Achamal n° 1045 le 12 Mai 2020

‫املدير امل�س�ؤول ‪ :‬عبد احلق بخات‬

‫يف ذكرى رحيل‬

‫محمد عابد‬

‫ـ رئي�س التحرير‪ :‬عبد الإله املوي�سي ـ الهاتف ‪ 05.39.94.30.08 :‬ـ الفاك�س ‪ 05.39.94.57.09 :‬ـ العدد ‪ 1045‬ـ الثمن ‪ 4‬دراهم ـ الثالثــاء ‪ 18‬رم�ضان ‪� 12 / 1441‬إلى ‪ 18‬مـــاي ‪2020‬‬

‫الجــــابـري‬ ‫ص ‪ 9‬ـ ‪ 10‬ـ ‪11‬‬

‫إعالم جهوي متقدم‬

‫‪ ‬‬ ‫الشمال‬ ‫من‬ ‫‪ ‬‬

‫ ‬

‫‪ ‬‬

‫�أثر “كورونا” على الإعالم‬ ‫• عبد اإلله المويسي‬

‫و�سائل الإعالم‬ ‫وت�أثريها الذهني‬ ‫بني احلقيقة‬ ‫والتمويه‬ ‫ص ‪5‬‬

‫ص‪2‬‬

‫فنانون �إعالميون ومبدعون من احلجر ال�صحي‬ ‫ص‪7‬ـ‪8‬‬

‫جريدة يوميـة جهـوية وطنية ت�صدر م�ؤقتـ ًا كـل �أ�سبـوع • الإدارة‪ ،‬التحريـر‪ ،‬الإ�شهـار ‪ 7 :‬مكرر‪ ،‬زنقة عمر بن عبد العزيـز • الربيد الإلكـرتونـي ‪ info@achamal.ma :‬ـ املوقع الإلكرتوين ‪www.achamal.ma :‬‬

‫الثالثـاء ‪� 12‬إلى ‪ 18‬مـــاي ‪2020‬‬

‫العدد ‪1045‬‬

‫‪ ‬‬ ‫الشمال‬ ‫من‬ ‫‪ ‬‬

‫ ‬

‫‪ ‬‬

‫�أثر «كورونا»‬ ‫على و�سائل التوا�صل الإعالمي‬ ‫• عبد اإلله المويسي‬ ‫‪mouissijaridatchamal.2019@gmail.com‬‬

‫َّ‬ ‫وأخَلت بموازينه‪،‬‬ ‫معلوم أن أزمة «كورونا» اقد أربكت العالم‪،‬‬ ‫وأدخلته في حالة شاملة من الجمود‪ ،‬سواء كان ذلك على المستوى‬ ‫االقتصادي أو االجتماعي أو السياسي‪ ،‬أو غيرها من المجاالت الحيوية‪.‬‬ ‫ومعلوم أيضا أن هذه الفاجعة اإلنسانية كان لها انعكاس‬ ‫سلبي جدا على دينامية العديد من القطاعات المهنية في المجتمع‬ ‫اإلنساني‪ .‬ويأتي على رأسها اإلعالم‪.‬‬ ‫واإلعالم‪ ،‬هو مجموعة من قنوات االتّصال المُستخدَمة في‬ ‫نشر األخبار أو اإلعالنات الترويجيّة أو البيانات‪ ،‬وهو أيضا الوسيلة‬ ‫االجتماعيّة الرئيسيّة في التواصل الجماهيري المباشر وغير‬ ‫المباشر‪ ،‬من حيث كم المعلومات التي يوفرها للنشر والترويج‬ ‫بواسطة الوسائل اإلعالميّة‪ ،‬مثل الصّحافة واإلذاعة والتلفزيون‬ ‫واإلنترنت‪.‬‬ ‫ولقد كانت الحدة المتسارعة التي انتشر بها هذا الوباء قد أملت‬ ‫على حكومات العالم ضرورة اتخاذ مجموعة من اإلجراءات االحترازية‬ ‫لتحقيق التباعد االجتماعي بين الناس‪ ،‬والتي تبلورت في استراتيجية‬ ‫الحجر الصحي الذي عزل الناس في بيوتهم‪ ،‬وقطع وسائل التواصل‬ ‫الميداني بينهم‪.‬‬ ‫وهكذا سيجد قطاع اإلعالم نفسه أمام وضعية صعبة تملي عليه‬ ‫إلزامية البحث عن طرائق بديلة في التواصل بين الناس‪.‬‬ ‫ولتفادي االحتكاك الميداني بين الناس ستكون أول خطوة‬ ‫ستتخذها السياسات اإلعالمية هي االشتغال عن البعد‪ .‬وبهذا‬ ‫ستظهر ألول مرة ما يمكن ان نسميه بـ «البالطوهات» المنزلية‪،‬‬ ‫حيث ستبث العديد من اللقاءات الحوارية اإلعالمية‪ ،‬والعديد من‬ ‫الندوات‪ ،‬مستعملة تقنيات مستجدة على رأسها برنامج ‪.zoom‬‬

‫المدير المسؤول ‪:‬‬

‫عبد احلــق بخــات‬ ‫رئيس التحرير ‪:‬‬

‫يومية جهوية وطنية ت�صدر م� ً‬ ‫ؤقتا كل �أ�سبوع‬

‫املوقع الإلكرتوين ‪:‬‬ ‫‪www.achamal.com‬‬ ‫ت�صدر عن مطبعة جريدة طنجة‬

‫‪2‬‬

‫عبد الإلـه املـوي�سـي‬ ‫سكرتارية التحرير ‪:‬‬

‫محمد �إمغران‬ ‫محمد وطـا�ش‬ ‫م�صطفى ال�سباعي‬

‫من جهة أخرى ستنتقل الجرائد والصحف والمجالت من مستوى‬ ‫الطبع الورقي إلى خطة الطبع الرقمي باعتماد النسخ بصيغة ‪.pdf‬‬ ‫وجلي أن تأثير «كورونا» عاى اإلعالم لم يكن فقط على المستوى‬ ‫التقني واالستراتيجي‪ ،‬وإنما أيضا طال التأثير المادة اإلعالمية‬ ‫نفسها‪ ،‬حيث اتجهت كل السياسات اإلعالمية إلى التقليص في الحيز‬ ‫المخصص لمجاالت معينة كالمواد الترفيهية والفنية والرياضية‪،‬‬ ‫وعززت في مقابل ذلك من المادة اإلعالمية ذات االرتباط الوثيق‬ ‫بأزمة «كورونا»‪.‬‬ ‫وهكذا سيطغى موضوع «كورونا» على المادة اإلعالمية بمختلف‬ ‫مستوياتها‪ ،‬سواء المسموعة أو المرئية أو المكتوبة‪ ،‬من أخبار‬ ‫وندوات وحوارات وتغطيات وربورطاجات صبت كلها في توفير ما‬ ‫يكفي من المعلومات للمواطنين بخصوص هذه األزمة‪.‬‬ ‫ولعل أكثر القطاعات اإلعالمية تأثرا بأزمة «كورونا» هما القطاع‬ ‫الرياضي والقطاع الفني‪ .‬فمع توقف مختلف أنواع االنشطة الرياضية‬ ‫الميدانية‪ ،‬ومختلف فعاليات المحافل الفنية من غناء وموسيقى‬ ‫وتمثيل سينمائي سيجد القطاعان نفسهما أمام تعذر شامل لتوفير‬ ‫المادة اإلعالمية المرتبطة‪ ،‬ما عدا ما يرتبط بنقل بعض المعلومات‬ ‫والطرائف المرتبطة بحياة الرياضيين والفنيين الخاصة في تفاعلهم‬ ‫مع أزمة « كورونا»‪.‬‬ ‫وهنا يمكن من جانب آخر الحديث عن أثر فيروس «كورونا» على‬ ‫اإلعالم‪ ،‬من حيث أنه سيشجع الصناعة المرتبطة بالمجال السمعي‬ ‫البصري واأللكتروني على إجراء تغيير جذري في استراتيجية صناعاته‪،‬‬ ‫حيث انها ستركز على ما يمكن وصفه بأنه نموذج أعمال جديد أكثر‬ ‫ذكاء واعتمادية تقنية‪ ،‬خصوصا على مستوى البرمجيات التواصلية‪.‬‬ ‫وبذلك ستنشط عملية اقتراح برامج تواصل عن بعد بتقنيات اكثر‬ ‫تطورا‪.‬‬

‫هيئة التحرير ‪:‬‬

‫عبد اللطيف �شهبون‬ ‫زبيـدة الورياغلـي‬ ‫�أ�سامـة الزكــاري‬ ‫ر�ضوان احدادو‬ ‫هـدى املجـاطـي‬ ‫محمد �سـدحــي‬ ‫عبد احلـي مفتـاح‬

‫اإلدارة واإلشهار والعالقات العامة ‪:‬‬

‫محمد طارق بخات‬ ‫التصفيف واإلخراج ‪:‬‬

‫«جريـدة ال�شمـال»‬ ‫عنوان التحرير والمراسالت والتسويق‬ ‫واإلشهار ‪:‬‬

‫‪ 7‬مكـرر‪ ،‬زنقة عمـر بـن عبد العزيز‬ ‫ـ طنجــة ـ‬

‫قطرات مداد‬ ‫ُ‬

‫• محمد إمغران‬

‫لي�س املغاربة وحدهم‬ ‫متلهفني �إلى رفع‬ ‫احلجرال�صحي‬

‫ليس المغاربة هم وحدهم متلهفين إلى معرفة متى‬ ‫سيتم رفع الحجرالصحي‪ ،‬بل نجد أن كل شعوب كوكب‬ ‫األرض مشتاقة إلى االنطالق والتحرر من شتى القيود‪.‬‬ ‫واإلنسان بطبعه يحب الحركة والخروج والدخول‪ ،‬من وإلى‬ ‫العديد من األمكنة والفضاءات‪ ...‬يحب التنزه والترويح عن‬ ‫النفس بالغابات والجبال وركوب كل وسائل األسفار‪.‬كما أن‬ ‫اإلنسان اجتماعي بطبعه‪ ،‬يميل إلى التراحم والتزاور والسؤال‬ ‫عن الغائبين من األصدقاء والمعارف والبحث عنهم والتقرب‬ ‫منهم‪ ،‬فباألحرى التقرب من ذوي القربى والمساكين‪ ..‬أما‬ ‫«التباعد االجتماعي»‪ ،‬فإنه ليس من شيم اإلنسان‪ ،‬ذلك أنه‬ ‫إذا ما طال أمد هذا «التباعد االجتماعي» ونزل بثقله أكثرعلى‬ ‫الصدوروالقلوب»خليها على اهلل وصافي»‪.‬وبالمناسبة‪ ،‬وكما‬ ‫هو معلوم‪ ،‬فقد أكد خالد أيت الطالب‪ ،‬وزير الصحة‪ ،‬أن رفع‬ ‫الحجر الصحي يتطلب توفر عدة شروط لتجنب أي انتكاسات‬ ‫أو «منعطف ال يحمد عقباه» وقال السيد أيت الطالب‪ ،‬في لقاء‬ ‫خاص مع القناة التلفزية األولى بثته يوم الجمعة الماضي‪ ،‬إنه‬ ‫«إذا أردنا الحديث عن رفع الحجر الصحي‪ ،‬فإنه يتعين توفر‬ ‫الشروط المالئمة لذلك‪ ،‬من قبيل استقرار الحالة الوبائية‬ ‫وتسجيل انخفاض في الحاالت الجديدة وتراجع مؤشر تولد‬ ‫«الفيروس» إلى تحت الواحد‪ ،‬مع استقراره لمدة زمنية‬ ‫مهمة»‪ ‬مشيرا إلى أنه «عندما يكون هنا استقرار في الحالة‬ ‫الوبائية ويتراجع مؤشر انتشار «الفيروس»‪ ،‬يمكن الحديث‬ ‫حينها عن رفع حالة الطوارئ»‪ ‬وسجل المتحدث أن رفع‬ ‫الحجرالصحي يعتبر بمثابة «جهاد أكبر» ومسؤولية‪« ‬كبيرة‬ ‫وجسيمة‪ ،« ‬لذا يتعين على الجميع االنخراط فيها‪ ،‬كل من‬ ‫موقعه‪ ،‬مشدداعلى ضرورة تثمين المكتسبات المحققة‬ ‫من أجل الوصول إلى المؤشرات التي تسمح برفع الحجر‪،‬‬ ‫«بشكل تدريجي وبالوسائل الوقائية ليظل الجميع في مأمن‬ ‫من خطورته»‪ ‬موضحا أن أي رفع للحجر الصحي سيكون‬ ‫بالتدرج والتنسيق‪ ،‬بين تصورات جميع القطاعات‪ .‬وحذر‬ ‫السيد آيت الطالب‪ ،‬في هذا السياق‪ ،‬من»أننا لسنا في مأمن‬ ‫رغم اإلجراءات المتخذة «‪ ‬الفتا إلى أن «أي تسرع أو تهور‬ ‫غير محسوب يمكن أن يكون له ثمن»‪ .‬وأشارالوزير إلى‬ ‫أنه على الرغم من اإلجراءات والتدابير الوقائية واالحترازية‪،‬‬ ‫فقد تم تسجيل مستجدات تدعو إلى التساؤل‪ ،‬من بينها‬ ‫ظهوربؤر صناعية وعائلية‪ ،‬وتسجيل عدد من المصابين في‬ ‫فئة الشباب‪ ،‬فضال عن مالحظة حاالت حرجة لدى هذه الفئة‪،‬‬ ‫وهو األمر الذي يستدعي اليقظة والحذر في المستقبل‪.‬وبعد‬ ‫أن جدد كبير المسؤولين الصحيين التأكيد على أن المغرب‪،‬‬ ‫بفضل التدابير واإلجراءات االحترازية‪ ،‬تجنب السيناريواألسوأ‪،‬‬ ‫دعا في الوقت ذاته المواطنين إلى التحلي بروح المسؤولية‬ ‫والتضامن‪ ،‬أكثر فأكثر‪ ،‬وبمزيد من الصبر‪ .‬وهو األمر الذي‬ ‫زكاه الطبيب المغربي جمال الدين البوزيدي‪ ،‬رئيس العصبة‬ ‫المغربية لمحاربة داء السل واألمراض التنفسية في تصريح له‬ ‫لوسائل اإلعالم أن المغرب لم يسجل بعد ما مجموعه عشرة‬ ‫(‪ )10‬آالف حالة مؤكدة وبالتالي لم يدخل المرحلة الثالثة من‬ ‫الوباء‪ ،‬وهلل الحمد‪ ،‬بفضل اإلجراءات التي اتخذتها السلطات‬ ‫المغربية والتي ساهمت في حصرانتشارالفيروس‪.‬ولكن‪ ،‬مع‬ ‫األسف‪ ،‬توجد بعض العينات‪« ،‬الراس دياال قاصح» حيث تلعب‬ ‫مع رجال األمن والقوات المساعدة «غميطة» ببعض الدروب‬ ‫واألزقة الشعبية‪ ،‬مع العلم أن «كورونا واعرة بزاف‪ ،‬أخوتي‪،‬‬ ‫وباهلل ما معها اللعب» حفظنا اهلل وإياكم منها‪.‬‬

‫الهاتــف ‪:‬‬

‫‪05.39.94.30.08‬‬ ‫‪06.22.45.30.67‬‬

‫الفاكــ�س ‪:‬‬

‫‪05.39.94.57.09‬‬

‫الربيد الإلكرتوين ‪:‬‬

‫‪info@achamal.com‬‬ ‫‪achamal2000 @gmail.com‬‬

‫سحب من هذا العدد ‪:‬‬

‫‪� 10‬آالف ن�سخــة‬ ‫التوزيع‪:‬‬

‫�سبـريــ�س ‪Sapress‬‬

‫الإيداع القانوين‪99/10 :‬‬ ‫ر‪.‬د‪.‬م‪.‬ك‪:‬‬

‫‪I.S.S.N : 1114-1832‬‬

‫العدد ‪1045‬‬

‫درد‬ ‫شة‬

‫م�صطفى حجاج‬

‫الثالثـاء ‪� 12‬إلى ‪ 18‬مـــاي ‪2020‬‬

‫دردشة‬ ‫وافاني األستاذ عبد الكريم بن زكور من مقر إقامته بالديار الفرنسية‪،‬‬ ‫بتسجيلين ‪ -‬صوتاً وصور ًة ‪ -‬يوثقان لليلة من الليالي الرمضانية‪ ،‬التي تعودت‬ ‫زاويتنا الكتانية بتطوان‪ ،‬إحياءها عقب صالة تراويح أيام اإلثنين‪.‬‬ ‫التسجيل األول لحلقة الذكر‪ ،‬وهي تردد قصيدة «الدعاء الناصري»‪.‬‬ ‫والتسجيل الثاني للكلمة التي تعودتُ إلقاءها في اإلثنين األخير من رمضان‪،‬‬ ‫لشكر المحسنين على إحسانهم‪ ،‬والدعاء ألمير المؤمنين بالنصر والتمكين‪،‬‬ ‫وللحاضرين بالجزاء األوفى‪.‬‬ ‫استقبلتُ التسجيلين‪ ،‬بامتنان كبير‪ ،‬عبرتُ عنه لهذا المريد‪ ،‬وشكرته الشكر‬ ‫الجزيل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ثم بدا لي أن يكون أول من أرسل إليه المقطعيْن‪ ،‬شيخ الطريقة الكتانية‪،‬‬ ‫سيدي عبد اللطيف الكتاني‪ ،‬حفظه اهلل ومتعه بالصحة والعافية‪ ،‬فتقبلهما‬ ‫بقبول حسن‪ ،‬وهاتفني معرباً عن سعادته‪ ،‬وهو يرى رحاب الزاوية الكتانية‬ ‫َ‬ ‫ويُذكر فيها اسمُ اهلل‪.‬‬ ‫بتطوان‪ ،‬تتردد فيها األمداح‪،‬‬ ‫وبما أن لسان شيخنا رطب بذكر اهلل‪ ،‬فقد متعني بدعائه الصالح‪ ،‬وأبلغني‬ ‫سالمه وتحياته الطيبات المباركات‪ ،‬لكافة فقراء الزاوية الكتانية بحاضرة تطوان‪.‬‬ ‫صحيح‪ ،‬أنني لم أتمكن من تحديد تاريخ هذه الليلة‪ ،‬حين سألني شيخنا‬ ‫عنها‪ ،‬ولكنني سأحاول استفسار المرسِل‪ ،‬ألن أجهزة التسجيل الحديثة‪ ،‬غالبا ما‬ ‫تضبط التوقيت بدقة متناهية‪.‬‬ ‫لقد افتقدنا في شهرنا هذا‪ ،‬الزاوية‪ ،‬افتقدنا قراءة الحزبين زوال أيام‬ ‫رمضان‪ ،‬افتقدنا هذه الليالي الربانية‪ ،‬افتقدنا صالة التراويح‪ ،‬افتقدنا ترديد‬ ‫الدعاء المأثور‪ :‬الحمد هلل الذي هدانا لهذا‪ ،‬وما كنا لنهتدي لوال أن هدانا اهلل‪...‬‬ ‫افتقدنا أشياء وأشياء‪ ،‬كان يتميز بها شهر الصيام‪.‬‬ ‫لكن هذا‪ ،‬ال يُفقدنا الرجاء في اهلل‪ ،‬أن يكشف عنا هذه الغمة‪ ،‬ويأتينا بالفرج‬ ‫القريب‪ ،‬ويعيد إلى نفوسنا الشعور بالطمأنينة واألمن والسالم‪.‬‬

‫عمت صباحاً ومساء‪...‬‬ ‫وإلى األبد ظهر المهراز‪..‬‬ ‫‪ -‬عبد الحي مفتاح‬

‫في غفلة من ضغط روتين الحجر الصحي وصدأ التكرار المخيم منذ مدة‬ ‫على شريط الفايسبوك الذي ينحصر الجديد فيه إلى أبعد حد مع األيام‪ ،‬أتتني‬ ‫دعوة صديقة عزيزة لاللتحاق بمجموعة قدماء جامعة سيدي محمد بن عبداهلل‬ ‫على الفايسبوك‪ ،‬كانت الدعوة كخيط شعاع نفذ إلى غرفة مظلمة يتضاءل‬ ‫هواؤها ‪ ،‬أوكوة أوكسجين في جدار يتضاعف سمكه‪...‬‬ ‫كنت في حاجة ماسة إلى من يخرجني من صقيع الروح‪ ،‬إلى من ينتشلني‬ ‫من السقوط في أتون قلق عميق‪ .‬نقرت طالبا االنضمام‪ ،‬فلم تخطئ عصاي‬ ‫السبيل‪ ،‬شريط صفحتي الفايسبوكية التي كادت أن يصيبها الملل انتعش‬ ‫بجرعات أنسام آتية من سنوات الزمن الجميل‪...‬‬ ‫ظهر المهراز‪ ،‬هذا المكان الذي غلبنا سحره بصمت ونحن في مرحلة‬ ‫الثانوي‪ ،‬وفي جمعية ألوان فنية للثقافة والمسرح والموسيقى بشفشاون من‬ ‫خالل محكيات تشبه األسطورة‬ ‫وخ��ط��اب حماسي يقترب من‬ ‫الطوبى لطلبة سبقونا إليها‪ ،‬كتب‬ ‫لنا أن نمشي في ساحاته ونفترش‬ ‫ترابه ونتظلل بأفيائه‪ ،‬ثم بعد‬ ‫سنوات من الدراسة والتحصيل‬ ‫غير المكتمل والهتاف الناقم‬ ‫والبوهيمية الجريحة واألح�لام‬ ‫الكبيرة المؤجلة والصغيرة‬ ‫المجهضة والخيبات‪ ،...‬كان البد‬ ‫أن نغادره بحزن إلى معترك الحياة‬ ‫الواقعية( الواقع الملموس أي‬ ‫البحث عن موقع قدم في المجتمع‬ ‫المنتج والحيازة على االستقالل‬ ‫ال��م��ادي الس��ت��م��رار المشروع‬ ‫ال��ف��ردي وأول م��ن احتضنتنا‪،‬‬ ‫لعبث األقدار‪ ،‬بعد مغادرة الحرم‬ ‫الجامعي الجمعية الوطنية لحاملي‬ ‫الشهادات المعطلين بالمغرب)‬ ‫كمن يعود من سفر جميل إلى غير رجعة‪...‬‬ ‫ظهر المهراز‪ ،‬بعد ثالثين سنة من الرحيل‪ ،...‬كانت منزوية في خبايا‬ ‫الذاكرة‪ ،‬لم تكن تنتظر إلى هزة خفيفة على سلم ريشتر لكي تنهمر صورها ‪،‬‬ ‫وجوهها‪ ،‬أصواتها‪ ،‬كخيوط من حنين‪...‬‬ ‫أسمع اآلن شنشنات المفاتيح وهي تدب بين الصفوف ذهابا وإيابا‬ ‫ونقرات المالعق على البالتوات الشاحبة‪ ،‬هدير أصوات غاضبة من بعيد هذا‬ ‫صوت الطلبة‪...‬زغردي‪ ...،‬ال ال الرفاق‪...‬حفيف دروس المبني والمعرب وإعراب‬ ‫الجمل‪ ،...‬جماليات األدب والشعر العربي القديم والجديد‪،..‬تموجات الشيخ‬ ‫إمام في رائعته السوداء الساخرة «هما مين واحنا مين»‪ ،‬وعود مارسيل خليفة‬ ‫وهويعزف بشجو«أمي» و«جواز السفر» وزفرات فرقة العاشقين الفلسطينية‬ ‫في «اشهد ياعالم علينا وعا بيروت»‪ ،‬وسعيد المغربي في أغنيته الشعبية حتى‬ ‫النخاع «المعطي والبراكة»‪ ،‬وفيكتور خارا وجمبايز و‪..‬و‪....‬‬ ‫أرى اآلن شبابا في عمر الزهور يتأبطون محافظ أومايشبهها وكتبا ودفاتر‬ ‫يهرعون إلى رحاب العلم‪ ،‬مسامرات‪ ،‬تناجي‪ ،‬انتظارات على مشارف األحياء‪،...‬‬ ‫قبل مسروقة وعناق حار‪...‬شارات النصر والشاالت الفلسطينية الحمراء والسوداء‬

‫‪3‬‬

‫كعنوان على نصرة القضية‪ ،...‬عيونا تهمس لعيون‪ ،‬الكتب الحمراء في الساحة‬ ‫الحمراء محاطة بحس نضالي مرهف بالكتابات العربية في الماركسية والقومية‬ ‫والديموقراطية ونقد التراث وكل ما يبشر بالثورة القادمة على الظلم والطغاة‪...‬‬ ‫أشم رائحة السجائر الرخيصة‪ ،‬والقهوة الحامضة‪ ،‬ومرق لحم جاموس‬ ‫المتبل‪ ،...‬والعطور البروليتارية‬ ‫ألمس كما البارحة‪ ،‬وأنا المسالم وال زلت‪ ،‬صرخات هنا وهناك‪ ،‬وهرج‬ ‫ومرج وكر وفر‪ ...‬وعصي غليظة وآسلحة بيضاء وجري إلى المجهول‪...‬دماء‪،‬‬ ‫أنين إنساني‪ ،‬وزغردات رائعة الشجاعة‪ ،‬وحقد غير طبقي مجاني‪ ،‬وعدوانية ال‬ ‫ديموقراطية وال شعبية‪...‬‬ ‫ظهر المهراز جزيرة حبلى بـ «التناقضات» العجيبة والواعدة‪ ،‬شريعة‬ ‫وحقوق‪ ،‬فلسفة ودراسات اإلسالمية‪ ،‬أدب عربي ولغته وأدب غربي ولغاته‪،‬‬ ‫علوم دقيقة صارمة وتجريبية‬ ‫وأخرى نظرية خطابية ‪...‬قتيارات‬ ‫وكمنجات‪ ،‬عود وناي ودربوكة‪،‬‬ ‫سحنات بدوية وأخرى حضرية‪،‬‬ ‫انبهار بالغرب وحريته وافتتان‬ ‫بالشرق واشتراكيته‪ ،‬وتشبت‬ ‫خفي بالماضي ‪...‬التليد وقوته‬ ‫وشدته قبل أن ينتزع مشروعيته‬ ‫ظهر المهراز هوالحرم التي‬ ‫تعبره مختلف تناقضات وهواجس‬ ‫وإح��ب��اط��ات وه��واج��س وآم��ال‬ ‫المجتمعالمغربي‪...‬‬ ‫ظهر المهراز كان ومازال‬ ‫وسيبقى لوحة تشكيلية متحركة‬ ‫كشجرة الحياة غابت عنها أيادي‬ ‫بارعة للتوليف المتوازن بين‬ ‫ألوانها ال تنتصر إال إلى صوت‬ ‫الحرية واالختالف وال تأتمر إال‬ ‫بنداء العقل واألخوة واإلنصاف والعدالة والسلم والسالم‪...‬‬ ‫ظهر المهراز كان وكنا وسيكون صورة لمغرب قلق يبحث عن الطريق‬ ‫العصينحومشروعمستقبليللتقدم‪،‬للديموقراطية‪،‬للحرية‪،‬للتنوعواالختالف‪،‬‬ ‫ال كشعارات مستوردة وإنما كضرورات للعيش المشترك والتحرر من تبعية‬ ‫الماضي واآلخر‪...‬‬ ‫كل من مر من ظهر المهراز له حكايته‪ ،‬كل من مر من ظهر المهراز‬ ‫له قناعاته التي كونها فيها أوفي غيرها من األمكنة واألزمنة‪ ،‬تشبث بها‬ ‫أوهجرها(أعرف البعض ممن جحدوا لظهر المهراز حتى إنسانيا‪ ،‬إذ لم يغيروا‬ ‫المبادئ والقناعات فقط‪ ،‬وهذا ربما طبيعي إلى حد ما‪ ،‬لكنهم تنكروا إنسانيا‬ ‫لماضيهم وألصدقائهم وصديقاتهم )‪ ،‬وسنة الحياة ودرسها ‪...‬البليغ يفيد أن‬ ‫ال أحد يشبه اآلخر‬ ‫‪ ،‬ظهر المهراز مشتل تخرجت منه طاقات مبدعة وكفاءات حقيقية‪ ،‬ظهر‬ ‫المهراز كانت ومازالت وستبقى حكايتنا جميعا؛ ولتكن هذه الحكاية الجماعية‬ ‫صوتا للمستقبل وروحا نعزفها جميعا رغم اختالفنا وربما الشديد‪...‬‬ ‫سالما لكم قدماء جامعة سيدي محمد بن ع اهلل‪... ،‬عمت صباحا ومساء‪...‬‬ ‫وإلى األبد ظهر المهراز‪..‬‬

‫وفوائد موالنا‬ ‫جمل‪..‬‬ ‫عبد اللطيف �شهبون‬

‫‪abdelchahboun@hotmail.com‬‬

‫وفوائد موالنا جمل لسروح األنفس والمهج‬ ‫وأما فوائد ‪:‬‬ ‫فكل ما يحصل عليه‪ ،‬ويستفاد منه‪ ،‬أوهو كل‬ ‫مقتنى مربح‪ ،‬أوهو ما يستفاد به من علوم واخبارات‪..‬‬ ‫وأما موالنا ‪:‬‬ ‫فهو ناصرنا ونصيرنا‪ ،‬ومتولي أمورنا‪ ،‬وحافظنا‪،‬‬ ‫ومعيننا‪..‬‬ ‫وأما جمل ‪:‬‬ ‫فمفرد جملة؛ وتعني جماعة كل شيء‪..‬‬ ‫وأما السروح ‪:‬‬ ‫فمفردها سرح‪ ،‬والسروح مصدر دال على كل‬ ‫ارسال وتوفيق وسير حثيث‪..‬‬ ‫وأما األنفس ‪:‬‬ ‫فمفردها نفس‪ ،‬والمقصود بها في هذا السياق‬ ‫األرواح ذات الجوهر النوراني الرباني‪..‬‬ ‫وأما المهج ‪:‬‬ ‫فمفردها مهجــة‪ ،‬وتعني في البيــت دم القلـــب‬ ‫والروح‪..‬‬ ‫وفي بيت ابن النحوي ‪:‬‬ ‫• تضمين لمقام المحبة ‪ ..‬فمطلوب النفس هو‬ ‫المحبة‪ ،‬والنفوس مجبولة على حب‬ ‫من يحسن إليها‪ ..‬وال محسن سوى اهلل؛ لذلك‬ ‫تنجذب األنفس لحبه‪..‬‬ ‫والمحبة إرادة تميــل القلب نحو المحبوب؛ لما‬ ‫تحقق من جماله وكماله‪..‬‬ ‫والمحبة ميل دائم لقلب هائم‪..‬‬ ‫وهذا الميل يبدو على ‪:‬‬ ‫ـ الجوارح الظاهرة بالطاعـــات؛ وهــو مقام‬ ‫األبرار‪..‬‬ ‫ـ القلوب الشائقة المتخلية المتحليــة؛ وهو‬ ‫مقام المريدين السالكين‪..‬‬ ‫ـ األرواح واألسرارالصافية بالتمكين من شهود‬ ‫المحبوب؛ وهو مقام العارفين‪..‬‬ ‫وجماع المعنى أن المحبة ‪:‬‬ ‫• نعيم مقيم للسائرين المرتاضين في مقامات‬ ‫اليقين بأجنحة الجذبة إلى اهلل؛ وهي أول المقامات‬ ‫وآخرها‪..‬‬ ‫• وهـي نوالية منحــازة لمواهــب روحانيــــة‬ ‫وجسمانية‪..‬‬ ‫• وهي جمالية منحازة لمحاسن معان‪ ،‬ومعاني‬ ‫محاسن‪..‬‬ ‫• وهي مناسبة منحازة لتناسب حاصل بين محب‬ ‫ومحبوب‪..‬‬ ‫وفوائد موالنا جمل‪..‬‬

‫العدد ‪1045‬‬

‫الثالثـاء ‪� 12‬إلى ‪ 18‬مـــاي ‪2020‬‬

‫‪4‬‬

‫قانون ‪ ....22.20‬وسؤال النقاش العمومي‪.‬؟‬ ‫• محمد البوشوكي (دكتور في القانون العام)‬ ‫أستاذ زائر بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال‪ .‬جامعة محمد الخامس ـ الرباط ـ‬ ‫شهدت الساحة السياسية والرأي العام المغربيين خالل األيام السابقة‪ ,‬جدال قويا حول مشروع‬ ‫قانون ‪ 22.20‬المتعلق باستعمال شبكة التواصل االجتماعي‪ ،‬وشبكات البث المفتوح والشبكات‬ ‫المماثلة‪ ،‬أوما يطلق عليه المغاربة في شتى المنابر التواصلية قانون « تكميم األفواه »‪،‬هومشروع‬ ‫القانون الذي يظهر من مراسلة وجهها األمين العام للحكومة‪ ،‬إلى وزراء الحكومة‪ ،‬والتي صادق عليها‬ ‫المجلس يوم ‪ 19‬مارس من الشهر الماضي‪.‬‬ ‫قانون ينص على العقوبة بالحبس من ستة أشهر إلى ثالث سنوات وغرامة مالية من ‪5000‬‬ ‫درهم إلى ‪ 50000‬درهم‪ ،‬أوبإحدى هاتين العقوبتين‪ ،‬كل من قام عمدًا عبر شبكات التواصل‬ ‫االجتماعي أوعبر شبكات البث المفتوح أوعبر الشبكات المماثلة بالدعوة إلى مقاطعة بعض المنتجات‬ ‫أوالبضائع أوالخدمات أوالقيام بالتحريض عالنية‬ ‫على ذلك‪.‬‬ ‫حقوقيون وباحثــون والمغاربة بصفة عامة‬ ‫اعتبروا القانون ردة حقوقية‪ ,‬واستغالال للظروف‬ ‫التي يمر منها المغــرب من أجل تمرير قانــون‬ ‫يضرب عرض الحائط المكتسبات التي ربحها‬ ‫المغاربة من تضامن ومسؤولية ووطنية جديدة‬ ‫في محاربة وباء «كورونا»‪ ,‬الجائحة التي من‬ ‫المفروض أن تقوي الحس الوطني واالجتماعي‬ ‫في نفـوس المواطنين والحكومـــة على وجــه‬ ‫الخصوص‪ ,‬والمسؤولين السياسيين بشكل عام‪.‬‬ ‫من جهة أخرى يعتبر ذاك القانون ضربا لروح‬ ‫الدستور المغربي‪ ,‬وخصوصا الفصل ‪ 25‬منه‪ ,‬كما‬ ‫أن مقتضياته تجبرنا على طرح السؤال حول مصير‬ ‫النقاش العمومي في هكذا قوانين التي تمس‬ ‫حقوق المواطنين كحري الرأي والتعبير‪ ,‬علما أننا‬ ‫نقول قد قطعنا أشواطا في مجال تثبيت دولة‬ ‫الحق والقانون‪.‬‬ ‫نفس النقاش العمومي الذي أشادت به الكثير من فئات المجتمع وفعالياته المختلفة‪ ،‬الدائر‬ ‫حول هذا المشروع‪ ،‬والذي يبين اعتزاز المواطنين والمواطنات وحرصهم على الدفاع والحفاظ على‬ ‫المكتسبات التي حققتها بالدنا في مجال الحقوق والحريات‪ ,‬رغم أن «ومن منظور شخصي» النقاش‬ ‫العمومي يستحسن أن يكون فبلي وليس بعدي‪ ,‬إلعطاء نوع من المشروعية لكل القوانين المطروحة‪,‬‬ ‫في سبيل توطيد الديمقراطية التشاركية التي هي في النهاية سمة من سمات الدول المتقدمة‬ ‫سياسيا وحقوقيا‪.‬‬ ‫وقبل هذا وذاك كان من المفروض فتح مشاورات واسعة مع المؤسسات المعنية األولى باألمر‬ ‫مثل المجلس الوطني لحقوق اإلنسان‪ ،‬والمجلس الوطني للصحافة‪ ،‬والمنظمات الحقوقية والمدنية‬

‫المهنية‪ ،‬مثل النقابة الوطنية للصحافة‪ ،‬قصد مراجعة كل البنود‪ ،‬التي بدت أنها تمس بحرية التعبير‬ ‫والرأي‪ ،‬على أساس العمل على تقنين فضاء مواقع التواصل االجتماعي الذي يعرف فوضى عارمة‪ ،‬بنشر‬ ‫اتهامات باطلة وتهديدات وشتائم وانتحال صفة يعاقب عليها القانون‪.‬‬ ‫فاألمر إذن‪ ,‬يتطلب فتح نقاش عمومي حول حرية التعبير والرأي والصحافة ينخرط فيه جميع‬ ‫الفاعلين المعنيين يأخذ بعين االعتبار التحوالت المرتبطة بهذا الموضوع‪ ،‬خاصة في الفضاء الرقمي‪،‬‬ ‫ومنصات التواصل االجتماعي‪ ،‬بما يكفل هذه الحرية دون المساس بالحياة الخاصة لألفراد‪.‬‬ ‫أسئلة كثيرة تطرح متعلقة بأدوار المؤسسات واألحزاب وما يمكن أن تغني به هذا النقاش الذي‬ ‫يمس حقا من حقوق المواطن المضمون سلفا في شتى القوانين الدولية واإلقليمية؟‪ ,‬كأولوية أسمى‬ ‫لجميع الحكومات والتشريعات القانونية‪.‬‬ ‫هذا النقاش العمومي نفسه الذي أدى إلى دعوة‬ ‫المكتب التنفيذي للمنظمة المغربية لحقوق اإلنسان‪،‬‬ ‫رئيـس الحكومـــة إلى سحــــب مشــروع القـــانـون‬ ‫رقم ‪ 22.20‬المتعلق باستعمال شبكات التواصل‬ ‫االجتماعي وشبكات البت المفتوح والشبكات المماثلة‪،‬‬ ‫والقطع مع سياسة تكميم األفواه وقمع األصوات‬ ‫المعارضة والمنتقدة ألداء السلطات‪.‬‬ ‫وطالب المكتب التنفيذي للمنظمة المغربية‬ ‫لحقوق اإلنسان‪ ،‬إلى ضرورة إخضاع أي مشروع قانون‬ ‫للتشاور العمومي بمشاركة المنظمات الحقوقية‬ ‫وأصحاب المصلحة إذا كان مرتبطا بحقوق اإلنسان؛‬ ‫كما يجب إحالة هذه المشاريع على المجلس الوطني‬ ‫لحقوق اإلنسان قصد إبداء الرأي‪.‬‬ ‫زيادة على ضرورة احترام التزامات المغرب‬ ‫الدولية والمقتضيات الدستورية المرتبطة بحقوق‬ ‫اإلنسان؛ مشيرة أنه يجب رفض مثل هذه المقتضيات‬ ‫التي تمس بحرية الرأي والتعبير‪.‬‬ ‫إذن وحسب تلك المعطيات‪ ,‬كان حري بالحكومة المغربية أن تطلق نقاشا عموميا بوصفه عمادا‬ ‫للديمقراطية‪ ،‬يعني التداول العام الذي قد تشترك فيه أطياف سياسية متعددة‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬تقصد به‬ ‫المشاركة السياسية بشكل عام‪ .‬وهوينبني على ما يعرف في الفلسفة بـ”االستعمال العمومي للعقل”؛‬ ‫أي المبادئ العامة والمجردة التي تسهم في تأسيس النقاش العمومي‪.‬‬ ‫سؤال أخر يمكن أن أختم به‪ ,‬يتعلق بالتوقيت والظروف التي نعيشها‪ ,‬هل ترى الحكومة المغربية‬ ‫أن الوقت سانح لطرح قوانين شبيهة؟ علما أن الجميع اآلن وأكثر من أي وقت مضى له هاجس وحيد‬ ‫وأوحد‪ ,‬أال وهوالتغلب على الوباء‪ ,‬والخروج من األزمة بأقل الخسائر‪.‬‬

‫لكن ‪ ...‬عليه أخذ الدروس والعبر من اآلن الستشراف الغد ‪..‬‬

‫المغرب يعرف تحسنا في بعض المؤشرات الخاصة‬ ‫بجائحة العصر‬ ‫• محمد إمغران‬ ‫البأس من العودة إلى ما تداوله المجلس‬ ‫الحكومي‪ ،‬األسبوع الماضي‪ ،‬فيما يتعلق بأصداء‬ ‫«كورونا» خاصة وأن المغاربة اهتموا وترقبوا‬ ‫كثيرا ما سيسفرعنه اجتماع المجلس‪ ،‬وكأنهم‬ ‫يستعجلون رفـع الحجــر الصحي‪« ،‬لكن الزربة‬ ‫على صالح !» فقد أبدى سعد الدين العثماني‪،‬‬ ‫رئيس الحكومة‪ ،‬تفاؤله بالتحسن الذي تعرفه‬ ‫بعض جوانب الحالة الوبائية في المغرب؛ وذلك‬ ‫ضمن تفاعله‪ ،‬يوم الخميس الماضي‪ ،‬في‬ ‫المجلس الحكومي مع جائحة فيروس «كورونا»‬ ‫المستجد‪ .‬وقال العثماني في كلمته االفتتاحية‪:‬‬ ‫«في الوقت الذي تعرف فيه بالدنـا إكراهــات‬ ‫وصعوبات حقيقية بسبب هذه الوضعية‪ ،‬كلنا‬ ‫إرادة وعزم لمواجهتها»‪ ،‬مضيفا‪« :‬نعرف تحسنا‬ ‫في بعض المؤشرات؛ من مثل االرتفاع المطرد‬ ‫لعدد المتعافين‪ ،‬وانخفـــاض نسبة الوفيات‪،‬‬ ‫والتحكم أكثر في «البروتكول» الدوائي‪ ،‬وتحقيق‬ ‫االكتفاء الذاتي في عدد من المستلزمات الطبية‬ ‫مثل المطهرات والكمامات وفي الوقت الذي أكد فيه العثماني أنه تحققت هذه النتائج بفضل‬ ‫المجهودات التي يبذلها كافة المتدخلين في مواجهة الجائحة‪ ،‬وفي مقدمتهم مهنيو الصحة‬ ‫ومختلف األجهزة األمنية والذين يستحقون كل التنويه والتقدير‪ ،‬قدم عدد من وزراء الحكومة‪،‬‬ ‫حسب بالغ للمجلس‪ ،‬عروضا لها عالقة بالقطاع أو القطاعات التي يشرفون على تدبيرها حول‬ ‫تداعيات جائحة كورونا «كوفيد ‪ »19‬والحجر الصحي‪ ،‬بعد تمديد حالة الطوارئ الصحية‪.‬‬ ‫العروض‪ ،‬التي كان هدفها االطالع على تطور الحالة الوبائية ببالدنا وفعالية الحجر الصحي‬ ‫الساري المفعول حاليا وكذا إلبراز اآلثار السلبية لهذه الجائحة على كافة مناحي الحياة االجتماعية‬

‫واالقتصاديـــة‪ ،‬دفعـــت المجلس إلى التـــداول‬ ‫بخصوص اإلجراءات والتدابير المتخذة من أجل‬ ‫الحد من هذه اآلثار خاصة على الفئات الهشة‪.‬‬ ‫وشدد أعضاء الحكومة على ضرورة «إيالء األهمية‬ ‫لإلجراءات التي تم اتخاذها من أجل الحفاظ على‬ ‫صحة وسالمة المواطنات والمواطنين وتقديم‬ ‫الدعم للفئات والمؤسسات المتضررة»‪ ،‬معلنين‬ ‫الحرص على تزويد األسواق بشكــل مستمــــر‬ ‫وبالكميات الكافية وإعادة الحركية للحياة‬ ‫االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬بشكل تدريجي‪ ،‬في أفق‬ ‫إعداد خارطة طريق لإلقالع االقتصادي لبالدنا‪.‬‬ ‫وفي هذا الصدد‪ ،‬أكد أعضاء المجلس على‬ ‫القطاعات المهيكلة واالستراتيجية كالصناعة‬ ‫والتجارة والسياحة والصناعة التقليدية والبناء‬ ‫والطاقة والمعادن‪ ،‬مشددين على ضرورة إعطاء‬ ‫أهمية قصوى لتشجيع اإلنتاج المحلي واستهالك‬ ‫«المنتوج الوطني»‪ ،‬طبعا وهذه فرصة مهمة جدا‬ ‫للقطع مع مجموعة من التخطيطات و»الفلسفة‬ ‫الخاوية» التي سادت لعقود‪ ،‬ذلك أن «المعلم» المسمى «كورونا» قد يكون جاء في الموعد‬ ‫المناسب‪ ،‬لتصحيح مجموعة من األمورفي مجاالت وقطاعات شتى‪ ،‬بهدف تقوية اقتصاد المغرب‬ ‫وجعله يعتمد على ذاته‪ ،‬بتطويرثرواته وخيراته ومكتسباته وبالتالي تحقيق كرامة العيش للمغاربة‬ ‫قاطبة‪ ،‬بحق وحقيق‪ ،‬دون إغفال مجال التضامن االجتماعي‪ .‬وبالمناسبة‪ ،‬وخالل أشغال المجلس‬ ‫الحكومي ذاته‪ ،‬تم تقديم اإلجراءات المتخذة لفائدة األشخاص في وضعية إعاقة واألشخاص في‬ ‫«وضعية الشارع» والنساء في وضعية صعبة؛ في حين تم التأكيد في مجال التربية والتكوين‬ ‫والبحث العلمي على ضمان االستمرارية البيداغوجية‪ ،‬من خالل مواصلة استثمار مختلف آليات‬ ‫«التعليم عن بعد»‪.‬‬

‫العدد ‪1045‬‬

‫الثالثـاء ‪� 12‬إلى ‪ 18‬مـــاي ‪2020‬‬

‫‪5‬‬

‫وسائل اإلعالم وتأثيرها الذهني‬ ‫بين الحقيقة والتمويه‬ ‫تُعدّ وسائل اإلعالم المُختلفة من أهمّ االختراعات التي التي سهّلت لإلنسان تواصله مع األخر‬ ‫وتوثيقه لتاريخه وتبادل المعلومات‪ ،‬إضافة إلى ّ‬ ‫اطالعه على مُجريات األحداث اإلقليمية والكونيّة‪،‬‬ ‫هدى الهرمي‬ ‫ولقد تطوّر العالم مُقارنة بما كان عليه سابقا‪ ،‬وكان ذلك نتيجة لعدّة ثورات‪ ،‬منها ثورة تطور‬ ‫وسائل االعالم واالتصال عبر فترات زمنيّة مُتالحقة؛ مما ّأثر بشكل كبير في إنشاء قنوات فضائية‬ ‫وإذاعات وتأسيس صحف ومجالت‪ ،‬بمُختلف األغراض واألهداف واألدوات‪ ،‬حيث شملت المقروء‬ ‫والمسموع والمرئي‪.‬‬ ‫ويُعرّف اإلعالم أنه العمليّة التي يتمّ فيها نشر األخبار والحقائق واآلراء واألفكار أيضا‪ .‬كما‬ ‫يُعرّفه األلماني أوتوجروت المُختصّ في اإلعالم «هو التعبير الموضوعي لعقليّة الجماهير‬ ‫ولروحها وميولها واتجاهاتها في نفس الوقت»‪.‬‬ ‫لذا فإن كل هذه الوسائل تُساهم في إطالع المُتلقي ومعرفة األمور المُتنوعة والمختلفة في‬ ‫جميع المجاالت‪ ،‬وهي تُحقق ذلك في إطار سعيها الدائم للسيطرة على الوقت األكبر لدى جمهورها‬ ‫واإلستجابة لتط ُلعات الحشد األكبر من متابعيها ومن ثمّ البحث المُستمر عن مختلف سُبل تكيّفه‬ ‫مع المُستجدّات العالمية والقومية والمحليّة‪.‬‬ ‫لكن لنا أن نتساءل عن دورها في تشكيل ذهن المُتلقي ومدى تأثيرها على المجتمع؟‬ ‫إن لإلعالم قوة وتأثيرًا واضحا عبر وسائله في التغييرات التي تطرأ على المجتمع‪ ،‬وذلك من‬ ‫ّ‬ ‫المُستقل في مهام التغطية الوارفة المعالم‪ ،‬لتَشمل الحرية والمسؤولية والد ّقة‬ ‫سمات اإلعالمي‬ ‫االنحياز‪.‬‬ ‫وعدم‬ ‫المصداقية‬ ‫إلى‬ ‫إضافة‬ ‫في المعلومات‪،‬‬ ‫لتغدو أداة في يد البرامج السياسية والمشاريع االقتصادية وذلك الدعم المُتّصل من الحكومات‬ ‫وتساهم وسائل اإلعالم في تشكيل تصوّراتنا الذهنيّة أو باألحرى خلق صور مٌعينة عبر جهود والمؤسسات التي تضخّ المال في سبيل تأطير إقليمي‪ ،‬وذلك في أطار صراع أيديولوجي أو ما‬ ‫ّ‬ ‫لتُشكل هيمنتها على الشعوب‬ ‫كثيفة ومُستمرّة لما يُحيط بنا من وسائل اتصال أخرى‪ ،‬ذلك أن اإلعالم (التقليدي) من قنوات يُسمّى بصراع أصحاب النفوذ واقتسام المناطق االستراتيجية‬ ‫فضائية وإذاعات وصحف‪ّ ،‬‬ ‫يظل في سعي دائم للتواجد واالنتشار بين وسائل اإلعالم واالتصال بمختلف ثقافاتهم وانتماءاتهم‪.‬‬ ‫(الجديد) مثل «فيسبوك» و«تويتر» والمُدوّنات اإللكترونية‪ ،‬لمزاحمة التفاعل الذي جذب إليه‬ ‫ورغم كل شيء ّ‬ ‫تظل هناك هوّة سحيقة بين الدول المتقدمة وال��دول الصغرى‪ ،‬هي في‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جمهور ال بأس به‪ ،‬وبالتالي فإن وسائل اإلعالم تعمد المتالك صناعة الصورة الذهنية وتشكيلها امتالك المعلومات ووسائل بثها والتحكم فيها كمّا وكيفا‪ ،‬بل يمكن القول ّ‬ ‫أن اإلعالم المعاصر‬ ‫من خالل خلق العديد من األسباب‪ ،‬منها المكاسب الماليّة والسيطرة اإلقليمية‪ ،‬في ّ‬ ‫ظل صِراعات يرتبط بإستراتيجيات الدول الكبرى وبفلسفتها السياسية والثقافيّة‪ ،‬وأيضًا باتجاهاتها الفكرية‬ ‫إيديولوجية تنفذ إلى ثقافة الشعوب وتُحدث ذلك األثر البالغ على شرائح مختلفة‪.‬‬ ‫واالجتماعية‪.‬‬ ‫وحسب معطيات لشركات اتصال مثل شركة أوريدو يُوضح وليد السيّد الرئيس التنفيذي‪:‬‬ ‫ومكمن الخطورة يتمثل في أن اإلعالم الدولي يهدف في الظاهر إلى تزويد الشعوب في دول‬ ‫ّ‬ ‫إن ‪ 74%‬من الشريحة العُمرية ما بين ‪ 20‬و‪ 40‬سنة يقضون ما يُناهز أربع ساعات يوميًا العالم الثالث‪ ،‬خصوصًا بكمّ المعلومات‪ ،‬بعد تقصي الحقائق والمصادر‪ ،‬بهدف إقناعها بعدالة‬ ‫ّ‬ ‫على الهواتف الذكيّة‪ ،‬وهذا حتما يدل على أن الجيل الحالي ال يُشاهد التلفزيون وال يستمع إلى قضايا الدول المرسلة لألخبار‪ ،‬وبالتالي تتبنّى هذه الجماهير مواقف تلك الدول‪ .‬لكن في الحقيقة‬ ‫النشرات اإلخبارية‪ ،‬ما يزيد الحاجة إلى إيصال المعلومة بطريقة مُبتكرة‪ ،‬وهذا أكبر تحدّ قائم وبعد فترة زمنية تتضح المعالم جيدًا‪ ،‬بفقدان تلك المعلومات للمصداقية فضلاً عن قدرة اإلعالم‬ ‫لوسائل اإلعالم في ّ‬ ‫ظل هيمنة مضادة تمليها وسائل االتصال االجتماعي‪.‬‬ ‫الدولي على التأثير‪ ،‬بعرض بعض األخبار وحجب بعضها‪ ،‬أو فبركتها للمادّة المُقدمّة‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫ويرى محمد أبو عاقلة المدير التنفيذي للتكنولوجيا والعمليّات لشبكة الجزيرة أن تلفزيون صياغة مُلفتة للنّظر من أجل التواطىء مع جهة ما ودحض الواقع القائم‪.‬‬ ‫المستقبل هو ثورة جديدة‪ ،‬إذ سيكون باإلمكان في المستقبل القريب‪ ،‬تعديل الموادّ التلفزيونية‬ ‫وتعود العالقة بين وسائل اإلعالم وبلورة الصور الذهنية السياسية خاصة‪ ،‬إلى عدّة عوامل‬ ‫بصورة شخصيّة‪ ،‬لك أن تتخيّل مجرّد إغالق عينيك لمشاهدة فيلم من خالل عدسات الصقة ذكيّة يمكن أن يستكشف الباحث فيها إلى عدّة نماذج على ضوء مُكونات أساسية للصورة الذهنية‬ ‫بامكانك تغيبر القناة بمجرد ترميش عينيك‪.‬‬ ‫للمتلقي‪ ،‬وهي ثالث ( المكون المعرفي‪ ،‬والمكون العاطفي والمكون السلوكي)‪.‬‬ ‫ويُضيف أبو عاقلة أن بحلول عام ‪ 2070‬ستكون التقنيات السحابية أغلى من النفط وستُتيح‬ ‫فهذه الوسائل شديدة التأثير بقدرتها على ‪N‬ضفاء المعاني وتسليط األضواء على األشياء‬ ‫الوصول إلى أيّ معلومات من أي مكان في أيّ وقت‪.‬‬ ‫واألشخاص واألحداث القائمة‪ ،‬بذريعة إيصال المعلومة‪ .‬لكن لها من إمكانية االستعانة بانفعاليّة‬ ‫أن االعالمي يواجه تحديات كبرى‪ ،‬لمواكبة التطوّر التقني المُتسارع‪ ،‬لما له من دور المُتلقي بكفاءة تقنية عالية‪ ،‬وإصرار على توظيف المعلومة في سبيل مصالح سياسية واقتصادية‪.‬‬ ‫هذا يعني ّ‬ ‫حيوي ومميّز في كافة المجتمعات‪ .‬فال مناص من لجوء أي فرد في التعرّف على ما يحيط به من‬ ‫ولقد حدثت تطورات تؤكد العديد من المخاطر والتحديّات التي تواجهنا وتُيّسر على اإلعالم‬ ‫أحداث ومواكبة األخبار سواء سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو غير ذلك‪ ،‬وبالتالي فطريقة عرض الدولي أن يعمد الستغالل شبكات إعالمية محليّة لتحقيق أغراضه‪ ،‬خصوصًا في ّ‬ ‫ظل نُقص‬ ‫المعلومات في حدّ ذاتها رهان بالغ األهميّة لما يستحوذه من صناعة بشكل عالمي ومُقوّمات المعلومات وعمليات التمويه‪ ،‬ومن ثمّ تُشكل الصورة الذهنية‪.‬‬ ‫التكيّف في زمن العولمة‪.‬‬ ‫وبالتالي فهناك مساحة قابلة لالختراق لدى الكثيرين‪ ،‬خصوصًا في ّ‬ ‫ظل صراعات إقليمية‬ ‫وفي خضم كل هاته المعطيات هناك أحداث محوريّة تستحق البراهين والغوص فيها دون وحروب قائمة وثورات عربية‪ ،‬وهذا يتبين تحديدًا في المجاالت السوسيولوجية على نطاق واسع‪.‬‬ ‫عطب للحقيقة وحرص على استراتيجية هاته الوسائل في ّ‬ ‫ظل صراعات عالمية تنعتق من المواثيق‬ ‫إ ًذا فالحقيقة أن من يملك الميديا يملك القدرة على قيادة العالم في المسار الذي يريد‪ ،‬وأن‬ ‫بالعقول‪.‬‬ ‫وتتالعب‬ ‫المتلقي‬ ‫الدولية لهذا المجال لتوزّع متاهات معلوماتية تخترق ذهن‬ ‫التالعب بوسائل االعالم هو تالعب بالديمقراطية‪ .‬لذا فامتالك الصورة خاصة‪ ،‬صار بمثابة امتالك‬ ‫وفي هذا الصدد يشير عالم االجتماع االمريكي هربرت شيللر صاحب كتاب «المتالعبون السلطة‪ .‬بل ّ‬ ‫شكلت في العقود األخيرة رهان رجال االقتصاد والسياسة في معاركهم‪ ،‬والورقة‬ ‫بالعقول» حيث يتطرّق الى التضليل اإلعالمي والوعي المُع ّلب‪ ،‬وأيضًا صناعة المعرفة وكيفيّة الرابحة لتولي المناصب وغير ذلك‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫التحكم بالرأي العام‪ ،‬ويقول في نظرية «اإلمبريالية الثقافية»‪:‬‬ ‫وكل هذا غيّر وجه العالم ّ‬ ‫وشكل إدراكه في مربع أبيض عليه ّ‬ ‫جُل التساقطات اإلعالمية كصياغة‬ ‫إن الدول الغربية تسيطر على أجهزة االعالم حول العالم‪ ،‬والهيمنة الثقافية الناتجة عن تلك جاهزة لشتى الصور الذهنية «مُتحيزة أو غير مُتحيزة»‪ .‬ولكن ّ‬ ‫يظل لوسائل االعالم دور مُهمّ في‬ ‫السيطرة ستؤدي إلى تدمير الثقافات المحليّة وفرض القيم والمعايير الغريبة على شعوب العالم تنمية وعي المجتمع واألكثر قدرة على دعم برامج التنمية االقليمية خاصّة‪ ،‬وأيضًا على ترسيخ‬ ‫الثالث‪.‬‬ ‫ثقافة التعاون والتكامل بين المجتمعات‪ ،‬فهل يُعتبر هذا هو الرّهان القادم في منظومة مستقبلية‬ ‫إن وسائل اإلعالم أصبحت مؤسسات ضخمة تستخدم قوتها لصالح مالكيها وأجندات دولها‪ً ،‬ما بعد بعد الحداثة»!‬

‫الثالثـاء ‪� 12‬إلى ‪ 18‬مـــاي ‪2020‬‬

‫العدد ‪1045‬‬

‫‪6‬‬

‫حرية الرأي والتعبيربالمغرب‬ ‫على ضوء التشريع والممارسة االتفاقية‬ ‫‪ -‬عبد الغني السرار‬

‫دكتور فيالقانون العام والعلوم السياسية كلية الحقوق الرباط؛‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫يعتبر الحق في حرية الرأي والتعبير من الحقوق األساسية التي تحميها الشِّرعة الدولية لحقوق اإلنسان‪،‬‬ ‫وقد تم االعتراف بحرية الرأي والتعبير‪ ،‬أول مرة‪ ،‬بموجب اإلعالن الفرنسي لحقوق اإلنسان والمواطن‪ ،‬الصادر‬ ‫سنة ‪ ،1789‬حيث نصت مادته الحادية عشر على أن‪»:‬حرية إيصال األفكار واآلراء تعد واحدة من أغلى حقوق‬ ‫اإلنســـان‪ ،‬وأن كل مواطن يستطيع الكالم والطباعة بكل حرية‪.»...‬لقد تم االهتمام في البدايات األولى بحرية‬ ‫الرأي والتعبير (‪ )Liberté d’opinion et d’expression‬على حساب الحق في حرية الرأي والتعبير (‪Droit‬‬ ‫‪ ،)à la liberté d’opinion et d’expression‬وبفضل التراكمات المعرفية سيحل الحق في حرية الرأي‬ ‫والتعبير‪ ،‬باعتباره أعم وأشمل‪ ،‬محل حرية الرأي والتعبير‪.‬‬ ‫والحق في حرية الرأي والتعبيرمفاده السماح بممارسة هذه الحرية باعتبارها حقا كونيا لجميع الناس بغض‬ ‫النظر عن جنسهم وعن الحدود الجغرافية‪ ،‬وهو ما التَّوكيد عليه في المادة ‪ 19‬من اإلعالن العالمي لحقوق‬ ‫«لكل شخص ّ‬ ‫اإلنسان‪ ،‬الصادر سنة ‪ ،1948‬التي نصت على أنه‪ِّ :‬‬ ‫حقُ التَّمتُّع بح ِّرية الرأي والتعبير‪ ،‬ويشمل هذا‬ ‫الحق حرية اعتناق اآلراء دون أي تدخل واستقاء األنباء واألفكار وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقييد أو تضييق‪.‬‬ ‫يشتماللحق في حرية الرأي والتعبيرعلى حقين متالزمين األول هوالحق في الرأي‪ ،‬والثانيهو الحق في‬ ‫التعبير عن الرأي‪ ،‬وبالتالي فإنه من غير الممكن الفصل بين هذين الحقين‪ ،‬أي أنه ال يتصوروجود أحدهما‬ ‫بمعزل عن اآلخر‪ ،‬فحق التعبير هو أجرأة للحق في الرأي‪ ،‬وبموجبهما يحق للفرد التعبير عن آرائه ونقلهالآلخرين‪،‬‬ ‫فيتحوَّل الرأي من مجرد فكرة إلى تعبير صريح‪ ،‬وقد صرحت الجمعية العامة لألمم المتحدة‪ ،‬بموجب قرارها رقم‬ ‫‪،59‬في ‪ 14‬دجنبر ‪ ،1946‬بأن ‪»:‬حرية تداول المعلومات يعتبر حقا أساسيا لألفراد‪،»...‬ومع مرور الوقت توالى‬ ‫االعتراف العالمي بالحق في حرية التعبير بموجب المادة العاشرة من االتفاقية األوروبية لحقوق اإلنسانلسنة‬ ‫‪ 1950‬التي نصت على أنه‪« :‬لكل إنسان الحق في حرية التعبير‪،‬الذي يشمل حرية اعتناق اآلراء وتلقيالمعلومات‬ ‫واألفكار»‪.‬‬ ‫وقد أعادت الجمعية العامة لألمم المتحدة‪ ،‬بموجب المادة ‪ 19‬من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية‬ ‫والسياسية الصادر في نفس السنة‪،‬التَّأكيد على أهمية «حق كل إنسان في حرية التعبير‪ ،‬ويشمل هذا الحق‬ ‫حريته في التماس مختلف أنواع المعلومات واألفكار وتلقيها ونقلها إلى اآلخرين دونما اعتبار للحدود‪ ،‬سواء في‬ ‫شكل مكتوب أو مطبوع أو عبر قالب فني أو بأيَّة وسيلة أخرى يختارها‪ ،‬شريطة عدم إساءة استعمال هذا الحق‬ ‫لإلضرار باآلخرين أو المس باألمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو اآلداب العامة»‪.‬‬ ‫والمغرب‪ ،‬باعتبارهعضوا فاعال في األمم المتحدة‪،‬وبحكم تفاعله مع مُخرجات المجتمع الدوليذات‬ ‫الصلة بحقوق اإلنسان‪ ،‬انخرطبشكل طوعي في مبادئالقانون الدولي لحقوق اإلنسان‪ ،‬فشرع في االنضمام‬ ‫التدريجيلمقتضيات الشِّرعَة الدَّولية لحقوق اإلنسان‪ ،‬بمصادقته على العديد من االتفاقيات المتعلقة بحقوق‬ ‫اإلنسان من قبيل تصديقهعلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية‪ ،‬في ‪ 03‬ماي ‪ ،1979‬وهذا‬ ‫األمر يلزمه استنادا إلى مرجعية القانون الدولي بإدماج الشِّرعَة الدَّولية لحقوق اإلنسان في السياسة العامة‬ ‫ذات الصلة بحقوق اإلنسانوفاء بالتزامهبمقتضيات االتفاقيات الدولية التي يعد طرفا فيها‪.‬‬ ‫وعالقة بالحق في حرية الرأي والتعبير‪،‬تضمن الدستور المغربي لسنة ‪ 2011‬مجموعة من المقتضيات‬ ‫ذات الصلة بهذا الحق والتي من شأن احترامها وضمان ممارستها أن يساهمان في ترسيخ حقوق اإلنسان‬ ‫كما هي معترفبها دوليا‪،‬وقدنصَّ الدستور المغربي على حرية الفكر والرأي والتعبيربكل أشكالها (الفصل ‪،)25‬‬ ‫والحق في التعبير ونشر األخبار واألفكار واآلراء(الفصل ‪ ،)28‬علما بأن مصادقته على هذا العهد الدولي للحقوق‬ ‫المدنية والسياسيةتقتضي مالءمة تشريعاته مع مقتضيات العهد المذكور وهو األمر الذي دفعهللقيام ببعض‬ ‫المالءمات القانونية من أجل الوفاء بتعهداته الدولية‪ ،‬ولعل أول مالءمة قام بها هي تعزيز الحق في حرية‬ ‫الرأيوالتعبير بسَنّ قانون جديد للصحافة والنشر‪.‬‬

‫أوال‪ :‬توصيات اللجنة المعنية بحقوق اإلنسان الموجهة للمغرب بخصوص حرية‬ ‫الرأي والتعبير‬

‫منذ انفتاح المغرب على آلية تقديم التقارير الدورية للجنة المعنية بحقوق اإلنسان‪ ،‬باعتبارها مختصة‬ ‫بفحص المعلومات المضمنة في التقارير المقدمة في إطار إنفاذ مقتضيات العهد الدولي للحقوق المدنية‬ ‫والسياسية‪ ،‬وهي توجه له العديد من التوصيات‪ ،‬بهدف تعزيز حرية الرأيوالتعبير وضمان ممارستها فعليّا‪،‬‬ ‫فضال عن مطالبته بالتضمين الدستوري للحق في حرية الرأي والتعبير في الوثيقة الدستورية وإن كانت هذه‬ ‫التوصيات تأخذأحيانا طابعا صريحا وأحيانا أخرى تستشف ضمنيا وتتم اإلشارة إليها بأسلوب غير مباشر‪.‬‬ ‫فبمناسبة تقديم التقرير الدوري الثاني‪ ،‬في مارس ‪ ،1990‬تساءل أعضاء اللجنة عن ما إذا كان العهد‬ ‫الدولي للحقوق المدنية والسياسية يعتبر جزءا ال يتجزأ من التشريع الداخلي للمغرب؟‪ ،‬وما إذا كان من حق‬ ‫المواطن المغربي أن يُعتد بالحقوق التي يضمنها هذا العهد ولم ينص عليها الدستور المغربي أمام المحاكم‬ ‫أم ال؟‪ ،‬وهل تمتلك المحاكم الوطنية صالحية إلغاء قانونيتضمَّن أحكاما تخالف مقتضيات العهد‪ ،‬وما إن كانت‬ ‫هناك حاالت استندت فيها المحاكم لمقتضيات هذا العهد؟‪ ،‬نفس األمر ينطبق على التقريرالثالث المُقدَّم‪،‬‬ ‫في ‪ 20‬يوليوز‪ ،1993‬حيث أوصت اللجنة المعنية الدولة المغربيةبمالءمة تشريعها الداخليمع مقتضيات العهد‬ ‫المذكور‪ ،‬ولم تُخفِ قلقها مماأسمته «القيود المفروضة على حرية التعبير والرقابة التي تمارسها الحكومة‬ ‫على وسائل اإلعالم والصحفيين بسبب التعبير»‪ ،‬معتبرة ذلك يَحُدُّ من تطبيق مقتضيات العهد الدولي‬ ‫الخاص بالحقوق المدنيةوالسياسية‪.‬‬ ‫شهد التقرير الدوري الرابع المقدم‪،‬فييناير‪ ،1997‬بدوره‪ ،‬إبداء بعض المالحظات الختامية المتمثلة أساسا‬ ‫في مُطالبة المغرب بتعديل قانون الصحافة والنشر و»إزالة كاللصعوبات التي تحُول دون ممارسة حرية‬ ‫الرأي والتعبير‪ ،‬سواء من خالل نصوص القانون الجنائي أو قانون الصحافة والنشر»‪ ،‬نفس الوضعيسري على‬ ‫التقرير الدوري الخامس الذي قدَّمه المغرب‪ ،‬في شهرمارس ‪ ،2004‬حيث أعربت اللجنة عن «القلق من استمرار‬ ‫ورود أنباء تفيد بأن الصحفيين يتعرضونلمضايقات في إطارممارستهم لعملهم»‪ ،‬وأوصت اللجنة المعنية‬ ‫المغربباتخاذ التدابير الالزمة لوقف»مضايقة الصحفيين» والعمل على أن يكون تشريعه في انسجامتام مع‬ ‫أحكام المادة ‪ 19‬من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية‪.‬‬ ‫وبمناسبة فحصها للتقرير الدوري السادس‪ ،‬المقدم فيشهر يوليوز ‪ ،2015‬رحبتاللجنة المعنية باعتماد‬ ‫القانونرقم‪ 88.13‬بمثابة مدونة للصحافة والنشر‪ ،‬الذي ألغى كاللعقوباتالسالبةللحرية‪ ،‬وفي نفس‬ ‫الوقتأشارت إلشكالية»إدراجأحكامجديدةفيالقانونالجنائي»‪،‬بموازاةذلك‪،‬تنصعلىعقوبةالسجنعن بعض‬ ‫الجرائم والجنح‪،‬وأوصتاللجنة المعنية الدولة المغربية بتنقيح مجموعة القانونالجنائي‪،‬وذلك حتى يتالءم‬ ‫تشريعهامعأحكام المادة ‪ 19‬منالعهدالمذكور‪ ،‬وأن تحرص على أن تتوافق القيود المفروضة على حرية التعبير‬ ‫مع الشروط المحددة فيالمادة ‪ 19‬من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تفاعل المغرب مع توصيات اللجنة المعنية بحقوق اإلنسان المتعلقة بحرية‬ ‫الرأي والتعبير‬

‫قام المغرب ببعض الخطوات من أجل مالءمة تشريعه الوطني مع مقتضيات العهد المذكور‪ ،‬وهكذا‬ ‫فقد قامت الحكومة المغربية‪ ،‬بنسخ أحكام القانون رقم ‪ 77.00‬بمثابة قانون الصحافة والنشربالقانون‬ ‫رقم‪ 88.13‬المتعلق بالصحافة والنشر‪ ،‬باعتباره يندرج في إطارالجهود التي يبذلها المغرب من أجل مالءمة‬ ‫تشريعهالداخلي مع مقتضيات الدستور سيما الفصول ‪ ،28 ،27 ،25‬وكذا تفعيال لتوصيات اللجنة المعنية‬ ‫بحقوق اإلنسان وانسجاما مع التعليق العام للجنة المعنية بحقوق اإلنسانرقم ‪ 34‬حول المادة ‪ 19‬من العهد‬ ‫الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المتعلقة بحرية الرأي والتعبير‪،‬سيما الفقرةالثانية التي تنص على‬ ‫أن حرية الرأي والتعبير شرطان ال غنى عنهما لتحقيق النمو الكامل للفرد‪ ،‬واعتبارهما عنصران أساسيان من‬ ‫عناصر أي مجتمعويشكالن حجر الزاوية لكل مجتمع تسوده الحرية والديمقراطية‪ ،‬وكذا تجاوبا مع توصيات‬ ‫فريق العمل المعني باالستعراض الدوري الشامل‪ ،‬بتاريخ ‪ 6‬يوليوز ‪ 2012‬الذيأوصىبـ»إزالة العقوبات السالبة‬ ‫للحرية من قانون الصحافة»‪.‬وتضمن القانون رقم‪ 88.13‬المتعلق بالصحافة والنشر بعض المعطيات االيجابية‬ ‫منها‪:‬‬

‫‪ 4‬تعزيز ضمانات الحرية في الممارسة الصحفية؛‬ ‫‪ 4‬محاربة التمييز العنصري؛‬ ‫‪ 4‬حماية الحياة الخاصة والحق في الصورة؛‬ ‫‪ 4‬جعل القضاء سلطة حصرية في قضايا الصحافة‪.‬‬ ‫ويعتبر المعطىاألخير أهم مستجد جاء به القانون الجديد ألنهجعل من القضاء جهة حصرية مختصة بتلقي‬ ‫التصريحات بإصدار الصحف‪ ،‬كما جعل اإليقاف والحجب والحجز من اختصاص القضاء‪ ،‬أي أن إيقاف أي مطبوع أو‬ ‫حجب موقع يتم بمُقرَّر قضائي‪ ،‬كما أن حجز أيمطبوع دوري يجب أن يتم بموجب قرار قضائياستعجالي‪ ،‬فضال‬ ‫عن تعزيز استقاللية الصحفي المهني والمؤسسة الصحفية عبر جعل سحب بطاقة الصحافة من اختصاص‬ ‫المجلس الوطني للصحافة أو القضاء وليس اإلدارة‪ ،‬وكذا تقنين الولوج للمهنة عبر اشتراط التكوين أو التوفر‬ ‫على شهادة جامعية من طرف مؤسسات التعليم العالي العام أو الخاص أو دبلوم معترف بمعادلته لإلجازة‬ ‫بالنسبة لطالبي البطاقة ألول مرة‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬مدى مالءمة مسودة مشروع القانون رقم ‪22.20‬لمقتضيات العهد الدولي‬ ‫للحقوق المدنية والسياسية‬ ‫خلفت النسخة المسربة لمشروع قانون رقم ‪ 22.20‬المتعلق باستعمال شبكات التواصل االجتماعي‬ ‫وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة‪ ،‬ردود فعل متباينة ليس فقط من قبل رواد مواقع التواصل‬ ‫الرقميوالسياسيين والحقوقيين والمثقفين‪ ،‬بل حتى داخل مكونات األغلبية الحكومية نفسها‪ ،‬كما هو الحال‬ ‫معأحزاب‪:‬العدالة والتنمية؛التجمع الوطني لألحرار؛الحركة الشعبية واالتحاد االشتراكي للقوات الشعبية‪،‬والتي‬ ‫عبَّرت عن رفضها ألي مقتضيات تشريعية تتعارض مع ممارسة الحريات والحقوقالمك ُفولة دستوريامع تأكيدها‬ ‫على ضمان ممارسة الحقوق األساسية ومن ضمنها الحق في حرية الرأي والتعبير‪ ،‬فهذا المشروع الذي تم‬ ‫تسريب مسودته أحدث ارتباكا داخل األغلبية‪ ،‬وهو ما بدا واضحا من خالل بالغاتها‪ ،‬كما خلق موجة من‬ ‫المواجهات عبر مواقع التواصل االجتماعي بين التنظيمات الموازية لألحزاب‪ ،‬حيث عبرت السكرتارية الوطنية‬ ‫لقطاع المحامين االتحاديين‪ ،‬عن «إدانتها للتسريب المُتَعَمَّد من طرف وزير الدولة في حقوق اإلنسانلمسودة‬ ‫المشروع»‪.‬‬ ‫أخضعت المادة الثالثة من المشروع كل مُستعمِلي شبكات التواصل االجتماعي وشبكات البث المفتوح‬ ‫وكل المِنَصَّات المخصصة للتواصل الفردي أو لنشر محتوى معين لمُقتضياتِه‪ ،‬بيد أن مادته الرابعة استثنت‬ ‫منصَّات اإلنترنيت التي تقدم محتوى صحفي أو تحريري‪ ،‬في حين نصت المادة ‪ 14‬من مشروع القانون‬ ‫المذكور على أن كل من قام عمدا بالدعوة إلى مقاطعة بعض المنتوجات والبضائع أو الخدمات أو القيام‬ ‫بالتحريض عالنية على ذلك‪ ،‬عبر شبكات التواصل االجتماعي أو شبكات البث المفتوح‪ ،‬يعاقب بالحبس من ستة‬ ‫أشهر إلى ثالث سنوات وغرامة من ‪ 5000‬إلى ‪ 50000‬ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط‪ ،‬وبحسب‬ ‫المادة ‪ 18‬منه‪ ،‬يعاقببالحبس من ستة أشهر إلى ثالث سنوات وبغرامة من ‪ 2000‬إلى ‪20000‬درهم‪ ،‬كل من‬ ‫َّ‬ ‫بث محتوى يتضمن خبرا زائفا من شأنه التشكيك في جودة بعض المنتوجات والبضائع وتقديمها على أنها‬ ‫تشكل تهديدا على الصحة العامة‪.‬‬ ‫صحيح أن حرية الرأي والتعبير ال تعني بأنه بِإ َ‬ ‫مكان األفراد أن يكتبوا أو ينشروا ما شاؤوا ومتى شاؤوا‪ ،‬ألن‬ ‫حرية التعبير على هذا النحو ستُص ِبح فوضى‪ ،‬والحياة في المجتمعات المنظمة ال تقوم على الفوضى‪ ،‬ولئنكانت‬ ‫حرية الرأي والتعبير تخضع لبعض القيود بموجب القانون‪ ،‬وهذا أمر معمول به في كل بلدان العالم‪ ،‬وأقرته‬ ‫حتى الشِّرعَة الدولية لحقوق اإلنسان‪ ،‬إال أن ذلك ال يبرر تدخل الحكومة لسَنّ بعض القوانين «المُكبِّلة‬ ‫ِّ‬ ‫المُعَطلة» للحق في حرية الرأي والتعبير عبر مواقع التواصل الرقمي وشبكات البث المفتوح والشبكات‬ ‫أو‬ ‫المماثلة‪،‬ألن األصل في وسائل التواصل الرقمي هو الحُريَّة واالستثناء هو التقييد‪،‬حتى وإن كانت المادة ‪19‬‬ ‫بتقييد هذا الحق‪،‬إال أنها حدَدَّت بشكل حصري ودقيق‬ ‫من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسيةتسمح ِ‬ ‫الحاالت التي يمكن للقانونأن يُقيِّد فيها الحق في حرية الرأي والتعبير وهي محصُورَة في حدود القانون وما‬ ‫هو ضروري الحترام حقوق وسمعة اآلخرين‪ ،‬وحماية األمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو اآلداب‬ ‫العامة‪ ،‬كما منعت المادة ‪ 20‬من ذات العهد ترويج وبث أيَّة أفكار أو الدعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية‬ ‫أو الدينية وكل ما يعتبر أو يشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف‪.‬‬ ‫وما دام أن المغرب طرفا في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية‪ ،‬ومادام أن الدستور‬ ‫المغربي لسنة ‪ 2011‬يضمن حرية الفكر والرأي والتعبير بكل أشكالها (الفصل ‪ ،)25‬والحق في التعبير ونشر‬ ‫األخبار واألفكار واآلراءبكل حرية (الفصل ‪ ،)28‬وبما أن المغرب يتوفر على بعض النُّصُوص الخاصة التي‬ ‫تعاقب عن أي استغالل منحرف لوسائل التواصل الرقمي من قبيل السب والشتم أو الدعوة إلى الكراهية‬ ‫أو التمييز‪،‬وما دام أنالممارسة أثبتت بأن القضاءوبمناسبة نظره في بعض الجنح المرتكبة بواسطة وسائل‬ ‫االتصال االجتماعي يستند على مقتضيات القانون الجنائي‪،‬فإن أيَّة محاولة لتقنين استعمال شبكات التواصل‬ ‫الرقمي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة‪ ،‬يجب أن يُراعِي عدم المس بالمكتسبات الحقوقية‬ ‫التي راكمها المغرب في مجال الحق في حرية الرأي والتعبير‪ ،‬ألنه من الصعب جدا ضبط منصات التواصل‬ ‫االجتماعيوالرقمي خاصة في ظل تواجد إمكانية فتح حسابات بأسماء مُزورَّة كما هو الشأن بالنسبة لحساب‬ ‫«حمزة مون بيبي»‪ ،‬الذي ال زال موضوع تحريات أمنية وقضائية من طرف الجهات المختصة‪.‬وعليه‪ ،‬فمحاولة‬ ‫تقييد منصات التواصل االجتماعي قد يطرح إشكاليةاستفحال ظاهرةالحسابات الوهمية‪.‬‬ ‫ِ‬

‫على سبيل الختم‪:‬‬

‫أصبح الفضاء العمومي الرقمي يضم فاعلين جدد كانوا حتى عهد قريب مقصيِّين من النقاشات التي‬ ‫كانت تهيمن عليها مؤسسات الوساطة التقليدية ممثلة في األحزاب السياسية والمجالس المنتخبة والنقابات‬ ‫المهنية والصحافة المكتوبة‪ ،‬بحيث كان من الصعب جدا تصوُّر نقاشات عمومية خارج هذه اإلطارات‬ ‫والتنظيمات الكالسيكية‪ ،‬غير أن تطور وسائل التواصل الرقمي ساهم في ظهور جيل جديد من الفاعلين‬ ‫الذين يرفعُون مجموعة من المطالب التي تَتَّخذ تارة طابعا سياسيا وتارة أوأحيانا أخرى تأخذ طابعا اقتصاديا‬ ‫واجتماعيا وثقافيا‪.‬‬ ‫وقد سبق أللفين توفلر أن تحدث‪،‬عن التغيير الذي ستُحدثه وسائل االتصااللرقمي بقوله بأن تكنولوجيات‬ ‫المعلوميات تمثل على المدى الطويل بالنسبة للسلطة تهديدا أخطر بكثير من تهديد النقابات واألحزاب‬ ‫السياسية‪ ،‬وبالفعل فقد ظهرت مجموعة من المواقع الرقمية التي تتيح لألفراد التعبير عن آرائهم ومواقفهم‬ ‫من كل القضايا السياسية واالقتصادية واالجتماعية التي كان من المستبعد جدا التعبير عنها دون المُرور‬ ‫عبر قنوات الوساطة التقليدية‪ ،‬وهو نفس األمر الذي ذهب إليه علي محمد بن رحومة‪،‬الذي تحدَّث عن علم‬ ‫االجتماع اآلليوعن الحركة البشرية المرقمنة‪ ،‬أي األشخاص الذين توجهوا نحو الفضاء العمومي االفتراضي‬ ‫الذي يتيح لهم إمكانية التكتل والتنظيم والتجمع في شكل تنسيقيات واتحادات افتراضية تضم تشكيالت‬ ‫متنوعة إيديولوجيا وترفض كل تأطير حزبي‪/‬نقابي‪/‬جمعوي‪.‬‬ ‫تأسيسا عليه‪ ،‬يمكن القول بأن أيَّة محاولة من الدولة لضبط وتقنين شبكات التواصل الرقمي يجب أن‬ ‫يُراعي ضرورة التوفيق بينحماية النظام واألمنالعموميين والحفاظ على المكتسبات التي حققها المغرب في‬ ‫مجال حرية الرأي والتعبير باعتبارها مك ُفولة بموجب الدستوروبموجب المواثيق الدولية ذات الصلة التي صادق‬ ‫عليها المغرب‪ ،‬مع األخذ بعين االعتبار موقف اللجنة المعنية بحقوق اإلنسان من مشروع القانون رقم ‪22.20‬‬ ‫وذلك بمناسبة فحصها للتقرير الدوري السابع للمغرب المُزمع تقديمه في نونبر ‪ ،2020‬والمتعلقبتنفيذ‬ ‫مقتضيات العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والتي لن تتوانى في انتقاده مضامينه‪.‬‬ ‫وفي الختام‪ِّ ،‬‬ ‫نُؤكد بأنه ال يمكن تغيير المجتمع بمرسوم‪ ،‬إن جاز لنا استعارة هذه العبارة من ميشيل‬ ‫كروزييه‪ ،‬وكتابه المُعَنون‪»:‬ال يُمكِن تغيير المجتمع بمرسوم»‪ ،‬وكذا نتساءل عنمدى حاجة المغربلمثل هذا‬ ‫المشروع الذي يغ ُلب عليه الجانبالجزري الذي قد يخدم مصالح اقتصادية لجهات معينة؟‪ ،‬وهذا التساؤل يستمد‬ ‫َّ‬ ‫المعاهدات‪،‬وحققَ بتفاعله االيجابي‬ ‫مشروعيته من كون أن المغربله التزامات وتعَهُّدات دولية تجاه هيئات‬ ‫مع توصياتهامجموعة من المكتسبات في مجال حرية الرأي والتعبير تُمَيِّزُه عن غيره من دول الجوار وهو ما‬ ‫يستلزم الحفاظ عليها وتطويرها وتعزيزها وليس تقييدها ببعض النصوص التشريعية‪.‬‬

‫العدد ‪1045‬‬

‫‪7‬‬

‫الثالثـاء ‪� 12‬إلى ‪ 18‬مـــاي ‪2020‬‬

‫فنانون �إعالميون ومبدعون من احلجر ال�صحي‬

‫األزمنة التي‬ ‫خلقها الوباء‬ ‫سناء عون‬

‫شفيق الزكاري‬

‫كاتبة من سوريا‬

‫تشكيلي وناقد‬

‫لستُ خائفة‪ .‬أقول لصديقي على الهاتف‪ ،‬إما أنا‬ ‫شجاعة أكثر مما يجب أو جاهلة أكثر من الالزم‪ .‬يجيب‬ ‫ً‬ ‫ضاحكا‪ :‬بما أنك اعترفتِ بجهلك فعلى األغلب الباقي‬ ‫تهور‪.‬‬ ‫ح ًقا لستُ خائفة‪ ،‬مع أن آخر اجتماع واقعي حضرته‬ ‫يوم ‪ 11.3.2020‬كان يوحي بأننا مقدمون على مجهول‬ ‫مخيف‪ .‬زميلتي في العمل سألت‪ :‬هل أنتم خائفون؟ كان‬ ‫جوابي قاطعًا وبال تردد‪ .‬ال‪.‬‬ ‫بعدها بيوم واحد فقط‪ ،‬أغلق كل شيء في النرويج‪،‬‬ ‫وبدأنا العمل من البيوت‪ .‬مع أنه ولغاية اللحظة لم‬ ‫تَف ِرض النرويج حجرًا صحيًا شاملاً ‪ ،‬ما زلنا قادرين على‬ ‫الخروج وقت ما نشاء‪ ،‬بشرط أن نراعي شروط السالمة‬ ‫والمسافة اآلمنة بين األشخاص‪.‬‬ ‫لم أستطع أخذ وقتي من الخوف فاالجتماع التالي‬ ‫سَيُقرر وبسرعة خاطفة يوم ‪ 16.03.2020‬وبه تمت‬ ‫مناقشة اقتراح منصات بديلة للعمل واستكمال التدريس‬ ‫رقميًا‪ .‬أنا الجاهلة بالتكنولوجيا وجدت نفسي بسرعة‬ ‫خاطفة أقوم بتنزيل الماسنجر ألنضم إلى المجموعات‬ ‫التي أنشئها معلمو المسرح‪ ،‬للتواصل وإنجاز التدريس‬ ‫افتراضيًا‪ ،‬ثم وبذات السرعة كان عليّ تنزيل برنامجيْ‬ ‫«‪ »Zoom‬و»‪ »Face Time‬لترتيب وحضور االجتماعات‬ ‫اإلسبوعية افتراضيًا‪ .‬هكذا وبدون خطط مسبقة وجدت‬ ‫نفسي في قلب التكنولوجيا أعمل رقميًا‪ ،‬وأناقش رقميًا‪،‬‬ ‫ونضع الخطط رقميًا‪ ،‬ونُدرس رقميًا‪ .‬خالل تلك الفترة‬ ‫لم أكف عن التساؤل لما كل هذا بما أن فترة الحجر‬ ‫إسبوعان فقط؟‬ ‫كان التحدي خطيرًا‪ ،‬كيف تنجز التدريس المسرحي‬ ‫افتراضيًا‪ ،‬ألطفال من عمر أربع سنوات إلى عمر التاسعة‬ ‫عشرة؟ المسرح يحتاج إلى التواصل المباشر والعمل‬ ‫الجماعي! لكن‪ ،‬وللمفاجأة‪ ،‬خالل اإلسبوع األول كان كل‬ ‫شيء جاهزًا وبدأنا بالتعليم فعليًا‪.‬‬ ‫أنشئتْ مدرسة الثقافة التي أعمل بها قناة خاصة‬ ‫على اليوتيوب‪ ،‬وبدأنا بتحضير األفالم واألغاني والبرامج‬ ‫والتمارين ومتابعة الطالب والعمل المشترك معهم‪ ،‬كل‬ ‫هذا في إسبوع فقط! لم أعصف دماغي بحياتي كلها كما‬ ‫فعلت في تلك األيام‪.‬‬ ‫تُحسب لصالح كورونا هذه القفزة النوعية‪ ،‬نعم‬ ‫كوفيد ‪ 19‬خرّب العالم ونشر الخوف وأزه��ق األرواح‬ ‫لكنه قفز بالبشرية عشر سنين إلى األمام‪ ،‬وسيأتي الح ًقا‬ ‫تقييم هذه التجربة‪ .‬ربما لم يعد على الزمن أن يمشي‬ ‫سنة تلو األخرى‪.‬‬ ‫خالل أسبوعين أصبح كل شيء رقميًا‪ ،‬ليس في‬ ‫النرويج وحسب‪ ،‬بل في العالم أجمع‪ .‬أكتب وعيني على‬ ‫سوريا‪ ،‬لكن األخبار تأتي من هناك بالتفكير الرقمي‬ ‫أيضًا‪ ،‬هناك مدارس طبقته بالفعل‪.‬‬ ‫هكذا وجد العالم نفسه بين ليلة وضحاها يعمل‬ ‫رقميًا‪ .‬المعاينة الطبية رقمية‪ ،‬المواعيد رقمية‪ ،‬التدريس‬ ‫رقمي‪ ،‬االجتماعات رقمية‪ ،‬التخطيط والتقييم رقمي‪.‬‬

‫كل األعمال التي لم نتخيل أن نقوم بها افتراضيًا‬ ‫بتنا نقوم بها من البيت‪ .‬حتى النادي الرياضي أغرقنا‬ ‫بالتدريب والتمارين أونالين‪ .‬الفن الغناء له دوره الرقمي‬ ‫كذلك‪ ،‬وهنا أذكر تجربة نرويجية موسيقية رائدة ـ بعد‬ ‫أقل من أسبوع على الحجر الصحي ـ تحت اسم «انظر‬ ‫شعلة الضوء» التي قادم بها فنان نرويجي باالشتراك‬ ‫مع مجموعة من الفنانين والموسيقيين‪ ،‬كتابة وتلحينًا‬ ‫وعز ًفا وغناء‪ ،‬ومن داخل البيوت كرسالة حب إلى العالم‬ ‫وتحد للوباء‪ ،‬وتشجيع على الصمود في الحجر المنزلي‪.‬‬ ‫لكن بعد كل اجتماع افتراضي ورسائل ال تتوقف على‬ ‫الماسنجر‪ ،‬تأتي اقتراحات لكيفية أداء العمل كأفضل ما‬ ‫يكون‪ ،‬كنت أجد صعوبة بالعودة إلى الفيسبوك الذي‬ ‫بات يمثل الحياة الواقعية في زمن كورونا‪ ،‬وقراءة‬ ‫البوستات والمقاالت المغرقة بالندب والنواح على هذا‬ ‫الزمن وما ستؤول إليه األيام بعد الجائحة‪.‬‬ ‫أشعر كأني في زمننين منفصلين‪ .‬زمن كورونا‬ ‫الفيسبوكي‪ ،‬وزمن ما بعد كورونا االفتراضي‪ .‬أدخل على‬ ‫الفيس بوك ألجد الجميع مشغولون بكورونا نادبين‪،‬‬ ‫مكتئبين‪ ،‬محذرين‪ ،‬واعظين‪ ،‬العنين هذه العزلة التي‬ ‫استطاعت قلة قليلة التكيف معها واستغاللها بالقراءة‬ ‫والكتابة والعمل على أشياء مؤجلة‪ .‬نصائح وتحليالت‬ ‫وفيديوهات‪ ،‬وبالقليل من الذكاء تكتشف زيف ادعاءاتها‬ ‫وعدم صحتها‪.‬‬ ‫ذكرني الفيسبوك هذه الفترة بقصة لتشيخوف‬ ‫تحكي عن شاب يوقظ عائلته في منتصف الليل ليُري‬ ‫أهله صورته في الجريدة وهو بغاية الفخر‪ ،‬لنكتشف أن‬ ‫هذه الصورة سببها أنه تعرض لحادثة وقعت له الليلة‬ ‫الماضية‪ ،‬حين علق بعربة فدهسته الخيل بحوافرها‪.‬‬ ‫منذ بدء انتشار المعلومات عن الوباء‪ ،‬وبالتحديد‬ ‫بد ًءا من اليوم الذي أعلنت فيه منظمة الصحة العالمية‬ ‫الكورونا وباء عالميًّا وأنا أعتبره عدوًا ضعي ًفا‪ ،‬ضعفه‬ ‫ناتج من ش��دة وض��وح��ه‪ ،‬على عكس ما يحدث مع‬ ‫األعداء الحقيقيين‪ ،‬فعنصر المفاجأة هو ما ينقص هذا‬ ‫الفايروس الذي أرعب البشرية‪ .‬كان واضحًا بطريقة‬ ‫مريبة‪ ،‬وهو يُعلن عداءه للجميع‪.‬‬ ‫مع أني لم أكن أفكر إال باللقاء المباشر بين هذا‬ ‫الوباء والفقر والجوع في سوريا‪ ،‬وباقي بقاع األرض‬ ‫الجائعة‪ .‬هل سيغلب الجوع كورونا هناك؟ وما الفرق‬ ‫بين الموت اختنا ًقا أو الموت جوعًا؟ على األقل كوفيد‬ ‫‪ 19‬سيكون أرحم من أن يقتل عائلة بأكملها بينما‬ ‫الجوع يفعل‪.‬‬ ‫من جانب آخر‪ ،‬سوف يُجبر اإلعالم على النظر إلى‬ ‫تلك األماكن المنسية التي لم يتوقف الموت فيها عن‬ ‫حصاد أرواح أطفالها وشبابها منذ عشرات السنين‪.‬‬ ‫بهبَاتٍ أخرى‬ ‫سينتهي كوفيد ‪ 19‬قريبًا ولنا أن نأمل ِ‬ ‫منه‪ .‬نريد ً‬ ‫هبة أخرى يا كورونا لعام ‪ 2030‬الحالي‪:‬‬ ‫ال مزيد من الموت جوعًا هناك‪ ،‬وعليك السالم أيها‬ ‫الفايروس المع ّلم حيث فشل كل المعلمين من قبلك‪.‬‬

‫حديث من النافذة‬ ‫في زمن الجائحة‬ ‫طالما عشنا الغربة في أعماقنا ولو كنا محيطين باألحباب والعائلة أو‬ ‫األصدقاء‪ ،‬وغالبا ما نعيش وحدة بطعم الشوق للمؤانسة‪ ،‬لكن أن تعيش‬ ‫وحدة افتراضية‪ ،‬فإن األمر يختلف اختالفا جذريا يجعلك تعيش أزمة ال يمكن‬ ‫تجاوزها إال بارتباطك بزمان ومكان معينين تجتمع فيه كل الشروط السالفة‬ ‫الذكر‪.‬‬ ‫هذا ما استطاعت هذه الجائحة أن تفرضه علينا ككائنات تعرف بطبيعتها‬ ‫االجتماعية انتسابا لثقافة تختزن عادات وتقاليد تنتمي لمحيط معين‪.‬‬ ‫فكانت النافذة هي اإلطار الذي اختزل بعوامله النفسية باجتراحاتها‬ ‫وآالمها لجرد الذكريات الجميلة بعاداتها وتقاليدها في إطار الجماعة‪،‬‬ ‫التي بقيت راسخة في أعماق الالشعور‪ .‬فمن هذه النافذة كنت أطل صباحا‬ ‫وعشية على المارة وصخب وصياح بائعي الخضر والفواكه والبيض واألواني‬ ‫المستعملة بشاحناتهم وعرباتهم المجرورة يدويا أو بالبغال والحمير‪،‬‬ ‫مستعملين مكبرات الصوت في بعض األحيان‪ ،‬ومن هذه النافذة كنت‬ ‫أستمع وأستمتع بسكون الليل ونباح الكالب ومواء القطط الضالة‪ ،‬ومن‬ ‫هذه النافذة كنت أنصت لعربدات سكارى الليل الذين ألقت بهم الحانات‬ ‫للشوارع بعد إغالقها‪.‬‬ ‫فالنافذة بالنسبة لي هو اختزال للغربة الذاتية التي أجد فيها مساحة‬ ‫للحرية في التعبير بصمت عن غربة عشتها فيما قبل بفرنسا في بدايات‬ ‫وأواسط الثمانينيات من القرن الماضي ثم بإسبانيا في أواسط األلفية‬ ‫الثالثة‪ ،‬تليها غربة أعيشها اآلن في الحجر بمنزلي بالمغرب‪ ،‬بعيدا في‬ ‫كال الحالتين عن عائلتي‪ ،‬التي بقيت رهينة الحجر حاليا بمدينة مراكش‪،‬‬ ‫وكأن الزمن يعيد نفسه‪ ،‬أعيش من خالله عزوبة مفروضة ومفترضة‪،‬‬ ‫ككائن مصيره االنعزال والفردانية في زمن الوباء‪ ،‬في بيت خال من الحركة‬ ‫والحيوية والحياة‪ ،‬بين جدران ال تختزن سوى ذكريات جميلة ولت وال أدري‬ ‫متى ستعود الحياة الطبيعية بصخبها وضجيجها‪ ..‬من جديد للبيت وللشارع‬ ‫المغربي‪.‬‬ ‫الكل يحكي من وجهة نظره عن ما أفرزته هذه الجائحة‪ ،‬فمنهم من‬ ‫استند إلى بالغات رسمية ومنهم من اعتمد على تدوينات المواقع االجتماعية‬ ‫والعنكبوتية‪ ،‬ومنهم من اتخذ من اإلشاعة بديال ليوهم نفسه بوقائع بعيدة‬ ‫عن الحقيقة احتراسا مما قد يأتي وال يأتي‪ ،‬ومنهم من اتخذ من اإلنصات‬ ‫للذات عزاء لما يجري من أحداث ووقائع وأخبار عن عدد المصابين بداء‬ ‫كورونا وعدد من لم تمهلهم الحياة إلكمال مشروعهم الوجودي‪.‬‬ ‫فأنا كنت من الذين ينصتون في النافذة لذواتهم في هذه اآلونة‪ ،‬متأمال‬ ‫في هذا الصمت الرهيب وهذا الفتور في الهرولة وراء كسب المال‪ ،‬وتحقيق‬ ‫المجد والشهرة‪ ،‬إلى أن كشف لي هذا الوباء عن حقيقة األشياء‪ ،‬وأصبحت‬ ‫أومن بأن «الشيء إذا فات عن حده انقلب إلى ضده»‪ ،‬وهذا ما استنتجته من‬ ‫خالل الصراع العالمي القائم على التنافس والسباق بوثيرة متعالية لفرض‬ ‫القوة حد الهيمنة والعولمة‪ ،‬لدرجة أصبحت فيها فلسطين وصور شهدائها‬ ‫وغيرها من الدول العربية التي تم تدميرها وتشتيت أهاليها‪ ،‬صورا عادية‬ ‫ومألوفة على شاكلة ما نراه في أفالم رعاة البقر‪.‬‬ ‫فالسؤال الذي تبادر إلى ذهني وبشكل عفوي هو‪ :‬ما الفائدة من هذه‬ ‫الهرولة‪ ،‬إذا كانت هذه الجائحة من بين إفرازاتها‪ ،‬بدعوى التقدم وكسب‬ ‫المال؟ وما الفائدة من المال والقوة في ظل ضعفيهما أمام آفة قوية وغير‬ ‫مرئية قلبت كل الموازين الوهمية المحتملة؟‪ .‬وهل هذه الجائحة جاءت‬ ‫لتخلق توازنا في الطبيعة من جديد‪ ،‬أم لغاية أخرى؟‪.‬‬ ‫كلها أسئلة تؤرقني حاليا‪ ،‬في انتظار أن تغيب عن ذهني‪ ،‬حين تغيب‬ ‫هذه اآلفة‪ ،‬وحين ألتقي بعائلتي الصغيرة التي ال زلت أنتظر عودتها من‬ ‫شرفة النافذة‪.‬‬

‫الثالثـاء ‪� 12‬إلى ‪ 18‬مـــاي ‪2020‬‬

‫العدد ‪1045‬‬

‫‪8‬‬

‫ُقبلة حياة على جبين الوباء‬ ‫اإلنسان يخاف من الموت كما يخاف من الحياة‪ ،‬نهابه وهويحاصر أنفاسنا‪،‬‬ ‫فهومنتهى كل حي يُرزق من الدنيا حُلوها ومُرها‪ ،‬رعب من ضبابية الطرف اآلخر‬ ‫للوجود‪ ،‬دوامة مخاوف تقرع عقل اإلنسان وتزلزل سكينة قلبه منذ األزل‪ ،‬ففي خضم‬ ‫تشبتنا بغاية االستقرار‪ ،‬صرنا في غفلة منا نعيش عصرا تتوحد فيه أصوات أجراس‬ ‫الكنائس وآذان المساجد‪ ،‬تهتز فيه األرواح على أصداء الصلوات خشوعا وتضرعا‬ ‫للمولى بهدف خالص البشرية من أسر الحجر وبالء الوباء‪ ،‬تتوحد رسالة األديان‬ ‫ونية الملل في دين واحد موسوم بالمحبة والسالم‪ ،‬شعنينة‪ ،‬طوائف مسيحية‪،‬‬ ‫صيام رمضان‪ ،‬قيامة مجيدة وغيرها من طقوس الصفح والغفران تزيد القلوب إيمانا‬ ‫وصمودا نكاية في بطش كوفيد التاسع عشروظلم عهده‪ ،‬ونحن السجناء بال قضية‬ ‫وال دليل‪ ،‬حياتنا اليومية أصبحت زنزانة قضبانها أرقام وفايات وإصابات ومخاطر‬ ‫عدوى تزداد صالبة يوما بعد يوم‪ ،‬حُوكمنا لسبب مجهول وحُفظت قضيتنا على ذمة‬ ‫الحجر الصحي إلى أجل غير محدد ‪ .‬لكل منا سالح يدافع به عن حريته‪ ،‬ذاك الخضوع‬ ‫الواعي لنواميس الكون واألعراف والديانات‪ ،‬تطبيق لواجب بهدف التحرر من تسلط‬ ‫بعضنا على اآلخر‪ ،‬تحليق بال قيود‪ ،‬دون فرض وال إجبار يمكن أن يُمارس على الذات‬ ‫البشرية‪ ،‬فالمبدع له بصمته الخاصة‪ ،‬هُدنة بوح عوض حرب تحديات سلوكية ال‬ ‫تليق ببياض حبره‪ ،‬يتوكأ على عصا أفكاره لتكون موجّها لكل ضرير يعجز عن إبصار‬ ‫بصيص ضياء في غياهب األزمة‪ ،‬يسافر بقرائه حتى آخر الطبيعة‪ ،‬يكتشفون من‬ ‫خالل كلماته سماء ثامنة ال يعرفها سوى عشاق الحرية والجمال‪ ،‬يمتطون صهوة‬ ‫المجاز ويسافرون عبر لهيب المعاني ليطفئوا شعلة الغضب المتمددة على مساحة‬ ‫ابتساماتهم الشاحبة والتي تحمل معاني الرضا والقبول والتسليم بوضع ظرفي‬ ‫أكيد سيمر‪ ،‬لكننا نريده أن يمر بأقل األضرار والخسائر‪ ،‬الغرض منه التنقيب عن‬ ‫واقع أفضل‪ ،‬ليختبر المرء لذة التحول من الفرد إلى الجماعة ومن الواحد إلى الكل‬ ‫تضامنا حتى نتخلص من بطش الجائحة ‪ .‬عين المبدع في نظراتها حياة نكاية في‬ ‫قساوة الظروف‪ ،‬ألف سؤال وسؤال‪ ،‬فوضى أحاسيس تغتال كيانه وهويراقب ما يجري‬ ‫حوله‪ ،‬ليس كما يتهمه البعض أنه يترقب األحداث من فوق برجه العاجي‪ ،‬وأنه‬ ‫مجرد كائن مُسلي يكتفي بالكتابة عن العشق‪ ،‬ويختفي خوف حروفه جبنا وخوفا‬ ‫من مرارة الواقع‪ ،‬ال يُدركون أن المبدع كومة أحاسيس تمشي على األرض‪ ،‬كائن‬ ‫من نور ينثر األمل أينما حل وارتحل‪ ،‬وُلد والقلم أصبعه السادس يخط به سطورا‬

‫رجاء قيباش ‪ /‬مكناس‬ ‫بعبق البهاء‪ ،‬ينثر الضياء لينير عتمة الوقت‪ ،‬لن يتمكن الغياب من حظر تجوال األمل‬ ‫بقلبه‪ ،‬ولن يمنع انتقال عدوى الصمود بينه وبين عشاق حرفه‪ ،‬ذاك السكون الذي‬ ‫يترنح في المسافات أرحم لديه من كلمات تبكي قراءه وهي مبتسمة ‪ .‬حينما تتراكم‬ ‫األوجاع في مساحات الواقع الضيقة‪ ،‬ويعجز القلب والعقل على تحملها‪ ،‬ينفجر حرفه‬ ‫وسط زحمة عمر لم يعشه بعد‪ ،‬يأبه أن يتنازل عن تفاصيل من حوله‪ ،‬يقدر أشياءهم‬ ‫الصغيرة‪ ،‬يتحسس جلد مشاكلهم بأنامله المرتعشة من صقيع وظلم ما يعيشونه‪،‬‬ ‫وجوه افتراضية تنتقل عبر الحروف‪ ،‬تنتظر ثورة لتستعيد حياة حُرمت منها جراء وباء‬ ‫لعين‪ ،‬حتى صار التباعد االجتماعي عنوانا للكينونة الوجودية‪ ،‬وصرنا مجرد شخصيات‬ ‫تستوطن الفضاء األزرق‪ ،‬تتواصل خلف شاشات الهواتف والحواسيب‪ ،‬رسائل رقمية‬ ‫كجثث هامدة‪ ،‬جسد بدون روح‪ ،‬كلمات نشتهي تقبيلها وأرواح نتوق إلى ضمها‪ ،‬جمل‬ ‫مالمحها حزينة نتمنى أن تكذب علينا لتنتشلنا من كآبة المجهول‪ ،‬صداقة وحب مع‬ ‫إيقاف اللقاء ‪ .‬أجمل ما في الصعوبة هوتحويلها إلى فرصة‪ ،‬أن نحول اليأس واإلحباط‬ ‫إلى إيمان وأمل‪ ،‬لقد تثاقلنا على األرض وكانت الكورونا رحيمة بها لتتنفس الصعداء‬ ‫من جديد‪ ،‬جرثومة منحت البشرية فرصة إلعادة ترتيب أوراقها‪ ،‬ومنحت الكائنات‬ ‫واألرض فرصة لتتنفس بعد تلوث مناخ العيش الذي كان يخنق أنفاس نبضها‪،‬‬ ‫فيروس جبروته جعل البشرية تحصد سنابل عمر الكثير من الناس في ربيع تاريخي‬ ‫جسّد أوجاع كل الفصول‪ ،‬منح للعالم ضمة موت ولكننا سنهديه قبلة حياة على‬ ‫جبينه لعناق غد بمالمح أنقى ‪.‬‬

‫اإلنسان هو اإلنسان في كل بقاع العالم‬ ‫مونية الكومي‬ ‫إعالمية ومخرجة سينمائية‬

‫هنا في طنجة‪ ،‬في هذا المكان أوفى قلبي‪ ،‬وقبل شهرين حصل‬ ‫بذلك الحس الروحي الذي تمتلكه األم‪ ،‬أن أخبرتني بأني علي أن‬ ‫أزورها قبل تغيير مصيري المهني الجديد إلى بلد اخر‪ .‬لم أعيش‬ ‫زحمة المطارات وقتها‪ ،‬ولم تكن «كورنا» جغرافيا قد تعدت حدود‬ ‫صين‪.‬‬ ‫قبل شهرين‪ ،‬ولحسن حظي‪ ،‬رجعت الى حضن األم والوطن قبل‬ ‫انتشار الوباء‪ ،‬على أمل العودة في أقرب وقت‪ .‬لكن مع األسف حصل‬ ‫ما لم أكن أتوقعه‪ ،‬فقد كان انتشار كورونا سريعا بشكل مخيف‪.‬‬ ‫عن «حب الوطن» كتبت في أول مقال لي مند زمن بعيد‪ ،‬حب‬ ‫األوطان من اإليمان‪ .‬هكذا تعلمنا منذ الصغر‪ ،‬وهي قاعدة منقوشة‬ ‫في أذهاننا بماء من ذهب‪ .‬وهكذا‪ ،‬فال غرابة أن يهيم المرء بوطنه‬ ‫الذي ترعرع فيه‪ ،‬ورضع حليب عشقه من ثدي والدته‪ .‬وكل من ال‬ ‫يشعر بهذا الوصل لحبات ثرى وطنه‪ ،‬فهومن الذين رضعوا حليبا‬ ‫اصطناعيا مغشوشا‪.‬‬ ‫هي أرض امتزجت بتربتها ذكرياتنا السعيدة‪ ،‬وحتى الحزينة‪.‬‬ ‫نحب الوطن بشراسة عندما تقلع طائراتنا اتجاه البلد الذي‬ ‫نقصده‪.‬‬ ‫نحب الوطن عندما نقف بجوازاتنا أمام شرطة البلد اآلخر‪.‬‬ ‫نحب الوطن عندما يشار لك أنت من أي بلد‪.‬‬ ‫نحب الوطن عندما يسألك أحدهم عن تاريخ بالدك وتجيبه بكل‬ ‫فخر حب الوطن ذاك اإلحساس باالنتماء‪.‬‬ ‫نحب الوطن أكثر حين نشتاق إليه‪.‬‬ ‫هناك أحاسيس مختلفة في أي مكان وفي كل زمان تذكرنا‬ ‫كالجرس بحبنا للوطن‪ .‬الغربة تعلمنا حب الوطن‪ ،‬وحب من هوحامي‬ ‫البالد‪.‬‬

‫كورنا أكدت لنا أن األصل هواألصل‪ ،‬وأن جمع شمل هوالسعادة‬ ‫الحقيقة على تربة هدا الوطن‪ .‬كورنا أدخلت العالم الى جحره مثلما‬ ‫أدخلتني إلى عالمي الذي ودعته مند زمان‪.‬‬ ‫هل هي األرض تريد أن ترتاح من الضوضاء‪ ،‬ومن ضجيجينا‪،‬‬ ‫وتريد نا أن ننصت إلى ذواتنا بنفس عميق بعيدا‪ ،‬وأن ونفكر في‬ ‫األرض والهواء والسماء وفي بساطة األشياء وضعف االنسان‪.‬‬ ‫كنا مثل القطار‪ ،‬يصعب ان ترجعه الى ال��وراء بسبب سرعته‬ ‫الفائقة والقاتلة‪ .‬هذه السرعة التي تقتل الثواني في حياتنا بدون‬ ‫رحمة‪ ،‬مثل ذاكرتنا التي لم نعد نتحكم فيها‪ ،‬بحيث ال يمكننا أن‬ ‫نتوقف بها في ثوان أودقائق أوساعات‪.‬‬ ‫فعال ذاكراتنا ضعيفة جدا‪ ،‬وال قدرة لإلنسان على التحكم فيها‪،‬‬ ‫ولكن رغم ذلك‪ ،‬فمع كورنا ها نحن نبذل الجهد للتوقف عند لحظات‬ ‫من حياتنا السابقة‪ ،‬ونرجع الى الوراء‪ ،‬ولوقليال‪ ،‬كي نعيد حساباتنا‬ ‫في الحياة وحتى بعد الممات‪.‬‬ ‫كورنا عرت الجانب المظلم والمضيء فينا‪ ،‬كآننا نرجع الى نقطة‬ ‫الصفر‪ .‬ماذا مثال لوأن كورونا جاءت في زمن ال تكنولوجيا فيه؟ فقط‬ ‫الحياة العادية البسيطة‪ ،‬وترجعنا إلى السطر األول من كتاب حياتنا‪.‬‬ ‫كانت سوف تكون قاتلة ويلتهمنا الشوق والحنين دون رحمة إلى‬ ‫أشياء أقرب إلى قلبنا‪ .‬كانت سوف تجعلنا نعرف معنى الصداقة ومعنى‬ ‫العائلة الصغيرة والكبيرة‪ ،‬ومعنى النعمة التي كنا نعيش فيها‪.‬‬ ‫كورنا الفيروس القاتل أنزل دموع البشر من كل الديانات‬ ‫واألعراق‪ ،‬لم ترحمنا رغم ذلك‪ .‬وحدتنا وأعطتنا درسا في أولويات‬ ‫الحياة ‪.‬‬ ‫ما بعد كورونا‪ ،‬العالم كله سينطلق‪ ،‬وسينطلق القطار‪ .‬قد النعرف‬ ‫إلى أين‪ ،‬ولكن الكل أصبح يعرف اآلن‪ ..‬تربة وطنه هي نقطة البداية‪.‬‬

‫الثالثـاء ‪� 12‬إلى ‪ 18‬مـــاي ‪2020‬‬

‫العدد ‪1045‬‬

‫‪9‬‬

‫في ذكرى رحيل المفكر المغربي محمد عابد الجابري ‪:‬‬

‫المحكي األركيولوجي في ‪:‬‬

‫«حفريات في الذاكرة‪ ،‬من بعيد»‬ ‫للدكتور محمد عابد الجابري‬ ‫د‪ .‬حسن المودن‬ ‫« صناعة حكايتك الخاصة غير ممكنة إال في حالة وجود إرث»‬ ‫جاك دريدا ‪ :‬أطياف ماركس‬

‫‪ 1‬ــ نفترض أن المرحوم محمد عابد الجابري كان يكتب ذاته وإرثه‬ ‫العائلي في كتابه‪ :‬حفريات في الذاكرة‪ ،‬من بعيد وهو يفكر في شكل أدبي‬ ‫مختلف عن األشكال األوتوبيوغرافية التقليدية(األتوبيوغرافيا‪ ،‬المذكرات‪،‬‬ ‫االعترافات‪ ،‬التخييل الذاتي ‪ ،)...‬ويبدو كأنه يوظف‪ ،‬عن وعي أو عن غير وعي‪،‬‬ ‫أشكاال سردية عائلية متنوعة(الرواية العائلية‪ ،‬رواية األصول‪ ،‬محكي االنتساب‬ ‫العائلي ‪ )...‬مع انتهاكها وتجاوزها في الوقت نفسه‪.‬‬ ‫ونقترح أن نسمي هذا الشكل األدبي الذي يميّز حفريات الجابري بــ «‬ ‫المحكي األركيولوجي «‪ ،‬مفترضين أنه شكل سردي يعيد تجسيد روابط الذات‬ ‫بالعالم العائلي‪ ،‬مركزا على ما بقي من الوقائع والذكريات المتعلقة بمرحلة‬ ‫محددة‪ ،‬تتأملها الذات الكاتبة انطالقا من الحاضر‪ ،‬ممارسة نوعا من الحفر‬ ‫األركيولوجي‪ ،‬سعيا إلى « إعطاء معنى لمعطيات الذاكرة» (ص‪.)8‬‬ ‫وما يدفعنا إلى هذا االفتراض مؤشرات جوهرية‪ ،‬من أهمها‪:‬‬ ‫* أن أول سؤال يفتتح به الجابري تقديم كتابه هو‪ « :‬هل يتعلق األمر‬ ‫بجنس في الكتابة جديد‪ ،‬أم بمجرد اسم آخر يضاف إلى قائمة األسماء التي‬ ‫تطلق على جنس أدبي معروف منذ القديم‪ ،‬يسمى تارة بــ «السيرة الذاتية»‬ ‫وأخرى « اعترافات « وثالثة بــ « مذكرات»‪...‬؟ « (ص ‪ .)7‬وفي الحوار الذي‬ ‫نشر في نهاية الكتاب‪ ،‬يوضح الجابري أكثر فيقول‪ « :‬على أنني اخترت اسما‬ ‫لما كتبت يختلف عن األسماء الرائجة تجنبا لكل التباس‪ .‬لقد قمت بــحفريات‬ ‫في الذاكرة ‪ ...‬فاألمر ال يتعلق بمجرد سرد وحكي وإطالق العنان لــ « ثرثرة‬ ‫الذات» ‪ ...‬وال بمجرد إطالق العنان ــ إلى حد ما ــ للذاكرة لكي تتقيأ ما فيها‪...‬‬ ‫«(ص ‪.)227‬‬ ‫وما يقصده المؤلف‪ ،‬في التقديم كما في الحوار‪ ،‬بحفريات في الذاكرة هو‬ ‫هذا العمل الذي يتطلب بحسبه العناصر اآلتية‪ :‬أولها التركيز على مرحلة تمتد‬ ‫من الطفولة األولى إلى االنخراط في « سلك الرجال «‪ ،‬ثانيها استحضار ما بقي‬ ‫من الذكريات والوقائع الشخصية والجماعية صامدا في النفس‪ ،‬ثالثها قراءة‬ ‫أركيولوجية في هذه الوقائع والذكريات الشبيهة بالقطع األثرية‪ ،‬رابعها عملية‬ ‫إعطاء معنى لهذه الوقائع والذكريات كما يعطى المعنى للقطع األثرية(ص‬ ‫‪ 7‬ــ ‪.) 8‬‬ ‫* أن الكتاب‪ :‬حفريات في الذاكرة‪ ،‬من بعيد يتألف من تقديم نظري‪ ،‬ومن‬ ‫خمسة فصول تركز على قراءة أهم الوقائع والذكريات التي بقيت صامدة في‬ ‫النفس‪ ،‬ومن فصل فريد مكرس لذكرى تتعلق باألم كانت قد اختفت ثم عادت‬ ‫إلى الظهور‪ ،‬ومن نصوص ــ مذكرات كان قد كتبها الكاتب في مرحلة شبابه‪،‬‬ ‫ومن حوار كان قد أجري معه من طرف كاتبين مغربيين حول هذا الكتاب‬ ‫نفسه‪ ،‬ومن ملحق صور متعلقة ببعض شخصيات الزمن الماضي وأمكنته ‪...‬‬ ‫وألن الكتاب عبارة عن حفريات تستتبع حفرا أركيولوجيا‪ ،‬فان ذلك يعني‬ ‫أننا أمام كاتب ــ سارد من طينة أخرى‪ ،‬نقترح تسميته بالكاتب ــ السارد‬ ‫األركيولوجي‪ ،‬فمهمته ال تتحدد في السرد فحسب‪ ،‬بل انه يحفر بحثا عن‬ ‫الوقائع الدالة والقطع األثرية النفيسة‪ ،‬مع العمل على قراءتها وتأويلها سعيا‬ ‫إلى بناء معنى‪ ،‬منطلقا من الحاضر في اتجاه الماضي‪.‬‬ ‫* أن هناك عنوانا فرعيا ال يخلو من داللة‪ « :‬من بعيد « مصاحبا للعنوان‬ ‫المركزي‪ « :‬حفريات في الذاكرة «‪ ،‬وفي الحوار المذكور يوضح الكاتب المقصود‬ ‫بهذا العنوان الفرعي فيقول‪ « :‬أنني جئت من بعيد‪ ،‬من عصر آخر‪ ،‬من وضعية‬ ‫أخرى‪ ،‬ولنقل ولدت في ظروف تنتمي إلى القرون الوسطى‪ ،‬بينما أنا أعيش اآلن‬ ‫ظروفا تنتمي إلى مشارف القرن الواحد والعشرين»(ص ‪.)232‬‬ ‫من خالل هذا العنوان الفرعي‪ « :‬من بعيد « يبدو الكاتب المعاصر وريثا‬ ‫إشكاليا‪ ،‬وهذه إحدى أهمّ خصائص محكي االنتساب العائلي ‪ ،‬التي يستثمرها‬ ‫المحكي األركيولوجي‪ :‬بالنسبة إلى عنصر الزمان‪ ،‬فالكاتب المعاصر قادم من‬ ‫زمان بعيد‪ ،‬إذ نشأ في ظروف تنتمي إلى القرون الوسطى‪ ،‬لكنه وقت كتابة‬ ‫محكيّه هذا يجد نفسه في زمان آخر ينتمي إلى عصر الحداثة وما بعد الحداثة‪.‬‬ ‫وبهذا‪ ،‬يبدو الكاتب الوريث كأنه منقسم بين الزمن الماضي والزمن الحاضر‪.‬‬ ‫وبالنسبة إلى عنصر المكان‪ ،‬فإن محكي االنتساب العائلي يأتي متعلقا بذلك‬ ‫المكان األصل‪ ،‬مكان الكينونة األولى‪ ،‬المكان الذي يقرر شرعية االنتساب‪.‬‬ ‫وهذا المكان هو مدينة فجيج‪ ،‬واحة مهمشة كأنها ضائعة في أرض الصحراء‪.‬‬ ‫والكاتب الوريث‪ ،‬وهو ينفصل عن هذا الفضاء األول لينتقل إلى وجدة فالبيضاء‬ ‫ودمشق ثم الرباط‪ ،‬يبقى محتفظا دوما بذلك الوعي الشقي بهامشية فضائه‬ ‫العائلي األصلي‪ ،‬ويبدو كأنه ممزق بين فضاء حضري حداثي وبين فضاء قروي‬ ‫بدوي محكوم عليه باالختفاء والضياع‪.‬‬ ‫وبالنظر إلى العنصرين معا‪ ،‬الزمان والمكان‪ ،‬يبدو أن مهمة الكاتب‬ ‫المعاصر هي أن يحفر بحثا عن ما تبقى من أثار ذلك الزمان وذلك المكان‪،‬‬ ‫أي أن يعطي معنى لذلك الزمان الماضي‪ ،‬وأن يعيد الحياة إلى ذلك المكان‬ ‫األول‪ .‬وهذه المهمة هي التي تجعل الكاتب المعاصر‪ ،‬باعتباره وريثا إشكاليا‪،‬‬ ‫يخضع في كتابة ذاته و «روايته العائلية» لما يسميه لوران دومانز بالقلق‬ ‫األركيولوجي‪ ،‬ألن األمر يتعلق بمهمة صعبة تستلزم اكتشاف ما تبقى من‬ ‫حياة‪ ،‬من معنى‪ ،‬من ذلك الزمان الماضي‪ ،‬من ذلك المكان البعيد‪.‬‬ ‫وإذن‪ ،‬إذا سلمنا بأن هذا الكتاب ينتمي إلى هذا النوع الجديد في الكتابة‪،‬‬ ‫واألوتوبيوغرافية خاصة‪ ،‬الذي نقترح تسميته بــ «المحكي األركيولوجي»‪،‬‬ ‫فإن السؤال الذي يفرض نفسه اآلن هو‪ :‬ما هي أهم خصائص هذا النوع من‬ ‫المحكي‪ ،‬انطالقا من‪ :‬حفريات في الذاكرة‪ ،‬من بعيد؟‬ ‫‪ 2‬ــ « رواية عائلية « فريدة من نوعها‪:‬‬ ‫نفترض أن « الرواية العائلية « ‪ ،‬التي يحاول السارد األركيولوجي أن يعيد‬ ‫بناءها انطالقا من مجموعة من الوقائع والذكريات‪ ،‬هي رواية عائلية فريدة‬ ‫من نوعها‪ ،‬ذلك أن األمر هنا هو على عكس « الرواية العائلية «‪ ،‬كما يفهمها‬ ‫فرويد ومارت روبير من بعده‪ ،‬فاألمر ال بالطفل اللقيط وال بالطفل المعثور‬ ‫عليه‪ ،‬بل انه يتعلق بطفل ذي وضع أو ذي إرث إشكالي‪ ،‬كما يظهر ذلك من‬ ‫العناصر اآلتية‪:‬‬ ‫• أن « صاحبنا «‪ ،‬كما يسميه هذا المحكي األركيولوجي المكتوب بضمير‬ ‫الغائب‪ ،‬لم ينشأ نشأته األولى في بيت عائلي يضمّ األب واألم متصلين بل‬

‫إنهما منفصالن‪ ،‬فقد كان أبوه قد ط ّلق أمه وهو ال يزال جنينا في بطنها‪ ،‬ولم‬ ‫يكن لها ولد آخر غيره‪ ،‬وال زوج آخر ينافسه عليها‪ ،‬وخاصة في طفولته األولى‪.‬‬ ‫وهكذا « نشأ صاحبنا‪ ،...،‬نشأته األولى عند أخواله‪ ،‬وكان جده وجدته ألمه‪،‬‬ ‫عالوة على أمه وخاله‪ ،‬يرعونه رعاية فائقة» (ص ‪ .)25‬لكنه في طفولته الثانية‪،‬‬ ‫بعد زواج أمه‪ ،‬سيعيش في بيت أهل أبيه‪ ،‬وسيتلقى العناية نفسها من جده‬ ‫وجدته من أبيه‪ ،‬وبعد ذلك سيعيش مع أبيه في وجدة‪ .‬وهو ما يعني أن هذا‬ ‫الطفل قد عاش مع أبويه‪ ،‬ولكن بشكل منفصل ومتتابع‪ ،‬كأنما الظروف قد‬ ‫ساعدته‪ ،‬بعد أن شبع من أمه‪ ،‬أن ينتقل إلى حضن أبيه ليستقر فيه مدة أطول‬ ‫كذلك‪ .‬وقد عاش مع كل واحد منهما بطريقة مختلفة كثيرا عن الطريقة التي‬ ‫يعيش بها األطفال مع آبائهم وأمهاتهم‪.‬‬ ‫• أن عالقة «صاحبنا» بأمه كانت عالقة إشكالية‪ :‬من جهة أولى ألنه لم‬ ‫يعرف الفطام كما يعرفه باقي األطفال‪ ،‬ففي غياب األب كان الطفل يشعر بأن‬ ‫أمه هي له وحده‪ ،‬ولم يكن هناك أب ينافسه عليها‪ ،‬وعاش مدة الرضاعة فترة‬ ‫أطول ‪ ...‬لكن الفطام الحقيقي الذي عاشه يتعلق بواقعة بقيت راسخة في‬ ‫النفس‪ ،‬وهي الواقعة األولى التي يفتتح بها المحكي‪ :‬الواقعة التي تتمثل في‬ ‫تلك « الدفعة « التي تلقاها من أمه التي كانت تغزل‪ ،‬وهو يحبو نحو تلك‬ ‫المنطقة الوحيدة من جسم أمه‪ ،‬تلك الفجوة ما بين رجليها‪ ،‬التي لم تكن‬ ‫في متناوله‪ « ،‬والتي كانت تشكل بالنسبة له المجهول األكبر»(ص ‪ .)12‬ومن‬ ‫جهة ثانية‪ ،‬ألن صاحبنا سينفصل عن أمه في سن السابعة عندما ستتزوج أمه‬ ‫برجل آخر‪ ،‬لينتقل هو إلى االستقرار في بيت أبيه‪ ،‬وليعاشر أباه في مدن أخرى‪.‬‬ ‫ومن جهة ثالثة‪ ،‬ألن صاحبنا‪ ،‬وهو صغير‪ ،‬لم يتأثر كثيرا عندما علم بوفاة أمه‪،‬‬ ‫وإحساسه بفقدان األم‪ ،‬وبقيمة اإلرث المادي الذي تركته له عند صديقتها‬ ‫ـ قريبتها‪ ،‬لم يحسّ به إال في كبره‪ .‬وهذا ما يفسر لماذا خصّ الكاتب أمه‬ ‫بفصل آخر خاص في نهاية الكتاب سماه‪ « :‬فصل فريد «‪ .‬وفيه يحاول أن يعبّر‬ ‫عن إحساسه بنوع من التأخر الفكري االبيستيمولوجي عندما يستحضر الفرق‬ ‫بين ردّات فعله إزاء موت أمه بين ذلك الماضي وهذا الحاضر‪.‬‬ ‫• أن صاحبنا قد نشأ بين عائلتين‪ :‬عائلة أمه وعائلة أبيه‪ .‬وهما معا‬ ‫عائلتان عريقتان‪ ،‬كل واحدة لها ارثها الذي تفتخر به كرأسمال رمزي‪ :‬كان‬ ‫أهل أمه أهل علم يفتخرون بانتسابهم إلى العالم الشهير سيدي عبد الجبار‬ ‫الفجيجي‪ ،‬في حين كان أهل أبيه‪ ،‬آل جابر‪ ،‬أهل سيف‪ ،‬وينظر إليهم سكان‬ ‫المدينة « بوصفهم « جبابرة « يصعب انقيادهم»(ص ‪ .)24‬وهذا اإلرث‬ ‫العائلي المزدوج المتناقض يجعل صاحبنا وريث إرث إشكالي‪ :‬العلم ‪ /‬السيف‪.‬‬ ‫ولنتذكر أن الجابري في شبابه كان موزعا بين العلم والسياسة إلى أن قرر في‬ ‫كبره تطليق السياسة وتكريس حياته للعلم‪.‬‬ ‫• والالفت للنظر في هذا المحكي تلك العالقة الخاصة بين الطفل‬ ‫وأجداده من أمه كما من أبيه‪ ،‬فالرعاية التي تلقاها صاحبنا في طفولته األولى‬ ‫كانت من جده وجدته من أمه وهما مسنان‪ « ،‬فكان الطفل الصغير مؤنسهما‪،‬‬ ‫ال بل قرة أعينهما» (ص ‪ ،)25‬وفي طفولته الثانية عاش في بيت جده وجدته‬ ‫من أبيه‪ ،‬بل إن جدته من أبيه هي التي أصرت أن يكون اسمه « محمدا «‪ ،‬ال‬ ‫« عبد الجبار « كما أراد أخواله تيمنا بجدهم العالم المشهور سيدي عبد الجبار‬ ‫الفجيجي‪ ،‬و» عابد « هو اسم أحد جدوده من أبيه‪ ،‬وهو من أعالم آل جابر‪.‬‬ ‫ويتضح من كل هذا أن اسم صاحبنا بالكامل متعلق بأجداده من أبيه‪ ،‬وأن‬ ‫طفولته‪ ،‬في مختلف مراحلها‪ ،‬قد قضاها بين أجداده‪ ،‬من أمه كما من أبيه‪.‬‬ ‫فهل يمكن أن ندعي أن هذه الخاصية في طفولة صاحبنا هي التي جعلته في‬ ‫كبره يكرس حياته الفكرية والعلمية للتراث‪ ،‬لألجداد واألسالف؟‬ ‫• تبقى خاصية أخرى في هذه الرواية العائلية‪ ،‬وهي أن مدينة فجيج التي‬ ‫نشأ فيها صاحبنا نشأته األولى تتألف من القصور‪ ،‬وكل قصر يضم مجموعة‬ ‫من العائالت قد يكون أصلها العائلي واحدا‪ ،‬وهو ما يفسر أن القصر بأكمله‬ ‫أشبه بالبيت العائلي الواحد‪ « :‬كان كل شيء معروفا ‪ ...‬فالسكان يعرف بعضهم‬ ‫بعضا‪ ،‬يعرفون أنسابهم وما يملكون‪ ،‬وما يخفون وما يظهرون» (ص ‪.)66‬‬ ‫• والخاصية األخيرة في هذه الرواية العائلية أن البيت العائلي الواحد في‬ ‫قصر من قصور فجيج تعيش فيه كائنات مختلفة‪ ،‬إنسانية وحيوانية‪ ،‬مرئية‬ ‫والمرئية‪ ،‬وترتبط في ما بينها بعالقة العشرة والمساكنة‪ « :‬األطفال واألمهات‬ ‫واآلباء واإلخوة واألقارب‪ ،‬والحيوانات والطيور والزواحف والحشرات والجن‬ ‫والمالئكة والقمر والنجوم‪ ،‬كل هذه الكائنات كانت تسكن فضاء واحدا تربطها‬ ‫مع بعضها عالقات األلفة والمعاشرة‪ ،‬عالقات « المعرفة «‪ :‬الجميع يعرف القمر‪،‬‬ ‫والقمر يعرف الجميع ‪(»..‬ص ‪.)19‬‬ ‫‪ 3‬ــ رواية األصول‪ :‬الفرد باعتباره طبقات من الهويات المتتابعة‬ ‫نفترض أن رواية األصول في المحكي األركيولوجي تسمح بإعادة بناء‬ ‫هوية فريدة ومتعددة في الوقت نفسه‪ ،‬ذلك ألنه بإعادة بناء حيوات متفرقة‬ ‫لآلباء واألجداد واألسالف يكتشف الكاتب ــ السارد األركيولوجي في ذاته‬ ‫استمرار هويات هي آيلة إلى االختفاء والضياع‪ .‬فالقراءة األركيولوجية‪ ،‬باعتبارها‬ ‫أداة جوهرية في إدراك الذات‪ ،‬توفر للكاتب ــ السارد نمطا سرديا لينحكي‪ ،‬أي‬ ‫ليحكي ذاته‪ ،‬وتوفر له أدوات تأويلية من أجل أن يفهم ذاته وأن يدركها‪،‬‬ ‫وتسمح له الشخصيات التي يستحضرها بالتعرف إلى ذاته‪ .‬ومن خالل هذه‬ ‫القراءة األركيولوجية يتأسس‪ ،‬شيئا فشيئا‪ ،‬تصور عن الفرد باعتباره «طبقات‬ ‫من الهويات المتتابعة»‪ ،‬أي باعتباره « هوية فردية متعددة»‪.‬‬ ‫وإذا ما حاولنا تتبع مختلف الهويات التي ورثها صاحبنا‪ ،‬فسنجدها متعددة‬ ‫ومتتابعة‪ :‬في طفولته األولى نشأ في حضن أمه‪ ،‬وكانت مهنتها ممارسة‬ ‫الغزل والنسيج‪ ،‬ونشأ بين أهل أمه‪ ،‬وهم‪ ،‬كما ذكرنا‪ ،‬أهل العلم والقلم‪ .‬وفي‬ ‫طفولته الثانية نشأ قي بيت أهل أبيه‪ :‬كان أبوه تاجرا ومناضال في إطار الحركة‬ ‫الوطنية‪ ،‬وكان أهل أبيه أهل التجارة والسيف‪ ،‬كما أسلفنا‪.‬‬ ‫ويمكن أن نقول إن هذه العناصر مجموعة( العلم والغزل والنسيج‬ ‫والخياطة والتجارة والقلم والسيف ‪ )...‬هي العناصر الجوهرية التي ورثها‬ ‫صاحبنا من أصوله وأجداده‪ ،‬وشكلت هويته متعددة وفريدة‪ ،‬وهي التي‬ ‫تفسر كيف بقي الكاتب المعاصر لمدة طويلة موزعا بين الكتابة والصحافة‬ ‫والسياسة‪ ،‬بين العلم والقلم والنضال‪.‬‬ ‫ويبدو الكاتب ــ السارد األركيولوجي كأنه ال يمكنه أن يتصور هويتـه‬

‫في الوقت الراهن(وقت الكتابة) إال في عالقة بكل تلك الوجوه التي ينتسب‬ ‫إليها(األم‪ ،‬األب‪ ،‬الجد والجدة من األم‪ ،‬الجد والجدة من األب‪ ،‬الحاج محمد فرج‪،‬‬ ‫المهدي بن بركة ‪.)...‬‬ ‫وبعبارة أخرى‪ ،‬فالهوية في المحكي األركيولوجي تتميز بالتعدد‪ ،‬وتتأسس‬ ‫في شكل طبقات من الحيوات المتتابعة‪ :‬حياة في عائلة األم ‪ /‬حياة في‬ ‫عائلة األب‪ ،‬حياة المسيد ‪ /‬حياة المدرسة‪ ،‬حياة في البادية(فجيج)‪ /‬حياة في‬ ‫المدينة(وجدة‪ ،‬البيضاء‪ ،‬الرباط)‪ ،‬حياة داخل الوطن ‪ /‬حياة خارج الوطن‪ ،‬حياة‬ ‫في الصحافة‪ /‬حياة في التعليم ‪...‬‬ ‫‪ 4‬ــ محكي االنتساب العائلي‪ :‬إحياء « الجماعة الحميمية الهاربة»‬ ‫يتميز المحكي األركيولوجي بنوع من الحنين إلى زمن ماض هارب‪،‬‬ ‫ويحاول أن يقول ضياع أو اختفاء زمن يصعب النفاذ إليه أو استعادته وتفكيكه‬ ‫كامال‪ .‬وتبقى مهمة الكاتب ــ السارد األركيولوجي هي محاولة إحياء ذلك‬ ‫الماضي الهارب دون التحرر تماما من اإلحساس بضياعه‪.‬‬ ‫ومن هنا‪ ،‬نفترض أن أهم خاصية في محكي االنتساب العائلي يستثمرها‬ ‫المحكي األركيولوجي هي‪ :‬إعادة الحياة لتلك « الجماعة الحميمية الهاربة»‪.‬‬ ‫والمقصود بها إقرار الكاتب ــ السارد بانتسابه إلى جماعة معينة‪ :‬مدينة فجيج‪،‬‬ ‫قصور فجيج‪ ،‬عائلة آل جابر من جهة األب‪ ،‬عائلة األم التي تفتخر بانتسابها إلى‬ ‫أهل العلم‪ ،‬أصدقاء الطفولة‪ ،‬الحركة الفكرية السياسية الوطنية‪.‬‬ ‫والمقصود بــ « الجماعة الحميمية الهاربة « أن الكاتب ــ السارد‬ ‫األركيولوجي يكتشف أنه يملك في دواخله « جماعة سرية حميمية»‪ ،‬أي أن‬ ‫هذا األخير‪ ،‬وهو يصطدم بأن هذه الجماعة قد رحلت وغابت وماتت‪ ،‬يكتشف‬ ‫نسخة أخرى من هذه الجماعة قد بدأت « تختفي « و» تهرب « من دواخله‪،‬‬ ‫فتكون مهمته إعادة إعطاء الحياة لهذه الجماعة التي تتميز بأنها جماعة‬ ‫حميمية جدّ شخصية‪ ،‬أي أنها أشدّ ارتباطا بشخصية الفرد‪.‬‬ ‫وإذا ما حاولنا التعرف إلى أعضاء هذه « الجماعة الحميمية الهاربة « عند‬ ‫صاحبنا‪ ،‬فسنجد أن األمر يتعلق أوال بجماعة العائلة‪ :‬وإن كانت لألم كما لألب‬ ‫مكانة مهمة في هذه الجماعة‪ ،‬فإن لألجداد من الطرفين معا‪ ،‬وأساسا من‬ ‫طرف األم‪ ،‬مكانة خاصة‪ .‬وهناك صورة يستحضرها الكاتب ــ السارد لها أكثر‬ ‫من داللة‪ ،‬تجعلنا نفهم لماذا كرّس الجابري حياته الفكرية والعلمية لدراسة‬ ‫تراث األجداد ساعيا إلى إحيائه وإعطائه معنى جديدا‪:‬‬ ‫« انه مشهد جدة أبيه التي كان يدعوها « نانّـا حنّـا «‪ ،‬والتي كانت قد‬ ‫عاشت أزيد من مائة سنة(‪ )...‬كانت تمسكه بيديها وتلح عليه في الجلوس‬ ‫على حجرها‪ ،‬وعندما كان يفعل يحسّ وكأنه جالس وسط مجموعة من‬ ‫العظام»(ص ‪.)21‬‬ ‫أما الجماعة الثانية‪ ،‬فهي الجماعة الفكرية السياسية الوطنية‪ ،‬على رأسها‬ ‫الحاج محمد فرج‪ :‬لما أصبح صاحبنا يلقب بالمفكر في كبره راح « يستعرض‬ ‫في ذهنه شريط حياته‪ ،‬لعله يعثر فيه على ما يستحق أن يؤول إليه شرف‬ ‫هذا اللقب‪ .‬أخذ يرجع القهقرى بتاريخ حياته الفكرية حتى إذا وصل مرحلة‬ ‫الطفولة انتصبت في مخيلته‪ ،‬ال بل أمام بصره‪ ،‬صورة ذلك الرجل الذي يرجع‬ ‫إليه بالفعل فضل غرس شجرة العلم في مسقط رأسه فجيج ‪ ...‬انه الحاج محمد‬ ‫فرج»(ص ‪ .)71‬لكن بالطبع هناك شخصيات أخرى‪ ،‬وخاصة في مرحلة الشباب‪،‬‬ ‫لها مكانة كبرى ضمن هذه الجماعة الفكرية السياسية الحميمية التي تحتفظ‬ ‫بها الذات في دواخلها‪ ،‬وعلى رأس هذه الجماعة الثانية المهدي بن بركة‪.‬‬ ‫كما يمكن أن نتحدث عن جماعات حميمية أخرى‪ ،‬من مثل جماعة الصداقة‪،‬‬ ‫ويكفي أن نستحضر ذلك الطفل الصغير‪ ،‬صديق صاحبنا في طفولته‪ ،‬والذي‬ ‫مات في ظروف مأساوية‪ ،‬وكان لموته أثر كبير في النفس‪ ،‬وما كرّسه الكاتب‬ ‫من كلمات لهذا الصديق وذكراه‪ ،‬تبدو كأنها محاولة إلعادة الحياة إلى صديقه‬ ‫الذي كان يحبّه‪ ،‬والذي كان يلعب معه عندما امتدت مخالب الموت لتختطفه‪.‬‬ ‫‪ 5‬ــ وختاما‪ ،‬يمكن أن ننتهي إلى أن المحكي األركيولوجي في كتاب‬ ‫الجابري‪ :‬حفريات في الذاكرة‪ ،‬من بعيد يتميز بالعديد من الخصائص التي‬ ‫نذكر منها‪:‬‬ ‫* في المحكي األركيولوجي‪ ،‬يسبح الكاتب ــ السارد في أعماق الذاكرة‬ ‫الفردية والجماعية‪ ،‬مصحوبا بأحاسيس الفقدان والحداد‪.‬‬ ‫* في هذا المحكي الجديد‪ ،‬يبدو األمر كأنه يتعلق بأركيولوجيا العوالم‬ ‫البعيدة المهمشة واألزمنة الماضية المختفية‪.‬‬ ‫* ما يميّز المحكي األركيولوجي أنه يعرّفنا إلى وجوه اختفاؤها إلى األبد‬ ‫من مسلمات المؤرخ‪ ،‬ووحده الحفر األركيولوجي يعود بوجوه كان مصيرها‬ ‫الضياع واالختفاء‪.‬‬ ‫* يبدو أن مهمة المحكي األركيولوجي هي أن يعيد االتصال إلى خيوط‬ ‫العشيرة التي انحلت وانفصلت‪ ،‬هذه الخيوط التي من دونها ال يمكن للفرد‬ ‫أن يتعرّف إلى ذاته‪ ،‬وال أن يدرك ذاته‪ ،‬فبدون إرث عائلي ال يمكن أن تكون‬ ‫لك حكاية خاصة‪.‬‬ ‫مصادر الدراسة ومراجعها‪:‬‬ ‫* الجابري‪ ،‬محمد عابد‪ :‬حفريات في الذاكرة‪ ،‬من بعيد‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪،‬‬ ‫الطبعة الثانية‪ ،‬بيروت‪.2004 ،‬‬ ‫* روبير‪ ،‬مارت‪ :‬رواية األصول و أصول الرواية‪ ،‬ترجمة‪ :‬وجيه أسعد‪ ،‬منشورات اتحاد كتاب‬ ‫العرب ‪ ،‬سوريا‪ ،‬ط‪، 1‬‬ ‫‪.1987‬‬ ‫‪* Demanze, Laurent : Encres orphelins, Josi Corti, Paris, 2008‬‬ ‫‪*.Freud, Sigmund : « Le roman familial des névrosés (1909) », in :‬‬ ‫‪Névrose, psychose‬‬ ‫‪et perversion. Paris, Presses Universitaires de France ,1973.‬‬ ‫‪* Viart, Dominique : Filiations littéraires, in : Jan Baetens et Domi‬‬‫‪nique Viart(direction) :‬‬ ‫‪Etats du roman contemporain, Ecritures contemporaines2, Lettres‬‬ ‫‪modernes Minard, Paris, 1999.‬‬ ‫‪* Marthe Robert, Roman des origines et origines du roman, Paris,‬‬ ‫‪Grasset, 1972, rééd.‬‬ ‫‪Gallimard, coll. Tel, 1977.‬‬

‫العدد ‪1045‬‬

‫الثالثـاء ‪� 12‬إلى ‪ 18‬مـــاي ‪2020‬‬

‫‪10‬‬

‫محمد عابد الجابري‬ ‫مسار فيلسوف‬ ‫المغرب‬

‫محمد عابد الجابري (‪ 27‬ديسمبر ‪ 1935‬بفكيك‪ ،‬الجهة الشرقية ‪ 3 -‬مايو ‪ 2010‬في الدار البيضاء)‪ ،‬مفكر وفيلسوف عربي من المغرب‪،‬‬ ‫له ‪ 30‬مؤلفاً في قضايا الفكر المعاصر‪ ،‬أبرزها «نقد العقل العربي» الذي تمت ترجمته إلى عدة لغات أوروبية وشرقية‪ .‬كرّمته اليونسكو‬ ‫لكونه “أحد أكبر المتخصصين في ابن رشد‪ ،‬إضافة إلى تميزه بطريقة خاصة في الحوار”‪.‬‬ ‫نشأته ‪:‬‬

‫ولد محمد الجابري بمدينة سيدي لحسن في شوال ‪ 1354‬هـ بمدينة فجيج الواقعة في شرق‬ ‫المغرب على خط الحدود الذي أقامه الفرنسيون بين المغرب والجزائر‪ ،‬وتتألف فجيج من سبعة‬ ‫قصور ‪ -‬أي تجمعات سكنية ‪ -‬من بينها قلعة زناكة التي ولد فيها الجابري بعد أن انفصلت والدته‬ ‫عن والده‪ ،‬فنشأ نشأته األولى عند أخواله وكان يلقى عناية فائقة من أهله سواء من جهة أبيه أو‬ ‫أمه‪ .‬وكان جده ألمه يحرص على تلقينه بعض السور القصيرة من القرآن وبعض األدعية‪ ،‬وما لبث‬ ‫أن ألحقه بالكتاب فتعلم القراءة والكتابة وحفظ ما يقرب من ثلث القرآن‪ ،‬وما إن أتم السابعة حتى‬ ‫انتقل لكتاب آخر‪ ،‬وتزوجت أمه من شيخ الكتاب فتلقى الجابري تعليمه على يد زوج والدته لفترة‬ ‫قصيرة‪ ،‬ثم ألحقه عمه بالمدرسة الفرنسية فقضى عامين بالمستوى األول يدرس بالفرنسية‪.‬‬ ‫بدت أمارات التفوق على الجابري حين برع في الحساب كما كان يجيد القراءة في كتاب‬ ‫التالوة الفرنسية‪ ،‬وكان االنتساب للمدرسة الفرنسية ينطوي على نوع من العقوق للوطن والدين‬ ‫فكان اآلباء يخفون أبناءهم وال يسمحون بتسجيلهم في هذه المدرسة إال تحت ضغط السلطات‬ ‫الفرنسية‪.‬‬ ‫أتيحت للجابري فرصة االلتقاء بالحاج محمد فرج وهو من رجال السلفية النهضوية بالمغرب‬ ‫الذين جمعوا بين اإلصالح الديني والكفاح الوطني والتحديث االجتماعي والثقافي‪ ،‬وكان محمد‬ ‫فرج إماما بمسجد زناكة الجامع‪ ،‬فكان الجابري وهو ال يتجاوز العاشرة يواظب على حضور دروسه‬ ‫بعد صالة العصر‪ ،‬وفي هذه األثناء راودت شيخه فكرة إنشاء مدرسة وطنية حرة بفجيج‪ ،‬وبالفعل‬ ‫حصل على رخصة من وزارة المعارف إلنشاء مدرسة «النهضة المحمدية» كمدرسة وطنية ال‬ ‫تخضع للسلطات الفرنسية وال تطبق برامجها‪ ،‬بل يشرف عليها رجال الحركة الوطنية حيث جعلوا‬ ‫منها مدارس عصرية معربة لتصبح بديال للتعليم الفرنسي بالمغرب‪ ،‬فالتحق الجابري بالمدرسة‬ ‫وتخرج فيها سنة ‪ 1368‬هـ ‪ 1949 /‬بعد أن حصل على االبتدائية‪.‬‬

‫مسيرته المهنية ‪:‬‬

‫حصل على دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة في عام ‪ 1967‬ثم دكتوراه الدولة في الفلسفة‬ ‫عام ‪ 1970‬من كلية اآلداب بالرباط‪ .‬عمل كمعلم باالبتدائي (صف أول) ثم شغل كأستاذ للفلسفة‬ ‫والفكر العربي اإلسالمي في كلية اآلداب بالرباط‪ .‬كان عضواً بمجلس أمناء المؤسسة العربية‬ ‫للديمقراطية‪.‬‬

‫مسيرته العلمية ‪:‬‬

‫نقد العقل العربي‬

‫استطاع محمد عابد الجابري عبر سلسلة نقد العقل العربي القيام بتحليل العقل العربي عبر‬ ‫دراسة المكونات والبنى الثقافية واللغوية التي بدأت من عصر التدوين ثم انتقل إلى دراسة العقل‬ ‫السياسي ثم األخالقي وهو مبتكر مصطلح «العقل المستقيل» وهو ذلك العقل الذي يبتعد عن‬ ‫النقاش في القضايا الحضارية الكبرى‪ .‬وفي نهاية تلك السلسلة يصل المعلم إلى نتيجة مفادها‪:‬‬ ‫محمد عابد الجابري إن العقل العربي بحاجة اليوم إلى إعادة االبتكار ‬

‫مآخذ منتقديه ‪:‬‬

‫حمل الجابري عددا من المشاريع الفكرية‪ ،‬صاحب صدورَها جدل ونقاش لم يتوقف حولها‪،‬‬ ‫فكانت «رباعية نقد العقل العربي» والتي تكونت من أربعة إصدارات رئيسية كانت باكورة أعمال‬ ‫الجابري‪ ،‬أعطى فيها للعقل دورا محوريا في إعادة قراءة العقل العربي‪.‬‬ ‫تلك اإلصدارات األربعة هي‪ :‬تكوين العقل العربي‪ ،‬وبنية العقل العربي‪ ،‬والعقل السياسي‬ ‫العربي والعقل األخالقي العربي‪ ،‬وقد أحدثت هزة في األوساط الفكرية العربية‪ .‬وقد دفعت هذه‬ ‫الرباعية كاتبا سورياً مثل جورج طرابيشي إلى إصدار كتاب ناقد لها سماه «نقد نقد العقل العربي»‬ ‫يرد فيه على الجابري‪.‬‬ ‫ينتقد األستاذ فتحي التريكي بعض أفكار الدكتور محمد عابد الجابري أن فكرة وجود عقل عربي‬ ‫وآخر غربي‪ ،‬التي قال بها الجابري‪ ,‬كما خالف علي حرب الجابري في بعض القضايا االصطالحية‬ ‫أهمها «تفضيل حرب استخدام مصطلح الفكر على مصطلح العقل‪ ،‬ألن العقل واحد وإن اختلفت‬ ‫آلياته ومناهجه وتجلياته‪ ،‬كما يؤثره على مصطلح التراث»‪.‬‬

‫أهم أعماله ‪:‬‬

‫له العديد من الكتب المنشورة ‪:‬‬ ‫نحن والتراث ‪ :‬قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي (‪)1980‬‬

‫العصبية والدولة ‪ :‬معالم نظرية خلدونية في التاريخ العربي اإلسالمي (‪)1971‬‬ ‫تكوين العقل العربي (نقد العقل العربي ‪)1982()1‬‬ ‫بنية العقل العربي (نقد العقل العربي ‪)1986()2‬‬ ‫العقل السياسي العربي (نقد العقل العربي ‪)1990()3‬‬ ‫العقل األخالقي العربي (نقد العقل العربي ‪.)4‬‬ ‫كما صدرت له سلسلة مواقف‪.‬‬ ‫مدخل إلى القرآن في ثالثة مجلدات‪.‬‬ ‫مدخل إلى فلسفة العلوم‪ :‬العقالنية المعاصرة وتطور الفكر العلمي‪.‬‬ ‫فهم القرآن الحكيم « التفسير الواضح حسب ترتيب النزول ‪ :‬في ثالث أجزاء‬ ‫«أضواء على مشكلة التعليم بالمغرب» (‪)1973‬‬ ‫«من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكالتنا الفكرية والتربوية» (‪،)1977‬‬ ‫«المنهاج التجريبي وتطور الفكر العلمي» (‪)1982‬‬ ‫«إشكاليات الفكر العربي المعاصر» (‪)1986‬‬ ‫«وحدة المغرب العربي» (‪)1987‬‬ ‫«التراث والحداثة ‪ :‬دراسات ومناقشات» (‪)1991‬‬ ‫«الخطاب العربي المعاصر» (‪)1982‬‬ ‫«وجهة نظر ‪ :‬نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر» (‪)1992‬‬ ‫«المسألة الثقافية» (‪)1994‬‬ ‫«الديمقراطية وحقوق اإلنسان» (‪)1994‬‬ ‫«مسألة الهوية ‪ :‬العروبة واإلسالم والغرب» (‪)1995‬‬ ‫العروبة واإلسالم في فكر االستاذ ميشال عفلق محاضرة د ‪ .‬محمد عابد الجابري في الندوة‬ ‫القومية حول فكر األستاذ ميشال عفلق – بغداد ‪ 26 – 23‬حزيران‪ /‬يونيو ‪1990‬‬ ‫«المثقفون في الحضارة العربية ‪ :‬محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد» (‪)1995‬‬ ‫«الدين والدولة وتطبيق الشريعة» (‪)1996‬‬ ‫«المشروع النهضوي العربي ‪ :‬مراجعة نقدية» (‪)1996‬‬ ‫سلسلة «نقد العقل العربي»‬ ‫«ابن رشد‪:‬سيرة وفكر‪ ،‬دراسة ونصوص»‬ ‫«حوار المشرق والمغرب(مؤلف مشارك)»(‪)1990‬‬ ‫صدر له في آذار ‪ ،2010‬الكتاب الثالث من سلسلة «مواقف» والمعنون بـ «في غمار السياسة ‪:‬‬ ‫فكراً وممارسة» عن الشبكة العربية لألبحاث والنشر في بيروت‪.‬‬

‫الجوائز التي حازها ‪:‬‬

‫جائزة بغداد للثقافة العربية اليونسكو‪ .‬يونيو ‪1988‬‬ ‫الجائزة المغاربية للثقافة‪ .‬تونس مايو ‪1999‬‬ ‫جائــزة الدراسات الفكريـــة في العالــم العربي‪ ،‬مؤسســة ‪ MBI‬تحــت رعايـة اليونسكــو في‬ ‫‪.2005-11-14‬‬ ‫جائزة الرواد‪ .‬مؤسسة الفكر العربي بيروت في ‪2005-12-07‬‬ ‫ميدالية ابن سينا من اليونسكو في حفل تكريم شاركت فيه الحكومة المغربية بمناسبة اليوم‬ ‫العالمي للفلسفة ‪ 16‬نوفمبر ‪.2006‬‬ ‫ جائزة ابن رشد للفكر الحر‪ ،‬أكتوبر‪/‬تشرين األول ‪2008‬‬‫الجوائز التي اعتذر عنها‬ ‫اعتذر في أواخر الثمانينات عن الترشيح لجائزة الرئيس صدام حسين (‪ 100‬ألف دوالر)‪.‬‬ ‫اعتذر عن جائزة المغرب مرارا‪.‬‬ ‫اعتذر سنة ‪ 2001‬عن جائزة الشارقة التي تمنحها اليونسكو (‪ 25‬ألف دوالر)‪.‬‬ ‫اعتذر سنة ‪ 2002‬عن جائزة العقيد القذافـي لحقوق اإلنسان (‪ 32‬ألف دوالر)‪.‬‬ ‫اعتذر عن العضوية في أكاديمية المملكة المغربية مرتين مع تأكيده في المرة األولى على‬ ‫تفضيله البقاء ضمن موقعه في المعارضة‪ ،‬وككاتب بهذه الصفة‪.‬‬

‫العدد ‪1045‬‬

‫الثالثـاء ‪� 12‬إلى ‪ 18‬مـــاي ‪2020‬‬

‫‪11‬‬

‫محمد عابد الجابري‬

‫األسئلة مستمرة‬

‫• عبد الرحيم الخصار‬

‫يحسب للمفكر المغربي محمد عابد الجابري (‪ ،)2010 - 1936‬الذي تمرّ‬ ‫اليوم عشر سنوات على رحيله‪ ،‬أنه تجنّب منذ بداية مشواره الفكري ذلك الطريق‬ ‫الذي يفضي إلى المعرفة المطمئنّة‪ .‬واختار بد ًال منه طريقاً محفوفاً بالقلق‬ ‫وبالخطر أيضاً‪ ،‬إذ قام بنقد تاريخي ومنهجي لما دعاه «العقل العربي»‪ ،‬ووضع‬ ‫التراث العربي على كرسي المساءلة بطريقة أخذت تحتدّ مع تقدّم الرجل‬ ‫في أبحاثه‪.‬‬ ‫منذ كتابه «نحن والتراث» (‪ ،)1980‬ومع كل إصدار جديد‪،‬‬ ‫كانت أفكار الجابري مبعث نقاش وجدال‪ ،‬يتوزّع حولها‬ ‫أهل الفكر والثقافة ومعهم القراء بين متحمّس ومعارض‪،‬‬ ‫وقد يكون بذلك المفكر العربي الذي حظي بأكبر قدر من‬ ‫الكتابات النقدية واألطروحات الجامعية التي تناولت فكره‪،‬‬ ‫سواء بالتبنّي أو المعارضة‪.‬‬ ‫ما جعل من الجابري مفكراً مختلفاً عن مجايليه هو‬ ‫اجتهاده الدائم في نقد التراث من داخله‪ ،‬ال من الخارج‪،‬‬ ‫إذ استعان برموز تراثية وبمعطيات تاريخية دقيقة من أجل‬ ‫محاكمة اإلرث الفكري الذي ترسب في الذاكرة العربية‪.‬‬ ‫في رباعيته المخصصة للعقل العربي‪ ،‬قسّم الجابري‬ ‫المعارف التي تشكل هذا العقل إلى ثالثة أقسام هي‬ ‫«البيان»‪ ،‬و «العرفان»‪ ،‬و «البرهان»‪ .‬في القسم‬ ‫األول‪ ،‬جمـع الفقه والنّحو والبالغة‪ ،‬بينما ضمّ‬ ‫في حيــن‬ ‫الثاني التصوف والفكر الباطني‪،‬‬ ‫شمـــل البرهــان العلوم‬ ‫كالمنطق والرياضيات‪.‬‬ ‫ورأى فـــي دراستـه‬ ‫المطوّلة أن «العقــل‬ ‫ّ‬ ‫تشكل أواخر‬ ‫العربي»‬ ‫العصر األمـوي على‬ ‫نحو شبــه نهائــي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وظل على مـــدار‬ ‫العقـود المتعاقبة‬ ‫هناك‪ ،‬لم يستطع‬ ‫أن يــواكــــــب‬ ‫التحوّالت التــــي‬ ‫جاء بها زمنٌ بعد‬ ‫آخر‪ ،‬ولم يتمكن‬ ‫من إنتـــاج أشـكــال‬ ‫جــــديـــدة ومتطــوّرة‬ ‫للتفكير بوصفه أداة اإلنتـاج‬ ‫النظري‪.‬‬ ‫فقد ركن هذا العقل بشكل مطمئن إلى النص الديني باعتباره شام ً‬ ‫ال لكل‬ ‫المعارف والعلوم‪ ،‬سواء التي تم التوصل إليها‪ ،‬أو تلك التي سيتم اكتشافها في‬ ‫المستقبل‪.‬‬ ‫ولعل ما جلب عليه الكثير من االنتقادات‪ ،‬والمشاكل أيضاً‪ ،‬هو ارتفاع درجة‬ ‫النقد والتشكيك التي صاحبت مؤلفاته لتصل ذروتها في كتابه األخير عن النص‬ ‫القرآني‪ ،‬حيث أوصلته اجتهاداته وأبحاثه في التفاصيل التاريخية إلى ّ‬ ‫أن النسخة‬ ‫التي بين أيدينا من القرآن ليست هي نفسها التي نزلت على الرسول‪ ،‬مشيراً إلى‬ ‫أن عدداً من اآليات قد سقط عن النسخة األولى‪.‬‬ ‫لم يكن االختالف مع الجابري‪ ،‬في توجهه الفكري العام وليس في هذه‬ ‫الموضوعة فحسب‪ ،‬نابعاً من الفقهاء والمحافظين ومناصري االتجاهات‬

‫الماضوية وحدهم‪ ،‬بل كان من أولئك الذين يتقاسمون معه حقل االشتغال‪،‬‬ ‫فطه عبد الرحمن اتهمه بـ «فساد التصور»‪ ،‬وأدونيس كان يرى أنه لم يأت‬ ‫بجديد‪ ،‬إنّما قام بالتصنيف األكاديمي لما قاله السابقون‪ ،‬أما جورج طرابيشي‬ ‫وطيب تيزيني فقد أ ّلفا عنه كتابين‪« :‬نقد نقد العقل العربي»‬ ‫و»من االستشراق الغربي إلى االستغراب المغربي»‪.‬‬ ‫األول قال عنه إنه «يخدع قارئه»‪ ،‬بينما رأى الثاني‬ ‫أنه «يملك وعياً مراوغاً غير وطني» واتهمه‬ ‫بتبني الفكر االستشراقي الغربي‪.‬‬ ‫ويضاف إليهما محمد عمارة في كتابه‬ ‫«رد على افتراءات الجابري» خصّصه لنقد‬ ‫«مدخل إلى القرآن الكريم» آخر ما ختم به‬ ‫صاحب «نقد العقل العربي» مساره الفكري‪،‬‬ ‫ورأى عمارة في كتابه أن الجابري لم يقع في‬ ‫األخطاء فحسب‪ ،‬بل وقع أيضاً في الخطايا‪.‬‬ ‫وكان الجابري يتفادى في معظم الحاالت‬ ‫الرد على منتقديه من المفكرين‪ ،‬ويعتبرهم‬ ‫أصحاب مشروعات فكرية مماثلة لمشروعه‪،‬‬ ‫وليس من الضروري الدخول معهم في سجاالت‪،‬‬ ‫أما الذين تعاملوا مع منجزه بقسوة وبتطرف‪،‬‬ ‫وكانوا يحرّضون ضدّه‪ ،‬وأحياناً ينادون بتكفيره‪ ،‬فقد‬ ‫كان مشغو ًال عنهم بالبحث في طيات التاريخ عن تلك‬ ‫التفاصيل والدقائـق التي تجعل «العاقل» مطالباً‪،‬‬ ‫على الدوام بإعادة النظر في موروثه الثقافي‬ ‫والديني‪ ،‬وفي طريقة تفكيره‪.‬‬ ‫أسئلــــة كثيــــرة طرحها‬ ‫الجابري في مؤلفاته ستظل‬ ‫حاضرة باستمرار في النقاش‬ ‫الفكري‪ ،‬ال سيما في األذهان‬ ‫التي ال ترتـــاح للمعرفــــة‬ ‫الوثوقيـة‪ ،‬وتفضّل الشــك‬ ‫على اليقين‪.‬‬ ‫ما راهن عليه الجابري‪،‬‬ ‫وصرّح به في أكثر من‬ ‫سيــاق‪ ،‬هو السعـــي إلى‬ ‫تجديــد الفكــر العربـي‬ ‫اإلسالمي وإعادة بنائه‬ ‫من الداخل‪ .‬وكان يقول‬ ‫عن مشروعه الفكري إنه‬ ‫يحتاج إلى مسافة زمنية‬ ‫من أجل فهمه‪ ،‬ملتمساً‬ ‫في ذلك األعذار حتى‬ ‫ألكثر معارضيه شراسة‪،‬‬ ‫فالرجل المعروف بهدوئه‬ ‫وبرود أعصابه؛ كان يخرج على الناس من حين آلخر بما يصدم وعيهم‪ ،‬وبالتالي‬ ‫ليس من السهل قبول واحتضان هذا النوع من الفكر المُسائلي منذ وهلته‬ ‫األولى‪.‬‬ ‫في أحد الحوارات التلفزيونية‪ ،‬أخبر المذيع الجابري بأن المفكر المغربي طه‬ ‫عبد الرحمن اتهمه بـ «تقويل الكتّاب ما لم يقولوا‪ ،‬وسوء التصرف في النصوص‪،‬‬ ‫وفساد التعريف‪ ،‬وفساد التصور‪ ،‬والسقوط في التناقض‪ ،‬وعدم تحصيل الملكة‬ ‫في العلوم الصورية والمنهجية‪ ،‬والعجز عن نقد وتمحيص اآلليات االستهالكية»‪،‬‬ ‫فرد صاحب «المسألة الثقافية»‪« :‬كان على األخ طه أن يقول ببساطة‪ :‬أنا ال أفهم‬ ‫ما يفهمه الجابري»‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫الثالثـاء ‪� 12‬إلى ‪ 18‬مـــاي ‪2020‬‬

‫العدد ‪1045‬‬

‫مجتمع ـ سياسة ـ حقوق ـ اقتصاد‬ ‫فكري ولد علي‬

‫(مراسل من الحسيمة‪ /‬الناظور)‬

‫عامل إقليم الحسيمة يصدر تعليمات صارمة في‬ ‫حق من يتوجه إلى الشاطئ بهدف االستجمام‬ ‫أع��ط��ى ف��ري��د ش���وراق ع��ام��ل إقليم‬ ‫الحسيمة إلى السلطات المحلية بالتشدد‬ ‫فيما يتعلق بموضوع خرق حالة الطوارئ‬ ‫من طرف بعض المواطنين والتوجه إلى‬ ‫الشواطئ بغاية االستجمام‪.‬‬

‫‪Fikri.press@gmail.com‬‬ ‫‪Tél 0661986707‬‬

‫سلطات الحسيمة تدخل على‬ ‫خط احتجاجات عمالية وتوافق‬ ‫على استئناف وحدة إلنتاج‬ ‫ب ‪ 50‬عامال‬

‫وذك���رت م��ص��ادر مطلعة أن العامل‬ ‫شوارق وجه تعليمات صارمة بهذا الخصوص‬ ‫من أجل التشدد في مراقبة مخترقي حالة‬ ‫الطوارئ الصحية‪ ،‬وذلك في إطار التدابير‬ ‫المتخذة من ط��رف السلطات العمومية‬ ‫لمكافحة تفشي فيروس كورونا المستجد‪.‬‬ ‫وحسب نفس المصادر ف��إن الوضع‬ ‫الوبائي بإقليم الحسيمة مطمئن‪ ،‬لكن البد‬ ‫من توخي الحذر‬ ‫في غياب اإللتزام بتعليمات السلطات‬ ‫العمومية‪ ،‬وتنفيذ تدابير الوقاية والنظافة‬ ‫والبقاء في البيوت‪ ،‬فإن خطر تفشي العدوى‬ ‫وبالتالي سقوط العشرات من الضحايا‪ ،‬يظل‬ ‫قائما في أي لحظة‪ ،‬وهو األمر الذي سينسف‬ ‫حينها ك��ل الجهود التي بذلتها األط��ر‬ ‫الصحية والسلطات العمومية باإلقليم‪.‬‬ ‫ويمنع قانون الطوارئ الصحية زيارة‬

‫الشواطئ‪ ،‬أو الخروج للشوارع والساحات‬ ‫باستثناء الضرورة القصوى‪.‬‬ ‫وتمنع مختلف بلدان العالم السباحة‬ ‫بالشواطىء في غياب دراسات تؤكد أو تنفي‬ ‫انتقال عدوى فيروس كورونا المستجد عبر‬ ‫المياه‪ ،‬وبالتالي يبقى الخيار األسلم لحماية‬

‫صحة المواطنين من خطر عدوى اإلصابة‬ ‫بكوفيد ‪ 19‬وااللتزام بالحجر الصحي والبقاء‬ ‫في البيوت ال��ى غاية ‪ 20‬م��اي لإلشارة‪،‬‬ ‫فقد سبق للسلطات األمنية بالحسيمة أن‬ ‫أوقفت نهاية األسبوع الماضي مجموعة من‬ ‫األشخاص بشاطئ صباديا وكيمادو‪..‬‬

‫صرامة سلطات الحسيمة تجعل الحسيمة‬ ‫من بين المدن المستقرة في تطيق الحجر الصحي‬ ‫تشرف السلطات المحلية واالقليمية‬ ‫والقوات العمومية‪ ،‬على تفعيل إج��راءات‬ ‫المراقبة المواكبة لقرار إعالن حالة “الطوارئ‬ ‫الصحية”‪ ،‬كإجراء احترازي للوقاية والحد من‬ ‫انتشار وباء كورونا المستجد‬ ‫وأعطى فريد ش��وراق عامل اإلقليم‪،‬‬ ‫تعليماته الحازمة بالتعامل ال��ص��ارم مع‬ ‫كل من يخرق حالة الطوارئ الصحية التي‬ ‫تفرضها السلطات بالمغرب منذ ‪ 20‬مارس‬ ‫الجاري‪ ،‬وإلى غاية ال ‪ 20‬ماي ‪.2020‬‬ ‫ويقوم عناصر األمن الوطني والقوات‬ ‫المساعدة ورجال وأعوان السلطة‪ ،‬بتمشيط‬ ‫مختلف الشوارع واألزق��ة واألحياء بمدينة‬ ‫الحسيمة والنواحي ليل نهار‪ ،‬من أجل فرض‬ ‫احترام التعليمات الخاصة بحالة الطوارئ‬ ‫الصحية‪ ،‬عبر تأطير‬ ‫ومراقبة حركة السير والجوالن وفق‬ ‫الضوابط التي حددتها وزارة الداخلية‪.‬‬ ‫وع��رف��ت ع��دد م��ن األح��ي��اء بالمدينة‬ ‫حمالت أمنية مكثفة أسفرت على القبض‬ ‫على مجموعة من المواطنين يشتبه في‬ ‫خرقهم لحالة الطوارئ الصحية التي يعرفها‬ ‫المغرب‪.‬‬ ‫وتعمل السلطات المحلية على تقييد‬ ‫الحركة عبر التأكد من حمل المواطنين‬ ‫لشواهد وتراخيص التنقل االستثنائية‪ ،‬وذلك‬ ‫تحت طائلة توقيع العقوبات المنصوص‬ ‫عليها ف��ي مجموعة ال��ق��ان��ون الجنائي‪،‬‬

‫إضافة إلى مراقبة إلتزام المحالت التجارية‬ ‫بالتعليمات الخاصة بالسالمة الصحية ومنها‬ ‫اإللتزام بتوقيت العمل المحدد من الساعة‬ ‫السادسة صباحا إلى الساعة السادسة مساء‪.‬‬ ‫كما تجوب مجموعات من المتطوعين‬ ‫ش��وارع المدينة وأزق��ة احيائها للتوعية‬ ‫والتحسيس بخطورة الوباء‪ ،‬وأهمية البقاء‬ ‫في المنازل والتقييد ب��إج��راءات السالمة‬ ‫الصحية والنظافة‪ ،‬وعدم اإلختالط‪ ،‬للتصدي‬ ‫لهذا الفيروس والوقاية من انتشاره أكثر‪.‬‬ ‫وتعمل السلطات اإلقليمية بتعاون‬ ‫مع المجالس اإلقليمية والمنتخبة وفاعلين‬ ‫أخرين‪ ،‬على تعميم عمليات التعقيم بمختلف‬ ‫ش��وارع وأزق��ة المدينة وك��ذا تعقيم كافة‬

‫المؤسسات والمرافق العمومية‪ ،‬حفاظا على‬ ‫سالمة المواطنين‪.‬‬ ‫كما يتم تنظيم حمالت تحسيسية‬ ‫للتوعية بخطورة المرض وأهمية البقاء في‬ ‫المنازل وااللتزام بإجراءات السالمة الصحية‬ ‫التي توصي بها وزارة الصحة‪ ،‬وذلك بتعاون‬ ‫مع مجموعة من الفاعلين والمتطوعين‬ ‫هذا وقد ابانت ساكنة اإلقليم عموما‬ ‫عن روح وطنية عالية في احترام اإلجراءات‬ ‫التي قامت بها السلطات وف��ي االلتزام‬ ‫بقواعد السالمة و الوقاية الضرورية‬ ‫وتتحول مدينة الحسيمة إلى مدينة‬ ‫شبح بعد الساعة السابعة مساء من كل‬ ‫يوم‪ ،‬حيث ال أحد يسير بشوارعها إال عناصر‬ ‫السلطات األمنية المشرفة على تفعيل الحظر‬ ‫الصحي الشامل‪.‬‬ ‫كما أفادت مصادر مؤكدة اليوم الثالثاء‬ ‫‪ 05‬ماي ‪ ،2020‬عن تسجيل حالتي شفاء‬ ‫جديدتين بإقليم الحسيمة‪ ،‬بعدما جاءت‬ ‫نتيجة تحاليلهما المخبرية للمرة الثانية‬ ‫سلبية‪.‬‬ ‫وبعد ظهور نتيجة هاتين الحالتين‬ ‫يرتفع العدد االجمالي للمتعافين من فيروس‬ ‫كورونا بالحسيمة الى ثمانية ‪ 08‬حاالت شفاء‬ ‫من أصل ‪ 13‬حالة كانت مسجلة‪.‬‬ ‫وتعرف الحسيمة حالة من استقرار‬ ‫الحالة الوبائية بعدما لم تسجيل أي حالة‬ ‫جديدة مصابة منذ أكثر أسبوعين‪.‬‬

‫مع تزايد حاالت الشفاء‬ ‫هل اقتربت نهاية وباء كورونا بإقليم الحسيمة؟‬

‫أكدت مصادر طبية لجريدة للشمال عن تماثل حالتين جديدتين من فيروس كورونا‬ ‫كانتا تتابعان العالج بمستشفى القرب بمدينة إمزورن‪ ،‬وبهذا بلغ عدد الحاالت المتعافية إلى‬ ‫حدود كتابة هذه األسطر عشر حاالت‪،‬‬ ‫وكانت لجنة التتبع واليقظة توصلت بنتائج تحاليل مخبرية جديدة أجريت للحالتين‪،‬‬ ‫وكانت سلبية للمرة الثانية على التوالي‪ ،‬مما يؤكد تخلصها من فيروس كورونا المستجد‪.‬‬ ‫وغادرت الحاالت المتعافية المستشفى على أن تقضي فترة نقاهة بإحدى الوحدات‬ ‫الفندقية المصنفة بأجدير‪ ،‬وفق البروتوكول الذي تباشره المصالح الصحية باإلقليم‪.‬‬ ‫وبهذا سينخفض عدد الحاالت الخاضعة للعالج من فيروس كورونا بمستشفى امزورن‬ ‫إلى ‪ 3‬حاالت ‪ ،‬كلها مستقرة‬ ‫وتعرف الحسيمة حالة من استقرار الحالة الوبائية بعدما لم تسجيل أي حالة جديدة‬ ‫مصابة منذ أكثر أسبوعين‪.‬‬

‫افادد مصدر حج مطلع ان السلطات المحلية بجماعة آيت يوسف وعلي بإقليم الحسيمة‪،‬‬ ‫وافقت على استئناف شركة الحلويات المتواجدة ببوكدارن لعملها بشكل جزئي ابتداء‬ ‫من األسبوع المقبل وذلك بعد توقف مؤقت منذ تاريخ ‪ 20‬مارس ‪ ،2020‬في إطار التدابير‬ ‫االحترازية للتصدي « لفيروس كورنا «‬ ‫واتخذت الشركة المعنية كافة التدابير واإلجراءات االحترازية المعمول بها لتوفير ظروف‬ ‫آمنة للعمل تحرص على صحة أجراء الشركة‪.‬‬ ‫نفس المصدر أكد أن الشركة ستستأنف العمل بحوالي ‪ 50‬عامال‪ ،‬كما أنها ستعمل على‬ ‫الرفع من طاقتها االنتاجية عند الحاجة واستدعاء مزيد من األجراء مع مراعاة شروط العمل‬ ‫التي تفرضها ظروف الحجر الصحي‪.‬‬ ‫وأضاف المصدر أن السلطات طالبت الشركة بضرورة احترام العمال لمسافة األمان فيما‬ ‫بينهم‪ ،‬على أن يقوم طبيب هذه الوحدة االنتاجية بإجراء الكشف الحراري لكل العمال الذين‬ ‫سيستأنفون عملهم بالوحدة‪،‬‬ ‫وكان عمال الشركة المذكورة خاضوا احتجاجا أمام مقر الشركة بمركز سيدي بوعفيف‬ ‫(بوكدان)‪ ،‬يوم األربعاء ‪ 6‬ماي الجاري‪ ،‬للمطالبة بتعويضات «صندوق كورونا»‪ ،‬بعد توقفهم‬ ‫عن العمل منذ ‪ 20‬مارس الماضي‪.‬‬

‫مصرع طفل نواحي الحسيمة‬ ‫غرقا في بركة مائية‬

‫لقي طفل مصرعه األسبوع الماضي بعد غرقه في بركة مائية بدوار “ماحراث”بجماعة‬ ‫شقران التابعة إلقليم الحسيمة‪.‬‬ ‫وحسب مصدر مطلع للجريدة ان جثة الطفل عثر عليها من طرف والدته بينما كانت‬ ‫تطفو في بركة لتجميع مياه السقي‪.‬‬ ‫وفور إشعارها بالحادث‪ ،‬انتقلت إلى عين المكان عناصر السلطة المحلية وعناصر من‬ ‫الدرك الملكي‪ ،‬كما تم إشعار الوقاية المدنية التي تكفلت بنقل جثة الهالك الى قسم األموات‬ ‫بالمستشفى اإلقليمي محمد الخامس بالحسيمة قصد إخضاعها للتشريح الطبي‬

‫طبيب ينحدر من الحسيمة ضحية‬ ‫جريمة قتل بسيدي إفني‬

‫اهتزت سيدي إفني‪ ،‬يوم الخميس ‪ 7‬أبريل ‪ ،2020‬على وقع جريمة قتل بشعة راح ضحيتها‬ ‫شاب في عقده الرابع‪.‬‬ ‫وحسب مصادر محلية فإن الضحية ينحدر من إقليم الحسيمة عمره ‪ 40‬سنة وكان يعمل‬ ‫قيد حياته طبيبا بالمستشفى اإلقليمي لسيدي إفني‪ ،‬وقد عثر على جتثه بمنطقة تسمى ”‬ ‫ساحة المطار ” وهي تحمل آثار ضرب بواسطة آلة حادة‪.‬‬ ‫وفور علمها بالحادث هرعت إلى عين المكان السلطات المحلية وعناصر الشرطة القضائية‬ ‫والشرطة العلمية‪ ،‬لفك خيوط هذه الجريمة‪ ،‬حيث أخذت عينة من البصمات‪ ،‬كما قامت بحملة‬ ‫تمشيط بالمنطقة‪ ،‬قبل نقل جثة الضحية إلى مستودع األموات بالمستشفى اإلقليمي بسيدي‬ ‫إفني‪.‬‬ ‫وحسب نفس المصدر فإن األبحاث الزالت جارية لتحديد هوية الجاني‪ ،‬ومعرفة األسباب‬ ‫المفضية إلرتكابه هذه الجريمة التي استنكرتها ساكنة المدينة بقوة‪.‬‬

‫‪13‬‬

‫الثالثـاء ‪� 12‬إلى ‪ 18‬مـــاي ‪2020‬‬

‫العدد ‪1045‬‬

‫مجتمع ـ سياسة ـ حقوق ـ اقتصاد‬ ‫عبد العالي بن ربوحة‬

‫(مراسل من القصر الكبير‪/‬العرائش)‬

‫المحكمة االبتدائية بالقصر الكبير تعقد‬ ‫أولى جلسات ’المحاكمة عن بعد’‬ ‫ب��ادرت المحكمة االبتدائية بالقصر‬ ‫الكبير يوم الخميس ‪ 30‬أبريل‪ 2020‬إلى‬ ‫اعتماد «المحاكمة عن بعد» في الملفات‬ ‫الجنحية التلبسية المتعلقة باألشخاص‬ ‫الذين يوجدون في حالة اعتقال‪.‬‬ ‫الخطوة‪ ،‬تندرج في إط��ار مساهمة‬ ‫السلطة القضائية في تنزيل التدابير‬ ‫الصحية المتخذة لمكافحة تداعيات وباء‬ ‫فيروس كورونا المستجد (كوفيد ‪،)19‬‬ ‫وسعيا إلى ضمان شروط الصحة والسالمة‬ ‫لكافة مكونات العدالة‪.‬‬ ‫وأش��رف رئيس المحكمة االبتدائية‬ ‫بالقصر الكبير ورئ��اس��ة مصلحة كتابة‬ ‫الضبط ون��ائ��ب الكاتب ال��ع��ام لنقابة‬ ‫الديمقراطية للعدل وع��دد من السادة‬ ‫األساتذة المحامين‪ ‬وعضو هيئة المحامون‬ ‫بطنجة و السادة اط��ر اإلدارة القضائية‬ ‫بالمديرية الفرعية بطنجة‬ ‫على إعطاء االنطالقة الفعلية لعملية‬ ‫«المحاكمة عن بعد» في بادرة استحسنها‬ ‫الرأي العام بصفة عامة وأسرة العدل بصفة‬ ‫خاصة‪.‬‬ ‫وتعتمد الفكرة على أس��اس تقني‬ ‫متطور للتقاضي عن بعد‪ ،‬عبر اتصال حي‪،‬‬ ‫صوتا وصورة‪ ،‬بعدما تم تجهيز المحكمة‬ ‫االبتدائية والمؤسسة السجنية ’السجن‬ ‫المحلي بأجهزة متطورة لتفعيل االتصال‬ ‫المرئي بين السجن وبين قاعات الجلسات‪.‬‬ ‫اع��ت��م��اد ه��ذه المحاكمة الرقمية‬

‫بابتدائية القصر الكبير ‪ ،‬ج��اء تنفيذا‬ ‫لتوجيهات الرئيس المنتدب للمجلس‬ ‫األعلى للسلطة القضائية‪ ،‬وفي في إطار‬ ‫التدابير االحترازية للحد من تفشي وباء‬ ‫«كورونا» المستجد‪ ،‬السيما في صفوف‬ ‫المعتقلين‪.‬‬ ‫كما تأتي ب��ادرة محاكمة المعتقلين‬ ‫عن بعد لحمايتهم وك��ذا باقي معتقلي‬ ‫المؤسسة السجنية المتواجدين بها من‬ ‫خطر ال��ع��دوى‪ ،‬وضمانا لسالمة الهيئة‬ ‫القضائية بجميع مكوناتها وهيئة الدفاع‪.‬‬ ‫اعتماد المحاكمة عن بعد بالمحكمة‬ ‫االبتدائية بالقصر الكبير في ظل هذه‬ ‫الظروف االستثنائية التي تعيشها المملكة‬

‫المغربية هو تصور استراتيجي يوفر الجهد‬ ‫ويضمن األمن والسالمة لمختلف الفاعلين‬ ‫في منظومة العدالة‪ ،‬والنزالء بالمؤسسات‬ ‫السجينة‪.‬‬ ‫نجاح ب��ادرة «المحاكمة عن بعد»‪،‬‬ ‫بالمحكمة االبتدائية بالقصر الكبير ‪،‬‬ ‫إشارة واضحة إلى مدى االستعداد الجماعي‬ ‫لكل مكونات العدالة من أجل التحول إلى‬ ‫المحكمة الرقمية الذكية‪ ،‬وتتويجا لما‬ ‫راكمته المحكمة من تجربة على مستوى‬ ‫رقمنة جميع اإلجراءات المسطرية‪ ،‬وتفعيل‬ ‫كافة التطبيقيات اإللكترونية المتاحة‬ ‫بالشكل ال��ذي يضمن الجودة والسرعة‬ ‫والشفافية للمرتفقين والمتقاضين‪.‬‬

‫القصر الكبير ‪ :‬المجلس الجماعي يتك ّلف بتغذية‬ ‫األطر المشرفة على كوفيد ‪ 19‬والمرضى‬ ‫المصابين بمستشفى القرب بالمدينة‬

‫لنتضامن يف مواجهة الجائحة‬ ‫الوبائية‬

‫في إطار انخراط جماعة القصر الكبير في‬ ‫المجهود الوطني للتصدي للجائحة الوبائية‬ ‫كوفيد ‪ 19‬وترسيخ قيم التضامن والدعم‬ ‫فقد التزمت جماعة القصر الكبير بالتكفل‬ ‫بتغذية المرضى المصابين بمرض كورونا‬ ‫بمستشفى القرب بالمدينة وك��ذا الطاقم‬ ‫الطبي المنضوي في إطار خلية مكافحة وباء‬ ‫كوفيد ‪ 19‬بمدينة القصر الكبير ‪ ،‬وذلك طيلة‬ ‫مدة الجائحة الوبائية ببالدنا‪.‬‬ ‫وأك����د رئ��ي��س ال��م��ج��ل��س الجماعي‬ ‫بالمناسبة عن انخراط جماعة القصر الكبير‬ ‫والمساهمة المتواصلة لها في عدد من‬

‫‪benrebouha01@gmail.com‬‬ ‫‪Tél : 0641794991‬‬

‫نقابة االتحاد المغربي للشغل‬ ‫تراسل عامل اإلقليم لتمديد‬ ‫إغالقه معمل خيل كوميس‬

‫راسل المكتب المحلي لنقابة اإلتحاد المغربي للشغل بالعرائش عامل إقليم العرائش‬ ‫يطالبه من خاللها بتمديد إغالق معمل تصبير السمك “خيل كوميس هذا نصّها‪:‬‬ ‫االتحاد المغربي للشغل ‪ -‬االتحاد المحلي ‪ -‬العرائش في ‪ 03‬ماي ‪2020‬‬ ‫إلى السيد عامل إقليم العرائش‬ ‫الموضوع‪ :‬حول عودة استئناف العمل بمعمل “خيل كوميس”‬ ‫تحية احترام وتقدير وبعد‪،‬‬ ‫علم االتحاد المحلي لنقابة االتحاد المغربي للشغل أن إدارة شركة خيل كوميس تستعد‬ ‫للعودة إلى استئناف العمل بداية األسبوع المقبل بعد أسبوعين من التوقف بسبب وباء كورونا‪،‬‬ ‫وعليه نخبركم السيد عامل اإلقليم أن العودة ليست بالعملية السهلة كما يتو ّقع البعض‪ ،‬خاصّة‬ ‫و أنّه ما زالت تظهر حاالت إيجابية في صفوف عائالت ومخالطي المصابين و المصابات من‬ ‫عمال و عامالت المعمل‪ .‬و بعد عدّة استشارات التي قمنا بها مع اختصاصيين في ميدان الصّحة‬ ‫و السّالمة و طبيب الشغل‪ ،‬فإنّنا نطالب بتمديد إغالق المعمل لمدّة أسبوع آخر تفاديا أليّة‬ ‫مفاجئات ال تحمد عقباها‪.‬‬ ‫كما ّ‬ ‫أن عملية فتح المعمل من جديد في وجه العامالت و العمال‪ ،‬يجب أن تسبقها إجراءات‬ ‫احترازية فعلية وصارمة‪:‬‬ ‫• تعميم التحليالت المخبرية‬ ‫• عقد اجتماع موسع بين الشركاء االجتماعيين‪ :‬السلطة المحلية‪ ،‬طبيب الشغل‪ ،‬مندوبية‬ ‫الصحة و مندوبية الشغل قصد وضع خطة عمل واضحة ومضبوطة من أجل الحرص على عدم‬ ‫انتشار الوباء وعدم السقوط في االرتباك الذي وقع منذ ظهور أول حالة‪.‬‬ ‫• خلق لجنة مكلفة بتتبع عملية التعقيم داخل المعمل و خارجه قبل وأثناء تنقل العامالت‬ ‫والعمال بجميع وسائل النقل مع احترام المسافة داخل الحافالت‪.‬‬ ‫• خلق مسافات األمان الضرورية داخل وحدات اإلنتاج‪.‬‬ ‫• عتماد لوائح األقدمية من أجل العودة إلى العمل‪.‬‬ ‫• ترك الباب مفتوح أمام العامالت والعمال لالستفادة من العطل‪.‬‬ ‫وعليه إذ نضع هذه المراسلة بين أيدي سيادتكم لنعبر لكم عن حرصنا على صحة العامالت‬ ‫والعمال واألطر اإلدارية من أجل تجنيب المدينة ظهور بؤرة أخرى‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ونؤكد لكم‪ ،‬السيد العامل‪ ،‬أنّنا رهن إشارتكم للتنسيق في كل ما يمكن أن نساهم به‬ ‫ألجل الصالح العام‪.‬‬ ‫و تقبلوا‪ ،‬السيد العامل أسمى عبارات االحترام والتقدير‪.‬‬ ‫الكاتب العام‬ ‫عبد الخالق الحمدوشي‬ ‫نسخة قصد االطالع‪:‬‬ ‫– السيد باشا مدينة العرائش‬ ‫– السيد المدير اإلقليمي لوزارة الشغل‬ ‫– السيد المدير اإلقليمي لوزارة الصّحة‬ ‫– السيد المدير العام لشركة خيل كوميس‬

‫القصر الكبير‪13:‬حالة شفاء‬ ‫جديدية من كورونا وحصيلة‬ ‫“منزلي فضاء للثقافة واستثمار إيجابي للحجر الصحي” المتعافين ترتفع إلى ‪33‬‬ ‫المبادرات والتدابير الرامية إلى التصدي‬ ‫لآلثار السلبية لهذا الوباء‪ ،‬والمساهمة بكل‬ ‫فعالية ومسؤولية في مواجهة هذه الظرفية‬

‫الصعبة التي تمر بها البالد‪.‬‬ ‫واهلل ولي التوفيق‬

‫أنشطة ثقافية وفنية عن بعد للمركز الثقافي بالعرائش‬

‫في إطار اإلجراءات االحترازية للوقاية من‬ ‫فيروس كورونا – كوفيد‪، 19‬ينظم المركز‬ ‫الثقافي العرائش “المديرية الجهوية طنجة‬ ‫تطوان – الحسيمة – وزارة الثقافة والشباب‬‫والرياضة “قطاع الثقافة ” ‪ ،‬مجموعة من‬ ‫األنشطة الثقافية والفنية واللقاءات عن بعد‬ ‫مع أدباء وشعراء ومثقفين ومتخصصين في‬ ‫مجال اآلثار والتراث ‪،‬ضمن برامج أعلن عن‬ ‫انطالقة فعالياته من ‪ 01‬ماي الجاري ‪ ،‬تحت‬ ‫شعار “منزلي فضاء للثقافة واستثمار إيجابي‬ ‫للحجز الصحي “‪.‬‬ ‫ الشعر ‪ :‬قراءات شعرية – الثرات‬‫الثقافي ‪ :‬حلقات برامج لقاءات اليوم لمدة‬ ‫أسبوع يوميا ‪.‬‬ ‫ الحكاية ‪ :‬حكايات من الثرات المغربي‬‫– مسرح ‪ :‬ورشات في الكثابة ‪.‬‬ ‫ موسيقى ‪ :‬تكريم موسقيين وباحثين‬‫في الثرات الالمادي باإلقليم ‪.‬‬

‫وتأتي هذه األنشطة واللقاءات تنفيذا‬ ‫لبالغ وزارة الثقافة الشباب و الرياضة‬ ‫– قطاع الثقافة – المتعلق باألنشطة‬

‫الثقافية المبرمجة عن بعد في ظل الظروف‬ ‫االستثنائية التي يعيشها بلدنا المرتبطة‬ ‫بجائحة كوفيد ‪.19‬‬

‫سجل إقليم العرائش ‪ 13‬حالة شفاء جديدة من فيروس كورونا المستجد‪ ،‬ليرتفع إجمالي‬ ‫حاالت الشفاء إلى ‪ 33‬من فيروس كورونا بإقليم العرائش ‪.‬‬ ‫أعلنت مندوبية الصحة بإقليم العرائش‪ ،‬عن شفاء ‪13‬حالة جديدة من اإلصابة فيروس‬ ‫كورونا المستجد بالمستشفى المحلي بالقصر الكبير صباح يوم االثنين ‪4‬ماي ‪ ،2020‬ليرتفع‬ ‫العدد إلى ‪ 26‬حالة شفاء خالل ‪ 24‬ساعة األخيرة ليرتفع عدد المتعافين إلى مجموع ‪ 33‬حالة‬ ‫شفاء بإقليم العرائش ‪.‬‬ ‫المندوبة اإلقليمية تستعد لإلعالن عن حاالت شفاء جديدة بمدينة العرائش فور التوصل‬ ‫بالنتائج المخبرية النهائية مضيفة أن حاالت أخرى استجابت للتدخل العالجي الطبي وتتماثل‬ ‫للشفاء ‪ ،‬وستعلن في وقت الحق عن شفائها وتحديد خروجها من المستشفى ‪.‬‬

‫العدد ‪1045‬‬

‫كتابات يف تاريخ‬ ‫منطقة ال�شمال ‪:‬‬ ‫(‪)945‬‬

‫‪14‬‬

‫الثالثـاء ‪� 12‬إلى ‪ 18‬مـــاي ‪2020‬‬

‫“فتاوى العالمة عبد اهلل كنون”‬

‫لعل من حسنات تطور البحث التاريخي الوطني المعاصر‪ ،‬انفتاحه على مجاالت معرفية ظلت في‬ ‫منأى عن زاد صنعة المؤرخ‪ ،‬بل لم تكن لتثير االنتباه لدى المشتغلين بهذه “الصنعة” بحكم انشغالها‬ ‫باآلني وباليومي في حياة الناس‪ .‬وإذا كان الحديث عن هذا “اليومي” وتجميعه قد أصبح حجر الزاوية‬ ‫في الكتابة التاريخية المعاصرة‪ ،‬فإن مسألة توثيقه تظل شرطا أساسيا لتوفير المادة الخام الضرورية‬ ‫القادرة على فهم طبيعة تحوالت مجتمعاتنا‪ ،‬وعلى التأصيل لقضايا تاريخنا الكبرى‪ ،‬وعلى‬ ‫تفكيك مختلف األنساق المادية والرمزية التي تحكمت في رسم الحدود الفاصلة‬ ‫بين “الثابت” و”المتحول” في تبدل أنظمتنا المعيشية سواء كأفراد أم‬ ‫كجماعات‪ .‬واعتبارا لهذه األهمية العلمية‪ ،‬فقد أخذ الباحثون المغاربة في‬ ‫االهتمام بأدب النوازل وفي االنفتاح على “مناجمها” المصدرية الغنية‪ ،‬بعد‬ ‫الميموني‬ ‫فاطمة‬ ‫وتقديم‬ ‫أن اقتنع الجميع بدورها الكبير في حوار‬ ‫اآلخر” الذي لم‬ ‫خبايا ‪“:‬التاريخ‬ ‫الكشف عن‬ ‫تلتفت إليه مصنفات التاريخ الرسمي إال بشكل جزئي وفي سياقات هامشية‬ ‫في أحيان كثيرة‪ .‬وتزداد أهمية هذا التوجه‪ ،‬مع صدور العديد من المتون‬ ‫النوازلية التي خلفها مغاربة العصور الماضية‪ ،‬وقام المؤرخون المعاصرون‬ ‫بتحقيقها وبتعميم تداولها‪ .‬وبدون العودة الستعراض كل األسماء‬ ‫واألعالم التي اشتغلت على هذه المواد‪ ،‬نكتفي باإلحالة على اللقاء العلمي‬ ‫الذي احتضنته كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية بالرباط حول موضوع‬ ‫“التاريخ وأدب النوازل”‪ ،‬وصدرت أعماله ضمن منشورات نفس الكلية‬ ‫سنة ‪ ،1995‬وكذا على اجتهادات وتنقيبات األساتذة محمد المنوني‬ ‫ومحمد حجي وأحمد التوفيق وعبد العزيز خلوق التمسماني وغيرهم‬ ‫من الباحثين الذين نجحوا في رد االعتبار “للوثيقة النوازلية”‪،‬‬ ‫مساهمين –بذلك‪ -‬في توسيع آفاق البحث أمام المؤرخين‬ ‫باالنكباب على دراسة قضايا وجزئيات لم يكن لينتبه المؤرخ‬ ‫الكالسيكي لعناصرها الشمولية‪ ،‬مما كان يوقعه في عواقب‬ ‫التعميمات المطلقة واالختزاالت الضيقة واألحكام المتسرعة‪.‬‬ ‫وترتبط بالنوازل نصــوص الفتــاوى التي كان يضعها‬ ‫علماء المرحلة لإلجابة على تساؤالت الناس الخصوصية‬ ‫ولمواكبة مستجدات الحياة اليومية للجماعة سواء على‬ ‫مستوى القضايا المرتبطة بالعبادات أم بتلك المرتبطة‬ ‫بالمعامالت‪ .‬ويمكن القول إن االهتمام بتجميع نصوص‬ ‫النوازل والفتاوى قد أصبح عمال أساسيا يدخل ضمن‬ ‫صميم اختصاص المؤرخ‪ ،‬إذ أن هذه النصوص ظلت‬ ‫تشكل مرآة حقيقية عكست مختلف أشكال االرتجاجات‬ ‫والتفاعالت التي كان يحبل بها المجتمع المغربي خالل‬ ‫الفترات الماضية‪ ،‬أضف إلى ذلك‪ ،‬أنها أصبحت توفر‬ ‫للمؤرخ وسائل إجرائية قادرة على المساعدة على فهم‬ ‫العديد من القضايا التي ظلت مضطربة أو غامضة‬ ‫في الروايات الرسمية لوقائع ماضينا‪ ،‬حسب ما خلفته‬ ‫الكتابات الكالسيكية‪ .‬فكيف كان يعيش الفرد في‬ ‫عالقته مع التحوالت الطارئة والمستجدة؟ وما طبيعة‬ ‫العالقة التي ظلت تجمعه برصيده الديني العقائدي‬ ‫من جهة‪ ،‬ومع زحف األزمنة وتبدلها من جهة ثانية؟ وما هي‬ ‫نوعية المشاكل واالنشغاالت التي كان يعاني منها الفرد المغربي سواء في عالقته بذاته أم بمحيطه‬ ‫العائلي الضيق أم بمجاله المجتمعي الواسع؟ وإذا كانت العديد من مثل هذه األسئلة تظل بدون‬ ‫أجوبة شافية نظرا لتركز اهتمامات جزء كبير من الكتابات التاريخية التقليدية على الوقائع السياسية‬ ‫بمعناها الحصري الضيق‪ ،‬فإن متون النوازل والفتاوى تظل خزانا ال ينضب لمعلومات غزيرة يمكنها أن‬ ‫تساعد الباحث على إيجاد أجوبة شاملة على مثل هذا النوع من األسئلة ومن القضايا‪.‬‬ ‫في سياق هذا االنشغال العلمي‪ ،‬يندرج اهتمامنا بكتاب “فتاوى العالمة عبد اهلل كنون” الذي‬ ‫أصدرته جمعية مكتبة عبد اهلل كنون سنة ‪ ،1995‬وذلك في ما مجموعه ‪ 89‬من الصفحات ذات‬

‫‪zougariousama@gmail.com‬‬

‫الحجم المتوسط‪ .‬وعلى الرغم من أن الكتاب ال يركز على دراسة ظواهر تاريخية معينة‪ ،‬فإنه ينسجم‬ ‫مع السياقات العامة للكتابات النوازلية حسب ما حددنا خصائصها أعاله‪ .‬لذلك‪ ،‬فقد حظي بأهمية‬ ‫بالغة في الكشف عن العديد من انشغاالت المواطن العادي‪ ،‬وكذا عن دور النخبة العالمة في تأصيل‬ ‫المرجعيات الحضارية الكبرى في ضوء التحوالت التي تعرفها مجتمعاتنا الراهنة‪ .‬وقد زادت من‬ ‫أهمية هذا العمل‪ ،‬طريقة تصنيف المواد وشكل ترتيبها‪ ،‬مما جعلها تتجاوز قيمتها اللحظية‪،‬‬ ‫لتصبح موادا أساسية لفهم عدة تحوالت مست حياة األفراد والمجتمع خالل النصف األول‬ ‫من القرن ‪ .20‬في هذا اإلطار‪ ،‬احتوى الكتاب على مدخل تمهيدي عام ركز على تبيان‬ ‫القيمة الدينية والعلمية والتاريخية لمجموع الفتاوى التي تضمنها الكتاب‪ ،‬مع التأكيد‬ ‫على إبراز المكانة الريادية التي كان يحتلها صاحبها العالمة عبد اهلل كنون‪ ،‬من‬ ‫موقعه كعالم مدقق ومجتهد متمكن من أصول تخصصاته العلمية‪ .‬وإلى جانب‬ ‫هذا التقديم‪ ،‬احتوى الكتاب على توطئة مقتبسة مما كتبه العالمة كنون في‬ ‫المقدمة التي خص بها كتاب في نفس الموضوع من تأليف العالمة محمد‬ ‫كنون المدكوري‪ ،‬أوجز فيها مفهوم الفتوى في المرجعية اإلسالمية وحدود‬ ‫مسؤوليات المفتي باعتباره “مخبرا عن اهلل”‪.‬‬ ‫أما بالنسبة لمتون الفتاوى المتضمنة في الكتاب‪ ،‬فقد توزعت بين‬ ‫مجاالت متعددة تداخل فيها السياسي مع االقتصادي ومع االجتماعي‬ ‫ومع العقائدي العباداتي‪ .‬والمالحظ –في هذا السياق‪ -‬أن العالمة‬ ‫كنون لم يكن ليتخذ أسلوب التقية في ما كان يعرض عليه من‬ ‫قضايا‪ ،‬حيث لم يكن يتأخر عن إبداء رأي اإلسالم الشرعي في ما كان‬ ‫يعتمل داخل المجتمع من تطورات كان الحديث عنها يكلف صاحبها‬ ‫الكثير من المعاناة‪ .‬فعندما رفع بعض اإلقطاعيين عريضة إلى اإلقامة‬ ‫العامة الفرنسية تطالب بعزل السلطان محمد الخامس عن عرشه‪ ،‬انبرى‬ ‫سيدي عبد اهلل كنون للتصدي لهذه المؤامرة‪ ،‬مبينا حكم الشرع في هذه‬ ‫النازلة ومؤكدا على أن أهل الحل والعقد هم الذين يولون ويعزلون‪.‬‬ ‫وعندما حاول بعض عمالء االستعمار تكييف واقعة استشهاد البطل‬ ‫محمد الزرقطوني سنة ‪ 1954‬مع حمالتهم التغليطية‪ ،‬زاعمين‬ ‫أن هذا المجاهد قد مات على غير ملة بعد أن قتل نفسه بابتالع‬ ‫السم‪ ،‬وقف العالمة كنون رافعا صوته بإصدار فتوى شهيرة‬ ‫في الموضوع‪ ،‬كان لها دور عظيم في إذكاء روح الحماس بين‬ ‫صفوف الفدائيين‪.‬‬ ‫وفي مجال آخر‪ ،‬واكب عبد اهلل كنون مختلف التطورات‬ ‫العلمية التي عرفتهــا البشريـة خـالل القرن ‪ ،20‬موضحا‬ ‫موقفه منها‪ .‬من ذلك مثال‪ ،‬قضية أطفال األنابيب‪ ،‬والتلقيح‬ ‫االصطناعي‪ ،‬ووصول اإلنسان إلى القمر‪ .‬كما انشغل بالعديد‬ ‫من القضايا االجتماعية واالقتصادية التي ارتبطت بتطورات‬ ‫المجتمع المغربي وكانت تستلزم إبداء الرأي الشرعي فيها‪ ،‬مثل‬ ‫قضية تشريح الجثث‪ ،‬والتجنس بجنسية أجنبية‪ ،‬وفوائد السلف‬ ‫االستثمارية‪ ،‬وصرف الزكاة في مصالح الهالل األحمر المغربي‪،‬‬ ‫ووضعية األحباس‪ ...،‬إلى غير ذلك من المستجدات العديدة‬ ‫أو البدع المختلفة التي شغلت بال الناس وشكلت دليال على‬ ‫طبيعة التطور العام الذي عرفته عادات المجتمع وتقاليده وأعرافه‪.‬‬ ‫وفي كل هذه المواقف‪ ،‬ظل العالمة كنون يختزل كل مواصفات العالم المسلم الذي ال يتردد في‬ ‫قول كلمة الحق‪ ،‬اعتمادا على تمحيص دقيق وعلى دراية واسعة بمصادر التشريع اإلسالمي‪ ،‬الشيء‬ ‫الذي جعله يرتقي إلى مصاف األعالم الشامخة في مجال الثقافة اإلسالمية المجددة‪ ،‬ليس –فقط‪-‬‬ ‫ببالدنا‪ ،‬ولكن –كذلك‪ -‬على مستوى كل العالم اإلسالمي‪ .‬وبالنسبة للمؤرخ‪ ،‬فقد أصبح مطالبا –أكثر‬ ‫من أي وقت مضى‪ -‬بالتأمل في مضمون هذه الفتاوى‪ ،‬باعتبارها إحاالت مصدرية يمكن أن تغني‬ ‫مجاالت الدراسة االجتماعية‪ ،‬وكذا مجال التاريخ الذهني المغربي‪.‬‬

‫رمضان شهر المواقف والبطوالت‪..‬‬ ‫إن الشريعة االسالمية خير كلها ومصالح كلها‪..‬وقد يكون النظر قاصرا عن إدراك بعض جوانب الخير‬ ‫في ما يقرره المشرع الحكيم‪..‬والصوم ضرب من ضروب الصبر والجهاد إزاء مطالب الجسد وهو إعالء من‬ ‫شأن الروح ومن كل القيم النبيلة التي تجعل من االنسان انسانا إيجابيا يتسم سلوكه بالبذل والعطاء‬ ‫والجود والتعاطف والتضامن والفعالية‪..‬فضال عن إعداده ليكون على استعداد دائم للتضحية من أجل أن‬ ‫تكون كلمة اهلل هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى‪..‬‬ ‫وكما كان رمضان شهرا للصبر والثبات ومقاومة األهواء والمغريات ‪..‬فقد كان أيضا شهر المواقف‬ ‫والبطوالت‪...‬شهرا لتحرير االنسان من كافة قوى الشر والظلم والطغيان‪..‬لم يثن الصوم جموع المسلمين‬ ‫حتى في أشد الظروف صعوبة وقسوة عن القتال في سبيل اهلل بل كان لهم معينا ودافعا وحافزا على إنجاز‬ ‫االنتصار تلو االنتصار‪..‬‬ ‫ولعل أشهر هذه االنتصارات التي حققها المسلمون في شهر رمضان غزوة بدر الكبرى التي وقعت يوم‬ ‫الجمعة من السنة الثانية للهجرة ‪..‬وقد سجل القرآن الكريم قدرة اهلل سبحانه وتعالى وعونه للمسلمين‬ ‫رغم قلة عددهم وعتادهم في قوله‪ »:‬ولقد نصركم اهلل ببدر وأنتم أذلة»( آل عمران ‪ )122‬لقد كانت‬ ‫موقعة بدر الكبرى أولى المعارك الهامة التي وقعت في شهر رمضان بل لعلها من أهم معارك التاريخ على‬ ‫االطالق‪...‬وقد استفاد منها المسلمون آنذاك الكثير من الدروس والعبر العسكرية والحربية والتعليمية‬ ‫والتربوية والنفسية واالجتماعية واالقتصادية والسياسية‪..‬‬ ‫كذلك ال ينبغي أن ننسى فتح مكة الذي وقع يوم عشرين رمضان من السنة الثامنة للهجرة ‪..‬قال‬ ‫تعالى‪ »:‬إذا جاء نصر اهلل والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين اهلل أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره‬ ‫إنه كان توابا» ‪..‬لقد كان نصرا مبينا مؤزرا على قوى الشرك والطغيان وعبدة األوثان وبه دخل الناس في‬ ‫دين اهلل أفواجا حتى أطلق عليه المؤرخون ( الفتح األعظم)‪..‬ووصفه ابن القيم بأنه» الفتح األعظم الذي‬

‫�أ�سامـة الزكاري‬

‫• د نجيب محمد الجباري‬

‫أعز اهلل به دينه ورسوله وجنده وحزبه األمين‪..‬واستنقذ به بلده ونبيه الذي جعله هدى للعالمين من أيدي‬ ‫الكفار والمشركين ‪..‬الفتح الذي استبشر به أهل السماء واألرض‪..‬‬ ‫وتواصلت االنتصارات في رمضان فكانت القادسية وكان فتح األندلس وعين جالوت والزالقة ‪..‬وكأني‬ ‫أرى المسلمين وهم يجابهون العدو في أناة وصبر طالبين الشهادة‪..‬وكأني أرى في أعينهم وهم يقاتلون‬ ‫العدو قتال البواسل وكأني أشاهد محمدا بن القاسم فاتح السند وموسى بن نصير فاتح الشمال االفريقي‬ ‫وطارقا بن زياد فاتح األندلس وعقبة بن نافع وزهيرا بن قيس ‪..‬وغيرهم من جنود اهلل الذين كرسوا‬ ‫حياتهم من أجل اعالء كلمة اهلل والدفاع عن دين اهلل ورفع راية الحرية خفاقة في كل الربوع واآلفاق‪..‬‬ ‫والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا انتصر المسلمون في رمضان وغيررمضان؟ ولماذا حلت بهم الهزائم‬ ‫في أحد ويوم حنين وفي موقعة بالط الشهداء وعلى أسوار فيينا في زمن العثمانيين‪..‬؟ ولماذا لحقت بهم‬ ‫المحن تلو المحن بدءا من الفتنة الكبرى الى العصور الحديثة؟؟‬ ‫لم يحرز المسلمون االنتصارات صدفة أو اعتباطا وإنما كانت وراء هذه االنتصارات مواقف مشرفة‬ ‫وعوامل عدة أهمها طاعة اهلل ورسوله وااللتزام التام بالمنهج االسالمي واالخالص الكامل هلل عز وجل‬ ‫‪..‬وانتصر المسلمون كذلك ألنهم استوعبوا في كل معركة عصرهم وأدواته وعلومه ‪..‬فكانوا فيه حاضرين‬ ‫شاهدين وفاعلين قبل أن يصبحوا مقاتلين أو شهداء عند ربهم يرزقون‪..‬وفي كل االنتصارات االسالمية‬ ‫الكبرى كان المسلمون على قلب رجل واحد مجسدين وحدة الصف ووحدة الهدف ووحدة األمة ووحدة‬ ‫األمل والرجاء مدركين ومجسدين معنى قوله تعالى‪ »:‬وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون» ‪.‬‬ ‫لذلك علينا أن نستوعب دروس رمضان ومعانيه ونجدد العهد مع اهلل للدفاع عن االسالم وعن قيمه‬ ‫النبيلة المتمثلة في العدل والتسامح والتضامن والرحمة والتعاون والتآزر والتناصر‪..‬وتمحيص القلوب‬ ‫وتنقيتها من شوائب النفاق والرياء والظلم والفساد‪...‬‬

‫الثالثـاء ‪� 12‬إلى ‪ 18‬مـــاي ‪2020‬‬

‫العدد ‪1045‬‬

‫سباقٌ إلى تركيبة لقاح ‪..‬‬ ‫• بقلم ‪ :‬عبد المجيد اإلدريسي‬ ‫‪...‬ظللتُ نفسي أجهل معنى الزمان‪ ،‬حتى تلقى العالم من‬ ‫«فيروس‪-‬كورونا»‪ ،‬درس��اً وعبر ًة‪ ،‬فازدحمتْ في خيالي ص��وَراً‬ ‫وخواطرَ‪ ،‬ويا ليتني لم أعلمْ‪ .‬إذ ضربَ حجاب الطغيان بصيرة‬ ‫العالم‪ ،‬فأبانتْ «كوفيد‪ ،»-19‬عن حقيقة الدول «العظمى»‪ ،‬بقواتها‬ ‫النووية والتكنولوجيا المتطورة‪ ،‬عنْ ضعف قدُراتها على االنتصار‬ ‫على «فيروس» من حجم ‪ 10‬نمومتر‪ .‬فسوْف يبدأ التاريخ المعاصر‬ ‫الجديد عند تركيبة لقاح «كوفيد‪.»-19‬الذي على أساسه سوْف‬ ‫يوَثق به المؤرّخون‪ .‬إذ أصبحتْ أقطار العالم قطراً واحداً‪ ،‬قضتْ‬ ‫به «فيروس‪-‬كورونا»‪..‬‬ ‫والعلماء يتغلبون على جميع األرقام القياسية في سباقهم إلى‬ ‫اكتشاف وتصنيع تركيبة للقاح «كوفيد‪ .»-19‬يبحثون عن انجازات‬ ‫يقل عن سبعين اختباراً‪َّ .‬‬ ‫بين ما ال ُّ‬ ‫ولعل أو ُ‬ ‫َّل ّ‬ ‫حل متقدّم سوْفَ يرى‬ ‫النور في الخريف القادم !؟ إذا َ‬ ‫تبث َّ‬ ‫أن هناك عنصراً واضحاً من خالل‬ ‫التواصل‪ ،‬ومحاولة ربط بين المختبرات العلمية والسياسية العالمية‪.‬‬ ‫إنَّها الحاجة الملحَّة المتالك مصل موثوق فيه عالمياً‪ ،‬لكيْ َ‬ ‫يعوذ‬ ‫اإلنسان لحياة طبيعية‪ .‬لكن العملية بمنهج علمي وتطويره‪ ،‬سوْف‬ ‫يأخذ مدَّ َة عشر أوخمسة عشر سنة من الوقت‪ .‬إنَّهُ سباقٌ حقيقي‬ ‫ضدَّ عقارب الساعة‪ .‬وقد يسعى العلماء الباحثون في مختبرات العالم‬ ‫لتقليص المدَّة إلى أقصى حدّ كموْعد نهائي‪ .‬وقد يكون األمر‬ ‫مفهومٌ عند العلماء في إيجاد «عقار» في وقت قياسي‪ .‬وعلى أقل‬ ‫تقدير من الوقت‪ .‬بينما المنظمة العالمية للصحة ترى في ذلك أنَّهُ‬ ‫سيستغرق البحث بين اثنيْ عشر إلى خمسة عشر شهراً‪ ،‬إلنقاذ العالم‬ ‫من الكارثة‪ .‬إال َّ‬ ‫أن بعض المتفائلين في المختبرات العلمية يُعلنون‬ ‫عن موْعد‪ ،‬في غضون خمسة أشهر‪ ،‬مما يمكن ْ‬ ‫أن تكون حقاً معجزة‪،‬‬ ‫ولن يكتنفني الغيب في ذلك !‪ ..‬كيف َّ‬ ‫أن دولة جزيرة «أيس الند»‪ ،‬قد‬ ‫تغلبتْ على الدول «العظمى» وبقية دول العالم في الفحص الطبي‬ ‫ل«كورونا‪-‬فيروس»‪ .‬فقد‬ ‫استطاعتْ ْ‬ ‫أن تُخضع عشر‬ ‫في المائة من سكانها‬ ‫إل��ى الفحص المخبري‪.‬‬ ‫وق��د تناولتْ الموضوع‬ ‫على وج��ه استباقي قبل‬ ‫ش��ه��ر م��ن ظ��ه��ور أوَّل‬ ‫ح��ال��ة ل»ك��وف��ي��د‪،»-19‬‬ ‫ل��م��ري��ض أص��ي��ب بهذا‬ ‫الوباء على أراضها‪ ،‬وهي‬ ‫دراس��ة لحالة نموذجية‬ ‫للجائحة‪ .‬وإذا بها نُشرتْ‬ ‫ه����ذه ال����دراس����ة على‬ ‫الصفحات الطبية لجريدة‬ ‫«نيوإينكالند الطبية» من‬ ‫طرف باحثين في الجامعة‬ ‫األيسالندية‪ ،‬والشركة‬ ‫المحلية «الكود‪-‬الجيني»‪ ،‬وهي شركة تابعة للعمالقة األمريكية‬ ‫«أمجين»‪ .‬قدَّمتْ نتائج البرنامج الهام للفحوصات الذاتية التي‬ ‫أطلقتها بتاريخ ‪ ،31/1/2020‬بينما لم يكن المرض الذي سببته‬ ‫«كورونا»‪ ،‬لم يتمَّ تعميده بعدُ من لدُن المنظمة العالمية للصحة‪،‬‬ ‫باسم «كوفيد‪ ،»-19‬وذلك شهرا قبل إعالن الجائحة‪.‬وقد عملتْ‬ ‫«أيسالند» على تنفيذ حملتين للفحوصات الطبية‪.‬‬ ‫– األول��ى ‪ :‬استهدفتْ األشخاص ذووا أع��راض «كورونا‪-‬‬ ‫فيروس»‪ ،‬وهم المسافرون العائدون من مناطق الخطر (الصين‪-‬‬ ‫النمسا‪-‬إيطاليا‪-‬سويسرا)‪ ،‬أوكانوا على االتصال بأشخاص أصيبوا‬ ‫بهذا الوباء‪ .‬في شهر مارس كانتْ قد أنشأتْ (أيسالندا) فحوصات‬ ‫ألكثر من تسعة آالف شخص مصاب بالوباء‪.‬‬ ‫– الثانية ‪ :‬فقد عمَّْ الحملة التالية بقية سكان «األيسالنديين»‪،‬‬ ‫بدون أعراض خفيفة‪ ،‬ولم يخضعوا للحجر الصحي‪ .‬نتج عن ذلك‬ ‫نسبة ضئيلة تُعدُّ ّ‬ ‫بأقل من ستة أعشار من المائة‪ ،‬ولم تتعدَّ ثمانية‬ ‫أعشار من المائة‪ .‬ثمَّ فاقتْ االختبارات ستٌ وثالثون ألفَ فحص‬ ‫مخبري في الجزيرة (أيسالندا)‪.‬مما يجعل هذه الجزيرة الصغيرة‬ ‫بطل العالم في الفحوصات ل»كوفيد‪ ،»-19‬على مستوى الفرز‬ ‫الفردي‪ .‬إذ فاقت االختبارات مقارنة مع «كوريا الجنوبية»‪ ،‬أكثر من‬ ‫مرتين‪ ،‬وهي التي أحدثتْ عشرة فحوصات أللف نسمة‪( ،‬المصدر ‪:‬‬ ‫الموْقع العالمي للبيانات )‪ .‬قام العلماء بتسلسل الجينوم (فرع من‬ ‫فروع علم الوراثة‪ ،‬لتحديد تسلسل الحمض النووي) لستمائة عيّنة‬ ‫لمعرفة أيّ ساللة لهذا الفيروس الذي ينتشر مثل جميع الفيروسات‬ ‫«سارس‪-‬كوف‪ ،»-2‬وهواسمه العلمي‪ .‬والذي يتأتى من خالل ذلك‬ ‫إعادة بناء نوع الشجرة «الجيونولوجية» والجغرافية‪ .‬فالتحاليل‬ ‫ً‬ ‫بداية‪َّ ،‬‬ ‫أن ربما احتمال العائدين األيسالنديين من‬ ‫المخبرية تُظهر‬ ‫إيطاليا والنمسا‪ ،‬هم الذين أعادوا الفيروس إلى بالدهم أيسالندا‪.‬‬

‫يبدوأيضاً َّ‬ ‫أن المسافرين العائدين من المملكة المتحدة‪ ،‬وحتى قبل‬ ‫إعالن هذا البلد منطقة الخطر‪ ،‬الحتوائها هذا الوباء‪ ،‬مما يوحي َّ‬ ‫أن‬ ‫«كورونا‪-‬فيروس» كانتْ أوكان يتجو ُ‬ ‫َّل مبكراً بين البريطانيين‪.‬‬ ‫فليس هناك بلد في العالم‪ ،‬وحتى الدول «العظمى»‪ ،‬له إمكانيات‬ ‫التحاليل المخبرية ولول عشرين في المائة من سكانه‪ .‬ألمانيا هي‬ ‫البلدة الوحيدة التي لها القدرة الختبار خمس مائة ألف شخص في‬ ‫األسبوع‪ .‬إذ لم تتوفر هناك قدرة لغالبية الدول‪ ،‬على المختبرات‬ ‫للقيام باالختبارات على نطاق واسع للتحاليل المخبرية ‪.‬‬ ‫أن نستسيغ َّ‬ ‫لتفسير نوعي لهذا العلم الوبائي‪ ،‬يجب ْ‬ ‫أن‬ ‫األشخاص الحاملين للفيروس‪ ،‬حتى بعد ثبوت سلبيتهم بسبب‬ ‫ضعف حمولتهم الفيروسية أثناء التحليل المخبري‪ ،‬بما يسمى‬ ‫بالسلبيات الكاذبة‪ ،‬وهذا أيضاً ال يمنع اإلصابة بالعدوى لمخالطي‬ ‫هؤالء األشخاص‪.‬‬ ‫ولقد أبان المغاربة عن وعيهم وعن تضامنهم مع ملكم‪،‬‬ ‫باستخدام مبادئ المنهجية العلمية االستباقية للتصدي لجائحة‬ ‫«كورونا‪-‬فيروس»‪« ،‬كوفيد‪ ،»-19‬بنوع من التقنيات الذاتية‪ ،‬التي‬ ‫في األساس لها طابعها العلمي الميداني‪ .‬استراتيجية عقالنية‬ ‫سخرتْ َّ‬ ‫كل إمكانيات الدولة وآلياتها الطبية واألمنية لمساعدة‬ ‫الجدولة الصحية التي تسعى إلى إيقاف نزيف الوباء‪ .‬من هنا‬ ‫يمكن القول‪َّ ،‬‬ ‫إن األسلوب العلمي الذي انتهجته المملكة المغربية‬ ‫بتطبيقها لمعايير المعرفة المعاصرة‪ ،‬الكفيل ْ‬ ‫بأن تنحذر نسبة‬ ‫اإلصابة إلى خمسة أعشار في المائة‪ ،‬بإذن اهلل تعالى‪ ،‬للقضاء نهائيا‬ ‫على جائحة «كوفيد‪.»-19‬‬ ‫نحن المسلون معنيون بالمستوى الفكري للعلم في حدّ ذاته‪،‬‬ ‫بفعل األمر «إقرأ» من اهلل َّ‬ ‫جل في عاله‪ .‬ونؤمن أيضاً بالدعاء‪ ،‬والدعاء‬ ‫طاعة وامتثال ألوامر اهلل عزَّ ّ‬ ‫وجل‪ ،‬لقوله سبحانه ‪ :‬وقال ادعوني‬ ‫أستجب لكم‪..‬صدق اهلل‬ ‫العظيم (سورة غافر‪ ،‬اآلية‬ ‫‪ .)60‬واهلل عظم شأنه‪،‬‬ ‫المالك للزمام‪ ،‬وإليه األمر‬ ‫جميع‪ ،‬يُعالجُ اإلنسان‬ ‫م��ن ال��ك��بْ��ر والطغيان‬ ‫ب��االب��ت�لاء‪ ،‬وال��ب��ش��ر في‬ ‫غفلة م��ن أم��ره يُفسد‬ ‫باسم «العلم» في البرّ‬ ‫والبحر وفي السماء أكثر‬ ‫مما يُصلح !‪ .‬فاألدعية‬ ‫واق��ع ارتبطتْ باألنبياء‬ ‫والرُسل ومن بني آدم‪،‬‬ ‫إلى يوم الناس هذا‪..‬‬ ‫ ف���ك���ان أو ُ‬‫َّل‬ ‫دُع��اء في الوجود‪ ،‬آلدم‬ ‫وحوَّاء ‪ :‬قاال ربَّنا ظلمنا أنفسنا ْ‬ ‫وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ‬ ‫من الخاسرين‪..‬صدق اهلل العظيم‪( ،‬س‪،‬األعرف‪-‬اآلية ‪َّ .)23‬‬ ‫فتلقى‬ ‫آدمُ من ربّه كلمات فتاب عليه‪ ،‬إنَّهُ هوالتوَّاب الرحيم‪..‬صدق‬ ‫اهلل العظيم‪( ،‬س‪،‬البقرة‪-‬اآلية‪ .)37‬ثم تلته أدعية أخرى ‪ – :‬ونوحاً‬ ‫إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناهُ وأهله من الكرب العظيم‪..‬‬ ‫صدق اهلل العظيم (األنبياء‪ ،‬اآلية ‪ – .)76‬ربنا اطمس على أموالهم‬ ‫واشدُد على قلوبهم‪ ،‬فال يومنوا حتى يروا العذاب األليم‪..‬صدق‬ ‫اهلل العظيم (س‪،‬يونس‪ ،‬اآلية ‪ ،)88‬و‪ :‬ربّ ال تذرْ على األرض من‬ ‫الكافرين دياراً‪ ( ..‬س‪ ،‬نوح‪،‬اآلية ‪ ..)26‬فاستجاب لموسى وهارون‬ ‫عليهما السالم ‪ :‬قد أجيبتْ دعوتكما‪ ،‬فاستقيما وال تتبعان سبيل‬ ‫الذين ال يعقلون‪..‬صدق اهلل العظيم (س‪ ،‬يونس‪ ،‬اآلية ‪ – .)89‬هناك‬ ‫دعا زكريا ربهُ‪ ،‬قال ربّ هبْ لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع‬ ‫الدعاء‪..‬صدق اهلل العظيم (س‪،‬آل عمران‪،‬اآلية ‪ ،)38‬فنادته المالئكة‬ ‫أن َ‬ ‫وهوقائم يصلي في المحراب َّ‬ ‫اهلل يبشرُك بيحيى‪..‬صدق اهلل‬ ‫العظيم‪( ،‬س‪،‬آل عمران‪ ،‬اآلية ‪ ..)39‬وكذلك دعاء النبي أيوب ‪ :‬وأيوبَ‬ ‫إذ نادى ربه أنّي مسنيَ الضرُّ وأنتَ أرحم الراحمين‪..‬صدق اهلل‬ ‫العظيم‪(..‬س‪،‬األنبياء اآلية ‪ ..)83‬فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضرّ‪،‬‬ ‫وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين‪..‬صدق‬ ‫اهلل العظيم(س‪ ،‬األنبياء اآلية ‪ .)84‬ودعوة ذي النون إذ دعا ربهُ‬ ‫وهوفي بطن الحوت ‪ :‬فنادى في الظلمات ْ‬ ‫أن ال إله إال أنت سبحانك‬ ‫إني كنتُ من الظالمين‪ ،‬فاستجبنا له ونجيناهُ من الغمّ‪ ،‬وكذلك‬ ‫ننْجي المؤمنين‪ ..‬صدق اهلل العظيم‪(،‬س‪،‬األنبياء اآليتين ‪..)87/88‬‬ ‫فاستجاب لهم ربهم أنّي ال أضيع عمل عامل منكم من ذكر وأنثى‪،‬‬ ‫بعضكم من بعض‪..‬صدق اهلل العظيم‪(..‬س‪ ،‬آل عمران‪ ،‬اآلية ‪...)195‬‬ ‫اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجالء أحزاننا وذهاب‬ ‫همومنا‪ ،‬وصل اللهمَّ وسلم على من بعثته رحمة للعالمين‪.‬‬

‫حل السودوكو‬ ‫لجميع إعالناتكم‬ ‫اإلشهارية واإلدارية‬ ‫يف جريدة‬

‫االتصال على الرقم ‪:‬‬ ‫‪0539943008‬‬

‫رقم ‪505‬‬

‫‪15‬‬

‫لعبة السودوكو (‪)505‬‬ ‫أصل اللعبة‬ ‫لعبة السودوكو اليابانية األصل «‪ ،»SUDOKU‬كانت معروفة منذ الثمانينيات‬ ‫في اليابان‪ ،‬إال أنها لم تظهر كلعبة ذات شعبية إال سنة ‪.2005‬‬

‫معنى كلمة سودوكو‬

‫كلمة سودوكو هي اختصار للجملة اليابانية (‪)Nikagiru Sujiwa Dokushin‬‬ ‫وتعني أن األعداد البد أن تكون مفردة‪ .‬وهذه اللعبة عبارة عن عالمة تجارية لشركة‬ ‫‪.Nikol‬‬

‫كيف تلعبها ؟‬

‫اللعبة تعتمد على المنطق لدرجة كبيرة‪ ،‬وهي لوحة مقسمة إلى تسع مناطق كل‬ ‫منطقة مكونة من تسع خانات‪ ،‬وعليك أن تمأل هذه الخانات أفقيا أو عموديا بأرقام من‬ ‫‪ 1‬إلى ‪ ،9‬حيث ال تستخدم الرقم إال مرة واحدة في جميع المربعات على العمود نفسه‬ ‫أو السطر أو القطر‪ ،‬وتكون هناك أرقام موضوعة سابقا في بعض الخانات‪.‬‬

‫مفيدة لكن معقدة‬

‫اللعبة مفيـدة جدا لتقوية مهارات المنطـق‪ ،‬ويستخدمهـا مدرسو الرياضيات‬ ‫كتمارين للطلبة وتختلف درجة التعقيد‪ ،‬حسب الفئة المستهدفة‪.‬‬

‫سرعة المالحظة‬

‫بين الصورة واألصل ‪ 7‬اختالفات‪ ،‬حاول أن تهتدي إليها‪.‬‬

‫العدد ‪1045‬‬

‫الثالثـاء ‪� 12‬إلى ‪ 18‬مـاي ‪2020‬‬

‫األخيرة‬

‫كيف حث الإ�سالم على الزراعة والغرا�سة‬ ‫من خالل القر�آن واحلديث والفقه‬ ‫محمد بن أحمد األمراني‬ ‫(مجلة دعوة الحق)‬ ‫وجاء في الكتاب نفسه ص‪ 314 :‬ما يأتي‪:‬‬ ‫«ومن شرط اإلحياء أن يقع في اإلطار الذي حدده الشرع‬ ‫االسالمي‪ ،‬وإذا وقع على يد األخرين يعتبر باطال ويسمى بالعرق‬ ‫الظالم‪ ،‬وفيه يروي الترميذي وابن آدم والبخاري معلقا أن النبي‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم قال‪« :‬من أحيى أرضا ميتة فهي له‪ ،‬وليس‬ ‫لعرق ظالم حق»‪.‬‬ ‫قال ابن آدم في «تفسيره» قال هشام‪« :‬العرق الظالم أن‬ ‫يأتي ملك غيره فيخفر فيه»‪.‬‬ ‫وقد روى البخاري ومسلم واإلمام أحمد البيهقي أن النبي صلى‬ ‫اهلل عليه وسلم قال‪« :‬من اقتطع شبر أرض ظلما طوقه اهلل إياه‬ ‫يوم القيامة من سبع أرضين»‪...‬كما روى عن ابن عباس أن النبي‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم قال‪« :‬لعن اهلل من غير تخوم األرض»‪.‬‬ ‫وأمام هذا النهي الصارخ يكون على الذين يقتطعون ويغيرون‬ ‫الحدود سواء حدود األمالك أو حدود الدول أن يستعدوا لو عيد‬ ‫اهلل ورسوله»هـ‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى هذه األحاديث وجدت أحاديث ونصوصا فقهية‬ ‫أخرى في مؤلف مخطوط بخزانة المسجد األعظم بتازة‪ ،‬تحدث‬ ‫فيه مؤلفه السيد عبد الرحمان بن عبد القادر عن المغارسة‬ ‫وأحكامها‪ ،‬وقد سمى مؤلفه‪« :‬التيسبر والتسهيل في ذكر ماأغفله‬ ‫الشيخ خليل»‪.‬‬ ‫يقول المؤلف بعد أن ساق بعض األحادث السابقة الذكر‪:‬‬ ‫«وفي حديث آخر يقول عليه الصالة والسالم‪« :‬من بنى بنياينا‬ ‫في غير ظلم والاعتداء‪ ،‬أو غرس غرسا في غير ظلم والاعتداء كان‬ ‫له اجره جاريا مانتفع به أحد من خلق الرحمان تبارك وتعالى»‪.‬‬ ‫ثم قال صاحب «المخطوط»‪ :‬وقال العالمة األبي‪« :‬ما ورد‬ ‫في فضل الغرس يتناول حتى من غرسه لعياله أو لنفقته‪ ،‬ألن‬ ‫اإلنسان يثاب على ماسرق له وإن لم ينو ثوابه‪ ،‬قال‪ :‬وكذا يثاب‬ ‫على ماتركه عجزا كالسنبل في الحصيدة إذا أكلته الدواب‪.‬‬ ‫القرطبي‪« :‬اليبعد أن يدوم للغارس الثواب وإن انتقل إلى‬ ‫غيره إلى يوم القيامة»‪.‬‬ ‫قال بعصهم‪« :‬اليختص حصول الثواب بمن باشر الغرس‬ ‫والزراعة‪ ،‬بل يتناول من استؤجر لذلك وتسبب فيه بوجه»‪.‬‬ ‫قال النووي‪« :‬اختلف في أطيب الكسب فقيل‪ :‬التجارة»‪ ،‬وفي‪:‬‬ ‫الزراعة وهو الصحيح‪،‬وقيل‪ :‬الصناعة باليد» هـ‪.‬‬ ‫وجاء في آخر هذ المخطوط مايأتي تحت عنوان‪ :‬خاتمة ختم‬ ‫اهلل لنا وألحبتنا بالحسنى بجاه النبي المصطفى وحبيبه المرتضى‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬ ‫«تقدم في أول هذا الكتاب مايتعلق بفضل الغراسة وفي‬ ‫معناها الزراعة ألنهما من باب واحد وعلى وجه متقارب‪،‬‬ ‫والمقصود بالكل إنما هو استعمال األسباب مع التوكل على رب‬ ‫األرباب واالستناد للملك الوهاب‪.‬‬ ‫قال اهلل تعالى‪( :‬مايفتح اهلل من رحمة فال ممسك لها‬

‫ومايمسك فال مرسل له من بعده)‪ ،‬وقال تعالى‪( :‬فإذا قضيت‬ ‫الصالة فانتشروا في األرض وابتغوا من فضل اهلل)‪.‬‬ ‫وقد أردنا أن نذكر هنا كالما لألئمة يناسب مافي ألول الكتاب‪،‬‬ ‫لتكون الخاتمة مناسبة للفاتحة‪ ،‬والنهاية مرتبطة مع البداية‪،‬‬ ‫فنقول‪-‬واهلل المستعان‪-‬وعليه التكالن‪ ،‬والحول والقوة إال باهلل‪.‬‬ ‫قال الشيخ القدوة الحافظ األسوة محيي السنة ومميت البدعة‬ ‫أبو عبد اهلل ابن الحاج‪:‬‬ ‫«اعلم‪-‬وفقنا اهلل وإياك‪-‬أن جميع الصنائع فرض على الكفاية‪،‬‬ ‫لكن بعضها آكد من بعض‪ ،‬فإذا فعل المكلف شيئا منها فينبغي‬ ‫أن تكون نيته فيه أن يقوم عن نفسه‪ ،‬وعن إخوانه المسلمين‬ ‫بنية فرض الكفاية ليسقط عنهم فرض ذلك‪ ،‬فيدخل في قوله‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬اهلل في عون العبد مادام العبد في عون‬ ‫أخيه»‪.‬‬ ‫ثم قال بعد كالم‪« :‬الزراعة منه أعظم األسباب وأكثرها أجرا‪،‬‬ ‫ألن خيرها متعد للزراع وإلخوانه المسلمين وغيرهم من الطيور‬ ‫والبهائم والحشرات‪...‬وهي من اكبر الكنوز المخفبات في األرض‪،‬‬ ‫لكنها تحتاج إلى معرفة الفقه وحسن المحاولة في الصناعة مع‬ ‫النصح التام واإلخالص فيها‪ ،‬فحينئذ تحصل الخيرات وتأتي‬ ‫البركات‪ ،‬وقد ورد أن من غرس غرسا اليأكل منه إنسان والبهيمة‬ ‫إال كان له صدقة‪ ،‬وورد ايضا‪« :‬أن المالئكة تستغفر للزراع‬ ‫والغارس مادام زرعه أخضر»‪ ،‬وإذا كان كذلك فمن أراد أن يشتغل‬ ‫بهذه الصناعة فإنه يتعين عليه تعلم مايتعلق بها من األحكام إن‬ ‫كان أهال للتعلم‪ ،‬وإال فليسأل العلماء عما يحتاج إليه والذي ينبني‬ ‫عليه األمر هو تقوى اهلل‪...‬‬ ‫«وقد كان سيدي أبو محمد بن ابي جمرة رحمه اهلل تعالى‬ ‫يقول‪« :‬إن الهمم قد تقاصرت في العبادة واالنقطاع إلى اهلل‬ ‫تعالى‪ ،‬فعليكم بالزراعة فإنها تحصل األجور الكثيرة أرادها أو لم‬ ‫يردها» وماقاله رحمه اهلل هو بين حتى أن كثيرا ممن هو مشتغل‬ ‫بهذه الصناعة مع نيته الصالحة يقال فيه أنه وجد كنزا‪ ،‬ولهذا‬ ‫المعنى كان أصحاب الرسول صلى اهلل عليه وسلم قد انقسموا‬ ‫في تسببهم على قسمين‪ :‬فمنهم من كان يعمل في الحائط‬ ‫والبساتين‪ ،‬منهم من كان يعمل في األسواق وكالهما حسن‪،‬‬ ‫لكن الزراعة لمن يحسنها أولى وأفصل إنما تقدم مما فيها من‬ ‫الثواب لمن يحسنها أولى وأفضل إنما تقدم مما فيها من الثواب‬ ‫والنفع والعام‪.»...‬‬ ‫«وإذاكانت الزراعة بهذه المثابة وعلى هذه الحالة فينبغي‬ ‫بل تتعين المعرفة بلسان العلم في محاولتها‪ ،‬ألن بصالح القوت‬ ‫يصلح القلب ويصفى الباطن‪ ،‬وقد ورد‪« :‬أن من أكل الحالل أربعين‬ ‫يوما نور اهلل وجهه وأرى ينابيع الحكمة من قلبه» وقال الرسول‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬طلب الحالل فريضة على كل مسلم بعد‬ ‫الفريضة»‪ ،‬أي بعدفريضة اإليمان والصالة‪ ،‬وقال‪« :‬من بات تعبان‬ ‫من طلب الحالل بات مغفورا له‪ ،‬وأصبح واهلل راض عنه»‪.‬‬ ‫ثم قال بعد كالم‪« :‬هذه الزراعة إنما تفعل مع وجود السالمة‬ ‫في الدين والعرض والمال‪ ،‬وأما مع ضدها فتركها متعين ويشتغل‬

‫‪2/2‬‬

‫بغيرها‪ ،‬ألن آفاتها في هذا الزمان قد عظمت‪ ،‬وأما الغراسة فهي‬ ‫أخف من الزراعة لما فيها من سالمة أهلما غالبا من الذل واإلهانة‪،‬‬ ‫لكن البد فيها من العلم بها والعلم فيها‪ ،‬فاألول معرفة مايتعلق‬ ‫بها من األحكام‪( ،‬انتهى كالمه رحمه اهلل)‪.‬‬ ‫وقال الشيخ الحافظ النووي‪ :‬اختلف في اطيب الكسب فقيل‪،‬‬ ‫التجارة‪ ،‬وقيل‪ :‬الصناعة باليد‪ ،‬وقيل‪ :‬الزراعو وهو الصحيح‪ ،‬إذا كان‬ ‫يتولى ذلك بنفسه لما فيها من كونها عمل اليد‪ ،‬ولما فيها من‬ ‫التوكل‪ ،‬ولما فيها من النفع العام‪ ،‬وألنه البد في الغالب أن يوكل‬ ‫منها بغير عوض‪ ،»...‬وفي الحديث‪« :‬ماأكل أحد طعاما قط أحل‬ ‫من كسب يده»‪.‬‬ ‫ومماتقدم من األحاديث نتأكد أن اإلسالم جعل على كل‬ ‫الغالت واإلنتاج الفالحي صدقة يكتبها اهلل للزراع والغارس في‬ ‫صحيفة حسناته‪ ،‬وقد قال بعض العلماء‪ :‬أطيب الكسب الزراعة‬ ‫وهذا صحيح‪ ،‬ألن الزراعة يتوقف عليها المجتمع في كل وقت‬ ‫باستمرار‪ ،‬بينما كثير من الصنائع وسيلة إلى الزراعة واالنتاج‬ ‫الفالحي‪ ،‬ومن نظر إلى الثواب الذي وعد به الرسول عليه السالم‬ ‫الغارسين والزارعين يرجح هذا والشك‪.‬‬ ‫يقول أحد الكتاب المعاصرين‪:‬‬ ‫«وبما أن االنتاج الزراعي بمختلغف أنواعه يعتبر إحدى ركائز‬ ‫النهضة االقتصادية‪ ،‬فينبغي أن نشير هنا إلى ميزة كبرى يتميز‬ ‫بها النظام االقتصادي اإلسالمي‪ ،‬هذه الميزة هي‪ :‬أن اإلسالم‬ ‫الينظر إلى الم عامالت االقتصادية على أنها معامالت بين‬ ‫الناس بعضهم مع بعض فحسب‪ ،‬بل ينظر إليها كذلك على أنها‬ ‫معامالت بين العبد وربه‪ ،‬واليجعل ثواب يسير على تعاليمه في‬ ‫شؤون االقتصاد مقصورا على ماعسى أن يناله من خير في الدنيا‪،‬‬ ‫بل يعده كذلك بأجر كبير في األخرة‪ ،‬وال يجعل عقاب من ينحرف‬ ‫عن تعاليمه في شؤون االقتصاد مقصورا على ماعسى أن يصيبه‬ ‫من ضرر في الدنيا‪ ،‬بل يتوعده كذلك بعذاب أليم في اآلخرة‪،‬‬ ‫وبذلك يضم اإلسالم في شؤون االقتصاد إلى الوازع الدنيوي‬ ‫وازعا آخر أقوى كثيرا وأشد تأثيرا وهو الوازع الديني األخروي»‪.‬هـ‪.‬‬ ‫وبعبارة أخرى أن اإلسالم اليفصل الدين عن الدنيا كما فعلت‬ ‫الدول الغربية‪ ،‬وإ نما تسير جميع تعاليمه الدينية والدنيوية‬ ‫متوازية في وشطية واعتدال محمودين‪.‬‬ ‫ولعل في هذه اآليات التي سقناها‪ ،‬واألحاديث الن بوية التي‬ ‫ذكرناها‪ ،‬والنصوص الفقهية التي جلبناها مايعطينا صورة جلية‪-‬‬ ‫ولو مختصرة‪-‬عن مدى اهتمام وعناية شريعتنا السمحة بزراعة‬ ‫األرض وغراستها‪ ،‬هاتان الركيزتان تعتبران في عصرنا إحدى‬ ‫أعمدة ا لنهضة االقتصادية‪.‬‬ ‫وتنمية هذين الموردين الغذائيين بالطرق العصرية تساهم‬ ‫بكيفية فعالة في ازدهار االقتصاد الوطني‪ ،‬وزيادة الدخل الفردي‪،‬‬ ‫واالكتفاء الغذائي الذاتي المنشود‪.‬‬ ‫واهلل يقول الحق وهو يهدي السبيل‪.‬‬

‫(انتهى)‬