مجلة آراء حول الخليج العدد رقم 165

‫السـوق العربية المشـتركة للكهرباء‬ ‫أهم مشـروع للتكامـل ويرتكز عىل ‪3‬‬ ‫محاور‬ ‫العــــــدد ‪165‬‬ ‫سبـتمبــــــــــر ‪2021‬‬

‫ملف العدد‬ ‫مستـقبــل العالقــــات الخلـيـجيــة ـ الصيــنيــة فـــي عالم متغير‬ ‫▀ أمري ــكا والصي ــن يتعاون ــان ويتنافس ــان ويتواجه ــان والخط ــر يف ح ــرب ب ــاردة جدي ــدة‬ ‫▀ "القـــوس اإلســـامي" قلـــب مبـــادرة الحـــزام وســـاحة المعركـــة الصينيـــة‪ /‬األمريكيـــة‬ ‫ـــوازن" ال "الحليـــف" يف العالقـــات مـــع إيـــران ودول الخليـــج‬ ‫▀ بكيـــن تفضـــل دور ُ‬ ‫"الم ِ‬ ‫▀ الطاق ــة النووي ــة والفض ــاء والطاق ــات الجدي ــدة نق ــاط تس ــلل الصي ــن ل ــدول الخلي ــج‬ ‫▀ لــدى الصيــن ‪ 250‬صومعــة صواريــخ تحــت األرض وبكيــن وموســكو محــور الشــرق الصاعــد‬ ‫▀ الصيـــن أكبـــر قـــوة بحريـــة يف العالـــم قوامهـــا ‪ 350‬ســـفينة و ‪ 130‬وحـــدة قتاليـــة‬

‫ﻟﻠﻤﺰﻳــﺪ ﻣــﻦ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣــﺎت او‬

‫ﻟﻼﺷــﺘﺮاك ‪www.grc.net :‬‬

‫‪132‬‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫وقفة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أفغانستان ورقة جديدة يف الصراع الدويل‬

‫جمال أمني همام*‬

‫تشــهد الفتــرة احلاليــة إرهاصــات ميــاد نظــام عاملــي جديــد رمبــا أكثــر‬ ‫مــن أي مرحلــة مضــت يف التاريــخ املعاصــر علــى األقــل‪ ،‬أي منــذ أن تشــكل‬ ‫النظــام الدولــي بعــد احلــرب الكونيــة الثانيــة أي منــذ منتصــف أربعينيــات‬ ‫القــرن العشــرين وتســيد الواليــات املتحــدة األمريكيــة علــى ســدة النظــام‬ ‫العاملــي ثــم تفردهــا بصــدارة هــذا النظــام منــذ مطلــع تســعينيات القــرن‬ ‫العشــرين مــع قيادتهــا للتحالــف الدولــي لتحريــر الكويــت الــذي واكــب‬ ‫الفتــرة الزمنيــة التــي انهــار فيهــا االحتــاد الســوفيتي‪ ،‬وعلــى صعيــد ذي‬ ‫صلــة إذا كانــت حــرب حتريــر افغانســتان مــن الغــزو الســوفيتي قــد شــهدت‬ ‫بدايــة انهيــار االمبراطوريــة الســوفيتية ثــم أفولهــا مطلــع التســعينات‪ ،‬فقــد‬ ‫يعيــد التاريــخ نفســه حيــث قفــزت حركــة طالبــان حال ًيــا مــرة أخــرى إلــى‬ ‫احلكــم يف أفغانســتان وســيطرت علــى العاصمــة كابــول بطريقــة دراماتيكيــة‬ ‫غيــر متوقعــة وبصــورة حتمــل عالمــات اســتفهام كثيــرة ســوف جتيــب عليهــا‬ ‫األيــام القادمــة ومــن بــن هــذه األســئلة احمليــرة مــا يلــي‪:‬‬ ‫ــــ هــل االنســحاب األمريكــي مــن أفغانســتان وتســليم هــذه الدولــة حلركــة‬ ‫طالبــان املتشــددة جــاء يف إطــار تكتيــك أمريكــي لفتــح جبهــات صــراع‬ ‫بــن جماعــات اإلســام السياســي الراديكاليــة املتشــددة مــع كل مــن إيــران‬ ‫وروســيا والصــن وتكــون بذلــك فصلــت واشــنطن بــن دول التحالف اجلديد‬ ‫الــذي يتشــكل حال ًيــا بــن إيــران وروســيا والصــن بــزرع بــؤرة توتــر مــن‬ ‫جماعــة طالبــان التــي لــن تلتقــي مــع جيرانهــا الختــاف املذهــب والعقيــدة‪،‬‬ ‫ولتكــون احلركــة شــوكة يف جســد هــذا التحالــف الــذي يواجــه النفــوذ‬ ‫األمريكــي‪ ،‬وإذا كان هــذا التفكيــر قائــم لــدى صانــع القــرار يف اإلدارة‬ ‫األمريكيــة يتطلــب األمــر دعــم واشــنطن لهــذه احلركــة لتمكينهــا مــن حكــم‬ ‫أفغانســتان وحمايتهــا مــن االســتقطاب الصينــي ‪ /‬الروســي ‪ /‬اإليرانــي‬ ‫وضمــان والء احلركــة للواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬وكذلــك لضمــان عــدم‬ ‫ســيطرة داعــش والقاعــدة علــى حركــة طالبــان وهــم حلفــاء األمــس للحركــة‪،‬‬ ‫ومــا لــم تؤثــر واشــنطن علــى قــرار حركــة طالبــان وبقــاء النفــوذ األمريكــي‬ ‫يف كابــول ســوف تخــرج أفغانســتان عــن الســيطرة وتتحــول إلــى بــؤرة إرهاب‬ ‫جديــدة تهــدد املصالــح األمريكيــة يف املنطقــة‪.‬‬

‫ــــ الســيناريو اآلخــر‪ ،‬يكــون االنســحاب العســكري األمريكــي مــن أفغانســتان‬ ‫بــدون رؤيــة اســتراتيجية ويف غيــاب احلســابات الدقيقــة وحتــت ضغــوط‬ ‫داخليــة أمريكيــة و يكــون االنســحاب يف هــذه احلالــة انتكاســة للسياســة‬ ‫اخلارجيــة األمريكيــة حيــث ســتعمل دول جــوار أفغانســتان املعاديــة‬ ‫لواشــنطن علــى اســتقطاب احلركــة ودعمهــا لتكــون مواليــة لهــم ويف الوقــت‬ ‫نفســه لتأمــن هــذه الــدول مــن ويــات اجلماعــات اإلرهابيــة التــي ســيتم‬ ‫اســتخدامها ضــد املصالــح األمريكيــة وســتكون ورقــة ضغــط جديــدة يف‬ ‫الصــراع األمريكــي ـ الصينــي ‪ /‬الروســي ‪ /‬اإليرانــي‪.‬‬ ‫عمو ًمــا االنســحاب الغربــي مــن أفغانســتان ومغــادرة الرعايــا األجنــاب‬ ‫بطريقــة مرتبكــة والهجــوم اإلرهابــي الــذي اســتهدف القــوات األمريكيــة‬ ‫وأفــراد مــن أفغانســتان يف مطــار كابــول مؤشــر غيــر مريــح ويــدل علــى‬ ‫دخــول عناصــر داعــش خرســان وتغلغلهــا يف أفغانســتان هــذا البلــد الــذي‬ ‫مــازال يعانــي مــن تأثيــر ويــات احلــروب األهليــة والصراعــات الداخليــة‬ ‫وحالــة الفقــر واختــراق اجلماعــات اإلرهابيــة مــا يتطلــب مــن تدخــل دولــي‬ ‫حاســم ملــلء الفــراغ الــذي تركــه االنســحاب األمريكــي الــذي ســيظل محــل‬ ‫تســاؤل لفتــرة ليســت قصيــرة‪.‬‬ ‫انعــكاس الوضــع يف أفغانســتان علــى الــدول العربيــة ومنطقــة اخلليــج‬ ‫بصفــة خاصــة مهــم ج ـدًا وخطيــر ومــن الضــروري أن يكــون داخــل دائــرة‬ ‫االهتمــام واملراقبــة عــن كثــب حتــى ال تتكــرر مأســاة موجــة اإلرهــاب األولــى‬ ‫التــي ضربــت املنطقــة يف تســعينيات القــرن املاضــي‪ ،‬وحتــى ال تتكــرر‬ ‫ظاهــرة اإلرهــاب العابــر للحــدود التــي مازالــت تــؤرق املنطقــة والعالــم‪،‬‬ ‫خاصــة يف حالــة التقــاء اجلماعــات اإلرهابيــة املوجــودة يف اجلمهوريــات‬ ‫املســتقلة عــن االحتــاد الســوفيتي الســابق وامتداداتهــا يف آســيا الوســطى‬ ‫وحتــى الصــن‪ ،‬كمــا أن اخلشــية مــن أن تســتخدم إيــران هــذه اجلماعــات‬ ‫كأدوات يف صراعهــا مــع دول املنطقــة ويف مواجهــة الواليــات املتحــدة‬ ‫أذرعــا مســلحة لطهــران شــبيهة باحلوثيــن يف اليمــن وحــزب اهلل يف‬ ‫وتكــون‬ ‫ً‬ ‫لبنــان وامليليشــيات املســلحة يف العــراق وســوريا‪.‬‬ ‫ومــن أجــل تــايف ســلبيات الوضــع يف أفغانســتان ومــا قــد يترتــب عليــه‬ ‫مــن أضــرار جتــاه منطقــة اخلليــج والــدول العربيــة يجــب تفعيــل دور دول‬ ‫التحالــف اإلســامي ضــد اإلرهــاب‪ ،‬وكذلــك توســع دور دول التحالــف‬ ‫العربــي وقــوات درع اجلزيــرة ووضــع رؤيــة عســكرية اســتراتيجية عســكرية‬ ‫لتأمــن املنطقــة مــن أي اعتــداءات قــد حتــدث‪ ،‬أو مــن اســتغالل الــدول‬ ‫اإلقليميــة اختــاط األوراق واســتخدام اجلماعــات اإلرهابيــة كمخلــب‬ ‫قــط لتنفيــذ عمليــات إرهابيــة وتشــويه صــورة اإلســام وتعزيــز نظريــة‬ ‫اإلســاموفوبيا وتســويق هــذه الظاهــرة يف الغــرب كمــا فعلــت فعلتــه إيــران‬ ‫يف مراحــل كثيــرة ومــا زالــت تســتثمره وتــروج لــه يف الســاحة العامليــة‪.‬‬

‫*مدير التحرير‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إصدارات‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪131‬‬

‫تحوالت السياس ــة الخارجية للواليات املتحدة تجاه الش ــرق األوس ــط‬

‫االستراتيجيات ‪-‬المسارات – الشواهد ‪ -‬اآلفاق‬ ‫صــدر مؤخــ ًرا يف جــدة كتــاب "حتــوالت السياســة اخلارجيــة للواليــات املتحــدة األمريكيــة جتــاه الشــرق األوســط‪:‬‬ ‫االســتراتيجيات ـ املســارات ـ الشــواهد ـ اآلفــاق" للمؤلفــة اخلبيــرة يف الشــؤون األمريكيــة الدكتــورة أميــرة الراشــد الغامــدي‪،‬‬ ‫وجــاء الكتــاب يف أكثــر مــن ‪ 300‬صفحــة‪ ،‬وتضمــن ‪ 4‬فصــول رئيســية احتــوت علــى العديــد مــن األقســام‪ ،‬وجــاء الكتــاب يف‬ ‫مجملــه كمرجــع للعالقــات العربيــة ـ األمريكيــة‪ ،‬ورؤيــة استشــرافية مهمــة للمتخصصــن يف الشــأن األمريكــي‪ ،‬بــل ومجمــل‬ ‫العالقــات األمريكيــة جتــاه الشــرق األوســط‪ ،‬واســتندت املؤلفــة علــى رصــد دقيــق للتوجهــات األمريكيــة‪.‬‬

‫وجــاء الفصــل األول حتــت عنــوان "املنظــور الفلســفي واالســتراتيجي للسياســة اخلارجيــة األمريكيــة" وتضمــن عــدة أجــزاء‪،‬‬

‫جدة‪ :‬آراء حول اخلليج‬

‫األول‪:‬‬ ‫السياســة اخلارجيــة للواليــات املتحــدة ومحدداتهــا "احملــددات‬ ‫الدســتورية الرســمية ـ احملــددات الداخليــة غيــر الرســمية ـ محــددات‬ ‫البيئــة اخلارجيــة ـ خيــارات ومضامني السياســة اخلارجيــة األمريكية‬ ‫الثاني‪ :‬املنظور الفلسفي للسياسة اخلارجية األمريكية‪:‬‬ ‫املنظــور الفلســفي للسياســة اخلارجيــة األمريكيــة والهيمنــة العامليــة‬ ‫ـ املنظــور الفلســفي للسياســة اخلارجيــة األمريكيــة جتــاه الشــرق‬ ‫األوســط ــــ املنظــور الفلســفي للسياســة اخلارجيــة األمريكيــة جتــاه‬ ‫املنظمــات الدوليــة‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬االستراتيجية األمريكية للتوازن اخلارجي‪:‬‬ ‫التحــول االســتراتيجي للسياســة اخلارجيــة األمريكيــة جتاه احمليطني‬ ‫الهنــدي والهــادي ـ االســتراتيجية األمريكيــة للتــوازن اخلارجــي يف‬ ‫الشــرق األوســط‪.‬‬ ‫الفصــل الثانــي " حتــوالت السياســة للرئيــس بــاراك أوبامــا جتــاه‬ ‫الشــرق األوســط" ‪ :‬ـ العقيــدة السياســية للرئيــس بــاراك أوبامــا‬ ‫جتــاه الشــرق األوســط ـ اســتراتيجية التــوازن اخلارجــي للسياســة‬ ‫اخلارجيــة األمريكيــة يف عهــد أوبامــا ـ السياســة اخلارجيــة للرئيــس‬ ‫أوبامــا جتــاه الربيــع العربــي ــــ حتوالت السياســة اخلارجيــة األمريكية‬ ‫للرئيــس أوبامــا جتــاه دول اخلليــج ـ جتــاه دول شــمال إفريقيــا ـ جتــاه‬ ‫مصــر ـ جتــاه إيــران ـ السياســة اخلارجيــة ألوبامــا يف واليتــه الثانيــة‬ ‫جتــاه إيــران ـ جتــاه التحــرش اإليرانــي بالســفن األمريكيــة ـ جتــاه‬ ‫االنتهــاكات اإليرانيــة للصفقــة النوويــة ـ جتــاه احلــرب يف ســوريا ـ‬ ‫جتــاه إســرائيل ـ جتــاه الصــراع الفلســطيني ـ اإلســرائيلي ـ جتــاه‬ ‫العــراق ـ جتــاه تقســيم العــراق إلــى دويــات ــــ جتــاه التواجــد الروســي‬ ‫يف الشــرق األوســط ـ تصــادم القيــم وتقاطــع املنافــع بــن أمريــكا‬ ‫وروســيا ـ تقييــم السياســة اخلارجيــة األمريكيــة الشــرق أوســطية‬

‫للرئيــس أوبامــا ـ إخفاقــات السياســة اخلارجيــة األمريكيــة للرئيــس‬ ‫أوبامــا يف الشــرق األوســط ‪.‬‬ ‫الفصــل الثالــث " حتــوالت السياســة األمريكيــة يف إدارة الرئيــس‬ ‫ترامــب"‪:‬‬ ‫ــــ عقيــدة ترامــب للسياســة اخلارجيــة ـ السياســة اخلارجيــة لترامــب‬ ‫جتــاه شــمال إفريقيــا ـ جتــاه دول اخلليــج ـ جتــاه احلــرب الســورية‬ ‫ـ جتــاه إيــران ـ جتــاه مشــروع انفصــال كردســتان العــراق ـ مواقــف‬ ‫القــوى اإلقليميــة مــن اســتقالل كردســتان العــراق "إيــران ‪ ،‬تركيــا‪،‬‬ ‫إســرائيل" التأثيــرات اإلقليميــة النســحاب القــوة األمريكيــة مــن‬ ‫العــراق ـ سياســة ترامــب جتــاه الصــراع الفلســطيني ـ اإلســرائيلي ـ‬ ‫العوامــل الكامنــة لدعــم أمريــكا الثابــت إلســرائيل ــــ سياســة ترامــب‬ ‫اخلارجيــة جتــاه التواجــد الروســي يف الشــرق األوســط ـ جتــاه األمم‬ ‫املتحــدة واملنظمــات الدوليــة ـ السياســة اخلارجيــة األمريكيــة وواقــع‬ ‫األمم املتحــدة والنظــام العاملــي ـ حقيقــة تأثيــر أمريــكا علــى األمم‬ ‫املتحــدة ومجلــس األمــن ـ تقييــم السياســة اخلارجيــة لترامــب يف‬ ‫الشــرق األوســط‪.‬‬ ‫الفصــل الرابــع "مســتقبل السياســة اخلارجيــة األمريكيــة جتــاه‬ ‫املنظومــة الدوليــة والشــرق األوســط "‬ ‫ــــ أمريــكا ومســتقبل النظــام العاملــي اجلديــد ـ القيــادة األمريكيــة‬ ‫وإشــكالية التــوازن الدولــي اجلديــد التراجــع األمريكــي ونهايــة‬ ‫الرأســمالية الغربيــة ـ انحــدار منــوذج االقتصــاد األمريكــي ـ انهيــار‬ ‫هيمنــة التكنولوجيــا األمريكيــة ـ تراجــع النفــوذ يف إحــال الســلم‬ ‫العاملــي ـ تراجــع الــدوالر ـ مســتقبل واردات األســلحة األمريكيــة جتــاه‬ ‫الشــرق األوســط‪.‬‬

‫‪130‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تقوم ‪ 50‬شركة صينية مملوكة للدولة بتنفيذ ‪ 1700‬مشروع‬ ‫بنية تحتية حول العالم قيمتها ‪ 900‬مليار دوالر‬ ‫الشــركات الصينيــة باألســواق اإلفريقيــة املزدهــرة‪.‬‬ ‫ومقابــل اســتثمارات بكــن‪ ،‬قدمــت عــدة دول إفريقيــة امتيــازات‬ ‫اقتصاديــة للشــركات الصينيــة لتأســيس عملياتهــا‪ .‬فعلــى ســبيل‬ ‫املثــال‪ ،‬ســمحت زميبابــوى للشــركات الصينيــة بالتنقيــب عــن الفحــم‬ ‫يف حديقــة هــواجن الوطنيــة ؛ ويف عــام ‪2008‬م‪ ،‬منحــت شــركة التعدين‬ ‫الوطنيــة يف جمهوريــة الكونغــو الدميقراطيــة امتيــازات مماثلــة لعمــال‬ ‫املناجــم الصينيــن‪ .‬لكــن هــذه الصفقــات تقــوض القــدرة احملليــة‬ ‫وتتجاهــل الواقــع علــى األرض‪ ،‬و يواجــه األفارقــة مشــكلة يف بنــاء‬ ‫أعمــال جتاريــة يف بلدانهــم‪.‬‬ ‫ومــع الظــروف االقتصاديــة الســيئة للعديــد مــن الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬ال‬ ‫متلــك الشــركات اإلفريقيــة القــدرة علــى التوســع إلــى النقطــة التــي‬ ‫ستســتفيد فيهــا مــن منطقــة التجــارة احلــرة بــدالً مــن ذلــك‪ ،‬ال تــزال‬ ‫شــركات التصنيــع اململوكــة للصــن هــي التــي ستســتمر يف الهيمنــة‬ ‫علــى قطــاع التصنيــع يف القــارة ‪ -‬وستســتفيد مــن هــذه الصفقــة‬ ‫التجاريــة اجلديــدة‪.‬‬ ‫فالشــركات الصينيــة اآلن الع ًبــا رئيســ ًيا يف اإلنتــاج والصناعــات‬ ‫التحويليــة يف إفريقيــا‪ ،‬كمــا تســتغل الشــركات الصينيــة عــدم وجــود‬ ‫قوانــن عمــل قويــة فــى بعــض الــدول اإلفريقيــة فــى تقــدمي أجــور أقــل‬ ‫مــن احلــد األدنــى لألجــور‪ ،‬كمــا تشــارك مــن خــال مشــروعات البنيــة‬ ‫التحتيــة فــى تدعيــم الرؤســاء واملســؤولني فــى الــدول اإلفريقيــة ممــا‬ ‫يكــون لــه انعكاســاته السياســية اخلطيــرة ‪.‬‬ ‫خامتة‬ ‫علــى الرغــم مــن الفوائــد التــى جتنيهــا دول القــارة مــن مشــروعات‬ ‫مبــادرة احلــزام والطريــق التــى تنفذهــا الصــن عبــر اســتثمارات‬ ‫للبنيــة التحتيــة‪ ،‬إال أن هــذه املشــروعات ال تــزال تطــرح جــدالً واسـ ًعا‬ ‫حــول مشــكالت الديــون التــى ميكــن أن تســفر عنهــا ومــدى قــدرة‬ ‫الــدول اإلفريقيــة علــى حتملهــا‪ ،‬ويقــدر البنــك الدولــي أن إفريقيــا‬ ‫ســتحتاج إلــى اســتثمارات تصــل إلــى ‪ 170‬مليــار دوالر ســنو ًيا ملــدة‬ ‫‪ 10‬ســنوات لتلبيــة متطلبــات البنيــة التحتيــة‪ .‬وافتــرض بنــك التنميــة‬ ‫اإلفريقــي أنــه إذا كانــت إفريقيــا يف موقــف جيــد‪ ،‬فيمكنهــا احلصــول‬ ‫علــى جــزء مــن هــذا مــن مبــادرة احلــزام والطريــق وتوجيههــا إلــى‬ ‫اخلطــة الرئيســية للبنيــة التحتيــة لالحتــاد اإلفريقــي‪.‬‬ ‫إال أن إفريقيــا أمــام اختبــار حقيقــي فالقــادة األفارقــة وعلــى‬ ‫الرغــم مــن املشــكالت التــي تظهــر مــن حــن آلخــر مــع الشــركات‬

‫واحلكومــة الصينيــة تظــل الصــن الفاعــل األنســب والشــريك املثالــى‬ ‫بالنســبة لهــم‪ ،‬وخاصــة فــى ظــل جتنــب احلكومــة الصينيــة اخلــوض‬ ‫فــى قضايــا حقــوق اإلنســان والشــؤون الداخليــة للــدول اإلفريقيــة‬ ‫والــذي حتصــل مقابلــه علــى كافــة الدعــم مــن الــدول اإلفريقيــة فــى‬ ‫املنظمــات الدوليــة وخاصــة مــا يتعلــق بتعامــل الصــن مــع املســلمني‬ ‫مــن اإليجــور وإقليــم هــوجن كــوجن وكذلــك التبــت ‪.‬‬ ‫فكيــف ســتتمكن الــدول اإلفريقيــة مــن االفــات مــن قبضة الديون‬ ‫واحتمــاالت فقــدان الســيادة علــى أجــزاء مــن األراضــى واملوانــئ فــى‬ ‫ظــل عــدم التدقيــق فــى االتفاقيــات التــي تعقدهــا بكــن مــع دول‬ ‫إفريقيــا والتــى تفتقــد إلــى الرقابــة واملســاءلة‪ ،‬وكيــف ســتجبر الــدول‬ ‫اإلفريقيــة بكــن علــى احتــرام األولويــات اإلفريقيــة والوصــول إلــى‬ ‫تفاهمــات لتحقيــق األهــداف املرجــوة مــن تأســيس منطقــة التجــارة‬ ‫احلــرة القاريــة وكذلــك أجنــدة ‪2063‬م‪ ،‬فيجــب أن تكــون األولويــات‬ ‫اإلفريقيــة واملطالــب احملليــة جــزء مــن خطــط التفــاوض واالتفاقيــات‬ ‫مــع احلكومــة الصينيــة لتحقيــق املنفعــة املتبادلــة التــى تتحــدث‬ ‫الصــن عنهــا دائمــا‪.‬‬ ‫وســتعتمد الفوائــد التــى ســتحصل عليهــا الــدول اإلفريقيــة مــن‬ ‫املشــاركة فــى مبــادرة احلــزام والطريــق علــى مــدى قدرتهــا علــى وضع‬ ‫العالقــات الصينيــة اإلفريقيــة علــى قــدم املســاواة‪ .‬إنــه أوالً وقبــل‬ ‫كل شــيء مشــروع جيوسياســي صينــي مصمــم لتعزيــز اســتراتيجية‬ ‫الصــن الكبــرى‪ .‬يتمثــل التحــدي الــذي تواجهــه إفريقيــا يف حتديــد‬ ‫أيــن تتالقــى مصاحلهــا مــع مصالــح الصــن‪ ،‬وأيــن تتباعــد‪ ،‬وكيــف‬ ‫ميكــن تشــكيل مجــاالت التقــارب لتعزيــز أولويــات التنميــة اإلفريقيــة‪.‬‬

‫*خبرية الشؤون اإلفريقية بربنامج دراسات التطرف واإلرهاب – مركز األهرام‬ ‫للدراسات السياسية واالسرتاتيجية ‪ -‬القاهرة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪129‬‬

‫ملف العدد‬

‫تجاوز العجز التجاري إلفريقيا مع الصين ‪ 17‬مليار دوالر ما‬ ‫أدى إىل تحويل االعتماد االقتصادي للدول اإلفريقية إىل بكين‬ ‫العاملــن وكذلــك اســتثماراتها الواســعة فــى القــارة‪ ،‬وقــد أقــرت‬ ‫خطــة العمــل التــى وقعهــا القــادة األفارقــة مــع اجلانــب الصينــي فــى‬ ‫عــام ‪2018‬م‪ ،‬إجــراءات حلمايــة املصالــح الصينيــة فــى القــارة كمــا‬ ‫قدمــت بكــن ً‬ ‫أيضــا تقنيــات لبنــاء القــدرات احملليــة جلمــع املعلومــات‬ ‫االســتخباراتية واملراقبــة واالســتجابة‪ ،‬كمــا تتواجــد شــركات األمــن‬ ‫اخلاصــة الصينيــة فــى عــدد مــن دول القــارة‪.‬‬ ‫ب‌‪ -‬تثيــر الديــون اإلفريقيــة الكثيــر مــن القلــق حيــث تقتــرض الــدول‬ ‫اإلفريقيــة مــن أجــل بنــاء البنيــة التحتيــة ملشــروع احلــزام والطريــق‪،‬‬ ‫وهــذه القــروض حتمــل املزيــد مــن الشــكوك حــول قــدرة دول إفريقيــة‬ ‫علــى ســدادها وقــد تفقــد بعــض الــدول أجــزا ًء مــن أراضيهــا أو‬ ‫موانئهــا لعــدم قدرتهــا علــى الســداد مثــل كينيــا وجيبوتــي ‪.‬‬ ‫يف ينايــر ‪2019‬م‪ ،‬حــذر املدقــق العــام األوغنــدي مــن ديــون البــاد‬ ‫املتضخمــة وخطــر أن الشــروط املفروضــة علــى قروضهــا تشــكل‬ ‫تهديــدًا ألصولهــا الســيادية‪ .‬ويف الشــهر التالــي‪ ،‬فتــح البرملــان‬ ‫الكينــي حتقي ًقــا يف الظــروف التــي مت فيهــا اســتخدام مينــاء مومباســا‬ ‫االســتراتيجي علــى احمليــط الهنــدي كضمــان للقــرض الــذي حصلــت‬ ‫عليــه احلكومــة مــن بنــك إكســيم الصينــي لبنــاء خــط ســكة حديــد‬ ‫مومباســا ونيروبــي‪.‬‬ ‫‪ -2‬منطقة التجارة احلرة القارية‬ ‫مــن املفتــرض أن الــدول اإلفريقيــة لديهــا أولويــات واضحة‪ .‬فاتفاقية‬ ‫التجــارة احلــرة القاريــة اإلفريقيــة‪ ،‬التــى دخلــت حيــز التنفيــذ فــى‬ ‫بدايــة العــام اجلــاري وكذلــك أطــر عمــل أجنــدة ‪2063‬م‪ ،‬لالحتــاد‬ ‫اإلفريقــي والتــي تغطــي الزراعــة والطاقــة والتجــارة بــن البلــدان‬ ‫اإلفريقيــة والتعديــن‪ ،‬فضــ ً‬ ‫ا عــن العلــوم والتكنولوجيــا علــى مــدى‬ ‫الســنوات العشــر القادمــة‪.‬‬ ‫ومــن األهميــة مبــكان لشــركاء التنميــة مثــل الصني واالحتــاد األوروبي‬ ‫والواليــات املتحــدة أن يتماشــوا مــع هــذه األولويــات ‪ -‬لتعزيزهــا مــن‬ ‫خــال العالقــات االقتصاديــة‪ ،‬وتقــدمي الدعــم املالــي والتقنــي‪،‬‬ ‫وكذلــك ضمــان عــدم تعــارض األهــداف ‪ .‬وهــذا يعنــي أن الــدول‬ ‫اإلفريقيــة تعمــل بشــكل جماعــي علــى وضــع القواعــد يف العالقــات‬ ‫مــع جميــع شــركاء التنميــة‪ ،‬مبــا يف ذلــك الصــن ‪.‬‬ ‫فعندمــا مت اقتــراح منطقــة التجــارة احلــرة القاريــة اإلفريقيــة‬ ‫(‪ )AfCFTA‬يف قمــة االحتــاد اإلفريقــي يف عــام ‪2012‬م‪ ،‬كان لهــا‬ ‫هدفــان‪ :‬أوالً‪ ،‬بنــاء أجنــدة إفريقيــة يف التجــارة والتعــاون‪ .‬ثان ًيــا‪،‬‬ ‫انتشــال نســبة كبيــرة مــن ســكان القــارة مــن براثــن الفقــر مــن خــال‬

‫إحــداث تغييــرات اقتصاديــة هيكليــة وتشــريعات تعاونيــة‪.‬‬ ‫وكان تأســيس املنطقــة مبثابــة حتــول هائــل يف التجــارة والتنميــة‬ ‫اإلفريقيــة‪ .‬لســنوات‪ ،‬فقــد اقتصــرت التجــارة اإلفريقيــة لعقــود‬ ‫مــع العالــم اخلارجــى أكثــر مــن التجــارة فيمــا بينهــم‪ .‬إال أن منطقــة‬ ‫التجــارة احلــرة القاريــة اإلفريقيــة تعنــي كتلــة اقتصاديــة تبلــغ قيمتهــا‬ ‫‪ 3.4‬تريليــون دوالر وتضــم ‪ 1.3‬مليــار شــخص ومــن املتوقع أن تصبح‬ ‫أكبــر منطقــة جتــارة حــرة يف العالــم مبــا ينعكــس علــى اقتصاديــات‬ ‫الــدول اإلفريقيــة‪.‬‬ ‫كمــا كان الهــدف مــن تشــكيل منطقــة التجــارة احلــرة القاريــة العمــل‬ ‫علــى متكــن البلــدان مــن تطويــر قــدرة أكبــر للتصنيــع احمللــي‪ ،‬والتــي‬ ‫ميكــن اســتخدامها بعــد ذلــك للتجــارة العامليــة بشــروط أكبــر ‪ -‬وأكثــر‬ ‫مالءمــة‪ .‬مــن خــال اســتبدال الــواردات والشــركات الصينيــة بهــذا‬ ‫اجليــل اجلديــد مــن املصنعــن احملليــن‪ ،‬وأن تســمح اتفاقيــة التجــارة‬ ‫احلــرة القاريــة اإلفريقيــة‪ ،‬بشــكل مثالــي‪ ،‬إلفريقيــا بــأن تصبــح‬ ‫مكتفيــة ذات ًيــا‪.‬‬ ‫إال أن اخلبــراء يتوقعــون أن تصبــح الصــن الرابــح األكبــر مــن‬ ‫تأســيس منطقــة التجــارة احلــرة القاريــة فهنــاك عــدد مــن الــدول‬ ‫اإلفريقيــة لــم تنضــم بعــد إلــى االتفاقيــة املنظمــة للمنطقــة ومــن‬ ‫هــؤالء االقتصاديــن األكبــر فــى القــارة نيجيريــا وجنــوب إفريقيــا‪،‬‬ ‫كمــا تبــرز العديــد مــن املخــاوف مــن اتخــاذ بعــض الــدول اإلفريقيــة‬ ‫لسياســات حمائيــة ال تتفــق مــع أهــداف املنطقــة‪.‬‬ ‫وفــى املقابــل تعــد الصــن الشــريك التجــاري األبــرز واألكبــر يف‬ ‫األقاليــم اإلفريقيــة جنــوب الصحــراء وهــو الــدور الــذي جعلهــا يف‬ ‫وضــع ميكنهــا توجيــه السياســة اإلفريقيــة لصاحلهــا وخاصــة فــى‬ ‫املنظمــات الدوليــة مثــل األمم املتحــدة‪.‬‬ ‫كمــا ال يــزال امليــزان التجــارى بــن اجلانبــن يشــير إلــى اســتمرار‬ ‫الضعــف االقتصــادى للجانــب اإلفريقــي‪ ،‬فمنــذ عــام ‪2000‬م‪،‬‬ ‫وامليــزان التجــاري إلفريقيــا مــع الصــن فــى اجتــاه تنازلــي‪ ،‬ممــا‬ ‫يعنــي أن واردات القــارة تتجــاوز صادراتهــا ‪ -‬وهــو اجتــاه مــن املتوقــع‬ ‫أن يســتمر يف املســتقبل‪ .‬يف عــام ‪2019‬م‪ ،‬جتــاوز العجــز التجــاري‬ ‫إلفريقيــا مــع الصــن ‪ 17‬مليــار دوالر‪ .‬وأدى هــذا احلجــم الكبيــر‬ ‫مــن العجــز إلــى حتويــل االعتمــاد االقتصــادي للــدول اإلفريقيــة مــن‬ ‫شــركائها االســتعماريني الســابقني إلــى بكــن‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قروضــا للــدول اإلفريقيــة لبنــاء بنيــة حتتيــة مــن‬ ‫وتقــدم الصــن‬ ‫شــأنها حتســن االتصــال داخــل القــارة‪ .‬وتعمــل علــى تيســير ربــط‬

‫‪128‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪ 10‬آالف شركة صينية يف إفريقيا بقيمة ‪ 2‬تريليون دوالر مع‬ ‫استثمار ‪ 300‬مليار دوالر حال ًي ا عىل الطاولة‬ ‫بــاي (ناميبيــا) ‪ ،‬وجــوادار (باكســتان) ‪ ،‬وهامبانتوتــا (ســريالنكا)‬ ‫‪ ،‬وبيرايــوس (اليونــان) – بــل ترتبــط اســتثمارات املوانــئ الصينيــة‬ ‫بعمليــات نشــر بحريــة منتظمــة جليــش التحريــر الشــعبي (‪)PLA‬‬ ‫واتفاقيــات عســكرية معــززة‪ .‬وبهــذه الطريقــة تتحــول االســتثمارات‬ ‫املاليــة إلــى عوائــد جيوســتراتيجية‪.‬‬ ‫و يتطابــق املوقــف العســكري لبكــن مــع توســعها البحــري يف ظــل‬ ‫مبــادرة احلــزام والطريــق وتنبــع أهميــة إفريقيــا بالنســبة للصــن يف‬ ‫هــذا الصــدد مــن موقعهــا يف منطقــة بحريــة تأمــل بكــن يف توســيع‬ ‫وجودهــا وإبــراز قوتهــا‪ .‬فــكان وصــول الصــن إلــى امليــاه املجــاورة‬ ‫إلفريقيــا صعــب ج ـدًا فــى الســابق‪ ،‬وتشــير التقديــرات اآلن إلــى أن‬ ‫بحريــة جيــش التحريــر الشــعبي الصينــي حتتفــظ بخمــس ســفن‬ ‫حربيــة وعــدة غواصــات يف تنــاوب مســتمر يف احمليــط الهنــدي‪ .‬ومــن‬ ‫املقــرر أن يــزداد هــذا يف العقــود القادمــة حيــث تعــزز الهنــد وجودهــا‬ ‫يف املنطقــة‪ .‬كمــا أقدمــت الصــن علــى إنشــاء قاعــدة عســكرية لهــا‬

‫فــى جيبوتــى فــى أغســطس ‪2017‬م ‪.‬‬ ‫كمــا منــت وحــدات مكافحــة القرصنــة الصينيــة يف إفريقيــا‪ ،‬وهــي‬ ‫أول عمليــات نشــر لهــا خــارج آســيا‪ ،‬مــن حيــث النطــاق والتطــور منــذ‬ ‫ظهورهــا ألول مــرة يف عــام ‪2009‬م‪ .‬ويشــير كبــار احملللني العســكريني‬ ‫الصينيــن إلــى أن مشــاركة جيــش التحريــر الشــعبي يف مهــام دوليــة‬ ‫ملكافحــة القرصنــة يف البحــار اإلفريقيــة قــد عــززت القــدرات التــي‬ ‫حتتاجهــا الصــن لدعــم برنامــج احلــزام والطريــق‪.‬‬ ‫إال أن تنفيــذ مبــادرة احلــزام والطريــق ال يخلــو مــن املشــكالت التــى‬ ‫تؤثــر علــى الــدول اإلفريقيــة بشــكل خــاص ومــن أهمهــا ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬دخــول الشــركات الصينيــة واملشــاركة فــى مشــروعات مبــادرة احلــزام‬ ‫والطريــق قــد أضــر ببعــض الــدول اإلفريقيــة مثــل كينيــا فــى شــرق‬ ‫إفريقيــا فــى ظــل عــدم قــدرة الشــركات اإلفريقيــة علــى منافســة‬ ‫الشــركات الصينيــة فــى األســواق‪ ،‬هــذا فضـ ً‬ ‫ا عــن توظيــف ‪ 20‬ألــف‬ ‫صينــى فــى مشــروعات املبــادرة وحاجــة الصــن إلــى حمايــة هــؤالء‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪127‬‬

‫ملف العدد‬

‫يتطابق الموقف العسكري لبكين مع توسعها البحري وتنبع‬ ‫أهمية إفريقيا من موقعها وتأمل بكين يف توسيع وجودها‬ ‫املســؤولية عــن انتشــار جائحــة كورونــا أو مــا يعــرف بكوفيــد ‪،19‬‬ ‫وزخمــت وســائل التواصــل االجتماعــى مبطالبــات بطــرد الصينــن‬ ‫مــن دول القــارة وفــى املقابــل ظهــرت بعــض التقاريــر حــول إجــاء‬ ‫أفارقــة مــن مــدن صينيــة ‪.‬‬ ‫وتعثــرت التجــارة مــع الصــن بعــد ذلــك‪ ،‬ممــا أدى إلــى حــدوث‬ ‫نقــص وتأثيــرات تضخميــة ‪ ،‬وتــرك العمــال الصينيــون املشــاريع يف‬ ‫البلــدان اإلفريقيــة بســبب املخــاوف مــن انتشــار الوبــاء‪ .‬لكــن ســرعان‬ ‫مــا حاولــت الصــن احتــواء هــذا التصعيــد واســتعادة العالقــات‬ ‫القويــة مــع الشــعوب اإلفريقيــة كأكبــر شــريك اقتصــادي إلفريقيــا‪،‬‬ ‫عبــر اســتخدام مجموعــة مــن األدوات أهمهــا‪ ،‬تقــدمي املســاعدة‬ ‫واللقاحــات واخلبــرات‪ .‬وقدمــت احلكومــة الصينيــة واملنظمــات‬ ‫الصينيــة اخلاصــة مثــل مؤسســة علــي بابــا معــدات طبيــة جلميــع‬ ‫الــدول اإلفريقيــة تقري ًبــا‪ ،‬كمــا أعلنــت الصــن عــن تبرعاتهــا ملنظمــة‬ ‫الصحــة العامليــة وانضمــت إلــى مبــادرات ‪ COVAX‬وديــون‬ ‫مجموعــة العشــرين‪ ،‬ممــا جعــل البعــض يطلــق علــى هــذه السياســة "‬ ‫دبلوماســية اللقاحــات"‪.‬‬ ‫وباملقارنــة ‪ ،‬لــم يكــن هنــاك أي دعــم مباشــر مــن اململكــة املتحــدة أو‬ ‫الواليــات املتحــدة إال مــن خــال مبــادرة ‪ Covax‬العامليــة ‪ -‬التــي‬ ‫تدعمهــا الصــن ً‬ ‫أيضــا‪ .‬قــدم كوفاكــس ‪ 18‬مليــون جرعــة حتــى اآلن‬ ‫يف ‪ 41‬دولــة إفريقيــة‪.‬‬ ‫وقامت الصني بصياغة استراتيجية محلية جديدة ملا بعد‬ ‫كوفيــد ‪ ،19-‬ويتوقــع اخلبــراء أن تكــون لهــذه االســتراتيجية آثــار‬ ‫كبيــرة علــى جتارتهــا مــع الــدول اإلفريقيــة‪ .‬التــى أطلقــت عليــه اســم‬ ‫"الــدوران املــزدوج" وتنطــوى علــى عــدة حتــوالت متزامنــة‪:‬‬ ‫تقويــة األســواق االســتهالكية احملليــة الصينيــة كمصــدر للنمــو‬ ‫االقتصــادي؛ وإعطــاء األولويــة للتصنيــع احمللــي عالــي التقنيــة‬ ‫واخلدمــات املصاحبــة للتصديــر؛ وتقليــل االعتمــاد علــى الدخــل مــن‬ ‫تصديــر الســلع املصنعــة منخفضــة القيمــة ؛ وتقليــل االعتمــاد علــى‬ ‫املصــادر الفرديــة للــواردات إلــى الصــن‪.‬‬ ‫وقــد يفيــد هــذا التحــول البلــدان اإلفريقيــة‪ ،‬علــى األقــل يف املديــن‬ ‫القصيــر واملتوســط‪ .‬حيــث توفــر البلــدان اإلفريقيــة حال ًيــا ‪% 4‬مــن‬ ‫واردات الصــن‪ ،‬وقــد تســتفيد مــن تنويــع الــواردات ومنــو الســوق‬ ‫االســتهالكية الــذي تشــير إليــه السياســة‪ .‬ففــى حالــة اعتمــاد الــدول‬ ‫اإلفريقيــة علــى تفعيــل منطقــة التجــارة احلــرة القاريــة ممــا يســاهم‬ ‫فــى تأســيس بعــض املنتجــات محليــة الصنــع والوصــول مــع الصــن‬

‫إلــى اتفاقيــات للســماح بوصــول املنتجــات اإلفريقيــة املصنعــة‬ ‫واألفــراد إلــى األســواق الصينيــة‪ ،‬ممــا يســاهم فــى زيــادة الــواردات‬ ‫اإلفريقيــة إلــى الصــن‪.‬‬

‫راب ًعا – التوافق بين األهداف الصينية واإلفريقية‬

‫تظهــر العديــد مــن املنافــع املتبادلــة التــى ميكــن للجانبــن الصينــي‬ ‫واإلفريقــي حتقيقهــا فــى إطــار التعــاون املشــترك‪ ،‬ممــا يدفــع للبحــث‬ ‫عــن أولويــات كل جانــب مــن التعــاون حيــث تختلــف األولويــات علــى‬ ‫الرغــم مــن وجــود رغبــة فــى التعــاون املشــترك ‪.‬‬ ‫‪ -1‬مبادرة احلزام والطريق‬ ‫تنوعــت مجــاالت التعــاون والتقــارب بــن اجلانبني الصينــي واإلفريقي‬ ‫خــال العقديــن األخيريــن‪ ،‬إال أن إعــان الصــن عــن مبــادرة احلــزام‬ ‫والطريــق (طريــق واحــد حــزام واحــد) فــى عــام ‪2013‬م‪ ،‬قــد ســاهم‬ ‫فــى إثــارة اجلــدل حــول مزايــا وفوائــد التعــاون بــن اجلانبــن‪ ،‬ومــدى‬ ‫قــدرة اجلانــب اإلفريقــي علــى االســتفادة مــن الطموحــات الصينيــة‪.‬‬ ‫وتعــد مبــادرة احلــزام والطريــق رؤيــة الصــن املميــزة إلعــادة تشــكيل‬ ‫مشــاركاتها العامليــة‪ .‬فهــى اســتراتيجية شــاملة يف نطاقهــا ومكــون‬ ‫أساســي مــن أهــداف احلــزب الشــيوعي الصينــي املزدوجــة لتحقيــق‬ ‫التجديــد الوطنــي واســتعادة الصــن كقــوة عظمــى ومتتــد هــذه‬ ‫املبــادرة إلــى ثــاث قــارات وتصــل إلــى ‪ % 60‬مــن ســكان العالــم‪.‬‬ ‫ومتثــل الــدول الـــ ‪ 65‬أو نحــو ذلــك التــي وقعــت علــى البرنامــج حتــى‬ ‫اآلن (مبــا يف ذلــك حوالــي ‪ 20‬دولــة مــن إفريقيــا) ‪ % 30‬مــن النــاجت‬ ‫احمللــي اإلجمالــي العاملــي و ‪ % 75‬مــن احتياطيــات الطاقــة‪ .‬وتقــوم‬ ‫حوالــي ‪ 50‬شــركة صينيــة مملوكــة للدولــة بتنفيــذ ‪ 1700‬مشــروع بنيــة‬ ‫حتتيــة حــول العالــم تبلــغ قيمتهــا حوالــي ‪ 900‬مليــار دوالر‪ .‬ومتــت‬ ‫كتابــة طريــق احلــزام األول (‪ )OBOR‬يف دســاتير الدولــة واحلــزب‬ ‫احلاكــم كأولويــات اســتراتيجية لبلــوغ الصــن وضــع القــوة العظمــى‬ ‫بحلــول منتصــف القــرن احلــادي والعشــرين‪ .‬ولقــد دافــع جميــع قــادة‬ ‫الصــن عــن هــذه املبــادرة منــذ تأســيس جمهوريــة الصــن الشــعبية ‪،‬‬ ‫لكــن الســعي قــد تســارع يف عهــد الرئيــس شــي جــن بينــج‪.‬‬ ‫وتتمثــل الغايــة النهائيــة لـــ ‪ One Belt One Road‬يف بنــاء‬ ‫نظــام عاملــي جديــد مــن "االعتمــاد املتبــادل" االقتصــادي والسياســي‬ ‫واألمنــي البديــل تكــون الصــن يف مركــزه‪ .‬وال يتعلــق عائــد االســتثمار‬ ‫الصينــي مــن خــال املبــادرة بزيــادة الوصــول إلــى املوانــئ وسالســل‬ ‫التوريــد باالقتصــاد فقــط‪ .‬يف خمــس حــاالت ‪ -‬جيبوتــي‪ ،‬والفيــس‬

‫‪126‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫من الصعب فصل النوايا التجارية للصين يف إفريقيا عن‬ ‫النوايا االستراتيجية ففي كثير من الحاالت يتداخل االثنان‬ ‫إفريقيــا مــع العالــم يف عــام ‪2020‬م‪ 12.8( ،‬يف املائــة لصادراتهــا و‬ ‫‪ 19.2‬يف املائــة لوارداتهــا) ‪ ،‬لكــن ال يوجــد تدفــق اســتثمار إفريقــي‬ ‫مباشــر إلــى الصــن‪ .‬كانــت الصــن ً‬ ‫أيضــا مصــدر ‪ 153‬مليــار دوالر‬ ‫مــن القــروض التراكميــة للبلــدان اإلفريقيــة بــن عامــي ‪2000‬م‪ ،‬و‬ ‫‪2019‬م‪.‬‬ ‫ب‌‪ -‬البنية التحتية‬ ‫متثــل البنيــة التحتيــة غيــر املالئمــة مــن أكبــر العقبــات أمــام تنميــة‬ ‫القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬ووف ًقــا لبنــك التنميــة اإلفريقــي‪ ،‬فــإن القــارة‬ ‫اإلفريقيــة حتتــاج ســنو ًيا إلــى مــا يتــراوح بــن ‪ 68‬و ‪ 108‬مليــار‬ ‫دوالرلســد فجــوة البنيــة التحتيــة‪ ،‬وفــى املاضــي زعــم املســتعمرون أن‬ ‫بناءهــم للســكك احلديديــة فــى مطلــع القــرن العشــرين كان بهــدف‬ ‫حتقيــق التنميــة االقتصاديــة احملليــة‪ ،‬ولكــن يف جوهرها مت اســتخدام‬ ‫املشــاريع الســتخراج املــوارد الطبيعيــة‪ .‬مثــل ســكك حديــد نيروبــي ‪-‬‬ ‫مومباســا‪ ،‬وأديــس أبابــا ‪ -‬جيبوتــي وكالهمــا يربــط املناطــق الداخليــة‬ ‫للرواســب املعدنيــة مــع املوانــئ الرئيســية علــى احمليــط الهنــدي ‪.‬‬ ‫وتتالقــى احلاجــة املاســة للقــارة اإلفريقيــة لتطويــر البنيــة التحتيــة‬ ‫مــع االمكانيــات الصينيــة علــى القيــام بهــذا الــدور‪ .‬فــا يغيــب عــن‬ ‫ذهــن العديــد مــن القــادة األفارقــة أنــه قبــل ‪ 30‬عا ًمــا تقري ًبــا كانــت‬ ‫الصــن يف مــكان مشــابه ملــا عليــه بعــض دول القــارة اآلن ‪ -‬دولــة‬ ‫راكــدة ال يشــكل اقتصادهــا ســوى ‪ ٪2‬مــن النــاجت احمللــي اإلجمالــي‬ ‫العاملــي‪ .‬لكــن علــى مــدى العقــود القليلــة املاضيــة‪ ،‬صدمــت الصــن‬ ‫العالــم بالطريقــة التــي اســتخدمت بهــا البنيــة التحتيــة لدفــع النمــو‬ ‫االقتصــادي‪ ،‬وإنشــاء شــبكة ســكك حديديــة عاليــة الســرعة تتجــاوز‬ ‫اآلن ‪ 29000‬كيلومتــر ‪ ،‬ومتهيــد أكثــر مــن مائــة ألــف كيلومتــر مــن‬ ‫الطــرق الســريعة اجلديــدة ‪ ،‬وبنــاء أكثــر مــن مائــة مطــار جديــد‪ ،‬و‬ ‫بنــاء مــا ال يقــل عــن ‪ 3500‬منطقــة حضريــة جديــدة ‪ -‬والتــي تشــمل‬ ‫‪ 500‬منطقــة تنميــة اقتصاديــة و ألــف مشــروع تطويــر علــى مســتوى‬ ‫املدينــة‪ .‬خــال هــذه الفتــرة الزمنيــة ‪ ،‬منــا النــاجت احمللــي اإلجمالــي‬ ‫للصــن بأكثــر مــن عشــرة أضعــاف‪ ،‬ليحتــل املرتبــة الثانيــة يف العالــم‬ ‫اليــوم‪.‬‬ ‫إن هــذا النــوع مــن النمــو االقتصــادي الناجــم عــن البنيــة التحتيــة‬ ‫بالتحديــد هــو مــا تبحــث عنــه إفريقيــا اآلن‪ ،‬ويتطلــع العديــد مــن‬ ‫القــادة األفارقــة إلــى الصــن لتقــدمي جتربتهــا إلــى بلدانهــم‪ .‬وتســيطر‬ ‫الشــركات الصينيــة علــى العديــد مــن أكبــر مشــاريع البنيــة التحتيــة‬ ‫يف إفريقيــا ‪ -‬مبــا يف ذلــك الســكك احلديديــة الســاحلية بقيمــة‬

‫‪ 12‬مليــار دوالر يف نيجيريــا‪ ،‬وخــط ســكة حديــد أديــس أبابــا ‪-‬‬ ‫جيبوتــي البالــغ قيمتــه ‪ 4.5‬مليــار دوالر ‪ ،‬واملينــاء الضخــم واملنطقــة‬ ‫االقتصاديــة يف باجامويــو بتنزانيــا البالــغ حجمهــا ‪ 11‬مليــار دوالر ‪.‬‬ ‫ومنــذ عــام ‪2011‬م‪ ،‬أصبحــت الصــن أكبــر العــب يف طفــرة البنيــة‬ ‫التحتيــة يف إفريقيــا‪ ،‬حيــث تطالــب بحصــة ‪ ٪40‬فــى مشــروعات‬ ‫البنيــة التحتيــة وهــذه النســبة تســتمر يف االرتفــاع‪ .‬ويف غضــون ذلــك‪،‬‬ ‫تنخفــض أســهم الالعبــن اآلخريــن بشــكل حــاد‪ ،‬فقــد انخفضــت‬ ‫حصــة أوروبــا مــن هــذه املشــروعات مــن ‪ ٪44‬إلــى ‪ ، ٪34‬بينمــا‬ ‫انخفــض وجــود املقاولــن األمريكيــن مــن ‪ ٪24‬إلــى ‪ ٪6.7‬فقــط‪.‬‬ ‫فالشــركات الصينيــة اململوكــة للدولــة هــي بالفعــل تســتحوذ علــى‬ ‫ســوق مشــاريع البنيــة التحتيــة يف إفريقيــا‪ .‬وفــى شــمال إفريقيــا‪،‬‬ ‫أنفقــت الصــن ‪ 11‬مليــار دوالر‪ ،‬منــذ ‪2015‬م‪ ،‬علــى إنشــاء الطريــق‬ ‫الســريع املغربــى الــذي يربــط بــن الصحــراء املغربيــة وليبيــا‪ ،‬والــذى‬ ‫ســيقوم بربــط ‪ 60‬مليــون شــخص مــن إجمالــى ‪ 100‬مليــون شــخص‬ ‫يعيشــون باملنطقــة‪ .‬وفــى شــرق إفريقيــا‪ ،‬أقامــت الصــن شــبكة مــن‬ ‫الطــرق وخــط ســكة حديــد يربــط بــن إثيوبيــا وجيبوتــى ممــا ســهل‬ ‫عمليــات التجــارة‪ .‬فــى جنــوب إفريقيــا‪ ،‬دخلــت ناميبيــا فــى شــراكة‬ ‫مــع الصــن وبنــك التنميــة اإلفريقــي فــى عــام ‪2013‬م‪ ،‬لتوســيع مينــاء‬ ‫بقيمــة ‪ 300‬مليــار دوالر‪ .‬وستســتفاد أجنــوال مــن محطــة طاقــة‬ ‫كهرومائيــة صينيــة مولتهــا الصــن بقيمــة ‪ 4.5‬مليــار دوالر‪ .‬ويتــم‬ ‫إنشــاء مشــروعات للبنــى التحتيــة مماثلــة فــى غــرب ووســط إفريقيــا‪.‬‬ ‫جــدول (‪ )1‬يوضــح تزايــد القــروض اإلفريقيــة مــن الصــن منــذ عــام ‪2000‬‬

‫ثال ًثا – الصين وجائحة كورونا‬

‫تســبب انتشــار جائجــة كورونــا فــى العالــم بدايــة مــن الصــن فــى‬ ‫ارتبــاك العالقــات بــن الصــن والعديــد مــن شــعوب العالــم وكان‬ ‫للــدول اإلفريقيــة نصيــب مــن هــذه التوتــرات فقــد تصاعــدت‬ ‫االتهامــات بــن الشــعب الصينــي وشــعوب القــارة اإلفريقيــة حــول‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪125‬‬

‫ملف العدد‬

‫يجب أن تكون األولويات اإلفريقية جز ًءا من خطط التفاوض‬ ‫واالتفاقيات مع الصين لتحقيق المنفعة المتبادلة‬ ‫األجهــزة اإللكترونيــة ‪.‬‬ ‫ومــع ذلــك‪ ،‬هنــاك فكــرة خاطئــة شــائعة مفادهــا أن جميــع املشــاريع‬ ‫الصينيــة يف إفريقيــا حتظــى بدعــم بكــن‪ .‬يف أغلــب األحيــان‪ ،‬تعمــل‬ ‫الشــركات الصينيــة اململوكــة للدولــة يف إفريقيــا يف مشــاريع ربحيــة‬ ‫بحتــة ال تضــع طموحــات حكومتهــا يف االعتبــار‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬قــد‬ ‫يكــون مــن الصعــب فصــل النوايــا التجاريــة للصــن يف إفريقيــا عــن‬ ‫النوايــا االســتراتيجية‪ ،‬حيــث إنــه يف كثيــر مــن احلــاالت يتداخــل‬ ‫االثنــان بشــكل حتمــي‪ .‬إن تدويــل شــركات البنــاء الصينيــة وشــركات‬ ‫تكنولوجيــا املعلومــات وكذلــك إنشــاءات البنيــة التحتيــة الســتخراج‬ ‫وتصديــر املــوارد اإلفريقيــة بشــكل أفضــل متثــل اهتمامــات رئيســية‬ ‫لبكــن‪ .‬لــذا ‪ ،‬يف حــن أن البنيــة التحتيــة التــي يتــم بناؤهــا علــى‬ ‫األرض قــد ال تكــون بالضــرورة مدبــرة مــن قبــل بكــن‪ ،‬فإنهــا يف‬ ‫النهايــة تلعــب دو ًرا يف املصالــح اجلغرافيــة واالقتصاديــة األوســع‬ ‫للصــن‪.‬‬ ‫‪-4‬تراجع أدوار القوى الدولية فى إفريقيا‬ ‫يجــد النفــوذ الصينــي فــى القــارة اإلفريقيــة فراغــات كبيــرة خــال‬ ‫العقديــن األخيريــن فــى ظــل التراجــع الكبيــر للقــوى الدوليــة فــى‬ ‫إفريقيــا‪ ،‬فمــع تضــاؤل النفــوذ الغربــي يف إفريقيــا ‪ ،‬وســعت الصــن‬ ‫وروســيا وتركيــا شــبكاتها عبــر القــارة مــن خــال قــروض جديــدة‬ ‫وصفقــات جتاريــة واتفاقيــات عســكرية‪ .‬علــى عكــس الواليــات‬ ‫املتحــدة واململكــة املتحــدة ‪ ،‬جــاء العديــد مــن صفقــات الصــن دون‬ ‫شــروط قــروض صارمــة مرتبطــة بحقــوق اإلنســان ‪ ،‬ممــا جعلهــا‬ ‫مــن الشــركاء املفضلــن لــدى الــدول اإلفريقيــة ‪ ،‬فاســتثماراتها غيــر‬ ‫مرتبطــة بشــروط ‪ ،‬ممــا يســمح لبكــن بتطويــر حلفــاء جــدد وتوســيع‬ ‫نفوذهــا العاملــي‪.‬‬ ‫وتصــور بكــن نفســها علــى أنهــا قــوة عظمــى متناميــة‪ ،‬وهــي قصــة‬ ‫تســتخدمها لتســويق نفســها علــى أنهــا مناهضــة للغــرب وداعيــة‬ ‫للتنميــة املتســاوية‪.‬‬ ‫كمــا أن رغبــة الصــن يف متويــل البنيــة التحتيــة إلفريقيــا كان ينظــر‬ ‫إليهــا بشــكل إيجابــي مــن قبــل القــادة األفارقــة ‪ -‬خاصــة وأن التجــارة‬ ‫األمريكيــة مــع إفريقيــا تنخفــض بشــكل مطــرد ملــدة عقــد مــن الزمان‪.‬‬ ‫وقــال الرئيــس الروانــدي بــول كاغامــي يف عــام ‪2018‬م‪" :‬يقولــون إن‬ ‫الصــن قدمــت الكثيــر مــن القــروض إلفريقيــا‪ ،‬لكــن منظــو ًرا آخــر‬ ‫للقضيــة هــو أن أولئــك الذيــن ينتقــدون الصــن بشــأن الديــون ال‬ ‫يقدمــون ســوى القليــل جــدًا‪ ،‬وإفريقيــا بحاجــة إلــى التمويــل لبنــاء‬

‫القــدرة علــى التنميــة"‪.‬‬ ‫يف عــام ‪2002‬م‪ ،‬كانــت التجــارة بــن الواليــات املتحــدة وإفريقيــا‬ ‫ضعــف حجــم جتــارة الصــن مــع القــارة‪ 21 :‬مليــار دوالر ‪ ،‬مقارنــة بـــ‬ ‫‪ 12‬مليــار دوالر‪ .‬بحلــول عــام ‪2008‬م‪ ، ،‬قفــزت التجــارة بــن الواليــات‬ ‫املتحــدة وإفريقيــا إلــى ‪ 100‬مليــار دوالر‪.‬‬ ‫لكــن بحلــول عــام ‪2019‬م‪ ،‬انخفضــت إلــى ‪ 56‬مليــار دوالر‪ .‬يف غضــون‬ ‫ذلــك‪ ،‬ارتفــع حجــم التجــارة بــن الصــن وإفريقيــا مــن ‪ 102‬مليــار‬ ‫دوالر إلــى ‪ 192‬مليــار دوالر يف نفــس الفتــرة البالغــة ‪ 11‬عا ًمــا‪.‬‬ ‫واليــوم‪ ،‬ال تقتــرب أي دولــة مبفردهــا مــن مطابقــة اســتثمارات‬ ‫الصــن عبــر إفريقيــا‪.‬‬ ‫كمــا جتاهلــت إدارة ترامــب إفريقيــا بينمــا كانــت الصــن تســعى‬ ‫لتوســيع نفوذهــا‪ .‬ولــم تطــأ قــدم ترامــب القــارة أبـدًا كرئيــس ‪ -‬فهــو‬ ‫أول رئيــس أمريكــي منــذ ‪ 27‬عا ًمــا يتجنــب إفريقيــا‪.‬‬

‫ثان ًيا ‪ -‬مجاالت التعاون الصيني اإلفريقي‬

‫اهتمــت الصــن فــى تقاربهــا مــع الــدول اإلفريقيــة بالتعــاون فــى‬ ‫املجــاالت االقتصاديــة بصــورة رئيســية والتــى كان مــن أهمهــا ‪:‬‬ ‫أ‌‪-‬التعاون التجاري واالستثمارات‬ ‫تعــد الصــن اآلن أكبــر شــريك جتــاري إلفريقيــا‪ ،‬حيــث تتجــاوز‬ ‫التجــارة الصينيــة مــع دول القــارة ‪ 200‬مليــار دوالر ســنو ًيا‪ .‬وتعمــل‬ ‫حال ًيــا أكثــر مــن عشــرة آالف شــركة مملوكــة للصــن يف جميــع أنحــاء‬ ‫القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬وتبلــغ قيمــة األعمــال الصينيــة هنــاك منــذ عــام‬ ‫‪2005‬م‪ ،‬أكثــر مــن ‪ 2‬تريليــون دوالر ‪ ،‬مــع اســتثمار ‪ 300‬مليــار دوالر‬ ‫حال ًيــا علــى الطاولــة‪ .‬كمــا تفوقــت إفريقيــا علــى آســيا كأكبــر ســوق‬ ‫لعقــود البنــاء اخلارجيــة للصــن‪ .‬وللحفــاظ علــى هــذا الزخــم‪ ،‬أعلنــت‬ ‫بكــن فــى عــام ‪2019‬م‪ ،‬عــن صنــدوق لتطويــر البنيــة التحتيــة ملبــادرة‬ ‫احلــزام والطريــق يف إفريقيــا بقيمــة مليــار دوالر ‪ ،‬ويف عــام ‪2018‬م‪،‬‬ ‫وصلــت حزمــة مســاعدات إفريقيــة ضخمــة بقيمــة ‪ 60‬مليــار دوالر ‪.‬‬ ‫ورغــم مــا متثلــه الصــن مــن شــريك رئيســى إلفريقيــا فــإن مشــاركة‬ ‫إفريقيــا االقتصاديــة محــدودة بالنســبة لتجــارة الصني اخلارجية ‪ .‬يف‬ ‫عــام ‪2020‬م‪ ،‬اســتحوذت إفريقيــا علــى ‪ % 4‬فقــط مــن جتــارة الصــن‬ ‫مــع العالــم (‪ 4.4‬يف املائــة لصادراتهــا و ‪ 3.6‬يف املائــة لوارداتهــا)‪.‬‬ ‫يف عــام ‪2019‬م ‪ ،‬شــكلت القــارة ‪ ٪2.9‬فقــط مــن تدفقــات االســتثمار‬ ‫املباشــر الصينــي يف العالــم‪.‬‬ ‫مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬اســتحوذت الصــن علــى ‪ 16.4‬يف املائــة من جتارة‬

‫‪124‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫التــى بــات العالــم يشــهدها والتــي ادت إلــى ارتبــاك صيــغ التعــاون‬ ‫املشــترك وكذلــك دفعــت الكثيــر مــن دول العالــم وخاصــة الصــن إلــى‬ ‫إعــادة النظــر فــى اســتراتيجياتها وأدوات تنفيــذ أهدافهــا فــى مناطــق‬ ‫كثيــرة مــن العالــم وخاصــة فــى إفريقيــا‪.‬‬ ‫وفــى هــذا اإلطــار يســعى التقريــر التالــى حملاولــة البحــث فــى األبعــاد‬ ‫املختلفــة للتقــارب الصينــي واإلفريقــي مــن حيــث الثابــت واملتغيــر فــى‬ ‫هــذه األبعــاد‪ ،‬وكذلــك توضيــح األهــداف الصينيــة فــى إفريقيــا ومــا‬ ‫طــرأ عليهــا مــن تغيــرات خــال العامــن األخيريــن‪.‬‬

‫أو ًال – أبعاد التعاون الصيني اإلفريقي‬

‫ظلــت العالقــات الصينيــة اإلفريقيــة تســتند إلــى مجموعــة مــن‬ ‫األبعــاد التــى متثــل ركائــز أساســية للتطــور اإليجابــي لهــذه العالقــات‬ ‫إال أن تطــورات املشــهد الدولــي وخاصــة فــى أعقــاب جائحــة كوفيــد‬ ‫‪ 19‬قــد ألقــت بظاللهــا علــى هــذه األبعــاد والتــى ميكــن توضيــح‬ ‫أهمهــا ‪:‬‬ ‫‪-1‬تربع الصني على قمة الدول النامية‬ ‫حيــث تعــد الصــن أكبــر دولــة ناميــة يف العالــم حتــاول أن تلعــب دو ًرا‬ ‫أكبــر يف "التعــاون بــن بلــدان اجلنــوب" ؛ تتكــون القــارة اإلفريقيــة مــن‬ ‫أكبــر عــدد مــن البلــدان الناميــة‪ .‬يف عــام ‪2006‬م‪ ،‬نشــرت الصــن أول‬ ‫كتــاب أبيــض حــول سياســة الصــن جتــاه إفريقيــا؛ وقدمــت حكومــة‬ ‫جمهوريــة الصــن الشــعبية خاللــه للعالــم احملتوى الرئيســي للعالقات‬ ‫الصينيــة اإلفريقيــة‪ ،‬وأهــداف سياســة الصــن جتــاه إفريقيــا‪.‬‬ ‫ووفقــا للوثيقــة‪ ،‬تسترشــد سياســات الصــن يف القــارة مببــادئ‬ ‫"الصداقــة املخلصــة واملســاواة علــى أســاس خمســة مبــادئ للتعايــش‬ ‫الســلمي؛ املنافــع املتبادلــة واالزدهــار املشــترك "‪.‬‬ ‫وأصبحــت الصــن أكبــر شــريك جتــاري إلفريقيــا منــذ عــام ‪2009‬م‪،‬‬ ‫وكان حجــم جتــارة الصــن مــع إفريقيــا ينمــو عا ًمــا بعــد عــام ‪ ،‬وارتفــع‬ ‫يف عــام ‪2014‬م‪ ،‬إلــى أربعــة أضعــاف مــا كان عليــه يف عــام ‪2006‬م‪.‬‬ ‫و نشــر الكتــاب األبيــض حــول التعــاون االقتصــادي والتجــاري بــن‬ ‫الصــن وإفريقيــا يف أغســطس ‪2013‬م‪ ،‬حيــث مت عــرض االجتاهــات‬ ‫الرئيســية ومجــاالت العالقــات التجاريــة واالقتصاديــة لبكــن مــع‬ ‫الــدول اإلفريقيــة ‪.‬‬ ‫كمــا متتلــك الصــن مناصــب قياديــة قويــة داخــل املؤسســات الدوليــة‬ ‫التــى تلعــب أدوا ًرا مهمــة فــى إفريقيــا‪ .‬فمــن بــن ‪ 15‬وكالــة تابعــة‬ ‫لــأمم املتحــدة‪ ،‬تتــرأس الصــن أربعــة منهــن‪ ،‬وال متتلــك أى دولــة‬ ‫أخــرى القــدرة علــى منافســة الصــن فــى ذلــك‪ .‬تقــوم الصــن ً‬ ‫أيضــا‬ ‫بإنشــاء منظمــات دوليــة تنافــس األمم املتحــدة التــى يهيمــن عليهــا‬ ‫الغــرب‪ ،‬مبــا فــى ذلــك البنــك اآلســيوى لالســتثمار فــى البنيــة التحتيــة‬ ‫وبنــك التنميــة الصينــي‪ .‬اعتبــا ًرا مــن عــام ‪2018‬م‪ ،‬قــام بنــك التنميــة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الصينــي بتمويــل ‪ 500‬مشــروع فــى ‪ 43‬دولــة إفريقيــة مختلفــة بقيمــة‬ ‫‪ 50‬مليــار دوالر‪ .‬كمــا ألغــت الصــن ‪ 78‬مليــون دوالر مــن الديــون‬ ‫املســتحقة علــى الكاميــرون يف عــام ‪2019‬م ‪ -‬األمــوال املقترضــة‬ ‫لتطويــر البنيــة التحتيــة ‪ -‬يف مقابــل دعــم الكاميــرون لترشــحها‬ ‫ملنصــب املديــر العــام ملنظمــة الفــاو‪.‬‬ ‫‪ -2‬حاجة دول القارة اإلفريقية للمساعدات‬ ‫كمــا متثــل الــدول اإلفريقيــة واحــدة مــن أكبــر املتلقــن للمســاعدات‬ ‫الصينيــة‪ .‬وف ًقــا للمســاعدات اخلارجيــة الصينيــة (‪2014‬م) ‪ ،‬مــن عام‬ ‫‪ 2010‬إلــى عــام ‪2012‬م‪ ،‬قدمــت الصــن مســاعدات إلــى ‪ 121‬دولــة‪،‬‬ ‫مبــا يف ذلــك ‪ 51‬دولــة يف إفريقيــا‪ ،‬كمــا قدمــت الصــن مســاعدات‬ ‫إلــى االحتــاد اإلفريقــي ‪.‬‬ ‫يف ديســمبر ‪2015‬م‪ ،‬أصــدر الرئيــس الصينــي شــي جــن بينــغ‬ ‫ورقــة الصــن الثانيــة حــول السياســة اإلفريقيــة تزامــن نشــر‬ ‫الكتــاب األبيــض مــع الذكــرى اخلامــس عشــرة لتأســيس منتــدى‬ ‫التعــاون الصينــي اإلفريقــي (‪ .)FOCAC‬وأوضحــت الصــن يف‬ ‫هــذه الوثيقــة الرؤيــة اجلديــدة والنهــج والتدابيــر اجلديــدة لسياســة‬ ‫الصــن جتــاه إفريقيــا‪ ،‬ومســتقبل التعــاون الصينــي اإلفريقــي يف ظــل‬ ‫الظــروف اجلديــدة‪.‬‬ ‫وتســعى الصــن جاهــدة لتحقيــق "هــديف الذكــرى املئويــة" وحتقيــق‬ ‫احللــم الصينــي بالتجديــد الوطنــي العظيــم‪ .‬يف الوقــت نفســه‪ ،‬تلتــزم‬ ‫إفريقيــا باملضــي قد ًمــا لتحقيــق األحــام الــواردة يف أجنــدة ‪2063‬م‪.‬‬ ‫وف ًقــا لورقــة الصــن الثانيــة حــول السياســة اإلفريقيــة‪ ،‬فــإن الصــن‬ ‫مســتعدة ملســاعدة إفريقيــا يف تطلعاتهــا لتســريع التحديــث والتصنيــع‬ ‫والتكامــل االقتصــادي‪ .‬وجتــدر اإلشــارة إلــى أن احللــم الصينــي‬ ‫واحللــم اإلفريقــي يهدفــان إلــى جعــل النــاس يعيشــون حيــاة أكثــر‬ ‫ازدهــا ًرا وأما ًنــا وســعادة‪.‬‬ ‫‪ -3‬حاجة االقتصاد الصيني للموارد الطبيعية‬ ‫وحتتــاج الصــن إلــى مــا متتلكــه إفريقيــا لتحقيــق االســتقرار‬ ‫االقتصــادي والسياســي طويــل األمــد‪ .‬ويأتــي أكثــر مــن ثلــث نفــط‬ ‫الصــن مــن إفريقيــا‪ ،‬وكذلــك ‪ ٪20‬مــن قطــن البــاد‪ .‬ومتتلــك إفريقيا‬ ‫مــا يقــرب مــن نصــف مخــزون العالــم مــن املاجننيــز ‪ ،‬وهــو مكــون‬ ‫أساســي إلنتــاج الصلــب‪ ،‬ومتتلــك جمهوريــة الكونغــو الدميقراطيــة‬ ‫مبفردهــا نصــف الكوبالــت املوجــود علــى كوكــب األرض‪ .‬كمــا حتتــوي‬ ‫إفريقيــا ً‬ ‫أيضــا علــى كميــات كبيــرة مــن الكولتــان‪ ،‬وهــو مكــون ضروري‬ ‫فــى صناعــة اإللكترونيــات وخاصــة صناعــة الهواتــف اخللويــة‬ ‫والباليستايشــن‪ ،‬باإلضافــة إلــى نصــف اإلمــداد العاملــي املعــروف‬ ‫مــن الكربوناتيــت‪ ،‬وهــو تكويــن صخــري ميثــل املصــدر األساســي‬ ‫لفلــز النيوبيــم الــذى يســتخدم يف عمــل قلــوب محــركات الصواريــخ‬ ‫و الطائــرات النفاثــة و توربينــات الغــاز كمــا أنهــا تدخــل يف صناعــة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪123‬‬

‫ملف العدد‬

‫التعــاون الصين ــي ـ ـــ اإلفريق ــي ‪ ..‬كيــف تتحقــق املنفعــة املتبادلــة بــن الجانبــن‬

‫التحـدي يف تالقي مصالـح إفريقيا و الصين‬ ‫وأيـن تتباعد وكيف تتقارب لتعزيز التنمية‬

‫حفــل تاريــخ العالقــات والتعــاون الصينــي اإلفريقــي بالعديــد مــن املراحــل املثمــرة فــى التقــارب ومــد اجلســور بــن اجلانبــن‪،‬‬ ‫ففضـ ً‬ ‫ا عــن التاريــخ القــدمي‪ ،‬ارتبطــت الصــن بالقــارة اإلفريقيــة عبــر أطــر وركائــز متنوعــة خــال التاريــخ احلديــث وخاصــة‬ ‫فــى القــرن العشــرين حيــث وجــدت دول القــارة اإلفريقيــة الكثيــر مــن الروابــط التــى جتمــع بينهــا وبــن الصــن التــى لــم حتاول‬ ‫اســتعمار أراضــي القــارة بــل عملــت علــى اجتــذاب دولهــا بعي ـدًا عــن الصــراع األيديولوجــى الــذى وصــم ســنوات احلــرب‬ ‫البــاردة‪ ،‬وانضــم اجلانبــان الصينــي واإلفريقــي فــى دائــرة العالــم النامــى وتعــاون اجلنــوب – اجلنــوب‪.‬‬ ‫ومــع بدايــة األلفيــة الثانيــة وفــى ظــل التطــورات املتالحقــة التــى يشــهدها العالــم‪ ،‬والصعــود الصينــي ومنافســته الشرســة‬ ‫ـرحا رئيسـ ًيا لتفعيــل املكانــة الدوليــة للصــن وكذلــك تعزيــز العمــق‬ ‫للهيمنــة األمريكيــة أصبحــت القــارة اإلفريقيــة متثــل مسـ ً‬ ‫االســتراتيجى للتنافــس بــن الصــن و الواليــات املتحــدة‪ ،‬وبالتالــي تعزيــز مبــادرة الصــن وتأثيرهــا يف الشــؤون الدوليــة‪،‬‬ ‫حيــث يؤكــد الكثيــر مــن الباحثــن علــى أن جوهــر العالقــات الصينيــة ــــ اإلفريقيــة ليــس اقتصاد ًيــا ولكنــه جيوسياس ـ ًيا‪.‬‬ ‫وحتــى قبــل اإلعــان رســم ًيا عــن مبــادرة احلــزام والطريــق يف عــام ‪2013‬م‪ ،‬كانــت الصــن تخطــو خطــوات كبيــرة يف مجــال‬ ‫التنميــة احلضريــة يف إفريقيــا‪ .‬فكانــت هنــاك أســباب مختلفــة لشــراكات الصــن املبكــرة مــع إفريقيــا فعلــى الرغــم مــن‬ ‫اختفــاء القــوى االســتعمارية إلــى حــد كبيــر مــن القــارة‪ ،‬كانــت القــارة ال تــزال متتلــك مخزو ًنــا كبي ـ ًرا مــن املــوارد الطبيعيــة‪،‬‬ ‫ولــم تضيــع الصــن أي وقــت يف مــلء الفــراغ‪ ،‬بعيـدًا عــن األزمــات واالنتهــاكات السياســية واالقتصاديــة ممــا أعطــى لبكــن‬ ‫املكانــة املتقدمــة التــي تتمتــع بهــا اليــوم فــى القــارة‪.‬‬

‫د‪ .‬أميرة محمد عبداحلليم‬

‫وحرصــت جمهوريــة الصــن الشــعبية مــع بدايــة األلفيــة اجلديــدة‬ ‫علــى التعــاون مــع دول القــارة اإلفريقيــة وتغليــف التعــاون باالعــان‬ ‫عــن الشــراكة والتعامــل مــع الــدول اإلفريقيــة علــى قــدم املســاواة؛‬ ‫وأهميــة التعــاون املربــح للجانبــن وضــرورة احتــرام "الطريقــة‬ ‫اإلفريقيــة للتنميــة"‪.‬‬ ‫وأعلنــت الصــن عــدة مــرات أنهــا لــم تتــرك بصمــة عمالقــة يف‬ ‫إفريقيــا ميكــن مقارنتهــا باالســتعمار األوروبــي‪ ،‬والصــن وف ًقــا لـــ‬ ‫"املبــادئ اخلمســة" تطــور تعاو ًنــا مثمــ ًرا مــع إفريقيــا‪ .‬باإلضافــة‬ ‫إلــى ذلــك‪ ،‬احتاجــت الصــن إلــى دعــم الــدول اإلفريقيــة يف بعــض‬ ‫القضايــا‪ ،‬علــى ســبيل املثــال‪ ،‬أشــاد ســفير الصــن يف إثيوبيــا "بدعــم‬ ‫أديــس أبابــا القــوي" ملوقــف الصــن بشــأن تايــوان والتبــت‪.‬‬

‫كمــا اســتضافت الصــن للمنتدى التشــاوري الصينــي اإلفريقي األول‬ ‫(‪ – )CACF‬آنــذاك والــذى أعيــدت تســميته إلــى منتــدى التعــاون‬ ‫الصينــي اإلفريقــي (‪ -)FOCAC‬يف بكــن يف أكتوبــر ‪2000‬م‪،‬‬ ‫وقــدم املنتــدى خالصــة ملرحلــة جديــدة مــن التعــاون‪ .‬حيــث ميثــل هــذا‬ ‫املنتــدى آليــة أساســية يف تعزيــز العالقــات االقتصاديــة واالســتثمارية‬ ‫والدبلوماســية واألمنيــة للصــن يف إفريقيــا وإطــا ًرا يحكــم العالقــات‬ ‫بــن الــدول‪ .‬ويعقــد منتــدى التعــاون الصينــي اإلفريقــي كل ثــاث‬ ‫ســنوات بالتنــاوب بــن الصــن وإفريقيــا‪ ،‬ومــن املنتظــر انعقــاده فــى‬ ‫داكار بالســنغال هــذا العــام‪.‬‬ ‫وتبــرز مجموعــة مــن األبعــاد التــى حتــدد فــى مجملها حاجــة اجلانبني‬ ‫الصينــي واإلفريقــي للتقــارب وخاصــة فــى ظــل التطــورات الدوليــة‬

‫‪122‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الصين أكبر مساهم يف البنك اآلسيوي لالستثمار يف البنية‬ ‫التحتية بفارق كبير حيث تملك حصة تبلغ ‪%30‬‬ ‫والعســكرية املتناميــة للصــن‪ ،‬إلــى جانــب مقعدهــا الدائــم يف مجلــس‬ ‫األمــن التابــع لــأمم املتحــدة‪ ،‬مصــد ًرا مه ًمــا للدعــم السياســي‪ ،‬ال‬ ‫ســيما مــع عــدم تبنــي بكــن الــرؤى الغربيــة بشــأن بعــض القضايــا مثل‬ ‫حقــوق اإلنســان والدميقراطيــة‪.‬‬ ‫‪ -2‬عقبــات متعــددة‪ :‬هنــاك عــدد مــن العقبــات التــي قــد حتــول‬ ‫انضمــام دول مجلــس التعــاون اخلليجــي إلــى البريكــس‪ ،‬يف مقدمتهــا‬ ‫العالقــات الصينيــة مــع إيــران‪ ،‬التــي تهــدد أمــن واســتقرار دول‬ ‫ً‬ ‫ملحوظــا‬ ‫اخلليــج‪ ،‬خاصــة أن هــذه العالقــات قــد اكتســبت زخ ًمــا‬ ‫عقــب توقيــع إيــران والصــن‪ ،‬يف مــارس ‪2021‬م‪ ،‬اتفــاق تعــاون‬ ‫ً‬ ‫رســوخا بــن‬ ‫اســتراتيجي مدتــه ‪ 25‬عا ًمــا‪ ،‬يؤســس لعالقــات أكثــر‬ ‫اجلانبــن يف املســتقبل مــن جهــة أولــى‪ ،‬ويعــزز احلضــور الصينــي‬ ‫يف منطقــة اخلليــج مــن جهــة ثانيــة‪ ،‬ويزيــد مــن قــدرة إيــران علــى‬ ‫حتــدي العقوبــات األمريكيــة ويوطــد نفوذهــا اإلقليمــي مــن جهــة‬ ‫ثالثــة‪ .‬لذلــك ســتكون الصــن مطالبــة بالعمــل علــى حتقيــق تــوازن يف‬ ‫عالقاتهــا مــع القــوى اإلقليميــة املتنافســة‪ ،‬إذا مــا رغبــت يف تعزيــز‬ ‫عالقاتهــا مــع دول اخلليــج‪.‬‬ ‫عــاوة علــى بعــض املخــاوف املتعلقــة ببعــض املمارســات االقتصاديــة‬ ‫الصينيــة‪ ،‬ومنهــا اإلغــراق االقتصــادي واملنافســة غيــر العادلــة‬ ‫بســبب تدنــي مســتويات صادراتهــا وكذلــك اتبــاع ممارســات مضــرة‬ ‫بالبيئــة‪ ،‬إلــى جانــب املخــاوف املرتبطــة باحتمــال وقــوع بعــض الــدول‬ ‫اخلليجيــة‪ ،‬التــي تعانــي اقتصاداتهــا مــن صعوبــات بالغــة‪ ،‬يف فــخ‬ ‫الديــون الصينيــة‪ .‬وهــو مــا يســتدعي أن تعمــل الصــن علــى إيجــاد‬ ‫صيغــة لشــراكة إقليميــة متوازنــة مــع دول اخلليــج‪ ،‬ال تخــدم االقتصاد‬ ‫الصينــي فحســب‪.‬‬ ‫فضـ ًـا عــن املنافســة احملتملــة مــن قبــل بعــض الشــركات الصينيــة‬ ‫التي تتوســع يف موانئ منطقة الشــرق األوســط لنظيراتها اخلليجية‪،‬‬ ‫فالصــن لديهــا اهتمــام متنامــي مبنطقــة البحــر األحمــر وغــرب‬ ‫احمليــط الهنــدي‪ ،‬ويف الوقــت نفســه تســعى بعــض الــدول اخلليجيــة‪،‬‬ ‫خاصــة الســعودية واإلمــارات‪ ،‬إلــى االســتثمار يف مشــروعات ذات‬ ‫صلــة مببــادرة احلــزام والطريــق ســواء يف القــرن اإلفريقــي أو املمــر‬ ‫االقتصــادي بــن الصــن وباكســتان‪.‬‬ ‫يُضــاف إلــى ذلــك‪ ،‬عــدم وجــود اتفــاق بــن الــدول أعضــاء البريكــس‬

‫علــى فكــرة دعــوة أعضــاء جــدد لالنضمــام إليــه‪ ،‬وقــد ســبق أن‬ ‫ُقوبلــت مبــادرة بريكــس – بلــس التــي طرحتهــا الصــن عــام ‪2017‬م‪،‬‬ ‫مبعارضــة بعــض أعضائــه ويف مقدمتهــم الهنــد‪ ،‬التــي رأت أن‬ ‫دعــوة دول جــدد لالنضمــام‪ ،‬مــن شــأنها تقويــض أهــداف البريكــس‬ ‫األصليــة‪.‬‬ ‫ومــن جملــة مــا ســبق ميكــن القــول أنــه بالرغــم مــن أهميــة الفوائــد‬ ‫التــي ميكــن حتقيقهــا مــن انضمــام دول مجلــس التعــاون اخلليجــي‬ ‫لتجمــع بريكــس‪ ،‬فــإن ذلــك ال ينفــي وجــود عقبــات عــدة قــد متنــع‬ ‫حــدوث ذلــك‪ ،‬ويتطلــب التغلــب عليهــا إيجــاد آليــات مؤسســية‬ ‫منتظمــة للتواصــل والتنســيق بــن اجلانبــن‪.‬‬

‫* باحثة متخصصة يف شؤون أمريكا الالتينية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫اســتخدام البيانــات الضخمــة وتكنولوجيــا املعلومــات لتتبــع انتشــار‬ ‫الفيــروس‪ ،‬إلــى جانــب تلقــي الــدول اخلليجيــة للقاحــات الصينيــة‬ ‫املضــادة للفيــروس‪.‬‬ ‫وتتمتــع اإلمــارات العربيــة املتحــدة واململكــة العربيــة الســعودية‪،‬‬ ‫بأعلــى مســتوى مــن التعــاون مــع الصــن ملواجهــة جائحــة كورونــا‪.‬‬ ‫وكان مــن الالفــت للنظــر التعــاون الصينــي اإلماراتــي يف مجــال‬ ‫اكتشــاف وتشــخيص حــاالت اإلصابــة بفيــروس كورونــا‪ ،‬إلــى جانــب‬ ‫اســتضافة اإلمــارات للمرحلــة الثالثــة مــن التجربــة الســريرية علــى‬ ‫اللقــاح الصينــي املضــاد لكورونــا‪.‬‬ ‫‪ -5‬عالقــات عســكرية متناميــة‪ :‬تعتمــد الصــن بشــكل أساســي علــى‬ ‫النظــام األمنــي القائــم يف اخلليــج حلمايــة إمداداتهــا مــن النفــط‬ ‫وصادراتهــا إلــى اخلليــج‪ ،‬وهــو نظــام قائــم منــذ عقــود علــى الشــراكة‬ ‫بــن دول مجلــس التعــاون والواليــات املتحــدة‪ .‬ويوفــر هــذا النظــام‬ ‫األمنــي حمايــة مجانيــة للصــن يف اخلليــج‪ ،‬ويعفيهــا مــن التعقيــدات‬ ‫املتعلقــة بوجــود عســكري صينــي‪.‬‬ ‫ومــع ذلــك‪ ،‬فقــد شــهدت الســنوات األخيــرة اهتما ًمــا متنــام مــن‬ ‫قبــل الصــن بتعزيــز عالقاتهــا العســكرية مــع دول مجلــس التعــاون‪،‬‬ ‫مدفوعــا برغبــة بكــن يف حمايــة مصاحلهــا‬ ‫وكان هــذا االهتمــام‬ ‫ً‬ ‫االقتصاديــة وتأمــن إمداداتهــا مــن النفــط‪ ،‬وضمــان حريــة املالحــة‬ ‫يف املمــرات الدوليــة املهمــة‪ ،‬وهــو مــا اكتســب أهميــة متزايــدة يف‬ ‫ظــل اخلطــط األمريكيــة لالنســحاب العســكري مــن بــؤر الصــراع يف‬ ‫منطقــة الشــرق األوســط‪.‬‬ ‫وبــرز التعــاون العســكري الصينــي مــع دول املجلــس بشــكل واضــح مــع‬ ‫مبيعــات األســلحة الصينيــة لبعــض دولــه‪ ،‬وخاصــة الطائــرات بــدون‬ ‫طيــار‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬مــا تــزال هــذه املبيعــات محــدودة للغايــة‪ ،‬ومــن غيــر‬ ‫املرجــح أن تنجــح بكــن يف التفــوق علــى مــوردي األســلحة الغربيــن‪،‬‬ ‫خاصــة إن األســلحة الصينيــة أقــل تقد ًمــا مــن الناحيــة التكنولوجيــة‬ ‫مــن نظيراتهــا الغربيــة‪.‬‬ ‫ويحظــى التعــاون يف مجــال الطاقــة النوويــة بأهميــة متزايــدة مــن‬ ‫بعــض دول املجلــس‪ ،‬ويف مقدمتهــا الســعودية‪ ،‬التــي تســعى إلــى‬ ‫احلصــول علــى مصــادر بديلــة للطاقــة‪ .‬وقــد وقــع البلــدان يف عــام‬ ‫‪2012‬م‪ ،‬علــى اتفاقيــة "لتعزيــز التعــاون بــن البلديــن يف اســتخدام‬ ‫الطاقــة الذريــة لألغــراض الســلمية"‪ ،‬ويف عــام ‪2017‬م‪ ،‬وقعــت شــركة‬ ‫مجموعــة الهندســة النوويــة الصينيــة مذكــرة تفاهــم مــع شــركة‬ ‫ســعودية لتحليــة ميــاه البحــر باســتخدام مفاعــات نوويــة مبــردة‬ ‫بالغــاز‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫راب ًعا‪ :‬مزايا االنضمام للبريكس وأبرز القيود‬

‫‪121‬‬

‫ملف العدد‬

‫ال توجــد حتــى اآلن دعــوة صريحــة مــن قبــل جتمــع بريكــس أليــة دولــة‬ ‫أو جتمــع إقليمــي لالنضمــام إليــه‪ ،‬ومــع ذلــك‪ ،‬فقــد ســبق أن طرحــت‬ ‫البرازيــل يف عــام ‪2019‬م‪ ،‬علــى لســان "إدواردو بولســونارو"‪ ،‬رئيــس‬ ‫جلنــة العالقــات اخلارجيــة والدفــاع الوطنــي يف مجلــس النــواب‬ ‫البرازيلــي‪ ،‬تدشــن تكتــل شــبيه ببريكــس مــع دول اخلليــج للعمــل‬ ‫علــى حتقيــق أهــداف مشــتركة‪ .‬إضافــة إلــى اقتــراح الصــن آليــة‬ ‫بريكــس – بلــس الســالف اإلشــارة إليهــا‪ .‬وبصفــة ميكــن أن يحقــق‬ ‫انضمــام دول مجلــس التعــاون اخلليجــي لتجمــع البريكــس مجموعــة‬ ‫مــن الفوائــد واملنافــع املشــتركة للجانبــن‪ ،‬ومــع ذلــك‪ ،‬فــإن هنــاك‬ ‫عــدة معوقــات قــد حتــول دون االنضمــام للتجمــع‪ ،‬وذلــك كمــا يتضــح‬ ‫فيمــا يلــي‪:‬‬ ‫‪ -1‬فوائــد ومنافــع متنوعــة‪ :‬يوفــر االنضمــام لتجمــع بريكــس فوائــد‬ ‫عديــدة ملجلــس التعــاون اخلليجــي‪ ،‬يأتــي يف مقدمتهــا دفــع منوهــا‬ ‫االقتصــادي قد ًمــا نتيجــة املصالــح االقتصاديــة املشــتركة بــن‬ ‫اجلانبــن‪ ،‬فمــن ناحيــة متــد دول املجلــس كل مــن الصــن والهنــد‬ ‫باحتياجاتهمــا مــن النفــط‪ ،‬الــازم الســتمرار النمــو االقتصــادي يف‬ ‫البلديــن‪ ،‬ومــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬قــد يُشـ ّكل التعــاون االقتصــادي مــع دول‬ ‫البريكــس‪ ،‬ويف مقدمتهــا الصــن‪ ،‬مصــد ًرا مه ًمــا لتحقيــق االســتقرار‬ ‫يف اخلليــج؛ فاســتمرار تدفــق عائــدات النفــط ُيثــل متطل ًبــا محوريَــا‬ ‫لضمــان تنفيــذ االســتراتيجيات التنمويــة اخلليجيــة وخفــض معــدالت‬ ‫البطالــة والفقــر‪ .‬وميكــن أن يكــون توثيــق التعــاون بــن البريكــس‬ ‫ومجلــس التعــاون فرصــة مهمــة لدعــم االســتراتيجيات الوطنيــة‬ ‫الراميــة إلــى تنويــع مصــادر الدخــل وتقليــل االعتمــاد علــى النفــط‪،‬‬ ‫يف ظــل املخــاوف اخلليجيــة اجلديــة بشــأن اســتدامة عائداتهــا مــن‬ ‫النفــط والغــاز خــال العقــود القادمــة‪ ،‬لذلــك فهــي تعمــل علــى زيــادة‬ ‫االســتثمارات يف القطاعــات غيــر النفطيــة‪ ،‬ومنهــا الطاقــة املتجــددة‪،‬‬ ‫التــي تقــود الصــن االســتثمار العاملــي فيهــا‪.‬‬ ‫ويف الوقــت ذاتــه‪ ،‬ســوف يُســهم التعــاون اخلليجــي مــع دول جتمــع‬ ‫بريكــس‪ ،‬خاصــة الصــن‪ ،‬يف تنويــع الشــراكات الدوليــة لــدول‬ ‫املجلــس‪ ،‬وحتقيــق قــدر مــن التــوازن يف عالقاتهــا اخلارجيــة‪ ،‬ولهــذا‬ ‫البعــد أهميــة خاصــة بالنســبة للــدول اخلليجيــة يف هــذا التوقيــت‬ ‫بالتحديــد‪ ،‬يف ظــل الرغبــة األمريكيــة يف عــدم االنخــراط يف‬ ‫الصراعــات اإلقليميــة واالنســحاب العســكري مــن املنطقــة‪.‬‬ ‫وميكــن أن تكــون الصــن‪ ،‬مواز ًنــا جيوسياســ ًيا للواليــات املتحــدة‪،‬‬ ‫وليــس بد ًيــا عنهــا‪ ،‬حيــث جتــد دول اخلليــج يف القــوة االقتصاديــة‬

‫‪120‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تُنادي دول البريكس بإشراك البلدان النامية يف القضايا العالمية‬ ‫وتمثيل أوسع يف المؤسسات العالمية‬ ‫وأصبحــت الصــن أكبــر ســوق لصــادرات النفــط الســعودي متجــاوزة‬ ‫الواليــات املتحــدة واليابــان‪.‬‬ ‫إضافــة إلــى وجــود اهتمــام ملحــوظ مــن قبــل الصــن بإيجــاد ســوق‬ ‫للرمنينبــي (‪ )RMB‬يف منطقــة اخلليــج‪ ،‬كجــزء مــن مشــروع‬ ‫تدويــل أوســع لعملتهــا الوطنيــة مبعنــى تســوية الصفقــات التجاريــة‬ ‫بالرمنينبــي بــدالً مــن الــدوالر‪ .‬ومنــذ عــام ‪2014‬م‪ ،‬تعتبــر الصــن‬ ‫دبــي كمركــز مقاصــة رئيســي لليــوان‪ ،‬وهــي تســعى ً‬ ‫أيضــا إلــى إقامــة‬ ‫شــراكات مماثلــة مــع دول مجلــس التعــاون اخلليجــي األخــرى‪ ،‬مبــا يف‬ ‫ذلــك الكويــت واململكــة العربيــة الســعودية‪.‬‬ ‫‪ -2‬أولويــة خاصــة ملبــادرة احلــزام والطريــق‪ :‬تعتبــر دول اخلليــج‬ ‫شــركاء أساســيني يف مبــادرة احلــزام والطريــق‪ ،‬نظــ ًرا ملوقعهــا‬ ‫اجلغــرايف االســتراتيجي واحتياطياتهــا الضخمــة مــن النفــط‪.‬‬ ‫وأصبــح االســتثمار الصينــي يف مشــاريع البنيــة التحتيــة والتشــييد‬ ‫موضوعــا رئيســ ًيا يف اللقــاءات‬ ‫يف إطــار مبــادرة احلــزام والطريــق‬ ‫ً‬ ‫الثنائيــة بــن كبــار املســؤولني يف اجلانبــن‪ .‬ويعــزز ذلــك التقــارب يف‬ ‫الــرؤى بــن البرامــج التنمويــة يف مبــادرة احلــزام والطريــق والــرؤى‬ ‫واخلطــط التنمويــة اخلليجيــة‪.‬‬ ‫تركــز الشــركات الصينيــة يف الغالــب علــى املشــاريع التــي تالئــم هدف‬ ‫مبــادرة احلــزام والطريــق املتمثــل يف تعزيــز االتصــال‪ ،‬خاصــة تطويــر‬ ‫املوانــئ واملجمعــات الصناعيــة‪ ،‬ألنهــا تخلــق سالســل اقتصاديــة‬ ‫تربــط الصــن باخلليــج العربــي وبحــر العــرب والبحريــن األحمــر‬ ‫واملتوســط‪ .‬وقــد جــاءت الســعودية واإلمــارات يف ُمقدمــة دول الشــرق‬ ‫األوســط وشــمال إفريقيــا‪ ،‬املســتقبلة لالســتثمارات الصينيــة خــال‬ ‫الفتــرة ‪2005-2020‬م‪ ،‬حيــث نفــذت الصــن مشــروعات يف البلديــن‬ ‫تُقــدر قيمتهــا بنحــو ‪ 38.64‬مليــار دوالر و‪ 33.53‬مليــار دوالر علــى‬ ‫التوالــي‪ ،‬وف ًقــا لبيانــات ‪.American Enterprise Institute‬‬ ‫ويُعتبــر التعــاون يف مجــال التكنولوجيــا‪ ،‬يف إطــار مــا يُعــرف بـــ‬ ‫"طريــق احلريــر الرقمــي" محــو ًرا آخــر مــن محــاور التعــاون املهــم بــن‬ ‫اجلانبــن‪ ،‬ويتضــح ذلــك يف توقيــع العديــد مــن مذكــرات التفاهــم بــن‬ ‫الشــركات اخلليجيــة ونظيراتهــا الصينيــة وخاصــة شــركة هــواوي يف‬ ‫مجــاالت بنــاء شــبكات ‪ G5‬وخدمــات األقمــار الصناعيــة واألمــن‬ ‫اإللكترونــي وإنشــاء احملتــوى الرقمــي والتدريــب وغيرهــا‪.‬‬

‫‪ -3‬شــراكات اســتراتيجية وثيقــة‪ :‬تقــوم الدبلوماســية الصينيــة‬ ‫بشــكل أساســي علــى اســتخدام اتفاقيــات الشــراكة االســتراتيجية‬ ‫لتعزيــز العالقــات السياســية‪ ،‬كبديــل عــن التحالفــات‪ .‬ومــن بــن دول‬ ‫مجلــس التعــاون اخلليجــي‪ ،‬ترتبــط كل مــن اململكــة العربيــة الســعودية‬ ‫واإلمــارات العربيــة املتحــدة بشــراكة اســتراتيجية شــاملة مــع الصــن‪،‬‬ ‫ولديهمــا أكثــر العالقــات االقتصاديــة والسياســية تطــوراً معهــا‪.‬‬ ‫وتأتــي جميــع دول اخلليــج األخــرى يف املســتوى التالــي مــن الشــراكة‪،‬‬ ‫الشــراكة اإلســتراتيجية‪ ،‬باســتثناء البحريــن‪ ،‬التــي لــم تنشــئ مثــل‬ ‫هــذه الشــراكة بعــد‪.‬‬ ‫وبالرغــم مــن أن العالقــات بــن الصــن والــدول اخلليجيــة يتــم‬ ‫تنســيقها مــن قبــل كبــار املســؤولني يف اجلانبــن‪ ،‬وهــو مــا يعكــس‬ ‫األهميــة اخلاصــة التــي توليهــا كل حكومــة لهــذه العالقــات‪ ،‬فــإن‬ ‫إنشــاء آليــات رســمية إلضفــاء الطابــع املؤسســي علــى الشــراكة‬ ‫الصينيــة اخلليجيــة هــو دليــل آخــر علــى نهــج منظــم لتطويــر عالقــات‬ ‫مســتدامة طويلــة األمــد‪ .‬يف هــذا الســياق‪ ،‬قامــت اململكــة العربيــة‬ ‫الســعودية والصــن يف عــام ‪2016‬م‪ ،‬بإنشــاء اللجنــة املشــتركة رفيعــة‬ ‫املســتوى‪ ،‬وعينــت دولــة اإلمــارات أول مبعــوث رئاســي خــاص للصــن‬ ‫يف عــام ‪2018‬م‪ ،‬كمــا عينــت الصــن ممثــل خــاص لهــا لــدى اإلمــارات‪.‬‬ ‫وتطــورت عالقــات التعــاون بــن الصــن ودول مجلــس التعــاون‬ ‫اخلليجــي لتشــمل الدعــم املتبــادل يف احملافــل الدوليــة‪ ،‬إضافــة‬ ‫إلــى عقــد اجتماعــات رفيعــة املســتوى للتباحــث يف القضايــا محــل‬ ‫االهتمــام املشــترك‪ ،‬كان أخرهــا االجتمــاع الــوزاري املشــترك لــوزراء‬ ‫خارجيــة دول مجلــس التعــاون اخلليجــي‪ ،‬مــع الصــن‪ ،‬والــذي ُعقــد‬ ‫يف نوفمبــر ‪2020‬م‪.‬‬ ‫‪ -4‬تعــاون الفــت يف مكافحــة كوفيــد ‪ :19-‬م ّثلــت جائحــة كوفيــد – ‪19‬‬ ‫فرصــة ســانحة للصــن لتعزيــز نفوذهــا يف منطقــة الشــرق األوســط‬ ‫عمو ًمــا‪ ،‬وكان التعــاون يف مجــال مكافحــة الفيــروس محــو ًرا مه ًمــا مــن‬ ‫محــاور التعــاون مــع دول اخلليــج‪ ،‬التــي قدمــت املســاعدات للصــن‬ ‫يف بدايــة األزمــة‪ ،‬لكــن ســرعان مــا قامــت بكــن بإرســال املســاعدات‬ ‫واملســتلزمات الطبيــة إلــى الــدول اخلليجيــة بعدمــا جنحــت يف احتــواء‬ ‫انتشــار الفيــروس‪ .‬وقــد تبــادل اخلبــراء الصينيــون مــع نظرائهــم يف‬ ‫دول اخلليــج‪ ،‬املعلومــات بشــأن أفضــل املمارســات‪ ،‬وكذلــك كيفيــة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪119‬‬

‫ملف العدد‬

‫البريكس قوة اقتصادية كبرى تضم اقتصادات تمثل ‪ ٪24‬من‬ ‫الناتج المحيل العالمي و ‪ ٪16‬من التجارة العالمية‬ ‫املعدل السنوي لنمو الناجت احمللي اإلجمالي لدول البريكس (‪)%‬‬

‫املشــتركة‪ ،‬بحيــث ميكــن لتعــاون بريكــس أن يعكــس بشــكل أفضــل‬ ‫املوقــف اجلماعــي بشــأن تطلعــات البلــدان الناميــة‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬فــإن‬ ‫هــذه املبــادرة تُشــير إلــى أن الصــن حتــاول بجديــة جعــل البريكــس‬ ‫واضحــا لتعزيــز طموحاتهــا للقيــادة العامليــة‪.‬‬ ‫منوذجــا‬ ‫ً‬ ‫ً‬

‫املصــدر‪ :‬قامــت الباحثــة بإعــداد اجلــدول بنــاء علــى بيانــات‬ ‫موقــع البنــك الدولــي حــول النــاجت احمللــي اإلجمالــي‪.‬‬

‫يربــط الصــن ودول مجلــس التعــاون اخلليجــي عالقــات وثيقــة‬ ‫ومتنوعــة يف مختلــف املجــاالت‪ ،‬مــن أهمهــا مــا يلــي‪:‬‬ ‫‪ 1‬تعــاون اقتصــادي قــوي‪ :‬شــهدت الســنوات األخيــرة‪ ،‬ازدهــار حركــة‬‫التبــادل التجــاري بــن الصــن والشــرق األوســط‪ ،‬والتــي تضاعفــت‬ ‫لتصــل إلــى مــا يقـ ُرب مــن ‪ 245‬مليــار دوالر مــع الــدول العربيــة‪ .‬وتُعــد‬ ‫دول مجلــس التعــاون اخلليجــي مــن الشــركاء التجاريــن الرئيســيني‬ ‫للصــن‪ ،‬وقــد جتــاوز التبــادل التجــاري بــن الصــن ودول مجلــس‬ ‫التعــاون (‪ )180‬مليــار دوالر‪ ،‬يف عــام ‪ ،2019‬أو ‪ 11%‬مــن إجمالــي‬ ‫التجــارة اخلارجيــة للمجلــس‪ .‬ويف عــام ‪2020‬م‪ ،‬حلَّــت الصــن محــل‬ ‫االحتــاد األوروبــي فأصبحــت الشــريك التجــاري األول ملجلــس‬ ‫التعــاون‪.‬‬ ‫ومــن املتوقــع أن تنمــو التجــارة الثنائيــة بوتيــرة أســرع خــال الســنوات‬ ‫القادمــة‪ ،‬خاصــة مــع تأكيــد وزيــر اخلارجيــة الصينــي "وانــغ يــي"‬ ‫خــال زيارتــه اخلليجيــة يف مــارس ‪2021‬م‪ ،‬علــى رغبــة بــاده يف‬ ‫الوصــول إلــى اتفــاق نهائــي بخصــوص مفاوضــات اتفاقيــة التجــارة‬ ‫احلــرة بــن الصــن واملجلــس‪ ،‬إلــى جانــب توقعــات وكالــة الطاقــة‬ ‫الدوليــة (‪ )IEA‬بــأن تضاعــف بكــن وارداتهــا النفطيــة مــن املنطقــة‬ ‫بحلــول عــام ‪2035‬م‪.‬‬ ‫وكان مــن بــن العوامــل الرئيســية النتعــاش حركــة التبــادل التجــاري‬ ‫بــن الصــن ودول املجلــس‪ ،‬حاجــة بكــن إلــى ضمــان تدف ًقــا غيــر‬ ‫متقطــع للنفــط والغــاز مــن منطقــة الشــرق األوســط وشــمال إفريقيــا‪،‬‬ ‫الســتمرار منوهــا االقتصــادي الســريع‪ .‬ويكتســب النفــط أهميــة‬ ‫متزايــدة بالنســبة للصــن‪ ،‬التــي أصبحــت مســتور ًدا صاف ًيــا للطاقــة‬ ‫يف عــام ‪1993‬م‪ ،‬كمــا أصبحــت بكــن منــذ عــام ‪2015‬م‪ ،‬أكبــر مســتورد‬ ‫عاملــي للنفــط اخلــام‪ .‬ويف عــام ‪2019‬م‪ ،‬كانــت الســعودية أكبــر مــورد‬ ‫للنفــط إلــى الصــن مــن بــن دول الشــرق األوســط وشــمال إفريقيــا‪،‬‬ ‫وثانــي مــورد للنفــط إلــى بكــن علــى مســتوى العالــم بعــد روســيا‪.‬‬

‫ دولــة قائــد للتجمــع‪ :‬تُعتبــر الصــن احملــرك الرئيــس للمبــادرات‬‫املطروحــة داخــل البريكــس‪ ،‬وهــو مــا يُعــد ترجمــة حقيقيــة لقوتهــا‬ ‫االقتصاديــة الكبيــرة‪ ،‬مقارنــة ببقيــة الــدول األعضــاء‪ .‬وقــد طرحــت‬ ‫بكــن العديــد مــن املبــادرات التــي تعكــس رغبتهــا يف االســتفادة مــن‬ ‫قوتهــا االقتصاديــة يف تعزيــز نفوذهــا علــى الســاحة الدوليــة‪.‬‬ ‫يف هــذا اإلطــار‪ ،‬أنشــأت الصــن يف عــام ‪2013‬م‪ ،‬البنــك اآلســيوي‬ ‫لالســتثمار يف البنيــة التحتيــة ‪ ،))AIIB‬وأطلقــت مبــادرة احلــزام‬ ‫والطريــق (‪ .)BRI‬ويف عــام ‪2014‬م‪ ،‬وقعــت مــع بقيــة دول البريكــس‬ ‫بنــود اتفاقيــة بنــك التنميــة اجلديــد‪ ،‬الــذي متتلــك فيــه كل دول‬ ‫البريكــس حصــص متســاوية‪ ،‬وقــد ســاهم كل منهــا مببلــغ ‪ 10‬مليــارات‬ ‫دوالر يف رأس مالــه املشــترك األولــي‪.‬‬ ‫علــى النقيــض مــن ذلــك‪ ،‬فــإن الصــن هــي أكبــر مســاهم يف البنــك‬ ‫اآلســيوي لالســتثمار يف البنيــة التحتيــة بفــارق كبيــر‪ ،‬حيــث متلــك‬ ‫حصــة تبلــغ ‪ ،30٪‬مقارنــة بنســبة ‪ 8.6٪‬للهنــد و ‪ 6.7٪‬لروســيا‪ .‬ويف‬ ‫الوقــت نفســه‪ ،‬لــم تقــدم البرازيــل وجنــوب إفريقيــا أي مســاهمات‬ ‫رأســمالية حتــى اآلن‪.‬‬ ‫‪ 3‬مبــادرة بريكــس – بلــس‪ :‬اقترحــت الصــن خــال قمــة دول‬‫البريكــس ‪ 2017‬م‪ ،‬يف شــيامن بالصــن‪ ،‬توســيع البريكــس وإنشــاء‬ ‫"بريكــس ‪ -‬بلــس"‪ ،‬يف محاولــة مــن جانبهــا لضــم أعضــاء جــدد إلــى‬ ‫التجمــع‪ ،‬مــن الــدول الناميــة الكبــرى‪ ،‬خاصــة إنــه قــد جــرى عقــد‬ ‫عــدة جــوالت مــن احلــوار مــع الــدول الناميــة األخــرى خــارج البريكــس‬ ‫علــى مــدار القمــم اخلاصــة بالتكتــل‪.‬‬ ‫وتنظــر الصــن ملبــادرة البريكــس – بلــس‪ ،‬كخطــوة لتعزيــز العالقــات‬ ‫مــع البلــدان الناميــة وحتقيــق املزيــد مــن التنســيق يف املواقــف‬

‫ثال ًثــا‪ :‬خصوصيــة العالقــات الصينيــة مــع دول مجلــس التعــاون‬ ‫الخليجــي‬

‫‪118‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ُي سهم مجلس التعاون مع تجمع بريكس يف تنويع الشراكات‬ ‫الدولية وتحقيق قدر من التوازن يف عالقاتها الخارجية‬ ‫التصويــت يف هــذه املؤسســات مــن أجــل زيــادة القــوة التصويتيــة‬ ‫لبعــض دولــه‪ ،‬ال تــزال الواليــات املتحــدة وأوروبــا تهمــن علــى‬ ‫حصــص التصويــت‪ .‬األمــر الــذي دفــع دول التجمــع إلــى إنشــاء بنــك‬ ‫التنميــة اجلديــد (‪ )NDB‬وصنــدوق احتياطــات ماليــة طارئــة يف‬ ‫عــام ‪2014‬م‪ ،‬وقــد مت تقــدمي هــذه املبــادرات كإضافــة ملؤسســات‬ ‫بريتــون وودز القائمــة‪ ،‬لكنهــا ميكــن أن تكــون بديـ ًـا لهــذه املؤسســات‬ ‫ويثــل بنــك التنميــة وصنــدوق االحتياطــات خطوتــان‬ ‫يف املســتقبل‪ُ ،‬‬ ‫مهمتــان مــن جانــب البريكــس إلعــادة تشــكيل النظــام املالــي العاملــي‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬أهمية خاصة لدور الصين داخل التجمع‬

‫تشــغل الصــن مكانــة محوريــة داخــل جتمــع البريكــس‪ ،‬ويتضــح ذلــك‬ ‫يف عــدد مــن املؤشــرات‪ ،‬مــن أهمهــا‪:‬‬ ‫‪ -1‬القــوة االقتصاديــة األكبــر‪ :‬تعتبــر الصــن القــوة االقتصاديــة‬ ‫الرئيســية داخــل التجمــع‪ ،‬ليــس هــذا فحســب بــل إنهــا ثانــي أكبــر‬ ‫قــوة اقتصاديــة علــى مســتوى العالــم‪ ،‬ووف ًقــا لبنــك أوف أميــركا‪ ،‬فــإن‬ ‫الصــن ســتكون قــادرة علــى مضاعفــة ناجتهــا احمللــي اإلجمالــي‬ ‫بحلــول عــام ‪2035‬م‪ ،‬وجتــاوز الواليــات املتحدة كأكبر اقتصاد يف العالم‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪117‬‬

‫ملف العدد‬

‫تجمــع البريك ــس ومجل ــس التعــاون الخليج ــي‪ :‬التأثير والنتائج‬

‫الصيـن تحـاول جعـل البريكـس أداة لتعزيـز‬ ‫طموحاتها للقيادة العالمية بضم أعضاء جدد‬

‫ُي ّثــل جتمــع بريكــس ‪ Brics‬واحـدًا مــن التجمعــات الصاعــدة علــى الســاحة الدوليــة‪ ،‬ويعــود تاريــخ نشــأته إلــى عــام ‪2006‬م‪،‬‬ ‫وقــد تك ـ ّون حينهــا مــن كل مــن البرازيــل‪ ،‬روســيا‪ ،‬الهنــد‪ ،‬والصــن‪ ،‬ثــم انضمــت إليــه جنــوب إفريقيــا عــام ‪2010‬م‪ ،‬ويســعى‬ ‫هــذا التجمــع إلــى تعزيــز التعــاون بــن الــدول األعضــاء يف املجــال األمنــي واالقتصــادي واحلــوار بــن الشــعوب‪ ،‬كمــا يســتهدف‬ ‫الدفــاع عــن مصالــح الــدول واالقتصــادات الصاعــدة داخــل النظــام االقتصــادي العاملــي‪ ،‬مســتفيدًا يف ذلــك مــن تنامــي الثقــل‬ ‫االقتصــادي والسياســي للــدول األعضــاء فيــه‪.‬‬ ‫وميكــن أن ُيثــل التعــاون بــن مجلــس التعــاون اخلليجــي والبريكــس فرصــة مهمــة لتحقيــق املصالــح املشــتركة لشــعوب دول‬ ‫التجمعــن‪ ،‬وهــو األمــر الــذي يتطلــب تبيــان املنافــع احملتملــة مــن االنضمــام للتجمــع والقيــود والعوائــق التــي قــد حتــول دون‬ ‫ذلــك‪.‬‬

‫د‪ .‬صدفة محمد محمود‬

‫ً‬ ‫أول‪ :‬أهمية متزايدة لتجمع بريكس عىل الساحة الدولية‬

‫تنبــع أهميــة جتمــع بريكــس علــى الســاحة الدوليــة مــن اعتبــارات‬ ‫عــدة‪ ،‬مــن أهمهــا‪:‬‬ ‫‪ -1‬قــوة اقتصاديــة وبشــرية ضخمــة‪ :‬يُعــد البريكــس قــوة اقتصاديــة‬ ‫كبــرى‪ ،‬تضــم االقتصــادات الناشــئة الرئيســية مــن العالــم‪ ،‬التــي ُتثــل‬ ‫‪ ٪24‬مــن النــاجت احمللــي اإلجمالــي العاملــي‪ ،‬ولديهــا حصــة تزيــد‬ ‫عــن ‪ ٪16‬يف التجــارة العامليــة‪ ،‬وذلــك وف ًقــا لبيانــات البنــك الدولــي‬ ‫لعــام ‪2019‬م‪ .‬وكانــت دول البريكــس هــي احملــرك الرئيســي للنمــو‬ ‫االقتصــادي العاملــي علــى مــدار الســنوات املاضيــة‪.‬‬ ‫إلــى جانــب ذلــك‪ ،‬تُشــكل دول التجمــع نحــو ‪ ٪41‬مــن ســكان العالــم‪،‬‬ ‫أي ‪ 3.14‬مليــار نســمة‪ ،‬وهــو مــا يعنــي قــوة شــرائية ضخمــة وأســواق‬ ‫واســعة للصــادرات والــواردات مــن مختلــف الســلع واخلدمــات‪ ،‬وذلــك‬ ‫علــى مســاحة إجماليــة تبلــغ ‪ ٪29.3‬مــن إجمالــي مســاحة اليابســة‬ ‫يف العالــم‪.‬‬ ‫‪ -2‬بديــل للنظــام الدولــي القائــم‪ :‬ينظــر البعــض لتجمــع بريكــس‬ ‫باعتبــاره ُي ّثــل بديـ ًـا للنظــام الدولــي القائــم‪ ،‬والــذي تهيمــن عليــه‬ ‫الــدول الغربيــة ويف مقدمتهــا الواليــات املتحــدة‪ .‬ومــن خــال‬ ‫احتادهــا‪ ،‬ميكــن أن توفــر البلــدان املكونــة للبريكــس ثقــل جيوسياســي‬

‫ـواز للغــرب‪ .‬وبينمــا تســتمر دول البريكــس يف التأكيــد علــى أهميــة‬ ‫مـ ٍ‬ ‫تعدديــة األطــراف‪ ،‬مــن الواضــح أنهــا تســتهدف إعــادة هيكلــة النظــام‬ ‫الدولــي احلالــي‪ ،‬مبــا يتناســب مــع القــوة االقتصاديــة املتزايــدة للــدول‬ ‫الصاعــدة‪ ،‬ليصبــح أكثــر تعدديــة وعدالــة ومتثيـ ًـا للمصالــح املشــتركة‬ ‫لــدول العالــم‪.‬‬ ‫يف ذات الوقــت‪ ،‬تقــدم البيانــات الصــادرة عــن التجمــع‪ ،‬رؤى مغايــرة‬ ‫للــدول الغربيــة يف التعامــل مــع القضايــا الدوليــة‪ ،‬خاصــة مــا يتعلــق‬ ‫بأهميــة االلتــزام مببــادئ املســاواة بــن الــدول واحتــرام الســيادة‬ ‫الوطنيــة وعــدم التدخــل يف الشــؤون الداخليــة للبلــدان األخــرى‪.‬‬ ‫وعلــى الرغــم مــن التــزام الــدول أعضــاء التجمــع بإصــاح النظــام‬ ‫الدولــي‪ ،‬وبنــاء عالــم أكثــر تعدديــة‪ ،‬فــا يوجــد توافــق فيمــا بينهــا‬ ‫بشــأن الشــكل الــذي يجــب أن يكــون عليــه النظــام اجلديــد‪.‬‬ ‫‪ -3‬مدافــع عــن مصالــح اجلنــوب العاملــي‪ :‬تُنــادي الــدول أعضــاء‬ ‫البريكــس بضــرورة إشــراك البلــدان الناميــة يف مناقشــة القضايــا‬ ‫العامليــة الرئيســية‪ ،‬كمــا تُطالــب بتمثيــل أوســع يف مؤسســات احلكــم‬ ‫العاملــي‪ ،‬ويف مقدمتهــا صنــدوق النقــد الدولــي والبنــك الدولــي‬ ‫ومنظمــة التجــارة العامليــة‪.‬‬ ‫وعلــى الرغــم مــن قيــام البريكــس باملســاهمة يف إصــاح هيــاكل‬

‫‪116‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫ضعــف ســلطة منظمــة التجــارة العامليــة وتعطــل التجــارة وسالســل‬ ‫القيمــة العامليــة للصناعــات التحويليــة‪ ،‬وهــذه التوتــرات جتعــل مبــادرة‬ ‫حــوار "‪ "UN@75 and Beyond‬ذات أهميــة حاســمة‪ ،‬فهــي‬ ‫تتيــح للــدول الصغــرى واجلهــات الفاعلــة مــن غيــر احلكومــات‪،‬‬ ‫فرصــة ممارســة تأثي ـ ًرا بنــا ًءا يف إعــادة تشــكيل النظــام الدولــي‪.‬‬ ‫الصعود اآلسيوي وحتوالت ميزان القوى االقتصادية‬ ‫لكــن صعــود الصــن الســريع لــن يكــون التحــول الوحيــد الــذي يجــري‬ ‫يف االقتصــاد العاملــي‪ ،‬بــل إن مركــز الثقــل االقتصــادي ســيتحول‬ ‫مــن الغــرب إلــى الشــرق‪ ،‬مصاح ًبــا الترتيــب اجلديــد ألقــوى عشــر‬ ‫اقتصــادات عامليــة عــام ‪2050‬م‪ ،‬والتــي رصدهــا التقريــر علــى النحــو‬ ‫التالــي‪:‬‬ ‫الصــن‪ ،‬الواليــات املتحــدة‪ ،‬الهنــد‪ ،‬إندونيســيا‪ ،‬أملانيــا‪ ،‬اليابــان‪،‬‬ ‫البرازيــل‪ ،‬فرنســا‪ ،‬اململكــة املتحــدة‪ ،‬تركيــا‪ .‬والالفــت يف التوقعــات‬ ‫دخــول تركيــا يف القائمــة‪ ،‬ودخــول ‪ 3‬دول آســيوية وهــي الصــن‬ ‫والهنــد وإندونيســيا‪ ،‬بجانــب اليابــان‪ ،‬ليصبــح هــذا القــرن آســيوياً‬ ‫بامتيــاز يف ظــل مــا ســتحققه اقتصــادات دولهــا مــن معــدالت منــو‬ ‫وطفــرات تنمويــة عاليــة‪.‬‬ ‫وهكــذا مــن املتوقــع أن تتحــول القــوة االقتصاديــة العامليــة بعيــدًا‬ ‫عــن االقتصــادات املتقدمــة يف أمريــكا الشــمالية وأوروبــا الغربيــة‬ ‫واليابــان‪ ،‬خاص ـ ًة أن منــو القــوى العاملــة مــن الســكان ســيتباطأ يف‬ ‫العديــد مــن االقتصــادات الكبــرى‪ ،‬كمــا يف اليابــان وأملانيــا نتيجــة‬ ‫لضعــف النمــو الســكاني وســوف يســتمر هــذا التحــول علــى مــدار‬ ‫الســنوات املقبلــة‪ ،‬حيــث جتــاوزت دول الـــ ‪ E7‬بالفعــل يف عــام ‪2014‬‬ ‫م‪ ،‬دول الـــ ‪ G7‬مبقيــاس معــدل القــوة الشــرائية‪.‬‬

‫الوضع االقتصادي لدول الشرق األوسط عام ‪2050‬‬

‫مــن املتوقــع أن الســعودية ومصــر‪ ،‬مــع كل مــن تركيــا وإيــران‪ ،‬ســتكون‬ ‫ضمــن أكبــر ‪ 32‬اقتصــا ًدا علــى مســتوى العالــم‪ .‬ويتضــح مــن اجلــدول‬ ‫ثبــات ترتيــب الــدول إقليم ًيــا منــذ عــام ‪ 2014‬وحتــى عــام ‪،2030‬‬ ‫حيــث حتتفــظ كل دولــة مبركزهــا‪ ،‬يف حــن يتوقــع حتســن الترتيــب‬ ‫العاملــي لــكل دولــة صعــو ًدا‪ ،‬بحلــول عــام ‪2050‬م‪ ،‬باســتثناء إيــران‬ ‫ً‬ ‫أيضــا التــي ينخفــض ترتيبهــا عامليــا إلــى املرتبــة ‪ ،25‬لتصعــد قبلهــا‬ ‫مصــر يف الترتيــب‪.‬‬ ‫جــدول (‪ ) 4‬تطــور اقتصــادات أهــم دول الشــرق األوســط‬ ‫وترتيبهــا االقتصــادي حتــى عــام ‪2050‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪pwc.The World in 2050. February 2015‬‬

‫اآلثار المترتبة عىل اقتصادات دول الخليج‬

‫تتأثــر اقتصــادات دول اخلليــج العربيــة بالصــراع االقتصــادي‬ ‫بــن الواليــات املتحــدة والصــن ســل ًبا وإيجا ًبــا مــن خــال عــدد‬ ‫مــن القنــوات ‪ ،‬اهمهــا الضغــوط علــى أســعار النفــط‪ ،‬خاصــة إذا‬ ‫مــا تضــرر االقتصــاد العاملــي وهبطــت معــدالت النمــو االقتصــادي‬ ‫ومــن ثــم انخفــض الطلــب علــى النفــط اخلــام وانخفــاض األســعار يف‬ ‫الســوق العامليــة ممــا قــد يؤثــر ســل ًبا علــى مســتويات االنتــاج يف الــدول‬ ‫اخلليجيــة‪ ،‬كمــا ســتؤدي السياســات احلمائيــة إلــى ارتفاع األســعار يف‬ ‫معظــم الــدول ذات الشــراكة التجاريــة‪ ،‬وباألخــص أمريــكا‪ ،‬وبالنظــر‬ ‫إلــى أن دول اخلليــج تســتورد العديــد مــن الســلع‪ ،‬إضافــة إلــى ارتبــاط‬ ‫عمالتهــا بالــدوالر‪ ،‬فســينعكس ذلــك علــى مســتوى التضخــم يف دول‬ ‫اخلليــج‪ ،‬ممــا ســيتطلب مجموعــة مــن السياســات التقييديــة ذات‬ ‫التأثيــر الســلبي واملعاكــس للنمــو‪ ،‬وإذا مــا ارتفــع معــدل التضخــم‬ ‫يف أمريــكا بســبب الرســوم اجلمركيــة املرتفعــة‪ ،‬واضطــر االحتياطــي‬ ‫الفيدرالــي إلــى رفــع ســعر الفائــدة‪ ،‬فســيدفع دول املنطقــة إلــى‬ ‫رفــع معــدل فائدتهــا نظ ـ ًرا للحاجــة إلــى إبقــاء ربــط ســعر الصــرف‬ ‫بالــدوالر األمريكــي‪.‬‬ ‫أخي ـ ًرا قــد يــؤدي عــدم اليقــن واملخاطــر الناجمــة عــن النزاعــات‬ ‫التجاريــة إلــى خــروج رؤوس األمــوال مــن األســواق الناشــئة إلــى‬ ‫األســواق املتقدمــة األكثــر أما ًنــا واســتقرا ًرا‪ ،‬حيــث مــن املمكــن‬ ‫أن تنخفــض وتيــرة تدفقــات رؤوس األمــوال إلــى منطقــة اخلليــج‪،‬‬ ‫وخاصــة يف ظــل ظــروف املنطقــة التــي تشــهد بعــض التوتــرات‪.‬‬ ‫اخلالصة‬ ‫الصــراع القائــم حال ًيــا بــن القطبــن االقتصاديــن الرئيســيني هــو‬ ‫صــراع علــى املصالــح والنفــوذ‪ ،‬لكنــه تطــور طبيعــي مــع بــروز قــوى‬ ‫اقتصاديــة جديــدة وانحســار النفــوذ االقتصــادي للقــوى التقليديــة‪،‬‬ ‫وانــدالع الثــورة التكنولوجيــة احليويــة‪ -‬الرقميــة األولــى وتأثيرهــا‬ ‫علــى حصــص الــدول يف اقتصــاد العالــم‪ ،‬وكمــا أســفرت التطــورات‬ ‫االقتصاديــة بنهايــة احلــرب العامليــة الثانيــة عــن بــروز قــوى جديــدة‪،‬‬ ‫وإعــادة صياغــة النظــام االقتصــادي العاملــي‪ ،‬وفــق مبــاديء بريتــون‬ ‫وودز ومؤسســاته متعــددة األطــراف‪ ،‬فــإن العالــم يشــهد األن تقويــض‬ ‫مؤسســات النظــام الدولــي القائمــة وبــروز مبــادرات لصياغــة نظــام‬ ‫دولــي جديــد‪.‬‬

‫*أستاذ االقتصاد ـ جامعة املنوفية ـ مرص ـ واملستشار االقتصادي السابق لجامعة‬ ‫امللك عبد العزيز ـ جدة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪115‬‬

‫ملف العدد‬

‫أحيان‬ ‫الصراع يتركز أكثر عىل الصدارة والمنافسة الشرسة تسفر يف ٍ‬ ‫كثيرة عن ممارسات وسياسات تتسم بالعدوانية‬ ‫بــاده ليســت مســتعدة لقبــول فكــرة تفــوق الواليــات املتحــدة يف‬ ‫العالقــة مــع بــاده أو أن تتعامــل مــع الصــن مــن موقــع قــوة‪ ،‬وال‬ ‫أن تســتخدم قوتهــا للضغــط علــى دول أخــرى بنــاء علــى اعتقادهــا‬ ‫بالتفــوق علــى ســائر الــدول‪ ،‬وإذا لــم تتعامــل الواليــات املتحــدة مــع‬ ‫الــدول األخــرى علــى قــدم املســاواة‪ ،‬فيجــب علــى الصــن واملجتمــع‬ ‫الدولــي مســاعدتها يف فهــم ذلــك‪.‬‬ ‫ورغــم تطلــع الصــن ملوقــف عقالنــي أكثــر يف التعامــل مــع‬ ‫األمريــكان‪ ،‬وتغيــر أســلوب التعامــل الــذي ســلكه الرئيــس األمريكــي‬ ‫الســابق‪ ،‬ووقــف الهجــوم علــى الصــن كمــا يف قضايــا مثــل منشــأ‬ ‫فيــروس كورونــا «كوفيــد ‪ ،»19‬وحقــوق اإلنســان‪ ،‬واألمــن اإللكترونــي‪،‬‬ ‫لكــن موقــف الرئيــس األمريكــي جــو بايــدن ليــس لينــا‪ ،‬بعــد أن‬ ‫ربــط علنــا بــن هجــوم إلكترونــي واســع النطــاق علــى أنظمــة شــركة‬ ‫«ميكروســوفت» وبــن قراصنــة تابعــن للصــن‪ ،‬ممــا يشــير إلــى أن‬ ‫الصــراع االقتصــادي ســيظل يف شــكل منافســة علــى الصــدارة وقيــادة‬ ‫العالــم اقتصاد ًيــا‪.‬‬

‫تغير ميزان القوى يف االقتصاد العالمي‬ ‫تركــز معظــم التقاريــر الدوليــة املتعلقــة مبســتقبل االقتصــاد العاملــي‬ ‫علــى املنافســة علــى صــدارة االقتصــادات يف العامليــة‪ ،‬خصــوص بعــد‬ ‫الزحــف الكبيــر للتنــن الصينــي وإزاحتــه للعديــد مــن دول العالــم‬ ‫القــدمي‪ ،‬ففــي عــام ‪1960‬م‪ ،‬لــم يكــن للصــن مكانــة يف االقتصــاد‬ ‫العاملــي‪ ،‬حيــث تصــدرت اقتصــادات العالــم ً‬ ‫كل مــن‪ :‬الواليــات‬ ‫املتحــدة‪ ،‬أملانيــا‪ ،‬اليابــان‪ ،‬اململكــة املتحــدة‪ ،‬فرنســا‪ ،‬إيطاليــا‪ ،‬االحتــاد‬ ‫الســوفيتي (روســيا)‪ ،‬كنــدا‪ ،‬البرازيــل‪ ،‬إســبانيا‪.‬‬ ‫ومــن أهــم هــذه التقاريــر‪ ،‬تقريــر شــركة ‪ pwc‬البريطانيــة‬ ‫املتخصصــة يف األبحــاث والدراســات االقتصاديــة‪ ،‬يف النســخة‬ ‫األخيــرة مــن تقريرهــا عــام ‪2014‬م‪" ،‬العالم يف ‪ ،"2050‬مســتخدمني‬ ‫منوذجــا تقدير ًيــا للتنبــؤ بالتوجهــات طويلــة األجــل للنمــو حتــى عــام‬ ‫ً‬ ‫‪2050‬م‪ ،‬ومت اســتخدام اإلحصــاء الســنوي لصنــدوق النقــد الدولــي‬ ‫لعــام ‪2014‬م‪ ،‬والــذي يقــدر النــاجت احمللــي اإلجمالــي لــكل اقتصــاد‬ ‫كنقطــة أســاس للتنبــؤ‪ ،‬فضـ ًـا عــن بعــض العوامــل الداخلــة يف تركيــب‬ ‫النمــوذج مثــل‪( :‬التركيبــة الســكانية‪ ،‬معــدل منــو القــوى العاملــة‪،‬‬

‫الزيــادة يف رأس املــال البشــري واملــادي‪ ،‬وإجمالــي منــو اإلنتاجيــة‬ ‫اســتناداً إلــى عنصــر التقــدم التكنولوجــي)‪.‬‬ ‫وقــد رصــد التقريــر التحــوالت الكبــرى يف االقتصــاد العاملــي وفــق‬ ‫توقعــات النمــو االقتصــادي لـــعدد ‪ 32‬دولــة‪ ،‬مــن أكبــر االقتصــادات‬ ‫يف العالــم‪ ،‬والذيــن ميثلــون نحــو ‪ 84٪‬مــن النــاجت احمللــي اإلجمالــي‬

‫العاملــي ‪ GDP‬حتــى عــام ‪2050‬م‪ ،‬وذلــك علــى النحــو التالــي‪:‬‬ ‫‪1‬ـ مجموعــة الــدول املتقدمــة صناعي ـ ًا‪ :‬وتضــم االقتصــادات الســبع‬ ‫الكبــرى ‪( G7‬الواليــات املتحــدة‪ ،‬اليابــان‪ ،‬أملانيــا‪ ،‬اململكــة املتحــدة‪،‬‬ ‫فرنســا‪ ،‬إيطاليــا‪ ،‬وكنــدا)‪ ،‬إضافــة إلــى أســتراليا وكوريــا اجلنوبيــة‬ ‫وإســبانيا‪.‬‬ ‫‪2‬ـ االقتصــادات الســبع الكبــرى الصاعــدة ‪( :E7‬الصــن‪ ،‬الهنــد‪،‬‬ ‫البرازيــل‪ ،‬روســيا‪ ،‬إندونيســيا‪ ،‬املكســيك‪ ،‬وتركيــا)‪ .‬وذلــك علــى‬ ‫أســاس أن الــدول الصاعــدة اقتصاديــاً ‪ E7‬تتمتــع بإمكانيــات‬ ‫أقــوى يف هــذه العوامــل مقارنـ ًة بالــدول ذات االقتصــادات املتقدمــة‪،‬‬ ‫وهــو مــا سيســاعد الــدول الصاعــدة علــى حتقيــق منــو أكبــر بإتبــاع‬ ‫سياســات اقتصاديــة داعمــة للنمــو علــى املــدى الطويــل‪.‬‬ ‫‪3‬ـ مجموعة اقتصادات الدول العشرين الكبرى ‪G20‬‬ ‫‪ 4‬إضافــة إلــى ‪ 8‬دول ذات اقتصــادات كبيــرة نســبي ًا (بنجالديــش‪،‬‬‫مصــر‪ ،‬باكســتان‪ ،‬إيــران‪ ،‬كولومبيــا‪ ،‬هولنــدا‪ ،‬الفلبــن‪ ،‬وتايالنــد)‪.‬‬ ‫ويؤكــد تقريــر "العالــم يف ‪ ..2030‬اجتاهــات وحتــوالت وفــرص‬ ‫وحتديــات"‪ ،‬الصــادر عــن املنتــدى االســتراتيجي العربــي‪ ،‬حــدوث‬ ‫حتــول طويــل األجــل يف مركــز الثقــل االقتصــادي عامل ًيــا‪ ،‬تــؤدي‬ ‫لتقلــص األهميــة النســبية ملجموعــة الــدول الصناعيــة الســبع ‪G7‬‬ ‫بصفتهــا هيئــة مســؤولة عــن وضــع معاييــر االقتصــاد العاملــي‪،‬‬ ‫وســتؤدي لضعــف املكانــة املركزيــة للــدوالر األمريكــي بصفتــه‬ ‫عملــة احتياطيــة دوليــة‪ ،‬ممــا قــد يقــود إلــى اعتمــاد ســلة عمــات‬ ‫احتياطيــة تضــم الــدوالر األمريكــي واليــورو والــن واليــوان واجلنيــه‬ ‫اإلســترليني‪ ،‬والتــي تشــكل يف الوقــت الراهــن ســلة عمــات "حقــوق‬ ‫الســحب اخلاصــة" (‪ )SDR‬يف صنــدوق النقــد الدولــي‪.‬‬ ‫كمــا ســيتعرض النظــام الدولــي القائم ومؤسســاته األساســية‪ ،‬املتمثلة‬ ‫يف األمم املتحــدة وصنــدوق النقــد الدولــي ومجموعــة البنــك الدولــي‬ ‫ومنظمــة التجــارة للضغــوط طــوال العقــد املقبــل‪ ،‬وقــد تســفر عــن‬

‫‪114‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تريد الصين عالقة صحية مستقرة بين أكبر اقتصادين يف العالم بما‬ ‫يخدم مصالح البلدين والمجتمع الدويل ككل‬ ‫كمــا أن أهــم مــا يضعــف هــذا الســاح هــو شــرعية قيــام األطــراف‬ ‫األخــرى بشــهر نفــس الســاح وتفعيلــه‪ ،‬وهــو مــا فعلتــه احلكومــة‬ ‫الصينيــة بفــرض ورفــع الرســوم اجلمركيــة علــى وارداتهــا مــن‬ ‫الواليــات املتحــدة خــال فتــرة احلــرب احلمائيــة وســرعان مــا توصــل‬ ‫البلديــن لهدنــة مــن املأمــول أن تطــول مــع قــدوم الدميوقراطيــن‬ ‫للحكــم‪.‬‬ ‫جــدول ( ‪ )3‬توقعــات التغيــر يف ترتيــب اقتصــادات العالــم عــام ‪،2030‬‬ ‫وعــام ‪2050‬‬

‫املصــدر‪ :‬بيانــات ‪ 2020‬البنــك الدولــي‪ ،‬باقــي البيانــات تقديــرات‪:‬‬ ‫‪pwc.The World in 2050. February 2015‬‬

‫المستقبل المنظور للصراع االقتصادي األمريكي الصيني‬ ‫مــن الناحيــة االقتصاديــة البحتــة‪ ،‬ال توجــد مبــررات قويــة للحــرب‬ ‫االقتصاديــة والسياســات احلمائيــة التــي انتهجتهــا الواليــات‬ ‫املتحــدة جتــاه الصــن عــام ‪2018‬م‪ ،‬فاحلريــة االقتصاديــة واالنفتــاح‬ ‫االقتصــادي‪ ،‬وحتريــر املعامــات االقتصاديــة‪ ،‬وتدفــق الســلع‬ ‫واخلدمــات ورؤوس األمــوال‪ ،‬عبــر احلــدود الدوليــة‪ ،‬يحقــق مصالــح‬ ‫جميــع األطــراف‪ ،‬طاملــا كان هنــاك شــفافية‪ ،‬وتطبيــق صــارم لقواعــد‬ ‫منظمــة التجــارة العامليــة‪.‬‬ ‫الصــراع إذن يتركــز أكثــر علــى الصــدارة‪ ،‬كمــا أن املنافســة الشرســة‬ ‫تســفر يف أحيــان كثيــرة عــن ممارســات وسياســات تتســم بالعدوانيــة‪،‬‬ ‫لكــن وكمــا يف تــوازن الرعــب النــووي‪ ،‬فــإن حــق املعاملــة باملثــل الــذي‬ ‫رادعــا الســتخدام‬ ‫يضمنــه ميثــاق منظمــة التجــارة الدوليــة ســيكون‬ ‫ً‬ ‫األســلحة احلمائيــة علــى النطــاق واســع‪ ،‬وســتظل املنافســة بــن‬ ‫البلديــن أمــراً معتــاداً‪ ،‬خاصــة واملزاحمــة مســتمرة مــن جانــب الصــن‬ ‫وبلــدان آســيوية أخــرى زاحفــة‪ ،‬كالهنــد وإندونيســيا وكوريــا اجلنوبيــة‪،‬‬ ‫كل مــا هــو ممكــن أن يتــم جتنــب حتــول املنافســة إلــى صــراع بــن‬ ‫القطبــن‪.‬‬ ‫مــن ناحيــة أخــرى تتأثــر العالقــات االقتصاديــة الدوليــة للواليــات‬ ‫املتحــدة بفكــر احلــزب احلاكــم يف الواليــات املتحــدة‪ ،‬خاصــة مــع‬ ‫وجــود تبايــن واضــح يف فكــر احلزبــن الرئيســيني‪ ،‬الدميوقراطــي‬ ‫الليبرالــي‪ ،‬واجلمهــوري اليمينــي احملافــظ‪ ،‬وكان ذلــك جل ًيــا إبان تولى‬ ‫احلــزب اجلمهــوري لــإدارة األمريكيــة‪ ،‬قبــل مجــيء الدميقراطيــن‬ ‫يف االنتخابــات األخيــرة‪ ،‬والــذي مييــل بوضــوح جتــاه رجــال األعمــال‪،‬‬ ‫علــى حســاب املســتهلكني‪ ،‬ومــن ثــم يدعــم السياســات احلمائيــة‪.‬‬ ‫ولعــل أهــم مــا مييــز توجهــات اإلدارة األمريكيــة الدميوقراطيــة‬ ‫احلاليــة هــو ســعيها لوجــود معاييــر موضوعيــة إلدارة العالقــات‬ ‫االقتصاديــة الدوليــة وخاصــة مــع الصــن‪ ،‬تتســم باملســؤولية‪ ،‬وتعمــل‬ ‫لصالــح املســتهلني‪ ،‬وتــدمي حريــة التجــارة الدوليــة‪ .‬وعلــى اجلانــب‬ ‫األخــر تصــر الصــن علــى أن تكــون قواعــد املنافســة عادلــة‪ ،‬كمــا‬ ‫صــرح وزيــر اخلارجيــة الصينــي مؤخــ ًرا واجن يــي‪ ،‬حيــث ذكــر أن‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪113‬‬

‫ملف العدد‬

‫من المتوقع أن السعودية ومصر مع تركيا وإيران ستكون ضمن‬ ‫أكبر ‪ 32‬اقتصا ًدا عىل مستوى العالم‬ ‫قامــت الصــن بفــرض إجــراءات مضــادة‪ .‬وقامــت واشــنطن يف‬ ‫فتــرات متالحقــة بفــرض رســوم جمركيــة مبــا يعــادل ‪ 10%‬رفعــت‬ ‫أخيــراً إلــى ‪ 25%‬علــى بضائــع صينيــة مبــا يــوازي ‪ 200‬مليــار‬ ‫دوالر‪ ،‬وأملــح ترامــب إلــى وصولهــا إلــى ‪ 325‬مليــار دوالر وتشــمل‬ ‫الرســوم نحــو ألــف صنــف مــن البضائــع وال ســيما مكونــات إلكترونيــة‬ ‫وأدوات وآليــات وبعدمــا توعــدت الصــن بالــرد باملثــل علــى أي إجــراء‬ ‫أمريكــي‪ ،‬أعلنــت وزارة التجــارة الصينيــة فــوراً عــن "رد ضــروري‪،‬‬ ‫وفرضــت بكــن بشــكل متزامــن رســوماً جمركيــة بنســبة ‪ 25‬باملائــة‬ ‫علــى ‪ 110‬مليــارات دوالر مــن البضائــع األمريكيــة املســتوردة‪ ،‬وتتهــم‬ ‫الواليــات املتحــدة الصــن باالنخــراط يف ممارســات جتاريــة غيــر‬ ‫عادلــة وانتهــاك حقــوق امللكيــة الفكريــة خاصــة مــن العمــاق الصينــي‬ ‫هــواوي الــذي أصبــح رمــزاً للتنــن يف عصــر االقتصــاد الرقمــي‪.‬‬ ‫وامتــدت رقعــة احلــرب إلــى تهديــد أمريكــي بفــرض رســوم جمركيــة‬ ‫علــى واردات ســلع أوروبيــة وكنديــة ويف املقابــل ســوف تفــرض رســوم‬ ‫حمائيــة مــن الــدول املتضــررة والصــن توســعت حروبهــا مــع أوروبا يف‬ ‫قطــاع الطاقــة الشمســية وقطــاع تكنولوجيــا املعلومــات وكل مــا ســبق‬ ‫يعنــى تأثيــر علــى االقتصــاد العاملــي ككل تراجعــت أســواق تــداول‬ ‫األســهم العامليــة وســط تخــوف متزايــد مــن انــدالع حــرب جتاريــة بــن‬ ‫أكبــر دول العالــم‪ ،‬وتســعى الواليــات املتحــدة مــن خــال تلــك احلــرب‬ ‫التجاريــة لتضييــق اخلنــاق علــى العمــاق الصينــي ليــس يف الواليــات‬ ‫املتحــدة فقــط ولكــن عبــر شــركائها التجاريــن علــى مســتوى العالــم‬ ‫وهــو مــا يزعــج الصــن أكثــر يف حربهــا االقتصاديــة‪.‬‬ ‫ومــن بــن دالئــل اســتمرار التوتــر احلاليــة فــرض الرئيــس األمريكــي‬ ‫جــو بايــدن ضغوطـاً جديــدة علــى الصــن أخيراً بعــد أن ربط علناً بني‬ ‫هجــوم إلكترونــي واســع النطــاق علــى أنظمــة لشــركة «ميكروســوفت»‬ ‫وبــن قراصنــة تابعــن للصــن‪.‬‬ ‫امــا فيمــا يتعلــق باملوقــف الصينــي فقــد أعلنــه واجن يــي‪ ،‬حــن ذكــر‬ ‫أن بــاده لــن تكــون مســتعدة ألن تكــون الواليــات املتحــدة أكثــر تفوقـاً‬ ‫يف العالقــة مــع بــاده وال أن تتعامــل مــع الصــن مــن موقــع قــوة وال‬ ‫أن تســتخدم قوتهــا للضغــط علــى دول أخــرى بنــاء علــى اعتقادهــا‬ ‫بالتفــوق علــى ســائر الــدول‪ ،‬مؤكــداً أن الصــن لــن تقبــل بهــذا مــن‬ ‫أي دولــة وإذا لــم تتعامــل الواليــات املتحــدة مــع الــدول األخــرى علــى‬ ‫قــدم املســاواة‪ ،‬فيجــب علــى الصــن واملجتمــع الدولــي مســاعدتها يف‬ ‫فهــم ذلــك الــدرس‪.‬‬

‫وتتطلــع الصــن إلــى أن تغيــر اإلدارة األمريكيــة احلاليــة لبايــدن مــا‬ ‫كانــت عليــه العالقــة مــع الصــن يف عهــد الرئيــس الســابق دونالــد‬ ‫ترامــب‪ ،‬وهجومــه علــى الصــن فيمــا يخــص مســائل مثــل منشــأ‬ ‫فيــروس كورونــا «كوفيــد ‪ ،»19‬وحقــوق اإلنســان واألمــن اإللكترونــي‬ ‫باإلضافــة إلــى مــا تعتبــره الصــن تدخــ ً‬ ‫ا يف الشــأن الداخلــي‬ ‫وســيادتها فيمــا يتعلــق بتايــوان‪ .‬وتريــد الصــن عالقــة صحيــة‬ ‫مســتقرة بــن أكبــر اقتصاديــن يف العالــم مبــا يخــدم مصالــح البلديــن‬ ‫واملجتمــع الدولــي ككل‪.‬‬

‫جولــة ســاخنة يف معركــة بــاردة طويلــة األجــل حــول الصــدارة‬ ‫االقتصاديــة‬ ‫يُخطــئ مــن يتصــور أن احلرب االقتصادية بني القطبني االقتصاديني‬ ‫الكبيريــن ميكــن أن تهــدأ يو ًمــا مــا‪ ،‬فاالقتصــاد الصينــي الــذي وإن‬ ‫كان يصنــف ضمــن دول الــدول متوســطة الدخــل الشــريحة العليــا‬ ‫مبتوســط دخــل فــردي يبلــغ ‪ 10.500‬دوالر ســنو ًيا‪ ،‬مقابــل‪63.543‬‬ ‫دوالر‪ ،‬إال أنــه بــدأ يطــارد االقتصــاد األمريكــي مــن حيــث احلجــم‪،‬‬ ‫بعــد أن جتــاوز االقتصــاد الصينــي كل دول العالــم‪ ،‬مبــا فيهــا أملانيــا‬ ‫واليابــان وأصبــح يحتــل املركــز الثانــي خلــف الواليــات املتحــدة دون‬ ‫منــازع‪ ،‬ويبلــغ حجمــه حال ًيــا نحــو ‪14,723‬تريليــون دوالر بنســبة‬ ‫‪ 17,4%‬مــن الدخــل العاملــي‪ ،‬يف مقابــل االقتصــاد األمريكــي الــذي‬ ‫يتصــدر اقتصــادات العالــم حتــى اليــوم‪ ،‬بنحــو ‪ 20,937‬تريليــون‬ ‫دوالر وبنســبة ‪ 24,7%‬م الدخــل العاملــي عــام ‪ ،2020‬بحســب‬ ‫تقديــرات البنــك الدولــي‪.‬‬ ‫ومــن هنــا فــإن احلــرب االقتصاديــة التــي أطلقــت فيهــا أســلحة‬ ‫احلمايــة التجاريــة‪ ،‬مــارس عــام ‪ 2018‬م‪ ،‬وأطلــق عليهــا احلــرب‬ ‫احلمائيــة‪ ،‬ليســت ســوى جولــة ســاخنة يف معركــة بــاردة طويلــة األجــل‬ ‫حــول الصــدارة االقتصاديــة التــي أصبحــت منحصــرة ولســنوات‬ ‫طويلــة بــن هذيــن القطبــن‪ ،‬ولــن ينازعهمــا فيهــا أي مــن الــدول‬ ‫األخــرى الصناعيــة يف األجــل املنظــور‪.‬‬ ‫وميكــن القــول إنــه ال يتوقــع تكــرار اللجــوء لهــذا الســاح خاصــة وأن‬ ‫السياســات احلمائيــة أو احلمايــة اجلمركيــة غيــر مصــرح بهــا دول ًيــا‬ ‫( إال يف ظــروف اســتثنائية)‪ ،‬كمــا أنهــا تعــد يف احلقيقــة واحــدة مــن‬ ‫توجهــات السياســة االقتصاديــة للحــزب اجلمهــوري بصفــة عامــة‪،‬‬ ‫وهــو مــا ظهــر جل ًيــا إبــان توليــه الســلطة بزعامــة دونالــد ترامــب‪،‬‬

‫‪112‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تسعى واشنطن لتضييق الخناق عىل العمالق الصيني ليس يف‬ ‫أمريكا فقط ولكن عبر شركائها التجاريين عىل مستوى العالم‬ ‫تلــك مقومــات أساســية لــدول املنطقــة جتعلهــا محــور اهتمــام الــدول‬ ‫الكبــرى‪ ،‬واملنظمــات االقتصاديــة العامليــة متعــددة األطــراف‪ ،‬وتؤكــد‬ ‫التأثيــر املتبــادل بــن اقتصــادات هــذه املجموعــة مــن الــدول وبــن‬ ‫العالــم اخلارجــي وخاصــة قطبــي االقتصــاد الدولــي‪ :‬الواليــات‬ ‫املتحــدة والصــن‪.‬‬

‫وتزيــد تلــك األهميــة مــن تأثــر دول املنطقــة مبــا يحــدث يف العالــم‬ ‫مــن تطــورات سياســية واقتصاديــة‪ ،‬ومــا يحــدث مــن تطــورات يف‬ ‫العالقــات االقتصاديــة الدوليــة‪ ،‬وقواعد النظــام االقتصادي العاملي‪،.‬‬ ‫ومــن ثــم عليهــا أن تزيــد مــن قدراتهــا االقتصاديــة والسياســات‬ ‫االقتصاديــة علــى التكيــف مــع الصدمــات اخلارجيــة‪ ،‬ويكفــي أن‬ ‫نشــير يف هــذا الصــدد إلــى مــدى انعكاســات جائحــة كورونــا علــى‬ ‫اقتصــادات املنطقــة حيــث كمــا يوضــح جــدول (‪ ،)2‬حيــث تأثــرت‬ ‫معظــم املؤشــرات االقتصاديــة الرئيســة تأثــ ًرا كبيــ ًرا حتــت وطــأة‬ ‫جائحــة كورونــا‪ ،‬فتراجــع معــدل النمــو االقتصــادي بشــكل ملحــوظ‬ ‫حيــث هبــط مــن ‪ % 4,7‬كمتوســط خــال الفتــرة ‪ 2000-2016‬م‪،‬‬ ‫إلــى معــدل ســالب ‪ -0,2%‬عــام ‪2017‬م‪ ،‬ثــم إلــى ‪ % 6,0‬عــام‬ ‫مــع تبعــات جائحــة كورونــا‪ ،2020،‬وتوقــع بالتعــايف عــام ‪2021‬م‪ ،‬مــع‬ ‫توقعــات انحســار األزمــة‪ ،‬ويســاهم يف هــذه التنبــؤات األثــر املجمــع‬ ‫لتباطــؤ الطلــب علــى النفــط‪ ،‬ومعوقــات التجــارة والســياحة‪ ،‬وبالطبــع‬ ‫اإلغــاق العــام‪.‬‬

‫املصدر‪ :‬صندوق النقد الدولي‬

‫بــدأ الرئيــس األمريكــي ترامــب يف مــارس ‪ 2018‬م‪ ،‬احلــرب بفــرض‬ ‫رســوم جمركيــة علــى واردات بــاده مــن الصلــب واألملنيــوم وبالتبعيــة‬

‫جــدول رقــم (‪ :)2‬أهــم مؤشــرات االقتصــاد الكلــي يف دول‬ ‫مجلــس التعــاون‬

‫الحرب التجارية بين الواليات المتحدة والصين‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪111‬‬

‫ملف العدد‬

‫الص ــراع االقتصــادي ـ ـــ األمريك ــي الصين ــي وتأثي ــره عل ــى دول مجل ــس التعــاون‬

‫جولـة سـاخنة يف حـرب بـاردة طويلـة األجل‬ ‫حـول الصـدارة االقتصادية‬

‫يؤثــر الصــراع االقتصــادي املتبــادل بــن أمريــكا والصــن علــى اســتقرار االقتصــاد العاملــي ومــن أبرزهــا منــو الطلــب العاملــي‬ ‫علــى النفــط الــذي تراجــع بشــكل كبيــر منــذ األزمــة االقتصاديــة العامليــة يف عــام ‪2008‬م‪ ،‬وقــد ظهــرت نتائــج بدايــة احلــرب‬ ‫التجاريــة بشــكل واضــح علــى الصــن‪ ،‬والتــي انخفــض منــو ناجتهــا الصناعــي إلــى أدنــى مســتوى لــه منــذ ســنوات طويلــة‪ .‬وهــو‬ ‫مــا يؤكــد أن التهديــدات املتبادلــة بــن أكبــر اقتصاديــن يف العالــم تكبــح الطلــب علــى النفــط اخلــام‪ ،‬كمــا تــؤدي إلــى تراجــع‬ ‫أســعار النفــط‪ ،‬لتقــدم ســب ًبا جديـدًا للقلــق يف األســواق التــي تعتمــد علــى النفــط بشــكل رئيســي‪.‬‬ ‫وتؤكــد الكثيــر مــن التقاريــر االقتصاديــة الدوليــة التــي تستشــرف األوضــاع االقتصاديــة مبنتصــف القــرن احلالــي‪ ،‬بــروز قــوى‬ ‫اقتصاديــة جديــدة (الصــن ويف طليعتهــا) وانحســار النفــوذ االقتصــادي للقــوى التقليديــة (الواليــات املتحــدة بصفــة خاصــة)‪،‬‬ ‫وانــدالع الثــورة التكنولوجيــة احليويــة‪ -‬الرقميــة األولــى وتأثيرهــا علــى حصــص الــدول يف اقتصــاد العالــم‪ ،‬باإلضافــة إلــى‬ ‫تقويــض مؤسســات النظــام الدولــي القائمــة وبــروز مبــادرات لصياغــة نظــام اقتصــادي دولــي جديــد‪.‬‬ ‫الوضــع االقتصــادي العاملــي حال ًيــا تغيــر وأصبحــت الصــن ثانــي دول العالــم مــن حيــث حجــم االقتصــاد الوطنــي‪ ،‬بــل ويف‬ ‫صــدارة دول العالــم مــن حيــث الصــادرات‪ ،‬وتأتــي بعــد الواليــات املتحــدة مــن حيــث الــواردات‪ ،‬مــن الســلع واخلدمــات‪ .‬وال‬ ‫يقــف األمــر عنــد هــذا احلــد بــل تشــير الكثيــر مــن التقاريــر االقتصاديــة الدوليــة واخلاصــة بتوقعــات النمــو االقتصــادي لــدول‬ ‫العالــم خــال الثالثــن عا ًمــا القادمــة وحتــى عــام ‪2050‬م‪ ،‬إلــى حــدوث تطــور كبيــر ســيحدث يف حجــم االقتصــادات العامليــة‬ ‫نتيجــة هــذا الســباق وستســفر عــن حتــوالت جذريــة يف الوضــع النســبي لكبــرى اقتصــادات العالــم‪.‬‬

‫د محمد البنا‬

‫مكانة االقتصادات الخليجية يف االقتصاد العالمي‬

‫تتمتــع دول مجلــس التعــاون لــدول اخلليــج العربيــة بثقــل يعتــد بــه‬ ‫يف االقتصــاد العاملــي ليــس فقــط ملــا تتمتــع بــه مــن ثــروات طبيعيــة‬ ‫وخاصــة مــا متتلكــه مــن احتياطــات النفــط والغــاز ‪ ،‬وإمنــا ً‬ ‫أيضــا‬ ‫مــن خــال نصيبهــا املتزايــد يف التجــارة العامليــة تصديـ ًرا واســتيرا ًدا‪،‬‬ ‫وارتفــاع معــدالت انفتاحهــا علــى اخلــارج كمــا يظهــر مــن اجلــدول‬ ‫رقــم (‪ )1‬باملقارنــة بأهميــة التجــارة الدوليــة يف كل مــن االقتصــاد‬ ‫األمريكــي والصينــي‪ ،‬ومــا حتققــه مــن فوائــض ماليــة‪ ،‬تســتثمر‬ ‫اجلانــب الكبــر منهــا يف أصــول ماليــة وإنتاجيــة حــول العالــم‪ ،‬إضافــة‬ ‫إلــى مــا تســتقطبه مــن قــوة عمــل كبيــر مــن الــدول احمليطــة ذات‬ ‫الكثافــة الســكانية‪ ،‬ومــا تصــدره لهــا مــن حتويــات ماليــة‪ ،‬ومــن‬ ‫رؤوس أمــوال أجنبيــة تســعى الســتغالل فــرص الربــح العاليــة يف دول‬ ‫املنطقــة‪.‬‬

‫جــدول رقــم (‪ :)1‬األهميــة النســبية للتجــارة اخلارجيــة يف‬ ‫دول مجلــس التعــاون والصــن والواليــات املتحــدة عــام‪2020‬‬

‫املصدر‪World Development Indicators :‬‬

‫‪110‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫رفع العقوبات األمريكية عن السودان يفسر جزئ ًي ا مساعي‬ ‫إيجاد جدار يحجز النفوذ الصيني يف الجنوب الشرقي لقارة إفريقيا‬ ‫والــذي يهــدف إلــى تزويــد الــدول ببديــل عــن االســتثمارات املوجهــة‬ ‫مــن قبــل دول منافســة لهــا مثــل جمهوريــة الصــن الشــعبية‪.‬‬ ‫وعمــل هــذا القانــون علــى دمــج كيانــن قائمــن لتقــدمي التمويــات‬ ‫األمريكيــة‪ ،‬همــا (مؤسســة االســتثمار اخلــاص اخلارجــي) و(هيئــة‬ ‫ائتمــان التنميــة)‪ ،‬حيــث مت إنشــاء وكالــة جديــدة تســمى مؤسســة‬ ‫متويــل التنميــة الدوليــة األمريكيــة (‪ ،)DFC‬التــي ســتقدم عــد ًدا‬ ‫أكبــر مــن القــروض والضمانــات القانونيــة للقطــاع اخلــاص األمريكــي‬ ‫حلثــه علــى تعزيــز اســتثماراته يف البلــدان الناميــة‪ ،‬كمــا يحظــر علــى‬ ‫الشــركات املدعومــة مــن ‪ DFC‬االنخــراط مــع دول تدعــم اإلرهــاب‬ ‫أو تنتهــك حقــوق اإلنســان‪.‬‬ ‫اتبــاع منــوذج القمــم الرئاســية التــي تعقدهــا الصــن مــع‬ ‫‪ .4‬‬ ‫دول القــارة‪.‬‬ ‫أدركــت الواليــات املتحــدة األمركيــة بــأن عســكرة عالقاتهــا بــدول‬ ‫القــارة أدى إلــى انحســار دورهــا وإن القــارة غنيــة بالفــرص‬ ‫االقتصاديــة وإن الفــراغ االقتصــادي الــذي تركتــه مألتــه الصــن‪،‬‬ ‫فقامــت إدارة الرئيــس باالهتمــام بعقــد قمــم أمريكيــة ــــ إفريقية تُعنى‬ ‫بالشــأن االقتصــادي يف إفريقيــا علــى غــرار منتــدى التعــاون الصينــي‬ ‫اإلفريقــي واملنتــدى الهنــدي اإلفريقــي‪ ،‬والقــوى الدوليــة واإلقليميــة‬ ‫األخــرى‪ ،‬التــي ســعت إلــى عقــد قمــم ســنوية جتمــع فيهــا القــادة‬ ‫األفارقــة لتنســيق السياســات ودعــم االســتثمار والتبــادل التجــاري‪،‬‬ ‫وذلــك يف محاولــة منهــا ملعاجلــة نتائــج إهمالهــا للقــارة خــال‬ ‫الســنوات املاضيــة‪ ،‬ومعاجلــة نتائــج التصريحــات الســلبية للرئيــس‬ ‫األمريكــى الســابق ترامــب بشــأن القــارة والتــي عــززت التباعــد‬ ‫األمريكــي‪ -‬اإلفريقي‪،‬إلشــارته مــرا ًرا وتكــرا ًرا إلــى الــدول اإلفريقيــة‬ ‫باســم "الــدول القــذرة"‪ .‬كمــا أن "ترامــب" تــرك الزيــارات الرســمية‬ ‫للقــارة اإلفريقيــة لتتوالهــا زوجتــه وابنتــه‪ ،‬ولــم يعمــل علــى توطيــد‬ ‫العالقــات السياســية مــع الــدول اإلفريقيــة‪.‬‬ ‫راب ًعا‪ :‬مآالت الصراع بني الصني وأمريكا يف إفريقيا‪.‬‬ ‫َحا ِل ًّيــا الترحــاب الــذي وجدتــه الصــن ســاب ًقا أصبــح محــل مراجعــة‬ ‫خاصــة يف ضــوء مؤشــرات توضــح تنامــي اإلحســاس اإلفريقــي بعــدم‬ ‫وجــود اختــاف بــن مرامــي السياســة الصينيــة وسياســات الــدول‬ ‫الغربيــة التقليديــة والتــي ال تــزال حتتفــظ بنفوذهــا داخــل القــارة‪،‬‬ ‫وبــدء الواليــات املتحــدة األمريكيــة مواجهــة الصــن داخــل القــارة‪،‬‬ ‫وإنــه علــى الصــن التكيــف مــع تلــك املتغيــرات‪.‬‬ ‫فتبــدو الصــن مقبلــة علــى خريــف لعالقاتهــا مــع الــدول اإلفريقيــة‪،‬‬ ‫حيــث باتــت أمريــكا أكثــر عز ًمــا علــى مواجهــة التحــدي الــذي متثلــه‬ ‫الصــن‪ ،‬وتراجــع سياســاتها التــي أدت إلــى نفاذهــا إلــى داخــل القارة‪.‬‬ ‫وظهــرت مؤشــرات علــى انتهــاج عــدد مــن الــدول اإلفريقيــة سياســات‬

‫حــذرة جتــاه االســتثمارات الصينيــة‪ ،‬ألنهــا بــدأت تــدرك إن اليــد‬ ‫الصينيــة لــم تكــن ســخية بالقــدر الــذي بــدا لهــم يف بدايــة التعــاون‬ ‫مــع الصــن‪ ،‬حيــث وضــح إن مرامــي السياســات الصينيــة ال تختلــف‬ ‫كثيــ ًرا عــن مرامــي السياســات الغربيــة‪ ،‬حيــث كبلــت الكثيــر منهــا‬ ‫بقــروض لــم تعــد تســتطيع ســدادها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قروضــا تراكميــة بقيمــة ‪ 143‬مليــار‬ ‫ومنــذ عــام ‪2000‬م‪ ،‬قدمــت‬ ‫دوالر أمريكــي يف إفريقيــا‪ ،‬ممــا جعلهــا أكبــر دائــن ثنائــي إلفريقيــا‪،‬‬ ‫وإن العوائــد االقتصاديــة كان أكثرهــا لصالــح الصــن وليــس للــدول‬ ‫اإلفريقيــة‪ ،‬خاصــة يف ظــل الضغــوط االقتصاديــة التــي نتجــت عــن‬ ‫جائحــة كوفيــد ‪ ،19‬ومــا أحلقتــه مــن خســائر اقتصاديــة بالقــارة؛‬ ‫بســبب انخفــاض أســعار النفــط والســلع‪ ،‬ممــا أ َّدى إلــى زيــادة تكاليــف‬ ‫خدمــة الديــون اخلارجيــة‪ ،‬إضافـ ًة إلــى انكمــاش النمــو االقتصــادي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ضغوطــا متضاعفــة علــى ميزانيــة الــدول اإلفريقيــة‪.‬‬ ‫وهــو مــا ُي ّثــل‬ ‫ومــن ناحيــة أخــرى االحتــكاك الصينــى باملجتمعــات اإلفريقيــة‬ ‫خــال العقديــن املاضــن كانــت لــه ً‬ ‫أيضــا نتائــج ســلبية‪ ،‬بعــض منــه‬ ‫نتــج مــن مزاحمــة العمــال الصينيــن للعمــال األفارقــة ممــا يعطــي‬ ‫نتائــج عكســية ســلبية اجتماعيــة وثقافيــة مــن خــال املواجهــة مــع‬ ‫مكونــات املجتمــع اإلفريقــي‪ ،‬ومزاحمــة العمــال اإلفريقيــن حتــى يف‬ ‫أبســط األعمــال‪ ،‬وهــى مؤشــرات قــد تســاهم يف فاعليــة السياســات‬ ‫األمريكيــة التــي عزمــت علــى اتخاذهــا ملواجهــة النفــوذ الصينــي‬ ‫داخــل القــارة‪.‬‬ ‫ختاما‪:‬‬ ‫ً‬ ‫اســتطاعت الصــن خــال العقديــن املاضيــن اســتغالل البعــد‬ ‫األمريكــى عــن قــارة إفريقيــا وقامــت باتخــاذ عــدد مــن السياســات‬ ‫بطريقــة ممنهجــة مكنتهــا مــن فــرض نفوذهــا االقتصــادي علــى‬ ‫إفريقيــا‪ ،‬إال أن هــذه النجاحــات تواجــه حال ًيــا حتــدي اليقظــة‬ ‫األمريكيــة للنهــوض الصينــي الــذي علــى وشــك ليــس مزاحمــة‬ ‫أمريــكا علــى زعامــة العالــم بــل تبــوؤ مكانتهــا‪ ،‬فتعــد قــارة إفريقيــا‬ ‫هــي املرشــح األبــرز ألن تكــون ســاحة املواجهــة بــن الصــن والواليــات‬ ‫أساســا‬ ‫املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬فاجلهــد الــذي يبذلــه الطرفــان يتركــز‬ ‫ً‬ ‫علــى تأمــن حاجتهمــا مــن املــوارد اخلــام والطاقــة والتــي قــد تقــود‬ ‫فــى الســنوات املقبلــة أو العقــود التاليــة إلــى مواجهــة مباشــرة بــن‬ ‫القوتــن الكبيرتــن داخــل القــارة التــى تنعــم مبكامــن طاقــة لــم‬ ‫تكتشــف بعــد‪ ،‬وثــروات طبيعيــة تعــد رافـدًا ألى قــوة اقتصاديــة تطمــح‬ ‫باحلفــاظ علــى معــدالت منوهــا‪.‬‬ ‫* خبري يف الشأن اإلفريقي‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪109‬‬

‫ملف العدد‬

‫استغلت القضايا اإلفريقية لتعزيز وجودها بالقارة عىل أساس مبدأ‬ ‫"التضامن بين دول العالم الثالث"‬ ‫مســارات التحــرك األمريكــي للحــد مــن النفــوذ الصينــي داخــل قــارة‬ ‫إفريقيــا يف اآلتــي‪:‬‬ ‫‪ .1‬احتواء النمو االقتصادي والتكنولوجي للصني‪:‬‬ ‫لعــل احلــرب التجاريــة التــي أعلنهــا الرئيــس األمريكــي الســابق‬ ‫دونالــد ترامــب علــى الصــن مــا يشــير إلــى أن صنــاع القــرار يف‬ ‫الواليــات املتحــدة باتــوا علــى وعــي تــام بالتحــدي االســتراتيجي الــذي‬ ‫تشــكله القــوة الصينيــة بالنســبة للهيمنــة الغربيــة علــى العالــم‪ ،‬فهــي‬ ‫لــم تكــن مجــرد نــزوة رئيــس متقلــب املــزاج كمــا اعتقــد البعــض‪.‬‬ ‫وبــدأت يف مواجهــة التطــور التكنولوجــي الصينــي‪ ،‬فمــا أثيــر‬ ‫حــول تكنوجليــا اجليــل اخلامــس واخلــوف املشــروع حــول حــدوث‬ ‫اختراقــات ملناطــق حساســة لألمــن القومــي األمريكــي‪ ،‬كالتجســس‪،‬‬ ‫وإحــداث اضطــراب محتمــل للبنيــة التحتيــة احليويــة”‪ ،‬والشــكوك‬ ‫األمريكيــة حــول مــا يصفــه األمريكيــون بحملــة صينيــة للتجســس‬ ‫اإللكترونــي‪ ،‬جعــل الواليــات املتحــدة تقــف بقــوة أمــام ســيطرة الصــن‬ ‫حسيســا الســتغالل‬ ‫علــى تكنولوجيــا اجليــل اخلامــس‪ ،‬وإنهــا تســعى‬ ‫ً‬ ‫الفــرص جلعلهــا املــزود األول لتكنولوجيــا اجليــل اخلامــس‪.‬‬ ‫وقامــت الواليــات املتحــدة األمريكيــة يف إطــار سياســة احتــواء النمــو‬ ‫االقتصــادي والتكنولوجــي‪ ،‬بفــرض ضرائــب علــى املنتجــات الصينيــة‪،‬‬ ‫واحلــد مــن نقــل التكنولوجيــا إلــى الصــن‪ ،‬فمثـ ًـا فقــد هاجــم ترامــب‬ ‫الصــن مــرات عــدة بســبب العجــز التجــاري الهائــل للواليــات املتحدة‪،‬‬ ‫وبــدأ يف فــرض رســوم جتاريــة علــى الصــادارات الصينيــة للواليــات‬ ‫املتحــدة خلفــض هــذا العجــز‪.‬‬ ‫وتعــد قــارة إفريقيــا أبــز املياديــن التــي ستشــهد الصــراع األمريكــي ـ‬ ‫الصينــي‪ ،‬يف إطــار سياســة االحتــواء التــي تنتهجهــا الواليــات املتحــدة‬ ‫للتحــدي الصينــي‪ ،‬فواقع ًيــا وبــا شــك متثــل القــارة ميــدان تنافــس‬ ‫وصــراع بــن الدولتــن‪ ،‬وبالنســبة للواليــات املتحــدة يبــدو تطلعهــا‬ ‫إلــى القــارة ملواجهــة الصــن أكبــر ألســباب عــدة‪ ،‬منهــا عرقلــة النمــو‬ ‫الصينــي وجتارتهــا مــع العالــم‪ ،‬ومــن ناحيــة أخــرى تضــم القــارة‬ ‫أكبــر جتمــع للــدول الناميــة يف العالــم ذات األســواق املتعطشــة‬ ‫لالســتثمارات‪ ،‬والثــروات الهائلــة والتــي تعــد رافــد يغــذي اآللــة‬ ‫الصناعيــة الصينيــة‪.‬‬ ‫وممــا يزيــد مــن أهميــة القــارة يف هــذه املرحلــة‪ ،‬حاجــة الصــن امللحــة‬ ‫لتنويــع مصــادر واردات الطاقــة‪ ،‬وهــي التــي احتلــت يف عــام ‪2016‬م‪،‬‬ ‫صــدارة قائمــة مســتوردي النفــط عامليــاً‪ ،‬ألول مــرة يف تاريخهــا‬ ‫ومازالــت حتتــل تلــك الصــدارة حتــى عــام ‪2020‬م‪ ،‬وذلــك بعــد تخلــي‬ ‫الواليــات املتحــدة عــن ذلــك املوقــع‪ ،‬ناهيــك عــن حاجــة بكــن ألســواق‬ ‫جديــدة ملنتجاتهــا‪ ،‬تســاهم مــن خاللهــا يف تنويــع شــركائها التجاريــن‪.‬‬ ‫‪ .2‬تركيز اجلهود األمريكية والتفرغ ملواجهة الصني‬

‫يأتــي االنســحاب األمريكــى مــن أفغانســتان‪ ،‬ضمــن عــدد مــن‬ ‫السياســات ســتتخذها الواليــات املتحــدة األمريكيــة للتفــرغ ملواجهــة‬ ‫التحــدي الصينــي‪ ،‬فقــد أدركــت أخيــ ًرا أنــه يجــب اســتخدام ذات‬ ‫الفزاعــة جتــاه اآلخريــن والتــي واجهتهــا خاصــة بعــد أحــداث ‪11‬‬ ‫ســبتمبر ‪2001‬م‪ ،‬وشــتت اجلهــد األمريكــي ملواجهــة اإلرهــاب‪ ،‬وأتــاح‬ ‫الفرصــة للنمــو الصينــي والروســي‪ ،‬وباتــوا يشــكلون تهديـدًا لزعامــة‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬وهــو مــا قــد يــرى يف انســحابها مــن‬ ‫أفغانســتان ذات املوقــع االســتراتيجي والتــي جتــاور ألــد أعدائهــا‬ ‫ومنافســيها الصــن وروســيا االحتاديــة‪ ،‬ويحملــون ترا ًثــا مــن العــداء‬ ‫جتــاه احلــركات اإلســامية املتشــددة‬ ‫كذلــك إلــى جانــب اإلجــراءات االقتصاديــة التــي تتخذهــا فإنهــا‬ ‫ً‬ ‫مثــا‬ ‫تعمــل علــى مراقبــة التغــول الصينــي ومواجهتــه‪ ،‬وتخطــط‬ ‫لوجــود عســكري كبيــر ودائــم يف الغــرب اإلفريقــي ومبــا يكفــل بتوفيــر‬ ‫بــرج مراقبــة آمــن وقريــب مــن الشــرق األوســط والقــرن اإلفريقــي‪،‬‬ ‫ومركــز للتدخــل الســريع يف حــال تغيــرت احلســابات‪ ،‬ونقطــة انطــاق‬ ‫ملواجهــة التمــدد الصينــي يف القــارة‪ ،‬وقاعــدة تأسيســية لنفــوذ‬ ‫أمريكــي حقيقــي فيهــا‪.‬‬ ‫ففــي نهايــة ســبتمبر ‪2016‬م‪ ،‬نشــرت مجلــة “ذي إنترســبت” وثيقــة‬ ‫ســرية لقيــادة القــوات األمريكيــة يف إفريقيــا – أفريكــوم‪ ،‬تشــير إلــى‬ ‫عملهــا علــى إنشــاء قاعــدة للطائــرات مــن دون طيــار يف النيجــر‪ ،‬علــى‬ ‫أن يشــمل نطــاق عملهــا دول املنطقــة‪ ،‬ومبــا يعــد جــزء مــن “توجــه‬ ‫نحــو تدخــل أكبــر‪ ،‬ووجــود دائــم يف غــرب إفريقيــا‪ ،‬مبــا يف ذلــك‬ ‫أجــزاء مــن املغــرب (العربــي) والســاحل”‪ ،‬وذلــك لتــدارك الضعــف‬ ‫يف النفــوذ األمريكــي باملنطقــة مقارنــة بالنفــوذ الفرنســي‪ ،‬والســتباق‬ ‫التغلغــل الصينــي القــادم مــن شــرقي القــارة‪.‬‬ ‫ومــن جانــب آخــر‪ ،‬فــإن اخلطــوة األمريكيــة “التاريخيــة”‪ ،‬برفــع‬ ‫العقوبــات عــن الســودان يف أكتوبــر‪2020‬م‪ ،‬قــد تفســر جزئيـاً يف إطــار‬ ‫مســاعي خلــق جــدار يحجــز النفــوذ الصينــي يف اجلنــوب الشــرقي‬ ‫لقــارة إفريقيــا‪.‬‬ ‫‪ .3‬إصــدار حزمــة مــن التشــريعات تهــدف إلــى تزويــد الــدول ببديــل عــن‬ ‫االســتثمارات املوجهــة مــن قبــل املنافســن االســتراتيجيني للواليــات‬ ‫املتحــدة‪ ،‬مثــل جمهوريــة الصــن الشــعبية‪.‬‬ ‫علــى الرغــم مــن النقــد الــذي وجــه للواليــات املتحــدة نتيجــة تأثرهــا‬ ‫بشــكل كبيــر باحلــرب التجاريــة بــن بكــن وواشــنطن‪ ،‬وذلــك نتيجــة‬ ‫ازديــاد الترابــط التجــاري بــن دول جنــوب الصحــراء والصــن‪ ،‬إال أنــه‬ ‫يف أكتوبــر ‪2018‬م‪ ،‬اتخــذت الواليــات املتحــدة أول خطــوة لتصحيــح‬ ‫مســار عالقتهــا بالقــارة اإلفريقيــة‪ ،‬حيــث أصــدر الكوجنــرس قانــون‬ ‫االســتخدام األفضــل لالســتثمارات املؤديــة إلــى التنميــة (‪،)BUILD‬‬

‫‪108‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫عملت الصين مع نهاية القرن الماضي عىل إعادة توظيف قارة‬ ‫إفريقيا لخدمة مصالحها و يف وقت الحق لتحقيق أهدافها االستراتيجية‬ ‫والفــردي للــدول اإلفريقيــة وأســهم يف حتســن البنــى التحتيــة‬ ‫ومســتوى دخــول الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬ومــن ناحيــة أخــرى ســرعة الصني‬ ‫يف تلبيــة احتياجــات القــارة مــن اخلدمــات العامــة والبنيــة التحتيــة‪.‬‬ ‫فالصــن مــن خــال متويالتهــا واســتثماراتها اســتطاعت أن متــأ‬ ‫بنجــاح البعــد األمريكــي عــن القــارة‪ ،‬وعولــت الــدول اإلفريقيــة كثيـ ًرا‬ ‫علــى اليــد الســخية الصينيــة علــى االســتثمار وإعطــاء القــروض‪،‬‬ ‫والشــكل التالــي يوضــح حجــم جتــارة الصــن باملقارنــة بالواليــات‬ ‫املتحــدة خــال الثــاث الســنوات األخيــرة وهــو مــا يوضــح مــدى‬ ‫النجــاح الــذي حققتــه الصــن داخــل القــارة‪:‬‬

‫الذهنيــة األمريكيــة‪.‬‬ ‫كذلــك فــإن عامــل ضعــف الدولــة القوميــة يف إفريقيــا والــذي مثــل‬ ‫عامــل جــذب للكثيــر مــن التنظيمــات واحلــركات اإلرهابيــة والتــي‬ ‫ناصبــت الواليــات املتحــدة األمريكيــة العــداء‪ ،‬أدى إلــى التشــدد‬ ‫األمريكــي يف قضايــا احلكــم الرشــيد واحلوكمــة وتــداول الســلطة‪،‬‬ ‫ونشــر قــوات عســكرية والتمركــز يف قواعــد عســكرية داخــل القــارة‪،‬‬ ‫وهــي قضايــا تلبــي متطلبــات األمــن القومــي األمريكــي يف األســاس‬ ‫ولــم تكــن تتــوازى مــع املتطلبــات اإلفريقيــة الراغبــة يف احلصــول‬ ‫علــى معونــات اقتصاديــة وقــروض واســتثمارات دون مشــروطيات‬ ‫سياســية‪ ،‬والتدخــل يف الشــأن الداخلــي‪.‬‬

‫ثال ًثــا‪ :‬الموقــف األمريكــي مــن النفــوذ الصينــي داخــل قــارة‬ ‫إفريقيــا‪.‬‬

‫‪ .2‬االنشــغال األمريكــي بقضايــا اإلرهــاب خاصــة بعــد أحداث ســبتمبر‬ ‫‪2001‬م‪.‬‬ ‫يرجــع انحســار النفــوذ األمريكــي والغربــي داخــل قــارة إفريقيــا خــال‬ ‫العقديــن املاضيــن وهــي الفتــرة التــي بــدأت الصــن تضــع أقدامهــا‬ ‫وحتقــق اســتراتيجيتها الراميــة إلــى زيــادة نفوذهــا داخــل القــارة‬ ‫إلــى ســيطرة قضايــا اإلرهــاب ومحاربــة التنظيمــات اإلرهابيــة علــى‬

‫باتــت الواليــات املتحــدة علــى وعــي تــام بالتحــدي اإلســتراتيجي‬ ‫الــذي تشــكله الصــن بالنســبة للهيمنــة الغربيــة علــى العالــم‪ ،‬وتبــرز‬ ‫وثيقــة نشــرها موقــع ويكليكــس حقيقــة املوقــف األمريكــي مــن الــدور‬ ‫الصينــي املتنامــي علــى مســتوى القــارة‪ ،‬فالبرقيــات األمريكيــة‬ ‫الدبلوماســية الســرية التــي كشــفها هــذا املوقــع أظهــرت املراقبــة‬ ‫اللصيقــة والدائمــة والشــديدة التــي تقــوم بهــا اإلدارة األمريكيــة‬ ‫للــدور الصينــي السياســي واالقتصــادي املتنامــي داخــل القــارة‪،‬‬ ‫والتــي أصبحــت التاجــر واملســتثمر األول خــال الســنوات األخيــرة‬ ‫مــع قــارة إفريقيــا‪.‬‬ ‫ويف هــذا اإلطــار مضــت الواليــات املتحــدة يف مســارين‪ ،‬األول‪ :‬تركيــز‬ ‫اجلهــد األمريكــي ملواجهــة واحتــواء الصــن‪ ،‬والثانــي‪ :‬تعزيــز موقعهــا‬ ‫يف مناطــق النفــوذ الصينــي ومــن ضمنهــا قــارة إفريقيــا‪ ،‬وتتمثــل أبــرز‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪107‬‬

‫ملف العدد‬

‫مضت أمريكا يف مسارين‪ :‬مواجهة واحتواء الصين وتعزيز موقعها‬ ‫يف مناطق النفوذ الصيني ومن ضمنها قارة إفريقيا‬ ‫فشــهدت إفريقيــا تدشــن أول قاعــدة عســكرية بحريــة خــارج الصــن‬ ‫والتــي مت تدشــينها يف دولــة جيبوتــي وتعــد داللــة تدشــن القاعــدة‬ ‫إن الصــن تتجــه إلــى توظيــف قدراتهــا العســكرية حلمايــة مصاحلهــا‬ ‫بالقــوة العســكرية وأبرمــت صفقــة مــع دولــة جيبوتــي لشــراء حصــة‬ ‫مــن مينــاء جيبوتــي االســتراتيجي‪ ،‬نظــ ًرا إلــى أهميــة موقعــه‬ ‫االســتراتيجي املطـ ّل علــى احمليــط الهنــدي واملدخــل اجلنوبــي للبحــر‬ ‫األحمــر‪ ،‬حيــث مضيــق بــاب املنــدب الــذي يُعـ ّد ممـ ًّرا مه ًّمــا للتجــارة‬ ‫العامليــة‪ ،‬وألي حتــركات عســكرية قادمــة مــن أوروبــا أو الواليــات‬ ‫املتحــدة باجتــاه منطقــة اخلليــج العربــي وشــرق إفريقيــا وشــرق آســيا‪،‬‬ ‫باإلضافــة إلــى انخراطهــا يف قــوات حفــظ الســام داخــل القــارة‪.‬‬ ‫‪ .2‬آليات تنفيذ السياسات الصينية داخل قارة إفريقيا‪:‬‬ ‫منوذجــا فريـدًا لنفــوذ "ناعــم" يعتمــد علــى‬ ‫اســتطاعت الصــن تقــدمي‬ ‫ً‬ ‫توظيــف القــوى الناعمــة التــي متلكهــا وعوامــل مشــتركة بينهــا وبــن‬ ‫الــدول اإلفريقيــة قدمتهــا الصــن بعنايــة ممــا مهــد الطريــق لتوطــن‬ ‫النفــوذ الصينــي يف أرجــاء القــارة‪ ،‬وتتمثــل هــذه اآلليــات يف اآلتــي‪:‬‬ ‫• توظيف القضايا اإلفريقية لتحقيق املصالح الصينية‪.‬‬ ‫عملــت الصــن علــى اســتغالل بعــض القضايــا اإلفريقيــة لتعزيــز‬ ‫وجودهــا داخــل القــارة‪ ،‬علــى أســاس مبــدأ "التضامــن بــن دول‬ ‫العالــم الثالــث"‪ ،‬فقدمــت نفســها علــى إنهــا يف نفــس اخلنــدق‬ ‫اإلفريقــي والــذي يعانــي مــن تدخــل القــوى الغربيــة يف شــؤونه‬ ‫الداخليــة‪ ،‬فتشــارك الطرفــان مواجهــة التدخــل الغربــي‪ ،‬وقامــت‬ ‫الصــن بتوظيــف موقعهــا يف مجلــس األمــن للوقــوف مــع عــدد مــن‬ ‫الــدول اإلفريقيــة ملواجهــة اإلدانــات والتدخــل األممــي يف شــؤونها‬ ‫ً‬ ‫بديــا بصفتهــا قــوة متكــن ميكــن أن‬ ‫الداخليــة‪ ،‬فطرحــت نفســها‬ ‫متثــل حاميــة للــدول اإلفريقيــة‪ ،‬وذلــك نظيــر أن حتصــل الصــن علــى‬ ‫دعــم الــدول اإلفريقيــة لسياســتها اخلارجيــة خاصــة طلبهــا حتديــد‬ ‫املناطــق البحريــة يف بحــر الصــن اجلنوبــي والقــرارات التــي تتعلــق‬ ‫مبجمــل سياســتها اخلارجيــة يف إطــار صراعهــا الكونــي مــع القــوى‬ ‫الغربيــة‪.‬‬ ‫• استغالل اإلرث االستعماري للدول الغربية‪.‬‬ ‫ســاعد الصــن علــى دعــم نفوذهــا داخــل القــارة اللعــب علــى اإلرث‬ ‫االســتعماري التقليــدي والــذي عانــت منــه القــارة الســمراء‪ ،‬خاصــة‬ ‫إن الصــن كانــت تعانــي مــن اســتعمار ســابق لهــا وليــس لهــا إرث‬ ‫اســتعماري داخــل القــارة‪.‬‬ ‫ولعــل الكتــاب األبيــض الصينــي الــذي تصــدره الصــن بصفــة دوريــة‬ ‫مــا يؤكــد تفهــم الصــن للذهنيــة اإلفريقيــة‪ ،‬حيــث قدمــت نفســها‬ ‫علــى إنهــا دولــة ناميــة تســعى للتعــاون والتنميــة واملصالــح املتبادلــة‪،‬‬ ‫ودائ ًمــا تذكــر أن الصــن تعمــل علــى إقامــة نــوع جديــد مــن الشــراكة‬

‫االســتراتيجية تتســم باملســاواة والثقــة املتبادلــة يف مجــال السياســة‬ ‫والتعــاون اعتمــا ًدا علــى عقليــة الربــح املتبــادل علــى املســتوى‬ ‫االقتصــادي‪.‬‬ ‫• تســويق منــط النظــام السياســي القائــم علــى احلــزب الواحــد‪،‬‬ ‫ومركزيــة التخطيــط االقتصــادي للــدول اإلفريقيــة‪.‬‬ ‫يتشــابه النظــام السياســي الصينــي مــع أغلــب النظــم السياســية يف‬ ‫قــارة إفريقيــا‪ ،‬وهــو مــا مثــل عامــل جــذب للنمــوذج الصينــي‪ ،‬وقــد‬ ‫وظفــت الصــن ذلــك التشــابه لدعــم نفوذهــا داخــل القــارة علــى‬ ‫أســاس أنــه منــط ناجــح يف احلكــم‪ ،‬ويف التقــدم االقتصــادي كبديــل‬ ‫للنمــوذج الــذي ينــادي بــه العالــم الغربــي‪ ،‬وهــي دعــوة جتــد آذا ًنــا‬ ‫صاغيــة يف العديــد مــن الــدول اإلفريقيــة‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬أسباب نجاح سياسات الصين داخل قارة إفريقيا‪.‬‬

‫‪ .1‬التوافق مع واقع القارة اقتصاد ًيا وسياس ًيا‪.‬‬ ‫وجــد تبايــن واضــح بني مســتهدافات السياســة األمريكية جتــاه القارة‬ ‫ونظيرتهــا الصينيــة‪ ،‬خاصــة بعــد انتهــاء مرحلــة القطبيــة الثنائيــة‬ ‫وأحــداث ســبتمبر ‪2001‬م‪ ،‬وهــذا التبايــن أدى إلــى انحســار النفــوذ‬ ‫األمريكــي يف مقابــل تزايــد النفــوذ الصينــي‪ ،‬ويرجــع ذلــك باألســاس‬ ‫إلــى ســيطرة شــعور متزايــد بــن النخــب السياســية اإلفريقيــة بــأن‬ ‫الواليــات املتحــدة لــم تعــد تعنــى بالعالقــات األمريكيــة ــــ اإلفريقيــة‬ ‫بقــدر اهتمامهــا مبصاحلهــا يف مناطــق أخــرى يف العالــم علــى حســاب‬ ‫عالقتهــا بالــدول اإلفريقيــة‪.‬‬ ‫دعــم ذلــك الشــعور اتبــاع اإلدارات األمريكيــة سياســات اتســمت‬ ‫باجلفــاء واإلمــاء علــى النخــب السياســية اإلفريقيــة وهــو مــا أطلــق‬ ‫عليــه املشــروطيات الغربيــة‪ ،‬وهــي السياســات التــي تبنتهــا اإلدارات‬ ‫األمريكيــة خاصــة بعــد انهيــار االحتــاد الســوفيتي وبــزوغ مفاهيــم‬ ‫العوملــة ومحــاوالت اإلدارات األمريكيــة فــرض منوذجهــا القيمــي‬ ‫واالقتصــادي علــى العالــم‪ .‬ومــن ناحيــة أخــرى ركــزت أمريــكا علــى‬ ‫االســتثمار يف التكنولوجيــا العاليــة‪ ،‬والتجــارة واخلدمــات‪ ،‬ولــم يكــن‬ ‫الســوق اإلفريقــي مهيــأ لذلــك النمــط مــن االســتثمارات‪ ،‬يف ذلــك‬ ‫الوقــت‪.‬‬ ‫يف مقابــل ذلــك‪ ،‬فأحــد أبــرز املظاهــر اإليجابيــة للوجــود الصينــي‬ ‫يف الــدول اإلفريقيــة متثــل يف أن النمــو املتزايــد للصــن أســهم يف‬ ‫ارتفــاع الطلــب العاملــي علــى اخلامــات وارتفــاع أســعارها‪ ،‬وبالطبــع‬ ‫كان للــدول اإلفريقيــة النصيــب األكبــر‪ ،‬حيــث أن الهيــكل االقتصــادي‬ ‫ملعظــم الــدول اإلفريقيــة مييــل إلــى تصديــر اخلامــات األوليــة‪ ،‬والتــي‬ ‫كانــت يف أشــد االحتيــاج إليهــا املصانــع الصينيــة والتــي وصفــت بإنهــا‬ ‫"مصنــع العالــم"‪ ،‬وهــو مــا انعكــس إيجابيــا علــى الدخــل القومــي‬

‫‪106‬‬

‫ملف العدد‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫سياســات الصــن تجــاه إفريقيــا بــن آليــات التمكــن واملوقــف األمريكــي‬

‫الصين مقبلة عىل خريف عالقاتها مع إفريقيا‬ ‫و أمريكا أكثر عز ًما عىل مواجهة التحدي الصيني‬

‫يســيطر علــى الواليــات املتحــدة األمريكيــة شــعور متزايــد بوطــأة املنافســة التــي باتــت متثلهــا الصــن علــى االنفــراد األمريكــي‬ ‫كقــوة عظمــى وحيــدة تقــود النظــام الدولــي وزعيمــة لــه‪ ،‬وباتــت السياســات األمريكيــة التــي مت اتخاذهــا خــال العقديــن‬ ‫املاضــن والتــي شــهدت تصاعــد الوجــود الصينــي محــل مراجعــة وتقييــم اآلن‪ ،‬ومنهــا السياســات األمريكيــة جتــاه قــارة‬ ‫إفريقيــا يف ضــوء التدنــي يف مؤشــرات املكاســب األمريكيــة يف مقابــل مــا حققتــه الصــن مــن نفــوذ متزايــد يف القــارة‪،‬‬ ‫باإلضافــة إلــى مــا متثلــه مــن عامــل إمــداد باخلامــات والطاقــة لالقتصــاد الصينــي والــذي تزايــد حجمــه وتطــور تكنولوج ًيــا‬ ‫وسيَ ِ‬ ‫بوتيــرة أقلقــت الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ .‬وحتتــل القــارة موق ًعــا ِجيُ ِ‬ ‫اسـ ًّيا ال ميكــن إغفالــه يف إطــار الصــراع بــن القــوى‬ ‫العظمــى‪ ،‬خاصــة يف ضــوء التطــور التقنــي للصناعــات العســكرية الصينيــة وبنــاء أول قاعــدة عســكرية خــارج حــدود الصــن‬ ‫يف دولــة جيبوتــي‪.‬‬ ‫فمــا هــي عوامــل النجــاح الصينــي داخــل القــارة وأهدافهــا التــي ســعت وراء حتقيقهــا‪ ،‬وأســباب انحســار النفــوذ األمريكــي‬ ‫خــال املرحلــة املاضيــة وأخيــراً مــآالت التنافــس بــن الدولتــن داخــل القــارة‪.‬‬

‫د‪ .‬رأفت محمود محمد‬

‫ً‬ ‫أول‪ :‬أهداف وآليات تنفيذ السياسات الصينية داخل إفريقيا‪.‬‬

‫صــرح الزعيــم الصينــي مــاو تســي تــوجن بــأن عــودة الصــن إلــى‬ ‫األمم املتحــدة ممثـ ًـا للشــعب الصينــي جــاءت محمولــة علــى األعنــاق‬ ‫اإلفريقيــة‪ ،‬وهــو تعبيــر يوضــح األهميــة التــي مثلتهــا ومازالــت إفريقيا‬ ‫للصــن كقــوى سياســية واقتصاديــة وعســكرية كونيــة صاعــدة‪.‬‬ ‫‪ .1‬أهداف السياسات الصينية داخل إفريقيا‪.‬‬ ‫عملــت الصــن مــع نهايــة القــرن املاضــي وبدايــات القــرن احلالــي‬ ‫علــى إعــادة توظيــف القــارة اإلفريقيــة خلدمــة مصاحلهــا‪ ،‬وتطورهــا‬ ‫االقتصــادي‪ ،‬ورمبــا يف وقــت الحــق لتحقيــق أهدافهــا االســتراتيجية‪،‬‬ ‫السياســية واالقتصاديــة والعســكرية‪.‬‬ ‫وقــد هدفــت الصــن مــن التحــرك جتــاه إفريقيــا خاصــة بعــد انتهــاء‬ ‫مرحلــة القطبيــة الثنائيــة التكتــل أمــام التدخــل األمريكــي يف شــؤون‬ ‫الــدول ويف نفــس الوقــت تقــدمي منــوذج آخــر للــدول اإلفريقيــة التــي‬ ‫تضــررت مــن السياســات األمريكيــة والغربيــة‪ ،‬والتــي هدفــت إلــى‬ ‫فــرض عوملتهــا مــن وجهــة النظــر األمريكيــة والغربيــة‪ ،‬وبــدأت يف‬ ‫وضــع مشــروطيات وأطــر علــى العالــم أن يتبعهــا‪ ،‬وهــي منــاذج قــد‬ ‫تختلــف معاييرهــا مــن ثقافــة إلــى أخــرى‪ ،‬وهــو النمــوذج الــذي واجهته‬ ‫الصــن‪ ،‬واجتهــت إلــى القــارة التــي تضــررت مــن تلــك املشــروطيات‬ ‫األمريكيــة‪.‬‬ ‫ومــن ناحيــة أخــرى فقــد ســيطرت قضيــة إصــاح األمم املتحــدة‬

‫وتوســعة مجلــس األمــن علــى سياســات الصــن جتــاه قــارة إفريقيــا‪،‬‬ ‫فهدفــت يف إطــار تطويــر عالقاتهــا مــع دول القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬إلــى‬ ‫مواجهــة محاولــة انضمــام اليابــان والهنــد إلــى العضويــة الدائمــة يف‬ ‫مجلــس األمــن‪ ،‬وهــي معركــة دائــرة بــن الصــن واليابــان يف إطــار‬ ‫التنافــس يف شــرق آســيا‪ ،‬ودعــم الواليــات املتحــدة األمركيــة لليابــان‬ ‫وحتالفهــا معهــا ملواجهــة الصــن‪ ،‬فالتصويــت اإلفريقــي يف الهيئــة‬ ‫األمميــة كان بالنســبة للصــن عام ـ ً‬ ‫ا مســاعدًا يف حتقيــق كثيــر مــن‬ ‫سياســتها جتــاه رؤيتهــا اخلاصــة بإصــاح األمم املتحــدة‪.‬‬ ‫وقــد أدى النمــو االقتصــادي الصينــي إلــى ارتفــاع طلبهــا علــى املــوارد‬ ‫األوليــة وإلــى املزيــد مــن الطاقــة وتأمــن مصــادره‪ ،‬فهــي كمــا يطلــق‬ ‫عليــه "مصنــع العالــم"‪ ،‬وهــى فقيــرة يف مصــادره ومــن ثــم كان عليهــا‬ ‫التوجــه إلــى اخلــارج لتظهــر الــدول اإلفريقيــة كأحــد املرتكــزات يف‬ ‫هــذا التوجــه حيــث حتتــل القــارة حال ًيــا موق ًعــا مه ًمــا يف خريطــة إنتــاج‬ ‫املــوارد األوليــة والطاقــة علــى مســتوى العالــم‪.‬‬ ‫كذلــك فــإن التطــور االقتصــادي وطبيعــة املنافســة مــع العالــم الغربــي‬ ‫خاصــة الواليــات املتحــدة احتــاج إلــى تأمــن احلفــاظ علــى خطــوط‬ ‫اإلمــداد لشــرايني االقتصــاد الصينــي مــن املــواد اخلــام‪ ،‬فعملــت علــى‬ ‫تثبيــت أقدامهــا يف إفريقيــا مــن خــال إنشــاء نفــوذ اقتصــادي قــوي‬ ‫بتقــدمي قــروض ميســرة واالســتثمار يف البنيــة التحتيــة‪.‬‬ ‫وأخي ـ ًرا االجتــاه إلــى تأمــن املنافــذ البحريــة التــي تعتمــد عليهــا‪،‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪105‬‬

‫ملف العدد‬

‫مصالح الصين تقتضي استمرار النهج الهادئ الذي تغلف به رغبتها‬ ‫يف مزاحمة النموذج األمريكي‬ ‫مناط ــق نف ــوذه التقليدي ــة يف العال ــم‪.‬‬ ‫م ــن جه ــة أخ ــرى‪ ،‬تب ــذل الص ــن قص ــارى جهده ــا لتدعي ــم اس ــتقرار‬ ‫النظـــم يف الـــدول اخلليجيـــة حفاظـــاً علـــى مصاحلهـــا الضخمـــة‪،‬‬ ‫وضما ًن ــا الس ــتمرارية الصداق ــة والتع ــاون م ــع تل ــك النظ ــم له ــا م ــن‬ ‫جهــة أخــرى‪ ،‬وهــو األمــر الــذي قــد يدفعنــا للتنبــؤ باحتماليــة بدايــة‬ ‫ح ــرب تكنولوجي ــة معلوماتي ــة ب ــاردة جدي ــدة لكنه ــا ه ــذه امل ــرة م ــع‬ ‫الص ــن يف امللع ــب اخلليج ــي ال ــذي أصب ــح س ــاحة للص ــراع الدول ــي‬ ‫املعلوماتــي والتكنولوجــي بــن الصــن والواليــات املتحــدة األمريكيــة‪.‬‬ ‫كم ــا أن التح ــرك الصين ــي اله ــادئ ومنوذجه ــا اجل ــذاب ق ــد يف ــوت‬ ‫عل ــى الوالي ــات املتح ــدة فرص ــة قل ــب النظ ــم اخلليجي ــة عليه ــا‪.‬‬ ‫وإن كان للوجـــود الصينـــي يف منطقـــة اخلليـــج ســـمات ودالالت‬ ‫اقتصاديـــة خـــال الفتـــرة املاضيـــة‪ ،‬فـــإن الفتـــرة املقبلـــة ستشـــهد‬ ‫توظي ًفـــا سياســـ ًّيا للصـــن يف مشـــروعها كقـــوة دوليـــة قادمـــة يف‬ ‫مواجهـــة القـــوة األمريكيـــة القائمـــة‪ .‬وتهـــدف إلـــى تأســـيس بُعـــد‬ ‫صينـــي عاملـــي مؤ ِّثـــر يف مســـار السياســـة واالقتصـــاد العامليـــن‪.‬‬ ‫لك ــن دول املنطق ــة تت ــردد يف توس ــيع العالق ــات األمني ــة م ــع الص ــن‬ ‫خصوص ـاً‪ .‬وتتصــل هــذه التحفظــات بعــدم إمكانيــة الوثــوق بالصــن‬ ‫التــي تصــر علــى النظــر إلــى دول مجلــس التعــاون وإيــران علــى قــدم‬ ‫املس ــاواة‪ .‬وف ــوق ذل ــك‪ ،‬ت ــدرك ال ــدول اإلقليمي ــة الرئيس ــة محدودي ــة‬ ‫إمكاني ــات الص ــن‪ ،‬وغي ــاب اإلرادة للقي ــام ب ــدور كبي ــر يف الش ــرق‬ ‫األوس ــط‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وميكـــن اســـتنتاج أن دول اخلليـــج خصوصـــا ال ترغـــب باســـتبدال‬ ‫الواليــات املتحــدة بــأي قــوة أخــرى‪ ،‬لكنهــا تــرى يف اتســاع نطــاق دور‬ ‫الص ــن االقتص ــادي واالس ــتثماري يف املنطق ــة عنص ــر ضغ ــط عل ــى‬ ‫اإلدارة األمريكي ــة إلع ــادة رف ــع مس ــتوى التزامه ــا بقضاي ــا املنطق ــة‪،‬‬ ‫ودعــم سياســاتها‪ .‬ولكــن متلــك الواليــات املتحــدة األمريكيــة ســاحاً‬ ‫ال متتلك ــه الص ــن فيم ــا يخ ــص منطق ــة اخللي ــج العرب ــي‪ ،‬أال وه ــو‬ ‫التحالف ــات‪.‬‬ ‫وبالطبــع‪ ،‬فــإن مســتقبل التواجــد الصينــي يف اخلليــج عمو ًمــا يجمــع‬ ‫خصوص ــا أن ــه يأخ ــذ أبع ــا ًدا‬ ‫ب ــن الرب ــح واخلس ــارة يف آن واح ــد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫اس ــتراتيجية‪ .‬لك ــن املعطي ــات تش ــير إل ــى مزي ــد م ــن التط ــور للص ــن‬ ‫يف مج ــال تكنولوجي ــا املعلوم ــات واالقتص ــاد واالس ــتثمار‪ .‬وكذل ــك‬ ‫خل ــق العدي ــد م ــن ال ُف ــرص واخلي ــارات أم ــام دول اخللي ــج العرب ــي‪،‬‬ ‫وه ــي‪:‬‬

‫• خلـــق نـــوع مـــن أنـــواع تـــوازن القـــوى اجلديـــد‪ ،‬والتخلـــص مـــن‬ ‫قي ــود األحادي ــة القطبي ــة‪ ،‬فم ــن مصلح ــة ال ــدول أن يك ــون النظ ــام‬ ‫الدول ــي ذو س ــمة التعددي ــة‪ ،‬ب ــدالً م ــن حال ــة األحادي ــة‪ ،‬ورمب ــا جت ــد‬ ‫دول اخلليـــج يف صعـــود الصـــن فرصـــة للدفـــع بتأثيـــرات النظـــام‬ ‫الدولـــي التعـــددي علـــى املســـتوى اإلقليمـــي‪ ،‬وهـــذا مـــن شـــأنه أن‬ ‫يخل ــق مس ــاحة أكب ــر للحرك ــة والتف ــاوض‪ ،‬كم ــا يخف ــف م ــن القي ــود‬ ‫والضغـــوط‪.‬‬ ‫• إمكاني ــة احتف ــاظ دول املنطق ــة بعالق ــات متنوع ــة ب ــن القوت ــن‬ ‫الصيني ــة واألمريكي ــة‪ ،‬وحاج ــة تل ــك ال ــدول إل ــى ش ــركاء جتاري ــن‪.‬‬ ‫فالواليــات املتحــدة تعتبــر شــري ًكا جتار ًيــا فضـ ً‬ ‫ـا عــن كونهــا شــري ًكا‬ ‫أمن ًيــا وعســكر ًيا‪ ،‬وهــو مــا ميكــن مــن اإلســهام يف اســتمرار التعــاون‬ ‫الســـتقرار املنطقـــة‪ ،‬ومجابهـــة التحديـــات األمنيـــة والعســـكرية‬ ‫املس ــتقبلية‪.‬‬ ‫• توفيــر عميــل بديــل للنفــط بعــد تراجــع أهميتــه بالنســبة للواليــات‬ ‫املتحــدة‪ ،‬فالصــن تعتبــر أكبــر مســتورد للنفــط مــن اخلليــج‪ ،‬وتشــير‬ ‫الدراس ــات املس ــتقبلية إل ــى أن الص ــن يف حاج ــة مس ــتمرة وماس ــة‬ ‫للنف ــط اخلليج ــي؛ مم ــا يجع ــل م ــن الص ــن عمي ـ ً‬ ‫ـا مجد ًي ــا ل ــدول‬ ‫اخللي ــج‪.‬‬ ‫• االســتفادة مــن موقــف القوتــن الصينيــة واألمريكيــة مــن ضمــان‬ ‫االس ــتقرار اإلقليم ــي وأم ــن منطق ــة اخللي ــج‪ .‬حي ــث تش ــترك كل م ــن‬ ‫الص ــن والوالي ــات املتح ــدة فيم ــا يتعل ــق بالبُع ــد األمن ــي يف منطق ــة‬ ‫اخللي ــج‪ ،‬وض ــرورة تخفي ــف حــ َّدة النزاع ــات اإلقليمي ــة يف املنطق ــة؛‬ ‫األم ــر ال ــذي ق ــد ي ــؤدي إل ــى البح ــث ع ــن أرضي ــة مش ــتركة تضم ــن‬ ‫للصـــن حتقيـــق مصاحلهـــا اجليو‪-‬اقتصاديـــة واجليـــو‪ -‬سياســـية‬ ‫يف املنطق ــة‪ .‬وكذل ــك مي ّك ــن الوالي ــات املتح ــدة م ــن احملافظ ــة عل ــى‬ ‫مصاحله ــا االقتصادي ــة والسياس ــية يف املنطق ــة‪.‬‬ ‫• ضم ــان ال ــدول اخلليجي ــة لوج ــود ش ــريك جت ــاري لدع ــم خط ــط‬ ‫التنمي ــة‪ .‬فالص ــن تعتب ــر م ــن أكب ــر الش ــركاء التجاري ــن لع ــدد كبي ــر‬ ‫م ــن دول املنطق ــة‪ ،‬م ــن املمك ــن أن تلع ــب دو ًرا كبي ـ ًرا يف إجن ــاح ه ــذه‬ ‫اخلط ــط‪.‬‬

‫* رئيس فريق عمل مركز الدراسات االسرتاتيجية مبكتبة اإلسكندرية‪ ،‬ومدرس العلوم‬ ‫السياسية باألكادميية العربية للعلوم والتكنولوجيا‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪104‬‬

‫ملف العدد‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ال تملك الصين بدائل دبلوماسية أو عسكرية إلزاحة أمريكا الضامن‬ ‫للمعادلة األمنية اإلقليمية‬ ‫طريق الحرير الجديد‬ ‫تســتثمر بكــن يف بنــاء مرافــق املوانــئ والطــرق وخطــوط القطــارات‬ ‫واملراك ــز التجاري ــة ضم ــن مش ــروع اس ــتراتيجي كبي ــر حت ــت اس ــم‬ ‫"حـــزام واحد‪-‬طريـــق واحـــد"‪ ،‬والـــذي يهـــدف إلنشـــاء منطقـــة‬ ‫اقتصادي ــة متداخل ــة بإح ــكام حت ــت الس ــيطرة الصيني ــة‪ .‬فمب ــادرة‬ ‫" ح ــزام واح ــد‪ -‬طري ــق واح ــد" ه ــي‪ ،‬قب ــل كل ش ــيء‪ ،‬مش ــروع جي ــو‪-‬‬ ‫سياسي‪.‬‬ ‫وتق ــع منطق ــة اخللي ــج عل ــى ط ــول طري ــق احلري ــر اجلدي ــد‪ ،‬مم ــا‬ ‫س ــيؤكد س ــعي الص ــن إل ــى تأم ــن ط ــرق جتارته ــا عب ــر خط ــوط‬ ‫احملي ــط الهن ــدي البحري ــة م ــن خ ــال مب ــادرة "طري ــق واح ــد‪ ،‬ح ــزام‬ ‫واحـــد" التــــي متثـــل وســـيلة الصـــن الختـــراق األســـواق الغربيـــة‬ ‫واآلســيوية عبــر طــرق مالحيــة وبريــة اســتراتيجية التـــي تقــع عليهــا‬ ‫موانـــئ اخلليـــج ذات املوقـــع االســـتراتيجي‪.‬‬ ‫ويف ه ــذا اإلط ــار جن ــد اس ــتمرار الص ــن يف اتب ــاع العومل ــة البديل ــة‬

‫مـــن خـــال تقـــدمي نفســـها كصديـــق ليـــس لـــه تاريـــخ اســـتعماري‬ ‫س ــابق‪ ،‬وال يش ــترط ش ــروطاً معين ــة لتدعي ــم التنمي ــة ب ــل ه ــو يق ــدم‬ ‫نفس ــه دائمــاً يف ش ــكل صدي ــق يس ــعى لتعظي ــم املصال ــح املش ــتركة‬ ‫م ــن خ ــال دع ــم التنمي ــة االقتصادي ــة يف منطق ــة اخللي ــج يف مقاب ــل‬ ‫دع ــم اخللي ــج للنهض ــة االقتصادي ــة يف الص ــن بامل ــوارد إل ــى جان ــب‬ ‫الدعـــم الدبلوماســـي املتبـــادل يف احملافـــل الدوليـــة‪ .‬وهـــو أمـــر‬ ‫س ــيعتبر مقب ــوالً ل ــدى دول اخللي ــج‪ ،‬كم ــا أن الص ــن ق ــد تخل ــت ع ــن‬ ‫توجههــا األيديولوجــي القــدمي والــذي كان إطــاراً محــدداً لسياســاتها‬ ‫اخلارجي ــة م ــع ال ــدول األخ ــرى طيل ــة عه ــد م ــاو تس ــي ت ــوجن الزعي ــم‬ ‫الصين ــي‪ .‬فق ــد أصب ــح للص ــن منوذجه ــا اخل ــاص وال ــذي عمل ــت‬ ‫عل ــى ترويج ــه عامليــاً وب ــن دول اخللي ــج بش ــكل خ ــاص‪.‬‬ ‫ومـــن هنـــا‪ ،‬فـــإن مصالـــح الصـــن تقتضـــي اســـتمرار ذلـــك النهـــج‬ ‫اله ــادئ واحلف ــاظ عل ــى الص ــورة اجلي ــدة لنموذجه ــا ال ــذي تغل ــف‬ ‫ب ــه رغبته ــا يف مزاحم ــة النم ــوذج األمريك ــي م ــن واح ــدة م ــن أه ــم‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪103‬‬

‫ملف العدد‬

‫التنافس الصيني‪ -‬األمريكي يف منطقة الخليج األصعب واألكثر‬ ‫حدة ألنه ينطوي عىل عنصري األمن والنفط‬ ‫عرب ــي إل ــى س ــاحة دولي ــة مفتوح ــة‪.‬‬ ‫كذلـــك هنـــاك مجموعـــة مـــن العوامـــل واملتغيـــرات التـــي أدت مـــد‬ ‫النفـــوذ الصينـــي علـــى منطقـــة اخلليـــج العربـــي‪ ،‬أال وهـــي‪:‬‬ ‫• املوق ــع اجلغ ــرايف وأث ــره عل ــى التط ــور السياس ــي واالقتص ــادي‬ ‫واالجتماع ــي للمنطق ــة‪ ،‬حي ــث ميث ــل اخللي ــج العرب ــي مم ــراً وبواب ــة‬ ‫للبحـــر األحمـــر وخليـــج عـــدن‪ ،‬باإلضافـــة إلـــى احمليـــط الهنـــدي‪،‬‬ ‫األم ــر ال ــذي جعل ــه مح ـ َّ‬ ‫ـط اهتم ــام الق ــوى الدولي ــة املس ــيطرة‪.‬‬ ‫• مص ــادر النف ــط يف اخللي ــج العرب ــي‪ ،‬وه ــو م ــا يدف ــع الوالي ــات‬ ‫املتح ــدة إل ــى محاول ــة الدف ــاع ع ــن ه ــذه املص ــادر‪ ،‬وتأم ــن الوص ــول‬ ‫إليهــا‪ ،‬ومــن أبــرز األدوات التــي اســتخدمت يف ذلــك إقامــة القواعــد‬ ‫العس ــكرية‪ ،‬وتب ــادل املعلوم ــات االس ــتخباراتية م ــع دول املنطق ــة‪.‬‬ ‫• األهمي ــة االقتصادي ــة ملنطق ــة اخللي ــج العرب ــي‪ ،‬م ــا أض ــاف بُع ــداً‬ ‫جديـــداً للتنافـــس الدولـــي‪ ،‬ودخـــول قـــوى أخـــرى جديـــدة فاعلـــة‬ ‫بجان ــب الوالي ــات املتح ــدة مث ــل روس ــيا االحتادي ــة والهن ــد‪.‬‬ ‫• تأثيــرات حــرب اخلليــج الثانيــة ومــا بعدهــا‪ ،‬فقــد شـ َّكل التنافــس‬ ‫ب ــن الق ــوى الدولي ــة الكب ــرى عل ــى منطق ــة اخللي ــج العرب ــي‪ ،‬حي ــث‬ ‫متـــت إقامـــة قواعـــد عســـكرية أمريكيـــة وبريطانيـــة‪ ،‬وفرنســـية‪،‬‬ ‫ومؤخـ ـ ًرا تركي ــة وش ــبكات اتص ــال اس ــتخباراتية يف املنطق ــة‪.‬‬ ‫ويبـــدو حال ًيـــا التنافـــس الصينـــي‪ -‬األمريكـــي يف منطقـــة اخلليـــج‬ ‫العربـــي‪ ،‬بأنـــه ســـيكون األصعـــب واألكثـــر حـــدة؛ حيـــث ينطـــوي‬ ‫عل ــى عنص ــري األم ــن والنف ــط ال ــذي يُع ــدان أولوي ــة ل ــدى الطرف ــن‬ ‫ويؤثـــران بشـــكل أساســـي ورئيســـي علـــى األمـــن االقتصـــادي‪.‬‬ ‫وقـــد تبنّـــت الصـــن‪ ،‬سياســـة الشـــراكة االســـتراتيجية مـــع الـــدول‬ ‫اخلليجيـــة؛ وتقـــوم العالقـــات الصينيـــة اخلليجيـــة يف معظمهـــا‬ ‫عل ــى مجموع ــة م ــن املب ــادئ ه ــي؛ اإلخ ــاص والصداق ــة واملس ــاواة‪،‬‬ ‫املنفع ــة املتبادل ــة واالزده ــار املش ــترك‪ ،‬التأيي ــد املتب ــادل والتنس ــيق‬ ‫الوثيـــق‪ ،‬االســـتفادة مـــن التجـــارب الثنائيـــة والســـعي وراء التنميـــة‬ ‫املشـــتركة‪.‬‬ ‫إن التناف ــس ب ــن الوالي ــات املتح ــدة والص ــن‪ ،‬يجع ــل وض ــع ال ــدول‬ ‫اخلليجيـــة كـــدول محايـــدة أكثـــر صعوبـــة‪ .‬وأحـــد املناطـــق التـــي‬ ‫قـــد تشـــهد تصاعـــداً يف حـــدة التنافـــس بـــن اجلانبـــن‪ .‬ولفهـــم‬ ‫رؤي ــة ال ــدول اخلليجي ــة ملصاحله ــا م ــع القوت ــن‪ ،‬يج ــب النظ ــر إل ــى‬ ‫املؤش ــرات األولي ــة الص ــادرة ع ــن إدارة ج ــو باي ــدن جت ــاه املنطق ــة‪.‬‬ ‫فق ــد ب ــات واضحــاً أن اإلدارة األمريكي ــة اجلدي ــدة لديه ــا رغب ــة يف‬

‫إعــادة صياغــة مقاربتهــا جتــاه املنطقــة‪ ،‬لكــن مــن غيــر الواضــح بعــد‬ ‫م ــدى ُع ْم ــق تل ــك اخلط ــوة وتأثيره ــا عل ــى البني ــة األمني ــة اإلقليمي ــة‬ ‫برعاي ــة الوالي ــات املتح ــدة‪ ،‬وخاص ـ ًة يف منطق ــة اخللي ــج‪ .‬فالوالي ــات‬ ‫املتح ــدة ال متل ــك بدائ ــل لتقني ــات اس ــتراتيجية ميك ــن أن تقدمه ــا‬ ‫ل ــدول اخللي ــج‪ ،‬كش ــبكات اجلي ــل اخلام ــس وال ــذكاء االصطناع ــي‪،‬‬ ‫وهـــي عنصـــر أساســـي يف خطـــط دول اخلليـــج التنمويـــة بعيـــدة‬ ‫امل ــدى‪ ،‬مث ــل رؤي ــة ‪ 2030‬يف اململك ــة العربي ــة الس ــعودية‪ ،‬والرؤي ــة‬ ‫االقتصاديــة ‪ 2030‬إلمــارة أبــو ظبــي‪ .‬ويف املقابــل‪ ،‬ال متلــك الصــن‬ ‫بدائ ــل دبلوماس ــية أو عس ــكرية ق ــد متكنه ــا م ــن إزاح ــة الوالي ــات‬ ‫املتح ــدة بوصفه ــا الضام ــن يف املعادل ــة األمني ــة اإلقليمي ــة‪.‬‬ ‫ومــن أهــم تطــورات املــد الصينــي يف منطقــة اخلليــج وهــو مــا يثيــر‬ ‫القلــق لــدى الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪:‬‬ ‫• حـــدوث تعطـــل لصـــادرات النفـــط مـــن اخلليـــج‪ ،‬انطالقـــاً مـــن‬ ‫رغب ــة االس ــتمرار يف ضم ــان تدف ــق الطاق ــة كأح ــد أدوات احلف ــاظ‬ ‫عل ــى النظ ــام العامل ــي‪.‬‬ ‫• قيـــام الصـــن بتطويـــر شـــبكات اجليـــل اخلامـــس وتشـــغيلها يف‬ ‫دول املنطقــة‪ ،‬وارتبــاط ذلــك بـــ "احلــرب البــاردة" التكنولوجيــة‪ ،‬ومــا‬ ‫ميك ــن أن يُحدِ ث ــه م ــن مخاط ــر عل ــى التع ــاون األمن ــي ب ــن الوالي ــات‬ ‫املتح ــدة األمريكي ــة ودول املنطق ــة‪.‬‬ ‫• اتســاع نطــاق املوانــئ االســتراتيجية التــي تســتفيد منهــا الشــركات‬ ‫الصينيــة‪ ،‬ضمــن مبــادرة احلــزام والطريــق‪.‬‬ ‫مـــع األخـــذ يف االعتبـــار‪ ،‬أن األهـــداف الصينيـــة جتـــاه منطقـــة‬ ‫اخللي ــج واضح ــة وغي ــر معق ــدة‪ ،‬وترك ــز عل ــى احلف ــاظ عل ــى أم ــن‬ ‫املمــرات املائيــة‪ ،‬وضمــان اســتمرار تدفــق النفــط‪ ،‬وضمــان مصالــح‬ ‫الص ــن التجاري ــة واالس ــتثمارية الواس ــعة م ــع دول منطق ــة اخللي ــج‪.‬‬ ‫وميك ــن اعتب ــار منطق ــة اخللي ــج العرب ــي املنطق ــة احليوي ــة الوحي ــدة‬ ‫يف العال ــم الت ــي تلتق ــي فيه ــا املصال ــح الصيني ــة األمريكي ــة‪ ،‬حي ــث‬ ‫حريــة املالحــة واالتفــاق النــووي اإليرانــي‪ ،‬والســعي إلنهــاء "احلــروب‬ ‫الدائمـــة"‪ .‬والســـبب يف ذلـــك ليـــس فقـــط رغبـــة الصـــن يف عـــدم‬ ‫حت ُّم ــل أعبائه ــا م ــع الوالي ــات املتح ــدة‪ ،‬لك ــن أيضــاً تراج ــع مصال ــح‬ ‫الوالي ــات املتح ــدة‪ .‬ويظ ــل التناف ــس التكنولوج ــي واملعلومات ــي ب ــن‬ ‫اجلانب ــن منطق ــة ص ــراع محتدم ــة ب ــن اجلانب ــن وإمكاني ــة ظه ــور‬ ‫نظ ــام دول ــي معلومات ــي وتكنولوج ــي ثنائ ــي القطبي ــة‪.‬‬

‫‪102‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الصيــن شــريك تجــاري لدعــم خطــط التنميــة فــي دول مجلــس التعــاون‬

‫المحـددات والرؤى االسـتراتيجية للتنافس‬ ‫الصيني ـــ األمريكي‬ ‫أضحــت منطقــة اخلليــج العربــي مجــاالً مفتوحـاً للنفــوذ األمريكــي املطلــق وال ســيما بعــد حــرب اخلليــج الثانيــة وكــذا انهيــار‬ ‫االحتــاد الســوفيتي عــام ‪1991‬م‪ ،‬إال أن الصعــود الصينــي كقــوة اقتصاديــة كبــرى‪ ،‬ســعت الصــن بــه ملــد نفوذهــا عامل ًيــا‬ ‫وباألخــص يف منطقــة اخلليــج‪ ،‬مبــا متلكــه مــن مــوارد نفطيــة ومقومــات طبيعيــة واقتصاديــة مميــزة‪.‬‬ ‫يذهــب البعــض يف ســياق قراءاتــه ملســارات األحــداث‪ ،‬إلــى أن اهتمــام الواليــات املتحــدة مبنطقــة اخلليــج العربــي‪ ،‬لــم يعــد‬ ‫كمــا كان‪ ،‬وإن التركيــز اآلن علــى منطقــة شــرق آســيا‪ ،‬حيــث يتعاظــم النفــوذ الصينــي هنــاك‪ ،‬وهــو األمــر الــذي بــدأت تنتبــه لــه‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ .‬فهنــاك خلــط بـ ّـن يف هــذه القــراءة‪ ،‬فمنطقــة اخلليــج العربــي لــم تفقــد أهميتهــا االســتراتيجية‬ ‫بالنســبة للمنظــور األمريكــي‪ ،‬ألن ثوابــت تلــك األهميــة هــي ثوابــت باقيــة ولــم تتغيــر‪ ،‬فــا تــزال منطقــة اخلليــج العربــي هــي‬ ‫املنطقــة األغنــى يف العالــم مــن حيــث احتياطيــات النفــط‪ ،‬وكذلــك تضــم ممــرات مائيــة دوليــة وموقــع مائــي اســتراتيجي يخــدم‬ ‫اخلطــوط املالحيــة الدوليــة الرئيســية‪ ،‬وكذلــك فيمــا يخــص املوقــع اجلغــرايف الــذي يعتبــر مدخــل للقــارات الثــاث‪ ،‬آســيا‬ ‫وأوروبــا وإفريقيــا‪ ،‬ممــا يجعلهــا محــل اهتمــام دولــي دائــم‪.‬‬

‫د‪ .‬محمود عزت عبد احلافظ‬

‫وصعـــود الصـــن كقـــوة اقتصاديـــة كبـــرى‪ ،‬وكذلـــك بروزهـــا كقـــوة‬ ‫عس ــكرية‪ ،‬يضاع ــف م ــن قل ــق الوالي ــات املتح ــدة األمريكي ــة عل ــى‬ ‫مس ــتقبل التوازن ــات الدولي ــة القائم ــة يف املنطق ــة‪ .‬فمب ــادرة احل ــزام‬ ‫والطري ــق "طري ــق احلري ــر" وال ــذي تس ــعى الص ــن إل ــى اس ــتكمال‬ ‫م ــده إل ــى الق ــارة األوروبي ــة‪ ،‬س ــيمر عل ــى منطق ــة اخللي ــج العرب ــي‬ ‫بــ ًرا وبحــ ًراً‪ ،‬وم ــا س ــيترتب عل ــى ذل ــك م ــن اتفاقي ــات تعقده ــا دول‬ ‫املنطقــة التــي متــر فيهــا مســارات طريــق احلريــر مــع الصــن‪ ،‬ممــا‬ ‫س ــيعزز نفوذه ــا بش ــكل كبي ــر يف ه ــذه املنطق ــة‪.‬‬ ‫ويف ض ــوء ذل ــك‪ ،‬فم ــن املس ــتبعد ج ــداً أن تس ــمح الوالي ــات املتح ــدة‬ ‫للصــن‪ ،‬بتقويــض النظــام الدولــي القائــم‪ ،‬والــذي تتزعمــه الواليــات‬ ‫املتح ــدة األمريكي ــة كق ــوة عظم ــى وحي ــدة‪ ،‬وه ــو م ــا ورد عل ــى لس ــان‬ ‫وزي ــر اخلارجي ــة األمريك ــي‪ ،‬أنطون ــي بلينك ــن‪ ،‬يف الثال ــث م ــن ماي ــو‬ ‫ع ــام ‪2021‬م‪ ،‬يف تصري ــح أدل ــى ب ــه لش ــبكة «‪ :»CBS‬ب ــأن الص ــن‬ ‫ه ــي الدول ــة الوحي ــدة يف العال ــم الت ــي لديه ــا الق ــدرات العس ــكرية‬

‫واالقتصاديـــة والدبلوماســـية‪ ،‬لتقويـــض أو حتـــ ّدي النظـــام القائـــم‬ ‫نتمس ــك به ــا بشــ ّدة‪ ،‬ومص ّمم ــون عل ــى الدف ــاع عنه ــا‪.‬‬ ‫عل ــى قواع ــد‬ ‫ّ‬ ‫وجنح ــت الص ــن يف توظي ــف إمكاناته ــا االقتصادي ــة اجلب ــارة مل ــد‬ ‫نفوذه ــا السياس ــي إل ــى دول اخللي ــج العرب ــي س ــعياً ملواجه ــة النف ــوذ‬ ‫األمريكـــي عامليـــاً‪ ،‬وكانـــت إحـــدى املناطـــق التـــي تنامـــى التنافـــس‬ ‫الدولـــي حيالهـــا بـــن الصـــن والواليـــات املتحـــدة هـــي منطقـــة‬ ‫اخللي ــج بثرواته ــا الضخم ــة وموارده ــا القيم ــة إل ــى جان ــب موقعه ــا‬ ‫االســـتراتيجي‪.‬‬ ‫ومـــن املتعـــارف عليـــه‪ ،‬أن السياســـة اخلارجيـــة للصـــن سياســـة‬ ‫برجماتي ــة قائم ــة عل ــى املصال ــح املش ــتركة م ــع ال ــدول األخ ــرى‪ ،‬ويف‬ ‫نف ــس الوق ــت ف ــإن الص ــن تس ــتهدف مزاحم ــة النف ــوذ األمريك ــي يف‬ ‫كل مناط ــق العال ــم خاص ــة الغني ــة منه ــا بامل ــوارد كمنطق ــة اخللي ــج‪.‬‬ ‫ففـــي منطقـــة اخلليـــج‪ ،‬تشـــهد حالـــة تنافـــس اقتصـــادي وأمنـــي‬ ‫محت ــدم إقليم ًّي ــا ودول ًّي ــا‪ ،‬وحتــ َّول اخللي ــج العرب ــي م ــن خلي ــج مائ ــي‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪101‬‬

‫ملف العدد‬

‫تتج ــه مصال ــح الصي ــن غر ًب ــا آلس ــيا الوس ــطى والش ــرق األوس ــط‬ ‫وه ــذا مدخـ ـ ًا لتحقي ــق األم ــن والتع ــاون‬ ‫وطرحــت عــدة مبــادرات حلــل الصــراع مــن بنودهــا ـ إنهــاء األعمــال‬ ‫العســكرية وخاصــة اإلســرائيلية وتقــدمي املســاعدات اإلنســانية‬ ‫للفلســطينيني وإنهــاء احلصــار عــن غــزة والدعــم الدولــي حلــل‬ ‫الدولتــن‪ ،‬ورغــم هــذه املبــادرة ترفضهــا إســرائيل‪ ،‬وبذلــك تتعامــل‬ ‫الصــن مبــا يحقــق مصاحلهــا مــع جميــع األطــراف رغــم اخلالفــات‬ ‫والصراعــات بــن دول اإلقليــم ‪.‬‬ ‫جائحة كوفيد ‪ 19-‬والتعاون الصيني العربي‬ ‫جــاءت جائحــة عــام ‪" 2020‬كوفيــد‪ "19-‬لتضيــف بعــداً جديــداً‬ ‫للتعــاون العربــي الصينــي يف مجــال مقاومــة األوبئــة‪ ،‬ويف الوقــت‬ ‫الــذي شــنت الــدول الغربيــة وخاصــة إدارة ترامــب هجومــاً علــى‬ ‫الصــن واتهامهــا بأنهــا وراء انتشــار الوبــاء وطالبــت بالتحقيــق يف‬ ‫أســباب اجلائحــة‪ ،‬كان هنــاك تفاهمــاً وتعاونــاً عربيــاً مــع الصــن‬ ‫وتقــدمي الدعــم لهــا ‪ ،‬فقــد اتصــل امللــك ســلمان بالرئيــس الصينــي‬ ‫شــي جــن بينــغ معبــ ًرا عــن دعــم اإلجــراءات الصينيــة املتعلقــة‬ ‫مبكافحــة اجلائحــة واســتعداد اململكــة لتقــدمي املســاعدة للصــن كمــا‬ ‫أرســلت الصــن اخلبــراء‪ ،‬وزارت وزيــرة الصحــة املصريــة هالــة زايــد‬ ‫الصــن لتقــدمي الدعــم لهــا‪ ،‬وتبرعــت دول اجلامعــة العربيــة بنحــو‬ ‫عشــرة ماليــن كممامــة وحوالــي ‪ 3.2‬مليــون زوج مــن القفــازات‬ ‫ومائــة الــف ملبــس واق و‪ 65‬الــف نظــارة واقيــة‪ ،‬وعندمــا تفشــت‬ ‫اجلائحــة يف الــدول العربيــة أرســلت الصــن اخلبــراء إلــى الــدول‬ ‫العربيــة‪ ،‬العــراق والســعودية والكويــت واجلزائــر والســودان وغيرهــا‪،‬‬ ‫وقدمــت مختبــرات لبعضهــا لفحــص الفيــروس وقدمــت اللقــاح‬ ‫الصينــي للوقايــة مــن انتشــار اجلائحــة‪.‬‬ ‫واتصــل الرئيــس الصينــي بأكثــر مــن عشــرة قــادة الــدول العربيــة‬ ‫واتصــل رئيــس الــوزراء الصينــي تشــاينغ برئيســي وزراء اجلزائــر‬ ‫والســودان‪ ،‬وعقــدت الــدورة التاســعة لالجتمــاع الــوزاري ملنتــدى‬ ‫التعــاون الصينــي العربــي عبــر االنترنــت يف يوليــو ‪2020‬م‪ ،‬وصــدر‬ ‫عــن االجتمــاع بيانــاً يشــيد بالتعــاون الصينــي العربــي يف مكافحــة‬ ‫كوفيــد‪.19-‬‬ ‫ويف ظــل الهجمــة اإلعالميــة الغربيــة علــى الصــن بشــأن كوفيــد‪19-‬‬ ‫وحقــوق اإلنســان وانتهــاك احلقــوق لاليجــور يف ســينكيانع وجــدت‬ ‫الصــن يف موقــف الــدول العربيــة مســانداً لهــا‪ ،‬لــذا يف األول مــن‬ ‫ديســمبر ‪2020‬م‪ ،‬أرســل الرئيــس الصينــي رســالة تهنئــة لالحتفــال‬ ‫باليــوم الدولــي للتضامــن مــع الشــعب الفلســطيني معبــراً عــن‬ ‫دعمــه للحقــوق الفلســطينية وف ًقــا لقــرارات األمم املتحــدة‪ ،‬وقــدم‬ ‫املــواد الطبيــة وإرســال فريــق مــن اخلبــراء الصينيــن لالراضــي‬ ‫الفلســطينية لإلســهام يف مكافحــة الوبــاء وتقــدمي التبرعــات لوكالــة‬

‫غــوث لالجئــن الفلســطينيني (أونــروا)‪ ،‬ونالحــظ أن التعــاون أخــذ‬ ‫بعــداً سياســ ًيا بســبب توتــر العالقــات الصينيــة األمريكيــة‪.‬‬ ‫مستقبل العالقات االقتصادية واستقرار املنطقة العربية‬ ‫كان التعــاون االقتصــادي بــن الــدول األوروبيــة بعــد احلــرب‬ ‫العامليــة الثانيــة وإنشــاء الســوق األوروبيــة املشــتركة ســبي ً‬ ‫ال للتعــاون‬ ‫واالســتقرار يف أوروبــا ونهايــة احلــروب بينهــا‪ ،‬والــدول العربيــة تعانــي‬ ‫مــن مشــكالت اقتصاديــة والبطالــة والفقــر ودول عربيــة لديهــا خطط‬ ‫اقتصاديــة ومشــاريع كبــرى لتنميــة بالدهــا‪ ،‬وحيــث أن الصــن قــوة‬ ‫اقتصاديــة عامليــة فإنهــا تبحــث عــن األســواق واالســتثمارات‪ ،‬ويف ظــل‬ ‫تراجــع الواليــات املتحــدة وانســحابها مــن آســيا الوســطى والعــراق‬ ‫واخلــاف مــع الصــن يفســح املجــال للتعــاون العربــي الصينــي يف‬ ‫زيــارة االســتثمار يف البنيــة التحتيــة العربيــة وتوفيــر فــرص العمــل يف‬ ‫البــاد العربيــة مــن مغربهــا ملشــرقها‪ ،‬والصــن أكثــر قبــوالً يف املنطقــة‬ ‫ألنهــا ال تتدخــل يف الشــؤون الداخليــة العربيــة كمــا إنــه ليــس لهــا‬ ‫تاريــخ اســتعماري يف املنطقــة فتبقــى مقبولــة شــعبياً ورســم ًيا‪ ،‬فهــي‬ ‫تشــارك يف مشــاريع كبــرى يف الــدول العربيــة حالي ـاً؟‬ ‫وبســبب عالقاتهــا مــع إيــران واخلليــج العربــي واالســتثمارات‬ ‫والتبــادل التجــاري فقــد تكــون وسـ ً‬ ‫ـيطا مقبــوالً بــن دول املنطقــة حلــل‬ ‫اخلالفــات لتحقيــق االســتقرار اإلقليمــي‪ ،‬وحيــث أن واشــنطن تعلــن‬ ‫أنهــا توجهــت لشــرق آســيا والهــادئ فالصــن مصاحلهــا تتجــة غر ًبــا‬ ‫آلســيا الوســطى والشــرق األوســط وخاصــة منطقــة اخلليــج وكل دول‬ ‫اإلقليــم يف حالــة اعتمــاد متبــادل ملصالــح اقتصاديــة وهــذه تعتبــر‬ ‫مدخـ ً‬ ‫ا لتحقيــق األمــن والتعــاون‪ ،‬وحيــث أن الواليــات املتحــدة فقــدت‬ ‫ثقــة األنظمــة والشــعوب إلزدواجيــة املعاييــر وتدخلهــا يف شــؤون‬ ‫الــدول الداخليــة تبقــى الصــن دولــة البديــل اجلديــد يف ظــل نظــام‬ ‫دولــي متعــدد األقطــاب الدوليــة ممــا يوفــر فرصــة للــدول العربيــة‬ ‫للمنــاورة السياســية‪.‬‬

‫* أستاذ العلوم السياسية بجامعتي امللك عبد العزيز والحسني بن طالل سابقاً‬

‫‪100‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الصي ــن تتجاه ــل ش ــعارات واش ــنطن وتري ــد مصالحه ــا االقتصادي ــة‬ ‫مم ــا جعله ــا مقبول ــة لل ــدول العربي ــة‬ ‫مــع الــدول األخــرى‪ ،‬ورغــم أن إيــران تهــدد دول اخلليــج العربــي إال‬ ‫أن الصــن وقعــت اتفاقيــة معهــا ملــدة ‪ 25‬عامــاً ملصالهــا الســتيراد‬ ‫البتــرول والغــاز الطبيعــي واالســتثمارات يف إيــران‪ ،‬فهــي تســتثمر‬ ‫ســنوياً يف إيــران ‪ 1.8‬مليــار دوالر ‪ ،‬واســتثماراتها يف الســعودية أكثــر‬ ‫مــن إيــران وتعتبــر الســعودية املصــدر األول للبتــرول إلــى الصــن‬ ‫وهنــاك تعــاون اقتصــادي واســتثمارات صينيــة يف الســعودية‪ ،‬وخــال‬ ‫زيــارة امللــك ســلمان إلــى الصــن يف مــارس ‪ ، 2017‬جــرى توقيــع ‪21‬‬ ‫مذكــرة تفاهــم تتجــاوز قيمتهــا ‪ 65‬مليــار دوالر يف مجــاالت الطاقــة‬ ‫والفضــاء‪ ،‬واتفقــت الشــركة الســعودية للصناعــات (ســابك) التــي‬ ‫تديــر مجمع ـاً للكيماويــات مــع ســينوبك الصينيــة يف تياجنــن علــى‬ ‫تطويــر مشــاريع بتروكيماويــة يف الصــن والســعودية ‪.‬‬ ‫وألهميــة الــدول العربيــة للصــن‪ ،‬أصــدرت احلكومــة الصينيــة عــام‬ ‫‪2016‬م‪ ،‬مبناســبة الذكــرى الســتني للعالقــات العربيــة ــــ الصينيــة‬ ‫وجولــة الرئيــس الصينــي ملصــر والســعودية وإيــران وثيقــة سياســية‬ ‫اجتــاه الــدول العربيــة "جــاء فيهــا "يعتبــر العالــم العربــي شــريكاً‬ ‫هام ـاً للصــن التــي تســلك بخطــوات ثابتــة طريــق التنميــة الســلمية‬ ‫يف مســاعيها لتعزيــز التضامــن والتعــاون مــع الــدول الناميــة وإقامــة‬ ‫عالقــات دوليــة مــن نــوع جديــد تتمحــور علــى التعــاون والكســب‬ ‫املشــترك "؟‬ ‫إن االقتصــاد مــا زال يلعــب دوراً مه ًمــا يف العالقــات العربيــة ــــ‬ ‫الصينيــة‪ ،‬فعلــى ســبيل املثــال كان حجــم التبــادل التجــاري بــن مصــر‬ ‫والصــن ‪ 12.2‬مليــون دوالر عــام ‪1954‬م‪ ،‬ولــم يتجــاوز ‪ 452‬مليــون‬ ‫دوالر عــام ‪1995‬م‪ ،‬ولكــن وصــل عــام ‪2013‬م‪ ،‬إلــى أكثــر مــن عشــرة‬ ‫مليــارات دوالر ويف عــام ‪2020‬م‪ ،‬وصــل إلــى ‪ 14‬مليــار دوالر و‪560‬‬ ‫مليــون دوالر أي تضاعــف الــف مــرة خــال خمســة وســتني عام ـاً ‪.‬‬ ‫أمــا بالنســبة حلجــم التبــادل التجــاري بــن الصــن ودول مجلــس‬ ‫التعــاون اخلليجــي فقــد بلــغ عــام ‪2019‬م‪ ،‬حوالــي ‪ 180‬مليــار دوالر‬ ‫وبــن الســعودية والصــن لوحدهــا مايــو ‪2020‬م‪ ،‬بلــغ ‪ 78‬مليــار دوالر‬ ‫‪ ،‬وحســب بيانــات وزارة التجــارة الصينيــة وصــل حجــم التبــادل‬ ‫التجــاري بــن الصــن والــدول العربيــة عــام ‪2019‬م‪ ،‬إلــى ‪266.4‬‬ ‫مليــار دوالر بزيــادة ســنوية ‪ ، %9‬وبلــغ حجــم الــواردات الصينيــة‬ ‫مــن الــدول العربيــة ‪ 146‬مليــار دوالر‪ ،‬بينمــا حجــم صــادرات الصــن‬ ‫إلــى الــدول العربيــة ‪ 120.4‬مليــار دوالر‪ ،‬ومــن حيــث االســتثمارات‬ ‫الصينيــة املباشــرة يف الــدول العربيــة بأكملهــا فقــد بلغــت مليــار و‪420‬‬ ‫مليــون دوالر عــام ‪2019‬م‪ ،‬بزيــادة ســنوية بلغــت نســبتها ‪%18.8‬‬ ‫بينمــا بلغــت قيمــة عقــود املشــروعات املتعاقــد عليهــا والتــي وقعتهــا‬ ‫الشــركات الصينيــة يف عــام ‪2019‬م‪ ،‬مــع الــدول العربيــة ‪32.5‬‬ ‫مليــار دوالر؟ وبذلــك يظهــر طابــع العالقــات االقتصاديــة مــع الــدول‬

‫العربيــة أكثــر مــن اجلانــب العســكري واالســتراتيجي علــى العكــس يف‬ ‫عالقاتهــا مــع إيــران أو مــع إســرائيل‪.‬‬ ‫اعترفــت إســرائيل بالصــن الشــعبية عنــد إعالنهــا ‪1949‬م‪ ،‬رغــم‬ ‫أن نظــام تشــانغ كاي تشــيك رئيــس الصــن الوطنيــة ( تايــون)‬ ‫اعتــرف بإســرائيل عنــد إعالنهــا‪ ،‬إال أن ماوتســي تونــغ كان ينظــر‬ ‫إلســرائيل بحــذر ويعتبرهــا وليــدة القــوى االســتعمارية الغربيــة‪،‬‬ ‫وأقلــق بكــن دورهــا يف احلــرب الكوريــة وتقــدمي الســاح للهنــد يف‬ ‫حــرب احلــدود مــع الصــن ‪1962‬م‪ ،‬ولــذك كانــت الصــن مؤيــدة‬ ‫للقضيــة الفلســطينية والكفــاح املســلح‪ ،‬ولكــن حــدث حتــول مــع‬ ‫سياســة اإلصــاح بعــد ماوتســي تونــغ ‪ ،‬وبســبب حاجــة الصــن‬ ‫للتكنولوجيــا احلديثــة‪ ،‬أقامــت إســرائيل لهــا مكتبـاً جتاريـاً يف الصــن‬ ‫وكانــت تســرب إســرائيل للصــن تكنولوجيــا متقدمــة أمريكيــة كانــت‬ ‫واشــنطن متنعهــا عــن الصــن حتــى أن الكونغــرس األمريكــي أثــار‬ ‫عــدة مــرات قضيــة التســريب اإلســرائيلي للتكنولوجيــا التــي حتصــل‬ ‫عليهــا إلــى الصــن‪ ،‬وكان هــدف إســرائيل دفــع الصــن‪ ،‬وقــف‬ ‫بيــع األســلحة وخاصــة الصواريــخ للــدول العربيــة وإيــران‪ ،‬وكانــت‬ ‫إســرائيل خلــف إثــارة واشــنطن لصفقــة شــراء صواريــخ ريــح الشــرق‬ ‫التــي اشــترتها الســعودية مــن الصــن عــام ‪1988‬م‪ ،‬ثــم تطــورت‬ ‫العالقــات التجاريــة بــن البلديــن وبلــغ حجــم التجــارة بــن الصــن‬ ‫وإســرائيل نحــو ‪ 12‬مليــار دوالر عــام ‪2018‬م‪ ،‬مــع أفضليــة جلانــب‬ ‫الصــن ‪ 6.9‬مليــار دوالر صــادرات صينيــة إلســرائيل مقابــل ‪4.8‬‬ ‫مليــار دوالر صــادرات إســرائيلية للصــن‪ ،‬ولكــن مــا أقلــق واشــنطن‬ ‫فــوز شــركة شــنغهاي الدوليــة للموانــئ‪ ،‬مــارس ‪2015‬م‪ ،‬مبناقصــة‬ ‫دوليــة إلنشــاء مينــاء حيفــا اجلديــد وتشــغيله ومتوقــع انتهــاء‬ ‫العمــل منــه العــام احلالــي‪ ،‬ألن مينــاء حيفــاء يعتبــر أحيان ـاً مرســى‬ ‫لألســطول األمريكــي الســادس واعتبــرت واشــنطن وجــود الصــن‬ ‫يف املينــاء خطــراً جلمــع املعلومــات والتجســس عــن نشــاط البحريــة‬ ‫األمريكيــة يف البحــر األبيــض املتوســط‪ ،‬وعندمــا طلبــت واشــنطن مــن‬ ‫إســرائيل إجــراء فحــص أمنــي شــامل ملينــاء حيفــا رفضــت إســرائيل‬ ‫الطلــب األمريكــي خوف ـاً مــن أن تكــون هنــاك برامــج ســرية معينــة‬ ‫مــع الصــن ال تريــد الكشــف عنهــا‪ ،‬وسياســة إســرائيل‪ ،‬لعــب ورقــة‬ ‫الــدول الكبــرى خلدمــة مصاحلهــا‪ ،‬انتقلــت احلركــة الصهيونيــة مــن‬ ‫دعــم بريطانيــا إلــى الواليــات املتحــدة وتقيــم اليــوم عالقــات مــع‬ ‫الصــن ألنهــا قــوة عظمــى ناشــئة وتســرب لهــا املعلومــات لكســب‬ ‫ودهــا‪ ،‬وقــد تســتخدمها للضغــط علــى إيــران مســتقبال واحتــواء دعــم‬ ‫الصــن للقضيــة الفلســطينية‪.‬‬ ‫وتؤيــد الصــن احلقــوق الفلســطينية وتدعــم القــرارات الدوليــة‬ ‫املتعلقــة بفلســطني ولهــا مكتــب سياســي لــدى الســلطة الفلســطينية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪99‬‬

‫ملف العدد‬

‫تأتـــي مبـــادرة الطريـــق والحـــزام لتحقيـــق نفوذهـــا يف أوراســـيا‬ ‫والعال ــم وكق ــوة بحري ــة وبري ــة‬ ‫الهــدف إنهــاء حــرب فيتنــام واحتــواء الصــن بإلتزامهــا مبيثــاق األمم‬ ‫املتحــدة حيــث حلــت عضــواً دائــم العضويــة يف مجلــس األمــن بــدالً‬ ‫مــن تايــوان (الصــن الوطنيــة)‪ ،‬وأصبحــت القيــادة الصينيــة تنظــر‬ ‫للمصالــح االقتصاديــة وتبتعــد عــن أدجلــة سياســتها اخلارجيــة ممــا‬ ‫أثــر علــى سياســتها اخلارجيــة يف دعــم حــركات التحــرر الوطنــي‪.‬‬ ‫لــم تقيــم الصــن عالقــات دبلوماســية رســمية مــع إســرائيل إال عــام‬ ‫‪1991‬م‪ ،‬بعــد أزمــة احتــال العــراق للكويــت وتوجــه الــدول العربيــة‬ ‫ملؤمتــر مدريــد أكتوبــر ‪1991‬م‪ ،‬وأثــرت اخلالفــات بــن الــدول العربيــة‬ ‫علــى سياســة الصــن جتــاه املنطقــة وتبنــت سياســة العالقــات الثنائية‬ ‫أي لــكل دولــة عربيــة حســب مصالــح الصــن مــع كل دولــة‪ ،‬والصــن‬ ‫ال تتدخــل يف الشــؤون الداخليــة للــدول العربيــة وتدعــم االســتقرار‬ ‫السياســي وسياســة األمــر الواقــع‪ ،‬فعندمــا نشــبت أحــداث الربيــع‬

‫العربــي وقفــت الصــن علــى احليــاد‪ ،‬فقــد كان لهــا ‪ 30‬ألــف مــن‬ ‫رعاياهــا يف ليبيــا تعمــل بالشــركات الصينيــة وتهتــم الصني بالعالقات‬ ‫االقتصاديــة والتجاريــة واالســتثمار‪ ،‬فــإن الواليــات املتحــدة تتدخل يف‬ ‫الشــؤون الداخليــة للــدول وتســعى لتغييــر املجتمعــات وحتــى املناهــج‬ ‫الدراســة وتتخــذ مــن حقــوق اإلنســان وشــعارات الدميقراطيــة‬ ‫لتغييــر األنظمــة كمــا كان دورهــا يف الربيــع العربــي الــذي تســتغل‬ ‫االنتفاضــات الشــعبية وتوجيههــا ألهدافهــا‪ ،‬علــى عكــس الصــن التــي‬ ‫تتجاهــل شــعارات واشــنطن وتريــد مصالهــا االقتصاديــة ممــا جعــل‬ ‫سياســة بكــن مريحــة لكثيــر مــن األنظمــة العربيــة يف املنطقــة‪.‬‬ ‫برجماتية الصني والعالم العربي‪ :‬صديق للجميع رغم التنافس‬ ‫اهتمــت الصــن بعالقاتهــا يف الشــرق األوســط وبأربعــة دول‬ ‫ملصاحلهــا مصــر‪ ،‬والســعودية‪ ،‬وإســرائيل‪ ،‬وإيــران مــع إقامــة عالقــات‬

‫‪98‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الصي ــن تري ــد اس ــتبدال النظ ــام ال ــدويل ال ــذي هندس ــته واش ــنطن‬ ‫بع ــد انهي ــار االتح ــاد الس ــوفيتي‬ ‫والصــن مــن خــال مبــادرة احلــزام اليــوم تختــرق أوراســيا بالســكك‬ ‫احلديديــة وتربــط الصــن بجيرانهــا بخــط اكســبرس الشــرق اجلديــد‬ ‫ومت توقيــع اتفاقيــات للعمــل باخلــط الســريع فعملــت علــى مــد خــط‬ ‫ســكة حديــد ميتــد إلــى التبــت ونيبال ودول جنوب شــرق آســيا كالوس‬ ‫وســنغافورة وكمبوديــا وفيتنــام وتايالنــد وميانيمــار وبنــاء خــط ســكة‬ ‫حديــد ميتــد مــن ســينكيانغ يف غــرب الصــن إلــى إيــران ويصــل غــرب‬ ‫أوروبــا‪ ،‬وعلــى أمــل أن يصــل إلــى العــراق مســتقبال واخلليــج العربــي‪،‬‬ ‫خاصــة ألهميــة اخلليــح العربــي للصــن مــن حيــث الطاقــة وحجــم‬ ‫االســتثمارات والتبــادل التجــاري‪ ،‬وتوجــت الصــن أهدافهــا بتوقيــع‬ ‫"اتفاقيــة التعــاون االســتراتيجي الشــامل" مــع إيــران ملــدة ‪ 25‬عا ًمــا‬ ‫تنفــق الصــن خاللهــا ‪ 400‬مليــار دوال ًرا وهــي اتفاقيــة لهــا أهدافهــا‬ ‫السياســية واالقتصاديــة واالســتراتيجية مســتفيدة مــن الصــراع بــن‬ ‫الواليــات املتحــدة وإيــران واحلصــار االقتصــادي علــى األخيــرة‪.‬‬ ‫وتريــد الصــن يف ظــل االنســحاب األمريكــي مــن أفغانســان والعــراق‬ ‫تأمــن مصاحلهــا واالســتقرار السياســي يف ظــل املتغيــرات الدوليــة‬ ‫واإلقليميــة‪ ،‬واســتقبلت احلكومــة الصينيــة وفــد حركــة طالبــان يف ‪29‬‬ ‫يوليــو املاضــي برئاســة عبدالغنــي بــرادار رئيــس املكتــب السياســي‬ ‫للحركــة واجتمــع بوزيــر اخلارجيــة الصينــي وانتــغ بــي بوفــد احلركــة‪،‬‬ ‫وتــرى طالبــان يف الزيــارة مصــدرا ُ للشــرعية الدوليــة يف الوقــت أن‬ ‫مــا تريــده الصــن‪ ،‬هــو احتــواء طالبــان التــي أصبحــت قــوة رئيســة يف‬ ‫أفغانســتان وعالقــة قويــة مــع حليــف الصــن باكســتان وهــو محــور‬ ‫ســابق يف مواجهــة الهنــد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫انتزعــت احلكومــة الصينيــة مــن احلركــة تعهــدا علنيــا‪ ،‬بأنهــا لــن‬ ‫تســمح للمقاتلــن األجانــب واجلماعــات املناوئــة للصــن مــن العمــل‬ ‫يف أفغانســتان وهــي تقصــد املســلمني األيجــور الذيــن يتعرضــون‬ ‫الضطهــاد احلكومــة الصينيــة‪ ،‬فاملهــم للصــن اســتقرارها وأمــن‬ ‫حدودهــا وهــي سياســة برجماتيــة ألهدافهــا االقتصاديــة بعيــداً عــن‬ ‫االختــاف األيديولوجــي مــع طالبــان وإيــران‪ ،‬وحســب مراســلة مجلــة‬ ‫التاميــز البريطانيــة "فــإن رحيــل القــوات األمريكيــة مــن أفغانســتان‬ ‫يجعــل البــاد فريســة ســهلة لالســتراتيجية الدوليــة للصــن‪ ،‬والتــي‬ ‫تتضمــن جلــب احلكومــات األجنبيــة احملتاجــة إلــى مجــال نفوذهــا‬ ‫وكســب دعمهــا يف احملافــل الدوليــة "‪ ،‬وهنــاك كثيــر مــن الــدول‬ ‫أنهكتهــا احلــروب األهليــة واإلقليميــة وبحاجــة لالســتثمارات‬ ‫الصينيــة"‪.‬‬ ‫ويؤكــد اخلبيــر األمريكــي يف الشــؤون الصينيــة روش دوشــي يف كتابــه‬ ‫الــذي صــدر مؤخــراً‪ ،‬أن الصــن تريــد اســتبدال النظــام الدولــي‬ ‫الــذي هندســته واشــنطن بعــد انهيــار االحتــاد الســوفيتي مســتغلة‬ ‫انســحابها مــن الشــرق األوســط وأزمتهــا الداخليــة التــي ســببها‬

‫ترامــب واليمــن العنصــري وانقســام املجتمــع األمريكــي وأثــر جائحــة‬ ‫كوفيــد‪ ،19-‬إضافــة إلــى انســحاب حليفتهــا بريطانيــا مــن االحتــاد‬ ‫األوروبــي‪ ،‬وتــرى الصــن أن نظام ـاً دولي ـاً متعــدد األقطــاب الدوليــة‬ ‫يخــدم مصلحتهــا‪ ،‬وتأتــي مبــادرة الطريــق واحلــزام لتحقيــق نفوذهــا‬ ‫يف أوراســيا والعالــم وكقــوة بحريــة وبريــة ‪ .‬وتعــدد األقطــاب الدوليــة‬ ‫يفيــد ً‬ ‫أيضــا النظــام اإلقليمــي العربــي يف املنــاورة السياســية بــن‬ ‫هــذه األقطــاب مبــا يحقــق مصالــح الــدول العربيــة وتعــدد العالقــات‬ ‫يخــدم األهــداف القوميــة بــدالً مــن وضــع األوراق السياســية يف ســلة‬ ‫دولــة واحــدة‪.‬‬ ‫العالم العربي‪ :‬الصني االقتصاد وواشنطن تغيير املجتمعات‬ ‫تعــود العالقــات السياســية العربيــة مــع الصــن إلــى مؤمتــر‬ ‫باندونــغ أبريــل ‪1955‬م‪ ،‬عندمــا عقــد مؤمتــر الــدول األفروآســيوية‬ ‫وحضرتــه ‪ 29‬دولــة إفريقيــة وآســيوية النتهــاج سياســي احليــاد بــن‬ ‫الصــراع الســوفيتي‪ -‬األمريكــي يف ظــل احلــرب البــاردة بينهمــا‪،‬‬ ‫والتقــى الرئيــس عبــد الناصــر مــع رئيــس وزراء الصــن شــو إن‬ ‫الي‪ ،‬الــذي توســط فيمــا بعــد مــع االحتــاد الســوفيتي يف صفقــة‬ ‫األســلحة التشــيكية ملصــر‪ ،‬ورغــم عــدم اعتــراف الواليــات املتحــدة‬ ‫بالصــن الشــعبية آنــذاك‪ ،‬فقــد اعترفــت مصــر بجمهوريــة الصــن‬ ‫مايــو ‪1956‬م‪ ،‬ثــم تبعتهــا يف نفــس العــام كل مــن ســوريا والعــراق‬ ‫واليمــن ثــم أخــذت تتبعهــا الــدول العربيــة عبــر الســنوات إلقامــة‬ ‫عالقــة دبلوماســية مــع الصــن‪ .‬أدانــت الصــن العــدوان الثالثــي‬ ‫علــى مصــر ‪1956‬م‪ ،‬وعندمــا أعلنــت احلكومــة اجلزائريــة املؤقتــة يف‬ ‫القاهــرة ‪ 19‬ســبتمبر ‪1958‬م‪ ،‬اعترفــت بهــا الصــن بعــد ثالثــة أيــام‪،‬‬ ‫كمــا أن الصــن أول دولــة خــارج الــدول العربيــة تعتــرف مبنظمــة‬ ‫التحريــر الفلســطينية وزيــارة رئيــس املنظمــة لبكــن عــام ‪1966‬م‪،‬‬ ‫وفتــح مكتــب للمنظمــة يف العاصمــة الصينيــة وتزويدهــا بالســاح‪،‬‬ ‫وأيــدت الصــن قــرار اجلمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة رقــم ‪3379‬‬ ‫لعــام ‪1975‬م‪ ،‬الــذي يســاوي بــن الصهيونيــة والعنصريــة‪ .‬كانــت‬ ‫الصــن يف عهــد ماوتســي تنــغ مؤيــدة حلــركات التحــرر الوطنــي يف‬ ‫إفريقيــا وآســيا وضــد سياســة الــدول االســتعمارية‪ ،‬ولكــن بعــد وفــاة‬ ‫مــاو يف ســبتمبر ‪1976‬م‪ ،‬حــدث حتــول يف الصــن كمــا حــدث ً‬ ‫أيضــا‬ ‫حتــول يف الــدول العربيــة‪ ،‬فقــد تبنــت القيــادة اجلديــدة عــام ‪1978‬م‬ ‫"اإلصــاح الداخلــي واالنفتــاح علــى العالــم اخلارجــي "وركــزت علــى‬ ‫اجلانــب االقتصــادي‪ ،‬وبالنســبة للــدول العربيــة كانــت اتفاقيــة كامــب‬ ‫ديفيــد ‪1978‬م‪ ،‬بــن مصــر وإســرائيل واالنقســام يف النظــام اإلقليمــي‬ ‫العربــي‪ ،‬كمــا حــدث حتــول يف العالقــات الصينيــة األمريكيــة وزيــارة‬ ‫الرئيــس نيكســون للصــن يف فبرايــر ‪1972‬م‪ ،‬بعــد زيــارات ســرية‬ ‫قــام بهــا وزيــر اخلارجيــة األمريكــي هنــري كيســنجر للصــن‪ ،‬وكان‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪97‬‬

‫ملف العدد‬

‫العالقات الصينية ـ العربية ‪ :‬الواقع والمأمول‬

‫وسـيطا مقبو ًال‬ ‫االسـتثمارات تجعل الصين‬ ‫ً‬ ‫لحل خالفـات المنطقة‬ ‫تعــود العالقــات الصينيــة العربيــة إلــى عهــد طريــق احلريــر القــدمي وهــي تتعــزز اليــوم مــع طريــق احلريــر اجلديــد‪ ،‬مــا يعــرف‬ ‫حال ًيــا مببــادرة الطريــق واحلــزام التــي تشــمل ‪ 68‬دولــة‪ ،‬وأصبحــت الصــن قــوة اقتصاديــة عامليــة‪ ،‬ثانــي قــوة اقتصاديــة يف‬ ‫العالــم بعــد الواليــات املتحــدة األمريكيــة وتنافســها علــى املركــز األول ويتوقــع أن تتجاوزهــا مــع عــام ‪2028‬م‪ ،‬وهــي الثانيــة‬ ‫بعــد الواليــات املتحــدة يف البحــث العلمــي‪ ،‬وإذا كانــت الصــن كقــوة إقليميــة مهيمنــة يف شــرق آســيا فهــي اآلن أصبحــت‬ ‫تســعى لــدور قــوة عامليــة‪ ،‬امتــدت عالقاتهــا مــن آســيا إلــى إفريقيــا وأمريــكا اجلنوبيــة وتغــزو مبنتجاتهــا األســواق العامليــة‬ ‫حتــى ســوق الواليــات املتحــدة وهــي دولــة دائنــة وليســت مدينــة‪ ،‬ويطلــق عليهــا "مصنــع العالــم" بســبب إنتاجهــا الصناعــي‬ ‫ولوفــرة القــوة العاملــة ورخصهــا ممــا يجعلهــا منافســة للبضائــع الغربيــة ولــذا تبقــى املصالــح االقتصاديــة الهــدف األول‬ ‫لتحــرك الصــن وتبنــي اســتراتيجية حتقــق هــذا الهــدف؟‬

‫د أحمد سليم البرصان‬ ‫مبادرة الطريق واحلزام والقوة البحرية والبرية والشرق األوسط‬ ‫كان األســطول البريطانــي عمــاد القــوة البريطانيــة حلمايــة خطــوط‬ ‫التجــارة ولذلــك قامــت بريطانيــا بالســيطرة علــى املمــرات املائيــة‬ ‫واملوانــئ العامليــة املهمــة للمصالــح البريطانيــة وكانــت القــوة العامليــة‬ ‫املهيمنــة يف القــرن التاســع عشــر‪ ،‬وكان األدميــرال األمريكــي ألفــرد‬ ‫ماهــان صاحــب نظريــة القــوة البحريــة أول مــن نبــه ألهميــة هــذه‬ ‫القــوة وتنافســت الــدول الكبــرى مــن الواليــات املتحــدة وأملانيــا‬ ‫واليابــان لبنــاء القــوة البحريــة‪ ،‬واليــوم تتبنــى الصــن نظريــة القــوة‬ ‫البحريــة ألنهــا تريــد حمايــة خطــوط جتارتهــا‪ ،‬فتتحــرك مــن‬ ‫مضيــق ملقــة الــذي يربــط بحــر جنــوب الصــن مــع بحــر بورمــا‬ ‫والطريــق خلليــج البنغــال ويقصــر املســافة بــن الشــرق األوســط‬ ‫وأوروبــا وآســيا‪ ،‬وقامــت الصــن بإنشــاء قاعــدة لهــا يف جيبوتــي‬ ‫بالقــرن اإلفريقــي ولذلــك متــر مــن ملقــه ملينــاء جــوادر بباكســتان‬ ‫ومينــاء هامبانتونــا يف ســيرالنكا وجــزر املالديــف وتقــوم بتوســيع‬ ‫هــذه املوانــئ باالتفــاق مــع حكومــات هــذه املوانــئ‪ ،‬وبذلــك تؤمــن‬ ‫خطوطهــا التجاريــة البحريــة ضمــن مبــادرة الطريــق البحــري‪ ،‬وكان‬ ‫اليمــن وقــع يف منتصــف نوفمبــر ‪2013‬م‪ ،‬يف العاصمــة الصينيــة‬

‫بكــن علــى اتفاقيــة توســعة وتعميــق محطــة احلاويــات مبينــاء عــدن‬ ‫بــن مؤسســة موانــئ خليــج عــدن والشــركة الصينيــة لهندســة املوانــئ‬ ‫احملــدودة‪ ،‬وذلــك يف إطــار زيــارة الرئيــس هــادي للصــن‪ .‬ولكــن‬ ‫الصــن انســحبت منهــا بســبب تفاقــم األزمــة اليمنيــة وعــدم اســتقرار‬ ‫اليمــن‪ ،‬وتقــول الدكتــورة فرجينيــا وولــف اخلبيــرة يف التجــارة الدوليــة‬ ‫"لــدى القيــادة الصينيــة رؤيــة أكبــر تهــدف إلــى حتويــل الصــن لقــوة‬ ‫بحريــة عامليــة قــادرة علــى تعزيــز مصاحلهــا يف البحــار واحمليطــات‪،‬‬ ‫وخــال الفتــرة املمتــدة مــن ‪ 2012‬إلــى ‪2019‬م‪ ،‬أنفقــت احلكومــة‬ ‫الصينيــة ‪ 153‬مليــار دوالر لبنــاء مرافــق ملوانــئ جديــدة وحتديــث‬ ‫البنيــة التحتيــة للموانــئ القائمــة‪ ،‬وأســهم ذلــك يف زيــادة النشــاط يف‬ ‫املوانــئ الصينيــة الرئيســة"‬ ‫وباالضافــة للقــوة البحريــة الصينيــة تســعى الصــن لتعزيــز قوتهــا‬ ‫ونفوذهــا يف أوراســيا‪ ،‬ونذكــر أن أســتاذ اجلغرافيــا البريطاني ماكندر‬ ‫طــرح فكــرة مــن يســيطر علــى أوراســيا يســيطر علــى العالــم وخاصــة‬ ‫بســيطرته قلــب اليابســة واعتبــر روســيا القيصريــة ثــم االحتــاد‬ ‫الســوفيتي فيمــا بعــد القوة البرية املنافســة للقــوة البحرية البريطانية‬ ‫التــي كانــت ســيدة البحــار مــع مــد خــط ســكة حديــد ســيبيريا آنــذاك‪،‬‬

‫‪96‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تســـتثمر الصيـــن ‪ 400‬مليـــار دوالر يف إيـــران منهـــا ‪280‬مليـــار‬ ‫دوالر لتطويـــر قطاعـــات النفـــط والغـــاز والبتروكيماويـــات‬ ‫‪ 10‬مليارات دوالر بني الصني واململكة العربية السعودية‪ ،‬والتوقيع‬ ‫على ‪ 35‬اتفاقية جتاوزت ‪ 28‬مليار دوالر زيادة حجم االستثمارات‬ ‫الصينية يف السعودية بنسبة ‪ %100‬عام ‪2019‬م‪ ,‬تطورات مشابهة‬ ‫يف باقي دول املجلس التي رحبت مببادرة احلزام والطريق التي‬ ‫بدأت يف تنفيذها فعل ًيا على األرض وقد ازدادت الروابط الثقافية‬ ‫مع الصني التي قامت بتأسيس مدارس لتعليم اللغة الصينية‪ ،‬كما‬ ‫قامت اململكة العربية السعودية بتعليم اللغة الصينية يف مدارسها‪،‬‬ ‫وعسكرياً زادت العالقات وأصبح للصني ملحقني عسكريني يف دول‬ ‫املجلس يتحدثون اللغة العربية بطالقة‪.‬‬ ‫وعلى اجلانب اآلخر وقعت الصني يف ‪ 27‬من مارس ‪2020‬م‪ ،‬اتفاقية‬ ‫تعاون استراتيجي مع إيران مدتها ‪ 25‬عاماً‪ ،‬لتعزيز العالقات‬ ‫اإليرانية ‪ /‬الصينية ورغم أن االتفاقية لم تُعلَن تفاصيلها النهائية‬ ‫من املقرر ان تستثمر الصني ‪ 400‬مليار دوالر يف االقتصاد اإليراني‬ ‫خالل فترة االتفاقية مقابل إمداد إيران للصني بامتدادات ثابتة‬ ‫وبأسعار مخفضة من النفط وتتضمن االتفاقية حوالي ‪280‬مليار‬ ‫دوالر لتطوير قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات يف إيران‪،‬‬ ‫باإلضافة إلى حتديث البنية التحتية للنقل يف إيران مببلغ‪ 120‬مليون‬ ‫دوالر املتبقية ليدخل إيران يف مبادرة احلزام والطريق الصينية‪.‬‬ ‫الواليات املتحدة األمريكية‬ ‫بعد سقوط االحتاد السوفيتي عام ‪1991‬م‪ ،‬أعلنت مراكز الدراسات‬ ‫االستراتيجية األمريكية "متام حتقيق الهدف االستراتيجي الذي‬ ‫حدده الرئيس األسبق "هاري ترومان" يف توجيهه الرئاسي عام‬ ‫‪1950‬م‪ ،‬جلميع مؤسسات الدولة بالعمل على إسقاط االحتاد‬ ‫السوفيتي واالنفراد بقمة العالم" وبنا ًء عليه مت حتديد الهدف‬ ‫االستراتيجي اجلديد للواليات املتحدة األمريكية وهو‪" :‬أن يظل‬ ‫القرن الـ‪ 21‬قرناً أمريكياً" مبعنى انفراد الواليات املتحدة بقيادة‬ ‫العالم وعلى قمته طوال القرن الـ‪ ،21‬ولكي يتم ذلك كان تقدير‬ ‫املوقف االستراتيجي العاملي لتحديد القوى العاملية األخرى التي‬ ‫ميكن أن تصارع الواليات املتحدة األمريكية وتشاركها أو تزيحها‬ ‫من فوق القمة العاملية‪ ،‬فكانت الصني هي املرشح األول لذلك كقوة‬ ‫اقتصادية واعدة وتسعى المتالك قوة عسكرية جبارة ‪،‬أما روسيا‬ ‫والهند واليابان فمازالوا بعيدين عن التهديد‪ ،‬ويف الوقت ذاته وعلى‬ ‫اجلانب اآلخر يأتي االحتاد األوروبي ولكنه حليف ومتعاون وداعم‬ ‫لها وبالتالي وضعت الواليات املتحدة نصب أعينها هدفاً محد ًدا‬ ‫هو إقصاء الصني عن الوصول إلى القمة ومنعها من السيطرة‬

‫على االقتصاد العاملي وحرمانها من السيطرة على منابع الطاقة‬ ‫يف العالم وخاصة منطقة اخلليج التي حتوي ما يقرب من ‪ %70‬من‬ ‫احتياطي الطاقة يف العالم فاتخذت من السياسات ما يضمن لها‬ ‫التواجد املستمر واملهيمن على دول تلك املنطقة سياسياً واقتصادياً‬ ‫وعسكرياً‪.‬‬ ‫بداية من سياسات االحتواء املزدوج لدول املنطقة بإذكاء اخلالفات‬ ‫واحلروب بينها لفرض التواجد العسكري بحجة مكافحة اإلرهاب‬ ‫تارة واحلفاظ على أمن املنطقة و تأمني إمدادات الطاقة تارة أخرى‪،‬‬ ‫بنشر العديد من قواتها يف قواعد عسكرية منتشرة يف تلك الدول‬ ‫وتواجد األسطول األمريكي اخلامس يف اخلليج العربي ومتركز‬ ‫قيادته يف مملكة البحرين‪.‬‬ ‫وربط منطقة اخلليج العربي باقتصادها وضمان اعتمادها على‬ ‫التكنولوجيا الغربية وتوظيف حاجة تلك الدول لتوطني التكنولوجيا‪،‬‬ ‫وتوقيع اتفاقيات التجارة احلرة مع كل دولة من دول مجلس التعاون‬ ‫اخلليجي منفردة ورفض توقيع املجلس كتكتل جماعي خاصة يف‬ ‫إطار مواجهة صناعة األسمدة والبتروكيماويات‪.‬‬ ‫وأخي ًرا عندما حدث اخلالف بني الواليات املتحدة األمريكية وإيران‬ ‫واستقواء إيران بالصني واالحتاد السوفيتي رأت الواليات املتحدة‬ ‫دعم تواجدها يف منطقة اخلليج بالتواجد اإلسرائيلي وسعت إلى‬ ‫إقامة عالقات طبيعية بني كل من إسرائيل وبعض دول مجلس التعاون‬ ‫لتعطي إلسرائيل الفرصة لالقتراب املباشر من إيران ووضعها حتت‬ ‫املراقبة املستمرة اللصيقة وزيادة قدرة نطاق األمن اخلليجي يف‬ ‫مواجهة التهديدات والتحديات التي تتسلل إليه وتتغلغل من خالله‬ ‫من جانب التنني الصيني الهادئ يف تدفقه واندفاعه للتواجد يف تلك‬ ‫املنطقة احليوية التي ال ميكن االستغناء عنها مستغ ً‬ ‫ال ذلك التحفز‬ ‫اإليراني لالندفاع نحو زيادة النفوذ يف منطقة اخلليج العربي‪.‬‬

‫* خبري اسرتاتيجي ومحلل عسكري ـ مرص‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪95‬‬

‫ملف العدد‬

‫تســـعى روســـيا لتعميـــق العالقـــات االقتصاديـــة مـــع دول الخليـــج‬ ‫الس ــوق المفتوح ــة للمنتج ــات الروس ــية وج ــذب اس ــتثمارات خليجي ــة‬ ‫باملصالح احليوية يف تلك املنطقة وذلك من خالل توطيد عالقاتها‬ ‫مع دولها‪ ،‬وكذا السعي إلى إقامة عالقات عسكرية‪ ،‬وعلى اجلانب‬ ‫اآلخر فإن روسيا االحتادية تعتبر داعم رئيسي للجمهورية اإليرانية‬ ‫اإلسالمية يف مجال التسليح واإلمداد باملفاعالت النووية‪.‬‬ ‫‪-٣‬اليابان‬ ‫إن اليابان التي تستورد (‪ )%65‬من احتياجاتها البترولية من دول‬ ‫اخلليج العربي مقارنة مبا تستورده أمريكا (‪ )%20‬من احتياجاتها‬ ‫وبريطانيا (‪ )%17‬أملانيا (‪ )%11‬فقط تعتبر منطقة اخلليج العربية‬ ‫ركيزة من مرتكزات سياستها اخلارجية‪ ،‬وذلك من معايير اقتصادية‬ ‫بصفة أساسية وقد مررت اليابان على البرملان الياباني قانو ًنا يسمح‬ ‫مبشاركة اليابان بقوات عسكرية يف عمليات حفظ السالم التابعة‬ ‫لألمم املتحدة يف املناطق االستراتيجية من العالم‪ ،‬وذلك بعد أن‬ ‫وجدت أنها ال تستطيع املشاركة بقوات عسكرية خارج أراضيها‬ ‫لتحرير الكويت عام ‪1990‬واكتفت باملشاركة باملال فقط‪ ،‬فكان تغيير‬ ‫القانون دافعا للمحافظة على مصاحلها مع دول اخلليج وخاصة بعد‬ ‫أن قفزت احتياجاتها البترولية منها إلى (‪)%85‬‬ ‫‪-٤‬الهند‪:‬‬ ‫حترص على تأمني احتياجاتها من النفط من دول اخلليج العربي‬ ‫بأسعار معقولة وكذلك تأمني حتويالت الهنود العاملني فيها والتي‬ ‫تصل إلى ‪ 5‬مليارات دوالر سنوياً ويبلغ حجم التبادل التجاري بينها‬ ‫وبني دول اخلليج ‪ 150‬مليار دوالر سنوياً‪ ،‬ويبلغ حجم الصادرات‬ ‫النفطية اخلليجية إلى الهند ‪ 95‬مليار دوالر سنوياً‪ ،‬كما يبلغ حجم‬ ‫واردات دول اخلليج من الهند حوالي ‪ 55‬مليار دوالر سنويا‪.‬‬ ‫الصني‪:‬‬ ‫"إن الصني ستعمل على االستفادة من جميع إجنازات احلضارة‬ ‫اإلنسانية وجتاربها ‪,‬وستأخذ دروساً من التاريخ و إيجابياته وسلبياته‬ ‫وستتبنى املفاهيم واألفكار والقيم العاملية وتدخلها إلى الطريق‬ ‫الصيني واملؤسسات الصينية" هذه العبارة احملدودة يف سطورها‬ ‫املعدودة تلخص خالصة الفكر الصيني واستراتيجيته وسياساته‬ ‫التي يتعامل بها يف داخل الصني وخارجها مع العالم اخلارجي‪.‬‬ ‫إنهم حقاً استفادوا من إجنازات احلضارات اإلنسانية وجتاربها‬ ‫وتعلموا أن احلياة صعود و هبوط‪ ،‬وواجهوا أعتى احلروب التي‬ ‫واجهت البشرية وهي "حرب األفيون" التي حاول املستعمر‬

‫البريطاني ضربهم بها يف القرن املاضي وانتصروا عليه وحتدوا‬ ‫أنفسهم وانتصرت إرادتهم وخرجوا على العالم بأنه لكي تنمو الصني‬ ‫يجب أن ينمو العالم ولكي تتقدم الصني يجب أن يتقدم العالم وجاء‬ ‫الرئيس احلالي "شي جني بينج" (باحللم الصيني) وكعادتهم يف إبهام‬ ‫مايقولون لم يفصح الرئيس الصيني صراحة عن ذلك احللم‪ ،‬ولكن‬ ‫أحد الكتاب الصينيني أفصح عن ذلك بقوله إنه هو والرئيس "شي"‬ ‫يراودهما نفس احللم وهو "كيفية جعل الصني القوة املهيمنة على‬ ‫العالم" إنه يحلم ببناء أمة قوية وجيش جبار‪.‬‬ ‫إنها الصني التي دشنت يف العام الذي سبقه أول حاملة طائرات‬ ‫‪...‬إنها النقلة االستراتيجية التي ال يخطئها مفكر ‪....‬إن الصني‬ ‫قادمة إلى كل مكان خارج أراضيها إنه "احلزام والطريق"‪...‬‬ ‫استراتيجية طريق احلرير وصول التجارة العاملية إلى كل مكان يف‬ ‫العالم والسيطرة على االقتصاد العاملي‪ ....‬إنها استراتيجية املواجهة‬ ‫مع أقوى اقتصاد يف العالم الواليات املتحدة األمريكية ‪-‬عاج ً‬ ‫ال أو‬ ‫آج ً‬ ‫ال‪ -‬وما دام األمر كذلك فإن الضرورات تبيح كل شيء‪ ،‬قدرة‬ ‫عسكرية فتاكة ‪....‬حامالت طائرات‪ ...‬صواريخ عابرة للقارات ‪.‬‬ ‫اقتراب أكثر ‪ ،‬السيطرة على "نطاق األمن" العازل بني أكبر قوتني‬ ‫متواجهتني يف شتى املجاالت الصني والواليات املتحدة األمريكية‬ ‫ولكي ال يُفقد االتصال املباشر الذي ال مفر منه‪.‬‬ ‫إن جمهورية الصني الشعبية التي قامت عام ‪1949‬م‪ ،‬معلنة ميولها‬ ‫الثورية نحو التغيير يف كل مكان‪ ،‬ومنه بالطبع منطقة اخلليج العربية‪،‬‬ ‫غيرت تلك املفاهيم وتخلت عنها يف سعيها لبناء قوة اقتصادية عاملية‬ ‫يلزموا االنفتاح على كل دول العالم باختالف عقائده وخصوصياته‪،‬‬ ‫وكان انفتاحها على دول اخلليج العربية واحدًا من تلك النماذج‬ ‫التي رأت أن توفر نظام أمني ثابت ومستقر به هو الضمان لتأمني‬ ‫حصولها على ما يلزمها من الغاز والنفط والبتروكيماويات الالزمة‬ ‫لها وهكذا ازداد التقارب السياسي الصيني ‪ /‬اخلليجي وتطورت‬ ‫العالقات االقتصادية تطوراً سريعاً وجتاوز التبادل التجاري بني‬ ‫الصني ودول مجلس التعاون اخلليجي ‪ 180‬مليار دوالر عام ‪2019‬م‪،‬‬ ‫أي حوالي ‪ %11‬من التجارة اخلارجية لدول مجلس التعاون‪ ،‬بل‬ ‫إن الصني أصبحت الشريك التجاري األول لدول املجلس محل‬ ‫االحتاد األوروبي عام ‪2020‬م‪ ،‬ولم تكن الصني يف حاجة للتواجد‬ ‫العسكري حلماية إمداداتها من النفط أو صادراتها إلى اخلليج‬ ‫مكتفية بالنظام األمن القائم يف اخلليج‪ ,‬وتقدمت هذه العالقات إلى‬ ‫مجاالت أخرى ومت التوقيع على العديد من االتفاقيات الثنائية مثل‬ ‫تأسيس مجمع تكرير البترول وإنتاج الكيماويات يف الصني قيمته‬

‫‪94‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أخط ــر م ــا يف إي ــران لي ــس يف قدراته ــا ب ــل توظيفه ــا لتحقي ــق‬ ‫غايته ــا القومي ــة الس ــتعادة االمبراطوري ــة الفارس ــية‬ ‫دور القوى اإلقليمية ذات التأثير يف املنطقة ومنعها من لعب أي دور‬ ‫يتعارض مع مصاحلها و بنظرة سريعة على أهم القوى الفاعلة يف‬ ‫العالم وما تسعى لتحقيقه يف منطقة اخلليج العربي جند اآلتي‪:‬‬ ‫‪ -1‬االحتاد األوروبي‪:‬‬ ‫يسعى إلى تفعيل الشراكة االقتصادية مع دول اخلليج باعتبارها‬ ‫سوقاً هائ ً‬ ‫ال ملنتجاته الصناعية والعسكرية‪ ،‬الصفقات العسكرية‬ ‫بني دول اخلليج ودول االحتاد األوروبي وخاص ًة بريطانيا وفرنسا‬ ‫وإيطاليا وتسعى دول االحتاد األوروبي إلى توسيع وزيادة دور حلف‬ ‫األطلنطي يف منطقة اخلليج العربي إلى ضم دول خليجية إلى حلف‬ ‫شمال األطلنطي (الناتو) إما بصفة مراقبني أو باملشاركة خارج نطاق‬

‫احللف لزيادة الروابط االستراتيجية بينها خاصة يف نطاق مشروع‬ ‫الشرق األوسط املوسع‪ ,‬ويشارك االحتاد األوروبي الواليات املتحدة‬ ‫األمريكية ويدعمها يف محاربة اإلرهاب ومنع انتشار أسلحة الدمار‬ ‫الشامل يف منطقة اخلليج‪.‬‬ ‫‪-٢‬روسيا االحتادية‪:‬‬ ‫تهدف إلى تعميق وزيادة العالقات االقتصادية مع دول اخلليج العربي‬ ‫باعتبارها سوق مفتوحة للمنتجات الروسية‪ ،‬كما تهدف إلى جذب‬ ‫االستثمارات العربية اخلليجية إلى روسيا لزيادة النمو االقتصادي‬ ‫ً‬ ‫وأيضا تعمل على منع الواليات املتحدة األمريكية من االنفراد‬ ‫بها‪,‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪93‬‬

‫ملف العدد‬

‫تتعـــاون إيـــران مـــع الصيـــن وروســـيا وباكســـتان يف المجـــاالت‬ ‫االقتصاديـــة لكســـر حلقـــات العزلـــة المضروبـــة حولهـــا مـــن الغـــرب‬ ‫والباقي معظمهم من املذهب الشيعي املتعصب الرافض للسنة‪,‬‬ ‫وأغلب السكان من األصل الفارسي ‪.‬‬ ‫اقتصادي ًا ‪ :‬يعتبر االقتصاد اإليراني ثالث أكبر اقتصاد يف الشرق‬ ‫األوسط والتاسع والعشرون عاملياً طبقاً لتقارير األمم املتحدة عام‬ ‫‪2015‬م‪ ،‬بحجم ‪ 343.9‬مليار دوالر‪ ,‬ويعتمد بشكل أساسي على‬ ‫النفط والغاز‪ ,‬ويتوفر لدى إيران كوادر بشرية علمية وفنية قادرة‬ ‫على إدارة اقتصاد البالد يف شتى مجاالته‪ ،‬وتتعاون إيران مع كل‬ ‫من الصني وروسيا وباكستان يف مجاالت اقتصادية عديدة تكسر‬ ‫حلقات العزلة واحلصار املضروبة حولها من الغرب ويعتبر احتياطي‬ ‫إيران من النفط هو الرابع عامل ًيا بعد فنزويال‪ ،‬والسعودية‪ ،‬وكندا‬ ‫وميثل (‪ )%11 : %10‬من االحتياطي العاملي‪ ,‬كما ميثل احتياطي الغاز‬ ‫حوالي ‪ %17.9‬من االحتياطي العاملي ‪ -‬الثانية عاملياً بعد روسيا ‪-‬‬ ‫ويقدر ب ‪ 33.6‬تريليون م‪. 3‬‬ ‫إن أخطر ما يف إيران ليس يف قدراتها الشاملة‪ ,‬بل يف توظيف‬ ‫هذه القدرات لتحقيق غايتها القومية وهي استعادة اإلمبراطورية‬ ‫الفارسية مضا ًفا اليها كل حدود اإلمبراطورية اإلسالمية القدمية‪،‬‬ ‫عمال مبقولة نسبت للخميني "لقد حكم العرب الدولة اإلسالمية‬ ‫سبعة قرون وحكمها األتراك خمسة قرون‪ ,‬وآن للفرس ان يحكموها‬ ‫ما بقى من الزمان" ويف سبيل ذلك تتغلغل إيران بثبات يف عواصم‬ ‫عربية وتتحكم فيها‪.‬‬ ‫و يزيد من خطورتها إصرارها على امتالك سالح نووي – "مهما‬ ‫بدا ما تعلنه خالف ذلك" وقد يبدو القلق األمريكي واإلسرائيلي من‬ ‫تصنيع وامتالك إيراني للسالح النووي هو استخدامه ضد إسرائيل‪،‬‬ ‫وهذا هو الظاهر واملعلن بال خفاء ‪.‬‬ ‫ولكن يف تقديري أن القلق األمريكي ومعه القلق اإلسرائيلي هو‬ ‫من إيجاد مبرر لبعض الدول العربية وخاص ًة اخلليجية لتصنيع‬ ‫وامتالك ذات السالح كقوة ردع اليران وهنا يكون اخلطر احلقيقي‬ ‫على إسرائيل‪.‬‬ ‫وهذا وحده كفيل بأن يلقي بظالله على املخطط االستراتيجي‬ ‫األمريكي أال يغفل عن تلك املنطقة (إيرانياً وعربياً) طرفة عني‬ ‫إضاف ًة ألسباب أخرى سوف تظهر فوق السطور‪.‬‬ ‫وعلى اجلانب الغربي من دولة إيران اإلسالمية (الفارسية) يستكمل‬ ‫نطاق األمن اخلليجي امتداده اجلغرايف بدول اخلليج العربية املنضمة‬ ‫حتت لواء مجلس التعاون اخلليجي ذات األهمية االستراتيجية‬ ‫املتمثلة فى اطاللها على الطرق البرية والبحرية بني إفريقيا وآسيا‪،‬‬ ‫باإلضافة ملا متتلكه من قدرات اقتصادية هائلة وتوسطها للعالم‬

‫اإلسالمي‪ ,‬من إندونيسيا شرقاً إلى دول املغرب العربي غرباً و‬ ‫تقع بني دائرتي عرض (‪ ) 40 : 15‬شمال خط االستواء وخطي‬ ‫طول (‪ )37: 20‬شر ًقا مبساحة إجمالية حوالي ‪ 3.6‬مليون كم‪٢‬‬ ‫تتحكم هذه املنطقة يف مضيق هرمز الذي مير منه يوم ًيا حوالي ‪21‬‬ ‫مليون برميل من النفط أي ما يقرب من ‪ % 45‬من استهالك العالم‬ ‫يوم ًيا ونظراً ملا تتمتع به تلك املنطقة من مزايا اقتصادية تتمثل يف‬ ‫احتياطي النفط والغاز الطبيعي بنسب عالية على مستوى العالم‬ ‫والذي يعول عليه إمداد دوله باحتياجاتها من النفط والغاز خالل‬ ‫احلقبة الزمنية القادمة من القرن احلادي والعشرين عندما يزداد‬ ‫استهالكها وتتقلص قدره العديد من الدول املنتجة للنفط يف إنتاج ما‬ ‫يكفي احتياجاتها وتزداد أهمية دول تلك املنطقة يف مجال االستثمار‬ ‫داخل وخارج أراضيها نتيجة للفوائض املالية التي تزيد لديها نتيجة‬ ‫االرتفاع يف أسعار الغاز والنفط‪.‬‬ ‫ولهذه املنطقة أهمية دينية خاصة لدى املسلمني يف شتى أنحاء العالم‬ ‫ففيها أقدس بقاع األرض(احلرمني الشريفني) اللذان يقصدهما‬ ‫حجاج بيت اهلل احلرام سنوياً ومتثل لهم قيمة دينية كبرى‪.‬‬ ‫وتتميز دول مجلس التعاون اخلليجي بتوحدها يف التركيبة السكانية‬ ‫حيث العرق العربي مع توفر أعراق أخرى بنسب ضعيفة‪ ،‬األمر الذي‬ ‫يعطي مجتمعاتها قدراً كبيراً من التماسك بسبب توحد القيم العربية‬ ‫والتقاليد وهذا يدعم األمن واالستقرار بها كما أن انضمامها حتت‬ ‫مظلة مجلس التعاون اخلليجي أكسبها قد ًرا من التكامل والقوى‬ ‫تعظم من نقاط قوتها وتتجنب نقاط ضعفها‪.‬‬ ‫وبعد إلقاء نظرة على "نطاق األمن اخلليجي" أو منطقة اخلليج‬ ‫العربي نخلص إلى أنها تعتبر من أهم الدوائر االستراتيجية التي‬ ‫تتقاطع عندها مصالح القوى الكبرى ملا متثله من كونها كتلة‬ ‫استراتيجية واقتصادية هامة تؤثر يف املصالح احليوية لدول العالم‬ ‫نظراً ملوقعها االستراتيجي املطل على منافذ بحرية هامة وتأثيرها‬ ‫ً‬ ‫وأيضا ملا حتويه من منابع‬ ‫على طرق التجارة بني الشرق والغرب‪،‬‬ ‫الطاقة التي ال يستغني عنها العالم‪.‬‬ ‫و تتعدد مصالح واهتمامات الدول املختلفة بتلك املنطقة طب ًقا‬ ‫العتمادها على النفط والغاز من جهة‪ ،‬ومن جهة اخرى طب ًقا‬ ‫العتمادها على السوق العربية لتصريف منتجاتها وكذلك حلجم‬ ‫احتياجاتها من الفوائض النقدية العربية‪ ،‬مع عدم إهمال سوق‬ ‫السالح العاملية شرقاً وغرباً الذي يعتبر تلك املنطقة ً‬ ‫أرضا خصبة‬ ‫لتلك التجارة‪ ،‬وقد كان لتلك العوامل تأثير على مصالح الدول‬ ‫الكبرى والقوى الفاعلة يف العالم مما جعلها حترص على احلد من‬

‫‪92‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫نطــاق األمــن الخليجــي بــن الهجــوم الصينــي والتشــبث األمريكــي‬

‫الصين استبدلت التواجد العسكري يف الخليج‬ ‫بنظام األمن القائم واالتفاقيات االقتصادية‬ ‫قــد يكــون مناســباً أن أبــدأ حديثــي مباشــرة عــن الهجــوم الصينــي والتشــبث األمريكــي‪ ,‬وأكتفــي باإلشــارة إلــى نطــاق األمــن‬ ‫ومعنــاه ‪ -‬يف هامــش املقــال‪ -‬ولكنــي رأيــت مــن األنســب أن أوضــح ذلــك املعنــى يف صــدر املقــال‪ ،‬خاص ـ ًة أن طبيعــة هــذا‬ ‫النطــاق وتكوينــه هــي مــن أتــت بالهجــوم الصينــي وجعلــت التشــبث األمريكــي وقبلــه التواجــد والهيمنــة‪ ،‬هام ـاً والزم ـاً مــن‬ ‫وجهــة نظــر كال الطرفــن‪.‬‬ ‫فنطــاق األمــن يف تعريفــه العســكري هــي تلــك املســاحة مــن األرض الفاصلــة بــن اجلانبــن املتحاربــن إذا لــم يكــن هنــاك‬ ‫اتصــاالً مباشــراً بينهمــا‪ ،‬وهــذه املنطقــة يتحتــم علــى كل طــرف مــن الطرفــن أن يتقــدم خاللهــا لكــي يصــل إلــى الطــرف‬ ‫اآلخــر‪ ،‬ويف حالــة الدفــاع يقــوم الطــرف املدافــع بوضــع قــوات محــدودة فيهــا لإلنــذار عــن تقــدم العــدو وتعطيلــه وإنــزال‬ ‫أكبــر خســائر ممكنــة بــه قبــل أن يصــل إلــى اخلــط الرئيســي للدفــاع وقــد يقــوم اجلانــب املدافــع بالهجــوم املضــاد عليــه‬ ‫وتدميــره يف نطــاق األمــن‪.‬‬ ‫ويف حالــة املواجهــة الشــاملة بــن الــدول (سياســ ًيا‪ ،‬اقتصاد ًيــا‪ ،‬عســكر ًيا ‪ ..... ،‬الــخ) فــإن نطــاق األمــن يشــمل كل تلــك‬ ‫األنشــطة لصالــح كل جانــب ضــد اآلخــر ‪.‬‬

‫اللواء د‪ .‬نصر محمد سالم‬ ‫ونطاق األمن الذى نتحدث عنه يف هذا املقال هي تلك املنطقة من‬ ‫اليابسة واملاء التي حباها اهلل مبا لم تنله بقعة من األرض من نعم‬ ‫أولها‪ ،‬رساله خامت األنبياء سيدنا محمد ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫ التي جتعل قلوب املاليني يف شتى أنحاء األرض تهفوا إليها‬‫حباً وتقديراً واهتماماً وثانيها ذلك الفيض من خيرات اهلل بترول‬ ‫وغاز التي تقدر بحوالي ‪ %70‬من احتياطي العالم من تلك الثروة‬ ‫االحفورية االستراتيجية‪.‬‬ ‫وتضم هذه املنطقة (نطاق األمن اخلليجي) بقايا حضارتني‬ ‫وامبراطوريتني كانتا ذا شأن عظيم يف التاريخ هما الفارسية‬ ‫واإلسالمية‪ ،‬أما بقايا االمبراطورية الفارسية وحضارتها فهي دولة‬ ‫إيران التي حتاول استعادة مجدها القدمي باستغالل نقاط قوة‬ ‫احلضارة التي اسقطتها ‪ -‬احلضارة اإلسالمية ‪ -‬وهي العقيدة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬ولكن مبذهب مبتدع هو املذهب الشيعي‪ ،‬الذي حتاول‬ ‫تصديره بكل القوى "صلبة وناعمة" للخارج‪ ،‬وإيران قوة رئيسية ال‬ ‫ميكن إغفالها ملا تتمتع به من قدرات شاملة يف شتى املجاالت‪،‬‬

‫وتعتبر نفسها الوريثة الطبيعية لإلمبراطورية الفارسية وتسعى إلى‬ ‫تعزيز مكانتها اإلقليمية والدولية باحلصول على الزعامة الدينية‬ ‫واضعاف الدول العربية واإلسالمية بدعم األحزاب واحلركات‬ ‫السياسية املعارضة يف الدول السنية‪ ،‬و امتالك قدرات عسكرية‬ ‫تقليدية و نووية تؤمن مصاحلها وقيمها الشيعية ومتكنها من‬ ‫السيطرة على املالحة البحرية يف مضيق هرمز وباب املندب واملجال‬ ‫احليوي بينهما‪.‬‬ ‫وتقع إيران بني دائرتي عرض ‪ 29‬إلى ‪ 40‬درجة شماالً وخطي‬ ‫طول ‪ 40‬إلى ‪ 63‬درجة شرقا‪ ،‬و يحدها من الشمال تركمانستان‬ ‫واذربيجان‪ ,‬ومن الغرب تركيا والعراق‪ ،‬ومن الشرق افغانستان‬ ‫وباكستان‪ ,‬ومن اجلنوب اخلليج العربي وخليج عمان بطول ‪1660‬‬ ‫كم‪ ،‬باإلضافة إلى حدود بحرية على بحر قزوين طولها ‪ 800‬كيلومتر‬ ‫وتبلغ مساحتها ‪1.648‬مليون كم‪ ،٢‬منها ‪ %8.7‬أراضي زراعية أو‬ ‫صاحلة للزراعة‪.‬‬ ‫و يبلغ تعداد سكان إيران ‪ 82‬مليون نسمة منها ‪ 16‬مليون سني‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪91‬‬

‫ملف العدد‬

‫ســماح إيــران للتنيــن الصينــي بالنفــاذ لقواعــد عســكرية يف منطقــة‬ ‫الخليــج ســتفتح أبــواب المواجهــة مــع الكبــار‬ ‫مــن ذلــك الســماح للصــن بإنشــاء معامــل إنتــاج أســلحة صينيــة علــى‬ ‫األراضــي اإليرانيــة وهــو مــا يعفيهــا مــن مشــاكل قــد تواجههــا نتيجــة‬ ‫العقوبــات األميركيــة‪.‬‬ ‫الجسر الصيني بين ضفتي الخليج‬ ‫ال تريــد الصــن أن تكــون يف موقــع تضطــر فيــه إلــى أن تختــار بــن‬ ‫إيــران مــن جهــة ودول مجلــس التعــاون اخلليجــي مــن جهــة أخــرى‪ ،‬وهو‬ ‫مــا حتــاول الصــن حتاشــيه عــن طريــق سياســة احليــاد ودبلوماســية‬ ‫التوافــق‪ .‬فهــي تــرى أنهــا قــد تقــوم بــدور اجلســر بــن ضفتــي اخلليــج‬ ‫‪،‬حيــث تســتطيع الصــن حتقيــق اختــراق مهــم لــو متكنــت مــن إقنــاع‬ ‫إيــران بالتخلــص مــن حلّتهــا الثوريــة‪ ،‬كمــا فعلــت الصــن نفســها منــذ‬ ‫عقــود‪ ،‬ويبــدأ ذلــك بتوقــف إيــران عــن دعــم اجلماعــات اإلرهابيــة‬ ‫والطائفيــة‪ .‬وميكــن أن يكــون للصــن دور أكبــر حينمــا تدعــم توســعة‬ ‫نطــاق أي مفاوضــات مســتقبلية لتشــمل معاجلــة ســلوك إيــران يف‬ ‫املنطقــة‪ ،‬وبرنامجهــا الصاروخــي‪ ،‬مبــا يف ذلــك الصواريــخ الباليســتية‬ ‫وصواريــخ الكــروز والطائــرات املس ـ ّيرة‪ ،‬وبرنامجهــا النــووي‪ ،‬يف ســلة‬ ‫واحــدة‪ ،‬وأن تدعــم بكــن إشــراك دول مجلــس التعــاون يف اتفــاق‬ ‫اإلطــار الشــامل بــن إيــران ومجموعــة "‪ ."1+5‬وقــد تكــون مبــادرة‬ ‫طريــق احلريــر مفيــدة للتوجــه نحــو الترتيــب األمنــي وبنــاء الثقــة بــن‬ ‫اخلليجيــن وإيــران‪،‬‬ ‫الخليجيين ال يعرفون الصين‬ ‫للصــن دور مهــم ميكــن أن تضطلــع بــه يف دعــم األمــن واالســتقرار‬ ‫مبنطقــة اخلليــج ملــا لهــا مــن عالقــات متميــزة مــع دول مجلــس التعــاون‬ ‫اخلليجــي وإيــران يف الوقــت نفســه‪ ،‬لكنــه ال يرقــى ليكــون بديــل للــدور‬ ‫األمريكــي بــل الــدور الغربــي أو حتــى دور حلــف الناتــو منفــر ًدا ‪ ،‬بحكــم‬ ‫أن هــذه الهيــاكل ‪-‬أمريــكا أو الناتــو‪ -‬أقــرب إلينــا مــن الصــن مبــا‬ ‫تعنيــه الكلمــة األمنيــة واالســتراتيجية مــن معنــى ‪ ،‬فللغــرب معاقــل‬ ‫قدميــة ورجــال اخلليــج يعرفــون طريقهــم يف دهاليــز صانــع القــرار‬ ‫الغربــي بعكــس الصينيــن فعلــى الرغــم مــن انتمائهمــا لنفــس القــارة‬ ‫إال أنــه يجــري التعامــل مــع أمريــكا كمــا لــو أنهــا أقــرب مــن الصــن‬ ‫وكمــا لــو أن الصينيــن مــن كوكــب الصــن الــذي نعــرف لغتــه وال نفــرق‬ ‫بــن ســكانه وال منيــل إلــى تقاليدهــم‪ ،‬كمــا أن رجالنــا يعرفــون الســاح‬ ‫الغربــي ويثقــون بــه أكثــر مــن مدفــع بالديــن الصينــي أو طائــرة جــي‪-‬‬ ‫‪ 20‬الصينيــة؛ لكــن هــذا ال مينــع مــن االســتثمار يف هــذه العالقــات‬ ‫يف التهدئــة باملنطقــة‪ ،‬رغــم شــكنا يف قــدرة الصــن علــى القيــام ببنــاء‬ ‫ركيــزة إضافيــة ألمــن اخلليــج‪ ،‬ألســباب أهمهــا العقيــدة السياســية‬

‫الصينيــة احلــذرة واملتحفظــة ثــم امليــل الصينــي جتــاه إيــران بعــد‬ ‫صفقــة الربــع قــرن التــي أشــرنا إليهــا‪ ،‬باإلضافــة إلــى حتديــات غيــر‬ ‫مرصــودة حتــى اآلن متعلقــة بالنفــط نفســه ســواء فيمــا يخــص نضوبــه‬ ‫أو وجــوده يف أســواق أخــرى أو بوجــود بديــل لــه‪ ،‬وكلهــا قــد حتــول بــن‬ ‫قيامهــا بهــذا الــدور وعليــه ال ميكــن انتظــار تغيــر مواقــف الصــن جتــاه‬ ‫املشــاركة الفاعلــة يف أمــن منطقــة اخلليــج يف العقــد القــادم‪.‬‬ ‫ورغــم أن دول اخلليــج اعتمــدت وال تــزال علــى املظلــة الدفاعيــة‬ ‫واملواقــف السياســية األمريكيــة لضمــان أمــن تدفــق الطاقــة والبضائــع‬ ‫عبــر ميــاه اخلليــج وهــذا هــو الوضــع املفضــل للصــن أن تبقــى أكبــر‬ ‫مشــتر لنفــط إيــران ودول اخلليــج وشــريك جتــاري ضخــم لهمــا‪،‬‬ ‫وتــرك احلمايــة األمنيــة والسياســية علــى كاهــل واشــنطن‪ -‬إال أن‬ ‫العديــد مــن مراكــز األبحــاث االســتراتيجية تذهــب إلــى أن مــن‬ ‫األرجــح أن ال يســتمر التوافــق الصينــي ‪ /‬األميركــي بــل مــن املمكــن‬ ‫أن يتبلــور التنافــس األمريكــي ‪ /‬الصينــي يف صــورة منافســة صفريــة‬ ‫شــبيهة باحلــرب البــاردة‪ ،‬ولــن يكــون مســرحها كمــا أشــرنا اخلليــج‬ ‫العربــي بــل أماكــن كثيــرة مــن العالــم وســتبدأ يف إفريقيــا ثــم آســيا ثــم‬ ‫اخلليــج النتفــاء الوديعــة االســتراتيجية التــي يجــب حمايتهــا ‪ .‬ومبــا‬ ‫أن مــن املرجــح أن تبقــى الشــراكات املصلحيــة وليــس الشــراكات‬ ‫االســتراتيجية لوقــت طويــل مــع الغــرب فمــن الضــروري عــدم االنقيــاد‬ ‫خلطــأ االنحيــاز بــل ضــرورة اســتمرار عالقــة دول اخلليــج بأمريــكا‬ ‫والصــن علــى الســواء‪ ،‬والــذي يشــددون علــى أ َّن احللفــاء اخلليجيــن‬ ‫يريــدون تعاونــاً أكبــر مــع كل مــن الواليــات املتحــدة والصــن‪ ،‬ال أن‬ ‫يعلقــوا وســط تنافــس تاريخــي بــن القوتــن‪ .‬فالرهــان علــى اجلــواد‬ ‫الثالــث أمــر عبثــي حيــث يحتــل اجليــش األمريكــي املرتبة األولــى عاملياً‬ ‫بينمــا يحتــل نظيــره الروســي املرتبــة الثانيــة بــن أقــوى جيــوش العالــم‪،‬‬ ‫يف حــن يحتــل اجليــش الصينــي املرتبــة الثالثــة عامليـاً وميتلــك جيــوش‬ ‫هــذه البلــدان قــوات جويــة‪ ،‬وترســانة نوويــة مهولــة‪.‬‬

‫* أكادميي وخبري ومحلل سيايس وعسكري ــ الكويت‬

‫‪90‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ثالثـــة متغيـــرات شـــكلت البصمـــة العســـكرية للصيـــن يف جـــوار‬ ‫الخليـــج وليـــس داخلـــه للدفـــاع عـــن مصالحهـــا‬ ‫القومــي الشــامل لشــي جــن بينــج‪ ،‬ممــا أبــرز توســع األنشــطة‬ ‫العســكرية الصينيــة يف اخلــارج‪.‬‬ ‫• تغيــرت القضايــا األمنيــة غيــر التقليديــة يف اخلــارج مــن اعتبارهــا‬ ‫فرصــاً دبلوماســية كإجــاء ‪ 36‬ألــف مواطــن صينــي مــن ليبيــا‪،‬‬ ‫باعتبارهــا تهديــدات لشــرعية النظــام واألمــن القومــي الصينــي‪.‬‬ ‫• بــدأ يُنظــر إلــى األزمــات األمنيــة يف اخلــارج علــى أنهــا تهديــدات‪،‬‬ ‫وصــار للقــوات املســلحة االســتعداد للعــب دور أكبــر يف السياســة‬ ‫اخلارجيــة‪.‬‬ ‫• البصمة العسكرية الصينية يف الخليج‬ ‫‪ -1‬بنــت الصــن أول قاعــدة لهــا يف اخلــارج يف جيبوتــي والقاعــدة‬ ‫علــى أحــد أهــم املمــرات البحريــة يف العالــم إبــان فــورة القرصنــة‬ ‫علــى يــد الصوماليــن‪ ،‬والقاعــدة الصينيــة علــى بعــد عشــرة كيلــو‬ ‫متــرات فقــط مــن مقــر القيــادة اإلفريقيــة يف اجليــش األمريكــي‪.‬‬ ‫وبعــد اتفاقيــة الربــع قــرن مــع إيــران تخطــط الصــن لبنــاء مقــر شــبيه‬ ‫للقاعــدة اإلفريقيــة علــى الســاحل اإليرانــي املطــل علــى اخلليج‪ ،‬بحيث‬ ‫يصبــح لهــا موطــئ قــدم يف املــكان الــذي تعتبــره البحريــة األمريكيــة‬ ‫بحيــرة خاصــة لهــا‪ .‬وقــد اعتمــد الوجــود العســكري الصينــي قــرب‬ ‫اخلليــج يف البدايــة علــى إنشــاء مراكــز دعــم لوجســتية‪ .‬وبعــد انتزاعهــا‬ ‫الريــادة االقتصاديــة‪ ،‬تســعى بكــن إلثبــات وجودهــا العســكري علــى‬ ‫أبــرز املمــرات املالحيــة ومنهــا مضيــق هرمــز وبــاب املنــدب حلمايــة‬ ‫مصاحلهــا التجاريــة‪ .‬لكــن يبقــى اخلليــج ليــس أولوية صينيــة‪ ،‬ومعارك‬ ‫بكــن وواشــنطن ســتخاض يف العالــم الســيبراني أو يف منطقــة آســيا‬ ‫واحمليــط الهــادي‪ ،‬وليــس اخلليــج‪ ،‬ورغــم ذلــك ‪ ،‬رافقــت القــوات‬ ‫البحريــة جليــش التحريــر الشــعبي الصينــي‪ ،‬العاملــة قبالــة ســواحل‬ ‫عــدن‪ %51 ،‬مــن الســفن التجاريــة األجنبيــة منــذ عــام ‪2008‬م‪.‬‬ ‫‪2‬ــــ صفقــة "الربــع قــرن "ســاح أم حتالــف «علــى الــورق» مــع‬ ‫الصــن‬ ‫• دفعــت عقوبــات ترامــب القصــوى إيــران نحــو الصــن‪ ،‬حيــث‬ ‫دفعــت طهــران إلــى أن تعلــن تخليهــا عــن شــعار "ال شــرقاً وال غرب ـاً‬ ‫"وتعلــن أنهــا حتتــاج إلــى بكــن للخــروج مــن العزلــة الدوليــة وإنعــاش‬ ‫اقتصادهــا مــن خــال العضــو الدائــم ملجلــس األمــن‪ .‬ومثــل إســرائيل‬ ‫وأمريــكا ســيحول االتفــاق إيــران إلــى مجــرد جزيرة صينية متقدمة‬ ‫يف الشــرق األوســط كمــا أنهــا ســتتحول إلــى أداة يف املشــروع الصينــي‬ ‫العمــاق ‪،‬و اتفاقيــة الصــن االســتراتيجية مــع إيــران ‪،‬هــي "الشــراكة‬

‫األكبــر" يف مطلــع القــرن اجلديــد‪ ،‬وســيكون لهــا انعكاســاتها علــى‬ ‫املنطقــة‪ .‬ورغــم مــا قيــل عــن أن إيــران تتهــرب مــن العقوبــات بتحالــف‬ ‫«علــى الــورق» مــع الصــن‪ .‬إال أن احلقيقــة هــي أن صفقــة الربــع قــرن‬ ‫هــي مــا عجــل باندفــاع اإلمــارات والبحريــن إلــى التعــاون مــع تــل أبيــب‬ ‫يف ظــل االنســحاب األميركــي شــبه املؤكــد‪ .‬فاالتفاقيــة التــي وقعت ‪27‬‬ ‫مــارس‪ 2021‬تنطــوي‪ ،‬علــى مكونــات اســتراتيجية ومص َّممـ ُة لضمــان‬ ‫تعزيــز شــامل لــكل جانــب مــن جوانــب العالقــات بــن الصــن وإيــران‬ ‫علــى املــدى الطويــل"‪ .‬ويف البعــد االســتراتيجي عمــدت االتفاقيــة‬ ‫إلــى محاولــة ترســيخ مواقــف التعــاون والقــرب بــن البلديــن يف هيئــة‬ ‫آليــات دائمــة‪ ،‬مــع تعزيــز التبــادالت واملشــاورات والتعــاون الوثيــق‬ ‫يف القضايــا ذات االهتمــام املشــترك واالتفــاق علــى مســتوى العمــل‬ ‫املؤسســي اإلقليمــي‪ .‬وميكــن اعتبــار تعزيــز البنيــة التحتيــة الدفاعيــة‬ ‫وإجــراء منــاورات عســكرية منتظمــة‪ ،‬ضمــن عــروض القــوة والتوافــق‬ ‫بــن البلديــن‪ ،‬فقــد انطلقــت منــاورات عســكرية صينية روســية إيرانية‬ ‫يف خليــج عمــان للحفــاظ علــى األمــن البحــري ‪ .‬رغــم تقليــل الصــن‬ ‫مــن قيمــة املنــاورة‪ ،‬موحيــة أن مســاهمتها فيــه تقتصــر علــى قــوات‬ ‫غيــر قتاليــة‪ .‬وقــد متثلــت مشــاركتها يف تدخــل أســطولها اخلــاص‬ ‫مبكافحــة القرصنــة‪ ،‬وهــي قــوة موجــودة فع ـ ً‬ ‫ا يف امليــاه الصوماليــة‬ ‫ً‬ ‫وأيضــا العاملــن املكلفــن بحفــظ الســام‬ ‫حلمايــة الســفن التجاريــة‬ ‫واملســاعدات اإلنســانية‪ .‬وبالفعــل‪ ،‬لــم ترســل الصــن وحــدات مــن‬ ‫جيــش التحريــر الشــعبي‪.‬‬ ‫لقــد قيــل هنــاك تشــكك مــن قبــل بعــض اإليرانيــن يف دوافــع الصــن‬ ‫عنــد تســريب مســودة لالتفــاق‪ ،‬فاتفاقــات احلــزام والطريــق تهدف إلى‬ ‫خدمــة مصالــح الصــن باألســاس‪ .‬وتبــن الحقـاً أن بعــض االتفاقــات‬ ‫التــي بــدت جذابــة هــي يف احلقيقــة مجحفــة وقاســية بالنســبة للــدول‬ ‫األصغــر ‪ .‬ومــن جانــب آخــر قيــل إن التســريب مت مــن قبــل طهــران‬ ‫نفســها ‪ ،‬فطهــران نزعــت عــن "اتفاقيــة الشــراكة االســتراتيجية" مــع‬ ‫الصــن‪ ،‬صفــة املعاهــدة للتهــ ّرب مــن نشــر تفاصيلهــا‪ ،‬ومــا احتوتــه‬ ‫مــن مضامــن باعتبــار أن الســرية فيهــا مخالفــة للدســتور اإليرانــي‬ ‫والقوانــن الدوليــة‪ .‬وهنــاك تكتــم علــى جوانــب عــدة فيهــا‪ ،‬و ســبب‬ ‫التكتــم يعــود إلــى أن الســماح للتنــن الصينــي بالنفــاذ إلــى قواعــد‬ ‫عســكرية يف منطقــة اخلليــج العربــي‪ ،‬ســتفتح أبــواب املواجهــة مــع‬ ‫الكبــار علــى مصاريعهــا‪ .‬ويعطــي اجلانــب العســكري الصــن القــدرة‬ ‫علــى بنــاء قواعــد عســكرية مشــتركة يف اخلليــج وبحــر عمــان واحمليــط‬ ‫الهنــدي واســتفادة الســفن العســكرية مــن املوانــئ اإليرانيــة‪ ،‬واألهــم‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪89‬‬

‫ملف العدد‬

‫يف ســـياق مبـــادرة الحـــزام والطريـــق ارتقـــت العالقـــات‬ ‫الصينيـــة ـ ـــ الخليجيـــة إىل مســـتوى الشـــراكة االســـتراتيجية‬ ‫إمــدادات النفــط عبــر اخلليــج‪ .‬لكــن الصــن أحجمــت عــن العمــل‬ ‫بوصفهــا ضامن ـاً أمني ـاً يف اخلليــج ومــن غيــر املرجــح أن تعلــن بكــن‬ ‫عــن أي مبــادرات ســام لصالــح أمــن اخلليــج العربــي‪ ،‬وأن تســتمر‬ ‫يف دعواتهــا العامــة إلقــرار الســام يف املنطقــة‪ ،‬وهــو مــا ينــدرج حتــت‬ ‫احلفــاظ علــى سياســتها احلاليــة بعــدم التدخــل‪.‬‬ ‫ومــا يجــري حال ًيــا هــو خطــوات صينيــة إيجابيــة لكــن بعيــدة عــن‬ ‫اخلليــج‪ ،‬فقــد توســع الوجــود العســكري الصينــي يف اخلــارج؛ لتحقيــق‬

‫االســتقرار ‪ ،‬وعملــت علــى حتييــد التهديــدات األمنيــة ضدهــا‪ .‬فمــن‬ ‫بــاب «حراســة حــدود املصلحــة» تشــكل وعــي بضــرورة حمايــة حــدود‬ ‫املصالــح الصينيــة أينمــا كانــت‪ ،‬أدى إلــى دفــع وتشــكيل البصمــة‬ ‫العســكرية للصــن يف جــوار اخلليــج وليــس داخلــه‪ .‬وإن كان لهــا جــذور‬ ‫منــذ أواخــر الثمانينــات‪ ،‬فقــد دخلــت قضيــة إرســال القــوات املســلحة‬ ‫إلــى اخلــارج والدفــاع عــن املصالــح جــراء ثالثــة تغييــرات‪:‬‬ ‫‪-‬التحــول مــن مفهــوم األمــان اجلديــد جليانــغ زميــن إلــى األمــن‬

‫‪88‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫المعضلـــة‪ :‬واشـــنطن تريـــد ابتعـــاد دول الخليـــج عـــن الصيـــن‬ ‫بينم ــا ه ــي تتخ ــى تدريج ًي ــا ع ــن دوره ــا الضام ــن ألم ــن المنطق ــة‬ ‫احلــوار االســتراتيجي الــذي وقــع بــن الصــن والعديد مــن دول مجلس‬ ‫التعــاون‪ ،‬والتعــاون العســكري املباشــر وهــو أقلهــا‪ ،‬ثم التعــاون يف مجال‬ ‫التســلح‪ ،‬حيــث هنــاك الكثيــر مــن الســاح الصيني يف يــد جنود مجلس‬ ‫التعــاون‪ .‬كل ذلــك يف ظــل حتديــات أمنيــة ال ميكــن جتاهلهــاـ حيــث‬ ‫ظهــر وكأن دول اخلليــج أمــام خياريــن إمــا فــض الشــراكة مــع الصــن‬ ‫ألن أمريــكا باقيــة‪ .‬أو فــك ارتباطهــا مــع أمريــكا لرحيلهــا املعلــن‪ .‬لكــن‬ ‫غيــر املعلــن هــو الضغــط األمريكــي الــذي ظهــر علــى أشــكال عــدة ‪.‬‬ ‫الضغط عىل الخليج لالختيار بين واشنطن أو بكين‪.‬‬ ‫وفــق قاعــدة "إمــا أن تكــون معنــا أو ضدنــا"‪ ،‬وضــع اخلليجيــون أمــام‬ ‫رهــان االختيــار بــن إحــدى القوتــن العظميــن واشــنطن‪ ،‬أو بكني‪ .‬فتم‬ ‫خلــق قلــق ال يقتصــر علــى اخلليــج فحســب‪ ،‬وإمنــا ميتــد إلــى عالقــات‬ ‫القــوى العظمــى الواليــات املتحــدة والصــن نفســها‪ .‬وإن كان هنــاك‬ ‫مــن يشــكك يف وجــود مثــل هــذا القلــق‪ ،‬فالصــن حتصــل علــى ‪ ٪40‬من‬ ‫نفطهــا مــن دول اخلليــج‪ ،‬وتعتمــد بشــكل متزايــد علــى اســتيراد الغــاز‬ ‫الطبيعــي مــن قطــر‪ .‬وحتتفــظ الواليــات املتحــدة مبــا بــن ‪ 60‬ألفـاً إلــى‬ ‫‪ 80‬ألــف جنــدي يتمركــزون يف منطقــة اخلليــج ‪.‬والتــوازن قائــم ‪.‬‬ ‫ووفــق حتليــات عــدة فــإن الواليــات املتحــدة لــم تلــب طلبــات حلفائهــا‬ ‫اخلليجيــن‪ ،‬األمــر الــذي دفــع الصــن إلــى اســتغالل ذلــك‪ ،‬عبــر‬ ‫محاولــة جــذب هــذه الــدول إلــى صفهــا‪ ،‬فتحركــت واشــنطن لوقــف‬ ‫امليــل اخلليجــي‪ ،‬مــع اســتمرار املعضلــة وهــي أن واشــنطن تريــد ابتعــاد‬ ‫هــذه الــدول عــن الصــن‪ ،‬بينمــا هــي تتخلــى تدريجيـاً عــن الــدور الــذي‬ ‫رســخته لنفســها منــذ نهايــة احلــرب العامليــة الثانيــة كضامــن ألمــن‬ ‫املنطقــة‪ ،‬ويف الوقــت نفســه أصبحــت أمريــكا منافسـاً لنفــط اخلليــج‪.‬‬ ‫"سباعي خليجي" مثل "الرباعي اآلسيوي"‬ ‫جراء التنافس االســتراتيجي الشــامل املتصاعد بني الواليات املتحدة‬ ‫والصــن‪ ،‬قامــت واشــنطن بتشــكيل تكتــل دفاعــي مع أســتراليا واليابان‬ ‫والهنــد ويُع ـ َرف بـ"الرباعــي"‪ -‬مــن أجــل التصــدي للنفــوذ الصينــي يف‬ ‫منطقــة احمليــط الهنــدي والهــادي‪ .‬وألن الســماح بوجــود سياســي أو‬ ‫أمنــي للصــن يف منطقــة اخلليــج‪ ،‬ســيضر بالتــوازن احلالــي القائــم‬ ‫لصالــح واشــنطن ممــا يجعــل املهمــة أمــام أمريــكا أصعــب‪ ،‬بدليــل أن‬ ‫مســاعد وزيــر اخلارجيــة لشــؤون الشــرق األدنــى‪ ،‬ديفيــد شــينكر يف ‪15‬‬ ‫يونيــو ‪2020‬م‪ ،‬صــرح " يتعــن علــى دول اخلليــج النظــر يف عالقاتها مع‬ ‫الواليــات املتحــدة عنــد التعامــل مــع الصــن"‪ .‬ممــا يعنــي أن واشــنطن‬ ‫قــد تقــوم باتخــاذ نفــس اإلجــراء يف منطقــة اخلليــج العربي وعلــى دول‬

‫اخلليــج تشــكيل "ســباعي خليجــي" مثــل "الرباعــي اآلســيوي"‪ .‬فمــا‬ ‫أكثــر الهيــاكل العســكرية يف اخلليــج ولعــل آخرهــا وأكبرهــا التحالــف‬ ‫العســكري اإلســامي حملاربــة اإلرهــاب‪ ،‬الــذي يضــم عشــرات الــدول‬ ‫اإلســامية‪ ،‬مــن بينهــا دولــة نوويــة‪ ،‬هــي باكســتان‪ ،‬وعضــو يف الناتــو‪،‬‬ ‫تركيا‪.‬‬ ‫و تأمــل واشــنطن أن جتعــل دول اخلليــج تختــار االنحيــاز لهــا ؛لكــن‬ ‫كيــف !! فهنــاك يف اجلــو ثقــة خليجيــة مهتــزة يف واشــنطن‪ ،‬وزادت بعــد‬ ‫خيبــة األمــل اخلليجيــة مــن األمريــكان يف قضيــة أمــن اخلليــج يف‬ ‫أعقــاب هجمــات ســبتمبر‪ 2019‬علــى" بقيــق" والتــي عــززت الشــكوك‬ ‫حــول مصداقيــة الضمانــات األمنيــة األمريكيــة‪ .‬وال ننســى تخبطاتهــم‬ ‫ففــي عهــدِ الرئيــس جــورج بــوش "االبــن" اإلســاموفوبيا بعــد ‪11‬‬ ‫ســبتمبر ‪2001‬م‪ ،‬والفوضــى اخلالقــة ويف عهــد بــاراك أوبامــا الربيـ ِـع‬ ‫العربـ ِـي ثــم وعــود إدارة ترامــب جتــاه إيــران التــي لــم تنجــز ‪ ،‬وموضــوع‬ ‫إعــادة تقييــم اهتمامــات ومصالــح األمــن القومــي األمريكــي يف الشــرق‬ ‫األوســط‪ ،‬والنــزوح للشــرق‪.‬‬ ‫يحتــاج اخلليجيــون إلــى مشــترين موثوقــن لنفطهــم‪ ،‬وإلــى شــركاء‬ ‫جتاريــن‪ .‬والصــن مالئمــة لــكال األمريــن‪ ،‬باعتبــار آن أكبــر مســتورد‬ ‫للنفــط اخلــام هــي الصــن حيــث تشــتري بكــن مــا بــن ‪ 44‬إلــى ‪%56‬‬ ‫مــن إمداداتهــا الســنوية مــن الشــرق األوســط‪ .‬وتشــير التقديــرات إلــى‬ ‫أن الصــن ستســتمر بحاجــة قويــة للنفــط‪ ،‬مــا يجعل منها زبونـاً مربحاً‬ ‫جــداً لــدول اخلليــج بدرجــة ال يســع معهــا تلــك البلــدان أن تخســره‪ .‬كما‬ ‫أن بكــن اســتثمرت مــا يقــرب مــن ‪ 62.55‬مليــار دوالر يف الســعودية‬ ‫واإلمــارات يف الفتــرة مــن عــام ‪ 2008‬إلــى عــام ‪2019‬م‪ ،‬كمــا وصــل‬ ‫إجمالــي املبلــغ الــذي اســتثمرته الصــن يف جميــع دول مجلــس التعــاون‬ ‫اخلليجــي عــن نفــس الفتــرة‪ ،‬إلــى ‪ 83‬مليــار دوالر‪.‬‬ ‫التواجد األمني الصيني يف الخليج ‪-‬القصور الصيني‬ ‫يتمثــل أهــم مظهــر للقصــور األمنــي الصينــي يف أن الــكل لــه مبــادرة‬ ‫أمنيــة يف اخلليــج إال الصــن‪ .‬فمــن خــال التحايــل علــى أي مشــاركة‬ ‫مباشــرة يف الصراعــات اإلقليميــة‪ ،‬ترمــي الصــن إلى ٍ‬ ‫مزيد من توســيع‬ ‫نطــاق أنشــطتها االقتصاديــة‪ .‬وخــال األحــداث األخيــرة يف مضيــق‬ ‫هرمــز واعتــراض الناقــات الصهيونيــة والبريطانيــة يف بحــر العــرب‬ ‫وخليــج عمــان‪ ،‬والتــي أفضــت إلــى تكثيــف التوتــرات‪ ،‬توقــع البعــض‬ ‫أن تضطــر الصــن إلــى االضطــاع بــدور أمنــي أوســع نطاقـاً للحفــاظ‬ ‫علــى حريــة املالحــة وهــو أمــر ال غنــى عنــه ألمــن الطاقــة وتدفــق‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪87‬‬

‫ملف العدد‬

‫الرهان على الجواد الثالث عبث وأمريكا األولى والصين الثالثة عسكريً ا‬

‫من الضروري عدم االنقياد لخطأ االنحياز بل‬ ‫استمرار عالقة دول الخليج بأمريكا والصين م ًع ا‬ ‫"الصــن دول ـ ٌة كبيــرةٌ للغايــة‪ ،‬ويســكنها كثيــر مــن الصينيــن"‪ ،‬تعــود هــذه الكلمــات إلــى اجلنــرال والرئيــس الفرنســي الســابق‬ ‫شــارل ديغــول‪ ،‬وحــن يدلــي ديغــول بتصريــح غيــر مفيــد مثــل هــذا ينبــري املنافقــون باســتخالص احلكمــة منــه قســرا‪ ،‬لكــن‬ ‫احلقيقــة أن ذلــك يكشــف عــن ضحالــة يف التفكيــر حــن يكــون السياســي أحــد أقــدار الشــعوب املريــرة؛ ويف اخلليــج العربــي‬ ‫هنــاك إدراك بقيمــة الصــن يف األلفيــة الثالثــة‪ ،‬لكــن ال نعلــم إن كان يف جــزء منــه جــراء انقيــاد للســرديات الغربيــة التــي تهــول‬ ‫مــن الصــن ألنهــا حتــدي لهــم‪ ،‬أم إنــه إدراك خليجــي واع بقيمــة الصــن لنــا يف اخلليــج‪ ،‬و أهميــة الــدور الــذي ميكــن أن تضطلــع‬ ‫بــه الصــن يف دعــم األمــن واالســتقرار مبنطقــة اخلليــج العربــي‪.‬‬

‫د‪ .‬ظافر محمد العجمي‬

‫الشراكة االستراتيجية بديل للتحالفات‬ ‫ال يتــرك الصينيــون شــي ًئا للصدفــة فهــم يعملــون لبســط نفوذهم يف كل‬ ‫صــوب متســلحني بالدبلوماســية‪ ،‬لتحقيــق أهدافهــم االقتصاديــة‪ .‬ويف‬ ‫ســياق مبــادرة احلــزام والطريــق ارتقــت العالقــات الصينيــة مــع دول‬ ‫مجلــس التعــاون اخلليجــي الســت إلــى مســتوى الشــراكة االســتراتيجية‬ ‫خــال األعــوام القليلــة املاضيــة‪ .‬متاشــياً مــع حتــول العالقــات‬ ‫الدوليــة إلــى اســتخدام اتفاقيــات الشــراكة االســتراتيجية‪ ،‬كبديــل‬ ‫عــن التحالفــات‪ .‬ويبــدو أن لهــذا التحــرك نصيــب مــن النجــاح رغــم‬ ‫ســعي الصــن إلــى اجلمــع بــن التناقضــات‪ ،‬كزيــارة الرئيــس الصينــي‬ ‫شــي جــن بينــج للريــاض وطهــران وتأييــد نظــام األســد‪ ،‬و اضطهــاد‬ ‫اإليغــور ‪ .‬رقــي العالقــات اخلليجيــة ‪ /‬الصينيــة ســاهم علــى نحــو‬ ‫كبيــر يف ترجيــح ســيناريو اضطــاع الصــن بعــبء احلمايــة اخلليجيــة‬ ‫الســيما وأنهــا رغبــة خليجيــة ً‬ ‫أيضــا‪ .‬رقــي العالقــات مع صعــودِ الصني‬ ‫كقــوة اقتصاديــة كبــرى‪ ،‬وســع مجــاالت التعــاون مــع دول اخلليــج يف‬ ‫ـوم والتقنيــةِ‬ ‫ِ‬ ‫االسـ‬ ‫ـتثمارات املشــتركة واملباشــرة والتعــاون يف مجــالِ العلـ ِ‬ ‫ـروع طريــق احلريــر اجلديــد" أو‬ ‫والفضــاء‪ ،‬ولعــل العنــوان األبــرز‪ "،‬مشـ ِ‬ ‫"مبــادرة احلــزام والطريــق" أو "حــزام واحــد ‪ -‬طريــق واحــد"‪ ،‬والتــي‬ ‫مت تصميمهــا حــول خمــس أولويــات للتعــاون‪ :‬تنســيق السياســات‪،‬‬ ‫وتطويــر البنيــة التحتيــة‪ ،‬والتجــارة‪ ،‬والتكامــل املالــي‪ ،‬والعالقــات بــن‬

‫الشــعوب‪ .‬وربــط اخلليــج بهــا هــو مــن أجــل حتقيــق مجموعــة مــن‬ ‫األهــداف؛ وهــي تلبيــة احتياجــات الصــن املتزايــدة مــن إمــدادات‬ ‫الطاقــة‪ ،‬واالســتفادة مــن عوائــد التعــاون االقتصــادي مــع دول املجلــس‬ ‫يف مجــاالت البنيــة التحتيــة‪ ،‬والتصنيــع‪ ،‬ونقــل التكنولوجيــا اإلنتاجيــة‪،‬‬ ‫والطاقــة‪ ،‬والطاقــة النوويــة‪ ،‬والزراعــة‪ ،‬والتكنولوجيــا الدقيقــة‪ ،‬بجانــب‬ ‫فــرص التعــاون املالــي واالســتثماري بــن اجلانبــن‪ ،‬وهــو مــا يؤكــد‬ ‫اســتمرار أولويــة االقتصــاد يف السياســة اخلارجيــة الصينيــة جتــاه‬ ‫اخلليــج ‪ .‬ومبــادرة احلــزام والطريــق "حــزام واحــد ‪ -‬طريــق واحــد"‪،‬‬ ‫كمــا يســوق لهــا الصينيــون ليســت مجــرد مشــروع اقتصــادي وتنمــوي‬ ‫تتبنــاه الصــن‪ ،‬وتدعــو دول العالــم إلــى املشــاركة فيــه‪ ،‬لكنهــا مبــادرة‬ ‫متثــل رؤيــة اســتراتيجية لــدور بكــن يف النظــام العاملــي‪ .‬لكــن هنــاك‬ ‫حتديــات اقتصاديــة لــن نغــرق فيهــا وســنركز علــى اجلانــب األمنــي‬ ‫رحــب اخلليجيــون باملبــادرة وتطــورت عالقــات الصــن مــع دول‬ ‫‪.‬فقــد ّ‬ ‫املجلــس لتشــمل الدعــم املتبــادل يف احملافــل الدوليــة‪ ،‬وقامــت الصــن‬ ‫بإرســال ملحقــن عســكريني إلــى بعــض دول املجلــس‪ ،‬يتكلمــون العربية‬ ‫بطالقــة‪ ،‬وامللحــق كمــا هــو معــروف قفــزة يف العالقــات العســكرية فهــو‬ ‫مستشــار وخبيــر يف قضايــا الدفــاع‪ .‬يقــدم استشــارته ومعونتــه يف‬ ‫تســيير وحــل األزمــات‪ .‬ويحــرص علــى تطويــر وتنشــيط العالقــات‬ ‫العســكرية الثنائيــة والتــي تتمركــز حــول ثالثــة محــاور رئيســية هــي‬

‫‪86‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫وافقــت منظمــة شــنغهاي للتعــاون التــي تضــم الصيــن وروســيا‬ ‫والهنــد عــى ضــم الســعودية ومصــر إىل قائمــة شــركائها يف يوليــو ‪2021‬‬ ‫الثقـة يف املنطقـة‪ ،‬وأبـدت بكين وموسـكو اسـتعدادهما للتوسـط يف‬ ‫تسـوية اخلالفـات بين الريـاض وإيـران ودعم االسـتقرار والسلام يف‬ ‫املنطقـة‪ .‬وقـد قامـت روسـيا ومجلـس التعـاون اخلليجـي باسـتحداث‬ ‫آليـة للحـوار االسـتراتيجي الروسـى اخلليجـى عـام ‪2011‬م‪ ،‬وتبعتهـا‬ ‫الصين يف إطلاق احلـوار االسـتراتيجي الصينـي ‪/‬اخلليجـي عـام‬ ‫‪2014‬م‪ ،‬للتنسـيق بشـأن القضايـا األمنيـة واالسـتراتيجية املختلفـة‬ ‫ذات االهتمـام للطرفين‪ .‬ووافقـت منظمـة شـنغهاي للتعـاون‪ ،‬التـى‬ ‫تضـم الصين وروسـيا والهنـد وباكسـتان وأربعـة مـن دول آسـيا‬ ‫الوسـطى‪ ،‬علـى ضـم السـعودية ومصـر إلـى قائمـة شـركائها يف يوليـو‬ ‫‪2021‬م‪ ،‬لتتـم املصادقـة علـى القـرار يف قمـة املنظمـة مبدينة دوشـنبه‬ ‫عاصمة طاجيكسـتان يف سـبتمبر‪ .‬األمر الذي يتيح تنسـيق أكبر بني‬ ‫بكين وموسـكو والريـاض حـول قضايـا مكافحـة اإلرهـاب واجلرائـم‬ ‫اإللكترونيـة‪ ،‬وأمـن اخلليـج واألمـن اإلقليمـي عامـة‪.‬‬ ‫ومـن بين القضايـا األبـرز التـى ميكـن أن تكـون محـل تنسـيق بين‬ ‫الصين وروسـيا واخلليـج هـى تلـك التطـورات التـي جتتاح أفغانسـتان‬ ‫منـذ اسـتيالء طالبـان علـى السـلطة وإحـكام قبضتهـا علـى البلاد‪،‬‬ ‫ورغـم أن البعـض يـرى فيهـا قـوة سـنية قـادرة علـى موازنـة إيـران‪ ،‬إال‬ ‫أن خبرة حكم طالبان يف التسعينات وغموض توجهاتها القادمة تثير‬ ‫العديـد مـن املخـاوف خاصـة وأن ردود الفعـل األولية إليران ال تعكس‬ ‫ذلك‪ .‬ويبرز يف هذا السـياق محورية دور الصني وروسـيا باعتبارهما‬ ‫القـوى الدوليـة املعنيـة مباشـرة باألمـن اإلقليمـي يف منطقـة وسـط‬ ‫آسـيا‪ ،‬واحتفاظهمـا بقنـوات اتصـال مفتوحـة مـع طالبـان‪.‬‬ ‫فقـد أبقـت بكين وموسـكو علـى سـفارتيهما يف كابـول وتعهـدت‬ ‫طالبـان بضمـان أمـن وسلامة دبلوماسـيي البلديـن‪ ،‬ممـا يشـير إلـى‬ ‫تفاهمـات أعمـق بين البلديـن وطالبـان‪ .‬ويـرى البعـض أن الواليـات‬ ‫املتحدة أرادت بانسـحابها من أفغانسـتان أن جتعل من طالبان قنبلة‬ ‫موقوتـة يف وجـه روسـيا والصين وإيـران‪ ،‬ويبـدو أن بكين وموسـكو‬ ‫كانـوا علـى وعـي بهـذا وحتركـوا مبكـراً باجتـاه طالبـان الحتوائهـا‬ ‫وصياغـة تفاهمـات حـول اخلطـوط احلمـراء التـي تضمـن بقـاء‬ ‫البلديـن علـى احليـاد ورمبـا تطويـر العالقات مع طالبان يف املسـتقبل‬ ‫ومـلء الفـراغ الناجـم عـن االنسـحاب األمريكـي مبـا يضمـن مصالـح‬ ‫البلديـن وأمنهمـا‪ ،‬ورحبـت طالبـان باخلطـوات الصينيـة والروسـية‬ ‫باعتبـار البلديـن أكثـر القـوى تأثيـراً وتأثـراً بوسـط آسـيا والتنسـيق‬ ‫معهمـا عامـل حاسـم لنجـاح مخطـط طالبان‪ ،‬فتعهدت بعـدم إيواء أي‬ ‫جماعـة‪ ،‬أو فصيـل‪ ،‬أو حركـة معاديـة للصين وروسـيا‪ .‬كمـا تعهـدت‬ ‫طالبـان خلال زيـارة وفدهـا ملوسـكو يف ‪ 8‬يوليـو ‪ 2021‬م‪ ،‬مبكافحـة‬

‫"داعـش" وعـدم خـرق حـدود دول آسـيا الوسـطى احلليفـة لروسـيا‪،‬‬ ‫وكانـت الزيـارة يف إطـار اتصـاالت ومفاوضـات مسـتمرة بين طالبـان‬ ‫وموسـكو‪ ،‬مـن بينهـا اسـتضافة األخيـرة مؤمتراً للسلام بني احلكومة‬ ‫األفغانيـة وطالبـان يف مـارس املاضـي‪ .‬والتقـى وفـدًا من قـادة طالبان‬ ‫بقيـادة املسـؤول الثانـي يف احلركـة امللا عبـد الغنـي بـارادار وزيـر‬ ‫اخلارجيـة الصينـي واجن يـي ونائـب وزيـر اخلارجيـة واملمثـل الصينـي‬ ‫اخلـاص لشـؤون أفغانسـتان يـوم ‪ 28‬يوليـو ‪2021‬م‪ ،‬وكانـت املـرة‬ ‫األولـى التـي يعتـرف فيهـا وزيـر اخلارجيـة الصينـي بـأن طالبـان “قوة‬ ‫سياسـية وعسـكرية حيوية يف أفغانسـتان” وجاء هذا االجتماع ضمن‬ ‫سلسـلة مـن االتصـاالت واملفاوضـات بين اجلانبين بـدأت منـذ عـام‬ ‫‪2015‬م‪.‬‬ ‫إن محـور الشـرق الصاعـد‪ ،‬الصين وروسـيا‪ ،‬أصبـح قـوة اقتصاديـة‬ ‫وتقنيـة واسـتراتيجية قائـدة ومؤثـرة يف التطورات الدولية واإلقليمية‪،‬‬ ‫وهي ال تسعى لتأجيج املواجهة مع واشنطن أو االنخراط يف سباقات‬ ‫تسـتنزف قواهـا‪ ،‬ولكنهـا قـادرة علـى الوقـوف بحـزم يف مواجهـة‬ ‫الضغوطـات األمريكيـة التـى قـد تبطئ بعض الشـئ مـن تقدمها ولكن‬ ‫ال ميكـن لهـا أن تعرقلهـا أو جتهـز علـى جناحهـا الالفـت‪ .‬كمـا أنهـا‬ ‫دول جـوار للخليـج العربـى ومعنيـة باألمـن واالسـتقرار يف املنطقـة‬ ‫وتعتبرهمـا ضـرورة ألمنهمـا القومـي ومصاحلهمـا يف املنطقـة وعلـى‬ ‫الصعيـد الدولـي‪ ،‬وهـي حريصـة علـى بنـاء الشـراكات االقتصاديـة‬ ‫واالسـتراتيجية مـع دول اخلليـج علـى النحـو الـذي يضمـن املصالـح‬ ‫املتبادلـة واألمـن للجميـع‪.‬‬

‫* أستاذ العالقات الدولية‪ ،‬جامعة القاهرة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪85‬‬

‫ملف العدد‬

‫أطلــق الرئيســان الصينــي شــي وبوتيــن يف ‪ 19‬مايــو الماضــي البــدء‬ ‫يف بنــاء الوحــدات النوويــة الجديــدة يف محطتــي تيانــوان وشــوداباو‬ ‫الشـراكة املتناميـة بينهمـا ليسـت "اضطراريـة" يف مواجهة التهديدات‬ ‫األمريكيـة‪ ،‬ولكنهـا خيـار واع حتكمـه املصالـح املتبادلـة مبـا فيهـا‬ ‫التصـدي للواليـات املتحـدة‪ ،‬فهـي محـض إرادة واعيـة تنطلـق مـن‬ ‫رؤيـة اسـتراتيجية بعيـدة املـدى ومتثـل توجهـاً ثابتـاً ومسـتق ًرا لـدى‬ ‫البلديـن‪ .‬يدعـم ذلـك أجـواء مـن الـود والتفاهـم الشـخصي بين‬ ‫الزعيمين بوتين وشـي جين بينـج‪ ،‬وألول مـرة يف تاريـخ الصين منـح‬ ‫شـي الرئيـس بوتين وسـام الصداقـة عـام ‪2018‬م‪ ،‬الـذي يعـد أرفـع‬ ‫وسـام دولـة ُينـح للشـخصيات األجنبيـة يف الصين‪ ،‬وذلـك تقديـراً‬ ‫لشـخصه ودوره يف النقلـة النوعيـة التـي شـهدتها الشـراكة بينهمـا‪،‬‬ ‫وهـو مـا أكـده شـى بقولـه‪" :‬إن الرئيـس بوتني صديقنـا األول‪ ،‬ويحظى‬ ‫باحتـرام الشـعب الصينـي ويقـدم إسـهاما رائعـا يف تطويـر العالقـات‬ ‫الصينيـة ‪ /‬الروسـية وتعزيـز الصداقـة بين شـعبينا"‪ .‬وعكـس مشـهد‬ ‫بوتين وشـي وهمـا يسـتقالن قطـا ًرا كهربائ ًيـا سـري ًعا مـن بكين إلـى‬ ‫مدينـة تياجنين تتجـاوز سـرعته ‪ 300‬كـم يف السـاعة‪ ،‬واقع ومسـتقبل‬ ‫الشـراكة الصينيـة الروسـية والتـي انطلقـت هـي األخـرى بالسـرعة‬ ‫القصـوى نحـو املسـتقبل‪.‬‬ ‫إن النظـام الدولـي متعـدد القـوى أصبـح واق ًعـا ال يخطئه أي محلل أو‬ ‫باحـث‪ ،‬وجنـح الصعـود الالفـت حملـور الصين ‪ /‬روسـيا الشـرقي يف‬ ‫تشـكيل خريطـة جديـدة لتوازنـات القـوى الدوليـة‪ ،‬وبقـدر مـا يفـرض‬ ‫هـذا حتديـات لبعـض الـدول‪ ،‬فإنـه يتيـح فرصـاً ألخـرى‪ .‬وكمـا يقـوم‬ ‫هـذا احملـور علـى املصالـح املتبادلـة فـإن املصالـح هـى البوصلـة التـى‬ ‫حتكـم حركتـه ومواقفـه وعالقاتـه مـع مختلـف الـدول‪ ،‬فهـو محـور‬ ‫برجماتـى يسـعى لتحقيـق مصاحلـه وضمـان أمنـه ليـس علـى حسـاب‬ ‫اآلخريـن ولكـن باملشـاركة معهـم‪ .‬إن ك ً‬ ‫ال مـن الصين وروسـيا تنطلـق‬ ‫مـن مبـدأ "الـكل رابـح ‪ ،"win win‬والتنميـة للجميـع‪ ،‬وإن األمـن كل‬ ‫ال يتجـزأ‪ ،‬وإن السـبيل الوحيـد لضمـان النمـو االقتصـادي واحلفـاظ‬ ‫علـى األمـن واالسـتقرار هـو يف بنـاء الشـراكات االقتصاديـة واألمنيـة‬ ‫القائمـة علـى املصالـح املتبادلـة واالحتـرام للخصوصيـات الثقافيـة‬ ‫والتنمويـة والسياسـية‪ ،‬ودون إملاءات أو شـروط‪.‬‬ ‫وترتبـط دول اخلليـج‪ ،‬السـيما اململكـة العربيـة السـعودية واإلمـارات‪،‬‬ ‫بعالقـات اسـتراتيجية مـع البلديـن وقـام خـادم احلرمين الشـريفني‬ ‫امللـك سـلمان بـن عبـد العزيـز بزيـارة البلديـن عـام ‪2017‬م‪ ،‬وقـام‬ ‫الرئيـس شـي بزيـارة الريـاض يف ‪2016‬م‪ ،‬واإلمـارات عـام ‪2018‬م‪،‬‬ ‫وزار الرئيـس بوتين البلديـن يف ‪2019‬م‪ ،‬كمـا زار صاحـب السـمو‬ ‫امللكـي األميـر محمـد بـن سـلمان ولـي العهـد نائـب رئيـس الـوزراء‬ ‫ووزيـر الدفـاع البلديـن وذلـك يف تأكيـد علـى سـعي اململكـة علـى‬

‫حتقيـق التـوازن يف عالقاتهـا اخلارجيـة واالسـتفادة مـن الفـرص‬ ‫املتاحـة لـدى البلديـن يف دفـع خطـط التنميـة ورؤيـة اململكـة ‪.2030‬‬ ‫وتكـررت زيـارات الشـيخ محمـد بـن زايـد آل نهيـان‪ ،‬ولـي عهـد أبـو‬ ‫ظبـي‪ ،‬نائـب القائـد األعلـى للقـوات املسـلحة‪ ،‬إلـى روسـيا والصين‪،‬‬ ‫وكانـت زيارتـه لألخيـرة يف يوليـو ‪2019‬م‪ ،‬الرابعـة منـذ عـام ‪2009‬م‪،‬‬ ‫وكذلـك احلـال بالنسـبة لباقـي دول اخلليـج التـي تبـدي اهتمامـاً‬ ‫ملحوظـاً يف السـنوات األخيـرة بتطويـر العالقـات مـع الصني وروسـيا‬ ‫علـى النحـو الـذي يدعـم خططهـا التنمويـة وأمنهـا‪.‬‬ ‫إن الصين شـريك اقتصـادي رئيسـي للخليج وتعتبـر إمدادات الطاقة‬ ‫مـن أهـم ركائـز العالقـات االقتصادية بني بكين والرياض حيث تعتبر‬ ‫األخيـرة أكبـر مصـدر للنفـط اخلـام إلـى الصين وشـريك رئيسـي يف‬ ‫مشـروع "احلـزام والطريـق"‪ ،‬فاململكـة ومنطقـة اخلليـج حلقة وصل ال‬ ‫غنـى عنهـا لنجـاح املشـروع الصينـي العمالق‪ .‬وكذلك احلال بالنسـبة‬ ‫ملوسـكو التـي تـرى يف التنسـيق مـع الريـاض بشـأن أسـعار النفـط يف‬ ‫إطـار صيغـة "أوبـك ‪ "+‬دعامـة أساسـية لألمـن القومـي الروسـي‪،‬‬ ‫وتتطلـع لشـراكات اقتصاديـة واسـتثمارية أوسـع معهـا‪ ،‬وهنـاك مـدى‬ ‫واسـع مـن الفـرص املتاحـة لتطويـر التعـاون االقتصـادى والتقنـى بين‬ ‫اخلليـج والبلديـن‪ .‬وأكـد وزيـر اخلارجيـة الصينـي واجن يي خالل لقاء‬ ‫نظيـره السـعودي األميـر فيصـل بـن فرحـان علـى هامـش مشـاركتهما‬ ‫يف املؤمتـر الدولـي آلسـيا الوسـطى وجنـوب آسـيا الـذي عقـد يف‬ ‫أوزبكسـتان يف ‪ 17‬يوليـو ‪2021‬م‪ ،‬أن بلاده تولـي اهتما ًمـا كبيـ ًرا‬ ‫بالشـراكة االسـتراتيجية الشـاملة مـع السـعودية‪ ،‬مؤكـدًا أن الصين‬ ‫تدعـم بقـوة اململكـة العربيـة السـعودية يف حمايـة سـيادتها وأمنهـا‪،‬‬ ‫وأن الصني سـتواصل تقدمي املسـاعدة للسـعودية يف مكافحة كورونا‪،‬‬ ‫ودعـم رؤيـة السـعودية ‪ ،2030‬ومبادرتـي "السـعودية اخلضـراء"‬ ‫و"الشـرق األوسـط األخضـر"‪ ،‬وتعزيـز التعـاون بين الصين واململكـة‬ ‫العربيـة السـعودية يف مجـاالت مثـل الطاقـة واالسـتثمار والتمويـل‪.‬‬ ‫وال تقـل الفـرص املتاحـة علـى الصعيـد االسـتراتيجي أهميـة حيـث‬ ‫تنطلـق بكين وموسـكو مـن رؤيـة تقـوم علـى أنهمـا خـارج أي حتالفـات‬ ‫يف املنطقـة واحلـرص علـى دعـم االسـتقرار واألمن يف اخلليج العربي‬ ‫وبنـاء شـراكات جـادة ومتوازنـة مـع الـدول العربيـة وغيـر العربيـة‬ ‫يف املنطقـة‪ .‬ورغـم أن ك ً‬ ‫ال مـن الصين وروسـيا تعـد مـن الشـركاء‬ ‫االسـتراتيجيني لطهـران فإنهمـا ال تقلان حرصـاً علـى حتجيـم‬ ‫القـدرات النوويـة اإليرانيـة وقصرهـا علـى االسـتخدامات السـلمية‪،‬‬ ‫وتـرى يف االتفـاق النـووي اإليرانـي آليـة هامـة لذلـك‪ ،‬وميكـن أن‬ ‫يكـون البلـدان قنـاة للتواصـل مـع طهـران والدفـع نحـو ترتيبـات بنـاء‬

‫‪84‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫النظــام الــدويل متعــدد القــوى أصبــح واق ًعــا ونجــح الصعــود الالفــت‬ ‫لمحــور الصيــن ‪ /‬روســيا يف تشــكيل خريطة جديــدة لتوازنات القــوى الدولية‬ ‫بالتـوازن االسـتراتيجي يف تلـك املنطقـة‪ ،‬والـذي بـدأ مييـل تدريجيـاً‬ ‫لصالـح الصين وروسـيا‪ ،‬وتعـد املنـاورات مؤشـ ًرا علـى ذلـك ورسـالة‬ ‫هامـة للواليـات املتحـدة التـى طاملـا كان لهـا النفـوذ األكثـر تأثيـراً يف‬ ‫املنطقـة بالنظـر للحضـور العسـكري األمريكـي الضخـم يف اليابـان‬ ‫وكوريـا اجلنوبيـة واحمليـط الهـادي عامـة‪ ،‬وكـون طوكيـو وسـيول‬ ‫والعديـد مـن دول املنطقـة حليـف اسـتراتيجى لواشـنطن‪.‬‬ ‫وال ميكـن جتاهـل التصعيـد األمريكـي إزاء البلديـن كعامـل يف دفـع‬ ‫التنسـيق االسـتراتيجي بينهمـا‪ ،‬ففـي خطابـه الـذي ألقـاه بـوزارة‬ ‫اخلارجيـة األمريكيـة‪ ،‬يـوم ‪ 4‬فبرايـر‪ ،‬شـدد بايـدن علـى مـا متثلـه‬ ‫روسـيا ومعهـا الصين مـن حتـدى وتهديـد للواليـات املتحـدة‪ ،‬ويف ‪26‬‬ ‫يوليـو اعتبـرت وزارة الدفـاع األمريكيـة أن اخلطـر الرئيسـي للواليات‬ ‫املتحـدة علـى املـدى الطويـل يكمـن يف الصين‪ ،‬وعلـى املـدى القصيـر‬ ‫متثلـه روسـيا‪ .‬فقـد حـذرت القيـادة االسـتراتيجية األمريكيـة التـي‬ ‫تشـرف علـى الترسـانة النوويـة يف ‪ 28‬يوليـو ‪2021‬م‪ ،‬مـن توسـع كبيـر‬ ‫يف حقـول صوامـع الصواريـخ النوويـة الصينيـة‪ ،‬وأن لـدى الصني وفق‬ ‫بعـض التقديـرات مـا يقـرب مـن ‪ 250‬صومعـة صواريـخ حتـت األرض‬ ‫قيـد اإلنشـاء‪ ،‬ويشـكل هـذا أكبـر بنـاء لصوامـع منـذ إنشـاء صوامـع‬ ‫الصواريـخ األمريكيـة والسـوفيتية خلال احلـرب البـاردة‪ ،‬ويعنـي أن‬ ‫بكين تخلـت جذر ًيـا عـن اسـتراتيجيتها املسـتمرة منـذ عقـود واملبنيـة‬ ‫على "احلد األدنى من الردع"‪ .‬ويف مارس ‪ 2021‬م‪ ،‬صنفت واشـنطن‬ ‫‪ 5‬شـركات صينيـة علـى أنهـا "تهديـد لألمـن القومـي" بينهـا "هـواوي"‪.‬‬ ‫كمـا مت اتهـام موسـكو وبكين بنشـر األقمـار الصناعيـة يف مـدارات‬ ‫"قريبـة جـدًا" مـن أقمـار اآلخريـن جلمـع املعلومـات االسـتخبارية‬ ‫وتطويـر تكنولوجيـات مضـادة لألقمـار الصناعيـة مبـا يف ذلـك‬ ‫"أسـلحة الليـزر التـي تسـبب العمـى" لألجهـزة الفضائيـة األخـرى‪،‬‬ ‫وآليـات " تنفيـذ التشـويش اإللكترونـي املتعمـد"‪ ،‬ممـا يشـير لتعـدد‬ ‫أبعـاد التنافـس واملواجهـة بين اجلانبين‪.‬‬ ‫وتعتبـر كل مـن موسـكو وبكين السياسـة األمريكيـة "العدائيـة" أبـرز‬ ‫التهديـدات والتحديـات املشـتركة التـى تواجههمـا معـاً‪ ،‬وتعتبـر ك ً‬ ‫ال‬ ‫منهمـا ظهيـ ًرا وعم ًقـا اسـتراتيج ًيا لألخـر‪ ،‬وتعملان علـى االنتقـال‬ ‫لنظـام دولـى متعـدد القـوى متثـل أوراسـيا مركـز ثقل وقائـدًا فيه على‬ ‫الصعيديـن االقتصـادى واالسـتراتيجى‪ .‬فعلـى الصعيـد االقتصـادي‪،‬‬ ‫أطلـق البلـدان "بنـك بريكـس" للتنميـة وتعملان علـى إنشـاء أنظمـة‬ ‫مصرفيـة وماليـة مسـتقلة عـن نظـام "سـويفت" الدولـي للخدمـات‬ ‫املصرفيـة الـذي تهيمـن عليـه الواليـات املتحـدة‪ .‬يتزامـن ذلـك مـع‬ ‫سـعيهما لفـك االرتبـاط بالـدوالر‪ ،‬وقـد أطلقـت الصين بورصـة‬

‫عامليـة يف شـنغهاي للطاقـة يتـم تـداول عقـود النفـط فيهـا بالعملـة‬ ‫الصينيـة يف خطـوة وصفـت بضربـة قوية للـ"بترودوالر"‪ .‬وأظهر مسـح‬ ‫"املسـتثمر احلكومي العاملي" الصادر عن "منتدى املؤسسـات النقدية‬ ‫واملالية الرسـمية"‪ ،‬وهو مؤسسـة فكرية مسـتقلة تنشـط يف بريطانيا‬ ‫والواليـات املتحـدة‪ ،‬يف يوليـو ‪ 2021‬أن اليـوان قد يصبح عملة عاملية‪،‬‬ ‫حيـث تخطـط نحـو ‪ 30%‬مـن املصـارف املركزيـة يف العالـم لزيـادة‬ ‫احتياطياتهـا مـن العملـة الصينيـة علـى مـدى العامين القادمين‪،‬‬ ‫وتبلـغ حصـة اليـوان ‪ 10%‬مـن احتياطيـات النقـد األجنبي للمصارف‬ ‫املركزيـة‪ .‬كمـا تتخـذ روسـيا خطـوات جـادة للتخلـي التـام عـن الدوالر‬ ‫يف التعاملات التجاريـة‪ ،‬والتحـول السـريع نحـو اسـتخدام العملات‬ ‫الوطنيـة والعملات األجنبيـة األخـرى غيـر الـدوالر يف تعامالتهـا‬ ‫التجاريـة مـع الشـرق األوسـط وجنـوب شـرق آسـيا وأمريـكا الالتينية‬ ‫وإفريقيا‪ ،‬وأعلنت شـركة "روس أوبورون إكسـبورت" التي تدير معظم‬ ‫صـادرات األسـلحة الروسـية‪ ،‬أنهـا تخلـت عـن الـدوالر األمريكـي يف‬ ‫صفقـات األسـلحة واملعـدات العسـكرية‪ .‬وال شـك أن حلحلـة وضـع‬ ‫الـدوالر كعملـة عامليـة مهيمنة سـتؤثر حتماً علـى االقتصاد األمريكى‪،‬‬ ‫وتفقـد واشـنطن أداة هامـة للتأثيـر الدولـى‪ ،‬وتعـد مؤشـ ًرا قو ًيـا علـى‬ ‫التحـول باجتـاه نظـام اقتصـادي عاملـي جديـد‪.‬‬ ‫علـى الصعيـد االسـتراتيجى‪ ،‬تتطابـق املواقف الصينية والروسـية من‬ ‫القضايـا الدوليـة واإلقليميـة املختلفـة ويأتـي يف مقدمـة ذلـك سـوريا‬ ‫ومكافحـة اإلرهـاب الـذي يشـهد تعاو ًنـا واسـع النطـاق بين بكين‬ ‫وموسـكو علـى املسـتوى الثنائـي ويف إطـار منظمـة شـنغهاي‪ ،‬وكذلـك‬ ‫احلـال فيمـا يتعلـق بالتطـورات يف أفغانسـتان‪ ،‬إلـى جانـب احملـاوالت‬ ‫األمريكيـة إلعـادة التمركـز يف دول آسـيا الوسـطى‪ .‬ويف هـذا السـياق‬ ‫ُعقـد مؤمتـر طشـقند حـول آسـيا الوسـطى واجلنوبيـة يف ‪ 16‬يوليـو‬ ‫للتنسـيق بشـأن إجـراءات ضمـان األمـن اإلقليمـي يف املنطقـة‪ ،‬والـذي‬ ‫أكـد خاللـه وزيـر اخلارجيـة الروسـى سـيرجى الفـروف إن العالقـات‬ ‫الروسـية ‪ /‬الصينيـة عنـد أعلـى مسـتوى لهـا يف التاريـخ‪ .‬وتدعـم‬ ‫الصين روسـيا يف امللـف األوكرانـي ويف املقابـل تدعـم روسـيا الصين‬ ‫يف قضيـة بحـر الصين اجلنوبـي‪ .‬كمـا كان هنـاك تعاو ًنـا ودع ًمـا‬ ‫متبـادالً بين البلديـن خلال أزمـة كورونـا ملواجهـة الوبـاء وتطويـر‬ ‫اللقاحـات املضـادة لـه وإجـراء اختبـارات مشـتركة لهـذا الغـرض‪.‬‬ ‫إن تزامـن التصعيـد يف املواجهـة بين واشـنطن وبكني على الصعيدين‬ ‫االقتصـادي واالسـتراتيجي حـول مـدى واسـع مـن القضايـا الثنائيـة‬ ‫واإلقليميـة والدوليـة‪ ،‬مـع التدهـور غيـر املسـبوق يف العالقـات‬ ‫األمريكيـة ‪ /‬الروسـية وضـع موسـكو وبكين يف خنـدق واحـد‪ ،‬إال أن‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪83‬‬

‫ملف العدد‬

‫تنفيذ ‪ 30‬مشرو ًعا روس ًيا ‪ /‬صين ًيا مشتر ًكا بعضها يف روسيا ومنها الشرق‬ ‫األقصــى الروســي الــذى يمثــل فضــا ًء رحبـاً للتعــاون واالســتثمار المشــترك‬ ‫التجاريـة بين بكين وواشـنطن آفا ًقـا جديـدة لالقتصـاد الروسـي‬ ‫حيـث تفتـح أسـوا ًقا جديـدة للصـادرات الزراعية الروسـية ومنها فول‬ ‫الصويـا وغيرهـا للصين‪.‬‬ ‫وعلـى الصعيـد التقنـي النوعـي أطلـق الرئيسـان الصينـي شـي وبوتني‬ ‫يف ‪ 19‬مايـو ‪2021‬م‪ ،‬عبـر جسـر تلفزيونـي عمليـات البـدء يف بنـاء‬ ‫الوحـدات النوويـة اجلديـدة يف محطتـي تيانـوان وشـوداباو‪ ،‬وكان‬ ‫البلـدان قـد وقعـا يف يونيـو ‪2018‬م‪ ،‬حزمـة اتفاقـات مهمـة يف املجـال‬ ‫النـووي‪ ،‬تعـد األكبـر يف تاريـخ تعاون البلدين يف مجال االسـتخدامات‬ ‫السـلمية للطاقـة الذريـة‪ ،‬وتتضمـن مشـاريع قائمـة علـى التكنولوجيـا‬ ‫املتطـورة ال نظيـر لهـا يف الصناعـة النوويـة العامليـة‪ ،‬ليؤكـد البلـدان‬ ‫قيادتهما يف املجال‪ ،‬تشـمل قيام شـركة "روس أتوم" الروسـية للطاقة‬ ‫النوويـة ببنـاء أربـع مفاعلات نوويـة يف الصين تبلـغ قـدرة كل منهـا‬ ‫‪ 1200‬ميجـاوات‪ ،‬اثنـان منهـا يف محطـة تيانـوان النوويـة‪ ،‬واثنـان يف‬ ‫محطـة شـوداباو‪ ،‬ومـن املقـرر تشـغيل الوحـدات األربـع خلال عامـي‬ ‫‪2027/2028‬م‪.‬‬ ‫أمـا املرتكـز الثانـي فيتمثـل يف التعـاون العسـكري بين البلديـن الـذي‬ ‫اقتـرب كثيـراً مـن مسـتوى التحالـف االسـتراتيجى بينهمـا‪ .‬ومـن‬ ‫املعـروف أن منظومـات التسـلح يف روسـيا والصين متقاربـة‪ ،‬وكانـت‬ ‫الصني منذ عقدين متثل السـوق الرئيسـى للسلاح الروسـى وتسـتأثر‬ ‫وحدها مبا يزيد عن ‪ 50%‬من إجمالى مبيعات األسـلحة الروسـية‬ ‫بعائـد تـراوح بين ‪ 1‬إلـى ‪ 5,1‬مليـار دوالر سـنوياً‪ ،‬هـذا إلـى جانـب‬

‫تدريـب الضبـاط الصينيين يف املعاهـد واألكادمييـات العسـكرية‬ ‫الروسـية‪ .‬ومـع تطـور الصناعـات العسـكرية يف الصين تراجعـت‬ ‫وارداتهـا مـن األسـلحة الروسـية واقتصـرت علـى منظومـات نوعيـة‬ ‫عاليـة التقنيـة‪ ،‬مثـل مقاتالت "سـو‪ "-35‬الروسـية‪ ،‬ومنظومة صواريخ‬ ‫"إس‪ "-400‬الروسـية التـى تسـلمتها الصين عـام ‪ ،2018‬لتكـون بكين‬ ‫أول مـن يحصـل عليهـا‪ ،‬األمـر الـذي يزعـج واشـنطن وتعتبـره تهديـداً‬ ‫"للسـيطرة اجلويـة األمريكيـة" يف منطقـة شـرق آسـيا رغـم كونهـا‬ ‫منظومـات دفاعيـة‪.‬‬ ‫كمـا تعـد املنـاورات املشـتركة أحـد أبـرز محـاور هـذا التعـاون‬ ‫االسـتراتيجى‪ ،‬ومـن أهمهـا "مهمـة السلام" ملكافحـة اإلرهـاب التـى‬ ‫جتريها سـنوياً مع باقى دول منظمة شـنجهاى التى تضم البلدين إلى‬ ‫جانـب الهنـد وباكسـتان وأربعـة مـن دول آسـيا الوسـطى‪ ،‬واملنـاورات‬ ‫اجلويـة املشـتركة بعيـدة املـدى التـى أُجريـت للمرة األولـى بني القوات‬ ‫اجلويـة التابعـة جليـش التحريـر الشـعبي الصينـي والقـوات اجلويـة‬ ‫الروسـية يف ‪ 23‬يوليـو ‪2019‬م‪ ،‬فـوق بحـر اليابـان وبحـر الصين‬ ‫الشـرقي باحمليـط الهـادى‪ ،‬و"التعـاون البحـري‪ ،"-2019‬التـى أجريـت‬ ‫للمـرة األولـى أيضـاً يف مايـو مـن نفـس العـام يف احمليـط الهـادى علـى‬ ‫السـاحل الشـرقى للصين‪ ،‬وكان أخرهـا "التعـاون ‪ "-2021‬منتصـف‬ ‫أغسـطس وشـارك فيهـا ‪ 13‬ألـف مـن قـوات اجليشين الروسـي‬ ‫والصينـي يف منطقـة نينجشـيا الصينيـة‪ .‬ولهـذا التركيـز الروسـي ‪/‬‬ ‫الصينـي علـى منطقـة شـرق آسـيا واحمليـط الهادى داللتـه فيما يتعلق‬

‫‪82‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫لدى الصين ما يقرب من ‪ 250‬صومعة صواريخ تحت األرض قيد اإلنشاء‬

‫الصين وروسيا ‪ ..‬محور الشرق الصاعد‬ ‫منــذ التســعينات وعلــى مــدى مــا يقــرب مــن ثالثــة عقــود شــهدت العالقــات بــن بكــن وموســكو قفــزات نوعيــة واضحــة‬ ‫وتفاهمــات عميقــة املــدى يدعمهــا تعــاون متنامــى يف مختلــف املجــاالت‪ ،‬ممــا يؤشــر لتحالــف اســتراتيجى مســتقر ومتعــدد‬ ‫األبعــاد واملرتكــزات بــن البلديــن‪ .‬ولعــل أولــى هــذه املرتكــزات هــو االعتمــاد املتبــادل والتعــاون يف مجــال الطاقــة‪ ،‬فالصــن‬ ‫أكبــر مســتورد للطاقــة يف العالــم وروســيا ثانــي أكبــر مصدريهــا‪ ،‬وقــد كان إطــاق خــط "قــوة ســيبيريا" يف ‪ 2‬ديســمبر ‪2019‬م‪،‬‬ ‫منعطف ـاً هام ـاً "أرتقــى بالعالقــات الصينيــة الروســية إلــى مســتوى جديــد" علــى حــد تعبيــر الرئيــس الروســى فالدمييــر‬ ‫بوتــن وكفــل شــراكة متناميــة بــن البلديــن لثالثــة عقــود قادمــة‪ .‬وكانــت شــركة "غازبــروم" الروســية قــد وقعــت عــام ‪2014‬م‪،‬‬ ‫مــع شــركة "ســي‪ .‬إن‪ .‬بــي‪ .‬إس" الصينيــة أكبــر اتفاقيــة يف تاريــخ جتــارة الغــاز عاملي ـاً‪ ،‬أُطلــق عليهــا "صفقــة القــرن" بــن‬ ‫البلديــن‪ ،‬وتقضــي بتوريــد ‪ 38‬مليــار متــر مكعــب ســنو ًيا مــن الغــاز الروســي للصــن بقيمــة ‪ 400‬مليــار دوالر خــال ‪ 30‬عا ًمــا‪،‬‬ ‫وذلــك عبــر خطــوط نقــل مباشــرة مــن ســيبيريا أهمهــا خــط أنابيــب "قــوة ســيبيريا"‪ ،‬الــذي يبلــغ إجمالــي طولــه حوالــي ‪4‬‬ ‫آالف كيلومتــرا إلــى جانــب إنشــاء مســتودعات لتخزيــن الغــاز يف الصــن‪.‬‬

‫د‪ .‬نورهان الشيخ‬

‫يأتـي هـذا يف إطـار تعـاون اقتصادي وتقني متسـارع الوتيرة بني بكني‬ ‫وموسـكو‪ ،‬فخلال عـام ‪2020‬م‪ ،‬ورغـم أزمـة كورونـا التـي اعتصـرت‬ ‫العالـم إنسـانياً واقتصاديـاً‪ ،‬متكـن البلـدان‪ ،‬وفـق تصريـح الرئيـس‬ ‫بوتين خلال اجتماعـه مـع رؤسـاء وكاالت األنبـاء العامليـة يف ‪ 4‬يونيـو‬ ‫‪2021‬م‪ ،‬علـى هامـش منتـدى بطرسـبورج االقتصـادي الدولـي‪ ،‬مـن‬ ‫احلفاظ على التبادل التجارى بينهما عند مسـتوى ‪ 100‬مليار دوالر‪،‬‬ ‫وهـو رقـم قياسـي يف تاريـخ العالقـات بينهمـا وعامليـاً‪ ،‬خاصـة مـع‬ ‫اسـتخدام العملات الوطنيـة‪ ،‬الروبـل واليـوان‪ ،‬يف التعاملات بينهمـا‬ ‫وعبـر البنـوك املشـتركة‪ .‬ويسـعى البلـدان إلـى الوصـول بـه إلـى ‪200‬‬ ‫مليـار دوالر بحلـول عـام ‪2024‬م‪ ،‬ويعـادل هـذا حجم التبادل التجارى‬ ‫بين الصين والقـارة اإلفريقيـة كلهـا تقريبـاً‪.‬‬ ‫كمـا يجمـع البلديـن كيـان اقتصـادي مشـترك يتمثـل يف مجموعـة‬ ‫"بريكـس"‪ ،‬إلـى جانـب الهنـد والبرازيـل وجنـوب إفريقيـا‪ ،‬ومت‬ ‫االتفـاق علـى ربـط مشـروع "احلـزام والطريـق" الـذي تقـوده بكين‪،‬‬

‫واالحتـاد االقتصـادى األوراسـي الـذى تقـوده روسـيا لتعميق الشـراكة‬ ‫االقتصاديـة بينهمـا‪ ،‬وميثـل األخيـر فضـا ًء جتار ًيـا واسـتثمار ًيا ها ًمـا‬ ‫وداع ًمـا للصين يف مواجهـة احلـرب التجاريـة األمريكية كما إنه معبر‬ ‫رئيسـي يف مشـروع احلـزام والطريـق‪ .‬ويحـرص الرئيـس الصينـى‬ ‫شـى جين بينـج بصحبـة أضخـم الوفـود مـن املسـؤولني ورجـال‬ ‫املـال واألعمـال علـى املشـاركة يف "املنتـدى االقتصـادي الشـرقي"‬ ‫الـذى تنظمـه روسـيا سـنوياً منـذ عـام ‪2015‬م‪ ،‬لتطويـر االسـتثمارات‬ ‫املشـتركة والتعـاون يف منطقـة الشـرق األقصـى الروسـي‪ ،‬وتشـهد‬ ‫االسـتثمارات املشـتركة بين البلديـن منـواً ملحوظـاً ويتـم تنفيـذ أكثـر‬ ‫مشـروعا مشـتر ًكا يف املجـاالت املختلفـة بعضهـا يف األقاليـم‬ ‫مـن ‪30‬‬ ‫ً‬ ‫الروسـية ومنهـا الشـرق األقصـى الروسـي الـذى ميثـل فضـا ًء رحبـاً‬ ‫للتعـاون واالسـتثمار املشـترك بينهمـا‪ ،‬مـن أبرزهـا إنشـاء ممـر للنقـل‬ ‫يتضمـن خطـوط بريـة وبحريـة لتسـهيل التنقـل بين البلديـن‪ ،‬وتطويـر‬ ‫البنـى التحتيـة احلدوديـة بينهمـا‪ .‬مـن ناحيـة أخـرى‪ ،‬تتيـح احلـرب‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪81‬‬

‫ملف العدد‬

‫خط ــر األنم ــاط الجدي ــدة م ــن الح ــرب س ــيزيد م ــن تعقي ــد تحدي ــات‬ ‫ال ــردع والقت ــال والدف ــاع والح ــد م ــن الس ــاح‬

‫الواليــات املتحــدة يف املنطقــة وال تــزال تــرى الواليــات املتحــدة العبـاً‬ ‫إقليم ًّيــا أقــل موثوقيــة‪ .‬كذلــك أدت تداعيــات فيــروس كورونــا إلــى‬ ‫تســريع اجلــدل يف دول مجلــس التعــاون اخلليجــي حــول تَبَ ِّنــي سياســة‬ ‫التحــوط االســتراتيجي يف عالقاتهــا مــع الصــن والواليــات املتحــدة‪.‬‬ ‫ميكــن لصعــود الصــن وعالقاتهــا االقتصاديــة والتجاريــة املتناميــة‬ ‫مــع املنطقــة أن تقــدم لــدول اخلليــج فرصــة ملمارســة الضغــط علــى‬ ‫الواليــات املتحــدة إلظهــار التــزام أكثــر جوهريــة بأمنهــا واســتقرار‬ ‫أنظمتهــا وأجنداتهــا اإلقليميــة‪ .‬علــى الرغــم مــن أن الصــن والواليات‬ ‫املتحــدة قــد تتفقــان علــى بعــض املبــادئ اإلقليميــة األساســية – ويف‬ ‫مقدمتهــا االســتقرار وحريــة املالحــة ‪ -‬إال أنــه مــن املتوقــع أن تشــتد‬ ‫املنافســة يف اخلليــج‪ .‬ويرجــع ذلــك إلــى تنامــي مركزيــة املجــال‬ ‫التكنولوجــي يف العالقــات بــن دول مجلــس التعــاون اخلليجــي‬ ‫والصــن‪ .‬باإلضافــة إلــى ذلــك‪ ،‬فــإن االنتشــار الهائــل ملصالــح الصــن‬ ‫ســيضيف حتم ـاً ُم ْدخــات أمن َّيــة لــدور الصــن يف املنطقــة‪ .‬لذلــك‪،‬‬ ‫مــن املتوقــع أن تــرى دول اخلليــج سياســة تشــبه عمــل التــوازن لتكــون‬ ‫قــادرة علــى التنقــل بأمــان بــن هذيــن العمالقــن‪ .‬هنــاك حتــول أوســع‬ ‫بكثيــر علــى املســتوى العاملــي‪ ،‬حيــث يواجــه النظــام الــذي تقــوده‬ ‫ً‬ ‫ضغوطــا مــن الصــن الصاعــدة‪ .‬كل هــذا يضيــف‬ ‫الواليــات املتحــدة‬ ‫إلــى مجموعــة خطيــرة مــن التحديــات لــدول اخلليــج ويجعلهــا ً‬ ‫أرضــا‬ ‫صعبــة التضاريــس بالنســبة للواليــات املتحــدة والصــن للتنقــل فيهــا‪.‬‬ ‫مالحظات ختامية‬ ‫كانــت الواليــات املتحــدة هــي الضامــن األمنــي الرئيســي للمنطقــة منذ‬ ‫حــرب اخلليــج األولــى يف ‪1991-1990‬م‪ ،‬ويشــهد علــى ذلــك تواجدها‬ ‫العســكري الواســع‪ :‬املقــر اإلقليمــي للقيــادة املركزيــة (قطــر)‪ ،‬ومقــر‬ ‫األســطول اخلامــس (البحريــن)‪ ،‬واحملطــات العســكرية األمريكيــة‬ ‫(اإلمــارات وعمــان والكويــت والعــراق والســعودية)‪ ،‬ممــا يعنــي أن‬ ‫واشــنطن لديهــا نفــوذ سياســي وأمنــي ضخــم يف عواصــم اخلليــج‪.‬‬ ‫بالتزامــن مــع االعتمــاد األمنــي للمنطقــة علــى الواليــات املتحــدة‪،‬‬ ‫بــرزت الصــن كأكبــر مســتورد للنفــط مــن دول اخلليــج‪ .‬يف مايــو‬ ‫‪2020‬م ‪ ،‬صـ َّـدرت الســعودية إلــى الصــن ثلــث ِ‬ ‫نفطهــا‪ ،‬بينمــا صـ َّـدر‬ ‫العــراق إليهــا نصــف ِ‬ ‫نفطــه‪ .‬نظــ ًرا العتمــاد دول مجلــس التعــاون‬ ‫ً‬ ‫اخلليجــي علــى صــادرات النفــط‪ ،‬أصبــح اخلليــج مرتبطــا بشــكل‬ ‫متزايــد بالصــن اقتصاد ًيــا‪ ،‬ال ســيما يف ظــل الوبــاء واالنكمــاش‬ ‫االقتصــادي العاملــي‪.‬‬ ‫مــن احملتمــل أن تكــون دول اخلليــج متــرددة يف أن تكــون جــز ًءا مــن‬ ‫حتالــف تقــو ُده الواليــات املتحــدة ضــد الصــن‪ .‬إلــى جانــب العواقــب‬ ‫االقتصاديــة الواضحــة‪ ،‬فــإن مثــل هــذه اخلطــوة ســتؤثر علــى‬

‫احلســابات االســتراتيجية يف املنطقــة‪ .‬إن اإلميــان بصعــود الصــن‬ ‫النهائــي منتشــر يف اخلليــج‪ ،‬علــى الرغــم مــن تطلعــات الواليــات‬ ‫املتحــدة‪ ،‬وقــد تُعاقِ ــب بكــن الــدول التــي تقــف إلــى جانــب واشــنطن‬ ‫يف محاولــة عرقلــة طريقهــا‪.‬‬ ‫تــدرك دول اخلليــج أنهــا بحاجــة يف النهايــة إلــى تعزيــز اســتقالليتها‬ ‫االســتراتيجية وجتنــب االضطــرار إلــى االنحيــاز ألحــد اجلانبــن‬ ‫يف املنافســة اجليوســتراتيجية طويلــة املــدى بــن الواليــات املتحــدة‬ ‫والصــن‪ .‬حتتــاج دول اخلليــج إلــى التركيــز علــى بنــاء قدراتهــا‬ ‫العســكرية احملليــة حتــى تتمكــن مــن مواجهــة منافســيها ‪ -‬خاصــة‬ ‫إيــران وتركيــا ‪ -‬وتنويــع حتالفاتهــا خــارج الواليــات املتحــدة لتشــمل‬ ‫اململكــة املتحــدة وفرنســا وروســيا والهنــد واليونــان‪ .‬سيســتغرق ذلــك‬ ‫ســنوات عديــدة ومــوارد كبيــرة‪ ،‬لكنــه ســيكون ضــرورة يف مواجهــة‬ ‫الديناميكيــات اجليوسياســية املتغيــرة يف املنطقــة‪.‬‬ ‫تشــعر دول اخلليــج بالقلــق مــن أن احلــرب البــاردة بــن الواليــات‬ ‫املتحــدة والصــن قــد جتبرهــا علــى االختيــار بــن واشــنطن وبكــن‪،‬‬ ‫وال شــك أن كال اخلياريــن ســتكون لــه تداعيــات وخيمــة علــى‬ ‫اســتقرار املنطقــة‪ .‬ويواجــه اخلليــج االختيــار بــن االعتمــاد األمنــي‬ ‫علــى الواليــات املتحــدة واالعتمــاد االقتصــادي علــى الصــن‪ .‬علــى‬ ‫املــدى القصيــر مــن املرجــح أن تتعامــل املنطقــة بســرعة مــع الضغــط‬ ‫األمريكــي علــى احللفــاء حلظــر ‪ Huawei‬بشــكل رســمي أو غيــر‬ ‫رســمي مــن شــبكات ‪ 5G‬اخلاصــة بهــم‪ .‬علــى املــدى الطويــل يجــب‬ ‫علــى دول اخلليــج أن تســعى إلــى اســتقالل ذاتــي اســتراتيجي أكبــر‬ ‫عــن الواليــات املتحــدة وعليهــم شــق طريقهــم بأنفســهم‪.‬‬ ‫متكنــت دول اخلليــج حتــى اآلن مــن اتبــاع سياســة خارجيــة تتســم‬ ‫بالتــوازن الدقيــق‪ ،‬والتحــوط‪ ،‬وإدارة املخاطــر‪ ،‬بتطويــر عالقاتهــا‬ ‫االقتصاديــة مــع الصــن مــع احلفــاظ علــى العالقــات االســتراتيجية‬ ‫مــع الواليــات املتحــدة‪ .‬وقــد تســتغل الصــن الفــرص املســتقبلية‬ ‫لتعزيــز موقفهــا علــى حســاب واشــنطن‪ ،‬وعــدم التقيــد بسياســتها‬ ‫املتوازنــة‪ ،‬إذ إن العالقــات االقتصاديــة بــن الصــن ودول اخلليــج‬ ‫تتجــاوز بكثيــر احتياجــات الطاقــة لبكــن وتشــييد البنيــة التحتيــة‬ ‫الثقيلــة‪ .‬كمــا تتهيــأ الصــن إلــى توســيع مشــاركتها يف مجــاالت‬ ‫التكنولوجيــا‪ ،‬مبــا فيهــا اجليــل اخلامــس والــذكاء االصطناعــي‪ ،‬وهــو‬ ‫مــا يثيــر قلــق الواليــات املتحــدة بشــكل كبيــر‪.‬‬

‫* أكادميي ـــ جمهورية مرص العربية‬

‫‪80‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الصي ــن لديه ــا أكب ــر ق ــوة بحري ــة يف العال ــم قوامه ــا ‪ 350‬س ــفينة‬ ‫وغواص ــة و أكث ــر م ــن ‪ 130‬وح ــدة قتالي ــة بحري ــة‬ ‫وتنزانيــا وأجنــوال وطاجيكســتان‪.‬‬ ‫المواجهة بين واشنطن وبكين‬ ‫ميتــد القلــق بشــأن تأثيــر الصــن علــى األمــن يف اخلليــج ليشــمل‬ ‫عالقــات القــوى العظمــى ممثلــة يف الواليــات املتحــدة والصــن‪.‬‬ ‫هنــاك مــن يتوقعــون نشــوب حــرب مــا عندمــا تهــدد قــوة ناشــئة‬ ‫بإزاحــة قــوة عظمــى قائمــة متلــك الهيمنــة الدوليــة‪ .‬ولكــن ال يوجــد‬ ‫ســبب وجيــه للتكهــن بامتــداد التوتــرات بــن الواليــات املتحــدة‬ ‫والصــن يف اخلليــج‪ .‬حتصــل الصــن علــى ‪ ٪40‬مــن نفطهــا مــن دول‬ ‫اخلليــج وتعتمــد بشــكل متزايــد علــى واردات الغــاز الطبيعــي مــن‬ ‫قطــر‪ .‬أمــا الواليــات املتحــدة فلهــا مــا بــن ‪ 60‬إلــى ‪ 80‬ألــف جنــدي‬ ‫يتمركــزون يف منطقــة اخلليــج وتنشــط يف محــاوالت لعرقلــة النفــوذ‬ ‫اإليرانــي‪ .‬ومــا يلفــت االنتبــاه هــو املســارات املختلفــة للتأثيــر العاملــي‬ ‫الــذي قــد تشــرع فيــه الصــن‪.‬‬ ‫يــرى البعــض أن أمــام الصــن أحــد خياريــن للتحــرك نحــو ”الهيمنــة‬ ‫العامليــة“‪ ،‬أولهمــا يركــز علــى الهيمنــة اإلقليميــة بينمــا يركــز اآلخــر‬ ‫علــى بنــاء نظــام أمنــي واقتصــادي عبــر أوراســيا واحمليــط الهنــدي‪.‬‬ ‫يتطلــب اخليــار اآلخــر حتويــل القــوة االقتصاديــة إلــى تأثيــر سياســي‪،‬‬ ‫وبنــاء االبتــكار والقــدرة علــى تشــكيل املؤسســات الدوليــة الرئيســية‪،‬‬ ‫وقــد أثــار طــرح الشــبكة اخللويــة ‪ 5G‬كجــزء مــن طريــق احلريــر‬ ‫الرقمــي الــذي أُطلِــق يف ‪2015‬م‪ ،‬مخــاوف أمنيــة أمريكيــة و َد َفــ َع‬ ‫الشــراكة االقتصاديــة بــن االحتــاد األوروبــي واليابــان يف ‪2018‬م‪.‬‬ ‫وضوحــا يف نشــر التكنولوجيــا‬ ‫وســتصبح قيــادة الصــن العامليــة أكثــر‬ ‫ً‬ ‫النوويــة بحلــول عــام ‪2030‬م‪ ،‬وســتكون ذات أهميــة كبيــرة ملعاييــر‬ ‫الســامة النوويــة وعــدم االنتشــار يف اخلليــج وخارجــه حيــث أن‬ ‫بعــض الــدول تطلــق برامجهــا اخلاصــة للطاقــة النوويــة املدنيــة‪.‬‬ ‫ونظــ ًرا ألن الشــركات الصينيــة تشــق طريقهــا يف العالــم الرقمــي‬ ‫حيــث توجــد قضايــا حمايــة البيانــات ووضــع املعاييــر‪ ،‬فــإن الواليــات‬ ‫املتحــدة تشــعر بقلــق متزايــد بشــأن اآلثــار املترتبــة علــى لعــب الصــن‬ ‫دو ًرا أكبــر يف اخلليــج‪ ،‬وســيتطلب هــذا مشــاركة دبلوماســية جــادة‬ ‫مــن إدارة بايــدن‪.‬‬ ‫تبشــر إدارة بايــدن بسياســات جديــدة تســتهدف املنطقــة‪ ،‬مبــا يف‬ ‫ذلــك املســاهمة يف التقــارب بــن قطــر وجيرانهــا‪ ،‬والدعــوة إلــى‬ ‫الدبلوماســية مــع إيــران مــع احلفــاظ علــى موقــف حــازم ضــد‬

‫أنشــطتها اإلقليميــة‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬فــإن تعليــق مبيعــات األســلحة‬ ‫األمريكيــة إلــى اململكــة العربيــة الســعودية واإلمــارات العربيــة املتحــدة‬ ‫يف ‪2021‬م‪ ،‬ميكــن أن يدفــع البلديــن اخلليجيــن نحــو الصــن وروســيا‪،‬‬ ‫وبالتالــي فقــدان النفــوذ األمريكــي وزيــادة مســتوى مبيعــات األســلحة‬ ‫الصينيــة إلــى املنطقــة‪ ،‬وإن كان العديــد مــن قــادة اخلليــج ال يزالــون‬ ‫يعتمــدون علــى املظلــة األمنيــة األمريكيــة‪.‬‬ ‫مدى تأثر الدول العربية والخليجية‬ ‫حتافــظ الصــن علــى تــوازن دقيــق بــن األطــراف املتنافســة مييــز‬ ‫عالقاتهــا مــع إيــران مــن جهــة‪ ،‬ودول اخلليــج العربــي مــن جهــة‬ ‫أخــرى‪ .‬وحتــى التوقيــع علــى ”االتفاقيــة االســتراتيجية“ ملــدة ‪25‬‬ ‫عا ًمــا بــن الصــن وإيــران يف مــارس ‪2021‬م‪ ،‬ال يــدل علــى أي تغييــر‬ ‫يف سياســة التــوازن‪ ،‬وهــي تتجنــب أي إعــان صريــح بشــأن سياســاتها‬ ‫اإلقليميــة‪ .‬وعندمــا زار وزيــر اخلارجيــة الصينــي واجن يــي طهــران‬ ‫ووقــع االتفاقيــة‪ ،‬حــرص ً‬ ‫أيضــا علــى زيــارة اململكــة العربيــة الســعودية‬ ‫واإلمــارات العربيــة املتحــدة والبحريــن‪ .‬ويف الريــاض قــدم مبــادرة‬ ‫مــن خمــس نقــاط تشــمل الصــراع اإلســرائيلي الفلســطيني‪ ،‬والقضيــة‬ ‫واقتراحــا‬ ‫النوو َّيــة اإليرانيــة‪ ،‬وتعاون ـاً أوثــق يف مكافحــة كوفيــد‪،19-‬‬ ‫ً‬ ‫إلقامــة آليــة للتعــاون اإلقليمــي برعايــة صينيــة‪.‬‬ ‫طــورت دول مجلــس التعــاون اخلليجــي والصــن عالقــة االعتمــاد‬ ‫املتبــادل للحفــاظ علــى التنميــة االقتصاديــة لــكل األطــراف‪ .‬وفيمــا‬ ‫يتعلــق باألهــداف االســتراتيجية‪ ،‬تشــترك الصــن ومعظــم دول‬ ‫اخلليــج يف الهــدف النهائــي املتمثــل يف حتقيــق االســتقرار يف املنطقــة‪.‬‬ ‫ويعــد املوقــع االســتراتيجي ملنطقــة اخلليــج أمــ ًرا بالــغ األهميــة‬ ‫لربــط مشــاريع البنيــة التحتيــة ملبــادرة احلــزام والطريــق واملمــرات‬ ‫االقتصاديــة يف آســيا بأوروبــا‪ .‬يأتــي مــا يقــرب مــن نصــف واردات‬ ‫الصــن مــن النفــط مــن منطقــة الشــرق األوســط وشــمال إفريقيــا‪.‬‬ ‫لــم تتــرك ثــورة النفــط الصخــري يف الواليــات املتحــدة أي خيــار‬ ‫لــدول مجلــس التعــاون اخلليجــي ســوى النظــر إلــى الشــرق‪ ،‬وهــي‬ ‫ديناميكيــة جديــدة ميكــن اعتبارهــا حتـ ً‬ ‫ـول يف العالقــات االقتصاديــة‬ ‫مــن القــوى الصناعيــة القدميــة إلــى القــوى اجلديــدة‪ .‬لكــن تصاعــد‬ ‫املنافســة االســتراتيجية بــن الصــن والواليــات املتحــدة خلــق مأز ًقــا‬ ‫كبيـ ًرا لــدول اخلليــج‪ .‬يف الوقــت نفســه‪ ،‬أظهــرت دول مجلــس التعــاون‬ ‫اخلليجــي مؤخــ ًرا درجــة متزايــدة مــن اإلحبــاط جتــاه سياســة‬

‫بينم ــا تورط ــت أمري ــكا يف ع ــدة صراع ــات بالمنطق ــة يف العقدي ــن‬ ‫الماضييــن انتهجــت بكيــن وســائل سياســية وعســكرية حديثــة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪79‬‬

‫ملف العدد‬

‫أولويات الشركات الصينية يف الخليج لتطوير البنية التحتية وبرامج‬ ‫الطاق ــة النووي ــة المدني ــة وأنظم ــة التكنولوجي ــا والعالق ــات العس ــكرية‬ ‫يف بعــض احلــاالت‪ ،‬أو أي قــوة عظمــى أخــرى‪ ،‬واعتبــر أن الصــن‬ ‫متثــل تهديــدًا“‪ .‬وحتقي ًقــا لهــذه الغايــة ”حشــدت الصــن املــوارد‬ ‫والتكنولوجيــا واإلرادة السياســية علــى مــدى العقديــن املاضيــن‬ ‫لتقويــة وحتديــث جيــش التحريــر الشــعبي يف جميــع النواحــي‬ ‫تقري ًبــا“‪.‬‬ ‫وذكــر التقريــر أن ”جمهوريــة الصــن الشــعبية لديهــا أكبــر قــوة‬ ‫بحريــة يف العالــم‪ ،‬مــع قــوة قتاليــة إجماليــة قوامهــا حوالــي ‪350‬‬ ‫ســفينة وغواصــة‪ ،‬مبــا يف ذلــك أكثــر مــن ‪ 130‬وحــدة قتاليــة بحريــة‬ ‫رئيســية“‪ .‬هــذا باملقارنــة بالقــوات البحريــة األمريكيــة احلاليــة‬ ‫املك َّونــة مــن ‪ 295‬ســفينة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وأضــاف أن الصــن ”متتلــك أكثــر مــن ‪ 1,250‬صاروخــا باليســت ًّيا‬ ‫تطلــق مــن األرض‪ ،‬وصواريــخ كــروز تُطلــق مــن األرض مبــدى يتــراوح‬ ‫بــن ‪ 500‬و ‪ 5,500‬كيلومتــر“‪ ،‬بينمــا متتلــك الواليــات املتحــدة حال ًيــا‬ ‫نوعــا واحــدًا مــن الصواريــخ الباليســتية التقليديــة مبــدى مــن ‪70‬‬ ‫ً‬ ‫إلــى ‪ 300‬كيلومتــر‪ .‬وتتقــدم الصــن ً‬ ‫أيضــا يف أنظمــة الدفــاع اجلــوي‬ ‫املتكاملــة مبزيــج مــن األنظمــة احملليــة والروســية الصنــع‪.‬‬ ‫”متتلــك الصــن واحــدة مــن أقــوى أنظمــة الصواريــخ ســطح‪ /‬جــو‬ ‫املتقدمــة بعيــدة املــدى يف العالــم“‪ ،‬مبــا يف ذلــك ‪ S-400‬الروســية‬ ‫الصنــع و ‪ S-300‬واألنظمــة املنتَجــة محل ًّيــا‪ ،‬وهــي تشــكل ”جــز ًءا‬ ‫مــن نظــام دفــاع جــوي متكامــل قــوي ومتنــوع“‪ .‬ويقــول مســؤول يف‬ ‫وزارة الدفــاع الصينيــة‪ :‬إنــه علــى الرغــم مــن ذلــك‪ ،‬فــإن جيــش‬

‫التحريــر الشــعبي ”ال يــزال يف موقــع أدنــى مــن الواليــات املتحــدة يف‬ ‫القــوة العســكرية الشــاملة“‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وتنوعــا يف‬ ‫نشــاطا‬ ‫متتلــك الصــن أكثــر برامــج تطويــر الصواريــخ‬ ‫ً‬ ‫العالــم‪ .‬تقــوم الصــن بتحديــث صواريخها البالســتية العابرة للقارات‪،‬‬ ‫وتطـ ّور رؤوس الصواريــخ العائــدة لدخــول الغــاف اجلــوي ‪reentry‬‬ ‫‪ vehicles‬متوجهــة بشــكل مســتقل إلــى أهداف متعــددة‪ ،‬وصواريخ‬ ‫االنــزالق املعــزز التــي تفــوق ســرعتها ســرعة الصــوت‪ .‬تنشــر البحريــة‬ ‫أيضــا أسـ ً‬ ‫الصينيــة ً‬ ‫ـطول جديـدًا مــن غواصــات الصواريــخ الباليســتية‬ ‫النوويــة‪ .‬إن التقــدم الــذي حققتــه الصــن يف أنظمــة االســتخبارات‬ ‫واملراقبــة واالســتطالع (‪ )ISR‬ومنــاورات رؤوس الصواريــخ العائــدة‬ ‫لدخــول الغــاف اجلــوي قــد منحهــا قــدرة ناشــئة علــى مهاجمــة‬ ‫الســفن البحريــة الكبيــرة بصواريــخ باليســتية بعيــدة املــدى‪.‬‬ ‫ومــا يثيــر دهشــة األمريكيــن ذلــك الكــم الهائــل مــن املعــدات‬ ‫العســكرية اجلديــدة جليــش التحريــر الشــعبي‪ ،‬واجلهــود اجلبــارة‬ ‫لقــادة احلــزب الشــيوعي الصينــي‪ ،‬إلعــادة هيكلــة اجليــش بالكامــل‬ ‫ليصبــح قــوة أكثــر مالءمــة للعمليــات املشــتركة‪” ،‬ولتوســيع الوجــود‬ ‫العســكري للصــن يف اخلــارج‪ “.‬أنشــأت الصــن أول قاعــدة عســكرية‬ ‫خارجيــة لهــا يف جيبوتــي‪ ،‬علــى بعــد حوالــي ميــل واحــد مــن القاعــدة‬ ‫الرئيســية للقيــادة األمريكيــة يف إفريقيــا‪ .‬كمــا حــددت مواقــع ملرافــق‬ ‫لوجســتية عســكرية يف ميامنــار وتايالنــد وســنغافورة وإندونيســيا‬ ‫وباكســتان وســريالنكا واإلمــارات العربيــة املتحــدة وكينيــا وسيشــيل‬

‫‪78‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫خــال مبيعــات تكنولوجيــا الــذكاء االصطناعــي إلــى دول اخلليــج‬ ‫التــي تشــير التقديــرات إلــى أن قيمتهــا قــد تصــل إلــى ‪ 320‬مليــار‬ ‫دوالر بحلــول عــام ‪2030‬م‪ ،‬يف املقــام األول إلــى اململكــة العربيــة‬ ‫الســعودية وقطــر والبحريــن واإلمــارات‪ .‬وتســتخدم املــدن الذكيــة‬ ‫(اآلمنــة) تقنيــات الــذكاء االصطناعــي يف التتبــع واملراقبــة ملكافحــة‬ ‫اإلرهــاب وتلبيــة متطلبــات الســامة احلضريــة‪ .‬وبالفعــل دخلــت‬ ‫الطائــرات بــدون طيــار الصينيــة مــن طــرازي‪Wing Loong I,‬‬ ‫‪ II‬ســاحات القتــال يف اليمــن والعــراق وليبيــا‪ .‬وأنتجــت اململكــة‬ ‫العربيــة الســعودية طائــرات بــدون طيــار مــن طــراز ‪ 4-CH‬أُعلــن‬ ‫ض عليهــا بيــع مركبــة جويــة بــدون طيــار‬ ‫عنهــا يف ‪2017‬م‪ ،‬كمــا ُعــرِ َ‬ ‫‪ Blowfish A3‬مــزودة مبدفــع رشــاش ‪.AI‬‬ ‫ضاعفــت الصــن مبيعاتهــا مــن األســلحة إلــى الشــرق األوســط بشــكل‬ ‫عــام‪ ،‬ودول اخلليــج بشــكل خــاص‪ ،‬يف الفتــرة ‪2020-2016‬م‪ ،‬مقارنــة‬ ‫ً‬ ‫منخفضــا‪،‬‬ ‫بالســنوات ‪2015-2011‬م‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬ال يــزال هــذا الرقــم‬ ‫حيــث ميثــل ‪ 7‬يف املائــة فقــط مــن إجمالــي مبيعــات األســلحة‬ ‫الصينيــة‪ .‬يف الوقــت نفســه‪ ،‬يف مايــو ‪2021‬م‪ ،‬ذكــرت صحيفــة ”وول‬ ‫ســتريت جورنــال“ أن وكاالت االســتخبارات األمريكيــة كانــت قلقــة‬ ‫مــن تطــور العالقــات األمنيــة بــن الصــن واإلمــارات‪ ،‬وال ســيما‬ ‫إمكانيــة وصــول الصــن إلــى التكنولوجيــا األمريكيــة املتقدمــة‪ ،‬فيمــا‬ ‫يتعلــق ببيــع الطائــرة ‪F- 35‬إلــى اإلمــارات‪.‬‬ ‫مــع زيــادة اهتمــام الصــن باخلليــج‪ ،‬يبــدو أن واشــنطن لــم تتــردد يف‬ ‫ممارســة الضغــط علــى دول املنطقــة‪ ،‬ألنهــا تــرى أن جوانــب معينــة‬ ‫مــن تعاونهــا مــع الصــن تضــر باألمــن القومــي األمريكــي‪ .‬وتــدرك‬ ‫دول اخلليــج املخــاوف األمريكيــة املتزايــدة بشــأن الصــن وال تريــد‬ ‫الوقــوع يف صــراع بــن القــوى‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬فــإن قــرار واشــنطن بعــدم‬ ‫تزويدهــم ببعــض منتجاتهــا التكنولوجيــة العســكرية قــد يدفعهــم إلــى‬ ‫شــراء مثــل هــذه املك ِّونــات مــن الصــن‪ .‬ومــن جانبهــا أشــارت الصــن‬ ‫إلــى أنهــا تريــد تعاو ًنــا اســتراتيج ًّيا أوثــق مــع دول اخلليــج‪ ،‬وال ســيما‬ ‫اململكــة العربيــة الســعودية واإلمــارات العربيــة املتحــدة‪.‬‬ ‫استراتيجيات المنافسة بين الصين وأمريكا‬ ‫وضعــت الصــن أهدا ًفــا طموحــة لتحقيــق التكافــؤ مــع الواليــات‬ ‫املتحــدة والقــوى األخــرى‪ ،‬بــل وحتقيــق التفــوق االســتراتيجي‪ .‬ومنــذ‬ ‫عــام ‪1980‬م‪ ،‬تزايــدت بشــكل جــذري قــدرة الصــن علــى املنافســة‬ ‫طالــت كل مجــال مدنــي وعســكري تقري ًبــا‪ .‬ولــم تتركــز املنافســة يف‬ ‫منطقــة واحــدة مثــل تايــوان أو بحــر الصــن اجلنوبــي‪ ،‬بــل جتــاوزت‬ ‫آســيا‪ ،‬وبــات كل طــرف يعمــد إلــى تعزيــز قدراتــه علــى التأثيــر والــردع‬ ‫باعتبــار ذلــك أكثــر أهميــة مــن القــدرة علــى القتــال‪ .‬وقــد أصبــح مــن‬ ‫الصعوبــة مبــكان أمــام أي باحــث أن يتنبــأ مبــا ســوف تســير إليــه‬ ‫األمــور خــال العقديــن القادمــن‪ ،‬نظـ ًرا للتســارع يف معــدالت التغييــر‬ ‫يف العديــد مــن املجــاالت الرئيســية للقــوة العســكرية واالقتصــاد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫والسياســة‪ ،‬مبــا يعكــس مــدى تَ َعقُّــدِ املنافســة وتَ َعــ ُّددِ واختــاف‬ ‫أبعادهــا‪.‬‬ ‫ميكــن بلــورة االســتراتيجيات التــي تنتهجهــا كل مــن القــوى الرئيســية‬ ‫لتحقيــق تفوقهــا وتعزيــز مصاحلهــا يف أربعــة مســارات‪ :‬أوالً‪ ،‬توظــف‬ ‫الصــن قدراتهــا السياســية واالقتصاديــة والعســكرية علــى نحــو‬ ‫متكامــل يف ســبيل حتقيــق أهدافهــا‪ ،‬مــع احلــرص علــى جتنــب أيــة‬ ‫حــروب مــع القــوى الكبــرى املنافســة‪.‬‬ ‫ثان ًيــا‪ ،‬تشــهد احلــروب النظاميــة وغيــر النظاميــة طفــرات يف طبيعتها‬ ‫الســرية‪ .‬وال يتوقــف حلظــة مــا تبــوح‬ ‫حتوطهــا مســتويات عاليــة مــن ِّ‬ ‫بــه التكنولوجيــا يف مجــاالت حرجــة مثــل الفضــاء الســيبراني‪،‬‬ ‫واملعلوماتيــة‪ ،‬والروبــوت‪ ،‬واالتصــاالت‪ ،‬والــذكاء االصطناعــي‪،‬‬ ‫واملركبــات غيــر املأهولــة‪ ،‬وغيرهــا‪ .‬وقــد حققــت الصــن جناحــات‬ ‫هائلــة يف تلــك املجــاالت قــد حتســم املنافســة العســكرية علــى مــدى‬ ‫العقــود القادمــة بطــرق ال ميكــن ألحــد اآلن أن يتنبــأ بهــا علــى وجــه‬ ‫اليقــن‪ .‬وإن كانــت قــد شــكلت بالفعــل قــدرة ال يُســتهان بهــا علــى‬ ‫التأثيــر والترهيــب والــردع وحتــى القتــال الفعلــي‪.‬‬ ‫ثال ًثــا‪ ،‬مــع منــو القــوة العســكرية الصينيــة‪ ،‬ركــزت الواليــات املتحــدة‬ ‫حتــى اآلن علــى حتســن قدرتهــا علــى خــوض حــرب كبــرى ضــد‬ ‫الصــن‪ .‬وال تعـ ِّول الواليــات املتحــدة علــى أهميــة قــدرة الصــن علــى‬ ‫اســتخدام قوتهــا االقتصاديــة علــى أســاس عاملــي‪ ،‬وممارســة ضغطهــا‬ ‫املتزايــد علــى دول آســيا الوســطى واحمليــط الهندي‪ ،‬وتنامــي روابطها‬ ‫مــع روســيا‪.‬‬ ‫راب ًعــا‪ ،‬هنــاك فــرق مهــم بــن ”التدميــر املؤ َّكــد املتبــا َدل “‪mutual‬‬ ‫‪ assured destruction‬وبــن ”االرتبــاك والريبــة املؤ َّك َديْــن‬ ‫املتبا َد ْلــن “‪mutual assured confusion and‬‬ ‫‪ .uncertainty‬ويبــدو مــن احملتمــل اآلن أن تُطـ ِ ّـور الصــن قــدرة‬ ‫أكثــر تقد ًمــا علــى التدميــر املؤكــد املتبــا َدل عنــد مســتويات عاليــة‬ ‫مــن الصــراع‪ .‬إن ظهــور الصــن كمنافــس مباشــر للواليــات املتحــدة‬ ‫وكقــوة عســكرية واقتصاديــة أقــوى بكثيــر مــن روســيا‪ ،‬ال يعيــد تعريــف‬ ‫التــوازن النــووي فحســب‪ ،‬بــل إنــه يخلــق َ‬ ‫عالـاً يجــب فيــه تقييــم خطــر‬ ‫التصعيــد النــووي بــن القــوى الكبــرى ممثــا بثــاث دول بــدالً مــن‬ ‫دولتــن‪ .‬كمــا أن خطــر األمنــاط اجلديــدة مــن احلــرب ســيزيد مــن‬ ‫تعقيــد حتديــات الــردع والقتــال والدفــاع واحلــد مــن الســاح‪.‬‬ ‫القدرات العسكرية الصينية واألمريكية يف الميزان‬ ‫أشــار التقريــر الســنوي لــوزارة الدفــاع األمريكيــة يف ‪2020‬م‪،‬‬ ‫إلــى أن جيــش التحريــر الشــعبي الصينــي جتــاوز بالفعــل الواليــات‬ ‫املتحــدة يف تطويــر الصواريــخ وعــدد الســفن احلربيــة وأنظمــة‬ ‫الدفــاع اجلــوي يف إطــار خطــة احلــزب الشــيوعي الصينــي لتحقيــق‬ ‫الهيمنــة بحلــول ‪2049‬م‪ .‬وأن الهــدف النهائــي للصــن هــو ”تطويــر‬ ‫جيــش بحلــول منتصــف القــرن يعــادل اجليــش األمريكــي‪ ،‬أو يفوقــه‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪77‬‬

‫ملف العدد‬

‫سياسة دول الخليج تتسم بالتوازن والتحوط وإدارة المخاطر‬

‫استراتيجيات القوى الكبرى تعزز تفوقها‬ ‫يف أربعة مسارات‬ ‫تعمــل الصــن علــى احلفــاظ علــى عالقــات متوازنــة يف اخلليج‪ ،‬وال تزال الصني تُ َع ُّد الع ًبا أساسـ ًيا يف سياســات وأمن الشــرق‬ ‫األوسط‪ ،‬ولكنها تتجنب التورط املباشر يف مناطق الصراع أو االلتزامات طويلة األجل‪ .‬ويرتبط النشاط الصيني يف الشرق‬ ‫األوســط بالدوافــع االقتصاديــة وأهمهــا احتياجــات الطاقــة‪ ،‬حيــث تســتورد بكــن ‪ 70%‬مــن اســتهالكها النفطــي غالبيتــه مــن‬ ‫اخلليج‪ .‬ومن املتوقع أن تزداد حاجة الصني إلى النفط يف العقود املقبلة‪ ،‬وتنظر الصني إلى اخلليج كسوق محتملة لالستثمار‪،‬‬ ‫ســواء بالنســبة للبنيــة التحتيــة للصناعــات الثقيلــة مثــل املوانــئ والســكك احلديديــة‪ ،‬أو كوجهة للتكنولوجيــا الصينية‪ .‬كما ترى‬ ‫دول اخلليــج ً‬ ‫أيضــا فائــدة يف ربــط مبــادرة احلــزام والطريــق الصينيــة بإصالحاتهــا الهيكليــة‪ ،‬مثــل رؤيــة الســعودية ‪2030‬م‪.‬‬

‫لواء د‪ .‬محمد عالم سيد‬

‫دور الصين يف الخليج‬ ‫يبــدو انخــراط الصــن السياســي يف منطقــة اخلليــج إيجاب ًّيــا يف‬ ‫الغالــب بالنســبة لــدول اخلليــج العربيــة‪ .‬وبحلــول عــام ‪2027‬م ‪،‬مــن‬ ‫املتوقــع أن تبلــغ قيمــة مبــادرة احلــزام والطريــق مــن ‪ 1.2‬إلــى ‪1.3‬‬ ‫تريليــون دوالر مبــا ميكــن أن يســاعد يف تعزيــز التنميــة االقتصاديــة‬ ‫واالســتثمار الداخلــي وخطــط التنويــع يف املنطقــة‪ .‬وتطمــح العديــد‬ ‫مــن دول اخلليــج العربيــة يف حتقيــق أهــداف اإلصــاح االقتصــادي‬ ‫أو ”الرؤيــة“ بحلــول عــام ‪2030‬م‪ .‬وبينمــا كانــت الواليــات املتحــدة‬ ‫متورطــة يف عــدد مــن الصراعــات يف املنطقــة يف العقديــن املاضيــن‪،‬‬ ‫ســعت بكــن إلــى انتهــاج الوســائل السياســية والعســكرية احلديثــة‪.‬‬ ‫ال تــزال هنــاك مخــاوف عبــر عــدد مــن املجــاالت حــول املشــاركة‬ ‫الصينيــة واملبــادرات واألنشــطة االقتصاديــة يف جميــع أنحــاء العالــم‪،‬‬ ‫إذ جــرى اتِّهــام الصــن يف التســبب يف تأثيــرات بيئيــة ســلبية‪ ،‬وتطويــر‬ ‫انبعاثــات عاليــة‪ ،‬وتهميــش املجتمعــات‪ .‬ومــع ذلــك فــإن الشــركات‬ ‫الصينيــة يف منطقــة اخلليــج تختلــف عمــا هــي عليــه يف مناطــق‬ ‫أخــرى مــن العالــم‪ ،‬فهــي تعطــي األولويــة لتطويــر البنيــة التحتيــة‪،‬‬ ‫ودعــم برامــج الطاقــة النوويــة املدنيــة‪ ،‬وإنتــاج أنظمــة التكنولوجيــا‬ ‫مثــل الــذكاء االصطناعــي‪ ،‬وترســيخ العالقــات العســكرية الثنائيــة‬

‫مبــا يف ذلــك تصديــر الطائــرات املســلحة بــدون طيــار‪.‬‬ ‫مــع إطــاق مبــادرة احلــزام والطريــق توثقــت عالقــات الصــن مــع‬ ‫دول اخلليــج‪ ،‬وتوفــرت األســس لتعزيزهــا مبــا أدى يف النهايــة إلــى‬ ‫شــراكات اســتراتيجية شــاملة مــع اجلزائــر ومصــر وإيــران واململكــة‬ ‫العربيــة الســعودية واإلمــارات العربيــة املتحــدة‪ .‬كمــا وقعــت الصــن‬ ‫شــراكات اســتراتيجية مــع قطــر واألردن والعــراق واملغــرب والســودان‬ ‫وجيبوتــي وعمــان والكويــت‪ .‬وشــملت االتفاقيــات بنــو ًدا اقتصاديــة‬ ‫تُســهِ م يف توظيــف دول اخلليــج‪ ،‬وأهدا ًفــا تنمويــة وسياســات خارجيــة‬ ‫أخــرى‪ .‬ويف املؤمتــر الــوزاري الســادس ملنتــدى التعــاون بــن الصــن‬ ‫والــدول العربيــة يف عــام ‪2014‬م‪ ،‬اقتــرح الرئيــس شــي جــن بينــج‬ ‫التعــاون يف مجــاالت‪ :‬الطاقــة ‪ -‬البنــاء والبنيــة التحتيــة والتجــارة‬ ‫واالســتثمار ‪ -‬الطاقــة النوويــة والفضــاء والطاقــة اجلديــدة‪ .‬ويف‬ ‫ـجع علــى زيــادة مبــادرات التعــاون االقتصــادي مــن‬ ‫نفــس االجتمــاع شـ َّ‬ ‫‪ 240‬مليــار دوالر يف ‪2013‬م‪ ،‬إلــى ‪ 600‬مليــار دوالر يف ‪2023‬م‪.‬‬ ‫البــد أن تُســفر مبــادرة احلــزام والطريــق عــن تنويــع الروابــط الدولية‪،‬‬ ‫والســيطرة علــى تقنيــات االتصــاالت اجلديــدة‪ ،‬واالســتفادة مــن‬ ‫فوائــد اإلصالحــات االقتصاديــة‪ .‬ورمبــا يكــون لـــ ”منــوذج صربيــا“‬ ‫الصينــي تأثيــر غيــر مســبوق علــى األمــن القومــي والبشــري‪ ،‬مــن‬

‫‪76‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫وقعت السعودية والصين جملة اتفاقيات يف مجال البتروكيماويات‬ ‫واالستثمار والنقل البحري والنفط قيمتها ‪ 65‬مليار دوالر‬ ‫• تعميــق التعــاون التنمــوي وتبــادل اخلبــرات يف حتقيــق النمــو‬ ‫االقتصــادي املســتدام‪.‬‬ ‫وجتــدر اإلشــارة إلــى أن جمهوريــة الصــن تشــارك يف مشــروعات‬ ‫عربيــة كبــرى‪ ،‬أبرزهــا‪ ،‬منطقــة الســويس للتعــاون االقتصــادي‬ ‫والتجــاري يف مصــر‪ ،‬والبنــاء املشــترك للحــزام والطريــق عبــر الــدول‬ ‫العربيــة التــي ميــر منهــا‪ .‬وتنخــرط الشــركات الصينيــة املتخصصــة‬ ‫يف الصناعــات اإلنشــائية يف اســتثمارات بالعــراق تبــدأ مبليــارات‬ ‫الــدوالرات ضمــن خطــط واســعة الســتثمار نحــو ‪ 20‬مليــار دوالر‬ ‫يف احملافظــة اجلنوبيــة‪ ،‬جتعــل منهــا مصــ ّدراً رئيســاً للمنتجــات‬ ‫الصناعــات اإلنشــائية إلــى الــدول املجــاورة للعــراق والعالــم عبــر‬ ‫منافــذه احلدوديــة‪ .‬وســتتضمن املرحلــة األولــى مــن االســتثمار‬ ‫الصينــي يف املثنــى سلســلة مــن مشــاريع الصناعــة اإلنشــائية بتكلفــة‬ ‫(‪ )5‬مليــارات دوالر هــي مصانــع لألرضيــات والبورســلني واألدوات‬ ‫الصحيــة وســيراميك "لإلكسســوار املذهــب"‪ ،‬وللــورق والكرتــون‬ ‫املقــوى بطاقــة ‪ 125‬مليــون كرتونــة شــهرياً‪ .‬أمــا املرحلــة الثانيــة‪،‬‬ ‫فتكــون مخصصــة إلنشــاء ســتة مشــاريع ومحطــة لتوليــد الطاقــة‬ ‫الكهربائيــة بطاقــة ‪ 1000‬ميغــاواط‪.‬‬ ‫كمــا تســارعت وتيــرة التعــاون الصينــي مــع املغــرب بعــد التوقيــع‬ ‫علــى مذكــرة تفاهــم بشــأن التشــارك يف بنــاء "احلــزام والطريــق"‬ ‫عــام ‪2017‬م‪ ،‬حيــث قامــت ومجموعــة مــن الشــركات الصينيــة‬ ‫مثــل ‪ CITIC Dicastal‬و‪China Communications‬‬ ‫‪ Construction‬و‪ Dongfeng Xiaokang‬باالســتثمار‬ ‫علــى التوالــي يف املغــرب‪ ،‬وإقامــة التعــاون يف مجــاالت اإلنتــاج‬ ‫الصناعــي‪ ،‬والترابــط والتواصــل‪ ،‬وبنــاء منطقــة العلــوم والتكنولوجيــا‬ ‫والطاقــة اجلديــدة‪ ،‬ممــا ســيفتح فصـ ً‬ ‫ا جديــداً مــن التعــاون متبــادل‬ ‫املنفعــة بــن الصــن واملغــرب‪ .‬واتفقــت الصــن واجلزائــر علــى تســريع‬ ‫املفاوضــات للتوقيــع علــى اخلطــة اخلمســية للتعــاون االســتراتيجي‬ ‫الشــامل بــن الصــن واجلزائــر وخطــة التنفيــذ للتنميــة املشــتركة‬ ‫للحــزام والطريــق‪ .‬ووقعــت عمــان مــع الصــن عــام ‪2018‬م‪ ،‬اتفاقيــة‬ ‫تفاهــم للعالقــات بــن البلديــن يف إطــار مبــادرة احلــزام والطريــق‪.‬‬ ‫وقعــت مصــر مــع الصــن علــى أكثــر مــن (‪ )60‬اتفاقيــة تنظــم‬ ‫العالقــات االقتصاديــة والتجاريــة بينهمــا شــملت مختلــف املجــاالت‬ ‫ســيكون تأثيــر إيجابــي علــى مســتقبل العالقــات بــن البلديــن‪ .‬ويف‬ ‫إطــار برنامــج تنفيــذي لعالقــات الشــراكة االســتراتيجية الشــاملة‬ ‫مــع الصــن مت التوقيــع عــام ‪2018‬م‪ ،‬علــى عــدد مــن املشــروعات‬

‫االقتصاديــة مــع شــركات صينيــة باســتثمارات بلغــت (‪ )18‬مليــار‬ ‫دوالر بقطاعــات الصناعــة‪ ،‬واالتصــاالت‪ ،‬وتكنولوجيــا املعلومــات‪،‬‬ ‫وتطويــر املناطــق االقتصاديــة‪.‬‬ ‫ووقعــت الســعودية والصــن علــى جملــة مــن االتفاقيــات يف‬ ‫مجــال البتروكيماويــات واالســتثمار والنقــل البحــري والنفــط‪ ،‬تبلــغ‬ ‫قيمتهــا حوالــي ‪ 65‬مليــار دوالر‪ ،‬كمــا دعــت الســعودية دول العالــم‬ ‫بضمنهــا جمهوريــة الصــن الشــعبية للتعــاون يف تبنــي االقتصــاد‬ ‫الدائــري للكربــون للوصــول إلــى مــا تطمــح إليــه الــدول يف مجــال‬ ‫احليــاد الكربونــي املتوائــم مــع اتفاقيــة باريــس للمنــاخ‪ ،‬واملتوافــق مــع‬ ‫الطموحــات والتطلعــات التنمويــة لــكل دولــة‪.‬‬ ‫وصفــوة القــول‪ ،‬فإنــه خــال العقــود الســتة املنصرمــة علــى بــدء‬ ‫العالقــات الدبلوماســية الصينيــة ‪ /‬العربيــة‪ ،‬تع ّمــق التعــاون بــن‬ ‫الطرفــن يف مختلــف املجــاالت بشــكل مســتمر‪ ،‬حيــث متــت إقامــة‬ ‫عالقــات التعــاون االســتراتيجي بــن الصــن و‪ 8‬دول عربيــة وآليــة‬ ‫للحــوار االســتراتيجي بــن الصــن ومجلــس التعــاون اخلليجــي‪ .‬كمــا‬ ‫أصبحــت الــدول العربيــة أكبــر مجهــز للنفــط اخلــام والغــاز للصــن‬ ‫وســابع أكبــر شــريك جتــاري لهــا‪ ،‬وجتاوبــت إيجابيــاً وفاعــ ً‬ ‫ا مــع‬ ‫املبــادرات الصينيــة التــي تدعــو إلــى تشــارك اجلانبــن الصينــي‬ ‫العربــي يف بنــاء احلــزام االقتصــادي لطريــق احلريــر وطريــق احلريــر‬ ‫البحري للقرن احلادي والعشــرين وتشــكيل معادلة التعاون (‪)3+2+1‬‬ ‫املتمثلــة يف اتخــاذ مجــال الطاقــة كاحملــور الرئيســي ومجالــي البنيــة‬ ‫التحتيــة وتســهيل التجــارة واالســتثمار كجناحــن و‪ 3‬مجــاالت ذات‬ ‫تقنيــة متقدمــة وحديثــة تشــمل الطاقــة النوويــة والفضــاء واألقمــار‬ ‫االصطناعيــة والطاقــات اجلديــدة كنقــاط اختــراق يف التعــاون‪،‬‬ ‫وتعزيــز التعــاون يف الطاقــة اإلنتاجيــة‪ .‬كمــا أن هنــاك إمكانــات هائلــة‬ ‫للتعــاون الصينــي العربــي‪ ،‬وخاصــة يف ظــل البنــاء املشــترك للحــزام‬ ‫والطريــق‪ ،‬وســيقوم اجلانبــان يف املســتقبل بتوســيع التعــاون يف‬ ‫مجــاالت جديــدة مثــل االقتصــاد الرقمــي والطاقــة اجلديــدة والــذكاء‬ ‫االصطناعــي‪.‬‬

‫*أستاذ االقتصاد السيايس باملعهد الدبلومايس‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪75‬‬

‫ملف العدد‬

‫عدد المشاريع االستثمارية الصينية يف الدول العربية ارتفع‬ ‫بنسبة (‪ )%500‬بين عامي ‪ 2003‬و‪2019‬‬ ‫محطــة الطاقــة النظيفــة التــي تعمــل بالفحــم يف دبــي‪ .‬وتعاونــت‬ ‫جمهوريــة الصــن الشــعبية مــع اجلزائــر لبنــاء مينــاء شــحن جديــد‪،‬‬ ‫وقامــت املؤسســة الصينيــة ببنــاء مشــروع الســكك احلديــد ملدينــة‬ ‫العاشــر مــن رمضــان يف مصــر‪ ،‬ومشــروع جســر محمــد اخلامــس‬ ‫يف املغــرب ومشــروع محطــة العطــارات لتوليــد الكهربــاء يف األردن‬ ‫وغيرهــا مــن املشــروعات‪ ،‬ممــا أســهم يف توســيع مجــاالت التعــاون‬ ‫الصينــي – العربــي‪.‬‬ ‫كمــا تُعــد الصــن مــن أكبــر املســتثمرين يف قطــاع الطاقــة بالعــراق‪،‬‬ ‫حيــث تســتثمر شــركة النفــط الوطنيــة الصينيــة يف حقــول للنفــط‬ ‫والغــاز‪ ،‬كحقــل األحــدب يف محافظــة واســط وحقــل حلفايــة مبدينــة‬ ‫العمــارة‪ ،‬وكذلــك تتشــارك مــع شــركة برتــش بتروليــوم البريطانيــة يف‬ ‫االســتثمار يف حقــل الرميلــة الــذي يُعــد أكبــر حقــول النفــط بالعــراق‪،‬‬ ‫عــاوة علــى االســتثمار يف حقــول أخــرى‪.‬‬ ‫وبلــغ إجمالــي االســتثمار األجنبــي املباشــر الصينــي يف العالــم‬ ‫العربــي نحــو (‪ )20.1‬مليــار دوالر يف نهايــة عــام ‪2020‬م‪ ،‬بينمــا كان‬ ‫إجمالــي االســتثمار املباشــر العربــي يف الصــن (‪ )3.8‬مليــار دوالر‬ ‫فقــط‪ ،‬ممــا يــدل علــى أن رجــال األعمــال العــرب مازالــوا يفتقــرون‬ ‫إلــى معرفــة الســوق الصينــي الــذي تفضلــه الشــركات املتعــددة‬ ‫اجلنســيات والشــركات بأنواعهــا املختلفــة يف العالــم‪ .‬وقــد بــدأت‬ ‫الشــركات الصينيــة اســتثمارها يف الــدول العربيــة‪ ،‬ومــع تعاظمهــا‬ ‫ســيزداد اســتثمارها يف العالــم العربــي بالتأكيــد‪ .‬وقــد حقــق التعــاون‬ ‫العربــي الصينــي يف مجــال العلــوم والتكنولوجيــا ثمــا ًرا كثيــرة‪ ،‬بينمــا‬ ‫ال تــزال هنــاك قــوة كامنــة كبيــرة تنتظــر اســتثمار الطرفــن فيهــا‪.‬‬ ‫وجتــدر اإلشــارة إلــى أن الــدول العربيــة قــد شــاركت يف قمــة منتدى‬ ‫" احلــزام والطريــق" للتعــاون الدولــي التــي عقــدت عــام ‪2019‬م‪ ،‬حيــث‬ ‫أقامــت الصــن والــدول العربيــة‪ ،‬بعــد التشــاور والنقاشــات عالقــات‬ ‫تعاونيــة ومنصــة للتعــاون يف مجــاالت املوانــئ واجلمــارك وفحــص‬ ‫اجلــودة وغيرهــا‪ .‬كذلــك قدمــت الصــن (‪ )20‬مليــار دوالر أمريكــي‬ ‫مــن القــروض اخلاصــة لدفــع التعــاون يف مجــال الطاقــة و(‪ )15‬مليــار‬ ‫دوالر أمريكــي مــن القــروض اخلاصــة لدفــع التصنيــع يف الشــرق‬ ‫األوســط و(‪ )10‬مليــارات دوالر أمريكــي مــن القــروض التفضيليــة‬ ‫بقصــد تعميــق التعــاون الصينــي – العربــي‪.‬‬

‫كمــا أسســت جمهوريــة الصــن الشــعبية مراكــز مقاصــة الرمنينبــي‬ ‫يف دولــة قطــر واإلمــارات العربيــة املتحــدة‪ ،‬وتعاونــت معهمــا إلنشــاء‬ ‫صنــدوق االســتثمار املشــترك بقيمــة (‪ )20‬مليــار دوالر أمريكــي‪،‬‬ ‫عــاوة علــى ذلــك‪ ،‬تعمــل الصــن علــى تعزيــز مشــروعات منطقــة‬ ‫الســويس للتعــاون االقتصــادي والتجــاري‪ ،‬واملدينــة الصناعيــة‬ ‫الصينيــة – العمانيــة يف الدقــم واملدينــة الصناعيــة الصينيــة –‬ ‫الســعودية يف جــازان‪ ،‬واملنطقــة التجريبيــة الصينيــة – اإلماراتيــة‬ ‫للتعــاون الطاقــة وغيرهــا‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ -‬األفاق المستقبلية للتعاون االقتصادي العربي الصيني‬ ‫حقــق التعــاون االقتصــادي والتجــاري الصينــي ‪ /‬العربــي منــواً‬ ‫مطــرداً خــال العقــود الثالثــة املنصرمــة‪ ،‬وأقــام اجلانبــان الصينــي‬ ‫والعربــي فعاليــات كثيــرة يف إطــار منتــدى التعــاون الصينــي ‪ -‬العربــي‬ ‫مثــل مؤمتــر رجــال األعمــال الصينيــن والعــرب‪ ،‬واملعــارض التجاريــة‪،‬‬ ‫ومؤمتــر التعــاون الصينــي ‪ -‬العربــي يف مجــال الطاقــة وغيرهــا‪.‬‬ ‫وتطمــح القيــادات السياســية يف كال اجلانبــن العربــي والصينــي‬ ‫االرتقــاء بحجــم العالقــات االقتصاديــة بينهمــا مــن مســتوى التعــاون‬ ‫إلــى الشــراكة االســتراتيجية التــي ســيكون لهــا آثــار إيجابيــة يف‬ ‫تثبيــت االســتقرار واألمــن يف منطقــة الشــرق األوســط‬ ‫ووفقــاً لــوزارة التجــارة الصينيــة‪ ،‬فإنــه مــن املتوقــع أن حتقــق‬ ‫جمهوريــة الصــن الشــعبية والــدول العربيــة منــواً متزايــداً يف‬ ‫املســتقبل فيمــا يتعلــق بالتعــاون يف ثالثــة مجــاالت هــي‪:‬‬ ‫• تعزيــز املشــاورات التجاريــة واالقتصاديــة بهــدف حتســن آليــة‬ ‫التعــاون‪ ،‬مــن بينهــا التخطيــط لعــدد مــن املشــروعات الكبــرى مثــل‬ ‫دفــع مشــروع بنــاء منطقــة جتــارة حــرة بــن الصــن واخلليــج‪ .‬ثاني ـاً‪،‬‬ ‫توثيــق التعــاون يف مجــال االســتثمارات لتعزيــز منــو الصناعــات‪.‬‬ ‫• ســتواصل جمهوريــة الصــن الشــعبية‪ ،‬تشــجيع الشــركات الصينيــة‬ ‫علــى االســتثمار يف الــدول العربيــة لتقويــة التعــاون االســتثماري يف‬ ‫مجــاالت كالطاقــة واملعــادن واملــوارد والصناعــات البتروكيميائيــة‬ ‫وغيرهــا‪ ،‬وإقامــة منشــآت للجمــع بــن الصناعــات الصينيــة والعربيــة‬ ‫بهــدف دفــع التعــاون يف النقــل والكهربــاء واالتصــاالت واملعــادن غيــر‬ ‫احلديديــة ومــواد البنــاء وغيرهــا مــن املجــاالت‪.‬‬

‫قدمت الصين (‪ )20‬مليار دوالر قرو ًض ا للتعاون يف الطاقة و(‪ )15‬مليا ًرا‬ ‫لدعم التصنيع يف الشرق األوسط و(‪ )10‬مليارات لتعميق التعاون العربي‬

‫‪74‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫شكل (‪ )5‬مناذج من االستثمار العربي املباشر يف الصني‬

‫‪Source:https://www.arabiamonitor.com/belt-road/arab-fdi-china-slowly-surely-belt-road‬‬

‫عدد مشاريع االستثمارات الصينية يف العالم العربي من يناير‬ ‫‪ 2003‬حتى ديسمبر ‪ 2019‬بلغ (‪ )305‬مشروعات بتكلفة (‪ )61.7‬مليار‬ ‫وقــد قــام املركــز مــا يزيــد عــن أربعــن نشــاطاً تفاوضيــاً‪ ،‬وأنشــأ‬ ‫شــبكة شــارك فيهــا أكثــر مــن أربعــة آالف عضــو حتــى اآلن‪ .‬كمــا‬ ‫حتقــق تقــدم إيجابــي يف بنــاء املركــز العربــي للتدريــب علــى اســتخدام‬ ‫الطاقــة النوويــة لألغــراض الســلمية‪ ،‬ومركــز التدريــب علــى الطاقــة‬

‫النظيفــة بــن الصــن والــدول العربيــة‪.‬‬ ‫كمــا افتتــح مركــز التميــز الصينــي – العربــي لتكنولوجيــا بيــدو‬ ‫يف تونــس لنظــام بيــدو للمالحــة عبــر األقمــار الصناعيــة‪ ،‬وفــازت‬ ‫مؤسســة هاربــن الدوليــة احملــدودة للكهربــاء مبناقصــة مشــروع‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪73‬‬

‫ملف العدد‬

‫العالقات التجارية العربية ‪ /‬الصينية تجمع بين الميزات النسبية‬ ‫والمنفعة المتبادلة ما يم ّك ن الجانبين من تحويل الميزات إىل تكامل‬ ‫املشــاريع تتنــوع مــا بــن البنــى التحتيــة واملواصــات والتكنولوجيــا‬ ‫والصناعــة والزراعــة واالتصــاالت وغيرهــا‪ .‬وبلــغ حجــم االســتثمارات‬ ‫الصينيــة غيــر املاليــة املباشــرة يف الــدول العربيــة نســبة (‪)%31.9‬‬ ‫مــن إجمالــي االســتثمارات األجنبيــة املباشــرة التــي جذبتهــا الــدول‬ ‫العربيــة‪ ،‬وبقيمــة بلغــت (‪ )29.5‬مليــار دوالر‪ .‬يف املقابــل‪ ،‬لــم تتخــط‬ ‫االســتثمارات األميركيــة الســبعة مليــارات دوالر بحصــة تصــل إلــى‬ ‫(‪ )%7.6‬مــن إجمالــي االســتثمارات يف الــدول العربيــة‪ ،‬وفــق تقريــر‬ ‫منــاخ االســتثمار يف الــدول العربيــة لعــام ‪.2017‬‬ ‫أمــا االســتثمارات الصينيــة املباشــرة يف الــدول العربيــة فقــد ارتفعــت‬ ‫إلــى (‪ )1.42‬مليــار دوالر يف العــام ‪2019‬م‪ ،‬بزيــادة نســبتها ‪،%18.8‬‬ ‫كمــا بلغــت قيمــة عقــود املشــاريع التــي وقعتهــا الشــركات الصينيــة‬ ‫مــع الــدول العربيــة (‪ )32.5‬مليــار دوالر‪ ،‬بانخفــاض (‪ )%8.7‬عــن‬ ‫العــام ‪2018‬م‪.‬‬ ‫واســتطاعت الصــن مــن رفــع حجــم اســتثماراتها يف املنطقــة‬ ‫العربيــة مــن (‪ )36.7‬مليــار دوالر يف عــام ‪2004‬م‪ ،‬إلــى (‪)109.8‬‬ ‫مليــار دوالر يف ‪2018‬م‪ .‬وطبق ـاً ملتعقــب االســتثمار العاملــي الصينــي‬ ‫(‪ )CGIT‬الصــادر مــن معهــد "أمريــكان إنتربرايــز"‪ ،‬تُعــد اململكــة‬ ‫العربيــة الســعودية الدولــة العربيــة التــي تســتقطب أكبــر قــدر مــن‬ ‫االســتثمارات الصينيــة‪ ،‬حيــث يصــل مجموعهــا إلــى (‪ )23.3‬مليــار‬ ‫دوالر‪ ،‬أي بنســبة (‪ )%20.9‬مــن إجمالــي االســتثمارات الصينيــة‬ ‫يف الــدول العربيــة‪ ،‬تليهــا اجلزائــر باســتثمارات صينيــة قدرهــا‬ ‫(‪ )18.69‬مليــار دوالر وبنســبة (‪ )%16.75‬دوالر‪ ،‬ومــن ثــم العــراق‬ ‫مبجمــوع اســتثمارات يبلــغ (‪ )16.3‬مليــار دوالر بنســبة (‪، )%14.6‬‬ ‫تليهــا مصــر بنحــو (‪ )12.2‬مليــار دوالر وبنســبة (‪ )%10.93‬والشــكل‬ ‫التالــي يبــن ذلــك‪.‬‬ ‫شــكل (‪ )3‬اســتثمارات جمهوريــة الصــن الشــعبية يف الــدول‬ ‫العربيــة (‪ )2018-2005‬مليــار دوالر‬

‫‪Source: American Enterprise Institute‬‬

‫ومــن نافلــة القــول‪ ،‬فقــد بلــغ عــدد مشــاريع االســتثمارات األجنبيــة‬ ‫املباشــرة الصينيــة اجلديــدة املســجلة يف العالــم العربــي خــال الفتــرة‬ ‫مــن ينايــر ‪ 2003‬حتــى ديســمبر ‪ 2019‬نحــو (‪ )305‬مشــروعات بتكلفة‬ ‫اســتثمارية بلغــت (‪ )61.7‬مليــار دوالر‪ ،‬ومبتوســط (‪ )202.3‬مليــون‬ ‫دوالر لــكل مشــروع‪ .‬وقــد وفــرت تلــك املشــاريع (‪ )78484‬وظيفــة‪.‬‬ ‫واســتحوذت خمســة دول عربيــة مــن بــن (‪ )16‬دولــة عربيــة مســتقبلة‬ ‫لالســتثمارات الصينيــة علــى غالبيــة املشــاريع‪ ،‬حيــث حلــت اإلمــارات‬ ‫يف املقدمــة بأكثــر مــن ثلــث املشــاريع الصينيــة التــي مت رصدهــا‪ .‬وقــد‬ ‫بلــغ عــدد املشــاريع ذروتــه عــام ‪2018‬م‪ ،‬مــع رصــد (‪ )20‬مشــروعاً‬ ‫جديــداً‪.‬‬ ‫وتُعــد مصــر أكبــر وجهــة لالســتثمارات الصينيــة يف العالــم العربــي‬ ‫بتكلفــة اســتثمارية تبلــغ (‪ )28.5‬مليــار دوالر‪ ،‬كمــا جــاءت باملقدمــة‬ ‫أيض ـاً مــن حيــث الوظائــف املولــدة بإجمالــي (‪ )23930‬وظيفــة‪ ،‬أمــا‬ ‫ســلطنة عمــان واجلزائــر‪ ،‬فقــد شــهدتا أكبــر متوســط حلجــم املشــروع‬ ‫مــن حيــث التكلفــة االســتثمارية وتوفيــر فــرص العمــل علــى التوالــي‪.‬‬ ‫ويالحــظ بــأن عــدد املشــاريع االســتثمارية الصينيــة يف الــدول‬ ‫العربيــة قــد ارتفــع بنســبة (‪ )%500‬مــا بــن عامــي ‪ 2003‬و‪2019‬م‪.‬‬ ‫ومــن متوســط (‪ )4‬مشــاريع ســنوياً يف بدايــة األلفيــة الثالثــة إلــى‬ ‫متوســط (‪ )40‬مشــروعاً اســتثمارياً ســنوياً علــى مــدى الســنوات‬ ‫األربعــة املنصرمــة‪.‬‬

‫املصــدر‪ :‬املؤسســة العربيــة لضمــان االســتثمار وائتمــان‬ ‫الصــادرات‪ ،‬تقريــر منــاخ االســتثمار يف الــدول العربيــة لعــام‬ ‫‪2020‬‬ ‫وغنــي عــن البيــان‪ ،‬فــإن املؤسســات الصينيــة قــد حققــت تقدم ـاً‬ ‫ملحوظــاً يف مشــروعات البنيــة التحتيــة الرئيســة ملبــادرة احلــزام‬ ‫والطريــق يف الــدول العربيــة متثلــت يف بنــاء املركــز الصينــي – العربي‬ ‫لتبــادل ونقــل التكنولوجيــا‪ ،‬وتأســيس ثمانيــة فــروع لــه‪ ،‬وإنشــاء منصة‬ ‫خدمــات املعلومــات املتكاملــة الصينيــة العربيــة لنقــل التكنولوجيــا‪.‬‬

‫‪72‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫أوالً‪ -‬عالقات التعاون التجاري العربي الصيني‪:‬‬ ‫شــكلت التجــارة الســلعية إحــدى أهــم الدعامــات الرئيســة لنشــوء‬ ‫العالقــات الدبلوماســية بــن الصــن والعالــم العربــي‪ .‬وانطلقــت‬ ‫العالقــات التجاريــة العربيــة الصينيــة عــام ‪1956‬م‪ ،‬عــن طريــق‬ ‫تأســيس مكتــب البعثــة التجاريــة الصينيــة بالقاهــرة يف جمهوريــة‬ ‫مصــر العربيــة‪ .‬ومــع تطــور العالقــات بــن الصــن والــدول العربيــة‪،‬‬ ‫تصاعــد حجــم التبــادل التجــاري بــن الطرفــن بصــورة مطــردة‪،‬‬ ‫حيــث تــراوح بــن ‪ 80‬و‪ 90‬مليــون دوالر أمريكــي يف الفتــرة املمتــدة‬ ‫بــن ‪1967‬و‪ ،1968‬ليبلــغ نحــو (‪ )232‬مليــون دوالر أمريكــي عــام‬ ‫‪1969‬م‪ ،‬ويصــل إلــى (‪ )640‬مليــون دوالر عــام ‪ 1977‬ثــم يقفــز إلــى‬ ‫حــدود (‪ )1‬مليــار دوالر عــام ‪1978‬م‪.‬‬ ‫ومــع بــدء ســريان تطبيــق سياســة االنفتــاح االقتصــادي يف الصــن‬ ‫عــام ‪1978‬م‪ ،‬أولــت احلكومــة الصينيــة اهتمام ـاً متزايــداً بالتعــاون‬ ‫االقتصــادي والتجــاري مــع الــدول العربيــة‪ ،‬ومــن ثــم وضعــت سلســلة‬ ‫مــن السياســات والتوجهــات التــي تناســب األوضــاع اجلديــدة يف‬ ‫التعامــات مــع الــدول العربيــة‪ ،‬األمــر الــذي ســاهم يف زيــادة عــدد‬ ‫الــدول العربيــة التــي وطــدت عالقاتهــا التجاريــة مــع الصــن مــن‬ ‫ســت دول عــام ‪1988‬م‪ ،‬إلــى (‪ )15‬دولــة عــام ‪1998‬م‪ ،‬وإلــى (‪)22‬‬ ‫دولــة يف عــام ‪2001‬م‪.‬‬ ‫وشــهد حجــم التبــادل التجــاري الســلعي الصينــي العربــي منــواً‬ ‫ســريعاً‪ ،‬خــال العقــود األربعــة املنصرمــة ليرتفــع بنحــو بأكثــر‬ ‫مــن (‪ )239‬مــرة خــال العقــود األربعــة املنصرمــة‪ ،‬أي مــن (‪)1.0‬‬ ‫مليــار دوالر يف عــام ‪1978‬م‪ ،‬إلــى (‪ )239.8‬مليــار دوالر يف عــام‬ ‫‪2020‬م‪ ،‬كمــا تُعــد الصــن اليــوم أكبــر شــريك جتــاري للــدول العربيــة‬ ‫بصــادرات بلغــت (‪ )123.1‬مليــار دوالر يف ‪2020‬م‪ ،‬رغــم تأثيــرات‬ ‫جائحــة كورونــا " كوفيــد‪ ."19-‬بينمــا بلغــت الــواردات الصينيــة مــن‬ ‫الــدول العربيــة (‪ )115.8‬مليــار دوالر؛ ليســجل الفائــض التجــاري‬ ‫الصينــي مــع الــدول العربيــة ‪ 7.3‬مليــارات دوالر‪.‬‬

‫املصدر‪ :‬وزارة التجارة الصينية‬ ‫وجتــدر اإلشــارة إلــى أن الســعودية تُعــد الشــريك التجــاري األول‬ ‫للصــن‪ ،‬حيــث بلغــت جتارتهــا مــع الصــن نحــو (‪ )67.1‬مليــار دوالر‬ ‫شــكلت مــا نســبته (‪ )%27.9‬مــن إجمالــي جتــارة الصــن مــع العالــم‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫العربــي لعــام ‪2020‬م‪ ،‬تليهــا اإلمــارات (‪ )49.2‬مليــار دوالر بنســبة‬ ‫(‪ ،)%20.5‬ثــم العــراق (‪ )30.2‬مليــار دوالر بنســبة (‪،)%12.6‬‬ ‫فســلطنة عمــان (‪ )18.6‬مليــار دوالر بنســبة (‪ ،)%7.8‬ثــم الكويــت‬ ‫(‪ )14.3‬مليــار دوالر بنســبة (‪ )%5.9‬فمصــر (‪ )12.9‬مليــار دوالر‬ ‫بنســبة (‪ )%5.4‬تليهــا دولــة قطــر (‪ )11.7‬مليــار دوالر بنســبة‬ ‫(‪.)%4.9‬‬

‫املصدر‪ :‬وزارة التجارة الصينية‬ ‫وغنــي عــن البيــان‪ ،‬فــإن صــادرات النفــط اخلــام ومشــتقاته والغــاز‬ ‫املســال واألملونيــوم ومصنوعاتــه واللدائــن الصناعيــة تشــكل أبــرز‬ ‫الــواردات الصينيــة مــن الــدول العربيــة‪ .‬أمــا أهــم واردات الــدول‬ ‫العربيــة مــن الصــن فتمثلــت يف املنتجــات امليكانيكيــة والكهربائيــة‬ ‫واملنتجــات ذات التقنيــات الفائقــة واحلديثــة والتــي ســجلتا زيــادة‬ ‫بنســبة ‪.1‬‏‪ % 3.3 % 6‬علــى التوالــي‪ ،‬لتشــكال معــاً (‪ )67.4%‬مــن‬ ‫إجمالــي الصــادرات الصينيــة للــدول العربيــة لعــام ‪.2020‬‬ ‫إن مــا مييــز العالقــات التجاريــة احلديثــة بــن الــدول العربيــة‬ ‫والصــن قيامهــا علــى أســاس اجلمــع بــن امليــزات النســبية واملنفعــة‬ ‫املتبادلــة واملشــتركة والتــي ُت ّكــن اجلانبــن مــن حتويــل امليــزات‬ ‫النســبية إلــى قــدرة تنافســية متكاملــة مبــا يزيــد بصــورة كبيــرة مــن‬ ‫فــرص التميــز يف تنفيــذ املشــاريع يف الســوق الدوليــة‪ ،‬األمــر الــذي‬ ‫يجعــل مــن مســتقبل هــذه العالقــات الثنائيــة يحظــى بآفــاق مشــرقة‪،‬‬ ‫وأكثــر رحابــة‪.‬‬ ‫ثانياً‪ -‬التعاون الصيني العربي يف المجال االستثماري‬ ‫ال يقتصــر التعــاون االقتصــادي العربــي ‪ /‬الصينــي علــى التبــادل‬ ‫التجــاري بــل هنــاك عالقــات اســتثمارية بــدأت بالنمــو خــال العقدين‬ ‫املنصريــن نتيجــة للتوقيــع علــى العديــد مــن اتفاقيات تشــجيع وحماية‬ ‫االســتثمارات املتبادلــة بــن الطرفــن وباتــت الصــن باملرتبــة الرابعــة‬ ‫كأهــم املســتثمرين يف العالــم العربــي‪ ،‬وصنفــت الصــن يف املرتبــة‬ ‫الرابعــة مــن حيــث التكلفــة االســتثمارية للمشــاريع واملرتبــة الثامنــة‬ ‫مــن حيــث عــدد املشــاريع‪ ،‬كمــا أنهــا ثالــث أكبــر املســتثمرين توفيــراً‬ ‫للوظائــف يف املنطقــة العربيــة‪.‬‬ ‫وجتــدر اإلشــارة إلــى أن الصــن تخطــت الواليــات املتحــدة‬ ‫لتصبــح بذلــك أكبــر مصــدر لالســتثمار يف الــدول العربيــة‪ ،‬وأن‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪71‬‬

‫ملف العدد‬

‫انتشار الصين على سواحل المحيط الهادي يعزز تعاونها مع العرب‬

‫الطاقة النووية والفضاء والطاقات الجديدة‬ ‫نقاط اختراق يف التعاون الصيني ـ الخليجي‬ ‫دخل التعاون العربي الصيني مرحلة تطور جديدة يف العصر احلديث مع تأسيس الصني اجلديدة عام ‪1949‬م‪ ،‬وحصول‬ ‫الــدول العربيــة علــى اســتقاللها السياســي بعــد احلــرب الكونيــة الثانيــة‪ ،‬وكانــت مصــر يف مقدمــة الــدول العربيــة التــي أقامــت‬ ‫عالقــات دبلوماســية مــع الصــن عــام ‪1956‬م‪ ،‬ومــع مطلــع التســعينات مــن القــرن العشــرين باتــت جميــع الــدول العربيــة تقيــم‬ ‫عالقــات دبلوماســية مــع الصــن التــي كانــت تدعــم بحــزم حــركات التحــرر الوطنــي يف العالــم العربــي‪ ،‬وتدعــم الــدول العربيــة‬ ‫يف ســبيل الدفــاع عــن الســيادة الوطنيــة والوحــدة الترابيــة واســتعادة وصيانــة احلقــوق واملصالــح القوميــة والتصــدي للتدخــل‬ ‫واالعتــداء اخلارجيــن‪ ،‬وتدعــم بحــزم القضايــا العربيــة يف تطويــر االقتصــاد القومــي وبنــاء الوطن‪ .‬ويف املقابــل‪ ،‬قدمت الدول‬ ‫العربيــة دعمـاً قويـاً للصــن يف اســتعادة مقعدهــا الشــرعي يف األمم املتحــدة ويف قضيــة تايــوان وغيرها مــن القضايا األخرى‪.‬‬ ‫بعــد انتهــاء احلــرب البــاردة قبــل ثالثــة عقــود‪ ،‬ومواكبــة للتوجــه العاملــي املتمثــل يف الســام والتنميــة والتعــاون‬ ‫االقتصــادي‪ ،‬كان الطرفــان الصينــي والعربــي يتعامــان مــع بعضهمــا البعــض باحتــرام ومســاواة وعمــ ً‬ ‫ا علــى تعميــق‬ ‫الصداقــة التقليديــة وتطويــر العالقــات الثنائيــة‪ ،‬وحققــا نتائــج ملحوظــة يف املجــاالت السياســية واالقتصاديــة والتجاريــة‬ ‫والعلميــة والتكنولوجيــة والثقافيــة والتعليميــة والعســكرية والصحيــة والرياضيــة واإلعالميــة وغيرهــا‪ ،‬وأقامــا عالقــات‬ ‫الصداقــة والتعــاون املوجهــة للقــرن اجلديــد‪ ،.‬حيــث مت تأســيس جمعيــة الصداقــة الصينيــة العربيــة عــام ‪2001‬م‪.‬‬

‫د نوزاد عبد الرحمن الهيتي‬

‫كمــا تأســس منتــدى التعــاون الصينــي العربــي يف عــام ‪2004‬م‪،‬‬ ‫وأصبــح إطــاراً للتعــاون اجلماعــي يشــمل مجــاالت عديــدة وانبثــق‬ ‫عنــه أكثــر مــن (‪ )10‬آليــات‪ .‬ومت يف عــام ‪2010‬م‪ ،‬إقامــة عالقــات‬ ‫التعــاون االســتراتيجي القائمــة علــى التعــاون الشــامل والتنميــة‬ ‫املشــتركة بــن الصــن والــدول العربيــة‪ ،‬األمــر الــذي أدخــل التعــاون‬ ‫اجلماعــي الصينــي ‪ /‬العربــي إلــى مرحلــة جديــدة مــن التطــور‬ ‫والتقــدم النوعــي بشــكل أكثــر شــمولية‪ .‬وعلــى هــذا األســاس‪ ،‬أوضــح‬ ‫الرئيــس الصينــي شــي جينبينــغ املجــاالت واالجتاهــات ذات األولويــة‬ ‫للتعــاون اجلماعــي الصينــي العربــي يف اخلطــاب املهــم الــذي ألقــاه‬ ‫خــال افتتــاح االجتمــاع الــوزاري الســادس ملنتــدى التعــاون الصينــي‬ ‫‪ /‬العربــي يف عــام ‪2014‬م‪ ،‬األمــر الــذي حــدد إطــار عمــل لتطويــر‬ ‫العالقــات الصينيــة العربيــة وبنــاء املنتــدى‪.‬‬ ‫وغنــي عــن البيــان‪ ،‬فــإن العالــم العربــي يشــكل ركيــزة أساســية‬

‫يف مبــادرة " حــزام واحــد وطريــق واحــد"‪ ،‬إذ يربــط موقعــه‬ ‫اجليواســتراتيجي واحليــوي الصــن بأســواق إفريقيــا وأوروبــا‪.‬‬ ‫وتشــكل احتياطاتــه مــن النفــط املقــدر بنحــو (‪ )%42.8‬والغــاز‬ ‫الطبيعــي (‪ )%26‬مــن االحتياطــي العاملــي يف نهايــة عــام ‪2020‬م‪ ،‬وهــو‬ ‫املجهــز الرئيــس للصــن بالنفــط والغــاز املســال‪ ،‬عنصــراً هامــاً يف‬ ‫الدفــع يف املشــاريع اإلمنائيــة املتضمنــة يف مبــادرة " حــزام واحــد‬ ‫وطريــق واحــد"‪ .‬عليــه فإننــا نــرى بــأن التعــاون العربــي الصينــي‬ ‫ســوف يتعــزز مــع اتســاع قاعــدة انتشــار الصــن الشــعبية علــى‬ ‫ســواحل احمليــط الهنــدي‪ .‬ويف ذات الوقــت يســتند التعــاون املتعلــق‬ ‫مببــادرة " حــزام واحــد طريــق واحــد" علــى العالقــات الثنائيــة التــي‬ ‫ســعت الــدول العربيــة والصــن علــى تطويرهــا علــى مــدار العقــود‬ ‫الثالثــة املنصرمــة‪ ،‬والتــي تتضمــن جملــة مــن املصالــح يف مقدمتهــا‬ ‫املصالــح االقتصاديــة والتجاريــة‪ .‬وفيمــا يلــي بيــان بعالقــات التعــاون‬ ‫االقتصــادي العربــي الصينــي واآلفــاق املســتقبلية لهــذا التعــاون‪.‬‬

‫‪70‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫كقــوة كبــرى يف العالــم‪ -‬وفــق حتليــات موضوعيــة ‪ -‬كمــا تقــدم‬ ‫الصــن نفســها كبديــل يف مجــال التنميــة االقتصاديــة يف ظــل تركيــز‬ ‫الواليــات املتحــدة والــدول األوروبيــة علــى األمــن‪.‬‬ ‫وبالتالــي ‪ ،‬فــإن مبــادرة بحجــم مبــادرة احلــزام والطريــق التــي تبلــغ‬ ‫قيمتهــا مــن ‪ 1،3 – 1،2‬تريليــون دوالر بحلــول ‪2027‬م‪ ،‬وتهــدف‬ ‫بكــن مــن خاللهــا إلــى حتقيــق أهدافهــا االســتراتيجية مثــل تلبيــة‬ ‫احتياجاتهــا املتزايــدة مــن إمــدادات الطاقــة‪ ،‬واالســتفادة مــن عوائــد‬ ‫التعــاون االقتصــادي يف مجــاالت البنيــة التحتيــة‪ ،‬البــد أن يكــون‬ ‫لبكــن مــن رؤيــة عامليــة تؤمــن لهــا مصاحلهــا الضخمــة‪ ،‬وتســاهم يف‬ ‫احلفــاظ علــى اســتقرار حلفائهــا‪ ،‬لذلــك ‪ ،‬فالبــد أن يكــون لــدى بكــن‬ ‫مــن اآلليــات التــي حتافــظ علــى مصاحلهــا يف اخلــارج ‪ ،‬عســكر ًيا ‪،‬‬ ‫والوقــوف مــع حلفائهــا سياس ـ ًيا ‪.‬‬ ‫وإال ‪ ،‬فإنهــا تغامــر باســتثماراتها يف املنطقــة‪ ،‬وبالتالــي‪ ،‬فــإن هنــاك‬ ‫الكثيــر مــن التحليــات املوضوعيــة تذهــب إلــى أن العالقــات‬ ‫اخلليجيــة – الصينيــة‪ ،‬ميكــن أن تســاهم يف إحــال االســتقرار‬ ‫واألمــن يف املنطقــة ‪ ،‬الســيما يف ظــل العالقــات الصينيــة اجليــدة مــع‬ ‫طهران‪ ،‬وكون طهران شـريك رئيـسي فـي مبــادرة احلــزام والطريــق‪،‬‬ ‫مــن هنــا تكمــن أهميــة انضمــام دول مجلــس التعــاون اخلليجــي لهــذه‬ ‫املبــادرة‪ ،‬وتعميــق شــراكتها مــع بكــن‪ ،‬ألنهــا مؤثــرة إيجاب ًيــا علــى‬ ‫الصعيديــن‪ ،‬تنويــع اقتصاديــات اخلليــج‪ ،‬والتأثيــر اإليجابــي علــى‬ ‫منــط العالقــات اخلليجيــة اإليرانيــة ‪.‬‬ ‫والرهــان علــى بكــن جنــده يف خطــوة تعديــل دســتورها‪ ،‬لكــي يســمح‬ ‫لهــا باســتخدام قواتهــا املســلحة خــارج حدودهــا حلمايــة مصاحلهــا‪،‬‬ ‫عندمــا تــرى أنهــا مهــددة‪ ،‬وقــد مت تطبيــق هــذا التعديــل ‪2021‬م‬ ‫‪ ،‬وإقامــة أول قاعــدة عســكرية لهــا يف جيبوتــي‪ ،‬وهــذا البعــد‬ ‫العســكري‪ ،‬ميكــن أن يتبلــور مســتقب ً‬ ‫ال يف دور صينــي لألمــن اإلقليمــي‬ ‫ً‬ ‫عوضــا علــى االعتمــاد علــى املظلــة العســكرية األمريكيــة‪،‬‬ ‫يف اخلليــج‬ ‫وهنــا يظهــر لنــا أهميــة احلــوض اجلــاف إلصــاح الســفن يف منطقــة‬ ‫الدقــم العمانيــة فهــو مؤهــل الســتقبال كل أنــواع الســفن‪ ،‬ويشــكل‬ ‫محطــة مهمــة للســفن املختلفــة عابــرة البحــار املفتوحــة ‪.‬‬

‫المحــور الخامــس ‪ :‬مســقط والريــاض ‪ ..‬رؤيــة مشــتركة لمواجهــة‬ ‫التحديــات األمريكيــة‪.‬‬ ‫ممــا تقــدم جتــد دول مجلــس التعــاون اخلليجــي مصلحتهــا‬ ‫املســتقبلية مــع واشــنطن وبكــن‪ ،‬وبالتالــي‪ ،‬فــا ينبغــي أن تنصــاع‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫للخيــار األمريكــي " معــي أو مــع الصــن " وعليهــا أن تعمــل مــع‬ ‫احلليــف البريطانــي القــدمي املتجــدد الــذي هــو يعانــي مــن مثــل هــذه‬ ‫الضغوطــات األمريكيــة علــى بلــورة موقــف مشــترك ملواجهــة التحــدي‬ ‫األمريكــي‪ ،‬إذ أنــه ليــس مــن مصلحتهــا املســتقبلية معــاداة بكــن يف‬ ‫الوقــت الــذي جتــري فيــه واشــنطن اآلن محادثــات جــادة مــع بكــن‬ ‫للتوصــل إلــى اتفــاق جتــاري جديــد رغــم تشــديد موقفهــا ضدهــا ‪.‬‬ ‫وهنا نطرح تساؤالت افتراضية ‪ ،‬لكنها واقعية‬ ‫مــاذا لــو توصلــت واشــنطن وبكــن التفــاق جتــاري بينهمــا؟ فمــا موقف‬ ‫الــدول اخلليجيــة إذا مــا انصاعــت مســب ًقا ملعــاداة بكــن بســبب‬ ‫الضغوطــات األمريكيــة ؟ ولنــا يف التجربــة الصينيــة االســترالية‬ ‫منوذجــا‪ ،‬والتســاؤالن يلزمــان الــدول اخلليجيــة الســت بتفكيــر‬ ‫ً‬ ‫مختلــف ملواجهــة الضغوطــات األمريكيــة‪ ،‬وبصــورة جماعيــة أو ثنائيــة‬ ‫مــع احلليــف البريطانــي الــذي يرتبــط ببكــن مبصالــح اســتراتيجية‬ ‫رغــم خالفاتــه معهــا‪ ،‬وهــى خالفــات طبيعيــة‪ ،‬كقضيــة هــواوي وجبــل‬ ‫طــارق‪ ،‬ومتجــاوزة وإال فــإن خســارة لنــدن االقتصاديــة ســتكون كبيــرة‬ ‫بعــد خروجــه مــن االحتــاد األوروبــي ‪.‬‬ ‫وميكــن ملســقط والريــاض أن تقــود زمــام مبــادرة املواجهــة الذكيــة‬ ‫بحكــم شــراكتهما االســتراتيجية اجلديــدة‪ ،‬وبحكــم مــا يســود‬ ‫بينهمــا اآلن مــن تقــارب وتنســيق سياســي غيــر مســبوقني‪ ،‬وتــكاد‬ ‫تكــون مواقفهمــا متقاربــة‪ ،‬كمــا ســيكون للشــراكة العمانيــة الصينيــة‬ ‫انعكاســات إيجابيــة وملموســة علــى املصالــح الســعودية ســواء تلكــم‬ ‫التــي ســتكون موجــودة علــى األراضــي العمانيــة كمنتوجــات املصانــع‬ ‫وأنبــوب النفــط الســعودي‪ ،‬أو تلــك القادمــة مــن الســعودية بعــد‬ ‫دمــج البعديــن اجليواســتراتيجي بــن الريــاض ومســقط يف منظومــة‬ ‫مشــتركة‪.‬‬ ‫فالدقــم ســتكون قاعــدة تشــغيل للشــركات الصينيــة‪ ،‬وهــى قريبــة‬ ‫مــن أســواق التصديــر التــي تتطلــع بكــن لتطويرهــا يف دول ذات‬ ‫كثافــة ســكانية – كمــا ســبقت اإلشــارة – لذلــك‪ ،‬ســتفتح الطــرق‬ ‫اآلمنــة أمــام التجــارة العمانيــة والســعودية مــع دول مثــل دول آســيا‬ ‫الوســطى وأفغانســتان والقــارة اإلفريقيــة مث ـ ً‬ ‫ا‪ ،‬وهــذا يتمشــى مــع‬ ‫رؤيتــي عمــان ‪ ،2040‬والســعودية ‪2030‬م‪ ،‬وهــذا يحتــم علــى البلديــن‪،‬‬ ‫بلــورة رؤيــة اســتراتيجية مشــتركة تعمــان مــن خاللهــا وبــذكاء علــى‬ ‫حيادهمــا يف الصــراع األمريكــي الصينــي ‪.‬‬ ‫* خبير يف الشـأن الخليجـي والعالقـات الدوليـة وكاتـب ومحلـل سـيايس ـــ‬ ‫سـلطنة عمان‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ثانيا ‪ :‬البناء الثقايف للشراكة العمانية الصينية ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حتــاول مســقط وبكــن تأســيس شــراكتهما علــى أســس ثقافيــة‬ ‫واقتصاديــة م ًعــا ‪ ،‬وليــس اقتصاديــا فقــط ‪ ،‬ويف مبــادرات متبادلــة‬ ‫بــن البلديــن‪ ،‬بــدا لنــا املشــهد‪ ،‬وكأن بينهمــا ســباق نحــو البعــد‬ ‫الثقــايف كمقدمــة للشــراكة االقتصاديــة املصيريــة‪ ،‬وقدمــت مســقط ‪،‬‬ ‫مجموعــة مبــادرات ثقافيــة نحــو بكــن ‪ ،‬أبرزهــا ‪:‬‬ ‫إقامــة كرســي الســلطان قابــوس لدراســات اللغــة العربيــة بجامعــة‬ ‫بكــن عــام ‪2007‬م‪ ،‬وتوجيــه الســلطان الراحــل قابــوس بتســيير‬ ‫رحلــة بحريــة مــن عمــان إلــى الصــن علــى غــرار الرحــات التاريخيــة‬ ‫بعــد إقامــة العالقــات الدبلوماســية بــن الســلطنة والصــن بفتــرة‬ ‫قصيــرة جـدًا‪ ،‬فكانــت رحلــة الســفينة صحــار التــي أعــادت األمجــاد‬ ‫البحريــة العمانيــة‪ ،‬وأعــادت إلــى األذهــان طريــق احلريــر التاريخــي‪،‬‬ ‫وتاريــخ العالقــات العمانيــة الصينيــة ‪.‬‬ ‫ويتحــدث بعــض الكتــاب العمانيــن‪ ،‬عــن انتفــاء الصدفــة يف انطــاق‬ ‫الشــعلة األوملبيــة الصينيــة مــن دوار قصــر البســتان بســلطنة عمــان‪،‬‬ ‫حيــث كانــت تقــف الســفينة صحــار ‪ ،‬وهــذا لــه داللــة صينيــة ‪،‬‬ ‫وداللــة أخــرى مهمــة ‪ ،‬وهــى اختيــار مدينــة مســقط مكا ًنــا وحي ـدًا‬ ‫ملــرور الشــعلة األوملبيــة‪ ،‬كمــا مت ً‬ ‫أيضــا تأســيس جمعيــة الصداقــة‬ ‫الصينيــة العمانيــة ‪ ،‬وكذلــك إنشــاء صنــدوق التبــادل الــودي الصينــي‬ ‫العمانــي ممــا سيســهم يف زيــادة التفاهــم الــودي بــن شــعبي البلديــن‪،‬‬ ‫كمــا مت توقيــع اتفاقيــة مشــتركة بــن البلديــن لإلعفــاء املتبــادل مــن‬ ‫تأشــيرات الدخــول ملواطنيهمــا‪ ،‬واتفاقيــة التعــاون يف مجــال العلــوم‬ ‫والتكنولوجيــا‪ ،‬إضافــة إلــى توقيــع البرنامــج التنفيــذي للتعــاون‬ ‫يف املجــال اإلعالمــي والصحــي والثقــايف بــن الســلطنة والصــن‬ ‫لألعــوام ‪2024 – 2020‬م‪ ،‬و تخصــص الصــن مقاعــد للطلبــة‬ ‫العمانيــن مقاعــد جامعيــة باملجــان ســنو ًيا ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثالثــا ‪ :‬البنــاء التجــاري واالســتثماري للشــراكة العمانيــة‬ ‫الصينيــة ‪.‬‬ ‫متثــل الصــن ‪ % 64‬مــن صــادرات الســلطنة ‪ ،‬يتربعهــا النفــط والغــاز ‪،‬‬ ‫أمــا االســتيراد فتمثــل الصــن ‪ ، %11‬ومنــذ عــام ‪2018‬م‪ ،‬تعــد مســقط‬ ‫أحــد أهــم شــركاء الصــن يف مجــال االســتثمار يف الشــرق األوســط‪،‬‬ ‫وبالتالــي مــن الــدول الرئيســية يف مبــادرة الطريــق واحلــزام ‪ ،‬وميثــل‬ ‫إقامــة منطقــة صناعيــة صينيــة ضخمــة يف الدقــم باســتثمارات تقــدر‬ ‫بعشــرة مليــارات دوالر ‪ ،‬واســتثمارات أخــرى يف املنطقــة ‪ ،‬نقطــة‬ ‫جنــاح واعــدة يف مبــادرة احلــزام والطريــق ‪ ،‬فالدقــم بإطاللتهــا علــى‬ ‫بحــر العــرب تشــكل قاعــدة تشــغيل محتملــة للشــركات الصينيــة‬ ‫قريبــة مــن أســواق التصديــر التــي تتطلــع بكــن لتطويرهــا يف اخلليــج‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪69‬‬

‫ملف العدد‬

‫وشــبه القــارة الهنديــة وشــرق إفريقيــا‪ ،‬كمــا أن الدقــم قريبــة مــن‬ ‫بعــض مــوارد املــواد اخلــام التــي ســتحتاجها الشــركات الصينيــة‪،‬‬ ‫وهــى مــوارد النفــط والغــاز يف اخلليــج ‪.‬‬ ‫وقــد أدرجــت بكــن املنطقــة الصناعيــة يف الدقــم يف قائمــة‬ ‫املناطــق الســتة عشــر النموذجيــة للتعــاون الدولــي يف مجــال‬ ‫القــدرة اإلنتاجيــة‪ ،‬وتضــم املرحلــة األولــى مــن املدينــة الصناعيــة‬ ‫عشــرة مشــاريع متنوعــة هــي‪ ،‬ســوق مــواد البنــاء‪ ،‬ومشــروع إنتــاج‬ ‫امليثانــول الســتخدامه يف مشــروع األولفــن‪ ،‬وإنشــاء محطــة إلنتــاج‬ ‫الكهربــاء‪ ،‬وأخــرى لتحليــة ميــاه البحــر‪ ،‬واســتخراج البــروم‪ ،‬ومصنــع‬ ‫إنتــاج ألــواح ومعــدات الطاقــة الشمســية‪ ،‬ومصنــع إلنتــاج األنابيــب‬ ‫املســتخدمة يف حقــول النفــط والغــاز ‪،‬ومصنــع أخــر إلنتــاج االنابيــب‬ ‫غيــر املعدنيــة املركبــة املســتخدمة يف حقــول النفــط والغاز ‪ ،‬ومصنع‬ ‫إلنتــاج أنابيــب الصلــب واألســاك والصلــب املقــوى مــن نــوع ( بــي‬ ‫إي ) وقطــع الغيــار ‪ ،‬ومصنــع إلنتــاج ســيارات الدفــع الرباعــي عاليــة‬ ‫التنقــل ‪ ،‬إضافــة إلــى فنــدق فئــة خمســة جنــوم ســيقام باملنطقــة‬ ‫الســياحية يف الدقــم ‪..‬الــخ ‪.‬‬ ‫وســتقدم الصــن خبراتهــا يف املجــال اللوجســتي ممــا ســيكون لهــا‬ ‫نتائــج ملموســة خاصــة علــى موانــئ الســلطنة يف صاللــة وصحــار‬ ‫والدقــم وصــور‪ ،‬وهــى موانــئ مفتوحــة علــى بحــر العــرب وبحــر‬ ‫عمــان واحمليــط الهنــدي‪ ،‬وأمــام مســقط اآلن اآلفــاق الرحبــة‬ ‫لتحقيــق طموحاتهــا املعاصــرة خاصــة يف املجــاالت التاليــة‪،‬‬ ‫التصنيــع ونقــل التكنولوجيــا اإلنتاجيــة والطاقــة‪ ،‬والطاقــة النوويــة‪،‬‬ ‫والزراعــة‪ ،‬والتكنولوجيــا الدقيقــة‪ ،‬وحتــى صناعاتهــا العســكرية‬ ‫املتطــورة كالطائــرات املســيرة ‪ ،‬والفضــاء إضافــة فــرص التعــاون‬ ‫املالــي واالســتثماري بــن اجلانبــن‪ ،‬فهــذه فــرص ميكــن أن حتصــل‬ ‫عليهــا مســقط بســهولة مــن بكــن إذا كانــت ضمــن طموحاتهــا‬ ‫مقارنــة بالــدول األخــرى‪.‬‬

‫المحــور الرابــع ‪ :‬مــدى الرهانــات الخليجيــة عــى الصيــن يف عهــد‬ ‫بايــدن ؟‬ ‫يطــرح التســاؤل أعــاه يف كل العواصــم اخلليجيــة مبــا فيهــم‬ ‫مســقط‪ ،‬ووفــق كل احلســابات احملتملــة يف ضــوء حتليــل دقيــق‬ ‫ملبــادرة احلــزام والطريــق‪ ،‬فهــو أكبــر مــن مجــرد مشــروع اقتصــادي‬ ‫وتنمــوي تتبنــاه الصــن‪ ،‬وحتــاول جتمــع عليــه دول العالــم‪ ،‬فهــو‬ ‫مبــادرة شــاملة‪ ،‬متثــل كذلــك رؤيــة اســتراتيجية لــدور بكــن‬ ‫يف النظــام العاملــي‪ ،‬وهــى تقــوم علــى عــدة أســس‪ ،‬منهــا تطويــر‬ ‫دبلوماســية جديــدة للصــن ذات طابــع عاملــي تتناســب مــع مكانتهــا‬

‫‪68‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الره ــان ع ــى الصي ــن يف تعدي ــل دس ــتورها ليس ــمح له ــا باس ــتخدام‬ ‫قواته ــا المس ــلحة خ ــارج حدوده ــا لحماي ــة مصالحه ــا‬ ‫الســلطان قابــوس‪ ،‬كان اســتثنائ ًيا يف التفكيــر السياســي العربــي ‪،‬‬ ‫فمســقط كانــت الدولــة اخلليجيــة الثانيــة بعــد الكويــت التــي أقامــت‬ ‫معهــا عالقــات دبلوماســية عــام ‪1987‬م‪ ،‬أي بعــد مــرور ســنتني مــن‬ ‫انتهــاء ثــورة ظفــار ‪ ،‬وهنــا تكــون القيــادة اجلديدة يف الســلطنة آنذاك‪،‬‬ ‫قــد غلبــت البرغماتيــة‪ ،‬وانتقلــت ســري ًعا مــن ردة الفعــل إلــى الفعــل‬ ‫الــذي يجعلهــا تنظــر للمســتقبل مــن خــال مبادئهــا اجلديــدة التــي‬ ‫طبقتهــا بحــزم‪ ،‬وجعلتهــا اليــوم بــا أعــداء مــن الــدول واجلماعــات‬ ‫املســلحة ‪.‬‬ ‫وحتــى ملــا قــرر الســلطان قابــوس توثيــق العالقــات مــع الصــن‪ ،‬لــم‬ ‫ينظــر ســوى للتاريــخ معهــا‪ ،‬متجــاوزًا بذلــك مفصــل الــدور الصينــي‬ ‫يف ثــورة ظفــار ‪ ،‬ألنــه يعتبــر الثــورة رد فعــل مســلم بــه نتيجــة الظــروف‬ ‫املعيشــية القاســية التــي كان املجتمــع العمانــي يعيشــها إبــان عصــر‬ ‫أبيــه‪ ،‬واملتأمــل اليــوم يف هــذه العالقــات‪ ،‬ســيجدها مــن أقــوى‬ ‫العالقــات اســتقرا ًرا وثقــة ‪ ،‬ويف كل الزيــارات املتبادلــة بــن كبــار‬ ‫املســؤولني يف كال البلديــن ‪ ،‬يتــم اإلشــارة إلــى هــذا التاريــخ املشــترك‬ ‫بــن البلديــن‪ ،‬ودوره يف قيــادة العالقــات احلديثــة بينهمــا ‪.‬‬ ‫وأخــر هــذه الزيــارات ‪ ،‬كانــت لعضــو مجلــس الدولــة ووزيــر اخلارجيــة‬ ‫الصينــي ملســقط وانــغ يــي ‪ ،‬فقــد كــررا مــا يلــوح بــه كل مســؤول‬ ‫صينــي يــزور الســلطنة عــن الــدور التاريخــي للحضارتــن العمانيــة‬ ‫الصينيــة الــذي يعــود إلــى طريــق احلريــر‪ ،‬وأبــدى رغبــة بــاده يف أن‬ ‫تكــون أكثــر أصدقــاء عمــان جــدارة بالثقــة‪ ،‬والســعي بشــكل مشــترك‬ ‫نحــو حتقيــق تنميــة أكبــر للشــراكة االســتراتيجية بــن البلديــن يف‬ ‫العصــر احلديــث ‪.‬‬

‫المحــور الثالــث ‪ :‬العالقــات العمانيــة الصينيــة واقــع وآفــاق‬ ‫مصيريــة ‪.‬‬ ‫شــهدت العالقــات العمانيــة الصينيــة مراحــل مختلفــة‪ ،‬بــدأت مختلــة‪،‬‬ ‫تقتصــر علــى التعــاون يف مجــال الطاقــة مــع تواضــع لالســتثمارات‬ ‫الصينيــة يف القطاعــات غيــر النفطيــة‪ ،‬وانتقلــت منــذ عــام ‪2018‬م‪،‬‬ ‫إلــى مرحلــة الشــراكة االســتراتيجية يف ضــوء تقاطــع املصلحتــن‬ ‫العمانيــة والصينيــة‪ ،‬ففــي هــذا العــام األخيــر ‪ ،‬مت وضــع تصــور كبيــر‬ ‫للتنميــة املســتقبلية‪ ،‬كمــا مت توقيــع اتفاقيــة تفاهــم للعالقــات بــن‬ ‫البلديــن ضمــن مبــادرة " احلــزام والطريــق " ممــا ســاهم يف تعزيــز‬

‫وتكثيــف االســتثمار الصينــي يف الســلطنة يف عهــد الســلطان قابــوس‪،‬‬ ‫ومتضــي مســقط قد ًمــا اآلن يف عهــد الســلطان هيثــم علــى نفــس‬ ‫املســار يف ظــل انفتاحهــا أكثــر علــى االســتثمارات اخلارجيــة بعــد‬ ‫التعديــات اجلديــدة علــى قوانــن االســتثمار اخلارجــي ‪ ،‬فنجــاح‬ ‫الرؤيــة العمانيــة ‪2040‬م‪ ،‬يتوقــف علــى هــذه االســتثمارات‪ ،‬والصــن‬ ‫مــن الــدول املســتهدفة ملســقط لنجــاح رؤيتهــا ‪2040‬م ‪.‬‬ ‫كيــف تبنــى الشــراكة العمانيــة الصينيــة املعاصــرة ؟ ومــاذا مييزهــا‬ ‫عــن الشــراكات األخــرى ؟ ســنتناول هــذا احملــور يف ثالثــة أجــزاء‬ ‫مهمــة ‪،‬األول ‪ ،‬مالمــح عامــة مســتهدفة لرؤيــة عمــان ‪ ، 2040‬وكيــف‬ ‫تتقاطــع الشــراكة العمانيــة الصينيــة معهــا ‪ ،‬وثان ًيــا البنــاء الثقــايف‬ ‫للشــراكة ‪ ،‬وثال ًثــا ‪ ،‬البنــاء التجــاري واالســتثماري ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أوال ‪ :‬مالمــح عامــة لرؤيــة ‪ ،2040‬والرهانــات علــى الشــراكة‬ ‫مــع الصــن ‪.‬‬ ‫تســتهدف رؤيــة عمــان ‪ ،2040‬بلــوغ الســلطنة إلــى مصــاف الــدول‬ ‫املتقدمــة ‪ ،‬وهــذه املكانــة لهــا اســتحقاقاتها املتعــددة ويف كل املجــاالت‬ ‫العاليــة اجلــودة‪ ،‬االقتصــاد‪ ،‬التكنلوجيــا‪ ،‬الطاقــة النوويــة‪ ،‬الفضــاء‬ ‫واألقمــار االصطناعيــة‪ ،‬فالرؤيــة العمانيــة مهتمــة بــكل هــذه اجلوانــب‬ ‫‪ ،‬فلــو توقفنــا عنــد االقتصــاد ‪ ،‬فالتوجــه االســتراتيجي للرؤيــة يتجــه‬ ‫نحــو اقتصــاد متنــوع ومســتدام يعتمــد علــى التكنولوجيــا واملعرفــة‬ ‫واالبتــكار‪ ،‬ويعمــل ضمــن أطــر متكاملــة‪ ،‬يضمــن التنافســية‪،‬‬ ‫ويحتضــن الثــورات الصناعيــة‪ ،‬ويحقــق االســتدامة املاليــة‪ ،‬وهنــا‬ ‫تظهــر بكــن الدولــة العامليــة األولــى التــي ميكــن أن تســاعد مســقط‬ ‫علــى تطويــر اقتصادهــا‪ ،‬وتعزيــز قدرتــه التنافســية يف معظــم‬ ‫القطاعــات واألنشــطة مثــل الســياحة والتعليــم والتصنيــع‪ ،‬مبــا يف‬ ‫ذلــك الصناعــات القائمــة علــى النفــط والغــاز‪.‬‬ ‫ومــن أهــداف الرؤيــة كذلــك االهتمــام باحملــاور البحريــة لالســتفادة‬ ‫مــن موقــع عمــان االســتراتيجي علــى مفتــرق الطــرق بــن بحــر‬ ‫العــرب واحمليــط الهنــدي‪ ،‬ودعم ـاً للبنيــة التحتيــة للنقــل واخلدمــات‬ ‫اللوجســتية‪ ،‬طــورت مســقط موانيهــا الرئيســية كالدقــم وصاللــة‬ ‫وصحــار‪ ،‬وأصحبــت تتالقــى مــع مبــادرة احلــزام والطريــق الصينــي‬ ‫‪ ،‬لذلــك‪ ،‬كانــت مســقط مــن بــن الــدول املوقعــة علــى تأســيس البنــك‬ ‫اآلســيوي لالســتثمار يف البنيــة التحتيــة يف الشــرق األوســط ‪ ،‬ومــن‬ ‫ثــم انضمامهــا ملبــادرة احلــزام والطريــق ‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪67‬‬

‫ملف العدد‬

‫الســـلطان قابـــوس استشـــرف منـــذ الســـبعينيات مســـتقبل‬ ‫الصي ــن العالم ــي وتج ــاوز دور بكي ــن التاريخ ــي يف دع ــم ث ــورة ظف ــار‬ ‫وهــذا التاريــخ بــن الســلطنة والصــن‪ ،‬لــم يســتغل االســتغالل األمثــل‬ ‫‪ ،‬إال حدي ًثــا يف عهــد الســلطان الراحــل قابــوس بــن ســعيد الــذي‬ ‫استشــرف منــذ الســبعينيات مســتقبل الصــن العاملــي‪ ،‬وجتــاوز‬ ‫بعقالنيــة استشــرافية الــدور الصينــي التاريخــي يف دعــم ثــورة ظفــار‬ ‫‪. - 1975 ، 1965-‬‬

‫المحــور الثانــي ‪ :‬االنفتــاح العمانــي المبكــر عــى بكيــن رغــم‬ ‫دعمهــا لثــورة ظفــار‪.‬‬ ‫تعــد إقامــة عالقــات مــع دولــة شــيوعية ســاندت ثــورة ظفــار املناوئــة‬ ‫لإلجنليــز ولنظــام الســلطان ســعيد بــن تيمــور‪ ،‬وبعــده نظــام أبنــه‬

‫‪66‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫علقم ــا ع ــى‬ ‫التدخ ــل اإليران ــي يف اليم ــن س ــوف ينقل ــب‬ ‫ً‬ ‫النظ ــام اإليران ــي ط ــال الزم ــان أم قص ــر‬ ‫هــذه الثنائيــة بصــورة جماعيــة ‪.‬‬ ‫ســنتناول مــا تطرحــه مقدمــة املقــال مــن أبعــاد وخلفيــات وإشــكاليات‬ ‫مــن خــال البحــث يف العالقــات العمانيــة الصينيــة بــن الواقــع‬ ‫واملســتقبل واملخاطــر يف عهــد بايــدن ‪ ،‬وســتكون منهجيــة بحثنــا وفــق‬ ‫احملــاور التاليــة ‪:‬‬ ‫أوال ‪ :‬العالقــات العمانيــة الصينيــة تتأســس مــن منظــور التاريــخ‬ ‫املشــترك‪.‬‬ ‫ثانيــا ‪ :‬االنفتــاح العمانــي املبكــر علــى بكــن رغــم دعمهــا لثــورة‬ ‫ً‬ ‫ظفــار‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثالثا ‪ :‬العالقات العمانية الصينية واقع وآفاق مصيرية ‪.‬‬ ‫رابعا ‪ :‬الرهانات اخلليجية على الصني يف عهد بايدن ؟؟‬ ‫ً‬ ‫خامســا ‪ :‬مســقط والريــاض ‪ ..‬رؤيــة مشــتركة ملواجهــة التحديــات‬ ‫ً‬ ‫األمريكيــة ‪.‬‬

‫المحــور األول ‪ :‬العالقــات العمانيــة الصينيــة تتأســس مــن‬ ‫منظــور التاريــخ المشــترك‬

‫ً‬ ‫تاريخــا حضار ًيــا وجتار ًيــا‬ ‫تشــعر كل مــن مســقط وبكــن بــأن لهمــا‬ ‫مشــتر ًكا ومتجــذ ًرا‪ ،‬يرجــع إلــى مــا قبــل امليــاد‪ ،‬ومييزهمــا عــن‬ ‫الكثيــر مــن الــدول‪ ،‬وينبغــي توظيفــه لتأســيس شــراكتهما املعاصــرة‪،‬‬ ‫وكل مــن يلقــي نظــرة علــى اهتمامــات املؤرخــن بالعالقــات التاريخيــة‬ ‫بــن عمــان والصــن ‪ ،‬ســيجد أنهــم يركــزون فقــط علــى اجلانــب‬ ‫التجــاري دون احلضــاري‪ ،‬رغــم توفــر املصــادر التاريخيــة التــي‬ ‫تغــوص يف البعديــن م ًعــا‪.‬‬ ‫وتقــول هــذه املصــادر أن رحــات التجــار العمانيــن البحريــة للصــن‪،‬‬ ‫بــدأت منــذ القــرن الثانــي الهجــري‪ ،‬وكانــت مــن أقــدم رحــات العــرب‬ ‫إليهــا‪ ،‬وتذكــر أن أبــا عبيــدة عبــداهلل بــن القاســم كان مــن أوائــل‬ ‫الذيــن اشــتغلوا يف نشــر اإلســام يف الصــن يف ذلــك القــرن ‪ ،‬كمــا‬ ‫يوثــق التاريــخ الصينــي شــخصية التاجــر عبــداهلل العمانــي الــذي كان‬ ‫رجــ ً‬ ‫ا ثر ًيــا يديــر جتارتــه بنفســه‪ ،‬وأقــام يف الصــن‪ ،‬وكان رئيــس‬

‫اجلاليــة العربيــة هنــاك يف عهــد أســرة ســونغ‪ ،‬ومندو ًبــا معتمـدًا لــدى‬ ‫ميــا‪ ،‬وعينــه كذلــك‬ ‫الصــن عــن مدينــة صحــار عاصمــة عمــان قد ً‬ ‫ً‬ ‫ضابطــا للهجــرة‪ ،‬وأرخ املــؤرخ الصينــي ســو شــي‬ ‫اإلمبراطــور‬ ‫(‪1101 – 1027‬م ) وقــال‪ :‬توجــه الشــيخ عبــداهلل شــخص ًيا إلــى‬ ‫العاصمــة كاي فانــغ عاصمــة أســرة ســونغ الشــمالية لتقــدمي مراســيم‬ ‫االحتــرام لإلمبراطــور وتقــدمي الهدايــا"‬ ‫كمــا كانــت لــه أعمــال خيريــة كثيــرة يف الصــن‪ ،‬وأحبــه الشــعب‬ ‫الصينــي كثيـ ًرا ملســاهماته اخليريــة يف الكثيــر مــن املجــاالت كالبنــاء‪،‬‬ ‫والتعليــم‪ ،‬فقــد أنشــأ املــدارس ألبنــاء املدينــة الصينيــة التــي كان‬ ‫يعيــش فيهــا‪ ،‬ولذلــك أكرمــه اإلمبراطــور الصينــي بوســام ولقــب‬ ‫اجلنــرال وبعــض املصــادر تقــول جنــرال األخــاق‪ ،‬وأبــا عبيــده‪،‬‬ ‫والتاجــر العمانــي‪ ،‬همــا منوذجــان مــن الشــخصيات العمانيــة التــي‬ ‫كان لهــا أدوار إنســانية وحضاريــة يف الصــن ‪.‬‬ ‫يف وقــت كانــت تشــهد فيــه عمــان التاريخيــة حــرا ًكا حضار ًيــا وجتار ًيــا‬ ‫مــع العديــد مــن احلضــارات القدميــة يف آســيا وإفريقيــا وأوروبــا‬ ‫بحكــم موقعهــا اجلغــرايف علــى ملتقــى الطــرق التجاريــة البحريــة‪،‬‬ ‫وإلشــرافها علــى مســطحات مائيــة واســعة‪ ،‬ممــا مهــد لهــا القيــام‬ ‫مبهــام الوســيط التجــاري بــن الشــرق والغــرب‪ ،‬وشــعوب الشــمال‬ ‫واجلنــوب‪ ،‬وقــد اشــتهرت بتصديــر الكثيــر مــن املنتجــات إلــى‬ ‫مختلــف املناطــق احلضاريــة ‪،‬كالنحــاس والتمــور واألســماك واللُبــان‪،‬‬ ‫وهــذه األخيــرة‪ ،‬عرفــت يف فتــرات مــا قبــل امليــاد بقــرون طويلــة‪،‬‬ ‫حيــث كان اللُبــان يف مقدمــة صــادرات اجلنــوب العربــي يف العصــر‬ ‫القــدمي‪ ،‬وكان يصــل إلــى مناطــق بعيــدة واســتمر ذلــك النشــاط‬ ‫وازدهــر يف العصــور اإلســامية األولــى‪.‬‬ ‫ونتيجــة لذلــك بــرزت موانــئ عديــدة يف َظفــار عبــر التاريــخ لنقــل‬ ‫جتــارة البخــور منهــا إلــى موانــئ الشــرق علــى طــول الســواحل‬ ‫اآلســيوية بدايــة مــن الهنــد وجنــوب شــرق آســيا وصــوالً إلــى الصــن‬ ‫حيــث نهايــة الطريــق البحــري والــذي مــن مســمياته (طريــق البخــور)‬ ‫املمتــد مــن الشــواطئ اجلنوبيــة ل ُعمان(شــاطئ العطــور) كســمهرم‬ ‫ومربــاط َ‬ ‫وظفــار (البليــد) وريســوت إلــى املوانــئ الصينيــة مــرو ًرا‬ ‫بأهــم املوانــئ الواقعــة علــى هــذا الطريــق كموانــئ جنــوب وجنــوب‬ ‫شــرق آســيا‪ ،‬حيــث كان عبــر هــذا الطريــق ينقــل اللُبــان‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪65‬‬

‫ملف العدد‬

‫الشراكة الخليجية ‪ /‬الصينية في عهد بايدن‪ :‬مسقط وبكين نموذج‬

‫دول الخليج ملزمة بالتفكير مع الحليف‬ ‫البريطاني المرتبط بمصالح مع الصين‬ ‫تدفــع التطــورات يف منطقــة الشــرق األوســط عامــة ‪ ،‬بــدول مجلــس التعــاون اخلليجــي الســت إلــى إعــادة مراجعــة عالقاتهــا‬ ‫الدوليــة علــى املســتويني االقتصــادي واألمنــي‪ ،‬وجندهــا اآلن يف مرحلــة دوليــة مماثلــة ملرحلــة احلــرب البــاردة بــن أمريــكا‬ ‫واالحتــاد الســوفياتي الســابق والتــي جعلتهــا حتــت املظلــة العســكرية األمريكيــة ‪ ،‬ووجــه التالقــي جوهريــة رغــم وجــوه‬ ‫االختــاف املتعــددة ‪ ،‬ليــس علــى املســتوى األيديولوجــي فحســب ‪ ،‬وإمنــا املهــددات الوجوديــة للــدول اخلليجيــة‪ ،‬فهــي لــم تعــد‬ ‫أمنيــة ‪ /‬عســكرية خالصــة ‪ ،‬وإمنــا أصبــح األمــن يقتــرن باالقتصــاد‪ ،‬وقــد يتداعــى األمــن بســبب االقتصــاد ‪ ،‬لذلــك لــم تعــد‬ ‫املصلحــة االســتراتيجية للخليــج العربــي يف االنحيــاز لقــوة عظمــى علــى حســاب أخــرى‪ ،‬وإمنــا صناعــة التــوازن بــن القــوى‬ ‫كلهــا‪ ،‬دون أن تنجــر إلــى عــداوات قــد تؤثــر علــى معادلــة األمــن واالقتصــاد اجلديــدة‪.‬‬

‫د‪ .‬عبداهلل باحجاج‬

‫فهــذه املعادلــة جندهــا يف إقامــة عالقــات متوازنــة مــع واشــنطن‬ ‫والصــن دون اإلغــراق يف جدليــة الصــراع بينهمــا حــول الســيادة‬ ‫العامليــة‪ ،‬وبالتالــي ينبغــي العمــل بــذكاء علــى عــدم صناعــة العــداء مــع‬ ‫بكــن مهمــا كانــت الضغوطــات األمريكيــة‪ ،‬ومبــررات إقامــة العالقــات‬ ‫املتوازنــة بــن القوتــن األمريكيــة والصينيــة ميكننــا أن جنملهــا يف‬ ‫اآلتــي ‪:‬‬ ‫• خــذالن واشــنطن أمن ًيــا حلفائهــا يف اخلليــج منــذ عهــد بــاراك‬ ‫وترامــب ‪ ،‬واآلن بايــدن ‪.‬‬ ‫• مســاعي واشــنطن يف عهــد بايــدن التركيــز علــى شــأنها الداخلــي‬ ‫أوالً ‪ ،‬وإعــادة انتشــارها العســكري يف املنطقــة لصالــح آســيا ‪.‬‬ ‫• مخاطــر تفــكك أمريــكا ‪ ،‬ومؤشــرات فعليــة تنــذر بذلــك‪ ،‬أبرزهــا‬ ‫تفــكك نســيجها االجتماعــي ‪.‬‬ ‫• انتصــار حركــة طالبــان يعــزز حالــة عــدم الثقــة يف املظلة العســكرية‬ ‫األمريكيــة ‪ ،‬ويشــكل جناحهــا حالــة إلهــام للجماعــات األيديولوجيــة‬ ‫يف املنطقــة ‪.‬‬

‫• التحليــات املوضوعيــة تشــير إلــى عــدم جنــاح بكــن باالســتفراد‬ ‫بالســيادة العامليــة‪ ،‬أو اســتمرار واشــنطن لوحدهــا بهــا‪ ،‬وإمنــا‬ ‫تقاســمها بينهمــا‪ ،‬ك ً‬ ‫ال يف تفوقــه‪.‬‬ ‫وهنــا تبــدو الصــن‪ ،‬املعادلــة الدوليــة املطلوبــة للــدول اخلليجيــة‬ ‫الســت مــن منظوريــن متالزمــن همــا‪ ،‬االقتصــاد واألمــن‪ ،‬دون‬ ‫اإلغــراق يف البعبــع األمريكــي الــذي يكيــل مبكيالــن متناقضــن‬ ‫مــع الصــن‪ ،‬فهــو يرفــع ســقف الضغــط عليهــا مــع تلويــح خبرائــه‬ ‫باحلــرب‪ ،‬ويف الوقــت نفســه‪ ،‬يجــري معهــا محادثــات للتوصــل إلــى‬ ‫اتفاقيــة جتاريــة جديــدة ‪ ،‬مــن هنــا ‪ ،‬حتتــاج الــدول الســت إلــى حتليــل‬ ‫دقيــق وعميــق ملاهيــات املرحلــة الدوليــة املقبلــة‪ ،‬وانعكاســاتها علــى‬ ‫املســتويني األمنــي واالقتصــادي يف اخلليــج ‪.‬‬ ‫كل الســيناريوهات ينبغــي أن تضــع فــوق الطاولــة اخلليجيــة‪ ،‬فالصــن‬ ‫لــم تعــد القــوة التــي ينبغــي أن تضــع يف اخليــار اآلتــي‪ :‬إمــا بكــن أو‬ ‫واشــنطن ؟ وإمنــا قــد أصبحــت املصلحــة اخلليجيــة مــع القوتــن م ًعــا‪،‬‬ ‫ويف آن واحــد‪ ،‬وعليــه ينبغــي أن تعمــل السياســة اخلليجيــة علــى بلــورة‬

‫‪64‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫يف املنطقــة‪ ،‬الســيما دول مجلــس التعــاون اخلليجــي‪ ،‬وذلــك العتبارين‬ ‫رئيســيني‪ :‬أولهمــا‪ ،‬أن لــدى الصــن مصالــح اســتراتيجية كبيــرة مــع‬ ‫دول مجلــس التعــاون اخلليجــي‪ ،‬ال ميكــن االســتعاضة عنهــا‪ .‬ووفق ـاً‬ ‫لتقديــرات عديــدة‪ ،‬فــإن حجــم التبــادل التجــاري بــن الصــن ودول‬ ‫املجلــس وصــل يف عــام ‪2019‬م‪ ،‬إلــى ‪ 180‬مليــار دوالر‪ ،‬مبــا ميثــل‬ ‫‪ %11‬مــن إجمالــي التجــارة اخلارجيــة للمجلــس‪ .‬وقــد وصلــت الصــن‬ ‫إلــى املرتبــة األولــى يف قائمــة الشــركاء التجاريــن للمجلــس يف عــام‬ ‫‪2020‬م‪ ،‬بــدالً مــن االحتــاد األوروبــي‪.‬‬ ‫وثانيهمــا‪ ،‬أن إيــران نفســها تتبــع سياســة براجماتيــة ميكن أن تفرض‪،‬‬ ‫يف بعــض األحيــان‪ ،‬تداعيــات ســلبية علــى مصالــح بكــن حتــى رغــم‬ ‫العالقــات الثنائيــة القويــة فيمــا بينهمــا‪ ،‬فضــ ً‬ ‫ا عــن أن حتركاتهــا‬ ‫االســتفزازية يف منطقــة اخلليــج ال حتظــى بتأييــد مــن جانــب بكــن‪،‬‬ ‫الســيما مــا يتعلــق بالتهديــدات اإليرانيــة املتكــررة بإغــاق مضيــق‬ ‫هرمــز‪ .‬وقــد ســبق أن وجهــت الصــن‪ ،‬بشــكل كان الفت ـاً‪ ،‬انتقــادات‬ ‫إليــران بســبب هــذه التهديــدات‪ .‬ففــي هــذا الســياق‪ ،‬قــال مســاعد‬ ‫وزيــر اخلارجيــة الصينــي تشــن شــياو دونــغ‪ ،‬يف ‪ 6‬يوليــو ‪2018‬م‪:‬‬ ‫"تعتقــد الصــن أن علــى إيــران بــذل املزيــد مــن اجلهــد لإلســهام‬ ‫يف الســام واالســتقرار باملنطقــة واملشــاركة يف حمايــة الســام‬ ‫واالســتقرار هنــاك‪ ،‬خاصــة وأنهــا دولــة تطــل علــى اخلليــج لــذا عليهــا‬ ‫أن تكــرس نفســها لتكــون جــارة صاحلــة"‪.‬‬ ‫وعلــى ضــوء ذلــك‪ ،‬رمبــا ميكــن القــول إن بكــن تفضــل ممارســة دور‬ ‫"املُــوازِ ن" بــدالً مــن "احلليــف" فيمــا يتصــل بالعالقــات مــع إيــران‬ ‫ودول مجلــس التعــاون اخلليجــي‪ ،‬حيــث تســعى عبــر ذلــك إلــى توســيع‬ ‫هامــش اخليــارات املتاحــة أمامهــا يف التعامــل مــع التحديــات التــي‬ ‫ميكــن أن تتعــرض لهــا العالقــات بينهــا وبــن تلــك الــدول‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬سياسة بكني جتاه أزمة امللف النووي‪:‬‬ ‫يف إطــار ســعيها إلــى تعزيــز حالــة االســتقرار يف املنطقــة حلمايــة‬ ‫مصاحلهــا‪ ،‬حتــاول الصــن املســاهمة يف اجلهــود التــي تبــذل مــن‬ ‫أجــل الوصــول إلــى صفقــة جديــدة تعــزز مــن اســتمرار العمــل‬ ‫باالتفــاق النــووي‪ .‬ومــن هنــا‪ ،‬كانــت الصــن إحــدى الــدول اخلمــس‬ ‫التــي شــاركت بشــكل مباشــر يف املفاوضــات التــي جتــري مــع إيــران‬ ‫يف فيينــا وانتهــت جولتهــا السادســة واألخيــرة يف ‪ 20‬يونيــو ‪2021‬م‪.‬‬ ‫ويف رؤيــة بكــن‪ ،‬فــإن الوصــول إلــى صفقــة جديــدة ميكــن أن يســاعد‬ ‫يف حتقيــق هدفــن همــا‪:‬‬ ‫تهدئــة حــدة األزمــة يف املنطقــة‪ :‬الســيما فيمــا يتعلــق‬ ‫‪ -1‬‬ ‫بتحــركات إيــران املناوئــة للواليــات املتحــدة األمريكيــة يف دول‬ ‫األزمــات ويف مقدمتهــا العــراق‪ ،‬حيــث حتــاول إيــران اإليعــاز حللفائهــا‬ ‫مــن امليليشــيات املســلحة يف بعــض تلــك الــدول مــن الســتهداف‬ ‫املصالــح األمريكيــة ســواء لرفــع ُكلفــة العقوبــات األمريكيــة املفروضــة‬ ‫عليهــا أو لتعزيــز موقعهــا التفاوضــي يف مباحثــات فيينــا‪.‬‬ ‫تقليــص احتمــاالت نشــوب حــرب جديــدة يف اخلليــج‪:‬‬ ‫‪ -2‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫خاصــة أن فشــل املباحثــات واســتمرار إيــران يف رفــع مســتوى‬ ‫أنشــطتها النوويــة التــي وصلــت بالفعــل إلــى مرحلــة خطــرة بعــد أن‬ ‫زادت األخيــرة مــن مســتوى تخصيــب اليورانيــوم إلــى ‪ %60‬بشــكل‬ ‫يســاهم يف اقترابهــا مــن املرحلــة التــي ميكــن أن متتلــك فيهــا القــدرة‬ ‫علــى إنتــاج القنبلــة النوويــة‪ ،‬ميكــن أن يعــزز مــن هــذا االحتمــال‪،‬‬ ‫الســيما أن االقتــراب مــن تلــك املرحلــة ميثــل "خطـاً أحمــر" لــن تســمح‬ ‫بــه الواليــات املتحــدة األمريكيــة أو إســرائيل علــى نحــو قــد يدفعهمــا‬ ‫إلــى التفكيــر يف اخليــار العســكري كآليــة لتحييــد مخاطــر البرنامــج‬ ‫النــووي اإليرانــي يف املســتقبل‪ ،‬وهــو مــا تــرى بكــن أنــه ميكــن أن‬ ‫يفــرض عواقــب خطيــرة علــى مصاحلهــا يف املنطقــة‪.‬‬ ‫وعلــى ضــوء ذلــك‪ ،‬تتبنــى بكــن آليتــن للتعامــل مــع التطــورات يف هــذا‬ ‫امللــف حتديــداً‪ :‬األولــى‪ ،‬هــو العمــل علــى تعزيــز فــرص الوصــول إلــى‬ ‫تســوية يف فيينــا مــن خــال محاولــة تقليــص حــدة اخلالفــات بــن‬ ‫إيــران والواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ .‬والثانيــة‪ ،‬مســاعدة إيــران علــى‬ ‫االلتفــاف علــى العقوبــات األمريكيــة‪ ،‬مــن خــال مواصلــة اســتيراد‬ ‫كميــات مــن النفــط اإليرانــي‪ .‬ورغــم أن الواليــات املتحــدة األمريكيــة‬ ‫كانــت تتابــع مســارات تصديــر النفــط اإليرانــي إلــى الصــن خــال‬ ‫املرحلــة املاضيــة‪ ،‬فإنهــا تغاضــت عنهــا‪ ،‬مــن أجــل تشــجيع إيــران علــى‬ ‫إبــداء مرونــة أكبــر يف مفاوضــات فيينــا‪ .‬إال أن اســتمرار اخلالفــات‬ ‫العالقــة بــن الطرفــن وتعمــد إيــران رفــع مســتوى أنشــطتها النوويــة‪،‬‬ ‫دفــع اإلدارة إلــى تغييــر موقفهــا‪ ،‬حيــث رمبــا تتجــه خــال املرحلــة‬ ‫القادمــة إلــى فــرض عقوبــات جديــدة تقلــص عبرهــا مــن مســتوى‬ ‫صــادرات النفــط اإليرانيــة إلــى الصــن‪.‬‬ ‫خامتة‪:‬‬ ‫يف النهايــة‪ ،‬ميكــن القــول إن تطويــر العالقــات بــن الصــن وإيــران‬ ‫يبــدو هــو االحتمــال األكثــر ترجيحـاً خــال املرحلــة القادمــة‪ ،‬يف ظــل‬ ‫تعويــل الطرفــن علــى تلــك العالقــات لتحقيــق أهــداف اقتصاديــة‬ ‫واســتراتيجية عديــدة‪ .‬لكــن ذلــك ال ينفــي أن ك ً‬ ‫ال منهمــا يســعى إلــى‬ ‫توســيع هامــش املنــاورة وحريــة احلركــة املتاحــة أمامــه‪ ،‬مــن خــال‬ ‫احلفــاظ علــى قنــوات تواصــل مــع قــوى إقليميــة ودوليــة أخــرى‪ ،‬حيــث‬ ‫تســعى إيــران إلــى تطويــر عالقاتهــا مــع روســيا‪ ،‬علــى نحــو بــدا جليـاً‬ ‫يف اســتعدادها لتجديــد اتفاقيــة التعــاون التــي وقعــت بــن الطرفــن‬ ‫يف عــام ‪2001‬م‪ .‬فيمــا حتــرص الصــن علــى تطويــر عالقاتهــا مــع‬ ‫دول مجلــس التعــاون اخلليجــي والعديــد مــن القــوى األخــرى مــن‬ ‫أجــل حمايــة مصاحلهــا االســتراتيجية يف منطقــة الشــرق األوســط‪.‬‬

‫* خبري يف الشؤون اإليرانية مبركز الدراسات السياسية واالسرتاتيجية باألهرام‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪63‬‬

‫ملف العدد‬

‫االتفاقي ــة تحق ــق ‪ 3‬أه ــداف لطه ــران‪ :‬تطوي ــر البني ــة التحتي ــة‬ ‫واحت ــواء آث ــار انس ــحاب الش ــركات وتداعي ــات التوت ــر‬ ‫تأســيس مشــروعات اســتراتيجية مع العديد من دول آســيا الوســطى‪،‬‬ ‫علــى نحــو ميكــن أن يوفــر ممــرات حيويــة وطــرق إمــداد لوجيســتية‬ ‫بالنســبة للمشــروع الصينــي‪ ،‬وتتمثــل أبــرز تلــك املشــروعات يف املمــر‬ ‫الــذي يربــط بــن قيرغيزســتان وطاجيكســتان وأفغانســتان وإيــران‪،‬‬ ‫واملمــر الــذي يربــط بــن إيــران وأفغانســتان وباكســتان‪.‬‬ ‫رفــع مســتوى التنســيق مــع إيــران يف أفغانســتان‪ :‬تــرى‬ ‫‪ -2‬‬ ‫اجتاهــات يف بكــن أن التمــدد اإليرانــي داخــل أفغانســتان عبــر‬ ‫العالقــات القويــة مــع بعــض املكونــات املجتمعيــة‪ -‬مثــل قوميــة‬ ‫الهــزارة‪ -‬ال يهــدد بشــكل مباشــر املصالــح الصينيــة‪ ،‬بــل إن هــذا‬ ‫التمــدد الــذي يتــوازى مــع التفاهمــات التــي جتريهــا إيــران بصفــة‬ ‫مســتمرة مــع خصمهــا الســابق ممثـ ً‬ ‫ا يف حركــة طالبــان التــي وصلــت‬ ‫إلــى الســلطة‪ ،‬ميكــن أن يســاعد يف حمايــة املصالــح الصينيــة يف‬ ‫أفغانســتان وحتييــد أيــة مخاطــر محتملــة قــد تنتــج عــن وصــول‬ ‫احلركــة إلــى احلكــم مــن جديــد‪.‬‬ ‫وقــد كان الفتــاً يف هــذا الســياق‪ ،‬أن احلركــة ســارعت إلــى الــرد‬ ‫علــى بيــان مجموعــة الــدول الســبع‪ ،‬يف ‪ 24‬أغســطس ‪2021‬م‪ ،‬والــذي‬ ‫أشــار إلــى أن "احلركــة ستحاســب علــى أفعالهــا فيمــا يتعلــق مبنــع‬ ‫اإلرهــاب وحمايــة حقــوق اإلنســان الســيما حريــات املــرأة"‪ ،‬ومتثــل‬ ‫ردهــا يف التأكيــد علــى أن عالقاتهــا مــع كل مــن الصــن وإيــران‬ ‫وروســيا وباكســتان جيــدة‪ ،‬حيــث قــال املتحــدث باســم احلركــة محمــد‬ ‫نعيــم‪"" :‬عالقاتنــا مــع إيــران والصــن وباكســتان وأوزبكســتان وغيرهــا‬ ‫ليســت جديــدة وهــذه الــدول غيــر قلقــة‪ ...‬ولدينــا عالقــات وتواصــل‬ ‫مســتمر مــع دول جــوار أفغانســتان ونريــد تطويــر ذلــك"‪ ،‬مضيفــاً‬ ‫أن "الصــن دولــة جــارة لنــا وجتمعنــا معهــا عالقــات جيــدة‪ ،‬وكذلــك‬ ‫األمــر بالنســبة لروســيا"‪ .‬وهنــا‪ ،‬فــإن الرســالة واضحــة ومفادهــا‬ ‫أن اجتــاه الــدول الغربيــة إلــى تصعيــد حــدة الضغــوط والعقوبــات‬ ‫علــى احلركــة خــال املرحلــة القادمــة ســوف يدفعهــا يف املقابــل إلــى‬ ‫تطويــر عالقاتهــا مــع خصومهــا الدوليــن واإلقليميــن الســيما روســيا‬ ‫والصــن وإيــران‪.‬‬ ‫إدارة الصــراع مــع الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ :‬يبــدو أن‬ ‫‪ -3‬‬ ‫التوتــر ســوف يتصاعــد بــن الصــن والواليــات املتحــدة األمريكيــة‬ ‫خــال املرحلــة القادمــة‪ ،‬خاصــة أن بكــن باتــت تعتبــر أن االنســحاب‬ ‫العســكري األمريكــي مــن مناطــق األزمــات يف الشــرق األوســط يعنــي‬ ‫زيــادة تركيزهــا علــى محاصــرة الــدور الصينــي املتنامــي على الســاحة‬ ‫الدوليــة‪ .‬وقــد بــدا جليــاً أن الرئيــس األمريكــي جــو بايــدن مينــح‬ ‫األولويــة‪ ،‬منــذ وصولــه إلــى البيــت األبيــض يف ‪ 20‬ينايــر ‪2021‬م‪،‬‬ ‫ملواجهــة الصعــود الصينــي‪ .‬ويف هــذا الســياق‪ ،‬أصــدرت اإلدارة‬

‫األمريكيــة‪ ،‬يف ‪ 3‬مــارس مــن العــام نفســه‪ ،‬وثيقــة "التوجيــه املؤقــت‬ ‫الســتراتيجية األمــن القومــي األمريكــي"‪ ،‬والتــي تتضمــن اآلليــات‬ ‫التــي ســتتبناها اإلدارة يف التعامــل مــع التحديــات الدوليــة‪ ،‬وكان الفتاً‬ ‫أن اســم الصــن ذكــر فيهــا نحــو ‪ 15‬مــرة رغــم أن عــدد صفحاتهــا‬ ‫ال تتجــاوز عشــرين صفحــة‪ .‬وقــد جــاء يف الوثيقــة مــا يلــي‪" :‬يجــب‬ ‫علينــا أن نتأهــب حلقيقــة أن توزيــع الســلطة يف جميــع أنحــاء العالــم‬ ‫يتغيــر‪ ،‬ممــا يخلــق تهديــدات جديــدة‪ .‬والصــن علــى وجــه اخلصــوص‬ ‫أصبحــت‪ ،‬وبســرعة أكثــر حزمــاً وتصميمــاً‪ ،‬هــى املنافــس الوحيــد‬ ‫القــادر علــى اجلمــع بــن القــوة االقتصادية والدبلوماســية والعســكرية‬ ‫والتكنولوجيــة‪ ،‬وحتــدي النظــام الدولــي املنفتــح واملســتقر"‪.‬‬ ‫بكــن تــدرك ذلــك بالطبــع وتتابــع اإلجــراءات التــي تتخذهــا واشــنطن‬ ‫لتفعيــل هــذا التوجيــه‪ ،‬ومــن هنــا‪ ،‬فإنهــا بــدأت تتحــرك بدورهــا علــى‬ ‫أكثــر مــن صعيــد‪ ،‬منهــا تطويــر العالقــات مــع خصــوم واشــنطن‪،‬‬ ‫الســيما إيــران‪ .‬ومــن هنــا‪ ،‬كان الفتــاً أن توقيــع مشــروع اتفاقيــة‬ ‫الشــراكة االســتراتيجية يف ‪ 27‬مارس ‪2021‬م‪ ،‬جاء بعد نحو شــهرين‬ ‫مــن وصــول بايــدن إلــى البيــت األبيــض‪ ،‬وبالتــوازي مــع صــدور وثيقــة‬ ‫األمــن القومــي ســابقة الذكــر‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬موقف الصني من الصراعات اإلقليمية‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ميكــن القــول إن الصــن ال تبــدي اهتمامــاً كبيــرا بتصاعــد حــدة‬ ‫الصــراع بــن القــوى اإلقليميــة يف املنطقــة‪ ،‬إال إذا كان ذلــك ميــس‬ ‫مصاحلهــا وأمنهــا القومــي بشــكل مباشــر‪ .‬ومــن هنــا ميكــن تفســير‬ ‫تركيــز الصــن علــى مــا يســمى بحــرب اســتهداف الســفن يف املنطقــة‪،‬‬ ‫حيــث أنهــا تــرى أن ذلــك رمبــا يفــرض تداعيــات مباشــرة علــى أمــن‬ ‫الطاقــة يف املنطقــة‪ ،‬مبــا ميكــن أن يؤثــر علــى صادراتهــا النفطيــة‬ ‫علــى ســبيل املثــال‪ ،‬فض ـ ً‬ ‫ا عــن أنــه قــد يفــرض انعكاســات مباشــرة‬ ‫علــى مشــروع "احلــزام والطريــق"‪.‬‬ ‫ويف هذا الســياق‪ ،‬أدانت الصني‪ ،‬يف ‪ 14‬ديســمبر ‪2020‬م‪ ،‬اســتهداف‬ ‫ناقلــة بالقــرب مــن مينــاء جــدة الســعودي‪ ،‬وقــال املتحــدث باســم وزارة‬ ‫اخلارجيــة الصينيــة أن "الصــن تديــن هــذا الهجــوم‪ ،‬وتعــارض أى‬ ‫هجمــات علــى املدنيــن واملنشــآت املدنيــة"‪ ،‬وأضــاف أن "الصــن‬ ‫تدعــو جميــع األطــراف إلــى اإلحجــام عــن أى أعمــال مــن شــأنها‬ ‫زيــادة حــدة التوتــر يف املنطقــة"‪ .‬ومــن هنــا‪ ،‬فــإن الصــن تــرى أن‬ ‫الوصــول إلــى تهدئــة يف املنطقــة ورمبــا إبــرام اتفاقيــات للتســوية‬ ‫داخــل دول األزمــات يتوافــق مــع مصاحلهــا‪ ،‬باعتبــار أن ذلــك يفــرض‬ ‫تداعيــات إيجابيــة علــى أمنهــا واســتقرارها‪.‬‬ ‫لكــن ذلــك ال يعنــي يف الوقــت ذاتــه أن بكــن ميكــن أن متنــح األولويــة‬ ‫لعالقاتهــا مــع إيــران علــى حســاب عالقاتهــا مــع دول أخــرى رئيســية‬

‫‪62‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الصي ــن تدع ــم جه ــود إي ــران م ــن أج ــل االلتف ــاف ع ــى العقوب ــات‬ ‫التـــي تفرضهـــا أمريـــكا الســـيما عـــى الصـــادرات النفطيـــة‬ ‫تطــوراً مثــل "‪ "IR4‬و"‪ ،"IR6‬ووســعت عمليــات التخصيــب لتشــمل‬ ‫مفاعــل فــوردو إلــى جانــب منشــأة ناتانــز‪ ،‬يف انتهــاك واضــح لالتفــاق‬ ‫النــووي الــذي يلــزم إيــران بتخصيــب اليورانيــوم حتــى نســبة ‪،%3.67‬‬ ‫باســتخدام أجهــزة طــرد مركــز مــن الطــراز األول "‪ ،"IR1‬وحصــر‬ ‫عمليــات التخصيــب يف منشــأة ناتانــز فقــط‪.‬‬ ‫كمــا أن إيــران مــا زالــت ترفــض بإصــرار مطالــب الــدول الغربيــة‬ ‫بتوســيع نطــاق املفاوضــات لتشــمل برنامــج الصواريــخ الباليســتية‬ ‫والــدور اإلقليمــي‪ ،‬حيــث تــرى أن أى صفقــة محتملــة قــد تســفر عنهــا‬ ‫املفاوضــات ســوف تنحصــر يف اجلوانــب الفنيــة مــن البرنامــج النــووي‬ ‫فحســب‪ .‬وقــد كان الرئيــس اإليرانــي إبراهيــم رئيســي حريصــاً‪،‬‬ ‫يف أول مؤمتــر صحفــي عقــده بعــد إعــان فــوزه يف االنتخابــات‬ ‫الرئاســية‪ ،‬يف ‪ 21‬يونيــو ‪2021‬م‪ ،‬علــى تأكيــد أن املفاوضــات مــع‬ ‫القــوى الدوليــة تنحصــر يف البرنامــج النــووي فحســب ولــن متتــد إلــى‬ ‫برنامــج الصواريــخ الباليســتية والــدور اإلقليمــي‪.‬‬ ‫إلــى جانــب ذلــك‪ ،‬فــإن إيــران ال تســتبعد إمكانيــة انســحاب الواليــات‬ ‫املتحــدة األمريكيــة مجــدداً مــن االتفــاق النــووي يف حالــة عودتهــا‬ ‫إليــه مبوجــب أى صفقــة محتملــة قــد تتوصــل إليهــا القــوى الدوليــة‬ ‫يف فيينــا‪ ،‬علــى نحــو دفعهــا إلــى تبنــي شــرط احلصــول علــى‬ ‫ضمانــات أمريكيــة بعــد االنســحاب مجــدداً مــن االتفــاق‪ ،‬وهــو شــرط‬ ‫مــن الصعــب أن تســتجيب لــه واشــنطن‪ ،‬الســيما يف ظــل الضغــوط‬ ‫الداخليــة القويــة التــي تتعــرض لهــا اإلدارة األمريكيــة‪ ،‬حيــث يوجــه‬ ‫عــدد كبيــر مــن نــواب احلــزب اجلمهــوري‪ ،‬إلــى جانــب نــواب مــن‬ ‫احلــزب الدميقراطــي‪ ،‬انتقــادات قويــة للسياســة التــي تتبناهــا اإلدارة‬ ‫جتــاه إيــران‪ ،‬التــي أنتجــت‪ ،‬يف رؤيتهــم‪ ،‬تداعيــات عكســية‪ ،‬بــدت‬ ‫جليــة يف مماطلــة إيــران يف الوصــول إلــى صفقــة جديــدة يف فيينــا‪،‬‬ ‫بالتــوازي مــع حرصهــا علــى االســتمرار يف رفــع مســتوى أنشــطتها‬ ‫النوويــة إلــى درجــة أدت إلــى اقترابهــا مــن املرحلــة التــي ميكــن أن‬ ‫متتلــك فيهــا القــدرة علــى إنتــاج القنبلــة النوويــة‪.‬‬ ‫فضـ ً‬ ‫ا عــن ذلــك‪ ،‬تتواصــل مــا ميكــن تســميته بـ"احلــرب اخلفيــة" بــن‬ ‫إيــران وإســرائيل‪ ،‬بســبب املخــاوف التــي تنتــاب األخيــرة إزاء تطــور‬ ‫البرنامــج النــووي اإليرانــي والــدور اإليرانــي يف ســوريا‪ .‬إذ تكشــف‬ ‫مؤشــرات عديــدة عــن أن إســرائيل هــى الطــرف املســئول عــن شــن‬ ‫عمليــات أمنيــة داخــل إيــران بشــكل مكثــف خــال املرحلــة املاضيــة‪،‬‬ ‫والتــي بــدت جليــة يف ســرقة األرشــيف النــووي اإليرانــي الــذي ســمح‬ ‫باحلصــول علــى معلومــات ســرية وحساســة عــن األنشــطة النوويــة‬ ‫اإليرانيــة يف ‪ 31‬ينايــر ‪2018‬م‪ ،‬ثــم تعــرض مجمــع "همــت" يف منطقــة‬ ‫خجيــر لهجــوم يف ‪ 26‬يونيــو ‪2020‬م‪ ،‬حيــث كشــفت تقاريــر عديــدة‬

‫أن املجمــع مرتبــط بإنتــاج الوقــود الصلــب والســائل يف الصواريــخ‬ ‫الباليســتية‪ ،‬أو أنــه يتضمــن أنفاقــاً تســتخدم كمخــزن للصواريــخ‬ ‫الباليســتية‪ .‬فضـ ً‬ ‫ا عــن تعــرض منشــأة ناتانــز لهجومــن يف ‪ 2‬يوليــو‬ ‫‪ 2020‬و‪ 12‬أبريــل ‪2021‬م‪ ،‬إلــى جانــب اغتيــال رئيــس مؤسســة‬ ‫األبحــاث والتطويــر يف وزارة الدفــاع اإليرانــي العالــم النــووي محســن‬ ‫فخــري زاده يف ‪ 27‬نوفمبــر ‪2020‬م‪ ،‬وتــوازى ذلــك كلــه مــع اســتهداف‬ ‫بعــض الناقــات اإليرانيــة التابعــة للحــرس الثــوري يف امليــاه اإلقليميــة‬ ‫بالقــرب مــن ســوريا وإريتريــا‪.‬‬ ‫وقــد ردت إيــران علــى ذلــك‪ ،‬باســتهداف ناقــات إســرائيلية يف‬ ‫ميــاه اخلليــج العربــي وبحــر العــرب‪ ،‬كان آخرهــا يف ‪ 29‬يوليــو‬ ‫‪2021‬م‪ ،‬عندمــا اتهمتهــا إســرائيل باملســؤولية عــن اســتهداف ناقلــة‬ ‫تابعــة لهــا أمــام خليــج عمــان‪ ،‬علــى نحــو أدى إلــى مقتــل بريطانــي‬ ‫ورومانــي كانــا علــى متنهــا‪ .‬فض ـ ً‬ ‫ا عــن أنهــا اتهمــت باملســئولية عــن‬ ‫إطــاق الصــاروخ الــذي وقــع بالقــرب مــن مفاعــل دميونــا يف ‪22‬‬ ‫أبريــل ‪2021‬م‪ ،‬كمــا أنهــا وجهــت إشــارات بأنهــا لــم تكــن بعيــدة عــن‬ ‫التصعيــد الــذي حــدث علــى األراضــي الفلســطينية يف الفتــرة مــن‬ ‫‪ 10‬إلــى ‪ 21‬مايــو ‪2021‬م‪ ،‬إذ كان الفتــاً حــرص القــادة اإليرانيــن‬ ‫وقــادة حركــة حمــاس الفلســطينية علــى تأكيــد أن الدعــم اإليرانــي‬ ‫كان لــه دور يف التطــورات امليدانيــة األخيــرة التــي شــهدتها إســرائيل‬ ‫واألراضــي الفلســطينية‪ ،‬الســيما فيمــا يتعلــق بالتحــول امللحــوظ يف‬ ‫القــدرات الصاروخيــة حلركــة حمــاس‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ويف هــذا الســياق‪ ،‬فــإن هــذا التصعيــد أثــار قلقـا واضحـا لــدى الــدول‬ ‫الغربيــة التــي أبــدت دعمهــا ملوقــف إســرائيل‪ ،‬خاصــة بريطانيــا‪-‬‬ ‫التــي قتــل أحــد رعاياهــا يف الهجــوم علــى الناقلــة اإلســرائيلية يف ‪29‬‬ ‫يوليــو ‪2021‬م‪ -‬والواليــات املتحــدة األمريكيــة التــي تعهــدت بــأن يكــون‬ ‫هنــاك "رد جماعــي" علــى إيــران بســبب هــذه التصرفــات‪ .‬وهنــا‪،‬‬ ‫تتزايــد أهميــة الصــن بالنســبة إليــران‪ ،‬حيــث أن العالقــات معهــا‬ ‫ميكــن أن توفــر لهــا ظهيــراً دولي ـاً يســتطيع تقليــص حــدة الضغــوط‬ ‫التــي تتعــرض لهــا بســبب التصعيــد واخلالفــات املســتمرة مــع الــدول‬ ‫الغربيــة‪.‬‬ ‫أمــا بالنســبة للصــن‪ ،‬فإنهــا تــرى أن توســيع نطــاق العالقــات الثنائيــة‬ ‫مــع إيــران ميكــن أن يحقــق بــدوره ثالثــة أهــداف رئيســية‪ ،‬ميكــن‬ ‫تناولهــا علــى النحــو التالــي‪:‬‬ ‫اســتثمار موقــع إيــران االســتراتيجي‪ :‬خاصــة يف ضــوء‬ ‫‪ -1‬‬ ‫تطلــع الصــن إلــى اتخــاذ مزيــد مــن اخلطــوات اإلجرائيــة لتنفيــذ‬ ‫مشــروع "احلــزام والطريــق"‪ ،‬حيــث تقــع إيــران علــى مفتــرق طــرق‬ ‫بالنســبة لهــذا املشــروع‪ ،‬وقــد ســعت خــال املرحلــة املاضيــة إلــى‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪61‬‬

‫ملف العدد‬

‫س ــيطرة طالبان عىل الس ــلطة يف كابول قد تكون أحد المتغيرات‬ ‫الت ــي تس ــاهم يف توس ــيع نط ــاق التفاهم ــات بي ــن طه ــران وبكي ــن‬ ‫فــإن هــذه االتفاقيــة ســوف حتقــق ثالثــة أهــداف أساســية تتمثــل يف‪:‬‬ ‫تطويــر البنيــة التحتيــة‪ :‬ســوف تتضمــن االتفاقيــة تدفــق‬ ‫‪ -1‬‬ ‫اســتثمارات صينيــة تصــل إلــى ‪ 400‬مليــار دوالر‪ ،‬ســوف تتــوزع علــى‬ ‫قطاعــات مختلفــة حتظــى باهتمــام خــاص مــن جانــب الصــن‪،‬‬ ‫الســيما البنيــة التحتيــة اخلاصــة بالطاقــة مــن نفــط وغــاز التــي‬ ‫ســتحوذ علــى ‪ 280‬مليــار دوالر‪ ،‬وقطاعــات النقــل واالتصــاالت‬ ‫والتكنولوجيــا الــذي ســتحوذ علــى ‪ 120‬مليــار دوالر‪ ،‬وســتركز الصــن‬ ‫اهتمامهــا علــى تطويــر مينائــي تشــابها وجاســك حتديــداً خاصــة أن‬ ‫األخيــر قريــب مــن مضيــق هرمــز‪ ،‬الــذي تعتمــد عليــه الصــن كممــر‬ ‫رئيســي لوارداتهــا مــن النفــط‪.‬‬ ‫احتــواء آثــار انســحاب الشــركات الغربيــة‪ :‬ســوف تســاعد‬ ‫‪ -2‬‬ ‫االتفاقيــة يف التغلــب علــى اإلشــكاليات الفنيــة والتكنولوجيــة التــي‬ ‫واجهــت الشــركات احملليــة اإليرانيــة يف تطويــر البنيــة التحتيــة بعــد‬ ‫انســحاب الشــركات األجنبيــة مــن الســوق اإليرانيــة يف أعقــاب‬ ‫اخلــروج األمريكــي مــن االتفــاق النــووي يف ‪ 8‬مايــو ‪2018‬م‪ ،‬ثــم‬ ‫إعــادة فــرض العقوبــات األمريكيــة بدايــة مــن أغســطس نفســه‪.‬‬ ‫فقــد ثبــت لطهــران أنــه بــدون التعــاون مــع تلــك الشــركات فإنهــا لــن‬ ‫تســتطيع التغلــب علــى أزمــة انهيــار البنيــة التحتيــة‪ .‬وبــدا ذلــك جليـاً‬ ‫يف انســحاب شــركة "توتــال" الفرنســية مــن مشــروع تطويــر املرحلــة‬ ‫احلاديــة عشــر مــن حقــل بــارس اجلنوبــي‪ ،‬يف ‪ 20‬أغســطس ‪2018‬م‪،‬‬ ‫والــذي وصلــت قيمــة االســتثمارات فيــه إلــى ‪ 4.8‬مليــار دوالر‪،‬‬

‫حيــث كانــت الشــركة الفرنســية متتلــك‪ ،‬طبقــاً لالتفاقيــة اخلاصــة‬ ‫باملشــروع‪ ،‬حصــة تبلــغ ‪ ،%50.1‬فيمــا امتلكــت شــركة "ســي إن بــي‬ ‫ســي" الصينيــة نســبة ‪ ،%30‬بينمــا امتلكــت شــركة "بتروبــاس" التابعــة‬ ‫للشــركة الوطنيــة اإليرانيــة للنفــط نســبة ‪.%19.9‬‬ ‫ورغــم أن الشــركة الصينيــة اســتحوذت علــى حصــة الشــركة‬ ‫الفرنســية‪ ،‬إال أنهــا ســرعان مــا أعلنــت بدورهــا‪ ،‬يف ‪ 6‬أكتوبــر ‪2019‬م‪،‬‬ ‫انســحابها مــن املشــروع‪ ،‬لتعقيــدات فنيــة ومشــكالت مــع شــريكتها‬ ‫اإليرانيــة‪ .‬وهنــا‪ ،‬فــإن اتفاقيــة الشــراكة االســتراتيجية ســوف تضمــن‬ ‫احتــواء مثــل تلــك اخلالفــات‪ ،‬وتســاعد علــى مــلء الفــراغ النــاجت‬ ‫ســواء عــن انســحاب الشــركات األجنبيــة أو عــن افتقــاد الشــركات‬ ‫احملليــة لإلمكانيــات التــي تســاعدها علــى تطويــر البنيــة التحتيــة‪.‬‬ ‫تداعيــات تصاعــد التوتــر مــع الــدول الغربيــة‪ :‬تســاهم‬ ‫‪ -3‬‬ ‫هــذه االتفاقيــة يف توســيع هامــش اخليــارات وحريــة احلركــة املتاحــة‬ ‫أمــام إيــران علــى املســتوى الدولــي‪ ،‬الســيما يف ظــل تصاعــد حــدة‬ ‫التوتــر يف العالقــات مــع الــدول الغربيــة‪ .‬إذ أن مفاوضــات فيينــا لــم‬ ‫تصــل إلــى تســوية بعــد حتــى اآلن رغــم انعقــاد ســتة جــوالت منهــا‬ ‫حتــى ‪ 20‬يونيــو ‪2021‬م‪ ،‬وهــو مــا يعــود إلــى أن اخلالفــات العالقــة‬ ‫بــن إيــران والواليــات املتحــدة األمريكيــة ال تبــدو هينــة وال ميكــن‬ ‫تســويتها بســهولة‪ ،‬خاصــة فيمــا يتعلــق باســتمرار تطويــر إيــران‬ ‫لبرنامجهــا النــووي‪ ،‬حيــث رفعــت مســتوى تخصيــب اليورانيــوم إلــى‬ ‫‪ ،%60‬وبــدأت يف اســتخدام أجهــزة طــرد مركــزي مــن طــرازات أكثــر‬

‫‪60‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫العالقات الصينية ‪ -‬اإليرانية وتأثيرها على منطقة الخليج‬

‫بكين تفضل دور "ال ُموا ِزن" ال "الحليف "‬ ‫يف العالقات مع إيران ودول الخليج‬ ‫يكتســب الســؤال عــن املســارات احملتملــة للعالقــات بــن الصــن وإيــران وانعكاســاتها علــى منطقــة اخلليــج العربــي أهميــة‬ ‫وزخم ـاً خاص ـاً العتبــارات ثالثــة رئيســية‪ :‬يتمثــل أولهــا‪ ،‬يف أن هنــاك حكومــة جديــدة يف إيــران برئاســة الرئيــس إبراهيــم‬ ‫رئيســي‪ ،‬أعلنــت أنهــا ســوف تضــع ضمــن أولوياتهــا رفــع مســتوى العالقــات الثنائيــة مــع الصــن‪ ،‬يف إطــار سياســة "التوجــه‬ ‫شــرقاً" التــي يتبعهــا الرئيــس اجلديــد وحتظــى بدعــم واضــح مــن جانــب املرشــد األعلــى للجمهوريــة علــي خامنئــي‪.‬‬ ‫وينصــرف ثانيهــا‪ ،‬إلــى تصاعــد حــدة األزمــة يف أفغانســتان‪ ،‬بعــد االنســحاب العســكري األمريكــي وســيطرة حركــة طالبــان‬ ‫علــى الســلطة مــن جديــد يف كابــول يف ‪ 15‬أغســطس ‪2021‬م‪ ،‬إذ أن هــذا التطــور رمبــا يكــون أحــد املتغيــرات اجلديــدة التــي‬ ‫ســوف تســاهم يف توســيع نطــاق التفاهمــات بــن طهــران وبكــن‪ ،‬الســيما أن األســباب التــي دفعــت إدارة الرئيــس األمريكــي‬ ‫جــو بايــدن إلــى اتخــاذ قــرار االنســحاب يف هــذا التوقيــت ال تنحصــر فقــط يف تنفيــذ تعهــدات الرئيــس بســحب القــوات‬ ‫األمريكيــة مــن اخلــارج وعــدم التــورط يف "مغامــرات" خارجيــة جديــدة والتــي أنتجــت خســائر اقتصاديــة وبشــرية ال تبــدو‬ ‫هينــة‪ ،‬وإمنــا متتــد أيض ـاً إلــى تفجيــر أزمــة جديــدة يف مواجهــة خصــوم واشــنطن اإلقليميــن والدوليــن‪ ،‬الســيما الصــن‬ ‫وروســيا وإيــران‪ ،‬علــى نحــو قــد يدفــع ك ً‬ ‫ال مــن بكــن وطهــران إلــى رفــع مســتوى التنســيق فيمــا بينهمــا للتعامــل مــع الترتيبــات‬ ‫السياســية واألمنيــة التــي يجــري العمــل علــى إعــادة صياغتهــا مــن جديــد يف أفغانســتان‪.‬‬

‫د‪ .‬محمد عباس ناجي‬ ‫ويتعلــق ثالثهــا‪ ،‬باســتمرار تطلــع الصــن إلــى تعزيــز التعــاون‬ ‫االقتصــادي مــع إيــران‪ ،‬ســواء الهتمامهــا باســتمرار اســتيراد النفــط‬ ‫اإليرانــي‪ ،‬أو ملوقــع إيــران يف مشــروع "احلــزام والطريــق"‪ ،‬الــذي ميثــل‬ ‫أحــد أهــم أولويــات السياســة اخلارجيــة الصينيــة يف الوقــت احلالــي‪.‬‬ ‫إذ متتلــك إيــران احتياطيــات نفطيــة تصــل إلــى ‪ 157‬مليــار برميــل‬ ‫نفــط‪ ،‬تضعهــا يف املرتبــة الرابعــة علــى مســتوى العالــم مــن حيــث‬ ‫احتياطيــات النفــط بعــد فنزويــا والســعودية وكنــدا‪ ،‬حيــث تصــل‬ ‫نســبتها يف االحتياطــي العاملــي إلــى ‪ .%9.3‬يف حــن تبلــغ احتياطيــات‬ ‫إيــران مــن الغــاز الطبيعــي ‪ 33.8‬تريليــون متــر مكعــب‪ ،‬تضعهــا يف‬ ‫املرتبــة الثانيــة علــى مســتوى العالــم بعــد روســيا‪ ،‬بنســبة ‪ %17‬مــن‬ ‫إجمالــي االحتياطــي العاملــي‪.‬‬ ‫وقــد بــدأت الصــن حتــى قبــل الوصــول إلــى صفقــة جديــدة بــن‬ ‫إيــران والقــوى الدوليــة خــال املفاوضــات التــي جتــري حاليــاً يف‬ ‫فيينــا وتشــارك فيهــا الواليــات املتحــدة األمريكيــة بشــكل غيــر‬ ‫مباشــر‪ ،‬يف زيــادة صادراتهــا مــن النفــط اإليرانــي‪ ،‬التــي وصلــت إلــى‬

‫ذروتهــا يف مــارس ‪2021‬م‪ ،‬حيــث ســجلت ‪ 993‬ألــف برميــل‪ ،‬قبــل أن‬ ‫تنخفــض يف أبريــل مــن العــام نفســه إلــى ‪ 448‬ألــف برميــل‪ .‬والالفــت‬ ‫يف هــذا الســياق‪ ،‬هــو أن هنــاك مؤشــرات تكشــف عــن أن الصــن‬ ‫تدعــم اجلهــود التــي تبذلهــا إيــران مــن أجــل االلتفــاف علــى العقوبــات‬ ‫التــي تفرضهــا الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬الســيما علــى الصــادرات‬ ‫النفطيــة‪ ،‬حيــث أشــارت تقاريــر عديــدة يف ‪ 20‬أغســطس ‪2021‬م‪،‬‬ ‫إلــى أنــه مت تســجيل شــحنات النفــط القادمــة مــن إيــران وفنزويــا‬ ‫علــى أنهــا قادمــة مــن ماليزيــا عقــب نقلهــا إلــى امليــاه املاليزيــة‪ ،‬وذلــك‬ ‫بهــدف جتنــب التعــرض لهــذه العقوبــات‪.‬‬ ‫أوالً‪ :‬واقع العالقات اإليرانية‪ -‬الصينية وآفاقها‪:‬‬ ‫تتجــه العالقــات بــن الصــن وإيــران نحــو مزيــد مــن التطويــر‪ .‬وقــد‬ ‫بــدا ذلــك جليـاً يف توقيــع الدولتني على اتفاق الشــراكة االســتراتيجية‬ ‫خــال زيــارة وزيــر اخلارجيــة الصينــي وانــغ يــي إلــى طهــران يف ‪27‬‬ ‫مــارس ‪2021‬م‪ ،‬وتســعى بكــن وطهــران عبــر تلــك االتفاقيــة إلــى‬ ‫حتقيــق مكاســب اقتصاديــة واســتراتيجية عديــدة‪ ،‬فبالنســبة إليــران‪،‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إلــى عــدد مــن الطائــرات املســيرة بــدون طيــار‪ .‬إن تلكــؤ احلكومــة‬ ‫يف إقــرار الصفقــة بســبب صفقــات ســاح مــع الصــن هــو نــوع مــن‬ ‫النبــوءات التــي حتقــق نفســها‪ ،‬ذلــك أن الشــروط الصعبــة التــي‬ ‫تضعهــا احلكومــة األمريكيــة عل ــى صفقــات الســاح ه ــي الت ــي تدفــع‬ ‫بــدول املنطقــة لالنفتــاح عل ــى مصــدري الســاح اآلخريــن مثــل روســيا‬ ‫والصــن الذيــن هــم عل ــى اســتعداد لبيــع الســاح لــكل مــن يرغــب‪ ،‬ثــم‬ ‫تعــود الواليــات املتحــدة إلــى الشــكوى مــن توجــه دول املنطقــة نحــو‬ ‫املنافســن وتســتخدم ذلــك كمبــرر لعــدم بيــع الســاح لــدول املنطقــة‪.‬‬ ‫خالصــة القــول بــأن الصــراع األمريكي‪-‬الصينــي علــى املنطقــة قــد‬ ‫بــدت بــوادره بالظهــور يف العديــد مــن القضايــا التــي أشــرنا إلــى‬ ‫البعــض منهــا أعــاه‪ .‬لكــن هــذا ال يعن ــي أن الصــن بإمكانهــا أن حتــل‬ ‫محــل الواليــات املتحــدة يف اجلانــب األمن ــي عل ــى املــدى املنظــور‪ ،‬ويعــود‬ ‫ذلــك الــى التفــوق العســكري والتكنولوجــي األمريكــي‪ .‬ألن الواليــات‬ ‫املتحــدة تنفــق أكثــر مــن ثالثــة أضعــاف اإلنفــاق العســكري للصــن‬ ‫(‪ 778‬مليــار مقابــل ‪ 252‬مليــار حســب تقديــرات معهــد ســتكهولم‬ ‫للســام)‪ .‬هــذه الفجــوة الكبيــرة يف القــدرات العســكرية‪ ،‬وقــد ذكرنــا‬ ‫الفــارق الكبيــر يف عــدد حامــات الطائــرات أعــاه‪ ،‬ال ميكــن جبرهــا‬ ‫عل ــى املــدى القريــب‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪59‬‬

‫ملف العدد‬

‫أمــا الســؤال األهــم هنــا فهــو عــن وضــع املنطقــة يف هــذه املعادلــة‬ ‫املعقــدة‪ ،‬وهــل ســوف تشــهد إعــادة ملسلســل احلــرب البــاردة الت ــي كانت‬ ‫أســاس العالقــات يف املنطقــة للفتــرة التــي تبعــت احلــرب العامليــة‬ ‫الثانيــة ومزقــت املنطقــة كل ممــزق؟ األمــر يعــود‪ ،‬يف بعــض جوانبــه‬ ‫إل ــى دول املنطقــة الت ــي ه ــي بحاجــة إل ــى التشــمير عــن ســاعد اجلــد‬ ‫وإعــادة النظــر يف موقعهــا ودورهــا يف السياســة العامليــة وه ــي بحاجــة‬ ‫إل ــى التفكيــر املشــترك إلعــداد العــدة لذلــك ومــن ذلــك احلــوار مــع‬ ‫الشــركاء واحللفــاء حــول القضايــا احملوريــة والوصــول إلــى قواســم‬ ‫مشــتركة بــن الفرقــاء‪ .‬يف غيــاب ذلــك فعل ــى دول املنطقــة االســتعداد‬ ‫ملوجــة جديــدة مــن الصراعــات والنزاعــات بــن القــوى الكبــرى والت ــي‬ ‫لــن تكــون محصــورة بــن الواليــات املتحــدة والصــن فهنــاك روســيا‬ ‫والهنــد وبريطانيــا واملجموعــة األوروبيــة‪.‬‬

‫* دبلومايس وسفري العراق السابق‬

‫‪58‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫توســيع الحــدود المائيــة للصيــن ببنــاء الجــزر وتزويدهــا بقــدرات‬ ‫عســكرية والتوســع العســكري التابــع التمــدد االقتصــادي يقلــق واشــنطن‬ ‫إل ــى أن حــروب املعلومــات أصبحــت اآلن مــن أشــد األســلحة فتـ ًكا مــن‬ ‫خــال دورهــا يف حتديــد مواقــع األهــداف البشــرية والبنيويــة وإحــداث‬ ‫فوض ــى يف املجتمعــات مــن خــال مهاجمــة املنشــآت احليويــة مثــل‬ ‫املطــارات ومحطــات توليــد الكهربــاء واملفاعــات النوويــة أو املختبــرات‬ ‫البيولوجيــة‪ .‬وال ننس ــى هنــا األبعــاد السياســية حلــرب املعلومــات ومــن‬ ‫ذلــك محــاوالت التأثيــر يف االنتخابــات األمريكيــة‪ ،‬وكذلــك االقتصاديــة‬ ‫مــن خــال التجســس وســرقة املعلومــات احليويــة مــن الشــركات‪ .‬ومــن‬ ‫الدالئــل عل ــى األهميــة الكبيــرة الت ــي توليهــا الصــن للعالــم االفتراضي‬ ‫مبــادرة الرئيــس الصينــي شــي والتــي أطلــق عليهــا "طريــق احلريــر‬ ‫االفتراضــي للقــرن ‪ "21‬التــي دفعــت بشــركات االتصــاالت الصينيــة‬ ‫للقيــام مبشــاريع يف الصــن والعديــد مــن دول العالــم‪.‬‬ ‫هــذه املقدمــة تشــرح خلفيــة املوقــف األمريك ــي الغامــض مــن التعامــل‬ ‫مــع شــركة هــواوي حيــث كانــت أحــد أهــم القــرارات الت ــي اتخذتهــا إدارة‬ ‫الرئيــس الســابق ترامــب جتــاه الصــن ه ــي إضافــة الرســوم اجلمركيــة‬ ‫عل ــى العديــد مــن البضائــع الصينيــة املصــدرة إل ــى الواليــات املتحــدة‬ ‫وكذلــك إعالنهــا يف شــهر مايــو عــام ‪ 2019‬مرســوم الطــوارئ باعتبــار‬ ‫شــركة هــواوي عامـ ً‬ ‫ا مهــد ًدا لألمــن القوم ــي األمريك ــي‪ .‬هــذا اإلعــان‬ ‫كان تصعيـدًا يف العالقــات املتوتــرة بــن عمــاق االتصــاالت الصينيــة‬ ‫هــواوي واحلكومــة األمريكيــة والــذي يعــد مــن القضايــا الت ــي توضــح‬ ‫طبيعــة عالقــة الشــد واجلــذب بــن البلديــن‪ .‬يعــود أصــل القضيــة‬ ‫إلــى أكثــر مــن عشــر ســنوات عندمــا رفضــت احلكومــة األمريكيــة‪،‬‬ ‫بنــاء علــى نصيحــة املؤسســات األمنيــة‪ ،‬منــح الترخيــص لشــركة‬ ‫هــواوي الصينيــة للعمــل عل ــى الســاحة األمريكيــة الت ــي تعتبــر أكبــر‬ ‫ســوق اتصــاالت يف العالــم‪ .‬كان الســبب؛ بحســب املســؤولني مــن‬ ‫الطرفــن‪ ،‬هــو خشــية احلكومــة األمريكيــة مــن اســتخدام املعلومــات‬ ‫التــي جتمعهــا الشــركة الصينيــة يف التجســس علــى املواطنــن‬ ‫والشــركات األمريكيــة‪ .‬إذن فالقضيــة حتمــل يف طياتهــا قضيتــن‬ ‫همــا يف جوهــر اخلــاف الصين ــي األمريك ــي‪ ،‬أوالهمــا جتــاوز قوانــن‬ ‫وأنظمــة حمايــة امللكيــة الفكريــة بالنســبة للشــركات األمريكيــة والت ــي‬ ‫تعتبرهــا احلكومــة األمريكيــة مــن أولويــات عملهــا‪ ،‬والثانيــة هــي‬ ‫التجســس وحقــوق اإلنســان حيــث تتهــم احلكومــة األمريكيــة الشــركة‬ ‫الصينيــة بأنهــا أداة بيــد احلكومــة الصينيــة الت ــي توفــر لهــا املعلومــات‬ ‫عــن املواطنــن‪.‬‬ ‫املوقف من التعاون العسكري بني الصني ودول اخلليج‬

‫تعتبــر منطقــة الشــرق األوســط مــن أولــى االهتمامــات العســكرية‬ ‫الصينيــة حــول العالــم‪ ،‬وقــد جتل ــى ذلــك مــن خــال إنشــاء أول قاعــدة‬ ‫عســكرية خــارج الصــن يف جيبوت ــي املطلــة عل ــى بــاب املنــدب والقــرن‬ ‫اإلفريقــي‪ .‬بــدأ إنشــاء القاعــدة يف أوائــل ‪2016‬م‪ ،‬ومت تدشــينها مــن‬ ‫قبــل القــوات البحريــة الصينيــة يف أغســطس مــن العــام ذاتــه‪ .‬تــأوي‬ ‫القاعــدة حوال ــي ‪ 2000‬مــن اجلنــود الصينيــن وتقــوم بأنشــطة مختلفــة‬ ‫منهــا حمايــة طــرق التجــارة مــن خــال محاربــة القرصنــة البحريــة يف‬ ‫املنطقــة وه ــي جــزء مــن جهــود الصــن فيمــا يســمى احلــرب عل ــى‬ ‫اإلرهــاب كمــا ويشــتبه بقيامهــا بجهــود اســتخباراتية وجتسســية‪.‬‬ ‫تســعى الصــن إلــى توســيع وجودهــا العســكري يف املنطقــة وقــد‬ ‫توصلــت إلــى اتفاقــات مــع دولــة اإلمــارات العربيــة حــول مبيعــات‬ ‫الســاح والتواجــد العســكري‪ .‬هــذه اجلهــود جلبــت أنظــار املســؤولني‬ ‫األمريــكان الذيــن بــدأوا يدقــون ناقــوس اخلطــر‪ ,‬حيــث أجــرى مجل ــس‬ ‫الشــيوخ جلســة ملناقشــة محــاوالت الصــن إيجــاد قواعــد عســكرية يف‬ ‫املنطقــة‪ ،‬أعلنــت فيهــا ميــرا رزينــك مســاعدة وكيــل وزيــر اخلارجيــة‬ ‫للشــؤون السياسية‪-‬العســكرية "إن هنــاك بعــض أنــواع التعــاون مــع‬ ‫جمهوريــة الصــن الت ــي ال ميكــن أن نقبــل بها" وأضافــت "لقد أوضحنا‬ ‫ذلــك بصريــح العبــارة"‪ ,‬وقــد جــاء رد املســؤولة األمريكيــة عل ــى تســاؤل‬ ‫رئيــس اللجنــة الســناتور كريــس ميــريف الــذي أشــار يف كلمتــه إلــى‬ ‫التناقــض النــاجت عــن "قيــام بعــض حكومــات دول املنطقــة بالتفــاوض‬ ‫حــول صفقــات ســاح مــع الصــن يف ذات الوقــت الــذي تنعــم فيــه‬ ‫باألمــن حتــت املظلــة األمريكيــة"‪ .‬بدورهــا قالــت مســاعدة وزيــر الدفــاع‬ ‫لشــؤون الشــرق األوســط دانــا ســترول "املوقــف احلال ــي هــو أن الصــن‬ ‫لهــا اســتراتيجية تســعى مــن خاللهــا إل ــى إيجــاد قواعــد عســكرية‬ ‫حــول العالــم ومــن ذلــك منطقــة الشــرق األوســط" وأضافــت "لذلــك‬ ‫فــإن أي بلــد يرتبــط معنــا بشــراكة قويــة فإننــا نتحــدث معهــم عــن‬ ‫خطــورة وجــود قواعــد عســكرية صينيــة عل ــى التكنلوجيــا العســكرية‬ ‫األمريكيــة والقــوات األمريكيــة"‪.‬‬ ‫بالطبــع هــذه اجللســة يف مجلــس الشــيوخ هــي جــزء مــن ســعي‬ ‫احلكومــة واملشــرعني لوضــع العراقيــل أمــام صفقــة بيــع الواليــات‬ ‫املتحــدة طائــرات أف‪ 35-‬املتطــورة إل ــى دولــة اإلمــارات العربيــة املتحــدة‬ ‫الت ــي أقرتهــا إدارة الرئيــس الســابق ترامــب كجــزء مــن اتفاقيــة تطبيــع‬ ‫العالقــات بــن اإلمــارات وإســرائيل‪ .‬هــذه الصفقــة التــي قــدرت‬ ‫قيمتهــا بحوال ــي ‪ 23‬مليــار دوالر تشــمل ‪ 50‬طائــرة أف‪ 35-‬باإلضافــة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪57‬‬

‫ملف العدد‬

‫الصين الشريك الثاني بعد اليابان يف شراء السندات الحكومية أي‬ ‫تمويل الدين الحكومي األمريكي البالغ ‪ 20‬ترليون دوالر‬ ‫املعســكر الشــيوعي‪ ،‬كمــا وأنهــا رمبــا كانــت تعتقــد أن عمليــة التنميــة‬ ‫االقتصاديــة ســوف تــؤدي إلــى إحــداث تغييــر تدريجــي يف البنيــة‬ ‫السياســية يف الصــن مــن خــال املراهنــة عل ــى تنام ــي قــدرات القطــاع‬ ‫اخلــاص الــذي كان مــن املعتقــد أنــه قــد يناف ــس أو يزيــح قيــادة احلــزب‬ ‫الشــيوعي للدولــة‪ .‬لكــن احلــزب الشــيوعي الصين ــي أثبــت وحلــد اآلن‬ ‫قــدرة كبيــرة عل ــى التعاط ــي مــع متطلبــات التنميــة االقتصاديــة وقيــادة‬ ‫العمليــة مركز ًيــا مــن دون تقــدمي الكثيــر مــن التنــازالت السياســية‪.‬‬ ‫هــذه املركزيــة الت ــي تديــر احلركــة االقتصاديــة يف الصــن تشــكل ه ــي‬ ‫األخــرى نقطــة مــن نقــاط اخلــاف بــن البلديــن ليــس فقــط مــن‬ ‫الناحيــة األيدولوجيــة بــل مــن النواح ــي االقتصاديــة واألمنيــة‪.‬‬ ‫مركزيــة القــرارات وتضييــق هامــش احلريــات عل ــى املواطنــن بــرزت‬ ‫وخصوصــا الواليــات‬ ‫مؤخــ ًرا مــن خــال موقــف احلكومــات الغربيــة‬ ‫ً‬ ‫املتحــدة وبريطانيــا مــن سياســات احلكومــة الصينيــة ومواقفهــا‬ ‫األخيــرة التعامــل مــع هونــغ كونــغ لكونهــا تســير باجتــاه التخل ــي عــن‬ ‫مبــدأ "بلــد واحــد ونظامــن سياســيني"‪ .‬وه ــي الفكــرة الت ــي نشــأت‬ ‫نتيجــة االتفــاق بــن الصــن وبريطانيــا الت ــي كانــت حتكــم هونــغ كونــغ‬ ‫وإل ــى عــام ‪1997‬م‪ ,‬حيــث وافقــت الصــن عل ــى أن تتمتــع هونــغ كونــغ‬ ‫بحكــم ذات ــي تتمكــن مــن خاللــه اختيــار القيــادات احملليــة بحريــة ومــن‬ ‫دون تدخــل احلكومــة الصينيــة‪ .‬لكــن هــذا النظــام الــذي كان مــن‬ ‫املفتــرض أن يســتمر ملــدة خمســن ســنة بــدأ يتــآكل مــن خــال فــرض‬ ‫احلكومــة املركزيــة قــرارات حتــد مــن صالحيــات احلكومــة احملليــة‬ ‫مثــل قانــون األمــن القومــي لعــام ‪2020‬م‪ ،‬والــذي مينــح احلكومــة‬ ‫املركزيــة صالحيــات احلــق يف إيقــاف عقوبــات شــديدة عل ــى منتقــدي‬ ‫سياســتها وهــو األمــر الــذي كان مبثابــة الشــرارة التــي أشــعلت‬ ‫التظاهــرات التــي شــهدتها املدينــة‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ -‬النواحي السياسية واالقتصادية‬

‫تنظــر الواليــات املتحــدة بعــن الريبــة إل ــى الصــن بوصفهــا مناف ــس يف‬ ‫املجــاالت االقتصاديــة والسياســية‪ .‬وقــد عكســت اســتراتيجية األمــن‬ ‫القوم ــي األمريك ــي تلــك املخــاوف عندمــا نصــت عل ــى أن السياســة‬ ‫الصينيــة جتــاه الواليــات املتحــدة تهــدف إل ــى األمــور التاليــة‪:‬‬

‫• إزاحة الواليات املتحدة من منطقة احمليطني الهادي والهندي‪.‬‬ ‫• توســيع امتــداد نفــوذ الصــن االقتصــادي القائــم علــى ســيطرة‬ ‫احلكومــة‪.‬‬

‫• إعــادة ترتيــب األوضــاع يف املنطقــة مبــا يناســب مصاحلهــا وتنميــة‬ ‫دورهــا كقــوة مهيمنــة عل ــى املنطقــة‪.‬‬ ‫ولعــل مــن أهــم التطــورات يف هــذا املجــال هــو اســتراتيجية الصــن‬ ‫التوســعية القائمــة علــى أســاس إعــادة بنــاء طريــق احلريــر والتــي‬ ‫تســمى "الطريــق الواحــد واحلــزام الواح ـد" حيــث تســعى إل ــى تنميــة‬ ‫شــبكة مــن الطــرق البريــة والبحريــة التــي متنــح الصــن الفرصــة‬ ‫للوصــول إلــى األســواق العامليــة واملــوارد الطبيعيــة التــي حتتاجهــا‬ ‫خصوصــا يف محيطهــا اإلقليمــي‪ .‬لكــن هــذه اخلطــط جــرى‬ ‫ً‬ ‫وخصوصــا‬ ‫تطويرهــا يف اآلونــة األخيــرة لتشــمل القــارات اخلمــس‬ ‫ً‬ ‫أمريــكا اجلنوبيــة‪ ،‬وه ــي القضيــة الت ــي أثــارت العديــد مــن التســاؤالت‬ ‫والشــكوك يف أذهــان املســؤولني يف الواليــات املتحــدة حــول النوايــا‬ ‫احلقيقيــة للصــن‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ -‬النواحي العسكرية واألمنية‬

‫يشــير تقريــر وزارة الدفــاع األمريكيــة إل ــى التوســع الكبيــر يف األنشــطة‬ ‫األمنيــة للصــن خــارج حدودهــا‪ ،‬ومــن ذلــك توســيع حدودهــا املائيــة‬ ‫مــن خــال بنــاء اجلــزر يف بحــر الصــن وتزويدهــا بقــدرات عســكرية‬ ‫مثــل املطــارات واملوانــئ‪ ،‬باإلضافــة إل ــى التوســع العســكري الــذي يتبــع‬ ‫عــادة التوســع االقتصــادي‪ .‬لقــد اســتفادت الصــن مــن مبــادرة طريــق‬ ‫احلريــر لبنــاء مشــاريع البنيــة التحتيــة عل ــى الطريقني البــري والبحري‬ ‫مثــل الطــرق الســريعة وخطــوط ســكك احلديــد واملوانــئ حيــث تبعــت‬ ‫ذلــك بتنميــة مبيعــات الســاح وطلــب تســهيالت عســكرية للبحريــة‬ ‫الصينيــة أو بنــاء قواعــد عســكرية‪.‬‬

‫راب ًعا‪-‬غيــاب الشــفافية وخصو ًصــا يف القضايــا التــي تهــم‬ ‫الطرفيــن مثــل التحقيــق يف نشــأة الكوفيــد‪19-‬‬ ‫خامسا‪ -‬الصراع يف العالم االفتراضي‬ ‫ً‬ ‫أضافــت القيــادة الصينيــة بعــض املهــام اجلديــدة للجيــش الصين ــي‬ ‫ومنهــا حمايــة املصالــح الصينيــة يف العالــم االفتراضــي (‪digital‬‬ ‫‪ )space‬وهــي داللــة علــى األهميــة االســتراتيجية لتكنولوجيــا‬ ‫ـاحا دفاع ًيــا مــن حيــث امتــاك القــدرة عل ــى‬ ‫املعلومــات بوصفهــا سـ ً‬ ‫تطويــر املعلومــات خلدمــة القــدرات القتاليــة للجيــش وتوفيــر أمــن‬ ‫املعلومــات احليويــة بوصفهــا مــادة ذات طبيعــة اســتراتيجية باإلضافــة‬

‫‪56‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫العالقات األمريكية‪-‬الصينية مزدوجة الشخصية فهي نموذج‬ ‫فريد يف التعاون االقتصادي كما تحمل بذور صراع عالمي جديد‬ ‫الديــن احلكوم ــي األمريك ــي الــذي يبلــغ اليــوم رق ًمــا خيال ًيــا وهــو ‪20‬‬ ‫ترليــون دوالر‪ ،‬حيــث تعتبــر الصــن الشــريك الثان ــي بعــد اليابــان يف‬ ‫هــذا املجــال‪ .‬بغــض النظــر عــن األســباب الت ــي تدفــع بالصــن لشــراء‬ ‫الســندات األمريكيــة لكــن ذلــك مينحهــا قــوة كبيــرة يف التأثيــر عل ــى‬ ‫صانــع القــرار األمريك ــي‪.‬‬ ‫‪ .3‬التعــاون الدولــي يف قضايــا البيئــة واملنــاخ‪ :‬هنــاك العديــد‬ ‫مــن القضايــا العامليــة العالقــة الت ــي ال ميكــن أن حتــل إال مــن خــال‬ ‫وخصوصــا بــن الواليــات املتحــدة والصــن‪ ،‬لعــل مــن‬ ‫التعــاون الدول ــي‬ ‫ً‬ ‫إحلاحــا معاجلــة أزمــة التغيــرات املناخيــة والتلــوث‬ ‫أبرزهــا وأكثرهــا‬ ‫ً‬ ‫البيئ ــي النــاجت عــن األنشــطة اإلنســانية‪ ،‬حيــث يعتبــر تلــوث الهــواء مــن‬ ‫أكبــر التحديــات الت ــي تواجــه االقتصــاد الصين ــي وتهــدد عمليــة النمــو‬ ‫االقتصــادي الــذي يعتبــر األولويــات األولــى للصــن‪ .‬هنــاك العديــد‬ ‫مــن الدراســات الت ــي رصــدت آثــار تلــوث الهــواء عل ــى االقتصــاد مثــل‬ ‫مؤسســة رانــد وجامعــة الصــن يف هونــغ كونــغ والتــي أوضحــت أن‬ ‫االقتصــاد الصينــي يفقــد أكثــر مــن ‪ %6.5‬مــن اإلنتاجيــة مــع أكثــر‬ ‫مــن مليــون وفــاة‪ .‬هــذه القضيــة ليســت محليــة بــل حتتــاج إل ــى توفــر‬ ‫اجلهــود العامليــة يف ســبيل إيجــاد حلــول وبدائــل فعالــة يف ســبيل‬ ‫االرتقــاء مبســتوى احليــاة وبأقــل اآلثــار الســلبية عل ــى البيئــة‪.‬‬ ‫‪ .4‬األمــن والس ــلم العامليــن حيــث تشــكل الصــن الشــريك األهــم‬ ‫باعتبــار موقعهــا السياســي وكذلــك كونهــا أحــد الــدول الدائمــة‬ ‫العضويــة يف مجل ــس األمــن الدول ــي ومتتلــك حــق النقــض عل ــى جميــع‬ ‫قــرارات املجل ــس‪ .‬ولعــل مــن أبــرز امللفــات العالقــة األنشــطة النوويــة‬ ‫يف كل مــن إيــران وكوريــا الشــمالية والتعــاون يف تأمــن طــرق التجــارة‬ ‫العامليــة باعتبارهــا املهمــة الت ــي قامــت بهــا البحريــة األمريكيــة منــذ‬ ‫احلــرب العامليــة الثانيــة بســبب امتالكهــا للقــوة البحريــة األكبــر يف‬ ‫العالــم األمــر الــذي جعــل منهــا القــوة الوحيــدة القــادرة علــى ذلــك‬ ‫ولكــون الصــن اآلن الدولــة املســتفيدة األولــى مــن التجــارة العامليــة‪.‬‬ ‫ليــس مــن املتوقــع أن تتنام ــى القــدرات البحريــة الصينيــة لك ــي تناف ــس‬ ‫ســيطرة األســاطيل األمريكيــة عل ــى املــدى القريــب‪ ،‬ولعــل مــن أوضــح‬ ‫األدلــة علــى ذلــك امتــاك الواليــات املتحــدة ‪ 13‬حاملــة طائــرات‬ ‫يف حــن أن الصــن متتلــك اثنتــن فقــط باإلضافــة إلــى التطــور‬ ‫التكنولوجــي الكبيــر للبحريــة األمريكيــة‪.‬‬ ‫نقاط اخلالف بني الصني والواليات املتحدة‬

‫هنــاك العديــد مــن نقــاط التمــاس بــن الطرفــن الت ــي بــدأت تظهــر‬ ‫إل ــى الســطح يف اآلونــة األخيــرة وتعكــر صفــو العالقــات الت ــي كانــت‬ ‫منوذجــا للتعــاون اإليجاب ــي القائــم عل ــى تبادل‬ ‫وإل ــى فتــرة قريبــة تعتبــر‬ ‫ً‬ ‫خصوصــا يف املجــاالت االقتصاديــة‪ .‬لكــن تنام ــي دور الصــن‬ ‫املنافــع‬ ‫ً‬ ‫االقتصــادي الــذي بــدأ ينتــج تنام ًيــا يف دورهــا العســكري واألمن ــي عل ــى‬ ‫هاجســا للمؤسســات األمنيــة األمريكيــة‬ ‫الســاحة العامليــة بــدأ يشــكل‬ ‫ً‬ ‫الت ــي بــدأت تطلــق عبــارات التحذيــر مــن تلــك التطــورات‪ ،‬وقــد عــدد‬ ‫تقريــر وزارة الدفــاع للكونغــرس حــول املوقــف مــن تنامــي النفــوذ‬ ‫الصينــي العاملــي لعــام ‪2018‬م‪ ،‬بعــض النقــاط اخلالفيــة والتــي كان‬ ‫يف مقدمتهــا‪:‬‬

‫أوالً‪ -‬مركزية الحكم ودور الحزب الشيوعي‬

‫بحســب تقييــم مؤسســات األمــن القوم ــي األمريك ــي فــإن الصــن دولــة‬ ‫قائمــة عل ــى سياســة احلــزب الواحــد‪ .‬وإن مصــدر السياســات العامــة‬ ‫هــو اســتراتيجية احلــزب الشــيوعي الصينــي الــذي ينفــرد بالقــرار‬ ‫يف القضايــا األساســية واختيــار القيــادات السياســية ومنهــا الرئيــس‬ ‫واحلكومــة‪ .‬ولذلــك فــإن االســتراتيجية العامــة للدولــة أساســها‬ ‫اســتراتيجية احلــزب الشــيوعي الصين ــي القائمــة عل ــى العمــل عل ــى‬ ‫حتقيــق األهــداف التاليــة‪:‬‬ ‫• دميومة حكم احلزب الشيوعي الصيني‪.‬‬ ‫• احملافظة على االستقرار الداخلي‪.‬‬ ‫• إدامة النمو االقتصادي وعملية التنمية الداخلية‪.‬‬ ‫• الدفاع عن وحدة البالد والسيادة الوطنية‪.‬‬ ‫• ضمــان مكانــة الصــن بوصفهــا قــوة عامليــة وإعــادة هيمنتهــا‬ ‫اإلقليميــة‪.‬‬ ‫• تأمني املصالح الصينية يف اخلارج‪.‬‬ ‫االســتراتيجية العامــة أعــاه تشــمل أوجــه عديــدة مــن االختــاف مــع‬ ‫منظومــة القيــم األمريكيــة ومــن أول ذلــك أن مصدرهــا هــو احلــزب‬ ‫الشــيوعي الــذي كان وإل ــى زمــن قريــب الغــرمي األول للمعســكر الغرب ــي‬ ‫بقيــادة الواليــات املتحــدة‪ ،‬الت ــي رمبــا تغاضــت عــن هــذه القضيــة يف‬ ‫الســابق وســاهمت يف التنميــة االقتصاديــة يف الصــن حلســابات‬ ‫جيوسياســية كبيــرة آنــذاك مــن أهمهــا محاولــة إحــداث شــرخ‬ ‫بــن عمالقــي املعســكر الشــيوعي ســاب ًقا وهمــا الصــن واالحتــاد‬ ‫الســوفيتي‪ ،‬وهــو الــذي حصــل بالفعــل وكان أحــد أســباب انهيــار‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪55‬‬

‫ملف العدد‬

‫أربع نقاط خالفية بين الصين والواليات المتحدة وأهمها ديمومة‬ ‫حكم الحزب الشيوعي الصيني والهيمنة اإلقليمية الصينية‬ ‫األرقــام املبينــة أعــاه توضــح وبشــكل بســيط التغييــر الكبيــر الــذي‬ ‫يحصــل يف العالــم حيــث أن ثالثــة مــن االقتصاديــات اخلمــس األول ــى‬ ‫عامل ًيــا اليــوم هــي آســيوية ودولــة واحــدة أوروبيــة‪ .‬إن النظــرة إلــى‬ ‫تلــك األرقــام مــن خلفيــة اجلمــع الصفــري وعل ــى أســاس أنهــا ســباق‬ ‫نحــو مــن يكــون األول عامل ًيــا تشــكل املشــكلة األساســية أمــام العالقــات‬ ‫األمريكية‪-‬الصينيــة‪ ،‬وألن تلــك النظــرة تدفــع نحــو الســلبية القائمــة‬ ‫عل ــى وضــع العراقيــل أمــام املناف ــس‪ ،‬وحتجــب الفــرص الكبيــرة الت ــي‬ ‫تركــز عليهــا النظــرة اإليجابيــة القائمــة علــى االســتفادة مــن املنــح‬ ‫الكبيــرة التــي توفرهــا عمليــة النمــو االقتصــادي العاملــي جلميــع‬ ‫األطــراف‪ ،‬والت ــي مــن أهمهــا‪:‬‬ ‫‪ .1‬التع ــاون االقتص ــادي حيــث تشــكل الص ــن ‪ ،‬بحســب مكتــب‬ ‫املمثــل التجــاري األمريك ــي‪ ،‬الشــريك التجــاري الثالــث للواليــات املتحــدة‬ ‫وبتبــادل جتــاري بلــغ ‪ 558‬مليــار دوالر يف ‪ 2019‬م‪ ،‬شــكلت الــواردات مــن‬ ‫الصــن ‪ 452‬مليــار والصــادرات إليهــا ‪ 106‬مليــارات وتوفــر التجــارة مــع‬ ‫الصــن العمــل ألكثــر مــن ‪ 900‬ألــف أمريك ــي حســب تقديــرات وزارة‬ ‫التجــارة األمريكيــة‪ .‬هــذه األرقــام بالطبــع مرشــحة للزيــادة عل ــى املــدى‬ ‫املنظــور‪.‬‬

‫‪ .2‬االســتثمارات‪ :‬الواليــات املتحــدة والصــن شــريكان كبيــران يف‬ ‫مجــال االســتثمار‪ .‬يوضــح الرســم البيان ــي أدنــاه النمــو املتواصــل يف‬ ‫االســتثمارات املباشــرة بــن الطرفــن‪.‬‬

‫حجــم االســتثمارات األمريكيــة يف الص ــن والصينيــة يف الواليــات املتح ــدة يف العقــد‬ ‫األخير (‪)www.statista.com/statistics‬‬

‫ال تشــكل االســتثمارات املباشــرة كل الصــورة الت ــي لــن تكتمــل إال بذكــر‬ ‫املبالــغ الكبيــرة الت ــي تزيــد عل ــى ترليــون دوالر الت ــي تســتثمرها الصــن‬ ‫يف شــراء الســندات احلكوميــة األمريكيــة أو بعبــارة أخــرى متويــل‬

‫‪54‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫العالقـــــــات األمريكيــــة ‪ -‬الصيـنـيـــــة‪ :‬محفــزات الشراكــــــة ومعطالتهـــــــا‬

‫المنطقــة بحاجــة إلعــادة النظــر يف دورهــا‬ ‫والوصــول إىل قواســم مشــتركة مــع الفرقــاء‬ ‫تعتبــر العالقــات األمريكية‪-‬الصينيــة األهــم يف العالــم بســبب آثارهــا البعيــدة علــى العديــد مــن القضايــا العامليــة وألنهــا‬ ‫رمبــا تكــون العامــل األهــم يف تشــكيل النظــام العاملــي يف املرحلــة القادمــة‪ .‬كمــا وأنهــا علــى درجــة كبيــرة مــن األهميــة لــدول‬ ‫املنطقــة بســبب الــدور املباشــر وغيــر املباشــر يف واقــع املنطقــة ومســتقبلها السياســي واالقتصــادي‪ ،‬األمــر الــذي يتطلــب‬ ‫متابعــة جــادة مــن قبــل املراقبــن وصنــاع القــرار‪ .‬لكــن هــذه العالقــات متــر مبنعطــف خطيــر يجعلهــا مفتوحــة علــى الكثيــر‬ ‫مــن االحتمــاالت التــي ينتابهــا الغمــوض‪ ،‬لدرجــة أن البعــض بــدأ يتنبــأ بانــدالع حــرب كونيــة بــن الطرفــن‪ ،‬ومــع أن احتماليــة‬ ‫نشــوء صــراع مســلح بــن الواليــات املتحــدة والصــن مســتبعد علــى املــدى املنظــور علــى األقــل‪ ،‬إال أن ذلــك ال يعنــي أن طريــق‬ ‫هــذه العالقــات احليويــة معبــد بالــورود يف ظــل التصعيــد القائــم وغيــاب الرغبــة والقــدرة علــى إيجــاد حلــول للقضايــا العالقــة‬ ‫بــن الطرفــن‪.‬‬

‫د‪ .‬غامن علوان اجلميلي‬

‫بــادئ ذي بــدء ال بــد مــن اإلقــرار بصعوبــة متابعــة العالقــات‬ ‫األمريكية‪-‬الصينيــة ناهيــك عــن التنبــؤ بتوجهاتهــا املســتقبلية وذلــك‬ ‫ألنهــا مزدوجــة الشــخصية فهــي يف جانــب مــن جوانبهــا املتعــددة متثل‬ ‫منوذجــا فري ـدًا يف التعــاون اإليجابــي العاملــي الــذي أنتــج العالقــات‬ ‫ً‬ ‫االقتصاديــة الكبيــرة بــن الطرفــن والــذي شــكل أســاس نهضــة‬ ‫الصــن احلديثــة‪ ،‬كمــا شــرحنا ذلــك يف مقالــة ســابقة‪ ،‬وعلــى اجلانــب‬ ‫اآلخــر فــإن هــذه العالقــات حتمــل يف طياتهــا بــذور صــراع عاملــي‬ ‫جديــد ليــس لــه مثيــل وهــي تذكرنــا بروايــة الكاتــب االســكتلندي‬ ‫ستيفنســون " قضيــة الدكتــور جيــكل والســيد هايــد"‪.‬‬ ‫احلديــث عــن أهميــة العالقــات يأتــي مــع احتفــال الصــن بالذكــرى‬ ‫املئويــة لقيــام احلــزب الشــيوعي الصينــي وهــي مناســبة تســتوجب‬ ‫وقفــة مراجعــة نســتعرض فيهــا خلفيــة تلــك العالقــات مــن وجهــة‬ ‫النظــر األمريكيــة والطريقــة التــي تنظــر بهــا إلــى توســع الصــن‬ ‫االقتصــادي والسياســي يف العالــم وأهــم الفــرص املتاحــة والتحديــات‬ ‫التــي تواجــه العالقــات املشــتركة‪ ،‬وهــي كثيــرة ج ـدًا ولذلــك ســوف‬ ‫نكتفــي بذكــر البعــض منهــا‪ ،‬وانعكاســات ذلــك كلــه علــى األوضــاع‬ ‫السياســية واالقتصاديــة يف املنطقــة وعالقــات الطرفــن بهــا‪.‬‬ ‫الفرص املتاحة أمام العالقات األمريكية‪-‬الصينية‬

‫مــرت علــى العالــم عالمــة فارقــة يف الفتــرة احلاليــة وهــي جتــاوز‬ ‫حجــم النــاجت احمللــي الصينــي ‪ GDP‬ملثيلــه يف الواليــات املتحــدة‬ ‫وليصبــح االقتصــاد األكبــر يف العالــم مــن خــال هــذا املعيــار علــى‬ ‫األقــل‪ .‬هــذه القضيــة مــع أهميتهــا مــرت مــرور الكــرام بســبب العديــد‬ ‫مــن القضايــا امللحــة التــي تواجــه العالــم ومنهــا أزمــة الكوفيــد‪.19-‬‬ ‫الرســم البيانــي أدنــاه الــذي يوضــح حجــم النــاجت احمللــي يف الــدول‬ ‫اخلمــس األولــى عامل ًيــا‪.‬‬

‫رســم بيان ــي ميثــل توقعــات صنــدوق النقــد الدول ــي حلجــم النــاجت احملل ــي للــدول‬ ‫عامليــا للعــام احلال ــي‬ ‫اخلم ــس األول ــى‬ ‫ً‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪53‬‬

‫ملف العدد‬

‫القارة اإلفريقية ستشهد المزيد من التنافس الدويل بين القوى‬ ‫اآلسيوية الصاعدة والقوى األوروبية التقليدية‬ ‫ووضــع حــد للسياســة التجاريــة النيوليبراليــة مــن خــال اتفاقيــات‬ ‫الشــراكة واتفاقيــات التبــادل احلــر التــي تســتفيد منهــا الشــركات‬ ‫املتعــددة اجلنســيات علــى حســاب تنميــة الشــعوب اإلفريقيــة‪ ،‬مــع‬ ‫وقــف التدخــات الفرنســية يف الشــؤون السياســية الداخليــة للبلــدان‬ ‫اإلفريقيــة‪ ،‬وباختصــار فــإن الوثيقــة البيانيــة ســاندت بشــكل صريــح‬ ‫االحتجاجــات التــي عرفتهــا بعــض العواصــم اإلفريقية ضد السياســة‬ ‫االســتعمارية اجلديــدة لفرنســا‪ ،‬التــي ال تــزال تكــرس منطــق الهيمنــة‬ ‫والتبعيــة منتقــدة القــرار األحــادي الــذي اتخــذه الرئيــس ماكــرون‬ ‫ورئيــس كــوت ديفــوار احلســن واتــرا يف ديســمبر ‪2019‬م‪ ،‬باســتبدال‬ ‫عملــة الفرنــك باإليكــو التــي تبقــي التبعيــة املاليــة لــدول املنطقــة‬ ‫وتســلب منهــا ســيادتها النقديــة‪ ،‬مبــا تعمــق مــن فجــوة التنميــة مــن‬ ‫خــال التبعيــة للــواردات الفرنســية مقابــل اإلضــرار بالصــادرات‬ ‫اإلفريقيــة التــي تكبــح كل السياســات الصناعيــة والفالحيــة لهــذه‬ ‫البلــدان‪.‬‬

‫وإجمــاالً‪ ،‬فــإن القــارة اإلفريقيــة ستشــهد املزيــد مــن التنافــس الدولــي‬ ‫بــن القــوى اآلســيوية الصاعــدة والقــوى األوروبيــة التقليديــة‪ ،‬مــع‬ ‫التذكيــر فقــط‪ ،‬أن رقصــة التنــن الصينــي مــع األســود اإلفريقيــة‬ ‫حتتــاج إلــى فــرض اإليقاعــات املتنوعــة لألفارقــة‪ ،‬ألن طريــق احلــزام‬ ‫والطريــق الــذي يبــدو بعيدًا وعســي ًرا ومحفو ًفــا بالكثير من املتعرجات‬ ‫التــي تقــف يف وجههــا النســور الروســية والديكــة الفرنســية‪ ،‬مــع‬ ‫اجلــزم هنــا‪ ،‬أن الديــك الفرنســي خفــت صوتــه يف الفجــر ولــم يعــد‬ ‫يعلــن نهايــة الليلــة يف إفريقيــا‪ ،‬بســبب سياســتها االســتكبارية التــي‬ ‫كلفتهــا احتجاجــات مســتمرة علــى نفوذهــا التقليــدي الــذي تتقاســمه‬ ‫القــوى اجلديــدة‪ ،‬مبنطــق مؤمتــر برلــن ناعــم‪.‬‬

‫* أستاذ العلوم السياسية والعالقات الدولية ـ مدير املدرسة الوطنية العليا‬ ‫للعلوم السياسية –الجزائر‬

‫‪52‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الرهان الروسي عىل إفريقيا قائم عىل التمدد يف مناطق الضعف‬ ‫الفرنسي والصيني واالستثمار يف النزاعات اإلفريقية الداخلية‬ ‫مصــدر للســاح إلفريقيــا يف الفتــرة ذاتهــا (‪2019-2014‬م)‪.‬‬ ‫واملالحــظ يف دبلوماســية تصديــر األمــن إلفريقيــا‪ ،‬أن روســيا جلــأت‬ ‫إلــى خصخصــة النزاعــات احملليــة داخــل بعــض الــدول اإلفريقيــة‬ ‫باالعتمــاد علــى الشــركة األمنيــة "فاغنــر" كمــا هــو احلــال يف ليبيــا‬ ‫وإفريقيــا الوســطى‪ ،‬ومقابــل هــذه االتفاقيــات العســكرية واألمنيــة‬ ‫تســتفيد روســيا مــن الثــروات املنجميــة واملعدنيــة اإلفريقيــة‪ ،‬و‬ ‫متثــل حالــة جمهوريــة إفريقيــا الوســطى أكثــر مثــال شــاهد علــى‬ ‫هــذه االســتراتيجية‪ ،‬فبعــد إمــداد نظــام تواديــرا بالســاح الروســي‬ ‫ودعمــه مبستشــارين عســكريني روس وإرســال مجموعــة فاغنــر‬ ‫األمنيــة‪ ،‬يف جويليــة ‪ ،2018‬وتعيــن فاليــري زاخــاروف‪ ،‬أحــد قدمــاء‬ ‫االســتخبارات الــروس‪ ،‬مستشــا ًرا أمن ًيــا للرئيــس تواديــرا‪ ،‬بطلــب‬ ‫منــه‪ ،‬منحــت جمهوريــة إفريقيــا الوســطى رخــص الســتغالل الذهــب‪،‬‬ ‫األملــاس واليورانيــوم لشــركات روســية‪ .‬وتشــكل هــذه الســلوكيات‬ ‫الروســية منافســة قويــة للطمــوح اإلمبراطــوري الصينــي وللنفــوذ‬ ‫الفرنســي التقليــدي يف املنطقــة‪ ،‬وهــو مــا جعــل اخلبيــر الروســي‬ ‫احملافــظ‪ ،‬فياشيســاف تيتيكــن‪ ،‬عضــو جلنــة الدفــاع يف الدومــا‬ ‫يعلــن بقولــه‪ ":‬قامــت روســيا فعل ًيــا بطــرد فرنســا مــن لعبــة إفريقيــا‬ ‫الوســطى‪ ،‬وأضحــت كل مــن روســيا والصــن تلعبــان األدوار األولى يف‬ ‫املنطقــة"‪ .‬وإذا كانــت إحــدى القواعــد العامــة يف علــم اجليوبوليتيــكا‪،‬‬ ‫أن الشــهية تأتــي بــاألكل كمــا يقــول املثــل الفرنســي‪ ،‬فــإن الرهــان‬ ‫الروســي علــى إفريقيــا يبقــى قائ ًمــا بالتمــدد يف مناطــق الضعــف‬ ‫الفرنســي والصينــي‪ ،‬وتســتثمر يف النزاعــات اإلفريقيــة الداخليــة‬ ‫كمــا حــدث يف مالــي والتشــاد وليبيــا‪ ،‬إال أنــه مــا يؤخــذ علــى روســيا‬ ‫مقارنــة بالصــن أنهــا ال متتلــك اســتراتيجية إفريقيــة شــاملة‪ ،‬لكــن‬ ‫لديهــا عالقــات اســتراتيجية ثنائيــة متميــزة مــع الــدول اإلفريقيــة‬ ‫الفاعلــة مثــل اجلزائــر‪ ،‬مصــر‪ ،‬نيجيريــا وجنــوب إفريقيــا‪ ،‬ولديهــا‬ ‫تعــاون يف التكنولوجيــات املتقدمــة‪ ،‬يف بنــاء املنشــآت النوويــة‪ ،‬وتتميــز‬ ‫شــركاتها الطاقويــة بســمعة عامليــة مثــل غازبــروم‪ ،‬روســنفط‪ ،‬لوكيــل‬ ‫وغيرهــا مــن مؤسســات املركــب الصناعــي العســكري‪ .‬وباملعطيــات‬ ‫اإلحصائيــة لســنة ‪2018‬م‪ ،‬تبــن أن روســيا ال تــزال بعيــدة عــن‬ ‫اخلمســة شــركاء التجاريــن الكبــار إلفريقيــا‪ ،‬حيــث يصــل حجــم‬ ‫التبــادالت التجاريــة مــع إفريقيــا وفــق الترتيــب التالــي‪ 275 ،‬مليــار‬ ‫مــع االحتــاد األوروبــي‪ 200 ،‬مليــار دوالر مــع الصــن‪ 70 ،‬مليــار دوالر‬ ‫مــع الهنــد‪ 53 ،‬مليــار دوالر مــع الواليــات املتحــدة األمريكيــة و ‪20‬‬ ‫مليــار دوالر مــع تركيــا‪ ،‬بينمــا لــم تتجــاوز مــع روســيا ‪ 17‬مليــار‪ ،‬وهنــا‬ ‫نفهــم خطــاب بوتــن يف أول قمــة روســية‪ -‬إفريقيــة ملــاذا راهــن علــى‬

‫مضاعفــة حجــم التبــادالت التجاريــة علــى املــدى القريــب‪ ،‬إلدراكــه‬ ‫أن االســتثمارات الضعيفــة التــي تصــل إلــى ‪ 5‬مليــارات دوالر حتتــاج‬ ‫إلــى مشــاريع مشــتركة ضخمــة لبنــاء النفــوذ املــوازي ملشــاريع احلــزام‬ ‫والطريــق الصينيــة التــي تســير بســرعة البــرق‪ .‬كمــا أن الرهــان علــى‬ ‫الســوق اإلفريقيــة باعتبارهــا مركــز النمــو االقتصــادي املســتقبلي مــن‬ ‫خــال العوملــة والثــورة التكنولوجيــة‪ ،‬ال ميكــن اختزالــه يف التجانــس‬ ‫بــن االقتصــاد الطاقــوي الروســي وبعــض الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬أو‬ ‫باحلســابات الســتاتيكية التــي ذكرهــا دميتــري ميدفيــداف ‪ ":‬مــن‬ ‫أن روســيا والبلــدان اإلفريقيــة متلــك مــوارد طبيعيــة معتبــرة تقــدر‬ ‫حســب بعــض املعطيــات ب‪ 50‬باملائــة مــن املــوارد العامليــة"‪.‬‬ ‫تتضــح مــن املنافســة الصينية‪-‬الروســية يف إفريقيــا‪ ،‬أن الديــك‬ ‫الفرنســي هــو الــذي يدفــع تكاليــف النفــوذ الروســي الــذي يلعــب علــى‬ ‫ورقــة التاريــخ االســتعماري الســلبي لفرنســا واجلرائــم اإلنســانية‬ ‫املقترفــة يف حــق الشــعوب اإلفريقيــة‪ ،‬كمــا توظــف الســخط الشــعبي‬ ‫يف منطقــة الســاحل اإلفريقــي ضــد الوجــود العســكري الفرنســي‪،‬‬ ‫وتبــن مؤشــرات قيــاس توجهــات قــادة الــرأي العــام اإلفريقــي‬ ‫الفرنكوفونيــة الصــادرة عــن املجلــس الفرنســي لالســتثمارات يف‬ ‫إفريقيــا يف ســنة ‪2020‬م‪ ،‬بــأن فرنســا تأتــي يف املرتبــة الســابعة مــن‬ ‫حيــث الــدول املفضلــة يف إفريقيــا‪ ،‬ويرجــع ذلــك إلــى العقــدة النيــو‪-‬‬ ‫كولونياليــة التــي ال تــزال فرنســا تتمســك بهــا‪ ،‬الســيما باإلبقــاء علــى‬ ‫منطقــة الفرنــك التــي ال تــزال حبيســة هيمنــة سياســة "فرانــس‪-‬‬ ‫أفريــكا" وتصاعــد املنافســة القويــة مــن قبــل الصني‪ ،‬روســيا‪ ،‬الواليات‬ ‫املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬الهنــد‪ ،‬تركيــا وبلــدان اخلليــج‪ ،‬ولعــل تراجــع‬ ‫نصيــب فرنســا مــن حصتهــا يف الســوق اإلفريقيــة خــال الفتــرة‬ ‫املمتــدة مــا بــن ‪ 2017-2001‬مــن ‪ 11‬باملائــة إلــى ‪ 5.5‬باملائــة إال‬ ‫دلي ـ ً‬ ‫ا علــى تراجــع املكانــة االقتصاديــة‪ ،‬الــذي يضــاف إليهــا تفــوق‬ ‫أملانيــا عليهــا باعتبارهــا أول ممــون أوروبــي إلفريقيــا يف ســنة ‪2018‬‬ ‫وجتــاوزت اســتثماراتها ‪ 10‬مليــارات يــورو‪.‬‬ ‫يبــدو أن ســخط الــرأي العــام اإلفريقــي علــى النفــوذ الفرنســي قــد‬ ‫توســعت دائرتــه إلــى داخــل فرنســا ذاتهــا‪ ،‬كمــا تبينــه وثيقــة اإلعــان‬ ‫التــي وقعتهــا مجموعــة مــن الفاعليــن املجتمعيــن والسياســيني مــن‬ ‫مختلــف األلــوان اإليديولوجيــة وال ســيما املنضويــة يف مكافحــة‬ ‫العوملــة املتوحشــة‪ ،‬تطالــب مــن خاللهــا بإعــادة بنــاء العالقــات‬ ‫الفرنســية‪-‬اإلفريقية وحــددت مجموعــة مــن النشــاطات علــى هامــش‬ ‫قمــة فرنســا‪ -‬إفريقيــا املزمــع إقامتهــا مبنبولــي يف أكتوبــر ‪2021‬م‪،‬‬ ‫تهــدف إلــى املطالبــة بوقــف الوجــود العســكري الفرنســي يف إفريقيــا‪،‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪51‬‬

‫ملف العدد‬

‫‪ 10‬آالف مؤسسة صينية يف إفريقيا بعمالة إفريقية ‪ % 89‬وتبادالت‬ ‫تجارية بـ ‪ 440‬مليار دوالر يف ‪2025‬‬ ‫البريطانيــة واألمريكيــة يف إطــار صــراع املخابــر الصيدالنيــة‬ ‫والبيولوجيــة التــي تشــكل أحــد محــاور صراعــات القــوة االقتصاديــة‬ ‫والتجارية املســتقبلية‪ ،‬مما جعل وزير الشــؤون اخلارجية البريطاني‪،‬‬ ‫دومنيــك راب‪ ،‬يحــرض البلــدان اإلفريقيــة والناميــة بعــدم التســرع يف‬ ‫اســتخدام اللقاحــات القادمــة مــن الصــن وروســيا وانتظــار اللقاحــات‬ ‫ذات املرجعيــة والفعاليــة‪ .‬وهــذا التصريــح يعكــس القلــق الغربــي‬ ‫مــن الديناميكيــة الصينيــة التــي اســتخدمت دبلوماســية الكوفيــد‬ ‫واللقاحــات لكســب القلــوب والعقــول اإلفريقيــة ضمــن االســتراتيجية‬ ‫الشــاملة للتنافــس مــع الوجــود األمريكي‪-‬األوروبــي‪ ،‬ولعــل خطــاب‬ ‫وزيــر اخلارجيــة األمريكــي‪ ،‬أنتونــي بلينكــن‪ ،‬للطلبــة األفارقــة كان‬ ‫أكثــر تعبيـ ًرا عــن هــذا الهاجــس ‪ ":‬ال نطلــب مــن أحــد أن يختــار بــن‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة والصــن‪ ،‬لكــن أشــجعكم أن تطرحــوا‬ ‫األســئلة الصعبــة‪ ،‬واحلفــر حتــت املســاحة‪ ،‬مــن أجــل فــرض الشــفافية‬ ‫واتخــاذ اخليــارات الواضحــة"‪ ،‬ومــا يعنيــه هنــا باللغــة الدبلوماســية‪،‬‬ ‫التشــكيك يف نزاهــة املنافســة الصينيــة يف إنتــاج اللقاحــات مقارنــة‬ ‫بجديــة وشــفافية املنتجــات األمريكيــة‪.‬‬ ‫باملقابــل‪ ،‬فــإن الصــن كثفــت مــن دبلوماســية كوفيــد جتــاه الــدول‬ ‫اإلفريقيــة يف ظــل الصراعــات األوروبيــة الداخليــة حــول توزيــع‬ ‫كميــات اللقاحــات علــى دولهــا‪ ،‬ففــي قمــة يونيــو ‪ 2020‬املخصصــة‬ ‫للتضامــن يف مواجهــة كوفيــد ‪ ،19‬أعلــن الرئيــس الصينــي‪ ،‬شــي‬ ‫جــن بينــغ‪ ،‬قائــا‪ ":‬ســتكون البلــدان اإلفريقيــة مــن األوائــل التــي‬ ‫ستســتفيد مــن اللقــاح املصنــوع يف الصــن‪ ،‬ألننــا نطمــح لبنــاء مصيــر‬ ‫مشــترك صيني‪-‬إفريقــي"‪ ،‬وصاحــب هــذا اخلطــاب اإلعــان عــن‬ ‫بنــاء مستشــفيات جديــدة يف إفريقيــا بتمويــل صينــي وإقامــة مركــز‬ ‫إفريقــي ملراقبــة األمــراض بأديــس بابــا‪ ،‬كمــا ســبق وأن شــيدت مقــر‬ ‫االحتــاد اإلفريقــي بنفــس العاصمــة اإلفريقيــة‪ .‬وميكــن أن نقيــس‬ ‫انعكاســات هــذه الدبلوماســية الصينيــة علــى القــارة اإلفريقيــة‬ ‫مــن خــال املؤشــرات الكميــة التــي قدمتهــا مؤسســة البرارومتــر‬ ‫اإلفريقــي لقيــاس الــرأي العــام يف ســنة ‪2020‬م‪ ،‬حيــث اعتبــر ‪59‬‬ ‫باملائــة مــن الــرأي العــام اإلفريقــي بــأن النفــوذ الصينــي يف إفريقيــا‬ ‫يعتبــر إيجاب ًيــا‪ ،‬وهــو مــا يعــزز مــن تعاظــم املنافســة اجليوسياســية‬ ‫الصينيــة يف إفريقيــا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثالثــا‪ :‬املبــاراة بــن النســر الروســي والتنــن الصينــي والديــك‬ ‫الفرنســي‪.‬‬ ‫تنافســا جيوسياســ ًيا وجيــو‪-‬‬ ‫إذا كانــت القــارة اإلفريقيــة تعــرف‬ ‫ً‬

‫اقتصاد ًيــا بــن بكــن وواشــنطن‪ ،‬بأهــداف ووســائل متعــددة مــن‬ ‫أجــل الصــراع الدولــي علــى رقعــة الشــطرجن احمليطــة مبــا يســميه‬ ‫علمــاء اجليوبوليتــك " باحملــور اجلغــرايف للتاريــخ"‪ ،‬أي أوراســيا‪،‬‬ ‫فــإن الالعــب اجليوســتراتيجي اآلســيوي الصينــي يواجــه تنافــس‬ ‫العــب جيوســتراتيجي أورو‪-‬آســيوي‪ ،‬املتمثــل يف النســر الروســي‬ ‫العائــد مــن بعيــد إلعــادة إحيــاء احللــم الســوفياتي يف إفريقيــا بعدمــا‬ ‫أهملتهــا طيلــة مرحلــة مــا بعــد تفــكك اإلمبراطوريــة الســوفياتية‪،‬‬ ‫ويعكــس هــذا احللــم أول منتــدى روســي‪ -‬إفريقــي مت تنظيمــه‬ ‫يف أكتوبــر ‪2019‬م‪ ،‬باملدينــة الســياحية سوتشــي‪ ،‬وعــرض علــى‬ ‫هامــش املنتــدى ‪ 170‬صــورة تذكاريــة لســتة عقــود مــن العالقــات‬ ‫الســوفياتية‪ -‬اإلفريقيــة‪ ،‬مــن أبــرز الصــور املعروضــة الرئيــس جمــال‬ ‫عبــد الناصــر وهــو يصافــح يــوري غاغريــن‪ ،‬أول رجــل صعــد إلــى‬ ‫ســطح القمــر أو مســاهمة االحتــاد الســوفياتي يف بنــاء ســد أســوان‪،‬‬ ‫للتذكيــر بالعالقــات التاريخيــة بــن روســيا وريثــة االحتــاد الســوفياتي‬ ‫ورمــوز القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬وخــال املنتــدى ذكــر الرئيــس بوتــن القــادة‬ ‫األفارقــة بالقــرار الــذي ســبق لروســيا أن قامــت بــه لصالــح الــدول‬ ‫اإلفريقيــة‪ ،‬واملتعلــق مبســح الديــون املوروثــة عــن االحتــاد الســوفياتي‬ ‫التــي جتــاوزت ‪ 20‬مليــار دوالر‪ ،‬ممــا يوحــي مببــادرة دبلوماســية‬ ‫لبنــاء الثقــة مــن جديــد مــع القــارة اإلفريقيــة التــي تطمــح مــن‬ ‫خاللــه روســيا إلــى مضاعفــة حجــم التبــادالت التجاريــة يف اخلمــس‬ ‫ســنوات القادمــة‪ .‬وبنفــس اإليديولوجيــة الصينيــة‪ ،‬فــإن روســيا‬ ‫خاطبــت القــادة األفارقــة باملصيــر املشــترك فيمــا يتعلــق مبحاربــة‬ ‫كل أشــكال االســتعمار‪ ،‬وهــي رســالة موجهــة للقــوى األوروبيــة‬ ‫الغربيــة التــي تقاســمت القــارة اإلفريقيــة إلــى مناطــق نفــوذ ونصبــت‬ ‫العــداء ملعظــم الــدول اإلفريقيــة بعــد اســتقاللها‪ ،‬اســتغله االحتــاد‬ ‫الســوفياتي لبســط نفــوذه العســكري والتقنــي والتجــاري يف إطــار‬ ‫احلــرب البــاردة‪ ،‬فقبــل ســنة ‪1991‬م‪ ،‬اســتثمر الســوفيات يف تكويــن‬ ‫‪ 240‬ألــف طالــب بإفريقيــا و‪ 60‬ألــف إفريقــي باالحتــاد الســوفياتي‪،‬‬ ‫كمــا أقامــت قواعــد عســكرية يف غينيــا‪ ،‬أنغــوال‪ ،‬الصومــال وإثيوبيــا‪.‬‬ ‫وحاولــت روســيا أن تعيــد إحيــاء التعــاون العســكري واألمنــي مــع‬ ‫الــدول اإلفريقيــة مــن خــال مــا تســميه بدبلوماســية "تصديــر‬ ‫األمــن"‪ ،‬فمــا بــن ‪ 2014‬و ‪2019‬م‪ ،‬وقعــت روســيا تســعة عشــر اتفــاق‬ ‫تعــاون عســكري وتقنــي مــع البلــدان اإلفريقيــة‪ ،‬وبعــض هــذه البلــدان‬ ‫ال تــزال محســوبة علــى النفــوذ الفرنســي مثــل مالــي‪ ،‬موريتانيــا أو‬ ‫إفريقيــا الوســطى‪ .‬وأضحــى املركــب الصناعــي العســكري الروســي‪،‬‬ ‫وفــق تقديــرات املعهــد الدولــي للبحــث والســام بســتوكهولم‪ ،‬أول‬

‫‪50‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الصين التحدي ألمريكيا والغرب فهي الشريك التجاري األول‬ ‫إلفريقيا واألوىل يف االستثمارات وتمويل البنية التحتية اإلفريقية‬ ‫وقــد أثبتــت التحقيقــات امليدانيــة فيمــا يخــص النشــاطات التجاريــة‪،‬‬ ‫مصــادر التمويــل‪ ،‬محفــزات االســتثمار يف إفريقيــا والتحديــات‬ ‫املســتقبلية للمشــاريع التوســعية‪ ،‬أن الصــن أضحــت القــوة‬ ‫االقتصاديــة والتجاريــة املنافســة جلميــع القــوى العامليــة واإلقليميــة‪،‬‬ ‫فقبــل عشــرين ســنة لــم تكــن حصــة الصــن مــن االســتثمارات يف‬ ‫إفريقيــا تتجــاوز ‪ 3‬باملائــة لتقفــز إلــى أكثــر مــن ‪ 20‬باملائــة‪ ،‬مســتغلة‬ ‫املعاييــر األمريكيــة واألوروبيــة لالســتثمار التــي تســتند علــى تقييــم‬ ‫املخاطــر‪ ،‬بينمــا تســتفيد الصــن مــن هــذا الفــراغ يف التنافــس‬ ‫علــى اســتثمارات يف البلــدان اإلفريقيــة التــي تعــرف مخاطــر أمنيــة‬ ‫وسياســية‪ ،‬وهــو مــا يفســر إلــى حــد مــا تراجــع حصــة االســتثمارات‬ ‫األمريكيــة يف إفريقيــا التــي كانــت تتــراوح بــن ‪ 20‬إلــى ‪ 25‬باملائــة‬ ‫مــن إجمالــي االســتثمارات األجنبيــة يف إفريقيــا إلــى أقــل مــن ‪15‬‬ ‫باملائــة‪ .‬وبلغــة األرقــام النســبية واملتحركــة‪ ،‬فــإن الصــن تشــكل حتد ًيــا‬ ‫مســتقبل ًيا للمكانــة األمريكيــة والغربيــة‪ ،‬فهــي تعــد الشــريك التجــاري‬ ‫األول إلفريقيــا‪ ،‬والقــوة االقتصاديــة األولــى املمولــة للبنيــة التحتيــة‪،‬‬ ‫والدولــة األولــى مــن حيــث منــو االســتثمارات املباشــرة األجنبيــة‪،‬‬ ‫الثالثــة مــن حيــث الــدول املانحــة‪ ،‬وبتوطــن أكثــر مــن ‪ 10‬آالف‬ ‫مؤسســة صينيــة يف إفريقيــا يشــتغل بهــا مــا نســبته ‪ 89‬باملائــة مــن‬ ‫اليــد العاملــة اإلفريقيــة‪ ،‬ومبشــروع تفاؤلــي يصــل حجــم التبــادالت‬ ‫التجاريــة بــن الصــن وإفريقيــا إلــى ‪ 440‬مليــار دوالر يف آفاق ‪.2025‬‬ ‫ثانيا‪ :‬القوة الناعمة الصينية ودبلوماسية كوفيد ‪.19‬‬ ‫ً‬ ‫إن التصــور الصينــي إلفريقيــا يتجــاوز البعــد التنمــوي واالقتصــادي‬ ‫أو املنافســة األمريكيــة يف القــارة‪ ،‬فهــي تهــدف باألســاس إلــى‬ ‫بســط نفوذهــا وفــق املنطــق اجليوسياســي اإلمبراطــوري‪ ،‬حيــث‬ ‫تقيــم عالقاتهــا التعاونيــة مــع احملــاور اجليوســتراتيجية اإلفريقيــة‬ ‫املمتــدة علــى الواجهــات البحريــة مــن احمليــط الهنــدي حيــث أقامــت‬ ‫أول قاعــدة عســكرية بحريــة بجيبوتــي يف ســنة ‪2017‬م‪ ،‬وتوثيــق‬ ‫العالقــات مــع كل مــن كينيــا‪ ،‬تنزانيــا وروانــدا‪ ،‬وتعمــل علــى ترســيخ‬ ‫نفوذهــا يف الواجهــة البحريــة للبحــر األبيــض املتوســط مــن خــال‬ ‫العالقــات االســتراتيجية لــدول شــمال وغــرب إفريقيــا‪ ،‬كمــا تركــز‬ ‫وخصوصــا مــع دولــة جنــوب‬ ‫تواجدهــا يف جنــوب القــارة اإلفريقيــة‬ ‫ً‬ ‫إفريقيــا التــي تشــكل أحــد الفاعلــن للــدول االقتصاديــة الصاعــدة‬ ‫إلــى جانــب الصــن يف نــادي بريكــس‪ .‬ويترجــم تكريــس هــذا املشــروع‬ ‫اجليوسياســي مبــادرة احلــزام والطريــق التــي تربــط أهــم املوانــئ‬ ‫والطــرق اإلفريقيــة باملشــروع اإلمبراطــوري الصينــي الــذي يشــكل‬

‫تهديــدًا واقع ًيــا وعمل ًيــا للمشــاريع األمريكيــة واألوروبيــة التقليديــة‬ ‫التــي قســمت القــارة اإلفريقيــة إلــى مناطــق للنفــوذ منــذ مؤمتــر‬ ‫برلــن لســنة ‪1884‬م‪ ،‬وقــد مثلــت أول قمــة للتعــاون الدفاعــي‬ ‫واألمنــي بــن الصــن وإفريقيــا التــي أقيمــت بالعاصمــة بكــن يف‬ ‫شــهر جــوان ‪2018‬م‪ ،‬التهديــد الواقعــي والعملــي للتواجــد الغربــي يف‬ ‫إفريقيــا‪ ،‬يعكــس طبيعــة النفــوذ الصينــي يف إفريقيــا مــن خــال مــا‬ ‫تســميه بالشــراكة االســتراتيجية الشــاملة‪ ،‬طرحــت مشــاريع للتعــاون‬ ‫العســكري واألمنــي مــن أجــل اســتقاللية وســيادة القــارة اإلفريقيــة يف‬ ‫شــؤونها الدفاعيــة كمــا تطرحهــا األجنــدة اإلفريقيــة لســنة ‪2063‬م‪،‬‬ ‫حيــث علقــت عليــه إذاعــة فرنســا الدوليــة بقلــق كبيــر ‪ ":‬أول منتــدى‬ ‫دفاعــي مــن نوعــه‪ ،‬يثبــت النفــوذ الصينــي املتعاظــم يف إفريقيــا مبــا‬ ‫يف ذلــك املســتوى العســكري‪ ،‬الــذي يكــرس الروابــط املتينــة القائمــة‬ ‫مــع العســكريني األفارقــة الذيــن يســتفيدون مــن تكوينــات تقنيــة‪ ،‬يتــم‬ ‫متويلهــا كليــة مــن الصــن"‪.‬‬ ‫ويف الواقــع‪ ،‬فــإن الصــن التي تســوق للهوية السياســية واإليديولوجية‬ ‫ملؤمتــر باندونــغ لعــدم االنحيــاز ومحاربــة االســتعمار الغربــي‪ ،‬توظــف‬ ‫ببراعــة وبراغماتيــة قوتهــا الناعمــة يف إطــار مشــروعها الدفاعــي‬ ‫واألمنــي يف إفريقيــا‪ ،‬بحيــث ينتشــر أكثــر مــن ‪ 2500‬عســكري‬ ‫صينــي يف إطــار القبعــات الزرقــاء لقــوات األمم املتحــدة حلفــظ‬ ‫الســام واألمــن يف إفريقيــا‪ ،‬ممــا يجعلهــا مــن أكثــر املســاهمني‬ ‫بقواتهــا العســكرية يف عمليــات حفــظ الســلم ضمــن الــدول اخلمســة‬ ‫األعضــاء يف مجلــس األمــن األممــي‪ ،‬ومبقارنــة بســيطة لهــذه الصــورة‬ ‫الناعمــة واجلاذبــة لــدى األفارقــة بــن القــوات الصينيــة والفرنســية‬ ‫يف مالــي‪ ،‬يتواجــد ‪ 395‬مــن العســاكر الصينيــن ضمــن بعثــة األمم‬ ‫املتحــدة يف مهمــة متعــددة األبعــاد يف مالــي مــن ضمنهــا البعثــات‬ ‫الطبيــة واإلنســانية‪ ،‬أعطــت صــورة ناعمــة لبنــاء الســلم يف إفريقيــا‬ ‫لــدى الــرأي العــام احمللــي‪ ،‬بينمــا القــوات الفرنســية يف إطــار عمليــات‬ ‫برخــان واجهــت سـ ً‬ ‫ـخطا شــعب ًيا ورســم ًيا لعــدة اعتبــارات‪ ،‬أهمهــا عــدم‬ ‫الثقــة يف املســتعمر التقليــدي الــذي يراهــن علــى املــوارد احليويــة‬ ‫بــدالً مــن احلفــاظ علــى املــوارد اإلنســانية‪ ،‬ممــا جعــل فرنســا تعيــد‬ ‫حســاباتها‪ ،‬وهــو مــا تســتثمره الصــن لصاحلهــا‪.‬‬ ‫ويف إطــار التســويق للقــوة الناعمــة الصينيــة يف إفريقيــا‪ ،‬فقــد‬ ‫مثلــت مرحلــة جائحــة كوفيــد ‪ 19‬فرصــة دبلوماســية لترويــج املكانــة‬ ‫الصينيــة يف إفريقيــا‪ ،‬مــن خــال الهبــات والتبرعــات التــي قدمــت‬ ‫للــدول اإلفريقيــة واملتمثلــة يف التجهيــزات الوقائيــة الطبيــة ملواجهــة‬ ‫اجلائحــة‪ ،‬واللقــاح الصينــي الــذي أضحــى ينافــس اللقاحــات‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪49‬‬

‫ملف العدد‬

‫ال ــدور الصين ــي ف ــي إفريقي ــا ‪ :‬رقص ــة األس ــود والتنان ــن عل ــى طري ــق الحري ــر الجدي ــد‬

‫تصــور الصيــن إلفريقيــا يتجــاوز التنميــة إىل‬ ‫بســط النفــوذ وفــق المنطــق االمبراطــوري‬ ‫وضــع مجموعــة مــن االقتصاديــن األمريكيــن مــن مؤسســة "مــاك كنســي" يف ســنة ‪2017‬م‪ ،‬دراســة ميدانيــة حــول تقييــم‬ ‫العالقــات االقتصاديــة الصينيــة ‪ -‬اإلفريقيــة‪ ،‬بعنــوان روائــي " رقصــة األســود والتنانــن علــى طريــق احلريــر اجلديــد"‪،‬‬ ‫انتقــدت فيهــا سياســة الدعــم التنمــوي الســلبية التــي انتهجتهــا الواليــات املتحــدة األمريكيــة جتــاه القــارة اإلفريقيــة منــذ‬ ‫نهايــة احلــرب البــاردة مقارنــة بطبيعــة الشــراكة التنمويــة الصينية‪-‬اإلفريقيــة‪ ،‬حيــث قدمــت املؤسســات املاليــة األمريكيــة‬ ‫أكثــر مــن ‪ 125‬مليــار دوالر إلفريقيــا منــذ نهايــة احلــرب العامليــة الثانيــة كمســاعدات للتنميــة‪ ،‬واحلصيلــة النهائيــة أن أغلبيــة‬ ‫الــدول اإلفريقيــة زادت تبعيــة وفق ـ ًرا‪ ،‬وهــو مــا تظهــره املؤشــرات الســلبية للتنميــة البشــرية وحجــم الفســاد املستشــري يف‬ ‫القــارة اإلفريقيــة‪ .‬وباملقابــل‪ ،‬فــإن الصــن التــي اعتمــدت علــى اســتراتيجية تنمويــة شــاملة مــع القــارة اإلفريقيــة وفــق آليــات‬ ‫بعيــدة املــدى يف إطــار منتــدى التعــاون الصينــي‪ -‬اإلفريقــي الــذي انطلــق يف ســنة ‪2000‬م‪ ،‬ومبــادرة احلــزام والطريــق التــي‬ ‫أعلــن عنهــا يف ســنة ‪2013‬م‪ ،‬مبشــاريع جيوسياســية وجيو‪-‬اقتصاديــة عامليــة يف القــارات الثالثــة آســيا‪ -‬أوروبــا وإفريقيــا‪،‬‬ ‫يتــم متويلهــا مبؤسســات ماليــة صينيــة للتنميــة العامليــة تنافــس السياســات الهيكليــة ملؤسســات برتــن وودز‪ ،‬صنــدوق النقــد‬ ‫الدولــي والبنــك العاملــي‪ ،‬ممــا جعلهــا تهــدد املكانــة األمريكيــة يف إفريقيــا‪.‬‬

‫د‪ .‬مصطفى صايج‬ ‫ويشــكل الفضــاء الدبلوماســي واالقتصــادي ملنتــدى التعــاون الصيني‪-‬‬ ‫اإلفريقــي يف إطــار مبــادرة احلــزام والطريــق الرؤيــة الصينيــة ملكانتها‬ ‫املســتقبلية يف ظــل النظــام الدولــي املرتقــب يف آفــاق ســنة ‪2050‬م‪،‬‬ ‫حيــث تصبــو مــن خاللــه الصــن إلــى حتقيــق ثالثــة أهــداف متكاملــة‬ ‫ألمنهــا القومــي وبعدهــا اجليوســتراتيجي ‪ ،‬أولهــا‪ ،‬بنــاء الشــراكة‬ ‫التنمويــة مــع إفريقيــا ضمــن شــرعية اســتمرارية مؤمتــر باندونــغ‬ ‫حلركــة عــدم االنحيــاز ‪1955‬م‪ ،‬بترويــج صــورة الصــن باعتبارهــا‬ ‫الشــريك التنمــوي الكبيــر لهــذه االســتمرارية اإليديولوجيــة‪ ،‬الرافضة‬ ‫لــكل أشــكال االســتعمار القــدمي واجلديــد‪ .‬ثان ًيــا‪ ،‬تهــدف الصــن‬ ‫يف شــراكتها مــع إفريقيــا إلــى تأمــن التمويــن باحملروقــات واملــواد‬ ‫املنجميــة واملنتجــات الفالحيــة‪ ،‬فهــي بحاجة لتغذية ‪ 1.4‬مليار نســمة‬ ‫وإلجنــاز األهــداف االقتصاديــة املســطرة للوصــول إلــى ‪ 30‬باملائــة مــن‬ ‫االقتصــاد العاملــي يف آفــاق ‪2030‬م‪ .‬أمــا الهــدف الثالــث‪ ،‬فيكمــن يف‬ ‫بنــاء نفــوذ سياســي ودبلوماســي مــع الــدول اإلفريقيــة بعــزل تايــوان‬ ‫واالصطفــاف الدبلوماســي اإلفريقــي مــع بكــن يف احملافــل الدوليــة‬ ‫يف مواجهــة الضغوطــات الغربيــة‪ ،‬ال ســيما يف مجالــن أساســيني‪،‬‬

‫حقــوق اإلنســان وعــدم التدخــل يف الشــؤون الداخليــة للــدول‪ ،‬وهــو‬ ‫مــا جتلــى بوضــوح يف التصويــت اإلفريقــي داخــل مجلــس حقــوق‬ ‫اإلنســان لــأمم املتحــدة بجنيــف‪ ،‬يف جــوان ‪2020‬م‪ ،‬فيمــا يخــص‬ ‫قانــون األمــن القومــي لهونــغ كونــغ‪ ،‬الــذي وضــع حـدًا للحكــم الذاتــي‬ ‫وفــرض عقوبــات صارمــة علــى املعارضــة السياســية يف إقليــم هونــغ‬ ‫كونــغ‪ ،‬حيــث صوتــت ‪ 25‬دولــة إفريقيــة لصالــح الصــن‪ ،‬ويف نفــس‬ ‫االجتــاه بســطت الصــن نفوذهــا الدبلوماســي والسياســي علــى دول‬ ‫القــارة اإلفريقيــة فيمــا يخــص قضاياهــا الداخليــة وباألخــص يف‬ ‫قضيــة مســلمي اإليغــور يف إقليــم شــينجيانغ بشــمال غــرب الصــن‬ ‫أو يف إقليــم التبــت‪.‬‬ ‫ومتثــل هــذه األهــداف الصينيــة يف الشــراكة التنمويــة مــع إفريقيــا‬ ‫أحــد نقــاط القــوة واالســتمرارية يف التنافــس الصينــي ـ الغربــي‬ ‫بصفــة عامــة واألمريكــي بصفــة خاصــة‪ ،‬وبالعــودة إلــى التقريــر‬ ‫األمريكــي حــول رقصــة األســود اإلفريقيــة والتنانــن الصينيــة‪ ،‬فإنــه‬ ‫يبــرز أهميــة الصــن يف حتريــك التنميــة يف إفريقيــا مــن خــال‬ ‫اســتراتيجية رابح‪-‬رابــح التــي تعتمدهــا بكــن يف مشــاريعها املتعــددة‪،‬‬

‫‪48‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫للمنطقــة‪ ،‬فهــي أكثــر اســتعدا ًدا لتطويــر العالقــات مــع دول املجلــس‬ ‫لضمــان الوصــول إلــى النفــط واألســواق‪ .‬كمــا أنهــا تنظــر إلــى منطقــة‬ ‫الشــرق األوســط ليــس كســاحة تنافــس بــن القــوى الكبــرى‪ ،‬بــل فرص‬ ‫للتعــاون حلــل النزاعــات والصراعــات اإلقليميــة ومكافحــة اإلرهــاب‪،‬‬ ‫واحلفــاظ علــى االســتقرار اإلقليمــي وضمــان أمــن قنــوات الطاقــة‪.‬‬ ‫لذلــك‪ ،‬هنــاك نقــاط تقــارب بــن مصالــح الواليــات املتحــدة والصــن‬ ‫إذا اســتطاعت األخيــرة التخلــي عــن عقليــة احلــرب البــاردة وعقليــة‬ ‫احملصــل الصفــري‪ ،‬فيمكــن أن جتــد مســاحة للتواصــل واحلــوار يف‬ ‫هــذه املنطقــة‪.‬‬ ‫تكمــن رغبــة دول املجلــس وال ســيما اإلمــارات والســعودية يف تعزيــز‬ ‫التعــاون األمنــي مــع الصــن يف امللــف النــووي اإليرانــي‪ ،‬فالصــن‬ ‫متتلــك العديــد مــن نقــاط التقــارب مــع دول املجلــس‪ .‬فعلــى ســبيل‬ ‫املثــال‪ ،‬تفتقــر اململكــة العربيــة الســعودية وإيــران دائ ًمــا إلــى الثقــة‬ ‫املتبادلــة‪ ،‬بينمــا الصــن متتلــك عالقــات جيــدة مــع البلديــن‪ ،‬وهــو‬ ‫أمــر مالئــم لإلقنــاع وتعزيــز احملادثــات‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬تتبنــى الصــن‬ ‫موق ًفــا ال يتناســب مــع هــذا التعــاون وال قوتهــا الوطنيــة الشــاملة‪،‬‬ ‫وتزعــم بأنهــا تســعى لبنــاء منصــة حــوار متعــددة األطــراف يف منطقــة‬ ‫اخلليــج علــى أســاس احلفــاظ علــى االتفــاق الشــامل إلدارة النزاعــات‬ ‫واخلالفــات والســيطرة عليهــا مــن خــال املشــاورات اجلماعيــة‪،‬‬ ‫وتعتمــد شــراكتها االســتراتيجية الشــاملة علــى االســتفادة مــن تعزيــز‬ ‫املصالــح االقتصاديــة التــي حتمــي يف الوقــت نفســه مصاحلهــا‬ ‫األمنيــة والسياســية‪ ،‬وتتركــز اســتراتيجيتها يف التعامــل مــع القضايــا‬ ‫األمنيــة يف املنطقــة علــى الســهولة أوالً‪ ،‬والصعوبــة الح ًقــا ‪ ،‬والتقــدم‬ ‫التدريجــي‪ .‬وتنظــر إلــى مبــادرة "احلــزام والطريــق" كدافــع تنمــوي‬ ‫لتعزيــز االســتقرار اإلقليمــي واحلفــاظ علــى التــوازن بــن اململكــة‬ ‫العربيــة الســعودية وإيــران وجتنــب التــورط يف اخلالفــات السياســية‬ ‫بــن البلديــن‪.‬‬ ‫ويتــم تضمــن إيــران يف الدبلوماســية الشــاملة للصــن يف الشــرق‬ ‫األوســط وجنــوب آســيا وآســيا الوســطى‪ ،‬ودول املجلــس يف حتقيــق‬ ‫التنميــة املســتدامة التــي ســتكون مفتــاح القــوة العامليــة التــي تتمكــن‬ ‫مــن اإلســهام بشــكل أفضــل يف حتقيــق الســام والتنميــة يف منطقــة‬ ‫اخلليــج العربــي‪ .‬لذلــك‪ ،‬مواءمــة اســتراتيجيات التنميــة لــدول‬ ‫املجلــس مــع مبــادرة "احلــزام والطريــق" هــو احملــور الرئيســي‬ ‫لدبلوماســية الصــن يف املنطقــة‪ ،‬وال ســيما مــع مســاعي دول املجلــس‬ ‫لدفــع تنميــة االقتصــاد غيــر النفطــي والتركيــز علــى الطاقــة اجلديــدة‬ ‫والنوويــة والبنيــة التحتيــة والتكنولوجيــا الفائقــة‪ .‬فالدبلوماســية‬ ‫الصينيــة احلاليــة يف املنطقــة ال تتعلــق فقــط بالنفــط‪ ،‬بــل اجلمــع بــن‬ ‫الدبلوماســية التنمويــة القائمــة علــى االســتثمارات اجلديــدة وتنويــع‬ ‫الســوق لتلبيــة الطلــب احمللــي املتزايــد علــى الوقــود األحفــوري‪ ،‬وبنــاء‬ ‫املوانــئ واملجمعــات الصناعيــة التــي تقــع يف حناجــر مهمــة تربــط‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الشــرق األوســط وبقيــة العالــم‪ ،‬مثــل خليــج عمــان والبحــر األحمــر‬ ‫ومضيــق هرمــز‪ ،‬ويعتمــد جنــاح املبــادرة علــى التدفــق الســلس لهــذه‬ ‫الشــرايني‪.‬‬ ‫ومــع ذلــك‪ ،‬تخضــع املنطقــة لتغيــرات كبيــرة تتطلــب إحــداث تغيــرات‬ ‫يف الدبلوماســية الصينيــة يف املنطقــة مــن خــال إيــاء بكــن مزيـدًا‬ ‫مــن االهتمــام لتطويــر عالقاتهــا األمنيــة مــع دول املجلــس ذات نفــوذ‬ ‫إقليميــة ودوليــة‪ ،‬وجتــاوز قيــود العالقــات الدوليــة املعقــدة يف منطقــة‬ ‫الشــرق األوســط‪ ،‬خاصــة بعــد أن أصبــح " كبـ ِـح التم ـ ّ ُدد الصينــي "‬ ‫اســتراتيجية دول الغــرب والواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ .‬فحتــى األن‪،‬‬ ‫لــم نلمــس التأثيــر الدولــي الفعــال للقــوة الوطنيــة الشــاملة للصــن‪،‬‬ ‫إذ أنهــا لــم تســتغل غيــاب املنافســة بــن القــوى الكبــرى يف املنطقــة‬ ‫لتحســن قدراتهــا الدبلوماســية التــي ســيظهر أوجــه قصورهــا‬ ‫مبجــرد عــودة املنافســة‪.‬‬ ‫بالرغــم مــن أن طهــران تعتبــر حليف اســتراتيجي لبكــن‪ ،‬إال أن هناك‬ ‫متغيــرات يف العالقــات اخلارجيــة إليــران‪ ،‬ولــدى الدولــة القــدرة علــى‬ ‫التطــور الســريع‪ .‬فالعالقــة احلاليــة بــن إيــران والواليــات املتحــدة ال‬ ‫تــزال ســيئة للغايــة‪ ،‬إال أن التبــادالت الدبلوماســية مــع الغــرب لهــا‬ ‫تاريــخ طويــل؛ كمــا أن بعــض القــوى السياســية احملليــة يف طهــران‬ ‫ترغــب يف حتســن وتســهيل العالقــات مــع الواليــات املتحــدة‪ ،‬ناهيــك‬ ‫أن هنــاك ســخط مــن قبــل قاعــدة كبيــرة يف املجتمــع مــن السياســة‬ ‫الداخليــة واخلارجيــة للنظــام اإلســامي وهــذا مــا يهــدد أمــن النظــام‬ ‫يف طهــران‪ .‬لذلــك‪ ،‬لــم تعلــن الصــن وال إيــران عــن النــص الرســمي‬ ‫خلطــة التعــاون الشــامل‪ ،‬وال ميكــن املبالغــة يف أن خطــة التعــاون‬ ‫الشــاملة بــن الصــن وإيــران تعــد مســاعدة كبيــرة إليــران‪ ،‬ألن تنميــة‬ ‫العالقــات الثنائيــة تقــوم علــى أســاس االحتياجــات املشــتركة‪ .‬يجــب‬ ‫ً‬ ‫أيضــا علــى الصــن جتنــب وضــع دول مجلــس التعــاون يف "االختيــار"‬ ‫بــن الصــن والواليــات املتحــدة‪ ،‬وخاصــة مــع مســاعي دول املجلــس‬ ‫لتحقيــق التــوزان بــن الشــركات الصينيــة والغربيــة يف املنافســة‬ ‫الســيبرانية الصينية‪-‬األمريكيــة‪ ،‬للحفــاظ علــى مظلــة األمــن‬ ‫األمريكيــة وأمــن النظــام والتنــوع بــن احللفــاء لتجنــب االعتمــاد‬ ‫املفــرط علــى حليــف معــن‪ .‬كمــا أن دول املجلــس لديهــا فهــم أكثــر‬ ‫واقعيــة مليــزان القــوى للقــوى العامليــة؛ باإلضافــة إلــى أن لديهــم‬ ‫مواقــف مختلفــة جتــاه القــوى العامليــة‪ .‬لذلــك‪ ،‬يجــب علــى بكــن بــذل‬ ‫اجلهــود لتجنــب وضــع دول املجلــس وخاصــة اإلمــارات والســعودية يف‬ ‫موقــف يجبــرون فيــه علــى الوقــوف يف صــف بــن الصــن والواليــات‬ ‫املتحــدة‪ ،‬ألنــه مبجــرد حــدوث مثــل هــذا املوقــف‪ ،‬ســتواجه الصــن‬ ‫محرجــا للغايــة ووض ًعــا خطي ـ ًرا‪.‬‬ ‫موق ًفــا‬ ‫ً‬

‫* خبرية وباحثة متخصصة يف الشأن الصيني‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪47‬‬

‫ملف العدد‬

‫تخطط "لونجي" الصينية إلنشاء مصنع إلنتاج األلواح الشمسية‬ ‫يف المملكة العربية السعودية بقيمة ‪ ٢‬مليار دوالر‬ ‫اجليــل اخلامــس يف منطقــة يكــون فيهــا اســتهالك بيانــات الهاتــف‬ ‫احملمــول هــو األعلــى يف العالــم‪ ،‬مدفوعــة برؤيــة اإلمــارات ‪ ٢٠٢١‬م‪،‬‬ ‫ومختلــف املبــادرات الرقميــة األخــرى مثــل رؤيــة دبــي الذكيــة جلعــل‬ ‫املدينــة خاليــة مــن الــورق وجميــع املعامــات احلكوميــة رقميــة بنســبة‬ ‫‪ . ٪١٠٠‬كمــا أن هنــاك تعــاون بــن الكويــت وعمــان وقطــر مــع شــركة‬ ‫هــواوي الصينيــة حــول أهــم التقنيــات احلديثــة املتعلقــة بشــبكات‬ ‫اجليــل اخلامــس‪ ،‬وكيفيــة توظيــف اإلمكانــات الكبيــرة جليــل اإلنترنت‬ ‫اجلديــد يف قطاعــات الصحــة والنقــل والطيــران والنفــط وغيرهــا‪،‬‬ ‫والتــي تتضمــن تســريع العمــل وحتســن األداء إلــى مســتويات غيــر‬ ‫مســبوقة‪ .‬وســتكون غالبيــة حركــة املــرور عبــر الهاتــف احملمــول يف‬ ‫منطقــة دول مجلــس التعــاون اخلليجــي علــى شــبكة اجليــل اخلامــس‬ ‫بعــد عــام ‪ ٢٠٢٣‬م‪ ،‬ويتوقــع أن منطقــة دول مجلــس التعــاون اخلليجــي‬ ‫ســتبلغ ‪ ٦٢‬مليــون مشــترك يف خدمــة اجليــل اخلامــس بحلــول نهايــة‬ ‫عــام ‪٢٠٢٦‬م‪ ،‬وهــي ثانــي أعلــى نســبة اختــراق لســوق اجليــل اخلامــس‬ ‫علــى مســتوى العالــم وف ًقــا لتقريــر إريكســون اجلديــد‪.‬‬ ‫ومــع ذلــك‪ ،‬ليــس هنــاك شــك يف أن مبــادرة احلــزام والطريــق‬ ‫تهــدف يف املقــام األول إلــى تعزيــز الركيــزة املركزيــة للتعــاون يف‬ ‫مجــال الطاقــة‪ ،‬كمــا أنهــا ســتم ّكن الصــن مــن إنشــاء البنيــة التحتيــة‬ ‫الضروريــة ومرافــق النقــل والتكريــر الالزمــة لتأمــن مســتقبل‬ ‫طاقتهــا يف املنطقــة‪ .‬فعلــى الرغــم مــن االضطرابــات االقتصاديــة‬ ‫يف ســوق الطاقــة الناجمــة عــن الوبــاء‪ ،‬ال تظهــر العالقــات الصينيــة‬ ‫اخلليجيــة أي عالمــات علــى التباطــؤ‪ .‬بــدالً مــن ذلــك‪ ،‬أفســح الوبــاء‬ ‫الطريــق ملزيــد مــن االعتمــاد املتبــادل بــن الصــن و دول مجلــس‬ ‫التعــاون اخلليجــي‪ ،‬التــي تعتمــد رفاهيتهــا االقتصاديــة بشــكل كبيــر‬ ‫علــى انتعــاش أســواق النفــط العامليــة‪ .‬إن أوجــه التــآزر بــن مختلــف‬ ‫أجنــدات "رؤيــة التنميــة" لــدول مجلــس التعــاون اخلليجــي ومبــادرة‬ ‫احلــزام والطريــق يف الصــن واســعة النطــاق‪ ،‬وستســاهم يف توصــل‬ ‫االثنــن إلــى املراحــل النهائيــة مــن إبــرام اتفاقيــة التجــارة احلــرة بــن‬ ‫الصــن ودول مجلــس التعــاون اخلليجــي التــي طــال انتظارهــا‪ ،‬وهــي‬ ‫خطــوة ســتدفع بــا شــك التعــاون االقتصــادي وتفتــح األبــواب أمــام‬ ‫مجموعــة واســعة مــن الفــرص يف املجــاالت اجلديــدة‪ ،‬ناهيــك عــن‬ ‫مجــال الطاقــة‪ ،‬الــذي مــن املرجــح أن يســتمر يف قيــادة هــذا التحالــف‬ ‫االســتراتيجي كقطــاع ذي أهميــة متبادلــة كبيــرة‪.‬‬

‫•التوجهــات المســتقبلية للدبلوماســية الصينيــة تجــاه دول‬ ‫المجلــس‪ :‬الفــرص والتحديــات‬

‫كان هنــاك مؤشــ ًرا إيجاب ًيــا لبعــض التغيــرات يف الدبلوماســية‬ ‫الصينيــة الســنوات األخيــرة التــي انعكســت يف ارتقــاء عالقاتهــا‬

‫بالــدول الرئيســية يف املجلــس‪ :‬الســعودية واإلمــارات إلــى مســتوى‬ ‫الشــراكة االســتراتيجية الشــاملة مــن أجــل تلبيــة االحتياجــات الفعليــة‬ ‫للمصالــح الوطنيــة للجانبــن وبنــاء ثقــة مــع الشــركاء اخلليجيــن‪ .‬كمــا‬ ‫كشــفت هــذه الشــراكة عــن التحــوالت يف النمــط التقليــدي للواليــات‬ ‫املتحــدة التــي تهيمــن علــى الشــرق األوســط‪ ،‬فبعــض دول املجلــس‬ ‫لــم تعــد تتبــع الواليــات املتحــدة بشــكل أعمــى‪ .‬علــى ســبيل املثــال‪،‬‬ ‫تصريحــات دول املجلــس‪ ،‬وخاصــة حلفــاء الواليــات املتحــدة‪ ،‬بـــدعم‬ ‫الصــن بشــأن قضيــة شــينجيانغ وتايــوان‪ .‬يف حــن‪ ،‬أن االســتثمار‬ ‫املتزايــد يف البنــى التحتيــة مثــل الطــرق والســكك احلديديــة وإدارة‬ ‫املوانــئ واخلدمــات اللوجســتية‪ ،‬فضــ ً‬ ‫ا عــن الطاقــة النوويــة‪،‬‬ ‫والفضــاء واألقمــار الصناعيــة والطاقــة اجلديــدة وغيرهــا مــن‬ ‫مجــاالت التكنولوجيــا الفائقــة‪ ،‬يعــزز مــن النفــوذ السياســي واألمنــي‬ ‫لبكــن يف املنطقــة‪.‬‬ ‫ومــع ذلــك‪ ،‬هنــاك حتديــات تواجــه الصــن يف دفــع عجلــة بنــاء‬ ‫"احلــزام والطريــق" التــي تتوافــق مــع "رؤيــة التنميــة املســتقبلية" لــدول‬ ‫املجلــس‪ ،‬وتكمــن يف رغبــة دول املجلــس يف تعزيــز اجلانــب األمنــي مــع‬ ‫الصــن‪ ،‬وال ســيما امللــف النــووي اإليرانــي وكبــح توســعاتها اإلقليميــة‪.‬‬ ‫ومــدى قــدرة بكــن علــى جتنــب وقــوع دول املجلــس يف دائــرة االختيــار‬ ‫بــن بكــن وواشــنطن يف املنافســة‪ ،‬وخاصــة بعــد التحذيــرات األخيــرة‬ ‫مــن إدارة بايــدن لقــادة الشــرق األوســط بضــرورة إنهــاء التعــاون مــع‬ ‫الصــن بشــأن القضايــا التــي تتعلــق بالتعــاون يف شــبكات اجليــل‬ ‫اخلامــس التــي تضــع دول املجلــس يف قلــب املنافســة الســيبرانية‬ ‫الصينية‪-‬األمريكيــة‪ ،‬وتعتبرهــا خطــ ًرا علــى أمنهــا القومــي‪ .‬كمــا‬ ‫أعطــت هــذه التحذيــرات العامــة عالمــة علــى نظــرة فريــق بايــدن إلــى‬ ‫صفقــة بيــع الطائــرات املقاتلــة املتطــورة مــن طــراز ‪ F-35‬لدولــة‬ ‫اإلمــارات العربيــة املتحــدة‪.‬‬ ‫ترغــب الصــن يف جتــاوز الواليــات املتحــدة يف العديــد مــن املجــاالت‬ ‫وخاصــة مــع انطــاق ثــورة التكنولوجيــا الرابعــة‪ ،‬ولكــن ال يوجــد‬ ‫حال ًيــا دليــل يذكــر علــى أنهــا ستنشــئ قاعــدة عســكرية أو الرغبــة‬ ‫يف الهيمنــة يف املنطقــة‪ ،‬ولكــن العتبــارات االســتقرار االقتصــادي‬ ‫واحمللي‪.‬مــع األخــذ يف االعتبــار العمليــات العســكرية الكارثيــة‬ ‫للواليــات املتحــدة يف أفغانســتان والعــراق ودول أخــرى كــدرس‪،‬‬ ‫لطاملــا اعتقــدت النخــب السياســية يف الصــن أن سياســة واشــنطن‬ ‫يف الشــرق األوســط قــد أضعفــت نفســها وأضــرت بنفوذهــا العاملــي‪،‬‬ ‫وبالتالــي ال تريــد بكــن تكــرار نفــس األخطــاء‪ .‬غيــر أن الواليــات‬ ‫املتحــدة والصــن لديهمــا مصالــح مختلفــة يف الشــرق األوســط‪ ،‬لكــن‬ ‫االســتنتاج بــأن بكــن تريــد اســتبدال واشــنطن يف املنطقــة ال تدعمــه‬ ‫ببســاطة األدلــة املوجــودة‪ .‬فلــن تغيــر الصــن أهدافهــا‪ ،‬ومــن غيــر‬ ‫املرجــح أن تســعى بكــن إلــى االنخــراط يف الصراعــات السياســية‬

‫‪46‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الخطط التنموية الخليجية تتركز عىل تقليل استهالك النفط بما‬ ‫يخدم طموحات الصين السياسية والتجارية‬ ‫التعــاون الثنائــي ملبــادرة احلــزام والطريــق الصينيــة ورؤيــة الكويــت‬ ‫‪٢٠٣٥‬م‪.‬‬ ‫االختراقــات الثالثــة ( الطاقــة النوويــة والفضــاء واألقمــار‬ ‫الصناعيــة والطاقــات اجلديــدة)‬ ‫تُعــد جــزء مــن اخلطــط التنمويــة اخلليجيــة التــي تتركــز علــى‬ ‫تقليــل االســتهالك احمللــي للنفــط ودعــم االقتصــاد غيــر النفطــي‪،‬‬ ‫وتخــدم طموحــات الصــن السياســية والتجاريــة مــع دول املجلــس‪.‬‬ ‫يف مجــال الطاقــة النوويــة‪ ،‬وقعــت الســعودية مذكــرة تفاهــم للتعــاون‬ ‫يف االســتخدام املدنــي للطاقــة النوويــة مــع الصــن عــام ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬ومت‬ ‫توقيــع عــدد مــن مذكــرات التفاهــم األخــرى‪ ،‬تتضمــن استكشــاف‬ ‫وتقييــم مــوارد اليورانيــوم والثوريــوم ‪ ،‬وتطويــر مفاعــات نوويــة‬ ‫مبــردة بالغــاز ملشــاريع حتليــة امليــاه‪ .‬ويف عــام ‪٢٠١٧‬م‪ ،‬قــام رئيــس‬ ‫مدينــة امللــك عبــد اهلل للطاقــة الذريــة واملتجــددة‪ ،‬هاشــم ميانــي ‪،‬‬ ‫بزيــارة الصــن ملناقشــة دراســة جــدوى أوليــة لبنــاء أول مفاعلــن‬ ‫نوويــن يف اململكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬بالرغــم مــن الضغــوط‬ ‫السياســية علــى الريــاض مــن قبــل الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ .‬ويف‬ ‫ينايــر ‪٢٠١٨‬م‪ ،‬زار وفــد ســعودي مشــروع الطاقــة النوويــة يف مدينــة‬ ‫فوتشــينغ مبقاطعــة فوجيــان يف شــرقي الصــن وتبــادل التكنولوجيــا‬ ‫والبنــاء الهندســي حــول مفاعــل هوالونــغ ‪ .1‬كمــا شــرعت يف بنــاء‬ ‫مصنــع الســتخراج اليورانيــوم يف مدينــة العــا شــمال غربــي البــاد‬ ‫مبســاعدة كيانــن صينيــن‪ ،‬يف إطــار تعزيــز برنامجهــا النــووي ذي‬ ‫األغــراض الســلمية وال ينتهــك االتفاقــات الدوليــة‪ .‬ويف يوليــو ‪،٢٠١٩‬‬ ‫وقعــت الصــن واإلمــارات العربيــة املتحــدة مذكــرة تفاهــم‪ ،‬لتعزيــز‬ ‫التعــاون النــووي بــن املؤسســة النوويــة الوطنيــة الصينيــة والشــركات‬ ‫اإلماراتيــة‪ ،‬وإجــراء التبــادالت والتعــاون يف مجــاالت البحث والتطوير‬ ‫يف مجــال الطاقــة النوويــة وتطبيــق التكنولوجيــا النوويــة‪.‬‬ ‫ويف األقمــار الصينيــة‪ ،‬توقيــع اتفاقيــات تعــاون مــع اإلمــارات‬ ‫والســعودية يف مجــال استكشــاف واســتخدام الفضــاء اخلارجــي‬ ‫لألغــراض الســلمية‪ ،‬والتــي تتضمــن اخلبــرات العلميــة والبحثيــة‬ ‫املتطــورة وموضوعــات ذات صلــة بالتدريــب وبنــاء القــدرات وعقــد‬ ‫احملاضــرات واملؤمتــرات البحثيــة وغيرهــا مــن املبــادرات املشــتركة‪.‬‬ ‫علــي ســبيل املثــال‪ ،‬شــاركت الســعودية مــع الصــن يف رحلــة نــادرة‬ ‫الستكشــاف اجلانــب غيــر املرئــي للقمــر عــن قــرب‪ ،‬يف إطــار‬ ‫اهتمامهــا املتنامــي باستكشــاف الفضــاء البعيــد لعــام ‪٢٠١٨‬م‪ ،‬ويف‬ ‫الطاقــة النظيفــة‪ ،‬أعلنــت شــركة أكــوا بــاور الســعود ّية عــام ‪٢٠٢٠‬م‪،‬‬ ‫منــح شــركة شــنغهاي إلكتريــك الصينيــة‪ ،‬عقــد الهندســة واملشــتريات‬ ‫والبنــاء كشــريك ومســاهم بنســبة ‪ %٤٩‬ملشــروع املرحلــة اخلامســة‬ ‫مــن مج ّمــع محمــد بــن راشــد آل مكتــوم‪ ،‬أكبــر محطــة للطاقــة‬

‫الشمســية يف العالــم‪ ،‬بعــد تقــدم ســير العمــل يف املرحلــة الرابعــة‪.‬‬ ‫كمــا وقــع صنــدوق االســتثمارات العامــة مذكــرة تفاهــم مــع إدارة‬ ‫الطاقــة الوطنيــة الصينيــة يف عــام ‪٢٠١٩‬م‪ ،‬بهــدف تطويــر التصنيــع‬ ‫وتوليــد الطاقــة والتقنيــات الناشــئة يف قطــاع الطاقــة املتجــددة‬ ‫يف اململكــة‪ .‬وتخطــط ‪ LONGi‬الصينيــة إلنشــاء مصنــع إلنتــاج‬ ‫األلــواح الشمســية يف اململكــة العربيــة الســعودية بقيمــة ‪ ٢‬مليــار‬ ‫دوالر‪ .‬ويف أبريــل ‪٢٠٢١‬م‪ ،‬وقعــت مجموعــة ‪Energy China‬‬ ‫‪ Guangdong Thermal Power‬عقــدًا ملشــروع ‪EPC‬‬ ‫حملطــة الطاقــة الكهروضوئيــة التابعــة لشــركة ‪Shatrabigh‬‬ ‫ملشــروع توليــد الطاقــة الكهروضوئيــة ‪ ٣٠٠‬ميجــاوات يف الســعودية‪.‬‬ ‫وف ًقــا لتقريــر االســتثمار الصينــي ملبــادرة احلــزام والطريــق لعــام‬ ‫‪ ٢٠٢٠‬م‪ ،‬الصــادر عــن مركــز مبــادرة احلــزام والطريــق األخضــر‪،‬‬ ‫تشــكل اســتثمارات الطاقــة املتجــددة (الطاقــة الشمســية وطاقــة‬ ‫الريــاح والطاقــة املائيــة) غالبيــة اســتثمارات الطاقــة الصينيــة‬ ‫يف اخلــارج ‪ -‬حيــث زادت حصتهــا مــن ‪ ٪٣٨‬يف عــام ‪ ٢٠١٩‬إلــى‬ ‫‪ .٪٥٧‬يف عــام ‪٢٠٢0‬م‪ .‬مــن بينهــا ‪ ،‬تتلقــى آســيا احلصــة األكبــر مــن‬ ‫اســتثمارات احلــزام والطريــق الصينيــة (حوالــي ‪ ٪٥٤‬لعــام ‪٢٠٢٠‬م)‪.‬‬ ‫ويف تكنولوجيــا اجليــل اخلامــس‪ ،‬تســعى دول املجلــس للتركيــز علــى‬ ‫االســتثمار يف التقنيــة الصناعيــة الرابعــة‪ .‬فخــال منتــدى االســتثمار‬ ‫الســعودي الصينــي مــارس ‪ ٢٠١٩‬م‪ ،‬وقعــت هــواوي مذكــرات تفاهــم‬ ‫مــع وزارات وشــركات ســعودية لتعزيــز التعــاون يف املــدن الذكيــة‪،‬‬ ‫اللوجســتيات الذكيــة‪ ،‬التعليــم الذكــي‪ ،‬حركــة املــرور الذكيــة والشــبكة‬ ‫الذكيــة‪ .‬كمــا وقعــت مذكــرة تفاهــم مــع شــركة أكــوا بــاور الســتخدام‬ ‫الــذكاء االصطناعــي والبيانــات الضخمــة‪ .‬ومت بالفعــل تنفيــذ شــراكة‬ ‫بــن هــواوي للجيــل اخلامــس مــع شــركة االتصــاالت الســعودية يف‬ ‫مجــال إدارة املــدن الذكيــة‪ ،‬مــع إنشــاء نظــام أمــان موحــد ملركــز‬ ‫عمليــات يف مكــة عــام ‪٢٠١٥‬م‪ ،‬لدعــم احلكومــة الســعودية أثنــاء احلــج‬ ‫ارتفاعــا كبيــ ًرا يف مكاملــات الطــوارئ‪.‬‬ ‫عندمــا تتلقــى‬ ‫ً‬ ‫وهنــاك توقعــات بــأن مســاعي احلكومــة الســعودية جلعــل اقتصادهــا‬ ‫يعتمــد علــى التكنولوجيــا واملعلومــات والقــدرات واملهــارات قــد‬ ‫يؤتــي ثمــاره يف املســتقبل باســتثمارات ضخمــة تصــل إلــى أكثــر مــن‬ ‫‪ 10.000‬منشــأة صناعيــة بقيمــة ‪ ٢٥‬مليــار دوالر‪ .‬وف ًقــا لــوزارة‬ ‫االتصــاالت وتكنولوجيــا املعلومــات‪ ،‬مــن املتوقــع أن يرتفــع اســتثمار‬ ‫اململكــة العربيــة الســعودية يف رقمنــة مدنهــا‪ ،‬لتغطيــة ‪ ٪٦٠‬مــن املراكز‬ ‫احلضريــة بشــبكات اجليــل اخلامــس‪ ،‬ومــن املتوقــع أن يرتفــع النــاجت‬ ‫احمللــي اإلجمالــي غيــر النفطــي بأكثــر مــن ‪ 4‬يف املائــة مــن عــام‬ ‫‪ ٢٠١٧‬إلــى عــام ‪٢٠٣٠‬م ‪ ،‬ممــا يولــد ‪ 1‬تريليــون ريــال مــن اإليــرادات‬ ‫اجلديــدة وف ًقــا للهيئــة الســعودية للبيانــات والــذكاء االصطناعــي‬ ‫(ســدايا)‪ .‬تدعــم دولــة اإلمــارات ً‬ ‫أيضــا اســتخدام ومنــو تقنيــات مثــل‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪45‬‬

‫ملف العدد‬

‫عىل بكين تجنب دفع دول الخليج لالختيار بين الصين وأمريكا وإال‬ ‫ستواجه الصين ً‬ ‫محرجا خطي ًرا‬ ‫موقفا ً‬ ‫يف عــام ‪٢٠١٦‬م‪ ،‬املدينــة التــي تقــع علــى الســاحل اجلنوبــي الغربــي‬ ‫الســعودي علــى البحــر األحمــر‪ ،‬كمــا يجــري بنــاء مصنــع جــازان‬ ‫للبتروكيماويــات‪ ،‬بالشــراكة مــع شــراكة " ‪Pan-Asia PET‬‬ ‫‪ ."Resin Co‬ويف عــام ‪٢٠٢١‬م ‪ ،‬وقعــت شــركة ‪COSCO‬‬ ‫‪ Shipping Ports Limited‬الصينيــة اتفاقيــات مــع محطــة‬ ‫بوابــة البحــر األحمــر يف اململكــة العربيــة الســعودية الســتثمار ‪٪٢٠‬‬ ‫ً‬ ‫وأيضــا وقعــت شــركة‬ ‫مــن رأس املــال يف مينــاء جــدة اإلســامي‪،‬‬ ‫‪ Hutchison Ports‬يف هــوجن كــوجن اتفاقيــة اســتثمار وتشــغيل‬ ‫محطــة حاويــات وشــحن البضائــع العامــة يف جيــزان‪ .‬كمــا حتــرص‬ ‫دبــي علــى اســتقطاب االســتثمارات الصينيــة املوجهــة للمبــادرة يف‬ ‫املنطقــة عبــر إقامــة مناطــق لوجســتية وضــخ اســتثمارات مبليــارات‬ ‫الــدوالرات يف قطاعــات البنيــة التحتيــة‪ .‬فعلــى ســبيل املثــال‪ ،‬وقعــت‬ ‫"موانــئ أبوظبــي" يف يوليــو ‪٢٠١٧‬م‪" ،‬اتفاقيــة مســاطحة" ملــدة‬ ‫خمســن عامـاً مــع "شــركة االســتثمار والتعــاون وراء البحــار ملقاطعــة‬

‫جيانغســو احملــدودة (جوســيك)" لتنفيــذ مشــاريع يف منطقــة التجــارة‬ ‫احلــرة ملينــاء خليفــة بقيمــة ‪ ٣٠٠‬مليــون دوالر‪ ،‬وتعــد الصــن أكبــر‬ ‫مســـتثـــمر أجنبــــــــــي يف املدينــة حيــث هنــاك أكثــر مــن ‪ ٢٠‬شــركة‬ ‫صينيــة‪ .‬يف مايــو ‪٢٠١٩‬م‪ ،‬أعلنــت مجموعــة "إيســت هــوب" الصينيــة‬ ‫العمالقــة واملتخصصــة بقطــاع الصناعــة عــن توقيــع مذكــرة تفاهــم‬ ‫مــع مدينــة خليفــة الصناعيــة يف أبوظبــي والتابعــة ملوانــئ أبوظبــي؛‬ ‫للعمــل بدراســة جــدوى مشــتركة للقيــام مبشــروع بقيمــة ‪ ١٠‬مليــارات‬ ‫دوالر ميتــد علــى ‪ ٣‬مراحــل ملــدة ‪ ١٥‬عا ًمــا‪ .‬يتضمــن منشــأة لتكريــر‬ ‫األلومينــا‪ ،‬وبنــاء مركــز أبحــاث لدراســة خصائــص الطــن األحمــر‪،‬‬ ‫ومشــروع إلعــادة التدويــر ومعاجلــة خامــات املعــادن غيــر احلديديــة‬ ‫يف مراحــل اإلنتــاج األوليــة والنهائيــة‪ .‬ومــن أهــم املشــاريع يف عمــان‪،‬‬ ‫مشــروع املدينــة الصناعيــة الصينيــة‪ -‬العمانيــة بواليــة الدقــم‪ ،‬ويف‬ ‫الكويــت‪ ،‬تطويــر مشــروع مدينــة احلريــر واجلــزر اخلمــس ومشــروع‬ ‫شــبكة البنيــة األساســية‪ ،‬الــذي تنفــذه شــركة (قهتشــوبا) يف إطــار‬

‫‪44‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مســـتقبل العالقـــات بـــن دول مجلـــس التعـــاون والصـــن‪ :‬التحديـــات والحلـــول‬

‫مواءمــة اســتراتيجيات التنميــة الخليجيــة مــع‬ ‫"الحــزام والطريــق" محــور دبلوماســية الصيــن‬ ‫لقــد عــززت الشــراكة االســتراتيجية الشــاملة بــن دول مجلــس التعــاون اخلليجــي والصــن مجــاالت التعــاون يف الطاقــة‬ ‫والبنيــة التحتيــة والتجــارة واالســتثمار والطاقــة النوويــة والفضــاء والطاقــة النظيفــة واألقمــار الصناعيــة وغيرهــا‪ .‬ممــا دفــع‬ ‫دول اخلليــج إلــى رغبتهــا يف تعميــق عالقاتهــا مــع الصــن يف املجــال األمنــي وتعزيــز انخراطهــا يف القضايــا األمنيــة للمنطقــة‬ ‫وخاصــة أنهــا تعتبــر حليــف اســتراتيجي إليــران التــي تنظــر إليهــا دول املجلــس علــى أنهــا تهديــد حقيقــي ألمنهــا الوطنــي‬ ‫واإلقليمــي‪ ،‬وهــي ميــزة للدبلوماســية الصينيــة يف التواصــل مــع جميــع أطــراف الصــراع‪ ،‬وإبــراز قوتهــا الوطنيــة الشــاملة‬ ‫وجتــاوز قيــود العالقــات الدوليــة املعقــدة يف املنطقــة‪.‬‬

‫د‪ .‬هند احمللي سلطان‬

‫•أهميــة العالقــات المشــتركة بيــن الصيــن ودول المجلــس يف‬ ‫ضــوء "رؤيــة التنميــة المســتقبلية الخليجيــة" ومبــادرة "الحــزام‬ ‫والطريــق"‬

‫ً‬ ‫خططــا تنمويــة طويلــة األجــل‬ ‫وضعــت دول مجلــس التعــاون اخلليجــي‬ ‫الستكشــاف أســاليب احلوكمــة التــي تعــزز التنميــة االقتصاديــة‬ ‫واالجتماعيــة واالســتقرار الداخلــي‪ .‬فصاغــت اململكــة العربيــة‬ ‫الســعودية خطــة "رؤيــة ‪ ، "٢٠٣٠‬وعمــان " رؤيــة ‪ ،"٢٠٤٠‬والكويــت‬ ‫" رؤيــة ‪ ،"٢٠٣٥‬واإلمــارات " مئويــة ‪ ."٢٠٧١‬تعكــس هــذه اخلطــط‬ ‫التنمويــة مســاعي دول املجلــس لإلصــاح والتنميــة‪ ،‬والســيما بعــد‬ ‫جتربــة االضطــراب العنيــف لـــ "الربيــع العربــي"‪ .‬جــاءت مبــادرة‬ ‫"احلــزام والطريــق" لتتوافــق إلــى حــد كبيــر مــع متطلبــات هــذه‬ ‫اخلطــط التنمويــة‪ .‬حيــث تتركــز املبــادرة علــى التعــاون يف مجــال‬ ‫الطاقــة باعتبــاره احملــور الرئيســي‪ ،‬والبنيــة التحتيــة وتســهيل التجــارة‬ ‫واالســتثمار كجناحــن‪ ،‬والطاقــة النوويــة‪ ،‬واألقمــار الصناعيــة‬ ‫الفضائيــة‪ ،‬والطاقــة النظيفــة باعتبارهــا مجــاالت التكنولوجيــا‬ ‫الفائقــة الثالثــة‪ ،‬وهــي نقــاط اختــراق لنمــط معادلــة التعــاون‬ ‫الصينــي العربــي "‪ ."3 + 2 + 1‬دفعــت هــذه املعادلــة تعميــق التعــاون‬ ‫بــن اجلانبــن ليرتقــي إلــى" شــراكة اســتراتيجية شــاملة" والســيما‬ ‫مــع الســعودية واإلمــارات‪ .‬وتأتــي مجــاالت التعــاون اجلديــدة كمؤشــر‬

‫للتطــور الكبيــر يف العالقــات بــن دول املجلــس والصــن والتغيــرات‬ ‫يف الدبلوماســية الصينيــة حلمايــة مصاحلهــا املتناميــة يف املنطقــة‬ ‫دون انخــراط عســكري‪.‬‬ ‫البنية التحتية‬ ‫يخــدم هــذا اجلانــب طريــق احلريــر البحــري الصينــي عــن طريق دعم‬ ‫مشــاريع البنيــة التحتيــة وتطويــر املوانــئ ومرافــق التخزيــن املتعلقــة‬ ‫بالتجــارة‪ ،‬بينمــا يتوافــق هــذا املجــال مــع اخلطــط التنمويــة اخلليجيــة‬ ‫املســتقبلية التــي تتركــز علــى ضــخ اســتثمارات خاصــة وأجنبيــة‬ ‫بشــكل كبيــر يف االقتصــاد غيــر النفطــي‪ ،‬مثــل قطاعــات‪ :‬التعديــن‬ ‫واملعــادن‪ ،‬والبتروكيماويــات‪ ،‬والتصنيــع ‪ ،‬وجتــارة التجزئــة واجلملــة‪،‬‬ ‫والســياحة‪ ،‬و الضيافــة والرعايــة الصحيــة والتمويــل والبنــاء‪ .‬يف‬ ‫الســعودية‪ ،‬وصلــت قيمــة عقــود البنــاء الصينيــة إلــى أكثــر مــن ‪٣٥‬‬ ‫مليــار دوالر بــن عامــي ‪٢٠١٩ – ٢٠٠٥‬م‪ ،‬مثــل بنــاء خــط ســكة حديــد‬ ‫يربــط بــن مكــة املكرمــة واملدينــة املنــورة وجــدة لنقــل احلجــاج‪ ،‬وبنــاء‬ ‫أكبــر محطــة كهربــاء يف الشــرق األوســط شــمال جــدة‪ ،‬ومصفــاة ينبــع‬ ‫املشــتركة بــن أرامكــو وســينوبك‪ .‬ومشــروع مدينــة نيــوم الســعودية‬ ‫العمالقــة‪ ،‬التــي يتــم بناؤهــا علــى الســاحل الشــمالي الغربــي‬ ‫للبحــر األحمــر‪ ،‬وهــي مدينــة ذكيــة تبلــغ تكلفتهــا ‪ ٥٠٠‬مليــار دوالر‬ ‫ً‬ ‫وأيضــا مدينــة جــازان للصناعــات األساســية والتحويليــة‬ ‫أمريكــي‪،‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الشــركات الصينيــة يف تطويــر قــدرات اجليــل اخلامــس يف املنطقــة‬ ‫حيــث تتواجــد قواعدهــا العســكرية ممــا يصعــب علــى القــوات‬ ‫األمريكيــة و اخلليجيــة التواصــل‪ .‬وبالتالــي أصبــح اخلليــج يقــع يف‬ ‫أساســا حول مشــروع‬ ‫صلب اخلالف األمريكي‪-‬الصيني والذي نشــأ‬ ‫ً‬ ‫أساســا‬ ‫الصــن املســمى "صنــع يف الصــن ‪ "2025‬و هــو مشــروع يقــوم‬ ‫ً‬ ‫علــى املنافســة مــع الغــرب يف مجــال الصناعــات الذكيــة و النظيفــة‬ ‫وهــي صناعــات محتكــرة مــن قبــل الغــرب و يشــمل عشــر قطاعــات‬ ‫هــي‪ :‬تكنولوجيــا املعلومــات املتقدمــة اجلديــدة‪ ،‬اآلالت املأمتتــة و‬ ‫اآلليــون‪ ،‬معــدات الفضــاء و الطيــران‪ ،‬املعــدات البحريــة والشــحن‬ ‫البحــري املتطــور‪ ،‬القطــارات احلديثــة‪ ،‬الســيارات الكهربائيــة‪،‬‬ ‫معــدات الطاقــة و الزراعــة و املــواد اجلديــدة‪ ،‬و األدويــة احليويــة و‬ ‫منتجــات الطــب املتطــورة‪ .‬و تنصــب االتهامــات الغربيــة علــى الصــن‬ ‫بأنهــا حتــاول الوصــول ألهدافهــا عبــر احلــروب الســيبرانية و شــراء‬ ‫أو املســاهمة يف الشــركات الغربيــة العاملــة يف تلــك املجــاالت‪ ،‬و‬ ‫ســعي الصــن لالســتحواذ علــى مــا يقــرب الصناعــة الكاملــة بــدالً‬ ‫مــن جتزئتهــا كمــا هــو املعمــول بــه اآلن و ذلــك بحلــول عــام ‪ 2025‬م‪،‬‬ ‫هــو مــا ذكــر يف مشــروع "الكتــاب األخضــر"‪ .‬و هــي معضلــة تواجههــا‬ ‫كذلــك الواليــات املتحــدة األمريكيــة يف حالــة إســرائيل‪ ،‬حيــث تســعى‬ ‫الشــركات الصينيــة إلدارة املوانــئ اإلســرائيلية الســيما مينــاء حيفــا و‬ ‫التــي تتــردد عليهــا ســفن األســطول الســادس األمريكــي‪ .‬و يف مطلــع‬ ‫هــذا العــام تصاعــد ذلــك اخلــاف إلــى ســمة احملــاور‪ ،‬حيــث انضمــت‬ ‫إلــى احملــور األمريكــي كل مــن اســتراليا و اليابــان و كوريــا اجلنوبيــة‪،‬‬ ‫باإلضافــة إلــى االحتــاد األوروبــي و كنــدا ضــد الصــن و جتلــى كذلــك‬ ‫مــن خــال قمــة ‪ ، G7‬يف الوقــت نفســه تســعى الصــن إلــى تعزيــز‬ ‫محورهــا بالتحالــف مــع إيــران و باكســتان‪ ،‬و قــد يفســر ذلــك قبــول‬ ‫عضويــة إيــران يف منظمــة شــنغهاي‪.‬‬ ‫الصني ما بني إيران و اخلليج‬ ‫التخــوف األكبــر الــذي تبديــه دول اخلليــج هــو مــن اتفاقيــة الربــع‬ ‫القــرن مــا بــن الصــن وإيــران‪ ،‬بــل إن ذلــك التخــوف مــن املفتــرض‬ ‫أن يتزايــد الســيما بعــد أن يتــم إعــان دخــول إيــران ملنظمــة شــنغهاي‬ ‫لألمــن والدفــاع يف مطلــع هــذا الشــهر‪ ،‬إال أن تلــك اخلطــوات لــم‬ ‫تكــن وليــدة اللحظــة كمــا أنهــا لــم تــأت بصــورة منفــردة كمــا انفــردت‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة باالتفــاق النــووي اإليرانــي و الــذي‬ ‫انتهــى بالفشــل‪ ،‬فالصــن تراقــب و حتــاول االســتفادة مــن جتــارب‬ ‫اآلخريــن‪ ،‬إال أننــا ال زلنــا يف وقــت مبكــر آلن نحكــم علــى جنــاح‬ ‫ذلــك الــدور الصينــي األمنــي اجلديــد يف املنطقــة‪ .‬ففــي عــام ‪2015‬م‪،‬‬ ‫رأت الصــن يف دعــوة أمريــكا لروســيا للدخــول يف ســوريا‪ ،‬بأنهــا‬ ‫دعــوة ً‬ ‫أيضــا لدخولهــا يف منطقــة اخلليــج‪ ،‬لذلــك حرصــت علــى‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪43‬‬

‫ملف العدد‬

‫عــرض شــراكتها علــى كل مــن إيــران و اململكــة العربيــة الســعودية‪،‬‬ ‫حيــث انطلقــت تلــك الشــراكة االســتراتيجية الكاملــة مــا بــن الصــن‬ ‫و الســعودية يف عــام ‪2016‬م‪ ،‬و التحقــت بهــا فيمــا بعــد اإلمــارات‬ ‫يف عــام ‪2018‬م‪ ،‬بينمــا جــاءت إيــران بعــد ذلــك يف عــام ‪2019‬م‪،‬‬ ‫فاألســبقية يف حقيقــة تلــك الشــراكة هــي للخليــج متقدمــة علــى‬ ‫إيــران‪ ،‬و تلــك احلقيقــة يجــب أن حتــاول دول اخلليــج االســتفادة منهــا‬ ‫الســيما يف التعبيــر عــن تخوفهــا مــن محاولــة إقامــة قواعــد عســكرية‬ ‫صينيــة علــى الســواحل اإليرانيــة‪ ،‬باإلضافــة إلــى االســتخدامات‬ ‫النوويــة الغيــر ســلمية‪ ،‬و الســلوك اإليرانــي يف التدخــل يف الشــؤون‬ ‫الداخليــة‪ ،‬و هــي سياســة ترفضهــا الصــن الســيما بفعــل ملفهــا املقلــق‬ ‫مــع األقليــات املســلمة اإليغــور يف إقليــم ســنجان‪ .‬كمــا يحــق لــدول‬ ‫اخلليــج التعبيــر عــن قلقهــا ممــا ورد مــن نســخ مســربة لتلــك االتفاقيــة‬ ‫حــول إمكانيــة نشــر الصــن لقــوات مســلحة قوامهــا خمســن ألــف‬ ‫علــى الســواحل اإليرانيــة ممــا يخــل بالسياســة الصينيــة التــي تســعى‬ ‫إلــى احليــاد و التــوازن‪ .‬و بعــد تفجــر اللغــم األفغانــي بعــد االنســحاب‬ ‫األمريكــي مــن أفغانســتان حيــث تشــترك مــع الصــن بحــدود تصــل‬ ‫إلــى ‪ 80‬ألــف كــم‪ ،‬ممــا ســيجعلها علــى أولــى أولوياتهــا األمنيــة‪ ،‬و‬ ‫هــي أولويــة تشــترك معهــا كذلــك دول اخلليــج التــي كانــت و التــزال‬ ‫هد ًفــا لإلرهــاب و التطــرف‪ .‬كل ذلــك يؤكــد علــى أهميــة تعزيــز البيــت‬ ‫اخلليجــي‪ ،‬والتعــاون الدولــي يف املرحلــة القادمــة احلبلــى باملفاجــآت‪.‬‬ ‫اخلالصــة‪ ،‬مضــي اخلليــج والصــن يف خطــوات واســعة يف التعــاون‬ ‫و الشــراكة االقتصاديــة‪ ،‬إال أن يف ظــل غمــوض املوقــف األمنــي‬ ‫الصينــي و تفضيلــه لصيغــة إدارة الصــراع بــدالً مــن حــل الصــراع‪،‬‬ ‫مــن الصعــب أن يكــون بديـ ً‬ ‫ا أمن ًيــا عــن الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪،‬‬ ‫إال أننــا يف ظــل أجــواء حــرب بــاردة تــزداد ســخونة ال ميكــن لــدول‬ ‫اخلليــج إال التنســيق و تعزيــز العمــل اجلماعــي فيمــا بينهــا واالنفتــاح‬ ‫علــى الشــراكات اإلقليميــة و الدوليــة كمــا عملــت يف حقبــة الثنائيــة‬ ‫القطبيــة لالســتفادة مــن تنافــس تلــك القــوى يف حتقيــق أهدافهــا‬ ‫باالســتقرار و التنميــة‪.‬‬

‫*أستاذة العلوم السياسية ـ جامعة الكويت ـ عضو الهيئة االستشارية‬ ‫للمجلس األعىل يف دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية‬

‫‪42‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫رأت الصين يف دعوة أمريكا لروسيا للدخول يف سوريا بأنها دعوة‬ ‫أي ًض ا لدخولها منطقة الخليج‬

‫الصــن لزيــادة اعتمادهــا علــى النفــط و الغــاز والكهربــاء و الطاقــة‬ ‫املتجــددة‪ .‬لذلــك أطلــق الرئيــس الصينــي شــي جــن بينــغ مفهــوم‬ ‫"ثــورة الطاقــة" والــذي يهــدف إلــى وضــع الصــن يف موقــع رئيســي‬ ‫و متحكــم يف أســواق الطاقــة العامليــة‪ ،‬و تعهــد الرئيــس بالتخلــي‬ ‫عــن الفحــم احلجــري‪ ،‬و أن الصــن بحلــول عــام ‪2060‬م‪ ،‬ســتكون‬ ‫دولــة محايــدة للكربــون عــن طريــق االســتثمار بالطاقــة املتجــددة‪ .‬و‬ ‫مفهــوم احليــاد الكربونــي ذكــر يف اتفاقيــة باريــس التــي وقعتهــا ‪195‬‬ ‫دولــة‪ ،‬و تعنــي حتقيــق التــوازن بــن انبعــاث الكربــون و امتصــاص‬ ‫الكربــون مــن الغــاف اجلــوي يف مصــارف الكربــون‪ .‬و قــد دفــع ذلــك‬ ‫االحتــاد األوروبــي للتعهــد بالوصــول بأوروبــا إلــى احليــاد املناخــي‬ ‫بحلــول عــام ‪2050‬م‪ ،‬و يعنــي جتنــب إنتــاج أي انبعاثــات كربونيــة أو‬ ‫القيــام بتخزينهــا‪ .‬أمــا دول اخلليــج‪ ،‬فهــي تــدرك بضــرورة اللحــاق‬ ‫بالركــب‪ ،‬و أن ال يقــف مصيرهــا علــى حــد اإلنتــاج ملصــادر الطاقــة‪،‬‬ ‫بــل البــد أن تقــوي شــراكاتها الســيما التقنيــة مــع كافــة الــدول التــي‬ ‫ترغــب بــأن تتصــدر أســواق الطاقــة و علــى رأســها الصــن‪ ،‬حتــى ال‬ ‫تفقــد دول اخلليــج مكانتهــا يف هــذا الســوق الهــام و احليــوي‪ ،‬و بذلــك‬ ‫تضمــن دول اخلليــج مكانتهــا يف هــذه األســواق حتــى يف مرحلــة مــا‬ ‫بعــد الطاقــة التقليديــة‪ .‬وقــد يكــون ذلــك الســبب الرئيســي إلطــاق‬ ‫ولــي العهــد الســعودي األميــر محمــد بــن ســلمان مشــروع الريــاض‬ ‫الصناعيــة صديقــة البيئــة‪ .‬فمــن املتوقــع أن تصــل حصــة الصــن‬ ‫‪ %40‬مــن إجمالــي التوســع يف مجــال الطاقــة املتجــددة‪ ،‬كمــا يحســب‬ ‫لهــا الريــادة يف مجــال إنتــاج الوقــود احليــوي والطاقــة النوويــة‪ .‬كمــا‬ ‫إنهــا تســعى إلنتــاج نصــف الطاقــة الضوئيــة املوزعــة عامل ًيــا‪ ،‬و بحلــول‬ ‫عــام ‪2030‬م‪ ،‬ســوف يرتفــع الطلــب الصينــي مــن منــو قطــاع الكهربــاء‬ ‫يف العالــم إلــى مــا يقــارب ‪ %40‬و هــو ارتفــاع يرجــع ســببه الرئيســي‬ ‫الســعي خلفــض االنبعاثــات و زيــادة اســتخدام الســيارات والتدفئــة‬ ‫الكهربائيــة‪ .‬وذلــك مــا يفســر ســبب احتــواء الصــن علــى أكبــر‬ ‫محطــات كهرومائيــة يف العالــم و همــا محطــة ســد املمــرات الثــاث‪،‬‬ ‫و محطــة بايهيتــان الواقعــة يف جنــوب غــرب الصــن‪.‬‬

‫‪-4‬الصــن الشــريك التجــاري األول‪ :‬تعتبــر الصــن الشــريك‬ ‫االقتصــادي األول حيــث بلــغ حجــم التبــادل التجــاري لعــام ‪ 2020‬م‪،‬‬ ‫ً‬ ‫منخفضــا لظــروف اجلائحــة عــن الســنة‬ ‫مــا يقــارب ‪ 162‬مليــار دوالر‬ ‫املاضيــة بنســبة ‪ %10‬حيــث بلــغ ‪180‬مليــار دوالر لعــام ‪2019‬م‪ ،‬بينمــا‬ ‫كان يف عــام ‪1990‬م‪ ،‬ال يتجــاوز ‪ %1‬مــن حجــم التجــارة اخلليجيــة‬ ‫مبقــدار مليــار ونصــف الــدوالر‪ .‬و تشــهد االســتثمارات الصينيــة منـ ًوا‬

‫كبيـ ًرا يف اخلليــج حيــث بلغــت مــا يقــارب ‪ 83‬مليــار دوالر‪ ،‬و يف دبــي‬ ‫بلــغ عــدد الشــركات الصينيــة املســجلة أكثــر مــن أربعــة آالف شــركة‬ ‫تعمــل يف قطاعــات املقــاالت و جتــارة اجلملــة و التجزئــة‪ .‬و تعتبــر‬ ‫اإلمــارات أكبــر شــريك جتــاري مــع الصــن حيــث تســتحوذ اإلمــارات‬ ‫علــى نســبة ‪ %23‬مــن حجــم التجــارة العربيــة مــع الصــن‪ ،‬و ‪ %60‬مــن‬ ‫التجــارة الصينيــة يعــاد تصديرهــا عبــر املوانــئ اإلماراتيــة‪ ،‬وذلــك‬ ‫مــا يفســر ســعي الصــن الســتثمار ‪ 300‬مليــون دوالر مــع اإلمــارات‬ ‫لتطويــر عمليــة التصنيــع يف مينــاء خليفــة‪ ،‬و بــرز ذلــك التعــاون ً‬ ‫أيضــا‬ ‫يف دبلوماســية اللقــاح حيــث أصبحــت اإلمــارات مركـزًا للقــاح الصيني‬ ‫ســينوفارم‪ ،‬كمــا وقعــت أربعــة عقــود رئيســية يف مجــال التكنولوجيــا و‬ ‫الفضــاء والصناعــة‪ ،‬و الطاقــة و االســتثمار‪ ،‬أمــا الكويــت فهــي دولــة‬ ‫ً‬ ‫ـروعا‬ ‫قدمــت‬ ‫قروضــا للصــن منــذ عــام ‪1982‬ملــا يقــارب أربعــن مشـ ً‬ ‫بقيمــة املليــار دوالر تقري ًبــا ‪ ،‬فكانــت أول دولــة تســتثمر يف الصنــدوق‬ ‫الســيادي الصينــي‪ ،‬و يبلــغ حجــم التبــادل التجــاري حال ًيــا مــا يقــارب‬ ‫‪ 18‬مليــار دوالر‪ ،‬كمــا تتــم تلــك املشــاريع باملثــل يف الــدول اخلليجيــة‬ ‫األخــرى و منهــا تطويــر الصــن ملينــاء الدقــم يف عمــان‪ ،‬و مينــاء حمــد‬ ‫ترخيصــا‬ ‫يف قطــر‪ .‬أمــا البحريــن فقــد قدمــت مؤسســة نقــد البحريــن‬ ‫ً‬ ‫إلنشــاء البنــك الصينــي كأول بنــك يف منطقــة الشــرق األوســط‪ .‬كمــا‬ ‫يشــهد التعــاون يف مجــال شــراء الســاح الصينــي منــ ًوا كبيــ ًرا يف‬ ‫اخلليــج‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬محاذير الشراكة االستراتيجية مع الصين‬

‫تنامي التنافس الصيني ‪ /‬األمريكي‬ ‫بالرغــم مــن ترابــط االقتصاديــن األمريكــي و الصينــي‪ ،‬باإلضافــة‬ ‫إلــى مشــاركة الصــن الرئيســية يف سالســل التوريــد العامليــة‪ ،‬إال‬ ‫أن حــدة التنافــس األمريكي‪-‬الصينــي ال يــزال يتصاعــد و تــوج‬ ‫مــن خــال القمــة الصينية‪-‬األمريكيــة يف أالســكا والتــي جمعــت‬ ‫الرئيســن الصينــي و األمريكــي حيــث تبــادل كال الطرفــان اتهامــات‬ ‫تتعلــق مبصــدر الفايــروس و حقــوق امللكيــة و التنافــس التكنولوجــي ‪.‬‬ ‫وتتمثــل العقبــة األولــى يف تنامــي العالقــة اخلليجيــة مــع الصــن يف‬ ‫العالقــة اخلليجيــة مــع احلليــف األمريكــي حيــث تســتضيف املنطقــة‬ ‫األســطول اخلامــس للبحريــة األمريكيــة واملقــر األمامــي للقيــادة‬ ‫املركزيــة للجيــش األمريكــي‪ ،‬باإلضافــة إلــى عــدد مــن القواعــد‬ ‫األمريكيــة الهامــة‪ .‬و تربــط الواليــات املتحــدة األمريكيــة والتــي هــي‬ ‫يف األســاس مــن طالــب بالتواجــد الصينــي والروســي يف املنطقــة‪،‬‬ ‫األمــن بالتكنولوجيــا الصينيــة‪ ،‬حيــث تعبــر عــن قلقهــا مــن مشــاركة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪41‬‬

‫ملف العدد‬

‫الكويت قدمت قروضًا للصين بدأت عام ‪ 1982‬بقيمة مليار دوالر‬ ‫لتنفيذ أربعين مشرو ًعا‬ ‫روســيا و آســيا الوســطى و إفريقيــا مــن أجــل التنقيــب عــن البتــرول‬ ‫و ذلــك مــن أجــل تقليــل اعتمــاد الصــن علــى االســتيراد‪ .‬حيــث تعنــى‬ ‫كنــوك بالغــاز املســال الســيما يف اســتراليا‪ ،‬بينمــا تعمــل بتروشــاينا‬ ‫علــى التنقيــب علــى النفــط يف إفريقيــا و الســودان‪ ،‬و كذلــك احلــال‬ ‫مــع ســينوبك فهــي تركــز يف العمــل يف اخلليــج و إيــران و اليمــن‪.‬‬

‫‪-٤‬الصني كمتحكم يف الطاقة "ثورة الطاقة"‬ ‫بفعــل الضغــوط التــي تشــهدها الصــن يف ملــف التغيــر املناخــي‬ ‫حيــث تتهــم بأنهــا املتســبب األول بتلــك املشــكلة بفعــل توســعها‬ ‫الصناعــي‪ ،‬فهــي تعــرف "مبصنــع العالــم" كمــا أنهــا تعتمــد علــى مــا‬ ‫يفــوق ‪ %70‬علــى الفحــم لســد احتياجاتهــا مــن الطاقــة‪ ،‬ذلــك يدفــع‬

‫‪40‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الخلي ــج يف صل ــب الخ ــاف األمريكي‪-‬الصين ــي ونش ــأ ح ــول مش ــروع‬ ‫الصي ــن المس ــمى "صن ــع يف الصي ــن ‪"2025‬‬ ‫الشــراكة لــم تكــن وليــدة اللحظــة بــل قامــت علــى جهــود تراكميــة‬ ‫بذلهــا كال الطرفــان لهــذا البــد أن يأتــي اخلطــاب اإلعالمــي الصينــي‬ ‫واخلليجــي متســ ًقا مــع تلــك اجلهــود‪ .‬وبالرغــم مــن قــدم العالقــة‬ ‫الصينية‪-‬اخلليجيــة والتــي بــدأت مــن خــال العالقــات الدبلوماســية‬ ‫الكويتية‪-‬الصينيــة يف الســبعينيات‪ ،‬إال أن الصــن اآلن هــي الصــن‬ ‫بحلــة جديــدة اســتفادت بشــكل كبيــر مــن خــال الدعــم والتحالــف‬ ‫الســخي األمريكــي حتــى حتولــت إلــى قــوة عامليــة تناكفــه وتتحــداه‪.‬‬ ‫بــدأت العالقــة الصينية‪-‬اخلليجيــة يف إطــار منتــدى التعــاون الصينــي‬ ‫العربــي يف عــام ‪2004‬م‪ ،‬حتــى مت إطــاق احلــوار االســتراتيجي‬ ‫الصينــي اخلليجــي يف عــام ‪2010‬م‪ ،‬ولذلــك كانــت الــدول اخلليجيــة‬ ‫ضمــن املتصدريــن يف حضــور القمــة التأسيســية ملشــروع احلــزام‬ ‫والطريــق عــام ‪2013‬م‪.‬‬ ‫‪-2‬موقع الصني يف العالم‬ ‫• الصني هي أكبر دولة جتارية يف العالم يف السلع‪.‬‬ ‫• تعــد ثــاث شــركات شــحن صينيــة مــن بــن أكبــر عشــر شــركات‬ ‫شــحن حاويــات يف العالــم‪ ،‬وهــي مســؤولة عــن حوالــي ‪ ٪10‬مــن‬ ‫التجــارة العامليــة‪ .‬يتــم نقــل معظــم البضائــع الصينيــة عــن طريــق‬ ‫الســفن‪.‬‬ ‫• لــدى الصــن ‪ 8‬موانــئ شــحن مــن أكبــر عشــرة موانــئ للحاويــات يف‬ ‫العالــم يف الصــن وأهمهــا مينــاء شــنغهاي‪.‬‬ ‫• تعــد الصــن ثالــث أكبــر دولــة مالكــة للســفن يف العالــم وأكبــر دولــة‬ ‫يف مجــال بنــاء الســفن‪ .‬كمــا تنشــط الشــركات الصينيــة يف بناء وإدارة‬ ‫املوانــئ حــول العالــم‪ .‬مــن خــال بنــاء وإدارة املوانــئ وأصــول الشــحن‬ ‫الدوليــة علــى طــول طريــق احلريــر وكذلــك بنــاء اتصــال أســرع عبــر‬ ‫الطــرق البحريــة وزيــادة التجــارة‪ ،‬تخطــط بكــن لتوســيع نطــاق‬ ‫وصــول الصــن كقــوة بحريــة‪.‬‬

‫‪-3‬الصني كمستورد للطاقة‬ ‫تعلــم دول اخلليــج والتــي أصبحــت عصــب البتــرول عامل ًيــا‪ ،‬بــأن‬ ‫ارتباطهــا بالنفــط ومشــتقاته هــو ارتبــاط مصيــري‪ ،‬فأينمــا حلــت‬ ‫احتياجــات النفــط حلــت املصلحــة اخلليجيــة‪ ،‬ومنــذ عــام ‪2010‬م‪،‬‬ ‫جتــاوزت الصــن الواليــات املتحــدة األمريكيــة لتصبــح أكبــر‬ ‫مســتهلك ومســتورد للنفــط عامل ًيــا‪ ،‬كمــا أن قطــاع الطاقــة هــو أكبــر‬ ‫القطاعــات من ـ ًوا وتوس ـ ًعا يف الصــن‪ .‬يف الوقــت الــذي حتولــت فيــه‬ ‫الواليــات املتحــدة كذلــك إلــى منافــس يف ســوق الطاقــة بفعــل النفــط‬ ‫الصخــري‪ .‬وبحلــول عــام ‪ 2030‬م‪ ،‬ســتصل احتياجــات الصــن مــن‬ ‫النفــط مــا يقــارب عشــرة ماليــن برميــل يوم ًيــا بزيــادة ســنوية ‪ %3‬أي‬ ‫مــا يفــوق ‪ %8‬مــن إجمالــي الطلــب العاملــي‪ ،‬وتســتورد الصــن ‪%40‬‬ ‫مــن احتياجاتهــا مــن النفــط مــن اخلليــج‪ ،‬وتتصــدر الســعودية قائمــة‬ ‫املصدريــن اخلليجيــن بحجــم ‪ 1.69‬مليــون برميــل يوم ًيــا مبــا يعــادل‬ ‫‪ %16‬مــن واردات الصــن مــن النفــط‪ .‬بــل يف عــام ‪ 2007‬م‪ ،‬وقعــت‬ ‫أرامكــو و إكســون و ســينوبيك الصينيــة مشــروع تطويــر مصفــاة‬ ‫فوجيــان يف جنــوب شــرق الصــن ملعاجلــة خــام أرامكــو الثقيــل بكلفــة‬ ‫بلغــت ‪ 3.5‬مليــار دوالر‪ .‬و يف قطــاع الغــاز‪ ،‬تصــدرت الصــن يف عــام‬ ‫‪ 2021‬م‪ ،‬كأكبــر مشــتر للغــاز الطبيعــي املســال يف العالــم متجــاوزة‬ ‫اليابــان حيــث بلــغ حجــم الغــاز املشــترى مــا قيمتــه ‪ 76.3‬مليــون طــن‬ ‫مــن الغــاز املســال‪ .‬و بحلــول عــام ‪2030‬م‪ ،‬ســتبلغ نســبة اســتيراد‬ ‫الصــن مــن الغــاز املســال نحــو ‪ %30‬و هــذا مــا يفســر بنــاء الصــن‬ ‫خلطــوط األنابيــب يف آســيا الوســطى و إقامــة مرافــئ لناقــات الغــاز‬ ‫املســال‪ .‬و تبــرز قطــر كمــورد رئيســي للغــاز املســال للصــن‪ ،‬حيــث‬ ‫زودت الصــن منــذ عــام ‪2009‬م‪ ،‬و حتــى اآلن مقــدار ‪ 62‬مليــون طــن‬ ‫مــن الغــاز الطبيعــي‪ ،‬و هــي نســبة قابلــة للزيــادة الكبيــرة الســيما بعــد‬ ‫توقيــع قطــر للبتــرول اتفاقيــة طويلــة األجــل مــع ســينوبيك ‪ ،‬تــزود‬ ‫مبوجبهــا قطــر مليونــي طــن ســنو ًيا مــن الغــاز املســال‪ .‬و بحلــول عــام‬ ‫‪2040‬م‪ ،‬مــن املتوقــع أن يذهــب ربــع تصديــر دول اخلليــج مــن الغــاز‬ ‫الطبيعــي إلــى الصــن‪ .‬و مــن اجلديــر بالذكــر أن الشــركات الصينيــة‬ ‫الكبــرى خــارج الصــن و املتمثلــة يف ســينوبك و كنــوك و بتروشــاينا‬ ‫تعمل بشــكل دؤوب يف الشــرق األوســط و غيرها من املناطق الســيما‬

‫تتزاي ــد مخ ــاوف دول الخلي ــج م ــن اتفاقي ــة الرب ــع ق ــرن بدخ ــول‬ ‫إي ــران منظم ــة ش ــنغهاي مطل ــع ه ــذا الش ــهر‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪39‬‬

‫ملف العدد‬

‫دول الخليج مطالبة بتعزيز العمل الجماعي واالنفتاح‬

‫الصين والخليج ما بين الشراكة والجرأة‬ ‫االستراتيجية‬ ‫أطلــق زبغنيــو بريجينســكي مستشــار األمــن القومــي األمريكــي األســبق حلظــة القبــول األمريكــي لروســيا كشــريك أمنــي‬ ‫يف منطقــة الشــرق األوســط الســيما يف املســاهمة يف حــل املعضلــة الســورية "باجلــرأة االســتراتيجية"‪ ،‬وجــاء هــذا املصطلــح‬ ‫ضمــن مقــال نشــر يف الفاينانشــال تاميــز مــع حلظــة توجيــه ســاح اجلــو الروســي ضربــات جويــة يف األراضــي الســورية‬ ‫تلبيــة لنــداء الرئيــس الســوري للحصــول علــى الدعــم العســكري يف مواجهــة املقاومــة الداخليــة‪ ،‬و هــو مقــال يدعــو لقبــول‬ ‫روســيا كشــريك أمنــي يف إدارة نزاعــات الشــرق األوســط‪ ،‬بــل يدعــو الصــن كذلــك بعــدم االكتفــاء باالســتفادة املجانيــة للــدور‬ ‫األمنــي األمريكــي يف املنطقــة لدعــم مشــروعها االقتصــادي "احلــزام و الطريــق" ‪ ،‬حيــث البــد أن تســاهم الصــن يف حتمــل‬ ‫الكلفــة األمنيــة و العســكرية يف منطقــة الشــرق األوســط‪ .‬وهــذه الدعــوات لــم تقتصــر علــى املفكريــن األمريكيــن بــل عبــر‬ ‫عنهــا صراحــة ساســة البيــت األبيــض وعلــى رأســهم أوبامــا و ترامــب بأنــه لــم يعــد مــن املقبــول أن يســتفيد أحــد مــن مجانيــة‬ ‫التواجــد األمنــي األمريكــي‪ ،‬و احلقيقــة إن املوضــوع ال يقتصــر علــى مفهــوم الربــح و اخلســارة‪ ،‬بــل يتعــدى ذلــك بكثيــر‪ ،‬حيــث‬ ‫تســعى الواليــات املتحــدة األمريكيــة إلعــادة التموضــع يف آســيا و دعــم إمكانياتهــا الناعمــة يف مواجهــة احلليــف و اخلصــم‬ ‫الصينــي‪ .‬و بذلــك انتقلــت تلــك اجلــرأة االســتراتيجية لترســم طبيعــة العالقــات اخلليجية‪-‬الصينيــة التــي تعيــش كذلــك‬ ‫اجلــرأة يف الشــراكات االســتراتيجية والتــي أصبحــت مــا بــن السياســة الواقعيــة واملخاطــر احملتملــة‪.‬‬

‫د‪ .‬هيله حمد املكيمي‬

‫أوالً‪ :‬واقــع و ليــس اختيــار‪ :‬ال زال هنــاك الكثيريــن الذيــن ال زالــوا‬ ‫يعتقــدون بأنهــم ميلكــون تــرف الوقــت و االختيــار يف اللحــاق بالقطــار‬ ‫الصينــي و مــا ينطــوي عليهــا مــن محاذيــر أم االنتظــار حلــن انطــاق‬ ‫قطــار آخــر يســلك طري ًقــا أقــل خطــورة و انزال ًقــا إال أن الواقــع يؤكــد‬ ‫بأننــا لــم نعــد منلــك ذلــك االختيــار و أن العالقــة الصينية‪-‬اخلليجيــة‬ ‫واقــع وحقيقــة معاشــة وذلــك للعديــد مــن األســباب و أهمهــا‪:‬‬ ‫‪-1‬الشراكة االستراتيجية‬ ‫يف ســياق النقــاش اخلليجــي حــول دور الصــن يف اخلليــج هنــاك‬ ‫مــن يغفــل طبيعــة العالقــة اإلطاريــة التــي جتمــع مــا بــن الطرفــن‬ ‫واملتمثلــة بالشــراكة االســتراتيجية والتــي تقضــي التعــاون الوثيــق‬

‫يف جميــع املجــاالت‪ ،‬بــل متــت املناقشــة خــال هــذا الصيــف حــول‬ ‫إطــاق منطقــة جتاريــة حــرة‪ ،‬باإلضافــة إلــى إقامــة قمــة كبــرى يف‬ ‫العــام القــادم مــا بــن الصــن واخلليــج‪ ،‬إال أن ذلــك اإلطــار ال مينــع‬ ‫مــن نقــد الــدور الصينــي ســل ًبا أو إيجا ًبــا‪ ،‬و بالوقــت نفســه ال معنــى‬ ‫لنقــاش مجــد خــارج ذلــك اإلطــار‪ .‬فأكثــر مــا يقلــق اخلليجيــن هــي‬ ‫اتفاقيــة الربــع قــرن الصينيــة مــع إيــران‪ ،‬وهــو قلــق مشــروع البــد أن‬ ‫يتوجــه بــه اخلليجيــون مباشــرة إلــى الصــن‪ ،‬فالشــراكة توفــر أرضيــة‬ ‫مشــتركة هامــة و رئيســية تبــث مــن خاللهــا تلــك الهمــوم و تأكيــد‬ ‫اخلليجيــن علــى قلقهــم مــن البرنامــج اإليرانــي النــووي باإلضافــة‬ ‫إلــى التدخــل اإليرانــي يف الشــؤون الداخليــة‪ ،‬فالشــراكة مســاحة‬ ‫للقــوة و ليســت مســاحة للضعــف و االســتحياء ‪.‬الســيما أن تلــك‬

‫‪38‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫بع ــد الس ــماح بالس ــفر للخ ــارج ذه ــب المس ــلمون الصيني ــون للح ــج‬ ‫والبح ــث ع ــن تعلي ــم دين ــي متق ــدم يف مراك ــز الدراس ــة اإلس ــامية‬ ‫دوليــة مــع جميــع الــدول يف العالــم‪ ،‬ولتقــدمي أعــداد متزايــدة مــن‬ ‫املنــح الدراســية للطــاب الدوليــن (مســعود)‪ .‬ومنــذ عــدة ســنوات‪،‬‬ ‫أمــرت الصــن العشــرات مــن أبــرز جامعاتهــا بالبــدء يف تقــدمي برامــج‬ ‫الدراســات العليــا يف اللغــة اإلجنليزيــة يف املجــاالت التــي حــددت‬ ‫الصــن أن هنــاك حاجــة ماســة لهــا مــن قبــل البلــدان األخــرى‪ ،‬مــع‬ ‫إيــاء اهتمــام خــاص بتلــك البلــدان التــي تشــارك بنشــاط يف مشــاريع‬ ‫مبــادرة احلــزام والطريــق‪ .‬وبالرغــم مــن أن أزمــة فيــروس كوفيــد‪19 -‬‬ ‫احلاليــة قــد خلقــت حتديــات للدراســات الدوليــة‪ ،‬فقــد بلــغ إجمالــي‬ ‫عــدد الطــاب األجانــب يف الصــن نصــف مليــون طالــب‪ ،‬وذلــك قبــل‬ ‫تفشــي املــرض مباشــرة‪.‬‬ ‫وبالتزامــن مــع تركيزهــا علــى البحــث والتعليــم اجلامعــي‪ ،‬أطلقــت‬ ‫الصــن ً‬ ‫أيضــا مبــادرة دوليــة طموحــة لتوســيع تعليــم اللغــة الصينيــة‬ ‫إلــى املــدارس االبتدائيــة والثانويــة يف البلــدان يف جميــع أنحــاء‬ ‫آســيا‪ .‬وبالنســبة لبعــض البلــدان التــي كان نهجهــم هــو تقــدمي منــح‬ ‫دراســية آلالف الطــاب للحصــول علــى درجــات متقدمــة يف تدريــس‬ ‫اللغــة الصينيــة كلغــة ثانيــة حتــى يتمكنــوا مــن العــودة إلــى ديارهــم‬ ‫للتدريــس يف املــدارس االبتدائيــة والثانويــة‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬يف اإلمــارات‬ ‫العربيــة املتحــدة واململكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬خصصــت الصــن‬ ‫نصيــب األســد مــن إجمالــي عــدد مدرســي اللغــة الصينيــة املدربــن‬ ‫لتقــدمي دورات اللغــة الصينيــة يف املــدارس يف جميــع أنحــاء املنطقــة‪.‬‬ ‫وهــذا االلتــزام مــن جانــب الصــن يعكــس األهميــة املتزايــدة للتعليــم‬ ‫والعالقــات العلميــة بــن املنطقتــن‪ ،‬واهتمــام الصــن بوجــود عــدد‬ ‫أكبــر بكثيــر مــن الطــاب مــن املنطقــة الذيــن يســعون للحصــول علــى‬ ‫شــهادات التعليــم العالــي يف الصــن‪ .‬ويف الوقــت نفســه‪ ،‬يوجــد حال ًيــا‬ ‫عشــرات اآلالف مــن الطــاب الصينيــن الذيــن يواصلــون حضــور‬ ‫البرامــج التعليميــة للحصــول علــى درجــات مختلفــة باجلامعــات‬ ‫يف اإلمــارات العربيــة املتحــدة واململكــة العربيــة الســعودية‪ .‬وعلــى‬ ‫الرغــم مــن عــدم وضــوح هــذا األمــر‪ ،‬اســتنا ًدا إلــى األبحــاث التــي‬ ‫أجراهــا مؤخــراً الباحــث الســعودي " بجامعــة هــوجن كــوجن‪ ،‬فــإن أحــد‬ ‫األســباب التــي جتعــل املســؤولني الصينيــن والســعوديني يدعمــون‬ ‫بنشــاط الدراســات املتقدمــة يف بلــدان بعضهــم البعــض هــو كونهــم‬ ‫مكانـاً أقــل إثــارة للمشــاكل فكر ًيــا ألجيالهــم القادمــة‪ .‬ففــي مقالهمــا‬ ‫األخيــر‪" ،‬احلمايــة مــن تهديــد التعليــم يف الغــرب‪ :‬دراســة مقارنــة‬ ‫للخطابــات واملمارســات األمنيــة الثقافيــة الصينيــة والســعودية جتــاه‬ ‫الدراســة يف اخلــارج"‪ ،‬يوثــق الدكتــور محمــد الســديري واألســتاذ يــان‬ ‫املخــاوف املتزايــدة يف كل مــن الصــن واململكــة العربيــة الســعودية‬ ‫بشــأن التأثيــرات الســلبية املتصــورة للدراســة يف اخلــارج يف الغــرب‬

‫بشــكل عــام‪ ،‬والواليــات املتحــدة بشــكل خــاص (يــان والســديري)‪.‬‬

‫االتجاهات واإلمكانيات المستقبلية‬

‫وثمــة مبــادرة ثقافيــة أخــرى مثيــرة لالهتمــام وهــي الرحــات‬ ‫البحريــة األثريــة املشــتركة التــي يتــم تنفيذهــا حال ًيــا بــن الصــن‬ ‫واململكــة العربيــة الســعودية مــع التركيــز علــى البحــر األحمــر‪ .‬ونظـ ًرا‬ ‫ألن علمــاء اآلثــار يف جميــع أنحــاء العالــم يركــزون بشــكل أكبــر علــى‬ ‫االكتشــافات البحريــة‪ ،‬فــإن العمــل احلالــي للباحثــن الصينيــن‬ ‫الســعوديني ميكــن أن يثبــت جيــدًا أنــه يقــدم مســاهمات مهمــة يف‬ ‫فهمنــا لتاريــخ التجــارة عبــر احمليــط الهنــدي بشــكل عــام‪ ،‬والعالقــات‬ ‫التاريخيــة بــن الصــن واخلليــج (شــينخوا)‪.‬‬ ‫ومــع اســتمرار الصــن ودول اخلليــج الرئيســية يف تطويــر املشــاريع‬ ‫العلميــة والبحثيــة بنــا ًء علــى اهتمامــات بعضهمــا البعــض ونقــاط‬ ‫قوتهــم واحتياجاتهــم‪ ،‬فمــن املؤكــد أن بقيــة دول العالــم ستســتفيد‬ ‫ً‬ ‫أيضــا‪ .‬وباإلضافــة إلــى تنفيــذ مجموعــة مــن املشــاريع املتعلقــة‬ ‫بأشــكال الطاقــة املتجــددة والبديلــة‪ ،‬بــدأت الصــن ً‬ ‫أيضــا تنفيــذ‬ ‫العديــد مــن مشــاريع األمــن الغذائــي مــع املنطقــة‪ ،‬وكان أكثرهــا‬ ‫إثــارة لالهتمــام هــو املبــادرة الناجحــة األخيــرة بــن علمــاء الزراعــة‬ ‫الصينيــن واإلماراتيــن يف دبــي لتطويــر ســالة أرز مقاومــة للملوحة‪.‬‬ ‫ويُجــري حال ًيــا توســيع املشــروع الــذي يســتخدم ميــاه البحــر يف‬ ‫احلقــول الصحراويــة لإلنتــاج التجــاري (جــان)‪ .‬ويُعــد هــذا املشــروع‬ ‫بشــكل خــاص مثــال ممتــاز علــى عمــل الصــن ودول مجلــس التعــاون‬ ‫اخلليجــي م ًعــا لتطويــر أوجــه التقــدم العلمــي التــي ميكــن أن تلعــب‬ ‫دو ًرا حاسـ ًما يف مناطــق أخــرى مــن العالــم أكثــر عرضــة لتغيــر املنــاخ‬ ‫وارتفــاع مســتويات ســطح البحــر‪.‬‬ ‫ورمبــا يكــون األمــر األكثــر إثــارة لالهتمــام هــو محاولــة تخيــل‬ ‫التأثيــرات طويلــة املــدى لألعــداد املتزايــدة مــن الشــباب مــن اخلليــج‬ ‫والصــن الذيــن يتقنــون لغــة بعضهــم البعــض‪ ،‬واســتكمال الدراســات‬ ‫املتقدمــة يف بلــدان بعضهــم البعــض‪ ،‬واســتخدام خبراتهــم العلميــة‬ ‫املكتســبة حدي ًثــا‪ ،‬جن ًبــا إلــى جنــب مــع فهــم أعمــق ملجتمــع وثقافــة‬ ‫بعضهــم البعــض‪ ،‬مــن أجــل تطويــر مناهــج جديــدة حلــل التحديــات‬ ‫املتزايــدة واملعقــدة التــي تواجــه عاملنــا‪.‬‬

‫* أستاذ مساعد‪ ،‬قسم التاريخ ـــــ جامعة نيويورك يف شنغهاي‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪37‬‬

‫ملف العدد‬

‫مب ــادرة صيني ــة إماراتي ــة لتطوي ــر س ــالة أرز مقاوم ــة للملوح ــة‬ ‫وج ــاري اإلنت ــاج التج ــاري بمي ــاه البح ــر‬ ‫اآلالف مــن التجــار املســلمني مــن منطقــة اخلليــج وآســيا الوســطى‪،‬‬ ‫الذيــن قامــوا بتأســيس املجتمعــات وبنــاء املســاجد وجنحــوا وازدهــروا‬ ‫اقتصاد ًيــا لعــدة ســنوات هنــاك‪ ،‬حيــث يُعــد العــدد الهائــل مــن الســكان‬ ‫املســلمني الصينيــن اليــوم أحفــاد هــؤالء املســتوطنني األوائــل‪.‬‬ ‫وعندمــا كان "كاي" طفـ ً‬ ‫ا كان يلعــب يف مقبــرة إســامية يف ضواحــي‬ ‫املدينــة وهــو يذكــر كــم كان مذهـ ً‬ ‫ـول بالتصاميــم الغريبــة علــى شــواهد‬ ‫القبــور‪ ،‬وقــد قــرر دمجهــا يف أحــد أعمالــه‪ ،‬حيــث أعــاد رســم‬ ‫النقــوش العربيــة املختلفــة مــن شــواهد القبــور اإلســامية املنقوشــة‬ ‫بعنايــة علــى ‪ 60‬صخــرة كبيــرة مــن تشيوانتشــو والتــي مت شــحنها‬ ‫بعــد ذلــك إلــى قطــر ووضعــت عنــد مدخــل املتحــف‪ .‬ومــن بــن هــذه‬ ‫النقــوش‪" :‬كل نفــس ذائقــة املــوت ‪ -‬كل متعــة يف احليــاة وهــم؛ مــن‬ ‫ميــوت علــى أرض أجنبيــة فهــو شــهيد"‪ .‬وبالنســبة للــزوار مــن اخلليــج‪،‬‬ ‫كان النقــش األخيــر مبثابــة تذكيــر قــوي مبــدى املســافة التــي ســافرها‬ ‫التجــار مــن املنطقــة واســتقروا بهــا‪ ،‬وكيــف يجــب أن تكــون بعيـدًا عــن‬ ‫األصدقــاء والعائلــة‪ .‬أطلــق "كاي" علــى هــذا املعــرض اســم "العــودة‬ ‫إلــى الوطــن"‪ ،‬وكان ميثــل بالنســبة لــه عــودة رمزيــة ألرواح الراحلــن‬ ‫إلــى وطنهــم‪ .‬وهنــاك عمــل آخــر مثيــر لإلعجــاب بشــكل خــاص وهــو‬ ‫لوحــة ضخمــة مت إنشــاؤها باســتخدام البــارود تصــف قطي ًعــا مــن‬ ‫‪ 99‬حصا ًنــا يركــض عبــر الصحــراء‪ ،‬حيــث ضــرب جمــال اخليــول‬ ‫علــى وتــر حســاس لــدى الــزوار وأعــاد ‪ 99‬اســ ًما مــن أســماء اهلل‬ ‫إلــى األذهــان‪ ،‬باإلضافــة إلــى الكلمــة الصينيــة التــي تعنــي الالنهايــة‪.‬‬ ‫تلــك األعمــال ليســت ســوى اثنتــن مــن عشــرات األعمــال الفنيــة‬ ‫الرئيســية التــي أنشــأها "كاي" والتــي اســتحضرت جوهــر العالقــات‬ ‫الطويلــة بــن الصــن واخلليــج‪ ،‬ودعــت املشــاهدين إلــى إعــادة النظــر‬ ‫يف أفكارهــم حــول الروابــط التاريخيــة بــن هاتــن املنطقتــن‪( .‬كاي)‬

‫المســلمون الصينيــون يف الصيــن ‪ -‬شــبكات التجــارة وشــبكات‬ ‫التعلــم اإلســامي‬

‫ومــن بــن ســكان الصــن املســلمني الذيــن يُقــدر عددهــم بنحــو ‪25‬‬ ‫مليــون نســمة‪ ،‬تُعــرف أكبــر مجموعــة باســم "هــوي"‪ ،‬ومعظمهــم‬ ‫مــن نســل التجــار‪ ،‬واملســؤولني‪ ،‬واملهندســن‪ ،‬والعلمــاء‪ ،‬واحلرفيــن‬ ‫املســلمني الذيــن اســتقروا يف الصــن خــال عهــد ســالة يــوان‬ ‫(القرنــن الثالــث عشــر والرابــع عشــر ح‪.‬ع) عندمــا جندهــم حــكام‬ ‫املغــول للمســاعدة يف احلكــم وتطويــر إمبراطوريتهــم ســريعة‬ ‫التوســع‪ .‬وعلــى مــر القــرون‪ ،‬ازدهــرت هــذه املجتمعــات يف جميــع‬ ‫أنحــاء الصــن‪ ،‬علــى الرغــم مــن فتــرات العزلــة الطويلــة عــن بقيــة‬ ‫العالــم اإلســامي‪ .‬عندمــا مت الســماح بالســفر إلــى اخلــارج‪ ،‬اســتغل‬ ‫املســلمون الصينيــون الفرصــة للذهــاب للحــج إلــى مكــة باإلضافــة‬

‫إلــى البحــث عــن تعليــم دينــي متقــدم يف مراكــز الدراســة اإلســامية‪.‬‬ ‫وبالرغــم مــن أن مجتمعــات صغيــرة مــن املســلمني الصينيــن قــد‬ ‫عاشــت يف الســعودية علــى مــر القــرون‪ ،‬وبشــكل أساســي يف مكــة‪،‬‬ ‫ملســاعدة احلجــاج مــن الصــن‪ ،‬إال أن ذلــك لــم يكــن حتــى منتصــف‬ ‫القــرن العشــرين عندمــا كانــت أعــداد كبيــرة مــن املســلمني الصينيــن‬ ‫تســعى للهــروب مــن احلكــم الشــيوعي يف الصــن‪ ،‬ولذلــك جلــأوا‬ ‫إلــى الســعودية وانتهــى املطــاف مبعظمهــم يف الطائــف (جيونــغ)‪ .‬ويف‬ ‫أوائــل التســعينيات عندمــا ُســمح مــرة أخــرى بالدراســة يف اخلــارج‪،‬‬ ‫بــدأ عــدد كبيــر مــن املســلمني الصينيــن يف الســفر إلــى مراكــز تعليــم‬ ‫الديــن اإلســامي يف القاهــرة‪ ،‬ودمشــق‪ ،‬واملدينــة املنــورة‪ ،‬وإســام‬ ‫أبــاد‪ .‬وبعــد عقــد مــن الزمــن‪ ،‬بــدأت أعــداد متزايــدة مــن الصينيــن‬ ‫يف الوصــول إلــى دبــي‪ ،‬كان مــن بينهــم مســلمون صينيــون درســوا‬ ‫يف اخلــارج وكانــوا يجيــدون اللغــة العربيــة وعلــى درايــة بالثقافــة‬ ‫احملليــة‪ ،‬وقــد لعبــوا دو ًرا ها ًمــا يف تســهيل إنشــاء األعمــال التجاريــة‬ ‫الصينيــة مــن خــال توفيــر خدمــات الترجمــة‪ ،‬باإلضافــة إلــى‬ ‫التعريــف بالعــادات احملليــة واملجتمــع‪ .‬وقــد منــت وازدهــرت اجلاليــة‬ ‫املســلمة الصينيــة يف دبــي علــى مــدار العشــرين عا ًمــا املاضيــة ويُقــدر‬ ‫عددهــا اآلن بأكثــر مــن ‪ 000,10‬شــخص‪ .‬وخــال شــهر رمضــان‬ ‫‪2018‬م‪ ،‬مت افتتــاح مســجد صينــي يف دبــي‪ ،‬ويُعــد األول مــن نوعــه يف‬ ‫الشــرق األوســط‪ ،‬إن لــم يكــن يف العالــم بأكملــه‪ .‬ويوجــد ً‬ ‫أيضــا مركــز‬ ‫ثقــايف صينــي إســامي يقــدم خدمــة الترجمــة‪ ،‬ودروس تعليــم اللغــة‬ ‫الصينيــة والعربيــة‪ ،‬ومجموعــة مــن دورات الدراســات اإلســامية‬ ‫للعامــة‪ .‬ويقــدم املســجد خــال شــهر رمضــان وجبــات اإلفطــار‬ ‫الصينيــة احلــال ملئــات الســكان مــن اجلاليــة القريبــة يف املدينــة‬ ‫العامليــة (أرميجــو وكاي)‪ .‬وكذلــك ينظــم املســجد مجموعــة متنوعــة‬ ‫مــن الفعاليــات الثقافيــة التــي تعــرف العامــة بالثقافــة الصينيــة‬ ‫واملجتمــع اإلســامي الصينــي التقليــدي‪ .‬وقــد أثبــت هــذا املســجد‬ ‫واخلدمــات التــي يقدمهــا شــعبيته بــن اجلاليــة املســلمة الصينيــة‬ ‫وكذلــك املجتمــع عمو ًمــا‪ .‬وقــد تظهــر يف املســتقبل مســاجد مماثلــة‬ ‫يف أجــزاء أخــرى مــن املنطقــة‪.‬‬

‫المشاريع والمبادرات التربوية والعلمية‬

‫وبحســب التقديــرات األخيــرة‪ ،‬ســتكون الصــن قــد جتــاوزت الواليــات‬ ‫املتحــدة لتصبــح رائــدة العالــم يف اإلنفــاق علــى البحــث والتطويــر‬ ‫وذلــك بحلــول ‪2022‬م‪ .‬وقــد حققــت الصــن ً‬ ‫أيضــا تقد ًمــا كبي ـ ًرا يف‬ ‫التصنيفــات الدوليــة يف التعليــم‪ ،‬مــع احتــال املزيــد واملزيــد مــن‬ ‫جامعاتهــا الكبــرى للمراتــب األولــى‪ .‬ويف الوقــت نفســه‪ ،‬تخصــص‬ ‫الصــن ً‬ ‫أيضــا الكثيــر مــن هــذه املــوارد لتطويــر مبــادرات علميــة‬

‫‪36‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مجموع ــة "ه ــوى" المس ــلمة يف الصي ــن م ــن س ــالة التج ــار والعلم ــاء‬ ‫والحرفي ــن الذي ــن اس ــتقروا يف عه ــد س ــالة ي ــوان‬ ‫املســلمني الذيــن بــدأوا باالســتقرار يف الصــن منــذ أوائــل العصــر‬ ‫اإلســامي‪ .‬وبينمــا كان التجــار األوائــل املســافرين ب ـ ًرا مــن الشــرق‬ ‫األوســط متمركزيــن يف العاصمــة القدميــة تشــانغآن (شــيان حال ًيــا)‪،‬‬ ‫اســتقر التجــار املســافرون بحـ ًرا ألول مــرة يف قوانغتشــو‪ ،‬والح ًقــا يف‬ ‫تشيوانتشــو (املعروفــة يف املصــادر العربيــة باســم مدينــة الزيتــون)‬ ‫ً‬ ‫شــمال أعلــى الســاحل يف مقاطعــة فوجيــان‪ .‬وقــد مت‬ ‫التــي تقــع‬ ‫عــرض هــذه املجموعــة الهامــة مــن العناصــر التجاريــة يف جميــع‬ ‫أنحــاء العالــم‪ ،‬ولكــن لألســف لــم يتــم عرضهــا حتــى اآلن يف منطقــة‬ ‫اخلليــج‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬فقــد اســتطاع معــرض الفنــان الصينــي املشــهور‬ ‫عامل ًيــا "كاي غــو شــيانغ" يف قطــر يف عــام ‪2012‬م‪ ،‬أن يُحيــي هــذه‬ ‫العالقــات البحريــة املبكــرة مــن خــال األعمــال الفنيــة‪.‬‬

‫إعــادة تخيــل وإنشــاء العالقــات الثقافيــة والتجاريــة بيــن الصيــن‬ ‫والخليــج مــن خــال الفــن‬

‫يف مايــو ‪2012‬م‪ ،‬مت إغــاق معــرض الفنــان الصينــي "كاي غــو‬ ‫شــيانغ" بعــد ســتة أشــهر مــن العــرض يف متحــف‪ :‬املتحــف العربــي‬ ‫جناحــا باهــ ًرا حيــث‬ ‫للفــن احلديــث يف الدوحــة‪ .‬حقــق املعــرض‬ ‫ً‬ ‫متكــن الفنــان مــن إنشــاء مجموعــة واســعة مــن األعمــال الفنيــة التــي‬ ‫تعكــس القيــم والعــادات اخلليجيــة التقليديــة‪ ،‬فضـ ً‬ ‫ا عــن اجلماليــات‬ ‫الصينيــة‪ ،‬ويف الوقــت نفســه تُ َذكِ ــر املشــاهدين بالعالقــات الثقافيــة‬ ‫والتجاريــة بــن هاتــن املنطقتــن والتــي تعــود إلــى أوائــل العصــر‬ ‫اإلســامي‪ .‬رمبــا كانــت مدينــة تشيوانتشــو (التــي تقــع علــى الســاحل‬ ‫اجلنوبــي الشــرقي للصــن) مســقط رأس الفنــان كاي أكبــر مينــاء‬ ‫جتــاري يف العالــم خــال القرنــن الثانــي عشــر والثالث عشــر وجذبت‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪35‬‬

‫ملف العدد‬

‫س ــتتجاوز الصي ــن أمري ــكا لتصب ــح رائ ــدة العال ــم ف ــي اإلنف ــاق عل ــى البح ــث العلم ــي ف ــي ‪2022‬‬

‫العالقات الثقافية الصينية‪/‬الخليجية‬ ‫بين التاريخ واحتماالت المستقبل‬ ‫علــى مــدى الســنوات اخلمــس عشــرة املاضيــة‪ ،‬وبالرغــم مــن التوثيــق اجليــد للنطــاق الواســع مــن العالقــات املتعلقــة‬ ‫بالتجــارة‪ ،‬واالقتصــاد‪ ،‬والطاقــة التــي تطــورت بــن الصــن ودول مجلــس التعــاون اخلليجــي‪ ،‬فقــد مت التغاضــي عــن الــدور‬ ‫متزايــد األهميــة املتمثــل يف توســيع نطــاق العالقــات الثقافيــة والعلميــة والتعليميــة‪ .‬وتوضــح املشــاريع البحثيــة العلميــة‬ ‫املشــتركة األخيــرة‪ ،‬إلــى جانــب اإلصالحــات التــي أدخلــت علــى املناهــج الوطنيــة يف كل مــن اإلمــارات العربيــة املتحــدة‬ ‫واململكــة العربيــة الســعودية والتــي تتضمــن تعليــم اللغــة الصينيــة يف جميــع مســتويات التعليــم االبتدائــي والثانــوي‪ ،‬والعالقــات‬ ‫الثقافيــة والتعليميــة لــم تعــد فقــط مكو ًنــا رئيسـ ًيا مــن مكونــات العالقــات بــن الصــن ودول مجلــس التعــاون اخلليجــي‪ ،‬بــل‬ ‫هــي ً‬ ‫أيضــا داللــة علــى أهميتهــا وعلــى آثارهــا احملتملــة علــى املــدى الطويــل‪ .‬وستســلط هــذه املقالــة القصيــرة الضــوء علــى‬ ‫العديــد مــن األمثلــة النموذجيــة علــى املكونــات املختلفــة لهــذه العالقــات الثقافيــة‪ ،‬وســتضعها يف ســياق تاريخــي للعالقــات‬ ‫التجاريــة‪ ،‬وســتناقش املناطــق احملتملــة ملجــاالت التبــادل الثقــايف والعلمــي يف املســتقبل‪ ،‬كمــا ســتناقش الــدور الفريــد واملهــم‬ ‫للجاليــات املســلمة الصينيــة‪ ،‬يف كل مــن اإلمــارات العربيــة املتحــدة واململكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬يف تســهيل وتعزيــز العالقــات‬ ‫بــن هاتــن املنطقتــن‪.‬‬

‫د‪ .‬جاكلني أرميجو‬

‫حطــام ســفينة العصــر العباســي ‪ -‬الكشــف عــن التبــادل التجــاري‬ ‫بيــن الصيــن والخليــج يف وقــت مبكــر‬

‫لقــد مثلــت الصــن والعالــم اإلســامي لعــدة قــرون أكبــر مركزيــن‬ ‫للتعلــم والثقافــة والفــن يف العالــم‪ ،‬وقــد خلقــت التجــارة ذها ًبــا وإيا ًبــا‬ ‫موجــات مــن التأثيــرات بــ ًرا وبحــ ًرا‪ .‬وقــد شــملت هــذه التأثيــرات‬ ‫احلــس اجلمالــي‪ ،‬والتقنيــات الفنيــة‪ ،‬والقيــم الثقافيــة والدينيــة‪.‬‬ ‫وعلــى الرغــم مــن أن معظــم النــاس يتصــورون أن ســفن الشــحن‬ ‫املتوجهــة نحــو اخلليــج واملكدســة بالبضائــع املصنوعــة يف الصــن‬ ‫بكميــات كبيــرة‪ ،‬هــي ظاهــرة حديثــة نســب ًيا‪ ،‬ففــي الواقــع‪ ،‬وبســبب‬ ‫االكتشــاف األثــري البحــري االســتثنائي يف عــام ‪1998‬م‪ ،‬نحــن نعلــم‬ ‫اآلن أن هــذا الطريــق التجــاري يعــود تاريخــه إلــى أوائــل القــرن‬ ‫التاســع‪ ،‬إن لــم يكــن قبــل ذلــك‪ .‬وكان حطــام الســفينة‪ ،‬وهــو مركــب‬ ‫شــراعي يُعتقــد أنــه مت بنــاؤه يف عمــان‪ ،‬متوجهــاً مــن الصــن إلــى‬ ‫(ومكدســا بشــحنة تزيــد عــن ‪ 000,70‬قطعــة مــن البضائــع‬ ‫اخلليــج‬ ‫ً‬ ‫مت إنتاجهــا للتصديــر يف مناطــق مختلفــة مــن الصــن)‪ ،‬عندمــا غــرق‬

‫قبالــة الســاحل اجلنوبــي الشــرقي جلزيــرة ســومطرة‪ .‬وقــد ظلــت‬ ‫أساســا مــن أعمــال اخلــزف ســليمة حتــت املــاء‬ ‫الشــحنة التــي تتكــون‬ ‫ً‬ ‫علــى مــدى ألــف عــام‪ ،‬ولــم تتضــرر يف الغالــب‪ .‬وقــد وثقــت البضائــع‬ ‫املعروضــة ألول مــرة يف ســنغافورة يف عــام ‪ 2011‬م‪ ،‬بوضــوح مــدى‬ ‫حجــم التجــارة املتخصصــة التــي مت إنشــاؤها بــن الصــن ومنطقــة‬ ‫اخلليــج علــى طــول مــا يُعــرف اآلن باســم طريــق احلريــر البحــري‪.‬‬ ‫وقــد تعجــب علمــاء اآلثــار مــن اكتشــاف أقــدم األمثلــة املعروفــة ملــا‬ ‫أصبــح فيمــا بعــد مشــهو ًرا يف جميــع أنحــاء العالــم باســم اخلــزف‬ ‫الصينــي األزرق واألبيــض‪ .‬وقــد مت تــداول الكوبالــت مــن إيــران مــع‬ ‫الصــن يف وقــت ســابق بكثيــر ممــا يُفتــرض‪ ،‬ممــا ســمح بإنشــاء‬ ‫الزجــاج األزرق‪ .‬ويف الوقــت احلاضــر‪ ،‬متكــن مؤرخــو الفــن اإلســامي‬ ‫الذيــن يركــزون علــى أعمــال اخلــزف يف العصــر العباســي مــن توثيــق‬ ‫مصــادر التأثيــرات الصينيــة املبكــرة علــى أعمــال اخلــزف احمللــي‬ ‫وضوحــا‪ .‬وقــد أدى حجــم التجــارة ً‬ ‫أيضــا إلــى‬ ‫(هاليــت) بشــكل أكثــر‬ ‫ً‬ ‫قيــام املؤرخــن بإعــادة النظــر يف املجتمعــات الكبيــرة مــن التجــار‬

‫‪34‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تط ــور الصي ــن يش ــبه صع ــود ألماني ــا يف الح ــرب الثاني ــة واالتح ــاد‬ ‫الســوفيتي خــال الحــرب البــاردة ويشــكل تحد ًي ــا لزعامــة أمريــكا‬ ‫املشــاكل بالوســائل العســكرية لــن يــؤدي إال إلــى خلــق املزيــد مــن‬ ‫املشــاكل‪ .‬ويتعــن علــى الواليــات املتحــدة التفكيــر اجلــاد يف الــدروس‬ ‫األفغانيــة ‪ -‬وعليهــا أن تلعــب دو ًرا بنــا ًء يف مســاعدة أفغانســتان علــى‬ ‫احلفــاظ علــى االســتقرار‪ ،‬ومنــع الفوضــى‪ ،‬وإعــادة اإلعمــار الســلمي‪.‬‬ ‫عــاوة علــى ذلــك‪ ،‬فقــد أثــر انســحاب الواليــات املتحــدة املتســرع‬ ‫وغيــر املســؤول بشــكل ســلبي علــى الوضــع يف اإلمــارة اإلســامية‪،‬‬ ‫حيــث كان مــن اخلطيــر واخلطــأ إعــان حكومــة الواليــات املتحــدة‬ ‫انســحاب حركــة تركســتان الشــرقية اإلســامية مــن قائمــة املنظمــات‬ ‫اإلرهابيــة األمريكيــة‪.‬‬ ‫وإلــى جانــب ذلــك‪ ،‬فقــد اتفقــت الصــن والواليــات املتحــدة‪ ،‬علــى‬ ‫أن ســوريا يجــب أن متــر مبرحلــة انتقاليــة سياســية نحــو حكومــة‬ ‫ً‬ ‫شــمول؛ حيــث ينبغــي علــى الالجئــن الســوريني العــودة إلــى‬ ‫أكثــر‬ ‫ديارهــم‪ ،‬ويجــب أن تلعــب األنظمــة متعــددة األطــراف التــي تقودهــا‬ ‫األمم املتحــدة دو ًرا مهيمنًــا مــن أجــل تخفيــف حــدة األزمــة‪ .‬ومــع‬ ‫ذلــك‪ ،‬تشــدد الصــن علــى احتــرام ســيادة ســوريا وســامة أراضيهــا؛‬ ‫وأن يكــون حلكومــة األســد احلــق املشــروع يف محاربــة اإلرهــاب يف‬ ‫محافظــة إدلــب؛ وأن التدخــل اإلنســاني الغربــي هــو مصــدر األزمــة‬ ‫اإلنســانية الســورية‪ .‬وهــو مــا يُعــد مــن املبــادئ املتضاربــة بــن بكــن‬ ‫وواشــنطن‪.‬‬ ‫‪ -4‬املواجهــة بــن الصــن والواليــات املتحــدة يف الشــرق‬ ‫األوســط الكبيــر‬ ‫مــن احملتمــل أن تقــع مواجهــة بــن بكــن وواشــنطن علــى صعيــد‬ ‫القضيــة الفلســطينية والعالقــات بــن الصــن وإيــران‪ .‬فالصــن مــن‬ ‫أشــد املؤيديــن لقضيــة فلســطني حيــث تؤمــن بــأن "حــل الدولتــن"‬ ‫هــو اإلجــراء الوحيــد املمكــن‪ ،‬كمــا تدعــم الصــن دولــة فلســطني‬ ‫املســتقلة ذات الســيادة وعاصمتهــا القــدس الشــرقية‪ .‬وقــد انتقــدت‬ ‫الصــن انحيــاز الواليــات املتحــدة إلســرائيل خــال تبــادل إطــاق‬ ‫النــار الــذي حــدث بــن إســرائيل وحمــاس هــذا العــام‪ ،‬وألقــت اللــوم‬ ‫عليهــا يف فشــلها يف ممارســة الضغــط علــى إســرائيل‪ ،‬ممــا جنــم عنــه‬ ‫توليــد أفعــال عدائيــة خطيــرة‪ .‬وتــرى الصــن أن الواليــات املتحــدة‬ ‫قــد أخطــأت يف نقــل ســفارتها مــن تــل أبيــب إلــى القــدس‪ ،‬مبــا يعــد‬ ‫دعمـاً للســيادة اإلســرائيلية علــى هضبــة اجلــوالن‪ ،‬وإعطــاء إســرائيل‬ ‫الضــوء األخضــر لبنــاء مســتوطنة يهوديــة يف الضفــة الغربيــة‪،‬‬ ‫ومنحهــا إســرائيل أســلحة هجوميــة متطــورة‪ ،‬إلــخ‪.‬‬ ‫كمــا تنعكــس املواجهــة بــن الصــن والواليــات املتحــدة علــى القضيــة‬ ‫اإليرانيــة‪ ،‬فالصــن غيــر راضيــة عــن قــرار الواليــات املتحــدة‬

‫باالنســحاب مــن خطــة العمــل الشــاملة املشــتركة‪ ،‬بحيــث يكــون لــدى‬ ‫احلكومــة اإليرانيــة التظلــم املتعلــق بتخصيــب اليورانيــوم بنســبة‬ ‫‪ .٪60‬وقــد أعــرب وزيــر اخلارجيــة الصينــي‪ ،‬وانــغ يــي‪ ،‬عــن دعمــه‬ ‫إليــران يف املناســبات العامــة يف يوليــو ‪2021‬م‪ ،‬حيــث صــرح بــأن‬ ‫الســبب اجلــذري للمشــكلة بــن الواليــات املتحــدة وإيــران هــو الهيمنــة‬ ‫األمريكيــة‪ .‬وحلــل هــذه املشــكلة‪ ،‬ينبغــي علــى الواليــات املتحــدة‬ ‫أن تفــي بالتزامهــا جتــاه الشــعب اإليرانــي مــن خــال العــودة غيــر‬ ‫املشــروطة إلــى خطــة العمــل الشــاملة املشــتركة‪ ،‬وذلــك لكســب ثقــة‬ ‫الشــعب اإليرانــي وتســريع املفاوضــات بــن الواليــات املتحــدة وإيــران‪.‬‬ ‫انزعاجــا مــن الهيمنــة األمريكيــة‬ ‫وقــد أضحــت الصــن أكثــر‬ ‫ً‬ ‫واســتغاللها لســاح العقوبــات االقتصاديــة‪ ،‬فقــد مت اتهــام ابنــة‬ ‫مؤســس شــركة هــواوي‪ ،‬منــغ وانــزو‪ ،‬بخــرق العقوبــات األمريكيــة‬ ‫املفروضــة علــى إيــران‪ ،‬ومت القبــض عليهــا يف فانكوفــر يف ‪ 2018‬م‪،‬‬ ‫وســيتم تســليمها إلــى الواليــات املتحــدة‪ .‬وقــد انتقــدت الصــن بشــدة‬ ‫الواليــات املتحــدة بســبب عقوباتهــا طويلــة األمــد ضــد شــركة هــواوي‬ ‫الصينيــة وشــركات النفــط التــي لهــا أعمــال جتاريــة مــع إيــران‪.‬‬ ‫اخلالصة‬ ‫يشــهد العالــم تغييــ ًرا كبيــ ًرا يف العصــر اجلديــد‪ ،‬فالعالقــات بــن‬ ‫الصــن والواليــات املتحــدة معقــدة للغايــة لدرجــة أنــه ال يوجــد‬ ‫ثمــة "أبيــض أو اســود " يف تفاعلهمــا علــى صعيــد الشــرق األوســط‬ ‫الكبيــر‪ .‬ويف الواقــع‪ ،‬ال يكمــن اخلطــر احلقيقــي يف التنافــس بــن‬ ‫الصــن والواليــات املتحــدة‪ ،‬ولكــن يف االفتقــار إلــى املصلحــة العامــة‪.‬‬ ‫وقــد يحفــز متحــور الواليــات املتحــدة نحــو احمليــط الهنــدي والهــادئ‬ ‫اجلهــات املتطرفــة إلــى مــلء فــراغ الســلطة الــذي خلفتــه الواليــات‬ ‫املتحــدة‪.‬‬ ‫تتعــاون الصــن والواليــات املتحــدة وتتنافســان ويتواجهــان يف قضايــا‬ ‫متنوعــة‪ .‬وبالتالــي‪ ،‬فهمــا شــريكان ومنافســان يف الشــرق األوســط‬ ‫الكبيــر‪ .‬وينبغــي علــى الصــن والواليــات املتحــدة‪ ،‬باعتبارهمــا قوتــن‬ ‫عظميــن اقتصاد ًيــا وعســكر ًيا‪ ،‬جتنــب تكــرار األخطــاء التــي ارتكبهــا‬ ‫كل مــن االحتــاد الســوفيتي والواليــات املتحــدة أثنــاء احلــرب البــاردة‪،‬‬ ‫وعليهمــا حتمــل واجباتهمــا ومهامهمــا املقدســة لتجنــب انــدالع حــرب‬ ‫بــاردة جديــدة‪ .‬ويظــل هــذا أم ـ ًرا حاس ـ ًما مــن أجــل تعزيــز الســام‬ ‫واالزدهــار جلميــع شــعوب الشــرق األوســط الكبيــر‪.‬‬

‫* معهد الدراسات الدولية‪ ،‬جامعة فودان‪ ،‬شنغهاي‪ ،‬الصني‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪33‬‬

‫ملف العدد‬

‫"حــزام القــوس اإلســامي" هــو قلــب مبــادرة الحــزام والطريــق‬ ‫ويمثــل ســاحة المعركــة للتفاعــل الصينــي واألمريكــي‬ ‫املمتــد مــن أفغانســتان إلــى املغــرب‪ ،‬حيــث يعــد "األرضيــة املشــتركة"‬ ‫بــن العمالقــن العامليــن‪ .‬ويأتــي "حــزام القــوس اإلســامي"‪ ،‬وهــو‬ ‫قلــب مبــادرة احلــزام والطريــق الصينيــة‪ ،‬ليمثــل ســاحة املعركــة‬ ‫للتفاعــل الصينــي واألمريكــي‪ .‬وعلــى وجــه التحديــد‪ ،‬تتخــذ الصــن‬ ‫ثالثــة تدابيــر علــى صعيــد "األرضيــة املشــتركة"‪ :‬التعــاون واملنافســة‬ ‫واملواجهــة مــع الواليــات املتحــدة‪.‬‬ ‫‪ -2‬التعــاون بــن الصــن والواليــات املتحــدة يف الشــرق‬ ‫األوســط الكبيــر‬ ‫ال يحمــل الشــرق األوســط الكبيــر أهميــة حيويــة ســواء للصــن‬ ‫أو للواليــات املتحــدة‪ ،‬ولــن يتعــاون اجلانبــان إال يف القضايــا التــي‬ ‫متثــل مصالــح متوافقــة ومبــادئ دبلوماســية متشــابهة‪ .‬علــى ســبيل‬ ‫املثــال‪ ،‬ليــس لــدى الصــن والواليــات املتحــدة قــوات يف اليمــن أو يف‬ ‫ليبيــا‪ ،‬وكالهمــا يهتمــان باألزمــة اإلنســانية يف الدولتــن املتعســرتني‪.‬‬ ‫ففــي اليمــن‪ ،‬تُعــد القــوى اإلقليميــة مثــل إيــران‪ ،‬واململكــة العربيــة‬ ‫الســعودية‪ ،‬واإلمــارات العربيــة املتحــدة‪ ،‬هــي املؤســس الفعلــي للهيــكل‬ ‫األمنــي‪ ،‬بينمــا تعتبــر كل مــن روســيا‪ ،‬ومصــر‪ ،‬وتركيــا‪ ،‬وفرنســا‪،‬‬ ‫وإيطاليــا الالعبــن الرئيســيني يف ليبيــا‪.‬‬ ‫ال تؤثــر بكــن وواشــنطن يف اليمــن وليبيــا إال بشــكل طفيــف‪ ،‬وليــس‬ ‫للصــن وال للواليــات املتحــدة وكالء يف البلديــن العربيــن‪ ،‬وبالتالــي‬ ‫فإنهمــا مبدئ ًيــا ضــد التدخــل العســكري األجنبــي‪ .‬وتدعــو الصــن‬ ‫والواليــات املتحــدة إلــى التوصــل إلــى حــل سياســي لألزمــة اليمنيــة‬ ‫والليبيــة مــن خــال بنــاء حكومــات شــاملة داخــل املؤسســات متعــددة‬ ‫األطــراف التــي تقودهــا األمم املتحــدة‪ .‬وتتفــق إدارة بايــدن وحكومــة‬

‫شــي جــن علــى أنــه يجــب مســاعدة الالجئــن ومتويلهــم؛ نظـ ًرا ألنــه‬ ‫إذا ظلــت األزمــة اإلقليميــة دون حــل‪ ،‬فســيكون لهــا تداعيــات غيــر‬ ‫مباشــرة‪.‬‬ ‫‪ -3‬املنافســة بــن الصــن والواليــات املتحــدة يف الشــرق‬ ‫األوســط‬ ‫تأتــي املنافســة بــن الصــن والواليــات املتحــدة يف املناطــق التــي‬ ‫تتمتــع فيهــا الصــن والواليــات املتحــدة مبصالــح ومبــادئ دبلوماســية‬ ‫متوافقــة ومتضاربــة‪ ،‬فتُعــد أفغانســتان وســوريا مثــاالن يف هــذا‬ ‫الصــدد‪.‬‬ ‫يف أفغانســتان‪ ،‬أجــرى وزيــر اخلارجيــة الصينــي‪ ،‬وانــغ يــي‪ ،‬ووزيــر‬ ‫اخلارجيــة األمريكــي‪ ،‬أنتونــي ج ‪.‬بلينكــن‪ ،‬مكاملــة هاتفية بعد ســيطرة‬ ‫طالبــان علــى كابــول يف أغســطس ‪2021‬م‪ ،‬أي بعــد عقديــن مــن شــن‬ ‫الواليــات املتحــدة للحــرب يف أفغانســتان‪ .‬واتفقــت بكــن وواشــنطن‬ ‫علــى ضــرورة إنشــاء حكومــة شــاملة يف أفغانســتان‪ ،‬حيــث يجــب أن‬ ‫يكــون للشــعب يف أفغانســتان الكلمــة األخيــرة يف عمليــة االنتقــال‬ ‫السياســي‪ .‬وكانــت الصــن علــى أمت االســتعداد للتواصــل والتحــاور‬ ‫مــع الواليــات املتحــدة لتشــجيع االســتقرار يف أفغانســتان‪ ،‬وذلــك‬ ‫للحيلولــة دون وقــوع حــرب أهليــة جديــدة أو كارثــة إنســانية‪ ،‬وحتــى‬ ‫ال تصبــح أفغانســتان ً‬ ‫ـأوى لإلرهــاب‪ .‬وشــجعت كل‬ ‫أرضــا خصبــة ومـ ً‬ ‫مــن الصــن والواليــات املتحــدة طالبــان علــى إنشــاء هيــكل سياســي‬ ‫منفتــح يتماشــى مــع ظروفهــا الوطنيــة‪.‬‬ ‫وبالرغــم مــن ذلــك‪ ،‬أكــد وزيــر اخلارجيــة الصينــي‪ ،‬وانــغ يــي‪ ،‬أن‬ ‫احلقائــق أثبتــت مــرة أخــرى أنــه مــن الصعــب غــرس النمــوذج الغربــي‬ ‫يف دول ذات تاريــخ وثقافــة وظــروف وطنيــة مختلفــة؛ وأن حــل‬

‫‪32‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ال يحمل الشرق األوسط أهمية للصين أو أمريكا ولن يتعاونا إال في المصالح المتوافقة‬

‫الصين وأمريكا يتعاونان ويتنافسان‬ ‫ويتواجهان وينغي تجنب الحرب الباردة‬ ‫اعتبــرت الواليــات املتحــدة القــوة األوروبيــة واآلســيوية الصاعــدة مبثابــة النــد املنافــس لهــا منــذ احلــرب العامليــة الثانيــة‪:‬‬ ‫فهنــاك أملانيــا منــذ عــام ‪1939‬م‪ ،‬واالحتــاد الســوفيتي منــذ عــام ‪1945‬م‪ ،‬واليابــان منــذ عــام ‪1991‬م‪ ،‬وأخيــراً الصــن منــذ‬ ‫تفشــي جائحــة كوفيــد‪ .-19‬وثمــة خطــر محتمــل يتمثــل يف وقــوع بكــن وواشــنطن يف "فــخ ثيوســيديدس" (وهــو مصطلــح يشــير‬ ‫إلــى حتميــة احلــرب عندمــا حتــل قــوة عامليــة جديــدة محــل قــوة موجــودة)‪ ،‬وهــي النبــوءة التــي حتقــق نفســها‪.‬‬ ‫‪ 1‬حرب باردة تلوح يف األفق بني الصني والواليات املتحدة‬‫ً‬ ‫ملحوظــا بنســبة ‪ 2.3%‬يف عــام ‪2020‬م‪ ،‬بينمــا‬ ‫وبحســب البنــك الدولــي‪ ،‬فقــد حقــق النــاجت احمللــي اإلجمالــي للصــن منـ ًوا‬ ‫انخفــض النــاجت احمللــي اإلجمالــي األمريكــي بنســبة ‪ 3.3٪‬يف عــام ‪2020‬م‪ .‬وبنــا ًء علــى املتوســط الســنوي لســعر صــرف‬ ‫الرمنينبــي‪ ،‬فقــد بلــغ حجــم االقتصــاد الصينــي ‪ 14.73‬تريليــون دوالر أمريكــي‪ ،‬بينمــا بلــغ احلجــم االقتصــادي الكلــي للواليــات‬ ‫املتحــدة ‪ 20.95‬تريليــون دوالر أمريكــي يف العــام نفســه‪ ،‬وبذلــك متثــل الصــن حوالــي ‪ 70.3٪‬مــن نظيرهــا األمريكــي‪.‬‬

‫د‪ .‬ديجاجن صن‬

‫وبعــد دخولــه البيــت األبيــض‪ ،‬فقــد وصــف جــو بايــدن الصــن‬ ‫بأنهــا "أخطــر املنافســن" للواليــات املتحــدة‪ ،‬وأن واشــنطن علــى أمت‬ ‫اســتعداد ملواجهــة الصــن والتنافــس والتعــاون معهــا يف آن واحــد‬ ‫يف مجــاالت االقتصــاد‪ ،‬واألمــن‪ ،‬والدبلوماســية‪ ،‬وحقــوق اإلنســان‬ ‫وحقــوق امللكيــة الفكريــة‪ ،‬واحلوكمــة العامليــة‪ .‬إن النــزاع الصينــي‬ ‫األمريكــي‪ ،‬وبشــكل خــاص حــول هونــغ كونــغ‪ ،‬وتايــوان‪ ،‬وشــينجيانغ‪،‬‬ ‫وبحــر الصــن اجلنوبــي‪ ،‬والتكنولوجيــا املتقدمــة‪ ،‬والقواعــد الدوليــة‪،‬‬ ‫والقيــم‪ ،‬ونظــام األمــن اآلســيوي‪ ،‬واملجــاالت املاليــة‪ ،‬يُعــد مــن بــؤر‬ ‫التوتــر يف املنطقــة‪ .‬وســيتم اإلســراع يف تدويــل الرمنينبــي بشــكل‬ ‫أكبــر‪ ،‬ممــا ميثــل حتد ًيــا لهيمنــة الــدوالر األمريكــي يف التجــارة‬ ‫العامليــة ومعامــات الطاقــة‪.‬‬ ‫ومــن اجللــي أن تطــور الصــن‪ ،‬الــذي يشــبه صعــود أملانيــا يف احلــرب‬ ‫العامليــة الثانيــة‪ ،‬واالحتــاد الســوفيتي خــال احلــرب البــاردة‪ ،‬واليابان‬ ‫يف التســعينيات‪ ،‬سيشــكل حتديـاً لزعامــة الواليــات املتحــدة واحتــكار‬ ‫الــدوالر األمريكــي‪ ،‬ممــا ســيصبح ذريعــة ملنافســة بايــدن مــع الصــن‪.‬‬

‫وبالتالــي‪ ،‬تقــوم واشــنطن بتحويــل محورهــا االســتراتيجي مــن الشــرق‬ ‫األوســط الكبيــر إلــى منطقــة احمليــط الهنــدي والهــادئ‪ ،‬وتعمــل‬ ‫جاهــدة علــى بنــاء شــبكة مــن التحالفــات املناهضــة للصــن‪ ،‬مبــا يف‬ ‫ذلــك "التحالــف الدميقراطــي العاملــي" يف مواجهــة منظمــة شــنغهاي‬ ‫للتعــاون التــي تقودهــا الصــن‪ ،‬ممــا يعــزز "احلــوار األمنــي الرباعي يف‬ ‫منطقــة احمليــط الهنــدي والهــادي"‪ ،‬وبنــاء "حتالــف سلســلة التوريــد‬ ‫العامليــة اجلديــد" الســتبعاد الصــن‪ .‬عــاوة علــى ذلــك‪ ،‬حتــاول‬ ‫الواليــات املتحــدة توســيع "حتالــف العيــون اخلمــس" مــن خــال دعــوة‬ ‫اليابــان لالنضمــام إليــه‪ .‬وكذلــك شــجعت الواليــات املتحــدة حلفائهــا‬ ‫يف حلــف شــمال األطلســي (ناتــو)‪ ،‬مثــل أملانيــا وبريطانيــا‪ ،‬علــى‬ ‫إرســال حاملــة طائــرات وأســاطيل للقيــام بدوريــات يف بحــر الصــن‬ ‫اجلنوبــي باســم حريــة املالحــة‪ ،‬وذلــك إلظهــار وجودهــم وممارســة‬ ‫الضغــط علــى الصــن‪.‬‬ ‫وجــاءت ردود فعــل الصــن علــى تطويــق الواليــات املتحــدة والفصــل‬ ‫االســتراتيجي علــى أوجــه ِعــدة‪ ،‬فهنــاك الشــرق األوســط الكبيــر‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪31‬‬

‫ملف العدد‬

‫بنــاء قــدرات دول الخليــج وتعزيــز قدراتهــا الدبلوماســية مــن‬ ‫أجــل التنســيق الرفيــع المســتوى للتنميــة واالســتثمار والتجــارة‬ ‫عا ًمــا املاضيــة وتأثــرت اقتصاداتهــا ســل ًبا نتيجــة لذلــك‪ .‬كمــا أن‬ ‫دول مجلــس التعــاون اخلليجــي عليهــا أيض ـاً أن ال تكــون طرف ـاً مــن‬ ‫أطــراف الصراعــات‪ ،‬أو أن تنحــاز إلــى أي طــرف وأن تعمــل علــى‬ ‫ضمــان أن ال يتصاعــد التنافــس االقتصــادي واجليوسياســي بــن‬ ‫الصــن والواليــات املتحــدة إلــى صــراع عســكري‪ .‬ويعتبــر بنــاء قــدرات‬

‫دول اخلليــج وتعزيــز القــدرات الدبلوماســية مــن أجــل التنســيق‬ ‫الرفيــع املســتوى للتنميــة واالســتثمار والسياســة التجاريــة أمـ ًرا بالــغ‬ ‫األهميــة لتحقيــق هــذا الهــدف‪.‬‬ ‫*رئيس مركز الرشق األوسط للدراسات والتنمية ـ متخصص يف بحوث‬

‫‪30‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الصيــن تبنــي رؤيتهــا لتعزيــز التعــاون بدعــم البلــدان‬ ‫العربيــة لبنــاء آليــة أمــن إقليميــة شــاملة ومشــتركة للتعــاون‬ ‫ُفضــل التركيــز علــى بنــاء شــبكة‬ ‫العســكرية واالنخــراط فيهــا‪ ،‬وهــي ت ّ‬ ‫واســعة مــن الشــراكات االســتراتيجية متخــذ ًة مــن قاعــدة "الشــراكة‬ ‫وعــدم االنحيــاز"أ ساسـاً لهــا معتمدة على قوتّهــا االقتصادية املتنامية‬ ‫حيــث و ّق ّعــت الصــن رســمياً عــام ‪ 2019‬م‪ ،‬شــراكات اســتراتيجية مــع‬ ‫‪ 110‬دول ومنظمــة إقليميــة و هــذه املقاربــة تســاعد الصــن علــى‬ ‫خلــق بيئــة تعاونيــة متعــ ّددة األقطــاب مواتيــة لهــا ومعاديــة لنزعــة‬ ‫الهيمنــة األمريكيــة‪.‬‬ ‫وتثبيتــاً ملبدئهــا الرافــض ملفهــوم االنخــراط باألحــاف و االنحيــاز‬ ‫قــال الرئيــس الصينــي شــي جــن بينــغ عندمــا حتــدث يف مقــر جامعــة‬ ‫الــدول العربيــة عــام ‪ 2016‬قائــ ً‬ ‫ا "إن الصــن ال تقــوم بتنصيــب‬ ‫الــوكالء يف الشــرق األوســط‪ ،‬وال تنتــزع مــا يســمى بـ"مجــال النفــوذ"‬ ‫مــن أي أحــد وال تنــوي "مــلء الفــراغ "‪ ،‬لــم يكــن يومهــا كالمـاً عبثيـاً أو‬ ‫أتيـاً مــن فــراغ‪ ،‬إمنــا يقــال للغمــز مــن قنــاة أن ال ميثــل الصــن ســوى‬ ‫الصــن نفســها‪ ،‬كــرد علــى مــا حتــاول أمريــكا تعميمــه‪.‬‬ ‫لقــد ســعت الصــن ومنــذ تأسيســها لصياغــة عالقاتهــا وشــركاتها‬ ‫بتــوازن فكانــت أولــى العالقــات املميــزة والتــي وصلــت إلــى مســتوى‬ ‫الشــراكة االســتراتيجية يف املنطقــة مــع اجلزائــر وكذلــك مــع مصــر‬ ‫التــي تتشــارك معهــا بأضخــم املشــاريع ‪ ،‬وصــوالً إلــى اإلمــارات‬ ‫العربيــة املتحــدة التــي أضحــت شــري ًكا اســتراتيجيا يف الشــرق‬ ‫األوســط‪ ،‬أمــا بخصــوص اململكــة العربيــة الســعودية فقــد خصهــا‬ ‫وزيــر خارجيــة الصــن وانــغ يــي بــأن تكــون محطتــه األولــى يف جولتــه‬ ‫الشــرق أوســطية األولــى لعــام ‪ 2020‬م‪ ،‬لكــي يطلــق منهــا مبــادرة‬ ‫الصــن بشــأن األمــن واالســتقرار بالشــرق األوســط‪ ،‬مثبتًــا بذلــك‬ ‫الــدور احملــوري واألساســي للســعودية علــى الصعيديــن العربــي‬ ‫واإلســامي‪.‬‬ ‫إضافــة إلــى تلــك العالقــات نســجت الصــن عالقــة تشــاركية مميــزة‬ ‫بإطــار مشــروع احلــزام والطريــق مــع تركيــا‪ ،‬وكذلــك وقعــت االتفاقيــة‬ ‫الصينيــة العراقيــة والتــي تعتبــر مــن كبــرى االتفاقيــات التــي وقعتهــا‬ ‫الصــن‪ ،‬واالتفاقيــة الصينيــة اإليرانيــة التــي تأتــي يف هــذا الســياق‪،‬‬ ‫مثيلهــا مثيــل باقــي دول املنطقــة‪.‬‬ ‫إن شــراكات الصــن مــع دول املنطقــة تأتــي ضمــن قواعــد وأســس‬ ‫أخالقيــة ونديــة مــن دولــة إلــى دولــة بغــض النظــر عــن األنظمــة التــي‬

‫تتبعهــا أو اجلهــات السياســية التــي تتولــى زمــام احلكــم‪ ،‬ألن الصــن‬ ‫تعتمــد يف عالقاتهــا مــع الــدول علــى مبادئهــا الوطنيــة والقوميــة‬ ‫والتــي خطهــا األحمــر هــو دعــم اســتقالل الــدول وســيادتها‪.‬‬ ‫إن العالقــة الصينيــة اخلليجيــة ومــع الســعودية خاصــ ًة دخلــت‬ ‫مؤخــراً مرحلــة االزدهــار والشــراكات عبــر مجموعــة مــن القطاعــات‪،‬‬ ‫مــن الطاقــة إلــى الرعايــة الصحيــة‪ .‬وقــد أبــدى قــادة اجلانبــن‬ ‫اهتمام ـاً حقيقي ـاً يف زيــادة توســيع وتعزيــز عالقاتهــم‪ .‬وأثبتــت هــذه‬ ‫العالقــات مــدى حاجــة العالــم إلــى "احلــزام والطريــق"‪ ،‬وإلــى التجــارة‬ ‫غيــر املقيــدة واملمــر اآلمــن للصــادرات والــواردات والتعــاون يف مجــال‬ ‫التكنولوجيــا الفائقــة‪.‬‬ ‫ومــن هــذا املنطلــق يــدرك قــادة دول مجلــس التعــاون اخلليجي)اململكة‬ ‫العربيــة الســعودية والبحريــن والكويــت وعمــان وقطــر واإلمــارات‬ ‫العربيــة املتحــدة( أن النظــام العاملــي يتغيــر‪ ،‬ووجهتــه هــي الشــرق‬ ‫كونــه مركــز الثقــل االقتصــادي العاملــي وصعــود الصــن يرشــحها ألن‬ ‫تقــود هــذا التحــول‪.‬‬ ‫فالعالقــة كمــا كانــت تاريخيــة هــي متينــة وقويــة علــى املــدى الطويــل‪.‬‬ ‫وهــم يعتقــدون أن بلدانهــم تتمتــع بتــآزر كبيــر وإمكانــات منــو كبيــرة‬ ‫‪،‬هــذا هــو الســبب يف أن كال اجلانبــن يدعــو إلــى مواءمــة خطــط‬ ‫التنميــة وقــد جتلــى ذلــك عندمــا وقعــت خمــس دول مــن مجلــس‬ ‫التعــاون اخلليجــي (اإلمــارات العربيــة املتحــدة واململكــة العربيــة‬ ‫الســعودية وقطــر و ُعمــان والكويــت) لتصبــح أعضــاء مؤسســن للبنــك‬ ‫اآلســيوي لالســتثمار يف البنيــة التحتيــة (‪ ،)AIIB‬وهــو بنــك تنميــة‬ ‫متعــدد األطــراف ومقــره يف بكــن يبلــغ مــن العمــر خمــس ســنوات‬ ‫ويركــز علــى متويــل مشــاريع البنيــة التحتيــة يف االقتصــادات الناشــئة‪.‬‬ ‫يف عامــي ‪ 2016‬و ‪ 2018‬م‪ ،‬علــى التوالــي ‪ ،‬رفعــت الصــن عالقاتهــا‬ ‫الثنائيــة مــع أكبــر اقتصاديــن يف دول مجلــس التعــاون اخلليجــي‪،‬‬ ‫اململكــة العربيــة الســعودية واإلمــارات العربيــة املتحــدة إلــى مرتبــة‬ ‫الشــراكات االســتراتيجية الشــاملة‪.‬‬ ‫ومــن أجــل حمايــة مصالــح دول مجلــس التعــاون اخلليجــي نــرى أنــه‬ ‫ال بــد مــن تعزيــز الثقــة بالنفــس واالســتقاللية يف اســتراتيجيتها‬ ‫‪،‬هــذا مــا يجعلهــا تضمــن عــدم تعرضهــا للســحق ‪ ،‬ألن املنطقــة‬ ‫عانــت كثيــراً مــن العوامــل اجليوسياســية املتقلبــة علــى مــدى الثالثــن‬

‫بكيــن مســتعدة إلقامــة آليــة تعــاون أمنــى طويلــة األجــل‬ ‫مــع العــرب لمكافحــة اإلرهــاب وتبــادل المعلومــات المخابراتيــة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪29‬‬

‫ملف العدد‬

‫االستراتيجية بين الصين والسعودية ليست مؤقتة وآنية إنما‬ ‫شراكة استراتيجية معززة بالثقة‬ ‫يف العالــم وخاصــة ملــا يســمى شــعوب العالــم الثالــث‪ ،‬كونــه يؤســس‬ ‫لنهضــة جتاريــة وصناعيــة ويربــط دول آســيا بشــرقيها األدنــى‬ ‫واألوســط بأوروبــا وإفريقيــا‪ ،‬جــاء ذلــك ألن الوعــي الصينــي‪ ،‬وصــل‬ ‫مبكــراً حلتميــة اســتراتيجية بــأن احلــروب ال تأتــي بالتطــور والصعــود‬ ‫إلــى القمــة‪ ،‬بــل أنهــا تأخــذ الشــعوب إلــى االنحــدار والتخلــف‪ ،‬وهــذا‬ ‫مــا تعيشــه بعــض الــدول العربيــة مــن احلــروب والتــي أدت بهــا إلــى‬ ‫اســتنزاف مقدراتهــا البشــرية واملؤسســاتية‪.‬‬ ‫واليــوم باتــت الصــورة واملشــهدية يف أفغانســتان واضحــة مــن حيــث‬ ‫تســارع األحــداث بطريقــة مكشــوفة‪ ،‬ســيما أن التاريــخ أثبــت أنــه‬ ‫لــم تنجــح أي محاولــة للتدخــل مــن قبــل قــوى خارجيــة‪ ،‬وال ميكــن‬ ‫حتقيــق أيــة محاولــة لفــرض منــوذج نظــام خــاص بجهــة مــا علــى‬ ‫الــدول األخــرى‪ .‬كمــا ثبــت حتميــة ووجــوب ســلوك خيــار التشــارك‬ ‫بهــدف التنميــة و نبــذ خيــار احلــروب و الدمــار ‪.‬‬ ‫مــن هنــا فــإن الصــن تبنــي عالقتهــا ورؤيتهــا بتعزيــز التعــاون يف‬ ‫الشــرق األوســط‪ ،‬وتســعى لتمتــن دعــم البلــدان العربيــة واإلقليميــة‬ ‫يف جهودهــا الراميــة إلــى بنــاء آليــة أمــن إقليميــة شــاملة ومشــتركة‬ ‫للتعــاون اجلماعــي‪ ،‬مــن أجــل حتقيــق الســام واالزدهــار والتنميــة‬ ‫علــى املــدى الطويــل دون املــرور يف أتــون التوســع االســتعماري‪.‬‬ ‫كمــا أصبــح واضح ـاً وجلي ـاً أن الصــن تديــن بحــزم جميــع أشــكال‬ ‫اإلرهــاب‪ ،‬ولــم يســجل أنهــا دعمــت او تدعــم أيــة مجموعــة إرهابيــة‪،‬‬ ‫وألنهــا تعــارض ازدواجيــة املعاييــر فهــي تســاند الــدول العربيــة‬ ‫واإلقليميــة يف مكافحــة اإلرهــاب وتدفــع باجتــاه دعــم القــدرات‬ ‫األمنيــة والعســكرية يف هــذا الشــق‪.‬‬ ‫يحــاول بعــض احملللــن أن يســتعملوا التعــاون الصينــي ــــ االيرانــي‬ ‫لالســتغالل الشــعبوي‪ ،‬ويضعونــه موضــع اتهــام للصــن بدعــم‬ ‫اإلرهــاب علــى قاعــدة أن إيــران تدعــم منظمــات حــزب اهلل يف لبنــان‬ ‫وســوريا وفيلــق القــدس واحلشــد الشــعبي يف العــراق واحلوثــي يف‬ ‫اليمــن‪ ،‬ويحــاول اإلعــام املناهــض للصــن والبعــض اآلخــر املدعــوم‬ ‫إيران ًيــا تســويق أن التعــاون الصينــي اإليرانــي ينســحب أيض ـاً علــى‬ ‫دعــم تدخالتهــا يف دول اجلــوار وذلــك بهــدف دق إســفني يف العالقات‬ ‫الصينيــة ـــــ العربيــة ولكــن ال يغيــب عــن األذهــان أن الصــن ورغــم‬ ‫متســكها باحلفــاظ علــى حقــوق الشــعوب والدفاع عنهــم ويف مقدمتها‬ ‫القضيــة الفلســطينية إال أنهــا ال تفتــح عالقــات مــع تنظيمات مســلحة‬ ‫وإمنــا تعتمــد علــى العالقــات مــع الــدول واملؤسســات الشــرعية وفــق‬ ‫مــا تنــص عليــه قواعــد العالقــات الدوليــة محافظــ ًة علــى مبــدأ‬ ‫ســيادة الــدول واســتقاللها وقرارهــا احلــر‪ ،‬وبالتالــي فــإن عالقتهــا‬

‫مــع إيــران مشــروع ًة وتنطلــق مــن هــذه املبــادئ كعالقــة أي دولتــن‬ ‫صديقتــن يوجــد بينهمــا مصالــح مشــتركة مميــزة‪ ،‬كمــا أنهــا تؤكــد‬ ‫أيضــاً علــى عالقاتهــا املميــزة واالســتراتيجية مــع الــدول العربيــة‬ ‫بشــكل كبيــر لتعزيزهــا‪ ،‬ويف مقدمتهــا اململكــة العربيــة‬ ‫بــل وتســعى‬ ‫ٍ‬ ‫الســعودية ومصــر واإلمــارات العربيــة املتحــدة والعــراق‪.‬‬ ‫انطالقــاً مــن الثابتــة الصينيــة التــي تقــول إن مكافحــة اإلرهــاب‬ ‫حتتــاج إلــى تدابيــر شــاملة ملعاجلــة األعــراض واألســباب اجلذريــة‬ ‫علــى حــد ســواء‪ ،‬وأن عمليــات مكافحــة اإلرهــاب ينبغــي أن متتثــل‬ ‫ملقاصــد ومبــادئ ميثــاق األمم املتحــدة واملعاييــر الدوليــة‪ ،‬وأن حتتــرم‬ ‫ســيادة جميــع البلــدان واســتقاللها وســامتها اإلقليميــة‪.‬‬ ‫فالصــن تؤكــد اســتعدادها لتعزيــز التبــادالت والتعــاون يف مجــال‬ ‫مكافحــة اإلرهــاب مــع الــدول العربيــة إلقامــة آليــة تعــاون أمنــى‬ ‫طويلــة األجــل‪ ،‬وتعزيــز احلــوار حــول السياســات وتبــادل املعلومــات‬ ‫املخابراتيــة‪ ،‬والقيــام بالتعــاون الفنــي وتدريــب األفــراد مــن أجــل‬ ‫مواجهــة التهديــدات بشــكل مشــترك‪.‬‬ ‫فالصــن ترفــض أن يكــون حتقيــق التنميــة علــى حســاب مصالــح‬ ‫الــدول األخــرى‪ ،‬ولــن تلقــي مشــكالتها علــى اآلخريــن‪ .‬ألن مــا يهمهــا‬ ‫حتقيــق الســام والتنميــة املشــتركة‪ ،‬والتمســك بالنظــام التجــاري‬ ‫املتعــدد األطــراف‪ ،‬ســيما أنهــا اعتمــدت املشــاركة يف حوكمــة‬ ‫االقتصــاد العاملــي‪ .‬وهــي بذلــك تدفــع لبنــاء منــط جديــد للعالقــات‬ ‫بــن الــدول الكبيــرة‪ ،‬مــن خــال الســير قدمـاً مــع تيــار تقــدم العصــر‬ ‫ودفــع التنميــة الســلمية يف العالــم‪ ،‬وبنــاء العالقــات اجلديــدة لتدعيــم‬ ‫بنــاء جســر الصداقــة والتعــاون بــن قارتــي آســيا وأوروبــا‪.‬‬ ‫الــكل يــدرك مــا حتــاول ان تروجــه اإلدارة األمريكيــة عبــر أبواقهــا‬ ‫االســتخبارية يف منطقــة الشــرق األوســط عــن أن الصــن لهــا أطمــاع‬ ‫اقتصاديــة واســتثمارية علــى حســاب شــعوب املنطقــة‪ ،‬وهــذا ال‬ ‫ينســجم طب ًعــا مــع مشــروع "احلــزام والطريــق" والــذي يعني(احلــزام‬ ‫االقتصــادي لطريــق احلريــر البــري والبحــري)‪ ،‬وبالتالــي هــذا احلزام‬ ‫أهميتــه أن يخلــق بيئــة للتبــادل بكافــة املجــاالت بــن الشــعوب‬ ‫وهــذا مــا يــدل أن الصــن متمســكة باملفهــوم الدبلوماســي املتمثــل يف‬ ‫العالقــة احلميمــة‪ ،‬والصــدق‪ ،‬واملنفعــة‪ ،‬والتســامح جتــاه الــدول‪ .‬مــا‬ ‫يؤكــد أن الصــن تهتــم بتعزيــز التضامــن والتعــاون مــع الــدول الناميــة‪،‬‬ ‫مــن خــال تطويــر روح طريــق احلريــر‪ ،‬وتعميــق التعــاون الصينــي‪-‬‬ ‫العربــي إلــى جانــب الصداقــة والشــراكة مــع القــارة الســمراء‪ ،‬والدفــع‬ ‫لتشــكيل شــراكة أقــوى بــن الصــن وأمريــكا الالتينيــة والكاريبــي‪.‬‬ ‫ويســجل للصــن أنهــا رفضــت عبــر التاريــخ مســألة إنشــاء األحــاف‬

‫‪28‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الشراكة الصينية ‪ -‬السعودية‪ ...‬استراتيجية يفرضها التاريخ والجغرافيا‬

‫ُي خطئ من يقرأ التقارب الصيني ـ السعودي‬ ‫نتاج تباعد أمريكي ـ سعودي أو رد فعل صيني‬ ‫يســتخلص املتابــع واملراقــب يف مجمــل القضايــا العربيــة والدوليــة وامللفــات اإلقليميــة املتعــددة والشــائكة‪ ،‬مــدى التبــدالت يف‬ ‫"املناخــات السياســية"‪ ،‬واســتعصاءاتها يف أفــق ال نهايــة لــه‪ ،‬وحلحلتهــا يف مــدى متشــابك األلــوان واألحجــام‪.‬‬ ‫يُخطــئ مــن يعتمــد بقــراءة ألــوان صــورة التقــارب الصينــي ـ الســعودي أنهــا نتــاج تباعــد أمريكــي ـ ســعودي‪ ،‬أو أنهــا ردة فعــل‬ ‫صينيــة ملواجهــة الغــرب بفتــح قنــوات جديــدة مــع حلفائــه يف الشــرق كمــا يدعــي البعــض‪.‬‬ ‫ألن الصــورة احلقيقيــة‪ ،‬إن الصــن أساســاً تولــي اهتما ًمــا كبيــراً وواســعاً منــذ القــدم بالعالقــات التاريخيــة مــع األمتــن‬ ‫العربيــة واإلســامية‪ ،‬واململكــة العربيــة الســعودية تعتبــر ركــن مفصلــي يف هاتــن األمتــن‪ ،‬والشــاهد علــى تلــك احلقبــات‬ ‫ـراغ أو مصلحــة مــن طـ ٍ‬ ‫ـرف واحــد‪ ،‬إمنــا شـقٌته إجنازات وتراكمــات وثقافــات وحضارات‬ ‫"طريــق احلريــر"‪ ،‬الــذي لــم يــأت مــن فـ ٍ‬ ‫عريقــة حتاكــي الواقــع‪ ،‬وتواكــب التطــورات‪.‬‬

‫وائل خليل ياسني‬

‫وبالعــودة إلــى مســتجدات منــو العالقــات الصينيةــــ اخلليجيــة والتــي‬ ‫وصلــت إلــى حــدود "الشــراكة االســتراتيجية"‪ ،‬فــإن دول اخلليــج‬ ‫تشــهد يف هــذه املرحلــة تطــوراً ســريعاً مــن الطبيعــي جــداً أن تخــوض‬ ‫شــعوبها حتديــات كبيــرة يف حتديدهــا خلارطــة املســتقبل‪ ،‬ومنــه‬ ‫االنفتــاح املنطقــي علــى الشــرق‪ ،‬واخلــروج مــن "شــرنقة الغــرب" التــي‬ ‫يحــاول بعــض هــذا الغــرب وحتديــداً األمريكــي أن يأســر اجلميــع‬ ‫لتبقــى كأحجــار الدومينــو تــدور يف فلكــه حيــث يريــد‪ ،‬ال كمــا هــي‬ ‫تريــد‪ ،‬ومــا أرادتــه الســعودية ليــس جديــداً أو مســتجداً‪ ،‬فكلمــا‬ ‫تعــززت العالقــات مــع بكــن كلمــا أبــدى اجلانــب األمريكــي انزعاجــه‬ ‫فيحــرك ضغوطــه عبــر حتريــك االتهامــات حتــت رايــة حقــوق‬ ‫اإلنســان والدميقراطيــة ليصــوب إعالمــه ســهامه جتــاه العالقــات‬ ‫عبــر اختــاق األكاذيــب‪.‬‬ ‫فالصينــي لــم يخبــئ تقاربــه مــن الســعودية ودول اخلليــج‪ ،‬تعزيــزاً‬ ‫لرؤيــة "الســعودية ‪ ،"2030‬باإلضافــة ملبادرتــي “الســعودية اخلضــراء”‬ ‫و ”الشــرق األوســط األخضــر”‪ ،‬لتكــون مدخـ ً‬ ‫ا مــن مداخــل التعــاون‬

‫بــن الصــن واململكــة العربيــة الســعودية يف مجــاالت الطاقــة‬ ‫واالســتثمار والتمويــل‪ ،‬واملســاعدة يف حتقيــق التنميــة املتنوعــة‬ ‫لالقتصــاد الســعودي‪ ،‬وصــوالً إلــى إجنــاز عقــد القمــة الصينيــة‬ ‫العربيــة التــي تتمحــور حــول مصيــر العالقــات وكيفيــة مقاربــة‬ ‫القضايــا املصيريــة يف املنطقــة‪ ،‬ومــن منطلــق محــدد وواضــح‪ ،‬يف‬ ‫احلفــاظ علــى عالقاتهــا املتوازنــة بدقــة يف جميــع أنحــاء املنطقــة‪.‬‬ ‫يف غضــون ذلــك ســيتعني علــى دول اخلليــج أن تتعامــل مــع التنافــس‬ ‫املســتجد بــن القــوى العظمــى و املتمثــل بالواليــات املتحــدة والصــن‬ ‫وأن تقــاوم االنحيــاز إلــى أي مــن الضفتــن‪.‬‬ ‫فاالســتراتيجية الشــاملة بــن الصــن واململكــة العربيــة الســعودية‪،‬‬ ‫لــم تكــن لتنســج ملرحلــة مؤقتــة وآنيــة إمنــا أبرمــت لتكونــان شــراكة‬ ‫اســتراتيجية قائمــة علــى أســاس دولتــان صديقتــان معززتــان بالثقــة‬ ‫الــى أبعــد حــدود‪.‬‬ ‫فأهميــة هــذه الشــراكة أنهــا تفتــح أبــواب الطــرق البحريــة والبريــة‬ ‫"احلــزام والطريــق" والــذي يعتبــر مــن أهــم وأضخــم املشــاريع التنموية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪27‬‬

‫ملف العدد‬

‫األساطيل البحرية الصينية رافقت ‪ 6600‬سفينة بين عامي ‪2008‬‬ ‫و‪ 2018‬يف خليج عدن والمياه قبالة الصومال‬ ‫و‪2018‬م‪ ،‬يف خليــج عــدن وامليــاه قبالــة الصومــال‪ ،‬مــن بينهــا ‪٪51.5‬‬ ‫ســفن أجنبيــة‪ ،‬ممــا يعكــس مســاهمتها يف حمايــة املصالــح الدوليــة‪.‬‬ ‫ويؤيــد بعــض الباحثــن األمريكيــن هــذه االجتاهــات‪" :‬إن الصــن ال‬ ‫تريــد أن متــأ الفــراغ األمريكــي (يف املنطقــة أو يف أي مــكان آخــر)؛‬ ‫وتســاعد مشــاركتها علــى منــو االقتصــادات دون تهديــد النظــام‬ ‫السياســي‪ ،‬الــذي يحظــى بشــعبية يف الشــرق األوســط ‪ ...‬وإن نهجهــا‬ ‫شــبه العســكري القائــم علــى التجــارة لــه بصمــة دبلوماســية أكثــر‬ ‫شـ ً‬ ‫ـمول مــن االســتبعاد "‪.‬‬ ‫ومــع ذلــك‪ ،‬ويف ظــل الدعــوات للمشــاركة النشــطة يف الســاحة‬ ‫الدبلوماســية‪ ،‬هنــاك بعــض الصينيــن الذيــن يعربــون عــن احلــذر‬ ‫واحليطــة‪ ،‬خاصــة بشــأن التدخــل يف الســاحة األمنيــة‪" .‬إذا كنــا‬ ‫ســنقوم بعمليــات مرافقــة يف مضيــق هرمــز‪ ،‬فمــن احملتمــل ج ـدًا أن‬ ‫يحــدث نــزاع مــع واحــدة أو أكثــر مــن دول اخلليــج الســاحلية ‪...‬‬ ‫(وبالتالــي)‪ ،‬ال ينبغــي للصــن أن تتعجــل يف التدخــل العســكري يف‬ ‫هــذه املنطقــة‪".‬‬ ‫ولكــن تكتســي هــذه األفــكار واألفــكار املضــادة أهميــة يف ســياق‬ ‫الضغــط األمريكــي علــى دول الشــرق األوســط للحــد مــن مشــاركتها‬ ‫مــع الصــن‪ .‬ويف إشــارة إلــى دور هــواوي يف مشــاريع البنيــة التحتيــة‬ ‫لشــبكات اجليــل اخلامــس يف اإلمــارات‪ ،‬صرحــت واشــنطن يف‬

‫مايــو ‪2020‬م‪ ،‬أنهــا ســتجعل مــن "الصعــب" علــى القــوات األمريكيــة‬ ‫واخلليجيــة التواصــل‪ ،‬و"أنــه يجــب علــى هــذه الــدول أن تقــدر قيمــة‬ ‫شــراكتها مــع الواليــات املتحــدة‪".‬‬ ‫ً‬ ‫أيضــا وجهــة نظــر أخــرى متمثلــة يف أن "اتفاقيــات‬ ‫وهنــاك‬ ‫إبراهيــم" هــي طريقــة واشــنطن لفــرض قيــود علــى مشــاركة بكــن‬ ‫وموســكو املتزايــدة يف املنطقــة مــن خــال الترويــج حلليــف الواليــات‬ ‫املتحــدة‪ ،‬إســرائيل‪ ،‬كشــريك اقتصــادي وتكنولوجــي وأمنــي بديــل يف‬ ‫املنطقــة‪ .‬ويعتبــر ذلــك مبثابــة الســماح لواشــنطن بتــرف االســتمرار‬ ‫يف االنفصــال التدريجــي‪ ،‬دون التنــازل عــن مســاحة خلصومهــا‬ ‫االســتراتيجيني‪ .‬وبوجــه عــام‪ ،‬تعكــس املناقشــات يف الصــن محاولــة‬ ‫بكــن إلعــادة التــوازن مــن "السياســة بــن الــدول" إلــى التركيــز علــى‬ ‫"الترابــط" االقتصــادي‪ .‬وإن هــذا النهــج الدقيــق‪ ،‬الــذي يتضمــن‬ ‫"أقصــى قــدر مــن الدبلوماســية" بــدالً مــن "أقصــى ضغــط"‪ ،‬قــد‬ ‫يســاعد يف التخفيــف مــن حــدة التوتــرات بــدالً مــن تأجيــج نيــران‬ ‫التوتــر يف منطقــة اخلليــج‪ ،‬بينمــا يعــزز ً‬ ‫أيضــا إمكانيــة وجــود بنيــة‬ ‫أمنيــة جماعيــة ال تتمحــور حــول الواليــات املتحــدة يف املنطقــة‬ ‫وخارجهــا‪.‬‬ ‫* كبري باحثني ـ الربنامج الخليجي ـ اآلسيوي ـ أكادميية اإلمارات الدبلوماسية‬

‫‪26‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الفش ــل يف تخفيف التوتر يؤثر عىل مش ــاركة الصين االقتصادية‬ ‫يف الش ــرق األوس ــط أو تحس ــين عالقاته ــا م ــع دول تتقب ــل سياس ــاتها‬ ‫ويوصــي خبيــر آخــر بالعمــل مــع جميــع البلــدان املتنافســة لضمــان‬ ‫عــدم تصعيــد التوتــرات الســائدة‪ ،‬ويركــز بشــكل خــاص علــى التأثيــر‬ ‫علــى اململكــة العربيــة الســعودية واإلمــارات العربيــة املتحــدة مــن‬ ‫ناحيــة‪ ،‬وإيــران وتركيــا مــن ناحيــة أخــرى الســتيعاب ضغــط بكــن‬ ‫إلدارة الصــراع‪ .‬وتكتســب هــذه األفــكار زخ ًمــا وســط االتفــاق‬ ‫االســتراتيجي بــن إيــران والصــن ملــدة ‪ 25‬عا ًمــا بقيمــة ‪ 400‬مليــار‬ ‫دوالر‪ ،‬الــذي يغطــي قطاعــات الطاقــة والبنيــة التحتيــة والدفــاع‪،‬‬ ‫والــذي مت توقيعــه يف أبريــل‪ .‬ومــع وجــود مؤشــرات علــى أن إدارة‬ ‫بايــدن ســتوقع يف النهايــة اتفا ًقــا نوو ًيــا مــع إيــران‪ ،‬تشــعر بكــن أن‬ ‫هنــاك فرصــة لتعزيــز مصاحلهــا‪.‬‬ ‫ويف ظــل التحــول املثيــر لالهتمــام‪ ،‬وبــدالً مــن وضــع عــبء مثــل هــذا‬ ‫الترتيــب علــى حمايــة املصالــح االقتصاديــة للصــن فقــط‪ ،‬يُقــال بــأن‬ ‫بكــن يجــب أن تشــير لشــركائها بأنهــا تتوقــع إعــادة معايــرة احلقائــق‬ ‫اإلقليمية كشــرط مســبق ملشــاركتها االســتباقية يف األمن واجلغرافيا‬ ‫السياســية اإلقليميــة‪.‬‬ ‫وعليــه فــإن الرســالة املوجهــة‪“ :‬لتجنــب خســارة الصــن‪ ،‬حتتــاج دول‬ ‫اخلليــج إلــى خلــق درجــة مــن االســتقرار اإلقليمــي"‪ .‬ويتمثــل األســاس‬ ‫املنطقــي لهــذا النهــج يف أن أي فشــل يف تخفيــف حــدة التوتــر ميكــن‬ ‫أن يؤثــر إمــا علــى الصــن للحــد مــن مشــاركتها االقتصاديــة يف‬

‫الشــرق األوســط واخلليــج أو التركيــز علــى حتســن العالقــات مــع‬ ‫تلــك الــدول فقــط التــي تتقبــل سياســات الصــن‪".‬‬ ‫وتخــدم هــذه التوصيــات غرضني‪ :‬أوالً‪ ،‬التخفيف من حدة االنتقادات‬ ‫املوجهــة إلــى بكــن باعتبارهــا غيــر مهتمــة وتعمــل مبســتوى أدنــى ممــا‬ ‫هــو متوقــع للمســاهمة يف اســتقرار املنطقــة‪ .‬وبــدالً مــن ذلــك‪ ،‬فإنهــم‬ ‫يشــيرون إلــى أن بكــن تــدرس بجديــة اخليــارات املختلفــة لتحقيــق‬ ‫املزيــد مــن املشــاركة السياســية يف الشــؤون اإلقليميــة والعامليــة‪.‬‬ ‫ثان ًيــا‪ ،‬الترويــج للنظريــة الصينيــة املتمثلــة يف اتبــاع نهــج دبلوماســي‬ ‫متــوازن يختلــف عــن النهــج األمريكــي‪.‬‬ ‫وبالرغــم مــن أن الصــن ال تلعــب دور الوســيط الرئيســي يف أي‬ ‫أزمــة دوليــة‪ ،‬إال أن رهاناتهــا االقتصاديــة طويلــة املــدى جعلــت‬ ‫بكــن تنخــرط يف الدبلوماســية اإلقليميــة‪ .‬ومثــال علــى ذلــك‪ ،‬دورهــا‬ ‫اخلامــل ولكــن املهــم يف محادثــات مجموعــة ‪ 1 + 5‬مــع إيــران‪ .‬وقــد‬ ‫شــكر الرئيــس األمريكــي‪ ،‬بــاراك أوبامــا‪ ،‬الرئيــس الصينــي‪ ،‬شــي جني‬ ‫بينــغ‪ ،‬يف عــام ‪2015‬م‪ ،‬لــدور بكــن البنــاء يف تأمــن الصفقــة النوويــة‬ ‫بعــد أن بــدأت الصــن يف تشــجيع إيــران علــى النظــر يف الصفقــة‬ ‫مبوضوعيــة بعــد إعــادة انتخــاب أوبامــا يف عــام ‪2012‬م‪.‬‬ ‫وهنــاك مســاهمة أخــرى قــد حظيــت باهتمــام وتتمثــل يف أن‬ ‫األســاطيل البحريــة الصينيــة رافقــت ‪ 6600‬ســفينة بــن عامــي ‪2008‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪25‬‬

‫ملف العدد‬

‫إدارة النزاع جزء ال يتجزأ من الدبلوماسية االقتصادية الصينية في الخليج‬

‫الصين تركز عىل "الترابط" االقتصادي‬ ‫لضمان نجاح الدبلوماسية ً‬ ‫بدل من "الضغط‬ ‫"ميكن للصني أن تلعب دو ًرا كبي ًرا يف عملية املصاحلة يف أفغانستان ويف إعادة إعمارها وبنائها وتأهيلها"‬ ‫هــذا التصريــح الصــادر مــن املتحــدث باســم طالبــان بعــد اســتعادة اجلماعــة املتطرفــة للســلطة يف كابــول يف أغســطس‬ ‫يعكــس أهميــة بكــن ومكانتهــا املتزايــدة يف الشــؤون العامليــة‪ ،‬وذلــك علــى حســاب الواليــات املتحــدة إلــى حــد مــا‪ .‬وبالرغــم‬ ‫مــن االختالفــات حــول معاملــة اإليغــور يف منطقــة شــينجيانغ‪ ،‬التقــى مســؤولو طالبــان والصــن يف بكــن يف يوليــو املاضــي‬ ‫لتطويــر اســتراتيجية لضمــان اســتمرار مشــاريع املمــر االقتصــادي الصينــي الباكســتاني املجــاور ألفغانســتان دون عوائــق‪.‬‬ ‫وتعكــس اســتراتيجية الصــن يف أفغانســتان اســتراتيجيتها االقتصاديــة والدبلوماســية املتطــورة يف اخلليــج والشــرق األوســط‪،‬‬ ‫والتــي ميكــن أن تشــكل السياســة األمنيــة العامليــة لبكــن يف املســتقبل‪ .‬وبالنظــر إلــى أن االعتبــار األساســي لبكــن هــو حمايــة‬ ‫وتعزيــز املصالــح االقتصاديــة للبــاد‪ ،‬فــإن اخلبــراء يدعــون إلــى اســتخدام أســاليب تشــمل الوســاطة للدفــاع عــن املصالــح‬ ‫التجاريــة بــدالً مــن املصالــح األمنيــة؛ و"إدارة" النــزاع بــدالً مــن "حــل" النــزاع؛ وتعزيــز عالقــة غيــر متنازعــة بــن الشــركاء‬ ‫االســتراتيجيني للصــن يف املنطقــة ممــن متزقهــم االنقســامات‪ ،‬والضالعــن يف احلــروب بالوكالــة‪.‬‬

‫د‪ .‬إن جانــاردان‬

‫وتُعــد املنطقــة جــز ًءا رئيســ ًيا مــن مبــادرة احلــزام والطريــق التــي‬ ‫تربــط عالقــات الصــن يف مجــال الطاقــة والتجــارة مــع بقيــة العالــم‪.‬‬ ‫وبالتالــي‪ ،‬فــإن االســتقرار هــو مصــدر قلــق كبيــر للصــن وســط‬ ‫العــداوات الشــديدة ودالئــل تراجــع مشــاركة الواليــات املتحــدة‬ ‫ونفوذهــا‪ ،‬وهــو مــا يشــجع ً‬ ‫أيضــا علــى املناقشــة حــول آليــات األمــن‬ ‫البديلــة يف املنطقــة‪.‬‬ ‫ويــروج أحــد االجتاهــات "دبلوماســية شــبه الوســاطة" إلــى الدفــاع‬ ‫عــن "املصالــح التجاريــة والسياســية والدبلوماســية بــدالً مــن املصالــح‬ ‫األمنيــة األساســية واالســتراتيجية"‪ .‬إن الدولــة التــي تســتثمر يف هــذا‬ ‫النمــوذج "تعمــل دون أن تســعى إلــى الهيمنــة؛ تتبــع ال تقــود؛ تشــارك‬ ‫يف مراجعــة جــدول األعمــال بــدالً مــن وضعــه؛ تشــجع وقــف تصعيــد‬ ‫النــزاع بــدالً مــن االنخــراط بعــزم يف حــل النــزاع‪".‬‬

‫وقــد ينطــوي هــذا النهــج علــى "التدخــل متعــدد األوجــه‪ ،‬واملشــاركة‬ ‫االســتباقية‪ ،‬والوســاطة احملــدودة واملشــاركة غيــر املباشــرة"‪ ،‬ممــا‬ ‫يقلــل مــن املخاطــر التــي قــد تواجههــا الصــن أثنــاء إدارة صراعــات‬ ‫املنطقــة‪ .‬وعــاوة علــى هــذا النهــج‪ ،‬فثمــة نــزوع واضــح مــن الصــن‬ ‫إلــى "البحــث عــن أرضيــة مشــتركة مــع االحتفــاظ باخلالفــات"‪ ،‬ممــا‬ ‫يشــير إلــى وجــود ميــل نحــو إدارة النــزاع بــدالً مــن حــل النــزاع‪.‬‬ ‫ومبــا يتعــارض مــع التصــور الشــائع بأنهــا ابتعــدت عــن التدخــل يف‬ ‫مســتنقع الشــرق األوســط‪ ،‬فقــد انخرطــت الصــن يف "دبلوماســية‬ ‫الوســاطة" يف ســوريا‪ ،‬والســودان‪ ،‬واليمــن‪ ،‬وإيــران‪ ،‬ويف عمليــة‬ ‫الســام الفلســطينية اإلســرائيلية‪ .‬وعلــى الرغــم مــن أن هــذه اجلهــود‬ ‫لــم تغيــر أي شــيء‪ ،‬إال أنــه مــن املمكــن تفســيرها علــى أنهــا محاولــة‬ ‫لبكــن لالبتعــاد ببــطء عــن سياســتها املفضلــة املتمثلــة يف عــدم‬ ‫التدخــل‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الصيــن تــدرك أهميــة المنطقــة والتنافــس الــدويل الشــرس‬ ‫عــى بســط النفــوذ فيهــا خاصــة أمريــكا وبقيــة الــدول الكبــرى‬ ‫‪ %18.6‬مــن إجمالــي اســتيراد العالــم مــن النفــط‪ .‬ويف نفــس الوقــت‪،‬‬ ‫تســعى الصــن لضمــان ســوق واســع ومغــر لتصريــف املنتجــات‬ ‫الصينيــة املختلفــة‪ .‬وهــذا ال ميكــن أن يتحقــق‪ ،‬علــى املــدى الطويــل‪،‬‬ ‫إال عبــر الوســائل التــي تتبعهــا الصــن‪ ،‬ومنهــا‪ :‬دعــم العالقــات‬ ‫الصينيــة مــع دول املنطقــة‪ .‬وســنوجز هــذه الوســائل أدنــاه‪ .‬إن الصــن‬ ‫ســتظل بحاجــة الســتيراد املزيــد مــن الطاقــة‪ .‬وأغلــب مصــادر‬ ‫تصديــر النفــط األخــرى تظــل أقــل مالءمــة الحتياجــات الصــن‪ ،‬مبــا‬ ‫يف ذلــك إمــدادات النفــط اإليرانــي‪..‬‬ ‫‪ -2‬احملاولــة الصينيــة الدائمــة لتقليــص النفــوذ الغربــي (نفــوذ الناتــو)‬ ‫باملنطقــة‪ ،‬وخاصــة النفــوذ األمريكــي فيهــا‪ :‬وتلــك مهمــة يصعــب‬ ‫حتقيقهــا‪ ،‬يف ظــل التغلغــل الغربــي العميــق باملنطقــة‪ ،‬ووجود "مصالح"‬ ‫أمريكية‪/‬غربيــة هائلــة فيهــا‪ .‬لذلــك‪ ،‬يتوقــع أن تكــون هــذه املنطقــة‬ ‫إحــدى بــؤر الصــراع البــارد والســاخن بــن العمالقــن األمريكــي‬ ‫والصينــي‪ .‬ويبــدو أن اللعبــة الصينيــة – األمريكيــة مبنطقــة اخلليــج‬ ‫نتيجتهــا غال ًبــا "صفريــة"‪ .‬فمــا تكســبه الصــن باملنطقــة‪ ،‬تخســره‬ ‫أمريــكا‪ ،‬والعكــس صحيــح‪.‬‬ ‫ولكــن‪ ،‬هنــاك احتمــال أن يحصــل بــن الطرفــن‪ ،‬الصينــي‬ ‫واألمريكــي‪ ،‬نــوع مــن التفاهــم ‪ ...‬بحيــث يتــرك للصــن املجــال‬ ‫االقتصــادي فقــط‪ ،‬ويبقــى املجــال السياســي واالســتراتيجي‬ ‫أمريك ًيــا‪ .‬ولكــن هــذا االحتمــال ضئيــل‪ ،‬بســبب صعوبــة الفصــل بــن‬ ‫االقتصــادي والسياســي‪.‬‬ ‫الوســـــــــــائل‪:‬‬ ‫لتحقيق هذه األهداف‪ ،‬تستخدم الصني الوسائل التالية‪:‬‬ ‫‪ -1‬تدعيــم عالقــات الصــن بــدول املنطقــة‪ :‬عبــر عقــد اتفاقيــات‬ ‫التعــاون االســتراتيجي بــن الصــن‪ ،‬وكثيــر مــن دول املنطقــة‪.‬‬ ‫وهنــاك اتفاقيــات شــراكة اســتراتيجية بــن الصــن‪ ،‬وكل مــن‪:‬‬ ‫األردن‪ ،‬اجلزائــر‪ ،‬اإلمــارات‪ ،‬الســعودية‪ ،‬قطــر‪ ،‬الكويــت‪ ،‬عمــان‪،‬‬ ‫العــراق‪ ،‬مصــر‪ ،‬الســودان‪ ،‬جيبوتــي‪ .‬وكذلــك مشــاريع تنميــة البنــى‬ ‫التحتيــة‪ ،‬وإقامــة املشــاريع العمالقــة التــي تســهم يف ازدهــار املنطقــة‪،‬‬ ‫وتطورهــا‪ .‬ومــن ذلــك‪ :‬الســعي إلقامــة "طريــق احلريــر"‪ ،‬وغيــره‪.‬‬ ‫يف عــام ‪2013‬م‪ ،‬قــدم الرئيــس الصينــي شــي جــن بيــغ‪ ،‬أثنــاء‬ ‫زيارتــه لدولــة كازاخســتان‪ ،‬املبــادرة الصينيــة التــي تســمى‪ :‬احلــزام‬ ‫االقتصــادي وطريــق احلريــر البحــري‪ ،‬للقــرن الواحــد والعشــرين‪،‬‬ ‫القائــم علــى فكــرة طريــق احلريــر الــذي وجــد يف القــرن التاســع‬ ‫عشــر‪ .‬واملبــادرة تهــدف إلــى‪ :‬حتقيــق مصالــح الصــن وشــركائها‪،‬‬

‫االقتصاديــة واالســتراتيجية‪ ،‬عبــر ربطهــا بشــبكة مواصــات كبــرى‬ ‫ميســرة‪ .‬ومت دعــم هــذه املبــادرة يف مؤمتــر عقــد يف بكــن‪ ،‬عــام‬ ‫‪2017‬م‪ ،‬ســمي بـــ " منتــدى احلــزام االقتصــادي والطريــق األول‬ ‫للتعــاون الدولــي"‪ ،‬مبشــاركة ‪ 142‬دولــة‪ .‬وتغطــي هــذه املبــادرة‪ ،‬التــي‬ ‫بــدئ بالفعــل يف تنفيذهــا‪ ،‬دول اخلليــج العربيــة‪ .‬ومــن املتوقــع أن‬ ‫تكتمــل بحلــول العــام ‪2049‬م‪.‬‬ ‫‪ -2‬اإلحجــام عــن التدخــل يف الشــؤون السياســية لــدول املنطقــة‪:‬‬ ‫وذلــك يتضمــن عــدم فتــح امللفــات التــي ال ترغــب دول املنطقة فتحها‪.‬‬ ‫‪ -3‬احملاولــة املتواصلــة لزيــادة التبــادل االقتصــادي والتجــاري بــن‬ ‫الصــن‪ ،‬ودول املنطقــة‪ :‬ومنــذ العــام ‪2017‬م‪ ،‬بــدأ حجــم التجــارة‬ ‫الصينيــة مــع العالــم العربــي يتصاعــد‪ ،‬ويفــوق حجــم جتــارة الواليــات‬ ‫املتحــدة مــع العالــم العربــي‪ .‬إذ بلــغ حجــم التجــارة الصينيــة مــع‬ ‫الــدول العربيــة ‪ 171‬مليــار دوالر‪ ،‬منهــا ‪ 101‬مليــار قيمــة صــادرات‬ ‫صينيــة‪ ،‬و‪ 70‬مليــار دوالر قيمــة واردات مــن الــدول العربيــة للصــن‪.‬‬ ‫بينمــا بلغــت صــادرات أمريــكا للــدول العربيــة يف نفــس العــام ‪60.4‬‬ ‫مليــار دوالر‪.‬‬ ‫‪ -4‬اتخــاذ بعــض السياســات الداعمــة لبعــض القضايــا العربيــة‪:‬‬ ‫ومــن ذلــك‪ :‬تأييــد الصــن للحقــوق املشــروعة للشــعب الفلســطيني‪.‬‬ ‫ومعــروف‪ ،‬أن أول مــن أعتــرف مبنظمــة التحريــر الفلســطينية‪ ،‬مــن‬ ‫غيــر العــرب‪ ،‬هــي الصــن‪ .‬ولــم تكتــف بذلــك‪ ،‬بــل دعمــت املنظمــة‬ ‫باألســلحة‪ ،‬وبتدريــب عناصرهــا املقاومــة‪ .‬ولــم تقــم الصــن عالقــات‬ ‫مــع إســرائيل إال عــام ‪1992‬م‪ ،‬وحتــت الضغــوط الغربيــة‪ ،‬وبعــد‬ ‫مؤمتــر مدريــد املنعقــد عــام ‪1991‬م‪.‬‬ ‫وختـــامـــــا‪ ،‬نعتقــد أن مجــرد تواجــد الصــن باملنطقــة‪ ،‬بهــذا الزخــم‬ ‫ً‬ ‫االقتصــادي‪ ،‬يثيــر التوتــر مــع بعــض القــوى الدوليــة‪ ،‬وبخاصــة‬ ‫الواليــات املتحــدة‪ .‬ويتوقــع أن يتفاقــم هــذا التوتــر كلمــا توثقــت‬ ‫عالقــات الصــن بــدول املنطقــة‪ ،‬واســتتب نفوذهــا‪ .‬األمــر الــذي‬ ‫قــد يدفــع حلصــول بعــض االحتمــاالت الصراعيــة اجلذريــة‪ ،‬يف‬ ‫مســار السياســة الدوليــة باملنطقــة العربيــة‪ .‬ومــن ذلــك‪ ،‬احتمــال قيــام‬ ‫رأســا علــى‬ ‫حتالــف صينــي‪ -‬روســي‪ ،‬يقلــب تــوازن القــوى باملنطقــة ً‬ ‫عقــب‪.‬‬

‫* عضو مجلس الشورى السعودي سابقًا ـ أستاذ العلوم السياسيةـ جامعة‬ ‫امللك عبد العزيز‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪23‬‬

‫ملف العدد‬

‫األه ــداف الصيني ــة تتناغ ــم م ــع كثي ـــر مـــن المصالـــح العليـــا‬ ‫لألمـــة العربيـــة واإلســـامية وإن تناقضـــت يف بعـــض الحـــاالت‬ ‫خاصــة بعدمــا تبنــاه مــن إصالحــات‪ ،‬بــد ًءا مــن العــام ‪2012‬م‪ .‬ورمبــا‬ ‫يجهــل البعــض أن هــذا احلــزب يســمح لثمانيــة أحــزاب سياســية‬ ‫صينيــة غيــر شــيوعية‪ ،‬بالتواجــد‪ ،‬والتنافــس معــه علــى الســلطة‪.‬‬ ‫وألهميــة الصــن لعاملنــا العربــي بعامــة‪ ،‬ومنطقــة اخلليــج العربــي‬ ‫بخاصــة‪ ،‬ســنلقي‪ ،‬بعــد هــذه النبــذة عــن الصــن‪ ،‬بعــض الضــوء علــى‬ ‫السياســة الصينيــة احلاليــة والقادمــة نحــو منطقــة اخلليــج‪.‬‬ ‫وهنــاك " مداخــل " مبســطة‪ ،‬تســاعد علــى فهــم " السياســة"‪ ،‬بصفــة‬ ‫عامــة‪ ...‬والسياســة اخلارجيــة ألي دولــة‪ ،‬بصفــة خاصــة‪ .‬ومــن‬ ‫ضمــن هــذه املداخــل اعتمــاد تعريــف " السياســة اخلارجيــة" (ألي‬ ‫دولــة) بأنهــا‪ :‬األهــداف التــي تســعى تلــك الدولــة لتحقيقهــا خــارج‬ ‫حدودهــا – أو جتــاه جــزء أجنبــي معــن مــن العالــم – و"الوســائل"‬ ‫(اإلســتراتيجية) التــي تتبعهــا ‪ ...‬لتحقيــق تلــك األهــداف‪.‬‬ ‫لــذا‪ ،‬فعندمــا نحــاول معرفــة السياســة اخلارجيــة لدولــة مــا‬ ‫معينــة جتــاه جهــة‪ ،‬أو منطقــة‪ ،‬خــارج حدودهــا‪ ،‬فإنــه ميكــن تلمــس‬ ‫"األهــداف" املبتغــاة‪ ،‬و" الوســائل" املتبعــة‪ ،‬للوصــول إليهــا‪ .‬ومجمــوع‬ ‫ذلــك هــو‪ :‬سياســة تلــك الدولــة نحــو اجلهــة املعنيــة‪ .‬وكثيــراً مــا يكــون‬ ‫هنــاك تداخـ ً‬ ‫ا بــن األهــداف والوســائل ‪ ...‬ممــا يجعــل مــن الصعــب‬ ‫أحيانـاً التمييــز بــن الغايــة والوســيلة‪ .‬وســنتبع هــذا املدخــل املبســط‬ ‫ملعرفــة أهــم مالمــح السياســة الصينيــة احلاليــة نحــو العالــم العربــي‬ ‫بصفــة عامــة‪ ،‬ومنطقــة اخلليــج بصفــة خاصــة‪.‬‬ ‫وميكــن القــول إن‪ " :‬أهــداف " السياســة الصينيــة نحــو املنطقــة‬ ‫العربيــة ظلــت شــبه ثابتــة منــذ بــدء تفعيــل هــذه السياســة عــام‬ ‫‪1975‬م‪ .‬أمــا " الوســائل"‪ ،‬التــي تتبعهــا الصــن لتحقيــق هــذه‬ ‫األهــداف‪ ،‬فهــي تتغيــر مــن فتــرة ألخــرى‪ .‬واألهــداف الصينيــة‬ ‫احلاليــة – مبضمونهــا احلالــي – تتناغــم يف الغالــب مــع كثيــر مــن‬ ‫املصالــح العليــا لألمــة العربيــة واإلســامية‪ ،‬وإن كانــت تتقاطــع‪ ،‬أو‬ ‫تتناقــض‪ ،‬مــع بعــض هــذه املصالــح يف بعــض احلــاالت‪ .‬ومعــروف أن‬ ‫صداقــة حقيقيــة‪ ،‬وتعــاون إيجابــي‪ ،‬بــن األمــة العربيــة والصــن لــن‬ ‫ينشــأ‪ ،‬إال إذا ضمنــت األهــداف والوســائل حتقيــق املصالــح املشــتركة‬ ‫لألمتــن العربيــة والصينيــة م ًعــا‪.‬‬ ‫ال يجــادل أحــد يف مــدى أهميــة املنطقــة العربيــة‪ ،‬ومــا حتظــى بــه‬ ‫مــن إرث حضــاري عريــق‪ ،‬ومــوارد بشــرية وماديــة هائلــة‪ ،‬وإمكانــات‬ ‫طبيعيــة فريــدة‪ .‬وإن كانــت معظــم هــذه اإلمكانــات‪( ،‬ومــا زالــت) أحــد‬

‫أبــرز أســباب مــا تعانيــه مــن أطمــاع ومحــن وقالقــل‪ .‬يف هــذه املنطقــة‬ ‫قامــت اثنتــان مــن أهــم وأقــدم أربــع حضــارات إنســانية يف التاريــخ‪.‬‬ ‫وقدمــت هــذه املنطقــة لبقيــة البشــرية الكثيــر مــن اإلســهامات‬ ‫احلضاريــة‪ ،‬التــي تنتفــع األجيــال بهــا يف كل مــكان‪ .‬وكانــت املنطقــة‬ ‫– ومــا زالــت – مهــد األديــان الســماوية الثالثــة‪ .‬ومــن حيــث "املوقــع"‪،‬‬ ‫فــإن املنطقــة تتربــع يف نقطــة الوصــل بــن قــارات العالــم القــدمي‪،‬‬ ‫آســيا وإفريقيــا وأوروبــا‪ ،‬وتشــرف علــى أهــم طــرق املواصــات‬ ‫البحريــة علــى الكــرة األرضيــة‪ .‬وفــى الوقــت احلاضــر‪ ،‬يعــرف العالــم‬ ‫أنهــا حتتــوي علــى مخــزون الطاقــة األكبــر (نفــط‪ ،‬غــاز) يف كوكــب‬ ‫األرض‪ ،‬إضافــة إلــى ثــروات طبيعيــة هامــة أخــرى‪ ،‬ال توجــد (بنفــس‬ ‫الكــم والكيــف اإليجابــي) يف غيرهــا مــن املناطــق‪.‬‬ ‫ولهــذه األســباب‪ ،‬وغيرهــا‪ ،‬كانــت هــذه البقعــة – ومــا زالــت –‬ ‫محــل اهتمــام وأطمــاع القــوى الدوليــة الكبــرى‪ .‬وكانــت (وســتظل)‬ ‫ميدا ًنــا للتنافــس " االســتعماري" بــن هــذه القــوى‪ .‬وكثيــر مــن أنحــاء‬ ‫ً‬ ‫تعرضــا ملــا يعــرف بـــ "االســتعمار‬ ‫هــذه املنطقــة تعتبــر أكثــر البــاد‬ ‫اجلديــد "‪ ،‬كمــا يقــول كثيــر مــن علمــاء السياســة األمريكيــن‪،‬‬ ‫وغيرهــم‪ .‬فالهيمنــة علــى هــذه املنطقــة تســهم يف الســيطرة علــى‬ ‫العالــم‪ .‬وال ميكــن ألي قــوة أن تكــون كبــرى‪ ،‬أو عظمــى مــا لــم يكــن‬ ‫لهــا نفــوذ قــوي بهــذه املنطقــة‪.‬‬ ‫ومــع صعــود الصــن‪ ،‬كدولــة عظمــى‪ ،‬واحتياجهــا املؤكــد الســتيراد‬ ‫الطاقــة‪ ،‬واملــواد اخلــام‪ ،‬وضمــان ســوق واســع لتصريــف منتجاتهــا‬ ‫املختلفــة‪ ،‬كان ال بــد أن تهتــم بالعالــم العربــي‪ ،‬وبخاصــة منطقــة‬ ‫اخلليــج‪ .‬وهــي تــدرك متا ًمــا أهميــة هــذه املنطقــة‪ ،‬والتنافــس الدولــي‬ ‫الشــرس علــى بســط النفــوذ فيهــا‪ ،‬خاصــة مــن قبــل الدولــة العظمــى‬ ‫األولــى‪ ،‬أمريــكا‪ ،‬وبقيــة الــدول الكبــرى‪ :‬بريطانيــا‪ ،‬فرنســا‪ ،‬روســيا‪،‬‬ ‫بخاصــة‪.‬‬ ‫وميكــن أن نلخــص فيمــا يلــي السياســة الصينيــة احلاليــة نحــو‬ ‫منطقــة اخلليــج‪ ،‬بصفــة خاصــة‪ ،‬والعالــم العربــي‪ ،‬بصفــة عامــة‪،‬‬ ‫متبعــن إطــار األهداف‪/‬الوســائل آنفــة الذكــر‪:‬‬ ‫األهــــــــــــــداف‪ :‬ميكــن تلخيــص أهــم أهــداف السياســة الصينيــة نحــو‬ ‫املنطقــة كالتالــي‪:‬‬ ‫‪ – 1‬تثبيــت أقــدام الصــن باملنطقــة‪ :‬إن "محــور" السياســة الصينيــة‬ ‫جتــاه منطقــة اخلليــج العربيــة يتركــز يف‪ :‬محاولــة الصــن ضمــان‬ ‫انســياب مســتورداتها مــن النفــط والطاقــة مــن دول اخلليــج‪ ،‬وبأقــل‬ ‫تكلفــة ممكنــة‪ .‬علمــا بــأن الصــن تســتورد اآلن (‪2020‬م) مــا نســبته‬

‫‪22‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫محـــور" السياســـة الصينيـــة تجـــاه منطقـــة الخليـــج يتركـــز‬ ‫يف ضمـــان انســـياب النفـــط والطاقـــة وبأقـــل تكلفـــة ممكنـــة‬ ‫برأســمالية الدولــة‪ ،‬ورجــال األعمــال (اآلن) لبقيــت الصــن متخلفة‪،‬‬ ‫يشــبه وضعهــا وضــع جارتهــا‪ ،‬كوريــا الشــمالية ("الشــيوعية")‪.‬‬ ‫ولــكان مصيــر حزبهــا الشــيوعي مماثـ ً‬ ‫ا ملصيــر احلــزب الشــيوعي‬ ‫الســوفييتي‪.‬‬ ‫انفتاحــا سياســ ًيا‪ ،‬يتمثــل يف‬ ‫ثــم أن هــذا التحويــر يتطلــب اآلن‬ ‫ً‬ ‫الســماح بالتعــدد احلزبــي‪ ،‬وإعطــاء الصينــي حريــة اختيــار مــن يــراه‬ ‫مناسـ ًبا‪ ،‬مــن هــذا التعــدد‪ .‬لقــد ســمحت الصــن بوجــود عــدد مــن‬ ‫األحــزاب‪ ،‬شــبه التابعــة للحــزب الشــيوعي الصينــي‪ .‬ولكــن ذلــك‬ ‫غيــر كاف‪ .‬رمبــا لــن جتــد الصــن مفــ ًرا مــن الســماح لألحــزاب‬ ‫السياســية التــي متثــل مختلــف التيــارات‪ ،‬للتنافــس مــع احلــزب‬ ‫الشــيوعي الصينــي‪ ،‬علــى الســلطة‪ .‬وصعــود الصــن ملرتبــة القطــب‬

‫قــد يدفعهــا للمســارعة بهــذا الســماح‪.‬‬ ‫ولعــل احلديــث يف موضــوع وواقــع "األحــزاب السياســية" يف‬ ‫الصــن يعنــي اخلــوض يف جوهــر النظــام السياســي الصينــي احلالــي‪،‬‬ ‫ومــا يتخــذه هــذا النظــام مــن سياســات‪ ،‬داخليــة وخارجيــة‪ .‬وبعــد‬ ‫انهيــار املعســكر الشــرقي‪ ،‬وزوال االحتــاد الســوفييتي‪ ،‬بقيــت أربــع‬ ‫دول يحكــم كل منهــا حــزب (شــيوعي) واحــد‪ ،‬هــي‪ :‬الصــن‪ ،‬كوريــا‬ ‫الشــمالية‪ ،‬فيتنــام‪ ،‬كوبــا‪ .‬ومــازال "احلــزب الشــيوعي الصينــي" هــو‬ ‫احلــزب املهيمــن علــى جمهوريــة الصــن الشــعبية‪ .‬ولكنــه حــزب‬ ‫مختلــف عمــا ســواه مــن األحــزاب السياســية "الوحيــدة"‪ ،‬أو التــي‬ ‫تفــرض نفســها‪ ،‬بالطــرق املشــروعة أو غيــر املشــروعة‪ .‬اذ أصبــح‬ ‫هــذا احلــزب مختل ًفــا‪ ،‬ومتمي ـزًا‪ ،‬عــن غيــره مــن األحــزاب املشــابهة‪،‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪21‬‬

‫ملف العدد‬

‫س ا على عقب‬ ‫قيام تحالف صيني‪ -‬روسي‪ ،‬يقلب توازن القوى بالمنطقة رأ ً‬

‫أهداف السياسة الصينية نحو العرب شبه‬ ‫ثابتة ووسائل تحقيقها متغيرة‬ ‫فــات علــى القــوى االســتعمارية الغربيــة العامليــة أن تفعــل بالصــن مــا فعلتــه مبعظــم العالــم العربــي‪ .‬فالصــن اليــوم‪،‬‬ ‫بعــدد ســكانها الهائــل‪ ،‬الــذي يصــل إلــى ‪ 1.4‬بليــون نســمة‪ ،‬ومســاحتها الضخمــة (‪9.562.842‬كــم‪ )2‬أمســت كاملــة الســيادة‬ ‫واالســتقالل‪ ،‬والكرامــة‪ ،‬والتحــرر مــن ربقــة النفــوذ اإلمبريالــي العاملــي‪ ...‬وتوشــك أن تصبــح قــوة عظمــى جديــدة‪ .‬بينمــا‬ ‫أغلــب العالــم العربــي اآلن عبــارة عــن‪ :‬دول ودويــات ممزقــة‪ ،‬أغلبهــا متشــرذمة‪ ،‬ومتخلفــة‪ ...‬وبعضهــا أضحــت نهبـاً للمطامــع‬ ‫االســتعمارية‪ ،‬وباتــت فريســة للذئــاب الدوليــة الكاســرة‪.‬‬ ‫لقــد تعرضــت الصــن‪ ،‬عبــر تاريخهــا الطويــل‪ ،‬ملطامــع أجنبيــة شرســة وواســعة‪ ،‬لعــل آخرهــا مــا أصابهــا مــن حركــة‬ ‫املطامــع االســتعمارية األوروبيــة‪ ،‬التــي نشــطت يف القرنــن التاســع عشــر والعشــرين‪ ،‬والتــي كان أبــرز أبطالهــا‪ :‬بريطانيــا‪،‬‬ ‫فرنســا‪ ،‬هولنــدا‪ ،‬البرتغــال‪ ،‬إســبانيا‪ ،‬ثــم أمريــكا فيمــا بعــد‪ .‬ولكــن هــذه القــوى فشــلت– علــى األصــح –يف تنفيــذ خططهــا‬ ‫االســتعمارية الســلبية يف األرض الصينيــة‪ .‬كمــا عجــزت عــن منــع املــارد الصينــي مــن اخلــروج الح ًقــا مــن قمقمــه‪ .‬فهــا هــو‬ ‫اآلن يصعــد قمــة العالــم االقتصاديــة – السياســية‪ ،‬وبتصميــم وقــوة‪.‬‬

‫د‪ .‬صدقه بن يحيى فاض ـ ـ ــل‬ ‫لقــد تفــن االســتعمار الغربــي يف اســتخدام "وســائل" (جهنميــة)‬ ‫عــدة‪ ،‬هدفهــا ‪ :‬إخضــاع الصــن‪ ،‬و متزيقهــا وإضعافهــا‪ ،‬لتســهيل‬ ‫ســيطرة القــوى الغربيــة عليهــا ‪ ،‬وضمــان اســتغالل مواردهــا املختلفة‪،‬‬ ‫يف املــدى الطويــل‪ .‬و مــن "الوســائل" التــي اتبعتهــا بريطانيــا‪ ،‬الدولــة‬ ‫املخضرمــة يف املمارســة االســتعمارية‪ ،‬وغيرهــا‪ ،‬لتحقيــق هــذا‬ ‫الهــدف‪ ،‬مــا يلــي ‪:‬‬ ‫‪ -1‬محاولــة تفكيــك الصــن‪ ،‬وحتويلهــا إلــى دول صغيــرة ودويــات‬ ‫مســتضعفة‪ ،‬علــى رأس أغلبهــا أنظمــة عميلــة‪ ،‬تخــدم مصالــح‬ ‫املســتعمرين‪ ،‬قبــل الصالــح العــام لشــعوبها‪.‬‬ ‫‪ -2‬خلــق (وجتنيــد) طبقــة "طابــور خامــس" واســعة مــن الصينيــن‪،‬‬ ‫تنــدس يف كل فئــات املجتمــع الصينــي ‪ ...‬هادفــة خدمــة املســتعمر‪،‬‬ ‫واإلســهام – بشــكل غيــر مباشــر – يف إضعــاف وإذالل وتخلــف أمتهــا‬ ‫الصينيــة العريقــة‪ ...‬عبــر وســائل "فكريــة" و"عقائديــة"‪ ،‬واقتصاديــة‬ ‫ســلبية مختلفــة ‪...‬‬ ‫‪ -3‬ترويــج "األفيــون" (املخـــــــدرات) ومحاولــة نشــره‪ ،‬بــن أكبــر عــدد‬ ‫ممكــن مــن أبنــاء األمــة الصينيــة‪ .‬ولعــل القــارئ يذكــر " حــروب‬ ‫األفيــون" الشــهيرة ‪ ...‬التــي شــنت ضــد الصينيــن‪.‬‬

‫ولــم يتمكــن االســتعمار الغربــي مــن خلــق "إســرائيل" يف قلــب الصــن‬ ‫‪ ...‬لتكــون خنجــراً‪ ،‬يعيــق األمــة الصينيــة عــن النهــوض‪ ،‬ويعجزهــا‬ ‫عــن الوقــوف علــى قدميهــا – رغــم أنــه حــاول عمــل شــيء مــن هــذا‬ ‫القبيــل‪ .‬فلــم تســتطع بريطانيــا وأمريــكا جلــب أنــاس ‪ ...‬يدعــون أن‬ ‫إحــدى املقاطعــات الصينيــة هــي ملــك لهــم ‪...‬؟! ألن أناســاً منهــم‬ ‫عاشــوا فيهــا‪ ،‬قبــل حوالــي ألفــي عــام؟! وأن مــن حقهــم أن يطــردوا‬ ‫أهلهــا – أهــل تلــك املقاطعــة املنكوبــة –ويقتلونهــم ويشــردونهم‪ ،‬لتحــل‬ ‫مكانهــم عصابــات مــن "البشــر"‪ ،‬تأتــي مــن شــتى بقــاع األرض؟!‬ ‫نعــم‪ ،‬ســاهم املســتعمرون يف إقامــة "تايــوان" ‪ ...‬الســتخدامها كقاعــدة‬ ‫متقدمــة ضــد الصــن األم ‪ ...‬وكمنطلــق لوجســتي مــوات‪ ،‬لتنفيــذ‬ ‫مخططاتهــم‪ ،‬التــي فشــلوا يف تنفيذهــا يف املاضــي‪ .‬ولكــن الصــن‬ ‫متكنــت مــن عــزل تايــوان‪ ،‬ورمبــا تســتعيدها قريب ـاً‪ ،‬كمــا اســتعادت‬ ‫هــوجن كــوجن ومــا كاو ‪ ...‬والغريــب أن الصــن نهضــت بأيديولوجيــة‬ ‫خياليــة‪ ،‬وغيــر واقعيــة‪ ،‬أال وهــي الشــيوعية‪ ،‬رغــم أنهــا "حــورت" هــذه‬ ‫األيديولوجيــة مبــا يتناســب والواقــع الصينــي‪ .‬الشــيوعية املاركســية‪،‬‬ ‫كفكــرة‪ ،‬لــم ولــن تــرى النــور‪ ،‬لكونهــا فكــرة خياليــة‪ ،‬مغرقــة يف‬ ‫اليوتوبيــة‪ .‬ولــوال حتويــر هــذه الفكــرة‪ ،‬لتصبــح اشــتراكية‪ ،‬ممتزجــة‬

‫‪20‬‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫قضية العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الصي ــن تتج ــه للتوس ــع االقتص ــادي ولي ــس له ــا تاري ــخ اس ــتعماري‬ ‫أو تدخ ــل عس ــكري خارج ــي‬ ‫االبتدائــي والثانــوي‪ ،‬كلغــة ثانيــة أجنبيــة اختياريــة‪.‬‬ ‫ومــن املتوقــع أن يغطــي نحــو ‪ 12‬مليــون طالــب ابتدائــي وثانــوي‪،‬‬ ‫بهــدف توطــد ســبل التواصــل بــن الشــعبني‪ ،‬واالســتفادة مــن التجربــة‬ ‫الصينيــة الفريــدة يف التنميــة االقتصاديــة واملجــاالت األخــرى‪.‬‬ ‫وتســاعد بكــن القاهــرة يف العديــد مــن املجــاالت التــي تتضمن إنشــاء‬ ‫محطــات طاقــة شمســية يف املــدارس‪ ،‬وتأســيس ورش تعليــم فنــي‬ ‫وتركيــب شاشــات إلكترونيــة يف املــدارس الثانويــة وإقامــة فصــول‬ ‫ذكيــة‪ .‬ووف ًقــا للســفارة الصينيــة بالقاهــرة‪ ،‬فــإن هنــاك ‪ 16‬جامعــة‬ ‫يف مصــر أسســت أقســام لغــة صينيــة أو تدرجهــا ضمــن مناهجهــا‪،‬‬ ‫كمــا أنشــأت احلكومــة الصينيــة مدرســتني يف مصــر وف ًقــا لبرنامــج‬ ‫مســاعدات تعليميــة‪.‬ويف عــام ‪2019‬م‪ ،‬وقدمــت بكــن أكثــر مــن ‪300‬‬ ‫منحــة ماجســتير ودكتــوراه للمصريــن وف ًقــا للســفارة الصينيــة لــدى‬ ‫القاهــرة‪.‬‬ ‫أمــا اململكــة العربيــة الســعودية فقــررت إدراج تعليــم اللغــة الصينيــة‬ ‫ضــم مناهجهــا الدراســية بجميــع املراحــل التعليميــة؛ ســع ًيا لتعزيــر‬ ‫عالقــات الصداقــة والتعــاون بــن البلديــن‪ ،‬وتعميــق الشــراكة‬ ‫االســتراتيجية علــى كل املســتويات‪.‬‬ ‫ومــن شــأن اتفــاق إدراج اللغــة الصينيــة أن يعــزز مــن التنــوع الثقــايف‬ ‫للطــاب يف اململكــة ويفتــح آفا ًقــا دراســية جديــدة أمامهــم‪ ،‬وهــي‬ ‫خطــوة نحــو املســتقبل الــذي تطمــح إليه الســعودية يف مجــاالت العلوم‬ ‫والصناعــات التكنولوجيــة املتطــورة‪ ،‬ومبــا يســهم يف بلوغ املســتهدفات‬ ‫الوطنيــة املســتقبلية يف مجــال التعليــم علــى صعيــد "رؤيــة ‪."2030‬‬ ‫ومــن املقــرر أن متــول الصــن جــز ًءا مــن برنامــج تعليــم لغتهــا يف‬ ‫اململكــة‪ ،‬مــا يخلــق ‪ 50‬ألــف وظيفــة ملعلمــن ســعوديني يدرســون اللغــة‬ ‫الصينية‪.‬كمــا أن تعلــم اللغــة ســيعطي أولويــة للســعودي لالســتفادة‬ ‫مــن االقتصــاد الصينــي الكبيــر ســواء يف التجــارة أو الســياحة‪ ،‬كــون‬ ‫اململكــة تســتهدف ‪ 20‬مليــون ســائح صينــي‪..‬وزارة التعليــم الســعودية‬ ‫بــدأت تدريــس اللغــة الصينيــة يف مدارســها عــام ‪2020‬م‪ ،‬كمــادة‬ ‫اختياريــة وكمرحلــة أولــى مــن اخلطــة التــي مــن املقــرر تعميمهــا علــى‬ ‫نطــاق أوســع يشــمل اجلميــع‪ ،‬إذ اكتفــت احلكومــة بتدريســها يف ‪8‬‬ ‫مــدارس للبنــن باملرحلــة الثانويــة للمقــررات‪ 4 ،‬منهــا يف الريــاض‪ ،‬و‪2‬‬ ‫يف جــدة‪ ،‬و‪ 2‬باملنطقــة الشــرقية‪ ،‬علــى أن تتوســع فيمــا بعــد‪.‬‬

‫وســاعد يف ذلــك تضمينهــا يف أنظمــة التعليــم واالمتحانــات بالعديــد‬ ‫مــن الدول‪.‬ففــي الواليــات املتحــدة وكنــدا واليابــان وكوريــا اجلنوبيــة‬ ‫وتايالنــد وأســتراليا أصبحــت الصينيــة واحــدة مــن اللغــات األجنبيــة‬ ‫المتحانــات القبــول باجلامعــة‪ً .‬‬ ‫أيضــا هنــاك أكثــر مــن ‪ 150‬جامعــة‬ ‫و‪ 700‬مدرســة ابتدائيــة وثانويــة يف فرنســا تقــدم دورات يف تعليــم‬ ‫اللغــة الصينيــة‪ ،‬كمــا أنشــأت وزارة التعليــم الفرنســية مهنــة خاصــة‬ ‫لإلشــراف علــى جــودة تعليمها‪.‬وبشــكل عــام‪ ،‬أدمجــت أكثــر مــن ‪70‬‬ ‫دولــة حال ًيــا تدريــس اللغــة الصينيــة ضمــن نظــام تعليمهــا الوطنــي‪،‬‬ ‫بإجمالــي أكثــر مــن ‪ 4‬آالف جامعــة و‪ 30‬ألــف مدرســة ابتدائيــة‬ ‫وثانويــة و‪ 45‬ألــف مدرســة ومعهــد تدريــب يف العالــم‪ ،‬كمــا بلــغ‬ ‫عــدد الذيــن يدرســون ويســتخدمون هــذه اللغــة خــارج الصــن نحــو‬ ‫‪ 200‬مليــون‪ .‬والفضــل يف تعلــم هــذا العــدد الضخــم اللغــة الصينيــة‬ ‫يرجــع بشــكل كبيــر إلــى جهــود حكومــة بكــن‪ ،‬خاصــة مركــز التعــاون‬ ‫والتبــادالت بــن الصينيــة واللغــات األجنبيــة الــذي وضــع ‪ 4‬برامــج‬ ‫لتعليــم هــذه اللغــة‪ ،‬وهــي اخلدمــة الســحابية لـ"احتــاد اللغــة الصينيــة‬ ‫وتطبيــق اجلــوال" ونــادي "جســر اللغــة الصينيــة" ومشــروع "تعليــم‬ ‫ً‬ ‫وأيضــا مشــروع "مركــز اختبــار مســتوى‬ ‫اللغــة الصينيــة عــن بعــد"‬ ‫تعليــم اللغــة الصينيــة"‪ ،‬إذ توفــر هــذه البرامــج مســاعدة تعليميــة عبــر‬ ‫اإلنترنــت للمــدارس واملؤسســات واملعلمــن والطــاب املشــاركني يف‬ ‫التعليــم الصينــي‪.‬‬

‫الخالصة‬

‫يتفــادى البعــض توصيــف العالقــات الصينيــة مــع الغــرب علــى أنهــا‬ ‫(حــرب بــارده) و يفضــل اخلبــراء اســتخدام مفهــوم جديــد وهــو (‬ ‫الســام البــارد ) فالصــن تتوجــه إلــى التوســع االقتصــادي و ليــس‬ ‫لهــا تاريــخ اســتعماري أو تدخــل عســكري وقواعــد خــارج بالدهــا‪،‬‬ ‫لذلــك فــإن دول اخلليــج تســتطيع أن تســتفيد اقتصاد ًيــا يف حــدود‬ ‫مصاحلهــا و لكــن ال تســتطيع ان تســتبدل العالقــات االســتراتيجية‬ ‫مــع الغــرب خاصــة الواليــات املتحــدة‪ ،‬وقــد يأتــي اليــوم أن اســتمر‬ ‫الســام البــارد باجتــاه الســخونة أن تخيــر املنطقــة بــن حتالفــن‬ ‫وذلــك يــوم يتوجــب االســتعداد لــه‪.‬‬

‫اهتمام عالمي‬

‫"الصينيــة" واحــدة مــن اللغــات الشــائقة التــي يقبــل علــى تعلمهــا‬ ‫شــباب الــدول املختلفــة وتضاعــف رواجهــا خــال الســنوات املاضيــة‪،‬‬

‫* أستاذ علم االجتامع السيايس ــ جامعة الكويت‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪19‬‬

‫"الصيني ــة" لغ ــة ش ــائقة ويقب ــل ش ــباب ال ــدول ع ــى تعلمه ــا‬ ‫وتضاع ــف رواجه ــا يف العال ــم‬ ‫الشــباب لتعلمهــا والتعــرف علــى واحــدة مــن أقــدم حضــارات العالــم‪،‬‬ ‫دعــم ذلــك التوجهــات احلكوميــة التــي أضافــت تدريــس اللغــة‬ ‫الصينيــة ضمــن مقرراتهــا التعليميــة خاصــة يف اجلامعــات‪.‬‬ ‫وخالل ‪2019‬م‪ ،‬أنشأت الصني ‪ 12‬معهدًا من معاهد (كونفوشيوس)‬ ‫و‪ 4‬فصــول دراســية لتعليــم اللغــة الصينيــة يف ‪ 9‬دول عربيــة‪ ،‬وقدمــت‬ ‫دورات تدريــب أكادمييــة لـــ‪ 70‬ألــف طالــب‪ ،‬فيمــا شــارك ‪13336‬‬ ‫طال ًبــا يف اختبــار إجــادة اللغــة الصينيــة املعروفــة باســم "‪."HSK‬‬ ‫يف اإلمــارات‪ ،‬اهتمــت احلكومــة منــذ عــام ‪ 2018‬م‪ ،‬بتعليــم اللغــة‬ ‫الصينيــة ألبنائهــا وأدرجتهــا ضمــن نظــام التعليــم الوطنــي‪ ،‬لــذا‬ ‫أطلقــت برامــج تختــص بذلــك يف ‪ 100‬مدرســة حكوميــة ابتــداء‬ ‫مــن مرحلــة ريــاض األطفــال‪ ،‬بهــدف تعزيــز العالقــات بــن البلديــن‬ ‫وتعريفهــم بواحــدة مــن أقــدم لغــات العالــم وأعــرق ثقافاتــه‪.‬‬ ‫وصرحــت وزارة التربيــة والتعليــم اإلماراتيــة بأنهــا تخطــط لتوظيــف‬ ‫مدرســا صين ًيــا‪ ،‬كمــا تــود نشــر برنامــج تعليــم اللغــة الصينيــة يف‬ ‫‪150‬‬ ‫ً‬ ‫‪ 200‬مدرســة حكوميــة‪ً .‬‬ ‫أيضــا أطلقــت األكادمييــة الصيفيــة لشــباب‬

‫اإلمــارات دورات عــدة لتعليــم اللغــة الصينيــة بينهــا دورة ‪2019‬م‪،‬‬ ‫التــي ركــزت علــى تعليــم أساســيات هــذه اللغــة وشــهدت إقبــاالً كبيـ ًرا‬ ‫عليهــا خاصــة مــن الطلبــة اجلامعيــن‪.‬‬ ‫لكــن أول مدرســة لتعليــم اللغــة الصينيــة يف اإلمــارات دشــنت قبــل‬ ‫ذلــك بكثيــر‪ ،‬وبالتحديــد يف عــام ‪2006‬م‪ ،‬وحملــت اســم "حمــدان بــن‬ ‫زايــد" وأقيمــت بتوجيــه مــن احلكومــة إلعــداد طــاب قادريــن علــى‬ ‫التحــدث بهــذه اللغــة‪ ،‬ولقيــت الفكــرة إقبــاالَ كبيـ ًرا مــن أوليــاء األمــور‬ ‫وتخطــى العــدد بحــول ‪ 2019‬نحــو ‪ 700‬طالــب‪.‬‬ ‫وبشــكل عــام‪ ،‬يقبــل الشــباب اإلماراتــي علــى تعلــم اللغــة الصينيــة ملــا‬ ‫متثلــه مــن ثقــل ثقــايف عاملــي‪ ،‬وباعتبارهــا "لغــة املســتقبل" التــي تعبــر‬ ‫عــن قــوة سياســية واقتصاديــة عظمــى‪ ،‬وهــي ســوق اقتصاديــة واعــدة‬ ‫قــد تصبــح األكبــر عامل ًيــا خــال ســنوات‪.‬‬

‫تبادل معريف‬

‫أمــا يف مصــر‪ ،‬فقــد وقعــت حكومتــا البلديــن خــال ‪2020‬م‪ ،‬مذكــرة‬ ‫لدمــج تدريــس اللغــة الصينيــة يف نظــام التعليــم مــا قبــل اجلامعــة‪،‬‬

‫‪18‬‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫قضية العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الس ــعودية ق ــررت إدراج تعلي ــم اللغ ــة الصيني ــة يف مناهجه ــا‬ ‫الدراس ــية بجمي ــع المراح ــل‬ ‫قــام باســتهالكه لســنني طويلــة و هــي قادمــة إلــى اســتهالك الوقــود‬ ‫األحفــوري مجــد ًدا‪ ،‬وهــذه الذريعــة ال تلقــى قبــوال لــدى الغــرب بشــكل‬ ‫ً‬ ‫وأيضــا لــدى العالــم بشــكل عــام ‪ ،‬و يراهــا البعــض طري ًقــا‬ ‫خــاص‬ ‫لتهــرب الصــن مــن مســؤولياتها العامليــة و العالــم ترتعــد فرائصــه‬ ‫مــن احتمــال وشــيك علــى تغيــر مناخــي هائــل كمــا قالــت وثيقــة األمم‬ ‫املتحــدة األخيــرة امللــف األخيــر هــو مــا يعــرف بحقــوق اإلنســان‪،‬‬ ‫و هــو ملــف تًصعــد فيــه الواليــات املتحــدة بــن فتــرة وأخــرى علــى‬ ‫خلفيــة حقــوق األقليــة املســلمة ( االيجــور ) يف الصــن و ً‬ ‫أيضــا‬ ‫علــى أحــداث هــوجن كــوجن ‪ ،‬املشــار إليهــا ‪ ،‬و التــي يــرى الغــرب أن‬ ‫الصــن انتهكــت االتفــاق البريطانــي ‪ /‬الصينــي الــذي مت يف األول‬ ‫مــن يوليــو ‪1997‬م‪ ،‬وكان مبوجــب شــروط وســمي وقــت ذاك ( نقــل‬ ‫ســيادة هــوجن كــوجن ) أو ( التســليم)‪ ،‬وقــد بــدأت الصــن يف الســنوات‬ ‫األخيــرة تقلــل مــن ســيادة هــوجن كــوجن و تخفــض ســقف احلريــات‬ ‫فيهــا كمــا تتهمهــا دول الغــرب‪ ،‬أمــا املوضــوع الشــائك بــن الغــرب‬ ‫و بــن الصــن فهــو جزيــرة تايــوان أو الصــن الوطنيــة والتــي تطالــب‬ ‫الصــن بضمهــا إلــى األرض الصينيــة األم األمــر الــذي يثيــر صــراع‬ ‫خفــي يف بحــر الصــن‪ ،‬وليســت اســتراليا بعيــدة عــن الصــراع مــع‬ ‫الصــن فقــد حــدث بينهــم شــبه قطيعــة بســبب اإلغــراق التجــاري‬ ‫الصينــي‪ ،‬ممــا جعــل اســتراليا ترفــع الضرائــب‪ ،‬وقــد رد عليهــا أحــد‬ ‫املســؤولني الصينيــن‬ ‫( نحــن ال نريــد أعــدا ًء أمــا إذا عزمــت اســتراليا بهــا )!! ‪ ،‬و رغــم‬ ‫أن الصــن أصبحــت الشــريك التجــاري األول مــع االحتــاد األوروبــي‬ ‫متخطيــة حليــف االحتــاد الواليــات املتحــدة ‪ ،‬إال أنهــا مــن جانــب‬ ‫آخــر تنافــس مــع الغــرب ويظهــر أكثــر يف التنافــس علــى األســواق يف‬ ‫دول العالــم الثالــث و يف إفريقيــا فالصــن تقــدم املنــح وتبنــي مجا ًنــا‬ ‫مبانــي لبعــض املؤسســات‪ ،‬كمــا حــدث يف إثيوبيــا عندمــا تبرعــت‬ ‫الصــن ببنــاء مبنــي حديــث ملقــر الوحــدة اإلفريقيــة‪ ،‬ومــن ثــم دخلــت‬ ‫مــع إثيوبيــا يف مشــروعات كبــرى منهــا ســد النهضــة و الــذي يســبب‬ ‫إشــكاالً عمي ًقــا بــن دول النهــر ( إثيوبيــا و الســودان و مصــر ) وتقــف‬ ‫الصــن موقــف املدافــع يف احملافــل الدوليــة أو علــى األقــل احلامــي‬ ‫ضــد أي إدانــة إلثيوبيــا مهمــا صغــرت يف هــذا املجــال‪ ،‬إال أن امللــف‬ ‫نفســة ( املســاعدات للعالــم الثالــث) ال يخلــو مــن منقصــات‪ ،‬فقــد‬ ‫أبــدت بعــض الــدول املدينــة للصــن عجزهــا عــن ســداد املســاعدات‬ ‫الســخية‪ ،‬يف املقابــل اســتولت الصــن علــى مشــروعات لــدى هــذه‬ ‫الــدول مثــل املوانــئ أو ســكك املواصــات الســتثمارها لصالح تســديد‬

‫الديــون‪ ،‬كمــا ثــارت بعــض املجتمعــات اإلفريقيــة بســبب التنافــس كمــا‬ ‫حصــل يف النيجــر ‪ ،‬عندمــا و جــد مصنعــو القمصــان احملليــن قــد‬ ‫خســروا الســوق احمللــي بســبب التنافــس الصينــي ليــس يف الصناعــة‬ ‫فقــط ولكــن ً‬ ‫أيضــا يف نقــاط البيــع‪ ،‬لذلــك حــدث شــغب شــعبي‪ ،‬كمــا‬ ‫حــدث ذلــك يف الســنيغال عندمــا اشــترت الصــن معظــم إنتــاج الفــول‬ ‫الســوداني فيهــا فتعطلــت مصانــع زيــت الفــول الســوداني يف البــاد‪،‬‬ ‫نوعــا مــن االســتياء يف أوســاط تلــك الشــعوب‪ ،‬و ال توجــد‬ ‫ممــا يخلــق ً‬ ‫مدينــة كبيــرة أو صغيــرة تقري ًبــا يف العالــم اليــوم ال يوجــد فيهــا (‬ ‫(املــول الصينــي) ويف بعضهــا أكثــر مــن واحــد‪ ،‬يبيــع منتجــات صينيــة‬ ‫جيــدة الصنــع نســب ًيا ورخيصــة ً‬ ‫أيضــا ‪.‬‬

‫العالقات البينية و الثقافة ‪:‬‬

‫كل دول مجلــس التعــاون لهــا عالقــة دبلوماســية مــع الصــن و ً‬ ‫أيضــا‬ ‫عالقــات متطــورة سياســ ًيا و لعــل الثقــل يف العالقــات العربيــة \‬ ‫الصينيــة هــو الثقــل اخلليجــي‪ ،‬ال ألن الســوق اخلليجــي لديــه قــدرة‬ ‫شــرائية كبيــرة‪ ،‬ولكــن ً‬ ‫أيضــا الن الصــن تســتورد النفــط و الغــاز‬ ‫مــن اخلليــج‪ ،‬وهــو األقــرب لهــا جغراف ًيــا‪ ،‬كمــا ترتبــط مبصالــح‬ ‫نفطيــة حيــث أنشــأت اململكــة العربيــة الســعودية مجمــع ضخــم‬ ‫للبتروكيماويــات يف الصــن وكانــت الكويــت قــد دخلــت يف مفاوضــات‬ ‫منــذ ســنوات ملثــل هــذا املشــروع و لكــن املفاوضــات فشــلت‪ .‬و يف‬ ‫مــا بعــد حتريــر الكويــت ‪1991‬م‪ ،‬قــررت احلكومــة الكويتيــة أن‬ ‫تقــوم بربــط نفســها باتفاقيــات سياســية مــع الــدول اخلمــس صاحبــة‬ ‫العضويــة الدائمــة يف مجلــس األمــن و لكــن كانــت الصــن هــي الدولــة‬ ‫األصعــب يف التفــاوض و لــم تخــرج إال بشــي قليــل مــن التفاهمــات‪،‬‬ ‫ألن السياســة اخلارجيــة الصينيــة تتخــذ سياســات ضــد التحالفــات‬ ‫التــي ترتبــط بثقــل شــبه عســكري‪ .‬مــن هنــا فــإن القــول أن تكــون‬ ‫الصــن جــز ًءا مــن تفاهمــات سياســية\ امنيــة ســابق ج ـدًا ألوانــه ‪.‬‬ ‫و لقــد لفــت االنتبــاه مؤخــ ًرا أن اللغــة الصينيــة تنتشــر يف العالــم‬ ‫ويقبــل عليهــا ‪ ،‬وذلــك رمبــا مفاجئــة الطــاب األمريــكان ‪،‬و الذيــن‬ ‫تقــوم الشــركات ذات املصالــح يف كال البلديــن بتشــجيعه ‪ ،‬أمــا يف‬ ‫اإلطــار الغربــي‬

‫اللغة الصينية عرب ًيا و خليج ًيا‬

‫بالتزامــن مــع تأصــل العالقــات الوديــة بــن الصــن والــدول العربيــة‬ ‫أصبحــت "الصينيــة" مــن اللغــات التــي حتظــى بإقبــال كبيــر مــن‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫نفــاذ صبــر النظــام الصينــي‪ ،‬الصــراع لآلخريــن يف العالــم ليــس‬ ‫لــه معنــى‪ ،‬والبشــرية جتاهــد مــن أجــل تقليــل آثــار هــذه اجلائحــة‬ ‫وترجــئ احلســاب السياســي إلــى املســتقبل‪ ،‬رمبــا مــن وجهــة نظــر‬ ‫اإلدارة األمريكيــة القائمــة يُقــدم الصــراع بعــض املســاعدة لتوجيــه‬ ‫اللــوم إلــى آخريــن‪ ،‬وصــرف النظــر عــن أخطــاء اإلدارة ‪،‬ولكنــه ال‬ ‫يقــدم وال يؤخــر يف سياســات املواجهــة‪ .‬بالعــودة إلــى الصــن‬ ‫فإنهــا كانــت تزحــف بســرعة لاللتحــاق بالــدول الصناعيــة ‪ ،‬وقــد‬ ‫جنحــت يف األربعــة عقــود املاضيــة ومنــذ وفــاة مــا وتســي تــوجن‬ ‫و وصــول اإلصالحيــن بعــد ســنوات إلــى قيــادة احلــزب الصينــي‪،‬‬ ‫جنحــت يف اللحــاق يف عــدد مــن البرامــج االقتصاديــة والتــي شــدت‬ ‫نظــر العالــم‪ ،‬حتــى خرجــت مــن الغــرب تنظيــرات‬ ‫مفادهــا أن الصــن يف طريقهــا إلــى ( رأســمالية‬ ‫غربيــة و انفتــاح دميقراطــي)! كان ذلــك يف الغالــب‬ ‫مــن بــاب التمنــي‪ .‬وعلــى الرغــم مــن أن اإلصالحــات‬ ‫االقتصاديــة الصينيــة كانــت ناجحــة بانتشــال ماليــن‬ ‫مــن الصينــن مــن الفقــر ‪ ،‬وتقــدمي حــد أدنــى مــن‬ ‫شــروط احليــاة اإلنســانية‪ ،‬إال أن معــدل نصيــب‬ ‫الفــرد الصينــي مــازال دون مســتوى املعــدل العاملــي‬ ‫ويقــل بالثلثــن علــى األقــل مــن متوســط دخــل الفــرد‬ ‫األمريكــي‪.‬‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪17‬‬

‫الــردة إلــى التقوقــع خلــف ايديولوجيــا تتعامــل مــع الهويــة الصينيــة‬ ‫ضــد اآلخــر ‪ ،‬مناطــق الوجــع احملتملــة للصــن هــي ثــاث‪ ،‬هــي‬ ‫الضغــط االقتصــادي مبــا فيــه رفــع تكلفــة الصــادرات الصينيــة إلــى‬ ‫مناطــق عديــدة مــن العالــم‪ ،‬أمــا البابــن اآلخريــن فهمــا علــى التوالــي‬ ‫تايــوان ‪ ،‬العضــو املؤســس يف األمم املتحــدة حتــى عــام ‪1971‬م‪ ،‬و‬ ‫هونكــوجن التــي خرجــت منهــا بريطانيــا باتفــاق مــع الصــن يحــدد‬ ‫هويتهــا ‪ .‬تايــوان هــي اجليــب املزعــج للصــن‪ ،‬وهــي دولــة معتــرف‬ ‫بهــا حتــاول مــن جديــد كســب مقاعــد يف املؤسســات الدوليــة‪ ،‬أمــا‬ ‫هــوجن كــوجن فهنــاك حــراك سياســي واســع مــن أجــل تثبيــت‬ ‫اســتقاللها عــن الصــن واألخيــرة حتــاول إمســاك أهــم مقدراتهــا‬ ‫السياســية و االقتصاديــة فيهــا ‪ .‬علــى الرغــم مــن‬ ‫التطــور التقنــي و العلمــي امللحــوظ يف الصــن‪ ،‬إال‬ ‫أنهــا خلــف الركــب مبراحــل‪ ،‬يف الغالــب دواء أو لقــاح‬ ‫جائحــة كورونــا ســوف يأتــي مــن الغــرب و ليــس مــن‬ ‫الصــن‪ ،‬ذلــك أمــر طبيعــي فهــي يف مرحلــة تقنيــة‬ ‫( قبــل ابتكاريــة) كمــا كانــت الواليــات املتحــدة بعــد‬ ‫ســنوات طويلــة مــن االســتقالل أو اليابــان بــن‬ ‫احلربــن العامليتــن‪ .‬املشــاهد أن القيــادة الصينيــة‬ ‫تعــرف مناطــق قصورهــا‪ ،‬فهــي لــم تقــدم نفســها‬ ‫للعالــم كحاميــة و ال تهتــم كثيــ ًرا بنــوع احلكــم يف‬ ‫الــدول التــي تتعامــل معهــا‪ ،‬مــن هــذا اجلانــب هــي‬ ‫مأمونــة املخاطــر يهمهــا ترويــج مــا تصنــع وهــو حتــى اآلن ليــس‬ ‫بالقليــل أو الهــن ‪ ،‬كمــا أن الصــن ليــس لهــا تاريــخ يف االســتعمار مثل‬ ‫بعــض الــدول الغربيــة أو حتــى الشــرقية‪ ،‬بــل كانــت محــط اســتعمار‬ ‫طويــل وقاســي ‪.‬‬ ‫العالقات الصينية مع العالم‪:‬‬

‫إذا اتجــه الســام البــارد‬ ‫للس ــخونة يتوج ــب ع ــى‬ ‫دول المنطقــة االســتعداد‬ ‫لالختي ــار بي ــن تحالفي ــن‬

‫ليــس يف نظريــات تاريــخ االقتصــاد مــا يشــبه نســق التحــول الصينــي‪،‬‬ ‫فمــن جهــة هيمنــة الدولــة علــى السياســات االقتصاديــة ‪ ،‬ومــن جهــة‬ ‫أخــرى إطــاق محــدود ألليــات الســوق املعروفــة يف االقتصــاد احلــر‬ ‫ومعالــم انفتــاح علــى األســواق العامليــة‪ .‬أحــد عوامــل جنــاح اخلطــط‬ ‫االقتصاديــة الصينيــة هــو القضــاء علــى الفســاد تقري ًبــا‪ ،‬ليــس هنــاك‬ ‫ســجون للفاســدين يف الصــن فقــط توجــد مقابــر ‪ ،‬القضــاء علــى‬ ‫الفســاد أحــد أهــم عوامــل جنــاح جتــارب أخــرى يف العالــم منهــا‬ ‫التجربــة الكوريــة اجلنوبيــة التــي أودعــت منــذ ســنوات قليلــة أحــد‬ ‫أهــم مهندســي نهضتهــا احلديثــة لــي مــوجن بــاك وصاحــب كتــاب‬ ‫الطريق الوعر الســبعيني ألربعني عا ًما يف الســجن بتهمة الفســاد !‬ ‫لــن يقــود النجــاح االقتصــادي الصينــي حك ًمــا إلــى انفتــاح دميقراطــي‬ ‫يف وقــت مــا مــن احلــادي والعشــرون ‪ ،‬ألن هــذا العــدد مــن البشــر‬ ‫( ‪ 1.4‬بليــون صينــي) مــن الصعــب توفيــر أكل ومســكن و عمــل يف‬ ‫ظــل نظــام مفتــوح و تنافســي ‪ ،‬ال يــزال احلــزب الشــيوعي الصينــي‬ ‫ميســك بزمــام التســيير والتوجيــه ملجمــل القطاعــات احليويــة يف‬ ‫نظــام ســاعدت التقنيــة احلديثــة علــى انضباطــه‪ ،‬وال يــزال الوضــع‬ ‫السياســي غيــر قابــل للتطويــر و كذلــك الوضــع االجتماعــي مــع‬ ‫قليــل مــن الرتــوش اخلارجــي‪ .‬بالضغــط علــى الصــن مــن عــدد‬ ‫مــن املناطــق التــي توجــع قــد ترجــع الصــن إلــى احلقبــة املاويــة و‬

‫تشــتبك الصــن يف عالقــات واســعة معظمهــا جتــاري مــع عــدد واســع‬ ‫مــن الــدول‪ ،‬و تصنــع عــد ًدا ضخ ًمــا مــن الصناعات االســتهالكية شــبه‬ ‫الرخيصــة نســب ًيا‪ ،‬لذلــك فإنهــا تتنافــس بقــوة مــع الــدول الصناعيــة‬ ‫الكبــرى و خاصــة الواليــات املتحــدة‪ ،‬والتــي دخلــت معهــا منــذ فتــرة‬ ‫يف الســنوات األخيــرة يف صــراع تنافســي حــاد و صــل إلــى مراحــل‬ ‫فــرض قيــود علــى البضائــع (ضرائــب ترامــب) و قيــود مضــادة‪ ،‬امللف‬ ‫بــن الواليــات املتحــدة و الصــن أكبــر مــن التنافــس التجــاري‪ ،‬وهــو‬ ‫ً‬ ‫أيضــا يشــمل ملــف ( االحتبــاس احلــراري) و الــذي يــؤرق العــام‪ ،‬ولــو‬ ‫أن هنــاك جهــو ًدا لفصــل امللفــات عــن بعضهــا إال أنهــا يف ( السياســة)‬ ‫تتشــابك‪ ،‬فاالقتصــاد الصينــي اآلن و يف املســتقبل يحتــاج إلــى‬ ‫الوقــود األحفــوري و خاصــة الفحــم املتوفــر يف األراضــي الصينيــة‬ ‫مــن أجــل اســتمرار الصناعــة الصينيــة الكثيفــة والرخيصــة‪ ،‬ولذلــك‬ ‫فإنهــا تقــول عل ًنــا إن حقهــا يف اســتهالكه كمثــل حــق الغــرب و الــذي‬

‫‪16‬‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫قضية العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫العالقات الخليجية الصينية و آفاقها‬

‫دول الخليج تستفيد اقتصاد ًي ا مع الصين لكن‬ ‫ال تستبدل العالقات االستراتيجية مع الغرب‬ ‫ترويجــا لــه قــال (‬ ‫التليفــون املســتعمل لــدى اجلميــع و الرائــج هــو تليفــون ( أي فــون) املشــهور ‪ ،‬وضــع منــذ فتــرة إعال ًنــا‬ ‫ً‬ ‫صمــم يف الواليــات املتحــدة وصنــع يف الصــن) عبــارة قصيــرة مختصــرة تشــير إلــى مــا نحــن فيــه مــن عالــم مترابــط و لكــن‬ ‫يف نفــس الوقــت متصــارع‪ .‬و كعــادة املعلقــن العــرب ســرعان مــا ينظــرون إلــى التطــورات ويتعجلــوا اخلالصــات ومــن العــرب‬ ‫اليــوم مــن يدعــو ( للنظــر إلــى الشــرق)‪ ،‬بعضهــم متفائــل إلــى درجــة قصــوى‪ ،‬حيــث كتــب جميــل مطــر ( محظوظــون علمــاء‬ ‫العالقــات الدوليــة الشــياب‪ ،‬لديهــم فرصــة تاريخيــة أن يكونــوا شــهو ًدا علــى آليــات صنــع نظــام دولــي جديــد) هــذه الرؤيــة‬ ‫تتعــدى الكاتــب إلــى أن تكــون توج ًهــا شــبه عــام بــن املتابعــن العــرب و السياســيني‪ ،‬وخاصــة مــن ينــاوؤن التدخــل الغربــي و‬ ‫خاصــة األمريكــي‪ ،‬فهنــاك مــن يــرى أن توســيع العالقــة مــع الصــن‪ ،‬ليــس يف املجــال التجــاري و لكــن السياســي هــي األكثــر‬ ‫فائــدة ‪ ،‬ألنــه يجلــب (احلســنني) فهــي بلــد تشــق طريقهــا بســرعة يف الصناعــات و بالتالــي تنتــج بضائــع رخيصــة بجــودة‬ ‫معقولــة تتحســن‪ ،‬ويف الوقــت نفســه ال تتدخــل يف الشــؤون الداخليــة للــدول‪ ،‬فليــس لهــا أجنــدات حقــوق اإلنســان أو غيــره مــن‬ ‫التــي يصــر عليهــا الغــرب أو علــى فرضهــا ‪ .‬إال أن ذلــك ميكــن أن يكــون مقبــوالً مــن جهــة و مناقــش مــن جهــة أخــرى‪ ،‬وهنــا‬ ‫ســوف أحــاول أطــرح املوقــف مــن منظــور املصالــح االســتراتيجية ‪.‬‬ ‫كيف يفكر ورثة ماو تسي توجن‪:‬‬

‫د‪ .‬محمد غامن الرميحي‬

‫ورثة ماو تسي توجن‪:‬‬ ‫واحــد مــن كل خمســة مــن البشــر يف هــذا العالــم مواطــن صينــي‪،‬‬ ‫ومائــة مــن مجمــوع الشــركات اخلمســمائة الكبــرى يف العالــم‬ ‫صينيــة‪ ،‬قــد يكــون الســطر الســابق هــو ملخــص ملوقــع الصــن اليــوم‬ ‫مــن العالــم‪ ،‬فعــدد ضخــم مــن البشــر وســباق اقتصــادي محمــوم‬ ‫‪ .‬أطلقــت جائحــة كرونــا اجلــدل بــن أقــوى نظامــن اقتصاديــن يف‬ ‫العالــم ‪،‬و إذا اســتمر صــراع الفيلــن الكبيريــن ســوف يــداس علــى‬ ‫كثيــر مــن (الــزرع) يف أرض الصــراع ‪ ،‬و هــي الــدول املتوســطة‬ ‫والصغيــرة‪ ،‬إذن مــا يحــدث بــن العمالقــن يعنيننا بشــكل مباشــر ‪ .‬ال‬ ‫أحد يســتطيع على وجه الدقة أن يســير وراء اتهام الواليات املتحدة‬ ‫للصــن إنهــا (صنعــت) وبــاء كورونــا‪ ،‬كل اإلشــارات العلميــة املتوفــرة‬ ‫تشــير إلــى أنــه انطلــق بســبب تواصــل غيــر حميــد بــن البشــر و بــن‬ ‫احليــوان‪ ،‬إال أن مــا ميكــن أن يقــال مــع شــيء مــن الشــك‪ ،‬إن الصــن‬ ‫إمــا إنهــا لــم تتعــرف علــى الوبــاء و تأثيــره املميــت بشــكل مبكــر ‪ ،‬أو‬

‫إنهــا علمــت ورمبــا قــررت أن تخفــي بعــض احلقــاق لعلهــا تســتطيع‬ ‫الســيطرة عليــه‪ ،‬واالحتمــال األخيــر ممكــن إن حســبنا عاملــن األول‬ ‫هــو أن الوبــاء انطلــق يف فتــرة ذروة األعيــاد الوطنيــة الصينيــة بالعــام‬ ‫اجلديــد و ماليــن ينتقلــوا مــن مــكان إلــى آخــر ‪،‬و ماليــن أخــرى‬ ‫تتجمــع لالحتفــال‪ ،‬والثانــي هــو طبيعــة النظــام الشــمولي يف أي‬ ‫مجتمــع وهــو امليــل إلــى التكتــم أكثــر مــن امليــل إلى اإلفصــاح‪ ،‬والصني‬ ‫ً‬ ‫أيضــا نفــس النتيجــة‬ ‫ليســت اســتثنا ًء ‪ ،‬هــذان العامــان كان لهمــا‬ ‫يف إيــران‪ ،‬فقــد كان هنــاك موســم انتخابــات عامــة لهــا مركزيــة يف‬ ‫أيديولوجيــة النظــام الــذي يرغــب أن يحشــد لهــا أكبــر عــدد مــن‬ ‫األصــوات يف ظــل شــبهة مقاطعــة شــعبية‪ ،‬و ثان ًيــا مــن جديــد طبيعــة‬ ‫النظــام الشــمولي يف التكتــم ‪ ،‬لذلــك تفجــر الوبــاء و ســقط كثيــر‬ ‫مــن املرشــحني و املواطنــن اإليرانيــن ضحيــة‪ .‬الصــراع السياســي‬ ‫الصينــي األمريكــي أوصــل وزيــر اخلارجيــة الصينــي إلــى القــول أن‬ ‫الواليــات املتحــدة ترغــب يف ( حــرب بــاردة) وهــو تصريــح مت بعــد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪15‬‬

‫‪ 4‬ملي ــارات دوالر تكلف ــة س ــكة حدي ــد أدي ــس أباب ــا وجيبوت ــي أو‬ ‫م ــا يق ــرب م ــن رب ــع ميزاني ــة الحكوم ــة اإلثيوبي ــة‬ ‫ومكانتهــا ودورهــا املتنامــي يف االقتصــاد العاملــي‪ .‬يُضــاف إلــى كل‬ ‫ذلــك‪ ،‬موضــوع األنشــطة التجاريــة اإلفريقيــة املتناميــة‪ ،‬والروابــط‬ ‫التجاريــة‪ ،‬والوجــود االجتماعــي اإلفريقــي يف الصــن‪.‬‬ ‫ويتمثــل التحــدي املهــم اآلخــر يف جتــاوز التغطيــة الصينيــة‬ ‫اإلعالميــة إلفريقيــا‪ ،‬التــي تــدور حــول نخــب الدولــة بشــكل شــبه‬ ‫حصــري‪ ،‬وتفصيــل عــدد مــن املجــاالت‪ ،‬التــي يتــم تقدميهــا بشــكل‬ ‫شــائع كهيئــات موحــدة‪ .‬فمــن شــأن ربــط وتوســيع حتليــل النخــب يف‬ ‫ســياقات اجتماعيــة أوســع أن يســاهم يف فتــح العمليــات عبــر الوطنية‬ ‫الرئيســة لتطويــر التفاعــات بشــكل أعمــق‪ .‬وتعتبــر الديناميكيــات‬ ‫اجلزئيــة لعالقــات الصــن احلاليــة واملتطــورة مــع إفريقيــا أحــد‬ ‫املجــاالت‪ ،‬التــي قــد يكــون فيهــا العمــل اإلثنوغــرايف‪ ،‬الــذي يعتمــد‬ ‫علــى اللغــات املناســبة‪ ،‬مجزيــاً‪ .‬وميكــن أن تــؤدي التفاصيــل‬ ‫الغنيــة للروابــط الصينيــة بإفريقيــا‪ ،‬التــي ينتجهــا هــذا النهــج إلــى‬ ‫اســتنتاجات أكثــر عموميــة‪ ،‬فض ـ ً‬ ‫ا عــن التقــاط املوضوعــات األقــل‬ ‫وضوح ـاً ولكنهــا مهمــة‪ ،‬مثــل العــرق والثقافــة ومســائل الدبلوماســية‬ ‫الناعمــة‪ ،‬والتــي مت إضعافهــا إلــى حــد كبيــر حتــى اآلن‪ .‬وهــذا مــن‬ ‫شــأنه أن يفتــح نقاطـاً مثيــرة لالهتمــام للمقارنــة مــع قــوة االنخــراط‬ ‫التاريخــي‪ ،‬مبــا يف ذلــك نقــاط الدخــول املتناقضــة للجهــات الفاعلــة‬ ‫اخلارجيــة إلــى إفريقيــا وتلــك املناطــق‪ ،‬التــي مت تأييدهــا وحتديدهــا‬ ‫كمناطــق صينيــة مميــزة؛ مثــل "وجــود اجليــوب"‪ ،‬التــي تتجــاوز اإلطــار‬ ‫احملــدود للدولــة لتحليــل العالقــات االقتصاديــة‪ ،‬الــذي مــن شــأنه‬ ‫أن يتجــاوز الفكــرة املضطربــة لالقتصــاد "الصينــي" احملــدود بدقــة‬ ‫ليعكــس الواقــع املترابــط لنظــام التصنيــع والتجــارة العاملــي املوجــود‬ ‫يف الصــن‪ ،‬ويســاهم جزئيــاً يف روابطــه اإلفريقيــة‪.‬‬

‫الختام‪:‬‬

‫رمبــا تكــون هنــاك أســئلة مهمــة لــم تتــم معاجلتهــا يف هــذا‬ ‫املقــال‪ ،‬مــن َقبِيــل‪ :‬هــل هنــاك تراجــع هيكلــي‪ ،‬أو إعــادة موازنــة دوريــة‬ ‫لإلقــراض الصينــي إلفريقيــا؟ وقــد تتحقــق اإلجابــة ِبتَف َُّحــص أن‬ ‫التراجــع يف التمويــل الصينــي للــدول اإلفريقيــة يشــبه إعــادة التــوازن‪،‬‬ ‫أو هكــذا يبــدو ملــن يبحــث عــن تفســير ســهل‪ .‬فقــد يســتجيب صنــاع‬ ‫السياســة الصينيــون للضغــوط‪ ،‬مبــا يف ذلــك مــن داخــل الصــن‪،‬‬ ‫جلعــل اســتثمارات الصــن يف إفريقيــا أكثــر شــفافية واســتدامة‪.‬‬

‫إذ مت تقــدمي مثــل هــذا االلتــزام؛ علــى وجــه التحديــد‪ ،‬يف منتــدى‬ ‫احلــزام والطريــق يف عــام ‪2019‬م‪ ،‬عندمــا تعهــد الرئيــس الصينــي‬ ‫شــي جــن بينــغ بزيــادة الشــفافية واالســتدامة املاليــة ملشــاريع‬ ‫مبــادرة احلــزام والطريــق ‪ .‬وقــد يُترجــم هــذا إلــى إقــراض أقــل يف‬ ‫الواليــات القضائيــة عاليــة املخاطــر حيــث يكــون تعرضهــا للتخلــف‬ ‫عــن الســداد‪ ،‬واملخاطــر األخــرى‪ ،‬مرتفع ـاً بالفعــل؛ مثــل‪ ،‬أنغــوال‪ ،‬أو‬ ‫زامبيــا‪ ،‬لصالــح البلــدان املتوســطة الدخــل‪ ،‬التــي ميكــن التنبــؤ بهــا؛‬ ‫مثــل‪ ،‬غانــا‪ ،‬ونيجيريــا‪ ،‬وجنــوب إفريقيــا‪.‬‬ ‫وإلدراك ذلــك‪ ،‬علينــا أن نتذكــر تذبــذب االهتمــام بالعالقــات‬ ‫الصينيــة ‪ /‬اإلفريقيــة يف فتــرة مــا بعــد االســتعمار يف خضــم احلــرب‬ ‫البــاردة والتدخــل الصينــي العرضــي‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬يوجــد اليــوم ســبب‬ ‫أكبــر مــن ذي قبــل للقــول إن إعــادة انخــراط الصــن يف إفريقيــا‬ ‫سيســتمر ويتعمــق ويترتــب علــى ذلــك‪ .‬التعبيــر عــن وجهــات نظــر‬ ‫مماثلــة مــن قبــل املعلقــن مــن الســتينيات‪ ،‬وال ينبغــي التقليــل مــن‬ ‫التعقيــدات والطــوارئ يف العالقــات احلاليــة‪ ،‬ولكــن يبــدو أن الكثيــر‬ ‫مــن مشــاركة الصــن حاليـاً يعتمــد علــى أهــداف متوســطة‪ ،‬أو طويلــة‬ ‫األجــل‪ ،‬ويحــدث علــى أنــه اقتصــادي وأصبــح االعتمــاد املتبــادل علــى‬ ‫املــوارد يف االقتصــاد العاملــي حقيقــة واقعــة أكثــر مــن ذي قبــل‪ .‬بــدالً‬ ‫مــن ذلــك بشــكل مختلــف عــن فكــرة "التنــن"‪ ،‬الــذي يعمــل بشــكل‬ ‫واضــح علــى "أرض غيــر مألوفــة" ‪،‬‬ ‫إن املشــاركة الصينيــة يف جميــع أنحــاء إفريقيــا واملشــاركة‬ ‫اإلفريقيــة مــع الصــن مجــاالن عريضــان يجتذبــان اهتمامـاً متزايــداً‬ ‫علــى عــدد مــن املســتويات‪ .‬لقــد بــدأت هــذه املقالــة للتــو يف إشــراك‬ ‫مجــال ديناميكــي مــن املقــرر أن تــزداد أدبياتــه األكادمييــة أضعافــا‬ ‫مضاعفــة‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬فــإن املوضــوع والبنــاء التحليلــي لـــ "الصــن يف‬ ‫إفريقيــا" يجــب أن يتحــدى باإلضافــة إلــى ذلــك الطريقــة‪ ،‬التــي مت‬ ‫بهــا تطويــر النهــج الســائد لدراســة الصــن وإفريقيــا وعالقاتهمــا‬ ‫املتبادلــة املتزايــدة‪ .‬كمــا هــو متبــع يف األكادمييــات الغربيــة‪ ،‬علــى‬ ‫األقــل‪ ،‬فــإن املوضــوع ينبغــي أن يكــون جاهــزاً للتفكيــر فيــه‪ ،‬وطــرح‬ ‫كل األســئلة ذات الصلــة‪.‬‬

‫* دبلومايس سوداين ــ األمني العام السابق ملنتدى الفكر العريب ــ األردن‬

‫‪14‬‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫دراسة العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫السياسة المالية للصين تهدد سيادة العديد من الدول اإلفريقية‬ ‫ألنها تستحوذ عىل مواردها لتغطية الديون‬ ‫بشــكل منهجــي عــبء الديــون علــى البلــدان اإلفريقيــة لدرجــة أنهــم‬ ‫ســيكافحون مــن أجــل ســداد األمــوال‪ .‬ويقــال إنهــم يصــرون علــى‬ ‫األصــول الوطنيــة املثيــرة كضمــان ملثــل هــذه القــروض‪ .‬ومــع ذلــك‪،‬‬ ‫يقــال إن الصــن متــرددة يف منــح إعفــاء مــن الديــون إلــى إفريقيــا‬ ‫لتمكــن هــذه البلــدان األفقــر مــن التعامــل مــع اخلــراب االقتصــادي‪،‬‬ ‫الــذي أحدثــه وبــاء كورونــا‪.‬‬ ‫ويتمثــل التحــدي الرئيــس يف تعميــق البحــث والتحليــل للمجــاالت‬ ‫الرئيســية احلاليــة للمشــاركة الصينيــة يف إفريقيــا‪ .‬وهــذا يشــمل‬ ‫االقتصــاد السياســي "العاملــي" الســتخراج املــوارد‪ ،‬ولكــن‪ ،‬واألهــم مــن‬ ‫ذلــك‪ ،‬يجــب أن يســتلزم توســيع نطــاق البحــث إلــى مــا وراء املخــاوف‪،‬‬ ‫التــي تهيمــن علــى العناويــن الرئيســية ومعاجلــة مجموعــة أوســع مــن‬ ‫القضايــا‪ .‬باتبــاع هــذا الهــدف‪ ،‬فــإن مــن الواضــح أن هنــاك مجموعــة‬ ‫مــن املجــاالت‪ ،‬التــي ال يــزال يتعــن البحــث فيهــا بعمــق‪ ،‬وال شــك‬ ‫يف أنــه ســيتم تعبئــة عــدد مــن وجهــات النظــر التخصصيــة حيــث‬ ‫تشــارك مجــاالت العلــوم االجتماعيــة املختلفــة اهتمامــات مناســبة‬ ‫ومناقشــات نظريــة‪ .‬إن االهتمــام املتزايــد بالبحــوث ذات الصلــة‬ ‫بالسياســات والطلــب عليهــا مــن وكاالت التنميــة بشــأن مســائل‬ ‫"إشــراك الصــن" يف تســيير عالقاتهــا مــع إفريقيــا يشــير إلــى‬ ‫التأثيــر التحفيــزي األوســع‪ ،‬الــذي مــن املرجــح أن حتدثــه العالقــات‬ ‫اإلفريقيــة اجلديــدة للصــن ضمــن دراســات التنميــة‪ .‬يبــدو أن القلــق‬

‫بشــأن مســائل احلوكمــة وعواقــب "التثليــث" اجلديــد يف خيــارات‬ ‫السياســة اخلارجيــة اإلفريقيــة‪ ،‬والــذي يعيــد مخــاوف مماثلــة يف‬ ‫ســياق مختلــف متامــاً عــن تلــك‪ ،‬التــي أثيــرت حــول تأثيــر الصــن‬ ‫الشــيوعية يف إفريقيــا‪ ،‬التــي مت إنهــاء اســتعمارها‪ ،‬يبــدو أنــه ســيعيد‬ ‫تنشــيط عــدد مــن املناقشــات‪.‬‬ ‫وبالقطــع‪ ،‬هنــاك حاجــة واضحــة لتعميــق فهــم الصــن وجلــب‬ ‫وجهــات النظــر الصينيــة حــول هــذا املوضــوع‪ ،‬ومــا يرتبــط بــه مــن‬ ‫مجــاالت‪ ،‬التــي قــد تكــون اإلجابــة عليهــا باملزيــد مــن األبحــاث‪ ،‬التــي‬ ‫تستكشــف فيهــا اجلانــب الصينــي منتجــة طبيعــة صنــع السياســة‬ ‫الصينيــة بشــأن إفريقيــا‪ ،‬يف مــا يُعــد حالي ـاً مشــاركة تشــمل هيئــات‬ ‫بيروقراطيــة حكوميــة متعــددة ميكنهــا العمــل بأجنــدات متضاربــة‬ ‫بشــأن السياســة اإلفريقيــة‪ .‬كيــف تتابــع الهيــاكل السياســية يف الصني‬ ‫بخــاف الدولــة املركزيــة ‪ -‬حكومــات املقاطعــات والبلديــات على وجه‬ ‫اخلصــوص ‪ -‬العالقــات يف إفريقيــا‪ ،‬وكيــف يعمل االســتثمار التجاري‬ ‫الصينــي املتشــابك يف إفريقيــا‪ ،‬هــي مجــاالت إضافيــة تطــرح أســئلة‬ ‫متصلــة فيمــا يتعلــق مبســألة "الوكيــل الرئيســي" معضــات علــى‬ ‫مســتويات مختلفــة مــن بيروقراطيــات الصــن املتعــددة‪ ،‬التــي تســعى‬ ‫إلــى تعزيــز املشــاركة االقتصاديــة‪ .‬وعلــى الرغــم مــن مزايــا "إزالــة‬ ‫التصريحــات" مــن التغطيــة علــى هــذا املنــوال‪ ،‬ال ينبغــي أن يتــم ذلــك‬ ‫علــى حســاب ســوء فهــم أهميــة الدولــة الصينيــة وطبيعتهــا اخلاصــة‪،‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫السيادة عىل المحك‪:‬‬

‫يف أعقــاب االنكمــاش االقتصــادي الناجــم عــن جائحــة كورونــا‪،‬‬ ‫تســارعت االنتقــادات املوجهــة جلهــود التنميــة الدوليــة‪ ،‬التــي تقودهــا‬ ‫الصــن يف إفريقيــا‪ ،‬ممــا دفــع إلــى مراجعــة الظــروف‪ ،‬التــي مبوجبهــا‬ ‫تقــدم الصــن املســاعدة لتطويــر البنيــة التحتيــة واالقتصــادات‬ ‫اإلفريقيــة‪ .‬احتــدم اجلــدل حــول مــا إذا كانــت القــروض الصينيــة‬ ‫صفقــة عادلــة للــدول اإلفريقيــة ومــا إذا كانــت األوراق املاليــة‬ ‫املرتبطــة بهــذه االتفاقيــات تنتهــك املصالــح األساســية للــدول‪ ،‬حيــث‬ ‫ادعــى النقــاد أن شــروط الصــن تضــر بالســيادة الوطنيــة‪ .‬ونظــراً‬ ‫حلساســية املوضــوع‪ ،‬فليــس مــن املســتغرب أن يُصبــح احلديــث عنهــا‬ ‫مسيســاً بشــدة يف العديــد مــن الــدول اإلفريقيــة‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬ال‬ ‫تســتند جميــع احلجــج إلــى احلقائــق‪ ،‬علــى وجــه اخلصــوص‪ ،‬جتنــب‬ ‫النقــاش الصحــي حــول مزايــا العقــود‪ ،‬التــي تعرضهــا الصــن‪ ،‬ومــا‬ ‫يُثــار حولهــا مــن التبــاس بســبب ســوء فهــم الشــروط القانونيــة يف‬ ‫هــذه االتفاقيــات‪ .‬فقــد ســرعت بدايــة أزمــة ‪ Covid-19‬التغييــر‬ ‫يف التمويــل الصينــي حيــث عانــى املزيــد مــن املقترضــن مــن مشــاكل‬ ‫الديــون وطلبــوا إعــادة هيكلــة هــذه الديــون‪ .‬وتعــد زامبيــا وكينيــا مــن‬ ‫بــن البلــدان‪ ،‬التــي طلبــت إعــادة هيكلــة الديــون مبوجــب مبــادرة‬ ‫تعليــق خدمــة الديــون ملجموعــة العشــرين‪ ،‬وهــي تأجيــل مؤقــت بســبب‬ ‫اجلائحــة‪.‬‬ ‫إن السياســة املاليــة للصــن‪ ،‬بهــذا الزعــم‪ ،‬تهــدد ســيادة العديــد‬ ‫مــن الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬ألنهــا تســتحوذ علــى مواردهــا لتغطيــة الديــون‪.‬‬ ‫فالتقاريــر‪ ،‬التــي تفيــد بــأن دول ـ ًة فقيــر ًة مثــل زامبيــا ســتتخلى عــن‬ ‫الســيطرة علــى مطارهــا الدولــي‪ ،‬ومرفــق الطاقــة الكهربائية‪ ،‬وشــركة‬ ‫البــث الوطنيــة‪ ،‬إلــى الصــن للوفــاء بالتزامــات ديونهــا تثيــر تســاؤالت‬ ‫حــول االســتعمار الصينــي اجلديــد‪ ،‬وســيطرة التنــن األصفــر علــى‬ ‫األصــول الســيادية يف القــارة اإلفريقيــة‪ .‬وال يخفــى علــى أحــد أن‬ ‫الصــن عــززت مــن وجودهــا يف القــارة اإلفريقيــة بتأثيــر متزايــد‬ ‫وترتيبــات اقتصاديــة وجتاريــة وأمنيــة مــع مختلــف الــدول اإلفريقيــة‪.‬‬ ‫علــى اجلانــب اإليجابــي‪ ،‬مت وصــف هــذه العالقــة اجلديــدة بــن‬ ‫العمــاق اآلســيوي والبلــدان اإلفريقيــة علــى أنهــا ترتيــب متبــادل‬ ‫ملنفعــة الطرفــن‪ ،‬وخروجــاً عــن االســتغالل اإلمبريالــي‪ ،‬الــذي‬ ‫مارســته أوروبــا والواليــات املتحــدة‪ ،‬علــى مــوارد القــارة الســمراء‪.‬‬ ‫ومــع ذلــك‪ ،‬يف بعــض احلــاالت‪ ،‬قــد يتخــذ التعــاون الصينــي ‪/‬‬ ‫اإلفريقــي شــكل ومضمــون صفقــة غيــر متوازنــة‪ ،‬التــي قــد يعتبرهــا‬ ‫البعــض اســتعماراً جديــداً قائمــاً علــى التزامــات الديــون‪ ،‬التــي ال‬ ‫تســتطيع الــدول اإلفريقيــة ســدادها‪ ،‬بــدالً مــن شــراكة اقتصاديــة‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪13‬‬

‫بــن أنــداد‪.‬‬ ‫ويثيــر حجــم ونطــاق وســعر برامــج البنيــة التحتيــة الصينيــة‬ ‫يف إفريقيــا تســاؤالت حــول كيفيــة متكــن هــذه الــدول مــن احلفــاظ‬ ‫عليهــا‪ .‬علــى ســبيل املثــال‪ ،‬وافقــت حكومــة زامبيــا علــى ‪ 8‬مليــارات‬ ‫دوالر يف متويــل البنيــة التحتيــة الصينيــة‪ ،‬يف بلــد يبلــغ ناجتهــا احمللــي‬ ‫اإلجمالــي أقــل مــن ‪ 26‬مليــار دوالر‪ ،‬وحيــث الديــن احلكومــي ‪55.6‬‬ ‫يف املائــة مــن النــاجت احمللــي اإلجمالــي‪ ،‬وامليزانيــة الســنوية ربــع الناجت‬ ‫احمللــي اإلجمالــي‪ .‬تبلــغ تكلفــة ســكة حديــد أديــس أبابــا وجيبوتــي ‪4‬‬ ‫مليــارات دوالر‪ ،‬أو مــا يقــرب مــن ربــع ميزانيــة احلكومــة اإلثيوبيــة‬ ‫لعــام ‪2016‬م‪ .‬يف مواجهــة الديــون املتزايــدة‪ ،‬لــن تتمكــن العديــد مــن‬ ‫الــدول اإلفريقيــة مــن االعتمــاد علــى ميزانياتهــا لتســديد مدفوعاتهــا‬ ‫للصــن‪ ،‬وســيتعني عليهــا اللجــوء إلــى املدفوعــات "العينيــة" لبكــن‪.‬‬ ‫لقــد أفــادت نشــرة "أفريــكا كونفيدنشــيال" أن شــركة الكهربــاء‬ ‫احلكوميــة الزامبيــة‪ ،‬أجــرت محادثــات مــع شــركة صينيــة بشــأن‬ ‫اســتحواذ األخيــرة علــى كامــل املرفــق‪ ،‬ممــا أثــار مخــاوف بشــأن‬ ‫الســيادة الوطنيــة وامللكيــة الصينيــة للمكونــات الرئيســية للبنيــة‬ ‫التحتيــة للبــاد‪ .‬جــاء ذلــك وســط تقاريــر تفيد بأن الصني ستســتحوذ‬ ‫علــى مطــار كينيــث كاونــدا الدولــي يف زامبيــا لتســوية التخلــف عــن‬ ‫ســداد ديــون الدولــة اإلفريقيــة‪ ،‬ومحطــة اإلذاعــة والتلفزيــون اململوكــة‬ ‫للدولــة‪ .‬ومتتلــك الصــن ‪ 60‬باملائــة مــن شــركة االتصــاالت زيســكو‪،‬‬ ‫وهــي مشــروع مشــترك أنشــأته حكومــة زامبيــا لرقمنــة بنيتهــا‬ ‫التحتيــة للبــث‪ ،‬بينمــا متتلــك محطــة اإلذاعــة والتلفزيــون ‪ 40‬باملائــة‪.‬‬ ‫ودحضــت احلكومــة الزامبيــة املزاعــم بأنهــا تتنــازل عــن أي مــن‬ ‫أصولهــا العامــة‪ ،‬أو أن الصــن لديهــا مثــل هــذه النوايــا‪ ،‬مشــيرة إلــى‬ ‫أن زيســكو هــي شــركة اســتراتيجية ال ميكــن بيعهــا لشــركة أجنبيــة‪،‬‬ ‫وأن بعــض املشــاريع املمولــة مــن الصــن لــم تكتمــل بعــد‪.‬‬

‫تحديات ماثلة‪:‬‬

‫إن الصــن تواجــه‪ ،‬بشــكل غيــر مســبوق‪ ،‬حتديــات االســتمرار يف‬ ‫عالقاتهــا املتصاعــدة مــع إفريقيــا‪ ،‬فهنــاك مــن يعــارض وجهــة النظــر‬ ‫القائلــة بــأن قصــة اإلقــراض‪ ،‬أو "فــخ الديــون" ‪ ،‬هــو اســتراتيجية‬ ‫محــددة مســبقاً ومنســقة جيــداً مــن قبــل الصــن‪ ،‬ويصفهــا املنتقــدون‬ ‫بأنهــا إقــراض مفتــرس‪ ،‬ويصــرون علــى أن احلكومــة يف بكــن تعمــد‬ ‫إلــى فــورة إقــراض عامليــة‪ ،‬حيــث تغمــر البلــدان اإلفريقيــة مبليــارات‬ ‫الــدوالرات مقابــل املــوارد الطبيعيــة والتنــازالت طويلــة األجــل‬ ‫باإلضافــة إلــى النفــوذ االقتصــادي والسياســي‪ .‬وتدريجيـاً‪ ،‬يراكمــون‬

‫‪12‬‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫دراسة العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫طبيع ــة الق ــروض الصيني ــة وعملي ــات الحص ــول عليه ــا غامض ــة‬ ‫وس ــرية ومحفوف ــة بمخاط ــر الرش ــوة والفس ــاد‬ ‫مصاحلهــا الدوليــة‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬امتــدت مشــاركة الصــن مــع الــدول‬ ‫اإلفريقيــة‪ ،‬باعتبارهــا أحــد أهــم الشــركاء االقتصاديــن‪ ،‬واجتــازت‬ ‫ذلــك بالتجــارة واالســتثمار ومتويــل البنيــة التحتيــة واملســاعدات‪.‬‬ ‫وخــال هــذه الفتــرة‪ ،‬قفــزت الصــن مــن كونهــا مســتثمر صغيــر‬ ‫نســبياً إلــى أعلــى دائــن يف إفريقيــا جنــوب الصحــراء‪ .‬ووفقـاً لتقريــر‬ ‫صــدر مؤخــراً عــن مؤسســة ماكينــزي ‪ .‬منــت التجــارة بــن إفريقيــا‬ ‫والصــن مبعــدل ‪ ٪20‬تقريبـاً كل عــام‪ ،‬منــذ عــام ‪2000‬م‪ .‬ومــع ذلــك‪،‬‬ ‫كانــت هــذه االرتباطــات معقــدة‪ ،‬وأثــارت التكهنــات حــول مــا قــد تكــون‬ ‫عليــه دوافــع الصــن قصيــرة وطويلــة املــدى‪ .‬علــى الرغــم مــن أن‬ ‫هــذه الدوافــع ال تــزال تتســم بالريبــة والســخرية‪ ،‬إال أنــه مــن الصعــب‬ ‫التغاضــي عــن النفــوذ الكبيــر للصــن‪ ،‬نتيجــة ألنــه غالب ـاً مــا تكــون‬ ‫طبيعــة هــذه القــروض‪ ،‬وكذلــك عمليــات احلصــول عليهــا‪ ،‬غامضــة‬ ‫وســرية ومحفوفــة مبخاطــر الرشــوة والفســاد‪.‬‬

‫مساومة الديون‪:‬‬

‫مــع ركــود السياســة اخلارجيــة للواليــات املتحــدة مــع إفريقيــا‬ ‫واقتصارهــا علــى احلــرب علــى اإلرهــاب‪ ،‬مــأت الصــن الفجــوة مــن‬ ‫خــال شــراء إمــدادات املــواد اخلــام يف إفريقيــا لتأمــن مســتقبلها‬ ‫االقتصــادي والعســكري بالنفــط واملــاس واملعــادن املســتخدمة‬ ‫يف اإللكترونيــات‪ .‬ويف عــام ‪2018‬م‪ ،‬إبــان انعقــاد منتــدى التعــاون‬ ‫الصينــي‪ /‬اإلفريقــي يف بكــن‪ ،‬تعهــد الرئيــس الصينــي شــي جــن‬ ‫بينــغ بتقــدمي ‪ 60‬مليــار دوالر إضافيــة لتمويــل املشــاريع يف إفريقيــا‪،‬‬ ‫مبــا يف ذلــك ‪ 15‬مليــار دوالر مــن املنــح والقــروض‪ ،‬و‪ 20‬مليــار دوالر‬ ‫يف شــكل ائتمــان‪ ،‬و‪ 10‬مليــارات دوالر يف "متويــل التنميــة" و‪ 5‬مليارات‬ ‫لشــراء الــواردات اإلفريقيــة‪ .‬باإلضافــة إلــى ذلــك‪ ،‬ستشــجع الصــن‬ ‫الشــركات علــى اســتثمار ‪ 10‬مليــارات دوالر علــى مــدى الســنوات‬ ‫الثــاث املقبلــة‪ .‬ويعتبــر هــذا اإلعــان مثــال علــى تواصــل الصــن‬ ‫لزيــادة التجــارة واالســتثمار والعالقــات السياســية مــع القــارة‪ .‬ومــع‬ ‫ذلــك‪ ،‬لــم يتطــرق الزعيــم الصينــي إلــى قضيــة املديونية‪ ،‬وهــي الفكرة‬ ‫القائلــة بــأن الــدول اإلفريقيــة تُتــرك كثيــراً مــن الناحيــة االقتصاديــة‬ ‫مدينـاً بالفضــل للبنــوك الصينيــة‪ .‬وقــال شــي "اســتثمارات الصــن يف‬ ‫إفريقيــا تأتــي دون قيــود سياســية"‪ ،‬ال تتدخــل الصــن يف الشــؤون‬ ‫الداخليــة إلفريقيــا وال تفــرض إرادتهــا علــى إفريقيــا‪ .‬ثمانــي‬ ‫مبــادرات جديــدة تشــمل الترويــج الصناعــي وتطويــر البنيــة التحتيــة‬

‫والرعايــة الصحيــة ومســائل أخــرى‪.‬‬ ‫ومــع تعهــد الـــ‪ 60‬مليــار دوالر إلفريقيــا‪ ،‬ميثــل عــام ‪2018‬م‪ ،‬عامـاً‬ ‫محوري ـاً للصــن‪ ،‬إذ اســتثمر العمــاق اآلســيوي بالفعــل ‪ 124‬مليــار‬

‫دوالر يف إفريقيــا منــذ عــام ‪2000‬م‪ ،‬ممــا أثــار مخــاوف مــن أن الــدول‬ ‫اإلفريقيــة مثقلــة مبســتويات الديــون غيــر املســتدامة‪ ،‬وإجبارهــا‬ ‫علــى رهــن مواردهــا النفطيــة واملعدنيــة كضمــان‪ ،‬أو تســليم أصــول‬ ‫ومــوارد أخــرى عندمــا تكــون غيــر قــادرة علــى الســداد‪ .‬دعــم القــوة‬ ‫اآلســيوية‪ .‬قــد تفتقــر هــذه االتفاقيــات املوقعــة بــن الصــن وإفريقيــا‬ ‫ودول أخــرى‪ ،‬التــي مت تصنيفهــا علــى أنهــا "متويــل البنيــة التحتيــة‬ ‫املفترســة" ‪ ،‬إلــى املســاءلة والشــفافية‪ ،‬مــع احتفــاظ الصــن بزمــام‬ ‫األمــور يف التفــاوض علــى العقــود‪ .‬وقــد اتهمــت بعــض األصــوات‬ ‫داخــل إفريقيــا الشــركات الصينيــة بالقــدوم إلــى إفريقيــا الســتغالل‬ ‫النــاس ومواردهــم الهائلــة‪ ،‬حتــى أكثــر مــن املســتعمرين األوروبيــن‪،‬‬ ‫بهــدف جعــل إفريقيــا قــارة الصــن الثانيــة‪.‬‬

‫قبــل أن يصبــح رئيســاً لزامبيــا‪ ،‬كتــب مايــكل ســاتا يف عــام‬ ‫‪2007‬م‪ ،‬أن "االســتغالل االســتعماري األوروبــي مقارنــة باالســتغالل‬ ‫الصينــي يبــدو حميــداً‪ ،‬ألنــه علــى الرغــم مــن أن االســتغالل التجــاري‬ ‫كان بنفــس الســوء‪ ،‬فقــد اســتثمر العمــاء االســتعماريون أيضــاً يف‬ ‫خدمــات البنيــة التحتيــة االجتماعيــة واالقتصاديــة‪ .‬مــن ناحيــة‬ ‫أخــرى‪ ،‬فــإن االســتثمار الصينــي يف إفريقيــا ميكــن وصفــه‪ ،‬وفقــاً‬ ‫للبروفيســور أليمايهــو ج‪ .‬مــرمي‪ ،‬الــذي يــدرس العلــوم السياســية يف‬ ‫جامعــة كاليفورنيــا ‪ -‬ســان برناردينــو‪ ،‬بـ"االســتعمار اجلديــد"‪ ،‬وبأنــه‬ ‫"التنــن يــأكل األســد والفهــد"‪ ،‬إنــه يعــارض الفكــرة الشــائعة القائلــة‬ ‫بــأن الصــن تطــور البنيــة التحتيــة اإلفريقيــة يف ســيناريو "الفــوز"‪.‬‬ ‫وكتــب أليمايهــو‪" :‬لقــد غــزت الصــن إفريقيــا حرفي ـاً مبســتثمريها‪،‬‬ ‫وجتارهــا‪ ،‬ومقرضيهــا‪ ،‬وبنائهــا‪ ،‬ومط ّوريهــا‪ ،‬وعمالهــا‪ ،‬ومــن يــدري‬ ‫مــاذا أيضــاً"‪ ،‬مضيفــاً أن الصــن تواصــل إيقــاع إفريقيــا يف شــرك‬ ‫"فــخ االســتعمار اجلديــد" مــن خــال قــروض مبليــارات الــدوالرات‪،‬‬ ‫وباســتخدام "اإلعفــاء مــن الديــون للحصــول علــى احلقــوق احلصريــة‬ ‫للمــوارد الطبيعيــة لألمــة وبنــاء القواعــد العســكرية"‪ .‬ويزعــم أليمايهو‬ ‫أن الوجــود الصينــي يف إفريقيــا كان هديــة للديكتاتوريــن األفارقــة‪،‬‬ ‫وأثــار االســتياء املعــادي للصــن بــن عامــة النــاس يف إفريقيــا‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫املختلفــة للعالقــات الصينيــة الناشــئة مــع ‪ 54‬دولــة إفريقيــة‪ .‬ففــي‬ ‫أعقــاب عــام ‪2006‬م‪ ،‬أصبحــت العالقــات الصينيــة ‪ /‬اإلفريقيــة‬ ‫موضــع اهتمــام غيــر مســبوق‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬وعلــى الرغــم مــن تغطيــة‬ ‫هــذه العالقــات علــى نطــاق واســع‪ ،‬إال أنهــا ال تــزال حتــت األضــواء‪،‬‬ ‫وينقصهــا البحــث املعمــق‪ .‬ومــا هــذا املقــال إال مقدمــة عامــة عــن‬ ‫هــذه العالقــات‪ ،‬يحــاول أن يغطــي خلفيــة تاريــخ وسياســة املشــاركة‬ ‫الصينيــة يف القــارة الســمراء‪ ،‬ويؤشــر علــى مجــاالت البحــث اإلضــايف‬ ‫املطلــوب النظــر فيهــا‪ .‬ومــن ثــم الدعــوة إلــى دراســة حتديــات‬ ‫العالقــات املســتقبلية بــن الصــن وإفريقيــا لتطويــر ثقافــة البحــث‬ ‫اجلــاد مبــا يتجــاوز االنشــغاالت احلاليــة بســرديات "التنــن يف‬ ‫األدغــال"‪ ،‬وبالتالــي إشــراك القــارئ يف موضــوع معقــد علــى وشــك‬ ‫أن يصبــح قضيــة رئيســة يف السياســة اإلفريقيــة‪ ،‬ورمبــا العامليــة‪.‬‬

‫منطق التاريخ‪:‬‬

‫كثيــراً مــا يتــم التــذرع بالتاريــخ كنقطــة مرجعيــة مشــتركة يف‬ ‫اخلطــاب الرســمي للعالقــات الصينيــة ‪ /‬اإلفريقيــة املعاصــرة‪ .‬رغــم‬ ‫أن التقديــر احلالــي ملشــاركة الصــن التاريخيــة يف العالــم‪ ،‬مبــا يف‬ ‫ذلــك إفريقيــا‪ ،‬يتناقــض مــع املفاهيــم الســابقة حــول موقعهــا املعــزول‬ ‫املفتــرض يف مركــز نظــام الروافــد الهرمــي العاملــي‪ .‬واالعتــراف بــأن‬ ‫العالقــات اخلارجيــة الصينيــة اتســمت مبــرور الوقــت مبقاربــات‬ ‫متعــددة‪ ،‬بــدالً مــن تقليــد واحــد مهيمــن ودائــم‪ ،‬وبالتالــي يوفــر إطــاراً‬ ‫مناســباً للنظــر يف عالقاتهــا احلاليــة‪ .‬يف هــذا اإلطــار‪ ،‬تظهــر إفريقيــا‬ ‫يف إعــادة التقييــم املعاصــرة ملشــاركة الصــن الســابقة يف العالــم‪ .‬إذ‬ ‫يوفــر افتقــار أســرة مينــج (‪1644–1368‬م) ملشــروع اســتعمار دائــم يف‬ ‫شــرق إفريقيــا فصـ ً‬ ‫ا مختلفـاً يف تاريــخ االســتعمار العاملــي املقــارن‪.‬‬ ‫ومــع ذلــك‪ ،‬فــإن الطريقــة‪ ،‬التــي يلعــب بهــا التاريــخ يف احلاضــر‪،‬‬ ‫تكشــف عــن أبعــاد مســتجدة لعالقــات متغيــرة‪ .‬وتُعــد االســتخدامات‬ ‫الرمزيــة هــي األكثــر فائــدة لفهــم املاضــي املشــترك‪ ،‬واملفســر ألحــد‬ ‫اجلوانــب البــارزة للنســخة الصينيــة املُع ّبَــأة رســمياً عــن روابطهــا‬ ‫التاريخيــة مــع إفريقيــا اليــوم‪ ،‬التــي غالبــاً مــا يأتــي الوجــه اآلخــر‬ ‫منهــا يف شــكل التزامــات حميــدة ضــد أي دور مهيمــن يف املســتقبل‪.‬‬ ‫لهــذا‪ ،‬فــإن فهــم نــوازع اهتماماتنــا اليــوم يــؤرخ بشــكل بنــاء‬ ‫للمناقشــات الناشــئة حــول مختلــف القضايــا يف العالقــات الصينيــة‬ ‫اإلفريقيــة‪ .‬رغــم أن الكثيــر مــن هــذه املناقشــات تنحــرف يف الفتــرة‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪11‬‬

‫احلاليــة؛ بشــكل كبيــر‪ ،‬عــن ســائفها يف العالقــات التاريخيــة للصــن‬ ‫مــع إفريقيــا؛ مــن دولــة تُ ْع ِطــي ســاح التحــرر بــا ثمــن‪ ،‬إلــى تنــن‬ ‫يهــدد الســيادة بثمــن الديــون‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬فــإن القلــق بشــأن األبعــاد‬ ‫الســلبية إلعــادة مشــاركة الصــن يف إفريقيــا يــردد صــدى نقــاش‬ ‫مماثــل يف الغــرب خــال الســتينيات‪ .‬وتوفــر أدبيــات احلــرب البــاردة‬ ‫نقطــة إرشــادية للمقارنــة مــع التغطيــة األخيــرة‪ ،‬وقــد أعــاد الكثيــر‬ ‫منهــا صياغــة االهتمامــات‪ ،‬وكذلــك املوضوعــات؛ وحتــى العناويــن‪،‬‬ ‫يف الســتينيات‪ .‬أحــد هــذه النصــوص املأخــوذة مــن حــرارة نقاشــات‬ ‫الســتينيات‪ ،‬هــي مــا جــاء يف كتــاب جــون ك‪ .‬كولــي‪" :‬ريــاح الشــرق‬ ‫علــى إفريقيــا‪ :‬هجــوم الصــن األحمــر"‪ ،‬الــذي يتيــح الوصــول إلــى‬ ‫حقائــق ذلــك الوقــت العصيــب مــن املؤامــرات األيديولوجيــة‪ .‬وتقــارن‬ ‫هــذه األدبيــات الســابقة أيضــاً بشــكل مثيــر لالهتمــام مــع بعــض‬ ‫التغطيــة اإلعالميــة اليــوم‪ :‬جمهوريــة الصــن الشــعبية كعامــل ثــوري‬ ‫مزعــزع عمــداً لالســتقرار يف إفريقيــا‪ ،‬مقابــل ميــل الصــن احلالــي‬ ‫لدعــم الوضــع الراهــن واحلكومــات اإلفريقيــة القائمــة؛ جمهوريــة‬ ‫الصــن الشــعبية كتهديــد أيديولوجــي للــدول اإلفريقيــة املســتقلة‬ ‫حديثـاً‪ ،‬مقابــل الصــن كتهديــد مدفــوع باملصالــح لـ"احلكــم الرشــيد"‪،‬‬ ‫أو "الدمقرطــة" اليــوم‪ .‬قــد تكــون اللغــة تغيــرت منــذ نهايــة فتــرة‬ ‫احلــرب البــاردة؛ "تشــغيل الســاح"‪ ،‬أو "الدعايــة"‪ ،‬أو "التلقــن"‪،‬‬ ‫مقابــل "مبيعــات األســلحة" احلديثــة‪ ،‬أو "القــوة الناعمــة"‪ ،‬لكــن‬ ‫املخــاوف بشــأن التأثيــر الصينــي علــى السياســة اإلفريقيــة عــادت‬ ‫للظهــور‪ ،‬وتكثــف يف أوســاط معينــة‪.‬‬ ‫لهــذا‪ ،‬تعــد مشــاركة الصــن املتزايــدة بشــكل كبيــر يف إفريقيــا‪،‬‬ ‫خــال العقديــن املاضيــن‪ ،‬واحــدة مــن أهــم التطــورات األخيــرة يف‬ ‫املنطقــة‪ .‬ويبــدو أنهــا تتعــارض مــع فكــرة التهميــش الدولــي إلفريقيــا‪،‬‬ ‫رغــم مــا قــد يترتــب عليهــا مــن عواقــب اقتصادية وسياســية كبيرة‪ .‬إذ‬ ‫أن اهتمــام الصــن بإفريقيــا يُ َعـ ُّد جــزءاً مــن اســتراتيجية دوليــة أكثــر‬ ‫نشــاطاً‪ ،‬يُ َشــا ُر إليهــا مؤخــراً علــى أســاس أنهــا أحــد مظاهــر التعدديــة‬ ‫القطبيــة وعــدم التدخــل‪ .‬وأثبتــت املســاعدات املتزايــدة‪ ،‬ومحــاوالت‬ ‫إلغــاء الديــون‪ ،‬واالزدهــار يف التجــارة الصينيــة ‪ /‬اإلفريقيــة‪ ،‬مــع‬ ‫التركيــز االســتراتيجي الصينــي علــى النفــط‪ ،‬أنهــا مفيــدة للطرفــن؛‬ ‫للنخــب الصينيــة والــدول اإلفريقيــة‪ .‬فمــن خــال املســاعدة دون‬ ‫شــروط سياســة مســبقة‪ ،‬قدمــت الصــن بدي ـ ً‬ ‫ا جذاب ـاً للمســاعدات‬ ‫الغربيــة املشــروطة‪ ،‬وحصلــت علــى دعــم دبلوماســي قيــم للدفــاع عــن‬

‫اهتم ــام الصي ــن بإفريقي ــا ج ــزء م ــن اس ــتراتيجية دولي ــة تمث ــل أح ــد‬ ‫مظاه ــر التعددي ــة القطبي ــة وع ــدم التدخل‬

‫‪10‬‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫دراسة العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫من دولة تُ ْع ِط ي سالح التحرر بال ثمن إلى تنين يهدد السيادة بالديون‬

‫دبلوماسية فخ الديون‪ :‬هل يبتلع التنين‬ ‫األصفر السيادة اإلفريقية؟‬ ‫ظلــت العالقــات بــن إفريقيــا والصــن حالــة موضوعيــة‪ ،‬مــع غيــر قليــل مــن األيديولوجيــا الثوريــة‪ ،‬منــذ العــام ‪1949‬م‪ ،‬ميزتهــا‬ ‫حــروب التحــرر مــن االســتعمار‪ ،‬ومــا انعقــد إبــان ســنواتها مــن حضــور صينــي فاعــل يف مســارح املقاومــة اإلفريقيــة‪ .‬وقــد ال‬ ‫يســعفنا الزمــن وال املســاحة الســتعراض تفاصيــل مــا جــرى مــن مشــاركات يف النضــال‪ ،‬أو تقديــر حجــم الدعــم‪ ،‬الــذي وجــده‬ ‫األفارقــة‪ ،‬وهــم ينهضــون مبهمــة املقاومــة الضــروس ضــد كل أشــكال االســتعمار‪ ،‬والــذي اســتعبد الشــعوب ونهــب خيراتهــا‪.‬‬ ‫فنهــج العالقــات أبلــغ تاريخي ـاً عنــد الرؤيــة املعاصــرة‪ ،‬رغــم عــدم وضــوح التفاصيــل‪ ،‬التــي ال يتيحهــا تعثــر احلصــول علــى‬ ‫منظــور أفضــل حــول الطريــق‪ ،‬الــذي ســلكته الصــن يف إفريقيــا‪ ،‬وموقــف النظــام العاملــي احلديــث منهــا‪ ،‬فضـ ً‬ ‫ا عــن تنامــي‬ ‫العالقــات بــن الصــن وإفريقيــا مــا بعــد االســتعمار‪ .‬فقــد قرأنــا عــن نهــج الصــن يف مســاعدة قــوى التحــرر‪ ،‬وتابعنــا سياســة‬ ‫"مجانيــة الســاح" لــكل مــن يســعون لنيــل اســتقاللهم مــن نيــر االســتعمار‪ .‬ومــرة أخــرى‪ ،‬هبــت ريــاح جديــدة مــن الشــرق‬ ‫عبــر إفريقيــا‪ ،‬تهــب التنميــة مــن مدخــل الصداقــة‪ ،‬وهــي جتتــذب اهتمام ـاً غيــر مســبوق بعالقــات التنــن األصفــر بالقــارة‬ ‫الســمراء‪ .‬وبينمــا يرجــع البعــض ذلــك جزئي ـاً إلــى ظهــور الصــن علــى نطــاق واســع يف الشــؤون العامليــة‪ ،‬إال أن الكثيريــن‬ ‫يعــزون ذلــك كنتيجــة للظهــور واالهتمــام الغربــي ال َق ِلــق بالوجــود واألدوار والتأثيــرات املتزايــدة للجهــات الفاعلــة الصينيــة يف‬ ‫جميــع أنحــاء القــارة اإلفريقيــة‪.‬‬

‫د‪ .‬الصادق الفقيه‬

‫لقــد ســعت الصــن إلــى فهــم إفريقيــا عبــر املعرفــة العلميــة‪،‬‬ ‫فتأســس‪ ،‬يف يوليــو ‪1961‬م‪ ،‬معهــد الدراســات اآلســيوية ‪ -‬اإلفريقيــة‬ ‫يف الصــن‪ ،‬بعــد مالحظــة الرئيــس مــاو تســي تونــغ بــأن "ليــس‬ ‫لدينــا فهــم واضــح للتاريــخ اإلفريقــي واجلغرافيــا والوضــع احلالــي"‪.‬‬ ‫األمــر وضــع نقطــة االنطــاق‪ ،‬التــي تأثــرت بهــا األبحــاث الالحقــة‬ ‫بالسياســة داخــل الصــن وخارجهــا‪ ،‬وذلــك بعــد أن كانــت الدراســات‬ ‫اإلفريقيــة يف الصــن لغــزاً إلــى حــد مــا بالنســبة لألفارقــة يف أجــزاء‬ ‫أخــرى مــن العالــم‪ .‬وميكــن أن يُعــزى ذلــك إلــى االنخــراط الصينــي‬ ‫الطمــوح والبــارز أيديولوجيـاً يف إفريقيــا يف فتــرة مــا بعــد االســتعمار‪،‬‬ ‫والــذي كان مــن الناحيــة العمليــة محــدوداً‪ ،‬وغالبــاً مــا مت التغلــب‬ ‫عليــه مــن قبــل العوامــل الرئيســية للتغييــرات االســتعمارية‪ ،‬ومــا‬ ‫بعــد االســتعمار‪ ،‬ومنافســة احلــرب البــاردة‪ .‬ويف عــام ‪1968‬م‪ ،‬كتــب‬ ‫جــورج يــو‪ ،‬أحــد املســاهمني البارزيــن يف أبحــاث الصــن وإفريقيــا‪،‬‬

‫أن "دراســة الصــن إلفريقيــا تشــبه إلــى حــد كبيــر مطــاردة تنــن‬ ‫يف األدغــال؛ فالتنــن يفــرض وجــوده‪ ،‬رغــم أن األدغــال كثيفــة‪.‬‬ ‫مــن هنــا‪ ،‬فــإن فكــرة "التنــن" الصينــي‪ ،‬الــذي يعمــل يف "األدغــال"‬ ‫اإلفريقيــة‪ ،‬وأفعالــه ظلــت مقيــدة برؤيــة انتقائيــة ضــد "التضاريــس‬ ‫غيــر املألوفــة"‪ ،‬التــي ال تــزال قائمــة يف كثيــر مــن اللغــة واالفتراضــات‬ ‫املســتخدمة لوصــف العالقــات بــن الصــن وإفريقيــا اليــوم‪ .‬وهــذا‬ ‫هــو احلــال بشــكل خــاص يف التغطيــة الغربيــة‪ ،‬التــي غالبـاً مــا يكــون‬ ‫التأثيــر فيهــا مفعم ـاً بالعاطفــة لوصــف صعــود الصــن يف إفريقيــا‬ ‫مــن منظــور تنــن صينــي مرابــط يف شــجيرة إفريقيــة‪ ،‬أو بيئــة غيــر‬ ‫مالئمــة جــردت مــن احملتــوى التاريخــي والسياســي لوجودهمــا‬ ‫العضــوي‪.‬‬ ‫إن الوقــت قــد حــان‪ ،‬مــع ذلــك‪ ،‬لتجــاوز هــذا اإلطــار املفاهيمــي‬ ‫الضيــق ولتقــدمي املزيــد مــن التفكيــر يف املســتويات والديناميكيــات‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫حوار‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪9‬‬

‫اعتمــد المجلــس الــوزاري العربــي للكهربــاء النســخة المحدثــة‬ ‫للخطــة لالســتراتيجية العربيــة للطاقــة المســتدامة‬ ‫يف العــام املاضــي‪ ،‬كمــا تراجعــت انبعاثــات الكربــون العامليــة مــن‬ ‫اســتخدام الطاقــة بنحــو ‪ ،6.3%‬وهــي أكبــر وتيــرة هبــوط لكليهمــا‬ ‫منــذ احلــرب العامليــة الثانيــة‪ .‬وفيمــا يتعلــق بالنفــط‪ ،‬أشــارت إحــدى‬ ‫القنــوات العامليــة إلــى أن اســتهالك اخلــام تراجــع بوتيــرة قياســية‬ ‫بلغــت ‪ 9.1‬مليــون برميــل يوميـاً‪ ،‬أو مــا يعادل ‪ 9.3%‬يف العام املاضي‪،‬‬ ‫ليصــل إلــى أدنــى مســتوياته منــذ عــام ‪2011‬م‪ ،‬هــذه التغيــرات أثــرت‬ ‫علــى خريطــة الطاقــة العامليــة‪.‬‬ ‫**مــا الــذي ينقصنــا الســتكمال مشــروع إنشــاء ســوق عربيــة‬ ‫للكهرباء؟‬ ‫ــــ تقــوم الســوق العربيــة املشــتركة للكهربــاء علــى أســاس وجــود إطــار‬ ‫مؤسســي متــن يصاحبــه بنيــة حتتيــة مكتملــة تأخــذ يف االعتبــار‬ ‫اجلوانــب الفنيــة لتحقيــق تكامــل الســوق‪ ،‬وإطــار تشــريعي يقــوم‬ ‫علــى أســاس اعتمــاد أربــع وثائــق أساســية حلوكمــة ســوق الكهربــاء‪،‬‬ ‫وهــي مذكــرة التفاهــم‪ ،‬االتفاقيــة العامــة‪ ،‬اتفاقيــة الســوق‪ ،‬قواعــد‬ ‫تشــغيل الشــبكات العربيــة‪ .‬وتعتبــر مشــروعات الربــط الكهربائــي‬ ‫العربــي البنيــة األساســية للوصــول إلــى الســوق‪ .‬حيــث مت علــى‬ ‫هامــش املجلــس يف دورتــه الثانيــة عشــرة (أبريــل ‪ )2017‬االحتفــال‬ ‫بتوقيــع مذكــرة التفاهــم إلنشــاء ســوق عربيــة مشــتركة للكهربــاء مــن‬ ‫جانــب وزراء الكهربــاء والســفراء املعتمديــن ألربــع عشــرة دولــة عربيــة‬ ‫هــي‪ (:‬اإلمــارات‪ ،‬البحريــن‪ ،‬اجلزائــر‪ ،‬الســعودية‪ ،‬الســودان‪ ،‬العــراق‪،‬‬ ‫ســلطنة عمــان‪ ،‬قطــر‪ ،‬جــزر القمــر‪ ،‬الكويــت‪ ،‬ليبيــا‪ ،‬مصــر‪ ،‬املغــرب‪،‬‬ ‫اليمــن) كمــا وقــع عليهــا يف مرحلــة الحقــة كل مــن األردن وفلســطني‪،‬‬ ‫وبذلــك تكــون مذكــرة التفاهــم دخلــت إلــى حيــز النفــاذ‪ .‬وميكــن‬ ‫إيجــاز املراحــل االنتقاليــة إلنشــاء الســوق العربيــة املشــتركة للكهربــاء‬ ‫علــى النحــو التالــي‪ :‬املرحلــة االنتقاليــة األولــى (‪2020-2024‬م)‪:‬‬ ‫حيــث االنتهــاء مــن وثائــق حوكمــة الســوق العربيــة املشــتركة للكهربــاء‪،‬‬ ‫واملوافقــة علــى االتفاقيتــن (االتفاقيــة العامــة واتفاقيــة الســوق‬ ‫العربيــة املشــتركة للكهربــاء)‪ ،‬والتوقيــع علــى االتفاقيتــن‪ ،‬وتشــكيل‬ ‫اللجــان اخلاصــة بالســوق العربيــة املشــتركة للكهربــاء ثــم املرحلــة‬ ‫االنتقاليــة الثانيــة (‪ :)2031 2025-‬مــن حيــث توســيع اختصــاص‬ ‫الســوق اإلقليميــة والتــي يتــم خاللهــا التركيــز علــى فصــل مشــغلي‬ ‫نظــم النقــل اإلقليميــة‪ ،‬واســتحداث املنافســة علــى مســتوى اجلملــة‬ ‫واملرحلــة االنتقاليــة الثالثــة (‪2036 2032-‬م)‪ :‬مــن حيــث التصميــم‬ ‫النهائــي للســوق العربيــة املشــتركة للكهربــاء‪ ،‬ويتــم خاللهــا التركيــز‬ ‫علــى التنافــس الكامــل يف مبيعــات اجلملــة مــع دعــم مــن أســواق‬

‫متعــددة‪ .‬و أخيـ ًرا املرحلــة النهائيــة (‪ :)2038 2037-‬والتــي تنطــوي‬ ‫علــى حتقيــق تكامــل الســوق العربيــة املشــتركة للكهربــاء والوصــول‬ ‫إلــى شــبكة عربيــة للكهربــاء متزامنــة ومترابطــة متاماً‪.‬حيــث باركــت‬ ‫القمــة العربيــة التنمويــة‪ :‬االقتصاديــة واالجتماعيــة يف دورتــه ‪2019‬م‬ ‫اجلهــود التــي يقــوم بهــا املجلــس الــوزاري العربــي للكهربــاء إلنشــاء‬ ‫الســوق العربيــة املشــتركة للكهربــاء‪ ،‬ورحبــت بتوقيــع الــدول العربيــة‬ ‫األعضــاء علــى مذكــرة التفاهــم‪ ،‬ودعتهــم لتنفيــذ مــا جــاء بهــا‪ .‬كمــا‬ ‫كلّفــت القمــة املجلــس الــوزاري العربــي للكهربــاء باســتكمال وثائــق‬ ‫حوكمــة الســوق العربيــة وحال ًيــا تقــوم فــرق وجلــان فنيــة وقانونيــة‬ ‫متخصصــة مــن اخلبــراء العــرب منبثقــة عــن املجلــس وهــى (فريــق‬ ‫عمــل دراســة الربــط الكهربائــي العربــي الشــامل‪ -‬ضبــاط اتصــال‬ ‫وثائــق حوكمــة الســوق‪ -‬اللجنــة التوجيهيــة املكلفــة مبتابعــة دراســة‬ ‫الربــط الكهربائــي العربــي الشــامل‪ -‬خبــراء الكهربــاء مــن الــدول‬ ‫العربيــة) مبراجعــة وتطويــر االتفاقيتــن (االتفاقيــة العامــة واتفاقيــة‬ ‫الســوق العربيــة املشــتركة للكهربــاء)‪ ،‬وذلــك مــن خــال عقــد سلســلة‬ ‫مــن االجتماعــات علــى مــدى تســع ســنوات (مــن عــام ‪ 2012‬إلــى عــام‬ ‫‪2021‬م) وعلــى أكثــر مــن مســتوى بحضــور البنــك الدولــي والصنــدوق‬ ‫العربــي لإلمنــاء االقتصــادي واالجتماعــي وهيــآت الربــط الكهربائــي‬ ‫(الربــط الثمانــي‪ -‬الربــط اخلليجــي‪ -‬الربــط املغاربــي)‬ ‫**حدثينــا عــن العالقــة بــن حتقيــق التنميــة املســتدامة يف‬ ‫العالــم العربــي وإنتــاج الطاقة؟‬ ‫ــــ الطاقــة هــي احملــرك األساســي لــكل األنشــطة وارتبــاط ذلــك‬ ‫بالتنميــة املســتدامة أمــر ال شــك فيــه‪ ،‬لذلــك فــإن رؤيتنــا ملوضوعــات‬ ‫الطاقــة بشــكل عــام ترتكــز علــى ثالثــة محــاور أولهــا اإلبقــاء علــى‬ ‫املكانــة االســتراتيجية للمنطقــة العربيــة يف أســواق الطاقــة العامليــة‪،‬‬ ‫بحيــث يظــل قطــاع الطاقــة رافــداً رئيســياً للدخــل الوطنــي ال أن‬ ‫يصبــح عائقــاً أو مســتهلكاً ملصــادر الدخــل األخــرى‪ ،‬وثانيهــا هــو‬ ‫تعزيــز التوجــه العربــي بــكل مســتوياته نحــو التكامــل وهــو مــا‬ ‫نــراه حاليــاً يف اجلهــود املبذولــة إلنشــاء الســوق العربيــة املشــتركة‬ ‫للكهربــاء‪ ،‬أمــا ثالثهــا فهــو االنتقــال إلــى االعتمــاد التدريجــي علــى‬ ‫مصــادر الطاقــة املتجــددة يف مزيــج الطاقــة‪ ،‬وتشــجيع القطــاع‬ ‫اخلــاص علــى االســتثمار يف هــذا املجــال واالهتمــام بزيــادة كفــاءة‬ ‫الطاقــة حســب ظــروف وإمكانــات كل دولــة وفــق مــا تنــص عليــه‬ ‫االســتراتيجية العربيــة للطاقــة املســتدامة التــي اعتمدتهــا القمــة‬ ‫العربيــة يف بيــروت ‪2019‬م‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫حوار‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تطــورت مبــادرة األميــن العــام للطاقــة المتجــددة لتصبــح‬ ‫االســتراتيجية العربيــة للطاقــة المســتدامة (‪)2030‬‬ ‫واالســتخدام؟‬ ‫ــــ الــدول العربيــة دول ناميــة والنمــو االقتصــادي بــكل أنشــطته يحتــاج‬ ‫إلــى طاقــة‪ .‬هــذا فضـ ً‬ ‫ا عــن زيــادة نســبة الســكان كمــا أن موضوعــات‬ ‫ترشــيد الطاقــة حتتــاج إلــى املزيــد مــن التوعيــة‪ ،‬وأســلوب اســتهالكنا‬ ‫للطاقــة قــد ال يضــع الترشــيد يف االعتبــار مبــا يف ذلــك االلتزامــات‬ ‫التــي يتطلبهــا حتســن كفــاءة الطاقــة ومــا قــد تســببه مــن ضغوطــات‬ ‫علــى املســتهلكني واألمــر بســيط فيمــا يخــص عمــل تــوازن بــن‬ ‫االســتهالك واالســتخدام نحتــاج بدايــة إلــى التوعيــة ثــم العمــل علــى‬ ‫االســتفادة مــن كل مــا هــو متــاح مــن مجــاالت الطاقــة يف العالــم‬ ‫العربــي‪.‬‬ ‫**مــا مــدى التــزام الــدول العربيــة بسياســات كفــاءة الطاقــة‬ ‫وحتســن اســتخدامها ســواء يف اإلنتــاج أو االســتهالك؟‬ ‫ــــ تلتــزم أغلــب الــدول العربيــة إلــى حــد مــا وهــذا مــا الحظنــاه خــال‬ ‫إعدادنــا لالســتراتيجية العربيــة للطاقــة املســتدامة ‪.2030‬‬ ‫**أشــرتي إلــى أهميــة إحــداث تغييــر جــذري يف خريطــة‬ ‫الطاقــة العامليــة مــا مــدى انعكاســها علــى املنطقــة العربيــة‬ ‫وتطــور اقتصاداتهــا؟‬ ‫ــــ يتوقــف ذلــك علــى ظــروف كل دولــة علــى حــدة حيــث أن التغييــر‬ ‫يكــون إيجاب ًيــا لــدى بعــض الــدول وســلب ًيا يف دول أخــرى لــذا البــد‬ ‫لنــا مــن معرفــة خريطــة الطاقــة العامليــة مــن حيــث إنتــاج البتــرول‬ ‫والغــاز‪ ،‬والطاقــة املتجــددة‪ ،‬والسياســات واآلليــات املتبعــة‪ ،‬ومــا مــدى‬ ‫صعوبــة الوصــول إلــى التكنولوجيــات احلديثــة واملتطــورة هــذا فض ً‬ ‫ال‬ ‫عــن مصــادر احتياجنــا إلــى توفيــر مصــادر متويــل فعالــة ذلــك فيمــا‬ ‫يخــص مصــادر الطاقــة املتجــددة كل ذلــك بــدوره قــد يؤثــر علــى‬ ‫االقتصــادات العربيــة‪ .‬كمــا أن غيــاب السياســات اخلاصة باســتهالك‬ ‫الطاقــة يخلــق بعــض العوائــق يف نظــام الطاقــة الوطنــي‪.‬‬ ‫**هــل تؤثــر التغيــرات السياســية العامليــة علــى إنتــاج‬ ‫الطاقــة يف العالــم العربــي؟‬ ‫ــــ مصــادر الطاقــة كنفــط وغــاز طبيعــي بــدون شــك ولكــن هــذا ليــس‬ ‫مــن تخصــص اإلدارة ولكنــه ينــدرج حتــت إطــار منظمــة األقطــار‬ ‫العربيــة املصــدرة للبتــرول (أوابــك)‪ .‬التــي تهتــم بدراســة حجــم هــذه‬ ‫التأثيــرات وكيفيــة مواجهتهــا والتعامــل معهــا ‪.‬‬

‫**االنخفــاض الــذي تعــرض لــه ســعر برميــل النفــط خــال‬ ‫العــام املاضــي هــل تطلــب إعــادة النظــر يف السياســات العربية‬ ‫املتعلقــة بإنتــاج الطاقــة األحفوريــة واالعتمــاد أكثــر علــى‬ ‫الطاقــة املتجــددة؟‬ ‫ــــ ممــا الشــك فيــه لكــن األمــر يحتــاج إلــى العديــد مــن املتطلبــات التــي‬ ‫تتفــق مــع احتياجــات كل دولــة علــى حــدا‪.‬‬ ‫**حدثينــا عــن االســتراتيجية العربيــة إلنتــاج الطاقــة‬ ‫املتجــددة وأهدافهــا التــي اعتمدهــا القــادة العــرب يف قمــة‬ ‫الريــاض ؟‬ ‫ــــ مت إقــرار االســتراتيجية العربيــة لتطويــر اســتخدامات الطاقــة‬ ‫املتجــددة (‪2010-2030‬م) وذلــك يف القمــة العربيــة التنمويــة‬ ‫االقتصاديــة واالجتماعيــة يف الريــاض عــام ‪2013‬م‪ ،‬والتــي حــددت‬ ‫هدف ـاً عربي ـاً مشــتركاً ملســاهمة الطاقــة املتجــددة يف نظــم الطاقــة‬ ‫الكهربائيــة‪ .‬وكمحصلــة للجهــد املســتمر الــذي قــام بــه املجلــس‬ ‫الــوزاري العربــي للكهربــاء ومكتبــه التنفيــذي واألمانــة العامــة مت‬ ‫حتديــث االســتراتيجية العربيــة لتطويــر اســتخدامات الطاقــة‬ ‫املتجــددة لتضــم ثالثــة مقاصــد ذات أهميــة قصــوى للوصــول‬ ‫لالســتراتيجية العربيــة للطاقــة املســتدامة والتــي اعتمدتهــا قمــة‬ ‫بيــروت ينايــر ‪2019‬م‪.‬‬ ‫**ومــاذا عــن مبــادرة األمــن العــام للجامعــة العربيــة للطاقة‬ ‫املتجددة ؟‬ ‫ــــ املبــادرة حظيــت بترحيــب كبيــر مــن القمــة العربيــة؛ ومت توســيع‬ ‫نطاقهــا مــن قبــل املجلــس الــوزاري العربــي للكهربــاء لتصبــح‬ ‫االســتراتيجية العربيــة للطاقــة املســتدامة (‪.)2030‬‬ ‫**أيــن نحــن مــن إنتــاج الطاقــة املتجــددة مقارنــة بالعالــم‬ ‫اخلارجــي ؟‬ ‫ــــ لــدى املنطقــة العربيــة إمكانــات ممتــازة لكــن يجــب أال ننســى‬ ‫ظروفهــا ومــا تتعــرض لــه مــن أزمــات فض ـ ً‬ ‫ا عــن صعوبــة احلصــول‬ ‫علــى متويــل ذي شــروط ميســرة واحلاجــة إلــى خبــرات راســخة يف‬ ‫هــذا املجــال‪.‬‬ ‫**وهل غير وباء كرونا خريطة الطاقة العاملية؟‬ ‫ــــ بالتأكيــد الطلــب العاملــي علــى الطاقــة تراجــع بنســبة ‪4.5%‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫حوار‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪7‬‬

‫‪ 16‬دولــة عربيــة وافقــت عــى مذكــرة التفاهــم إلنشــاء ســوق‬ ‫عربيــة مشــتركة للكهربــاء عــام ‪2017‬‬ ‫والتــي متثــل إطــاراً للعمــل العربــي املشــترك يف مجــال الطاقــة‬ ‫املتجــددة وكفــاءة الطاقــة‪ ،‬كمــا اعتمــد املجلــس الــوزاري العربــي‬ ‫للكهربــاء (نوفمبــر‪2019‬م) النســخة احملدثــة مــن اخلطــة التنفيذيــة‬ ‫لالســتراتيجية العربيــة للطاقــة املســتدامة‪ ،‬ودليــل الطاقــة املتجــددة‬ ‫وكفــاءة الطاقــة يف الــدول العربيــة واإلطــار االسترشــادي العربــي‬ ‫لتحســن كفــاءة الطاقــة لــدى املســتخدم النهائــي ‪.‬‬ ‫**تنعــم املنطقــة العربيــة بالكثيــر مــن مصــادر الطاقــة‬ ‫املتجــددة إال أن أغلبهــا ال يســتغل فمــا هــي األســباب؟‬ ‫ــــ انتشــار تكنولوجيــا الطاقــة املتجــددة يتطلــب أراض شاســعة‬ ‫وظــروف مناخيــة مختلفــة وخبــرات كثيــرة باإلضافــة إلــى متويــل‬ ‫قــد ال تكــون معظــم هــذه العوامــل متاحــة لــدى الكثيــر مــن الــدول‬ ‫العربيــة يف الوقــت احلالــي‪ .‬ذلــك مــع قلــة مراكــز البحــث والتطويــر‬ ‫ونقــص اخلبــرات يف بعــض مجــاالت الطاقــة احلديثــة‪ ،‬هــذا فض ـ ً‬ ‫ا‬

‫عــن غيــاب بعــض السياســات الوطنيــة اخلاصــة بالطاقــة املتجــددة‬ ‫وكفــاءة الطاقــة يف بعــض الــدول‪ ،‬هــذا إلــى جانــب غنــى بعــض الــدول‬ ‫العربيــة مبصــادر وفيــرة مــن النفــط والغــاز الطبيعــي وهومــا يجعلهــا‬ ‫ال تلجــأ إلــى االعتمــاد علــى الطاقــة املتجــددة يف الوقــت الراهــن‪.‬‬ ‫**مــا هــي أهــم السياســات التــي يحتــاج إليهــا العالــم العربــي‬ ‫لتنظيــم قطــاع الطاقــة ؟‬ ‫البــد مــن وجــود اســتراتيجية وطنيــة عربيــة للطاقــة‪ ،‬كذلــك خطــط‬ ‫مبرمجــة يتــم تنفيذهــا علــى املــدى البعيــد واملتوســط تشــمل كل‬ ‫مصــادر الطاقــة‪ ،‬هــذا فض ـ ً‬ ‫ا عــن التوعيــة وال ننســى الــدور الــذى‬ ‫يلعبــه اإلعــام يف دعــم كل خطــط الطاقــة يف العالــم العربــي ‪.‬‬ ‫**ملــاذا يعــد منــط اســتهالك الطاقــة متســارع يف العالــم‬ ‫العربــي ‪ ،‬ومــا الــذى نحتــاج إليــه لعمل تــوازن بني االســتهالك‬

‫‪6‬‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫حوار‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫السفيرة جميلة مطر مدير إدارة الطاقة بجامعة الدول العربية‪:‬‬

‫السوقالعربيةالمشتركةللكهرباءأهممشروع‬ ‫للتكامل ورؤية الجامعة ترتكز عىل ‪ 3‬محاور‬ ‫تعتبــر الطاقــة واحــدة مــن أهــم مقومــات احليــاة بــل هــي الســبيل األهــم‪ ،‬ويتمتــع العالــم العربــي بالعديــد مــن‬ ‫مقومــات الطاقــة ســواء البتروليــة وحتــى البديلــة‪ ،‬ولــذا أصبــح البحــث عــن اســتخدام وســائل نظيفــة ومفيــدة مــن أكثــر‬ ‫األهــداف وأهمهــا يف الوقــت الراهــن‪ ،‬الســيما بعــد أن تســببت الطاقــة األحفوريــة يف العديــد مــن األضــرار البيئيــة‬ ‫هــذا فضـ ً‬ ‫ا عــن التهديــد املســتمر باحتماليــة نفادهــا‪ ،‬لــذا حــرص العالــم والــدول العربيــة مؤخـ ًرا علــى انتهــاج أســاليب‬ ‫جديــدة ومتطــورة يف تعاملهــم مــع قضايــا الطاقــة بــكل صورهــا‪ ،‬وســعت الــدول العربيــة إلــى املشــاركة و بقــوة يف هــذا‬ ‫املجــال مــن حيــث البحــث عــن بدائــل حديثــة ‪ ،‬هــذا فض ـ ً‬ ‫ا عــن اســتغالل كل مــا هــو متــاح والقضــاء نهائ ًيــا عــن أي‬ ‫معوقــات أو مشــاكل ممكــن أن تؤثــر ســل ًبا علــى إنتــاج الطاقــة يف العالــم العربــي‪ ،‬والــذى يــزداد معــدل اســتهالكها لــه‬ ‫عا ًمــا بعــد عــام‪ ،‬ونحــن يف العالــم العربــي لدينــا إمكانيــات كثيــرة لالســتثمار يف الطاقــة بــكل فروعهــا لكــن تنقصنــا‬ ‫بعــض التفاصيــل الصغيــرة التــي تســاهم حت ًمــا يف الصعــود نحــو حتقيــق األهــداف املرجــوة ‪ ،‬واســتطاعت الــدول‬ ‫العربيــة مؤخــ ًرا الســير وبقــوة نحــو حتقيــق الكثيــر مــن األهــداف التنمويــة يف هــذا املجــال‪ ،‬منهــا مشــروع الربــط‬ ‫الكهربائــي العربــي وكذلــك الســوق العربيــة املشــتركة والــذى يعتبــر ك ً‬ ‫ال منهــا خطــوة نحــو تكامــل عربــي أكبــر يف مجــال‬ ‫الطاقــة ‪ ،‬ســيتحقق يف املســتقبل القريــب مــع احلــرص علــى وجــود خطــط غيــر مألوفــة وبرامــج تنمويــة جديــدة لتحقيــق‬ ‫تقــدم أســرع نحــو التنميــة املســتدامة األوســع يف العالــم العربــي‪ ،‬هــذا مــا كشــفت عنــة الســفيرة جميلــة مطــر مديــر‬ ‫إدارة الطاقــة بجامعــة الــدول العربيــة خــال حوارنــا معهــا ‪.......‬‬

‫شاهيناز العقباوي ـ القاهرة‬

‫**بدايــة مــا الــدور الــذى تقــوم بــه إدارة الطاقــة بجامعــة‬ ‫الــدول العربيــة ومــا هــي أهدافهــا ؟‬ ‫ـــــ إدارة الطاقــة هــي إحــدى إدارات قطــاع الشــؤون االقتصاديــة يف‬ ‫األمانــة العامــة جلامعــة الــدول العربيــة‪ ،‬وتتولــى مهــام أمانــة املجلــس‬ ‫الــوزاري العربــي للكهربــاء‪ ،‬كمــا تعمــل علــى متابعــة املوضوعــات‬ ‫املتعلقــة باســتثمار مصــادر الطاقــة يف املنطقــة العربيــة ضمــن إطــار‬ ‫شــامل يعنــى بالتخطيــط املتكامــل لهــذه املــوارد‪ ،‬وحتقيــق االســتفادة‬ ‫املثلــى منهــا ويعتبــر تعزيــز ربــط الشــبكات الكهربائيــة يف الــدول‬ ‫العربيــة وتشــجيع إقامــة املشــروعات املشــتركة‪ ،‬والتنســيق فيمــا بــن‬ ‫الــدول العربيــة يف مجــال تبــادل اخلبــرات والتدريــب يف قطاعــي‬ ‫الكهربــاء والطاقــة‪ ،‬ويف مجــال تطويــر اســتخدامات الطاقــات‬ ‫املتجــددة‪ ،‬والتوســع يف االســتخدامات الســلمية للطاقــة النوويــة‬

‫واقتــراح السياســات الكفيلــة بتطويــر تطبيقاتهــا‪ ،‬باإلضافــة إلــى‬ ‫تعزيــز التعــاون مــع الهيــآت واملؤسســات العربيــة واإلقليميــة والدوليــة‬ ‫العاملــة يف مجــال الطاقــة‪ .‬مــن أهــم أهدافهــا‪ .‬التــي تســعى لتحقيهــا‬ ‫**هــل توجــد قضايــا ملحــة يف مجــال الطاقــة تأتــى علــى‬ ‫قائمــة أولويــات اإلدارة ؟‬ ‫ــــ تُعتبــر مشــاريع الربــط الكهربائــي العربــي هــي إحــدى أهــم‬ ‫املشــروعات التكامليــة العربيــة‪ ،‬و ّ‬ ‫متهــد إلقامــة ســوق عربيــة مشــتركة‬ ‫للكهربــاء بــن الــدول العربيــة‪ ،‬حيــث متــت املوافقــة علــى مذكــرة‬ ‫التفاهــم إلنشــاء ســوق عربيــة مشــتركة للكهربــاء‪ ،‬ومت التوقيــع عليهــا‬ ‫مــن قبــل ممثلــي (‪ 16‬دولــة عربيــة يف أبريــل ‪2017‬م‪ ،‬هــذا فضــ ً‬ ‫ا‬ ‫عــن مشــروع االســتراتيجية العربيــة للطاقــة املســتدامة ‪2030‬م‪،‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫وكل ذلـــك يدعـــم الرغبـــة املشـــتركة يف تنامـــي العالقـــات القائمـــة‬ ‫وتوس ــيع مجاالته ــا‪.‬‬ ‫فـــدول اخلليـــج يف حاجـــة إلـــى االســـتفادة مـــن توطـــن‬ ‫التكنولوجي ــا الصيني ــة يف كثي ــر م ــن املج ــاالت التنموي ــة و الصناعي ــة‬ ‫املدني ــة والعس ــكرية والعلمي ــة وغيره ــا م ــن املج ــاالت الت ــي قطع ــت‬ ‫فيه ــا الص ــن ش ـ ً‬ ‫ـوطا كبيــ ًرا وش ــأ ًوا عظي ًم ــا‪ ،‬مقاب ــل زي ــادة اعتم ــاد‬ ‫الصــن علــى النفــط اخلليجــي‪ ،‬وكذلــك احتياجهــا للســوق اخلليجيــة‬ ‫االســـتهالكية الواســـعة لتصريـــف منتجاتهـــا‪ ،‬لكـــن دول مجلـــس‬ ‫التعـــاون تريـــد أن تلعـــب الصـــن دو ًرا أكبـــر يف دعـــم واســـتقرار‬ ‫املنطق ــة انطال ًق ــا م ــن حج ــم التع ــاون ب ــن اجلانب ــن يف املج ــاالت‬ ‫االقتصادي ــة‪ ،‬وتري ــد أن يك ــون للص ــن مش ــاركات سياس ــية وأمني ــة‬ ‫وعســـكرية اســـتراتيجية أكبـــر ممـــا هـــو عليـــه اآلن‪ ،‬وأن تتحـــرر‬ ‫العالقــات الصينيــة ــــ اخلليجيــة مــن مجــرد عالقــة البائــع واملشــتري‬ ‫أو املنت ــج واملس ــتهلك‪ ،‬وأن تتج ــاوز عالق ــة جت ــارة النف ــط واملنتج ــات‬ ‫االســـتهالكية‪ ،‬وكذلـــك تأمـــل أن تســـتثمر عالقاتهـــا مـــع مختلـــف‬ ‫األطـــراف بصـــورة إيجابيـــة وبراغماتيـــة أكثـــر خاصـــة أن الصـــن‬ ‫ترتبـــط بعالقـــات وثيقـــة واتفاقيـــات بعيـــدة املـــدى تصـــل إلـــى ‪25‬‬ ‫عا ًمــا مــع إيــران‪ ،‬ويف املقابــل لهــا عالقــات وثيقــة واســتراتيجية مــع‬ ‫دول مجلــس التعــاون اخلليجــي‪ ،‬وعليــه فعلــى الصــن اســتثمار هــذه‬ ‫العالق ــات يف تكري ــس دور أكث ــر فاعلي ــة ومب ــا يع ــزز أم ــن الطاق ــة‬ ‫الــذي ترتكــز عليــه النهضــة الصينيــة ويعــد أحــد أركانهــا الرئيســية‪،‬‬ ‫وكذل ــك اس ــتقرار منطق ــة اخللي ــج والش ــرق األوس ــط‪.‬‬ ‫دول اخللي ــج يعنيه ــا االس ــتقرار والتنمي ــة يف املق ــام األول‪ ،‬وال‬ ‫ترغــب يف زيــادة حــدة الصــراع يف هــذه املنطقــة املهمــة مــن العالــم‪،‬‬ ‫وال تريـــد الدخـــول يف حـــاالت اســـتقطاب أو محـــاور وال تريـــد أن‬ ‫تك ــون املنطق ــة س ــاحة للمواجه ــة ب ــن الق ــوى األكب ــر املتصارع ــة‬ ‫عل ــى النف ــوذ والس ــيطرة‪ ،‬أو الع ــودة إل ــى أج ــواء احل ــرب الب ــاردة‬ ‫كالتــي كانــت بــن الواليــات املتحــدة األمريكيــة واالحتــاد الســوفياتي‬ ‫الســـابق‪ ،‬حيـــث ترتبـــط دول املنطقـــة بعالقـــات ثابتـــة وراســـخة‬ ‫واس ــتراتيجية م ــع الوالي ــات املتح ــدة األمريكي ــة ومنظوم ــة ال ــدول‬ ‫الغربيــة‪ ،‬وعالقــات متناميــة وواعــدة مــع الصــن‪ ،‬ويف الوقــت نفســه‬ ‫تعتم ــد دول مجل ــس التع ــاون منظوم ــة خط ــط ورؤى تنموي ــة بعي ــدة‬ ‫املــدي (‪ )2030‬مــا يجعلهــا تعمــل علــى توســيع القاعــدة االقتصاديــة‬ ‫وتنــوع الشــراكات مــع جميــع دول العالــم مــن أجــل الدخــول يف ســباق‬

‫العــدد‬ ‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪5‬‬

‫التنمي ــة وتنوي ــع مص ــادر الدخ ــل بعيــدًا ع ــن الصراع ــات السياس ــية‬ ‫واأليدولوجي ــة وغيره ــا‪.‬‬ ‫وعليـــه تأمـــل دول مجلـــس التعـــاون اخلليجـــي أن متضـــي يف‬ ‫طري ــق التنمي ــة والتط ــور ال ــذي اختط ــه لنفس ــها بعي ـدًا ع ــن اجل ــدل‬ ‫الدائـــر أو الصـــراع بـــن الواليـــات املتحـــدة والصـــن‪ ،‬وتريـــد مـــن‬ ‫القـــوى الكبـــرى املســـاعدة يف تنفيـــذ الـــرؤى التنمويـــة املنشـــودة‬ ‫وكذلـــك يف تثبيـــت أمـــن واســـتقرار املنطقـــة والنـــأي بهـــا عـــن‬ ‫الصراع ــات‪ ،‬كم ــا أن املنطق ــة تن ــأى بنفس ــها ع ــن ه ــذه الصراع ــات‬ ‫وال تريــد أن تكــون ملع ًبــا لهــا‪ ،‬وتريــد يف الوقــت نفســه مــن الواليــات‬ ‫املتح ــدة األمريكي ــة احلف ــاظ عل ــى دوره ــا التقلي ــدي يف تثبي ــت أم ــن‬ ‫واس ــتقرار املنطق ــة كم ــا كان الوض ــع من ــذ انس ــحاب بريطاني ــا م ــن‬ ‫ً‬ ‫وأيض ــا‬ ‫ش ــرق الس ــويس‪ ،‬وإق ــرار مب ــدأ نيكس ــون ث ــم مب ــدأ كارت ــر ‪،‬‬ ‫تأمــل مــن الصــن أن تلعــب الــدور املأمــول يف دعــم تنميــة املنطقــة‬ ‫والتعامـــل بإيجابيـــة مـــع كافـــة األطـــراف وأن تتعامـــل مـــع جميـــع‬ ‫الـــدول مـــن منطلـــق الصداقـــة مـــع جميـــع األطـــراف بعيـــدًا عـــن‬ ‫األيدولوجي ــات وخلفي ــات الص ــراع ب ــن ال ــدول اإلقليمي ــة وأن تك ــون‬ ‫اتفاقياته ــا م ــع إي ــران لتحقي ــق مناف ــع له ــا وللمنطق ــة دون اخل ــوض‬ ‫يف صراعــات عســكرية حيــث مازالــت بنــود اتفاقيــة الـــ ‪ 25‬ســنة بــن‬ ‫بكــن و طهــران ســرية وغامضــة وغيــر واضحــة‪ .‬وكذلــك أال تكــون‬ ‫الصــن جــز ًءا غيــر معلــن يف عســكرة البرنامــج النــووي اإليرانــي‪ ،‬أو‬ ‫مص ــدرة لتكنولوجي ــا برنام ــج الصواري ــخ البالس ــتية اإليراني ــة ال ــذي‬ ‫يزع ــزع أم ــن واس ــتقرار منطق ــة اخللي ــج‪ ،‬ويف املقاب ــل دول مجل ــس‬ ‫التعـــاون منفتحـــة بإيجابيـــة علـــى اجلميـــع وال تريـــد أن تســـتخدم‬ ‫عالقته ــا بالص ــن لتك ــون بديل ــة ع ــن الوالي ــات املتح ــدة األمريكي ــة‪،‬‬ ‫وهــذا مــا تعلنــه الصــن ً‬ ‫أيضــا التــي تقــدم نفســها علــى أنهــا شــريك‬ ‫ً‬ ‫بديـــا عـــن واشـــنطن يف املنطقـــة أو يف أي مـــكان‬ ‫تنمـــوي وليـــس‬ ‫بالعال ــم‪.‬‬ ‫وأخيـــ ًرا دول مجلـــس التعـــاون اخلليجـــي محبـــة للســـام‬ ‫واالس ــتقرار وس ــاعية للتنمي ــة والنه ــوض‪ ،‬وال تري ــد أن ت ــزج بنفس ــها‬ ‫يف أتـــون خالفـــات قادمـــة مـــن خـــارج املنطقـــة حتـــى ال تتعطـــل‬ ‫مس ــيرتها التنموي ــة وس ــعيها ال ــدؤوب للح ــاق برك ــب التق ــدم العامل ــي‬ ‫وهـــذا مـــا يجـــب أن تتفهمـــه القـــوى الكبـــرى‪.‬‬ ‫*رئيس مركز الخليج لألبحاث‬

‫حول الخليج‬ ‫‪4‬‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫افـتتــاحــية ال ـعـدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مستقبل الخليج والتنافس‬ ‫األمريكي ـ الصيني‬

‫د‪ .‬عبد العزيز بن عثمان بن صقر‬

‫‪4‬‬ ‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫العالـــم ميـــر اآلن مبرحلـــة فارقـــة ‪ ،‬وكذلـــك حالـــة ترقـــب غيـــر‬ ‫عاديــة انتظــا ًرا ملــا يتمخــض عنــه التنافــس احملمــوم علــى بســط القــوة‬ ‫والنفــوذ بــن القــوى التقليديــة والقــوى الصاعــدة يف ظــل احلديــث عــن‬ ‫عال ــم جدي ــد متع ــدد القطبي ــة‪ ،‬بع ــد أن اس ــتقر النظ ــام الدول ــي لعق ــود‬ ‫إث ــر انته ــاء احل ــرب العاملي ــة الثاني ــة يف منتص ــف أربعيني ــات الق ــرن‬ ‫العشــرين‪ ،‬وظهــور القوتــن األعظــم آنــذاك وهمــا الواليــات األمريكيــة‬ ‫املتح ــدة واالحت ــاد الس ــوفيتي وال ــدول اخلم ــس دائم ــة العضوي ــة يف‬ ‫مجلــس األمــن الدولــي‪ ،‬وقــد اســتمر النظــام الدولــي علــى تلــك الهيئــة‬ ‫حت ــى تف ــكك االحت ــاد الس ــوفيتي‪ ،‬وانهي ــار حل ــف وارس ــو‪ ،‬وه ــدم س ــور‬ ‫برل ــن يف مطل ــع تس ــعينيات الق ــرن العش ــرين‪ ،‬وبع ــد ذل ــك انف ــردت‬ ‫الواليــات املتحــدة باملركــز األول واحتلــت منظومــة الصــدارة يف النظــام‬ ‫الدولــي‪ ،‬لكــن مــا لبثــت أن خطــت الصــن خطــوات كبيــرة علــى طريــق‬ ‫التقــدم واالزدهــار مبعــدالت منــو مرتفعــة وحجــم اقتصــاد كبيــر ج ـدًا‬ ‫وتقـــدم صناعـــي وتكنولوجـــي واقتصـــادات معرفـــة واســـعة النطـــاق‪،‬‬ ‫وواكـــب ذلـــك زيـــادة معـــدالت مبادالتهـــا التجاريـــة مـــع دول العالـــم‬ ‫ومنه ــا دول مجل ــس التع ــاون اخلليج ــي‪ ،‬ث ــم ج ــاءت مب ــادرة احل ــزام‬ ‫والطري ــق لتضي ــف بعـ ـدًا جديـ ـدًا للعالق ــات االقتصادي ــة م ــع العال ــم‬ ‫واملنطق ــة‪.‬‬ ‫عالقـــات دول مجلـــس التعـــاون اخلليجـــي تـــزداد أهميـــة مـــع‬ ‫الص ــن يف ظ ــل اعتم ــاد بك ــن عل ــى كمي ــات كبي ــرة م ــن نف ــط املنطق ــة‬ ‫مـــا جعلهـــا م ــن أكب ــر مســـتوردي النف ــط اخلليجـــي يف العالـــم ومـــن‬ ‫تنوع ــا م ــا جع ــل‬ ‫ث ــم تنام ــت العالق ــات اخلليجي ــة ـ الصيني ــة وزادت ً‬ ‫الص ــن ش ــري ًكا جتار ًي ــا أساس ـ ًيا ل ــدول مجل ــس التع ــاون‪ ،‬وعل ــى ض ــوء‬ ‫ذلـــك مت إبـــرام اتفاقيـــات التعـــاون وإقامـــة مشـــاريع مشـــتركة بـــن‬ ‫اجلانب ــن‪ ،‬إضاف ــة إل ــى اهتم ــام متب ــادل ب ــن اجلانب ــن بارتي ــاد آف ــاق‬ ‫رحب ــة للتع ــاون الثنائ ــي يف ش ــتى املج ــاالت‪ ،‬ويف خلفي ــة ه ــذا املش ــهد‬ ‫املتعاظ ــم توج ــد عالق ــات تاريخي ــة إيجابي ــة وإرث حض ــاري وثق ــايف‬ ‫كبيــر يرفــد هــذه العالقــات بقنــوات متعــددة‪ ،‬مــع تاريــخ إيجابــي يخلــو‬ ‫م ــن املنغص ــات الس ــلبية االس ــتعمارية الت ــي تعك ــر صف ــو العالق ــات‪،‬‬

‫ملف العدد‬

‫د‪ .‬صدقه بن يحيى فاضـــــــل‬ ‫د‪ .‬إن جانــاردان‬ ‫وائل خليل ياسين‬ ‫د‪ .‬ديجانج صن‬ ‫د‪ .‬جاكلين أرميجو‬ ‫د‪ .‬هيله حمد المكيمي‬ ‫د‪ .‬هند املحيل سلطان‬ ‫د‪ .‬مصطفى صايج‬ ‫د‪ .‬غانم علوان الجمييل‬ ‫د‪ .‬محمد عباس ناجي‬ ‫د‪ .‬عبدالله باحجاج‬ ‫د نوزاد عبد الرحمن الهيتي‬ ‫اللواء د‪ .‬محمد عالم سيد‬ ‫د‪ .‬نورهان الشيخ‬ ‫د‪ .‬ظافر محمد العجمي‬ ‫اللواء د‪ .‬نرص محمد سامل‬ ‫د أحمد سليم الربصان‬ ‫د‪ .‬محمود عزت عبد الحافظ‬ ‫د‪ .‬رأفت محمود محمد‬ ‫د محمد البنا‬ ‫د‪ .‬صدفة محمد محمود‬ ‫د‪ .‬أمرية محمد عبدالحليم‬

‫هذا العدد‬ ‫‪21www.araa.sa‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪28‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪35‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪49‬‬ ‫‪54‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪65‬‬ ‫‪71‬‬ ‫‪77‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪87‬‬ ‫‪92‬‬ ‫‪97‬‬ ‫‪102‬‬ ‫‪106‬‬ ‫‪111‬‬ ‫‪117‬‬ ‫‪123‬‬

‫إصدارات‬

‫‪131‬‬

‫تحـــوالت السياســـة الخارجيـــة للواليـــات المتحـــدة تجـــاه الشـــرق‬ ‫األوســـط‬ ‫آراء حول الخليج‪ :‬جدة‬

‫العــددـل رقــم (‪ )165‬مــن سلســلة إصــدارات‬ ‫هــذا العــدد الماثــل بيــن يــدي القــراء يحمـ‬ ‫‪165‬ـارة عــى‪ 3‬الســاحة الدوليــة بقــوة‪،‬‬ ‫‪2021‬ـ‬ ‫سبتمبــــرـا مث‬ ‫مجلــة (آراء حــول الخليــج)‪ ،‬وتنــاول عــدة قضايـ‬ ‫ويف مقدمتهــا ســيطرة طالبــان عــى أفغانســتان وتداعيــات ذلــك عــى دولــة أفغانســتان‬ ‫نفســها وعــى الــدول المجــاورة ومنطقتــي الشــرق األقصــى واألوســط‪ ،‬بــل والعالــم‪ ،‬مــع‬ ‫توضيــح تأثيــر هــذا التطــور عــى القــوى الكبــرى المتصارعــة يف هــذه المرحلــة المقبلــة‬ ‫خاصــة بيــن أمريــكا والصيــن وروســيا‪.‬‬ ‫وجــاء الملــف الرئيســي للعــدد تحــت عنــوان (مســتقبل العالقــات الخليجيــة ـ‬ ‫الصينيــة يف عالــم متغيــر)‪ ،‬وتناولــت دراســات ومقــاالت الملــف قــراءة يف مســتقبل‬ ‫العالقــات الصينيــة ـ األمريكيــة وتأثيــر الصــراع الدائــر بيــن الدولتيــن عــى خريطــة‬ ‫السياســة الدوليــة واإلقليميــة بوجــه عــام‪ ،‬وعــى دول مجلــس التعــاون الخليجــي‬ ‫بوجــه خــاص نظــ ًرا للعالقــات التاريخيــة التقليديــة التــي تربــط دول المجلــس‬ ‫بالواليــات المتحــدة األمريكيــة بوجــه خــاص منــذ منتصــف أربعينيــات القــرن‬ ‫العشــرين‪ ،‬وبالمعســكر الغربــي بوجــه عــام طيلــة هــذه الحقبــة بمــا يف ذلــك ارتبــاط‬ ‫اقتصــادي وسياســي وأمنــي وعســكري وغيــر ذلــك مــن أوجــه العالقــات والتــي بلغــت‬ ‫طــور الشــراكة‪ ،‬أو التحالــف يف بعــض األحيــان‪ .‬مقابــل عالقــات اقتصاديــة صاعــدة‬ ‫ومتطــورة بشــكل ســريع ومتنامــي مــع الصيــن التــي تعــد الشــريك االقتصــادي األبــرز‬ ‫خاصــة مــع زيــادة اعتمادهــا عــى النفــط الخليجــي وتنامــي قيمــة وحجــم التبــادل‬ ‫التجــاري بيــن الجانبيــن وأي ًضــا زيــادة تداخــل الصيــن مــع دول المجلــس يف توطيــن‬ ‫التكنولوجيــا الصينيــة مــع توقــع تعــاون أوثــق بيــن الجانبيــن يف مجــال التســليح‪.‬‬ ‫األصــوات الخليجيــة األكثــر درايــة وتخص ًصــا تــرى أن العالقــات الخليجيــة ـ‬ ‫الصينيــة لــن تكــون عــى حســاب العالقــات الخليجيــة ـ األمريكيــة‪ ،‬بــل عالقــات‬ ‫متوازيــة وتعتقــد أن العالقــات الخليجيــة ـ األمريكيــة راســخة واســتراتيجية وذات‬ ‫أبعــاد متعــددة‪ ،‬وتــرى أي ًضــا أن الصيــن ذات عالقــات أحاديــة الجانــب وهــي اقتصاديــة‬ ‫فقــط حيــث تعتبــر دول المنطقــة مجــرد خــزان للنفــط وســو ًقا تجاريــة لتصريــف‬ ‫منتجاتهــا دون الدخــول يف مجــاالت أخــرى‪ ،‬وتــرى أن الصيــن أقــل إقدا ًمــا نحــو دول‬ ‫الخليــج كمــا تحمــل العالقــات الصينيــة ــــ اإليرانيــة تســاؤالت وشــكوك كثيرة وال ســيما‬ ‫بعــد اتفاقيــة الـــ ‪ 25‬ســنة الغامضــة وغيــر المعلنــة‪.‬‬ ‫بينمــا يــرى فريــق آخــر أن الصيــن قادمــة ال محــال إىل ســدة العالــم وتــويل زعامتــه‪،‬‬ ‫وأنهــا ســتكون زعيمــة العالــم ال محالــة يف ظــل الصعــود االقتصــادي والتكنولوجــي‬ ‫والعســكري وتوســع النفــوذ الــدويل مــع تراجــع الــدور األمريكــي‪ ،‬وهــذا الفريــق ينــادي‬ ‫بالتــزام البرجماتيــة يف التعامــل مــع النجــم الصاعــد للتنيــن الصينــي عــى أنــه القــوة‬ ‫األعظــم القادمــة يف عالــم مــا بعــد القطبيــة الواحــدة‪.‬‬ ‫لكــن يبــدو المؤشــر األهــم هــو نضــج السياســة الخليجيــة واالعتمــاد عــى الــذات‬ ‫أكثــر يف ظــل الصــراع الــدويل القائــم والتوجــه إىل االســتقاللية واالعتمــاد عــى الــذات‬ ‫والنــأي بالنفــس عــن االســتقطاب واالســتفادة مــن التطــورات عــى الســاحة الدوليــة‬ ‫واالنفتــاح عــى الجميــع يف إطــار سياســة متزنــة تحقــق المصالــح وتحفــظ أمــن‬ ‫واســتقرار المنطقــة وهــذا التوجــه واضــح يف رســم السياســة الخارجيــة الخليجيــة حيــث‬ ‫مازالــت العالقــات مــع الواليــات المتحــدة والغــرب مســتمرة قويــة واســتراتيجية يف‬ ‫مجــاالت عديــدة‪ ،‬مــع زيــادة يف التوســع يف التعــاون االقتصــادي مــع الصيــن مــع حجــم‬ ‫ســوق متنامــي ‪.‬‬

‫محاور العدد المقبل‬ ‫وقفة‬

‫‪132‬‬

‫أفغانستان ورقة جديدة يف الصراع الدويل‬ ‫جامل أمني هامم‬

‫اإلسهامات‬ ‫٭ ترحــب مجلــة «آراء حــول اخلليــج» بإســهامات الكتــاب والباحثــن يف الشــؤون اخلليجيــة يف‬ ‫املجــاالت السياســية واالقتصاديــة واالجتماعيــة والدفاعيــة واألمنيــة‪.‬‬ ‫٭ المجلة غير ملتزمة بإعادة أي مادة تتلقاها للنشر‪.‬‬ ‫٭ جميع حقوق الترجمة والنشر محفوظة لمركز الخليج لألبحاث ‪.2008‬‬ ‫٭ ال يســمح بإعــادة نشــر المــواد المنشــورة فــي المجلــة دون الحصــول علــى إذن خطــي مســبق مــن‬ ‫مركــز الخليــج لألبحــاث‪.‬‬ ‫٭ آراء الكتاب تعبر عن أصحابها وال تعبر بالضرورة عن اتجاهات يتبناها مركز الخليج أو مجلة آراء‪.‬‬

‫يتنــاول العــدد المقبــل رقــم (‪ )166‬مــن سلســلة إصــدارات المجلــة والــذي ســيصدر بمشــيئة اللــه‬ ‫تعــاىل مطلــع شــهر أكتوبــر المقبــل‪ ،‬يف الملــف الرئيســي (التطــورات يف أفغانســتان وتأثيرهــا‬ ‫عــى منطقــة الخليــج)‪ ،‬وتضــع المجلــة شــروط الكتابــة التــي تتمثــل فيمــا يــي‪:‬‬ ‫ــ ال ٌيلتفت للمقاالت التي تصل المجلة دون تكليف مسبق وتحديد محور المقال‪.‬‬ ‫ــ االلتزام بإرسال المقاالت والدراسات يف موعد أقصاه العشرين من كل شهر‪.‬‬ ‫ــ ال يزيد عدد الكلمات عن ‪ 2500‬كلمة للمقال‪ ،‬وال يقل عن ‪ 2000‬كلمة‪.‬‬ ‫ــ المجلة غير ملتزمة بنشر كل ما يصلها من مقاالت‪.‬‬ ‫ــــ مراعــاة الكتابــة باللغــة العربيــة وليــس باللهجــات المحليــة‪ ،‬مــع االهتمــام بالجــودة ولــن‬ ‫يلتفــت للمقــاالت التــي ال تلتــزم بالجــودة‪ ،‬والمنقولــة مــن مواقــع اإلنترنــت‪.‬‬ ‫ــ المقاالت تعبر عن رأي الكتاب وليست بالضرورة أن تعبر عن رأي المجلة‪.‬‬ ‫ـــ احترام ثوابت المجتمع والمعتقدات الدينية واألخالقيات العامة‪.‬‬

‫افتتاحية العدد‬ ‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪2‬‬

‫مجلة شهرية تصدر عن‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬ ‫تعنى بالشؤون اخلليجية‬ ‫رئيس التحرير‬

‫د‪ .‬عبد العزيز بن عثمان بن صقر‬

‫‪4‬‬

‫مستقبل الخليج والتنافس األمريكي ـ الصيني‬ ‫‪www.araa.sa‬‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز بن عثمان بن صقر‬

‫حوار‬

‫‪6‬‬

‫الســـوق العربيـــة املشـــركة للكهربـــاء أهـــم مـــروع للتكامـــل‬ ‫ورؤيـــة الجامعـــة ترتكـــز عـــى ‪ 3‬محـــاور‬ ‫شاهيناز العقباوي ــ القاهرة‬

‫مدير التحرير‬

‫جمال أمني همام‬ ‫سكرتير التحرير‬

‫سليمان مارديني‬ ‫التصميم الفني‬

‫هند منصور احلازمي‬ ‫الهيئة االستشارية‬

‫د‪ .‬خالد اجلابر‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬عبد اخلالق عبد اهلل‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬عبد اهلل خليفة الشايجي‬ ‫د‪ .‬عبد اهلل بن علي عبد الرزاق باحجاج‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬صالح بن عبد الرحمن املانع‬ ‫د‪ .‬محمد عبد الغفار عبد اهلل‬ ‫الطباعة‬

‫متت الطباعة يف مؤسسة‬ ‫املدينة للصحافة والطباعة والنشر‬

‫دراسة العدد‬

‫‪10‬‬

‫دبلوماســـية فـــخ الديون‪:‬هـــل يبتلـــع التنيـــن األصفـــر الســـيادة‬ ‫اإلفريقيـــة؟‬ ‫د‪ .‬الصادق الفقيه‬

‫قضية العدد‬

‫‪16‬‬

‫دول الخليـــج تســـتفيد اقتصاد ًيـــا مـــع الصيـــن لكـــن ال تســـتبدل‬ ‫العالقـــات االســـتراتيجية مـــع الغـــرب‬ ‫د‪ .‬محمد غانم الرميحي‬

‫اإلعالنات واملراسالت‬ ‫لإلعالن يف املجلة ميكن االتصال بقسم اإلعالن والتسويق على العنوان التالي‪:‬‬ ‫البريد االلكتروني‪info@araa.sa :‬‬ ‫توجه جميع املراسالت إلى مجلة «آراء حول اخلليج» على العنوان التالي‪:‬‬ ‫‪ 1٩‬شارع راية االحتاد‬ ‫ص‪.‬ب‪ ١٠٥٠١ .‬جدة ‪ ٢١٤٤٣‬اململكة العربية السعودية‬ ‫هاتف‪+٩٦٦ ١٢ ٦٥١١٩٩٩:‬‬ ‫فاكس‪+٩٦٦ ١٢ ٦٥٣١٣٧٥ :‬‬ ‫البريد اإللكتروني‪info@araa.sa :‬‬

‫ثمن النسخة‬ ‫اململكة العربية السعودية‪ ٣٥ :‬ري ـ ــا ًال‬ ‫درهما‬ ‫اإلمارات العربية املتحدة‪٣٥ :‬‬ ‫ً‬ ‫‪ ٣٫٥‬دينا ًرا‬ ‫مملكة البحرين‪:‬‬ ‫‪ ٣٥‬ري ـ ـ ــا ًال‬ ‫دولة قطر‪:‬‬ ‫‪ ٣٫٥‬دينا ًرا‬ ‫دولة الكويت‪:‬‬ ‫‪ ٣٫٥‬ري ـ ـ ــا ًال‬ ‫سلطنة عمان‪:‬‬ ‫‪ ٤٫٥‬ديـنــا ًرا‬ ‫األردن‪:‬‬

‫االشتراك السنوي‬ ‫الدول العربية‪:‬‬ ‫الدول األوروبية‪:‬‬ ‫بقية دول العالم‪:‬‬

‫‪ ١٠٠‬دوال ًرا‬ ‫‪ ١١٠‬دوال ًرا‬ ‫‪ ١٢٠‬دوال ًرا‬

‫يرسل طلب االشتراك إلى عنوان املجلة‬ ‫مــع حوالــة مصرفيــة أو شــيك بقيمــة‬ ‫االشــتراك باســم مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫العــدد ‪165‬‬ ‫سبتمبــــر ‪2021‬‬

‫‪1‬‬

WWW.GRC.NET

@Gulf_Research

Gulfresearchcenter

gulfresearchcenter

‫السـوق العربية المشـتركة للكهرباء‬ ‫أهم مشـروع للتكامـل ويرتكز عىل ‪3‬‬ ‫محاور‬ ‫العــــــدد ‪165‬‬ ‫سبـتمبــــــــــر ‪2021‬‬

‫ملف العدد‬ ‫مستـقبــل العاقــــات الخلـيـجيــة ـ الصيــنيــة فـــي عالم متغير‬ ‫▀ أمري ــكا والصي ــن يتعاون ــان ويتنافس ــان ويتواجه ــان والخط ــر يف ح ــرب ب ــاردة جدي ــدة‬ ‫▀ "القـــوس اإلســـامي" قلـــب مبـــادرة الحـــزام وســـاحة المعركـــة الصينيـــة‪ /‬األمريكيـــة‬ ‫ـــوازن" ال "الحليـــف" يف العاقـــات مـــع إيـــران ودول الخليـــج‬ ‫▀ بكيـــن تفضـــل دور ُ‬ ‫"الم ِ‬ ‫▀ الطاق ــة النووي ــة والفض ــاء والطاق ــات الجدي ــدة نق ــاط تس ــلل الصي ــن ل ــدول الخلي ــج‬ ‫▀ لــدى الصيــن ‪ 250‬صومعــة صواريــخ تحــت األرض وبكيــن وموســكو محــور الشــرق الصاعــد‬ ‫▀ الصيـــن أكبـــر قـــوة بحريـــة يف العالـــم قوامهـــا ‪ 350‬ســـفينة و ‪ 130‬وحـــدة قتاليـــة‬