬ ‫بعض الزملء ؛نتحدث سويا عما نقابله فى حياتنا اليومية‪،‬وعن الناس والسياسة وآمالنا وأشياء‬ ‫أخر‪،‬سمير وفهمى يهويان الشطرنج ؛ وزارع وخشا ب ل يغيران الطاولة ‪ ،‬أنا وباهر نكتفى‬ ‫بالفرجة والتحكيم ‪،‬باهر يحتفظ بهما فى مكتبه للضيوف ‪ ،‬نسعد باللقاء الذى تحول مع تكاثف‬ ‫المشاغل الى مرتين اسبوعيا ‪ ،‬ثم اكتفينا باللقاء مرة واحدة ‪،‬جعبة باهر محشوة بحكايات قلما‬ ‫تنفد؛ يحكى لنا عن مفارقات صادفها فى عيادته‪،‬يستطيع بكل بساطة أن يمل الوقت بالحكايا‬ ‫الجاذبةوالنكت التى كنا أحيانا نظل منصتين لها حتى مطلع الفجر ‪..‬يضحك سمير قبل أن يحكى‬ ‫باهرالنكتة التى تقال عن الصعيدى الذى ذهب الى معمل التحاليل ليجرى تحليل للبول ؛ فاجأه‬ ‫السكرتير بطلب خمسة جنيهات‪،‬أجا ب مغتاظا كيف خمسة جنيه؟ الدكتور فى الصعيد ياخداتنين‬ ‫جنيه؛ وكمان البول من لعنده!‬ ‫فى أوائل أيام عيادته؛ كان باهر يظل جالسافى مكتبه منتظرا أى مريض‪،‬كتب على العيادة خدمة‬ ‫ليلية ‪ ،‬وجهز حجرة للقامة‪ ،‬كان يقيم معه ضاحى؛ يقول عنها انها حجرة لكبار النزلء؛ ويردف‬ ‫معظم الوقات كنا ل نجد شيئا نفعله‪ ،‬بدأنا نأكل ونأكل‪ ،‬كانت البتسامة فى وجه ضاحى والكل‬ ‫يعوضانى عن الفراغ و الحباط الذى انغمست فيه ‪ ،‬نمد أيدينا لنخرج أرغفة من الثلجة‪ ،‬ندخل‬ ‫الى المطبخ لنشعل البوتاجاز و نسخن العيش داخل الفرن‪ ،‬نعود إلى الثلجة لنبحث عن غموس ‪،‬‬ ‫‪185‬‬


‫جبن أو زيتون أو بيض أو خضار مطبوخ ‪ ،‬أو لحم ‪،‬عندما نجد لحما يكون حظنا هائل ؛ أنا ل‬ ‫آكل اللحم كثيرا ‪ ،‬ضاحى يحب اللحم ‪ ،‬ننشغل عن التفكير بقضم الرغفة ‪ ،‬وبتقشير البصل‬ ‫وتقطيعه ووضعه فى الطبق ‪ ،‬يحب ان يأكل مع التونة أو الفسيخ ‪ ،‬أو الرنجة ‪ ،‬عندما يكون هناك‬ ‫رنجة آكل كثيرا ؛ أمل بطنى ‪ ،‬أشر ب بعدها ماء حتى تنتفخ ‪ ،‬أقوم لتخمد حتى ل أفكر ول‬ ‫أصحو ول أدرك هذا الواقع الليم ‪ ،‬يخرج ضاحى مبكرا ليذهب إلى المستشفى‪ ،‬عندما أصحو أنا‬ ‫أحاول أن أشغل نفسى قبل الخروج بغسل المواعين و تحضير الشاى الثقيل‪"..‬‬ ‫يقول أنه عندما يزهق من النتظار كان يجلس على كرسيه الثير بالشرفه ليتفرج على الطريق‪،‬‬ ‫يوما جاء نادل المقهى مستبشرا ويطلب الحلوة ‪ ،‬سأله باهر مستفسرا حلوة إيه؟ قال إنه حجز له‬ ‫مريضا‪،‬وقدم له المشروبات والشيشة حتى تفتح العيادة أبوابها‪ ،‬وقف النادل أمام الطبيب وهو‬ ‫يفرك يديه ببعضهمامتبسما ومنتظرا ‪،‬اتضح ان المريض ليس مريضا بل مأمور ضرائب جاء‬ ‫لعمل معاينة ‪..‬أثناء فترات فراغه الطويلة كان باهر يتنقل بين المكتب والشرفة‪ ،‬عندما كان جالسا‬ ‫بالشرفة شاهد رجل يضر ب امرأة بالبوكس فى الطريق‪،‬احتج باهر على المنظر‪ ،‬حاول التدخل‬ ‫لردع المعتدى‪،‬رفع صوته ليهدد الرجل ؛ نظرت إليه المرأة المضروبة وزعقت فى وجهه ‪ :‬فيه‬ ‫إيه؟ واحد بيأد ب مراته ‪ ،‬عاوز حاجة ؟‬ ‫***‬ ‫قال باهر ؛كان معى سكرتيرة بالعيادة طلبت السكرتيرة سندويتش كبدة ‪ ،‬كما طلبت معونة ‪،‬‬ ‫وعلجا للرق وآخر للنحافة وحاجة للمساك؛ويكمل ‪ ..‬شفيقة الشامى أوقعتنى فى ورطة دون أن‬ ‫أدرى ‪ ،‬ربما تكون العاطفة الهوجاء هى السبب ‪ ،‬هى التى جرجرتنى اليها‪ ،‬ولكن الحمد ل !‬ ‫سجنت مثل سيدنا يوسف ‪ ،‬مع الفارق !نعم كنت فى ورطة ‪،‬ل يحلها أحد ‪،‬ول يستطيع أن يحلها‬ ‫أحد فى اعتقادى ‪،‬سوى الدعاء الى ا واللجوء اليه ‪،‬كثيرا ما لجأت اليه فى مواقف كثيرة‬ ‫‪،‬ووجدت عنده الحلول‪،‬وكانت الحلول بسيطة وذكية وغير متوقعة أيضا ‪،‬ربما نرى المشكلة‬ ‫عويصة وضخمة‪،‬مثل تلك السيدة السمينة التى تعانى هبوطا فى القلب وأصيبت بانسداد فى‬ ‫المعاء وقالوا لها ان حياتك صارت مهددة‪ ،‬جاءتنى‪،‬ركبت لها أنبوبة رايل و بعض المحاليل‬ ‫الوريدية ‪،‬وحقنة شرحية ‪.‬فى المساء تركت العيادة سليمة‪،‬سكت قليل وأردف أكثر ما يضايقنى‬ ‫هو انعدام الفهم بين الطبيب والمريض؛ بعد أن كتبت العلج للطفل سألتنى أمه‪:‬كتبت للواد مضاد‬ ‫"حلوى"؟ أيوه‪..‬نظرت الى الروشتة فى يدها وقالت ‪..‬فين هو؟ فى الجزخانة‪...‬يعنى مش فى‬ ‫الروشته؟‪...‬أيوه مكتو ب فى الروشته‪..‬كم؟ ‪ 500‬وال ‪1000‬؟قلت ل‪..250 ..‬مصمصت شفتيها‬ ‫قائلة ‪ :‬ما يعملشى حاجة ‪..‬‬ ‫انتى درستى الطب ؟‬ ‫طبعا احنا عارفين‬ ‫اسمعى ونفذى !‬ ‫خرجت مزمجرة وهى تقول مش مهم ‪..‬نروح لواحد تانى !‬ ‫***‬ ‫‪186‬‬


‫استرسل باهر فى حكاياته قائل أحد المرضى وصف شكواه ‪ ،‬ثم قال وهو يجز على أسنانه‪:‬‬ ‫التعب من مدة ‪ ..‬مدة مدة حقيقى‬ ‫الحرقان كتير ‪ ..‬كتير كتير حقيقى‬ ‫با رنزل دم ‪ ..‬دم دم حقيقى‬ ‫عايز علج ‪ ..‬علج حقيقى‬ ‫رد عليه باهر قائل دخد العلج‪..‬دخده حقيقى ‪..‬ان شاء ا تخف ‪ ..‬تخف حقيقى ‪!.‬‬ ‫***‬ ‫اتكأ بكوعه على المنضدة ؛ أشعل سيجارة ونفث دخانها فى الهواء وتبرسم قبل أن يتكلم وقال‬ ‫متذكرا ‪..‬يوما جاءت سيدة تشكو من زائدة جلدية بأعلى الصدر ‪ ،‬تتحسسها بأصابعها وتمسكها‪،‬‬ ‫وقالت أنا أكره الزايدة دى لن العيال بيلعبوا فيها؛ حكى عن عامل النظافة الواثق به ثقة عمياء‪،‬‬ ‫كان يعانى من سنط ‪ ،‬وتينيا ملونة ‪ ،‬بالرغم من فقره ؛ أصر على دفع قيمة الكشف ‪ ،‬قال فهمى‬ ‫كأنى أتعامل مع مليونير ؛حرسسنى إنه مليونير ؛ رفض أى تخفيض ‪ ..‬سبحان ا ؛ صرف له‬ ‫الصيدلى حمض السالسيليك المركز لعلج السنط ‪ ،‬واستمر الرجل فى استعماله يدهن به بقع‬ ‫التينيا أعلى صدره وكتفيه وظهره لثقته فى الطبيب بالرغم من الحريق الذى شب فيه لم يزل‬ ‫مستمرا فى العلج حتى احترق جلده ؛أما تلك السيدة التى بلعت اللبوس‪ ،‬وذلك الطفل البائس‬ ‫الذى كانت أمه تصر على أن تسقيه الديتول بينما تبلل قطعة الشاش من زجاجة شرا ب الفيتامين‬ ‫وتضعها على الجرح ‪،‬جاءت تشكو للطبيب من أن طفلها يشكو من مرارة الدوا ‪ ،‬وتقول أيضا‬ ‫إنها تعرف أن الدوا لزم يكون مر علشان يجيب نتيجة مع الرعيل! حكى أيضا عن تلك السيدة التى‬ ‫جاءت تشكو من طفح جلدى وآلم ناحية البطن واللية اليمنى ‪ ،‬كان باهر محرجا من طلب‬ ‫الكشف عليها ‪ ،‬فى سن الشبا ب عادة يكتفى بالسؤال عن العراض والتاريخ المرضى للحالة‬ ‫ليتضح له التشخيص ‪ ،‬وخصوصا بين حريم منتصف العمر والفتيات الصغيرات ‪،‬هم لكتابة‬ ‫العلج ؛سألته السيدة باهتمام‪:‬‬ ‫مش حاكشف؟‬ ‫قال أيوه ماشى ‪..‬‬ ‫نظرت إلى ملبسها الضيقة قائلة ‪:‬‬ ‫أفك كل ده إزاى ؟‬ ‫انتى اللى طلبتى!‬ ‫يعنى لزم أكشف؟‬ ‫ممكن ناخد علج تجربيه الول‬ ‫‪187‬‬


‫وينفع علج من غير كشف يادكتور؟‬ ‫طب يالل اتفضلى اكشفى‬ ‫برضه عاوزنى أكشف ؟‬ ‫رد بزهق ‪..‬ها ‪..‬نقفل البا ب وأل نفتحه؟ أفهم !؟‪..‬‬ ‫دخلت خلف البارافان ‪ ،‬وبدأت فى خلع ملبسها ببطء ممل قطعة قطعة‪ ،‬نظر إليها وقد تعرت‬ ‫تماما ‪..‬تعجب من سلوكها !قال لها غطى نفسك!‬ ‫وحتشوف إزاى يا دكتور ؟‬ ‫حاشوف الجزأ المطلو ب بس !‬ ‫حاضر ‪..‬‬ ‫عندما انتهى من الكشف جلس يكتب الروشتة ‪ ،‬وقال المس بالليل والمرهم بالنهار ؛فسألته ‪:‬‬ ‫المس بالليل ؟‬ ‫نعم‬ ‫طب والمرهم ؟‬ ‫عكس الليل ؟‬ ‫عكس الليل ؟ النهار !‬ ‫يبقى بالنهار !‬ ‫يعمل باهر فى عيادته بشجاعة وهمية ‪ ،‬كان طبيبا عموميا ‪ ،‬اشتهر فى الحى بصورة لفتة‬ ‫للنظار‪ ،‬صورة قد يغبطه أو يحسده عليها زملء المهنة‪،‬يحاول جاهدا أن يقنع المريض بما ل‬ ‫يعرف جيدا ‪،‬أو بما ل يعتقد فيه هو شخصيا؛ أمل فى النجاة وطمعا فى إسبال راحة نفسية على‬ ‫المريض من الممكن أن تساعده على الشفاء ‪،‬اعترف لنا باهر ان حكاية شفيقة الشامى علمته‬ ‫الد ب بصرف النظر عن قسم أبو قراط! تأكد أنه لبد أن يكون هناك حدود بينه وبين المريض أو‬ ‫المريضة حتى ل تضطر ب المفاهيم وحتى ل تأتى الرياح بما ل تشتهى السفن !‬ ‫***‬

‫‪8‬‬ ‫أبوقطة‬

‫‪188‬‬


‫أحاول أن أحافظ على ابتسامة قد تكون كسيرة على وجهى ‪ ،‬أتعشم بها أن أقضى لحظاتى بسلم‬ ‫مع نفسى ومع الخرين ‪ ،‬حولى أنين يتصاعد من زوايا المستشفى ‪ ،‬طوال عمرنا نحاول أن‬ ‫نقضى على اللم ‪ ،‬كيف نقضى على اللم ؟ إنه أزلى يتجدد بتجدد الحياة ؛ ويتناغم معها ‪.‬تأتى‬ ‫الرياح بما ل تشتهى السفن ! حقا ؛ فجأة ظهر أبو قطة فى المستشفى بعد اختفائه سنوات طويلة‪،‬‬ ‫قال لى باهر هيا لنزوره ؛انه محجوز فى قسم المسالك ‪.‬‬ ‫لم يظهر أبو قطةفى طرقات المستشفى منذ أن عامله الدكتور شرف بحزم بعد عملية البواسير‬ ‫التى أجراها له منذأكثر من خمسة عشر عاما وقت أن رأيناه أول مرة‪،‬كنا أطباء امتياز؛ أراد‬ ‫يومهاأن يشكوالدكتور شرف لنه رفض أن تكون المستشفى مأوى له دون قيد أو شرط ؛ بقسم‬ ‫المسالك البولية‪،‬فى ملفه قرأت كلما عاما ليصل إلى تشخيص دقيق‪ ،‬ومجموعة من‬ ‫الفحوصات ‪،‬فحوصات للسكر والكبد والكلى وغيرها ؛هذه المرة جاء بألم بأسفل البطن ‪ ،‬كتب فى‬ ‫دوسيهه"آلم بالعانة"‪...‬دخلت الى العنبر فلم أعرفه أشارت لى الممرضة بسبابتها وهى تنادى عم‬ ‫أبو قطة ‪..‬رفع رأسه من السرير‪ ،‬كانت تقتر ب منه وتهم لحقنه؛ سمعته كأنما يحلم بصوت‬ ‫مسموع‪ ،‬كان يقول الحلو جاى وهو ينظر اليها كأنمابشبق ‪ ،‬تضايقت زوجته وحاولت اسكاته رد‬ ‫عليها مغتاظا‪:‬أهو كلم ‪ ...‬فيه ضريبه ع الكلم؟!! زمان كانوا يسيبونا نتكلم‪ ،‬أعطونا حق الكلم؛‬ ‫كانوا يقولوا خليهم يتكلموا ويقولوا‪ ..‬طق حنك يعنى ! يعنى حضرلتك يبقى ل فعل ول كلم !‬ ‫لمحت وجها شاحبا حاولت ان أقارن بينه وبين صورته القديمة فى ذهنى ‪ ،‬نجحت بصعوبة فى‬ ‫الجمع بين الصورتين ‪.‬‬ ‫***‬ ‫كان أبوقطة قد شاخ وخف وزنه كثيرا ‪،‬وتغضن جلده ‪،‬وبزرت عظام وجنتيه ‪،‬تعجبت لهذه‬ ‫التغيرات الشديدة ‪،‬‬ ‫سألته عن آلمه ‪ ،‬أجا ب بأنه شعر بها بعد نقل عدد من شكاير السمنت الذى اشتراه‬ ‫ليبنى"خارجة" مثل باقى زملءه السماكين أمام المحل الذى اشتراه فى شادر السمك‪،‬صار تاجرا‬ ‫بعد أن كان منظفا للسمك فقط ‪.‬كان يقول لزملءه فى العنبر مشجعا أنه دخل العمليات ‪ 7‬مرات‪،‬‬ ‫ول يهمك ياجدع‪ ،‬ويضحك قائل ياريح ما يهزك جبل !يضحك المرضى من كلمه المقلو ب !‬ ‫قال انه مريض سكرى من زمان ولكن هذه العلمات جدت عليه‪،‬ظل يعانى من آلم خفيفة أسفل‬ ‫العانة‪ ،‬حاول أن يتجاهلها ‪ ،‬ولكن اللم كان أقوى منه فاضطر إلى دخول المستشفى ‪،‬تعودنا أن‬ ‫نمر على الرجل بين حين وآخر لنعرف التشخيص النهائى لحالته‪ ،‬اتضح أن التحاليل فى حدود‬ ‫المعقول ‪،‬ل مرض عضال فى الكبد أو القلب أو الكلى أو فى الدم ! كما ان نسب السكر بالدم‬ ‫ووظائف الكبد مرتفعة قليل‪..‬‬ ‫تقافز الى ذهنه كيف سمى ابنته "قطة"؛بين اليقظة والمنام كان واقفا يتطلع إلى ذلك القط المعلق‬ ‫فى نهاية خيط السنار الثخين وهو يدفعه فى مجرى ل يبين إذا ما كانت مياهه ضحلة أم عميقة‪،‬‬ ‫الرؤيا غير واضحة ؛واقف هو فى مكان يبدو ضيقا‪ ،‬ل ؛ المكان منفتح أمامه ولكنه انفتاح‬ ‫مخيف ‪ ،‬حاول أبو قطة أن يتلفت حوله ‪ ،‬أصابه رعب خفى؛ لمح خيال أسود لرجل رفيع ؛نائم أم‬ ‫متيقظ ؟ رجل أم بقايا رجل ؟ليدرى عائش أم ميت ؟لحظ حركة ل ارادية فى فخذه العارى؛‬ ‫المكان شبه مظلم ينام الرجل فى صندوق منحوت فى الحائط ؟ كيف ينام هكذا ؟ يعيد النظر حوله‬ ‫‪189‬‬


‫إنه داخل كهف ‪،‬هناك آخر فى ركن بعيد ماهذا؟ ربما يستريح حتى يصحو لصيد الليل ‪،‬وما صيد‬ ‫الليل ؟ وماهذا المكان المخيف ‪ ،‬كان يتساءل ‪ :‬من الذى اتى بى إلى هنا؟ وراءه ظلم كثيف ‪،‬‬ ‫ليجرؤ أن يمد نظره إلى حوائط الكهف ‪ ،‬السكون رهيب ‪ ،‬مازال يحاول الوصول إلى مياه‬ ‫عميقة أمل فى صيد ثمين ؛ قطة ؟ تعجب !ما الذى يمكن أن يصطاده هنا فى ذلك الماء السن؟‬ ‫قفز إلى ذاكرته أصحا ب السعار العالية من التجار ورجال العمال‪ ،‬يشترون بأسعار بخسة‬ ‫ويبيعون‪ ،‬هؤلء هم القطط السمان‪ ،‬؛ ‪ ،‬هم المفسدون الذين دهنوا الهوا دوكو! ومن خرموا‬ ‫القرش؛ الفهلويةالذين يعبئون الشمس فى زجاجات؛ المنتشرون على جميع الرصفة والمحلت‬ ‫ببضائعهم المضروبة ‪،‬وأسعارها الباهظة !‬ ‫الرجل النائم فرد من عامة الشعب ‪،‬ل يستطيع أن يضر ب فى الرض ‪،‬ل يمتلك قنطارا ول‬ ‫دينارا ‪،‬ليس معه سوى ما يستره بالكاد ‪.‬عند خروجه من الكهف ‪ ،‬رأى شلل هائل من المياه‬ ‫العذبة يتدفق امامه على الجانب الخر ‪،‬أحس بالعطش ‪ ،‬أقتر ب من الشلل مد يده ليرتوى ‪ ،‬قبل‬ ‫أن تصل يده إلى المياه أصابته خبطة قوية ومباغتة على ساعده‪ ،‬أحس بالرعب واللم الشديد ‪،‬‬ ‫اصيب بشبه غيبوبة ‪ ،‬استفاق منها بعد لحظات ليرى تجمهرا حوله ‪،‬من هؤلء ؟لم يجرؤ على‬ ‫النطق ‪ ،‬فقط تساءل بعينيه ‪ ،‬أمسكه رجلن ‪ ،‬حولهما مجموعة أخرى من الرجال ‪ ،‬اقتاده الجميع‬ ‫إلى فتحة فى المغارة ‪،‬دخل معهم ‪،‬رأى مناظر جميلة رأى ممرا وسعا نظيفا وعلى الرض‬ ‫امتدت سجادة طويلة غطست فيها قدماه ‪ ،‬من السقف المرفوع تتدلى ثريات تشع أضواء كثيفة‬ ‫‪،‬فى المواجهة كان الزعيم جالسا وسط حراسه الخاشعين فى صمت يشبه صمت القبور ‪.‬أراد أن‬ ‫يقذف حجرا فى الماء السن ‪ ،‬ولكن لم تسعه الظروف ‪.‬فقد استيقظ من نومه‪.‬‬ ‫***‬ ‫بدأ أبو قطه يشكو من آلم فى العظام وأرق ‪،‬ويشير إلى أماكن غريبة فى جسده تؤلمه ‪،‬تقرر‬ ‫ارساله الى معهد الورام بفم الخليج‪ .‬كان باهر قد دعانى للسفر فى سيارة بيجو صالون يعمل أحد‬ ‫أقاربه سائقا لها‪،‬اتفقناأن نأخذ "أبو قطة" معنا ‪،‬ركب معنا هو وزوجته؛ كتب عليه القدر أن يذهب‬ ‫إلى هناك ‪ ،‬فرح بالوصول؛ هناك انتابته نوبة خوف شديدة ؛ ظل قلبه يخفق وهو يطل برأسه من‬ ‫السيارة التى اقتربت من مدخل فم الخليج إلى الميدان الفسيح‪.‬‬ ‫بفم الخليج؛ وعند مدخل المعهد؛ شاهدنا امرأتين تفترشان الرض إحداهما تحمل طفل ملفوفة‬ ‫ذراعه بجبيرة ؛ تقول لجارتها الدكتور سا ب العيان وقال له انا شغلتى أشوف الشعة بس ‪.‬ردت‬ ‫الولى‪ ..‬الدكاترة هنا على كيفهم كل واحد يعمل مابدا له ‪ ،‬هوه فيه دولة ؟ مفيش دولة ياحبيبتى ‪..‬‬ ‫أكملت الخرى‪ ..‬أيوه وا لسانى ادلدل على دكتور قالوا بردل مع صاحبه ‪ ،‬سألت عن صاحبه؛‬ ‫قالوا لسه ماجاش وآذان الظهر قرر ب ‪ ،‬وحييجى امتى قالوا ما نعرفش ! كانت الجواء مزدحمة ‪،‬‬ ‫بقسم الطوارىء أصوات تعلو ‪ ،‬رجل يزعق‪ :‬المحترم يضربنى بالقلم ! أنا أعرف إزاى أرد القلم‬ ‫ده‪ ،‬وا العظيم تلتة لنا رادد القلم ده ؛ أخذ الناس يحجزونه ويبعدونه عن خصمه الضخم الذى‬ ‫وقف على الجانب الخر من صالة الطوارىء متحديا دون أن ينطق‪ ،‬اكتفى بالبحلقة فقط ‪،‬‬ ‫اجلسوا المضرو ب على حافة السرير‪ ،‬وأحاطوه بأيديهم وأجسامهم حتى ل يتسر ب منهم إلى‬ ‫عدوه‪ ،‬والممرضات ذاهبات آيبات فى نفس الوقت ؛ غير عابئات بما يدور حولهن‪ ،‬إحداهن تقف‬ ‫جوار سرير طفل تعلق له محلول الرنجر ‪ ،‬وتنظر إلى النبو ب لتضبط سرعة تدفقه داخل‬ ‫‪190‬‬


‫الوريد‪،‬أخرى تعبر الصالة حاملة على ذراعيها كرتونة مليئة بالدوية‪ ،‬بينما تقف هناك احدى‬ ‫العاملت مستندة على مكنستها تراقب الموقف عن كثب‪ .‬سألت المسجلة الجالسة تحت النافذة‬ ‫البعيدة ‪ ،‬عرفت منها أن الرجل سب الدين للطباء والممرضات وجميع العاملين بالمستشفى !‬ ‫أثناء عبور الطبيب الضخم الذى هبط بكفه على خد الرجل بعنف بعد رفضه الستجابة لتوسلت‬ ‫الطبيب بالكف عن السبا ب ‪.‬‬ ‫بالداخل زحام فائق التصور ‪ ،‬فى كل ناحية بشر يتجنبون بصعوبة الحتكاك بعضهم البعض‬ ‫‪،‬صعد السائق ليسأل عن شباك التذاكر‪،‬أشارت له احدى العاملت الى الكاونتر ‪ ،‬هناك كان‬ ‫طابور طويل ‪ ،‬وقف فى الطابور حتى نهايته ‪ ،‬بينما انتظر المريض على الدرج‪.‬حاورينى يا‬ ‫طيطا‪ -‬الحمد ل تم عمل تحاليل دم وأشعة بالموجات الصوتية ؛ أخذنا ميعادا بعد ثلثة أسابيع؛‬ ‫قبل العيد بيومين تقريبا‪ -‬قالت له عاملة الكاونتر لتنس الحقن الشرجية رد‪ :‬ينفع زيت خروع؟‬ ‫الزحام شديد والمستشفى تبدو مثل السوق من الداخل‪ ،‬زحام فى كل مكان ‪ ،‬فى الكوريدورات‬ ‫وعلى السللم‪ ،‬مناظر تفوق فى بشاعتها كل ما رآه المرء فى حياته؛مرضى هائمون على‬ ‫وجوههم ل يعرفون لهم سبيل‪،‬هم وأقاربهم يتزاحمون فى كل مكان‪،‬على منافذ حجز التذاكر وفى‬ ‫الطرقات الداخلية ‪،‬وبالحجرات وطوابير لحجز الرسرة ‪ ،‬وطوابير على نوافذ صغيرة لستلم‬ ‫التحاليل والعينات‪ ،‬وأيادى غليظة وأجساد تحتك بك هنا وهناك ‪ ،‬زحام فى كل مكان ‪..‬بالطرقات‬ ‫وعلى السلم وبين التواءاته رأى أناسا يفترشون البسطة ويتهيأون لنوم القيلولة؛ هل الشعب كله‬ ‫داخل المستشفيات؟ أحيانا يقع مريض‪ ،‬فى الغالب يتم اسعافه بتركيب المحاليل له وسط المرضى‬ ‫المكومين على الرض ؛آخرون اسعدهم الحظ بوجود مقعد بالكافيتيريا لجأوا اليه فرحين انتظارا‬ ‫لدورهم ‪ ،‬فى حجرة واحدة إحدى الممرضات تأخذ العينات وتساعد فى عمليات البذل وتحليل‬ ‫صفائح الدم وإعطاء جرعات العلج الكيماوى ‪.‬‬ ‫استطعنا بعد جهد أن نأخذ ميعادا لعمل منظار لخذ عينة من جدار المثانة البولية‪ ،‬مع انكسار‬ ‫الشمس خرجنا مندفعين إلى شارع قصر العينى بزحامه الشديد ‪ ،‬غادرنا أنا وباهر لقضاء بعض‬ ‫المشاوير بالقاهرة بعد أن استقل أبو قطة وزوجته إحدى سيارات الجرة الى القللى لكى يعودا الى‬ ‫المدينة‪.‬‬ ‫***‬ ‫بعد أيام ظهرت النتجة ايجابية لوجود خليا سرطانية متشعبة بجدار المثانة ؛نصحه الطبيب‬ ‫باجراء جراحةعاجلة ؛عقب إجراءها ظل أبو قطة طريح الفراش ؛لم يطرأ تحسن على حالته‬ ‫أخيرا عاد الى المدينة وقد تفاقم نحوله حتى صار كالشبح‪ ،‬اللم مازالت تعاوده ‪،‬لم يعد قادرا‬ ‫على تناول الطعام؛ من حين لخر كان يدخل المستشفى لستقبال المحاليل ‪،‬الكل يعرفونه طقم‬ ‫الطباء والتمريض والعمال أيضا مشفقون عليه‪،‬ل يستطيع أن يهر ب من مصيره‪ ،‬قال باهر‬ ‫الحمد ل الذى أخفى عنا توقيتات وداعنا لهذا العالم !آه لو عرف كل انسان كيف ومتى سيغادر؛‬ ‫لرتجف وتوقف عن الحياة وعن الحركة تماما !اعترف أبو قطة بخطأه القديم للدكتور شرف‬ ‫‪،‬وقال إنه بعد خروجه من حجرة العمليات راوده احساس جديد بفرحة الحياة ؛ فرحة الوجود ؛‬ ‫فرحة الخلق ‪ ،‬كأنما ولد لول مرة ‪ ،‬تغيرت نظرته تجاه النعم التى أفاء ا بها على جميع‬ ‫مخلوقاته؛ كان ينتظر الساعة التى يعود فيها إلى مدينته؛ يحاول ان يقتل الوقت بشتى السبل‪،‬وهو‬ ‫‪191‬‬


‫على سرير المرض‪،‬و يستمع إلى كاسيت بجواره يكرر أغنية لحمد عدوية "زحمة يادنيا‬ ‫زحمة ‪...‬زحمة وماعدشى رحمة‪ ...‬زحمة وتاهوا الحبايب!‬ ‫كل يوم كان جسد أبو قطة يزداد شحوبا‪ ،‬كلما اقتربت منه كنت أشعر ناحيته باليأس والوجل‬ ‫والضجر وخصوصاعندما يعرى جسده لتزرف له الممرضة محقنا ؛مع اليام كان وزنه يخف‬ ‫وصوته يخفت كأنما يتحدث إلى الداخل ؛إلى داخله هو! كنت أرى ساقيه وقد شابهتا عود‬ ‫القصب ‪،‬كأنما لتوجد عضلت تكسو تلك العظام ‪،‬صار فخذاه كمعصم رجل نحيل‪،‬كلما صعدت‬ ‫عيناى لترى وجهه ورقبته كنت أدارى أننى أدارى عيناى حتى ل تقعا على عظام وجهه الناتئة‪،‬‬ ‫ل أستطيع أن أتكلم ‪..‬فقط أدعو له بصوت خفيض ‪..‬أتكلم كأنما أهذى ‪..‬وانا أطالع رقبته التى‬ ‫صارت مثل عنق الديك وقد برزت عيناه وبانت عظمتا الترقوة بشدة‪ ،‬وغارت تحتهما عضلت‬ ‫الصدر؛ كأنما من الممكن أن تختبىء فيهما ليمونتان !كنت أرى حركته تتباطأ و وزنه يخف حتى‬ ‫صار كأنما تساوى مع طفل رضيع‪.‬‬ ‫***‬

‫‪192‬‬


‫‪9‬‬ ‫قمر الدين والغرباوى‬ ‫كنت متعطشا لمعرفة‪ -‬ليس لخبار المستشفى فقط؛ بل كل أخبار وأسرار المدينة؛بإحالة الدكتور‬ ‫مراد مهران الى المعاش تعاقب بعده عدة مديرين نادرا ما مل أحدهم مقعده بثقافة وكياسة‬ ‫وأد ب ؛ سافرإلى أمريكا لزيارة ابنه وللعلج أيضا ؛توفى هناك إثر عملية جراحية بالقلب ‪.‬‬ ‫مازال الدكتور قمر الدين يواصل صولته وجولته ‪،‬ترقى ليعمل مديرا مساعدا بالمديرية‬ ‫ومستشارا للجراحة بالمستشفيات العامة والخاصة ؛ كانت شهرته قد ذاعت فى أنحاء المدينة‪،‬‬ ‫بالرغم من ارتباطه الوثيق بها؛ إل أن اسرته لم تتخل عن إقامتها بالقاهرة؛ فالعائلة تقيم بمنزله‬ ‫بمصر الجديدة ‪،‬سلم أمره ل وكان يسافر أسبوعيا‪ ،‬الكثير من الزملءعلى شاكلته ‪ ،‬تعلم الكثير‬ ‫من الطباء على يديه ‪ .‬اشتكى الدكتورالغرباوى من جهله بالكثير من الخبار التى تحدث داخل‬ ‫المديرية؛ قال ان المدير العام السبق؛الدكتور مطراوى ؛ بالرغم من انه كان مستبدا ‪،‬إل أنه كان‬ ‫يحرص على ارسال مكاتبات الى جميع الوحدات تحمل أخبار مايدور بالمديرية‪ ،‬كل الخبار‬ ‫الكبير منها والصغير ‪،‬حتى اذا ماانتقلت عاملة من وحدة قروية إلى مكان آخر أو حصل أحد‬ ‫العاملين على مكافأة ‪ ،‬كانت جميع الوحدات تبلغ بالخبر وقال إن هذا هو الطبيعى‪ ،‬كلنا فى مركب‬ ‫واحدة؛كيف أستطيع أن أحكم على تصرفات المدير دون معرفة الظروف المحيطة ؟ كيف أطلب‬ ‫جهازا وأنا ل أعرف قيمة مخصصات المديرية للجهزة ؟ همس باهر متحسرا على تلك اليام‬ ‫بالرغم من الرداءات التى كانت تشوبها ‪.‬‬ ‫كان يشكو من حوله‪ ،‬كما يشكو ذبا ب وجهه‪،‬ظل كما هو حامل حقيبته الجلدية الصغيرة التى لم‬ ‫تبلى مع الزمن؛ بسوستتها اللمعة التى تحدث أزيزا زاعقا عند جذبها‪ ،‬هذا الصوت صار فى‬ ‫مخيلتنا إيذانا بضرر واقع ل محالة بشخص أو أشخاص ما‪ ،‬يحمل داخلها أوراق الفلوسكا ب‬ ‫المجهزة للشكاوى ‪،‬يظهر على وجه الغرباوى إمارات الفرح عندما يهم بفتحها أو غلقها ؛ ضامنا‬ ‫أنه يشهر سلحا يحار ب به زميل أو يوقع خصما من راتب لشخص ما مرفوض بالنسبة له‪.‬‬ ‫أحيانا يجو ب جنبات المستشفى وربما يتوق فى خبيئة نفسه إلى المنصب الرفيع ‪،‬يتمنى أن يعتلى‬ ‫كرسى الدارة ‪ ،‬لو حدث ستكون الكارثة ‪ ،‬الجميع سوف يسخطون منه‪ ،‬هو يعرف ذلك تماما‪،‬‬ ‫ولكنه على الجانب الخر – ل يهمه ذلك ؛ يتعالى عن الجابة وينظر نظرة دونية إلى أى زميل‬ ‫أقل منه اداريا جاء يسأله عفويا عن شىء ما ‪ .‬دائما يمد عينيه وأذنيه متطلعا لما وراء الجدار‬ ‫بنصائحه العقيمة وتدخلته التى يقحم نفسه بها بين حين وآخر فيما يخصه ومال يخصه ‪ ،‬حاول‬ ‫الغرباوى التقر ب من قمر الدين كما حاول التقر ب ممن سبقه من مديرين ؛ كانت له أفكاره‬ ‫الخاصةجدا ‪ ،‬يقول إن فتاة التمريض ل يحب أن تدرس مواد مثل التاريخ والجغرافيا ‪،‬ول‬ ‫الرياضيات او العلوم أو حتى اللغات ‪ ،‬ويكمل كله حشو !الممرضة لن تعطى المريض كبسولة‬ ‫تاريخ أو حقنة جغرافيا‪ ،‬و تعجب عندما استفهمت منه احداهن عن الفائدة من وضع سماعة‬ ‫‪193‬‬


‫الطبيب على ساق الطفل أو على رأسه؛استشاط غضبا وهو يقول لها مين الحمار اللى عمل‬ ‫كده؟!‬

‫كان الغرباوى ينادى أحيانا بضرورة تكليف حارس لكل طبيب مهم‪،‬نوع من التملق ‪،‬تظاهر‬ ‫قمر الدين بالموافقة على ذلك وهو يبتسم طبعايابيه؛واجب عالحكومة! يردالغرباوى متضاحكا ‪:‬‬ ‫ولكنى أخاف من الحارس ياباشا ‪ ،‬ربما يتآمر علرى!‬ ‫تولى الدارة أثناء غيا ب قمر الدين الذى سافر مع ابنه إلى لندن لستكمال تعليمه الطب‪ ،‬قام‬ ‫الغرباوى فى فترة وجيزة بإصدار تعليمات وقرارات أسخطت العاملين والطباء والتمريض‬ ‫أيضا ‪ ،‬أغلق با ب مكتبه عليه ومنع الدخول إليه إل بإذن مسبق من السكرتاربة‪ ،‬كماأصدر قرارا‬ ‫بإحكام قبضته على دفاتر الحضور والنصراف ‪،‬وأصر على تواجدها على مكتبه ‪،‬أحكم قبضته‬ ‫على بوابات المستشفى و منع دخول الطباء والمرضى بسياراتهم داخل أسوار المستشفى‪ ،‬كما‬ ‫وقف حائل دون دخول عدد من الطباء إلى سكنهم وقرر إخراج العديد منهم لعدم انطباق شروط‬ ‫القامة عليهم ‪،‬وقال لبد أن نوفر قيمة الوجبات التى تصرف لهم دون وجه حق ! لم يكن أحد‬ ‫يعلم مسبقا أن هناك شروطا مكتوبة للقامة فى السكن سوى أن الطبيب المقيم يحتاجه العمل‬ ‫خلل ‪ 24‬ساعة ‪،‬كان بين الحين والخر يخرج من حقيبته العجيبة منشورات وقرارات وزارية‬ ‫وأوراقا قديمة متهرئة يستشهد بها بما يقول‪ ،‬قال عنه الدكتور صافى انه مصا ب بداء جنون‬ ‫العظمة ؛الميجالومانيا؛عندما عاد قمر الدين من رحلته للخارج ؛ وصلته شكاوى ضد الغرباوى‪،‬‬ ‫تبسم قمرابتسامة عريضة وقال بصوته ذى النغمات المتصاعدة‪ ..‬ل يابكوات ‪ ..‬الخوف‬ ‫ممنوع ‪...‬كله كأن لم يكن!‬ ‫قال فهمى دنيا عجيبة ‪..‬قمر الدين صاحب فكرة الحواجزوالبوا ب؛ غرير رأيه فيها واقتنع بأنها‬ ‫فكرة غلط ‪،‬بينما الغرباوى تمسك بالفكرة الغلط وحاول ينفذها !‬ ‫كان الغرباوى حريصا على كسب ثقة رؤساءه وإرضاءهم بشتى الطرق؛لم يتخيل أبدا أن يعادى‬ ‫مديرا له ‪ ،‬كان الليل قد انتصف عندما احتار أحد أطباء الطوارىء فى حالة مجموعة من الطفال‬ ‫فى حالة اشتباه تسمم "بالكسكسى "؛استدعى الغرباوى الذى لم يكن موجودا فى هذا اليوم ‪،‬كان‬ ‫مسافرا قريته ولم يكن اسمه مكتوبا فى قائمة الستدعاء الليلى ‪،‬وصلت المشكلة للمدير العام ‪،‬بعد‬ ‫عودته من السفر سارع الغرباوى الى مكتب المدير العام ليبرىء ساحته‪ ،‬واثناء وجود المدير‬ ‫العام أمام الغرباوى‪ ،‬وجه اليه اللوم على غيابه واكتفى بهذا ‪،‬فى لحظتها سمعنا أنه أصيب بدوخة‬ ‫أو شبه غيبوبةوعرق غزير ووقع على الرض مغشيا عليه بالرغم من اننا لم نسمع أنه يعانى من‬ ‫أمراض السكر أو الضغط‪ ،‬أفاق بصعوبة بمساعدة عدة صفعات وحقن عضلى ‪،‬بعدها طلب النقل‬ ‫الى بلدته ‪،‬قيل أنه لم يتحمل نتيجة هذا الموقف وقيل أيضا إن زوجته هى التى طلبت النقل لتكون‬ ‫قريبة من أهلها بالريف ‪ .‬تذكرت قصة للديب الروسى أنطون تشيكوف عنوانها )موت موظف(‬ ‫تحكي عن شخص بسيط تمني أن يشاهد إحدى حفلت الوبرا؛وعندما تحقق له ذلك؛ وأثناء‬ ‫العرض حدث أن عطس الرجل فجأة وببساطة مثلما يفعل كل الناس‪ ،‬لكنه لسوء حظه فعل ذلك‬ ‫في )قفا( جنرال رفيع المنزلة كان يجلس أمامه مباشرة واعتبر الموظف المهذ ب فعلته البيولوجية‬ ‫المحضة نوعا من سوء الد ب‪ ،‬فخشي أن يبطش به الجنرال الذي لم يكترث للمر‪ ،‬وعندمااعتذر‬ ‫‪194‬‬


‫له لم يبد الجنرال اهتماما؛فكر الموظف أن يذهب إليه في اليوم التالي ليعتذر له؛ وعندما فعل نهره‬ ‫الجنرال بشدةعلى المل فسقط المسكين ميتا من الخوف!‬ ‫***‬ ‫بمناسبة خروج الدكتور قمر الدين الى المعاش ‪ ،‬تم اختيار قاعة ملحقة بحجرةالمدير لعمل حفل‬ ‫صغير ولكن الدارة اعتذرت لشغل القاعةفى ذلك اليوم‪ ،‬وقالت السكرتيرة ان هناك اجتماعات‬ ‫اخرى ستعقد فى هذا الوقت ‪ ،‬تقرر عمل الحفل فى العيادة الخارجية ؛حملت طبيبتان التورتة‬ ‫والهدايا والمرطبات إلى هناك‪ ،‬كان المرضى يلقون النظر إليها‪ ،‬طلبت فاطمة الممرضة من‬ ‫العاملة إحضار مقاعد إضافية من الحجرات المجاورة ‪،‬ازدحمت الحجرة الضيقة بعدد قليل من‬ ‫الحضور ‪ ،‬قام الدكتور صافى ليلقى كلمة‪ ،‬وقف فجأة وكأنما كان يبحث عن مايك؛ ضحكنا‪،‬‬ ‫تغيرت سحنته ليبدى وجها جادا ‪ ،‬قال أننا هنا نعيش فى عصر ل نظير له ‪ ،‬عصر الكوسة‬ ‫والقرع ؛ ل يخفى عليكم ان سلطة الطبيب العادى صارت معدومة وحقوقه مهضومة ؛ فهل من‬ ‫الممكن أن تدلونى عن سبب ما للهيلمان الموجود فى مكتب المدير ‪ ،‬مجموعة من فتيات‬ ‫السكرتارية يحيط نفسه بهن كأنه هارون الرشيد ‪ ،‬أو ربما يكون شهر يار‪ ،‬والقسام كما ترون‬ ‫فارغة عاجزة؛ ل يوجد لها سند من اتصال ‪ ،‬ول تنال حظا من المدادت السنوية ؛المخصصات‬ ‫السنوية تصرف على مكتب المدير وأعوانه فقط!؟ دهانات وأثاثات جديدة ‪ ،‬ويغلق ويرش بالمبيد‬ ‫؛ ثم يرش بالمعطر ذى الرائحة الذكية ‪،‬انتظارا لسيادةذلك الذى ربما يحضر بعد فراغه أو ل ؛‬ ‫مع ذلك يظل المكتب مضيئا وأجهزة التكييف تعمل ‪ ،‬وهل تدفع من جيبك يا أخى ؟ بينما تترك‬ ‫باقى القسام تعج بالضجيج والزحام ؛تحوم حولها القطط ويشملها الهمال والحر والذبا ب ‪..‬اننى‬ ‫أدعوكم أيها الزملء والزميلت أن تنفضوا عن أيديكم الكسل ‪ ،‬وأن تطرحوا الجبن جانبا ؛‬ ‫وتتعرفوا على أجهزة الدولة الرقابية وتعرفونها بمشاكلكم التى تعشش معكم وتتفاقم ‪ ،‬لبد من‬ ‫تفعيل التفتيش المالى و الدارى‪ ..‬ضحك باهر قائل‪ :‬التفتيش المالى والدارى عارف كل‬ ‫حاجة ‪...‬يمكننا الستعانة بالرقابة الدارية ‪ ،‬وشكاوى المحافظة وامن الدولة ‪،‬بل ورئاسة‬ ‫الجمهورية ‪ ،‬وإبلغهم عن الفساد المالى والدارى ‪..‬مصمص الجميع شفاههم ‪ ،‬وقال البعض‬ ‫برافو ‪ ..‬خطبة عصماء!‬ ‫قال باهر ‪ :‬نسيتم الدكتور قمر !‪..‬هيا لنلتهم التورتة ‪ .‬لم نجد سوى هذا الجمع الضئيل؛ سلمنا‬ ‫عليه وتوقعنا أن يسافر إلى القاهرة حيث يقضى بقية عمره بين أفراد أسرته متمتعا؛ ولكن يبدو أن‬ ‫أهله تعودوا على غيابه‪ ،‬كما تعودوا على غلته التى ظل يرسلها لهم بانتظام على مدار سنوات‬ ‫عديدة‪.‬ظل خادما وفيا ‪،‬استمر بعد خروجه الى المعاش يعمل فى المستشفيات الخاصة نهارا‬ ‫وليل ‪،‬سائراعلى قدميه ؛ متنقل بين تلك المستشفى وذلك المستوصف ‪ ،‬ليست هناك مسافات‬ ‫بعيدة بينها؛لم يحب امتلك السيارات أو قيادتها ‪ ،‬كنا نراه يسير وسط المدينة يسلم على هذا‬ ‫وذاك ‪،‬ليل تكون عيادته هى الملذ والمأوى حيث يضع رحاله ويقضى بقية ليله مع مرضاه‬ ‫العديدين إلى أن يتثاء ب ويقع على سريره من شدة الرهاق والتعب‪ ،‬يظل راقدا حتى مطلع النهار‬ ‫‪.‬‬ ‫***‬

‫‪195‬‬


‫فى اليام الخيرة كان قمر الدين يحكى حلما غريبا أو رؤية كما قال – يحكيها للدكتور صافى ‪،‬‬ ‫ويقول له يابنى خلل ‪ 3‬ليالى أحلم بأنى شايل بلطة تقيلة‪ ،‬أرفعها بصعوبة‪ ،‬وعرمال أحرت فى‬ ‫البحر ! كل ليله أصحى من النوم وأنا مفزوع ! كان صافى يحاول أن يطمئنه قائل حضرتك‬ ‫محتاج شوية راحة ؛ تغيير جو ‪..‬ده مجرد إرهاق ‪ ،‬يتركه قمر الدين وهو غير مقتنع قائل ل‬ ‫يابيك ‪..‬ل‪..‬دا حلم عمرى ماشفته ‪..‬كابوس تقصد ؟ ‪..‬دى حاجه جديده عليا‪..‬‬ ‫الدكتور غرباوى طبيب الطفال تعلو عيادته عيادة قمر الدين ؛اعتاد من حين لخر أن يلقى‬ ‫السلم أثناء طلوعه أو نزوله على السلم ؛كان مكتب قمر الدين مطل على با ب العيادة مباشرة ‪،‬‬ ‫انتهت حياةقمر الدين نهاية بائسة ؛ مرت أيام دون أن تفتح عيادته ‪ ،‬اتصل به الغرباوى تليفونيا‬ ‫لم يرد عليه أحد ‪ ،‬اتصل بأسرته بالقاهرة‪،‬قالوا إنه لم يزرهم منذ اكثر من شهرين ‪ ،‬عاود‬ ‫القترا ب عرله يسمع صوتا ؛ اثناء اقترابه من با ب العيادة اشتم رائحة كريهة ‪ ،‬أبلغ الشرطة التى‬ ‫وصلت بعد فترة لتكسر با ب الشقة وتجد الرجل ملقي على أرض الصالة وقد فاحت رائحته؛‬ ‫قيل أنه أصيب بأزمة قلبية مفاجئة ولم يجد من يسعفه ‪،‬سافرنا معه الى القاهرة بمدافن البساتين‬ ‫كان معى باهر وخشا ب وطه وفهمى وآخرين؛ كنت متعجبا من أحوال الدنيا وأنا سائر فى‬ ‫جنازته؛‪،‬بعد انتهاء الجنازة وقفنا بجوار أحد السوار ‪،‬بالقر ب من المدفن كان باهر يمد يده‬ ‫لشجرة تنبت وحيدة بين الرصيف وأسفلت الطريق‪ ،‬التقط منها وريقات ‪ ،‬فركها بيده ليشمها‬ ‫‪،‬سرح بذهنه وهو يقول هذه الشجرة تذكرنى رائحتها بطفولتى ‪،‬عندما كنت أذهب مع أهلى‬ ‫لزيارة مقبرة جدتى ؛مازالت موجودة كما هى؛ كنت أقطف أوراقها وأشمها ؛مازالت رائحتها‬ ‫عالقة بأنفى حتى الن!‬ ‫***‬

‫‪196‬‬


‫‪10‬‬ ‫الدكتور عايش‬ ‫مع تباشير اللفية الثالثة ؛ ظهر بيننا الدكتور عايش؛ جاءمنتدبا من محافظة جنو ب سيناء ليتسلم‬ ‫عمله نائبا لطب العيون بالمدينة ‪،‬كان قد قدم طلبا للوزير لنقله إلى الشرقية ؛حيث أن أسرته‬ ‫ومهبط رأسه وقراريط والده هناك؛ متزوج من رئيسة تمريض تعمل بمركز طبى بالسماعيلية‬ ‫حيث استأجرا شقة بها؛نظرا للشتات الذى يكاد يخنقه كان عايش كثير الغيا ب ودائم الطلب‬ ‫للجازات بأنواعها‪،‬للسف جاء قرار الوزارة بندبه الى السويس‪ ،‬لحظت نظارته الطبية السميكة‬ ‫المنكفأة على شحو ب بالوجه وتغضنات وهالت سوداء حول العينين لحظت شيبا ظاهرا بدا‬ ‫مهاجرا إلى فوديه؛ سألته‪:‬انت نايب ؟‪..‬ضحك ضحكة شبه هستيرية وقال ‪:‬أنا كنت فى القطاع‬ ‫الريفى ‪ ،‬يعنى كنت "مرمى" فى الجنو ب‪ ،‬وحدق فى عينى ‪،‬ارتسم تحت نظارته الطبية شبح‬ ‫ابتسامة آسفة ‪.‬‬ ‫فى تلك الونة ظهرالعلج بالليزر على استحياء فى مصر ‪،‬سألته ان كان قد تدر ب على الليزر ؟‬ ‫ضحك عايش قائل انه فكر فى عمل الليزر ‪ ،‬سافر إلى مستشفى خاص للعيون فى مصر‬ ‫الجديدة‪ ،‬قام بالكشف عليه أستاذ دكتور‪ ،‬تعجب من كثرة الجهزة التى رآها – أكثرها يرآه لول‬ ‫مرة– فى تخصصه‪،‬اعتقد أنه كطبيب سوف ل يتقاضى منه أتعابا! قال ان المشكلة ان المستشفى‬ ‫ل يعلن عن أسعاره يتم تسجيل رقم المريض بالرشيف ‪ ،‬ثم يجلس بصالة النتظار حيث تنبعث‬ ‫موسيقى خفيفة ‪،‬العاملت يمسحن البلط بزيهن الرسمى بينما تقف الرئيسة لتشرف عليهن‪ ،‬الكل‬ ‫يعمل بجد ونشاط ‪ ،‬السيراميك يلتمع فى الرضية والحوائط ‪، ،‬مقابض البوا ب تلمع جيدا بعد‬ ‫علجها بالطلء ‪ ،‬الكل يسيرون فى حركة منتظمة‪،‬النداء بالميكروفون بصوت رقيق على‬ ‫المرضى ‪ ،‬المريض ينتقل فى العادة من حجرة الى حجرة فى نظام بديع‪ ،‬لكل حجرة تخصص‬ ‫معين ‪،‬قياس النظر ثم حجرة قياس ضغط العين ‪،‬وعمليات المياه البيضاء بالموجات الصوتية‬ ‫وزرع العدسات وزرع القرنية وعلج القرنية المخروطية والعدسات اللصقة الصلبة واللينة‬ ‫وقسم الشبكية وعلح الحول والكشف على الطفال بدون مخدر باستخدام المصباح الشقى‬ ‫المتحرك والكمبيوتر المتحرك !!‬ ‫الستاذ ل يتحدث مع أهل المريض ‪ ،‬يتعامل مع الموظفين بحزم شديد؛ يراجع الماديات كل‬ ‫صغيرة وكبيرة وعلى الطبيعة يناقشها فى مجلس الدارة ؛ يوصى كل موظف أل يدلى‬ ‫بمعلومات عن أى شىء ل يخصه ‪،‬يعنى ليس من حق كاتب الحسابات أن يقول لك عن سعر‬ ‫‪197‬‬


‫شىء غير الذى يخصك ول تدلك الممرضة عن سعر العملية مثل ولو بالتقريب؛ هناك توجيهات‬ ‫مشددة بالسربة التامة و بأل يتخطى أى واحد حدود عمله ‪ ،‬ل توجد قائمة أسعار داخل المستشفى‬ ‫بعد أن تم الكشف عليه ‪ ،‬قال له الطبيب ان حالته مناسبة جدا لعمل الليزر ‪،‬أعطاه الشيت مكتوبا‬ ‫عليه نوع العمليه وفى أعله"حسابات "توجه الى قسم الحسابات فقال له المحاسب بعد أن أعطاه‬ ‫الورقة ‪ 6‬آلف جنيه؛‬ ‫اعتقد أنه سوف يسترد أتعابه أو أن المستشفى سوف يقول له نحن ل نأخذ أتعابا من الزملء كما‬ ‫أوصى أبوقراط صاحب القسم ‪ ،‬خسر الرهان مع زوجته التى لم تعتقد فى افكاره وهى تصر‬ ‫على تسميتها "أفكار بالية"‪،‬‬ ‫انزعج عايش وصعد الدم الى وجهه وأنتابه حرج شديد ‪ ،‬الفاتورة باهظة! الطبيب ل يبالى ول‬ ‫يراعى جيب المريض؛ لم ينفعه أبو قراط ‪ ،‬وقال فى نفسه ل أبو قراط ول أم قراط ‪،‬خلص‬ ‫انتهى! ل أدرى لماذا يصرون على ذلك القسم حتى الن؟!طلب الورقة من الموظف وهو يعتذر‬ ‫مرددا حاضرا حااروح مشوار فى البلد وأرجع فى يوم تانى !‬ ‫***‬ ‫أخرج من جيب سترته ورقة مطوية؛ فردها وقدمها لى قائل ‪ :‬أنا طلبت من المديرأجازة؛رفض ‪،‬‬ ‫نصحته أن يذهب إلى نائب المدير ‪ ،‬وبالفعل وقع له نائب المدير على الطلب فورا؛ غرباوى نائب‬ ‫المدير كان يفرح بالتوقيع على الطلبات بالرغم من تناكته‪ ،‬فرح عايش فرحا شديدا؛وجدته جاءنى‬ ‫و قد انحنى فجأة على رقبتى يقبلها و الدموع تطفر من عينيه ‪ ،‬كدت أبكى معه‪ ،‬تماسكت وقلت له‬ ‫‪ :‬أجازة سعيدة ‪ ..‬ربنا يوفقك‬ ‫رد قائلأنااسمى عايش بس أنا مش عايش ‪،‬تبدلت سحنته وهو يغير مجرى الحديث ‪،‬لم يمكنه‬ ‫ترك زوجته التى أوشكت على الولدة ‪،‬الوقت ضيق وهو فى احتياج إلى أتعا ب الطبيب الذى‬ ‫سيجرى العملية القيصرية ومصروفات القامة بالمستشفى ‪ ،‬وهلم جرا‪..‬‬ ‫قرر أن يسافر إلى والده ؛ بقريته التابعة لمركز فاقوس ليقترض منه مبلغا من المال ‪ -‬إن وجد‪-‬‬ ‫من المفترض أن يقضى مشواره فى القرية ؛ ثم يعود فى نفس اليوم إلى السماعيلية‪ ،‬ليلحق‬ ‫بزوجته التى تنتظر الحادث السعيد هذه الليلة‪ ،‬وخصوصا أن أقاربها يقيمون فى المنوفية ؛ وليس‬ ‫لها أحد فى السماعيلية سوى زملء العمل بالمركز الطبى ‪ .‬لم يجد مع أبيه ما يحتاج إليه من‬ ‫مال‪،‬أخيرا لم يجد مفرا من السفر إلى السويس التى تسلم عمله بها منذ شهور‪ -‬ليقبض مرتبه‬ ‫البالغ ‪ 506‬جنيها وستة وسبعون قرشا ؛ لم يدر ما فائدة القروش ‪ ،‬بل لم يدر ما فائدة الشلن أو‬ ‫البريزة ؟!‬ ‫جازف وقرر أن يستأجر سيارة لتسعفه حتى يعود الى زوجته التى تعانى آلم المخاض ؛ اتفق مع‬ ‫صديق طفولته الذى يعمل سائقا لعربة أوبل قديمة ؛على أن يدفع له الجرة حين ميسرة ؛ تعرجب‬ ‫الرجل ؛ ولكنه وافق فورا لعتبارات عديدة ‪.‬‬

‫‪198‬‬


‫فى الطريق إلى المدينة ‪ ،‬تأمل أحوال‬ ‫الدنيا ؛ ونظر إلى السائق؛ وسأله‪:‬‬ ‫أنت مبسوط ؟‬ ‫رد السائق متبسما ؛ وهو ينظر إليه بطرف عينه‪:‬‬ ‫الحمد ل‪..‬‬ ‫انت عندك أولد؟‬ ‫أيوه‬ ‫كم عيل؟‬ ‫خمسة؛ وبنتين‪..‬‬ ‫مستريح فى شغلك ؟‬ ‫الحمد ل‪..‬‬ ‫بتكسب كويس ‪..‬؟‬ ‫مستورة‪..‬‬ ‫بتعمل كام فى الشهر ؟‬ ‫لعب الفأر فى عب السائق ‪ ،‬نظر إلى صديقه القديم بارتيا ب ؛ وقال‪:‬‬ ‫حضرتك غريرت الطب واشتغلت فى الضرايب؟‬ ‫ل‬ ‫أمال إيه الحكاية؟‬ ‫حكاية إيه؟‬ ‫إيه السئلة دى كلها؟‬ ‫موش عارف أقول لك إيه ؛ يا رجل؛ تعرف أنى باشتغل دكتور فى المستشفى العام‬ ‫طبعا عارف ‪..‬دا شىء يشرفنا‬ ‫و ابنى التانى جاى فى السكة‪..‬‬ ‫ربنا يسعدك‪..‬‬ ‫تصور ‪..‬أنا مازلت على قوة جنو ب سينا ‪..‬‬ ‫‪199‬‬


‫يعنى إيه؟‬ ‫يعنى كنت أعمل هناك ؛ تسلمت العمل هناك ‪..‬‬ ‫وبتشتغل فى السويس؟‬ ‫آه‪..‬‬ ‫موش كنت فى مستشفى الطور؟‬ ‫أيوه يا سيدى ‪...‬والدرجة بتاعتى لسة هناك‬ ‫الدرجة هناك ؟‪ ,‬وانت جيت من غير درجة ؟‬ ‫هى الحكومة كده لزم تدوخك ‪ ،‬وإل ماتبقاش حكومة !!‬ ‫يا سلم !‬ ‫***‬ ‫استأنف الدكتور عايش حواره ‪:‬‬ ‫أنت عمرك قدى تقريبا ‪..‬‬ ‫أيوه‬ ‫حوالى ‪38‬‬ ‫أيوه‬ ‫تنحنح الطبيب ؛ و أكمل حديثه لجاره قائل ‪:‬‬ ‫لو جالك ضيوف فى البلد ‪ ،‬على القل موش حتشترى لهم حتة لحمة ؛ ‪ 2‬كيلو مثل ؟؟‬ ‫أيوه‪..‬‬ ‫وكمان يعنى شوية خضار وفاكهة مثل ‪..‬‬ ‫أيوه‪..‬‬ ‫حسبة كم؟‬ ‫مش أقل من ‪100‬جنيه‬ ‫طيب وإذا كان مرتبك بالحوافز ‪ 406‬تعمل إيه؟‬ ‫ضحك وقال ‪:‬‬

‫‪200‬‬


‫‪..406‬؟ أسيب لهم البيت وأمشى !!‬ ‫هوه ده مربط الفرس ؛ تسيب لهم البيت وتمشى ؛ بس تروح فين؟‬ ‫أى حته‪..‬أى داهية‪..‬‬ ‫أنا بافكر فى أى حتة دى ؛ بس مش لقى ‪..‬‬ ‫***‬ ‫فى المدينة ؛ عبرت السيارة الوبل القديمة با ب المستشفى ؛ بسائقها ذى الجلبية السكروتة‬ ‫والطاقية ؛ وقد تصببت قطرات العرق من جبينه‪.‬‬ ‫ظبط السائق الدركسيون بحركة تمثيلية ؛ أوقف السيارة فى منتصف المدخل ‪ ،‬فى مواجهة البا ب‬ ‫العمومى تماما؛ فتح الدكتور عايش بابه وخرج متباهيا ‪ ،‬وهو فى بدلته الكاملة ؛ قال للسائق ‪:‬‬ ‫انتظرنى شوية‪..‬داخل أقبض ؛ وراجع البلد معاك إن شاء ا‪..‬‬ ‫***‬ ‫تأخر عايش فى العودة ‪ ،‬ترك السائق سيارته ‪ ،‬ودخل ليبحث عنه فى ردهات المستشفى ‪ ،‬وجد‬ ‫زحاما شديدا ‪،‬أناس كثيرين وجلبة ؛ سمع صياحا يأتيه من كل مكان ؛ قال لنفسه‪:‬‬ ‫إيه الزيطة دى كرلتها ؟‬ ‫كان يسأل كل من يقابله‪:‬‬ ‫الدكتور عايش فين؟‬ ‫الدكتور عايش مين؟‬ ‫بتاع فاقوس‬ ‫آسف ‪ ..‬ويمضى الى حاله‪..‬‬ ‫فى كوريدور طويل قابل آنسة ترتدى بالطو أبيض؛ سألها‪:‬‬ ‫ما تعرفيش يا أختى الدكتور عايش؟‬ ‫مين الدكتور عايش؟‬ ‫بتاع فاقوس‬ ‫قطبت جبينها متسائلة‬ ‫بتاع فاقوس مين؟‬

‫‪201‬‬


‫أيوه فاقوس‪..‬‬ ‫ل وا‪.‬‬ ‫***‬ ‫فى أحد الممرات ؛ وبالصدفة ؛ سمع هرجا ومرجا ‪ ،‬تلفت إلى الحجرة ‪ ،‬كان مكتوبا عليها "‬ ‫أجور ومرتبات" سمع صوت الدكتور عايش عاليا ‪:‬‬ ‫" أنا حاوريله‪..‬أنا حاوديه فى داهية ‪..‬يشطب عليا ليه؟ كل الناس بتغيب ؛اشمعنى أنا أما أغيب‬ ‫يشطب عليا‪ ..‬دى مؤامرة ‪...‬أقبض ‪ 126‬جنيه‪..‬أعمل بيهم إيه؟ أشترى بيهم لب و سودانى ! دا‬ ‫أنا جايب سواق من البلد ؛ ووعدته بستين جنيه‪..‬كفاية الولد فى السماعيلية ومراتى بتولد ؛ وأنا‬ ‫قاعد فى السويس ‪...‬ا يخر ب بيوتكم ‪"...‬‬ ‫***‬ ‫انسحب السائق إلى سيارته فى هدوء ؛ جلس على مقعده ليتصفح الجريدة حتى عاد الدكتور‬ ‫عايش منتفخ الوداج؛ فتح با ب السيارة وجذبه وراءه بشدة بعد أن جلس ‪ ،‬قال للسائق دون أن‬ ‫يتلفت إليه‪:‬‬ ‫يلل بينا ‪..‬‬ ‫نظر السائق إليه مشفقا ؛ وسأله‪:‬‬ ‫عاوز تروح فين؟‬ ‫فى أى داهية‪..‬‬ ‫***‬ ‫سمعنا أن زوجته‪-‬بعد ولدتها ‪ -‬فازت بعقد عمل بالخليج؛ سافرت تاركة له ولدا وبنتين ‪،‬ليعيشوا‬ ‫مع جدهم وجدتهم ‪ ،‬وقبل ثورة يناير بعامين تقريبا ؛ بعد رحلة عذا ب سافر هو ليلحق بزوجته فى‬ ‫الغربة بعد أن بحثت له عن عقد عمل داخلى‪ ،‬استطاع أخيرا أن يستقدم أبناءه الثلثة الى المملكة؛‬ ‫لم يفكر فى العودةإلى موطنه حتى الن؛بلغنى أنه ل ينزل أجازته حتى يستفيد بالبدل المادى الذى‬ ‫يخصصه له صاحب المستوصف الذى يعمل به هناك‪.‬‬ ‫***‬

‫‪202‬‬


‫‪11‬‬ ‫عقم ادارى‬ ‫كل محاطط بالبهة يمكنه التحكم فيمن تحته؛ من تحته سوف تكون مشاكله أعظم إن عاند فى‬ ‫شىء أو ركب دماغه؛ يتذكر أولو النهى ما حدث بين عبد الناصر وعبد الحكيم عامر قائد القوات‬ ‫المسلحة‪ ،‬سلطةالخير وقوته أدت إلى انفراط المر ؛ لبد إذن من تغيير القادة قبل أن تستفحل‬ ‫أياديهم وتقوى شوكتهم ‪ ،‬لبد أيضا من تعيين شخصيات ضعيفةأو كائنات مدجنة تتصف بالولء‬ ‫حتى يمكن التحكم فيها‪ ،‬لبد أن يكون المدير شخصية تافهة ؛ دون أن يطلب أى شىء تعود أن‬ ‫يرسل الموظفين والطباء ‪ ،‬وخصوصا الطباء لتقديمهم للمحاكمة فى ساحة الشئون القانونية‬ ‫بالمحافظة ‪ ،‬و أن يلغى الشئون القانونية الخاصة بالمديرية‪،‬تجنبا للمسئولية حتى ل يغضب‬ ‫المحافظ عليه ‪ ،‬تعود أفراد المجلس المحلى ‪ ،‬أن يتدخلوا فى شئون الطب ‪ ،‬وذلك من با ب‬ ‫الوجاهة وحب الظهور؛ حق مكتسب منحته لهم ظروف الدولة السيئة والتى ربما تزداد سوءا فى‬ ‫بعض المناحى التى ل يتطرق إليها التشريع إل فيما ندر " كله على قديمه! "‬ ‫يقول خشا ب ان الوزارة كعادتها؛ دأبت على سلوك عام فى الحكومة؛ترسل أحد ألضيشها‬ ‫ليكون على رأس العمل مديرا عاما‪ ،‬ليتكسب من وظيفته ‪ ،‬مقابل الوفاء بالدين والولء لرؤساءه‪،‬‬ ‫ظل هذا النظام متبعا قبل الثورة‪ ،‬بل وربما من قبل أمحوتب ‪ ،‬واستمر بعد الثورة حتى يومنا‬ ‫هذا ‪ ،‬المديرالعام الجديد ل يعرف شيئا عن طبيعة المحافظة وقد ل يهمه مصلحتها‪ ،‬هو فقط‬ ‫يقضى فترة عمله محاول أن يدرأ عن نفسه الشبهات وغالبا ليجمع أيضا أقصى ما يمكن جمعه ‪،‬‬ ‫يعود به لسرته وأهله و إلى أساطين الوزارة أيضا‪ .‬يتساءل خشا ب أل يوجد عندنا رجال فى‬ ‫المديرية ؟ نحن هنا نعايش كل كبيرة وصغيرة ‪ ،‬يرد عليه فهمى قائل "كل كلمك ده طظ عند‬ ‫الوزارة!المهم عندهم المجاملت والولء يابنى ‪ ،‬يجيبوا واحد يعرفوه يشتغل معهم ويعطوه‬ ‫شلوت لفوق‪ ،‬مجاملة يعنى ‪ ،‬وإياك تحاربنا ! عاوزهم يحيبوا واحد زيك ما يعرفوش عنه‬ ‫حاجة ؟! وبعدين يخالفهم ويغرررقهم ويوقعهم فى شر أعمالهم ؟!"‬ ‫***‬ ‫لم يستشعر الوكيل الوقائى خيرا عندما نظرت له زوجته وهى ممسكة بسماعة التليفون ترد على‬ ‫مكالمة أتت فى الصباح‪ ،‬كان الفطار معدا وهو جالس بإريحية يمزق رغيفا بيديه؛كأنما انتبه‬ ‫عندما أشارت له زوجته قائلة همساإنها مكالمة من مكتب المحافظ‪،‬رد بصوت خفيض يا فتاح يا‬ ‫عليم ‪ ..‬تمنى من ا أن يكون الموضوع هينا ؛ اليوم سبت وأيام السبت أجازة للدارة ولكنها عمل‬ ‫لمن تحت الدارة !؟ لن يستمتع باجازته على مايبدو ‪،‬رد عليه المتحدث بدون مقدمات يبلغه أن‬ ‫المحافظ يطلب طبيبا للسفر الن؛ الن ! قال ان الطبيب سيعبر إلى الضفة الخرى من القناة ‪،‬‬ ‫سيعبر نفق أحمد حمدى ثم يتوجه إلى الشط ‪ ،‬وهناك سيقابل شكوى الهالى‪ ،‬لم ينس أن يبلغه أن‬ ‫الطلب عاجل ‪ ،‬يبدو أن هناك مرض منتشر ‪.‬هناك شكوى فى مكتب السيد المحافظ ؛ شكوى ؟‬ ‫المحافظ يطلب طبيبا على الفور ‪ ،‬يقول ان هناك انفلونزا الماعز ! ما للمحافظ والماعز؟ هل تأكد‬ ‫أنها انفلونزا ماعز ؟ ارتعد قلبه؛ونظر الى طبق الفول الموضوع على المنضدة بحزن‪ ،‬دس لقمة‬ ‫فى فمة وتفكر فى تسييس الطب وتطبيب السياسة ؛ ظل كأنمايهذى؛ ا يخر ب بيوتكم ‪ ،‬زمان لم‬ ‫يكن لهذه الجهات هيمنة؛ الن توجد سيطرة‪ ،‬ل توجد فرصة ليدرس الشكوى ويأخذها مأخذ‬ ‫‪203‬‬


‫الجد‪،‬أى طبيب وأى تخصص أرسل ؟ ل يعلم شيئا ؟ هناك طبيب الصحة ‪،‬من المفروض أن يعلم‬ ‫هو بالحالة ويقوم بعمل بلغ فى حالة انتشار وباء أو عدوى؛ لكن !منذ شهور انتهى المر بزميل‬ ‫لنا إلى نفيه خارج المحافظة ‪ ،‬بعيدا ‪ ،‬إلى أطراف الصحراء الغربية بالواحات ‪.‬المجلس المحلى‬ ‫ومكتب المحافظ هما اللذان لبد أن يعمل لهما‪-‬هذه اليام‪ -‬ألف حسا ب !‬ ‫بعد أن أعيته التصالت التليفونية اتصل الوكيل الوقائى بالدكتور خشا ب الذى كان يستعد‬ ‫للخروج الى المعاش ؛رد قائل انه لن يسافر ولن ينفذ المطلو ب! لنه ل يفهم أعراض ذلك‬ ‫المرض وليس من تخصصه ؛حاول الوكيل أن يقنعه بالسفر حتى ينهى المهمة‪ ،‬ولكن الخشا ب‬ ‫أبى !وقال انها مسألة مبدأ !‬

‫بعد هذا الحدث ؛تم تغيير المدير العام بأصابع خفية داخل أروقةالوزارة ‪ ،‬يأتى مدير جديد من‬ ‫هناك ؛يسقط من عطل؛ فى كل مرة لبد أن يأتى للمديرية مدير من خارج المحافظة ل يعرف شيئا‬ ‫عنها ؛ نادرا ما يكون مهتما بالمصلحةالعامة‪،‬يبدأ التعرف على المدينة وعلى العمل وعلى‬ ‫الموظفين والطباء من ألف باء‪.‬‬ ‫أرسل المديرالجديد اشارات الى رؤساء القسام للحضور مبكرا للهمية ‪ ،‬قبل أن تستقر الشمس‬ ‫فى كبد السماء ويتحور لونها الذهبي وتتلشى رائحة البكور الجميلة؛الكل يتساءل ويتهامس‬ ‫‪،‬البعض يتوجس خيفة من تعليمات أخرى جديدة ‪ ،‬قيل أن هناك باقة من القرارات سوف تطبق‬ ‫على المدينة كنموذج سوف يحتذى به فى باقى المحافظات ‪ ،‬يتم الن عمل وحدات صحية منتشرة‬ ‫فى جميع أنحاء المحافظة ؛ سوف يزيد سعر الكشف داخل المستشفى الى أضعاف ما هو عليه‬ ‫الن ‪،‬سيعالج كل مواطن برقمه القومى الذى يحمل معه كل تاريخه المرضى؛ سيتم توزيع كل‬ ‫مواطن على طبيب السرة‪،‬سيكون دخول المريض الى المستشفى بخطا ب تحويل من الوحدات‬ ‫الصحية للحياء‪ ،‬سيتم عمل تسعير جديد لكشف الخصائى والستشارى‪ ،‬سينتهى العهد القديم‬ ‫الى البد‪ ،‬لن تعد المستشفى وخصوصا عياداتها كسوق الكانتو فى زحامها المرير‪ ،‬سيختفى هذا‬ ‫التكدس الدائم على نوافذ حجز التذاكر ونوافذ صرف الدوية‪،‬فى الجتماع؛ كان الدكتور أنس‬ ‫مصرا على تواجد عدد من المرضى لعرض شكواهم امام المدير الجديد‪،‬ظن أن المدير سيسعد‬ ‫بنشاط مرؤوسيه ‪ ،‬لتفكيرهم فى مصلحة العمل وخوفهم عليه ‪،‬ومحاولتهم تحسين الداء‪.‬سكت‬ ‫المدير طويل ثم رفع رأسه وتفحص الموجودين قائل بصوت مرتفع ‪ :‬الوزارة زعلنة جدا من‬ ‫نسبة غيا ب الطباء‪ ،‬و فيه اقتراح وزارى بعمل كاميرات لتصوير حجرة التوقيع بدفتر الحضور!‬ ‫كل من يدخل الحجرة سيتم تصويره يوميا ؛ وسيتم ميكنة الحضور و النصراف ‪ ،‬لن يستطيع‬ ‫أحد أن يوقع لزميله كما يحدث الن ‪..‬الكاميرات ستصور الجميع ‪،‬من ل يظهر فى الكادر فهو‬ ‫غائب !‬ ‫بين لحظة وأخرى كان أنس يرفع يده تأدبا حتى ديسمح له بالكلم ‪ ،‬تجاهل المدير يد أنس‬ ‫المشهرة مرارا وتساءل عمن يقوم بعمل نسبة الحوافز؛ قيل له كل رئيس قسم يقوم بذلك؛ تفاءل‬ ‫وقال ‪ :‬عظيم ‪..‬من الممكن جدا ومن حق كل رئيس قسم عندما يمر على القسم الخاص به أن يوقع‬ ‫الجزاء المناسب على من يغيب أو يهمل فى أداء واجبه ‪ ...‬كل رئيس قسم من حضراتكم له‬ ‫السلطة فى رفع الجزاء المناسب الى مدير المستشفى‪ ،‬ومدير المستشفى من حقه أن ينفذ أو ل‬ ‫‪204‬‬


‫‪..‬قال فهمى مندفعا وإذا أجاد يكون من حق رئيس القسم اعطاءه مكافأة ! كأنمافوجىء المدير‬ ‫بالسؤال ثم رد متلجلجا نبقى نشوف الموضوع ده ‪..‬حسب الميزانية ‪..‬خلينا فى الجزاء دلوقتى!‬ ‫***‬ ‫صارت المسائل شيلنى وأشيلك ‪ ..‬ضحكت فى كمى عندما دعى لى رجل طيب قائل ‪ :‬ربنا يعرلى‬ ‫مراتبك وتبقى مديرها ! تأكدنا من هذه الظاهرة التى شاعت فى ادارتنا ‪..‬ل يهتم المدير ول يعبأ‬ ‫بالمذكرات والشكاوى التى تصل إليه من مرؤسيه‪ ،‬المهم ما يهبط عليه من فوق؛الوزارة‬ ‫والمحافظ وتوابعه ‪،‬من سكرتارية وأعضاء المجلس المحلى‪ ،‬يخشى عصا غليظة تهبط على أم‬ ‫رأسه من عطل ‪ ،‬فتحيله إلى الشئون القانونية أو تخلعه‪ -‬بين عشية وضحاها‪ -‬خلعا من كرسيه ؛ يد‬ ‫من حديد يخاف بطشها فيكون كل همه السعى لتقصى أخبارها وتهيئة كل ما فى وسعه للذود عن‬ ‫منصبه وعن نفسه ‪ ،‬يتسرمع لنداءات اليد الباطشة ‪ ،‬يتشمم طلباتها ويجيبها حتى وإن كانت على‬ ‫خطأ ‪ ،‬يسارع إلى تقديم قرابين على سبيل السترضاء من آن لخر ؛ قد تكون هدايا عينية أو‬ ‫معنوية يقدمها للحاشية ‪ ،‬أو أطباء وموظفين يتبرع بتحويلهم إلى السيد الجالس على عرشه لكى‬ ‫يتخذ فيهم ما يريد من قرارات ‪،‬ل يألوا جهدا فى محاولت التقر ب إلى الكبار ؛اما من تحته‪ ،‬فهو‬ ‫كفيل بهم؛يفرح لبند من البنود التائهة قد تتفتق عنه مخيلة باشكاتب‪ ،‬أو مندو ب مشتروات أو‬ ‫حارس صندوق‪ ،‬يحشو له كرشه وزيادة ‪ ،‬مكسب يسيل له لعابه يحرر به شيكا محترما كل حين‬ ‫فى سرية تامة ؛ يمنحه للسيد المبجل ‪ ،‬تدخلت اليد الثمة فى أعمال المستشفى وطلبت تحويل‬ ‫أطباء وموظفين وتمريض إلى الشئون القانونية تارة بالمحافظة وأخرى إلى النيابة الدارية ‪ ،‬وقد‬ ‫يأمر السيد المبجل بنقلهم خارج الدائرة إلى الصعيد أو الوادى لذنب لم يرتكبوه ‪ ،‬هذا النوع‬ ‫صدمنا به الزمن وصدعنا‪ ،‬كما كان فتنة لنا‪.‬‬ ‫صرنا نعانى نقصا فى الدوات والجهزة ‪،‬لم تجد بعض الطبيبات مقاعد للجلوس ‪،‬عندما سألن‬ ‫المدير قال ت ر‬ ‫صرفوا‪ ..‬أحضرت زميلة مقعدين من منزلها‪،‬ل يوجد بالعيادة سوى مكتب معدنى أكل‬ ‫الصدأ أطرافه ‪ ،‬وثلثة مقاعد قديمة أصابتها النيميا وأعتلها البلى والفناء ‪،‬هناك كرسى قديم‬ ‫تكسرت قاعدته الخشبية‪ ،‬كالعادة ظل كما هو بالرغم من ابلغ ادارة القسم الهندسى ‪ ،‬لم يعبأ أحد‪،‬‬ ‫لم يأت نجار أو عامل أو مشرف ليراه ويتخذ فيه قرارا‪ ،‬بمرور الوقت غاصت قاعدته الخشبية‬ ‫وظهرت أطرافها حادة‪،‬اثناء جلوس زميلة انقطعت جوبتها من أثر الخشب المتكسرالمسنون ‪،‬‬ ‫قرر الدكتور صافى الذها ب بنفسه إلى القسم الهندسى لصلح الكرسى‪ ،‬أجابه الموظف لبد من‬ ‫مكاتبة ؛ ونحن كما تعلم ل نعترف إل بتوقيع المدير شخصيا على المكاتبات‪ .‬غضب زاعقا وهل‬ ‫هذا يحتاج الى مكاتبة ؟ عاد و طلب من الممرضة كتابة مذكرة وتقديمها للمدير لصلح الكرسى‬ ‫أو توفير آخر بديل؛ ردت قائلة ل يا دكتور ممكن نطلب تغيير"الدقرصة"‪ ،‬اكتب بخطك الجميل !‬ ‫لم يمانع ؛حرر مذكرة للمدير كتب فيها"نرجو من سيادتكم اصدار توجيهاتكم الكريمة للقسم‬ ‫الهندسى لصلح الكرسى خشية أن يكون مصيره التكهين؛ وذلك بتركيب قاعدة خشبية ل‬ ‫تتكلف سوى ‪ 5‬جنيهات وتفضلوا "‬ ‫لم تذهب الممرضة بالمذكرة للمدير‪ ،‬قالت لصافى ان المدير لن يهتم عندما يرانى ! ذهب بنفسه‬ ‫إلى حجرة المدير الذى أشر عليها "مدير مالى وادارى" وطلب منه تقديمها لمكتب المدير المالى‬ ‫والدارى‪،‬قال له صافى‪:‬سيادتك تبعتها فى المكان المناسب ‪ ،‬المذكرة موجودة على مكتبك‪،‬‬ ‫‪205‬‬


‫تصرف فيها ‪ ،‬أنا مهمتى انتهت !المهم إصلح الكرسى ‪.‬رد المدير وهو يمد يده بالمذكرة ليسلمها‬ ‫لصافى ‪ :‬خدها معاك‪ ،‬خد المذكرة‪ ..‬شعر بغصة ‪ ،‬رد متعجبا‪..‬ليس من واجبى أن أترك عملى‬ ‫وأقوم بوظيفة العامل ‪،‬ثم ان القرص الخشبى ل يساوى أكتر من خمسه جنيه ! رد المدير الغاوى‬ ‫ينقط بطاقيته! رد صافى متعجبا ومغتاظا الغاوى ؟طاقيته! انا ل اتكلم فى مسائل شخصية ولكننى‬ ‫أتكلم فى مصلحة العمل ‪.‬قاوم نفسه وأمسك المذكرة متجها لحجرة المدير المالى والدارى ؛‬ ‫هرش المديرالمالى ذقنه وهو يحدق فى المذكرة؛ وأخيرا أشر عليها بعد أن فحصها جيدا‪ :‬القسم‬ ‫الهندسى ؛شكره صافى وهم بالخروج‪ ،‬مد المدير المالى يده بالورقة قائل ‪:‬ل ‪..‬خدها معاك‪..‬آخدها‬ ‫ليه ؟ رد سلمها فى القسم الهندسى؛ رد المدير المالى هذاآخر كلم عندى ‪.‬سحب صافى‬ ‫المذكرة ؛ وبانت على ملمحه علمات الضجر ‪ ،‬أخذ يسب الدارة والحكومةوالظروف التى‬ ‫جعلته يقف أمام أمثال هؤلءالنصاف ليطلب !حدج المدير المالى الطبيب بنظرة من تحت‬ ‫نظارته والقلم فى يده قائل‪ :‬اجراءات حكومية ‪..‬سيادتك أول مرة تتعامل مع الحكومة؟!‬ ‫لم يتعرض صافى من قبل الى إهمال وسوء ادارة وإنكار مثل ما صادفه فى تلك اللحظة التى كان‬ ‫الموت أهون عنده من ذلك الغبن والستغباءالذى صادفه من المدير وعصابته‪.‬‬ ‫***‬ ‫الدكتور سمير يعمل بقسم المسالك البولية ؛تحدث عن فكرة تكوين مكتبة صغيرة بكل قسم يوضع‬ ‫بها المراجع الساسية المطلوبة للطبيب فى تخصصه ‪ ،‬ارتاح صافى لتلك الفكرة؛عافت نفسه عن‬ ‫كتابةأى طلب للدارة؛كتب سمير "نرجو توفير دول ب خشبى أو معدنى – صاج‪ -‬وذلك لحاجة‬ ‫القسم الشديدة لوضع البلطى والعهد مثل جهاز الضغط والسماعة وبعض الكتب التى أحضرها‬ ‫الطباء تمهيدا لعمل مكتبة صغيرة بالقسم "‬ ‫مهر سمير المذكرة باسمه؛ سلمها لسكرتارية المدير لتكون أمامه فى ملف البوستة‪.‬‬

‫‪12‬‬ ‫هرمى و فهمى‬ ‫‪206‬‬


‫تعودت المديرية أن تخاطب القسام المختلفة سنويا وذلك لكتابة وحصر الجهزة الزائدة‬ ‫والمطلوبةأيضا ‪،‬كان فهمى يكتب بانتظام طلبات باحتياجات القسم ‪،‬لم يجد مرة واحدة ردا على‬ ‫مكاتباته‪ ،‬لم يقل له أحد كخ ول دح‪،‬ما يحدث كان يتكرر فى معظم القسام تقريبا ‪ ،‬يقول فهمى‪":‬‬ ‫مثل كل عام ملت اليوم بيان النواقص المطلوبة للعمل ‪ ،‬منذ زمن تطلب الوزارة بيان هذه‬ ‫النواقص دوريا من المديرين ‪،‬ومازال كل شىء كما هو عليه ‪.‬‬ ‫كانت هناك معاول خفية تود أن تحيل المكان الى مجرد هيكل خا طل من المعنى؛ حر ب شديدة‬ ‫تدور أحيانا فى الخفاء وأحيانا قليلة فى العلن ‪ ،‬شلة المنتفعين تسعد باستمرار أن يظل الوضع كما‬ ‫هو عليه‪،‬بل وانتكاسته إلى أقصى درجة ‪،‬هناك نقص متعمد فى أشياء بسيطة وهامة مثل الشاش‬ ‫والقطن والمطهرات والبر ‪،‬نقص فى المخدر الموضعى‪،‬والمخدر العام ؛تلوث بغرف‬ ‫العمليات ‪،‬نقص فى اليدى العاملة الفعلية بالرغم من كثافة العدد الموجود وتكالبه على موظف‬ ‫الخزينة ساعة الحصول على المرتبات والحوافز‪ ..‬داوم فهمى على ارسال مذكرات بالنواقص‬ ‫الى المدير العام‪،‬لم يكن أحد يعيره التفاتا ‪،‬انتهت أجهزة قريمة تحتاج إلى قطع غيار بسيطة ‪ ،‬تلك‬ ‫الجهزة تساوى عشرات أو مئات اللف من الجنيهات ‪ ،‬أكلها الصدأ حتى تحول بعضها إلى‬ ‫التكهين؛ بعد أن صارت غير ذات جدوى‪.‬يتعجب فهمى ويتساءل عن معاييراختيار المديرين ؛من‬ ‫المفترض انه مع الزمن تتبلور تلك المعايير ؛ وكل جديد يأت بجديده‪،‬ولكن تأتى الرياح بما ل‬ ‫تشهى السفن ! فهمى هو المدير الذى أطيح به فى تزامن مع الطاحة بصدام حسين لنه تعود‬ ‫على الشجاعة والصراحة و المواجهة‪ ،‬ظل يحار ب رؤساء النفاق ويحتقرهم ؛ يسير حامل فوق‬ ‫كتفيه هموما يعتصر بها رأسه‪.‬‬ ‫تعرود الناس على قراءة أخبار زيارة المحافظين والمسئولين للمستشفيات ‪،‬ربما كانت مشاكل‬ ‫الناس وشكاواهم المتكررة من سوء الخدمة الطبية هى التى تلجىء المسئولين إلى حمل هرواتهم‬ ‫الغليظة والتوجه مباشرة فى مهمة سهلة لضر ب عدة عصافير بحجر واحد؛ ربما للهاء الناس‬ ‫ومتابعة العاملين فى الحقل المطلو ب وكسب ثقة الجماهير وإرضاء الجالس على العرش‪،‬‬ ‫بصرف النظر عما تحصله الخزينة من خصومات من مخصصات طوابير الطباء والعاملين ‪.‬‬ ‫للسف لم يستمر فهمى في الدارة أكثر من ثلثة أشهر ‪ ،‬وشى به زميله الصغير عند المدير‬ ‫العام ‪،‬وقال إنه كان يمنح أجازات استثنائية لبعض الموظفات‪ ،‬بل ويسمح لهن بالحضور متأخرا‬ ‫ويقمن بالتوقيع فى الدفتر بصورة عادية مثل باقى الزملء‪ ،‬كان يقدر ظروفهن السيئة ويستجيب‬ ‫سريعا للدواعى النسانية ؛البعض يريدون النفاذ من هذه الثغرة لينعموا بأكبر عدد من أيام الغيا ب‬ ‫وأكثر ساعات تأخير متعللين بأسبا ب وهمية‪ ،‬فهمى يكتشفها بحدسه وفطرته الطبيعية بسهولة‬ ‫‪.‬تقول له بعض الموظفات اننا) لزم نشيل بعض( ‪ ،‬تمت ازاحة فهمى عن الدارة عن طريق‬ ‫محافظ المدينة وعرين مكانه شابا صغيرا كان مشهورا بولئه الشديد‪ ،‬خاصةولءه الشد‬ ‫للمحافظ ‪ ،‬تنردر الجميع بذلك الولء ! جاء هذا المدير الشا ب بعد ستة أو سبعة مديرين خلل‬ ‫السنوات الثلث الفائتة ‪ ،‬تحدث فهمى وأفاض غيظا وكمدا‪ ،‬أوشك الفجر على النبلج وهو‬ ‫يتحدث ‪ ..‬يقول إنها صورة مهينة ومبتذلة ‪،‬نحتاج إلى أن نبتدىء من اللف باء ‪،‬ماالذى يفهمه هذا‬ ‫فى الدارة ؟ كان حزينا وصادقا عندما حكى عن حلمه الذى رآه ؛ قال شاهدت فى منامى انى‬ ‫دخلت بسيارتى مكانا شعبيا ضيق الحارات ؛تتحرك فيه السيارة بصعوبة‪ ،‬اعترضتنى تلل من‬ ‫الرتش والطو ب ‪،‬حاولت الرجوع ولم استطع؛ اشاروا على بأن أخرج من السيارة واصلى ‪ ،‬كنت‬ ‫‪207‬‬


‫أظن أنهم سيربطون السيارة فى السجادة ‪،‬وأتحرك بها بيسر ‪،‬انتبهت من صلتى على صوت‬ ‫السيارة وهى تقفز ‪ ،‬نظرت الى قائدها فوجدته طفل صغيرا جالسا على عجلة القيادة ‪،‬كاد أن‬ ‫يؤذى نفسه والخرين ‪ ،‬نظرت الى وجهه لتحقق منه رأيت وجه المدير الجديد ؛ اتكأ على‬ ‫المكتب بكوعيه قائل لن أدخل لبارك له ‪..‬انه من دور أولدى تعلم الطب على أيدينا ؛ نحتاج إلى‬ ‫مراجعة التوصيف الوظيفى ‪ ،‬وإعادة وضع كل شىء فى مكانه السليم ‪،‬قال حزينا ‪..‬نحن أمة لم‬ ‫تعرف هويتها حتى الن !"‬ ‫كان يتطلع إلى الكمال ؛ ل يمد يده ول يكذ ب ول ينافق ‪ ،‬لم يدع التقصير يتطرق إلى أفعاله ؛‬ ‫أنعم ا عليه بالصحة والستر ‪.‬على مكتبه وضع رأسه بين يديه ؛نظر فى فنجان القهوة أمامه‪،‬‬ ‫سحب رشفة ‪ ،‬بدا طعم البن باهتا ‪ ،‬له رائحة دخيلة‪ ،‬تذكر أيام الطاحونة النحاسية اللمعة التى‬ ‫كانت تضعها جدته فى حجرها عندما تفترش شمس الضحى صحن البيت ؛ يجلس جوارها ليشم‬ ‫رائحة البن المتضوعة؛ كانت شهية آسرة ‪.‬‬ ‫حكى قصة الرجل الذى حضر الى المستشفى يشكو من آلم فى الجانب اليمن ‪ ،‬يقول أهله انه‬ ‫يعانى من المصران العور ؛ بعد الملحظة رفض فهمى أن يستأصل له الزائدة ‪ ،‬وقال انه ل‬ ‫يعانى من زائدة ‪ ،‬تناول علجا ‪ ،‬وغادر المستشفى ‪ ،‬ولكن المريض لم يشكر الطبيب ولم يقتنع ‪،‬‬ ‫أصر على أنه مصا ب بالتها ب بالزائدة ‪ ،‬ويخشى من انفجارها ‪ ،‬توجه أقاربه بالشكوى الى‬ ‫مكتب المحافظ الذى اتصل تليفونيا بالمستشفى ‪ ،‬طلب حضور رئيس القسم فورا من منزله ‪،‬‬ ‫وفتح حجرة العمليات لزالة الزائدة‪ ،‬لم يتكلم أحد ‪ ،‬ظل فهمى يتعجب من المر؛ تدخل السياسة‬ ‫فى كل شىء ‪ ،‬إلى حد التدخل فى حجرة العمليات وفى التخصص الذى يحتاجه المريض ‪ ،‬تم‬ ‫التحقيق مع فهمى بعدها داخل ردهات المحافظة حيث طاقم المحققين ل يمكنه إل أن يجامل السيد‬ ‫الكبير ‪ ،‬تم الكتفاء بتوجيه اللوم إلى فهمى هذه المرة ‪ ،‬مع التحذير من تكرارها ‪ ،‬فهمى هذا‬ ‫الذى يعرفه الصغير والكبير ‪ ،‬والذى عمت خدماته ومحبته الجميع‪ .‬لم يستطع احد العتراض‬ ‫على كلم الكبير‪ ،‬بعد ان أجريت العملية عاودت المريض آلمه المبرحة ‪ ،‬اتضح أن تقرحات‬ ‫القولون هى السبب ‪.‬‬ ‫كان يهيؤ لفهمى أن أى فكرة تخطر له‪ ،‬بمجرد أن ينطقها وقبل أن يكتبها سوف تتلقاها إدارة‬ ‫المستشفى كما يتلقى التلميذ المجد فيض العلم من أستاذه‪ ،‬وينفذه بعد أن يحفظه عن ظهر قلب؛‬ ‫أستاء كثيرا من الهمال الضار ب فى زوايا المستشفى وأقسامها ‪،‬لم يكن يتخيل أن يصل الحال‬ ‫إلى ما هو عليه الن ؛ قليلون يمسكون بمقاعد السلطة خشية أن تنزاح من تحت مؤخراتهم‪،‬‬ ‫يعينهم على ذلك قدراتهم الخارقة على المداهنة وحب التسلق ‪،‬وصفات أخرى مثل النانية‬ ‫والوصولية وإزدراء الخرين ‪ ..‬لحظ أنهم يتقاسمون تلك الصفات ‪ ،‬كما يتقاسمون أموال عوائد‬ ‫المستشفى فيما بينهم ‪،‬الغالبية الباقية ل يبقى لهم سوى الفتات؛أصحا ب الفتات هؤلء غالبا ما‬ ‫تلهيهم مشاغلهم اليومية‪ ،‬لديهم من القناعة ما يغنيهم عن مجردالتفكير فى القترا ب من السلطة‬ ‫‪،‬يدفعهم إحساس بأن السلطة صارت قرينة الطمع والجشع وأنها فى حقيقتها تكليف يجب أل يقبله‬ ‫سوى من لديه المقدرة على القيام بأعبائها والوفاء بمقتضياتها‪ ،‬و يكون مستعدا لخوض معارك‬ ‫شريفة وقاسية من أجل إحقاق الحق ومحاولة وضع المور فى نصابها‪،‬فى الغالب ل يرضى عن‬ ‫ذلك ولة المر ‪ ،‬لنهم محاطون بفرقة من المهللين المطبلين من أصحا ب المطامع و حاشية‬ ‫السوء التى ترافقهم وتقوم بتوجيههم‪.‬‬ ‫‪208‬‬


‫***‬ ‫بالعيادة الخارجية حجرات صغيرةمكررة؛ أكد فهمى أنه لم يشعر بهويته فى ذلك المكان الضيق‬ ‫الكئيب فى نهاية الكوريدور‪ ،‬المفروض أن يتسع لعدد كبير من الطباء ‪ ،‬من الفضل توزيعهم‬ ‫على أيام الشهر ؛ كل يوم تحضر مجموعة صغيرة للعمل‪ ،‬ظل فهمى يحكى ‪ ..‬قال ان المدير‬ ‫أوصى بخصم يوم من راتبه لنه ادعى أن المرضى لم يفحصوا لن السرة كانت مرتبة‬ ‫والملءات مفروشة بنظام‪ ،‬فى يوم تا طل تركت الممرضة السرة دون ترتيب ‪ ،‬تم خصم ثلثة أيام‬ ‫من راتبها للهمال !‬ ‫برافو ! يقول فهمى إن الدولة تمر بحالت غريبة مرهقة ‪،‬ل نظام ) كله على كله ( نعم ! متى‬ ‫يأتى من يخرلصنا من هذا الهم الثقيل؟ لم نجد أحدا نتحدث اليه ‪،‬ادارة زئبقية ‪ ،‬ل يمكن الحوار أو‬ ‫التفاهم معها ‪،‬كلما حاولت القترا ب منها و شرح مشاكل القسم ومشاكل الطباء أجدها تتسر ب ‪،‬‬ ‫كل سؤال مجا ب عنه مقدما ‪ ،‬ول وقت لدينا لهذه المشكلت البسيطة ‪ ،‬يكفينا الشكاوى العليا؛ من‬ ‫الوزارة والمحافظ وأعضاء المجلس الذين يشوهون صورتنا ‪ ،‬تريدون أجهزة ؟ حسنا عندما تأتى‬ ‫الميزانية الجديدة ‪ ،‬أكتب كل ما تريد ‪ ،‬يقول السيد مدير التخطيط بعد ضحكة عالية ‪،‬قد تنتهى‬ ‫بشخرة او ربما هىء لى أننى سمعتها كذلك ؛ أوراق طلبات القسام ؟ ! ها ‪ !..‬إنها تلقى إما الى‬ ‫الزبالة أو إلى باعة الترمس ‪ ،‬ها ‪ ..‬باعة الترمس يرفضونها هذه اليام يضعون الترمس فى‬ ‫أطباق فوم مغلفة؛ وأكياس بلستيكية معقمة !"‬ ‫***‬ ‫مرت شهور؛صارت انتخابات المجالس المحلية و احتفالت اكتوبر على البوا ب؛كدأ ب كل عام‬ ‫لستعراض إنجازات أغلبها وهمية ‪،‬فقط لكسب عطف الرؤساء و ذر الرماد فى العيون ‪ ،‬عرفنا‬ ‫أن المحافظ سيزور المستشفى ليحاور الطباء ‪ ،‬بحجة الهتمام بالوضاع‪ ،‬وتعويض النواقص؛‬ ‫مرت اليام ‪ ،‬تم العلن عن زيارته للمستشفى ‪ ،‬فرح البعض ‪ ،‬بينما توجس الخرون خيفة من‬ ‫شروره ؛الكل يتساءل عن أهمية تلك الزيارة ؛وعن علقتها بالنتخابات ‪ ،‬كان المدير منتظرا‬ ‫كما انتظر باقى الطباء تلك الزيارة الميمونة ‪ ،‬قال البعض ‪ :‬المفتشون فى الطريق ‪،‬مدير‬ ‫العيادات يراقب العمال والطباء ويلحظ النظافة ‪ ،‬كان يحمل مع العمال أصص الزهور؛ وهو‬ ‫بالبالطو البيض ؛ ويضعها فى مدخل المستشفى‪،‬حضر حشد كبير كانت الستعدادات على قدم‬ ‫وساق ‪،‬الطريق لبد أن تكون وردية أمامه ‪ ،‬ل تقع عيناه إل على كل جميل ؛النظافة ‪ ،‬ملءات‬ ‫السرائر البيضاء الجديدة خرجت من توها من المخازن‪ ،‬يوم اللقاء أبدى المحافظ إهتماما بالطباء‬ ‫‪ ،‬تذكرت قصة الثعلب المكار والحلة فوق النار التى كانت تدررس لنا فى سنة أولى ابتدائى ‪ ،‬كان‬ ‫الثعلب ينتظر الرنب ليوقعه فى الحلة المليئة بالماء المغلى ‪ ،‬سوف يذهب ليفتتح أحد المراكز‬ ‫الطبية التى تم تجديدها ‪ ،‬بالمستشفى اصطفت الممرضات والعاملت على جانبى الطريق ‪،‬‬ ‫بابتسامات غريبة على وجوههن ‪ ،‬فى الضحى وصل موكب المحافظ محاطا بالسدنة وأعوانه فى‬ ‫المقدمة والى جانبه مدير المستشفى والوكلء ‪ ،‬تسبقهم كاميرات القنوات التليفزيونية‪.‬‬ ‫كان صافى قد حرر مذكرة طلب فيها أن يكون منصب المدير العام و مدير المستشفى أيضا‪-‬‬ ‫بالنتخا ب ؛يبدو أن صافى تأثر بشجاعة فهمى؛ ظل فهمى طوال الليل يكتب المذكرة ويعيد‬ ‫صياغتهاأخذ صافى المذكرتين ووضعهما فى جيب البالطو استعدادا لتقديمهما –ان سنحت‬ ‫‪209‬‬


‫الظروف –للمحافظ ‪ .‬عندما وصل الموكب اقتر ب صافى من ساعى المحافظ ‪،‬ودس المذكرتين‬ ‫فى يده متبسما‪ ،‬تحرك الموكب إلى داخل ردهات المستشفى وقاعتها‪ ،‬معالى المحافظ يبدى‬ ‫اعجابا بحجرات الرعاية الفائقة ‪ ،‬وبعدد السرة والتجهيزات‪ ،‬فهمى الذى كان يعافر وسط‬ ‫الزحام حتى صار قا ب قوسين أو أدنى من المحافظ اندفع قائل ‪:‬يا باشا ما يغرركش المناظر‬ ‫دى ‪..‬كل ده قرع احنا فاهمينه‪ ،‬السراير دى أصل جايبنها من قسم الجراحة ‪ ،‬وبعد ما تمشى‬ ‫سيادتك هايرجعوا يشيلوها ؛ ‪...‬وفجأة وقبل أن يكمل كلمته نغزه أحد الطباء فى كتفه‪ ،‬أزاحه‬ ‫المدير والوكلء بعنف بأياديهم؛بينما نظر إليه المحافظ بقرف واستغرا ب شديدين ‪ ،‬من ذا الذى‬ ‫سيبطل اخراج المسرحية الهزلية! بسرعة سحبه اثنان من الجوقة حتى يكون بعيدا عن كاميرات‬ ‫التليفزيون التى كانت تسجل الحدث ‪.‬قال المدير ‪:‬ل يا باشا ‪...‬دا طول عمره يتاع مشاكل ؛ غاوى‬ ‫مشاكل ؛ دايما يحب يضر ب كرسى فى الكلو ب ‪..‬‬ ‫انتقل الموكب الى قاعة الجتماعات ‪ ،‬تحدث المحافظ بصوته الرخيم ‪ ،‬ل ليس رخيما بل هو‬ ‫صوت مبحوح ‪،‬كأنه صادر عن حنجرة منهكة بشتى أنواع المخدرات ‪ ،‬ربما كان كذلك؛ بدأ‬ ‫كلمه بأنه ل يريد أن يؤذى أحدا ‪ ،‬وأنه يمكنه أن ينقل أعداد ل حصر لها خارج المحافظة ‪،‬وأن‬ ‫لديه السلطة لكى يفعل ؛وزع نظرات حارقة على الحضور قائل الن ! سكت الجميع كأن على‬ ‫رؤوسهم الطير ‪ ،‬كيف يحصل المسئول عن كل هذه السلطات المخيفة ؟وكيف تستخدم السلطات‬ ‫هكذا دون حسا ب فى بلدنا ؟ قال أنس هامساإنها بلدهم وليست بلدنا ! فى تلك الجلسة تحدث‬ ‫المحافظ عن آليات التطوير ‪ ،‬وان صندوق المحافظة يمكنه المساهمة ؛ فى نهاية الجلسة قال من‬ ‫لديه طلبات فليطلبها منى ؛ اكتبوا لى طلباتكم وانا كفيل بتوفير ما تريدون! فرح البعض باللقاء‬ ‫الذى أحيا فى نفوسهم المل وأزال بعض مخاوفهم ‪ ،‬طلبوا توفير بعض الجهزة؛‬ ‫تحمسواوتكلمواعن طلباتهم؛ قرر آخرون متابعة الموقف والنظر من بعيد‪.‬‬ ‫هذه المرة التى احتك فيها فهمى بالمحافظ كانت هى الفاصلة ؛المرة الولى بخصوص موضوع‬ ‫الزائدة الدودية ‪ ،‬فى اليوم التالى على الفور ؛ استبقل فهمى خبر نزعه للمرة الثانية بقلب منفطر ؛‬ ‫المرة الولى من ادارة المستشفى ؛هذه المرة من ادارة القسم ‪،‬لم يكن حزينا على نفسه ولكن على‬ ‫النظام العام؛ ظل يردد كلما عن الدكتاتورية والرغبة الجامحة فى التشفى وحب للسيطرة ؛‬ ‫وتلك التوجهات سخيفة‪ ،‬أسلو ب غليظ بصوت أحمق خشن‪ ،‬الرجل يظن انه مازال قائدا لسرية‬ ‫عسكرية ‪ ،‬بالرغم من الفروق بين الحياة المدنية بأشكالها المتعددة والحياة العسكرية؛ أصدر أمرا‬ ‫خاطئا فى عرف الطباء ‪ ،‬هناك منظومة يسير عليها العمل‪ ،‬يبدو أن ألم المحافظ الكبر هو‬ ‫احساسه الدفين بعدم فهمه وإصراره على تدخله فى عمل الطباء الذى اتضح من طريقة نطقه‬ ‫وتعامله ‪ ،‬يجلس كالسد الجريح فى عرين هش!معروف أن لكل تخصص رجاله الذين يفتون‬ ‫فيه ‪ ،‬وأن الطبيب له مركز اجتماعى من المفروض أن يحظى باحترام لشهادته ومجهوده الذهنى‬ ‫وانفاقه الوقت والجهد لتحقيق رسالته‪ ،‬لم يعجب هذا الضابط العجوز عدم النصياع للمر‪ ،‬اعتقد‬ ‫أنها مهانة او ربما مذله ‪،‬ل إراديا تطفح سلوكياته معربرة عن مركبات نقص قد تبدو فى شخصيته‬ ‫بذلك العنف الذى يتخذه تجاه الخرين ‪ ،‬يظن أن هذا هو الصح الذى يجب أن يسرى ‪ ،‬يقول فهمى‬ ‫لسنا فى خندق أو معسكر حتى يهرول الجميع على الفور لتلبية طلبه‪ ،‬ولماذا ؟ هل يفهم هو فى‬ ‫كل مجال من مجالت الحياة ؟ هل معنى وجوده على رئاسة المحافظة أنه أستاذ فى الطب وفى‬ ‫التدريس وفى الزراعة والصناعة والقتصاد والفلك وعلم البراج والصرف الصحى أيضا ؟!!!‬ ‫‪210‬‬


‫هل هناك داع لذلك ؟ الحل يجب أن يكون فى أيدى المتخصصين ‪ ،‬عليك فقط أن تعرض المشاكل‬ ‫وتنتظر الحلول من المتخصصين‪ ،‬أنت لست متخصصا‪ ،‬المفروض أنك ادارى فقط ‪ ،‬تذركر‬ ‫فهمى أنه سبق له الذها ب مع حملت طبية و قوافل إلى سيناء والقطاع الريفى‪ ،‬هناك كانوا‬ ‫يعالجون أبناء الشط ؛وصلت القوافل الى القطاع الريفى وحمامات فرعون ورأس سدر‪ ،‬كانت‬ ‫قوافل مجهزا لها ‪ ،‬تقوم بواجب مشهود ‪.‬تعجب فهمى من سلوك المحافظ ‪ ،‬ظل يتحدث مع زملئة‬ ‫مستنكرا فعلته ؛ كان يقول هو يفهم إيه فى الطب ؟ واحد عسكرى إيه اللى حشره وسط‬ ‫الدكاترة ؟ شىء غريب‪ ،‬الغالبية توافقه على كلمه‪ ،‬ولكنهم – بعيدا عنه ‪ -‬ل يعترفون به ول‬ ‫يقولون للمدير ما يتسترون عليه‪ ،‬اتخذت تصرفاتنا أشكال غريبة ‪ ،‬الكل صار غاية همه أن يلحق‬ ‫بمن فوقه و يسترضيه‪ ،‬شىء غريب وشاذ !كأنما كان مطلوبا منه أن يسير وسط قطيع‪،‬لم‬ ‫تطاوعه نفسه للسير فى طابور مغمى العينين تائه الخطى ‪ ،‬ل يدرى له هدفا واضحا !‬ ‫***‬ ‫لم يكن لمدير القسم أو مدير العيادات أو الستقبال أى سلطات مادية‪،‬ولم يكن يتحكم فى أى جنيه‬ ‫يصرف من خزينة المستشفى‪ ،‬عليه فقط تقديم الطلبات ‪ ،‬أو رفع الشكاوى‪ ،‬أقسم فهمى ال يدخل‬ ‫إلى المدير اللهم إل إذا طلبه؛ لم يتعود أن يطلب مصلحة شخصية ؛ولم يسأل عن علوة أو مكافة‬ ‫طوال مدة خدمته‪ ،‬أغناه ا عن ذلك‪ ،‬كان يتذكر دائما قول زميله الذى أحيل قبله إلى المعاش‪ ،‬إن‬ ‫مال الحكومة مال وقف‪ ،‬ول يجوز العتداء عليه ‪ ،‬فهو مثل من يسرق من المسجد تماما إل من‬ ‫أضطر‪.‬‬

‫بعد تسليم تلك المذكرة كان فهمى يبيت متوجسا؛صار يكلم نفسه؛ربما أعجب المحافظ بتلك‬ ‫المذكرة المنسقة التى كتبتها ‪ ،‬ربما يبث لنا خبرا بوصول النواقص التى طلبها؛ اتصل بأطباء‬ ‫القسم وب رشرهم خيرا ‪ ،‬وقال لهم أعتقد ان الرجل سيوافق على طلباتنا‪ ،‬وقال لهم علينا أن نكون‬ ‫على مستوى المسئولية الجديدة الملقاه على عاتقنا ‪...‬‬ ‫بعد شهور من تقديم المذكرة ؛كان فهمى جالسا مع مدير العيادات‪ ،‬يتحدث معه عن آماله فى‬ ‫تحديث القسم وما يتطلبه ذلك من جهد بسيط قبل خروجه الى المعاش‪ ،‬تبسم مدير العيادات ونظر‬ ‫إلى مجموعة ملفات ملقاه على مكتبه واخذ يبحث فيها وهو يقول ‪:‬فكررتنى ! تقريبا لك ورق عندى‬ ‫‪ .‬سأله فهمى عما يبحث ؟ قال انه يبحث عن الشكوى التى سلمها للمحافظ‪...‬الشكوى التى سلمتها‬ ‫للمحافظ؟ تعجب وقال إنها ليست شكوى ولكنها مذكرة لتحديث الخدمات بالقسم ! من المفروض‬ ‫أن يوافق عليها كما وعد ؛ثم يرسلهاالى المدير العام للنظر وابداء الرأى؛أو يصرعدها الى الوزارة‬ ‫ول يعيدها اليك‪.‬نظر مدير العيادات اليه وقال بلهجة متعادلة ل تنم عن شىء ‪ :‬المحافظ ررجعها‬ ‫إلى مدير المستشفى الذى أرسلها بدوره إلرى بصفتى مديرا للعيادات !‪".‬‬ ‫تذكر أنه كتب المذكرةوقدمها قبيل انتخابات المجالس المحلية ؛ وأن رد المحافظ كان تاليا‬ ‫للنتخابات ؛ساوره احساس بأنه كان متسرعا وانه احتسى البالوظة !أحس أنها مهزلة ‪..‬وأى‬ ‫مهزلة تلك ؟!‬

‫‪211‬‬


‫فيما بعد سمعنا أن المدير أمسك بمذكرة فهمى ومزقها وضحك ضحكة مستهزئة وهو يقذفها‬ ‫بجواره فى سلة المهملت ‪.‬بينما ظل فهمى مترقبا الرد على مذكرته بقلب تأرجح بين القلق‬ ‫والفرح والوجل والسرور ‪.‬‬ ‫***‬ ‫‪13‬‬ ‫صافى وسعدون‬ ‫كنت أتمشى فى شوارع المدينة وطرقاتها؛أتأمل ما طرأ عليها ؛ أثناء سيرى بشارع عرابى لم‬ ‫أجد اليافطة الخشبية السوداء المتربة المعروفةباسم الدكتور سعدون أخصائى ورئيس قسم‬ ‫المراص النفسية والعصبية‪ ،‬كنت أعرف أن عيادته ظلت مغلقة منذ مدة طويلة‪ ،‬اليوم دفتحت‬ ‫وأضيئت أنوارها‪،‬وتغيرت اللفتات الخشبية السوداء القديمة المغبرة بلفتات نيون هائلة و نظيفة‬ ‫باسم " دكتور صافى الفقى " نفسية وعصبية ‪ ..‬صعدت لسلم عليه وأهنئه؛اشترى العيادة من‬ ‫سعدون بمبلغ ضخم وافتتحها أثناء وجودى بالخارج‪ ،‬لم أتعجب عندما علمت أن سعدون أنهى‬ ‫علقته بالطب وتفرغ لرعاية مزرعته وزرائبه ومواشيه التى تدر عليه لبنا خالصا ؛ قيل فى‬ ‫سبب اعتزاله أنه أصيب بإكتئا ب تفاعلى حاد بعدإصابة ابنه فى حادث سيارة‪،‬أعقبته نوبات من‬ ‫النسيان ؛ أخيرا ربما عاد الرجل المناسب الى المكان المناسب ‪،‬قال لى صافى مهموما إن‬ ‫الدكتور سعدون يحتاج إلى اشعة مقطعية على المخ‪ ،‬وربما يحتاج إلى علج مزمن؛ لقى صافى‬ ‫عقبات خلل حياته العملية‪،‬الن صار رئيسا للقسم‪ ،‬وجوده وسط عدد من المهرجين والفاقين‬ ‫أضاع عليه فرصا غالية كان يمكنه التقدم عن طريقها والسفر للخارج وإكمال مسيرته العلميه‬ ‫وأبحاثه التى ظل يحلم بها زمنا طويل‪،‬ظل محافظا على تلك الحاسة الرقيقة الغالية من الثقة‬ ‫بالنفس والعتداد بالكرامة بالرغم من تهاوى طموحاته على واقع مرير ؛ظل مناضل فى‬ ‫تخصصه الذى لم يختاره بإرادته الخالصة ؛وتقدم للدرسات العليا وحصل عليها ‪،‬حتى استقر‬ ‫بالمدينة ‪.‬‬ ‫آن أوان الفجر ؛توجهنا للصلة‪ ،‬أثناء خروجنا من المسجد تهادت نسمة رطبة؛ قال صافى ان‬ ‫الحياة أحيانا رائعة دون تدخل البشر؛دون ردود لفعال الناس ومكرهم‪،‬أردت أن أستبطن ذلك‬ ‫النطباع الرائع المتجرد من المشاعر السيئة بكافة أنواعها ‪.‬لبد من اعادة النظر كل حين ‪ ،‬نادرا‬ ‫ما نتجه داخلنا؛ داخل أنفسنا وأجسادنا ‪،‬إل إذا حدث ألم لى سبب‪،‬نقص ما ؛ جسدى كالصداع أو‬ ‫وجع السنان او مغص كلوى أو معوى أو التها ب أعصا ب ‪ ،‬أو حادثة أو نقص معنوى أو مادى ‪،‬‬ ‫ربما يكون اللم النفسي أشد من اللم الجسدى وأعظم ضراوة ‪،‬نادرا مانحاول أن نرقدر ذلك الجسد‬ ‫الذى نتمتع خلله ويحملنا ويتجه بنا أينما أردنا إل إذا أصابه مكروه‪ ،‬نشعر بالرهاق ثم نذهب فى‬ ‫النوم ‪ ،‬أثناءه تتم داخلنا عمليات كيمائية رهيبة ومعقدة للغاية ‪ ،‬وكل ذلك ونحن نيام نغط فى النوم‬ ‫والحلم أو الرؤى ‪ ،‬يأخذ الجسد راحته ويستعد ليعيد الركرة فى اليوم التالى ‪.‬قال انه يميل إلى‬ ‫العلج الروحانى ؛فى بعض الحيان يؤمن بعلج الروح بالبكاء كما يبكى الشيعة على المام‬ ‫الحسين ‪،‬يقول إن البكاء له علقة قوية بارتقاء الروح‪ ،‬أحيانا يهمس للمريض فى أذنه طالبا منه‬ ‫أن يقف فى الشرفة أو الشباك وينظر إلى الجو المحيط لكى تنتظم دورته الدموية وتهدأ روحه‪،‬‬ ‫أحيانا يتحدث عن الدكتور سعدون بحزن وهو يقول انه أصيب بمرض الزهايمر ‪ ،‬وهو يعتبر‬ ‫‪212‬‬


‫مرض مستعصى ومن أكثر المراض شيوعا عند الشيخوخة‪ .‬ويقول ان المرض صار أكثر‬ ‫شيوعا هذه اليام فقد أصيب ‪ 26‬مليون شخص على مستوى العالم‪ ،‬وهذا العدد يمكن أن يكون‬ ‫أربعة أمثاله بحلول ‪.!!2050‬‬ ‫***‬ ‫عقد المدير اجتماعا بدعوى رفع كفاءة القسام ‪ ،‬لبد من استغلل أموال المعونة وإل تعود ثانية‬ ‫إلى الوزارة ! وظائف جديدة لم نكن نسمع عنها‪ ،‬سال لعا ب الكثيرين‪ ،‬دأفردت مكاتب مكيفة لما‬ ‫يسمى أقسام الجوودة ‪ ،‬تعجب الدكتور صافى ولم تطاوعه نفسه بالذها ب إلى هذا الجتماع؛ فى‬ ‫البداية كان متشجعا على الذها ب ‪ ،‬أثناء الحوار أحس أنه ل حوار هناك ‪ ،‬فقط مجموعة من‬ ‫التهديدات بالخصم من المرتب أو الحوافز لمن تسول له نفسه السير فى طرقات المستشفى دون‬ ‫أن يرتدى البالطو أو حتى دون أن يكون البادج معلقا على صدره‪ ،‬أحيانا يلقي المدير التعليمات‬ ‫والنصائح كمن يتقيؤها‪ ،‬ويدير رأسه إلى الحضور كأنهم تلميذ الفصل ‪ ،‬تدور الفكار فى‬ ‫رؤوسهم وتنحبس‪ ،‬القليل منهم يتحدث بنوع من التهكم ‪ ،‬تنقلب الجلسة إلى كوميديا سوداء ‪ ،‬اسمع‬ ‫يا اخانا دعنا ننتهى ‪ ،‬من فضلك ‪ ،‬نريد أن ننهى هذه الجلسة وحياة أبوك ‪ ،‬وراس أبوك يا اخى‬ ‫ادخل فى المهم ‪..‬يتحدث عن الجودة ‪ ،‬معايير الجودة وأقسامها ؛ وصناديق الزبالة الخاصة بها ‪،‬‬ ‫يتذكر صافى المقعد المكسور ‪ ،‬وبا ب الغرفة الذى ل يغلق جيدا ‪ ،‬والمكتب الذى أكله الصدأ ‪،‬‬ ‫يتعجب ‪ ،‬أنتم تتكلمون عن معايير الجودة ؟ أين ذهبت تلك الطلبات التى سبق أن قدمنا ها لكم ؟‬ ‫وقدمناها أيضا لمديركم ؟ فقط تريدون ارضاء الدارة العليا ؟ أقلية فقط هم من يفهمون ‪،‬سدنة‬ ‫المدير وأعوانه ‪ ،‬الباقى وهم الغلبية ل يفهمون ‪ ،‬ول يعتقدون فى جدوى هذا الكلم ‪..‬أنتم ل‬ ‫تسمعون ! ل تريدون أن تسمعوا ‪ ،‬ل يهم نوعية الداء ‪ ،‬فقط تريدون أن تتكلموا ‪ ،‬أن تفرضوا‬ ‫وتنشروا ما يكفل حمايتكم من كل شر يأتى من تحت أو فوق !‬ ‫صاح صافى‪ :‬وهل الجودة تحتاج إلى أقسام ؟ يجلس مدير الجودة فى مكتبه المكيف ومعه عدد‬ ‫من السكرتيرات ليقبض آخر الشهر مالذ وطا ب له ‪،‬يصل ما يحصل عليه أضعاف أضعاف ما‬ ‫يحصل عليه زملؤه من نفس الدفعة أو القدم حتى الواصل الى نهاية المربوط ليبلغ معشار ما‬ ‫يحصل عليه هؤلء الفاكون‪ ،‬تسارعت الحركة داخل وخارج ردهات المديرين‪ ،‬وتفننوا فى عمل‬ ‫الجتماعات والعلن عن مشروعات وهمية‪ ،‬تعودوا على ازالة سيراميك وبلط الحوائط‬ ‫والرضيات وتغييره فقط لتنفيذ البنود‪ ،‬حتى تستنفد الميزانية بصورة رسمية ل تشوبها شائبة‪،‬‬ ‫كانوا يصرفون بدلت حضور جلسات بصورة دمبالغ فيها ‪ ،‬مبالغ لم يحلموا بها من قبل‪،‬أحيانا‬ ‫تكون بواكى من الوراق الخضراء‪ ،‬كان المدير العام يهوى النجازات البنائية بصورة لم يسبق‬ ‫لها مثيل ‪ ،‬أراد أن يضر ب عصفورين بحجر ‪ ،‬تكتب له أمام المجلس المحلى ‪ ،‬وتكتب أيضا امام‬ ‫س المستفيدين من المقاولين الذين أسندت إليهم أعمال بمليين‬ ‫المحافظ‪ ،‬والهم كونه على رأ ل‬ ‫الجنيهات؛ كاشن يصله نصيبه من الكعكة متمثل فى شيكات أو مبانى سواء كانت بعيدة أو قريبة‬ ‫من البحر فى صورة شقة أو شاليه فى أحد المنتجعات أوالقرى المنتشرة على ساحل البحر‪ .‬كان‬ ‫يهتم بالمبانى دون المعانى ‪ ،‬لن المبانى تدر عليه دخل يسيل له لعابه ‪ ،‬وقد بنى له أحدهم شاليه‬ ‫فى السخنة ‪ ،‬ولم يهتم بشراء أدوية ربما ل يصل ثمنها إلى معشار ما ينفق فى تغيير البلط وعمل‬ ‫المبانى ‪ ،‬ول ينفق على الموظفين والعاملين ويرفض اعطاؤهم أى منح ‪ ،‬يرفض المكافآت‬ ‫‪213‬‬


‫التشجيعية ‪ ،‬اللهم إل إذا كان داخل فيها‪ ،‬ويسخر من طلبات الموظفين ‪ ،‬ول يبالى بهم ‪،‬كما كانت‬ ‫يده سريعة فى التوقيع على الجزاءات ‪..‬‬ ‫***‬ ‫يحاول صافى أن يجيب عن أسئلة كثيرة يواجههاخلل حياته اليومية ؛ كان يجيب عن كثرة‬ ‫السهر وهل تؤثر على التركيز ؟ وما علج الخوف من الفشل ؟ وهل قضم الظافر يعتبر حالة‬ ‫نفسية ؟ وما هى القيم ؟ وهل من الصحيح نفسيا أن ينتقد النسان نفسه كثيرا ؟وما هى الشخصية‬ ‫الفطرية العفوية ؟ وهل للحب درجات ؟ ولماذا تقل القدرة على الحفظ كلما تقدم العمر ؟ وما‬ ‫افضل طريقة لحفظ القرآن الكريم ؟ يقول البعض عن طريق الستماع ‪،‬المسلمون في روسيا‬ ‫يحفظون القرآن كامل عن طريق السماع؛ بل ويتقنون التجويد بمخارج حروفه؛ المقصود هو‬ ‫استماع القرآن في جميع الوقات ‪,‬في المنزل وأثناء القيادة والذها ب للمدرسة وأثناء العمل‪..‬‬ ‫الخ ‪.‬كان يقول للمريض ويشرح له ‪..‬كن حازما من غير عنف ‪،‬حاول ان يكون لك دور‬ ‫ومكانة ‪،‬هناك اسلو ب بسيط للتأمل ‪،‬أمل كأسك حتى تفيض لمساعدة الخرين ‪،‬كيف تنشط ملكاتك‬ ‫البداعية؟ كيف تستفيد من الفشل؟ ابحث عن مواهبك‪ ،‬الصداقة فن ‪ ،‬كيف تتواصل اجتماعيا؟ أن‬ ‫تكون ايجابيا ؛معناه ان تعيش سعيدا !‬ ‫قال إن أسرع طريق لتفتيت الشخصية والفكر هى المشاكل والفقر و العيش وسط الضوضاء‬ ‫والفكار المتناقضة والشد والجذ ب من جهات مختلفة؛وكذا انعدام اليمان بال عز وجل مما يؤثر‬ ‫تأثيرا سلبيا على النفس والعقل والجسد ؛ كل أولئك فى آن واحد؛تحدث عن الدكتورسعدون وقال‬ ‫مسكين سعدون ! حاول أن يبتزنى عندما كنت حديث العهد بالمدينة ! عندما علم ان والد ر‬ ‫ى‬ ‫يعملن بالخليج سألنى عن" السيولة " ؛عن البواكى التى ربما تركها لى أبى !تعجبت من جرأته‬ ‫وحديثه معى بتلك الصورة !وخصوصا انها كانت أول مقابلة للتعارف بينى وبينه‪ ،‬كيف يطلب‬ ‫منى هذاالطلب؟ بالطبع تجاهلت كلمه ‪،‬عرفت أن زوجته مديرة فى إحدى الشركات الملحية‬ ‫المرموقة وتتقاضى مرتبها بالدولر ‪،‬يقول إنها بخيلة ول تنفق على البيت جنيها واحدا ؛وقال ان‬ ‫لديه ولد واحد ‪،‬يتعلم فى مدارس البومباستير ‪،‬كان حادث ابنه مدمرا لصحته النفسية بل لحياته‬ ‫كلها ‪،‬بعدها صار زبونا مستديما للمصحات القاهرية التى أنفق عليها ماتدره المزرعة والزريبة‬ ‫ودخل العمارة التى ورثها والراتب أيضا ‪.‬‬ ‫ظل صافى مجاهدا‪ ،‬معظم أهالى المدينة يعانون كما يقول من ‪* aggressiveness‬سببته لهم‬ ‫ظروف الحر ب والحياة الصعبة والضياع الذى كابده الكثيرون خلل سنوات التهجير وما بعدها‪،‬‬ ‫كل هذا زرع فى نفوسهم اليأس والخوف‪ ،‬الخوف شعور مدمر‪ ،‬يوقف النسان فى محله ويحبس‬ ‫صوته؛ و يجعله يحاول الختباء ؛ الخوف شىء فظيع‪ ،‬ينأى بالنسان عن الحياة ؛عن معاملة‬ ‫البشر ؛ إحساس يجثم على الصدر بعدم جدوى التعامل أو الحوار مع الناس‪ ،‬أو مع كثير من‬ ‫الناس ؛ إحساس بأن خروجك إلى العالم ‪ ،‬ومحاولة التفاهم لقضاء مصالحك البسيطة سوف يكون‬ ‫فيه قهر لك‪ ،‬وإيقاف وتعطيل كبير ‪ ،‬الخوف هنا من الصطدام بالمعوقات أو بمعنى أصح‬ ‫الصطدام بالمعوقين الذين ل يستحيون من تعطيل مصالح البشر‪..‬كان يجلس طويل مع مرضاه‬ ‫مانحا أى مريض وقتا طويل؛ يسهر كثيرا ‪ ،‬كان يخدم المرضى ويتعاطف معهم ويعمل بدأ ب‬ ‫وانتظام أملته عليه تربيته المستقيمة وخلقه الرفيع ‪،‬ومع ذلك عندما يدخل العنبر يصا ب بنوع من‬ ‫‪214‬‬


‫الحباط لملحظة التردى فى متاهات وفظائع القهر والهمال ؛ترقى حتى صار رئيس القسم ‪،‬‬ ‫أثبت تفوقا وجدارة وخصوصا بعد أن غادر الدكتور سعدون المدينة وباع كل مايملك بعد مروره‬ ‫بتلك الزمة النفسية الحادة وانفاقه كل ما يملك لعلج ابنه الذى باء بالفشل ‪.‬‬ ‫اتجهت بنا أقدامنا لنكمل حديثنا على مقهى شهير بالكورنيش ؛كانت جلستنا أمام الشاطىء تماما؛‬ ‫شهدنا فى تلك اللحظات بزوغ قرص الشمس ؛بينما استمر صافى متحدثا عن أهمية كلمات‬ ‫الطبيب؛يقول انت ل تعرف مدى تأثيرك على من حولك‪ ،‬الكلمة الواحدة من الممكن أن ترفع‬ ‫معنويات المريض‪ ،‬وعلى العكس من الممكن أن "تجيبه الرض"‪،‬تنرغص عليه عيشته؛كيف ؟ان‬ ‫ماتقوله يصير مثار حديث الناس ‪،‬يتمنى كل يوم أن يفعل شيئا مغايرا؛ ربما تمنى أن يأتى بما لم‬ ‫تأت به الوائل !أن يطور القسم ويطور الخدمات التى يقدمها للناس بخصوص النواحى النفسية‬ ‫والعصبية ‪ ،‬أن تكون الخدمة متكاملة‪ ،‬يقول ان المشاكل المادية أرهقت الناس‪ ،‬وتسببت لهم فى‬ ‫أمراض نفسية وحوادث عديدة‪ ،‬يقول إذا زادت نسبة المشاكل العائلية؛ الطلق والمشاجرات‬ ‫والكتئا ب النفسى والنتحار ‪ ،‬فابحث عن الفقر ! لو كان الفقر رجل لقتلته!قال له باهر يوما‬ ‫أردت أن أجعل صندوقا فى قسم المراض النفسية‪ ،‬هذا الصندوق مخصص للمرضى ‪ ،‬يدفع فيه‬ ‫القادرون‪ ،‬ويأخذ منه المرضى أصحا ب المشاكل المادية النفسية‪ ،‬رد عليه فهمى‪ ،‬من المؤكد أن‬ ‫تسعين فى المئة من المشاكل ستختفى تحت ابتسامة المريض أو المريضة وهو يقبض فى يده‬ ‫المبلغ الذى ينتشله من الجب الذى وقع فيه!‬ ‫يسأل نفسه ‪:‬ما الذى يمكننى فعله اليوم ليخلد ذكراى ؟ ما ذلك الشىء المغاير الذى يجب على فعله‬ ‫ويكون فى الوقت نفسه مفيدا للناس ‪ ،‬يتذكر الية الكريمة "ل خير فى كثير من نجواهم إل من‬ ‫أمر بصدقة أو إصلح‪ "..‬يتأمل قليل ‪ ،‬ويقول وجدتها ! فعل نادر جدا من يأمر بصدقة ‪ ،‬وأندر‬ ‫منه من يأمر بإصلح‪ ،‬إل من رحم ربى ! يساءل نفسه‪:‬أن تقهرك ذبابة أو نملة أو برغوث أو‬ ‫ميكرو ب أو فيروس ‪ ،‬أو طفل مريض جسديا او نفسيا ‪ ،‬أو تضطر للمعيشة مع أحمق ‪،‬أو تعامل‬ ‫من يستغبى عليك ويستهبل ‪،‬أو تنزلق قدمك فتصا ب بكسر أو مرض يغير مجرى حياتك؛ساعتها‬ ‫تضطر للوقوف حائرا أمام ما يجرى فى العالم ! وفى النهاية لبد أن نخفف عن أنفسنا بأن‬ ‫تتعامل مع الدنيا بعين الغريب ل عين المقيم ‪،‬فى الحقيقة كلنا زوار لهذا العالم ؛كلنا غرباء !قبل‬ ‫خروجنا من المقهى سأل النادل الذى دخل فجأة ليجمع الفوارغ ‪:‬‬ ‫قل لى يا فوزى‪..‬‬ ‫نعم يا باشا‪..‬‬ ‫البن اليومين دول ماله ؟ ل طعم ول ريحه‪!..‬‬ ‫يا باشا فيه ناس تخلطه بالفول السودانى؛ وناس تحط عليه فول تدميس محمص ‪ ،‬وناس تحط‬ ‫عليه حاجات غريبة ؛ وأهى أرزاق !!‬ ‫أرزاق ؟! يأخذ صافى نفسا عميقا ؛ نغادر المقهى سويا ؛يقول لى فهمى أنا أبحث عن فنجان قهوة‬ ‫لم يفقد نكهته بعد!‬ ‫***‬ ‫‪215‬‬


‫*عنف‪-‬تهجم‬

‫‪14‬‬ ‫سمير وسيارته‬ ‫دائما تجد ابتسامته الصافيه تعبر إلى قلبك ببساطة متناهية ‪،‬ل يتأخر عن خدمة إنسان ‪ ،‬كان‬ ‫كريما مفعما بإنسانية طاغية غريبة تسرى فى دمه حتى النخاع ‪،‬تعلو نظارته الطبيه عينان‬ ‫ملؤهما بشر وأمل ‪،‬تراجع شعر رأسه إلى الخلف قليل معلما عن صلع وراثى غير مذموم؛مع‬ ‫مقتل السادات حصل سمير على تفرغ لدراسة جراحة المسالك البولية ؛كان والده يساعده شهريا‬ ‫بمنحه مائة جنيها ينفقها مع راتبه الذى لم يصل وقتهاالى ذلك المبلغ‪ ،‬بعد وفاة أبيه بدأ يحس بغبن‬ ‫اليام وآلم الحاجة‪ ،‬اضطر أن يغير سلوكه وأن يضغط كل نفقاته‪.‬‬ ‫رفع سمير مذكرةلمكتب المدير‪ ،‬كانت مذيلة بخط دقيق "صورة مرسلة الى مكتب المدير العام"‪-‬‬ ‫"صورة مرسلة الى مكتب السيد المحافظ "‪ ،‬كان يمر على سكرتارية المدير‪ ،‬ويلقى التحية‪ ،‬ينظر‬ ‫فى وجوه السكرتيرات‪ ،‬ربما يجد لديهن إجابة ؛ تكررإرسال المذكرات إلى مدير المستشفى‬ ‫والمدير العام دون جدوى ‪ ،‬وكان يضع رقم تليفونه ‪ ،‬عل وعسى أن يلق اهتماما من أحد ‪ ،‬لم‬ ‫يسأل عنه أحد‪،‬هذه المرة كان البا ب مواربا ‪ ،‬لم يقل له المدير تفضل ‪،‬تشاغل بالحديث‬ ‫التليفونى ‪..‬أيوه يا ستى حاضر من عينيه ‪ ،‬أى خدمة تانى ‪ ...‬أحس بغصة ‪ ،‬جلس مؤمل أن‬ ‫ينظرإليه ‪ ،‬بعد حين انتهت المكالمة‪،‬قال للمدير بصوت مبحوح قليل ‪ :‬عملت لنا إيه فى المذكرة يا‬ ‫باشا ؟‬ ‫مذكرة إيه يا دكتور ؟‬ ‫طلب تحسين القسم‪،‬دول ب المكتبة ‪ ..‬أدوات العمل ‪..‬؟‬ ‫عمل أسود ومهبب ‪ !..‬أنتم مش هتبطلوا طلبات ؟‬ ‫من امتى لبيت لنا طلب ؟‬ ‫انا عارف ؟ هو مخى دفتر يا آخى ؟‬ ‫الجهزة المكتوبة فى المذكرة أساسية‪ ،‬ومش غالية ‪ ،‬كلها لمصلحة المريض‬ ‫اسأل السكرتيرة عن المذكرة‬ ‫أنا ‪..‬أسأل السكرتيرة ؟ما تسألها حضرتك هى السكرتيرة بتاعتى وأل بتاعتك؟‬ ‫يا آخى بلش دوشة بقى ‪ ..‬أنت إيه ؟‬ ‫فى نفس الوقت دخل دكتور غرباوى وعلى سحنته ابتسامة ماكرة وتعلقت عيناه بالمدير قائل ‪:‬‬ ‫عملت لك المطلو ب يا باشا‬ ‫‪216‬‬


‫رد المدير وهو ينظر فى ورقة أمامه‬ ‫إيه ! كله تمام ؟‬ ‫عيب يا باشا ‪.‬‬ ‫انت ولد لرعيب !‬ ‫تربيتك يا باشا ‪..‬نجيب الفطار دلوقتى وأل كمان شوية ؟‬ ‫ل ‪..‬خللى الفطار كمان شوية ياغرباوى‪.‬‬ ‫يعنى معقولة الباشا يقعد على لحم بطنه‬ ‫ل هات لنا بسكوت‬ ‫بسكوت مع شاى وأل حاجة ساقعة؟‬ ‫حاجة ساقعة أحسن‬ ‫ماشى‬ ‫ب خارجا من الحجرة ‪.‬‬ ‫قام سمير دون أن يقول شيئا ؛ه ب‬ ‫***‬ ‫كان الرد قاسيا‪ ،‬لحسن الحظ لم تنل هذه القسوة كاتب المذكرة وجها لوجه؛ ولكنه سمع بها بعد‬ ‫حين ‪ ،‬ذلك لنه لم يصله رد او يفاتحه أحد فى شىء ؛ أبلغته احدى الممرضات؛ مصادفة كانت‬ ‫توقع طلبا من المدير الذى كان متواجدا هو ونائبه فى المكتب ؛ الول ينظر فى البوسته المكومة‬ ‫أمامه‪ ،‬بين حين وآخر يلتف بكرسيه ويدور إلى الخلف دورات كاملة‪ ،‬التمعت عيناه ببريق غريب‬ ‫ونظر إلى نائبه و على الفور سحب بأنفه كما هائل من الهواء محدثا شخيرا نتنا وضحك وهو‬ ‫يلقى بالورقة أمامه‪ ،‬وقعت الورقة على الرض ووطى نائبه الغرباوى ليسترجعها ‪ ،‬انفجر المدير‬ ‫بالضحك ؛ ثم أتبع ضحكته بشخرة هائلة قائل وهو يضر ب كفا على كف ‪:‬‬ ‫المحافظ ررجع لى المذكرة ‪..‬‬ ‫يتساءل الغرباوى متشوقاومبتسما وهو ينظر فى الورقة ‪:‬‬ ‫فيه إيه ؟ فيه إيه يا باشا؟‬ ‫مكتبة ! احنا هنا فى دكرتا ب ؟ فاكر الفندى اللى كلمنى عن الكرسى ؛كرسى إيه ؟ أشتغل لهم نجار‬ ‫أحسن ؟ ما ياخد الكرسى هوه ويصرلحه !!دار بمقعده دورة كاملة وأكمل‪:‬‬ ‫الفندى طالب مكتبة ‪ !..‬حيقلبها مدرسة ! عالم ولد قحبة صحيح!‬ ‫***‬ ‫‪217‬‬


‫سمير يأمل منذ زمن بعد حصوله على التخصص أن يشترى سيارة‪،‬كان يقول ان المظهر مهم‬ ‫جدا للطبيب ‪ ،‬ويقول لن يحترمك الناس طالما منظرك وهندامك غير مقنع‪ ،‬السيارة جزء مهم من‬ ‫شخصية الطبيب ! جمع مبلغا صغيرا‪ ،‬أختفى يومين ‪،‬أخيرا ظهر بسيارة بيضاء‪،‬أو كأنها‬ ‫بيضاء؛قال إنها سيارة سيات مستعملة ليقضى بها مشاويره‪ ،‬بالرغم من أنها قديمة وباهتة اللون؛‬ ‫إل أنه لم يكن يخفى فرحته بها ‪،‬كان يتكلم عنها ول يمل من الكلم ‪ ،‬ذهبنا للقائه على المقهى‬ ‫لنتفرج عليها ونهنئه على إقتنائها‪ ،‬قال إنها لقطة ‪،‬اشتريتها من واحد مسافر الخارج ‪ ،‬سأله باهر‬ ‫سافر وأل لسه؟ نظر إلى الرض وسرح قائل مش عارف ؛ هو أنا هاشتغل مخبر عليه؟ يهمك‬ ‫فى حاجة ان سافر وال ل ؟ رد باهر ضاحكا كلهم بيقولوا لدواعى السفر ! أكمل سمير رحت‬ ‫للميكانيكى ؛ محتاجة إصلحات بسيطة ‪ ،‬اسطوانة دبرياج ‪،‬واربعة فرد كاوتش مبدئيا ‪،‬بعدين‬ ‫محتاجة "شوية "سمكرة ودوكو! دارى باهر ضحكته ونظر حوله وهو يقول مبروك ‪ ..‬ألف‬ ‫مبروك !بسيطة فعل ‪ ،‬مع اليام وجدنا معلومات سمير اتسعت واتسع أفقه بخصوص جميع‬ ‫مستلزمات السيارات والورش الصناعية الموجودة بالمدينة بأنواعها ‪ ،‬وصار الكلم عن كل ما‬ ‫يختص بالسيارات هو عمدة حديثه ليل نهار‪.‬‬ ‫كان يعدد لنا أنواع الكاوتش المصرى والمستورد ويقول ان المصرى يستحمل لكنه ناشف‬ ‫‪،‬المستورد حلو بس غالى ‪ ،‬يضحك ويقول الغالى تمنه فيه ‪ !..‬ل يزهق ول يمل من ذكر أصناف‬ ‫الصنايعية وحكاياته معهم ؛ مثل السروجى الذى يجلس معه بورشته‪ ،‬و الكهربائى الذى يسهر‬ ‫معه على القهوة ‪،‬والسمكرى صاحب المزاج العالى الذى تعود أن يزعق فى وجهه لضعف سمعه‬ ‫‪،‬وكانت جلسته المفضلة صباحا فى مقهاه حيث يقابل الميكانيكى قبل الذها ب الى المستشفى ؛‬ ‫يحتسيان القهوة سويا ويتبادلن الكلم فى سياسة الدولة وما يجرى فيها ؛ كان الميكانيكى هو‬ ‫الوحيد الذى يتكلم معه فى السياسة لنه يحبها ‪.‬‬ ‫قبل أن ديرفع آذان الفجر‪ ،‬جاء النادل بصينية الشاى الثانية ‪ ،‬انتقل بنا سمير إلى حكاية أخرى؛‬ ‫قال إن مريضا فى سقف الخمسينيات حكى له أنه أثناء وقوفه بالحمام تحت سيل المياه المتدفقة‬ ‫على جسده من الدش ؛ كانت زوجته قد خلعت ملبسها وصارت عارية بصدرها البيض الناهد‬ ‫وفخذيها المرمريين تدلك له ظهره وكتفيه بالسفنجة ‪ ،‬تعجب لحوالها ؛ لم تكن تقف عارية هكذا‬ ‫معه فى الحمام منذ بداية زواجهما وهو سليم! الن؛ والن فقط ‪ ،‬بعد أن احتبس بوله ودخلت فيه‬ ‫أنبوبة يتدفق منها البول وصار حبيسا تظهر له مفاتنها بهذه الصورة ‪ ،‬تقف أمامه دون إحراج‬ ‫بعد أن كانت تتخفى منه وترهقه فى الوصول اليها وتتمنع عليه بحجج كثيرة منهاالمحافظةعلى‬ ‫الوضوء ونيةالصلة وبصورة مؤسفة‪ ،‬حتى كاد أن يسب وضوءها وصلتها تلك التى تتحجج بها‬ ‫عن عمد أو حماقة لتمنعه من الستمتاع بها‪،‬لم يشعر أنه هنأ بها ولم تشعره أنه رجلها طوال تلك‬ ‫السنين! كانت حياته معها حياة واجب فقط‪ ،‬حياة ميكانيكية قد تكون خالية تماما من العاطفة‪ ،‬فى‬ ‫تلك اللحظات فركر أنه ربما أخذها العطف عليه أو الشفقة لجله ‪،‬أو ربما تكون أحست بقيمته ؟!‬ ‫تعجب من سلوكها ‪ ،‬أراد أن يضع يده على جسدها ‪،‬لم يستطع؛ منعه اللم وأعضاؤه المشغولة؛‬ ‫فقد كان يمسك بيده أنبو ب القسطرة المتدلى من عضوه حامل فى نهايته كيس البول البلستيكى !‬ ‫أكمل سمير‪ ..‬هذا الرجل أصيب باحتقان وتضخم بالبروستات غالبا من تصرفات زوجته‬ ‫وممانعاتها المتكررة ‪،‬أما الخر فقد كان واقفا أمامى ‪ ،‬شلح جلبيته ‪ ،‬وأظهر سرواله ‪ ،‬ساعدته‬ ‫زوجته فى إسقاط السروال ‪ ،‬وبسرعة كانت تقوم بكل شىء ‪ ،‬رأيتها وقد ثنت وسطها وهبطت‬ ‫‪218‬‬


‫بعودها إلى مستوى وسط زوجها ‪ ،‬وحدقت فى عضوه ‪ ،‬وأمسكته بيدها ‪ ،‬ونظرت لى قائلة ‪ ،‬هنا‬ ‫الوجع يا دكتور‪ ..‬ل مش وجع‪ ..‬حرقان ‪،‬وسرحت بيدها إلى الخصيتين وهى تقول كان هنا الول‬ ‫‪ ،‬وبعدين وصل هنا ‪ ،‬وهى تجدد نظراتها فى عينى كأنما تتأكد أننى معها متابعا لما تقول‪ ،‬وكأنما‬ ‫تستفهم أيضا عن انطباع كلمها على وجهى " حرقان ساعة ما يكون معاى ‪ ،‬ويزيد مع‬ ‫الحرمام ‪،‬لما يدخل الحمام ‪..‬والرجل واقف كما هو كالصنم ‪،‬مسقطا سرواله شالحا جلبيته بكلتى‬ ‫يديه ‪ ،‬وقد برزت عيناه محدقا فى اللشىء ‪ ..‬بينما ترفع المرأةالكيس وتمسكه بأصبعيها وهى‬ ‫تنظر إلرى ووسطها مازال محنيا " هنا فيه شحشمار وقشر ‪ ،‬بعدها حكة شديدة وحرقان يا دكتور ‪"..‬‬ ‫***‬ ‫حكى سمير عن الرجل الذى حاول أن يدس قسطرة بولية لنفسه داخل حمام المسجد ‪ ،‬تعلق بحائط‬ ‫المسجد ‪،‬أدار عينيه بحثا عمن ينقذه‪ ،‬كان يتألم ويئن ‪،‬تغيرت مشيته داخل الرواق ‪ ،‬كان الناس‬ ‫ينظرون اليه فى تعجب ‪ ،‬لم يستطع المشى ‪،‬ظن البعض أنه لص؛ قرفص ثم ارتأى له أن يجلس‬ ‫ربما يخف اللم ‪،‬على العكس كان يصيح متألما ‪ ،‬أنظار الجلوس تشيعه فى كل حركة ‪،‬أحاطه‬ ‫نفران ‪،‬أحدهما عامل المسجد ؛قال متألما الحقنى وحياتك ‪ ،‬اختفى العامل وجاء بقسطرة بولية من‬ ‫صيدلية مجاورة ‪ ،‬عرض عليه العامل أن يساعده فى ادخال القسطرة ‪،‬دخل معه الحمام وحاول‬ ‫أن يدسها له ‪،‬صاح الرجل صيحة أفزعت الجميع ‪ ،‬حمله العامل والمصلين الى ساحة‬ ‫المسجدالخارجية بعد أن شاهدوه ينزف دما‪.‬قال أحدهم هو جاى يوسخ الجامع؟!‬ ‫سكت سمير قليل ثم ضحك قبل أن ينطق ؛قال ان سيدة ريفية حضرت اليه فى العيادة محرولة من‬ ‫أحد المستوصفات ‪،‬اشتكت من مغص كلوى متكرر ‪،‬وعندما فرغ من الكشف وكتابة العلج ‪،‬‬ ‫نظرت السيدة الى ابنتها قائلة البنت دى عندها حرقان فى البول ‪..‬طلب منها تحليل ‪ ،‬ثم التفتت‬ ‫السيدة الى الولد الصغير قائلة والولد بيشخ على نفسه بالليل ! ثلث قنابل طبية قابلة للنفجار‬ ‫تهديها اليك السيدة فى ثوان وبكل بساطة !‬ ‫***‬ ‫استأنف وهو يرشف الشاى‪" ..‬كان معى بالعيادة سكرتير نشيط ‪ ،‬شا ب أعتمد عليه فى أشياء‬ ‫كثيرة ‪ ،‬يتعامل مع الناس بلباقة‪ ،‬وخطه جميل‪،‬وهذا نادر هذه اليام ‪،‬وسريع البديهة ‪،‬يستطيع أن‬ ‫يفرغ البيانات الخاصة بالمرضى ويجهز مطالبات الشركات؛ ويذهب إلى كل جهة ليسلم لها‬ ‫المطالبة الخاصة بها ‪ ،‬بل وأرسله أحيانا إلى السوق إذا تعذرنا فى طلب شىء مستعجل ‪ ،‬كان ل‬ ‫يهدأ ؛ دائما يعمل دون أن أطلب منه عمل ‪ ،‬فى أوقات فراغه كنت أراه ممسكا بقطعة قطن أو‬ ‫فوطة منداة و يمسح بها المقابض ‪ ،‬ويزيل التربة من التابلوهات المعلقة على الحوائط ‪ ،‬ويمسح‬ ‫الزجاج ول يكف عن استخدام المنفضة الخاصة بمقاعد النتريه ‪ ،‬عند فراغه يحضر القلم الشينى‬ ‫وورقا مقوى ليعيد كتابة يفط صغيرة بعنوان وتليفون العيادة وموعيدها ‪ ،‬يوزعها على المرضى‬ ‫وأقاربهم ‪ ،‬لم أكن أطلب منه هذه الشياء ‪ ،‬ولكنها طبيعة تسرى فى دمه ‪ ،‬من المؤكد أنه نشأ‬ ‫عليها ‪ ،‬وجد يوما أحد المرضى دخل إلى المطبخ ليحصل على كو ب ماء فانزعج بشدة ‪ ،‬بعدها‬ ‫وجدته كتب يافطة "ممنوع الدخول" بخط عريض وعلقها على با ب المطبخ !‬

‫‪219‬‬


‫لم تدم أيامه كثيرا ‪ ،‬كان يتحدث مع المترددين ويقيم صداقات ‪ ،‬ويتبادل معهم أرقام‬ ‫التلفونات‪،‬أحيانا أرد على تليفون فأجده يسألنى عنه ‪.‬يوما ما وصى أحد المترددين ‪ ،‬وكان يعمل‬ ‫مديرا بإحدالمصانع ‪ ،‬ليجد له عمل ‪،‬وبالفعل بعد مدة جاء الرجل الى العيادة وطلب منى الذها ب‬ ‫معه للكشف على والدته ‪،‬وفى نفس اليوم طلب من السكرتير الحضور إلى مصنعه وتقديم‬ ‫الوراق والستعداد للختبار الشخصى ‪.‬‬ ‫***‬ ‫ركبت مع الرجل فى سيارته؛ بعد قليل مرق بجوارنا ميكروباس مسرعا يقوده شا ب صغير‬ ‫السن ‪ ،‬حدق فيه الرجل قائل ‪:‬‬ ‫يبدو انه واحد من سواقين الستاذ مكاوى‬ ‫مكاوى مين ؟‬ ‫الستاذ مكاوى البحيرى معكم فى المديرية ‪...‬مدير الجراج‬ ‫أه ‪..‬أعرفه ‪..‬‬ ‫يبقى جارى ‪...‬راجل سركرة‬ ‫نظرت فى عينى الرجل وقلت ‪:‬‬ ‫أنت السركرة‪..‬‬ ‫***‬ ‫بعد أن خرجنا من الشوارع المزدحمة؛ أخذ نفسا عميقا ‪ ,‬أصبحنا على طريق متسع تحفه‬ ‫الشجار من الناحية اليمنى ‪ ،‬على الناحية اليسرى تظهر أجزاء من البحر ؛ ثم تختفى لتعود‬ ‫للظهور ثانية حسب المنشآت المتناثرة هنا وهناك‪ ،‬والتى تحجب الستمتاع بالرؤيا ؛ القليل منها‬ ‫مبان قديمة مثل كبائن الكبانون ‪ ،‬يليها بعض مبان خشبية لها تاريخ يتسم بالسحر والغموض ‪،‬‬ ‫زمان كنت أرى سيدات عجائز محسورات الرأس بيض الشعور ‪ ،‬يسرن حافيات على رمال‬ ‫الشاطىء الرمادية تحت أشعة شمس الصيف البهيجة ؛ أو يجلسن سويا للتحدث بلغة غير‬ ‫مفهومة ‪ ،‬يحيطهن جرو أليف يهتز ذيله وهو يتابعهن ‪ ،‬فى رقبته سلسلة ‪ ،‬بعض الشاليهات‬ ‫متناثرة هنا وهناك ‪ ،‬أكثرها مصايف خاصة بوحدات عسكرية ‪ ،‬تحتل قطاعا كبيرا من الشاطىء‬ ‫‪ ،‬البعض الخر يتبع الشركات الصناعية ‪..‬اغلب المبانى أصبحت أسمنتية تأخذ أشكال متنافرة ‪،‬‬ ‫ل يوجد تناسق بينها ‪ ،‬بها عشوائية فجة ؛ حجبت سطح المياه عن السائرين فى ذلك الطريق‬ ‫الطويل الواصل إلى التكة والسخنة والغردقة ؛ حتى راس بناس وحليب وشلتين جنوبا ‪ ..‬مع‬ ‫اتساع الطريق حكى لى عن والدته؛ وعن أشياء أخر ؛ قال‪:‬‬ ‫الحمد ل ‪ ..‬الحاجة تعبانة شويه ‪..‬‬ ‫سلمتها ألف سلمة‬ ‫‪220‬‬


‫سنها كبير ؛ كتر خيرها‬ ‫ربنا يديها الصحة‬ ‫عدت التمانين‪ ...‬يا ترى احنا حنوصل التمانين وال ل ؟‬ ‫العمار بيد ا ربنا يديك الصحة ‪..‬‬ ‫ديك النهار تزحلقت ؛ وقعت على السيراميك‪ ..‬الدكاترة قالوا عندها كسر فى عضمة الفخذ غيروا‬ ‫لها المفصل ورركبوا واحد صناعى‬ ‫فين ؟‬ ‫فى مفصل الفخد‬ ‫ل‪ ..‬أقصد أى مستشفى ؟‬ ‫آه ‪..‬فى دار الشفا والل الشقا‪)...‬ضحك(‬ ‫ودلوقتى ‪..‬عامله إيه ؟‬ ‫الحمد ل ‪ ،‬بعد العملية المساك زاد ؛ كان عندها إمساك من زمان قالوا بلش دوا ؛ ونعمل لها‬ ‫حقنه شرجية‬ ‫‪...‬‬ ‫الحاجة تعبت قوى من المساك‪ ،‬الحقنة الشرجية عملت مضاعفات‬ ‫ازاى ؟‬ ‫عملت ناسور من قدام‬ ‫ياه ‪...‬‬ ‫سألت الدكاترة إيه اللى حصل ؟ قالوا أبدا ‪.‬من الحقنة‪،‬أصل الحاجة صحتها موش ول بد‬ ‫وبعدين ؟‬ ‫أنا ماسكتش ‪..‬لن إحنا تعبنا فى حكاية البراز ؛ ولما هى كمان تعبت اضطريت أسألهم تانى‪..‬‬ ‫قالوا لك إيه ؟‬ ‫قالوا انه ناسور اجرامى ‪..‬‬ ‫إجرامي ؟؟‬ ‫آه‬ ‫‪221‬‬


‫وبعدين عملت إيه ؟‬ ‫قالوا مين عمل لها الحقنة ؟ قلت الممرضة‪ .‬قالوا اسمها إيه ؟ قلت أظن سامية ‪...‬مس سامية‬ ‫اتخذت معاها إجراءات ؟‬ ‫ل ‪..‬‬ ‫ليه ؟‬ ‫***‬

‫سألت عنها قالوا سافرت بعقد عمل للسعودية!‬ ‫بعد أن تفادى اللورى الذى جنح أمامنا فى الملف ‪ ،‬نظر إلرى مستأنفا كلمه ‪:‬‬

‫أصل الحارجة زمان كان عندها شرخ شرجى ؛ كشفت عند الدكتور اللى مات اسمه إيه ؟‬ ‫كان فاتح فين ؟‬ ‫فى شارع الجيش ‪..‬‬ ‫الحواش؟‬ ‫آه الحواش‪..‬برافو عليك ‪ ،‬قال المساك عمل شرخ شرجى ؛ قلنا وبعدين ؟ قال محتاجة جراحة ‪،‬‬ ‫سأل ‪ :‬عندها كم سنه؟ قلت له خمسة وتمانين ؛ قال لى دى ست كبيرة ومقدرشى أعمل لها‬ ‫عمليه ‪..‬‬ ‫وبعدين ؟‬ ‫ول قبلين ؛ سكتنا‪..‬‬ ‫انقشعت غمة الغابة السمنتية قليل ؛ على الفق ظهرت أسرا ب من الطيور ؛ تبدو معلقة بيد‬ ‫القدرة فى السماء ؛ بعضها يهوى فجأة إلى سطح الماء‪ ،‬لون السماء رائع الزرقة ؛ تتخلله ندف‬ ‫من السحب البيض التى تسير الهوينى نحو الجنو ب ‪،‬إلى الغر ب تبدو جبال عتاقة ؛ وقد اكتست‬ ‫بألوان رائعة ‪..‬على السفح شجيرات خضر ونخيل ‪ ،‬بالقر ب من الطريق ‪ ،‬محلت مستحدثة‬ ‫للكنتاكى والبيتزا ‪ ،‬وسوبر ماركت ‪ ،‬ونقطة إسعاف ‪.‬‬ ‫أكمل سمير ‪:‬قال لى جارى من ساعة ما تعبت وأنا جنبها ؛ هى أهم من كل حاجة ‪..‬‬ ‫ربنا يبارك لك ‪ ،‬مفيش أغلى من الم‬ ‫طبعا‬ ‫أخيرا أخذنا دورانا عنيفا بعد نجاتنا من أحد المطبات العالية ‪ ،‬واتجهنا ناحية المسكن ؛ حيث‬ ‫استقرت السيارة جواره‪..‬‬ ‫خرجت مع الرجل ‪ ،‬تمم على البوا ب ؛ وصعدنا الدرج سويا‪"..‬‬ ‫‪222‬‬


‫***‬

‫أستأنف سمير متذكرا ؛عندما علمت بخبر استعداد السكرتير لللتحاق بالمصتع كأنما مرت غمامة‬ ‫أمام عينى ‪ ،‬لم أستطع أن أمنعه من البحث عن مستقبله ‪ ،‬فهو مازال شابا ‪ ،‬ويحمل دبلوما‬ ‫صناعيا‪،‬كان أسفى لفراقه أعظم من فرحى لتوظيفه ‪ .‬جاءت لنا بعده سيدة تدعى سيدة ؛ تحمل‬ ‫نبرات صوتها قدرا ل بأس به من الحزن والشجن و هموم الحياة ؛ اكتشفت ان قدراتها محدودة‬ ‫جدا‪ ،‬خطها كبير جدا ويشبه آثار أرجل الطيور على الرض‪ ،‬لن تستطيع تسجيل الحالت ‪ ،‬هذه‬ ‫واحدة ‪ ،‬اكتشفت بعدها انها ل تحسن تحضير فنجان قهوة ‪ ،‬قالت لى عندما سألتها عن " الوش "‬ ‫‪:‬‬ ‫هما بيعملوه إزاى ؟‬ ‫ت وسك د‬ ‫قلت لها ‪ :‬هما ‪ ...‬بيعملوه زى الناس ؛ تبسم د‬ ‫ت‪.‬‬ ‫نظر و‬ ‫ت لى عاتبة ‪ :‬ل صحيح هوه الوش بيطلع إزاى ؟‬ ‫بيطلع من تحت لفوق !‬ ‫ضحكت ‪ ،‬قلت لها زودى البن شوية ‪ ،‬وما تغليش الكنكة كتير قوى ‪.‬‬ ‫يوما طلبتنى تليفونيا ‪ ،‬واستعجلتنى للحضور إلى العيادة ‪ ،‬قلت لها حاضر انا جاى فى السكة ‪،‬‬ ‫ياريت تحضرى لى فنجان القهوة‬ ‫حاضر ‪.‬‬ ‫عند وصولى إلى المكتب لم اشم رائحة البن الفواحة ‪ ،‬ولم أجد فنجان القهوة ‪.‬سألتها ‪ :‬مفيش بن ؟‬ ‫البن خلص ؟‬ ‫ل أبدا أنا ماعرفتش ادخل المطبخ من أصله‬ ‫ليه ؟‬ ‫البا ب مقفول ومكتو ب عليه "ممنوع الدخول "!‬ ‫***‬ ‫أنفق سمير علي سيارته مبالغ كبيرة وتعب من أجل إصلح حالها ‪ ،‬و تعلم فيها ومنها كل ما‬ ‫يخص السيارات من فنون السمكرة والدوكو والميكانيكا والكهربا والسروجى والكاوتش‪ ...‬أخيرا‬ ‫دبت فى نفسه ثقة عمياء فيها ‪،‬يوماأراد أن يسافر بها الى القاهرة‪ ،‬وبالفعل نرفذ ما أراد ‪ .‬أثناء‬ ‫عودته من القاهرة تعطل فى الطريق‪ ،‬لم يكن معه أحد‪ ،‬خرج من السيارة‪ ،‬حاول إصلحها ‪،‬هبط‬ ‫الليل طاغيا‪ ،‬كان القمر هلل رفيعا فى كبد السماء‪ ،‬بانت النجوم كثيرة واضحة ؛ أحاطه الظلم‬ ‫من كل جانب ‪ ،‬أخرج كشافا صغيرا من حقيبته الطبية ‪ ،‬وعبثا حاول أن يلفت به انتباه السيارات‬ ‫‪223‬‬


‫المارقة ؛ لم يعيره أحد أى انتباه ‪ ،‬الناس تخاف من الليل ومقالبه ‪،‬كل المسافرين يبغون الوصول‬ ‫بسلم‪ ،‬ل أحد يهوى المغامرات فى مثل هذا الليل البهيم ‪،‬ل أحد يقف ! تمنى أن يصلح العطل‬ ‫بنفسه‪،‬سحب الدواسة ووضعها تحت سيارته ‪ ،‬نام عليها وقد برز نصف جسده على الطريق‪،‬فجأة‬ ‫دهمته سيارة نقل مسرعة‪ ،‬بالطبع لم يحصل أحد على رقمها‪ ،‬وحتى لو حصل ؛ فقد سبق السيف‬ ‫العزل ! انتهت قصة حياة سمير‪ ،‬حضرت زوجته من القاهرة لتقبل العزاء وتجمع ماتبقى من‬ ‫حوائج زوجها‪ ،‬تطوع أحد الزملء لجمع مبلغ لتلك السرة المنكوبة‪ ،‬رآه عبدول وقد فرد منديل‬ ‫بيديه‪ ،‬كان يمر به على الزملء بالعيادات الخارجية ليجمع ما تيسر‪..‬‬ ‫***‬

‫‪15‬‬ ‫مكاوى و الدكتورة حنان‬ ‫كنت أراه متنطعا فى ردهات المستشفى ؛لم أكن أعرف وظيفته بالضبط ؛ دائما يركن سيارته‬ ‫بهدوء تام جوار مدخل العيادات؛ تعجبت وتضايقت؛ الدنيا ل ينقصها زحام ‪ ،‬أل يوجد لديه قليل‬ ‫من الدم ؟ يحاول القترا ب من الرصيف ؛يحضن سيارته ببطء شديد كأنما يدخل إلى جاراجه‬ ‫الخاص جدا ؛ ينظر إلى السيارة ‪،‬يخرج الغطاء ؛ يمرر يده عليها ليطمئن على أبوابها الخمسة ‪،‬‬ ‫ويبدأ فى تغطيتها كمن يغطى ابنا له ‪ ،‬يخاف عليه من تلونات الطبيعة والناس ؛ يخشى عليها من‬ ‫البرد والسرقة والعين‪ ،‬يتمخض ويمسح أنفه بمنديل ورقى ؛ يستدير ليقذف المنديل كيفما اتفق‬ ‫ليسقط فى وسط الطريق ؛ أراقبه مغتاظا ؛ وأحاول أن أفتش فى ذاكرتى عن وظيفته التى استطاع‬ ‫من خللها اجتل ب تلك السيارة المرسيدس الفارهة ‪ ،‬لم أعثر على شىء سوى معرفتى القديمة له‬ ‫؛ نجارا بالقسم الهندسى‪.‬‬ ‫سألته مبتسما ‪:‬‬ ‫أنت فين حاليا ؟‬ ‫مدير إدارة‬ ‫إدارة ؟‬ ‫نعم ‪..‬إدارة القسم الهندسى‬ ‫ا !!!‬ ‫يرد‪ :‬للسف أولد الحرام ماسابوش لولد الحلل حاجة !!‬ ‫‪224‬‬


‫بالرغم من أنى لم أفهم مقصدة ؛إل أننى لم أجادله؛يقول عن نفسه انه خادم الكل ؛ عرفت أنه كان‬ ‫بدرجة مدير مساعد ‪،‬نجار قديم ولكنه توظف فى القسم الهندسى سائقا ‪،‬ترقى حتى صار مسئول‬ ‫عن جراج المديرية؛ تحت إدارته عدد غير قليل من العمال والسواقين‪ ،‬كما يشرف على ورش‬ ‫المصلحة التى يعمل بها نفر من الميكانيكية والكهربائية وفنيو السمكرة والدوكو وغيرهم لصلح‬ ‫وصيانة السيارات ‪.‬استطاع أن يشترى ‪ 3‬سيارت ميكروباس تويوتا ؛ تبادل العمل عليها سائقو‬ ‫المصلحة ‪...‬عند خروج السائق للعمل على السيارةالميكروباس كان مكاوى يكتب له مهمة فى‬ ‫دفتر المأموريات ؛ ليرصد له بدل نقديا‪ ,‬فى حالة حدوث أى عطل فى أحد الميكروباسات يقوم‬ ‫بإصلحه داخل المصلحة‪ ...‬تقريبا كل شىء يتم مجانا لمجاملة السيد مكاوى‪ ،‬فى فترة قياسية‬ ‫استطاع أن يشترى ثلث شقق فاخرة بأسماء أبنائه الصغار ‪ ،‬مع هذا ؛ فعندما يمرض أى فرد‬ ‫من عائلته كان يلجأ إلى المستشفى الحكومى ‪ ،‬ويبدو بصورة مزرية ل تنبىء عن وضعه المادى‬ ‫المستريح‪ ,‬ل يجد لحساسه بالفقر بديل؛فقد سرى فى دمه وأصبح مدمنا له ‪.‬‬ ‫فى العام الماضى هنأه زملؤه على ترقيته وحصوله على جائزة الموظف المثالى ‪ ،‬بعد التوقيع‬ ‫فى دفتر الحضور يمر على زملئه فى أماكنهم المختلفة‪.‬‬ ‫ أحمد أفندى ؛ صباح الفل‪..‬‬‫فى الكوريدور‪،‬ل ينسى أن يلقى الصباح على عامل البوفيه‪:‬‬ ‫ عم محمد ‪ ..‬واحد شاى وحياتك ‪..‬‬‫ حال يا أستاذ مكاوى‬‫ إيه الخبار؟‬‫ الحوافز توصل بكره‬‫ الخزنة مقفولة ؟‬‫ الستاذ عادل فى البنك‬‫ ل تنسى فلوس الجمعية يوم الرواتب‪..‬‬‫ حاضر‪.‬‬‫‪--***-‬‬‫فى المكتب المجاور تراه الدكتورة حنان التى تنتظر المكتبة بفروغ صبر ‪ ،‬تريد أن تجعلها تحفة‬ ‫تزين بها الصالون ‪ ،‬وتضع داخلها التليفزيون والفيديو كما وعدهامكاوى‪.‬‬ ‫ ل تنس مكان الريسيفر يا أستاذ مكاوى‪.‬تتسع ابتسامته قائل ‪:‬‬‫ حاضر يا ست الكل ‪..‬‬‫ والزجاج ‪ ،‬فاميه عسلى وحياتك‬‫‪225‬‬


‫ ‪ 6‬ميللى يا دكتورة ‪..‬‬‫ سمعت إن السعر ده مبالغ فيه‪..‬‬‫ لما تشوفى الصنعة ‪ ،‬تعرفى مدى معزتكم عندى ؛ الفلوس مش كل حاجة ‪.‬‬‫ حنشوف‪..‬اليام بيننا‪..‬‬‫‪---***--‬‬‫يتجه إلى مكتب المدير العام ‪ ،‬يحدثه السكرتير ‪:‬‬ ‫ صباح الخير يا مكاوى أفندى‬‫ صباح النور‬‫ الباشا مشغول ؟‬‫ ل ‪..‬‬‫يتصنع ابتسامة عريضة‪،‬يدخل مباشرة قائل من وراء البارافان ‪:‬‬ ‫ صباح الفل يا سعادة الباشا ‪..‬‬‫يرد المدير العام دون أن يرفع عينيه من على الوراق التى أمامه‬ ‫ صباح النور يا سى مكاوى‪.‬‬‫ أى خدمات ياباشا ؟‬‫ أبدا ‪..‬و ر‬‫صلت الولد المدرسة لن الباص عطلن ‪ ،‬وربما يحتاجك فى العودة ‪..‬‬ ‫يشير مكاوى إلى عينيه بسبابته قائل‪:‬‬ ‫‪ -‬من عيرنى الثنين‪..‬‬

‫***‬

‫بعد مروره المعتاد؛ يعود إلى مكتبه؛ يلقى نظرة سريعة على العاملين معه قائل‪:‬‬ ‫أى خدمات يا أولد ؟ يلزم شىء؟‬ ‫يرد أحدهم قائل ‪:‬‬ ‫شكرا يا أستاذ مكاوى‬ ‫أنا فى التأمين الصحى ‪ ،‬سلم ‪..‬‬ ‫مع السلمة‬

‫‪226‬‬


‫***‬ ‫بعيادة التأمين الصحى يقدم مكاوى بطاقتين صحيتين؛ واحدة له؛ والخرى باسم زوجته ؛‬ ‫ليحصل على علج مضاعف لمرض الصدفية التى أصابته بعد انشغاله المحموم بجمع المال ‪،‬‬ ‫تقريبا لم يكن ينام أكثر من ساعتين أو ثلثة يوميا ‪ ،‬منذ سنوات؛ فوجىء بقشور تصحبها حكة ؛‬ ‫وقد سرحت فى أنحاء جسده مكونة جزرا متناثرة ‪ ،‬عندما يصحو من نومه كان يجد الوسادة‬ ‫مليئة بقشور زغبية صغيرة ‪ ،‬ظل مصرا على أن يخدم الدنيا إلى حد الثمالة ‪.‬‬ ‫***‬ ‫نحن عادة لنسير سوى فى خط محفوظ من والى ‪..‬ونظل نكرر السير فى هذا الخط ربما‬ ‫لسنوات دون أن ندرى أن معلوماتنا تتحجر عن باقى القسام ‪ ،‬نادرا ما يغير أحد فى هذا سوى‬ ‫لطلب شىء أو زيارة تفقدية ‪،‬يوما حاولت أن أكسر هذا الروتين؛ فى عيادة الباطنة رأيتها جالسة‬ ‫أمامى على المكتب ‪ ،‬نظرت إلى وجهها وقد تغير وتعجبت من أفاعيل الزمن ‪،‬أوشكت‬ ‫معالمهاعلى الشيخوخة‪ ،‬سألت نفسى ترى هى أم ليست هى ؟ امتل وجهها بالدهن الذى غطى‬ ‫الوجنتين والرقبة ؛ كان خمارها الرحب مهدل على جسدها ‪ ،‬تأكدت من أنها هى هى لن اسمها‬ ‫كان محفورا على اللفتة النحاسية الصغيرة الكائنة أمامها فوق المكتب "د‪.‬حنان سعفان"‬ ‫تبسمت عندما رأيتها تضع علبا فارغة من الدوية أمامها ‪ ،‬قالت انها تحتار عندما يطلب منها‬ ‫المريض المرهم الصفر‪،‬أو البرشام أبو كرتونةحمرا‪ ،‬أو الحبه الطويله شويه دى ‪..‬أو الحقن اللى‬ ‫ضربتها بتوجع!! قالت لها الممرضة "الحسن يادكتورة نجيب من الصيدلية علب فاضيةمن‬ ‫البرشام والدوا والحقن اللى حضرتك بتكتبيهم للعيانين ‪ ،‬ونحطهم هنا على المكتب "‪ .‬فرحت‬ ‫الدكتورة حنان بهذا القتراح‪ ،‬ووضعت أمامها مجموعة من عبوات الدوية الفارغة ‪ ،‬وبعض‬ ‫النابيب والمبولت ‪ ،‬وتمسك الدواء بيديها سائلة المريض ‪:‬‬ ‫عاوز من ده وأل من ده؟ تقول لها الممرضة وهى تضحك ‪ :‬انت كده ريحتى نفسك‬ ‫أعمل إيه ؟ المريض غالبا ينسى صورة العلج ودايما يوصف الدوا لكن الواقع أسهل من‬ ‫الوصف‪..‬‬ ‫لها حكاية غريبة‪،‬الفضل أن أسجل فقط خطوطهاالعريضة ‪ ،‬احتفاظا منى بالسر ‪ ،‬كانت قد‬ ‫اختفت من المستشفى زمنا طويل‪ ،‬علمت أنها سافرت خارج البلد‪ ،‬فى الخليج تزوجت من‬ ‫شامل الصيدلى ‪ ،‬كانت الحياة هناك على مايرام ‪،‬ولكنهما لم يرزقا بذرية؛ بعد عودتهما من‬ ‫الخارج افتتح شامل صيدلية‪،‬بعدها مات فى حادث سيارة على طريق القاهرة ‪،‬اكتسبت سحنتها‬ ‫جمودا وهدوءا طاغيا ‪ ،‬مع اليام صارت بدينة كما صارت أقل حسا وأكثر واقعية؛ عندما ديقهر‬ ‫النسان يساوره الحساس بالهوان الشديد ؛أو إنه لشىء‪ .‬ربمايريدأن يختفى من على ظهر‬ ‫الرض ‪ ،‬يعربر عن قهره بمعاقبة نفسه بطرق مختلفة‪ ،‬يكون أشهرها تناول الطعام بشراهة ؛‬ ‫يتناول الطعام ليقضى على إحساس بالموات ؛بالغبن ؛بالضياع ‪،‬بالرغبة الدفينة والحادة فى‬ ‫النتقام‪ ،‬يفقد بالتدريج احساسه بالحياة ‪،‬ينقلب إلى شكل فقط ماتت فيه الروح ؛شكل مجرد من‬ ‫المحتوى‪ .‬تعودت أن تحضر السندوتشات معها وأحيانا تطلب من العاملة أن تشترى كميات كبيرة‬ ‫من الفول والطعمية والجبن والحلوى والمرطبات ‪،‬بعد انتهاء العيادة كانت تجلس مع الممرضة‬ ‫‪227‬‬


‫والعاملة‪ ،‬يبدآن فى ازدراد الطعام بشغف؛ تأتى المرطبات ثم الشاى الذى تقوم العاملة بإعداده‪،‬‬ ‫مع الوقت صارت فيما يبدو صداقة وطيدة‪ ،‬كانت تتحدث معهن عن أسعار الذهب والمشغولت‬ ‫الذهبية بالخليج وما احضرته معها من هناك ‪ ،‬كانت تقول ان هذه الساور ؛ وترفع ذراعيها إلى‬ ‫أعلى لتريهن عددا هائل منها ؛ هذه الساور يسمونها هناك بناجر ؛ هى كل ما طلعت به من‬ ‫غربتى ‪ ،‬لم يمر سوى شهران على عودتها من الغربة واستلم العمل حتى سمعنا بوجودها فى‬ ‫غرفة الحالت العاجلة لوجود جروح قطعية فى يدها وجسدها بعد تعرضها للسرقة على يد اثنين‬ ‫يستقلن احد الموتسكلت فى أطراف المدينة بينما كانت ذاهبة الى عملها بالمستشفى ؛كما‬ ‫أصيبت برضوض باليدين والساقين وكدمات شديدة بالركبة ؛نصحها طبيب العظام والدكتور‬ ‫فهمى بعمل علج طبيعى للركبة ‪،‬اتضح أن احد السارقين هو زوج العاملة التى كانت تأكل يوميا‬ ‫مع الدكتورة حنان التى لم تكن تبخل عليها بشىء ‪.‬شىء غريب فعل ! من يرى بلوة غيره تهون‬ ‫عليه بلوته ! حقا؛ الدكتورة حنان تحكى للممرضة موضوعا جديدا‪،‬قالت لها ان حالتها النفسية‬ ‫والمزاجية تحت الصفر‪ ،‬كانت تشكو لها من أصهار أخيها الصغر الذى تعتبره بمثابة ابنها ‪ ،‬كان‬ ‫أخوها قد خطب عروسة فى احدى مراكز المنوفية‪ ،‬تعتبر الدكتورة حنان نفسها أما بديلة عن الم‬ ‫المتوفاة‪ ،‬تجشمت السفر إليهم فى أعماق الريف ‪ ،‬متهيئة للفرحة وحسن الحتفاء بها ؛حاملة معها‬ ‫الهدايا ‪ ،‬أخذت للعروسة علبة مكياج كبيرة‪ ،‬وكميات من السماك والجمبرى ‪ ،‬وأقمشة‬ ‫وشيكولتة من النوع الممتاز‪ ،‬ظلت الدموع محبوسة فى مآقيها وهى تحكى ‪ ،‬حتى تفجرت فجأة‬ ‫وهى تقول صعبت على نفسى ‪ ،‬لم يقابلوننى بامتنان ‪ ،‬قليلو الصل !‬ ‫***‬ ‫كان مكاوى قد عرف كل شىء عن الدكتورة حنان‪،‬وعرف أنها ورثت صيدلية عن زوجها ‪،‬‬ ‫وكانت تفكر فى بيعها ‪،‬أراد هو أن يشتريها ‪،‬ولكن يبدو أن المبلغ المطلو ب هائل! بدأ يتردد كثيرا‬ ‫على عيادة الدكتورة حنان عارضا خدماته عليها‪ ،‬كانت تتعجب من كثرة تردده ‪،‬كان يتولى‬ ‫اصلح سيارتها وغسيلها وتشحيمها ويعرض عليها خدماته فى توضيب البيت واصلح الثاث‬ ‫وأحضر لها غلية كهربائية )بويلر (هدية لتجهيز الشاى بالعيادة‪،‬استطاع فى فترة وجيزة أن‬ ‫يستميل قلبها اليه ‪،‬اخيرا فوجىء الجميع بزواجه منها بعد أن اشترطت عليه أن يترك العمل‬ ‫بالخشب والزجاج ‪ ،‬وأن يكتفى بالعمل فى الصيدلية الكائنة بطريق الجناين و التى كانت نصيبها‬ ‫من تركة زوجها المرحوم شامل ‪ ،‬زواجها الجديد انتشلها من قاع الجب ‪،‬كانت نقلة لم تحلم بها‬ ‫من قبل‪.‬كما استطاع مكاوى أن يحقق آماله دون أن يرهق عقله فى تدبير الثمن الباهظ الذى كان‬ ‫مطلوبا ‪ ،‬مؤكدا فوزه بالثلثة ؛الدكتورة حنان والصيدلية والهم هو لقب دكتور الذى اكتسبه من‬ ‫خلل صموده و دأبه على التواجد بالصيدليةليل نهار بعد أن كتب علي لفتة بالخط العريض‬ ‫"خدمة ليلية "‪.‬‬ ‫***‬

‫‪16‬‬ ‫‪228‬‬


‫الدكتور خشا ب‬ ‫دائما يبدو محاول أل يعترف بهذا الواقع الذى يلجمه؛ل يعترف بالزمن الذى ذهب أدراج الرياح‪،‬‬ ‫ل يعترف بأن ما حدث هو إهانة له ؛ أو إهانات متكررة له‪،‬أبطل مفعول ذاته ؛تقهقر وانسحب‬ ‫مداريا شعورا خفيا بالذل والفشل ؛كسرت نفسه من الداخل ؛شرخ عميق ل يستطيع ؛بالرغم من‬ ‫محاولته ؛أن يداريه أو يتغلب عليه‪،‬غير مقتنع بتلك الشخصيات الكاريكاتورية الهزيلة التى يراها‬ ‫تتشقلب وتتفوه حوله بما يليق وما ل يليق ؛عاش داخل محارة خلقتها أحداث الزمن؛ فصلته عن‬ ‫العالم ؛تعود أن يتناسى تلك اللحظات السخيفة التى كثيرا ماتجرأ عليه خللها الخرون ‪،‬كانوا‬ ‫ينهشونه بألفاظ بذيئة ويشبهونه تشبيهات رزيلة‪.‬‬ ‫مساء جاءنى اتصال تليفونى يسألنى المتحدث بصوت أجش إن كنت أعرفه أم ل ؛ للوهلة الولى‬ ‫لم أعرف الصوت ؛ أردف‪ :‬نسيت الخشا ب ؟ أهل دكتور خشا ب‪..‬رحبت به ‪،‬بالرغم مما ذكر‬ ‫آنفا إل أن الدكتور خشا ب له كاريزمة خاصة ؛تذكرت تاريخا عريضا بالمستشفى وسكن الطباء!‬ ‫عرفت أنه فى الجناين ؛أردت أن أراه وأن أتحدث معه؛ قررت الذها ب اليه؛اصطحبت معى باهر‬ ‫؛فى الطريق شعرنا بالحر الشديد ؛أوقفنا السيارة أمام محل آيس كريم؛اتبعنا الوصف حتى وصلنا‬ ‫الى العنوان‪ ،‬هناك سألنا عنه‪ ،‬قال بعض الصبية عم خشا ب فى الرض‪،‬أجبت مستنكرا ‪:‬فى‬ ‫الرض؟‪ ..‬أيوه بيسقى‪..‬النهاردة ميعاد السقيا بتاعه ‪..‬مشى أمامنا اثنان من الصبية؛ تبعتهما حتى‬ ‫أوصلونا إليه‪،‬كنت متشوقا لرؤيته‪ ،‬عن بعد شاهدته منحنيا على الرض ‪ ،‬لحظت بيده فأسا ؛‬ ‫كان يعزق بها ‪،‬نادى أحد الصبيين عليه آبا‪..‬يابا ‪ ..‬تعجبت! أبوك ؟ أبو هذا الطفل الريفى؟ لم تكن‬ ‫للخشا ب علقة بالريف من قبل ‪ ،‬تلفت الينا قبل أن يعتدل من ركوعه ‪ ،‬شاهدت لحية بيضاء‬ ‫شعساء‪،‬قد تشعب لونها البيض الثلجى ليصل إلى منابت الشعر ‪،‬ترك الفأس المدلة من يده تقع‬ ‫على الرض ‪،‬وظهرت ملمح ابتسامة على وجهه وقدم إلينا ‪،‬كان يرتدى جلبية مخططة‬ ‫ويسحب شبشبا مهمل فى قدمه ‪ ،‬نظر لى ضاحكا‪ ..‬أهل بالباشا ‪..‬مد يده وتصافحنا بالحضان ‪،‬‬ ‫قلت ‪ :‬باشا؟!ازيك ياخشا ب ؟ ايه الحكاية ؟‬ ‫أبدا ‪...‬الدنيا تغيرت ؛سلم على باهر وسار أمامنا إلى الظل ‪..‬تحت شجرة كافور سامقة جلسنا‬ ‫على مفرش موضوع على الرض ‪،‬قال لحد الصبية روح خرلى أمك تجهز الشاى‪..‬طظ فى الدنيا‬ ‫ضحك باهر ‪،‬أردف الخشا ب مطامعنا فيها كبيرة وهى جزمة‪ ..‬كان يتكلم كأنه داعر يفتش فى‬ ‫افكاره ويعرضها على من حوله ويتفنن فى عرضها دون انتظار أجر منهم ! أو كانه نبى يحمل‬ ‫هدايا مجانية ؛ يعرض هدايته على الناس دون مقابل ؛ لنهم فى الحقيقة لن يستطيعوا أن يوفوه‬ ‫اجره‪ ،‬قال انه توجد صيدلية بالمنطقة تعود الناس أن يلجأوا لعامل بالصيدلية كان يرتدى بالطو‬ ‫ابيض ‪ ،‬وينادونه بلقب دكتور مكاوى؛ يلجأون اليه للكشف والعلج ‪ ،‬لديه بالصيدلية سماعة‬ ‫وجهاز ضغط وترمومتر وبالطبع الشاش والقطن والمطهرات ؛الميكروكروم والبيتادين‬ ‫والسافلون والديتول والمراهم بانواعها ‪ ،‬وبعض الدوات اللزمة لعمل تحاليل سريعة للكشف‬ ‫عن السكر والسيتون فى الدم و البول‪ ،‬امتنع الناس تقريبا عن الذها ب الى العيادات فى القرى‬ ‫المجاورة ال قليل ‪.‬مرت سنوات والدكتور خشا ب بالمستشفى مازال نائبا؛ كان يعمل أحيانا فى‬ ‫عيادة الخصائى أثناء غيابه ‪ ،‬حكى لنا ذلك الموقف الرهيب الذى تعرض له عندما كان صاحب‬ ‫العيادة على سفر ؛هرم ليفتح لمريض خراجا صغيرا بقناة الذن الخارجية ‪،‬جلس المريض على‬ ‫الشيزلونج وشرع خشا ب فى رش أذنه بمخدر موضعى‪ ،‬أخذ يتحاور مع المريض ويسأله عن‬ ‫‪229‬‬


‫الطقس وعما أكل اليوم وعن رأيه فى السياسة ‪ ،‬أدخل مسبرا فى قناة الذن ‪،‬تأوه المريض ثم‬ ‫أغمض عينيه وأدار رأسه ولم يرد‪،‬شعر الخشا ب بالهلع الشديد عندما سكت المريض ‪،‬أمسك‬ ‫الخشا ب بفكيه وحاول أن يضغط عليه ‪ ،‬نادى ‪،‬زعق فى وجه المريض؛ لم يرد بالرغم من كونه‬ ‫مازال جالسا على الشيزلونج ‪ ،‬اطمأن الخشا ب إلى جلوس المريض مما يدل على أنه مازال‬ ‫واعيا ‪ ،‬اقتنع بتفسيره العلمى إنها مجرد نوبة رد فعل مؤقت لللم الناتج عن الحقن‪ ،‬نطق بصوت‬ ‫مسموع ‪..‬شوك ‪Neurogenic shock .‬نادى على المريض مرة ثانية بصوت أعلى ‪ ،‬اقتر ب‬ ‫منه وربت على صدغيه ‪ ،‬مال المريض بوسطه وفجأة سقط على الرض فاقدا الوعى ‪ ،‬برك‬ ‫الخشا ب بركبتيه على الرض أمام مريضه و سحب سماعته بسرعة ووضعها على صدر‬ ‫المريض كأنما يرجوه أن ينتبه ‪،‬وضع أصابعه على معصمه ليتحسس النبض ليعرف قوته‬ ‫وسرعته‪ ،‬نظر فى ساعة يده‪ ،‬بعدها لطم المريض لطمة على خده جعلته يتأوه‪..‬آه‪..‬أراد خشا ب أن‬ ‫يشتمه قائل قوم يابن ال‪....‬أمسك لسانه فى اللحظة الخيرة حتى ل ينطقها ‪ ،‬ربما يكون أبواه‬ ‫بريئين من ذنبه ‪ ،‬و حتى ل يبدو صفيقا أمام زبائنه ‪ ،‬اكتفى بوضع غيار على الخراج وأشار على‬ ‫أهله أن يحضروه فى يوم آخر وحدد لهم اليوم ‪،‬انتظرنا أن يكمل حكايته ‪،‬أخذته نوبه من الضحك‬ ‫وكأنما ينظر إلى داخله ‪..‬اديتهم ميعاد يكون صاحب العيادة رجع ها ها! تابع المريض بعينيه وقد‬ ‫أحاطه ذووه كأنما يزفونه سائرا على قدميه؛ بمجرد خروجهم من با ب العيادة هرول الخشا ب إلى‬ ‫الحمام ليفك حسرته وهو ينطق بالشهادتين!‬ ‫استوفى الخشا ب مدة النيابة ولم يتمكن من الحصول على ديلوم التخصص‪ ،‬فى أعماقه كان يشعر‬ ‫بضياع ‪ ،‬سنوات الحر ب ومشاكله‪ ،‬والمشاكل العائلية التى مر بها كانت أسبابا مؤهلة لحساس‬ ‫بالحباط ‪ ،‬كان أحيانا يلجأ إلى حيلته التى دهىء له أنه اكتشفها ؛ عندما تضيق به الدنيا يبتعد قليل‬ ‫عن الناس ‪،‬وسيلة سهلة صعبة فى آن واحد ؛يبتعد عن الضوضاء‪ ،‬يغلق عليه محارته لينعم‬ ‫بالهدوء‪ ،‬كل الناس تفعل هذا ولكنه لم يدرك هذه البديهية إل متأخرا بعد أن صار كيانه بل كيان ‪،‬‬ ‫كان يقول إن والده ضحية من ضحايا العمل السياسى أيام عبد الناصر‪ ،‬دخل السجن مددا طويلة ‪،‬‬ ‫شعر الخشا ب بالرهاق‪ ،‬غادر المستشفى مضطرا ‪ ،‬لم يتخذ أى قرار إل بعد انفراط عقد المسائل‬ ‫وانبعاجها فصارت روحه كإطار الكاوتشوك المنبعج المهلهل الذى يشبه البطيخة ؛ يجعل الراكب‬ ‫يشعر بحركة رجراجة عجيبة مموجة غير مستقرة ‪،‬ل يجدى معه أى حل سوى خلعه بعد أن تهرأ‬ ‫وصار مصدرا لللم والخسائر المضاعفة‪ ،‬ارتبط خشا ب بالمدينة ارتباطا يقول عنه أنه‬ ‫كاثوليكى! ويقول ضاحكا إنها مدينة الغريب؛ كنا نسمع منه ول نلقى بال ‪ ،‬أرادت الوزارة أن‬ ‫ترسله إلى منطقة نائية ولكننا فوجئنا بعودته ‪،‬تعجب البعض من عودته هذه ‪ ،‬وقلنا نريد أن تغذى‬ ‫المستشفى بأصحا ب الخبرات ‪،‬ل العكس ‪ ،‬المهم أنه انتقل إلى وحدة خارج المستشفى ‪.‬‬ ‫الهدوء يشملنا ‪،‬العصافير وأبو قردان وصوت خرير المياه وحفيف الشجار حولنا ؛ بين لحظة‬ ‫وأخرى ينعق حمار أو تتهادى إلينا نسمة خريفية ‪.‬ضحكنا؛قال باهر وهو يلعق اليس كريم‬ ‫بالفروت سالت ‪ :‬الدنيا لتساوى ‪..‬هى فعل جزمة ‪ ،‬علينا أن نقلعها ونلبس واحدة جديدة ‪،‬جلد‬ ‫ماعز تكون فرنيه ‪..‬ها ها ‪..‬وأشار إلى خشا ب‪..‬هذا المسكين الذى خرج إلى المعاش ول يعرف‬ ‫يشخر ول يقول أحه ؛ ول يعرف يعمل فلوس ول حتى قلة أد ب ! من المفروض أن يشتغل‬ ‫حرامى ولكنه ل ينفع ‪ ،‬لنه لم يتعود !!‬

‫‪230‬‬


‫أتى الولد بصينية الشاى ‪ ،‬وضعها أمامنا على الرض‪ ،‬حدثنا الخشا ب عن الظروف التى مر‬ ‫بها ؛ طلق زوجته أثناء حملها؛جاء الى المدينة ليعمل نائبا بالمستشفى‪،‬انتقل منهاالى الطب الوقائى‬ ‫‪،‬كانت الوزارة تلعبه؛ كما تلعب غيره ممن ل واسطة لهم‪ ،‬لعبة القصاء ‪،‬طالما لم يبد حماسا‬ ‫لنيل درجة التخصص فى فرع الطب الذى اختاره أو دزرج فيه حسب مجموعه ‪،‬تغيرت به المواقع؛‬ ‫ألحق الخشا ب بمكتب لستخراج الشهادات الصحية ‪،‬حيث أوهموه أنه سيجد فيه راحة ومتنفسا ‪..‬‬ ‫قضى ردحا من الزمن داخل مبنى كريه تحت السلم؛ حجرتين ودورة مياه تفوح روائحها بين حين‬ ‫وآخر‪،‬علقت عليه لفتة خشبية صغيرة" مكتب فحص العاملين بالغذية" كان معه طاقم من عمال‬ ‫وفنيين وباشكاتب للوحدة ‪ ،‬كان الباشكاتب حريصا على كسب ثقة الطبيب وإدخال السرور على‬ ‫نفسه بشتى الطرق؛أحيانا بالنكات الفاحشة أوالسجائر واكوا ب الشاى وفناجين القهوة ‪ ،‬يطمئنه‬ ‫دائما على سير العمل بالمكتب ‪ ،‬ويطلب منه أن يأخذ راحته فى الحضور والنصراف ‪ ،‬ظل‬ ‫يوقع على شهادات خلو من المراض ‪ ،‬كان يقابل طوائف البشر المتعاملين مع الطعام ؛ سماكين‬ ‫وجزارين وأصحا ب متاجر الغذية مثل البقالين والفرانين والطباخين وباعة الخضار والفاكهة‬ ‫والباعة الجائلين وكذلك المسافرين بالبحر أصحا ب جوازات السفر البحرية السوداء وغيرهم‬ ‫‪.‬تعرود أن يضع إلى جوار مكتبه كشافا يشع ضوءا مبهرا موجها ناحية وجه المنتفع لكى يستطيع‬ ‫أن يكتشف أى مرض ظاهرى ‪ ،‬أو علمة من علمات المراض الباطنية‪ ،‬وفى نفس الوقت‬ ‫يضايق هذا الضوء المبهر النظر‪ ،‬مما يجعل المنتفع ل يطيل الكلم مع الطبيب ‪ ،‬تؤخذ عينات‬ ‫بول وبراز ودم ‪ ،‬ثم يذهب طالب الشهادة الى مستشفى الصدر لعمل الشعات المطلوبة‪ ،‬تعود‬ ‫النتائج بعد أيام ‪ ،‬أحيانا يصر صاحب الشهادة على محاولة استلمها فى نفس اليوم إما بدفع مبلغ‬ ‫أو الوقوف والتذلل أو المشاجرة‪ ،‬كان البعض يحاول أن يضع عملت ورقية داخل ملف الشهادة‬ ‫القديمة ‪،‬لكى ينهى طلبه فى أسرع وقت ‪،‬كان الخشا ب يرفض هذا السلوك بشدة‪ ،‬معظم الناس فى‬ ‫عجلة ‪ ،‬الكل يريد ان يقضى مصلحته فى نفس اليوم ‪ ،‬بينما يقتضى النظام المعمول به أن ينتظر‬ ‫عدة أيام حتى تظهر نتيجة الفحوص؛ زهق من المكان بعد أن أمضى فيه عدة أشهر‪،‬أخيرا تناهى‬ ‫إلى سمعه أن الباشكاتب يفتح الدرج الخاص به أمام الزائرين ‪،‬ويطلب مبالغ مالية مدعيا أنها‬ ‫رسوم خاصة بالطبيب بينما ل يعلم هو عنها شيئا‪،‬لم يستطع أن يثبت ذلك ‪ ،‬كان الباشكاتب ل‬ ‫يتورع عن استخراج الشهادات فى نفس اليوم فى غيا ب الطبيب ‪ ،‬ويختمها بخاتم النسر الشهير‬ ‫المستقر داخل درج مكتبه‪ ،‬دون انتظار لنتائج التحاليل ؛ يوما عرضت عليه موظفة بدينة نفسها‬ ‫عليه‪،‬مقابل غض البصر عن مواعيد حضورها وانصرافها‪ ،‬تأذى عند سماعه كلمها وشعر‬ ‫بالغرابة فى سلوك البشر‪ ،‬سحب ختم النسر من الباشكاتب ووضعه فى مكتبه وأغلق عليه‬ ‫بالمفتاح؛ بعدها قال لى عبدول إنه من دواعى سرور الخشا ب انه لم يستمر طويل فى هذا الموقع؛‬ ‫فقد سرت شائعة تقول إنه يعطل مصالح العباد و يفرض إتاوات على أصحابها مما سررع بنقله‬ ‫وانتشاله من مكانه اللعين ببيرالسلم‪.‬‬ ‫***‬ ‫تعرجب الخشا ب من ذلك المشوار الطويل الذى كانت تقطعه زهيرة العاملة يوميا ‪،‬ظل معجبا بها‬ ‫من أيام تواجده بالمستشفى ‪،‬كانت تجهز الوجبات للطباء ‪،‬وتحكى له انها كانت تقضى أكثر من‬ ‫ساعتين ذهابا وإيابا من وإلى المستشفى ‪ ،‬فى الوصول إلى المحطة وانتظار المواصلة ‪،‬بالرغم‬ ‫من أن مرتبها ربما ل يتبقى منه سوى الفتات بعد اقتطاع مصروفات النتقال‪.‬انتهى الحال‬ ‫‪231‬‬


‫بالخشا ب خير مآل ‪،‬كنا نلحظ مراقبته لزهيرةوشغفه بها واقترابه منها ونظراته الغارقة فى‬ ‫الشبق ‪ ،‬تنشئته الدينية كانت تزجره عن الوقوع فى الفحشاء ‪ ،‬لم يرد أن يخالف ما نشأ عليه من‬ ‫احترام للصول وتقدير للدين ‪ ،‬طال نظره وانتظاره لحبيبة قلبه ‪ ،‬لم يتكلم مع أحد ‪ ،‬ولم يصارح‬ ‫أحدا حتى إذا ما حانت الفرصة ‪،‬كان على وشك الخروج الى المعاش ؛جاءت المناسبة وأفصح‬ ‫لهاعن رغبته؛ فى البداية قوبل بمضايقات الزملء وتعليقاتهم الغليظة ‪،‬وإيماءاتهم وغمزهم‬ ‫ولمزهم ‪،‬كأنما أراد أن يخرج من مشواره الطبى بغنيمة ما ؛ دله حدسه على تلك المرأة التى‬ ‫أعجبته ‪،‬‬ ‫وافقت زهيرة على الفور بعد أن طلق الطب وخلعته مديرية الشئون الصحية‪ ،‬تزوج زهيرة‬ ‫وذهب ليعيش معها فى بيتها الريفى بقرية فايد المتاخمة لشاطىء البحيرات المرة ‪،‬بتحويشة‬ ‫العمر اشترى فدادين تعد على أصابع اليد ؛أرض شبه بور تحيط بيتها‪ ،‬ور ب ضارة نافعة ‪ ،‬يبدو‬ ‫أن ددبعده عن مجال الطب وزواجه من زهيرة فتحا له أبوا ب الجنة‪ ،‬تلك الزيجة التى تعرض‬ ‫بموجبها لهانات وتقريع ل حد له من الجميع ‪ ،‬هى السبب فى ذلك الفتح الذى هبط عليه من‬ ‫السماء كماء منهمر ‪ ،‬تغيرت حياته كثيرا ‪ ،‬فقد ارتبط بالريف والزراعة وتربية الطيور‬ ‫والحيوانات ‪ ،‬كل ما يشمل حياة القرية ؛يكفى أنه كان مشاركا فى حر ب العبور ! تذكرت انه قال‬ ‫لى يوما ان الديان تهتم ببناء الروح والنفس والعقل والجسم ‪،‬وقال يومها انه كأنما تعرض إلى‬ ‫اعتقال وتعذيب داخل المستشفى ؛ وأحس بالغربة ‪ ،‬لم يتعرض لمثل تلك الصدمة عندما شارك‬ ‫فى حر ب ‪73‬‬ ‫مع انتهاءالغزو المريكى للعرق؛ أحيل الى المعاش ‪ ،‬يبدو أن الخشا ب قرر التحدث مع نفسه‬ ‫كثيرا ‪ ،‬أحيانا بدون صوت ‪ ،‬وغالبا بصوت ظاهر‪ ،‬كان من يراه يظنه مجنونا أو فاقدا للهلية؛‬ ‫كان يقول إن البلد فى حاجة لمن يخرج بها من المستنقع ‪،‬لم تعد الشعارات تجدى؛ الجنة هى‬ ‫بلدنا ! وممكن يكون ترابها زعفران ‪،‬واللى يشر ب من النيل لزم يرجع تانى ! كل الكلم ده‬ ‫انتهت صلحيته ! البلد فى حاجة لقائد كل همه ‪ ..‬الحساس بالبشر ؛ احساس عارم بمعاناة‬ ‫الناس؛زعيم يخرجنا من الزحام القاتل‪ ..‬زعيم يبحث عن متنفس جديد للعباد ‪ ،‬يؤسس مدنا جديدة‬ ‫يحوطها بالمزارع والمصانع ويرسل الشبا ب اليها ‪ ،‬ويكون من وظيفة وزارة الشبا ب ليس إقامة‬ ‫مباريات كرة وهجص فقط ‪ ،‬ولكن مراعاتهم وتوظيفهم وإعادة توزيعهم على أرض مصر‬ ‫ليعيشوا مثل البشر !‬ ‫أعتاد على نظرات مستهجنة من الناس ‪ ،‬بمرور الزمن أقنع نفسه أنه ‪ :‬ل يهم ! الناس لن‬ ‫ينفعونى بشىء ولو اجتمعوا عليه‪ ،‬طالما أن ا لم يكتبه لى ‪ ،‬والعكس صحيح ‪ ،‬هكذا تعلمنا ‪ ،‬اذا‬ ‫شاءت القدار لشىء أن يحدث فإنه ل محالة واقع رغم أنف الجميع ‪،‬اتخذ سمته مظهرا صوفيا‬ ‫بأسلوبه وملبسه البسيط الذى نادرا ما يغيره ‪،‬بنى بيتا مسلحا وسط أرضه الزراعية‪ ،‬حيث نوى‬ ‫قضاء باقى حياته ‪ ،‬لم تمض سنوات قليلة حتى شاهد قصورا بازغة فى المنطقة المجاورة‬ ‫‪،‬انتشرت سريعا كألسنة اللهب على ساحل البحر‪ ،‬تعجب لهذا التغيير الذى حدث ‪ ،‬جاء إليه أحد‬ ‫السماسرة قائل إن أرضك فى لسان الوزراء ‪ ...‬لسان الوزراء !! نعم‪،‬ومن حسن حظك أنك داخل‬ ‫فى طرف اللسان‪،‬فى كردون اللسان‪ ،‬نمرتك تكسب البريمو !!‬ ‫***‬ ‫‪232‬‬


‫‪17‬‬ ‫خطا ب لم يرسل‬ ‫فى اجنماع مع المدير العام ؛ وقف فهمى وقد التمعت جبهته بقطرات عرق باردة ‪ ،‬قال بصوت‬ ‫شبه محتبس ‪:‬‬ ‫أرجو اذا سمحتم لى ؛أن أتقدم بطلب الجهزة التى يحتاجها القسم ‪..‬‬ ‫قول ياسيدى ‪...‬‬ ‫نطلب توفير جهاز كرايوثيرابى* ‪ ،cryotherapy‬مع توفير مشتملته وهى ‪..‬‬ ‫قاطعه الباشا مستفسرا ‪:‬‬ ‫جهاز الكرايو إيه؟‬ ‫‪233‬‬


‫كرايوثيرابى يا باشا‬ ‫تغيرت معالم وجه الباشا وهو يتساءل و يدير عينيه فى الحضور محاول استمالتهم اليه ‪:‬‬ ‫بيقول إيه ؟‬ ‫جهاز كى بالتبريد يا سيدى‬ ‫أشاح بيده ممسكا بالقلم قائل بصوت جهورى ‪:‬‬ ‫وإيه لزومه ده؟‬ ‫كى للزوائد والورام الجلدية الصغيرة‬ ‫زوايد إيه وزفت إيه ! خليك فى المهم يادكتور …‬ ‫تعجب فهمى واحتقن وجهه وماشل على زميله قائل بصوت خفيض‪ :‬واضح انى وقعت مع واحد‬ ‫حمار‬ ‫يقول فهمى لم أفهم ما الذى جرنى من قدمي لدخل تلك الحجرة الموبوءة؛ حجرة المدير؛ تلك‬ ‫الرأس العفنة !! كيف بال تسير المور إذا كان المدير على هذه الشاكلة ‪ ،‬لو كان المر بيدى‬ ‫لتقدم بقرار يلزم أى مدير مفترض؛‬ ‫كرايوثيرابى ‪:‬الكى بالتبريد‬ ‫بأن يعرض على كونسلتو من أشهر أطباء النفس قبل أن يجلس على الكرسى ‪ ،‬المدير سلطة‬ ‫ووظيفة خطيرة ؛ من الممكن أن يرقى بالمكان الذى يديره أو يهوى به إلى قيعان سحيقة من‬ ‫الظلمات ليس لها قرار‪.‬لو كان قطاعا خاصا لفرورت معظم هؤلء الشاوس الرابضين‬ ‫كالسودالمريضة فى أماكنهم ‪.‬لمست كلماته وترا فى نفسى ‪ ،‬هؤلء يمثلون طابورا خامسا؛‬ ‫جماعات الفرتة يوزعونها فيما بينهم ‪ ،‬ول يدعون غريبا عنهم يقبل عليهم ويمد يده ‪ ،‬يقطعونها قبل‬ ‫أن يمدها‪".‬‬ ‫***‬ ‫سرى بنا الليل حتى وصلت أسماعنا تواشيح الفجر‪،‬فض فهمى ورقة أخرجها من جيبه ‪،‬قال إنها‬ ‫صورة خطا ب أراد أن يرسله للمدير ‪،‬ولكنه لم يفعل؛ وبدأ يقرأعلينا‪..‬‬ ‫"أردت أن أعرف ما الذى جعلك تتجاهل المذكرة التى حررتها لك ؛ كما تتجاهل حضورى؛ ول‬ ‫تنظر ناحيتى ؛ بالرغم من أنك ترانى؛ هل لني أمامك ؟ وربما لنك تعلم تماما أنى سوف اتقدم‬ ‫إليك بطلبات ؛ أنا أعلم أن صاحب الطلبات ضيف ثقيل‪ ،‬على العموم أنا ل أريد هذه الطلبات‬ ‫لبيتى ؛ و ل أريدها لنفسى ؛ فقط هى أدوات للعمل ؛ بل أقل شيء من المفروض أن يتوافر‬ ‫للعمل ‪ ،‬لخدمة الجمهور ؛ هى أشياء أساسية ؛ مثل السكن والكل والشر ب والملبس ؛ آه ‪..‬لقد‬ ‫قلت السكن ‪ ،‬يعنى المكان ؛ المفروض أول أن يكون هناك مكان نستطيع فيه أن نقوم بالعمل ‪،‬‬ ‫وما بالك يا سيدي إذا كان المكان ضيقا وقميئا ول يمكن أن يتسع لنصف هذا العدد من الطباء‬ ‫‪234‬‬


‫والتمريض ‪ ،‬وما بالك إذا كان المفروض أن يستقبل أيضا الجمهور من أصحا ب الحاجات ؟‬ ‫المكان متران فى ثلثة ‪ ،‬أى ستة أمتار مربعة ‪ ،‬هل تكفى لتواجد حوالى ثمانية موظفين ورئيسهم‬ ‫؟ وعامل وسكرتير؟ هل تكفى ؟ وكيف يدار العمل إذا لم يكن هناك مكان للموظف ؟ الدولة كلها‬ ‫فى حاجة إلى إعادة توضيب البيت من الداخل ‪ ،‬إلى إعادة غربلة كاملة ‪ ،‬تشمل الناس والوظائف‬ ‫والماكن والمهمات والمكانيات أو أدوات العمل وكل شىء ‪!...‬هل نحن فى تدهور شديد ؟ هل ل‬ ‫ندرى إلى أين ذاهبون ؟ كل هذه مشاكل حلها هين ولكن الدارة تستمرىء الكسل ‪ ،‬ول تكلف‬ ‫نفسها بالواجب ‪ ،‬وتستهين بالموظف وام الموظف ‪ ،‬كما تستهين بالجمهور أيضا ؛ أين ذهبت‬ ‫القدوة ؟ وكيف يتولد النتماء ؟ سبق أن قلت لك سيدى إن المقاعد والمكاتب صارت غير صالحة‬ ‫للستعمال ‪ ،‬المقاعد تحطمت وناءت بأحمالها وبها نقص شديد ‪ ،‬وبعض الموظفين يجلسون فوق‬ ‫المكتب ‪ ،‬أتكلم على مستوى الوحدة التى أعمل بها ؛ ليس لى شان بباقى مصالح الديوان‪ ،‬قلت لك‬ ‫ان الموظفين يحتاجون إلى مقاعد ومكاتب للجلوس إليها وانجاز أعمالهم أمام الجمهور‪،‬وهذا‬ ‫يتطلب أمرا مهما وبسيطا ؛ الصيانة ‪ ،‬الصيانة عندنا فى نوم عميق ؛ ل توجد صيانة تقريبا ‪،‬‬ ‫زهقت من النداء لصلح حنفية أو دورة مياة غارقة بها سيفون يحتاج إلى مسمار أو صامولة !‬ ‫نظرت إلى وعبست ‪ ،‬ولم ترد؛ فقط تحركت بمكتبك الجلدي المبطن الناعم ذى الظهر المرتفع ‪،‬‬ ‫ودرت به نصف دورة ؛ أكملتها إلى دورة كاملة ‪ ،‬أعدت الدورة مرة أخرى ‪ ،‬ظللت متفرجا عليك‬ ‫‪ ،‬منتظرا أن يلهمك ا بالفرج والحل ‪ ،‬أخيرا أعطيتنى ظهرك ولم ترد ! عدت بوجهك لتنظر إلى‬ ‫الملعقة التى أدرتها فى "المج" الموضوع على مكتبك ‪ ،‬يتصاعد منه ألسنة البخار ‪ ،‬لتذيب بها‬ ‫سكرك ‪ ،‬رفعت المج إلى فمك ببطء وتلذذ‪ ،‬لتحتسى "نس كافيهك " قبل أن يبرد ‪،‬أعرف أنك‬ ‫تفضله أحيانا بدل من "الكباتشينو" الذى ل تجيد تحضيره أم ابراهيم ؛ تفضلت وتكرمت وقلت‬ ‫لى بعدها دعنى أفكر ! تركتك شهورا بعدها‪ ،‬لم يسكت عنى موظفو وحدتى ‪ ،‬كنت أراهم‬ ‫متزاحمين أترك لهم المكان ‪ ،‬اخجل من نظراتهم وأحزن لرؤياهم ؛ يخيفني منظرهم‪ ،‬أترك لهم‬ ‫مكتبى ليجلسوا عليه ‪ ،‬وأقف فى الطرقة مستندا على الحائط ‪،‬اضطررت إلى توزيعهم على أيام‬ ‫السبوع ‪ ،‬ل يمكنهم التواجد سويا ‪ ،‬إلى من يلجئون بعد ا ؟ فأنا المدير المسئول عنهم ‪ ،‬قلت‬ ‫لهم أرسلوا شكاوى ‪ ،‬فلما فعلوا لم يرد عليهم أحد ‪ ،‬سألوا عنها بعدما زهقوا نهرتهم وقلت لهم لبد‬ ‫أن ترسل عن طريق الدارة ! أعدت الطلب ثانية ‪،‬وكتبته هذه المرة ‪ ،‬لننى أحسست أن وجودى‬ ‫ربما ل يسعدك ‪ ،‬كتبت مذكرة عرلها تحظى باهتماممكم وسط مشاغلكم الجمة أعانكم ا عليها ‪..‬‬ ‫بالمصادفة كنت مارا أمام مكتبكم الموقر ‪ ،‬نادت على إحدى سكرتيرات مكتبكم الجميلت قائلة‪..‬‬ ‫لك طلب عندى ‪ ..‬أظن ذلك ‪..‬ل أدرى ربما ورقة أشر عليها المدير ! توجهت إليها مبتهجا‬ ‫بالنظر إلى الملف الذى يعلو مكتبها النيق ‪ ،‬ظللت واقفا أمامها حتى تكرمت ووضعت كو ب‬ ‫الشاى من يديها جانبا ؛ وأنهت حوارا مع زميلتها الواقفة أمام ماكينة التصوير العاطلة ‪ ،‬تحاول‬ ‫تشغيلها ‪ ،‬ثم تفضلت ومدت يدها إلى الملف ‪ ،‬وقلبت فى الوراق فترة حتى اهتدت أخيرا إلى‬ ‫المذكرة التى تناسيتها أنا يأسا ‪،‬رأيت توقيعك عليها منذ أسبوعين فائتين ‪ ،‬كتبت بخطك ‪:‬‬ ‫مخازن ‪ ..‬أتدرى ماذا حدث بعد تأشيرتك الميمونة ؟ سألت السكرتيرة الجميلة بصوت‬ ‫مسموع ‪ ،‬بعد أن رسمت شبح ابتسامة على شفتى حتى ل أكون ثقيل ‪ :‬ولم لم تأخذ المذكرة سبيلها‬ ‫إلى المخازن ؟ يبدو أنها لم تسمع من الضوضاء ‪ ،‬أعدت عليها كلمى ؛ قلت لها أليس هناك أحد‬ ‫من العمال يرسلهاإلى المخازن؟ أين عامل البوستة ؟ المدهش أن الجابة جاهزة يا سيدى على‬

‫‪235‬‬


‫لسان طويل ل يعجز عن الردح ؛ تعجبت وهى ترشف الشاى قائلة إن طلباتى غير معقولة ‪..‬ل‬ ‫يوجد عمال ! وأننى أطلب الكثير !!‬ ‫أكمل و‬ ‫ت ‪ :‬وهل نحن المحتاجون أم أنت؟ أنت الذى تسأل عن طلبك وتجرى وراءه !! قلت فى‬ ‫نفسى ‪ :‬فعل فعل أترك عملى و أنا بدرجة " كبير " ؛ وأمسك بالورقة وأجرى بها بين المكاتب‬ ‫؟ ! الكبير يترك عمله ويهرول بحثا عن الموظفين ويستعطفهم‪ ،‬وأين ذهبت باقى المنظومة ؟ هل‬ ‫صارت فاسدة ؟ مهزلة ! أين طابور العمال وأين طابور الداريين ؟ أكيد لم تجدى من يربيك !!؛‬ ‫أنا متأكد تماما أنها لم يسبق لها التدريب على أعمال السكرتارية ؛ بل لم يسبق لها التعامل باحترام‬ ‫مع الناس ‪ ،‬العاملة الواقفة أمامها تدور بأكوا ب الشاى والقهوة فقط ‪ ،‬لها حجرة صغيرة ملحقة‬ ‫بالمكتب ‪ ،‬ولها أيضا نفوذ أقوى من أى "كبير" ‪ ،‬ل أدرى لم اخترع جهابذة الحكومة هذه التسمية‬ ‫السخيفة ! ربما ليكون شبيها بخيل الحكومة الذى ل يحتاج سوى طلقة واحدة عندما يصير "كبيرا‬ ‫"!‬ ‫هذه العاملة ؛ ل يستطيع أحد أن يرفع صوته عليها أو يطلب منها طلبا ‪ ،‬فهى تقوم بخدمة مكتب‬ ‫المدير وتساعدها زميلتها ‪ ،‬ليس لها علقة بعمل آخر ‪ ،‬تقوم فقط بأعمال خاصة أخرى لهم فى‬ ‫المكتب المصون ‪ ،‬ول تكلف السكرتيرة خاطرها وتطلب منها عمل ‪ ،‬تعجبت وكيف لى أل‬ ‫تعجب ؟ بل قرفت ؛فى الحقيقة أردت أن أزيح أكوا ب الشاى والسندوتشات التى يتعاطونها حتى‬ ‫منتصف النهار ‪ ،‬أردت أن أزيحها بيدى؛ لتتحطم على الرض واسمع صوت زجاجها المتكسر‬ ‫وأرى الهلع فى عيونهن ‪ ،‬كما أردت ان أستمتع بصيحات الذعر والدهشة وأن أراها فى عيون‬ ‫سكرتيراتك الحسناوات ‪ ،‬وهن يتصايحن فى قلق وينظرن إلى الكوا ب المتكسرة والشاى‬ ‫منسكبا على الرض ‪ ،‬مع السندوتشات آخذا معه الوراق والضابير ‪ ،‬ليسقط على السجادة‬ ‫الجديدة التى تم فرشها منذ أسابيع ؛ خصيصا ‪ ،‬ككل عام لمكتب المدير ‪..‬‬ ‫كل عام تأتى الميزانية لتوضيب مكتب السيد المدير ‪ ،‬أمازلنا فراعنة ؟ الجميع يسبح بحمد المدير‬ ‫ويطلق البخور حوله ويدور فى دائرته وإل ! أريد أن أسأل ‪ :‬متى يبدأ العمل ؟ سؤال بسيط سوف‬ ‫تتهمني بالجنون إذا ما سمعته ؛ متى يبدأ العمل حقا ؟ ل إجابة ! أنت تنظر إلى باستغرا ب ‪،‬‬ ‫بتعجب ‪ ،‬ربما بكراهية ‪ ،‬سمها ما تشاء ‪ ،‬فقد أصابني اليأس ‪ ،‬حقا متى يبدأ ؟ سألت نفسى ‪:‬‬ ‫أليست لدينا منظومة عمل ؟ الخطا ب يصل ممهورا إلرى أم إلى السيد أمين المخازن‪،‬أمين‬ ‫المخازن غير موجود فى الغالب ‪ ،‬لنه يبحث عن لقمة عيشه كما تعلم‪،‬ويعمل سائقا لحد‬ ‫الميكروباسات التى ترمح فى المدينة ‪ .‬إن كان حظ خطابى سعيدا وتصادف أن كان سيادته‬ ‫موجودا ‪ ،‬بدوره سوف يؤشر عليه ‪ ،‬ويكتب بالطبع ‪ :‬الصنف غير موجود ‪ ،‬من المفروض ‪ ،‬فى‬ ‫حالة التفاؤل العظمى ‪ ،‬أن تعود المذكرة مرة أخرى مع العامل او العاملة إلى سيادتكم لكى يعاد‬ ‫توجيهها الى المديرية لتدرج فى طلبات العام القادم إن شاء ا ؛ أى فى الموازنة الجديدة ‪ ،‬لم‬ ‫يحدث شىء من هذا ؛ مر المر مرور الكرام ‪.‬‬ ‫أتدرى ماذا فعلت أنا يا سيادة المدير ؟ ل تدرى طبعا ‪ ،‬أنت معذور لنك مشغول ‪ ،‬لنك ل‬ ‫تدرى ما وظيفتك بالضبط ! ول تدرى ما إمكانياتك ؛ بل وليس لديك الرغبة فى أن تكون جادا ‪،‬‬ ‫تحب الواجهة ‪ ،‬فقط الواجهة المضيئة ‪ ،‬وتوقيعاتك التى تتفضل وتقوم بها كل يوم ‪ ،‬والتى ينتفخ‬ ‫بسببها جيبك كل شهر‪ ،‬آه بل كل أيام ‪ !! ...‬أمسكت بحزمة أعمال ثقيلة عليك أراهن أنك‬ ‫‪236‬‬


‫لتدرى ماهى وان دريت فأنت ل تعرف ماذا تفعل بها ؟ ول تدرى كيف تحملها أو تتحملها ؛ هل‬ ‫تدرك ما يحمله توقيعك من نفع للكثيرين ؟ أم هل تدرك ما قد يحمله نفس التوقيع من أذى‬ ‫للكثيرين ؟؟ أنت ل تدرى مصير هذا الخطا ب ؛ أقول لك و أمرى إلى ا ؛ فقد استرجعته من‬ ‫السكرتيرة‪ ،‬وخرجت من المكتب ‪ ،‬تماسكت حتى ل أفقد أهليتى وعقلى ؛ أو دأتهم بالعقوق ‪،‬وقبل‬ ‫أن أخطو أول خطوة لى خارج مكتبكم الموقر أصابنى أسى ورغبة دفينة فى التشفى‪ ،‬وبدأت‬ ‫أمزقه بأصابعى تمزيقا بطيئا ؛حتى صار قطعا صغيرة أصابها البلل من عرق بارد ينضح من‬ ‫يدى ؛ ل تدرى كم كنت محرجا ! ساعتها‪ ..‬ساعتها فقط ؛ تناسيت توترى وانقباضى ؛ وواصلت‬ ‫التمزيق؛ حتى تحول الخطا ب إلى عشرات القطع الصغيرة نثرت بقاياها وبعثرتها فى الهواءل‬ ‫اراديا بطريقة أقر ب إلى السلوك الهستيري ‪ .‬نظرت إليها حتى تهدأ نفسى ؛ وتستريح‬ ‫أعصابي‪،‬أليس ا بكاف عبده ؟ وتفضلوا‪"..‬‬ ‫***‬

‫‪237‬‬


‫‪18‬‬ ‫دكتور زارع –عريس الد ب‬ ‫احتجت يوما إلى شهادة ميلد لبن جارى‪ ،‬توجهت مصطحبا جارى ومعى باهر إلى المركز‬ ‫الطبى ‪ ،‬وصلنا إلى منزل أثرى على ناصية زقاق‪ ،‬قال لى باهر هنا‪ ،‬وأشار إلى مبنى عتيق له‬ ‫بابان‪ ،‬دخلنا من با ب ضيق فى المواجهة‪ ،‬ارتقينا الدرج؛ بالداخل رأيت الدكتور زارع‪ ،‬بنظارته‬ ‫الطبية السميكة التى رأيته بها منذ زمن ‪ ،‬وشعر رأسه الكثيف ولحيته الهوجاء ‪ ،‬بعد أن قضى‬ ‫عام المتياز أعفى من الخدمة العسكرية بسبب عيب فى البصار ؛ جاء توظيفه نائبا للجراحة فى‬ ‫الجامعة‪ ،‬فى نفس الوقت الذى كان على علقة عاطفية مع احدى الزميلت بالجامعة ‪،‬رفض‬ ‫أبوها تزويجها له ‪ ،‬مما أصابه بنوع من الكتئا ب الحاد والعزلة ‪،‬تم سحب البساط من تحت قدميه‬ ‫بتعيين نجل أحد الساتذة‪ ،‬بعد استبعاده من الجامعة ذهب ليعمل بوزارة الصحة حيث تم توزيعه‬ ‫نائبا للجراحة ‪،‬أصيب باكتئا ب تفاعلى ورفض العمل بفرع الجراحةالذى كان يرغب التخصص‬ ‫فيه‪،‬كانت هوايته الولى هى الد ب ؛عقب حصوله على الثانوية العامة لم يوافق أبوه على دخوله‬ ‫كلية الدا ب متعلل بخسارة المجموع الكبير ! تم انتدابه الى المركز الطبى ؛ دخلنا حجرته‪،‬‬ ‫وسلمنا عليه كانت هناك مجموعة من الكتب والجرائد متناثرة فوق مكتب خشبى قديم؛ بعد أن‬ ‫جلسنا طلب لنا الشاى‪ ،‬يتحدث أحيانا بيأس عن أحوال الطباء صار يشبه أبا الهول فى جلسته‪،‬كل‬ ‫يوم يجلس نفس الجلسة وقد مل جيوبه بالصبر؛تعلم أن يجيب على المرضى بهدوء أقر ب إلى‬ ‫الجمود‪ ،‬لم يعد يبالى بردود أفعال الناس سواء شكروه أم شتموه ‪ ،‬صار الثنان عنده سواء ‪ ،‬كان‬ ‫هذا المنظر يشغلنا‪ ،‬كان الدكتور أنس يكثر الكلم عنه‪،‬قال انه بجلسته هذه أهدى لى خدمة جليلة ؛‬ ‫فقد كان السبب المباشر فى هروبى للعمل خارج البلد ‪ ،‬بماذا يداوى الناس ؟ ل يوجد فى صيدلية‬ ‫المركز سوى أقراص السلفا و النوفالجين والسبرين والجريزوفلفين وأمبولت أمينوفيلين التى‬ ‫تستخدم لعلج الربو الشعبى والتروبين والجلوكولينامين المسكن للمغص ‪،‬كان يعرف أن السلفا‬ ‫والنوفالجين والجريزوفلفين قد بطل استعمالهم فى دول كثيرة ‪،‬ولكنه ل يستطيع أن يقف مكتوف‬ ‫اليدى أمام هذا المد البشرى الذى أمامه؛ يقول زارع انت هنا بين فكى الرحى ؛بين الحكومة‬ ‫والناس ‪،‬أنت المفصل الذى يقع العبء عليه ؛ل تستطيع أن تؤدى خدمة معقولة ومن ناحية أخرى‬ ‫ل تحصل على مايقيم أودك أنت وعائلتك! كما أنه من المفروض أل يخالف المنشور الدارى‬ ‫الذى يقضى بمنع كتابة أى دواء من خارج أسوار المستشفى؛ كان كمن دخل فى قفص محكم ‪،‬لم‬ ‫يستطع الخروج منه ‪،‬من المفروض أن يسير كالبلياتشو على الحبال !عندما ينتهى من عيادته؛ فى‬ ‫الغالب كان يجد عددا من شرائط البرشام وتذاكر المرضى ملقاه على الرض ‪.‬وهو سائر فى‬ ‫الكوريدور بالقر ب من الصيدلية ‪.‬‬ ‫أكمل زارع ؛سأحكى لكم عما جرى ؛يومها دخلت الحمام ‪ ،‬توضأت ثم صليت ؛ قبيل الشروق‬ ‫تطر ب الدنيا وتتجمل بموسيقى علوية ترصدها الرواح الشفافة‪ ،‬أعددت كوبا من الشاى ؛‬ ‫تطلعت إلى القراءة ؛ وضعت أمامى المصحف ورواية عزازيل ؛تعودت أن أقرأ صباحا مع‬ ‫الهدوء وتنفس الصبح البديع المفعم بزقزقة العصافير ‪ ،‬جاءتنى مكالمة‬ ‫أنت فين ؟ عاوزينك دلوقتى‬ ‫خير ؟‬ ‫‪238‬‬


‫حالة مستعجلة‬ ‫بدل من أن أجلس إلى مكتبى‪ ،‬نحيت الجريدة جانبا ؛ ارتديت ملبسى ؛ وخرجت الى المكتب على‬ ‫عجل‪ ،‬متوجها الى عربة السعاف‪ .‬تبسم زارع وهو يقول سمعتم عن شاعر اسمه السبيعى ؟ كان‬ ‫أحدهم ينادى يادكتور يادكتور ‪ ..‬التفت لرى صاحب الصوت الغليظ ؛ على وجهه ابتسامة‬ ‫واسعة يادكتور يادكتور ‪ ..‬وقفت ‪..‬أخذنى بالحضان‬ ‫ ازيك يا دكتور ‪..‬نسيت أخوك السبيعى؟ إحنا مع بعض من زمان‪ ..‬ابتدائي و اعدادى و‬‫ثانوى ‪ ..‬فاكر الستاذ سمير صميده مدرس الفرنساوى‪ ...‬كومان تابيل تو ؟ جى ما بيل سبيئى‪...‬‬ ‫وضحك ضحكة مجلجلة بصوت أجش‪..‬‬ ‫ابتسمت ؛ فتشجع وأكمل كلمه‪:‬‬ ‫ يا سلم!! أيام !‬‫ أهل‪ ..‬أهل ‪..‬فرصة سعيدة ‪..‬‬‫أخشى أل أتأخر عن الميعاد ‪ ،‬تمشينا سويا حتى وقفنا جوار السيارة تحت شجرة نبأ عتيقة أمام‬ ‫المركزالطبى ‪..‬‬ ‫نظر إلى وقال ‪:‬‬ ‫ على فكرة ‪ ،‬أنا با كتب شعر‪ ...‬شعر بالعروض زى الخليل بن أحمد ما قال ‪..‬كتبت عن‬‫الزوجة ‪..‬والعاطفة‬ ‫‪..‬‬‫ابتسم قائل ‪:‬‬ ‫ أنا عاطفى قوى ؛ لكن شكلى كده‪ ...‬إحنا كنا زمل ؛ لكن أنا دخلت معهد صحى ؛ معايا‬‫تخصص تحاليل بول وبراز ودم ؛ أسمع ‪:‬يا نبع الحياة والوئام المنزلى‪..‬‬ ‫سألتلك بال بغير تطفلل‪..‬‬ ‫لِلم الجاعورة ؟ والطفال تتململ ‪.‬؟‪.‬‬

‫سألته ‪:‬‬ ‫المدام نكدية؟‬ ‫زاغت عيناه قائل ‪:‬‬ ‫أبدا دى غلبانة جدا ‪...‬بس لسانها سليط ‪ ،‬أعوذ بال من صنف الحريم ‪..‬‬ ‫‪239‬‬


‫‪.....‬‬ ‫أستأنف كلمه‪:‬‬ ‫نعمل إيه يا دكتور ؟ نكتب شعر وقصص‪ ..‬الهواية أحسن شىء فى الدنيا؛ أصل العيال كبرت ؛‬ ‫عندى محمد مدرس وأحمد محاسب والبنت فى الدبلوم ‪..‬لزم الواحد يمارس هوايته ‪..‬أنا أعرف‬ ‫انك أديب كبير) ضحكت (استأنف كلمه ؛ ل وا أنا قريت لك قصة فى مجلة مشهورة عن‬ ‫الخوة اللى اختلفوا على الميراث‪ ..‬ا يقطع الميراث وسنينه ؛ البيت بتاعنا عامل لنا مشاكل‬ ‫كبيرة‪ ...‬أخويا مش عاوز يشوفنا عشان ساكن بره البيت ‪.‬‬ ‫سألت ‪:‬‬ ‫ ليه ساكن بره البيت ؟‬‫ الموجود ‪ 3‬شقق وهو الخ الرابع نعمل إيه ؟ آدى ا وآدى حكمته‪ ،‬وا العظيم أنا نفسى أسيب‬‫البيت ويسكن مكانى‪..‬‬ ‫نظرت إلى الساعة فى يدى وقلت ‪:‬‬ ‫ أستأذن أنا ؛ فرصة سعيدة يا أستاذ سبيعى‪..‬‬‫ فاكر عم أحمد بتاع البطاطا ؟ والشيخ غريب بتاع سندوتشات الفول والطعمية السخنة ؟ فى‬‫فسحة المدرسة ‪..‬يا سلم راحت فين اليام دى ؟‬ ‫ مش عارف‪..‬‬‫نظر إلرى مليا وقال بصوته الجش ‪:‬‬ ‫ أنا مازلت أغنى فى الفراح؛ لكن نشاطى الفنى قل ؛ موش زى زمان ؛ عند الحبايب فقط ‪..‬كل‬‫سنة وأنت طيب‪ .‬فتحت با ب السيارة ‪ ،‬وحاولت الدخول ‪،‬أمسك با ب السيارة واستأنف كلمه ‪:‬‬ ‫ كنت عاوز اسرمعك حته للست!‬‫أنت مطر ب وعازف كمان ؟‬ ‫ أيوه ؛ أنا عندى عود من أيام المرحوم جدى ؛ عاوز أدندن ‪ ،‬وقال بصوت تخين أجش وقد‬‫اندمج تماما وأخذ نفسا عميقا وأغمض عينيه وبانت أسنانه صفراء داكنة من أثر النيكوتين‬ ‫والمعسل الذى يبدو أنه يلزمه بل انقطاع ؛ رفع عقيرته ‪:‬‬ ‫ أطاوع فى هواك قلبى وأنسى الكل علشانك ‪..‬وأدوق المر فى حبى ‪..‬بكاس صدك وهجرانك ‪...‬‬‫ يا سلم يا سلم ‪..‬‬‫ لكن باين عليك مستعجل ‪ ،‬طب خد دى ‪...‬‬‫ خليها يوم تانى‬‫‪240‬‬


‫ كل سنة وانت طيب ‪ ،‬حا تدبح خروف العيد‬‫ إن شاء ا‪...‬‬‫ طب ماتنساس بيت الكلوى والفروة !‬‫ حاضر ياعم ‪..‬‬‫وانطلقت بنا السيارة ‪.‬عندماوصلت إلى مكان الحادث عرفت التى‪ :‬لمياء بنت ظريفة بالصف‬ ‫الرابع البتدائي‪،‬تجرى وتلعب مع زميلتها قبل جرس المدرسة وأثناء الفسحة ‪ ،‬وبعد انتهاء اليوم‬ ‫الدراسى ‪.‬لمياء مفعمة بالحيوية وتحب صديقاتها والحياة جدا جدا ‪...‬فى هذا الصباح الخريفى‬ ‫الجميل حلقت الشمس فوق مشرقها ‪،‬وفاضت باشعتها الذهبية على الكون ‪ ،‬لم تشعر لمياء بالنسمة‬ ‫الباردة التى سرت فى الفضاء ‪ ،‬ظلت للحظات تتأمل قطرات الندى التى تلمع على أوراق‬ ‫خضراء لنبات برى نبت جوار منزل صديقتها نهال ؛ كانت تنتظر مقدم أتوبيس المدرسة ؛ بعد‬ ‫قليل راحت تحث الخطى هى ونهال ليحلقا بالوتوبيس الذى شاهداه عن بعد ‪ ،‬سمعت نداء ‪،‬‬ ‫وقفت لترى من ينادى عليها ‪،‬التفتت وراءها ‪ ،‬تقهقرت ‪ ،‬فى نفس الوقت تحركت الحافلة إلى‬ ‫الوراء لتفادى زحاما مباغتا أمامها‪..‬اصطدمت مؤخرةالحافلة بظهر لمياء التى اختفت تحت‬ ‫العجلت مباشرة ‪.‬‬ ‫***‬ ‫ضحك زارع فجأة وهو يقول عندما عدت من تلك المأساة؛وفى نفس اليوم ؛ لم يكن عامل المركز‬ ‫موجودا أثناء مداهمة الحملة التفتيشية للمكان قبيل العصر ‪ ،‬كان الموظفون قد غادروا‪ ،‬دخل‬ ‫المفتش الدارى بصحبته كاتب المديرية والسائق ‪ ،‬شاهدوا التليفزيون يبث ارساله دون أن يكون‬ ‫هناك أحد بالحجرة ‪ ،‬نادى المفتش ‪:‬‬ ‫ياريس يا عم ‪..‬فيه حد هنا ‪..‬‬ ‫لم يرد أحد‪ ،‬نظر المفتش إلى التليفزيون ومد يده الى الزر وأغلقه ؛ ثم نظر الى السائق قائل ‪:‬‬ ‫شيل التليفزيون وحطه فى العربية‪..‬حمل السائق التليفزيون العهدة وخرج الجميع‪ ،..‬قبيل‬ ‫ركوبهم سيارة التفتيش تذكر سائقها أنه نسى مفاتيح السيارة فوق المنضدة بالمركز الطبى‪،‬عاد‬ ‫لياخذها ؛ كان العامل قد عاد من مطعم الفول و الفلفل محمل بسندويش؛ وقفت اللقمة فى حلقه‬ ‫عندما لحظ اختفاءالتليفزيون العهدة ‪.‬‬ ‫***‬ ‫سار في در ب اللم وحيدا؛الى سقف الخمسين ولم يتزوج حتى الن ‪،‬يتخيلها وهى تقتر ب منه‬ ‫يفوح عطرها الذكى ؛تحكى له؛ لم يتخل عن العيش فى الماضى؛ كان تمرسكه بالعقل أو ما يدعى‬ ‫أنه العقل يبدو انه قلة عقل ‪ ،‬كان يجب أن يغير الطريق وبسرعة قبل أن تزداد القروح وتنفتح‬ ‫الجروح‪،‬كل نقطة تؤدى الى نقاط أخرى ‪ ،‬كل شارع يوصل الى شارع آخر أو ربما الى ميدان ‪،‬‬ ‫زقاق ‪،‬كما أن كل ثانية تؤدى الى ثانية أخرة وكل دقيقة توصل الى دقيقة أخرى وكل عام بلشك‬ ‫‪241‬‬


‫متبوع بعام يليه ‪ ،‬قال بعد تنهيدة ونفس عميق ‪.. :‬أحكى لكم عن ذهابى الى النيابة ‪،‬سألنى‬ ‫الوكيل ‪:‬ما المشكلة ؟ قلت إننى كتبت شهادة وفاة لحدى السيدات بسببها دخلت غرفة الحجز‪،‬‬ ‫قلت لوكيل النيابة ان رجل وامرأتين حضروا إلى مكتب الصحة‪ ،‬وفى عيونهم دموع ونحيب‬ ‫‪،‬أبلغوا عن حالة وفاة ‪ ،‬ذهبت معهم لمعاينة الحالة ؛ ورأيت سيدة راقدة فى السرير فاقدة‬ ‫الحياة ‪،‬جسدها مغطى تماما ماعدا وجهها ‪ ،‬على الفور حررت لهم شهادة الوفاة ؛شددت على‬ ‫أيادى الباكين مواسيا وغادرت ‪ .‬بعدها بأيام استدعتنى النيابة ‪ ،‬خفق قلبى وغاص فى قدماى‬ ‫وتعجبت ‪ ،‬ما السبب ؟ هناك عرفت ان السيدة المتوفاة لم تكن وفاتها طبيعية‪ ،‬أبلغ زوجها عن‬ ‫أخيها الذى تشاجر معها على الميراث بعد وفاة أبيهم ‪ ،‬هربت صاعدة الى السطح خوفا منه ‪ ،‬كان‬ ‫يجرى وراءها وفى يده ساطور ليخيفها ‪ ،‬السطح لم يكن مسورا‪ ،‬اتجه و‬ ‫ت الى عشة الفراخ‬ ‫المجاورة لنهاية السطح حتى سقطت من حافته؛هبطت مرتطمة بالطوار فاقدة للحياة ‪.‬‬ ‫أكمل زارع أحاول أن استجمع مايجب على عمله ‪ ،‬أل أضيع فرصة للتآخى أو للمكسب الدنيوى‬ ‫أو الخروى ‪،‬حسب سلة وجوده؛ المكسب الدنيوى ان كان محفوفا بنية العطاء فهو أخروى أيضا‬ ‫أو مشترك ‪ ،‬ل انفصال حقيقيا بين دنيا وآخرة‪ ،‬إل إذا أصررنا على ذلك ‪ ،‬ما يجب اليوم أن‬ ‫انجز‪ ،‬عدد من اللقاءات والعمال؛ تخيلت الشخاص المتعلقة بانجازى‪ ،‬رئيسة التمريض‬ ‫‪،‬ممرضة المركز ‪ ،‬المرضى وذويهم؛عامل النظافة‪ ،‬مأمور الضرائب ‪،‬أوقفت الجميع صفا فى‬ ‫ذاكرتى؛ محاول أل يقع واحد منهم ‪ ،‬كم عددهم ؟ستة أو سبعة ربما!صاروا نقاطا فى ذهنى‬ ‫استحضرتهم مساء أمس ‪ ،‬واليوم أعيد استحضارهم حتى ل أنسى منهم أحدا ‪ ،‬من الممكن أن‬ ‫أكتبهم ولكنى أردت أن أعول على ذاكرتى وأستعيد بناءها وتدريبها ‪ ،‬تبهرنى القرارات الهادئة‬ ‫البسيطة العميقة ايضا ‪ ،‬فهى توفر مزيدا من الوقت والجهد واللم أيضا ‪.‬‬ ‫كنت أقرأ فى الرواية‪ ،‬بعد أن انهى فصل أو أثنين اقوم واحملها لخبئها فى مكتبتى لكى ل يطلبها‬ ‫منى أحد قبل أن انتهى من قراءتها‪ ،‬بعد فصلين أو ثلثة قررت أن أتركها كما هى على المكتب‬ ‫حتى تكون فى متناولى ‪ ،‬بالرغم من عشرات الناس التى تدخل المركز لم أجد أحدا ينظر إليها أو‬ ‫يحفل بها ‪،‬أو حتى ينظر إلى أى كتا ب موضوع هنا أو هناك؛ ل أحد يلتفت إلى الكتب عموما‬ ‫‪.‬تحسرت ‪ .‬ل أحد يهتم بالقراءة‪.‬‬ ‫***‬

‫‪242‬‬


‫‪19‬‬ ‫د‪.‬أنس‬ ‫تضوعت نسمة من أعماق الماضي مشبعة برؤى ومشاهد حفرت نفسها فى المخيلة بأمكنة‬ ‫وأزمنة لم يتغير طعمها رغم البلى الذى تراكم على النفس مع طى اليام واليالى ‪ ،‬صارت هذه‬ ‫النسمة المتنفس الوحيد المتبقي للحساس بفعل الكينونة والوجود ؛ صارت معينا على البقاء‬ ‫ومضادا للنضو ب والتحلل والضمحلل ‪ .... .‬نسمة من الماضى ‪ ،‬كانت الروح تروى بمدد‬ ‫السماء ‪ ،‬كما كانت الرض روضا شاسعا كل ما فيه جميل ‪ ،‬ل فكر إل فى حب أو لعب ‪ ،‬ول هم‬ ‫يؤرق وجود النسان ‪.‬‬ ‫صرت أتردد على المستشفى ‪ ،‬زحام قاتل وحر شديد ‪،‬جاء الدكتور أنس مهرول ووجهه يبدى‬ ‫علمات الدهشة ‪ ،‬قال لى اننا نسىء إلى الدين ‪ ،‬تعجب عندما سمع حكاية السيدة المنقبة التى‬ ‫جاءت فى حالة ولدة ‪،‬طلب منى الحضور لمشاهدة مزرعته التى يقول إن قلبه ينشرح عندما‬ ‫يتواجد فيها‪ ،‬يوم الجمعة سرت فى طرق ترابية ضيقة متفرعة من طريق الجناين ‪ ،‬طريق أسفلتى‬ ‫يشغل شريطا ضيقا على يمينه شيدت عمارات وراءها أماكن ريفية وأرض شحيحة الخضرة؛‬ ‫على يساره الترعة؛ ليوجد سور بين الطريق والترعة ‪،‬لم يعد هناك مجال لتوسيع هذا الطريق‬ ‫الذى بالكاد يسع سيارتين ‪،‬المطبات متنوعة وعديدة؛ وصلت بعد عناء‪ .‬على الرض جلسنا‬ ‫متجاورين ‪ ،‬أمامنا مروج خضر ‪،‬حولنا شجيرات المانجو تصطف موزعة فى أرجاء‬ ‫المزرعة ‪،‬نسمات ربيعية تهل علينا‪ ،‬منذ قليل كان الجو مغبرا برياح متربة‪ ،‬كان ابنه من‬ ‫زوجته الولى مشغول داخل السيارة الجديدة ذات الدفع الرباعى‪ ،‬كان فرحا بها؛ وقف ليس ببعيد‬ ‫يراقب الصدامات المامية والخلفية‪ ،‬ممسكا بيده مفتاحا كبيرا يمر به على أجزاء السيارة‪ ،‬نظر‬ ‫لوالده وقال له‪ :‬لقد أعدت المقاعد إلى أماكنها ‪،‬قال لى أنس ‪ :‬لقد أحضرتهاله ليقضى بها مشاويره‬ ‫داخل مصر‪ ،‬حارثة يحسن الستماع إلى نصائحى‪ ،‬أود أن أسقيه عصارة تجاربى فى الحياة ‪،‬‬ ‫هكذا كان المرحوم والدى ‪،‬كانت المسبحة ل تفارق أنامله‪ ،‬دائم الذكر والشكر ‪ ،‬كان يكثر الصلة‬ ‫‪243‬‬


‫على الرسول‪ ،‬يقول سيدنا وتاج رأسنا؛سرح قائل لبد من تعديد الصلوات لمضاعفة الجر‪،‬كان‬ ‫يقول "اللهم صل على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون‪.‬يامقلب‬ ‫القلو ب ثبت قلوبنا على دينك اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فأعف عنا "‬ ‫كانت المنقبة بالعيادة ووجهها مغطى بالكامل ‪ ،‬طلب الدكتور أنس أن تكشف وجهها فرفضت‪ ،‬هو‬ ‫يعرف أن غالبية المنقبات يرفضن اظهار وجوههن‪،‬سأل الممرضة عن علمات فى وجهها‬ ‫تساعدة فى تشخيص الحالة ؛ تساءل كيف يفكر هؤلء الناس ؟ الوجه الوجه ‪..‬نتعرف منه على‬ ‫الشخصية كما نعرف منه العمر التقريبى و المشاعر ؛اللم والفرح والضيق والمكر ‪ ..‬والشحو ب‬ ‫والوهن والنيميا والصفراء ‪..‬أمراض كثيرة تشخص عن طريق الوجه‪،‬تذكر أنس ذهابه منذ‬ ‫سنوات مع أخيه ليخطب له‪ ،‬حمد ا أن أخاه لم يصاهر تلك العائلة ‪ ،‬قال أنس عندما خرجنا من‬ ‫عندهم نظرت الى أخي متسائل ‪..‬أنت عرفت عنهم حاجة؟‬ ‫يعنى ؟!‬ ‫يعنى فهمتهم ؟‬ ‫يعنى ؟!‬ ‫كل حاجة يعنى ؟ يعنى إيه ؟‬ ‫طبعا لسه‪!..‬‬ ‫***‬ ‫كان والد العروسة قد احتجز سيدات السرة فى حجرة‪ ،‬قبيل انصرافنا قال لنا مبتسما ‪:‬‬ ‫أحب أعررفكم على حريم العيلة ‪..‬‬ ‫خرجن طابورا واحدا ‪ ،‬كنا نسمع هسيسهن مختلطا بشىء من الضحك ‪،‬دون أن نتحدث إلى‬ ‫احداهن أو نرى منهن شيئا ‪ ،‬فقط كانت أمى تقول أهل وسهل ‪ ..‬ردا على قول والد العروس ‪:‬دى‬ ‫فاطمة ‪..‬أخت العروسة ودى شيماء أخت العروسة ‪..‬ودى نفيسة بنت عم العروسة ودى أسماء‬ ‫زوجة خال العروسة ودى ‪ ....‬حتى انتهى الطابور ‪.‬ولم نرى أو نعرف أى شىء عن أى‬ ‫واحدة‪..‬‬ ‫أردف والد العروس قبل ان نخرج‪:‬‬ ‫لول غلوتكم عندى ما كنتش أخليهم يطلعوا قدامكم!!‬ ‫حصلت البركة ‪..‬‬ ‫فى الخارج تلقفنا أنفاسنا ‪.‬‬ ‫***‬

‫‪244‬‬


‫تقريبا هجر أنس الطب الحديث ‪،‬كان يقرأ العراض الجانبية لحد الدوية من النشرة ‪ ،‬يقول من‬ ‫الممكن أن يتسبب هذا الدواء فى قلة الشهية او زيادتها ‪،‬كما قد يتسبب فى ظهورأعراض نفسية‬ ‫مثل القلق وعدم الراحة وحلم غريبة ونقص فى الرغبة الجنسية ‪،‬وأرق ونعاس ودوخة‬ ‫ورعشة ‪،‬والتها ب الجيو ب النفية والتثاؤ ب ‪،‬وغثيان واسهال وامساك وقىء وجفاف الفم وزيادة‬ ‫العرق ‪،‬وألم المفاصل والعضلت ‪،‬والرهاق وزيادة الوزن كما أن وقف الدواء فجأة من الممكن‬ ‫أن يتسبب فى دوخة واضطرابات حسية وأرق وكوابيس وأرق وتوتر ورعشة وصداع‬ ‫واضطرابات بصرية ‪ ..‬الخ الخ ‪...‬ويقول عاوز ايه أكتر من كده؟! كان يتحدث عن علج السنان‬ ‫دون فتح الفم ؛بأن يفرك قطعة ثلج على باطن يده على المنطقة العشائية التى بين البهام والسبابة‬ ‫‪ ،‬وعندما اصيب ابن خالته بحرق على فرن البوتاجاز طلب منه ان يفرك اصبعه جيدا ويضع‬ ‫عليه قطعة ثلج ‪،‬عندما جاءه مريض يخاف من الحقن‪ ،‬سأله هل تخاف من الحقنة؟ قال ومن ل‬ ‫يخاف منها‪ ? .‬قال له أنس بإمكانك التخلص من الخوف واللم عن طريق السعال أثناء‬ ‫اخذالحقنة‪ .‬اقتنع أنس بالعلج الشعبى صار يعالج مرضاه بالعشا ب ‪ ،‬نادرا ما يلجأ إلى الدوية‬ ‫الحديثة ‪ ،‬يقول إن معظمها كيماويات ضارة ‪ ،‬كان الدكتور ابراهيم يساعده ويؤيده فى هذا التجاه‬ ‫‪،‬يقول له ل تكتب الدوية التقيلة ‪ ،‬عليك فقط بالدوية البسيطة ‪،‬حتى ل تتسبب فى مضاعفات ‪،‬‬ ‫الجسم البشرى مقدس ‪ ،‬اكتب فقط علج ظاهرى؛ مسكنات مع "شوية" فيتامينات! كان أنس يتكلم‬ ‫عن فوائد الميرامية وعن علج الديدان بالزنجبيل وعن زيت الخروع وفوائده كمسهل للبطن وفى‬ ‫علج تقرحات الجلد وتكلم عن فوائد التمر هندى ؛ وتكلم عن الماريجوانا وزراق العين واللم‬ ‫الروماتزمية وبعض التشنجات ‪ ،‬وذكر نبات الخشخاش وقال انه من فصيلة الخشخاشيات ويتميز‬ ‫بعصارة لبنية مخدرة ‪،‬وله زهور لمعة قصيرة العمر ‪ ،‬وتذكر لوحة زهرة الخشخاش للفنان فان‬ ‫جوخ‪،‬أغلب تعامله مع العطار ‪،‬نادرا ما يصف ادوية تصرف من الصيدلية؛ كان يجهز بعض‬ ‫التركيبات الطبيعية ويمنحها للمرضى دون مقابل ‪،‬يتحدث عن فوائد الجنزبيل ويقول انه يعالج‬ ‫اضطرابات المعدة ويمنع السهال والصداع ويخفف آلم العمود الفقرى‪ ،‬وهذا علج تخفيف‬ ‫احتقان النف ‪...‬هل تعاني من احتقان النف المزمن ولم تنفع معك الدوية‪،‬إليك طريقة أرخص‬ ‫وأسرع وأسهل للتخفيف من ضغط الجيو ب؛ قم بدفع لسانك ضد سقف فمك بالتناو ب‪ ،‬ثم اضغط‬ ‫بين حواجبك بإصبع واحد‪ .‬هذا يسبب هز عظمة فومر التي تمر عبر الممرات النفية إلى الفم‪،‬‬ ‫وهذه الهزات تسبب تحرك الحتقان‪ ،‬بعد ‪ 20‬ثانية ستشعر بأن الحتقان بدء بالتحلل‪..‬أفتى بوصفة‬ ‫مجربة لستخراج النيكوتين وآثار التدخين من الرئتين ؛بأن يغلى كأس حليب في قدر وكذلك‬ ‫يغلى كأس ماء في قدر آخر وعندما يصل كل منهما لدرجة الغليان يخلط كل من الحليب والماء‬ ‫في قدر آخر ويستنشق البخار الناتج من الخليط لمدة ‪ 10‬دقائق؛وتكرر هذه العملية لمدة ‪ 10‬أيام‬ ‫متتالية ‪،‬ستخرج جميع الوساخ العالقة في الرئتين بجميع ألوانها بطريقة مدهشة وكثيفة ؛وبعد‬ ‫مضي فترة الي ‪ 10‬أيام سيكره المدخن طعم السجائر؛وكان يصف علجا للشعر الشيب عبارة‬ ‫عن ‪ 4‬ملعق كبيرة من المرامية‪،‬نصف فنجان من الماء ‪2،‬ملعقة كبيرة من الحنة‪،‬وملعقة صغيرة‬ ‫من القرنفل‪+‬نصف فنجان من الشاي المغلي ؛ يغلي نبات المرامية جيدا ثم يترك ليبرد ثم يصفى‬ ‫ويضاف لة القرنفل والشاي المغلي مع التقليب ثم تضاف الحنة وتوضع على الرأس لمدة ‪30‬دقيقة‬ ‫‪،‬وللتخلص من قشرة الشعر‪:‬مقادير متساوية من ماء الورد وماء عادي وخل التفاح؛ تدلك بها‬ ‫فروة الرأس ‪ ،‬وقال انه توجد وصفة مجربة للشعر الجاف و المتضرر و الخشن ؛ زبادى وصفار‬ ‫بيض وملعقتين زيت زيتون وملعقة عسل نحل ومايونيز طبيعى "‪.‬‬ ‫‪245‬‬


‫كانت وجهة نظر أنس معقولة لنه قال ان ا خلق لنا تلك المخلوقات لنستفيد منها ونتعلم أيضا‬ ‫منها ‪ ،‬فهى سبقتنا فى العلم بأشياء كثيرة ‪ ،‬زعم باهر أن هذا جهل ‪،‬وتشاجر يوما مع أنس بسبب‬ ‫العلج العشبى هذا ‪ ،‬قال باهر بأسلو ب خشن ما الفرق اذن بين النسان والحيوان ؟ الحيوان‬ ‫يتناول علج عشبى لحالته ؛ كنت مؤيدا أنس ‪،‬بالرغم من المنافع الرائعة والعديدة لطرق الطب‬ ‫الحديثة؛ قلت لباهر ان الطبيعة هى الصل وهى الفطرة؛ دعنا من وقت لخر نغير الزاوية التى‬ ‫ننظر بها الى الحياة ! تكلم أنس عن خليط من عصير الليمون وفص ثوم وزنجبيل وملعقة من‬ ‫زيت الزيتون النقي وقال انه خليط ممتاز لتنظيف الكبد ‪ ،‬حيث يؤخذ هذا الكو ب من الخليط على‬ ‫الريق قبل الفطار بساعة ‪ ...‬وينصح باستعمال هذه العملية مرة كل ستة شهور؛وقال إن الفراولة‬ ‫مفيدة للقلب‪ ،‬وذلك لنها من أفضل مضادات الكسدة‪ ،‬وغنية باللياف الغذائية القابلة للذوبان‪،‬‬ ‫وهذه اللياف تعمل على تخفيض معدل الكوليسترول في الدم‪ ،‬وزيادة كفاءة الدورة الدموية‪.‬‬ ‫قرر أن يعطى محاضرات مجانية ‪ ،‬طلب عمل خدميا فى مدرسة التمريض ‪ ،‬وقال إنها زكاة‬ ‫عنه وعن أولده ‪ ،‬لن ا أكرمه ولنه تمنى أن يرتفع مستوى التمريض فى مصر‪.‬‬ ‫***‬ ‫فوجىء الجيران بوفاة الدكتور أنس ‪ ،‬قالت الممرضة إنه توفى وهو جالس على مكتبه ‪،‬وقال‬ ‫الجار اننى سمعت صفيره فى ذلك اليوم؛ مثل كل يوم ؛ وهو يقفز درجات السلم صاعدا إلى‬ ‫عيادته‪.‬‬ ‫***‬

‫‪20‬‬ ‫مجلس محلي بالسمن والسكر‬ ‫لم تعد المناصب تهم الكثيرين‪ ،‬وخصوصا أنه ل يوجد لها مقابل مادى ‪ ،‬لم يعد منصب مدير‬ ‫المستشفى يثير لعا ب الغالبية؛ خصوصا بعدما تدخلت المحليات فى الطب والمستشفيات بصورة‬ ‫سافرة ‪ ،‬وأيضا لشتراط غلق عيادة الطبيب الذى يقبل المنصب ‪ .‬دأبت المجالس المحلية وغيرها‬ ‫على الخوض فى أمور المستشفى والصحة ؛يلوكونها ؛ خاصة وأن عقولهم ل تجد متنفسا إل فيما‬ ‫‪246‬‬


‫تستقوى عليه ‪ ،‬مثلهم مثل المحافظ تماما‪ ،‬حبا فى الظهور ؛عادة ل يجد الواحد منهم شيئا يلوكه‬ ‫ويتقر ب به إلى العامة والنخبة أيضا ويخوض فيه آمنا من كل شر سوى كلمة الصحة والمرض‬ ‫والمستشفى !!‬ ‫كان الدكتور شرف ‪ -‬لسؤ حظه –هو مندو ب الصحة فى المجلس الذى دأ ب فى تلك اليام على‬ ‫الخوض بجهل أو بدون فى أمور الطب وجعل أعضاؤه المستشفى علكة يلوكونها أو أيقونة‬ ‫يتغنون بهاليل نهار‪،‬خاصة عندما تصدأ عقولهم ول يجد بعضهم شيئا يظهرون به جديتهم‬ ‫واهتمامهم ويقضون به أوقاتهم سوى مراجهة عدد الموتى والمصابين والتحصينات والتطعيمات‬ ‫والعتراض عليها ‪،‬يخوضون فى الدوية ونوعياتها ومدى فاعليتها دون علم أو فكر ‪،‬يتكلمون‬ ‫عن الصحة والمرض والهمال ‪ ،‬تهر ب معظم الطباء من الدارة ‪ ،‬ولم يقبل عليها سوى عدد‬ ‫قليل ممن كادوا يهجرون الطب وقد بهرتهم الموال والسلطة والبوا ب الخلفية للسياسة ‪.‬‬ ‫يتقلقل أحدهم ويتململ كثيرا فى جلسته أثناءالجتماع؛ يبدو منظره كاريكاتوريا للغاية ‪ ،‬ثا طن يمسح‬ ‫عرقه بخرقة ‪ ،‬وآخر يتكلم فى الهاتف بصوت مسموع‪ ،‬أحيانا يصرخ فى وجه محدثه حتى‬ ‫يسمعه ويستجيب لندائه ‪ ،‬أثنان يتحدثان سويا ويتضاحكان وينتشيان بضحكهما ‪ ،‬بعيدان تماما عما‬ ‫يدور فى المجلس ‪ ،‬المناقشة تدور الن عن اللجنة الصحية ‪ ،‬كان المتحدث هو بائع جندوفلى قديم‬ ‫‪ ،‬يقول ان حجرة العمليات ليست مجهزة تجهيزا جيدا ‪ ،‬وينقصها أشياء كثيرة ‪،‬ياه‪ ..‬هل دخل‬ ‫الجندوفلى إلى حجرة العمليات وعلم ما بها ؟ وعلم النواقص التى بها؟ الطبيب العام؛ غير‬ ‫المتخصص ربما ل يعرف نواقص حجرة العمليات‪ ،‬فما بال هذا الجندوفلى العجيب ؟ ربما أبلغه‬ ‫أحد الطباء أو الممرضين بهذا الكلم لكى يدلى به ويتقيؤه فى المجلس ‪،‬يتكلم آخر عن حجرة‬ ‫الفاقة بجهل ؛ ربما أبلغه أحدهم أن إنعاش المريض لم يكن كافيا‪،‬أى أنه لم يصل إلى مرحلة‬ ‫النتعاش وربماقال له عقله إن المريض الخارج من العمليات يجب أن يصل إلى حد الفرفشة‬ ‫مثل!‪.‬‬ ‫وقف شرف حائرا‪ ،‬كيف يرد على مثل هذا الهراء ؟! كان يبحث عن وسيلة مناسبة للرد على هذا‬ ‫الكلم ‪ ،‬نظر إلى المتحدث الذى ل يريد أن يكف عن إطلق الرذاذ من فمه لتوزيعه بالتساوى‬ ‫على المجاورين له كلما التفت يمنة أو يسرة ‪ ،‬يدقق فى عينيه الحمراوين اللتين يعلوهما حاجبان‬ ‫كثيفان أشعثان فيكتئب ويلعن دخوله كلية الطب ‪ ،‬يكتئب مرة ثانية لحزنه على ما انفقه عليه والده‬ ‫من جهد ومال؛ ويكتئب ثالثا لما أنفق هو من سنوات عمره مجدا فى مراحل التعليم‪ ،‬ضاعت فى‬ ‫هذه اللحظة آمال كبرى وانتثرت على أشواك الواقع هباء أمام هذا الذى ل يكاد يميز بين اللف‬ ‫وكوز الذرة كما يقولون ‪.‬اكتأ ب رابعا لذلك النظام الذى سمح لمثال هؤلء"الكوادر" أن يسيطروا‬ ‫على مقادير المور ؛ وأن يتدخلوا فيما ل يعنيهم ‪ ،‬وفيما ل يفهمون‪،‬ويكتئب خامسا لعدم سفره‬ ‫للخارج والبعد عن هذه المهاترات التى يشعر أنه ل ناقة له فيها ول جمل وأن المسائل ل يمكنها‬ ‫أن تحل هكذا بمثل هذه الطرق البعيدة عن الصوا ب مع انعدام وجود نظام صريح يوضح الحقوق‬ ‫والواجبات ينطبق على الجميع دون اسنثناء ‪.‬‬ ‫***‬ ‫عند وفاة أبى قطة كان الدكتور شرف مديرا للمستشفى وقداقتر ب من سن المعاش‪،‬أصر على‬ ‫حضور العزاء‪ ،‬كلية الطب تستعد لشراك المستشفى العام فى برامجها العلجية والتعليمية ‪،‬‬ ‫‪247‬‬


‫لتصبح مستشفى جامعى على مستوى مرموق‪ ،‬وبدأت فى عمل بعض التجهيزات للعمل الجاد‪،‬‬ ‫خطة لتدريب طلبة الطب فى عنابر المستشفى وأقسامها‪،‬وبدأت تكوين مكتبة طبية‪ ،‬كما وعدت‬ ‫بفتح أقسام جديدة لم تكن موجودة بالمستشفى مثل جراحة المخ والعصا ب وأمراض القلب‬ ‫والقساطر التشخيصية والعلجية والجراحات الميكروسكوبية ‪ ،‬وجراحة الوعية الدموية ‪،‬و قسم‬ ‫التحاليل الباثولوجية؛تجمع بعض الطباء وتجمهروا لمحاربة الفكرة ‪ ،‬وتزعمهم الدكتور شرف‬ ‫وأرسلوا طلبا للمحافظ لمنع دخول أطباء الجامعة الى المستشفى ‪ ،‬تعجب البعض؛ فهمى يقول ان‬ ‫الدكتور شرف يخشى من أطباء الجامعةالذين قد يتسببوا فى بوار عياداتنا نحن أطباء الوزارة‪،‬‬ ‫سوف تسحب مرضى العيادات من أطباء الصحة ‪،‬حار ب دخول طلبة الطب الى ردهات‬ ‫المستشفى‪ ،‬سعى البعض الى المحافظ لينهى ما سموه العتداء على أطباء المدينة‪ ،‬لم تتمسك‬ ‫ادارة الجامعة بموقفها؛ وتركت المستشفى؛فجأة توقف العمل وضاعت الكتب‪ ،‬وكانت خسارة لم‬ ‫نشعر بها ال بعد ضياعها ‪.‬تذكرت كيف كان الدكتورشرف يحاربها وهو الذى كان فرحا بمجىء‬ ‫قمر الدين الى المدينة ليدر ب جراحيها المبتدئين ‪ ،‬بالرغم من عدم اقتناع الكثير من الزملء بهذا‬ ‫المنطق الذى انساقوا وراءه مما اورثهم قليل من السف لضياع فرصة المنفعة العامة ‪.‬‬ ‫***‬ ‫فى ذلك الوقت سمعنا عن وفاة "أبو قطة"؛فى سرادق العزاء أثار انتباهنا ذلك الرجل الذى حمل‬ ‫صينية مليئة بأكوا ب الشربات كانت تتوهج عاكسة أضواءها المنكسرة على أعين المعزين ؛تبادل‬ ‫المعزون الكلم والسؤال فيما بينهم عن هذا الرجل وعن فعلته العجيبة ؛تعرف عليه البعض؛ كان‬ ‫الرجل عضوا فى أحد المجالس المحلية ؛ وما أن تحرك خطوات داخل السرادق حتى قام‬ ‫المعزون من مقاعدهم وهاجموا الرجل ؛انفلتت الصينية من بين يدية ووقعت على الرض‬ ‫‪،‬ووقع الرجل جوارها؛ وتكسرت الكوا ب واصطبغت بدلة الدكتور شرف كما اصطبغت السجادة‬ ‫باللون الحمر القرمزى ‪ ،‬عندما سألنا من هذا الذى يجرؤ على تلك الفعلة ‪ ،‬قالوا إنه أخو‬ ‫المرحوم أبو قطة‪،‬ظل طوال حياته على خلف مع أخيه على الميراث!‬ ‫***‬

‫‪21‬‬ ‫شامخ كفته!‬

‫‪248‬‬


‫مع التقدم فى العمر ؛ سقط عديد من الزملء ‪،‬الحياة قصيرة‪ ،‬يبدو أننا فى العادة ل نحافظ عليها‬ ‫‪ ،‬البعض هرولوا وراء المال وآخرون وراء المال والنساء وثلة أدمنوا المخدرات‪ ،‬أما الناصحون‬ ‫ أوالذين أدعو النصح‪ -‬فقد لهثوا ‪ -‬جملة واحدة ‪ -‬وراء تلك الهداف جميعا حتى كانت‬‫مصارعهم فى انتظارهم عند أقر ب فرصة متاحة لشبح المرض أو الموت ‪.‬‬ ‫كان معى فهمى أثناء عبورالطريق؛سمعنا صوتا عنيفا لسارينة ؛ كان كالرعد؛ صاعقا ‪ ،‬ظننته‬ ‫من تريللة ضخمة ‪ ،‬على الفور مرق موتوسيكل مقتربا منا بصوره مخيفة‪ ،‬مرق كالصاروخ ‪،‬‬ ‫سائقه شا ب يبدو أنه ل يعبأ بشىء ‪،‬كانوا ثلثة يمتطون المتوسيكل‪ ،‬ل يشعر سائقه أنه أحدث خطأ‬ ‫يجب العتذار عنه‪ ،‬قال فهمى مصيبة أننا صرنا ل نعبأ بتقييم افعالنا ‪،‬نتجاهل فطرتنا أو ربما‬ ‫نفقدها ‪ ،‬الصح والغلط من المور الواضحة‪ ،‬ولكن معظمنا صار يتجاهلها؛ ل نهتم بعلقاتنا ‪،‬‬ ‫القط عندما يسرق سمكة حتى ولو كانت عفنة مثل يشعر بالذنب‪ ،‬يرتعد جسده ؛ ينظر فى جميع‬ ‫التجاهات كى يتأكد أنه ل توجد عصا ستهبط على نافوخه‪ ،‬يظل يترقب حتى إذا لم يجد صاحبا‬ ‫لغنيمته فاز بها ؛ يقريم الفعال صح!! ضاع منا التقييم؛ تجاهلنا التفريق بين الصح والغلط! هل‬ ‫افتقدنا الميزان ؟!‬ ‫هذه اليام سمعنا عن قدوم موجة حارة من الشرق ‪ ،‬الناس ل تطيق بعضها‪ ،‬ولكنى لحظت أن‬ ‫الناس تصبر كمن وقع فى مصيبة ‪ ،‬ولم يجد من يحلها له‪ ،‬والكل يحاول مثل الغرقى‪ ،‬أن‬ ‫يخرجوا بسلم من هذا الجب الباهت الضيق الحار المكتوم المصحو ب للسف ب"التناكة" من‬ ‫بعض الموظفين‪ .‬استضافنى فهمى مصادفة بعيادة الجراحة لنحتسى القهوة سويا قبل أن أذهب الى‬ ‫عيادتى ‪،‬بعيادة الجراحةدخل أحد الطباء؛الدكتور شامخ ! اسمه شامخ عبد القوى ‪ ،‬لكن الكل‬ ‫يناديه "شامخ كفته "؛ كان رأسه مرفوعا؛ ل تغادر السيجارة شفتيه ‪ ،‬فهمى يغير له على قروح‬ ‫نادرة بفروة رأسه ؛عقب مغادرته قال لى فهمى ل تعجبنى طريقة كلمه ول حياته ‪ ،‬كان مخاتل‬ ‫ومتصنعا ‪ ،‬ظل غير قانع بما هو فيه لم يصل يوما الى حد القناعة ‪ ،‬يقال انه فى صغره كان‬ ‫يتمنى أكل اللحم‪ ،‬عندما رأيناه كان يأكل الكفتةيومياتقريبا ‪،‬بمرور اليام؛عندما امتل الديب فريزر‬ ‫باللحوم وغيرها لم يستطع التمتع بها ؛بالرغم من كونه بخيل كما يقول المقربون منه؛ إل أنه ينفق‬ ‫أموال كثيرة للطمئنان على صحته بالتردد على الطباء ومعامل التحاليل ومراكز الشعة‬ ‫وغيرها من المصحات وعيادات الطب الطبيعى ‪ ،‬أصيب بفيروس كبدى جعل وجهه شاحبا‪،‬صار‬ ‫يكره اللحوم ‪،‬كماأصيب بآلم مزمنة فى المفاصل شخصت فى البداية روماتويد ؛سافر للعلج فى‬ ‫مصحة تسخالطوبو التى ذهب اليها جمال عبد الناصر فى التحاد السوفييتى سابقا‪،‬لم يبخل أيضا‬ ‫فى التردد على علج العشا ب والسحر والدجل وغيرها ‪..‬‬ ‫أحس كأن وهجا يخرج من قفاه بالرغم من التيار البارد القادم من جهاز التكييف بمنزله‪ ،‬كل يوم‬ ‫يقف أمام المرآة ‪ ،‬يراقب التطورات التى تحدث جسده؛ يحفظ كل الغضون والخاديد التى حفرها‬ ‫الزمن بسحنته‪ ،‬يلحظ المفاصل والعظام والجهاز الهضمى وما حوى ؛ المعدة والكبد والمرارة‬ ‫والقولون ‪ ،‬يبحث أى شكوى بالقلب ؛ بعد أن يضع رأسه على الوسادة لينام يسمع وجيب قلبه‬ ‫‪،‬كل الجهزة تعمل ‪،‬الفكار فى العقل تتناطح ‪،‬يحاول أن يبحث عن أى خلل ‪،‬يحسب لنفسه عدد‬ ‫مرات التبول ‪ ،‬أتى بمخبار مدرج ليجمع فيه كميات البول اليومية ‪ ،‬كتب فى ورقة عدد وتواريخ‬ ‫وساعات الخراج ؛ وعلرقهاعلى الحائط ! صار مثل الخائف من العفريت ‪ ،‬آه سوف يطلع له !‬ ‫‪249‬‬


‫تعود البعض على استحلبه بالتحايل عليه بشتى الطرق‪ .‬عرفنا أنه يستخدم شاي مخفض للسكر‬ ‫مثل شاي الزعتر والنعناع ‪،‬دائما غير راض‪ ،‬غير راض عن نفسه‪ ،‬ول عن رزقه ول عن‬ ‫غيره‪ ،‬دائم الشكوى ‪،‬صارت قسمات وجهه منفرة وأصبح النظر إليه مزعجا‪ ،‬قد يصيب النسان‬ ‫بعدوى عدم الرضى والجشع والطمع ‪،‬إذا رآه أحد ربما يشعر بالضطرا ب باقى يومه؛ تعود أن‬ ‫يرتدى البدلة الكاملة سواء فى الصيف أو الشتاء ‪،‬فوقها البالطو البيض المخصوص ‪،‬ياقة منشاة‬ ‫بلون أبيض ناصع ‪ ،‬ونظرة متعالية من وراء زجاج نظارته الطبية المربوطة بسلسلة تختبىء‬ ‫نهايتها تحت ياقة البالطو ‪ ،‬قامة عالية ونظرة أكثر تعاليا ‪ ،‬كان يحرص على متابعة أخبار‬ ‫الدولة ‪ ،‬ويتكلم فى السياسة كمن يريد أل يفصح عن شىء ما‪.‬‬ ‫يقول فهمى ل أذكر أنى رأيت فمه دون سيجارة ‪ ،‬عندما تأكد أن الناس عبارة عن قوالب ل يمكن‬ ‫تغييرها بسهولة ‪،‬بل ليس سهل أن تغير عادة واحدة لدي أحدهم ؛بدأ يعانى من نوبات صداع‬ ‫سببها ارتفاع ضغط الدم ‪،‬كما أصيب بالسكر ‪ ،‬على جبهته تقطيبة سكنت وجهه ولم تفارقه ‪،‬دائما‬ ‫يشخط وينطر‪ ،‬كان محبا للدارة‪،‬ليس حبا فى الصلح أوهواية فى منفعة الخرين ‪ ،‬ولكنها‬ ‫هواية "المريسة" والتسلط على عباد ا‪،‬ومحاولة اليقاع بالفرائس البشرية؛حار ب حتى حصل‬ ‫على حجرة مكتب قريبة من مكتب المدير ؛عمل فيها نائبا للخير؛ ظل يمارس عمله معتبرا نفسه‬ ‫أهم من المدير نفسه؛ يقول عن وظيفته إنها غاية فى الهمية‪،‬ويتعجب قائل حتعملوا إيه من‬ ‫غيرى ؟لم يعرف أحد ما الذى يقصده بهذه الجملة‪ ،‬ول مايدور داخل هذه الحجرة ول بهذا المكتب‬ ‫المستولى عليه والذى ظل مدافعا عنه‪ ،‬سمعت العاملة تقول إنه يغلق البا ب و يتكلم مع المريض‬ ‫كمن يقذف عليه لهيبا من نار السموم؛وحتى يتنصل من مسئوليته؛ كان يتكبر على المريض معليا‬ ‫صوته مشعرا إياه بالذنب ويحمله مسئولية مرضه بل ويتمادى فى أسلوبه المستفز حتى يفقد‬ ‫المريض الثقة فى امكانية الشفاء‪،‬دائما يقدم كلمة بالحديث عن التكلفة ؛حتى ل يحدث خلف‬ ‫فيما بعد‪ ،‬لبد من التفاق ‪ ،‬يطلب أرقاما فلكية من المرضى ‪ ،‬تنتفخ أوداجه ويتحرك كالطاووس‬ ‫وهو يلقى قنبلته وتعليماته على رأس المريض ‪ .‬قال فهمى أنه كان يتفق على عمليات الجهاض‬ ‫ويتفاوض ماليا أو جنسيا أو الثنين معا ! صار يهوى نساء السوق وعرقهن وروائحهن الغير‬ ‫مقبولة ‪ ،‬مثل الكبابجى الذى صار زاهدا فى الكبا ب وقد اشتاق إلى سندوتش فلفل ‪.‬بعدها بدأ‬ ‫يشكو من عدم شعوره بلذة تجاه الشياء الملذة ‪،‬فهو يراها وتتكرر رؤاها ليل نهار أثناء عمله‬ ‫اليومى‪.‬‬ ‫فى تلك اليام كانت المديرية تستقبل وفودا من الوزارة على فترات متقاربة ‪ ،‬قيل إن المدينة‬ ‫موضوعة على قائمة المحافظات التى سيجرى عليها تجربة التطوير ‪ ،‬بدأت الوزارة بإرسال‬ ‫وفود لتدريب الكوادر ‪ ،‬تنازل له المدير عن بعض المهام‪،‬تجنبا لشروره؛ منها حضور‬ ‫المؤتمرات التى استفحلت موجتها ‪ ،‬صارت ظاهرة فى كل الوزارات تقريبا؛ كان هناك مؤتمرات‬ ‫للمرأة‪ ،‬والطفل والتأمينات الجتماعية والصناعة والزراعة والعلوم والطب وكل فروع الحياة؛‬ ‫كان الكلم شائعا عن كيفية تجنب العدوى ‪،‬الدكتور شامخ يحرص دائما على مظهر السلسلة التى‬ ‫تتدلى من نظارته ‪،‬يكلف سائقه أن يلزم السيارة منتظرا خروجه فى أى لحظه ؛ تأتى دعوات‬ ‫لحضور مؤتمرات ‪ ،‬ولم يسأل نفسه عن أهميتها‪..‬فقط يقرأ نرجو ترشيح أحد أو أثنين من‬ ‫لحضور مؤتمر ؛ كان المدير يلشحه تفاديا لشرورة وارضاء لغروره لحضور المؤتمرات الطبية‬ ‫والمشاركة فيها‪ ،‬كان شامخ يقابل زملءه فى الدفعة يلقون محاضرات داخل قاعات الكليات‬ ‫‪250‬‬


‫وقاعات المؤتمرات بالفنادق الكبرى والمنتجعات ‪ ،‬يسلمون عليه وأحيانا يتجاهلونه فيذكرهم‬ ‫بنفسه ‪..‬يؤثر نفسه وسائقه الذى تعود مسايرته فى الطبع‪ -‬بحضور المؤتمرات ‪،‬عادة ل يطلع باقى‬ ‫طاقم الطباء على كل ما يجىء من مخاطبات‪،‬الكثير من المخاطبات قد تهم أحدا غيره من‬ ‫العاملين ‪ ،‬من المفترض على القل؛أن تعلق البيانات العمومية والنشرات الدورية فى لوحة‬ ‫ليستدل بها العمال على سير العمل‪ ،‬وليتعرفوا على كل صغيرة وكبيرة‪ ،‬ويعرف كل منهم أين‬ ‫يضع قدميه‪،‬كأنما يحدث نفسه‪ :‬وما الذى أستفيده من هذا؟ الكل سوف يتقاطرون على مكتبى لكى‬ ‫يتناقشوا معى ويطلبون منى كذا وكذا ويقدموا عرائض بطلباتهم ‪ ،‬وشكاوى لمساواتهم بغيرهم‬ ‫واقتراحات وهمية لحل المشاكل القائمة الكل قبض الريح‪..‬ليس فى المكان أبدع مما كان ‪ ..‬ما‬ ‫الذى أستفيده من هذا سوى وجع الدماغ ؟‬ ‫ويعتبرها من أسرار العمل ‪ .‬فى الغالب ل يدرى أحد من الطباء شيئا عن هذه المؤتمرات ‪ ،‬سرا‬ ‫يأخذ بعضه أو ربما يكون معه السائق ‪ ،‬يحادثه أحيانا‪:‬‬ ‫ل تبلغ أحدا عن هذا المؤتمر‬ ‫طبعا يافندم‬ ‫أنا أحبك لذا أكتب اسمك لتحضر معى‬ ‫ولكنى ل أفعل شيئا‬ ‫وهل طلب منك أحد شيئا؟‬ ‫ل‬ ‫المهم المتعة‪..‬‬ ‫فى القاعة يدخل الثنان‪ ،‬يجلسان فى مكان جانبى أو كيفما اتفق ‪،‬ينظر إلى المحاضر بذهن‬ ‫شارد ‪،‬ربما ل يدر مايقول ؛ ول يسمع أيضا‬ ‫فى دورة تدريبية شهيرة مخصصة للطريقة المثلى لغسيل اليدى ‪ ،‬كانت المدربة تشرح كيفية‬ ‫غسيل اليدى جيدا ‪ ،‬وكيف أن معظم الحضور ل يجيدون غسل إياديهم؛ طلبت من واحدة توضيح‬ ‫طريقة غسيل اليدى‪ ،‬كانت تشرح الغسيل بالمطهرات ‪ ،‬وتوضح كيفية الهتمام بالمناطق الخفية‬ ‫باليدين وطرق الوصول إليها ‪ ،‬والتى ل نهتم بها وننساها عادة ل نأخذ بالنا منها !‬ ‫قهقه أحد الحاضرين قائل ‪:‬‬ ‫احنا محتاجين تدريب على المهم !‬ ‫نظرت إليه المدربة قائلة بسخرية وضيق ‪:‬‬ ‫إيه هو المهم يا باشا ؟‬ ‫التطور الحاصل فى العالم يا أستاذة !‬ ‫‪251‬‬


‫دكتورة من فضلك !‬ ‫أكيد يا دكتورة سمعتى عن الليزر وسمعتى عن استخداماته فى جميع فروع الطب ‪ ،‬ياترى إيه هو‬ ‫موقف الوزارة من الليزر واجهزة الشعة المتطورة الثلثية البعاد وغيرها ؟‬ ‫دا مش شغلى !!‬ ‫ونظرت إلى السبورة وهى تمسح ما كتبت لتبدا من جديد ‪.‬‬ ‫***‬ ‫ينظر شامخ إلى ساعته ‪ ،‬يميل على سائقه ‪ ،‬يهمس إليه‪:‬‬ ‫الغدا الساعة كم؟‬ ‫ل أعرف سعادتك‪..‬‬ ‫القاعة مكيفة والزحام شديد ‪..‬متى تنتهى هذه المرأة؟‬ ‫تبدو محاضرة مهمة‬ ‫كان غيرها أشطر‪ ..‬وهل تفيد المؤتمرات البلد ؟‬ ‫ينتظر شامخ ساعة الغداء ‪ ،‬يفكر فيها بتلمظ ؛بانتهاء المحاضرة ‪،‬يقوم مسرعاصاحبا سائقه إلى‬ ‫با ب الخروج ‪ ،‬يتجه الثنان إلى قاعة الطعام ‪ ،‬يتطلع إلى كل مافيها بسرعة وشغف‪ ،‬تدور عيناه‬ ‫فى كل اتجاه‪،‬يلحظ عدد الموائد ‪ ،‬يتجه مسرعا ناحية أكوام الطباق يتبسم باحثا عن صحبه‬ ‫ليهمس إليه ‪:‬أهوى البوفيه المفتوح‪..‬‬ ‫***‬ ‫مع اليام بدأ يشعر بآلم فى العمود الفقرى والضلوع ‪ ،‬تزداد هذه اللم مع المجهود ‪ ،‬تحليل الدم‬ ‫أظهر وجود انيميا وهبوط بوظائف الكلى ‪ ،‬أصيب بعدهابجروح فى فروة الرأس ‪ ،‬قام فهمى‬ ‫بعمل غيارات يوميه له ‪،‬كان يشعر بنتوءات صغيرة ‪،‬يقول ان الجروح ل تلتئم‪ ،‬بالرغم من عدم‬ ‫اصابته بمرض السكر‪،‬عرض نفسه على قمر الدين الذى نصحه بعمل أشعة سينية‬ ‫ومقطعيةواختبارات للدم أظهرت ارتفاع نسبة الكالسيوم وحدوث مشاكل فى الكلى ؛اتضح‬ ‫اصابته بمرض يسمى ‪mm‬‬ ‫***‬

‫‪252‬‬


‫‪22‬‬ ‫مراسلت الطرابيلى‬ ‫عاد من لندن حامل شهادة دكتوراه فى جراحة اليد ؛ تخصص نادر يغبطه الكثيرون؛تسلم العمل‬ ‫بالمستشفى ؛تقديرا له عين نائبا أول للمدير ؛ تذكرت عندما كلفنى بإبلغه عن مكان توزيعه فى‬ ‫القطاع الريفى؛ عرفت بعدهاالسبب فى عدم اهتمامه؛فقد كان يخطط للسفر والدراسة فى‬ ‫لندنالمهمة التى ساعده فيها خاله وكيل الوزار‪.‬‬ ‫فتح عيادته ولكنه لم يوفق بها ‪ ،‬يقول ان امكانيات العيادة أكبر من امكانيات المدينة؛العيادة تحتاج‬ ‫الى العاصمة‪ ،‬كان باحثا عن الجديد‪ ،‬دائما ينظر الى المام ويتطلع الى المستقبل‪ ،‬أحيانا يدفعه‬ ‫حب التطور إلى التهور‪ ،‬طلب من مدير االمديرية بعض الجهزة ‪ ،‬مثل الميكروسكو ب‬ ‫الجراحى ؛حاول المدير ان يبعد الدوشة عنه قائل ان لديه اجهزة ل تعمل؛ليس لها وظيفة وتحتاج‬ ‫الى مركز كبير أو مستشفى متخصص ‪ ،‬لم يشعر المدير أنه مؤهل لشراء أجهزة ثمينة‪ ،‬ولم يقدر‬ ‫هذه المهمة التى يحملها ‪ ،‬تفتق ذهنه عن طلب عمل دراسة جدوى للجهاز ‪ ،‬تحير الطرابيلى‬ ‫وقال نحن جهة خدمية ‪ ،‬ولسنا جهة اسثمارية‪ ،‬كيف يطلب منى هذا الطلب الغريب ؟ كان خاله‬ ‫وكيل الوزارة قد أحيل إلى المعاش منذ أعوام؛ حاول النقل الى القاهرة ولكنه فؤجىءبعقبات‬ ‫ادارية ‪ ،‬لم يشعر بالرتياح للسفاف الذى يعامل به البشر أوقاتهم فى مصر؛ اكتفى بمشواره فى‬ ‫المدينة خصوصا بعد أن داعبته الشركات الطبية مداعبات ثقيلة ونصبت عليه احداها فى عدة‬ ‫مطالبات ‪،‬أخيرا قرر أن يمتنع عن التعامل مع الشركات ‪ ،‬قال إن بعض مرضى الشركات‬ ‫يتحايلون لصرف أدوية لقاربهم وأحيانا يصرفون أدوية لستبدالها فى الصيدلية بزجاجات‬ ‫الكولونيا ومعاجين السنان وادوات التجميل ‪ ،‬والبعض يطلب أدوية مرتفعة الثمن بدون أى‬ ‫مبرر؛ وعليك أن تنبح صوتك طول الليل والنهار مع هؤلء‪،‬الطمع و الفقر هما السببان الرئيسيان‬ ‫؛يكفى واحد من هذه العينة لكى يفسد عليك يومك ‪ ،‬كما أن كل جنيه يصل اليك عن طريق اى‬ ‫شركة يسرمع فى الضرائب ‪،‬هذه ليست مشكلة ‪ ،‬ولكن المشكلة ان سهوت عن قيده ‪ ،‬وبالتالى لم‬ ‫تبلغ به ‪،‬فمن الممكن أن يتسبب لك فى ازمة ‪،‬حتى وان اكتشفوا أنك لم تسجل حفنة جنيهات تعد‬ ‫على أصابع اليد الواحدة حصلت عليها يوما ما من احدى الجهات ؛ساعتها ينظرون اليك بعيون‬ ‫الريبة! أرادت بعض المصانع والشركات أن تيسر المور عليها‪ ،‬ول تتعاقد مباشرة مع عشرات‬ ‫الطباء حتى ل يتطلب المر طوابير هائلة من الموظفين لمراجعة فواتير المطالبات وتحرير‬ ‫‪253‬‬


‫الشيكات وغيرها ‪ ،‬آثرت أن توكل هذه العملية إلى شركات خاصة تتعامل مع الطباء‪ ،‬الشركات‬ ‫الطبية الخاصة تتسابق للفوز بالتعاقدات مع المصانع والتجمعات لعلج العاملين لديها بقيمة‬ ‫سنوية ‪ ،‬تصل اليها بطرق عجيبة ‪،‬لتنتزع منها عقودا لعلج العاملين بمليين الجنيهات سنويا‪،‬‬ ‫وتتعهد بذلك ‪ ،‬وتقوم على الجانب الخر بإرسال مندوبيها للتعاقد مع الطباء ‪،‬صار الطبيب‬ ‫موكول إلى شركة طبية لخذ حقوقه منها‪ ،‬كان المفترض – مثل نظام المزادات – أن تدفع‬ ‫الشركة للطبيب تأمينا مبدئيا ليكون تحت يده فى حالة عدم التزام الشركة بالعقد ‪ ،‬ولكن هذا ل‬ ‫يحدث نظرا لعدم تدخل نقابة الطباء ولكثرة أعداد الطباء وتكالبهم وسهولة موافقتهم وحسن‬ ‫ظنهم وربما لعدم فراغهم من ناحية أخرى ‪ .‬قال الطرابيلى عندما زهقت من احدى الشركات‬ ‫أرسلت شكوى لصاحب المصنع ‪ ،‬وهاهى صورتها‪،‬أخرج ورقة من جيبه وفتحها ليقرأها علينا ‪..‬‬ ‫السيد المحترم ‪..‬بعد التحية ‪ ..‬تعاقدت مع شركة علج طبى مسئولة عن علج الحالت المرضية‬ ‫فى عيادتى ‪ ،‬استمر سيل الموظفين والعمال يزحمون العيادة‪ ،‬ظللت فى خدمتهم سنوات ‪،‬‬ ‫أرسلت خللها خمسة مطالبات ‪ ،‬لم يصلنى الرد ‪ ،‬اتصلت تليفونيا من مدينتى لمقر الشركة‬ ‫بالقاهرة ‪ ،‬ولكنى لم أسعد سوى بردود مطاطية ‪ ،‬أعدت التصال مرات عديدة ‪ ،‬وفى كل مرة‬ ‫كنت أسمع النسر ماشين ‪ ،‬واطلب الرقم الداخلى ‪ ،‬بعدها غالبا ينقطع التصال ول يرد احد ‪،‬‬ ‫أعيد المحاولة مرات أخرى ‪ ،‬ومن الجائز أن يرد أحدهم متساءل أيوه أى خدمة ؟‬ ‫أقول أنا فلن واتحدث بخصوص كذا كذا‬ ‫حاضر حاول أن تتصل برقم كذا ‪...‬‬ ‫اتصل بالرقم المطلو ب‬ ‫ممكن يرد قائل ‪:‬‬ ‫أيوه أى خدمة ؟ أنا أسأل عن مستحقاتى ؟ الموضوع عند النسة فلنة‪ ..‬و ر‬ ‫صرلنى بها لو‬ ‫سمحت ‪ ..‬أصلها فى اجتماع ‪ ..‬ممكن حضرتك تتصل بها بعد نص ساعة ‪..‬‬ ‫فى المحاولة التالية يجد التليفون مغلقا ‪..‬ممكن ترد بعد المحاولة العاشرة قائلة ‪:‬‬ ‫سوف تصلك الشيكات السبوع القادم‬ ‫أفرح ‪ ،‬وتمر السابيع دون أى رد ‪ ..‬لست أدرى أى أسبوع قادم؟‬ ‫سافرت لصل الى مقر الشركة بالقاهرة لستلم الشيكات كما وعدت الموظفة ‪ ،‬بحثت عن مقر‬ ‫الشركة وتعجبت أخيرا عندما وصلت الى المقر بصعوبة بمدينة نصر ‪،‬فالشقة بابها مغلق ول‬ ‫توجد لفته ‪ ،‬فقط رقم الشقة‪ ،‬بالداخل راودنى احساس غريب ‪،‬كأننى فى المكان الخطأ‪ ،‬عرفت‬ ‫الموظفة بنفسى وسألت عن مستحقاتى ولكن لم أجد منها ردا مقنعا ‪ ،‬طلبت مقابلة السيد صاحب‬ ‫الشركة ‪ ،‬قالت لى انه غير موجود‪ ،‬انه اليوم مسافر ؛أين ؟ فى السخنة ‪،‬طلبت رقم تليفونه‪،‬‬ ‫ولكنها أجابت‪ :‬ممنوع !تعجبت وأسفت لهذا المسلك ‪ ،‬أحسست أننى صغير فى نظر نفسى ‪ ،‬دخل‬ ‫أحدهم من الغرفة المجاورة راسما على ثغره شبه ابتسامة يقول انه مندو ب الشركة ووعدنى‬ ‫بأنه سوف يأتى الى المدينة ومعه الشيكات بعد يومين ‪ ،‬لم يصل فى الميعاد ‪ ،‬اضطررت إزاء هذا‬ ‫‪254‬‬


‫الموقف إلى قبول الحالت الحادة فقط ‪ ،‬بعد أسبوعين تقريبا جاءنى مندو ب الشركة حانقا ورافعا‬ ‫صوته فى العيادة ‪ ،‬وقائل بصيغة تهديديه‪:‬‬ ‫أنا كنت راجع بالشيك تانى مصر‪!..‬‬ ‫تضاحكت معه‪ ،‬ورحبت به ‪ ،‬وبعدها وجدته يسلمنى شيكا واحدا من أصل خمسة شيكات متقاربة‬ ‫فى القيمة مطلوبة من الشركة ‪ ،‬ولم أر وجهه بعدها ‪ ، ..‬ولم يصلنى باقى مستحقاتى بعدها حتى‬ ‫الن‪،..‬اتصلت بالشركة ولكن بدون فائدة ‪..‬أرجو اتخاذ اللزم نحو هذه الشركة‪ ،‬والمطالبة بإعادة‬ ‫الحقوق لصحابها حتى يتسنى لنا تقديم الخدمة الطبية على أحسن وجه‬ ‫وتفضلوا بقبول الحترام"‪.‬‬ ‫ماذا تم بعدها ؟‬ ‫انتظرت أياما وأسابيع‪ ،‬ولكن للسف؛ل أحد هناك!‬ ‫***‬ ‫قال الطرابيلى‪ :‬قيامى بدور مدير مناو ب للمستشفى كان تجربةأتاحت لى التعرف على أشياء‬ ‫جديدة ‪ ،‬كانت المقارنة ل تغادر ذهنى أثناء حركتى فى الكائنات الكبيرة المتراصة والتى تقع‬ ‫تحت مسمى المستشفى العام‪.‬فى السابق كانت المستشفى وحدة واحدة كبيرة ولكنها الن صارت‬ ‫عدة وحدات متجاورة‪ ،‬قمت بزيارة أماكن لم أدخلها من قبل ‪ ،‬فى دفتر الملحظات كتبت هناك‬ ‫مبنى كبير ‪:‬مبنى الحروق‪ ،‬أردت أن أزور المحاريق ؛ ووجدت إحدى الممرضات جالسة فى‬ ‫مدخل البهو‪ ،‬سألتها عن المرضى وقالت ل يوجد مرضى ‪ ..‬صعدت معها لرى القسم وأتعرف‬ ‫عليه ‪،‬وكان معنا شخص ثالث‪ ،‬وجدت امكانيات هائلة غير مستغلة ‪ ،‬وأجهزة أوشكت على الصدأ‬ ‫وأماكن يمكن استخدامها‪،‬أرجو مراجعة الجهزة والمكانيات للحفاظ عليها والقيام على صيانتها‬ ‫حتى ل تتعرض للتكهين‪ .‬فى المساء صعدت إلى القسام الداخلية ؛ الجراحة – المسالك – العظام‬ ‫؛لم أجد مسئولى القسام ؛ أردت أن اطلب أحدهم عن طريق أحد العمال أو العاملت قال لى‬ ‫ممرض الجراحة‪ :‬ل يوجد عمال سهرانين؛ تعجبت ماذا نفعل لو أردنا استدعاء إحدى‬ ‫الممرضات أو الطباء مثل من الستراحة ؟ أو إذا أردنا حمل مريض لنقله او القيام بأعمال‬ ‫النظافة اذا ما أخرج المريض أو رجع طعاما من جوفه أو كان هناك دم او مخاط على الرض ؟‬ ‫هذا بالضافة الى أعمال االنظافة العادية ‪.‬‬ ‫أثناء المرور لحظ المدير العام ‪ -‬بعين ثاقبة – وجود بعض السرة والجهزة التى تحتاج إلى‬ ‫إصلح أو تكهين ؛ ملقاه فى الكوريدور المؤدى إلى المطبخ والمغسلة ‪ ،‬وعدت سيادته بعمل‬ ‫اللزم؛ سألت نفسى كيف يتم عمل اللزم؟ فى حجرة عمليات أمراض النساء ‪:‬تحتاج الرضيات‬ ‫الخشبية إلى إصلح ؛ويحتاج الكشاف الى مجموعة من اللمبات الزئبقية ؛ويحتاج سرير‬ ‫العمليات بالحجرة اليمنى إلى اصلح ايضا‪.‬أخيرا‪ :‬حجرة اقامة المدير المنو ب بالدور الرابع بعيدة‬ ‫و محدوفة فى أقصى المستشفى و ياليتها تطل على الواجهة؛دخلت من البا ب الخارجى للقسم‬ ‫فوجدت تلل من العهد‪ :‬أثاثات ودفاتر وحضانات أذن لبد من غلق البا ب الخارجى حتى ل‬ ‫يضيع شىء وماذا يحدث لو جاء أحد العاملين ليستدعى المدير المناو ب لن يستطيع دخول المكان‬ ‫‪255‬‬


‫إل إذا اتصل به عن طريق الموبايل ‪.‬عندماأغلقت البا ب الخارجى شعرت أننى فى وحشة شديدة‬ ‫وعزلة تبعث على القلق ؛ لم أستطع البقاء فترة طويلة بالمكان ‪.‬ماذا أفعل لو حدث لى مكروه ‪-‬ل‬ ‫قدر ا؟‪ -‬أو انقطع صوت الموبايل ؟"‬ ‫***‬ ‫أعلنت الحر ب أوارها على الطرابيلى بعد كتابة هذا الخطا ب الذى اطلع عليه المدير العام‪ ،‬فى‬ ‫جلسة ودية عرضه على المحافظ الذى أشر بالموافقة على نقل الطبيب المذكور الى الواحات‬ ‫‪.‬عندما علم الطرابيلى استبد به اللم والحيرة ؛أراد أن يستقيل من الحكومة ويفتح عيادة‬ ‫بالقاهرة ‪،‬قال ربما أعود لعمل فى لندن‪ ،‬ل يوجد وجه للمقارنة بيننا وبينهم‪ ،‬الدقائق والثوانى‬ ‫هناك لها قيمتها؛ المواعيد تدل على الشخصية‪ ،‬هنا ل تستطيع أن تتحكم فى المواعيد‪ ،‬اعتدل‬ ‫طرابيلى فى جلسته ؛ كان كلمه همسا‪.‬‬ ‫كان جالسا معنا عندما رن هاتفه؛ كان المتحدث يعرض عليه عقد عمل بالمملكة ‪ ،‬يومها صار‬ ‫سعيدا‪ ،‬فتح له القدر طاقة كان يتوقعها‪،‬عقد عمل فى المملكة ‪،‬بمشقة اعترف لفهمى أنه ظل‬ ‫يراسل عددا من المراكز الطبية مثل المستشفيات والمستوصفات بالدول العربية والجنبية سرا ؛‬ ‫سوف يخرج اذن من عنق الزجاجة ‪،‬ويذهب هناك ؛ليعود غريبا كما كان ‪.‬استقال من الحكومة‪-‬‬ ‫مثل الكثيرين‪ -‬وسافر ليعمل بمستشفى الملك فهد بالرياض‪ ،‬عاش فى ذلك الكيان الذى يتفاعل مع‬ ‫العالم ويأتى إليه الناس من أركان الدنيا للعمل والحياة‪ ،‬هناك كان سعيدا بالنظام والسهولة التى‬ ‫يجدها فى عمله و قضاء حوائجه‪.‬‬ ‫فى إجازته كان يحكى عن أحوال المملكة ويتكلم مذهول أو كالمذهول ‪ ،‬كان يتخيل انها مازالت‬ ‫صحراء وسيارات فارهة فقط ‪،‬يقول ان المملكة لم تهمل تاريخها وعاداتها ‪،‬فمازال الناس يتهيؤن‬ ‫لرحلت البر‪ ،‬يأخذون سيارتهم الجيمس ‪ GMC‬ويحملون بهاالخيام وعدة الصيد والشى ؛‬ ‫البعض منهم يذهب إلى أماكن صيد الغزال أو الرانب البرية ‪،‬ينصبون خيامهم ويقيمون فيها‬ ‫ويشعلون النار نهارا لطهو الطعام ‪،‬وتجهيز الشاى والهيل الذى يضعونه على القهوة العربى ‪،‬و‬ ‫ليل ليستدفئوا بها ولتكون لهم أنسا وهم يقصون حكاياتهم! يقول أنس إن أهم مالحظه فى المملكة‬ ‫هو اهتمامهم البالغ بإنشاء شبكة بنية أساسية وطرق وكبارى هائلة وواسعة‪ ،‬تشمل كل المدن‬ ‫ومعظم القرى والماكن النائية أيضا ‪،‬ولحظ وجود عدد كبير من الحدائق العامة التى اختفت‬ ‫معظمها من مدننا‪،‬كما اهتموا بإنشاء مطارات فى كل المدن الكبيرة تقريبا ‪ ،‬كذلك مخرات للسيول‬ ‫و نقلوا تكنولوجيا معظم ميادين الحياة ‪،‬توجد لديهم مصانع عديدة ومزارع للكتفاء بمعظم المواد‬ ‫الزراعية ول ينفى ذلك انفتاحهم على العالم ‪ ،‬على الشرق والغر ب ؛وتعميق التبادل الثقافى‬ ‫والتجارى‬ ‫بعد أن توفت والدته ومرض أبوه ؛عبر در ب اللم وحيدا؛ فى غربته ألح عليه هاجس الزواج ‪ ،‬؛‬ ‫رزقه ا بممرضة فليبينية كانت تعمل معه فى المستشفى ‪ ،‬أصا ب سهم كيوبيد قلبيهما ‪ ،‬يتخيلها‬ ‫وهى تقتر ب منه يفوح عطرها الذكى ؛عندما حكى لها عن قصته رحبت بالزواج منه و بخدمة‬ ‫أبيه ‪ ،‬فى اجازته جاءت معه إلى مصر واعتنت بوالده كأبيها تماما‪ ،‬بالرغم من فروق الزمان‬ ‫والمكان والعشرة إل أنه تأكد لديه أخيرا أن هؤلء الجانب جبلوا على النظام‪ ،‬يغرس أهلهم فى‬ ‫نفوسهم أساسيات الحياة الكريمة ‪ ،‬عرف أن الخير موجود فى كل مكان!‬ ‫‪256‬‬


‫***‬

‫‪23‬‬ ‫عيادة حارجية‬ ‫كتب الدكتور نجيب محفوظ طبيب أمراض النساء الشهير فى كتابه حياة طبيب فصل عن وجوده‬ ‫بمستشفى السويس طبيب امتياز‪ ،‬قرأت هذا الفصل وأعدت قراءته؛قال إنه قدم بالقطار الى المدينة‬ ‫فى اوائل القرن العشرين ‪،‬كان طبيب ثان المستشفى بعد الدكتور كريزويل ‪،‬كان يمارس جميع‬ ‫فروع الطب ‪ ،‬ويعمل دمبرنجا أيضا كما قال‪،‬ول يقتصر عمله على المستشفى فقط ‪،‬بل تجاوزه إلى‬ ‫مكتب الصحة والكرنتينا ليكون مسئول عن مرضى السفن السارحة من وإلى أعالى البحار‬ ‫‪،‬ولدى الجاليات الجنبية التى كانت منتشرة بالمدينة ‪،‬سمى الروائى نجيب محفوظ باسمه‪ ،‬وهو‬ ‫اسم مركب ‪،‬تيمنا بهذا الطبيب العظيم الذى قام بعملية توليده عام ‪1911‬‬ ‫الطبيب العام كان ومازال هو عمدة الشغل فى جميع الوحدات الصحية تقريبا ‪ ،‬هو طبيب السرة‬ ‫ومفتش الصحة وطبيب الصحة المدرسية ووحدات المومة والطفولة ‪ ،‬من الملحظ أن طبيب‬ ‫زمان كان أكثر علما وعمل ومشقة ‪.‬‬ ‫***‬ ‫الطابور طويل؛ "سليم النجدى "‪..‬صاحت الممرضة‬ ‫عندك إيه يا سيد سليم؟‬ ‫"حكة شديدة ؛ أنا والولد أيضا ‪"...‬‬ ‫فحصته ‪ ،‬و قلت له وبيدى القلم لكتب الروشتة "لبد من مراعاة النظافة ؛الستحمام يوميا بالماء‬ ‫الدافىء والصابون الطبى ‪ ،‬وقص الظافر واستعمال الدهان مع غلى الملبس وتغييرها ‪"..‬‬ ‫لحسن حظى شكرنى المريض وخرج داعيا لى ‪.‬‬ ‫***‬ ‫‪257‬‬


‫المريض التالى سألته عندك أيه ؟ رد بكآبة ‪:‬قول لى ما عندكش ايه !أكمل ‪:‬عاوز أقول لك حاجة ؛‬ ‫أول كرتر النابيب‪،‬النابيب فاضية – ثانيا اوعى تقول ان احنا بنيجو هنا بدل ما نقعدو ع القهوه !‬ ‫يوم كباقى اليام ‪ ،‬ولكن مزيدا من الغرابة والفهلوة‪،‬تحولت كآبتى إلى ابتسامة عندما قال‬ ‫لى ‪:‬اكتب لى واحد أبو فاس لو سمحت !‬ ‫***‬ ‫أما هذا الدمحرير فقد قال ‪:‬لما ألبس الكلسون الصوف أهرش ‪..‬عاوز علج ‪ ،‬نصحته ببساطه أل‬ ‫يرتدى الصوف على الجلد مباشرة‪ ،‬أجا ب مشاكسا بس أنا عاوز علج ايه هروه العلج؟ عدت‬ ‫أقول ‪:‬‬ ‫ماتلبسهوش‪..‬‬ ‫وبعدين يادكتور؟ ما استعملش علج؟‬ ‫أيوه‬ ‫والهرش ؟‬ ‫حايخف ان شاء ا‬ ‫من غير علج‬ ‫أيوه‬ ‫ازاى يا دكتور ؟‬ ‫استفزنى ‪ ،‬ولكننى لم أنطق ‪ ،‬اكتفيت بسبه سرا‪ ،‬هناك كلم كثير يقال صمتا ‪ ،‬أحيانا تكون‬ ‫لغةالصمت أكثر صراحة وعمقا من الكلم ‪..‬‬ ‫***‬ ‫كنت أفحص أحد المرضى عندما هب الخير قائل‪ :‬بسرعة والنبى احسن المكنة بره ؛رفعت‬ ‫سماعتى من جسد المريض متعجبا ‪،‬بينما أكمل زميل المريض كلمه ‪..‬أصل المكنة جديدة وقبلها‬ ‫كان عنده مكنة اتسرقت من شهر ‪ .‬تبسمت قائل حاضر حاضر ‪..‬ماتخافش يابنى ‪..‬حدثت خناقة‬ ‫خارج الحجرة والمريض مستمر فى كلمه ‪.‬أما المريض التالى لم يتكلم واكتفى بتقديم ورقة‬ ‫وضعها على المكتب ‪،‬قرأتها ‪ "..‬أعانى منذ فترة من هرش حول الشرج من جميع النواحى‬ ‫الخاصة به مع احساس بسيط جدا جدا بحرقان من داخله وفى الفترة الخيرة ارتفع الهرش إلى‬ ‫الليتين ‪،‬كذلك ضعف القدرة على النتصا ب فنرجو العلج اللزم والرشيد لتلك الحالت‬ ‫ولسيادتكم خالص الشكر والحترام" ‪.‬‬ ‫***‬ ‫حشر نفسه وسط الزحام قائل ‪:‬‬ ‫‪258‬‬


‫انا كنت ماشى جنب المستشفى قلت أدخل أكشف على الولد‪ ،‬أخرج من جيبه عدة روشتات من‬ ‫المركز الطبى ومستشفى الصدر والحميات والتأمين الصحى‬ ‫كل الماكن دى كشفت فيها على ابنك؟‬ ‫آه ربنا يخلى لنا الريس‬ ‫الريس مين؟‬ ‫الريس‬ ‫طيب كده العلج يلغبط بعضه‬ ‫أنتو الدكاترة؛ وانتو عارفين كل حاجة‬ ‫كتبت له علجا وأنا أقول الدوا والدهان مرتين يوميا والحقن كل يومين؛أمسك الروشتة وقربها‬ ‫من عينيه ضاغطا بسبابته عليها‪ ،‬نظر إلرى سائل ‪:‬‬ ‫هو فين الدوا؟‬ ‫فى الروشتة‬ ‫آه‪ ..‬يعاود النظر إلى الروشته قائل ‪:‬‬ ‫والحقن؟‬ ‫كل يومين‬ ‫فيه دهان ؟‬ ‫أيوه‪ ..‬مرتين يوميا‬ ‫مفيش مرهم؟‬ ‫أيوه المرهم تدهنه‪..‬‬ ‫يخرج من الحجرة ويعود قبل غلق البا ب يتساءل ؟‬ ‫المرهم قبل النوم وأل بعده؟!‬ ‫***‬

‫أما تلك السيدة التى تشكو من حاجة طالعه من جوه‪ ،‬كانت تشير بيديها إلى نفسها ‪:‬شطة وحرقان‬ ‫هنا وهنا؛ مابانامش؛ أخدت حاجات كتيره أخدت منومات برشام وحقن ودهانات قالوا لى آخد‬ ‫فوار أخدت مافيش فايدة؛ زاد عليا‪ ،‬اخدت يوروسولفين وكالمينا وفوار فروته‪،‬وباخد اللهم صلى‬ ‫‪259‬‬


‫على حضرة النبى مدارت للبول ولى كل كام يوم صندوق بيريل باشربه على ‪ 4-3‬أيام مافيش‬ ‫فايدة ؛قالت ان شقتها على السطح ‪ ،‬قالت انها جنب الشمس ‪،‬وكانت مصابة بالتها ب حرارى‬ ‫علجه الرئيسى هو دخولها تحت الدش أو غطسها فى البانيو ‪،‬مع البعد عن الشمس وباقى‬ ‫مصادر الحرارة الشديدة ‪..‬بعد أن أخذت تذكرة العلج استمرت واقفة وقالت لى ‪:‬أنت‬ ‫فاكرنى؟ ‪،‬حدقت فى وجهها لكى أتأمل ملمحها ‪،‬ولكن لم تسعفنى الذاكرة ‪،‬تأسفت لها قالت إنها‬ ‫أخت شفيقة‪ ،‬صمتت قليل وأردفت شفيقة الشامى ‪ ،‬تعجبت قائل أهل وسهل ‪ ،‬كانت ملمح‬ ‫وجهها متغضنة ‪ ،‬تذكرت أنى قابلتها مع أختها وقت حدوث المشكلة الكبرى لباهر ‪ ،‬سألتها عن‬ ‫شفيقة؛ أطرقت قائلة ل يرحمها؛ قالت إن شفيقة ظلت تتردد على المستشفى حاملة طفلها على‬ ‫ذراعها ‪،‬ساءت حالتها النفسية واستمرت فى تدهور‪ ،‬فى ذلك اليوم كانت فى صحبة أختها ؛قالت‬ ‫ان ثمن تذكرة علج هى السبب فى وفاتها ‪ ،‬تعجبت ؛هزت يدها بالتذكرة التى فى يدها وقالت‬ ‫ورقة زى دى هى السبب ! حدقت فى عينيها متعجبا ؛أكملت أنهما منذ سنوات كانا سويا عندما‬ ‫دخل با ب العيادات الخارجية‪ ،‬أثناءوجودهما أمام شباك التذاكر أوقعها حظها السىء فى موظف‬ ‫سمج ‪ ،‬قال لها ان ميعاد تذاكر العلج المجانى انتهى ول يوجد الن سوى تذاكر العلج‬ ‫القتصادى‪،‬طلب منها ثلث جنيهات لكى يقطع لها تذكرة ‪ ،‬لم يكن معها المبلغ‪ ،‬خرجت حائرة‬ ‫من با ب المستشفى حاملة طفلها تكاد أن تبكى ؛ جرت لتعبر الطريق انزلقت قدمها من الطوار‬ ‫لتقع أسفل عجلت سيارة مارقة‪،‬وأكملت أختها أنها لن تنس أبدا صوت قرقعة عظامها ول نافورة‬ ‫الدم التى انفجرت من رأسها لتغرق اسفلت الطريق ‪ ،‬فى تلك اللحظات تحولت فيها حياة مشتعلة‬ ‫إلى جثة هامدة؛ جرت أختهالتنتشل الطفلة ؛ وجدتها سليمة تماما وهى تبكى على حافة الطوار‬ ‫‪.‬هذه الحكاية جعلتنى أعيش أوقاتا متخمة بحزن دفين ودموع أغرقت وسادتى سرا‪ .‬لم أستطع أن‬ ‫أبرىء نفسى مما حدث؛ لماذا لم أكن موجودا فى تلك اللحظة ؟كان من الممكن جدا أن أدفع لها‬ ‫ثمن التذكرة عن طيب خاطر‪،‬مازلت أشعر أننى ضلع فى تلك المأساة بالرغم من وقوعها بعيدا‬ ‫عنى ولكن ل أدرى كيف؟‬ ‫***‬

‫‪24‬‬ ‫تأمين صحى‬ ‫تباينت طبائع الجيل الجديد ‪ ،‬الغالبية يأتون محملين بآمال وأحلم وطموحات ‪ ،‬يظن البعض أنهم‬ ‫سيجدون الطريق مفروشة بالورود؛مفعمة بالسلسة واليسر‪ ،‬يعتقدون فى حسن نوايا الخرين‬ ‫تجاههم ‪ ،‬ل يدركون معنى الكسل والتعطيل والحقد والروتين الحكومى المعشش داخل خليا‬ ‫البعض ‪ ،‬مما غير سلوكيات الكثيرين منهم ؛يقول فهمى " معظم الطباء صاروا يحبون الكسب‬ ‫السريع‪ ،‬هم نتاج حركة المجتمع والبيئة التى نشأوا فيها‪،‬لم يأتوا بجديد ‪ ،‬ولكنها أمراض تراكمت‬ ‫على أجسادنا فصارت تنخر فيها حتى كدنا نصل إلى القاع‪ ،‬تراوحت أفكار الناس بين أقصى‬ ‫اليمين إلى أقصى اليسار‪،‬تأرجحت موازين الحياة ‪،‬لم يعد لديهم ميزان يزنون به أفعالهم سوى‬ ‫‪260‬‬


‫ميزان واحد هو المال‪ ،‬صار كل شىء عرضة للمدح والنتقاص فى آن ‪،‬عدد غير قليل صار‬ ‫يمتدح الهرو ب من المستشفى للعمل الخاص فى العيادات الشاملة والمستوصفات والمستشفيات‬ ‫الخاصة بالرغم من تعرض حياة الكثيرين للخطر لغيا ب الطبيب عن النوبتجية‪ ،‬إل أن النفس‬ ‫البشرية غالبا ما تقيسها بالمردود المالى ‪،‬أحيانا تشعر أن العطاء والتضحية صارا أثرا من آثار‬ ‫الماضى ! يسيل اللعا ب إزاء الحاجة و إغراء المال؛ قلما يستطيع أحد مقاومته ويقنع بما فى اليد‬ ‫من مبالغ هزيلة يتسلمها من عمله الحكومى ‪.‬الجيل الجديد يرفض بشدة العمل بأجر زهيد‪،‬يقولون‬ ‫انه استغلل بشع للطبيب ‪ ،‬بالرغم من تحسن التأمين الصحى وتكاثر خدماته التى ل يلحظها‬ ‫سوى من استفاد منها والقائمين عليها فى هدوء " ‪.‬‬ ‫أثناء الهجوم الميريكى على العراق عام ‪2003‬؛انشغل الناس بوسائل العلم‪ ،‬كنا نقضى معظم‬ ‫أوقاتنا أمام التليفزيون‪ ،‬كنت قادما ناحيةالعيادات عندما لحظت سيدة تفترش الرض تبيع الجبن‬ ‫والبيض أمام المدخل وعامل يجلس على الرصيف ؛ معه رجل آخر تدلى شعر ذقنه الذى كاد‬ ‫يلمس الرض ؛ كان جالسا على السفلت مستندا بظهره الى الرصيف ‪ ،‬لحظتنى عاملة ضخمة‬ ‫ذات صوت غليظ ‪ ،‬وابتسمت على الفور عندما رأتنى ‪ ،‬ربما تكون ابتسامتها للفرحة‪ ، ،‬وربما‬ ‫يكون ضحكا على عبطى وسذاجتى ‪ ،‬وربما تكون تشجيعا لى على أن اهرش بيدى فى جيبى لكى‬ ‫تحصل على مبلغ بسيط‪.‬وصلت الى مبنى العيادة الثرى فى مواجهة المدخل ‪ ،‬أحب أن أتأمله‪،‬‬ ‫تمت إزالة باقى المبانى القديمة ‪،‬أشعر بالسف عندما تزال مثل تلك المبانى الثرية المتينة‪ ،‬يكفى‬ ‫أنها قطعة من التاريخ ‪ ،‬تذكرنا بأيام السبع بنات‪ ،‬ومستشفى الهلل الحمر‪ ،‬والماميرات‬ ‫الفرنساوية اللتى كن يبذلن حياتهن من أجل البشر ‪،‬كان المكان نظيفا لمعا؛هادئا‪ ،‬السقف شاهق‬ ‫الرتفاع والحجرات واسعة توحى بالبهة والحرية وقيمة النسان ؛من السقف تتدلى سلسلة‬ ‫حديدية تحمل مصباحا عتيقا من بقايا الزمن الضائع ‪،‬جلست إلى المكتب ‪ ،‬لحظت وراءه نافذة‬ ‫خشبية مرتفعة مدعمة من الداخل بسلك قديم مانع لدخول الحشرات ‪ ،‬على الحائط الجانبى توجد‬ ‫لوحة اعلنات قديمة ‪ ،‬مروحة السقف قديمة ل تعمل ‪،‬عندما دخل الصيف ‪،‬طلبنا مروحة ‪ ،‬ل‬ ‫يوجد؛ ننتظر الخطة ‪ ،‬عندما انتهى عمر بعض المصابيح الفلورسنت طلبنا لمبة عادية ‪ ،‬شاهدت‬ ‫نفس التأشيرة ‪ :‬فى الميزانية الجديدة ‪..‬‬ ‫***‬ ‫نظام العمل لدينا مازال فى مرحلة التجربة ؛شىء غريب ؛يحتاج إلى المزيد من التجديد‪ ،‬أو قل‬ ‫التجربة والمشاهدة والستنتاج ؛ مازال معظم الطباء هنا يعملون بنظام التعاقد ‪،‬يتهر ب منه‬ ‫معظم الطباء لجراءاته المملة وعدم جدواه المادية ‪ ،‬الطبيب يقدم الطلب الى الهيئة فتطلب منه‬ ‫أوراقاعديدة‪ ،‬منها موافقة جهة عمله على التعاقد بعد مواعيد العمل الرسمية‪،‬وشهادات التخرج‬ ‫والقيد بنقابة الطباءوغيرها‪.‬كل عام يجدد طلب كل هذه الواق مع تجديد العقد‪ .‬روتين سخيف‬ ‫يسىء التعامل مع البشر ‪ ،‬كل انسان من المفروض أن يعرف ماله وما عليه ‪،‬بالعيادة زحام كثيف‬ ‫‪ ،‬غرفة الفحص مفتوحة على مصراعيها‪،‬الحجرة شبه معتمة ؛ فقط يدخلها بصيص من الضوء‬ ‫خلل سلك النافذة الضيق الملىء بالتربة المتراكمة على مدار السنين ! أوقدت النور‪ ،‬الضاء‬ ‫خافتة؛ السقف التاريخى الهائل الرتفاع ‪..‬الغرفة بها سرير كشف وبارافان ودول ب بالركن ‪،‬‬ ‫ومكتب وكرسى معدنى واحد فاقد لمسند الظهر ‪ ،‬فقط ماسورتان معدنيتان بارزتان من قاعدة‬ ‫الكرسى ‪ ،‬فوق المكتب مجموعة من الرغفة البلدى التى تم فردها لتهويتها‪،‬هناك حقيبة مهملة‬ ‫‪261‬‬


‫تحت المكتب وقد بانت منها أكياس الطرشى و الطعمية بزيتها المعهود مبقعا الورقة‪ ،‬رائحة‬ ‫العيش والطعمية والباذنجان المقلى والجبنة القديمة تفوح مختلطة بروائح عرق تنبعث داخل‬ ‫الحجرة‪ ،‬قماش البرافان مشحوط ول يقوم بمهمته فى ستر المريض ‪ ،‬وراء البرفان سيدة نائمة‬ ‫على السرير‪ ،‬تغط فى نوم عميق‪ ،‬شىء معتاد‪،‬بحثت عن ممرضة ‪ ،‬جاءت بعد دقائق صعبة‪،‬‬ ‫جلست تتربسم وهى تتحدث إلى دون ان يلفت نظرها شىء‪ ،‬سألتها ان كان هناك احد ينام فى‬ ‫الحجرة ؛ أبدت استفهاما وتعجبا ؛ سألتها بسرعة وانا أشير ناحية السرير أن توقظ السيدة‪،‬أفاقت‬ ‫السيدة من سباتها وهو لتدرى أين هى ؟ اعتدلت فى جلستها وبالكاد عاد إليها وعيها ؛خرجت‬ ‫تاركة ملءة السرير مكومة وراءها بإهمال ومدلة على الرض‪،‬قماش البرفان أيضا ساقط على‬ ‫الرض ‪ ،‬التفتت الممرضة الناحية الخرى دون أن يلفت ذلك نظرها ‪ ،‬أو كأنما ذلك ؛واتجهت‬ ‫إلى ركن الحجرة؛ قمت بنفسى رفعت الملءة من على الرض وفرشتها على السرير ‪ ،‬أجذبها‬ ‫وأعدلها حتى نحظى بالحد الدنى من احترام المرضى للعملية الطبية برمتها‪ ،‬أضبط البرافان‪،‬‬ ‫أدكك فيه قماشه البيض ‪ ،‬بينما تنشغل الممرضة بفتح دولبها واخراج الدفاتر لنبدأ العمل ! كل‬ ‫هذا وبا ب الحجرة مفتوح؛ ل أريد أن أغلقه لسبب بسيط ‪ ،‬هو أنه اذا أغلق يحتاج إلى مقبض لكى‬ ‫يفتح‪ ،‬ول يوجد هذا المقبض فقد ضاع؛ ول بديل له كما سمعت ‪،‬أسأل عن كرسى لجلس عليه‪،‬‬ ‫ألقى بنظره إلى خارج الحجرة‪ ،‬تتحرك الممرضة بضجر باحثة عن مقعد ‪،‬كان أحد المرضى قد‬ ‫سحب كرسى الطبيب ل "يمدد" عليه ساقيه المتعبتين‪.‬المرضى يتحدثون كعادتهم بأصوات‬ ‫زاعقةبالستراحةالمواجهة لحجرة الكشف‪..‬دخلت إحدى الممرضات وهى تتضاحك وجمعت‬ ‫المأكولت واندارت خارجة ‪.‬استاء أحد المرضى مما يرى ‪،‬رفع عقيرته مستنكرا بالشتائم ‪ ،‬سب‬ ‫الوزارة والعاملين ولم ينج رئيس الجمهورية من ألفاظه ‪ ،‬جاءت فايزة الهوا من حجرتها البعيدة ‪،‬‬ ‫من عتاولة التمريض القدامى ‪ ،‬وقفت على با ب حجرة الفحص ‪،‬انتظرت حتى أنهى الرجل‬ ‫موشحه ‪ ،‬وتصدرت لكلماته قائلة‪ ..‬اللى مش عاجبه يرحل من هنا ‪ ،‬أحسن وا العظيم أحط فى‬ ‫ايده الحديد ‪،‬كل واحد يقعد بأدبه ‪ ،‬هى سايبه والل سايبه ؟؟ أنا أقدر بعون ا أجيب لمك‬ ‫مصيبة!!!‪ ..‬أنت شايف نفسك وأل ايه ؟ ل يا اخويا ‪..‬ان كنت مش قادر تلم نفسك أجيب لك اللى‬ ‫يلمك !!!‪..‬واندارت ناحيتى وهى تقول ‪:‬‬ ‫الحكومة بنت الكلب خرلت الناس تتنطط علينا !!‪..‬‬ ‫***‬ ‫استعدادا للعمل؛ لم يكن دفتر قيد الحالت موجودا أمامها ‪ ،‬ول توجد سماعة أو جهاز لقياس‬ ‫الضغط أو الحرارة‪.‬‬ ‫سألتها ‪:‬‬ ‫أين الدفتر يا مدام ؟‬ ‫أى دفتر ؟‬ ‫دفتر التسجيل‪..‬‬ ‫ياه‪ ..‬لقد نسيت !!‬ ‫‪262‬‬


‫توجه و‬ ‫ت إلى الدول ب ؛ فتحته وأخرجت الدفتر وجلست ‪.‬‬ ‫تعجبت قائل ‪ :‬و باقى الحاجات ؟‬ ‫"حاضر "‪ ..‬وقامت لتحضر الترمومتر والسماعة الطبية وجهاز ضغط الدم ‪.‬‬ ‫***‬ ‫بدأت تنادى على المرضى ؛ تعجبت من ذلك المريض الضخم ذى اللحية الهائلة الشعثاء‪ ،‬عندما‬ ‫نظرت الى صورته فى دفتر علجه ‪،‬تبرسم قائل صورتى القديمة بدون لحية ‪..‬أيام الجهل‬ ‫‪،‬وضحك‪،‬سألته عن شكواه أجا ب بأن زوجته ذهبت للكشف والعلج ؛كانت تشكو من طفح جلدى‬ ‫حول الماكن التناسلية ‪،‬سألتها الطبيبة عن زوجها‪ ،‬وطلبت منها أن يذهب للفحص والعلج ‪،‬وقال‬ ‫انه لم يكن يريد أن يحضر ‪ ،‬ثم قال أريد أن تكشف على ‪..‬وافقته وسألته عن شكواه ‪،‬أجابنى بأنها‬ ‫بثور حول المناطق التناسلية ‪،‬وهو يلحظها فى زوجاته؛ تأكدت من وجود حالة عدوى فى‬ ‫السرة ‪ ،‬فجر قنبلته عندما قال وهو مازال محتفظا بابتسامته الخائبة ‪:‬على فكرة أنا متزوج من‬ ‫ثلثة ‪..‬وأردف اللهم لحسد! ونظر فى عينى ‪،‬كانت عينى مليئة بالحزن والقرف واليأس من تلك‬ ‫الجثة ‪ ،‬ربما يكون هو الذى جلب ذلك المرض لتلك النسوة‪،‬أو ربما تكون إحداهن هى التى أتت‬ ‫به! يظل هذا المرض يتنقل بين أفراد السرة الواسعة ككرة البنج بونج ‪ ،‬بينما يظل هارون‬ ‫الرشيد العصرى شاردا‪،‬ل يعبأ ول يشغله سوى إشباع رغباته‪،‬من خلل إدعاء اتباع "سنة ا‬ ‫ورسوله"‪.‬‬ ‫***‬ ‫"سامح العمورى ‪"..‬‬ ‫"نعم‪"..‬‬ ‫سألته ‪" :‬تفضل يا سامح ‪..‬ما الذى جاء بك ؟"‬ ‫"جئت بالتاكسى يا دكتور" تبسمت قائل ‪:‬‬ ‫ل‪ ..‬أقصد شكواك ‪ ..‬عندك إيه يا سامح ؟‬ ‫"غليان فى الرأس ‪ ،‬وقشور بالفروة ‪"..‬‬ ‫بعد الفحص ‪،‬أمسكت القلم " مس وكبسولت ؛ وراحة يومان ‪..‬اللى بعده ؟"‬ ‫***‬ ‫تحيرت مع تلك السيدة التى جاءت تشكو من اسمرار الوجه وطلبت علجا "لتبييض" وجهها ‪،‬‬ ‫أخبرتها أنه ل يوجد بالحكومة حل وافيا لهذه الحالة ‪،‬موضوع تجميل !وافقتها على كتابة علج‬ ‫خارجي ؛ لم يكن أمامى على المكتب سوى دفاتر التأمين الصحى ‪ ،‬رفعت رأسى إلى لوحة‬ ‫العلنات المثبتة بالحائط الجانبى‪ ،‬وجدت ورقة قديمة مكتو ب عليها‪ ،‬دققت النظر فيها فرأيت‬ ‫أنها إشارة من مدير العيادة إلى العيادات المختلفة للفادة بأن المريض فلن الفلنى زائر ‪ ،‬ول‬ ‫‪263‬‬


‫يجوز أن يعالج لدينا أكثر من ثلثة شهور من تاريخه ‪ ،‬وممهورة باسم مدير المستشفى والتاريخ‬ ‫فى مارس عام ألف وتسعمائة وست وثمانون ‪.‬سحبت الورقة وبدأت أكتب عليها العلج ‪ ،‬وإذا با‬ ‫لمريضة تتذمر فجأة‪ ،‬و تدير وجهها إلى با ب الحجرة وتقول بصوت جهورى حتى يسمعها‬ ‫الجمهور ‪ :‬أمال فاتحينه ليه؟! ما تقفلوه أحسن!‬ ‫***‬ ‫بعد انتهاء المرضى؛فى لحظة هدوءمالت الممرضة بجذعها على المكتب قائلة‬ ‫أنت لم تبارك لى ‪..‬‬ ‫قلت‬ ‫علم ؟‬ ‫قالت ‪:‬‬ ‫على الزواج ‪,‬ألم تعلم أنى تزوجت ؟‬ ‫مبروك ‪..‬ألف مبروك ‪..‬ولكنى أعرف أنك متزوجة منذ شهور‬ ‫ل ‪..‬لقد أفترقنا وتزوجت سيد سيده‪..‬‬ ‫سيد سيده؟‬ ‫نعم‪..‬‬ ‫ربما يكون هذا هو الزواج السابع أو التاسع على أرجح تقدير ‪ ,‬بل ربما كان العاشر مثل ‪ ،‬طالما‬ ‫كانت تحكى عن تاريخها مع الزواج !‪.‬‬ ‫أنا ل أحب غير الحلل‬ ‫طبعا؛ أنعم وأكرم ‪ ,‬لكن ترى من هو العريس المحظوظ ؟‬ ‫أنت تعرفه !‬ ‫ل أعرف ‪..‬من تقصدين؟‬ ‫لقد رأيته قبل ذلك ‪ ..‬أتذكر ذلك الرجل الذى حضر إلى العيادة من حوالى شهرين؟ وكانت بطاقته‬ ‫الصحية بدون صورة ؟‬ ‫أجبت ‪:‬‬ ‫نعم ‪..‬نعم ذلك الشا ب الضخم ‪..‬الذى يعمل بالمن‬ ‫نعم هو‬ ‫‪264‬‬


‫إن سنه صغيرة ‪..‬‬ ‫ل يضر‬ ‫سألتها‪ :‬وكيف حالك معه؟ ابتسمت من تحت نظارتها الطبية الكبيرة وقالت بصوت خفيض‬ ‫‪:‬الحمد ل‪ ..‬ربنا يديمها نعمة‬ ‫يا سلم يبدو انه عريس لقطة !!‬ ‫نعم ؛ فعل ‪ ..‬صحته ما شاء ا ‪ .‬الشر برة وبعيد ‪ ،‬قوى‪ ..‬قوى جدا ‪...‬‬ ‫ا !!!‬ ‫أى وا العظيم ؛ يظل طول الليل صاحيا‪ ،‬ل يشبع من شىء !!‬ ‫***‬ ‫هي فى سقف الربعينات ‪ ،‬لم تعدم مسحة جمال‪ ،‬منذ شهور قليلة ؛ كانت فرحتها غامرة بآخر‬ ‫زواج لها‪ ،‬فقد تزوجت عدة مرات من قبل ‪ ،‬قالت لصديقاتها ‪:‬‬ ‫"مختلف عن غيره ؛ أحسن منهم ‪ ..‬و عفى !!"‬ ‫عندما يسمعن عن فتوة العريس‪ ،‬وعن فحولته فى جولته الخاصة؛ كن يتعجبن؛ ويغبطنها‬ ‫***‬ ‫والحكاية من شهور؛أنه دخل العيادة بعد النداء قائل ‪:‬‬ ‫" أنا وليد "‬ ‫سألته ‪:‬‬ ‫"ما شكواك يا وليد ؟"‬ ‫"أشكو من حرقان شديد بمجرى البول؛ مع صعوبة التبول وإفراز لزج ‪"..‬‬ ‫"هل أنت متزوج ؟"‬ ‫"ل "‬ ‫"أين تعمل ؟"‬ ‫" فى الداخلية‪ ..‬فى مباحث الدا ب ‪"..‬‬ ‫نظرت إليه الممرضة وقد جذبها الرد ‪:‬‬ ‫"صحيح ؟؟"‬ ‫‪265‬‬


‫تبسم وليد ؛ أردفت ‪:‬‬ ‫" يعنى يمكنكم القبض على مرتكبى الفواحش !!"‬ ‫"طبعا ‪..‬هذا عملنا "‬ ‫" طيب أنا أريد منك طلبا"‬ ‫" أمرك "‬ ‫" المر ل ‪..‬أريد ‪ ،."..‬وأخذته جانبا لتسر إليه بحديث‪.‬‬ ‫***‬ ‫قال وليد بصوت مسموع ‪:‬‬ ‫" لبد من البلغ ‪ ،‬وكتابة اسم وعنوان المبلغ ورقم تليفونه أيضا ‪ ..‬وان لم يكن صحيحا فالحذر‬ ‫واجب حتى ل تقعين تحت طائلة القانون ‪".‬‬ ‫" لماذا؟ "‬ ‫" هناك بلغات كيدية وكاذبة ‪..‬كما تعلمين "‬ ‫"‪".......‬‬ ‫" هناك طريقة أخرى للقبض عليهما‬ ‫ما هى؟‬ ‫يمكن عمل المطلو ب وديا ‪"...‬‬ ‫قال لها ذلك؛ وشكرنى وخرج مؤديا تحية من الرأس بطريقة تمثيلية ‪.‬تابعته ‪ -‬هو خارج من‬ ‫الحجرة ‪ -‬محاول تخيل تلك الوظيفة الجهنمية التى يقوم بها السيد وليد ‪...‬‬ ‫***‬ ‫بعدها لم تأتى سيرته شهورا‪ ،‬أخيرا لمحتها مهمومة ‪ ،‬سألتها ‪:‬‬ ‫ما أخبار العريس ؟‬ ‫ماذا ؟‬ ‫ل تتحدثين عنه هذه اليام ؟!!‬ ‫أسكت ‪..‬اكتشفت انه مدمن ‪ ،‬و يريد أيضا أن يأتى بسيدة أخرى معى !‬ ‫أجبت كأننى غير مصدق ‪:‬‬

‫‪266‬‬


‫كيف ؟‬ ‫أى وا ‪..‬يريد أن يأتى بسيدة أخرى وننام سويا على سرير واحد !!‬ ‫وأنت‪ ..‬ماذا كان موقفك ؟‬ ‫ماذا سيكون موقفى ؟ ما الذى تتوقعه؟‬ ‫طبعا رفضت‪..‬‬ ‫طبعا‬ ‫تعجبت حينها من التطور المفاجىء الغريب للحداث ؛ لم يكن قد مضى سوى شهور قليلة على‬ ‫زواجها من ذلك الموظف المحترم صاحب الملك كما كانت تقول ‪..‬‬ ‫‪..‬تبسمت يومها قائل ‪:‬‬ ‫" من المؤكد أنها عين وأصابتكما يا مدام ؟"‪.‬‬ ‫أريد أن أبلغ عنه‬ ‫عن من ؟‬ ‫عن هذا الذى ابتليت به‬ ‫ما الموضوع ؟‬ ‫أراد أن يستولى على مرتبى كما تعلم ؛ والدهى انه يغيب فى بعض الليالى ‪ ،‬عرفت انه يذهب‬ ‫إلى منزل طليقته ‪ ،‬ويبيت عندها ‪...‬‬ ‫ربما يكون قد ردها إلى عصمته‪..‬‬ ‫ل ‪..‬ل يستطيع يا دكتور إل بمحلل ‪ ،‬لقد طلقها طلقا بائنا ‪...‬‬ ‫هل تأكدت من هذا ؟‬ ‫طبعا لقد اشترطت عليه ذلك قبل الزواج ‪ ،‬ورأيت وثيقة الطلق بعينى هاتين !!‬ ‫اتضحت الرؤيا؛ وبدأت المعارك مع هذا الزوج ‪ ,‬بعد أن تأكد لها أنه طامع فى مالها؛ وصلت‬ ‫إلى المحكمة بعد أن مرت بقسم الشرطة لتحرر له محضر اعتداء ؛ أخذوا عليه تعهدا ‪ ،‬بعد أن تم‬ ‫حجزه واستجوابه‪ ..‬على الفور توجه بها المحامى إلى محكمة السرة ‪ .‬فى دعواها أمام محكمة‬ ‫السرة قالت انه يريد أن ينهب أموالها ‪ ،‬وانه تعدى عليها بالضر ب واللكم؛ وأكدت كلمها‬ ‫بشهادة طبية‪.‬‬ ‫بعد شهور ؛ حضر إلى العيادة ؛ لم أتعرف عليه ‪ ،‬تبسمت الممرضة فى خبث طفولى ؛ نظرت‬ ‫إليه متطلعة‪ ،‬وقالت ‪:‬‬ ‫‪267‬‬


‫وليد ‪...‬سيادتك فاكره ؟‬ ‫حملقت فيه وتبسمت قائل ‪:‬‬ ‫ما شكواك المرة دى يا وليد ؟‬ ‫قال ‪:‬‬

‫أبدا‪ ...‬حرقان فى البول ‪ ,‬و‪..‬‬

‫قاطعنى ؛ وهو ينظر إلى الممرضة التى تعلقت عيناها بعينى ؛ وقد ارتسمت نفس البتسامة‬ ‫المتسائلة فى خبث ودهاء على وجهها ‪ ,‬قلت‪:‬‬ ‫الكبسولت والفوار ‪3‬مرات يوميا مع مراعاة الخلص فى العمل ؛ و تحرى المتهمين جيدا ‪..‬‬ ‫بعد أن غادر وليد ‪ ،‬نظرت إليها متسائل ‪:‬‬ ‫ما الذى تم فى الموضوع ؟‬ ‫قالت وهى تلملم الدفاتر وتضعها فى الدول ب ‪:‬‬ ‫أبدا يا دكتور‪...‬أمازلت تذكر ؟ لقد حاولنا إثبات التهمة ‪ ،‬ولكن وليدا أقنعنى‪ -‬بطريقته ‪ -‬أن‬ ‫أتجاهل الموضوع كما ترى‪...‬‬ ‫***‬ ‫قبل أن ينتهى ذلك اليوم بأحداثه‪ ،‬جاء المدير الدارى ليطلعنى على مكتو ب من رئاسة الهيئة‬ ‫للتوقيع عليه بالعلم ‪ ،‬ضحك بصوت رنان ‪ ،‬نظر الينا وهو يقول تفضلوا ‪..‬نفس العقلية القديمة ‪..‬‬ ‫مافيش فايدة ‪...‬‬ ‫خير با استاذ أحمد ؟!‬ ‫خير ‪ ..‬وأمسك الورقة وقرأها أمامنا ‪" ..‬مكتب مدير الهيئة ‪..‬برجاء العلم بأنه يتعين على جميع‬ ‫الفروع بضرورة إعادة تحصيل طابع الخمسة قروش من كل منتفع ‪ ،‬بالضافة إلى ما يدفعه فى‬ ‫كل عيادة حسب نوع العيادة التى يدخلها ‪..‬ويرجى توقيع جميع العاملين طرفكم بالعلم والتنبيه‬ ‫مشددا على تحصيل الشلن ‪ ،‬ويعتبر عدم تحصيله اهدارا للمال العام ‪.‬وسيحول كل من تسول له‬ ‫نفسه التغاضى عن تحصيل الشلن إلى اللجنة التأديبية ‪ ،‬برجاء التوقيع بالعلم والتنفيذ "‪ .‬مدير‬ ‫الهيئة ؛ قرأته و تبسمت‪ ،‬وقعت عليه بالعلم‪ ،‬العيادة أو المستشفى مكان من المفروض أن يجد فيه‬ ‫المرضى الراحة التى ل يجدها فى مكان آخر ‪،‬على العكس؛ المريض يعانى من من اللف‬ ‫والدوران حول نفسه ‪،..‬كلنا يعرف مدى الحيرة والعذا ب الذى يكابده بعض المرضى من كبار‬ ‫السن والمصابين عندما يطلب منهم هذه الطلبات ‪ ،‬مثل أن يعود إلى موظفة التسجيل ويدفع لتمام‬ ‫توقيع الكشف عليه‪ ،‬المريض أحيانا يقطع المسافة إلى العيادة بطلوع الروح ‪ ،‬فما بالك بعودته‬ ‫لقطع تذكرة ؟ عند اقترابى من با ب الخروج سمعت ضجيجا ‪ ،‬قال لى الموظف الدارى بالصدفة‬ ‫أخبرنا أحد المترددين أن سيدة توفت منذ أكثر من ‪ 7‬سنين وابنتها مازالت تأتى بانتظام الى عيادة‬ ‫التأمين الصحى لصرف علجهاالشهرى!‬ ‫‪268‬‬


‫***‬ ‫‪25‬‬ ‫حواديت طبية وغير‪..‬‬ ‫ضحى أحد أيام نهايات العقد الول من القرن الحادى والعشرين ؛ قمت أنظر خلل زجاج‬ ‫نافذة حجرة الطباء المغلق ‪ ،‬تذكرت صديقى باهر بعد أن سافر ؛جاءت ذكراه طاغية؛كنت‬ ‫صريحا وصادقا مع نفسك ياباهر ؛تعترف بسهولة ؛تريد أن تفرغ حمل ثقيل ؛كنت تبلغنى‬ ‫أسرارا عن نفسك ‪ ،‬ل أريد أن أبوح بها ولكنى سأروى بعضها لكى أرتاح ‪،‬بعد زواجك بزمن‬ ‫صرت تشكو من تقطيع البول واحتباسه فى بعض الحيان‪ ،‬وتكرار دخولك دورة المياه حتى أنك‬ ‫قلت لى أردت ان أحمل معى دورة مياة ! فوجدت الحل؛سألتك وما هو ؟ أجبتنى بأنك جهزت‬ ‫دورقا أو برطمانا فارغا ولم تنس أن تحكم غطاءه ‪،‬وكنت تضعه فى السيارة – أثناء حديثك كنت‬ ‫تتلفت يمينا ويسارا للجالسين حولنا ‪ ،‬حتى تتأكد من أنه ل أحد يتنصت علينا – وتكمل كلمك‬ ‫‪..‬كنت تضعه أسفل المقعد أثناء القيادة ‪ ،‬حتى اذا ما شعرت برغبة طارئة فى التبول ‪ ،‬توقفت على‬ ‫جانب خال من الطريق ‪ ،‬وفتحت سوستة البنطلون واقتربت بالبرطمان ليستقبل بولك ! تقول إن‬ ‫زوجتك تعودت أن تتجاوز عن انفعالتك العنترية وزلتك التى تصف معظمها أنها "صبيانية "؛‬ ‫وتدع المور تمر فى هدوء ‪ ،‬تخالف الصوا ب‪،‬بالرغم من انك تعلم يقينا أنك مخطىء ‪ .‬بعد حين‬ ‫تقتر ب هى منك وتحوطك بابتسامة مشرقة ‪ ،‬وتسامرك كأن شيئا لم يكن ! كنت أيامهاتحكى لناأنك‬ ‫تتمسك بالصعود ؛مشكلتك أنك لم تكن تتحكم فى نفسك‪،‬ل تهدأ ثورتك ال بعد بلوغ القمة‪ ،‬دائما‬ ‫تتسارع انفاسك وتلهث كأنما تتذوق الحياة للمرة الولى ‪،‬كالطفل المتلثم ثدى أمه بعد طول فراق‬ ‫وجوع وهزال!ما اعظم غرورك ! ل أنسى ضحكتك المجلجلة عندما قلت لى إنه مع الشيخوخة‬ ‫يضمر كل عضو فى النسان ما عدا غدة البروستات فانها تنتفش وتكبر حتى يمكنها أن تسد‬ ‫مجرى البول !‬ ‫مع الوقت ارتفعت المبانى حول مبنى المستشفى الرئيسى‪ ،‬تقلصت رئة المستشفى ‪ ،‬المبانى‬ ‫الجديدةش دتضم الى ادارتها ‪ ،‬انحسرت تلك المساحة الرائعة التى كانت تحتلها الحديقة داخل أسوار‬ ‫المستشفى ‪،‬كما اختفى الملعب واحتل مكانه بناءان برزا بصورة مستفزة ل جمال فيها ول تناسق‬ ‫بينها وبين المبنى الرئيسى ؛مبنى الطوارىء‪ ،‬ومبنى آخر يشمل حالت غسيل الكلوى وحالت‬ ‫القلب‪،‬قامت ببنائه شركة لنتاج الزيوت‪ ،‬كما تم بناء مبنى آخر لقسم الشعة‪ ،‬تم إدخال الرنين‬ ‫المغناطيسى وأنواع أخرى من الشعة التشخيصية لم تكن موجودة من قبل ‪.‬المبنى الثالث نبتت‬ ‫فكرته بعد أن شب حريق بشركة لتكرير البترول‪،‬وتحول ثلثة أو أربعة مصابين بحروق من‬ ‫الدرجات المختلفة الى المستشفى ‪،‬يومها كثر الكلم عن سوء الخدمة بالمستشفى وعدم وجود قسم‬ ‫مخصوص للحروق ‪ ،‬هاجت نقابة العاملين ‪ ،‬ورفع المر للمحافظ الذى وافق على إنشاء مبنى‬ ‫خاص للحروق ‪.‬‬ ‫امتل المكان بالتربة والوراق والكياس ونفايات أخرى مختلفة ‪ ،‬هناك دوامة هوائية عجيبة ‪،‬‬ ‫تدور خللها النفايات والوارق والكياس حول مركز متناثرة ‪،‬إنها دوامتنا اليومية؛ تبسمت‬ ‫وجلست ل ألوى على شىء !قال الدكتور ابراهيم وهو يرفع عينه عن مجلة طبية قديمة كان‬ ‫يتصفحها ‪:‬هل سمعتم عن الزمبوك والسوبر ساليسيل ؛قال انه قرص ذو كسوة معدنية يحتوى‬ ‫‪269‬‬


‫على سلسلت الصوديوم وبارامينوبنزوات الصوديوم وفيتامين أ وج وأسيتوفيناتون ونياسيناميد ‪.‬‬ ‫معامل أدوية دوش بمصر "أولد جورجى دوش"؛ ورأى بالصحيفة إعلنا عن لزقة أبو الهول‬ ‫‪ porous plaster‬وقال صافى قرأت عن خناقة بين طبيبين بالمشارط داخل غرفة العمليات أثناء‬ ‫إجراء جراحة لحد المرضى؟وان طبيب الشعة الوحيد بالمستشفى قدم استقالته بعد خلفه مع‬ ‫مديرية الصحة ‪ ،‬الطباء والمرضى ل يجدون تقارير لفلم الشعة؛ مستشفى بالجيزة محاطة‬ ‫بترعة يعوم فيها حيوانات نافقة وقمامة وتنبعث منها روائح كريهة ‪ ،‬المستشفى كبير وبه حوالى‬ ‫‪ 700‬سرير‪ ،‬كان البا ب مفتوحا أمام كل الناس ل أحد يسألك أين تذهب؛يجلس رجل ضعيف البنية‬ ‫أسفل شجرة ‪،‬أخذناه معنا إلى مكانه بالعنبر‪ ،‬أرسرة قديمة وغيارات قذرة ودورات مياه غير‬ ‫آدمية ‪ ،‬احدهم يتدلى من أنفه خرطوم للتنفس الصناعى ! يتمنى دخول قاعة العلج المميز ولكنه‬ ‫حرم منها لنه ليمتلك اللف جنيه التى طلبوها منه "‪.‬‬ ‫فهمى يجلس منحشرا جوار ابراهيم وشومان على حرف الفوتيه القديم الذى تقتر ب قاعدته من‬ ‫الرض‪ ،‬أرجل الفوتيه مفككة وتحتاج إلى تثبيت بالغراء كما نصح موظف القسم الهندسى وأخذ‬ ‫بعضه وغادر ولم يفعل شيئا ‪ ،‬كانت جميع مقاعد الحجرة مشغولة بأكثر من عشرة أطباء ‪،‬‬ ‫يتصاعد نغم الحوار مع حرارة الجو ويتحدث الجميع فى شتى الشئون؛ سياسة اقتصاد طب‬ ‫مشاكل اجتماعية‪ ..‬كل مناحى الحياة ‪ ..‬اهتمامهم بأحوال العمل ل يخرج عادة عن دائرة الحديث‬ ‫والشكوى ‪،‬ل يأخذ منهم الحديث عن الحوال المستشفى سوى لحظات قليلة‪ ،‬لم يكن أحد مهتما‬ ‫الهتمام الكافى ليأس الجميع من الصلح‪ ،‬يقول فهمى أننا نفتقد الشجاعة؛شومان يدعى بأنه ل‬ ‫أحد ديبقى على الحكومة وأن البلد فى خطر ‪ ،‬أن ولة المور أصبحوا فى هذه اليام من المتسلقين‬ ‫المتحذلقين الذين يمتلكون المقدرة على الرقص على جميع الحبال‪،‬الكل يخشى الصدام مع المدراء‬ ‫حتى ل يحدث له مثل ما حدث مع الطرابيلى الذى أتاه قرار بنقله الى الوادى الجديد؛ يقول‬ ‫البعض يستاهل! من الذى جعله يتصدر ؟ وهل هذه دولة ؟ يقول آخر يا جماعة إذا لم يكن عندنا‬ ‫أمثاله سوف ل نرى أى بادرة إصلح‪ ..‬من هنا ورايح تعوردوا الضر ب على القفا!‬ ‫***‬ ‫كانت هذه الحجرة التى نجلس فيها بالدور الرابع من المبنى مجاورة لعنابر المرضى ومخصصة‬ ‫للتمريض وحفظ الملفات ‪ ،‬بها دول ب صغير لدوية الطوارىء؛ ألغيت صيدلية الطوارىء‬ ‫وضمت ملفات الجراحة مع ملفات الباطنة فى حجرة واحدة؛ حدث تراشق بعدها بين تمريض‬ ‫القسمين لتداخل الملفات والمهمات وضياع بعضها ؛ الحجرة بعيدة جدا عن مبنى الدارة‬ ‫الموجود بالدور الرضى ‪ ،‬جاء اختيارها على حسب قول أحد الطباء الساخرين ضربة معلم ؛‬ ‫الحجرة ضيقة ومزدحمة ‪ ،‬فقد تم أعطاء الطباء شلوتاو إبعادهم من حجرتهم المجاورة لمكتب‬ ‫المدير بالدور الرضى إلى أعلى !! ‪..،‬تأسف أنس عندما أخبره فهمى أن المحافظ عاقبه بخصم‬ ‫عشرة أيام من راتبه‪ ،‬قال‪:‬تخيل يا أخى احنا بقينا ملطشة ! رئيس القسم ومدير المستشفى والمدير‬ ‫العام والمحافظ و أصحا ب دبلومات التجارة كمان من حقهم يخصموا للدكاترة ‪.‬تدريجبا انسحب‬ ‫الدكتور فهمى من عمل الواجب كما يقول وعندما سأله ابراهيم أجا ب ‪:‬ل أسمع ل أرى ل أتكلم ‪..‬‬ ‫يابنى أحسن حاجة فى البلد دى انك تركبر‪...‬تديها الطارشة تاخد مرتبك وحوافزك وكل شىء على‬ ‫ما يرام؛تفتح بقك تاخد على دماغك ‪!..‬‬ ‫‪270‬‬


‫***‬ ‫أثناء خروجى لحظت أحدهم ‪،‬رأيته مرارا فى قاعات انتظار وردهات العيادات المختلفة‪ ،‬كان‬ ‫طويل يرتدى بدلة كاملة وكرافت ‪،‬لترى عينيه من خلل نظارته الشمسية التى يحرص على‬ ‫عدم خلعها‪،‬يلمع باقى سواد شعره المصبوغ الممشط بعد فراغ المنطقةالمامية منه؛يحرص على‬ ‫لصق خصلة منه لتقليص الفراغ المتوسط ؛كما تعود أن يداوم على الظهور بذقن حليق تفوح منه‬ ‫رائحة بارفان رخيص ‪،‬دائما ل تغادر وجهه ابتسامة زئبقية بينما تتسكع عيناه فى شتى التجاهات‬ ‫باحثا عن مزة‪ ،‬اذا صادفته أى أنثى حاول أن يلفت نظرها ؛ يقف ليبادلها حديثا‪،‬حتى إذا ما تعذر‬ ‫الحوار ولم يستطع أن يكمل معها؛ أحيانا ل تتوانى احداهن عن زجره‪ ،‬مع ابتسامة أى واحدة ؛‬ ‫فى الحال يدس يده فى جيب الجاكت ليخرج لها ما تيسر من الحلوى؛طوفى وماستيكه وبسكوت‬ ‫شمعدان وهولز وهوهوز وغيره؛ يضعها فى يدها التى يكون قد أحاط معصمها بيده الخرى‪.‬‬ ‫***‬ ‫تحت شمس الظهيرة تجلس الممرضات فى شرفة واسعة ملحقة بعنبر الولدة ‪ ،‬يصل اليهن‬ ‫أصوات تعودن عليها ؛صراخ سيدة أو اثنتين‪،‬أو ربما أكثر ؛من حالت الولدة وعمليات‬ ‫القيصرية ‪ ،‬ليمنعهن ذلك من الحديث فى شتى المواضيع ‪ ،‬كان باهر جالسا فى مكتبه عندما‬ ‫سمعهن وهن يتحاورن معا ؛ كان قد انتهى من الفحص عندما سحبت التلميذة ملفا من فوق‬ ‫الكومودينو ‪ ،‬عندماانتهى ميعاد الدرس العملى للتلميذات سمعت نداء من زميلتها بحجرة‬ ‫مجاورة ‪ ،‬خرجت لتلحق زميلتها ‪ ،‬ونسيت الملف ؛بينما جلست الممرضات سويا دار بينهن‬ ‫حوار ؛تتساءل فاطمة عن البمباظ ؛بينما تختبر فيفى زميلتها قائلة إيه هوه البيض‬ ‫السكندرانى ؟ احتارت موجا فى الفرق بين السالوبيت و السالوتيب ‪ ،‬وقالت نسرين ان خطيب‬ ‫ابنتها ماهر قلبه اسود وبتاع نسوان‪ ..‬ردت عليها فاطمة اعصرى عليه ليمونه بنزهير‪ ،‬حد لقى؟‬ ‫انتى لو شاطرة ؛بكره تعلميه الد ب وتخليه يمشى جنب الحيط !بينما تضحك صاصا وتقول ان‬ ‫زوجها حسنى يقول عن نفسه انه صار طرطورا ‪ ،‬ضحكن وسألنها كيف تقول ذلك ‪ ،‬أجابت ان‬ ‫عمله ملحظ فى مطبخ المستشفى ؛كان المتعهد يأتى بالخضر وآخر يأتى باللحوم وثالث يأتى‬ ‫بالبقول وهكذا ‪،‬كانت الوجبات تحضر خطوة خطوة ‪ ،‬من أول استلم الخضار وغسله وتقطيعة‬ ‫واستلم اللحوم وتقطيعها وتسويتها حتى تفوح رائحة الطعام متضوعة فى أرجاء المكان !أخيرا‬ ‫غيروا النظام ولم يعد هناك مجال للطبخ والمراجعة والمرور على حلل الطبيخ ورائحته الفواحة‬ ‫وحسا ب الكميات المطلوبة ‪ ،‬الن لم يعد المطبخ كما كان ‪،‬كله وجبات جاهزة من الخارج‬ ‫‪،‬الملحظ لم يعد له فائدة‪ ،‬ل يحتاج المر سوى عاملت لتوصيل الوجبات الجاهزة إلى مرضى‬ ‫القسام‪.‬فى الليل كان يقول لها حسنى حزيناان النظام الجديد جعله طرطورا ‪.‬فى تلك اللحظة‬ ‫صار هرج ومرج ؛أقار ب مريضة حضروا الى المستشفى ليشكوا من عدم السؤال عن مريضتهم‬ ‫المحجوزة منذ أربعة أيام ؛لم تتناول المريضة علجا لمدة أربعة أيام ‪ ،‬لم يحضر اليها أحد ‪ ،‬لن‬ ‫اسمها لم يدرج فى كشف العلج اليومى ‪ ،‬تورمت قدماها ‪ ،‬وكادت ان تلفظ أنفاسها ‪ ،‬لم يسأل أحد‬ ‫إل عندما تشاجر أقاربها وعل صوتهم فى ردهات المستشفى ‪.‬‬ ‫أما هذا الخبر المزعج فقدألقته فايزة بهدوء تام عن زوجها الذى خرج من السجن مصابا بفشل‬ ‫كلوى!وقالت ان ابنتها تزوجت ومات زوجها بعد الفرح بأسبوعين ‪،‬ماجدةالمشهورة‬ ‫‪271‬‬


‫بموجاالسكندرانية تزوجت واستقرت بالمدينة لديهاالن خمسة أولد ‪ ،‬ترعرعوا وبدأت معهم‬ ‫رحلة البحث عن عمل وعن زواج أيضا ‪،‬وصافى تزوجت وعاشت بالسيوف بالسكندرية ‪ ،‬نسمة‬ ‫من نسمات البحر مرت من هنا‪،‬أما ضاحى فقد تورمت بطنه وقدماه‪ ،‬اختفى ولم يعد يظهر فى‬ ‫جنبات المستشفى إل لماما‪ ،‬وبدا بعد مدة عاجزا عن الحركة للنبعاج الشديد فى كرشه ‪،‬ظل‬ ‫يعانى من استسقاء سببه تليف وتضخم بالكبد والطحال من أثر بلهارسيا قديمة ‪،‬عاودته غيبوبة‬ ‫كبدية ؛ الكل كان يعطف عليه ويزوره ولكن المرض بالرغم من ذلك تغلغل المرض و توفى‬ ‫متأثرا بهبوط حاد بالقلب اثر نوبة نزيف مفاجئة أدت إلى هبوط حاد بالقلب والدورة الدموية ‪.‬‬ ‫نسرين التى تأخرت فى الزواج ؛رزقت بطفل جميل ؛كان سلوتها فى حياتها‪ ،‬ابنها الوحيد‬ ‫سيدخل ‪ k.g‬العام القادم ؟توفى إثر حمى مفاجئة ؛ نعم ‪...‬عرفت الخبر متأخرا ‪ ،‬ذهبت إلي‬ ‫مكانها لعزيها لم أجدها ‪ ،‬سألت بعض زميلتها عنها قالوا لقد غابت لغيا ب زوجها عن الحياة ‪،‬‬ ‫مات متأثرا بوفاة ابنه‪ ،‬وجدوا جثته على السرير وهو يحتضن صورة ابنه بين يديه ! رابع يوم‬ ‫وفاة الطفل !‬ ‫خلعت فايزةأسنانها العائمة ‪ ،‬وانتظرت لكى تركب طقم أسنان كانت فترة انتظارها فترة حرجة ؛‬ ‫كانت تحاول أن تتجنب الناس ؛تغضن وجهها وصارت هتماء ‪ ،‬تكرمش جلدها وضمرت شفتاها‬ ‫إلى الداخل ‪ ،‬وبانت خيوط التجاعيد حول العين والفم ‪.‬‬ ‫غادرت مس منال المدينة إلى القاهرة لستئصال الثدى ‪ ،‬ومتابعة العلج الكيماوى والشعاعى ‪،‬‬ ‫مكثت فى القاهرة فى شقة اختها بالوراق ‪،‬صارت بائسة خصوصا بعدما سقط شعر رأسها كأنما‬ ‫حلقته بالموس ؛عاشت فترة امتدت إلى أكثر من ست سنوات قبل أن تغادر عالمنا‪.‬‬ ‫فى نهاية الموسم خلت المستشفى من النوا ب تقريبا‪ ،‬استعانت ادارة المستشفى بنوا ب من قسم‬ ‫النفسية ليعملوا فى تخصص العظام ‪ ،‬تم تكليف الخصائيين للعمل لسد العجز‪ ،‬رفض أحد‬ ‫الخصائيين العمل فى الستقبال ‪ ،‬تضايق المدير منه وتوجه إلى عريف نقطة المستشفى وقام‬ ‫بتحرير محضر له ؛فى النقطة طلب الطبيب تحويله إلى النيابة !‬ ‫***‬

‫‪272‬‬


‫‪26‬‬ ‫عيادتى‬ ‫جاءتنى العيادة مع زوجها وابنتها ‪ ،‬طلبت الكشف على ابنتها ‪ ،‬كنت قد رأيتها وسط العداد‬ ‫الكبيرة داخل ردهات المستشفى ‪ ،‬أوقفتنى بالكوريدور طلبت منى أن أكتب لها العلج واعتذرت‬ ‫لتأخيرها ‪ ،‬عدت معها ثانية وهى تحكى لى هذه الحكاية ‪ ...‬تحدثت بسرعة عن مرض زوجها ‪،‬‬ ‫وعن انعدام التعليم داخل المدارس ‪،‬و عن أشياء كثيرة ‪ ،‬قالت أيضا إنها تساعد اولدها فى‬ ‫المذاكرة ؛ وقالت من المفروض آخد ‪ 3‬شهادات؛الطب البيطرى والحاسب ولسانس آدا ب‪..‬‬ ‫ياسلم!‬ ‫طبعا ‪..‬تصور ان المذاكرة لذيذة ‪..‬انا ماكنتش أعرف أن الحصان ينام وهو واقف ازاى ؟‬ ‫***‬ ‫كنت أتردد على منزل عجوز ملزم للفراش ‪ ،‬كان يعانى من مشاكل صحية عديدة ‪ ،‬السكر‬ ‫مرتفع جدا والضغط كذلك والكبد لم يبق منه شىء كما يقول؛ وشرايين القلب تضيق عليه؛‬ ‫ودوالى الساقين وتورمهما؛نظرت الي هذا الجسد السمين وقلت له‪:‬‬ ‫وتعانى أيضا من السمنة !‬ ‫رد حائرا‪:‬‬ ‫نعم نعم‪..‬‬ ‫رأيت قدميه متورمتين بصورة بشعة وينز منهما سائل اصفر لزج ؛ تكاثر الذبا ب حول الجرح‬ ‫كما انتشرت بالحجرة المغلقة رائحة مقبضةكئيبة‪،‬طلبت من زوجته أن تفتح النافذة؛بذلت جهدا فى‬ ‫إرتقاءالكنبة ومدت يدها الى النافذة المتربة وكأنما تفتحها لول مرة ‪..‬وقالت‬ ‫أخاف عليه من البرد ‪ ،‬رابطة نفسى جنبه يمكن ربنا ينفخ فى صورته ‪،‬بعد أسبوعين شاهدت‬ ‫مأتما فى ذلك المكان قتذكرت العجوز على الفور ؛ قيل لى إنها زوجة العجوز المريض‪.‬‬ ‫***‬ ‫ماتش الهلى والزمالك ‪ ،‬الشوارع هادئة سوى صراخ يتصاعد من هنا وهناك مع كل لعبة حلوة‬ ‫أو لعبة قالشة أو جون حقيقى؛أصوات تعلو وهتافات تصدر من المقاهى والمحلت أسفل عيادتى‬ ‫‪273‬‬


‫بالميدان الفسيح ‪.‬جاءنى مريض وسط الماتش ‪،‬سألته عن شكواه ‪،‬تبسم ونظر حوله وقال بعينين‬ ‫سارحتين ‪ :‬انت عارف ‪..‬قلت ‪ :‬عارف إيه؟ أجا ب ببساطة ‪:‬نفس الشكوى ‪...‬هى هى لم تتغير‬ ‫‪.‬تبسمت بدورى متسائل ‪ :‬نفس الشكوى ؟ فقال نعم ‪!..‬نفس الشكوى اللى جيت لك بها من ‪4‬‬ ‫سنين‬ ‫من ‪ 4‬سنين؟‬ ‫تقريبا ربما ‪ 5‬أو ‪7‬سنين حاجججة كده‪..‬أنت نسيتنى وأل إيه ؟ انت فاكر انا حكيت لك على‬ ‫موضوعين ‪..‬‬ ‫خير ؟!‬ ‫الولنى خلص‬ ‫والتانى ‪..‬التالى لسة ‪..‬نص نص ‪..‬الولنى مش هانتكلم فيه دلوقتى‬ ‫ليه؟‬ ‫لنه بقى أحسن‬ ‫الحمد ل‬ ‫والتانى ؟‬ ‫التانى أشد من الولنى ‪..‬بقى له مده معايا ‪..‬سنين ‪..‬‬ ‫ياه‪..‬‬ ‫اه وا‬ ‫رن الموبايل ‪ ،‬أخرجه من جيبه ونظر فيه؛ثم نظر ناحيتى مبتسما وهو يقول ‪:‬‬ ‫الحكومة ‪..‬المدام عاوزه تطمن على ‪!..‬‬ ‫على الولنى وال التانى ؟‬ ‫الولنى طبعا ‪..‬‬ ‫مش الولنى بقى كويس ؟‬ ‫ل هو لسه فيه شويه‬ ‫وضع الموبايل على أذنه وقال ‪:‬‬ ‫أيوه‪..‬أنا هنا عند الدكتور فى العيادة ‪..‬آه فى أوده الكشف ‪..‬آه حيكشف عليا أهو ‪ ..‬نعم ؟‬ ‫الولنى ‪..‬آه آه ‪ ..‬ما حكيت له على الولنى والتانى كمان ‪..‬‬ ‫دق التومرجى على با ب الحجرة قائل ‪:‬‬ ‫لو سمحت يادكتور الناس اللى بره مستعجلين ‪..‬‬ ‫***‬ ‫أوشك الليل على النتصاف ؛ العيادة خالية ؛قبل الغلق أرسلت التومرجى ليشترى عقارا من‬ ‫الصيدلية ‪ ،‬فى ذلك الوقت المتأخر ؛ جلست وحدى‪ ،‬تضاءلت وتباعدت أصوات السيارات‬ ‫والمارة بالطريق؛ و ساد الهدوء؛ دخل العيادة وجه عرفته منذ سنين ‪ ،‬وجدته يسرع قائل ‪:‬يا‬ ‫ساتر ‪..‬يا ساتر ‪..‬‬

‫‪274‬‬


‫قمت من مكتبى ‪ ،‬رأيته أمامى متوجها مباشرة إلى حجرة الفحص ‪ ،‬وقد رسم ابتسامة عريضة‬ ‫على وجهه يميل برأسه على كتفه ؛ كما يضع على ظهره "عباية" صوفية محترمة ‪،‬حليق‬ ‫الذقن ‪ ،‬تلتمع عيناه ببريق الصحة والعافية ‪ ،‬يصحب معه صبيا ‪..‬‬ ‫على الفور تذكرته ‪...‬كان كثير التردد على المستشفى‬ ‫سلم على بحرارة واشتياق ‪ ،‬وقابلته بالمثل ؛ جلس أمامى هو ابنه‪..‬‬ ‫سألته عن أحواله وأحوال أسرته ‪ ،‬أدام الحمد والثناء على ا ‪..‬‬ ‫الحمد ل‪ ...‬نحمد ا يا باشا‬ ‫فينك دلوقتى ؟‬ ‫وا فى شركة مع واحد ‪...‬الحمد ل الرجل سايبنى على حريتى الحمد ل؛ رجل محترم ما‬ ‫يتخيرش عن سيادتك ومستورة وزى الفل‬ ‫قبل يده باطنا وظاهرا وأردف ‪:‬‬ ‫مرتبى ماكنتش أحلم بيه ‪...‬الحمد ل ؛ زائد المعاش‪ ..‬أنت عارف أنا طلعت معاش مبكر بدرجة‬ ‫مدير عام‪...‬‬ ‫عال عال‬ ‫وعندى فى البلد حتة أرض تيجى عشر فدادين مزروعة والحمد ل ‪...‬‬ ‫عال عال ‪...‬‬ ‫يا باشا ربك مابينساش حد‪ "..‬ول ينسى ربك أحدا "‪..‬‬ ‫ونعم بال‪..‬‬ ‫أهل وسهل ‪..‬قدمت له البمبونيرة الموجودة على المكتب ؛ التقط منها حبات ؛ وقال لبنه‪:‬‬ ‫خد خد يا ياسر من عمك ‪..‬‬ ‫مد ياسر يده وأخذ‪..‬‬ ‫الحمد ل لقيناك فى البرد ده ‪..‬‬ ‫خير إن شاء ا ؟‬ ‫يا باشا الولد مانامش طول الليل‬ ‫سلمته‬ ‫عمال يهرش من امبارح ‪ ،‬ومرعو ب قوى ؛ وأمه خايفه عليه‪ ...‬أنت عارف قلب الم طبعا‬ ‫‪275‬‬


‫طبعا ‪..‬طبعا‪..‬‬ ‫***‬ ‫كشفت على الصبى ووصفت له علجا‬ ‫ماعندكش حاجة إسعاف يا باشا ؟ ربما الجزخانة تكون قافلة دلوقت‪ ...‬أنت كلك بركة ‪...‬‬ ‫مددت يدى إلى الدول ب القائم جواري وسحبت منه علبه دواء ؛ وقلت له ‪:‬‬ ‫مضاد للحساسية ‪..‬‬ ‫وكتبت عليها وأنا أكمل‪:‬‬ ‫معلقة مرتين يوميا‪..‬‬ ‫ابتسم ابتسامة عريضة‪ ،‬ومال برأسه على كتفه ‪:‬‬ ‫مش عارفين نعمل معاك إيه يا باشا ‪...‬كلك واجب وا ‪...‬كلك واجب ‪...‬‬ ‫العفو يا أخى ‪..‬العفو‬ ‫أمسكت أنبوبة كانت موضوعة أمامى على المكتب ‪ ،‬وقدمتها له قائل ‪:‬‬ ‫والدهان صباحا ومساء ‪..‬‬ ‫ازدادت ابتسامته اتساعا وقال ‪:‬‬ ‫وكمان مرهم؟!‬ ‫دى حاجه بسيطة‪..‬‬ ‫أخذ الدواء وأسقطه فى جيب العباءة الضخم ؛ وهو يقوم من كرسيه مادا ذراعيه الثنتين ليسلم‬ ‫علرى ؛ شد علي يدى بحرارة قائل ‪:‬‬ ‫ أنا مش عارف أقول لك إيه ‪...‬أنا متشكر قوى ‪...‬تحب يجيلك امتى استشاره يا باشا ؟‬‫ بعد يومين ‪...‬‬‫ حاضر‪ ..‬أن متشكر قوى ‪..‬السلم عليكم‬‫نظرت إليه ‪ ،‬أردت أن أذكره بشىء قد نسيه ‪ ،‬كان قد منحنى ظهره ‪ ،‬وأتجه مهرول إلى‬ ‫البا ب ‪،‬حبست الكلمة فى حلقى ‪ ،‬وقلت ‪ :‬وعليكم السلم‪..‬‬ ‫***‬

‫‪276‬‬


‫‪27‬‬ ‫سنوات مارقة‬ ‫كالبرق انطوت سنوات طويلة من أعمارنا و حياتنا الوظيفية ‪،‬ل أدر كيف انطوت بهذه السرعة‬ ‫هكذا ؟!بعد ثورة يناير وجدتنى أسير وسط حشود ضخمة ‪ ،‬قام الموظفون فى كل قطاع بوقفات‬ ‫ومظاهرات لرفع الظلم الواقع عليهم ‪ ،‬قامت ثورة غير متوقعة ضد المدير؛ تدافعوا باليدى‬ ‫والمناكب نحو مكتبه ؛ عندما رآهم لعب الفار فى عبه ‪ ،‬حاول أن يتخفى تحت ابتسامة صفراء‬ ‫باهتة ‪ ،‬استمر العمال و الممرضات فى الغليان والعصيان ‪ ،‬حاول الخروج من بينهم ‪،‬جرى الى‬ ‫الخارج وبدأ يوسع خطوته فى الكوريدور‪،‬عندما لمحوا الذعر باديا على ملمحه ؛ تشجعوا على‬ ‫العدو وراءه ومحاولة اللحاق به ‪ ،‬تصاعدت الهتافات ضده هو والمدير العام ‪ ،‬خارج المستشفى ؛‬ ‫فى الطريق أمسكوا بياقة سترته ‪ ،‬فجأ سقطت السترة ‪ ،‬تتدافعوها باليدى ‪ ،‬طارت السترة فى‬ ‫الفضاء ‪ ،‬تصاعدت صياحاتهم وهتافاتهم ‪،‬كلب سلطة! أوقعوه على الرض ‪ ،‬لحق المحافظش‬ ‫المطرود أذنادبه ‪ ،‬ظل مختبئا كالفأر فى إحدى ثكنات الجيش حماية له من غضب الجماهير‪،‬‬ ‫تعودنا أن نرى كل مسئول فى تلك الحقبة السمجة – قبل الثورة‪ -‬مهموما فقط بإرضاء رؤساءه ‪،‬‬ ‫عادة ل يلقى بال إلى من تحت قيادته‪ ،‬كان هم المدير إرضاء المحافظ ؛ بالمثل كان هم المحافظ‬ ‫فقط إرضاء الرئيس ‪ ،‬هناك ردود جاهزة من المحيطين ‪ ،‬الموضوع تحت السيطرة !حلينا‬ ‫المشكلة ياريس‪ ،‬تمام يافندم! فى نفس الوقت الذى ل يتذكر فيه الريس الفرق بين التمام واليمام‬ ‫والحمام !‬ ‫***‬ ‫كنت حريصا على أن أظل ممعنا النظر الى أسفل كى ل أصطدم بحجر أو أقع فى حفرة أو‬ ‫مجرور للصرف ‪ ،‬على جانب الطريق يوجد صندوق زبالة ضخم وقد انقلب على الرض‬ ‫وخرجت أحشاؤه ؛ تناثرت كميات النفايات و أوراق وأكياس بلستيكية وبقايا طعام ومخلفات‬ ‫بشرية؛كرتون وزجاج ومخلفات معدنية كانز وغيرها ‪.‬قررت أن أضع لسانى فى فمى وأغلقه‪ ،‬ل‬

‫‪277‬‬


‫فائدة حتى الن ‪ ،‬يبدو أن الثورات تحتاج إلى أعوام طويلة حتى تؤتى ثمارها ؛فلننتظر ‪ ،‬ان كان‬ ‫فى العمر بقية ؛ لنرى !‬ ‫صباحا كان الجو باردا ‪،‬تركت السيارة تحت المظلة أمام حديقة مهملة بمدخل المستشفى ‪،‬‬ ‫توجهت إلى العيادة الخارجية ‪،‬سائرا تحت شمس الصباح بأشعتها الدافئة ‪ ،‬جوار مدرسة‬ ‫التمريض سمعت طفل يبكى‪ ،‬فى طفولتنا ذاقت الياتنا المررين من تلك المحاقن الغليظة التى‬ ‫تزرفها إيادى خشنة ‪،‬كنا نجهش بالبكاء ‪،‬البكاء يغسل اللم ويشفى ما فى الصدور‪ ،‬البكاء‬ ‫ضرورى فى أحيان كثيرة ‪ ،‬ينقى الروح ويصفيها ويرقى بها ؛عدت من سرحتى على من ينادى‬ ‫باسمى‪ ،‬هذا الصوت ل أجهله‪ ،‬انتبهت اليه ‪،‬كان كأنما يبكى؛ نعم انه هو سيد فنى الشعة ؛الدون‬ ‫جوان القديم ! كنا نسميه بين أنفسنا وأحيانا نناديه "الواد سيد" بالرغم من أنه يكبرنا بعامين أو‬ ‫ثلثة‪،‬تبادلنا الحضان ‪،‬تعجبت من الزمن الذى حفر فى وجهه آثارا عميقة ‪،‬اكتسب نظرة‬ ‫متحجرة ‪،‬وقفنا سويا لدقائق ‪ ،‬لحظت صلعته التى سرحت بعنف إلى قفاه ‪ ،‬نطقه للكلمات فيه‬ ‫ثأثأة ‪ ،‬نظرت فى فمه أثناء الكلم لحظت طقم أسنان لمع ‪ ،‬قال لى أنا كنت محتاجك من زمان !‬ ‫خير ‪ ..‬أنت واحشنى ‪..‬‬ ‫قبل سفر سيد للخارج ‪ ،‬كان مقدرا أن يغيب عن البلد عاما أو اثنين فقط على أكثر تقدير‪ ،‬لكى‬ ‫يشترى شقة‪ ،‬كان شراء شقة واسعة هو أمله الوحيد فى الحياة ‪،‬كان آخر العام يحسب ما ادخره ‪،‬‬ ‫يعود الى مصر فى اجازة يجد أن السعار قد ارتفعت‪،‬يضطر للعودة عاما آخر‪،‬استمر هناك أكثر‬ ‫من عشرين عاما‪ ،‬لم يكن يظن أنه سيتحمل الغربة كل هذه السنوات‪.‬حاولت أن أتضاحك معه ؛‬ ‫قلت له عجنتهم ياسيد ؟ ابتسم بمرارة ياريتنى ما سافرت وياريتنى ما عجنتهم !‬ ‫ليه ياسيد ؟‬ ‫انا تعبان ‪ ،‬وعاوز علج لحالتى ‪..‬‬ ‫مالك ؟‬ ‫حكى لى سيد عن سبب تركيب الطقم ‪ ،‬كان قد تزوج قبل سفره من فنية تعمل بمركز البحوث‬ ‫‪،‬حدثت مشادات عائلية متكررة؛ قال لى إنها رفضت أن تصطحبه هناك ‪،‬صار حزينا ‪ ،‬أصيب‬ ‫بداء الفكر ‪ ،‬فى غربته لحظ أسنانه تتهاوى تدريجيا‪ ،‬دأ ب على زيارة عيادات السنان ‪ ،‬كانت‬ ‫تقريبا المرة الوحيدة التى كان يخرج منها من منزله خلف خروجه لعمله هناك ‪ ،‬انتهت بخلع‬ ‫جميع أسنانه ‪ ،‬كما انتهت حياته الزوجية بولد وبنتين ؛ بعد أن كبر البناء قرر الزواج من‬ ‫ممرضة كانت تعمل معه فى الخارج ؛ ولم يكن قد أغلق البا ب نهائيا أمام حياته الزوجية الولى ‪،‬‬ ‫وخصوصا أن أولده فى سن الزواج ؛ وصلت المور بينه وبين زوجته الولى إلى الحافة عندما‬ ‫أجريت له عملية قلب مفتوح بالخارج ولم تسأل عنه الزوجة الفاضلة ‪ -‬كان بين الموت والحياة ‪-‬‬ ‫ساعتها اخذ قرارا فوريا بالطلق البائن‪ ،‬مع موافقة الولد الذين كانوا قد تزوجوا‪.‬‬ ‫حاولت ان اتبسم فى وجهه ؛ قال أنه يعانى من ضعف جنسى ‪،‬وضعف إبصار ‪ ،‬تطور معه لنه‬ ‫كما يقول ل يحافظ على نظام غذائى وخصوصا أن الطباء اكتشفوا أنه مريض سكرى؛قال انه‬ ‫استعمل عسل النحل المخلوط بحب الرشاد وبلح البلوط وأوصاه الدكتور أنس يشربه لمدة‬ ‫اسبوعين ‪..‬‬ ‫‪278‬‬


‫سألنى عن عبدول قلت اننى صرت أراه مصادفة بعد خروجه إلى المعاش ‪ ،‬أحيانا أراه واقفا فى‬ ‫طابور العيش بالمخبز القريب من السوق ‪ ،‬ممسكا عدة أكياس بلستيكية بيده ‪ ،‬كان يقف بصبر‬ ‫ودأ ب وثبات ؛بعد أن يفوز بالرغفة يجاهد بالنتظار" لتهويتها" ؛يفردهاعلى ورقة جريده بالية‬ ‫أو قفص‪،‬بعد دقائق يلملمها استعدادا للنتقال إلى السوق المجاورة لستكمال شراء الطلبات ‪.‬‬ ‫فى أيام عمله الخيرة ؛ بعد أن تسربت السنوات؛ استعد سيد للخروج للمعاش؛ كان ذاهبا إلى‬ ‫المديرية لخلء طرفه ‪ ،‬انتابته نوبة بكاء هستيرى‪ ،‬ربما تكون نوبة فرح لخروجه واقفا على‬ ‫قدميه ؛ لم يعرف كيف يميز بين مشاعره المتناقضة هذه ؛ نظر؛ وكأنما لول مرة إلى نخلة باسقة‬ ‫فى مدخل المستشفى الجانبى ‪ ،‬رأفع رأسه حتى أدرك ببصره منتهى اختراقها للفضاء ‪ ،‬ذر عينيه‬ ‫لكى يحميهما من ضوء الشمس المبهر ‪ ،‬تأمل الفضاء ليرى قبة السماء الزرقاء و اتساعها من‬ ‫جديد ‪ ،‬كأنما يراها لول مرة !لحظ السحا ب يمر مسرعا؛سقطت عيناه على الجريد الخضر‬ ‫وسبائط البلح الحمر وهى تتدلى فى صورة خشعت لها روحه‪.‬‬ ‫ذهب لستكمال أوراق الخروج من الوظيفة بنفسه ؛ ظن أنه من المفروض أل ينشغل الموظف‬ ‫بغير عمله‪ ،‬وأن يساعده مكان عمله على التفرغ للعمل فقط ‪ ،‬ول يشغل باله بأى شىء يأكل وقته‬ ‫وجهده ‪.‬فى المكتب قالت له الموظفة ‪ :‬حتوحشنا ياسيد‬ ‫ماتشوفيش وحش يا أستاذه‪..‬‬ ‫أستاذة ؟ أنت نسيت اسمى وأل إيه يا سيد؟‬ ‫ل أبدا ‪..‬مين حضرتك ؟‬ ‫أنا سلوى ‪..‬‬ ‫ياه‪..‬ازيك يامدام سلوى ‪!..‬‬ ‫اسمع ‪ !..‬هات إخلء طرف من جهة عملك ‪ ،‬تجيبه وتيجى ‪،‬الملف ناقص ‪،‬هات لى الجور‬ ‫المتغيرة‬ ‫يعنى إيه ؟‬ ‫روح لمدام ليلى تفهمك‪..‬‬ ‫مدام ليلى فى أجازة ‪،‬فى اليوم التالى حضرت مدام ليلى ‪..‬أحضر إخلء طرف من مكان عمله ‪.‬‬ ‫حدقت فيه وقالت‪:‬‬ ‫اعمل اخلء طرف من المديرية ‪ ،‬وبعدها روح مكان عملك عشان الجور المتغيرة ‪..‬وصرور‬ ‫الورق كله‪،‬وهات بطاقة رقم قومى جديدة‪ ..‬انت اشتغلت فين ؟‬ ‫أنا ؟ فين ؟ فى أماكن كثيرة تبع للمديرية ‪..‬‬ ‫تروح لمسئول شئون العاملين فى كل وحدة اشتغلت فيها وتطلب منه الجور المتغيرة ‪.‬‬ ‫‪279‬‬


‫فيه موظفين طلعوا معاش ‪.‬‬ ‫مش مهم شوف الموظف المسئول ‪.‬‬ ‫***‬ ‫نظر فى قرار المعاش ؛ وقرأ نصه‪" :‬بعدالطلع تقرر إنهاء خدمة سيد على محمد‬ ‫الزنكلونى‪..‬اعتبارا من تاريخ كذا لبلوغه السن القانونى مع رفع اسمه من عداد العاملين بالمديرية‬ ‫وإخلء درجته فى الميزانية "‪ .‬قال سيد فى سره طظ !‬ ‫أعطته سلوى طلب استرداد وطلب بيان أجازات وبيان مفردات مرتب؛وطلبت منه بيان تدرج‬ ‫المرتب من الموظفة المسئولة ‪..‬‬ ‫انت اشتغلت فى الخارج ؟ آه ‪..‬قد إيه؟ ‪ 23‬سنة‬ ‫‪...‬فين الورق اللى رجعت بيه؟‪..‬‬

‫‪..‬واشتغلت فى الوحدات ؟ ‪..‬آه ‪..‬زمان‬

‫دا فى أول تعيينى ‪...‬من ‪36‬سنة!"‬ ‫استكملت طريقى إلى العيادة الخارجية وقد تهادت إلى خيالى ذكريات أعوام مضت ‪ ،‬كانت على‬ ‫العموم حلوة بالرغم مما شابها من علقم فى أحايين كثيرة ‪...‬‬ ‫انتهت‬

‫معلومات الكاتب‬ ‫السم‬

‫‪ :‬د‪ .‬رضا صالح محمد خليفة‬

‫المهنة‬

‫‪ :‬رئيس قسم المراض الجلدية – مستشفى التأمين الصحى‪ -‬عضو اتحاد الكتا ب‬

‫تليفون ‪:‬‬

‫‪ -062 3326444‬محمول ‪01002416478‬‬

‫العنوان البريدى ‪ 2 :‬شارع المرور –عمارة بنزايون –السويس ‪-‬مصر‬ ‫نشر الكترونى ‪:‬‬ ‫فى مواقع عديدة منها ‪:‬‬ ‫القصة العربية ‪ -‬مجلة أفق اللكترونية – موقع أنهار ‪-‬مجلة الثقافة الحديثة العراقية‪ -‬مجلة‬ ‫العربى الحر ‪ -‬موقع أوتاد‪ -‬موقع مجلة أبسو العراقية )مجلة الثقافة الحرة(‪ -‬موقع مجلة بيسان‪-‬‬ ‫موقع الروائى‪ -‬موقع الورشة الثقافى‪...‬‬ ‫‪280‬‬


‫نشر ورقى ‪:‬‬ ‫صحف ومجلت عربية‪:‬‬ ‫مجلة العربى) الكويت(عدد ديسمبر ‪ 2005‬قصة شيء معتاد&قصة حكى لى صديق ‪) -‬اختيار‬ ‫يوسف القعيد( عدد أغسطس ‪ - 2007‬الثقافة الجديدة )عراقية( ‪ -‬مجلة لها ) السعودية( ‪-‬‬ ‫الجزيرة الثقافية ) الرياض( وغيرها‬

‫صحف قومية ومحلية‪:‬‬ ‫قصة آه منها‬

‫أخبار الد ب‬

‫‪2005-2-20‬‬

‫وقصة ل أحد مطلقا ‪2005-10-16‬‬ ‫وقصة القافلة‬

‫‪2008 -5 - 18‬‬

‫رجل منزوع‬ ‫قلبك أبيض‬

‫وغيرها‬

‫جريدة القاهرة ‪-‬المساء‬ ‫جريدة الوعى‬

‫‪ -‬السويس‬

‫جريدة الرأى الخر ‪ -‬السويس‬ ‫جريدة سواسية‬ ‫جريدة صوت السويس‬ ‫بالضافة إلى جرائد ومجلت أخرى‬

‫كتب ‪:‬‬ ‫ مجموعة قصصية بعنوان ‪ ":‬آه منها" عن دار "قراءة" ‪2006‬‬‫ النسخة كاملة من رواية فضاءات مدينة –دار الياسمين للنشر ‪2012‬‬‫ حكايات البالطو البيض " رواية" دار شرقيات ‪2012‬‬‫تحت الطبع ‪:‬‬

‫‪281‬‬


‫شارع الفنارات ‪ -‬رواية‬ ‫بيتنا القديم‬

‫‪ -‬رواية‬

‫خارج نطاق الخدمة ‪ -‬مجموعة قصصية‬ ‫مطلو ب آنسة‬

‫‪ -‬مجموعة قصصية‬

‫بريد الكترونى ‪redasaleh51@yahoo.com‬‬ ‫د‪.‬رضا صالح‬

‫‪282‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.