كتاب الفكر النقدى بين التراث والمعاصرة لوزير الأوقاف

‫الفكر النقدي‬ ‫بين التراث والمعاصرة‬ ‫"نحو نظرية عربية معاصرة في النقد األدبي"‬

‫أ‪.‬د‪ /‬محمد مختار جمعة‬ ‫وزير األوقاف‬ ‫وعضو مجمع البحوث اإلسالمية‬ ‫ورئيس المجلس األعلى للشئون اإلسالمية‬ ‫وأستاذ األدب والنقد غير المتفرغ بجامعة األزهر الشريف‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪-2-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫يم‬ ‫بِ ْ‬ ‫س ِم هللاِ ال َّر ْح َم ِن ال َّر ِح ِ‬ ‫ستَطَ ْعـتُ َو َما‬ ‫ص َ​َل َح َما ا ْ‬ ‫اْل ْ‬ ‫{إِنْ أُ ِري ُد إِ ََّّل ْ ِ‬ ‫يب}‬ ‫تَ ْوفِيقِي إِ ََّّل بِاهللِ َعلَ ْي ِه تَ َو َّك ْلتُ َوإِلَ ْي ِه أُنِ ُ‬ ‫(هود‪)88 :‬‬

‫‪-3-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪-4-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫مقدمة‬ ‫الحمد هلل رب العالمين ‪ ،‬والصـالة والسـالم على خاتم أنبيائه ورسله سيدنـا‬ ‫محمد (صلى هللا عليه وسلم) وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫وبعد ‪:‬‬ ‫فإن العالقة بين التراث والمعاصرة في الفكر النقدي ‪ -‬شأن كثير من‬ ‫المتقابالت ‪ -‬ليست عالقة عداء أو قطيعة ‪ ،‬ولن تكون ‪ ،‬وال ينبغي أن تكون ‪ ،‬وإن‬ ‫الوسطية التي نحملها منهجًا ثابتًا في كل مناحي حياتنا ‪ ،‬ونجعل منها ميزانًا دقيقًا‬ ‫نزن بها أمورنا كلها ‪ ،‬إنما هي منهج ثابت ننطلق منه في كل جوانب حياتنا العلمية‬ ‫والفكرية والفلسفية والتطبيقية ‪ ،‬ال نحيد عن هذا المنهج قيد أنملة ‪ ،‬فقد قالوا ‪ :‬لكل‬ ‫شيء طرفان ووسط ‪ ،‬فإن أنت أمسكت بأحد الطرفين مال اآلخر واختل‬ ‫توازنه ‪ ،‬وإن أنت أمسكت بالوسط استقام لك الطرفان ‪ ،‬ونحن مستمسكون‬ ‫بهذا الوسط وتلك الوسطية ‪ ،‬ال إفراط وال تفريط وال غلو وال تقصير ‪.‬‬ ‫فنــح ـن ال نتعص ب للقديـ ـم لمجـ ـرد قدمـ ـه ‪ ،‬وال نسـل ـم زم ام عقلن ـا للتقلي د‬ ‫األعمى دون أن نمعــن النظــر فيما ينقــل إلينــا أو يلقى علينــا ‪ ،‬فقـد ميز هللا (عز‬ ‫وجل) اإلنسان ع ن س ائر الخل ق بالعق ل والفك ر والتأم ل والت دبر والتميي ز ‪ ،‬ونع ى‬ ‫على من أهملوا هذه النعم ولم يوفوها حقه ا ‪ ،‬فق ال (س بحانه) ‪ :‬ﭐﱡﭐ ﲷ ﲷ َّ [ي س‪:‬‬ ‫‪ ،]86‬وق ال تع الى‪ :‬ﭐﱡﭐ ﲷ ﲬ َّ [األنع ام‪ .]5 :‬ويق ول (س بحانه) ‪ :‬ﱡﭐ ﲷ ﲷ ﲷ‬ ‫ﲷ ﲷ ﱪ َّ [ط ه‪ ،]55 :‬ويق ول (ع ز وج ل) ‪ :‬ﱡﭐ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ َّ‬ ‫[العنكب وت‪ ،]54 :‬ولم ا ن زل قول ه تع الى ‪ :‬ﱡﭐ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ‬ ‫ﲷ [آل عم ران‪ ]091 :‬ق ال نبين ا )ص لى هللا علي ه وس لم)‪" :‬وي ل لم ن‬ ‫ﲷ ﲷ َّ‬ ‫قرأها ولم يتفكر فيها" (رواه ابن حبان في صحيحه)‪.‬‬ ‫وال يمكن أيضًا أن ننسلخ من هذا التراث العريق أو نقف منه موقف القطيعة‬ ‫وال‬ ‫‪ ،‬ونعمل في الهواء الطلق ‪ ،‬فمن ال ماضي له ال حاضر له‬ ‫مستقبل ‪ ،‬بل علينا أن نأخذ من الماضي العريق النافع والمفيد الذي ننطلق به في‬ ‫الحاضر ونؤسس به للمستقبل ‪.‬‬ ‫وأؤكد أن في تراثنا النقدي من الفكر والثراء والتنوع ما يحتم علينا إعادة‬ ‫قراءة هذا التراث قراءة جديدة عصرية يمكن أن تشكل أساسًا قويًا ومتينًا لبناء‬ ‫نظرية عربية في النقد األدبي ‪ ،‬ال تنفصل عن تاريخها وال عن هويتها وال عن‬ ‫واقعها ‪ ،‬بل يمكن أن تكون حال نضجها أحد أهم مالمح هويتنا الواقية‬ ‫وخصوصيتنا الثقافية في زمن العولمة والتيارات النقدية والفكرية والثقافية‬ ‫‪-5-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫الجارفة‪.‬‬ ‫وكما أننا ال يمكن أن نرفض القديم لقدمه‪ ,‬ال يمكن أيضًا أن نرفض الحديث‬ ‫لحداثته‪ ,‬أو لكونه ثقافة اآلخر أو المختلف ‪ ,‬أو كونه ثقافة وافدة على ثقافتنا ‪ ,‬أو أن‬ ‫ندعو إلى االنكفاء على الذات والتمحور أو التقوقع حولها‪ ,‬فهذا عين الجمود‬ ‫والتحجر الذي نواجهه بكل قوة وحسم ‪ ,‬فثقافة أخرى تعني عقالً آخر ‪ ,‬وإضافة‬ ‫جديدة ‪ ,‬ومادة جديرة باالعتبار والتأمل والنظر ‪ ,‬بل إنني ألدعو إلى إعمال الفكر‬ ‫وإمعان النظر في كل ما هو عصري أو حديث أو جديد ‪ ,‬فنأخذ منه النافع والمثمر‬ ‫والمفيد ‪ ,‬وما يشكل إضافة حقيقية لثقافتنا ‪ ,‬ويتناسب مع قيمنا وأخالقنا وحضارتنا‬ ‫‪ ,‬ونتجاوز ما ال يتسق مع هويتنا الثقافية وقيمنا الراسخة‪.‬‬ ‫كما يجب أيضًا أال نتخلف عن الركب ‪ ,‬فنتشبث بآراء ونظريات ثبت عدم‬ ‫جدواها عند الغربيين أنفسهم ‪ ,‬فدعا نقادهم إلى ضرورة مراجعتها ‪ ,‬أو تخلوا هم‬ ‫عنها وبحثوا عن نظريات أو رؤى أخرى جديدة رأوها أكثر دقةً ومالءمةً ونف ًعا ‪,‬‬ ‫أو وجدوا فيها خيط نجاة جديد يخلصهم من تعقيدات وفلسفات بعض النظريات‬ ‫التي خرجت بالنقد األدبي عن لبابه إلى معالجات انحرفت بالنص األدبي عن‬ ‫مساره الطبيعي إلى مسارات أخرى ربما كان من األجدى تطبيقها على علوم‬ ‫وفنون أخرى غير النص األدبي‪ ،‬إذ تبقى عظمة وخصوصية النص األدبي‬ ‫والنقدي في كون كل منهما ً‬ ‫نصا ينطق أدبًا ويفيض أدبًا ويشع أدبًا قبل أي شيء‬ ‫آخر‪.‬‬ ‫وقد حاولت في هذا الكتاب "الفكر النقدى بين التراث والمعاصرة" أن أقف‬ ‫عند بعض القضايا النقدية المعاصرة ذات الجذور التراثية ‪ ,‬وبعض القضايا‬ ‫التراثية فأعيد قراءتها في ضوء معطيات النقد الحديث ‪ ,‬ألؤكد من خالل تناولي‬ ‫لهذا وذاك أن العالقة بين القديم والحديث يمكن أن تكون عالقة تكاملية ‪ ,‬وليس‬ ‫شرطًا أن تكون عالقة إقصاء أو صراع‪ ،‬وأنه يمكننا أن ننسج من هذا و ذاك‬ ‫نظرية عربية عصرية متكاملة في النقد األدبي‪.‬‬ ‫ويضم هذا الكتاب خمسة أبحاث تتكامل في تحقيق هذا الهدف ‪ ،‬ونؤمل أن‬ ‫تسهم في إنتاج النظرية التي نهدف إليها ‪ ،‬وقد جعلته في خمسة فصول على النحو‬ ‫التالي ‪:‬‬ ‫‪ ‬الفصل األول ‪ :‬المعادل اللغوي ‪ ..‬دراسة تطبيقية في ضوء النص القرآني‬ ‫‪.‬‬ ‫‪ ‬الفصل الثاني ‪ :‬داللة السياق وأثرها في النص األدبي ‪ ..‬دراسة نقدية ‪.‬‬ ‫‪ ‬الفصل الثالث ‪ :‬العدول بين القدماء والمحدثين ‪ ..‬دراسة نقدية ‪.‬‬ ‫‪ ‬الفصل الرابع ‪ :‬جدلية الحضور والغياب بين القدماء والمحدثين ‪ ..‬دراسة‬ ‫أسلوبية نقدية ‪.‬‬ ‫‪-6-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪ ‬الفصل الخامس ‪ :‬الفكر النقدي في المثل السائر في ضوء النقد الحديث ‪.‬‬ ‫وإني ألرجو أن أكون قد وفقت فيم ا قص دت ‪ ،‬وهللا م ن وراء القص د ‪ ،‬وه و‬ ‫الموفق والمستعان ‪.‬‬

‫أ‪.‬د‪ /‬محمد مختار جمعة‬ ‫وزير األوقاف‬

‫‪-7-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫الفصل األول‬ ‫المعادل اللغوي‬ ‫"دراسة تطبيقية في ضوء النص القرآني"‬

‫‪-8-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪-9-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫تمهيد‬ ‫إن من أهم العقد التي ينبغي أن نتخلص منها في نقدنا الحديث أن المصطلح‬ ‫أو‬ ‫النقدي الحديث أو المعاصر يكتسب قيمة كبيرة إذا ارتبط بناقد‬ ‫كاتب أجنبي ‪ ،‬أو انبثق من نظرية أجنبية ‪ ،‬وأنه ال يكتسب القيمة نفسها عند كثير‬ ‫من الحداثيين إذا اقترن باسم الجاحظ‪ ،‬أو ابن قتيبة‪ ،‬أو ابن طباطبا ‪ ،‬أو قدامة ابن‬ ‫جعفر ‪ ،‬أو اآلمدي ‪ ،‬أو الجرجاني ‪ ،‬أو أبي هالل العسكري ‪ ،‬أو المرزوقي ‪ ،‬أو‬ ‫أو العلوي ‪ ،‬وغيرهم من‬ ‫ابن رشيق ‪ ،‬أو عبد القاهر ‪ ،‬أو ابن األثير ‪،‬‬ ‫أعالم النقد األدبي العربي القديم ‪ ،‬ناهيك عن اقترانه باسم كاتب أو ناقد عربي‬ ‫حديث أو معاصر‪ ،‬فما ظنك إذا كان هذا المصطلح نتاج بحث وفكر لكاتب أو ناقد‬ ‫من غير هؤالء األعالم والمشاهير في سماء اإلعالم العربي؟!‬ ‫كل ذلك قد جعل ثقة بعض الباحثين في أنفسهم ‪ ،‬وجرأتهم على اإلبداع‬ ‫وقراءتهم للتراث قراءة جديدة ‪ ،‬وإعادة إنتاجه وصياغته وفق رؤى عصرية‬ ‫جديدة مجاالً لكثير من التردد ‪ ،‬أو الخوض فيه على استحياء ‪.‬‬ ‫ومن ينظر في بعض المصطلحات النقدية الحديثة والوافدة يظن للوهلة‬ ‫األولى أنها مصطلحات حداثية صرفة ‪ ،‬لكنه بشيء من المراجعة لكنوز التراث‬ ‫وذخائره يدرك أن هذه المصطلحات ضاربة بجذور راسخة في أعماق تراثنا‬ ‫األدبي والنقدي ‪ ،‬فمصطلحات ‪ :‬االنحراف ‪ ،‬واالنزياح ‪ ،‬والتخطي ‪ ،‬والتحول ‪،‬‬ ‫والخروج ‪ ،‬والتجاوز ‪ ،‬واالختالل ‪ ،‬واإلطاحة ‪ ،‬واالنتهاك‪ ،‬وخرق السنن‪ ،‬ترد‬ ‫في جملتها إلى مصطلح العدول الذى ذكره ابن األثير وغيره من النقاد العرب‬ ‫القدماء ‪ ،‬وأن كثي ًرا من المصطلحات النقدية الحديثة كالحضور والغياب ‪ ،‬والخفاء‬ ‫والتجلي ‪ ،‬والمسكوت عنه ‪ ،‬ترجع في مضمونها إلى قضايا الحذف والذكر التي‬ ‫تناولها البالغيون والنقاد القدماء‪.‬‬ ‫ولم أتردد عندما اختمرت في ذهني فكرة المعادل اللغوي كتعبير عن إصابة المحز‬ ‫في التواؤم بين اللفظ والمعنى ‪ ،‬واعتبار هذا المصطلح النقدي تعبي ًرا عن قمة المشاكلة‬ ‫بين اللفظ والمعنى ‪ ،‬التي نادى بها نقادنا القدماء ‪.‬‬ ‫واخترت التطبيق على النص القرآني لكونه على قمة البالغة وفي أعلى‬ ‫درجاتها في تحقيق هذه المشاكلة ‪ ،‬ولثراء الجانب التطبيقي سواء في مفرداته‬ ‫اللغوية أم في تراكيبه وبناه األسلوبية‪.‬‬ ‫ويأتي تناولي لهذا الموضوع في مبحثين‪:‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬المعادل اللغوي ‪ ..‬تأصيل نقدي‪.‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬المعادل اللغوي ‪ ..‬دراسة تطبيقية في ضوء النص القرآني‪.‬‬ ‫‪-01-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪‬‬

‫المبحث األول‬ ‫المعادل اللغوي ‪ ..‬تأصيل نقدي‬ ‫أوال ً ‪ :‬مفهوم المصطلح ‪:‬‬ ‫أ‪ -‬في اللغة ‪:‬‬ ‫المعادل اسم فاعل من عادل يعادل معادلة ‪ ،‬يقال ‪ :‬عادل الشيء بالشيء إذا‬ ‫سواه به‪ ،‬وجعله مثله‪ ،‬وقائ ًما مقامه‪ ،‬ومنه شهادة المعادلة (‪.)1‬‬ ‫ويقال‪ :‬هو يعدل أمره ويعادله إذا توقف بين أمرين أيهما يأتي‪ ،‬أي أنهما عنده‬ ‫مستويان تمام االستواء ال يقدر على اختيار أحدهما وال يترجح عنده (‪ ، )2‬فكل‬ ‫منهما يكافئ اآلخر ويعادله‪.‬‬ ‫واللغوي‪ :‬المنسوب إلى اللغة‪ ،‬وهي ما يعبر بها الناس عن معانيهم‬ ‫وأغراضهم ومضامينهم‪.‬‬

‫ب ‪ -‬في االصطالح‪:‬‬ ‫يقصد بالمعادل اللغوي ‪ :‬ما يعبر به المبدع عما يجول بخاطره ‪ ،‬بحيث يكون‬ ‫ومعناه ‪.‬‬ ‫تعبيره في أعلى درجات المشاكلة والمواءمة بين لفظه‬

‫ج ‪ -‬العالقة بين المعنيين اللغوي واالصطالحي‪:‬‬ ‫تتمثل العالقة بين المعنيين في قمة المشاكلة والتكافؤ بينهما‪ ،‬فكما أن المعادل‬ ‫في اللغة هو المتوقف بين أمرين ال يقدر على اختيار أحدهما على اآلخر أو‬ ‫ترجيحه عليه فإن المعادل اللغوي ينبني على منتهى التوافق والتواؤم بين اللفظ‬ ‫والمعنى ‪ ،‬بحيث إذا ما لجأ المبدع أو الناقد إلى سائر الحقول الداللية‪ ،‬وأعمل‬ ‫فكره‪ ،‬وأجال نظره‪ ،‬وأجهد عقله في النظر في عمليتي االستبدال األفقي والرأسي‬ ‫(‪ )0‬المعجم الوسيط ‪ ،‬مجمع اللغة العربية‪ ،‬مادة (عدل)‪.‬‬ ‫(‪ )2‬انظر‪ :‬لسان العرب ‪ ،‬البن منظور‪ ،‬مادة (عدل)‪.‬‬

‫‪-00-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫لعاد إلى تعبيره األول وما استطاع هو أو غيره استبدال مفردته أو بنيته األسلوبية‬ ‫بمفردة أو بنية أخرى؛ ألن المفردة أو البنية التي اختارها هي المعادل اللغوي‬ ‫األنسب أو الوحيد الذي ال يقوم مقامه غيره في هذا الموضع أو ذاك‪.‬‬

‫د‪ -‬لماذا هذا المصطلح دون سواه؟‬ ‫آثرت اختيار هذا المصطلح دون سواه لسببين‪:‬‬ ‫أولهما‪ :‬ألنه ‪ -‬فيما أرى ‪ -‬األكثر تحدي ًدا ودقة وتعبي ًرا عن المفهوم الذي أريده‪.‬‬ ‫اآلخر‪ :‬الخروج من دائرة االتساع التي يدور حولها المعادل الموضوعي وكثرة‬ ‫التفسيرات التي تكتنفه‪ ،‬فهناك من يقترب في مقاربته له من مفهومنا للمعادل اللغوي‬ ‫مع شيء من التوسع يتجاوز اللفظة والعبارة إلى الطريقة الكلية للتعبير عن‬ ‫المشاعر(‪ ،)1‬وهو ما يمكن أن نطلق عليه‪" :‬المعادل التعبيري"‪.‬‬ ‫ومن هؤالء أ‪ .‬د‪ /‬محمد عناني الذي يرى أن المعادل الموضوعي عند إليوت‬ ‫يعني الطريقة التي تعبر عن المشاعر‪ ،‬وتعتبر المقابل المادي لها‪ ،‬ألن إليوت‬ ‫يقول‪ :‬إنه إذا زادت المشاعر المجردة عن األشياء المجسدة التي تعبر عنها أصبح‬ ‫العمل الفني غامضًا‪ ،‬وإذا زادت األشياء المجسدة عن المشاعر نتج ما نسميه‬ ‫اإلسراف الشعوري أو التهافت العاطفي‪ ،‬فالتعادل يعني تساوي الكفتين في العمل‬ ‫الفني(‪ ، )2‬وهناك من ينحو في فهمه وتفسيره للمعادل الموضوعي منحى آخر‬ ‫أو القناع(‪. )3‬‬ ‫يقترب به من دائرة الرمز‬ ‫وهناك من يفهم المعادل الموضوعي على أنه ما يقابل العواطف والمشاعر‬ ‫واالنفعاالت من قالب تعبيري‪ ،‬وهو وعاؤها المادي سواء أكان تعبي ًرا ماديًا أو‬ ‫رمزيًا ‪ ،‬يقول أ‪ /‬محمد عزام ‪ :‬المعادل الموضوعي هو الطريقة الوحيدة للتعبير‬ ‫عن العاطفة في قالب فني ‪ ،‬هو بناء مجموعة من الموضوعات أو المواقف أو‬ ‫سلسلة من األحداث لتصبح وعا ًء لهذه العاطفة الخاصة ‪ ،‬بحيث تتفجر هذه‬ ‫العاطفة في الحال عندما تقدم األحداث الخارجية موضوعة في تجربة حسية (‪، )4‬‬ ‫(‪ )0‬انظ ر ‪ :‬المصررحات ا ابية ررح التي دررح ي‪ /‬متمرري ان ر ن ص‪ 55 54‬مح ر ةا ابا ر ات الية ررح=‬ ‫الحةعح الد ن ح سنح ‪2113‬ت‪.‬‬

‫=نش الش كح المص ح الع لم ح وش كح أة الهول لانش‬ ‫(‪ )0‬المصحات ا ابية ح التي دح ص‪.54،55‬‬ ‫أ‪ .‬ي‪ /‬ك ظت الظواا ي ص ‪ 34-31‬نش يا الهيا رح‬ ‫(‪ )2‬المع يل الموضوا ف الشع الة اا‬ ‫‪0430‬اررر‪2101/‬ت وسر ن ح الةتي ر ي ‪ :‬شر ا ح المكر ا المعر يل الموضرروا‬ ‫الحةعررح ابولر‬ ‫ال ست ة لكام ا أ‪.‬ي ‪ /‬زك النون ص ‪ 21 09‬ح ‪ /‬ش كح ن س الحةعح ابول سنح ‪2114‬ت‬ ‫‪.‬‬ ‫(‪ )3‬المنهج الموضوا ف النقي ابية لألسي ذ‪ /‬متمي ا ازت ص‪ 38‬نش ايت ي الكي ب الع ب سنح ‪0999‬ت‪.‬‬

‫‪-02-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫وينبغي أن يكون التعادل بين الشيء المادي أو الرمز وبين االنفعال الذي يثيره ً‬ ‫تاما‬ ‫(‪. )1‬‬ ‫وال‬ ‫ويقول ‪ :‬ولكن النسيج أو الهيكل المادي يقاوم التعادل العملي ‪،‬‬ ‫يمكن للقارئ معرفة أي شيء تقوله القصيدة بعيدًا عن كلماتها‪ ،‬والقيمة الشعرية ال‬ ‫تكمن فيما تقوله القصيدة‪ ،‬ولكن فيما تكونه‪ ،‬أي الشيء المادي الذي يجعلنا ندرك‬ ‫انفعال الشاعر األصلي(‪. )2‬‬ ‫وأرى أن الذي أدى إلى اتساع دائرة مصطلح المعادل الموضوعي واختالف‬ ‫وجهات النظر في تحديد مدلوله وفي تطبيقاته أمران‪:‬‬ ‫أحدهما‪ :‬ما ذكره د‪ /‬محمد عناني‪ ،‬وهو عدم الدقة في ترجمة المصطلح ونقله‬ ‫إلى العربية(‪. )3‬‬ ‫اآلخر‪ :‬أن إليوت استخدم هذا المصطلح ألول مرة في مقال له عن مسرحية‬ ‫"هاملت" لشكسبير‪ ،‬فقال‪ :‬إن مسرحية "هاملت" غير ناجحة من الناحية الفنية‬ ‫ألنها عجزت عن أن تضع لنا عواطف المؤلف في معادل موضوعي‪ ،‬على العكس‬ ‫من بعض مآسي شكسبير األخرى الناجحة التي تتحقق فيها نظرية "المعادل‬ ‫الموضوعي"‪ ،‬ويشرح إليوت ما يقصده بهذا المصطلح فيقول‪ :‬إن الطريقة الوحيدة‬ ‫للتعبير عن العاطفة في قالب فني إنما تكون بإيجاد معادل موضوعي لها‪ ،‬وبعبارة‬ ‫أخرى مجموعة من الموضوعات‪ ،‬أو موقف‪ ،‬أو سلسلة من األحداث‪ ،‬تشكل وعاء‬ ‫لهذه العاطفة الخاصة‪ ،‬بحيث تتفجر هذه العاطفة في الحال عندما تقدم األحداث‬ ‫الخارجية موضوعة في تجربة محسة(‪. )4‬‬ ‫وهذا التعبير ينسجم مع البناء الروائي والمسرحي‪ ،‬وربما ينسجم إلى حد ما‬ ‫مع الشعر التمثيلي‪ ،‬لكن نقله برمته دون مراجعة‪ ،‬ومحاولة تطبيقه ً‬ ‫نصا على‬ ‫الشعر العمودي أدى إلى شيء من الخلخلة في فهم المصطلح وفي تطبيقاته‪.‬‬ ‫على أن إليوت نفسه توسع في مفهوم المعادل‪ ،‬ليستخدمه بمعنى المكافئ أو‬ ‫المقابل سواء أكان تعبيرًا مقابالً لفكر وعواطف وانفعاالت تضمن رم ًزا أو ال‪ ،‬أم‬ ‫كان فكرًا مقابالً لفكر أو فنًا مقابالً لفن‪ ،‬يقول‪ :‬إن النظرة إلى الحياة التي تتكشف‬ ‫(‪ )0‬المنهج الموضوا ف النقي ابية ص ‪.31‬‬ ‫(‪ )2‬الم ةا الس ةق ص ‪.31‬‬

‫(‪ )3‬المصحات ا ابية ح التي دح ي‪ /‬متمي ان ن ص ‪.53‬‬ ‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬ف نقري شرع ي‪ /‬متمروي ال ة عر‬ ‫نقًل اا مخي اا ند ح إلل وا ص ‪.012‬‬ ‫ا‬

‫ص ‪ 057‬ح‪ /‬يا غ رب لاحة ارح والنشر ة لقر ا‬

‫‪-03-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬ ‫" (‪)1‬‬

‫في أنضج قصائد "ريلكه" إنما هي ضرب من المعادل الشعري لفلسفة "نيتشه‬ ‫‪.‬‬

‫خالصة القول‪:‬‬ ‫وخالصة ما أميل إليه بعد هذا العرض أن إصابة المحز في مشاكلة اللفظ‬ ‫للمعنى إذا وقعت موقعها وجاءت في صورة رمزية أو متضمنة معنى الرمز أو‬ ‫معنى القناع كان األدق فيها هو تعبير "المعادل الموضوعي" وأن هذا المصطلح‬ ‫يأتي أبرز ما يكون في البناء الروائي والمسرحي والشعر التمثيلي‪.‬‬ ‫أما إذا كانت هذه المشاكلة ال تتضمن رم ًزا أو قنا ًعا وقصد بها مجرد إصابة‬ ‫المحز في مشاكلة اللفظ لمعناه كان األدق هو تعبير المعادل اللغوي الذي يشمل‬ ‫أو التركيب‬ ‫اللفظة المفردة باعتبارها معادالً لفظيًا‪ ،‬والعبارة أو الجملة‬ ‫باعتباره معادالً أسلوبيًا‪ ،‬وأن السياق األعم الذي يشمل المعادل اللغوي والمعادل‬ ‫الموضوعي م ًعا هو ما يمكن أن يطلق عليه "المعادل التعبيري"‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬الجذور التراثية للمصطلح‪:‬‬ ‫يعد ابن طباطبا العلوي المتوفي سنة ‪233‬هـ من أوائل النقاد العرب الذين‬ ‫نصوا على قضية المشاكلة بين اللفظ والمعنى‪ ،‬يقول‪ " :‬وللمعاني ألفاظ تشاكلها ‪،‬‬ ‫فتحسن فيها وتقبح في غيرها‪ ،‬فهي كالمعرض للجارية الحسناء التي تزداد حسنًا‬ ‫في بعض المعارض دون بعض"(‪. )2‬‬ ‫وفي حديثه عن أدوات الشعر يقول‪ " :‬وللشعر أدوات يجب إعدادها قبل‬ ‫له ما‬ ‫مرامه وتكلف نظمه‪ ،‬فمن نقصت عليه أداة من أدواته لم يكمل‬ ‫يتكلفه منه‪ ،‬وبان الخلل فيما ينظمه‪ ،‬ولحقته العيوب من كل جهة‪ ،‬فمنها ‪ :‬التوسع‬ ‫في علم اللغة‪ ،‬والبراعة في فهم اإلعراب ‪ ...‬وإيفاء كل معنى حظه من العبارة‪،‬‬ ‫وإلباسه ما يشاكله من األلفاظ حتى يبرز في أَحسن زي وأبهى صورة‪ ،‬فتسابق‬ ‫معانيه ألفاظه فيلتذ الفهم بحسن معانيه كالتذاذ السمع بمونق لفظه (‪. )3‬‬ ‫ثم جاء المرزوقي فجعل عمود الشعر قائ ًما على سبعة أبواب‪ ،‬هي‪ :‬شرف‬ ‫المعنى وصحته‪ ،‬وجزالة اللفظ واستقامته‪ ،‬واإلصابة في الوصف‪ ،‬والمقاربة في‬ ‫(‪ )2‬انظ ر ‪ :‬المخي ر مررا نقرري ا‪ .‬س إل رروا اخي ر وي ةمررح‪ :‬م ر ا شررف ق ف رري يقرري ت‪ :‬ي‪ /‬ة ر ة‬ ‫اصفو ص ‪ 007‬نش المةاس اباا لادق فح سنح ‪2111‬ت‪.‬‬ ‫(‪ )0‬ا‬

‫الشع الةا حة حة ص ‪ 00‬يتق رق‪ :‬ي‪ /‬اةري العز رز ةرا ن صر المر نا ح‪ /‬المرين‬

‫(‪ )0‬ا‬

‫الشع الةا حة حة ص ‪ 7 6‬ةيص ف‪.‬‬

‫مكيةح الخ نة ة لق ا‬

‫سنح ‪0415‬ار ‪0985 /‬ت‪.‬‬

‫‪-04-‬‬

‫نشر‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫التشبيه‪ ،‬والتحام أجزاء النظم والتئامها على تخير من لذيذ الوزن‪ ،‬ومناسبة‬ ‫المستعار منه للمستعار له‪ ،‬ومشاكلة اللفظ للمعنى وشدة اقتضائهما للقافية حتى ال‬ ‫منافرة بينهما (‪. )1‬‬ ‫وعيار مشاكلة اللفظ للمعنى عنده طول الدربة ودوام المدارسة‪ ،‬فإذا حكما‬ ‫بحسن التباس بعضهما ببعض بال جفاء‪ ،‬وال نبو‪ ،‬وال زيادة‪ ،‬وال نقصان‪ ،‬وكان‬ ‫اللفظ مقسو ًما على رتب المعاني فهو البرىء من العيب(‪. )2‬‬ ‫يقول أستاذنا الدكتور‪ /‬محمد السعدي فرهود "رحمه هللا" في تعليقه على نص‬ ‫المرزوقي‪ :‬ومشاكلة اللفظ للمعنى تعني موافقته له‪ ،‬وقيام اللفظ بحق المعنى الذي‬ ‫نوى الشاعر إظهاره‪ ،‬وتوفيته على الوجه الذي قصده(‪.)3‬‬ ‫ويؤكد الدكتور‪ /‬محمد طه عصر أن قضية المشاكلة بين اللفظ والمعنى هي‬ ‫بيت القصيد في تلك العمودية التي يتطلبها المرزوقي‪ ،‬فالشروط الستة التي تطلبها‬ ‫المرزوقي في عمود الشعر هي مقدمة لتحقيق تلك المشاكلة؛ إذ ال تكون المشاكلة‬ ‫دون صحة المعنى‪ ،‬واستقامة اللفظ‪ ،‬واإلصابة في الوصف‪ ،‬وهو شيء فطن إليه‬ ‫المرزوقي وقصده قص ًدا‪ ،‬حتى كان من موطن المالحظة أنه جعل اجتماع هذه‬ ‫األوصاف الثالثة سببًا لكثرة سوائر األمثال وشوارد األبيات‪ ،‬ولم يكن بينه وبين‬ ‫اعتبارها سببًا لشعرية النص إال ضربة معول‪.‬‬ ‫ثم إن المشاكلة تقتضي المقاربة في التشبيه ‪ ،‬ومناسبة المستعار منه‬ ‫والمستعار له‪ ،‬ومن ثم التحام أجزاء النظم والتئامها على النحو الذي قرره األوائل‬ ‫وقام المرزوقي باستلهامه وإعادة صياغته في هذه األبواب السبعة التي بنى عليها‬ ‫نظريته في عمود الشعر‪ ،‬والتي ال تعدو أن تكون شر ًحا لمعيار واحد تتمحور‬ ‫حوله العمودية وهو المشاكلة (‪.)4‬‬ ‫على أن مسألة المشاكلة بين اللفظ والمعنى قد أشار إليها عدد غير قليل من‬ ‫(‪ )2‬ش ح ي واا التم سح لام زوق‬

‫ح‪ /‬لةنح اليأل ف والي ةمح والنش‬

‫يتق ق ‪ :‬أ ‪ /‬أتمي أم ا أ ‪ /‬اةي السًلت ار وا‬ ‫سنح ‪0387‬ار‪0967/‬ت‪.‬‬

‫‪0‬ص‪9‬‬

‫(‪ )3‬انظ ‪ :‬الم ةا الس ةق ص ‪.00‬‬

‫(‪ )4‬انظ ‪ :‬نصروص نقي رح بارًلت النقر ي العر ب بسري ذن الريكيو ‪ /‬متمري السرعيي ف اروي ( تمر اه)‬ ‫ص‪ 200‬ح‪ /‬يا الحة اح المتمي ح سنح ‪0395‬ار‪0975 /‬ت ‪.‬‬

‫(‪ )0‬خح ب النقي الع ةر ‪ :‬ةن ير‬

‫لل ير وأنسر ق المع ف رح أ‪ .‬ي‪ /‬متمري حر اصر‬

‫ش كح ن س لاحة اح سنح ‪0422‬ار‪2110/‬ت ‪.‬‬

‫‪-05-‬‬

‫ص ‪ 98‬ح‪/‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫النقاد القدماء والمحدثين وإن كان بصورة أقل وضو ًحا ومباشرة مما ذكره ابن‬ ‫طباطبا والمرزوقي وأستاذنا الدكتور‪ /‬السعدي فرهود واألستاذ الدكتور‪ /‬محمد طه‬ ‫عصر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يقول القاضي الجرجاني المتوفي سنة ‪233‬هـ ‪ :‬وأقل الناس حظا في صناعة‬ ‫الكالم من اقتصر في اختياره ونفيه‪ ،‬وفي استجادته واستسقاطه على سالمة‬ ‫الوزن‪ ،‬وإقامة اإلعراب‪ ،‬وأداء اللغة‪ ،‬ثم كان همه وبغيته أن يجد لفظًا مروقًا‬ ‫أو‬ ‫وكال ًما مزوقًا‪ ،‬قد حُش َي تجني ًسا وترصيعًا‪ ،‬وشحن مطابقة وبدي ًعا‪،‬‬ ‫ضا قد تعمق فيه مستخرجه‪ ،‬وتغلغل إليه مستنبطه‪ ،‬ثم ال يعبأ باختالف‬ ‫معنى غام ً‬ ‫الترتيب‪ ،‬واضطراب النظم‪ ،‬وسوء التأليف‪ ،‬وهلهلة النسج‪ ،‬وال يقابل بين األلفاظ‬ ‫ومعانيها‪ ،‬ويسبر ما بينهما من نسب‪ ،‬وال يمتحن ما يجتمعان فيه من سبب(‪. )1‬‬ ‫فالقاضي الجرجاني يطلب من المنشئ أو المبدع ضرورة المواءمة بين‬ ‫األلفاظ ومعانيها ‪ ،‬وال يكتفي بذلك ‪ ،‬بل يطلب منه سبر ما بينهما من نسب‬ ‫وامتحان ما يجتمعان فيه من سبب‪ ،‬ووضع كل لفظ لما يناسبه ويتطلبه ويستدعيه‬ ‫من المعاني‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫أما الخطابي فالكالم عنده يقوم على ثالثة أركان‪ :‬لف ٍظ حامل‪ ،‬ومعن ًى به‬ ‫ورباط لهما ناظم‪ ،‬ويرى أن القرآن الكريم إنما أتى في أعلى درجات البالغة‬ ‫قائم ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫واإلعجاز؛ ألنه جاء بأفصح األلفاظ في أحسن نظوم التأليف‪ ،‬مضمنا أصح‬ ‫المعاني واض ًعا كل شيء موضعه الذي ال يرى شيء أولى منه ‪ ،‬وال يرى في‬

‫(‪ )0‬الوس ر حح ة ر ا المينة ر وخصرروم لاق ض ر الة ة ر ن‬

‫ص‪ 403‬يتق ررق ‪ :‬متمرري أةررو الفضررل‬

‫إة اا ت واا متمي الةة وي نش يا الكيب العص ح ة وا سنح ‪ 0386‬ار‪0966 /‬ت‪.‬‬

‫(‪ )2‬او أةو سا م ا تمي ةا متمي ةا إة اا ت الخح ة‬ ‫واو ا لت فق‬

‫وأي ب لغوي ل مؤلف ا اي ي‬

‫ولي سنح ‪ 309‬ار ةةاي ةسا ما ةًلي ك ةل‬

‫منه ‪ :‬ة ا إاة ز القر لا وغ رب التري‬

‫ومع لت السنا وك نا وف ي اا اب ةح سنح ‪388‬ار وق رل ‪ :‬سرنح ‪386‬ارر‪ .‬انظر فر ي ةمير ‪:‬‬ ‫وف ا ابا ر ا الةرا خاكر ا‬

‫‪ 2‬ص‪ 212‬يتق رق‪ :‬إتسر ا اةر س ح‪ /‬يا صر ي‬

‫سرررررنح ‪1191‬ت ومعةرررررت ابيةررررر ل ل ررررر قوا التمررررروي‬

‫ة ر وا‬

‫‪ 2‬ص‪ 229‬ح‪ /‬يا المرررررأموا سرررررنح‬

‫‪1511‬اررر‪1159/‬ت وشررذ اا الررذاب ف ر أخة ر مررا ذاررب الةررا العم ر ي ‪ 5‬ص‪ 121‬ح‪ /‬يا‬

‫الفك‬

‫ح ‪ 1‬سنح ‪1511‬ار ‪1111 /‬ت‪.‬‬

‫‪-06-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫صورة العقل أمر أليق منه(‪. )1‬‬ ‫ويعلق د‪ /‬عبد العزيز حمودة على نص الخطابي بقوله‪ :‬إننا هنا أمام شروط‬ ‫تحقـق الداللـة أو المعـنى‪ ،‬وهي وجود نسق من العالمات‪ ،‬كل عالمة تتكون من‬ ‫عنصرين الدال والمدلول‪ ،‬وهـو مـا يحمله قوله‪ " :‬لفظ حامـل‪ ،‬ومعنى به قائم" ‪،‬‬ ‫لكن هذه العالمات اللغوية تبقى عاجزة عن تحقيق المعنى إلى أن ينظمها نظام‬ ‫عالقات يمكنها مجتمعة من تحقيق الداللة ‪ ،‬وهو ما نفهمه من قوله‪ " :‬ورباط لهما‬ ‫ناظم" (‪. )2‬‬ ‫وبهذا يتضح لنا أن قضية المشاكلة بين اللفظ والمعنى ضاربة بجذورها في‬ ‫أعماق تراثنا األدبي والنقدي وأن كثي ًرا من النقاد العرب في عصرنا الحديث قد‬ ‫نظروا بعناية واهتمام إلى تلك المشاكلة وضرورة تحققها في النص األدبي‪.‬‬ ‫ويأتي تناولنا لمصطلح المعادل اللغوي للتعبير عن تحقق هذه المشاكلة في‬ ‫أعلى درجاتها ‪ ،‬بحيث يكون التعبير اللغوي معادالً ومكافئًا للمعنى الذي أراده‬ ‫المنشئ أو المبدع‪ ،‬بحيث لو ذهبنا نبحث وننقب عن أي بديل لغوي أو أسلوبي لعاد‬ ‫الباحث خاوي الوفاض‪ ،‬مسل ًما بأن هذا المبدع قد اختار المعادل الذي ال يمكن‬ ‫العدول عنه أو استبداله‪.‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )0‬انظ ر ‪ :‬ة ر ا إاة ر ز الق ر لا لاخح ر ة ( ضررما دررًل‬

‫س ر إل ف ر إاة ر ز القرر لا الكرر ت لا م ر ن‬

‫والخحر ة واةرري القر ا ) ص ‪ 29‬يتق ررق‪ :‬متمرري خاررف اه أتمرري ومتمرري زغاررول سررًلت ح‪ /‬يا‬

‫المع ف ةمص‬

‫سنح ‪0990‬ت‪.‬‬

‫(‪ )2‬الم ا المقع ‪ :‬نتو نظ ح نقي ح ا ة رح ي‪ /‬اةري العز رز تمروي ص ‪ 233‬نشر ساسراح ار لت‬ ‫المع فح ايي قت (‪ )272‬إصيا ةم يى ابول ‪0422‬ار ‪ /‬أغسحس سنح ‪2110‬ت‪.‬‬

‫‪-07-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫المبحث الثاني‬ ‫المعادل اللغوي‪ ..‬دراسة تطبيقية في ضوء النص القرآني‬ ‫أوالً ‪ :‬في مجال المفردة القرآنية ‪:‬‬ ‫ال شك أن كل لفظة أو مفردة من مفردات القرآن الكريم قد وقعت موقعها‪،‬‬ ‫حيث يقتضي المقام ذكرها دون سواها أو مرادفها‪ ،‬فإذا جاءت الكلمة معرفة أو‬ ‫نكرة كان القتضاء المقام ذلك‪ ،‬وإذا جاءت مفردة أو جمعًا كان ذلك لغرض‬ ‫يقتضيه السياق‪ ،‬وقد يُؤثر النص القرآني كلمة على أخرى و هما بمعنى واحد‪،‬‬ ‫ويختار كلمة ويهمل مرادفها الذي يشترك معها في أصل الداللة‪ ،‬وما كان‬ ‫للمتروك أن يقوم مقام المذكور أو يدانيه بالغة لو ذكر مكانه(‪ ، )1‬وما ذلك إال‬ ‫لكون القرآن الكريم تنزيل العزيز العليم الحكيم ‪.‬‬

‫ومن نماذج ذلك ‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ - 1‬كلمة "‪ "‬في قوله تعالى‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪. )2(   ‬‬

‫فلو تأملنا هذه اآلية جيدًا‪ ،‬ونظرنا ‪ -‬على وجه التحديد ‪ -‬في موقع كلمة‬ ‫"‪ ، " ‬ثم فكرنا في بدائلها اللغوية ومشتقاتها وما يرادفها‪،‬‬ ‫وحاولنا أن نضع أي بديل لغوي ‪ -‬رأسيًا أو أفقيًا ‪ -‬في موضعها لوجدنا أن‬ ‫العربية على عمقها واتساعها عاجزة عن أن توافينا أو تمدنا بكلمة يمكن أن‬ ‫(‪ )0‬انظرررر ‪ :‬يالالا ابلفرررر ظ وسرررر الكامررررح فرررر القرررر لا الكرررر ت ي‪ /‬ارررر حف الما ةرررر‬ ‫ح‪ /‬المؤلف سنح ‪2112‬ت‪.‬‬ ‫(‪ )0‬سو الةق ‪ :‬اآل ح ‪.221‬‬

‫‪-08-‬‬

‫ص‪9 8‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫تقوم مقام كلمة " ‪ " ‬في هذا الموضع‪.‬‬ ‫فاإلصالح أمر جامع لما يحتاج إليه اليتيم‪ ،‬فقد يحتاج إلى المال فيكون‬ ‫اإلصالح ً‬ ‫ماله أو‬ ‫برا وعطا ًء ماديًا‪ ،‬وقد يحتاج إلى من يتاجر له في‬ ‫من يقوم على زراعته أو صناعته فيكون اإلصالح هو القيام بذلك‪ ،‬وقد ال يحتاج‬ ‫اليتيم إلى المال‪ ،‬إنما يحتاج إلى التقويم والتربية‪ ،‬فيكون اإلصالح هنا رعاية‬ ‫وتربية‪ ،‬وقد ال ينقصه هذا وال ذلك‪ ،‬إنما تكون حاجته أشد ما تكون إلى العطف‬ ‫والحنو واإلحساس باألبوة‪ ،‬فيكون اإلصالح إشباع ذلك عنده‪.‬‬ ‫وقد يكون اإلصالح في تقويم زيغه أو اعوجاجه ‪ ،‬فقد جاء أحد الناس يسأل‬ ‫النبي ‪ :‬م َم أضرب يتيمي ؟ فقال ‪ " :‬مما كنت ضاربًا منه ولدك" (‪. )1‬‬ ‫فالنبي ‪ ‬يطلب من السائل وغيره أن يعاملوا اليتيم معاملة أبنائهم‪ ،‬فينظروا‬ ‫إلى ما يصلحه ويقومه ويشد عضده‪ ،‬ومن هنا تلتقي البالغة النبوية في إيجازها‬ ‫ووفائها بالمراد مع النص القرآني‪ ،‬وإن كان الحديث النبوي قد ركز على جانب‬ ‫واحد من جوانب اإلصالح‪ ،‬وهو التأديب والتقويم‪ ،‬فإن اإلصالح في النص‬ ‫القرآني هو الكلمة الجامعة لما يحتاج إليه اليتيم وما يصلحه‪.‬‬ ‫وفي قوله تعالى‪   :‬‬ ‫‪  ‬وإن كانت قد نزلت في إباحة المخالطة‬ ‫المشروطة باإلصالح‪ ،‬فقد عبر النص القرآني بـ "إن" دون إذا‪ ،‬لئال يفتح باب‬ ‫المخالطة على مصراعيه‪.‬‬ ‫وحتى ال تنفلت األمور‪ ،‬فالتعبير بـ "إن" يبقى على خيط من الحاجز النفسي‬ ‫لمخالطة اليتيم لتظل مخالطة حذرة‪ ،‬وفي حدود ما يصلح اليتيم‪ ،‬فالمخالطة المباحة‬ ‫ كما يذكر األلوسي في تفسيره ‪ -‬هي مداخلتهم مداخلة يترتب عليها إصالحهم أو‬‫إصالح أموالهم بالتنمية والحفظ‪ ،‬وذلك خير من مجانبتهم(‪. )2‬‬ ‫(‪ )2‬أخ ةررر الحة انررر فررر المعةرررت الصرررغ‬

‫‪ 057/0‬تررري‬

‫قرررت (‪ )244‬والة هقررر فررر السرررنا الكةررر ى‬

‫‪9‬‬

‫ص‪ 285‬والةخ ي فر ابيب المفر ي ةر ب كرا لا ير ت كر بب الر ت ت لكنر ذكر ا موقوفار اار اةرا سر ا‬ ‫و وا ي ‪ " :‬اصنا ة م يصنا ةوليك اض ة مم يض ب وليك" وذك ا اةرا تةر فر فريح الةر ي‬

‫ص ‪ 437‬كي ب ابيب ة ب فضل ما عول ي ام‬

‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬وح المع ن ف يفس‬ ‫ح‪ /‬يا الي ا ة لق ا‬

‫ش ح التي‬

‫الق لا العظ ت والسةا المد ن‬

‫ةيوا ي خ‪.‬‬

‫‪-09-‬‬

‫‪01‬‬

‫قت ‪.6115‬‬

‫لاعًلمرح ابلوسر‬

‫‪ 2‬ص ‪006‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫وقوله تعالى‪    :‬أي لضيق عليكم ولم يجز‬ ‫لكم مخالطتهم‪ ،‬وأصل اإلعنات الحمل على مشقة ال تطاق ثقالً‪ ،‬يقال‪ :‬عنته إذا شدد‬ ‫عليه وألزمه ما يصعب عليه أداؤه‪ ،‬وأعنته إذا أوقعه في مشقة وشدة(‪ ، )1‬والكلمة‬ ‫هنا تشكل المعادل اللغوي األنسب واألدق لما كان يمكن أن يترتب على منعهم من‬ ‫المخالطة‪.‬‬ ‫وهي تحمل ضمنًا أو وفق مفهوم المخالفة مدى التيسير الرباني في إباحة‬ ‫المخالطة المقرونة بنية اإلصالح ‪ ،‬وتوحي بأن هذا التيسير ينبغي أال يتجاوز‬ ‫حدود الرخصة إلى التوسع أو التجوز الذي ال يحمد عقباه‪.‬‬ ‫‪ - 3‬كلمة ‪   ‬في قوله تعالى‪ :‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪.)2( ‬‬

‫فكلمة ‪   ‬هنا وقعت موقعًا ال يمكن ألي بديل لغوي‬ ‫أن يقوم مقامها فيه‪ ،‬فهي المعادل اللغوي األنسب واألدق‪ ،‬القادر على ردع النفوس‬ ‫المتعلقة بالمال‪ ،‬القابلة للربا أو المتحايلة عليه‪ ،‬فتعلق بعض الناس بالمال‪،‬‬ ‫وبخاصة الكسب السهل السريع عن طريق الربا ال يردعه إال علم هؤالء بأنهم إنما‬ ‫يحاربون هللا ورسوله‪ ،‬وهي حرب معلومة النتائج‪ ،‬مدمرة لمن يتعدى حدود هللا أو‬ ‫يخرج على شريعته‪ ،‬وقد سئل سيدنا عبد هللا بن عباس‪ :‬أي آية في كتاب هللا أشد؟‬ ‫فقال‪ :‬لقد قرأت ما بين الدفتين فما وجدت آية في كتاب هللا تعالى أشد من آية الربا‬ ‫لقوله تعالى‪    :‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫‪ ،  ‬ويقول نبينا ‪" : ‬ما ظهر في قوم الزنا‬ ‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬لس ا الع ب والمعةت الوس ح‪ :‬م ي (انا) و وح المع ن لأللوس‬

‫(‪ )2‬سو الةق ‪ :‬اآل ي ا ‪.279 - 278‬‬ ‫(‪ )0‬سو الةق ‪ :‬اآل ح ‪.279‬‬

‫‪-21-‬‬

‫‪‬‬

‫‪ 2‬ص ‪.007‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫والربا إال أحلوا بأنفسهم عقاب هللا عز وجل"(‪. )1‬‬ ‫‪ - 2‬كلمة ‪   ‬في قوله تعالى‪ :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪. )2( ‬‬ ‫ففي قوله تعالى‪    :‬صيغة مفاعلة‪ ،‬تفيد‬

‫المشاركة ووقوع الفعل من كال الطرفين‪ ،‬وهما هنا‪ :‬الدائن والمدين؛ مما يفيد أن‬ ‫األمر بكتابة الدين موجه إليهما معًا‪ ،‬ال إلى الدائن فقط ‪ ،‬مما يجعل حرص المدين‬ ‫على كتابة دينه واستجابته ألمر هللا تعالى في ذلك كحرص الدائن على ذلك سوا ًء‬ ‫بسواء‪ ،‬ال كما نراه في بعض نماذج عصرنا الحاضر من أنفة المدين من كتابة‬ ‫الدين‪ ،‬واعتبار ذلك خد ًشا لكرامته ونيالً من الثقة فيه‪ ،‬بل ينبغى أن يكون حرص‬ ‫المدين على كتابة الدين أشد؛ ألنه إذا لقى هللا وعليه دين‪ ،‬ولم يقم أحد باالعتراف‬ ‫به وقضائه عنه وقع تحت طائلة قوله ‪" : ‬والذي نفسي بيده لو قتل أحدكم في‬ ‫سبيل هللا ‪ ،‬ثم عاش ثم قتل ‪ ،‬ثم عاش ثم قتل‪ ،‬وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضي‬ ‫دينه"(‪. )3‬‬ ‫وفي قوله تعالى‪     :‬‬ ‫ما يفيد ضبط موعد السداد بالسنين واأليام والشهور‪ ،‬وال بأس أيضًا بإضافة مكان‬ ‫السداد ومحله‪ ،‬فكل ما يكفل سداد الدين وأداءه بال لبس وال مماطلة يعد مطلبًا‬ ‫شرعيًا‪ ،‬وال ينبغي أن يكون أجل السداد ملبسًا غير معلوم الزمن‪ ،‬كأن يقول له‪:‬‬ ‫سأسدد دينك إذا بعت داري أو عاد ولدي من السفر‪ ،‬ونحوه مما ال يضبط بعام‬ ‫معين وشهر معين ويوم معين‪.‬‬ ‫‪ - 4‬كلمة ‪    ‬في قوله تعالى‪  :‬‬

‫‪     ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )2‬مسني اإلم ت أتمي ةا تنةل ‪ 358/6‬تي‬ ‫(‪ )3‬سو الةق ‪ :‬اآل ح ‪.282‬‬ ‫(‪ )4‬مسني اإلم ت أتمي ةا تنةل ‪063/27‬تي‬

‫قت (‪.)3819‬‬ ‫قت (‪.)22493‬‬

‫‪-20-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪.    ‬‬ ‫فهي ‪ -‬هنا ‪ -‬كما يذكر كثير من المفسرين مبنية للفاعل والمفعول معًا‪ ،‬ويفسر‬ ‫ذلك قراءة من قرأ بالفك والكسر‪" :‬وال يضارر"‪ ،‬وقراءة من قرأ بالفك والفتح‪:‬‬ ‫يضارر" ؛ فعلى القراءة األولى يكون المعنى وال يضارر كاتب‬ ‫"وال‬ ‫َ‬ ‫وال شهيد الدائن أو المدين‪ ،‬فعلى الكاتب أن يكتب بالعدل‪ ،‬وعلى الشاهد أن يشهد‬ ‫بالحق‪.‬‬ ‫يضارر كاتب وال شهيد‪،‬‬ ‫وعلى القراءة األخرى يكون المعنى وال‬ ‫َ‬ ‫ضر كاتب وال شهيد‪ ،‬ذلك أن بعضهم كان يذهب إلى الكاتب فيعجله عن‬ ‫أي وال ي ُ َ‬ ‫أمره يقول له‪ :‬اكتب اآلن ألن هللا تعالى يقول‪" :‬وال يأب كاتب أن يكتب"‪ ،‬كما أن‬ ‫بعضهم قد ال يوفي الكاتب حقه‪ ،‬وذلك بأن يكون الكاتب محترفًا للكتابة منقطعًا لها‬ ‫فال يوفيه المستكتب حقه وأجر‬ ‫كما هو الشأن في مهنة المحاماة اآلن‪،‬‬ ‫كتابته‪ ،‬فجاء النهي عن مضارة الكاتب بإعجاله عن أساسيات حياته أو عدم توفيته‬ ‫على كتابته إن كان منقطعًا لها محترفًا إياها ‪.‬‬ ‫وال ينبغي أيضًا أن يضار الشاهد أو الشهيد كأن تكلفه مؤنة االنتقال من‬ ‫محافظة إلى أخرى أو من دولة إلى أخرى ليشهد معك أو لك‪ ،‬وقد ال تساعده‬ ‫إمكاناته المادية على هذا االنتقال‪ ،‬فال تحمله فوق طاقته‪ ،‬بل على صاحب‬ ‫المصلحة في الشهادة أن يتحمل مؤنة نقل الشاهد إلى مكان الشهادة‪ ،‬وبخاصة إذا‬ ‫كان الشاهد رقيق الحال ال يقوى على مؤنة النقل‪ ،‬بل أقول‪ :‬إن الشاهد إذا كان‬ ‫ممن يكسب قوته وقوت أبنائه يو ًما بيوم‪ ،‬وكان تفرغه وذهابه للشهادة في هذا اليوم‬ ‫سيضر بقوته وقوت أبنائه‪ ،‬فإن على صاحب المصلحة في الشهادة أن يعوضه عما‬ ‫يلحقه من ضرر بأن يدفع له ما يوازي أجر هذا اليوم الذي يتعطل فيه عن كسب‬ ‫قوته وقوت أبنائه‪.‬‬ ‫‪ - 5‬كلمة ‪   ‬في قوله تعالى ‪ :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬

‫(‪. )2‬‬

‫يقول النحويون إن جمع المذكر قد يطلق على جمع المؤنث على سبيل‬ ‫التغليب‪ ،‬لكن النحويين واألصوليين يتفقون على أن ما جاء على أصله ال يسأل‬ ‫عن علته وما جاء على خالف األصل فال بد لخروجه على هذا األصل من علة‪.‬‬ ‫(‪ )0‬سو الةق ‪ :‬اآل ح ‪.282‬‬ ‫(‪ )0‬سو‬

‫وسف ‪ :‬اآل ح ‪.29‬‬

‫‪-22-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫وهنا نكتة هامة في العدول عن صيغة جمع المؤنث‪ :‬الخاطئات إلى صيغة‬ ‫جمع المذكر‪ " :‬الخاطئين"‪ ،‬ذلك أن األصل في المرأة أن تكون مطلوبة وأن تكون‬ ‫معززة‪ ،‬وأن تكون ممنعة‪ ،‬وأن تكون متأبية‪ ،‬والمرأة العربية األصيلة تمتدح‬ ‫باإلباء والتمنع‪ ،‬واألصل في الرجل أن يكون خاطبًا وطالبًا ومتوددًا ‪ -‬وفق شرعة‬ ‫هللا ومنهجه ‪ ، -‬فلما عكست امرأة العزيز الفطرة اإلنسانية السليمة السوية‪،‬‬ ‫وتقمصت شخصية الرجال ‪ -‬فهي التي طلبت ‪ ،‬وهي التي راودت‪ ،‬وهي التي‬ ‫هيأت ‪ -‬فلما جاء التعبير اللغوي على خالف األصل ليناسب حالها المعكوس‪،‬‬ ‫وكأن النص القرآني يلفت أنظارنا إلى أن ما كان من امرأة العزيز هو خالف ما‬ ‫تقتضيه الفطرة اإلنسانية النقية‪ ،‬فكان التعبير بلفظ " الخاطئين" هو المعادل اللغوي‬ ‫األنسب واألدق لما كان من امرأة العزيز ‪.‬‬ ‫‪ - 8‬كلمة ‪   ‬في قوله تعالى‪ :‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪. )1(  ‬‬

‫فكلمة " استعصم" هي المعادل اللغوي األدق لتصوير عفة يوسف عليه‬ ‫السالم‪ ،‬ووقوفه كالجبل الشامخ األشم في مواجهة إغراء امرأة العزيز له‪ ،‬فهو لم‬ ‫يعتصم بحبل هللا فحسب‪ ،‬لكنه "استعصم"‪.‬‬ ‫وإذا كانت زيادة المبنى زيادة في المعنى فإنه قد قابل زيادة إغرائها تارة‬ ‫وتهديدها أخرى بمزيد من االستعصام بحبل هللا المتين‪.‬‬ ‫يقول الزمخشري‪ :‬إن االستعصام بناء مبالغة تدل على االمتناع البليغ‬ ‫والتحفظ الشديد‪ ،‬كأنه في عصمة وهو مجتهد في االستزادة منها(‪. )2‬‬ ‫بل إن يوسف عليه السالم قد قابل تهديدها بالسجن بدعائه ربه (عز وجل)‬ ‫أن يصرف عنه كيدهن حتى لو كان ذلك بإلقائه في السجن؛ حيث قال ‪ -‬كما تحدث‬ ‫القرآن الكريم على لسانه ‪   : -‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪. )3(  ‬‬

‫فقد طلب يوسف عليه السالم العصمة واستمسك بها في صالبة ورباطة جأش‬ ‫حتى استجاب له ربه‪ ،‬وهو ما يصوره قول الحق سبحانه وتعالى‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫(‪ )0‬سو‬

‫وسف ‪ :‬ةزل ما اآل ح ‪.32‬‬

‫(‪ )2‬سو‬

‫وسف‪ :‬ةزل ما اآل ح ‪.33‬‬

‫(‪ )0‬الكش ف لازمخش ي‬

‫‪‬‬

‫‪ 2‬ص‪ 308‬ح‪ /‬مصحف التاة ة لق ا‬

‫‪-23-‬‬

‫‪‬‬

‫سنح ‪0385‬ار‪0966 /‬ت‪.‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪.  ‬‬ ‫‪ - 7‬كلمة ‪   ‬في قوله تعالى‪  :‬‬ ‫‪. )2(    ‬‬

‫والقسمة الضيزى هي القسمة الظالمة أو الجائرة المائلة عن الحق‪ ،‬يقال‪:‬‬ ‫ضاز في الحكم أي جار‪ ،‬وعليه قول الشاعر‪:‬‬ ‫إذ يجعلون الرأس كالذنب‬ ‫ضازت بنو أسد ب ُحكمهم‬ ‫فلماذا آثر النص القرآني التعبير بكلمة " ضيزى" دون سواها ؟‬ ‫ينظر بعض الكتاب إلى الجانب اإليقاعي‪ ،‬فيقول‪ :‬إن كلمة "ضيزى" وقعت‬ ‫هذا الموقع مراعاة للفاصلة‪ ،‬وانسجا ًما مع كلمات ‪ " :‬الكبرى"‪" ،‬العزى"‪،‬‬ ‫"األخرى"‪ ،‬األنثى"‪ ،‬في الفواصل التي قبلها‪ ،‬و"الهدى"‪" ،‬تمنى"‪" ،‬األولى"‪ ،‬في‬ ‫الفواصل التي بعدها(‪. )3‬‬ ‫وأرى أن مجرد اإليقاع الصوتي ومراعاة الفواصل ال يمكن أن يكون أساسًا‬ ‫لتفسير النص القرآني وفهم أسراره‪ ،‬فالفاصلة في القرآن الكريم جزء من صلب‬ ‫المعنى‪ ،‬فإنها تنبثق من روح المعنى وال تأتي إال إذا اقتضاها المقام وتطلبها‬ ‫السياق بحيث ال يصلح في مكانها غيرها‪.‬‬ ‫فالسياق الذي وردت فيه كلمة "ضيزى" فيه غرابة موضوعية هي تلك‬ ‫القسمة الجائرة التي أنكرتها اآلية السابقة لهذه اآلية ‪  :‬‬ ‫‪   ‬؟ ‪ ،‬ولفظ "‬ ‫ضيزى" بجرسه وإيقاعه ومعناه إنما هو أدق معادل لغوي لغرابة قسمتهم الجائرة‬ ‫التي جعلوا فيها هلل البنات – سبحانه ‪ -‬واختصوا أنفسهم فيها بالبنين‪ ،‬تعالى هللا عما‬ ‫يقولون ً‬ ‫علوا كبيرًا (‪. )4‬‬

‫على أني أؤكد على أمرين‪:‬‬ ‫أحدهما‪ :‬أن الغرابة أمر نسبي‪ ،‬فربما كان اللفظ غريبًا بالنسبة لنا لبعدنا عن‬ ‫عصر نزول القرآن الكريم‪ ،‬وضعف ثقافتنا اللغوية‪ ،‬لكنه لم يكن غريبًا على من‬ ‫(‪ )3‬سو‬

‫وسف‪ :‬اآل ح ‪.34‬‬

‫(‪ )4‬سو النةت‪ :‬اآل ح ‪.22‬‬

‫(‪ )0‬انظرر ‪ :‬المدررل السرر إ الةررا ابد رر‬ ‫ص‪ 097‬ح‪ /‬نهضح مص‬

‫يقررري ت ويعا ررق‪ :‬ي‪ /‬أتمرري الترروف‬

‫ةيوا ي خ‪.‬‬

‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬يالالا ابلف ظ وس الكامح ف الق لا الك ت ي‪ /‬ا حف الما ة‬

‫‪-24-‬‬

‫وي‪ /‬ةرريوي حة نرررح ق‪0‬‬ ‫ص ‪.29 28‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫نزل عليهم هذا القرآن‪.‬‬ ‫اآلخر‪ :‬أن كل كلمة في القرآن الكريم قد وقعت موقعها الذي يتطلبه المقام أو‬ ‫السياق‪ ،‬بحيث ال يمكن لغيرها أو نظيرها أو مرادفها أن يقوم مقامها فيه‪ ،‬وأن ال‬ ‫أو التحسين‬ ‫شيء في القرآن قد ورد لمجرد مراعاة الفواصل‬ ‫أو موقع أثره‬ ‫اللفظي‪ ،‬أو مراعاة لالنسجام الصوتي‪ ،‬إنما كان لكل كلمة‬ ‫في المعنى المراد‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬في مجال سياق النص والبنى األسلوبية‪:‬‬ ‫‪ - 0‬في قوله تعــالى‪    :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪. )1(    ‬‬ ‫ففــي قـوله تعالى‪    :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪    ‬قدم الصغير‬

‫على الكبير لالهتمام به‪ ،‬ولتسامح الناس فيه غالبًا‪ ،‬وعدم انشغالهم بكتابته‪ ،‬فإذا‬ ‫جاء األمر بكتابة الدين القليل أو الصغير والنهي عن السآمة من كتابته أوالً كانت‬ ‫العناية بكتابة الكثير أو الكبير أولى‪ ،‬وذلك حتى ال يضجر أحد أو يضيق بكتابة‬ ‫الدين دائنًا كان أم مدينًا‪ ،‬صغيرًا كان هذا الدين أم كبيرًا‪.‬‬ ‫" ذلكم أقسط" أي أعدل‪ ،‬وأقوم للشهادة‪ ،‬وأدعى إلى عدم الشك والريبة في‬ ‫قيمة الدين‪ ،‬أو في نية المدين للسداد‪ ،‬أو في األجل المحدد لسداد الدين‪ ،‬فهو أقطع‬ ‫لكل أوجه الخالف‪ ،‬وأدعى لطمأنينة القلب لدى كال الطرفين‪ ،‬وقد حملت اإلشارة‬ ‫بـ " ذلكم " كل هذه المعاني‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قوله تعالى‪   :‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪   ‬‬

‫(‪ )0‬سو الةق ‪ :‬اآل ح ‪.282‬‬

‫‪-25-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪. )1(    ‬‬ ‫في قوله تعالى ‪   :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪    ‬قدم‬

‫هبة الولد لزكريا عليه السالم على إصالح زوجه‪ ،‬على أن النظر في ترتيب‬ ‫األسباب والمسببات العادية يقتضي أن يتقدم إصالح الزوج على إنجاب الولد ‪،‬‬ ‫لكن النص القرآني جاء على خالف ذلك؛ ألن قدرة هللا عز وجل ومشيئته ال‬ ‫يحدهما أسباب وال مسببات فإنما أمره سبحانه وتعالى‪  :‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪ ، )2(   ‬فكأنه (عز وجل) يقول ‪ :‬نحن قادرون على‬

‫أن نهب ما نشاء لمن نشاء بأسباب أو بال أسباب‪ ،‬فنحن قادرون على أن نهب‬ ‫لزكريا أو غيره الولد سواء أصلحنا له الزوج أم لم نصلحها‪ ،‬فما هو عجيب‬ ‫مستغرب عندكم إنما هو سهل يسير في جانب قدرة هللا عز وجل ‪ ،‬وهو ما أجابت‬ ‫به المالئكة زوج إبراهيم عليه السالم عندما أبدت دهشتها وتعجبها في مثل هذا‬ ‫الموقف‪ ،‬وهو ما يصوره القرآن الكريم في قوله تعالى‪ :‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪. )3(  ‬‬

‫إضافة إلى أن تقديم الهبة على اإلصالح تقديم للبشرى‪ ،‬وهي األهم في مثل‬ ‫هذا الموقف؛ إذ تأتي البشرى أوالً للمتلهف لها‪ ،‬ثم يأتي بعد ذلك تفصيل الكالم أو‬ ‫(‪ )0‬سو ابنة ل ‪ :‬اآل ي ا ‪.91 - 89‬‬ ‫(‪ )2‬سو‬

‫س ‪ :‬اآل ح ‪.82‬‬

‫(‪ )0‬سو اوي ‪ :‬اآل ا ‪.73 - 70‬‬

‫‪-26-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫ذكر األسباب وبيان الحال‪.‬‬ ‫وفي قوله تعالى ‪   :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪    ‬بيان وتعليل‬

‫لسرعة استجابة الدعاء‪ ،‬ولما ينبغي أن يكون عليه حال من يرجو إجابة دعائه من‬ ‫حسن الصلة باهلل عز وجل والمسارعة في الخيرات‪ ،‬والدعاء ً‬ ‫سرا وعلنًا‪ ،‬رغبًا‬ ‫ورهبًا‪ ،‬في قنوت وخشوع وتضرع واستكانة هلل رب العالمين‪ ،‬فزكريا وآله لم‬ ‫يكونوا يفعلون الخيرات فحسب إنما كانوا يسارعون فيها مع مالزمتهم الدعاء ً‬ ‫سرا‬ ‫وعالنية رغبًا ورهبًا‪ ،‬وكانوا هلل الواحد األحد خاشعين‪.‬‬ ‫‪   :‬‬ ‫‪ - 4‬قوله تعالى على لسان زكريا‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪ ، )1(     ‬وفي‬ ‫سورة مريم ‪. )2(      :‬‬

‫ذلك أن أيام العرب وشهورهم وسنيهم قمرية‪ ،‬فالليل في حسابهم يسبق‬ ‫النهار‪ ،‬ففي التاسع والعشرين من شعبان نترقب هالل رمضان فإذا ظهر هالل‬ ‫رمضان كانت أول ليلة من ليالي رمضان ثم يعقبها أول يوم منه‪ ،‬وهكذا في هالل‬ ‫شوال وسائر الشهور‪.‬‬ ‫وسورة مريم التي جاء فيها ذكر الليالي مكية‪ ،‬وسورة آل عمران التي جاء‬ ‫فيها ذكر األيام مدنية‪ ،‬وسورة مريم سابقة في نزولها لسورة آل عمران‪ ،‬فجعل‬ ‫السابق للسابق والالحق لالحق‪.‬‬ ‫‪  :‬‬ ‫‪ - 5‬في قوله تعالى على لسان إبراهيم‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪. )3( ‬‬

‫لم يستخدم النص القرآني طباق السلب‪ ،‬فلم يقابل " فمن تبعني" بمن لم‬ ‫يتبعني‪ ،‬واستخدم طباق اإليجاب في قوله‪   :‬‬ ‫‪‬؛ ألنه لو قال‪ :‬ومن لم يتبعني‪ ،‬لشمل الحكم من بلغته دعوته عليه السالم ومن لم‬ ‫(‪ )2‬سو لل ام اا ‪ :‬اآل ح ‪.40‬‬ ‫(‪ )3‬سو م ت ‪ :‬اآل ح ‪.01‬‬

‫(‪ )0‬سو إة اا ت ‪ :‬اآل ح ‪.36‬‬

‫‪-27-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫تبلغه هذه الدعوة‪ ،‬أما حين قال‪ :‬ومن عصاني‪ ،‬فقد اقتصر األمر على من بلغته‬ ‫الدعوة وعصى‪ ،‬وهذا من رحمة هللا بعباده‪ ،‬حيث يقول سبحانه‪  :‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪ .   ‬غير أنه تبقى مسئولية كبيرة على‬

‫الدعاة في البالغ المبين وتوصيل رسالة خاتم األنبياء محمد ‪ ‬إلى العالمين ‪.‬‬ ‫‪ - 5‬في قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السالم في سورة البقرة ‪ :‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫‪ ،  ‬وفي سورة إبراهيم عليه السالم ‪  :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪.)3( ‬‬

‫في اآلية األولى الكالم عن واقع معين حين زار إبراهيم عليه السالم المكان‬ ‫قبل أن يصبح بلدًا‪ ،‬فدعا عليه السالم لهذا المكان أن يكون بلدًا وأن يكون آمنًا‪ ،‬فـ‬ ‫"بلدًا" مفعول ثان لـ " اجعل"‪ ،‬وآمنًا" صفة لـ " بلدًا" ‪.‬‬ ‫أما دعوته عليه السالم بأن يجعل البلد آمنًا فهي بعد أن صار المكان بلدًا‪ ،‬فدعا‬ ‫إبراهيم عليه السالم ربه أن يجعل هذا البلد آمنًا‪ ،‬فكلمة "البلد" باأللف والالم بدل من‬ ‫اسم اإلشارة‪ ،‬و" آمنًا " هي المفعول الثاني لــ "اجعل"‪.‬‬ ‫ففي سورة البقرة دعا إبراهيم عليه السالم للمكان بدعوتين‪ :‬األولى أن يكون‬ ‫بلدًا‪ ،‬واألخرى أن يكون آمنًا‪ ،‬أما في سورة إبراهيم عليه السالم فقد دعا للمكان بعد‬ ‫أن صار بلدًا أن يكون آمنًا تأكيدًا منه في الدعوتين على مطلب األمن ألهل هذا‬ ‫البلد‪ ،‬وهو ما استجاب له رب العزة فقال سبحانه‪  :‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪. )4(  ‬‬ ‫‪ - 8‬في قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السالم ‪  :‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫(‪)0‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫سو‬ ‫سو‬ ‫سو‬ ‫سو‬

‫اإلس ال ‪ :‬اآل ح ‪.05‬‬ ‫الةق ‪ :‬اآل ح ‪.026‬‬ ‫إة اا ت ‪ :‬اآل ح ‪.35‬‬ ‫القصص ‪ :‬اآل ح ‪.57‬‬

‫‪-28-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪   ‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪. )1( ‬‬

‫جاءت التراكيب "الذي خلقني"‪" ،‬والذي يميتني"‪" ،‬والذي أطمع أن يغفر‬ ‫لي" بدون ضمير الفصل "هو" ‪ ،‬في حين جاءت التراكيب‪" :‬فهو يهدين"‪ " ،‬هو‬ ‫يطعمني ويسقين"‪" ،‬فهو يشفين" ‪ ،‬مشتملة على ضمير الفصل "هو"‪ ،‬وذلك ألن‬ ‫األفعال األولى المتمثلة في الخلق واإلماتة واإلحياء ومغفرة الذنوب ال يجادل فيها‬ ‫أحد‪ ،‬بل إن أكثر الناس على التسليم المطلق فيها هلل (عز وجل) ‪ ،‬أما جانب الرزق‬ ‫المعبر عنه باإلطعام والسقيا‪ ،‬وجانب الشفاء‪ ،‬وجانب الهداية إلى الصراط‬ ‫المستقيم‪ ،‬فهو مما يغفل كثير من الخلق عن االعتماد على خالقهم فيه‪ ،‬وتهتز عند‬ ‫بعضهم فيه قضية التسليم المطلق‪ ،‬فنجد منهم من يخادع أو ينافق أو يغش ظنًا منه‬ ‫أن ذلك قد يجلب له نفعًا في الرزق أو يدفع عنه ضررًا‪ ،‬ناسيًا أنه لن تموت نفس‬ ‫حتى تستوفي أجلها ورزقها‪ ،‬كما أن بعض الناس قد يذهب في مسألة التداوي إلى‬ ‫بعض الدجالين والعرافين والمشعوذين أو بعض األضرحة يلتمس عندها الشفاء‪،‬‬ ‫فلما كان الحال عند بعض الناس في هذه األمور ينقصه اليقين المطلق في هللا (عز‬ ‫وجل) جاءت هذه األفعال مؤكدة بضمير الفصل؛ ليؤكد النص القرآني أن رب‬ ‫الخلق واإلحياء واإلماتة‪ ،‬هو رب الهداية‪ ،‬ورب اإلطعام‪ ،‬ورب السقيا‪ ،‬ورب‬ ‫الشفاء‪ ،‬فكما أنه لن تموت نفس؛ حتى تستوفي أجلها ورزقها‪ ،‬فليس من اإليمان‬ ‫واليقين أن تفوض األمر إليه هنا وال تفوضه إليه هناك‪ ،‬فهو وحده القادر على كل‬ ‫ذلك واألمر كله له ‪  ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫‪.      ‬‬ ‫‪ - 7‬في قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السالم ‪  :‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪. )3(  ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫قوله‬ ‫ففي‬ ‫‪    ‬استخدم‬

‫النص القرآني لفظ يسمعون مع أن الدعاء يناسبه اإلجابة ‪ -‬نقول منا الدعاء ومنك‬ ‫(‪ )3‬سو الشع ال ‪ :‬اآل ا ‪.87 - 82‬‬ ‫(‪ )0‬سو‬

‫س ‪ :‬اآل ح ‪.82‬‬

‫(‪ )0‬سو الشع ال ‪ :‬اآل ي ا ‪.73 - 72‬‬

‫‪-29-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫اإلجابة‪ ،‬يقول الحق سبحانه ‪   :‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪ ،   ‬ويقول جل في عاله ‪ :‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪. )2(  ‬‬

‫وذلك ألن هذه األصنام العائد إليها الضمير في قوله تعالى‪ " :‬هل يسمعونكم"‬ ‫ال تسمع أصالً‪ ،‬وإذا انتفى السماع من أساسه فال أمل وال تفكير في اإلجابة على‬ ‫اإلطالق‪ ،‬فإذا قيل لك هل أجابك فالن؟ فقلت إنه ال يسمعني أصالً أو ال يريد أن‬ ‫يسمعني‪ ،‬كان ذلك قطعًا منك لألمل في إجابته إياك‪ ،‬وهذا هو حال األصنام التي ال‬ ‫تسمع‪ ،‬فكيف تجيب؟ !‬ ‫وفي قوله سبحانه وتعالى‪   :‬‬ ‫‪   ‬ذكر مفعول ينفع وحذف مفعول يضر؛ ألن‬ ‫هذه األصنام إذا كانت ال تنفع من يعبدها ويتقرب إليها‪ ،‬فهل يتصور أن تنفع من ال‬ ‫يعبدها وال يتقرب إليها ؟!‬ ‫أما حذف مفعول يضر فلتأكيد أن هذه األصنام ال تضركم أنتم وال تضر‬ ‫غيركم‪ ،‬حتى من يعاديها ويحاربها‪ ،‬فلو كانت تستطيع فعليها أن تضر من يكيد لها‬ ‫ويقوم بتحطيمها وجعلها جذا ًذا‪.‬‬ ‫كما أنها ال تستطيع ‪ -‬أيضًا ‪ -‬أن تضركم إذا تركتم عبادتها إلى عبادة الواحد‬ ‫األحد‪ ،‬وما دامت هذه األصنام ال تنفع وال تضر فهل يستحق من هذه صفته من‬ ‫العجز أن يُعبد؟! وهل لعاقل أن يعبد من هذا حاله؟!‬ ‫‪ - 6‬في قوله تعالى‪   :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫(‪ )2‬سو غ ف ‪ :‬اآل ح ‪.61‬‬

‫(‪ )3‬سو الةق ‪ :‬اآل ح ‪.086‬‬

‫‪-31-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪   ‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪. )1(    ‬‬

‫أ ‪ -‬عبر النص القرآني في جانب الرحمة والنعماء بلفظ اإلذاقة للتأكيد على‬ ‫أن النعمة قد وصلت إلى اإلنسان‪ ،‬وذاق حالوتها‪ ،‬واستمتع بها‪ ،‬طال الزمن في‬ ‫ذلك أم قصر‪ ،‬أما في جانب الضراء فقد عبر الحق سبحانه بكلمة "مسته" لإلشعار‬ ‫بأن الضراء كانت في أدنى درجاتها‪ ،‬فقد مسته مجرد مس‪ ،‬وهو أدنى درجات‬ ‫االلتقاء أو المالقاة‪ ،‬وفي ذلك من اللطف اإللهي ما ال يخفي‪ ،‬وتأكيد على أن‬ ‫اإلنسان خلق ضعيفًا‪ ،‬وأنه ‪    :‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪. )2( ‬‬

‫ب – في إسناد اإلذاقة إلى هللا جل جالله تأكيد على أنها فضل ونعمة مساقة‬ ‫من هللا إلى عباده وخلقه ‪ ،‬أما المس فقد أسند إلى اإلنسان ‪ ،‬ألن العقاب بإزالة النعم‬ ‫والحرمان منها إنما يكون لتقصير اإلنسان في شكرها‪ ،‬يقول الحق سبحانه ‪ :‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫‪ ، ‬ويقول (عز وجل) ‪    :‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ،)4(   ‬وقد يكون ذلك ابتال ًء واختبارًا‬

‫‪ ،‬فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط ‪ ،‬وهذا ما يشير إليه حديث نبينا ‪:‬‬ ‫" عجبًا ألمر المؤمن إن أمره كله له خير ‪ ،‬وليس ذلك إال للمؤمن‪ ،‬إن أصابته‬

‫(‪ )0‬سو اوي‪ :‬اآل ا ‪.00 - 9‬‬ ‫(‪ )2‬سو المع‬

‫‪ :‬اآل ا ‪.23 -21‬‬

‫(‪ )0‬سو إة اا ت ‪ :‬اآل ح ‪.7‬‬

‫(‪ )2‬سو النس ل ‪ :‬اآل ح ‪.79‬‬

‫‪-30-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬ ‫(‪)1‬‬

‫سراء شكر فكان خيرًا له‪ ،‬وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له ‪.‬‬ ‫ج‪ -‬في التعبير بقوله تعالى ‪ " :‬نزعناها" دون غيره‪ ،‬كنحو‪ :‬سلبناها أو‬ ‫أزلناها أو أخذناها‪ ،‬ما يدل على شدة تعلق اإلنسان بالنعمة وحرصه عليها كما هو‬ ‫الحال في شأن الملك ‪ ،‬وهو ما بينه قوله تعالى ‪  :‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪ .)2(   ‬فاإلتيان فيه سهولة ويسر ‪ ،‬وفي النزع‬

‫داللة على شدة تعلق المنزوع منه بالمنزوع‪.‬‬ ‫د ‪ -‬استخدم النص القرآني صيغ المبالغة ‪ " :‬يئوس" ‪ " ،‬كفور " ‪،‬‬ ‫" فرح" ‪ " ،‬فخور " ‪ ،‬للداللة على شدة اليأس وكفران النعمة عند هذا النوع من‬ ‫البشر في الحالة األولى التي هي زوال النعمة عنه ‪ ،‬وشدة الفرح وهو هنا بمعنى‬ ‫البطر واألشر واالستعالء على الناس في الحالة الثانية التي هي سوق النعمة إليه ‪،‬‬ ‫إال من استثناه هللا جل جالله وهم الذين صبروا في الضراء وشكروا في النعماء ‪.‬‬ ‫‪ - 9‬قوله تعالى ‪   :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪ .)3(   ‬حيث جاءت كلمة‬ ‫" فتحت " غير مسبوقة وال مقرونة بالواو ‪ ،‬وقوله تعالى ‪  :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫‪  ‬؛ حيث جاءت كلمة " وفتحت "مسبوقة‬

‫بالواو ‪.‬‬ ‫(‪ )3‬صررت ح مسررات كي ر ب الزارري وال ق ر إق ة ر ب المررؤما أم ر ا كا ر خ ر‬ ‫‪1512‬ار‪1111/‬ت‪.‬‬

‫(‪ )4‬سو لل ام اا ‪ :‬اآل ح ‪.26‬‬ ‫(‪ )0‬سو الزم ‪ :‬اآل ح ‪.72‬‬ ‫(‪ )2‬سو الزم ‪ :‬اآل ح ‪.73‬‬

‫‪-32-‬‬

‫ح‪ /‬ا س ر التاة ر‬

‫سررنح‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫وهذه الواو التي جاءت في قوله تعالى ‪ " :‬وفتحت " في الحديث عن أهل‬ ‫الجنة قال بعض العلماء والمفسرين‪ :‬إنها واو الحال ‪ ،‬والمعنى جاءوها والحال أنها‬ ‫مفتوحة‪ ،‬وذلك من زيادة إكرام هللا جل جالله لعباده المؤمنين أن جعل الجنة مفتحة‬ ‫األبواب مهيأة الستقبالهم قبل قدومهم إليها‪ ،‬والحال ليس كذلك مع أهل النار بل إن‬ ‫النار تأخذهم بغتة ‪.‬‬ ‫وقال بعض المفسرين واللغويين‪ :‬إن هذه الواو واو الثمانية ذلك أن بعض‬ ‫القبائل العربية كانت تعد ‪ ،‬فتقول ‪ :‬واحد‪ ،‬اثنان ‪ ،‬ثالثة ‪ ،‬أربعة‪ ،‬خمسة ‪ ،‬ستة ‪،‬‬ ‫سبعة‪ ،‬وثمانية‪ ،‬فتأتي بالواو مع العدد الثامن‪ ،‬وذكروا لذلك شواهد‪ ،‬منها قوله‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪ ،   ‬وقوله تعالى ‪ :‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫‪ ، ‬وقوله تعالى ‪    :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪ ،)3(  ‬مع أن الواو في‬

‫هذه اآلية لها معنى آخر وهو إفادة التنويع ‪ ،‬وال مانع أن يتضمن الحرف أكثر من‬ ‫معنى ‪.‬‬ ‫وقد ذكرت واو الثمانية في قوله تعالى ‪ " :‬وفتحت " في الحديث عن أهل‬ ‫النار‪ ،‬ذلك ألن‬ ‫الجنة دون قوله تعالى ‪ " :‬فتحت " في الحديث عن أهل‬ ‫أبواب النار سبعة لقوله تعالى في الحديث عنها ‪  :‬‬ ‫(‪ )0‬سو الكهف ‪ :‬اآل ح ‪.22‬‬ ‫(‪ )2‬سو اليوةح ‪ :‬اآل ح ‪.002‬‬ ‫(‪ )3‬سو اليت ت ‪ :‬اآل ح ‪.5‬‬

‫‪-33-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪ ،   ‬أما أبواب الجنة فثمانية‬ ‫لقول نبينا ‪ " : ‬من توضأ فأحسن الوضوء ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬أشهد أن ال إله إال هللا وحده‬ ‫ال شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني‬ ‫من المتطهرين؛ فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء "(‪.)2‬‬ ‫فلما كانت أبواب الجنة ثمانية ُعب َِّر معها بالواو ‪ ،‬ولما كانت أبواب جهنم سبعة‬ ‫لم يؤت معها بالواو‪ ،‬وفي كون أبواب الجنة ثمانية وأبواب جهنم سبعة ما يدل على‬ ‫أن رحمة هللا (عز وجل) أوسع من غضبه‪.‬‬ ‫قوله تعالى في سورة األنعام ‪  :‬‬ ‫‪– 01‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫‪.  ‬‬

‫فقد قدم ضمير المخاطبين في قوله تعالى ‪ " :‬نرزقكم" على ضمير الغائبين‬ ‫عكس‬ ‫في قوله تعالى " نرزقهم" ‪ ،‬وفي سورة اإلسراء جاء الترتيب‬ ‫ذلك في قوله تعالى ‪   :‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪   ‬‬

‫(‪.)4‬‬

‫وكل قد وقع موقعه‪ ،‬ففي اآلية األولى يقول الحق سبحانه ‪  :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ،   ‬فمن هنا لبيان الحال ‪ ،‬أي ال تقتلوا أوالدكم بسبب‬

‫الفقر الواقع بكم خشية أن يزيدكم هؤالء األوالد فقرًا على فقركم‪ ،‬ولما كان الفقير‬ ‫مشغوالً دائ ًما بحاله وواقعه ورزق يومه طمأنه الحق (عز وجل) على ذلك بقوله‬ ‫تعالى‪ " :‬نحن نرزقكم"‪ ،‬فبدأ بما يناسب حال المخاطبين‪ ،‬ثم ثنى بقوله تعالى ‪ :‬و‬ ‫" إياهم" ليطمئنهم أيضًا على أبنائهم من بعدهم‪.‬‬ ‫أما في آية سورة اإلسراء فيقول سبحانه ‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫(‪ )4‬سو التة ‪ :‬اآل ح ‪.44‬‬ ‫(‪ )5‬سنا الي مذي كي ب الحه‬

‫(‪ )0‬سو ابنع ت ‪ :‬اآل ح ‪.050‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫ة ب م ق ل ةعي الوضول‪.‬‬

‫(‪ )2‬سو اإلس ال ‪ :‬اآل ح ‪.30‬‬

‫‪-34-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪ ،   ‬وأمر منطقي أن الذي يخشى‬ ‫اإلمالق والفقر هو الغني ال الفقير ‪ ،‬يقول الشاعر‪:‬‬ ‫ألم تر أن الفقر يُر َجى له الغنَى‬

‫وأن الغنى يُخ َشى عليه من الفقر‬

‫والغني ‪ -‬غالبًا – مشغول بحال أبنائه وتربيتهم وتدبير أمورهم أكثر من‬ ‫انشغاله بحال نفسه‪ ،‬فكان األنسب لحاله أن يُطمئن الحق سبحانه المخاطبين هنا‬ ‫على ما يشغلهم وهو رزق أبنائهم‪ ،‬فبدأ بقوله سبحانه "نحن نرزقهم" ثم ثنى‬ ‫بالحديث عن رزقهم هم في قوله‪" :‬وإياكم"‪ ،‬وكأنه سبحانه وتعالى يقول لهم ‪ :‬كما‬ ‫رزقناكم فنحن بقدرتنا ومشيئتنا نرزق أبناءكم أيضًا‪.‬‬ ‫وبهاتين اآليتين معًا يقطع النص القرآني الحجة على الفقير والغني معًا‪،‬‬ ‫ويزيل العلة التي من أجلها قد يقدم هذا أو ذاك على كبيرة قتل األوالد من الفقر أو‬ ‫(عز وجل)‬

‫خشية الفقر ‪ ،‬فال عذر بعد ذلك لفقير وال لغني؛ ألن هللا‬

‫هو المتكفل برزق هذا وذاك‪ ،‬بل إنه تكفل برزق كل دابة يقول سبحانه وتعالى‪:‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪.)1(   ‬‬ ‫(‪ )0‬سو اوي ‪ :‬اآل ح ‪.6‬‬

‫‪-35-‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪:‬‬

‫‪ - 00‬قوله تعالى‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪  ‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪.)1(  ‬‬ ‫ففي تقديم كلمة " شركاء " على كلمة " الجن " في هذه اآلية فائدة جليلة‬ ‫ومعنى مقصـود لذاته ال سبيــل إليه مع التأخير ‪ ،‬يقول اإلمام عبد القاهر ‪ :‬وبيان‬ ‫ذلك أننا وإن كنا نرى جملة المعنى ومحصوله أنهم جعلوا الجن شركاء وعبدوهم‬ ‫مع هللا تعالى ‪ ،‬وكان هذا المعنى يحصل مع التأخير حصوله مع التقديم‪ ،‬فإن تقديم‬ ‫الشركاء يفيد هذا المعنى ويفيد معنى آخر‪ ،‬وهو أنه ما كان ينبغي أن يكون هلل‬ ‫شريك ال من الجن وال من غير الجن‪ ،‬وإذا أخر فقيل جعلوا الجن شركاء هلل لم يفد‬ ‫ذلك ولم يكن فيه شيء أكثر من اإلخبار عنهم بأنهم عبدوا الجن مع هللا تعالى ‪ ،‬أما‬ ‫إنكار أن يعبد مع هللا غيره‪ ،‬وأن يكون له شريك من الجن وغير الجن فال يكون‬ ‫في اللفظ مع تأخير الشركاء دليل عليه (‪.)2‬‬ ‫ففي تقديم " الجن" على " شركاء " يتوجه اإلنكار إلى كون الجن شركاء هلل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫خاصا بذلك‪ ،‬أما في تقديم شركاء على الجن فيكون اإلنكار متوجهًا إلى مطلق‬ ‫فيكون‬ ‫(‪ )0‬سو ابنع ت ‪ :‬اآل ح ‪.011‬‬

‫(‪ )2‬يالإل اإلاة ز لإلم ت اةي الق ا‬

‫ص ‪ 276‬يتق رق‪ :‬ي‪ /‬متمري ضرواا اليا رح ي‪ /‬فر ز اليا رح‬

‫نش مكيةح سعي الي ا يمشق الحةعح الد ن ح سنح ‪0417‬ار‪0987 /‬ت‪.‬‬

‫‪-36-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫اتخاذ شريك هلل سواء من الجن أم من غيرهم ‪ ،‬ويدخل اتخاذ شريك هلل سواء من الجن‬ ‫أم من غيرهم في هذا اإلنكار‪ ،‬ثم يأتي ذكر الجن بعد كلمة " شركاء" ليتوجه إليه اإلنكار‬ ‫مرة أخرى على سبيل الخصوص‪ ،‬فيكون النص القرآني قد أنكر عليهم اتخاذهم هلل (عز‬ ‫ً‬ ‫توبيخا على‬ ‫وجل) شركاء من دونه سواء من الجن أم من غيرهم‪ ،‬ثم زادهم إنكارًا أو‬ ‫خصوصية اتخاذهم الجن شركاء هلل ‪ ،‬تعالى هللا عن إفكهم وشركهم ً‬ ‫علوا كبيرًا‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪-37-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫الفصل الثاني‬ ‫داللة السياق‬ ‫وأثرها فـي النص األدبــي‬ ‫"دراســـة نقدية"‬

‫‪-38-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪-39-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫تمهيد‬ ‫قضية السياق واحدة من أهم القضايا المحورية في النقد األدبي الحديث‪،‬‬ ‫فبين اتجاه تقليدي يكاد يعني بالمؤثرات الخارجية أكثر من عنايته بدراسة النص‬ ‫نفسه‪ ،‬وتيار لغوي أو ألسني يكاد يلغي هذه المؤثرات ‪ ،‬ويسلخ النص من‬ ‫محيطه وكل أبعاده السي اسية والتاريخية واالجتماعية والنفسية ‪ ،‬بين هؤالء‬ ‫وأولئك وقف بعض النقاد موقفًا وسطًا فرأوا في دراسة السياق ببعديه ‪ :‬سياق‬ ‫النص وسياق الموقف ما يمكن أن يشكل منطقة وسطًا تسبر أغوار النص ‪،‬‬ ‫وتبرز قيمه الفنية والجمالية من غير أن تعزلـه عن محيطه أو عن تلك المعطيات‬ ‫التي ال غنى عنها في تفسيره أو تحليله ‪.‬‬ ‫وقضية السياق أحد أهم المحاور التي تؤسس للنظرية النقدية العربية‬ ‫المنشودة ‪ ،‬غير أن هذه القضية وإن نالت اهتمام بعض الباحثين في علم اللغة‬ ‫فإنها لم تحظ بدراسات نقدية وافية كتلك التي حظيت بها دراسات السياق من‬ ‫أبعاده اللغو ية ‪ ,‬فما زال موضوع داللة السياق في حاجة إلى دراسة بل دراسات‬ ‫تنظيرية وتطبيقية توفيه حقه ‪ ،‬تقف على جذوره التراثية من جهة ورؤية‬ ‫المعاصرين له من جهة أخرى ‪.‬‬ ‫ويأتي تناولي لهذا الموضوع في ثالثة مباحث‪.‬‬ ‫المبحث األول ‪ :‬تحدثت فيه عن مفهوم السياق لغة واصطالحًا ‪ ،‬والفرق‬ ‫بين سياق النص وسياق الموقف ‪.‬‬ ‫وأما المبحث الثاني ‪ :‬فتناولت فيه نظرة النقاد القدماء إلى السياق ‪.‬‬ ‫وأما المبحث الثالث ‪ :‬فتحدثت فيه عن رؤية النقاد المعاصرين للسياق ‪،‬‬ ‫والفرق بين الدراسات السياقية والدراسات األسلوبية أو الدراسات النصية ‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪-41-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫المبحث األول‬ ‫م فهوم السيـــــــــاق‬ ‫أ – فـــي اللغـــة ‪:‬‬ ‫يقال ‪ :‬ساق الرجل اإلبل سو ًقا وسياقًا فهو سائق وسواق ‪ ،‬وساق الحديث ‪:‬‬ ‫سرده وسلسله ‪ ،‬وساق هللا إليه خيرًا ونحوه ‪ :‬بعثه وأرسله‪.‬‬ ‫وساوقه ‪ :‬تابعه وسايره وجاراه ‪ ،‬وتساوق الشيئان ‪ :‬تسايرا أو تقارنا ‪،‬‬ ‫وانساقت اإلبل وتساوقت ‪ :‬تتابعت ‪ ،‬والمساوقة ‪ :‬المتابعة كأن بعضها يسوق‬ ‫بعضًا ‪.‬‬ ‫وبنى القوم بيوتهم على ساق واحدة أي على صف واحد ‪ ،‬وولدت فالنة‬ ‫ثالثة بنين على ساق واحدة ‪ ،‬أو ساقًا على ساق ‪ :‬أي بعضهم على إثر بعض‬ ‫ليس بينهم أنثى(‪. )1‬‬ ‫وسياق الكالم ‪ :‬تتابعه ‪ ،‬وأسلوبه الذي يجري عليه(‪. )2‬‬ ‫وهذه المعاني – في جملتها – تدور حول السرد ‪ ،‬والتتابع ‪ ،‬واالنتظام ‪،‬‬ ‫وااللتئام ‪.‬‬

‫ب – السياق اصطالحًا ‪:‬‬ ‫يعرف السياق‪ :‬بأنه البيئة اللغوية المحيطة بالعنصر اللغوي المراد تحليله‪،‬‬ ‫أو هو ما يسبق ويلحق ذلك العنصر(‪. )3‬‬ ‫وبأنه‪ :‬النظام البنائي إلنجاز النص وفهمه(‪. )4‬‬ ‫وهذان التعريفان يغلب عليهما طابع علم اللغة والدراسات األلسنية التي‬ ‫تعنى بتحليل العناصر اللغوية أكثر من أي جانب آخر في النص ‪.‬‬ ‫ويمكن أن نعرف السياق بأنه‪ :‬طريقة النظم التي يقتضيها بناء النص األدبي‬ ‫(‪ )0‬لس ا الع ب والمعةت الوس ح ‪ :‬م ي (سوق)‪.‬‬ ‫(‪ )2‬المعةت الوس ح م ي (سوق)‪.‬‬

‫(‪ )0‬انظ ر ‪ :‬ياللررح الس ر ق ي‪ /‬ي اه ةررا ي ةررا ض ر ف اه الحات ر‬ ‫سنح ‪0424‬ار‪.‬‬

‫(‪ )2‬الم ةا الس ةق ص‪.9‬‬

‫‪-40-‬‬

‫ص‪ 8‬ح‪ /‬ة معررح أت الق ر ى‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫مع مراعاة الحال والمقام ‪.‬‬ ‫وعليه نستطيع أن نفرق بين نوعين من السياق ‪:‬‬

‫‪ – 0‬سياق النص ‪:‬‬ ‫وهو ما يقتضيه نظم الكالم من اختيار الكلمة أو الجملة‪ ،‬وتحديد بنيتها‬ ‫ً‬ ‫خاصا ‪ ،‬تقدي ًما أو تأخيرًا ‪ ،‬ذكرًا أو حذفًا ‪ ،‬تعريفًا أو‬ ‫وتركيبها ‪ ،‬ووضعها موضعًا‬ ‫تنكيرًا ‪ ،‬فصال ً أو وصال ً ‪ ،‬إلى غير ذلك من مواقع الكلم ومواضعه ‪ ،‬وهو محور‬ ‫هذا البحث ‪.‬‬

‫‪ – 2‬سياق الموقف ‪:‬‬ ‫ويقصد به المالبسات المصاحبة للنص ‪ ،‬أو األحوال والمواقف التي ورد‬ ‫فيها النص أو قيل بشأنها ‪.‬‬ ‫وينبغي أن ينظر إلى هذا السياق بعين االعتبار عند الدراسة األدبية‬ ‫لألسلوب ؛ فالنص في نهاية األمر ليس سوى تعبير يشكل جز ًءا من عملية‬ ‫اجتماعية معقدة‪ ،‬مما يجعل من الضروري استحضار المالبسات الشخصية والتاريخية‬ ‫واالجتماعية واللغوية واألدبية التي كتب فيها النص ‪ ،‬ما دمنا نريد أن نجري‬ ‫عليه اختبارًا ً‬ ‫جادا في نطاق تحليل أدبي مكتمل(‪. )1‬‬ ‫ومع تأكيدنا على أهمية الدراسات النصية واألسلوبية ‪ ،‬وعلى أن يظل‬ ‫الجانب الفني اإلبداعي أهم محاور النقد األدبي ‪ ،‬وأال تتحول الدراسات األدبية‬ ‫والنقدية إلى دراسات تاريخية أو اجتماعية أو نفسية أو فلسفية تعني بالمعطيات‬ ‫التي تفد من خـارج النص – والتي ينبغي أن تكون مجرد إضاءات أكثر من‬ ‫عنايتها ببنية النص ولحمته ‪ ،‬والوقوف على أسراره ا لبالغية والجمالية ‪ -‬فإنني‬ ‫أؤكد أيضًا على أنه ال يمكن تجاهل هذه المعطيات‪ ،‬وأننا بحاجة لإللمام بسياق‬ ‫الموقف إلضاءة بعض جوانب سياق النص وسبر أغواره ‪ ،‬فثمة مواقف أو‬ ‫مقاربات نقدية ال يمكن فك شفرتها إال في ضوء سياق الموقف ‪.‬‬ ‫ومن ذلك ما عابه النقاد على أبي النج م وقد استنشده هشام بن عبد الملك‬ ‫فأنشده أرجوزته التي يقول فيها ‪:‬‬ ‫كأنها في األفق عين األحول‬ ‫والشمس قد كادت ولما تفعل‬ ‫(‪)2‬‬ ‫وكان هشام أحول ‪ ،‬فغضب وأمر بحجبه ‪ ،‬حيث لم يفطن الشاعر هنا‬ ‫(‪ )0‬اات ابساوب ‪ ..‬مة يإ واة الاي‬

‫ي‪ /‬صرًلح فضرل ص‪ 251‬ح‪ /‬يا الشر وق سرنح ‪0409‬ارر‪/‬‬

‫‪0998‬ت وانظ ‪ :‬ياللح الس ق ل ي اه ةا ي الحات‬

‫(‪ )0‬العمي الةا ش ق‬

‫‪ 0‬ص‪ 222‬يتق ق‪ :‬متمي مت‬

‫‪-42-‬‬

‫ص‪.52 51 47‬‬

‫الي ا اةري التم ري ح ‪ /‬يا الة رل ة ر وا‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫لحال ممدوحه ‪ ،‬ولم يراع ما يقتضيه المقام من اليقظة والفطنة ‪ ،‬وعدم الوقوع‬ ‫في ما يغضبه أو يقع من نفسه موقعًا غير مستحسن ‪.‬‬ ‫وعابوا على ذي الرُّ مة قوله في مطلع قصيدة يمدح بها عبد الملك بن مروان ‪:‬‬ ‫ما بال ً‬ ‫ب‬ ‫َكـأَنــهُ مـن ُكلى َمفريـــ ٍة َسر ُ‬ ‫ُِ عَينكَ منها الدم ُع يَن َسكبُ‬ ‫وكانت عين عبد الملك تطرف وتدمع ‪ ،‬فتوهم أنه خاطبه أو عرض به ‪ ،‬فاستقبح‬ ‫(‪)1‬‬ ‫استهالله‪ ،‬وقال له‪ :‬وما سؤلك عن هذا يا جاهل؟ وأمر بإخراجه‪.‬‬ ‫ودخل أرطأة بن ُس َه ي ة على عبد الملك بن مروان فأنشده قوله ‪:‬‬ ‫على نفس ابن آد َم من مزيد‬ ‫وما تبغي المنيةُ حين تأتي‬ ‫تُ وفـي نَذ َرهَــا بأبي الوليـــــد‬ ‫وأعـــل ُم أن ـها َستكــــ ُّر حـتى‬ ‫(‪)2‬‬ ‫فقال عبد الملك ‪ :‬ما تقول ؟ ثكلتك أمك ! فقال ‪ :‬أنا أبو الوليد يا أمير المؤمنين‬ ‫‪ ،‬ولم يزل يعرف كراهة شعره في وجه عبد الملك إلى أن مات(‪.)3‬‬ ‫واستنشد زياد بن أبيه حمادًا الراوية فأنشده قول األعشى ‪:‬‬ ‫غَضبى َعلَيكَ فَما تَقو ُل بَدا لَها‬ ‫دو ًة أَجما َلها‬ ‫َر َحلَت ُس َميـ ُة غـ ُ َ‬ ‫فقطب زياد ‪ ،‬وعرفت الكراهة في وجهه ‪ ،‬وانفض المجلس على شر(‪. )4‬‬ ‫وقد دعا المرزباني إلى ضرورة تنبه الشاعر إلى هذه المواطن ومراعاة الحال‬ ‫والمقام‪ ،‬فقال ‪ " :‬وليتجنب التشبيب بامرأة يوافق اسمها اسم بعض نساء‬ ‫الممدوح من أمه أو قرابته ‪ ،‬أو غيرها ‪ ،‬وكذلك ما يتصل به سببه أو يتعلق به‬ ‫وهمه(‪. )5‬‬ ‫وأظن أنه ال أحد يستطيع أن ينكر قيمة هذه اإلضاءات في مقاربة النص‬ ‫سنح ‪0353‬ار ‪0934 /‬ت والموشح ف مآخذ العام ل اا الشع ال لام زة ن‬ ‫متمي الةة وي ح‪ /‬يا الفك الع ة ة لق ا‬

‫(‪ )2‬العمي الةا ش ق‬

‫ص‪ 274‬يتق رق‪ :‬اار‬

‫سنح ‪0385‬ار‪0965 /‬ت‪.‬‬

‫‪ 0‬ص‪ 222‬والموشح لام زة ن‬

‫ص‪.313 , 312‬‬

‫(‪ )3‬ك ا كل ما الش ا واةي الماك كن ةأة الول ي وما ان وقا الاةس‪.‬‬ ‫(‪ )4‬الموشح لام زة ن‬

‫ص‪ 312 310‬وانظ ‪ :‬الشع والشع ال الةا قي ةح ص‪ 354‬يقري ت‪ :‬الشر خ تسرا‬

‫يم ت م اةعح‪ :‬متمي اةي المنعت الع ا ح‪ /‬يا إت ل العاوت ة وا سنح ‪0987‬ت‪.‬‬

‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬الموشح لام زة ن ص‪ 312‬و وا ي " تاا سم ح " وابغ ن بةر الفر‬ ‫‪ 6‬ص‪ 88‬يتق ق‪ :‬اةي السي ف ا‬

‫(‪ )2‬الموشح لام زة ن ص‪.310‬‬

‫ح‪ /‬يا الدق فح ة وا سنح ‪0955‬ت‪.‬‬

‫‪-43-‬‬

‫ابصرفه ن‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫األدبــي‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪-44-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫المبحث الثاني‬ ‫نظرة النقاد القدماء إلى السياق‬ ‫مصطلح السياق شأن كثير من المصطلحات األدبية والنقدية التي كان‬ ‫أدباؤنا ونقادنا على وعي بها ‪ ،‬وإن لم يضعوا لها تعريفًا جامعًا مانعًا ‪،‬‬ ‫أو يعرفوها بحد أو رسم ‪ ،‬فقد بدأ تحديد وتقنين بعض المصطلحات اللغوية‬ ‫والبالغية والنقدية مع ظهور التأليف المنهجي في العصر العباسي ‪ ،‬وتأصل ذلك‬ ‫ورسخ عند المتأخرين ‪ ،‬وازداد دقة وتحديدًا في الدراسات الحدي ثة والعصرية ‪.‬‬ ‫وقد عني أسالفنا القدماء من اللغويين واألدباء بطريقة نظم الكالم وتركيبه‬ ‫ابتداء من سيبويه (ت ‪088‬هـ) الذي أكد أن مدار الكالم على تأليف العبارة وما‬ ‫يترتب على هذا التأليف من صحة واستقامة أو فساد واستحالة ‪ ،‬فقسم الكالم إلى‬ ‫مستقيم حسن ‪ ،‬ومحال ‪ ،‬ومست قيم كذب ‪ ،‬ومستقيم قبيح ‪ ،‬ومحال كذب " أما‬ ‫المستقيم الحسن فقولك ‪ :‬أتيتك أمس ‪ ،‬وسآتيك غدًا ‪ ،‬وأما المحال فأن تنقض‬ ‫أول كالمك بآخره ‪ ،‬فتقول ‪ :‬أتيتك غدًا ‪ ،‬وسآتيك أمس ‪ ،‬وأما المستقيم الكذب‬ ‫فقولك ‪ :‬حملت الجبل ‪ ،‬وشربت ماء البحر‪ ،‬ونحوه ‪ ،‬وأما المستقيم القبيح فأن‬ ‫تضع اللفظ في غير موضعه ‪ ،‬نحو قولك ‪ :‬قد زيدًا رأيت ‪ ،‬وكي زيدًا يأتيك ‪،‬‬ ‫وأشباه هذا ‪ ،‬وأما المحال الكذب فأن تقول ‪ :‬سوف أشرب ماء البحر أمس " (‪. )1‬‬ ‫وهذه إشارة واضحة إلى أن الشأن إنما هو في تأليف الكالم ونظمه وطريقة‬ ‫تركيبه وضم بعضه إلى بعض‪ ،‬فقولك ‪ :‬أتيتك أمس وسآتيك غدًا كالم مستقيم‬ ‫فقلت ‪:‬‬ ‫حسن ‪ ،‬فلو وضعت كلمة ‪ " :‬غ ًد ا " موضع " أمس " أو العكس ‪،‬‬ ‫أتيتك غدًا ‪ ،‬أو سآتيك أمس لصار كال ًما فاسدًا محاالً ‪.‬‬ ‫ثم جاءت اإلشارة إلى السياق أكثر وضوحا عند الجاحظ (ت ‪255‬هـ) الذي‬ ‫أكد في أكثر من موضع على ضرورة مراعاة الحال والمقام ‪ ،‬فلكل مقام مقال ‪،‬‬ ‫ولكل صناعة شكل ‪ ،‬بل لكل صناعة ألفاظ قد حصلت ألهلها بعد امتحان سواها ‪،‬‬ ‫فلم تلصق بصناعتهم إال بعد أن كانت مشاكال ً‬ ‫بينها وبين تلك‬ ‫‪ 0‬ص‪ 26 25‬يتق ررق‪ :‬اةرري السررًلت ا ر وا ح‪ /‬اله إررح المص ر ح الع مررح‬ ‫(‪ )0‬الكي ر ب لس ر ةو‬ ‫لاكي ب سنح ‪0979‬ت‪.‬‬

‫‪-45-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫الصناعة(‪. )1‬‬ ‫وينبغي أن تكون الكلمة قارة في مكانها غير نابية في موضعها أو منافرة‬ ‫لجاراتها ‪ ،‬فإذا وجدت " اللفظة لم تقع موقعها ‪ ،‬ولم تصر إلى قرارها وإلى حقها‬ ‫من أماكنها المقسومة لها ‪ ،‬والقافية لم تحل في مركزها وفي نصابها ‪ ،‬ولم‬ ‫تتصل بشكلها ‪ ،‬وكانت قلقة في مكانها ‪ ،‬نافرة من موضعها فال تكرهها على‬ ‫اغتصاب األماكن ‪ ،‬والنزول في غير أوطانها " (‪. )2‬‬ ‫فقولـه ‪ " :‬لكل صناعة ألفاظ حصلت ألهلها بعد امتحان سواها " إشارة‬ ‫واضحة إلى عملية االختيار واالنتقاء التي عرفت في علم اللغة الحديث بعملية‬ ‫االستبدال ‪ ،‬كما أن في هذه العبارة وعيًا واضحًا بتصنيف األلفاظ ‪ ،‬وهو ما يعرف‬ ‫في علم اللغة الحديث بالسجل السياقي أو الحقول الداللية ‪.‬‬ ‫والجاحظ ال يكتفي بمجرد الدعوة إلى حسن التأليف ووضع الكلمة في‬ ‫موضعها ‪ ،‬وتمكن القافية من مكانها والتئامها التام مع بنية النص ‪ ،‬واستدعائه‬ ‫لها ‪ ،‬بل يعتبر ذلك عمدة الكالم ومناط اإلبداع ‪ ،‬فإذا لم يسمح طبع المنشئ بذلك‬ ‫ألول وهلة فعليه أن يعاود النظر عند نشاطه وفراغ باله دون عجل أو ضجر ‪،‬‬ ‫فإن امتنع عليه األمر ولم يجبه طبعه بعد ذلك فليتحول عن هذه الصناعة إلى‬ ‫أشهى الصناعات إليه ‪ ،‬وأخفها عليه (‪ ، )3‬فالذي ال يقوى على ذلك وال يعرف‬ ‫أصوله وطرائقه ال ينبغي أن ينسب إلى أهل هذا الفــن ‪.‬‬ ‫أما " إذا أعطيت كل مقام حقه ‪ ،‬وقمت بالذي يجب من سياسة ذلك المقام ‪،‬‬ ‫وأرضيت من يعرف حقوق الكالم ‪ ،‬فال تهتم لما فاتك من رضا الحاسد والعدو ‪،‬‬ ‫فإنه ال يرضيهما شيء ‪ ،‬وأمـا الجاهـل فلست منه وليس منك " (‪. )4‬‬ ‫ثم جاء القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني (ت‪366‬هـ) فكان أكثر‬ ‫وضوحًا في وعيه بالسياق ‪ ،‬وقد أكدنا فيما سبق(‪ )5‬أنه يرى أن أقل الناس حظًا‬ ‫أو شأنًا في صناعة األدب أو الكالم من اقتصر في اختياره ونفيه إن كان منشئًا ‪،‬‬ ‫أو استحسانه واستقباحه إن كان ناقدًا على مراعاة الجوانب الشكلية أو اللفظية‬ ‫(‪ )2‬انظ ر ‪ :‬الت ررواا لاةرر تظ ‪ 3‬ص‪ 369 368‬يتق ررق‪ :‬اةرري السررًلت ارر وا ح‪ /‬يا إت رر ل‬ ‫الي ا ة وا سنح ‪0388‬ار‪.‬‬ ‫(‪ )3‬الة ا والية ا لاة تظ ‪ 0‬ص‪ 038‬يتق ق‪ :‬اةي السرًلت ار وا نشر مكيةرح الخر نة سرنح‬ ‫‪0367‬ار‪0948 /‬ت‪.‬‬ ‫(‪ )0‬الة ا والية ا ‪ 0‬ص‪.038‬‬

‫(‪ )2‬المصي الس ةق ‪ 0‬ص‪.006‬‬ ‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬ص ‪ 21‬وم ةعيا‬

‫وكذلك‪ :‬الوس حح ة ا المينة وخصوم لاق ض الة ة ن ص‪.403‬‬

‫‪-46-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫من إقامة الوزن ‪ ،‬وفصاحة الكالم ‪ ،‬وصحة اإلعراب ‪ ،‬مع تنميق الكالم وزخرفته‬ ‫‪ ،‬دون أن يراعى ائتالف النظم ‪ ،‬وما بين اللفظ وجاره من لحمة أو نسب ‪ ،‬ومدى‬ ‫تطلب الكالم لهذا اللفظ أو ذلك ‪ ،‬أو ما يتطلبه السياق من اختيار لفظ دون آخر ‪،‬‬ ‫ووضعه موضعًا ما تقدي ًما أو تأخيرًا‪ ،‬أو تعـريفًا أو تنكيرًا ‪ ،‬أو ذكرًا أو حذفًا ‪،‬‬ ‫وفق ما يقتضيه الح ال والمقام ‪ ،‬وهو ما يعد من أهم المحاور التي تقوم عليها‬ ‫الدراسات األسلوبية أو السياقية الحديثة ‪.‬‬ ‫وقد أفاد الجرجاني من وعيه بالسياق إفادة واضحة في تطبيقاته في كتاب‬ ‫الوساطة في مواضع كثيرة منها ‪:‬‬

‫ قوله في الحديث عن سرقات أبي الطيب ‪:‬‬‫قال أبو تمام ‪:‬‬ ‫َأغَـا َ َر َمـن ال َقميص إَذاَ َع َ‬ ‫اله‬

‫َمخَ افَــةَ أَن ي َُـال َم س ُه ال َقـميـــصُ‬

‫أخذه أبو الطيب فقال ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عَلى شفـة األميـر أبي ال ُح َسين‬ ‫هي تَجري‬ ‫أَغا ُر منَ ال ُزجا َجة َو َ‬ ‫فأساء ‪ ،‬ألن هذه الغيرة إنما تكون بين المحب ومحبوبه ‪ ،‬أما األمراء والملوك‬ ‫فال يغار على شفاههما(‪. )1‬‬

‫ تعليقه على قول أبي تمام ‪:‬‬‫َيدي ل َمن شا َء َر ٌ‬ ‫من را َحتَي َك دَرى ما الصابُ َوال َع َس ُل‬ ‫هن َلم َي ُذق ُج َرعًا‬ ‫فحذف عمدة الكالم ‪ ،‬وأخل بالنظم ‪ ،‬وإنما أراد يدي لمن شاء رهن " إن كان "‬ ‫لم يذق ‪ ،‬فحذف " إن كان " من الكالم ‪ ،‬فأفسد الترتيب ‪ ،‬وأحال الكالم عن‬ ‫وجهه(‪. )2‬‬

‫ تعقيبه على قول أبي الطيب ‪:‬‬‫َويَ خشى أَن يـ َـراهُ فـي السهــاد‬ ‫ك في ُكال ُه‬ ‫يَرى في النَوم رُم َح َ‬ ‫يقول ‪ :‬فقصر أبو الطيب في ذكر السهاد ‪ ،‬ألنه أراد أن يقابل به النوم ‪ ،‬وبذلك‬ ‫يتم المعنى ‪ ،‬وليس كل يقظة سهادًا ‪ ،‬إنما السهاد امتناع الكرى في الليل ‪ ،‬وال‬

‫(‪ )0‬الوس حح ة ا المينة وخصوم ص‪.318‬‬ ‫(‪ )2‬المصي الس ةق ص‪.79‬‬

‫‪-47-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫يسمى المتصرف في حاجاته بالنهار ساهدًا وإن كان مستيقظًا ‪ .‬وأمثال ذلك في‬ ‫الوساطة كثير(‪. )2‬‬ ‫ثم جاء بعد ذلك كل من الخطابي ‪ ،‬وعبد القاهر واسطة العقد في هذا‬ ‫الموضوع ‪ ،‬وابن األثير ‪ ،‬وهو ما يستدعي الوقوف عند رؤية كل من هؤالء‬ ‫األعالم للسياق ‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫أ – الخطابي والسياق ‪:‬‬ ‫يرى الخطابي أن عمود البالغة ‪ ،‬بل أعلى طبقاتها ‪ ،‬وأرفع درجاتها ‪ ،‬هو‬ ‫ما وضع فيه كل لفظ في موضعه األخص األشكل به ‪ ،‬فإذا أبدل مكانه غيره ترتب‬ ‫عليه إما تبدل المعنى الذي يكون منه فساد الكالم ‪ ،‬وإما ذهاب الرونق الذي‬ ‫يكون معه سقوط البالغة " (‪. )3‬‬ ‫واألمر عند الخطابي ال يقف عند اختيار األلفاظ ووضعها في مواضعها ‪ ،‬بل‬ ‫يتجاوز ذلك إلى ضرورة صحة المعنى ‪ ،‬والتئام النظم ‪ ،‬بل شدة هذا االلتئام مع‬ ‫حسن التأليف ‪ ،‬فالكالم عنده يقوم بثالثة أشياء ‪ :‬لفظ حامل ‪ ،‬ومعنى به قائم ‪،‬‬ ‫ورباط لهما ناظم ‪ " ،‬والقرآن إنما صار معج ًزا ؛ ألنه جاء بأفصح األلفاظ ‪ ،‬في‬ ‫أحسن نظوم التأليف ‪ ،‬مضمنًا أصح المعاني … واضعًا كل شيء منها موضعه‬ ‫الذي ال يرى شيء أولى منه ‪ ،‬وال يرى في صورة العقل أمر أليق منه " (‪. )4‬‬ ‫وعلى هذا النص يعقب د‪ /‬عبد العزيز حمودة بقوله ‪ :‬إننا ال نملك إال أن‬ ‫نقف أمام هذا النص الن قدي في عجب وإعجاب شديدين ‪ ،‬فإنه يحدد معالم نظرية‬ ‫اتصال لغوية حديثة ‪ ،‬ويتحدث عن اللغة كنظام للعالمات ‪ ،‬وإن كان ال يستخدم‬ ‫لفظ عالمة صراحة‪.‬‬ ‫ويصل العجب إلى ذروته أمام المقطع األخير من سطور الخطابي الذي‬ ‫يوجز نظريته اللغوية فيما يشبه اإلعجاز والدقة العلمية المطل قة ‪ " :‬وإنما يقوم‬ ‫الكالم بأشياء ثالثة ‪ :‬لفظ حامل ‪ ،‬ومعنى به قائم ‪ ،‬ورباط لهما ناظم " ‪.‬‬ ‫إننا هنا أمام شروط تحقيق الداللة أو المعنى ‪ ،‬وهي وجود نسق من‬ ‫العالمات ‪ ،‬كل عالمة تتكون من عنصرين الدال والمدلول ‪ ،‬وهو ما يحمله قوله ‪:‬‬ ‫(‪ )3‬المصي الس ةق ص‪.253‬‬

‫(‪ )4‬اةا‪ :‬المصي الس ةق ص‪.409 408 374 373 250 221 81 69‬‬ ‫(‪ )0‬ة ر ا إاة ر ز الق ر لا لاخح ر ة (ضررما دررًل‬ ‫الق ا ) ص‪.29‬‬

‫س ر إل ف ر إاة ر ز الق ر لا لا م ر ن والخح ر ة واةرري‬

‫(‪ )2‬المصي الس ةق ص‪.28 27‬‬

‫‪-48-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫" لفظ حامل ‪ ،‬ومعنى به قائم " لكن هذه العالمات اللغوية تبقى عاجزة عن‬ ‫تحقيق المعنى إلى أن ينظمها نظام عالقات يمكنها مجتمعة من تحقيق الداللة ‪،‬‬ ‫وهو ما نفهمه من قوله ‪ " :‬ورباط لهما ناظم " ‪.‬‬ ‫لقد استغرق العقل الغربي الذي أبهرتنا إنجازاته الحداثية ما يقرب من اثني‬ ‫(‪)1‬‬ ‫عشر قرنًا لينتج هذه الصيغة التي أدرنا لها ظهورنا بدال ً من تطويرها‪.‬‬ ‫وفي مجال التطبيق حاول الخطابي – في استفاضة – أن يبرز ما أكده في‬ ‫تنظيره من أن اللفظة الواحدة قد تصلح في موضع وال تصلح في غيره‪ ،‬وال‬ ‫يصلح غيرها في مقامها ‪ ،‬فإذا أبدلت بغيرها أو انتقلت عن موضعها فسد المعنى‬ ‫أو اختل النظم وذهب ال رونق ‪ ،‬فلكل لفظة خاصية تتميز بها عن سواها‪ ،‬حتى‬ ‫المترادفات التي تشترك معها في أصل الداللة أو في بعض معانيها ‪ ،‬ذلك أن في‬ ‫الكالم ألفاظًا متقاربة في المعاني يحسب أكثر الناس أنها متساوية في إفادة بيان‬ ‫مراد الخطاب ‪ ،‬كالعلم والمعرفة ‪ ،‬والحمد والشكر ‪ ،‬والبخل والشح ‪ ،‬وكالنعت‬ ‫والصفة ‪ ،‬وكقولك ‪ :‬اقعد واجلس ‪ ،‬وبلى ونعم ‪ ،‬وذلك وذاك ‪ ،‬ومن وعن ‪ ،‬ونحو‬ ‫ذلك من األسماء واألفعال والحروف والصفات ‪ ،‬واألمر فيها وفي ترتيبها عند‬ ‫علماء اللغة بخالف ذلك(‪. )2‬‬

‫ومن األمثلة التي استشهد بها لذلك قوله ‪:‬‬ ‫أ – أنك تقـول ‪ :‬عرفت الشيء وعلمته ‪ ،‬إذا أردت اإلثبات الذي يرتفع معه الجهل‬ ‫‪ ،‬إال أن قولك ‪" :‬عرفت" يقتضي مفعوالً واحدًا ‪ ،‬كقولك ‪ :‬عرفت زيدًا ‪ ،‬وعلمت‬ ‫يقتضي مفعولين ‪ ،‬كقولك ‪ :‬علمت زيدًا عاقالً ‪ ،‬ولذلك صارت المعرفة تستعمل‬ ‫خصوصًا في توحيد هللا تعالى وإثبات ذاته‪ ،‬فتقول ‪ :‬عرفت هللا ‪ ،‬وال تقول ‪:‬‬ ‫علمت هللا ‪ ،‬إال أن تضيف إليه صفة من الصفات ‪ ،‬فتقول ‪ :‬علمت هللا عدالً ‪ ،‬أو‬ ‫علمته قادرًا(‪. )3‬‬ ‫ُول هللا ‪َ ،‬ع ِّلمني َع َم ًال يُدخلُني‬ ‫ب – أن أَع َرابيًا َجا َء إلَى النب ِّي ‪َ ‬ف َقا َل ‪ :‬يَا َرس َ‬ ‫ال َجن َة ؛ َف َقا َل ‪ « : ‬أَعتق الن َس َم َة ‪َ ،‬وفُك الر َق َبةَ » ؛ َف َقا َل ‪َ :‬يا َرسُو َل هللا ‪ ،‬أَ َو َل ي َسا‬ ‫َواح ًدا ؟ َقا َل ‪ « : ‬الَ؛ عت َق الن َس َمة أَن َت نفَر َد بع ت ق َها ‪َ ،‬وفَك الر َق َبة أَن تُعينَ في‬ ‫َث َم ن َها »(‪. )4‬‬ ‫(‪ )0‬الم ا المقع‬

‫ي‪ /‬اةي العز ز تموي ص‪.234 233‬‬

‫(‪ )0‬ة ا إاة ز الق لا لاخح ة ص‪.29‬‬ ‫(‪ )2‬المصي الس ةق ص‪.29‬‬

‫(‪ )3‬المصي الس ةق ص ‪ 33‬والتي‬

‫واا الة هق ف السنا الصغ ى – كي ب العيق ةر ب العيرق‬

‫‪-49-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬ ‫(‪)1‬‬

‫ج – في قــوله تعــالى ‪ :‬ﮋ ﭐ ﲷ ﲷ ﳉ ﮊ ‪ ،‬عبـر بالهــالك دون غيــره من‬ ‫األلفاظ كالذهاب ونحوه ‪ ،‬ألن الذهاب قد يكون على مراصدة العودة ‪ ،‬وليس مع‬ ‫الهالك بقيا وال رجعى(‪. )2‬‬ ‫د – في قوله تعالى ‪ :‬ﮋ ﭐﱢ ﲷ ﮊ (‪ )3‬عبر باألكل دون االفتراس ونحوه من أفعال‬ ‫السباع؛ ألن االفتراس في فعل السبع القتل فحسب ‪ ،‬وأصل الفَرس ( بفتح الفاء‬ ‫وسكون الراء) ‪ :‬دق العنق ‪ ،‬والقوم إنما ادعوا على الذئب أنه أكله أكال ً وأتى‬ ‫على جميع أجزائه وأعضائه ‪ ،‬فلم يترك مفصال ً وال عظ ًما ‪ ،‬وذلك أنهم خافوا‬ ‫مطالبة أبيهم إياهم بأثر باق منه يشهد بصحة ما ذكروه ‪ ،‬فادعوا فيه األكل‬ ‫ليزيلوا عن أنفسهم هذه المطالبة ‪ ،‬والفَرس ال يعطي تمام هذا المعنى ‪ ،‬فلم‬ ‫يصلح على هذا أن يعبر عنه إال باألكل(‪. )4‬‬

‫ب‪ -‬اإلمام عبد القاهر(‪ )5‬والسياق ‪:‬‬

‫ال شك أن واسطة العقد ‪ ،‬وفارس الحلبة في هذا المضمار هو اإلمام عبد‬ ‫القاهر صاحب نظرية النظم ‪ ،‬فقد استطاع الرجل أن يطور إنجازات البالغيين‬ ‫السابقين إلى نظرية متك املة للنظم تقوم على تأكيد شبكة العالقات بين العالمات‬ ‫اللغوية أفقيًا ورأسيًا(‪ ،)6‬مما جعل كتاباته – وبخاصة في دالئل اإلعجاز – من أهم‬ ‫المصادر التي ال يمكن لباحث في الدراسات األسلوبية أو السياقية تجاوزها ‪،‬‬ ‫وجعلته موضع ثناء وتقدير من كبار النقاد والباحثين في العصر الحديث ‪ ،‬يقول‬ ‫د‪ /‬محمد مندور ‪ " :‬منهج عبد القاهر يستند إلى نظرية في اللغة ‪ ،‬أرى فيها‬ ‫ويرى معي كل من يمعن النظر أنها تماشى ما وصل إليه علم اللسان الحديث من‬ ‫‪ 211/4‬تي‬

‫(‪.)3401‬‬

‫(‪ )4‬سورة الحاقة ‪ :‬اآلية ‪.29‬‬

‫(‪ )0‬ة ا إاة ز الق لا لاخح ة ص‪.44‬‬ ‫(‪ )2‬سو‬

‫وسف ‪ :‬ةزل ما اآل ح ‪.07‬‬

‫(‪ )3‬ة ا إاة ز الق لا لاخح ة ص‪.40‬‬ ‫(‪ )4‬او اإلم ت اةي الق ا ةا اةي ال تما ةا متمي الة ة ن‬

‫نسةح إل ة ة ا الي ولي ةه سنح‬

‫‪411‬ار ك ا ما كةر أإمح الع ة ح وفقه إه‬

‫ول مؤلف ا كد‬

‫وأس ر ا الةًلغررح وف ر ااررت النتررو ‪ :‬المغن ر‬

‫والمقيصرري والعوامررل الم إررح والةمررل " ش ر ح‬

‫العوامل الم إح " وك نا وف ي سنح ‪ 470‬ار‪.‬‬

‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬الم ا المقع‬

‫ي‪ /‬اةي العز ز تموي ص‪.233‬‬

‫‪-51-‬‬

‫ما أامه ‪ :‬يالإل اإلاة ز‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫آراء ‪ ،‬ونقطة البدء نجدها في آخر "دالئل اإلعجاز " ‪ ،‬حيث يقرر المؤلف ما‬ ‫يقرره علماء اليوم من أن الل غة ليست مجموعة من األلفاظ ‪ ،‬بل مجموعة من‬ ‫العالقات " (‪. )1‬‬ ‫ويرى بعض الكتاب أن نظرية السياق الحديثة ال تضيف إلى ما قاله عبد‬ ‫القاهـر إال التفصيالت والربط بمفهوم التطور الداللي كما ألفته المعجمات‬ ‫الحديثة(‪. )2‬‬ ‫بل إن اإلعجاب الشديد بفكر عبد القاهر ودراسته للنظم أو السياق قد دفع‬ ‫كاتبًا وناقدًا كبيرًا هـو الدكتور‪ /‬عبد العزيز حمودة إلى المبالغة والقـول بأن النظم‬ ‫الذي ارتبط باسم عبد القاهر يجمع كل مفردات النسق الحداثي(‪. )3‬‬ ‫ومن خالل دراستنا لقضية النظم أو السياق عند عبد القاهر ‪ ،‬وما كتب‬ ‫حولها من شروح أو تعليقات ‪ ،‬نسجل اآلتي ‪:‬‬ ‫‪ – 0‬أن نظرية النظـم لـم تحظ في تاريخ البالغة العربية أو النقـد األدبي‬ ‫باالهتمام الذي أواله إياها عبد القاهـر ‪ ،‬فقـد عكف الرجـل على شرح نظريته‬ ‫وتطويرها وتطرق إلى كل ما يتعلق بها من أمور ‪ ،‬وفي مقدمتها العالقة أو‬ ‫العالقات التي تحكـم الوحدات المكونة لل بنية اللغوية ‪ ،‬وسبق كثيرًا من الكتاب‬ ‫الغربيين والعرب الذين تفننوا في ذكر المصطلحات الحديثة ‪ ،‬نحو ‪ " :‬السياق‬ ‫التتابعي " ‪ " ،‬الفحص االستبدالي " ‪ " ،‬المحور الرأسي والمحور األفقي " ‪،‬‬ ‫" التطالب النحوي والتطالب المعجمي " ‪ ،‬وإن كـان عبـد القاهر لـم يستخدم هـذه‬ ‫المصطلحات‪ " ،‬فالمصطلح المتكرر في وصف العالقة األفقية – وهي محور‬ ‫النظم الحقيقي – هو الجوار أحيانًا‪ ،‬والضم أحيانًا أخرى ‪ ،‬أما المحور الرأسي‬ ‫فالمصطلح الشائع بين البالغيين العرب هو االختيار ‪ ،‬وهو يؤدي المعنى الحديث‬ ‫بالكامل" (‪. )4‬‬ ‫فعندما يتحدث عبد القاهر عن المقارنة ب ين مواقع الكلم ‪ ،‬حيث تستحسن‬ ‫اللفظة داخل سياق وتثقل أو تستهجن داخل سياق آخر فإنه يجمع بين المحورين‬ ‫(‪ )2‬ف الم زاا الةي ي ي‪ /‬متمي منيو ص‪ 077 076‬ح‪ /‬نهضح مص‬

‫سنح ‪0977‬ت‪.‬‬

‫(‪ )3‬مقيمح يالإل اإلاة ز لمتمي ضواا اليا ح وف ز اليا ح ص‪.08‬‬ ‫(‪ )4‬الم ا ر المقعر‬

‫ي‪ /‬اةرري العز ررز تمرروي ص‪ 226‬ومررا يأك ررين اار الق مررح الع ل ررح لي اسررح اةرري‬

‫الق ا لانظت فإا القرول ةرأا ارذا الرنظت الرذي ا يرةح ة سرت اةري القر ا‬

‫التياد‬

‫تي‬

‫(‪ )0‬الم ا المقع‬

‫إل ش ل ما الم اةعح أو اليق ي‪.‬‬ ‫ي‪ /‬اةي العز ز تموي ص‪.255‬‬

‫‪-50-‬‬

‫ةمرا كرل مفر ياا النسرق‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫األفقي والرأسي في جملة واضحة ‪ ،‬فاالستحسان واالستهجان – بقدر ارتباطهما‬ ‫بالسياق التتابعي وفق أحكام النحو – يرتبطان أيضًا بممارسة االختيار السليم في‬ ‫الحالة األول ى ‪ ،‬والخاطئ في الثانية ‪ ،‬واالختيار هو أساس عالقة االستبدال(‪،)1‬‬ ‫وهو من أهم األسس التي اعتمدها عبد القاهر في نظرية النظم ‪ ،‬وهو ما يعنيه‬ ‫بقوله ‪ " :‬وهل يقع في وهم وإن جهد أن تتفاضل الكلمتان المفردتان من غير أن‬ ‫مكان تقعان فيه من التأليف والنظم ؟‬ ‫ينظر إلى‬ ‫ٍ‬ ‫وهـل تجد أحدًا يقول هذه اللفظة فصيحة إال وهو يعتبر مكانها من النظم ‪،‬‬ ‫وحسن مـالءمة معناهـا لمعنى جاراتها ‪ ،‬وفضل مؤانستها ألخواتها ؟‬ ‫وهل قالوا‪ :‬لفظة متمكنة ومقبولة‪ ،‬وفي خالفه‪ :‬قلقة ونابية ومستكرهة؛ إال‬ ‫وغرضهم أن يعبروا بالتمكن عن حسن االتفاق بين هذه وتلك من جهة معناهما ‪،‬‬ ‫وبالقلق والنبو عن سوء التالؤم ؟ " (‪. )2‬‬ ‫وقوله ‪ " :‬فقد اتضح إ ًذا اتضاحًا ال يدع للشك مجاال أن األلفاظ‬ ‫ال تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة وال من حيث هي كلم مفردة ‪ ،‬وأن األلفاظ‬ ‫تثبت لها الفضيلة وخالفها في مالءمة معنى اللفظة لمعنى التي تلي ها أو ما أشبه‬ ‫ذلك ‪.‬‬ ‫ومما يشهد لذلك أنك ترى الكلمة تروقك وتؤنسك في موضع ‪ ،‬ثم تراها‬ ‫بعينها تثقل عليك وتوحشك في موضع آخر " (‪. )3‬‬ ‫‪ – 2‬أن عبد القاهر نظر إلى النص على أنه كيان له بنيانه ‪ ،‬والبد من‬ ‫دراسة الروابط وعالقات التأثير بين مكوناته وأبنيته الداخلية ‪ ،‬وهو جزء هام‬ ‫من مفهوم نظرية السياق الحديثة في دراسات اللغويين والنقاد األسلوبيين ‪ ،‬فقد‬ ‫تنبه عبد القاهر إلى أمر هام " هو اكتساب الكلمة دالالتها المتميزة من تفاعل‬ ‫التصور فيها مع التصورات األخرى من األسماء والصفات واألفعال في جو معين‬ ‫أو ذهنية أو نفسية ‪ ،‬وفي‬ ‫‪ :‬الموضوع ‪ ،‬والمجال ‪ ،‬واآلفاق ‪ :‬مادية‬ ‫عالقات زمانية ومكانية وشخصية ‪ ،‬وبهذا يكتمل السياق بأبعاده اللغوية –‬ ‫النحوية ‪ ،‬واآلفاق التصورية ‪ ،‬وتبرز – هنا – اصطالحات الهوامش الداللية أو‬ ‫ظالل المعنى ‪ ،‬فالكلمة تتأثر بدالالت الكلمات في الجملة أو العبارة من حولها ‪،‬‬

‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬الم ا المقع‬

‫ص‪.256 255‬‬

‫(‪ )2‬يالإل اإلاة ز ص‪ 90 91‬ةيص ف س ‪.‬‬ ‫(‪ )3‬المصي الس ةق ص‪.92‬‬

‫‪-52-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫وكذلك تفيد من محيط النص وإيحاءاته " (‪.)1‬‬ ‫فالنظم – عند عبد القاهر – ال يعني ضم الشيء إلى الشيء كيف جاء‬ ‫واتفق ‪ ،‬بـل البد أن يراعى فيه حال المنظوم بعضه مع بعض ‪،‬‬ ‫و " ليس الغرض بنظم الكلم أن توالت ألفاظها في النطق ‪ ،‬بل أن تناسقت داللتها‬ ‫‪ ،‬وتالقت معانيها على الوجه الذي اقتضاه العقل " (‪. )2‬‬ ‫ونستطيع القول بأن عبد القاهر في تطبيقاته كان على وعي كبير بسياق‬ ‫النص وسياق الموقف معًا ‪ ،‬وأنه استطاع بمهارة فائقة أن يوظف وعيه بسياق‬ ‫الموقف لدراسة وتحليل سياق النص ‪.‬‬ ‫‪ – 3‬لعل أهم ما في نظرية النظم أو درا سة عبد القاهر للسياق هو أن الرجل‬ ‫لم يقف عند حدود التأصيل أو التنظير لقضيته ‪ ،‬فقد شرح نظريته من خالل‬ ‫نماذج تطبيقية عديدة كشفت عن فهمه العميق ألبعاد نظريته ‪ ،‬وعن فقهه ألسرار‬ ‫العربية ‪ ،‬مما جعل كتاباته في هذه النظرية مصدرًا ً‬ ‫هاما للباحثين والدارسين من‬ ‫اللغويين والبالغيين واألسلوبيين على حد سواء ‪.‬‬ ‫وقد بسط الرجل القول في كثير من أبواب علم المعاني ‪ ،‬كالتقديم والتأخير ‪،‬‬ ‫والتعريف والتنكير ‪ ،‬والذكر والحذف ‪ ،‬والفصل والوصل ‪ ،‬وغير ذلك من‬ ‫القضايا التي صارت أسسًا ال غنى عنها في مجال الدراسات األسلوبية والسياقية‬ ‫الحديثة ‪.‬‬ ‫ولغنى الكتاب باألمثلة والشواهد التطبيقية نكتفي – هنا – بذكر نموذجين ‪:‬‬

‫تعليقه على حذف المفعول في قول عمرو بن معدي كرب‪:‬‬

‫نَ َ‬ ‫َف َلو أَن َقومي أَن َ‬ ‫ط ُ‬ ‫اح أَجـــرت‬ ‫طقتَني رما ُح هُم‬ ‫قت َولَكن الرمــ َ‬ ‫يقول ‪ :‬وهذا نوع آخر من حذف المفعول ‪ " ،‬وهو أن يكون معك مفعول‬ ‫معلوم مقصود ‪ ،‬قَص ُدهُ قد ُعل َم أنه ليس للفعل الذي ذكرت مفعول سواه بدليل‬ ‫الحال أو ما سبق من الكالم‪ ،‬إال أنك تطرحه وتتناساه وتدعه يلزم ضمير النفس‬ ‫لغرض غير الذي مضى ‪ ،‬وذلك الغرض أن تتوفر العناية على إثبات الفعل للفاعل‬ ‫وتخلص له وتنصرف بجملتها وكما هي إليه ‪ ،‬ومثاله قول عمرو بن معدي كرب‬ ‫‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪َ ‬‬ ‫َف َلو أن َقومي أن َ‬ ‫ط ُ‬ ‫نَ‬ ‫اح أجـــرت‬ ‫طقتَني رما ُح هُم‬ ‫قت َولَكن الرمــ َ‬ ‫فـ " أجرت " فعل متعد ومعلوم أنه لو عداه لما عداه إال إلى ضمير المتكلم‬ ‫(‪ )0‬مقيمح يالإل اإلاة ز لمتمي ضواا اليا ح وف ز اليا ح ص‪.08‬‬ ‫(‪ )2‬يالإل اإلاة ز ص‪.94‬‬

‫‪-53-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫نحو " ولكن الرماح أجرتني " وأنه ال يتصور أن يكون ههنا شيء آخر يتعدى‬ ‫إليه الستحا لة أن يقول ‪ :‬فلو أن قومي أنطقتني رماحهم ‪ ،‬ثم يقول ‪ :‬ولكن‬ ‫ال تنطـق‬ ‫الرماح أجرت غيري ‪ ،‬إال أنك تجـد المعنى يلزمك أن‬ ‫بهذا المفعول وال تخـرجه إلى لفظك ‪ ،‬والسبب في ذلك أن تعديتك له توهم ما هو‬ ‫خـالف الغرض ‪ ،‬وذلك أن الغرض هو أن تثبت أنه كان من الرماح إجرار وحبس‬ ‫األلسن عن النطق وأن تصحح وجود ذلك ‪ ،‬ولو قال أجرتني جاز أن يتوهم أنه لم‬ ‫يعن بأن يثبت للرماح إجرارًا؛ بل الذي عناه أن يبين أنها أجرته ‪ ،‬فلما كان في‬ ‫تعدية "أجرت" ما يوهم ذلك وقف فلم يعد البتة ‪ ،‬ولم ينطق بالمفعول لتخلص‬ ‫العناية إلثبات اإلجرار للرماح وتصحيح أنه كان منها ‪ ،‬وتسلم بكليتها لذلك ‪.‬‬ ‫واعلم أن لك في قوله ‪ " :‬أجرت" فائدة أخرى زائدة على ما ذكرت من‬ ‫توفير العناية على إثبات الفعل وهي أن تقول ‪ :‬كان من سوء بالء القوم ومن‬ ‫تكذيبهم عن القتال ما يجر مثله‪ ،‬وما القضية فيه أنه ال يتفق على قوم إال خرس‬ ‫شاعرهم فلم يستطع نطقًا ‪ ،‬وتعديتك الفعل تمنع من هذا المعنى؛ ألنك إذا قلت ‪:‬‬ ‫ولكن الرماح أجرتني ‪ :‬لم يمكن أن يتأول على معنى أنه كان منها ما شأن مثله‬ ‫أن يجر قضية مستمرة في كل شاعر قوم‪ ،‬بل قد يجوز أن يوجد مثله في قوم‬ ‫آخرين فال يجر شاعرهم ‪ ،‬ونظيره أنك تقول ‪ :‬قد كان منك ما يؤلم ‪ ،‬تريد ما‬ ‫الشرط في مثله أن يؤلم كل أحد وكل إنسان‪ ،‬ولو قلت ‪ :‬ما يؤلمني ‪ ،‬لم يفد ذلك‪،‬‬ ‫ألنه قد يجوز أن يؤلمك الشيء ال يؤلم غيرك " (‪. )1‬‬ ‫ تعليقه على التقديم والتأخير في قوله تعالى ‪ :‬ﮋ ﭐ ﲷ ﲷ ﲷ ﮊ(‪)2‬؛ حيث قدم‬‫النص القرآني كلمة " شركاء " على كلمة " الجن " ‪ ،‬و " ليس بخاف أن‬ ‫لتقديم الشركاء حسنًا وروعةً ومأخ ًذا من القلوب أنت ال تجد شيئًا منه إن أنت‬ ‫أخرت فقلت ‪ :‬وجعلوا الجن شركاء هلل ‪ ،‬وأنك ترى حالك حال من نقل عن‬ ‫الصورة المبهجة والمنظر الرائق والحسن الباهر إلى الشيء ال ُغفل الذي ال تَحلَى‬ ‫منه بكثير طائل ‪ ،‬وال تصـير النفس به إلى حاصل ‪ ،‬والسبب في أن كان ذلك‬ ‫كذلك هو أن للتقديم فائدة شريفة ومعنى جليال ال سبيل إليه مع التأخير‪ ،‬بيانه أنا‬ ‫وإن كنا نرى جملة المعنى ومحصوله أنهم جعلوا الجن شركاء وعبدوهم مع هللا‬ ‫تعالى ‪ ،‬وكان هذا المعنى يحصل مع التأخير حصوله مع التقديم – فإن تقديم‬ ‫الشركاء يفيد هذا المعنى ويفيد معه معنى آخر ‪ ،‬وهو أنه ما كان ينبغي أن يكون‬ ‫هلل شريك ال من الجن وال غير الجن ‪ ،‬وإذا أخر فقيل ‪ :‬جعلوا الجن شركاء هلل لم‬ ‫(‪ )0‬يالإل اإلاة ز ص ‪ 072 – 071‬ةيص ف س ‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ابنع ت ‪ :‬ةزل ما اآل ح ‪011‬‬ ‫ﲷ ﲷ ﲷ‬

‫ﲷ ﮊ‪.‬‬

‫ويم مه ‪ :‬ﮋ ﭐ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷﲷ‬

‫‪-54-‬‬

‫ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷﲷ‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫يفد ذلك ‪ ،‬ولم يكن فيه شيء أكثر من اإلخبار عنهم بأنهم عبدوا الجن مع هللا‬ ‫تعالى ‪ ،‬فأما إنكار أن يعبد مع هللا غيره وأن يكون له شريك من الجن وغير الجن‬ ‫فال يكون في اللفظ مع تأخير الشركاء دليل عليه‪.‬‬ ‫‪ – 4‬أننا ال ندعي لعبد القاهر العصمة ‪ ،‬ولن نقبل كل ما يقول به دون تأمل‬ ‫أو نظر ‪ ،‬فال بد من التفكر والروية ‪ ،‬فعلى الرغم من عمق ثقافة الرجل وأصالة‬ ‫نظريته ‪ ،‬فإنني أرى أنه لشدة إيمانه بنظريته ودفاعه عنها قد انصرف عن‬ ‫دراسة اللفظة أو الكلمة إلى دراسة الجملة أو التركيب بل دراسة السياق أو‬ ‫النظم ‪ ،‬لدرجة أنكر معها – أحيانًا – أن يكون للفظة أي مزية في ذاتها‪ ،‬يقول ‪:‬‬ ‫" هل يتصور أن يكون بين اللفظتين تفاضل في الداللة حتى تكون هذه أدل على‬ ‫معناها الذي وضعت من صاحبتها على ما هي موسومة به ‪ ،‬حتى يقال ‪ :‬إن رجال ً‬ ‫أدل على معناه من فرس على ما سمى به‪ ،‬وحتى يتصور في االسمين‬ ‫الموضوعين لشيء واحد أن يكون هذا أحسن نبأ عنه وأبين كش ًفا عن صورته‬ ‫من اآلخر ‪ ،‬فيكون الليث مثالً أدل على السبع ا لمعلوم من األسد ‪ ،‬وحتى أنا لو‬ ‫أردنا الموازنة بين لغتين كالعربية والفارسية ساغ لنا أن نجعل لفظة رجل أدل‬ ‫على اآلدمي الذكر من نظيره في الفارسية " (‪.)1‬‬ ‫فال شك أن دراسة الكلمة مفتاح لدراسة الجملة ‪ " ،‬وأن لجرس األلفاظ وقعًا‬ ‫إيجابيًا كثيرًا ما يعين الكاتب أو الشاعر على استنفاد إحساسه "(‪ ، )2‬وأن الدراسات‬ ‫اللغوية واأللسنية الحديثة قد أفادت من دراسة بنية الكلمة ومقاطعها كما أفادت من‬ ‫دراسة بنية الجملة والبنى التركيبية األخرى ‪.‬‬

‫ج‪ -‬ضياء الدين بن األثير والسياق ‪:‬‬ ‫يعد ضياء الدين بن األثير من األدباء والنقاد الذين اقتفوا أثر اإلمام عبد‬ ‫القاهر في العناية بالنظم ‪ ،‬ووضع كل كلمة في موضعها ‪ ،‬وضمها إلى أختها أو‬ ‫جارتها ‪ ،‬يقول ‪ " :‬ومن عجيب ذلك أنك ترى لفظتين تدالن على معنى واحد ‪،‬‬ ‫وكالهما حسن في االستعمال ‪ ،‬وهما على وزن واحد وعدة واحدة ‪ ،‬إال أنه ال‬ ‫يحسن استعمال هـذه فـي كل موضـع ت ستعمل فيه هذه ‪ ،‬بل يفرق بينهما في‬ ‫مواضع السبك ‪ ،‬وهذا ال يدركه إال من دق فهمه ‪ ،‬وجل نظره " (‪. )3‬‬ ‫فصاحب الصناعة – في منظور ابن األثير – يحتاج إلى ثالثة أشياء ‪:‬‬ ‫(‪ )0‬يالإل اإلاة ز ص ‪.91‬‬

‫(‪ )2‬ف الم زاا الةي ي لمتمي منيو ص ‪.080‬‬

‫(‪ )0‬المدل الس إ ف أيب الك يب والش ا ق‪ 0‬ص‪.064‬‬

‫‪-55-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫األول ‪ :‬اختيار األلفاظ المفردة ‪:‬‬ ‫وحكم ذلك حكم الآللئ المبددة ‪ ،‬فإنها تتخير وتنتقي قبل النظم ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬نظم كل كلمة مع أختها المشاكلة لها ‪:‬‬

‫لئال يجيء الكالم قلقًا نافرًا عن مواضعه ‪ ،‬وحكم ذلك حكم العقد المنظوم في‬ ‫اقتران كل لؤلؤة منه بأختها المشاكلة لها ‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬الغرض المقصود من ذلك الكالم على اختالف أنواعه ‪:‬‬

‫وحكم ذلك حكم الموضع الذي يوضع فيه العقد المنظوم ‪ ،‬فتارة يجعل إكليال ً‬ ‫على الرأس ‪ ،‬وتارة يجعل قالدة في العنق ‪ ،‬وتارة يجعل شن ًفا(‪ )1‬في األذن‪ ،‬ولكل‬ ‫موضع من هذه المواضع هيئة من الحسن تخصه ‪.‬‬ ‫فهذه ثالثة أشياء ال بد للخطيب والشاعر من العناية بها ‪ ،‬وهي األصل‬ ‫المعتمد عليه في تأليف الكالم من النظم والنثر(‪. )2‬‬

‫و من خالل دراستنا للنظم أو السياق بين عبد القاهر وابن األثير نسجل‬ ‫اآلتي ‪:‬‬ ‫‪ – 0‬أن ابن األثير كثيرًا ما نقل كالم عبد القاهر مع تجاهله إياه وعدم‬ ‫اإلشارة إليه‪ ،‬ومن ذلك قوله ‪ " :‬وهل تشك أيها المتأمل لكتابنا هذا إذا فكرت في‬ ‫قوله تعالى ‪ :‬ﱡﭐ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷﲷ ﲷ‬ ‫ﲷ ﳉ ﳊ ﳋ َّ(‪ )3‬أنك لم تجد ما وجدته لهذه األلفاظ من المزية الظاهرة إال ألمر‬ ‫يرجع إلى تركيبها ‪ ،‬وأنه لم يعرض لها هذا الحسن إال من حيث تالقت األولى‬ ‫بالثانية‪ ،‬والثالثة بالرابعة ‪ ،‬وكذلك إلى آخرها ‪.‬‬ ‫فإن ارتبت في ذلك فتأمل ‪ ،‬هل ترى لفظة منها لو أخذت من مكانها‪،‬‬ ‫وأفردت من بين أخواتها؛ كانت البسة من الحسن ما لبسته في موضعها من‬ ‫اآلية ؟‬ ‫ومما يشهد لذلك ويؤيده أنك ترى اللفظة تروقك في كالم ‪ ،‬ثم تراها في كالم‬ ‫آخر فتكرهها ‪ ،‬فهذا ينكره من لم يذق طعم الفصاحة وال عرف أسرار األلفاظ في‬ ‫تركيبها وانفرادها " (‪. )4‬‬

‫(‪ )2‬الشنف ‪ :‬الق ح‪.‬‬ ‫(‪ )0‬المدل الس إ ق ‪ 0‬ص ‪.063‬‬ ‫(‪ )2‬سو اوي ‪ :‬اآل ح ‪.44‬‬

‫(‪ )0‬المدل الس إ ق‪ 0‬ص‪.066‬‬

‫‪-56-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫وهو عين كالم عبد القاهر الذي ذكره في دالئل اإلعجاز(‪ ، )1‬ومع أن ابن‬ ‫ً‬ ‫نسخا فإنه يدعي الفضل لنفسه‪ ،‬فيقول ‪:‬‬ ‫األثير يكاد ينسخ كالم عبد القاهر‬ ‫" وهذا موضع غامض يحتاج إلى فضل فكرة وإمعان نظر‪ ،‬وما تعرض للتنبيه‬ ‫عليه أحد قبلي " (‪. )2‬‬ ‫وال أدري كيف غفل الدكتور عبد العزيز حمودة – وهو المنبهر بعبد القاهر‬ ‫وآرائه في دالئل اإلعجاز – عن ذلك ‪ ،‬فنسب الفضل في هذا النص إلى ابن األثير‬ ‫ال إلى عبد القاهر ؟! حيث قال معقبًا على نص ابن األثير سالف الذكر ‪ " :‬هذا‬ ‫أنموذج جديد لضياء الدين بن األثير يقدم مفهوم التعاقب دون مراوغة أو‬ ‫غموض ‪ ،‬ودون كهنوت حداثي ‪ ،‬وقبل أن يقول به ياكوبسون أو بارت أو‬ ‫آخرون من أقطاب الفكر الحداثي وما بعد الحداثي الغربي " (‪ )3‬وكان األولى‬ ‫بالدكتور‪ /‬حمودة أن ينسب هذا السبق إلى عبد القاهر ال إلى ابن األثير ‪.‬‬ ‫‪ – 2‬مع اقتفاء ابن األثير أثر عبد القاهر في النظم فإن الرجل لم يكن مجرد‬ ‫نسخة ثان ية من اإلمام عبد القاهر ‪ ،‬فقد كان له فكره وجهده الذي ال ينكر ‪،‬‬ ‫وكانت له إضافات تستحق الذكر والتقدير ‪ ،‬ومن ذلك ‪:‬‬ ‫أ – اختالف نظرة ابن األثير إلى اللفظة المفردة عن نظرة عبد القاهر إليها‬ ‫‪ ،‬فإذا كان عبد القاهر ال يكاد يلتفت إلى اللفظة المفردة فإن ابن األثير يجع لها أحد‬ ‫األسس التي ينبني عليها النظم ‪ ،‬فأول شيء يحتاج إليه صاحب الصناعة هو "‬ ‫اختيار األلفاظ ‪ ،‬وحكم ذلك حكم الآللئ المبددة ‪ ،‬فإنها تتخير وتنتقي قبل النظم‬ ‫" (‪. )4‬‬ ‫بل إنه لينحى بالالئمة على من ينكرون التفاضل بين األلفاظ‪ ،‬ويسمهم‬ ‫بالجهلة ‪ ،‬يقول ‪ " :‬وقد رأيت جماعة من الجهال إذا قيل ألحدهم ‪ :‬إن هذه‬ ‫اللفظة حسنة وهذه قبيحة أنكر ذلك ‪ ،‬وقال ‪ :‬كل األلفاظ حسن ‪ ،‬والواضع لم‬ ‫يضع إال حسنًا ‪ ،‬ومن يبلغ جهله إلى أن ال يفـرق بين لفظة " الغصن " ولفظة‬ ‫" العسلوج " ‪ ،‬وبين لفظة " المدامة " ولفظة "اإلسفنط " ‪ ،‬وبين لفظة " السيف‬ ‫" و لفظه " الخنشليل " فال ينبغي أن يخاطب بخطاب وال يجاوب ‪ ،‬بل يترك وشأنه‬ ‫‪ ،‬وما مثاله في هذا المقام إال كمن يسوى بين صورة زنجية سوداء مظلمة‬ ‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬يالإل اإلاة ز ص‪.92 91‬‬ ‫(‪ )3‬المدل الس إ ق‪ 0‬ص‪.067‬‬

‫(‪ )4‬الم ا المقع ص‪.255 254‬‬ ‫(‪ )0‬المدل الس إ ق‪ 0‬ص‪.063‬‬

‫‪-57-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫السواد شوهاء الخلق ‪ ،‬ذات عين محمرة ‪ ،‬وشفة غليظة كأنها كلوة ‪ ،‬وشعر‬ ‫قطط(‪ )1‬كأنه زبيبة ‪ ،‬وبين صورة رومية بيضاء مشربة بحمرة ‪ ،‬ذات خد أسيل ‪،‬‬ ‫وطرف كحيل ‪ ،‬ومبسم كأنما نظم من أقاح ‪ ،‬وطرة (‪ )2‬كأنها ليل على صباح ‪.‬‬ ‫فإذا كان بإنسان من سقم النظر أن يسوي بين هذه الصورة وهـذه فال يبعد أن‬ ‫يكون به مـن سقم الفكر أن يسوي بين هـذه األلفاظ وهذه (‪. )3‬‬ ‫وإنني ألؤكد أن أي دراسة واعية للنظم أو السياق ال يمكن أن تتجاهل‬ ‫دراسة بنية الكلمة وما لها من قيمة معجمية أو صرفية أو صوتية ‪ ،‬على أن هذه‬ ‫القيمة ال تكتمل وال تؤتي أكلها إال من خالل السياق ‪ ،‬ووضع الكلمة في مكانها‬ ‫المناسب من النص ‪.‬‬ ‫ب – في مجال التطبيق لم يقف ابن األثير عند المباحث أو الشواهد التي‬ ‫ناقشها عبد القاهر ‪ ،‬فقد أسهم ابن األثير بكثرة شواهده وتطبيقاته ‪ ،‬وزيادة‬ ‫بعض األبواب والتفاصيل والتفريعات التي تخدم قضية النظم ودراسة السياق ‪،‬‬ ‫وبخاصة دراسته القيمة لاللتفات ‪ ،‬وتوكيد الضميرين ‪ ،‬والخطاب بالجملة الفعلية‬ ‫والجملة االسمية والفرق بينهما‪ ،‬وتوسعه في أبواب التقديم والتأخير ‪ ،‬واإليجاز‬ ‫واإلطناب ‪ ،‬والحذف(‪. )4‬‬ ‫على أنه ل م يك ن بالغيً ا تقلي ديًا ف ي دراس ته وتناول ه له ذه الموض وعات ‪ ،‬فق د ك ان‬ ‫ل ه ح س الناق د واألدي ب ‪ ،‬وبه ذا الح س ج اءت دراس ته لكثي ر م ن الموض وعات‬ ‫أق رب إل ى الدراس ات األدبي ة النص ية أو المقارب ات الس ياقية منه ا إل ى الجوان ب‬ ‫التقعيدي ة ‪ ،‬ونض رب مث االً ل ذلك بتناول ه لموض وع االلتف ات وطريق ة عرض ه‬ ‫لشواهده ‪ ،‬فإنه لم يق ف بموض وع االلتف ات عن د ح دود االنتق ال ب ين ض مائر ال تكلم‬ ‫والخطاب والغيبة ‪ ،‬بل توسع فجعل ه يش مل الرج وع ع ن الفع ل المس تقبل إل ى فع ل‬ ‫األم ر ‪ ،‬واالنتق ال م ن الماض ي إل ى األم ر ‪ ،‬واإلخب ار بالماض ي ع ن المس تقبل ‪،‬‬ ‫وبالمس تقبل ع ن الماض ي ‪ ،‬وباس م المفع ول ع ن المس تقبل ‪ ،‬محل الً ش واهده ف ي‬ ‫ذل ك تحل يالً نص يًا وس ياقيًا رائ ًع ا‪ ،‬وم ـن ذل ك تعليق ه عل ى قول ه تع الى ‪ :‬ﮋ ﭐ ﲷ ﲬ‬ ‫ﲷ ﲷ ﲷ ﲰ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﮊ(‪. )5‬‬ ‫(‪ )2‬شع قحح ‪ :‬شي ي اليةعي‪.‬‬ ‫(‪ )3‬الح ‪ :‬الن ص ح‪.‬‬

‫(‪ )0‬المدل الس إ ق‪ 0‬ص‪ 071‬ةيص ف س ‪.‬‬ ‫(‪ )2‬اةا‪ :‬المصي الس ةق ق‪ 2‬ص‪ 035‬وم ةعيا‬ ‫(‪ )0‬سو التج ‪ :‬اآل ح ‪.63‬‬

‫‪-58-‬‬

‫وص‪ 072‬وم ةعيا‬

‫وص‪ 219‬وم ةعيا ‪.‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫يقول ‪ :‬أال ترى كيف عدل عن لفظ الماضي إلى لف ظ المس تقبل ‪،‬فق ال ‪ :‬ﮋ ﭐﲷ‬ ‫ﲷ ولم يقل ‪ :‬أص بحت ‪ ،‬عطف ا عل ى ﮋ ﲷ ﮊ ؛ وذل ك إلف ادة بق اء أث ر المط ر‬ ‫َّ‬ ‫ﲷ‬ ‫زمانًا بعد زمان ‪ ،‬فإنزال الماء مضى وجوده ‪ ،‬واخضرار األرض باق ل م يم ض ‪،‬‬ ‫ه ذا كم ا تق ول ‪ :‬أنع م عل ي ف الن ف أروح وأغ دو ش اكرًا ل ه ‪ ،‬ول و قل ت ‪ :‬فرح ت‬ ‫وغدوت شاكرًا له لم يقع ذلك الموقع ألنه يدل على ماض قد كان وانقضى(‪. )1‬‬ ‫ومثله قول ـه تع الى ‪ :‬ﮋ ﲷ ﲷ ﲷ ﱎ ﱏ ﲷ ﲷﮊ (‪ )2‬حي ث ع دل ع ن الماض ي إل ى‬ ‫المس تقبل ف ي قول ه تع ـالى ‪ :‬ﮋ ﱎ ﮊ ‪ ،‬ألن كف رهم ك ان ووج د ول م يس تجدوا بع ده كف رًا‬ ‫ض‬ ‫م يم‬ ‫ام ل‬ ‫ى األي‬ ‫دد عل‬ ‫دهم متج‬ ‫ا ‪ ،‬وص‬ ‫ثانيً‬ ‫(‪)3‬‬ ‫كونه ‪ ،‬وإنما هو مستمر يستأنف في كل حين ‪.‬‬ ‫ث م يتح دث ع ن اإلخب ار بالماض ي ع ن المس تقبل ‪ ،‬فيق ول ‪ :‬وفائدت ه أن الفع ل‬ ‫الماضي إذا أخب ر ب ه ع ن المس تقبل ال ذي ل م يوج د بع د‪ ،‬ك ان ذل ك أبل غ وأوك د ف ي‬ ‫تحقيق الفعل وإيجاده؛ ألن الفع ل الماض ي يعط ي م ن المعن ى أن ه ق د ك ان ووج د ‪،‬‬ ‫وإنم ا يفع ل ذل ك إذا ك ان الفع ل المس تقبل م ـن األش ياء العظيم ة الت ي يس تعظم‬ ‫وجودها ‪ ،‬ومن أمثلة ذل ك قول ه تع الى ‪ :‬ﮋﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ‬ ‫ﲷ ﲷ ﮊ (‪ ،)4‬فإنه إنما قال‪ :‬ﮋ ﲷ ﮊ بلف ظ الماض ي بع د قول ه ‪ :‬ﮋ ﲷﮊ وه و مس تقبل؛‬ ‫لإلشعار بتحقيق الفزع ‪ ،‬وأنه كائن ال محالة ‪ ،‬ألن الفعل الماضي ي دل عل ى وج ود‬ ‫الفعل وكونه مقطوعًا به(‪. )5‬‬ ‫وكذلك جاء قوله تع الى ‪ :‬ﮋ ﭠ ﭐ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﱘ ﱙ ﲷ ﭩ‬ ‫(‪ ، )6‬فج اء قول ه تع الى ‪ :‬ﮋ ﲷ ﮊ ماض يًا بع د قول ه تع الى ﮋ ﲷ ﮊ و ﮋ ﲷ ﮊ ‪ ،‬وهم ا‬ ‫مستقبالن؛ للداللة على أن حش رهم قب ل التس يير والب روز ‪ ،‬ليش اهدوا تل ك األح وال كأن ه‬ ‫قال ‪ :‬وحشرناهم قبل ذلك ألن الحشر هو المه م ‪ ،‬ألن م ن الن اس م ن ينك ره ‪ ،‬وم ن‬ ‫أجل ذلك ذكر بلفظ الماضي(‪.)7‬‬ ‫‪ – 3‬أكد ابن األثير في وضوح على ضرورة مراعاة سياق النص وسياق‬ ‫(‪ )2‬المدل الس إ ق‪ 2‬ص‪.049 048‬‬ ‫(‪ )3‬سو التج ‪ :‬ةزل ما اآل ح ‪.25‬‬ ‫(‪ )4‬المدل الس إ ق‪ 2‬ص‪.048‬‬

‫(‪ )0‬سو النمل ‪ :‬ةزل ما اآل ح ‪.87‬‬ ‫(‪ )2‬المدل الس إ ق‪ 2‬ص‪.049‬‬ ‫(‪ )3‬سو الكهف ‪ :‬اآل ح ‪.47‬‬

‫(‪ )4‬المدل الس إ ق‪ 2‬ص‪.051 049‬‬

‫‪-59-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫الموقف معًا ‪ ،‬إذ ينبغي أن يكون نظم كل كلمة مع أختها المشاكلة لها شأن ما‬ ‫يراعيه ناظم العقد من ضم كل لؤلؤة مختارة إلى أختها المشاكلة لها " لئال يجيء‬ ‫الكالم قلقًا نافرًا عن مواضعه " (‪ ،)1‬وهو ما يعبر عنه علم اللغة الحـديث‬ ‫والدراسات اللسانية واألسلوبية والسياقية بسياق النص ‪ ،‬وينبغي – أيضًا –‬ ‫مراعاة مقتضى الحال والغرض المقصود من الكالم على اختالف أنواعه(‪، )2‬‬ ‫وهو ما يعبر عنه عند المحدثين المعاصرين بسياق الموقف ‪.‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )0‬المدل الس إ ق‪ 0‬ص‪.063‬‬

‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬المصي الس ةق الموضا نفس ‪.‬‬

‫‪-61-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫المبحث الثالث‬ ‫نظرة النقاد المعاصرين إلى السياق‬ ‫ً‬ ‫خاصا لدي كثير من الكتاب والنقاد المحدثين‬ ‫حازت قضية السياق اهتما ًما‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫والمعاصرين باعتبارها اتجاهًا نصيا أو أسلوبيا يتوافق وتلك الرؤى التي تدعو‬ ‫إلى سبر أغوار النص والوقوف على أسراره الفنية واإلبداعية‪ ،‬مع النظر بعين‬ ‫االعتبار إلى المؤثرات الخارجية‪ ،‬تاريخية كانت أم اجتماعية أم نفسية ‪ ،‬إلى غير ذلك ‪،‬‬ ‫من غير اإلسراف في الوقوف عندها ‪.‬‬ ‫ففي منطقة وسط بين تيار تقليدي يكاد يقتصر في دراسة النص على أبعاده‬ ‫التاريخية والعروضية والنحوية والبالغية وفق معطيات تراثية محضة ‪ ،‬وتيار‬ ‫حداثي أو لغوي ألسني يريد أن ينسلخ بالنص من محيطه التاريخي والنفسي‬ ‫والجمالي إلى مستوى أحادي النظرة هو مستوى البنية اللغــــــوية أو األلسنية ‪..‬‬ ‫في المنطقة الوسط بين هذين التيارين بدت دراسة السياق أحد أهم محاور‬ ‫االلتقاء والجمع بين ميزات هذين االتجاهين ‪ ،‬ورأى كثير من النقاد في دراسة‬ ‫السياق ‪ ،‬واالنطالق من األصول اللغوية والبالغية إلى الدراسات اللغوية‬ ‫واأللسنية الحديثة ما يمكن أن يؤسس لنظرية نقدية عربية ال تنقطع عن ماضيها‬ ‫وتراثها وال عن حاضرها ومعطيات عصرها ؛ بل تأخذ من القديم ما تبنى عليه‬ ‫عربي‬ ‫نقدي‬ ‫لمنهج‬ ‫يؤسس‬ ‫ما‬ ‫أو‬ ‫‪،‬‬ ‫جديدها‬ ‫حديث يستمد أصالته من تراثيته وحداثته معًا ‪.‬‬ ‫على أن هنـاك من الكتاب من وقف موق ًفا مترددًا بين التأسيس لهذا الفهم ‪،‬‬ ‫واالنبهار أو االنقياد المطلق وراء الحداثة الغربية بكل معطياتها‪.‬‬ ‫وهناك فريق آخر وقف موقفًا معاديًا لكل ما هو تراثي ‪ ،‬أو عربي ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫محاوال سلخ النص من كل محيطاته ليحمله رؤيته الخاصة فيما‬ ‫أو إسالمي ‪،‬‬ ‫يطلقون عليه ‪ " :‬تعدد الداللة " ‪ " ،‬ال نهائية الداللة " ‪ " ،‬فوضى الداللة " ؛‬ ‫فما دام هناك قارئ أو متلق فهناك دالالت تتعدد بل تتجدد وفق ثقافة هذا المتلقي‬ ‫أو مزاجـه لحظـة التلقي ‪ ،‬حيث ال ثبات وال قداسـة لشيء ‪ ،‬بل هـي " فوضى‬ ‫خالقـة " وفق ما يدعون ‪ ،‬وهدامة لكل ما هـو مقدس وفق ما يريدون ‪.‬‬ ‫ونعرض في هذا المبحث رؤية بعض النقاد المعاصرين للسياق ‪:‬‬

‫محمد عبد المطلب والسياق ‪:‬‬ ‫‪-60-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫ً‬ ‫أفرد الدكتور‪ /‬محمد عبد المطلب للسياق بمفهومه األدبي فصال ً‬ ‫خاصا في‬ ‫كتابه " البالغة واألسلوبية " (‪ ، )1‬وبقراءة ما كتبه عبد المطلب في هذا الفصل‬ ‫حول السياق وما جاء منثورًا في ثنايا كتابات أو موضوعات أخرى له نخلص‬ ‫إلى اآلتي ‪:‬‬ ‫‪ – 0‬أن د‪ /‬محمد عبد المطلب حاول قراءة نظرية السياق في ضوء أصولها‬ ‫التراثية البالغية والنقدية ‪ ،‬مؤكدًا أن البالغيين القدماء قد الحظوا ظاهرة‬ ‫السياق من خالل مقولتهم الدقيقة‪ :‬بأن ‪ :‬لكل مقام مقال‪ ،‬ولكل كلمة مع صاحبتها‬ ‫مقام ‪ ،‬فانطلقوا في مباحثهم حول فكرة السياق وربطها بالصياغة ‪ ،‬أو بعبارة‬ ‫أدق ربط الصياغة بالسياق ‪ ،‬وأصبح مقياس الكالم في باب الحسن والقبول‬ ‫بحسب مناسبة الكالم لما يليق به(‪. )2‬‬ ‫وعرض جانبًا من تطبيقاتهم في دراسة سياقات الحذف والذكر ‪ ،‬والتقديم‬ ‫والتأخير ‪ ،‬والتعريف والتنكير ‪ ،‬منتهيًا إلى القول بأن البالغيين في رصدهم لهذه‬ ‫السياقات كانوا يتحركون من منطلقين(‪: )3‬‬ ‫األول‪ :‬يتمثل في تحديد اإلمكانات التعبيرية في اللغة وما ينتج عنها من‬ ‫تطبيقات في الكالم اإلبداعي أو اإلخباري على حد سواء ‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬التنوع في المحيط األسـلوبي الذي يرتبط بالموقف الكالمي‪،‬‬ ‫واالهتمام بدراسة هذا المحيط الذي على أساس منه تستقر الصياغة في سياقها‬ ‫المحدد ‪ ،‬بحيث يأخذ منها هذا السياق بقدر ما يعطيها ‪.‬‬ ‫‪ – 2‬أن د‪ /‬محمد عبد المطلب قد انحاز إلى جانب ابن األثير ومن سار على‬ ‫منواله في االعتداد بقيمة اختيار اللفظة المفردة أوالً ‪ ،‬ثم وضعها في سياقها‬ ‫الذي يتطلبها ثانيًا ‪ ،‬على أن أحد األمرين ال يتم بمعزل عن اآلخر وال ينفصل عنه‬ ‫‪ ،‬يقول ‪ " :‬عندما يعمد المبدع إلى تكوين جملة لغوية يقوم بعمليتين متكاملتين ‪:‬‬ ‫في األولى يجري اختبارًا في مفردات مخزونه اللغوي ‪ ،‬وفي الثانية يجري‬ ‫عملية تنظيم لما تم اختياره ‪ ،‬بحيث يتالءم هذا التنظيم مع النسق الذي يدور فيه‬ ‫الكالم " (‪. )4‬‬ ‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬الةًلغح وابساوة ح ي‪ /‬متمي اةي المحاب ص‪ 315‬وم ةعيا (ساساح أية ا) ايي قت‬ ‫(‪ )04‬نش ش كح أة الهول الق ا ‪.‬‬ ‫(‪ )0‬الةًلغح وابساوة ح ص‪.315‬‬

‫(‪ )2‬الم ةا الس ةق ص‪ 348‬وانظ ‪ :‬ص‪.326‬‬ ‫(‪ )0‬الةًلغح وابساوة ح ص‪.315‬‬

‫‪-62-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪ – 3‬يرى د‪ /‬محمد عبد المطلب أن فكرة السياق نالت جهدًا من النقاد‬ ‫القدامى لكنها لم تكن متبلورة تما ًما ‪ ،‬بحيث كان السياق في األعمال القديمة‬ ‫ينصب على معنى العبارة المفردة أو على معنى عدة عبارات تدرس بصورة‬ ‫انتقائية من النص ‪ ،‬فخاصية النظرة الشاملة لم تتوفر لهم بد ًءا من رصدهم‬ ‫للفظة إلى تحليلهم للجملة ‪ ،‬فقد نظروا إليها بشكل مستقل ‪ ،‬في حين " أن‬ ‫النظرة الشمولية لو استطاعت أن تمد بصرها إلى ربط السياقات المختلفة بعضها‬ ‫ببعض ألمكن تبين التكوين الكامل لبناء العمل األدبي ‪ ،‬من حيث خواصه اللغوية‬ ‫وخضوعها لقوانين تخلق النظام فيه ‪ ،‬وهي قوانين تركيبية ال تقتصر فقط على‬ ‫مجرد الربط بين سياقات متراكمة ‪ ،‬ولكنها تخلق من المجموع كيانًا جديدًا له‬ ‫مالمحه المتميزة " (‪. )1‬‬ ‫ومع تقديرنا لعبد المطلب وجهوده الرامية إلى اإلسهام في تشكيل نظرية‬ ‫عربية في النقد األدبي ‪ ،‬تنطلق من قراءة الموروث النقدي عند العرب(‪، )2‬‬ ‫ومحاولة البناء عليه في ضوء الدراسات الحديثة والعصرية بما يحفظ لنا هويتنا‬ ‫الثقافية ‪ ،‬بحيث ال ننسلخ عن ماضينا وال ننعزل عن حاضرنا – فإنني أؤكد على‬ ‫ما يأتي ‪:‬‬ ‫‪ – 0‬أننا ال ينبغي أن نحاكم التراث في ضوء معطيات عصرنا الحديث ‪ ،‬فالعلوم‬ ‫والفنون ال تولد مكتملة ‪ ،‬وسنة التطور تقتضي أن يبنى الالحق على ما أتى به‬ ‫السابق ‪ ،‬وأن الكلمة األخيرة في األدب والنقد لم ولن تقال بعد ‪.‬‬ ‫‪ – 2‬أن جهود نقادنا القدامى في دراسة السياق تعد ركيزة قوية ‪ ،‬ومنطل ًقا‬ ‫واسعًا للدراسات السياقية واألسلوبية الحديثة التي يعتبر أكثرها اإلما َم عبد‬ ‫ال قاهر األب الروحي والمصدر الرئيس لهذه الدراسات ‪ ،‬بل إن بعض الكتاب يؤكد‬ ‫أن أكثر القضايا السياقية واألسلوبية الحديثة ترجع في أصولها إلى ما كتبه‬ ‫البالغيون والنقاد القدماء ‪ ،‬وبخاصة ما كتبه اإلمام عبد القاهر في دالئل اإلعجاز‬ ‫وأسرار البالغة ‪ ،‬وما كتبه ابن األثير في المثل السائر ‪ ،‬وهو ما نفصله في نظرة‬ ‫د‪ /‬عبد العزيز حمودة إلى السياق في الصفحات التالية(‪. )3‬‬ ‫‪ – 3‬أن د‪ /‬عبد المطلب نفسه يعترف بأن بعض النقاد القدماء قد حاول‬ ‫تجاوز النظرة إلى اللفظة أو الجملة إلى النظرة العامة للسياق ‪ ،‬يقول ‪ :‬إن الذي‬ ‫(‪ )2‬الم ةا الس ةق ص‪.349‬‬ ‫(‪ )3‬اةا كي ة ‪ :‬ةيل ح اإلف اي والي ك ب ف النقري الع ةر القري ت ص‪( 6-4‬ساسراح أية ر ا) اريي قرت‬ ‫(‪ )05‬نش ش كح أة الهول ة لق ا سنح ‪0995‬ت‪.‬‬ ‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬ص ‪ 92-89‬وم ةعيا ‪.‬‬

‫‪-63-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫ندعو إليه هو محاولة تخطي النظرة الضيقة التي تجعل من الجملة كال ًما قائ ًما‬ ‫بذاته – إلى اعتبار الجملة جز ًءا من كل تتصل به اتصاال ً عضويًا ‪ ،‬وتتفاعل معه‬ ‫في عمليات مقصودة تكشف عن نظام النص ‪ ،‬بحيث تدرك القيمة الحقيقية‬ ‫لسياق الحذف من خالل السياق األعم كسياق اإليجاز مثالً ‪ ،‬والقيمة الحق يقية‬ ‫لسياق الذكر من خالل السياق األعم كسياق اإلطناب ‪ ،‬بحيث يكون السياق في‬ ‫نهاية األمر صورة للعالقات الجزئية التي تتيح لنا عملية الفهم وإدراك التكوين‬ ‫الشمولي ‪.‬‬ ‫ثم يؤكد بنفسه أن هذا هو ما حاوله ابن األثير ‪ ،‬يقول ‪ " :‬وأعتقد أن ابن‬ ‫األثير قد بدأ هذه المحاولة ف ي المثل السائر عندما درس ألوان الحذف وأضربه‬ ‫وسياقاته تحت باب اإليجاز ‪ ،‬كما درس ألوان الذكر وأضربه وسياقاته تحت باب‬ ‫اإلطناب ‪ ،‬وهي محاولة يمكن تنميتها في مجال البحث البالغي الحديث ‪ ،‬وربطه‬ ‫بالدراسة األسلوبية من حيث يصبح الكل له األهمية األولى أو المرتبة األولى‬ ‫بالنسبة لألجزاء ‪ ،‬وإن كانت هذه األولوية ال تلغي الجزء أو توقف تأثيره في‬ ‫السياق " (‪. )1‬‬ ‫وهنا نتوافق معه في القول بضرورة أن نأخذ محاوالت نقادنا وأدبائنا‬ ‫القدماء بعين االعتبار ‪ ،‬ونعمل على تنمية ما يسهم منها في بناء نظريتنا النقدية‬ ‫العربية إن كنا نسعى جادين إلى العمل على تحقيق هذه النظرية ‪.‬‬ ‫ونؤكد على أن القول بتصويب النظرة إلى الكل مع عدم إلغاء الجزء أو‬ ‫توقف تأثيره في السياق هو عين ما نادى به ابن األثير في كتابه " المثل السائر‬ ‫" وقد أشرت إلى ذلك في الحديث عن رؤية ابن األثير للسياق(‪. )2‬‬

‫عبد العزيز حمودة والسياق ‪:‬‬ ‫يعد د‪ /‬عبد العزيز حمودة من أبرز الكتاب والنقاد المتحمسين لتبني نظرية‬ ‫نقدية عربية بصفة عامة ‪ ،‬ودراسة السياق واالنطالق منه لبناء هذه النظرية‬ ‫بصفة خاصة ‪.‬‬ ‫يقول ‪ " :‬إن الخروج من التيه النقدي الذي أدخلتنا فيه المذاهب‬ ‫واالستراتيجيات واالتجاهات الحداثية وما بعد الحداثية الغربية يفرض علينا‬ ‫البحث عن نظرية عربية بديلة تلقي عندها سفينة الثقافة العربية مراسيها حماية‬

‫(‪ )0‬ةيل ح اإلف اي والي ك ب ف النقي الع ة القي ت ص‪.351 349‬‬ ‫(‪ )2‬اةا‪ :‬ص ‪ 71‬وم ةعيا ‪.‬‬

‫‪-64-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫لها من أنواء المشهد الدولي ثقافيًا وسياسيًا " (‪. )1‬‬ ‫وإننا ال نستطيع تجاهل إنجازات البالغة العربية باعتبارها جذورنا التي‬ ‫ً‬ ‫خاصا بنا ‪ ،‬هو – في نهاية األمر –‬ ‫يمكن أن تطعم بالجديد والمختلف لتثمر شيئا‬ ‫هويتنا الواقية(‪. )2‬‬ ‫ويرى حمودة أننا لو لم نمارس قطيعة معرفية مع بالغتنا العربية القديمة‬ ‫وتراثنا لكنا قد تمكنا من تطوير الخيوط التي توفرت لدينا في جديلة متينة قوية‬ ‫في القرن العشرين(‪. )3‬‬ ‫ويرى في كتابات النقاد والبالغيين العرب ‪ -‬وبخاصة كتابات عبد القاهر في‬ ‫الدالئل واألسرار ‪ ،‬وعلى وجه أخص ما يتصل بقضية النظم ‪ -‬ما يمكن أن‬ ‫يؤسس أو ينطلق منه لبناء نظرية نقدية عربية ‪ ،‬وأن هذا الفهم ال يعني العزلة‬ ‫عن معطيات العصر ‪ ،‬أو رفض اآلخر الثقافي ‪ ،‬بل إنه يقوم على االتصال باآلخر‬ ‫الثق افي من ناحية وبجذورنا البالغية من ناحية أخرى ‪ ،‬وأن هـذا المشروع سوف‬ ‫يكون هويتنا الواقية في مرحلة نضجه(‪. )4‬‬ ‫ويقول ‪ :‬إن قراءة التراث اللغوي والنقدي العربي في عصره الذهبي ال‬ ‫يمكن إال أن تؤدى إلى حقيقتين ساطعتين(‪: )5‬‬ ‫األولى ‪ :‬أن الحياة األدبية العربية كانت لمد ة أربعة أو خمسة قرون تموج‬ ‫بالتيارات اللغوية والنقدية بصورة ال تقل عن حركة الحياة األدبية األوروبية في‬ ‫القرنين التاسع عشر والعشرين ‪ ،‬وأن ذلك كله بدأ ووصل إلى ذروته ثم انتهى‬ ‫في وقت كانت أوروبا أثناءه تعيش عصر الظالم والجهالة ‪.‬‬ ‫الثانية ‪ :‬أن ذلك التراث لو تمت قراءته وغربلته دون انبهار بمنجزات‬ ‫العقل الغربي سوف يتبقى منه الكثير الذي كان قادرًا على تطوير نظرية لغوية‬ ‫ونظرية نقدية متكاملتين ‪.‬‬ ‫ويرى أن النسق أو النظام في المنظور الحديث بل البنيوي ال يضيف الكثير إلى‬

‫(‪ )0‬الخ ر و مررا الي ر ‪ :‬ي اسررح ف ر سرراحح الررنص ي‪ /‬اةرري العز ررز تمرروي ص‪ 276‬ساسرراح ا ر لت‬ ‫المع فح ايي قت (‪ )298‬إصيا‬

‫(‪ )2‬الم ةا الس ةق ص‪.303‬‬

‫مض ا ‪0424‬ار ‪ /‬نوفمة ‪2113‬ت‪.‬‬

‫(‪ )3‬الم ةا الس ةق ص‪.276‬‬ ‫(‪ )0‬انظ ر ‪ :‬الخ ر و مررا الي ر ص‪ 275‬والم ا ر المقع ر ص‪234 228 226 094 086‬‬ ‫‪.254 252 250 235‬‬ ‫(‪ )2‬الم ا المقع ص‪.094‬‬

‫‪-65-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪ ،‬وأن عبد‬

‫مفهوم النظم كما تتابع النقاد العرب على شرحه قبل عبد ا لقاهر وبعده‬ ‫القاهر يمثل نقطة الذروة في الحديث عن نظرية النظم العربية(‪. )2‬‬ ‫ويتتبع حمودة جهود البالغيين والنقاد العرب في دراسة النظم أو‬ ‫السياق‪ ،‬فيعرض لبعض آراء الجاحظ‪ ،‬والقاضي عبد الجبار‪ ،‬والخطابي‪ ،‬وعبد القاهر‪،‬‬ ‫وابن سنان الخفاجي‪ ،‬وضياء الدين بن األثير ‪ ،‬وحازم القرطاجني‪ ،‬وغيرهم(‪. )3‬‬ ‫ومن يراجع كتابه " المرايا المقعرة " يدرك مدى حماس الرجل وتبنيه‬ ‫لقضية النظم ودراسة السياق(‪ ، )4‬حيث يؤكد أنها تشكل أساسًا قويًا للنظرية‬ ‫النقدية العربية المنشودة ‪ ،‬وأنها جمعت كثيرًا من مفردات النسق الحداثي " (‪. )5‬‬ ‫ويرى أن البالغة العربية وبخاصة دراسة النظم أو السياق قد تجاوزت‬ ‫المعطيات اللغوية التي توقف عندها النقاد البنيويون وما بعد البنيويين ‪ ،‬يقول ‪:‬‬ ‫إن تعامل البالغي العربي مع النص يقدم نموذجً ا نقديًا ال يختلف في جوهره عن‬ ‫النموذج البنيوي مع فارق جوهري ‪ ،‬هو أنه ال يتوقف في جمود عند آلية تحقق‬ ‫الداللة ‪ ،‬بل يتخطاها إلى المعنى نفسه وماهيته ‪ ،‬وهكذا جاءت الممارسة النقدية‬ ‫العربية مزيجًا مبكرًا من النقد التحليلي والنقد البنيوي(‪. )6‬‬ ‫ويكفي القارئ أن يتوقف عند عبد القاهر الجرجاني وحده ليدرك ذلك‬ ‫االنشغال بطـــريقة قيــــــام اللغــة با لداللة من ناحيـــــة ‪ ،‬وماهية الداللة أو‬ ‫المعنى الذي تدل عليه تلك اللغة من ناحية أخرى ‪ ،‬فاللغة عنده وحدة ال تنفصل‬ ‫فيها الصورة الشعرية عن التعبير األدبي ‪ ،‬بل هي جزء ال يتجزأ منه‪ ،‬ال تستمد‬ ‫قيمتها إال من النظم ‪ ،‬وال تكتسب قيمتها إال من السياق؛ بل إن تفسيرها و فهم‬ ‫معناها ال يمكن تحقيقه إال من بعد العلم بالنظم والوقوف على حقيقته(‪. )7‬‬

‫نظرة بعض الكتاب والنقاد اآلخرين للسياق ‪:‬‬ ‫طبعي أن الحديث حــــول السياق لم يكــــن قصـــــرًا على عدد معين أو‬ ‫(‪ )3‬الم ةا الس ةق ص‪.226‬‬ ‫(‪ )4‬الم ةا الس ةق ص‪.248‬‬

‫(‪ )0‬الم ا المقع ص‪ 225‬وم ةعيا ‪.‬‬ ‫(‪ )2‬اةا ‪ :‬الم ةا الس ةق ص‪ 225‬وم ةعيا ‪.‬‬

‫(‪ )3‬الم ةا الس ةق ص‪ 226‬وقي سةق اليعا ق اا ذلك ص‪.67‬‬ ‫(‪ )4‬الم ةا الس ةق ص‪.323‬‬

‫(‪ )0‬الم ا المقع ص‪ 324‬نقًل اا قض‬ ‫ص‪ 309‬ح‪ /‬يا الش وق الق ا‬

‫النقي ابية ة ا القي ت والتي‬

‫سنح ‪0994‬ت‪.‬‬

‫‪-66-‬‬

‫لمتمي زك العشرم وي‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫محدد من الكتاب ‪ ،‬فقد عبر كثير من الكتاب والنقاد عن وجهة نظرهم في دراسة‬ ‫ال سياق وأثره في النص األدبي سواء من جهة التنظير أم من جهة المقاربات‬ ‫النقدية التطبيقية لبعض النصوص ‪.‬‬ ‫ومن هؤالء الكتاب د‪ /‬صالح فضل الذي يؤكد أن مناقشة معنى كلمة أو‬ ‫جملة دون ربطها بسياقها في الفقرة أو القطعة أو الفصل أو القول كله تقود إلى‬ ‫أخطاء متتالية في الفهم والتفسير ‪ ،‬وتفسير التعبير األدبي ليس سوى توضيح‬ ‫داللته ‪ ،‬وبهذا فإن على علم األسلوب أن يشرح تلك الداللة ‪ ،‬وهي داللة‬ ‫النسيج(‪. )1‬‬ ‫بل إنه يتجاوز دراسة سياق النص إلى دراسة سياق الموقف فيقول ‪:‬‬ ‫باإلضافة لهذه السياقات النصية هناك سياق آخر هو الذي يطلق عليه علماء‬ ‫ا للغة اسم سياق الموقف ‪ ،‬وينبغي أن يؤخذ في االعتبار عند الدراسة األدبية‬ ‫لألسلوب ‪ ،‬ما دمنا نريد أن نجرى عليه اختبارًا ً‬ ‫جادا في نطاق تحليل أدبي مكتمل(‪.)2‬‬ ‫ويرى أن استخدام مصطلح " السياق " هو التعبير األمثل واألدق في‬ ‫دراسة تحليل النصوص ؛ ألنه يشمل دراسة العناصر اللغوية وغير اللغوية ‪ ،‬فكل‬ ‫نص أو مشهد يتصل بسياقات متعددة ‪ ،‬بعضها يمكن تحديده بطريقة شكلية أو‬ ‫لغوية ‪ ،‬وبعضها يمكن تحديده في ضوء سياق الموقف الذي يشمل المتكلم‬ ‫والمستمع وعالقاتهما وبيئتهما(‪. )3‬‬ ‫كما يرى أن التحليل اإلحصائي لألسلوب ال بد أن يدخل في حسابه عامال ً‬ ‫جوهريًا هو السياق " إذ إن اإلحصاءات المتصلة بالعناصر الفردية عندما تغفل‬ ‫السياق تفقد داللتها األسلوبية " (‪. )4‬‬ ‫وتتحدث الدكتورة‪ /‬حكمت صباغ الخطيب المعروفة بيمنى العيد عن مفهوم‬ ‫النسق ‪ ،‬فتقول ‪ " :‬يتحدد هذا المفهوم في نظرتنا إلى البنية ككل ‪ ،‬وليس في‬ ‫نظرتنا إ لى العناصر التي تتكون منها وبها البنية ‪ ،‬ذلك أن البنية ليست مجموع‬ ‫هذه العناصر ‪ ،‬بل هي هذه العناصر بما ينهض بينها من عالقات تنتظم في حركة‬ ‫‪ ،‬فالعنصر خارج البنية غيره داخلها ‪ ،‬وهو يكتسب قيمته داخل البنية ‪ ،‬وفي‬ ‫عالقته ببقية العناصر أو بموقعه في شبكة العالقات ا لتي تنتظم العناصر ‪ ،‬والتي‬ ‫(‪ )2‬اات ابساوب ‪ ..‬مة يإ واة الاي‬

‫ي‪ /‬صًلح فضل ص‪.015‬‬

‫(‪ )0‬اات ابساوب ‪ ..‬مة يإ واة الاي ص‪.251‬‬ ‫(‪ )2‬الم ةا الس ةق ص‪.244‬‬ ‫(‪ )3‬الم ةا الس ةق ص‪.269‬‬

‫‪-67-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫تنهض بها البنية فتنتج نسقها ‪ ،‬والعالمة اللغوية عنصر تتحدد قيمته بموقع‬ ‫– مثالً – رمز في القصيدة‬ ‫وجوده في منظومة العالقات ‪ ،‬فالماء‬ ‫العربية ‪ ،‬قيمة هذا الرمز وداللته في بنية نص شعري جاهلي غير قيمته وداللته‬ ‫في بنية نص شعري للسياب ‪ ،‬ففي البنية أو في الكل الذي له نسقه يكتسب‬ ‫الرمز قيمته وليس العكس(‪. )1‬‬ ‫ويقول د‪ /‬ردة هللا الطلحي ‪ :‬لم يعد السياق مرجعية عائمة تردف به نتائج‬ ‫أو‬ ‫تحليل المعنى أو تفسيره حين يقال‪ :‬دل عليه سياق الكالم ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫حذف لداللة السياق ‪ ،‬ونحو ذلك ‪ ،‬فقد أضحى السياق كيانا يتجلى في جملة‬ ‫العالقات المعجمية والتركيبية التي تصف النص بااللتحام أو التماسك أو االتساق‬ ‫‪ ،‬سواء في داخله أم مع الموقف الذي ورد فيه النص(‪ ، )2‬كما أنه ذو اعتبار هام‬ ‫في فهم األسلوب وتوجيه داللته(‪ ، )3‬بل يمكن القول بأن السياق هو الذي يصنع‬ ‫الداللة أو يكشفها على اعتبار حال المتكلم أو المتلقي(‪. )4‬‬ ‫ويذهب د‪ /‬وهب أحمد رومية إلى أن السياق هو منبع العالقات والهوية‬ ‫واالنتماء‪ ،‬ففي السياق تتجلى عالقة الذات الشاعرة باآلخر واشتباكها به(‪، )5‬‬ ‫ويرى أن البنيوية الشكلية عزلت النص األدبي وأغفلت مرجعه ‪ ،‬واكتفت بالنظر‬ ‫في عناصر البنية وفي نظام حركة هذه العناصر ‪ ،‬وعجزت أن تفسر بنيويًا‬ ‫االنتقال من بنية إلى أخرى ‪ ،‬فكشفت عن كونها بنيوية مغلقة ‪.‬‬ ‫وقد أدرك بعض النقاد البنيويين هذا القصور فأخذوا يعيدون النظر في هذا‬ ‫المفهوم ‪ ،‬ويقيمون العالقة ويوطدون األسباب بين ه وبين مجاله الثقافي‬ ‫واالجتماعي حرصًا على عالقة النص األدبي بالواقع من جهة ‪ ،‬وعلى أدبيته من‬ ‫جهة أخـرى ‪ ،‬فليس النص األدبي – على تميزه واستقالله – بنية معزولة ‪ ،‬بل‬ ‫هو بنية موجودة في بنية محيطه ؛ أي ‪ :‬هو بنية وهو في الوقت نفسه عنصر‬ ‫(‪ )0‬ف مع فرح الرنص ‪ :‬ي اسر ا فر النقري ابيةر‬

‫ي‪ /‬تكمرا صرة ا الخح رب ( منر الع ري) ص‪32‬‬

‫‪ 33‬نش يا اآلف ق الةي ي ة وا ‪0985‬ت‪.‬‬

‫(‪ )2‬ياللح الس ق ي‪ /‬ي اه ةا ض ف الحات ص‪.629‬‬ ‫(‪ )3‬الم ةا الس ةق ص‪.538‬‬ ‫(‪ )4‬الم ةا الس ةق ص‪.539‬‬

‫(‪ )0‬شررع ن القرري ت والنقرري الةي رري ي‪ /‬واررب أتمرري وم ررح ص‪ 072‬ساسرراح ار لت المع فررح ارريي قررت‬ ‫(‪ )217‬سنح ‪0406‬ار ‪0996 /‬ت‪.‬‬

‫‪-68-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫في بنية أخرى(‪. )1‬‬

‫ونخلص من كل ما تقدم إلى اآلتي ‪:‬‬ ‫أ – أن الكتاب والنقاد المحدثين والمعاصرين عندما تحدثوا عن نظرية‬ ‫السياق لم يخلقوا نظرية من العدم ‪ ،‬إنما تابعوا في ذلك النقاد المتقدمين ‪ ،‬فنهلوا‬ ‫من معينهم ‪ ،‬وبنوا على أساسهم ‪.‬‬ ‫ب – أن النقاد القدماء وإن كان أكثرهم لم ينص صراحة على مصطلح‬ ‫السياق فإنهم كانوا على وعي دقيق بمقتضياته ‪ ،‬وقاربوا هذه المقتضيات سواء‬ ‫في ضوء نظرية النظم أم تحت مسميات أخرى ‪ ،‬كمقتضى الحال والمقام ‪،‬‬ ‫وحسن التأليف ‪ ،‬وجودة السبك ‪ ،‬وصحة النسج ‪ ،‬ومقتضيات الصياغة‪ ،‬والتئام‬ ‫اللفظ والمعنى ‪ ،‬ونحو ذلك ‪.‬‬ ‫ج – أن المحدثين – أيضًا – كانت لهم مشاربهم المختلفة ‪ ،‬فمنهم من‬ ‫تحدث في صراحة ووضوح عن نظرية السياق ‪ ،‬ومنهم من تناوله أو قاربه من‬ ‫خالل مصطلحات أخرى ‪ ،‬كالنسق ‪ ،‬أو النظام ‪ ،‬أو البنية ‪.‬‬ ‫د – أن المحدثين والمعاصرين فصلوا ما أجمله النقاد المتقدمون وحاولوا‬ ‫تقنينه ‪ ،‬فبعد أن كان األمر في جملته يدور حول النظم ومقتضى الحال والمقام‬ ‫صار األمر عند النقاد المحدثين والمعاصرين أكثر تفصيال ً ‪ ،‬ففرقوا بين سياق‬ ‫النص بمستوياته الصوتية والتصريفية والمعجمية والتركيبية أو الداللية ‪،‬‬ ‫وسياق الموقف ‪ ،‬وسياق الثقافة أو ما يعرف عند بعضهم بالسياق الكبير ‪ ،‬وعند‬ ‫بعضهم بالسياق األكبر ‪.‬‬ ‫هـ – أن الفارق بين رؤية القدماء والمعاصرين للسياق هو أن دراسة‬ ‫القدماء للسياق عنيت إما بدراسة الجملة أو العبارة ‪ ،‬أو بدراسة الكلمة وموقعها‬ ‫من الجملة ‪ ،‬فالجملة هي محور الدراسة السياقية لدي البالغيين والنقاد القدماء‬ ‫‪.‬‬ ‫أما النقاد المحدثون والمعاصرون فقد تطلبوا دراسة سياقية للنص برمته ‪،‬‬ ‫تتدرج من المستوى الصوتي إلى المعجمي ‪ ،‬فالسياق الصرفي ‪ ،‬فالنحوي ‪،‬‬ ‫فسياق النص الداللي والتركيبي ‪ ،‬فسياق الثقافة الذي يشمل الموقف ‪ ،‬والتاريخ‬ ‫(‪ )2‬الم ةا الس ةق ص‪.062‬‬

‫‪-69-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪ ،‬والزمان ‪ ،‬والمكان ‪ ،‬وسائر الجوانب التي يمكن أن تضيء أو تسهم في تفسير‬ ‫النص ‪ ،‬مع عدم عزل أي سياق منها عن سياقات النص األخرى ‪ ،‬فالسياق‬ ‫عندهم ال ينبغي أن يشمل الكلمات والجمل السابقة والالحقة فحسب ‪ ،‬بل القطعة‬ ‫كلها ‪ ،‬أو النص كله ‪ ،‬أو الكتاب كله ‪ ،‬كما ينبغي أن يشمل بوجه من الوجوه كل ما‬ ‫يتصل بالكلمة من ظروف ومالبسات ‪.‬‬ ‫لقد وضعت نظرية السياق عند النقاد المعاصرين مقاييس لشرح البنى‬ ‫النصية وتفسيرها وتحديد داللتها من خالل موقعها واندماجها في سلسلة من‬ ‫السياقات ‪ " ،‬أي سياقات كل واحد منها ينضوي تحت سياق آخر ‪ ،‬ولكل واحد‬ ‫منها وظيفة في نفسه ‪ ،‬وهو سياق في سياق أكبر ‪ ،‬وفي كل السياقات األخـرى ‪،‬‬ ‫وله مكانه الخاص فيما يمكـن أن نسميه سياق الثقافة " (‪. )1‬‬ ‫على أن هذا التنظير ال نجـد له صدى يذكر في مجال الدراسات التطبيقية ‪،‬‬ ‫فعند التطبيق دار الكتاب والنقاد المعاصرون المهتمون بالسياق في فلك‬ ‫الدراسات البالغية والنقدية القديمة ‪ ،‬فتحدثوا عن الحذف والذكر ‪ ،‬والتقديم‬ ‫والتأخير ‪ ،‬والتعريف والتنكير ‪ ،‬والفصل والوصل‬

‫(‪)2‬‬

‫‪ ،‬وعالقات المجاز‬

‫(‪ )0‬ياللح الس ق ي‪ /‬ي اه الحات ص‪ 214‬و اةا‪ :‬ص‪ 215-213‬وقي يأد‬ ‫ةةعض النق ي الغ ة ا ما أمد ل ف‬

‫واسي فا أولم ا وة لم‬

‫ونقل ةعض مر كيةروا فر ارذا‬

‫ض ‪ :‬اات ابساوب ‪ ..‬مة يإ واة الاي‬ ‫الشأا وانظ ف ذلك أ ا‬ ‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬الةًلغح وابساوة ح ي‪ /‬متمي اةي المحاب ص‪ 303‬وم ةعيا ‪.‬‬

‫‪-71-‬‬

‫ي اه ف ذلرك‬

‫ي‪ /‬صًلح فضل ص‪.25‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬ ‫(‪)1‬‬

‫المرسل‬

‫(‪)2‬‬

‫‪ ،‬ومعاني بعض الحروف واألدوات‬

‫‪ ،‬والفعل والفاعل ‪ ،‬والمبتدأ‬

‫(‪)3‬‬

‫والخبر ‪ ،‬والحال وصاحبها ‪ ،‬والنعت والمنعوت‬ ‫االستفهام ‪ ،‬واألمر‪ ،‬والنهي ‪ ،‬والنداء‬

‫(‪)4‬‬

‫وأنواع الجملة ‪ ،‬وأساليب‬

‫‪ ،‬كل على حدة في دراسة ال تكاد تخرج‬

‫عما ألفناه في كتب البالغة العربية ‪.‬‬ ‫وقد اتخذت بعض الدراسات خطًا رأسيًا ‪ ،‬فتدرس ظاهرة التقديم والتأخير ‪،‬‬ ‫أو الحذف والذكر ‪ ،‬أو التعريف والتنكير ‪ ،‬في نص ما أو ديوان ما‪ ،‬وقد تدرس‬ ‫هذه الظواهر األسلوبية في عمل أدبي ما ‪ ،‬لكنها تدرس كل سياق منها على حدة‬ ‫‪ ،‬دون أن تربطه بالسياقات األخرى ‪ ،‬وغالبًا ما تلجأ إلى الدراسة اإلحصائية ‪،‬‬ ‫وهو ما يدعونا إلى التفرقة بين الدراسات السياقية وغيرها من الدراسات‬ ‫النصية األخرى ‪ ،‬وبخاصة األسلوبية اإلحصائية ‪.‬‬

‫وقفة بين الدراسات السياقية والدراسات النصية األخرى ‪:‬‬ ‫الدراسات السياقية ال تعزل النص عن المعطيات الخارجية التي يمكن أن‬ ‫تضيء بعض جوانبه اإلبداعية ‪ ،‬فإنها – وإن كانت تركز على سياق النص‬ ‫وبنيته اللغوية والتركيبية – ال تهمل سياق الموقف ‪ ،‬بل تحاول اإلفادة منه في‬ ‫تفسير سياق النص ‪.‬‬ ‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬ياللح الس ق ل ي اه ةا ض ف الحات ص‪ 328‬وم ةعيا ‪.‬‬ ‫(‪ )3‬الم ةا الس ةق ص‪ 395‬وم ةعيا ‪.‬‬ ‫(‪ )4‬الم ةا الس ةق ص‪ 415‬وم ةعيا ‪.‬‬ ‫(‪ )5‬الم ةا الس ةق ص‪ 482‬وم ةعيا ‪.‬‬

‫‪-70-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫أما الدراسات اللغوية أو األلسنية أو األسلوبية اإلحصائية فإنها ال تعني‬ ‫سوى بمعطيات النص اللغوية ‪ ،‬يقول د‪ /‬عبد العزيز حمودة ‪ :‬حينما يتبنى‬ ‫البنيويون األدبيون البنيوية اللغوية يرثون النموذج اللغوي بسلبياته كاملة ‪،‬‬ ‫وأبرزها – بالطبع – ذلك االنشغال الكامل بالكيف دون المعنى ‪ ،‬وال يشذ‬ ‫البن يويون الماركسيون عن ذلك رغم محاوالتهم المستمرة لتحديد منطقة وسط‬ ‫يحققون فيها نوعًا من التزاوج المستحيل أو الصعب على أقل تقدير بين‬ ‫استقاللية البنية اللغوية وقدرتها على أداء وظيفتها الداللية في عالقتها مع البنى‬ ‫اللغوية األخرى داخل النص األدبي من ناحية ‪ ،‬وارتباطها بعناصر البنية التحتية‬ ‫من قوى اإلنتاج والصراع الطبقي من ناحية أخرى‪ ،‬وهكذا حينما ننتقل إلى‬ ‫مقاربة نص أدبي ماض متطور بنيوي فإن همنا األول واألساس هو البنى‬ ‫والوحدات اللغوية في عالقتها بعضها ببعض من ناحية‪ ،‬وفي عالقتها بالنظام‬ ‫الكلي الذي يفرضه النوع من ناحي ة أخرى التركيز إذن يكون على الداالت أما‬ ‫الدالالت فال تهم الناقد البنيوي كثيرًا(‪. )1‬‬ ‫وقد تنبه بعض المتحمسين للدراسات اللغوية األلسنية والدراسات‬ ‫األسلوبية اإلحصائية للمخاطر التي يمكن أن يجرها االعتماد المطلق على هذه‬ ‫المناهج دون مراعاة أثر األبعاد السياقية األخرى على النص ‪ ،‬يقول د‪ /‬صالح‬ ‫ً‬ ‫خاصا مقل ًقا‬ ‫فضل ‪ " :‬وربما كان من المالئم للنقاد االعتراف بأن هناك وضعًا‬ ‫لهم ‪ ،‬يتمثل في عدم التوازن في معرفة أبعاد النص اللغوية وغير اللغوية ‪ ،‬األمر‬ ‫الذي يعد من مظاهر أزمة الشعرية المعاصرة ‪ ،‬فالبحث األلسني المحدث قد أدرك‬ ‫(‪ )0‬الم ا ر المتيةررح‪ :‬مررا الةن و ررح إلر اليفك ررك ي‪ /‬اةرري العز ررز تمرروي ص‪ 013‬نشر ساسرراح ار لت‬ ‫المع فح ايي قت (‪ )232‬إصيا ذي التةح ‪0408‬ار ‪ /‬أة ل ‪0998‬ت‪.‬‬

‫‪-72-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫درج ة عالية من التقدم في التعرف العلمي على األبنية المادية اللغوية للنص‬ ‫األدبي في مقابل تواضع معرفة واختبار بقية األبعاد التصورية والتخيلية‬ ‫والجمالية المكونة لهذا النص ‪ ،‬هذه األبعاد التي تعتبر حاسمة في تحديد خواصه‬ ‫الشعرية (‪. )1‬‬ ‫فالداللة الشعرية ال تقتصر على معطيات الداللة اللغوية العامة ‪ ،‬بل تتمثل‬ ‫في محصلة التداخل البنيوي لمجموعة األبنية التعبيرية المتعالقة ‪ ،‬فالبنية‬ ‫اإليقاعية مثالً تعد شفرة إضافية شعرية ال تقتضيها األنظمة الصوتية اللغوية مع‬ ‫أنها منبثقة عنها ‪ ،‬لكنها تقوم بدور مركزي في تجربة الشعرية العربية حضورًا‬ ‫وغيابًا ‪ ،‬بحيث أوشكت أن تظل بؤرة االستقطاب النوعي لجنس الشعر على مر‬ ‫العصور(‪. )2‬‬ ‫ويؤكد د‪ /‬صالح فضل في أكثر من موضع أن من نقط الضعف الخطيرة في‬ ‫الدراسة اإلحصائية لألسلوب أنها ال تقيم عادة حسابًا لتأثير السياق ‪ ،‬مع أننا نعرف‬ ‫من الدراسات التطبيقية أن السياق له دور حاسم في التحليل األسلوبي ‪ ،‬األمر الذي‬ ‫دعا بعض الباحثين إلى إدخال التحليل السياقي المقــارن كشـرط أســ اس في‬ ‫الحســـاب اإلحصـــائي للمـــالمح األسلوبية(‪.)3‬‬ ‫وينقل عن استيفن أولمان قوله ‪ :‬إن التحليل اإلحصائي لألسلوب ال بد أن‬ ‫يدخل في حسابه عامالً جوهريًا هو السياق(‪. )4‬‬ ‫ويؤكد أن المنهج اإلحصائي أشد غلظة وأكثر بدائية من أن يلتقط بعض‬

‫(‪ )0‬ابس ل ب الشع ح المع ص‬

‫ي‪ /‬صًلح فضل ص‪ 21‬ح‪ /‬يا اآلياب ة وا ‪0995‬ت‪.‬‬

‫(‪ )2‬الم ةا الس ةق ص‪.05‬‬

‫(‪ )0‬اةا ‪ :‬مةارح فصرول ‪ :‬المةاري ال اةرا العريي ابول أكيروة – ي سرمة ‪( 0983‬مقر ل ةعنرواا ‪ :‬مرا‬ ‫الوةهرح اإلتصر إ ح فر الي اسرح ابسراوة ح) ي‪ /‬صرًلح فضرل ص‪ 038‬واارت ابسراوب ‪ ..‬مة يإر‬

‫واة الاي‬

‫ي‪ /‬صًلح فضل ص‪.271‬‬

‫(‪ )2‬اات ابساوب ‪ ..‬مة يإ واة الاي‬

‫ي‪ /‬صًلح فضل ص‪.269‬‬

‫‪-73-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫الظالل المرهفـة لألسلوب ‪ ،‬مثل ‪ :‬اإليقاعات العاطفية ‪ ،‬واإليحاءات المستثارة ‪،‬‬ ‫والتأثيرات الموسيقية الدقيقة (‪. )1‬‬ ‫وهو ما يؤكده – أيضًا – الناقد العراقي الدكتور‪ /‬ضياء خضير بقوله ‪ :‬ومن‬ ‫المعروف أن بعض النقاد المحدثين قد دعوا إلى مراجعة مبدأ اإلحصاء في نقد‬ ‫األدب مراجعة جذرية ‪ ،‬إذ ينبغي التخلي عن الفرضية التي ترى أن ارتفاع نسبة‬ ‫التوتر في الكلمة كاف ليجعل منها كلمة مفتاحًا ما لم يترافق ذلك بأمور أخرى‬ ‫ينطوي عليها السياق العام للنص(‪. )2‬‬ ‫و يرى أن االتجاهات النقدية الجديدة بانهماكها الكبير في فحص آليات النص‬ ‫الشكلية والبنيوية نسيت أو تناست المستوى الداللي للنص األدبي عمو ًما‬ ‫والنص الشعري خصوصًا ‪ ،‬واكتفى بعضها بمالمسة المستوى الداللي مالمسة‬ ‫محدودة وجزئية وشكلية أو لغوية في الغالب ‪ ،‬فيما أحجمت مقاربات أخرى عن‬ ‫النص األدبي وبخاصة النص الشعري بوصفه بنية ألسنية مكتفية بذاتها ‪،‬‬ ‫وليست بحاجـة إلى أي مرجع خـارجي ‪،‬‬

‫أو وقـوف أمام داللـة أو‬

‫معنى محدد(‪. )3‬‬ ‫ومن ثمة كانت أهمية الدراسات التطبيقية السياقية باعتبارها جامعة بين‬ ‫االتجاهات اللغوية األلسنية واألسلوبية بكل أبعادها ‪ ،‬واإلفادة من اإلضاءات‬ ‫والمؤثرات األخرى كأثر الزمان والمكان ‪ ،‬والمالبسات العقدية أو المذهبية ‪ ،‬أو‬ ‫(‪ )3‬مةاح فصول ‪ :‬العيي الس لف الذك ص‪.038‬‬ ‫(‪ )4‬شع الواقا وشع الكام ا ‪ :‬ي اس ا ف الشع الع اق التري‬ ‫ايت ي الكي ب الع ب يمشق سنح ‪ 2111‬ت‪.‬‬

‫(‪ )0‬شع الواقا وشع الكام ا ‪ :‬ي اس ا ف الشع الع اق التي‬

‫‪-74-‬‬

‫ي‪ /‬ضر ل خضر‬ ‫ص‪.20 21‬‬

‫ص‪ 35‬نشر‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫التاريخية ‪ ،‬أو االجتماعية ‪ ،‬أو النفسية ‪ ،‬التي يمكن أن تضيء بعض جوانب‬ ‫النص ‪ ،‬بل إن بعض جوانب النص أو البنى النصية‬

‫أو التركيبية ال يمكن أن‬

‫تفسر تفسيرًا صحيحًا إال في ضوء هذه المعطيات ‪.‬‬ ‫ويمكن القول ‪ :‬إن األصل في الدراسة السياقية هو النص مع عدم طرح أو‬ ‫إغفال المؤثرات األخرى عند دراسته ‪ ،‬فس ياق الموقف وسياق الثقافة ال يقصدان‬ ‫لذاتهما ‪ ،‬إنما يستدعيان عند الحاجة لكشف بعض الجوانب الفنية أو الجمالية في‬ ‫النص ‪ ،‬والوقوف على بعض أسراره اإليقاعية أو الداللية أو التركيبية ‪.‬‬

‫الفصل الثالث‬ ‫العـدول‬ ‫بين القدماء والمحدثين‬ ‫"دراسة نقدية"‬ ‫وفيه ثالثة مباحث ‪:‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬مفهوم العدول والعالقة بينه وبين االنحراف‪.‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬الجذور التراثية لمصطلح العدول‪.‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬العدول عند المحدثين‪.‬‬

‫‪-75-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫المبحث األول‬ ‫مفهوم العدول والعالقة بينه وبين االنحراف‬ ‫أوالً ‪ :‬مفهوم العدول‬ ‫أ‪ -‬في اللغة ‪:‬‬

‫ً‬ ‫يقال ‪ :‬عدل عن الشيء يعدل ً‬ ‫وعدوال إذا مال عنه إلى غيره ‪ ،‬وعليه‬ ‫عدال‬ ‫‪-76-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫قول المـرار ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َقوي ًما َال َيمي ُل بهَ الع ُدو ُل‬ ‫َف َلما أن صرمت َو َكانَ أمري‬ ‫(‪)1‬‬ ‫أي ‪ :‬ال يميل به عن طريقه الميل ‪.‬‬ ‫ويقال ‪ :‬عدل عن الطريق إذا حاد عنه ‪ ،‬وعدل عن الشيء تركه ‪ ،‬وعدل الفحل‬ ‫عن اإلبل إذا ترك الضراب ‪.‬‬ ‫فعدل عن األمر ‪ :‬مال أو انصرف عنه ‪ ،‬وعدل إليه ‪ :‬رجع ‪ ،‬وعدل في أمره ً‬ ‫عدال‬ ‫وعدالة ‪ :‬استقام ‪ ،‬وفي حكمه ‪ :‬حكم بالعدل ‪.‬‬ ‫وعدل الشيء ‪ :‬قومه وسو اه ‪ ،‬يقال ‪ :‬عدلته فاعتدل ؛ أي سويته فاستوى ‪،‬‬ ‫وقومته فاستقام ‪ ،‬وعليه قول عمر بن الخطاب ‪ : ‬الحمد هلل الذي جعلني في قوم‬ ‫إذا ملت عدلوني كما يعدل السهم في الثقاف ‪ ،‬أي ‪ :‬قوموني(‪. )2‬‬ ‫ف المادة تدور حول عدة معان ‪ ،‬منها ‪:‬‬ ‫‪ -1‬الترك ‪ ،‬واالنصراف ‪ ،‬والميل عن الشيء إلى غيره ‪.‬‬ ‫‪ -2‬االستقامة والتقويم ‪.‬‬

‫ب‪ -‬العدول اصطالحًا ‪:‬‬ ‫يعرف بعض الكتاب العدول بأنه ‪ :‬نوع من الخروج على االستعمال العادي‬ ‫للغة‪ ،‬بحيث ينأى الشاعر أو الكاتب عما تقتضيه المعايير المقررة في النظام‬ ‫اللغوي(‪. )3‬‬ ‫ويعرفه بعضهم بأنه‪ :‬رصد انحراف الكالم عن نسقه المثالي المألوف(‪.)4‬‬ ‫والفرق بين التعريفين هو أن التعريف األول ينصب على عمل المبدع‬ ‫شاعرًا كان أم كاتبًا ‪ ،‬والتعريف الثاني ينبني على عمل الناقد الذي يقوم برصد‬ ‫عملية العدول واالنحراف ‪.‬‬ ‫والتعريف األول أدق ألمرين ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫‪ – 1‬أن عملية اإلبداع تسبق عملية النقد ‪ ،‬وليس شرطا في كل عملية‬ ‫(‪ )0‬لس ا الع ب الةا منظو ‪ :‬م ي (ايل) ‪.‬‬

‫(‪ )2‬لس ا الع ب ‪ :‬م ي (ايل) وانظ ف مع ن الم ي ‪ :‬الصت ح لاةوا ي ومعةت مق س الاغح‬ ‫الةا ف س والمعةت الوس ح والمعةت الوة ز‪ :‬م ي (ايل)‪.‬‬

‫(‪ )0‬فررر منظرررو النقررري الةن ررروي ي‪ /‬وسرررف نرررو اررروض ص‪ 30‬ح‪ /‬مكيةرررح العارررت ةررري‬

‫وانظررر ‪:‬‬

‫ابساوة ح ميخل نظ ي وي اسح يحة ق ح ي‪ /‬فيح اه أتمري سرا م ا ص‪ 09‬ح‪ /‬المحةعرح الفن رح‬

‫ة لق ا‬

‫‪0991‬ت‪.‬‬

‫(‪ )2‬الةًلغح وابساوة ح لمتمي اةي المحاب ص ‪.268‬‬

‫‪-77-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫إبداعية أن تتبعها مقاربة نقدية ‪ ،‬فثمة تجارب إبداعية ال يتناولها النقد إال بعد‬ ‫مضي زمن طويل على إنشائها ‪ ،‬وثمة أعمال أخرى ال يقترب منها النقد الفني‬ ‫أصال ً ‪.‬‬ ‫‪ – 2‬أن المصطلحات ال نقدية ال ينبغي أن تنبني على مقاربة الناقد للعمل‬ ‫األدبي ‪ ،‬إنما تنبني على مالحظة الظاهرة نفسها ‪ ،‬ومدى قيمتها الفنية أو‬ ‫اإلبداعية ‪.‬‬ ‫على أنني أرى أن نضيف عبارة " وفق ما يقتضيه المقام أو السياق " إلى‬ ‫التعريف األول ‪ ،‬حتى ال يكون الخروج لمـجرد الخروج ‪ ،‬إنـما يــكون لــداع أو‬ ‫مقتض فني أو بالغي ‪.‬‬ ‫وعليه يمكن أن نعرف العدول بأنه ‪ :‬الخروج عن صيغة من األلفاظ إلى‬ ‫صيغة أخرى ‪ ،‬أو عن أسلوب إلى أسلوب آخر ‪ ،‬لخصوصية يقتضيها المقام أو‬ ‫السياق ‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬العالقة بين العدول واالنحراف‪:‬‬ ‫بعض النقاد والكتاب ينظر إلى االنحراف على أنه مرادف العدول ‪ ،‬وبعضهم‬ ‫ينظر إليه على أنه شيء آخر مختلف عن العدول ‪ ،‬مما يدعونا إلى تحديد مفهوم‬ ‫االنحراف أوالً ‪.‬‬

‫أ ‪ -‬االنحراف في اللغة ‪:‬‬ ‫يقال‪ :‬حرف عن الشيء إذا مال وعدل عنه ‪ ،‬وحرف الشيء عن وجهه ‪:‬‬ ‫صرفه وغيره ‪ ،‬وانحرف إلى فالن‪ :‬مال إليه ‪ ،‬وانحرف عنه‪ :‬عدل وانصرف‪.‬‬ ‫وحرف الشيء ‪ :‬أماله ‪ ،‬وحرف الكالم ‪ :‬غيره وصرفه عن معانيه ‪ ،‬والتحريف ‪:‬‬ ‫تغيير الكالم عن معناه ‪ ،‬وعليه قوله تعالـى ‪ -‬فـي وصـف اليهود‪ : -‬ﲷﭐ ﱏ ﲷ ﲷ ﲷ‬ ‫﴾ (‪. )1‬‬ ‫ومن معانيه ‪ -‬أيضًا ‪ -‬الميل والزيغ ‪ ،‬يقال ‪ :‬انحرف مزاجه ‪ :‬أي مال عن‬ ‫االعتدال ‪ ،‬وفي حديث أبي هريرة ‪ " ‬آمــنت بمحرف القلوب " ؛ أي‪ :‬مميلها‬ ‫ومـزيغها ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬محركها(‪.)2‬‬ ‫والمحارف (بالبناء للمفعول) ‪ :‬الذي ال يصيب خيرًا من وجه توجه له(‪.)3‬‬ ‫(‪ )0‬النس ل ‪ :‬ةزل ما اآل ح ‪. 46‬‬ ‫(‪ )2‬لس ا الع ب ‪ :‬م ي (ت ف)‪.‬‬

‫(‪ )3‬المصرري الس ر ةق ‪ :‬م ر ي (ت ر ف) وانظ ر ف ر مع ر ن الم ر ي ‪ :‬الصررت ح لاةرروا ي واليهررذ ب‬

‫لألزا ي ومعةت مق س الاغح الةا ف س والمعةت الوس ح والمعةت الوة ز ‪ :‬م ي (ت ف)‪.‬‬

‫‪-78-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫فالمادة تدور حول عدة معان ‪ ،‬أهمها ‪:‬‬ ‫‪ -1‬الميل عن الشيء إلى غيره ‪.‬‬ ‫‪ -2‬التحريف والتبديل والزيغ ‪.‬‬ ‫وقد نظر بعض الكتاب إلى المعنى اللغوي األول فجعل االنحراف مرادفاً‬ ‫للعدول ‪ ،‬وتحدث عن العدول باعتباره رصدًا النحراف الكالم عن نسقه المثالي‬ ‫المألوف(‪.)1‬‬ ‫غير أن بعضهم تجاوز هذا المعنى ‪ ،‬فجعل من االنحراف وسيلة لكسر‬ ‫النظام ونقضه من أساسه ‪ ،‬مما جعل صنيعه وتناوله لالنحراف أقرب إلى المعنى‬ ‫اللغوي الثاني منه إلى المعنى األول(‪. )2‬‬

‫ب‪ -‬االنحراف اصطالحًا ‪:‬‬ ‫يعرف بعض الكتاب االنحراف بأنه ‪ :‬كسر نظام اإلمكانات اللغوية العادية‪،‬‬ ‫والقواعد المألوفة ‪ ،‬والخروج على سلبيتها ‪ ،‬بهدف زيادة عدد الدالالت‬ ‫الممكنة(‪. )3‬‬ ‫ويعرفه بعضهم بأنه ‪ :‬الخروج على نحو معين عن ال قواعد والمعايير‬ ‫المثالية التي تحكم اللغة العادية(‪. )4‬‬

‫لماذا آثرت مصطلح العدول ؟‬ ‫لقد آثرت مصطلح العدول على مصطلح االنحراف لألسباب التالية ‪:‬‬ ‫‪ -1‬أن مصطلح العدول ضارب بجذور عميقة راسخة في تراثنا البالغي‬ ‫والنقدي ‪ -‬وهو ما يتناوله المبحث التالي ‪ -‬وليس األمر كذلك مع مصطلح‬ ‫االنحراف ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وميال عن صيغة‬ ‫‪ -2‬أن العدول مع كونه خروجًا من أسلوب إلى أسلوب ‪،‬‬ ‫إلى أخرى ‪ ،‬وانصرافًا عن تركيب إلى آخر ‪ -‬فإن أصله اللغوي يحمل معنى‬ ‫اإلقامة والتقويم ‪ ،‬وهو في الواقع التطبيقي انصراف عن وجه من الكالم أو‬ ‫القول إلى وجه آخر ‪ ،‬بقصد إقامة المعنى وجعله أكثر دقة وبالغة في التعبير عن‬ ‫المراد ‪.‬‬ ‫(‪ )4‬انظ ‪ :‬الةًلغح وابساوة ح لمتمي اةي المحاب ص ‪ 268‬وم ةعيا ‪.‬‬

‫(‪ )5‬س أي يفص ل القول ف ذلك ف المةت الد ل ما اذا الفصل ص‪ 022‬وم ةعيا ‪.‬‬ ‫(‪ )0‬نظ ررح الةن إ ررح فر النقرري ابيةر‬

‫ي‪ /‬صررًلح فضررل ص ‪ 252 250‬ح‪ /‬اله إررح المصر ح الع مررح‬

‫لاكي ب ‪2113‬ت (مكيةح ابس – ساساح ابام ل الفك ح)‪.‬‬

‫(‪ )2‬نظ ح الاغح ف النقي ابية‬

‫ي‪ /‬اةي التك ت اض‬

‫‪-79-‬‬

‫ص‪ 216‬نش مكيةح الخ نة‬

‫سنح ‪0980‬ت‪.‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪ -3‬أن لفظ االنحراف يحمل في طياته معاني ‪ :‬الزيغ ‪ ،‬والتحريف ‪ ،‬والتبديل‬ ‫‪ ،‬والخروج على طريق الجادة ‪ ،‬وهو ما قصد إليه بعض الحداثيين من الجري‬ ‫وراء مصطلح االنحراف وما يرادفه أو يقوم مقامه ‪ ،‬أو يتجاوزه في خرق سنن‬ ‫العربية من مصطلحات أخرى ‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪-81-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫المبحث الثاني‬ ‫الجذور التراثية لمصطلح العدول‬ ‫أ‪ -‬العدول عند ابن األثير ‪:‬‬ ‫تحدث ابــن األثير عن االلتفات على أنه ضرب من العدول ‪ ،‬وذكر لفظ‬ ‫العدول ومشتقاته ست مرات في هذا الباب وحده(‪. )1‬‬ ‫وهو يرى أن العدول عن صيغة من األلفاظ إلى صيغة أخرى ال يكون إال‬ ‫لنوع خصوصية تقتضي ذلك ‪ ،‬وأنه ضرب من أشكل ضروب البيان ‪ ،‬وأدقها‬ ‫فه ًما ‪ ،‬وأغمضها مسل ًكا ‪ ،‬ال يتوخاه في كالمه إال العارف برموز الفصاحة‬ ‫والبالغة الذي اطلع على أسرارها ‪ ،‬وفتش في دفائنها(‪. )2‬‬ ‫ومن ه قول ه تع الى‪ :‬ﱡﭐ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﱎ ﱏ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ‬ ‫ﲷ ﲷ َّ )‪.)3‬‬ ‫فقال ً‬ ‫أوال ‪" :‬خر من السماء " بلفظ الماضي ‪ ،‬ثم عطف عليه المستقبل‬ ‫الذي هو " فتخطفه " و " تهوي " ‪ ،‬وإنما عدل في ذلك إلى المستقبل ؛‬ ‫الستحضاره صورة خطف الطير إياه وهوى الريح به(‪. )4‬‬ ‫فـالفعل المستقبـل إذا أتـى بـه فـي حالــة اإلخبــار عـن وجــود الفعل كـان‬ ‫ذل ك أبلغ من اإلخبار بالفعل الماضي ؛ ألن الفعل المستقبل يوضح الحال التي يقع‬ ‫يشاهدهـا ‪،‬‬ ‫فيها ‪ ،‬ويستحضر تـلك الصورة حـتى كـأن السامـع‬ ‫وليس كـذلك الفعل الماضي ؛ ألنـه ال يتخيل السامـــع منه إال ً‬ ‫فعال قــد مضى‬ ‫(‪)5‬‬ ‫مـــــن غيـــر إحضـــار للصورة فـي حالـــــة سمــــاع الكالم الـــدال عليه ‪.‬‬ ‫ويتحدث ابن األثير عن العدول في استخدام األلفاظ ‪ ،‬ويجعل المدار في ذلك‬ ‫على الذوق السليم ‪ ،‬يقول ‪ " :‬ومن هذا النوع ألفاظ يعدل عن استعمالها من غير‬

‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬المدل الس إ ف أيب الك يب والش ا ق‪ 2‬ص ‪046 045 040 037‬‬ ‫(‪ )2‬المصي الس ةق ق‪ 2‬ص‪.045‬‬

‫(‪ )3‬سو التج ‪ :‬ةزل ما اآل ح ‪. 30‬‬ ‫(‪ )4‬المدل الس إ ق ‪ 2‬ص ‪.048‬‬

‫(‪ )0‬المدل الس إ ق‪ 2‬ص‪ 047 045‬ةيص ف‪.‬‬

‫‪-80-‬‬

‫‪.048‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬ ‫(‪)1‬‬

‫دليل يقوم على العدول عنها ‪ ،‬وال يُستفتَى في ذلك إال الذوق السليم " ‪.‬‬ ‫وم ن ذل ك كلم ة " الل ب " ال ذي ه و العق ل ‪ ،‬فإنه ا ال تحس ن إال مجموع ة‪ ،‬وك ذلك‬ ‫وردت في القرآن الك ريم ف ي مواض ع كثي رة ‪ ،‬منه ا قول ه تع الى ‪ :‬ﱡﭐﲷ ﲷ ﱪ َّ‬ ‫(‪ ،)2‬وقوله تعالى ‪ :‬ﱡﭐ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ َّ (‪. )3‬‬ ‫وقد تستعمل مفردة بشرط أن تكون مضافة أو مضافًا إليها ‪ ،‬أما كونها‬ ‫مضافًا إليها ‪ ،‬فكقولنا ‪ :‬إن في ذلك لعبرة لذي لب ‪ ،‬وعليه ورد قول جرير ‪:‬‬ ‫‪ ‬ثـ ُم لـَم يُحيينَ َقتـالنــا‬ ‫قـَتَلنَنا‬ ‫إن العُيونَ التي في طَرفهـــا َح َو ٌر‬ ‫ف خَ لق َ‬ ‫َوهُـن‪‬أَض َع ُ‬ ‫هللا أركانـا‬ ‫ك به‬ ‫يَص َرعنَ ذا اللُب َحتى ال حرا َ‬ ‫وأما كونها مضافة ‪ ،‬فكقول النبي ‪ ‬في ذكر النساء ‪ " :‬ما رأيت ناقصات‬ ‫عقل ودين أذهب للب الحازم منكن يا معشر النساء " (‪. )4‬‬ ‫وقد توسع ابن األثير في مفهوم العدول ‪ ،‬فجعله يشمل االنتقال من صيغة‬ ‫ً‬ ‫انتقاال بين الضمائر ‪ ،‬كالعدول‬ ‫إلى صيغة‪ ،‬ومن أسلوب إلى أسلوب‪ ،‬سواء أكان‬ ‫عن الخطاب إلى الغيبة ‪ ،‬أو عن الغيبة إلى التكلم ‪ ،‬ونحوه ‪ ،‬أم كان بين األفعال‬ ‫كالعدول عن الماضي إلى المستقبل ‪ ،‬وعكس ذلك ‪ ،‬أم كان استبدال كلمة بأخرى‬ ‫‪ ،‬أم كان تناوبًا بين حروف الجر ‪ ،‬أم إيثارًا لبنية على أخرى ‪ ،‬أو تركيب على‬ ‫آخر(‪. )5‬‬ ‫ففي باب توكيد الضميرين ‪ ،‬في الحديث عن قوله تعالى على لسان السحرة ‪ ُّ :‬ﭐ‬ ‫ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲷ ﲨ ﲷ ﲪ(‪ ، )6‬يعلق ابن األثير بقوله ‪ :‬إنهم لما عدلوا عن‬ ‫عن مقابلة خطابهم موسى بمثله إلى توكيد ما هو لهم بالضمير "نكون" و "نحن" دل‬ ‫ذلك على أنهم يريدون التقدم عليه واإللقاء قبله ‪ ،‬ألن من شأن مقابلة خطابهم موسى‬ ‫بمثله أن كانوا قالوا ‪ :‬إما أن تلقي وإما أن نلقي ‪ ،‬لتكون الجملتـان مـتقابلتين ‪ ،‬فـحيث‬ ‫قــــالوا عـن أنفسهم ‪ :‬ﭽ ﲦ ﲷ ﲨ ﲷ ﲪ ﭼ استدل به على رغبتهم في اإللقاء‬ ‫قبله(‪.)7‬‬ ‫(‪ )2‬المصي الس ةق ق‪ 0‬ص ‪.297‬‬ ‫(‪ )3‬سو ص ‪ :‬ةزل ما اآل ح ‪.29‬‬

‫(‪ )4‬سو الزم ‪ :‬ةزل ما اآل ح ‪.20‬‬

‫(‪ )0‬المدل الس إ ق ‪ 0‬ص ‪.297‬‬ ‫(‪ )2‬اةرا‪ :‬المصي الس ةق ق ‪ 2‬ص ‪ 048 -037‬ص ‪.091 089 067 052 050‬‬ ‫(‪ )3‬سو ابا اف ‪ :‬اآل ح ‪.005‬‬ ‫(‪ )4‬المدل الس إ ق ‪ 2‬ص ‪.052 050‬‬

‫‪-82-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫ب ‪ -‬العدول عند الخطيب القزويني(‪: )1‬‬ ‫مقتض‬ ‫يتناول الخطيب القزويني العدول على أنه خروج على األصل لعلة أو‬ ‫ٍ‬ ‫أو زيادة فائدة ‪ ،‬وقد تعرض له في مواضع متعددة في كتابه اإليضاح ‪ ،‬منها ‪:‬‬ ‫‪ -1‬في وضع المظهر موضع المضمر ‪:‬‬ ‫يقول ‪ :‬وإن كان المظهر غير اسم إشارة فالعدول إليه عن المضمر إما لزيادة‬ ‫التمكين ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ :‬ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﲷ ﲷ ﲷ َّ (‪ ، )2‬وقوله تعالى ‪ :‬ﱡﭐ ﱁ‬ ‫ﱂ ﱃ ﱄَّ (‪ ، )3‬وإما إلدخال الروع في نفس السامع وتقوية المهابة عنده كقولهم‪:‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫أمير المؤمنين يأمر بكذا‪ ،‬وإما لالستعطاف كقوله ‪ :‬إلهي عبدك العاصي أتاك‬

‫‪ -2‬في باب االلتفات ‪:‬‬

‫(‪)5‬‬

‫في الحديث عن قو له تعالى ‪ُّ :‬ﭐ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲷ ﲨ ﲷ ﲪ ‪.‬‬ ‫يقول ‪ :‬لم يقل الحق ( سبحانه) ‪ :‬واستغفرت لهم ‪ ،‬وعدل عنه إلى طريق‬ ‫االلتفات ‪ ،‬فقال‪ " :‬واستغفر لهم الرسول " تفخي ًما لشأن رسول هللا ‪ ،‬وتعظي ًما‬ ‫الستغفاره ‪ ،‬وتنبيهًا على أن شفاعة من اسمه " الرسول " من هللا بمكان(‪. )6‬‬

‫‪ -3‬في أغراض تقديم المسند إليه ‪:‬‬ ‫يقول ‪ :‬وأما تقديمه فلكون ذكره أهم ‪ ،‬إما ألنه األصل وال مقتضى للعدول‬ ‫عنه ‪ ،‬وإما ليتمكن الخبر في ذهن السامع ‪ ،‬وإما لتعجيل المسرة أو المساءة ‪،‬‬ ‫لكونه صالحًا للتفاؤل أو التطير ‪ ،‬نحو ‪ :‬سعدك في دارك ‪ ،‬والسفاح في دار‬ ‫(‪ )0‬او أةو اةي اه ةًلل الي ا متمي ةا اةي ال تما ةا ام‬

‫يصل نسة إل أةر يلرف العةار‬

‫وقرري يررول القض ر ل ةمص ر والش ر ت وك ر ا مق اة ر مررا السرراح ا الن ص ر ةررا قررًلووا ل ر مؤلف ر ا‬ ‫اي ي ما أامه ‪ :‬كي ب اإل ض ح ف ااوت الةًلغح وك نا وف ي سنح ‪739‬ارر‪ .‬انظر ‪ :‬ير خ‬ ‫ااوت الةًلغح واليع ف ة ة له لاش خ‪ /‬أتمي مصحف الم اغ ص ‪ 034‬ح‪ /‬مصرحف التاةر‬

‫‪0369‬ار‪0951 /‬ت‪.‬‬

‫(‪ )2‬سو اإلخًلص ‪ :‬اآل ي ا ‪. 2 - 0‬‬ ‫(‪ )3‬سو اإلس ال ‪ :‬ةزل ما اآل ح ‪.015‬‬

‫(‪ )4‬انظ ر ‪ :‬اإل ض ر ح ف ر اارروت الةًلغررح ‪ :‬المع ر ن والة ر ا والةرري ا لاخح ررب القزو ن ر ص ‪012‬‬ ‫يتق ق‪ :‬ي‪ /‬اةي الق ي تس ا نش مكيةح اآلياب ‪0406‬ار‪0996/‬ت‪.‬‬

‫(‪ )0‬سو النس ل ‪ :‬ةزل ما اآل ح ‪.64‬‬

‫(‪ )2‬اإل ض ح لاخح ب القزو ن ص ‪.016‬‬

‫‪-83-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫لمقتض ‪.‬‬ ‫صديقك(‪ ، )1‬فتقديم المسند إليه هو األصل ‪ ،‬وال يعدل عنه إال‬ ‫ٍ‬

‫ج ‪ -‬العدول عند العلوي(‪:)2‬‬

‫اقتفى العلوي ف ي كتابه الطراز أثر ابن األثير في فهمه وتناوله للعدول‪،‬‬ ‫وفي أكثر شواهده أو تطبيقاته عليه ‪ ،‬ذلك أن المثل السائر البن األثير يعد أحد‬ ‫أهم المصادر التي اعتمد عليها العلوي ‪ ،‬ونقل عنها في طرازه(‪. )3‬‬ ‫فااللتفات عند العلوي لون من ألوان العدول ‪ ،‬وصورة من صوره ‪ ،‬إذ‬ ‫يعرفه بأنه‪ " :‬العدول من أسلوب في الكالم إلى أسلوب آخر مخالف‬ ‫لألول " (‪.)4‬‬ ‫ويقول ‪ :‬وهذا أحسن من قولنا ‪ :‬هو العدول من غيبة إلى خطاب ‪ ،‬ومن‬ ‫خطاب إلى غيبة ؛ ألن األول يعم سائر االلتفاتات كلها ‪ ،‬والحد الثاني إنما هو‬ ‫مقصور على الغيبة والخطاب ال غير ‪ ،‬وال شك أن االلتفات قد يكون من الماضي‬ ‫إلى المضارع ‪ ،‬وقد يكون عكس ذلك(‪. )5‬‬ ‫وفي مجال التطبيق ال يقف العلوي في فهمه للعدول عند باب االلتفات ‪ ،‬إنما‬ ‫ً‬ ‫شامال لكل انحراف أو خروج على القاعدة أو األصل ‪ ،‬سواء أكان ذلك‬ ‫يجعله‬ ‫متعلقًا باأللفاظ أم باألساليب والتراكيب ‪ ،‬فتحدث عن العدول من صيغة إلى صيغة‬ ‫بإيثار كلمة على أخرى ‪ ،‬وعن العدول في اإلعراب من وجه إلى وجه ‪ ،‬والعدول‬ ‫عن استخدام حرف من الحروف إلى استخدام حرف آخر‪ ،‬وهو ما يعرف‬ ‫بالتناوب أو تناوب حروف الجر ‪ ،‬والعدول في مباحث التقديم والتأخير‪ ،‬والذكر‬ ‫والحذف ‪ ،‬والفصل والوصل‪ ،‬و غير ذلك من المباحث ‪ ،‬في مواضع كثيرة ‪ ،‬نذكر‬ ‫(‪ )3‬المصي الس ةق ص ‪.84‬‬

‫الميوف سنح ‪749‬ارر ومرا أارت مصرنف ي ‪:‬‬ ‫(‪ )4‬او ت ةا تمز ةا اا إة اا ت العاوي ال من‬ ‫الح از الميضما بس ا الةًلغح وااوت تق إق اإلاةر ز ولر مصرنف ا أخر ى منهر ‪ :‬الت صر‬ ‫لفواإي مقيمح اةا ح ا واالنيص اا اام ل ابمصر فر يق ر المخير مرا مرذااب ابإمرح‬

‫وأق و ل ابمح‪ .‬انظ ‪ :‬ي خ ااوت الةًلغح واليع ف ة ة له لاش خ‪ /‬أتمي مصحف الم اغ ‪.‬‬ ‫(‪ )0‬اايمي العاوي ف كي ة الح از اا أ ةعح مص ي ا ‪ :‬المدل الس إ الةا ابد والية رر ا لعةي‬ ‫الواتي ةا اةي الك ت الزماك ن والنه ح الةا الخح ب ال ازي والمصة ح لةي الري ا ةرا م لرك‬ ‫انظ ‪ :‬ي خ ااوت الةًلغح واليع ف ة ة له لاش خ ‪ /‬أتمي مصحف الم اغ ص ‪.038‬‬ ‫(‪ )2‬الح از الميضما بس ا الةًلغرح وااروت تقر إق اإل ةر ز ل ت ر ةرا تمرز العاروي ص ‪ 265‬م اةعرح‬ ‫ويقرررري ت‪ :‬متمرررري اةرررري السررررًلت شرررر ا ا ح‪ /‬يا الكيررررب العام ررررح ة رررر وا الحةعررررح ابولرررر سررررنح‬ ‫‪0405‬ار‪0995/‬ت‪.‬‬ ‫(‪ )3‬المصي الس ةق ص ‪.265‬‬

‫‪-84-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫منها ‪:‬‬

‫‪ -1‬في اختيار األلفاظ ‪:‬‬

‫(‪)1‬‬

‫ﱢﲷﲷ ﲷﲷ ‪.‬‬ ‫ﱡ‬ ‫ﱠ‬ ‫ﱟ‬ ‫ﱞ‬ ‫في الحديث عن قو له تعالى ‪ُّ :‬ﭐ ﲷ ﲷ ﲷ‬ ‫يقول ‪ :‬جاء لفظ "األعلى " على وزن أفعل ‪ ،‬ولم يقل ‪ :‬العالي ‪ ،‬ألن مجيئها‬ ‫على جهة الزيادة في تلك الخصلة للمبالغة ‪ ،‬وعدل إلى لفظ "األعلى " لما فيه‬ ‫من الداللة على الغلبة بالفوقية ال بالمساواة (‪.)2‬‬

‫‪ -2‬في مجال اإلعراب ‪:‬‬

‫(‪)3‬‬

‫في الحديث عن قو له تعالى ‪ :‬ﱡﭐ ﲷ ﲬ ﲷ ﲷ ﲷ ﲰ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ َّ ‪.‬‬ ‫يقول ‪ :‬قال الحق سبحانه ‪ ":‬فتصبحُ " بالرفع ‪ ،‬وعدل به عن القياس‬ ‫المطرد وهو النصب ؛ ألننا نقول ‪ :‬النصب إنما يكون إذا كان األول سببًا للثاني ‪،‬‬ ‫كقولك ‪ :‬أتقوم فأقوم ‪ ،‬وهنا ليست الرؤية سببًا في كون األرض تصبح مخضرة ‪،‬‬ ‫فلهذا وجب رفعه للداللة على أنها تكون مخضرة عقيب اإلنزال للماء من غير‬ ‫إشارة إلى السببية (‪.)4‬‬ ‫وهذا المعنى يؤكده علماء التفسير ‪ ،‬يقول األلوسي في تفسيره له ذه اآلية ‪:‬‬ ‫ولم ينصب الفعل في جواب االستفهام هنا في شيء من القراءات ‪ ،‬وصرح غير‬ ‫واحد بامتناعه(‪.)5‬‬

‫‪ -3‬في ذكر ما يتعلق باألحرف الجارة ‪:‬‬

‫(‪)6‬‬

‫ﲠ ‪.‬‬ ‫في الحديث عن قوله تعالى ‪ :‬ﱡ ﭐﲑﲷﲷﲔﲷﲷﲷﲷﲷﲷﲷﲜﲝﲞﲟ َّ‬ ‫ُ‬ ‫يقول‪ :‬وعدل عن الالم إلى حرف الوعاء في األصناف األربعة األخر‪ ،‬إيذانًا‬ ‫بأن أقدامهم أرسخ في االستحقاق للصدقة ‪ ،‬وأعظم في االفتقار ‪ ،‬من حيث كانت‬ ‫(في) دالة على الوعاء ‪ ،‬فنبه على أنهم أحقاء بأن توضع فيهم الصدقات كما‬ ‫يوضع الشيء في الوعاء (‪. )7‬‬ ‫(‪ )0‬ح ‪ :‬اآل ي ا ‪.68 - 67‬‬ ‫(‪ )2‬الح از لاعاوي ص ‪.272‬‬ ‫(‪ )3‬سو التج ‪ :‬ةزل ما اآل ح ‪.63‬‬ ‫(‪ )4‬الح از لاعاوي ص ‪.268‬‬ ‫(‪ )0‬وح المع ن ف يفس‬

‫الق لا العظ ت والسةا المد ن لاعًلمح ابلوس‬

‫(‪ )2‬سو اليوةح‪ :‬ةزل ما اآل ح‪.61‬‬

‫(‪ )3‬الح از لاعاوي ص ‪ 228‬وقي يأدر العاوي انرر ةر ةا ابد‬ ‫اآل ح‪ .‬اةا‪ :‬المدل الس إ الةا ابد‬

‫ق‪ 2‬ص‪.091‬‬

‫‪-85-‬‬

‫‪ 07‬ص‪.090‬‬

‫ونقل أكد اة اي ويعا ق ي اا اذا‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫وهو ما يذهب إليه أهل التفسير ‪ -‬أيضًا ‪ ، -‬يقول األلوسي ‪ :‬والعدول عـن‬ ‫الالم إلى (في) في األربعة األخيرة على مـا قال الـزمخشري لإليـذان بـأنهم أرسخ‬ ‫في استحقاق الصدقة ممن سبق(‪.)1‬‬

‫‪ -4‬في بيان خصائص المسند إليه والمسند ‪:‬‬ ‫وقد تعرض العلوي للحديث عن العدول في هذا المبحث ثالث مرات‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬في الحديث عن تعريف المسند إليه باإلضمار ‪.‬‬ ‫يقول ‪ :‬أما تعريفه باإلضمار ‪ ،‬فمن أجل الحاجة إلى التكلم ‪ ،‬أو من أجل‬ ‫الحاجة إلى الخطاب ‪ ،‬وأصل الخطاب أن يكون واردًا على جهة التعيين ‪ ،‬كقوله‬ ‫تعالى ‪ :‬ﱡ ﲷ ﱳ ﱴ ﱵ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ َّ (‪ ،)2‬وقد يعدل به إلى غير ذلك ليعم كل مخاطب ‪،‬‬ ‫كقوله تعالى ‪ :‬ﱡ ﭐ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ َّ (‪ ،)3‬وقوله تعالى ‪ :‬ﱡ ﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ‬ ‫ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﱎ ﱏ ﲷ َّ (‪.)4‬‬ ‫فيحتمل أن يكون الخطاب للرسول ‪ ‬وهذا هو األصل ‪ ،‬ويحتمل أن يكون‬ ‫على جهة العموم من غير تعيين ‪ ،‬ويكون المعنى أن حال أصحاب الفيل وحال‬ ‫المجرمين قد بلغا مبل ًغا عظي ًما في الظهور ‪ ،‬بحــيث ال يخــتص به مخاطــب ‪،‬‬ ‫ل بلوغهــما فــي االنكشــاف كل غاية (‪. )5‬‬

‫الثانية ‪ :‬عند الحديث عن تقديمه ‪.‬‬ ‫يقول ‪ :‬وتقديمه إما ألنه هو األصل ولم يعرض ما يقتضي العدول‬ ‫عنه ‪ ،‬وإما ألنه استفهام فيستحق التصدير ‪ ،‬وإما ألن في تقديمه تشوي ًقا للسامع‬ ‫إلى ما يكون بعده من الخبر ‪ ،‬كقولك ‪ :‬األمير قادم(‪. )6‬‬ ‫الثالثة ‪ :‬في الحديث عن كون المسند اس ًما‪.‬‬ ‫يقول ‪ :‬وكون المسند اس ًما هو األصل ‪ ،‬وإنما يعدل إلى غيره لقرينة ‪ ،‬نحو‬ ‫‪ :‬زيد منطلق ‪ ،‬وزيد أخوك ‪ ،‬قال هللا تعالى ‪ :‬ﱡﭐ ﳋ ﳌ ﳍَّ (‪ ، )7‬وقال سبحانه ‪ :‬ﱡﭐ ﲷ ﲷ ﲷ‬ ‫(‪ )4‬وح المع ن لأللوس‬

‫‪ 01‬ص ‪.024‬‬

‫(‪ )0‬سو الم إي ‪ :‬ةزل ما اآل ح ‪.006‬‬ ‫(‪ )2‬سو الف ل ‪ :‬اآل ح ‪.0‬‬

‫(‪ )3‬سو السةي ‪ :‬اآل ح ‪.02‬‬ ‫(‪ )4‬الح از لاعاوي ص ‪.520‬‬

‫(‪ )5‬المصي الس ةق ص ‪.525‬‬

‫(‪ )0‬سو الشو ى ‪ :‬ةزل ما اآل ح ‪.05‬‬

‫‪-86-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫ﲷ ﲷ َّ (‪ ، )1‬وإنما كان اس ًما؛ ألنه يفيد االستمرار على تلك الصفة من غير تجدد ‪،‬‬ ‫بخالف ما لو كان ً‬ ‫فعال فإنه يدل على خالف ذلك(‪. )2‬‬

‫د – العدول عند شراح التلخيص وغيرهم من البالغيين ‪:‬‬ ‫أشار كثير من المصادر البالغية إلى مفهوم العدول باعتباره خروجًا على‬ ‫األصل أو القاعدة لخصوصية أو مقتض ‪ ،‬وهو ما نجده في مختصر سعد الدين‬ ‫التفتازاني (ت‪292‬هـ) على تلخيص المفتاح(‪ ، )3‬وفي مطوله على تلخيص‬ ‫المفتاح أيضًا(‪ ، )4‬وفي كتاب مواهب الفتاح في شروح تلخيص المفتاح ألبي‬ ‫يعقوب المغربي (ت‪1111‬هـ)(‪ ، )5‬وفي حاشية الدسوقي (ت‪1231‬هـ) على‬ ‫مختصر السعد(‪ ، )6‬وفي بغية اإليضاح للشيخ عبد المتعال الصعيدي(‪ ، )7‬وغير‬ ‫ذلك من المصادر ‪.‬‬ ‫يقول الدسوقي في الحديث عن االلتفات في قوله تعالى ‪ :‬ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ َّ‬ ‫(‪ : )8‬عبر الحق سبحانه وتعالى في قوله ‪" :‬عبس وتولى" بالغيبة دون الخطاب‬ ‫على خالف مقتضى ظاهر المقام ‪ ،‬والسر في العدول عن الخطاب إلى الغيبة هنا‬ ‫هو تعظيم النبي ‪ ،‬لما فيه من التلطف في مقام العتاب بالعدول عن المواجهة في‬ ‫الخطاب(‪. )9‬‬ ‫(‪ )2‬سو ال اي ‪ :‬ةزل ما اآل ح ‪.06‬‬ ‫(‪ )3‬الح از لاعاوي ص ‪.528‬‬

‫(‪ )4‬انظ ر ‪ :‬مخيص ر سررعي الرري ا اليفي ر زان اا ر ياخ ر ص المفي ر ح (ضررما ش ر وح الياخرر ص)‬ ‫ص‪ 390‬ح يا الس و‬

‫‪0‬‬

‫ة وا ةيوا ي خ‪.‬‬

‫(‪ )5‬انظ ‪ :‬المحول اا الياخ ص لسعي الري ا اليفير زان ص ‪ 017 016‬ح‪ /‬محةعرح أتمري ك مرل‬ ‫سنح ‪0331‬ار‪.‬‬

‫(‪ )6‬انظررر ‪ :‬مواارررب الفيررر ح فررر شررر وح ياخررر ص المفيررر ح بةررر‬ ‫الياخ ص) ‪ 0‬ص ‪ 390‬الحةعح الس ةقح‪.‬‬

‫عقررروب المغ ةررر‬

‫(ضرررما شررر وح‬

‫(‪ )0‬انظر ‪ :‬ت شر ح اليسرروق اار مخيصر السررعي (ضررما شر وح الياخر ص) ‪ 0‬ص ‪ 390‬ح‪ /‬يا‬ ‫الس و‬

‫ة وا ةيوا ي خ‪.‬‬

‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬ةغ ح اإل ض ح لياخ ص المفير ح فر ااروت الةًلغرح لاشر خ ‪ /‬اةري الميعر ل الصرع يي ‪0‬‬ ‫ص‪ 058 049 009‬ح‪ /‬المحةعح النموذة ح نش مكيةح اآلياب الق ا‬

‫(‪ )3‬سو اةس ‪ :‬اآل ا ‪.3 - 0‬‬

‫(‪ )4‬انظ ‪ :‬ت ش ح اليسوق اا مخيص السعي ص ‪.465‬‬

‫‪-87-‬‬

‫ةيوا ي خ‪.‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫وفي هذا كله ما يؤكد أن مفهوم العدول – على أنه خروج على األصل‬ ‫لفائدة أو لخصوصية – ضارب بجذوره في تراثنا البالغي والنقدي ‪ ،‬وأن أدباءنا‬ ‫القدماء كانوا على وعي كبير بهذا المفهوم سواء في تقنينهم للقواعد وإرسائهم‬ ‫للمفاهيم ‪ ،‬أم في مجال تطبيقاتهم األدبية والبالغية ودراساتهم حول إعجاز‬ ‫القرآن الكريم ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪-88-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫المبحث الثالث‬ ‫العدول عند المحدثين‬ ‫آثر بعض النقاد والكتاب المحدثين والمعاصرين مصطلح " العدول " على‬ ‫مصطلح "االنحراف" ‪ ،‬وآثر بعضهم عكس ذلك‪ ،‬ولكل وجهته ومنطلقه‪.‬‬

‫الفريق األول ‪:‬‬ ‫وأما الفريق األول وعلى رأسه د‪ /‬محمد عبد المطلب‪ ،‬فقد آثر مصطلح‬ ‫" العدول " على مصطلح " االنحراف " ‪.‬‬ ‫وهذا الفريق ينطلق في كتاباته من خالل رؤية تحترم التراث وتقدره ‪،‬‬ ‫وترى فيه منطلقًا قويً ًِا نحو الحاضر والمستقبل ‪ ،‬وما يمكن أن يؤسس لنظرية‬ ‫نقدية عربية ال تنقطع عن ماضيها ‪ ،‬وال تنعزل عن حاضرها ‪.‬‬

‫أ – محمد عبد المطلب و " العدول " ‪:‬‬ ‫ينطلق محمد عبد المطلب في دراسته للعدول من خالل مباحث علم المعاني‬ ‫‪ ،‬فيرى أن هذه المباحث تدور في كثير من جوانبها حول العدول عن النمط‬ ‫المألوف على حسب مفهو م أهل اللغة وتقاليدهم في صناعة الكالم ‪ ،‬وأن هذا‬ ‫العدول يمثل الطاقة اإليحائية في األسلوب(‪. )1‬‬ ‫فإذا كان النحاة يهتمون بمسألة الرتبة باعتبارها ممثلة لمثالية األداء في‬ ‫التركيب المألوف ‪ -‬فإن البالغيين ال يهتمون في مباحثهم بهذه الرتب إال بالمقدار‬ ‫الذي يساعد على تحديد كمية العدول وكيفيته(‪. )2‬‬ ‫وجاءت مقاربة عبد المطلب التطبيقية لمصطلح العدول من خالل تناوله‬ ‫لعدة موضوعات ‪ ،‬منها ‪:‬‬

‫‪ – 1‬التقديم والتأخير ‪:‬‬ ‫يقول ‪ :‬إن مباحث التقديم والتأخير تمثل في علم المعاني أهمية خاصة من خالل‬ ‫التركيب الذي يخضع بالضرورة لطابع اللغة ونمطها المألوف في ترتيب أجزاء‬ ‫الجملة ‪ ،‬من حيث كان العدول عن هذا النمط بمثابة منبهات فنية يعمد إليها‬ ‫المبدع ليخلق صورة فنية متميزة(‪ ، )3‬فتقديم الجار والمجرور في قوله تعالى ‪ :‬ﱡﭐ‬ ‫(‪ )0‬الةًلغح وابساوة ح ي‪ /‬متمي اةي المحاب ص ‪.271‬‬

‫(‪ )0‬الةًلغح وابساوة ح ص ‪.272‬‬

‫(‪ )2‬الم ةا الس ةق ص ‪.272 270‬‬

‫‪-89-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫ﱪ ﲷ ﲷ ﱭ ﱮ َّ(‪ )1‬يفيد أن هللا تعالى مختص بصيرورة األمور إليه وحده دون سواه ‪،‬‬ ‫وتقديم الحال في مثل قولهم ‪ " :‬جاء ضاح ًكا زيد " يفيد مجيئه على هذه الصفة‬ ‫ً‬ ‫مختصا بها دون سواها من سائر صفاته(‪. )2‬‬

‫‪ – 2‬اإليجاز واإلطناب ‪:‬‬ ‫يقول ‪ :‬ومن مباحث علم المعاني التي اعتبر عدولها عن النمط المألوف‬ ‫أساس ما فيها من قيمة بالغية مبحث اإليجاز واإلطناب ‪ ،‬من حيث كانا مم ثلين‬ ‫لعدول عن أصل مفترض هو المساواة(‪. )3‬‬ ‫فالعدول عن المساواة إلى اإليجاز أو اإلطناب إنما يكون لفائدة يقتضيها‬ ‫ً‬ ‫فمثال زيادة " لك " في قول الخضر لموسى (عليه السالم) في الكرة‬ ‫المقام ‪،‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫الثانية ‪ :‬ﱡﭐ ﱃ ﱄ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ َّ بعد قوله له في الكرة األولى ‪ :‬ﱡﭐ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ‬ ‫ﲷ َّ (‪ )5‬إنما كان القتضاء المقام مزيدًا من التقرير ‪ ،‬فما يصـفه بعض اللغويين‬ ‫ً‬ ‫دالليِا بال ًغا يضيع تما ًما‬ ‫بالزيادة ‪ ،‬يمكن أن نجد له – عند تحليل الجملة – أثرًا‬ ‫مع سقوط هذه الزيادة من الكالم(‪. )6‬‬

‫‪ – 3‬االلتفات ‪:‬‬ ‫يعد االلتفات واحدًا من أهم المباحث البالغية التي قارب النقاد القدماء‬ ‫والمحدثون من خاللها عملية العدول ‪ ،‬وقد سـار محمد عبد المطلب في هذا‬ ‫المضمار ‪ ،‬يقول ‪ :‬من خــالل مبحث المطابقة الذي أقامه النحاة واللغويون يظهر‬ ‫" االلتفات " كخاصية تعبيرية تتميز بطاقتها اإليحائية ‪ ،‬من حيث كان بناؤه‬ ‫يعتمد على العدول(‪. )7‬‬ ‫ويمثل االلتفات خاصية بارزة في حركة الصياغة ‪ ،‬حيث تتحور اللفظة في‬ ‫موضعها تحورًا غير مألوف يفرز داللة فيها كثير مما ال يتوقعه المتلقي ‪ ،‬وفيها‬

‫(‪ )3‬سو الشو ى ‪ :‬ةزل ما اآل ح ‪.53‬‬ ‫(‪ )4‬الةًلغح وابساوة ح ص ‪.273‬‬

‫(‪ )0‬الةًلغح وابساوة ح ي‪ /‬متمي اةي المحاب ص ‪.275‬‬ ‫(‪ )2‬سو الكهف ‪ :‬ةزل ما اآل ح ‪.75‬‬ ‫(‪ )3‬سو الكهف ‪ :‬ةزل ما اآل ح ‪.72‬‬

‫(‪ )4‬اةا ‪ :‬ةيل ح اإلف اي والي ك ب ف النقي الع ة ص ‪.273 – 270‬‬ ‫(‪ )5‬الةًلغح وابساوة ح ص ‪.276‬‬

‫‪-91-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫كثير من إمكانات المبدع في استعمال الطاقات التعبيرية الكامنة في اللغة(‪. )1‬‬ ‫ويعلق عبد المطلب على تناول السكاكي لاللتفات في مباحث المعاني ‪ ،‬فيقول‬ ‫‪ :‬وتبدو براعة السكاكي في نقله لمبحث االلتفات من البديع إلى المعاني الشتماله‬ ‫على خاصية في التركيب يراعى بها مقتضى الحال ‪ ،‬كما تتمثل براعته – أيضًا –‬ ‫(‪)2‬‬ ‫في إدراكه لعملية العدول ‪ ،‬وتوسيع دائرتها فيما مثل به من قول امرئ القيس‬ ‫‪:‬‬ ‫َ‬ ‫‪‬ونا َم الخَ ـل ُّي َولَــــم تَرقُـــد‬ ‫ك باألثمد‬ ‫تَطــــا َو َل َليلُ َ‬ ‫َ‬ ‫(‪)3‬‬ ‫َ‬ ‫‪‬كلَي َلة ذي العـــائر األَر َمد‬ ‫َوبــــــاتَ َوبات َت َلهُ َلي َل ٌة‬ ‫‪‬و ُخبِّرتُهُ عَن َأبي َ‬ ‫األسـود‬ ‫جاءني‬ ‫َو َذل َ‬ ‫َ‬ ‫ك مـــن َنبَأ َ‬ ‫فظاهر الحديث كان يقتضي البدء بلسان ا لمتكلم ‪ ،‬فالعدول هنا ليس بالنسبة‬ ‫لكالم سابق ‪ ،‬وإنما بالنسبة لألصل الذي يجب أن يكون عليه الكالم ‪ ،‬وبهذا يدخل‬ ‫التجريد في مجال االلتفات(‪. )4‬‬

‫الفريق الثاني ‪:‬‬ ‫وأما الفريق الثاني فقد آثر مصطلح االنحراف على مصطلح العدول ‪ ،‬غير‬ ‫أن أصحاب هذا االتجاه ال يتفقون في فهمهم لالنحراف ‪ ،‬أو في غايتهم من‬ ‫استخدامه ‪ ،‬فمنهم من يجعله مرادفًا أو موازيًا للعدول مع شيء من التوسع في‬ ‫الخروج على النمط المثالي المألوف ‪ ،‬ومنهم من يحاول أن يتخذ من هذا‬ ‫المصطلح وسيلة لتدمير اللغة وتدمير القواعدية فيها ‪ ،‬والخروج على كل ما هو‬

‫(‪ )0‬ةيل ح اإلف اي والي ك ب ص ‪.088‬‬

‫(‪ )2‬الةًلغرررح وابسررراوة ح ص ‪ 278‬وانظررر ‪ :‬ةيل رررح اإلفررر اي والي ك رررب ص ‪ 088‬ومفيررر ح العاررروت‬ ‫لاسك ك ص ‪ 003‬ح‪ /‬مصحف التاة‬

‫الحةعح الد ن ح سنح ‪0400‬ار‪0991/‬ت‪.‬‬

‫(‪ )3‬الع إ ‪ :‬قذى الع ا و ق ل ف ا ن ‪ :‬ا ا وا إ‬ ‫(‪ )4‬الةًلغح ابساوة ح ص ‪.278‬‬

‫‪-90-‬‬

‫أي غمصح أو وسخ ييأذى الع ا من ‪.‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫مقدس ‪ ،‬والقطيعة لكل ما هو تراثي ‪.‬‬ ‫فاالنحراف عند عبد الحكيم راضي هو الخروج على نحو معين عن القواعد‬ ‫والمعايير المثالية التي تحكم اللغة العادية‬

‫(‪)1‬‬

‫‪ ،‬فما يعده اللغويون من قبيل‬

‫الضرورة أو الشذوذ يعده النقاد واحدًا من المصطلحات التي اقتحمت بقوة حيز‬ ‫الدراسات األسلوبية الحديثة(‪. )2‬‬ ‫فلغة األدب توصف دائ ًما بأنها منحرفة عن النمط العادي في صورته‬ ‫المثالية ‪ ،‬وينظر إلى هذا االنحراف على أنه الميزة أو الخاصة التي تمتاز بها‬ ‫اللغة األدبية(‪. )3‬‬ ‫على أن تعيين األصل المثالي خطوة ضرورية لتعيين االنحراف عنه ً‬ ‫كما‬ ‫وكيفًا ‪ ،‬وبالتالي يصبح في اإلمكان الحكم على مدى فنية األثر ‪.‬‬ ‫ويتنوع هذا األصل المثالي ليشمل كثيرًا من المقوالت النحوية ‪ ،‬والصرفية‬ ‫‪ ،‬والداللية في وضعها المثالي على امتداد العصور والمذاهب المختارة ‪ ،‬ليتشكل‬ ‫من كل إمكانيات االنحراف عن هذه المقوالت جوهر النظرية العربية في اللغة‬ ‫األدبية ‪ ،‬حيث التفسير على محمل فني لكل انحراف عن مثالية اللغة في مستواها‬

‫(‪ )0‬نظ ح الاغح ف النقي ابية‬ ‫(‪ )2‬الم ةا الس ةق ص ‪.389‬‬

‫ي‪ /‬اةي التك ت اض ص ‪.216‬‬

‫(‪ )3‬الم ةا الس ةق ص ‪.464‬‬

‫‪-92-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫العادي(‪. )1‬‬ ‫فاللغة الشعرية التي يتكفل الشعراء بإيجادها تمكنهم ‪ ،‬ليس فقط من أن‬ ‫يقولوا بصورة مختلفة األشياء التي يمكن أن تقال في اللغة العادية ‪ ،‬وإنما‬ ‫تمكنهم من أن يقولوا أيضًا ما ال يمكن قوله في هذه اللغة على اإلطالق(‪.)2‬‬ ‫لكنه في النهاية يحذر من اإلسراف في استخدام هذا المصطلح ‪ ،‬وجعله‬ ‫يشمل كل تجاوز لمعطيات اللغة ‪ ،‬ويؤكد أن إباحة االنحراف على إطالقه قد دفعت‬ ‫إلى مبالغات في التطبيق أفضت به عند بعض الكتاب إلى ضروب من التصنع‬ ‫والتعقيد والغموض واللغز ‪ ،‬وذلك انطالقًا من رغبة الالحق في تجاوز ما وقف‬ ‫عنده السابق ‪.‬‬ ‫ويلتقي د ‪ /‬صالح فضل في تصوره لالنحراف – إلى حد كبير – مع ما كتبه‬ ‫د ‪ /‬عبد الحكيم راضي في تصوره إياه ‪ ،‬فقد استهل فضل حديثه عن االنحراف‬ ‫والتضاد البنيوي بعبارة " فاليري " ‪ :‬إن األسلوب هو في جوهره انحراف عن‬ ‫قاعدة ما ‪ ،‬وأكد أن كثيرًا من النقاد قد شاركوا " فاليري " في هذا الرأي ‪،‬‬ ‫ودعوا إلى ضرورة أن يتعود الناقد أو األديب على القاعدة ً‬ ‫أوال‪ ،‬ليتمكن من‬ ‫اكتشاف االنحرافات المتفرعة عنها(‪. )3‬‬ ‫(‪ )0‬نظ ح الاغح ف النقي ابية ص ‪.201‬‬ ‫(‪ )2‬الم ةا الس ةق ص ‪.509‬‬

‫(‪ )0‬اات ابساوب ‪ ..‬مة يإ واة الاي‬

‫ي‪ /‬صًلح فضل ص ‪.218‬‬

‫‪-93-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫ويقول ‪ :‬إن اإلضافة المهمة التي تنجم عن المفهوم الحديث لعلم األسلوب‬ ‫كانحراف ع ن القاعدة هي إقامة المستوى المقارن للقاعدة اللغوية ‪ ،‬حيث يتم‬ ‫بمواجهته إبراز الشكل المميز لألسلوب في النص المحلل(‪. )1‬‬ ‫وإذا كانت اللغة الشعرية تتحدد في دراسات علم األسلوب على أساس أنها‬ ‫ابتعاد عن القاعدة المألوفة وكسر لها ‪ ،‬وانحراف عن سلبيتها – فإن فن الشعر‬ ‫يركز على بحث وقياس درجات هذا االنحراف(‪. )2‬‬ ‫ويجمع النقاد البنيويون على أن أهم العناصر الخاصة بالقول الجمالي هو‬ ‫أنه يكسر نظام اإلمكانات اللغوية الذي يهدف إلى نقل المعاني العادية ‪ ،‬ويهدف‬ ‫هذا الكسر بالذات إلى زيادة عدد الدالالت الممكنة(‪. )3‬‬ ‫ويقول ‪ -‬أيضًا ‪ : -‬ال يمكن إنكار حقيقة واضحة في هذا المجال ‪ ،‬وهي أن‬ ‫محاولة تصور األسلوب كانحراف عن قاعدة خارجة عن النص ‪ ،‬وابتعاد متعمد‬ ‫من قبل المؤلف لتحقيق أغراض جمالية أمر مقبول للوهلة األولى‪.‬‬ ‫كما ال يمكن إنكار حقيقة أخرى ‪ ،‬وهي أن هذا التصور يساعد على شرح‬ ‫كثير من الظواهر الالفتة في النصوص األدبية ‪ ،‬ولعل هذا يتضح بشكل خاص في‬

‫(‪ )2‬الم ةا الس ةق ص ‪.219‬‬

‫(‪ )3‬نظ ح الةن إ ح ف النقي ابية‬

‫ي‪ /‬صًلح فضل ص ‪.252‬‬

‫(‪ )0‬نظ ح الةن إ ح ف النقي ابية ص‪.250‬‬

‫‪-94-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫الحاالت التي يرتطم فيها المؤلف بجدار االستعمال اللغوي العادي ويخرج عليه(‪. )1‬‬ ‫غير أنه يعود فيرصد أهم المشكالت والمحاذير التي تترتب على اإلسراف‬ ‫في استخدام هذا المصطلح ‪ ،‬وحصر األسلوب في أنه انحراف عن األصل ‪ ،‬يقول‬ ‫‪ :‬وموجز األمر في مشاكل التحديد اإلجرائي لألسلوب كانحراف عن قاعدة يتمثل‬ ‫فيما يأتي‬

‫(‪)2‬‬

‫‪:‬‬

‫‪ -1‬يترتب على هذه النظرة وجود نصوص بال أسلوب ‪ ،‬وهي تلك النصوص‬ ‫التي ال تنحرف عن قاعدة ما ‪.‬‬ ‫‪ -2‬يصعب تحديد كل من القاعدة واالنحراف بالدقة العلمية المنشودة ‪.‬‬ ‫‪ -3‬هناك انحرافات ال يترتب عليها تأثير أسلوبي ‪ ،‬كما أن هناك عناصر لغوية‬ ‫ذات أهمية أسلوبية دون أن تكون خروجًا على القواعد المعتد بها ‪.‬‬ ‫‪ -4‬لعل أخطر ما يترتب على تطبيق هذه النظرية في تفسير النصوص‬ ‫األدبية هو االعتداد بالمالمح األسلوبية القليلة المميزة غير المستعملة عادة ‪،‬‬ ‫وإهمال بقية مالمح النص الدالة وبنيته األساسية ‪.‬‬ ‫ونخلص من هذا بأن د‪ /‬صالح فضل يريد اإلفادة من تفجير اإلمكانات‬ ‫الداللية المترتبة على رصد االنحراف وبيان قيمته الفنية ‪ ،‬دون أن نسرف أو‬ ‫نبالغ في التطبيق ‪ ،‬أو أن نحصر األسلوب في أنه انحراف عن القاعدة أو األصل‬ ‫(‪ )2‬اات ابساوب ‪ ..‬مة يإ واة الاي‬

‫(‪ )3‬الم ةا الس ةق ص ‪.206 205‬‬

‫ي‪ /‬صًلح فضل ص ‪.202‬‬

‫‪-95-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪ ،‬مما يترتب عليه إهمال العناصر الفنية األخرى ‪.‬‬ ‫غير أن بعض الحداثيين قد نحا باالنحراف منحى آخر يعمد إلى الثورة على‬ ‫القديم ‪ ،‬والقطيعة مع التراث ‪ ،‬ويرمي من ورائه إلى الصورة المنحرفة لسعي‬ ‫اإلنسان إلى الجديد ‪ ،‬سعيًا متفلتًا من كل الضوابط والقيم ‪ ،‬سعيًا يعمل على هدم‬ ‫ً‬ ‫مستمرا ومتتابعًا مع القلق والخوف من المستقبل ‪ ،‬في هجوم‬ ‫الماضي هد ًما‬ ‫جنوني على الدين واللغة والتراث ‪ ،‬وثورة على الحياة وعلى سنن هللا الثابتة في‬ ‫الكون(‪. )1‬‬ ‫ومن ثمة لم تقف دعوة بعضهم عند االنحراف في اللغة من المثالي إلى‬ ‫ً‬ ‫وتفصيال ‪ ،‬يقول‬ ‫المنحرف ‪ ،‬إنما دعوا إلى تدمير اللغة ونقض قواعدها جملة‬ ‫كمال أبو ديب ‪ :‬تكون الحداثة – بين ما تكونه – تدميرًا للغة من الداخل ‪ ،‬تدميرًا‬ ‫للقواعدية فيها ‪ ،‬ومحاولة إلعادتها إلى بناها الالقاعدية ‪ ،‬الالمتشكلة ‪ ،‬ويتم ذلك‬ ‫في الحداثة عن طريق تدمير بنية الجملة الدالة بما هي نسق واضح من القواعد‬ ‫المنفذة ‪ ،‬وتحويل الجملة إلى سلسلة من اإلمكانات والتداخالت(‪. )2‬‬ ‫ويقول في موضع آخر ‪ :‬الحداثة انقطاع معرفي ‪ ,‬ذلك أن مصادرها‬ ‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬ابساوب وابساوة ح ة ا العام ن ح وابيب المايزت ة إلسًلت ي‪ /‬اين ا ض النتوي ص‪29‬‬ ‫ح‪ /‬يا النتوي لانش واليوز ا ة ل ض سنح ‪0409‬ار‪0999/‬ت‪.‬‬

‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬ةن ح التيادح المع ص اار الاغرح الع ة رح ي‪ /‬ول ري قصر ب إةر اا ت ص ‪203 202‬‬ ‫(ةترررر‬

‫منشررررو ةمةاررررح كا ررررح الي اسرررر ا اإلسررررًلم ح والع ة ررررح ةررررية ) العرررريي الي سررررا سررررنح‬

‫‪0405‬ار‪0995/‬ت‪.‬‬

‫‪-96-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫المعرفية ال تكمن في المصادر المعرفية للتراث ‪ ،‬أو في اللغة المؤسساتية ‪،‬‬ ‫والفكر الديني ‪ ،‬وكون هللا مركز الكون ‪ ..‬الحداثة ا نقطاع ألن مصادرها المعرفية‬ ‫هي اللغة البكر ‪ ،‬والفكر العلماني ‪ ،‬وكون اإلنسان مركز الوجود(‪. )1‬‬ ‫وال يفتأ بعض الحداثيين يردد كلمات التدمير ‪ ،‬التخريب ‪ ،‬نسف القواعد‬ ‫اللغوية ‪ ،‬وغير ذلك مما ينطوي على حقد أسود على هذه اللغة(‪.)2‬‬ ‫ويستخدم بعضهم مصطلح االنحراف ‪ ،‬وهم يرمون من ورائه إلى التمرد على‬ ‫التراث ‪ ،‬والثورة على المرجعية اللغوية ‪ ،‬والخروج على سنن العربية ‪ ،‬وتفننوا‬ ‫في األسماء والمصطلحات بما يوهم أنهم نقاد مبدعون ‪ ،‬أو أنهم أتوا بما لم يأت به‬ ‫األولون ‪ ،‬مما أدى إلى فوضى المصطلح النقدي الحديث ‪.‬‬

‫االنحراف وفوضى المصطلح النقدي الحديث ‪:‬‬ ‫االنحراف أحد المصطلحات التي تدل مقاربتها النقدية عند بعض الكتاب‬ ‫المحدثين على مدى االرتباك والفوضى في استخدام بعض المصطلحات النقدية‬ ‫الحديثة ‪ ،‬فمن جهة لم يتفق النقاد على تحديد علمي لمفهوم االنحراف ‪ ،‬ومن جهة‬ ‫ً‬ ‫سيال من المصطلحات التي تستخدم كبديل أو مرادف لمصطلح‬ ‫أخرى رأينا‬ ‫االنحراف ‪ ،‬منها ‪ :‬االنزياح(‪ ، )3‬التخطي ‪ ،‬التحول ‪ ،‬الخروج ‪ ،‬التجـاوز ‪ ،‬المخالفة‬ ‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬يقو ت نظ ح التيادح وموقف ابيب اإلسًلم منه ي‪ /‬اين ا ض النتوي ص ‪ 30‬نشر‬ ‫يا النتوي ة ل ض سنح ‪0404‬ار‪0984/‬ت‪.‬‬ ‫(‪ )3‬انظ ‪ :‬ةن ح التيادح المع ص اا الاغح الع ة ح ي‪ /‬ول ي قص ب ص ‪.200‬‬ ‫واررو االنت ر اف اررا الاغررح الع ي ررح وانز ر ح ت رروي‬ ‫(‪ )0‬قسررم ةعررض النق ر ي إل ر انز ر ح سرركون‬

‫‪-97-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪ ،‬المغايرة ‪ ،‬االختالل ‪ ،‬اإلطاحة ‪ ،‬اللحن ‪ ،‬التحريف ‪ ،‬العصيان ‪ ،‬الشناعة ‪،‬‬ ‫االنتهاك ‪ ،‬خرق السنن(‪. )1‬‬ ‫وال شك أن كثيرًا من هذه المصطلحات يحمل معاني الهدم وا لتمرد ‪ ،‬وقد‬ ‫صار لهذا االتجاه مدرسة لها أدباؤها وأنصارها ‪ ،‬من أمثال ‪ :‬يوسف الخـال ‪،‬‬ ‫وأنسي الحاج ‪ ،‬ومحمد الماغوط ‪ ،‬وتوفيق صـايغ ‪ ،‬وأدونيس ‪ ،‬وجبرا إبراهيم‬ ‫جبرا ‪ ،‬وعبد الرحمن منيف ‪ ،‬وخالدة سعيد‪ ،‬وغيرهم ‪.‬‬ ‫وأغلب أعضاء مجلة شعر اللبنانية ينتمون إلى هذا االتجاه ‪ ،‬وقد أطلق‬ ‫عليهم غالي شكري " أبناء مدرسة التجاوز والتخطي "‪ ،‬وأثنى على ثورتهم‬ ‫اللغوية والفكرية والموسيقية ‪ ،‬وعلى تحررهم وعدم تقيدهم أو التزامهم بأي‬ ‫ضابط تراثي‪ ،‬يقول‪ :‬إن ثورة توفيق صايغ‪ ،‬وأنسي الحاج‪ ،‬ومحمد الماغوط‪،‬‬ ‫وجبرا إبراهيم جبرا – هي الخروج على هذا المطلق السرمدي ‪ ،‬إنها ثورة بال‬ ‫حدود‪ ،‬فهي ليست تمردًا على البيت الواحد المكتفي بذاته‪ ،‬وإنما هي ثورة على‬ ‫القالبية في الفكر والتعبير‪ ،‬سواء أكانت هذه القالبية هي عمود الخليل أم التفعيلة‬ ‫الواحدة(‪. )2‬‬ ‫واو االنت اف اا مسيوى اليق ل ي ابية ح‪.‬‬ ‫أو ي ن م‬ ‫(‪ )2‬اةا ‪ :‬ابساوة ح ميخل نظ ي وي اسرح يحة ق رح ي‪ /‬فريح اه أتمري سرا م ا ص ‪ 44‬وابسراوة ح‬ ‫وابسراوب ي‪ /‬اةري السرًلت المسريي ص ‪ 97 96‬ح‪ /‬الريا الع ة رح لاكير ب يرونس والةًلغررح‬ ‫وابساوة ح لمتمي اةي المحاب ص ‪ 268‬واات ابساوب ‪ ..‬مة يإر واة الاير ي‪ /‬صرًلح فضرل‬ ‫ي‪ /‬اةي التك ت اض ص ‪.484‬‬ ‫ص ‪ 207‬ونظ ح الاغح ف النقي ابية‬ ‫(‪ )0‬التيادرررح الع ة رررح تق قيهررر ومًلمتهررر ي‪ /‬ول ررري قصررر ب ص ‪( 250‬ةتررر منشرررو ةمةارررح كا رررح‬

‫‪-98-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫وإني ألشعر بسباق بين بعض الكتاب والنقاد الحداثيين المعاصرين ‪ ،‬أيهم‬ ‫يكون أكثر هد ًما للتراث ‪ ،‬وتجاو ًزا للماضي ‪ ،‬وتمردًا على المقدسات ‪ ،‬وتنكرًا‬ ‫لتراثه ولغته وثقافته ‪.‬‬ ‫وما ذلك إال ألن النيل من هذه الثوابت قد أصبح وسيلة أنصاف المثقفين –‬ ‫إن صح إطالق ذلك عليهم – للظهور والشهرة ‪ ،‬أو الحصول على بعض الجوائز‬ ‫‪ ،‬أو األلقاب ‪ ،‬أو المناصب الريادية ‪ ،‬أو التزلف ألصحابها والتقرب منهم على‬ ‫أقل تقدير ‪.‬‬ ‫ولكننا لم ولن نيأس ‪ ،‬وكلنا أمل ويقين في تحقق قوله تعالى ‪ :‬ﱡﭐ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷﲷ‬

‫ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﳉﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ َّ (‪.)1‬‬

‫‪‬‬

‫نقرًل ارا مةارح الن قري‬ ‫الي اس ا اإلسًلم ح والع ة ح ةية ) العيي السر ةا سرنح ‪0404‬ارر‪0993/‬ت ا‬ ‫الص ي ف لنيا ايي ول و سنح ‪0989‬ت ص ‪.41‬‬

‫(‪ )0‬سو ال اي ‪ :‬ةزل ما اآل ح ‪.07‬‬

‫‪-99-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫الفصل الرابع‬ ‫جدليــة الحضـور والغيـــاب‬ ‫بين القدماء وال ُمح َدثين‬ ‫"دراسة أسلوبية نقدية"‬

‫‪-011-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪-010-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫توطئة‬ ‫مفهوم المصطلح وتحديد عناصره‬ ‫أ – مفهوم عالقات الحضور ‪:‬‬ ‫ه ي تل ك العالق ات الت ي تق وم ب ين العناص ر الحاض رة ف ي ال نص األدب ي ‪،‬‬ ‫وتنش أ ع ن ارتب اط ك ل عنص ر منهم ا ب اآلخر أو تطلب ه ل ه ‪ ،‬ويطل ق عليه ا ‪:‬‬ ‫العالقات السياقية ‪ ،‬أو عالقات المجاورة(‪. )1‬‬ ‫ومن خالل دراسة هذه العالقات يمكن الوقوف على أثر كل كلم ة أو جمل ة أو‬ ‫عب ارة ف ي بني ة ال نص وس ياقه ‪ ،‬وم دى تأثره ا بظ الل وإيح اءات ه ذا الس ياق ‪،‬‬ ‫فوضع كل كلمة أو صيغة أو بنية في موض عها حي ث ال يص لح غيره ا أو مرادفه ا‬ ‫ه و عم ود نظري ة ال نظم عن د الق دماء(‪ ، )2‬ومن اط الدراس ات األس لوبية والس ياقية‬ ‫عند المحدثين والمعاصرين(‪. )3‬‬

‫ب – مفهوم عالقات الغياب ‪:‬‬ ‫ه ي تل ك العالق ات الت ي تق وم ب ين العناص ر الحاض رة والعناص ر الغائب ة ف ي‬ ‫النص األدبي ‪ ،‬وترتكز على عالقة كل عنصر ف ي الس ياق بم ا يثي ره م ن عناص ر‬ ‫مخالف ة ل ه ت م اختي اره دونه ا ‪ ،‬ويطل ق عليه ا ‪ :‬العالق ات اإليحائي ة ‪ ،‬أو العالق ات‬ ‫االستبدالية ‪ ،‬أو عالقات المخالفة(‪. )4‬‬ ‫ويساعد تص ور ه ذه العالق ات واستحض ارها عل ى ردم الفج وة ب ين الحاض ر‬ ‫والغائب ‪ ،‬ب ين المتجل ي والخف ي ‪ ،‬ب ين الم ذكور والمس كوت عن ه ‪ ،‬وف ق تعبي رات‬ ‫الحداثيين المتعددة(‪. )5‬‬ ‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬نظ ح الةن إ ح ف النقي ابية‬ ‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬ة ا إاة ز الق لا لاخح ة‬

‫ي‪ /‬صًلح فضل ص‪.205‬‬ ‫ص‪ 21‬ويالإل اإلاة ز لإلم ت اةي الق ا ص‪.12-10‬‬

‫(‪ )3‬انظررر ‪ :‬اارررت ابسررراوب ‪ :‬مة يإررر واة الايررر‬ ‫ي اسرررر ا فررر النقررري ابيةررر‬

‫ي‪ /‬صرررًلح فضرررل ص‪ 11‬وفررر مع فرررح الرررنص ‪:‬‬

‫ي‪ /‬تكمرررا صرررة ا الخح رررب ( منررر الع ررري) ص‪ 55 52‬وياللرررح‬

‫الس ق ي‪ /‬ي اه ةا ي ةا ض ف الحات ص‪.921‬‬

‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬نظ ح الةن إ ح ف النقي ابية‬

‫ي‪ /‬صًلح فضل ص‪.202 205‬‬

‫(‪ )2‬ال شك أا إس اف ةعض ال ُكيّ ب التياد ا ف إحرًلق المصرحات ا النقي رح قري أيى إلر خاخارح كد ر‬ ‫اة ةعض النق ي اا اذا التق قرح ةأوصر ف‬ ‫ما اذا المصحات ا وايت دة يه أو اسيق ا ا وقي ّ‬

‫مدل ‪ :‬فوض المصحاح أزمرح المصرحاح مشركاح المصرحاح ممر شركل أتري ةوانرب أزمرح النقري‬

‫‪-012-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫ج – جدلية العالقة بين الحضور والغياب ‪:‬‬ ‫أص ل الج دل والج دال ‪ :‬المفاوض ة عل ى س بيل المنازع ة والمغالب ة ‪ ،‬وقي ل ‪:‬‬ ‫األصل في الجدال الصراع وإسقاط اإلنسان على الجدالة(‪. )1‬‬ ‫وقد استعمل لفظ (الج دل) عل ى لس ان حمل ة الش رع ف ي مقابل ة األدل ة لظه ور‬ ‫أرجحها ‪ ،‬وهو محمود إن كان للوقوف على الحق‪ ،‬وإال فمذموم(‪. )2‬‬ ‫فأص ل الج دل ق ائم عل ى الص راع ومحاول ة اإلقص اء ‪ ،‬وجدلي ة الحض ور‬ ‫والغياب في النقد األدب ي تعن ي ذل ك الص راع الق ائم ف ي نف س المب دع أو المتلق ي أو‬ ‫الناقد بين العناصر الحاضرة والعناصر الغائبة في النص األدبي ‪.‬‬ ‫على أن هذا الص راع ال ينته ي بالض رورة إل ى غلب ة عنص ر وإزاح ة آخ ر ‪،‬‬ ‫ض ا – ق د ي ؤدي إل ى التم ازج‬ ‫فكما أنه قد يؤدي إلى اإلقص اء واإلح الل ‪ ،‬فإن ه – أي ً‬ ‫والتداخل وإشراب الحاضر معنى الغائب أو روحه ‪.‬‬

‫‪‬‬

‫ابية الع ة المع صر ‪ .‬اةرا فر ذلرك ‪ :‬المرنهج ابسراوة فر النقري ابيةر فر مصر ‪ :‬اليحرو‬

‫النظ ح اليحة ق لمي ترح ةر ة السر ح ص‪ 220‬نشر اله إرح الع مرح لقصرو الدق فرح ةمصر‬ ‫الحةعح ابول‬

‫إصيا ون و سنح ‪2005‬ت‪.‬‬

‫(‪ )3‬المف ر ياا ف ر غ ررب القررر لا لا اغررب ابصررفه ن ص‪ 11‬م ر ي (ةرريل) يتق ررق متمرري خا ررل‬ ‫اين‬

‫ح‪ /‬يا المعر فح ة وا سنح ‪1220‬ار‪1111/‬ت ‪0‬‬

‫(‪ )4‬المصررة ح المن ر‬

‫لاعًلمررح أتمرري ةررا متمرري ةررا اا ر الف رروم‬

‫ح‪ /‬المحةعح ابم ح الق ا‬

‫سنح ‪1122‬ت‪.‬‬

‫‪-013-‬‬

‫م ر ي (ةرريل)‬

‫‪ 1‬ص‪121‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫المبحث األول‬ ‫نظرة النقاد القدماء إلى عالقات الحضور والغياب‬ ‫ك ان نقادن ا الق دماء عل ى وع ي كبي ر بمفه وم كثي ر م ن المص طلحات النقدي ة‬ ‫ا لحديث ة ‪ ،‬وإن ل م يخوض وا ف ي تعريفه ا ‪ ،‬أو يقف وا عن د تحدي دها ذل ك التحدي د‬ ‫العلم ي ال دقيق ال ذي اقتض ته طبيع ة الدراس ات النقدي ة الحديث ة و ُس نة التط ور‬ ‫العلمي ‪.‬‬ ‫فعالق ات الحض ور والغي اب كان ت ماثل ة بوض وح ف ي أذه انهم ‪ ،‬وق د أف ادوا‬ ‫منها في كثير من تطبيقاتهم النقدي ة ‪ ،‬وه و م ا يؤك ده أح د النق اد المعاص رين بقول ه‬ ‫‪ :‬طبيعة الحضور والغياب لبعض عناصر التراكيب تمث ل لونً ا تعبيريً ا ب ار ًزا أف اد‬ ‫من ه الق دماء ف ي تحلي ل كثي ر م ن النم اذج األدبي ة الس تخالص م ا فيه ا م ن أل وان‬ ‫الجمال ‪ ،‬أو رصد ما فيه ا م ن مظ اهر الركاك ة والض عف ‪ ،‬وبمعن ى آخ ر ‪ :‬كان ت‬ ‫هذه الخاصية من أهم مظاهر تقييم العمل األدبي عندهم(‪. )1‬‬ ‫وتب دو مق درة الق دماء ف ي إدراكه م أن بع ض العناص ر اللغوي ة يب رز دوره ا‬ ‫األسلوبي بغيابها أكثر من حضورها ‪ ،‬وكانت مباحث الحذف والذكر ه ي وس يلتهم‬ ‫إلبراز هذا الدور(‪. )2‬‬

‫أ – عالقــات الحضــور‪:‬‬ ‫نظ ر كثي ر م ن نقادن ا الق دماء بع ين االعتب ار إل ى العالق ات الس ياقية القائم ة‬ ‫عل ى الت رابط والتماس ك ب ين عناص ر ال نص ‪ ،‬ووض ع ك ل عنص ر منه ا ف ي‬ ‫موضعه ‪ ،‬مع تخي ر الص يغة أو البني ة الت ي يتطلبه ا الس ياق دون س واها ‪ ،‬وه و م ا‬ ‫يعرف عند بعض النقاد المحدثين بعالقات الحضور ‪.‬‬ ‫فالقاضي الجرجاني يرى أن أقل الناس حظًا في ص ناعة البي ان م ن اقتص ر ‪-‬‬ ‫ف ي اختي اره ونفي ه ‪ ،‬واس تجادته واستحس انه ‪ ،‬أو استس قاطه واس تقباحه ‪ -‬عل ى‬ ‫س المة ال وزن ‪ ،‬وإقام ة اإلع راب ‪ ،‬وأداء اللغ ة ‪ ..‬ث م ال يعب أ ب اختالف الترتي ب ‪،‬‬ ‫واض طراب ال وزن ‪ ،‬وس وء الت أليف ‪ ،‬وهلهل ة النس ج ‪ ،‬وال يقاب ل ب ين األلف اظ‬ ‫ومعانيها ‪ ،‬وال يسـبر ما بينهما من نسب ‪ ،‬وال ما يجتمعان فيه من سبب(‪. )3‬‬ ‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬ةيل ح اإلف اي والي ك ب ف النقي الع ة القي ت لايكيو ‪ /‬متمي اةي المحاب ص‪.111‬‬ ‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬الم ةا الس ةق ص‪.112 111‬‬ ‫(‪ )0‬الوس حح ة ا المينة وخصوم‬

‫لاق ض الة ة ن ص‪.215‬‬

‫‪-014-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫ويرى الخطابي أن عمود البالغة إنما يقوم على وض ع ك ل لف ظ ف ي موض عه‬ ‫األخص األشكل به ‪ ،‬الذي إذا أبدل مكان ه غي ره ج اء من ه ‪ :‬إم ا تب دل المعن ى ال ذي‬ ‫يكون منه فساد الكالم ‪ ،‬وإما ذهاب الرونق الذي يكون معه سقوط البالغة(‪. )1‬‬ ‫وأم ا رس وم ال نظم ‪ -‬عن ده ‪ -‬فالحاج ة إل ى الثقاف ة والح ذق فيه ا أكث ر ؛ ألنه ا‬ ‫لجام األلفاظ ‪ ،‬وزمام المعاني ‪ ،‬وب الوقوف عل ى أس رار النظ ـم ودقائق ه ‪ ،‬ومراع اة‬ ‫م ا يتطلب ه تق دي ًما أو تأخ ـيرًا ‪ ،‬وح ذفًا أو ذك رًا ‪ " -‬تن تظم أج زاء الك الم‪ ،‬ويلت ئم‬ ‫بعضه ببعض ‪ ،‬فتقوم له صورة في النفس يتشكل بها البيان"(‪. )2‬‬ ‫وق د نظ ر كثي ر م ن نقادن ا الق دماء نظ رة تق دير إل ى وص ية بش ر ب ن المعتم ر‬ ‫وم ا تطلب ه فيه ا م ن ض رورة أن تك ون اللفظ ة ق ارة ف ي مكانه ا ‪ ،‬مض مومة إل ى‬ ‫لفقه ا ‪ ،‬س اكنة إل ى جارته ا ‪ ،‬غي ر قلق ة ف ي موض عها(‪ ، )3‬ف إن كان ت " اللفظ ة ل م‬ ‫تق ع موقعه ا ‪ ،‬ول م تص ل إل ى مركزه ا ‪ ،‬ول م تتص ل بس لكها ‪ ،‬وكان ت قلق ة ف ي‬ ‫موضعها ‪ ،‬نافرة ع ن مكانه ا – ف ال تكرهه ا عل ى اغتص اب األم اكن والن زول ف ي‬ ‫غير أوطانها "(‪. )4‬‬ ‫يؤك د أب و ه الل العس كري عل ى تل ك المع اني الت ي س اقها بش ر ف ي وص يته ‪،‬‬ ‫وينس ـخ بع ض عبارات ه المتص لة ب النظم ومراع اة الس ياق ‪ ،‬فيق ول ‪" :‬وينبغ ي أن‬ ‫تجعل كالمك مشتبهًا أوله ب آخره ‪ ،‬ومطابقً ا هادي ه لعج زه ‪ ،‬وال تتخ الف أطراف ه ‪،‬‬ ‫وال تتنافر أطراره(‪ ، )5‬وتكون الكلمة من ه موض وعة م ع أخته ا‪ ،‬ومقرون ة بلفقه ا ‪،‬‬ ‫فإن تن افر األلف اظ م ن أكب ر عي وب الك الم ‪ ،‬وال يك ون م ا ب ين ذل ك حش و يُس تغنى‬ ‫عنه ‪ ،‬ويتم الكالم دونه "(‪. )6‬‬ ‫ولبيان وجهة نظـره وشرح فكرته س اق أب و ه ـالل كثي رًا م ن األمثل ة ‪ ،‬ن ذكر‬ ‫منها ‪:‬‬ ‫‪ - 0‬قوله ‪ :‬أخبرني أبو أحمد ‪ ،‬قال ‪ :‬كنت أنا وجماعة من أح داث بغ داد مم ن‬ ‫(‪ )2‬ة ا إاة ز الق لا لاخح ة ص‪.21‬‬

‫(‪ )0‬ة ا إاة ز الق لا لاخح ة ص‪.59‬‬ ‫(‪ )2‬انظ ر ‪ :‬الة ر ا والية رر ا لاة ر تظ‬

‫‪ 1‬ص‪ 151‬والصررن اي ا بةرر اررًلل العسررك ي ص‪112‬‬

‫‪ 115‬يتق ررررق‪ :‬ي‪ /‬مف رررري قم تررررح ح‪ /‬يا الكيررررب العام ررررح ة رررر وا الحةعررررح الد ن ررررح سررررنح‬ ‫‪1201‬ار‪1111/‬ت والعمي الةا ش ق‬

‫‪ 1‬ص‪.215‬‬

‫(‪ )3‬الصن اي ا بة اًلل العسك ي ص‪.115 112‬‬ ‫(‪ )4‬أح ا ا ‪ :‬أح اف ‪.‬‬

‫(‪ )5‬الصن اي ا بة اًلل العسك ي ص‪.190‬‬

‫‪-015-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫يتعاطى األدب نختلف إلى مدرك نتعلم منه علم الشعر ‪ ،‬فقال لن ا يو ًم ا ‪:‬إذا وض عتم‬ ‫الكلمة مع لفقها كنتم شعراء‪ ،‬ثم قـال ‪ :‬أجيزوا هذا البيت ‪:‬‬ ‫أال إنما الدنيا متاع غـرور‬ ‫فأجازه كل واحد من الجماعة بشيء فلم يرضه ‪ ،‬فقلت ‪:‬‬ ‫وإن عظمت في أنفس وصدور‬ ‫أال إنما الدنيــا متـاع غرور‬ ‫فقال ‪ :‬هذا هو الجيد المختار(‪. )1‬‬ ‫‪ - 2‬قوله ‪ :‬أخبرن ا أب و أحم د الش ظي ‪ ،‬ق ـال ‪ :‬ح دثنا أب و العب اس ب ن عرب ي ‪،‬‬ ‫قال ‪ :‬حدثنا حماد عن يزيد بن جبلة ‪ ،‬قال ‪ :‬دفن مسلمة رجالً من أهله ‪ ،‬وقال ‪:‬‬ ‫نـــروح ونـغـــدو كل يـــــوم وليــلة‬ ‫ثم قال ألحدهم ‪ :‬أجز ‪ ،‬فقال ‪:‬‬ ‫فحتى متى هذا الرواح مع الغدو؟‬ ‫فقال له مسلمة ‪ :‬لم تصنع شيئًا ‪ ،‬فقال آخر ‪:‬‬ ‫فيــا لـك مغــــدى مـــرة ورواحـــا!‬ ‫فقال له – أيضًا – ‪ :‬لم تصنع شيئًا ‪ ،‬ثم قال آلخر ‪ :‬أجز ‪ ،‬فقال ‪:‬‬ ‫وعمـا قليـــــل ال نــروح وال نغـــدو‬ ‫فقال مسلمة ‪ :‬اآلن تم البيت(‪. )2‬‬ ‫وذل ك ألن المعن ى وق ع م ن ال نفس موق ع العظ ة بم ا أف اده التقاب ل ب ين ح الي‬ ‫الحركة والسكون ‪ ،‬حال الحركة والنشاط حيث الرواح والغدو كل ي وم وك ل ليل ة ‪،‬‬ ‫وحال السكون الذي يصير فيه اإلنسان جث ة هام دة ال ح راك له ا ‪ ،‬وال تق وى عل ى‬ ‫ش يء ‪ ،‬وق د ح ذف الش اعر متعل ق الغ دو وال رواح ف ي الش طر األول للدالل ة عل ى‬ ‫س عة الحرك ة وانتش ارها ‪ ،‬ولت ذهب ال نفس ف ي تفس يره ك ل م ذهب ‪ ،‬فك ل وم ا‬ ‫يناسبه من غدو ورواح ً‬ ‫كما وكيفًا ‪.‬‬ ‫‪ - 3‬قول ه ‪ :‬ومم ا ل م يوض ع الش يء في ه م ع لفق ه م ن أش عار المتق دمين ق ول‬ ‫السموءل بن عادياء‪:‬‬ ‫فَن ُ‬ ‫َحن َكماء ال ُمزن ما في نصابنا‬ ‫(‪)1‬‬ ‫َكهـا ٌم َوال فينا يُعــ ُّد بَخيـ ُل‬ ‫(‪ )0‬الصن اي ا بة اًلل العسك ي ص‪.191 190‬‬ ‫(‪ )0‬الصن اي ا ص‪.191‬‬

‫‪-016-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫إذ ل يس قول ه ‪ " :‬م ا ف ي نص ابنا َكه ا ٌم " م ن ق ـوله ‪ " :‬فَ ن ُ‬ ‫َحن َكم اء ال ُم زن"‬ ‫ف ي ش يء ‪ ،‬فل يس ب ين م اء الم زن والنص اب والكه وم مقارب ة ‪ ،‬ول و ق ـال‪ :‬ونح ن‬ ‫ليوث الحرب أو أولو الصرامة والنجدة ما ف ي نص ابنا كه ام لك ان الك الم مس تويًا ‪،‬‬ ‫أو نحن كماء المزن صفاء أخالق وبذل أكف لكان جيدًا(‪.)2‬‬ ‫ويختم أبو هالل حديثه ع ن نظ م الك الم وم ا يج ب ف ي تأليف ه بقول ه ‪ :‬وينبغ ي‬ ‫أن ترتب األلفاظ ترتيبًا صحيحًا ‪ ،‬فتقدم منها ما يحس ن تقديم ه ‪ ،‬وت ؤخر م ا يحس ن‬ ‫وال ت ؤخر م ا‬ ‫ت أخيره ‪ ،‬وال تق دم منه ا م ا يك ون الت أخير ب ه أحس ن ‪،‬‬ ‫يكون التقديم به أليق(‪. )3‬‬

‫اإلمام عبد القاهر وعالقات الحضور ‪:‬‬

‫كان اإلم ام عب د الق اهر واس طة العق د ف ي قض ية ال نظم ‪ ،‬وف ي فهم ه لعالق ات‬ ‫الذكر والحذف (الحضور والغياب) ‪ ،‬فعني عناية واضحة بالسياق ‪ ،‬والتئ ام الك الم‬ ‫‪ ،‬وضم بعضه إلى بعض على نحو خاص ‪.‬‬ ‫ف النظم عن ده ال يعن ي ض ـم الش يء إل ى الش يء كي ف ج اء واتف ق ‪ ،‬ف ـ "ل يس‬ ‫الغرض بنظم الكلم أن توالت ألفاظها في النطق ‪ ،‬بل أن تناس قت داللته ا ‪ ،‬وتالق ت‬ ‫معانيها على الوجه الذي اقتضاه العقل "(‪. )4‬‬ ‫يقول ‪ :‬وهل يقع في وه م وإن جه د أن تتفاض ل الكلمت ان المفردت ان م ن غي ر‬ ‫أن ينظر إلى مكان تقعان في ه م ن الت أليف وال نظم ب أكثر م ن أن تك ون ه ذه مألوف ة‬ ‫مس تعملة وتل ك غريب ة وحش ية ؟ أو أن تك ون ح روف ه ذه أخ ف ‪ ،‬وامتزاجه ا‬ ‫أحسن ومما يكد اللسان أبعد ؟‬ ‫وه ل تج د أح دًا يق ول ‪ :‬ه ذه فص يحة ‪ ،‬إال وه و يعتب ر مكانه ا م ن ال نظم ‪،‬‬ ‫وحسن مالءمة معناها لمعن ى جاراته ا ‪ ،‬وفض ل مؤانس تها ألخواته ا ؟ وه ل ق الوا‪:‬‬ ‫لفظ ة متمكن ة ومقبول ة ‪ ،‬وف ي خالف ه ‪ :‬قلق ة ونابي ة ومس تكرهة إال وغرض هم أن‬ ‫يعب روا ب التمكن ع ن حس ن االتف اق ب ين ه ذه وتل ك م ن جه ة معناهم ا‪ ،‬وب القلق‬ ‫والنبو عن سوء التالؤم ‪ ،‬وأن األول ى ل م تل ق بالثاني ة ف ي معناه ا ‪ ،‬وأن الس ابقة ل م‬ ‫تصلح أن تكون لفقًا للتاليـة في مؤداها ؟‬ ‫وه ل تش ـ ك إذا فك رت ف ي قول ه تع الى ‪ :‬ﱡﭐ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ‬

‫(‪ )2‬الكه ت ‪ :‬الضع ف والةة ا‪.‬‬ ‫(‪ )3‬الصن اي ا ص‪.192‬‬ ‫(‪ )0‬الصن اي ا ص‪.069‬‬

‫(‪ )2‬يالإل اإلاة ز ص‪.95‬‬

‫‪-017-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬ ‫(‪) 1‬‬

‫ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷﲷ ﲷ ﲷ ﳉ ﳊَّ ‪ ،‬فتجل ى ل ك منه ا‬ ‫اإلعج از ‪ ،‬وبه رك ال ذي ت رى وتس مع ‪ -‬أن ك ل م تج د م ا وج دت م ن المزي ة‬ ‫الظاهرة ‪ ،‬والفضيلة القاهرة إال ألمر يرجع إلى ارتباط هذه الكل م بعض ها ب بعض ‪،‬‬ ‫وإن لم يعرض له ا الحس ن والش رف إال م ن حي ث الق ت األول ى بالثاني ة ‪ ،‬والثالث ة‬ ‫بالرابعة ؟ فالفضل إنما تناتج مما بينها وحصل من مجموعها(‪. )2‬‬ ‫ً‬ ‫خاص ا م ن الت أليف ‪ ،‬ويعم د به ا إل ى وج ه‬ ‫واأللفاظ ال تفيد حتى تؤلف ضربًا‬ ‫دون وج ه م ن التركي ب والترتي ب ‪ ،‬فل و أن ك عم دت إل ى بي ت ش عر أو فص ل نث ر‬ ‫فع ددت كلمات ه ع ًدا ك ي ف ج اء واتف ق ‪ ،‬وأبطل ت نض ده ونظام ه ال ذي علي ه بن ي ‪،‬‬ ‫وفي ه أف رغ المعن ى وأج ري ‪ ،‬وغي رت ترتيب ه ال ذي بخصوص يته أف اد م ا أف اد ‪،‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫وبنسقه المخصوص أبان المراد – أخرجته م ن كم ال البي ان إل ى مج ال اله ذيان‬ ‫‪.‬‬ ‫فقد نظر عبد القاهر إل ى ال نص عل ى أن ه كي ان ل ه بنيان ه ‪ ،‬وال ب د م ن دراس ة‬ ‫ال روابط وعالق ات الت أثر والت أثير ب ين لبنات ه ‪ ،‬وه و المرتك ز ال رئيس لنظري ة‬ ‫السياق ‪ ،‬بل إن بعض ال ُكتاب المحدثين ي رى أن نظري ة الس ياق الحديث ة ال تض يف‬ ‫إلى م ا قال ه عب د الق اهر إال التفص يالت وال ربط بمفه وم التط ور ال داللي كم ا ألفت ه‬ ‫المعاجم الحديثة(‪. )4‬‬ ‫ويرى بعض هم أ ن النظ ـم ال ذي ارتب ـط باس م عب د الق ـاهر يجم ع ك ل مف ردات‬ ‫النسق الحـداثي فيما يتصل بالدراسات األسلوبية والسياقية الحديثة(‪. )5‬‬

‫حازم القرطاجني وعالقات الحضور ‪:‬‬

‫يع د ح ازم القرط اجني م ن أب رز النق اد ال ذين ج اءوا بع د عب د الق اهر ف اقتفوا‬ ‫أث ره ف ي العناي ة ب نظم الك الم ‪ ،‬والتماس ك النص ي ‪ ،‬وفه م العالق ة ب ين عناص ره‬ ‫الحاضرة وعناصره الغائب ة ‪ ،‬م ع مراع اة التناس ب ب ين المف ردات‪ ،‬وب ين الجم ل ‪،‬‬ ‫وب ين أج زاء ال نص ‪ ،‬ووض ع ك ل منه ا ف ي موض عه(‪ ،)6‬فالعب ارة ‪ -‬عن ده ‪ -‬ال تس د‬

‫(‪ )0‬سو اوي ‪ :‬اآل ح ‪.44‬‬

‫(‪ )2‬يالإل اإلاة ز ص‪.90 91‬‬ ‫(‪ )3‬أس ا الةًلغح لإلم ت اةي الق ا الة ة ن ص‪ 3‬يتق ق‪ :‬ار‪ .‬ي‬

‫نش مكيةح المينةر‬

‫‪0399‬ار‪0979/‬ت‪.‬‬ ‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬مقيمح يالإل اإلاة ز لمتمي ضواا اليا ح وف ز اليا ح ص‪.11‬‬ ‫لايكيو ‪ /‬اةي العز ز تموي ص‪.229‬‬ ‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬الم ا المقع‬ ‫(‪ )3‬انظ ر ‪ :‬ابسرراوة ح ونظ ررح الررنص لارريكيو ‪ /‬إة ر اا ت خا ررل ص‪ 12‬وم ر ةعرريا‬ ‫الع ة ح لاي اس ا والنش ة وا سنح ‪1119‬ت‪.‬‬

‫‪-018-‬‬

‫سرنح‬

‫ح‪ /‬المؤسسررح‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫مس د غيره ا ف ي حس ن موقعه ا وإن ك ان مفهومهم ا واح دًا ؛ ألن إح داهما ألي ق‬ ‫بالموضع ‪ ،‬وأشد مناسبة لما وقع في جنبتي الكالم المكتنفتين له(‪. )1‬‬ ‫والش اعر ‪ -‬عن د ح ازم ‪ -‬ال يكم ل ل ه فن ه إال إذا ت وفرت ل ه ث الث ق وى ‪ :‬ق وة‬ ‫حافظة ‪ ،‬وقوة مائزة ‪ ،‬وقوة صانعة ‪.‬‬ ‫أما القوة الحافظة فهي أن تك ون خي االت الفك ـر عن د األدي ب منتظم ة‪ ،‬بحي ث‬ ‫يص ير كن اظم الج وهر ‪ ،‬تك ون عن ده أنم اط الج واهر مج زأة محفوظ ة المواض ع ‪،‬‬ ‫فإذا أراد أي حجر شاء عل ى أي مق دار ش اء عم د إلي ه فوض عه ف ي موض عه ‪ ،‬ف إن‬ ‫كان األديب معتكر الخياالت صار كناظم تكون جواهره مختلطة ‪ ،‬فإذا أراد حج رًا‬ ‫عل ى ص فة م ا تع ب ف ي تفتيش ه عن ه ‪ ،‬وربم ا ل م يق ـع عل ى البغي ة ‪ ،‬فنظ ـم ف ي‬ ‫الموضع غير ما يليق به ‪.‬‬ ‫وأم ا الق وة الم ائزة فه ي الت ي يمي ز به ا اإلنس ان م ا يالئ م الموض ع وال نظم‬ ‫واألسلوب والغرض مما ال يالئم ذلك ‪.‬‬ ‫وأم ا الق وة الص انعة فه ي الت ي تت ولى العم ل ف ي ض م بع ض أج زاء األلف اظ‬ ‫والمع اني والتركيب ات النظمي ة والم ذاهب األس لوبية إل ى بع ض ‪ ،‬والت درج م ن‬ ‫بعض ها إل ى بع ض ‪ ،‬وبالجمل ة ه ي الت ي تت ولى جمي ع م ا تلت ئم ب ه كلي ات ه ذه‬ ‫الصناعة(‪. )2‬‬ ‫فهذه القوى الثالث ‪ -‬التي يرى ح ازم أن ه ال يكتم ل لش اعر ق ول عل ى الوج ـه‬ ‫المختار إال بها ‪ -‬إنما تدور في جملتها حول وضـع الشيء ف ي موض عه ال ذي يلي ق‬ ‫به ‪ ،‬م ع مراع اة ال تالؤم وال تالحم ب ين أج زاء العم ل األدب ي ‪ ،‬بحي ث يص بح كيانً ا‬ ‫أدبيًا متماس ًكا ال أجزاء مشتتة أو بنى متنافرة ‪.‬‬ ‫ب ل إن حاز ًم ا ليس بق الح داثيين ال ذين ن ادوا بمراع اة التطال ب المعجم ي‬ ‫والصرفي واإليقاعي ‪ ،‬يقول ‪ " :‬فم ن حس ن الوض ع اللفظ ي أن ي ؤاخى ف ي الك الم‬ ‫بين كلم تتماث ل ف ي م واد لفظه ا ‪ ،‬أو ف ي ص يغها ‪ ،‬أو ف ي مقاطعه ا ‪ ،‬فتحس ن ب ذلك‬ ‫ديباجة الكالم ‪ ،‬وربما دل بذلك في بعض المواضع أول الكالم على آخره "(‪. )3‬‬ ‫وم ن قب يح الت أليف ‪ -‬عن ده ‪ -‬أن تك ون األلف اظ بعي دة أنح اء التطال ب ‪ ،‬ش تيتة‬ ‫النظم ‪ ،‬متخاذالً بعضها عن بعض ‪ ،‬كقول الشاعر(‪: )4‬‬ ‫(‪ )4‬منه الةاغ ل لت زت الق ح ةن ص‪ 19‬يقي ت ويتق ق‪ :‬متمي التة ب ةا الخوةح نش يا‬ ‫ة وا سنح ‪1119‬ت‪.‬‬ ‫الغ ب اإلسًلم‬ ‫(‪ )0‬منه‬ ‫(‪ )0‬منه‬

‫الةاغ ل ص‪.25 22‬‬ ‫الةاغ ل ص‪.222‬‬

‫(‪ )2‬المصي الس ةق ص‪.222‬‬

‫‪-019-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫ل م يض رها والحم د هلل ش يء‬ ‫فانثن ت نح ـو ع زف نف س ذه ول‬ ‫أو ال يكون ثمة توافق أو تطالب ب ين المع اني ‪ ،‬ك أن ي أتي التفس ير عل ى غي ر‬ ‫وفق المعنى المفسر ‪ ،‬كقول أحدهم ‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫في ا أيه ا الحي ران ف ي ظل م ال دجى‬ ‫وم ن خ ـاف أن يلق اه بغ ٌي م ن الع دا‬ ‫تع ال إليــــــ ـه تل ق م ن ن ور وجه ه‬ ‫ض ياء وم ن كفي ه بح رًا م ن النــ ـدى‬ ‫فمقابلة عجز البي ت األول بعج ز البي ت الث اني غي ر ص حيحة ‪ ،‬والتس امح ف ي‬ ‫إيراد التفسير على مثل هذا مخل بوضع المعاني ‪ ،‬ومذهب لطالوة الكالم ‪ ،‬فينبغ ي‬ ‫أن يتحرز منه ‪ ،‬وأال يتسامح في مثله(‪. )1‬‬ ‫وبن اء عل ى م ا س بق يمك ن أن نؤك د أن عالق ات الحض ور الت ي تق وم عل ى‬ ‫مراعاة التناس ب ب ين عناص ر ال نص الحاض رة ق د نال ت حظً ا واف رًا م ن دراس ات‬ ‫نقادنا القدماء ‪ ،‬وإن لم يسموها به ذا االس م فق د تناولوه ا م ن خ الل دراس تهم لل نظم‬ ‫وسياق الكالم ‪ ،‬واألسرار البالغية للذكر والحذف والتقديم والتأخير ‪.‬‬

‫ب – قضية الغياب عند نقادنا القدماء‪:‬‬ ‫نالت قضـية الغياب اهتم ام بع ض نقادن ا الق دماء لدرج ة الفت ة للنظ ر ‪ ،‬س واء‬ ‫فيم ا يتعل ق بأس رار الح ذف (المس كوت عن ه) ‪ ،‬أم م ا يتعل ق باالختي ار (االس تبدال‬ ‫األفقي والرأسي) ‪ ،‬وفق تعبيرات بعض النقاد المحدثين والمعاصرين ‪.‬‬ ‫ويعد اإلمام عبد الق اهر أب رز النق اد الق دماء ال ذين تح دثوا ع ن بالغ ة الح ذف‬ ‫ف ي ص ورة أق رب م ا تك ون إل ى معطي ات النق د الح ديث ‪ ،‬مهم ا ك ان بري ق‬ ‫المص طلحات الت ي يطلقه ا بع ض النق اد المح دثين ‪ ،‬كفق ه المس كوت عن ه ‪ ،‬أو‬ ‫الخفاء والتجلي ‪ ،‬أو عالقات الغياب ‪ ،‬أو غير ذلك ‪.‬‬ ‫يق ول عب د الق اهر ف ي مس تهل حديث ه ع ن الح ذف ‪ :‬ه و ب اب دقي ق المس لك ‪،‬‬ ‫لطيف المأخذ ‪ ،‬عجيب األمر ‪ ،‬شبيه بالسحر ‪ ،‬فإنك ترى به ترك الذكر أفص ح م ن‬ ‫الذكر ‪ ،‬والصمت عن اإلفادة أزيد لإلفادة ‪ ،‬وتج دك أنط ق م ا تك ون إذا ل م تنط ق ‪،‬‬ ‫وأتم ما تكون بيانًا إذا لم تبن(‪. )2‬‬ ‫فما من اسم أو فعل تجده قد حذف ثم أصيب ب ه موض عه ‪ ،‬وح ذف ف ي الح ال‬ ‫(‪ )0‬منه‬

‫الةاغ ل ص‪.11 11‬‬

‫(‪ )0‬يالإل اإلاة ز ص‪.192‬‬

‫‪-001-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫التي ينبغي أن يحـذف فيها إال كان حذفه هن اك أحس ن م ن ذك ره ‪ ،‬وك ان إض ماره‬ ‫في النفس أولى وآنس من النطق به(‪. )1‬‬ ‫وساق عبد القاهر لذلك أمثلة عديدة ‪ ،‬نذكر منها ‪:‬‬

‫أ – قول البحتري ‪:‬‬

‫دَت أَبلَ‬ ‫فَت‬ ‫ت َش‬ ‫إذا بَ ُع‬ ‫ت َوإن قَ ُربَ‬ ‫ُ‬ ‫في‬ ‫ا يَش‬ ‫ي َولقيانُه‬ ‫ا يُبل‬ ‫فَهجرانُه‬ ‫ف المعنى ‪ :‬إذا بع دت عن ي أبلتن ي ‪ ،‬وإن قرب ت من ي ش فتني ‪ ،‬إال أن ك تج د‬ ‫الشعر يأبى ذلك ويوجب إطراحه ‪ ،‬وذلك ألنه أراد أن يجعل البلى كأن ه واج ب ف ي‬ ‫بعاده ا أن يوجب ه ويجلب ه ‪ ،‬وكأن ه كالطبيع ة في ه ‪ ،‬وك ذلك ح ال الش فاء والب رء م ن‬ ‫كل داء ‪ ،‬وال سبيل إلى هذه اللطيفة إال بحذف المفعول(‪. )2‬‬

‫ب – قول البحتري ‪:‬‬

‫ث‬ ‫َو َك م ُذدتَ عَن ي م ن تَحا ُم ل ح اد ٍ‬ ‫م‬ ‫زَ زنَ إل ى ال َعظ‬ ‫ٍام َح‬ ‫َو َس ورة أَي‬ ‫األص ل ال محال ة ‪ " :‬ح ززن اللح م إل ى العظ م " ‪ ،‬إال أن ه ف ي مجيئ ه ب ه‬ ‫مح ذوفًا ‪ ،‬وإس قاطه ل ه م ن النط ق ‪ ،‬وترك ه ف ي الض مير مزي ة عجيب ة ‪ ،‬وفائ دة‬ ‫جليلة ‪ ،‬وذلك أن من حذق الش اعر أن يوق ع المعن ى ف ي نف س الس امع إيقا ًع ا يمنع ه‬ ‫من أن يتوهم في بدء األمر شيئًا غير المراد ‪ ،‬ومعلوم أن ه ل و أظه ر المفع ول فق ال‬ ‫‪ :‬وس ورة أي ام ح ززن اللح م إل ى العظ م لج از أن يق ع ف ي وه م الس امع – قب ل أن‬ ‫يصل إلى قول ه ‪ " :‬إل ى العظ م " – أن ه ذا الح ز ك ان ف ي بع ض اللح م دون كل ه ‪،‬‬ ‫وأنه قط ـع م ا يل ي الجل د ول م ينت ه إل ى م ا يل ي العظ م ‪ ،‬فلم ا ك ان ك ذلك ت رك ذك ر‬ ‫اللح م ‪ ،‬وأس قطه م ن اللف ظ ‪ ،‬ليب رئ الس امع م ن ه ذا ال وهم ‪ ،‬ويجعل ه بحي ث يق ع‬ ‫المعنى منه في أنف الفهم ‪ ،‬ويتصور ف ي نفس ه م ن أول األم ر أن الح ز مض ى ف ي‬ ‫اللحم حتى لم يرده إال العظم ‪.‬‬ ‫أفيكون دليل أوضح م ن ه ذا وأب ين وأجل ى ف ي ص حة م ا ذك رت م ن أن ك ق د‬ ‫ت رى ت رك ال ذكر أفص ح م ن ال ذكر ‪ ،‬واالمتن اع م ن أن يب رز اللف ظ م ن الض مير‬ ‫أحسن للتصوير ؟(‪.)3‬‬ ‫ثم جاء ضياء الدين بن األثير فاقتفى أثر عبد القاهر ف ي حديث ه ع ن الح ذف ‪،‬‬ ‫(‪ )2‬المصي الس ةق ص‪.191‬‬ ‫(‪ )3‬المصي الس ةق ص‪.112‬‬ ‫(‪ )0‬يالإل اإلاة ز ص‪.080‬‬

‫‪-000-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫ونقل كثيرًا من كالمه وشواهده ‪ ،‬وبخاصة في حذف المفع ول ‪ ،‬دون أن يش ير إل ى‬ ‫ذلك(‪. )1‬‬ ‫غير أن ابن األثير قد تف نن ف ي ذك ر أل وان الح ذف ‪ ،‬وتوس ع ف ي ش واهده(‪، )2‬‬ ‫وحاول دراسته في إطار سياق أعم وهو سياق اإليج ـاز ‪ ،‬فجع ل اإليج از قس مين ‪:‬‬ ‫إيجا ًزا بالح ذف ‪ ،‬وإيج ا ًزا بغي ر ح ذف ‪ ،‬وه و ض ربان ‪ :‬إيج از بالتق دير ‪ ،‬وإيج از‬ ‫بالقصر(‪. )3‬‬ ‫وقد أثنى بعض النق اد المعاص رين عل ى دراس ة اب ن األثي ر للح ذف ف ي إط ار‬ ‫س ياق اإليج از ‪ ،‬وع د ذل ك محاول ة ج ادة يمك ن تنميته ا ف ي مج ال البح ث البالغ ي‬ ‫الحديث ‪ ،‬وربطه بالدراسات األسلوبية ‪ ،‬من حيث يص بح الك ل ل ه األهمي ة األول ى‬ ‫أو المرتب ة األول ى بالنس بة لألج زاء ‪ ،‬وإن كان ت ه ذه األولوي ة ال تلغ ي الج زء أو‬ ‫توقف تأثيره في السياق(‪. )4‬‬ ‫ثم جاء العلوي صاحب الطراز فتابع عب د الق اهر واب ن األثي ر ف ي أن الح ذف‬ ‫إذا وقع في موضعه ك ان أبل غ وأفص ح م ن ال ذكر ‪ ،‬ب ل ذه ب إل ى الق ول بأن ه " ل و‬ ‫ظه ر المح ذوف لن زل ق در الك الم ع ن عل و بالغت ه ‪ ،‬ولص ار إل ى ش يء مس ترك‬ ‫مسترذل ‪ ،‬ولكان مبطالً لما يظهر على الكالم من الطالوة والحسن والرقة "(‪. )5‬‬ ‫وس اق العل وي أمثل ة كثي رة لإليج از بح ذف الجم ل ‪ ،‬وح ذف‬ ‫المفردات ‪ ،‬وحذف الحروف(‪1 )6‬‬ ‫وم ن أمثل ة ح ذف الح روف عن ده ح ذف ال واو ف ي ﱡﭐ ﱯ ﱰ ﲷ ﲷ ﱳ ﱴ‬ ‫ﱵ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ‬

‫(‪. )7‬‬

‫ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ‬

‫ﲷ ﲷﲷ َّ‬ ‫‪..‬‬

‫(‪)7‬‬

‫ألن التقـدير ‪ :‬وودوا ما عنتم ‪ ،‬وقد ب دت البغض اء م ن أف واههم ‪ ،‬فلم ا ح ذفت‬ ‫ه ذه ال واو ك ان الك الم م ع ح ذفها أدخ ل ف ي اإلعج از ‪ ،‬وأحس ن ف ي االختص ار‬

‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬المدل الس إ ف أيب الك يب والش ا‬ ‫(‪ )0‬اةا ‪ :‬المدل الس إ ق‪ 2‬ص‪.211-201‬‬

‫الةا ابد‬

‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬المصي الس ةق ق‪ 2‬ص‪ 219‬وم ةعيا ‪.‬‬

‫(‪ )3‬الةًلغح وابساوة ح لمتمي اةي المحاب ص‪.510‬‬

‫(‪ )4‬الح از لاعاوي ص‪.221 229‬‬

‫(‪ )5‬اةا ‪ :‬المصي الس ةق ص‪ 221‬وم ةعيا ‪.‬‬ ‫(‪ )0‬سو لل ام اا ‪ :‬ةزل ما اآل ح ‪.111‬‬

‫‪-002-‬‬

‫ق‪ 2‬ص‪ 209‬ص‪.240-239‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫واإليجاز ‪ ،‬وأبلغ في تأليفه ونظمه ‪ ،‬وأحلى في سياقه وعذوبة طعمه(‪. )1‬‬

‫الفحص االستبدالي (االختيار) ‪:‬‬ ‫ويعني اختيار الب دائل اللغوي ة الممكن ة ‪ ،‬س واء أك ان ذل ك م ن جه ة المب دع أم‬ ‫من جهة الناقد ‪.‬‬ ‫وه ذه الفك رة مح ل انبه ار كثي ر م ن ال ُكت اب والنق اد الح داثيين ‪ ،‬ويرج ع‬ ‫انبهارهم إلى كون هذا المصطلح أحد مف ردات النق د الغرب ي أو الحض ـارة الغربي ة‬ ‫الواف دة ‪ ،‬وق د ع زاه عب د هللا الغ دامي إل ى الناق د الفرنس ي "روالن ب ارت" ‪ ،‬يق ول‬ ‫الغدامي ‪ :‬من أجل النفاذ إلى باطن النص لس بر حرك ة العالق ات في ه اقت رح روالن‬ ‫بارت فكرة الفحص االستبدالي ‪ ،‬وهو أن نقوم بتغيير الدال ب إحالل ب دائل عن ه م ن‬ ‫سلسلة االختيار ‪ ،‬لنرى أثر ذلك في توجه الجمل ة م ن حي ث داللته ا ‪ ،‬أو م ن حي ث‬ ‫إيقاعها ‪.‬‬ ‫وحركة ا الستبدال تمس البنية كله ا ‪ ،‬فتغيي ر إح دى الكلم ات ي نجم عن ه تغيي ر‬ ‫وظائف األخريات(‪. )2‬‬ ‫لكن ناقدًا منصفًا هو د‪ /‬عبد العزيز حمودة يرد األم ر إل ى نص ابه ‪ ،‬فيؤك د أن‬ ‫الق ول ب أن اللغ ة نظ ام أو نس ق عالم ات تربطه ا ش بكة م ن العالق ات التتابعي ة‬ ‫واالس تبدالية أم ر عرف ه العق ل العرب ي ‪ ،‬وقتل ه بحثً ا وج دالً لم ا يق رب م ن خمس ة‬ ‫قرون على األقل(‪. )3‬‬ ‫والق ارئ ل دالئل اإلعج از سيدهش ه ع دد المواض ع الت ي يتط رق عب د الق اهر‬ ‫ض ا – ع ن العالق ة‬ ‫فيه ا إل ى ال نظم ‪ ،‬وحي ث يك ون الح ديث ع ن ال نظم يك ون – أي ً‬ ‫األفقي ة والعالق ة الرأس ية ‪ ،‬وإن ك ان عب د الق اهر ل م يس تخدم ه ذه المص طلحات‬ ‫الحديث ة ‪ ،‬فالمص طلح المتك رر ف ي وص ف العالق ات األفقي ة ه و (الج وار) أحيانً ا‬ ‫و(الضم) أحيانًا أخرى ‪ ،‬أم ا المح ور الرأس ي (االس تبدال) فالمص طلح الش ائع ب ين‬ ‫البالغيين العرب هو (االختيار) ‪ ،‬وهو يؤدي المعنى الحديث بالكامل(‪. )4‬‬ ‫وق د أش ار كثي ر م ن نقادن ا الق دماء إل ى قض ية االس تبدال (االختي ار) ‪ ،‬م نهم‬ ‫(‪ )2‬الح از لاعاوي ص‪.211‬‬

‫ي‪ /‬اةري اه الغريام ص‪ 20‬ح ‪ /‬اله إرح المصر ح الع مرح لاكير ب سرنح ‪1111‬ت‬

‫(‪ )0‬الخح إح واليكف‬

‫وانظ ‪ :‬الم ا المقع‬

‫(‪ )2‬الم ا المقع‬

‫لايكيو ‪ /‬اةي العز ز تموي ص‪.212‬‬

‫ي‪ /‬اةي العز ز تموي ص‪.211‬‬

‫(‪ )3‬الم ةا الس ةق ص‪.211‬‬

‫‪-003-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫الخط ابي ال ذي تح دث ع ن ذل ك بوض ـوح ‪ ،‬يق ول ‪ " :‬فيتوص لوا باختي ار األفض ل‬ ‫عن األحسن من وجوهها "(‪ ، )1‬أي ‪ :‬من وجـوه األلفاظ الحوامل للمعاني ‪.‬‬ ‫يقول عبد العزيز حمودة ‪ :‬إن الخطابي – هنا – يتحدث ع ن العالق ة األفقي ة ‪،‬‬ ‫وهو بذلك يقدم ما يعرفه المحدثون والحداثيون باألفق االستبدالي‪.‬‬ ‫إن ه يتح دث ع ن االختي ار ب ين المف ردات اللغوي ة ‪ ،‬أو ب ين األلف اظ الحوام ل‬ ‫للمعن ى ‪ ،‬وه ذا االختي ار يق وم ب الطبع عل ى انتق اء اللفظ ة المناس بة (األفض ل) م ن‬ ‫ب ين ألف اظ أخ رى مش ابهة أو مرادف ة ‪ ،‬أو حت ى مخالف ة ‪ ،‬أل يس ه ذا ‪ -‬ف ي إيج از ‪-‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫هو جوهر محور االستبدال؟‬ ‫وقد نبه أبو هـالل العسكري في أكثـر من موض ـع م ن كتاب ـه "الص ناعتين "‬ ‫إل ى أن تخي ر األلف اظ وإب دال بعض ها م ن بع ض يوج ب التئ ام الك الم ‪ ،‬وه و م ن‬ ‫أحس ن نعوت ه وأزي ن ص فاته(‪ ، )3‬يق ول ‪ " :‬ف إذا عمل ت القص يدة فه ذبها ونقحه ا‬ ‫بإلقاء ما غ ث م ن أبياته ا ورث ورذل ‪ ،‬واالقتص ار عل ى م ا حس ن وفخ م ‪ ،‬بإب دال‬ ‫حرف منها بآخر أجود من ه حت ى تس توي أجزاؤه ا وتتض ارع هواديه ا وأعجازه ا‬ ‫"(‪. )4‬‬ ‫وس اق أب ـو ه الل العس كري ل ذلك أمثل ة ‪ ،‬منه ا ‪ :‬قول ه ‪ :‬أنش دنا‬ ‫أبو أحمد (رحمه هللا) قال ‪ :‬أنشدنا أبو بكر بن دريد ‪:‬‬ ‫يا ُحسن زائ َر ٍة َوبُع َد َمزار‬ ‫ح‬ ‫ط َ َرقَت َ‬ ‫ك عَزةُ من َم ٍ‬ ‫زار ناز ٍ‬ ‫ثم قال أبو بكر ‪ :‬لو قـال ‪ " :‬يا قرب زائرة وبعد مزار " لكان أجود ‪.‬‬ ‫وهو كذلك لتضمنه الطباق(‪ ، )5‬ووراء هذا الطباق ملمح آخر ‪ ،‬هو أن‬ ‫صاحبته على بعد مزارها النازح شديدة القرب منه ‪ ،‬ال تفارق روحه وعق له‬ ‫وخياله ‪.‬‬ ‫وي رى اب ن األثي ر أن األلف اظ المف ردة ف ي حك م الآلل ئ المب ددة ‪ ،‬فإنه ا تتخي ر‬ ‫وتنتقى قب ل ال نظم(‪ ، )6‬وأن اللفظت ين ق د ت دالن عل ى معن ى واح د ‪ ،‬وكالهم ا حس ن‬ ‫ف ي االس تعمال ‪ ،‬وهم ا عل ى وزن واح د وع دة واح دة ‪ ،‬إال أن ه ال يحس ن اس تعمال‬ ‫(‪ )0‬ة ا إاة ز الق لا لاخح ة ص‪.21‬‬ ‫(‪ )2‬الم ا المقع‬

‫ي‪ /‬اةي العز ز تموي ص‪.211‬‬

‫(‪ )3‬الصن اي ا بة اًلل العسك ي ص‪.111‬‬ ‫(‪ )4‬المصي الس ةق ص‪.111‬‬

‫(‪ )0‬الصن اي ا ص‪.111 111‬‬ ‫(‪ )2‬المدل الس إ الةا ابد‬

‫ق‪ 1‬ص‪.195‬‬

‫‪-004-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫هذه في كل موضع تستعمل فيه تلك ‪ ،‬بل يفرق بينهما في مواضع السبك(‪. )1‬‬ ‫ويؤك د ح ازم القرط اجني أن لط ف المأخ ذ ال يخل و م ن أن يك ون م ن جه ة‬ ‫تبديل أو تغيير ‪ ،‬أو اقتران بين ش يئين ‪ ،‬أو نس بة بينهم ا ‪ ،‬أو نقل ة م ن أح دهما إل ى‬ ‫اآلخر ‪ ،‬أو تلويح به إلى جهة وإشارة به إليه(‪. )2‬‬ ‫فأول مداخـل لطف المأخـذ عنده إنمـا يك ون م ن جه ـة تبدي ـل أو تغي ـير (اس تبدال‬ ‫واختيار) ‪ ،‬سـواء أكان ذلك لجـملة ‪ ،‬أم كلمة ‪ ،‬أم صيغة ‪ ،‬أم بنية ‪.‬‬

‫جدلية العالقة بين الحضور والغياب عند نقادنا القدماء ‪:‬‬ ‫لم ينظر نقادنا القدماء إلى موضوع الحضور أو التجلي أو الذكر بمع زل ع ن‬ ‫موض وع الغي اب أو الخف اء أو الح ذف ‪ ،‬إنم ا نظ روا إل ى ك ل م ن المتق ابلين ف ي‬ ‫ضوء عالقته باآلخر ‪.‬‬ ‫وهو ما نبه إليه عب د الق اهر ف ي قول ه ‪ :‬إذا قل ت ‪ :‬زي د طوي ل وعم رو قص ير‬ ‫لم يصلح مكانه يطول ويقصر ‪ ،‬وإنما تقول ‪ :‬يط ول ويقص ر إذا ك ان الح ديث ع ن‬ ‫ش يء يزي د وينم و كالش جر ‪ ،‬والنب ات ‪ ،‬والص بي ‪ ،‬ونح و ذل ك ‪ ،‬مم ا يتج دد في ه‬ ‫الط ول أو يح دث في ه القص ر ‪ ،‬فأم ا وأن ت تتح دث ع ن هيئ ة ثابت ة وع ن ش يء ق د‬ ‫استقر طوله ‪ ،‬ولم يكن ثم تزايد وتجدد – فال يصلح فيه إال االسم‪.‬‬ ‫وإذا ثب ت الف رق ب ين الش يئين ف ي مواض ع كثي رة ‪ ،‬وظه ر األم ر ب أن ت رى‬ ‫أحدهما ال يصلح في موضع صاحبه – وجب أن تقض ي بثب وت الف رق حي ث ت رى‬ ‫أحدهما قد صلح في مكان اآلخر ‪ ،‬وتعلم أن المعنى مع أح دهما غي ره م ع اآلخ ر ‪،‬‬ ‫كما هو العبرة في حمل الخفي على الجلي(‪.)3‬‬ ‫ويقول ‪ :‬وهذا نوع آخ ر م ن أن واع اإلض مار والح ذف يس مى اإلض مار عل ى‬ ‫شريطة التفسير ‪ ،‬كقولهم ‪ :‬أكرمني وأكرم ت عب د هللا ‪ ،‬ف المراد ‪ :‬أكرمن ي عب د هللا‬ ‫وأكرمت عبد هللا ‪ ،‬فت رك ذك ره ف ي األول اس تغناء ب ذكره ف ي الث اني‪ ،‬وم ن لطي ف‬ ‫ذلك ونادره قول البحتري ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك َر ًما َولم تَهدم َمآثـ َر خالـــد‬ ‫ماحة حات ٍم‬ ‫َلو شئتَ لَم ُت فسد َس َ‬ ‫األصل ‪ -‬ال محالة ‪ : -‬ل و ش ئت أال تفس د س ماحة ح اتم ل م تفس دها ‪ ،‬ث م ح ذف‬ ‫ذلك من األول استغناء بداللت ه ف ي الث اني علي ه ‪ ،‬ث م ه و عل ى م ا ت راه وتعلم ه م ن‬ ‫الحسن والغرابة ‪ ،‬وهو على ما ذكرت م ن أن الواج ب ف ي حك م البالغ ة أال ينط ق‬ ‫(‪ )3‬المصي الس ةق ق‪ 1‬ص‪.192‬‬ ‫(‪ )4‬منه‬

‫الةاغ ل لت زت الق ح ةن ص‪.591‬‬

‫(‪ )0‬يالإل اإلاة ز ص‪.112 115‬‬

‫‪-005-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫بالمحذوف وال يظهر إلى اللفظ ‪ ،‬فليس يخفى أنك لو رجعت في ه إل ى م ا ه و أص له‬ ‫‪ ،‬فقلت ‪ :‬لو شئت أال تفسد سماحة حاتم لم تفس دها ‪ ،‬ص رت إل ى ك الم غ ث ‪ ،‬وإل ى‬ ‫شيء يمجه السمع وتعاف ه ال نفس ‪ ،‬وذل ك أن ف ي البي ان بع د اإلبه ام وبع د التحري ك‬ ‫له لطفًا ونبالً ال يك ون إذا ل م يتق دم م ا يح رك ‪ ،‬وأن ت إذا قل ت ‪ " :‬ل و ش ئت " عل م‬ ‫الس امع أن ك ق د علق ت ه ذه المش يئة ف ي المعن ى بش يء ‪ ،‬فه و يض ع ف ي نفس ـه أن‬ ‫هنا ش يئًا تقتض ي مش يئته ل ه أن يك ون أو ال يك ون ‪ ،‬ف إذا قل ت ‪ " :‬ل م تفس د س ماحة‬ ‫حاتم " عرف ذلك الشيء(‪. )1‬‬ ‫وعليه قول طرفة بن العبد ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ئت أرقَلَ ت‬ ‫ئت لَ م تُرق ل َوإن ش‬ ‫َوإن ش‬ ‫(‪)2‬‬ ‫َمخافَ ةَ َمل وي م نَ القَ‬ ‫حص د‬ ‫ِّد ُم َ‬ ‫فإن ك ل و قل ت ‪ :‬وإن ش ئت أال ترق ل ل م ترق ل ‪ -‬أذهب ت الم اء والرون ق ‪،‬‬ ‫وخرجت إلى كالم غث ولفظ رث(‪. )3‬‬ ‫وقد بنى بعض نقادنا الق دماء كثي رًا م ن مالحظ اتهم النقدي ة عل ى العالق ة ب ين‬ ‫الحاضر والغائب ‪ ،‬بين ما ذكر وما كان ينبغي أن يكون حاضرًا متجليً ا ف ي ال نص‬ ‫‪.‬‬

‫ومن هذه المالحظات النقدية ‪:‬‬ ‫‪ – 0‬ق ول المرزب اني ف ي موش حه ‪ :‬أخبرن ي محم د ب ن يحي ى‪ ،‬ق ال ‪ :‬ح دثنا‬ ‫محمد بن يزيد النحوي‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا المازني‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت األص معي يق ول ‪ :‬ك ان‬ ‫امرؤ القيس ينوح على أبيه حيث يقول ‪:‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫مخرج زنديه من ستره‬ ‫رام من بني ثع ٍل‬ ‫رُب ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ث م ق ـال ‪ :‬أم ا عل م أن الص ائد أش د خ تال م ن أن يُظه ر ش يئا من ه ‪،‬‬ ‫ثم قال ‪ :‬فـ " كفيه " إن كان ال بد أصلح(‪. )5‬‬ ‫فبالنظر إلى اختيار اللفـظ األدق الذي يناسـب المعن ى والس ياق ‪ ،‬أو ف ي إط ار‬ ‫الفح ص االس تبدالي ‪ -‬وف ق تعبي ر بع ض النق اد المح دثين ‪ -‬ي رى األص معي أن‬ ‫(‪ )0‬يالإل اإلاة ز ص‪.111 112‬‬ ‫(‪ )2‬اإل ق ل ‪ :‬او أا ينفض الن قح أسه لشي س ا‬ ‫المتصي ‪ :‬الشي ي الفيل‪.‬‬

‫الماوي ‪ :‬السروح القري ‪ :‬مر قري مرا الةاري‬

‫(‪ )3‬يالإل اإلاة ز ص‪.111 119‬‬

‫(‪ )0‬ةنو دعل ‪ :‬قة اح ما ح ل مع وفح ة ل م ‪.‬‬

‫(‪ )2‬الموشح ف مآخذ العام ل اا الشع ال لام زة ن ص‪.51‬‬

‫‪-006-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫الصائد الماهر ينبغي أال يَظهر من جسمه شيء أصالً ‪ ،‬لئال ينفر الصيد من ه ‪ ،‬ف إن‬ ‫اض طر إل ى إظه ار ش يء لل تمكن م ن الرم ي ‪ ،‬ف ال ينبغ ي أن يتج ـاوز الكف ين إل ى‬ ‫الزندين ‪.‬‬ ‫أليس ذلك اختيارًا واعيًا من سلسلة البدائل اللغوية بعد اختبارها ؟‬ ‫‪ - 2‬ما نقله المرزباني وغيره من نقد النابغة لقول حسان بن ثابت ‪:‬‬ ‫ق‬ ‫َولَ دنا بَن ي ال َعنق اء َوابن ي ُم َح رِّ ٍ‬ ‫فَ أَكرم بن ا خ االً َوأَك رم بن ا ابنَم ا‬ ‫ُ‬ ‫ات ال ُغ رُّ يَل َمع نَ بالضُّ حى‬ ‫الجفَن‬ ‫لَن ا َ‬ ‫َد ٍة دَم ا‬ ‫َوأَس يافُنا يَقطُ رنَ م ن نَج‬ ‫حيث قال له النابغ ة ‪ :‬أن ت ش اعر ‪ ،‬ولكن ك أقلل ت جفان ك وأس يافك ‪ ،‬وفخ رت‬ ‫بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك ‪ ،‬وفي رواية أنه ق ال ل ه ‪ :‬م ا ص نعت ش يئًا ‪ ،‬قلل ت‬ ‫أمركم فقلت ‪ :‬جفنات وأسياف(‪. )1‬‬ ‫ويعلق أبو بكر الصولي على نق د النابغ ة لبيت ي حس ان بقول ه ‪ :‬انظ ر إل ى ه ذا‬ ‫النقـد الجليل الذي يدل على نق اء ك الم النابغ ة ‪ ،‬ق ال ل ه ‪ :‬أقلل ت أس يافك ‪ ،‬ألن ه ق ال‬ ‫‪ " :‬وأس يافنا " ‪ ،‬وأس ياف جم ع ألدن ى الع دد ‪ ،‬والكثي ر س يوف ‪ ،‬والجفن ات ألدن ى‬ ‫العدد والكثير جفان(‪. )2‬‬ ‫وال ش ك أن النق د ال ذي يتوج ه إل ى كلمت ي ‪ :‬أس ياف وجفن ات كمف ردتين ك ان‬ ‫ينبغي غيابهما ‪ ،‬وإلى سيوف وجفان كمف ردتين ك ان ينبغ ي حض ورهما ‪ ،‬إنم ا ه و‬ ‫بالنظر إلى سياق النص ‪ ،‬فترك ما كان ينبغي أن يت رك ‪ ،‬وحض ور م ا ك ان ينبغ ي‬ ‫أن يذكر م ن سلس لة الب دائل اللغوي ة ‪ ،‬إنم ا ه و ف ي إط ار م ا يتطلب ه الس ياق ‪ ،‬وي تم‬ ‫به المعنى ‪ ،‬وتتحقق به البالغة ‪.‬‬ ‫‪ – 3‬تعليق ابن طباطبا على قول الشماخ ‪:‬‬ ‫َوأَع د ُ‬ ‫َدت للس اقَين َوالرِّ ج ل َوالنس ا‬ ‫ق أَع َو َج ُمخت ال‬ ‫لجا ًم ا وس رجًا فَ و َ‬ ‫يقول ‪ :‬وإنما يلجم الشدقان ال الساقان(‪. )3‬‬ ‫فقد راعى اب ن طباطب ا بذوق ه وحس ه النق دي المره ف م ا يس ميه بع ض النق اد‬ ‫المح دثين ‪ :‬س ياقًا تتابعيً ا ‪ ،‬أو عالق ة أفقي ة ‪ ،‬ت رتبط فيه ا الكلم ة بم ا قبله ا وم ا‬ ‫(‪ )0‬الموشح لام زة ن ص‪.11 11‬‬ ‫(‪ )2‬المصي الس ةق ص‪.11‬‬ ‫(‪ )0‬ا‬

‫الشع الةا حة حة ص‪.190‬‬

‫‪-007-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫بع دها ‪ ،‬ويتح دد دوره ا ومعناه ا ف ي ض وء عالقته ا ب البنى اللغوي ة أو النص ية‬ ‫األخ رى ‪ ،‬فال ذي يس تدعي حض ور مف ردة وغي اب أخ رى ه و الس ياق ‪ ،‬فاللج ام ال‬ ‫يناسب الساقين ‪ ،‬إنم ا يناس ب الش دقين ‪ ،‬فك ان عل ى الش اعر إم ا أن يعب ر بالش دقين‬ ‫ب دالً م ن الس اقين ‪ ،‬أو أن يتخي ر م ن سلس لة الب دائل اللغوي ة ‪ -‬أو م ن الس جل‬ ‫السياقي ‪ ،‬كم ا يس ميه بع ض النق اد المح دثين ‪ -‬مف ردة غي ر كلم ة "لجا ًم ا" تتناس ب‬ ‫وتتوافق مع ما ساقه الشاعر في الشطر األول من البيت ‪.‬‬ ‫فق ال‬ ‫‪ - 4‬قول قدامة بن جعفر ‪ :‬س ألت أحم د ب ن يحي ى ع ن المعاظل ة‬ ‫‪ :‬ه ي مداخل ة الش يء ف ي الش يء ‪ ،‬ومح ال أن ننك ر مداخل ة بع ض الك الم فيم ا‬ ‫يشبهه من وجه أو ما كان من جنسه ‪ ،‬وإنما النكي ر ف ي أن ي دخل بعض ه فيم ا ل يس‬ ‫من جنسه وما هو غير الئق به(‪ ، )1‬ومن ذلك قول الشاعر ‪:‬‬ ‫فَما َرقَ َد الو ُ‬ ‫ق وحافر‬ ‫لدان َحتى رأيته‬ ‫عَلى البَكر يَمريه بسا ٍ‬ ‫(‪)2‬‬ ‫فسمى رجل اإلنسان حافرًا ‪.‬‬ ‫ومنه قول أوس بن حجر التميمي يرثي فضالة بن كلدة األسدي ‪:‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫ـف ُ‬ ‫تيان طُ ًرا َوطامــ ٌع طَمعا‬ ‫ليَبككَ الشربُ َوال ُمدا َمةُ َوالـ‬ ‫(‪)4‬‬ ‫تُصم ُ‬ ‫َو ُ‬ ‫ت بالماء تَولَبًا َجدعا‬ ‫ار نَواشرُها‬ ‫ذات هــ ٍ‬ ‫دم عــــــ ٍ‬ ‫(‪)5‬‬ ‫فسمى الصبي تولبا ‪ ،‬وهو ولد الحمار ‪.‬‬ ‫فاس تهجان قدام ة لكلم ة "ح افر" وكلم ة "تولب ا" راج ع إل ى حض ور ك ل‬ ‫منهم ا ف ي س ياق ل م يك ن يتطلبه ا ‪ ،‬لتنافره ا م ع بني ة ال نص ‪ ،‬إنم ا ك ان يتطل ب‬ ‫غيرها مما يتم به المعنى ‪ ،‬ويتالحم مع البنى األخرى ويشاكلها ‪.‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )2‬نقي الشع لقيامح ةا ةعف ص‪ 112‬يتق ق‪ :‬اليكيو ‪ /‬متمي اةي المنعت خف ة‬ ‫الكا ا ابزا ح سنح ‪1200‬ار‪1110/‬ت‪.‬‬

‫نش مكيةح‬

‫(‪ )0‬نقي الشع لقيامح ةا ةعف ص‪.111‬‬

‫(‪َّ )2‬‬ ‫الش ب (ةفيح الش ا) ‪ :‬ةم اح الش ة ا‪.‬‬ ‫(‪ )3‬الهيت ‪ :‬الدوب الخاق الة ل الم قا النواش ‪ :‬ةما ن ش‬

‫وا ابو ي الي يكوا يترا الةاري‬

‫ف ة حا الذ اع وقول ‪ :‬ا نواش ا – ان – كن ح اا الهزال الذي أص ةه ‪.‬‬

‫(‪ )4‬نقي الشع لقيامح ةا ةعف ص‪.111‬‬

‫‪-008-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫المبحث الثاني‬ ‫جدلية الحضور والغياب عند النقاد المحدثين والمعاصرين‬ ‫أ – د‪ /‬صالح فضل ورؤيته لهذه القضية ‪:‬‬ ‫حاول د‪ /‬صالح فض ل وض ع تص ور لعالق ات الحض ور والغي اب يق وم عل ى‬ ‫التمييز بين نوعين من العالقات التي يمكن مالحظتها في العمل األدبي ‪ ،‬وهما ‪:‬‬

‫النوع األول ‪ :‬عالقات الحضور ‪:‬‬ ‫وه ي عالق ات تق وم ب ين العناص ر الحاض رة ‪ ،‬وتبن ى عل ى أس اس التسلس ل‬ ‫والتوافق ‪ ،‬أو الترابط ‪ ،‬أو التت ابع ب ين الكلم ات أو اإلش ارات عل ى مس توى المق ال‬ ‫الفعل ي ‪ ،‬أي خ ط الكلم ات المتتالي ة ‪ ،‬ويطل ق عليه ا ‪ :‬العالق ات الس ياقية ‪ ،‬أو‬ ‫عالقات المجاورة(‪. )1‬‬

‫النوع الثاني ‪ :‬عالقات الغياب ‪:‬‬ ‫وهي عالقات تق وم ب ين العناص ر الحاض رة والعناص ر الغائب ة ‪ ،‬أي ‪ :‬عالق ة‬ ‫كل عنصر في النص أو السياق بما يثيره من عناصر مخالفة ل ه ت م اختي اره دونه ا‬ ‫‪ ،‬ولكنها تمثل الثروة االحتياطية له الت ي ك ان م ن الممك ن أن تح ل محل ه ‪ ،‬ويطل ق‬ ‫عليها ‪ :‬عالقات المخالفة ‪ ،‬أو االستبدال(‪ ، )2‬أو العالقات اإليحائية(‪. )3‬‬ ‫ولخص د‪ /‬فضل تصوره لهذه القضية في عدة نقاط ‪ ،‬أهمها ‪:‬‬ ‫‪ - 0‬أن عالقات الحضور هي عالقات تصور وتكوين ‪ ،‬حيث تتوالى األحداث‬ ‫‪ ،‬وتش كل الشخص يات فيم ا بينه ا مجموع ات متقابل ة متدرج ة ال رم و ًزا ‪ ،‬وتت آلف‬ ‫الكلم ات داخ ل عالق ة داللي ة بق وة البني ة ال باإليح اء ‪ ،‬وباختص ار ‪ :‬ف إن الكلم ات‬ ‫واألح داث والشخص يات ال تعن ي غيره ا ‪ ،‬وال ترم ز إلي ه ‪ ،‬ولكنه ا تتج اور مع ه‬ ‫وتتركب به ‪ ..‬أما عالقات الغياب فهي عالقات معنى ورمز ‪ ،‬فهذا الدال ي دل عل ى‬ ‫(‪ )0‬نظ ررح الةن إ ررح ف ر النقرري ابية ر‬

‫ي‪ /‬صررًلح فضررل ص‪ 202 205‬وانظررر ‪ :‬كي ة ر ‪ :‬إني ر‬

‫الياللررح ابية ررح ص‪ 51‬ح‪ /‬الم كررز اإلسررًلم لاحة اررح نش ر مؤسسررح مخي ر لايوز ررا والنش ر‬

‫ة لق ا‬

‫سنح ‪1111‬ت‪.‬‬

‫(‪ )0‬نظ ح الةن إ ح ف النقي ابية‬ ‫نفس ص‪.51‬‬

‫ي‪ /‬صًلح فضل ص‪ 205‬وانظ ‪ :‬إني‬

‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬نظ ح الةن إ ح ف النقي ابية ص‪.100‬‬

‫‪-009-‬‬

‫الياللح ابية ح لامؤلف‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫أخ رى ‪ ،‬وه ي أن الحادث ة ترم ز‬ ‫ذلك المدلول ‪ ،‬وهذه الحقيقة تقتض ي‬ ‫لفك رة ‪ ،‬وتل ك الفك رة توض ح نفس ية الشخص يات ‪ ،‬أو تس هم ف ي تفس ير ح دث ‪،‬‬ ‫ونحو ذلك مما تفيده العالقات اإليحائية(‪. )1‬‬ ‫‪ - 2‬أن عالقات الحضور تتصل اتصاالً مباش ـرًا بالجان ب النح وي ‪ -‬ب المعنى‬ ‫الشامل لهذه الكلمة ‪ -‬وتقوم على أساس ه ‪ ،‬أم ا عالق ات الغي اب فتق وم عل ى مراع اة‬ ‫البعد الداللي ‪ ،‬وما يثيره من رمز أو إيحاء(‪. )2‬‬ ‫‪ – 3‬أن هناك عناصر غائبة من ال نص ‪ ،‬ولكنه ا ش ديدة الحض ور لدرج ة أن ه‬ ‫يمكن اعتبارها عناصر حاضرة ‪ ،‬وعلى العكس قد نجد بع ض العناص ر الحاض رة‬ ‫بعيدة عن لحمة النص وبنائه لدرجة يمك ن معه ا اعتب ار عالقته ا م ن الن وع الث اني‬ ‫‪ ،‬أي ‪ :‬من العناصر الغائبة(‪. )3‬‬ ‫‪ – 4‬أن ه ال يمك ن تحلي ل ال نص األدب ي إل ى وح دات متتابع ة دون اعتب ار‬ ‫مج موع ات الرم وز الت ي تكون ه ‪ ،‬فه و رس الة تنق ل دالل ة س ياقية لكنه ا ف ي الوق ت‬ ‫نفس ه ذات قيم ة بنائي ة ‪ ،‬مم ا يف رض ض رورة قي ام عالق ة جدلي ة ب ين مح وري‬ ‫المجاورة والمخالفة (الحضور والغياب) ‪ ،‬أي أن ه ال ب د م ن توض يح الق يم لتحوي ل‬ ‫الداللة وعقد الصلة بينها وبين المستوى النحوي(‪. )4‬‬ ‫ونالحظ أن د‪ /‬صالح فضل اقتفى أثر عبد القاهر وأفاد منه في أمرين‪:‬‬ ‫أ – قول ه ‪ :‬إن عالق ات الحض ور تتص ل بالجان ب النح وي ب المعنى الش امل‬ ‫لهذه الكلمة ‪.‬‬ ‫فالمعنى الش امل للجان ب النح وي ‪ ،‬ومراع اة أص وله وأحكام ه وقواع ده إنم ا‬ ‫هو لب ومحور قضية النظم عند عبد القاهر(‪. )5‬‬ ‫ب – قوله ‪ :‬إن هناك عناصر غائب ة م ن ال نص ‪ ،‬لكنه ا ش ديدة الحض ور إل ى‬ ‫درجة أنه يمكن اعتبارها عناصر حاضرة‪1‬‬ ‫وهذا عين ما قرره عبد القاهر من أنك قد تجد ترك الذكر أفص ح م ن ال ذكر ‪،‬‬ ‫والصمت عن اإلفادة أزيد لإلفادة ‪ ،‬وتجدك أنط ق م ا تك ون إذا ل م تنط ق ‪ ،‬وأت م م ا‬ ‫(‪ )3‬الم ةا الس ةق ص‪.201‬‬ ‫(‪ )4‬الم ةا الس ةق ص‪.201‬‬ ‫(‪ )0‬نظ ح الةن إ ح ف النقي ابية ص‪.202‬‬ ‫(‪ )2‬الم ةا الس ةق ص‪.205‬‬

‫(‪ )3‬انظ ‪ :‬يالإل اإلاة ز لإلم ت اةي الق ا ص‪.211 591 522 111‬‬

‫‪-021-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫تكون بيانًا إذا لم تبن(‪ ، )1‬وأن هناك من المحذوف ما لو أظهرته لص رت إل ى ك الم‬ ‫غث ‪ ،‬وإلى شيء يمجه السمع وتعافه النفس(‪. )2‬‬ ‫وم ع ذل ك يع د د‪ /‬ص الح فض ل م ن أب رز ال ُكت اب المعاص رين ال ذين ح اولوا‬ ‫وضع تصور نقدي وأساس تنظيري لعالقات الحضور والغياب في النص األدبي ‪.‬‬

‫ب – د‪ /‬محمد عبد المطلب وجدلية الحضور والغياب ‪:‬‬ ‫يعد د‪ /‬محم د عب د المطل ب م ن أب رز النق اد المح دثين ال ذين أش اروا بوض وح‬ ‫إل ى قض ية الحض ور والغي اب ف ي النق د األدب ي ‪ ،‬وه و أح د النق اد ال ذين أنص فوا‬ ‫نقادن ا الق دماء ول م يبخس وا حقه م ف ي تن اولهم له ذه القض ية ‪ ،‬فق د أك د الرج ل أنه م‬ ‫كانوا على وعي كبير بعالق ات الحض ور والغي اب ‪ ،‬وأنه م أف ادوا م ن فهمه م له ذه‬ ‫العالق ات ف ي تحلي ل كثي ر م ن النم اذج األدبي ة ‪ ،‬واس تخالص م ا فيه ا م ن أل وان‬ ‫الجمال واإلبداع(‪. )3‬‬ ‫ويرى أن مباحث الذكر والحذف كانت وسيلتهم إلبراز دور هذه العالقات ف ي‬ ‫العم ل األدب ي ‪ ،‬فق د ك ان م نطلقهم أن النظ ام اللغ وي ف ي األص ل يقتض ي وج ود‬ ‫أط راف يجمعه ا إس ناد ظ اهر أو مق در ‪ ،‬لك ن التطبي ق اللغ وي ق د يس قط أح دها‬ ‫اعتم ادًا عل ى دالل ة الق رائن المقالي ة أو الحالي ة ‪ ،‬وق د يح رص ه ذا التطبي ق عل ى‬ ‫إبرازها لتدل في موضعها داللة ال تتحقق بغيابها(‪. )4‬‬ ‫و ف ي تناول ه له ذه القض ية اقتف ى عب د المطل ب أث ر عب د الق اهر ف ي كثي ر م ن‬ ‫(‪ )0‬يالإل اإلاة ز لإلم ت اةي الق ا ص‪.192‬‬ ‫(‪ )2‬المصي الس ةق ص‪.111‬‬

‫(‪ )3‬ةيل ح اإلف اي والي ك ب ف النقي الع ة القي ت ي‪ /‬متمي اةي المحاب ص‪.111‬‬ ‫(‪ )0‬ةيل ح اإلف اي والي ك ب ف النقي الع ة القي ت ص‪.112‬‬

‫‪-020-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬ ‫(‪)1‬‬

‫المواقف ‪ ،‬ونقل كثيرًا من نصوصه وشواهده وتعليقاته الفنية والنقدية ‪.‬‬ ‫وعلى نحو ما كان من صالح فضل تابع عبد المطل ب اإلم ام عب د الق اهر ف ي‬ ‫التأكيد على مرتكزين أساسين لتناول هـذه القضية ‪ ،‬هما ‪:‬‬ ‫‪ – 0‬أن النح و بمعن اه الواس ع يمث ل أه م م ؤثر ف ي خل ق اإلط ار ال داللي ف ي‬ ‫مستواه الخارجي الشكلي ‪ ،‬وفي مستواه النفسي العميق(‪. )2‬‬ ‫يق ول عب د المطل ب ‪ :‬ويك اد يك ون النح و بمس توياته المختلف ة ه و العنص ر‬ ‫الفع ال ف ي التراكي ب ‪ ،‬وق د أف اد بع ض الدارس ين وعل ى رأس هم عب د الق اهر‬ ‫الجرجاني في الكشف عن نظام هذه التراكيب ‪.‬‬ ‫فاللفظة ال يك ون له ا مزي ة وفض يلة إال بوض عها ف ي تركي ب ‪ ،‬أي ب أن يك ون‬ ‫له ا دور فع ـال ف ي خل ق ال نظم وابتداع ه ‪ ،‬وليس ت المس ألة مج رد ض م كلم ة إل ى‬ ‫أخ رى ‪ ،‬وإنم ا تعليقه ا به ا ه و ال ذي يس ـاعد عل ى اكتم ال البن اء اللغ وي ‪ ،‬ألن‬ ‫التعلي ق ه و ال ذي يت يح للص ياغة أن تتش كل ف ي مس تويات داللي ة مختلف ة‪ ،‬فت أتي‬ ‫اإلفادة اللطيفة(‪. )3‬‬ ‫‪ – 2‬أن ترك الذكر في الموض ع ال ذي ينبغ ي أن يت رك في ه يك ون أفص ح م ن‬ ‫الذكر ‪.‬‬ ‫يقول عبد المطلب ‪ :‬وقد يكون للتركيب أثره الداللي من خالل حضور بع ض‬ ‫عناص ره أو غيابه ا ‪ ،‬ب ل إن ه ذا الغي اب ق د يك ون أكث ر إف را ًزا للدالل ة م ن‬ ‫الحضور(‪ ، )4‬فاألساس الع ام لمفه وم الح ذف ينطل ق م ن الحاج ة الفني ة للمب دع ف ي‬ ‫استخدام هذا النسق من األداء ‪ ،‬بحيث يكون العدول عنه إفسادًا له(‪. )5‬‬ ‫ويثني عبد المطل ب عل ى نظ رة عب د الق اهر الش مولية للس ياق ‪ ،‬وأن مرجعي ة‬ ‫ال ذكر أو الح ذف عن ده ه ي م دى تطل ب الس ياق ألي منهم ا ‪ ،‬يق ـول‪ :‬إن ارتب اط‬ ‫الفعل بما يليه من فاعـل أو مفعول ‪ -‬م ن خ الل منظ ور عب د الق اهر ‪ -‬يمث ل عالق ة‬ ‫أساس ية ال تَميُّ ز فيه ا بينهم ا ‪ ،‬خالفً ا لنظ رة النح اة م ن أن الفاع ل يعتب ر عم دة‬ ‫والمفعول فضلة يمكن االستغناء عنها ‪ ،‬أم ا عن ده فح ال الفع ل م ع المفع ول يتع دى‬ ‫(‪ )2‬اةا ‪ :‬الةًلغرح وابسراوة ح ي‪ /‬متمري اةري المحارب ص‪ 515‬ومر ةعريا‬ ‫والي ك ب لامؤلف نفس ص‪ 190‬ص‪.111-115‬‬

‫وانظر ‪ :‬ةيل رح اإلفر اي‬

‫(‪ )3‬ةيل ح اإلف اي والي ك ب ف النقي الع ة القي ت ي‪ /‬متمي اةي المحاب ص‪.152‬‬ ‫(‪ )0‬ةيل ح اإلف اي والي ك ب ف النقي الع ة القي ت ص‪.511‬‬ ‫(‪ )2‬الم ةا الس ةق ص‪.190‬‬

‫(‪ )3‬الةًلغح وابساوة ح ي‪ /‬متمي اةي المحاب ص‪.515‬‬

‫‪-022-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫إليه حاله مع الفاعل ‪ ،‬فإذا قلت ‪ :‬ضرب زيد ‪ ،‬فأس ندت الفع ل إل ى الفاع ل لم ا ك ان‬ ‫غرضك من ذلك أن تثب ت الض رب فع الً ل ه ‪ ،‬ال أن تفي د وق وع الض رب ف ي نفس ه‬ ‫وعلى اإلطالق ‪.‬‬ ‫كذلك إذا عديت الفعل إلى المفعول فقلت ‪ :‬ضرب زيد عمرًا ك ان غرض ك أن‬ ‫تفيد التب اس الض رب الواق ع م ن األول بالث اني ووقوع ه علي ه ‪ ،‬فق د اجتم ع الفاع ل‬ ‫والمفعول في أن عمل الفعل فيهما من أج ل الدالل ة عل ى تل بس المعن ى ال ذي اش تق‬ ‫من ه بهم ا(‪ ، )1‬فعم ل الرف ع ف ي الفاع ل ل يعلم التب اس الض رب ب ه م ن جه ة وقوع ه‬ ‫منه ‪ ،‬والنصب في المفعول ليعلم التباسه به من جهة وقوعه عليه(‪. )2‬‬ ‫والمالحظ أن سياقات الحذف تمثل – على نحو م ن األنح اء – أث ر النح و ف ي‬ ‫خلق العالقات داخل التركيب ‪ ،‬وهذه العالقات ال تتعامل مع عناصر التركيب على‬ ‫أس اس م ن أهمي ة بعض ها وع دم أهمي ة بعض ها اآلخ ر ‪ ،‬وإنم ا الس ياق ه و ال ذي‬ ‫يعط ي لك ل عنص ر أهميت ه ‪ ،‬بحي ث يك ون إس قاطه مب ر ًزا له ذه األهمي ة أكث ر م ن‬ ‫ذكره(‪. )3‬‬ ‫وكم ا أن الح ـذف أو الغي اب يحس ن إذا أص يب ب ه موض عه ‪ ،‬فال ذكر أو‬ ‫الحضور يكون كذلك إذا أصيب به موضعه ‪ -‬أيضًا ‪ -‬كقول الشاعر ‪:‬‬ ‫عليك ولكن ساحة الصبر أوسع‬ ‫فلو شئت أَن أَبكي د ًما لبكيته‬ ‫فإظهار مفعول المشيئة هنا أحسن من إضماره ‪ ،‬وس بب ذل ك أن م ن العجي ب‬ ‫أو الغريب أن يشاء اإلنسان أن يبكي د ًما ‪ ،‬فلما ك ان ك ذلك ك ان األول ى أن يص رح‬ ‫به ليقرره في نفس السامع ويؤنسه به(‪. )4‬‬ ‫يق ول عب د المطل ب ‪ :‬فالس ياق عن د عب د الق اهر ال يعتب ر الكلم ة نقط ة الب دء ‪،‬‬ ‫وإنما العكس هو الصحيح ‪ ،‬فالسياق هو نقط ة الب دء ‪ ،‬بحي ث ال يمك ن وج ود كي ان‬ ‫للتعبير إال م ن خالل ه ‪ ،‬وحينئ ذ يك ون م ن الواج ب رص د الس ياق أوالً ‪ ،‬ث م البح ث‬ ‫عن األلفاظ وعالقاتها فيه ثانيًا(‪. )5‬‬ ‫وإذا ك ان الس ياق ه و ال ذي يعط ي الم دلوالت فإن ه م ن جان ب آخ ر ه و ال ذي‬ ‫يعطي الشكل التركيبي للعبارة ‪ ،‬بحيث يكون هناك تفاعل أكيد بينهما ‪.‬‬ ‫(‪ )0‬الةًلغح وابساوة ح ي‪ /‬متمي اةي المحاب ص‪ 511‬وانظ ‪ :‬يالإل اإلاة ز ص‪.191‬‬ ‫(‪ )2‬يالإل اإلاة ز ص‪.191‬‬

‫(‪ )3‬ةيل ح اإلف اي والي ك ب ف النقي الع ة القي ت ي‪ /‬متمي اةي المحاب ص‪.112‬‬ ‫(‪ )4‬الةًلغح وابساوة ح ص‪ 511‬وانظ ‪ :‬يالإل اإلاة ز ص‪.112‬‬ ‫(‪ )0‬الةًلغح وابساوة ح ي‪ /‬متمي اةي المحاب ص‪.521‬‬

‫‪-023-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫وكلم ا أت يح لن ا ‪ -‬بدق ة ‪ -‬رص د الس ياقات الت ي تح يط بعملي ة اإلب داع اس تطعنا‬ ‫تفهم الكثير من العالقات التركيبية بين أجزاء الكالم ‪.‬‬ ‫وعالقة واحدة كعالقة الحذف يجب أن تفهم في ضوء مجموع ة م ن العالق ات‬ ‫األخ رى ‪ ،‬وبخاص ة العالق ة المقابل ة وه ي ال ذكر ‪ ،‬ول يس م ن المح تم أن تك ون‬ ‫سياقات الذكر عك س س ياقات الح ذف ‪ ،‬ب ل إنهم ا ق د يت واردان ف ي س ياق واح د م ا‬ ‫دام هذا السياق في حاجة إلى أي منهما(‪. )1‬‬

‫ج ‪ -‬د‪ /‬عبد العزيز حمودة وثنائية الحضور والغياب ‪:‬‬ ‫يع د د‪ /‬عب د العزي ز حم ودة م ن أب رز النق اد المح دثين المنص فين للت راث‬ ‫المتحمس ين ل ه ‪ ،‬ال داعين إل ى إع ادة قراءت ه ق راءة عص رية تس هم ف ي التأس يس‬ ‫لنظرية عربية في النقد األدبي ‪ ،‬وذلك مع استيعاب وفه م ناض ج لمعطي ات الحداث ة‬ ‫وما يمكن أن يؤخذ منها أو يرد عليها ‪ ،‬فالرجل لم ينس لخ م ن ماض يه‪ ،‬ول م ينع زل‬ ‫عن واقعه ‪ ،‬بل حاول أن يقف موقفًا متوازنًا في نصفة ووعي واعتدال ‪.‬‬ ‫و ق د تح دث عب د العزي ز حم ودة ع ن ثنائي ة الحض ور والغي اب ف ي‬ ‫كتابي ه ‪( :‬المراي ا المحدب ة) ‪ ،‬و(المراي ا المقع رة) ‪ ،‬بص ـورة مباش رة حينً ا(‪، )2‬‬ ‫وصورة ضمنية أو غير مباشرة أحيانًا أخرى(‪. )3‬‬ ‫ففي معرض حديثه عن التفكيك تح دث حم ودة ع ن ثنائي ة الحض ور والغي اب‬ ‫ال‬ ‫عن د التفكيكي ين ‪ ،‬يق ول ‪ :‬إن األم ر عن د "دري دا" والتفكيكي ين عام ة‬ ‫(‪)4‬‬ ‫يتوق ف عن د مج رد تحدي د موق ف ي ؤدي إل ى رف ض ميتافيزيق ا الحض ور ‪،‬‬ ‫ويؤس س لقي ام ثنائي ة الحض ور والغي اب ‪ ،‬حي ث ال يمك ن اعتب ار أي عنص ر ف ي‬ ‫النسق اللغوي أو النص األدبي حاضرًا فقط أو غائبًا فقط ‪ ،‬فكل عنصر يتش كل ف ي‬ ‫(‪ )2‬الم ةا الس ةق ص‪.522 521‬‬ ‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬الم ا المتيةح ما الةن و ح إل اليفك ك ي‪ /‬اةي العز ز تموي ص‪.515-511‬‬ ‫(‪ )2‬انظرر ‪ :‬الم ا رر المتيةررح ص‪ 211‬ومررر ةعرريا‬

‫والم ا رر المقعرر ‪ :‬نترررو نظ ررح نقي ررح ا ة رررح‬

‫لامؤلف نفس ص‪ 221‬وم ةعيا ‪.‬‬

‫(‪ )3‬م ي ف ز ق التضو ‪ :‬مصحاح يفك ك نتي ي يا و عنر القرول ةوةروي سراحح أو م كرز خر‬ ‫أو خ‬

‫الرنص‬

‫الاغرح كفرل و دةرا صرتح المعنر يوا أا كروا ارو قر ةًلا لاحعرا ف ر أو الةتر فر تق قير‬

‫ل فضهت أي ساحح يرأي اار الرنص مرا‬

‫ض لم ي ف ز ق التضو‬ ‫و قف ي يا واليفك ك وا موقفا مع ا‬ ‫خ ة ‪ .‬اةا ‪ :‬الم ا المتيةح لايكيو ‪ /‬اةي العز ز تموي ص‪ 511 511‬ص‪512‬‬

‫‪-024-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫عالقته ‪ -‬في اختالفه ‪ -‬مع العناصر األخرى داخل النسق فقط‪.‬‬ ‫وقد طور التفكيكيون مفهوم ثنائية الحضور والغياب إل ى ع دد م ن التنويع ات‬ ‫أو استراتيجيات التفسير ‪ ،‬تفسير النص األدبي بالطبع(‪. )1‬‬ ‫ومن هذه التنويعات البحث في عالق ة العناص ر والوح دات الص غرى بعض ها‬ ‫ب بعض ف ي ض وء ه ذه الثنائي ة ‪ ،‬فعل ى ح د تعبي ر دري دا ‪ :‬إن أف ق الغي اب ه و أف ق‬ ‫خلفي للحضور ‪ ،‬فعلى الرغم من أن طرفي الثنائية ال يكون لهم ا حض ور مت زامن‬ ‫داخ ل ال وعي ‪ ،‬ف إن حض ور أح دهما أم ام ال وعي ي ؤدي إل ى اس تدعاء اآلخ ر‬ ‫الغائب(‪. )2‬‬ ‫ويق ول ك اللر ‪ :‬إن المعن ى الحاض ر ف ي اللحظ ة الحالي ة يح دده ‪ -‬ع ن طري ق‬ ‫االختالف ات والمق ابالت – غي اب المع اني األخ رى ف ي زم ن آخ ر ‪ ،‬وك أن الوح دة‬ ‫اللغوي ة أو العالم ة م رآة ذات وجه ين ‪ :‬وج ه منه ا م رآة فق ط ‪ -‬م رآة تعك س‬ ‫الحض ور ‪ ، -‬أم ا الوج ه اآلخ ر فه و ش فاف ينق ل إلين ا ممال ك أخ رى م ن الغي اب ‪،‬‬ ‫وإن ذلك الغياب الحاضر أو حض ور الغي اب يفس ر م ا يس مى بتع دد األص وات ف ي‬ ‫النص(‪. )3‬‬ ‫ويعرض عبد العزي ز حم ودة لجدلي ة الحض ور والغي اب ف ي ثناي ا حديث ه ع ن‬ ‫المحور األفقي (التتابعي) والمحور الرأسي (االستبدالي)‪.‬‬ ‫فالمحور األفقي يعني ذل ك الخ ط األفق ي ال ذي تت والى أو تت ابع فوق ه مف ردات‬ ‫الجملة أو وحداتها الصغرى ‪ ،‬وتتحدد داللة الكلمة أو البنية ف ي إط ار ه ذا المح ور‬ ‫من خ الل العالق ة أو العالق ات بينه ا وب ين الكلم ات أو البن ى األخ رى الت ي تس بقها‬ ‫والتي تليها ‪.‬‬ ‫أما المحور الرأسي فيعني ذلك الخ ط الرأس ي (المتخي ل) ال ذي يض م مف ردات‬ ‫محتملة ‪ -‬مترادفة أو متناقضة مع الكلمة أو البني ة الموج ودة ف ي ال نص ‪ -‬ك ان م ن‬ ‫الممكن أن تحل محل هذه الكلمة أو البنية المستخدمة بالفعل ‪.‬‬ ‫عل ى أن العالق ة ب ين الكلم ة ف ي الوح دة اللغوي ة والج دول االس تبدالي ال ذي‬ ‫يثيره حضور الكلمة يسهم في تحـديد معناها داخل الوحدة اللغوية أو الجملة ‪.‬‬ ‫وقد يحت وي الج دول االس تبدالي كلم ات أخ رى بديل ة ك المفردات ‪ ،‬أو كلم ات‬ ‫نقيض ة مقابل ة يح دد غيابه ا حض ور الكلم ة ومعناه ا‪ ،‬ف المتلقي عن دما يق رأ كلم ة‬ ‫"بارد" يسعفه مخزون ه اللغ وي بكلم ة "س اخن" الت ي تح دد معن ى الكلم ة الحاض ر‬ ‫(‪ )0‬الم ا المتيةح ي‪ /‬اةي العز ز تموي ص‪.512‬‬ ‫(‪ )2‬الم ةا الس ةق ص‪.515‬‬ ‫(‪ )3‬الم ةا الس ةق ص‪.515‬‬

‫‪-025-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪ ،‬فالنص اللغوي يتضمن مجموعة م ن المتق ابالت الثنائي ة ‪ ،‬بحي ث تمث ل ك ل كلم ة‬ ‫في ثنائية حضورًا يستدعي كلمة غائبة لتحديد الداللة الحاضرة(‪. )1‬‬ ‫ويختتم حمودة كالمه عن ه ذين المح ورين ف ي المراي ا المحدب ة بم ا نقل ه ع ن‬ ‫ش كري عي اد م ن أن م ا قال ه ياكبس ون وأتباع ه ع ن تق اطع المح ورين األفق ي‬ ‫والرأس ي ل يس في ه جدي د س وى الص ياغة "الميلودرامي ة" المثي رة ‪ ،‬فالمب دأ‬ ‫ا لبني وي الماركس ي القائ ل ب أن العالق ة ف ي ال نص األدب ي عالق ة تش ابه وتض اد‬ ‫بجان ب كونه ا عالق ة تج اور – ل م ي زد عل ى أن ك رر ش يئًا معروفً ا ومفص الً عن د‬ ‫البالغيين والنقاد(‪. )2‬‬ ‫وف ي كتاب ه "المراي ا المقع رة" انب رى عب د العزي ز حم ـودة ‪ -‬ف ي حماس ة‬ ‫شديدة – لل دفاع ع ن تراثن ا النق دي ‪ ،‬والتأكي د عل ى أن م ا يع رف بمح وري التت ابع‬ ‫واالس تبدال ال يخ رج ف ي مض مونه عم ا ق رره الق دماء ف ي ح ديثهم ع ن الج وار‬ ‫واالختي ار ‪ ،‬فالمص طلح المس تخدم ف ي وص ف العالق ة األفقي ة ‪ -‬الت ي ه ي مح ور‬ ‫ال نظم ‪ -‬ه و الج وار أحيانً ا ‪ ،‬والض م أحيانً ا أخ رى ‪ ،‬والمص طلح المس تخدم ف ي‬ ‫وصف العالق ة الرأس ية (االس تبدال) إنم ا ه و (االختي ار) ‪ ،‬وه و م ا ي ؤدي المعن ى‬ ‫الحديث بالكامل(‪. )3‬‬ ‫ويؤك د أن فه م ه ذه العالق ات التتابعي ة أو االس تبدالية س بق إلي ه الخط ابي ‪،‬‬ ‫والباقالني ‪ ،‬وعبد القاهر ‪ ،‬وابن األثير ‪ ،‬وغيرهم(‪. )4‬‬ ‫وق د ق دم أس الفنا الق دماء ه ذه المف اهيم دون غم وض أو مراوغ ة ‪ ،‬ودون‬ ‫كهن وت ح داثي ‪ ،‬وذل ك قب ل أن يق ول ب ه ياكبس ون ‪ ،‬أو ب ارت ‪ ،‬أو آخ رون م ن‬ ‫أقط اب الفك ر الح داثي وم ا بع د الح داثي الغرب ي(‪. )5‬‬ ‫لكن بعض النقاد في انبه اره بالحداث ة الغربي ة ومص طلحاتها ‪ ،‬وتنك ره لتراث ه‬ ‫يتجاه ل المف اهيم الواض حة ومص طلحاتها الراس خة ف ي تراثن ا النق دي ‪ ،‬وك أن‬ ‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬الم ا المتيةح ي‪ /‬اةي العز ز تموي ص‪.291-211‬‬

‫(‪ )0‬الم ا المتيةح ي‪ /‬اةي العز رز تمروي ص‪ 292‬نقرًلا ارا مقر ل لشرك ي ا ر ي ةعنرواا " موقرف‬ ‫ما الةن و ح " ةمةاح فصرول المةاي ابول العيي الد ن ص‪ 111‬إصيا‬

‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬الم ا المقع‬

‫ي‪ /‬اةي العز ز تموي ص‪.211‬‬

‫(‪ )3‬اةا ‪ :‬الم ةا الس ةق ص‪ 219-211‬ص‪.251 252‬‬ ‫(‪ )4‬الم ةا الس ةق ص‪.212‬‬

‫‪-026-‬‬

‫ن‬

‫سنح ‪1111‬ت‪.‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫الفكرة النقدية إذا اقترن ت باس م أجنب ي تكتس ب علمي ة تفتق دها حينم ا ت ذكر مقرون ة‬ ‫بقدام ة ‪ ،‬أو أب ي ه الل ‪ ،‬أو القاض ي الجرج ـاني ‪ ،‬أو اإلم ام عب د الق اهر ‪ ،‬أو اب ن‬ ‫األثير ‪ ،‬أو حازم القرطاجني ‪ ،‬وغيرهم من أعالم النقد العربي القديم ‪.‬‬ ‫ثم كأنها ‪ -‬أيضًا ‪ -‬تكتسب هذه العلمية حينم ا تتعم د لف ت النظ ر إل ى ص ياغتها‬ ‫المراوغ ة الجدي دة ‪ ،‬ويتحق ق له ا عم ق العل م ‪ ،‬وه و عم ق ال يت وفر للفك رة نفس ها‬ ‫إذا ج اءت واض حة دقيق ة مح ـددة عن د عب د الق اهر أو غي ره م ن النق اد الع رب‬ ‫القدماء(‪. )1‬‬ ‫وكان يجب أال يكون األمر ك ذلك بالنس بة للمثق ف العرب ي ل و أن ه ف ي حماس ه‬ ‫للتحديث وانبهاره بمنجزات العقل الغرب ي ل م يتجاه ل تراث ه العرب ي‪ ،‬ويعم ل عل ى‬ ‫القطيعة معه أو التنصل منه(‪.)2‬‬ ‫إنن ا ال نق ول بالقطيع ة م ع الع الم م ن حولن ا أو اعتزال ه ‪ ،‬لكنن ا نق ـول ‪ :‬إن‬ ‫بعض النقاد المحدثين والمعاص رين ق ام بعملي ة خيان ة ثقافي ة حينم ا رب ط االتص ال‬ ‫ب اآلخر الثق افي بالقطيع ة م ع الت راث ‪ ،‬وك ان م ن الممك ن أن ت تم عملي ة ت زاوج‬ ‫ثقافي صحيحة بين القديم والحديث ‪ ،‬فإن تراثنا العربي لم يك ن أب دًا متخلفً ا(‪ )3‬؛ ب ل‬ ‫إنه ق دم م ن المالحظ ات النقدي ة م ا ل و أحس نا فهم ه وإع ادة قراءت ه وأنص فناه حق ه‬ ‫لكان قادرًا على تطوير نظرية عربية في النقد األدبي ‪ ،‬ف إن الحي اة األدبي ة العربي ة‬ ‫كانت لمدة أربعة أو خمسة قرون تموج بالتي ارات اللغوي ة والنقدي ة بص ورة ال تق ل‬ ‫ع ن حرك ة الحي اة األدبي ة األوروبي ة ف ي الق رنين التاس ع عش ر والعش رين ‪ ،‬وأن‬ ‫ذل ك كل ه ب دأ ووص ل إل ى ذروت ه ث م انته ى ف ي وق ت كان ت أوروب ا في ه تع يش ف ي‬ ‫ظالم دامس(‪. )4‬‬

‫د ‪ -‬نقاد و ُكتـاب آخرون‪:‬‬

‫ال شك أن الحديث عن عالقات الحضور والغياب ‪ ،‬ومحاول ة اإلف ادة م ن فه م‬ ‫ه ذه العالق ات وتوظيفه ا ف ي النق د التطبيق ي – ل م يك ن قص رًا عل ى ع دد مع ين أو‬ ‫مح دد م ن النق اد أو ال ُكت اب ‪ ،‬فق د وج دنا هن ا أو هن اك إش ارات إل ى ه ذه العالق ات‬ ‫سواء في مجال التنظير أم ميدان التطبيق النقدي ‪.‬‬ ‫وم ن ال ُكت اب والنق اد ال ذين أش اروا إل ى ه ذه العالق ات أو أف ادوا منه ا ف ي‬ ‫(‪ )0‬الم ا المقع ص‪.210‬‬ ‫(‪ )2‬الم ةا الس ةق ص‪.211‬‬ ‫(‪ )0‬الم ا المقع ص‪.222‬‬

‫(‪ )2‬الم ةا الس ةق ص‪.112‬‬

‫‪-027-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫تطبيق اتهم ‪ -‬س واء أك ان ذل ك بص ورة مباش رة واض حة جلي ة ‪ ،‬أم ك ان بص ورة‬ ‫ضمنية من خالل التطبيق ‪ ،‬أم في ثنايا قضية نقدية أخرى اقتض ى س ياقها التط رق‬ ‫إلى هذه العالقات – نذكر ‪:‬‬ ‫‪ – 0‬األستاذ الدكتور‪ /‬كاظم الظواهري في كتابه " بدائع اإلض مار القصص ي‬ ‫في القرآن الكريم " ‪.‬‬ ‫فق د ذك ر أن الح ذف (الغي اب) المس بب الجته اد ال ذهن ف ي طل ب المح ذوف‬ ‫يسبب زيادة ف ي الل ذة باس تنباط ال ذهن للمح ذوف ‪ ،‬وكلم ا ك ان الش عور بالمح ذوف‬ ‫أعس ر ك ان االلت ذاذ ب ه أش د وأحس ن ‪ ،‬واس تأنس بك الم عب د الق اهر ف ي أن الح ذف‬ ‫إذا أص يب ب ه موض عه ك ان أفض ل م ن ال ذكر ‪ ،‬وك ان إض ماره ف ي ال نفس أول ى‬ ‫وآنس من النطق به(‪.)1‬‬ ‫وم ن أه م األفك ار الت ي أك د عليه ا د‪ /‬الظ واهري وتج در اإلش ارة إليه ا فيم ا‬ ‫يتصل بموضوعنا ‪ -‬أمران ‪:‬‬ ‫أح دهما ‪ :‬أن الح ذف ‪ -‬ال ذي يعب ر عن ه بع ض النق اد المح دثين بالغي اب أو‬ ‫المسكوت عنه ‪ -‬قد ال يقصد به مجرد اإليجاز ف ي اللف ظ بق در م ا يقص د ب ه تحقي ق‬ ‫نوع من الحضور في العرض أو المشهد أو النص(‪ ، )2‬وأن الح ذف ي أتي ف ي كثي ر‬ ‫من المواضع داالً على أشياء في النفس قد يعج ز األس لوب الت ام ع ن بيانه ا ‪ ،‬أو ال‬ ‫يدل على مثلها(‪. )3‬‬ ‫وعق ـد أ‪.‬د‪ /‬الظ واهري ف ي كتاب ه ه ـذا فص الً تح ت عن ـوان ‪ " :‬فن ون م ن‬ ‫الحذف لتحقيق الحضور في العرض"(‪. )4‬‬ ‫ومن المواض ع الت ي ج اء الح ـذف فيه ا لتحقي ق الحض ور لمش هد القائ ل وه و‬ ‫ينط ق مقالت ه ‪ ،‬ق ـول النب ي‪ « :‬إن هللاَ طَيِّ بٌ الَ يَقبَ ُل إال طَيِّبً ا ‪َ ،‬وإن هللاَ أَ َم ـ َر‬

‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬ةياإا اإلضم القصص فر القر لا الكر ت لألسري ذ الريكيو ‪ /‬كر ظت الظرواا ي ص‪150‬‬ ‫نشر يا الص ةون ويا الهيا رح الحةعح ابول‬

‫اةي الق ا ص‪.191‬‬

‫سنح ‪1111‬ت وانظ ‪ :‬يالإل اإلاة ز لإلم ت‬

‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬ةياإا اإلضم القصص ف القر لا الكر ت لألسري ذ الريكيو ‪ /‬كر ظت الظرواا ي ص‪11‬‬ ‫ص‪.550 291 -292 290 212 111‬‬

‫(‪ )3‬الم ةا الس ةق ص‪.212‬‬

‫(‪ )4‬انظ ‪ :‬الم ةا الس ةق ص‪.211-111‬‬

‫‪-028-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ال‬ ‫ال ‪ :‬ﱡﭐ ﲑ ﲷ ﲷ ﲔ ﲷ ﲷ ﲷﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲜ ﲝ َّ ‪َ ،‬وقَ َ‬ ‫ال ُمؤمنينَ ب َما أَ َم َر به ال ُم ـر َسلينَ ‪ ،‬فَقَ َ‬ ‫‪ :‬ﱡﭐ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﲷ ﲷ ﱳ ﱴ ﱵ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ َّ(‪ ، )2‬ثُ م َذ َك َر ‪ ‬الر ُج َل يُطي ُل الس فَ َر أَش َع َ‬ ‫ث‬ ‫أَغبَ َر يَ ُم ُّد يَدَي ه إلَ ى الس َماء يَ ا َربِّ يَ ا َربِّ َو َمط َع ُم هُ َح َرا ٌم َو َمش َربُهُ َح َرا ٌم َو َملبَ ُس هُ‬ ‫ي بال َح َرام فَأَنى يُست َ​َجابُ ل َذلكَ »(‪1)3‬‬ ‫َح َرا ٌم َو ُغذ َ‬ ‫فف ي ه ذا الح ديث ح ذف لف ظ الق ول قب ل ال دعاء ‪ ،‬فجع ل الرج ل الموص ـوف‬ ‫كأنه ماثل أمامنا على حـاله هذه وهو ينادي ربه ‪ :‬يارب ‪ ،‬يارب(‪. )4‬‬ ‫األمر اآلخر ‪ :‬أنه إذا كان مجيء الحذف في موضعه ي ؤدي وظيف ة ال يؤديه ا‬ ‫الذكر فإن الذكر كذلك في موضعه(‪ ، )5‬وهو ما نبه إليه عبد القاهر في دالئله(‪. )6‬‬ ‫ومن الشواهد التي ساقها األستاذ الدكتور‪ /‬الظواهري لذلك على لسان االبن‬ ‫األكبر من أبناء يعقوب ‪ :‬ﱡﭐ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷﲷ‬ ‫ﲷ ﲎ ﲏ ﲷ ﲑ ﲷﲷ ﲔ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲜﲝ ﲞ ﲟﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦﲷ ﲨ ﲷ ﲪ ﲷ ﲬ َّ(‪.)7‬‬ ‫فالس ياق ي دلنا عل ى ك الم مح ذوف مف اده أن اإلخ وة ق د أع ادوا ق ولهم ؛ وذل ك‬ ‫إلثبات صدقهم أمام والدهم ‪ ،‬وجاء ر ُّد والدهم في إطار هذا السياق(‪. )8‬‬ ‫أما ما ورد على لسان يوسف في قوله تعالى ‪ :‬ﱡﭐ ﲬ ﲷ ﲷ ﲷ ﲰ ﲷ‬ ‫ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷﲷ ﲷ‬ ‫ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ‬ ‫ﲷ(‪. )9‬‬ ‫ﲷﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﱎ ﱏ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ َّ‬ ‫فل و س ار الس ياق عل ى ش اكلة الح ذف ف ي اآلي ات الس ابقة لقي ل ‪ :‬اذهب وا‬

‫(‪ )0‬سو المؤمنوا ‪ :‬اآل ح ‪.11‬‬ ‫(‪ )2‬سو الةق ‪ :‬اآل ح ‪.112‬‬ ‫(‪ )3‬التي‬

‫أخ ة اإلم ت مسات ف صت ت اا أة ا‬

‫الكسب الح ب وي ة يه‬

‫تي‬

‫قت ‪1011‬‬

‫‪ ‬كي ب الزك‬

‫ة ب قةرول الصريقح مرا‬

‫‪ 2‬ص‪.105‬‬

‫(‪ )4‬ةياإا اإلضم القصص ف الق لا الك ت لألسي ذ اليكيو ‪ /‬ك ظت الظواا ي ص‪.19‬‬ ‫(‪ )5‬انظ ‪ :‬الم ةا الس ةق ص‪.111‬‬

‫(‪ )6‬انظ ‪ :‬يالإل اإلاة ز لإلم ت اةي الق ا ص‪.119 111‬‬ ‫(‪ )0‬سو‬

‫وسف ‪ :‬اآل ا ‪.15-11‬‬

‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬ةررياإا اإلضررم‬ ‫ص‪.112-121‬‬

‫(‪ )3‬سو‬

‫القصص ر ف ر القر لا الك ر ت‬

‫وسف ‪ :‬اآل ا ‪.19-15‬‬

‫‪-029-‬‬

‫لألسرري ذ الرريكيو ‪ /‬ك ر ظت الظررواا ي‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي ي أت بص يرًا ‪ ،‬وائت وني ب أهلكم أجمع ين ‪ ،‬فارت د‬ ‫أبوه بص يرًا ‪ ،‬ولك ن ال ذكر هن ا ل ه فوائ د وأس رار ال يق وم به ا الح ذف ‪ ،‬فالعب ارات‬ ‫المذكورة تحقق دالالت واستنتاجات عميق ة فيم ا يتعل ق بحرفي ة القص ة م ن جه ة ‪،‬‬ ‫وبالجانب العقدي منها من جهة أخرى ‪.‬‬ ‫فم ا ورد عل ى لس ان يعق وب دلي ل عل ى ثق ة يعق وب (علي ه الس الم) ف ي هللا‬ ‫تع الى م ن جه ة ‪ ،‬وعل ى ص دق نبوت ه م ن جه ة أخ رى ‪ ،‬فق د ق ال يعق وب (علي ه‬ ‫السالم) ذلك وما زالت القافلة في الطريق لم تصل بعد ‪.‬‬ ‫وف ي ق ول قوم ه ل ه دالل ة عل ى أن محن ة يعق وب (علي ه الس الم) ‪ ،‬وص بره‬ ‫الجمي ل ‪ ،‬وثقت ه ب اهلل تع الى‪ ،‬ل م تك ن مقص ورة عل ى امتحان ه بفق د ولدي ه ‪ ،‬وإنم ا‬ ‫تعدت ذلك إلى ال دعوة والتبلي غ ‪ ،‬وم ا عان اه م ن قوم ه ف ي س بيل ذل ك؛ إذ ل و ك انوا‬ ‫على درجـة عالية من اإليمان واليقين لما أقدموا على توجيه مثل هذا القول له ‪.‬‬ ‫وق د ك ان له ذا الح وار ال ذي دار ب ين يعق وب (علي ه الس الم) وقوم ه دور‬ ‫واضح في إضفاء جو من الترقب والتوتر على األحداث ‪ ،‬حيث جعل المتلقي يعود‬ ‫إلى التوتر من جديد بإزاء التح دي الط ارئ م ن عناص ر ثانوي ة ف ي القص ة ‪ ،‬وه و‬ ‫ما يضاعف من قيمة المفاجأة التي تحقق ت عن دما ألق ى البش ير القم يص عل ى وج ه‬ ‫يعقوب (عليه السالم) فارتد بصيرًا(‪. )1‬‬ ‫وبهذا يكون ال ذكر ف ي موض عه ق د أدى دالالت عميق ة م ا ك ان المتلق ي ليق ف‬ ‫عليها لو حُذف من النص ما يستدعي السياق ذكره‪1‬‬ ‫‪ – 2‬األس تاذة‪ /‬مديح ة ج ابر الس ايح ف ي كتابه ا " الم نهج األس لوبي ف ي النق د‬ ‫األدبي في مصر ‪ :‬التطور ‪ ،‬النظرية ‪ ،‬التطبيق " ‪.‬‬ ‫فقد خصصت في الفصل الثاني من ه ذا الكت اب مبحث ين ‪ :‬أح دهما ‪ :‬لالختي ار‬ ‫‪ ،‬الذي يعبر عنه بالمحور الرأسي أو مح ور االس تبدال ‪ ،‬واآلخ ر ‪ :‬للس ياق ‪ ،‬ال ذي‬ ‫يعبر عنه بالمحور األفقي أو المحور التعاقبي(‪. )2‬‬ ‫ت ذكر الكاتب ة أن دراس ة الس ياق اللغ وي بعالقات ه األفقي ة والرأس ية تف وق‬ ‫(‪ )0‬ةياإا اإلضم القصص ف الق لا الك ت لألسري ذ الريكيو ‪ /‬كر ظت الظرواا ي ص‪111 -112‬‬ ‫ةيص ف واخيص ‪.‬‬ ‫(‪ )0‬انظر ‪ :‬المررنهج ابسرراوة فر النقرري ابيةر فر مصر ‪ :‬اليحررو‬ ‫ة ر ة الس ر ح ص‪ 151‬وم ر ةعرريا‬

‫وص‪ 112‬وم ر ةعرريا‬

‫يتا انواا المف ا ت ابس س ح لألساوة ح‪.‬‬

‫‪-031-‬‬

‫النظ ررح اليحة ررق لمي تررح‬

‫وص‪ 111 -111‬واررذا الفصررل‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫كثيرًا دراسة السياق الخارجي وعالقة النص به(‪. )1‬‬ ‫وتؤكد على ما ذكره د‪ /‬محمد عبد المطل ب م ن أن تن اول البالغي ين للس ياقات‬ ‫المتع ددة مث ل ‪ :‬س ياق الح ذف وال ذكر ‪ ،‬والتق ديم والت أخير ‪ ،‬والتعري ف والتنكي ر ‪-‬‬ ‫وبخاص ة جه د عب د الق اهر الجرج اني ال ذي تمي ز باألص الة واالبتك ار ‪ -‬يمك ن‬ ‫وضعه مع أحدث ما تناولته الدراسات األسلوبية المعاصرة(‪. )2‬‬ ‫وت رى أن الكلم ة تكتس ب م دلولها م ن الس ياق ‪ ،‬وتتغي ر ه ذه الدالل ة بتغي ره ‪،‬‬ ‫وأن الس ياق ه و ال ذي يعط ي الش كل التركيب ي للعب ارة ‪ ،‬بمعن ى أن فه م الس ياق‬ ‫المحيط بعملية اإلبداع يساعد عل ى فه م الكثي ر م ن العالق ات التركيبي ة ب ين أج زاء‬ ‫الكالم(‪. )3‬‬ ‫وه ذه العالق ات الس ياقية إنم ا تعن ي عالق ة المج اورة ب ين الكلم ات ‪ ،‬وتت ابع‬ ‫العناصر في الخط والنطق‪1‬‬ ‫أم ا العالق ات اإليحائي ة فتعن ي العالق ات الرأس ية أو االس تبدالية ‪ ،‬وه ـي‬ ‫الكلمات التي تثيرها الكلمـة المختارة في السـياق بالتداعي واإليحاء(‪. )4‬‬ ‫على أن السياق هو الذي يتطلب اختي ار مف ردة دون أخ رى ‪ ،‬حي ث إن الكلم ة‬ ‫ال تكتس ب م دلولها م ن معناه ا المعجم ي فق ط ‪ ،‬ب ل م ن الس ياق الت ي ت رد في ه‬ ‫أيضًا(‪. )5‬‬ ‫وتش يد الكاتب ة بفه م عب د الق اهر لقض ية االختي ار ال ذي يمث ل أح د أساس ي‬ ‫(‪ )2‬الم ةا الس ةق ص‪.111‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫(‪)0‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫الم ةا‬ ‫المنهج‬ ‫الم ةا‬ ‫الم ةا‬

‫الس ةق ص‪ 221‬وانظ ‪ :‬الةًلغح وابساوة ح لايكيو ‪ /‬متمي اةي المحاب ص‪.9‬‬ ‫ابساوة ف النقي ابية ف مص ‪ :‬اليحو النظ ح اليحة ق ص‪.112‬‬ ‫الس ةق ص‪.111‬‬ ‫الس ةق ص‪.122‬‬

‫‪-030-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫نظرية النظم عنده ‪ ،‬وهما ‪ :‬االختيار والت أليف ‪ ،‬الل ذان ي دوران ف ي إط ار المع اني‬ ‫النحوي ة ‪ ،‬فاالختي ار عن ده يك ون ب ين العناص ر النحوي ة المختلف ة عل ى مس توى‬ ‫اإلف راد والتركي ب ‪ ،‬فعل ى مس توى اإلف راد يك ون االختي ار ف ي التعبي ر ع ن كلم ة‬ ‫"إنس ان" م ثالً ب ين العلمي ة "محم د"‪ ،‬والت ذكير "رج ل"‪ ،‬والتعري ف "الرج ل" ‪،‬‬ ‫والموص ولية "ال ذي أعرف ه" ‪ ،‬واس م اإلش ارة "ه ذا اإلنس ان" ‪ ،‬والض مير "ه و"‬ ‫‪ ،‬وعلى مستوى التركيب يكون االختي ار ب ين التق ديم والت أخير ‪ ،‬و ال ذكر والح ذف‬ ‫‪ ،‬واإليجاز واإلطناب ‪ ...‬إلخ(‪. )1‬‬ ‫‪ – 3‬وهناك نقاد و ُكتاب آخرون أشاروا إلى العالق ات الس ياقية بص فة عام ة ‪،‬‬ ‫أو عالقات الحضور والغياب بصفة خاصة ‪ ،‬أو أف ادوا منه ا ف ي تطبيق اتهم ‪ ،‬م نهم‬ ‫‪:‬‬ ‫د‪ /‬أحمد ياسوف ‪ ،‬يقول في حديث ه ع ن ظ الل الدالل ة الخاص ـة ‪ :‬إنم ا نتتب ع ‪-‬‬ ‫هنا ‪ -‬م ا ورد عن د الب احثين ح ول اختي ار مف ردة تلق ي إش عاعًا ش امالً ف ي مف ردات‬ ‫السياق كله ‪ ،‬من حيث ال يسد غيره ا ه ذا المك ان ‪ ،‬وتتف رد ه ي بمكانه ا م ن حي ث‬ ‫مالءمة أقص ى الت أثير ‪ ،‬و ق د تك ون الكلم ة عادي ة ف ي اس تعمالنا ‪ ،‬ف إذا قرأناه ا ف ي‬ ‫مكانها من النص وج دنا أنه ا تتج اوز ك ل تعابيرن ا‪ ،‬متمكن ة م ن موض عها‪ ،‬بمنزل ة‬

‫(‪ )0‬الم ةا الس ةق ص‪ 129‬نقرًلا ارا ي اسرح لاريكيو ‪ /‬أتمري ي و رب ةعنرواا ‪ :‬نظ رح الرنظت انري‬ ‫اةي الق ا نش مةاح ي اس ا ا ة ح واسًلم ح ص‪ 152‬العيي ال اةا سنح ‪1111‬ت‪.‬‬

‫‪-032-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫اللبنة من البناء الكلي(‪. )1‬‬ ‫ومن هذه المالحظات الفني ة تأم ل الرم اني ف ي تش بيه أعم ال الكف ار ف ي قول ه‬ ‫تعالى ‪ :‬ﱡﭐ ﲷ ﲷ ﲷ ﲷ‬

‫ﲷ ﱪ ﲷ ﲷ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﲷ ﲷ‬

‫ﱳ ﱴ ﱵ‬

‫ﲷ ﲷﲷ ﲷ ﲷ ﲷ َّ(‪ ، )2‬فإنه يقول ‪ :‬ولو قيل ‪ :‬يحسبه الرائ ي م اء ‪ ،‬ث م يظه ر‬ ‫على خالف ما قدر لك ان بلي ًغ ا‪ ،‬وأبل غ من ه تعبي ر الق رآن الك ريم ب ـ (الظم آن)؛ ألن‬ ‫الظمآن أكثر حرصًا على طلب الماء ‪ ،‬وأشد تعلقًا به(‪. )3‬‬ ‫فالرم اني – هن ا – ال يكتف ي بجم ال التش بيه الحس ي ‪ ،‬ب ل يؤك د لن ا إحك ام‬ ‫الص ورة بم ا ي ؤثر ت أثيرًا حس يًا ف ي المتلق ي ‪ ،‬وم ن الواض ح ع دم الت رادف ب ين‬ ‫الظمآن والرائي ‪ ،‬وأن ه ذا المي ل إل ى الحس ية يؤك د الح د األقص ى م ن الت أثير ف ي‬ ‫اإلنسان ؛ ألن أقوى متطلباته تتعلق بالحسية(‪. )4‬‬ ‫ومن ال ُكت اب ال ذين أف ادوا م ن فه م عالق ات الحض ور والغي اب ف ي دراس اتهم‬ ‫التطبيقية ‪ :‬عبد العزيز موافي ‪ ،‬يكتب مق االً نق ديًا تح ت عن وان "ص يد الفراش ات ‪:‬‬ ‫غي اب ال ذات وحض ور الع الم " ع ن دي وان " ص يد الفراش ات" لمحم د ص الح ‪،‬‬ ‫يقول في التعليق على إحدى قصائده ‪ :‬وت أتي القص يدة األخي رة ف ي ال ديوان لتجس د‬ ‫(‪ )2‬ةم ل ر ا المفر ي الق لن ررح لاريكيو ‪ /‬أتمرري سروف ص‪ 219‬سر لح م ةسري ةكا ررح اآلياب‬ ‫ة معرررح تارررب إشررر اف‪ :‬ابسررري ذ الررريكيو ‪ /‬نرررو الررري ا ايررر ح ‪ /‬يا المكيةررر يمشرررق سرررنح‬ ‫‪1211‬ار‪1111/‬ت‪.‬‬ ‫(‪ )3‬سو النو ‪ :‬اآل ح ‪.51‬‬ ‫(‪ )0‬ةم ل ا المف ي الق لن ح ي‪ /‬أتمي سوف ص‪ 211‬وانظ ‪ :‬النكا ف إاة ز الق لا لا م ن‬ ‫(ضما دًل س إل فر إاةر ز القر لا لا مر ن والخحر ة واةري القر ا ) ص‪ 12 11‬يتق رق‪:‬‬ ‫متمي خاف اه ومتمي زغاول سًلت ح‪ /‬يا المع ف ةمص سنح ‪1111‬ت‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ةم ل ا الافظح المف ي‬

‫ي‪ /‬أتمي سوف ص‪.211‬‬

‫‪-033-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫حالة االغتراب التي تصل إلى ذروتها عبر فعل الغياب ‪ ،‬فك أن س لطة الواق ع تمث ل‬ ‫ن ص الحض ور ‪ ،‬أم ا ال ذات فيش ير إليه ا ن ص الغي اب ‪ ،‬وب ين العن ف والكب ت م ن‬ ‫ناحية ‪ ،‬والحضور والغياب من ناحية – تتأس س طبيع ة العالق ة ب ين ال ذات والع الم‬ ‫داخل الديوان(‪. )1‬‬ ‫وقد أشار في ثنايا حديث ه ع ن دي وان " ص ورة شخص ية " للش اعرة الس ورية‬ ‫لين ا الطيب ي إل ى عالق ة التج اور ‪ ،‬وعملي ة اإلح الل واإلب دال ‪ ،‬وأف اد م ن ذل ك ف ي‬ ‫تعليقه النقدي على الديوان(‪. )2‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )3‬انظ ‪ :‬ي اس ا وقض‬ ‫مواف‬

‫ف قصر ي الند الع ة ح يتوالا النظ وةًلغح االنفص ل لعةي العز ز‬

‫ص‪ 151 151‬ح‪ /‬اله إح المص ح الع مح لاكي ب سنح ‪2001‬ت‪.‬‬

‫(‪ )0‬الم ةا الس ةق ص‪.111 111‬‬

‫‪-034-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫الفصل الخامس‬ ‫الفكر النقدي في المثل السائر‬ ‫في ضوء النقد الحديث‬

‫‪-035-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪-036-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫تمهيـــد‬ ‫إن كتاب " المثل السائر " الب ن األثي ر يع د واح دًا م ن أه م مص ادر الت راث النق دي‬ ‫والبالغي ‪ ،‬وال شك أنه تضمن كثيرًا من اآلراء النقدية الواعية ‪ ،‬التي أفاد منه ا كثي ر م ن‬ ‫النق اد المح دثين والمعاص رين ‪ ،‬وبن وا عليه ا – م ع م ا اس تنبطوه م ن مص ادر الت راث‬ ‫األخرى – كثيرًا من أفكارهم وأسسهم النقدية ‪.‬‬ ‫عل ى أنني أركز في تناولي للفكر النقدي عند ابن األثير ف ي مثل ه الس ائر عل ى‬ ‫ما يتصل بقضايا النقد األدبي الحديث ‪ ،‬أو بعبارة أخرى سأحاول ق راءة ه ذا الفك ر‬ ‫في ضوء خلفية نقدية حداثية عصرية ‪.‬‬ ‫ول م أعث ر – فيم ا اطلع ت علي ه – عل ى دراس ة نقدي ة واح دة تناول ت‬ ‫"المثل السائر" الب ن األثي ر م ن ه ذه الزاوي ة تن اوالً ش امالً ‪ ،‬حي ث انص بت جه ود‬ ‫أكث ر المعني ين ب التراث م ن الح داثيين واألس لوبيين عل ى كتاب ات عب د الق اهر‬ ‫الجرج اني وح ازم القرط اجني ‪ ،‬ول م يأخ ذ اب ن األثي ر حظ ه ف ي دراس ات النق اد‬ ‫المحدثين والمعاصرين إال في مواطن متفرقة ‪.‬‬ ‫ب حول نقد ابن األثير هو رسالة العالمي ة "ال دكتوراه" لمحم د‬ ‫ولعل أهم ما ُكت َ‬ ‫زغلول سالم‪ ،‬وموضوعها " ضياء الدين بن األثي ر وجه وده ف ي النق د" ‪ ،‬لكنه ا –‬ ‫ب الطبع – ل م تقتص ر عل ى " المث ل الس ائر" ‪ ،‬إنم ا تناول ت ك ل جه ود اب ن األثي ر‬ ‫النقدية‪ ،‬وك ان " المث ل الس ائر " أح د محاوره ا‪ ،‬وك ان الباح ث م ا ي زال ف ي بداي ة‬ ‫حياته العلمية فلم يبرز أثر الفكر النق دي عن د اب ن األثي ر ف ي النق د الح ديث ‪ ،‬وج اء‬ ‫تناوله له أقرب إلى الدراسات التقليدية منه إلى الدراسات الحديثة أو العصرية ‪.‬‬ ‫وبعد قراءة متأنية لـ " المثل السائر " رأي ت أن أجع ل دراس تي ل ه ف ي أربع ة‬ ‫مباحث ‪:‬‬ ‫أما المبحث األول ‪ :‬فيتناول التعريف بابن األثير وكتابه" المثل السائر"‪.‬‬ ‫أما المبحث الثاني ‪ :‬فعن نظرة ابن األثير إلى اللفظة المفردة‪ ،‬ويتناول ‪:‬‬ ‫أوالً ‪ :‬قيمة اللفظة المفردة ‪.‬‬ ‫ثانيًا ‪ :‬المستوى الصوتي للفظة المفردة ‪.‬‬ ‫ثالثًا ‪ :‬المستوى الداللي للفظة المفردة ‪.‬‬ ‫وأما المبحث الثالث ‪ :‬فعن نظرة ابن األثير إلى الجملة والسياق‪ ،‬ويتناول ‪:‬‬ ‫أوالً ‪ :‬نظرته إلى الجملة ‪.‬‬ ‫ثانيًا ‪ :‬نظرته إلى السياق ‪.‬‬ ‫وأم ا المبح ث الراب ع ‪ :‬فيتن اول رأي اب ن األثي ر ف ي بع ض القض ايا النقدي ة‬ ‫األخرى‪ ،‬وفيه تح دثت ع ن رأي ه ف ي قض ايا ‪ :‬ال ذوق األدب ي ‪ ،‬والطب ع والص نعة ‪،‬‬ ‫‪-037-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫وال ب ديع‪ ،‬والتماس ك النص ي ‪ ،‬والس رقات األدبي ة ‪ ،‬والق ديم والمح دث ‪ ،‬والع دول‬ ‫واالنحراف‪.‬‬

‫المبحث األول‬ ‫التعريف بابن األثير وكتابه «المثل السائر»‬ ‫أوالً‪ :‬التعريف بابن األثير‪:‬‬ ‫هو الفتح نصر هللا بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني‪،‬‬ ‫‪1‬‬ ‫المعروف بضياء الدين بن األثير ( )‪.‬‬ ‫ولقبه " ضياء الدين " يميزه عن أخويه ‪ :‬أبي السعادات مجد الدين ابن األثي ر‬ ‫صاحب كتاب " النهاية في غريب الحديث واألث ر " المت وفى س نة ‪818‬ه ـ ‪ ،‬وأب ي‬ ‫الحس ن ع ز ال دين ب ن األثي ر ص احب كت اب " الكام ل ف ي الت اريخ " المت وفى س نة‬ ‫‪841‬هـ ‪ ،‬وكانوا جميعًا من العلماء المعدودين‪ ،‬كل في ميدانه (‪.)2‬‬ ‫ولد ضياء الدين ف ي جزي رة اب ن عم ر الواقع ة ش مال الموص ل س نة ‪556‬ه ـ‪،‬‬ ‫ونشأ في بيت عز ومجد ‪ ،‬حيث كان والده أبو الكرم محمد الملقب ب ـ " أثي ر ال دين‬ ‫" مقربًا من آل زنكي ‪ ،‬واله قطب الدين بن زنكي على جزيرة ابن عمر ‪ ،‬ثم جعله‬ ‫صاحب خزانته بالموصل ‪.‬‬

‫(‪ )0‬اةا ف ي ةمي وأخة ا‪ :‬وف ا ابا ا الةا خاك ا‬ ‫ص ‪ 97‬نش مؤسسح اباام‬

‫‪ 5‬ص ‪ 389‬ومر ل الةنر ا لا ر فع‬

‫ة وا سنح ‪0391‬ار‪0971 /‬ت وةغ ح الوار لاسر وح‬

‫ص ‪ 305‬يتق ق‪ :‬متمي أةو الفضل إةر اا ت ح‪ /‬يا الفكر‬ ‫الذاب الةا العم ي‬

‫‪ 5‬ص‪ 087‬واباًلت لاز كا‬

‫‪ 8‬ص ‪ 354‬ح‪ /‬يا العات ة وا سنح‬

‫المع ف سنح ‪0980‬ت ( ساساح نواةغ الفك الع ة )‪.‬‬

‫يتق ق‪ :‬متمي اةي العز ز النة‬

‫‪ 5‬ص ‪ 397‬والةيا ررح والنه رررح الةررا كد ررر‬

‫نش يا الغي الع ة‬

‫الس إ ف أيب الك يب والش ا ص ‪.27‬‬

‫‪-038-‬‬

‫‪2‬‬

‫سرنح ‪0399‬ارر‪0979 /‬ت وشرذ اا‬

‫‪0389‬اررر‪0969 /‬ت وضر ل الرري ا ةررا ابد ر لمتمرري زغاررول سررًلت ص ‪ 32‬ومر ةعرريا‬ ‫(‪ )2‬انظرر ‪ :‬وف رر ا ابا ررر ا الةررا خاكررر ا‬

‫‪4‬‬

‫ح‪ /‬يا‬

‫‪ 7‬ص ‪001‬‬

‫سنح ‪0402‬ار‪0992 /‬ت ومقيمرح كي ةر المدرل‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫وقد أعد أثير الدين أوالده إعدادًا أهلهم ‪ -‬فيما بعد ‪ -‬للكتابة والوالية‬ ‫والوزارة(‪ ،)1‬وحين انتقل من جزيرة ابن عمر إلى الموصل انتقل معه أبناؤه‪ ،‬وبها‬ ‫أتم ضياء الدين تعليمه‪ ،‬فحفظ القرآن الكريم ‪ ،‬وكثيرًا من أحاديث النبي ‪ ،‬وكثيرًا‬ ‫من أشعار القدماء والمحدثين‪ ،‬فحفظ شعر أبي تمام والبحتري والمتنبي ‪ ،‬وجانبًا‬ ‫كبيرًا من أشعار غيرهم ‪ ،‬ودرس النحو واللغة والبيان (‪ ،)2‬مما أسهم في صقل‬ ‫موهبته ‪ ،‬وقدرته على التصرف في وجوه المعاني ‪ ،‬وحل المنظوم‪ ،‬واالستعانة به‬ ‫في كتابته ونثره ‪.‬‬ ‫وفي سنة ‪567‬هـ اتصل ضياء الدين بالقاضي الفاضل‪ ،‬فوصله القاضي‬ ‫الفاضل في شهر جمادى اآلخرة من هذه السنة بخدمة الملك الناصر صالح الدين‬ ‫األيوبي‪ ،‬فأقام في خدمته إلى شهر شوال من السنة نفسها‪ ،‬ثم طلبه األفضل بن‬ ‫صالح الدين من والده‪ ،‬فخيره صالح الدين بين اإلقامة عنده واالنتقال إلى ولده‬ ‫الملك األفضل نور الدين ‪ ،‬فاختار االنتقال إلى نور الدين الذي قربه منه‪ ،‬واتخذه‬ ‫وزيرًا له ‪ ،‬فلما توفي صالح الدين واستقل األفضل بحكم دمشق ألقى بكثير من‬ ‫أمور الدولة إلى وزيره ضياء الدين ‪ ،‬لكن األفضل لم يسر على نهج والده في‬ ‫الحزم وسداد الرأي‪ ،‬وكان وزيره ضياء الدين شديد االعتداد بنفسه‪ ،‬مستعليًا على‬ ‫أهل مملكته‪ ،‬ولم يحسن معاملتهم‪ ،‬فضجروا من سياسته‪ ،‬وثاروا عليه وعلى َملكه‬ ‫األفضل ‪ ،‬ووقفوا إلى جانب العزيز عثمان بن صالح الدين وعمه الملك العادل‪،‬‬ ‫وأعانوهما على انتزاع دمشق من الملك األفضل ‪ ،‬واضطر األفضل إلى الصلح‪،‬‬ ‫وأن ينتقل من ملك دمشق والشام إلى والية صغيرة في صرخد(‪ ، )3‬فخرج ابن‬ ‫األثير متخفيًا خوفًا على حياته‪ ،‬ولحق باألفضل في صرخد(‪.)4‬‬ ‫وبضياع دمشق من يد األفضل وخروجه إلى صرخد‪ ،‬وهروب ابن األثير‬ ‫للحاق به‪ ،‬تنتهي إلى حد كبير أطماع ابن األثير السياسية وآماله الكبيرة التي كان‬ ‫يبنيها لنفسه كرجل دولة له شأنه (‪.)5‬‬ ‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬نصوص نقي ح باًلت النق ي الع ب بسي ذن الم توت ي‪ /‬متمي السعيي ف اوي ص ‪.313‬‬ ‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬وف ا ابا ا الةا خاك ا‬

‫‪ 5‬ص ‪ 389‬وةغ ح الوا لاس وح‬

‫‪ 2‬ص ‪.355‬‬

‫(‪ )0‬ص خي‪ :‬ةاي مًلصق لةًلي ترو اا مرا أامر ل يمشرق‪ .‬انظر ‪ :‬معةرت الةارياا ل ر قوا التمروي‬ ‫ص‪ 410‬ح‪ /‬يا ص ي‬

‫ة وا سنح ‪0397‬ار‪0977 /‬ت‪.‬‬

‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬وف ا ابا ا الةا خاك ا‬

‫‪ 5‬ص ‪ 391‬وض ل الي ا ةرا ابد ر لمتمري زغارول سرًلت‬

‫ص ‪ 39 37‬ومقيمح المدل الس إ بتمي التوف وةيوى حة نح ص ‪.28 27‬‬

‫(‪ )3‬ض ل الي ا ةا ابد‬

‫‪3‬‬

‫لمتمي زغاول سًلت ص ‪.39‬‬

‫‪-039-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫وأخذت األيام تتقلب بابن األثير‪ ،‬فعندما خرج الملك األفضل من صرخد إلى‬ ‫مصر لحق ابن األثير به‪ ،‬ثم ترك األفضل مصر عائدًا إلى الشام‪ ،‬فخرج ابن‬ ‫األثير من مصر مستترًا خوفًا على نفسه من جماعة كانوا يتربصون به ‪ ،‬ولحق‬ ‫باألفضل في الشام وأقام في صحبته من سنة ‪598‬هـ إلى سنة ‪817‬هـ ‪ ،‬وكان نجم‬ ‫األفضل آنذاك آخ ًذا في األفول ‪ ،‬فانتقل ابن األثير إلى خدمة الملك الظاهر بن‬ ‫صالح الدين صاحب حلب‪ ،‬فلم يطل مقامه عنده‪ ،‬فعاد إلى الموصل والتحق بخدمة‬ ‫أميرها عز الدين مسعود بن نور الدين أرسالن شاه‪ ،‬ثم بخدمة ولده ناصر الدين محمود‪،‬‬ ‫ثم بدر الدين لؤلؤ الذي كان وصيًا على ناصر الدين محمود‪ ،‬ومل ًكا للموصل من بعده (‪.)1‬‬ ‫وقد ظل ضياء الدين بن األثير طوال تسعة عشر عا ًما – وهي الفترة األخيرة‬ ‫ً‬ ‫مستقرا بالموصل بعد طول أسفاره شرقًا وغربًا ‪ ،‬شماالً وجنوبًا ‪،‬‬ ‫من حياته –‬ ‫سعيًا وراء الجاه والمجد والغنى ‪ ،‬وفي هذه الفترة تفرغ ابن األثير لألدب والنقد‬ ‫قراءةً وكتابةً وتعلي ًما (‪.)2‬‬ ‫وكما حفلت حياة ابن األثير بالسعي وراء الجاه والمجد‪ ،‬حفلت كذلك بالعلم‬ ‫واألدب ‪ ،‬والتدريس والتصنيف ‪ ،‬فترك لنا ثروة نفيسة من المصنفات األدبية‬ ‫والنقدية ‪ ،‬من أهمها (‪:)3‬‬ ‫‪ - 0‬المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الوشي المرقوم في حل المنظوم ‪.‬‬ ‫‪ - 4‬االستدراك على المآخذ الكندية من المعاني الطائية ‪.‬‬ ‫‪ - 5‬الجامع الكبير في صناعة المنظوم من الكالم والمنثور ‪.‬‬ ‫‪ - 5‬كفاية الطالب في نقد كالم الشاعر والكاتب ‪.‬‬ ‫‪ - 8‬المعاني المخترعة في صناعة اإلنشاء ‪.‬‬ ‫‪ - 7‬رسائل ضياء الدين بن األثير ‪.‬‬

‫(‪ )0‬اةرا ‪ :‬وف ر ا ابا ر ا الةرا خاكر ا‬ ‫ابد‬

‫‪ 5‬ص ‪ 390 391‬والمدررل السر إ فر أيب الك يررب الةررا‬

‫ص ‪ 03 02‬وض ل الي ا ةا ابد‬

‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬ض ل الي ا ةا ابد‬

‫لمتمي زغاول سًلت ص ‪.44 -40‬‬

‫لمتمي زغاول سًلت ص ‪.44‬‬

‫(‪ )3‬انظررر فررر ذكررر مصرررنف ي ‪ :‬وف ررر ا ابا ررر ا الةرررا خاكررر ا‬ ‫لا فع‬

‫‪ 4‬ص ‪ 98‬وةغ ح الوا لاس وح‬

‫‪ 5‬ص ‪ 392 390‬ومررر ل الةنررر ا‬

‫‪ 2‬ص ‪ 305‬وابارًلت لاز كار‬

‫‪ 8‬ص ‪354‬‬

‫ونصررروص نقي رررح بارررًلت النقررر ي العررر ب بسررري ذن الم تررروت ي‪ /‬متمررري السرررعيي ف اررروي ص ‪315‬‬

‫‪ 316‬والمدل الس إ ف أيب الك يب الةا ابد‬

‫‪-041-‬‬

‫ي‪ /‬ةيوي حة نح ص ‪.04‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫وغير ذلك من المؤلفات‪ ،‬مما يدل على غزارة علمه‪ ،‬وسعة أفقه‪ ،‬وطول باعه‬ ‫في األدب ونقده‪.‬‬ ‫غي ر أن أكث ر الكت اب يأخ ذون علي ه إفراط ه ف ي االعت داد بنفس ه ‪ ،‬وإعجاب ه الش ديد‬ ‫بإنشائه وآرائه واستنتاجاته‪ ،‬وتطاوله عل ى اآلخ رين ‪ ،‬ومحاولت ه الغ ض م ن ش أنهم‪ ،‬ف ي‬ ‫سبيل إظهار تفوقه عليهم وتفرده من بينهم(‪.)1‬‬ ‫ومع تأكيدي على أن العالم الكبير ينبغي أن يكون صاحب خل ق رفي ع‪ ،‬وعل ى‬ ‫أن النقد ينبغي أن يكون موضوعيًا‪ ،‬وحياديًا‪ ،‬ومنصفًا ‪ ،‬فإنني أشير إلى أمرين ‪:‬‬ ‫‪ - 0‬أنن ا وإن أنكرن ا عل ى اب ن األثي ر إعجاب ه الش ديد بنفس ه‪ ،‬وتطاول ه عل ى‬ ‫اآلخرين؛ فإن ذلك ال يعني انتقاص مكانته العلمية أو النيل منه‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أننا ينبغي أن نفرق بين خلق الناقد وعلمه‪ ،‬فنعمل عل ى اإلف ادة م ن آرائ ه‬ ‫النقدية الواعية ‪ ،‬ونط رح جانبً ا تل ك اآلراء الت ي ن رى أنه ا ج اءت نتيج ة المي ل أو‬ ‫الهوى‪ ،‬وهذا من أهم شروط القراءة العصرية التي تعمل على تنقية التراث وإعادة‬ ‫كتابت ه بم ا يتناس ب وروح العص ر ال ذي نع يش في ه‪ .‬وكان ت وف اة ض ياء ال دين ب ن‬ ‫األثير سنة سبع وثالثين وستمائة ببغداد ‪ ،‬وكان قد توجه إليها برس الة م ن ص احب‬ ‫الموصل فوافته منيته بها (‪.)2‬‬

‫ثانيًا‪« :‬المثل السائر» وقيمته العلمية ‪:‬‬ ‫اقترنت ش هرة ض ياء ال دين ب ن األثي ر بش هرة كتاب ه " المث ل الس ائر" وذي وع‬ ‫صيته في اآلفاق ‪ ،‬حتى غطى ه ذا الكت اب عل ى س ائر مص نفاته م ن جه ة ‪ ،‬وعل ى‬ ‫مكانته وحياته السياسية من جه ة أخ رى ‪ ،‬فمت ى ذك ر ض ياء ال دين ب ن األثي ر ذك ر‬ ‫(‪ )0‬اةا ف ذلك ‪ :‬الة ا الع ة ‪ :‬ي اسح ف يحو الفك الةًلغ ح اني الع ب ومن اةهر ومصر ي ا‬ ‫الكة ر ى ي‪ /‬ةرريوي حة نررح ص ‪ 270‬نش ر مكيةررح ابنةاررو المص ر ح سررنح ‪0396‬اررر‪0976 /‬ت‬

‫ونصرروص نقي ررح باررًلت النق ر ي الع ر ب أ‪ .‬ي‪ /‬متمرري السررعيي ف ارروي ص ‪ 314‬والةًلغررح‪ ..‬يحررو‬

‫وي خ ي‪ /‬شروق ضر ف ص ‪ 324‬ح‪ /‬يا المعر ف مصر‬

‫سرنح ‪0995‬ت والصرو الةي ع رح‬

‫ة ا النظ ح واليحة ق ي‪ /‬تفن متمي ش ف ق‪ 0‬ص ‪ 277 276‬ح‪ /‬محةعح ال سر لح نشر‬

‫مكيةح الشة ب ة لمن‬

‫سنح ‪0385‬ار‪0966 /‬ت‪.‬‬

‫(‪ )0‬وف ا ابا ا الةا خاك ا‬

‫‪ 5‬ص ‪.396‬‬

‫‪-040-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬ ‫(‪)1‬‬

‫كتابه " المثل السائر "‪ ،‬ومتى ذكر الكتاب ذكر صاحبه ‪.‬‬ ‫يقول اب ن خلك ان ‪ :‬ولض ياء ال دين م ن التص انيف الدال ة عل ى غ زارة فض له؛‬ ‫كتابه الذي س ماه " المث ل الس ائر ف ي أدب الكات ب والش اعر "‪ ،‬جم ع في ه فأوع ب ‪،‬‬ ‫ولم يترك شيئًا يتعلق بفن الكتابة إال ذكره ‪ ،‬ولما فرغ من تصنيفه كتب ه الن اس عن ه‬ ‫(‪.)2‬‬ ‫وق د نق ل الي افعي ف ي " م رآة الجن ان " ك الم اب ن خلك ان‪ ،‬وأش اد بالكت اب(‪،)3‬‬ ‫وأشار السيوطي وغيره إلى شهرة الكتاب ومكانته(‪.)4‬‬ ‫وقد تهيأت لهذا الكتاب عوامل وظروف مواتي ة جعل ت من ه كتابً ا متمي ًزا ب ين‬ ‫مؤلفات ابن األثير من جهة ‪ ،‬وبين كتب األدب والنقد من جهة أخرى ‪ ،‬ن ذكر منه ا‬ ‫‪:‬‬ ‫‪ - 0‬أن ابن األثير ألف هذا الكتاب بعد أن وصل إلى قمة مجده وذروة نض جه‬ ‫األدبي ف ي أخري ات حيات ه ‪ ،‬فج اء خالص ة تجرب ة أدبي ة ونقدي ة وبالغي ة طويل ة ‪،‬‬ ‫يقول د‪ /‬محمد زغلول سالم ‪ :‬ويغل ب عل ى الظ ن أن ه آخ ر م ا أل ف اب ن األثي ر م ن‬ ‫الكتب ‪ ،‬أو ربم ا س بق كت اب االس تدراك‪ ،‬فق د ذك ر ف ي بع ض نس خه أن ه ف رغ م ن‬ ‫تأليفه يوم السبت الحادي والعشرين من شهر جمادى األولى سنة ‪822‬هـ (‪ ،)5‬وه و‬ ‫– آنذاك – في الخامسة والستين من عمره‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أنه كتب هذا الكتاب – على األرج ح – ف ي أوائ ل الق رن الس ابع الهج ري‬ ‫بعد ازدهار البحوث البيانية ونضجها ‪ ،‬واختالف مناهج البح ث‪ ،‬وتع دد اآلراء ف ي‬ ‫البيان ‪ ،‬وبروز كثير من النظريات والمؤلفات األدبية والنقدية (‪ ،)6‬وكان ابن األثير‬ ‫واس ع الثقاف ة واالط الع عل ى مص نفات م ن س بقوه‪ ،‬مم ا ك ان ل ه أث ر واض ح ف ي‬ ‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬المدل الس إ ف أيب الك يب الةا ابد‬ ‫(‪ )0‬وف ا ابا ا الةا خاك ا‬ ‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬م ل الةن ا لا فع‬

‫(‪ )3‬انظ ر ‪ :‬ةغ ررح الوا ر لاس ر وح‬

‫‪ 5‬ص ‪.390‬‬

‫ي‪ /‬ةيوي حة نح ص ‪.06‬‬

‫‪ 4‬ص ‪.98‬‬

‫‪ 2‬ص ‪ 305‬ونصرروص نقي ررح باررًلت النق ر ي الع ر ب بسرري ذن‬

‫الم توت ي‪ /‬متمي السرعيي ف اروي ص ‪ 316‬ومقيمرح المدرل السر إ بتمري التروف وةريوي حة نرح‬

‫ص‪ 07‬والصو الةي ع ح ة ا النظ ح واليحة ق ي‪ /‬تفن متمي ش ف ق‪ 0‬ص ‪.278‬‬

‫(‪ )4‬ض ل الي ا ةا ابد‬ ‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬الة ا الع ة‬

‫لمتمي زغاول سًلت ص ‪.50‬‬

‫ي‪ /‬ةيوى حة نح ص ‪.269‬‬

‫‪-042-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫عرضه ودراسته ومناقشته للقضايا النقدية التي تناولها في هذا الكتاب ‪.‬‬ ‫‪ - 4‬أن ابن األثير كان من الكتاب المعدودين في دولة األيوبيين‪ ،‬وقد هيأت له‬ ‫مكانته األدبية والسياسية أن يتصل بكبار علماء وكتاب دولة صالح ال دين األي وبي‬ ‫م ن أمث ال ‪ :‬القاض ي الفاض ل ‪ ،‬وعم اد ال دين األص فهاني‪ ،‬وغيرهم ا (‪ ،)1‬وك ان‬ ‫يعارض القاضي الفاضل في رسائله‪ ،‬فإذا أنشأ الفاضل رسالة أنشأ ابن األثير مثلها‬ ‫‪ ،‬وكانت بينهما مكاتبات (‪)2‬؛ وقد أسهم ذلك في صقل ملكته األدبية ‪ ،‬ونضوج حسه‬ ‫النقدي‪.‬‬ ‫وبنى ابن األثير هذا الكتاب على مقدمة ومقالتين ‪:‬‬ ‫أما المقدمة ‪ :‬فجاءت في أصول علم البيان الذي يتسع مفهومه عند ابن األثي ر‬ ‫ليشمل علوم البالغة الثالث ‪ :‬المعاني والبيان والبديع ‪.‬‬ ‫وأما المقالت ان ‪ :‬فتناول ت أوالهم ا الص ناعة اللفظي ة‪ ،‬وتناول ت األخ رى الص ناعة‬ ‫المعنوية‪ ،‬وفي ختامها تحدث باستفاضة عن موضوع السرقات األدبية‪.‬‬ ‫وف ي ثناي ا ذل ك كل ه يع رض اب ن األثي ر وجه ة نظ ره ف ي القض ايا األدبي ة‬ ‫والنقدية‪ ،‬وفي كثير من النص وص الت ي يعرض ها أو يحلله ا أو يناقش ها‪ ،‬مم ا جع ل‬ ‫كتاب ه أق رب إل ى النق د التطبيق ي ال ذي يمت زج في ه األدب بالنق د من ه إل ى التقعي د‬ ‫والتنظير الج اف ال ذي يعن ي بالقواع د والنظري ات أكث ر م ن عنايت ه ب النص نفس ه‪،‬‬ ‫وه و م ا جع ل م ن ه ذا الكت اب مج االً خص بًا‪ ،‬ومفتا ًح ا لكثي ر م ن الدراس ات‬ ‫والمقاربات النقدية في العصر الحديث ‪.‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )2‬ض ل الي ا ةا ابد‬

‫لمتمي زغاول سًلت ص ‪.39‬‬

‫(‪ )3‬انظ ‪ :‬وف ا ابا ا الةا خاك ا‬

‫‪ 5‬ص ‪.396‬‬

‫‪-043-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫المبحث الثاني‬ ‫نظرة ابن األثير إلى اللفظة المفردة‬ ‫أوالً ‪ :‬قيمة اللفظة المفردة عند ابن األثير‬

‫(‪)1‬‬

‫يرى ابن األثير أن صاحب الصناعة يحتاج إلى ثالثة أشياء ‪:‬‬ ‫‪ -0‬اختيار األلفاظ المفردة‪.‬‬ ‫‪ -2‬نظم كل كلمة مع أختها المشاكلة لها ‪.‬‬ ‫‪ -4‬الغ رض المقص ود م ن الك الم عل ى اخ تالف أنواع ه‪ ،‬وه و م ا يعب ر عن ه‬ ‫بالمقام ‪.‬‬ ‫فأول األسس التي ينبغي أن يقوم عليها األدب عنده إنما هو اللفظة المف ردة‪" ،‬‬ ‫وحكم ذلك حكم الآللئ المبددة ‪ ،‬فإنها تتخير وتنتقى قبل النظم " (‪.)2‬‬ ‫يقول ‪ :‬األلفاظ داخلة في حيز األصوات ‪ ،‬فما يس تلذه الس مع منه ا ويمي ل إلي ه‬ ‫ه و الحس ن‪ ،‬وم ا يكره ه وينف ر من ه ه و القب يح‪ ،‬أال ت رى أن الس مع يس تلذ ص وت‬ ‫البلبل ويميل إليه ‪ ،‬ويكره صوت الغراب وينفر منه؟ وكذلك يكره نهيق الحمار وال‬ ‫يجد ذلك في صهيل الفرس؟ واأللفاظ جاري ة ه ذا المج رى ‪ ،‬فإن ه ال خ الف ف ي أن‬ ‫لفظة " المزنة " و" الديمة " حس نة يس تلذها الس مع‪ ،‬و أن لفظ ة " البع اق " قبيح ة‬ ‫يكرهها السمع‪ ،‬وهذه األلفاظ الثالثة من صفة المطر‪ ،‬وه ي ت دل عل ى معن ى واح د‬ ‫(‪.)3‬‬ ‫وال يقف ابن األثير في نظرته إلى اللفظة المفردة عند هذا الحد‪ ،‬بل إنه لينحى‬ ‫بالالئم ة عل ى م ن ينك رون التفاض ل ب ين األلف اظ‪ ،‬ويص فهم بالجهل ة‪ ،‬فيق ول ‪ :‬وق د‬ ‫رأيت جماعة من الجهال إذا قيل ألحدهم ‪ :‬إن هذه اللفظة حسنة‪ ،‬وه ذه قبيح ة أنك ر‬ ‫ذلك ‪ ،‬وقال ‪ :‬كل األلفاظ حسن والواضع لم يضع إال حسنًا‪ ،‬ومن يبلغ جهله إلى أن‬ ‫ال يف رق ب ين لفظ ة " الغص ن " ولفظ ة "العس لوج " ‪ ،‬وب ين لفظ ة " المدام ة "‬ ‫ولفظ ة " اإلس فنط" ‪ ،‬وب ين لفظ ة "الس يف" ولفظ ة "الخنش ليل " ‪ ،‬وب ين لفظ ة "‬ ‫األس د " ولفظ ة " الف دوكس" ‪ ،‬ف ال ينبغ ي أن يخاط ب بخط اب وال يج اوب ‪ ،‬ب ل‬ ‫يُترك وشأنه‪ ،‬وما مثاله ف ي ه ذا المق ام إال كم ن يس وي ب ين ص ور ٍة زنجي ٍة س وداء‬ ‫(‪ )0‬المدل الس إ ق ‪ 0‬ص ‪.063‬‬

‫(‪ )2‬المصي الس ةق الموضا نفس ‪.‬‬ ‫(‪ )0‬المدل الس إ ق ‪ 0‬ص ‪.90‬‬

‫‪-044-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫مظلمة السواد‪ ،‬شوهاء الخَ لق‪ ،‬ذات عين محمرة ‪ ،‬وشفة غليظ ة ‪ ،‬وش عر قط ط(‪، )1‬‬ ‫وبين صورة رومية بيضاء البش رة ‪ ،‬مش ربة بحم رة ‪ ،‬ذات خ د أس يل (‪ ،)2‬وط رف‬ ‫كحيل ‪ ،‬ومبسم كأنما نظم من أقاح(‪ ،)3‬وطرة (‪ )4‬كأنها ليل على صباح‪.‬‬ ‫فإذا كان بإنسان من سقم النظر أن يسوي بين هذه الصورة وتل ك ف ال يبع د أن‬ ‫يكون من سقم النظر أن يسوي بين هذه األلفاظ وهذه (‪.)5‬‬

‫وهنا ينبغي أن نؤكد على أمور ‪:‬‬ ‫‪ - 0‬أن اهتم ام اب ن األثي ر باللفظ ة المف ردة ال ي أتي عل ى حس اب التركي ب أو‬ ‫الس ياق ‪ ،‬فاختي ار المف ردة م ا ه و إال مقدم ة لنظمه ا م ع أخته ا المش اكلة له ا ‪،‬‬ ‫ووضعها الموضع الذي يتطلبه الموقف والسياق‪.‬‬ ‫‪ - 2‬تبني كثير من النق اد المح دثين والمعاص رين رأي اب ن األثي ر ف ي نظرت ه‬ ‫الشاملة للكلمة والسياق م ًع ا (‪ ،)6‬يق ول د‪ /‬أحم د ياس وف ‪ :‬إن اختي ار اللغ ة يب دأ م ن‬ ‫اختيار المادة ثم الصيغة ‪ ،‬وهذا مبدأ ابن سنان وابن األثير‪ ،‬إذ يبدأ جم ال اللغ ة ف ي‬ ‫كتابيهم ا " س ر الفص احة " و " المث ل الس ائر" بب اب طوي ل الس رد والش رح ع ن‬ ‫جمال المفردة‪ ،‬يليه باب جمال النظم‪ ،‬وتبعهما رجال البالغة في ذلك (‪.)7‬‬ ‫فالكلمة هي اللبنة المستخدمة ف ي البن اء اللغ وي ‪ ،‬وه ي تص افح حاس ة الس مع‬ ‫قبل أن تطرق باب المشاعر ‪ ،‬وم ن هن ا ك ان االهتم ام بجم ال ص وت الكلم ة – أي‬ ‫صورتها األولى – قدي ًما قدم األدب العربي‪.‬‬ ‫وق د اه تم الش عر الح ديث اهتما ًم ا واض حًا بالموس يقى الداخلي ة المتوخ اة ف ي‬ ‫طيات الكلمات‪ ،‬واألديب البارع من يوظف تلك القيم ة الص وتية ف ي رس م المع اني‬ ‫ويشخصها للمتلقي(‪.)8‬‬ ‫ويؤكد بعض النقاد أن لجرس األلفاظ وقعًا إيجابيًا كثيرًا ما يعين الكاتب أو‬ ‫(‪ )2‬شع قحح ‪ :‬شي ي اليةعي‪.‬‬ ‫(‪ )3‬ابس ل ما الخيوي ‪ :‬الحو ل المسي سل‪.‬‬

‫(‪ )4‬أق ح ‪ :‬ةما أُقتواا واو نةا ح ب ال اإتح لون أة ض يشة ة ابسن ا ف صف إه ‪.‬‬ ‫(‪ )5‬الح ‪ :‬الن ص ح‪.‬‬

‫(‪ )0‬المدل الس إ ق ‪ 0‬ص ‪.071‬‬

‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬ةم ل ا المف ي الق لن رح ي‪ /‬أتمري سروف ص ‪ 44‬وةيل رح اإلفر اي والي ك رب فر النقري‬ ‫الع ة القي ت ي‪ /‬متمي اةي المحاب ص ‪ 84‬وم ةعيا ‪.‬‬

‫(‪ )3‬انظ ‪ :‬ةم ل ا المف ي الق لن ح ي‪ /‬أتمي سوف ص ‪.29‬‬ ‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬ةم ل ا المف ي الق لن ح ص ‪.30‬‬

‫‪-045-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬ ‫(‪)1‬‬

‫الشاعر على استنفاد إحساسه ‪ ،‬وينظر بعضهم إلى داللة الكلمة‪ ،‬فيرى أن داللة‬ ‫اللفظ ال تقل شأنًا عن إسناده ‪ ،‬يُ َعقبُ أستاذنا الدكتور‪ /‬محمد رجب البيومي على‬ ‫كالم عبد القاهر في الحديث عن قوله تعالى ‪  :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫‪ ،  ‬فيقول ‪ :‬إن اختيار لفظ ‪" :‬البلع " دون‬

‫الشرب ‪ ،‬وكلمة " أقلعي " دون امنعي ‪ ،‬وفعل "قضى" المبني للمجهول دون نفذ‬ ‫المبني للمجهول أيضًا‪ ،‬و" استوت على الجودي " دون استقرت ‪ ،‬كل ذلك مما‬ ‫يرتفع باآلية إلى اإلعجاز ‪ ،‬وهو في صميمه راجع فيما يرجع إليه إلى اللفظ دون‬ ‫اإلسناد (‪.)3‬‬ ‫ويقول د‪ /‬محمد سعيد البوطي ‪ :‬أرأيت أنه لم يقل ‪ :‬جففي ماءك مثالً ‪ ،‬مع أنه‬ ‫التعبير المتفق مع طبيعة األرض وشأنها ‪ ،‬وإنما قال ‪ :‬‬ ‫‪  ‬ليصور لك أن األرض كما‬ ‫اتجهت إليها إرادة العزيز الخبير انقلبت مسامها وشقوقها إلى أفواه فاغرة تبتلع بها‬ ‫المياه ابتالعًا‪ ،‬فهي لم تنفذ األمر بالطبيعة المألوفة لها وإنما باالنقياد ألمر خالقها‬ ‫جل جالله (‪.)4‬‬ ‫وقد نظر ابن األثير إلى المفردة على أنها جزء ال يتجزأ من النظم ‪ ،‬واعترف‬ ‫بجمال الطرفين معًا (‪ ،)5‬وأعطى كالً منهما حقه من الدراسة ‪ ،‬وهو ما تؤكده‬ ‫الدراسات الحديثة والعصرية التي تدرس النص بكل مستوياته اإلفرادية والتركيبية‬ ‫دون أن يطغى أحدهما على اآلخر (‪.)6‬‬ ‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬ف الم زاا الةي ي ي‪ /‬متمي منيو ص ‪.086‬‬ ‫(‪ )3‬سو اوي ‪ :‬اآل ح ‪.44‬‬

‫(‪ )4‬انظ ر ‪ :‬ةم ل ر ا المف ر ي الق لن ررح ي‪ /‬أتمرري سرروف ص ‪ 51‬نقررًل اررا خح رواا ف ر اليفس ر‬ ‫الة ن لايكيو ‪ /‬متمي ةب الة وم ص ‪ 225‬ح‪ /‬يا النص‬

‫الق ا‬

‫سنح ‪0970‬ت‪.‬‬

‫(‪ )0‬انظر ‪ :‬مرا واإرا القر لا ي‪ /‬متمري سرع ي الةروح ص ‪ 269‬ح‪ /‬يا الفر اة‬ ‫‪0971‬ت‪.‬‬

‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬ةم ل ا المف ي الق لن ح ي‪ /‬أتمي سوف ص ‪.54‬‬

‫يمشرق سررنح‬

‫(‪ )3‬اةررا فر ذلررك‪ :‬ةيل ررح اإلفر اي والي ك ررب لمتمرري اةرري المحاررب ص ‪ 89‬وم ر ةعرريا ص ‪ 033‬ومر‬

‫‪-046-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫ثانيًا ‪ :‬المستوى الصوتي للفظة المفردة عند ابن األثير‪:‬‬ ‫اهتم النقاد القدماء بأساسين صوتيين ‪ :‬أحدهما يتصل بالمخرج ‪ ،‬واآلخر‬ ‫يتصل بعدد حروف الكلمة ‪ ،‬أي أن أحدهما يتصل بالكيف واآلخر يتصل بالكم‬ ‫الصوتي المنطوق (‪.)1‬‬

‫أ – التالؤم الصوتي ‪:‬‬ ‫أما الجانب األول الذي يتصل بمخارج الحروف ‪ ،‬فقد عبروا عنه بالتالؤم ‪،‬‬ ‫وهو تعديل الحروف في التأليف ‪ ،‬ويظهر ذلك بسهولة األلفاظ على اللسان ‪،‬‬ ‫وحسنها في األسماع ‪ ،‬وتقبلها في الطباع (‪.)2‬‬ ‫فإن لم تكن األلفاظ على هذه الصفة دخلت في باب التنافر ‪ ،‬غير أنهم اختلفوا‬ ‫في الجهة التي يأتي منها التنافر إلى اللفظة المفردة أو األلفاظ المركبة ‪،‬‬ ‫"فالرماني" ينقل عن الخليل بن أحمد أن مرد هذا التنافر هو البعد الشديد أو القرب‬ ‫الشديد لمخارج الحروف ‪ " ،‬وذلك أنه إذا بعد البعد الشديد كان بمنزلة الطفر ‪،‬‬ ‫وإذا قرب القرب الشديد كان بمنزلة مشي المقيد‪ ،‬ألنه بمنزلة رفع اللسان ورده إلى‬ ‫مكانه‪ ،‬وكالهما صعب على اللسان ‪ ،‬والسهولة من ذلك في االعتدال " (‪.)3‬‬ ‫ثم جاء ابن سنان الخفاجي فاشترط في اللفظة أن تكون مؤلفة من حروف‬ ‫متباعدة المخارج ‪ ،‬وعلة ذلك عنده " هي أن الحروف التي هي أصوات تجري‬ ‫من السمع مجرى األلوان من البصر‪ ،‬وال شك في أن األلوان المتباينة إذا جمعت‬ ‫كانت في المنظر أحسن من األلوان المتقاربة‪ ،‬ولهذا كان البياض مع السواد أحسن‬ ‫منه مع الصفرة ‪ ،‬لقرب ما بينه وبين األصفر ‪ ،‬وبعد ما بينه وبين األسود " (‪.)4‬‬ ‫ثم جاء ابن األثير فاحتكم في ذلك إلى الذوق السليم ‪ ،‬فهو يرى أن حاسة‬ ‫السمع هي الحاكمة في هذا المقام بحسن ما يحسن من األلفاظ ‪ ،‬وقبح ما يقبح‪ ،‬وأن‬ ‫قاعدة ابن سنان في اعتماد تباعد المخارج شرطًا من شروط فصاحة الكلمة قد شذ‬ ‫عنها شواذ كثيرة‪ ،‬ألنه قد يجيء في المتقارب المخارج ما هو حسن رائق‪ ،‬وقد‬ ‫ةعيا‬

‫والةًلغح ابساوة ح لامؤلف نفس ص ‪ 315‬وم ةعريا‬

‫وياللرح السر ق ص ‪215 213‬‬

‫وابساوة ح ودًلد ح اليواإ الةًلغ ح ي‪ /‬اةي الق ي اةي الةا ل ص ‪ 200‬وم ةعريا‬

‫صف ل لانش واليوز ا ام ا اب يا سنح ‪0422‬ار‪2112/‬ت‪.‬‬

‫نشر يا‬

‫(‪ )4‬انظ ‪ :‬ةيل ح اإلف اي والي ك ب لمتمي اةي المحاب ص ‪.89‬‬ ‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬النكا ف إاة ز الق لا لا م ن ص ‪.96-94‬‬ ‫(‪ )2‬الم ةا الس ةق ص ‪.96‬‬ ‫(‪ )3‬سر الفصر تح الةررا سررن ا الخفر ة ص ‪ 64‬ح‪ /‬يا الكيررب العام ررح ة ر وا سررنح ‪0412‬اررر‪/‬‬ ‫‪0982‬ت‪.‬‬

‫‪-047-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬ ‫(‪)1‬‬

‫يأتي من المتباعد المخارج شيء قبيح ‪.‬‬ ‫يقول ‪ :‬أال ترى أن الجيم والشين والياء مخارج متقاربة ‪ ،‬وهي من وسط‬ ‫اللسان بينه وبين الحنك‪ ،‬وتسمى ثالثتها " الشجرية " ‪ ،‬وإذا تركب منها شيء من‬ ‫األلفاظ جاء حسنًا رائقًا ‪ ،‬فإن قيل ‪ " :‬جيش " كانت لفظة محمودة ‪ ،‬أو قدمت‬ ‫الشين على الجيم فقيل‪ " :‬شجي " كانت أيضًأ لفظة محمودة ‪ ،‬ومما هو أقرب‬ ‫مخرجًا من ذلك الباء والميم والفاء وثالثتها من الشفة ‪ ،‬وتسمى " الشفهية " ‪ ،‬فإذا‬ ‫نظم منها شيء من األلفاظ كان جميالً حسنًا‪ ،‬كقولنا ‪ " :‬فم " فهذه اللفظة من‬ ‫حرفين هما ‪ :‬الفاء والميم ‪ ،‬وكقولنا ‪ :‬ذقته " بفمي " ‪ ،‬وهذه اللفظة مؤلفة من‬ ‫ال عيب فيه ‪.‬‬ ‫الثالثة بجملتها ‪ ،‬وكالهما حسن‬ ‫وقد يكون القبح مع التباعد‪ ،‬فمن ذلك أنه يقال ‪ " :‬ملع " إذا عدا ‪ ،‬فالميم من‬ ‫الشفة ‪ ،‬والعين من حروف الحلق‪ ،‬والالم من وسط اللسان ‪ ،‬وكل ذلك متباعد‪،‬‬ ‫ومع هذا فإن هذه اللفظة مكروهة في االستعمال ينبو عنها الذوق السليم ‪ ،‬وال‬ ‫يستعملها من عنده معرفة بفن الفصاحة‪.‬‬ ‫وهنا نكتة غريبة ‪ ،‬وهو أنا إذا عكسنا حروف هذه اللفظة صارت "علم"‬ ‫وعند ذلك تكون حسنة ال مزيد على حسنها ‪.‬‬ ‫وما ندري كيف صار القبح حسنًا ‪ ،‬ألنه لم يتغير من مخارجها شيء ‪ ،‬وذلك‬ ‫أن الالم لم تزل وسطًا‪ ،‬والميم والعين يكتنفانها من جانبيها ‪ ،‬ولو كانت مخارج‬ ‫الحروف معتبرة في الحسن والقبح لما تغيرت هذه اللفظة في " ملع " و " علم "‬ ‫(‪.)2‬‬ ‫وما ذهب إليه ابن األثير من االعتماد على الذوق تابعه فيه العلوي في كتابه‬ ‫" الطراز " ‪ ،‬فأكد أن التنافر ال يرجع إلى تقارب مخارج الحروف أو تباعدها كما‬ ‫زعم ابن سنان وغيره ‪ ،‬إنما مرجعه هو الذوق السليم والطبع المستقيم‪ ،‬ونقل أكثر‬ ‫كالم ابن األثير في ذلك (‪.)3‬‬ ‫ثم جاء الشيخ عبد المتعال الصعيدي فتابع العلوي في االنتصار البن األثير‬ ‫والرد على ابن سنان‪ ،‬لكنه لم يطلق العنان للذوق ‪ ،‬فدعا إلى اإلفادة من ضوابط‬ ‫علم اللغة واالستئناس بها لتكون معيارًا واضحًا أمام الذوق السليم‪ ،‬يقول ‪ :‬ذهب‬ ‫ابن األثير إلى أن المعول في ذلك على الذوق الصحيح‪ ،‬فما يعده ثقيالً عسر النطق‬ ‫(‪ )0‬المدل الس إ ق‪ 0‬ص ‪.074 073‬‬ ‫(‪ )0‬المدل الس إ ق‪ 0‬ص ‪.074 073‬‬

‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬الح از الميضما بس ا الةًلغح وااوت تق إق اإلاة ز ل ت‬

‫‪-048-‬‬

‫ةا تمز العاوي ص ‪.54‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫فهو متنافر‪ ،‬سواء أكان ذلك من قرب مخارج الحروف أم من بعدها أم من‬ ‫غيرهما‪ ،‬وذكر ابن سنان أن قرب المخارج يكون سببًا في قبح اللفظ ‪ ،‬وبعدها‬ ‫يكون سببًا في حسنه‪ ،‬وذلك غير صحيح ‪ ،‬ألن الكلمتين قد تتركبان من حروف‬ ‫واحدة وتكون إحداهما ثقيلة دون األخرى‪ ،‬ومع ذلك ال يمكن إنكار ما لمخارج‬ ‫الحروف وصفاتها وهيئة تأليفها من األثر في خفة الكلمة وثقلها (‪ ،)1‬وإن كان‬ ‫المرجع في النهاية إلى حكم الذوق السليم‪.‬‬ ‫ومع وجاهة ما ذهب إليه ابن األثير فإننا ينبغي أن ننظر بعين االعتبار إلى‬ ‫رأي ابن سنان وقواعده العلمية‪ ،‬وأن نجعل منها معيارًا إرشاديًا أمام الذوق‪ ،‬وإن‬ ‫كنا ال نفرض هذا المعيار على الذوق‪ ،‬وهو ما يؤكده أحد الباحثين المعاصرين‬ ‫بقوله‪ :‬إن النقد الحديث يعترف بشكل جزئي بنظرة ابن سنان ‪ ،‬إال أنه يقدم مقياس‬ ‫الذوق السمعي كما هو الحال عند ابن األثير (‪.)2‬‬

‫ب ‪ -‬الكم الصوتي ‪:‬‬ ‫وهو ما يتصل بعدد حروف الكلمة ‪ ،‬فقد تعقب ابن األثير ابن سنان فيما‬ ‫اشترطه لفصاحة الكلمة من أن تكون معتدلة غير كثيرة الحروف‪ ،‬وأن طول‬ ‫الكلمة قد يكون أحد أسباب قبحها وتنافرها‪ ،‬ككلمة " سويداواتها " في قول المتنبي‬ ‫(‪:)3‬‬ ‫إن الكـرام بال كـرام منـهم مثل القلوب بال س َُويداواتها‬ ‫يقول ابن األثير ‪ :‬وليس األمر كما ذكر ابن سنان ‪ ،‬فإن قبح اللفظة لم يكن‬ ‫بسبب طولها‪ ،‬وإنما هو ألنها في نفسها قبيحة ‪ ،‬وقد كانت وهي مفردة حسنة‪ ،‬فلما‬ ‫جمعت قبحت ‪ ،‬ال بسبب الطول‪.‬‬ ‫والدليل على ذلك أنه قد ورد في القرآن الكريم ألفاظ طوال‪ ،‬وهي مع ذلك‬ ‫حسنة رائقة‪ ،‬كقوله تعالى‪  :‬‬ ‫‪‬‬ ‫سبحانه‪:‬‬ ‫وقوله‬ ‫‪،)4(‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪ ،)5( ‬ولو كان الطول مما يوجب قبحًا لقبحت هاتان اللفظتان ‪ ،‬في حين أنك تجد‬ ‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬ةغ ح اإل ض ح لياخ ص المفي ح ف ااوت الةًلغح‬

‫‪ 0‬ص‪.02‬‬

‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬ةم ل ا المف ي الق لن ح ي‪ /‬أتمي سوف ص ‪.079 078‬‬ ‫(‪ )3‬انظ ‪ :‬س الفص تح الةا سن ا ص ‪.88‬‬ ‫(‪ )0‬سو الةق ‪ :‬اآل ح ‪.037‬‬ ‫(‪ )2‬سو النو ‪ :‬اآل ح ‪.55‬‬

‫‪-049-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫كلمة " صهصلق " وكلمة "جحمرش" ثقيلتين قبيحتين‪ ،‬وكان ينبغي على ما ذكره‬ ‫ابن سنان أن تكون هاتان اللفظتان حسنتين لقصرهما واللفظتان الواردتان في‬ ‫القرآن الكريم قبيحتين لطولهما ‪ ،‬وأنت ترى األمر بالضد مما ذكره (‪.)1‬‬ ‫فليست العبرة بطول الكلمة أو قصرها‪ ،‬وإنما بنظم تأليف الحروف بعضها‬ ‫مع بعض ‪ ،‬فيجب تجنب األلفاظ المؤلفة من حروف يثقل النطق بها سواء كانت‬ ‫طويلة أم قصيرة ‪ ،‬ومثال ذلك قول امرئ القيس‪:‬‬ ‫غدائره مستشزرات إلى العال تضل المداري في مثنى ومرسل فلفظة‬ ‫"مستشزرات" مما يقبح استعمالها‪ ،‬ألنها تثقل على اللسان‪ ،‬ويشق النطق بها‪،‬‬ ‫واألمر ليس متعلقًا بطولها‪ ،‬ألننا لو قلنا‪ " :‬مستنكرات" أو "مستنفرات" لما كان‬ ‫في هاتين اللفظتين ثقل وال كراهة‪ ،‬وهما في وزنها وعدد حروفها‪.‬‬ ‫وليس األمر كذلك فحسب‪ ،‬فإنا لو حذفنا منها األلف والتاء‪ ،‬وقلنا ‪:‬‬ ‫"مستشزر" ‪ ،‬لكان ذلك ثقيالً ‪ ،‬وسببه أن الشين قبلها تاء وبعدها زاي‪ ،‬فثقل النطق‬ ‫بها‪ ،‬وإال فلو جعلنا عوضًا من الزاي راء ‪ ،‬ومن الراء فاء‪ ،‬فقلنا‪:‬‬ ‫"مستشرق" لزال ذلك الثقل(‪.)2‬‬ ‫وما ذهب إليه ابن األثير في هذا الشأن يؤيده كثير من النقاد المحدثين‪ ،‬حيث‬ ‫يقرر بعضهم أن العبرة ليست في كثرة الحروف‪ ،‬بل في نوعية هذه الحروف (‪،)3‬‬ ‫ويؤكد بعضهم أن الطول – في حد ذاته –ال يستوجب ثقالً‪ ،‬بدليل مجيء كثير من‬ ‫األلفاظ الكثيرة الحروف في النماذج األدبية الجيدة‪ ،‬بل مجيئها في القرآن الكريم‬ ‫أيضًا‪ ،‬وال نستشعر في بنيتها ثقالً(‪.)4‬‬ ‫وإنى ألميل إلى ما ذهب إليه ابن األثير من أن األمر مرده في النهاية إلى‬ ‫الذوق السليم‪ ،‬وأن الطول وحده ليس مدعاة للقبح أو الثقل ‪ ،‬غير أنني أؤكد أن‬ ‫طول الكلمة يمكن أن يكون مؤشرًا أمام الذوق ينبغي النظر إليه بعين االعتبار عند‬ ‫دراسة فصاحة الكلمة‪.‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬المستوى الداللي للفظة المفردة عند ابن األثير ‪.‬‬

‫ويتصل هذا المستوى بق درة المب دع عل ى انتق اء واختي ار ألفاظ ه عل ى أس اس‬ ‫داللتها التي تمتد عند التركي ب إل ى غيره ا م ن ال دالالت ؛ لتص نع اإلط ار ال داللي‬ ‫(‪ )3‬المدل الس إ ق‪ 0‬ص ‪.215 214‬‬ ‫(‪ )0‬المدل الس إ ق‪ 0‬ص ‪.217 216‬‬

‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬ةم ل ا المف ي الق لن ح ي‪ /‬أتمي سوف‪.089‬‬

‫(‪ )3‬انظ ‪ :‬ةيل ح اإلف اي والي ك ب لمتمي اةي المحاب ص ‪.97‬‬

‫‪-051-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫المركب (‪ ،)1‬فالنظرة إلى المفردة هنا ال تكون من جهة بنيتها الص وتية‪ ،‬إنم ا تك ون‬ ‫من جهة ما تحمله من داللة أو دالالت‪.‬‬ ‫وق د ح اول النق اد الق دامى رص د بع ض الجوان ب الت ي تتص ل بالبع د ال داللي‬ ‫للكلمة‪ ،‬فاشترطوا أال تكون الكلمة وحشية‪ ،‬وأال تكون عامية مبتذلة‪ ،‬ونظر بعضهم‬ ‫إل ى تطوره ا ال داللي بع ين االعتب ار ‪ ،‬وك ان الب ن األثي ر رؤي ة واض حة ف ي ه ذه‬ ‫الجوانب ‪.‬‬

‫رأي ابن األثير في الوحشي ‪:‬‬ ‫يقول ‪ :‬وقد خفي الوحشي على جماعة من المنتمين إلى صناعة النظم والنثر‪،‬‬ ‫وظن وه المس تقبح م ن األلف اظ‪ ،‬ول يس ك ذلك‪ ،‬ب ل الوحش ي ينقس م قس مين‪ :‬أح دهما‬ ‫غريب حسن ‪ ،‬واآلخر غريب قبيح‪.‬‬ ‫وذلك أنه منسوب إلى اسم ال وحش ال ذي يس كن القف ار ول يس ب أنيس ‪ ،‬وك ذلك‬ ‫األلفاظ التي لم تكن مأنوسة االستعمال‪ ،‬وليس من شرط الوحشي أن يكون مستقبحًا‬ ‫‪ ،‬بل أن يكون نافرًا ال يألف اإلنس ‪ ،‬فتارة يكون حسنًا‪ ،‬وتارة يكون قبيحًا (‪.)2‬‬ ‫وقسم ابن األثير اللفظ ثالثة أقسام (‪:)3‬‬ ‫‪ - 0‬م ا ت داول اس تعماله األول واآلخ ر‪ ،‬وه ذا ه و الم ألوف المت داول‪ ،‬وه و‬ ‫أحسن األلفاظ ؛ ألنه لم يكن مألوفًا متداوالً إال لمكان حسنه‪ ،‬وهذا ال ينعت بوحش ية‬ ‫أو حوشية‪.‬‬ ‫‪ - 2‬ما تداول استعماله األول دون اآلخر‪ ،‬ويختلف ف ي اس تعماله بالنس بة إل ى‬ ‫الزمن وأه له‪ ،‬وهذا هو الذي ال يع اب اس تعماله عن د الع رب األوائ ل؛ ألن ه ل م يك ن‬ ‫عندهم وحشيًا‪ ،‬وهو عندنا وحشي‪.‬‬ ‫‪ - 4‬ما يقل استعماله‪ ،‬ويكون ثقيالً على السمع‪ ،‬كريهًا على الذوق ‪ ،‬ويسمى "‬ ‫ض ا " المت وعر " ‪ ،‬ول يس وراءه ف ي الق بح درج ة‬ ‫الوحش ي الغل يظ" ‪ ،‬ويس مى أي ً‬ ‫أخرى‪ ،‬وال يستعمله إال أجهل الناس ممن لم يخطر بباله شيء من معرفة ه ذا الف ن‬ ‫أصالً‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫ومن هذا " الوحشي الغليظ " قول تأبط شرًا ‪:‬‬ ‫َ (‪)5‬‬ ‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫ى‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫عر‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫يَظَـل بَ َمـو َمـاة ويُمسـى بغَيـره‬ ‫هو َر ال َمهالكَ‬ ‫َج َحي ًشا َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫(‪ )4‬انظ ‪ :‬ةيل ح اإلف اي والي ك ب ص ‪.010‬‬ ‫(‪ )0‬المدل الس إ ق ‪ 0‬ص ‪.076 075‬‬

‫(‪ )2‬المصي الس ةق ق‪ 0‬ص ‪.081-076‬‬ ‫(‪ )0‬المدل الس إ ق ‪ 0‬ص ‪.080‬‬ ‫(‪ )2‬الموم ‪ :‬المف ز الي ال م ل ف ه والةت ب ‪ :‬المنف ي‬

‫‪-050-‬‬

‫ع و ى‪ :‬يكب المه لك والمعن أنر‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫فإن لفظة " جحيش " من األلفاظ المنكرة القبيح ة‪ ،‬وه ي بمعن ى فري د‪ ،‬وفري د‬ ‫لفظة حسنة رائقة‪ ،‬ولو وضعت في هذا البيت موض ع " جح يش " لم ا اخت ل ش يء‬ ‫من وزنه‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫وأغلظ من هذا قول المتنبي ‪:‬‬ ‫َجفَخَت – وهم ال يجفخون بها – بهم‬ ‫(‪)2‬‬ ‫َ‬ ‫شيـــم على الحســب األ َغــرِّ دالئــ ُل‬ ‫فإن لفظة " جفخ " مرة الطعم ‪ ،‬وإذا مرت على السمع اقشعر منها‪ ،‬ومعناها‪،‬‬ ‫فخ رت ‪ ،‬يق ال ‪ :‬جف خ ف الن إذا فخ ر‪ ،‬ول و اس تعمل أب و الطي ب "فخ رت" مك ان "‬ ‫جفخت" الستقام وزن البيت ‪ ،‬وحظي في استعماله باألحسن (‪.)3‬‬ ‫فق د راع ى اب ن األثي ر ف ي نظرت ه إل ى الغري ب ثالث ة أم ور له ا اعتباره ا ف ي‬ ‫ميدان النقد األدبي‪ ،‬هي ‪:‬‬

‫‪ - 0‬النسبية الزمانية‪:‬‬ ‫وذلك في حديثه عن القسم الثاني من األلفاظ ‪ ،‬وهو م ا ت داول اس تعماله األول‬ ‫دون اآلخر‪ ،‬ويختلف في استعماله بالنسبة إلى الزمن وأهله‪ ،‬فإنه لم يكن غريبًا وال‬ ‫وحشيًا عندهم‪ ،‬وإنما صار غريبًا وحش يًا عن دنا ؛ لبع د زمانن ا ع ن زم انهم‪ ،‬وألث ر‬ ‫التحضر في انتقاء اللغة‪ ،‬واختيار األلفاظ‪ ،‬واندثار الغريب الوحشي منها(‪.)4‬‬ ‫وهذا الملمح قد تنبه إليه النقاد القدماء وتابعهم فيه كثي ر م ن النق اد المح دثين ‪،‬‬ ‫يق ول القاض ي الجرج اني‪ :‬فلم ا ض رب اإلس الم بجران ه واتس عت ممال ك الع رب‪،‬‬ ‫ونزعت البوادي إلى القرى‪ ،‬وفشا التأدب والتظرف؛ اختار الناس م ن الك الم ألين ه‬ ‫وأسهله‪ ،‬وعمدوا إلى كل شيء ذي أسماء كثيرة فاقتصروا عل ى أسلس ها وأش رفها‪،‬‬ ‫فإذا رام أحد المتأخرين اإلغ راب واالقت داء بم ن مض ى م ن الق دماء ل م ي تمكن م ن‬ ‫بع ض م ا يري د إال بأش د تكل ف ‪ ،‬وأت م تص نع‪ ،‬وم ع التكل ف المق ت‪ ،‬ولل نفس م ع‬ ‫التصنع نفرة‪ ،‬وفي مفارقة الطب ع قل ة الح الوة‪ ،‬وذه اب الرون ق‪ ،‬وإخ الق الديباج ة‬ ‫(‪.)5‬‬ ‫كد الةوالا ف اب ض خ ح ةنفس لشي ة أي وتم سي ‪.‬‬ ‫(‪ )3‬المدل الس إ ق ‪00‬ص‪.082‬‬ ‫(‪ )4‬ةفخا ‪ :‬فخ ا ويكة ا‪.‬‬ ‫(‪ )0‬المدل الس إ ق ‪ 0‬ص ‪.082‬‬

‫(‪ )2‬المصي الس ةق ق‪ 0‬ص ‪.076‬‬ ‫(‪ )0‬الوس حح لاق ض الة ة ن ص ‪ 09 08‬ةيص ف س ‪.‬‬

‫‪-052-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫ويقول ابن رشيق ‪ :‬ونجد الشعراء الح ذاق تقاب ل ك ل زم ان بم ا اس تجيد في ه ‪،‬‬ ‫وكثر استعماله عند أهله(‪ ،)1‬وينقل عن أبى محمد الحسن ابن علي ب ن وكي ع قول ه ‪:‬‬ ‫ولو س لك المت أخرون مس لك المتق دمين ف ي غلب ة الغري ب عل ى أش عارهم ووص ف‬ ‫المهامه والقفار‪ ،‬وذكر الوحوش والحشرات ‪ ..‬ما رويت (‪.)2‬‬ ‫وق د أك د بع ض النق اد المح دثين عل ى ض رورة النظ ر إل ى زم ن ال نص بع ين‬ ‫االعتب ار‪ ،‬والحك م علي ه ف ي إط ار عص ره وبيئت ه (‪ ،)3‬وجع ل بعض هم الزم ان أح د‬ ‫ق وانين األدب الثالث ة الت ي تحك م عملي ة اإلب داع ‪ ،‬وه ي الزم ان‪ ،‬والمك ان ‪،‬‬ ‫والجنس(‪.)4‬‬

‫‪ - 2‬النسبية المكانية ‪:‬‬ ‫فالغريب كم ا يختل ف ب اختالف الزم ان يختل ف ب اختالف المك ان‪ ،‬فالب دوي ال‬ ‫يالم على استعمال الغريب الحسن م ن األلف اظ‪ ،‬وإنم ا ي الم عل ى اس تعمال الغري ب‬ ‫القبيح‪ ،‬وأما الحضري فإنه يالم على استعمال القسمين معًا‪ ،‬وه و ف ي أح دهما أش د‬ ‫مالمة من اآلخر (‪.)5‬‬ ‫وقد تأثر ابن األثير في تفرقته ب ين الب دوي والحض ري ف ي اس تخدام الوحش ي‬ ‫م ن األلف اظ بق ول الج احظ‪ :‬ال ينبغ ي أن يك ون الك الم غريبً ا وحش يًا إال أن يك ون‬ ‫المتكلم به بدويًا أعرابيًا‪ ،‬فإن الوحشي من الكالم يفهمه الوحشي من الناس(‪.)6‬‬ ‫غير أن ابن األثير ال يطلق القول بقبول ه ذا الوحش ي م ن الب دوي‪ ،‬إنم ا يقب ل‬ ‫منه استخدام الوحشي الحسن دون الوحشي الغليظ أو المتوعر‪.‬‬ ‫وقد نظر كثير من النقاد المحدثين إلى البيئة المكانية بعين االعتبار فأك دوا أن‬ ‫األدي ب ي رتبط بمكان ه وزمان ه ارتباطً ا يف رض علي ه – أراد أم ل م ي رد‪ -‬اللص وق‬ ‫النفس ي بهم ا‪ ،‬ويجعل ه إذا انفص ل عنهم ا أو انح از إل ى غيرهم ا غريبً ا ل دى نفس ه‬

‫(‪ )2‬العمي الةا ش ق‬ ‫(‪ )3‬المصي الس ةق‬

‫‪ 0‬ص ‪.93‬‬

‫‪ 0‬ص ‪.92‬‬

‫(‪ )4‬نصوص نقي رح بارًلت النقر ي العر ب بسري ذن الم تروت ي‪ /‬متمري السرعيي ف اروي ص‪ 35‬وكي ةر ‪:‬‬ ‫المذااب النقي ح ة ا النظ ح واليحة ق ص ‪ 3‬ح‪ /‬المؤلف سنح ‪0392‬ار‪0973 /‬ت‪.‬‬

‫(‪ )5‬انظ ‪ :‬ف النقي ابية ي‪ /‬شوق ض ف ص ‪ 38‬ح‪ /‬يا المع ف سنح ‪0988‬ت‪.‬‬ ‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬المدل الس إ ق ‪ 0‬ص ‪.097 082‬‬ ‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬الة ا والية ا‬

‫‪ 0‬ص ‪.044‬‬

‫‪-053-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬ ‫(‪)1‬‬

‫وغريبًا عند من يتذوق شعره ‪.‬‬ ‫ومن ثمة فعلى الناقد أن يدخل األوض اع الزماني ة والمكاني ة ف ي اعتب اره عن د‬ ‫الحكم على النص (‪.)2‬‬

‫‪ - 3‬حسن اللفظة أو قبحها‪:‬‬ ‫لم يقتصر ابن األثير عل ى مراع اة البع دين الزم اني والمك اني‪ ،‬وإنم ا أض اف‬ ‫إليهما بع دًا ً‬ ‫أو ثقله ا‪،‬‬ ‫هام ا وه و حس ن اللفظ ة أو قبحه ا ب النظر إل ى خفته ا‬ ‫واعتد في ذلك بالذوق السليم‪.‬‬ ‫وقد دعا ابن األثير الناظم إلى تجنب الحروف التي يضيق بها الكالم ف ي بن اء‬ ‫قوافيه كـ " الثاء والذال والخ اء والش ين والص اد والط اء والظ اء والغ ين " ‪ ،‬حي ث‬ ‫يضطره ذلك إلى اإلتيان بالبشع الكري ه ال ذي يمج ه الس مع‪ ،‬كم ا فع ل أب و تم ام ف ي‬ ‫قصيدته الثائية التي مطلعها (‪.)3‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫ُّ‬ ‫أم َست حبال قَطينهن رثاثا‬ ‫بالطلول الدار َسات ُعالثا‬ ‫قف‬ ‫ً‬ ‫ق ال اب ن المس توفي ‪ :‬وكي ف روي ت لفظ ة عالث ا فه ي رديئ ة ‪ ،‬ول و أن عالث ة‬ ‫غالمه على الحقيقة لوجب عليه تجنب هذه اللفظة وإطراحها لغرابتها(‪.)5‬‬ ‫ومنه شينية المتنبي التي مطلعها (‪:)6‬‬ ‫شاي حاش‬ ‫مبيتي من د َمشق على فراش‬ ‫َحشاهُ لي ب َحر َح َ‬ ‫(‪)7‬‬ ‫َوهَم كال ُح َميا في ال ُمشاش‬ ‫يـل كعين الظَبــــى لَونًا‬ ‫لَقى لَ ٍ‬ ‫وقد راجعت قصيدتي أب ي تم ام والمتنب ي الم ذكورتين وغيرهم ا م ن القص ائد‬ ‫التي تبنى على هذه الحروف ‪ ،‬فرأيت أنه ا كثي رًا م ا تض طر الش اعر إل ى اس تخدام‬ ‫(‪ )3‬انظ ‪ :‬نصوص نقي ح باًلت النق ي الع ب بسي ذن الم توت ي‪ /‬متمي السعيي ف اوي ص ‪.35‬‬ ‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬اية ار ا النقرري ابيةر الع ةر‬

‫أ‪ .‬ي‪ /‬متمرري السررعيي ف ارروي ص ‪ 099‬ح‪ /‬يا الحة اررح‬

‫المتمي ح سنح ‪0411‬ار‪0981 /‬ت وف النقي ابية‬

‫ي‪ /‬شوق ض ف ص ‪.35‬‬

‫(‪ )0‬المدرررل السررر إ ق‪ 0‬ص ‪ 095‬والقصررر ي فررر ي رررواا أةررر يمررر ت‬

‫‪ 0‬ص ‪ 300‬شررر ح الخح رررب‬

‫الية زي يتق ق‪ :‬متمي اةيا ازات ح‪ /‬يا المع ف سنح‪0976‬ت‪.‬‬

‫(‪ )2‬اًلد ‪ :‬ي خ ت اًلدح والقح ا ‪ :‬أال اليا‬

‫ال د‬

‫(‪ )3‬انظ ‪ :‬ي واا أة يم ت ش ح الخح ب الية زي‬

‫‪ :‬ةما‬

‫واو الخاق الة ل ‪.‬‬

‫‪ 0‬ص ‪ ( 302‬ا مب الصفتح )‪.‬‬

‫(‪ )4‬ي رواا أة ر الح ررب المينة ر ص ‪ 228‬يتق ررق‪ :‬متمرري اةرريا ا رزات ح‪ /‬اله إررح الع مررح لقصررو‬ ‫الدق فح سنح ‪0995‬ت‪.‬‬

‫(‪ )5‬الاق ‪ :‬او ال ةل الزما الذي ال ت اك ة ‪.‬‬

‫‪-054-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫ألفاظ مستكرهة ‪ ،‬كقول أبي تمام في ثائيته (‪:)1‬‬ ‫ُ‬ ‫ندوحة‬ ‫لوال اعتما ُدكَ‬ ‫كنت ذا َم َ‬ ‫(‪)2‬‬ ‫عـــن بَرقَعيــــــ َد وأرض باعيناثا‬ ‫وقوله في قصيدة جيمية (‪:)3‬‬ ‫ما َسر قو َمكَ أن تَبقى لَهُم أبَدًا‬ ‫َ (‪)4‬‬ ‫َيركَ كانَ استنزَ َل ال َكذ َجا‬ ‫وأن غ َ‬ ‫فما اضطر أبا تم ام إل ى اج تالب ه ذه األلف اظ إال اعتم اده َرويً ا م ن الح روف‬ ‫التي يضيق بها الكالم في بناء القوافي ‪ ،‬وبخاصة في القصائد الطوال‪.‬‬

‫نظرته إلى المبتذل من األلفاظ‪:‬‬ ‫يشترط ابن األثير لفصاحة الكلمة أال تكون مبتذلة بين العامة‪ ،‬ويقس م المبت ذل‬ ‫قسمين (‪:)5‬‬ ‫القسم األول ‪ :‬ما كان من األلفاظ داالً على معنى وضع ل ه ف ي أص ل اللغ ة‪،‬‬ ‫فغيرته العامة وجعلته داالً على معنى آخر‪ ،‬وهو ضربان ‪:‬‬ ‫الضرب األول ‪ :‬ما يكره ذكره ‪ ،‬كقول أبى الطيب ‪:‬‬ ‫أذاق الغَواني حُسنُهُ ما أَ َذقنني‬ ‫وعَف فجازاهُن عني َعلَى الصرم‬ ‫فإن معنى لفظة " الصرم " في وضع اللغة هو " القطع " ‪ ،‬يقال ‪ :‬صرمه إذا‬ ‫قطع ه‪ ،‬فغيرته ا العام ة وجعلته ا دال ة عل ى المح ل المخص وص م ن الحي وان دون‬ ‫غيره‪.‬‬ ‫وم ن أج ل ذل ك اس تكره اس تعمال ه ذه اللفظ ة وم ا ج رى مجراه ا‪ ،‬عل ى أن‬ ‫المكروه هنا هو استخدام هذه اللفظة على صيغة االسمية كما جاءت في البي ت‪ ،‬أم ا‬ ‫و"ص رمته" فإنه ا ال تك ون‬ ‫إذا استخدمت على صيغة الفعل كقولنا‪" :‬صرمه"‬ ‫كريهة ؛ ألن استعمال العامة ال يدخل في ذلك (‪.)6‬‬ ‫الضرب الثاني ‪ :‬هو ما وضع في أصل اللغة لمعنى فجعلته العامة داالً عل ى‬ ‫(‪ )0‬ي وان‬

‫‪ 0‬ص ‪.320‬‬

‫(‪ )2‬ة قع ي وة ا ن‬ ‫(‪ )3‬ي وان‬

‫‪ :‬موضع ا ة لةز ‪.‬‬

‫‪ 0‬ص ‪.331‬‬

‫(‪ )4‬الكذ ‪ :‬است تصا ةأذ ة ة ا انظ ‪ :‬معةت الةاياا ل قوا‬ ‫(‪ )5‬المدل الس إ ق‪ 0‬ص ‪.210-096‬‬ ‫(‪ )0‬المدل الس إ ق ‪ 0‬ص ‪.097‬‬

‫‪-055-‬‬

‫‪ 4‬ص ‪.442‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫غيره‪ ،‬إال أنه ليس بمستقبح وال مستكره‪ ،‬كوصفهم اإلنسان ب الظرف إذا ك ان دم ث‬ ‫األخالق‪ ،‬حسن الصورة أو اللباس‪ ،‬أو ما هذا سبيله‪.‬‬ ‫والظرف في أصل اللغة مختص بالنطق‪ ،‬وقد قيل في ص فات خل ق اإلنس ان ‪:‬‬ ‫الص باحة ف ي الوج ه‪ ،‬والوض اءة ف ي البش رة‪ ،‬والرش اقة ف ي الق د ‪ ،‬والظ رف ف ي‬ ‫اللسان‪.‬‬ ‫والخطأ في ذلك ال يوجب في اللفظة قبحًا ‪ ،‬لكنه ينم عن جه ل بمعرف ة أص لها‬ ‫في وضع اللغة (‪.)1‬‬ ‫القسم الثاني ‪ :‬ما ابتذلته العامة بكثرة تداوله‪ ،‬لكنها لم تغيره عن أصل وضعه‪.‬‬ ‫يقول ‪ :‬وفي هذا القسم عندي نظر؛ ألنه إن ك ان عب ارة عم ا يكث ر تداول ه ب ين‬ ‫العامة فإن من الكثير المتداول بينهم ألفاظًا فصيحة كـ " السماء‪ ،‬واألرض ‪ ،‬والماء‬ ‫‪ ،‬والن ار ‪ ،‬والحج ر ‪ ،‬والط ين ‪ ،‬وأش باه ذل ك " ‪ ،‬وق د نط ق به ا الق رآن الك ريم ف ي‬ ‫مواضع كثيرة ‪ ،‬وجاءت في كالم الفصحاء نظ ًما ونثرًا‪.‬‬ ‫وال ذي ت رجح ف ي نظ ري أن الم راد بالمبت ذل م ن ه ذا القس م إنم ا ه و األلف اظ‬ ‫"اللق الق" ف ي‬ ‫السخيفة الضعيفة ‪ ،‬سواء تداولتها العامة أم الخاصة ‪ ،‬كلفظة‬ ‫قول المتنبي(‪:)2‬‬ ‫و َملمــــــــــو َمةٌ َسيفيـــــــة َربَعيةٌ‬ ‫‪3‬‬ ‫( )‬ ‫ياح اللقَالق‬ ‫الحصى فيها ص َ‬ ‫يَصي ُح َ‬ ‫وكلمة " الشطار " في قول أبي نواس ‪:‬‬ ‫و ُملح ٍة بالعـــذل تحســـــب أنني‬ ‫للعــــذل أتـــــــر ُ‬ ‫ك صُحـــبَةَ الشطار‬ ‫وقد اس تعمل ألف اظ ‪ " :‬الش اطر " ‪ ،‬و" الش اطرة " ‪ ،‬و" الش طار " و" الش طارة"‬ ‫كثيرًا ‪ ،‬وهي من األلفاظ التي ابتذلتها العامة حتى سئمت من ابتذالها (‪.)4‬‬

‫ونالحظ اآلتي ‪:‬‬ ‫‪ - 0‬أن ابن األثير يراعي التطور الداللي للكلمة ‪ ،‬ويؤكد بقوة على قض ية النس بية‬ ‫في الحكم على النصوص " بحيث يحت اج الحك م بس قوط اللفظ ة لعاميته ا إل ى ن وع م ن‬ ‫(‪ )0‬المدل الس إ ق‪ 0‬ص ‪.098‬‬

‫(‪ )2‬المصي الس ةق ق‪ 0‬ص‪ 099‬والة ا ف ي واا أة الح ب ص ‪.389‬‬

‫(‪ )3‬المامومح ‪ :‬الكي ةح المةيمعح وس ف ح ‪ :‬منسوةح إل س ف اليولح و ةع ح ‪ :‬منسوةح إلر‬ ‫قة اح س ف اليولح والاق لق‪ :‬ةما لقاق واو ح إ كة سكا العم اا ف أ ض الع اق‪.‬‬ ‫(‪ )0‬المدل الس إ ق‪ 0‬ص ‪.210‬‬

‫‪-056-‬‬

‫ة عرح‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫التتبع لمجاالت االستعمال ذاته مكانيًا وزمانيًا" (‪.)1‬‬ ‫‪ - 2‬أن اب ن األثي ر ق د نظ ر بع ين االعتب ار إل ى م ا ق رره م ن س بقه‬ ‫من النقاد من ضرورة أال يكون اللفظ عاميًا وال س اقطًا س وقيًا‪ ،‬وال غريبً ا وحش يًا‪،‬‬ ‫وهو ما نقله ابن رشيق عن الجاحظ (‪ ،)2‬وأسامة بن منقذ عن أبي هالل (‪ ،)3‬وفصله‬ ‫وبس ط الق ول في ه اب ن س نان الخف اجي(‪ ،)4‬يق ول أس امة نق ال ع ن أب ي ه الل‪ :‬الك الم‬ ‫ثالث ة أص ناف ‪ :‬ع امي ‪ ،‬وخاص ي ‪ ،‬ووحش ي ؛ فالع امي ال يس تعمل لركاك ة في ه ‪،‬‬ ‫والوحش ي ال يس تعمل لجهامت ه‪ ،‬والخاص ي يس تعمل لفص احته ومالحت ه ‪ ،‬فالع امي‬ ‫مث ل قول ك‪ :‬ع دال جم ل ‪ ،‬والوحش ي مث ل قول ك‪ :‬ص نو جرثوم ة ‪ ،‬والخاص ي مث ل‬ ‫قولك ‪ :‬فرسا رهان (‪.)5‬‬ ‫وإن كان لهؤالء فضل السبق فيحسب البن األثير نظرته إل ى التط ور ال داللي‬ ‫للكلمة‪ ،‬وتأكيده على مراعاة البعد الزماني والمكاني الستخدام األلفاظ ‪ ،‬وتتبعها في‬ ‫بيئاتها‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )2‬ةيل ح اإلف اي والي ك ب لمتمي اةي المحاب ص ‪.005‬‬ ‫(‪ )3‬انظ ‪ :‬العمي الةا ش ق ‪ 0‬ص ‪ 023‬والة ا والية ا لاة تظ‬

‫‪ 0‬ص ‪.044‬‬

‫(‪ )4‬انظ ‪ :‬الةي ا ف نقي الشع بس مح ةا منقذ ص ‪ 062‬يتق ق‪ :‬ي‪ /‬أتمي أتمي ةيوي وي‪ /‬ت مي‬ ‫اةي المة ي ح‪ /‬مصحف التاة‬

‫سنح ‪0381‬ار‪0961/‬ت والصن اي ا بة اًلل العسك ي ص‬

‫‪.067 066‬‬

‫(‪ )5‬انظ ‪ :‬س الفص تح الةا سن ا الخف ة ص ‪ 66‬ص ‪.73‬‬ ‫(‪ )6‬انظ ‪ :‬الةي ا ف نقي الشع بس مح ةا منقذ ص ‪.062‬‬

‫‪-057-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫المبحث الثالث‬ ‫نظرة ابن األثير إلى الجملة والسياق‬ ‫مع عناية ابن األثير باللفظة المفردة فإن ه يؤك د " أن تف اوت التفاض ل يق ع ف ي‬ ‫تركيب األلفاظ أكثر مما يقع في مفرداتها‪ ،‬ألن التركيب أعسر وأشق"(‪.)1‬‬ ‫ويق ول ‪ :‬أال ت رى أن ألف اظ الق رآن الك ريم م ن حي ث انفراده ا ق د اس تعملها‬ ‫العرب ومن بعدهم‪ ،‬ومع ذلك فإنه يفوق جميع كالمهم ويعلو علي ه؟ ول يس ذل ك إال‬ ‫لفضيلة التركيب (‪.)2‬‬ ‫ويقتفي ابن األثير في ذلك أثر عبد القاهر في النظم‪ ،‬وينقل أكثر كالمه حول‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫قوله‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫‪ .  ‬يقول ‪ :‬وهل تشك أيها المتأمل لكتابنا‬ ‫هذا إذا فكرت في قوله تعالى ‪   :‬‬ ‫‪ ...  ‬اآلية‪ ،‬أنك لم تجد ما وجدته‬

‫لهذه األلفاظ من المزية الظاهرة إال ألمر يرجع إلى تركيبها‪ ،‬وأنه لم يعرض لها‬ ‫هذا الحسن إال من حيث القت األولى بالثانية‪ ،‬والثالثة بالرابعة ‪ ،‬وكذلك إلى‬ ‫آخرها‪..‬‬ ‫فإن ارتبت في ذلك فتأمل هل ترى لفظ ة منه ا ل و أخ ذت م ن مكانه ا وأف ردت‬ ‫من بين أخواتها كانت البسة من الحسن ما لبسته في موضعها من اآلية ؟‬ ‫ومما يشهد لذلك ويؤيده أنك ترى اللفظة تروقك في كالم ‪ ،‬ثم تراه ا ف ي ك الم‬ ‫آخر فتكرهها‪ ،‬فهذا ينكره من لم يذق طعم الفص احة وال ع رف أس رار األلف اظ ف ي‬ ‫(‪ )0‬المدل الس إ ق‪ 0‬ص ‪ 066‬و عاق ي‪ /‬اةي التك ت اض اا نص اةا ابد‬ ‫ة اةا ابد‬

‫ان أم يي ةا اا‬

‫كد‬

‫ةقول ‪ :‬وم ص ح‬

‫ما النق ي والةًلغ ا‪ .‬انظ كي ةر ‪ :‬نظ رح الاغرح فر النقري‬

‫ابية ص ‪.056‬‬

‫(‪ )2‬المدل الس إ ق ‪ 0‬ص ‪.062‬‬ ‫(‪ )3‬سو اوي ‪ :‬اآل ح ‪.44‬‬

‫‪-058-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫تركيبها وانفرادها(‪.)1‬‬ ‫ويؤكد ابن األثير أن تركيب األلفاظ يحدث عن ه م ن فوائ د الت أليف وال نظم م ا‬ ‫يخيل للسامع أن هذه األلفاظ ليست تلك التي كانت مفردة‪.‬‬ ‫ومثال ذلك كمن أخذ آللئ ليست من ذوات القيم الغالية فألفها‪ ،‬وأحسن الوضع‬ ‫في تأليفها؛ فخي ل للن اظر بحس ن تأليف ه وإتق ان ص نعته أنه ا ليس ت تل ك الت ي كان ت‬ ‫منثورة مبددة‪.‬‬ ‫وف ي عكس ذلك من يأخذ آللئ من ذوات القيم الغالية فيفسد تأليفها؛ فإنه يض ع‬ ‫من حسنها‪.‬‬ ‫ويعقب على ذلك بقوله‪ :‬وهذا موضع شريف ينبغي االلتف ات إلي ه والعناي ة ب ه‬ ‫(‪.)2‬‬ ‫وقد عمل ابن األثير على تأكيد ذلك من خالل نقده التطبيقي وتحليله لكثير من‬ ‫النصوص القرآنية وغيرها من منظوم الكالم ومنثوره (‪.)3‬‬

‫أوالً ‪ :‬نظرته إلى الجملة‪:‬‬

‫ما‬

‫نظر ابن األثير إلى الجمل ة عل ى أنه ا ج زء ال يتج زأ م ن الس ياق‪ ،‬وأن‬ ‫يعتريها من ظواهر أسلوبية إنما يأتي وفق ما يتطلبه هذا السياق‪.‬‬ ‫على أن هذه الظواهر األسلوبية أو السياقية التي درس ها البالغي ون الق دماء –‬ ‫من أمثال عبد القاهر وابن األثير وغير هما – في مباحث التقديم والتأخير‪ ،‬والذكر‬ ‫والحذف‪ ،‬واإليجاز واإلطناب ‪ ،‬والتعريف والتنكير‪ ،‬والفصل والوص ل‪ ،‬وغيره ا‪-‬‬ ‫ق د ص ارت م ن أه م مح اور الدراس ات األس لوبية الحديث ة(‪ ،)4‬ب ل إن بع ض النق اد‬ ‫المعاص رين ي رى أن جه ود البالغي ين الق دماء ‪ -‬وعل ى رأس هم عب د الق اهر واب ن‬ ‫األثير ‪ -‬في هذا المج ال يمك ن وض عها م ع أح دث م ا تناولت ه الدراس ات األس لوبية‬

‫(‪ )0‬المدررل الس ر إ ق ‪ 0‬ص ‪ 066‬وانظ ر ‪ :‬يالإررل اإلاة ر ز ص ‪ 92 90‬واا ك ر ا اةررا ابد ر رريا‬ ‫الفضل والسةق ف ذلك لنفس ف قول ‪ " :‬واذا موضا غ مض تي إلر فضرل فكر وامعر ا نظر‬ ‫وم يع ض لاينة اا أتي قةا "‪ .‬المدل الس إ ق‪ 0‬ص ‪ 067‬واو ايا ل ف غ متا ‪.‬‬ ‫(‪ )2‬المصي الس ةق ق‪ 0‬ص ‪.219‬‬ ‫(‪ )0‬اةا ‪ :‬المدل الس إ ق ‪ 0‬ص ‪066‬وم ةعيا‬

‫ق‪ 2‬ص ‪ 035‬وم ةعيا ‪.‬‬

‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬ابسراوة ح ودًلد رح الريواإ الةًلغ ررح ي‪ /‬اةري القر ي اةري الةا ررل ص ‪349 292 282‬‬

‫‪ 355‬والةًلغررح وابسرراوة ح لمتمرري اةرري المحاررب ص ‪ 303‬وم ر ةعرريا وةيل ررح اإلف ر اي والي ك ررب‬ ‫لامؤلف نفس ص ‪ 063‬وم ةعيا ‪.‬‬

‫‪-059-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫المعاصرة (‪.)1‬‬ ‫وفيما يلي نماذج لنظرته إلى بعض ما يتعلق بالجملة من ظواهر أسلوبية ‪:‬‬

‫أ ‪ -‬سياق التقديم والتأخير ‪:‬‬ ‫لم يقف ابن األثير في تناوله لسياق التقديم والتأخير عند النظرة الجزئي ة الت ي‬ ‫تتعلق بتقديم الخبر على المبتدأ ‪ ،‬أو المفعول على الفاعل ونحو ذلك‪ ،‬إنما نظر إل ى‬ ‫هذا السياق من زاويتين‪:‬‬ ‫الزاوية األولى ‪ :‬تختص بداللة األلفاظ على المعاني ‪ ،‬بحيث لو أخر المقدم أو‬ ‫قدم المؤخر لتغير المعنى (‪.)2‬‬ ‫ومن شواهد هذا القسم قوله تعالى ‪   :‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪   ‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪    ‬‬

‫‪.)3(   ‬‬ ‫يقول ‪ :‬فإنه إنما قال ‪   :‬‬

‫‪ ، ‬ولم يقل ‪ :‬بل اعبد هللا ؛ ألن تقدم لفظ الجاللة يفيد اختصاص العبادة باهلل وحده‬ ‫دون غيره‪ ،‬ولو قال ‪ :‬بل اعبد لجاز إيقاع الفعل على أي مفعول شاء‪ ،‬وانتفى‬ ‫(‪ )3‬انظ ‪ :‬المنهج ابساوة ف النقي ابية ‪ :‬اليحو‬ ‫(‪ )0‬المدل الس إ ق‪ 2‬ص ‪. 072‬‬ ‫(‪ )2‬سو الزم ‪ :‬اآل ا ‪.66-64‬‬

‫‪-061-‬‬

‫النظ ح اليحة ق ص ‪.228‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫االختصاص الذي أفاده تقديم المفعول(‪.)1‬‬ ‫الزاوية األخرى ‪ :‬تختص بدرجة التقدم في الذكر‪ ،‬الختصاصه بما يوج ب ل ه‬ ‫ذلك‪ ،‬ولو أخر لما تغير المعنى‪ ،‬كتقديم السبب عل ى المس بب والكثي ر عل ى القلي ل ‪،‬‬ ‫واألعجب على العجيب (‪.)2‬‬ ‫فمن تقديم السبب على المسبب قوله تعالى ‪  :‬‬

‫‪،)3(    ‬‬ ‫فإنه إنما قدم العبادة على االستعانة ؛ ألن تقديم القربة والوسيلة قبل طلب الحاجة‬ ‫أنجح لحصول الطلب‪ ،‬وأسرع لقبول اإلجابة ‪ ،‬ولو قال ‪ :‬إياك نستعين وإياك نعبد‬ ‫لكان جائ ًزا ‪ ،‬إال أنه ال يسد ذلك المسد‪ ،‬وال يقع ذلك الموقع(‪.)4‬‬ ‫ومن تقديم األعجب على العجيب قوله تعالى ‪  :‬‬

‫‪    ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪ ،)5(    ‬فإنه إنما قدم‬

‫الماشي على بطنه ؛ ألنه أدل على القدرة من الماشي على رجلين‪ ،‬إذ هو ماش‬ ‫بغير اآللة المخلوقة للمشي‪ ،‬ثم ذكر الماشي على رجلين‪ ،‬وقدمه على الماشي على‬ ‫أربع ؛ ألنه أدل على القدرة أيضًا‪ ،‬حيث كثرت آالت المشي في األربع(‪.)6‬‬ ‫وفي هذه الرؤية الش املة لس ياق التق ديم والت أخير يظه ر بع د نظ ر اب ن األثي ر‬ ‫وعمق ثقافته ‪ ،‬حيث لم يقف في تناوله لهذا السياق عند ما قرره النحاة والبالغي ون‬ ‫من قبله في تقديم المسند على المسند إليه ‪ ،‬وتقديم بعض متعلقات الفعل‪ ،‬ونحو ذلك‬ ‫(‪ )3‬المدل الس إ ق ‪ 2‬ص ‪.073‬‬ ‫(‪ )4‬المصي الس ةق ق ‪ 2‬ص ‪. 085-082 072‬‬ ‫(‪ )5‬سو الف يتح ‪ :‬اآل ح ‪.5‬‬ ‫(‪ )0‬المدل الس إ ق ‪ 2‬ص ‪.082‬‬

‫(‪ )2‬سو النو ‪ :‬ةزل ما اآل ح ‪.45‬‬ ‫(‪ )3‬المدل الس إ ق‪ 2‬ص ‪.083‬‬

‫‪-060-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫مما يتص ل بقض يتي اإلس ناد والتعل ق‪ ،‬إنم ا نظ ر بع ين أوس ع ورؤي ة ثاقب ة إل ى م ا‬ ‫وما يتطلبه المعنى أو السياق م ن تق ديم أو‬ ‫يتعلق ببنية النص وارتباط أجزائه ‪،‬‬ ‫تأخير ‪.‬‬

‫ب – سياق اإليجاز ‪:‬‬ ‫يذكر في إطار سياق اإليجاز بالحذف حذف المفعول به‪ ،‬كق ولهم ‪ :‬ف الن يح ل‬ ‫ويعق د ‪ ،‬ويب رم وي نقض ‪ ،‬ويض ر وينف ع ‪ ،‬واألص ل ف ي ذل ك عل ى إثب ات المعن ى‬ ‫المقصود في نفسك للشيء على اإلطالق(‪.)1‬‬ ‫ومن بديع ذلك قوله تعالى ‪   :‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪.)2(   ‬‬

‫ففي هاتين اآليتين حذف المفعول به في أربعة مواضع ‪ ،‬إذ المعنى ‪ :‬وجد أمة‬ ‫من الناس يسقون مواشيهم‪ ،‬وامرأتين ت ذودان مواش يهما‪ ،‬وقالت ا‪ :‬ال نس قي مواش ينا‬ ‫فس قى لهم ا مواش يهما؛ ألن الغ رض أن يعل م أن ه ك ان م ن الن اس س قي‪ ،‬وم ن‬ ‫االمرأتين ذود‪ ،‬وأنهما قالتا‪ :‬ال يكون منا سقي حتى يص در الرع اء‪ ،‬وأن ه ك ان م ن‬ ‫موسى ‪ ‬بعد ذلك سقي‪ ،‬فأما كون المس قي غن ًم ا أو إب الً أو غي ر ذل ك فخ ارج ع ن‬ ‫الغرض(‪.)3‬‬ ‫وفي ضوء هذا يمكن أن يفسر كثير من فقه المسكوت عنه في القصة القرآني ة‬ ‫‪ ،‬حيث يركز النص القرآن ي عل ى م ا ل ه قيم ة ف ي مج رى القص ة‪ ،‬أم ا م ا ال يخ دم‬ ‫الغرض ‪ ،‬وما يمكن أن يكون حش ًوا فال وجود له في ال نص القرآن ي‪ ،‬وف ي ه ذا م ا‬ ‫(‪ )0‬المدل الس إ ق ‪ 2‬ص ‪. 239‬‬ ‫(‪ )2‬سو القصص ‪ :‬اآل ي ا ‪.24 - 23‬‬ ‫(‪ )3‬المدل الس إ ق ‪ 2‬ص ‪ 239‬والمتذوف ان او المسكوا انر فر لغرح النقري الترياد ومر ةعري‬ ‫التياد ‪ .‬انظ ‪ :‬الم ا المقع ي‪ /‬اةي العز ز تموي ص ‪.376‬‬

‫‪-062-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫ي رد عل ى كثي ر م ن التس اؤالت الت ي تش غل أذه ان العام ة ف ي بع ض م ا يتص ل‬ ‫بالقصص القرآني (‪.)1‬‬

‫ج ‪ -‬سياق اإلطناب ‪:‬‬ ‫في القسم الثاني من اإلطن اب المخ تص بالجم ل ي ذكر اب ن األثي ر ض ربًا م ن‬ ‫اإلطناب يسميه النفي واإلثبات ‪.‬‬ ‫وهو أن يذكر الشيء على سبيل النفي ‪ ،‬ثم يذكر على سبيل اإلثبات ‪ ،‬أو‬ ‫بالعكس‪ ،‬والبد أن يكون في أحدهما زيادة ليست في اآلخر‪ ،‬والغرض منه تأكيد‬ ‫ذلك المعنى المقصود(‪ ،)2‬وعليه ورد قوله تعالى ‪   :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪    ‬‬

‫(‪ )0‬ما ذلك اا سة ل المد ل قولهت‪ :‬أ ا ذاب الغًلت الذي ك ا ما موس‬ ‫ة لخض ؟ وقي اة النص الق لن ةعي اليق ل موسر ة لخضر‬

‫الغًلت أو ايت وةويا با يو ا قي انيهر‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫ةعري أا اليقر موسر‬

‫ةافرظ المدنر يوا اايةر لوةروي‬

‫وأصرةح أمر ا خ اةر ارا الغر ض والسر ق وارو مر‬

‫عة ان ةعض النقر ي المع صر ا ةرر " ةيل رح التضرو والغ ر ب فر الرنص ابيةر " ت ر‬

‫النص اا نوا ا ما العًلق ا‪ :‬أتيام ‪ :‬ة ا العن ص الت ض‬

‫قروت‬

‫واآلخ ‪ :‬ة نه وة ا العن ص‬

‫الغ إةررح ولكررل انصر مررا اررذا العن صر يو ا فر ةن ررح الررنص‪ .‬انظر ‪ :‬نظ ررح الةن إ ررح فر النقرري‬ ‫ابية‬

‫ي‪ /‬صًلح فضل ص ‪.214‬‬

‫(‪ )2‬المدل الس إ ق ‪ 2‬ص ‪.287‬‬

‫‪-063-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫(‪ ،)1‬فقوله تعالى ‪    :‬بعد قوله سبحانه ‪  :‬‬ ‫‪  ‬من هذا الضرب ‪ ،‬أال ترى أنه نفي العلم عن الناس‬

‫بما خفي عنهم من تحقيق وعده‪ ،‬ثم أثبت لهم العلم بظاهر الحياة الدنيا؟ فكأنهم‬ ‫علموا وما علموا‪ ،‬إذ العلم بظاهر األمور ليس بعلم‪ ،‬وإنما العلم هو ما كان بالباطن‬ ‫من األمور(‪.)2‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬نظرته إلى السياق ‪:‬‬

‫لم ينظر ابن األثير إلى اللفظ ة المف ردة وال إل ى الجمل ة بمع زل ع ن س ياقهما‪،‬‬ ‫فقد نظر إل ى الس ياق بع ين االعتب ار س واء ف ي تنظي ره أم ف ي تطبيقات ه ‪ ،‬يق ول ‪" :‬‬ ‫ومن عجيب ذلك (‪ )3‬أنك ترى لفظتين تدالن على معن ى واح د‪ ،‬وكالهم ا حس ن ف ي‬ ‫االستعمال‪ ،‬وهما على وزن واحد وعدة واحدة‪ ،‬إال أنه ال يحس ن اس تعمال ه ذه ف ي‬ ‫كل موضع تستعمل فيه هذه ‪ ،‬بل يفرق بينهم ا ف ي الس بك ‪ ،‬وه ذا ال يدرك ه إال م ن‬ ‫دق فهمه وجل نظره(‪.)4‬‬ ‫فمن ذلك قوله تعالى ‪    :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)5‬‬ ‫‪ ،  ‬وقوله تعالى ‪   :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)6‬‬ ‫‪.  ‬‬

‫فاس تعمل ( الج وف ) ف ي األول ى و( ال بطن) ف ي الثاني ة‪ ،‬ول م يس تعمل‬ ‫(الجوف ) موضع ( البطن ) وال ( البطن) موضع (الجوف)‪ ،‬واللفظتان س واء ف ي‬ ‫ض ا ‪ ،‬ف انظر إل ى س بك‬ ‫الدالل ة ‪ ،‬وهم ا ثالثيت ان ف ي ع دد واح د‪ ،‬ووزنهم ا واح د أي ً‬ ‫األلفاظ كيف تفعل؟ (‪.)7‬‬ ‫بل إنك ترى اللفظة الواحدة تحسن في موضع وال تحسن في غيره‪ ،‬ومن ذلك‬ ‫كلم ة " ت ؤذي"‪ ،‬وه ي لفظ ة واح دة ج اءت ف ي آي ة م ن الق رآن الك ريم وبي ت م ن‬ ‫الشعر‪ ،‬فجاءت في القرآن الكريم جزلة متينة‪ ،‬وفي الشعر ركيكة ضعيفة‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫(‪)0‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫(‪)5‬‬

‫سو ال وت ‪ :‬اآل ا ‪.7 -0‬‬ ‫انظ ‪ :‬المدل الس إ ق ‪ 2‬ص ‪.288‬‬ ‫أي ‪ :‬وما اة ب أس ا النظت ووضا كل لفظح ف موضعه الًلإق ةه ‪.‬‬ ‫المدل الس إ ق ‪ 0‬ص ‪.064‬‬ ‫سو ابتزاب ‪ :‬ةزل ما اآل ح ‪.4‬‬ ‫سو لل ام اا ‪ :‬ةزل ما اآل ح ‪.35‬‬

‫(‪ )0‬المدل الس إ ق‪ 0‬ص ‪. 064‬‬

‫‪-064-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫أما اآلية فهي قوله تعالى ‪   :‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪.)1(   ‬‬

‫وأما بيت الشعر فهو قول أبي الطيب المتنبي (‪:)2‬‬ ‫تل ُّذ له المروءة وهي تُؤذي ومن يعشق يل ُّذ له الغــرام‬ ‫وهذا البيت من أبيات المع اني الش ريفة إال أن لفظ ة " ت ؤذي " ق د ج اءت في ه‬ ‫وفي اآلي ة ‪ ،‬فحط ت م ن ق در البي ت لض عف تركيبه ا‪ ،‬وحس ن موقعه ا ف ي تركي ب‬ ‫اآلية (‪.)3‬‬ ‫وفي تناوله ما يتعلق بالجملة من تقديم أو تأخير‪ ،‬أو فصل أو وصل ‪،‬‬ ‫أو إيجاز أو إطناب‪ ،‬وغير ذلك ‪ ،‬لم يدرس ابن األثير النص بمعزل عن سياقه‪،‬‬ ‫إنما نظر بعين االعتبار إلى هذا السياق‪ ،‬ففي إطار حديثه عن اقتضاء المقام للتقديم‬ ‫أو التأخير يقول ‪ :‬قال الحق سبحانه ‪    :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪ ،)4(  ‬ثم قال ‪  :‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪ ،)5(  ‬فقدم أهل النار في الذكر على أهل الجنة ؛‬ ‫(‪ )2‬سو ابتزاب ‪ :‬ةزل ما اآل ح ‪.53‬‬

‫(‪ )3‬المدل الس إ ق‪ 0‬ص ‪ 067‬واو ف ي وان ص ‪.94‬‬ ‫(‪ )4‬المصي الس ةق ق‪0‬ص ‪.067‬‬ ‫(‪ )0‬سو اوي ‪ :‬اآل ي ا ‪.016-013‬‬ ‫(‪ )2‬سو اوي ‪ :‬ةزل ما اآل ح ‪.018‬‬

‫‪-065-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫ألنه لما كان الكالم مسوقًا في ذكر التخويف والتحذير‪ ،‬وجاء عقب قصص‬ ‫األولين‪ ،‬وما فعل هللا تعالى بهم من التعذيب والتدمير‪ -‬كان األليق أن يوصل الكالم‬ ‫بما يناسبه في المعنى‪ ،‬وهو ذكر أهل النار‪ ،‬فمن أجل ذلك قدموا في الذكر على‬ ‫أهل الجنة(‪.)1‬‬ ‫‪‬‬ ‫وفي مجال اقتضاء السياق لإلطناب دون اإليجاز في قوله تعالى ‪:‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪.)2(   ‬‬

‫يقول ابن األثير‪ :‬أال ترى أن مساق الكالم أن اإلنسان يقول لزوجته‪ :‬أنت‬ ‫علي كظهر أمي ‪ ،‬ويقول لمملوكه ‪ :‬يا بني ‪ ،‬فضرب هللا لذلك مثاالً‪ ،‬فقال‪ :‬كيف‬ ‫تكون الزوجة ً‬ ‫أما؟ وكيف يكون المملوك ابنًا؟ والجمع بين الزوجية واألمومة‪،‬‬ ‫وبين العبودية والبنوة في حالة واحدة‪ -‬كالجمع بين القلبين في الجوف‪ ،‬وهذا تعظيم‬ ‫لما قالوه‪ ،‬وإنكار له‪ ،‬ولما كان الكالم في حال اإلنكار والتعظيم أتى بذكر"‬ ‫الجوف" ‪ ،‬وإال فقد علم أن القلب ال يكون إال في " الجوف" ‪.‬‬ ‫والتمثيل هنا يصح بقوله‪    :‬‬ ‫‪    ‬وهو تام‪ ،‬لكن في ذكر (‬

‫الجوف ) زيادة في اإلنكار عليهم‪ ،‬وفيه – أيضًا‪ -‬زيادة تصوير للمعنى المقصود ؛‬ ‫ألنه إذا سمعه المخاطب به صور لنفسه جوفًا يشتمل على قلبين‪ ،‬فكان ذلك أسرع‬ ‫إلى إنكاره (‪.)3‬‬ ‫وقد تجاوز ابن األثير مواقع األلفاظ من السبك‪ ،‬وبناء الجملة‪ ،‬إل ى نظ رة أع م‬ ‫وأشمل لسياق النص‪ ،‬وذل ك حي ث يؤك د أن الك الم ق د يحتم ل أكث ر م ن معن ى‪ ،‬وال‬ ‫يتضح المعنى المراد إال بالنظر إلى معنى تقدمه أو إلى معنى تأخر عنه‪ ،‬ومن ذلك‬ ‫(‪ )3‬المدل الس إ ق‪ 2‬ص ‪.084‬‬ ‫(‪ )4‬سو ابتزاب ‪ :‬اآل ح ‪.4‬‬ ‫(‪ )0‬المدل الس إ ق‪ 2‬ص ‪.283‬‬

‫‪-066-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫قول شقران مولى بني سالمان(‪:)1‬‬ ‫ولو كنت مولى قيس عيالن لم تجد‬ ‫علي إلنســـان مـن الناس درهمــا‬ ‫ولكـــنني مــــــــولى قضاعـــة كلهــــا‬ ‫فلســت أُبـالي أن أديـن وتغرمــــا‬ ‫يقول ‪ :‬فإذا نظرنا إلى البيت األول وجدناه يحتمل م دحًا ً‬ ‫وذم ا‪ ،‬أي أنه م ك انوا‬ ‫يغن ونه بعطائهم أن يدين‪ ،‬أو أنه كان يخاف الدين حذر أال يقوموا عنه بوفائ ه‪ ،‬لك ن‬ ‫البي ت الث اني حق ق أن األول ذم ول يس م دحًا‪ ،‬فه ذا المعن ى ال يتحق ق فهم ه إال‬ ‫بآخره(‪.)2‬‬ ‫ومن ذلك قول المتنبي في كافور (‪:)3‬‬ ‫فإن ُ‬ ‫نلت ما أملت منك فربما‬ ‫ُ‬ ‫شربت بماء يعجز الطير ورده‬ ‫فإن هذا البيت يحتمل مدحًا ً‬ ‫وذما‪ ،‬وإذا أخذ بمفرده من غي ر نظ ر إل ى م ا قبل ه‬ ‫فإن ه يك ون إل ى ال ذم أق رب؛ ألن ه يتض من وص ف نوال ه بالبع د والش ذوذ ‪ ،‬وص در‬ ‫البيت مفتتح بـ ( إن ) الشرطية‪ ،‬وقد أجيبت بلفظ " رب" الت ي معناه ا التقلي ل‪ ،‬أي‬ ‫لست من نوالك على يقين ‪ ،‬فإن نلته وصلت إلى مورد ال يصل إلي ه الطي ر لبع ده ‪،‬‬ ‫وإذا نظ ر إل ى م ا قب ل ه ذا البي ت دل عل ى الم دح خاص ة الرتباط ه ب المعنى ال ذي‬ ‫قبله(‪.)4‬‬ ‫فقد نظر ابن األثير إلى س ياق القص يدة‪ ،‬وفس ر البي ت ف ي ض وء ه ذا الس ياق‪،‬‬ ‫والقصيدة في مدح كافور‪ ،‬وما سبق هذا البيت من أبيات يدور في فلك هذا الم ديح‪،‬‬ ‫وذلك حيث يقول المتنبي (‪: )5‬‬ ‫وأمضى سالح قلد المرء نفسه‬ ‫(‪ )2‬اررو شررق اا مررول ةن ر سررًلم ا ةررا سررعي ةررا ارري ت مررا شررع ال التم سررح واررو مررا مخض ر م‬ ‫اليولي ا ابمو ح والعة س ح‪.‬‬ ‫(‪ )0‬المدل الس إ ق ‪ 2‬ص ‪.77‬‬ ‫(‪ )2‬المصي الس ةق ق ‪ 0‬ص ‪ 65‬واو ف ي واا المينة ص ‪.453‬‬ ‫(‪ )3‬المصي الس ةق ق ‪ 0‬ص ‪.65‬‬ ‫(‪ )4‬ي واا أة الح ب ص ‪.450‬‬

‫‪-067-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬ ‫(‪)1‬‬

‫رجاء أبي المسك الكريم وقصده ‪.‬‬ ‫فمن ماله مال الكبيــر ونفــــسه‬ ‫ومـــن مالـــــه در الصغيـــر ومهـــــــده‬ ‫وحيث يقول في القصيدة نفسها (‪:)2‬‬ ‫وألقى الفم الضحـــاك أعلم أنــــه‬ ‫قريب بذي الكف المفداة عهده‬ ‫فزارك مني من إليــك اشتياقــه‬ ‫وفي الناس إال فيك وحدك زهده‬ ‫ورغم اعتراضات ابن أبي الحديد الكثي رة عل ى اب ن األثي ر فإن ه ق د تابع ه ف ي‬ ‫فهم هذا البيت بأنه ليس مترددًا بين المدح والذم كما توهم ه ق وم؛ ألن س ياق الش عر‬ ‫يقتضي أنه أراد المدح ال الذم(‪.)3‬‬ ‫وقد أثنى بع ض النق اد المعاص رين عل ى دراس ة اب ن األثي ر للجمل ة ف ي إط ار‬ ‫ال نص‪ ،‬وعل ى نظرت ه الش مولية ل بعض القض ايا األس لوبية أو الس ياقية‪ ،‬كدراس ته‬ ‫لسياق الح ذف ف ي إط ار س ياق أكب ر ه و س ياق اإليج از ‪ ،‬وس ياق ال ذكر ف ي إط ار‬ ‫سياق أعم هو اإلطناب‪ ،‬وعدوا ذل ك محاول ة ج ادة يمك ن تنميته ا ف ي مج ال البح ث‬ ‫البالغي الحديث‪ ،‬وربطه بالدراسة األسلوبية‪ ،‬بحيث يصبح الكل له األهمية األولى‬ ‫أو المرتبة األولى بالنس بة لألج زاء‪ ،‬وإن كان ت ه ذه األولوي ة ال تلغ ي الج زء‪ ،‬وال‬ ‫توقف تأثيره في السياق (‪.)4‬‬ ‫بل إن نظرة كثير من النق اد المعاص رين إل ى الس ياق ال تك اد تخ رج ع ن فه م‬ ‫(‪ )0‬أةو المسك ‪ :‬كن ح ك فو اإلخش يي‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ي واا أة الح ب ص ‪453‬‬

‫(‪ )3‬انظ ر ‪ :‬الفاررك الررياإ اا ر المدررل الس ر إ الةررا أة ر التي رري ص ‪ 59‬يتق ررق ي‪ /‬أتمرري الترروف‬ ‫وي‪ /‬ةرريوي حة نررح ح‪ /‬نهضررح مصر ( حةعررح ماتقررح ة لمدررل السر إ الةررا ابد ر‬ ‫ةعض الكي ب خ لف ف فهرت ارذا الة را و ر ى أا المينةر كر ا مكر ةكر فو‬

‫يوة‬

‫غ ب ف قص إيا وأة ي‬

‫ك فو الذى لت سيةب لحموت‬

‫ةت‬

‫ق‪ )4‬واا كر ا‬

‫ف عمري إلر إتريا‬

‫يتيمل الميح والذت ويتمل م ف نفسر مرا مر ا يةر ا‬

‫فإا الذى عن ن ما إ اي اذا الش اي إنم ارو نظر اةرا ابد ر‬

‫إل الس ق واالايياي ة ف فهت النص‪ .‬انظ ‪ :‬ف النقي ابية‬

‫ي‪ /‬شوق ض ف ص‪.034‬‬

‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬الةًلغح وابساوة ح لمتمي اةي المحاب ص‪ 351 349‬والمنهج ابساوة ف النقي ابية‬ ‫ف مص ‪ :‬اليحو‬

‫النظ ح اليحة ق لمي تح ة ة الس ح ص‪. 229 228‬‬

‫‪-068-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫ابن األثير ل ه‪ ،‬يق ول محم د عب د المطل ب ف ي مس تهل حديث ه ع ن الس ياق‪ " :‬عن دما‬ ‫يعمد المبدع إلى تكوين جملة لغوية يقوم بعمليت ين متك املتين‪ :‬ف ي األول ى ‪ :‬يج ري‬ ‫اختي ارًا ف ي مف ردات مخزون ه اللغ وي‪ ،‬وف ي الثاني ة‪ :‬يج ري عملي ة تنظ يم لم ا ت م‬ ‫اختياره‪ ،‬بحيث يتالءم هذا التنظيم مع النسق الذي يدور فيه الكالم " (‪.)1‬‬ ‫ويقارب عبد المطلب بين مفهوم العالقات السياقية عند "دي سوسير" والمق ام‬ ‫عند ابن األثير فيم ا ذك ره اب ن األثي ر ف ي ب اب الص ناعة اللفظي ة‪ ،‬حي ث ت درج اب ن‬ ‫األثي ر م ن اإلط ار الض يق للعالق ات الس ياقية إل ى اإلط ار الواس ع لمفه وم الس ياق‬ ‫المتصل بالمقام‪ ،‬وال ذي يش مل اختي ار األلف اظ المف ردة‪ ،‬ث م نظمه ا م ع بعض ها‪ ،‬ث م‬ ‫الغرض المقصود من الكالم (‪.)2‬‬ ‫وي رى أن تن اول اب ن األثي ر له ذه العالق ات الس ياقية يؤك د إدراك ه لمفه وم‬ ‫االمتداد الخطي لسلسلة الكالم‪ ،‬وأهمية التوافق الذي يجب أن يتوفر فيه (‪.)3‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )2‬الةًلغررح وابسرراوة ح ص ‪ 315‬وانظ ر ‪ :‬ابسرراوة ح ودًلد ررح الرريواإ الةًلغ ررح‪ /‬ي‪ /‬اةرري القر ي اةرري‬ ‫الةا ررل ص ‪200‬وم ر ةعرريا وف ر الةًلغررح الع ة ررح وابسرراوة ا الاس ر ن ح‪ :‬لف ر ق ةي رري ي‪ /‬سررعي‬

‫مصاوح ص‪ 078 077‬مةاس النشر العامر‬

‫ة معرح الكو را سرنح ‪ 2113‬وياللرح السر ق ي‪/‬‬

‫ي اه ةا ي اةا ض ف الحات ص ‪ 215 213‬والم ا المقع‬

‫‪ 254‬وم ةعيا واات ابساوب ‪ ..‬مة يإ واة الاي‬

‫ي‪ /‬اةي العز رز تمروي ص‬

‫ي‪ /‬صًلح فضل ص ‪.251 244 015‬‬

‫(‪ )0‬الةًلغررح وابسرراوة ح لمتمرري اةرري المحاررب ص ‪ 319 318‬وانظ ر ‪ :‬المررنهج ابسرراوة ف ر النقرري‬ ‫ابية ف مص ‪ :‬اليحو‬

‫النظ ح اليحة ق ص‪.089 -087‬‬

‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬الةًلغح وابساوة ح ص ‪.319‬‬

‫‪-069-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫المبحث الرابع‬ ‫رأي ابن األثير في بعض القضايا النقدية األخرى‬ ‫الذوق األدبي وأدوات الناقد ‪:‬‬

‫يعد االعتماد على الذوق واالعتداد به خطًا واضحًا في " المثل الس ائر"‪ ،‬وق د‬ ‫أعلن ابن األثير ذلك صراحة في مواضع متع ددة من ه‪ ،‬يق ول ف ي مقدمت ه‪ " :‬واعل م‬ ‫أيها الناظر في كتابي هذا أن مدار علم البيان (‪ )1‬على ح اكم ال ذوق الس ليم ال ذي ه و‬ ‫أنفع من ذوق التعليم(‪. )2‬‬ ‫ويقول في حديثه عن استعمال صيغ األلفاظ‪ " :‬ونحن في استعمال ما نستعمله‬ ‫م ن األلف اظ واقف ون م ع الحس ن ال م ع الج واز‪ ،‬وه ذا كل ه يرج ع إل ى ح اكم ال ذوق‬ ‫السليم(‪. )3‬‬ ‫ال‬ ‫ويق ول‪ :‬إن ا ف ي ت أليف الك الم بص دد اس تعمال الحس ن واألحس ن‪،‬‬ ‫بصدد استعمال الجائز وغير الجائز‪ ،‬ومما يجري هذا المجرى قولنا‪ :‬فعل وافتع ل‪،‬‬ ‫فإن لكل منهما موضعًا تس تعمل في ه‪ ،‬أال ت رى أن ك تق ول‪ :‬قع دت إل ى ف الن أحدث ه‪،‬‬ ‫وال تقول‪ :‬اقتعدت إليه؟ وكذلك تقول‪ :‬اقتعدت غارب الجمل‪ ،‬وال تقول‪ :‬قعدت على‬ ‫غ ارب الجم ل؟ وإن ج از ذل ك‪ ،‬لك ن األول أحس ن‪ ،‬وه ذا ال يحك م في ه غي ر ال ذوق‬ ‫السليم(‪. )4‬‬ ‫وق د أش رنا فيم ا س بق إل ى م دى اعت داد اب ن األثي ر بال ذوق ف ي قض ية ت الؤم‬ ‫الحروف أو تنافرها‪ ،‬وطول الكلمة وأثره في ثقلها(‪. )5‬‬

‫وهنا أشير إلى أمور ‪:‬‬ ‫أ‪ -‬أن الذوق الذي ينشده ابن األثير إنما هو الذوق الس ليم ال ذي ص قلته الخب رة‬ ‫(‪ )0‬اات الة ا ان شمل ااوت الةًلغرح الدًلدرح‪ :‬المعر ن‬ ‫القول وص غح الكًلت‪.‬‬

‫(‪ )2‬المدل الس إ ق ‪ 0‬ص ‪.35‬‬ ‫(‪ )3‬المصي الس ةق ق ‪ 0‬ص ‪.311‬‬ ‫(‪ )0‬المدل الس إ ق‪ 0‬ص ‪.314‬‬

‫(‪ )2‬اةا ‪ :‬ص ‪ 217 -215‬ما اذا الفصل‪.‬‬

‫‪-071-‬‬

‫والة ر ا والةري ا أو ةعةر‬

‫أخر ى ارو فرا‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫والتجربة‪ ،‬يقول‪ " :‬فإن الدربة واإلدمان أجدى عليك نف ًع ا‪ ،‬وأه دى س معًا وبص رًا‪،‬‬ ‫وهما يريانك الخبر عيانًا‪ ،‬ويجع الن عس رك م ن الق ول إمكانً ا‪ ،‬وك ل جارح ة من ك‬ ‫قلبًا ولسانًا" (‪. )1‬‬ ‫ب‪ -‬أن اعتداد ابن األثير بالذوق ال يأتي عل ى حس اب األدوات األخ رى ال ذي‬ ‫ينبغي على الناقد تحصيلها‪ ،‬يقول‪ :‬فإذا ركب هللا تعالى في اإلنسان طبعًا ق ابالً له ذا‬ ‫الفن فإنه يفتقر حينئذ إلى ثمانية أنواع من اآلالت‪ ،‬هي(‪: )2‬‬ ‫‪ -0‬معرفة علم العربية من النحو والتصريف ‪.‬‬ ‫‪ -2‬معرفة ما يحتاج إليه من اللغة ‪.‬‬ ‫‪ -4‬معرفة أمثال العرب وأيامهم ووقائعهم ‪.‬‬ ‫‪ -5‬االطالع على تأليفات من تقدمه م ن أرب اب ه ذه الص ناعة وحف ظ الكثي ر‬ ‫منها ‪.‬‬ ‫‪ -5‬معرفة األحكام السلطانية في اإلمامة واإلمارة والقض اء والحس بة وغي ر‬ ‫ذلك ‪.‬‬ ‫‪ -8‬حفظ القرآن الكريم‪ ،‬والتدرب باستعماله‪ ،‬وإدراجه في مطاوي الكالم ‪.‬‬ ‫‪ -7‬حفظ ما يحتاج إليه من األخبار الواردة عن النبي ‪ ‬والس لوك به ا مس لك‬ ‫القرآن الكريم في االستعمال ‪.‬‬ ‫‪ -6‬عل م الع روض والق وا ف ي ال ذي يق ام ب ه مي زان الش عر‪ ،‬وه و مخ تص‬ ‫بالناظم دون الناثر ‪.‬‬ ‫ويرى أن الذوق ال بد له من ضوابط تحميه‪ ،‬فعلى الشاعر معرفة العروض "‬ ‫ألن الذوق قد ينبو عن بعض الزحافات‪ ،‬ويكون ذلك جائ ًزا في العروض‪ ،‬وقد ورد‬ ‫للعرب مثله‪ ،‬فإذا كان الشاعر غير عالم به لم يف رق ب ين م ا يج وز من ه وم ا ال‬ ‫يجوز" (‪. )3‬‬ ‫وك ذلك ف إن الش اعر يحت اج إل ى العل م ب القوافي والحرك ات؛ ل يعلم ال روي‬

‫(‪ )3‬انظ ‪ :‬المدل الس إ ق ‪ 0‬ص ‪.35‬‬ ‫(‪ )4‬انظ ‪ :‬المصي الس ةق ق ‪ 0‬ص ‪.41‬‬

‫(‪ )0‬المدل الس إ ق‪ 0‬ص ‪ 60‬واو ةذلك خ لف اةا حة حة الذي ر ى أا مرا صرح حةعر لرت تريج‬ ‫إل االسيع نح اا نظت الشع ة لع وض انظ ‪ :‬ا‬

‫‪-070-‬‬

‫الشع الةا حة حة ‪.‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬ ‫(‪)1‬‬

‫والردف وما يصح من ذلك وما ال يصح ‪.‬‬ ‫ج‪ -‬أن ما قرره ابن األثير في حديثه عن الذوق وثقافة الناق د ك ان مح ل إش ادة‬ ‫د‪ /‬عب د الحك يم‬ ‫وتق دير عن د كثي ر م ن النق اد المح دثين والمعاص رين‪ ،‬يق ول‬ ‫راضي‪ :‬ومن أكثر النقاد العرب توفية لموضوع الثقافة التي يحتاجها األديب ضياء‬ ‫الدين بن األثير في مقدمة كتاب ه " المث ل الس ائر"‪ ،‬وذل ك ف ي حديث ه ع ن آالت عل م‬ ‫البيان وأدواته(‪. )2‬‬ ‫و في مجال االعتداد بالذوق يقول د‪ /‬محمد زغلول سالم‪ :‬ملكة الذوق ال غنى‬ ‫ألي ناقد عنها؛ ألنها تمكنه من التعرف على مواطن الجمال والقبح فيما يعرض له‬ ‫من النصوص(‪. )3‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫ويقول د‪ /‬محمد مندور‪ :‬في مجال األدب ال يمكن أن يحل شيء محل الذوق‬ ‫‪ ،‬ف إن ال ذوق الس ليم ه و مرجعن ا األخي ر ف ي دراس ة األدب‪ ،‬ويج ب أن يظ ل ذل ك‬ ‫المرج ع(‪ ، )5‬لكن ه ال يطل ق العن ان له ذا ال ذوق‪ " ،‬فعلين ا أن نع رف كي ف نمي زه‪،‬‬ ‫ونقدره‪ ،‬ونراجعه‪ ،‬ونحدده"(‪. )6‬‬

‫(‪ )0‬المدل الس إ ق ‪ 0‬ص‪.62‬‬

‫(‪ )2‬نظ ح الاغح ف النقي ابية ي‪ /‬اةي التك ت اض‬

‫ص ‪.072‬‬

‫(‪ )3‬ي ر خ النقرري ابية ر والةًلغررح تي ر الق ر ا ال اةررا الهة ر ي ي‪ /‬متمرري زغاررول سررًلت ص ‪ 04‬ح‪/‬‬ ‫منشأ المع ف اإلسكني ح سنح ‪0982‬ت‪.‬‬

‫(‪ )4‬النقي المنهة اني الع ب ي‪ /‬متمي منيو ص ‪ 412‬ح‪ /‬نهضح مص‬ ‫(‪ )5‬ف الم زاا الةي ي ي‪ /‬متمي منيو ص ‪.093‬‬

‫(‪ )6‬النقي المنهة اني الع ب ي‪ /‬متمي منيو ص ‪.414‬‬

‫‪-072-‬‬

‫سنح ‪0996‬ت‪.‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫الطبع والصنعة(‪:)1‬‬ ‫تأتي نظرة ابن األثير إل ى قض ية الطب ع والص نعة امت دادًا لنظرت ه إل ى ال ذوق‬ ‫واألدوات‪ ،‬فمالك األمر كله الطبع‪ ،‬فإنه إذا لم يكن هناك طبع ف إن تحص يل اآلالت‬ ‫واألدوات ال يغني شيئًا ؟"(‪. )2‬‬ ‫ف إذا رك ب هللا تع الى ف ي اإلنس ان طب ًع ا ق ابالً له ذا الف ن افتق ر بع د ذل ك إل ى‬ ‫تحصيل أدوات وآالت صناعته(‪. )3‬‬ ‫على أن صاحب الطبع ف ي المنظ وم ق د يجي د ف ي الم ديح دون الهج اء‪ ،‬أو ف ي‬ ‫الته اني‪ ،‬أو ف ي الته اني دون‬ ‫الهجاء دون المديح‪ ،‬أو يجيد في المراثي دون‬ ‫المراثي‪ ،‬وكذلك صاحب الطبع في المنثور(‪.)4‬‬ ‫وهو ما سبق إليه ابن قتيبة‪ ،‬حيث يرى أن الشعراء مختلفون في الطبع‪ ،‬فمنهم‬ ‫من يسهل علي ه الم ديح ويعس ر علي ه الهج اء‪ ،‬وم نهم م ن يتيس ر ل ه الرث اء ويتع ذر‬ ‫عليه الغزل‪ ،‬فـ " المديح بناء والهجاء بناء‪ ،‬وليس كل بان بضرب بانيًا بغيره" (‪. )5‬‬ ‫‪.‬‬ ‫وقض ية الطب ع والص نعة ف ي البالغ ة العربي ة القديم ة ه ي قض ية الموهب ة‬ ‫والتقليد في النقد األدبي الحديث‪ ،‬ولم يكن االختالف ب ين الق ديم والح ديث أكث ر م ن‬ ‫اختالف في المصطلح ال في المفاهيم(‪. )6‬‬ ‫(‪ )0‬خياف النق ي تول اذا المصحاح‪ :‬الحةا والصنعح أو الحةا واليصنا أو الحةا واليكاف وأخ اا‬ ‫اضت ةر ا‬ ‫ف النقي ابية التي ‪ :‬المواةح واليقا ي والذي ن ي أا نؤكي اا او أا دمح ف قا و ا‬ ‫ةياا يأي‬ ‫الصنعح واليصنا ف لصنعح امل يحاب الةهي والمع ن والينق ح واليدق ف وقي ينيج إ ا‬ ‫لما تصل أيواا الفا وامياك لالير واليصرنا يكارف ومرا اليكارف المقرا ولارنفس مرا اليصرنا‬

‫نف ‪ .‬انظ ف ذلك‪ :‬قضر‬

‫النقري ابيةر التري‬

‫بسري ذن الم تروت ي‪ /‬متمري السرعيي ف اروي ص‬

‫‪ 87‬ح‪ /‬يا الحة اح المتمي ح سنح ‪0399‬ار‪0979 /‬ت ح‪ /‬يا الدق فح لانش واليوز ا سنح‬ ‫‪0983‬ت و اةررا ‪ :‬العمرري الةررا ش ر ق‬ ‫لاق ض الة ة ن ص ‪.09‬‬

‫‪ 0‬ص ‪ 031 029‬والوس ر حح ة ر ا المينة ر وخصرروم‬

‫(‪ )2‬المدل الس إ ق ‪ 0‬ص ‪.38‬‬ ‫(‪ )3‬المصي الس ةق ق ‪ 0‬ص ‪.41‬‬

‫(‪ )4‬انظ ‪ :‬المصي الس ةق ق ‪ 0‬ص ‪.38‬‬

‫(‪ )0‬الشع والشع ال الةا قي ةح ص ‪ 43‬وانظ ‪ :‬قض‬ ‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬الم ا المقع ص ‪.458‬‬

‫‪-073-‬‬

‫النقي ابية التي‬

‫ص ‪.83‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫ويرى بعض النقاد المحدثين أن البالغة العربية القديمة تؤكد ريادته ا المطلق ة‬ ‫في تطوير وعي مبكر بهذا الركن من أركان النظرية األدبية(‪. )1‬‬ ‫وما ذهب إليه ابن األثير – من أن المدار أوالً عل ى الطب ع‪ ،‬ث م ي أتي بع د ذل ك‬ ‫دور األدوات في ص قل ه ذا الطب ع وتهذيب ه – أم ر أك ده كثي ر م ن النق اد المح دثين‬ ‫والمعاصرين‪ ،‬فـ " أهمية الموهبة كشرط لإلبداع أمر مف روغ من ه"(‪ ، )2‬ول يس ف ي‬ ‫إمكاننا أن نتصور صنعة في الفن ال ترتد إلى حس مرهف وقلب حي وعقل نابض‬ ‫ض ا م ن أع راض الج واهر‪ ،‬وك ل‬ ‫إال أن تك ون ص نعة باهت ة‪ ،‬وقش ور ط الء‪ ،‬وعر ً‬ ‫ذلك يزول بعد حين‪ ،‬وال يبقى إال بمقدار اللذة من ه‪ ،‬وه ي ل ذة موقوت ة‪ ،‬ال يق در له ا‬ ‫أن تعيش في أعماق الزمان(‪. )3‬‬ ‫لكن هذه الموهب ة ال ب د له ا م ن تعه د طوي ل حت ى ي درك المب دع إدرا ًك ا دقيقً ا‬ ‫معاني األصول األدبية األصيلة‪ ،‬ويحسها في أعماق ه إحسا ًس ا يف يض علي ه بص ور‬ ‫جديدة حية قوية نابضة(‪. )4‬‬

‫رأيه في البديع ‪:‬‬ ‫يمكن أن نخلص من دراسة اب ن األثي ر للب ديع ف ي كتاب ه "المث ل الس ائر" إل ى‬ ‫أمرين أساسيين‪:‬‬ ‫األمر األول‪ :‬أن البديع عند ابن األثير ل يس مج رد حلي ة أو زين ة لفظي ة‪ ،‬إنم ا‬ ‫ه و ف ي ص ميم العم ل األدب ي‪ ،‬وف ي ص لب ت أليف األلف اظ المركب ة(‪ ،)5‬وينبغ ي أن‬ ‫يكون اللفظ فيه تابعًا للمعنى‪ ،‬ال أن يك ون المعن ى في ه تاب ًع ا للف ظ‪ ،‬فإن ه يج يء عن د‬ ‫ذلك كظاهر مموه عن باط ل مش وه‪ ،‬ويك ون مثل ه كغم د م ن ذه ب عل ى نص ل م ن‬ ‫خشب‪.‬‬ ‫ف إذا ص ورت ف ي نفس ك معن ى م ن المع اني‪ ،‬ث م أردت أن تص وغه بلف ظ‬ ‫مسجوع‪ ،‬ولم يواتك ذلك إال بزيادة في ذلك اللفظ أو نقصان منه‪ ،‬وال يكون محتاجًا‬ ‫إلى الزيادة وال إلى النقصان‪ ،‬وإنما تفعل ذلك ألن المعنى ال ذي قص دته يحت اج إل ى‬ ‫لفظ يدل عليه‪ ،‬وإذا دللت بذلك اللفظ ال يك ون مس جوعًا إال أن تض يف إلي ه ش يئًا أو‬ ‫(‪ )3‬انظ ‪ :‬الم ةا الس ةق ص ‪.458‬‬ ‫(‪ )4‬الم ةا الس ةق ص ‪.461‬‬ ‫(‪ )5‬انظ ‪ :‬اية ا ا النقي ابية الع ة بسي ذن الم توت ي‪ /‬متمي السعيي ف اوي ص ‪.263‬‬ ‫(‪ )0‬ف النقي ابية ي‪ /‬شوق ض ف ص‪ 079‬وانظ ‪ :‬الم ا المقع ي‪/‬اةي العز ز تموي ص‪.460‬‬ ‫(‪ )2‬المدل الس إ ق‪ 0‬ص‪.203‬‬

‫‪-074-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫ت نقص من ه‪ ،‬ف إن فعل ت ذل ك فإن ه ال ذي ي ذم م ن الس جع ويس تقبح ؛ لم ا في ه م ن‬ ‫التكلف(‪.)1‬‬ ‫األمر اآلخر‪ :‬أنه نظر إل ى الب ديع بع ين االعت دال‪ ،‬فل م ينك ره عل ى إطالق ه أو‬ ‫يقبله على إطالقه‪ ،‬إنما قبل منه ما جاء عف ًوا غير متكلف‪ ،‬يقول‪ :‬إن هذه األص ناف‬ ‫ من التصريع‪ ،‬والترصيع‪ ،‬والتجنيس‪ ،‬وغيرها ‪ -‬إنما يحسن منها في الكالم ما قل‬‫وجرى مجرى الغرة من الوجه‪ ،‬أو كان كالطراز من الثوب‪ ،‬فأما إذا تواترت فإنها‬ ‫ال تكون مرضية لما فيها أمارات الكلفة(‪ ، )2‬وأما إذا كان محموالً على الطب ع غي ر‬ ‫متكلف فإنه يجيء في غاية الحسن(‪.)3‬‬ ‫وما ذهب إليه ابن األثير ‪ -‬من ضرورة أن يكون اللفظ في البديع تابعًا للمعنى‬ ‫ال العكس‪ -‬قد تبنته ودعت إليه الدراسات األسلوبية والنقدية الحديثة‪ ،‬يقول د ‪ /‬عب د‬ ‫القادر عبد الجليل‪ :‬إن علم البديع ينتج عنه شحنة بالغية مقص دها تحس ين المعن ى‪،‬‬ ‫المعنى أوالً وبالذات‪ ،‬واللفظ ثانيًا وبالعرض(‪. )4‬‬ ‫وقد أدخلت هذه الدراسات البديع في باب األسلوبيات‪ ،‬وجعلت ه قس ي ًما للمع اني‬ ‫والبيان ال زائدًا عليهما‪ ،‬وراعت فيه المستويين‪ :‬الصوتي والداللي معًا(‪. )5‬‬ ‫فالتصريع‪ ،‬وتشابه األطراف‪ ،‬ورد العجز عل ى الص در‪ ،‬واإلرص اد‪ ،‬وتردي د‬ ‫الحبك‪ ،‬والمشاكلة‪ ،‬وغيرها من فنون البديع ‪ -‬قيم تعبيرية ترد في الكالم فتؤثر في ه‬ ‫صوتيًا ودالليًا من خالل ارتباطها بموقع معين من الس ياق‪ ،‬تعم ل م ن خالل ه عل ى‬ ‫إغالق المعنى‪ ،‬أو مده‪ ،‬أو إكماله‪ ،‬أو بتره‪ ،‬على حسب مقتضيات المقام ال ذي مث ل‬ ‫ عند القدماء ‪ -‬البعد المكاني لألداء الفني(‪.)6‬‬‫وق د درس بع ض النق اد األس لوبيين الب ديع ف ي إط ار م ا يطلق ون علي ه "عل م‬ ‫(‪)9‬‬ ‫الصوتيات الشعرية"(‪ ،)7‬و "علم الرسم الشعري"(‪ ،)8‬و "فن الجمالي ات البنائي ة"‬

‫(‪ )3‬المصي الس ةق الموضا نفس ‪.‬‬ ‫(‪ )0‬المدل الس إ ق‪ 0‬ص‪.259‬‬

‫(‪ )2‬المصي الس ةق ق‪ 0‬ص‪.003‬‬ ‫(‪ )3‬ابساوة ح ودًلد ح اليواإ الةًلغ ح ي‪ /‬اةي الق ي اةي الةا ل ص‪.509‬‬ ‫(‪ )4‬الةًلغح وابساوة ح لمتمي اةي المحاب ص‪.313 312‬‬

‫(‪ )0‬ةيل ح اإلف اي والي ك ب ف النقي الع ة القي ت ي‪ /‬متمي اةي المحاب ص‪.305 304‬‬

‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬ف الةًلغح الع ة ح وابساوة ا الاس ن ح‪ :‬لف ق ةي ي ي‪ /‬سعي مصاوح ص‪.77‬‬ ‫(‪ )3‬انظ ‪ :‬الم ةا الس ةق ص‪.77‬‬

‫‪-075-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫البنائية"(‪. )1‬‬ ‫وأرى أن ما ذهب إليه ابن األثير ‪ -‬م ن ض رورة أن يك ون المعن ى ف ي الب ديع‬ ‫تابعًا للفظ‪ ،‬وأن يجرى استعماله في الكالم مج رى الغ رة م ن الوج ه‪ ،‬دون إس راف‬ ‫أو تكلف ‪ -‬يعد ضابطًا جيدًا وواعيًا لهذا الفن‪ ،‬وأن ابن األثي ر ق د س بق ب ذلك كثي رًا‬ ‫م ن النق اد والبالغي ين ال ذين تبن وا ه ذه الرؤي ة بع د أن رأوا أن اإلس راف ف ي‬ ‫استخدام المحسنات البديعية إنما يأتي على حس اب المعن ى ويك ون عبئً ا ثق يالً عل ى‬ ‫النص األدبي(‪. )2‬‬

‫التماسك النصي ‪:‬‬

‫يش ير أح د ال ُكت اب األس لوبيين إل ى ج رأة اب ن األثي ر وتف رده م ن ب ين النق اد‬ ‫القدماء بنظرته إلى تضمين اإلسناد‪ ،‬وهو احتياج البيت في تمام معناه إلى البيت أو‬ ‫األبيات التي تليه(‪ ،)3‬حيث كانت وحدة البيت واستقالل معناه محل اعتبار لدى أكثر‬ ‫أكثر النقاد القدماء‪ ،‬لكن اب ن األثي ر ال يع ده عيبً ا(‪ )4‬؛ "ألن ه إن ك ان س بب عيب ه أن‬ ‫يُعلق البيت األول على الثاني‪ ،‬فليس ذلك بسبب يوجب عيبًا‪ ،‬إذ ال فرق بين البيت ين‬ ‫م ن الش عر ف ي تعل ق أح دهما ب اآلخر وب ين الفق رتين م ن النث ر ف ي تعل ق إح داهما‬ ‫باألخرى"(‪. )5‬‬ ‫ويرى هذا الكاتب أننا لو تبنينا نظرة ابن األثير هذه لكانت القصيدة كالسبيكة الواحدة‪،‬‬ ‫ال يس تطيع أح د أن ي دعي تفككه ا وتش تت أجزائه ا‪ ،‬أو خلوه ا م ن وح دتها الت ي ينش دها‬ ‫(‪ )4‬انظ ‪ :‬ابساوة ح ودًلد ح اليواإ الةًلغ ح ي‪ /‬اةي الق ي اةي الةا ل ص‪.508‬‬

‫(‪ )5‬انظر ‪ :‬الفنرروا الةي ع ررح فر ياإر الةتر الةًلغر ي‪ /‬فرروزى السر ي اةرري ةر ص‪ 27‬ح‪ /‬محةعررح‬ ‫التس ا اإلسًلم ح سنح ‪0418‬ار‪0988/‬ت‪.‬‬ ‫(‪ )0‬ع ف اةا ش ق اليضم ا ةأن يعاق الق ف ح أو لفظح مم قةاهر ةمر ةعريا و قرول‪ :‬وكامر ك نرا‬ ‫الافظح الميعاقح ة لة ا الد ن ةع ي اا الق ف ح ك ا أسهل ا اة ما اليضم ا‪ .‬انظ ‪ :‬العمي‬ ‫ص‪.070‬‬

‫‪0‬‬

‫واليضررم ا الررذى ال رريت الكررًلت إال ةر عرري مررا ا رروب القرواف انرري الع وضر ا و سررم ةعضررهت‬

‫اليضررم ا القة ر ح‪ .‬انظ ر ‪ :‬المةمواررح الواف ررح ةعام ر الع ر وض والق ف ررح بسرري ذن الم ترروت ي‪ /‬اةرري‬ ‫السًلت أةو النة س ت ا ص‪ 086‬ح‪ /‬المؤلف سنح ‪0415‬ار‪0985/‬ت‪.‬‬

‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬ابساوة ح ونظ ح النص ي‪ /‬إة اا ت خا ل ص‪.56‬‬ ‫(‪ )3‬انظ ‪ :‬المدل الس إ ق‪ 3‬ص‪.210‬‬

‫‪-076-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫المبدع‪ ،‬وتع ين المتلق ي عل ى التفاع ل م ع ال نص تف اعالً يمكن ه م ن الوق وف عل ى مزاي اه‬ ‫المتمثلة في انضباطه وتنظيمه الداخلي(‪. )1‬‬ ‫ومما يتص ل برؤي ة اب ن األثي ر للتماس ك النص ي دعوت ه إل ى حس ن ال تخلص‪،‬‬ ‫يقول‪ :‬أما التخلص فهو أن يأخذ مؤلف الكالم في معنى من المعاني‪ ،‬فبينا هو فيه إذ‬ ‫أخذ في معنى آخر غيره‪ ،‬وجعل األول سببًا إليه‪ ،‬فيكون بعضه آخ ًذا برقاب بعض‪،‬‬ ‫من غير أن يقطع كالمه ويستأنف كال ًما آخ ر‪ ،‬ب ل يك ون جمي ع كالم ه كأنم ا أف رغ‬ ‫إفرا ًغا‪ ،‬وذلك مما يدل على حذق الشاعر وقوة تصرفه(‪. )2‬‬ ‫ومما جاء من التخلصات الحسنة قول أبي الطيب في قصيدة يمدح بها سيف‬ ‫الدولة(‪:)3‬‬ ‫خَ ليلَي إني ال أرى غير شاعر‬ ‫(‪)4‬‬ ‫الدعوى َومني القصائ ُد‬ ‫َفلم من ُه ُم‬ ‫َ‬ ‫فال تعجبا إن السيـوفَ كثيـرةٌ‬ ‫َولكن سيفَ الدولَة اليـــــو َم واح ٌد‬ ‫فهذا هو الكالم اآلخ ذ بعض ه برق اب بع ض‪ ،‬أال ت رى إل ى الخ روج إل ى م دح‬ ‫الممدوح في هذه األبيات كأنه أفرغ في قالب واحد؟(‪. )5‬‬ ‫وال ش ك أن ال دعوة إل ى التماس ك النص ي ووح دة العم ل الفن ي تع د م ن أه م‬ ‫قضايا النقد األدبي الحديث(‪. )6‬‬

‫السرقات األدبية‪:‬‬ ‫عندما وص ل موض وع الس رقات األدبي ة إل ى عص ر اب ن األثي ر ك ان ق د أخ ذ‬ ‫نص يبًا واف رًا م ن الدراس ة عن د ك ل م ن اب ن طباطب ا(‪ ،)7‬والقاض ي الجرج اني(‪،)8‬‬ ‫واآلمدي(‪ ،)9‬وأبي هالل العسكري(‪ ،)1‬وعبد القاهر(‪ ،)2‬وغيرهم‪ ،‬و "كان البالغيون‬ ‫(‪ )4‬انظ ‪ :‬ابساوة ح ونظ ح النص ي‪ /‬إة اا ت خا ل ص‪.56‬‬

‫(‪ )0‬المدل الس إ ق‪ 0‬ص‪.020‬‬ ‫(‪ )2‬المصي الس ةق ق‪ 3‬ص‪.024‬‬ ‫(‪" )3‬لت" لًلسيفه ت يخاا الت الة اا "م االسيفه م ح" فتذف ألفه وسكنا الم ت لض و الشع ‪.‬‬ ‫(‪ )4‬المدل الس إ ق‪ 3‬ص‪.025‬‬ ‫(‪ )5‬اةا فر ذلرك‪ :‬فر النقري ابيةر ص‪ 053‬وقضر النقري ابيةر التري ص‪ 96‬والة ر ا الع ةر‬ ‫ص‪ 299‬واات ابساوب‪ ..‬مة يإ واة الاي ص‪ 015‬وياللح الس ق ص‪.629‬‬ ‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬ا‬

‫الشع ص‪ 79‬وم ةعيا ‪.‬‬

‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬الوس حح ة ا المينة وخصوم ص‪ 083‬وم ةعيا ‪.‬‬ ‫(‪ )3‬انظ ‪ :‬الموازنح ة ا شع أة يم ت والةتي ي لآلمريي‬

‫‪-077-‬‬

‫‪ 0‬ص‪023‬رر ‪ 027‬وص‪ 346‬ومر ةعريا‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫البالغيون العرب انتهاء بعبد القاهر قد قتلوا الموضوع بحثً ا وج دالً‪ ،‬ووص لوا ف ي‬ ‫نهاية األمر إلى تقنين شبه محدد إلى ما يمكن اعتباره تأثيرًا وما يمكن اعتباره ً‬ ‫نقال‬ ‫وسرقة"(‪.)3‬‬ ‫وال تكاد رؤية ابن األثير للسرقات تخرج عم ا اس تقر علي ه النق اد قبل ه م ن أن‬ ‫السرق ال يقع في األلفاظ المفردة‪ ،‬وال في المعاني المختلفة‪ ،‬وال في المعاني العام ة‬ ‫المش تركة‪ ،‬وال ف ي المع اني المستفاض ة المتداول ة‪ ،‬إنم ا يق ع ف ي المعن ى الب ديع‬ ‫المخترع‪.‬‬ ‫ويحسب البن األثير في هذا الباب أمران‪:‬‬ ‫األمر األول‪ :‬كثرة شواهده وتطبيقاته التي تدل على سعة علمه واطالعه على‬ ‫منظوم الكالم ومنثوره‪ ،‬مما أس هم ف ي نش اط النق د التطبيق ي‪ ،‬يق ول د‪ /‬عب د العزي ز‬ ‫حم ودة‪ :‬إن الج دل ال ذي انش غل ب ه البالغي ون الع رب مبك رًا ح ول س رقة المع اني‬ ‫وتداعيها‪ ،‬واقتباس الصور أو تقاربه ا ‪ -‬ك ان البداي ة الحقيقي ة للنق د التطبيق ي الق ائم‬ ‫على قراءة لصيقة للنص‪.‬‬ ‫وأهمي ة ذل ك تاريخيً ا أن الح ديث ف ي أم ور الس رقات الش عرية ف ي تل ك المرحل ة‬ ‫المبك رة‪ ،‬وقب ل أي ت أثر حقيق ي بالنظري ات واألفك ار الواف دة أَص ل الممارس ات التطبيقي ة‬ ‫تأصيالً كامالً في الفكر العربي وثقافته‪ ،‬ث م إن ذل ك الج دل التطبيق ي ه و ال ذي ف تح الب اب‬ ‫أمام التنظير البالغي والنقدي فيما بعد(‪. )4‬‬ ‫األمر اآلخر‪ :‬أن ابن األثير استوعب ما كتبه النق اد الس ابقون وأع اد ص ياغته‬ ‫وتقنينه(‪. )5‬‬ ‫وإن كان يحسب عليه أنه قد أسرف في التقسيم والتفريع‪ ،‬مما أفقد بعض تقس يماته‬ ‫الدقة العلمية‪ ،‬وجعل تعريفه لبعض األقس ام غي ر ج امع وال م انع‪ ،‬فإن ه ق د قس م الس رق‬ ‫إلى خمسة أقسام‪ ،‬ذكر ثالثة منها‪ ،‬هي (‪: )6‬‬ ‫يتق ق‪ :‬الس ي أتمي صق‬

‫ح‪ /‬يا المع ف سنح ‪0992‬ت‪.‬‬

‫(‪ )4‬انظ ‪ :‬الصن اي ا ص‪ 207‬وم ةعيا ‪.‬‬

‫(‪ )5‬انظ ‪ :‬أس ا الةًلغح ص‪ 303‬وم ةعيا ‪.‬‬

‫(‪ )6‬الم ا المقع لعةي العز ز تموي ص‪.444‬‬ ‫(‪ )0‬الم ا المقع‬

‫ي‪/‬اةي العز ز تموي ص‪.443 442‬‬

‫(‪ )2‬المدل الس إ ق‪ 3‬ص‪ 208‬وم ةعيا ‪.‬‬ ‫(‪ )3‬المصي الس ةق ق‪ 3‬ص‪.222‬‬

‫‪-078-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪ - 0‬النسخ‪ ،‬وهو أخذ اللفظ والمعنى برمته من غير زيادة عليه‪.‬‬ ‫‪ - 2‬السلخ‪ ،‬وهو أخذ بعض المعنى ‪.‬‬ ‫‪ - 4‬المسخ‪ ،‬وهو إحالة المعنى إلى ما دونه ‪.‬‬ ‫ثم قال‪ :‬وهناك قسمان آخران(‪: )1‬‬ ‫أحدهما‪ :‬أخذ المعنى مع الزيادة عليه‪.‬‬ ‫واآلخر‪ :‬عكس المعنى إلى ضده ‪.‬‬ ‫وفي حديثه عن الس لخ جعل ه اثن ي عش ر ض ربًا‪ ،‬الض رب الراب ع منه ا‪ :‬أن يؤخ ذ‬ ‫المعنى فيعكس(‪ ،)2‬والضرب السادس‪ :‬أن يؤخذ المعنى فيزاد عليه معنى آخر(‪. )3‬‬ ‫داخ الن‬ ‫وعلي ه فالقس مان األخي ران م ن تقس يمه الخماس ي ألن واع الس رقات‬ ‫(‪)4‬‬ ‫التفريعات ‪.‬‬ ‫في القسم الثاني وهو السلخ‪ ،‬فما كان أغناه عن كثرة هذه‬

‫القديم والحديث‪:‬‬ ‫يسلك ابن األثير في عداد النقاد المنصفين في نظ رتهم إل ى الق ديم والمح دث‪ ،‬فإن ه‬ ‫ال ينظر إلى القديم بعين اإلج الل لتقدم ه‪ ،‬وال إل ى المح دث بع ين االزدراء لت أخره‪ ،‬ب ل‬ ‫ينظر بعين النصفة والعدل إلى كل من الفريقين‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬ ‫وهو بذلك يتابع كالً من ابن قتيبة (‪ )5‬والقاضي الجرجاني في إنصافهما للمحدثين‪،‬‬ ‫للمحدثين‪ ،‬يقول‪ :‬ولم أكن ممن أخذ بالتقليد والتسليم في اتباع من قصر نظره عل ى الش عر‬ ‫القديم‪ ،‬إذ المراد من الشعر إنما هو إيداع المعنى الشريف في اللفظ الجزل اللطي ف‪ ،‬فمت ى‬ ‫ُوجد ذلك فكل مكان خيمت فيه فهو ببابل(‪. )7‬‬ ‫وينكر على ابن األعرابي انحيازه إلى جانب الش عر الق ديم‪ ،‬ويس تنكر م ا ك ان‬ ‫منه عندما أُنشد أرجوزة على أنها ألحد الشعراء القدماء فاستحسنها وق ال‪ :‬ه ذا ه و‬

‫(‪ )0‬المدل الس إ ق‪ 3‬ص‪.222‬‬

‫(‪ )2‬المصي الس ةق ق‪ 3‬ص‪.244‬‬ ‫(‪ )3‬المصي الس ةق ق‪ 3‬ص‪.249‬‬ ‫(‪ )4‬انظ ‪ :‬ض ل الي ا ةا ابد‬

‫وةهويا ف النقي ي‪ /‬متمي زغاول سًلت ص‪ 292‬والنقي المنهةر‬

‫اني الع ب ي‪ /‬متمي منيو ص‪.372 - 371‬‬

‫(‪ )5‬انظ ‪ :‬الشع والشع ال الةا قي ةح ص‪.23‬‬

‫(‪ )6‬انظ ‪ :‬الوس حح لاق ض الة ة ن ص‪.51‬‬ ‫(‪ )0‬المدل الس إ ق‪ 3‬ص‪.225‬‬

‫‪-079-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫الديباج الخسرواني(‪ ،)1‬ثم استكتبها‪ ،‬فلما أنهاها قي ل ل ه‪ :‬ه ذه ألب ي تم ام‪ ،‬فق ال‪ :‬م ن‬ ‫أج ل ذل ك أرى عليه ا أث ر الكلف ة‪ ،‬ث م ألق ى الورق ة م ن ي ده‪ ،‬وق ال‪ :‬ي ا غ الم خ رق‬ ‫خرق(‪. )2‬‬ ‫وفي حديثه عن التخلص واالقتضاب يرى أن حسن التخلص دليل عل ى ح ذق‬ ‫الشاعر وقوة تصرفه‪ ،‬وأن المحدثين تصرفوا ف ي ال تخلص فأب دعوا وأظه روا من ه‬ ‫كل غريبة(‪. )3‬‬ ‫أما االقتضاب فإنه ضد التخلص‪ ،‬وذلك أن يقطع الشاعر كالمه الذي هو في ه‪،‬‬ ‫ويس تأنف كال ًم ا غي ره م ن م ديح أو هج اء أو غي ر ذل ك‪ ،‬وال يك ون للث اني عالق ة‬ ‫باألول‪ ،‬وهو مذهب العرب ومن يليهم من المخضرمين(‪. )4‬‬ ‫فإنه يرى أن المحدثين أبدعوا في تخلصهم‪ ،‬وتفوقوا في ذلك على أسالفهم من‬ ‫الجاهليين والمخضرمين‪.‬‬ ‫وال شك أن نظرة اب ن األثي ر إل ى الق ديم والمح دث تتس م بالدق ة والموض وعية‪ ،‬ف إن‬ ‫هللا عز وجل ‪ -‬كما ذك ر اب ن قتيب ة ‪ -‬ل م يقص ر العل م والش عر عل ى زم ن دون زم ن‪ ،‬وال‬ ‫خص به قو ًما دون قوم‪ ،‬بل جعل ذل ك مش تر ًكا مقس و ًما ب ين عب اده ف ي ك ل ده ر‪ ،‬وجع ل‬ ‫كل قديم حديثًا في عصره(‪ ،)5‬فقديم اليوم كان ح ديث األم س‪ ،‬وح ديث الي وم س يكون ق ديم‬ ‫الغد‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫العدول واالنحراف‬

‫‪:‬‬

‫يعد ابن األثير من أقدم النقاد الذين تحدثوا ع ن مص طلح الع دول‪ ،‬وأسس وا ل ه‬ ‫(‪ )2‬الي ة‬

‫الخس وان ‪ :‬الت‬

‫الف س الف خ ‪.‬‬

‫(‪ )3‬انظ ‪ :‬المدل الس إ ق‪ 3‬ص‪.273‬‬

‫(‪ )4‬انظ ‪ :‬المصي الس ةق ق‪ 3‬ص‪.022‬‬ ‫(‪ )5‬انظ ‪ :‬المصي الس ةق ق‪ 3‬ص‪.020‬‬ ‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬الشع والشع ال ص‪ 23‬ونصوص نقي رح بارًلت النقر ي العر ب بسري ذن الم تروت ي‪ /‬متمري‬ ‫السرعيي ف اروي ص‪ 30 31‬ومح لعر ا فر الكيرب والت ر لاعقر ي ص‪ 231‬ح‪ /‬يا المعر ف‬ ‫سنح ‪0987‬ت‪.‬‬ ‫(‪ )2‬العيول‪ :‬او االنيق ل اا ص غح ما ابلف ظ إل صر غح أخر ى أو ارا أسراوب إلر أسراوب لخر‬ ‫لخصوصر ح قيضر ه المقر ت أو السر ق أمر االنتر اف‪ :‬ف ررأي انرري ةعررض النقر ي م ايفار لاعرريول‬ ‫و ية وز اني ةعضهت اذا المعن إل كون وس اح لكس النظ ت ونقض ما أس س ‪ .‬انظ ‪ :‬الفصل‬ ‫الد ل ما اذا الكي ب‪.‬‬

‫‪-081-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫كظاهرة أسلوبية‪ ،‬فق د ذك ره ‪ -‬باعتب اره انتق االً ع ن ص يغة م ن األلف اظ إل ى ص يغة‬ ‫أخرى أو عن أسلوب إلى أسلوب آخر‪ ،‬لخصوصية تقتضي ذلك ‪ -‬س ت م رات ف ي‬ ‫باب االلتفات وحده(‪ ،)1‬وذكره أو أشار إليه ف ي مواض ع كثي رة‪ ،‬منه ا‪ :‬الع دول ع ن‬ ‫الحقيقة إلى المج از(‪ ،)2‬والع دول ع ن الخط اب بالجمل ة االس مية إل ى الجمل ة الفعلي ة أو‬ ‫العك س(‪ ،)3‬والع دول ع ن ح رف م ن ح روف الج ر إل ى ح رف آخ ر(‪ ،)4‬والع دول ع ن‬ ‫استخدام صيغة من األلفاظ إلى صيغة أخرى(‪ ،)5‬وهو ما يعرف ف ي النق د الح ديث بعملي ة‬ ‫االستبدال(‪. )6‬‬ ‫وقد أورد ابن األثير ف ي مثل ه الس ائر ش واهد كثي رة له ذه الظ اهرة األس لوبية‪،‬‬ ‫منها‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬قول ه تع الى‪     :‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪. )7(     ‬‬ ‫يق ول‪ :‬أال ت رى كي ف ع دل ع ن لف ظ الماض ي هن ا إل ى المس تقبل‪ ،‬فق ال‪ :‬‬ ‫‪ ،   ‬ول م‬ ‫يق ل‪" :‬فأص بحت" عطفً ا عل ى ‪ ،  ‬وذل ك إلف ادة بق اء أث ر‬

‫المطر زمانًا بعد زمان‪ ،‬فإنزال الماء مض ى وج وده‪ ،‬وا خض رار األرض ب اق ل م‬ ‫يمض‪ ،‬وهذا كما تقول‪ :‬أنعم علي فالن فأروح وأغدو شاك ًرا له‪ ،‬ولو قلت‪ :‬فرحت‬ ‫وغدوت شاك ًرا له‪ ،‬لم يقع ذلك الموقع‪ ،‬ألنه يدل على ماض قد كان وانقضى(‪. )8‬‬ ‫ب ‪ -‬قوله تعالى‪    :‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫(‪ )3‬المدل الس إ ق‪ 3‬ص‪.048 046 045 040 037‬‬ ‫(‪ )4‬انظ ‪ :‬المصي الس ةق ق‪ 2‬ص‪.68 64‬‬ ‫(‪ )0‬انظ ‪ :‬المدل الس إ ق‪ 2‬ص‪.090‬‬

‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬المصي الس ةق ق‪ 2‬ص‪.091 089‬‬ ‫(‪ )3‬انظ ‪ :‬المصي الس ةق ق‪ 0‬ص‪.297‬‬ ‫(‪ )4‬انظ ‪ :‬الم ا المقع‬ ‫اةا ابد‬

‫ي‪ /‬اةي العز ز تموي ص‪ 255 252‬وقري فصراا القرول فر العريول انري‬

‫ف الفصل الد ل ما اذا الكي ب‪.‬‬

‫(‪ )5‬سو التج‪ :‬اآل ح ‪. 63‬‬

‫(‪ )6‬انظ ‪ :‬المدل الس إ ق‪ 2‬ص‪.049 048‬‬

‫‪-080-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪    ‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪.     ‬‬ ‫فق ال س بحانه ‪     :‬‬ ‫بلف ظ الماض ي‪ ،‬ث م عط ف علي ه المس تقبل ‪   ‬و ‪‬‬ ‫‪ ، ‬وإنما عدل في ذلك إلى المستقبل الستحضار ص ورة خط ف‬

‫الطير إياه وهوى الريح به(‪. )2‬‬ ‫وذل ك ألن الفع ل المس تقبل يوض ح الح ال الت ي يق ع فيه ا‪ ،‬ويستحض ر تل ك‬ ‫الصورة‪ ،‬حتى كأن السامع يشاهدها(‪. )3‬‬ ‫وق د آث ر اب ن األثي ر مص طلح الع دول عل ى االنح راف‪ ،‬فل م ي ذكر االنح راف‬ ‫كظاهرة أسلوبية في "المثل السائر" كله إال مرة واحدة في حديثه ع ن قول ه تع الى‪:‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪. )4( ... ‬‬

‫يقول ‪ :‬لقد أصرح سبحانه وتعالى الخطاب لما ذكر النعمة(‪ ،)5‬فقال‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪   ‬‬ ‫ال‪  :‬‬ ‫مق‬ ‫‪ ،  ‬ث‬ ‫‪   ‬عطفً ا عل ى‬

‫األول؛ ألن األول موض ع التق رب م ن هللا تع الى ب ذكر نعم ه‪ ،‬فلم ا ص ار إل ى ذك ر‬ ‫الغضب جاء باللفظ منحرفًا عن ذكر الغاضب‪ ،‬فأسند النعمة إليه لفظًا‪ ،‬وروى عن ه‬ ‫(‪ )0‬سو التج‪ :‬اآل ح ‪.30 31‬‬

‫(‪ )2‬انظ ‪ :‬المدل الس إ ق‪ 2‬ص‪.048‬‬ ‫(‪ )3‬انظ ‪ :‬المصي الس ةق ق‪ 2‬ص‪.045‬‬ ‫(‪ )4‬سو الف يتح‪ :‬اآل ح ‪.7‬‬

‫(‪ )5‬أص ح الخح ب‪ :‬أي ص ح ةذك الف ال ف قول يع ل ‪ :‬أنعما‪. ‬‬

‫‪-082-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫لفظ الغضب تحننًا ولطفًا (‪.)1‬‬ ‫وأرى أن في إيثاره مصطلح الع دول عل ى مص طلح االنح راف م ا يش ير إل ى‬ ‫دقته وسالمة ذوقه؛ ألن االنحراف مع كونه ميالً أو انصرافًا عن الشيء إلى غي ره‬ ‫فإن جذره اللغوي يحمل شيئًا من معاني الزيغ والخ روج ع ن طري ق الج ادة‪ ،‬عل ى‬ ‫العكس من الجذر اللغوي للعدول‪ ،‬الذي يحمل في طياته معن ى االس تقامة والتق ويم‪،‬‬ ‫يق ال‪ :‬عدلت ه فاعت دل أي س ويته فاس توى‪ ،‬وقومت ه فاس تقام‪ ،‬وعلي ه ق ول عم ر ب ن‬ ‫الخطاب ‪" : ‬الحمد هلل الذي جعلني في قوم إذا ملت ع دلوني كم ا يع دل الس هم ف ي‬ ‫الثقاف" ‪ ،‬أي‪ :‬قوموني(‪. )2‬‬

‫‪‬‬

‫الخاتمة‬ ‫وختا ًما أسجل اآلتي ‪:‬‬ ‫‪ )0‬أننا لو أعدنا قراءة تراثنا النقدي قراءة واعية منصفة لوقفنا على كثي ر م ن‬ ‫كنوزه ونفائسه ‪ ،‬واتضح لنا ‪ -‬بما ال يدع مجاالً للش ك ‪ -‬أن الحي اة األدبي ة‬ ‫العربية في عصرها ال ذهبي كان ت تم وج بتي ارات وحرك ات نقدي ة ال تق ل‬ ‫حيوي ة وأهمي ة ع ن حرك ة الحي اة األدبي ة والنقدي ة ف ي الق رنين العش رين‬ ‫والحادي والعشرين سواء في أوروبا أم ف ي عالمن ا العرب ي ‪ ،‬وأن القض ايا‬ ‫التي تناولها النقاد العرب القدماء لم تمت بموتهم‪ ،‬ف إن الكثي ر منه ا م ا زال‬ ‫حاض رًا بق وة ف ي ثقافتن ا األدبي ة والنقدي ة ‪ ،‬وم ا زال ق ادرًا عل ى تش كيل‬ ‫منطل ق ق وي ومت ين لنظري ة عربي ة حديث ة ف ي النق د األدب ي تنظ ر بع ين‬ ‫(‪ )0‬المدل الس إ ق‪ 2‬ص‪.037‬‬

‫(‪ )2‬لس ا الع ب الةا منظو ‪ :‬مر ي (اريل) وانظر ‪ :‬الفصرل الد لر ‪ :‬العريول ةر ا القريم ل والمتريد ا‬ ‫ص‪.016 015‬‬

‫‪-083-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫االعتب ار إل ى الماض ي والحاض ر م ًع ا‪ ،‬بحي ث ال تنكف ئ عل ى الق ديم وال‬ ‫تنسلخ منه‪ ،‬وال تنعزل عن الحاض ر واآلخ ر الثق افي ‪ ،‬وال ت ذوب ف ي ه ذا‬ ‫اآلخر ذوبانًا يفقدها خصوصيتها وتميزها‪ ,‬بل تنتقي م ن ه ـذا وذاك الن افع‬ ‫والمفيد ‪ ،‬الذي يتناسب مع حضارتنا وقيمنا وثقافتن ا العربي ة واإلس المية ‪،‬‬ ‫بحي ث تص بح ه ذه النظري ة – عن د نض جها – هويتن ا الواقي ة ف ي مواجه ة‬ ‫تيارات العولمة الجارفة العاتية‪.‬‬ ‫‪ )2‬أن طريق ة التعبي ر ع ن األفك ار أو العواط ف أو األحاس يس إذا ج اءت ف ي‬ ‫أعلى درج ات المش اكلة وإص ابة المح ز ف ي التواف ق والمواءم ة ب ين اللف ظ‬ ‫والمعنى‪ ،‬سواء تضمنت رم ًزا أو قناعًا أم لم تتضمن شيئًا من ذل ك – فإنن ا‬ ‫يمكن أن نطلق عليها مصطلح "المعادل التعبيري" وهو المصطلح األعم ‪.‬‬ ‫‪ )4‬أن هذه الطريقة إذا تض منت رم ًزا أو قنا ًع ا أو خل ق موق ف أو سلس لة م ن‬ ‫المواقف تعادل العواطف والمشاعر واألفكار – فإننا يمكن أن نطلق عليه ا‬ ‫مص طلح "المع ادل الموض وعي" فتك ون العالق ة بين ه وب ين "المع ادل‬ ‫التعبيري" عالق ة عم وم وخص وص مطل ق ‪ ،‬فك ل مع ادل موض وعي ه و‬ ‫معادل تعبيري وال عكس ‪.‬‬ ‫‪ )5‬أن طريقة التعبير اللغوي إذا لم تتضمن رم ًزا وال قنا ًع ا ‪ ،‬وكان ت ف ي قم ة‬ ‫المش اكلة ب ين األلف اظ ومعانيه ا – فإنن ا يمك ن أن نطل ق عليه ا مص طلح‬ ‫"المعادل اللغ وي" وتك ون العالق ة بين ه وب ين "المع ادل التعبي ري" عالق ة‬ ‫عموم وخصوص مطلق‪ -‬أيضًا ‪ ، -‬فكل مع ادل لغ وي ه و مع ادل تعبي ري‬ ‫وال عكس‪.‬‬ ‫‪ )5‬أن الم عادل اللغوي إذا قصد به قمة المشاكلة ب ين اللف ظ ومعن اه فإنن ا يمك ن‬ ‫أن نطل ق علي ه مص طلح "المع ادل اللفظ ي" ‪ ،‬وإذا قص د ب ه قم ة المش اكلة‬ ‫بين الجملة أو العب ارة وم ا تعب ر عن ه م ن عواط ف ومش اعر وأفك ار فإنن ا‬ ‫يمكن أن نطلق عليه مصطلح "المعادل األسلوبي" ‪.‬‬ ‫‪ )8‬أن قض ية المع ادل اللغ وي وإن ل م يتناوله ا نقادن ا الق دماء كمص طلح نق دي‬ ‫فإنها ضاربة بجذور راسخة في تنظيرهم لقضية المواءم ة والمش اكلة ب ين‬ ‫األلفاظ ومعانيها‪ ،‬وفي تطبيقاتهم لهذه القضية‪.‬‬ ‫‪ )7‬أنن ي اخت رت التطبي ق عل ى بع ض جوان ب ال نص القرآن ي‪ ،‬ألن الق رآن‬ ‫الكريم هو – جملة وتفصيالً – ف ي أعل ى درج ات البالغ ة والبي ان‪ ،‬وعل ى‬ ‫‪-084-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫ذروة سنام قمة المشاكلة بين األلفاظ ومعانيها ‪ ،‬وكيف ال يكون كذلك وه و‬ ‫كالم رب العالمين ‪ ،‬ومعجزة اإلسالم الكبرى ؟ لم تلبث الجن إذ سمعته أن‬ ‫‪  ‬‬ ‫الو ا ‪:‬‬ ‫ق‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪ ، ‬وم ا أن س مع أح د األع راب قول ه تع الى‪  :‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪ ،)2(  ‬حتى انطلق لسانه قائالً ‪ :‬أشهد‬

‫أن ه ذا ك الم رب الع المين ال يش به ك الم المخل وقين ‪ ،‬وإال فم ن ه ذا ال ذي‬ ‫يستطيع أن يأمر األرض أن تبلع ماءها فتبلع ؟ ويأمر السماء أن تكف عن‬ ‫إنزال الماء فتقلع؟!‬ ‫ولعل هذه البالغة العالية التي ال تدانيها بالغة ه ي الت ي دفع ت كاتبً ا كط ه‬ ‫حس ين إل ى أن يق و ل‪ :‬الك الم ش عر ونث ر وق رآن‪ ،‬ذل ك ألن الق رآن الك ريم‬ ‫وإن ك ان م ن ج نس كالمه م وح روفهم إال أن ه نس يج وح ده ف ي الفص احة‬ ‫والبالغة والبيان ‪ ،‬إذ ال تكاد ألفاظه تصل إلى األسماع حتى تك ون معاني ه‬ ‫قد وصلت إلى القلوب‪ ،‬ف يهجم علي ك الحس ن من ه دفع ة واح دة‪ ،‬ف ال ت دري‬ ‫أجاءك من جهة لفظه أم من جهة معن اه‪ ،‬وص دق الح ق س بحانه وتع الى إذ‬ ‫ول ‪  ...  :‬‬ ‫يق‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪.)3( ‬‬ ‫(‪ )0‬سو الةا ‪ :‬اآل ي ا ‪. 2 -0‬‬ ‫(‪ )2‬سو اوي ‪ :‬اآل ح ‪. 44‬‬

‫(‪ )0‬سو فصاا ‪ :‬اآل ي ا ‪.42 -40‬‬

‫‪-085-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪‬‬ ‫‪ )6‬أن أدباءنا ونقادن ا الق دماء ك انوا عل ى وع ي كبي ر بالس ياق وأث ره ف ي بني ة‬ ‫ال نص‪ ،‬وإن ل م يطلق وا علي ه ه ذا االس م ‪ ،‬أو يعرف وه بح د أو رس م ‪ ،‬فق د‬ ‫راعوا ما يقتضيه السياق سواء ف ي إش اراتهم إل ى ض رورة مراع اة الح ال‬ ‫والمقام ‪ ،‬أم في حديثهم عن النظم ‪ ،‬أم في ثنايا دراساتهم التطبيقية ‪.‬‬ ‫‪ )9‬أن م ا كتب ه البالغي ون والنق اد الق دماء ح ول الس ياق يع د أسا ًس ا قويً ا‬ ‫للدراسات األسلوبية والسياقية الحديثة والعص رية ‪ ،‬وبخاص ة كتاب ات عب د‬ ‫الق اهر ف ي دالئ ل اإلعج از ‪ ،‬وكتاب ات اب ن األثي ر ف ي المث ل الس ائر‪ ،‬وأن‬ ‫كثي رًا م ن الكت اب المعاص رين المنص فين يع دون اإلم ام عب د الق اهر األب‬ ‫الروح ي للدراس ات األس لوبية والس ياقية ‪ ،‬ويع دون دراس ته لل نظم منطلقً ا‬ ‫قويًا لكثير من قضايا النسق الحداثي ‪.‬‬ ‫أن النقاد المح دثين والمعاص رين فص لوا م ا أجمل ه النق اد الق دماء‬ ‫‪)01‬‬ ‫وح اولوا تقنين ه‪ ،‬فبع د أن ك ان األم ر – ف ي جملت ه – ي دور ح ول ال نظم‬ ‫ومقتضى الحال والمقام وما شابه ذلك صار عن د النق اد المعاص رين أكث ر‬ ‫تفصيالً ‪ ،‬فتحدثوا عن سياق النص بما يشمله م ن بن ى ص وتية وتص ريفية‬ ‫ومعجمية وتركيبية ‪ ،‬وعن سياق الموقف وسياق الثقافة ‪.‬‬ ‫أن الفارق بين رؤية القدماء والمعاصرين للس ياق ه و أن الق دماء‬ ‫‪)00‬‬ ‫ق د انص بت عن ايتهم عل ى دراس ة الكلم ة وموقعه ا م ن الجمل ة ‪ ،‬أو دراس ة‬ ‫ذف أو‬ ‫تقديم أو‬ ‫الجملة وموقعها من النص ‪ ،‬وما يعتريها من‬ ‫تأخير ‪ ،‬أو ح ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ذك ٍر ‪ ،‬أو فص ٍل أو وص ٍل ‪ ،‬ونح و ذل ك ‪ ،‬ف ي ح ين تطل ب المح دثون‬ ‫والمعاصرون تجاوز هذه النظ رة الجزئي ة إل ى دراس ة س ياقية تنظ ر بع ين‬ ‫االعتب ار إل ى ال نص برمت ه ‪ ،‬وتعم د إل ى رب ط الس ياقات المختلف ة بعض ها‬ ‫ببعض ‪ ،‬وال تقتصر على مجرد الربط بين هذه الس ياقات ‪ ،‬ب ل تخ رج م ن‬ ‫ه ذا ال ربط بس مات وخص ائص متمي زة‪ ،‬غي ر أن دراس اتهم التطبيقي ة وإن‬ ‫حاول بعضها مقاربة بعض النصوص بص فة ش مولية ف إن أكثره ا ال يك اد‬ ‫يخرج في مقاربته التحليلية أو النقدية عن تناول القدماء لنصوصهم ‪.‬‬ ‫م ن خ الل رؤيتن ا للدراس ات األس لوبية ‪ ،‬والنص ية ‪ ،‬والبنيوي ة ‪،‬‬ ‫‪)02‬‬ ‫والتفكيكي ة ‪ ،‬وغيره ا ‪ ،‬نؤك د أن نظري ة الس ياق م ن أه م النظري ات ف ي‬ ‫دراس ة وتحلي ل النص وص ‪ ،‬ألنه ا وإن كان ت تعن ى ب النص م ن داخل ه ‪،‬‬ ‫وتركز على دراس ة بن اه ولبنات ه الص وتية والمعجمي ة والداللي ة والبالغي ة‬ ‫‪-086-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫والجمالي ة فإنه ا ال تلغ ي المعطي ات والم ؤثرات الخارجي ة الت ي يمك ن أن‬ ‫تض يء بع ض جوانب ه ‪ ،‬ب ل ال يمك ن أحيانً ا فه م بع ض جوان ب أو أس رار‬ ‫النص إال بالوقوف على هذه المعطيات ‪.‬‬ ‫أن ال وعي بالس ياق ودراس ته يفي د إف ادة بالغ ة ف ي دراس ة ال نص‬ ‫‪)04‬‬ ‫القرآني سواء في تفسيره تفس يرًا تحليليً ا أم ف ي تفس يره تفس يرًا موض وعيًا‬ ‫ينظر إلى اآليات في ض وء س ياقها األكب ر ومقاص دها التش ريعية العام ة ‪،‬‬ ‫كما أنه يفيد األصوليين والفقهاء في بناء قواعدهم الكلية واستنباط أحكامهم‬ ‫التفصيلية ‪ ،‬كما أنه ال غنى عن دراسته لألديب المبدع واألديب الناقد على‬ ‫حد سواء ‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫أن مصطلح " الع دول " يعن ي الخ روج ع ن ص يغة م ن األلف اظ‬ ‫‪)05‬‬ ‫إلى صيغة أخرى أو عن أسلوب إل ى أس لوب آخ ر ‪ ،‬لخصوص ية يقتض يها‬ ‫المقام أو السياق ‪.‬‬ ‫أن العدول بهذا المفهوم ضارب بجذور راسخة في أعم اق تراثن ا‬ ‫‪)05‬‬ ‫األدبي والنقدي ‪ ،‬وأن أدباءنا ونقادنا القدماء كانوا على وعي كبير بمفه وم‬ ‫العدول ‪ ،‬وأنهم أفادوا منه في كثير م ن تطبيق اتهم النقدي ة والبالغي ة ‪ ،‬وأن‬ ‫تناولهم له كان في ضوء ما يقتضيه السياق دون تكلف أو اعتساف ‪.‬‬ ‫أن تناول المحدثين المنصفين للعدول ال يخرج عن تناول الق دماء‬ ‫‪)08‬‬ ‫له إال في بعض التفصيالت وشيء يسير من التنظير ال ذي تقتض يه طبيع ة‬ ‫العصر ‪.‬‬ ‫أن فه م ه ذا المص طلح يش كل منطلقً ا رئي ًس ا لفه م اللغ ة األدبي ة‬ ‫‪)07‬‬ ‫والبنى األسلوبية الت ي يع د الخ روج عل ى ال نمط المث الي الم ألوف م ن أه م‬ ‫خصائص ها ‪ ،‬ويس هم – إل ى ح د كبي ر – ف ي ف ك ش فرات ه ذه اللغ ة وتل ك‬ ‫البنى ‪.‬‬ ‫أن كثيرًا من تخريجات البالغيين على خالف األصل أو خ الف‬ ‫‪)06‬‬ ‫مقتضى الظاهر ال تكاد تفهم فه ًما دقيقًا إال في ضوء الوعي النقدي لمفه وم‬ ‫العدول ‪.‬‬ ‫أن مفهوم العدول جاء واضحًا جليًا عند م ن اس تخدمه م ن النق اد‬ ‫‪)09‬‬ ‫القدماء أو المحدثين المنصفين غير المتحاملين على تراثهم ‪ ،‬في حين أدى‬ ‫تف نن بع ض النق اد والكت اب الح داثيين وم ا بع د الح داثيين ف ي اختي ار‬ ‫‪-087-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫مصطلحات بديلة ولجوء بعضهم إلى نقل مصطلح غربي بديل إلى ارتباك‬ ‫وفوضى في فهم هذا المصطلح ‪ ،‬فجاء محمالً بما ينبئ عن رؤيتهم الحانقة‬ ‫– أو المتوجس ة عل ى أق ل تق دير – تج اه تراثن ا اللغ وي واألدب ي ‪ ،‬فكان ت‬ ‫مص طلحات ع دة ‪ ،‬مث ل ‪ :‬االنح راف ‪ ،‬االنزي اح ‪ ،‬االنته اك ‪ ،‬الش ناعة ‪،‬‬ ‫العص يان ‪ ،‬اإلطاح ة ‪ ،‬خ رق الس نن ‪ ،‬وغي ر ذل ك م ن المص طلحات الت ي‬ ‫تحمل معنى الثورة والتمرد تارة ‪ ،‬والهدم والتدمير ت ارة أخ رى ‪ ،‬وه و م ا‬ ‫صرح به بعض كتاب هذه الحداثة ‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫أن فهم األسرار الكامنة وراء عالق ات الحض ور والغي اب يمك ن‬ ‫‪)21‬‬ ‫أن يسهم في تشكيل رؤية ناضجة لدى كل من المبدع والناقد بأهمية إعمال‬ ‫الفكر في سلسلة البدائل التي يمكن أن ترق ى ب النص إل ى مس توى أفض ل ‪،‬‬ ‫وتجن ب المب دع أو المنش ئ كثي رًا م ن المالحظ ات النقدي ة الت ي يمك ن أن‬ ‫يتعرض لها عمله إذا جاء عفو الخاطر دون إعمال العقل في هذه الب دائل ‪،‬‬ ‫أو دون مراعاة الدقة في اختيار أنسبها وأقربها إلى بنية النص وسياقه ‪.‬‬ ‫وتبلغ الدقة ذروتها حين يبحـث الناقد في سلسلة البدائل المتاحة فيع ود بع د‬ ‫وألي إلى البنية التي اختارها المب دع ‪ ،‬حي ث ال يص لح ف ي موض عها‬ ‫جه ٍد‬ ‫ٍ‬ ‫غيرها ‪ ،‬وال يقوم مقامها بنية سواها ‪.‬‬ ‫كما أن فهم هذه األسرار فه ًما دقيقً ا يس هم – إل ى ح د كبي ر – ف ي تص ور م ا‬ ‫يحمل ه الحاض ر م ن دالل ة عل ى الغائ ب ‪ ،‬أو تش رب لمعن اه ‪ ،‬ويس اعد عل ى‬ ‫ردم الفج وة ب ين الحاض ر والغائ ب ‪ ،‬ب ين المتجل ي والخف ي ‪ ،‬ب ين الم ذكور‬ ‫والمسكوت عنه ‪ ،‬وفـق تعبيــرات الحـداثيين المتعددة ‪.‬‬ ‫أن نقادن ا الق دماء ك انوا عل ى وع ي كبي ر بمفه وم كثي ٍر م ن‬ ‫‪)20‬‬ ‫المصطلحات النقدية الحديثة ‪ ،‬وإن لم يخوضوا في تعريفها ‪ ،‬أو يقفوا عن د‬ ‫تحديدها ذلك التحديد العلمي الدقيق الذي اقتض ته طبيع ة الدراس ات النقدي ة‬ ‫الحديثة وسُنة التطور العلمي ‪.‬‬ ‫فعالقــات الحضـور والغي ـاب كان ت ماث ـلة بوضـ ـوح ف ي أذه انهم ‪ ،‬وق ـد‬ ‫كثير من النم اذج األدبي ة الس تخالص م ا فيه ا م ن‬ ‫أفـادوا منـهـا في تحليل‬ ‫ٍ‬ ‫ألوان الجمال أو رصد ما فيها من مظاهر الركاكة والضعف ‪.‬‬ ‫وبعبارة أخرى ‪ :‬كانت هذه الخاصية م ن أه م مظ اهر تقي يم العم ل األدب ي‬ ‫عندهم ‪ ،‬وهو ما يؤكده بعض النقاد المحدثين والمعاصرين‪.‬‬ ‫عل ى أن المص طلح المتك رر ف ي وص ف العالق ات األفقي ة أو المح ور‬ ‫التتابعي‪/‬التعاقبي عن د نقادن ا الق دماء – ه و ( الج وار ) أحيانً ا و ( الض م )‬ ‫‪-088-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫أحيانًا أخرى ‪.‬‬ ‫والمصطلح المتكرر في وصف العالقة الرأسية أو محور االستبدال ‪-‬‬ ‫عندهم ‪ -‬هو ( االختيار ) ‪ ،‬وهو م ا ي ؤدي المعن ى الح ديث بالكام ل وف ق‬ ‫تعبير بعض النقاد الحداثيين ‪.‬‬ ‫أن بعض البنى اللغوية أو األسلوبية إنما يب رز دوره ا األس لوبي‬ ‫‪)22‬‬ ‫بغيابه ا أكث ر م ن حض ورها ‪ ،‬فم ا م ن بني ٍة لغوي ٍة أو أس لوبي ٍة ح ذفت ف ي‬ ‫الموضع الذي ينبغي أن تحذف فيه إال ك ان ح ذفها هن اك أحس ن وأبل غ م ن‬ ‫ذكرها ‪ ،‬وكان إضمارها في النفس أولى وآنس من النطق بها ‪.‬‬ ‫أن نقادن ا الق دماء ل م ينظ روا إل ى موض وع الحض ور أو ال ذكر‬ ‫‪)24‬‬ ‫بمعزل عن الغياب أو الحذف ‪ ،‬إنما نظروا إلى كل من طرفي ه ذه الثنائي ة‬ ‫في ض وء عالقت ه ب اآلخر واس تدعائه ل ه أو تطلب ه إي اه ‪ ،‬أو م ا يحمل ه م ن‬ ‫تكلف أو اعتساف ‪.‬‬ ‫إشارة إليه أو داللة عليه ‪ ،‬دون‬ ‫ٍ‬ ‫أن تناول النقاد المح دثين لعالق ات الحض ور والغي اب دار – ف ي‬ ‫‪)25‬‬ ‫كثير من المواضع ‪ ،‬وبخاصة‬ ‫جملته – في فلك القدماء ‪ ،‬واقتفي أثرهم في‬ ‫ٍ‬ ‫دير م ن أكث ر النق اد‬ ‫عب د الق اهر الجرج اني ال ذي ك ان مح ل إش اد ٍة وتق ٍ‬ ‫المحدثين والمعاصرين الذين تحدثوا عن هذه القضية ‪.‬‬ ‫عل ى أن بعض هم ق د م ال إل ى مص طلحي الج وار واالختي ار الل ذين‬ ‫اس تخدمهما الق دماء ‪ ،‬ف ي ح ين آث ر بعض هم التعبي ر الح داثي (الحض ور‬ ‫والغياب) ‪ ،‬وحاول وضع تصور نقدي وأساس تنظيري لفهم هذه العالقات‬ ‫‪ ،‬وطبيع ة العالق ة الجدلي ة بينه ا ‪ ،‬ودور ك ل منه ا وأث ره ف ي بني ة ال نص‬ ‫وسياقه ‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫أن كتاب "المثل السائر" البن األثير يعد أنموذجًا جي ًدا للمص ادر‬ ‫‪)25‬‬ ‫األدبي ة والنقدي ة الت ي ينبغ ي إع ادة قراءته ا ف ي حض ور خلفي ة نقدي ة‬ ‫عصرية‪ ،‬وأن هناك مصادر أخرى ‪ :‬ك ـ "الوس اطة" للقاض ي الجرج اني‪،‬‬ ‫و "الموازنة" لآلمدي‪ ،‬و"الص ناعتين" ألب ي ه الل العس كري‪ ،‬و"العم دة"‬ ‫البن رشيق‪ ،‬وغيرها‪ ،‬في حاجة ملحة إلى مثل هذه القراءة‪.‬‬ ‫نظر ابن األثير إلى المفردة عل ى أنه ا ج زء ال يتج زأ م ن ال نظم‪،‬‬ ‫‪)28‬‬ ‫واعترف بقيمة وجمال الطرفين معًا‪.‬‬ ‫ف أول األس س الت ي ينبغ ي أن يق وم عليه ا األدب عن ده إنم ا ه ي األلف اظ‬ ‫‪-089-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫المف ردة‪ ،‬وحكمه ا حك م الآلل ئ المب ددة‪ ،‬فإنه ا تُتخي ر وتُنتق ى قب ل ال نظم‪،‬‬ ‫وللمفردة محاسن تضاف إلى محاسن النظم‪ ،‬ولجرس األلف اظ وق ع إيج ابي‬ ‫كثيرًا ما يعين الكاتب أو الشاعر على استنفاد إحساسه‪.‬‬ ‫على أن اهتمام ابن األثير باللفظة المفردة ال يأتي على حساب التركي ب أو‬ ‫السياق‪ ،‬فاختيار المفردة ما هو إال مقدمة لنظمه ا م ع أخته ا المش اكلة له ا‪،‬‬ ‫ووضعها في الموضع الذي يتطلبه الموقف والسياق‪ ،‬مع تأكي ده أن تف اوت‬ ‫التفاضل يقع في تركيب األلفاظ أكثر مما يق ع ف ي مفرداته ا‪ ،‬ألن التركي ب‬ ‫أعسر وأشق‪.‬‬ ‫وهذه النظرة الشاملة للفظة والسياق معًا قد تبناها كثير من النقاد المح دثين‬ ‫والمعاصرين ‪.‬‬ ‫درس اب ن األثي ر الجمل ة ف ي إط ار ال نص‪ ،‬ول م يك ن تقلي ديًا ف ي‬ ‫‪)27‬‬ ‫دراسته‪ ،‬فعندم ا درس سياق التقديم والتأخير ل م يق ف عن د النظ رة الجزئي ة‬ ‫التي تتعلق بقضايا اإلسناد أو التعلق‪ ،‬كتقديم الخب ر عل ى المبت دأ ‪ ،‬أو تق ديم‬ ‫بع ض متعلق ات الفع ل‪ ،‬إنم ا تج اوز ه ذه النظ رة إل ى رؤى س ياقية أوس ع‪،‬‬ ‫كتقديم السبب على المسبب‪ ،‬والكثير على القليل‪ ،‬واألعجب على العجيب‪.‬‬ ‫وق د أثنى بعض النقاد المعاص رين عل ى دراس ته للجمل ة ف ي إط ار ال نص‪،‬‬ ‫وعلى نظرته الشاملة ل بعض القض ايا األس لوبية‪ ،‬كدراس ته لس ياق الح ذف‬ ‫في إطار سياق أكبر هو سياق اإليجاز‪ ،‬وسياق الذكر في إط ار س ياق أع م‬ ‫ه و س ياق اإلطن اب‪ ،‬وع دوا ذل ك محاول ة ج ادة يمك ن تنميته ا ف ي مج ال‬ ‫البحث البالغي الحديث‪ ،‬وربطه بالدراسة األسلوبية‪ ،‬بحيث يصبح الكل له‬ ‫األهمي ة األول ى أو المرتب ة األول ى بالنس بة لألج زاء‪ ،‬وإن كان ت ه ذه‬ ‫األولوية ال تلغي الجزء‪ ،‬وال توقف تأثيره في السياق‪.‬‬ ‫يحسب البن األثير في مثله السائر كثرة شواهده وتطبيقات ه الت ي‬ ‫‪)26‬‬ ‫تدل على سعة علمه‪ ،‬واطالعه عل ى منظ وم الك الم ومنث وره‪ ،‬وتمكن ه م ن‬ ‫أدوات فنه‪ ،‬مما أسهم في نشاط النقد التطبيقي‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫وإني ألرجو أن أكون قد أسهمت في تسليط الضوء على هذا الجانب المش رق‬ ‫م ن تراثن ا األدب ي والنق دي ‪ ,‬ول و بلف ت النظ ر إل ى بع ض م ا يحمل ه ه ذا الت راث‬ ‫العريق من قيم أدبية وبالغية ونقديــة ‪ ,‬مما يمكن أن يكون منطلقًا قويًا لبناء نظرية‬ ‫عربية في النقد األدبي تحمل بصمتنا وخصوصيتنا وخصائصنا الثقافية‪.‬‬ ‫فإن كنت قد وفقت فالفضل هلل أوالً وآخرًا‪ ،‬وإن كانت األخرى فحس بي أن ي حاول ت‬ ‫واجتهدت في أن أسخر قلمي لخدمة لغة القرآن الكريم‪.‬‬ ‫‪-091-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫وهللا من وراء القصد ‪ ,‬وهو الموفق والمستعان‪.‬‬

‫‪‬‬

‫أهم المصادر والمراجع‬ ‫‪)1‬‬ ‫‪)2‬‬ ‫‪)3‬‬ ‫‪)0‬‬ ‫‪)1‬‬ ‫‪)6‬‬

‫اتجاهات النقد األدبي العربي ‪ ،‬أ‪.‬د‪ /‬محمد السعدي فره ود ‪ ،‬ط‪ /‬دار الطباع ة‬ ‫المحمدية ‪ ،‬سنة ‪1011‬هـ‪1891/‬م ‪.‬‬ ‫األساليب الشعرية المعاصرة ‪ ،‬د‪ /‬صالح فضل ‪ ،‬ط‪ /‬دار اآلداب ‪ ،‬بي روت ‪،‬‬ ‫سنة ‪1881‬م ‪.‬‬ ‫أس رار البالغ ة ‪ ،‬لإلم ام عب د الق اهر الجرج اني ‪ ،‬تحقي ق‪ :‬ه ـ ‪ .‬ريت ر ‪ ،‬نش ر‬ ‫مكتبة المتنبي ‪ ،‬سنة ‪1388‬هـ‪1898/‬م ‪.‬‬ ‫األس لوب واألس لوبية ب ين العلماني ة واألدب الملت زم باإلس الم ‪ ،‬د‪ /‬ع دنان‬ ‫رض ا النح وي ‪ ،‬ط‪ /‬دار النح وي للنش ر والتوزي ع بالري اض ‪ ،‬س نة‬ ‫‪1018‬هـ‪1888/‬م ‪.‬‬ ‫األس لوبية م دخل نظ ري ودراس ة تطبيقي ة ‪ ،‬د ‪ /‬ف تح هللا أحم د س ليمان ‪ ،‬ط‪/‬‬ ‫المطبعة الفنية ‪ ،‬نشر الدار الفنية بالقاهرة ‪ ،‬سنة ‪1881‬م‪.‬‬ ‫األسلوبية واألس لوب ‪ ،‬د‪ /‬عب د الس الم المس دي ‪ ،‬ط‪ /‬ال دار العربي ة للكت اب ‪،‬‬ ‫‪-090-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫تونس‪.‬‬ ‫‪ )9‬األس لوبية وثالثي ة ال دوائر البالغي ة ‪ ،‬د‪/‬عب د الق ادر عب د الجلي ل ‪ ،‬نش ر دار‬ ‫صفاء للنشر والتوزيع ‪ ،‬عمان ‪ ،‬األردن ‪ ،‬سنة ‪1022‬هـ‪2112/‬م ‪.‬‬ ‫‪ )9‬األس لوبية ونظري ة ال نص ‪ ،‬د‪ /‬إب راهيم خلي ل ‪ ،‬نش ر المؤسس ة العربي ة‬ ‫للدراسات والنشر ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪1889‬م ‪.‬‬ ‫‪ )8‬األعالم ‪ ،‬للزركلي ‪ ،‬ط‪/‬دار العلم ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪1398‬هـ‪1868 /‬م‪.‬‬ ‫‪ )11‬األغ اني ‪ ،‬ألب ي الف رج األص فهاني ‪ ،‬تحقي ق‪ :‬عب د الس تار ف راج ‪ ،‬دار‬ ‫الثقافة ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪1811‬م‪.‬‬ ‫‪ )11‬إنتاج الداللة األدبية ‪ ،‬د‪ /‬ص الح فض ل ‪ ،‬ط‪ /‬المرك ز اإلس المي للطباع ة ‪،‬‬ ‫نشر مؤسسة مختار للتوزيع والنشر بالقاهرة ‪ ،‬سنة ‪1899‬م‪.‬‬ ‫‪ )12‬اإليضاح في علوم البالغة ‪ :‬المعاني والبي ان والب ديع ‪ ،‬للخطي ب القزوين ي‬ ‫‪ ،‬تحقي ق‪ :‬د ‪ /‬عب د الق ادر حس ين ‪ ،‬نش ر مكتب ة اآلداب ‪ ،‬س نة‬ ‫‪1016‬هـ‪1886/‬م ‪.‬‬ ‫‪ )13‬ب دائع اإلض مار القصص ي ف ي الق رآن الك ريم ‪ ،‬لألس تاذ ال دكتور‪ /‬ك اظم‬ ‫الظ واهري ‪ ،‬نش ر دار الص ابوني ودار الهداي ة ‪ ،‬الطبع ة األول ى ‪ ،‬س نة‬ ‫‪1012‬هـ‪1881/‬م‪.‬‬ ‫‪ )10‬البداية والنهاية ‪ ،‬البن كثي ر ‪ ،‬تحقي ق‪ :‬محم د عب د العزي ز النج ار ‪ ،‬نش ر دار‬ ‫الغد العربي ‪ ،‬سنة ‪1012‬هـ‪ 1882/‬م ‪.‬‬ ‫‪ )11‬البديع ف ي نق د الش عر ‪ ،‬ألس امة ب ن منق ذ ‪ ،‬تحقي ق‪ :‬د‪ /‬أحم د أحم د ب دوي ‪ ،‬و‬ ‫د‪ /‬حامد عبد المجيد ‪ ،‬ط‪ /‬مصطفى الحلبي ‪ ،‬سنة ‪1391‬هـ‪1861 /‬م‪.‬‬ ‫‪ )16‬بغي ة اإليض اح لتلخ يص المفت اح ف ي عل وم البالغ ة ‪ ،‬للش يخ عب د المتع ال‬ ‫الص عيدي ‪ ،‬ط‪/‬المطبع ة النموذجي ة ‪ ،‬نش ر مكتب ة اآلداب ‪ ،‬الق اهرة ‪ ،‬ب دون‬ ‫تاريخ‪.‬‬ ‫‪ )19‬بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنح اة ‪ ،‬لج الل ال دين الس يوطي ‪ ،‬تحقي ق‪:‬‬ ‫محمد أبو الفضل إبراهيم ‪ ،‬ط‪ /‬دار الفكر ‪ ،‬سنة ‪1388‬هـ‪1898/‬م ‪.‬‬ ‫‪ )19‬البالغ ة ‪ ..‬تط ور وت اريخ ‪ ،‬د‪/‬ش وقي ض يف ‪ ،‬ط‪/‬دار المع ارف ‪ ،‬س نة‬ ‫‪1881‬م‪.‬‬ ‫‪ )18‬البالغ ة واألس لوبية ‪ ،‬د‪ /‬محم د عب د المطل ب (سلس لة أدبي ات) ‪ ،‬ع دد رق م‬ ‫(‪ ، )10‬نشر شركة أبي الهول بالقاهرة ‪.‬‬ ‫‪ )21‬بي ان إعج از الق رآن ‪ ،‬للخط ابي (ض من ث الث رس ائل ف ي إعج از الق رآن‬ ‫للرم اني والخط ابي وعب د الق اهر) ‪ ،‬تحقي ق‪ :‬محم د خل ف أحم د ‪ ،‬ومحم د‬ ‫‪-092-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪)21‬‬ ‫‪)22‬‬ ‫‪)23‬‬ ‫‪)20‬‬ ‫‪)21‬‬ ‫‪)26‬‬

‫‪)29‬‬

‫‪)29‬‬

‫‪)28‬‬ ‫‪)31‬‬

‫‪)31‬‬ ‫‪)32‬‬

‫زغلول سالم ‪ ،‬ط‪ /‬دار المعارف بمصر ‪ ،‬سنة ‪1881‬م ‪.‬‬ ‫البي ان العرب ي ‪ :‬دراس ة ف ي تط ور الفك رة البالغي ة عن د الع رب ومناهجه ا‬ ‫ومصادرها الكبرى ‪ ،‬د‪ /‬بدوي طبانة ‪ ،‬نشر مكتب ة األنجل و المص رية ‪ ،‬س نة‬ ‫‪1386‬هـ‪1896/‬م‪.‬‬ ‫البي ان والتبي ين ‪ ،‬للج احظ ‪ ،‬تحقي ق‪ :‬عب د الس الم ه ارون ‪ ،‬نش ر مكتب ة‬ ‫الخانجي ‪ ،‬سنة ‪1369‬هـ‪1809/‬م ‪.‬‬ ‫تاريخ النقد األدبي والبالغة حتى الق رن الراب ع الهج ري ‪ ،‬د‪ /‬محم د زغل ول‬ ‫سالم ‪ ،‬ط‪ /‬منشأة المعارف ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،‬سنة ‪1892‬م‪.‬‬ ‫تاريخ علوم البالغة والتعري ف برجاله ا ‪ ،‬للش يخ ‪ /‬أحم د مص طفى المراغ ي‬ ‫‪ ،‬ط‪ /‬مصطفى الحلبي ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬سنة ‪1368‬هـ‪1811 /‬م‪.‬‬ ‫تق ويم نظري ة الحداث ة وموق ف األدب اإلس المي منه ا ‪ ،‬د ‪ /‬ع دنان رض ا‬ ‫النحوي ‪ ،‬نشر دار النحوي بالرياض ‪ ،‬سنة ‪1010‬هـ‪1890/‬م ‪.‬‬ ‫جدلي ة اإلف راد والتركي ب ف ي النق د العرب ي الق ديم ‪ ،‬د‪ /‬محم د عب د المطل ب ‪،‬‬ ‫(سلسلة أدبيات) ‪ ،‬عدد رقم (‪ ، )11‬نش ر ش ـركة أب ي اله ول بالق اهرة ‪ ،‬س نة‬ ‫‪1881‬م‬ ‫جمالي ات المف ردة القرآني ة ‪ ،‬د‪ /‬أحم د ياس وف ‪ ،‬إش راف وتق ديم‪ :‬د‪ /‬ن ور‬ ‫الدين عتر ‪( ،‬رسالة ماجستير بكلية اآلداب جامع ة حل ب) ‪ ،‬ط‪ /‬دار المكتب ي‬ ‫‪ ،‬دمشق ‪ ،‬سنة ‪1018‬هـ‪1888/‬م ‪.‬‬ ‫جناي ة الحداث ة المعاص رة عل ى اللغ ة العربي ة ‪ ،‬د ‪ /‬ولي د قص اب إب راهيم ‪،‬‬ ‫( بح ث منش ور بمجل ة كلي ة الدراس ات اإلس المية والعربي ة ب دبي ‪ ،‬الع دد‬ ‫التاسع ‪ ،‬سنة ‪1011‬هـ‪1881/‬م) ‪.‬‬ ‫حاش ية الدس وقي عل ى مختص ر الس عد (ض من ش روح التلخ يص) ‪ ،‬ط‪ /‬دار‬ ‫السرور ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬بدون تاريخ ‪.‬‬ ‫الحداث ة العربي ة حقيقته ا ومالمحه ا ‪ ،‬د ‪ /‬ولي د قص اب إب راهيم ‪( ،‬بح ث‬ ‫منش ور بمجل ة كلي ة الدراس ات اإلس المية والعربي ة ب دبي ‪ ،‬الع دد الس ابع ‪،‬‬ ‫سنة ‪1010‬هـ‪1883/‬م) ‪.‬‬ ‫الحي وان ‪ ،‬للج احظ ‪ ،‬تحقي ق‪ :‬عب د الس الم ه ارون ‪ ،‬ط‪ /‬دار إحي اء الت راث ‪،‬‬ ‫بيروت ‪ ،‬سنة ‪1399‬هـ‪.‬‬ ‫الخ روج م ن التي ه ‪ :‬دراس ة ف ي س لطة ال نص ‪ ،‬د‪ /‬عب د العزي ز حم ودة ‪،‬‬ ‫‪-093-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪)33‬‬ ‫‪)30‬‬ ‫‪)31‬‬ ‫‪)36‬‬ ‫‪)39‬‬ ‫‪)39‬‬ ‫‪)38‬‬ ‫‪)01‬‬ ‫‪)01‬‬ ‫‪)02‬‬ ‫‪)03‬‬ ‫‪)00‬‬ ‫‪)01‬‬

‫(سلس لة ع الم المعرف ة) ‪ ،‬ع دد رق م (‪ ، )289‬إص دار رمض ان ‪1020‬ه ـ ‪/‬‬ ‫نوفمبر ‪2113‬م ‪.‬‬ ‫خط اب النق د العرب ي‪ :‬بنيت ه ‪ ،‬آليات ه وأنس اقه المعرفي ة ‪ ،‬أ‪.‬د‪ /‬محم د ط ه‬ ‫عصر ‪ ،‬ط‪ /‬شركة ناس للطباعة ‪ ،‬سنة ‪1022‬هـ ‪2111 /‬م‪.‬‬ ‫الخطيئة والتكفير ‪ ،‬د‪ /‬عبد هللا الغ دامي ‪ ،‬ط‪ /‬الهيئ ة المص رية العام ة للكت اب‬ ‫‪ ،‬سنة ‪1889‬م ‪.‬‬ ‫دراس ات وقض ايا ف ي قص يدة النث ر العربي ة ‪ :‬تح والت النظ رة وبالغ ة‬ ‫االنفصال ‪ ،‬لعبد العزيز موافي ‪ ،‬ط‪ /‬الهيئ ة المص رية العام ة للكت اب (مكتب ة‬ ‫األسرة ‪ ،‬سلسلة األدب) ‪ ،‬سنة ‪2111‬م ‪.‬‬ ‫دالئل اإلعجاز ‪ ،‬لإلمام عبد القاهر ‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ /‬محم د رض وان الداي ة ‪ ،‬ود‪/‬‬ ‫ف ايز الداي ة ‪ ،‬نش ر مكتب ة س عد ال دين بدمش ق ‪ ،‬الطبع ة الثاني ة ‪ ،‬س نة‬ ‫‪1019‬هـ ‪1899/‬م‪.‬‬ ‫دالالت األلف اظ وس ر الكلم ة ف ي الق رآن الك ريم ‪ ،‬د‪ /‬ع اطف المليج ي ‪ ،‬ط‪/‬‬ ‫المؤلف ‪ ،‬سنة ‪2112‬م ‪.‬‬ ‫دالل ة الس ياق ‪ ،‬د‪/‬ردة هللا ب ن ردة ب ن ض يف هللا الطلح ي ‪ ،‬ط‪ /‬جامع ة أم‬ ‫القرى ‪ ،‬سنة ‪1020‬هـ‪.‬‬ ‫دي وان أب ي الطي ب المتنب ي ‪ ،‬تحقي ق‪ :‬د‪ /‬عب د الوه اب ع زام ‪ ،‬ط‪ /‬الهيئ ة‬ ‫العامة لقصور الثقافة ‪ ،‬سنة ‪1881‬م ‪.‬‬ ‫ديوان أبي تمام ‪ ،‬شرح الخطيب التبريزي ‪ ،‬تحقيق‪ :‬محم د عب ده ع زام ‪ ،‬ط‪/‬‬ ‫دار المعارف ‪ ،‬سنة ‪1896‬م ‪.‬‬ ‫روح المعاني ف ي تفس ير الق رآن العظ يم والس بع المث اني ‪ ،‬للعالم ة األلوس ي‬ ‫‪ ،‬ط‪ /‬دار التراث بالقاهرة ‪ ،‬بدون تاريخ ‪.‬‬ ‫سر الفصاحة ‪ ،‬البن سنان الخفاجي ‪ ،‬ط‪/‬دار الكت ب العلمي ة ‪ ،‬بي روت ‪ ،‬س نة‬ ‫‪1012‬هـ‪1892/‬م ‪.‬‬ ‫سينية البحتري‪ :‬شاعرية المكان ‪ ،‬المعادل الموض وعي ‪ ،‬الرس م بالكلم ات ‪،‬‬ ‫أ‪.‬د‪ /‬زكري ا الن وتي ‪ ،‬ط‪ /‬ش ركة ن اس للطباع ة ‪ ،‬الطبع ة األول ى ‪ ،‬س نة‬ ‫‪2110‬م‪.‬‬ ‫شذرات ال ذهب ف ي أخب ار م ن ذه ب ‪ ،‬الب ن العم اد ‪ ،‬ط‪/‬دار الفك ر ‪ ،‬الطبع ة‬ ‫األولى ‪ ،‬سنة ‪1388‬هـ ‪1898 /‬م‪.‬‬ ‫ش رح دي وان الحماس ة للمرزوق ي ‪ ،‬تحقي ق‪ :‬أحم د أم ين ‪ ،‬وعب د الس الم‬ ‫هارون ‪ ،‬ط‪ /‬لجنة التأليف والترجمة والنشر ‪ ،‬سنة ‪1399‬هـ‪1869 /‬م‪.‬‬ ‫‪-094-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪)06‬‬ ‫‪)09‬‬ ‫‪)09‬‬ ‫‪)08‬‬ ‫‪)11‬‬ ‫‪)11‬‬ ‫‪)12‬‬ ‫‪)13‬‬ ‫‪)10‬‬ ‫‪)11‬‬ ‫‪)16‬‬ ‫‪)19‬‬ ‫‪)19‬‬ ‫‪)18‬‬

‫ش عر الواق ع وش عر الكلم ات ‪ :‬دراس ات ف ي الش عر العراق ي الح ديث ‪،‬‬ ‫د‪ /‬ضياء خضير ‪ ،‬نشر اتحاد الكتاب العرب ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬سنة ‪2111‬م ‪.‬‬ ‫الش عر والش عراء ‪ ،‬الب ن قتيب ة ‪ ،‬تق ديم‪ :‬الش يخ حس ن تم يم ‪ ،‬مراجع ة محم د‬ ‫عب د الم نعم العري ان ‪ ،‬ط‪ /‬دار إحي اء العل وم ‪ ،‬بي روت ‪ ،‬س نة‬ ‫‪1019‬هـ‪1899/‬م‪.‬‬ ‫ش عرنا الق ديم والنق د الجدي د ‪ ،‬د‪ /‬وه ب أحم د رومي ة ‪( ،‬سلس لة ع الم‬ ‫المعرفة) ‪ ،‬عدد رقم (‪ ، )219‬إصدار شوال ‪1016‬هـ‪ /‬مارس ‪1886‬م ‪.‬‬ ‫ص حيح مس لم ‪ ،‬تحقي ق‪ :‬محم د ف ؤاد عب د الب اقي ‪ ،‬ط‪ /‬عيس ى الحلب ي ‪ ،‬س نة‬ ‫‪1390‬هـ‪1811/‬م ‪.‬‬ ‫الص ناعتين ‪ ،‬ألب ي ه الل العس كري ‪ ،‬تحقي ق ‪ :‬د‪ /‬مفي د قميح ة ‪ ،‬ط‪ /‬دار‬ ‫الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪1018‬هـ‪1898/‬م‪.‬‬ ‫الصور البديعية بين النظرية والتطبيق ‪ ،‬د‪/‬حفن ي محم د ش رف ‪ ،‬ط‪ /‬مطبع ة‬ ‫الرسالة ‪ ،‬نشر مكتبة الشباب ‪ ،‬سنة ‪1391‬هـ‪1866/‬م ‪.‬‬ ‫ضياء الدين بن األثير وجه وده ف ي النق د ‪ ،‬د‪ /‬محم د زغل ول س الم ‪ ،‬ط‪ /‬دار‬ ‫المعارف ‪ ،‬سنة ‪1891‬م ‪( ،‬سلسلة نوابغ الفكر العربي)‪.‬‬ ‫الط راز المتض من ألس رار البالغ ة وعل وم حق ائق اإلعج از ‪ ،‬ليحي ى ب ن حم زة‬ ‫العل وي ‪ ،‬مراجع ة وض بط وت دقيق‪ :‬محم د عب د الس الم ش اهين ‪ ،‬ط‪ /‬دار الكت ب‬ ‫العلمية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬سنة ‪1011‬هـ‪1881 /‬م‪.‬‬ ‫عل م األس لوب ‪ :‬مبادئ ه وإجراءات ه ‪ ،‬د ‪ /‬ص الح فض ل ‪ ،‬ط‪ /‬دار الش روق‬ ‫بالقاهرة ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬سنة ‪1018‬هـ‪1889 /‬م‪.‬‬ ‫العم دة ‪ ،‬الب ن رش يق ‪ ،‬تحقي ق‪ :‬محم د محي ي ال دين عب د الحمي د ‪ ،‬ط‪ /‬دار‬ ‫الجيل ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬ ‫عيار الش عر ‪ ،‬الب ن طباطب ا ‪ ،‬تحقي ق‪ :‬د‪ /‬عب د العزي ز الم انع ‪ ،‬ط‪ /‬الم دني ‪،‬‬ ‫نشر مكتبة الخانجي بمصر ‪ ،‬سنة ‪1891‬م ‪.‬‬ ‫الفل ك ال دائر عل ى المث ل الس ائر ‪ ،‬الب ن أب ي الحدي د ‪ ،‬تحقي ق‪ :‬أحم د الح وفي‬ ‫وب دوي طبان ة ‪ ،‬ط‪/‬نهض ة مص ر (طبع ة ملحق ة بكت اب المث ل الس ائر الب ن‬ ‫األثير ‪ ،‬القسم الرابع)‪.‬‬ ‫الفنون البديعية ف ي دائ رة البح ث البالغ ي ‪ ،‬أ‪.‬د‪/‬ف وزي الس يد عب د رب ه ‪ ،‬ط‪/‬‬ ‫مطبعة الحسين اإلسالمية ‪ ،‬سنة ‪1019‬هـ‪1899/‬م‪.‬‬ ‫في البالغة العربية واألس لوبيات اللس انية‪ :‬آف اق جدي دة ‪ ،‬د‪ /‬س عد مص لوح ‪،‬‬ ‫ط‪/‬مجلس النشر العلمي ‪ ،‬جامعة الكويت ‪ ،‬سنة ‪2113‬م‪.‬‬ ‫‪-095-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪)61‬‬ ‫‪)61‬‬ ‫‪)62‬‬ ‫‪)63‬‬ ‫‪)60‬‬ ‫‪)61‬‬ ‫‪)66‬‬ ‫‪)69‬‬ ‫‪)69‬‬ ‫‪)68‬‬ ‫‪)91‬‬ ‫‪)91‬‬ ‫‪)92‬‬ ‫‪)93‬‬ ‫‪)90‬‬ ‫‪)91‬‬

‫في الميزان الجديد ‪ ،‬د‪ /‬محمد مندور ‪ ،‬ط‪ /‬نهضة مصر ‪ ،‬سنة ‪1899‬م‪.‬‬ ‫في النقد األدبي ‪ ،‬د‪/‬شوقي ضيف ‪ ،‬ط‪/‬دار المعارف ‪ ،‬سنة ‪1899‬م‪.‬‬ ‫ف ي معرف ة ال نص ‪ :‬دراس ات ف ي النق د األدب ي ‪ ،‬د‪ /‬حكم ت ص باغ الخطي ب‬ ‫(يمنى العيد) ‪ ،‬نشر مكتبة اآلفاق الجديدة ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪1891‬م ‪.‬‬ ‫في منظور النقد البنيوي ‪ ،‬د ‪ /‬يوسف نور عوض ‪ ،‬ط‪ /‬مكتبة العلم بجدة ‪.‬‬ ‫ف ي نق د الش عر ‪ ،‬د‪ /‬محم ود الربيع ي ‪ ،‬نش ر دار غري ب للطباع ة والنش ر‬ ‫بالقاهرة‪.‬‬ ‫قضايا النقد األدبي الحديث ‪ ،‬أ ‪ .‬د‪ /‬محمد الس عدي فره ود ‪ ،‬ط‪ /‬دار الطباع ة‬ ‫المحمدي ة ‪ ،‬س نة ‪1388‬ه ـ ‪1898 /‬م ‪ ،‬و ط‪ /‬دار الثقاف ة للنش ر والتوزي ع ‪،‬‬ ‫سنة ‪1893‬م‪.‬‬ ‫الكت اب ‪ ،‬لس يبويه ‪ ،‬تحقي ق‪ :‬عب د الس الم ه ارون ‪ ،‬ط‪ /‬الهيئ ة المص رية‬ ‫العامة للكتاب ‪ ،‬سنة ‪1898‬م ‪.‬‬ ‫الكش اف ‪ ،‬للزمخش ري ‪ ،‬ط‪ /‬مص طفى الحلب ي بالق اهرة ‪ ،‬س نة‬ ‫‪1391‬هـ‪1866/‬م‪.‬‬ ‫المث ل الس ائر ف ي أدب الكات ب والش اعر ‪ ،‬الب ن األثي ر ‪ ،‬تق ديم وتعلي ق‪ :‬د‪/‬‬ ‫أحمد الحوفي ‪ ،‬و د‪ /‬بدوي طبانة ‪ ،‬ط‪ /‬نهضة مصر ‪ ،‬بدون تاريخ ‪.‬‬ ‫المجموع ة الوافي ة بعلم ي الع روض والقافي ة ‪ ،‬أ‪.‬د‪/‬عب د الس الم أب و النج ا‬ ‫سرحان ‪ ،‬ط‪ /‬المؤلف ‪ ،‬سنة ‪1011‬هـ‪1891/‬م ‪.‬‬ ‫المخت ار م ن نق د ت ‪ .‬س إلي وت ‪ ،‬اختي ار وترجم ة‪ :‬م اهر ش فيق فري د ‪،‬‬ ‫تقديم‪ :‬د‪ /‬جابر عصفور ‪ ،‬نشر المجلس األعلى للثقافة ‪ ،‬سنة ‪.2111‬‬ ‫مختص ر س عد ال دين التفت ازاني عل ى تلخ يص المفت اح (ض من ش روح‬ ‫التلخيص) ‪ ،‬ط‪ /‬دار السرور ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬بدون تاريخ ‪.‬‬ ‫الم ذاهب النقدي ة ب ين النظري ة والتطبي ق ‪ ،‬أ‪.‬د‪ /‬محم د الس عدي فره ود ‪،‬‬ ‫ط‪/‬المؤلف ‪ ،‬سنة ‪1382‬هـ‪1893/‬م ‪.‬‬ ‫م رآة الجن ان وعب رة اليقظ ان ف ي معرف ة م ا يعتب ر م ن ح وادث الزم ان ‪،‬‬ ‫لليافعي ‪ ،‬نشر مؤسسة األعلمي ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪1381‬هـ‪1899/‬م‪.‬‬ ‫المراي ا المحدب ة ‪ :‬م ن البنيوي ة إل ى التفكي ك ‪ ،‬د‪ /‬عب د العزي ز حم ودة ‪ ،‬نش ر‬ ‫سلس لة ع الم المعرف ة ‪ ،‬ع دد رق م (‪ ، )232‬إص دار ذي الحج ة ‪1019‬ه ـ‪/‬‬ ‫أبريل ‪1889‬م ‪.‬‬ ‫المرايا المقع رة ‪ :‬نح و نظري ة نقدي ة عربي ة ‪ ،‬د‪ /‬عب د العزي ز حم ودة ‪ ،‬نش ر‬ ‫سلسلة عالم المعرفة ‪ ،‬عدد رقم (‪ ، )292‬إص دار جم ادى األول ى ‪1022‬ه ـ‪/‬‬ ‫‪-096-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪)96‬‬ ‫‪)99‬‬ ‫‪)99‬‬ ‫‪)98‬‬ ‫‪)91‬‬ ‫‪)91‬‬ ‫‪)92‬‬ ‫‪)93‬‬ ‫‪)90‬‬ ‫‪)91‬‬ ‫‪)96‬‬ ‫‪)99‬‬ ‫‪)99‬‬ ‫‪)98‬‬

‫أغسطس ‪2111‬م ‪.‬‬ ‫المصباح المني ر ‪ ،‬للعالم ة أحم د ب ن محم د ب ن عل ي الفي ومي ‪ ،‬ط‪ /‬المطبع ة‬ ‫األميرية بالقاهرة ‪ ،‬سنة ‪1822‬م ‪.‬‬ ‫المصطلحات األدبية الحديثة ‪ ،‬د‪ /‬محم د زكري ا عن اني ‪ ،‬ط‪ /‬مط ابع األه رام‬ ‫التجارية ‪ ،‬نشر الشركة العالمي ة وش ركة أب ي اله ول للنش ر ‪ ،‬الطبع ة الثاني ة‬ ‫‪ ،‬سنة ‪2113‬م‪.‬‬ ‫مطالعات في الكتب والحياة ‪ ،‬للعقاد ‪ ،‬ط‪ /‬دار المعارف ‪ ،‬سنة ‪1899‬م‪.‬‬ ‫المطول عل ى التلخ يص ‪ ،‬للعالم ة س عد ال دين التفت ازاني ‪ ،‬ط‪ /‬مطبع ة أحم د‬ ‫كامل ‪ ،‬سنة ‪1331‬هـ ‪.‬‬ ‫المعادل الموضوعي في الشعر الج اهلي ‪ ،‬أ‪.‬د‪ /‬ك اظم الظ واهري ‪ ،‬نش ر دار‬ ‫الهداية ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬سنة ‪1031‬هـ ‪2111 /‬م‪.‬‬ ‫معج م األدب اء ‪ ،‬لي اقوت الحم وي ‪ ،‬ط‪ /‬دار الم أمون ‪ ،‬س نة ‪1311‬ه ـ‪/‬‬ ‫‪1836‬م‪.‬‬ ‫معجم البلدان ‪ ،‬لياقوت الحموي ‪ ،‬ط‪ /‬دار صادر ‪ ،‬بي روت ‪ ،‬س نة ‪1389‬ه ـ‪/‬‬ ‫‪1899‬م‪.‬‬ ‫مفت اح العل وم ‪ ،‬ألب ي يعق وب يوس ف ب ن محم د ب ن عل ي الس كاكي ‪،‬‬ ‫ط‪ /‬مصطفى الحلبي ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،‬سنة ‪1011‬هـ‪1881/‬م‪.‬‬ ‫المف ردات ف ي غري ب الق رآن ‪ ،‬للراغ ب األص فهاني ‪ ،‬تحقي ق‪ :‬محم د خلي ل‬ ‫عيت اني ‪ ،‬ط‪ /‬دار المعرف ة ‪ ،‬بي روت ‪ ،‬الطبع ة الثاني ة ‪ ،‬س نة ‪1021‬ه ـ‪/‬‬ ‫‪1888‬م‪.‬‬ ‫م ن الوجه ة اإلحص ائية ف ي الدراس ة األس لوبية ‪ ،‬د‪ /‬ص الح فض ل ‪ ،‬مجل ة‬ ‫فصول ‪ :‬المجلد الرابع ‪ ،‬العدد األول ‪ :‬أكتوبر ‪ -‬ديسمبر ‪1893‬م‪.‬‬ ‫م ن روائ ع الق رآن ‪ ،‬د‪/‬محم د س عيد الب وطي ‪ ،‬ط‪ /‬دار الف ارابي ‪ ،‬دمش ق ‪،‬‬ ‫سنة ‪1891‬م ‪.‬‬ ‫منه اج البلغ اء ‪ ،‬لح ازم القرط اجني ‪ ،‬تق ديم وتحقي ق‪ :‬محم د الحبي ب اب ن‬ ‫الخوجة ‪ ،‬نشر دار الغرب اإلسالمي ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪1896‬م ‪.‬‬ ‫المنهج األسلوبي في النقد األدبي في مصر ‪ :‬التط ور ‪ ،‬النظري ة ‪ ،‬التطبي ق ‪،‬‬ ‫د‪ /‬مديح ة ج ابر الس ايح ‪ ،‬نش ر الهيئ ة العام ة لقص ور الثقاف ة ‪ ،‬س نة ‪2113‬م‬ ‫‪.‬‬ ‫الم نهج الموض وعي ف ي النق د األدب ي ‪ ،‬دراس ة لمحم د ع زام ‪ ،‬نش ر اتح اد‬ ‫الكتاب العرب ‪ ،‬سنة ‪1888‬م‪.‬‬ ‫‪-097-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪ )81‬الموازن ة ب ين ش عر أب ي تم ام والبحت ري ‪ ،‬لآلم دي ‪ ،‬تحقي ق ‪ :‬الس يد أحم د‬ ‫صقر ‪ ،‬ط‪ /‬دار المعارف ‪ ،‬سنة ‪1882‬م‪.‬‬ ‫‪ )81‬مواهب الفتاح في شروح تلخيص المفتاح ‪ ،‬ألبي يعق وب المغرب ي ‪( ،‬ض من‬ ‫شروح التلخيص) ‪ ،‬ط‪ /‬دار السرور ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬ ‫‪ )82‬الموش ح ف ي مآخ ذ العلم اء عل ى الش عراء للمرزب اني ‪ ،‬تحقي ق‪ :‬عل ي محم د‬ ‫البجاوي ‪ ،‬ط‪ /‬دار الفكر العربي ‪ ،‬سنة ‪1391‬هـ ‪1861 /‬م ‪.‬‬ ‫‪ )83‬نصوص نقدي ة ألع الم النق اد الع رب ‪ ،‬أ‪.‬د‪ /‬محم د الس عدي فره ود ‪ ،‬ط‪ /‬دار‬ ‫الطباعة المحمدية ‪ ،‬سنة ‪1381‬هـ ‪1891 /‬م‪.‬‬ ‫‪ )80‬نظري ة البنائي ة ف ي النق د األدب ي ‪ ،‬د ‪ /‬ص الح فض ل ‪ ،‬ط‪ /‬الهيئ ة المص رية‬ ‫العامة للكتاب ‪ ،‬سنة ‪2113‬م (مكتبة األسرة سلسلة األعمال الفكرية) ‪.‬‬ ‫‪ )81‬نظرية اللغة في النقد األدبي ‪ ،‬د ‪ /‬عبد الحكيم راضي ‪ ،‬نشر مكتب ة الخ انجي‬ ‫‪ ،‬سنة ‪1891‬م ‪.‬‬ ‫‪ )86‬نقد الشعر ‪ ،‬لقدامة ب ن جعف ر ‪ ،‬تحقي ق‪ :‬د‪ /‬محم د عب د الم نعم خف اجي ‪ ،‬نش ر‬ ‫مكتبة الكليات األزهرية ‪ ،‬سنة ‪1011‬هـ‪1891/‬م ‪.‬‬ ‫‪ )89‬النق د المنهج ي عن د الع رب ‪ ،‬د‪ /‬محم د من دور ‪ ،‬ط‪ /‬نهض ة مص ر ‪ ،‬س نة‬ ‫‪1886‬م‪.‬‬ ‫‪ )89‬النكت في إعجاز الق رآن ‪ ،‬ألب ي الحس ن عل ي ب ن عيس ى الرم اني ‪( ،‬ض من‬ ‫ث الث رس ائل ف ي إعج از الق رآن للرم اني ‪ ،‬والخط ابي ‪ ،‬وعب د الق اهر) ‪،‬‬ ‫تحقيق‪ :‬محم د خل ف هللا أحم د ‪ ،‬ومحم د زغل ول س الم ‪ ،‬ط‪ /‬دار المع ارف ‪،‬‬ ‫سنة ‪1881‬م ‪.‬‬ ‫‪ )88‬الوس اطة ب ين المتنب ي وخص ومه ‪ ،‬للقاض ي الجرج اني ‪ ،‬تحقي ق‪ :‬محم د أب و‬ ‫الفضل إبراهيم ‪ ،‬وعلي محمد البجاوي ‪ ،‬نشر المكتب ة العص رية ‪ ،‬بي روت ‪،‬‬ ‫سنة ‪1396‬هـ‪1866/‬م‪.‬‬ ‫‪ )111‬وفيات األعيان ‪ ،‬الب ن خلك ان ‪ ،‬تحقي ق‪ :‬إحس ان عب اس ‪ ،‬ط‪ /‬دار ص ادر ‪،‬‬ ‫بيروت ‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪-098-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫فهرس الموضوعات‬ ‫الموضـــــــــــــــــــــــــوع‬ ‫مقدمة‬ ‫الفصل األول‪ :‬المعادل اللغوي ‪ ..‬دراسة تطبيقية في ضوء النص القرآني‬ ‫‪ ‬المبحث األول‪ :‬المعادل اللغوي ‪ ..‬تأصيل نقدي‬ ‫‪ ‬المبحث الثاني‪ :‬المعادل اللغوي ‪ ..‬دراسة تطبيقية في ضوء النص القرآني‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬داللة السياق وأثرها في النص األدبي ‪ ..‬دراسة نقدية‬

‫‪ ‬المبحث األول ‪ :‬مفهوم السياق‬ ‫‪ ‬المبحث الثاني‪ :‬نظرة النقاد القدماء إلى السياق‬ ‫‪ ‬المبحث الثالث‪ :‬نظرة النقاد المعاصرين إلى السياق‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬العدول بين القدماء والمحدثين ‪ ..‬دراسة نقدية‬ ‫‪ ‬المبحث األول‪ :‬مفهوم العدول والعالقة بينه وبين االنحراف‬

‫‪ ‬المبحث الثاني‪ :‬الجذور التراثية لمصطلح العدول‬ ‫‪ ‬المبحث الثالث‪ :‬العدول عند المحدثين‬ ‫الفص ل الراب ع‪ :‬جدلي ة الحض ور والغي اب ب ين الق دماء والمح دثين‬ ‫‪..‬دراسة أسلوبية نقدية‬ ‫‪ ‬المبحث األول‪ :‬نظرة النقاد القدماء إلى عالقات الحضور والغياب‬ ‫‪ ‬المبح ث الث اني‪ :‬جدلي ة الحض ور والغي اب عن د النق اد المح دثين‬ ‫والمعاصرين‬ ‫الفصل الخامس‪ :‬الفكر النقدي في المثل السائر في ضوء النقد الحديث‬ ‫‪ ‬المبحث األول‪ :‬التعريف بابن األثير وكتابه « المثل السائر»‬ ‫‪ ‬المبحث الثاني‪ :‬نظرة ابن األثير إلى اللفظة المفردة‬ ‫‪ ‬المبحث الثالث‪ :‬نظرة ابن األثير إلى الجملة والسياق‬ ‫‪ ‬المبحث الرابع‪ :‬رأي ابن األثير في بعض القضايا النقدية األخرى‬

‫الخاتمة‬ ‫أهم المصادر والمراجع‬ ‫‪-099-‬‬

‫الصفحة‬

‫‪5‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪04‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪54‬‬ ‫‪56‬‬ ‫‪64‬‬ ‫‪014‬‬ ‫‪015‬‬ ‫‪000‬‬ ‫‪022‬‬ ‫‪045‬‬ ‫‪051‬‬ ‫‪085‬‬ ‫‪067‬‬ ‫‪090‬‬ ‫‪211‬‬ ‫‪222‬‬ ‫‪247‬‬ ‫‪258‬‬ ‫‪289‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪-211-‬‬

‫الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة‬

‫‪2108/05858‬‬

‫‪-210-‬‬