الإفتاء: مجلة "جسور" تعالج المسائل الإفتائية لشهر رمضان فى زمن الكورونا

‫ن�شرة دورية �شهرية‬ ‫ت�صدر عن الأمانة العامة لدور‬ ‫وهيئات الإفتاء في العالم ‪-‬‬ ‫العدد (‪ - )١٣‬رم�ضان ‪ ١٤٤١‬هـ‬

‫رئي�س الأمانة يكتب‪:‬‬

‫ج�ســــور‪..‬‬

‫‪Fatwa World News‬‬

‫د‪� .‬إبراهيم نجم‪..‬‬

‫يقدم وصايا للتعامل مع عبادات‬ ‫رمضان في ظل اإلجراءات الوقائية‬

‫‪Ramadan in the Times of Covid-19‬‬ ‫)‪(Article by DR. Ibrahim Negm‬‬

‫الفهر�س‬

‫‪3‬‬

‫هيئة التحرير‬ ‫افتتاحية العدد‪:‬‬

‫يكتبها أ‪ .‬د شوقي عالم مفتي مصر ورئيس األمانة العامة لدور وهيئات اإلفتاء في العالم‬

‫‪5‬‬

‫كلمة التحرير‬ ‫عالم اإلفتاء‪:‬‬ ‫رؤى إفتائية‪:‬‬

‫من نفحات الصيام ‪« ..‬يريد اهلل بكم اليسر» وأثرها في التشريع اإلسالم‬

‫فتوى أسهمت في حل مشكلة‪:‬‬ ‫المؤشر العالمي للفتوى‪:‬‬

‫لتخفيف التداعيات االقتصادية على المحتاجين ‪ ..‬فتوى تعجيل إخراج الزكاة‬

‫‪12‬‬ ‫‪16‬‬

‫يحلل فتاوى فيروس «كورونا» ويقدم توصيات للمؤسسات اإلفتائية‬

‫‪20‬‬

‫مقال للدكتور إبراهيم نجم‬

‫‪26‬‬

‫رمضان المعظم في ظل أزمة كورونا‪:‬‬

‫«جسور» تستعرض األحكام الفقهية لألوبئة في كتاب «بذل الماعون» البن حجر‬

‫تطوير المؤسسات اإلفتائية‪:‬‬

‫‪2‬‬

‫‪6‬‬

‫جولة في أبرز أخبار المؤسسات الدينية والهيئات اإلفتائية‬

‫مراجع إفتائية‪:‬‬

‫‪4‬‬

‫‪28‬‬ ‫‪32‬‬

‫مفهوم الجودة من منظور إسالمي‬

‫‪Fatwa World News‬‬

‫‪36‬‬

‫‪Ramadan in the Times of Covid-19: Article by DR. Ibrahim Negm‬‬

‫‪39‬‬

‫هيئة التحرير‬ ‫الم�شرف العام‪:‬‬

‫ف�ضيلة �أ‪.‬د‪� .‬شوقي عالم‬ ‫مفتي جمهورية م�صر العربية‬ ‫ورئي�س الأمانة العامة لدور وهيئات‬ ‫الإفتاء في العالم‬

‫رئي�س التحرير‪:‬‬

‫د‪� .‬إبراهيم نجم‬ ‫الأمين العام لدور وهيئات‬ ‫الإفتاء في العالم‬

‫مدير التحرير‪:‬‬

‫هاني �ضوة‬ ‫نائب الم�ست�شار الإعالمي‬ ‫لمفتي م�صر‬

‫م�ست�شارو التحرير‪:‬‬

‫د‪ .‬محمد الخاليلة‬ ‫د‪ .‬محمد الب�شاري‬ ‫الأمين العام‬ ‫لمجل�س المجتمعات الم�سلمة‬

‫د‪ .‬محمد الياقوتي‬ ‫وزير الأوقاف ال�سوداني الأ�سبق‬

‫ج�سور ‪ -‬رم�ضان ‪١٤٤١‬هـ ‪ -‬العدد (‪)١٣‬‬

‫وزير الأوقاف الأردني‬

‫‪3‬‬

‫افتتاحية العدد‬ ‫ا�ستقبال �شهر رم�ضان في زمن الكورونا‬ ‫يهل شهر رمضان في هذا العام واألمة‬ ‫ُّ‬ ‫ً‬ ‫ظروفا‬ ‫جميعا تعيش‬ ‫واإلنسانية‬ ‫بل‬ ‫ة‪،‬‬ ‫اإلسالمي‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫استثنائية غيرت بصورة غير مسبوقة سمات الحياة‬ ‫العامة المعتادة‪ ،‬مما ينعكس بالتأثير على المظاهر‬ ‫المألوفة لهذا الشهر الفضيل؛ كصالة التراويح‬ ‫ورحالت العمرة وموائد الرحمن والزيارات‬ ‫االجتماعية والوالئم العائلية‪.‬‬ ‫وهي أمور تأتي ضمن اإلجراءات الوقائية التي‬ ‫ووطنيا ضمن‬ ‫شرعيا‬ ‫يتحملها المواطن وجو ًبا‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫الجهود المكافحة لتفشي وانتشار وباء فيروس‬ ‫كورنا المستجد (كوفيد‪ ،)19-‬الذي انتشر بسرعة‬ ‫حول العالم وأصاب أعدا ًدا كبيرة من البشر؛‬ ‫حتى استوجب ذلك إعالن حالة الطوارئ الصحية‬ ‫العالمية‪ ،‬واتخاذ كل دولة التدابير الوقائية‬ ‫والعالجية التي كان منها‪ :‬الحد من حركة الفرد‬ ‫في التنقل والتجمع مع اآلخرين حتى ولو كان‬ ‫إلقامة العبادة والشعائر الدينية؛ كصالة الجماعة‬ ‫أو صالة الجمعة أو السفر لصلة األرحام أو أداء‬ ‫مناسك العمرة‪ ،‬وذلك كإجراء احترازي مؤقت‬ ‫حتي تنكشف الغمة‪.‬‬ ‫وال شك أن ذلك يستوجب من كل مسلم‬ ‫أن يستعد الستقبال هذا الشهر الفضيل استقباال‬ ‫خاصا بالرجوع إلى اهلل تعالى وباألعمال الصالحة‬ ‫ًّ‬ ‫وتوطين النفس على القيم الطيبة والصفح والعفو‬ ‫المصاحب بحسن‬ ‫والسماحة والدعاء إلى اهلل تعالى‬ ‫َ‬ ‫الظن بالفرج القريب‪.‬‬ ‫كما ال بد وأن يصاحب ذلك االهتمام‬ ‫اإلرشادات الصحية والتعليمات الطبية وااللتزام‬ ‫بالنصائح الوقائية والعالجية المناسبة لحالة‬ ‫اإلنسان وقدرته على الصوم واالجتهاد في العمل‬ ‫والعبادة أثناء هذا الشهر الفضيل خاصة في ضوء‬ ‫ما يقرره الطبيب المختص؛ حيث ترى دار اإلفتاء‬ ‫المصرية بعد الرجوع ألهل االختصاص أن المصاب‬ ‫بهذا الفيروس مريض تجري عليه أحكام المريض‬ ‫شرعا؛ وتؤخذ بعين االعتبار في الفتوى‬ ‫المقررة‬ ‫ً‬ ‫الجوانب الوقائية والعالجية‪ ،‬خاصة أن آثار هذه‬ ‫ً‬ ‫اختالفا‬ ‫اإلصابة لها أطوار تختلف مستوياتها‬ ‫وعالجا‪ ،‬وكذلك مضاعفاتها التي‬ ‫واضحا وقاية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تؤثر على حياته وتهدد بقاءه‪.‬‬ ‫ومما ينبغي على المسلم االستفادة بإيجابية‬ ‫من هذه اإلجراءات المقررة لمواجهة هذه األزمة‬ ‫القاسية حيث تعد فرصة سانحة في بناء الفرد‬ ‫ذاتيا من خالل إعادة ترتيب برنامجه اليومي في‬ ‫ًّ‬ ‫رمضان والتدريب على التعبد الفردي بدال من‬ ‫الجماعي‪ ،‬بما يثمر إيجا ًبا في اختبار اإلخالص‬ ‫المحض هلل تعالى‪ ،‬والصبر على الطاعة وتعويد‬ ‫الملهيات والشواغل والمظاهر‬ ‫النفس على ترك ُ‬ ‫الخادعة‪ ،‬حتى يتحقق بثمرة الصيام التي تتجلى‬

‫‪4‬‬

‫في تقوى اهلل تعالى في عبادة السر التي ال يكتنفها‬ ‫التصنع والرياء !‬ ‫كذلك ينبغي تعجيل زكاة الفطر من أول‬ ‫يوم في رمضان‪ ،‬وكذا تعجيل زكاة المال ولو‬ ‫مقبلين‪ ،‬فضال عن توجيه النفقات‬ ‫لمدة عامين‬ ‫ْ‬ ‫والمبالغ المالية التي رصدها للوالئم االجتماعية‬ ‫وموائد الرحمن‪ ،‬بل ونفقات العمرة إلى مواساة‬ ‫الفقراء وأصحاب الحاجات ومساعدة المرضى‬ ‫ووجوه البر المتنوعة‪ ،‬بل ذلك أولى في ظل‬ ‫تعرضا لنفحات اهلل تعالى المبثوثة‬ ‫األزمة الراهنة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫في مواسم الخيرات‪ ،‬وفي ذلك يقول رسول اهلل‬ ‫موضحا‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم في إحدى خطبه‬ ‫ً‬ ‫سمات هذا الشهر‪« :‬من تقرب فيه بخصلة من‬ ‫الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه‪ ،‬ومن‬ ‫أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة‬ ‫فيما سواه» (صحيح ابن خزيمة)‪.‬‬ ‫الشرعية‬ ‫وبذلك يظهر أن فهم القواعد‬ ‫َّ‬ ‫بطريقة صحيحة يرشد المسلم إلى التعامل‬ ‫الحكيم في سائر شئونه سواء كانت في األوقات‬ ‫الطبيعية المعتادة‪ ،‬أو في الظروف االستثنائية‪،‬‬ ‫وصالحا‪ ،‬صاحب شخصية‬ ‫نافعا‬ ‫ً‬ ‫فيكون فيهما إنسانًا ً‬ ‫قرره‬ ‫إيجابية ينفع مجتمعه ووطنه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫انطالقا مما َّ‬ ‫علماء اإلسالم في تقديم واجب الوقت وضرورة‬ ‫مراعاة الحال ومقتضيات فقه المرحلة؛ فلكل‬ ‫حال عمل يناسبه هو‬ ‫وقت عبادة ووظيفة‪ ،‬ولكل ٍ‬ ‫َو َلى من غيره‪ ،‬وذلك يختلف من حال إلى‬ ‫فيه أ ْ‬ ‫وأيضا من شخص آلخر؛ فكما أن أداء الصالة‬ ‫غيره‬ ‫ً‬ ‫المكتوبة مقدم على غيرها إذا دخل وقتها‪ ،‬فالصدقة‬ ‫كذلك أفضل من غيرها في وقت األزمات وقلة‬ ‫الطعام؛ فاإلسالم ُي ِّ‬ ‫قدر في اإلنسان حرصه على‬ ‫وطنه واهتمامه بمصلحة مجتمعه‪ ،‬وانطالقه من‬ ‫مقتضيات زمانه وعصره الذي يعيش فيه ‪..‬‬ ‫حفظ اهلل البالد والعباد ‪ ،‬وكل عام والمسلمون‬ ‫واإلنسانية كلها بخير‪.‬‬

‫ف�ضيلة �أ‪.‬د �شوقي عالم‬

‫مفتي جمهورية م�صر العربية‬ ‫ورئي�س الأمانة العامة‬ ‫لدور وهيئات الإفتاء في العالم‬

‫كلمة التحرير‬

‫ج�سور ‪ -‬رم�ضان ‪١٤٤١‬هـ ‪ -‬العدد (‪)١٣‬‬

‫الحمد هلل الذي أهل علينا شهر رمضان‪،‬‬ ‫وأكرمنا بصيامه‪ ،‬سائلين المولى سبحانه وتعالى‬ ‫أن يتقبل منا فيه صالح األعمال‪ ،‬وأن يكرمنا‬ ‫بثمرة التقوى إنه ولي ذلك والقادر عليه‪.‬‬ ‫أما بعد‪،‬‬ ‫يهل علينا شهر رمضان المبارك في ظل‬ ‫ظروف استثنائية يمر بها العالم أجمع‪ ،‬وبروز‬ ‫مسائل فقهية وإفتائية تحتاج منا إلى أجوبة‬ ‫وبحث‪ ،‬وقد حاولنا في العدد الثالث عشر من‬ ‫نشرة "جسور" الناطقة باسم األمانة العامة‬ ‫لدور وهيئات اإلفتاء في العالم أن نتطرق إلى‬ ‫هذه المسائل ونضع الحلول واإلجابات لها‪.‬‬ ‫يبدأ العدد بمقال افتتاحي لفضيلة األستاذ‬ ‫الدكتور شوقي عالم – مفتي مصر‪ ،‬رئيس‬ ‫األمانة العامة لدور وهيئات اإلفتاء في العالم‪-‬‬ ‫تحت عنوان‪ " :‬استقبال شهر رمضان في زمن‬ ‫اإلسالمية‪،‬‬ ‫الكورونا" أكد فيه فضيلته أن األمة‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ظروفا استثنائية‬ ‫جميعا تعيش‬ ‫بل واإلنسانية‬ ‫ً‬ ‫غيرت بصورة غير مسبوقة سمات الحياة العامة‬ ‫المعتادة في شهر رمضان بسبب اإلجراءات‬ ‫الوقائية‪ ،‬مما ينعكس بالتأثير على المظاهر‬ ‫المألوفة لهذا الشهر الفضيل؛ كصالة التراويح‬ ‫ورحالت العمرة وموائد الرحمن والزيارات‬ ‫االجتماعية والوالئم العائلية‪.‬‬ ‫وأشار فضيلته إلى أنه ينبغي على المسلم‬ ‫االستفادة بإيجابية من هذه اإلجراءات المقررة‬ ‫لمواجهة هذه األزمة القاسية‪ ،‬وأن يعمل على‬ ‫تعجيل زكاة الفطر من أول يوم في رمضان‪،‬‬ ‫وكذا تعجيل زكاة المال ولو لمدة عامين‬ ‫مقبلين‪ ،‬فضال عن توجيه النفقات والمبالغ‬ ‫ْ‬ ‫المالية التي رصدها للوالئم االجتماعية وموائد‬ ‫الرحمن‪ ،‬بل ونفقات العمرة إلى مواساة الفقراء‬ ‫وأصحاب الحاجات ومساعدة المرضى ووجوه‬ ‫البر المتنوعة‪ ،‬بل ذلك أولى في ظل األزمة‬ ‫الراهنة‪.‬‬ ‫ويتناول باب "عالم اإلفتاء" جولة في‬ ‫أخبار المؤسسات اإلفتائية وحالة اإلفتاء حول‬ ‫العالم‪ ،‬واإلجراءات والفتاوى التي صدرت خالل‬ ‫الشهر خاصة فيما يتعلق بأزمة جائحة فيروس‬ ‫كورونا‪.‬‬

‫وفي باب "رؤى إفتائية" يستعرض فريق‬ ‫التحرير التيسير وأثره في التشريع اإلسالمي‬ ‫وعالقة ذلك بالصيام‪ ،‬والتأمل في آيات الصوم‬ ‫التي أسست لقاعدة فقهية مجمع عليها‪ ،‬من القواعد‬ ‫الخمس الكبرى التي هي دعائم الفقه كله‪،‬‬ ‫وترجع مسائل الفقه إليها‪ ،‬أال وهي قاعدة‬ ‫"المشقة تجلب التيسير"‪ ،‬مع ذكر أسباب‬ ‫المشقة الجالبة للتيسير‪.‬‬ ‫فيما تناول باب "فتوى أسهمت في حل‬ ‫مشكلة" مسألة جواز تعجيل إخراج الزكاة بسبب‬ ‫التداعيات االقتصادية لجائحة فيروس "كورونا"‬ ‫وتوجيه هذه األموال للفقراء والمحتاجين خاصة‬ ‫العمالة غير المنتظمة التي تعد من أكثر الفئات‬ ‫المتضررة بسبب اإلجراءات الوقائية‪.‬‬ ‫ويحلل المؤشر العالمي للفتوى في هذا العدد‬ ‫الفتاوى التي صدرت فيما يخص جائحة انتشار‬ ‫فيروس كورونا‪ ،‬مع عرض توصيات للمؤسسات‬ ‫اإلفتائية تتعلق بالتعامل مع مثل هذه األزمات‪.‬‬ ‫وتستعرض نشرة "جسور" باب "مراجع‬ ‫إفتائية" في عددها الثالث عشر كتاب‪" :‬بذل‬ ‫الماعون في فضل الطاعون" لإلمام ابن حجر‬ ‫العسقالني‪ ،‬والذي يتناول العديد من األحكام‬ ‫الفقهية المهمة التي تتعلق باألوبئة وانتشار‬ ‫األمراض‪ .‬وفي باب "تطوير المؤسسات اإلفتائية"‬ ‫مفهوم الجودة من منظور إسالمي‪.‬‬ ‫فيما يطالعنا الدكتور إبراهيم نجم ‪-‬مستشار‬ ‫مفتي مصر‪ ،‬األمين العام لدور وهيئات اإلفتاء في‬ ‫العالم‪ -‬بمقال مهم باللغتين العربية واإلنجليزية‬ ‫حول شهر رمضان المعظم في ظل أزمة كورونا‬ ‫أكد فيه أنه علينا أن ندرك ونعي كمسلمين‬ ‫أن عدم إقامة الشعائر الجماعية في ظل هذه‬ ‫شرعا وهو‬ ‫الظروف من الناحية الشرعية واجب‬ ‫ً‬ ‫أمر اهلل تعالى الذي ال تصح مخالفته أو التحايل‬ ‫عليه ألي سبب ولو كان إقامة الجماعة أو‬ ‫التراويح‪ ،‬وال يجوز استغالل العاطفة الدينية‬ ‫لدى عامة الناس وتعريض حياتهم للخطر وربما‬ ‫للموت‪ ،‬بحجة إقامة سنة التراويح أو غيرها‪.‬‬ ‫ندعو اهلل العلي القدير أن يتقبل منا صالح‬ ‫األعمال في شهر رمضان المبارك‪ ،‬وأن يكون هذا‬ ‫ونافعا‪.‬‬ ‫مفيدا‬ ‫العدد من جسور قد قدم محتوى‬ ‫ً‬ ‫ً‬

‫‪5‬‬

‫عالم اإلفتاء‬ ‫‪6‬‬

‫رئي�س الأمانة‪ :‬ال يجوز بحال من الأحوال التنمر �ضد مر�ضى كورونا �أو التجمهر لمنع دفنهم‬

‫ج�سور ‪ -‬رم�ضان ‪١٤٤١‬هـ ‪ -‬العدد (‪)١٣‬‬

‫أكد فضيلة األستاذ الدكتور شوقي عالم –مفتي‬ ‫مصر‪ ،‬رئيس األمانة العامة لدور وهيئات اإلفتاء في‬ ‫العالم‪ -‬أن من أهم مظاهر تكريم اإلنسان بعد خروج‬ ‫التعجيل بتغسيله والصالة عليه وتشييع جنازته‬ ‫روحه‬ ‫َ‬ ‫ثم دفنه‪ ،‬وهذا ما أجمعت عليه أمة اإلسالم منذ عهد‬ ‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إلى يومنا هذا‪.‬‬ ‫وشدد رئيس األمانة على أنه ال يجوز بحال من‬ ‫المشينة من التنمر الذي‬ ‫األحوال ارتكاب األفعال ُ‬ ‫يعاني منه مرضى الكورونا ‪-‬شفاهم اهلل‪ -‬أو التجمهر‬ ‫الذي يعاني منه أهل الميت ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬عند دفنه‪ ،‬وال‬ ‫يجوز اتباع األساليب الغوغائية ‪-‬كاالعتراض على‬ ‫تمت إلى ديننا‬ ‫دفن شهداء فيروس كورونا‪ -‬التي ال ُّ‬ ‫وال إلى قيمنا وال إلى أخالقنا بأدنى صلة‪.‬‬ ‫جميعا‬ ‫وأضاف فضيلته أنه قد شاع على ألسنتنا‬ ‫ً‬ ‫قول إمام السلف أيوب السختياني رضي اهلل عنه‪:‬‬ ‫(إكرام الميت دفنه) ويؤيده ما رواه البيهقي في‬ ‫شعب اإليمان عن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال َس ِم ْع ُت‬ ‫ال َّنبِي َص َّلى َّ ُ‬ ‫الل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم َي ُق ُ‬ ‫ك ْم‬ ‫َح ُد ُ‬ ‫ول‪ِ( :‬إ َذا َم َ‬ ‫ات أ َ‬ ‫َّ‬ ‫َس ِر ُعوا ِب ِه ِإ َلى َق ْب ِرهِ)‪.‬‬ ‫َف َل َت ْحب ُ‬ ‫ِسو ُه َوأ ْ‬ ‫وعلى ذلك فال يجوز ألي إنسان أن يحرم أخاه‬ ‫اإلنسان من هذا الحق اإللهي المتمثل في الدفن الذي‬ ‫قال اهلل فيه‪{ :‬منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها‬ ‫نخرجكم تارة أخرى}‪.‬‬

‫وأشار فضيلته إلى أن المتوفى إذا كان قد لقي‬ ‫متأثرا بفيروس الكورونا فهو في حكم الشهيد‬ ‫ربه‬ ‫ً‬ ‫عند اهلل تعالى لما وجد من ألم وتعب ومعاناة حتى‬ ‫صابرا محتسبا‪ ،‬فإذا كان المتوفى من‬ ‫لقي اهلل تعالى‬ ‫ً‬ ‫األطباء المرابطين الذين يواجهون الموت في كل‬ ‫لحظة ويضحون براحتهم بل بأرواحهم من أجل‬ ‫سالمة ونجاة غيرهم‪ ،‬فاالمتنان واالحترام والتوقير‬ ‫في حقهم واجب والمسارعة بالتكريم لهم أوجب‪.‬‬ ‫وأضاف رئيس األمانة أنه يجب على من حضر من‬ ‫كفائيا أن يسارعوا بدفنه بالطريقة‬ ‫المسلمين وجو ًبا‬ ‫ًّ‬ ‫الشرعية المعهودة مع اتباع كافة اإلجراءات والمعايير‬ ‫الصحية التي وضعتها الجهات المختصة لضمان‬ ‫أمن وسالمة المشرفين والحاضرين‪ ،‬وبما يضمن‬ ‫عدم انتشار الفيروس إلى منطقة الدفن والمناطق‬ ‫المجاورة‪.‬‬ ‫ودعا جميع المصريين والمسلمين إلى أن‬ ‫جميعا على سد أبواب الفتن بعدم االستماع‬ ‫يعملوا‬ ‫ً‬ ‫إلى الشائعات المغرضة‪ ،‬وأال يستمعوا إال لكالم أهل‬ ‫العلم واالختصاص‪ ،‬وأن يتناصحوا وأن يتراحموا وأن‬ ‫يتعاونوا على البر والتقوى‪ ،‬ولنكن كما قال صلى‬ ‫اهلل عليه وآله وسلم‪" :‬المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد‬ ‫بعضه بعضا"‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫دار الإفتاء الم�صرية تطلق حملة «ك�أني اعتمرت» لحث المعتمرين على التبرع‬ ‫أطلقت دار اإلفتاء المصرية حملة بعنوان "كأني‬ ‫اعتمرت" تدعو فيها إلى التبرع بتكلفة أداء العمرة‬ ‫الرمضانية‪ ،‬ممن حالت الظروف بسبب انتشار فيروس‬ ‫كورونا دون قدرتهم على تحقيق رغبتهم في زيارة‬ ‫بيت اهلل الحرام ومدينة الرسول عليه السالم‪ ،‬وشددت‬ ‫دار اإلفتاء في الهاشتاج الذي أطلقته على أن الصدقة‬ ‫لكفاية وسد حاجة الفقراء والمساكين والذين فقدوا‬ ‫أعمالهم بسبب توقف حركة الحياة له ثواب جزيل‬ ‫مقصدا من المقاصد الشرعية‬ ‫من اهلل تعالى؛ لتحقيقه‬ ‫ً‬ ‫تطبيقا لقاعدة الساجد قبل المساجد‪،‬‬ ‫بإحياء النفس‪،‬‬ ‫ً‬ ‫واإلنسان قبل البنيان‪.‬‬ ‫أكد الدكتور إبراهيم نجم – مستشار مفتي مصر‬ ‫األمين العام لدور وهيئات اإلفتاء في العالم‪ -‬أن حملة‬ ‫"كأني اعتمرت" التي أطلقتها دار اإلفتاء المصرية‬ ‫لمواجهة التداعيات االقتصادية األليمة بسبب إجراءات‬ ‫مواجهة فيروس كورونا هي نداء إسالمي مستمد من‬ ‫فلسفة اإلسالم الراقية في العبادة‪.‬‬ ‫وأضاف د‪ .‬نجم أن الحملة تمثل صرخة أصحاب‬ ‫الحاجات ألهل الفضل أن أفيضوا علينا من المال أو‬ ‫مما رزقكم اهلل‪ ،‬ومحاولة إلعادة االعتبار لنصوص‬ ‫إسالمية جعلت نفع اآلخرين ورفع الحرج عنهم أفضل‬ ‫عند اهلل من عبادات فردية تشبع رغبات أصحابها وال‬ ‫يتعدى نفعها إلى غيرهم‪.‬‬ ‫وقال‪ :‬إن هذه الحملة المباركة هي رغبة في إعادة‬ ‫العقل المسلم لفقه األولويات‪ ،‬هذا الفقه الذي يمثل‬ ‫منهج اإلسالم في التعاطي مع مختلف المستجدات‪ ،‬وهو‬ ‫المنهج الذي يجعل اإلحساس بالمسلمين وهمومهم‬ ‫فضل عن كونه نعمة‪ ،‬لذلك جاء في الحديث‬ ‫واج ًبا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫النبوي الشريف‪" :‬المسلم أخو المسلم‪ :‬ال يظلمه‪ ،‬وال‬ ‫مسلما يجوع أو يعرى‪-‬‬ ‫يخذله‪ ،‬وال يحقره"‪ ،‬فمن ترك‬ ‫ً‬ ‫وما أكثر ما يحدث ذلك هذه األيام ‪ -‬وهو قادر على‬ ‫إطعامه وكسوته فقد خذله‪.‬‬

‫مفتي القد�س ‪:‬‬ ‫غلـق جـميع المـ�ساجـد‬ ‫فى الأرا�ضـى المحـتـلـة‬ ‫خالل �شهر رم�ضان‬

‫‪8‬‬

‫وأضاف د‪ .‬نجم أن هذا نص نبوي يبرهن على‬ ‫المعنى ويوضح المقصود حيث يقول النبي صلى اهلل‬ ‫وأحب‬ ‫عليه وآله وسلم‪" :‬أحب الناس إلى اهلل أنفعهم‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫سرور تدخله على مسلم‪،‬‬ ‫عز وجل‪:‬‬ ‫األعمال إلى اهلل َّ‬ ‫ٌ‬ ‫أو تكشف عنه كربة‪ ،‬أو تقضي عنه َدينًا‪ ،‬أو تطرد عنه‬ ‫إلي‬ ‫ً‬ ‫جوعا‪ ،‬وألن أمشي مع أخي المسلم في حاجة ُّ‬ ‫أحب َّ‬ ‫شهرا"‪.‬‬ ‫من أن أعتكف في المسجد‬ ‫ً‬ ‫وأشار إلى أنه بهذا الفهم الراقي نضمن حالة‬ ‫فريدة من التآلف والحب والود داخل المجتمعات‬ ‫المسلمة على وجه الخصوص واإلنسانية جمعاء إن‬ ‫هي أخذت بهذا الفهم‪ ،‬حينما يعلن النبي صلى اهلل عليه‬ ‫وآله وسلم أن أفضل األعمال وأحبها إلى اهلل عز وجل‪،‬‬ ‫حجا وال عمرة‪ ،‬وإنما يعلق‬ ‫ليس صالة وال‬ ‫ً‬ ‫صياما وال ً‬ ‫نافعا‬ ‫التفضيل ويعلق حبه للعمل على شرط أن يكون ً‬ ‫للغير متعد ًيا صاحبه في نفعه‪" ،‬سرور تدخله على‬ ‫مسلم‪ ..‬تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا"‪.‬‬ ‫وأضاف د‪ .‬إبراهيم نجم أن هذه الحملة ومثيالتها‬ ‫من الحمالت تمثل النزوع اإلنساني إلى الخير في أبهى‬ ‫صوره‪ ،‬وتجسد الفهم النبوي الراقي لمهمة المسلم‬ ‫متسائل‪ :‬ماذا تفعل العبادة‬ ‫اإليجابية داخل مجتمعه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫إلنسان انعزل عن مجتمعه ولم يعد يشاركه همومه؟!‬ ‫وماذا تفعل العبادة إلنسان أغلق بابه على نفسه وادعى‬ ‫رهبانية لم يكتبها اهلل عليه؟!‬

‫‪#‬ك�أني‪-‬اعتمرت‬

‫‪#‬ال�صدقة‪�-‬أولى‬

‫أعلن مفتي القدس والديار‬ ‫الفلسطينية الشيخ محمد حسين ان‬ ‫جميع المساجد ستبقى مغلقة خالل‬ ‫فترة الطوارئ التي تشمل بداية شهر‬ ‫رمضان‪.‬‬ ‫واضاف "وانه التزاما باإلجراءات‬ ‫المتبعة ستبقى صلوات الجماعة‬ ‫والجمعة معلقة بهدف الحفاظ على‬ ‫حياة أبناء شعبنا وحمايتهم من انتشار‬ ‫فيروس كورونا"‪.‬‬ ‫وأوضح في حديث إلذاعة "صوت‬ ‫فلسطين" الرسمية‪ ،‬اليوم االربعاء‪ ،‬انه‬

‫وبسبب األوضاع السائدة في فلسطين‬ ‫‪:‬فإن دور اإلفتاء لن تدعوا جماهير‬ ‫شعبنا الى تحري هالل شهر رمضان‬ ‫المبارك هذا العام منعا للتجمع‬ ‫والتجمهر وسيتم االكتفاء بتحري‬ ‫أهل االختصاص من مفتيين وبعض‬ ‫من أعضاء الجمعية الفلسطينية‬ ‫للفلكيين"‪.‬‬ ‫وأضاف "سيعلن عن ثبوت رؤية‬ ‫الهالل والبدء بالصيام ببيان يبث عبر‬ ‫هيئة اإلذاعة والتلفزيون الفلسطينية‬ ‫وغيرها من وسائل االعالم غير‬ ‫الرسمية أيضا‪".‬‬

‫رئي�س «الإفتاء» بالإمارات‪ :‬جائحة‬ ‫كورونا ت�ؤكد حاجة العالم �إلى ربط‬ ‫ال�صلة بال�سماء‬

‫الإفتاء الأردنية‪ :‬االلتزام ب�صالة التراويح‬ ‫في البيوت واجب �شرعي ‪ ..‬والم�صاب‬ ‫ً‬ ‫عمدا «قاتل‬ ‫بمر�ض معد ومخالط للآخرين‬ ‫وعليه الدية»‬

‫ج�سور ‪ -‬رم�ضان ‪١٤٤١‬هـ ‪ -‬العدد (‪)١٣‬‬

‫قالت دائرة اإلفتاء العام بالمملكة األردنية‬ ‫الهاشمية إن االلتزام بالصالة في البيوت واجب‬ ‫شرعي‪ ،‬سواء أكانت فريضة كالصلوات الخمس‪،‬‬ ‫تصح في المنازل‬ ‫أو نافلة كصالة التراويح‪ ،‬التي‬ ‫ّ‬ ‫فرادى أو جماعة بين أهل البيت الواحد‪ ،‬فمن لم‬ ‫يستطع صالتها جماعة فتجوز فرادى‪ ،‬في ظل‬ ‫الظروف التي يحتمها انتشار فيروس "كورونا"‪.‬‬ ‫وأوضحت اإلفتاء األردنية‪ ،‬أن صالة الجمعة‬ ‫عين‪ ،‬تسقط بالعذر الشرعي من مرض أو‬ ‫فرض ٍ‬ ‫سفر أو مطر‪ ،‬فمن باب أولى سقوط النافلة في‬ ‫المسجد‪ ،‬ونحن مقبلون على شهر رمضان المبارك‪،‬‬ ‫الذي ندعو اهلل تعالى‪ ،‬أن يجعله شهر خير وبركة‬ ‫على الناس أجمعين‪.‬‬ ‫على صعيد أخر أكدت اإلفتاء األردنية أن من‬ ‫يتهاون في الحجر الصحي‪ ،‬ويخالط اآلخرين‪ ،‬مع علمه‬ ‫معد‪ ،‬ويتسبب بموت غيره فهو‬ ‫أنه مصاب وأن مرضه ٍ‬ ‫الدية‪ ،‬والكفارة صيام شهرين‪ ،‬متتابعين‪.‬‬ ‫قاتل وعليه ّ‬ ‫وأشارت أن العقوبة تتكرر بعدد من مات بسببه‪،‬‬ ‫وأضافت أنه يجب شرعًا على من كان مصا ًبا‬ ‫بفيروس كورونا‪ ،‬أو كان مشتبها بإصابته‪ ،‬أن‬ ‫صحي‪ ،‬التخاذ ال ّتدابير‬ ‫يبادر إلى أقرب مركز‬ ‫ّ‬ ‫الصحية الالزمة والمالئمة لحفظ صحته ونفسه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وتجنيب اآلخرين خطر العدوى ومن خالف ذلك‬ ‫فهو آثم شرعًا مستحق للعقوبة في الدنيا واآلخرة‪.‬‬ ‫معد‬ ‫وبينت أنه يحرم على من أصيب بمرض ٍ‬ ‫كفيروس كورونا‪ ،‬أو اشتبه بإصابته به أن يخالط‬ ‫سائر الناس؛ حتى ال يكون سب ًبا في نقل العدوى‬ ‫بشكل‬ ‫مما يترتب عليه اإلضرار بهم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫والمرض إليهم‪ّ ،‬‬ ‫خاص‪ ،‬واإلضرار بالبلد وأمنه الصحي واالقتصادي‬ ‫ويعطل مصالح العباد والبالد‪.‬‬ ‫بشكل عام‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وشددت على وجوب االلتزام بالحجر الصحي وكل‬ ‫يقررها أهل االختصاص‪ ،‬ومن لم يلتزم‬ ‫التوجيهات التي ّ‬ ‫شرعا‪ ،‬وهو من باب اإلفساد في األرض‪.‬‬ ‫آثم ً‬ ‫بذلك فهو ٌ‬

‫بيه رئيس المجلس‬ ‫قال الشيخ عبداهلل بن ّ‬ ‫األعلى لإلفتاء في دولة اإلمارات العربية‬ ‫المتحدة‪ ،‬إن األديان السماوية يجب أن تكون‬ ‫حاضرة في خضم جائحة كورونا‪ ،‬وذلك‬ ‫والحث على التضامن‪ ،‬والتحلّي‬ ‫لتقديم األمل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫باألخالق اإلنسانية التي تؤدي إلى التعايش‬ ‫السعيد بين سكان هذا الكوكب الذي نعيش‬ ‫فيه‪.‬‬ ‫وأضاف‪« :‬في الوقت الذي تجتاز فيه‬ ‫البشرية هذا االمتحان الصعب‪ ،‬فإن أتباع‬ ‫األديان يدعون للتعاون مع الجهات الرسمية‬ ‫في احترام التعليمات الطبية‪ ،‬ونحن نستقبل‬ ‫مواسم دينية كبرى»‪.‬‬ ‫ثم واصل رئيس المجلس األعلى لإلفتاء‬ ‫في اإلمارات‪« :‬إن اإلسالم يحث على البحث‬ ‫العلمي للتوصل للدواء ِ‬ ‫يح ُم ْس ِل ٍم ِم ْن‬ ‫وفي َص ِح ِ‬ ‫َح ِد ِ‬ ‫ول َّ ِ‬ ‫ِر ْب ِن َع ْب ِد َّ ِ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫الل‬ ‫ق‬ ‫‪:‬‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫يث َجاب ِ‬ ‫الل َ َ َ َ‬ ‫يب‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم‪ِ :‬ل ُك ِّل َدا ٍء َد َوا ٌء َفِإ َذا ُأ ِص َ‬ ‫الدا ِء َب َرَأ ِبِإ ْذ ِن َّ ِ‬ ‫الل»‪.‬‬ ‫َد َو ُاء َّ‬ ‫وأكد أن هذا الحديث أصل عظيم‪،‬‬ ‫ودعوة إلى تعلم الطب والبحث عن الدواء‪،‬‬ ‫فهو يؤكد وجود دواء لكل داء‪ ،‬فإذا كان‬ ‫اإلنسان على يقين من وجود دواء لألمراض‬ ‫العضالية فضال عن األمراض األخرى فعليه‬ ‫أن يستقصي بحثا‪ ،‬فهو ال يبحث عن شيء‬ ‫معدوم‪ ،‬لكن عن شيء موجود لم يكتشف بعد‪،‬‬ ‫وهذه بشرى وأمل للباحثين‪ .‬وقد جمع هذا‬ ‫الحديث الكريم بين اتجاهين‪ ،‬أولهما يشير‬ ‫إلى مجهود اإلنسان في قوله عليه الصالة‬ ‫الداءِ»‪ ،‬وثانيهما‪:‬‬ ‫والسالم‪َ :‬‬ ‫يب َد َو ُاء َّ‬ ‫«فِإ َذا ُأ ِص َ‬ ‫االتكال على اهلل سبحانه وطلب التوفيق‬ ‫منه ألنه خالق األشياء والهادي بمنه إلى‬ ‫«ب َرَأ ِبِإ ْذ ِن َّ ِ‬ ‫الل»‪،‬‬ ‫المكتشفات‪ ،‬وذلك في قوله َ‬ ‫فاإلنسان يجتهد ويبحث ويستمد التوفيق من‬ ‫القوة العليا الممدة والملهمة‪.‬‬ ‫وذكر أن األديان السماوية يجب أن تكون‬ ‫حاضرة في هذا التأمل البشري في خضم هذه‬ ‫الجائحة لتقديم األمل والحث على التضامن‬ ‫والتحلي باألخالق اإلنسانية التي تؤدي إلى‬ ‫التعايش السعيد بين سكان هذا الكوكب‬ ‫الذي نعيش فيه‪ ،‬وفي الوقت الذي تجتاز‬ ‫فيه البشرية هذا االمتحان الصعب‪ ،‬فإن أتباع‬ ‫األديان مدعوون للتعاون مع الجهات الرسمية‬ ‫في احترام التعليمات الطبية وبخاصة ونحن‬ ‫نستقبل مواسم دينية كبرى‪.‬‬

‫‪9‬‬

‫دار الإفتاء‪ :‬يجوز التعجيل ب�إخراج الزكاة‬ ‫قبل ا�ستحقاقها للمت�ضررين من فيرو�س‬ ‫كورونا‬

‫قالت دار اإلفتاء المصرية‪" :‬إنه يشرع تعجيل‬ ‫الزكاة في هذه المحنة التي تمر بها مصر وبالد‬ ‫العالم جراء انتشار وباء فيروس "كورونا" المستجد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وعمل‬ ‫وسدا لفاقة المحتاجين‪،‬‬ ‫وقوفا مع الفقراء‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫بالمصلحة التي تستوجب التعجيل كما ورد في السنة‬ ‫النبوية المطهرة‪.‬‬ ‫وأضافت الدار ‪-‬في فتوى لها‪ -‬أن هذا هو مذهب‬ ‫إظهارا‬ ‫جماهير الفقهاء وعليه العمل والفتوى؛‬ ‫ً‬ ‫للمروءات في أوقات األزمات‪ ،‬وثواب الزكاة المعجلة‬ ‫يكون في هذه الحالة أعظم‪ ،‬لما فيه من مزيد تفريج‬ ‫الكروب وإغاثة الملهوفين وسد حاجة المعوزين‪.‬‬ ‫وأوضحت الدار أن الشريعة اإلسالمية جعلت‬ ‫كفاية الفقراء والمساكين هي أهم مقاصد الزكاة‬ ‫َ‬ ‫وآكدها‪ ،‬إذ جاءوا في صدارة مصارفها الثمانية‬ ‫للتأكيد على أولويتهم في استحقاقها؛ قال تعالى‪:‬‬

‫[التوبة‪]60 :‬؛‬ ‫وقال النبي صلى اهلل عليه وآله وسلم لمعاذ بن جبل‬ ‫َطاعوا‬ ‫الي َمن‪َ :‬‬ ‫"فإن هم أ ُ‬ ‫رضي اهلل عنه لما بعثه إلى َ‬ ‫َن ا َ‬ ‫قة‬ ‫ك‬ ‫ض عليهم َص َد ً‬ ‫هلل قد َف َر َ‬ ‫َ‬ ‫َل َ‬ ‫بذلك فأَخبِرهم أ َّ‬ ‫ُر ُّد على ُف َقرا ِئهم"‪.‬‬ ‫ت َ‬ ‫ُؤخ ُذ ِمن أَغ ِنيا ِئهم فت َ‬ ‫وأشارت الفتوى إلى أن األصل في الزكاة ابتناؤها‬ ‫على مصلحة الفقراء وسدادها لفاقة المحتاجين حتى‬ ‫يتحقق المقصد التكافلي‪ ،‬ويحصل االكتفاء الذاتي‪،‬‬ ‫وتظهر العدالة المجتمعية‪ ،‬وتقل الفوارق الطبقية‪،‬‬ ‫وتحل المشكالت االقتصادية‪ ،‬وتزداد وفرة اإلنتاج‬ ‫وتضعف نسبة البطالة؛ فترتقي بذلك أحوال األمم‬ ‫والشعوب وتتوطد أسباب الحضارة‪.‬‬ ‫وأضافت الدار في فتواها أن ما يمر به العالم من‬ ‫تبعا لإلجراءات الوقائية التي تتبعها‬ ‫كساد اقتصادي ً‬ ‫الدول للحد من عدوى فيروس كورونا الوبائي ومنها‬ ‫مصر‪ ،‬أدى إلى ركود في معايش الناس وأرزاقهم‪،‬‬ ‫وزاد حالة الفقر ووسع هوة الفاقة وأكثر من‬

‫‪10‬‬

‫مظاهر الحاجة‪ ،‬فاشتدت حاجة الفقراء والمساكين‬ ‫إلى أموال الزكاة لمواساتهم ونجدتهم‪ ،‬وهذا أدعى‬ ‫الستنفار األغنياء والواجدين إلى مد يد العون للفقراء‬ ‫والمحتاجين‪.‬‬ ‫ولفتت الدار إلى أن الشريعة اإلسالمية الغراء كان‬ ‫لها قدم السبق في إدارة األزمات‪ ،‬وحل المشكالت‪ ،‬وسد‬ ‫الحاجات؛ فقد جعلت الزكاة في مال الغني مستحقة‬ ‫لمصارفها بمجرد حلول وقت أدائها؛ حتى ال يؤدي‬ ‫تأخيرها في يد المزكي إلى اإلضرار بالفقير‪ ،‬لكنها‬ ‫في الوقت نفسه أجازت تعجيل إخراج الزكاة إذا‬ ‫اقتضت المصلحة ذلك؛ كما هو الحال في أزمنة‬ ‫المجاعات واألوبئة والحروب‪.‬‬ ‫وأضافت أنه في هذه األحوال قد أكدت الشريعة‬ ‫على زيادة ثواب النفقة وعظم أجر الصدقة ومضاعفة‬ ‫ثواب الزكاة‪ ،‬فإنه كلما عظمت الفاقة واشتدت‬ ‫الحاجة وقوي الكرب‪ :‬كان العطاء أجدى لدفع البالء‬ ‫وكانت النفقة أجلب لرضوان الرب‪ ،‬فأحب النفقة إلى‬ ‫وأثوب‬ ‫أسد لحاجة المحتاجين‪،‬‬ ‫اهلل تعالى ما كانت َّ‬ ‫ُ‬ ‫الزكاة ما كانت سب ًبا في تفريج كرب المكروبين‪،‬‬ ‫وإنما يعظم أجر الصدقة على قدر شدة الكرب‬ ‫واالحتياج للنفقة؛ فجعل اهلل تعالى أحوال األزمات‬ ‫وأوقات الكروب والفاقات سب ًبا في تجاوز العقبات‬ ‫ورفع الدرجات؛ فقال اهلل سبحانه وتعالى‪:‬‬ ‫‪.‬‬ ‫واستدلت دار اإلفتاء في فتواها على جواز تعجيل‬ ‫إخراج الزكاة في أزمنة األزمات كالقحط واألوبئة‬ ‫ونحوها‪ ،‬بما أخذ به جمهور الفقهاء‪ ،‬فعن علي بن أبي‬ ‫طالب كرم اهلل وجهه‪" :‬أن العباس رضي اهلل عنه سأل‬ ‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم في تعجيل صدقته‬ ‫قبل أن تحل‪ ،‬فرخص له في ذلك"‪.‬‬ ‫وكذلك ما روي عن اإلمام علي بن أبي طالب‬ ‫رضي اهلل عنه‪ :‬بعث رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله‬ ‫وسلم عمر رضي اهلل عنه على الصدقة‪ ،‬فأتى العباس‬ ‫"عجلت لرسول‬ ‫رضي اهلل عنه يسأله صدقة ماله‪ ،‬فقال‪َّ :‬‬ ‫اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم صدقة سنتين‪ ...‬فرافعه‬ ‫إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬فقال‪" :‬صدق‬ ‫عمي؛ قد تعجلنا منه صدقة سنتين"‪.‬‬ ‫وأوضحت الدار أن جماهير الفقهاء أخذوا بهذا‬ ‫الحديث‪ ،‬فأجازوا للمزكي تعجيل إخراج زكاة ماله‬ ‫قبل أوان محلها؛ رعاية لمصلحة مصارفها‪ ،‬ومنهم‬ ‫من نص على مشروعية تعجيلها في أوقات األزمات‪،‬‬ ‫وفرقوا بينها وبين بقية العبادات التي مبناها التوقيف‪:‬‬ ‫بأن مبنى الزكاة على اإلرفاق‪ ،‬ورعاية مصلحة‬ ‫المحتاجين‪.‬‬

‫ع�ضو هيئة كبار‬ ‫العلماء بال�سعودية‪:‬‬ ‫ال �إثم على الزوجة‬ ‫الممتنعة عن الفرا�ش‬ ‫ً‬ ‫خوفا من «كورونا»‬

‫تـوفي الشـيخ عبد الـرحـمن‬ ‫مرتضـانوف مـفتي جمــهـورية‬ ‫إنغـوشـيا الروسـية إثـر إصابته‬ ‫بكورونا المستجد‪ ،‬ليصبح المفتي‬ ‫األول في العالم اإلسالمي المتوفى‬ ‫بالفيروس‪.‬‬ ‫وفي وقـت سـابق أفاد مصـدر‬ ‫طبـي محــلي‪ ،‬بـأنــه تـم نقــل‬ ‫مرتضـانـوف إلى المستشفى بعد‬ ‫االشـتباه بإصــابـتـه بفــيروس‬ ‫كـورونا وتم تقـييم حالته على‬ ‫أنهـا خطـيرة‪.‬‬ ‫ووفقـا ألحـدث البيانات‪ ،‬فقـد‬ ‫تم تسجـيل ‪ 29‬إصـابة بالفيروس‬ ‫المذكور في إنغوشيا‪.‬‬ ‫وتم انتخاب مرتضانوف مفتيا‬ ‫إلنغـوشيا في يولـيو ‪ ،2019‬وقبل‬ ‫ذلك عمل ‪ 20‬عاما قاضيا شرعيا‬ ‫لجمهورية إنغوشيا‪.‬‬

‫ج�سور ‪ -‬رم�ضان ‪١٤٤١‬هـ ‪ -‬العدد (‪)١٣‬‬

‫أفتى المسـتشار بالـديـوان المــلكي‬ ‫السـعودي عضـو هـيئة كبـار العـلـماء‪،‬‬ ‫الدكتور عبداهلل بن محمد المطلق‪ ،‬بأنه‬ ‫ال إثم على الزوجة في حال امتناعها عن‬ ‫فراش الزوجية بسبب خوفها من عدوى‬ ‫"كورونا" من زوجها الذي ال يلتزم‬ ‫بالبقاء في المنزل‪.‬‬ ‫وفي التفاصيل‪ ،‬دعا الدكتور المطلق‬ ‫األزواج إلى تقوى اهلل‪ ،‬والمساهمة في‬ ‫االستقرار النفسي واألسري لزوجاتهم‬ ‫بالتزام األنظمة والتعليمات لمنع تفشي‬ ‫فيروس كورونا‪ ،‬وذلك بمنع التجول‪،‬‬ ‫والبقاء في المنازل‪.‬‬ ‫كانت امرأة اشتكت من أن زوجها ال‬ ‫يستقر بالبيت‪ ،‬وال يهتم باألنظمة‪ ،‬وتخشى‬ ‫من أن ينقل لها العدوى بكورونا‪ ،‬وهو‬ ‫يطلب منها النوم في غرفة النوم‪ ،‬وهي‬ ‫ً‬ ‫خوفا على نفسها وأبنائها‪،‬‬ ‫ال تستجيب له‬ ‫فهل هي آثمة بامتناعها؟ ورد المطلق‬ ‫على هذا التساؤل الذي ورد في برنامج‬ ‫ِ‬ ‫"لست آثمة‬ ‫فتاوى على القناة السعودية‪:‬‬ ‫أبدا؛ فأنت تحمين نفسك؛ اهلل يقول لك‬ ‫ً‬ ‫ِن اهلل‬ ‫{و َ‬ ‫ال َت ْق ُتلُوْا أ ُ‬ ‫َنف َس ُك ْم إ َّ‬ ‫وألمثالك‪َ :‬‬ ‫يما}"‪.‬‬ ‫ان ب ُ‬ ‫َ‬ ‫كَ‬ ‫ِك ْم َر ِح ً‬ ‫ِ‬ ‫دمـت تخـافين‪،‬‬ ‫وأضـاف‪" :‬ال يجـب ما‬ ‫وهو ال يجلس في البيت‪ ،‬وما ِ‬ ‫دمت تخافين‬ ‫وهو ال يطيعك امتنعي عنه‪ ،‬وتحصني‬ ‫عنه‪ ،‬وابتعدي عنه‪ ،‬وادفعيه للعزل الصحي‬ ‫يوما"‪.‬‬ ‫‪ً 14‬‬

‫وفاة مفتي �إنغو�شيا بفيرو�س‬ ‫كورونا‬

‫‪11‬‬

‫رؤى إفتائية‬

‫‪12‬‬

‫من نفحات ال�صيام «يريد اهلل بكم الي�رس»‬ ‫و�أثرها يف الت�رشيع الإ�سالمي‬

‫ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ‬ ‫ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ‬ ‫ﭴ ﭵ ﭶ﴾ [الدخان‪ ، ]6 - 3 :‬وأما وظيفة‬

‫ج�سور ‪ -‬رم�ضان ‪١٤٤١‬هـ ‪ -‬العدد (‪)١٣‬‬

‫لشهر رمضان ‪-‬خاصة من بين الشهور‪ -‬عبير‬ ‫ورحيق يميزه‪ ،‬تحس فيه وكأن األرض غير‬ ‫األرض والناس غير الناس؛ فالمسلمون في مشارق‬ ‫األرض ومغاربها يستقبلون هذا الشهر بمختلف‬ ‫أنواع البهجة والسرور‪ ،‬ولهم في كل دولة طريقة‬ ‫تميزهم عن غيرهم حين استقبالهم هالل هذا الشهر‬ ‫الكريم‪ ،‬وفيه تظهر مكارم األخالق‪ ،‬من الكرم‪،‬‬ ‫واأللفة‪ ،‬والتواد‪ ،‬والتراحم‪ ،‬ويتعاون الناس فيه‬ ‫على الخيرات من توزيع الصدقات وإطعام الطعام‬ ‫في الموائد الرحمانية‪ ،‬وإفشاء روح الحب والتسامح‬

‫بين الناس‪ ،‬وأما األطفال ففرحهم بفوانيسهم ‪-‬التي‬ ‫ال تكون إال في هذا الشهر‪ -‬ال تعدلها فرحة‪ ،‬فال‬ ‫عجب بعد ذلك أن تشتهر مقولة‪ ":‬يا ليت السنة‬ ‫كلها رمضان" على األلسنة‪ ،‬وكل هذا من بركات‬ ‫هذا الشهر ففيه ليلة القدر المباركة التي هي‬ ‫خير من ألف شهر‪ ،‬وفيها نزل القرآن العظيم‬ ‫مصداقا لقوله تعالى‪﴿:‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ‬

‫‪13‬‬

‫هذا الشهر التي قد انفرد بها عن باقي الشهور‪ ،‬فهي‬ ‫فريضة الصيام‪ ،‬وهي مع ما فيها من مشقة االمتناع‬ ‫عن شهوتي البطن والفرج طوال نهار هذا الشهر فاهلل‬ ‫تعالى بحكمته خففها ويسرها على النفوس؛ بأن جعل‬ ‫مكانها في القلوب فرحة وحالوة ال توجدان إال في‬ ‫هذا الشهر الكريم‪.‬‬

‫قاعدة فقهية كبرى م�ستنبطة من �آيات فر�ض‬ ‫ال�صيام‬

‫وفريضة الصيام من معالم الدين القويمة‪ ،‬وهي‬ ‫أيضا عبادة قديمة فرضها اهلل تعالى على سائر األمم‬

‫قبلنا‪ ،‬يقول الحق سبحانه‪﴿:‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬ ‫ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ‬ ‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬ ‫ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ‬ ‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ‬ ‫ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ‬ ‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ‬ ‫ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬ ‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬ ‫ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ‬ ‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ﴾ [البقرة‪]185 - 183 :‬‬

‫وبالتأمل في هذه اآليات الكريمة نجد بركة أخرى‬ ‫لهذه الفريضة ظهر أثرها في التشريع اإلسالمي عامة‬ ‫أال وهي تأسيس قاعدة فقهية مجمع عليها‪ ،‬من القواعد‬ ‫الخمس الكبرى التي هي دعائم الفقه كله‪ ،‬وترجع‬ ‫ُرد مسائل الفقه إليها‪ ،‬أال وهي قاعدة "المشقة‬ ‫وت َ‬ ‫تجلب التيسير"‪.‬‬ ‫فاألصل في هذه القاعدة ‪-‬كما ذكر السيوطي وابن‬ ‫يد‬ ‫نجيم وغيرهما‪ -‬قوله تعالى في اآليات السابقة‪ُ ":‬ي ِر ُ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ِك ُم ا ْل ُع ْس َر" يقول الجصاص‬ ‫يد ب ُ‬ ‫الل ب ُ‬ ‫ِك ُم ا ْل ُي ْس َر َو َل ُي ِر ُ‬ ‫في أحكام القرآن (‪ ":)271/1‬وهذه اآلية أصل في أن‬ ‫كل ما يضر باإلنسان ويجهده ويجلب له مرضا أو‬ ‫يزيد في مرضه‪ ،‬أنه غير مكلف به؛ ألن ذلك خالف‬ ‫اليسر‪ ...‬ويدل على أن سائر الفروض والنوافل إنما‬ ‫أمر بفعلها أو أبيحت له على شريطة نفي العسر‬ ‫والمشقة الشديدة"‪.‬‬

‫جميع الرخ�ص ال�شرعية تتخرج على هذه‬ ‫القاعدة‬

‫ويتفرع على ذلك فروع كثيرة‪ ،‬ولذلك قال أهل‬ ‫العلم‪ :‬يتخرج على هذه القاعدة جميع رخص الشرع‬ ‫وتخفيفاته‪ ،‬إما بإسقاط العبادة عن المكلف كما في‬ ‫سقوط الصالة عن الحائض والنفساء‪ ،‬أو تنقيصها‬ ‫كقصر الصالة الرباعية في السفر وكذا تقديمها‬

‫‪14‬‬

‫وتأخيرها فيه‪ ،‬أو بإبدالها بغيرها بحيث يكون البدل‬ ‫أخف وأسهل من المبدل كما في التيمم عند التضرر‬ ‫من استعمال الماء‪ ،‬أو بتغيير هيئتها المعهودة كما‬ ‫في صالة الخوف‪.‬‬ ‫وقد أشارت اآلية إلى بعضه‪ ،‬ألنه تعالى أخبر‬ ‫أنه خفف في حالتي العذر من السفر والمرض ولم‬ ‫يكلفهم الصوم ألنه يثقل فيهما فعله‪ ،‬وبإبدالها في‬ ‫حالة العجز كالشيخ الفاني والمرأة العجوز كما‬ ‫يقو َن ُه‬ ‫ين ُي ِط ُ‬ ‫تأوله الذاهبون إلى أن آية‪َ ":‬و َع َلى ا َّل ِذ َ‬ ‫ين" محكمةٌ‪ ،‬فيكون المعنى‪ :‬وعلى‬ ‫ام ِم ْس ِك ٍ‬ ‫ِف ْد َي ٌة َط َع ُ‬ ‫الذين يطيقونه أي‪ :‬بتكلف ومشقة زائدة‪ ،‬وهذا هو‬ ‫المروي عن ابن عباس‪-‬رضي اهلل عنهما‪.-‬‬

‫�أ�سباب الم�شقة الجالبة للتي�سير‬

‫اجتهد العلماء في حصر هذه األسباب التي يكون‬ ‫سلوكها مؤديا إلى التلبس بالمشقة فوجدوها سبعة‬ ‫أسباب‪:‬‬ ‫السبب األول‪ :‬السفر‪ ،‬ومن تخفيفاته‪ :‬جواز المسح‬ ‫على الخفين أكثر من يوم وليلة‪ ،‬وجواز القصر‬ ‫والجمع بين الصالتين بشروط مخصوصة‪ ،‬وجواز‬ ‫الفطر في رمضان‪.‬‬ ‫السبب الثاني‪ :‬المرض‪ ،‬ورخصه كثيرة‪ ،‬منها التيمم‬ ‫عند مشقة استعمال الماء‪ ،‬والقعود في صالة الفرض‬ ‫وخطبة الجمعة‪ ،‬واالضطجاع في الصالة‪ ،‬والجمع‬ ‫بين الصالتين على قول بعض الفقهاء‪ ،‬والتخلف عن‬ ‫الجماعة والجمعة مع حصول الفضيلة‪ ،‬والفطر في‬ ‫رمضان وترك الصوم للشيخ الهرم مع الفدية كما‬ ‫تقدم‪ ،‬واالنتقال من الصوم إلى اإلطعام في الكفارة‪،‬‬ ‫والخروج من المعتكف وعدم قطع التتابع المشروط‬ ‫في االعتكاف‪ ،‬واالستنابة في الحج وفي رمي الجمار‪،‬‬ ‫وإباحة محظورات اإلحرام مع الفدية‪.‬‬ ‫السبب الثالث‪ :‬اإلكراه‪ ،‬ومن مراعاته أن من أكره‬ ‫على التلفظ بكلمة الكفر وقلبه مطمئن باإليمان لم‬ ‫يؤاخذ بموجب تلفظه‪ ،‬وأن من أكره على عقد من‬ ‫المعامالت فإنه ال يلزمه موجب تصرفه‪ ،‬بل يخير‬ ‫بعده بين اإلمضاء والفسخ‪ ،‬ومن أكره على إتالف‬ ‫مال الغير فإنه ال يضمنه بل الضمان على من أكرهه‪.‬‬ ‫السبب الرابع‪ :‬النسيان‪ ،‬ومن اعتباره عدم وجوب‬ ‫القضاء على من شرب أو أكل ناسيا لصومه‪ ،‬وعدم‬ ‫اإلثم وغير ذلك‪.‬‬ ‫السبب الخامس‪ :‬الجهل‪ ،‬ومن مراعاته أن من جهل‬ ‫عيبا في السلعة ووجده بعد شرائه فله حق الرد وال‬ ‫يسقط بجهله‪ ،‬وكذا عدم سقوط حق الشفعة إذا كان‬ ‫الشفيع جاهال بحقه فيها‪.‬‬ ‫السبب السادس‪ :‬النقص الحقيقي أو الحكمي ومنه‬ ‫عدم تكليف الصبي‪ ،‬والمجنون‪ ،‬بالعبادات البدنية‪ ،‬وعدم‬ ‫تكليف األعمى واألعرج والنساء بالجهاد‪.‬‬

‫السبب السابع‪ :‬العسر وعموم البلوى‪ ،‬وهو أهم‬ ‫سبب وأوسعها تطبيقا‪ ،‬وفروعه كثيرة ال تحصر‬ ‫منها الصالة مع النجاسة المعفو عنها‪ ،‬كدم القروح‬ ‫والدمامل‪ ،‬وذرق الطيور إذا عم في المسجد‪ ،‬ومسح‬ ‫الخف في الحضر لمشقة نزعه في كل وضوء ومن‬ ‫ثم وجب نزعه في الغسل لعدم تكرره‪.‬‬ ‫وأنه ال يحكم على الماء باالستعمال ما دام مترددا‬ ‫على العضو‪ ،‬والجمع بين الصالتين في المطر‪ ،‬وترك‬ ‫الجماعة والجمعة باألعذار المعروفة‪ ،‬وعدم وجوب‬ ‫قضاء الصالة على الحائض لتكررها بخالف الصوم‪،‬‬ ‫وأكل الميتة إذا اضطر‪ ،‬وأخذ الوصي من مال اليتيم‬ ‫بقدر أجرة عمله إذا احتاج‪ ،‬وجواز تقديم نية الصوم‬ ‫على أوله‪ ،‬ونية صوم النفل بالنهار‪ ،‬وإباحة التحلل‬ ‫من الحج باإلحصار والفوات‪ ،‬ولبس الحرير للمرض‬ ‫الجلدي‪.‬‬ ‫ومنه‪ :‬إباحة النظر عند الخطبة‪ ،‬وتحمل الشهادة‬ ‫ومعالجة المرضى‪.‬‬ ‫ومنه‪ :‬مشروعية الكفارة في الظهار واليمين‬ ‫تيسيرا على المكلفين لما في التزام موجب ذلك من‬ ‫المشقة عند الندم‪.‬‬

‫�أثر هذه القاعدة في النوازل الم�ستجدة‬

‫وهذا السبب يعد أيضا أكثرها استخداما في‬ ‫النوازل المعاصرة‪ ،‬ومن ذلك هذه النازلة الحالية التي‬ ‫اجتاحت وعمت البالد‪ ،‬أعني بها انتشار وباء فيروس‬ ‫كورونا المستجد (كوفيد‪ )19-‬وعسر االحتراز منه‬ ‫إال بإجراءات وقائية واحترازية تتخذها الحكومات‬ ‫والدول لدفع انتشار هذا الوباء‪ ،‬ومن ثمة توالت‬ ‫الفتاوى والبيانات من المؤسسات اإلفتائية والهيئات‬ ‫الشرعية في العالم لبيان األحكام المتعلقة بهذه النازلة‬ ‫لتيسير االنتفاع بهذه اإلجراءات مما تطلب استعمال‬ ‫الرخص والتخفيفات الشرعية المتاحة انطالقا من‬ ‫هذه القاعدة فظهر أثرها في منع وسائل االجتماع‬ ‫حتى في الجمع والجماعات والعمرات‪ ،‬والحث على‬ ‫لزوم البيوت وعدم االنتشار في الشوارع والطرقات‬ ‫إال لضرورة‪ ،‬والحث على تعجيل الزكاة على موعد‬ ‫إخراجها لسنة أو سنتين لسد حاجة المتضررين‪ ،‬كل‬ ‫هذا من التيسيرات المطلوبة لمساعدة الحكومات‬ ‫والدول في دفع هذا الوباء المستجد‪.‬‬ ‫فقد بان بذلك أن هذه القاعدة يرجع إليها غالب‬ ‫أبواب الفقه اإلسالمي‪ ،‬وهي أكثرها تطبيقا عند‬ ‫عموم البلوى‪ ،‬وخاصة في النوازل المستجدة عندما‬ ‫يعسر االحتراز منها أو االستغناء عنها؛ فحينئذ تشتد‬ ‫الحاجة إلى تطبيقها‪ ،‬وتظهر ثمرتها ونتيجتها لعموم‬ ‫المكلفين‪.‬‬

‫ج�سور ‪ -‬رم�ضان ‪١٤٤١‬هـ ‪ -‬العدد (‪)١٣‬‬

‫‪15‬‬

‫تعجيل �إخراج الزكاة‬ ‫ب�سبب وباء كورونا‬

‫فتوى‬ ‫أسهمت يف حل‬ ‫مشكلة‬

‫‪16‬‬

‫يشهد العالم اآلن موجة من انتشار فيروس‬ ‫كرونا )‪ ، (covid 19‬والتي أربكت العالم‪ ،‬وأثرت‬ ‫تأثيرا بالغا في حياة البشر على ظهر األرض‪،‬‬ ‫بعد أن كان اإلنسان ال يجد صعوبة في التنقل‬ ‫بين البلدان على بعد المسافة‪ ،‬أصبح مقيدا‬ ‫في حركته‪ ،‬وتجلت تداعيات هذا التأثير على‬ ‫حركة السفر والتجارة‪ ،‬وحركة اإلنتاج بشكل‬ ‫عام‪ ،‬مما كان له األثر البالغ على حياة كثير‬ ‫من المواطنين الذين فقدوا أعمالهم بسبب هذه‬ ‫التدابير التي اتخذتها الحكومات‪.‬‬ ‫فأصبح في أغلب المجتمعات تقريبا فئة من‬ ‫الناس فقدت مصادر اإلنفاق التي كانت تعتمد‬ ‫عليها‪ ،‬ولم يعد لديها ما يسد حاجتها ويكفي‬ ‫مؤ نتها ‪.‬‬ ‫وأصبحت البشرية في أمس الحاجة إلى‬ ‫التكافل والتراحم فيما بينها‪ ،‬بأن يمد الغني يد‬ ‫العون إلى الفقير‪ ،‬وأن يأخذ الواجد بيد المحتاج‪،‬‬ ‫لينجو الجميع إلى بر األمان‪.‬‬ ‫ولئن كانت هذه المعاني قيما إنسانية نبيلة‪،‬‬ ‫فهي قبل ذلك واجب شرعي‪ ،‬يفرضه اإلسالم‬ ‫على أتباعه‪ ،‬ويلزمهم به‪ ،‬ويتجلى هذا اإللزام في‬ ‫فريضة الزكاة‪ ،‬التي شرعها اهلل تبارك وتعالى‬ ‫صيانة للفقير ومعونة للمسكين‪.‬‬ ‫والزكاة فريضة دينية تجب بشروط معينة‬ ‫منها حوالن الحول‪ ،‬أي يجب إخراجها بعد أن‬ ‫يمر عام هجري كامل على بعض األموال‪ ،‬ومن‬ ‫باب التيسير ورفع الحرج أجاز الشرع تقديم‬

‫إخراج الزكاة عن موعد وجوبها‪ ،‬ال سيما إذا‬ ‫تعلق بذلك مصلحة للفقير‪.‬‬ ‫ومن باب مراعاة أحوال الفئات التي تضررت‬ ‫من اإلجراءات التي اتخذتها الحكومات لمواجهة‬ ‫انتشار فيروس كرونا أصدرت دور اإلفتاء ‪-‬على‬ ‫اختالف بلدانها‪ -‬فتاوي تحث المسلمين الموسرين‬ ‫على تعجيل إخراج زكواتهم في هذه األيام دون‬ ‫أن ينتظروا حلول الحول‪.‬‬

‫دار الإفتاء الم�صرية تدعو �إلى الوقوف‬ ‫مع الفقراء‪:‬‬

‫ومن هذه الفتاوى فتوى دار اإلفتاء المصرية‬ ‫الصادرة بتاريخ‪2020/03/31 :‬م‪ ،‬تحت عنوان‬ ‫"تعجيل إخراج الزكاة بسبب وباء كورونا"‬ ‫حيث أكدت الفتوى على جواز تعجيل الزكاة‬ ‫شرعا تعجيل الزكاة في هذه‬ ‫بقولها‪" :‬يجوز‬ ‫ً‬ ‫اآلونة التي تمر بها مصر وبالد العالم جراء هذا‬ ‫ً‬ ‫وسدا لفاقة المحتاجين‪،‬‬ ‫الوباء؛‬ ‫وقوفا مع الفقراء‪ًّ ،‬‬ ‫وعمل بالمصلحة التي تستوجب التعجيل كما ورد‬ ‫ً‬ ‫في السنة النبوية المطهرة‪ ،‬وهو مذهب جماهير‬ ‫إظهارا للمروءات‬ ‫الفقهاء وعليه العمل والفتوى؛‬ ‫ً‬ ‫في أوقات األزمات‪ ،‬وثواب الزكاة المعجلة في‬ ‫هذه الحالة أعظم؛ لما فيها من مزيد تفريج‬ ‫الكروب وإغاثة الملهوفين وسد حاجة المعوزين"‬ ‫واستندت هذه الفتوى إلى األدلة الواضحة من‬ ‫الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وعلى كالم جماهير العلماء‬ ‫المتقدمين‪.‬‬

‫ج�سور ‪ -‬رم�ضان ‪١٤٤١‬هـ ‪ -‬العدد (‪)١٣‬‬

‫‪17‬‬

‫هيئة كبار العلماء بالأزهر‬ ‫ال�شريف ت�ؤكد على ا�ستحباب‬ ‫تعجيل الزكاة‪:‬‬

‫وقد أكدت هيئة كبار العلماء‬ ‫باألزهر الشريف في بيانها الثاني‬ ‫الصادر بسبب انتشار كورونا‬ ‫على التراحم والتكافل بين الناس‬ ‫أجمعين‪ ،‬ورعاية المتضررين‪،‬‬ ‫ـمال‬ ‫واألرامل‪ ،‬والمساكين‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫والع َّ‬ ‫المتضررين من انتشار هذا الوباء‪،‬‬ ‫وأكدت على استحباب تعجيل‬ ‫الزكاة بقولها‪:‬‬ ‫"مـذهب الجمـهور أنه يجوز‬ ‫الزكــاة وإخـــراجـها‬ ‫تعجــيل َّ‬ ‫بس َن ٍة‬ ‫استحقاقها‬ ‫موعد‬ ‫مقد ًما على‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫أو سنتين‪ ،‬وهو ما تمس الحاجة‬ ‫إلى الفتوى بـه اآلن‪ ،‬ومـما يـدل‬ ‫على جواز ذلـك ما رواه أبو داود‬ ‫وغيره من استئذان العباس بن‬ ‫عبدالمطلب للنبي ﷺ في تعجيل‬ ‫صدقته ‪ -‬أي إخراج زكاته قبل‬ ‫مـوعـدها ‪ -‬فـأذن لـه‪.‬‬ ‫ومن ثم فإن ما نطمئن إليه‬ ‫هو تعجيل إخراج زكاة المال من‬ ‫اآلن قبل موعدها مراعا ًة لمصلحة‬ ‫الفقراء والمحتاجين‪ ،‬وهو أمر‬ ‫شرعا في هذه األيام‬ ‫مستحب‬ ‫ً‬ ‫التي يجتاح فيها وباء كورونا‬ ‫تضرر‬ ‫«كوفيد ‪ »19-‬العالم وقد‬ ‫َّ‬ ‫كثير من المحتاجين والفقراء‪،‬‬ ‫ومراعاة هؤالء وسد حاجتهم من‬ ‫أما زكاة‬ ‫أعلى مقاصد الشريعة‪َّ ..‬‬ ‫الفطر فإخراجها ابتدا ًء من اليوم‬ ‫األول في رمضان وانتها ًء بآخر‬ ‫يوم فيه"‬

‫‪18‬‬

‫الإفتاء الأردنية «تعجيل الزكاة زيادة في الأجر»‬

‫قالت دار اإلفتاء األردنية بجواز إخراج زكاة المال قبل‬ ‫حوالن الحول في الفتوى رقم‪ )3566( :‬والصادرة بتاريخ‬ ‫‪2020-03-24 :‬م‪ ،‬ورغبت أصحاب األموال أن يبادروا بتعجيل‬ ‫الزكاة وال ينتظروا إلى دخول رمضان‪ ،‬فقالت‪" :‬وبسبب‬ ‫الظروف التي نعيشها هذه األيام‪ ،‬حيث يعيش فريق من الناس‬ ‫دون عمل أو مال‪ ،‬وال قدرة لهم على تحقيق احتياجاتهم‬ ‫ممن أنعم اهلل عليهم‪،‬‬ ‫األساسية‪ ،‬نرى أن يبادر أصحاب األموال ّ‬ ‫يحل الحول عليها‪ ،‬وال نرى‬ ‫بإخراج زكاة أموالهم‪ ،‬وإن لم‬ ‫ْ‬ ‫تمس الحاجة إليها في هذه الظروف‪،‬‬ ‫تأخيرها لرمضان‪ ،‬حيث ّ‬ ‫شك أن شهر شعبان من األشهر المباركة التي يحرص‬ ‫وال ّ‬ ‫ألن فيه‬ ‫المسلم على اغتنامها في فعل الخيرات‬ ‫ُ‬ ‫والق ُربات؛ ّ‬ ‫تشتد في هذه‬ ‫اس‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫تُرفع األعمال‪ ...‬وال ّ‬ ‫أن حاجة ّ‬ ‫شك ّ‬ ‫ّ‬ ‫الزكاة فيها أفضل من إخراجها في‬ ‫مما يجعل إخراج ّ‬ ‫األيام‪ّ ،‬‬ ‫أجرا"‬ ‫رمضان وأعظم ً‬

‫وزارة ال�ش�ؤون الدينية والأوقاف بالجزائر‪:‬‬

‫قالت وزارة الشؤون الدينية واألوقاف بالجزائر أيضا‬ ‫بجواز تعجيل الزكاة وذلك في البيان السابع الصادر عن‬ ‫أعضاء لجنة الفتوى بتاريخ ‪ 8‬شعبان ‪1441‬هـ الموافق ‪02‬‬ ‫أبريل ‪2020‬هـ‪ ،‬فبعد أن عرضت لكالم الفقهاء في المسألة‬ ‫قالت‪" :‬وبناء عليه فإنه يجوز تقديم الزكاة وإخراجها‬ ‫قبل حلول موعدها (أي الحول)‪ ،‬وفي ذلك ما ال يخفى‬ ‫من المصلحة الظرفية التي تعود على فئة من المواطنين‪،‬‬ ‫ض‬ ‫بمساعدتهم على تجاوز صعوبات الحجر الصحي الذي ُف ِر َ‬ ‫بسبب الوضعية االستثنائية"‬ ‫وهكذا نرى أن هذه الهيئات اإلفتائية المرموقة في ربوع‬ ‫العالم اإلسالمي قد تفاعلت مع الواقع المستجد‪ ،‬وواكبت‬ ‫األحداث المتسارعة بإصدارها هذه الفتاوى التي من شأنها أن‬

‫تعالج الخلل الحاصل في المجتمع‪ ،‬وتضمد الجراح‪،‬‬ ‫وتكفكف دموع المكلومين في معاشهم‪.‬‬ ‫ولم تقتصر هذه الفتاوى على بيان جواز تعجيل‬ ‫إخراج الزكاة لسنة أو سنتين فقط‪ ،‬بل رغبت وبينت‬ ‫أنه مستحب شرعا‪ ،‬وحثت أصحاب األموال أن يقوموا‬ ‫بمساعدة المحتاجين دون االقتصار على الزكاة‬ ‫الواجبة فقط‪ ،‬بل بصدقة التطوع‪ ،‬مع بيان فضلها في‬ ‫هذه األزمات عن غيرها من األوقات األخرى‪ ،‬كما‬ ‫جاء في فتوى دار اإلفتاء المصرية "وللشريعة الغراء‬ ‫قد ُم السبق في إدارة األزمات‪ ،‬وحل المشكالت‪ ،‬وسد‬ ‫َ‬ ‫الحاجات؛ فقد جعلت الزكاة في مال الغني مستحقة‬ ‫لمصارفها بمجرد حلول وقت أدائها؛ حتى ال يؤدي‬ ‫تأخيرها في يد المزكي إلى اإلضرار بالفقير‪ ،‬لكنها‬ ‫في الوقت نفسه أجازت تعجيلها إذا اقتضت المصلحة‬ ‫ذلك؛ كما هو الحال في أزمنة المجاعات واألوبئة‬ ‫والحروب‪.‬‬ ‫وقد أكدت الشريعة في هذه األحوال على زيادة‬ ‫ثواب النفقة وعظم أجر الصدقة ومضاعفة ثواب‬ ‫الزكاة؛ فإنه كلما عظمت الفاقة واشتدت الحاجة‬ ‫وقوي الكرب‪ :‬كان العطاء أجدى لدفع البالء وكانت‬ ‫أجلب لرضوان الرب؛ فأحب النفقة إلى اهلل تعالى‬ ‫النفقة‬ ‫َ‬ ‫ما كانت أسد لحاجة المحتاجين‪ ،‬وأثوب الزكاة ما‬ ‫كانت سب ًبا في تفريج كرب المكروبين‪ ،‬وإنما يعظم‬ ‫أجر الصدقة على قدر شدة الكرب واالحتياج للنفقة؛‬ ‫فجعل اهلل تعالى أحوال األزمات وأوقات الكروب‬ ‫والفاقات‪ :‬سببا في تجاوز العقبات ورفعة الدرجات؛‬

‫َع َت ِك َف ِفي َه َذا ا ْل َم ْس ِج ِد ‪َ -‬ي ْع ِني َم ْس ِج َد ا ْل َم ِدي َن ِة‪َ -‬ش ْه ًرا‪،‬‬ ‫أْ‬ ‫ُ‬ ‫ك َظ َم َغ ْي َظ ُه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫اهلل‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ض‬ ‫غ‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ ْ َ َُ َ َ ْ َ‬ ‫َو َ َ َ َّ َ َ َ ُ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َم َضا ُه‪َ -‬م َ‬ ‫َمنًا َي ْو َم‬ ‫اء أ ْ‬ ‫أل اهلل َقل َْب ُه أ ْ‬ ‫َن ُي ْم ِض َي ُه أ ْ‬ ‫َ‬ ‫و َل ْو َش َ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َث َب َتها َل ُه‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َخ‬ ‫أ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ى‬ ‫ش‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ام‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫اج ٍة َح َّتى أ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ا ْل َ َ َ َ َ‬ ‫َ​َ‬ ‫َ َ‬ ‫أ َْث َب َت ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫الص َر ِ‬ ‫اهلل َق َد َم ُه َع َلى ِّ‬ ‫اط َي ْو َم َت ِز ُّل ِفي ِه ال ْق َد ُام»‬ ‫أخرجه الطبراني في معاجمه‪" :‬الكبير" و"األوسط"‬ ‫و"الصغير"‪.‬‬ ‫وإن هذه الفتاوى وأمثالها تبين لنا في وضوح‬ ‫الدور المحوري الذي تقوم به المؤسسات الدينية في‬ ‫أوقات األزمات‪ ،‬نسأل اهلل تعالى أال تطول هذه األزمة‪،‬‬ ‫وأن يعجل بالفرج برفع هذا البالء عن الجميع‪.‬‬

‫فقال سبحانه وتعالى‪:‬‬

‫ج�سور ‪ -‬رم�ضان ‪١٤٤١‬هـ ‪ -‬العدد (‪)١٣‬‬

‫[البلد‪.]18-11 :‬‬ ‫وعد‬ ‫أحب‬ ‫َّ‬ ‫النبي صلى اهلل عليه وآله وسلم ذلك َّ‬ ‫ُّ‬ ‫األعمال إلى اهلل تعالى وجعل أصحا َبه أحب الناس إليه‬ ‫سبحانه؛ فروى البخاري ومسلم في "صحيحيهما" من‬ ‫حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما‪ :‬أن رسول اهلل صلى‬ ‫سلم أَخو ا ْل ُمس ِلم‪ ،‬ال‬ ‫اهلل عليه وآله وسلم قال‪« :‬ا ْل ُم ُ‬ ‫كان اهللُ‬ ‫حاجة أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َخي ِه؛‬ ‫ان ِفي‬ ‫وم ْن َ‬ ‫َ‬ ‫كَ‬ ‫َيظ ِل ُمه‪ ،‬وال ُي ْس ِل ُم ُه‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫بة؛ َف َّر َج اهلل َع ْن ُه‬ ‫ك ْر ً‬ ‫سلم ُ‬ ‫وم ْن َف َّر َج َع ْن ُم ٍ‬ ‫ِفي حاج ِت ِه‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫لما؛‬ ‫ك َر ِب يوم‬ ‫ك ْر ً‬ ‫بة ِم ْن ُ‬ ‫بها ُ‬ ‫القيامة‪َ ،‬و َم ْن َس َت َر ُم ْس ً‬ ‫ُ‬ ‫يام ِة»‪.‬‬ ‫َس َت َر ُه اهلل َي َ‬ ‫وم ا ْل ِق َ‬ ‫أيضا أن النبي صلى اهلل عليه‬ ‫وعنه رضي اهلل عنه ً‬ ‫اس إلى ا ِ‬ ‫اس‪،‬‬ ‫هلل َأ ْن َف ُع ُه ْم ِلل َّن ِ‬ ‫َح ُّب ال َّن ِ‬ ‫وآله وسلم قال‪« :‬أ َ‬ ‫َح ُّب ا َ‬ ‫ال ِإ َلى ا ِ‬ ‫أل ْع َم ِ‬ ‫َو‬ ‫ُد ِخل ُ‬ ‫ور ت ْ‬ ‫هلل ُس ُر ٌ‬ ‫ُه َع َلى ُم ْس ِل ٍم‪ ،‬أ ْ‬ ‫َوأ َ‬ ‫َو َت ْط ُر ُد َع ْن ُه‬ ‫َت َك ِش ُف َع ْن ُه ُ‬ ‫َو َت ْق ِضي َع ْن ُه َد ْينًا‪ ،‬أ ْ‬ ‫ك ْر َب ًة‪ ،‬أ ْ‬ ‫وعا‪َ ،‬و َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َن‬ ‫َح ُّب ِإ َل َّي م ْن أ ْ‬ ‫ُج ً‬ ‫َمش َي َم َع أ ٍ‬ ‫أل ْن أ ْ‬ ‫اج ٍة أ َ‬ ‫َخ لي في َح َ‬

‫‪19‬‬

G FI 20

‫امل�ؤ�رش العاملي للفتوى وفتاوى فريو�س‬ ‫كورونا‪:‬‬ ‫(‪ )%90‬من الفتاوى التي �صدرت في �أزمة كورونا تعلقت بالعبادات‬ ‫ب�سبب الإجراءات االحترازية‬ ‫ف�صيل من دعاة ال�سلفية ي�صف البلدان التي علقت ال�صالة في‬ ‫الم�ساجد بالمرتدة والكافرة‬ ‫الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم‪ :‬ن�شر الطم�أنينة‬ ‫والتفا�ؤل بين النا�س منهج �إ�سالمي‬ ‫ال�شائعات والأخبار الكاذبة في ظل كورونا هدف الإخوان لهدم‬ ‫الأوطان وبث الرعب بين �أفراد المجتمع‬ ‫�أزمة كورونا ت�ستدعي وجود فقه طبي واقت�صادي جديد‬

‫ج�سور ‪ -‬رم�ضان ‪١٤٤١‬هـ ‪ -‬العدد (‪)١٣‬‬

‫‪21‬‬

‫ً‬ ‫استكمال لمتابعته كل ما يستجد من فتاوى‬ ‫حول فيروس كورونا المستجد (كوفيد‪)19-‬‬ ‫قام المؤشر العالمي للفتوى (‪ )GFI‬التابع لدار‬ ‫اإلفتاء المصرية واألمانة العامة لدور وهيئات‬ ‫اإلفتاء في العالم‪ ،‬برصد ما يقرب من ‪ 10‬آالف‬ ‫فتوى‪ ،‬أصدرتها هيئات إفتائية ومراكز إسالمية‬ ‫وأشخاص رسميين وغير رسميين وتنظيمات‬ ‫متطرفة‪.‬‬ ‫ومن خالل الرصد والتحليل للعينة المرصودة‬ ‫أكد مؤشر الفتوى أن فتاوى الخاصة بـ"العبادات"‬ ‫التي تعلقت بفيروس كورونا نالت نصيب األسد‬ ‫من إجمالي الفتاوى المرصودة متصدرة غيرها‬ ‫من الفتاوى؛ حيث جاءت بنسبة (‪ )%90‬من جملة‬ ‫الفتاوى‪ ،‬حيث استحوذت الفتاوى الخاصة بالصالة‬ ‫على نسبة (‪ )%35‬من فتاوى العبادات‪ ،‬وسجلت‬ ‫الفتاوى المتعلقة بشعائر الحج والعمرة نسبة‬ ‫(‪ )%20‬منها‪ ،‬وفي حين تقاسمت كل من الفتاوى‬ ‫الخاصة بالطهارة والزكاة والمتعلقة بالجنائز‬ ‫الـ (‪ )%45‬الباقية بنسبة (‪ )%15‬لكل منها‪.‬‬ ‫وأوضح مؤشر الفتوى أن الـ (‪ )%10‬الباقية من‬ ‫جملة الفتاوى المرصودة خالل الفترة المذكورة‬ ‫تعلقت بالشئون والعادات والعقائد‪ ،‬الفتًا إلى أن‬ ‫أبرزها كان حول فتاوى "الطب والتداوي"‪،‬‬ ‫و"أحكام غير المسلمين"‪ ،‬و"الشبهات"‪.‬‬

‫تعليق ال�صالة في الم�ساجد‪..‬‬ ‫م�ؤ�س�سات ر�سمية ُتلزم والجماعات‬ ‫المت�شددة ت�صطاد في الماء العكر‬

‫الجمع‬ ‫وتطرق المؤشر لفتاوى تعليق ُ‬ ‫والجماعات في المساجد‪ ،‬والتي استحوذت‬ ‫على نحو (‪ )%35‬من فتاوى العبادات‪ ،‬بعدما‬ ‫أصدرت عدة مؤسسات وهيئات ووزارات‬ ‫عربية وإسالمية فتاوى وقرارات خاصة‬ ‫بتعليق الصالة بالمساجد خشية تفشي‬ ‫الوباء الخبيث‪ ،‬منها دار اإلفتاء المصرية‬ ‫وهيئة كبار العلماء باألزهر الشريف‬ ‫ووزارة األوقاف‪ ،‬وهيئة كبار العلماء‬ ‫في السعودية‪ ،‬ومجلس اإلفتاء في‬ ‫اإلمارات‪ ،‬ودار اإلفتاء في األردن‪ ،‬والهيئة‬ ‫العلمية في المغرب‪ ،‬ووزارات األوقاف‬ ‫في الكويت وقطر وسلطنة عمان وسوريا‬ ‫والجزائر‪ ،‬ورئاسة الشئون الدينية في‬ ‫تركيا‪ ،‬ومجلس اإلفتاء األسترالي‪..‬‬ ‫وغيرها‪ ،‬مما يعكس حرص المؤسسات‬ ‫الدينية على حفظ النفس‪ ،‬ومدى تفاعل‬ ‫هذه المؤسسات مع القرارات االحترازية‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫�إخـــــــوان و�سـلفـيون ي�سـتغــلون الظـــروف‬ ‫العـ�صــــــيـبـــة‬

‫غير أن مؤشر الفتوى رصد فتاوى غردت‬ ‫خارج سرب كل تلك الهيئات والمؤسسات‬ ‫الشرعية السابقة‪ ،‬أصدرتها شخصيات محسوبة‬ ‫على التيارين السلفي واإلخواني‪ ،‬منها إصدار‬ ‫السلفي المصري مصطفى العدوي فتوى دعا‬ ‫خاللها المصريين للصالة في الشوارع‪ ،‬بعد تعليق‬ ‫زاعما أن "معظم الحكام‬ ‫الصالة في المساجد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫متابعا‬ ‫األساس"‪،‬‬ ‫في‬ ‫الدين‬ ‫علمانيون وال يحبون‬ ‫ً‬ ‫أمراضا كثيرة واألمور‬ ‫أن تاريخ البشرية شهد‬ ‫ً‬ ‫تسير ‪.‬‬ ‫ورأى مفتي إخوان ليبيا الصادق الغرياني‪،‬‬ ‫كل من يخاف على نفسه من‬ ‫أ ّنه ال ينبغي على ّ‬ ‫اإلصابة بفيروس كورونا‪ ،‬التخلف عن صالة‬ ‫"من أراد األخذ بالعزيمة‪،‬‬ ‫الجماعة؛ حيث إ ّنه َ‬ ‫والذهاب إلى المسجد للجماعة‪ ،‬فله ذلك‪ ،‬وبذلك‬ ‫تبقى شعائر اإلسالم وفرائضه مقامة داخل البلد‪،‬‬ ‫وال تُعطل بالكلية‪ ،‬بغلق المساجد ومنع الناس‬ ‫فإن ذلك ال يجوز"‪.‬‬ ‫منها‪ّ ،‬‬ ‫وفي الجزائر‪ ،‬انتقد اإلخواني عبد اهلل جاب‬ ‫اهلل ما وصفه بـ"تعطيل الجماعات والجمعات"‪،‬‬ ‫أن غلق المساجد وتعطيل الصلوات بسبب‬ ‫مؤكدا ّ‬ ‫ً‬ ‫انتشار الفيروس يحتاج إلى التر ّيث‪ ،‬كما أعرب‬ ‫الداعية الجزائري "شمس الدين بوروبي"‪ ،‬عن‬ ‫رفضه قرار غلق المساجد وحظر صالة الجمعة‬ ‫والجماعة داخلها‪ ،‬وذكر أن "الفتوى الصادرة عن‬ ‫المقربة من الحكومة (الجزائرية)‪،‬‬ ‫الهيئات الدينية‬ ‫ّ‬ ‫مبررات نصية مقنعة"‪.‬‬ ‫ال تستند إلى ّ‬ ‫وعلى النهج ذاته سار الداعية السوري‬ ‫اإلخواني "موفق السباعي" الذي قال‪" :‬إن الذين‬ ‫سارعوا إلى إغالق المساجد‪ ،‬ومنع المسلمين‬ ‫من صالة الجمعة والجماعة‪ ،‬في معظم البلدان‪،‬‬ ‫أو كلها‪ ،‬بذريعة منع عدوى فيروس كورونا‪،‬‬ ‫لظالمون‪ ،‬ومخطئون‪ ،‬وجاهلون"‪.‬‬ ‫وفي الكويت‪ ،‬أصدر السلفي أحمد المطيري‬ ‫فتوى قال فيها إن فتاوى إغالق المساجد ومنع‬ ‫الصلوات خشية المرض "باطلة"‪ .‬وبدوره‪ ،‬نشر‬ ‫"حسن الكتاني"‪ ،‬وهو شيخ سلفي مغربي فتوى‬ ‫واصفا إياها بـ"العظيمة"‪،‬‬ ‫"المطيري" السابقة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫المغرب‬ ‫وفي‬ ‫للمساجد‪.‬‬ ‫ورفض أي إغالق‬ ‫ً‬ ‫قال الشيخ السلفي المعروف عمر الحدوشي‪ :‬إن‬ ‫"دواء الطاعون في فتح المساجد ال في إغالقها"‪،‬‬ ‫واستشهد بفتوى البن تيمية تقول إنه "ال يحل‬ ‫إغالق المساجد عما ُشرعت له"‪.‬‬ ‫شن الداعية‪ ،‬عبد الحميد أبو‬ ‫وفي المغرب‪ّ ،‬‬ ‫النعيم‪ ،‬حملة شعواء على وزارة األوقاف والشئون‬

‫ج�سور ‪ -‬رم�ضان ‪١٤٤١‬هـ ‪ -‬العدد (‪)١٣‬‬

‫اإلسالمية ببالده بسبب قرارها غلق المساجد‬ ‫ووقف صلوات الجمعة والجماعة للوقاية‬ ‫كفر القائمين على‬ ‫من كورونا‪ .‬وبعد أن ّ‬ ‫شئون البالد‪ ،‬قال أبو النعيم‪" :‬البلد الذي‬ ‫ُغلق فيه المساجد وال تصلى فيه الصلوات‬ ‫ت ُ‬ ‫ارتد عن دينه وأصبح دار حرب‬ ‫الخمس‬ ‫ّ‬ ‫وكفر وخروج من الملة"‪.‬‬ ‫وأخيرا أصدر الشيخ الموريتاني "محمد‬ ‫ً‬ ‫الحسن ولد الددو" فتوى قال فيها إنه ال‬ ‫يحل تعطيل المساجد‪ ،‬الفتًا إلى إمكانية أن‬ ‫ً‬ ‫"خوفا من الضرر‬ ‫تنتقص جماعة المسجد‬ ‫عند االنتشار السريع والفادح للوباء"‪.‬‬ ‫وأشار الددو إلى ضرورة "االحتياط‬ ‫باستعمال الكمامات والقفازين والسجادة‬ ‫الخاصة وعدم المصافحة‪ ..‬وهم بذلك‬ ‫يقومون عن أهل البلد بفرض كفاية"‪.‬‬ ‫واستدل بقول اهلل تعالى‪{ :‬واستعينوا‬ ‫بالصبر والصالة}‪ ،‬وما صح عن النبي صلى‬ ‫اهلل عليه وسلم أنه كان "إذا حزبه أمر‬ ‫بادر إلى الصالة"‪.‬‬ ‫وعلق المؤشر العالمي للفتوى على‬ ‫كل ما سبق بأن الفتاوى التي صدرت‬ ‫تراع‬ ‫عن هؤالء األشخاص والجماعات لم‬ ‫ِ‬ ‫مصلحة الناس‪ ،‬وأنها فتاوى غير مسئولة‬ ‫ولم تدرس فقه الواقع والمآالت‪ ،‬وأنها‬ ‫فتاوى تدرج تحت باب إزهاق األرواح دون‬ ‫وجه حق‪ ،‬ألنها تحض الناس على أن يوردوا‬ ‫مؤكدا على أن هناك‬ ‫أنفسهم المهالك‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ص بها‬ ‫ترخ‬ ‫ي‬ ‫التي‬ ‫األسباب‬ ‫مجموعة من‬ ‫ُ َّ ُ‬ ‫لترك الجماعة في المسجد؛ بل والجمعة‪،‬‬ ‫ومنها أسباب عامة؛ كالمطر الشديد‬ ‫والوحل الذي ُيتأذى به‪ ،‬وكذا الظلمة التي‬ ‫ال ُيبصر بها اإلنسان طريقه إلى المسجد‪،‬‬ ‫ومنها أسباب خاصة؛ كالمرض‪ ،‬والخوف‬ ‫على نفسه أو ماله أو أهله‪ ،‬وكذلك أكل‬ ‫ما له رائحة كريهة‪..‬فكيف بمرض ووباء‬ ‫يجتاح العالم وينتقل بكثرة التجمعات‬ ‫والتالمس بين الناس‪.‬‬ ‫وتابع المؤشر أن صالة الجماعة‬ ‫وكذلك الجمعة ال تجب فقط في المساجد‪،‬‬ ‫مقرر في الشرع الحنيف‪،‬‬ ‫وأن البديل عنهما ّ‬ ‫فالجماعة تكون في البيوت‪ ،‬وبديل الجمعة‬ ‫هو صالة الظهر‪ ،‬كما لفت مؤشر الفتوى‬ ‫إلى أن األوقات الضرورية والطارئة‬ ‫أحكاما‬ ‫والعصيبة تستلزم ضمن فقه الواقع‬ ‫ً‬ ‫استثنائيا‪ ،‬وال يخفى أن حفظ النفس أولى‬ ‫ًّ‬ ‫من حفظ الشعائر‪ ،‬ال سيما في حال األوبئة‬ ‫واألمراض المعدية مثل كورونا وغيرها‪.‬‬

‫‪23‬‬

‫‪G FI‬‬

‫التو�صيات‬ ‫‪� 2800‬صفحة في م�صر فقط ‪ ..‬ال�شائعات‬ ‫والأخبار الكاذبة حول كورونا هدفها‬ ‫هدم الأوطان‬

‫ساوى مؤشر الفتوى بين خطر الوباء على‬ ‫الدول وخطر نشر الشائعات في هذه الظروف‬ ‫حذرت األمانة العامة لدور‬ ‫االستثنائية حيث ّ‬ ‫وهيئات اإلفتاء في العالم‪ ،‬من استغالل بعض‬ ‫أصحاب النفوس الضعيفة الشائعات لتأليب الرأي‬ ‫العام ضد الحكومات والدول مستشهدة بما تبثه‬ ‫جماعات التطرف على وسائلها اإلعالمية وقنواتها‬ ‫المشبوهة‪ ،‬حيث تتعرض الكثير منها لعدد كبير‬ ‫من الشائعات حول فيروس كورونا‪ ،‬من خالل‬ ‫مشيرا إلى‬ ‫نشر أخبار كاذبة ومجهولة المصدر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أن أحدث اإلحصاءات الصادرة في مصر (على‬ ‫سبيل المثال) رصدت أكثر من (‪ )2800‬صفحة‬ ‫تناولت أكثر من ‪ 3000‬شائعة حول الفيروس‬ ‫المميت خالل آخر أسبوعين‪.‬‬ ‫وأكدت األمانة أن الجماعات اإلرهابية‬ ‫وميليشياتها التي تتحرك من الخارج تقود‬ ‫نشر األكاذيب للتأثير على الدولة ومؤسساتها‪،‬‬ ‫واستغالل ذلك في خلق حالة من الذعر والخوف‬ ‫بين أبناء الوطن‪.‬‬ ‫واستشهدت األمانة بتركيز جماعة اإلخوان‬ ‫اإلرهابية على السوشيال ميديا وحشد لجانها‬ ‫اإللكترونية إلطالق الشائعات بكثافة حول وجود‬ ‫إصابات ال تعلنها الحكومة المصرية‪ ،‬بدليل‬ ‫فرحتهم بتقرير صحيفة الجارديان البريطانية‬ ‫وتغريدة مراسل نيويورك تايمز في مصر واللذين‬ ‫نشرا دراسة غير دقيقة حول عدد مصابي فيروس‬ ‫كورونا في مصر وتحقق كذبها‪ ،‬محاولين بثها‬ ‫على أوسع نطاق إلثارة الرعب والفزع بعد بدء‬ ‫تسجيل حاالت االصابة في مصر‪ ،‬وأكدت األمانة‬ ‫أن وجه تلك الجماعة القبيح يتجلى في مثل‬ ‫تلك الظروف‪ ،‬والتي تتجرد خاللها من كل‬ ‫مظاهر اإلنسانية بهدف تنفيذ أيديولوجياتهم‬ ‫ومخططاتهم المسمومة إلسقاط الدولة‪ ،‬ولو على‬ ‫حساب صحة الشعوب وأمن األوطان‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫واختتم مؤشر الفتوى تقريره بالتوصية‬ ‫بضرورة وجود مرجعية إفتائية تواكب‬ ‫األحداث الكبرى من خالل الدراسات المعمقة‬ ‫للعلم الحديث وتخريج الفقيه الطبي والفقيه‬ ‫االقتصادي‪..‬إلخ‪ ،‬وتقديم فتوى موحدة وملزمة‬ ‫وموافقة لكل األمة في مثل تلك النوازل‪ ،‬وقطع‬ ‫سولت له نفسه استغالل تلك‬ ‫الطريق لكل من ّ‬ ‫علما‬ ‫الظروف العصيبة إلثارة قضايا ثانوية تكون ً‬ ‫وجهل ال يضر وتزيد الفرقة والتناحر‪،‬‬ ‫ال ينفع‬ ‫ً‬ ‫كما أن هذا الفقه ال بد أن يراعي الظروف‬ ‫الصحية واالقتصادية التي أحدثتها األزمة وما‬ ‫سيترتب عليها في قابل األيام‪.‬‬ ‫وناشد المؤشر الجميع بالتمسك بالهدي‬ ‫النبوي الشريف في تلك األيام‪ ،‬واالعتصام‬ ‫بحديث النبي صلى اهلل عليه وسلم حين ُسئل‪ :‬ما‬ ‫النجاة؟ قال‪ :‬أمسك عليك لسانك (عدم نشر‬ ‫الشائعات واألخبار الكاذبة)‪ ،‬وليسعك بيتك‬ ‫ِ‬ ‫وابـك على خطيئتك‬ ‫(المكوث في المنزل)‪،‬‬ ‫(التضرع إلى اهلل تعالى والدعاء)‪.‬‬ ‫وأخيرا قدمت األمانة العامة لدور وهيئات‬ ‫ً‬ ‫اإلفتاء في العالم روشتة إيمانية تضمنت ما يلي‪:‬‬ ‫ عدم التهويل في األمور عند األزمات وعرض‬ ‫الحقائق وبث روح الطمأنينة والتفاؤل بين‬ ‫الناس‪ ،‬فهذا منهج إسالمي نبوي‪ ،‬فقد قال‬ ‫النبي صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬ويعجبني الفأل"‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الفأل؟ قال‪" :‬كلمة طيبة"‪ .‬وقال‬ ‫قالوا‪ :‬وما‬ ‫ال‬ ‫ام َة َو َ‬ ‫ال ِط َي َر َة‪َ ،‬و َ‬ ‫أيضا‪" :‬ال َع ْد َوى َو َ‬ ‫ً‬ ‫ال َه َ‬ ‫ك َما َت ِف ُّر ِم َن ا َ‬ ‫أل َس ِد"‪.‬‬ ‫وم َ‬ ‫الم ْج ُذ ِ‬ ‫َص َف َر‪َ ،‬و ِف َّر ِم َن َ‬ ‫فانشروا الفأل والطمأنينة بين الناس‪.‬‬ ‫ وجوب األخذ بأسباب الوقاية والعالج‪ ،‬مع‬ ‫القناعة واالعتقاد بأننا نفر من أقدار اهلل إلى‬ ‫أقدار اهلل‪.‬‬ ‫ االلتزام بما تحدده الدول والحكومات وأهل‬ ‫التخصص‪ ،‬وتحريم مخالفتها في تلك‬ ‫ْقوا‬ ‫(و َل ُتل ُ‬ ‫الظروف‪ ،‬استنا ًدا إلى قوله تعالى‪َ :‬‬ ‫ُك ِة)‪.‬‬ ‫ِبأ َْي ِد ُ‬ ‫يك ْم ِإ َلى ال َّت ْهل َ‬

‫ج�سور ‪ -‬رم�ضان ‪١٤٤١‬هـ ‪ -‬العدد (‪)١٣‬‬

‫‪25‬‬

‫رم�ضان املعظم‬

‫يف ظل �أزمة كورونا‬

‫د‪� .‬إبراهيم نجم‬ ‫م�ست�شار مفتي م�صر‪ ،‬الأمين العام لدور‬ ‫وهيئات الإفتاء في العالم‬

‫‪26‬‬

‫ج�سور ‪ -‬رم�ضان ‪١٤٤١‬هـ ‪ -‬العدد (‪)١٣‬‬

‫أيام معدودة ويهل علينا هالل شهر رمضان المعظم‪،‬‬ ‫فيه شعيرة من أعظم شعائر اإلسالم وأركانه أال وهي‬ ‫الصوم‪ ،‬الذي فرضه اهلل تعالى على كل مسلم قادر؛‬ ‫لتحصيل التقوى والترقي الروحي والسمو األخالقي‪،‬‬ ‫بكف النفس وتهذيبها بحرمانها مدة الصيام مما‬ ‫أباحه اهلل تعالى بغية الوصول إلى تدريب النفس‬ ‫على الكف عما حرم اهلل تعالى‪ ،‬ولشهر رمضان مكانة‬ ‫كبيرة عظيمة في قلوب المسلمين في مشارق األرض‬ ‫ومغاربها‪ ،‬فلكل بلد في رمضان طقوس وترتيبات‬ ‫خاصة ومراسم استقبال واستعدادات متنوعة ومختلفة‬ ‫بحسب المتوارث من تراث وثقافات تلك البلدان‪ ،‬لكن‬ ‫ثمة أمور أخرى يفعلها المسلم مع الصيام تتعلق‬ ‫بالشعائر والعبادات اجتمع عليها المسلمون شرقا‬ ‫وغربا‪ ،‬منها قراءة القرآن الكريم وارتياد المساجد‬ ‫وصالة التراويح والتهجد واالعتكاف واالجتماع على‬ ‫ذكر اهلل تعالى وإقامة الندوات والدروس الدينية‬ ‫التي يستفيد منها المسلم علما ورقيا روحيا قد ال‬ ‫يتوفر له نظيره في بقية العام‪ ،‬ونحن اآلن نواجه‬ ‫تحديا كبيرا في ظل استمرار أزمة الكورونا بما‬ ‫يعني استمرار العمل بالتعليمات الطبية والصحية‬ ‫التي بنيت عليها الفتاوى الشرعية المتفق عليها بين‬ ‫العلماء تمنع فتح المساجد وإقامة الجماعات والجمع‬ ‫وبالتالي صالة التراويح والتهجد ألجل سالمة الناس‬ ‫والمحافظة على أرواحهم‪ ،‬وهو أمر لم يعتد عليه‬ ‫أغلب المسلمين‪ ،‬والمسلم الحق يجب عليه أن يعلم‬ ‫أن هلل تعالى عبادة وحقا في كل وقت وحال‪ ،‬وأن‬ ‫اهلل تعالى مطلع عليه يعلم سره وجهره‪ ،‬وأنه دائما‬ ‫بقلبه وروحه مع اهلل تعالى مستسلم لما حكم وقدر‪،‬‬ ‫وعليه أن يفكر في حلول وأفكار استثنائية لظروف‬ ‫وأحوال استثنائية‪ ،‬وعلينا أن ندرك ونعي كمسلمين‬ ‫أن عدم إقامة الشعائر الجماعية في ظل هذه الظروف‬ ‫من الناحية الشرعية واجب شرعا وهو أمر اهلل تعالى‬ ‫الذي ال تصح مخالفته أو التحايل عليه ألي سبب ولو‬ ‫كان إلقامة الجماعة أو التراويح‪ ،‬وال يجوز استغالل‬ ‫العاطفة الدينية لدى عامة الناس وتعريض حياتهم‬ ‫للخطر وربما للموت‪ ،‬بحجة إقامة سنة التراويح أو‬ ‫غيرها‪ ،‬فال بأس أن يقيم اإلنسان صالة التراويح في‬ ‫بيته مع زوجته وأبنائه الذين يختلط بهم ويعايشهم‬ ‫دون ضرر مع األخذ بالتدابير الصحية البسيطة التي‬ ‫تلتزم بها عامة األسر في البيوت‪ ،‬ومن الممكن أن‬ ‫تجتمع األسرة المسلمة على قراءة بعض األحاديث‬ ‫النبوية من كتاب رياض الصالحين لإلمام النووي‬ ‫بحيث يقرأ من يجيد القراءة حديثا أو حديثين من‬ ‫كل باب‪ ،‬وأحاديث رياض الصالحين سهلة واضحة‬ ‫المعنى أغلبها في الرقائق واآلداب وأعمال اليوم‬ ‫والليلة التي يحتاج لمعرفتها كل مسلم‪ ،‬وال ينبغي‬ ‫لمن لم يكن من أهل العلم في األسرة أن يتعرض‬ ‫لشرح ما لم يعلم من كالم رسول اهلل صلى اهلل عليه‬ ‫وسلم حتى ال يقع في الكذب على رسول اهلل صلى‬ ‫اهلل عليه وسلم‪ ،‬روى أبو داود وأصحاب السنن عن‬

‫الل صلّى ُ‬ ‫ِ‬ ‫رسول ّ ِ‬ ‫ِت‪ ،‬قال‪ِ :‬‬ ‫اهلل علي ِه‬ ‫بن ثاب ٍ‬ ‫زيد ِ‬ ‫سم ُ‬ ‫عت ُ‬ ‫«نضر ّ ُ‬ ‫حديثًا‪ِ ،‬‬ ‫سمع ِم ّنا ِ‬ ‫الل امرًأ ِ‬ ‫يق ُ‬ ‫ظه‬ ‫وسلّم ُ‬ ‫فحف ُ‬ ‫ول‪ّ :‬‬ ‫فر ّب ِ‬ ‫نه‪،‬‬ ‫حام ِل ِفق ٍه إِلى من ُهو‬ ‫أفقه ِم ُ‬ ‫ُ‬ ‫ح ّتى ُيب ِّل ُ‬ ‫غه‪ُ ،‬‬ ‫حام ِل ِفق ٍه ليس ب ِ‬ ‫ور ّب ِ‬ ‫ِفقيهٍ»‪ .‬وليعلم كل مسلم أن‬ ‫ُ‬ ‫في العبادة الفردية التي ينفرد فيها اإلنسان بخلوة‬ ‫صافية مع اهلل تعالى لها من اللذة القلبية والتجليات‬ ‫الروحية والترقي النفسي ما ليس في غيرها‪ ،‬وما‬ ‫شرعت العبادات الجماعية في أصلها إال لتقوية عالقة‬ ‫اإلنسان الفردية بربه‪ ،‬وإعانته على إصالح نفسه‬ ‫وتحصيل التقوى وتهذيب الباطن وتطهير السر‪،‬‬ ‫وكلها أحوال خفية بين العبد وبين ربه تبارك‬ ‫وتعالى‪ ،‬وهذا المعنى واضح جلي في الصيام نفسه‬ ‫فهو عبادة فردية سرية بين العبد وبين ربه ال يطلع‬ ‫عليها إال هو‪ ،‬فقد روى البخاري عن أبي هريرة َر ِض َي‬ ‫الل َص َّلى ُ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ول َّ ِ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم‪:‬‬ ‫الل َع ْن ُه‪ ،‬قال‪َ :‬ق َ‬ ‫ك ُّل َع َم ِل ا ْب ِن آ َد َم َل ُه‪ ،‬إ َِّل ِّ‬ ‫ام‪َ ،‬فِإ َّن ُه ِلي‬ ‫ال اهلل‪ُ :‬‬ ‫" َق َ‬ ‫الص َي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ان َي ْو ُم َص ْو ِم‬ ‫ام ُج َّنةٌ‪َ ،‬و ِإ َذا َ‬ ‫كَ‬ ‫الص َي ُ‬ ‫َج ِزي ِبه‪َ ،‬و ّ‬ ‫َوَأ َنا أ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ب‬ ‫خ‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫ث‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫َو َقا َت َل ُه‪،‬‬ ‫أ‬ ‫د‬ ‫َح‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َح ِد ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ َّ َ ٌ ْ‬ ‫َْ ْ َ َ ْ َ ْ‬ ‫كْ‬ ‫أَ‬ ‫ام ُر ٌؤ َصا ِئ ٌم "‪...‬فلنجعل بيوتنا قبلة نحيي‬ ‫َفل َْي ُق ْل ِإ ِّني ْ‬ ‫فيها شعائر اهلل على مستوى األسرة فقط‪ ،‬من السهل‬ ‫الميسور علينا أن نفعل هذا‪ ،‬وأن نقوي العالقات‬ ‫األسرية بالمشاركة في الشعائر واالجتماع على‬ ‫ذكر اهلل تعالى‪ ،‬وقراءة القرآن الكريم وتدبر آيات‬ ‫اهلل‪ ،‬فال شيء يقوي هذه العالقات مثل االجتماع بحب‬ ‫على طاعة اهلل تعالى وذكره‪ ،‬وال شك أن كثيرا‬ ‫من العلماء بدار اإلفتاء المصرية سوف يستغلون إن‬ ‫شاء اهلل تعالى إمكانات اإلنترنت ووسائل التواصل‬ ‫لبث الدروس الدينية والمواعظ اإليمانية‪ ،‬وبيان‬ ‫األحكام والفتاوى الشرعية التي يحتاج إليها عامة‬ ‫المسلمين‪ ،‬وهذه الدروس يمكن متابعتها واالستفادة‬ ‫منها‪ ،‬وال شك أن المسلمين يواجهون يوميا في ظل‬ ‫أزمة كورونا شائعات وأكاذيب أهل الضالل والفتن‬ ‫من الجماعات اإلرهابية والمتطرفة الذين ال يهتمون‬ ‫بأمر الناس وال بأرواحهم وال بسالمتهم‪ ،‬بل يهتمون‬ ‫باستثارة عواطفهم وابتزازهم دينيا ونفسيا‪ ،‬فبعضهم‬ ‫له أهداف سياسة وأغراض حزبية وقد درجوا على‬ ‫استغالل المساجد ومنابرها في استثارة الناس وتهييج‬ ‫عواطفهم وتأجيج غضبهم لالنقالب على الدولة‬ ‫وزعزعة االستقرار واألمن‪ ،‬فهذه الجماعات الضالة‬ ‫تحاول أن تستعيد األوضاع والتجمعات الدينية التي‬ ‫كانت تبث من خاللها أفكارها وتنفث سمومها ال‬ ‫يعنيهم ال سالمة الناس وال نشر دعوة اإلسالم‪ ،‬فيجب‬ ‫علينا تفويت الفرصة على أالعيبهم الشيطانية التي‬ ‫تعودنا عليها‪...‬نستطيع بسهولة جدا أن نعبد اهلل تعالى‬ ‫وأن نتقرب منه وأن نقيم الشعائر في بيوتنا على‬ ‫نطاق األسرة الواحدة بال ضرر وال ضرار‪ ،‬ولنتأمل‬ ‫في هذا الحديث الذي رواه البيهقي عن عائشة رضي‬ ‫اهلل عنها البيت الذي يقرأ فيه القرآن يتراءى ألهل‬ ‫السماء كما تتراءى النجوم ألهل األرض‪ .‬كل عام‬ ‫أنتم بخير‪.‬‬

‫‪27‬‬

‫مراجع إفتائية‬ ‫ي�ضم �أحكا ًما فقهية مهمة‬ ‫تتعلق بالأوبئة ‪..‬‬ ‫ج�سور ت�ستعر�ض كتاب «بذل‬ ‫املاعون يف ف�ضل الطاعون»‬

‫‪28‬‬

‫يوقن المسلم أن هذه الحياة الدنيا هي دار ممر‬ ‫وليست دار مستقر‪ ،‬فالحياة الحقيقية الدائمة المستقرة‬ ‫تكون في الدار اآلخرة يقول‬

‫تعالى‪﴿:‬ﭙ ﭚ‬

‫ﭛ ﭜ ﭝ﴾ [سورة العنكبوت‪ :‬آية ‪،]64‬‬ ‫وهذه الرؤية تحكم نظرة المؤمن إلى ما حوله من‬ ‫أحداث‪ ،‬حيث ينظر إليها من منظور مختلف مستمد‬ ‫عاما كان‬ ‫من الوحي الشريف‪ ،‬فحين نزول البالء ً‬ ‫خاصا ينظر إليه بإيجابية ويتفاعل معه بعقالنية‬ ‫أو‬ ‫ً‬ ‫وطمأنينة وثبات‪ ،‬فينظر إلى ما فيه من رحمة وثواب‪،‬‬ ‫ورفع للدرجات وتكفير للسيئات‪ ،‬فالمؤمن أمره‬ ‫كله خير كما قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬في‬ ‫السراء والضراء‪ ،‬والصحة والعافية‪ ،‬هذه الرؤية نجدها‬ ‫دائما وفي أحلك الظروف لدى المؤمن‪ ،‬ومن‬ ‫حاضرة ً‬ ‫ذلك حين حلول األوبئة والطواعين‪ ،‬نجد أن علماءنا‬ ‫تعاملوا معها بهذه الروح المؤمنة المستبشرة‪ ،‬والكتاب‬ ‫الذي بين أيدينا مثال تطبيقي لهذه المعاني الربانية‪،‬‬ ‫وهو كتاب (بذل الماعون في فضل الطاعون)‪ ،‬وفي‬ ‫قول آخر(بذل الماعون في فوائد الطاعون)‪ ،‬وفي كل‬ ‫األحوال فالمعنى واحد والمقصود واحد‪ ،‬وهو تلك‬ ‫النظرة اإليجابية لألمور واألحداث‪ ،‬والتعاطي معها‬ ‫على أنها منحة ورحمة وفضل‪ ،‬وهذا ما سنوضحه في‬ ‫عرضنا لهذا الكتاب‪.‬‬ ‫قديما‬ ‫ثمة شيء آخر هو أن علماء المسلمين‬ ‫ً‬ ‫تناولوا األحكام الشرعية المتعلقة باألوبئة والطواعين‬ ‫بما نستطيع أن نطلق عليه (فقه الوباء)‪ ،‬وأفردوا لهذا‬ ‫ً‬ ‫امتثال لما أقامهم اهلل فيه من واجب البالغ‬ ‫المؤلفات‬ ‫والبيان‪ ،‬فألف شمس الدين محمد بن علي الصالحي‬ ‫(تحفة النجباء بأحكام الطاعون والوباء)‪ ،‬ورسالة (في‬ ‫الطاعون ووصفه) البن نجيم‪ ،‬وعمدة الراوين في‬ ‫أحكام الطواعين) للحطاب الرعيني المالكي‪ ،‬و(تحفة‬ ‫الراغبين في بيان أمر الطواعين) لشيخ اإلسالم زكريا‬ ‫األنصاري‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬

‫ترجمة الم�ؤلف‪:‬‬

‫�سبب ت�أليف الكتاب‪:‬‬

‫يقول ابن حجر في بداية مؤلفه ‪ ":‬فقد تكرر‬ ‫سؤال اإلخوان‪ -‬نفع اهلل بهم‪ -‬في جمع األخبار الواردة‬ ‫في الطاعون‪ ،‬مع شرح غريبها‪ ،‬وتيسير معانيها على‬ ‫األفهام وتقريبها‪ ،‬وتبيين أحكامها‪ ،‬وتحسين أقسامها‪،‬‬ ‫فأجبت رغبتهم في ذلك واهلل أسأل اإلعانة في جميع‬ ‫المسالك"‪.‬‬ ‫وقد شرع ابن حجر في الكتاب سنة ‪ ٨١٩‬هـ ثم توقف‪،‬‬ ‫واستأنف كتابته سنة ‪ 833‬هـ بعد أن ظهرت بدعة‬ ‫خروج الناس للدعاء واجتماعهم كما في االستسقاء‪.‬‬ ‫ومما ينبغي اإلشارة إليه أن ابن حجر كان قد‬ ‫توفي ثالث من بناته في أحداث طاعون عصره وهن‬ ‫فاطمة وعالية‪ ،‬ثم ابنته الكبرى زين خاتون‪.‬‬

‫عر�ض الكتاب‪:‬‬

‫يتناول الكتاب األحكام الفقهية واآلثار الواردة‬ ‫المتعلقة بالطاعون‪ ،‬وقد قسمه ابن حجر خمسة أبواب‬ ‫ً‬ ‫إجمال ثم الخاتمة ‪ ،‬فتناول في الباب األول كون‬ ‫الطاعون رحمة للمؤمنين‪ ،‬ثم عرف بالطاعون في‬ ‫الباب الثاني وذكر اشتقاقه اللغوي وأقوال األطباء‬ ‫فيه‪ ،‬ثم ذكر في الباب الثالث األدلة على كونه شهادة‬ ‫للمسلمين‪ ،‬وتعرض لما يتعلق بالشهداء من المراتب‬ ‫وشروط الشهادة‪ ،‬وفي الفصل الرابع بين ما يتعلق‬ ‫بأحكام الطاعون‪ ،‬كالخروج من البلد الذي يقع فيه‬ ‫أو دخوله‪ ،‬ومسألة العدوى‪ ،‬وقصة سيدنا عمر بن‬ ‫الخطاب مع أبي عبيدة‪ ،‬ثم شرع في الباب الخامس‬ ‫في بيان ما يجوز فعله للناس عند وقوع الطاعون وما‬ ‫يتعلق به من مسائل كالدعاء واالجتماع له‪ ،‬واآلداب‬ ‫المتعلقة بمن ابتاله اهلل بهذا المرض‪ ،‬ثم ختم الكتاب‬

‫ج�سور ‪ -‬رم�ضان ‪١٤٤١‬هـ ‪ -‬العدد (‪)١٣‬‬

‫هو الحافظ أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن‬ ‫علي الكناني العسقالني المصري القاهري المعروف‬ ‫بابن حجر (وهو لقب بعض آبائه)‪.‬‬ ‫يتيما‬ ‫ولد رحمه اهلل سنة (‪ )773‬من الهجرة‪ ،‬ونشأ ً‬ ‫في كنف وصيه الرئيس أبي بكر نور الدين علي‬ ‫الخروبي صديق أبيه‪ ،‬فاهتم به واعتنى عناية كبيرة‪.‬‬ ‫وقد حفظ المتون والعلوم واستظهرها وبرع‬ ‫فيها‪ ،‬و اجتمع له من الشيوخ ما لم يجتمع ألحد من‬ ‫أهل عصره‪ ،‬فكل واحد منهم رأسا في فنه وعلمه‪،‬‬ ‫فالتنوخي في معرفة القراءات‪ ،‬والعراقي في معرفة‬ ‫علوم الحديث‪ ،‬والهيثمي في حفظ المتون‪ ،‬والفيروز‬ ‫آبادي في حفظ اللغة واطالعه عليها وغيرهم من‬ ‫فضالء العلماء‪.‬‬

‫وتوفي رحمه اهلل تعالى سنة ‪ 852‬هجريا في شهر‬ ‫ذي القعدة بعد مرض ألم به‪ ،‬ودفن خارج القاهرة‬ ‫وكان ممن حمل نعشه السلطان فمن دونه من العلماء‬ ‫والرؤساء‪ ،‬ودفن قري ًبا من الليث بن سعد رحمه اهلل‪.‬‬ ‫وكانت حياته عامرة بالعطاء العلمي ‪ ،‬وترك لنا‬ ‫الكثير من المؤلفات النافعة والتي تدل على سعة علمه‪،‬‬ ‫منها‪:‬‬ ‫‪ 1‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‬ ‫‪ 2‬بلوغ المرام من أدلة األحكام‬ ‫‪ 3‬اإلصابة في تمييز الصحابة‬ ‫‪ 4‬نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح‬ ‫أهل األثر‬ ‫‪ 5‬إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف‬ ‫العشرة‬ ‫‪ 6‬العجاب في بيان األسباب (أسباب نزول القرآن‬ ‫الكريم)‪.‬‬

‫‪29‬‬

‫بتوضيح ما أشكل من ألفاظ وضبط األلفاظ الواردة‬ ‫في األحاديث‪ ،‬كما هي عادته في ختام كل فصل‪.‬‬ ‫ونحن سنقوم بعرض بعض أهم القضايا التي‬ ‫تناولها ابن حجر بما يتناسب مع المقام من اإليجاز‬ ‫واالختصار‪.‬‬

‫الطاعون وال�شهادة‪:‬‬

‫تناول ابن حجر مسألة موت المصاب بالطاعون‬ ‫وكون ذلك شهادة ورحمة من اهلل تبارك وتعالى‪،‬‬ ‫فقد روى ابن حجر حديث النبي صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫‪":‬إن هذا‪-‬يعني الطاعون‪ -‬رحمة بكم" و في رواية‬ ‫لمعاذ ‪":‬وشهادة يختص اهلل بها من يشاء منكم"‪ ،‬وقوله‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ ":‬الشهداء خمسة المطعون‬ ‫والمبطون والغريق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل‬ ‫اهلل"‪ ،‬وذكر ابن حجر أنه على الرغم من أن من مات‬ ‫بالطاعون يختلف عن شهيد القتال بعدم مشاركته‬ ‫في بعض المزايا كأحكام الدنيا من تكفينهم بدمائهم‬ ‫وترك غسلهم والصالة عليهم‪ ،‬ومن كونهم ال تبلى‬ ‫أجسادهم في القبور وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون‪،‬‬ ‫لكنهم يشاركون شهيد المعركة في ثواب الشهادة‬ ‫وفي بعض الصفات األخروية‪ ،‬فروي عن النبي صلى‬ ‫اهلل عليه وسلم أنه قال ‪":‬يأتي الشهداء والمتوفون‬ ‫بالطاعون‪ ،‬فيقول أصحاب الطاعون‪ :‬نحن شهداء‬ ‫‪ .‬فيقال‪ :‬انظروا‪ ،‬فإن كانت جراحاتهم كجراح‬ ‫الشهداء تسيل دما وريحهم كريح المسك فهم شهداء‬ ‫فيجدونهم كذلك"‪.‬‬ ‫صابرا محتس ًبا مؤمنًا بقضاء‬ ‫والذي يجلس في بيته‬ ‫ً‬ ‫اهلل وقدره له مثل أجر الشهيد حتى ولو لم يصبه شيء‪،‬‬ ‫فقد ورد في الحديث‪ ":‬فليس من رجل يقع الطاعون‬ ‫صابرا محتس ًبا يعلم أنه ال يصيبه إال‬ ‫فيمكث في بيته‬ ‫ً‬ ‫ما كتب اهلل له‪ ،‬إال كان له مثل أجر الشهيد"‪ ،‬يقول‬ ‫ابن حجر‪ ":‬فمقتضى الحديث بمنطوقه ومفهومه أن‬ ‫أجر الشهيد إنما يكتب لمن لم يخرج من البلد الذي‬ ‫قاصدا بذلك‬ ‫يقع به الطاعون وأن يكون حال إقامته‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عارفا‬ ‫ثواب اهلل تعالى‪ ،‬راج ًيا صدق موعوده‪ ،‬وأن يكون‬ ‫أنه إن وقع له فهو بتقدير اهلل وإن صرف عنه فهو‬ ‫بتقدير اهلل‪ ،‬وأن يعتمد على ربه في حالتي الصحة‬ ‫والعافية‪.‬‬ ‫يقول ابن حجر ‪ ":‬ويتفرع من هذا أن من اتصف‬ ‫بالصفات المذكورة وذهب الطاعون ولم يمت به وال‬ ‫شهيدا أو ال؟؟ ظاهر الحديث يعم‬ ‫في زمنه هل يكون‬ ‫ً‬ ‫وفضل اهلل واسع ونية المؤمن أبلغ من عمله‪ ،‬وقد تقدم‬ ‫حديث ابن مسعود ‪":‬إن أكثر شهداء أمتي ألصحاب‬ ‫الفرش" ‪ ،‬وحديث‪ :‬نية المؤمن أبلغ من عمله"‪ ،‬قال‬ ‫التقي السبكي‪" :‬يؤخذ منه أن النية تمتد إلى ما ال‬ ‫نهاية والعمل محصور وقدر النية بحسب ما تتعلق به‬ ‫طال أو قصر‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫فقه التعامل مع الأوبئة والطواعين‪:‬‬ ‫‪ )1‬عدم االجتماع قدر الإمكان‪:‬‬

‫فحينما أتى طاعون عمواس وأخذ يحصد المسلمين‬ ‫حصدا وفيهم كبار الصحابة‪ ،‬قام عمرو بن العاص في‬ ‫ً‬ ‫الناس خطي ًبا وقال‪ :‬أيها الناس إن هذا الوجع إذا وقع‬ ‫فإنما يشتعل اشتعال النار‪ ،‬فتحصنوا منه في الجبال‪،‬‬ ‫فاعترض عليه بعض أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه‬ ‫وسلم‪ ،‬فقام عمرو فخرج وخرج معه الناس فتفرقوا‬ ‫فارتفع الطاعون‪ ،‬فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فما‬ ‫كرهه‪.‬‬

‫‪ )2‬عدم الخروج من البلدة التي حل بها‬ ‫ا لطا عو ن ‪:‬‬ ‫وقد اختلفوا في الحكمة من عدم الخروج‪ ،‬فذهب‬ ‫األكثرون إلى أنه قد يكون بسبب أن الطاعون في‬ ‫عاما في البلد الذي يقع به فإذا وقع‬ ‫الغالب يكون ً‬ ‫والشخص بها فالظاهر مداخلة سببه له‪ ،‬فال يفيده‬ ‫الفرار منه‪،‬‬ ‫وقال آخرون‪ :‬لو توارد الناس على الخروج لبقي‬ ‫عاجزا عن الخروج فضاعت مصالح المرضى‪،‬‬ ‫من وقع به‬ ‫ً‬ ‫لفقد من يتعهدهم‪ ،‬والموتى لفقد من يجهزهم‪ ،‬ولما‬ ‫في خروج األقوياء على السفر من كسر قلوب من ال‬ ‫قوة له على ذلك‪.‬‬

‫‪ )3‬عدم الدخول �إليها‪:‬‬

‫والحكمة من ذلك‪ :‬أن اهلل أمر أن ال يتعرض أحد‬ ‫للحتف وإن كان ال نجاة من قدر اهلل إال أنه من باب‬ ‫الحذر الذي شرعه اهلل‪.‬‬

‫م�س�ألة االجتماع للدعاء في الطاعون‪:‬‬

‫يقول ابن حجر‪ :‬وأما االجتماع له كما في‬ ‫االستسقاء فبدعة حدثت في الطاعون الكبير سنة تسع‬ ‫وأربعين وسبع مائة بدمشق‪ ،‬ووقع هذا في زماننا سنة‬ ‫‪ 833‬هجرية‪ ،‬فكان عدد من يموت به دون األربعين‬ ‫فخرجوا إلى الصحراء بعد أن نودي فيهم بصيام ثالثة‬ ‫أيام كما في االستسقاء‪ ،‬واجتمعوا ودعوا وأقاموا ساعة‬ ‫ثم رجعوا فصار عدد من يموت في كل يوم بالقاهرة‬ ‫فوق األلف ثم تزايد‪.‬‬ ‫وكان ابن حجر يرى بدعية هذا الفعل‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫مشروعا ما خفي على السلف ثم على فقهاء‬ ‫لو كان‬ ‫ً‬ ‫األمصار وأتباعهم من األعصار الماضية‪ ،‬فلم يبلغنا في‬ ‫ذلك خبر وال أثر عن المحدثين وال فرع مسطور‬ ‫في كتب الفقهاء‪ ،‬والمعتمد في ذلك االتباع وال‬ ‫مدخل للقياس في ذلك‪ ،‬وهذا من األسباب الداعية‬ ‫لي على تبييض هذا الكتاب‪ ،‬ولم يبلغنا قط في زمن‬ ‫من األزمنة في عهد الصحابة والتابعين أنهم اجتمعوا‬ ‫لذلك اجتماعهم لالستسقاء اال في سنة تسع وأربعين‪،‬‬

‫فاجتمعوا ودعوا ورجعوا‪ ،‬فازداد األمر شدة ولم يحصل‬ ‫من قام في ذلك على المقصود فاتفق أن هذا نظيره‬ ‫كفة ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫بكفة‪.‬‬

‫عيادة المطعون‪:‬‬

‫قال ابن حجر‪ :‬وذكر جمع من األطباء فيما‬ ‫يحذره الصحيح في زمن الطاعون مخالطة من أصابه‬ ‫الطاعون‪ ،‬قال القاضي تاج الدين‪ :‬قد رأينا العامة‬ ‫تمتنع من ذلك حتى تركوا عيادة المطعون‪ ،‬والذي‬ ‫نقوله في ذلك ‪ :‬إن شهد طبيبان عارفان مسلمان‬ ‫عدالن أن ذلك سبب في أذى المخالط‪ ،‬فاالمتناع عن‬ ‫مخالطته جائز أو أبلغ من ذلك‪.‬‬

‫وأي طاعون‬ ‫الوجود‪ ،‬ولم يقع نظيره في الحدود‪ّ ،‬‬ ‫دخل األرضين من كل جانب؟ ووصل إلى المشارق‬ ‫والمغارب؟ بل طاعون عمواس كالقطرة منه في‬ ‫القياس وطاعون األشراف خاص ببعض األصناف‪.‬‬ ‫أ هـــ‬ ‫وختاما نسأل اهلل تبارك وتعالى أن يرفع الغمة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وأن يحفظ البالد والعباد وصلى اهلل على سيدنا محمد‬ ‫وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫�آداب من ابتلي بذلك‪:‬‬

‫‪ 1‬سؤال اهلل العافية واالستعاذة من السقم‪.‬‬ ‫‪ 2‬الصبر على قضاء اهلل تعالى والرضا بما يقدره‪.‬‬ ‫فعن أبي هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول‬ ‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬إن الرجل لتكون‬ ‫له عند اهلل المنزلة فما يبلغها بعمل‪ ،‬فما يزال‬ ‫يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها"‪ ،‬وعن ابن‬ ‫عباس رضي اهلل عنهما أن النبي صلى اهلل عليه‬ ‫وسلم قال‪ :‬من أصيب بمصيبة من ماله أو في‬ ‫حقا‬ ‫نفسه فكتمها ولم يشكها إلى الناس‪ ،‬كان ً‬ ‫على اهلل أن يغفر له"‪.‬‬ ‫‪ 3‬استحضار حسن الظن باهلل ويقينه أن رحمة‬ ‫اهلل َت َسع أمثال أمثال أمثاله‪ ،‬وأن اهلل تعالى‬ ‫غني عن تعذيبه‪.‬‬

‫الخاتمة‬

‫ج�سور ‪ -‬رم�ضان ‪١٤٤١‬هـ ‪ -‬العدد (‪)١٣‬‬

‫ثم خصص ابن حجر "الخاتمة" باإلشارة إلى‬ ‫مرورا بالطاعون‬ ‫الطواعين التي وقعت في اإلسالم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫األسود الذي ضرب العالم كله سنة ‪ ،833‬يقول‪ :‬وهو‬ ‫أوسع هذه الطواعين وأقطعها‪ ،‬ولم يقع بالقاهرة‬ ‫ومصر نظير هذا‪ ،‬وقد خالف الطواعين السابقة في‬ ‫أشياء منها‪ :‬أن الطواعين الماضية كانت تقع في‬ ‫الربيع بعد انقضاء الشتاء وترتفع في الصيف‪ ،‬إال هذا‬ ‫فقد وقع في الشتاء وارتفع في الربيع ‪.‬‬ ‫وقد نقل عن القاضي صالح الدين الصفدي عن‬ ‫طاعون سنة ‪ 449‬من الهجرة‪ :‬أنه قد عم البالد‪،‬وغم‬ ‫النفوس وأذاب األكباد‪ ،...‬غير أن له خالئق محمودة‬ ‫وغرائب ليست في سواه موجودة‪ :‬فهو ال يفرق بين‬ ‫الشخص وأقاربه‪ ،‬وال يؤرق جفن المفجوع على ذاهبه‪،‬‬ ‫واحدا آنسه بجميع أهله وجمع شملهم في‬ ‫بل إن أخذ‬ ‫ً‬ ‫الردى بإهدام ذلك النسب من أصله ‪ ،‬وال تطول معه‬ ‫األمراض وال تكثر على الجسد األعراض‪.‬‬ ‫وقد طالت مدته على األمة‪ ،‬وقويت عليهم الشدة‬ ‫والغمة‪ ،‬واشترك في مصابه الخالئق والبلدان وعمت‬ ‫األشجان واألحزان‪ ،‬وهذا أمر لم يسمع بمثله في‬

‫‪31‬‬

‫تطوير‬

‫املؤسسات اإلفتائية‬

‫‪32‬‬

‫الجودة من منظور �إ�سالمي‬

‫[الكهف‪ ،]110 :‬وقال تعالى‪:‬‬

‫[الفرقان‪.]70 :‬‬

‫ج�سور ‪ -‬رم�ضان ‪١٤٤١‬هـ ‪ -‬العدد (‪)١٣‬‬

‫مع التطور الصناعي والتكنولجي‬ ‫الكبير‪ ،‬وعقد العديد من االتفاقات‬ ‫والتكتالت االقتصادية‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫تصاعد حدة المنافسة بين المؤسسات‬ ‫التجارية‪ ،‬كل تلك العوامل خلقت‬ ‫تحديات كبيرة أمام المؤسسات‬ ‫االقتصادية لتعزيز قدرتهم التنافسية‬ ‫داخل السوق المحلية أو العالمية‪،‬‬ ‫وفرضت عليهم االتجاه إلى االهتمام بـ‬ ‫"الجودة" وتحقيق معاييرها‪ ،‬للوصول‬ ‫إلى أقصى مطابقة بين المن َتج وبين‬ ‫حاجة العميل ورغباته‪.‬‬ ‫ومن هنا تنامي االهتمام بمفهوم‬ ‫"الجودة" ومعاييرها وشموليتها‪ ،‬وبدأت‬ ‫المؤسسات االقتصادية بتطوير طرق‬ ‫اإلدارة القديمة للتوافق مع التوجهات‬ ‫الحديثة والتي آمنت بأن الجودة ال يمكن‬ ‫طبق على بعض‬ ‫مفهوما‬ ‫أن تظل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قاصرا ُي َّ‬ ‫المجاالت دون األخرى‪ ،‬بل ال بد من‬ ‫تطبيق معايير الجودة على كافة العناصر‬ ‫المكونة للمنظومة‪ ،‬فنشأت "إدارة الجودة‬ ‫الشاملة" كنهج إداري معتمد غير‬ ‫مقتصر على المنظومة االقتصادية فقط‪،‬‬ ‫ليشمل كافة األنظمة اإلدارية في الدولة‬ ‫الحديثة؛ ويشمل المؤسسات غير الهادفة‬ ‫الخ َدمية التابعة‬ ‫للربح‪ ،‬والمؤسسات‬ ‫َ‬ ‫للدولة؛ ومنها المؤسسات المعتمدة‬ ‫للفتوى واإلفتاء‪.‬‬ ‫وإذا كانت الجودة الشاملة هي‬ ‫خالصة التراكم العلمي في الفكر‬ ‫اإلداري والتنظيمي العالمي الذي استقر‬ ‫في العقود األخيرة‪ ،‬فإن مفهوم "الجودة‬ ‫الشاملة" في اإلسالم مفهوم أصيل‪ُ ،‬يم ِّثل‬ ‫أحد مرتكزات الشريعة اإلسالمية‪.‬‬ ‫فالدين اإلسالمي لم يعتبر من العمل‬ ‫صالحا؛ قال تعالى‪:‬‬ ‫جيدا‬ ‫إال ما كان‬ ‫ً‬ ‫ً‬

‫‪33‬‬

‫كاف لتحقيق األهداف‬ ‫فمطلق العمل وحده غير‬ ‫ٍ‬ ‫المرجوة من ذلك العمل‪ ،‬بل يجب أن يكون ذلك‬ ‫جيدا حتى يتم قبوله وينال المسلم عليه‬ ‫العمل متقنًا ً‬ ‫الجزاء المراد‪.‬‬ ‫وتلك الجودة التي اعتنى بها اإلسالم هي بعينها‬ ‫"الجودة الشاملة" التي ال تقتصر على مجال دون‬ ‫مجال‪ ،‬بل هي جودة مستغرقة لجميع أصناف العمل‬ ‫ومجاالته‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫قدرنا أن أحدنا قام في عبادة اهلل وهو يعاين ربه‬ ‫سبحانه وتعالى لم يترك شي ًئا مما يقدر عليه من‬ ‫الخضوع والخشوع وحسن السمت واجتماعه بظاهره‬ ‫وباطنه على االعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إال‬ ‫أتى به»‪.‬‬ ‫وقد كتب اهلل تعالى على المسلمين اإلحسان في‬ ‫كل شيء؛ قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬إن اهلل‬ ‫كتب اإلحسان في كل شيء» فكل شيء من األعمال‬ ‫يجب أن يتم في إطار اإلحسان‪ ،‬ولكن إحسان كل شيء‬ ‫بحسبه‪.‬‬ ‫والحاصل أن الجودة إحدى صور اإلحسان‪ ،‬ألنها تعني‬ ‫بذل العناية والجهد وإحكام العمل على أكمل وجه‪.‬‬

‫الجودة والإتقان‪:‬‬

‫[البقرة‪.]177 :‬‬ ‫ومصطلح "الجودة" لم يرد استعماله في القرآن‬ ‫الكريم‪ ،‬وورد في بعض المواضع من السنة النبوية‪،‬‬ ‫فمصطلح "الجودة" لم ينتشر استعماله كمصطلح له‬ ‫حقيقة شرعية شائعة‪ ،‬ولكنه ارتبط بعدة مصطلحات‬ ‫أخرى من حيث داللته اللغوية‪ ،‬وبالتالي ارتبط مع‬ ‫تلك المصطلحات بمدلوالتها من جهة المفهوم‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫الشرعي ً‬

‫الجودة والإح�سان‪:‬‬

‫ومن أبرز المفاهيم التي ارتبط بها مفهوم الجودة‬ ‫هو مفهوم "اإلحسان"‪ ،‬فأصل مصطلح جودة (ج و د)‬ ‫"التسمح" بالشيء وكثرة العطاء‪ ،‬ورجل‬ ‫يدل على‬ ‫ُّ‬ ‫كثيرا‪ ،‬ومن هنا يشتبك المعنى مع‬ ‫ُمجيد‪ :‬أي ُيجيد‬ ‫ً‬ ‫مفهوم "اإلحسان"‪.‬‬ ‫وهذا االرتباط بين اإلحسان وبين الجودة من‬ ‫الناحية اللغوية يقود إلى بيان االرتباط بينهما من‬ ‫جهة المدلول الشرعي‪ ،‬وذلك أن الوصول إلى الجودة‬ ‫وتحقيقها بشكل شامل على كافة األصعدة وفي جميع‬ ‫المجاالت إنما هو أحد ثمار اإلحسان‪ ،‬أو أحد انعكاساته‬ ‫الالزمة‪ .‬فاإلحسان كما بين ماهيته النبي صلى اهلل‬ ‫عليه وسلم‪« :‬أن تعبد اهلل كأنك تراه فإن لم تكن‬ ‫تراه فإنه يراك»‪ .‬وهو أعلى مراتب الدين‪ ،‬ألن به‬ ‫يستشعر الفرد المسلم معية اهلل سبحانه وتعالى في‬ ‫كل لحظة‪ ،‬ومن استصحب تلك المعية ال شك يكون‬ ‫محسنًا ومتقنًا في كل عمل له ألنه يرى اطالع اهلل‬ ‫سبحانه وتعالى عليه‪ ،‬مما يقتضي تجويد ذلك العمل‬ ‫وإتقانه على الوجه األكمل؛ فاإلحسان قيمة إسالمية‬ ‫مطلوبة في كل حركة من حركات المسلم‪.‬‬ ‫يقول النووي في سياق بيان أثر اإلحسان‪« :‬لو‬

‫‪34‬‬

‫وكما توجد عالقة بين مفهوم الجودة واإلحسان‪،‬‬ ‫أيضا بين الجودة واإلتقان؛ فالجودة‬ ‫توجد عالقة ً‬ ‫بحد قد‬ ‫واإلتقان مقتربان في المعنى بشكل كبير‬ ‫ٍّ‬ ‫يصل إلى الترادف بينهما؛ فاإلتقان هو إحكام الشيء‬ ‫والقيام به على أتم وجه‪ ،‬وهذا المعنى هو المراد‬ ‫بالجودة‪.‬‬ ‫وقد أمر الشرع باإلتقان في كل عمل‪ ،‬فقال صلى‬ ‫عمل‬ ‫اهلل عليه وسلم‪«:‬إن اهلل يحب إذا عمل أحدكم ً‬ ‫أن ُيتقنه»‪.‬‬ ‫وهذا األمر الشرعي باإلتقان ومراعاة الجودة‬ ‫يختلف في أهدافه عن أهداف الجودة في المؤسسات‬ ‫االقتصادية؛ فبينما اتجه الفكر اإلداري الحديث إلدارة‬ ‫الجودة الشاملة كأحد األساليب اإلدارية التي ال غنى‬ ‫عنها للحفاظ على قدراتها التنافسية وتحقيق أكبر‬ ‫قدر من إرضاء العميل للسيطرة على السوق وزيادة‬ ‫األرباح‪ -‬بينما كانت تلك األهداف نفعية في المقام‬ ‫األول‪ ،‬كان اإلسالم يدعو للجودة كإحدى القيم‬ ‫الواجب اتباعها وتفعيلها ال لتحصيل النفع للعامل‪ ،‬بل‬ ‫لتحقيق النفع للمجتمع ككل‪ ،‬فاإلتقان ليس مقابل‬ ‫األجر أو النفع العائد على العامل بقدر ما هو رسالة‬ ‫يحاول المسلم القيام بها من نفع المجتمع بما يعمله‬ ‫وتحقيقهم أكبر قدر من االستفادة من تلك األعمال‪،‬‬ ‫يقول المناوي في هذ الصدد‪« :‬فعلى الصانع الذي‬ ‫مثل أن يعمل‬ ‫استعمله اهلل في الصور واآلالت والعدد ً‬ ‫بما علمه اهلل عمل إتقان وإحسان بقصد نفع خلق اهلل‬ ‫الذي استعمله في ذلك وال يعمل على نية أنه إن لم‬ ‫يعمل ضاع وال على مقدار األجرة بل على حسب إتقان‬ ‫ما تقتضيه الصنعة؛ كما ذ ِ‬ ‫عمل‬ ‫ُك َر أن‬ ‫صانعا عمل ً‬ ‫ً‬ ‫تجاوز فيه ودفعه لصاحبه فلم ينم ليلته كراهة أن‬ ‫يظهر من عمله عمل غير م َتقن فشرع في عمل بدله‬ ‫حتى أتقن ما تعطيه الصنعة ثم غدا به لصاحبه فأخذ‬ ‫األول وأعطاه الثاني فشكره فقال‪ :‬لم أعمل ألجلك‬ ‫كراهة أن يظهر من عملي‬ ‫بل قضا ًء لحق الصنعة‬ ‫َ‬

‫ٌ‬ ‫قصر الصانع في العمل لنقص‬ ‫غير َ‬ ‫متقن‪ .‬فمتى َّ‬ ‫عمل ُ‬ ‫األجرة فقد كفر ما ع َّل َمه اهلل وربما ُس ِل َب اإلتقان»‪.‬‬

‫الجودة والإحكام‪:‬‬

‫الحكمة هي معرفة أفضل األشياء بأفضل العلوم‪،‬‬ ‫قال ابن األثير‪« :‬ويقال لمن ُي ِ‬ ‫حسن دقائق الصناعات‬ ‫و ُي ِ‬ ‫تقنها‪ :‬حكيم»‪.‬‬ ‫فإحكام الشيء‪ :‬إصالحه وإتقانه‪ ،‬ومن هنا يتبين‬ ‫وجه العالقة واالرتباط بين اإلحكام وبين الجودة‪،‬‬ ‫فالجودة في حقيقتها إحكام للعمل والصناعة واإلدارة‬ ‫وإصالحها على الوجه األمثل واألكمل‪.‬‬ ‫ومن خالل ما سبق يتبين أن الجودة من المنظور‬ ‫اإلسالمي لها مالمح رئيسية ت ِّ‬ ‫ُشكل جوهرها وماهيتها‪،‬‬ ‫وهي أن‪:‬‬

‫ الجودة وتحقيقها بمعاييرها عبادة هلل تعالى‪،‬‬‫الغرض منها تحقيق النفع العام العائد على المجتمع‬ ‫كافة‪ ،‬وليست مجرد أدا ٍة لتحقيق المكاسب الشخصية‪.‬‬ ‫ الجودة قيمة إسالمية أخالقية لها عالقتها‬‫وارتباطها الوثيق بمجموعة من القيم األخرى‬ ‫كاإلحسان واإلتقان واإلحكام‪.‬‬ ‫ تحقيق الجودة واالستمرار في التطوير بناء‬‫على مبادئها هو مطلب شرعي يجب السعي إلنجازه‬ ‫والحفاظ عليه قبل أن يكون مطل ًبا اقتصاد ًّيا‪.‬‬ ‫و ُيع َلم من ذلك أن تب ِّني المؤسسات اإلفتائية لن ُ‬ ‫ُظم‬ ‫الجودة الحديثة ُيعد إحدى وسائل تحقيق ما أمر اهلل‬ ‫مطلوب‬ ‫وصل إلى‬ ‫ٍ‬ ‫به من اإلحسان وإتقان العمل‪ ،‬وما َّ‬ ‫مطلوب‪.‬‬ ‫فهو‬ ‫ٌ‬

‫ج�سور ‪ -‬رم�ضان ‪١٤٤١‬هـ ‪ -‬العدد (‪)١٣‬‬

‫‪35‬‬

Fatwa World News

In light of the recent incident of refusing to bury a female corona virus victim from medical staff, President of the General Secretariat for Fatwa Authorities Worldwide, Egypt’s Mufti, Dr. Shawki Allam, stated that refusing to bury the coronavirus victims has nothing to do with either our religion or ethics and values.

Dr. Allam confirmed in a news statement that all acts of bullying and mockery of corona virus victims and patients are totally unacceptable.

“Those who die of coronavirus are martyrs and it is impermissible to prevent them from the right of burial under any circumstances”, Dr. Allam said.

Bridges - Issue (13), Ramadan 1441 Ah

Corona virus related-stigma is rejected in religion, President of the General Secretariat for Fatwa Authorities states

36

“I got the reward for making Umrah”: Egypt’s Dar al-Ifta launches new online campaign to support coronavirusaffected people Egypt’s Dar al-Ifta announced the launch of a new online campaign titled “charity is more urgent” and “I got the reward for making ‘Umrah” in response to the Saudi authorities’ resolution to suspend performing ‘umrah this year over coronavirus safety procedures in the kingdom.

Dr. Shawki Allam, Egypt’s Grand Mufti, said that those who planned to go for ‘umrah have to pay its expenses in charity instead to daily-paid workers and everyone who lost their sources of income

37

over Corona virus outbreak.

Egypt’s Dar al-Ifta mentioned the words of the Prophet (peace be upon him) who said, “The most beloved people to God are those who benefit others the most. And the most beloved deed in God’s sight is to make a Muslim happy, remove their hardship, forgive them their debt, or to feed the hungry.”

Egypt’s Dar al-Ifta in a new fatwa: it is permissible to dedicate CHARITY and ZAKAT to help daily-paid workers

Over Corona virus outbreak, Egypt’s Dar al-Ifta stated in a new fatwa that it is permissible to dedicate charity (sadaqah) and zakat money to help daily-paid workers who temporarily lost their sources of income while abiding by quarantine and safety guidlines.

The fatwa stated that, at times of hardship, we should seize the opportunity to do good deeds and pay charity which is a means to ward of harm and brings about God’s pleasure.

Grand Mufti of Jerusalem: Mosques will remain closed during Ramadan

The Grand Mufti of Jerusalem, His Eminence Sheikh Muhammad Hussein, announced that all mosques will remain closed during the emergency period, including the month of Ramadan.

In compliance with the procedures followed to contain corona virus spread in Jerusalem, he also announced that the Friday prayers will remain suspended in order to preserve the lives of the people and protect them.

Sheikh Hussein, in an interview with the official Voice of Palestine Radio, said that because of the prevailing conditions in Palestine, the role of the Fatwa will not invite the masses to explore the crescent of the holy month of Ramadan this year in order to prevent gatherings.

Bridges - Issue (13), Ramadan 1441 Ah

The Palestinian astronomers will announce the confirmation of seeing the crescent and begin fasting with a statement broadcast on the Palestinian Radio and Television and other media outlets.

38

Ramadan

in the Times of

Covid-19

DR. Ibrahim Negm

Secretary General for Fatwa Authorities Worldwide

39

It was said that crises can bring out the worst in human nature – yet they can bring out the best, too. As we enter this blessed month with a heavy heart and deep sense of sadness, we have to opt for the latter choice.

These difficult times we are going through won't ruin our Ramadan – it will remind us about so many important lessons.

Let us remember that another name for Ramadan is the month of patience. In an authentic hadith, the Prophet says: “Sawm (fasting) is the half of patience.”

(Kanzu’l-Ummal, 8:444) In Ramadan, we go through a good training of patience. We experience high ethics in our own worlds. We accustom our stomach to patience by not eating anything though we are hungry, by not drinking even a sip of water though our throat dries out of thirst.

On the other hand, if we happen to get angry, or if our souls force us to backbite or to tell lies and bad words, we instantly refrain and remember that we are fasting and thus show patience against such evils.

At least, one may think of the people who are in danger of starvation or seriously ill in many parts of the world today.

Thus, one tries to increase one's patience and thanksgiving.

Bridges - Issue (13), Ramadan 1441 Ah

This training of patience that we carry out during Ramadan makes us recall those whose circumstances are more straitened than ours.

This is because however poor one may be, one can by all means still find others poorer and more in need than oneself.

40

Ramadan also teaches us there is total wisdom in all of Allah’s plans – whether we can comprehend them or not.

As Covid19- sweeps the globe it has brought the world economy to its knees, left everyone panicking, Doctors fearful and Scientists bewildered. We see societies in despair, feeling helpless and in perhaps most cases, hopeless.

What lessons can we learn in this time of adversity? Below, I present seven passages from The Holy Quran provide comfort in these trying times.

1

Purpose of creation:

This crisis has demonstrated how materialistic our society is becoming.

We overvalue our worldly pursuits; we have become workaholic’s consumed by work. COVID19- is a reminder that you were not created for work only. Our true work is to worship our Lord, our King and God! It is to care for each other and to benefit one another. Allah says, “Continue reminding, the reminder benefits the believers. I created Jinn and Human beings only to worship Me. I don’t want any sustenance from them nor for them to feed Me. Allah is surely the Sustainer, the Superpower and strong. The wrongdoers will have the punishment like their ancestors, so they shouldn’t ask Me to hasten it” (Ad-Dhariyat: 59-55).

2

Life has a purpose:

COVID19- reminds us of the fragility and shortness of life. Through this, those who reflect deeply will begin to acknowledge the gifts of our wonderful Lord, the giver of life. This is one way that will enable you and will be able to keep your ego in check. It is reminding us that no matter how great we think we are, we are dependent on the All-Mighty Lord. Allah says, “Did you reckon We created you without a purpose and you wouldn’t be returned to Us? How exalted is Allah, the True King! There is no god beside Him, Lord

41

of the Honoured Throne. Whoever calls on another god for which he has no proof along with Allah, his account rests with His Lord. The disbelievers never succeed” (Al-Muminun: -115 117).

3

Maintaining family ties:

We are mindful of our family and relatives. In our previous busy lives, we may have neglected our loved ones. Another lesson is to strengthen our family unit. Through our father and mother, COVID19- is forcing us back into our houses, so we can rebuild relationships in our homes. This is also showing us how connected we must be, whether, in Wuhan or Westminster, our humanity is universal. It is telling us that the borders that we have put up have little stopping power, this virus does not require a passport. Allah reminds us “People be mindful of your Lord, He created you from a single person and created his partner from him, and then from the pair, He spread countless men and women throughout the world. Be mindful of Allah in Whose name you make demands from each other, beware of breaking bloodrelationships. Allah watches over you” (An-Nisa: 1).

4

Coping with life’s tests:

We are reminded to be patient, not to panic. Staying calm, waiting for the storm to end. It is beyond anyone’s control, it has happened many times in history and will pass, so rest assure there is an end to COVID19-. This is a time of reflection and understanding, what good have we done, what wrong have we done? Is there a lesson we can learn from our mistakes? This may become a new beginning. Allah instructs us “Believers find strength through patience and prayer – Allah is with those who are patient. Do not speak irreverently about those who were killed fighting in Allah’s way,

that they are “dead”; rather, they are living, though you do not sense it.

We will certainly test you: with fear, hunger, loss of wealth, health and harvests. Give good news to those who are patient and who, when they are struck by misfortune, softly say: “We belong to Allah and are returning to Him”. These are the ones who shall be blessed and kindly treated by their Lord; they are the guided” (Al-Baqara: 157-153).

5

Gain after strain:

6

7

ollowing public health F guidance is Islamic:

Allah Almighty reminds us over and over again that life is a precious gift and we have to protect this precious gift. Allah says, “Do not put your life in jeopardy” (Al-Baqara: 195).

Also our beloved Prophet (peace be upon him) instructed us to seek medication whenever one falls ill, narrated by Imam Ahmad.

Giving at times of adversity:

Ramadan is also a month of giving and sharing so let us all ensure that in this difficult time we support the poor and the needy. The Quran reminds us that we will only attain Jannah unless we spend in His Cause, Surah Al-Baqara: 95.

Stay safe and follow the health guidelines.

Bridges - Issue (13), Ramadan 1441 Ah

The verse below was revealed for the consolation of the Messenger (peace be upon him) when he was facing tough times, it is in a tone that displays friendship and love. The surah expresses the incredibly elevated position of the Messenger (peace be upon him). Despite this honour, he (peace be upon him) is told to strive enthusiastically in Allah’s worship.

This is a powerful reassurance that after every difficulty, there is always ease. COVID19- reminds us that life is cyclical, hardship is followed by ease, so COVID19- is just a phase in this cycle. We do not need to panic; it shall pass soon, In-Sha’ Allah. Allah reminds us “Did not We expand your chest, and lifted your burden, which weighed down your back. We raised high your honour. Indeed, every hardship follows ease, indeed, every hardship follows ease. Once you have finished your daily tasks carry on seeking your Lord passionately in worship” (Surah AlInshirah).

During the Corona Virus outbreak, there are many ways we can practice this, whether that be donating to foodbanks, or checking up on our neighbors. Kindly remember your first and foremost obligation goes to your extended family

42

Issued by the General Secretariat For Fatwa Authorities Worldwide. Issue (13), Ramadan 1441 Ah.