مجلة آراء العدد 109

‫العــــــدد ‪109‬‬ ‫ﻳـــﻮﻟــﻴـــــﻮ ‪2016 -‬‬

‫الصنـدوق السعـودي‪ 330:‬مشـرو ًعا‬ ‫فـي ‪ 44‬دولة بـ ‪ 32‬مـليا ًرا يف إفريقيا‬ ‫روســيـــا تراقـب إفـريـقيا بشبكـة‬ ‫«كوندو» وإسقاط الديون المالية‬ ‫المحافظون الجدد‪ :‬ترامب كارثة ‪..‬‬ ‫والتنافس بين مرشحين أقل شعبية‬

‫ملف العدد‪:‬‬

‫العالقــات الخليجية مع إفريقيا جنوب الصحــراء‪ :‬الفرص والتحديات‬ ‫▀ ‪ 4‬مجــاالت لالســتثمارات العربيــة يف قــارة تضــم نصــف خامــات معــادن العالــم‬ ‫▀ اإلرهـــــاب وإسـرائـيـــل وإيـــران ‪ ..‬ثــالـــوث الــخـطــــر الـــقـــادم عـلـــى الـعـــرب مـــن إفـريـقـيـــا‬ ‫▀ ‪ %6.5‬متوســط النمــو يف إفريقيــا و‪ 7‬دول مرشــحة ضمــن االقتصــادات األســرع نمــ ًوا‬ ‫▀ ‪ %11‬مــن الميــاه العذبــة فــي إفريقيــا والصحــراء الكبــرى تضــم أكبــر مســتودع للميــاه فــي العالــم‬ ‫▀ إفريقيــا تضــم ‪ 21‬دولــة منتجــة للنفــط بينهــم ‪ 4‬أعضــاء أوبــك والثقــل يف غــرب إفريقيا‬ ‫▀ ‪ 1000‬مـــدرســــة و‪ 69‬مـعـهـــ ًدا و‪ 16‬مـلـحـقـــية عـسـكـــرية صـيـنيـــة و‪ 35‬مـلـيـــا ًرا إلفـريـقـــيا‬ ‫▀ إســرائيل فككــت الكتلــة التصويتية للــدول اإلفريقية وتســتثمر الفقــر بإغراء المســاعدات‬ ‫▀ ثــالث قــوى عالميــة تتصــارع فــي غــرب إفريقيــا‪ ..‬والــدور الخليجــي تحكمــه المصالــح والسياســة‬ ‫▀ اإلمـــارات الـمـســتــثـمـــر الـعـربـــي األول بـــ ‪ %21‬والـســعـوديـــة الـثــانـــي بـــ ‪ %19‬فــي إفـريـقــيـــا‬

‫‪112‬‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫وقفة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الــغـيـ ــاب الـعـربـ ــي فـ ــي إفـريـقـيـ ــا‬

‫جمال أمني همام*‬ ‫‪jamal@araa.sa‬‬ ‫العاقــات العربيــة ـ اإلفريقيــة قدميــة ومنقوشــة علــى اآلثــار املوجــودة‬ ‫منــذ فجــر التاريــخ حيــث امتــدت هــذه العاقــات مــن أقصــى شــرق إفريقيــا‬ ‫إلــى مصــر وشــمال القــارة ثــم جزيــرة العــرب وبــاد الشــام‪ ،‬ويف العصــر‬ ‫احلديــث بلغــت هــذه العاقــات قوتهــا مــع بدايــة النصــف الثانــي مــن‬ ‫القــرن العشــرين وجتلــى ذلــك يف دعــم الــدول العربيــة حلــركات التحــرر‬ ‫اإلفريقيــة‪ ،‬وهــذا مــا جســدته قمــة أكــرا عــام ‪1965‬م‪ ،‬ثــم القمــة اإلفريقيــة‬ ‫عــام ‪1967‬م‪ ،‬حيــث مت إرســاء قواعــد صلبــة للعمــل العربــي ـ اإلفريقــي‬ ‫املشــترك‪ ،‬ودعــم القضيــة الفلســطينية‪ ،‬والتصــدي حملــاوالت إســرائيل‬ ‫الختــراق القــارة الســمراء‪ ،‬وبعــد ذلــك جــاءت القمــة العربيــة ـ اإلفريقيــة‬ ‫األولــى عــام ‪1977‬م‪ ،‬يف لومــي وأكــدت علــى اخلطــوط العريضــة للتعــاون‬ ‫بــني الطرفــني و تبلــورت يف «التطلــع نحــو حتقيــق التعــاون يف املجــاالت‬ ‫السياســية‪ ،‬االقتصاديــة‪ ،‬واالجتماعيــة‪ ،‬وترســيخ التحــرر والتنميــة وتطبيــق‬ ‫مبــدأ التعايــش الســلمي املشــترك لــكل شــعوب القــارة»‪.‬‬ ‫التاحــم العربــي ـ اإلفريقــي بلــغ ذروتــه يف ســبعينيات القــرن العشــرين‬ ‫ثــم اجتــه يف نهايــة ذلــك العقــد نحــو االنحــدار لعــدة عوامــل متزامنــة منهــا‪:‬‬ ‫اســتكمال اســتقال الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬تغيــر املوقــف العربــي جتــاه إســرائيل‬ ‫بعــد معاهــدة كامــب ديفيــد‪ ،‬تأييــد الشــارع العربــي للثــورة اإليرانيــة‪،‬‬ ‫االنكفــاء العربــي علــى القضايــا الداخليــة‪ ،‬والصراعــات اجلانبيــة بــني‬ ‫أعضــاء النظــام العربــي‪ ،‬بــل شــهدت القــارة تنافــس عربــي‪ /‬عربــي علــى‬ ‫النفــوذ ومــن ثــم فقــدت العاقــات العربيــة ـ اإلفريقيــة وهجهــا وتراجعــت‬ ‫لتدخــل القــارة الســمراء يف محــاوالت إغــراء مــن دول أخــرى منها إســرائيل‪،‬‬ ‫إيــران‪ ،‬الصــني‪ ،‬وتركيــا‪ ،‬إضافــة إلــى االســتعمار الغربــي القــدمي‪ .‬ولذلــك لــم‬ ‫تعقــد القمــة العربيــة ـ اإلفريقيــة الثانيــة إال بعــد مــرور ‪ 33‬ســنة أي يف عــام‬ ‫‪ 2010‬يف ســرت‪ ،‬ثــم قمــة الكويــت ‪2013‬م‪.‬‬ ‫ويف غمــرة التنافــس الدولــي املصحــوب بدعــم اقتصــادي للــدول‬ ‫اإلفريقيــة‪ ،‬وتطويــر مشــروعات خدميــة ومرافــق وإنشــاء قواعــد عســكرية‬ ‫مــن قــوى دوليــة وإقليميــة‪ ،‬نشــبت ثــورات الربيــع العربــي التــي ألقــت بظــال‬ ‫ســلبية علــى العاقــات العربيــة ـ اإلفريقيــة‪ ،‬حيــث خشــيت دول القــارة‬ ‫الســمراء مــن انتقــال عــدوى هــذه الثــورات‪ ،‬بــل دعــت أوروبــا إلــى انتشــار‬

‫مثــل هــذه الثــورات يف إفريقيــا جنــوب الصحــراء‪ ،‬ودعــا الكردينــال بيتــر‬ ‫تركســون رئيــس املجلــس البابــوي للفاتيــكان بضــرورة انتقــال الثــورات‬ ‫العربيــة إلــى جنــوب الصحــراء لتحقيــق العدالــة االجتماعيــة‪.‬‬ ‫كما أن بروز دور تنظيمات اإلسام السياسي ووصولها للسلطة يف بعض‬ ‫الــدول العربيــة‪ ،‬وتنامــي موجــات اإلرهــاب العابــرة للحــدود والتــي أصبح لها‬ ‫امتداد يف جنوب الصحراء كتنظيم داعش‪ ،‬القاعدة‪ ،‬وبوكو حرام وغيرها‪،‬‬ ‫أقلقت دول جنوب الصحراء وجعلتها تتحسس عاقاتها مع اجلانب العربي‪.‬‬ ‫واألمــر ال يقتصــر علــى تراجــع العاقــات بــني الطرفــني فقــط‪ ،‬بــل‬ ‫بلغــت حــد التوتــر كمــا حــدث بــني أثيوبيــا مــن جهــة‪ ،‬ومصــر والســودان مــن‬ ‫جهــة أخــرى بســبب ميــاه النيــل‪ ،‬وانســحاب املغــرب مــن االحتــاد اإلفريقــي‬ ‫بســبب قضيــة الصحــراء املغربيــة‪ ،‬يف حــني اقتربــت الــدول اإلفريقيــة مــن‬ ‫إســرائيل وأصبحــت مســاندة لهــا يف األمم املتحــدة ناهيــك عــن التبــادل‬ ‫التجــاري والعاقــات الدبلوماســية إضافــة إلــى تغلغــل إســرائيل يف إفريقيــا‬ ‫وتأثيرهــا علــى صناعــة القــرار يف كثيــر مــن دول القــارة‪.‬‬ ‫علــى املســتوى االقتصــادي‪ ،‬فرغــم أهميــة دول جنــوب الصحــراء‪ ،‬تظــل‬ ‫قيمــة التبــادل التجــاري العربــي يف حدود ‪ %3‬فقــط‪ ،‬وال متثل صادرات الدول‬ ‫اإلفريقيــة للــدول العربيــة ســوى ‪ %2.5‬من جملــة الواردات العربية‪ ،‬فيما تبلغ‬ ‫الصــادرات العربيــة لهــذه الــدول ‪ %5.7‬من إجمالــي واردات الدول اإلفريقية‪،‬‬ ‫بينمــا يبلــغ حجــم التبــادل التجــاري بــني تركيــا وهذه الــدول ‪ 6‬مليــارات دوالر‪.‬‬ ‫هــذا التهافــت الدولــي علــى إفريقيــا‪ ،‬والتراجــع العربــي يهــدد األمــن‬ ‫القومــي العربــي برمتــه‪ ،‬حيــث تتواجــد دول إقليميــة لهــا أجنداتهــا‬ ‫املتعارضــة مــع الــدول العربيــة وتتبــع نظريــة شــد األطــراف التــي أطلقهــا‬ ‫رئيــس وزراء إســرائيل األســبق بــن جوريــن والتــي تعنــي حصــار العــرب مــن‬ ‫اخلــارج إلضعافهــم وفتــح ثغــرات إقليميــة متثــل مهــددات لهــم‪.‬‬ ‫كل ذلــك يضــع إفريقيــا جنــوب الصحــراء علــى أولويــة قائمــة السياســة‬ ‫اخلارجيــة العربيــة ســواء حتــت مظلــة جامعــة الــدول العربيــة أو مجلــس‬ ‫التعــاون اخلليجــي‪ ،‬أو بشــكل فــردي الســتعادة دفء وقــوة هــذه العاقــات‬ ‫التــي تأتــي يف صلــب األمــن القومــي العربــي‪ ،‬والبنــاء علــى أســس العاقــات‬ ‫التاريخيــة‪ ،‬وكذلــك االســتفادة ممــا تقــوم بــه اجلهــات اخليريــة والدعويــة‬ ‫العربيــة يف إفريقيــا‪ ،‬إضافــة إلــى دعــم الصناديــق الســيادية اخلليجيــة‪،‬‬ ‫وكذلــك البنــك اإلســامي للتنميــة‪ ،‬مــن أجــل مواجهــة املــد الدولــي‬ ‫واإلقليمــي الــذي يهــدد املصالــح العربيــة‪.‬‬ ‫لكــن يظــل تفعيــل هــذه العاقــة مرهــون بــإرادة سياســية عربيــة‪،‬‬ ‫وترتيــب األولويــات جتــاه إفريقيــا‪ ،‬وإدراك مخاطــر الغيــاب عــن‬ ‫القــارة الســمراء‪ ،‬مــع ضــرورة أن يســبق ذلــك تهيئــة العاقــات‬ ‫العربيــةـ العربيــة لترســيخ العمــل اجلماعــي العربــي وتكامــل السياســة‬ ‫اخلارجيــة إلعــاء املصلحــة العليــا لألمــة يف ظــل الصــراع اإلقليمــي‬ ‫والدولــي احملمــوم علــى دول اجلــوار والعمــق االســتراتيجي العربــي‪.‬‬ ‫*ﻣﺪﻳﺮ اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إصدارات‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪111‬‬

‫التطــورات املعاصــرة وتطبيقات على االحتجاج والثورة في املجتمع العربي‬

‫علم االجتماع السياسي المعاصر‬ ‫صــدر مؤخـ ًرا كتا ًبــا للدكتــور خالــد كاظــم أبــو دوح األكادميــي بقســم االجتمــاع ـ كليــة العلــوم االجتماعيــة واإلداريــةـ‬ ‫جامعــة نايــف العربيــة للعلــوم االجتماعيــة بعنــوان " علــم االجتمــاع السياســي املعاصــر ـ التطــورات املعاصــرة‬ ‫وتطبيقــات علــى االحتجــاج والثــورة يف املجتمــع العربــي"‪ .‬تضمــن الكتــاب ثمانيــة فصــول‪ ،‬وبــدأ بالتأصيــل التاريخــي‬ ‫لعلــم االجتمــاع السياســي وعاقتــه بعلمــي االجتمــاع والسياســة وجــاء هــذا الفصــل حتــت عنــوان (علــم االجتمــاع‬ ‫السياســي‪ :‬ميــدان متنــازع عليــه)‪ ،‬وأخــذ املؤلــف يؤســس لنظريــة إعــادة علــم االجتمــاع السياســي كأحــد فــروع علــم‬ ‫االجتمــاع وليــس السياســة انطا ًقــا مــن مفهــوم (الســلوك السياســي‪ ،‬والفعــل السياســي مقارنــة مبفهــوم الدولــة‬ ‫والنظــم السياســية)‪ ،‬ثــم جــاء الفصــل الثانــي حتــت عنــوان (علــم االجتمــاع السياســي‪ :‬املفاهيــم واالجتاهــات النظريــة‬ ‫املعاصــرة) وتطــرق هــذا الفصــل إلــى مفاهيــم العوملــة‪ ،‬رأس املــال السياســي‪ ،‬رأس املــال االجتماعــي‪ ،‬واالجتاهــات‬ ‫النظريــة يف علــم االجتمــاع السياســي‪ ،‬وركــز علــى نظريتــي التبــادل والتحليــل السياســي‪ ،‬والتفاعليــة الرمزيــة‪.‬‬

‫آراء حول اخلليج‪ :‬جدة‬

‫وتنــاول الفصــل الثالــث (الدميقراطيــة والعوملــة) وناقــش‬ ‫الدميقراطيــة كنظــام للحكــم‪ ،‬وكأســلوب للحيــاة‪ ،‬والدميقراطيــة بــني‬ ‫الليبرالية واملاركسية‪ ،‬والدميقراطية يف ظل التحوالت العاملية اجلديدة‪.‬‬ ‫وجــاء الفصــل الســادس مــن هــذا الكتــاب حتــت عنــوان‬ ‫(االحتجــاج االجتماعــي يف الواقــع املصــري ـ بنيتــه وأمناطــه) وتنــاول‬ ‫طبيعــة االحتجــاج االجتماعــي علــى مرجعيــة التحــوالت االقتصاديــة‪،‬‬ ‫والسياســية‪ ،‬واالجتماعيــة وثقافــة االحتجــاج االجتماعــي‪ ،‬ثــم تطــرق‬ ‫إلــى طبيعــة االحتجــاج االجتماعــي يف املجتمــع املصــري وأمناطــه‬ ‫وهمــا االحتجــاج اإلصاحــي‪ ،‬واالحتجــاج الثــوري‪ ،‬ثــم شــرح قابليــة‬ ‫الشــخصية املصريــة النمطيــة لاحتجــاج االجتماعــي‪ ،‬وهنــا تنــاول‬ ‫الشــخصية املصريــة علــى خلفيــة التــراث النظــري‪ ،‬ومــن هــو املصــري‬ ‫الــذي يحتــج‪ .‬واختتــم هــذا الفصــل بقولــه‪ :‬ميكــن التأكيــد علــى أن‬ ‫كل املصريــني بســماتهم املختلفــة ميارســون فعــل االحتجــاج‪ ،‬فهنــاك‬ ‫انتشــار لثقافــة االحتجــاج رأســ ًيا‪ ،‬وأفق ًيــا‪ ،‬وظيف ًيــا‪ ،‬وجغراف ًيــا‪.‬‬ ‫وجــاء الفصــل الســابع حتــت عنــوان (ثــورة ‪ 25‬ينايــر يف بــر مصــر‪..‬‬ ‫محاولــة للفهــم السوســيولوجي)‪ ،‬وتنــاول يف هــذا الفصــل مقدمــة‬ ‫عــن أحــوال البنيــة االجتماعيــة يف مصــر‪ ،‬رســم مــن خالهــا خريطــة‬ ‫لألوضــاع املصريــة ومــا أدت إليــه إرهاصــات هــذه اخلريطــة‪ ،‬ثــم‬

‫انتقــل إلــى مــا أســماه "الثــورة يف بــر مصــر" وتطــرق إلــى االحتجاجــات‬ ‫املختلفــة التــي شــهدتها مصــر‪ ،‬ثــم "حصــاد الثــورة وســيناريوهات‬ ‫املســتقبل" واختتــم هــذا الفصــل بأنــه( بالرغــم مــن حالــة القلــق التــي‬ ‫تســيطر علــى املجتمــع املصــري فيمــا بعــد الثــورة ‪ ،‬إال أنــه مــن املؤكــد‬ ‫أن هــذه الثــورة دليــل علــى شــباب املجتمــع املصــري‪ ،‬ولهــذا البــد مــن‬ ‫أن نثــق يف قدرتنــا ونبــدأ البنــاء وتأســيس نظــام اجتماعــي يحقــق‬ ‫طموحاتنــا وأهدافنــا ونحــن نعايــش األلفيــة الثالثــة)‪.‬‬ ‫وجــاء الفصــل الثامــن واألخيــر مــن هــذا الكتــاب حتــت عنــوان‬ ‫(سوســيولوجيا الثــورات العربيــة) وتنــاول مفهــوم الثــورة‪ ،‬واجتاهــات‬ ‫التنظيــر االجتماعــي‪ ،‬وملــاذا يحتــج ثــم يثــور اإلنســان العربــي‪.‬‬ ‫وبــدا املؤلــف يف النهايــة‪ ،‬مدافــع عــن العلــوم االجتماعيــة يف الوطن‬ ‫العربــي وعــن دورهــا‪ ،‬وقــال " ميكــن للعلــوم االجتماعيــة‪ ،‬ومــن خــال‬ ‫إعــادة إنتــاج ذاتهــا أن تقــدم العلــم االجتماعــي باعتبــاره عل ًمــا مفي ـدًا‬ ‫للمجتمــع ويســاعد علــى حتقيــق الرفاهيــة لإلنســان العربــي وجتويــد‬ ‫شــروط وجــوده االجتماعــي"‪.‬‬ ‫ويعتقد الدكتور خالد أبو دوح يف النهاية أنه أصبح من الضروري‬ ‫أن يركز علم االجتماع السياسي بصفة خاصة على اإلنسان أو الذات‬ ‫البشــرية‪ ،‬وال يركــز فقــط علــى اخلطابــات أو الفضــاءات واألبنيــة‪.‬‬

‫‪110‬‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫االنتخابات األمريكية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الـمحـافـــظون الـــجدد يعـــتبرون تـــرامب «كـــارثة» وتعـهـدوا بعـدم‬ ‫دعـــمه وسوف يصـــوتون لصـــالح كليـنـتـون‬ ‫ووصفــت صحيفــة نيويــورك تاميــز أســلوبه بأنــه أقــرب للقوميــني‬ ‫األوروبيــني منــه إلــى عمــوم اجلمهوريــني‪ ،‬وأن اخلطــاب «كان يعــج‬ ‫باملغالطــات واملبالغــات التــي طاملــا ُو ِســمت حملتــه بهــا‪ ».‬لقــد تاعــب‬ ‫مبخــاوف األمريــكان مدع ًيــا أن داعــش حتــاول انتــزاع أوالدهــم‪،‬‬ ‫ومتهمــا األمريــكان املســلمني بالفشــل يف «تســليم مــن يعلمــون بأنهــم‬ ‫ســيئون‪ ».‬كمــا أراد فــرض حظــر علــى دخــول املســلمني القادمــني مــن‬ ‫أى دولــة لديهــا تاريــخ إرهابــي»‪.‬‬ ‫إال أنــه أحتفــظ بأشــد كلماتــه للرئيــس أوبامــا مدع ًيــا انــه يُكِ ــن‬ ‫تعاطفــا لإلرهابيــني‪ ،‬وقــال « إننــا يحكمنــا رجــل إمــا أنــه ليــس قويــا‬ ‫أو ذكيــا‪ ،‬أو أنــه يضمــر شــيئا آخــر فــى نفســه‪ ،‬هنــاك خطــب مــا» ‪.‬‬ ‫وقــد هاجــم الرئيــس ألنــه ال يســتخدم مصطلــح اإلرهــاب اإلســامي‪.‬‬ ‫ورد عليــه الرئيــس مهاجمــا بقولــه « إن ترديــد مصطلــح اإلســام‬ ‫املتطــرف ال ميكــن أن يعــد اســتراتيجية»‪.‬‬ ‫وذكــرت صحيفــة التاميــز أن « اجلمهوريــون يــرون أن إصــرار‬ ‫ترامــب علــى التمســك مبواقفــه املتشــددة يقــوض مــن موقفــه كمرشــح‬ ‫فــى االنتخابــات العامــة»‪.‬‬ ‫غيــر أن اجلمهوريــني قــد خلصــوا إلــى انــه مــن غيــر املجــدي‬ ‫محاولــة كبــح جمــاح ترامــب‪ .‬وقــد كتــب مايــك مورفــى‪ ،‬املستشــار‬ ‫األول الســابق جليــب فورمــر‪ ،‬فــى صحيفــة التاميــز « يقــول اجلميــع‬ ‫«انظــروا ‪ ،‬إنــه ح ًقــا متحضــر‪ .‬إنــه يــأكل بالشــوكة والســكني‪ .‬وبعــد أن‬ ‫ـخصا مــا فــى عينــه!»‬ ‫متــر ســاعة جنــده يأخــذ الشــوكة ليطعــن بهــا شـ ً‬ ‫وقــد بعثــت هاتــني الواقعتــني احليــاة فــى حركــة « ال لترامــب»‪،‬‬ ‫بــل إنــه ثمــة حركــة تدعــى» أى واحــد إال ترامــب»‪ .‬وقــد وردت‬ ‫تقاريــر بقيــام ميــت رومنــي‪ ،‬مرشــح احلــزب اجلمهــوري عــام‬ ‫‪2012‬م‪ ،‬باســتضافة جتمــع ملئــات احملافظــني اجلمهوريــني‬ ‫فــى بــارك ســيتى بواليــة يوتــا‪ ،‬بهــدف الهجــوم علــى ترامــب‪.‬‬ ‫فاجلمهوريــون يشــكون مــن أن ترامــب ال يوجــد لديــه حملــة حتــى‬ ‫اآلن‪ ،‬فهــو لــم يقــم بعــد باختيــار نائــب الرئيــس‪ ،‬وال يوجــد لديــه‬ ‫فريــق عمــل يعتــد بــه يف مواجهــة حملــة االنتخابــات العامــة‪ .‬فضــا‬ ‫عــن افتقــاره إلــى التمويــل‪ .‬وكتبــت صحيفــة نيويــورك تاميــز أن‬ ‫ترامــب «يواجــه أســوأ عيــب مالــي يف التاريــخ الرئاســي احلديــث‬ ‫‪ :‬فلديــه ‪ 1.3‬مليــون دوالر مقابــل ‪ 42‬مليــون دوالر لــدى كلينتــون‪.‬‬ ‫وكتبــت الصحيفــة ترامــب يشــرع يف الدخــول يف حملة االنتخابات‬ ‫العامــة وهــو يــرزح حتــت وطــأة أســوأ عيــب مالــي وتنظيمــي يشــهده‬ ‫أى مرشــح عــن حــزب رئيســي فــى التاريــخ احلديــث‪ُ ،‬معرضـاً ترشــحه‬ ‫وحزبــه علــى الســواء خلطــر محقــق»‪.‬‬

‫ويف تلــك األجــواء جــاءت األخبــار الهامــة مــن حملــة ترامــب‬ ‫بعزلــه مديــر حملتــه املتعثــر‪ ،‬كــوري يفاندوفســكي‪ .‬وقــد أثنــى ترامــب‬ ‫علــى مديــر حملتــه الســابق قائــا إنــه قــد أحســن القيــام بعملــه‪ ،‬غيــر‬ ‫أننــا يتعــني علينــا الســير يف طريــق مختلــف»‪.‬‬ ‫ورأت وســائل اإلعــام فــى تلــك اخلطــوة املفاجئــة محاولــة‬ ‫«لتهدئــة احللفــاء واجلهــات املانحــة واملســؤولني اجلمهوريــني»‪،‬‬ ‫املعنيــني بفــرص احلــزب فــى نوفمبــر القــادم‪ ،‬وقــد أوردت صحيفــة‬ ‫واشــنطون بوســت أن حركــة «أوقفــوا ترامــب» قــد جمعــت دعمــا‬ ‫للمؤمتــر العــام للحــزب اجلمهــوري مــا يقــرب مــن ‪ 400‬مندو ًبــا‪ ،‬يف‬ ‫إشــارة لكونهــا فــى الطريــق الن تصبــح قــوة «مــن املمكــن لهــا أن تعرقل‬ ‫حملــة قوميــة»‪ .‬وتتمثــل خطــة هــذه املجموعــة فــى حتريــر املندوبــني‬ ‫خــال املؤمتــر احلزبــي ليقومــوا بالتصويــت لصالــح مــن يريــدون أ ًيــا‬ ‫كان‪ ،‬دون التقيــد بنتائــج االنتخابــات األوليــة واللجــان احلزبيــة‪.‬‬ ‫ويــرى البعــض أن ذلــك مــن شــأنه خلــق انقســامات وحالــة مــن‬ ‫الفوضــى داخــل احلــزب‪ ،‬وهــم يقــرون أيضــا أن ذلــك ســوف يخلــق‬ ‫مشــاكل داخليــة باحلــزب‪ ،‬ولكــن يف نهايــة األمــر ســيتم إنقــاذ‬ ‫احلــزب والفــوز باالنتخابــات‪ .‬فهــم يؤمنــون بــأن ترامــب ال ميكــن لــه‪،‬‬ ‫وال يجــب لــه أن يفــوز يف نوفمبــر‪ .‬أو كمــا خلــص املوقــف عنــوان‬ ‫افتتاحيــة صحيفــة واشــنطون بوســت لفريــد هيــات ‪ « :‬األمــل األخيــر‬ ‫للجمهوريــني‪ :‬إعــان فــوز دونالــد ترامــب يف مؤمتــر كليفانــد الشــهر‬ ‫املقبــل‪ ،‬ثــم إقناعــه بالذهــاب إلــى بيتــه»‪.‬‬ ‫ويبــدو مــن التحــرك األخيــر مــن جانــب حملــة ترامــب بتغييــر‬ ‫توجههــا مــن خــال عــزل مديــر احلملــة‪ ،‬إن مــن ســيتولى شــؤون‬ ‫احلملــة اآلن هــم عائلتــه وأبنــاؤه وصهــره‪ .‬رمبــا يتمكنــون مــن إقناعــه‬ ‫بإظهــار شــي ًئا مــن التهذيــب وأن يحــاول انتهــاج «املســلك الرئاســي»‪،‬‬ ‫وقــد تــردد بــأن ابنتــه إيفانــكا ترامــب قــد نصحتــه بذلــك‪.‬‬ ‫وعلــى اجلانــب اآلخــر فــإن األعضــاء الكبــار باحلــزب يعارضــون‬ ‫وقــوع نــزاع داخــل املؤمتــر‪ .‬فهــم يــرون أن ترامــب قــد فــاز بالفعــل‬ ‫فــى مرحلــة االنتخابــات التمهيديــة‪ ،‬وعلــى هــذا فيجــب احتــرام‬ ‫إرادة الشــعب‪ ،‬وأن يتــم االحتــاد خلــف ترامــب‪ ،‬هــذا إذا مــا أعطاهــم‬ ‫الفرصــة ألن يفعلــوا ذلــك‪ .‬ولكــن إذا مــا اســتمرت حملتــه فــى‬ ‫الســير علــى نفــس املنهــاج‪ ،‬وظــل ترامب‪..‬ترامــب‪ ،‬فقــد يحمــل يوليــو‬ ‫مفاجئــات ملؤمتــر احلــزب اجلمهــوري‪ .‬إنــه التحــدي الــذي ســيواجهه‬ ‫فريــق حملتــه اجلديــد‪ ،‬وســيواجهه معــه احلــزب اجلمهــوري‪.‬‬ ‫*ﺧﺒرية ﰲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺪوﻟﻴﺔ ـ واﺷﻨﻄﻦ‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫هــذه الســنة االنتخابيــة‪ .‬إنــه ببســاطة يخاطــر بخســارة اجلمهوريــني‬ ‫لكافــة األصــوات الاتينيــة‪.‬‬ ‫وقــال ميتــش ماكونيــل‪ ،‬زعيــم األغلبيــة يف مجلــس الشــيوخ « إنني‬ ‫منزعــج مــن ذلــك األمــر‪ .‬فأمريــكا تتغيــر‪ .‬وعندمــا مت انتخــاب رونالــد‬ ‫ريجــان كان البيــض ميثلــون ‪ %84‬مــن جمهــور الناخبــني‪ ،‬أمــا اآلن‬ ‫فهــم ســيمثلون ‪ %70‬مــن الناخبــني‪ .‬وإنــه خلطــأ عظيــم مــن جانــب‬ ‫حزبنــا أن يقــوم بشــطب األمريــكان ذوي األصــول الاتينيــة‪ ،‬فهــم جزء‬ ‫مهــم مــن بادنــا‪ ،‬وقري ًبــا ســوف يشــكلون أكبــر األقليــات يف البــاد»‪.‬‬ ‫وبالتأكيــد ال يريــد اجلمهوريــون تكــرار تأثيــر «بــارى جولــد ووتــر»‬ ‫علــى األمريــكان األفارقــة والسياســة األمريكيــة‪ .‬وكان جولــد ووتــر‬ ‫هــو املرشــح اجلمهــوري عــام ‪1964‬م‪ ،‬وقــد تســبب يف اســتعداء‬ ‫الناخبــني األمريكيــني ذوي األصــول اإلفريقيــة مبعارضتــه لقانــون‬ ‫احلقــوق املدنيــة‪ ،‬ممــا تســبب فــى خســارة احلــزب اجلمهــوري‬ ‫لدعمهــم لعقــود خلــت‪ ،‬جاعــا أصــوات األمريــكان األفارقــة حك ـ ًرا‬ ‫علــى الدميقراطيــني إلــى يومنــا هــذا‪.‬‬ ‫وأضحــى تصريــح ترامــب محــل نقــد مــن كافــة اجلمهوريــني‬ ‫خاصــة اجلهــات املانحــة‪ .‬وقــد علــق ترامــب الح ًقــا أنــه قــد أُســيئ‬ ‫فهــم تصريحــه‪ ،‬ولكــن ليــس قبــل أن يقــول إن « القاضــي املســلم‬ ‫ســيكون متحيــزا أيضــاً»‪.‬‬

‫االنتخابات األمريكية‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪109‬‬

‫ثــم حدثــت واقعــة أورالنــدو املأســاوية وأقنــع رد فعــل ترامــب‬ ‫احلــزب اجلمهــوري بأنهــم ح ًقــا يواجهــون مشــكلة كبيــرة‪ ،‬وأن ترامــب‬ ‫ســيظل دو ًمــا ترامــب‪ ،‬وأنــه لــن يتغيــر وينتقــل مــن حالــة االنتخابــات‬ ‫التمهيديــة إلــى االنتخابــات العامــة ليســلك املســلك الائــق برئيــس‬ ‫الدولــة‪ .‬وهكــذا صــدر احلكــم عليــه مــن حزبــه ومــن اإلعــام‬ ‫األمريكــي بأنــه قــد أخفــق فــى االختبــار‪ .‬وكان قــد كتــب علــى تويتــر‬ ‫تغريــدة صدمــت الكثيريــن نظــ ًرا للظــروف التــى جــاءت فيهــا‪ ،‬إذ‬ ‫كان يهنــئ فيهــا نفســه قائــا « أقــدر التهانــي التــي تــزف إلــي ألنــه‬ ‫اتضــح أخي ـ ًرا أنــي كنــت علــى حــق بخصــوص اإلرهــاب اإلســامي‬ ‫املتطــرف‪ .‬أنــا ال أرغــب فــى التهانــي‪ ،‬بــل أريــد الصابــة وتوخــي‬ ‫احلــذر‪ .‬يجــب أن نكــون أذكيــاء‪ ».‬ثــم كتــب تغريــدة أخــرى « ورد فــى‬ ‫التقاريــر أن إرهابــي أورالنــدو كان يصيــح « اهلل أكبــر!» بينمــا يقــوم‬ ‫بقتــل مرتــادي احلانــة‪».‬‬ ‫لقــد أظهــرت خطاباتــه ولقاءاتــه بأنــه‪ ،‬وعلــى النقيــض مــن‬ ‫كلينتــون‪ ،‬لــم يكــن مســتعدا «لســاعة الــذروة»‪ ،‬وهــو تعبيــر يســتخدمه‬ ‫شــخصا مــا غيــر مؤهــل للمهمــة املنوطــة‬ ‫األمريــكان لإليحــاء بــأن‬ ‫ً‬ ‫بــه‪ .‬وفــى كلمــة ألقاهــا يف كليــة ســانت أنســيلم (‪)ST. Anselm‬‬ ‫وصــف التطــرف اإلســامي بأنــه «خطــر استشــرى علــى مســتوى‬ ‫العالــم واختــرق الواليــات املتحــدة عبــر أبــواب الهجــرة غيــر املقننــة»‪.‬‬

‫‪108‬‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫االنتخابات األمريكية‬

‫مــرا ًرا يف ذلــك األمــر‪.‬‬ ‫وقــد أثبتــت كلينتــون أنهــا مرشــح قــوي‪ .‬ومتكنــت مــن اجتيــاز‬ ‫حملــة انتخابيــة طويلــة ومحفوفــة باملصاعــب ضــد مرشــح « شــعبي»‬ ‫وضــد احلركــة الشــعبية‪ .‬وأحيا ًنــا مــا كانــت تبــدو وكأنهــا يف خطــر‬ ‫يف مرحلــة مــا مــن مراحــل االنتخابــات األوليــة‪ ،‬إال أنهــا متكنــت مــن‬ ‫الصمــود واجتيــاز املرحلــة األخيــرة من موســم االنتخابــات التمهيدية‪.‬‬ ‫و كمــا أشــارت صحيفــة بوليتيكــو فقــد متكنــت مــن مواجهــة املوجــة‬ ‫الشــعبية برغــم كونهــا مــن النخبــة‪ .‬ولكــن كيــف لهــا أن تعيــد ناخبــي‬ ‫ســاندرز إلــى اخليمــة الدميقراطيــة الكبــرى دون املســاس بشــكل كبير‬ ‫مبواقفهــا الدميقراطيــة املعتدلــة؟ ودون االنحــراف أكثــر ممــا ينبغــي‬ ‫نحــو اليســار؟ األمــر الــذى إن فعلتــه فســوف يــؤدي بهــا إلــى خســارة‬ ‫الطريــق الوســطي وتنفيــر أعضــاء حركــة «ال لترامــب»‪ ،‬الذيــن مــن‬ ‫املمكــن اســتمالتهم جلانبهــا ملنــع ترامــب مــن الفــوز بالبيــت األبيــض؟‬ ‫ومتتلــك كلينتــون ميــزة كبيــرة‪ ،‬أال وهــي دعم الرئيــس أوباما الذي‬ ‫يحظــى بتأييــد ‪ %84‬بــني الليبراليــني و‪ %56‬بــني املعتدلــني‪ .‬واألمــر‬ ‫متــروك لهــا وللرئيــس أوبامــا اآلن لتوحيــد احلــزب خلفهــا وضــم‬ ‫جميــع عناصــره ملســاندتها مــن الليبراليــني واملعتدلــني واملســتقلني‬ ‫والشــعبيني‪ ،‬باإلضافــة إلــى اجلمهوريــني الذيــن يشــعرون بأنهــم قــد‬ ‫أصبحــوا بــا مــأوى فــى مواجهــة حــزب مرشــحه هــو دونالــد ترامــب‪.‬‬ ‫ويجــد الرئيــس أوبامــا فــى كلينتــون األمــل فــى احلفــاظ علــى إرثــه‬ ‫واالجنــازات التــى متكنــت إدارتــه مــن حتقيقهــا ســواء علــى صعيــد‬ ‫الرعايــة الصحيــة أو غيرهــا مــن القضايــا االجتماعيــة واالقتصاديــة‪.‬‬ ‫وإذا مــا مت لهمــا النجــاح فــى جــذب أعــداد كبيــرة من اجلمهوريني‬ ‫ممــن يفضلــون فــوز الدميقراطيــني بالبيــت األبيــض علــى أن يفــوز بــه‬ ‫ترامــب‪ ،‬فلســوف يعــد ذلــك ‪ ،‬كمــا يــراه احملللــون السياســيون‪ ،‬أكبــر‬ ‫عمليــة حتــول فــى السياســات احلزبيــة األمريكيــة منــذ ســنوات عــدة‪.‬‬ ‫وقــد اجتمعــت كلينتــون مــع ســاندرز‪ ،‬وال تــزال املباحثــات جاريــة‬ ‫بينهمــا إلقناعــه بالقيــام بالتضامــن معهــا والدعايــة لهــا بســؤال‬ ‫أنصــاره بــأن يقومــوا بالتصويــت لصاحلهــا‪ ،‬وإغــراءه بطائفــة مــن‬ ‫الوعــود مثــل إلقائــه كلمــة فــى املؤمتــر االنتخابــي‪ ،‬وبعــض التنــازالت‬ ‫السياســية األخــرى مبــا ميكــن أن يقنعــه بــأن التغييــر الــذى دعــا إليــه‬ ‫ســيحدث علــى األقــل داخــل احلــزب‪.‬‬

‫ترامب‪ :‬المرشح المفترض (هل هو ح ًقا؟)‬ ‫لـــم تكـــن بدايـــة يونيـــو مبشـــرة لترامـــب‪ .‬فقـــد التصقـــت بـــه‬ ‫تهم ــة ع ــدم أهليت ــه ملنص ــب الرئي ــس‪ ،‬وتعرض ــت حملت ــه النتق ــادات‬ ‫واســعة الفتقارهــا إلــى التنظيــم ونقــص فريــق العمــل والتمويــل وأي‬ ‫ش ــيء آخ ــر إال ترام ــب وحس ــابه عل ــى تويت ــر! واتض ــح ذل ــك ف ــى‬ ‫اس ــتطاعات ال ــرأي الت ــى جتل ــى فيه ــا تدن ــي ش ــعبيته‪ .‬وكم ــا ورد‬ ‫يف صحيف ــة بوليتيك ــو‪ ،‬أظه ــرت االس ــتطاعات الت ــي مت إجراؤه ــا‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫يف منتصـــف يونيـــو أن نســـبة تأييـــده بلغـــت ‪ ،%30‬بينمـــا تخطـــت‬ ‫نســبة املعارضــني لــه ‪ .%50‬واألســوأ مــن ذلــك أنــه كان يخســر أمــام‬ ‫كلينتـــون فـــى اســـتطاعات الـــرأي القوميـــة‪ .‬فوف ًقـــا الســـتطاع‬ ‫لل ــرأي أجرت ــه وكال ــة فوك ــس لألخب ــار ف ــإن كلينت ــون تتق ــدم عل ــى‬ ‫ترام ــب بنس ــبة ‪ %3‬ب ــني الناخب ــني عل ــى مس ــتوى الدول ــة ‪ ،‬بواق ــع‬ ‫‪ % 42‬لكلينتـــون و‪ % 39‬لترامـــب ‪ .‬وهكـــذا تكـــون نســـبة دعمـــه‬ ‫ق ــد انخفض ــت م ــن ‪ %45‬إل ــى ‪ .%39‬ولكن ــه يواج ــه خبـ ـ ًرا أس ــوأ‪،‬‬ ‫وه ــو انخف ــاض نس ــبة تأيي ــده ب ــني املس ــتقلني بواق ــع ‪ %11‬مقارن ــة‬ ‫باس ــتطاع س ــابق لوكال ــة فوك ــس‪.‬‬ ‫وهــذا هــو مــا دفــع بــدان مــاك الفلــني مــن مجلــة ناشــونال ريفيــو‬ ‫(‪ )National Review‬بــأن يقــول‪ »:‬ال ميكــن النظــر إلــى نتائــج‬ ‫ترامــب فــى اســتطاعات الــرأي القوميــة دون رؤيــة احلقيقــة القامتــة‬ ‫لكونهــا فــى انحســار لــم يشــهده مــن قبــل أى مرشــح لانتخابــات‬ ‫العامــة خــال االنتخابــات الثــاث األخيــرة»‪ .‬وأضــاف قائــا» إن‬ ‫األعــداد فــى انحــدار مســتمر‪ ،‬بــل إنهــا وصلــت كذلــك إلــى أدنــى‬ ‫مســتوى قــد شــهده أى مرشــح ســواء جمهــوري أو دميقراطــي فــى‬ ‫الــدورات االنتخابيــة الثــاث املاضيــة‪».‬‬ ‫وثمــة واقعتــني همــا مــن أوصلتــا ترامــب إلــى ذلــك املنعطــف‪:‬‬ ‫متثلــت الواقعــة األولــى فــى إدعائــه أن القاضــي كونزالــو كيوريــل‪،‬‬ ‫وهــو مواطــن أمريكــي مــن واليــة أنديانــا ذو أصــول مكســيكية‪ ،‬لــم‬ ‫ـبب‬ ‫يكــن عــادال فــى حكمــه فــى قضيــة ضــد جامعــة ترامــب‪ ،‬وذلــك بسـ ٍ‬ ‫مــن أصولــه وإرثــه الاتينــى‪ .‬أمــا الواقعــة الثانيــة فتمثلــت فــى رد‬ ‫فعلــه علــى احلــادث اإلرهابــي فــى أورالنــدو مــن إطــاق للنــار علــى‬ ‫شــخصا وجــرح ‪. 53‬‬ ‫حانــة للمثليــني والــذي حصــد أرواح ‪49‬‬ ‫ً‬ ‫ففــي حالــة القاضــي كيوريــل‪ ،‬ادعــى ترامــب أن القاضــي خــاض‬ ‫«صراعـــا مســـتميتا» لتـــرأس دعـــوى قضائيـــة تـــتــهـــــم جـــــــامعة‬ ‫ً‬ ‫ترام ــب بالتزوي ــر‪.‬‬ ‫وقــد زادت هــذه الواقعــة مــن العاقــة املضطربــة بالفعــل بــني‬ ‫ترامــب وقيــادة احلــزب اجلمهــوري‪ .‬إذ اعتبرهــا رئيــس مجلــس‬ ‫النــواب ‪،‬بــول ريــان‪ ،‬أســوأ مــن أن يُغــض الطــرف عنهــا ‪.‬وكان قــد قــام‬ ‫لتــوه بالتضامــن مــع ترامــب بعــد عمليــة طويلــة ومضنية بســبب لســانه‬ ‫املنفلــت وخطبــه املثيــرة للبلبلــة واالنقســامات‪ .‬وقــال ريــان» إن إدعــاء‬ ‫ـخصا مــا ال ميكنــه القيــام بعملــه بســبب أصولــه العرقيــة أشــبه‬ ‫أن شـ ً‬ ‫بتعريــف التعليــق العنصــري املوجــود فــى كتبنــا املرجعيــة» ومتنــى أن‬ ‫يتعلــم ترامــب ممــا حــدث‪.‬‬ ‫لكــن ريــان لــم يكــن الوحيــد‪ ،‬فقــد تــرددت أصــداء تلــك الواقعــة‬ ‫بعينهــا وســط العديــد مــن الزعمــاء اجلمهوريــني‪ ،‬إذ أنهــا تضــرب فــى‬ ‫صميــم مــا يعنيــه أن تكــون أمريكيــا‪ ،‬حيــث جــاء اجلميــع مــن بلــدان‬ ‫أخــرى‪ .‬فاحلكــم علــى عــدم أهليــة النــاس بســبب ٍ مــن أصولهــم كان‬ ‫أمــ ًرا عــرف قــادة احلــزب أنــه ســيكلفهم ثمنًــا سياســ ًيا غال ًيــا فــى‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أمــا القضيــة الوحيــدة التــي رفعــت مــن شــأن ترامــب فهــي‬ ‫االقتصــاد‪ ،‬إذ يــرى الناخبــون أنــه األصلــح فيمــا يتعلــق بالشــؤون‬ ‫االقتصاديــة‪ .‬األمــر الــذى ال يعــد يف صالــح كلينتــون‪ ،‬إذ أظهــر‬ ‫االســتطاع األخيــر تربــع النمــو االقتصــادي علــى القضايــا ذات‬ ‫األهميــة خــال احلملــة والتــي يطالب الناخبون احلكومــة مبعاجلتها‪،‬‬ ‫حيــث جــاء األمــن القومــي فــى املرتبــة الثانيــة بعــد شــؤون االقتصــاد‪:‬‬ ‫إنهــا قــوة كلينتــون جن ًبــا إلــى جنــب مــع املقــدرة علــى الزعامــة‪.‬‬ ‫وكان طريــق كلينتــون نحــو الرئاســة طويـ ًـا ومضن ًيــا‪ ،‬منــذ بــدأت‬ ‫بكونه ــا الس ــيدة األول ــى‪ ،‬ث ــم ش ــغلت منص ــب س ــيناتور‪ ،‬ث ــم تب ــوأت‬ ‫منص ــب وزي ــرة اخلارجي ــة األمريكي ــة‪ ،‬إل ــى أن انته ــى به ــا املط ــاف‬ ‫ألن تصبـــح أول ســـيدة فـــى تاريـــخ أمريـــكا تفـــوز‬ ‫بالترشـــيح مـــن أحـــد األحـــزاب الرئيســـية‪ .‬وقـــد‬ ‫أعلنته ــا واضح ــة ف ــى خض ــم احتفاله ــا بفوزه ــا ف ــى‬ ‫بروكلـــني بعـــد فوزهـــا بكاليفورنيـــا ونيـــو جيرســـي‬ ‫ونيوميكســـيكو‪ ،‬أن انتصارهـــا هـــذا لهـــو انتصـــار‬ ‫للم ــرأة‪ .‬وق ــد أعرب ــت كلينت ــون ع ــن س ــعادتها قائل ــة‪:‬‬ ‫« إن الليلــة هــي تتويــج لرحلــة رائعــة‪ .‬رحلــة طويلــة‪.‬‬ ‫إننــا جمي ًعــا مدينــون بالكثيــر ألولئــك الذيــن ســبقونا‬ ‫بالكفـــاح‪ .‬هـــذه الليلـــة هـــي ملـــك لكـــم جمي ًعـــا‪».‬‬ ‫ه ــذا وق ــد حصل ــت امل ــرأة ف ــى أمري ــكا عل ــى ح ــق‬ ‫التصويــت يف عــام ‪1920‬م‪ ،‬عندمــا مت التصديــق علــى التعديــل التاســع‬ ‫عش ــر للدس ــتور‪.‬‬ ‫وقــد بــدت عليهــا ســمات الرئاســة خــال اخلطــاب‪ ،‬وجتنبــت‬ ‫الهجــوم الشــخصي علــى ترامــب‪ ،‬وهــو األمــر الــذي طاملــا اســتعانت‬ ‫بــه خــال احلملــة االنتخابيــة‪ .‬إال أن ترامــب لــم يكــن يف مــزاج يدعــو‬ ‫للمصاحلــة‪ ،‬فقــد هاجمهــا متهمــا إياهــا « بتحويــل وزارة اخلارجيــة‬ ‫إلــى أحــد صناديــق التحــوط اخلاصــة بهــا»‪ .‬وكذلــك حــاول أن‬ ‫يســتميل أنصــار ســاندرز إلــى جانبــه قائــا إنهــم « قــد تركــوا فــى‬ ‫العــراء وحدهــم بفعــل نظــام ُمــزور‪ ».‬وأضــاف قائــا « بأننــا ال‬ ‫ميكننــا حــل مشــاكلنا باللجــوء إلــى السياســيني الذيــن تســببوا فيهــا‪.‬‬ ‫لقــد اســتغل آل كلينتــون بــكل براعــة سياســات الثــراء الشــخصي‬ ‫مبــا يصــب يف مصلحتهــم‪ ».‬وكان مــن الواضــح أن خطــة ترامــب‬ ‫متثلــت يف الهجــوم علــى (بيــل وهيــاري) كلينتــون كليهمــا‪ .‬إال أن‬ ‫ذلــك لــم يكــن ليرهــب هيــاري‪ .‬وأشــارت إلــى والدتهــا قائلــة « لطاملــا‬ ‫نصحتنــي أمــي بــأال أتراجــع أبــدا أمــام املتنمريــن‪ ،‬وقــد اتضــح أنهــا‬ ‫كانــت نصيحــة جيــدة‪».‬‬ ‫ونشــبت بعــد ذلــك بينهمــا حــرب علــى صفحــات تويتــر إذ اســتاء‬ ‫ترامــب مــن تضامــن الرئيــس أوبامــا مــع كلينتــون وعلــق قائــا‪ « :‬إنــه‬ ‫يرغــب فــى أربعــة أعــوام أخــرى مــن حكــم أوبامــا‪ ،‬لكــن ال أحــد غيــره‬ ‫يريــد ذلــك‪ ».‬وقــد ردت عليــه كلينتــون قائلــة ‪ »:‬قــم بإلغــاء حســابك»‪.‬‬

‫االنتخابات األمريكية‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪107‬‬

‫وترتكــز حملــة كلينتــون علــى مــا تُط ِلــق عليــه «عــدم أهليــة « ترامــب‬ ‫ملنصــب الرئيــس وافتقــاره إلــى اخلبــرة‪ .‬وعلــى هــذا فليــس مــن‬ ‫املســتغرب أن حتــى هــؤالء الذيــن يؤيــدون كلينتــون‪ ،‬أحيانــا مــا‬ ‫يصرحــون بأنهــم يفعلــون ذلــك ألنهــا ليســت ترامــب‪ ،‬ومــن بينهــم‬ ‫بعــض الشــخصيات البــارزة فــى احلــزب اجلمهــوري أو مؤسســات‬ ‫األمــن والسياســة اخلارجيــة‪.‬‬ ‫وتنظــر النخبــة املتشــددة ممــن ينتمــون إلــى قطــاع السياســة‬ ‫اخلارجيــة‪ ،‬مبــا يف ذلــك احملافظــون اجلــدد‪ ،‬إلــى ترامــب بوصفــه‬ ‫«كارثــة» قــد حلــت علــى السياســة اخلارجيــة األمريكيــة‪ .‬وتعهــدوا‬ ‫بــأال يقدمــوا لــه أى دعــم مطلقــا‪ .‬بــل إن بعضهــم صــرح أنهــم ســوف‬ ‫« يصوتــون لصالــح كلينتــون»‪ .‬فقــال اليــوت كوهــني‪،‬‬ ‫املســؤول الســابق فــى وزارة اخلارجيــة « هيــاري‬ ‫تعتبــر أقــل الضرريــن‪ ،‬وبفــارق شاســع» وأضــاف « إن‬ ‫انتخــاب ترامــب رئيســا ســيكون مبثابــة كارثــة تامــة‬ ‫بــكل املقاييــس علــى السياســة اخلارجيــة األمريكيــة‬ ‫التــي احلــق بهــا بالفعــل ضــر ًرا بال ًغــا‪».‬‬ ‫وصــرح ماكــس بــوت‪ ،‬أحــد األعمــدة الفكريــة‬ ‫للحركــة احملافظــة‪ ،‬بأنــه ســوف يصــوت لصالــح‬ ‫كلينتــون وقــال « إننــي ح ًقــا ال أمتكــن مــن النــوم بســبب‬ ‫ترامــب! إنهــا ســتكون أفضــل بكثيــر مــن ترامــب»‪.‬‬ ‫وقــام احملافظــون بالتوقيــع علــى خطــاب فــى الربيــع قائلني بأنهم‬ ‫« ال ميكنهــم دعــم بطاقــة حزبيــة يتصدرهــا الســيد ترامب «‪.‬‬ ‫وفــى منتصــف مايــو صــرح ريتشــارد أرميتــاج بأنــه ســوف يصــوت‬ ‫لصالــح هيــاري كلينتــون‪ ،‬وهــو يعــد أحــد الشــخصيات البــارزة يف‬ ‫قطــاع األمــن القومــي وينتمــي كذلــك للحــزب اجلمهــوري‪ ،‬كمــا كان‬ ‫يشــغل منصــب نائــب وزيــر اخلارجيــة أثنــاء واليــة جــورج بــوش‪ .‬وقــد‬ ‫ورد يف صحيفــة بوليتيكــو تعلي ًقــا علــى ذلــك « إن ذلــك يعــد إشــارة‬ ‫إلــى رفــض نخبــة األمــن القومــي مــن احلــزب اجلمهــوري املرشــح‬ ‫املفتــرض حلزبهــم‪ ».‬وفــى تصريــح ألرميتــاج إلــى مجلــة بوليتيكــو‬ ‫قــال‪ « :‬ســوف أصــوت لصالــح هيــاري كلينتــون يف حــال أصبــح‬ ‫ترامــب مرشــح احلــزب‪ .‬انــه ال يبــدو جمهوريــا‪ ،‬وال يبــدو يريــد أن‬ ‫يحيــط عل ًمــا بالعديــد مــن القضايــا‪ ،‬لــذا ســوف أعطــي صوتــي‬ ‫للســيدة هيــاري كلينتــون‪».‬‬ ‫لكن التحدي الذي تواجهه كلينتون يف هذه املرحلة ال يقتصر على‬ ‫أعــداد اجلمهوريــني الذيــن ميكــن لهــا اســتقطابهم إلــى جانبهــا‪ ،‬والــذي‬ ‫يعد وال شــك ميزة سياســية كبيرة‪ ،‬لكن النقطة األهم هي كيف ميكن‬ ‫لهــا أن توحــد احلــزب بجناحيــه الليبرالــي واملؤسســي‪ ،‬وكيــف ميكنهــا‬ ‫اســتقطاب أنصــار بيرنــي‪ ،‬خاصــة الشــباب واحملبطــني مــن النظــام‪.‬‬ ‫فض ـاً إلــى ذلــك فأمامهــا قضايــا اجلــدارة بالثقــة التــي يجــب‬ ‫عليهــا مواجهتهــا حلرمــان ترامــب مــن فرصــة اخلــوض باحلديــث‬

‫سـيـدة مـسـنـة مـن‬ ‫والية فـرجـينيا فضـلت‬ ‫الـموت عـى أن تضـطر‬ ‫إلـى الـتـصويت لصـالح‬ ‫هـــيــالري أو تـــرامــب‬

‫‪106‬‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫االنتخابات األمريكية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪ %54‬مـــن األمريكييـــن ال يؤيـــدون كلينتـــون و‪ %58‬ال يؤيـــدون‬ ‫تـرامـب فـي أحـدث اسـتـطـالعـات الـرأي األمـريـكـية‬ ‫واليــة فرجينيــا كانــت تبلــغ مــن العمــر ‪ 68‬عا ًمــا‪ ،‬وكيــف أنهــا قد فضلت‬ ‫املــوت علــى أن تضطــر إلــى التصويــت لصالــح أي منهمــا‪ .‬وجــاء يف‬ ‫نعيهــا‪« :‬عنــد مواجهتهــا الحتمــال القيــام بالتصويــت لصالــح أيــا مــن‬ ‫ترامــب أو هيــاري كلينتــون‪ً ،‬‬ ‫فضلــت مــارى آن نوالنــد مــن مدينــة‬ ‫ً‬ ‫عوضــا عــن ذلــك‪ ،‬االلتجــاء إلــى حــب اهلل األبــدي‪».‬‬ ‫ريتشــموند‪،‬‬ ‫لكن االختيار شديد الوضوح أمام قطاع عريض من األمريكيني‪.‬‬ ‫فهــم يــرون اخليــار محســو ًما بــني كا املرشــحني‪ :‬فأمامهــم رؤيتــني‬ ‫مغايرتــني للعالــم‪ ،‬أمريكتــني مختلفتــني حيــث ال حــدود لاختافــات‪.‬‬

‫كلينتون‪ :‬المرشح المفترض‬ ‫إقناع ــا‬ ‫ي ــرى الناخب ــون األمريكي ــون ف ــى كلينت ــون خي ــا ًرا أكث ــر‬ ‫ً‬ ‫بخبراتهـــا وشـــخصيتها وإدارتهـــا الواثقـــة لشـــؤون السـيــــاسية‬ ‫الداخليـــة واخلارجيـــة‪.‬‬ ‫وقـــد أضحـــت كلينتـــون بحصولهـــا علـــى ترشـــيح احلـــزب أول‬ ‫امـــرأة فـــى تاريـــخ الواليـــات املتحـــدة األمريكيـــة تفـــوز بالترشـــيح‬

‫م ــن قب ــل أح ــد األح ــزاب الرئيس ــية األمريكي ــة‪ .‬فض ــا ع ــن ذل ــك‬ ‫فهـــي تتقـــدم علـــى ترامـــب بـــني غالبيـــة الطوائـــف العرقيـــة‪%88 :‬‬ ‫وس ــط األمريكي ــني األفارق ــة‪ ،‬و‪ % 68‬ب ــني األمريكي ــني ذوى األص ــول‬ ‫الاتينيـــة‪ ،‬و ‪ %51‬بـــني النســـاء‪ .‬وقـــد اُعتبـــرت كلينتـــون االختيـــار‬ ‫األفضــل مــن قبــل املشــاركني يف االســتفتاءات علــى معظــم القضايــا‬ ‫تقري ًبــا‪ .‬ووف ًقــا للتقريــر الــذى أورده املوقــع اإلخبــاري «‪Business‬‬ ‫‪ »Insider‬فه ــى تتق ــدم عل ــى ترام ــب يف ُج ــل القضاي ــا ب ــد ًءا م ــن‬ ‫قضي ــة الهج ــرة (وه ــو األم ــر الباع ــث عل ــى الدهش ــة لكون ــه «س ــيد‬ ‫قضايـــا الهجـــرة» طـــوال احلملـــة)‪ ،‬مـــرو ًرا بتعيينـــات احملكمـــة‬ ‫العلي ــا‪ ،‬وبوصفه ــا رئيس ــا ممت ــازا ل ــألركان‪ ،‬وكذل ــك ش ــؤون الطبق ــة‬ ‫الوس ــطى‪ ،‬والسياس ــة اخلارجي ــة‪ ،‬وتوحي ــد األم ــة وقضاي ــا امل ــرأة ‪.‬‬ ‫وق ــد تق ــدم عليه ــا ترام ــب ب ــني الرج ــال م ــن الناخب ــني‪ ،‬إال أنه ــا ق ــد‬ ‫فــازت بالثقــة حتــى بــني أولئــك الذيــن ال مييلــون إليهــا‪ ،‬فهــي توحــي‬ ‫مبزي ــد م ــن الثق ــة يف قدراته ــا عل ــى القي ــام مبه ــام الرئي ــس أكث ــر‬ ‫م ــن ترام ــب‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫االنتخابات األمريكية‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪105‬‬

‫)آراء حـــول الخليـــج( تتابـــع تحليـــل االنتخابـــات األمريكيـــة ‪(5) 2016‬‬

‫سباق الرئاسة األمريكي األول يف التاريخ‬ ‫بمرشحين أقل شعبية‬ ‫أيام قليلة تفصل الواليات املتحدة‪ ،‬ومؤمتر احلزب اجلمهوري من املقرر عقده يف الفترة من ‪ 18‬إلى ‪ 21‬من يوليو‬ ‫اجلاري فى مدينة كليفاند بوالية أوهايو‪ .‬وبعده بأيام معدودة يُعقد مؤمتر احلزب الدميقراطي الشهر املقبل‪ ،‬يف مدينة‬ ‫فيادلفيا بوالية بنسلفانيا يف الفترة من ‪ 28 – 25‬يوليو اجلاري ً‬ ‫أيضا‪ .‬وبهذا تكون االنتخابات الرئاسية قد دخلت مرحلة‬ ‫االنتخابات العامة‪ ،‬لكن الطريق إلى الرئاسة ال يزال مبه ًما مثلما كان خال املرحلة السابقة‪.‬‬

‫د‪ .‬أمل مدللي‬

‫علــى اجلانــب اجلمهــوري ثمــة مرشــح مفتــرض‪ ،‬تبغضــه‬ ‫قيــادة احلــزب بينمــا يتمتــع يف الوقــت نفســه بدعــم ناخبيــه الذيــن‬ ‫قامــوا بالتصويــت لصاحلــه‪ ،‬والذيــن يشــكلون علــى األقــل غالبيــة‬ ‫اجلمهوريــني ممــن أدلــوا بأصواتهــم‪ .‬وعلــى الرغــم مــن هزميتــه‬ ‫لبقيــة املرشــحني املنافســني لــه داخــل احلــزب‪ ،‬إال أنــه ال يــزال ‪ -‬مــن‬ ‫وجهــة نظــر قــادة احلــزب ‪ -‬يفتقــر إلــى «ســمات الرئاســة» وال ميكنــه‬ ‫إقناعهــم بقدرتــه علــى التصــرف مبــا يليــق ومنصــب الرئاســة‪.‬‬ ‫وعلــى اجلانــب الدميقراطــي لديــك مرشــح مفتــرض‪ ،‬حتتضنــه‬ ‫قيــادة احلــزب واملؤسســة احلزبيــة‪ ،‬بينمــا قــام عــدد كبيــر مــن جمهــور‬ ‫الناخبــني بالتصويــت لصالــح مرشــح آخــر غيــره‪ .‬وهــو املرشــح املناوئ‬ ‫ً‬ ‫رافضــا للتنحــي جان ًبــا واخلــروج‬ ‫للمؤسســة احلزبيــة‪ ،‬والــذي ال يــزال‬ ‫من الســباق الرئاســي‪ .‬فقد خســر برني ســاندرز فرصته يف الترشــح‬ ‫للرئاســة عــن احلــزب الدميقراطــي لصالــح هيــاري كلينتــون‪ ،‬وبفارق‬ ‫شاســع كذلــك‪ ،‬إال أنــه ال يــزال يقــاوم اخلــروج مــن الســباق الرئاســي‬ ‫وإتاحــة الفرصــة للحــزب بــان يوحــد جناحيــه الرئيســي والليبرالــي‬ ‫خلــف كلينتــون‪ .‬بــل لــم يقــم إلــى اآلن بالتضامــن معهــا أو إيقــاف‬ ‫حملتــه‪ ،‬بينمــا صــرح مستشــاروه بأنــه لــن يقــدم علــى ذلك قبــل انعقاد‬ ‫املؤمتــر االنتخابــي‪ .‬إن االختيــار الــذى ســيقدم عليه مســاندو ســاندرز‬ ‫بتقريــر مــن ســيقومون بالتصويــت لصاحلــه خــال االنتخابــات العامة‬ ‫ســيكون مــن شــأنه كتابــة مصيــر طموحــات كلينتــون يف الرئاســة‪.‬‬ ‫وإلــى اآلن لــم يوجــه لهــم ســاندرز الكلمــات املنشــودة‪ ،‬واألدهــى مــن‬ ‫ذلــك أنــه ال يــزال يصــارع فــوق منصــة احلــزب الدميقراطــي‪ .‬ويبــدو‬ ‫أن صبــر كبــار زعمــاء احلــزب الدميقراطــي جتاهــه علــى وشــك أن‬

‫ينفــد‪ ،‬فهــم يــرون أنــه قــد آن لــه أن يتنحــى تــار ًكا املجــال لتوحيــد‬ ‫الصفــوف خلــف مــن اختــاره احلــزب كمرشــح رئاســي‪.‬‬ ‫إنــه ســباق نحــو الرئاســة لــم يشــهد التاريــخ مثلــه مــن قبــل‪ ،‬بل ولم‬ ‫يكــن ألحــد أن يتصــوره قــط‪ .‬فلديــك مرشــحني همــا األقــل شــعبية‬ ‫طب ًقــا آلخــر ثاثــة انتخابــات رئاســية شــهدتها البــاد‪ .‬فقــد أظهــر‬ ‫اســتطاع للــرأي أجرتــه هيــأة اإلذاعــة الوطنيــة ( ‪ ،) NBC‬تدنــي‬ ‫شــعبية كا مــن املرشــح الدميقراطــي املفتــرض هيــاري كلينتــون‬ ‫و املرشــح اجلمهــوري املفتــرض دونالــد ترامــب لــدى الناخبــني‪،‬‬ ‫وكذلــك تصاعــد االجتاهــات الســلبية نحوهمــا مــع وصــول الســباق‬ ‫الرئاســي إلــى مرحلــة االنتخابــات العامــة‪ .‬وأظهــر االســتطاع أن‬ ‫‪ %54‬مــن املشــاركني فيــه ال يؤيــدون كلينتــون‪ ،‬يف حــني أعــرب ‪%34‬‬ ‫مــن املشــاركني عــن تأييدهــم لهــا‪ .‬وعلــى اجلانــب اجلمهــوري‪ ،‬قــال‬ ‫‪ %58‬مــن املشــاركني بأنهــم ال يؤيــدون ترامــب‪ ،‬يف حــني أعــرب ‪% 29‬‬ ‫مــن املشــاركني عــن تأييدهــم لــه‪.‬‬ ‫ووفقــا لصحيفــة بوليتيكــو (‪ ،)Politico‬فــإن ترامــب ليــس يف‬ ‫وضــع ســيء فقــط‪ ،‬بــل إنــه « املرشــح األكثــر خطــورة علــى مــدار‬ ‫التاريــخ»‪ .‬ويشــكل أنصــاره نحــو الثاثــني باملائــة‪ ،‬بينمــا تصــل نســب‬ ‫املناوئــني لــه إلــى نحــو اخلمســني باملائــة‪ .‬وطب ًقــا ملجلــة «اون اليــن «‬ ‫فــإن كلينتــون ليســت بحــال أفضــل منــه‪ ،‬إذ تبلــغ نســبة املناصريــن لهــا‬ ‫‪ %41‬بينمــا تصــل نســبة غيــر املؤيديــن إلــى ‪.%54‬‬ ‫ويشــعر العديــد مــن األمريكيــني بأنهــم ال ميلكــون خيــا ًرا حقيق ًيــا‬ ‫بــني كا املرشــحني‪ ،‬إلــى احلــد الــذي حتــول معــه األمــر إلــى مشــهدًا‬ ‫مــن مشــاهد الكوميديــا‪ .‬فثمــة روايــات صحفيــة عــن ســيدة مســنة مــن‬

‫‪104‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إفريقيا تحتل المرتبة الثانية بين الكتل التصويتية يف األمم المتحدة‬ ‫(‪ 54‬دولـة) وتـحتفـظ بثالثـة مقاعـد فـي مجلس األمـن‬ ‫كــن تظــل اجلامعــة اإلســامية باملدينــة املنــورة‪ ،‬وجامعــة أم القرى‬ ‫وغيرهمــا مــن اجلامعــات الســعودية التــي تســتقبل الطــاب األفارقــة‬ ‫هــي أكثــر اآلليــات بــروزاً‪ .‬بــل إنهــا متثــل أهــم أدوات القــوة الناعمــة‬ ‫الســعودية يف القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬حيــث تخــرج ســنو ًيا اآلالف مــن أبنــاء‬ ‫القــارة‪ ،‬يف مجــاالت العلــوم الشــرعية والتطبيقيــة‪ ،‬وغال ًبــا مــا يتقلــد‬ ‫خريجــو هــذه اجلامعــة مســؤوليات ومناصــب عليــا يف بلدانهــم‪ ،‬األمــر‬ ‫الــذي ينعكــس إيجابـاً علــى املصالــح الســعودية يف القــارة‪.‬‬

‫رابعاً‪-‬التحديات التي تواجه السياسة السعودية يف إفريقيا‪:‬‬ ‫هنــاك بعــض التحديــات التــي تواجــه السياســة الســعودية يف‬ ‫إفريقيــا وأهمهــا‪:‬‬

‫‪-1‬الدعاية السلبية المضادة‪:‬‬ ‫هنــاك العديــد مــن األطــراف التــي تتخــوف مــن الــدور الســعودي‬ ‫املتنامــي يف القــارة اإلفريقيــة‪ .‬لــذا فهــي حتــرص علــى عرقلــة هــذا‬ ‫التقــدم عبــر بــث دعايــة مضــادة لسياســة اململكــة‪ ،‬تــدور حــول الــدور‬ ‫العربــي يف جتــارة الرقيــق واســتغال مــوارد الشــعوب اإلفريقيــة‪،‬‬ ‫ومزاعــم حــول ســعى الســعودية لنشــر املذهــب الســلفي يف القــارة‪.‬‬

‫‪-2‬الطرق الصوفية يف إفريقيا‪:‬‬ ‫إن الطابع الصويف الطاغي على مسلمي إفريقيا يجعل املد احلضور‬ ‫الســعودي الســلفية ال يجــد األرضيــة املائمــة يف األوســاط اإلفريقيــة‪.‬‬

‫‪-3‬القضايا الخالفية بين المملكة وبعض األطراف اإلفريقية‪:‬‬ ‫ومــن أهــم هــذه القضايــا املوقــف مــن إيــران واألزمــة الســورية‪،‬‬ ‫وتبايــن وجهــات النظــر بــني اململكــة وبعــض الــدول اإلفريقيــة حيــال‬ ‫األزمــة الســورية‪.‬‬ ‫وختاماً‪ ،‬فإن هذه التحديات لم تفلح يف عرقلة التقدم الســعودي‬ ‫يف إفريقيــا‪ ،‬بــل إن اململكــة اســتطاعت أن حتقــق عبــر سياســتها يف‬ ‫القــارة نتائــج مثمــرة وســريعة‪ ،‬ســواء علــى صعيــد تشــكيل التحالــف‬ ‫اإلســامي العســكري ملكافحــة اإلرهــاب‪ ،‬والــذي تلعــب الــدول‬ ‫اإلفريقيــة دو ًرا مه ًمــا فيــه‪ ،‬أو بالنســبة لقطــع العاقــات مــع إيــران‬ ‫وحتجيمهــا‪ ،‬أو تعزيــز املصالــح االقتصاديــة‪ ،‬والتنســيق السياســي‪،‬‬ ‫وهــو مــا عكســته أرقــام التجــارة واالســتثمار‪ ،‬وتأييــد معظــم األفارقــة‬ ‫إليجــاد حــل سياســي لألزمــة اليمنيــة‪ ،‬علــى أن يكــون (مينــى– مينــى)‬ ‫وفــق قــرار مجلــس األمــن ‪.2216‬‬ ‫ويف تقديري فإن طرح املبادرات السعودية لتسوية الصراعات‬ ‫يف إفريقيــا‪ ،‬خاصــة يف حــوض النيــل والقــرن اإلفريقــي‪ ،‬وتنظيــم قمــة‬ ‫دوريــة للعاقــات الســعودية اإلفريقيــة ســوف يكــون لــه عظيــم األثــر‬ ‫يف دفــع العاقــات بــني اجلانبــني إلــى آفــاق غيــر مســبوقة‪ ،‬بالقيــاس‬ ‫إلــى احلجــم الكبيــر للمصالــح املتبادلــة بينهمــا‪ ،‬والثقــل اإلقليمــي‬ ‫والدولــي الــذي متثلــه اململكــة‪.‬‬ ‫*مــدرس العلــوم السياســية معهــد البحــوث والدراســات اإلفريقيــة‬ ‫‪ -‬جامعــة القاهــرة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪103‬‬

‫ملف العدد‬

‫إفــريـقـيا تضـم ‪ 21‬دولـة مـنتجـة للنفـط مـنهـم ‪ 4‬دول أعـضـاء‬ ‫أوبـك ونـصـف االكتـشـافـات النفـطـية الحـديثة فـي غرب أفـريـقـيا‬ ‫ال ميكنهــا حتمــل األعبــاء االقتصاديــة واالجتماعيــة لاســتغناء عــن‬ ‫هــذه العمالــة‪.‬‬

‫‪-3‬المساعدات اإلنسانية والتنموية‪:‬‬ ‫تعــد الســعودية الدولــة األولــى يف العالــم مــن حيــث مــا تقدمــه مــن‬ ‫مســاعدات خارجية إلى إجمالي الناجت القومي‪ ،‬واألولى بني دول أوبك‪،‬‬ ‫والثانيــة مــن حيــث مــا تقدمــه كقيمــة مطلقــة بعــد الواليــات املتحدة‪.‬‬ ‫إذ أوصــت األمم املتحــدة الــدول املانحــة للمســاعدات بــأال تقــل‬ ‫نســبة مــا تقدمــه مــن مســاعدات عــن ‪ % 0.7‬مــن دخلهــا الوطنــي‪.‬‬ ‫لكــن اململكــة ظلــت لعقــود طويلــة تقــدم مــا ال يقــل عــن ‪ %4‬مــن‬ ‫ناجتهــا احمللــي اإلجمالــي‪ .‬وكانــت الــدول اإلفريقيــة يف مقدمــة‬ ‫املســتفيدين مــن هــذه املســاعدات‪ ،‬حيــث اســتفادت منهــا ‪ 41‬دولــة‬ ‫إفريقيــة‪ ،‬مقابــل ‪ 23‬دولــة آســيوية‪ ،‬و‪ 9‬دول أخــرى‪.‬‬ ‫كمــا تتقــدم الســعودية الــدول املانحــة لعمليــات اإلغاثــة اإلنســانية‪،‬‬ ‫ومكافحــة الفقــر‪ ،‬وتســهم يف موازنــات نحــو ‪ 18‬مؤسســة للتمويــل‬ ‫الدولــي‪ ،‬فضـ ً‬ ‫ا عــن دعمهــا ملبــادرة تخفيــف الديــون لــدى صنــدوق النقد‬ ‫الدولــي‪ .‬ويعتبــر الصنــدوق الســعودي للتنميــة مبثابــة اجلهــاز األساســي‬ ‫املعنــي بتقــدمي املســاعدات اإلنســانية والتنمويــة للــدول اإلفريقيــة‪ ،‬فمــن‬ ‫خالــه قدمــت اململكــة الدعــم الغذائــي لــدول القــارة‪ .‬ودعمــت الاجئــني‬ ‫والنازحــني بهــا‪ ،‬حيــث حتــرص اململكــة علــى تأكيــد أن هــذه املســاعدات‬ ‫غيــر مشــروطة وال متيــز بــني البشــر علــى أي أســاس دينــي أو عرقــي‪.‬‬

‫‪ -3‬التصنيــع العســكري‪ :‬ومثــال ذلــك افتتــاح مجمــع عســكري‬ ‫بالســعودية إلنتــاج قذائــف الهــاون وقنابــل الطائــرات‪ ،‬بترخيــص مــن‬ ‫شــركة (راينميتــال دينيــل) للذخيــرة اجلنــوب إفريقيــة‪ ،‬وبتكلفــة بلغــت‬ ‫حوالــي ‪ 240‬مليــون دوالر‪.‬‬ ‫‪ -4‬المســاعدات العســكرية‪ :‬تقــدم اململكــة دع ًمــا عســكر ًيا للعديــد مــن‬ ‫الــدول احلليفــة‪ ،‬ومنهــا جيبوتــي‪ ،‬التــي حصلــت علــى صفقــة مــن‬ ‫الــزوارق احلربيــة ملراقبــة الســواحل‪ ،‬وكــذا الســودان التــي منحتهــا‬ ‫اململكــة صفقــة عســكرية كانــت يف طريقهــا إلــى لبنــان‪ ،‬بعــد مواقــف‬ ‫حــزب اهلل الســلبية جتــاه اململكــة‪.‬‬ ‫ولعــل ذلــك هــو مــا دفــع وزيــر الدفــاع الســوداني إلــى القــول بــأن‬ ‫الســودان متثــل « أمــني ظهــر الســعودية يف إفريقيــا»‪ .‬وقــد بلــغ األمــر‬ ‫حــد تصريــح وزيــر اخلارجيــة الســوداني إبراهيــم غنــدور بإمكانيــة‬ ‫مشــاركة الســودان يف العمليــات العســكرية البريــة يف ســوريا‪ ،‬قبــل أن‬ ‫يؤكــد أن األمــر ســابق ألوانــه‪.‬‬ ‫‪ -5‬المنــاورات المشــتركة‪ :‬ومــن أهمهــا منــاورات « رعد الشــمال»‪ ،‬التي‬ ‫نظمتهــا الســعودية يف حفــر الباطــن مبشــاركة عشــرين دولــة‪ ،‬منهــا‬ ‫مصــر والســودان‪ ،‬وتشــاد‪ ،‬وجــزر القمــر‪ ،‬وموريشــيوس‪ ،‬وجيبوتــي‪،‬‬ ‫والســنغال‪ ،‬وتونــس‪ ،‬واملغــرب‪ ،‬وموريتانيــا‪.‬‬ ‫‪ -6‬اتفاقــات التعــاون العســكري‪ :‬ومنهــا االتفــاق بــني الســعودية‬ ‫واريتريــا يف أبريــل ‪2015‬م‪ ،‬يف مجــال محاربــة اإلرهــاب والتجــارة‬ ‫غيــر املشــروعة والقرصنــة يف البحــر األحمــر‪.‬‬

‫‪-4‬التعاون العسكري‪:‬‬

‫‪-5‬الدعوة الدينية والدفاع عن قضايا المسلمين‪:‬‬

‫تعتبــر الســعودية واحــدة مــن أكبــر دول العالــم مــن حيــث اإلنفــاق‬ ‫العســكري‪ .‬إذ قــدر إنفاقهــا الدفاعــي خــال العــام ‪2015‬م‪ ،‬بنحــو‬ ‫‪ 52‬مليــار دوالر‪ .‬ويف إطــار ســعيها لتدعيــم مصاحلهــا األمنيــة يف‬ ‫إفريقيــا اســتخدمت اململكــة آليــات عديــدة أهمهــا‪:‬‬ ‫‪ -1‬إقامــة القواعــد العســكرية‪ :‬إذ أعلــن ســفير جيبوتــي لــدى الريــاض‬ ‫يف مــارس ‪2016‬م‪ ،‬أنــه جــرى الترتيــب إلنشــاء قاعــدة عســكرية‬ ‫ســعودية يف جيبوتــي‪ ،‬خــال زيــارة الرئيــس اجليبوتــي إســماعيل‬ ‫عمــر جيلــه للســعودية‪ .‬وهــي خطــوة ميكــن تفســيرها برغبــة اململكــة‬ ‫يف مواجهــة مســاعي إيــران الســتئجار جــزر لاســتخدام العســكري‬ ‫علــى اجلانــب اإلفريقــي مــن البحــر األحمــر‪ ،‬وكــذا رغبتهــا يف مراقبــة‬ ‫النشــاط اإلســرائيلي يف البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي‪.‬‬ ‫‪ -2‬تشــكيل اللجــان العســكرية المشــتركة‪ :‬ومنهــا اللجنــة املشــتركة بــني‬ ‫الســعودية وجيبوتــي‪ ،‬والتــي تشــكلت بعــد انطــاق عاصفــة احلــزم‪.‬‬

‫كان النفــوذ الســعودي يف أفريقيــا يف بدايتــه بدوافــع دينيــة أكثر منها‬ ‫سياســية أو اقتصاديــة‪ ،‬فقــد انصــب اهتمــام اململكــة أوال علــى اجلوانــب‬ ‫الدعويــة والتربويــة‪ .‬ومــن أهــم اآلليــات التي تعتمد عليها اململكــة يف هذا‬ ‫الشــأن اجلمعيــات اخليريــة وأهمهــا‪ :‬جلنــة مســلمي إفريقيــا‪ ،‬ومؤسســة‬ ‫احلرمــني اخليريــة‪ ،‬والنــدوة العامليــة للشــباب اإلســامي‪ ،‬وهيــأة اإلغاثــة‬ ‫العامليــة‪ ،‬وإدارة املســاجد واملشــروعات اخليرية‪.‬‬ ‫إذ نشــطت هــذه الهيــآت يف نشــر اإلســام عبــر إنشــاء املــدارس‬ ‫ودور حتفيــظ القــرآن‪ ،‬واملراكــز اإلســامية الشــاملة‪ ،‬التــي تقــدم‬ ‫اخلدمــات الدينيــة والتعليميــة والصحيــة‪ ،‬ومــن ذلــك املركــز اإلســامي‬ ‫يف الســنغال‪ ،‬والــذي جــاء ثمــرة لزيــارة امللــك فيصــل ســنة ‪1972‬م‪.‬‬ ‫كمــا حرصــت اململكــة علــى إقامــة كيانات تنظيمية خلدمة األنشــطة‬ ‫الدعويــة‪ ،‬والدفــاع عــن مصالــح وقضايــا الــدول اإلســامية‪ .‬ومــن ذلــك‬ ‫رابطــة العالــم اإلســامي‪ ،‬ومنظمــة التعــاون اإلســامي ومقرهــا جــدة‪.‬‬

‫‪102‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫‪-1‬األداة الدبلوماسية والزيارات المتبادلة‪:‬‬ ‫وثقــت الســعودية عاقاتهــا بــدول القــارة الســمراء عبــر‬ ‫تشــكيل اللجــان العليــا املشــتركة‪ ،‬ومنهــا اللجنــة الســعودية– املصريــة‪،‬‬ ‫برئاســة وزيــري اخلارجيــة يف الدولتــني‪ ،‬وجلنــة التشــاور الســعودي‪-‬‬ ‫الســوداني‪ ،‬وغيرهمــا‪.‬‬ ‫كمــا حتــرص اململكــة علــى تبــادل التمثيــل الدبلوماســي مــع‬ ‫الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬حيــث بلــغ عــدد البعثــات الدبلوماســية الســعودية‬ ‫يف إفريقيــا ‪ 43‬بعثــة حتــى أبريــل ‪2016‬م‪ ،‬متفوقــة بذلــك علــى إيــران‬ ‫التــي كانــت ترتبــط بعاقــات دبلوماســية مــع ‪ 30‬دولــة إفريقيــة قبــل‬ ‫األزمــة الدبلوماســية بــني طهــران والريــاض يف ينايــر‪2016‬م‪ ،‬والتــي‬ ‫دفعــت بعــض دول القــارة إلــى قطــع عاقاتها الدبلوماســية مــع إيران‪.‬‬ ‫وحتــرص اململكــة ً‬ ‫أيضــا علــى املشــاركة يف الفعاليــات اإلفريقيــة‪،‬‬ ‫ومنهــا القمــة السادســة والعشــرين لاحتــاد اإلفريقــي بأديــس أبابــا‬ ‫يف ينايــر‪2016‬م‪ ،‬التــي شــارك فيهــا وفــد برئاســة وزيــر اخلارجيــة‬ ‫عــادل اجلبيــر‪ .‬باإلضافــة إلــى الزيــارات املتبادلــة التــي أصبحــت‬ ‫تتــم بوتيــرة متســارعة وبوفــود كبيــرة العــدد‪ ،‬ومتنوعــة التخصصــات‬ ‫واخلبــرات‪ .‬وهنــا جتــدر اإلشــارة إلــى ماحظتــني همــا‪:‬‬ ‫شــهد عــام ‪2016 /2015‬م‪ ،‬اســتقبال اململكــة لرئيــس الــوزراء‬ ‫اإلثيوبــي‪ ،‬ورؤســاء اريتريــا‪ ،‬وجيبوتــي‪ ،‬والصومــال‪ ،‬ملواجهــة تداعيــات‬ ‫الصــراع اليمنــي‪ ،‬وكــذا اســتقبال رؤســاء مصــر والســودان والســنغال‬ ‫وموريتانيــا‪ ،‬لبحــث تداعيــات عاصفــة احلــزم‪ .‬واســتقبال الرئيــس‬ ‫النيجيــري محمــد بخــاري لضبــط أســعار النفــط‪ ،‬واســتقبال جاكــوب‬ ‫زومــا رئيــس جنــوب إفريقيــا يف مــارس ‪2016‬م‪ ،‬لبحــث تطوير التصنيع‬ ‫العســكري‪ .‬بــل إن بعــض هــؤالء الرؤســاء زار اململكــة ثــاث مــرات‬ ‫خــال أقــل مــن عــام مثــل رؤســاء إريتريــا والســودان وموريتانيــا‪.‬‬ ‫يف الوقــت الــذي حــرص فيــه رؤســاء دول القــارة علــى زيــارة‬ ‫الســعودية‪ ،‬ظلــت اململكــة تعتمــد حتــى اآلن علــى وزيــر خارجيتهــا يف‬ ‫زيــارة الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬حيــث زار وزيــر اخلارجيــة كل مــن جنــوب‬ ‫إفريقيــا والســودان وزامبيــا‪ ،‬وكينيــا وتنزانيــا خــال العــام األخيــر‪.‬‬ ‫ويتوقــع الكثيــرون أن زيــارة العاهــل الســعودي امللــك ســلمان بــن عبــد‬ ‫العزيــز إلفريقيــا جنــوب الصحــراء‪ ،‬ســوف متثــل قــوة دفــع هائلــة‬ ‫لــدور اململكــة يف القــارة اإلفريقيــة‪.‬‬ ‫‪-2‬االستثمار والتبادل التجاري‪:‬‬ ‫الســعودية أكبــر مســتثمر خليجــي يف معظــم دول القــارة اإلفريقيــة‬ ‫مثــل مصــر والســودان وجنــوب إفريقيــا والســنغال وإثيوبيــا‪ ،‬حيــث بلــغ‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ـروعا‪،‬‬ ‫عدد املشــروعات الســعودية يف إثيوبيا على ســبيل املثال ‪ 294‬مشـ ً‬ ‫مشــروعا يف اإلنتــاج احليوانــي‬ ‫بقيمــة ‪ 3‬مليــار دوالر‪ ،‬منهــا ‪141‬‬ ‫ً‬ ‫ـروعا صناع ًيــا‪ ،‬ومشــروعات أخــرى متنوعــة‪.‬‬ ‫والزراعــي‪ ،‬و‪ 64‬مشـ ً‬ ‫ويف إطار حرص اململكة على دفع العاقات االقتصادية بينها‬ ‫وبــني القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬جــرى تنظيــم العديــد مــن االجتماعــات بــني‬ ‫مجلــس الغــرف الســعودية وســفراء الــدول اإلفريقيــة باململكــة‪ .‬كمــا‬ ‫اســتضافت الريــاض يف ديســمبر‪2010‬م‪ ،‬مؤمتــر االســتثمار اخلليجــي‬ ‫اإلفريقــي‪ ،‬بهــدف تعزيــز العاقــات التجاريــة واالســتثمارية بــني‬ ‫اجلانبــني يف قطاعــات املصــارف‪ ،‬والتجــارة واالســتثمار الزراعــي‪،‬‬ ‫والبنيــة التحتيــة‪ ،‬واالتصــاالت‪ ،‬والتعديــن‪ ،‬والطاقــة والنفــط‪.‬‬ ‫وجتــدر اإلشــارة إلــى ارتفــاع نصيــب الســنغال مــن اســتثمارات‬ ‫الصنــدوق الســعودي للتنميــة يف غــرب إفريقيــا‪ ،‬بنســبة تصــل إلــى‬ ‫‪ ،%40‬وهــو مــا يفســر بأمريــن همــا‪ :‬حــرص الســعودية علــى مــد‬ ‫نفوذهــا الدينــي إلــى الســنغال‪ ،‬التــي تبلــغ نســبة املســلمني بهــا ‪%96‬‬ ‫مــن الســكان‪ ،‬ودعــم الســنغال القــوي لعمليــة عاصفــة احلــزم‪.‬‬ ‫لكــن االســتثمارات الســعودية يف إفريقيــا ال تــزال دون املســتوى‬ ‫املأمــول‪ ،‬فهــي ال تتجــاوز ‪ %2‬مــن إجمالــي االســتثمارات الســعودية‬ ‫يف العالــم‪ .‬ورمبــا ميكــن تفســير ذلــك بارتبــاط بيئــة االســتثمار‬ ‫يف إفريقيــا جنــوب الصحــراء بكثيــر مــن املشــكات التــي جتعلهــا‬ ‫بيئــة غيــر آمنــة نســب ًيا‪ ،‬ومــن ذلــك الصراعــات واحلــروب األهليــة‪،‬‬ ‫والفســاد السياســي‪ ،‬والقصــور التشــريعي‪.‬‬ ‫وبالنســبة للتبــادل التجــاري‪ ،‬فقــد بلــغ حجــم التجــارة بــني‬ ‫الســعودية والــدول اإلفريقيــة بنهايــة العــام ‪ 2015‬نحــو‪ 68.6‬مليــار‬ ‫ريــال‪ ،‬منهــا ‪ 55.9‬مليــار للصــادرات الســعودية إلــى إفريقيــا‪ ،‬و‪12.7‬‬ ‫مليــار لــواردات اململكــة‪ .‬وتضــم قائمــة الصــادرات الســعودية النفــط‬ ‫ومشــتقاته‪ .‬بينمــا تشــمل الــواردات‪ :‬اللحــوم‪ ،‬والفحــم واملعــادن‪.‬‬ ‫وهنــا تبــرز مصــر وجنــوب إفريقيــا كأهــم شــركاء التجــارة مــع‬ ‫الســعودية‪ .‬كمــا يتوقــع ً‬ ‫أيضــا أن يــزداد حجــم التجــارة الســعودية‬ ‫اإلفريقيــة مــع توجــه اململكــة إلــى إقامــة خطــوط بحريــة وبريــة‬ ‫مباشــرة مــع دول القــارة‪ ،‬مثــل إقامــة خطــوط ماحيــة بــني موانــئ‬ ‫جيبوتــي وجــدة وجــازان‪ .‬كمــا يعتبــر مشــروع جســر امللــك ســلمان‬ ‫علــى خليــج العقبــة‪ ،‬والــذي مت تدشــينه لــدى زيــارة امللــك ســلمان بــن‬ ‫عبــد العزيــز ملصــر يف أبريــل ‪2016‬م‪ ،‬أحــد أبــرز اخلطــوات علــى‬ ‫طريــق تعزيــز التعــاون بــني الســعودية والقــارة اإلفريقيــة‪.‬‬ ‫يضــاف إلــى مــا ســبق العمالــة اإلفريقيــة التــي تنتشــر يف‬ ‫اململكــة‪ ،‬وهــو مــا مينــح اململكــة نفــو ًذا قو ًيــا لــدى دول القــارة‪ ،‬التــي‬

‫السعـودية تواجه النفـوذ اإليراني واإلسـرائييل يف أفريقيا وتعتبره‬ ‫تـهـديد ًا ألمنهـا الوطني وخصـماً من قـوة النظـام الـعربي‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫وشــاركت فيهــا عســكرياً كل مصــر والســودان واملغــرب فعليـاً‪ ،‬ورمبــا‬ ‫الســـنغال الحقـــاً‪.‬‬

‫‪-3‬التعاون يف مجال مكافحة اإلرهاب‪:‬‬ ‫تعتبــر مكافحــة اإلرهــاب أحــد أهــم دوافــع التحــرك الســعودي‬ ‫يف إفريقيــا‪ ،‬خاصــة مــع تعــرض اململكــة للعديــد مــن احلــوادث‬ ‫اإلرهابيــة‪ ،‬مــا دفعهــا إلــى تبنــي إنشــاء مركــز ملكافحــة اإلرهــاب تابــع‬ ‫لــألمم املتحــدة‪ ،‬حيــث أطلــق امللــك الراحــل عبــد اهلل بــن عبــد العزيــز‬ ‫هــذه الفكــرة إلــى أن مت إنشــاء املركــز عــام ‪2011‬م‪.‬‬ ‫ولعــل إعــان اململكــة جماعــة اإلخــوان املســلمني كجماعــة‬ ‫إرهابيــة يف ‪ 7‬مــارس ‪2014‬م‪ ،‬يعتبــر مــن أقــوى‬ ‫املمارســات يف هــذا الشــأن‪ ،‬حيــث أصــدرت اململكــة‬ ‫بيا ًنــا أضافــت فيــه اإلخــوان املســلمني إلــى الئحــة‬ ‫التنظيمــات اإلرهابيــة‪ .‬ودفــع ذلــك دوالً أخــرى إلــى‬ ‫االقتــداء باململكــة‪ ،‬ومنهــا اإلمــارات التــي أعلنــت‬ ‫اإلخــوان كتنظيــم إرهابــي يف نوفمبــر‪2014‬م‪.‬‬ ‫كمــا كان ملــف مكافحــة اإلرهــاب وحــركات‬ ‫التطــرف الدينــي أحــد أبــرز امللفــات محــل االهتمــام‬ ‫يف العاقــات الســعودية‪-‬اإلفريقية‪ ،‬خاصــة مــع‬ ‫الــدول التــي تعانــي مــن وجــود احلــركات التكفيريــة‬ ‫املتطرفــة مثــل‪ :‬نيجيريــا (بوكــو حــرام) والصومــال (الشــباب‬ ‫املجاهديــن) ومصــر وليبيــا وتونــس (أنصــار الشــريعة)‪ ،‬وموريتانيــا‬ ‫(التوحيــد واجلهــاد)‪ ،‬ومالــي (أنصــار الديــن)‪.‬‬ ‫كمــا حتــرص اململكــة حال ًيــا علــى توقيــع االتفاقــات مــع‬ ‫الــدول اإلفريقيــة يف مجــال محاربــة اإلرهــاب‪ ،‬وتبــادل املعلومــات‬ ‫االســتخباراتية‪ ،‬وتســليم املجرمــني‪ ،‬ومحاربــة التجــارة غيــر‬ ‫املشــروعة‪ .‬ومــن ذلــك االتفــاق الســعودي‪-‬االريتري يف أبريــل ‪2016‬م‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪101‬‬

‫ملف العدد‬

‫النفطيــة التــي حدثــت يف األعــوام العشــر األخيــرة كانــت يف دول‬ ‫غــرب أفريقيــا‪ ،‬خاصــة منطقــة خليــج غينيــا‪.‬‬ ‫لذلــك حتــرص اململكــة علــى تدعيــم التعــاون مــع الــدول‬ ‫النفطيــة يف القــارة‪ ،‬خاصــة نيجيريــا وأجنــوال‪ ،‬اللتــان حتتــان حاليـاً‬ ‫املركزيــن األول والثانــي يف إنتــاج النفــط يف إفريقيــا‪ .‬ولعــل هــذا‬ ‫هــو مــا يفســر حــرص الريــاض علــى إقامــة عاقــات دبلوماســية مــع‬ ‫أجنــوال عــام ‪2009‬م‪ ،‬بعــد انضمــام األخيــرة إلــى أوبــك عــام ‪.2007‬‬ ‫كمــا يفســر اســتقبال اململكــة للرئيــس النيجيــري محمــد بخــاري يف‬ ‫فبرايــر ‪2016‬م‪ ،‬بهــدف ضبــط أســعار النفــط‪ ،‬وكــذا توثيــق العاقــات‬ ‫الســعودية مــع غينيــا االســتوائية‪.‬‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬حترص الرياض على االستفادة‬ ‫مــن اإلمكانيــات التقنيــة لــدى بعــض دول القــارة‪ ،‬مثــل‬ ‫جنــوب أفريقيــا‪ ،‬التــي تشــترك مــع الســعودية يف‬ ‫عضويــة مجموعــة العشــرين‪ ،‬والتــي متلــك رصيــداً‬ ‫وافــراً مــن اخلبــرة يف التصنيــع املدنــي‪ ،‬والطاقــة‬ ‫املتجــددة‪ ،‬واالتصــاالت‪ ،‬واألقمــار الصناعيــة‪ ،‬والثــروة‬ ‫الســمكية‪ ،‬والهندســة والطــب‪ ،‬ومكافحــة اجلرميــة‬ ‫املنظمــة‪ .‬يضــاف إلــى ذلــك خبــرة جنــوب أفريقيــا يف‬ ‫التصنيــع العســكري‪ ،‬حيــث تســعى اململكــة إلــى تقليــل‬ ‫واردات الســاح مــن الغــرب‪ ،‬وتطويــر صناعتهــا‬ ‫العســكرية يف مجــال الدفــاع اجلــوي‪ ،‬يف مواجهــة التقــدم اإليرانــي‬ ‫الــذي حققتــه إيــران يف تكنولوجيــا الصواريــخ بعيــدة املــدى‪.‬‬

‫إيـران تواجدت فـي‬ ‫إفـريقيا مسـتفيدة من‬ ‫التراجع العربي وتطرف‬ ‫جـمـــاعــات سـلـفــيـة‬ ‫وانحـسـار قـوة الـعـراق‬

‫‪-4‬التعاون االقتصادي والتقني مع الدول اإلفريقية‪:‬‬ ‫فرصا اقتصادية ســانحة أمام الســعودية‪،‬‬ ‫توفر القارة اإلفريقية ً‬ ‫ســواء ملــا متلكــه مــن ثــروات معدنيــة وطبيعيــة‪ ،‬أو مــن حيــث حجــم‬ ‫الســوق اإلفريقيــة‪ .‬إذ تزخــر القــارة بنحــو ‪ %30‬من احتياطــي الثروات‬ ‫املعدنيــة يف العالــم‪ .‬وتعتبــر مــن أهــم منتجــي العالــم مــن املــاس‬ ‫والذهــب والباتــني واليورانيــوم‪ ،‬واألخشــاب والــكاكاو والــن والشــاي‬ ‫‪..‬الــخ‪ .‬كمــا يتســم الســوق اإلفريقــي باالتســاع (مليــار ومائــة وخمســني‬ ‫مليــون نســمة)‪ ،‬فضـ ً‬ ‫ا عــن القــرب اجلغــرايف مــن اململكة‪ ،‬والتنــوع‪ .‬لذا‬ ‫ســعت اململكــة إلــى تعزيــز التبــادل التجــاري مــع دول القــارة‪.‬‬ ‫كمــا تضــم القــارة اإلفريقيــة أكثــر مــن ‪ 21‬دولــة منتجــة للنفــط‪،‬‬ ‫منهــم أربــع دول تنتمــي ألوبــك هــي‪ :‬نيجيريــا‪ ،‬أجنــوال‪ ،‬ليبيــا‪،‬‬ ‫واجلزائــر‪ .‬كمــا تشــير األرقــام إلــى أن أكثــر مــن نصــف االكتشــافات‬

‫ثالثاً‪-‬أدوات التحرك السعودي يف إفريقيا‪:‬‬ ‫اســتطاعت الســعودية أن تكســب مزيــداً مــن النفــوذ يف القــارة‬ ‫اإلفريقيــة‪ ،‬مســتفيدة يف ذلــك ثاثــة عوامــل هــي‪:‬‬ ‫الرمزية الدينية للمملكة التي تساعدها يف النفاذ إلى القارة ذات‬ ‫األغلبية املسلمة‪ ،‬حيث تعتبر إفريقيا هي القارة األولى يف العالم من حيث‬ ‫نسبة املسلمني إلى إجمالي عدد السكان (‪ %52‬من األفارقة مسلمون)‪.‬‬ ‫االنكســارات التــي تعرضــت لهــا إيــران يف إفريقيــا منــذ عــام‬ ‫‪2010‬م‪ ،‬عندمــا قطعــت نيجيريــا والســنغال وجامبيــا عاقاتهمــا‬ ‫الدبلوماســية بإيــران‪ ،‬وأوقفــت جنــوب إفريقيــا وإدارتهــا النفطيــة‬ ‫منهــا‪ ،‬التزامــاً بالعقوبــات الدوليــة‪.‬‬ ‫اإلمكانيــات االقتصاديــة للمملكــة‪ ،‬يف مقابــل عــدم وفــاء إيــران‬ ‫بتعهداتهــا التجاريــة واالســتثمارية ومســاعدتها لــدول القــارة‪ .‬وقــد‬ ‫كان ذلــك مــن أهــم األســباب التــي دفعــت الســودان وجيبوتــي وجــزر‬ ‫القمــر إلــى قطــع عاقاتهــا الدبلوماســية مــع إيــران يف ينايــر‪2016‬م‪.‬‬ ‫وجنحــت الســعودية يف توظيــف مختلــف أدوات السياســة‬ ‫اخلارجيــة علــى التــوازي يف ســبيل حتقيــق وتعظيــم مصاحلهــا‬ ‫الوطنيــة يف القــارة‪ ،‬ومــن أهــم هــذه األدوات مــا يلــي‪:‬‬

‫‪100‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫العالقات السـعـودية ‪ -‬اإلفريقية بدأت بدوافـع دينية تبعـها كيانات‬ ‫تنظيمية لخـدمة األنشطة الدعـوية والدفاع عن مصالح وقضايا األمة‬ ‫أمــا إســرائيل‪ ،‬فــإن وجودهــا املتنامــي يف القــارة يقلــق اململكــة‪،‬‬ ‫خاصــة مــع دور إســرائيل يف تهديــد األمــن املائــي املصــري يف حــوض‬ ‫النيــل‪ ،‬واتبــاع سياســة الضربــات االســتباقية التــي أضحــت تركــز‬ ‫عليهــا تــل أبيــب‪ ،‬حيــث شــنت هجمــات صاروخيــة داخــل العمــق‬ ‫الســوداني‪ .‬ولعــل ذلــك هــو مــا دفــع اململكــة إلــى تدعيــم الــدول‬ ‫اإلفريقيــة التخــاذ مواقــف مؤيــدة للعــرب يف القضايــا املتعلقــة‬ ‫بالصــراع العربــي اإلســرائيلي‪ ،‬ومنهــا جيبوتــي والصومــال والنيجــر‪،‬‬ ‫مثلمــا فعلــت مــن قبــل عندمــا دعمــت الــدول اإلفريقيــة التــي قطعــت‬ ‫عاقاتهــا الدبلوماســية بإســرائيل عقــب حــرب أكتوبــر ‪1973‬م‪.‬‬

‫‪-2‬تنويع خارطة الحلفاء اإلقليميين‪:‬‬ ‫تسعى السعودية إلى االنفتاح على القارة اإلفريقية لتنويع خارطة‬ ‫حتالفاتهــا اإلقليميــة‪ ،‬خاصــة أن القــارة حتتــل املرتبة الثانية –بعد الكتلة‬ ‫اآلســيوية‪ -‬بــني الكتــل التصويتيــة يف اجلمعيــة العامــة لــألمم املتحــدة‬

‫مبجمــوع (‪ 54‬دولــة)‪ .‬وأنهــا حتتفــظ بثاثــة مقاعد غير دائمة يف مجلس‬ ‫األمــن‪ .‬فضـ ً‬ ‫ا عــن عضوية الكثير مــن دولها يف مجموعة عدم االنحياز‪،‬‬ ‫ومجموعة الســبع والســبعني ومنظمة التعاون اإلســامي وغيرها‪ .‬ولعل‬ ‫دور األفارقــة يف صــدور قــرار اجلمعيــة العامــة لــألمم املتحــدة عــام‬ ‫‪1975‬م‪ ،‬باعتبــار الصهيونيــة إيديولوجيــة عنصريــة ثــم دورهــم يف إلغــاء‬ ‫هــذا القــرار عــام ‪ 1991‬م‪ ،‬يعكــس الثقــل اإلفريقــي يف احملافــل الدوليــة‪.‬‬ ‫يضــاف إلــى ذلــك حــرص اململكــة علــى مواجهــة تداعيــات‬ ‫األحــداث يف دول الربيــع العربــي‪ ،‬واحليلولــة دون امتــداد ريــاح‬ ‫التغييــر‪ ،‬وكذلــك التنســيق السياســي مــع الــدول اإلفريقيــة حيــال‬ ‫بعــض القضايــا وأهمهــا القضيــة الفلســطينية‪ ،‬وامللــف الســوري‪،‬‬ ‫وإصــاح األمم املتحــدة‪ ،‬وتوســيع عضويــة مجلــس األمــن الدولــي‪،‬‬ ‫الــذي ميثــل بتشــكيله احلالــي عــدم تــوازن القــوى يف العالــم‪.‬‬ ‫وجتلـــت أهميـــة القـــارة مؤخـــ ًرا مـــع عاصفـــة احلـــزم ضـــد‬ ‫احلوثيـــني‪ ،‬حيـــث أيدتهـــا غالبيـــة الـــدول اإلفريقيـــة سياســـياً‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪99‬‬

‫ملف العدد‬

‫اململكــة وثقــت عالقاتهــا بـــ ‪ 43‬بعثــة دبلوماســية والصناعــات العســكرية‬

‫السياسة السعودية يف إفريقيا‬ ‫آفـاق واعـدة وفـرص مواتية‬ ‫ً‬ ‫نشــطا صــوب القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬وهــو مــا يعكــس تصاعــد أهميــة الدائــرة‬ ‫شــهدت األعــوام املاضيــة حتــر ًكا ســعود ًيا‬ ‫اإلفريقيــة بــني دوائــر حركــة السياســة اخلارجيــة الســعودية‪ ،‬ويكشــف عــن مشــروع متكامــل حملاصــرة نفــوذ القــوى اإلقليميــة‬ ‫املنافســة يف إفريقيــا‪ ،‬وتنويــع خارطــة التحالفــات اإلقليميــة‪ ،‬وتقليــل االعتمــاد علــى الغــرب‪ ،‬ومواجهــة التداعيــات الســلبية‬ ‫النخفــاض أســعار النفــط‪ .‬وعلــى ذلــك يســعى هــذا التقريــر إلــى رصــد أهــداف ودوائــر التحــرك الســعودي يف القــارة‪،‬‬ ‫وكذلــك أدوات حتقيــق املصالــح الوطنيــة الســعودية‪ ،‬والفــرص والتحديــات التــي تواجــه الــدور الســعودي املتنامــي يف القــارة‪.‬‬

‫د‪ .‬أمين السيد شبانة‬

‫أوالً‪ -‬موقع إفريقيا بين دوائر الحركة السياسية السعودية‪:‬‬ ‫تقوم السياسة اخلارجية للمملكة العربية السعودية على مبادئ‬ ‫وثوابــت ومعطيــات جغرافيــة‪ ،‬تاريخيــة‪ ،‬دينيــة‪ ،‬اقتصاديــة‪ ،‬أمنيــة‪،‬‬ ‫سياســية‪ ،‬علــى أســاس‪ :‬االنســجام مــع مبــادئ الشــريعة اإلســامية‬ ‫باعتبارها دســتوراً للمملكة‪ ،‬وحســن اجلوار وعدم التدخل يف الشــؤون‬ ‫الداخليــة للــدول األخــرى‪ ،‬والعمــل ألجــل الســام والعــدل الدوليــني‪،‬‬ ‫ورفــض اإلرهــاب بكافــة أشــكاله وأســاليبه‪ ،‬وااللتــزام بقواعــد القانــون‬ ‫الدولــي واملعاهــدات واملواثيــق الدوليــة والثنائيــة‪ ،‬والدفــاع عن القضايا‬ ‫العربيــة واإلســامية يف احملافــل الدوليــة‪ ،‬وتطبيــق سياســة متوازنــة يف‬ ‫مجــال إنتــاج وتســويق النفــط‪ ،‬وانتهــاج سياســة عــدم االنحيــاز‪ ،‬ولعــب‬ ‫دور فاعــل يف إطــار املنظمــات اإلقليميــة والدوليــة‪.‬‬ ‫وتــدور حركــة السياســة اخلارجيــة الســعودية بــني أربــع دوائــر‬ ‫أساســية هــي‪ :‬الدائــرة اخلليجيــة‪ ،‬الدائــرة العربيــة‪ ،‬الدائــرة اإلســامية‪،‬‬ ‫والدائــرة الدوليــة‪ .‬وهنــا حتتــل القــارة اإلفريقيــة موق ًعــا متميـزًا‪ ،‬حيــث‬ ‫إنهــا متثــل قاسـ ًما مشــتر ًكا بــني الدوائــر العربيــة واإلســامية والدوليــة‪.‬‬ ‫لــذا حرصــت اململكــة علــى مــد جســور التواصــل مــع دول إفريقيــا جنــوب‬ ‫الصحــراء منــذ ســتينيات القــرن املنصــرم‪ ،‬بالتزامــن مــع حصــول الــدول‬ ‫اإلفريقيــة علــى اســتقالها‪ ،‬وانضمامهــا إلــى عضويــة األمم املتحــدة‪.‬‬ ‫وتعتبــر زيــارة العاهــل الســعودي الراحــل امللــك فيصــل بــن عبــد العزيــز‬ ‫للســودان عــام ‪1965‬م‪ ،‬وجولتــه يف إفريقيــا عــام ‪1972‬م‪ ،‬مــن العامــات‬ ‫الفارقــة يف تاريــخ العاقــات الســعودية‪-‬اإلفريقية‪.‬‬

‫تغطــي العاقــات الســعودية كافــة األقاليــم اإلفريقيــة جنــوب‬ ‫الصحــراء بــا اســتثناء‪ .‬لكــن يظــل إقليــم القــرن اإلفريقــي يف مركــز‬ ‫الصــدارة‪ ،‬نظــراً الرتباطــه الوثيــق بأمــن اململكــة واخلليــج العربــي‪،‬‬ ‫خاصــة يف مواجهــة التغلغــل اإليرانــي واإلســرائيلي‪.‬‬

‫ثانياً‪-‬المصالح واألهداف السعودية يف إفريقيا‪:‬‬ ‫‪-1‬مواجهة النفوذ اإليراني واإلسرائييل يف إفريقيا‪:‬‬ ‫تســعى الســعودية إلــى مواجهــة النفــوذ اإليرانــي واإلســرائيلي‬ ‫املتزايـــد يف إفريقيـــا‪ ،‬وتعتبـــره تهديـــدًا ألمنهـــا الوطنـــي بصفـــة‬ ‫خاصـــة‪ ،‬وخص ًمـــا مـــن قـــوة النظـــام اإلقليمـــي العربـــي عامـــة‪.‬‬ ‫وبالنســـبة إليـــران فقـــد حققـــت وجـــو ًدا سياســـ ًيا واقتصاد ًيـــا‬ ‫مؤثـــ ًرا يف القـــارة‪ ،‬مســـتفيدة مـــن انحســـار قـــوة العـــراق‪ ،‬وجنـــوح‬ ‫بع ــض اجلماع ــات الس ــلفية إل ــى التط ــرف والعن ــف‪ ،‬وتراج ــع ال ــدور‬ ‫العربـــي بوجـــه عـــام يف إفريقيـــا‪.‬‬ ‫وثقــت إيــران عاقاتهــا مــع معظــم دول القــارة‪ ،‬خاصــة الســودان‬ ‫واريتريــا‪ ،‬والســنغال ونيجيريــا‪ .‬كمــا دعمــت املذهــب الشــيعي يف‬ ‫إفريقيــا‪ ،‬بإنشــاء أحــزاب علــى منــط حــزب اهلل اللبنانــي‪ ،‬حتــى يف‬ ‫دول األغلبيــة الســنية الســاحقة‪ ،‬مثــل نيجيريــا‪ ،‬التــي تســلل إليهــا‬ ‫التشــيع علــى يــد إبراهيــم الزكزكــي منــذ منتصــف التســعينيات‪.‬‬ ‫باإلضافــة إلــى مشــاركة ســفنها يف جهــود مكافحــة القرصنــة يف‬ ‫خليــج عــدن‪ ،‬ودعمهــا املالــي والتســليحي للحوثيــني يف اليمــن‪.‬‬

‫‪98‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إسـرائـيل تتـعامـل مع إفـريـقـيـا عـبر مؤسـسات قـوية ومـدعومـة من‬ ‫الــدولـة وأسـسـت (الـمـاشـاف) لهـذا الـهـدف‬ ‫ســل ًبا بهــذه العاقــة التــي لــن تصــب بالتأكيــد يف صالــح مصــر التــي‬ ‫دخلــت يف ماراثــون تفاوضــي ودبلوماســي شــاق مــن أجــل أال يســبب‬ ‫ســد النهضــة التــي تقــوم إثيوبيــا بإنشــائه علــى األمــن املصــري املائــي‪.‬‬ ‫وال يفوتنــا هنــا أن نشــير إلــى موقــف الواليــات املتحــدة جتــاه‬ ‫إفريقيــا حتــى تكــون صــورة التواجــد الدولــي املؤثــر يف القــارة أكثــر‬ ‫وضوحــا‪ ،‬فقــد جــاء القــرار األمريكــي بالتواجــد يف القــارة اإلفريقيــة‬ ‫ً‬ ‫مبثابــة عامــل مســاعد أضيــف يف جانــب دعــم العاقــات اإلفريقيــة‬ ‫‪ /‬اإلســرائيلية يف مقابــل مــا مثلــه مــن بعــض القيــود علــى تطويــر‬ ‫العاقــات اإلفريقيــة ‪ /‬العربيــة‪ ،‬ويف هــذا الشــأن فقد أعلنــت الواليات‬ ‫املتحــدة عــام ‪2002‬م‪ ،‬أن القــارة اإلفريقيــة تعــد منطقــة اســتراتيجية‬ ‫وقامــت بإنشــاء قيــادة عســكرية أمريكيــة يف إفريقيــا منذ عــام ‪2006‬م‪،‬‬ ‫( أفريكــوم ) باإلضافــة إلــى دعــم عاقاتهــا مــع العديــد مــن الــدول‬ ‫اإلفريقيــة والعمــل علــى تشــجيعها علــى إجنــاز مــا تســميه واشــنطن‬ ‫بالتحــول الدميقراطــي ودعــم قضايــا حقــوق اإلنســان‪ ،‬مــع االســتمرار‬ ‫يف محــاوالت مواجهــة التواجــد الروســي والصينــي واإليرانــي خاصــة‬ ‫وأن إفريقيــا غنيــة بالعديــد مــن الثــروات التعدينية والســيما اليورانيوم‬ ‫باإلضافــة إلــى الفوســفات واملنجنيــز والبوكســيت ‪.‬‬ ‫ولعــل مــا يجــدر أن نقــف عنــده كثيـ ًرا هنــا تلك التأثيــرات الناجمة‬ ‫عــن هــذه العاقــات حيــث جنــد أن هنــاك بعــض الــدول اإلفريقيــة‬ ‫بــدأت تصــوت يف األمم املتحــدة لصالــح املوقــف اإلســرائيلي ضــد‬ ‫املوقــف العربــي يف بعــض القــرارات الهامــة أو حتــى متتنــع عــن‬ ‫التصويــت ‪ ،‬وهــو مــا يعتبــر متغيـ ًرا حــا ًدا يف شــكل وطبيعــة العاقــات‬ ‫اإلســرائيلية ‪ /‬اإلفريقيــة ‪ /‬العربيــة ‪ ،‬ومــن أمثلــة ذلــك تصويــت‬ ‫بعــض الــدول اإلفريقيــة عــام ‪2004‬م‪ ،‬لصالــح بقــاء اجلــدار العــازل‬ ‫العنصــري الــذي أقامتــه إســرائيل علــى حــدود الضفــة الغربيــة وهــو‬ ‫األمــر الــذي لــم يكــن ليحــدث يف فتــرات ســابقة‪ ،‬وقــد عكــس ذلــك‬ ‫ضــرورة أن تعيــد الــدول العربيــة تقييمهــا لعاقاتهــا مــع الــدول‬ ‫اإلفريقيــة وكيــف تركــت هــذه الــدول مســاحة كبيــرة إلســرائيل ليــس‬ ‫فقــط لتتحــرك يف القــارة اإلفريقيــة ولكــن لتؤثــر وتوجــه يف كل مــا‬ ‫يتعلــق مبحــاوالت حصــار التواجــد العربــي واإلســامي يف إفريقيــا‬ ‫قــدر املســتطاع ‪.‬‬ ‫ومــن الضــروري أن نقــر بحقيقــة واضحــة تتمثــل يف أن الــدول‬ ‫العربيــة حرصــت علــى دعــم عاقاتهــا االقتصاديــة مــع الــدول‬ ‫اإلفريقيــة وزيــادة حجــم اســتثماراتها هنــاك مــن خــال بعــض‬ ‫املؤسســات اخلليجيــة املعروفــة التــي تنفــذ مشــروعات اقتصاديــة‬ ‫كبــرى ( علــى ســبيل املثــال املصــرف العربــي للتنميــة اإلفريقيــة –‬

‫صناديــق التنميــة العربيــة يف إفريقيــا)‪ ،‬وهنــا نشــير إلــى أحــدث‬ ‫التطــورات يف هــذه العاقــة حيــث اســتضافت مدينــة شــرم الشــيخ يف‬ ‫يونيــو ‪2015‬م‪ ،‬القمــة الثالثــة للتكتــات االقتصاديــة الثــاث الكبــرى‬ ‫علــى مســتوى القــارة اإلفريقيــة ( الكوميســا – الســاداك – جماعــة‬ ‫دول شــرق إفريقيــا ) مبشــاركة ‪ 26‬دولــة بهــدف إحــداث طفــرة يف‬ ‫العاقــات االقتصاديــة بــني الــدول اإلفريقيــة والــدول العربيــة واتخــاذ‬ ‫اإلجــراءات الكفيلــة بتحريــر التجــارة بــني هــذه الــدول وإقامــة ســوق‬ ‫مشــتركة بينهــا ( نشــير إلــى انخفــاض معــدل التبــادل التجــاري بــني‬ ‫مصــر وإفريقيــا إلــى حوالــي ثمانيــة مليــار دوالر يف العــام الواحــد )‪،‬‬ ‫إضافــة إلــى اجلهــد الــذي تقــوم بــه اململكــة العربيــة الســعودية والــذي‬ ‫وضــح خــال الفتــرة األخيــرة مــن زيــارات رئاســية مــن العديــد مــن‬ ‫تتويجــا لرؤيتهــا بضــرورة أن يتــم تأســيس‬ ‫الــدول اإلفريقيــة للمملكــة‬ ‫ً‬ ‫هــذه العاقــة علــى أســس ثقــة متبادلــة وقويــة ‪.‬‬ ‫ومــن الواضــح أن أيــة محــاوالت الســتعادة الــدور العربــي علــى‬ ‫املســتوى اإلفريقــي ومواجهــة النفــوذ اإلســرائيلي املتزايــد هنــاك البــد‬ ‫أساســا باملوضــوع االقتصــادي ومــدى انعــكاس نتائجه على‬ ‫أن ترتبــط‬ ‫ً‬ ‫زيــادة معــدل النمــو االقتصــادي حيــث أن الــدول اإلفريقيــة الزالــت‬ ‫يف مرحلــة حديثــة اقتصاد ًيــا وهــي يف حاجــة لتلقــي املســاعدات‬ ‫واالســتثمارات مــن أيــة دولــة قــادرة علــى تقدميهــا دون النظــر إلــى‬ ‫اجلانــب املعنــوي أو الدينــي أو العاطفــي حيــث أن اجلانــب املصلحــي‬ ‫هــو الــذي يحــرك سياســات هــذه الــدول كمــا يحــرك سياســات‬ ‫كافــة دول العالــم‪ ,‬ومــن ثــم فــإن بقــدر جنــاح الــدول العربيــة يف‬ ‫دعــم عاقاتهــا االقتصاديــة وزيــادة اســتثماراتها إفريق ًيــا مبــا يفــوق‬ ‫معــدالت الوضــع احلالــي ‪ ،‬فــإن النتائــج ســوف تكــون إيجابيــة لصالــح‬ ‫الــدور العربــي علــى مســتوى القــارة اإلفريقيــة ولصالــح الدعــم‬ ‫اإلفريقــي للحقــوق الفلســطينية املشــروعة يف مواجهــة إســرائيل‬ ‫التــي الزلــت حتقــق جناحــات متتاليــة يف عاقاتهــا اإلفريقيــة ‪ ،‬ومــن‬ ‫الضــروري أن ننــوه هنــا إلــى أن رئيــس الــوزراء اإلســرائيلي احلالــي‬ ‫بنيامــني نتانياهــو قــد قــام بجولــة إفريقيــة يف ديســمبر ‪2011‬م (‬ ‫أوغنــدا – أثيوبيــا – كينيــا – جنــوب الســودان ) وســوف يقــوم بجولــة‬ ‫أخــرى قري ًبــا يف بعــض الــدول اإلفريقيــة مــن بينهــا أثيوبيــا تأكي ـدًا‬ ‫لاهتمــام اإلســرائيلي بأفريقيــا ‪.‬‬

‫*باح ــث ورئي ــس قس ــم الدراس ــات اإلس ــرائيلية والفلس ــطينية‬ ‫باملجل ــس املص ــري للش ــؤون اخلارجي ــة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الثانــي هــو أن القيــادات اإلفريقيــة رحبــت ترحي ًبــا كبيـ ًرا بهــذا الدعــم‬ ‫اإلســرائيلي الــذي مت تقدميــه يف مراحــل معينــة دون مقابــل مــادي ‪،‬‬ ‫واســتمر هــذا الوضــع حتــى قيــام حــرب يونيــو ‪1967‬م‪ ،‬والتــي شــهدت‬ ‫مرحلــة جديــدة يف العاقــات اإلســرائيلية ‪ /‬اإلفريقيــة متثلــت يف‬ ‫تبنــي الــدول اإلفريقيــة للموقــف العربــي وقامــت بقطــع عاقاتهــا مــع‬ ‫إســرائيل واســتمر هــذا الوضــع حتــى حــرب أكتوبــر ‪1973‬م‪ ،‬والتــي‬ ‫شــهدت ً‬ ‫أيضــا عمليــة قطــع شــبه كامــل للعاقــات مــع إســرائيل ‪.‬‬ ‫يف أعقــاب توقيــع مصــر معاهــدة الســام مــع إســرائيل عــام‬ ‫‪1979‬م‪ ،‬بــدأت الــدول اإلفريقيــة تراجــع سياســاتها جتــاه إســرائيل‬ ‫ووصلــت إلــى قناعــة مفادهــا أن بــدء عمليــة ســام مصريــة أو عربيــة‬ ‫مــع إســرائيل يعــد متغيـ ًرا جديـدًا علــى الســاحة الدوليــة يفتــرض إنهاء‬ ‫حالــة العــداء بــني مصــر وإســرائيل وبالتالــي ال توجــد أية مبــررات أمام‬ ‫الــدول اإلفريقيــة الســتمرار حالــة العــداء مــع إســرائيل‪ ،‬وبــدأت الــدول‬ ‫اإلفريقيــة تعيــد عاقاتهــا الدبلوماســية املقطوعــة مــع إســرائيل وهــو‬ ‫األمــر الــذي شــجع األخيــرة بالتالــي علــى اإلســراع باســتئناف كافــة‬ ‫أوجــه عاقاتهــا بالــدول اإلفريقيــة بــل وتطويرهــا يف بعــض املجــاالت‬ ‫التــي حتتاجهــا هــذه الــدول (قيــام العديــد مــن املســؤولني اإلســرائيليني‬ ‫الرســميني وخاصــة وزراء اخلارجيــة بزيــارات وجــوالت متعــددة لبعض‬ ‫الــدول اإلفريقيــة علــى فتــرات متقاربــة) ‪.‬‬ ‫جنحــت إســرائيل يف أن يكــون تعاملهــا مــع الــدول اإلفريقيــة مــن‬ ‫خــال مؤسســات إســرائيلية قويــة ومدعومــة مــن الدولــة وقــادرة على‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪97‬‬

‫ملف العدد‬

‫تقــدمي املســاعدات التــي حتتاجهــا هذه الــدول‪ ،‬ويف هذا املجال مت يف‬ ‫اخلمســينيات مــن القــرن املاضــي تأســيس مــا يطلــق عليــه املؤسســة‬ ‫الدوليــة للتعــاون والتنميــة ‪( MASHAV‬املاشــاف) وهــي مؤسســة‬ ‫تابعــة لــوزارة اخلارجيــة اإلســرائيلية تتمثــل مهمتهــا الرئيســية يف‬ ‫تقــدمي املســاعدات املطلوبــة للــدول اإلفريقيــة‪ ،‬وقامــت املاشــاف‬ ‫بجهــد كبيــر وبنجــاح واضــح يف دعــم التواجــد اإلســرائيلي علــى‬ ‫مســتوى القــارة اإلفريقيــة والســيما يف املجــال الزراعــي والتعليمــي‬ ‫والطبــي بشــقيه البشــري والبيطــري ومجــال توفيــر مصــادر امليــاه‬ ‫والكهربــاء وكافــة املجــاالت التــي حتظــى باهتمــام املواطــن اإلفريقــي‪.‬‬ ‫إذن لــم تتحــرك إســرائيل بصــورة عشــوائية وهــي تتعامــل مــع‬ ‫القــارة اإلفريقيــة بــل حــددت أســس وأهــداف حتركهــا يف املناطــق‬ ‫االســتراتيجية الهامــة يف القــارة فعلــى ســبيل املثــال وليــس احلصــر‬ ‫حرصــت علــى أن يكــون لهــا تواجــد يف منطقــة البحيــرات العظمــى‬ ‫وســاهمت بشــكل مباشــر يف تأجيــج حالــة عــدم االســتقرار التــي‬ ‫شــهدتها األوضــاع يف هــذه املنطقــة الهامــة ( دعــم بعــض اجلماعــات‬ ‫املتمــردة )‪ ،‬كمــا حرصــت بشــكل واضــح علــى دعــم عاقاتهــا مــع‬ ‫دول حــوض نهــر النيــل والتواجــد علــى األرض يف أهــم دول املنبــع‬ ‫وهــو أمــر يجــد تفســيره يف أن إســرائيل تســتهدف التأثيــر علــى دول‬ ‫املصــب (مصــر والســودان) فدولــة عربيــة مؤثــرة مثــل مصــر تعتمــد‬ ‫يف أكثــر مــن ‪ %95‬مــن مصادرهــا املائيــة علــى ميــاه نهــر النيــل التــي‬ ‫تنبــع مــن أثيوبيــا ذات العاقــات القويــة مــع إســرائيل البــد وأن تتأثــر‬

‫‪96‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫فيمــا عــدد قليــل للغايــة مــن هــذه الــدول‪ ،‬ومــن املاحــظ أن الــدول‬ ‫اإلفريقيــة وهــي تتخــذ هــذا القــرار الهــام اتخذتــه تأيي ـدًا للمواقــف‬ ‫العربيــة والفلســطينية يف مواجهــة العــدوان اإلســرائيلي علــى الــدول‬ ‫العربيــة‪ ،‬ومــن املهــم هنــا أن نشــير إلــى أن معظــم الــدول اإلفريقيــة‬ ‫كانــت قــد صوتــت علــى قــرار اجلمعيــة العامــة لــألمم املتحــدة باعتبار‬ ‫الصهيونيــة تعــد شــك ً‬ ‫ا مــن أشــكال العنصريــة والتمييــز العنصــري‬ ‫فيمــا وذلــك يف ‪ 15‬نوفمبــر عــام ‪1975‬م‪ ( ،‬مت إلغــاء هــذا القــرار يف‬ ‫تصويــت مماثــل يف األمم املتحــدة يف ديســمبر ‪1991‬م‪ ،‬أي مباشــرة‬ ‫بعــد عقــد مؤمتــر مدريــد للســام يف الشــرق األوســط ) ‪.‬‬ ‫ويف اإلطــار نفســه كانــت منظمــة الوحــدة اإلفريقيــة (االحتــاد‬ ‫اإلفريقــي فيمــا بعــد) وكــذا األغلبيــة العظمــى مــن‬ ‫دول القــارة تتبنــى بصــورة واضحــة موق ًفــا موحــدًا‬ ‫مــن االحتــال اإلســرائيلي لألراضــي الفلســطينية‬ ‫واعتبــرت أن القضيــة الفلســطينية هــي جوهــر‬ ‫النــزاع يف الشــرق األوســط‪ ،‬وطالبــت بتطبيــق‬ ‫قــرارات الشــرعية الدوليــة وضــرورة االنســحاب‬ ‫اإلســرائيلي إلــى حــدود مــا قبــل يونيــو عــام ‪1967‬م‪،‬‬ ‫ومنــح الفلســطينيني حــق تقريــر املصيــر وإقامــة‬ ‫دولتهــم املســتقلة وعاصمتهــا القــدس الشــرقية مــع‬ ‫حــق إســرائيل يف العيــش يف أمــن وســام واســتقرار‬ ‫يف املنطقــة‪ ،‬كمــا مت تبــادل الزيــارات علــى مســتويات سياســية عليــا‬ ‫بــني مســئولي العديــد مــن الــدول اإلفريقيــة واجلانــب الفلســطيني‬ ‫وكــذا فتــح بعــض الســفارات اإلفريقيــة (يف رام اهلل) تأكيـدًا العتراف‬ ‫هــذه الــدول اإلفريقيــة بدولــة فلســطني ‪.‬‬ ‫لــم تكــن القــارة اإلفريقيــة غائبــة عــن التفكيــر اإلســرائيلي‬ ‫االســتراتيجي يف أيــة مرحلــة مــن مراحــل الصــراع العربــي‪/‬‬ ‫اإلســرائيلي‪ ،‬ولــم تتــوان إســرائيل عــن بــذل كل اجلهــود واحملــاوالت‬ ‫ليكــون لهــا موطــئ قــدم يف إفريقيــا بالرغــم مــن الوجــود العربــي‬ ‫واإلســامي الســابق علــى الوجــود اإلســرائيلي مبئــات الســنني وذلــك‬ ‫اســتنا ًدا علــى السياســة اإلســرائيلية التــي تعتمــد علــى مبــدأ النفــس‬ ‫الطويــل‪ ،‬وميكــن هنــا اإلشــارة لبعــض العوامــل التــي حــددت سياســة‬ ‫ميــا وحدي ًثــا) علــى النحــو التالــي‪:‬‬ ‫إســرائيل يف إفريقيــا (قد ً‬ ‫ مؤمتــر بــازل الــذي عقــد يف سويســرا عــام ‪1897‬م‪ ،‬حــدد بعــض‬‫الــدول اإلفريقيــة كبدائــل إلقامــة وطــن قومــي لليهــود (أوغنــدا –‬ ‫كينيــا) إذا مــا تعثــرت جهــود إقامتــه يف فلســطني‪.‬‬ ‫ القــارة اإلفريقيــة حتتــل موق ًعــا اســتراتيج ًيا ها ًما وبالتالــي كان لزا ًما‬‫علــى إســرائيل أن يكــون لهــا عاقــة مــع دول القــارة لاســتفادة من هذا‬ ‫املوقــع يف تأمــني مصاحلهــا‪ ،‬ويف نفــس الوقــت عــدم تــرك الســاحة‬ ‫اإلفريقيــة أمــام الــدول العربيــة واإلســامية لتتحــرك فيهــا بحريــة مبــا‬ ‫قــد يــؤدي إلــى تضييــق اخلناق على النفوذ اإلســرائيلي الطموح هناك‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ اســتثمار وجــود جاليــات يهوديــة يف بعــض الــدول اإلفريقيــة‬‫كمدخــل مناســب يخــدم املصالــح اإلســرائيلية ســواء لدعــم التواجــد‬ ‫اإلســرائيلي هنــاك‪ ،‬أو لتهجيــر بعــض هــذه اجلاليــات إلــى إســرائيل‬ ‫لاســتفادة منهــا يف دعــم اجلانــب البشــري الــذي تعانــي إســرائيل‬ ‫مــن نقــص فيــه (عمليــات تهجيــر يهــود الفاشــا مــن أثيوبيــا ابتــداء‬ ‫مــن عــام ‪1990‬م)‪.‬‬ ‫ اســتثمار حاجــة الــدول اإلفريقيــة حديثــة االســتقال والفقيــرة‬‫اقتصاد ًيــا يف تشــجيعها علــى إقامــة العاقــات الثنائيــة معهــا يف‬ ‫مختلــف املجــاالت وتقــدمي مــا ميكــن تقدميــه مــن أوجــه مســاعدات‬ ‫ومبــا يســاهم يف تأســيس عاقــات إســرائيلية ‪ /‬إفريقيــة مبنيــة علــى‬ ‫مصالــح قويــة ال ميكــن االســتغناء عنهــا‪ ،‬وجتــدر‬ ‫اإلشــارة هنــا إلــى أن مبيعــات الســاح اإلســرائيلي‬ ‫إلفريقيــا قــد جتــاوزت أربعــة مليــارات دوالر مؤخـ ًرا‪.‬‬ ‫ اســتغال العاقــات اإلســرائيلية األمريكيــة‬‫واألوروبيــة املميــزة يف نفــاذ الشــركات اإلســرائيلية‬ ‫إلــى إفريقيــا حتــت ســاتر شــركات أجنبيــة غيــر‬ ‫إســرائيلية‪ ،‬وياحــظ أن هــذا األمــر قــد حــدث‬ ‫يف البدايــة فقــط ثــم ســرعان مــا تغيــر وأصبحــت‬ ‫الشــركات اإلســرائيلية املختلفــة تعمــل يف إفريقيــا‬ ‫بشــكل واضــح وعلنــي‪.‬‬ ‫ ألن إفريقيــا متثــل كتلــة تصويتيــة مؤثــرة يف األمم املتحــدة‪ ،‬عملــت‬‫إســرائيل علــى تفتيتهــا حتــى ال تســتمر يف مناصبــة العــداء لهــا‪ ،‬بــل‬ ‫حتركــت مــن أجــل تغييــر توجــه هــذه الكتلــة والعمــل علــى اســتثمارها‬ ‫لصالــح دعــم املوقــف اإلســرائيلي عنــد احلاجــة وخاصــة يف بعــض‬ ‫القــرارات الدوليــة الصــادرة عــن اجلمعيــة العامــة لــألمم املتحــدة‪.‬‬ ‫ اســتثمار تصاعــد ظاهــرة اإلرهــاب يف العالــم وبالطبــع وجــود‬‫جماعــات إرهابيــة يف بعــض الــدول اإلفريقيــة مــن أجــل تأســيس‬ ‫شــراكة اســتراتيجية بينهــا وبــني هــذه الــدول حتــت شــعار مواجهــة‬ ‫اإلرهــاب‪ ،‬وإظهــار قــدرة إســرائيل علــى تقــدمي خبراتهــا للمســاعدة‬ ‫علــى القضــاء علــى هــذه الظاهــرة أو علــى األقــل حتجيمهــا‪.‬‬ ‫وبالرغــم مــن أن العاقــات العربيــة ‪ /‬اإلفريقيــة اتســمت بأنهــا‬ ‫عاقــات جيــدة وطبيعيــة لفتــرات طويلــة إال أن أهــم املشــكات التــي‬ ‫واجهتهــا متثلــت يف أنهــا لــم تتطــور بالصــورة املأمولــة إفريق ًيــا‪،‬‬ ‫وقــد اســتثمرت إســرائيل هــذا الوضــع وانطلقــت منــذ منتصــف‬ ‫اخلمســينيات وحتــى منتصــف الســتينيات لتدعم عاقاتهــا اإلفريقية‬ ‫يف كافــة املجــاالت املتاحــة (عســكر ًيا – أمن ًيــا – اســتخبارات ًيا –‬ ‫علم ًيــا ‪ -‬اقتصاد ًيــا والســيما يف املجــال الزراعــي والتجــاري) وقــد‬ ‫شــجعها علــى ذلــك أمريــن‪ ،‬األمــر األول تضــاؤل حجــم الدعــم‬ ‫العربــي االقتصــادي إلفريقيــا مقارنــة بالدعــم الدولــي الــذي وصــل‬ ‫يف الســنوات األخيــرة إلــى مــا يربــو عــن ‪ 200‬مليــار دوالر‪ ،‬واألمــر‬

‫إسـرائيـل اعـتمـدت‬ ‫سياسة النفس الطويل‬ ‫يف إفـريقـيا ليكون لها‬ ‫موطئ قدم رغم الوجود‬ ‫الــعـربـي واإلســالمــي‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪95‬‬

‫ملف العدد‬

‫استعادة الدور العربي في القارة السمراء رهن العالقات االقتصادية‬

‫التواجـد اإلسـرائييل فـي أفريقيا جـنوب‬ ‫الصحراء يتقدم‪ ..‬والتأثير العربي يتراجع‬ ‫متثــل القــارة اإلفريقيــة أهميــة اســتراتيجية كبيــرة للعالــم العربــي يف ضــوء مــا تتمتــع بــه مــن مقومــات يف موقعهــا اجلغــرايف‬ ‫ـرحا للصــراع اإلقليمــي والدولــي‬ ‫املترامــي األطــراف ومــا متتلكــه مــن ثــروات بشــرية ومعدنيــة متنوعــة جتعلهــا بالطبــع مسـ ً‬ ‫ومجــاالً للتنافــس بــني القــوى الكبــرى يف محاولــة كل منهــم حتقيــق مصاحلــه املختلفــة والســيما مصاحلــه االقتصاديــة‪ ،‬وهــو‬ ‫األمــر الــذي فطنــت إليــه إســرائيل بعــد إعــان قيامهــا مباشــرة عــام ‪1948‬م‪ ،‬وبلــورت مبــادئ وأهــداف سياســتها اخلارجيــة‬ ‫بحيــث تكــون لهــا قاعــدة قويــة وتواجــد مؤثــر علــى مســتوى معظــم دول القــارة اإلفريقيــة‪.‬‬

‫اللواء محمد إبراهيم‬

‫وال شــك أن التواجــد اإلســرائيلي يف إفريقيــا ‪ /‬جنــوب الصحــراء‬ ‫قــد عكــس تأثيراتــه الســلبية علــى املصالــح العربيــة ليــس يف إفريقيــا‬ ‫فقــط‪ ،‬وإمنــا ً‬ ‫أيضــا علــى القضايــا العربيــة املتعــددة وبصفــة خاصــة‬ ‫القضيــة الفلســطينية التــي كانــت متثــل عامـ ً‬ ‫ا رئيسـ ًيا ومشــتر ًكا يف‬ ‫االهتمامــات الثنائيــة يف العاقــات العربيــة ‪ /‬اإلفريقيــة بــل وحتتــل‬ ‫أولويــة يف إطــار هــذه العاقــات‪ ،‬وقــد زاد مــن تعقيــدات هــذا األمــر‬ ‫أن االهتمــام العربــي بالقــارة اإلفريقيــة ومشــاكلها لــم يصــل إلــى‬ ‫احلــد الــذي كانــت تأملــه الــدول اإلفريقيــة مــن جــراء هــذا التعــاون‬ ‫ولــم يحقــق طموحاتهــا االقتصاديــة الســيما وأنهــا اقتصاديــات ناشــئة‬ ‫حتتــاج إلــى دعــم مــادي كبيــر ‪ ،‬يف الوقــت الــذي كانــت حتــرص فيــه‬ ‫إســرائيل علــى أن تدعــم نفوذهــا علــى املســتوى اإلفريقــي بشــكل‬ ‫هــادئ ومتــدرج وفعــال ‪.‬‬ ‫وبــدون الدخــول يف تفصيــات اإلطــار التاريخــي للعاقــات‬ ‫العربيــة ‪ /‬اإلفريقيــة ميكننــا القــول أن هــذه العاقــات تســتند إلــى‬ ‫جــذور تاريخيــة عميقــة والســيما بعــد ظهــور اإلســام‪ ،‬والــدور املميــز‬ ‫الــذي قــام بــه العــرب يف مجــال نشــر الديــن اإلســامي يف القــارة ممــا‬ ‫ســاعد بشــكل قــوي علــى دعــم التواجــد العربــي هنــاك منــذ مئــات‬ ‫الســنني‪ ،‬بــل وانتقلــت طبيعــة هــذا التواجــد مــن مرحلــة االنتشــار إلــى‬ ‫مرحلــة التأثيــر‪ ،‬أمــا يف العصــر احلديــث فيكفــي أن نشــير هنــا إلــى‬ ‫الــدور احليــوي الــذي لعبتــه مصــر منــذ اخلمســينيات يف مســاندة‬

‫حــركات التحــرر اإلفريقــي حتــى مت حصــول كافــة الــدول اإلفريقيــة‬ ‫علــى اســتقالها مــن االحتــال واالســتعمار والتفرقــة العنصريــة‪.‬‬ ‫وحتــى تكتمــل الصــورة البــد لنــا أن نشــير ً‬ ‫أيضــا إلــى احملــاوالت‬ ‫العربيــة التــي متــت مــن أجــل دعــم العاقــات مــع الــدول اإلفريقيــة‬ ‫ســواء مــن خــال جامعــة الــدول العربيــة ومحــاوالت تعزيــز عاقاتهــا‬ ‫مــع منظمــة الوحــدة اإلفريقيــة التــي مت تغييــر اســمها بعــد ذلــك (عام‬ ‫‪2002‬م) إلــى االحتــاد اإلفريقــي‪ ،‬وكــذا عقــد أكثــر مــن قمــة عربيــة‬ ‫‪ /‬إفريقيــة بهــدف الوصــول إلــى أنســب األســاليب لدعــم املصالــح‬ ‫املشــتركة بــني اجلانبــني العربــي واإلفريقــي ومبــا يحقــق مكاســب‬ ‫لــكا الطرفــني‪ ،‬ونشــير هنــا إلــى القمــة العربيــة‪ /‬اإلفريقيــة الثالثــة‬ ‫التــي عقــدت بالكويــت يف نوفمبــر عــام ‪2013‬م‪ ،‬حتــت شــعار شــركاء‬ ‫يف التنميــة واالســتثمار وشــارك فيهــا أكثــر مــن ســبعني دولــة ومنظمــة‬ ‫عربيــة وإقليميــة ودوليــة وكان مــن بــني أهدافهــا بحــث إمكانيــة إقامــة‬ ‫ســوق إفريقيــة عربيــة مشــتركة تخــدم حوالــي مليــار ونصــف نســمة ‪.‬‬ ‫ويف اجلانــب املقابــل حرصــت الــدول اإلفريقيــة علــى تأكيــد مدى‬ ‫قناعتهــا بأهميــة العاقــة مــع الــدول العربيــة وأن اجلانــب التاريخــي‬ ‫يف العاقــة وطبيعــة املصالــح املشــتركة بــني اجلانبــني كفيلــة بــأن‬ ‫يكــون هنــاك تناغ ًمــا وتنســي ًقا مســتم ًرا يف املواقــف بينهمــا‪ ،‬األمــر‬ ‫الــذي دفــع الــدول اإلفريقيــة إلــى قطــع عاقاتهــا مــع إســرائيل يف‬ ‫أعقــاب حــرب يونيــو عــام ‪1967‬م‪ ،‬وحــرب أكتوبــر عــام ‪1973‬م‪،‬‬

‫‪94‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫إفريقيــا‪ ،‬ويتــم اســتئناف البعثــات ألبنــاء القــارة‪ ،‬وكذلــك نشــر اللغــة‬ ‫الروســية وإرســال األســاتذة املتخصصني يف اللغة الروســية إلى إفريقيا‪.‬‬ ‫إن حتــرك روســيا يف إفريقيــا جنــوب الصحــراء يحكمــه املصالــح‬ ‫الروســية بجناحيهــا االقتصــادي واألمنــي‪ ،‬وهــي تريــد متييــز نفســها‬ ‫ـاض‬ ‫عــن القــوى الغربيــة االســتعمارية باعتبــار أن روســيا ليــس لهــا مـ ٍ‬ ‫اســتعماري يف القــارة بــل علــى العكــس‪ ،‬كان لهــا دور أساســي يف‬ ‫حتريــر دول القــارة مــن االســتعمار‪ ،‬وخــال احلــرب العامليــة الثانيــة‬ ‫ســاند االحتــاد الســوفيتي أثيوبيــا ضــد العــدوان اإليطالــي‪ ،‬وتوجــه‬ ‫بعــض الــروس الــى اثيوبيــا للدفــاع عنهــا‪ .‬لــذا وعلــى خــاف عقيــدة‬ ‫‪ 2008‬لــم تشــر عقيــدة السياســة اخلارجيــة الروســية لعــام ‪2013‬م‪،‬‬ ‫إلــى التعــاون مــع القــارة اإلفريقيــة مــن خــال مجموعــة الثمانيــة التــي‬ ‫حتولــت ملجموعــة الســبع الكبــرى بعــد اســتبعاد روســيا منهــا‪.‬‬ ‫وعلــى العكــس تعــد مجموعــة بريكــس‪ ،‬التــي تضــم إلــى جانــب‬ ‫روســيا كل مــن الصــني والهنــد والبرازيــل وجنــوب إفريقيــا‪ ،‬قد ًمــا‬ ‫أساســية لتحــرك روســيا يف إفريقيــا جنــوب الصحــراء‪ ،‬وهــي تتبــع‬ ‫منظــور تعاونــي مــع هــذه الــدول وليــس تنافســي‪ ،‬وحتــاول االســتفادة‬ ‫ممــا حققتــه دول مثــل الصــني والهنــد يف القــارة‪ ،‬حيــث جــاءت العــودة‬ ‫الروســية إلفريقيــا متأخــرة عــن اندفــاع الدولتــني نحــو إفريقيــا‪ ،‬كمــا‬ ‫تعتبــر عضويــة جنــوب إفريقيــا يف البريكــس نافــذة هامــة لروســيا‬ ‫علــى إفريقيــا الســمراء‪.‬‬ ‫يضـــاف إلـــى مـــا تقـــدم‪ ،‬أن حجـــم التعامـــات الروســـية مـــع‬ ‫القـــارة يظـــل محـــدو ًدا نســـبياً وال ميكـــن اعتبـــاره تنافســـ ًيا مـــع‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الق ــوى األخ ــرى‪ .‬وعل ــى س ــبيل املث ــال‪ ،‬يبل ــغ حج ــم التب ــادل التج ــاري‬ ‫ب ــني روس ــيا وإفريقي ــا جن ــوب الصح ــراء‪ ،‬وف ًق ــا لتقدي ــرات الغرف ــة‬ ‫الروســـية للتجـــارة والصناعـــة‪ ،‬حوالـــي ‪ 2,3‬بليـــون دوالر مقارنـــة‬ ‫بحوالـــي ‪ 60‬بليـــون دوالر للواليـــات املتحـــدة عـــام ‪2013‬م‪ ،‬و‪200‬‬ ‫بليـــون دوالر لاحتـــاد األوروبـــي‪ ،‬و‪ 200‬بليـــون دوالر للصـــني‪.‬‬ ‫ومــن املتوقــع أن يــزداد احلضــور الروســي يف إفريقيــا جنــوب‬ ‫الصحــراء اقتصاد ًيــا واســتراتيج ًيا‪ ،‬يدعــم هــذا رصيــد روســيا‬ ‫التاريخــي يف إفريقيــا‪ ،‬ومنظورهــا التعاونــي وليــس التنافســي‬ ‫مــع القــوى الكبــرى األخــرى يف االقتــراب مــن القــارة‪ ،‬إلــى جانــب‬ ‫انطاقهــا مــن مبــادئ االحتــرام املتبــادل والشــراكة القائمــة علــى‬ ‫املصالــح واملنافــع املتبادلــة‪ ،‬ومــا تبديــه موســكو مــن حــرص علــى‬ ‫حتقيــق االســتقرار وتهدئــة الصراعــات والنزاعــات الداخليــة والبينيــة‬ ‫التــي متــوج بهــا القــارة‪ .‬إال أن هنــاك حتديــات قــد تبطــئ مــن صعــود‬ ‫روســيا كفاعــل هــام وشــريك اســتراتيجي للــدول اإلفريقيــة جنــوب‬ ‫الصحــراء‪ ،‬أهمهــا الصعوبــات التــي يواجههــا االقتصــاد الروســي‬ ‫نتيجــة انخفــاض أســعار النفــط‪ ،‬وانغمــاس روســيا يف املواجهــة مــع‬ ‫الغــرب حــول قضايــا األمــن األوروبــي مــن ناحيــة‪ ،‬ويف األزمة الســورية‬ ‫مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬األمــر الــذي ســيؤثر علــى تركيزهــا وتفعيــل دورهــا‬ ‫يف القــارة اإلفريقيــة وكثافــة حركتهــا جنــوب الصحــراء‪.‬‬ ‫*أستاذ العلوم السياسية‪ ،‬جامعة القاهرة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الطاقــة وهــى أكبــر منتــج وثانــي أكبــر مصــدر للنفــط يف العالــم حيــث‬ ‫تســتأثر بنحــو ‪ %40‬مــن إجمالــي الصــادرات العامليــة مــن النفــط‪،‬‬ ‫وهــى األولــى يف إنتــاج وتصديــر الغــاز وبهــا ‪ %35‬مــن االحتياطــي‬ ‫العاملــي مــن الغــاز الطبيعــي‪ ،‬فإنهــا تتبنــى سياســة تقــوم يف أحــد‬ ‫أبعادهــا علــى الشــراكة واالســتثمارات املشــتركة يف شــبكات الطاقــة‬ ‫التــي متثــل بدائــل محتملــة للطاقــة الروســية بالنســبة ألســواقها‬ ‫خاصــة يف أوروبــا‪ ،‬والدفــع باالســتثمارات الروســية يف قطــاع الطاقــة‬ ‫خــارج روســيا‪ ،‬وهنــاك إقبــال شــديد مــن جانــب شــركات النفــط‬ ‫الروســية الســيما تلــك التابعــة للدولــة لاســتثمار يف قطــاع النفــط‬ ‫والغــاز يف الــدول املنتجــة لــه يف مختلــف أنحــاء العالــم مــن خــال‬ ‫املشــاركة يف عمليــات البحــث والتنقيــب وتطويــر‬ ‫االنتــاج‪ .‬فروســيا متتلــك التكنولوجيــا واخلبــرة‬ ‫الازمــة يف مجــال الكشــف والتنقيــب عــن البتــرول‬ ‫واســتخراجه‪ ،‬وكذلــك يف مجــال الصناعــات‬ ‫البتروكيماويــة‪ ،‬وتعتبــر الشــركات الروســية خاصــة‬ ‫«لــوك أويــل» و»غــاز بــروم» حاليــاً مــن كبــرى‬ ‫الشــركات العامليــة العاملــة يف مجــال الطاقــة‪.‬‬ ‫ومتتــد خريطــة االســتثمارات الروســية لتشــمل‬ ‫القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬ومــن أبــرز املشــروعات املشــتركة‬ ‫يف هــذا اإلطــار توقيــع اتفاقيــة تعــاون بــني شــركة‬ ‫«غازبــروم» وشــركة النفــط الوطنيــة النيجيريــة إلنشــاء خــط أنابيــب‬ ‫لنقــل الغــاز مــن نيجيريــا عبــر الصحــراء الكبــرى إلــى اجلزائــر‪ ،‬ثــم‬ ‫عبــر البحــر املتوســط إلــى أوروبــا‪ .‬وتوقيــع عقــد الســتغال النفــط يف‬ ‫أوغنــدا بقيمــة ‪ 4‬بليــون دوالر يف فبرايــر ‪2015‬م‪ ،‬وتؤهــل االكتشــافات‬ ‫احلديثــة للنفــط يف أوغنــدا األخيــرة لتصبــح دولــة مؤثــرة يف القــارة‪،‬‬ ‫وتفتــح آفا ًقــا رحبــة للتعــاون مــع روســيا يف هــذا املجــال‪.‬‬ ‫ثالثهــا‪ ،‬محــور التعــاون األمنــي واالســتراتيجي‪ ،‬فالتنظيمــات‬ ‫االرهابيــة متثــل حلقــة متصلــة تغــذي وتدعــم بعضهــا البعــض‪ ،‬وتبــرز‬ ‫«داعــش» كأخطــر هــذه التنظيمــات يف ضــوء التمــدد الواضــح لهــا‬ ‫يف العالــم‪ ،‬األمــر الــذي جعــل منهــا حــزام نــار انطلــق مــن العــراق‬ ‫وســوريا وأمتــد يف أوربــا وآســيا وإفريقيــا ليطــوق القــارات الثــاث‪.‬‬ ‫ويحتــل القضــاء علــى اإلرهــاب قمــة األولويــات الروســية‪ ،‬وأصبــح‬ ‫التوجــه االســتراتيجي الرئيســي احلاكــم لسياســة موســكو خــال‬ ‫املرحلــة املقبلــة‪ ،‬باعتبــاره التهديــد األساســي لألمــن القومــي‬ ‫الروســي ولألمــن واالســتقرار العاملــي‪ .‬ويف إطــار نهــج روســيا ملواجهــة‬ ‫اإلرهــاب‪ ،‬والــذي يقــوم علــى بنــاء نظــام أمنــي دولــي تشــارك فيــه كل‬ ‫الــدول املعنيــة التــي يطولهــا لهيبــه‪ ،‬تبــرز أهميــة التعــاون مــع الــدول‬ ‫اإلفريقيــة خاصــة تلــك التــي يعتصرهــا اإلرهــاب مثــل نيجيريــا‪ .‬وقــد‬ ‫اســتطاعت روســيا تطويــر تعــاون أمنــي ومعلوماتــي مــع عــدد مــن دول‬ ‫إفريقيــا الســمراء ويف مقدمتهــا جنــوب إفريقيــا‪ ،‬وأطلــق اجلانبــان‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪93‬‬

‫ملف العدد‬

‫نظــام األقمــار الصناعيــة املعــروف باســم مشــروع كونــدور‪ ،‬الــذي‬ ‫يوفــر املراقبــة للقــارة اإلفريقيــة بأســرها‪ ،‬ويخــدم االســتخبارات‬ ‫العســكرية الروســية ونظيرتهــا يف جنــوب إفريقيــا‪.‬‬ ‫كمــا تشــارك روســيا يف قــوات حفــظ الســام يف عــدد مــن‬ ‫الــدول اإلفريقيــة منهــا الكونغــو الدميقراطيــة وكــوت ديفــوار وأثيوبيــا‬ ‫وأريتريــا والســودان وجنــوب الســودان والصحــراء الغربيــة‪ ،‬ويفــوق‬ ‫عــدد القــوات الروســية القــوات الفرنســية والبريطانيــة واألمريكيــة‬ ‫مجتمعــة‪ .‬وقامــت روســيا بتدريــب ‪ 180‬رجــل شــرطة مــن ‪ 18‬دولــة‬ ‫إفريقيــة علــى عمليــات حفــظ الســام‪ ،‬وقدمــت مســاهمة قدرهــا ‪2‬‬ ‫مليــون دوالر يف صنــدوق حفــظ الســام التابــع لاحتــاد اإلفريقــي‬ ‫عــام ‪2012‬م‪.‬‬ ‫يضــاف إلــى هــذا‪ ،‬التعــاون العســكري بــني‬ ‫اجلانبــني‪ ،‬ومتثــل صــادرات األســلحة الروســية إلــى‬ ‫إفريقيــا جنــوب الصحــراء حوالــي ‪ %7‬مــن إجمالــي‬ ‫الصــادرات الروســية مــن األســلحة‪ .‬وتتعــاون‬ ‫شــركة «روس أوبــورون إكســبورت» الروســية املعنيــة‬ ‫بصــادرات الســاح‪ ،‬مــع ‪ 15‬دولــة إفريقيــة جنــوب‬ ‫الصحــراء‪ .‬وتقبــل البلــدان اإلفريقيــة علــى الدبابــات‬ ‫القدميــة مــن نــوع «تــي‪ ،»55 -‬و»تــي‪ »72 -‬ومقاتــات‬ ‫«ســوخوي»‪ ،‬واملروحيات من نوع «أم آي ‪ »8‬و «أل آي‬ ‫‪ .»24‬وعلــى ســبيل املثــال‪ ،‬وقعــت أجنــوال عقــداً عــام ‪ ،2013‬بقيمــة‬ ‫تتجــاوز املليــار دوالر‪ ،‬للتــزود مبعــدات روســية‪ ،‬مــن بينهــا مقاتــات‬ ‫ســوخوي ومروحيــات‪ .‬كمــا أنــه‪ ،‬وللمــرة األولــى منــذ ‪ 15‬عا ًمــا‪،‬‬ ‫وقعــت كل مــن روســيا وناميبيــا عقــدًا حتصــل مبقتضــاه األخيــرة‬ ‫علــى مركبــات وذخيــرة وصواريــخ مضــا ّدة للدبابــات وقذائــف‬ ‫الهــاون‪ .‬وقامــت روســيا بتزويــد نيجيريــا بالطائــرات بعــد رفــض‬ ‫الواليــات املتحــدة تزويدهــا بطائــرات «كوبــرا» عــام ‪ .2014‬ووقعــت‬ ‫موســكو عقــداً مــع غانــا لتســليم األخيــرة مروحيــات بقيمــة ‪66‬‬ ‫مليــون دوالر‪ .‬كمــا تبيــع روســيا األســلحة اخلفيفــة ملالــي‪ ،‬ويتضمــن‬ ‫ذلــك البنــادق واملدافــع الرشاشــة والذخائــر‪ ،‬وذلــك مبقتضــى العقــد‬ ‫املوقــع بــني اجلانبــني يف ســبتمبر ‪ ،2012‬بقيمــة إجماليــة ‪ 12‬مليــون‬ ‫دوالر‪ ،‬وحصلــت أوغنــدا علــى مقاتــات مــن طــراز «ســو ‪30 -‬‬ ‫أم كا ‪ »2‬الروســية‪ .‬ويف ضــوء اتســاع الصفقــات الروســية للقــارة‬ ‫وقعــت شــركة «مروحيــات روســيا» اتفاقيــة إلنشــاء مركــز لصيانــة‬ ‫املروحيــات الروســية يف جنــوب إفريقيــا مــع شــركة «ديفــل أفييشــن»‬ ‫اجلنوبيــة اإلفريقيــة‪ ،‬وافتتحــت شــركة «أورال فاجــون زافــود»‬ ‫لصناعــة الدبابــات مركــز إقليمــي لصيانــة الدبابــات مــن نــوع «تــي‪-‬‬ ‫‪ »72‬يف إفريقيــا‪.‬‬ ‫ويتزامــن إحيــاء القــوة الصلبــة ببعديهــا االقتصــادي والعســكري‪،‬‬ ‫اجتــاه روســيا للقــوة الناعمــة لتصــل قنــاة «‪ »RT‬الروســية إلــى‬

‫‪ 40‬سـفــارة روسـيـة‬ ‫مـــقـــابـل ‪ 35‬ســفــارة‬ ‫إفــريـقـيـة بـمـوسـكـو‬ ‫ولـروســيــا مــمــثـــل‬ ‫بـاالتـحــاد األفـريـقـــي‬

‫‪92‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫روسـيا تعـتمد علـى الـدفـع الثنائي ومتعـدد األطـراف والـمساهمة‬ ‫فـي تـســـويــة ومــنــع الـصـراعــات‬ ‫األبعــاد مــع الــدول األفريقيــة علــى أســاس ثنائــي ومتعــدد األطــراف‪،‬‬ ‫مــع التركيــز علــى تطويــر احلــوار السياســي‪ ،‬وتشــجيع التجــارة‬ ‫والتعــاون االقتصــادي املفيــد للطرفــني‪ ،‬واملســاهمة يف تســوية ومنــع‬ ‫الصراعــات واألزمــات اإلقليميــة يف أفريقيــا»‪ ،‬لتحــدد بذلــك ثاثــة‬ ‫محــاور أساســية لعاقــة موســكو بــدول جنــوب الصحــراء‪.‬‬ ‫أولهــا‪ ،‬احملــور السياســي الــذي يعتبــر املظلــة التــي تنطلــق يف‬ ‫إطارهــا مجــاالت التعــاون األخــرى‪ ،‬حيث اســتأنفت موســكو عاقاتها‬ ‫الدبلوماســية مــع عــدد مــن الــدول األفريقيــة‪ ،‬ولهــا حال ًيــا ‪ 40‬ســفارة‬ ‫بالقــارة مــن بينهــا جنــوب الســودان‪ ،‬مقابــل ‪ 35‬دولــة أفريقيــة لهــا‬ ‫ســفارات يف موســكو‪ .‬ولروســيا ممثــل دائــم لــدى االحتــاد اإلفريقــي‬ ‫منــذ عــام ‪2006‬م‪ ،‬وهــو املنصــب الــذي يشــغله فاليــري يتكــني منــذ‬ ‫عــام ‪2010‬م‪ .‬وقــام الرئيــس الروســي الســابق‪ ،‬دميتــرى مديفيديــف‪،‬‬ ‫بزيــارة إلــى القــارة اإلفريقيــة عــام ‪2009‬م‪ ،‬شــملت نيجيريــا وأجنــوال‬ ‫وناميبيــا‪ ،‬كمــا قــام الرئيــس بوتــني بزيارتــه الثانيــة جلنــوب إفريقيــا‬ ‫يف مــارس ‪2013‬م‪ ،‬حلضــور قمــة البريكــس يف ديربــان‪ .‬وحتــرص‬ ‫روســيا علــى املشــاركة املنتظمــة ورفيعــة املســتوى يف القمــة اإلفريقية‪،‬‬ ‫والتواصــل مــع القــادة األفارقــة علــى هامشــها‪ .‬كمــا اســتقبلت موســكو‬ ‫العديــد مــن قــادة إفريقيــا جنــوب الصحــراء‪ ،‬ولعــل أكثرهــم تــرد ًدا‬ ‫علــى موســكو رئيــس جنــوب إفريقيــا وذلــك يف إطــار العاقــات‬ ‫االســتراتيجية بــني اجلانبــني‪.‬‬ ‫مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬ميثــل الثقــل التصويتــي للــدول اإلفريقيــة الـــ‬ ‫(‪ )54‬داخــل األمم املتحــدة أهميــة خاصــة بالنســبة لروســيا‪ ،‬وذلــك‬ ‫يف وقــت حتتــدم فيــه املواجهــة مــع الغــرب‪ ،‬ويســعى األخيــر للنيــل‬ ‫مــن موســكو يف احملافــل الدوليــة‪ .‬فعنــد التصويــت إلدانــة روســيا‬ ‫علــى خلفيــة األزمــة األوكرانيــة امتنعــت غالبيــة الــدول اإلفريقيــة عــن‬ ‫التصويــت‪ ،‬وكان مــن بــني الــدول العشــرة التــي صوتــت لصالــح روســيا‬ ‫أثنتــني مــن الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬األمــر الــذي ُعــد مؤش ـ ًرا علــى تنامــى‬ ‫التأثيــر الروســي يف إفريقيــا‪ .‬ويف املقابــل حتتــاج الــدول اإلفريقيــة‬ ‫ً‬ ‫أيضــا إلــى الفيتــو الروســي ملواجهــة الضغوطــات الغربيــة‪ ،‬وعلــى‬ ‫ســبيل املثــال اســتخدمت موســكو الفيتــو علــى مشــروع قــرار يف‬ ‫مجلــس األمــن الدولــي بفــرض عقوبــات اقتصاديــة علــى زميبابــوي‬ ‫عــام ‪2008‬م‪ ،‬وكان ذلــك عام ـ ً‬ ‫ا يف دفــع التعــاون بــني البلديــن‪.‬‬ ‫ثانيهــا‪ ،‬محــور التعــاون التقنــي واالقتصــادي‪ ،‬ويحتــل هــذا‬ ‫احملــور األولويــة لــدى روســيا حيــث تســعى إلــى تعظيــم اســتفادتها‬ ‫مــن الفــرص املتاحــة يف إفريقيــا علــى أســاس مــن املنفعــة املتبادلــة‬ ‫وليــس االســتغال لــدول القــارة‪ ،‬وقامــت كخطــوة أوليــة يف هــذا‬

‫اإلطــار بإســقاط ديــون بقيمــة ‪ 20‬بليــون دوالر عــن الــدول اإلفريقيــة‬ ‫لتبــدأ صفحــة جديــدة مــن التعــاون بــني الطرفــني‪ .‬ومــن املعــروف‬ ‫أن القــارة األفريقيــة أصبحــت مــن أســرع املناطــق من ـ ًوا يف العالــم‪،‬‬ ‫ويبلــغ متوســط معــدل النمــو بهــا حوالــي ‪ ،%5‬ومــن املتوقــع خــال‬ ‫الســنوات اخلمــس القادمــة أن تصبــح مــن ‪ 8‬إلــى ‪ 10‬اقتصــادات‬ ‫إفريقيــة ضمــن األســرع منـ ًوا يف العالــم‪ .‬كمــا متتلــك إفريقيــا ‪% 30‬‬ ‫مــن إجمالــي املــوارد الطبيعيــة يف العالــم‪ ،‬ورغــم أن روســيا غنيــة‬ ‫باملــوارد الطبيعيــة إال أن اســتيراد بعضهــا مــن إفريقيــا أقــل تكلفــة‬ ‫مــن اســتخراجها مــن روســيا‪.‬‬ ‫ويف يونيــو ‪2009‬م‪ ،‬قامــت الغرفــة الروســية للتجــارة والصناعــة‬ ‫بإنشــاء جلنــة لتنســيق التعــاون االقتصــادي مــع إفريقيــا جنــوب‬ ‫الصحــراء بهــدف تشــجيع رجــال األعمــال علــى العمــل يف إفريقيــا‬ ‫وتســهيل بــدء األعمــال لهــم‪ ،‬عرفــت بـــ ‪ ،AfroCom‬وتضــم ‪ 90‬جهة‬ ‫روســية منهــا وزارات معنيــة وأجهــزة مختصــة ومنظمــات وشــركات‪،‬‬ ‫وحتظــى اللجنــة بدعــم واضــح مــن احلكومــة والبرملــان والســلطات‬ ‫الروســية عامــة‪ .‬ويف ‪ 16‬ديســمبر ‪2011‬م‪ ،‬مت عقــد الــدورة األولــى‬ ‫مــن منتــدى األعمــال «روســيا ‪-‬إفريقيــا» يف العاصمــة اإلثيوبيــة‬ ‫أديــس أبابــا وشــارك فيــه وزراء مــن تشــاد ومالــي والســودان‬ ‫وإثيوبيــا وممثلــني عــن االحتــاد اإلفريقــي وكذلــك ممثلــو شــركات‬ ‫روســية كبــرى‪.‬‬ ‫وهنــاك أكثــر مــن ‪ 30‬شــركة روســية تســهم يف تطويــر اســتغال‬ ‫الــدول اإلفريقيــة ملواردهــا الطبيعيــة يف مجــال التعديــن والطاقــة‪،‬‬ ‫يعمــل معظمهــا يف جنــوب إفريقيــا‪ ،‬وأجنــوال‪ ،‬والكونغــو الدميقراطيــة‪،‬‬ ‫ناميبيــا‪ ،‬نيجيريــا‪ ،‬وبتســوانا‪ ،‬كــوت ديفــوار‪ ،‬جانــا‪ ،‬وتوجــو‪.‬‬ ‫ويســتحوذ قطــاع التعديــن علــى شــق كبيــر مــن التعــاون التقنــي‬ ‫بــني روســيا وإفريقيــا الســمراء‪ ،‬ومــن أبــرز املشــروعات يف هــذا‬ ‫اخلصــوص‪ ،‬عقــد بقيمــة ‪ 3‬بليــون دوالر مــع زميبابــوي لتطويــر‬ ‫منجــم باتينيــوم‪ ،‬ومشــاركة الشــركات الروســية يف اســتخراج املــاس‬ ‫واليورانيــوم يف ناميبيــا‪ ،‬ومــن املعــروف أن باألخيــرة ثامــن أكبــر‬ ‫احتياطــي عاملــي مــن اليورانيــوم‪ .‬كذلــك‪ ،‬االتفــاق علــى قيــام روســيا‬ ‫بتزويــد جنــوب إفريقيــا بحوالــي ‪ % 45‬مــن إجمالــي احتياجاتهــا مــن‬ ‫اليورانيــوم خــال الفتــرة مــن ‪2011‬م‪ ،‬وحتــى ‪2017‬م‪ ،‬الســتخدامه‬ ‫كوقــود نــووي للمحطــة الكهروذريــة بهــا‪ ،‬وبنــاء مفاعــات نوويــة‬ ‫بجنــوب إفريقيــا‪ ،‬لتكــون األخيــرة بحلــول ‪2023‬م‪ ،‬موطــن أول محطــة‬ ‫نوويــة تعتمــد علــى التكنولوجيــا الروســية يف القــارة اإلفريقيــة‪.‬‬ ‫علــى صعيــد آخــر‪ ،‬وانطا ًقــا مــن كــون روســيا عما ًقــا يف مجــال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪91‬‬

‫ملف العدد‬

‫حضــور اقتصــادي وأمنــي ملوســكو فــي القــارة الســمراء رغــم التحديــات‬

‫إفــريـقـيـا فـي الـحـسـابـات الـروسـيـة‪:‬‬ ‫المـصـالـح والتـوقـعـات‬ ‫كانــت زيــارة الرئيــس الروســي فادمييــر بوتــني جلنــوب إفريقيــا يف ســبتمبر ‪2006‬م‪ ،‬والتــي كانــت األولــى لرئيــس روســي إلــى‬ ‫دولــة إفريقيــة جنــوب الصحــراء‪ ،‬تدشــيناً ملرحلــة جديــدة مــن التطــور امللحــوظ يف العاقــات الروســية اإلفريقيــة بعــد فتــرة‬ ‫مــن التدهــور الســريع خــال عقــد التســعينات‪.‬‬

‫د‪ .‬نــورهان الشيــخ‬

‫وتعود العاقات الروســية مع إفريقيا جنوب الصحراء بجذورها‬ ‫إلــى القــرن التاســع عشــر حــني قامــت روســيا القيصريــة بإقامــة‬ ‫عاقــات دبلوماســية مــع أثيوبيــا وجنــوب إفريقيــا عــام ‪1898‬م‪ ،‬إال أن‬ ‫الطفــرة احلقيقيــة يف العاقــة بــني اجلانبــني جــاءت خــال احلقبــة‬ ‫الســوفيتية حيــث قفــزت العاقــات إلــى مســتويات اســتراتيجية غيــر‬ ‫مســبوقة يف إطــار دعــم االحتــاد الســوفيتي حلــركات التحــرر الوطنــي‬ ‫التــي كانــت متــوج بهــا القــارة اإلفريقيــة منــذ خمســينيات القــرن‬ ‫املاضــي‪ ،‬وقيامــه بتقــدمي املســاعدات العســكرية والتقنيــة للــدول‬ ‫اإلفريقيــة حديثــة االســتقال‪ .‬ويف الوقــت الــذي كانــت واشــنطن‬ ‫تعتبــر نيلســون مانديــا «إرهابــي»‪ ،‬كان االحتــاد الســوفيتي يدعــم‬ ‫املؤمتــر الوطنــي اإلفريقــي قائــد النضــال ضــد التمييــز العنصــري‪،‬‬ ‫واحلــزب احلاكــم حال ًيــا‪ .‬وأطلقــت موســكو اســم‪ ،‬باتريــس لومومبــا‪،‬‬ ‫قائــد حركــة التحــرر يف الكونغــو الــذي مت إعدامــه بوحشــيه عــام‬ ‫‪1961‬م‪ ،‬علــى إحــدى اجلامعــات‪ ،‬وعلــى مــدى ثاثــة عقــود وحتــى‬ ‫عــام ‪1992‬م‪ ،‬كانــت جامعــة لومومبــا مــن أكثــر اجلامعــات املرموقــة‬ ‫يف روســيا وتخــرج منهــا أجيــال مــن القيــادات األفارقــة العاملــة يف‬ ‫مجــال السياســة اخلارجيــة‪.‬‬ ‫ولعــب االحتــاد الســوفيتي دو ًرا بــارزًا يف إعــداد وتدريب القيادات‬ ‫اإلفريقيــة يف مختلــف املجــاالت‪ ،‬ومــع انتهــاء احلقبــة الســوفيتية بلــغ‬ ‫إجمالــي مــن تلقــوا تعليمهــم يف اجلامعــات واملعاهــد العســكرية‬ ‫الســوفيتية ‪ 50‬أل ًفــا مــن املدنيــني والعســكريني‪ ،‬منهــم رئيــس جنــوب‬ ‫إفريقيــا (جاكــوب زومــا)‪ ،‬ورئيــس أجنــوال (خوســيه دوس ســانتوس)‪،‬‬ ‫ورئيــس موزمبيــق الســابق (أرمانــدو جويبــوزا)‪ ،‬إلــى جانــب أكثــر‬

‫مــن ‪ 200‬ألــف مــن األفارقــة مت تدريبهــم يف بلدانهــم علــى أيــدي‬ ‫الســوفييت‪ .‬ويعطــى هــذا البعــد التاريخــي خصوصيــة لروســيا‬ ‫ويجعلهــا طر ًفــا دول ًيــا أكثــر قبــوالً لــدى دول القــارة‪ .‬فروســيا لــم تبــدأ‬ ‫عاقاتهــا بإفريقيــا الســمراء مــن الصفــر‪ ،‬كبعــض القــوى األخــرى‪،‬‬ ‫وإمنــا مــن رصيــد ضخــم مــوروث مــن احلقبــة الســوفيتية‪.‬‬ ‫وكان علــى روســيا بــذل جهــد إلنعــاش الذاكــرة اإلفريقيــة بهــذا‬ ‫املاضــي عقــب حقبــة التســعينات التــي تراجعــت خالهــا إفريقيــا‬ ‫جنــوب الصحــراء يف األجنــدة الروســية‪ ،‬ومت غلــق تســع ســفارات‬ ‫وثــاث قنصليــات لروســيا يف إفريقيــا منهــا تلــك يف توجــو وليســوتو‬ ‫وبوركينافاســو‪ ،‬كمــا مت إغــاق معظــم املكاتــب التجاريــة‪ ،‬وثاثــة‬ ‫عشــر مركــزًا ثقاف ًيــا مــن إجمالــي عشــرين مركــزاً يف إفريقيــا‪،‬‬ ‫وجمــدت برامــج املســاعدات التــي بــدأت يف العهــد الســوفيتي‪،‬‬ ‫وتوقفــت وســائل اإلعــام التــي كانــت متثــل صــوت روســيا يف القــارة‬ ‫مثــل «راديــو موســكو» وغيــره‪.‬‬ ‫وبــدأت روســيا يف اتخــاذ خطــوات جــادة الســتعادة عاقاتهــا‬ ‫بالقــارة ونصــت عقيــدة السياســة اخلارجيــة الروســية التــي أقرهــا‬ ‫الرئيــس بوتــني يف ‪ 12‬فبرايــر ‪2013‬م‪ ،‬والتــي حلــت محــل عقيــدة‬ ‫مديفيديــف لعــام ‪2008‬م‪ ،‬علــى أن «املتغيــرات العامليــة املتســارعة يف‬ ‫العقــد األول مــن القــرن احلــادي والعشــرين تتطلــب اقترابــات جديــدة‬ ‫للتعاطــي مــع األوضــاع ســريعة التغيــر يف العالــم‪ ،‬ورؤيــة جديــدة‬ ‫ألولويــات السياســة اخلارجيــة الروســية مــع األخــذ يف االعتبــار‬ ‫املســؤولية املتعاظمــة لروســيا يف حتديــد األجنــدة الدوليــة وبلــورة‬ ‫النظــام الدولــي»‪ .‬وأن «روســيا ســوف تدفــع التفاعــات متعــددة‬

‫‪90‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫تنزيــل السياســات األوربيــة مبنطقــة غــرب إفريقيــا‪ ،‬ألنــه مــن جهــة‬ ‫يتضمــن تناقضــات كبيــرة علــى مســتوى تصــور كل دولــة مــن دولــه‬ ‫علــى حــدة‪ ،‬وألنــه يجابــه حتديــات عمليــة تهــم أســاس‪:‬‬ ‫ مشــاكل احلكامــة وســبل التنميــة وطــرق حــل النزاعــات يف مجــال‬‫مســتعصي بــني الدواعــي السياســية والثقافيــة والدينيــة؛‬ ‫ أولويــة املســتوى األمنــي يــؤدي إلــى إشــكاالت عمليــة يف تنســيق‬‫السياســات وتوحيــد التصــورات‪ ،‬نظــرا لتبايــن املشــاكل مــن دولــة‬ ‫ألخــرى وصعوبــة توحيــد الرؤيــة؛‬ ‫ النقــص املهــول يف بنيــات األمــن ونســيج دولــة القانــون القائمــة علــى‬‫وجــود مؤسســات قــارة وانعــدام اجلاهزية واالســتقرار السياســي‪.‬‬ ‫ إشــكال العنــف األصولــي والدينــي الــذي تداخــل مــع أبعــاد‬‫جيوســتراتيجية تتحكــم فيهــا قــوى محليــة ودوليــة‪.‬‬ ‫وتضــع دول االحتــاد األوربــي إلــى جانــب ذلــك سياســة قائمــة‬ ‫علــى البعــد التجــاري واالقتصــادي حققــت تقد ًمــا أدى إلــى ترابــط‬ ‫كبيــر بــني دول غــرب إفريقيــا ودول االحتــاد‪ ،‬نظـ ًرا للعامــل التاريخــي‬ ‫االســتعماري والثقــايف الــذي يربــط اجلانبــني‪.‬‬ ‫خاصــة مــا ســبق أن الــدول العربيــة ودول اخلليــج إذا كانــت تتبنــى‬ ‫رؤيــة تقــوم علــى التعــاون مــع قــوة دوليــة اقتصاد ًيــا وسياسـ ًيا فاألقــرب‬ ‫لتنزيــل رؤيــة متكاملــة هــو إطــار االســتراتيجية األوربية‪ ،‬نظـ ًرا الرتباط‬ ‫الرؤيــة األمريكيــة والصينيــة باملقومــات الطاقيــة ولنزعتهــا األحاديــة‬ ‫وغيــر التعاونيــة‪ ،‬لكــن مــع األخــذ بعــني االعتبــار املعطيــات التاليــة‪:‬‬ ‫ أن االســتراتيجية األوربيــة غيــر متجانســة وغيــر موحــدة إال‬‫يف اجلوانــب االتفاقيــة التــي حتــاول بدورهــا أن حتــوز الريــادة‬ ‫االقتصاديــة مبنطقــة غــرب إفريقيــا‪.‬‬ ‫ أن دوال بعينها كفرنسا مثا أكثر حضو ًرا من غيرها من دول االحتاد‬‫األوربــي‪ ،‬وذلــك راجــع لعوامل تاريخيــة وثقافية واجتماعية ومصلحية‪.‬‬ ‫ أن البعــد األمنــي يأخــذ مكا ًنــا أكبــر يف رؤيــة الــدول األوربيــة ملنطقــة‬‫غــرب إفريقيا‪.‬‬ ‫ أن أورب ــا‪ ،‬وفرنس ــا عل ــى وج ــه التحدي ــد‪ ،‬جت ــد حرج ــا يف نس ــج‬‫سياس ــة تعاوني ــة م ــع ال ــدول األخ ــرى‪ ،‬وتعتب ــر نفس ــها أول ــى بتنفي ــذ‬ ‫السياســـات اإلقليميـــة‪ ،‬وأي تعـــاون يجـــب أن ينخـــرط خلدمـــة‬ ‫مصاحلهـــا أوال‪.‬‬ ‫إذن ه ــل ميك ــن لل ــدول العربي ــة أن تقي ــم سياس ــة خاص ــة ورؤي ــة‬ ‫ذاتي ــة حضاري ــة مبنطق ــة غ ــرب إفريقي ــا؟‬ ‫اجلواب إيجابي لعدة اعتبارات‪:‬‬ ‫ كــون املغــرب ميكــن أن يكــون قاعــدة لوضــع اســتراتيجيات ناجحــة‬‫خلبرتــه وعاقاتــه مــع دول املنطقــة‪.‬‬ ‫ وجود عاقات دينية وروابط اجتماعية قوية بني املنطقتني‪.‬‬‫ نظـــ ًرا لإلمكانيـــات املاديـــة املتاحـــة وكثـــرة املجـــاالت القابلـــة‬‫لاســتثمار باملنطقــة وهــو مــا يدخلهــا يف مقارنــة بــني االســتراتيجية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الســـلمية التنمويـــة للـــدول العربيـــة واالســـتراتيجيات االســـتغالية‬ ‫لل ــدول والق ــوى الكب ــرى‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬تهديدات إقليمية‬ ‫كل التصــورات التــي ميكــن نســجها اســتراتيج ًيا مبنطقــة غــرب‬ ‫إفريقيــا يعترضهــا نــوع آخــر مــن التهديــد قــادم مــن التســابق الــذي‬ ‫بدأتــه منــذ فتــرة طويلــة كل مــن إيــران وإســرائيل‪.‬‬ ‫ترتكــز السياســتني اإلســرائيلية واإليرانيــة يف منطقــة غــرب‬ ‫إفريقيــا علــى مقومــات متشــابهة‪ ،‬وعلــى اختــاف يف املنطلقــات‬ ‫للتنزيــل؛ ففــي حــني تلعــب إســرائيل علــى وتــر التنميــة واالنســجام‬ ‫والتبعيــة االقتصاديــة‪ ،‬تضيــف إيــران لذلــك البعــد العقــدي‪.‬‬ ‫تقــوم الدولتــان م ًعــا بإيفــاد رجــال السياســة ورجــال األعمــال‬ ‫والتقنيــني واملهندســني واألطبــاء قصــد نســج عاقــات ثقافيــة‬ ‫خاصــة‪ ،‬وتقومــان مــن جهــة أخــرى بإبــرام عقــود مرتبطــة بقطاعــات‬ ‫إنتاجيــة وتصديــر الســاح ً‬ ‫أيضــا‪.‬‬ ‫وتتنامــى العاقــات التجاريــة بــني إســرائيل وإيــران مــن جهــة ودول‬ ‫القارة من جهة أخرى يف اجتاه يضمن والءات خاصة لهاتني الدولتني‬ ‫مــن طــرف دول القــارة‪ ،‬ناهيــك عــن الصــراع للتحكــم يف الثــروات‬ ‫الطبيعيــة التــي تزخــر بهــا القــارة والســيما املعــادن النــادرة والنفســية‪.‬‬ ‫ومــن جهــة أخــرى‪ ،‬ميكــن التأكيــد علــى ضــرورة إيــاء اهتمــام‬ ‫خــاص ملدخــل الصــراع الدينــي بــني اإليرانيــني والــدول العربيــة الســنية‬ ‫وعلــى رأســها دول اخلليــج‪ ،‬حيــث تســتثمر إيــران مــا تســميه اجتاهــات‬ ‫التطــرف الســني يف إفريقيــا للتحــول نحــو املذهــب الشــيعي‪ ،‬ويجــد‬ ‫ذلــك صــدى مقبــوال حتــى لــدى بعــض القــوى الدوليــة‪.‬‬ ‫اخلاصة أن املدخل األساسي للتعاون بني الدول العربية عمو ًما‬ ‫ودول اخلليــج علــى وجــه التحديــد ودول غــرب إفريقيــا هــو املدخــل‬ ‫االقتصــادي الــذي يشــمل تعزيــز االســتثمارات والتجــارة اخلارجيــة‬ ‫وكافــة أشــكال التعــاون‪ ،‬نظ ـ ًرا لكــون املنطقــة األقــرب لوضــع رؤيــة‬ ‫محكمة تشمل أيضا التعاون يف املجاالت السياسية واألمنية األخرى‬ ‫وهــو مــا ســيعود بالنفــع الكبيــر علــى اقتصاديــات الــدول العربيــة‪،‬‬ ‫ويســاهم يف تنويــع مداخيلهــا املرتكــزة بشــكل كبيــر علــى النفــط‪.‬‬ ‫كمــا أن االســتراتيجية العامــة ميكــن أن تقــوم علــى جناحــني‬ ‫وقوتــني؛ جنــاح غــرب إفريقيــا بالتركيــز علــى مكامــن قــوة الــدول‬ ‫العربيــة لشــمال إفريقيــا والســيما اململكــة املغربيــة‪ ،‬وجنــاح شــرق‬ ‫إفريقيــا باســتعادة الــدور املصــري التقليــدي‪ ،‬لكــن بــرؤى منطقيــة‬ ‫وقابلــة للتحقيــق وتنســيقية تأخــذ بعــني االعتبــار احملــددات التــي‬ ‫تنجــح االســتراتيجية وتتجــاوز العراقيــل‪.‬‬ ‫*أســتاذ العالقــات الدوليــة‪ ،‬جامعــة محمــد األول‪ ،‬وجــدة‪ ،‬اململكــة‬ ‫املغربيــة‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ يجعــل التحكــم يف الطــرق البحريــة التــي تتحكــم بدورهــا يف‬‫خطــوط النقــل البحريــة التــي تتضمــن تصديــر الطاقــة والســيما‬ ‫البتــرول‪ ،‬املصــدر األساســي للموازنــات االقتصاديــة لــدول اخلليــج‪،‬‬ ‫أكثــر أما ًنــا؛‬ ‫ يســهل تطبيــق الــرؤى االســتراتيجية الكبــرى لهــذه الــدول يف‬‫املجــاالت االســتراتيجية تب ًعــا للتحكــم يف املســتوى االقتصــادي‪.‬‬ ‫وعلــى الرغــم مــن بداهــة هــذا الطــرح إال أن دول اخلليــج‬ ‫تعترضهــا صعوبــات متعــددة‪ ،‬منهــا مــا يرتبــط بذاتيهــا ومنهــا مــا‬ ‫يرتبــط بطبيعــة االســتثمار يف منطقــة غــرب إفريقيــا‪:‬‬ ‫ففــي المســتوى األول هنــاك توقــع النخفــاض النمــو يف دول‬ ‫املجلــس إلــى ‪ 2.2‬مقابــل ‪ 3.1‬يف ســنة ‪2015‬م‪ ،‬وذلــك ال شــك ســيؤثر‬ ‫يف حجــم احلضــور االقتصــادي اخلليجــي يف القــارة‪.‬‬ ‫أمــا المســتوى الثانــي فهــو مرتبــط بطبيعــة الــدول التــي‬ ‫تعنــى باالســتراتيجية اخلليجيــة حيــث ضعــف التكويــن وضعــف‬ ‫البنــى التحتيــة وســوء التدابيــر اإلداريــة والبيروقراطيــة‪ ،‬وانعــدام‬ ‫االســتقرار السياســي‪.‬‬ ‫اجلانــب املهــم يف بنيــة االرتبــاط االقتصــادي الســابق يف‬ ‫ظــل انعــدام رؤيــة عربيــة شــاملة‪ ،‬أو حتــى خليجيــة‪ ،‬يبقــى تنزيــل‬ ‫االســتراتيجية وف ًقــا لــرؤى القــوى الكبــرى املهيمنــة‪ ،‬فيســتحيل أن‬ ‫تنجــح املقاربــة العربيــة واخلليجيــة دون األخــذ بعــني االعتبــار مســألة‬ ‫التوافــق مــع تصــور قــوة مــن القــوى الكبــرى املهيمنــة‪ ،‬وهــي يف هــذه‬ ‫احلالــة الواليــات املتحــدة األمريكيــة والصــني ودول االحتــاد األوربــي‪،‬‬ ‫خاصــة أن منطقــة غــرب إفريقيــا تســتحوذ عليهــا الديانــة اإلســامية‬ ‫التــي تربــط قهــ ًرا مبســألة مكافحــة اإلرهــاب‪ ،‬وهــو مــا يجعــل أي‬ ‫رؤيــة ترتبــط باجلانــب االســتراتيجي العــام الــذي يقحــم تصــو ًرا أو‬ ‫تصــورات القــوى املهيمنــة الكبــرى الســالفة الذكــر‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬غرب إفريقيا يف الرؤى استراتيجية للقوى الكبرى‬ ‫تتــراوح هــذه الــرؤى بــني الرؤيــة األمريكيــة‪ ،‬والرؤيــة الصينيــة‪،‬‬ ‫ورؤيــة دول اإلحتــاد األوربــي‪ ،‬وبذلــك ميكــن وضــع التصــور العربــي‬ ‫واخلليجــي باخلصــوص يف نســق واحــد مــن هــذه الــرؤى والتصــورات‪،‬‬ ‫وحتديــد جوانــب التقــارب والتمايــز معهــا‪.‬‬ ‫رؤيــة الواليــات المتحدة األمريكية‪ :‬يعتبر تأمــني مصادر الطاقة‬ ‫واملــواد اخلــام مــن أهم ركائز اســتراتيجية الواليــات املتحدة األمريكية‪،‬‬ ‫فهــي حتتــاج جللــب ‪ % 25‬مــن اســتهاكها اليومــي مــن البتــرول مــن‬ ‫إفريقيــا بحلــول ‪2020‬م‪ ،‬كبديــل عــن نفــط الشــرق األوســط بســبب‬ ‫مــا تعتبــره اإلدارة األمريكيــة واقعــا يرتبــط باالضطرابــات األمنيــة‬ ‫هنــاك‪ .‬ويتماشــى ذلــك مــع التقريــر الوطنــي حــول السياســة الطاقيــة‬ ‫الــذي صــدر يف ســنة ‪2001‬م‪ ،‬مــن البيــت األبيــض‪ ،‬الــذي نــوه بجــودة‬ ‫وســهولة نقــل املــوارد الطاقيــة خلليــج غينيــا‪ ،‬وتوقــع اســتيراد ‪%25‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪89‬‬

‫ملف العدد‬

‫مــن بتــرول إفريقيــا يف أفــق ‪ 2025‬م‪ .‬كمــا تصــدر نيجيريــا أكثــر مــن‬ ‫‪ 40%‬مــن إنتاجهــا النفطــي نحــو الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬وهــو مــا‬ ‫يشــكل نســبة ‪ 10%‬مــن الــواردات النفطيــة األميركيــة‪ ،‬وتســعى نيجيريــا‬ ‫لارتقــاء بدبلوماســيتها لتؤهلهــا ألن تكــون الناطقــة باســم إفريقيــا‪.‬‬ ‫إن هــذا التناقــض بــني التصــور اخلليجــي واألمريكــي القائم حول‬ ‫الطاقــة يوحــي أن بنــاء أي تصــور متجانــس مــع السياســة األمريكيــة‬ ‫يف غــرب إفريقيــا هــو مــن قبيــل التنســيق مــن أجــل إنقــاص الوجــود‬ ‫اخلليجــي باملنطقــة‪ ،‬ذلــك أن أصــل التدخــل األمريكــي يف املنطقــة‬ ‫قائــم علــى التناقضــات التــي اســتنتجتها الواليــات املتحــدة األمريكيــة‬ ‫يف إطــار عاقتهــا بــدول اخلليــج علــى مســتوى إنتــاج الطاقــة التــي‬ ‫تعــد العمــود الفقــري لاقتصــاد األمريكــي‪ ،‬وبالتالــي لــن تســمح‬ ‫الواليــات املتحــدة لــدول اخلليــج بالتحكــم أكثــر يف مصــادر الطاقــة‬ ‫البديلــة التــي ترهــن اقتصادهــا‪.‬‬ ‫الرؤيــة االســتراتيجية الصينيــة‪ :‬تقــوم بدورهــا علــى مركزيــة‬ ‫الطاقــة وعلــى رأســها البتــرول‪ ،‬ولقــد بلغــت مــن جهــة‪ ،‬ســنة ‪2010‬م‪،‬‬ ‫حاجــة الصــني ‪ %55‬مــن البتــرول‪ ،‬و‪ %57‬مــن احلديــد‪ ،‬و‪ % 70‬مــن‬ ‫النحــاس و‪ %80‬مــن األملنيــوم‪ .‬كمــا ارتفــع اســتهاك اخلشــب مــن‬ ‫‪ 7.2‬إلــى ‪ 30.4‬مليــون م‪3‬بــني ‪ 1996‬و‪2005‬م‪.‬‬ ‫ومــن جهــة أخــرى‪ ،‬ســتنتقل الصــني مــن اســتهاك ‪ 3.5‬مليــون‬ ‫برميــل يوم ًيــا مــن النفــط عــام ‪2006‬م‪ ،‬إلــى ‪ 13.1‬مليــون برميــل عــام‬ ‫‪2030‬م‪ ،‬أي ‪ %80‬مــن اســتهاكها‪ .‬وتســتورد الصــني نصــف حاجياتها‬ ‫مــن النفــط مــن الشــرق األوســط‪ ،‬وهــو مــا جعلهــا تبحــث عــن مــوارد‬ ‫جديــدة‪ ،‬فإفريقيــا التــي تشــكل ‪%9‬مــن االحتياطــي العاملــي ميكنهــا‬ ‫حســب الصــني أن تكــون مصــد ًرا جديـدًا للطاقــة‪.‬‬ ‫ال يظهــر إذن‪ ،‬أنــه بالنظــر للتصــورات املتطرفــة القائمة على بنية‬ ‫الطاقــة‪ ،‬أن دول اخلليــج لهــا مكانــة يف االســتراتيجيتني األمريكيــة أو‬ ‫الصينيــة يف غــرب إفريقيا‪.‬‬ ‫الرؤيــة االســتراتيجية األوربيــة‪ :‬تقــوم االســتراتيجية األوربيــة‬ ‫علــى مقاربــة جتمــع بــني التنميــة واألمــن‪ ،‬ويعتبــر ذلــك طبيع ًيــا‬ ‫بحكــم القــرب والتأثيــر النســبي الــذي متارســه هــذه املنطقــة علــى‬ ‫االزدهــار االقتصــادي واألمــن االجتماعــي بــدول االحتــاد‪ .‬وتنســج‬ ‫االســتراتيجية األوربيــة ثاثــة محــاور كبــرى‪:‬‬ ‫ ربـــط املشـــاريع واملقترحـــات التنمويـــة بالـــرؤى والسياســـات‬‫التعاونيـــة األمنيـــة‪.‬‬ ‫ تنزيــل رؤى قائمــة علــى دعــم التعــاون اإلقليمــي‪ ،‬وســعي االحتــاد‬‫أحيانــا لتفعيــل االندماجــات االقتصاديــة مبــا يخــدم التنميــة التــي‬ ‫تــؤدي لاســتقرار السياســي‪.‬‬ ‫ بقــاء مداخــل التحكــم يف القــدرات االقتصاديــة والثــروات الطبيعيــة‬‫لهــذه الــدول ونســج سياســات قائمــة علــى االســتمرار يف هــذا التحكــم‪.‬‬ ‫وجتــد دول االحتــاد مــن جهــة أخــرى مجموعــة مــن املشــاكل يف‬

‫‪88‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫تاقــح حضــارات جعلــت مــن الفضــاء‪ ،‬يف أغلبــه وإلــى اليــوم‪ ،‬فضــا ًء‬ ‫حضار ًيــا إســام ًيا‪.‬‬ ‫وتلعــب اجلغرافيــا دو ًرا حاســ ًما يف حتديــد الرؤيــة اإلســتراتيجية‬ ‫للــدول العربيــة لشــمال إفريقيــا اجتــاه غــرب إفريقيــا طبقــا‬ ‫للمحــددات العامــة التاليــة‪:‬‬ ‫ التأثيــر والتأثــر االجتماعــي والثقــايف‪ ،‬بحيــث أن االنصهــار القبلــي‬‫جعــل مــن التاقــح بــني األنســاب والثقافــات أمـ ًرا واق ًعــا بالنظــر إلــى‬ ‫املعطيــات القبليــة‪ ،‬ومثــال ذلــك تأثيــر قضيــة الطــوارق علــى كل مــن‬ ‫اجلزائــر وليبيــا‪ ،‬والهويــة األفريقانيــة علــى موريتانيا‪ ،‬إضافة للمشــاكل‬ ‫التــي كانــت تعرفهــا احلــدود الليبيــة التشــادية والتــي ميكــن أن تعــرف‬ ‫جتــد ًدا يف التأثيــر بعــد تراجــع نفــوذ القــوة املركزيــة‬ ‫يف طرابلــس‪.‬‬ ‫ التأثيــر السياســي‪ ،‬الــذي مــن خالــه ترتبــط‬‫بإشــكاليات حقــوق األقليــات واإلدمــاج السياســي‬ ‫يف املنتظمــات العربيــة يف شــمال إفريقيــا مــن جهــة‪،‬‬ ‫وأيضــا املواقــف املتباينــة مــن القضايــا السياســية‬ ‫واالســتراتيجية بــني الــدول العربيــة ودول غــرب‬ ‫إفريقيــا يف احملافــل اجلهويــة والدوليــة‪ ،‬وهــو مــا‬ ‫يؤثــر علــى البنــاء االقتصــادي الــذي يرتهــن للمواقــف‬ ‫السياســية وال يســتطيع جتــاوزه نظـ ًرا لطبيعــة البنــى‬ ‫السياســية غيــر الدميقراطيــة يف الغالــب‪.‬‬ ‫ التأثيــر االقتصــادي‪ ،‬حيــث تعتبــر املنطقــة يف عاقتهــا مــع شــمال‬‫ً‬ ‫مجــاال لامتــداد االقتصــادي‪ ،‬لكــن أيضــا اإلشــكاالت‬ ‫إفريقيــا‬ ‫املرتبطــة بكــون الفضــاء هــو مجــال جيوسياســي يخــص قــوى أخــرى‬ ‫غيــر إقليميــة‪ ،‬ومــا يجعــل االرتبــاط ال يقــوم علــى مفهــوم االندمــاج‪.‬‬ ‫ففــي هــذا اإلطــار التجــاري واالقتصــادي تتفــاوت العاقــات التــي‬ ‫تربــط بــني الــدول العربيــة لشــمال إفريقيــا وغــرب إفريقيــا؛ ففــي‬ ‫حــني يعتبــر املغــرب أول مســتثمر إفريقــي باملنطقــة هنــاك دول ال‬ ‫ترتبــط مــع غــرب إفريقيــا إال بأســس ضعيفــة‪ .‬وسياســة املغــرب مثــا‬ ‫هــي نتيجــة اعتمــاد تصــور يجمــع بــني ترســيخ العاقــات الثنائيــة بعــد‬ ‫انســحابه مــن منظمــة الوحــدة اإلفريقيــة ســنة ‪1984‬م‪ ،‬وكــذا سياســة‬ ‫التجمعــات اإلقليميــة؛ وهــي علــى اخلصــوص احتــاد املغــرب العربــي‪،‬‬ ‫املجمــد منــذ حــادث أطلــس أســني مبراكــش الــذي عقبــه فــرض‬ ‫التأشــيرة مــن طــرف املغــرب علــى الرعايــا اجلزائريــني‪ ،‬وجتمــع دول‬ ‫الســاحل والصحــراء (‪ ،)CEN-SAD‬واملجموعــة االقتصاديــة لدول‬ ‫غــرب إفريقيــا (‪ ،)CEDEAO‬واالحتــاد االقتصــادي والنقــدي‬ ‫لغــرب إفريقيــا (‪ ،)UEMA‬املجموعــة االقتصاديــة والنقديــة لــدول‬ ‫وســط إفريقيــا(‪ ، )CEMAC‬والســوق املشــتركة لشــرق وجنــوب‬ ‫إفريقيــا (‪ ،)COMESA‬ومجموعــة تنميــة دول إفريقيــا اجلنوبيــة‬ ‫(‪ )SADEC‬والهيــأة احلكوميــة للتنميــة(‪.)IGAD‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫لقــد تراجعــت أدوار ليبيــا اإلفريقيــة بعــد مرحلــة القــذايف التــي‬ ‫كانــت قائمــة علــى ريــع مالــي بهــدف جلــب الــوالء السياســي للقــادة‬ ‫واملســؤولني األفارقــة‪ ،‬وهــو عكــس نهــج املغــرب مث ـ ً‬ ‫ا القائــم علــى‬ ‫مفهــوم التنميــة واالســتقرار السياســي لــدول غــرب إفريقيــا‪ ،‬ومــع‬ ‫االعتمــاد علــى الرأســمال اخلــاص‪ ،‬وخاصــة يف طاعــات الفاحــة‬ ‫والبنــوك واملعــادن والســكن‪ .‬كمــا أن حضــور تونــس واجلزائــر قائــم‬ ‫علــى العاقــات السياســية‪ ،‬ومســتوى التبــادل مــع هــذه الــدول يرتبــط‬ ‫بالطاقــة ويقــوم علــى فــرض املجــال االســتراتيجي لتفــادي انتقــال‬ ‫املشــاكل نظـ ًرا للترابــط االجتماعــي والثقــايف‪ ،‬وهــو مــا يفســر أحيانــا‬ ‫التدخــل لفــرض رؤى سياســية مــن طــرف اجلزائــر مثــا يف مالــي‬ ‫علــى ســبيل املثال‪.‬ونفــس األمــر ميكــن أن يقــال عــن‬ ‫االســتراتيجية املصريــة خاصــة بعــد أزمــة احلــراك‬ ‫العربــي ملــا بعــد ‪2011‬م‪ ،‬حيــث تراجــع الــدور‬ ‫املصــري بشــدة يف القــارة ويف غربهــا علــى وجــه‬ ‫اخلصــوص اعتبــارا لكــون شــرق إفريقيــا املجــال‬ ‫احليــوي الطبيعــي ملصــر‪.‬‬

‫الــدول الـــعربية ال‬ ‫تمتلــك رؤيــة موحــدة‬ ‫تجــاه غرب إفريقيا ومن‬ ‫الضــروري اسـتشـــراف‬ ‫إمكـانيـــات التـــعاون‬

‫‪ -2‬دول الخليج وغرب إفريقيا‪ :‬األدوار االقتصادية‬ ‫المتجددة‬

‫تعتبــر إفريقيــا واحــة لتنميــة االقتصــاد اخلليجــي‪،‬‬ ‫فهــي قــارة حتقــق نســبة منــو واعــد يتجــاوز عمو ًمــا ‪ 5‬باملائــة‪ ،‬وتتميــز‬ ‫مبوقعهــا اجلغــرايف‪ ،‬ومتتلــك أكبــر مخــزون للعديد مــن الثــروات واملعادن‬ ‫املهمــة والنفيســة؛ فمــن بــني ‪ 50‬معد ًنــا ها ًمــا يف العالــم يوجــد ‪ 17‬معد ًنــا‬ ‫منهــا يف إفريقيــا باحتياطيــات ضخمــة‪ .‬وهــي متتلــك النســبة األكبــر‬ ‫مــن احتياطــي “البوكســيت‪ ،‬والفروكــروم‪ ،‬والكوبلــت‪ ،‬واملــاس‪ ،‬والذهــب‪،‬‬ ‫واملنجنيــز‪ ،‬والفوســفات‪ ،‬واملعــادن الباتينيــة‪ ،‬والتيتانيــوم‪ ،‬والفاناديــوم”‪.‬‬ ‫وإلــى غايــة ســنة ‪ 2008‬م‪ ،‬كان حجــم االســتثمارات اخلليجيــة يف‬ ‫إفريقيــا يصــل حوالــي ‪ 25‬مليــار دوالر‪ ،‬وبنســبة منــو ســنوية ال تقــل عــن‬ ‫‪ 10‬باملائــة بينمــا يف ســنة ‪2000‬م‪ ،‬لــم يتجــاوز ‪ 7‬مليــارات دوالر‪ .‬وإلــى‬ ‫أواخــر ســنة ‪2014‬م‪ ،‬ارتفعــت مســاهمة الــدول اخلليجيــة يف االســتثمار‬ ‫يف البنيــة التحتيــة لوحدهــا يف إفريقيــا إلــى حوالــي ‪ 30‬مليــار دوالر منها‬ ‫النصــف يف شــكل مســاعدات وقــروض ومنــح‪ .‬وقــد زادت شــركات دول‬ ‫اخلليــج نصيبهــا مــن مشــاريع االســتثمار األجنبــي املباشــر يف إفريقيــا‬ ‫ســنة ‪2014‬م‪ ،‬إلــى ‪ 9.1‬باملائــة وكانــت اململكــة العربيــة الســعودية قــد‬ ‫ـروعا بــدل ‪ 3‬حازتهــا يف الســنة الســابقة‪ ،‬ويف الوقت‬ ‫حــازت علــى ‪ 11‬مشـ ً‬ ‫الــذي أصبحــت فيــه اإلمــارات رابــع أكبــر مصــدر للمشــاريع االســتثمارية‬ ‫يف إفريقيــا يف نفــس الســنة حائــزة علــى مرتبــة أول مشــغل بهــذه القــارة‪.‬‬ ‫ويحقق الوجود االستثماري اخلليجي يف إفريقيا عمو ًما غايات متعددة‪:‬‬ ‫ ميكــن أن يجعــل القــارة‪ ،‬وخاصــة يف غربهــا احتياط ًيــا غذائ ًيــا لهــذه‬‫الــدول‪ ،‬وهــو مــا يضمــن األمــن الغذائــي لهــا؛‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪87‬‬

‫ملف العدد‬

‫استراتيجية تعتمد على قوة شمال إفريقيا وعودة الدور املصري‬

‫ثــالث قــوى عالمية تتصارع يف غــرب إفريقيا‪..‬‬ ‫والدور الخليجي تحكمه المصالح والسياســة‬ ‫يشــمل غــرب إفريقيــا الــدول العربيــة املشــكلة لشــمال القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬لكــن العتبــارات تتماشــى مــع أهــداف التحليــل يف‬ ‫هــذا املوضــوع فــإن القصــد هــو منطقــة جغرافيــة ال تشــمل هــذه الــدول‪ ،‬وبذلــك ميكــن حتديدهــا يف مجــال يعــرف مبنطقــة‬ ‫الســاحل والصحــراء‪ ،‬وذلــك بنــاء علــى مرتكــزات متعــددة منهــا ثاثــة أبعــاد علــى األقــل؛ البعــد اجلغــرايف الــذي ينهــل مــن‬ ‫املعانــي اللفظيــة للكلمتــني العربيتــني الدالتــني علــى املجــال املمتــد مــن الســاحل والــذي يطــوق الصحــراء اإلفريقيــة الكبــرى‪،‬‬ ‫وهــذا يشــمل الكتــل السياســية التــي متتــد مــن موريتانيــا والســنغال غر ًبــا إلــى احلــدود الســودانية غر ًبــا‪ ،‬وهــذا البعــد يفتــرض‬ ‫عــدم ارتبــاط التنطيــق باملجــال الســلطوي لهــذه الكتــل السياســية بــل بالبعــد اجلغــرايف الــذي يحددهــا مجال ًيــا‪ ،‬لكــن ذلــك ال‬ ‫يتناقــض مــع حتديــد يقــوم علــى الكتــل السياســية أو الــدول والــذي يعتبــر هــذه املنطقــة هــي مجموعــة الــدول التــي شــكلت‬ ‫جلنــة مــا بــني الــدول ملكافحــة اجلفــاف التــي أنشــئت ســنة ‪1971‬م‪ ،‬والتــي كانــت تضــم ً‬ ‫كا مــن الســنغال وغامبيــا وموريتانيــا‬ ‫ومالــي والنيجــر وتشــاد وبوركينافاســو ثــم أضيفــت كل مــن غينيــا بيســاو و الــرأس األخضــر ونظـ ًرا لزحــف الصحــراء انضمــت‬ ‫كل مــن الســودان وأثيوبيــا والصومــال‪.‬‬

‫د‪ .‬خالد شيات‬

‫موضــوع مــن قبيــل تفاعــل السياســة واالقتصــاد والتواجــد‬ ‫األجنبــي بغــرب إفريقيــا والعاقــات العربيــة يثيــر إشــكاال يتبــع‬ ‫التنطيــق الســابق وســائل السياســات العربيــة وتفاعاتهــا مــع املنطقــة‬ ‫هــو حــدود ومــآالت وإمكانيــة بنــاء رؤيــة اســتراتيجية حضاريــة يف‬ ‫ظــل وجــود تصــورات واســتراتيجيات قــوى إقليميــة ودوليــة مهيمنــة‬ ‫علــى املنطقــة؟ وكــذا ماهيــة اإلمكانيــات املتاحــة لبنــاء نســق متناغــم‬ ‫ً‬ ‫وأيضــا إمكانيــات تنزيــل تصــور خليجــي بأبعــاد‬ ‫بــني الــدول العربيــة‬ ‫تراعــي احملــددات والعراقيــل الســابقة؟‬

‫هنــا املجموعــة العربيــة التــي تنقســم إلــى مجموعتــني كبيرتــني‪ ،‬همــا‬ ‫دول شــمال إفريقيــا مــن جهــة ودول اخلليــج مــن جهــة أخــرى‪ ،‬والتــي‬ ‫بدورهــا ال حتــوز رؤيــة إســتراتيجية موحــدة‪ ،‬وكــذا دول غــرب إفريقيــا‬ ‫التــي ال توحدهــا يف غالــب األحيــان ســوى اجلغرافيــا‪ .‬وهــو مــا يثيــر‬ ‫استشــراف إمكانيــات التعــاون أو الشــراكة اإلســتراتيجية‪.‬‬ ‫ترتبــط الــدول العربيــة منــذ زمــن طويــل بإفريقيــا وغربهــا علــى‬ ‫وجــه التحديــد بالعديــد مــن اآلليــات لكــن معظمهــا لــم يعــد يــؤدي‬ ‫دو ًرا حاســ ًما مــع حتــول املعطيــات اجليوسياســية يف القــارة بعــد‬ ‫احلــرب البــاردة‪.‬‬

‫ً‬ ‫أوال‪ :‬غرب إفريقيا وإشكال توحيد الرؤية االستراتيجية العربية‬ ‫يثيــر موضــوع التعــاون العربــي عمو ًمــا واخلليجــي علــى وجــه‬ ‫التحديــد مــع غــرب إفريقيــا مســألة تصنيــف املدخــل الــذي يجمــع‬ ‫األبعــاد القــارة يف التحليــل مــع األبعــاد املتغيــرة‪ ،‬وانســجام آلياتــه‬ ‫التــي ميكــن أن تؤســس لرؤيــة متكاملــة بــني كتلتــني متحركتــني وغيــر‬ ‫متناغمتــني ال يف عاقتهمــا ببعــض وال يف بناهــا الداخليــة‪ ،‬والقصــد‬

‫‪ -1‬المحددات اإلستراتيجية بين دول شمال إفريقيا العربية وفضاء‬ ‫غرب إفريقيا‬ ‫يعتبــر اجلــوار اجلغــرايف محــد ًدا مه ًمــا يف تصــور الترابــط بــني‬ ‫الــدول العربيــة لشــمال إفريقيــا وغربهــا‪ ،‬وبذلــك كان االمتــداد علــى‬ ‫ً‬ ‫مرتبطــا بالتحكــم الفعلــي يف األرض‪ ،‬حيــث عرفــت‬ ‫مــر عصــور طويلــة‬

‫‪86‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫اإلفريقيــة‪ .‬وهــي‪“ :‬غابــون تليكــوم” بالغابــون‪ ،‬و”موريتــل”‬ ‫مبوريتانيــا‪ ،‬و»أوناتيــل» ببوركينــا فاســو‪ ،‬و”ســوتيلما” بدولــة مالــي‪.‬‬ ‫وميكــن القــول رغــم جنينيــة هــذه الشــراكة‪ ،‬أن “اتصــاالت املغــرب”‪،‬‬ ‫أصبحــت واحــدة مــن أجنــح الشــركات املغربيــة اخلليجيــة بالقــارة‬ ‫الســمراء‪ .‬حيــث أصبحــت “اتصــاالت املغــرب” واحــدة مــن أكبــر‬ ‫الشــركات الفاعلــة يف مجــال االتصــاالت بإفريقيــا‪ ،‬كمــا أن أرباحهــا‬ ‫يف الــدول اجلديــدة تفــوق بكثيــر أرباحهــا باملـــغرب‪.‬‬ ‫وفيمــا يخــص املؤسســات املاليــة‪ ،‬مت إجنــاز شــراكات مغربيــة‬ ‫خليجيــة يف امليــدان البنكــي ألول مــرة‪ ،‬مســتفيدة مــن انطــاق‬ ‫املؤسســات البنكيــة للتمويــل اإلســامي باملغــرب ابتــداء مــن يونيــو‬ ‫ســنة ‪2016‬م‪ .‬ومــن املنتظــر أن تتطــور هــذه الشــراكة لتنتقــل لبعــض‬ ‫الــدول اإلفريقيــة التــي توجــد بهــا البنــوك املغربيــة التقليديــة‪ .‬فالبنــك‬ ‫املغربــي للتجــارة اخلارجيــة دخــل يف شــراكة مــع بنــك البركــة البحريني‬ ‫للتعامــات املصرفيــة اإلســامية‪ ،‬وهــو مــا يؤهــل اجلانبــني لتوســيع‬ ‫اســتثماراتهما بــدول إفريقيــا جنــوب الصحــراء التــي توجــد بهــا فــروع‬ ‫البنــك املغربــي للتجــارة اخلارجيــة خاصــة يف بلــدان شــرق إفريقيــا‪.‬‬ ‫خري ـ ــطة تــوض ـ ــح انتش ــار ات ـصـ ـ ــاالت ال ـمـ ـغ ـ ــرب بأفــري ـقـيـ ــا ج ـن ـ ــوب‬ ‫الصح ــراء‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مــن جانبهــا‪ ،‬تتوفــر دول اخلليــج علــى رأســمال كبيــر‪ ،‬وخبــرة‬ ‫اســتثمارية يف كبريــات األســواق العامليــة‪ ،‬وبالتالــي فــإن نقــل جــزء‬ ‫مــن هــذه اإلمكانيــات املاليــة املهمــة إلفريقيــا‪ ،‬ســيعزز مــن مكانــة دول‬ ‫اخلليــج واملغــرب بالســوق الداخليــة للقــارة‪ ،‬خاصــة وأن املغــرب يتوفــر‬ ‫علــى مــوارد بشــرية‪ ،‬عملــت يف القــارة يف املجــال الفاحــي‪ ،‬والبنيــة‬ ‫التحتيــة والبنكيــة‪ ،‬والســياحة والعقــار‪ ،‬وهــذه املجــاالت مفضلــة مــن‬ ‫املســتثمرين اخلليجــني‪.‬‬ ‫أضــف إلــى ذلــك اكتســاب دول اخلليــج خلبــرة كبيــرة يف مجــال‬ ‫التنميــة يف إفريقيــا‪ ،‬مــن خــال بعــض املؤسســات مثــل الصنــدوق‬ ‫الســعودي للتنميــة‪ ،‬ومؤسســة قطر‪-‬إفريقيــا‪ ،‬الصنــدوق الكويتــي‬ ‫للتنميــة االقتصاديــة العربيــة‪ ،‬وصنــدوق أبــو ظبــي للتنميــة‪.‬‬ ‫أمــا يف اجلانــب الفاحــي‪ ،‬فيمكــن اســتغال اإلمكانيــات الضخمــة‬ ‫لبعــض البلــدان اإلفريقيــة التــي تربطهــا عاقــات جيــدة مــع كل مــن‬ ‫اخلليــج واملغــرب‪ .‬ويف هــذا اإلطــار ميكــن اســتثمار اخلبــرة املغربيــة يف‬ ‫كل مــن الســينغال‪ ،‬وتعاونــه مــع الكــوت ديفــوار‪ ،‬وبوركينافاســو‪ ،‬يف دولــة‬ ‫الســودان‪ ،‬لتكــون «ســلة غــداء مضمونــة»؛ حيــث يقــدم املغــرب املــوارد‬ ‫البشــرية‪ ،‬ويتكلف مجلس التعاون اخلليجي باجلانب املالي‪ ،‬الســتثمار‬ ‫اإلمكانيــات الفاحيــة الضخمــة بهــذا البلــد العربــي اإلفريقــي‪.‬‬ ‫وميكــن كذلــك تطويــر العمــل املشــترك بــني املغــرب ودول مجلــس‬ ‫التعــاون اخلليجــي بإفريقيــا عــن طريــق تكثيــف التواصــل مــع النخــب‬ ‫السياســية‪ ،‬واالقتصاديــة الرســمية واملســتقلة‪ .‬مــع التركيــز علــى‬ ‫املجــاالت ذات االهتمــام املشــترك بــني املغــرب ومجلــس التعــاون‬ ‫اخلليجــي مــن جهــة‪ ،‬والــدول اإلفريقيــة مــن جهــة ثانيــة‪ .‬وهــذا بــدوره‪،‬‬ ‫يســتوجب العمــل علــى بناء مؤسســات مشــتركة خليجية مغربيــة لرجال‬ ‫األعمــال‪ ،‬وربطهــا مبؤسســات علميــة مختصــة بالشــؤون اإلفريقيــة‪،‬‬ ‫متكن من اســتغال اخلبرة البحثية‪ ،‬وتوجيه العمل املشــترك بإفريقيا‪.‬‬

‫خاتمة‬

‫عمو ًمــا ميكــن القــول‪ ،‬أن هنــاك عوامــل قــوة تؤهــل كل مــن دول‬ ‫اخلليــج واملغــرب لتبنــي شــراكة شــاملة متعــددة القطاعــات بإفريقيــا‪.‬‬ ‫فاملغــرب يوفــر للخليجــني خبــرة تاريخيــة وموق ًعــا اســتراتيج ًيا يربــط‬ ‫الســوق اإلفريقيــة باألوروبيــة‪ .‬كمــا أن نفــوذه الواضــح بغــرب إفريقيا‪،‬‬ ‫وتنــوع مجــاالت اســتثماراته‪ ،‬وتعــدد مجــاالت اتفاقاتــه مــع أكثــر مــن‬ ‫‪ 40‬دولــة جنــوب الصحــراء‪ ،‬يفتــح آفا ًقــا رحبــة لهــذا التعــاون‪.‬‬

‫يشــكل التعــاون والشــراكة املغربيــة اخلليجيــة بإفريقيــا حتد ًيــا‬ ‫جديـدًا للطرفــني‪ ،‬وذلــك راجــع لألهميــة االســتراتيجية التــي أخــذت‬ ‫حتتلهــا القــارة الســمراء‪ .‬ونظ ـ ًرا ملــا ميلكــه الطرفــان مــن إمكانيــات‬ ‫هامــة‪ ،‬فإنهمــا قــادران علــى بنــاء عاقــات عربيــة إفريقيــة‪ ،‬منافســة‬ ‫بشــكل فعــال للقــوى الكبــرى‪ ،‬ومجموعــة «بريكــس»‪ ،‬وإيــران بالقــارة‪.‬‬ ‫ولتحقيــق ذلــك فــإن خيــار تطويــر ومأسســة الشــراكة املغربيــة‬ ‫اخلليجيــة بإفريقيــا‪ ،‬أصبــح «حتميــة» اســتراتيجية‪ ،‬للحفــاظ علــى‬ ‫املصالــح العليــا للطرفــني وتطويرهــا بشــكل يبقيهــا قــادرة علــى‬ ‫التنافــس الدولــي بــدول جنــوب الصحــراء اإلفريقــي‪.‬‬ ‫* أس ــتاذ زائ ــر للعل ــوم السياس ــية ـ جامع ــة محم ــد اخلام ــس‬ ‫الرب ــاط املغ ــرب‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫يف دول إفريقيــا جنــوب الصحــراء وصلــت ‪ 2.7‬مليــار دوالر‪ .‬غيــر أن‬ ‫هــذه االســتثمارات توجهــت ألســواق دول بعينهــا؛ حيــث متركــزت يف‬ ‫جنــوب إفريقيــا ونيجيريــا وأوغنــدا وكينيــا‪ ،‬حيــث اســتحوذت هــذه‬ ‫الــدول علــى مــا بــني ‪ 10‬و‪ 25‬شــركة مــن إجمالــي الشــركات املســتثمرة‬ ‫يف دول جنــوب الصحــراء‪.‬‬ ‫ويبــدو أن هنــاك توج ًهــا مــن شــركات خليجيــة جديــدة لاســتثمار يف‬ ‫شــرق أفريقيــا‪ ،‬ويتعلــق األمــر مبجموعتــي “روتانــا” و»جميــرا”‪“ .‬وتضــم‬ ‫قائمة املستثمرين اخلليجيني يف هذا القطاع مجموعة «فنادق اخلليج»‬ ‫البحرينيــة‪ ،‬ومــن الســعودية مجموعتــي «رانــي لاســتثمار» و«اململكــة‬ ‫القابضــة»‪ ،‬والتــي تتميــز بأكبــر محفظــة يف إفريقيــا‪ ،‬حيــث تديــر ســبعة‬ ‫فنــادق يف كينيــا وغانــا وسيشــيل وموريشــيوس‪ .‬وتديــر مجموعــة «آي إف‬ ‫إي» للمنتجعــات والفنــادق الكويتيــة خمســة فنــادق يف جنــوب إفريقيــا‬ ‫وزجنبــار”‪ .‬كمــا توجــد عــدة اســتثمارات إماراتية وســعودية وقطرية بعدة‬ ‫دول مثــل جنــوب إفريقيــا‪ ،‬وجــزر القمــر ونيجيريــا‪.‬‬

‫‪ -5‬بوادر الشراكة الخليجية المغربية بإفريقيا‬ ‫يعــول املغــرب كثيـ ًرا علــى الرأســمال اخلليجــي العتبــارات متعددة‬ ‫ترتبــط بشــكل وثيــق باســتراتيجيته اجلديــدة بإفريقيــا‪ .‬فهــو يســعى‬ ‫للتحــول ألكبــر قطــب مالــي بالقــارة مــن خــال مؤسســة أنشــأها‬ ‫مبدينــة الــدار البيضــاء لهــذا الغــرض‪ .‬كمــا يســعى الســتثمار عاقاتــه‬ ‫الدينيــة التاريخيــة بإفريقيــا ليكــون بوابــة اخلليــج نحــو القــارة‪ ،‬مبــا‬ ‫يضمــن املصالــح العليــا للطرفــني‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪85‬‬

‫ملف العدد‬

‫بدايــة ميكــن القــول إن الشــراكة املغربيــة اخلليجيــة بإفريقيــا‪،‬‬ ‫لــم تتحــول بعــد الســتراتيجية محكمــة‪ ،‬مــن حيــث التصــور ومــن حيــث‬ ‫املمارســة العمليــة‪ .‬ويعــود ذلــك ألســباب عــدة أهمهــا‪ :‬أوال‪ ،‬حداثــة‬ ‫اهتمــام كل مــن دول اخلليــج واملغــرب بســوق االســتثمارات اإلفريقيــة‪.‬‬ ‫ثان ًيــا ضعــف اإلمكانيــات املاليــة للمغــرب‪ ،‬وهروب الرأســمال اخلليجي‬ ‫مــن مناطــق التوتــر واحلــروب بإفريقيــا جتن ًبــا للمخاطــر‪.‬‬ ‫ورغــم هــذا التأخــر امللحــوظ‪ ،‬واملنافســة الشرســة دول ًيــا علــى‬ ‫أســواق إفريقيــا جنــوب الصحــراء؛ فقــد كان االهتمــام منص ًبــا علــى‬ ‫ميــدان االتصــاالت منــذ عــام ‪2005‬م‪ ،‬مــن بعــض الشــركات اخلليجيــة‪،‬‬ ‫خاصــة زيــن الكويتيــة‪ ،‬و”اتصــاالت” اإلماراتيــة‪ .‬وقــد ســعت أمــام‬ ‫طبيعــة املنافســة‪ ،‬وحتــوالت الســوق اإلفريقيــة واتســاعها‪ ،‬للبحــث عــن‬ ‫شــركاء لهــم درايــة بالوضــع اإلفريقــي‪ ،‬كمــا فعلــت “اتصــاالت” يف‬ ‫صفقــة املغــرب‪ ،‬أو “االســتفادة مــن خبرتهــا يف خدمــات املشــتركني‬ ‫مــن ذوي الدخــل احملــدود يف بلدانهــا‪ ،‬وال ســيما اجلاليــات اإلفريقيــة‬ ‫واآلســيوية الكبيــرة يف منطقــة اخلليــج”‪.‬‬ ‫ففــي منتصــف ‪2014‬م‪ ،‬وقعــت “اتصــاالت املغــرب”‪ ،‬عق ـدًا مــع‬ ‫«اتصــاالت» اإلماراتيــة بصفقــة قــدرت بحوالــي‪ 650 ،‬مليــون دوالر‪،‬‬ ‫مبوجبــه مت شــراء ســتة فــروع لهــا بإفريقيــا بــكل مــن دولــة‪ ،‬البنــني‪،‬‬ ‫الكــوت ديفــوار‪ ،‬الطوغــو‪ ،‬الغابــون‪ ،‬جمهوريــة إفريقيــا الوســطى‪،‬‬ ‫النيجــر‪ .‬كمــا شــمل العقــد اقتنــاء شــركة «بريســتيج تيليكــوم» التــي‬ ‫تــزود هــذه الفــروع بخدمــات االتصــال بالــدول املشــار إليهــا‪.‬‬ ‫كمــا اســتفادت هــذه الشــركة اإلماراتية‪-‬املغربيــة مــن فروعهــا‬

‫‪84‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مالـي إقـليمي فـي قـارة إفـريـقـيـا‬ ‫يتـقـدم المـغـرب للعـب دور مركـز ّ‬ ‫ً‬ ‫مسـتـغـال اسـتـقـراره الـسـياسـي ومـوقـعـه الـجـغـرافــي‬ ‫وتؤك ــد اس ــتعداد املغ ــرب لتوس ــيع حض ــوره الق ــوي يف مج ــال تاب ــع‬ ‫تقليدي ــا للنف ــوذ الفرنس ــي‪.‬‬ ‫تاريخ ًيــا‪ ،‬تعتبــر دول غــرب إفريقيــا منطقــة نفــوذ مغربيــة‪ ،‬وتعــد‬ ‫الســينغال هــي الوجهــة األولــى لاســتثمارات املغربيــة يف إفريقيــا‪.‬‬ ‫وتفيــد اإلحصائيــات الرســمية الوطنيــة لســنة ‪ ،2015‬أن املغــرب يعــد‬ ‫أول مســتثمر يف الكــوت ديفــوار‪ ،‬هــذا البلــد اإلفريقــي الــذي حظــي‬ ‫باهتمــام املغــرب ســواء علــى الصعيــد السياســي أو االقتصــادي‬ ‫ً‬ ‫وأيضــا الروحــي؛ متجــاوزا بذلــك فرنســا علــى مســتوى اســتثماراتها‬ ‫يف الكــوت ديفــوار‪ ،‬والتــي احتكــرت ولعقــود طويلــة الســوق اإليفوارية‪.‬‬ ‫وياحــظ أن حجــم االســتثمارات املغربيــة قــد ارتفــع يف ســاحل‬ ‫العــاج‪ ،‬يف الســنوات القليلــة املاضيــة‪ ،‬بحوالــي ‪ % 50‬مــا بــني ســنة‬ ‫‪ 2013‬و‪2015‬م؛ أي مــا يقــارب ‪ 10‬مليــارات درهــم‪ ،‬همــت مجــاالت‬ ‫مختلفــة ممــا عــزز مــن فــرص النمــو االقتصــادي اإليفــواري‪ ،‬وخلــق‬ ‫فــرص الشــغل ونقــل اخلبــرة والتقنيــة املغربيــة لهــذا البلــد‪.‬‬ ‫عمو ًمــا ميكــن التأكيــد أن االســتثمارات املغربيــة بإفريقيــا ضعيفة‬ ‫ومتواضعــة مقارنــة بالفــرص واإلمكانيــات املتاحــة يف هــذا اإلطــار‪.‬‬ ‫إذ «ال يتجــاوز ‪ 400‬مليــون دوالر ســنو ًيا‪ ،‬إضافــة إلــى ‪ 300‬مليــون‬ ‫دوالر يف إطــار املســاعدة العموميــة للتنميــة‪ ،‬أي مقــدار ‪ % 10‬مــن‬ ‫مســتوى تبادلــه التجــاري مــع القــارة ويبلــغ حال ًيــا حجــم التبــادل‬ ‫البينــي املغربــي اإلفريقــي حوالــي ‪ 5‬مليــارات دوالر‪ ،‬وهــو مــا ميكــن‬ ‫تطويــره بشــكل ملحــوظ»‪ .‬أمــا التبــادل االقتصــادي املغربــي اإلفريقــي‬ ‫فــا يشــكل ســوى‪ % 10‬مــن مجمــوع النشــاط االقتصــادي املغربــي‬ ‫اخلارجــي‪ ،‬ومــن املنتظــر أن تــؤدي املجهــودات البينيــة احلاليــة‪ ،‬إلــى‬ ‫خصوصــا أمــام إصــرار‬ ‫تبــادل يصــل إلــى ‪41‬يف املائــة ســنة ‪2018‬م‪.‬‬ ‫ً‬ ‫املغــرب علــى بنــاء سياســة مســتقلة عــن فرنســا‪ ،‬وازديــاد اعتمــاده‬ ‫علــى رجــال األعمــال لتحقيــق غــرض توســيع االســتثمار بإفريقيــا؛‬ ‫إضافــة أن بيانــات االســتثمارات اجلديــدة املعلــن عنهــا يف ‪2014‬م‪،‬‬ ‫تظهــر» أن قطاعــي التصنيــع واخلدمــات ميثــان نحــو ‪ 90‬يف املائــة‬ ‫مــن مجمــوع قيمــة املشــاريع يف كل مــن إفريقيــا وأقــل البلــدان منــوا»‪.‬‬ ‫ويف هــذا الســياق أخــد املغــرب يتفــاوض منــذ ســنة ‪،2015‬‬ ‫بشــأن اتفاقيــات الشــراكة االســتراتيجية مــع التكتــات اإلفريقيــة‪.‬‬ ‫ويهــم هــذا التفــاوض التأســيس التدريجــي ملناطــق التجــارة احلــرة مــع‬ ‫املجموعــة االقتصاديــة لــدول غــرب إفريقيــا ((‪ ،CEDEAO‬وكذلــك‬ ‫املجموعــة االقتصاديــة والنقديــة لوســط إفريقيــا (‪)CEMA‬؛ وهــذا‬ ‫التوجــه وإن كان يقــوي مــن احلضــور املغربــي‪ ،‬ويوســع مــن دائــرة‬ ‫شــركائه االقتصاديــني األفارقــة‪ ،‬فإنــه يف نفــس الوقــت يعنــي خلــق‬

‫مزيــد مــن التنافــس مــع فرنســا يف مناطقهــا التقليديــة يف القــارة‬ ‫الســمراء‪ .‬وهــو مــا ســيقوي مــن اعتمــاد املغــرب علــى اإلمكانيــات‬ ‫املاليــة لــدول اخلليــج إلجنــاح اســتراتيجيته االقتصاديــة اجلديــدة‪.‬‬

‫‪ -4‬دول الخليج وإفريقيا جنوب الصحراء‬ ‫إن اعتبــار إفريقيــا مصــد ًرا عامل ًيــا للمــواد اخلــام‪ ،‬شــجع علــى‬ ‫تدفــق‪ ،‬وارتفــاع االســتثمار األجنبــي املباشــر يف إفريقيــا مــن ‪ 15‬مليــار‬ ‫دوالر يف ‪2002‬م‪ ،‬إلــى حوالــي ‪ 37‬مليــار يف ‪2006‬م‪ ،‬وإلــى ‪ 46‬مليــار يف‬ ‫‪ 2012‬مــع ارتفــاع بنســبة ‪ %4‬ســنة ‪2013‬م‪ .‬ويتوقــع خبــراء اقتصاديون‪،‬‬ ‫أنــه إذا اســتمر النمــو احلالــي للقــارة‪ ،‬فســيضيف حوالــي ‪ 12‬تريليــون‬ ‫دوالر للنــاجت احمللــي – جلنــوب الصحــراء إفريقيــا بحلــول ‪.2050‬‬ ‫ول ــم تك ــن دول مجل ــس التع ــاون اخلليج ــي خ ــارج ه ــذا الس ــياق‬ ‫الدول ــي احل ــادث عل ــى أراض ــي الق ــارة الس ــمراء‪ .‬فاململك ــة العربي ــة‬ ‫الســـعودية أجنـــزت اســـتثمارات ضخمـــة بإثيوبيـــا همـــت زراعـــة‬ ‫القمــح وإنتــاج املاشــية‪ .‬وكانــت اململكــة العربيــة الســعودية قــد وقعــت‬ ‫حوال ــي ‪ 16‬اتفاقي ــة ته ــم الزراع ــة‪ ،‬اس ــتغلت مبوجبه ــا ‪1.713.357‬‬ ‫هكتـــار يف إثيوبيـــا وحدهـــا‪ .‬إضافـــة إلـــى مســـاحات أخـــرى‪ ،‬يف‬ ‫الســـنغال‪ ،‬الســـودان‪ ،‬جنـــوب الســـودان‪ ،‬مصـــر‪ ،‬مالـــي‪ ،‬موريتانيـــا‪،‬‬ ‫زامبيــا والنيجــر‪ .‬بينمــا اســتثمرت اإلمــارات العربيــة املتحــدة حوالــي‬ ‫‪ 1.882.739‬هكتــار يف كل مــن الســودان واملغــرب واجلزائــر ومصــر‬ ‫وناميبي ــا وتنزاني ــا‪ .‬أم ــا قط ــر فق ــد اس ــتثمرت يف الس ــودان وغان ــا‪،‬‬ ‫ودول أخــرى‪ ،‬حوالــي ‪ 642.630‬هكتــار‪ .‬ويف سنـــــــة‪2011‬م مــــنــــحت‬ ‫إثيوبي ــا للس ــعودية ‪ 10.000‬كيلومتـ ـ ًرا مرب ًع ــا لزراعته ــا‪.‬‬ ‫وكانـــت غرفـــة جتـــارة وصناعـــة دبـــي قـــد أجنـــزت دراســـة‬ ‫استكشـــافية حـــول إمكانيـــات إفريقيـــا واالســـتثمارات اخلليجيـــة‬ ‫فيه ــا‪ .‬واس ــتنتجت أن حج ــم االس ــتثمار اخلليج ــي يف قط ــاع البني ــة‬ ‫التحتي ــة بالق ــارة الس ــمراء‪ ،‬بل ــغ ‪ 30‬ملي ــار دوالر‪ ،‬بينه ــا ‪ 15‬ملي ــار‬ ‫دوالر كاس ــتثمارات مباش ــرة‪ ،‬و‪ 15‬ملي ــار دوالر مس ــاعدات وق ــروض‬ ‫ومنـــح‪ ،‬خـــال الفتـــرة مـــا بـــني ‪ 2004‬و‪2014‬م‪ .‬واســـتحوذ شـــمال‬ ‫إفريقيـــا علـــى ‪ .%65‬بينمـــا تركـــزت النســـبة املتبقيـــة علـــى دول‬ ‫إســـامية أخـــرى‪ ،‬مثـــل اجليبوتـــي والســـينغال والســـودان؛ حيـــث‬ ‫وقـــع الصنـــدوق الكويتـــي للتنميـــة االقتصاديـــة العربيـــة‪ ،‬اتفا ًقـــا‬ ‫من ــح مبوجب ــه ‪ 50‬ملي ــون دوالر للس ــودان لتطوي ــر مش ــاريع صحي ــة‬ ‫وتعليميـــة يف شـــرق جمهوريـــة الســـودان‪.‬‬ ‫كمــا تشــير نفــس الغرفــة يف دراســة جديــدة لهــا‪ ،‬همــت النصــف‬ ‫األول مــن منتصــف ‪ ،2015‬أن قيمــة االســتثمارات اخلليجيــة املباشــرة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫بهــا دول ًيــا إلــى اململكــة العربيــة الســعودية‪ .‬وحســب تصريحــات‬ ‫رســمية مغربيــة فالكومنــدو املغربــي يضــم حوالــي ‪ 100‬فــرد لتدريــب‬ ‫وحــدات عســكرية ســعودية علــى مواجهــة خطــر «داعــش»؛ وكانــت‬ ‫العربيــة الســعودية قــد اســتفادت مــن خدمــات كومنــدو مغربــي‪ ،‬بعــد‬ ‫هجــوم مليشــيات احلوثيــني عليهــا ســنة ‪.2009‬‬ ‫ويف هــذا اإلطــار قــرر املغــرب إرســال وحــدات عســكرية إلــى‬ ‫اإلمــارات العربيــة املتحــدة مــن أجــل دعمهــا يف مواجهــة اإلرهــاب‪.‬‬ ‫“وقــال مصــدر مغربــي رســمي عالــي املســتوى لـــ «الشــرق األوســط» إن‬ ‫املبــادرة املغربيــة تدخــل ضمــن اســتراتيجية شــمولية واســتباقية ضــد‬ ‫التهديــدات العامليــة واملباشــرة املتكــررة التــي تســتهدف املغــرب علنــا”‪.‬‬

‫‪ -3‬السياسة االقتصادية الجديدة للمغرب بإفريقيا‬ ‫متثــل إفريقيــا منطقــة اســتراتيجية غنيــة باملــوارد‪ .‬ويبــدو أن‬ ‫هــذه االعتبــارات عامــل أساســي يف بنــاء الرؤيــة اجلديــدة للسياســة‬ ‫اخلارجيــة املغربيــة جتــاه القــارة الســمراء‪ .‬وكان ملــك املغــرب قــد‬ ‫دعــا يف الــدورة ‪ 25‬للقمــة العربيــة املنعقــدة يف الكويــت ســنة ‪2014‬م‪،‬‬ ‫لتطويــر العاقــات مــع إفريقيــا‪ .‬حيــث أكــد أنــه «إذا كان العمل العربي‬ ‫قــد ارتكــز يف الســابق علــى تعزيــز العاقــات السياســية بــني دولنــا‪،‬‬ ‫فقــد تأكــد اليــوم أن اعتمــاد التعــاون مــع دول اجلنــوب‪ ،‬علــى أســاس‬ ‫الفعاليــة واملردوديــة واملصداقيــة‪ ،‬يعــد مــن أجنــع الســبل لتحقيــق مــا‬ ‫نتطلــع إليــه مــن منــو اقتصــادي‪ ،‬وتنميــة بشــرية مســتدامة‪ ،‬ســواء يف‬ ‫بعدهــا اإلنســاني‪ ،‬أو يف جانبهــا االســتثماري واالقتصــادي”‪.‬‬ ‫وأضــاف امللــك محمــد الســادس‪« ،‬ندعــو الســتثمار الروابــط‬ ‫التاريخيــة والروحيــة واإلنســانية‪ ،‬التــي جتمــع العالــم العربــي بالــدول‬ ‫اإلفريقيــة جنــوب الصحــراء‪ ،‬مــن أجــل عاقــات التعــاون االقتصــادي‬ ‫مــع تكتاتهــا اإلقليميــة؛ مؤكديــن حــرص املغــرب علــى وضــع جتربتــه‬ ‫ورصيــد عاقاتــه املتميــزة مــع هــذه الــدول‪ ،‬مــن أجــل بلــورة شــراكات‬ ‫تضامنيــة فاعلــة معهــا‪”.‬‬ ‫ويواصــل املغــرب تقدمــه مــن حيــث التبــادل التجــاري مــع دول‬ ‫إفريقيــا جنــوب الصحــراء‪ ،‬حيــث انتقلــت صــادرات املغــرب مــن ‪2,2‬‬ ‫ارتفاعــا‬ ‫ســنة ‪ 2003‬إلــى ‪ 11,7‬مليــار درهــم ســنة ‪ ،2013‬مســجلة‬ ‫ً‬ ‫بنســبة ‪ %18‬ســنو ًيا‪ .‬ومــن الناحيــة اإلجماليــة متثــل هــذه الصــادرات‬ ‫مــن ‪ %6,3‬ســنة‪ 2013‬م‪ ،‬وكانــت متثــل ‪ %2,7‬ســنة ‪2003‬م‪ ،‬ويســتحوذ‬ ‫الســينغال علــى حصة‪%17‬ســنة ‪ 2013‬م‪ ،‬تليــه موريتانيــا (‪)10%‬‬ ‫وســاحل العــاج ‪ % 8,1‬وغينيــا ( ‪ ) 8%‬ونيجيريــا ‪.%7,7‬‬ ‫ويف هــذا الســياق أخــذ املغــرب يطــور عاقاتــه مــع مجموعــة مــن‬ ‫الــدول املهمــة بإفريقيــا‪ ،‬كغانــا‪ ،‬وأثيوبيــا وأنغــوال الغنيــة بالنفــط‪ ،‬كمــا‬ ‫كثــف مــن جهــوده املراهنــة علــى تطويــر عاقاتــه مــع نيجيريــا‪ ،‬التــي‬ ‫لهــا تأثيــر علــى وحــدة املغــرب الترابيــة داخــل احملــور الثاثــي القائــم‬ ‫حاليــا‪ ،‬بــني اجلزائــر ونيجيريــا وجنــوب إفريقيــا‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪83‬‬

‫ملف العدد‬

‫وإلــى حــدود ســنة ‪2016‬م‪ ،‬هنــاك أكثــر مــن ‪ 550‬اتفاقيــة موقعــة‬ ‫بــني املغــرب والــدول اإلفريقيــة‪ ،‬يف مجــاالت التعــاون االقتصــادي‪،‬‬ ‫وتلعــب االتفاقيــات الثنائيــة دو ًرا بــارزًا يف السياســة املغربيــة‬ ‫اجلديــدة‪ ،‬حيــث مت توقيــع ‪ 88‬اتفا ًقــا مــع مالــي وســاحل العــاج وغينيــا‬ ‫والغابــون‪ ،‬مــن طــرف العاهــل املغربــي امللــك محمــد الســادس يف آخــر‬ ‫زيــارة لــه إلفريقيــا ســنة ‪2014‬م‪.‬‬ ‫ويلعــب املغــرب دو ًرا ها ًمــا يف جمــع أطــراف متعــددة ملناقشــة‬ ‫قضايــا األمــن العاملــي‪ .‬حيــث اســتضاف بتاريــخ ‪ 14‬فبرايــر ‪2015‬م‪،‬‬ ‫املنتــدى الدولــي الســادس لألمــن بإفريقيــا‪ ،‬شــاركت فيــه حوالــي ‪80‬‬ ‫دولــة‪ ،‬مــن إفريقيــا وأوروبــا وآســيا وأمريــكا‪ ،‬وممثلــون عــن منظمــات‬ ‫دوليــة‪ ،‬وخبــراء أمنيــون وعســكريون‪ .‬كمــا احتضــن املغــرب بعــض‬ ‫املنتديــات واللقــاءات ذات الطابــع االقتصــادي اإلفريقــي‪ ،‬مثــل‬ ‫املنتــدى االقتصــادي املغربــي الغينــي األول‪ ،‬لتعزيــز جهــوده ودوره يف‬ ‫قيــادة مشــاريع التنميــة اإلفريقيــة وفــرص لاســتثمار‪.‬‬ ‫مــن جانــب آخــر‪ ،‬يتقــدم املغــرب بشــكل كبيــر نحــو التحــول‬ ‫للعــب دور ٍ‬ ‫مالــي إقليمــي يف قــارة إفريقيــا‪ ،‬مســتغا بذلــك‬ ‫مركــز‬ ‫ّ‬ ‫اســتقراره السياســي وموقعــه اجلغــرايف‪ .‬وقــد وقــع مــن أجــل ذلــك‬ ‫عــد ًدا مــن االتفاقــات بــني املؤسســات املاليــة العامليــة‪ ،‬جللــب مزيــد‬ ‫مــن االســتثمارات إلــى املغــرب‪ .‬وهــو مــا بــدأ يؤتــي أكلــه‪ ،‬حيــث‬ ‫شــهدت الســنوات األخيــرة تركيــز بعــض القــوى االقتصاديــة العامليــة‬ ‫مثــل االحتــاد األوروبــي والواليــات املتحــدة والصــني واليابــان وكنــدا‬ ‫جهودهــا يف مشــاريع التنميــة اإلفريقيــة بتنســيق مــع املغــرب‪.‬‬ ‫وحتدثــت الدراســة التــي أجنزتهــا وزارة املاليــة‪ ،‬أن املبــادالت‬ ‫التجاريــة بــني املغــرب ودول شــمال إفريقيــا‪ ،‬وتشــمل كا مــن‪،‬‬ ‫اجلزائــر‪ ،‬وتونــس‪ ،‬وليبيــا‪ ،‬ومصــر‪ ،‬متثــل نســبة ‪ % 60‬مــن إجمالــي‬ ‫حجــم التبــادل التجــاري مــع الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬ومتثــل اجلزائــر ‪% 35‬‬ ‫مــن حجــم هــذا التبــادل‪ .‬بينمــا بلغــت واردات املغــرب الطاقيــة مــن‬ ‫اجلزائــر‪ ،‬مــا يفــوق الـــ ‪ 10‬مليــار درهــم‪ ،‬يف عــام ‪2013‬م‪.‬‬ ‫وأشــارت الدراســة املشــار إليهــا‪ ،‬إلــى أن قطــاع البنــوك وقطــاع‬ ‫االتصاالت‪ ،‬يــــــحـــتان صــدارة االستـــثـــــمارات الــمغـــربية بالــدول‬ ‫اإلفريقيــة‪ .‬كمــا يســتثمر املغــرب بإفريقيــا يف قطاعــات أخــرى مثــل‬ ‫الســياحة‪ ،‬والعقــار‪ ،‬والفاحــة‪ ،‬الطاقــة‪ ،‬الكهربــاء واملوانــئ‪.‬‬ ‫وجتــدر اإلشــارة أن هــذا التطــور‪ ،‬الــذي انطلــق مــع تولــي محمــد‬ ‫الســـادس للحكـــم‪ ،‬راهـــن علـــى االســـتثمارات املغربيـــة بإفريقيـــا‬ ‫لدعـــم التنميـــة املســـتدامة‪ .‬وقـــد كثـــف املغـــرب مـــن مجهوداتـــه‬ ‫االســتثمارية‪ ،‬ممــا أدى لتفــوق البنــوك املغربيــة وانتزاعهــا الصــدارة‬ ‫بالق ــارة ألول م ــرة م ــن البن ــوك الفرنس ــية‪ .‬ومتكن ــت م ــن االنتش ــار‬ ‫يف ‪ 22‬دول ــة منه ــا‪ :‬موريتاني ــا‪ ،‬الس ــنغال‪ ،‬الغاب ــون‪ ،‬الك ــوت ديف ــوار‪،‬‬ ‫مالـــي‪ ،‬غينيـــا بيســـاو‪ ،‬الطوغـــو‪ ،‬النيجـــر‪ ،‬الكونغـــو‪ ،‬الكاميـــرون‪،‬‬ ‫وبوركينافاســـو‪ .‬وهـــو أمـــر لـــه داللتـــه السياســـية واالقتصاديـــة؛‬

‫‪82‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫أمــا تقريــر املؤسســة الرســمية املغربيــة ‪”-‬مكتــب الصــرف”‪-‬‬ ‫فقــد أشــار أن مــواد الطاقــة تشــكل مــا نســبته ‪ %65.5‬مــن واردات‬ ‫املغــرب مــن بلــدان اخلليــج‪ ،‬وأن صادراتــه نحوهــا لــم تتجــاوز ‪1.2‬‬ ‫مليــار دوالر عــام ‪2013‬م‪ .‬فيمــا احتلــت حتويــات املغاربــة املقيمــني‬ ‫بــدول اخلليــج املرتبــة الثانيــة‪ ،‬بعــد املهاجريــن بأوروبــا‪ ،‬بنســبة بلغــت‬ ‫نحــو ‪.%15‬‬ ‫عمو ًمــا‪ ،‬رغــم التقــدم املهــم الذي عرفته االســتثمارات والتبادالت‬ ‫التجاريــة بــني املغــرب ودول مجلــس التعــاون اخلليجــي‪ ،‬فإن مســتواها‬ ‫الزال ضعي ًفــا‪ ،‬وال يعكــس طبيعــة العاقــة السياســية‪ .‬لذلــك عمــد‬ ‫الطرفــان إلــى اســتحداث «جلنــة مشــتركة» ســنة ‪2014‬م ســميت‬ ‫«الفريــق املغربــي اخلليجــي» لتســهيل االســتثمارات‪.‬‬ ‫ونشــير أن هنــاك جملــة مــن العوائــق حتد من تطوير‬ ‫التجــارة‪ ،‬خاصــة تلــك املتعلقــة بالنقــل البحــري‬ ‫واجلــوي والوســائل اللوجيســتية املتعلقــة بهمــا؛‬ ‫وكــذا تأشــيرة املــرور اخلاصــة برجــال األعمــال‪.‬‬ ‫ولتجــاوز هــذه الصعوبــة اقتــرح الطــرف اخلليجــي‪،‬‬ ‫“تشــجيع املشــاركة يف املعــارض وتنظيــم تظاهــرات‬ ‫للترويــج‪ ،‬وإبــرام االتفاقيــات ومتويــل الدراســات‬ ‫حــول الفــرص التجاريــة‪ ،‬وإلغــاء التأشــيرة بالنســبة‬ ‫لرجــال األعمــال”‪.‬‬ ‫ويف هــذا الســياق ولتذليــل هــذه الصعوبــات وقــع املغــرب‬ ‫والســعودية يف ‪ 4‬يونيــو ‪2014‬م اتفاقيــة للتجــارة احلــرة ســتلغي‬ ‫الرســوم اجلمركيــة بــني البلديــن‪ ،‬والضرائــب علــى منتجاتهمــا‪.‬‬ ‫وجــاء االتفــاق كذلــك “لتوفيــر ربــط بحــري مباشــر بــني البلديــن عــن‬ ‫طريــق إحــدى الشــركات املتخصصــة واملدعومــة مــن قبــل حكومــة‬ ‫البلديــن”؛ يتــم مــن خالهــا خلــق خــط بحــري مباشــر يربــط مينائــي‬ ‫«جبــل طــارق» و»جــدة اإلســامي”‪ ،‬خلدمــة اســتثمارات بينيــة تقــدر‬ ‫بحوالــي ‪ 110‬مليــارات دوالر‪ ،‬ممــا يعتبــر طفــرة حقيقيــة علــى‬ ‫املســتوى التجــاري بــني البلديــن‪.‬‬ ‫ويف إطــار الشــراكة االســتراتيجية بــني املغــرب ودول مجلــس‬ ‫التعــاون اخلليجــي عقــد املغــرب وقطــر يف ‪ 23‬يوليــو ‪2014‬م اتفاقيــة‬ ‫الدعــم املالــي؛ وقــد خصصــت مبوجبهــا قطــر هبــة ماليــة قدرهــا‬ ‫‪ 1.25‬مليــار دوالر لدعــم مشــاريع تنمويــة اقتصاديــة واجتماعيــة‬ ‫باملغــرب‪ .‬وكان ملــك املغــرب واألميــر متيــم بــن حمــد آل ثانــي قــد‬ ‫وقعــا مذكــرة تفاهــم تهــم املنــح يف هــذا املجــال يف ديســمبر (كانــون‬ ‫األول) ‪2013‬م‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫املســلحة امللكيــة بــني البلديــن‪ .‬وتشــمل التدريــب الــذي وســع ليشــمل‬ ‫الضبــاط واألفــراد العســكريني يف كل التخصصــات‪ ،‬كمــا يهــم مجــال‬ ‫«التكويــن وصناعــة الدفــاع والدعــم اللوجســتيكي ونقــل اخلبــرة‬ ‫العســكرية واخلدمــات الطبيــة العســكرية وتبــادل الزيــارات»‪ .‬ونصــت‬ ‫االتفاقيــة كذلــك علــى إجــراء متاريــن مشــتركة‪ ،‬وتشــجيع الصناعــة‬ ‫العســكرية‪ ،‬ونقــل التقنيــة العســكرية‪ ،‬وتبــادل البحــوث يف هــذا‬ ‫املجــال‪ ،‬مــع إقامــة مشــاريع مشــتركة لتجميــع املنتجــات العســكرية‬ ‫وكــذا تصنيعهــا‪ .‬وتشــرف جلنــة رســمية علــى تنفيــذ هــذا االتفــاق‬ ‫ســميت «اللجنــة العســكرية املشــتركة»‪.‬‬ ‫مــــــن جـــــانــــــب آخـــــر‪ ،‬أشــــــــار الــمـــوقــــــــع الــــمـــتــخــصـــــص‬ ‫”‪ ،“defenseindustrydaily‬يف ينايـــر ‪ 2016‬أن‬ ‫الس ــعودية ق ــررت دع ــم تطوي ــر الصناع ــة العس ــكرية‬ ‫باملغـــرب‪ ،‬ومت تخصيـــص مبلـــغ يقـــدر بحوالـــي ‪22‬‬ ‫ملي ــار دوالر إل ــى غاي ــة ‪2019‬م‪ ،‬قص ــد الش ــروع يف‬ ‫تأســيس اللبنــات األولــى لصناعــة عســكرية مغربيــة‪.‬‬ ‫ويف مجــال التعــاون العســكري دائمــا‪ ،‬تســعى دول‬ ‫اخلليــج إلــى إشــراك املغــرب يف تكويــن قــوات‬ ‫مشــتركة تابعــة ملجلــس التعــاون اخلليجــي‪ .‬وتأهلــه‬ ‫إمكانياتــه البشــرية والتســليحية‪ ،‬وخبرتــه للعــب دور‬ ‫هــام يف هــذا اإلطــار؛ فوفــق تقاريــر معهــد الدراســات‬ ‫االســتراتيجية العســكرية البريطانــي ‪2014‬م يحتــل املغــرب املرتبــة‬ ‫الثانيــة عرب ًيــا بعــد القــوات املســلحة املصريــة مــن حيــث عــدد اجلنود‬ ‫والضبــاط؛ وتبــوؤه قدراتــه التكنولوجيــة املرتبــة الثالثــة إفريق ًيــا بعــد‬ ‫جنــوب إفريقيــا ومصــر‪.‬‬ ‫ويعــود التعــاون املغربــي اخلليجــي لعقــود ماضيــة‪ ،‬ســاهمت‬ ‫فيهــا القــوات املســلحة املغربيــة يف تكويــن وتدريــب اجليــوش يف دول‬ ‫خليجيــة عديــدة خاصــة‪ ،‬الســعودية واإلمــارات‪ ،‬والبحريــن‪ ،‬وســلطنة‬ ‫عمــان‪ .‬وتربــط املغــرب مــع هــذه الــدول اخلليجيــة اتفاقيــات تعــاون‪،‬‬ ‫أمنيــة وعســكرية؛ مثــل تلــك التــي وقعهــا املغــرب ســنة ‪2014‬م مــع‬ ‫قطــر‪ ،‬وأخــرى مــع الســعودية ســنة ‪2016‬م‪.‬‬ ‫وســاهم طيــارون مغاربــة يف منتصــف تســعينات القــرن‬ ‫املاضــي يف تدريــب طياريــن خليجيــني واإلشــراف علــى تكويــن‬ ‫صقــور وحــدات القــوات اجلويــة لثاثــة بلــدان خليجيــة‪،‬‬ ‫«ومــا يــزال عــدد مــن الضبــاط الســامني املغاربــة يشــرفون علــى‬ ‫ً‬ ‫ضباطــا وتقنيــني مــن‬ ‫التكويــن يف كليــات حربيــة خليجيــة‪ ،‬كمــا أن‬ ‫ســاح اجلــو املغربــي أعيــروا خــال الســنوات األخيــرة لبعــض بلــدان‬ ‫اخلليــج العربــي يف إطــار اتفاقيــات تعــاون عســكري وتبــادل اخلبــرات‬ ‫مــع قيــادة اجليــش املغربــي‪».‬‬ ‫ً‬ ‫كمــا أرســل املغــرب ســنة ‪2014‬م‪ ،‬فريقــا عســكر ًيا يتكــون مــن‬ ‫نخبــة عســكرية متخصصــة يف التدخــل الســريع وذا خبــرة معتــرف‬

‫المغرب وقعت ‪550‬‬ ‫اتــفـاقـيـة مــع الـدول‬ ‫اإلفـريـقـيـة للـتـعـاون‬ ‫االقـتـصـادي مـنها ‪88‬‬ ‫اتــفــاقــًا عـــام ‪2014‬‬

‫‪ -2‬المجال العسكري‪ ،‬الشراكة بدل التعاون‬ ‫يف هذا اإلطار‪ ،‬وقع املغرب والســعودية يف ‪ 15‬ديســمبر ‪2016‬م‪،‬‬ ‫اتفاقيــة شــاملة للتعــاون يف املجــال العســكري والتقنــي بــني القــوات‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫يف الـــ ‪ 10‬ســنوات املقبلــة‪ ،‬وســتهم الزراعــة والطاقــة‪ ،‬قطــاع الصناعــة‬ ‫والســياحة‪ ،‬ومجــال الهيدروكاربــورات واالتصــاالت‪ .‬وتشــكل الســياحة‬ ‫والعقــار أحــد أهــم القطاعــات املتصــدرة الســتثمارات الشــركات‬ ‫اخلليجيــة؛ ومنهــا مجموعــة عــارف الكويتيــة لاســتثمارات‪ ،‬وشــركة‬ ‫القــدرة القابضــة اإلماراتيــة‪ ،‬والديــار القطريــة لاســتثمار العقــاري‪،‬‬ ‫وكــذا الصنــدوق البحرينــي «بيــت التمويــل اخلليجــي»‪ .‬كمــا توســعت‬ ‫هــذه االســتثمارات املباشــرة‪ ،‬لتشــمل قطاعــات جديــدة خاصــة الزراعــة‪،‬‬ ‫والصحــة والنقــل اجلــوي‪ ،‬حيــث مت إحــداث «الشــركة العربيــة للطيــران»‪،‬‬ ‫وهــي شــركة طيــران مغربيــة خاصــة تابعــة ملجموعــة بن صالــح وفينانس‬ ‫كــوم‪ ،‬واملجموعــة اإلماراتيــة العربيــة للطيــران‪.‬‬ ‫ويف نوفمبــر ‪2014‬م‪ ،‬عقــد امللتقــى الرابــع لاســتثمار اخلليجــي‬ ‫املغربــي‪ ،‬حتــت شــعار «املغــرب بوابــة اخلليــج نحــو إفريقيــا”‪ ،‬مبشــاركة‬ ‫خمســمائة رجــل أعمــال مغربــي وخليجــي‪ .‬خصــص لبحــث ســبل تعزيــز‬ ‫االســتثمار والشــراكة اخلليجيــة املغربيــة يف عــدة مجــاالت‪ .‬ويف كلمتــه‬ ‫شــجع رئيــس احلكومــة املغربيــة رجــال األعمــال اخلليجيــني لاســتثمار‬ ‫باملغــرب‪ ،‬وتعهــد مبعاجلــة كل العوائــق املعرقلــة لذلــك بقولــه‪“ :‬ميكــن أن‬ ‫ننــزع كل مــا يُزعجكــم ليكــون املغــرب مبثابــة الرئة التي تتنفســون منها”‪.‬‬ ‫وقــد اعتبــر وزيــر االقتصــاد والتجــارة القطــري الشــيخ أحمــد‬ ‫بــن جاســم آل ثانــي‪ ،‬أن موقــع املغــرب «اجلغــرايف والتاريخــي يجعــل‬ ‫منــه خيــا ًرا جاذ ًبــا ملختلــف دول العالــم”‪ .‬وهــذا مــا يدفــع اخلليجيــني‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪81‬‬

‫ملف العدد‬

‫«إلقامــة عــدد مــن االســتثمارات التــي تعــود بالنفــع علــى اجلانبــني»‪،‬‬ ‫مشــي ًرا أن حجــم التبــادل التجــاري بــني دول مجلــس التعــاون‬ ‫ً‬ ‫ملحوظــا بزيــادة قدرهــا ‪.%235‬‬ ‫اخلليجــي واملغــرب عــرف منــ ًوا‬ ‫حيــث انتقــل مــن ‪ 997‬مليــون دوالر ســنة ‪ 2003‬إلــى ‪ 3.3‬مليــارات‬ ‫دوالر يف ‪2013‬م‪.‬‬

‫جــدول خــاص باملبــادالت التجاريــة واالســتثمارات اخلليجيــة‪ ،‬مــا بــني‬ ‫ســنة ‪٢٠٠٦‬م و‪٢٠11‬م‪ .‬حســب قطاعــات (مــن األعلــى إلــى األســفل)‪،‬‬ ‫الســياحة‪ ،‬العقــارات‪ ،‬الطاقــة واملعــادن‪ ،‬االتصــاالت‪ ،‬الهولدينــغ‪،‬‬ ‫النســيج‪ ،‬قطاعــات أخــرى‪ ،‬التجــارة‪ ،‬واإلشــغال الكبــرى‪.‬‬

‫‪80‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫اتفاقيــات الربــاط مــع ‪ 40‬دولــة جنــوب الصحــراء جســر للتواصــل الخليجــي‬

‫الشراكة المغربية ـ الخليجية بإفريقيا‪:‬‬ ‫حتمـــية استراتيجية تبحـث عن المأسـسـة‬ ‫تناقــش هــذه الدراســة الشــراكة اخلليجيــة املغربيــة بإفريقيــا‪ ،‬ومســتقبلها يف ظــل الصراعــات الدوليــة واإلقليميــة‪ .‬ولذلــك‬ ‫ســننطلق مــن ســعي الــدول اخلليجيــة لبنــاء حتالفــات قــادرة علــى التعامــل مــع الوضــع الدولــي اجلديــد‪ ،‬وارتقائهــا بعاقاتها مع‬ ‫املغــرب إلــى شــريك اســتراتيجي‪ .‬ونربــط هــذا االختيــار اخلليجــي مبوقــع اململكــة املغربيــة اجليوســتراتيجي الرابط بــني أوروبا‬ ‫وإفريقيــا‪ ،‬وإمكانيــة حتــول املغــرب لبوابــة متــر مــن خالهــا دول اخلليــج للعــب دور محــوري يف إفريقيــا جنــوب الصحــراء‪.‬‬

‫د‪ .‬خالد يـايـموت‬

‫‪ -1‬التعاون والشراكة االقتصادية الخليجية المغربية‬ ‫تبنــى املغــرب منــذ ‪2007‬م‪ ،‬سياســة اســتراتيجية خارجيــة‪ ،‬تهدف‬ ‫لتنويــع الشــركاء الدوليــني‪ ،‬واإلقليميــني؛ وعــول كثيــ ًرا علــى نوعيــة‬ ‫التقــارب اجلديــد مــع دول اخلليــج‪ ،‬ليكــرس دوره كقطــب إقليمــي‬ ‫متوســطي لــه امتــدادات دوليــة خاصــة بإفريقيــا‪ .‬ولذلــك متاهــى منــذ‬ ‫البدايــة مــع دعوتــه لانضمــام ملجلــس التعــاون اخلليجــي‪ ،‬واعتبرهــا‬ ‫فرصــة للتحــول إلــى شــريك اســتراتيجي للمجلــس‪ ،‬واالســتفادة مــن‬ ‫الثقــل الدولــي واملالــي لدولــه مــن جهــة‪ .‬ومــن جهــة ثانيــة‪ ،‬حتويــل‬ ‫هــذا التحالــف بــني الشــريكني العربيــني نحــو العمــق اإلفريقــي‪ ،‬الــذي‬ ‫يعتبــره املغــرب عمــق أمنــه القومــي واالقتصــادي‪.‬‬ ‫ومــن جهــة ثالثــة‪ ،‬يرجــع املغــرب هــذا «التحالــف»‪ ،‬إلــى طبيعــة‬ ‫رؤيــة الطرفــني‪ ،‬وقدرتهمــا علــى بنــاء مؤسســات مشــتركة تخــدم هــذا‬ ‫«التحالــف»‪ .‬حيــث أكــد محمــد الســادس ملــك املغــرب يف اجتمــاع‬ ‫القمــة املغربيــة اخلليجيــة األولــى مــن نوعهــا‪ ،‬التــي افتتحــت يــوم‬ ‫األربعــاء ‪2016/04/20‬م‪ ،‬بالريــاض‪« ،‬لقــد متكنــا مــن وضــع األســس‬ ‫املتينــة لشــراكة اســتراتيجية‪ ،‬هــي نتــاج مســار مثمــر مــن التعــاون‪،‬‬ ‫علــى املســتوى الثنائــي‪ ،‬بفضــل إرادتنــا املشــتركة‪ .‬فالشــراكة املغربيــة‬ ‫اخلليجيــة‪ ،‬ليســت وليــدة مصالــح ظرفيــة‪ ،‬أو حســابات عابــرة‪ .‬وإمنــا‬ ‫تســتمد قوتهــا مــن اإلميــان الصــادق بوحــدة املصيــر‪ ،‬ومــن تطابــق‬ ‫وجهــات النظــر‪ ،‬بخصــوص قضايانــا املشــتركة‪ .‬لــذا‪ ،‬جنتمــع اليــوم‪،‬‬ ‫إلعطــاء دفعــة قويــة لهــذه الشــراكة‪ ،‬التــي بلغــت درجــة مــن النضــج‪،‬‬ ‫أصبحــت تفــرض علينــا تطويــر إطارها املؤسســي‪ ،‬وآلياتهــا العملية”‪.‬‬

‫ومن هنا ميكن فهم اتخاذ الشراكة االستراتيجية بعدها التضامني‪،‬‬ ‫والتنســيق الدائــم عرب ًيــا ودول ًيــا‪ .‬كمــا مت تعزيــز العمــل املشــترك املتعلــق‬ ‫بالتهديــد أو اخلطــر اإلرهابــي‪ ،‬واالنتقــال إلــى تبنــي الطرفــني ملقاربــة‬ ‫اســتباقية خاصــة باحلــق املشــروع يف الدفــاع عــن النفــس وعــن املقومات‬ ‫والقواســم الدينيــة أمــام األطــراف اخلارجيــة والتطــرف الدينــي‪.‬‬ ‫ويبــدو أن املغــرب حقــق جــز ًءا مــن الهــدف القريــب املــدى‪،‬‬ ‫املتمثــل يف املســاعدات املاليــة اخلليجيــة والتــي بلغــت حوالــي ‪5‬‬ ‫مايــني ونصــف ســنة ‪2012‬م‪ .‬وحســب مؤشــر “بلومبــورغ” املختــص‬ ‫يف املجــال‪ ،‬فــإن املغــرب احتــل املركــز ‪ 21‬بــني الــدول الناميــة التــي‬ ‫حققــت أكبــر منــو يف مجــال االســتثمارات األجنبيــة‪ ،‬ســنة ‪2014‬م‪،‬‬ ‫متقد ًمــا علــى كل مــن روســيا (الرتبــة ‪ ،)22‬والهنــد (املركــز ‪.)24‬‬ ‫ويف هــذا اإلطــار تضاعــف حجــم التبــادل التجــاري بــني املغــرب‬ ‫ودول اخلليــج ثــاث مــرات يف العشــر ســنوات األخيــرة‪ .‬وشــكلت‬ ‫االســتثمارات اخلليجيــة نســبة مهمــة للغايــة باملغــرب ســنة ‪2013‬م‪،‬‬ ‫حيــث (بلغــت ‪ 6.2‬مليــار درهــم ‪ /‬نحــو ‪ 710‬مليــون دوالر)‪ ،‬مبــا‬ ‫نســبته ‪ %15.7‬مــن إجمالــي االســتثمارات األجنبيــة‪.‬‬ ‫كمــا ارتفعــت اســتثمارات دول مجلــس التعــاون اخلليجــي باملغــرب‬ ‫خــال عــام ‪ 2014‬م وشــكلت ‪ %28‬مــن إجمالــي االســتثمارات األجنبيــة‬ ‫بالبــاد‪ .‬ومتثــل اســتثمارات اإلمــارات نســبة ‪ ،%44‬متبوعــة بالســعودية‬ ‫‪ %38‬فيمــا تتــوزع النســبة الباقيــة علــى دول اخلليــج األخــرى‪.‬‬ ‫ويتوقــع احتــاد غــرف دول مجلــس التعــاون اخلليجــي أن تتجــاوز‬ ‫اســتثمارات دول مجلــس التعــاون اخلليجــي باملغــرب ‪ 120‬مليــار دوالر‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪79‬‬

‫ملف العدد‬

‫مـا يصنـّع من القـطـن يف أفـريقيا ال يتجـاوز ‪ %5‬والشراكـة العربية‬ ‫ترفـعـه إىل ‪ %25‬وتو ّفـر ‪ 50‬ألف وظـيفة جـديدة‬ ‫للزراعـــة‪ ،‬باإلضافـــة إلـــى توفيـــر املـــوارد املاليـــة‪ ،‬وتقـــدر رؤوس‬ ‫األمـــوال الضروريـــة لذلـــك بحوالـــي ‪ 18‬مليـــار دوالر أمريكـــي‬ ‫ســـنوياً‪ .‬كمـــا يضمـــن تنظيـــم وإدارة هـــذه املـــوارد‪ ،‬الدخـــول‬ ‫لألس ــواق اخلارجي ــة الت ــي ال ت ــزال أســاسـيـ ــة بالـنـســبــ ــة لتس ــويق‬ ‫الـمـنـتــجــ ــات اإلفــريـقــ ــية م ــن القط ــن‪ ،‬وال ــكاكاو‪ ،‬وال ــن‪ ،‬والش ــاي‬ ‫واملنتجـــات األخـــرى‪.‬‬ ‫إجم ــاال‪ :‬إن الزراع ــة يف إفريقي ــا تتمت ــع بإمكاني ــات من ــو كبي ــرة‬ ‫لكنه ــا تعان ــي م ــن غي ــاب اس ــتراتيجية فيم ــا يخ ــص امل ــوارد املالي ــة‬ ‫والوس ــائل الفني ــة‪ .‬وميك ــن س ــد ج ــزء م ــن ه ــذه الفج ــوة بالتع ــاون‬ ‫ب ــني ال ــدول العربي ــة وال ــدول اإلفريقي ــة لصال ــح الطرف ــني وذل ــك‬ ‫ع ــن طري ــق ش ــراكة مفي ــدة للطرف ــني يفرضه ــا وج ــود ف ــرص كبي ــرة‬ ‫للتكام ــل ب ــني املنطقت ــني‪ :‬بتوفي ــر امل ــوارد املالي ــة والوس ــائل الفني ــة‬ ‫م ــن اجلان ــب العرب ــي وتوفي ــر املي ــاه واألراض ــي والي ــد العامل ــة م ــن‬ ‫اجلانــب اإلفريقــي ‪.‬مــن أهــم حتديــات األمــن الغذائــي العربــي قلــة‬ ‫األراضــي اخلصبــة وشــح املــوارد املائيــة‪ ،‬إذ يلبــي اإلنتــاج الزراعــي‬ ‫العربـــي ‪ ٪54‬فقـــط مـــن االســـتهاك‪ ،‬وتنخفـــض هـــذه النســـبة‬ ‫إل ــى ‪ ٪25‬فق ــط يف بع ــض البل ــدان ‪.‬بينم ــا تق ــارب نس ــبة اس ــتيراد‬ ‫بع ــض امل ــواد مث ــل الس ــكر‪ ،‬والزي ــت مث ــا ‪ .٪10‬ويف نف ــس الوق ــت‬ ‫الـــذي يتوافـــر لـــدى الـــدول اإلفريقيـــة مصـــادر كبيـــرة مـــن امليـــاه‬ ‫املتج ــددة س ــنوياً وه ــي حاص ــل املي ــاه اجلاري ــة يف كل بل ــد زائ ــداً‬ ‫املي ــاه القادم ــة م ــن البل ــدان املج ــاورة‪ .‬ويس ــتغل حاليـ ـاً م ــن ه ــذه‬ ‫املي ــاه حوال ــي ‪.٪5.5‬‬ ‫التوصيــات‪ :‬أهــم مــا يوصــى بــه هــو دعـــــــــــــــــــــــــوة احلكومــات‬ ‫العربيــة واإلفريقيــة للحفــاظ علــى القــدرة احملــدودة للمــوارد‬ ‫الزراعيــة واألراضــي وامليــاه لتجديــد خدماتهــا مــن خــال تبنــي‬ ‫سياســات مناســبة لتحقيــق األمــن الغذائــي القائــم علــى اســتدامة‬ ‫الزراعــة‪ ،‬ودعــوة احلكومــات وأصحــاب املصلحــة املعنــني باتخــاذ‬ ‫مــا يلــزم مــن سياســات واجــراءات لوقــف التصحــر وتــآكل التربــة‬ ‫والعمــل علــى حتســني كفــاءة ميــاه الــري وحتســني انتاجيــة امليــاه‬ ‫مــن خــال اســتخدام طــرق الــري احلديثــة واملمارســات الزراعيــة‬ ‫الســليمة‪ .‬أمــا علــى مســتوى التبــادل التجــاري فابــد مــن إزالــة‬ ‫احلواجــز اجلمركيــة التــي تعــوق تدفــق التجــارة ســواء للســلع‬ ‫أو الـــــــــخدمات وتكويــن منطقــة جتــارة حــرة عربيــة ‪ -‬إفريقيــة‬ ‫لتطويــر التجــارة واالســتثمار والتركيــز علــى دعــم شــبكة الطــرق‬ ‫واملواصــات الـتـــي تـــعــــمل علــى تــقــويــــة التجــارة بــني املنطقتــني‬ ‫مــع تبــادل املعلومــات واالهتمــام باالقتصــاد املعــريف‪.‬‬

‫ومــن أهــم المجــاالت ذات إمكانــات لتنميــة التبــادالت االقتصادية‬ ‫تتمثل يف‪:‬‬ ‫ بالنســبة لبلــدان جنــوب الصحــراء الكبــرى‪ :‬تصديــر املنتجــات‬‫التعدينيــة والزراعيــة والغذائيــة واســتيراد الســلع املصنعــة مبــا‬ ‫يف ذلــك األنظمــة امليكانيكيــة والكهربائيــة‪ ،‬املــواد الكيميائيــة‬ ‫واملســتحضرات الصيدالنيــة‪ ،‬املنســوجات‪ ،‬مــواد البنــاء واملــواد‬ ‫الغذائيــة‪.‬‬ ‫ بالنســبة للبلــدان المغاربيــة‪ :‬تصديــر الســلع املصنعــة مبــا يف ذلــك‬‫األنظمــة امليكانيكيــة والكهربائيــة‪ ،‬املــواد الكيميائيــة واملســتحضرات‬ ‫الصيدالنيــة‪ ،‬املنســوجات‪ ،‬مــواد البنــاء واملــواد الغذائيــة‪ ،‬واســتيراد‬ ‫املنتجــات التعدينيــة والزراعيــة والغذائيــة‪ ،‬االســتثمار املباشــر يف‬ ‫تنميــة املــوارد املائيــة والطاقــة والتعديــن مــع تطويــر اإلنتــاج الزراعــي‬ ‫والرعــوي والصناعــة التجهيزيــة ذات الصلــة وتطويــر اخلدمــات‬ ‫اللوجســتية يف ميــدان النقــل والتخزيــن واحلفــظ وجتهيــز املنتجــات‬ ‫املصنعــة أو املســتوردة‪.‬‬ ‫يـــؤدي التكامـــل االقتصـــادي والتعـــاون اإلقليمـــي إلـــى زيـــادة‬ ‫اإلنت ــاج والتج ــارة ب ــني ال ــدول األعض ــاء‪ .‬فالتج ــارة داخ ــل اإلقلي ــم‬ ‫فرصــا لألعمــال التجاريــة تتشــارك يف فوائدهــا كافــة الــدول‬ ‫تخلــق‬ ‫ً‬ ‫املش ــتركة يف التب ــادل‪ .‬فال ــدول العربي ــة وال ــدول اإلفريقي ــة تش ــكل‬ ‫ســو ًقا كبي ـ ًرا يضــم حوالــي ‪ 1200‬مليــون نســمة ‪ ٪17.5‬مــن ســكان‬ ‫العالـــم)‪ .‬كمـــا تتمتـــع هـــذه الـــدول بإمكانيـــات اقتصاديـــة قوامهـــا‬ ‫املـــوارد الطبيعيـــة الغنيـــة واحتياطيـــات النفـــط والغـــاز ورصيـــد‬ ‫هائ ــل م ــن الق ــوى العامل ــة‪ .‬ل ــذا ف ــإن م ــن ش ــأن اس ــتغال ه ــذه‬ ‫امل ــوارد التس ــريع يف التق ــدم االقتص ــادي واالجتماع ــي مب ــا يضم ــن‬ ‫التخفي ــف م ــن ح ــدة الفق ــر‪ ،‬وف ــض النزاع ــات السياس ــية‪ ،‬وحتس ــني‬ ‫مس ــتويات املعيش ــة‪ ،‬واس ــتدامة التنمي ــة‪.‬‬ ‫مبعنـــى آخـــر فـــإن التعـــاون يف مضمـــار التجـــارة واالســـتثمار‬ ‫ميك ــن ه ــذه ال ــدول م ــن تس ــوية خافته ــا السياس ــية وتقلي ــل ع ــدم‬ ‫االســـتقرار السياســـي‪ .‬لهـــذا فـــإن زيـــادة التجـــارة بـــني الـــدول‬ ‫العربيــة والــدول اإلفريقيــة أضحــى مــن ضــرورات التنميــة‪ .‬إال أنــه‬ ‫ينبغ ــي عل ــى التج ــارة اإلقليمي ــة أن ترك ــز عل ــى االقتص ــادات ب ــدال‬ ‫ع ــن السياس ــة‪.‬‬ ‫*أستـ ـ ــاذ االقـت ـصـ ــاد مبعه ــد البح ــوث والدراس ــات اإلفريقي ــة ـ‬ ‫جامع ــة القاه ــرة‬

‫‪78‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫مـــن الســـيارات‪ .‬ثـــم يليهـــا الســـلع الزراعيـــة املتمثلـــة يف الفواكـــه‬ ‫واخلضـــروات واحلبـــوب‪.‬‬ ‫وأهــم شــريك جتــاري لصــادرات الســادك هــو االحتــاد األوروبــي‬ ‫ويس ــتأثر بالنس ــبة األكب ــر م ــن ص ــادرات بتس ــوانا عل ــى س ــبيل املث ــال‬ ‫(‪ ٪75‬مـــن املـــاس)‪ ،‬ثـــم زامبيـــا تصـــدر مـــا يقـــرب مـــن ‪ ٪94‬مـــن‬ ‫الفواك ــه إل ــى االحت ــاد األوروب ــي إل ــى جان ــب ‪ ٪90‬م ــن املنس ــوجات‪.‬‬ ‫ثــم الواليــات املتحــدة‪ ،‬يليهــا الصــني‪ .‬أمــا بالنســبة للــواردات فتظهــر‬ ‫اآلالت واملعــدات كأكبــر نســبة يف فاتــورة واردات الســادك ثــم الســلع‬ ‫الوس ــيطة واألغذي ــة املصنع ــة‪.‬‬ ‫ســبق وأن أشــرنا إلــى تكويــن منطقــة التجــارة احلــرة اإلفريقيــة‬ ‫للتجمعـــات الثاثـــة ومـــا وصلـــت إليـــه مـــن مراحـــل التكامـــل‬ ‫اإلقليمـــي‪ ،‬يف املقابـــل كانـــت هنـــاك منطقـــة جتـــارة حـــرة عربيـــة‬ ‫قام ــت وف ًق ــا التفاقي ــة تيس ــير وتنمي ــة التب ــادل التج ــاري ب ــني ال ــدول‬ ‫العربي ــة بغ ــرض حتري ــر التب ــادل التج ــاري بينه ــا‪ ،‬والت ــي مت املوافق ــة‬ ‫عليهـــا مبوجـــب قـــرار املجلـــس االقتصـــادي واالجتماعـــي بتاريـــخ‬ ‫‪1982/2/27‬م‪ ،‬متثل ــت رغب ــة ال ــدول العربي ــة يف تنفي ــذ ذل ــك م ــن‬ ‫خــال إقامــة منطقــة جتــارة حــرة عربيــة كبــرى بعــد إقــرار املجلــس‬ ‫االقتصـــادي واالجتماعـــي مبوجـــب قـــراره بتاريـــخ ‪1997/2/19‬م‪،‬‬ ‫وتضـــم هـــذه املنطقـــة حاليـــا ‪ 20‬دولـــة عربيـــة منهـــا دول عربيـــة‬ ‫إفريقي ــة‪.‬‬ ‫الغ ــرض م ــن اإلش ــارة لوج ــود كل م ــن املنطق ــة احل ــرة العربي ــة‬ ‫وأخــرى إفريقيــة يشــير إلــى إمكانيــة قيــام ســوق حــرة كبيــرة عربيــة‬ ‫إفريقي ــة تتمت ــع بتخفي ــض وإزال ــة اجلم ــارك ب ــني ال ــدول األعض ــاء‬ ‫(‪ )20‬أعضــاء املنطقــة العربيــة (‪ )26‬أعضــاء اإلفريقيــة؛ ممــا يعنــى‬ ‫زي ــادة حج ــم الطل ــب نتيج ــة تزاي ــد أع ــداد الس ــكان وتن ــوع األذواق‬ ‫واتس ــاع حج ــم الس ــوق ‪.‬‬ ‫وتتض ــح اس ــتفادة ال ــدول األعض ــاء م ــن التخفيض ــات اجلمركي ــة‬ ‫حينم ــا يق ــوم املن ِت ــج املص ــري أو الس ــعودي بالتصدي ــر إل ــى الس ــودان‬ ‫يف إطــار اتفاقيــة تنميــة وتيســير التبــادل التجــاري العربــي ســيحصل‬ ‫علـــى نســـبة مـــن اإلعفـــاءات اجلمركيـــة كبيـــرة وف ًقـــا جلـــدول‬ ‫ً‬ ‫وأيضــا وف ًقــا لإلعفــاءات‬ ‫التخفيــض التدريجــي يف االتفاقيــة العربيــة‬ ‫املدرجــة يف اتفاقيــة الكوميســا‪ .‬واملثــال اآلخــر يظهــر يف أن املغــرب‬ ‫حتت ــل املرتب ــة األول ــى يف مج ــال صناع ــة الس ــيارات عل ــى مس ــتوى‬ ‫منطق ــة ش ــمال إفريقي ــا (عل ــى حس ــاب مص ــر الت ــي كان ــت تتص ــدر‬ ‫ارتفاع ــا‬ ‫املش ــهد س ــنة ‪2011‬م‪ ،‬حي ــث ش ــهدت مبيع ــات الس ــيارات‬ ‫ً‬ ‫بنســـبة ‪ ،٪3،58‬بقيمـــة تصـــل إلـــى ثمانيـــة مليـــارات درهـــم (‪963‬‬ ‫ملي ــون ي ــورو)‪ .‬وكان ــت ص ــادرات الس ــيارات ومكوناته ــا ق ــد قف ــزت‬ ‫يف عـــام ‪2014‬م‪ ،‬بنســـبة ‪ ٪53‬مقارنـــة بعـــام ‪2013‬م‪ ،‬لتصـــل إلـــى‬ ‫نح ــو ملي ــاري دوالر) والثاني ــة عل ــى صعي ــد الق ــارة اإلفريقي ــة بع ــد‬ ‫جنـــوب إفريقيـــا التـــي تتصـــدر قائمـــة الـــدول اإلفريقيـــة املصنعـــة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫واملص ــدرة للس ــيارات‪ .‬يف الوق ــت ال ــذي تع ــد في ــه الس ــعودية أكب ــر‬ ‫مســـتورد للســـيارات وقطـــع الغيـــار‪ ،‬وتعتمـــد الســـوق الســـعودية‬ ‫بشــكل كبيــر علــى الســيارات املشــهورة عاملي ـاً‪ ،‬ويف ظــل عــدم وجــود‬ ‫مصانــع ســيارات يف اململكــة‪ ،‬ووجــود قيــود علــى اســتيراد الســيارات‬ ‫املس ــتعملة‪ .‬ويص ــل حج ــم اس ــتيراد املركب ــات يف اململك ــة الس ــعودية‬ ‫إلـــى ‪ 77‬بليـــون ريـــال‪ ،‬وهـــو مـــا يجعـــل الســـعودية أكبـــر ســـوق‬ ‫للســيارات يف الشــرق األوســط‪ .‬فبلــغ اســتيرادها يف املتوســط نحــو‬ ‫‪ 679‬أل ــف مركب ــة س ــنوياً‪ ،‬ومبع ــدل من ــو س ــنوي ق ــدره ‪ .٪ 9.5‬ب ــل‬ ‫أضح ــت الس ــعودية حالي ـاً مرك ــز إع ــادة تصدي ــر رئيس ــي للس ــيارات‬ ‫وقطــع الغيــار يف املنطقــة‪ .‬وبلغــت قيمــة إعــادة التصديــر للســيارات‬ ‫وقط ــع الغي ــار لع ــام واح ــد نح ــو س ــتة باي ــني ري ــال‪ ،‬ومبع ــدل من ــو‬ ‫س ــنوي ق ــدره ‪ ، ٪13‬وه ــو م ــا يش ــكل ن ــواة لدخ ــول منتج ــات صناع ــة‬ ‫الس ــيارات الس ــعودية له ــذه األس ــواق‪.‬‬ ‫فــإذا مــا تكونــت منطقــة حــرة عربيــة إفريقيــة تضــم املنطقتــني‬ ‫ســويا لتمتــع كل دولــة عضــو بإلغــاء التعريفــات بينهــا ولتصبــح الــدول‬ ‫العربي ــة اإلفريقي ــة معتم ــدة عل ــى بعضه ــم البع ــض وتصب ــح ال ــدول‬ ‫العربيــة مثــل الســعودية واإلمــارات والكويــت علــى قائمــة الصــادرات‬ ‫اإلفريقي ــة بـ ً‬ ‫ـدال م ــن االحتــاد األوروبــي أو الوالي ــات املتح ــدة‪.‬‬ ‫واجلديــر بالذكــر هــو توافــر كميــات كبيــرة مــن الوقــود احليــوي‬ ‫إلفريقي ــا ومص ــادر للطاق ــة املتج ــددة الت ــي تك ــون مبثاب ــة بدي ــل ع ــن‬ ‫مص ــادر الطاق ــة القابل ــة للنف ــاذ يف باق ــي ال ــدول النفطي ــة‪ ،‬الس ــيما‬ ‫وأن النف ــط م ــورد قاب ــل للنف ــاد مم ــا يس ــتلزم البح ــث ع ــن م ــوارد‬ ‫أخــرى بديلــة وهــي تتواجــد بوفــرة يف إفريقيــا مثــل الطاقــة الكامنــة‬ ‫والطاقـــة احلراريـــة‪ .‬وتتمتـــع إفريقيـــا مبســـاحات واســـعة مـــن‬ ‫األراضــي تســمح بزراعــة الوقــود احليــوي واملنتجــات الغذائيــة التــي‬ ‫تس ــتوردها كل م ــن ال ــدول العربي ــة وبع ــض اإلفريقي ــة‪ ،‬إل ــى جان ــب‬ ‫توافــر مصــادر امليــاه (التــي تعانــي مــن ندرتهــا الــدول العربيــة ودول‬ ‫الش ــرق األوس ــط)‪ .‬وإن كان األم ــر كذل ــك ف ــإن إفريقي ــا يف حاج ــة‬ ‫ماس ــة إل ــى التموي ــل حت ــى تس ــتطيع اس ــتغال إمكانياته ــا الزراعي ــة‬ ‫واملعدنيــة الوفيــرة وتســطيع الــدول العربيــة القيــام بالتمويــل الــازم‬ ‫ب ــدال م ــن االعتم ــاد عل ــى مؤسس ــات التموي ــل الدولي ــة الت ــي تتطل ــب‬ ‫ش ــروط وضمان ــات باهظ ــة‪.‬‬ ‫حي ــث ميك ــن إلفريقي ــا أن تس ــاعد العال ــم العرب ــي يف حتقي ــق‬ ‫أمنـــه الغذائـــي‪ ،‬كمـــا أنهـــا ثانـــي منتـــج للقطـــن يف العالـــم‪ ،‬ولكـــن‬ ‫مـــا يصنّـــع مـــن القطـــن يف إفريقيـــا ال يتجـــاوز ‪ ٪5‬حال ًيـــا‪ ،‬لذلـــك‬ ‫هن ــاك حاج ــة ماس ــة لرف ــع نس ــبة التصني ــع لتوفي ــر ف ــرص العم ــل‬ ‫لألفارقــة والعــرب‪ ،‬وذلــك يف إطــار برنامــج إفريقــي عربــي لتصنيــع‬ ‫‪ ٪25‬م ــن القط ــن املنت ــج يف إفريقي ــا مم ــا يوف ــر ‪ 50‬أل ــف وظيف ــة‬ ‫جدي ــدة‪ .‬ونتيج ــة لذل ــك أضح ــى م ــن الض ــروري إع ــادة النظ ــر يف‬ ‫تنظي ــم اإلنت ــاج‪ ،‬وتس ــويق املنتج ــات الزراعي ــة واملصال ــح املس ــاندة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫العــادل بــني الــدول األعضــاء واســتئثار كينيــا باملنافــع عــن الــدول‬ ‫األخــرى ) لكــن أعــادت الــدول النظــر يف إحيائــه مرة أخــرى ‪ 2000‬ثم‬ ‫انضمــت كل مــن بورنــدي وروانــدا اليهم(املقــر اروشــا) تنزانيــا ســنة‬ ‫‪2008‬م‪ ،‬وبعــد مباحثــات ومفاوضــات بــني هــذه املجموعة(االيــاك)‬ ‫و مجموعــة تنميــة إفريقيــا اجلنوبيــة ( الســادك) و الكوميســا‪،‬‬ ‫توصلــت املجموعــة التفــاق بشــأن توســيع وتضخيــم ســوق التجــارة‬ ‫احلــرة بــني بلــدان املنظمــات الثــاث‪ .‬وتعتبــر املجموعــة مــن‬ ‫ركائز اجلماعــة االقتصاديــة اإلفريقيــة‪.‬‬ ‫يف ‪2009‬م‪ ،‬وقعــت كل مــن الكوميســا وااليــاك والســادك علــى‬ ‫مســودة اتفاقيــة إنشــاء منطقــة التجــارة احلــرة‪ ،‬ويف اخلامــس مــن‬ ‫ديســمبر مــن العــام نفســه ووقعــت التجمعــات‬ ‫الثاثــة علــى اتفاقيــة ثاثيــة تعــد األولــى مــن‬ ‫نوعهــا يف إفريقيــا لتطبيــق نظــام النقطــة اجلمركيــة‬ ‫الواحــدة ‪ One Stop Borde Point‬يف منطقــة‬ ‫شــيروندو علــى حــدود زامبيــا وزميبابــوي‪ ،‬بهــدف‬ ‫تيســير اإلجــراءات اجلمركيــة وتوفيــر الوقــت‬ ‫والتكاليــف وحتســني القــدرة التنافســية‪ .‬ويقــوم‬ ‫هــذا النظــام علــى أســاس عــدم االضطــرار‬ ‫إلــى اجــراء املعامــات اجلمركيــة علــى طــريف‬ ‫احلــدود وإمنــا يكتفــي بإجرائهــا مــرة واحــدة‪ .‬يف‬ ‫‪ 25‬اكتوبــر‪2014‬م‪ ،‬مت اإلعــان عــن قيــام منطقــة التجــارة احلــرة‬ ‫بــني التجمعــات الثاثــة الســادك والكوميســا وااليــاك (ســوق شــرق‬ ‫إفريقيــا) ليمتــد مــن القاهــرة إلــى جنــوب إفريقيــا متضمنــا ‪ 26‬دولــة‪،‬‬ ‫يقطنهــا ‪ 625‬مليــون نســمة‪ ،‬بنــاجت محلــى إجمالــي‪ 1.2‬تريليــون‬ ‫دوالر‪ ،‬ويشــكل ‪ ٪ 60‬مــن النشــاط االقتصــادي للقــارة‪ ،‬ويعــد النجــاح‬ ‫يف هــذا التجمــع متواض ًعــا‪ ،‬علــى الرغــم مــن تنــوع الــدول األعضــاء ما‬ ‫بــني غنيــة وفقيــرة باملــوارد الطبيعيــة‪ ،‬وســاحلية وحبيســة فهنــاك‪15‬‬ ‫دولــة حبيســة صغيــرة وكبيــرة‪ .‬هــذا إلــى جانــب اختــاف اللغــات‬ ‫ومجموعــات عرقيــة مختلفــة‪ .‬ومــن ثــم تعــد أكبــر منطقــة جتــارة حــرة‬ ‫يف إفريقيــا‪.‬‬ ‫يؤخــذ علــى التكتــات االقتصاديــة اإلقليميــة اإلفريقيــة أنهــا‬ ‫لــم حتقــق األهــداف املرجــوة منهــا ســواء علــى مســتوى التجــارة‬ ‫الداخليــة أو اخلارجيــة‪ .‬قــد يكــون الســبب راجــع إلــى‪ :‬عــدم التــزام‬ ‫الــدول األعضــاء بتنفيــذ االتفاقيــات‪ ،‬وعــدم قدرتهــا علــى حــل‬ ‫الصراعــات‪ ،‬نقــص املشــروعات املشــتركة كمــا فشــلت احلكومــات‬ ‫يف ترجمــة التزاماتهــا باالتفاقيــات وعــدم وجــود جــدول زمنــى‬ ‫لتنفيــذ التخفيــض يف التعريفــات‪ ،‬ضعــف التمويــل الــذي يعــد مــن‬ ‫املشــاكل األساســية التــي تواجــه التجمعــات اإلقليميــة فاملســاهمة‬ ‫الفعليــة تنخفــض مبــرور الوقــت وغال ًبــا ال تكفــي ملقابلــة االحتياجــات‬ ‫وتكــون النتيجــة بيئــة ماليــة غيــر صاحلــة واملثــال علــى ذلــك ثاثــة‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪77‬‬

‫ملف العدد‬

‫جتمعــات مثــل( االيــاك والكوميســا والســادك) حيــث جمعــت أقــل مــن‬ ‫نصــف مســاهمات الــدول اإلعضــاء خاصــة يف الســادك والكوميســا‬ ‫حيــث جتــاوزت االحتياجــات مســاهمات الــدول األعضــاء وأصبحــت‬ ‫الفجــوة كبيــرة بــني االحتياجــات واملســاهمات‪.‬‬ ‫ياحــظ علــى اجلماعــات االقتصاديــة اإلقليميــة تقــف عنــد‬ ‫املرحلــة الثالثــة وف ًقــا التفاقيــة ابوجــا وهــي املرحلــة اخلاصــة‬ ‫مبنطقــة التجــارة احلــرة واالحتــاد اجلمركــي لــكل جماعــة إقليميــة‬ ‫قائمــة‪ ،‬وقــد اتفــق علــى أن تنتهــي هــذه املرحلــة يف غضــون عشــر‬ ‫ســنوات‪ ،‬إال أنــه مــن املاحــظ تفــاوت يف اداء اجلماعــات يف مجــال‬ ‫تطبيــق اتفاقيتهــا اخلاصــة بتحريــر التجــارة البينيــة‪ .‬ويف الوقــت‬ ‫الــذي جنحــت فيــه كل مــن الكوميســا والســادك لكــن‬ ‫مــازال هنــاك تباطــؤ يف تنفيــذ هــذه املرحلــة مــن قبــل‬ ‫االيكــواس وااليجــاد‪.‬‬ ‫إجمــاالً ميكــن القــول بــان أهــم مــا مييــز التكتــات‬ ‫االقتصاديــة اإلفريقيــة هــو انخفــاض قيمــة التجــارة‬ ‫البينيــة ووقوفهــا عنــد املرحلــة الثالثــة وهــي منطقــة‬ ‫التجــارة احلــرة وان كان بعضهــا دخــل يف مرحلــة‬ ‫االحتــاد اجلمركــي‪ .‬امــا التحــدي االساســي لهــا هــو‬ ‫نقــص التمويــل فقــد يكــون ذلــك بســبب اعتمادهــا‬ ‫علــى تصديــر املــواد األوليــة واخلــام املتمثلــة يف‬ ‫املعــادن واملــواد الزراعيــة والنفــط اخلــام وخضوعهــا لتغيــرات‬ ‫األســعار يف الســوق العاملــي‪.‬‬

‫المـغـرب األولـى فـي‬ ‫صنـاعة الـسـيارات عـى‬ ‫منطـقة شـمال إفـريقيا‬ ‫والـثانية عـى مـستوى‬ ‫القارة بعد جنوب إفريقيا‬

‫ثان ًيا‪ :‬أوجه التعاون والتبادل التجاري العربي اإلفريقي‪.‬‬ ‫تعتب ــر إفريقي ــا االمت ــداد اإلقليم ــي واجلغ ــرايف واالس ــتراتيجي‬ ‫للـــدول العربيـــة ســـواء يف شـــمال إفريقيـــا أو يف منطقـــة اخلليـــج‬ ‫العرب ــي‪ ،‬وله ــذا ف ــإن وض ــع اس ــتراتيجية عربي ــة طموح ــة لتعزي ــز‬ ‫الشــراكة العربيــة اإلفريقيــة لــم تعــد مجــرد خيــار‪ ،‬يف ظــل التدافــع‬ ‫العاملـــي واخلطـــط التـــي تعـــد للســـيطرة علـــى أســـواق إفريقيـــا‬ ‫الواع ــدة وموارده ــا الطبيعي ــة املتنوع ــة‪ .‬فق ــد لوح ــظ ترك ــز جت ــارة‬ ‫التكت ــات االقتصادي ــة اإلفريقي ــة م ــع ش ــركاء بعينه ــم عل ــى رأس ــهم‬ ‫االحتـــاد األوروبـــي‪ ،‬والواليـــات املتحـــدة‪ ،‬والصـــني‪ ،‬بنســـب كبيـــرة‬ ‫ســـواء يف الصـــادرات أو الـــواردات‪ .‬وغال ًبـــا مـــا يصـــدروا الســـلع‬ ‫األولي ــة الت ــي تتص ــدر قائم ــة الص ــادرات ملعظ ــم التكت ــات خاص ــة‬ ‫الس ــادك‪ ،‬يليه ــا الصناع ــات الوس ــيطة والت ــي ترج ــع يف معظمه ــا‬ ‫إل ــى وج ــود جن ــوب إفريقي ــا يف ه ــذا التجم ــع (وه ــي صاحب ــة أكب ــر‬ ‫صناعــة حتويليــة يف هــذه اجلماعــة إلــى جانــب صناعــة الســيارات‬ ‫التـــي تتميـــز بهـــا عـــن ســـائر دول املنطقـــة)‪ ،‬أو لوجـــود مصـــر يف‬ ‫جتمـــع الكوميســـا‪ ،‬وكذلـــك لوجـــود املغـــرب يف اتفاقيـــة أغاديـــر‬ ‫ً‬ ‫وأيضـــا جتمـــع الســـاحل والصحـــراء التـــي يرتفـــع فيـــه صادراتـــه‬

‫‪76‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تجـمع السـاحل والصحـراء أكبـر تجـمع إفـريقي يضم ‪ 28‬دولة ونصـف‬ ‫سكـان القـارة نشـأ عام ‪1998‬م كتكتل سياسي بين المحيطين‬ ‫‪-3‬تجمــع الســاحل والصحــراء‪ :‬أكبــر جتمــع يف القــارة يضــم ‪ 28‬دولــة‬ ‫حال ًيــا يف غــرب ووســط وشــمال القــارة‪ ،‬نشــأ ‪1998‬م‪ ،‬بغــرض تكويــن‬ ‫تكتــل سياســي ميتــد بــني احمليطــني‪ .‬فيــه نصــف ســكان إفريقيــا‪،‬‬ ‫بــدأ بتشــاد‪ ،‬النيجــر‪ ،‬ليبيــا‪ ،‬الســودان‪ ،‬مالــي‪ ،‬وبوركينافاســو‪ .‬وكانــت‬ ‫هنــاك دعــوة ليبيــة إلــى دمــج االحتــادات اإلقليميــة الفرعيــة وتشــكيل‬ ‫جماعــة اقتصاديــة واحــدة تضــم االيكــواس‪ ،‬واملغــرب العربــي حتــت‬ ‫رئاســة واحــدة‪ ،‬ومصــرف وهويــة واحــدة‪ ،‬وذلــك كمــا جــاء يف بيــان‬ ‫مؤمتــر القمــة ‪2006‬م‪ ،‬فتمــت املوافقــة علــى تشــكيل جلنــة لدراســة‬ ‫تنفيــذ هــذا القــرار‪.‬‬

‫‪-4‬االتحــاد االقتصــادي لــدول وســط إفريقيــا االيــكاس (المقــر‬ ‫ليبرفيــل) الجابــون يضــم ‪ 11‬دولــة مــن وســط إفريقيــا أجنــوال‪،‬‬ ‫بورنــدي‪ ،‬الكاميــرون‪ ،‬إفريقيــا الوســطى‪ ،‬تشــاد‪ ،‬الكنغــو‪ ،‬غينيــا‬ ‫االســتوائية‪ ،‬اجلابــون‪ ،‬ســاوتومي‪ ،‬روانــدا‪ ،‬وزائيــر‪ .‬ونشــأ عــام‬ ‫‪1983‬م‪ ،‬بغــرض دعــم التعــاون والتنميــة بــني األعضــاء‪ ،‬ثــم حتــول يف‬ ‫‪1994‬م‪ ،‬إلــى اجلماعــة االقتصاديــة والنقديــة (الســيماك) وأهــم مــا‬ ‫مييــز هــذا التجمــع أنــه يتعامــل بعملــة واحــدة «الســيفا» ولديــه بنــك‬ ‫مركــزي واحــد يف ياونــدي‪ .‬أهــم االقتصــادات‪ :‬الكاميــرون‪ ،‬واجلابــون‬ ‫وانقطعــت االجتماعــات مــن ‪ 98-92‬بســبب عــدم تســديد الــدول‬ ‫االعضــاء اشــتراكات العضويــة واســتمرار احلــروب يف بورنــدي‬ ‫وتشــاد‪ .‬كمــا اعلنــت روانــدا عــن رغبتهــا يف ايقــاف عضويتهــا نظــرا‬ ‫لألعبــاء التــي تتحملهــا نتيجــة النضمامهــا ألكثــر مــن جتمــع‪ .‬ويف‬ ‫‪ 1999‬عقــدت قمــة االيــكاس بغــرض انشــاء قــوة حفــظ الســام يف‬ ‫املنطقــة (الكوباكــس) بهــدف منــع النزاعــات القائمــة ومت نقلهــا مــن‬ ‫ياونــدي إلــى إفريقيــا الوســطى يف ‪2008‬م‪ ،‬لكنهــا لــم حتقــق املرحلــة‬ ‫الثانيــة للتكامــل بســبب كثــرة احلــروب األهليــة واالنتمــاء ألكثــر مــن‬ ‫جماعــة‪ .‬وقعــت مصــر اتفــاق إطــاري إلبــرام منطقــة جتــارة حــرة‬ ‫بــني مصــر وجماعــة الســيماك‪ ،‬كمــا تتمتــع مصــر بعاقــات جتاريــة‬ ‫ثنائيــة مــع الــدول األعضــاء يف جتمــع الســيماك‪ ،‬وتعــد الكاميــرون‬ ‫أكثــر هــذه الــدول تعامــ ً‬ ‫ا مــع مصــر مــن حيــث مســتويات التبــادل‬ ‫التجــاري‪ ،‬حيــث يجعلهــا ذلــك أحــد أكبــر البوابــات اإلفريقيــة‬ ‫للصــادرات املصريــة‪ ،‬ومــن املســتهدف إنشــاء مخــزن دائــم للســلع‬ ‫املصريــة لتكــون نقطــة انطــاق إلــى باقــي دول التجمــع‪ .‬مت اعتمــاد‬ ‫مصــر كدولــة صديقــة لــدى التجمــع االقتصــادي لــدول وســط‬ ‫إفريقيــا ‪.))ECCAS CEEAC‬‬

‫‪ ECOWAS -5‬نشــأت الجماعــة االقتصاديــة لــدول غــرب إفريقيــا‬ ‫يف (الجــوس ) عــام ‪ 1975‬م‪ ،‬و يضــم ‪ 15‬دولــة يف غــرب إفريقيــا‪،‬‬

‫مبوجــب اتفاقيــة الجــوس‪ ،‬وقــد مت تنقيــح االتفاقيــة املنشــأة عــام‬ ‫‪1993‬م‪ ،‬حيــث أعطــت اهتمامــا أكبــر بالتنميــة الزراعيــة والصناعيــة‬ ‫وحتريــر التجــارة‪ ،‬ثــم انتقــل املقــر إلــى ابوجــا يف‪1995‬م‪ .‬ويف ‪1999‬م‪،‬‬ ‫أعلــن رئيــس االيكــواس عــن قيــام منطقــة النقــد الثانيــة وانفتاحها على‬ ‫منطقــة النقــد األولــى (االميــوا) ثــم أقامــوا احتــا ًدا جمرك ًيــا واقتصاد ًيــا‬ ‫ونقد ًيــا لغــرب إفريقيــا ينايــر ‪2000‬م‪ ،‬لتتعامــل الــدول بعملــة واحــدة‬ ‫الســيفا‪ ،‬وانســحبت موريتانيــا مــن التجمــع وعزمــت الــدول الســت غانا‬ ‫غينيــا جامبيــا نيجيريــا ليبيريــا‪ ،‬وســيراليون علــى الدخــول يف ينايــر‬ ‫‪2003‬م‪ ،‬وذلــك مــن أجــل تســهيل عمليــات تبــادل الصفقــات وانتقــال‬ ‫األفــراد ‪.‬الــدول األعضــاء‪ :‬بنــني‪ ،‬بوركينــا فاســو‪ ،‬كيــب فيــر‪ ،‬جامبيــا‬ ‫‪،‬غانــا‪ ،‬غينيــا‪ ،‬غينيــا بيســاو‪ ،‬ســاحل العــاج ‪ ،‬ليبيريــا‪ ،‬مالــي‪ ،‬النيجــر ‪،‬‬ ‫نيجيريــا ‪،‬الســنغال ‪،‬ســيراليون‪ ،‬توجــو‪.‬‬ ‫ويتضــح دور االيكــواس يف تكويــن قــوات حفــظ الســام ايكومــوج‬ ‫والتــي متثــل هدفهــا يف وقــف إطــاق النــار وظهــر ذلــك واضحــا يف‬ ‫ليبيريــا مت توقيــع اتفــاق إطــاري بــني مصــر ومفوضيــة االميــوا متهيــداً‬ ‫لتوقيــع اتفــاق التجــارة احلــرة (دول االميــوا الثمانيــة أعضــاء بتجمــع‬ ‫االيكــواس)‪ .‬تعــد هــذه اخلطــوة هامــة علــى طريــق تعزيــز العاقــات‬ ‫املصريــة مــع الــدول اإلفريقيــة والتجمعــات االقتصاديــة اإلقليميــة يف‬ ‫القــارة‪ ،‬خاصــة يف ضــوء مســعى مصــر إلقامــة منطقــة جتــارة حــرة‬ ‫مــع االيكــواس‪.‬‬ ‫‪-6‬تجمــع الســادك‪ :‬يشــمل ‪ 15‬دولــة‪ ،‬مقــره جابرونــي (بتســوانا)‬ ‫يغطــى كل دول اجلنــوب اإلفريقــي‪ ،‬نشــأ عــام ‪1980‬م‪ ،‬بغــرض تقليــل‬ ‫االعتمــاد علــى جنــوب إفريقيــا لكــن ســرعان مــا حتــول الــى اجلماعــة‬ ‫االقتصاديــة االمنائيــة للجنــوب اإلفريقــي وزادت التجــارة مــع جنــوب‬ ‫إفريقيــا ‪ 3‬أضعــاف يف‪1994‬م‪ ،‬ثــم حتــول الــى منطقــة جتــارة حــرة‬ ‫يف ‪ 2008‬بغــرض إزالــة احلواجــز اجلمركيــة بــني األعضــاء حيــث يتــم‬ ‫حتريــر التجــارة بـــ ‪ .٪85‬وســعى إلــى إقامــة احتــاد جمركــي ‪2010‬م‪،‬‬ ‫ليفــرض تعريفــة جمركيــة موحــدة‪ .‬كذلــك اســتهدف قيــام ســوق‬ ‫مشــتركة حلريــة دخــول وخــروج عناصــر االنتــاج ‪2015‬م‪ ،‬علــى أن‬ ‫يتــم توحيــد السياســة التجاريــة والنقديــة يف‪2016‬م‪ .‬وكذلــك العملــة‬ ‫املوحــدة فتكــون يف ‪2018‬م‪ .‬الــدول األعضــاء (اجنــوال‪ ،‬بتســوانا‪،‬‬ ‫ليســوتو‪ ،‬مــاالوي‪ ،‬موزمبيــق‪ ،‬ســوازياند تنزانيــا‪ ،‬زامبيــا‪ ،‬زميبابــوي‪.‬‬ ‫ناميبيــا‪ ،‬جنــوب إفريقيــا‪ ،‬موريشــيوس‪ ،‬الكنغــو‪ ،‬مدغشــقر‪ ،‬سيشــل)‬ ‫ورفضــت روانــدا ألســباب اجرائيــة‪.‬‬ ‫‪ -7‬ســوق شــرق إفريقيــا‪ :‬كان يضــم كينيــا وتنزانيــا واوغنــدا لكنــه‬ ‫تفــكك ‪1977‬م‪ ( ،‬بســبب عوامــل كثيــرة مــن أهمهــا عــدم التوزيــع‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪75‬‬

‫ملف العدد‬

‫اســتراتيجية لتعزيــز الشــراكة العربيــة ــــ اإلفريقيــة لــم تعــد مجــرد خيــار‬

‫الـتكتالت االقـتصـادية اإلفـريقـية‪:‬‬ ‫التبادل التجاري ضرورة تنموية‬ ‫متتــد العاقــات العربيــة اإلفريقيــة إلــى زمــن بعيــد‪ ،‬حيــث جمعتهــم ظــروف اقتصاديــة وسياســية واجتماعيــة متشــابهة‪ ،‬لكــن‬ ‫علــى مســتوى العاقــات التجاريــة اتســمت بضعفهــا وبوهــن التكامــل االقتصــادي‪ ،‬قــد يكــون ذلــك العتمــاد كل منهمــا علــى‬ ‫اســتيراد الغــذاء والتكنولوجيــا‪ ،‬وقــد يعــزو البعــض ضعــف هــذه العاقــات النخفــاض تدفقــات األمــوال العربيــة إلــى إفريقيــا‪،‬‬ ‫فغالبــا مــا تكــون هــذه األمــوال إمــا يف صــورة منــح أو قــروض فمعظمهــا يأتــي مــن الســعودية‪ ،‬اإلمــارات‪ ،‬والكويــت‪ ،‬ثــم ليبيــا‪.‬‬ ‫وأغلبهــا يف شــكل ثنائــي بــني احلكومــات لكــن يقــل ظهــور القطــاع اخلــاص يف هــذا املضمــار‪ .‬بينمــا ينشــط دور مؤسســات‬ ‫التمويــل العربيــة مثــل البنــك العربــي للتنميــة االقتصاديــة يف إفريقيــا‪ ،‬ودار املــال اإلســامي‪ ،‬والبنــك اإلســامي للتنميــة‪،‬‬ ‫والصنــدوق العربــي للتنميــة االقتصاديــة واالجتماعيــة‪.‬‬

‫د‪ .‬هويدا عبد العظيم عبد الهادي‬

‫تنقســم هــذه الورقــة إلــى جزأيــن رئيســني يتنــاول األول أهــم‬ ‫التكتــات االقتصاديــة اإلفريقيــة‪ ،‬والثانــي يتضمــن أوجــه التعــاون‬ ‫والتبــادل التجــاري العربــي اإلفريقــي‪.‬‬

‫اوالً‪ :‬التكتــالت االقتصاديــة يف إفريقيــا‪ :‬هنــاك ســبعة تجمعــات‬ ‫إقليميــة رئيســية يف إفريقيــا‬ ‫‪ -1‬االتحــاد المغربــي العربــي‪ :‬أنشــئ ســنة ‪1964‬م‪ ،‬بغــرض تنشــيط‬ ‫الروابــط االقتصاديــة بــني دول املنطقــة‪ ،‬لكــن لــم يكتــب لــه النجــاح‬ ‫حتــى ‪1988‬م‪ ،‬حيــث مت االتفــاق بــني اجلزائــر‪ ،‬املغــرب‪ ،‬تونــس‪ ،‬ليبيــا‪،‬‬ ‫وموريتانيــا علــى إقامــة االحتــاد املغربــي العربــي عــن قيامــه رســم ًيا‬ ‫مبقــره يف الربــاط ‪1989‬م‪ ،‬ثــم أخــذ شــكل احتــاد اقتصــادي بغــرض‬ ‫حريــة التجــارة كمنطقــة حــرة‪ ،‬لكنــه أخــذ يبطــئ اخلطــى منــذ‬ ‫‪1995‬م‪ .‬حيــث واجــه بعــض الصعوبــات التــي عملــت علــى جتمــد‬ ‫وتعثــر جهــوده‪.‬‬

‫ثــم وقعــت اتفاقيــة أغاديــر بيــن مصــر‪ ،‬المغــرب‪ ،‬تونــس‪ ،‬واألردن‬ ‫يف ‪2004/2/22‬م‪ ،‬وقــد دخــل االتفــاق حيــز النفــاذ يف ‪2006/7/6‬م‪.‬‬ ‫‪ -2‬ســوق الشــرق والجنــوب اإلفريقــي (الكوميســا)‪ :‬يضــم ‪ 19‬دولــة يف‬ ‫شــرق وجنــوب إفريقيــا‪( ،‬بعــد انســحاب تنزانيــا ‪2000‬م‪ ،‬وانضمــام‬ ‫ليبيــا ‪ )2005‬املقــر (زامبيــا) والــدول األعضــاء هــي‪ :‬بوروندي‪ ،‬القمر‪.‬‬ ‫الكنغــو‪ ،‬جيبوتــي‪ ،‬مصــر‪ ،‬ارتريــا‪ ،‬اثيوبيــا‪ ،‬كينيــا‪ ،‬ليبيــا‪ ،‬سيشــل‪،‬‬

‫مدغشــقر‪ ،‬مــاالوي‪ ،‬موريشــيوس‪ ،‬روانــدا‪ ،‬الســودان‪ ،‬ســوازياندا‪،‬‬ ‫اوغنــدا‪ ،‬زامبيــا‪ ،‬زميبابــوي (‪19‬دولــة)‪ .‬نشــأ ‪1980‬م‪ ،‬كمنطقــة جتــارة‬ ‫تفضيليــة بغــرض تقويــة التجــارة بــني الــدول األعضــاء ثــم حتــول إلــى‬ ‫الســوق املشــتركة يف ‪1994‬م‪ .‬يف ‪2001‬م‪ ،‬أنشــئت منطقــة جتــارة حــرة‬ ‫وضمــت وقتهــا ‪ 11‬دولــة ثــم انضمــت بورنــدي ورونــدا يف ‪2004‬م‪ ،‬ثــم‬ ‫ليبيــا يف ‪2006‬م‪ ،‬وجــزر القمــر وعملــت معظــم الــدول علــى تكويــن‬ ‫احتــاد جمركــي ليقــوم األعضــاء بتوحيــد تعريفــة جمركيــة علــى‬ ‫الــواردات مــن خــارج االحتــاد ثــم إقامــة احتــاد نقــدي يتــم علــى ‪4‬‬ ‫مراحــل تنتهــي يف ‪2025‬م‪.‬‬ ‫وإذا كانــت اتفاقيــة الكوميســا نصــت علــى إزالــة كافــة الرســوم‬ ‫اجلمركيــة بــني األعضــاء مــع االلتــزام بقواعــد املنشــأ التــي حددتهــا‪،‬‬ ‫لذلــك التزمــت كل مــن مصــر وكينيــا ومدغشــقر بتخفيــض الرســوم‬ ‫بنســبة ‪ ٪90‬وهنــاك بعــض الــدول(‪ )7‬قامــت بتخفيض الرســوم بـ‪٪80‬‬ ‫وواحــدة بـــ ‪ ٪60‬أمــا بقيــة الــدول (‪ )9‬فلــم تطبــق أي تخفيضــات‪ .‬يف‬ ‫أبريــل ‪2007‬م‪ ،‬مت االتفــاق علــى أن يكــون هنــاك تعريفــة جمركيــة‬ ‫موحــدة للكوميســا صفــر علــى املــواد اخلــام والســلع الرأســمالية‬ ‫‪ ٪10‬علــى املنتجــات الوســيطة‪ ٪25 ،‬علــى املنتجــات النهائيــة‪،‬‬ ‫ومتثلــت الــدول التــي بــدأت بتطبيــق التعريفــة اجلمركيــة املوحــدة‬ ‫يف كينيــا ومدغشــقر ومــاالوي ســوازالند واوغنــدا وزامبيــا واثيوبيــا‬ ‫والســودان وروانــدا‪.‬‬

‫‪74‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫‪ 25‬ألــف هكتــار يف جنــوب إثيوبيــا وتصــدر ‪ %70‬مــن اإلنتــاج للخــارج‪.‬‬ ‫وتســتثمر الســعودية بكثافــة يف مجــاالت البنــاء والزراعــة والتعديــن‬ ‫والفنــادق واملســتلزمات الطبيــة والصحيــة والتعليــم يف إثيوبيــا‪ ،‬ومــن‬ ‫املجــاالت التــي تشــهد منـ ًوا إنتــاج الشــاي‪ ،‬ويتوقــع أن تبلغ عائدات شــركة‬ ‫«ســعودي ســتار» ‪ 60‬مليــون دوالر عــام ‪2016‬م‪ ،‬بعــد االنتهــاء مــن إقامــة‬ ‫نظــام للــري املتقــدم يف هــذه األراضــي‪ ،‬وتصديــر ‪ %60‬مــن األرز املنتــج‬ ‫إلــى الــدول العربيــة‪ .‬وقــد عقــدت الســعودية نحــو ‪ 16‬اتفاقيــة زرعــت‬ ‫مبوجبهــا ‪ 1.713.357‬هكتــار خمــس اتفاقيات منهــا يف إثيوبيا وحدها‪،‬‬ ‫باإلضافــة إلــى الســودان والســنغال وجنــوب الســودان‪.‬‬

‫خامســا‪ :‬الســيناريوهات المســتقبلية للعالقــات الســعودية ــــ‬ ‫ً‬ ‫اإلفريقيــة‬ ‫مــن املتوقــع أن تــزداد كثافــة العاقــات الســعودية اإلفريقيــة بشــكل‬ ‫عــام لتفعيــل منظومــة الشــراكة مــع الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬رغبــة يف حتقيــق‬ ‫مصاحلهــا اإلســتراتيجية‪ ،‬التــي تتمثــل يف إيجــاد ســوق ملــواد خــام‬ ‫رخيصــة‪ ،‬ومصــدر لعمالــة أقــل أجــ ًرا‪ ،‬وحتقيــق هدفهــا يف مراقبــة‬ ‫اإلنتــاج النفطــي عــن قــرب يف الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬وهنــاك ســيناريوهان‬ ‫محتمــان للعاقــات املســتقبلية بــني الســعودية والــدول اإلفريقيــة‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الســيناريو األول‪ :‬جنــاح التجربــة الســعودية يف تفعيــل وتنويــع‬ ‫عاقاتهــا بــدول القــارة اإلفريقيــة خاصــة أنهــا متتلــك الــدور الدينــي‪،‬‬ ‫والقــوة االقتصاديــة‪ ،‬والــدور اإلقليمــي‪ ،‬والثقــل الدولــي الــذي يؤهلهــا‬ ‫للقيــام بــدور القائــد للعاقــات العربيــة اإلفريقيــة‪ ،‬وذلــك مــن خــال‬ ‫زيــادة حجــم التبــادل التجــاري والتركيــز علــى الفــرص االســتثمارية‬ ‫األكثــر جذ ًبــا يف إفريقيــا‪.‬‬ ‫الســيناريو الثانــي‪ :‬تشــكيل حتالــف عربــي يف القــارة اإلفريقيــة‬ ‫يتكــون مــن مصر‪-‬الســعودية – اإلمــارات‪ ،‬وهــذا التحالــف يحمــل‬ ‫عناصــر النجــاح واالســتمرارية لعــدة أســباب منهــا غيــاب التعــارض‬ ‫يف املصالــح اإلســتراتيجية واالقتصاديــة بــني الــدول الثــاث‪ ،‬وهــو‬ ‫األمــر الــذي يضمــن التنســيق والفاعليــة لتحركاتهــا مجتمعــة‪،‬‬ ‫والدرجــة العاليــة مــن التنســيق االســتراتيجي بــني الــدول الثــاث يف‬ ‫العديــد مــن امللفــات اإلقليميــة‪.‬‬

‫*م ـ ــدرس اقـتـصـ ــاد‪ ،‬مـعـ ــهد الـب ـ ــحوث والدراس ـ ــات اإلفـ ـ ــريقية ـ ـ‬ ‫جامع ــة القاه ــرة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪73‬‬

‫ملف العدد‬

‫األراضـي الصـالـحـة للـزراعـة فـي إفـريـقـيـا ‪ %35‬مـن مـسـاحـة الـقـارة‬ ‫يستغل مـنـها ‪ %7‬واالسـتـثمـار الـزراعي أفـضل الخيارات‬ ‫تشــهد االســتثمارات اخلليجيــة يف مجــال الغــذاء يف دول إفريقيــا‬ ‫تنام ًيــا كبيــ ًرا منــذ عــام ‪2008‬م‪ ،‬عقــب االرتفــاع الكبيــر يف أســعار‬ ‫الغــذاء علــى أصــداء األزمــة املاليــة العامليــة‪ .‬وتبــدو اإلســتراتيجية‬ ‫التــي وضعتهــا دول اخلليــج التــي تقــوم علــى شــراء أراضــي يف بعــض‬ ‫الــدول اإلفريقيــة بحيــث تســتفيد هــي كمســتثمر وتفيــد الــدول التــي‬ ‫تشــتري فيهــا هــذه األراضــي‪ ،‬وتأتــي أثيوبيــا علــى رأس قائمــة هــذه‬ ‫الــدول بســبب ارتفــاع عــدد ســكانها الذيــن يقيمــون يف مناطــق ريفيــة‬ ‫ويعملــون بالزراعــة‪ .‬وحظــت الســودان باهتمــام خليجــي كبيــر‪ ،‬حيــث‬ ‫بــادر عــدد كبيــر مــن رجــال األعمــال اخلليجيــني إلــى شــراء مســاحات‬ ‫كبيــرة مــن األراضــي الزراعيــة موزعــة علــى معظــم واليــات الســودان‪.‬‬ ‫حيــث ميتلــك الســودان حوالــي ‪ %48‬مــن جملــة األراضــي الزراعيــة‬ ‫يف الوطــن العربــي‪ ،‬أي نحــو ‪ 90‬مليــون هكتــار‪.‬‬ ‫وتُعــد االســتثمارات الزراعيــة اإلماراتيــة هــي األكبر بــني دول اخلليج‬ ‫العربي يف الســودان‪ ،‬حيث تُقام على مســاحة كبيرة تقارب املليون فدان‬ ‫يف عــدة واليــات‪ ،‬أهمهــا مشــروع زايــد اخلير على مســاحة ‪ 40‬ألف فدان‬ ‫يف واليــة اجلزيــرة‪ .‬كمــا أن شــركة الروابــي اإلماراتيــة تعمــل ً‬ ‫أيضــا يف‬ ‫شــمال الســودان بالتعــاون مــع الهيــأة العربية لاســتثمار الزراعي‪.‬‬ ‫كمــا قامــت حكومــة قطــر بتأســيس مشــروع مشــترك مــع احلكومــة‬ ‫الســودانية إلنتــاج القمــح والــذرة واحلبــوب الزيتيــة‪ .‬وقــد وقــع‬ ‫مســتثمرون كويتيــون مــن القطــاع اخلــاص اتفا ًقــا مــع حكومــة الســودان‬ ‫الســتزراع نحــو ‪ 40‬ألــف فــدان يف واليــة النيــل األبيــض‪ .‬ويف إثيوبيــا‬ ‫يقــوم عــدد مــن رجــال األعمــال الســعوديني باالســتثمار يف األراضــي‬ ‫الزراعيــة مبســاحات كبيــرة تقــارب عشــرة مايــني فــدان‪ .‬ويف دلتــا نهر‬ ‫تانــا بكينيــا‪ ،‬متكنــت مؤسســة قطريــة مــن احلصــول علــى ‪ 140‬ألــف‬ ‫هكتــار مــن األراضــي الزراعيــة‪ ،‬مــن خــال صفقــة ُوقعــت عــام ‪2008‬م‪،‬‬ ‫حيــث تتمكــن قطــر مبوجبهــا مــن حــق اســتغال هــذه األراضــي‪ ،‬بينمــا‬ ‫حتصــل كينيــا علــى متويــل قطــري الســتكمال منشــآت بحريــة‪.‬‬

‫راب ًعا‪ :‬نماذج لالستثمارات السعودية يف إفريقيا‬ ‫تســعى اململكــة العربيــة الســعودية يف الفتــرة الراهنــة إلــى تطويــر‬ ‫حجــم ومجــاالت عاقاتهــا مــع العديــد مــن الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬لتحقيق‬ ‫جملــة مــن األهــداف السياســية واإلســتراتيجية واالقتصاديــة منهــا‪:‬‬ ‫احلفــاظ علــى أمــن البحــر األحمــر وخليــج عــدن والقــرن اإلفريقــي‪،‬‬ ‫وهــي مناطــق حيويــة لألمــن القومــي الســعودي‪ ،‬خلــق مناطــق نفــوذ‬ ‫ذات تأثيــر يف املنظمــات اإلقليميــة والدوليــة‪ ،‬حتقيــق مصالــح‬ ‫اقتصاديــة يتوفــر مــن خالهــا األمــن الغذائــي الســعودي‪.‬‬

‫وتتمتــع الســعودية مبــوارد ماليــة ضخمــة‪ ،‬ســواء االحتياطــات‬ ‫املاليــة للدولــة‪ ،‬أو الثــروات اخلاصــة لألفــراد واملؤسســات‪ ،‬وتســعى‬ ‫فرصــا مناســبة لاســتثمار يف اخلارج‪ .‬ويعتبــر خبراء اقتصاد‬ ‫إليجــاد ً‬ ‫ً‬ ‫أن الســعودية متثــل شــريكا مثال ًيــا لــدول شــرق إفريقيــا‪ ،‬منهــا خمــس‬ ‫دول هــي‪ :‬أثيوبيــا‪ ،‬أوغنــدا‪ ،‬تنزانيــا‪ ،‬كينيــا‪ ،‬جيبوتــي‪ ،‬وتعتبــر الــدول‬ ‫اإلفريقيــة اخلمــس‪ ،‬ســو ًقا ضخمــة تضــم نحــو ‪ 190‬مليــون مســتهلك‪،‬‬ ‫وهــي أســرع االقتصــادات اإلفريقيــة منــ ًوا‪ ،‬وهــي يف حاجــة ماســة‬ ‫إلــى اســتثمارات ضخمــة تســاعدها علــى تفعيــل طاقتهــا ومواردهــا‪،‬‬ ‫ومتكنهــا ً‬ ‫أيضــا مــن خلــق فــرص عمــل للمواطنــني‪ ،‬نظ ـ ًرا إلــى كونهــا‬ ‫مــن أكثــر الــدول متت ًعــا باالســتقرار السياســي واألمنــي‪.‬‬ ‫إن االســتثمار الســعودي يف الســودان غطــى جميــع املجــاالت‪،‬‬ ‫خاصــة املجــال الزراعــي والصناعــي واخلدمــي‪ ،‬حيــث تعــد الســعودية‬ ‫صاحبــة أكبــر االســتثمارات الزراعيــة يف الســودان‪ ،‬منهــا شــركة ســكر‬ ‫كنانــة واســتثمارات ســليمان الراجحــي يف الزراعــة والصناعــة‪ ،‬بجانــب‬ ‫اســتثمارات صالــح كامــل‪ .‬وتوجهت االســتثمارات الســعودية الزراعية يف‬ ‫الســودان لنحــو ‪ 250‬ألــف فــدان يف واليــة نهــر النيــل‪ ،‬وشــمال الســودان‪.‬‬ ‫وقــد متكنــت مجموعــة حائــل للتنميــة الزراعيــة الســعودية مــن اســتغال‬ ‫نحــو ‪ 10‬آالف هكتــار مــن األراضــي الزراعيــة الســودانية املطلــة على نهر‬ ‫النيــل‪ .‬وعمو ًمــا تعــد الســعودية شــري ًكا اســتراتيج ًيا أصيــا للســودان يف‬ ‫اســتثماراته‪ ،‬كمــا أن الســودان مبــا لديــه مــن مــوارد طبيعيــة خاصــة يف‬ ‫ً‬ ‫تأهيا ليس فقط لســد فجــوة العالم العربي‬ ‫مجــال الزراعــة‪ ،‬هــو األكثــر‬ ‫الغذائــي التــي فاقــت الـــ‪ 40‬مليــار دوالر‪ ،‬بــل لســد جــزء كبيــر مــن الفجــوة‬ ‫الغذائيــة العامليــة‪ ،‬وذلــك بالتضامــن مع رؤوس األموال العربية الشــقيقة‪.‬‬ ‫إن الســعودية تدعــم عمليــة زراعــة األعــاف يف اخلــارج ومــن ثــم‬ ‫جلبهــا إلــى األســواق احملليــة‪ ،‬ممــا يشــجع املســتثمرين للدخــول يف هذا‬ ‫االســتثمار‪ .‬وتعتبــر الــدول اإلفريقيــة لهــا األفضليــة لــدى املســتثمر‬ ‫الســعودي‪ ،‬خاصــة يف الســودان وإثيوبيــا وبعــض الــدول التــي تتمتــع‬ ‫مبزايــا نســبية يف وفــرة امليــاه ومائمــة املنــاخ‪ .‬كمــا التزمــت الســعودية‬ ‫بضــخ ‪ 109‬مليــار دوالر لتطويــر ‪ 41‬جيجــاواط مــن الطاقــة الشمســية‬ ‫يف الشــرق األوســط وإفريقيــا كجــزء مــن خطــة واســعة النطــاق لنشــر‬ ‫‪ 54‬جيجــاواط مــن الطاقــة النظيفــة بحلــول عــام ‪ ،2032‬ومــن املتوقــع‬ ‫منــو اســتثمارات الطاقــة املتجــددة يف دول إفريقيــا جنــوب الصحــراء‬ ‫وبخاصــة جنــوب إفريقيــا وكينيــا وإثيوبيــا‪.‬‬ ‫يعد االســتثمار الســعودي يف أثيوبيا واحدًا من أكبر االســتثمارات‬ ‫يف منطقــة شــرق إفريقيــا‪ ،‬حيــث تنتــج أحــد الشــركات الســعودية يف‬ ‫أثيوبيــا مــا يزيــد علــى عشــرة آالف طــن مــن الــن مــن مزارعهــا التــي تبلغ‬

‫‪72‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬فــإن اعتمــاد القــارة علــى تصديــر املــواد‬ ‫األوليــة يجعلهــا عرضــة للتأثــر بتقلبــات أســعار هــذه املــواد يف الســوق‬ ‫العامليــة‪ ،‬والــذي يرتبــط بعوامــل خــارج نطــاق القــارة نفســها‪ .‬وتشــير‬ ‫دراســة للبنــك الدولــي حــول النمــو االقتصــادي يف إفريقيــا إلــى أنــه‬ ‫إذا تراجــع طلــب الصــني علــى املــواد األوليــة‪ ،‬مثــل النحــاس الــذي‬ ‫ميثــل الطلــب الصينــي عليــه ‪ %45‬مــن إجمالــي الطلــب العاملــي‪،‬‬ ‫بينمــا يســتمر إنتاجــه يف االرتفــاع؛ فــإن أســعار النحــاس قــد تتراجــع‬ ‫بشــكل حــاد‪ ،‬ممــا يكــون لــه آثــار ســلبية شــديدة علــى الــدول التــي‬ ‫تعتمــد علــى تصديــره‪ .‬ولهــذا فــإن حتقيــق التنــوع يف صــادرات دول‬ ‫القــارة‪ ،‬والبعــد عــن االعتمــاد علــى تصديــر املــواد األوليــة‪ ،‬خاصــة‬ ‫البتــرول؛ يُعــد مــن أهــم التحديــات التــي يجــب أن تواجههــا ملواصلــة‬ ‫منوهــا االقتصــادي‪.‬‬ ‫مقدمتهــا‬ ‫تتســابق الــدول نحــو إفريقيــا يف تنافــس محمــوم‪ ،‬يف َّ‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة وفرنســا والصــني وروســيا إضافــة إلــى‬ ‫إيــران وتركيــا وماليزيــا والهنــد وكوريــا وتايــوان والبرازيــل‪ ،‬جميعهــا‬ ‫تســعى للنفــاذ إلــى ثــروات القــارة‪ ،‬وخاصــة مصــادر النفــط فيهــا‪.‬‬ ‫وقــد ســارعت الواليــات املتحــدة يف محاولتهــا لتعزيــز الســيطرة علــى‬ ‫النفــط اإلفريقــي مــن خــال املجلــس االستشــاري إلفريقيــا‪ ،‬وهــو‬ ‫حتالــف يضــم شــركات أمريكيــة عماقــة‪ ،‬ويعــد هــذا املجلــس شــري ًكا‬ ‫أصيــ ً‬ ‫ا للحكومــة األمريكيــة يف كل مــا يخــص إفريقيــا‪ ،‬وهــو وراء‬ ‫تضخــم االســتثمارات األمريكيــة يف قطــاع النفــط يف غــرب إفريقيــا‬ ‫حتــى جتــاوزت ‪ 7‬مليــار دوالر بعــد أن كانــت مليــا ًرا واحـدًا يف بدايــة‬ ‫التســعينيات‪ .‬كمــا دعــا أفارقــة إلــى إعــداد إســتراتيجية إقليميــة‬ ‫وقاريــة للعاقــة مــع الصــني لتجنــب االختــال يف عاقاتهمــا الثنائيــة‬ ‫مشــيرين إلــى أن «االســتثمارات الصينيــة مرتبطــة باالحتــكارات‬ ‫الكبــرى للدولــة الصينيــة» وأنهــا تركــز علــى قطــاع املناجــم واملســح‬ ‫اجليولوجــي أو علــى البنيــة التحتيــة‪.‬‬

‫سبل مواجهة التحديات‬ ‫إن حتقيــق االســتفادة القصــوى مــن االســتثمار اخلارجــي يف‬ ‫تطويــر االقتصــاد وحتقيــق ثباتــه واســتقراره يف الــدول اإلفريقيــة‪،‬‬ ‫يتطلــب وضــع إســتراتيجية شــاملة وسياســات راشــدة توجــه تدفقاتــه‪،‬‬ ‫ومــن ذلــك وضــع محــددات وشــروط أساســية أهمهــا‪:‬‬ ‫• التعــاون مــع الــدول اإلفريقيــة كمجموعــة واحــدة يتــم التنســيق‬ ‫بينهــا مــن خــال اســتراتيجية تنمويــة متوازنــة ومتكاملــة للقــارة عبــر‬ ‫مؤسســاتها القاريــة كمفوضيــة االحتــاد اإلفريقــي وغيرهــا‪.‬‬ ‫• ربــط االســتثمارات اخلارجيــة بخطــط التنميــة احملليــة لاســتفادة‬ ‫منهــا بصفتهــا مــوارد متويليــة‪ ،‬وحتقيــق التــوازن والتكامــل بينهــا وبــني‬ ‫اخلطــط اإلســتراتيجية للــدول‪ ،‬وبينهــا وبــني االســتثمارات احملليــة‪.‬‬ ‫• توظيــف االســتثمارات للمســاهمة يف حتقيــق التنميــة الشــاملة‪،‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫وتنفيــذ املشــرعات االســتراتيجية‪ ،‬وخاصــة مــا يتعلــق باألمــن الغذائي‬ ‫والبنيــة التحتيــة إلفريقيــا‪.‬‬ ‫• املشــاركة يف تنميــة رأس املــال البشــري يف الــدول اإلفريقيــة مــن‬ ‫حيــث التخطيــط والتنميــة والتوظيــف‪.‬‬ ‫• املســاهمة يف حتقيــق اجلانــب األمنــي للمجتمعــات اإلفريقيــة‬ ‫مبعاجلــة املشــكات املزمنــة كالفقــر‪ ،‬والبطالــة‪ ،‬واملــرض‪ ،‬وتوفيــر‬ ‫اخلدمــات األساســية حليــاة اإلنســان‪.‬‬ ‫• وضــع املوازنــة الســليمة لتدفقــات رؤوس األمــوال اخلارجيــة‬ ‫بالنســبة للنــاجت القومــي اإلجمالــي‪ ،‬جتن ًبــا لتعــرض اقتصاديــات الــدول‬ ‫اإلفريقيــة لانهيــار يف حــال انســحاب هــذه األمــوال عنــد ظهــور أيــة‬ ‫بــوادر لعــدم االســتقرار‪ ،‬مــع التركيــز علــى االســتثمارات طويلــة األجــل‪.‬‬ ‫• إتاحــة الفــرص علــى نطــاق واســع للشــراكة مــع القطــاع اخلــاص يف‬ ‫التخطيــط والتنفيــذ لتلك االســتثمارات‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬نماذج لالستثمارات الخليجية يف إفريقيا‬ ‫لقــد أدركــت دول اخلليــج العربــي أنــه لتحقيــق األمــن الغذائــي فــا‬ ‫بــد أن تتجــه إلــى التنميــة الزراعية‪ ،‬وهو ما جعل اخليار االســتراتيجي‬ ‫للخليــج هــو حتقيــق تنميــة زراعيــة بشــراء األراضــي أو تأجيرهــا أو‬ ‫توجيــه االســتثمارات نحــو دول حــوض النيــل‪ .‬فبــادرت اململكــة العربيــة‬ ‫الســعودية بإعــان أنهــا علــى اســتعداد لشــراء امليــاه مــن أيــة دولــة بهــا‬ ‫فائــض مائــي‪ ،‬وتعــدى هــذا األمــر إلــى شــراء األراضــي أو تأجيرهــا‪،‬‬ ‫الســيما يف القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬مــع توجـــه السيــاســــات اإلفريقيــة نحــو‬ ‫االســتقرار الســــــياسي والتنمية االقتصادية‪.‬‬ ‫ولهذا رأت دول اخلليج أن تدفع مواطنيها وشــركاتها لاســتثمار‬ ‫الزراعــي صــوب دول حــوض النيــل‪ ،‬وعقــد اتفاقيــات شــراكة مــع‬ ‫عــدد مــن التجمعــات االقتصاديــة اإلفريقيــة‪ ،‬مثــل الكوميســا التــي‬ ‫تضــم ‪ 19‬دولــة إفريقيــة يف شــرق وجنــوب القــارة‪ .‬وتداعــت إلــى عقــد‬ ‫مؤمتــر االســتثمار اخلليجــي اإلفريقــي األول بالريــاض‪ ،‬يف أبريــل‬ ‫‪2010‬م‪ ،‬مبشــاركة ســبع دول إفريقيــة منهــا تنزانيــا‪ ،‬وكينيــا‪ ،‬والكونغــو‬ ‫الدميقراطيــة‪ .‬ونظمــت غرفــة جتــارة وصناعــة الشــارقة‪ ،‬يف فبرايــر‬ ‫‪2009‬م‪ ،‬لقــاءات يف كل مــن كينيــا وإثيوبيــا‪ ،‬بهــدف تطويــر العاقــات‬ ‫الثنائيــة يف مختلــف املجــاالت‪ ،‬وأهمهــا املجــاالت االقتصاديــة‬ ‫والتجاريــة واالســتثمارية‪ ،‬والبــدء يف مشــاريع ومبــادرات بــني رجــال‬ ‫األعمــال والهيــآت االقتصاديــة‪ ،‬وتشــجيع التبــادل التجــاري علــى‬ ‫نطــاق واســع‪ ،‬وكــذا يف املجــال الزراعــي‪.‬‬ ‫وتســتحوذ كل مــن اإلمــارات والســعودية علــى أكثــر مــن ‪%40‬‬ ‫مــن التدفقــات الــواردة إلــى إفريقيــا مــن الــدول العربيــة‪ .‬وتصــدرت‬ ‫اإلمــارات مجموعــة الــدول العربيــة يف هــذا املجــال‪ ،‬بقيمــة ‪10.5‬‬ ‫مليــار دوالر‪ ،‬وبحصــة بلغــت ‪ ،%21,6‬تليهــا الســعودية يف املركــز‬ ‫الثانــي بقيمــة ‪ 9,3‬مليــار دوالر‪ ،‬وبحصــة بلغــت ‪.%19,2‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫كمــا أنهــا تتمتــع بإمكانيــات هائلــة يف مجــال الزراعــة‪ ،‬تؤهلهــا ألن‬ ‫تكــون ســلة الغــذاء العاملــي كمــا يــرى كثيــر مــن اخلبــراء؛ فهــي تشــتهر‬ ‫مبواردهــا املائيــة حيــث يجــري فيهــا ‪ 13‬نهــ ًرا ‪ ،‬هــي‪( :‬زامبيــزي‪،‬‬ ‫شــيري‪ ،‬بوجنــوال‪ ،‬لوجنــوا‪ ،‬أوجــوي‪ ،‬نهــر ســاند‪ ،‬ليبمبوبــو‪ ،‬روفيجــي‪،‬‬ ‫أوكافاجنــو‪ ،‬مــارا‪ ،‬فكتوريــا‪ ،‬النيــل‪ ،‬أوليفانتــس)‪ ،‬وأطولهــا نهــر‬ ‫النيــل الــذي يبلــغ طولــه ‪ 6695‬كــم)‪ ،‬إضافــة إلــى ارتفــاع معــدالت‬ ‫ســقوط األمطــار يف بعــض مناطقهــا املناخيــة املتنوعــة‪ ،‬ومخزونهــا‬ ‫ـري يف القــارة‬ ‫الضخــم مــن امليــاه اجلوفيــة‪ ،‬وتقـ ّدر الطاقــة الكامنــة للـ ّ‬ ‫اإلفريقيــة بأكثــر مــن ‪ 42,5‬مليــون هكتــار‪ ،‬مــع مراعــاة الطاقــة‬ ‫ـري لــك ّل مــن األحــواض واملــوارد املائيــة املتجــددة‪ .‬ونظـ ًرا‬ ‫الكامنــة للـ ّ‬ ‫التســاع رقعــة إفريقيــا اجلغرافيــة فإنهــا تتميز بتنوع‬ ‫أقاليمهــا املناخيــة‪ ،‬ومبســتويات ونوعيــات مختلفــة‬ ‫مــن التربــة الغنيــة‪ ،‬ومبواســم زراعيــة متنوعــة‪،‬‬ ‫وهــو مــا يجعــل منهــا « بيئــة مائمــة لزراعــة وإنتــاج‬ ‫جميــع احملاصيــل واحلبــوب واخلضــروات‪ .‬وتقــدر‬ ‫نســبة مســاحة األراضــي الصاحلــة للزراعــة فيهــا‬ ‫بحوالــي ‪ %35‬مــن إجمالــي مســاحة القــارة‪ ،‬يســتغل‬ ‫منهــا ‪ %7‬فقــط يف الزراعــة بشــتى أنواعهــا‪ ،‬وال‬ ‫تزيــد مســاحة الزراعــة املرويــة يف اجلــزء الواقــع‬ ‫جنــوب الصحــراء مــن إفريقيــا عــن ‪ 50‬ألــف كــم‪2‬‬ ‫مــن إجمالــي ‪ 23‬مليــون كــم‪ .2‬فــإن االســتثمار يف املجــال الزراعــي‬ ‫يعــد مــن أفضــل اخليــارات التــي تقدمهــا إفريقيــا للمســتثمرين‬ ‫لإلســهام يف حتقيــق النمــو االقتصــادي واألمــن الغذائــي يف إفريقيــا‪.‬‬ ‫ويف مجــاالت الطاقــة ومصادرهــا‪ ،‬فرغــم ضخامــة الطاقــة‬ ‫الكهرومائيــة الكامنــة يف إفريقيــا‪ ،‬والتــي تناهــز ‪ 1750‬تيــراواط‬ ‫ســاعة‪ ،‬ورغــم إمكانيــة ضمــان أمــن الطاقــة مــن خــال توليــد الطاقــة‬ ‫الكهرومائيــة‪ ،‬إال أنــه لــم يُســتغ ّل ســوى ‪ %5‬مــن هــذه الطاقــة الكامنــة‪.‬‬ ‫أمــا بالنســبة للنفــط والغــاز فيقــدر اخلبــراء حجــم النفــط اإلفريقــي‬ ‫مــا بــني ‪ %9 – 7‬مــن إجمالــي االحتياطــي العاملــي‪ ،‬أي مــا يــوازي‬ ‫‪ 100- 80‬مليــار برميــل خــام‪ ،‬حيــث تنتشــر حقــول النفــط داخــل‬ ‫القــارة يف كثيــر مــن دولهــا وعلــى شــواطئها الغربيــة‪ ،‬وهــو األســهل‬ ‫واألســرع يف اســتخراجه‪ ،‬بحيــث تصبــح مشــتقاته جاهــزة للتحميــل‬ ‫والتصديــر مباشــرة‪ ،‬وهــو مــا يحقــق وف ـ ًرا اقتصاد ًيــا‪ ،‬ويعــد النفــط‬ ‫اخلــام املســتخرج مــن إقليــم خليــج غينيــا مــن النوعيــة املمتــازة‪.‬‬ ‫حتــرص إفريقيــا يف مجــال الصناعــة علــى تعميــق وتطويــر‬ ‫شــراكات اســتثمارية‪ ،‬وقــد جــاء مؤمتــر القمــة اإلفريقيــة العاشــر‬ ‫حتــت شــعار «التنميــة الصناعيــة يف إفريقيــا»‪ ،‬تأكيـدًا ألهميــة التوجــه‬ ‫نحــو تطويــر قطــاع الصناعــة الــذي ال يــزال االســتثمار فيــه ضعي ًفــا؛‬ ‫حيــث إن «مخرجــات القطــاع الصناعــي بالقــارة ال تتعــدى ‪ %2‬مــن‬ ‫اإلنتــاج العاملــي‪ ،‬وصادراتهــا الصناعيــة تبلــغ ‪ %1‬فقــط مــن إجمالــي‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪71‬‬

‫ملف العدد‬

‫الصــادرات العامليــة»‪ ،‬فالقطــاع الصناعــي يف إفريقيــا أكثــر القطاعــات‬ ‫حاجــة إلــى اإلمكانــات الفنيــة واملاليــة‪ ،‬واملعلومــات واخلبــرات حــول‬ ‫تنفيــذ البرامــج اخلاصــة بالتنميــة الصناعيــة‪.‬‬ ‫وعن توزيع االستثمارات على مستوى األقاليم الفرعية يف القارة‪،‬‬ ‫ياحــظ تراجــع معــدالت جــذب االســتثمار يف أقاليــم شــمال وغــرب‬ ‫ووســط إفريقيــا‪ ،‬ألســباب تتعلــق إمــا بالقاقــل السياســية واألمنيــة‪،‬‬ ‫أو غمــوض اإلجــراءات والتشــريعات االقتصاديــة‪ ،‬مقابــل تناميهــا‬ ‫يف أقاليــم جنــوب وشــرق إفريقيــا‪ .‬فقــد تراجعــت االســتثمارات يف‬ ‫إقليــم شــمال إفريقيــا بنســبة ‪ ،%7‬ولكــن هنــاك مؤشــرات علــى عــودة‬ ‫مرتقبــة وقويــة لاســتثمارات‪ .‬كمــا تراجعــت االســتثمارات يف غــرب‬ ‫إفريقيــا بنســبة ‪ %14‬لتســجل ‪ 14,2‬مليــار دوالر عــام‬ ‫‪2014‬م‪ .‬وتعتبر األوضاع يف نيجيريا ســب ًبا رئيسـ ًّيا يف‬ ‫ذلــك التراجــع‪ ،‬بســبب عــدم وضــوح القواعــد احلاكمــة‬ ‫لقطــاع الصناعــات البتروليــة‪ ،‬باإلضافــة إلــى اســتمرار‬ ‫توتــر األوضــاع األمنيــة‪ .‬وانخفضــت االســتثمارات‬ ‫األجنبيــة املباشــرة يف وســط إفريقيــا بنســبة ‪%18‬‬ ‫لتســجل ‪ 8,2‬مليــار دوالر‪ ،‬بســبب اســتمرار القاقــل‬ ‫السياســية والنزاعــات املســلحة يف دول مثــل جمهوريــة‬ ‫إفريقيــا الوســطى‪ ،‬وجمهوريــة الكوجنــو الدميقراطية‪.‬‬ ‫يف املقابــل‪ ،‬تزايــدت االســتثمارات بنســبة ‪%15‬‬ ‫و‪ %50‬يف شــرق وجنــوب إفريقيــا علــى التوالــي‪ .‬فقــد ســاهم صعــود‬ ‫ٍّ‬ ‫كل مــن كينيــا وإثيوبيــا يف شــرق إفريقيــا كمراكــز جديــدة لألعمــال‬

‫‪ 57‬مــلـيـار دوالر‬ ‫استثمارات خارجية يف‬ ‫إفريقيا عام ‪ 2013‬و دول‬ ‫البـريـكـس تمتـلك ربـع‬ ‫االستثمارات يف القارة‬

‫يف انتعــاش االســتثمارات التــي بلغــت ‪ 6,2‬مليــار دوالر‪ .‬واجتهــت‬ ‫االســتثمارات يف كينيــا إلــى مجــاالت الطاقــة التقليديــة‪ ،‬واملواصات‪،‬‬ ‫باإلضافــة إلــى القطــاع الصناعــي‪ ،‬وكانــت االســتثمارات الصينية هي‬ ‫األبــرز يف إثيوبيــا‪ .‬ويف اإلقليــم اجلنوبــي توالــى تدفــق االســتثمارات‬ ‫إلــى جنــوب إفريقيــا وموزمبيــق‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬التحديات التي تواجه االستثمار يف إفريقيا وسبل مواجهتها‬ ‫تبــرز قضيــة البنيــة التحتيــة الضعيفــة يف معظم الــدول اإلفريقية‬ ‫كأبــرز التحديــات‪ ،‬وبشــكل خــاص مــا يتعلــق بتدهــور الطــرق التــي‬ ‫تربــط بــاد القــارة بعضهــا ببعــض‪ ،‬ويف قطــاع الطاقــة يعتبــر‬ ‫التحــدي الرئيســي هــو ضعــف الطاقــة الكهربائيــة املتاحــة وارتفــاع‬ ‫أســعارها‪ .‬وميثــل جتــاوز هــذه املعضلــة يف إفريقيــا‪ ،‬خاصـ ًة فيما يتعلق‬ ‫مبشــروعات البنيــة التحتيــة التــي تشــترك فيهــا أكثــر مــن دولة‪ ،‬حتد ًيــا‬ ‫كبيـ ًرا نظـ ًرا للتعدديــة الكبيــرة التــي تتميــز بهــا القــارة‪ ،‬والتــي بهــا ‪34‬‬ ‫لغــة رسمية‪ ،‬والعشــرات مــن اللهجــات احملليــة‪ ،‬وأكثــر مــن ‪ 40‬عملــة‪،‬‬ ‫باإلضافــة إلــى التفــاوت الكبيــر يف القــدرات املاليــة والبنيــة املؤسســية‬ ‫القائمــة بــني دولهــا‪ ،‬وكذلــك غيــاب مؤسســات لهــا القــدرة علــى تنفيــذ‬ ‫االتفاقيــات املشــتركة يف مجــال مشــروعات البنيــة التحتيــة‪.‬‬

‫‪70‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫بنتائــج التنميــة االقتصاديــة يف الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬وزيــادة الكثافــة‬ ‫الســكانية‪ ،‬واتســاع نطــاق الطبقــة الوســطى‪ ،‬ممــا ســاهم يف رفــع‬ ‫مســتويات املعيشــة‪ ،‬وأحــدث حتــوال يف أمنــاط االســتهاك‪ .‬فتنامــت‬ ‫قطاعــات الصناعــة االســتهاكية مبقــدار ‪ %30‬خــال العقــد املاضــي‪،‬‬ ‫لتصــل إلــى قاعــدة تشــمل ‪ 120‬مليــون مســتهلك‪ .‬ســاهم ذلــك يف‬ ‫تدفــق االســتثمارات إلــى قطاعــات الزراعــة‪ ،‬وتصنيــع املــواد الغذائيــة‪،‬‬ ‫وتكنولوجيــا املعلومــات‪ ،‬والســياحة‪ ،‬واخلدمــات املاليــة‪ ،‬وجتــارة‬ ‫التجزئــة‪ .‬وانعكســت هــذه التحــوالت علــى االســتثمارات املوجهــة إلــى‬ ‫مشــروعات البنيــة التحتيــة‪ .‬فياحــظ زيــادة االســتثمارات بالقطاعــات‬ ‫اخلدميــة (التشــييد‪ ،‬والنقــل‪ ،‬والتخزيــن‪ ،‬واالتصــاالت‪ ،‬وخدمــات‬ ‫األعمــال‪ ،‬وإمــدادات امليــاه والكهربــاء والغــاز) إلــى ‪ 8,1‬مليــار دوالر‬ ‫عــام ‪2013‬م‪ ،‬مقارنــة بـــ ‪ 3,2‬مليــار دوالر عــام ‪2012‬م‪ .‬كمــا ازدادت‬ ‫االســتثمارات املوجهــة إلــى القطاعــات التصنيعيــة إلــى ‪ 7,6‬مليــار‬ ‫دوالر مقارنــة بـــ ‪ 4‬مليــار دوالر عــام ‪2012‬م‪ .‬لكــن االســتثمارات يف‬ ‫الصناعــات القائمــة علــى املــوارد الطبيعيــة مثــل الصناعــات البتروليــة‪،‬‬ ‫تراجعــت بنســبة ‪ ،%70‬لصالــح زيــادة االســتثمارات يف قطاعــات‬ ‫صناعيــة أخــرى‪ ،‬أبرزهــا النســيج‪ ،‬وصناعــة الســيارات‪.‬‬ ‫ويعــرض الشــكل البيانــي التالــي تدفــق االســتثمار األجنبــي املباشــر‬ ‫إلفريقيــا وفقــا للقطاعــات عــام ‪2014‬م‪ ،‬ويتضــح مــن الشــكل أن قطــاع‬ ‫اخلدمــات يحتــل املرتبــة األولــى حيث ميثل ‪ %48‬من إجمالي االســتثمار‬ ‫األجنبــي املباشــر يف إفريقيــا عــام ‪2014‬م‪ ،‬يليــه قطــاع التصنيــع ميثــل‬ ‫‪ ،%31‬ثــم قطــاع الســلع األساســية ‪ ،%21‬والقطاعــات األخــرى ‪.%1‬‬ ‫شــكل رقــم (‪ )1‬االســتثمار األجنبــي املباشــر وفقــا للقطاعــات يف‬ ‫إفريقيــا عــام ‪٢٠1٤‬م‬

‫‪United Nations Development Program, African Economic Outlook‬‬ ‫‪2015, Regional Development and Spatial Inclusion, )New York,‬‬ ‫‪UNDP, 2015(.‬‬

‫وتتمثــل الفــرص االســتثمارية األكثــر جذبــا يف إفريقيــا يف قطــاع‬ ‫االتصــاالت ويرجــع ذلــك إلــى انخفــاض املخاطــر يف هــذا القطــاع‬ ‫مقارنــة بغيــره مــن قطاعــات البنيــة التحتيــة‪ .‬هــذا باإلضافــة إلــى‬ ‫قطــاع النقــل حيــث تســتقطب املوانــئ اهتمــام الشــركات يتبعهــا‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫قطــاع الطيــران وبدرجــة أقــل بنــاء املطــارات والطــرق‪ .‬ولعــل أبــرز‬ ‫املشــروعات يف هــذا القطــاع‪ ،‬إدارة موانــئ دبــي العامليــة حملطــة‬ ‫حاويــات دوراليــه عــام ‪2000‬م‪ ،‬حيــث اســتثمرت موانــئ دبــي العامليــة‬ ‫‪ 1,5‬مليــار دوالر ممــا جعــل جيبوتــي التــي تعتبــر البوابــة البحريــة‬ ‫ألثيوبيــا‪ ،‬ثالــث أكبــر مينــاء للحاويــات يف إفريقيــا‪ ،‬وجعلهــا تســاهم‬ ‫بحوالــي ربــع النــاجت احمللــي اإلجمالــي يف جيبوتــي‪ .‬كمــا تابعــت موانئ‬ ‫دبــي العامليــة االســتثمار يف املوانــئ يف اجلزائــر ومصــر والســنغال‬ ‫وموزمبيــق‪ ،‬ممــا منحهــا تغطيــة واســعة يف جميــع أنحــاء القــارة وعــزز‬ ‫مــن تكامــل االقتصــادات اإلفريقيــة ضمــن منظومــة التجــارة العامليــة‪.‬‬ ‫كمــا أن إمكانــات قطــاع البنيــة التحتيــة تبعــث علــى التفــاؤل‪ ،‬فــا‬ ‫تــزال هنــاك فجــوة متويليــة تتمثــل يف احلاجــة لنحــو ‪ 93‬مليــار دوالر‬ ‫ســنو ًيا لتلبيــة احتياجــات البنيــة التحتيــة للقــارة اإلفريقيــة حتــى عــام‬ ‫‪2020‬م‪ ،‬يف حــني أن نصــف هــذا الرقــم متوفــر حال ًيــا‪ ،‬وفقــا لبنــك‬ ‫التنميــة اإلفريقــي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ويعتبــر ســوق الصكــوك يف إفريقيــا ســوقا ناشــئا متواض ًعــا‪،‬‬ ‫حيــث يشــكل ‪ %0.6‬فقــط مــن إجمالــي إصــدارات الصكــوك العامليــة‬ ‫القائمــة‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬فقــد توقــع العديــد مــن املؤسســات‪ ،‬مبــا يف‬ ‫ذلــك وكالــة «ســتاندرد آنــد بــورز»‪ ،‬واملركــز املاليــزي املالــي العاملــي أن‬ ‫تســجل ســوق الصكــوك يف إفريقيــا من ـ ًوا محتمـ ًـا‪.‬‬ ‫إن البلــدان اإلفريقيــة متتلــك مــوارد كبيــرة يف جميــع املجــاالت‬ ‫مثــل‪ :‬املــوارد املعدنيــة والنفطيــة‪ ،‬واملــوارد الزراعيــة‪ ،‬واملوارد الســمكية‪،‬‬ ‫ومــوارد الغابــات‪ ،‬إن هــذه املــوارد متثــل مجــاالت اســتثمارية قويــة‪،‬‬ ‫بجانــب فــرص أخــرى متاحــة يف مجــال بنــاء املنشــآت األساســية‬ ‫والبنيــة التحتيــة‪ ،‬كبنــاء الطــرق والســكك احلديديــة واملطــارات‬ ‫واملوانــئ‪ ،‬وتوليــد الكهربــاء والســدود واخلزانــات وإمــداد املــاء‪.‬‬ ‫وتعــد املــوارد البشــرية مــن أهــم مجــاالت االســتثمار التــي‬ ‫تقــاس بهــا ثــروة األمم‪ ،‬وقــد أصبــح العنصــر البشــري ودرجــة‬ ‫كفاءتــه هــو العامــل احلاســم لتحقيــق التقــدم‪ ،‬وإفريقيــا التــي يبلــغ‬ ‫عــدد ســكانها قرابــة ‪ 1,17‬مليــار نســمة‪ ،‬ال يــزال االســتثمار فيهــا‬ ‫محــدو ًدا يف مجــال التنميــة البشــرية‪ ،‬برغــم اهتمــام بعــض اجلهــات‬ ‫املســتثمرة بالتنميــة احلضاريــة للمجتمــع‪ ،‬والبيئــة والصحــة‪ ،‬وزيــادة‬ ‫معرفــة الفــرد‪ ،‬واالرتقــاء بدرجــة وعيــه وقدراتــه عــن طــرق التعليــم‬ ‫والتدريــب‪ .‬وبالنســبة للمــوارد األخــرى غيــر البشــرية‪ ،‬فــإن إفريقيــا‬ ‫التــي تتميــز مبوقعهــا اجلغــرايف‪ ،‬ومبســاحة إجماليــة تبلــغ ‪30,190‬‬ ‫مليــون كــم‪ ،2‬ومتتلــك أكبــر مخــزون للعديــد مــن الثــروات واملعــادن‬ ‫االســتيراتيجية‪ ،‬فمــن بــني ‪ 50‬معد ًنــا ها ًّمــا يف العالــم يوجــد ‪17‬‬ ‫معد ًنــا منهــا يف إفريقيــا باحتياطيــات ضخمــة‪ .‬فهــي متتلــك‬ ‫النســبة األكبــر مــن احتياطــي «البوكســيت‪ ،‬والفروكــروم‪ ،‬والكوبلــت‪،‬‬ ‫واملــاس‪ ،‬والذهــب‪ ،‬واملنجنيــز‪ ،‬والفوســفات‪ ،‬واملعــادن الباتينيــة‪،‬‬ ‫والتيتانيــوم‪ ،‬والفاناديــوم»‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪69‬‬

‫ملف العدد‬

‫نـموذجـان ملـستـقبل العـالقـات الـسعوديـة ‪ -‬اإلفـريـقية‬

‫إفـريـقـيا‪ :‬األكثر جـذ ًبا لـتحـقيق‬ ‫االستثمارات والمصالح الخليجية‬ ‫حققــت دول إفريقيــا جنــوب الصحــراء يف الســنوات األخيــرة أقــوى معــدالت النمــو وأدنــى معــدالت التضخــم املســجلة منــذ‬ ‫ثاثــني عا ًمــا‪ ،‬وكثيــر مــن البلــدان اإلفريقيــة جتــاوزت املرحلــة احلرجــة‪ ،‬وأنهــا يف ســبيلها لتحقيــق معــدالت منــو اقتصاديــة‬ ‫أش ـ ّد ثبا ًتــا وأكثــر ســرعة‪ ،‬وهــي معــدالت ضروريــة لتخفيــض مســتويات الفقــر املرتفــع»‪ ،‬فقــد ســجلت إفريقيــا معــدل منــو‬ ‫متوســط بلــغ ‪ %5,4‬علــى مــدى العقــد املاضــي‪.‬‬

‫د‪ .‬سالي محمد فريد‬

‫اهتمــت الــدول اإلفريقيــة بتهيئــة بيئاتهــا االســتثمارية‪ ،‬وخاصــة دول‬ ‫أوضاعــا سياســية غيــر‬ ‫إفريقيــا جنــوب الصحــراء التــي ظلــت تعانــي‬ ‫ً‬ ‫مســتقرة‪ ،‬إضافــة إلــى ضعــف معــدالت النمــو‪ ،‬وعــدم ماءمــة كثيــر‬ ‫مــن السياســات االقتصاديــة املطبقــة فيهــا؛ لذلــك ســارعت احلكومــات‬ ‫اإلفريقية من خال أجهزتها املعنية إلى إيجاد بيئة استثمارية مناسبة‪،‬‬ ‫فقامت مبراجعة سياســاتها االقتصادية‪ ،‬وسـنَّت العديد من التشــريعات‬ ‫والقوانــني واألنظمــة واللوائــح اجلديــدة التــي تشــجع االســتثمار وتدعمه‪،‬‬ ‫واســتحدثت الهيــآت واملؤسســات التــي تخطــط لــه وتنظمــه‪ .‬ووضعــت‬ ‫امتيــازات كثيــرة‪ ،‬منهــا‪ :‬تيســير شــروط االســتثمار وتخفيــف القيــود على‬ ‫تدفقاتــه‪ ،‬واحلــد مــن املخاطــر التــي ميكــن أن تتعــرض لها االســتثمارات‪،‬‬ ‫والشــفافية يف توفيــر املعلومــات الضروريــة للمســتثمر وكســب ثقتــه‪،‬‬ ‫وتبســيط اإلجــراءات‪ ،‬وتقــدمي ضمانــات متعلقــة بنقــل األمــوال إلــى‬ ‫اخلــارج‪ ،‬واإلعفــاءات مــن الرســوم اجلمركيــة‪ .‬ويف ظــل هــذه التوجهــات‬ ‫اجلــادة للحكومــات‪ ،‬وحرصهــا علــى جــذب االســتثمارات اخلارجيــة‬ ‫وتشــجيعها‪ ،‬تســابقت الــدول والشــركات واملؤسســات نحــو إفريقيــا‪.‬‬ ‫تهــدف هــذه الورقــة إلــى التعــرف علــى تطــور حجــم االســتثمار‬ ‫يف إفريقيــا والفــرص االســتثمارية األكثــر جذ ًبــا والتحديــات التــي تواجــه‬ ‫االستثمار يف إفريقيا‪ ،‬وتقدمي مناذج لاستثمارات اخلليجية والسعودية‬ ‫يف إفريقيا‪ ،‬وأخي ًرا عرض عدد من السيناريوهات املستقبلية للعاقات‬ ‫الســعودية اإلفريقيــة‪ ،‬وذلــك مــن خــال النقــاط التاليــة‪:‬‬

‫ً‬ ‫أوال‪ :‬الفرص االستثمارية والقطاعات الجاذبة يف إفريقيا‪.‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬التحديات التي تواجه االستثمار يف إفريقيا وسبل مواجهتها‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬نماذج لالستثمارات الخليجية يف إفريقيا‪.‬‬ ‫راب ًعا‪ :‬نماذج لالستثمارات السعودية يف إفريقيا‪.‬‬ ‫خامسا‪ :‬السيناريوهات المستقبلية للعالقات السعودية اإلفريقية‪.‬‬

‫ً‬ ‫أوال‪ :‬الفرص االستثمارية والقطاعات الجاذبة يف إفريقيا‬ ‫يُشــير تقريــ ُر االســتثمار الصــادر عــن مؤمتــر األمم املتحــدة‬ ‫للتجــارة والتنميــة ‪ UNCTAD‬عــام ‪2014‬م‪ ،‬إلــى التنامــي الواضــح‬ ‫يف مســتويات االســتثمارات املوجهــة للقــارة اإلفريقيــة رغــم تواصــل‬ ‫املعوقــات السياســية واألمنيــة التــي يفتــرض أن تعــوق تدفــق‬ ‫االســتثمارات إليهــا‪ .‬وحســب التقريــر‪ ،‬تضاعــف حجــم اســتثمارات‬ ‫القطــاع اخلــاص يف القــارة خمــس مــرات خــال العقــد املاضــي‪ ،‬مــن‬ ‫‪ 14‬مليــار دوالر عــام ‪ 2002‬إلــى ‪ 67‬مليــار دوالر عــام ‪2012‬م‪ ،‬بينمــا‬ ‫ارتفــع حجــم املعونــات احلكوميــة مــن ‪ 18‬مليــار دوالر إلــى ‪ 43‬مليــار‬ ‫دوالر خــال الفتــرة نفســها‪ .‬وبلغــت قيمــة االســتثمارات الــواردة إلــى‬ ‫القــارة اإلفريقيــة ‪ 57‬مليــار دوالر عــام ‪2013‬م‪ ،‬وشــهد العــام نفســه‬ ‫زيــاد ًة يف صفقــات الدمــج واالســتحواذ لتســجل ألــف صفقــة‪ ،‬بقيمــة‬ ‫إجماليــة ‪ 30‬مليــار دوالر‪ .‬وتبــرز يف هــذا اإلطــار دول البريكــس‬ ‫(البرازيــل‪ ،‬وروســيا‪ ،‬والهنــد‪ ،‬والصــني‪ ،‬وجنــوب إفريقيــا) التــي تشــكل‬ ‫مصــدراً ألكثــر مــن ربــع االســتثمارات يف القــارة‪.‬‬ ‫وقــد حــدث حتــول تدريجــي من التركيز على قطاعات الصناعات‬ ‫«االســتخراجية» واملتعلقــة مبصــادر الطاقــة واملــوارد الطبيعيــة‪ ،‬إلــى‬ ‫مدفوعــا‬ ‫قطاعــات الصناعــات االســتهاكية‪ .‬جــاء هــذا التحــول‬ ‫ً‬

‫‪68‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مــصــر حـجـر الـزاوية فـي األمـن العـربي والـحفـاظ عـلـى الـهـويـة‬ ‫والـدفـاع عن وحـدة الـدول ووقـف النفـوذ اإليـراني‬ ‫خصوصــا املوقــف‬ ‫مصــر منــذ قيــام ثــورة الثاثــني مــن يونيــو ‪2013‬م‪،‬‬ ‫ً‬ ‫اخلليجــي الداعــم للدولــة املصريــة يف املؤمتــر االقتصــادي الــذي‬ ‫عقــد يف شــرم الشــيخ حيــث قدمــت كل مــن الســعودية واإلمــارات‬ ‫والكويــت وســلطنة عمــان مســاعدات تقــدر بـــ ‪ 12.5‬مليــار دوالر إلــى‬ ‫مصــر يف صــورة ودائــع واســتثمارات‪ ،‬كمــا تعــد زيــارة امللــك ســلمان‬ ‫للقاهــرة داللــة علــى أن مصــر متثــل حجــر الزاويــة يف حتقيــق األمــن‬ ‫القومــي العربــي واحلفــاظ علــى الهويــة والدفــاع عــن وحــدة الــدول‬ ‫العربيــة ضــد مــا يتهددهــا مــن مخاطــر التقســيم والتفتيــت ووقــف‬ ‫النفــوذ اإليرانــي الــذي اســتباح املنطقــة‪.‬‬ ‫لذلــك لــم تكتــف مصــر يف تأييــد التحالــف العربــي يف اليمــن‬ ‫بــل شــاركت بقــوات جويــة وبحريــة حيــث شــاركت ‪ 16‬طائــرة مصريــة‬ ‫بجانــب حتــرك قطــع بحريــة إلــى مضيــق بــاب املنــدب لتأمينــه ملواجهــة‬ ‫أيــة احتمــاالت حيــث تنطلــق القيــادة املصريــة مــن رؤيــة سياســية دائ ًمــا‬ ‫بــأن األمــن القومــي املصــري ميتــد مــن أمــن اخلليــج العربــي‪ ،‬حيــث‬ ‫تعمــل إيــران علــى تطويــق الســعودية مــن اجلنــوب مــن خــال الســيطرة‬ ‫علــى اليمــن وهــي متثــل عم ًقــا اســتراتيج ًيا للجزيــرة واخلليــج ممــا‬ ‫يجعــل مــن اليمــن عامــا مهمــا ألمــن واســتقرار املنطقــة‪.‬‬ ‫وقــع البلــدان علــى مجموعــة اتفاقيــات مــن تطويــر التعــاون‬ ‫العســكري‪ ،‬وتعزيــز التعــاون املشــترك يف مجــاالت الطاقــة والربــط‬ ‫الكهربائــي والنقــل‪ ،‬وحتقيــق التكامــل االقتصــادي بــني البلديــن‬ ‫والعمــل علــى جعلهمــا محــو ًرا رئيســ ًيا يف حركــة التجــارة العامليــة‬ ‫أهمهــا كان إنشــاء جســر امللــك ســلمان الــذي يســاهم يف تعزيــز‬ ‫خصوصــا بعدمــا افتتحــت مصــر‬ ‫الربــط بــني دول اخلليــج وإفريقيــا‬ ‫ً‬ ‫القنــاة الثانيــة لزيــادة حركــة التجــارة‪.‬‬ ‫الســعودية ومصــر ترســمان مامــح مســتقبل النظــام اإلقليمــي‬ ‫العربــي ومواجهــة كل التحديــات التــي تعــوق تقدمــه‪ ،‬وعلــى رأســها‬ ‫التحديــات اإلرهابيــة واملذهبيــة التــي وجــدت يف غيــاب األمــن‬ ‫واالســتقرار فرصــة للتوســع والتــي تغذيهــا إيــران وأذرعهــا يف املنطقة‪.‬‬ ‫وال يــزال مشــروع القــوة العربيــة املشــتركة حاضــر‪ ،‬رغــم أن‬ ‫الســعودية اجتهــت إلــى تشــكيل حتالــف إســامي عســكري ملواجهــة‬ ‫التحديــات التــي تواجــه املنطقــة‪ ،‬ووقــف النفــوذ اإليرانــي بســبب أن‬ ‫هنــاك عــدد مــن الــدول العربيــة ال زالــت تعــارض مواجهــة التدخــل‬ ‫اإليرانــي مثــل العــراق بســبب الهيمنــة اإليرانيــة علــى القــرار‬ ‫السياســي‪ ،‬وكذلــك لبنــان واجلزائــر‪ ،‬رغــم أن إيــران فشــلت يف ضــرب‬ ‫العاقــات الســعودية ــــ اجلزائريــة‪ ،‬خصصــوا بعدمــا شــرعت اجلزائر‬ ‫يف تفكيــك ألغــام عاقتهــا مــع الســعودية وذلــك بإيفــاد وزيــر الدولــة‬

‫املستشــار اخلــاص لرئيــس اجلمهوريــة الطيــب بلقيــز إلــى اململكــة‬ ‫حامــا رســالة مــن الرئيــس ونقلهــا للمــك ســلمان‪.‬‬ ‫واجلزائــر والســعودية عازمتــان علــى جتــاوز ســوء تفاهمهمــا‬ ‫يف بعــض القضايــا وجتلــت هــذه الرغبــة مــن خــال إعــادة الريــاض‬ ‫لســفيرها الســابق باجلزائــر ســامي العبــد اهلل حيــث تتفــق اجلزائــر‬ ‫مــع منتجــي النفــط والغــاز وبضغــط مــن روســيا علــى ضــرورة إعــادة‬ ‫التــوازن للســوق عــن طريــق خفــض اإلنتــاج مثلمــا حــدث من قبــل ولكن‬ ‫الســعودية تتمســك بحصــص اإلنتــاج وتريــد تــرك األســعار للســوق‪.‬‬ ‫أصبــح الــدور الســعودي فاعــا دوليــا وإقليميــا يف قيــادة أســواق‬ ‫النفــط‪ ،‬بــل جنــد أن روســيا بــدأت تغــازل الســعودية مــن أجــل التوصل‬ ‫إلــى تنســيق حــول اســتقرار أســواق النفــط الــذي أثــر علــى تراجــع‬ ‫اقتصادهــا الــذي يعتمــد علــى النفــط بنحــو ‪ ،% 50‬فيمــا تعتمــد‬ ‫اجلزائــر علــى مداخيــل النفــط بنســبة ‪ % 85‬وكذلــك دول اخلليــج‪،‬‬ ‫لكــن االســتراتيجية اجلديــدة التــي تراهــا الســعودية هــي التمســك‬ ‫بحصــص اإلنتــاج حتــى ال تذهــب احلصــص إلــى دول منتجــة مــن‬ ‫خــارج أوبــك‪ ،‬وتكــون أوبــك قــد خســرت احلصــص وكذلــك األســعار‪،‬‬ ‫وهــي تدافــع عــن مصالــح دول أوبــك وليــس عــن مصالــح الــدول‬ ‫املنتجــة مــن خــارج أوبــك التــي تنتــج البتــرول بتكاليــف عاليــة مثــل‬ ‫البتــرول الصخــري والبتــرول املوجــود يف ســيبيريا أو يف امليــاه‬ ‫العميقــة‪ ،‬وهــي تــدرك أن بتــرول أوبــك األقــدر علــى املنافســة‪.‬‬ ‫العاقــات الســعودية املصريــة تتشــابه بينهمــا التوجهــات‪ ،‬وتكتمــل‬ ‫حتقيقــا لآلمــال العربيــة واإلســامية‪ ،‬وهــي الطريــق إلــى الوحــدة‪،‬‬ ‫خصوصــا بعــد افتتــاح القنــاة اجلديــدة التــي ســيصاحبها مشــروعات‬ ‫ً‬ ‫تنمويــة عماقــة‪ ،‬وســتضع مصــر علــى خارطــة االســتثمار العاملــي‬ ‫خصوصــا وأن مصــر علــى‬ ‫إلرســاء دعائــم عصــر جديــد للنهضــة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أعتــاب تخطــي أزمــة الطاقــة بعــد اكتشــافات غازيــة جديــدة أعلنتهــا‬ ‫شــركة اينــي اإليطاليــة‪ ،‬وكانــت تقديراتهــا نحــو ‪ 30‬تريليــون قدم مكعبة‬ ‫يف امليــاه اإلقليميــة املصريــة يف البحــر املتوســط سيســاعد علــى تلبيــة‬ ‫احتياجــات مصــر مــن الغــاز لعقــود مقبلة تعادل نحــو ‪ 5.5‬مليار برميل‬ ‫مــن املكافــئ النفطــي‪ ،‬ويغطــي مســاحة تصــل إلــى ‪ 100‬كيلومتــر مربــع‪،‬‬ ‫تعرضــت إســرائيل لضربــة قويــة بعــد تلقيهــا نبــأ الكشــف‪ ،‬بســبب أنهــا‬ ‫تريــد أن تصبــح قــوة عامليــة يف تصديــر الغــاز الطبيعــي‪.‬‬

‫* أستاذ بجامعة أم القرى ـ مكة املكرمة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫لاســتعانة بالســعودية ملســاعدتها يف احلــد مــن املــد اإليرانــي حتــت‬ ‫غطــاء املــد الشــيعي‪ ،‬وهــو مــا ظهــر جل ًيــا يف مواقــف تلــك الــدول‬ ‫وزياراتهــا األخيــرة للعاصمــة الريــاض‪ ،‬وكرســت الســعودية جهودهــا‬ ‫الدبلوماســية للوقــوف إلــى جــوار العديــد مــن الــدول اإلفريقيــة‬ ‫ملقاومــة مخاطــر املــد الشــيعي التــي تســتخدم نفــس اســتراتيجية‬ ‫التنصيــر يف اســتغال الفقــر وعبــر أنشــطة ثقافيــة وخدميــة بنشــر‬ ‫التشــيع بطريقــة غيــر مباشــرة‪ ،‬تســتغل إيــران حــب الشــعوب لدينهــم‬ ‫وآلل البيــت‪ ،‬واســتطاعت جتنيــد عــدد مــن التجــار يف غــرب إفريقيــا‪.‬‬ ‫لكــن قطــع الســعودية عاقاتهــا مــع إيــران بعــد الهجــوم علــى‬ ‫ســفارتها وقنصليتهــا يف إيــران تبعــت الســعودية العديــد مــن الــدول‬ ‫اإلفريقيــة يف طــرد ســفراء إيــران مــن دولهــم‪ ،‬وجدتهــا تلــك الــدول‬ ‫فرصــة بعــد املعانــاة مــن التمــدد والنفــوذ اإليرانــي يف مناطقهــم‪،‬‬ ‫وكانــت يف املقدمــة دولــة الســودان‪ ،‬وأصبحــت عاقــات الســعودية‬ ‫متينــة مــع أثيوبيــا وجيبوتــي وحتــى أرتيريــا التــي أعلنــت عــن إقامــة‬ ‫حتالــف جديــد يهــدف للحــد مــن انتشــار التشــيع يف القــارة الســمراء‬ ‫وفــق املخطــط الفارســي‪.‬‬ ‫بــل تخفــت حتــركات إيــران يف موريتانيــا وراء ســتار التصــوف‬ ‫مــا جعــل الســعودية توقــف مســاعداتها وقروضهــا املاليــة ملوريتانيــا‬ ‫عــام ‪2008‬م‪ ،‬التــي أوقفــت انتشــار التشــيع‪ ،‬كمــا أعلنــت املخابــرات‬ ‫الصوماليــة عــن القبــض علــى شــخصيات إيرانيــة وصوماليــة املذهــب‬ ‫الشــيعي واعتبرتــه يهــدد أمــن الصومــال وعقيــدة مواطنيــه‪.‬‬ ‫اســتطاع التحــرك الســعودي أن يحاصــر ويحــرر دول القــرن‬ ‫ال‘فريقــي مــن النفــوذ اإليرانــي‪ ،‬لكــن جــاء إعــان الســودان عــن قطــع‬ ‫عاقاتــه مــع إيــران بذلــك يكتمــل الطــوق الــذي يحيــط بالســعودية‬ ‫خصوصــا بعدمــا أوصــدت الســودان‬ ‫بعيــدًا عــن النفــوذ اإليرانــي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫البــاب علــى العاقــات الســودانية اإليرانيــة بالكامــل‪ ،‬وأكــدت عــن‬ ‫تضامنهــا مــع الســعودية ودول اخلليــج‪.‬‬ ‫خصوصــا بعــد‬ ‫القادمــة‬ ‫املرحلــة‬ ‫يعكــس هــذا القــرار مامــح‬ ‫ً‬ ‫انضمــام الســودان إلــى عاصفــة احلــزم وإرســالها جنــود ســودانيني‬ ‫يف صفــوف التحالــف العربــي يف اليمــن مــا يعنــي التماهــي الكامــل‬ ‫مــع النظــام العربــي اجلديــد بقيــادة الســعودية‪ ،‬بعدمــا أصبحــت‬ ‫الصناديــق الســيادية شــريان احليــاة يف الســودان التــي تســاعد‬ ‫االقتصــاد الســوداني علــى االنتعــاش‪ ،‬والتــي أصبحــت حتتــل املرتبــة‬ ‫مشــروعا ســعود ًيا يف الســودان تصــل تلــك‬ ‫األولــى عرب ًيــا بـــ ‪590‬‬ ‫ً‬ ‫االســتثمارات إلــى ‪ 11‬مليــار دوالر أغلبهــا يف قطــاع الزراعة‪ ،‬وتعهدت‬ ‫الســعودية بضــخ مزيــد مــن االســتثمارات‪ ،‬وتســتحوذ الســعودية علــى‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪67‬‬

‫ملف العدد‬

‫‪ % 30‬مــن مصنــع ســكر كنانــة كأكبــر وأقــدم مصنــع يف الوطــن العربــي‬ ‫حيــث يقــدر إنتاجــه ‪ 450‬ألــف طــن ســنويا وفقــا للســودان تريبيــون‪.‬‬ ‫كمــا تعهــدت الســعودية ببــذل مجهــود جتــاه رفــع العقوبــات علــى‬ ‫الســودان‪ ،‬حيــث ميثــل التحــول نحــو الســعودية مســا ًرا جديـدًا يســلكه‬ ‫الرئيــس الســوداني عمــر البشــير بعــد ‪ 25‬عا ًمــا يف بلــد مضطــرب من‬ ‫خــال التنقــل بــني حتالفــات مختلفــة حيــث عانــت الســودان بعدمــا‬ ‫لبســت ثوبهــا اإلســامي بــني مطرقــة الســعودية وســندان إيــران‪.‬‬ ‫عانــت الســودان مــن فتنــة النمــوذج واإلعجــاب الشــديد بالثــورة‬ ‫خصوصــا مــن قبــل حســن الترابــي بعدمــا أوصــل بجماعتــه‬ ‫اخلمينيــة‬ ‫ً‬ ‫إلــى احلكــم عقــب االنقــاب العســكري عــام ‪1989‬م‪ ،‬لكــن البعــض‬ ‫يــرى أن حســن الترابــي براغماتــي ولــم يكــن معج ًبــا بنظــام الدولــة‬ ‫القائــم علــى واليــة الفقيــه‪ ،‬وحلســن الترابــي آراء واضحــة علــى هــذا‬ ‫الصعيــد‪ ،‬رغــم ذلــك اســتطاعت إيــران أن تشــيد مصنعــا إلنتــاج‬ ‫األســلحة يف اخلرطــوم وفــق االتفاقيــة بــني اجلانبــني يف عــام ‪2008‬م‪،‬‬ ‫وأن تقيــم إيــران قاعــدة عســكرية اعتبــرت إيــران الســودان التــي ال‬ ‫تبعــد عــن الســعودية ســوى بضــع مئــات مــن الكيلومتــرات مــن ســاحل‬ ‫البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫ســاعد إيــران علــى إبــراز نفوذهــا يف إفريقيــا باعتبــار الســودان‬ ‫مدخـ ًـا رئيس ـ ًيا لتصديــر الســاح اإليرانــي داخــل القــارة الســمراء‪،‬‬ ‫وتغلغــل املذهــب الشــيعي يف عمــق القــارة اإلفريقيــة عبــر بوابــة‬ ‫الســودان‪ ،‬ومــرور شــحنات األســلحة ســ ًرا إلــى حمــاس وســيناء‬ ‫عبــر أراضيــه‪ ،‬ممــا اضطــر املجتمــع الدولــي إلــى وضــع الســودان‬ ‫علــى الئحــة اإلرهــاب وفــرض عليــه عقوبــات‪ ،‬نتيجــة ذلــك تعــرض‬ ‫الســودان إلــى تدميــر مصنــع ذخيــرة يف انفجــار غامــض عــام ‪2012‬م‪.‬‬ ‫لكــن يذهــب حيــدر طــه إلــى أن إيــران خلقــت عاقــات وثيقــة‬ ‫مــع قــادة تنظيمــات اإلخــوان املســلمني يف الســودان وحتــى يف مصــر‪،‬‬ ‫أي أن الســودان ركــب موجــة الصحــوة اإلســامية يف الفتــرة املاضيــة‬ ‫يف جتربــة خائبــة‪ ،‬يبــدو أن قيــام الســعودية يف القيــام بــدور احلســم‬ ‫يف مواجهــة النفــوذ اإليرانــي بنفــس الســبل التــي تتبعهــا إيــران‬ ‫الســترداد احلــق العربــي والدفــاع عــن األمــن العربــي مكنهــا مــن‬ ‫انتشــال الســودان مــن احلضــن اإليرانــي‪ ،‬وقفلــت هــذه البوابــة جتــاه‬ ‫العمــق اإلفريقــي‪ ،‬وأفقــدت الســعودية إيــران قبضتهــا علــى بوابتهــا‬ ‫إلــى إفريقيــا‪ ،‬واســتفادت الســعودية مــن أن الســودان وإيــران ليســا‬ ‫حليفــني اســتراتيجيني‪ ،‬وعلــى اثــر قــرار قطــع الســودان العاقــة مــع‬ ‫إيــران‪ ،‬تلقــى البنــك املركــزي الســوداني وديعــة ســعودية مبليــار دوالر‪.‬‬ ‫وخصوصــا دولــة اإلمــارات يف دعــم‬ ‫كذلــك لــم تتــوان الســعودية‬ ‫ً‬

‫الـغـيـاب الـخـلـيـجي‪ /‬الـعـربـي أدى إلـى تمـدد إيـران فـي الـقـارة الـسـمـراء‬ ‫وانـتـشــار الـتـشـيـع فـي غــرب أفــريـقـيـــا‬

‫‪66‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫بجانــب أثيوبيــا رغــم أنهــا ال تطــل علــى احمليــط لكــن إلــى جانــب تلــك‬ ‫الــدول لهــا أهميــة اســتراتيجية كبــرى بســبب أنهــا تطــل علــى احمليــط‬ ‫الهنــدي مــن ناحيــة‪ ،‬وتتحكــم يف املدخــل اجلنوبــي للبحــر األحمــر‪،‬‬ ‫حيــث مضيــق بــاب املنــدب مــن ناحيــة ثانيــة‪ ،‬ومــن ثــم فــإن دولــه‬ ‫تتحكــم يف طريــق التجــارة العاملــي‪ ،‬خاصــة جتــارة النفــط القادمــة‬ ‫مــن دول اخلليــج‪ ،‬واملتوجهــة إلــى أوربــا والواليــات املتحــدة‪ ،‬كمــا أنهــا‬ ‫ممــ ًرا مه ًمــا ألي حتــركات عســكرية قادمــة مــن أنحــاء العالــم يف‬ ‫اجتــاه دول اخلليــج والعكــس‪.‬‬ ‫وال تقتصــر أهميــة دول القــرن اإلفريقــي علــى اعتبــارات املوقــع‬ ‫ووجــود اجلــزر الكثيــرة ذات األهميــة االســتراتيجية بــل تتعداهــا‬ ‫إلــى أهميتهــا يف امتــاك مــوارد طبيعيــة كالنفــط‬ ‫والذهــب والغــاز الطبيعــي وامتاكــه احتياطيــات‬ ‫كبيــرة مــن املعــادن التــي تســتخدم يف الصناعــات‬ ‫الثقيلــة والنوويــة مثــل الكوبالــت واليورانيــوم‪.‬‬ ‫إل ــى جان ــب تل ــك ال ــدول هن ــاك دول منطق ــة‬ ‫البحي ــرات أوغن ــدا والكونغ ــو وروان ــدا وبورون ــدي‬ ‫وهـــي نقـــاط متـــاس عربيـــة إفريقيـــة‪ ،‬وهنـــاك‬ ‫تداخ ــل إقليم ــي يف ــرض عل ــى دول اخللي ــج إدراج‬ ‫منطق ــة الق ــرن اإلفريق ــي كج ــزء م ــن أم ــن اخللي ــج‬ ‫العربـــي‪ ،‬حيـــث فكـــرة تطويـــق منطقـــة اخلليـــج‬ ‫العرب ــي فك ــرة قدمي ــة من ــذ زم ــن االحت ــاد الس ــوفيتي الت ــي أرادت‬ ‫أن تلت ــف ح ــول املنطق ــة‪ ،‬وه ــي م ــا حت ــاول إي ــران مح ــاكاة االحت ــاد‬ ‫الســـوفيتي التـــي تعتبـــر دول اخلليـــج وخاصـــة الســـعودية عدوهـــا‬ ‫األول بعدمـــا اســـتطاعت أن جتـــد لهـــا نفـــو ًذا يف كل مـــن لبنـــان‬ ‫وس ــوريا والع ــراق واليم ــن والتواج ــد يف منطق ــة الق ــرن اإلفريق ــي‬ ‫آخـــر املناطـــق التـــي يتـــم تطويـــق منطقـــة اخلليـــج‪ ،‬والـــذي يلقـــي‬ ‫بظال ــه لي ــس فق ــط عل ــى أم ــن منطق ــة اخللي ــج العرب ــي ب ــل وعل ــى‬ ‫األم ــن العرب ــي برمت ــه‪.‬‬ ‫وتشــير األرقــام إلــى أن إيــران تقــوم بتهريــب األســلحة إلــى‬ ‫احلوثيــني املتمرديــن يف اليمــن والصومــال بــل وتدريــب احلوثيــني‬ ‫مبعســكر دنقللــو اإلريتــري باإلضافــة إلــى تواجدهــا يف تلك الســواحل‬ ‫بحجــة محاربــة القرصنــة بجــوار قاعدتهــا العســكرية التــي أنشــأتها‬ ‫يف مينــاء عصــب األريتــري‪ ،‬وهــي حــروب مكملــة ملــا يجــري يف العــراق‬ ‫خصوصــا وأن هنــاك معلومــات‬ ‫وســوريا وفــرض نفســها علــى املنطقــة‬ ‫ً‬ ‫تناقلتهــا وســائل اإلعــام عــن تزويــد إيــران إرتيريــا مبئــات مــن‬ ‫عناصــر فيلــق القــدس وضبــاط البحريــة واخلبــراء العســكريني مــن‬ ‫احلــرس الثــوري الذيــن يشــرفون علــى قواعــد صاروخيــة منتشــرة‬ ‫علــى طــول الســاحل اإلرتيــري لتعزيــز تواجدهــا يف البحــر األحمــر‬ ‫وخليــج عــدن وقبالــة الســواحل الصوماليــة ملرافقــة ســفنها وحمايتهــا‬ ‫مــن القرصنــة‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫لكــن تزامنــت عاصفــة احلــزم التــي قادتهــا الســعودية يف اليمــن‬ ‫ضــد االنقابيــني املدعومــني مــن إيــران بدعــم حتالــف عربــي‬ ‫حتــركات ســعودية ملواجهــة النفــوذ اإليرانــي يف القــرن اإلفريقــي‬ ‫حيــث أصبحــت الســعودية ثانــي مســتثمر يف أثيوبيــا ب ‪294‬‬ ‫مشــروعا بقيمــة ‪ 3‬مليــارات دوالر‪ ،‬ووقعــت الســعودية مــع جيبوتــي‬ ‫اتفاقــا امنيــا يقضــي بإنشــاء قاعــدة عســكرية‪ ،‬حيــث يأتــي هــذا‬ ‫التحــول يف العاقــات اخلليجيــة بــدول القــرن اإلفريقــي بعــد أن‬ ‫أدركــت الســعودية أهميــة مــلء الفــراغ األمنــي عســكر ًيا مــن خــال‬ ‫خصوصــا بعــد‬ ‫احلضــور والتواجــد يف منطقــة القــرن اإلفريقــي‬ ‫ً‬ ‫انســحاب حاملــة الطائــرات األمريكيــة ثيــودور روزفلــت التــي كانــت‬ ‫يف ميــاه اخلليــج العربــي منــذ عــام ‪2007‬م‪.‬‬ ‫التواجــد الســعودي املكثــف يف منطقــة القــرن‬ ‫اإلفريقــي مــن أجــل أن يتحــول إلــى موقــع انطــاق‬ ‫متقــدم يضيــف مميــزات قتاليــة عاليــة املســتوى‬ ‫للقــوات الســعودية‪ ،‬يســهم يف إيجــاد حالــة مــن‬ ‫التكامــل الدفاعــي عــن الســعودية مــن الشــرق والغــرب‬ ‫ويف نفــس الوقــت يخــدم عملياتهــا وقــوات التحالــف‬ ‫العربــي يف اليمــن بصــورة أساســية‪ ،‬بجانــب خلــق‬ ‫حالــة مــن التــوازن الدفاعــي والهجومــي التــي ميكــن‬ ‫خصوصــا‬ ‫أن يتعــرض لهــا األمــن الســعودي العربــي‬ ‫ً‬ ‫يف منطقــة البحــر األحمــر التــي جتــري فيهــا العمليــات ألي تهديــد‪.‬‬ ‫التحــول الــذي حــدث يف العاقــة الســعودية ــــ اإليرانيــة هــي‬ ‫وفــق املعاملــة باملثــل وهــي قاعــدة أساســية احلاكمــة بــني الــدول‪،‬‬ ‫بســبب بحــث إيــران عــن مصاحلهــا علــى حســاب حقــوق دول اخلليــج‬ ‫وبقيــة الــدول األخــرى‪ ،‬وحتقيــق طموحــات تاريخيــة عبــر اختــراق‬ ‫املناطــق الرخــوة والضعيفــة‪ ،‬واســتثمرت احتــال أمريــكا العــراق‪،‬‬ ‫خصوصــا وأنهــا اســتطاعت‬ ‫وضــرب البــاد العربيــة ثــورات مفاجئــة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫يف الفتــرة املاضيــة ارتباطهــا بقــوى اجتماعيــة وفاعلــني مــن غيــر‬ ‫الــدول لكنهــم ديناميكــو التحــرك وميتلكــون كافــة الوســائل واألدوات‬ ‫يتبعــون واليــة الفقيــه التــي وجدتهــا فرصــة يف دعمهــا بالســاح‬ ‫لانقــاب علــى دولهــم عندمــا حتــني الفرصــة التــي ترســمها لهــم‬ ‫إيــران وتعطيهــم الضــوء األخضــر للتحــرك‪ ،‬دون احتــرام حلقــوق‬ ‫اجلــار والقانــون الدولــي‪.‬‬ ‫خلقــت واق ًعــا مرتبـ ًكا تهيمــن مــن خالــه بــل يوفــر لهــا طمأنينــة‬ ‫نتيجــة التركيبــة الطائفيــة والعرقيــة واملذهبيــة بســبب أن الــدول‬ ‫العربيــة لــم تتمكــن قبــل ثــورات الربيــع العربــي مــن تعزيــز أطــر‬ ‫خصوصــا يف ظــل إعــام عربــي‬ ‫الدولــة بــني املكونــات داخــل الدولــة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مضطــرب‪ ،‬أو إعــام موجــه وطائفــي يخــدم أجنــدة واليــة الفقيــه‪.‬‬ ‫احلــراك الســعودي يف مواجهــة النفــوذ اإليرانــي يف إفريقيــا‪ ،‬ومــا‬ ‫جنــده مؤخــ ًرا نتيجــة التحــرك الســعودي أن ســعت دول إفريقيــة‬

‫إيران تحاكي االتحاد‬ ‫الـسـوفـيـتـي وتـعـتبر‬ ‫دول الـخـلـيج عــدوهـا‬ ‫األول ورسـخت نفـوذها‬ ‫فـي الـقـرن األفــريقـي‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪65‬‬

‫ملف العدد‬

‫رفــسـنـجـاني اسـتـبدل تصـديـر الثـورة بالتـجـارة ‪ ..‬وإيــران أسـسـت‬ ‫‪ 30‬سـفـارة وحصلت عى صـفـة مراقـب يف االتحـاد األفـريقـي‬ ‫مســاعدتها وحمايتهــا لكــن قوبــل تصديــر الثــورة بتخــوف إفريقــي‬ ‫وفتــور يف العاقــة‪ ،‬لكــن يف عهــد الرئيــس علــي أكبــر رفســنجاني‬ ‫الــذي اســتبدل أيديولوجيــة تصديــر الثــورة ببلــورة مشــروع االهتمــام‬ ‫بالتجــارة والترويــج إلنشــاء تكتــل وســوق جتــاري بــني الــدول اإلفريقية‬ ‫واآلســيوية تكــون إيــران طر ًفــا فيــه حتــى متكنــت إيــران مــن تأســيس‬ ‫‪ 30‬ســفارة إيرانيــة يف القــارة األمــر الــذي منحتهــا إفريقــا بصفــة‬ ‫العضــو املراقــب يف االحتــاد اإلفريقــي‪.‬‬ ‫لكن اكتشــفت الدول اإلفريقية أن إيران تتعامل كقوة اســتعمارية‬ ‫توظــف االضطرابــات لصاحلهــا‪ ،‬وتنتهــج يف تأجيــج الصراعــات مــن‬ ‫خــال فتــح قنــوات غيــر رســمية مــع حــركات غيــر نظاميــة معارضــة‬ ‫لضمــان والئهــا‪ ،‬فعلــى ســبيل املثــال تدعــم إيــران االنفصاليــني يف‬ ‫الســنغال‪ ،‬ومتمــردي ســاحل العــاج‪ ،‬وجامبيــا‪ ،‬ونيجيريــا‪ ،‬ويبرهــن‬ ‫علــى تــورط إيــران يف تأجيــج الصراعــات الداخليــة اكتشــاف شــحنة‬ ‫أســلحة قادمــة مــن إيــران باجتــاه جامبيــا بهــدف تزويــد متمــردي‬

‫اجلنــوب الســنغالي بالســاح‪ ،‬كمــا رصــدت الســلطات النيجيريــة نقــل‬ ‫أســلحة قادمــة مــن إيــران يف طريقهــا إلــى جامبيــا‪ ،‬وهــو التدخــل‬ ‫الــذي رفضتــه الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬متثــل يف وقــف تعــاون نيجيــري ــــ‬ ‫إيرانــي يف مجــال التكنولوجيــا النوويــة عــام ‪2008‬م‪ ،‬وهــو نفــس مــا‬ ‫قامــت بــه جنــوب إفريقيــا مــن وقــف للــواردات النفطيــة اإليرانيــة عــام‬ ‫‪2012‬م‪ ،‬اســتجابة للعقوبــات الدوليــة علــى إيــران‪.‬‬ ‫متــدد إيــران ووضــع قــدم لهــا يف الســاحة اإلفريقيــة أتــى نتيجــة‬ ‫غيــاب خليجــي عربــي الــذي اســتطاعت إيــران بهــذا التواجــد إلــى‬ ‫حضــور ‪ 40‬دولــة إفريقيــة يف إحــدى القمــم يف العاصمــة اإليرانيــة‬ ‫طهــران‪ ،‬وانتشــار التشــيع يف غــرب إفريقيــا‪ ،‬وثلــث إفريقيــا دول‬ ‫عربيــة وهــي أقــرب إلــى دول اخلليــج مــن إيــران‪.‬‬ ‫كان الوجــود اخلليجــي يف إفريقيــا يفتقــد إلــى اســتراتيجية‬ ‫خصوصــا أن ملنطقــة القــرن اإلفريقــي أهميــة خطيــرة حيــث‬ ‫اإلرادة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫يكتســب القــرن اإلفريقــي الــذي يضــم الصومــال واريتريــا وجيبوتــي‬

‫‪64‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تـغـلغل إيـران في الـقارة السمراء من أخـطر مهـددات األمـن العـربي‬

‫حـراك سعودي ـ خليجي لمحاصرة النفوذ‬ ‫النفوذ اإليراني يف إفريقيا‬ ‫هنــاك جنــاح محــدود يف مفاوضــات التجــارة متعــددة األطــراف‪ ،‬بــل غمــوض يحيــط مبفاوضــات الدوحــة‪ ،‬إذ تتســع قاعــدة‬ ‫املنتقديــن لوهــم القريــة الدوليــة والتــي تتســع يو ًمــا بعــد يــوم‪ ،‬لكــن يعتبرهــا البعــض بنيــة أساســية إلقامــة تكتــات اقتصاديــة‬ ‫أخــرى‪ ،‬مثــل احلفــاظ علــى القــدرة التفاوضيــة داخــل منظمــة التجــارة‪ ،‬مت التوصــل إلــى اتفــاق علــى قواعــد املنشــأ للبلــدان‬ ‫األقــل منـ ًوا‪ ،‬مــن بينهــا نــص يؤكــد علــى أن منتجــات الــدول الناميــة يجــب أن تصنــع بنســبة ثاثــة أربــاع‪ ،‬علــى األقــل‪ ،‬داخــل‬ ‫الدولــة الناميــة‪ ،‬كــي تتمتــع باملزايــا التــي تقدمهــا لهــا منظمــة التجــارة‪ ،‬بجانــب االتفــاق يف احلفــاظ علــى شــروط املنافســة‬ ‫التصديريــة بــني الــدول األعضــاء‪ ،‬وهــو اتفــاق مت اعتبــاره حلظــة تاريخيــة‪ ،‬ولــم تتوصــل الــدول األعضــاء ســوى توســيع نطــاق‬ ‫االتفــاق املتعــدد األطــراف بشــأن حتريــر منتجــات تقنيــة املعلومــات التــي متثــل ‪ 10‬يف املائــة مــن التجــارة العامليــة‪ ،‬إذ يعتبــر‬ ‫هــذا االتفــاق الواســع النطــاق أول مبــادرة متعــددة األطــراف علــى إزالــة التعريفــات اجلمركيــة التــي أكملــت عامهــا العشــرين‬ ‫مــن املفاوضــات بنهايــة عــام ‪2015‬م‪ ،‬التــي عقــدت يف نيروبــي‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد احلفيظ عبد الرحيم محبوب‬

‫يف املقابــل تنشــط التكتــات األخــرى وبشــكل خــاص حتــرص‬ ‫الواليــات املتحــدة علــى حتقيــق اتفاقيــة التجــارة عبــر األطلســي‬ ‫بعدمــا حققــت اتفاقيــة التجــارة عبــر احمليــط الهــادئ‪ ،‬حيــث يهــدف‬ ‫االحتــاد األوربــي والواليــات املتحــدة إلــى وضــع املعاييــر العليــا يف‬ ‫توســيع التجــارة الدوليــة بــدال مــن تقييدهــا ووضــع آليــة لتســوية‬ ‫املنازعــات بــني املســتثمر والدولــة‪ ،‬وتشــمل املفاوضــات اثنــني مــن‬ ‫املواضيــع املثيــرة للجــدل‪ ،‬التــي تنتقــده الشــركات األوربيــة التــي‬ ‫تــرى أن محكمــة االســتثمار التــي اقترحهــا االحتــاد األوربــي ال يعالــج‬ ‫معظــم مشــاكل وآليــات االنتصــاف خــارج نطــاق القضــاء‪ ،‬بجانــب‬ ‫التعامــات التجاريــة الضخمــة خاصــة يف مجــال التعــاون التنظيمــي‬ ‫وال ســيما يف الصناعــات واخلدمــات‪.‬‬ ‫ويف مجموعــة العشــرين التــي عقــدت يف أنطاليــا يف تركيــا‬ ‫يف نوفمبــر ‪2015‬م‪ ،‬وكانــت الســعودية البلــد العربــي الوحيــد الــذي‬ ‫شــارك يف هــذه املجموعــة‪ ،‬والــذي تعهــد قــادة العشــرين مبعاجلــة‬ ‫التبايــن يف النمــو العاملــي‪.‬‬ ‫الســعودية وبقيــة دول اخلليــج يتجهــون إلــى تكامــل خليجــي‬ ‫برؤيــة ســعودية ميتــد يف العمــق االســتراتيجي يف إفريقيــا الضفــة‬

‫الغربيــة والتــي ال يفصلهــا عنهــا ســوى البحــر األحمــر والقــرن‬ ‫األفريقــي‪ ،‬خصوصــا وأن إفريقيــا ومنطقــة القــرن اإلفريقــي تعــد‬ ‫امتــدا ًدا طبيع ًيــا لألمــن القومــي العربــي اخلليجــي‪ ،‬وهــي أقــرب‬ ‫املناطــق إليهــا وأكثرهــا خطــورة إذ بإمــكان أي قــوة يف العالــم أن‬ ‫حتكــم ســيطرتها علــى منطقــة اخلليــج والتحكــم يف بقيــة الــدول‬ ‫وخصوصــا مصــر والســودان‪ ،‬وبالفعــل نلحــظ هنــاك اهتما ًما‬ ‫العربيــة‬ ‫ً‬ ‫دول ًيــا وإقليم ًيــا غيــر مســبوق بهــذه املنطقــة‪ ،‬وهــو مــا يظهــر يف كــم‬ ‫القواعــد العســكرية التــي أقامتهــا قــوى دوليــة وإقليميــة فيهــا بعيـدًا‬ ‫عــن االهتمــام اخلليجــي العربــي‪ ،‬مــن الواليــات املتحــدة وفرنســا‬ ‫وأخيـ ًرا الصــني التــي أدركــت مؤخـ ًرا األهميــة االســتراتيجية للمنطقة‬ ‫يف احلفــاظ علــى مصاحلهــا االقتصاديــة‪ ،‬لكــن إيــران تهــدف إلــى‬ ‫محاصــرة وتطويــق دول اخلليــج والســعودية بشــكل خــاص ونشــر‬ ‫مشــروعها الفارســي عبــر مذهــب آل البيــت‪.‬‬ ‫تتأرجــح العاقــات اإليرانيــة ــــ اإلفريقيــة بــني االهتمــام والفتــور‬ ‫والعــداء منــذ أن وثــق الشــاة عاقــات إيــران بإفريقيــا لصالــح‬ ‫الواليــات املتحــدة‪ ،‬لكــن األمــر تغيــر بعــد الثــورة اخلمينيــة بســبب‬ ‫رؤيــة إيــران للقــارة اإلفريقيــة بأنهــا قــارة مســتضعفة وعليهــا‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫كمــا ميكــن اســتيراد املــواد اخلــام اإلفريقيــة وتصنيعهــا علــى‬ ‫األراضــى العربيــة‪ ،‬وهنــاك بعــض الــدول أصبــح لهــا بــاع كبيــر‬ ‫فــى صناعــات ال تتوفــر خاماتهــا يف أرضيهــا مثــل إســرائيل التــي‬ ‫كحلــى إلــى أن أصبحــت مــن أشــهر‬ ‫تســتخدم املــاس اإلفريقــي وتعــده ُ‬ ‫دول العالــم فــى صناعــة املــاس‪.‬‬ ‫إفريقيــا واعــدة ً‬ ‫أيضــا يف مجــال النفــط والغــاز الطبيعــي‪،‬‬ ‫وللشــركات العربيــة خبــرة كبيــرة يف هــذا املجــال‪ ،‬وهنــاك كثيــر‬ ‫مــن الــدول اإلفريقيــة لــم يحــظ بهــذه الثــروة ويحتــاج إلــى مشــتقات‬ ‫البتــرول وخاصــة البنزيــن والســوالر‪ ،‬والغــاز املســال‪.‬‬ ‫‪-٢‬مجال الزراعة‪:‬‬ ‫متتلــك إفريقيــا ‪ %60‬مــن األراضــي غيــر املزروعــة يف العالم‪ ،‬وحتى‬ ‫اآلن لــم يســتغل منهــا إال ‪ %6‬فقــط‪ ،‬ولــذا فإنهــا حتتــاج إلــى تطويــر‬ ‫هــذا القطــاع وتغييــر أســاليب اإلنتاجيــة باالعتمــاد علــى التكنولوجيــا‬ ‫املتطــورة‪ ،‬والتركيــز علــى تصنيــع مواردهــا الزراعيــة اخلــام ومــن ثــم‬ ‫تصديرهــا‪ ،‬بــدالً مــن االعتمــاد علــى تصديرهــا كمــوارد أولية فحســب‪،‬‬ ‫وهــذا التصنيــع يزيــد مــن القيمــة املضافــة للمــوارد‪ ،‬ويف نفــس الوقــت‬ ‫حتتــاج دول اخلليــج العربــي (غيــر املؤهلــة للزراعــة) إلــى هــذه املنتجات‬ ‫الزراعيــة ومشــتقاتها نظــ ًرا لنــدرة امليــاه بهــا‪ ،‬كمــا يوفــر االســتثمار‬ ‫العربــي يف هــذا املجــال ميــاه الــدول العربيــة احملــدودة لاســتفادة بهــا‬ ‫يف مشــروعات أخــرى خاصــة الصناعيــة‪ ،‬و يوفــر ً‬ ‫أيضــا فــرص عمــل‬ ‫ملايــني األفارقــة يف املســتقبل‪ ،‬الســعودية علــى ســبيل املثــال تســتثمر‬ ‫حوالــي ‪ 2‬مليــون هكتــار يف عــدد مــن الــدول اإلفريقيــة‪.‬‬ ‫كمــا حتظــى إفريقيــا ً‬ ‫أيضــا بثــروة حيوانيــة هائلــة حتتــاج إلــى‬ ‫رعايــة طبيــة‪ ،‬وأدويــة‪ ،‬ومجــازر حديثــة وثاجــات حفــظ ‪ ،‬وصناعــة‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪63‬‬

‫ملف العدد‬

‫حلــوم وألبــان‪ ،‬وكلهــا منتجــات حتتاجهــا جميــع الــدول العربيــة‪.‬‬ ‫‪-٣‬االستثمار يف مجال تطوير البنية التحتية اإلفريقية‪:‬‬ ‫تتجــه جميــع الــدول اإلفريقيــة إلــى تهيئــة وتطويــر البنيــة التحتيــة‬ ‫مــن أجــل حتقيــق التنميــة االقتصاديــة‪ ،‬خاصــة إنشــاء الطــرق‬ ‫واجلســور وبنــاء محطــات إنتــاج كهربــاء ومــدارس ومستشــفيات‬ ‫ومناطــق ســكانية‪ ،‬وإنشــاء شــبكات اتصــال وهــذا يشــكل اســتثمار‬ ‫جيــد للشــركات العربيــة يف إفريقيــا‪.‬‬ ‫‪-٤‬االستثمار يف مجال الطاقة املتجددة‪:‬‬ ‫القــارة اإلفريقيــة مؤهلــة إلنتــاج الكهربــاء مــن املصــادر املتجــددة‬ ‫مثــل الطاقــة املائيــة‪ ،‬وهــي اآلن تنتــج أقــل مــن ‪ %15‬مــن امكاناتهــا‬ ‫التــي تصــل إلــى أكثــر مــن ‪ 200‬ألــف ميجــاوات‪ ،‬وهــذا مجــال واعــد‬ ‫فــى إفريقيــا وتســتطيع الــدول العربيــة احلصــول علــى احتياجاتهــا‬ ‫الكهربائيــة مــن الطاقــة املائيــة اإلفريقيــة وتوفيــر النفــط الســتغاله‬ ‫يف إنتــاج مشــتقات ال ميكــن احلصــول عليهــا مــن أى مصــدر آخــر‪.‬‬ ‫وكذلــك يف مجــال الطاقــة الشمســية ومــا أكثرهــا يف القــارة‬ ‫اإلفريقيــة‪ ،‬وحتتــاج الــدول العربيــة غــزو هــذه الصناعــة عــن طريــق‬ ‫إنشــاء املصانــع التــي تنتــج املعــدات الازمــة ً‬ ‫بــدال مــن اســتيرادها‬ ‫مــن أوروبــا أو الصــني‪ ،‬وبالتالــي تســاهم يف خفــض تكلفــة اإلنتــاج‬ ‫وتشــجيع جميــع الــدول العربيــة واإلفريقيــة علــى اســتخدام الطاقــة‬ ‫الشمســية أو طاقــة الريــاح‪.‬‬ ‫* رئي ــس قس ــم امل ــوارد الطبيعي ــة‪ .‬معه ــد البح ــوث والدراس ــات‬ ‫اإلفريقي ــة‪ .‬جامع ــة القاه ــرة‬

‫‪62‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫زامبيــا‪ ،‬مدغشــقر‪ ،‬وموزامبيــق‪ .‬وميكــن االســتفادة مــن الطاقــة املائيــة‬ ‫اإلفريقيــة يف اخلليــج العربــي عــن طريــق الربــط الكهربائــي‪.‬‬

‫سادســا‪-‬الطاقة الشمسية وطاقة الرياح‪:‬‬ ‫ً‬ ‫تعــرف إفريقيــا بأنهــا قــارة الشــمس حيــث التأثيــر األعظــم علــى‬ ‫مســتوى العالــم مــن حيــث كثــرة ســاعات الســطوع الشمســي علــى‬ ‫مــدار العــام‪ ،‬كمــا تتميــز إفريقيــا بســمائها الصافيــة عــدا املنطقــة‬ ‫االســتوائية األكثــر انتشــا ًرا للســحب‪.‬‬ ‫تســجل منطقــة شــرقي الصحــراء الكبــرى‪ /‬شــمالي شــرق‬ ‫إفريقيــا بشــكل خــاص أرقا ًمــا فريــدة لعــدد ســاعات ســطوع أشــعة‬ ‫الشــمس (‪ 4,300‬ساعة‪/‬ســنة) بنســبة ‪ ،%97‬كمــا تســجل أيضــا احلــد‬ ‫األقصــى لشــدة الســطوع الشمســي الســنوي (أكثــر مــن ‪ 220‬كيلــو‬ ‫ســعر ‪ /‬ســم‪.)2‬‬ ‫إمكانــات طاقــة الريــاح يف إفريقيــا عاليــة وهــي تختلــف مــن مــكان‬ ‫إلــى آخــر‪ ،‬وتشــمل املناطــق ذات ســرعات الريــاح العاليــة شــمال وجنــوب‬ ‫إفريقيــا‪ ،‬النيجــر يف غــرب إفريقيــا؛ تشــاد يف وســط إفريقيــا؛ جيبوتــي‪،‬‬ ‫إثيوبيــا‪ ،‬كينيــا‪ ،‬الســودان‪ ،‬الصومــال‪ ،‬وأوغندا؛ وليســوتو ومــاوي وجنوب‬ ‫إفريقيــا وتنزانيــا وزامبيا‪.‬‬ ‫تنتج إفريقيا حوالي ‪ 2462‬ميجاوات من الرياح بنهاية عام ‪2014‬م‪،‬‬ ‫أهــم الــدول املنتجــة لطاقــة الريــاح هــي‪ :‬املغــرب (‪ 787‬ميجــاوات)‪ ،‬مصــر‬ ‫(‪ 610‬ميجــاوات)‪ ،‬تونــس (‪ 255‬ميجــاوات)‪ ،‬إثيوبيا (‪ 171‬ميجاوات)‪.‬‬ ‫املشــكلة الرئيســية يف اســتخدام طاقــة الريــاح أو الطاقــة‬ ‫الشمســية يف إفريقيــا هــي التكلفــة العاليــة التــي تتــراوح بــني ‪0,13‬‬ ‫– ‪ 0,26‬دوالر أمريكي‪/‬كيلــو وات ســاعة للطاقــة الشمســية‪ ،‬ولطاقــة‬ ‫الريــاح بــني ‪ 0,2 – 0,05‬دوالر أمريكي‪/‬كيلــو وات ســاعة‪ ،‬ألن معظــم‬ ‫املعــدات واخلايــا املطلوبــة يتــم اســتيرادها مــن أوروبــا والصــني‪ ،‬ولــو‬ ‫أمكــن للــدول العربيــة توفيــر هــذه الصناعــة داخــل األراضــي العربيــة‬ ‫أو اإلفريقيــة النخفضــت هــذه التكاليــف إلــى مايقــرب مــن النصــف‪.‬‬ ‫ساب ًعا‪-‬املوارد احليوانية واملراعي يف إفريقيا‪:‬‬ ‫حتتــوي إفريقيــا علــى منطقتــني متميزتــني يف احليــاة احليوانيــة‪:‬‬ ‫املنطقــة الشــمالية والشــمالية الغربيــة‪ ،‬مبــا يف ذلــك الصحــراء‬ ‫الكبــرى‪ ،‬واملنطقــة األثيوبيــة‪ ،‬وجميــع إفريقيــا جنــوب الصحــراء‪.‬‬ ‫وتتميــز املنطقــة الشــمالية والشــمالية الغربيــة بانتشــار األغنــام‬ ‫واملاعــز واخليــول واجلمــال‪ .‬املنطقــة األثيوبيــة تشــتهر مبجموعــة‬ ‫مميــزة كبيــرة ومتنوعــة للحيوانــات والطيــور‪.‬‬ ‫تنتشــر احليوانــات املستأنســة يف مناطــق املراعــي التــي تلعب دو ًرا‬ ‫ها ًمــا يف إمــداد اإلنســان باملنتجــات احليوانيــة يف جميــع أنحــاء العالم‪،‬‬ ‫أساســا إلنتــاج اللحــوم واأللبــان والبيــض‪ .‬الفئات الرئيســية‬ ‫وتســتخدم‬ ‫ً‬ ‫مــن املاشــية احملليــة يف إفريقيــا االســتوائية املجترات الكبيــرة (األبقار‬ ‫واإلبــل)‪ ،‬املجتــرات الصغيــرة (األغنــام واملاعــز)‪ ،‬وغيــر املجتــرة رعــي‬ ‫احليوانــات (احلميــر والبغــال واخليــول واخلنازيــر والدجاج)‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫حتتــوي إفريقيــا علــى ‪ %29‬مــن املاعــز يف العالــم (أكثــر مــن ‪500‬‬ ‫مليــون)‪ %16 ،‬مــن األبقــار (‪ 240‬مليــون)‪ %8 ،‬دواجــن (‪ 1,5‬بليــون)‪%3 ،‬‬ ‫خنزيــر (‪ 25‬مليــون)‪.‬‬ ‫تعانــي الثــروة احليوانيــة يف إفريقيــا مــن كثيــر مــن املشــاكل منهــا‬ ‫ضعــف البنيــة التحتيــة مــن كهربــاء وطــرق وعــدم توفــر مجــازر حديثــة‬ ‫وثاجــات تخزيــن‪ ،‬ومصانــع لإلنتــاج احليوانــي‪ ،‬وقلــة االســتثمارات‬ ‫وضعــف الرعايــة البيطريــة والتســويق‪.‬‬

‫االهتمام العربى بإفريقيا‬ ‫ممــا ســبق يتضــح أن إفريقيــا متتلــك مقومــات االســتثمار يف‬ ‫شــتى املجــاالت‪ ،‬خاصــة التعدينيــة والزراعيــة‪ ،‬عــاوة علــى مواردهــا‬ ‫البشــرية وموقعهــا االســتراتيجى ممــا أشــعل التنافــس بــني القــوى‬ ‫ً‬ ‫نشــاطا اقتصاد ًيــا واســ ًعا‬ ‫العظمــى علــى مواردهــا‪ ،‬واليــوم تشــهد‬ ‫وتدف ًقــا الســتثمارات كبيــرة مــن بعــض دول اخلليــج العربــي‪ ،‬فقــد‬ ‫ارتفــع االســتثمار األجنبــي املباشــر يف إفريقيــا مــن ‪ 15‬مليــار دوالر يف‬ ‫‪2002‬م‪ ،‬إلــى ‪ 57‬مليــار دوالر يف ‪ 2013‬م‪ ،‬وتوقعــات كبيــرة يف زيــادة‬ ‫االســتثمارات األجنبيــة يف إفريقيــا‪.‬‬ ‫وممــا يزيــد مــن أهميــة إفريقيــا كمصــدر للمــوارد أنهــا أصبحــت‬ ‫ســو ًقا واعــدًا لتصريــف املنتجــات خاصــة الصناعيــة نتيجــة اهتمــام‬ ‫الــدول اإلفريقيــة مبجــاالت التنميــة‪ ،‬وحتســن مســتوى املعيشــة للمجتمع‬ ‫اإلفريقــي ممــا ســاعد علــى حتولــه إلــى مجتمــع اســتهاكي ملختلــف‬ ‫املنتجــات مبــا فيهــا الســلع الثمينــة‪ ،‬وتزايد اســتخدام التكنولوجيــا‪ .‬ولقد‬ ‫بلغــت عمليــة التنميــة فيهــا أعلــى معــدل إذ يتــراوح منوهــا ‪ %10-5‬مبعدل‬ ‫‪ %6,5‬يف ‪ ،2014‬بينما النمو االقتصاد العاملي ال يتجاوز ‪ ،%3,6‬مما يجعل‬ ‫إفريقيــا أكثــر القــارات منوا يف العالم‪ ،‬وتشــهد بعض الــدول الفقيرة من ًوا‬ ‫اقتصاد ًيــا غيــر مســبوق يف عــام ‪2016‬م مثــل أثيوبيــا (‪ ،)%10,5‬جمهوريــة‬ ‫الكونغــو الدميقراطيــة (‪ ،)%8,5‬كــوت ديفــوار (‪.)%7,7‬‬

‫فرص التعاون بين دول الخليج العربي وإفريقيا‪:‬‬ ‫إفريقيــا بالنســبة لــدول اخلليــج هــي مصــدر للمــوارد الطبيعيــة‬ ‫والغذائيــة‪ ،‬وســوق لتصريــف املنتجــات الصناعيــة املســتقبلية‪ ،‬ومــكان‬ ‫لاســتثمار العربــي‪ ،‬ممــا يزيــد مــن عاقــات الشــراكة واملنفعــة‬ ‫املتبادلــة بــني العــرب واألفارقــة‪.‬‬ ‫‪-1‬مجال املوارد املعدنية‪:‬‬ ‫يتوفــر يف إفريقيــا خامــات اســتراتيجية هامــة مثــل الذهــب‪،‬‬ ‫النحــاس‪ ،‬واأللومنيــوم‪ ،‬احلديــد‪ ،‬املــاس‪ ،‬وحتتــاج إفريقيــا ملزيــد‬ ‫مــن االستكشــافات باســتخدام التكنولوجيــا احلديثــة‪ ،‬ومــن‬ ‫املتوقــع أن حتتــوي إفريقيــا علــى مايقــرب مــن نصــف خامــات‬ ‫العالــم املعدنيــة‪ ،‬وميكــن للشــركات العربيــة بالتعــاون مــع مثياتهــا‬ ‫األجنبيــة يف العمــل داخــل القــارة اإلفريقيــة فــى مجــاالت التعديــن‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تغطــي ‪ %64‬مــن مســاحة القــارة‪ ،‬وحتتــوي علــى ‪ %93‬مــن املــوارد‬ ‫املائيــة املتجــددة الســنوية‪ ،‬أهمهــا خمســة أحــواض نهريــة كبــرى هــى‪:‬‬ ‫الكونغــو (‪ 3,7‬مليــون كــم‪ ،)2‬النيــل (‪ 3‬مليــون كــم‪ ،)2‬النيجــر (‪2,1‬‬ ‫مليــون كــم‪ ،)2‬والزمبيــزي (‪ 1,4‬مليــون كــم‪ ،)2‬األوراجن (‪ 890‬ألــف‬ ‫كــم‪ ،)2‬كمــا حتتــوي علــى ‪ 40‬خــزان جــويف مشــترك‪.‬‬ ‫يبلــغ متوســط كميــة امليــاه الســطحية املتجــددة ســنو ًيا يف إفريقيــا‬ ‫حوالــي ‪ 4050‬بليــون م‪ 3‬وهــي متثــل ‪ %9‬عامل ًيــا‪ ،‬بالرغــم مــن أن إفريقيــا‬ ‫تشــكل ‪ %16‬مــن ســكان العالــم‪ ،‬ونحــو ‪ %20,3‬مــن مســاحة القــارات‪ ،‬كمــا‬ ‫يبلــغ نصيــب الفــرد الســنوى مــن امليــاه يف إفريقيــا حوالــي ‪ 3681‬م‪/3‬‬ ‫ســنة يف ‪2015‬م‪ ،‬وهــي متثــل تقري ًبــا نصــف نصيــب الفــرد العاملــي ‪6305‬‬ ‫م‪/3‬ســنة‪.‬‬ ‫حتظــى جمهوريــة الكونغــو الدميقراطيــة‬ ‫مبفردهــا علــى حوالــي ‪ 5714‬بليــون م‪ 3‬ميــاه أمطــار‬ ‫يجــري منهــا علــى الســطح ‪ 1300‬بليــون م‪%32( 3‬‬ ‫مــن امليــاه الســطحية اإلفريقيــة) هــي حصيلــة‬ ‫التصــرف الســنوي لنهــر الكونغــو علــى مــدار العــام‪،‬‬ ‫وهــي تعــادل ‪ِ 15‬ض ْعــف مايأتــي بــه نهــر النيــل‬ ‫ســنو ًيا عنــد أســوان‪ ،‬تصــرف جميعهــا يف احمليــط‬ ‫األطلنطــى لعــدم حاجــة الكونغــو لهــا بســب األمطــار‬ ‫الدائمــة طــوال العــام‪.‬‬ ‫تعانــي أغلــب املناطــق العربيــة مــن نــدرة امليــاه نظــ ًرا للموقــع‬ ‫اجلغــرايف الكائــن يف املنطقــة اجلافــة وشــبه اجلافــة مــن الكــرة‬ ‫األرضيــة حيــث قلــة األمطــار‪ ،‬وارتفــاع درجــة احلــرارة وزيــادة‬ ‫معــدالت البخــر‪ .‬انخفــض نصيــب الفــرد الســنوي مــن امليــاه املتجــددة‬ ‫خاصــة فــى دول اخلليــج العربــي إلــى أقــل مــن ‪ 100‬م‪/3‬ســنه (شــكل‬ ‫‪ )3‬نتيجــة زيــادة النمــو الســكاني والعمرانــي الســريع‪ ،‬وتزايد النشــاط‬ ‫الصناعــي والزراعــي‪ ،‬وتزايــد اســتهاك الفــرد‪.‬‬

‫مقال‬

‫ملف العدد‬

‫خامسا‪-‬الطاقة الكهرومائية‪:‬‬ ‫ً‬ ‫توفيــر الطاقــة هــو التحــدي االقتصــادي الرئيســي الــذي يواجــه‬ ‫القــارة اإلفريقيــة وكثيــر مــن الــدول العربيــة‪ ،‬تتمتــع القــارة اإلفريقيــة‬ ‫بإمكانــات طاقــة كهرومائيــة ضخمــة تكفــي لتلبيــة احتياجــات القــارة‬ ‫مــن الكهربــاء والتصديــر خــارج القــارة‪ .‬أكبــر التصرفــات املائيــة‬ ‫تأتــي مــن نهــر الكونغــو ثــم الزمبيــزي والنيجــر والنيــل‪ .‬تتميــز الطاقــة‬ ‫املائيــة بأنهــا نظيفــة ومتجــددة‪ ،‬ورخيصــة التكلفــة حيــث يتــراوح‬ ‫ســعر الكيلــو وات ســاعة بــني ‪ 0,10 – 0,03‬دوالر أمريكــي‪ .‬تنتــج‬ ‫إفريقيــا حوالــي ‪ %3‬فقــط مــن إنتــاج الطاقــة املائيــة يف العالــم‪ ،‬وهــذا‬ ‫يشــكل أقــل مــن ‪ %15‬مــن إمكاناتهــا الكهرومائيــة‪ ،‬ويرجــع ذلــك الــى‬ ‫التحديــات التقنيــة واملاليــة والبيئيــة الرئيســية التــي‬ ‫يجــب التغلــب عليهــا لتطويــر هــذه املــوارد‪ .‬وتشــهد‬ ‫إفريقيــا تقد ًمــا كبيــ ًرا يف اســتغال الطاقــة املائيــة‬ ‫يف الســنوات األخيــرة‪ ،‬ويوجــد حتــت اإلنشــاء حال ًيــا‬ ‫مشــروعات إلنتــاج حوالــي ‪ 17‬ألــف ميجــاوات‪.‬‬ ‫إمكانــات إنتــاج الكهربــاء مــن األنهــار اإلفريقيــة‬ ‫يزيــد علــى ‪ 200‬ألــف ميجــاوات‪ ،‬تصــل إمكانــات نهــر‬ ‫الكونغــو فقــط الــى حوالــي ‪ 100‬ألــف ميجاوات‪ ،‬منها‬ ‫أكثــر مــن ‪ 40‬ألــف ميجــاوات مــن مشــروع ســد اجنــا‬ ‫العظيــم (‪ ،)Grand Inga‬ســوف يعتبــر أكبــر مشــروع‬ ‫مائــى النتــاج الكهربــاء فــى العالــم‪ ،‬والــذى يحتــاج إلــى حوالــى ‪100‬‬ ‫بليــون دوالر أمريكــي‪ ،‬ولــذا فهــو يعتبــر مشــروع اقليمــي وليــس قومــى‬ ‫يحتــاج إلــى تكاتــف اجلهــود الدوليــة‪ ،‬حيــث أن جمهوريــة الكونغــو‬ ‫الدميقراطيــة مــن أفقــر ‪ 10‬دول فــى العالــم فهــي التســتطيع تنفيــذ‬ ‫هــذا املشــروع مبفردهــا‪ ،‬ويصــل جملــة مــن تنتجــه مــن كهربــاء حوالــي‬ ‫‪ 2,410‬ميجــاوات مــن ‪ 17‬مشــروع مائــي منهــا أجنــا األول (‪351‬‬ ‫ميجــاوات)‪ ،‬أجنــا الثانــي (‪ 1424‬ميجــاوات)‪ ،‬وحتــت اإلنشــاء أجنــا‬ ‫الثالــث (‪ 4320‬ميجــاوات ليبــدأ العمــل ‪2013‬م‪ ،‬مــن إجمالــي محتمــل‬ ‫‪ 7800‬ميجــاوات)‪.‬‬ ‫إمكانــات إثيوبيــا مــن الطاقــة املائيــة تصــل إلــى حوالــي ‪40‬‬ ‫ألــف ميجــاوات‪ ،‬ينتــج منهــا حتــى نهايــة عــام ‪2015‬م حوالــي ‪3000‬‬ ‫ميجــاوات مــن مشــروعات مائيــة أهمهــا جيبــى ‪ 1‬عــام ‪2004‬م (‪184‬‬ ‫ميجــاوات)‪ ،‬تاكيــزى عــام ‪2009‬م (‪ 300‬ميجــاوات)‪ ،‬جيبــى ‪ 2‬عــام‬ ‫‪2010‬م (‪ 420‬ميجــاوات)‪ ،‬تانا‪-‬بليــس عــام ‪2010‬م (‪ 460‬ميجــاوات)‪،‬‬ ‫ســد جيبــى ‪ 3‬عــام ‪ 1870( 2015‬ميجــاوات)‪ ،‬وحتــت اإلنشــاء حال ًيــا‬ ‫ســد النهضــة الــذي ســوف ينتــج حوالــي ‪ 6‬آالف ميجــاوات بنهايــة‬ ‫عــام ‪2017‬م‪.‬‬ ‫يصــل إجمالــي الطاقــة املائيــة اإلفريقيــة يف نهايــة عــام ‪2014‬م‬ ‫إلــى ‪ 28‬ألــف ميجــاوات‪ %90 ،‬منهــا يتركــز يف ثمانيــة دول هــي‪:‬‬ ‫جمهوريــة الكونغــو الدميقراطيــة وإثيوبيــا‪ ،‬مصــر‪ ،‬اجلابــون‪ ،‬نيجيريــا‪،‬‬

‫تــحـظـى إفـريـقـيا‬ ‫بــ ‪ 61‬حـــوض نــهــري‬ ‫مشترك تغطي ‪ %64‬من‬ ‫مسـاحتها وتضـم ‪%93‬‬ ‫مـن الــمـوارد الـمـائيـة‬

‫شــكل (‪ :)٣‬نصيــب الفــرد العربــي مــن امليــاه املتجــددة عــام ‪٢٠1٥‬‬ ‫واملتوقــع عــام ‪٢٠٢٥‬م‪.‬‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪61‬‬

‫‪60‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إفـريقـــيا تضــم ‪ %30‬مــن احتياطــي المــوارد المعدنيــة يف العالــم‬ ‫تـتـركـز فـي وسـط وجـنوب الـقـارة الـسـمـراء‬

‫أهــم الـــدول اإلفـريـقـيــــة فـــي مجــال التعديــن هــي‪ :‬جنــوب إفريقيــا‪،‬‬ ‫غانــا‪ ،‬زميبابــوي‪ ،‬تنزانيــا‪ ،‬زامبيا‪ ،‬وجمهورية الكونغو الدميقراطية‪ .‬وتعد‬ ‫جمهوريــة جنــوب إفريقيــا واحــدة مــن أكبــر دول العالــم يف مجال التعدين‬ ‫مــن حيــث التنــوع املعدنــي وكميــة اإلنتــاج واالحتياطــي‪ ،‬فهــي حتتــوي‬ ‫علــى أكبــر احتياطــي عاملــي مــن الكــروم والذهــب والفانديــوم واملنجنيــز‬ ‫والباتــني‪ ،‬كمــا أنهــا تعتبــر رائــدة القــارة فــى اإلنتــاج واالحتياطــي ملعظــم‬ ‫املعــادن باســتثناء املــاس (بتســوانا وجمهوريــة الكونغــو الدميقراطيــة)‬ ‫واليورانيوم (النيجر) والنحاس (زامبيا وجمهورية الكونغو الدميقراطية)‬ ‫والفوســفات يف املغــرب‪.‬‬

‫ثان ًيا‪-‬النفــط والغاز الطبيعي يف إفريقيا‪:‬‬ ‫متلــك إفريقيــا إمكانــات نفطيــة كبيــرة رغــم تواضــع النشــاط‬ ‫االستكشــايف بهــا‪ ،‬وخاصــة فــى خليــج غينيــا ودول شــمال وشــرق إفريقيا‬ ‫حيــث األحــواض الرســوبية والتراكيــب اجليولوجيــة املناســبة‪.‬‬ ‫تقوم حوالي ‪ 16‬دولة إفريقية بتصدير النفط هى‪ :‬نيجيريا‪ ،‬أجنوال‪،‬‬ ‫ليبيــا‪ ،‬اجلزائــر‪ ،‬الســودان‪ ،‬جنــوب الســودان‪ ،‬غينيــا االســتوائية‪ ،‬الكونغــو‬ ‫برازافيــل‪ ،‬اجلابــون‪ ،‬تشــاد‪ ،‬مصــر‪ ،‬تونــس‪ ،‬الكاميــرون‪ ،‬كــوت ديفــوار‪،‬‬ ‫جمهوريــة الكونغــو الدميقراطيــة‪ ،‬وموريتانيا‪ .‬تنتج القــارة اإلفريقية أكثر‬ ‫مــن ‪ %11‬مــن إنتــاج النفــط العاملــي علــى مــدار العقــد املاضــى‪ ،‬ولكــن ال‬ ‫يــزال عائــد النفــط ضعيــف ج ـدًا‪ ،‬وفــى املقابــل اســتهاك النفــط فــى‬ ‫معظــم الــدول اإلفريقيــة منخفــض للغايــة‪.‬‬ ‫حتتل إفريقيا املرتبة الثالثة عامل ًيا (‪ )%10‬فى احتياطي‪ ،‬ووف ًقا لتقارير‬ ‫‪ BP‬اإلحصائيــة للطاقــة‪ ،‬فــإن احتياطــى النفــط املؤكــد فــى إفريقيــا ازداد‬ ‫مبقــدار ‪ %150‬عنــه عــام ‪1980‬م‪ ،‬حيــث ازداد مــن ‪ 53‬بليون برميــل إلى ‪130‬‬ ‫بليون برميل يف نهاية عام ‪2013‬م‪ ،‬ومن املتوقع أن يستمر فى هذه الزيادة‪،‬‬ ‫ويقــدر احتياطــي النفــط عبر مياه البحار بحوالــي ‪ 100‬بليون برميل‪.‬‬ ‫أهــم الــدول التــي يصــدر إليهــا النفــط اإلفريقــى هــى الواليــات‬ ‫املتحــدة األمريكيــة (‪ ،)%23‬الصــني (‪ ،)%14‬إيطاليــا (‪ ،)%8‬والهنــد (‪.)%8‬‬

‫علــى الرغــم مــن املــوارد النفطيــة الكبيــرة يف إفريقيــا‪ ،‬إال أن طاقــة‬ ‫التكريــر محــدودة للغايــة‪ ،‬نتيجــة لذلــك فــإن ً‬ ‫دوال مصــدرة خلــام النفــط‬ ‫مثــل أجنــوال ونيجيريــا تســتورده مــرة أخــرى كمشــتقات بتروليــة بتكلفــة‬ ‫إضافيــة‪ .‬ويعــوق صناعــة تكريــر البتــرول فــى إفريقيــا عــدة مشــاكل منها‬ ‫الفســاد‪ ،‬وســوء الصيانــة‪ ،‬والســرقة‪.‬‬ ‫يشــكل احتياطــي الغــاز الطبيعــي يف إفريقيــا حوالــي ‪ %7,6‬مــن‬ ‫االحتياطــي العاملــي عــام ‪2014‬م‪ ،‬ازداد هــذا االحتياطــي مــن ‪ 210‬ترليون‬ ‫قــدم مكعــب يف عــام ‪1980‬م‪ ،‬إلــى ‪ 500‬ترليــون قــدم مكعــب عــام ‪2013‬م‪،‬‬ ‫محق ًقــا منــ ًوا قــدره ‪ .%138‬ويشــكل إنتــاج الغــاز الطبيعــي يف إفريقيــا‬ ‫حوالــي ‪ %5,8‬مــن اإلنتــاج العاملــي عــام ‪2014‬م‪ ،‬وأهــم الــدول املنتجــة هــي‬ ‫اجلزائــر (‪ )%41‬ومصــر (‪ )%24‬ونيجيريــا (‪ )%19‬وليبيــا (‪.)%6‬‬

‫ثال ًثا‪-‬األراضي الصالحة للزراعة‪:‬‬ ‫إفريقيــا لديهــا إمكانــات كبيــرة فــى املجــال الزراعــي‪ ،‬حيــث تتوفر‬ ‫التربــة الزراعيــة التــي هــي مــورد طبيعــي غيــر متجــدد وضــروري‬ ‫لتحقيــق األمــن الغذائــي‪ ،‬وتبلــغ مســاحة األراضــي الصاحلــة للزراعــة‬ ‫يف إفريقيــا حوالــي ‪ 630‬مليــون هكتــار (‪ %21‬مــن مســاحة القــارة)‪،‬‬ ‫ويعتمــد ‪ %50‬مــن ســكان إفريقيــا علــى النشــاط الزراعــي الــذي‬ ‫يشــكل ‪ %30‬مــن النــاجت احمللــى اإلجمالــي (‪.)GDP‬‬ ‫حتتــوى القــارة اإلفريقيــة علــى ‪ %25‬مــن إجمالــي األرضــي‬ ‫الصاحلــة للزراعــة فــى العالــم‪ ،‬إال أنهــا تنتــج حوالــي ‪ %10‬فقــط مــن‬ ‫اإلنتــاج الزراعــي العاملــي‪ ،‬ولــذا فهــي تعتمــد بشــكل كبيــر علــى اســتيراد‬ ‫الغــذاء وكذلــك علــى املعونــات اخلارجيــة الغذائيــة ألســباب عديــدة‬ ‫منهــا عــدم اســتغال كثيــر مــن األراضــي القابلــة للزراعــة‪ ،‬وانخفــاض‬ ‫إنتاجيــة األراضــي الزراعيــة لعــدم تطبيــق أســاليب الزراعــة احلديثــة‪،‬‬ ‫وعــدم اســتخدام نظــم الــري‪ ،‬حيــث تعتمــد إفريقيــا بنســبة ‪ %4‬فقــط‬ ‫علــى الزراعــة املرويــة والباقــي زراعــة مطريــة‪ ،‬ومــن املعــروف أن الــري‬ ‫ميكــن أن يزيــد اإلنتــاج الزراعــي بنســب تتــراوح بــني ‪،%400-100‬‬ ‫تدهــور األراضــي بســبب التعريــة الشــديدة وزيــادة التملــح‪ ،‬ضعــف‬ ‫البنيــة التحتيــة خاصــة الطــرق والطاقــة ووســائل تخزيــن احملاصيــل‬ ‫حيــث تفقــد إفريقيــا حوالــي ‪ %50‬مــن هــذه احملاصيــل نتيجــة التخزيــن‬ ‫الســيئ وضعــف التســويق واالتصــاالت‪ ،‬وانتشــار األمــراض مثــل اإليدز‬ ‫واملاريــا واحلمــى الصفــراء وغيرهــا‪.‬‬

‫راب ًعا‪-‬المــوارد المائية يف إفريقيا‪:‬‬ ‫حتظــى القــارة اإلفريقيــة بأكثــر مــن ‪ 61‬حــوض نهــري مشــترك‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪59‬‬

‫ملف العدد‬

‫أربـعة مجاالت مهيـأة لالستـثمارات الـعربـيـة بالـقـارة السـمراء‬

‫الموارد الطبيعية يف إفريقيا‪:‬‬ ‫الفــرص واإلمكانيــات ومصالــح دول الخليــج‬ ‫القــارة اإلفريقيــة هــي ثانــي أكبــر قــارة يف العالــم مــن حيــث املســاحة‪ ،‬وتشــكل ‪ %21‬مــن مســاحة الكتلــة األرضيــة (‪ 30,3‬مليــون‬ ‫كــم‪ ،)2‬ويســكن بهــا نحــو ‪ 1,2‬بليــون نســمة عــام ‪2016‬م (‪ %16‬مــن ســكان العالــم)‪ ،‬كمــا تزخــر بالكثيــر مــن املــوارد الطبيعيــة‪،‬‬ ‫مثــل النفــط والغــاز الطبيعــي واملعــادن واألخشــاب واألراضــي الصاحلــة للزراعــة‪ ،‬والثــروة احليوانيــة‪ ،‬وامليــاه العذبــة مــن‬ ‫أمطــار وأنهــار وبحيــرات وميــاه جوفيــة‪ ،‬وطاقــة شمســية‪ ،‬وطاقــة ريــاح‪ ،‬عــاوة علــى املوقــع االســتراتيجي اجلغــرايف‪ ،‬والتــى‬ ‫ال تــزال فــى معظمهــا غيــر مســتغلة بســبب ضعــف البنيــة التحتيــة‪ ،‬وعــدم االســتقرار السياســي واألمنــي‪ ،‬وانتشــار اجلهــل‬ ‫واملــرض والفقــر والفســاد‪ ،‬ونقــص االســتثمارات‪.‬‬

‫د‪ .‬عباس محمد شراقي‬

‫رغــم أن الكثيــر مــن املــوارد الطبيعيــة فــى إفريقيــا مازالــت حتــت‬ ‫االستكشــاف‪ ،‬إال أنهــا تشــكل حجــر األســاس لاقتصــاد اإلفريقــي‪،‬‬ ‫حيــث تعتمــد معظــم الــدول اإلفريقيــة عليهــا فــى التصديــر‪ .‬لعبــت‬ ‫املــوارد الطبيعيــة فــى القرنــني املاضيــني دوراً رئيســياً فــى جلــب‬ ‫االســتعمار الــى القــارة اإلفريقيــة بغيــة االســتفادة منهــا فــى منــوه‬ ‫االقتصــادي‪ ،‬وتركهــا فــى ســتينات القــرن املاضــي تواجــه مصيــ ًرا‬ ‫صع ًبــا فــى مواجهــة التحديــات االقتصاديــة حيــث أن بهــا حال ًيــا ‪35‬‬ ‫دولــة مــن مجمــوع ‪ 50‬دولــة هــي األفقــر عامل ًيــا طب ًقــا لتقريــر البنــك‬ ‫الدولــي لعــام ‪ 2015‬م‪.‬‬ ‫عــاد التنافــس الدولــي علــى القــارة اإلفريقيــة مــرة أخــرى خاصــة‬ ‫يف العقديــن األخيريــن بــني األقطــاب الرئيســة للنظــام الدولــي‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬وأوروبــا‪ ،‬والصــني‪ ،‬ولكــن بشــكل جديــد‬ ‫يتفــق مــع طبيعــة النظــام الدولــى احلديــث‪ ،‬وازداد مؤخـ ًرا ظهــور دول‬ ‫اخلليــج العربــي وتركيــا والهنــد وإيــران ومــن قبلهــم اســرائيل علــى‬ ‫الســاحة اإلفريقيــة بهــدف االســتفادة مــن ثــروات القــارة ومواردهــا‬ ‫الطبيعيــة عــن طـــــريق االســتثمار والتعــاون املشــترك‪.‬‬

‫مثــل الباتــني والكــروم‪ ،‬ومنهــا مــا هــو أكثــر مــن ‪ %40‬مثــل الذهــب‬ ‫واملــاس والكوبالــت واملنجنيــز والفوســفات (شــكل ‪،)2‬‬ ‫شــكل (‪ :)1‬التوزيــع اجلغــرايف ألهــم املعــادن اإلســتراتيجية فــى‬ ‫أفريقيــا عــام ‪٢٠1٥‬م‪.‬‬

‫ً‬ ‫أوال‪-‬الموارد المعدنية‪:‬‬ ‫حتتوي القارة اإلفريقية على أكثر من ‪ %30‬من مجموع احتياطي‬ ‫املــوارد املعدنيــة للكــرة األرضيــة‪ ،‬مركــزة فــى وســط وجنــوب القــارة‬ ‫(شــكل ‪ ،)1‬منهــا مــا يشــكل أكثــر مــن ‪ %90‬مــن االحتياطــي العاملــي‬

‫شــكل (‪ :)٢‬نســبة اإلنتــاج واالحتياطــي العاملــي للمعــادن يف إفريقيــا‬ ‫عـ ــام ‪٢٠1٥‬م‪.‬‬

‫‪58‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫العربيــة الســعودية والكويــت واإلمــارات وقطــر والبحريــن بينمــا كانــت‬ ‫مالــي والنيجــر وتشــاد األكثــر اســتحوا ًذا علــى االســتثمارات الزراعيــة‬ ‫الليبيــة قبــل أن تصــل ليبيــا إلــى وضعها احلالي‪ .‬وميكن لاســتثمارات‬ ‫اخلليجيــة الزراعيــة االســتثمار يف حاصــات الفجــوة الغذائية العربية‬ ‫خاصــة يف احلاصــات التــي جتــود يف دول شــرق ووســط إفريقيــا‬ ‫وهــي ً‬ ‫أيضــا احلاصــات ذات االحتياجــات املائيــة الكبيــرة وأهمهــا‬ ‫قصــب الســكر واألرز وزيــوت النخيــل والــذرة مبختلــف أنواعهــا خاصة‬ ‫الــذرة الصفــراء لألعــاف ثــم الشــعير وبنســب أقــل االســتثمارات‬ ‫يف زراعــات القمــح نظــرا للمنــاخ اإلفريقــي احلــار ثــم تأتــي الثــروة‬ ‫احليوانيــة واللحــوم احلمــراء والتــي تنمــو علــى املراعــي الطبيعيــة‬ ‫والســفانا ومعهــا ً‬ ‫أيضــا االســتثمار يف أخشــاب الغابــات وصناعــات‬ ‫الــورق كمــا يف غابــات الكونغــو (تبلــغ ‪ 220‬مليــون فــدان وتعتبــر ثانــي‬ ‫أكبــر مســاحة غابــات يف العالــم بعــد غابــات األمــازون) والتــي تســتأثر‬ ‫بهــا الصــني وحدهــا حتــى اآلن دون منافســة كمــا حتــاول الصــني أن‬ ‫تســتأثر بأغلــب االســتثمارات الزراعيــة يف إثيوبيــا وتنزانيــا ومعهــا‬ ‫الهنــد وإســرائيل وكوريــا اجلنوبيــة بــل نســتطيع أن نقــول أن الصــني‬ ‫واقعــة متامــا يف غــرام إثيوبيــا‪ ،‬حيــث تقيــم الصــني والهنــد ملتقيــات‬ ‫ســنوية حتــت مســمى «الصــني وإفريقيــا» و «الهنــد وإفريقيــا» علــى‬ ‫الرغــم مــن إدانــة تقاريــر األمم املتحــدة الســتنزاف الصــني والهنــد‬ ‫ومعهمــا كوريــا اجلنوبيــة للثــروات الطبيعيــة للــدول اإلفريقية ســواء يف‬ ‫زراعــات الوقــود احليــوي إلنتــاج بدائل للبنزين والســوالر أو الســتغال‬ ‫الغابــات خشــبيا وإقامــة مصانــع للــورق ولتصنيــع األثــاث مــع االبتعــاد‬ ‫عــن إقامــة مشــروعات إلنتــاج الغــذاء مبــا وصفتــه األمم املتحــدة بأنــه‬ ‫احتــال لألراضــي حتــت مســمى االســتثمار الزراعــي أو هــو اســتغال‬ ‫إلمكانيــات املــارد األفريقــي دون عائــد يذكــر علــى ســكانه الفقــراء‬ ‫ودون املســاهمة يف تقليــص الفجــوة الغذائيــة ونســب الفقــر واجلــوع‬ ‫‪ ،Land Grabbing in Africa‬وعلــى ذلــك فــإن القــارة اإلفريقيــة‬ ‫التــي حتقــق ميــزان جتــاري يف صاحلهــا لعاقتهــا التجاريــة مع الصني‬ ‫بســبب اســتنزاف الصــني للمــوارد الطبيعيــة يف القــارة اإلفريقيــة‪.‬‬ ‫العالقــات التجاريــة بــني الصني وإفريقيا‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ببنــاء مصنــع الســكر‪ ،‬وباملثــل فــإن االســتثمارات يف الثــروة احليوانيــة‬ ‫يف األبقــار والضــأن واجلمــال يتطلــب إنشــاء وحــدات بيطريــة حديثــة‬ ‫لرعايــة املواشــي وتطعيماتهــا ثــم مســالخ ومصانــع تعبئــة وتبريــد‬ ‫لنقــل اللحــوم الطازجــة واملبــردة إلــى دول اخلليــج مبــا ميثــل قيمــة‬ ‫مضافــة كبيــرة وتتحــول إلــى اســتثمارات نظيفــة وصديقــة للبيئــة‪.‬‬ ‫االســتثمار األمثــل للمــوارد الزراعيــة الوفيــرة وحتقيــق قيمــة مضافــة‬ ‫مــن االســتثمارات اخلليجيــة يف دول القــارة اإلفريقيــة يتطلــب حتميــة‬ ‫إدخــال التصنيــع الزراعــي يف هــذه الــدول ونقــل املنتــج النهائــي فقــط‬ ‫إلــى دول اخلليــج‪ ،‬فإقامــة مشــروعات لزراعــات قصــب الســكر علــى‬ ‫األمطــار املجانيــة بجــدواه االقتصاديــة العاليــة يكتمــل يضــاف إلــى‬ ‫ذلــك ً‬ ‫أيضــا مصانــع األلبــان للمواشــي التــي تعيــش علــى املــوارد‬ ‫الطبيعيــة وبالتالــي إنتــاج األلبــان األورجانيــك وجميــع منتجاتهــا‬ ‫باإلضافــة إلــى اللحــوم نفســها كمنتــج عضــوي خالــص نــاجت مــن مــراع‬ ‫ومــروج طبيعيــة ال يضــاف إليهــا ال مبيــدات وال أســمدة وبالتالــي‬ ‫تكــون قــادرة علــى غــزو دول االحتــاد األوروبــي واملنطقــة العربيــة‬ ‫وتبــاع بأســعار تتــراوح بــني ‪ 10 – 3‬أضعــاف املنتجــات التقليديــة‬ ‫غيــر العضويــة باإلضافــة إلــى تأثيراتهــا اإليجابيــة علــى الصحــة‬ ‫العامــة بســبب خلوهــا مــن الكيماويــات‪ .‬وباملثــل ً‬ ‫أيضــا اخلضــروات‬ ‫والطماطــم والتــي تكتمــل مبصانــع مركــزات الطماطــم (الصلصــة)‬ ‫واخلضــروات املبــردة واملجمــدة واحملفوظــة وســابقة التحضيــر بــدون‬ ‫مــواد حافظــة‪ ،‬ونفــس األمــر يف فاكهــة العصيــر مــن املاجنــو واملوالــح‬ ‫واألنانــاس واخلــوخ وغيرهــا والتــي تكتمــل بالتصنيــع الزراعــي‬ ‫ومصانــع العصائــر ومركــزات الفاكهــة‪.‬‬ ‫قــارة بكــر مــع رؤوس أمــوال خليجيــة واســتثمارات نظيفــة تســاهم‬ ‫يف أمــن الغــذاء يف دول القــارة األفريقيــة ومعهــا املنطقــة العربيــة‬ ‫ميكــن أن تكــون اســتثما ًرا نظي ًفــا وليــس اســتغال واســتنزاف للمــوارد‬ ‫كمــا تفعــل الــدول الغريبــة عــن املنطقــة‪ ،‬فمــا أصعــب أن ننتــزع الغــذاء‬ ‫مــن أيــاد جائعــة‪.‬‬ ‫*األستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫والســكر والزبــدة واأللبــان ومنتجاتهــا‪ ،‬حتــى عــادت األزمــة بعنــف‬ ‫مــرة أخــرى عــام ‪2010‬م‪ ،‬مبــا أيقــظ الوعــي العــام لــدى احلكومــات‬ ‫بخطــورة موقــف األمــن الغذائــي للمنطقــة العربيــة حيــث أســتنفذ‬ ‫ارتفــاع أســعار الغــذاء وحــده (وليــس ثمــن الغــذاء) أكثــر مــن ‪ %1‬مــن‬ ‫النــاجت احمللــي للــدول العربيــة‪ .‬تكــرار نوبتــني الرتفــاع أســعار الغــذاء‬ ‫خــال عامــني فقــط لفتــت االنتبــاه بشــدة إلــى أهميــة األمــن الغذائــي‬ ‫وتوفيــر متطلبــات الــدول مــن غذائهــا بعيـدًا عــن مضاربــات املجرمــني‬ ‫يف بورصــات الغــذاء العامليــة وســيطرة البعــض علــى أســعار الغــذاء‬ ‫بســبب االحتــكارات وتعمــد تعطيــش األســواق ألن األمــر قــد يصــل‬ ‫بنــا إلــى أن يكــون النفــط مقابــل الغــذاء‪ ،‬بــل أن بعــض الــدول رفعــت‬ ‫شــعار أن ميــاه اليــوم هــي بتــرول الغــد وهــي ً‬ ‫أيضــا ذهــب وباتــني‬ ‫بعــد الغــد‪ .‬ثــم يأتــي دخــول تغيــر املنــاخ يف احلســابات وأضافتــه‬ ‫ألهميــة مضاعفــة لألمــن الغذائــي مــع التوقعــات بنقــص محصــول‬ ‫احلاصــات االســتراتيجية بنســب تتــراوح بــني ‪ 10‬إلــى ‪ %20‬خاصــة‬ ‫يف املنطقــة العربيــة مــع احتمــاالت يقينيــة بتحــرك األمطــار شـ ً‬ ‫ـماال‬ ‫وتراجعهــا علــى أغلــب الــدول العربيــة‪.‬‬ ‫نتيجــة لــكل مــا ســبق اجتهــت األنظــار عامل ًيــا وعرب ًيــا إلــى دول‬ ‫الوفــرة الزراعيــة لــكل مــن امليــاه والتــرب الزراعيــة خاصــة يف الــدول‬ ‫منخفضة الكثافة السكانية سواء يف دول جنوب آسيا أو شرق أوروبا‬ ‫أو بعــض دول األمريكيتــني ثــم أخيـ ًرا القــارة البكــر إفريقيــا حيــث أقل‬ ‫النســب الســتغال املتــاح مــن امليــاه ومــن التــرب الزراعيــة والبحــث‬ ‫عــن جــذب اســتثمارات خارجيــة تنهــض مبســتوى املعيشــة للفقــراء‬ ‫مــن الســكان حيــث تعتبــر القــارة الســمراء هــي األكثــر يف عــدد الــدول‬ ‫التــي تعانــي مــن الفقــر واجلــوع بينمــا متثــل القــارة اآلســيوية الكثافــة‬ ‫األكبــر لعــدد الفقــراء يف العالــم‪ .‬بــدأ الرصــد العاملــي للزراعــة يف‬ ‫اخلــارج والــدول التــي تعــرض أراضيهــا لاســتثمارات الزراعيــة وهــي‬ ‫منتشــرة يف قــارات الدنيــا اخلمــس بــد ًءا مــن األمريكيتــني ثــم شــرق‬ ‫أوروبــا وروســيا وبلــدان البحــر األســود وصــوال إلــى آســيا وإفريقيــا‪.‬‬ ‫ففــي أمريــكا اجلنوبيــة كانــت األرجنتــني األكثــر جذ ًبــا لاســتثمارات‬ ‫الزراعيــة ثــم كنــدا يف أمريــكا الشــمالية‪ ،‬ثــم يف القــارة اآلســيوية‬ ‫كانــت كمبوديــا وإندونيســيا والوس وميامنــار‪ ،‬ثــم يف القــارة اإلفريقيــة‬ ‫التــي تصنــف باملــارد النائــم أو ســلة غــذا العالــم يف املســتقبل كانــت‬ ‫االســتثمارات الزراعيــة وفيــرة يف موزمبيــق ومدغشــقر وإثيوبيــا‬ ‫وتنزانيــا والســودان وجــوب الســودان والســنغال ومالــي والكاميــرون‬ ‫والكونغــو وكينيــا وغانــا‪.‬‬ ‫القـــارة الســـمراء كانـــت األكثـــر جذ ًبـــا لاســـتثمارات العامليـــة‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪57‬‬

‫ملف العدد‬

‫بس ــبب وف ــرة األراض ــي واملي ــاه مبختل ــف أنواعه ــا س ــواء األمط ــار أو‬ ‫املي ــاه اجلوفي ــة القريب ــة أو األنه ــار والبحي ــرات العذب ــة‪ ،‬باإلضاف ــة‬ ‫إل ــى وف ــرة األراض ــي الزراعي ــة غي ــر املس ــتغلة وانخف ــاض أس ــعارها‬ ‫أو طرحهــا باملجــان يف بعــض األحيــان بســبب مــا تعانيــه هــذه الــدول‬ ‫م ــن الن ــدرة التقني ــة واالقتصادي ــة أي غي ــاب أصح ــاب التخصص ــات‬ ‫ً‬ ‫وأيضـــا غيـــاب‬ ‫املختلفـــة يف الزراعـــة والـــري واســـتخدامات امليـــاه‬ ‫رأس امل ــال واالعتم ــادات املالي ــة الازم ــة لزراع ــة األراض ــي الوفي ــرة‬ ‫ً‬ ‫وأيض ــا لتوفي ــر البني ــة األساس ــية الزراعي ــة‪.‬‬ ‫تصنــف موزمبيــق علــى أنهــا الدولــة األكثــر جذ ًبــا لاســتثمارات‬ ‫الزراعي ــة األجنبي ــة بنح ــو ‪ 14‬ملي ــون هكت ــار ويس ــيطر عل ــى أغل ــب‬ ‫االس ــتثمارات الزراعي ــة به ــا الياب ــان والبرازي ــل‪ ،‬ث ــم تأت ــي مدغش ــقر‬ ‫ثان ًيـــا باســـتثمارات زراعيـــة جتـــاوزت ‪ 1.4‬مليـــون هكتـــار أغلبهـــا‬ ‫اس ــتثمارات يف زراع ــات ال ــذرة وزي ــت النخي ــل وأغلبه ــا اس ــتثمارات‬ ‫كوريـــة باإلضافـــة إلـــى ســـيطرة االســـتثمارات األوروبيـــة حدي ًثـــا‬ ‫بنســـبة ‪ %70‬مقابـــل ‪ %19‬آســـيوية وفقـــط ‪ %11‬شـــرق أوســـطية‬ ‫(دراس ــة جلامع ــة أكس ــفورد ع ــام ‪2015‬م‪ ،‬ع ــن االس ــتغال الزراع ــي‬ ‫ألراض ــي إفريقي ــا)‪ .‬تأت ــي إثيوبي ــا بع ــد ذل ــك بس ــبب مش ــروعاتها‬ ‫للتوس ــع يف إقام ــة الس ــدود عل ــى أنهاره ــا العدي ــدة وجت ــذب حت ــى‬ ‫اآلن اســـتثمارات لنحـــو ‪ 1.5‬مليـــون هكتـــار ومثلهـــا يف قوائـــم‬ ‫االنتظ ــار وأغلبه ــا اس ــتثمارات صيني ــة وهندي ــة وتنافس ــها م ــن بع ــد‬ ‫االس ــتثمارات اخلليجي ــة‪ .‬ث ــم تأت ــي الس ــودان ومعه ــا ً‬ ‫أيض ــا جن ــوب‬ ‫الســـودان واللتـــان أصبحتـــا مـــن الـــدول اجلاذبـــة لاســـتثمارات‬ ‫خاصـــة الكوريـــة (صاحـــب أكبـــر مصنـــع إلنتـــاج اإليثانـــول يف‬ ‫أفريقي ــا واملق ــام يف اخلرط ــوم) والهندي ــة والصيني ــة ث ــم اخلليجي ــة‪،‬‬ ‫وميك ــن جلن ــوب الس ــودان أن تك ــون م ــن أكث ــر مناط ــق الق ــارة جذ ًب ــا‬ ‫لاس ــتثمارات يف مج ــال الث ــروة احليواني ــة لوف ــرة أراض ــي امل ــروج‬ ‫والغابـــات واملســـتنقعات وتليهـــا مناطـــق األراضـــي الســـودانية ثـــم‬ ‫اإلثيوبيــة وإن كان يعيــب األخيــرة عــدم وجــود نظــام رعايــة بيطريــة‬ ‫أو تطعيم ــات وأمص ــال لضم ــان س ــامة الث ــروة احليواني ــة وس ــامة‬ ‫الغــذاء باإلضافــة إلــى تكــرار تعــرض العديــد مــن مناطقهــا للجفــاف‬ ‫والقحــط كمــا هــو حــادث حاليــا ولتســع ســنوات متصلــة واالعتمــاد‬ ‫عل ــى الزراع ــة املطري ــة بنس ــبة تت ــراوح ب ــني ‪ %90 – 85‬وبالتال ــي‬ ‫فه ــي تتطل ــب اس ــتثمارات مالي ــة كبي ــرة للتح ــول للزراع ــة املروي ــة‬ ‫األق ــل مخاط ــرة وأيض ــا الوفي ــرة احملص ــول‪.‬‬ ‫وبســبب قــرب شــرق القــارة األفريقيــة مــن الســواحل واملوانــئ‬ ‫اخلليجيــة فإنهــا تســتأثر مبعظــم االســتثمارات اخلليجيــة للمملكــة‬

‫جنــوب الســودان األكثــر جذ ًبا لالســتثمار يف الثــروة الحيوانية لوفرة‬ ‫األراضي والغابات والمستنقعات وتليها السودان‬

‫‪56‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫املنطقــة العربيــة هــي املســتورد األول للحبــوب يف العالــم‬

‫نفس املصدر السابق للبنك الدولي‬ ‫تقــدر املســاحة املنزرعــة يف املنطقــة العربيــة بنحــو ‪ 72.1‬مليــون‬ ‫هكتــار (مســاحة الهكتــار عشــرة آالف متــر مربــع) وهــو مــا يعــادل‬ ‫‪ %5.4‬فقــط مــن املســاحة اإلجماليــة للوطــن العربــي (املنظمــة‬ ‫العربيــة للتنميــة الزراعيــة‪ :‬تقريــر أوضــاع األمــن الغذائــي العربــي‬ ‫‪2014‬م)‪ .‬يــزرع مــن هــذه املســاحة نحــو ‪ %13.3‬بالزراعــات‬ ‫املســتدمية (بســاتني فاكهــة وقصــب الســكر وبعــض أنــواع املراعــي)‪،‬‬ ‫ونحــو ‪ %70.2‬باحملاصيــل االقتصاديــة‪ ،‬ومــازال هنــاك نحــو‬ ‫‪ %16.5‬متروكــة بــدون زراعــة‪.‬‬ ‫ويف اجلانــب اآلخــر تبلــغ املــوارد امليــاه املتاحــة يف الوطــن العربــي‬ ‫نحــو ‪ 257.5‬مليــار متــر مكعــب ســنو ًيا‪ ،‬وال يتجــاوز متوســط نصيــب‬ ‫الفــرد مــن امليــاه إلــى ‪ 663‬م‪ 3‬ســنو ًيا أي حتــت خــط الفقــر املائــي‬ ‫احملــدد بألــف متــر مكعــب للفــرد يف الســنة‪ ،‬ويف الطريــق إلــى الفقــر‬ ‫املزمــن واملدقــع عندمــا يقــل نصيــب الفــرد عــن ‪ 500‬م‪/3‬ســنة (نفــس‬ ‫املصــدر الســابق)‪ .‬ويف املقابــل تبلــغ مــوارد امليــاه العذبــة يف العالــم‬ ‫حال ًيــا نحــو ‪ 4500‬مليــار متــر مكعــب ســنو ًيا يســتخدم منهــا حال ًيــا‬ ‫نحــو ‪ 3500‬مليــار متــر مكعــب ســنو ًيا (إحصائيــات الفــاو املائيــة)‪.‬‬ ‫نــدرة امليــاه يف املنطقــة العربيــة قادتنــا إلــى فجــوة غذائيــة عميقــة‬ ‫حيــث ال نحقــق االكتفــاء الذاتــي ســوى يف اخلضــروات الطازجــة‬ ‫والفاكهــة والبطاطــس واألســماك ونقتــرب مــن االكتفــاء الذاتــي مــن‬ ‫البيــض (‪ .)%97‬يتربــع الســكر املكــرر علــى قمــة الفجــوة الغذائيــة‬

‫العربيــة بنســبة اكتفــاء ذاتي ال تتجــاوز ‪ %32.7‬وتليه الزيوت النباتية‬ ‫للطعــام بنســبة اكتفــاء ‪ 34.4‬ثــم مجموعــة احلبــوب بنســبة ‪%51.5‬‬ ‫(قمــح وشــعير وأرز وذرة)‪ ،‬ثــم تأتــي البقوليــات بنســبة اكتفــاء ذاتــي‬ ‫‪ ،%65.5‬والدواجــن ‪ ،%71‬ثــم األلبــان ومنتجاتهــا ‪ ،%83‬واللحــوم‬ ‫احلمــراء ‪ .%80‬وعلــى الرغــم مــن هــذه الفجــوة الغذائيــة العميقــة‬ ‫والتــي تتطلــب مــن اجلميــع احلفــاظ علــى املنتــج الغذائــي النــادر إال‬ ‫أن نســبة الفاقــد مــن اإلنتــاج الزراعــي يف املنطقــة العربيــة يزيــد مــن‬ ‫اإلحســاس بالفجــوة ويتجــاوز أغلــب املعــدالت العامليــة حيــث تبلــغ‬ ‫أقصاهــا يف اخلضــروات بنســبة ‪ %36‬يليــه الفاقــد يف احلبــوب‬ ‫بنســبة ‪ %22.5‬ثــم الفاكهــة بنســبة ‪ ،%22‬مــع نســب فقــد محسوســة‬ ‫أخــرى يف األلبــان ومنتجاتهــا والبطاطــس وباقــي الصنــوف الغذائيــة‪.‬‬ ‫وتســاهم أربــع دول عربيــة مــن إجمالــي ‪ 22‬دولــة عربيــة وهــي اململكة‬ ‫العربيــة الســعودية ومصــر ودولــة اإلمــارات العربيــة املتحــدة ودولــة‬ ‫الكويــت بنحــو ‪ %64.5‬مــن إجمــال الفجــوة الغذائيــة العربيــة منهــا‬ ‫‪ %20‬للمملكــة وحدهــا ونحــو ‪ %19‬ملصــر (تقريــر املنظمــة العربيــة‬ ‫للتنميــة الزراعيــة ‪2014‬م)‪.‬‬ ‫لــم يكــد العالــم يلتقــط أنفاســه مــن أزمــة الغــذاء العامليــة‬ ‫‪2008/2007‬م‪ ،‬والتــي أرتفــع فيهــا ســعر القمــح إلــى الرقــم‬ ‫القياســي العاملــي ‪ 480‬دوال ًرا للطــن وبرميــل النفــط إلــى ‪ 148‬دوال ًرا‬ ‫مــع زيــادة كبيــرة خاصــة يف أســعار زيــوت الطعــام وذرة األعــاف‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪55‬‬

‫ملف العدد‬

‫إفـريقـــيا الـمكـــان المـــناسب لالستـــثمارات الخـليـجـيـــة النـظـــيفة‬ ‫لتحقيــق األمــن الغذائــي وليــس اســتنزاف المــوارد مثــل الغــرب‬ ‫الــزوج والزوجــة ســواء دول ًيــا أو عرب ًيــا وبالتالــي تبــرز أهميــة التصنيــع‬ ‫الزراعــي وحفــظ املنتجــات الزراعيــة وتقليــل الفاقــد وزيــادة القيمــة‬ ‫املضافــة للعائــد مــن وحــدة امليــاه يف القطــاع الزراعــي‪ .‬ومــع زيــادة‬ ‫طلــب قطاعــي االســتخدام الصناعــي واحملليــات (منزلــي ومــدارس‬ ‫وجامعــات ومستشــفيات ومبانــي حكوميــة وحدائــق عامــة) ســيزيد‬ ‫طلبهــم علــى امليــاه العذبــة نتيجــة للتقــدم احلضــري واحلضــاري‬ ‫املســتمر وســيكون ذلــك خص ًمــا مــن ميــاه القطــاع الزراعــي املســتنزف‬

‫األكبــر للمــوارد املائيــة‪ ،‬إال أن الدالئــل املســتقبلية تشــير إلــى حاجــة‬ ‫الــدول العربيــة إلــى املزيــد مــن امليــاه يف القطــاع الزراعــي ملواجهــة‬ ‫األخطــار املســتقبلية الناجمــة عــن زيــادة الطلــب علــى الغــذاء‬ ‫وتضاعــف عــدد الســكان واســتمرار نــدرة امليــاه باإلضافــة إلــى‬ ‫االحتــرار العاملــي ورمبــا تراجــع املــوارد املائيــة العربيــة مبــا ســيؤدي‬ ‫إلــى اتســاع الفجــوة الغذائيــة يف العالــم العربــي والــذي يســتورد نحــو‬ ‫‪ %60‬مــن غذائــه مــن اخلــارج‪.‬‬

‫نصيــب الفــرد مــن امليــاه يف الــدول العربيــة أقــل مــن حد الندرة (‪ 1٠٠٠‬م‪/٣‬ســنة)‬

‫نصيــب الفــرد مــن امليــاه يف املنطقــة العربيــة يف ســبيله للتحــول إلــى الفقــر املائــي املدقع‬

‫املصدر‪ :‬البنك الدولي ‪ :2009‬حتسني األمن الغذائي يف البلدان العربية‬

‫‪54‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الحلول املثلى تكمن في التصنيع الزراعي محل ًيا ونقل املنتج إلى دول الخليج‬

‫االستثمار الزراعي الخليجي يف إفريقيا‪:‬‬ ‫المتـــاح والممكـــن وتعظيـــم االســـتفادة‬ ‫تقــع املنطقــة العربيــة يف واحــدة مــن أشــد مناطــق العالــم حــرارة ويتــراوح مناخهــا بــني شــديد احلــرارة واحلــار وبــني شــديد‬ ‫اجلفــاف واجلــاف‪ .‬يــؤدي ارتفــاع درجــات احلــرارة إلــى زيــادة اســتهاك الــزروع للمــاء وكــذا زيــادة معــدالت البخــر مــن املــوارد‬ ‫املائيــة وســطح التربــة وبالتالــي فإنتــاج الغــذاء يف املنطقــة العربيــة يســتهلك مــن امليــاه ضعــف مــا يســتهلكه إنتــاج الغــذاء يف‬ ‫املناطــق البــاردة واملطيــرة‪ ،‬مبــا يــؤدي إلــى تراجــع العائــد مــن وحــدة امليــاه يف القطــاع الزراعــي‪.‬‬

‫د‪ .‬نادر نور الدين محمد‬

‫املــاء هــو العامــل احملــدد للزراعــة – وليــس التربــة – ومــا‬ ‫يــزرع مــن التــرب الزراعيــة مرهــون مبــا هــو متــاح مــن امليــاه‪ ،‬وتتســم‬ ‫املنطقــة العربيــة بكونهــا ليســت مــن مناطــق الوفــرة املائيــة وبالتالــي‬ ‫فهــي ليســت مــن مناطــق الوفــرة الزراعيــة‪ .‬وهنــاك عــدد مــن األمــور‬ ‫املهمــة حــول نــدرة امليــاه يف البلــدان العربيــة نوجزهــا علــى النحــو‬ ‫التالــي (املرجــع‪ :‬تغيــرات املنــاخ ومســتقبل األمــن الغذائــي العربــي‬ ‫لكاتــب املقــال‪ 2010 :‬كتــاب اخلليــج دولــة اإلمــارات العربيــة املتحدة)‪:‬‬ ‫متثــل مســاحة الــدول العربيــة ‪ %10.2‬مــن مســاحة العالــم إال أنهــا‬ ‫تســتقبل ‪ % 2.1‬فقــط مــن األمطــار العامليــة‪.‬‬ ‫ال متتلــك الــدول العربيــة أكثــر مــن ‪ % 0.3‬فقــط مــن املــوارد‬ ‫املائيــة العامليــة املتجــددة ســنويا لعــدد ســكان ميثــل ‪ %5‬مــن ســكان‬ ‫العالــم (‪ 370‬مليــون نســمة يف تعــداد ‪2014‬م)‪.‬‬ ‫هنــاك ‪ 12‬دولــة عربيــة يقــل فيهــا نصيــب الفــرد من امليــاه عن ‪500‬‬ ‫متر مكعب ســنو ًيا واملتوســط يف دول اخلليج ‪ 169‬متر مكعب‪/‬ســنة‪.‬‬ ‫تتســم املنطقــة العربيــة بتســجيلها أعلــى نســبة تزايــد ســكاني‬ ‫يف العالــم مبتوســط يتــراوح بــني ‪ 1.7‬إلــى ‪ %2.3‬مبــا ميثــل ضعــف‬ ‫متوســط نســبة الزيــادة الســكانية العامليــة (‪ )%1.1‬بــل أن هــذه‬ ‫النســبة تتجــاوز ‪ %3.5‬يف بعــض الــدول العربيــة‪.‬‬ ‫تعتمــد جميــع البلــدان العربيــة علــى توفيــر مياههــا اإلقليميــة‬ ‫مــن أحــواض ســطحية أو جوفيــة مشــتركة مبــا ال يوفــر لهــا األمــن‬ ‫املائــي املســتقر ويتطلــب منهــا متابعــة يقظــة لــكل مــا يــدور يف هــذه‬ ‫األحــواض املائيــة مثــل أحــواض نهــر النيــل والفــرات ودجلــة والعاصــي‬

‫واألردن واليرمــوك وتهامــة وجوبــا‪ ،‬وجميعهــا أحــواض عابــرة للحــدود‬ ‫وتأتــي مــن دول غيــر عربيــة‪ .‬وباملثــل ً‬ ‫أيضــا أحــواض امليــاه اجلوفيــة‬ ‫املشــتركة مثــل احلــوض الرملــي النوبــي ملصــر وليبيــا والســودان‬ ‫وتشــاد‪ ،‬وحــوض شــمال الصحــراء الكبــرى لــدول اجلزائــر وتونــس‬ ‫وليبيــا‪ ،‬واخلزانــات اجلوفيــة لشــبه اجلزيــرة العربيــة لــدول اململكــة‬ ‫العربيــة الســعودية واألردن واإلمــارات والبحريــن والكويــت وقطــر‬ ‫واليمــن والعــراق ثــم أخيـ ًرا األحــواض اجلوفيــة الكلســية التــي متتــد‬ ‫عبــر لبنــان وســوريا واألردن‪.‬‬ ‫وعلــى الرغــم مــن أن القطــاع الزراعــي هــو املســتهلك األعظــم‬ ‫للميــاه يف الــدول العربيــة حيــث يســتحوذ وحــدة علــى ‪ %82‬مــن‬ ‫إجمالــي املــوارد املائيــة املتاحــة ومــع ذلــك فهــو ال يســاهم يف‬ ‫اقتصاديــات الــدول العربيــة إال بقــدر يتــراوح بــني ‪ 13‬إلــى ‪%20‬‬ ‫فقــط مبــا ال يتناســب مــع حجــم اســتنزافه للميــاه وال يزيــد عائــد‬ ‫املتــر املكعــب يف قطــاع الزراعــة يف املنطقــة العربيــة عــن نصــف إلــى‬ ‫دوالر فقــط بينمــا يصــل يف القطــاع الصناعــي إلــى ‪ 8 – 5‬دوالرات‬ ‫ويف القطــاع الفندقــي والســياحي إلــى ‪ 60 – 50‬دوالرا‪ ،‬وعلــى ذلــك‬ ‫فــإن أولويــة اســتخدامات امليــاه اجلوفيــة كمــورد ثمــني ونــادر يف‬ ‫املنطقــة العربيــة يف القطــاع الصناعــي أوال ولــو أرتبــط األمــر باألمــن‬ ‫الغذائــي فــا بــد مــن تكامــل الزراعــة مــع التصنيع الزراعــي‪ .‬ويف هذا‬ ‫الصــدد ميكــن القــول إن ‪ %80 – 60‬مــن مبيعــات الســوبر ماركــت‬ ‫أصبحــت عبــارة عــن ســل ًعا غذائيــة مجمــدة أو مبــردة أو محفوظــة‬ ‫أو ســابقة التجهيــز أو مجففــة (بصــل وثــوم‪ )...‬بســبب تنامــي عمــل‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫االونكتــاد لعــام ‪2014‬م‪ ،‬مــا يقــرب مــن ‪ 2200‬شــركة تعمــل يف دول‬ ‫إفريقيــا جنــوب الصحــراء‪ ،‬وارتفعــت التبــادالت التجاريــة بــني‬ ‫الطرفــني بحيــث بلغــت التجــارة مــع الصــني نســبة ‪ %25‬مــن إجمالــي‬ ‫التجــارة اإلفريقيــة‪ .‬وســاعد الصــني علــى ذلــك اســتثماراتها يف مجــال‬ ‫البنيــة التحتيــة والطاقــة وتطويــر عــدد مــن املوانــئ لتســهيل عمليــات‬ ‫النقــل والتبــادل التجــاري مثــل تطويــر مينــاء المــو الكينــي‪.‬‬ ‫وقامــت تركيــا باســتضافة القمــة التركيــة اإلفريقيــة يف ‪،2008‬‬ ‫والتــي تاهــا إنشــاء مكاتــب جتاريــة لهــا يف ‪ 22‬دولــة إفريقيــة‪ .‬أمــا‬ ‫إيــران‪ ،‬فقــد ركــزت علــى منطقــة شــرق إفريقيــا مــن خــال إنشــاء فرع‬ ‫لرابطــة الثقافــة والعاقــات اإلســامية اإليرانيــة بها‪ ،‬وقامت بتســيير‬ ‫خــط بحــري منتظــم بــني مينــاء بنــدر عبــاس اإليرانــي ومينــاء ممباســا‬ ‫الكينــي‪ .‬كمــا أنشــأت منتــدى التجــارة اإليرانــي اإلفريقــي‪ ،‬ودعــت‬ ‫إلــى إنشــاء ســوق جتاريــة إفريقيــة آســيوية تكــون هــي مركزهــا‪ .‬مــن‬ ‫جانــب أخــر نشــطت إســرائيل لتطويــر عاقاتهــا ونفوذهــا مســتغلة‬ ‫يف ذلــك ظــروف جمــود العاقــات العربيــة اإلفريقيــة واألزمــات التــي‬ ‫تعرضــت لهــا‪ .‬فركــزت علــى املعونــات الفنيــة والتعليــم التكنولوجــي‪،‬‬ ‫خاصــا لتدريــب الكــوادر العســكرية واالســتخباراتية‪.‬‬ ‫وأولــت اهتما ًمــا‬ ‫ً‬

‫ثال ًثا‪ :‬آفاق العالقات الخليجية ــ اإلفريقية‬ ‫ال تبــدأ العاقــات اخلليجيــة اإلفريقيــة من فــراغ‪ ،‬فباإلضافة إلى‬ ‫الصــات التاريخيــة التــي مت اإلشــارة‪ ،‬فــإن بعــض الــدول اخلليجيــة‬ ‫كالســعودية متــارس سياســة إفريقيــة نشــطة‪ ،‬ومــن الضــروري‬ ‫تطويرهــا وتنشــيطها يف إطــار خليجــي‪ .‬ويف هــذا الســياق‪ ،‬ميكــن‬ ‫التأكيــد علــى العناصــر التاليــة‪:‬‬ ‫‪ -1‬تحديــد اإلطــار السياســي واألخالقــي للتعــاون‪ ،‬فطــرح مؤمتر الكويت‬ ‫عــدة مفاهيــم ميكــن البنــاء عليهــا كمفهــوم الشــراكة االســتراتيجية بــني‬ ‫الطرفني‪ ،‬وشركاء يف التنمية واالستثمار‪ ،‬فأي تعاون يف الوقت الراهن‬ ‫لــه أسســه ومبرراتــه وال ميكــن اختزالــه يف املســاعدات االقتصاديــة‪.‬‬ ‫وعلــى ســبيل املثــال‪ ،‬فــإن جتــارب التعــاون الدولــي اليــوم تتأســس علــى‬ ‫أن هدفهــا هــو املشــاركة يف بنــاء مســتقبل أفضــل لــكل األطــراف‪ .‬وهــذا‬ ‫املســتقبل يتضمــن بالطبــع التنميــة االقتصاديــة واالرتفــاع مبســتويات‬ ‫النمــو واملعيشــة‪ ،‬ويتضمــن ً‬ ‫أيضــا العدالــة يف توزيــع عوائــد التنميــة‪،‬‬ ‫واحتــرام حقــوق اإلنســان‪ ،‬وتأكيــد قيــم املواطنــة واملســاواة‪ ،‬وتعزيــز الثقة‬ ‫والتفاهــم بــني الشــعوب‪ ،‬وأنــه يقــوم علــى املصالــح املشــتركة واملنافــع‬ ‫املتبادلــة بــني األطــراف دون ربطهــا باتخــاذ مواقــف مــع أو ضــد أطــراف‬ ‫أخــرى‪ ،‬ويف إطــار مــن النديــة والتكافــؤ‪.‬‬ ‫كمــا أن التعــاون الدولــي اليــوم ال تقتصــر أطرافــه علــى احلكومات‬ ‫والهيــآت الرســمية‪ ،‬وإمنــا يشــمل أطــراف أخــرى كاجلامعــات ومراكــز‬ ‫البحــوث والغــرف التجاريــة واجلمعيــات األهليــة‪ .‬وهكــذا‪ ،‬فإنــه‬ ‫يهــدف إلــى تنميــة رأس املــال االجتماعــي الــذي يعتمــد علــى قــدرات‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪53‬‬

‫ملف العدد‬

‫البشــر وتعليمهــم وخبراتهــم‪ .‬وأخي ـ ًرا‪ ،‬فبفعــل التداخــل بــني الداخــل‬ ‫ً‬ ‫ارتباطــا وثي ًقــا بخطــط التنمية‬ ‫واخلــارج‪ ،‬فــإن التعــاون الدولــي يرتبــط‬ ‫االقتصاديــة واالجتماعيــة واإلنســانية يف الــدول أطــراف التعــاون‪.‬‬ ‫‪ -2‬إيجــاد اإلطــار المؤسســي للعالقــات‪ ،‬فمــن األهميــة مبــكان أن تنتظــم‬ ‫هــذه العاقــات يف أطــر مؤسســية‪ ،‬وذلــك مــن خال إقامــة جلان للتعاون‬ ‫املشــترك لتنظيم العاقات مع عدد من الدول الرئيســية اإلفريقية‪ ،‬وإن‬ ‫كان يعيــب هــذا التصــور غيــاب إطــار جماعــي للعاقــات مثــل املؤمتــرات‬ ‫التــي تنظمهــا الواليــات املتحــدة وفرنســا والصــني والهنــد وتركيــا‪ ،‬والتــي‬ ‫توجــه الدعــوة فيهــا إلــى جميــع الــدول اإلفريقية‪.‬‬ ‫وقــد يكــون مــن املتصــور يف هــذا الشــأن إمــا أن يتــم التعــاون‬ ‫يف إطــار جماعــي يتــم تنظيــم العاقــات فيــه بــني مجلــس التعــاون‬ ‫اخلليجــي مــن ناحيــة‪ ،‬واالحتــاد اإلفريقــي مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬أو أن‬ ‫تقــوم اململكــة العربيــة الســعودية بالدعــوة إلــى مثــل هــذا اللقــاء أســوة‬ ‫بالــدول التــي مت اإلشــارة إليهــا علــى أن يكــون انعقــاد هــذا املؤمتــر‬ ‫بصفــة دوريــة‪ ،‬وأن تُدعــى للمشــاركة يف مداوالتــه بقيــة الــدول‬ ‫أعضــاء مجلــس التعــاون اخلليجــي‪.‬‬ ‫وقــد يكــون املنتــدى الســعودي – الشــرق إفريقــي الــذي انعقــد‬ ‫يف أديــس أبابــا يف نوفمبــر ‪2009‬م‪ ،‬أو منتــدى االســتثمار اخلليجــي‬ ‫اإلفريقــي الــذي دعــت إليــه الريــاض يف ‪2010‬م‪ ،‬وشــارك فيــه رؤســاء‬ ‫كل مــن الســنغال وبنــني وأجنــوال وتنزانيــا وكينيــا وموزمبيــق والكونغــو‬ ‫بــادرة ميكــن البنــاء عليهــا‪.‬‬ ‫ويف كل احلــاالت‪ ،‬فــإن تطويــر العاقــات اخلليجية اإلفريقية‪ ،‬ينبغي‬ ‫منافســا للعاقــات العربيــة اإلفريقيــة‪ ،‬وإمنا متمم ومكمل لها‪.‬‬ ‫أال يبــدو‬ ‫ً‬ ‫‪ -3‬واقعيــة األهــداف‪ ،‬فقــد أوضحــت اخلبــرات الســابقة أن التركيــز‬ ‫علــى موضــوع املســاعدات املاليــة هــو اجتــاه قصيــر النظــر‪ ،‬ويجعــل‬ ‫الــدول األخــرى تنظــر إلــى الطــرف اخلليجــي كمصــدر للمــال‬ ‫وحســب‪ .‬وتــزداد أهميــة هــذه النقطــة يف ظــروف انخفــاض أســعار‬ ‫النفــط وتأثيرهــا علــى املوازنــات العامــة يف دول اخلليــج‪.‬‬ ‫هنــاك آفــاق واســعة لتطويــر العاقــات اخلليجيــة اإلفريقيــة‪:‬‬ ‫اقتصاد ًيــا يف مجــال الزراعــة وإنتــاج الغــذاء أو الصناعــة وتطويــر‬ ‫البنيــة التحتيــة يف هــذه الــدول‪ ،‬وسياس ـ ًيا ضــد األنشــطة اإلرهابيــة‬ ‫والقرصنــة البحريــة والهجــرة غيــر املشــروعة‪ .‬ولكــن هــذه اآلفــاق‬ ‫ليســت بــدون حواجــز أو عوائــق منهــا‪ :‬االجتاهــات السياســية غيــر‬ ‫الصديقــة جتــاه الــدول العربيــة مــن جانــب بعــض النخــب اإلفريقيــة‪،‬‬ ‫وغيــاب اإلطــار القانونــي حلمايــة االســتثمارات يف بعــض الــدول‬ ‫اإلفريقيــة‪ ،‬وغيــاب البنيــة التحتيــة بالنقــل ومنافــذ التصديــر‪،‬‬ ‫ومواقــف القــوى املنافســة التــي مــن األرجــح أن يعمــل بعضهــا ضــد‬ ‫تطويــر العاقــات اخلليجيــة اإلفريقيــة‪.‬‬ ‫* أستاذ العلوم السياسية ‪ -‬جامعة القاهرة‬

‫‪52‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫جناحــا يذكــر‪ ،‬وظهــر ذلــك جل ًيــا يف مســتوى التمثيــل‬ ‫ولكنــه لــم يحقــق‬ ‫ً‬ ‫اإلفريقــي املتدنــي يف املؤمتــر‪ ،‬ومــن األرجــح أن ذلــك هــو مــا دفــع إلــى‬ ‫عقــد املؤمتــر الثالــث يف الكويــت يف ‪2013‬م‪.‬‬ ‫ومن مظاهر هذه املفارقة بني القول والفعل القرار الذي اتخذته قمة‬ ‫ســرت بدعــوة منــدوب مــن االحتــاد اإلفريقــي حلضــور جميــع اجتماعــات‬ ‫جامعــة الــدول العربيــة والعكــس‪ ،‬وهو ما لم يتحقــق أيضاً‪.‬‬

‫‪ -3‬انتقــال أفــكار التطــرف الدينــي النابعــة مــن البــالد العربيــة إىل عدد‬ ‫وخصوصــا بعــد اســتفحال خطــر املنظمــات‬ ‫مــن الــدول اإلفريقيــة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫اإلرهابيــة التــي تســتخدم العنــف مببــررات أو تفســيرات دينيــة‪.‬‬ ‫تبقــى احلقيقــة أنــه مــن أصــل ‪ 22‬دولــة عربيــة‪ ،‬فــإن عشــرة منهــا‬ ‫تقــع جغراف ًيــا يف إفريقيــا‪ ،‬ويبلغ عدد شــعوبها ثلثي العــرب‪ .‬لذلك‪ ،‬ورغم‬ ‫تراجع العاقات العربية ــ اإلفريقية بشــكل عام‪ ،‬فقد اســتمرت اجلهود‬ ‫وخصوصــا يف إطــار األمم املتحــدة التــي شــهدت يف‬ ‫للحفــاظ عليهــا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫اجتماعــا علــى مســتوى الــوزراء بــني الــدول األعضــاء يف مجلــس‬ ‫‪2012‬م‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الســلم واألمــن العربــي‪ ،‬والــدول األعضــاء يف مجلــس الســلم واألمــن‬ ‫اإلفريقــي‪ ،‬وذلــك علــى هامــش اجتماعــات اجلمعيــة العامــة‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬سـمات المشهد اإلفريقي الراهن‬ ‫إذا كان الســياق األول اخلــاص بخبــرة العاقــات العربيــة اإلفريقيــة‬ ‫يشــير إلى دروس املاضي‪ ،‬فإن الســياق الثاني بســمات املشــهد اإلفريقي‬ ‫يشــير إلــى احلاضــر‪ ،‬فمــن املهــم إدراك طبيعــة الواقــع الــذي ســوف يتــم‬ ‫صحيحــا فــإن السياســات املتبعــة‬ ‫التعامــل معــه‪ .‬وكلمــا كان اإلدراك‬ ‫ً‬ ‫ســوف تتمتــع بحــظ أكبــر مــن النجــاح‪ .‬ويف ســياق أنــه مــن الصعوبــة‬ ‫مبــكان إصــدار تعميمــات علــى مــا يزيــد عــن خمســني دولــة‪ ،‬فــإن هنــاك‬ ‫خصائــص عامــة ميكــن اإلشــارة إليهــا‪.‬‬ ‫أول هــذه اخلصائــص هــو الطابــع الديمقراطــي ألشــكال نظــم‬ ‫الحكــم‪ ،‬فقــد حتولــت كل دول القــارة اإلفريقيــة مــن نظــم احلــزب الواحد‬ ‫إلــى نظــم تعــدد األحــزاب‪ ،‬واالنتخابــات الرئاســية والنيابيــة الدوريــة‪ .‬لــم‬ ‫يكــن هــذا التطــور تلقائ ًيــا أو طوع ًيــا‪ ،‬وإمنــا كاســتجابة ورد فعــل لضغــوط‬ ‫املشروطية السياسية واالقتصادية التي مارستها الواليات املتحدة ودول‬ ‫االحتــاد األوروبــي فيمــا ُعــرف باســم «سياســة دعــم الدميقراطيــة»‪ .‬وكان‬ ‫من شــأن اتباع هذا النظام انتقال ســلطة رئاســة الدولة من شــخص إلى‬ ‫آخــر‪ .‬وإن كان هــذا التطــور ال يعنــي اختفــاء صــور التســلطية السياســية‬ ‫التــي تســتتر خلــف هــذا املظهــر أو الشــكل الدميقراطي يف بعــض الدول‪.‬‬ ‫ولكــن التطــور املهــم هــو أن الدميقراطيــة مبعنــى تولــي احلكــم مــن‬ ‫خــال االنتخابــات العامــة أصبحــت قيمــة سياســية مقننــة يف ميثــاق‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫االحتــاد اإلفريقــي الــذي ينــص علــى جتميــد عضويــة أي دولــة يحــدث‬ ‫فيهــا تغييــر سياســي بالقــوة أو عــن غيــر طريــق االنتخــاب كاالنقابــات‬ ‫العســكرية‪ .‬وارتبــط بذلــك توطيــد أركان االحتــاد اإلفريقــي كمنظمــة‬ ‫إقليميــة وفــرت إطــا ًرا مؤسس ـ ًيا جماع ًيــا حلمايــة األمــن والســلم دون‬ ‫احلاجــة لتدخــل الــدول الكبــرى بشــكل مباشــر يف الشــؤون اإلفريقيــة‪،‬‬ ‫ومــن ذلــك الــدور العســكري لاحتــاد يف الصومــال ودولــة جنــوب‬ ‫الســودان‪ ،‬ودورهــا السياســي يف حــل املنازعــات بــني الــدول األعضــاء‪.‬‬ ‫وثانيها‪ ،‬أن الدول اإلفـــريقة انتهجت سياسات التحرر االقـــتصادي‪،‬‬ ‫وســعت إلــى بنــاء اقتصــادات مفتوحــة ومتكاملــة مــع االقتصــاد العاملــي‬ ‫ممــا أدى إلــى ازديــاد تدفــق االســتثمارات األجنبيــة‪ ،‬وازديــاد النــاجت‬ ‫احمللــي اإلجمالــي خــال الفتــرة مــن ‪2008 – 2004‬م‪ ،‬مبعــدل ‪%4.9‬‬ ‫ســنو ًيا‪ ،‬وهــو ضعــف معــدل الزيــادة يف العقديــن الســابقني‪ .‬ويف ‪2008‬م‪،‬‬ ‫بلــغ حجــم النــاجت احمللــي اإلجمالــي ‪ 1.6‬تريليــون دوالر وهــو مــا يضــع‬ ‫إجمالــي االقتصــاد اإلفريقــي يف مصــاف القــوى االقتصاديــة الكبــرى‪.‬‬ ‫وثالثهــا‪ ،‬أنــه ال ينفــي هــذا النمــو االقتصــادي وجــود مشــكالت‬ ‫هيكليــة تعانــي منهــا أغلــب االقتصــادات اإلفريقيــة مثــل ضعــف البنيــة‬ ‫األساســية‪ ،‬وارتفــاع العجــز املالــي‪ ،‬وانخفــاض مســتوى املعيشــة‪ ،‬وضعف‬ ‫نســبة منــو القطــاع الصناعــي التــي بلغــت ‪ %2‬يف ‪2014‬م‪ ،‬والتداعيــات‬ ‫الســلبية الناجتــة عــن أنشــطة اجلماعــات اإلرهابيــة مثــل بوكــو حــرام‬ ‫والشــباب الصومالــي وجيــش الــرب األوغنــدي‪.‬‬ ‫ورابعهــا‪ ،‬تعــدد الفواعــل الدوليــة التــي أقامــت عالقــات وثيقــة‬ ‫مــع الــدول اإلفريقيــة وســعت إلــى االســتفادة مــن مواردهــا الطبيعيــة‬ ‫ومــن الترويــج لصادراتهــا يف أســواقها‪ ،‬إضافــة بالطبــع إلــى إيجــاد مواقع‬ ‫للنفــوذ السياســي والعســكري‪.‬‬ ‫وتعتبــر الواليــات املتحــدة الاعــب الرئيســي يف القــارة بســبب‬ ‫مصاحلهــا السياســية واالقتصاديــة التــي تتمثــل يف قواعدهــا‬ ‫العســكرية يف عــدد مــن الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬ويف طرحهــا عــدد مــن‬ ‫املبــادرات يف مجــال مكافحــة اإلرهــاب مثــل مبــادرة الشــراكة‬ ‫اإلفريقيــة املنبثقــة مــن قــوات األفريكــوم التــي أنشــأت عــام ‪2006‬م‪،‬‬ ‫وإطــاق إدارة أوبامــا «اســتراتيجية نحــو إفريقيــا جنــوب الصحــراء»‬ ‫يف ‪2012‬م‪ ،‬وارتفــاع الصــادرات واالســتثمارات األمريكيــة خــال‬ ‫الفتــرة مــن ‪2013- 2009‬م‪ ،‬بنســب ‪ %45‬و‪ %37.5‬علــى التوالــي‪.‬‬ ‫وإلــى جانــب الواليــات املتحــدة تتزايــد أدوار الصــني والهنــد وتركيــا‬ ‫وإيــران وإســرائيل‪ .‬وعلــى ســبيل املثــال فقــد أنشــأت الصــني املنتــدى‬ ‫الصينــي اإلفريقــي عــام ‪2000‬م‪ ،‬وبلــغ حجــم االســتثمارات الصينيــة‬ ‫املباشــرة مبلــغ ‪ 550‬مليــار دوالر عــام ‪2009‬م‪ ،‬ولديهــا حســب تقاريــر‬

‫‪ %4.9‬نســبة النمــو يف إفريقيــا ســنو ًيا وحجــم الناتــج اإلجمــايل‬ ‫‪ 1.6‬تــريـلـيـون دوالر بـالـقــارة الـسـمـراء‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫االهتمــام اخلارجــي املصــري والــذي ضــم ً‬ ‫أيضــا «الدائــرة العربيــة»‪،‬‬ ‫و»الدائــرة اإلســامية»‪ .‬ووف ًقــا لهــذه النظــرة‪ ،‬قامــت مصــر بتوفيــر‬ ‫الدعــم السياســي واملالــي والعســكري حلــركات التحــرر اإلفريقيــة‪،‬‬ ‫واســتضافت قــادة هــذه احلــركات‪ ،‬وأنشــأت مجموعــة مــن اإلذاعــات‬ ‫املوجهــة إلــى الشــعوب اإلفريقيــة الناطقــة بلغاتهــا‪ ،‬ودافعــت عــن‬ ‫قضاياهــا يف األمم املتحــدة وحركــة عــدم االنحيــاز ومنظمــة الشــعوب‬ ‫اآلســيوية اإلفريقيــة‪ .‬وكان مــن شــأن هــذه اجلهــود – مــع االحتــاد‬ ‫الســوفيتي والهنــد ويوغوســافيا ‪ -‬صــدور قــرار اجلمعيــة العامــة‬ ‫لــألمم املتحــدة عــام ‪1960‬م‪ ،‬اخلــاص بإقــرار حــق تقريــر املصيــر ومنح‬ ‫االســتقال للشــعوب املســتعمرة‪ .‬ويف بداية الســتينيات‪ ،‬شــارك كل من‬ ‫اجلزائــر واملغــرب يف مــد بســاط عاقــات التعــاون‬ ‫العربيــة اإلفريقيــة بعــد حصولهمــا علــى االســتقال‪.‬‬ ‫حفــظ اجليــل األول مــن القيــادات اإلفريقيــة‬ ‫هــذا الــدور العربــي‪ ،‬فرفضــوا الدعــاوى االســتعمارية‬ ‫الغربيــة بالفصــل بــني شــمال القــارة وجنوبهــا‪ ،‬والــذي‬ ‫يعني الفصل بني «العرب» الذين يعيشــون يف الشــمال‬ ‫و»األفارقــة» الذيــن يعيشــون يف جنــوب الصحــراء‪،‬‬ ‫وأكــدوا علــى وحــدة القــارة بإنشــاء منظمــة الوحــدة‬ ‫اإلفريقيــة يف ‪1964‬م‪ ،‬وكان الرئيــس عبــد الناصــر‬ ‫وامللــك محمــد اخلامــس مــن اآلبــاء املؤسســني لهــا‪.‬‬ ‫يف هــذا املنــاخ‪ ،‬ســاندت الــدول اإلفريقيــة القضايــا العربيــة يف‬ ‫وخصوصــا القضيــة الفلســطينية‪ ،‬والتــي اعتبرتهــا‬ ‫احملافــل الدوليــة‬ ‫ً‬ ‫منظمــة الوحــدة اإلفريقيــة «قضيــة عربيــة –إفريقيــة»‪ ،‬وضمــن هــذا‬ ‫للعــرب كتلــة تصويتيــة مؤيــدة يف األمم املتحــدة تقــرب مــن ‪ 50‬صو ًتــا‪.‬‬ ‫ويف املقابــل‪ ،‬دعمــت الــدول العربيــة قضية إفريقيا األساســية وهي إنهاء‬ ‫نظام الفصل العنصري يف جنوب إفريقيا وروديســيا‪ ،‬واعتبرتها جامعة‬ ‫الــدول العربيــة «قضيــة إفريقيــة – عربيــة»‪.‬‬ ‫ويف أعقــاب هزميــة يونيــو ‪1967‬م‪ ،‬تضامنــت الــدول اإلفريقيــة‬ ‫مــع مصــر‪ ،‬وقامــت الواحــدة تلــو األخــرى بقطــع العاقــات الدبلوماســية‬ ‫مــع إســرائيل باعتبارهــا قــوة احتــال جلــزء مــن إقليــم الدولــة املصريــة‪.‬‬ ‫وتواصــل هــذا الدعــم يف حــرب أكتوبــر ‪1973‬م‪ ،‬ممــا أدى إلــى إصــدار‬ ‫مؤمتــر القمــة العربيــة املنعقــد يف اجلزائــر يف العــام نفســه قــراراً يشــيد‬ ‫فيــه مبوقــف الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬ومت إنشــاء الصنــدوق العربــي للمعونــة‬ ‫الفنيــة اإلفريقيــة واملصــرف العربــي للتنميــة االقتصاديــة يف إفريقيــا‪،‬‬ ‫وإن كانــت بعــض الــدول اإلفريقيــة قــد أعربــت عــن تضررهــا مــن ارتفــاع‬ ‫أسعار النفط الذي فرض أعباء مالية إضافية عليها‪ ،‬ومت تشكيل جلنة‬ ‫مشــتركة بــني جامعــة الــدول العربيــة ومنظمــة الوحــدة اإلفريقيــة لبحــث‬ ‫آثــار ارتفــاع أســعار النفــط على الــدول اإلفريقية وكيفية التخفيف منها‪.‬‬ ‫اســتمر زخــم العاقــات العربيــة ــــ اإلفريقيــة‪ ،‬فأيــدت املجموعــة‬ ‫اإلفريقيــة يف اجلمعيــة العامــة لــألمم املتحــدة قــرار اعتبــار الصهيونيــة‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪51‬‬

‫ملف العدد‬

‫شــك ً‬ ‫ا مــن أشــكال العنصريــة يف ‪1975‬م‪ ،‬وانعقــد مؤمتــر قمــة التعــاون‬ ‫العربــي اإلفريقــي األول يف القاهــرة يف مــارس ‪1977‬م‪ ،‬والــذي أصــدر‬ ‫مجموعــة مــن الوثائــق اخلاصــة مببــادئ التعــاون بــني الطرفــني يف‬ ‫املجــاالت املختلفــة‪ ،‬وأنشــئ مجموعــة مــن املؤسســات لتنظيــم هــذه‬ ‫العاقــات‪ .‬أكــدت هــذه الوثائــق علــى أن التعــاون بــني الطرفني يقوم على‬ ‫مبــادئ التحــرر الوطنــي‪ ،‬والتعــاون االقتصــادي‪ ،‬والتفاهــم بــني الشــعوب‪.‬‬ ‫وشــملت املؤسســات التي أقرها املؤمتر‪ :‬مؤمتر القمة واملجلس الوزاري‬ ‫واللجنــة الدائمــة واللجــان املتخصصــة‪.‬‬ ‫ومــن نهايــة الســبعينيات ومــا تاهــا من ســنوات‪ ،‬تعرضــت العاقات‬ ‫العربيــة اإلفريقيــة لسلســلة مــن األزمــات واحملــن‪ ،‬وميكــن تلخيــص أهــم‬ ‫الــدروس املســتفادة منهــا فيمــا يلي‪:‬‬

‫تـــضــررت الـــدول‬ ‫األفـريقية من تصـدير‬ ‫العرب خالفاتهم للقارة‬ ‫السمراء بعد كامب ديفيد‬ ‫وخــالف البـولـيسـاريـو‬

‫‪ -1‬تضــرر الــدول اإلفريقيــة مــن قيــام الــدول العربيــة‬ ‫بتصديــر خالفاتهــم وصراعاتهــم إلىهــا ممــا أوجــد‬

‫عامــ ً‬ ‫ا انقســام ًيا بينهــا‪ ،‬مــن ذلــك نقــل اخلــاف‬ ‫العربــي حــول اتفاقيــة كامــب ديفيــد التــي أبرمتهمــا‬ ‫مصــر يف ‪1978‬م‪ ،‬إلــى الســاحة اإلفريقيــة والدعــوة‬ ‫لتجميــد عضويــة مصــر يف منظمــة الوحــدة اإلفريقيــة‪،‬‬ ‫ومنهــا اخلــاف بــني اجلزائــر واملغــرب بشــأن منظمــة‬ ‫البوليســاريو ومســتقبل الصحــراء‪ ،‬وهــو األمــر الــذي‬ ‫انتهــى إلــى مقاطعــة املغــرب ألنشــطة املنظمــة بعد تبني‬ ‫األغلبيــة اإلفريقيــة لوجهــة النظــر اجلزائريــة‪.‬‬ ‫أضــف إلــى ذلــك شــكوى األفارقــة مــن التنافســات العربيــة ــــ العربية‬ ‫وخصوصــا السياســات التــي مارســتها ليبيــا يف‬ ‫علــى النفــوذ يف القــارة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عهــد العقيــد معمــر القــذايف‪ ،‬وهــو األمــر الــذي أدى مبنظمــة الوحــدة‬ ‫اإلفريقيــة إلــى إصــدار قــرار يف ‪1978‬م‪ ،‬يطلــب فيــه عــدم تدخــل الــدول‬ ‫العربيــة يف قضيــة القــرن اإلفريقــي‪ ،‬وعــدم تدخــل السياســات العربيــة‬ ‫–خصوصــا يف حقبــة‬ ‫يف شــؤون القــارة اإلفريقيــة‪ .‬وارتبــط بذلــك‬ ‫ً‬ ‫الثمانينيات وبعد عودة العاقات الدبلوماســية اإلفريقية مع إســرائيل–‬ ‫طلــب األفارقــة عــدم ربــط التعــاون العربــي اإلفريقــي بضــرورة تبنــي‬ ‫الــدول اإلفريقيــة مواقــف معاديــة إلســرائيل‪.‬‬ ‫‪ -2‬المفارقــة بيــن طمــوح الشــعارات وقصــور التنفيــذ‪ ،‬إذ تبــرز‬ ‫الفجــوة الهائلــة بــني األهــداف واإلجنــاز يف مجــال التعــاون العربــي‪-‬‬ ‫اإلفريقــي‪ .‬وعلــى ســبيل املثــال‪ ،‬انعقــد مؤمتــر القمــة األول يف‬ ‫‪1977‬م‪ ،‬والــذي اعتبــر مبثابــة املؤمتــر التأسيســي لقواعــد التعــاون‬ ‫ومؤسســاته‪ ،‬ونــص املؤمتــر يف مقرراتــه علــى اجتمــاع اللجنــة الدائمــة‬ ‫للتعــاون العربــي اإلفريقــي والتــي تضــم ‪ 24‬دولــة (‪ 12‬مــن كل طــرف)‬ ‫كل ‪ 6‬شــهور‪ ،‬واجتمــاع املجلــس الــوزاري املشــترك كل ‪ 18‬شــه ًرا‪،‬‬ ‫واجتمــاع القمــة كل ‪ 3‬ســنوات‪ ،‬ولــم يتحقــق ذلــك‪ .‬وتكفــي اإلشــارة‬ ‫إلــى أن مؤمتــر القمــة الثانــي والــذي كان مــن املقــرر عقــده يف‬ ‫‪1980‬م‪ ،‬انعقــد بعــد ‪ 33‬ســنة يف ‪2010‬م‪ ،‬يف مدينــة ســرت الليبيــة‪،‬‬

‫‪50‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تــتـجـــاوز الـمـسـاعـدات االقــتـصـاديـة‪ ..‬واآلفـاق واسـعـــة‬

‫الـعـالقـات الخليجية ــ اإلفريقية‪:‬‬ ‫رؤية مستقبلية‬ ‫شــهدت الســنوات ‪2015-2012‬م‪ ،‬عــدة أحــداث تشــير إلــى ازديــاد أهميــة قضيــة العاقــات اخلليجيــة ـ اإلفريقيــة كان منهــا‬ ‫اســتضافة دولــة الكويــت ملؤمتــر قمــة التعــاون العربــي اإلفريقــي يف ‪2013‬م‪ ،‬والسياســة الســعودية النشــطة يف عــدد مــن‬ ‫الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬والتــي كان مــن مظاهرهــا يف ‪2016‬م‪ ،‬اجلــوالت التــي قــام بهــا وزيــر اخلارجيــة الســعودي يف إفريقيــا‬ ‫واســتقبال الريــاض لعــدد مــن رؤســاء الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬واهتمــام ســلطنة عمــان بالبحــث والتوثيــق يف عاقاتهــا التاريخيــة‬ ‫مبنطقــة شــرق إفريقيــا والتــي تبلــورت يف عقــد مؤمتــر عــن هــذا املوضــوع نظمــه مركــز الدراســات العمانيــة بجامعــة‬ ‫الســلطان قابــوس يف مســقط يف ‪2012‬م‪ ،‬وآخــر عــن عاقــات الســلطنة التاريخيــة بجــزر الق ُمــر يف ديســمبر ‪2015‬م‪ ،‬وهــو‬ ‫املؤمتــر اخلامــس الــذي نظمتــه هيــأة الوثائــق واحملفوظــات الوطنيــة بالســلطنة لدراســة جــذور عاقــات ُعمــان بــدول القــرن‬ ‫اإلفريقــي‪ ،‬والتــي شــملت عاقاتهــا بأثيوبيــا ومدغشــقر وموريشــيوس وجيبوتــي والصومــال‪.‬‬

‫علي الدين هالل‬ ‫د‪ّ .‬‬

‫واحلقيقــة‪ ،‬أن التحليــل العلمــي ملوضــوع العاقــات اخلليجيــة‬ ‫اإلفريقيــة ينبغــي أن يتــم يف إطــار ثــاث ســياقات‪ :‬أولهــا‪ ،‬خبــرة‬ ‫العاقــات العربيــة اإلفريقيــة والــدروس املســتفادة منهــا حتــى ال‬ ‫تتكــرر األخطــاء ونعيــد فتــح اجلــراح‪ ،‬وثانيهــا‪ ،‬ســمات املشــهد‬ ‫اإلفريقــي الراهــن واخلصائــص العامــة للــدول اإلفريقيــة التــي ســوف‬ ‫يتــم التعــاون معهــا‪ ،‬وكذلــك القــوى الدوليــة األخــرى الفاعلــة يف‬ ‫القــارة ومــدى قبولهــا أو ترحيبهــا بــدور خليجــي أكبــر‪ ،‬وثالثهــا آفــاق‬ ‫العاقــات اخلليجيــة اإلفريقيــة‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬خبرة العالقات العربية اإلفريقية‬ ‫متتــد العاقــات العربيــة ـ اإلفريقيــة يف أعمــاق التاريــخ‪ ،‬فمــن‬ ‫املؤكــد أنــه قــد حدثــت هجــرات إفريقيــة عبــر البحــر األحمــر إلــى‬ ‫شــبه اجلزيــرة العربيــة قبــل اإلســام‪ ،‬وكانــت احلبشــة معروفــة‬ ‫لــدى القبائــل العربيــة يف ذلــك الوقــت وإليهــا كانــت الهجــرة األولــى‬ ‫للمســلمني‪ .‬ويف القــرون التاليــة‪ ،‬انتشــر اإلســام يف مختلــف أرجــاء‬ ‫إفريقيــا‪ ،‬فانتقــل مــن شــرق القــارة إلــى منطقــة البحيــرات اإلســتوائية‬ ‫وصــوالً إلــى الغــرب‪ ،‬وظهــرت مراكــز ثقافيــة كبيــرة يف مــدن زجنبــار‬

‫وممباســا‪ .‬هــذا باإلضافــة إلــى نشــر اإلســام والعروبــة يف دول‬ ‫وكلــوة ُ‬ ‫الشــمال اإلفريقــي مــن مصــر إلــى موريتانيــا‪ .‬ويف مرحلــة االســتعمار‬ ‫األوروبــي‪ ،‬اســتمر الوجــود العربــي اإلســامي‪ ،‬وحدثــت مواجهــات‬ ‫بــني الطرفــني لعــل أبرزهــا املواجهــة العســكرية بــني ســلطنة عمــان‬ ‫والبرتغــال يف زجنبــار والتــي انتهــت بطــرد البرتغاليــني منهــا‪،‬‬ ‫والســيطرة العمانيــة عليهــا مــن ‪ 1856‬وحتــى ‪1964‬م‪.‬‬ ‫لقــد كان هــدف هــذا العــرض املوجــز هــو تبيــان العمــق التاريخــي‬ ‫للعاقــات العربيــة (مبــا فيهــا اخلليجيــة) اإلفريقيــة‪ .‬ولكــن التأســيس‬ ‫احلديــث لهــذه العاقــات حــدث يف حقبــة اخلمســينيات مــن القــرن‬ ‫العشــرين‪ ،‬وازدهــر يف الســنوات التاليــة حتــى بلــغ أوجــه عــام ‪1973‬م‪،‬‬ ‫ثــم بــدأت مرحلــة األفــول يف الثمانينيــات ومــا بعدهــا‪.‬‬ ‫يعــود هــذا التأســيس إلــى الــدور الــذي قامــت بــه مصــر بقيــادة‬ ‫الرئيــس جمــال عبــد الناصــر يف مرحلــة اخلمســينيات يف دعــم‬ ‫حــركات التحــرر الوطنــي اإلفريقيــة ضــد االســتعمار وإنهــاء االحتــال‬ ‫األجنبــي للقــارة‪ .‬لقــد أدرك الرئيــس عبــد الناصــر مبكــ ًرا أهميــة‬ ‫البعــد اإلفريقــي ملصــر وللمصالــح العربيــة‪ ،‬وأشــار إلــى «الدائــرة‬ ‫اإلفريقيــة» يف كتابــه بعنــوان «فلســفة الثــورة» كأحــد مجــاالت‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الرئيــس أيزنهــاور باالحتــواء‪ ،‬عــن طريــق بنــاء ســاتر حديــدي يُبقــي‬ ‫الــدب الروســي داخــل عرينــه‪ ،‬يف عمــق اجلليــد الروســي املتجمــد‪،‬‬ ‫حتــى ال ميتــد إلــى املناطــق الدافئــة يف منطقــة الشــرق األوســط‪،‬‬ ‫بالــذات املنطقــة العربيــة‪ .‬بجهــود ثنائيــة بــني ذراعــي العالــم العربــي‬ ‫(مصــر واململكــة العربيــة الســعودية) مت إفشــال مشــروعي حلــف بغداد‬ ‫(‪ 24‬فبرايــر ‪1955‬م) واحللــف املركــزي‪ ،‬بعــد انســحاب العــراق مــن‬ ‫حلــف بغــداد‪ ،‬بســبب قيــام ثــورة ‪ 14‬متــوز ‪1958‬م‪ ،‬وكان نتيجــة ذلــك‬ ‫إبعــاد تخــوم العالــم العربــي الشــرقية مــن النفــوذ األمريكــي‪ ،‬مبوجــب‬ ‫اســتراتيجية االحتــواء تلــك‪ ،‬وبعــدت بالتبعيــة‪ ،‬املنطقــة العربيــة مــن‬ ‫مرمــى نيــران أي حــرب نوويــة محتملــة قــد تندلــع‪ ،‬لــو بطريــق اخلطــأ‪،‬‬ ‫بــني قطبــي نظــام احلــرب البــاردة‪.‬‬ ‫كمــا أن مــن أهــم إجنــازات حركــة عــدم االنحيــاز‬ ‫إدخــال مــارد نــووي كبيــر إلــى حماهــا (الصــني)‪.‬‬ ‫الصــني وجــدت يف احلركــة مخرجــاً مــن العزلــة‬ ‫املفروضــة عليهــا مــن قبــل قطبــي احلــرب البــاردة‪..‬‬ ‫ومجموعــة عــدم االنحيــاز وجــدوا يف الصــني رادع ـاً‬ ‫تقليــدي‪ ،‬يُؤمــن مســيرة املجموعــة ويدعــم‬ ‫غيــر‬ ‫ٍ‬ ‫جهودهــا الدوليــة يف االنعتــاق مــن ابتــزاز قطبــي‬ ‫نظــام احلــرب البــاردة‪ ،‬ونفوذهمــا‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪49‬‬

‫ملف العدد‬

‫أمجــاد إجنــازات اخلمســينات والســتينات‪ ،‬وحتــى نهايــة ســبعينيات‬ ‫القــرن املاضــي يف إفريقيــا‪ .‬لقــد رجعــت إســرائيل بقــوة إلــى إفريقيــا‪،‬‬ ‫بعــد أن ح ّرمهــا عليهــا العــرب‪ ،‬حتــى نهايــة ســبعينيات القــرن املاضــي‪.‬‬ ‫اآلن بعــض الــدول األفريقيــة تخــدم أجنــدات أعــداء العــرب اإلقليمــني‪،‬‬ ‫قــوى عظمــى لــم تخــف يو ًمــا عدائهــا للعــرب‪ .‬أثيوبيــا‪،‬‬ ‫مبســاعدة‬ ‫ً‬ ‫اليــوم تبنــي ســد النهضــة‪ ،‬دون اعتبــار ملصلحــة دولتــني عربيتــني‬ ‫أفريقيتــني جارتــني‪ ،‬عضوتــني يف االحتــاد األوربــي‪ ،‬تتمتعــان بحقــوق‬ ‫تاريخيــة يف ميــاه النيــل‪ .‬يكفــي النظــر يف الــدول املمولــة لبنــاء الســد‬ ‫التــي توفــر ألثيوبيــا املشــورة واملعونــة الفنيــة واالستشــارية واملاليــة‪،‬‬ ‫لنعــرف الســبب الرئيــس مــن بنــاء ســد النهضــة األثيوبــي‪ .‬إيــران‪،‬‬ ‫اخلصــم اإلقليمــي الرئيــس علــى تخــوم العالــم العربــي‬ ‫الشــرقية‪ ،‬لــم تكتـ ِ‬ ‫ـف بالتعبيــر عــن عدائهــا الفارســي‬ ‫الثــأري املســتحكم للعــرب‪ ،‬لدرجــة التدخــل العســكري‬ ‫الســافر كمــا هــو حــادث يف العــراق وســوريا‪ ..‬أو‬ ‫عــن طريــق اســتخدام احلقــد الطائفــي لتهديــد أمــن‬ ‫اململكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬علــى احلــدود اجلنوبيــة‬ ‫مــع اليمــن‪ ...‬إيــران‪ ،‬هــذه‪ ،‬جندهــا تغــزو أفريقيــا‪،‬‬ ‫وتبــث ســموم الطائفيــة بالعمــل الــدؤوب لنشــر املذهــب‬ ‫الشــيعي‪ ،‬يف مجتمعــات أفريقيــة عربيــة وغيــر عربيــة‪،‬‬ ‫لــم تعــرف أبــداً ولــم تعتنــق طــوال تاريخهــا‪ ،‬منــذ الفتــح‬ ‫اإلســامي‪ ،‬ســوى مذاهــب أهــل الســنة واجلماعــة‪.‬‬ ‫إذا أهمــل العــرب إفريقيــا‪ ،‬ولــم يعــودا ينظــرون إليهــا النظــرة‬ ‫االســتراتيجية‪ ،‬التــي واكبــت ظهــور نظامهــم اإلقليمــي احلديــث‪،‬‬ ‫وعولــوا فقــط علــى مــا بقــي مــن صــات قربــى ودم وجغرافيــا‬ ‫وثقافــة‪ ،‬دون أن يراعــوا حــق تلــك الصــات االســتراتيجي املوضوعــي‬ ‫املصلحــي‪ ،‬فــإن ضــرراً اســتراتيجياً جســيماً ســيصيب األمــن القومــي‬ ‫العربــي‪ .‬لعــل مــا يحــدث اليــوم علــى جبهــة العالم العربي املشــرقية‪ ،‬يف‬ ‫ســوريا والعــراق واليمــن‪ ،‬وقبــل ذلــك علــى بعــض مواقــع جبهــة العــرب‬ ‫اإلفريقيــة يف الصومــال‪ ..‬ومــا يحــدث اليــوم يف دول الصحــراء الكبــرى‬ ‫مــن متــدد جلماعــات اإلرهــاب‪ ..‬ومــا يحــدث مــن متــدد إيرانــي يف دول‬ ‫شــرق وغــرب إفريقيــا‪ ..‬باإلضافــة إلــى مــا يحــدث عنــد مدخــل البحــر‬ ‫األحمــر‪ ،‬بســبب الوجــود اإلســرائيلي املكثــف يف أريتريــا وأثيوبيــا ودول‬ ‫حــوض النيــل‪ ،‬لهــو إشــارة لنــذر شــر مســتطير مقــدم عليــه العالــم‬ ‫العربــي‪ ،‬مــن داخــل عمقهــم االســتراتيجي اإلفريقــي‪.‬‬ ‫علــى العــرب أن يلتفتــوا‪ ،‬مــرة أخيــرة‪ ،‬وبعــني فاحصــة‪ ،‬تــدرك‬ ‫مكامــن اخلطــر االســتراتيجي علــى أمنهــم‪ ،‬بــل ومصيــر بقائهــم‬ ‫وتستشــعر نــذره املســتطيرة‪ ،‬القــادم عليهــم مــن داخــل عمقهــم‬ ‫االســتراتيجي التاريخــي واجلغــرايف (إفريقيــا)‪.‬‬

‫الستمـــرار الـعـالقـة‬ ‫االستراتيجية العربية ـ‬ ‫اإلفريقيــة‪ :‬إعادة أمجاد‬ ‫إنجازات الخمس ــينيات‬ ‫و الـــســتــيـــنـيـــات‬

‫الخطر من ِق َب ِل عمق العرب االستراتيجي يف إفريقيا!‬ ‫وجــود ‪ 22‬دولــة عربيــة علــى جانبــي حــدود أكبــر قارتــني يف العالــم‪،‬‬ ‫يحــدد مصيــر العــرب واألفارقــة املشــترك‪ ،‬يف الســام واألمــن والتنميــة‪،‬‬ ‫مبــا ال ميكــن أن يتوفــر يف أي جتمــع إقليمــي‪ ،‬بهــذا التوســع واالمتــداد‬ ‫والغنــى بالتاريــخ والثقافــة وصــات الــدم ووشــائج اجلغرافيــا‪ ،‬ببعديهــا‬ ‫التضاريســي واإلنســاني‪ .‬شــاهدنا‪ ،‬علــى مســتوى حركــة مســيرة النظــام‬ ‫العربــي‪ ،‬مــدى تشــابه التحديــات األمنيــة واالســتراتيجية‪ ،‬التــي عصفــت‬ ‫بالعالــم العربــي‪ ،‬طــوال الســبعة عقود املاضية‪ ..‬وكيــف أن إفريقيا‪ ،‬كانت‬ ‫توفــر العمــق االســتراتيجي الرحــب لألمــن القومــي العربــي‪ ،‬بالرغــم مــن‬ ‫محــاوالت أعــداء العــرب‪ ،‬إســرائيل علــى وجــه اخلصــوص‪ ،‬النيــل مــن‬ ‫صمــود عمــق العــرب االســتراتيجي يف إفريقيــا‪ .‬العــرب‪ ،‬مــن جانبهم‪ ،‬لم‬ ‫يبخلــوا علــى دول وشــعوب إفريقيــا‪ ،‬بــكل عــون ومســاعدة باســتطاعتهم‬ ‫تقدميهــا‪ .‬لقــد كان أكبــر إجنــاز للعــرب‪ ،‬يف هــذا املجــال تبنيهــم لقضايــا‬ ‫الشــعوب اإلفريقيــة العادلــة يف االســتقال واحلر ّيــة‪ .‬العــرب لــم يناضلوا‬ ‫مــن أجــل نيــل الكثيــر مــن الــدول األفريقيــة اســتقالها‪ ،‬فحســب‪ ...‬بــل‬ ‫قدمــوا الكثيــر مــن املســاعدات االقتصاديــة والفنيــة لبنــاء مؤسســات‬ ‫الدولــة ومجتمعــات تلــك الــدول‪ ،‬حيــث لــم تبخــل الــدول العربيــة الرائــدة‬ ‫يف النظــام العربــي‪ ،‬بتقدميهــا العــون لشــعوب ودول القــارة الســوداء‪.‬‬ ‫حتــى تســتمر هــذه العاقــة االســتراتيجية الوطيــدة بــني العــرب‬ ‫وإفريقيــا‪ ،‬علــى العــرب أن يقتربــوا أكثــر مــن إفريقيــا‪ ،‬وأن يعيــدوا‬

‫*أستاذ العلوم السياسية ـ جامعة امللك عبد العزيز ـ جدة‬

‫‪48‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫احتــال إســرائيل لفلســطني باحتــال إيــران للبحريــن‪ .‬نفــس‬ ‫احلجــج (التوســعية) التــي ســاقتها فرنســا لتبريــر عــدم خروجهــا مــن‬ ‫اجلزائــر‪ ،‬ســاقها شــاه إيــران لتبريــر خطــط اســتيائه علــى البحريــن‪.‬‬ ‫كانــت معركــة اســتقال البحريــن واحلفــاظ علــى عروبتهــا مبثابــة‬ ‫جنــاح عربــي منقطــع النظيــر حققــه النظــام العربــي‪ ،‬رغــم تواضــع‬ ‫إمكاناتــه‪ ،‬عندمــا تتوفــر اإلرادة السياســية احلاســمة والقيــادة‬ ‫التاريخيــة احلازمــة‪ ،‬لتتســقا مــع مســيرة حركــة التاريــخ‪.‬‬

‫حركات التحرر الوطني يف إفريقيا‬ ‫كمــا ســبق ذكــره‪ ،‬عنــد إنشــاء العــرب جلامعتهــم العجــوز‪ ،‬كانــت‬ ‫هنــاك ثــاث دول إفريقيــة مســتقلة‪ ،‬منها دولة عربية واحدة (مصر)‪.‬‬ ‫ال ميكــن ألحــد أن يتجاهــل دور مصــر‪ ،‬ســواء مبفردهــا أو مــن خــال‬ ‫جامعــة الــدول العربيــة ومســاندة اململكــة العربيــة الســعودية بالــذات‪،‬‬ ‫يف حتقيــق اســتقال الكثيــر مــن الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬مبــا فيهــا جميــع‬ ‫الــدول العربيــة اإلفريقيــة العشــر‪ ،‬التــي نالــت اســتقالها‪ ،‬يف الثاثــني‬ ‫ســنة‪ ،‬التــي أعقبــت قيــام جامعــة الــدول العربيــة‪ .‬لقــد دعمــت مصــر‪،‬‬ ‫الكثيــر مــن حــركات التحــرر الوطنــي يف إفريقيــا‪ ،‬خــال خمســينيات‬ ‫وســتينيات القــرن املاضــي‪ .‬لــم يتوقــف دعــم مصــر حلــركات التحــرر‬ ‫الوطنــي يف إفريقيــا‪ ،‬عنــد حــدود الدعــم السياســي‪ ،‬بــل كانــت مصــر‬ ‫فاعلــة‪ ،‬بصــورة حاســمة علــى جبهــة النضــال اإلفريقيــة‪ ،‬بالســاح‬ ‫وأحيانــاً‪ ،‬بالتدخــل العســكري املباشــر‪ ،‬كمــا حــدث يف الكونغــو‪،‬‬ ‫ومصــر لتوهــا خارجــة مــن معركــة عســكرية خاســرة مــع إســرائيل‬ ‫يونيــو ‪1967‬م‪ ،‬لــم يكــن ذلــك اتســاقاً مــع اخلــط الثــوري الــذي‬ ‫اتخذتــه مصــر عقــب ثــورة ‪ 23‬يوليــو ‪1952‬م‪ ،‬فحســب لكنــه ‪-‬يف‬ ‫حقيقــة األمــر‪ -‬كان اتســاقاً مــع متطلبــات األمــن القومــي العربــي‪،‬‬ ‫استشــعاراً بالعمــق االســتراتيجي إلفريقيــا‪ ،‬يف صــراع العــرب ضــد‬ ‫قــوى االســتعمار وأعوانــه يف املنطقــة‪ ،‬بالــذات إســرائيل‪.‬‬ ‫علــى مســتوى التكامــل اإلقليمــي يف إفريقيــا‪ ،‬الــذي يعتبــر يف الفكــر‬ ‫القومي رافداً من روافد العمق االســتراتيجي للعرب يف القارة الســوداء‪،‬‬ ‫كانــت مصــر الداعيــة وأحــد األعضــاء املؤسســني‪ ،‬ملنظمــة الوحــدة‬ ‫اإلفريقيــة‪ ،‬التــي أعلــن عن إنشــائها يف أديســا أبابــا يف‪ 25 :‬مايــو ‪1963‬م‪،‬‬ ‫وكان عــدد األعضــاء حينهــا ‪ 30‬دولــة‪ ،‬لتصــل إلــى ‪ 53‬دولــة عنــد حتــول‬ ‫مســماها إلــى االحتــاد اإلفريقــي‪ ،‬يف‪ 9 :‬يوليــو ‪2002‬م‪ .‬أيضاً‪ ،‬اتســاقاً مع‬ ‫التوجــه القومــي‪ ،‬وكأحــد متطلبــات الصــراع مع إســرائيل‪ ،‬تزعمت مصر‬ ‫اجلهود العربية واإلفريقية ملقاومة النظام العنصري يف جنوب إفريقيا‪،‬‬ ‫والتأكيد على عاقته وتطابقه‪ ،‬مع ممارســات إســرائيل العنصرية ضد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الفلسطينيني‪ ،‬مبحاولة ربط التجربة العنصرية الصهيونية يف فلسطني‪،‬‬ ‫بتلــك التــي ميارســها نظــام الفصــل العنصــري للبيــض (األبارتايــد)‪ ،‬يف‬ ‫جنــوب إفريقيــا‪ .‬وقــد تواصــل الدعــم العربــي واإلفريقــي‪ ،‬مــع دول عــدم‬ ‫االنحيــاز‪ ،‬حتــى مت التخلــص مــن نظــام الفصــل العنصــري يف جنــوب‬ ‫إفريقيــا‪ ،‬وإعــان قيــام جمهوريــة جنــوب إفريقيــا‪ ،‬يف‪ :‬مايــو ‪1994‬م‪.‬‬

‫البعد عن االستقطاب العالمي وتوسيع العمق االستراتيجي‬ ‫كمــا أن العالــم العربــي‪ ،‬بزعامــة قوتــه الفاعلــة والنافــذة‪ ،‬يف‬ ‫مشــرق العالــم العربــي اآلســيوي ومغربــه اإلفريقــي (اململكــة العربيــة‬ ‫الســعودية ومصــر)‪ ،‬لــم تعمــا فقــط علــى دعــم عمــق العالــم العربــي‬ ‫االســتراتيجي‪ ،‬يف إفريقيــا‪ ،‬فحســب‪ ،‬بــل امتــد ذلــك‪ ،‬إلــى مــا وراء‬ ‫العالــم العربــي‪ ،‬بعمقــه اإلفريقــي‪ ،‬إلــى عمــق آســيا‪ ،‬بــل وحتــى أوربــا‬ ‫وأمريــكا الاتينيــة‪ .‬يف‪ 18 :‬أبريــل ‪1955‬م‪ ،‬عقــد مؤمتــر بانــدوج وشــهد‬ ‫العالــم يف ختــام فعالياتــه مولــد منظمــة أمميــة جديــدة متثــل اخليــار‬ ‫اآلخــر لنظــام القطبيــة الثنائيــة‪ ،‬الــذي كان ســائداً منــذ نهايــة احلــرب‬ ‫الكونيــة الثانيــة‪ ،‬والــذي أحكــم ســيطرته علــى العالــم‪ ،‬وزج بــه يف أتــون‬ ‫نظــام غيــر مســتقر عــرف بنظــام احلــرب البــاردة‪ ،‬كان يهــدد وجــود‬ ‫البشــرية بفنــاء شــامل‪ ،‬يف أي حلظــة‪ ،‬حتــى ولــو عــن طريــق اخلطــأ‪.‬‬ ‫جــاءت املبــادرة إلنشــاء هــذه املنظمــة األمميــة اجلديــدة مــن ثاثــة‬ ‫زعمــاء كبــار ميثلــون ثــاث قــارات (جمــال عبــد الناصــر‪ ،‬مصــر‪..‬‬ ‫جواهــر الل نهــرو‪ ،‬الهنــد‪ ..‬جــوزف بــروز تيتــو‪ ،‬يوغســافيا)‪ .‬تأسســت‬ ‫حركــة عــدم االنحيــاز مــن ثاثــني دولــة‪ ،‬حضــرت مؤمتــر باندونــغ‪ ،‬وبلــغ‬ ‫عــدد الدولــة املشــتركة يف احلركــة ‪ 118‬دولــة يف آخــر مؤمتــر عقــد يف‬ ‫طهــران يف‪ :‬أغســطس ‪2012‬م‪.‬‬ ‫كان من أهم أهداف احلركة اإلفات من سيطرة معسكري نظام‬ ‫احلــرب البــاردة‪ ،‬مبحاولــة البعــد عــن اســتقطابها‪ ،‬خدمــة الســتقال‬ ‫الــدول األعضــاء‪ ،‬وصون ـاً لســام العالــم وأمنــه‪ .‬كمــا أن حيــاد هــذه‬ ‫املجموعــة لــم يكــن ســلبياً‪ ،‬بــل إيجابيــاً‪ ،‬ممــا يوفــر للمجموعــة‬ ‫وأعضائهــا حريــة احلركــة للبعــد عــن نفــوذ معســكري احلــرب البــاردة‪،‬‬ ‫وربــط عاقــات أعضــاء املجموعــة بالقوتــني العظمتــني (الواليــات‬ ‫املتحــدة‪ ،‬واالحتــاد الســوفيتي) علــى أســس نديــة مصلحيــة‪ ،‬وليــس‬ ‫علــى أســس تبعيــة أيدلوجيــة‪ .‬ومــن أهــم أهــداف املجموعــة مقاومــة‬ ‫اســتراتيجيات قطبــي نظــام احلــرب البــاردة يف التوســع واالحتــواء‪،‬‬ ‫خــارج مناطــق حدودهمــا التقليديــة يف أوروبــا‪.‬‬ ‫كان أبــرز عائــد للعالــم العربــي مــن قيــام مجموعــة عــدم االنحيــاز‪،‬‬ ‫مقاومــة التوســع األمريكــي يف منطقــة الشــرق األوســط‪ ،‬بإفشــال مبــدأ‬

‫الســبب الحقيقــي للعــدوان الثالثــي هــو معاقبــة مصــر عــى دعمهــا‬ ‫السـتقـالل الجزائر وتهـديدها لمصـالح االستعـمـار‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪47‬‬

‫ملف العدد‬

‫أكـبـر مـلـحـمـتيـن خــاضـهـا أقـوى ذراعـي الـعالـم الـعـربـي مــصــر‬ ‫والسعـودية هـمـا معـركتـي اسـتقـالل الـجـزائـر والبحريـن‬ ‫اجلنوبــي ‪ ،1967‬اإلمــارات العربيــة املتحــدة قطــر ُعمــان البحريــن‬ ‫‪1971‬م)‪ .‬وعشــر دول عربيــة إفريقيــة (ليبيــا‪ ..1953 :‬الســودان‪،‬‬ ‫املغــرب‪ ..1956 :‬تونــس‪ ..1958 :‬موريتانيــا‪ ،‬الصومــال‪..1960 :‬‬ ‫اجلزائــر‪ ..1962 :‬جيبوتــي‪ ..1971 :‬جــزر ال ُق ُمــر‪1975 :‬م)‪.‬‬ ‫لعل أكبر ملحمتني خاضها أقوى ذراعي العالم العربي‪ ،‬يف مشــرقه‬ ‫اآلســيوي ومغربــه اإلفريقــي (اململكــة العربيــة الســعودية ومصــر)‪ ،‬همــا‬ ‫معركتــي اســتقال اجلزائــر‪ ،‬بدايــة اخلمســينيات‪ ،‬واســتقال البحريــن‪،‬‬ ‫بدايــة ســبعينيات القــرن املاضــي‪ .‬قــد ال تكــون مصادفــة أن ذراعــي األمة‬ ‫العربية القويني والنافذين يف جانبي العالم العربي املشرقي (اآلسيوي)‬ ‫واملغربــي (اإلفريقــي)‪ ،‬يشــتركان ســو ًيا يف معركتــني فاصلتــني‪ ،‬مشــرق‬ ‫دفاعــا عــن الهويــة العربيــة ألرض العــرب علــى‬ ‫العالــم العربــي ومغربــه‪ً ،‬‬ ‫قارتــي آســيا وإفريقيــا‪ ،‬ذوداً عــن األمــن القومــي العربــي‪ ،‬املمتــد إلــى‬ ‫العمــق االســتراتيجي للعــرب‪ ،‬يف آســيا وإفريقيــا‪.‬‬ ‫يف اجلزائــر كانــت فرنســا‪ُ ،‬متــارس أبشــع أشــكال االســتعمار‬ ‫االســتيطاني‪ ،‬القتطــاع اجلزائــر مــن النســيج العربــي يف الثــوب‬ ‫اإلفريقــي‪ ،‬لدرجــة االدعــاء أن اجلزائــر جــزء مــن فرنســا‪ ،‬اللــذان‬ ‫يفصلهمــا البحــر املتوســط‪ ،‬بزعــم‪ :‬أن اجلزائــر «جولوجيــاً» يف‬ ‫إفريقيــا‪ ،‬امتــدادا للبــر الفرنســي يف أوربــا! كمــا أن فرنســا‪ ،‬طــوال‬ ‫‪ 130‬ســنة مــن اســتعمارها اجلزائــر حاولــت أن تطمــس الهويــة‬ ‫العربيــة اإلســامية للشــعب اجلزائــري العربــي املســلم‪ ،‬وتلبســه ثقافة‬ ‫«فرانكوفونيــة» غريبــة عنــه‪ ،‬ومســتهجنة منــه‪ .‬االســتعمار الفرنســي‬ ‫للجزائــر طــال بعــدي جغرافيــة اجلزائــر التضاريســية واإلنســانية‪،‬‬ ‫يف مخطــط اســتعماري جهنمــي امتــد ‪ 130‬ســنة‪ ،‬يف ســابقة نــاد ًرا‬ ‫مــا تكــررت يف أشــكال االســتعمار األخــرى‪ ،‬مبــا فيهــا االســتعمار‬ ‫الفرنســي‪ ،‬نفســه‪ ،‬يف مواقــع أخــرى مــن العالــم‪.‬‬ ‫لقــد تصــدت ك ٌل مــن مصــر واململكــة العربيــة الســعودية‪،‬‬ ‫وضختــا الكثيــر مــن مواردهمــا الوطنيــة‪ ،‬لدعــم شــعب اجلزائــر ضــد‬ ‫املســتعمر الفرنســي‪ .‬لقــد بــذل الشــعب اجلزائــري العربــي املســلم‬ ‫مليــون شــهيد لنيــل اســتقاله مــن املســتعمر الفرنســي‪ .‬إال أن ذراعــي‬ ‫األمــة العربيــة‪ ،‬يف مشــرق العالــم العربــي ومغربــه‪ ،‬لــم يبخــا علــى‬ ‫شــعب اجلزائــر‪ ،‬ال بالدعــم املــادي بتزويــده بالســاح والعتــاد واملــؤن‪،‬‬ ‫وال بالدعــم السياســي يف احملافــل الدوليــة لدعــم قضيــة شــعب‬ ‫اجلزائــر‪ .‬بــل ال نبالــغ‪ ،‬إذا قلنــا‪ :‬أن هاتــني الدولتــني العربيتــني‪ ،‬كانتــا‬ ‫تراهــن علــى اســتقال شــعب اجلزائــر‪ ،‬حتــى بأمنهمــا واســتقالهما‪.‬‬ ‫العــدوان الثاثــي‪ ،‬علــى مصــر ‪1956‬م‪ ،‬لــم تكــن قضيــة تأميــم قنــاة‬ ‫الســويس‪ ،‬إال واجهــة سياســية بولــغ إعاميـاً يف تضخيمهــا‪ ،‬لتخفــي‬

‫فرنســا ومعهــا بريطانيــا وإســرائيل األســباب الرئيســية للعــدوان علــى‬ ‫مصــر‪ .‬يف واقــع األمــر كان الســبب الرئيــس لذلــك العــدوان علــى‬ ‫مصــر‪ ،‬هــو‪ :‬معاقبــة مصــر علــى دعمهــا لشــعب اجلزائــر وتبنيهــا‬ ‫للمــد القومــي‪ ،‬الــذي أخــذ يهــدد املصالــح االســتعمارية لفرنســا يف‬ ‫مغــرب العالــم العربــي وأفريقيــا ومصالــح بريطانيــا يف مشــرق العالــم‬ ‫العربــي‪ ،‬وبالــذات أمــن إســرائيل‪.‬‬ ‫يف املقابــل‪ ،‬لــم تكــن مصــر بإمكاناتهــا الدفاعيــة املتواضعــة‪،‬‬ ‫ذلــك الوقــت‪ ،‬قــادرة لوحدهــا مواجهــة العــدوان الثاثــي لــوال الدعــم‬ ‫اللوجســتي واملــادي والسياســي‪ ،‬التــي وفرتــه اململكــة العربيــة‬ ‫الســعودية مــن أجــل انتصــار مصــر والعــرب يف تلــك املواجهــة غيــر‬ ‫املتكافئــة مــع أطــراف العــدوان الثاثــي‪ .‬لقــد قدمــت اململكــة عمق ـاً‬ ‫اســتراتيجياً ملصــر بإيــواء ســاح الطيــران املصــري ومــن ثــم حمايتــه‬ ‫مــن املواجهــة غيــر املتكافئــة مــع طيــران أطــراف العــدوان الثاثــي‪.‬‬ ‫وقــد ال يعــرف الكثيــرون أن اململكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬اســتخدمت‬ ‫ســاح النفــط ألول مــرة يف تلــك احلــرب العدوانيــة علــى مصــر‪،‬‬ ‫وقطعــت إمــدادات النفــط عــن بريطانيــا وفرنســا وكل الــدول الغربية‪،‬‬ ‫التــي دعمــت العــدوان الثاثــي علــى مصــر‪ .‬ســلوك تكــرر مــن اململكــة‬ ‫العربيــة الســعودية يف حــروب العــرب الاحقــة مــع إســرائيل ‪،1967‬‬ ‫‪1973‬م‪ .‬اململكــة العربيــة الســعودية يف قيامهــا بالتزاماتهــا القوميــة‬ ‫تلــك كانــت تخاطــر بأمنهــا وثروتهــا‪ ،‬بــل حتــى احتمــاالت غزوهــا‪...‬‬ ‫ومــع ذلــك كانــت تقــدر عاليـاً التزاماتهــا القوميــة بقناعــة اســتراتيجية‬ ‫ماضيــة‪ ،‬بضــرورة احلفــاظ علــى كيــان األمــة العربيــة اجلغــرايف‪،‬‬ ‫ببعديــه التضاريســي واإلنســاني‪ ،‬يف قارتــي آســيا وإفريقيــا‪ ،‬وإال فــإن‬ ‫البديــل اآلخــر ال ميكــن تصــور تبعاتــه السياســية واألمنيــة‪ ،‬الــذي قــد‬ ‫يطــال احتمــاالت االســتمرار والبقــاء‪.‬‬ ‫املعركــة األخــرى التــي خاضاهــا معــاً ذراعــا األمــة العربيــة‬ ‫(اململكــة العربيــة الســعودية ومصــر) املمتــد عبــر فاصــل اجلغرافيــا‬ ‫بــني مشــرق العــام العربــي اآلســيوي‪ ،‬ومغربــه اإلفريقــي‪ ،‬وقعــت هــذه‬ ‫املــرة علــى حــدود العالــم العربــي الشــرقية املطلــة علــى اخلليــج‬ ‫العربــي‪ ،‬عندمــا حاولــت إيــران عرقلــة اســتقال البحريــن‪ ،‬بدايــات‬ ‫ســبعينيات القــرن املاضــي‪ ،‬بالتهديــد باحتــال البحريــن‪ ،‬حــال‬ ‫انســحاب بريطانيــا‪ ،‬يف احتمــال تكــرار خطيــر لســيناريو إعــان قيــام‬ ‫إســرائيل‪ ،‬عقــب إعــان بريطانيــا إنهــاء انتدابهــا علــى فلســطني‪ .‬لــوال‬ ‫ـكل مــن امللــك فيصــل بــن‬ ‫الوقفــة العروبيــة الشــجاعة واحلاســمة‪ ،‬لـ ٍ‬ ‫عبــد ال َعزِ يْــز والرئيــس جمــال عبــد الناصــر‪ ،‬باتخــاذ كافــة الوســائل‬ ‫املتاحــة واحملتملــة للدفــاع عــن عروبــة البحريــن‪ ،‬لــكان تكــرر ســيناريو‬

‫‪46‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫لهــا‪ ،‬علــى أطــراف العالــم العربــي اآلســيوي‪ ،‬شــر ًقا‪ ،‬يف محاولــة‬ ‫حلصــار العالــم العربــي مــن أطرافــه‪ ،‬اآلســيوية واإلفريقيــة‪ ،‬م ًعــا‪،‬‬ ‫بعــد أن جنحــت يف حلحلــة احلصــار عليهــا علــى مســتوى اجلبهــة‬ ‫املباشــرة معهــا‪ ،‬باتفاقيتــي الســام مــع مصــر واألردن‪ .‬باإلضافــة إلــى‬ ‫إنهــاء موريتانيــا‪ ،‬يف أقصــى تخــوم العالــم العربــي اإلفريقيــة غر ًبــا‪،‬‬ ‫لــكل أشــكال العاقــة مــع إســرائيل‪ ،‬تزامــن ذلــك مــع إنهاء كل مشــاريع‬ ‫االتصــال الهشــة مــع إســرائيل يف مشــرق العالــم اآلســيوي‪ ،‬خاصــة‬ ‫مــع بعــض دول اخلليــج العربــي‪ ،‬حيــث جمــدت أو علقــت‪ ،‬أو قطعــت‪،‬‬ ‫بصــورة رســمية‪ ،‬جميــع أشــكال االتصــال مــع إســرائيل‪ ،‬رســم ًيا‪.‬‬ ‫تزا ُمــن يف ســلوك عربــي ســلبي‪ ،‬جتــاه إســرائيل‪ ،‬وإن كان يبــدو‬ ‫عفويــاً‪ ،‬أكثــر منــه مخططــاً‪ ،‬إال أنــه يأتــي يف إطــار االستشــعار‬ ‫القــوي جتــاه اخلطــر االســتراتيجي مــن وجــود إســرائيل‪ ،‬علــى أمــن‬ ‫العــرب ومصاحلهــم‪ ،‬شــرقاً وغرب ـاً‪ ،‬الــذي يســتحيل االطمئنــان إلــى‬ ‫ســامتهما‪ ،‬مــع وجــود إســرائيل علــى مفصــل االلتقــاء اجلغــرايف بــني‬ ‫مشــرق العــرب (اآلســيوي)‪ ،‬ومغربــه (اإلفريقــي)‪.‬‬

‫حركات التحرر الوطني يف العالم العربي‬ ‫عنــد إعــان قيــام اجلامعــة العربيــة (‪ 22‬مــارس ‪1945‬م)‬ ‫كانــت هنــاك ســبع دول عربيــة هــي املؤسســة للجامعــة العربيــة‪،‬‬ ‫ســت منهــا يف مشــرق العالــم العربــي‪ ،‬وواحــدة فقــط يف‬ ‫مغربــه اإلفريقــي (مصــر)‪ .‬بينمــا يف ذلــك التاريــخ لــم يكــن يف‬ ‫إفريقيا كلها ســوى ثاث دول مســتقلة منها واحدة عربية (احتاد جنوب‬ ‫أفريقيــا ‪ 31‬مايــو ‪ ،1910‬مصــر‪ 28 :‬فبرايــر ‪1922‬م‪ ،‬وأثيوبيــا‪ :‬ديســمبر‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪1944‬م)‪ .‬اليــوم هنــاك‪ 22 :‬دولــة عضــو باجلامعــة العربيــة و ‪ 52‬دولــة‬ ‫عضــو يف االحتــاد اإلفريقــي‪ .‬يف فتــرة والســتينات اســتقلت العشــرات‬ ‫مــن الــدول العربيــة واإلفريقيــة‪ ،‬ومــا كان ذلــك ليتــم‪ ،‬بعــد نضــال شــعوب‬ ‫تلــك الــدول العربيــة واإلفريقيــة لنيــل اســتقالها‪ ،‬لــوال مســاعدة دولتــني‬ ‫أساســيتني مــن مؤسســي اجلامعــة العربيــة‪ ،‬وقــد ال تكــون مصادفــة أن‬ ‫تكــون هاتــان الدولتــان تقعــان علــى جانبــي العالــم العربــي اآلســيوي‬ ‫واألفريقــي‪ ،‬ونعنــي بهمــا‪ :‬اململكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬ومصــر‪.‬‬ ‫يف امللحقــني اخلاصــني بفلســطني والتعــاون مــع الدول العربية غير‬ ‫األعضــاء التــي يحــول واقــع االحتــال األجنبــي عليهــا‪ ،‬مــن انضمامهــا‬ ‫بصــورة كاملــة لعضويــة جامعــة الــدول العربيــة‪ ،‬اللــذان يعتبــران جــز ًءا‬ ‫ال يتجــزأ مــن ميثــاق جامعــة الــدول العربيــة‪ ،‬نــص يقــول‪ :‬تعتبــر الــدول‬ ‫األعضــاء املؤسســة جلامعــة الــدول العربيــة تلــك الــدول التــي حتــول‬ ‫بينهــا وبــني العضويــة الكاملــة يف اجلامعــة‪ ،‬بســبب ظروف قاهــرة‪ ،‬دوال‬ ‫عربيــة‪ ،‬لهــا حــق املشــاركة يف فعاليــات اجلامعــة‪ ،‬كمــا يلتــزم أعضــاء‬ ‫اجلامعــة مبســاعدة تلــك الــدول‪ ،‬بكافــة الوســائل السياســية وغيرهــا‪،‬‬ ‫حتــى تنــال اســتقالها وتتمكــن مــن العضويــة الكاملــة يف جامعــة الدول‬ ‫العربيــة‪( .‬ملحــق رقــم‪ 2 ،1 :‬مــن ميثــاق جامعــة الــدول العربيــة)‬ ‫طبعاً‪ :‬لم يكن ســوى للفعاليات املهمة والنافذة يف النظام العربي‬ ‫الرســمي‪ ،‬يف ذلــك احلــني الــذي متثلــه جامعــة الدول العربيــة‪ ،‬واملعني‬ ‫بهــا هنــا‪ ،‬علــى وجــه التحديــد‪ ،‬مصــر واململكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬إال‬ ‫أن يقومــا باجلهــد األكبــر للوفــاء بذلــك االلتــزام القومــي‪ ،‬حتــى مت‬ ‫خــال ثاثــني ســنة مــن قيــام اجلامعــة العربيــة اســتقال ‪ 15‬دولــة‬ ‫عربيــة‪ ،‬منهــا ســت يف مشــرق العالــم العربــي (الكويــت ‪ ،1960‬اليمــن‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أخــذ مــن العــرب ربــع قــرن‪ ،‬دارت خالهــا حــرب عامليــة ثانيــة‬ ‫ضــروس (احلــرب الكونيــة الثانيــة ‪1945-1936‬م)‪ ،‬ليعي العرب القيمة‬ ‫االســتراتيجية العظمــى‪ ،‬لربــط شــرق العالــم العربــي (اآلســيوي) بغربــه‬ ‫(األفريقــي)‪ ،‬فــكان مشــروع اجلامعــة العربيــة الــذي بــادرت بالدعــوة‬ ‫إليــه والدفــع باجتاهــه مصــر‪ .‬وإن جــاء مشــروع اجلامعة العربية كتوجه‬ ‫فطري‪ ،‬بضرورة إنشــاء كيان إقليمي مشــترك بني شــرق العالم العربي‬ ‫اآلســيوي‪ ،‬وغربــه اإلفريقــي اتســاقاً‪ ،‬مــع حقائــق اجلغرافيــا‪ ،‬ببعديهــا‬ ‫التضاريســي واإلنســاني‪ ..‬وصــات التاريــخ‪ ،‬مبتغيراتهــا الثقافيــة‬ ‫والدينية واللغوية والعرقية‪ ،‬إال أنه ال ميكن جتاوز البعد االســتراتيجي‬ ‫األمنــي ملشــروع اجلامعــة العربيــة‪ .‬لقــد ظهــر للعــرب جلي ـاً‪ ،‬اســتحالة‬ ‫إقامــة وحــدة سياســية عربيــة ‪-‬أو علــى األقــل كيــان‬ ‫تكاملــي إقليمــي ‪-‬متــني يجمــع الــدول العربيــة‪ ،‬حتــى‬ ‫بــني تلــك الــدول املؤسســة للجامعــة العربيــة‪ ،‬وذلــك‬ ‫بســبب منطــق وواقــع منــوذج الدولــة القوميــة احلديثة‬ ‫الســائد‪ ،‬حينهــا‪ ،‬بــني تلــك الــدول املؤسســة للجامعــة‬ ‫العربيــة‪ ،‬أو أي دولــة عربيــة تنــال اســتقالها‪ ،‬ومــن ثَـ ّم‬ ‫تطلــب االنضمــام للجامعــة العربيــة‪.‬‬ ‫مــع ذلــك كان علــى العــرب‪ ،‬مــن الناحيــة‬ ‫االســتراتيجية‪ ،‬مواجهــة حتــدي احتمــال وجــود‬ ‫إســرائيل يف قلــب العالــم العربــي‪ ،‬الــذي مــن الناحية‬ ‫اجلغرافيــة ميكــن أن يشــكل عــازالً جغرافيـاً بــني شــق العالم الشــرقي‬ ‫(اآلســيوي)‪ ،‬وشــقه الغربــي (اإلفريقــي)‪ ،‬الــذي حتقــق فعــ ً‬ ‫ا‪ ،‬بعــد‬ ‫احلــرب العربيــة اإلســرائيلية األولــى ســنة ‪1948‬م‪ ،‬عندمــا اســتولت‬ ‫إســرائيل علــى قريــة أم الرشــراش املصريــة‪ ،‬وأصبــح لهــا منــذ ذلــك‬ ‫احلــني منفــذاً علــى خليــج العقبــة‪ ،‬الــذي كان مــن قبــل قيــام إســرائيل‬ ‫واحتــال مدينــة أم الرشــراش املصريــة‪ ،‬التــي أقيمــت علهــا مدينــة‬ ‫إيــات‪ ،‬بحيــرة عربيــة بالكامــل‪ ،‬ليصبــح مدخلــه اجلنوبــي علــى‬ ‫البحــر األحمــر (مضيــق تيــران) مم ـ ًرا دول ًيــا‪ .‬تأكــد ذلــك‪ ،‬بصــورة‬ ‫فعليــة‪ ،‬بنتيجــة حربــي ‪1967 ،1956‬م‪ .‬وبعــد ذلــك بصفــة رســمية‬ ‫مبعاهــدة الســام املصريــة اإلســرائيلية يف‪ 26 :‬مــارس ‪1979‬م‪.‬‬ ‫قيــام اجلامعــة العربيــة (‪ 22‬مــارس ‪1945‬م) يعكــس أول جهــد‬ ‫إقليمــي عربــي‪ ،‬يف العصــر احلديــث‪ ،‬لربــط مشــرق العالــم العربــي يف‬ ‫آســيا مبغربــه يف إفريقيــا‪ ،‬وذلــك قبــل إعــان قيــام إســرائيل يف ‪15‬‬ ‫مايــو ‪1948‬م‪ ،‬ليتواصــل شــقي العالــم العربــي اآلســيوي واإلفريقــي‪،‬‬ ‫ولــو علــى املســتوى السياســي‪ ،‬رغمــاً عــن التحــدي االســتراتيجي‬ ‫احملتمــل لوجــود إســرائيل علــى أرض فلســطني‪ ،‬وبعــد ذلــك إطالــة‬ ‫الدولــة العبريــة علــى خليــج العقبــة‪ .‬إال أن هــذا احلاجــز اجلغــرايف‪،‬‬ ‫الذي تطور بقيام إسرائيل على أرض فلسطني وتوسعها الحقاً بخلق‬ ‫إطالــة لهــا علــى خليــج العقبــة‪ ،‬قد تســبب تضاريســياً يف فصل شــرق‬ ‫العالــم العربــي اآلســيوي‪ ،‬عــن غــرب العالــم العربــي اإلفريقــي‪ ،‬لكنــه‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪45‬‬

‫ملف العدد‬

‫لــم ينجــح (اســتراتيجياً) يف جانبــه اجلغــرايف اإلنســاني وال (ثقافيـاً)‬ ‫يف قطــع صــات العالــم العربــي التاريخيــة بني شــقه اآلســيوي‪ ،‬وشــقه‬ ‫اآلخــر اإلفريقــي‪ .‬حتــى عندمــا متكنــت إســرائيل‪ ،‬بعــد حــرب األيــام‬ ‫الســتة ‪1967‬م‪ ،‬مــن توســيع َّ‬ ‫الشــق باحتــال كامــل فلســطني‪ ،‬مــع كامــل‬ ‫شــبه جزيــرة ســيناء املصريــة‪ ،‬ظــل منطــق االســتراتيجية‪ ..‬ووشــائج‬ ‫اجلغرافيــة اإلنســانية‪ ،‬وصــات التاريــخ احلميمــة تربــط شــطري‬ ‫العالــم العربــي‪ ،‬األفريقــي واآلســيوي‪ .‬بــل أن وجــود إســرائيل نفســه‪،‬‬ ‫حتــى مــع توســعها علــى حســاب األراضــي الفلســطينية ووصولهــا إلــى‬ ‫قنــاة الســويس‪ ،‬بعــد حــرب يونيــو ‪1967‬م‪ ،‬أحيــت العمق االســتراتيجي‬ ‫اإلفريقــي للعالــم العربــي‪ ،‬خــارج حــدود العالــم العربــي يف أفريقيــا‪،‬‬ ‫ليمتــد إلــى أفريقيــا‪ ،‬بأســرها‪.‬‬ ‫بعــد عــدوان الســادس مــن يونيــو‪1967‬م‪ ،‬لــم تبــق‬ ‫دولــة إفريقيــة كانــت تربطهــا عاقــات مــع إســرائيل‬ ‫قبــل تلــك احلــرب‪ ،‬إال وقطعتهــا‪ ،‬مــع تــل أبيــب‪،‬‬ ‫حتــى عقــدت مصــر اتفاقيــة الســام مــع إســرائيل‬ ‫(‪ 26‬مــارس ‪1979‬م)‪ ،‬لتعــود إســرائيل للتغلغــل‬ ‫مــن جديــد يف إفريقيــا‪ ،‬حتــى أنهــا طالــت أطــراف‬ ‫العالــم العربــي اإلفريقيــة يف أقصــى الغــرب‪ ،‬عندمــا‬ ‫اعترفــت موريتانيــا بإســرائيل وأقامــت معهــا عاقــات‬ ‫دبلوماســية كاملــة يف‪ 28 :‬أكتوبــر ‪1999‬م‪ .‬إال أن القفــز‬ ‫علــى اجلغرافيــا‪ ،‬تضاريســياً‪ ،‬يظــل بعيــداً عــن إحلــاق الضــرر بالبعــد‬ ‫اإلنســاني للجغرافيــا‪ ،‬وكــذا منطــق االســتراتيجية األمنــي‪ .‬الزالــت‬ ‫دول االحتــاد اإلفريقــي‪ ،‬بالرغــم مــن عاقــات بعضهــا القويــة مــع‬ ‫إســرائيل‪ ،‬تناصــر قضايــا العالــم العربــي‪ ،‬يف صراعــه مــع إســرائيل‪،‬‬ ‫بصفــة خاصــة القضيــة الفلســطينية‪ ،‬وإن كان األمــر لــم يعــد بنفــس‬ ‫احلمــاس الــذي كان عليــه احلــال يف اخلمســينيات والســتينيات‪ ،‬وحتى‬ ‫نهايــة الســبعينيات‪ ،‬عندمــا أقدمــت أكبــر دولــة عربيــة أفريقيــة بتوقيــع‬ ‫معاهــدة ســام منفــرد مــع إســرائيل‪.‬‬ ‫رمبــا يكــون البعــد االســتراتيجي للعمــق اإلفريقــي قو ًيــا وصامـدًا‪،‬‬ ‫يف مواجهــة حتديــات نظريــة التوســع اإلســرائيلية‪ ،‬مــن ذلــك الــذي‬ ‫يتجلــى ‪-‬علــى املســتوى الرســمي ‪-‬يف حالــة الســام البــارد الســائدة‬ ‫بــني إســرائيل وبعــض دول املواجهــة املباشــرة‪ ،‬يف مشــرق العالــم‬ ‫العربــي اآلســيوي‪ ،‬ومغربــه اإلفريقــي‪ .‬مــا بــدا وكأنــه ســام بــني‬ ‫إســرائيل وموريتانيــا‪ ،‬لــم ميكــث أكثــر مــن عشــر ســنوات‪ ،‬لتقــوم‬ ‫موريتانيــا بقطــع عاقتهــا الدبلوماســية مــع إســرائيل‪ ،‬وطــرد الســفير‬ ‫احتجاجــا علــى‬ ‫اإلســرائيلي مــن نواكشــوط‪ ،‬يف‪ 6 :‬مــارس ‪2009‬م‪،‬‬ ‫ً‬ ‫العــدوان اإلســرائيلي علــى غــزة‪ :‬فبرايــر ‪2009‬م‪ ،‬لتعلــن رســمياً إنهــاء‬ ‫كافــة أشــكال العاقــة بــني البلديــن يف‪ 21 :‬مــارس ‪2010‬م‪ .‬يتســق‬ ‫هــذا الســلوك املوريتانــي جتــاه إســرائيل‪ ،‬الــذي تطــور يف مغــرب‬ ‫أذرعــا‬ ‫العالــم العربــي (اإلفريقــي) مــع فشــل محــاوالت إســرائيل ملــد‬ ‫ً‬

‫استقلت العشرات من‬ ‫الــدول األفريقية بنضال‬ ‫شــعوبها ودعــم دولتيــن‬ ‫عربـــيتين أسـاســـيتين‬ ‫همــا مصــر والســعودية‬

‫‪44‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫عـــى العـــرب االلتفـــات لمكامـــن الخطـــر واستشـــعار التحـــدي‬ ‫الـقـادم مـن الـعـمـق االسـتـراتـيـجـي اإلفـريـقـي‬ ‫اإلســام‪ ،‬وإن كان تاريخ ًيــا‪ ،‬جدي ـدًا علــى إفريقيــا وأهلهــا‪ ،‬كمــا‬ ‫هــو علــى العــرب يف شــبه اجلزيــرة‪ ،‬إال أن العربيــة كانــت متواجــدة‬ ‫علــى تخــوم العالــم العربــي الغربيــة (اإلفريقيــة)‪ ،‬امتــدا ًدا مــن الضفــة‬ ‫الشــرقية لدلتــا النيــل‪ ،‬وحتــى جنــوب الســودان‪ ،‬علــى طــول الســاحل‬ ‫اإلفريقــي للبحــر األحمــر‪ ،‬وحتــى جنــوب الصومــال‪ ،‬علــى الســاحل‬ ‫الغربــي للمحيــط الهنــدي‪ ،‬بعمــق الهضبــة األثيوبيــة‪ .‬لــم يكــن لعمــرو‬ ‫بــن العــاص‪ ،‬مبــا لديــه مــن جنــد ال يتجــاوزون بضعــة آالف مقاتــل مــن‬ ‫فتــح مصــر‪ ،‬لــوال القبائــل العربيــة املتواجــدة يف ســيناء والشــرقية‪،‬‬ ‫وعلــى حــواف ضفــة النيــل الشــرقية‪ ،‬وحتــى صعيــد مصــر‪ .‬هــذه‬ ‫القبائــل العربيــة لــم تقــدم جليــش املســلمني الفــاحت املــدد والعتــاد‬ ‫الــازم‪ ،‬مــن بــاب احلميــة العربيــة إذ لــم يدخلــوا بعــد يف اإلســام‪،‬‬ ‫فحســب‪ ...‬بــل قدمــوا‪ ،‬أيضــاً‪ :‬خدمــات «لوجســتية» ومعلومــات‬ ‫«اســتخباراتية» مهمــة لهــا عاقــة مباشــرة بحاميــات ومواقــع‬ ‫اإلمبراطوريــة الرومانيــة‪ ،‬التــي كانــت حتتــل مصــر‪ ،‬وحتكــم شــعبها‬ ‫باحلديــد والنــار‪ .‬عمــرو بــن العــاص‪ ،‬اســتعان أيض ـاً بهــذه القبائــل‬ ‫العربيــة‪ ،‬التــي كانــت تتقــن اللغــة املصريــة‪ ،‬يف إدارة حكمــه ملصــر‪،‬‬ ‫ولــم يكونــوا بعــد قــد دخلــوا اإلســام‪.‬‬ ‫لقــد أخــذ مــن العــرب املســلمني أربعــة قــرون لتصبــح مصــر واليــة‬ ‫عربيــة خالصــة للخافــة اإلســامية‪ ،‬حتــى أن اخلافــة اإلســامية‬ ‫انتقلــت إلــى القاهــرة لفتــرة قصيــرة بعــد ســقوط اخلافــة العباســية‬ ‫يف بغــداد (‪ 10‬فبرايــر ‪1258‬م)‪ .‬لــم يأخــذ املصريــون اإلســام‪ ،‬فقــط‪،‬‬ ‫لكنهــم أخــذوا لغــة القــرآن (العربيــة)‪ ،‬أيض ـاً‪ .‬ح ّتــى أقبــاط مصــر‪،‬‬ ‫الذيــن لــم يُ ْكرهــوا علــى تــرك دينهــم‪ ،‬لــم يُحــال بينهــم وبــني كنائســهم‬ ‫وأديرتهــم وصلبانهــم ورهبانهــم‪ ،‬مــن قبــل احلكــم اإلســامي‪ ،‬أقبلــوا‬ ‫علــى اللغــة العربيــة‪ ...‬ومــا أن جــاء القــرن العاشــر امليــادي إال وكان‬ ‫معظــم أقبــاط مصــر قــد دخلــوا اإلســام وانصهــروا مــع أخوتهــم‬ ‫العــرب املســلمني‪ ..‬ومــا بقــي منهــم علــى دينــه‪ ،‬تــرك لغتــه القبطيــة‬ ‫وجعــل اللغــة العربيــة لســانه‪ ...‬حتــى شــعائر الصــاة يف كنائــس‬ ‫أقبــاط مصــر كانــت تــؤدى باللغــة العربيــة‪ ...‬واســتمر هــذا األمــر إلــى‬ ‫يومنــا هــذا‪ ،‬حيــث أصبحــت مصــر عربيــة ‪ %100‬ومســلمة مبــا يزيــد‬ ‫عــن ‪ %95‬مــن ســكانها العــرب‪.‬‬ ‫ما تطور يف مصر‪ ،‬من انتشــار لإلســام ولغة الضاد‪ ،‬انتشــر على‬ ‫طــوال ســاحل البحــر املتوســط اجلنوبــي يف الشــمال اإلفريقــي‪ ،‬وجــزء‬ ‫كبيــر مــن ســاحل األطلســي الشــرقي مــن الغــرب اإلفريقــي‪ .‬حتى كانت‬ ‫مدينــة ( متبوكتــو) وســط النيجــر‪ ،‬إلــى القــرن التاســع عشــر‪ ،‬منــارة‬ ‫لنشــر اإلســام وحاضــرة لتعلــم اللغــة العربيــة‪ ،‬يشــع نورهــا منطقــة‬

‫الصحــراء الكبــرى‪ ،‬علــى طــول احلافــة الشــمالية للمنطقــة االســتوائية‬ ‫يف وســط إفريقيــا‪ .‬اآلن كل دول الصحــراء الكبــرى وجنوبهــا دوالً‬ ‫إســامية‪ ،‬حتــرص يف مناهجهــا التعليميــة علــى دراســة اللغــة العربيــة‬ ‫وعلــوم الديــن احلنيــف‪ ..‬وكان لألزهــر الشــريف يف مصــر‪ ،‬وكــذا‬ ‫املعاهــد العلميــة وجامعــات اململكــة العربية الســعودية‪ ،‬خاصة اجلامعة‬ ‫اإلســامية يف املدينــة املنــورة‪ ،‬دو ٌر مشــهو ٌد يف نشــر تعلــم اللغــة العربيــة‬ ‫والدراســات اإلســامية يف الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬حتــى جنــوب الصحــراء‬ ‫الكبــرى‪ ...‬بــل أن األزهــر واملعاهــد العلميــة الدينيــة باململكــة أمتــد‬ ‫برنامجهــم للبعــوث اإلســامية إلــى مــا وراء ذلــك‪ ،‬خــارج إفريقيــا‪ ،‬يف‬ ‫دول جنــوب شــرق آســيا وشــبه القــارة الهنديــة‪ ،‬ودول آســيا الصغــرى‬ ‫وحتــى‪ ،‬الصــني وكوريــا واليابــان‪ ،‬يف جتســيد قــوي ملــا تتمتــع بــه ك ٌل مــن‬ ‫مصــر واململكــة العربيــة الســعودية مــن قــوة ناعمــة مؤثرة‪ ،‬جتمــع موارد‬ ‫العــرب وإرثهــم الثقــايف واحلضــاري‪ ،‬مشــرق العالــم العربي (اآلســيوي)‬ ‫ومغربــه (اإلفريقــي)‪ ،‬علــى امتــداد العاملــني العربــي واإلســامي‪.‬‬

‫المد القومي‪ ..‬ونشأة الدولة الحديثة‬ ‫بدايــة القــرن املاضــي‪ ،‬كانــت حقائــق اجلغرافيــا‪ ،‬بتضاريســها‬ ‫وبعدهــا اإلنســاني‪ ،‬يفرضــان مبنطقهمــا‪ ،‬ســلوك العــرب‪ ،‬يف مشــرق‬ ‫العالــم العربــي (اآلســيوي) ومغربــه (اإلفريقــي)‪ ،‬م ًعــا‪ .‬كان حلــم وحــدة‬ ‫الشــعوب واألرض حاضــراً‪ ،‬لــدى النخــب السياســية علــى ضفتــي‬ ‫العالــم العربــي اآلســيوية واإلفريقيــة‪ ،‬متجــذراً يف ضميــر الشــعوب‬ ‫العربيــة‪ ،‬مــن اخلليــج للمحيــط‪ .‬كانــت البدايــة‪ ،‬يف أوج معمعــة احلــرب‬ ‫الكونيــة األولــى (‪1919-1914‬م)‪ ،‬بطموحــات شــريف مكــة احلســني‬ ‫ابــن علــي‪ ،‬إلنشــاء دولــة عربيــة واحــدة يف مشــرق العالــم العربــي‪.‬‬ ‫مــن أهــم مســببات فشــل هــذا املشــروع‪ ،‬أن طموحــات شــريف مكــة‬ ‫كانــت محــدودة‪ ،‬إذ اقتصــرت علــى مشــرق العالــم العربــي (اآلســيوي)‬ ‫ولــم متتــد إلــى مغــرب العالــم العربــي (اإلفريقــي)‪ ،‬بحاضرتــه العربيــة‬ ‫الكبــرى (مصــر)‪ ..‬وكــذا اعتماد شــريف مكة على قــوة كبرى (بريطانيا‬ ‫العظمــى)‪ ،‬لهــا حســاباتها االســتعمارية‪ ،‬التــي لــم ِ‬ ‫يفطــن إليهــا‪ ،‬أو أنــه‬ ‫بالــغ يف تقديــره الهتمــام وحاجــة اإلجنليــز إليــه‪ .‬كانــت النتيجــة أن‬ ‫احلســني بــن علــي لــم يحقــق طموحاتــه‪ ،‬بــل وخســر إمارتــه‪ ،‬ذات‬ ‫املكانــة التاريخيــة واالســتراتيجية العظمــى‪ ،‬بالنســبة للعاملــني العربــي‬ ‫واإلســامي‪ ،‬لصالــح عــدوه اللــدود ابــن ســعود (امللــك عبــد العزيــز بــن‬ ‫عبــد الرحمــن آل ســعود)‪ ،‬الــذي كان أكثــر ذكاء وحنكــة‪ ..‬وتواضعــا يف‬ ‫طموحاتــه‪ ..‬ودرايــة بتــوازن القــوى العاملــي‪ ،‬يف فتــرة مــا بعــد احلــرب‬ ‫األولــى‪ ،‬ومعرفــة بحركــة التاريــخ مــن شــريف مكــة احلســني بــن علــي‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪43‬‬

‫ملف العدد‬

‫العـرب وإفـريقـيا‪ :‬امتـداد جغـرافي‪ ..‬صـالت تاريخـية‪ ..‬عـمق اسـتراتيجي‬

‫اإلرهاب وإسرائيل وإيران ‪..‬‬ ‫ثالوث الخطر القادم عى العرب من إفريقيا‬ ‫يف إفريقيــا عشــر دول عربيــة مــن اثنــني وعشــرين دولــة عربيــة (مصــر‪ ،‬الســودان‪ ،‬ليبيــا‪ ،‬تونــس‪ ،‬اجلزائــر‪ ،‬املغــرب‪ ،‬موريتانيــا‪،‬‬ ‫الصومــال‪ ،‬جيبوتــي‪ ،‬وجــزر ال ُق ُمــر)‪ .‬يعيــش يف هــذه الــدول العربيــة اإلفريقيــة‪ %70 ،‬مــن عــدد ســكان العالــم العربــي (‪390‬‬ ‫مليــون نســمة)‪ ..‬يقطنــون يف مســاحة تقــدر بـــ ‪ %60‬مــن مســاحة العالــم العربــي البالغــة‪ 13.333 :‬مليــون كــم مربــع‪ ،‬تســاهم‬ ‫هــذه الــدول العربيــة اإلفريقيــة مبــا مقــداره ‪ %38‬مــن النــاجت اإلجمالــي للعالــم العربــي البالــغ‪ 2.75 :‬ترليــون دوالر (إحصــاءات‬ ‫‪2015‬م)‪ .‬إذن‪ :‬يف‪ .‬أفريقيــا‪ ،‬عــدد أقــل نســب ًيا‪ ،‬مــن الــدول العربيــة‪ ،‬وإن كان بهــا مــا يزيــد عــن ثلثــي العــرب‪ ،‬يف مســاحة مــن‬ ‫األرض تزيــد مــرة ونصــف عــن تلــك التــي يقطنهــا أشــقاؤهم يف املشــرق (اآلســيوي)‪ ،‬وإن كان عــرب املشــرق يســاهمون يف‬ ‫النــاجت اإلجمالــي للعالــم العربــي مبــا يصــل إلــى ثاثــة أضعــاف نصيــب أشــقائهم مــن عــرب املغــرب العربــي (اإلفريقــي)‪.‬‬

‫د‪ .‬طالل صالح بنّان‬

‫هــذه األرقــام‪ ،‬رغــم تفاوتهــا‪ ،‬إال أنها تعكس تعددية ثقافية وحضارية‬ ‫لشــعوب العالــم العربــي‪ ،‬أكثــر منهــا مجــرد اختافــات جهويــة‪ ،‬قــد‬ ‫تفرضهــا تضاريــس اجلغرافيــا ورحابــة املســاحة‪ ،‬وال نَ ُقــل بعــد املســافة‪.‬‬ ‫كمــا أن تلــك التعدديــة الثقافيــة واحلضاريــة ‪-‬يف حقيقــة األمــر ‪-‬تعكــس‬ ‫صــات تاريخيــة وامتــداد جغــرايف‪ ،‬بــل وعمــق اســتراتيجي‪ ،‬يف مســاحة‬ ‫أوســع وعــدد أكبــر مــن البشــر‪ ،‬يربــط عرب املشــرق واملغرب م ًعــا‪ ،‬بالقارة‬ ‫الســوداء (أفريقيا)‪ ،‬حيث موطن اإلنســان األول‪ .‬ليس هناك بني شــعوب‬ ‫األرض مــا ميكــن للمــرء أن يرصــد ويســجل تقار ًبــا‪ ،‬مــن الناحية الثقافية‬ ‫والتاريخيــة والعرقيــة‪ ،‬عابــر للقــارات‪ ،‬مثــل ذلــك الــذي يربــط العــرب‪،‬‬ ‫خصوصــا شــرق وغــرب‬ ‫يف مشــرق العالــم العربــي ومغربــه‪ ،‬بإفريقيــا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫إفريقيــا‪ ،‬وحتــى جنــوب الصحــراء الكبــرى‪ .‬فمنطقــة الصحــراء الكبــرى‪،‬‬ ‫متثــل ً‬ ‫ً‬ ‫عريضــا‪ ،‬غنــي بالثقافــة واحلضــارة والديــن‪ ،‬وحتــى اللغــة‪،‬‬ ‫خطــا‬ ‫يشــكل امتــدا ًدا جغراف ًيــا وصلــة تاريخيــة‪ ،‬بــل وحتــى عم ًقــا اســتراتيج ًيا‬ ‫للعــرب‪ ،‬يف نصــف الكــرة اجلنوبــي‪ ،‬مبــا ال يتوفــر للعالــم العربــي‪ ،‬علــى‬ ‫تخومــه الشــرقية واجلنوبيــة الشــرقية‪ ،‬وال حتــى الشــمالية‪ ،‬لو أســتثنينا‪،‬‬ ‫إلــى حـ ٍـد مــا تركيا‪.‬‬

‫اإلسالم‪ :‬بداية التاريخ‬ ‫لــم تقبــل اإلســام بخلفيتــه الثقافيــة (العروبيــة) مناطــق‬ ‫جغرافيــة أو جماعــات ســكانية‪ ،‬كمــا رحبــت بــه إفريقيــا وشــعوبها‪.‬‬

‫أكثــــر مــن ضـــعفي العــرب يقطنــون إفريقيــا‪ ،‬وأكـــثر من مرة ونـــصف‬ ‫مــن مســاحة العالــم العربــي تقــع يف إفريقيــا‪ ...‬حقيقــة جغرافيــة‪،‬‬ ‫بجوانبهــا التضاريســية واإلنســانية‪ ،‬ال جنــد لهــا محــاكاة‪ ،‬يف املناطــق‬ ‫التــي فتحهــا املســلمون العــرب مــن شــبه اجلزيــرة العربيــة‪ ،‬علــى‬ ‫تخــوم العالــم العربــي الشــرقية واجلنوبيــة الشــرقية والشــمالية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وأيضــا‬ ‫لقــد قبلــت إفريقيــا‪ ،‬ســكانها‪ ،‬خاصــة يف شــمال إفريقيــا‪،‬‬ ‫مناطــق شاســعة يف الصحــراء الكبــرى‪ ،‬وعلــى الســاحل الشــرقي‬ ‫والغربــي إلفريقيــا‪ ،‬االثنــني م ًعــا‪ :‬اإلســام واللغــة (العربيــة)‪ ،‬التــي‬ ‫أُنــزِ ل بهــا القــرآن‪.‬‬ ‫وإن كانــت هــذه احلقيقــة الثقافيــة واإلنســانية ظاهــرة يف دول‬ ‫الشــمال اإلفريقــي العربيــة‪ ،‬إال أنهــا ً‬ ‫أيضــا‪ ،‬حاضــرة يف شــعوب‬ ‫منطقــة الصحــراء الكبــرى‪ ،‬ويف مناطــق شاســعة يف دول شــرق وغــرب‬ ‫إفريقيــا‪ ،‬مثــل‪ :‬الســنغال والنيجــر ونيجيريــا وتشــاد وأثيوبيــا وأريتريــا‬ ‫وكينيــا وتنزانيــا‪ .‬مــا جعــل العربيــة تنحســر‪ ،‬رســمياً‪ ،‬يف مجتمعــات‬ ‫تلــك الــدول‪ ،‬النزعــة القوميــة التــي غ ًذاهــا االســتعمار وتبنتهــا‬ ‫األقليــات غيــر املســلمة‪ ،‬منــذ بدايــة القــرن املاضــي‪ .‬بالرغــم مــن‬ ‫ذلــك جنــد اللغــة العربيــة منتشــرة يف تلــك املجتمعــات‪ ،‬ولــو بصــورة‬ ‫غيــر رســمية‪ ،‬تطبيقـاً ملبــدأ قبــول اإلســام والعربيــة‪ ،‬م ًعــا‪ ،‬الــذي جــاء‬ ‫مــع الفاحتــني العــرب األوائــل‪ ،‬ووجــدوا ً‬ ‫أرضــا خصبــة بفطــرة أهلهــا‬ ‫الســليمة لنشــر اإلســام وتعلــم لغــة القــرآن‪.‬‬

‫‪42‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إيــران تقــود موجــة تشــيع بيــن األفارقــة وعــدد المتشــيعين و‪%12‬‬ ‫يف نيجيريا و‪ %21‬يف تشاد و‪ %20‬يف تنزانيا و‪ %8‬يف غانا‬ ‫ املقاربــة األمنيــة اخلليجيــة عبــر الهيــاكل األمميــة‪ :‬كالقــوات األمميــة‬‫مم ّثلــة يف بعثــة األمم املتحــدة املتكاملــة لتحقيــق االســتقرار يف إفريقيــا‬ ‫الوســطى «مينوســكا»‪ ،‬والتــي تشـ ّكلت مطلــع ‪2014‬م‪ ،‬وقوامهــا أكثــر من‬ ‫‪ 10‬آالف رجل‪ ،‬ملراقبة حدود إفريقيا الوســطى مع الكاميرون وتشــاد‪.‬‬ ‫املقاربــة األمنيــة اخلليجيــة عبــر الهيــاكل الغربيــة‪ :‬حيــث ظلــت‬‫تنصــب علــى املقاربــة‬ ‫االســتراتيجية املتبعــة مــن قبــل دول الغــرب‬ ‫ُّ‬ ‫األمنيــة‪ ،‬وبشــكل خــاص مــن قبــل فرنســا والواليــات املتحــدة كالتالــي‪:‬‬ ‫ حــددت املصالــح الفرنســية السياســة التــي قامــت بتنفيذهــا فرنســا‬‫يف القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬يف مجــاالت ثاثــة هــي املصالــح االقتصاديــة‪،‬‬ ‫واملصالــح االســتراتيجية بالســيطرة علــى املواقــع الهامــة‪ ،‬فوصلــت‬ ‫قواعدهــا العســكرية بالســتينيات لـــ ‪ 100‬قاعــدة عســكرية‪ ،‬وكانــت‬ ‫أكبرهــا جيبوتــي وداكار يف الســنغال‪ ،‬وليبرفيــل يف اجلابــون وجنامينــا‬ ‫يف تشــاد‪ ،‬وقاعــدة يوريــون يف ســاحل العــاج‪ ،‬وتتمركــز فيهــا قــوات‬ ‫للمشــاة والبحريــة وقــوات جويــة‪ .‬وقــد شــاركت دول اخلليج يف عمليات‬ ‫القوات الفرنســية يف عملية القط املتوحش» املســماة عملية ســيرفال»‬ ‫‪2013‬م‪ ،‬وجنحــت يف اســتعادة معظــم شــمال ووســط مالــي مــن‬ ‫اجلماعــات املســلحة‪ .‬ثــم عمليــة «ســانغاريس» ‪ .2013‬لتتسـلّم الواجــب‬ ‫بعدهــا عمليــة» برخــان» ملطــاردة املجموعــات اإلرهابيــة الناشــطة يف‬ ‫الســاحل اإلفريقــي ‪ .2014‬وهــي عمليــات ناجحــة ميكــن املشــاركة فيها‬ ‫لــوال محاذيــر منهــا بعــض التعاطــف هنــاك جــراء االدعــاء أن القاعــدة‬ ‫وبوكوحــرام حركــة حتــرر مــن الهيمنــة التاريخيــة الفرنســية‪.‬‬ ‫ الركائــز األربــع االســتراتيجية األميركيــة جتــاه البلــدان اإلفريقيــة‬‫جنــوب الصحــراء الكبــرى كمــا قــال الرئيــس أوبامــا هــي‪ :‬لتقويــة‬ ‫املؤسســات الدميقراطيــة‪ ،‬ولتحفيــز النمــو االقتصــادي‪ ،‬والتجــارة‪،‬‬ ‫واالســتثمار‪ ،‬ثــم لدفــع الســام واألمــن ُقد ًمــا‪ ،‬و أخيـ ًرا تعزيــز الفــرص‬ ‫والتنمية‪،‬بالعمــل مــع األمم املتحــدة وغيرهــا مــن اجلهــات الفاعلــة‪.‬‬ ‫ويف أعقــاب هجمــات ‪ 11‬ســبتمبر َّ‬ ‫دشــنت الواليــات املتحــدة مــا ُسـ ِّمي‬ ‫بشــراكة مكافحــة اإلرهــاب عبــر الصحــراء واســتهدفت مســاعدة‬ ‫حكومــات موريتانيــا‪ ،‬ومالــي‪ ،‬وتشــاد‪ ،‬وبوركينــا فاســو‪ ،‬والنيجــر‪،‬‬ ‫ونيجيريا‪ ،‬والســنغال واالســتعانة باالحتاد اإلفريقي كمنظمة إقليمية‪.‬‬ ‫موحــدة‬ ‫ويف ‪2008‬م‪ ،‬أقامــت واشــنطن «أفريكــوم» كقيــادة عســكرية َّ‬ ‫للقــارة‪ ،‬ونقلــت إليهــا مســؤوليات مبــادرة مكافحــة اإلرهــاب‪ .‬ثــم خــال‬ ‫‪2012- 2011‬م‪ ،‬وضعــت أمريــكا اعتمــادات بلغــت ‪ 95‬مليــون دوالر‬ ‫لفائــدة مبــادرة التعــاون األمنــي مــع دول غــرب إفريقيــا‪ .‬ومــن املرجــح‬ ‫أن تكــون واشــنطن أنشــأت خــال الســنوات األخيــرة مــا ال يقــل عن ‪12‬‬ ‫قاعــدة عســكرية «ســرية» صغيــرة يف العديــد مــن البلــدان اإلفريقيــة‪،‬‬

‫بدليــل أن األمريــكان ن ّفــذوا مــا بــني ‪ 10‬إلــى ‪ 14‬غــارة بطائــرات دون‬ ‫طيــار‪ ،‬ومــا بــني ‪ 8‬إلــى ‪ 11‬عمليــة ســرية يف الصومــال منــذ عــام‬ ‫‪2011‬م‪ .‬واملســاندة اخلليجيــة ميكــن أن تتــم علــى أشــكال عــدة أهمــا‪:‬‬ ‫مســاندة ميدانيــة مباشــرة‪ :‬مــن خــال قــوات واجــب خليجيــة بعضهــا‬‫ســبق لــه التمركــز علــى األرض يف املناطــق املعنيــة أو يف محيطهــا‪،‬‬ ‫واألخــرى تضطلــع مبهــام الرصــد والدعــم اللوجســتي للقــوات‬ ‫اإلفريقيــة نفســها‪ ،‬فســاح النقــل اجلــوي اخلليجــي فاعــل ومتطــور‬ ‫ولــه خبــرة كبيــرة يف إفريقيــا نتيجــة عمليــات اإلغاثــة‪.‬‬ ‫ املســاندة االســتخبارية‪ :‬فالــدول اخلليجيــة عانــت مــن العمليــات‬‫اإلرهابيــة‪ ،‬ولديهــا قاعــدة بيانات كبيرة عن اإلرهابيني‪ ،‬وقد واكتســبت‬ ‫خبــرة يف تتبعهــم‪ ،‬ولهــا جناحــات مشــهودة بالتبــادل املعلوماتــي‪ ،‬والتــي‬ ‫أعاقــت عمليــات إرهابيــة عــدة خــارج حدودهــا‪.‬‬ ‫املسار التنموي والتوغل الثقايف‪.‬‬‫يجزم البعض بالدور اإليجابي لـ «التحالف اإلسامي العسكري»‪،‬‬ ‫بقيــادة الريــاض‪ ،‬يف التص ـ ّدي لإلرهــاب يف القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬إ ّال أنّ‬ ‫هنــاك مــن يــرى أنّ هــذا اإلئتــاف الــذي يضــم ‪ 34‬دولــة‪ ،‬ســيواجه‬ ‫ذات «العقبــة احملوريــة» التــي طرحــت علــى «القوة اإلفريقية املشــتركة»‬ ‫للتصــ ّدي لـــ «بوكــو حــرام» يف حــوض بحيــرة تشــاد‪ .‬وهــي «التع ّثــر‬ ‫وغيــاب التنســيق‪ .‬وعليــه ميكــن إحلــاق الهزميــة باإلرهــاب ليــس‬ ‫باحلــل العســكري‪ ،‬بــل عبــر حتــرك تنمــوي بهــدف اجتثــاث األســباب‬ ‫التــي أوجدتــه‪ ،‬وتوفيــر فــرص عمــل للشــباب اإلفريقــي‪ ،‬بالضبــط كمــا‬ ‫جنحــت الريــاض يف ســبعينيات القــرن املاضــي مــن انتشــال اندونيســيا‬ ‫مــن الســقوط يف براثــن الشــيوعية بتوفيــر فــرص عمــل لشــبابها‪.‬‬ ‫ولكــون إفريقيــا مرتكــز للتحــوالت الكبــرى ‪ ،‬ميكــن مســاعدة‬ ‫شــعوبها باليقظــة اإلســامية الشــعبية بإرســال رجــال الديــن املســلمني‬ ‫مــن إفريقيــا واخلليــج‪ ،‬ومــن خارجهــا بطريقــة تط ّوعيــة ملعاضــدة‬ ‫جهــود اجليــوش النظاميــة‪ ،‬وشــرح اإلســام احلقيقــي‪ ،‬فعــدم االهتمــام‬ ‫بالعاقــات الثقافيــة‪ ،‬واالقتصــار علــى اجلوانــب االســتثمارية غيــر‬ ‫مبــرر‪ ،‬كمــا أن القنــوات الثقافيــة للجانــب العربــي ســتكون أكثــر تأثيـ ًرا‬ ‫أمــام التوغــل اإليرانــي الطائفــي‪ ،‬فالعاقــة الثقافيــة والتنمويــة بــني‬ ‫الــدول العربيــة وإفريقيــا عميقــة اجلــذور‪ ،‬وهــي أكثــر دميومــة مــن‬ ‫التواصــل العســكري‪ ،‬فكمــا ان الــدول ال ُعظمــى ال حتتضــر علــى‬ ‫الفــراش بــل حتتضــر يف أماكــن قوتهــا ‪ ،‬فالــدول الصاعــدة الطموحــة‬ ‫قــد تضيــع يف أدغــال إفريقيــا‪.‬‬ ‫* املدير التنفيذي ملجموعة مراقبة اخلليج‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تضحيــات أن تكــون مؤثــرة يف محيطهــا اإلقليمــي‪ .‬لكــن دول اخلليــج‬ ‫ـموعا ليس يف الشــرق األوســط‬ ‫قلبــت تلــك املعادلــة وصــارت صوتًا مسـ ً‬ ‫فحســب بــل ويف اجلــوار اآلســيوي واإلفريقــي‪ .‬ولــدول مجلــس التعــاون‬ ‫اخلليجــي ‪ 30‬بعثــة دبلوماســية أو قنصليــة بالــدول اإلفريقيــة جنــوب‬ ‫الصحراء‪ ،‬فيما ال يوجد أي متثيل دبلوماسي لدول مجلس التعاون يف‬ ‫‪ 26‬دولــة إفريقيــة‪ .‬رمبــا لكــون دول اخلليــج تســعى إلــى إيجــاد عاقات‬ ‫مــع عواصــم أكثــر اســتقراراً لتضييــق اخلنــاق علــى التمــدد اإليرانــي‪.‬‬ ‫ فبهــدف إحــداث تــوازن اســتراتيجي يف املنطقــة ضــد إيــران حتركــت‬‫الســعودية نحــو إريتريــا‪ ،‬وتوصلــت معهــا إلــى اتفــاق تعــاون عســكري‬ ‫وأمنــي واقتصــادي حملاربــة اإلرهــاب والتجــارة غيــر املشــروعة‬ ‫والقرصنــة يف ميــاه البحــر األحمــر‪ ،‬وعــدم الســماح ألي تدخــات‬ ‫أجنبيــة يف الشــأن اليمنــي‪ .‬ويف الوقــت نفســه جنحــت الريــاض بتعزيــز‬ ‫العاقــات مــع اثيوبيــا وتطويرهــا‪ .‬كمــا شــ ّكلت عمليــات «عاصفــة‬ ‫احلــزم» نقطــة حتــول يف العاقــة بــني دول اخلليــج واخلرطــوم‪ ،‬فبعــد‬ ‫أن كانــت موانــئ اخلرطــوم مفتوحــة علــى مصراعيها للســفن اإليرانية‪،‬‬ ‫شــاركت الســودان رســمياً مــع التحالــف العربــي يف حــرب اليمــن ضــد‬ ‫حلفــاء طهــران مــن احلوثــة‪ .‬كمــا قــدم صنــدوق التنميــة الســعودية‪،‬‬ ‫خــال عــام ‪ 2014،13‬م‪ً ،‬‬ ‫ميســ ًرا إلــى الــدول اإلفريقيــة مــن‬ ‫قرضــا َّ‬ ‫ً‬ ‫قرضــا قدمهــا خــال ذلــك العــام‪ .‬كمــا ســعت الســعودية‬ ‫إجمالــي ‪20‬‬ ‫إلــى بنــاء قاعــدة عســكرية يف جيبوتــي‪ ،‬املطلــة علــى مضيــق بــاب‬ ‫املنــدب‪ ،‬ومنحتهــا ‪ 5‬زوارق بحريــة ســريعة ومتطــورة‪ ،‬فســاهمت‬ ‫جيبوتــي بنجــاح يف حتريــر جزيــرة ميــون اليمنيــة مــن ســيطرة احلوثــة‪،‬‬ ‫فاســتعادوا الســيطرة علــى مضيــق بــاب املنــدب‪ ،‬واســتلمته قــوات‬ ‫اجليــش الوطنــي اليمنــي الــذي وصــل هنــاك عبــر جيبوتــي‪.‬‬ ‫ نشــطت دولــة قطــر بالقــوة الناعمــة وحققــت جناحــات كبيــرة يف‬‫دول جنــوب الصحــراء‪ ،‬فــكان لهــا دور سياســي ركــزت مــن خالــه علــى‬ ‫التوســط حلــل النزاعــات وإقامــة الشــراكات‪ ،‬أبرزهــا الوســاطة بــني‬ ‫احلكومــة الســودانية وحركــة العــدل واملســاواة يف دارفــور ‪2013‬م‪ ،‬كمــا‬ ‫توســطت بــني إريتريــا وجيبوتــي يف عــام ‪2010‬م‪ .‬والصومــال وإثيوبيــا‪،‬‬ ‫وقضيــة الصحــراء الغربيــة‪ .‬أمــا الدور التنموي فتعــد دولة قطر إحدى‬ ‫أكبــر الــدول الداعمــة ماليـاً ملؤمتــرات املانحــني يف أفريقيــا‪ ،‬فســاهمت‬ ‫يف تشــكيل األســاس لتعــاون خليجــي إفريقــي‪ .‬كمــا حــدث يف النيجــر‬ ‫والصومــال‪ .‬كمــا أن هنــاك مــد إعامــي متثــل يف قيــام قنــاة اجلزيــرة‬ ‫بتغطيــة مناطــق جنــوب وشــرق إفريقيــا وكســر احتــكار إذاعــة «بــي بــي‬ ‫ســي» لتلــك املنطقــة‪ ،‬باإلضافــة إلــى دورهــا اإلغاثــي يف القــارة مــن‬ ‫خــال الهــال األحمــر القطــري وجمعيــات ومنظمــات أهليــة وخيريــة‪،‬‬ ‫لبنــاء املســاجد‪ ،‬ودعــم املــدارس اإلســامية‪ ،‬واملراكــز الصحيــة مبواقــع‬ ‫الصراعــات املســلحة اخلطــرة‪ .‬ومــن جهــة أخــرى ســاهمت القــوات‬ ‫املســلحة القطريــة بلعــب دور بــارز باإلســهام يف قــوات حفــظ الســام‬ ‫التــي شــكلتها األمم املتحــدة يف العديــد مــن مناطــق العالــم‪ ،‬فكانــت يف‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪41‬‬

‫ملف العدد‬

‫ليبيــا ثــم تواجــدت قــوة الواجــب القطريــة ملراقبــة احلــدود اجليبوتيــة‬ ‫اإلريتريــة حلــني توصــل البلديــن التفــاق ســام نهائــي حــدودي‪.‬‬ ‫ أشــادت مصــادر أمميــة باملؤسســات اإلماراتيــة اإلنســانية العاملــة‬‫يف مجــال اإلغاثــة يف القــرن اإلفريقــي‪ .‬كمــا جنحــت اســتثمارات‬ ‫جتاريــة إماراتيــة عــدة يف دول جنــوب الصحــراء‪ .‬ولــم تفشــل دولــة‬ ‫اإلمــارات العربيــة املتحــدة يف ترجمــة املبلــغ الضخــم الــذي مبوجبــه‬ ‫أصبحــت ثالــث أكبــر مســتورد لألســلحة يف العالــم يف ‪2009‬م‪ .‬بــل‬ ‫أصبحــت قــوة عســكرية فعالــة مقارنــة بالقــوى العســكرية األخــرى‬ ‫بجوارهــا اإلقليمــي‪ ،‬حيــث حققــت معادلــة جيــش صغيــر وفعــال‪،‬‬ ‫وســجلت العســكرية اإلماراتيــة أكبــر حضــور عربي يف ســاحات القتال‬ ‫االقليميــة والدوليــة خــال العقديــن املاضيــني‪ .‬ويف ‪1993‬م‪ ،‬شــاركت‬ ‫يف عمليــة إعــادة األمــل بالصومــال‪ .‬وشــاركت مــع قطــر وحلــف شــمال‬ ‫األطلســي يف إســقاط الطاغيــة معمــر القــذايف ‪2011‬م‪ ،‬كمــا دعمــت‬ ‫‹عمليــة القــط املتوحــش› يف مالــي ‪2013‬م‪.‬‬ ‫ وتســتند الكويــت يف تواجدهــا يف دول جنــوب الصحــراء علــى إرث‬‫تاريخــي حملــه الصنــدوق الكويتــي للتنميــة االقتصاديــة العربيــة‪،‬‬ ‫وجــدده رجــل بقامــة إنســانية عاليــة هــو الدكتــور عبــد الرحمــن‬ ‫الســميط عبــر منظمــة العــون املباشــر‪ .‬ففــي أقــل مــن ‪ 30‬عا ًمــا‪ ،‬قامــت‬ ‫هــذه املنظمــة ببنــاء أكثــر مــن ‪ 800‬مدرســة‪ ،‬و‪ 200‬عيــادة طبيــة‪ ،‬وأكثــر‬ ‫مــن ‪ 200‬مركــز لتدريــب النســاء‪ .‬كمــا حفــرت اآلالف مــن آبــار امليــاه‪،‬‬ ‫وســاعدت ببنــاء العديــد مــن املشــاريع الزراعيــة والــري ووزعــت آالف‬ ‫األطنــان مــن املــواد الغذائيــة واإلمــدادات الطبيــة يف املناطــق املنكوبــة‪.‬‬ ‫أمــا يف املجــال العســكري فشــاركت القــوة البرية الكويتية عــام ‪1992‬م‪،‬‬ ‫يف قــوة حفــظ الســام يف الصومــال‪.‬‬

‫المسارات الخليجية المطلوبة‬ ‫المسارات األمنية الخشنة‬ ‫يف التقريــر الصــادر عــن موقــع «جلوبــال فايــر بــاور ‪»2015‬‬ ‫املتخصــص يف تنظيــم القــوة العســكرية للــدول ألقــوى جيــوش العالــم‪،‬‬ ‫جــاء ترتيــب دول جنــوب الصحــراء اإلفريقيــة بجيــش دولــة جنــوب‬ ‫إفريقيــا كأكثرهــا تأهيـ ًـا ‪،‬ثــم اجليــش النيجيــري‪ ،‬واجليــش اإلثيوبــي‪،‬‬ ‫وجيــش دولــة كينيــا‪ ،‬وجيــش أجنــوال‪ ،‬وجيــش النيجــر‪ ،‬وجيــش أوغنــدا‪،‬‬ ‫و جيــش تشــاد‪ ،‬وجيــش زميبابــوي‪ ،‬وجيــش ســاحل العــاج‪ ،‬و جيــش‬ ‫جمهوريــة الكونغــو الدميقراطيــة‪ ،‬وجيــش غانــا‪ ،‬وجيــش جمهوريــة‬ ‫إفريقيــا الوســطي‪ ،‬وجيــش ناميبيــا‪ ،‬وجيــش مدغشــقر‪ ،‬وجيــش‬ ‫جمهوريــة الكونغــو‪ ،‬وجيــش اجلابــون‪ ،‬وجيــش الكاميــرون‪ ،‬وجيــش‬ ‫تنزانيــا‪ ،‬وجيــش جنــوب الســودان ‪ ،‬وجيــش زامبيــا‪ ،‬وجيــش مالــي‪،‬‬ ‫وجيــش موزمبيــق‪ .‬ومــا يقلــق أن التحديــات التــي تواجــه دول اخلليــج‬ ‫وحتدي ـدًا اإلرهــاب‪ ،‬والتغلغــل اإليرانــي جندهــا يف أقــوى هــذه الــدول‬ ‫وأضعفها على حد سواء‪ ،‬كنيجيريا يف رأس القائمة ومالي يف أسفلها‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫مقال‬

‫داعــش البيعــة يف ‪ 12‬مــارس ‪2015‬م‪ ،‬وكانــت تتبــع القاعــدة وأقامــت‬ ‫ســمعتها الدمويــة علــى دعــم القاعــدة حيــث قتلــت أكثــر مــن ‪ 20‬ألــف‬ ‫شــخص وأجبــرت أكثــر مــن ‪ 2,6‬مليــون آخريــن علــى الفــرار‪ .‬ويوجــد‬ ‫تنظيــم داعــش يف أكثــر مــن ‪ 10‬بلــدان إفريقيــة‪ ،‬فالتنظيــم يف ‪ 7‬دول‬ ‫إفريقيــة علــى شــكل مجموعــات مســلحة يف مصــر‪ ،‬ليبيــا‪ ،‬اجلزائــر‪،‬‬ ‫تونــس‪ ،‬نيجيريــا‪ ،‬مالــي‪ ،‬والنيجــر‪ ،‬بينمــا يوجــد يف شــكل خايــا نائمة‬ ‫ال تقــل عــن ‪ 3‬وهــي املغــرب وموريتانيــا والســودان‪ .‬فهنــاك داعــش يف‬ ‫نيجيريــا ومي ِّثلــه تنظيــم بوكــو حــرام‪ .‬وهنــاك داعــش يف مالــي عبــر‬ ‫تنظيــم «امللثمــون» املنشــق عــن تنظيــم «املرابطــون» التابــع للقاعــدة‪.‬‬ ‫وداعــش يف الصومــال وهــم الشــباب املجاهــدون التــي نفــذت العديــد‬ ‫مــن العمليــات املســلحة يف كينيــا‪ .‬وهنــاك داعــش يف‬ ‫الســودان يف إقليــم دارفــور‪ .‬كمــا أن هنــاك جيــش‬ ‫حتريــر أوغنــدا املســلم وقــد بايــع «داعــش» يف‬ ‫خريــف ‪2015‬م‪.‬كمــا أن هنــاك جماعــات داعشــية‬ ‫صغيــرة ومنتشــرة بجنــوب إفريقيــا وموريتانيــا‬ ‫وبوركينــا فاســو‪.‬‬

‫إيران ونوافذ إفريقيا عى جزيرة العرب‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الكهربــاء‪ ،‬بــل وتكنولوجيــا االســتخدام الســلمي للطاقــة النووية‪ .‬يســند‬ ‫ذلــك التوســع خــط جــوي منتظــم ملعظــم إفريقيــا ‪،‬عــاو ًة علــى تأســيس‬ ‫خطــوط بحريــة منهــا (ممباســا‪ -‬بنــدر عبــاس) يســنده توقيــع مذكــرة‬ ‫تفاهــم حــول ســبل تعزيــز التعــاون اإليرانــي الكينــي‪.‬‬ ‫ أعطــت إيــران أهميــة قصــوى للحضــور البحــري األمنــي على البحر‬‫األحمــر‪ ،‬وأهــم مــكان لتواجدهــا هــو مينــاء عصــب الإلريتــري‪ ،‬كمــا‬ ‫كان لهــا وجــود يف جمهوريــة جــزر القمــر وجيبوتــي‪ .‬ويرجــع اهتمامهــا‬ ‫بالتواجــد العســكري يف دول جنــوب الصحــراء ألســباب عــدة منهــا‪:‬‬ ‫ مي ّكنهــا تواجدهــا بالقــرن اإلفريقــي بالتواصــل مــع احلوثــة يف اليمــن‬‫ودعمهم باألسلحة‪ ،‬وما يترتب عليه من ضغط على دول مجلس التعاون‬ ‫اخلليجــي وبشــكل خــاص اململكــة العربيــة الســعودية‪.‬‬ ‫ يتيــح تواجدهــا فرصــة املســاومة مــع القــوى‬‫املنافســة كالواليــات املتحــدة وإســرائيل‪ .‬كمــا يعطيهــا‬ ‫نقطــة ارتــكاز متكنهــا مــن القيــام مبهــام قتاليــة ضــد‬ ‫القــوى الغربيــة‪ ،‬ولعــل ســعي إيــران لتطويــر عاقاتهــا‬ ‫مــع كينيــا وتنزانيــا وجــزر القمــر يؤكــد هــذا املنحــى‬ ‫االســتراتيجي يف االختــراق اإليرانــي إلفريقيــا‪.‬‬ ‫ كشــف تقريــر ملركــز بحــوث تســليح الصــراع‬‫عــن أنــه مــن بــني ‪ 14‬حالــة كشــف فيهــا عــن وجــود‬ ‫أســلحة إيرانيــة‪ ،‬هنــاك فقــط ‪ 4‬حــاالت كانــت مــع‬ ‫احلكومــات والعشــر الباقيــة مــع جماعــات غيــر نظاميــة‪ ،‬قــد دعمــت‬ ‫االنفصاليــني يف الســنغال‪ ،‬ومتمــردي ســاحل العــاج‪ ،‬وغامبيــا‪ ،‬وحركة‬ ‫الزكزاكــي يف نيجيريــا‪.‬‬ ‫التعــاون بالقــوة الناعمــة الإليرانيــة يظهــر يف إفريقيــا بأشــكال‬‫عــدة‪ ،‬فقــد عــززت وجودهــا بشــرق إفريقيــا بإنشــاء فــرع لرابطــة‬ ‫الثقافــة والعاقــات اإلســامية اإليرانيــة‪ ،‬ودعمــت إنشــاء عــدد مــن‬ ‫املــدارس واملســاجد واملســتوصفات الصحيــة بعــدد مــن املــدن بشــرق‬ ‫إفريقيــا‪ ،‬وتقــوم برعايــة األُســر الفقيــرة‪ ،‬وتأســيس جمعيــات خيريــة‪،‬‬ ‫وتعطــي منحـاً للطــاب للدراســة يف إيــران‪ .‬ولكــون الغالبيــة العظمــى‬ ‫مــن املســلمني الســنة يف دول إفريقيــا جنــوب الصحــراء‪ ،‬تتبــع املنهــج‬ ‫الصــويف الــذي يكــره التطــرف‪ ،‬فقــد تشــكلت موجــة حتــول بــني‬ ‫األفارقــة مــن ســنة إلــى شــيعة‪ .‬وأشــار تقريــر إلــى أن عــدد املتحولــني‬ ‫للمذهــب الشــيعي‪ ،‬يف نيجيريــا وهــي األكبــر مــن حيــث عــدد الســكان‬ ‫بلــغ ‪ %12‬مــن ســكانها املســلمني‪ ،‬البالــغ عددهــم ‪ 90‬مليو ًنــا‪ ،‬وكانــت‬ ‫نســبتهم صفــر تقري ًبــا يف عــام ‪1980‬م‪ .‬وتبلــغ نســبة الشــيعة يف تشــاد‬ ‫‪ ،%21‬مــن إجمالــي عــدد املســلمني‪ ،‬و‪ %20‬يف تنزانيــا‪ ،‬و‪ %8‬يف غانــا‪.‬‬

‫تسـربت إيـران إىل‬ ‫مـفــاصــل إفـريـقـيــا‬ ‫وفـتـحــت نـوافــذ هــا‬ ‫لتـهديد األمن الخليجي‬ ‫عـــبـــر الـحـــوثـيـيـن‬

‫متدثــرة مببــادئ اإلمــام اخلمينــي لنجــدة قــارة‬ ‫املســتضعفني‪ ،‬تســربت إيــران بصمــت يف مفاصــل‬ ‫إفريقيــة عــدة‪ ،‬ثــم شــرعت لهــا نوافــذ مطلــة علــى اجلزيــرة العربيــة‬ ‫مدخلــة منهــا الســاح للحوثيــني والتدخــل يف شــؤون صنعــاء والريــاض‬ ‫وشــكلت تهديـدًا جــا ًدا لألمــن القومي لدول مجلــس التعاون اخلليجي‪.‬‬ ‫مشــروعا‬ ‫فاالختراقــات التــي حققتهــا إيــران يف إفريقيــا شــكلت‬ ‫ً‬ ‫واستراتيجية عبر محاور سياسية واقتصادية وأمنية وثقافية واضحة‪.‬‬ ‫ جناح إسرائيل يف إفريقيا وإبعادها عن الصراع العربي اإلسرائيلي‪،‬‬‫أغــرى إيــران لتكــون قاعــدة إفريقيــا خلفيــة لسياســتها وحســاباتها‬ ‫اإلقليميــة والدوليــة‪ .‬فبــدت إفريقيــا حاضــرة وبقــوة يف االســتراتيجية‬ ‫اإليرانية ففي احملور السياســي وعبر أكثر من ثاثني ســفارة‪ ،‬متكنت‬ ‫طهــران مــن احلصــول علــى عضــو مراقــب يف االحتــاد اإلفريقــي‪ .‬وقــد‬ ‫ســاهم تواجــد جاليــة لبنانيــة كبيــرة تتبعهــا طائفيــا مــن تســهيل تغلغلها‬ ‫يف بلــدان إفريقيــة عــدة‪ ،‬فحظيــت مــن دول غــرب إفريقيــا بدعــم يف‬ ‫احملافــل الدوليــة وصــل تأييــد حقهــا يف امتــاك برنامــج نــووي ســلمي‪.‬‬ ‫ ويف املجــال االقتصــادي بلــغ عــدد البعثات ومكاتب التمثيل التجاري‬‫اإليرانــي حوالــي ‪ 26‬بعثــة ومكتــب‪ .‬فحققــت يف أفريقيــا مكاســب‬ ‫اقتصاديــة ضخمــة‪ ،‬فأصبحــت املصــدر األول للنفــط جلنــوب إفريقيا‪،‬‬ ‫ووقعــت مــع أوغنــدا العديــد مــن االتفاقيــات التجاريــة‪ ،‬وأقامــت‬ ‫عاقــات قويــة مــع الســنغال‪ ،‬كمــا عرضــت علــى كينيــا املســاعدة يف‬ ‫إقامــة مشــروعات للطاقــة‪ ،‬وهــو البــاب الــذي اســتخدمته بتوســع كبناء‬ ‫مشــاريع البنيــة التحتيــة للطاقــة‪ ،‬ومصــايف النفــط‪ ،‬ومحطــات توليــد‬

‫الشراكات الخليجية مع دول جنوب الصحراء‬ ‫يف األدبيات السياسية العربية اعتبر ولوقت طويل أن صغر املساحة‬ ‫وقلــة عــدد الســكان للدولــة مــا ًذا آم ًنــا لانكفــاء علــى نفســها‪ ،‬وجتنــب‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪39‬‬

‫ملف العدد‬

‫القوى الناعمة العربية أكثر تأثي ًرا في مواجهة املد اإليراني جنوب الصحراء‬

‫التعاون األمني والعسكري الخليجي ـ اإلفريقي‪:‬‬ ‫ضرورة لمواجهة اإلرهاب واستقرار المنطقة‬ ‫يف منــاورات تاريخيــة المتصــاص صدمــة املتغيــرات اإلقليميــة والدوليــة‪ ،‬طفقــت دول اخلليــج تقيــم شــراكات اســتراتيجية‬ ‫شــر ًقا وغر ًبــا‪ .‬ومــن بينهــا محــاوالت تعزيــز التعــاون والشــراكة بــني اخلليــج والــدول اإلفريقيــة جنــوب الصحــراء كخيــار‬ ‫اســتراتيجي‪ .‬فإفريقيــا مســرح مناســب لتنافــس كثيــر مــن القــوى اإلقليميــة والدوليــة الصاعــدة؛ ملوقعهــا الهــام وتوســطها‬ ‫املمــرات املاحيــة بــني القــارات اخلمــس‪ ،‬وألنّ عبقريــة املــكان ســتتضاعف يف القــرن احلــادي والعشــرين‪ ،‬ممــا جعلهــا مهمــة‬ ‫لــدول اخلليــج ليــس لكــون األمــن العاملــي مترابــط‪ ،‬فحســب‪ ،‬بــل لكــون دول جنــوب الصحــراء تعانــي مــن ضعــف يف املــوارد‬ ‫املاليــة جعلهــا غيــر قــادرة علــى الســيطرة علــى قرارهــا وعلــى حدودهــا‪ .‬فمــن أشــكال التنافــس علــى دول جنــوب الصحــراء‬ ‫االســتنزاف املغلــف مبحاربــة اإلرهــاب والقرصنــة كدخــول الواليــات املتحــدة وفرنســا والصــني والهنــد وإســرائيل وإيــران‬ ‫وتركيــا‪ .‬ويف األســطر القادمــة ســوف نحــاول تتبــع إمكانيــة تفعيــل التعــاون األمنــي والعســكري بــني دول اخلليــج والــدول‬ ‫اإلفريقيــة جنــوب الصحــراء بالتعــرف علــى التحديــات التــي تواجههــا الــدول اإلفريقيــة وارتبــاط هــذه التحديــات بأمــن‬ ‫اخلليــج‪ ،‬كمــا ســنحاول بحــث املقاربــات اخلليجيــة لتعــاون ناجــح مــع هــذه الــدول‪.‬‬

‫د‪ .‬ظافر محمد العجمي‬

‫تحديات تمس الخليج يف دول جنوب الصحراء‬ ‫للطابــع الشــمولي لتأثيــرات العوملــة‪ ،‬تداخلت املنظومة املصطلحية‬ ‫اخلليجيــة رغــم تعــدد صورهــا‪ ،‬مــع مصالــح الــدول اإلفريقيــة جنــوب‬ ‫الصحــراء الكبــرى‪ .‬وتضمــن ذلــك االنغمــاس املشــترك يف الصراعــات‬ ‫وضوحــا هــو التعامــل مــع اإلرهــاب‬ ‫والنزاعــات اإلقليميــة لكــن أشــدها‬ ‫ً‬ ‫بوصفــه تهدي ـدًا عاب ـ ًرا للحــدود ثــم التحــدي اإليرانــي لــدول اخلليــج‬ ‫منطل ًقــا مــن إفريقيــا بكافــة صــوره‪.‬‬

‫اإلرهاب ومثلث الرجال والسالح والمال‬ ‫دفعت اخليارات الصعبة جراء الظلم وغياب العدل والدميقراطية‬ ‫وتفشــي البطالــة‪ ،‬الشــباب اإلفريقــي إلــى االنضمــام للجماعــات‬ ‫اجلهاديــة كبديــل لقــوارب املــوت والهجــرة غيــر الشــرعية إلــى أوروبــا‪،‬‬ ‫وشـ َّكلت منطقتــا الســاحل والقــرن اإلفريقــي فضاء لإلعــداد والتدريب‬ ‫والتــزود لإلرهــاب‪ ،‬كمــا كانتــا املــكان املناســب لإلنبــات واإلعــداد‬ ‫لهجمــات مس ـلَّحة يف القــا َّرة وخارجهــا‪ ،‬والح ًقــا أتــاح الربيــع العربــي‬ ‫إمكانيــات وفيــرة للتمكــني واإلعــداد للتنظيمــات الإلرهابيــة أمــا‬

‫الســاح‪ ،‬فقــد أدى ســقوط نظــام القــذايف وانهيــار املؤسســات األمنيــة‬ ‫يف ليبيــا إلــى حتويــل هــذا إلــى مســتودع أســلحة لإلرهــاب يضــم‬ ‫الســاح الفــردي والصواريــخ املضــادة للــدروع وللطائــرات‪ .‬ويف غيــاب‬ ‫اســتراتيجية ملواجهــة تنظيمــات اإلرهــاب يف دول جنــوب الصحــراء‬ ‫أســهم التمويــل الذاتــي الوافــر لتمــدد اإلرهــاب عبــر عمليــات خطــف‬ ‫وطلــب الفديــة مقابــل إطــاق ســراح الرهائن وتوفيــر احلماية لعمليات‬ ‫تهريــب الســلع واملخــدرات واألســلحة‪ .‬ويتواجــد تنظيــم القاعــدة يف ‪6‬‬ ‫دول إفريقيــة هــي اجلزائــر مالــي النيجــر موريتانيــا ليبيــا والصومــال‪.‬‬ ‫وحتــى ظهــور تنظيــم الدولــة «داعــش «يف إفريقيــا عبــر البوابــة الليبيــة‬ ‫عــام ‪2014‬م‪ ،‬كان يتبــع لتنظيــم القاعــدة جماعــات جهاديــة عــدة‬ ‫كتنظيــم «جماعــة أهــل السـنَّة للدعــوة واجلهــاد» يف نيجيريــا‪ ،‬املعــروف‬ ‫باســم «بوكــو حــرام»‪ .‬والقاعــدة ببــاد املغــرب اإلســامي‪ .‬وأنصــار‬ ‫الشــريعة يف ليبيــا وتونــس‪ ،‬وشــباب املجاهديــن يف الصومــال‪ ،‬جماعــة‬ ‫«املرابطــون» بشــمال مالــي وجنــوب ليبيــا‪ .‬والعاقــة شــائكة بــني تنظيم‬ ‫القاعــدة وبــني تنظيــم الدولــة وهــي عاقــة يلفهــا الكثيــر مــن الغمــوض‬ ‫مثــل حتــول «بوكــو حــرام» ملبايعــة تنظيــم الدولــة اإلســامية وقبــول‬

‫‪38‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫قضية العدد‬

‫األمم املتحــدة حــول أهميــة البــاد‪ ،‬إضافــة إلــى امتاكهــا حــوض‬ ‫الكونغــو (مركــز االهتمــام العاملــي)‪ ،‬فأهــم مــا مييــز نهــر الكونغــو هــو‬ ‫عــدم وجــود دلتــا لــه ولديــه قــوة هائلــة يف دفــع املــاء إلــى البحــر وهــذا‬ ‫يعنــي أنــه أغــزر مــن نهــر النيل وهــذا مــا أدركتــه القاهــرة وجعلهــا‬ ‫تطــرح مــا يســمى مبشــروع (ربــط نهــر الكونغــو بنهــر النيــل) الرامــي‬ ‫إلــى التحكــم باملــوارد املائيــة وهــذا املشــروع مــن املرجــح أن يحقــق‬ ‫االكتفــاء الذاتــي مــن الكهربــاء ملصــر والكونغــو والســودان‪.‬‬ ‫حتــاول الكونغــو حتريــر اقتصادهــا إال أن الوضــع االقتصــادي‬ ‫ال يــزال ضعي ًفــا بســبب سياســات نــادي باريــس وسياســات التكيــف‬ ‫الهيكلــي‪ ،‬كمــا أن الكونغــو مــا زالــت تعيــش يف دوامــة مــن االســتغال‬ ‫للثــروات الطبيعيــة‪ ،‬فكثيــر مــن املــوارد الطبيعيــة يتــم تهريبهــا مــن‬ ‫املناطــق احلدوديــة‪ ،‬وازدهــر هــذا االنتهــاك للثــروات الطبيعيــة والــذي‬ ‫يتــم بصــورة مخططــة ومنهجيــة بســبب الهيــاكل املعــدة ســاب ًقا والتــي‬ ‫متــت تنميتهــا أثنــاء حــروب متمــردي قــوات التحالــف الدميوقراطــي‬ ‫لتحريــر الكونغــو والذيــن كان يطلــق عليهــا (‪ )AFDL‬بقيــادة‬ ‫لوارنــس كابيــا‪ ،‬باإلضافــة إلــى وجــود شــبكات غيــر قانونيــة شــاركت‬ ‫فيهــا دول اجلــوار يف فتــرات ســابقه مثــل رونــدا‪ ،‬انغــوال‪ ،‬اوغنــدا‪،‬‬ ‫وبورونــدي‪ ،‬ومــن اجلديــر بالذكــر أن دولــة بورونــدي والتــي ال تنتــج‬ ‫الذهــب واملــاس والرصــاص والكوبالــت قامــت بتصديــر هــذه املعــادن‬ ‫بالتزامــن مــع وجــود قواتهــا يف األجــزاء الغربيــة جلمهوريــة الكونغــو‬ ‫الدميوقراطيــة التــي كانــت غارقــة بقــوات عســكرية مــن الــدول‬ ‫املجــاورة‪ ،‬إضافــة إلــى دور الشــركات األمنيــة اخلاصــة التــي متــارس‬ ‫نــوع جديــد مــن املهــام نيابــة عــن احلكومــات وتقــوم بأعمــال ذات‬ ‫طابــع عســكري وأمنــي وتقــوم مبهــام اجليــوش النظامية مثــل التدريب‬ ‫العســكري واالســتخبارات والدعــم اللوجســتي والعمــل األمنــي‬ ‫والقتالــي يف مناطــق النزاعــات ولقــد أكــد االحتــاد الدولــي للتحقيــق‬ ‫الصحفــي (‪INTERNATIONAL CONSORTIUM OF‬‬ ‫‪ )INVESTIGATIVE JOURNALISTS‬أن معظــم تلــك‬ ‫الشــركات األمنيــة ضالعــة يف جتــارة عامليــة لصناعــة احلــرب تبلــغ‬ ‫عائداتهــا مئــات املايــني مــن الــدوالرات ومبراجعــة العقــود التــي‬ ‫أبرمتهــا الواليــات املتحــدة مــع ‪ 12‬شــركة أمنيــة مــن أصــل ‪ 24‬شــركة‬ ‫أمنيــة أمريكيــة املنشــأ واملقــر تبــني أن هــذه العقــود بلغــت ‪ 300‬بليــون‬ ‫دوالر أمريكــي‪ ،‬وقامــت تلــك الشــركات بالعديــد مــن األنشــطة يف دول‬ ‫أفريقيــة عديــدة مثــل الكونغــو الدميوقراطيــة‪ ،‬زامبيــا‪ ،‬ســيراليون‪،‬‬ ‫اجنــوال‪ ،‬رونــدا‪ ،‬بورونــدي حلمايــة مواقــع انتــاج النفــط واملعــادن‬ ‫الطبيعيــة ممــا جعــل لهــا نفــو ًذا كبيـ ًرا يف إفريقيــا جنــوب الصحــراء‪.‬‬

‫االستثمار الخليجي يف الكونغو ‪ -‬كينشاسا‬ ‫قامــت مجموعــة أبــو ظبــي االســتثمارية اإلماراتيــة بتنفيــذ‬ ‫العديــد مــن املشــاريع يف مجــاالت االتصــاالت يف الكونغــو بتكلفــة ‪318‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مليــون دوالر‪ ،‬ويف ملتقــى االســتثمار الســنوي باإلمــارات قــال رئيــس‬ ‫غرفــة جتــارة الكونغــو أن بــاده جنحــت يف اســتقطاب االســتثمارات‬ ‫اإلماراتيــة مشــي ًرا إلــى جناحهــا يف مجــاالت الفندقيــة واملعــارض‬ ‫واملجمعــات التجاريــة يف كينشاســا‪ ،‬كمــا تولــت دولــة الكويــت مــن خال‬ ‫(‪ ٢٨)Rakomesko Group‬للتجــارة العامــة واملقــاوالت مجموعــة‬ ‫فرعــا لهــا يف كينشاســا‪ ،‬وتعاونــت‬ ‫مــن املشــاريع الزراعيــة وافتتحــت ً‬ ‫شــركة قطــر للبتــرول مــع توتــال الفرنســية يف مشــروع (نــورث أويــل)‬ ‫البالــغ إنتاجــه ‪ 100‬ألــف برميــل نفطــي يوم ًيــا يف الكونغــو‪ ،‬وتوقعــت‬ ‫وكالــة» موديــز» للتصنيــف االئتمانــي أن ينمــو اقتصــاد الكونغــو بنحــو‬ ‫‪ %10.2‬علــى مــدى العامــني املقبلــني بفضــل ضــخ اســتثمارات أجنبيــة‬ ‫كبيــرة يف قطــاع التعديــن واالســتهاك‪.‬‬

‫معوقات االستثمار الخليجي يف الكونغو‪-‬كينشاسا‬ ‫ارتفاع األنشطة االقتصادية غير القانونية والتي ال تُذكر يف إحصائيات‬‫الناجت احمللي اإلجمالي وهذا ما دفع احلكومة مؤخراً إلى إنشاء مناطق‬ ‫اقتصاديــة خاصــة والتــي ركــزت علــى الصناعــات الزراعيــة‪ ،‬والتعدينيــة‪.‬‬ ‫االختــال بــني العــرض والطلــب والــذي تســبب يف انتشــار القطاعات‬‫االقتصاديــة غيــر الرســمية‪ ،‬كمــا أن الشــركات الصغيــرة واملتوســطة‬ ‫تشــكو مــن إطــار تنظيمــي غيــر ُمائــم‪.‬‬ ‫افتقار الكونغو لشبكات طرق حديثة بسبب سوء البنية التحتية‪.‬‬‫ســوء إدارة االقتصــاد والصــراع الداخلــي أدى إلــى انعــدام الرغبــة‬‫اجلــادة يف االســتثمار‪.‬‬ ‫الكونغــو الدميوقراطيــة مــا زالــت منجــم للثــروات الطبيعيــة إال أنهــا‬‫تــرزح حتــت وطــأة حكومــات حتافــظ علــى املصالــح الغربيــة وخلــق مــا‬ ‫يســمى مبصلحــة (‪ )win-win‬املربحــة جلميــع األطــراف مــا عــدا‬ ‫األطــراف الوطنيــة‪.‬‬ ‫وبنــاء علــى مــا ســبق ميكــن لــدول مجلــس التعــاون اخلليجــي حتقيــق‬ ‫تواجــد حقيقــي يف دول إفريقيــا جنــوب الصحــراء مــن خــال اآلتــي‪:‬‬ ‫ ·دعــم شــركة موانــئ دبــي العامليــة العاملــة يف الــدول املطلــة علــى‬ ‫خليــج غينيــا وتعزيــز مؤمتــرات مكافحــة القرصنــة‪.‬‬ ‫ ·مشاركة دول اخلليج يف املؤمترات اإلفريقية املختلفة‪.‬‬ ‫ ·املشــاركة يف دورات مبــادرة «‪ ،»South The Climate‬التــي‬ ‫تهــدف إلــى حتديــد دور دول اجلنــوب العاملــي يف التصــدي لتغيــر‬ ‫املنــاخ وصياغــة حلــول قابلــة للتنفيــذ‪.‬‬ ‫ ·تعزيــز العاقــات الثنائيــة بــني دول مجلــس التعــاون اخلليجــي ودول‬ ‫إفريقيــا جنــوب الصحــراء وتفعيــل آليــات العمــل اإلســامي املشــترك‪.‬‬ ‫ ·دعــم سياســة األجــواء املفتوحــة بــني دول اخلليــج ودول إفريقيــا‬ ‫جنــوب الصحــراء‪.‬‬ ‫*ب ــاحثة إمـ ــاراتـ ــية ف ــي ال ــشأن اإلف ــري ــقي‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫راب ًعا‪ :‬الغابون‬ ‫الغابــون أو غابــاو كمــا أطلــق عليهــا البرتغاليون ذلك االســم عندما‬ ‫زاروهــا ألول مــره يف القــرن اخلامــس عشــر وتعنــي كلمــة ( غابــاو)‬ ‫املعطــف بأكمــام وقلنســوة الــرأس‪ ،‬ومصــب نهــر كومــو يف الغابــون‬ ‫يشــبه ذلــك املعطــف‪ ،‬ولــم تكــن للغابــون يف ذلــك الوقــت أيــة عاصمــة‬ ‫فظهــرت فرنســا مبظهــر احلامــي للبــاد وقامــت بتوقيــع معاهــدة‬ ‫مــع أمــراء الســواحل الغابونيــني بــني عامــي ‪1841-1839‬م ويف عــام‬ ‫‪1849‬م اســتولى الفرنســيون علــى ســفينة ُمحملــة بالرقيــق وأطلقــوا‬ ‫ســراحهم عنــد مصــب نهــر كومــو فأطلــق الرقيــق علــى تلــك األرض‬ ‫(ليبرفيــل) ومعناهــا ( املدينــة احلــرة) التــي أصبحــت منــذ الوقــت إلــى‬ ‫يومنــا هــذا هــي عاصمــة جمهوريــة الغابــون‪ ،‬عندمــا‬ ‫اســتقلت الغابــون عــن فرنســا ‪1960‬م‪ ،‬كانــت املصالح‬ ‫الفرنســية عنصــراً حاســماً يف حتديــد مســتقبل‬ ‫الزعامــة يف الغابــون بعــد االســتقال فتدفقــت‬ ‫األمــوال الفرنســية علــى احلملــة االنتخابيــة التــي‬ ‫ناصــرت عامــل اجلمــارك اجلابونــي املنفــي واملُــدان‬ ‫بجرميــة قتــل ومؤســس «احلركــة املختلطــة الغابونية»‬ ‫التــي حتولــت بعــد ذلــك إلــى «التكتــل الدميوقراطــي‬ ‫الغابونــي» املُرتبطــة بالتجمع الدميوقراطي اإلفريقي‬ ‫الســيد ( ليــون إمبــا) الــذي أصبــح أول رئيــس للغابون‬ ‫بعــد االســتقال وعرفــت الغابــون يف عصــره القمع ومت تغيير الدســتور‬ ‫وأصبــح نظــام ( ليــون إمبــا )‪ ،‬تولــى احلكــم بعــد ذلــك (ألبــرت بيرنــارد‬ ‫بوجنــو) عــام ‪1967‬م‪ ،‬الــذي اعتنــق اإلســام ‪1973‬م‪ ،‬وغيــر اســمه إلــى‬ ‫(عمــر بونغــو أوندميبــا) وعرفــت الغابــون يف عهــده التعدديــة احلزبيــة‬ ‫وطــوال فتــرة حكمــه املمتــدة ‪ 43‬عامــا ‪2009-1967‬م‪ ،‬كانــت البــاد‬ ‫مســتقرة واســتفادت الغابــون مــن الثــروة النفطيــة‪ ،‬بعــد وفاتــه تولــى‬ ‫احلكــم ابنــه علــي بونغــو اوندميبــا وهــو رئيــس الغابــون احلالــي ‪.‬‬ ‫أهميــة الغابــون دول ًيــا‪ :‬تأتــي أهميــة الغابــون كونهــا أحــد أهــم‬ ‫الــدول املطلــة علــى خليــج غينيــا (أهــم مناطــق التنافــس الدولــي)‬ ‫اليــوم حيــث يتركــز ‪ %70‬مــن مخــزون إفريقيــا النفطــي يف الســاحل‬ ‫اإلفريقــي الغربــي‪ ،‬ويُتوقــع أن يتخطــى النــا ُ‬ ‫جت النفطــي العــام لــدول‬ ‫غــرب إفريقيــا املطلــة علــى خليــج غينيــا ومنهــا (اجلابــون) النــاجت‬ ‫النفطــي لــدول اخلليــج العربــي بحلــول عــام ‪2020‬م‪ ،‬مبعــدل ‪%25‬‬ ‫مقابــل ‪ %22‬لــدول اخلليــج العربــي‪ ،‬وهــذا مــا يدعــم أن تتحــول دول‬ ‫غــرب إفريقيــا إلــى مــورد أساســي لاقتصــاد العاملــي‪ ،‬وحتصــل‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة حال ًيــا علــى نســبة ‪ %15‬مــن وارداتهــا‬ ‫النفطيــة مــن منطقــة خليــج غينيــا وميكــن أن ترتفــع النســبة حلــدود‬ ‫‪ %25‬يف الســنوات القليلــة القادمــة‪ ،‬كمــا أكــد صنــدوق النقــد الدولــي‬ ‫أن تشــهد دول غــرب إفريقيــا منــواً بواقــع ‪ %5.8‬أواخــر عــام ‪2015‬م‪،‬‬ ‫وبنســبة ‪ % 5.1‬لعــام ‪2016‬م‪ ،‬وتضــم تلــك املنطقــة ثلــث أراضــي‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪37‬‬

‫ملف العدد‬

‫العالــم املتاحــة لاســتثمار إلــى جانــب الطاقــة الكهرومائيــة‪ ،‬وبلغــت‬ ‫نســبة األراضــي الصاحلــة للزراعــة والغيــر مســتغلة مــا بــني ‪.%50-20‬‬ ‫تعتبــر الغابــون ضمــن دول إفريقيــا العشــر الرئيســية املصــدرة‬ ‫للبتــرول وهــذا مــا جعــل دخــل الفــرد فيهــا أعلــى بأربــع مــرات مــن‬ ‫متوســط منطقــة إفريقيــا جنــوب الصحــراء‪ ،‬وهــي خامــس أكبــر‬ ‫منتــج للنفــط يف إفريقيــا جنــوب الصحــراء إذ تنتــج نحــو ‪250‬‬ ‫ألــف برميــل يوم ًيــا والــذي ميثــل نحــو ‪ % 80‬مــن صادراتهــا ومــن‬ ‫املقــرر اكتمــال بنــاء مصفــاة نفــط ثانيــة لتكريــر ‪ 50‬ألــف برميــل‬ ‫يوم ًيــا وحتويــل جــزء مــن نفــط البــاد إلــى منتجــات عــام ‪2016‬م‪.‬‬ ‫الغابــون اليــوم عضــو يف جتمــع ( الســيماك ) «االحتــاد‬ ‫االقتصــادي والنقــدي لوســط إفريقيــا» (‪)CEMAC‬‬ ‫والــذي يهــدف إلــى تعزيــز عمليــة التكامــل االقتصــادي‬ ‫باإلضافــة إلــى اســتخدام عملــة موحدة قابلــة للتحويل‬ ‫وهــى الفرنــك اإلفريقــي‪ ،‬هــذا التجمــع االقتصــادي‬ ‫اإلقليمــي ميثــل ســوقاً لـــــ ‪ 30‬مليــون مســتهلك‬ ‫‪،‬وتفتخــر الغابــون بامتاكهــا شــبكة اتصــاالت قويــة‪.‬‬ ‫العالقــات الغابونيــة الخليجية‪ :‬وقعت اإلمارات‬ ‫يف أغســطس ‪2015‬م‪ ،‬اتفاقيــة األجــواء املفتوحــة مــع‬ ‫الغابــون‪ ،‬وبنــاء علــى ذلــك ســتكون شــركات الطيــران‬ ‫لــكا الطرفــني احلــق يف أداء اخلدمــات اجلويــة‬ ‫املنتظمــة بــني البلديــن‪ ،‬ويف ملتقــى االســتثمار الســنوي الــذي أقيــم‬ ‫يف اإلمــارات حضــر وزيــر التجــارة والشــركات الصغيــرة واملتوســطة‬ ‫جلمهوريــة الغابــون (غابرييــل تشــانغو) الــذي دعــا شــركة االتصــاالت‬ ‫اإلماراتيــة لاســتثمار يف شــركة ( موبيــل ) لاتصــاالت الغابونيــة‪،‬‬ ‫كمــا شــاركت دولــة اإلمــارات يف أعمــال منتــدى نيويــورك ‪ -‬إفريقيــا‬ ‫الــذى انطلقــت أعمالــه بالعاصمــة الغابونيــة ليبرفيــل عــام ‪2014‬م‪،‬‬ ‫أمــا الســعودية فقــد أبرمــت مــع الغابــون يف ســبتمبر ‪2015‬م‪ ،‬اتفاقيــة‬ ‫جتنــب االزدواج ومنــع التهــرب الضريبــي‪ ،‬فيمــا ترتبــط الكويــت‬ ‫مبعاهــدة للتعــاون االقتصــادي مــع الغابــون منــذ عــام ‪1975‬م‪ ،‬وقــدم‬ ‫الصنــدوق الكويتــي للتنميــة قرضـاً بقيمــة (‪ )7.5‬مليــون دينــار كويتــي‬ ‫لتحســني املطــارات احملليــة و حتســني الطريــق يف الغابــون‪.‬‬

‫أمــريـكـا تـحــصـل‬ ‫عى ‪ %15‬من وارداتــها‬ ‫النـفـطـية مـن خـلـيج‬ ‫غينيا وترتفـع النسـبة‬ ‫إلـــــــى ‪ %25‬قــريــبــًا‬

‫خامسا‪ :‬الكونغو كينشاسا‬ ‫ً‬ ‫الكونغــو هــي األغنــى عامل ًيــا باملــوارد الطبيعيــة وهــذا مــا ســبب‬ ‫لهــا مــا يُعــرف بلعنــة املــوارد الطبيعيــة التــي كانــت ســب ًبا يف الصراعات‬ ‫املتواصلــة بــني القــوى الدوليــة‪ ،‬فهــي متلــك احتياطــات هائلــة مــن‬ ‫املعــادن املُختلفــة باإلضافــة إلــى معــادن نــادرة مثــل (الكولتــان) وحتتوي‬ ‫أراضيهــا علــى ثانــي احتياطــي عاملــي مــن النحــاس‪ ،‬ومتتلــك ‪ %50‬مــن‬ ‫الغابــات اإلفريقيــة ومجموعــة مــن األنهــار التــي ميكــن أن تســتخدم‬ ‫إلنتــاج الطاقــة الكهرومائيــة للقــارة اإلفريقيــة بأكملها وف ًقــا لتقريــر‬

‫‪36‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫قضية العدد‬

‫ولتعزيــز دور خليجــي يف الصومــال البــد مــن التفريــق بــني املوقــف‬ ‫السياسي اخلليجي الداعم لوحدة األراضي الصومالية وبني املصالح‬ ‫اخلليجيــة املتواجــدة يف األقاليــم شــبه املســتقلة فابــد مــن مضاعفــة‬ ‫الفــرص االســتثمارية اخلليجيــة يف األقاليــم الصوماليــة خاصــة أنهــا‬ ‫تشــهد أمنًا واســتقرا ًرا‪ ،‬واالبتعاد عن إشــكالية السياســي واإلنســاني‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬جيبوتي‬ ‫تأتــي أهميــة جيبوتــي بحكــم موقعها االســتراتيجي الهــام يف العالم‬ ‫بــني احمليــط الهنــدي وقنــاة الســويس‪ ،‬كمــا تؤمــن موانــئ جيبوتــي‬ ‫خطــوط املواصــات مــع أثيوبيــا التــي ال تطــل علــى أي مســطحات‬ ‫مائيــة‪ ،‬وتطمــح جيبوتــي إلــى تغطيــة كامــل القــارة‪ ،‬وتأكــد ذلــك مــن‬ ‫خــال رؤيــة جيبوتــي املســتقبلية ملوانــئ األقاليــم الصوماليــة الشــبه‬ ‫مســتقلة مثــل (صوماالنــد و بونتانــد) التــي ترى فيهــا جيبوتي منافس‬ ‫حقيقــي لهــا‪ ،‬ومــع قيــام حكومــة أرض الصومــال بتصديــر املواشــي‬ ‫الــى دول اخلليــج عبــر مينــاء بربــرة تقدمــت جيبوتــي باقتــراح أن يتــم‬ ‫التصديــر عبــر أراضيهــا كونهــا دولــة مســتقلة معتــرف بهــا دول ًيــا علــى‬ ‫عكــس إقليــم أرض الصومــال أو إقليــم بونتانــد‪.‬‬ ‫جيبوتــي ودول الخليــج العربــي‪ :‬بــرزت أهميــة جيبوتي بالنســبة‬ ‫لــدول مجلــس التعــاون عندمــا أعلنــت رســم ًيا فتــح مجالهــا اجلــوي‬ ‫لتحالــف عاصفــة احلــزم‪ ،‬أمــا اقتصاديـاً جنحــت جيبوتــي يف فــرض‬ ‫نفســها كنقطــة عبــور اقتصاديــة مميــزة بــني آســيا وإفريقيــا وحصلــت‬ ‫شــركة موانــئ دبــي العامليــة علــى حقــوق االمتيــاز إلدارة وتشــغيل‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مينــاء جيبوتــي ملــدة ‪ 20‬عا ًمــا واســتثمرت اإلمــارات مليــار دوالر‬ ‫يف جيبوتــي لبنــاء فنــادق وتشــييد منطقــة حــره إلــى جانــب توفيــر‬ ‫اخلدمــات اجلمركيــة‪ ،‬إال أن صفــو االســتثمارات اإلماراتيــة تعكــرت‬ ‫يف جيبوتــي بســبب النــزاع القضائــي الــذي رفعتــه احلكومــة اجليبوتية‬ ‫ضــد شــركة موانــئ دبــي العامليــة بشــأن امتيــاز مينــاء جيبوتــي‪ ،‬ولــم‬ ‫يثــار موضــوع إلغــاء االمتيــاز إال يف عــام ‪2014‬م‪ ،‬وهــو العــام التالــي‬ ‫الــذي أعلــن فيــه عــزم الصــني بنــاء قاعــدة عســكرية دائمــة ملكافحــة‬ ‫القرصنــة وســتعمل قبــل نهايــة ‪2017‬م‪ ،‬لضمــان أمــن الســفن الصينية‬ ‫التــي متــر عبــر مضيــق بــاب املنــدب‪ ،‬والبحريــة الصينيــة قامــت بأكثــر‬ ‫مــن عشــرين مهمــة قتاليــة يف ســواحل خليــج عــدن والســواحل‬ ‫الصوماليــة‪ ،‬وحتــاول الترويــج لفكــرة أن قاعــدة جيبوتــي ال تهــدف‬ ‫للتوســع يف منطقــة القــرن اإلفريقــي‪ ،‬ولكــن منــح الصــني ســتني‬ ‫مليــار دوالر لــدول إفريقيــا جنــوب الصحــراء علــى شــكل قــروض‬ ‫وتأسيســها للمنتــدى الصينــي ‪ -‬اإلفريقــي (فوكاك)‪،‬يؤكــد أن الصــني‬ ‫ماضيــة يف طريقهــا نحــو التوســع بــدون توقــف‪ ،‬أمــا الســعودية فــكان‬ ‫هنــاك مقتــرح بفتــح خــط بحــري ماحــي بــني جــازان وجيبوتــي ألن‬ ‫املشــاريع التــي يتــم العمــل عليهــا بــني اجلانبــني تتطلــب ضــرورة توفــر‬ ‫خطــوط ماحــة خللــق توأمــة بــني موانــئ البلديــن‪ ،‬وقدمــت الريــاض‬ ‫مبلــغ ‪ 50‬مليــون دوالر كمنحــة لدعــم برنامــج االســتثمار الوطنــي‬ ‫اجليبوتــي لعــام ‪ 2015‬م‪ ،‬وذلــك يف إطــار مســاعدات دول مجلــس‬ ‫التعــاون جليبوتــي والتــي تقــدر بــــــ ‪ 200‬مليــون دوالر أمريكــي‪ ،‬أمــا‬ ‫قطــر فســاهمت يف تطويــر مشــروع طاقــة الريــاح‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪35‬‬

‫ملف العدد‬

‫‪ %70‬مــــن الــمـخـــزون الـنـفـطـــي فـــي غــرب إفـريـقـيـــا والـقـــارة‬ ‫الــسـمــراء تـنـتـج ‪ %25‬مـن نـفـط الـعـالـم ‪2020‬‬ ‫جــاء مــا يســمى بــــــ ( احتــاد احملاكــم اإلســامية) وعرفــت الصومــال‬ ‫فيــه نــوع مــن االســتقرار بعــد أن جنــح يف بســط ســيطرته علــى‬ ‫األراضــي الصوماليــة ملــدة ســتة أشــهر إال أن احملــاوالت اإلقليميــة‬ ‫والدوليــة جنحــت يف إنهــاء حكــم احملاكــم اإلســامية بحجــة محاربــة‬ ‫اإلرهــاب‪ ،‬ثــم جــاءت حركــة (الشــباب املجاهديــن) التــي كانــت الــذراع‬ ‫العســكري الحتــاد احملاكــم اإلســامية لتبــدأ الصومــال فصـ ًـا جديـدًا‬ ‫مــن غيــاب السياســة مبفهومهــا التوافقــي مقابــل إعــاء املصالــح‬ ‫اخلاصــة والفئويــة فانتشــر الفســاد والفقــر ولغــة الســاح‪.‬‬ ‫بــدأت القــوى الدوليــة تتصــارع يف الصومــال بعــد أن أعلــن‬ ‫البنــك الدولــي أنهــا مرشــحة يف ريــادة إنتــاج النفــط‪ ،‬لذلــك حرصــت‬ ‫بريطانيــا علــى تولــى زمــام املبــادرة ملقاربــة يف مؤمتــري لنــدن فبرايــر‬ ‫‪ 2012‬إلــى مايــو ‪2013‬م‪ ،‬ودخــول تركيــا بقافلــة اســتثمارات ُقــدرت‬ ‫باملليــارات لبلــد لــن يســتطيع ســداد مــا يضـ ُخ فيــه مــن أمــوال‪ ،‬وكانــت‬ ‫قــد أصــدرت ســلطة احلمايــة البريطانيــة تقريرهــا األول الــذي خــرج‬ ‫بنتيجــة أن االحتياطــات املتوقعــة يف الصومــال بلغــت مائــة مليــار‬ ‫برميــل نفــط وبذلــك تكــون الصومــال قــد تســاوت مــع الكويــت مــن‬ ‫حيــث احتياطاتهــا‪ ،‬ومنــذ ذلــك الوقــت تشــهد صراع ـاً دولي ـاً يرقــى‬ ‫ملســتوى احلــرب البــاردة بــني جميــع األطــراف‪.‬‬

‫ التنافس الدويل يف الصومال‬ ‫أبرمــت شــركة (‪ )JACKA RESOURCES‬االســترالية اتفا ًقــا‬ ‫مــع (‪ )PETROLEUM LIMITED‬علــى أن حتصــل علــى نســبة‬ ‫(‪ )%50‬مــن امتيــاز النفــط يف أرض الصومــال وأكــدت الشــركة‬ ‫االســترالية أن منطقــة (هبرقرحجــس) شــبيهة جيولوج ًيــا ألحــواض‬ ‫أوغنــدا واليمــن التــي أكتشــف فيهــا احتياطيــات مــن النفــط والغــاز‬ ‫الطبيعــي‪ ،‬مــن جانــب آخــر بــدأت شــركة (‪PETRO QUEST‬‬ ‫‪ )AFRICA‬التابعــة لشــركة االستكشــاف األمريكيــة (‪LIBERTY‬‬ ‫‪ )PETROLEUM‬بعقــد للحصــول علــى قطــاع مــن حكومــة أرض‬ ‫الصومــال (غاملــودوغ) ويبــدو أن امتيــاز شــركة ليبرتــي تتداخــل مــع‬ ‫قطــاع تزعــم شــركة (‪ )SHELL‬الهولنديــة البريطانيــة أنهــا صاحبــة‬ ‫االمتيــاز فيــه يف رســالة حصريــة وجهتهــا شــركة شــل بتاريــخ ‪-4-24‬‬ ‫‪2013‬م‪ ،‬تطالــب فيــه مــن الســلطات الصوماليــة أن تؤمــن حقوقهــا‬ ‫احلصريــة يف هــذا القطــاع‪ ،‬وأعلــن حتالــف شــركات (‪HORN‬‬ ‫‪ )OIL‬و(‪ )AFRICA OIL CORP‬و (‪RED EMPEROR‬‬ ‫‪ )COMPANY‬بأعمــال حفــر لبئريــن بتروليــني يف منطقــة (نوغــال)‬ ‫و(طــرور) يف اإلقليــم الشــمال الشــرقي للصومــال‪ ،‬كمــا مت اإلعــان‬

‫عــن تقاســم أمريكــي كنــدي يف إنتــاج النفــط يف ذات اإلقليــم بــني‬ ‫شــركتي )‪ )CANMEX‬و (‪،)RANGE RESOURCES‬كمــا‬ ‫أعــدت شــركة االستشــارات األمنيــة البريطانيــة (أســابي) للمخاطــر‬ ‫مخطــط وحــدة حمايــة النفــط يف أرض الصومــال (‪ )OPU‬عــام‬ ‫‪2013‬م‪ ،‬والتــي تتعاقــد معهــا جميــع شــركات النفــط العاملــة يف أرض‬ ‫الصومــال وتتــراوح تكلفتهــا مــن ‪ 20‬إلــى ‪ 25‬مليــون دوالر ســنو ًيا‪ ،‬إال‬ ‫أن مــا يواجــه هــذه الوحــدة غيــاب قانــون ينظــم نشــاطها ممــا يؤهلهــا‬ ‫لتكــون قــوة شــبه عســكرية فــأي خدمــات أمنيــه جديــدة خــارج إطــار‬ ‫أجهــزة الشــرطة واجليــش واالحتجــاز يجــب أن يقرهــا البرملــان‪.‬‬

‫النشاط االستثماري الخليجي يف الصومال‬ ‫خليج ًيــا‪ ،‬وقعــت شــركة (‪Peninsular and( )P&O‬‬ ‫‪ )Oriental Steam Navigation Company‬اململوكــة إلمــارة‬ ‫دبــي مذكــرات تفاهــم لتطويــر مينــاء بربــرة الدولــي يف مــارس‬ ‫‪2015‬م‪ ،‬كمــا قــادت دولــة اإلمــارات مبــادرة املصاحلــة بــني األطــراف‬ ‫الصوماليــة التــي متثلــت بــــ (ميثــاق دبــي) للمصاحلــة الصوماليــة‬ ‫الــذي جــاء تأكيــدًا حملادثــات لنــدن وإســطنبول لتعزيــز املصاحلــة‪،‬‬ ‫ويعــد هــذا امليثــاق االتفــاق األول مــن نوعــه بــني احلكومــة الصوماليــة‬ ‫وحكومــة أرض الصومــال منــذ أكثــر مــن ‪ 21‬عا ًمــا‪.‬‬ ‫جنحــت شــركة غــاز رأس اخليمــة‪ ،‬و(‪ )DNO‬النرويجيــة‬ ‫اإلماراتيــة يف احلصــول علــى عقــد بــدء العمــل يف الصومــال‪،‬‬ ‫كمــا قــدرت االســتثمارات الســعودية يف الصومــال بحوالــي ‪40‬‬ ‫مليــون ريــال ســاهمت اململكــة بوجــه خــاص يف ارتفــاع الصــادرات‬ ‫الصوماليــة علــى مــدى الســنوات الســت املاضيــة‪ ،‬يف أعقــاب خطــوة‬ ‫لرفــع حظــر دام تســع ســنوات علــى اســتيراد املاشــية مــن الصومــال‬ ‫در ًءا النتشــار حمــى الــوادي املتصــدع‪ ،‬وتشــكل الثــروة احليوانيــة‬ ‫الدعامــة األساســية لاقتصــاد الصومالــي‪ ،‬إذ تســاهم بنحــو ‪ % 40‬من‬ ‫النــاجت احمللــي اإلجمالــي‪ ،‬أمــا االســتثمارات الكويتيــة يف الصومــال‬ ‫فاقتصــرت علــى محطــة الكهربــاء يف مقديشــو‪ ،‬أمــا دولــة قطــر فقــد‬ ‫أبرمــت اتفاقيــة مــع جمهوريــة الصومــال لتنظيــم اســتقدام العمالــة‬ ‫الصوماليــة‪ ،‬إضافــة إلــى وجــود جلنــة قطريــة ـ صوماليــة مت تشــكيلها‬ ‫مؤخـ ًرا لدعــم الصحــة والتعليــم يف الصومــال‪ ،‬وبالرغــم مــن أن هنــاك‬ ‫ســبع دول عربيــة أعــادت فتــح ســفاراتها يف الصومــال علــى مــدى‬ ‫الســنوات املاضيــة وجميعهــا يعمــل يف مقــرات مؤقتــة باســتثناء ســفارة‬ ‫دولــة اإلمــارات التــي بنــت مقــر لهــا مبقديشــو‪ ،‬ورغــم ذلــك مــا زال‬ ‫الــدور العربــي لــم يــرق بعــد إلــى مســتوى تطلعــات الصوماليــني‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫قضية العدد‬

‫ذلــك كمؤشــر علــى مــا يتــم تداولــه يف الصحافــة اإلســرائيلية بــأن‬ ‫مدغشــقر إحــدى الســاحات احملتملــة للتنافــس اإليرانــي اإلســرائيلي‪.‬‬ ‫طهــران كمــا جنحــت يف تنســيق سياســات اقتصاديــة يف نيجيريــا‬ ‫والســنغال ومالــي أضــرت باملصالــح اخلليجيــة والعربيــة هنــاك‬ ‫فإنهــا ستســعى للنجــاح يف شــرق إفريقيــا وجناحهــا يعنــي توقــف‬ ‫املفاوضــات التــي وصفــت باملتقدمــة بــني دول اخلليــج ومدغشــقر‬ ‫إلدارة أحــد املوانــئ فضــ ً‬ ‫ا عــن ميناءيــن جــاري توقيــع عقــود‬ ‫إداراتهمــا‪ ،‬وإضعــاف االســتثمارات اخلليجيــة والعربيــة الهادفــة إلــى‬ ‫التركيــز علــى قطــاع الغــاز الطبيعــي املُســال كونــه أهــم القطاعــات‬ ‫التــي تدعــم توســعها املســتقبلي خاصــة يف ظــل الدراســات املســتقبلية‬ ‫التــي تتوقــع تضاعــف حجــم ســوق الغــاز الطبيعــي املُســال بحلــول‬ ‫‪2020‬م‪ ،‬كمــا ميكــن إليــران أن تلعــب دو ًرا يف مدغشــقر مثــل التأثيــر‬ ‫علــى النظــام السياســي بدعــم مرشــحني للرئاســة متا ًمــا كمــا حــدث‬ ‫يف جــزر القمــر عندمــا دعمــت الرئيســني أحمــد ســامبي وخليفتــه‬ ‫إكليــل ظنــني خاصــة أن هنــاك جاليــة شــيعية يف مدغشــقر ومراكــز‬ ‫جعفريــة مثــل مركــز الزهــراء يف مدينتــي نوســيبي وانبيلوبــي‪.‬‬

‫ الشــراكة الخليجية المدغشقرية‬ ‫وقعــت دول مجلــس التعــاون اتفاقيــة مــع حكومــة مدغشــقر‬ ‫لرصــف وتطويــر طريــق ســوينرانا افوجنــو مانانــارا ذي املســارين‬ ‫بطــول ‪ 117‬كــم‪ ،‬وتشــييد جســور جديــدة لربــط املناطــق الريفيــة‬ ‫بالعاصمــة انتاناناريفــو‪ ،‬ومتويــل مشــروع توليــد الطاقــة الكهرومائيــة‬ ‫يف مدغشــقر ويقــدم املشــروع اليــوم نحــو ‪ 58‬ميغــاوات مــن الكهربــاء‪،‬‬ ‫إال أن الــدور اخلليجــي يف جزيــرة مدغشــقر مــا زال ضعيفـاً‪ ،‬وميكــن‬ ‫لــدول اخلليــج تعزيــز دورهــا بدعــم الشــراكة ومضاعفــة اجلهــود يف‬ ‫التعــاون اإلقليمــي‪ ،‬واالســتفادة مــن الفــرص املتاحــة واملمكنــة كتعزيــز‬ ‫دور موانــئ دبــي العامليــة يف إفريقيــا خاصــة أن التعــاون البحــري‬ ‫ســيصبح أحــد أعمــدة االســتراتيجية اإلفريقيــة اآلســيوية ومــن‬ ‫املفيــد لــدول اخلليــج أن تبــرز دورهــا يف احتــاد التعــاون اإلقليمــي‬ ‫القــادم الــذي ســيقام يف اكتوبــر ‪2016‬م‪ ،‬بالشــراكة مــع أحــد الــدول‬ ‫اإلفريقيــة املرشــحة لقيــادة إفريقيــا يف املرحلــة القادمــة كنيجيريــا‬ ‫مثـ ً‬ ‫ا‪ ،‬كمــا ميكــن تعزيــز ومضاعفة االســتثمارات يف املوانئ اإلفريقية‬ ‫مثــل مينــاء جيبوتــي‪ ،‬ومينــاء بربــره يف الصومــال‪ ،‬مينــاء تاماتــاف‬ ‫يف مدغشــقر‪ ،‬ومحطــة بونتايوروبــا البحريــة يف غينيــا االســتوائية‪،‬‬ ‫ومحطــة حاويــات مينــاء مابوتــو يف موزمبيــق مبحطــة موانــئ دبــي‬ ‫العامليــة – دكار يف الســنغال أكبــر محطــة بحريــة يف غــرب إفريقيــا‪،‬‬ ‫مــن جانــب آخــر جزيــرة الفانيــا غنيــة بامليــاه حيــث يبلــغ احلجــم‬ ‫الكلــي للمــوارد املائيــة لتلبيــة االحتياجــات املتنوعــة للســكان يف‬ ‫مدغشــقر حســب مــا أصــدره صنــدوق التنميــة اإلفريقــي لعــام ‪2015‬‬ ‫(‪ )449‬مليــار م‪ 3‬ســنو ًيا مبــا يعنــي أن املــوارد املائيــة تفــوق حاجــات‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الســكان‪ ،‬كمــا متتلــك مدغشــقر إمكانيــات مائيــة مــن املــوارد اجلوفيــة‬ ‫والســطحية إال أن ضعــف البنيــة التحتيــة والتوزيــع اجلغرايف املتفاوت‬ ‫للمــوارد حالــت دون حصــول الكثيــر مــن الســكان علــى هــذا املــورد‬ ‫احليــوي األساســي فأقــل مــن ‪ %50‬مــن ســكان مدغشــقر يحصلــون‬ ‫علــى ميــاه الشــرب‪ ،‬وبالتالــي ميكــن لــدول اخلليــج االســتفادة مــن تلــك‬ ‫خصوصــا بعــد أن‬ ‫امليــاه لزيــادة اســتثماراتها الزراعيــة يف مدغشــقر‬ ‫ً‬ ‫برنامجــا مدتــه أربــع ســنوات مــن ‪-2015‬‬ ‫أطلقــت احلكومــة هنــاك‬ ‫ً‬ ‫‪2019‬م‪ ،‬لتحقيــق ارتفــاع يناهــز النصــف مقارنــة بالوضــع احلالــي‬ ‫إضافــة إلــى الترفيــع يف معــدل احلصــول علــى البنيــة التحتيــة‬ ‫للصــرف الصحــي والنظافــة مــن ‪ %50‬إلــى‪ %67‬بحلــول ‪2019‬م‪،‬‬ ‫ويحتــاج لتنفيــذه ‪ 163‬مليــون دوالر‪ ،‬فالبرنامــج يهــدف إلــى إعــادة‬ ‫‪3‬‬ ‫التــوازن لتلــك املقاربــة التــي تؤكــد أن ســرعة تدفــق امليــاه تبلــغ ‪10‬م‬ ‫يف الثانيــة مــا يعنــي إمكانيــة االســتفادة مــن تلــك امليــاه وتصديرهــا‬ ‫واســتخدام اإليــرادات لتمويــل أشــغال اإلمــدادات‪ ،‬غيــر أن مدغشــقر‬ ‫ال تســتعمل تلــك األمــوال التــي كان مبقدورهــا احلصــول عليهــا‪ ،‬ومبــا‬ ‫أن التعــاون البحــري ســيصبح أحــد أعمــدة االســتراتيجية اإلفريقيــة‬ ‫اآلســيوية اجلديــدة خاصــة أن الــدول اإلفريقيــة اليــوم تتجــه نحــو‬ ‫تعزيــز التجــارة واالســتثمار كمحــرك للنمــو وإعــادة الزخــم للقضايــا‬ ‫اجلوهريــة اخلاصــة بحركــة دول اجلنــوب‪ -‬اجلنــوب وبشــكل خــاص‬ ‫القضايــا اخلاصــة بالرخــاء واالســتقرار للبلــدان اإلفريقية واآلســيوية‬ ‫فبالتالــي ميكــن إيجــاد أرضيــة مشــتركة والتعــاون مــع الــدول‬ ‫اإلفريقيــة‪ ،‬كمــا ميكــن تعزيــز دور األزهــر الشــريف يف مدغشــقر‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬الصومال‬ ‫الصومــال‪ ،‬مملكــة النبــط وأرض الرمــح واألبــل‪ ،‬أرض العطــور‬ ‫ومركــز اإلشــعاع الفكــري لشــرق إفريقيــا منــذ أكثــر مــن أربعــة آالف‬ ‫ســنه قبــل امليــاد‪ ،‬أرض الزعيــم اخلالــد (أحمــد جــري) الــذي يرجــع‬ ‫الفضــل إليــه يف نشــر اإلســام مــن الصومــال حتــى بــاد النوبــة يف‬ ‫القــرن الســادس عشــر امليــادي‪ .‬قصــدت الصومــال عــام ‪2011‬م‪،‬‬ ‫يف رحلــة علميــة بــدأت مــن أبيدجــان يف ســاحل العــاج وانتهــت إلــى‬ ‫مقديشــو‪ ،‬ومــا بــني العاصمتــني وجــدت أن مفهــوم الســلم ظــل مفهو ًمــا‬ ‫ُمحيــ ًرا طــوال تاريــخ أفريقيــا بعــد احلقبــة االســتعمارية‪ ،‬وثبــت أن‬ ‫الســلم والتنميــة أصعــب وأعقــد يف حتقيقهمــا ممــا تنبــأ بــه املتفائلــون‬ ‫األفارقــة يف احلقبــة التــي تلــت االســتقال مباشــرة وذلــك لعــدد مــن‬ ‫العوامــل‪ ،‬فبعــد االســتقال خرجــت الصومــال بصراعــات اختلــط فيها‬ ‫السياســي بالقبلــي باالقتصــادي وإدارات إقليميــة انفصاليــة يضعــف‬ ‫ارتباطهــا باحلكومــة االحتاديــة وال تســيطر باملطلــق علــى األراضــي‬ ‫التــي يدعــون متثيلهــم لهــا إال أن املوقــع االســتراتيجي لهــذه األقاليــم‬ ‫واحتوائهــا علــى مخــزون نفطــي مــع ظهــور قــوى إســامية جهاديــة دفــع‬ ‫القــوى الدوليــة واإلقليميــة علــى إذكاء الصــراع يف الصومــال ‪ ،‬حتــى‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫لـــ ايرنســت ويونــغ فــإن عــدد مشــاريع االســتثمارات األجنبيــة املباشــرة‬ ‫يف إفريقيــا ارتفعــت بنســبة ‪ ،%27‬ووف ًقــا ملفوضيــة األمم املتحــدة للتجارة‬ ‫والتنميــة (األونكتــاد)‪ ،‬و تدفقــات االســتثمار األجنبــي املباشــر إلــى دول‬ ‫إفريقيــا جنــوب الصحــراء ارتفعــت إلــى أكثر من ‪ 36.9‬مليــار دوالر ‪ ،‬كما‬ ‫ارتفــع االســتثمار فيمــا بــني هــذه الــدول بنســبة ‪.%17‬‬ ‫ورغ ــم ذل ــك فاحلض ــور السياس ــي اخلليج ــي يف إفريقي ــا م ــا‬ ‫زال متواض ًع ــا وانحص ــر عل ــى حص ــول بع ــض دول مجل ــس التع ــاون‬ ‫علـــى عضويـــة يف املنظمـــة الفرانكفونيـــة واالحتـــاد اإلفريقـــي‬ ‫بصفـــة مراقـــب‪ ،‬والدليـــل علـــى ضعـــف احلضـــور اخلليجـــي‬ ‫يف إفريقيـــا كان يف القمـــة األمنيـــة األخيـــرة التـــي ُعقـــدت يف‬ ‫أبوجـــا ‪2016/5/21‬م‪ ،‬فلـــم تشـــهد مشـــاركة‬ ‫أي وفـــد خليجـــي ميثـــل املصالـــح اخلليجيـــة يف‬ ‫نيجيريـــا‪ ،‬رغـــم احتضـــان نيجيريـــا الســـتثمارات‬ ‫خليجيـــة يف قطـــاع االتصـــاالت والبنـــى التحتيـــة‪،‬‬ ‫وصنـــدوق تنميـــة غـــرب إفريقيـــا وهـــو صـــــندوق‬ ‫ســعـ ــودي يــ ــمارس نشاطـــ ــه يف غ ــرب إفـريـ ــقيا‪،‬‬ ‫كــمــ ــا أنّ دول الـــخـلــــيــ ــج مـــ ــن الــــفـاعـلــيــ ــن يف‬ ‫مــــكـــافــحــــة الــقـرصـنــــة بــخــلــــيج غــيـنـــيا‪ ،‬ولــعـل‬ ‫مـــــن األسـبـــــاب الـرئـــيسـيـــــة الـتــــي ســاهــمــــت‬ ‫يف ضــعــ ــف الـحـ ــضور الــخـليـجـ ــي يف إفـريــقـيـ ــا‬ ‫هـــو الـحـضـــور األمـريــكــــي املـــتصاعد واملـــهتم بالنــــفط اإلفريــــقي‬ ‫تسيس ــا م ــن نــ ــفط الـشـ ــرق األوسـ ــط وه ــو م ــا يـ ــمكن أن‬ ‫األقـ ــل‬ ‫ً‬ ‫يحـــول العـــاقة بــني إفــريـقـــيا واخلـليـــج الـعـــربي مــن التعــاون إلــى‬ ‫تـنـافـ ــس‪ ،‬كــ ــما أن ضـعـ ــف الـتمثــ ــيل الدبـ ــلوماسي اخلــلـيجــ ــي يف‬ ‫هــــذه الــدول يعتبــر أهــم معـــوق لتـطـــور العـــاقـــــات الـســيـاســيــــة‬ ‫ويـرجــ ــع ذلــ ــك إلـ ــى عـــ ــدم االسـتـقـ ــرار السـ ــياسي لبع ــض ال ــدول‬ ‫اإلفريـــقية‪ ،‬ووجــود صــورة ســلبية يف الذهنيــة اخلليجيــة عــن دول‬ ‫إفريقيــا‪ ،‬إال أن احلضــور االقتصــادي اخلليجــي يف إفريقيــا يتفــوق‬ ‫علــى احلضــور السياســي‪ ،‬فــدول اخلليــج جنحــت يف تدشــني بعــض‬ ‫املش ــاريع االس ــتثمارية يف بع ــض ه ــذه ال ــدول‪ ،‬إال أنه ــا ل ــم توظ ــف‬ ‫ه ــذه االس ــتثمارات مب ــا يخ ــدم مصاحله ــا السياس ــية فعل ــى س ــبيل‬ ‫املث ــال توج ــد اس ــتثمارات خليجي ــة يف أريتيري ــا وأثيوبي ــا جت ــاوزت‬ ‫‪ 13‬ملي ــار دوالر إال أن ه ــذه ال ــدول ل ــم تدع ــم عاصف ــة احل ــزم‪ ،‬ب ــل‬ ‫ل ــم تكتــف باحلي ــاد أم ــام م ــا يج ــري يف اليم ــن بــل حتولــت أريتيري ــا‬ ‫لقاع ــدة حتتض ــن م ــا يس ــمى باحل ــرس الث ــوري اإلفريق ــي التاب ــع‬ ‫للح ــرس الث ــوري اإليران ــي وال ــذي كان يس ــاند مليش ــيات احلوث ــي‪،‬‬ ‫أم ــا أدي ــس أباب ــا فه ــي ال ترغ ــب بوج ــود عرب ــي فاع ــل قري ــب م ــن‬ ‫دول القــرن اإلفريقــي نكايــة يف مصــر مــن جانــب ويف الصومــال مــن‬ ‫جان ــب آخ ــر‪ ،‬فالقاه ــرة حتظ ــى بدع ــم مجل ــس التع ــاون باعتباره ــا‬ ‫حلي ــف اس ــتراتيجي‪ ،‬أم ــا الصوم ــال فه ــو يطال ــب بإقلي ــم أوجادي ــن‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪33‬‬

‫ملف العدد‬

‫املغتصــب مــن أثيوبيــا ‪،‬إضافــة إلــى افتقــار أديــس أبابــا ملســطحات‬ ‫مائي ــة جعله ــا تدع ــم االقتت ــال وانفص ــال الصوم ــال املرك ــزي ع ــن‬ ‫إقليمـــي بونتانـــد وصوماالنـــد واســـتغال موانـــئ تلـــك األقاليـــم‬ ‫الصوماليـــة إلنعـــاش صادراتهـــا ووارداتهـــا‪.‬‬ ‫أرى أنــه البــد أن يكــون هنــاك حتليــل منطقــي للوضــع يف‬ ‫إفريقيــا جنــوب الصحــراء ألن الصــورة مــا زالــت ســلبية يف اخلليــج‬ ‫عــن هــذه الــدول‪ ،‬فرغــم أهميتهــا وأصبــح أغلبهــا أعضــاء يف تكتــات‬ ‫اقتصاديــة قويــة مثــل البريكــس واإليكــواس والكوميســا إال أن دول‬ ‫مجلــس التعــاون تــكاد تكــون غير حاضرة «سياسـ ًيا« يف تلك الســاحة‪.‬‬

‫‪ %6.5‬متوسط النمو‬ ‫فـي إفريقـيـا و ســـبــع‬ ‫دول أفـريقـية مرشـحة‬ ‫ضـمـن االقــتـصـادات‬ ‫الـعـشـرة األســـرع نـمـو ًا‬

‫الدول اإلفريقية المؤهلة لتعزيز التواجد الخليجي‬ ‫أوالً‪ :‬مدغشقر‬

‫تنبــع أهميــة مدغشــقر كونهــا مصــدر ألحــد أثمــن‬ ‫التوابــل يف العالــم ‪-‬زراعــة الفانيا‪-‬وعضــو يف رابطــة‬ ‫دول احمليــط الهنــدي للتعــاون اإلقليمــي‪ ،‬وعضــو يف‬ ‫منظمــات الكوميســا والســاداك ومنظمــة التجــارة‬ ‫العامليــة واألونكتــاد وأحــد االقتصــادات الناشــئة يف‬ ‫إفريقيــا هــذا باإلضافــة إلــى ســعيها إلقامــة ممــر‬ ‫ماحــي مــن نهــر النيــل إلــى مدغشــقر وهــي مينــاء‬ ‫رئيســي لــدول شــرق إفريقيــا كونهــا رابــع أكبــر جزيــرة‬ ‫يف العالــم مبوقعهــا االســتراتيجي علــى احمليــط الهنــدي‪ ،‬ووضعتهــا‬ ‫الوكالــة األمريكيــة ملعلومــات الطاقــة يف قائمــة دول إنتــاج البتــرول‬ ‫املســتقبلية يف إفريقيــا ويقــدر االحتياطــي بنحــو ‪ 1.7‬مليــار برميــل‪.‬‬ ‫تشــهد جزيــرة الفانيــا اليــوم تنافســاً دوليــاً ال تخطئــه العــني‬ ‫فالواليــات املتحــدة رفعــت كل القيــود عــن املســاعدات املباشــرة‬ ‫ملدغشــقر‪ ،‬كمــا قامــت بتوجيــه دعــوة لرئيــس مدغشــقر حلضــور‬ ‫القمــة األمريكية‪-‬اإلفريقيــة‪ ،‬وقدمــت واشــنطن لهــا برامــج لألمــن‬ ‫الغذائــي والصحــة وتعهــد البنــك الدولــي بتقــدمي دع ًمــا مال ًيــا لهــا‬ ‫بقيمــة ‪ 400‬مليــون دوالر‪ ،‬أمــا فرنســا‪ ،‬فقــد قامــت شــركة النفــط‬ ‫الفرنســية توتــال بشــراء حصــة تبلــغ ‪ %60‬يف حقــل بيموالجنــا مــن‬ ‫شــركة مدغشــقر أويــل وحصلــت علــى ترخيــص احلقــل‪ ،‬وقدمــت‬ ‫منحــة قيمتهــا ‪ 3,8‬مليــون يــورو ملدغشــقر لضمــان االســتثمار‬ ‫واخلــروج مــن األزمــة االقتصاديــة‪ ،‬ومــن جانــب آخــر نــرى أن‬ ‫الصــني كونهــا أكبــر شــريك جتــاري إلفريقيــا‪ ،‬فقــد أسســت معهــد‬ ‫كونفوشــيوس بجامعــة أنتاناناريفــو لتأهيــل الطلبــة املدغشــقريني‬ ‫لدراســة اللغــة الصينيــة ونظمــت جائــزة أطلــق عليهــا جائــزة اإلســهام‬ ‫البــارز يف نشــر ثقافــة الصــني لعــام ‪2015‬م‪ ،‬مــن جانــب آخــر انعقــدت‬ ‫القمــة اآلســيوية اإلفريقيــة األخيــرة يف جاكراتــا ابريــل ‪2015‬م‪،‬‬ ‫برئاســة مشــتركة بــني إيــران ومدغشــقر وكانــت بعنــوان تعزيــز تعــاون‬ ‫اجلنوب‪-‬اجلنــوب لتعزيــز الســام والرفاهيــة العامليــة‪ ،‬وميكــن فهــم‬

‫‪32‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫قضية العدد‬

‫يف أن يجعــل مــن االســتقال اســتقاالً شــكل ًيا‪ ،‬بــل ومــا زال هنــاك ‪14‬‬ ‫بل ـدًا إفريق ّيــا يضــع ‪ %85‬مــن احتياطاتــه األجنبيــة يف البنــك املركــزي‬ ‫الفرنســي كضريبــة لفوائــد االســتعمار‪ ،‬ويُســمح لتلــك الــدول بالوصــول‬ ‫إلــى ‪ %15‬فقــط وإذا احتاجــت تلــك البلــدان ملبالــغ إضافيــة فعليهمــا مــن‬ ‫الـــ ‪ %65‬مــن أموالهــم اخلاصــة يف اخلزانــة الفرنســية وبأســعار جتاريــة‪.‬‬ ‫أما واشنطن‪ ،‬فبعد بروز القوى اإلسامية يف القرن األفريقي‪،‬‬ ‫فقد طرحت ما يسمى بالقرن األفريقي الكبير‪ ،‬وتأسيس املجلس‬ ‫االستشاري اإلفريقي‪ ،‬وإنشاء أفريكوم‪ ،‬تا ذلك إصدار (‪African‬‬ ‫‪ )Oil Policy Initiative Group‬كتا ًبا أبيض ينص على ضرورة‬ ‫استبدال النفط اخلليجي بالنفط اإلفريقي خاصة بعد صدور تقارير‬ ‫اقتصادية أمريكية تؤكد أنه بحلول عام ‪2020‬م‪ ،‬ستحصد الواليات‬ ‫املتحدة ربع نفطها من إفريقيا‪ ،‬أضف الى ذلك أن النفط اإلفريقي له‬ ‫ميزات يتفوق بها على النفط اخلليجي مثل‪ ،‬انخفاض نسبة الكبريت‬ ‫مما يقلل عملية التكرير‪ ،‬وقرب السواحل اإلفريقية من الساحل‬ ‫الشرقي ألمريكا وهذا ما أعطى النفط اإلفريقي ميزة القرب‬ ‫اجلغرايف التي ينافس النفط اخلليجي‪ ،‬كما أن الدول اإلفريقية‬ ‫متمايزة عرق ًيا وثقاف ًيا ال يضمها رابط ثقايف تاريخي مشترك مما‬ ‫يعيق تبنيها سياسة نفطية موحدة جتاه واشنطن والغرب‪ ،‬ومن هـنا‬ ‫ميكن أن نـفـهم حرص واشنـطن على تـمـديد قـانون النمو والفرص‬ ‫يف إفريقيا ملدة عـشر سـنوات مما سيـوفر الضمانـات الازمة‬ ‫لاستثمارات األمريكـية طـويـلـة األجـــل‪ ،‬أمـا الـصـني فـأسـسـت مـا‬ ‫يـسـمى بـمنـتدى الـتعـاون الصـيـني اإلفريـقي‪ -‬فوكاك‪ -‬وبلـغت قيـمة‬ ‫االســـتـثـمـارات الـصـيـنـيـة يف إفــريــقــيـا ‪ 26‬مـلـيـار دوالر أمـريـكـي‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إفريقيا‪ :‬رؤية خليجية‬ ‫بــمـــا أن دول الـــخـلــيـــج تـهـــدف إلــى تــهـيــئـــة اقــتــصـادهـــا‬ ‫لـلــتـنـافــسـيـــة واالنـفـتــــــاح‪ ،‬فـيـمـكـــن االستـــفادة مــن الســاحة‬ ‫اإلفريـقية‪ ،‬فـنظراً حلاجة إفـريـقـيـا لـنـحــو ‪ 93‬مـلـيـار دوالر ســنـويـًا‬ ‫لتـلبـــية احتياجــات البنيــة التحتيــة للـــقارة اإلفـريقـــية حتــى عــــام‬ ‫‪2020‬م‪ ،‬فـــإن قـطـــاع الـبـنـيـــة الـتـــحتية أهــم القطاعــات التــي ميكــن‬ ‫التعــاون فـــيها بــني مجتمعــي األعمــال اخلـليـجـــي واإلفـريـــقي‪.‬‬ ‫مــــن جــانـــب آخــــر‪ ،‬تـظــــل إفـريـقـــيا هــي القــارة األهــم يف مجــال‬ ‫اإلنتــاج الزراعــي والغذائــي‪ ،‬حيــث ميثــل قطــاع الزراعــة أحــد أهــم‬ ‫القطاعــات التــي ميكــن لــدول اخلليــج النظــر إليهــا لتوفيــر األمــن‬ ‫الغذائــي‪ ،‬كمــا ميكــن اســتثمار املوقــع اجلغــرايف اخلليجــي كجســر‬ ‫بــني إفريقيــا والصــني وذلــك يتطلــب تفعيــل الهيــاكل املؤسســية‬ ‫وإقنــاع الشــركات االقتصاديــة اإلفريقيــة بإنشــاء مراكــز لهــا يف‬ ‫دول اخلليــج حيــث ســتجد الكثيــر مــن املزايــا اإليجابيــة مــن ناحيــة‬ ‫التكلفــة مبــا يف ذلــك عــدم وجــود ضريبــة علــى الشــركات والدخــل‬ ‫والطاقــة الرخيصــة‪ ،‬ومــن املُفيــد للشــركات اخلليجيــة أن تنظــر إلــى‬ ‫اخلصائــص االســتثمارية يف األســواق اإلفريقيــة كل علــى حــدة‪.‬‬

‫معوقات العالقات الخليجية ـ اإلفريقية‬ ‫بلــغ متوســط النمــو يف الــدول اإلفريقيــة قرابــة ‪ ، %6.5‬ومــن املتوقــع‬ ‫أن تشــهد القــارة منـ ًوا بنســبة تزيــد عــن ‪ ،% 8‬كمــا يُتوقــع أن تكــون ســبع‬ ‫دول إفريقية من بينها إثيوبيا‪ ،‬وموزمبيق‪ ،‬ونيجيريا‪ ،‬من بني اقتصادات‬ ‫دول العالــم العشــر األســرع منـ ًوا يف الســنوات اخلمــس القادمــة‪ ،‬ووف ًقــا‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪31‬‬

‫ملف العدد‬

‫النفط اإلفريقي يهدد الثروة اإلحفورية الخليجية‪ ..‬والصراع الدولي يحتدم‬

‫العالقات الخليجية ــ اإلفريقية‪..‬‬ ‫بين التكامل أو التنافس‬ ‫أدركــت القــوى الدوليــة أهميــة أفريقيــا «جنــوب الصحــراء» يف أول مؤمتــر اســتعماري (مؤمتــر برلــني أو مؤمتــر الكونغــو ‪-1884‬‬ ‫‪1885‬م) عقــد بــني الــدول األوروبيــة إلقــرار الوضــع القائــم يف إفريقيــا وتنظيــم التجــارة‪ ،‬يف حــوض الكونغــو‪ ،‬وإقــرار حريــة‬ ‫املاحــة يف النيجــر‪ ،‬ووضــع مبــادئ عامــة ملنــع اصطــدام القــوى االســتعمارية بعضهــا ببعــض حتى مت اســتعمار إفريقيــا يف القرن‬ ‫‪1‬‬ ‫التاســع عشــر‪.‬‬

‫أمـ ـيـ ـنــة العـ ــري ـ ـمـ ــي‬

‫تضــم إفريقيــا «جنــوب الصحــراء» ثلــث أراضــي العالــم املُتاحــة‬ ‫لاســتثمار إلــى جانــب الطاقــة الكهرومائيــة‪ ،‬إضافــة إلى مــوارد بحرية‬ ‫ومعدنيــة‪ ،‬واحتياطيــات مــن النفــط والغاز رشــحت الــدول اإلفريقية أن‬ ‫حتــل محــل دول اخلليــج العربــي يف تصديــر النفــط‪ ،‬فثمــة اكتشــافات‬ ‫نفطيــة تطــرح القــارة اإلفريقيــة ضمــن مناطــق االهتمــام األمريكــي‪.‬‬ ‫ويقــدر مؤمتــر األمم املتحــدة للتجــارة والتنميــة (األونكتــاد)‬ ‫مجمــل االحتياطــي النفطــي إلفريقيــا بـــــــ ‪ 80‬مليــار برميــل‪ ،‬أي‬ ‫مــا نســبته ‪ %8‬مــن االحتياطــي العاملــي اخلــام‪ ،‬ومــن هنــا ميكــن أن‬ ‫نفســر كثافــة التواجــد العســكري األمريكــي يف أفريقيــا‪ ،‬بــل والتدخــل‬ ‫إذا لــزم األمــر( كليبيريــا مثــ ً‬ ‫ا)‪ ،‬والشــك أن أهميــة وجــود قــوات‬ ‫أمريكيــة يف الســاحل الغربــي إلفريقيــا يكمــن يف تأمــني أنابيــب النفــط‬ ‫«تشــاد‪-‬الكاميرون» إلــى خليــج غينيــا‪ ،‬باإلضافــة إلــى أن النفــط‬ ‫اإلفريقــي يتفــوق علــى النفــط اخلليجــي مبيــزات مثــل قربــه اجلغــرايف‬ ‫مــن الســواحل الشــرقية األمريكيــة وأوروبــا‪ ،‬وانخفــاض نســبة الكبريــت‬ ‫فيــه ممــا يقلــل مــن عمليــة التكرير‪ ،‬وكذلك عــدم قدرة الــدول اإلفريقية‬ ‫علــى تبنــي سياســة نفطيــة ُموحــدة جتــاه الغــرب وأمريــكا»‪.‬‬ ‫لذلــك البــد أن تعمــل دول مجلــس التعــاون اخلليجــي بشــكل جماعــي‬ ‫علــى االهتمــام مبلــف العاقــات اخلليجيــة اإلفريقيــة ولــن تســتطيع دولة‬ ‫خليجيــة أن تعمــل مبفردهــا يف تلــك الســاحة التــي تشــهد تنافــس دولــي‪.‬‬

‫إفريقيا كما ينبغي أن نراها «رؤية خليجية»‬ ‫تعــددت الروايــات حــول أصــل كلمــة إفريقيــا‪ ،‬فهنــاك مــن‬

‫يقــول معناهــا «الكهــف» يف إشــارة إلــى أن األفارقــة كانــوا يســكنون‬ ‫الكهــوف‪ ،‬وهنــاك مــن يقــول إن االســم يعــود إلــى ملــك مــن ملــوك‬ ‫التبابعــة «إفريقيــس بــن املنــار»‪ ،‬أمــا املصريــني القدامــى فإفريقيــا‬ ‫عندهــم تعنــي أرض امليــاد‪ ،‬يف حــني يــرى اليهــود أن إفريقيــا تعــود‬ ‫إلــى «الفيــر» أحــد أحفــاد إبراهيــم يف العهــد القــدمي‪ ،‬أمــا اليونانيــني‬ ‫فيقولــون أن إفريقيــا تعنــي» أرض البــرودة والرعــب»‪.‬‬ ‫تعتبر إفريقيا أقدم املناطق املأهولة بالســكان على وجه األرض‪،‬‬ ‫وســكنتها مجموعــة مــن الصياديــن يطلــق عليهــم «اخلويســان» إحــدى‬ ‫الســاالت اإلفريقيــة القدميــة لإلنســان احلديــث وأكــد العلمــاء أن‬ ‫تـلك الـسالة متمايـزة جـيـنـ ًيا مع جـمــيـع األفـارقـة ألنـها لـم تـخـتلط‬ ‫مـع أي اثنـية إفــريـقيـة مــنـذ مـــا يــزيـد عــن ‪150‬عــامـًا‪ ،‬والـخـويـسـان‬ ‫هــو اصطــاح يطـــلقه علمــاء األنثروبولوجيــا علــى جتــــمع قــبـيـلـتـــي‬ ‫الـخـــوي (هـوتـنـــيتوت) والـــسان (بـوشـــمن) فــاشـــتــــق األســــم مــــن‬ ‫الــخـــوي والــســـان لـيـصـبــــح» اخلــويـســـان»‪ ،‬فـبـعـــد انـتـهـــاء الـعـــصر‬ ‫اجللـــيدي عــاد األفـارقـــة إلــى املرتفـــعات الداخلـيـــة بعــد أن حتولـــت‬ ‫صحــراء إلــى ربــوع خضــراء إال أن املنــاخ اجلــاف الــذي ســاد عمــوم‬ ‫إفريقيــا منــذ ‪ 5000‬ســنة قبــل امليــاد دفــع األفارقــة إلــى وادي النيــل‬ ‫وأسســوا ممالــك عظيمــة مثــل النوبيــة واملرويــة والفرعونيــة‪.‬‬ ‫وجنح الغرب يف إيجاد االنقسامات التي تضمن له استمرارية جتارة‬ ‫الــرق بــل ونشــأ الــرق الداخلــي لصالــح الفئــة التــي كانــت تخــدم مصالــح‬ ‫االســتعمار‪ ،‬وجنــح الغــرب بعــد ذلــك يف ابتــكار الوســائل والسياســات‬ ‫التــي يحافــظ مــن خالهــا علــى إفريقيــا يف موقــع التابــع بعدمــا جنــح‬

‫‪30‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫رؤية وتحليل‬

‫غـرب إفـريـقـيـا الـجـار الـبـعـيـد للـخـلـيـج الـعـربـي‬ ‫ نحــو التداخل مع النخب االقتصادية‬ ‫إن البعــد اجلغــرايف ملنطقــة غــرب إفريقيــا عــن املشــرق العربــي ال‬ ‫يعنــي أنهــا ليســت لهــا أهميــة بالنســبة للخليــج العربــي‪ ،‬فهــذه املنطقــة‬ ‫تســتقطب العديــد مــن االســتثمارات األجنبيــة‪ ،‬مبــا فيها االســتثمارات‬ ‫اآلســيوية‪ .‬وقــد اســتطاعت الصــني أن تنشــئ شــبكة مــن املشــاريع‬ ‫يف البنيــات التحتيــة والفاحيــة والطاقــة والتعليــم ميكــن أن تفتــح‬ ‫آفاقــا للخليــج العربــي‪ .‬ويشــكل العنصــر البشــري املتداخــل مــع‬ ‫مفتاحــا مهمــا لذلــك‪ ،‬فقبيلــة اليوروبــا يف نيجيريــا‬ ‫املصالــح الصينيــة‬ ‫ً‬ ‫واملوريديــني يف الســنيغال يلعبــون دو ًرا كبيـ ًرا يف العاقات االقتصادية‬ ‫مــع الصــني‪ ،‬بســبب شــبكة العاقــات االجتماعيــة‬ ‫التــي ميتــد تأثيرهــا نحــو أوروبــا وأمريــكا‪ ،‬كمــا‬ ‫يعــدون الفئــة التجاريــة األساســية الوافــدة علــى‬ ‫منطقــة «ييــو» يف شــرق الصــني التــي تعتبــر إحــدى‬ ‫املراكــز الدوليــة الكبــرى للتجــارة يف الصــني‪.‬‬ ‫اهتمــت بعــض الــدول اخلليجــة باالســتثمار‬ ‫يف غــرب إفريقيــا يف عــدد مــن القطاعــات‪ ،‬مــن‬ ‫بينهــا االســتثمارات القطريــة واإلماراتيــة يف قطــاع‬ ‫البنــوك‪ ،‬وهــو مــا يفتــح املجــال للعــب دور الوســيط‬ ‫املالــي بــني النخــب االقتصاديــة يف هــذه املنطقــة‬ ‫والصــني‪ ،‬خاصــة بعــد أن أعلنــت نيجيريــا يف عــام ‪2015‬م‪ ،‬عــن نيتهــا‬ ‫إنشــاء مدينــة جديــدة باســم «إيكــو أتانتيــك «لتصبــح املركــز املالــي‬ ‫يف نيجيريــا وغــرب إفريقيــا‪ .‬ونظ ـ ًرا لضعــف الوجــود اخلليجــي يف‬ ‫غــرب إفريقيــا‪ ،‬فإنهــا يف حاجــة إلــى التعــاون والشــراكة مــع دول‬ ‫أخــرى لهــا خبــرة يف التعامــل مــع غــرب إفريقيــا‪ ،‬وبحكــم الشــراكة‬ ‫االســتراتيجية املغربيــة ــــ اخلليجيــة فــإن بإمــكان املغــرب أن يكــون‬ ‫إحــدى البوابــات لتوســيع املصالــح اخلليجيــة االقتصاديــة يف هــذه‬ ‫املنطقــة‪ ،‬خاصــة وأن املغــرب يعــد مــن أهــم املســتثمرين فيهــا‪ .‬وبعــد‬ ‫أن وقــع املغــرب اتفاقيــة الشــراكة االســتراتيجية مــع الصــني خــال‬ ‫مايــو‪2016‬م‪ ،‬فإنــه ميكــن ً‬ ‫أيضــا احلديــث عــن تعــاون اقتصــادي ثاثي‬ ‫«مغربــي صينــي خليجــي» يف غــرب إفريقيــا يف عــدد مــن القطاعــات‪،‬‬ ‫أهمهــا االســتثمار فيمــا يصطلــح عليــه بـ»االقتصــاد األزرق»‪ ،‬أي‬ ‫اســتغال اإلمكانــات االقتصاديــة للبحــار‪ ،‬مثــل االســتثمار يف مجــال‬ ‫تربيــة األســماك باألحــواض البحريــة يف بعــض دول غــرب إفريقيــا‪،‬‬ ‫كالســنغال‪ ،‬خاصــة أن لــدى املغــرب خبــرة يف هــذا املجــال عبــر آليــات‬ ‫تطبيــق اتفاقيــة الصيــد البحــري مــع االحتــاد األوروبــي‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إفريقيــا‪ .‬ومبــا أن الســعودية أنشــأت «التحالــف اإلســامي ضــد‬ ‫اإلرهــاب»‪ ،‬فــإن مجــال اهتمامــه يجــب أن يشــمل أيضــا دعــم البنيــات‬ ‫التــي تعمــل علــى محاصــرة ظاهــرة اإلرهــاب يف إفريقيــا‪ ،‬خاصــة‬ ‫بعــد تدويــل األعمــال اإلجراميــة لـ»حركــة بوكــو حــرام» واحلديــث‬ ‫عــن عاقاتهــا بـ»حركــة الشــباب الصوماليــة» يف شــرق إفريقيــا‪.‬‬ ‫وستكتســب دول اخلليــج شــرعية دوليــة إذا متكنــت مــن اإلســهام يف‬ ‫محاصــرة اإلرهــاب يف هــذه املنطقــة‪ ،‬خاصــة لــدى القــوى اآلســيوية‬ ‫التــي تتعاظــم مصاحلهــا يف غــرب إفريقيــا‪.‬‬ ‫ولكــن اإلســهام اخلليجــي يف محاربــة ظاهــرة اإلرهــاب بإفريقيــا‪،‬‬ ‫يحتــاج إلــى رؤيــة شــمولية يتداخــل فيهــا األمنــي باالقتصــادي‬ ‫والتنمــوي‪ ،‬فـ»حركــة بوكــو حــرام» مثا بدأ نشــاطها يف‬ ‫«بورنــو» بأقصــى الشــمال الشــرقي التــي تعــد مــن بــني‬ ‫أكثــر املناطــق فقـ ًرا يف نيجيريــا‪ .‬ويقتضــي هــذا الواقع‬ ‫وضــع مشــاريع تنمويــة للرقــي باملناطــق الشــمالية‪،‬‬ ‫خاصــة يف التعليــم مــن املســتويات األوليــة إلــى‬ ‫اجلامعــة ومراكــز التكويــن املهنــي‪ ،‬كمــا تفعــل الصــني‬ ‫ودول أخــرى‪ .‬ولكــن هــذه املشــاريع حتتــاج إلــى جهــود‬ ‫إقليميــة مشــتركة‪ ،‬كالتعــاون مــع اجلامعــة العربيــة‬ ‫واملنظمــة اإلســامية للتربيــة والعلــوم والثقافــة‪،‬‬ ‫وكذلــك مــع دول عربيــة إفريقيــة كمصــر واملغــرب‪.‬‬ ‫تعانــي دول غــرب إفريقيــا أيضــا مــن إشــكالية النزاعــات العرقيــة‪،‬‬ ‫مــا جعلهــا حتتضــن عــد ًدا مــن بعثــات األمم املتحــدة للســام‪ ،‬كليبيريــا‬ ‫والكوديفــوار وغيرهــا‪ .‬واملاحــظ أنــه بالتــوازي مــع تزايــد املصالــح‬ ‫االقتصاديــة لبعــض البلــدان اآلســيوية يف إفريقيــا‪ ،‬كالصــني واليابــان‬ ‫وإندونيســيا‪ ،‬فإنهــا أصبحــت تشــارك بصــورة أكبــر يف بعثــات األمم‬ ‫املتحــدة هنــاك‪ .‬ويقتضــي ذلــك أن يكــون للخليــج ً‬ ‫أيضــا اهتما ًمــا أوســع‬ ‫بعمليــات حفــظ الســام‪ ،‬وقــد يكــون مــن األجــدى إنشــاء مؤسســة‬ ‫خاصــة لتدريــب القــوات اإلفريقيــة املعنيــة بعمليــات الســام ودعمهــا‬ ‫لوجيســتيا‪ .‬ولكــن هــذا الــدور يحتــم ً‬ ‫أوال توســيع االتفاقيــات األمنيــة‬ ‫والعســكرية اخلليجيــة مــع الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬ولعــل مشــاركة بعضها يف‬ ‫«مناورات رعد الشــمال» يف فبراير ‪2016‬م‪ ،‬مقدمة ملأسســة احلضور‬ ‫اخلليجــي بشــكل أوســع علــى الصعيديــن األمنــي والعســكري بإفريقيا‪.‬‬ ‫بكلمــة‪ ،‬إن حتــول القــارة اإلفريقيــة إلــى ســاحة للتنافــس الدولــي‬ ‫وبــروز القــوى اآلســيوية كفاعــل مهــم يف القــارة‪ ،‬يفتــح اآلفــاق لتنســيق‬ ‫عاقــات دول اخلليــج العربــي بهــذه القــوى علــى الصعيــد اإلفريقــي‪.‬‬ ‫وتشــكل األدوات الثقافيــة والتعليميــة واالقتصاديــة واألمنيــة‬ ‫والعســكرية التــي تعتمدهــا الصــني فرصــة لاســتفادة مــن جتاربهــا‬ ‫واعتمــاد مثلهــا مــن قبــل الــدول اخلليجيــة‪ ،‬مــع التعــاون مــع حلفائهــا‬ ‫االســتراتيجيني لتحقيــق أكبــر املكاســب املمكنــة‪.‬‬

‫مــحــاربـة اإلرهاب‬ ‫فـي إفـريقــيا يتطـلـب‬ ‫رؤيـة يـتـداخـــل فـيـها‬ ‫األمـنـي باالقــتصـادي‬ ‫ومـــحـــاربــة الــفـقــر‬

‫ التدرج من التنســيق إىل التعاون االستراتيجي‬ ‫احلضــور اخلليجــي يف إفريقيــا جنــوب الصحــراء ال ميكــن‬ ‫أن يتحقــق إال بوضــع أســس للتعــاون األمنــي والعســكري مــع غــرب‬

‫* أستاذ مبؤسسة البحوث االستراتيجية الدولية (أوسك) ـ أنقرة ـ تركيا‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫رؤية وتحليل‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪29‬‬

‫ملف العدد‬

‫الخليج العربي يف قلب التنافس األمريكي ـ الصيني ما يتيح للدول‬ ‫الخليجية الفرصة لتجديد مكانتها االستراتيجية يف العالقات الدولـية‬ ‫الصعود الصيني يف إفريقيا والتشبيك المتوازن للخليج العربي‬ ‫شـــــرق إفـريـقـيـا بـيـن «الـحـزام الـبـحـري الـصــيـنـي» و «الـحـزام‬ ‫الخليجي اآلمن»‬ ‫إن النمــو االقتصــادي الــذي شــهدته الصــني وحاجتهــا إلــى‬ ‫التدفــق اآلمــن للطاقــة‪ ،‬جعلهــا تركــز علــى تطويــر عاقاتهــا مــع دول‬ ‫غــرب احمليــط الهنــدي‪ ،‬خاصــة وأن نســبة كبيــرة مــن احتياجاتهــا‬ ‫ً‬ ‫فضــا عــن أهميــة‬ ‫تتدفــق عبــر مضيــق هرمــز باخلليــج العربــي‪،‬‬ ‫التجــارة الصينيــة عبــر مضيــق بــاب املنــدب وقنــاة الســويس نحــو‬ ‫أوروبــا‪ .‬ونتيجــة تزايــد مكانــة املاحــة البحريــة يف التجــارة الدوليــة‬ ‫مبنطقــة آســيا وارتباطهــا باخلليــج وإفريقيــا‪ ،‬أعلنــت الصــني عــام‬ ‫‪ 2013‬م‪ ،‬عــن مشــروع «طريــق احلريــر البحــري»‪.‬‬ ‫ولكــن قبــل إعانهــا عــن «طريــق احلريــر البحــري» أنشــأت‬ ‫الصــني شــبكة مــن البنيــة التحتيــة يف الــدول املطلــة علــى احمليــط‬ ‫الهنــدي‪ ،‬مبــا فيهــا املوانــئ وطــرق املواصــات البريــة املؤديــة إليهــا‪،‬‬ ‫مثــل «مينــاء كواديــر» االســتراتيجي يف باكســتان القريــب مــن مضيــق‬ ‫هرمــز‪ .‬وأقامــت الصــني ً‬ ‫أيضــا عــد ًدا مــن البنــى يف مينــاء مومباســا‬ ‫بكينيــا وربطــت شــبكة املواصــات الداخليــة بــه‪ ،‬فضــا عــن بنــى‬ ‫أخــرى أنشــأتها يف تنزانيــا‪ .‬وقــد أصبحــت منطقــة اخلليــج العربــي‬ ‫ذات أهميــة أكبــر يف مشــروع «طريــق احلريــر البحــري»‪ ،‬نظـ ًرا لتزايــد‬ ‫ترابــط املصالــح الصينيــة بشــرق إفريقيــا والبحــر املتوســطي‪ ،‬الســيما‬ ‫بعــد شــراء شــركة «كوســكو» الصينيــة لـــ ‪ %67‬مــن «مينــاء بيــراووس»‬ ‫يف أبريــل ‪ ،2016‬وإنشــائها ملنطقــة اقتصاديــة خاصــة جديــدة يف‬ ‫أديــس ابابــا يف مــاي ‪2015‬م‪ ،‬لتكــون إحــدى املراكــز الصناعيــة‬ ‫الكبيــرة للصــني يف شــرق إفريقيــا‪.‬‬

‫ الحاجــة إىل «حزام بحري خليجي آمن»‬ ‫يوضــح «طريــق احلــزام البحــري الصينــي» ومســاره واملناطــق‬ ‫اجلغرافيــة التــي تشــملها‪ ،‬مبــا فيهــا شــرق إفريقيــا‪ ،‬أن منطقــة‬ ‫اخلليــج العربــي ســتحتفظ مبركزيتهــا علــى الصعيــد االســتراتيجي‬ ‫املســتقبلي‪ .‬وبالرغــم مــن التراخــي األمريكــي يف االهتمــام بهــذه‬ ‫املنطقــة‪ ،‬إال أن السياســة الصينيــة التــي أصبحــت تربــط بــني شــرق‬ ‫آســيا وشــرق إفريقيــا والبحــر املتوســطي‪ ،‬يجعــل اخلليــج العربــي‬ ‫يف قلــب التنافــس األمريكــي الصينــي يف العالــم‪ .‬وهــذا يعنــي أن‬ ‫الــدول اخلليجيــة متتلــك فرصــة لتجديــد مكانتهــا االســتراتيجية يف‬ ‫العاقــات الدوليــة‪ ،‬حتــى مــع افتــراض تراجــع أهميــة الطاقــة يف‬ ‫السياســة األمريكيــة نحــو اخلليــج العربــي‪.‬‬

‫إن اجلغرافيــة السياســية للخليــج العربــي يف ظــل التطــورات‬ ‫املتســارعة يف محيطــه‪ ،‬يقتضــي التفكيــر يف إنشــاء «حــزام‬ ‫خليجــي آمــن» مكــون مــن مثلــث «شــرق املتوســط ‪-‬شــرق إفريقيــا‪-‬‬ ‫شــرق آســيا»‪ ،‬وهــو حــزام بقــدر مــا يســعى إلــى االســتفادة مــن‬ ‫التناقضــات املوجــودة يف محيطــه االســتراتيجي‪ ،‬فإنــه يف نفــس‬ ‫أسســا وبنيــات جتعــل مــن الصعــب جتــاوز دور‬ ‫الوقــت يضــع‬ ‫ً‬ ‫اخلليــج يف التفاعــات اإلقليميــة والدوليــة املســتقبلية‪ .‬ويدخــل‬ ‫يف هــذا اإلطــار الســعي إلــى االســتفادة القصــوى والذكيــة‬ ‫للديناميــات التــي خلقتهــا الصــني يف محيــط اخلليــج‪ ،‬علــى‬ ‫األصعــدة االقتصاديــة واالســتراتيجية واألمنيــة‪ .‬ويشــكل إعــان‬ ‫الســعودية عــن «رؤيــة ‪ »2030‬فرصــة لاندمــاج االقتصــادي مــع‬ ‫دول شــرق إفريقيــا‪ ،‬خاصــة إثيوبيــا وكينيــا التــي أصبحــت توصــف‬ ‫«بالنمــور االقتصاديــة إلفريقيــا»‪ .‬فالبنيــات التحتيــة التــي أنشــأتها‬ ‫الصــني يف هــذه البــاد تخلــق ديناميــة اقتصاديــة يف غــرب احمليــط‬ ‫الهنــدي‪ ،‬ميكــن االســتفادة منهــا يف عــدة مجــاالت‪ ،‬مثــل مشــاريع‬ ‫توســيع املوانــئ‪ ،‬ومشــاريع النقــل البحــري واجلــوي‪ ،‬واالســتثمار يف‬ ‫قطــاع البيتروكيماويــات وغيرهــا‪.‬‬ ‫إن «الشــراكة الصينيــة ـ الســعودية» املعلــن عنهــا يف ينايــر‬ ‫ً‬ ‫أيضــا‬ ‫‪2016‬م «ورؤيــة ‪ 2030‬الســعودية» تســتطيع أن تكــون‬ ‫أرضيــة ملشــاريع صينيــة ـ خليجيــة مشــتركة يف شــرق إفريقيــا‪،‬‬ ‫مثــل املشــاريع الزراعيــة مــع ربطهــا بأبعــاد األمــن الغذائــي‬ ‫اخلليجــي‪ ،‬فضـ ًـا عــن االســتفادة مــن املناطــق االقتصاديــة احلــرة‬ ‫التــي أنشــأتها الصــني بــني إثيوبيــا وموزامبيــق‪ .‬ويوفــر االندمــاج‬ ‫اخلليجــي يف اقتصاديــات شــرق إفريقيــا ميــزة التعــاون مــع الــدول‬ ‫اآلســيوية األخــرى التــي أصبحــت تهتــم أكثــر بإفريقيــا‪ ،‬خاصــة‬ ‫اليابــان‪ ،‬أي أن اخلليــج العربــي ينبغــي أن يســتفيد مــن ميــزة‬ ‫القــرب اجلغــرايف ليتحــول إلــى محطــة أو حلقــة يف العاقــات‬ ‫اليابانيــة اإلفريقيــة‪ ،‬خاصــة بعدمــا أنشــأت طوكيــو قاعــدة‬ ‫عســكرية يف جيبوتــي‪ .‬ويســتطيع اخلليــج العربــي ً‬ ‫أيضــا أن يكــون‬ ‫حلقــة وصــل بــني مجموعــة اآلســيان وشــرق إفريقيــا عبــر قطــاع‬ ‫اللوجســتيك والنقــل واالســتثمار املشــترك‪ .‬ولكــن يجــب اإلشــارة أن‬ ‫اســتفادة اخلليــج العربــي مــن امليــزات االقتصاديــة واالســتراتيجية‬ ‫لشــرق إفريقيــا ال تكتمــل إال بوضــع موريتيــوس وسيشــيل وجــزر‬ ‫القمــر ومدغشــقر يف دائــرة االهتمــام‪ ،‬فحولهــا تتقاطــع مجموعــة‬ ‫مــن االســتراتيجيات يف احمليــط الهنــدي‪ ،‬مبــا فيهــا الــدول الغربيــة‬ ‫والصــني والهنــد وإيــران‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫رؤية وتحليل‬

‫اســتثمارات‪ ،‬خاصــة يف مشــاريع البنيــة التحتيــة واملــوارد الطبيعيــة‬ ‫التــي توظــف عمــال صينيــني‪ .‬أمــا الظاهــرة الثانيــة فهــي أن الفــرق‬ ‫الطبيــة التــي ترســلها بكــني إلــى دول بعينهــا يف إفريقيــا تنتمــي إلــى‬ ‫احملافظــات الصينيــة التــي لهــا عاقــات اقتصاديــة مــع تلــك الــدول‪،‬‬ ‫ســواء مــن حيــث املبــادالت التجاريــة أو االســتثمارات‪ .‬ويجــب اإلشــارة‬ ‫ً‬ ‫أيضــا أن اإلعانــات الصينيــة الطبيــة إلفريقيــا ال تخلــو مــن أبعــاد‬ ‫جتاريــة لشــركاتها اخلاصــة يف القطــاع الصيدالنــي‪.‬‬

‫ التعاون األمني والعسكري الصيني بإفريقيا جنوب الصحراء‬ ‫ــ املشاركة الصينية يف قوات حفظ السام بإفريقيا‬ ‫إن تزايــد األهميــة االقتصاديــة إلفريقيــا يف السياســة اخلارجيــة‬ ‫يوازيهــا تنامــي احلضــور األمنــي والعســكري‪ ،‬عبــر املشــاركة يف قــوات‬ ‫حفــظ الســام الدوليــة‪ .‬وتشــارك بكــني يف ســبع بعثــات أمميــة مــن‬ ‫أصــل ثمانيــة يف إفريقيــا بقــوات عددهــا ‪ 1500‬شــخص‪ ،‬أي مــا‬ ‫يعــادل ‪ %75‬مــن مجمــوع قــوات الصــني املشــاركة يف بعثــات الســام‬ ‫األمميــة نحــو العالــم‪ .‬ولعبــت الصــني دو ًرا بــارزًا يف بعثــات الســام‬ ‫ً‬ ‫فضــا عــن دورهــا يف‬ ‫نحــو الســودان وجنــوب الســودان ودارفــور‪،‬‬ ‫القــوات األمميــة بليبيريــا وســاحل العــاج والصحــراء املغربيــة‬ ‫وبورونــدي واملوزامبيــق وناميبيــا وســيراليون وإثيوبيــا وإريتريــا‪.‬‬ ‫وخــال عــام ‪2013‬م‪ ،‬حصــل حتــول نوعــي يف مشــاركة الصــني‬ ‫ضمــن بعثــات األمم املتحــدة‪ ،‬إذ ألول مــرة ترســل قــوات قتاليــة يف‬ ‫إطــار عمليــات األمم املتحــدة يف مالــي‪ .‬وتتوســع األدوار األمنيــة‬ ‫الصينيــة يف إفريقيــا بشــكل تدريجــي‪ ،‬ففــي قمــة «املنتــدى اإلفريقــي‬ ‫الصينــي للتعــاون» عــام ‪2012‬م‪ ،‬طرحــت الصــني «مبــادرة التعــاون‬ ‫الصينــي اإلفريقــي املشــترك مــن أجــل الســام واألمــن»‪ ،‬حــددت‬ ‫ضمــن أهدافهــا متويــل بعثــات حفــظ الســام التابعــة لاحتــاد‬ ‫اإلفريقــي وتدريــب قواتهــا‪ .‬ويتوقــع أن تلعــب الصــني دو ًرا أكبــر خــال‬ ‫الســنوات القادمــة يف القضايــا األمنيــة بإفريقيــا‪ ،‬عبــر «أجنــدة األمم‬ ‫املتحــدة لعــام ‪2030‬م» باعتبارهــا أحــد الداعمــني واملشــاركني يف‬ ‫صياغــة تلــك األجنــدة‪ ،‬التــي تطرقــت إلــى التحديــات األمنيــة يف‬ ‫شــمال إفريقيــا ومنطقــة الســاحل وكينيــا‪.‬‬ ‫ــ العاقات العسكرية الثنائية الصينية اإلفريقية‬ ‫حتــرص الصــني علــى تطويــر عاقاتهــا العســكرية مــع الــدول‬ ‫اإلفريقيــة علــى الصعيــد الثنائــي‪ ،‬ســواء عــن طريــق فتــح ملحقيــات‬ ‫عســكرية يف ســفاراتها بإفريقيــا‪ ،‬أو تبــادل الزيــارات بــني البعثــات‬ ‫العســكرية‪ ،‬أو عبــر برامــج بيــع األســلحة الصينيــة‪ .‬ومتتلــك الصــني‬ ‫‪ 16‬ملحقيــة عســكرية تغطــي ‪ 30‬بلـدًا إفريق ًيــا‪ ،‬يف مقابــل ‪ 28‬ملحقية‬ ‫عســكرية للدول اإلفريقية يف بكني‪ .‬وحســب تقرير ‪2016‬م‪ ،‬لـ»املعهد‬ ‫الدولــي للدراســات االســتراتيجية»‪ ،‬فــإن ‪ %68‬مــن الــدول اإلفريقيــة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أصبحــت تســتورد األســلحة الصينيــة‪ ،‬ومــا بــني ‪ 2005‬أضيفــت ‪10‬‬ ‫دول مســتهلكة للســاح الصينــي‪ ،‬هــي اجلزائــر وأنغــوال والــرأس‬ ‫األخضــر ونيجيريــا والتشــاد وجيبوتــي وغينيــا االســتوائية والغابــون‬ ‫وأوغانــدا وغانــا (أنظــر اخلريطــة)‪.‬‬ ‫واســتراتيجية الصــني تنظــر إلــى شــرق إفريقيــا كأوليــة‬ ‫اســتراتيجية‪ .‬وعندمــا قــام األســطول الصينــي بــأول رحلــة حــول‬ ‫العالــم عــام ‪2000‬م‪ ،‬كانــت تنزانيــا أول محطــة ينــزل فيهــا هــذا‬ ‫األســطول‪ .‬ومنــذ عــام ‪2008‬م‪ ،‬بــدأت تســتدعي الصــني البحريــة‬ ‫املصريــة واجلنــوب اإلفريقيــة كماحظــني يف املنــاورات البحريــة‬ ‫التــي جتريهــا يف مياههــا اإلقليميــة‪ ،‬وخــال نفــس الســنة شــاركت‬ ‫الصــني يف العمليــات البحريــة الدوليــة باخلليــج لتأمــني املاحــة ضــد‬ ‫القرصنــة قبالــة الســواحل الصوماليــة‪.‬‬ ‫وبعــد أن أنشــأت بكــني قاعــدة عســكرية لهــا يف جيبوتــي عــام‬ ‫‪2015‬م‪ ،‬يرتقــب أن تنشــط العاقــات العســكرية مــع دول شــرق‬ ‫إفريقيــا بصــورة أكبــر‪ ،‬دلــت عليهــا مثــا زيــارة وفــد عســكري كينــي‬ ‫يف دجنبــر ‪2015‬م‪ ،‬للقــوات الصينيــة املشــاركة يف بعثــة الســام‬ ‫األمميــة بجنــوب الســودان‪ .‬وأثنــاء زيــارة رئيــس موزامبيــق «فيليــب‬ ‫جاكينتــو» إلــى الصــني يف ‪ 15‬مايــو ‪2016‬م‪ ،‬مت التوقيــع علــى اتفاقيــة‬ ‫الشــراكة االســتراتيجية بــني البلديــن‪ ،‬تتضمــن تعزيــز قــدرات القــوات‬ ‫الدفاعيــة املوزامبيقيــة‪ .‬ولتقويــة حضورهــا البحــري يف شــرق‬ ‫إفريقيــا‪ ،‬بــدأت البحريــة الصينيــة أيضــا يف مايــو ‪2016‬م‪ ،‬بزيــارة‬ ‫ملصــر وجنــوب إفريقيــا‪.‬‬ ‫خريطة الدول اإلفريقية التي تستورد األسلحة من الصني ما بني‬ ‫‪ ٢٠٠٥‬و ‪ ٢٠1٥‬م‬

‫‪Source: The International Institute for Strategic Studies )IISS(, Military Balance‬‬ ‫‪Report, 2016, P: 21.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫املرحلــة‪ .‬وأثنــاء التســعينيات رفعــت بكــني أعــداد األســاتذة املبتعثــني‬ ‫إلــى إفريقيــا‪ ،‬فضــا عــن زيــادة عــدد الطــاب األفارقــة الوافديــن‬ ‫إليهــا‪ ،‬إذ انتقــل عددهــم مــن طالبــني عــام ‪1989‬م‪ ،‬إلــى ‪1580‬‬ ‫طالــب عــام ‪1999‬م وبتأســيس «املنتــدى اإلفريقــي الصينــي للتعــاون»‬ ‫ســتتطور العاقــات الثقافيــة والعلميــة بشــكل أكبــر‪ ،‬خاصــة بعــد‬ ‫إنشــاء «معهــد كونفوشــيوس» عــام ‪2003‬م‪ ،‬لتعليــم اللغــة الصينيــة‬ ‫عبــر العالــم‪ .‬ويتوفــر بإفريقيــا عــدد مــن هــذه املعاهــد‪ ،‬فضـ ًـا عــن‬ ‫أقســام تابعــة لهــا افتتحــت يف بعــض جامعــات القــارة‪ ،‬حيــث بلغــت ‪69‬‬ ‫قسـ ًما ومعهـدًا‪ ،‬يف الوقــت الــذي يصــل عددهــا إلــى ‪ 701‬يف أمريــكا‪،‬‬ ‫و‪ 426‬يف أوروبــا‪ ،‬و‪ 200‬يف آســيا‪.‬‬ ‫ومببــادرة مــن «الرابطــة العامليــة البــارزة للتجــار‬ ‫الصينيــني» و»مؤسســة الشــباب الصينــي للتنميــة»‬ ‫و»مجموعــة جتانيــو هابينــاس القابضــة»‪ ،‬تخطــط‬ ‫الصــني منــذ ‪2010‬م‪ ،‬لبنــاء ‪ 1000‬مدرســة ابتدائيــة‬ ‫كهديــة إلفريقيــا‪ ،‬ســميت بـ»مشــروع األمــل إفريقيــا‬ ‫الصــني»‪ .‬وقــد مت بنــاء عــدد منهــا يف إثيوبيــا‪،‬‬‫وكينيــا‪ ،‬وناميبيــا‪ ،‬وروانــدا‪ ،‬وبورونــدي‪ ،‬وتنزانيــا‪.‬‬ ‫ويرافــق بنــاء املــدارس‪ ،‬توثيــق عاقــات التعــاون‬ ‫بــني اجلامعــات‪ ،‬فضــا عــن تشــبيك العاقــات بــني‬ ‫املراكــز البحثيــة الصينيــة واإلفريقيــة‪ .‬وعمو ًمــا‪،‬‬ ‫ياحــظ أن الصــني تؤســس بنيــة مــن العاقــات يف مجــال التعليــم‬ ‫لتهيئــة النخــب اإلفريقيــة التــي ســتكون اجلســر األســاس لضمــان‬ ‫الوجــود الصينــي واســتمراره املســتقبلي بالقــارة‪.‬‬

‫رؤية وتحليل‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪27‬‬

‫ملف العدد‬

‫ــ التعاون الصحي الصيني اإلفريقي‬ ‫ركــزت الصــني منــذ ســتينيات القــرن املاضــي علــى املســاعدات‬ ‫الطبيــة يف عاقاتهــا مــع الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬مــن خــال إرســال‬ ‫فــرق طبيــة إلــى عــدد مــن دول القــارة‪ ،‬كانــت أوالهــا عــام ‪1963‬م‪.‬‬ ‫وخــال الثمانينيــات توســع دور وزارة الصحــة يف املســاعدات الطبيــة‬ ‫اخلارجيــة‪ ،‬كمــا انخرطــت بكــني يف عــدد مــن برامــج األمم املتحــدة‬ ‫للصحــة‪ .‬وتنوعــت أشــكال التعــاون مــع إفريقيــا بــني إرســال الفــرق الطبيــة‬ ‫والقــروض والبرامــج املشــتركة واإلعانــات املجانيــة (أنظــر اجلــدول‪ :‬رقــم‪.)2‬‬ ‫وبعــد إنشــاء «املنتــدى الصينــي اإلفريقــي للتعــاون» تتطــور دور‬ ‫البرامــج الصحيــة بصــورة أكبــر يف ديبلوماســية التنميــة للصــني‬ ‫يف إفريقيــا‪ .‬واحتلــت بكــني الرتبــة التاســعة ضمــن‬ ‫أكبــر الــدول املســاهمة يف اإلعانــات الدوليــة املوجهــة‬ ‫لقطــاع الصحــة بالقــارة مابــني ‪ 2000‬و‪2010‬م‪ ،‬بلغــت‬ ‫قيمتهــا ‪ 3‬مليــارات ومــا يقــارب ‪ 30‬مليــون دوالر‪.‬‬ ‫وتعتبــر كل مــن الكاميــرون‪ ،‬التشــاد‪ ،‬كينيــا‪ ،‬الســودان‪،‬‬ ‫زميبابــوي وأنغــوال وموريشــيوس‪ ،‬كوديفــوار‪ ،‬زامبيــا‪،‬‬ ‫والنيجــر‪ ،‬ضمــن أكبــر الــدول اإلفريقيــة املســتفيدة من‬ ‫االعانــات الصينيــة يف املجــال الصحــي‪ .‬ويشــكل بنــاء‬ ‫املستشــفيات وجتهيزهــا‪ ،‬النســبة األكبــر يف اإلعانــات‬ ‫الصحيــة إلفريقيــا‪ ،‬تليهــا محاربــة مــرض املاريــا‪،‬‬ ‫ثــم البعثــات الطبيــة ومشــاريع الصــرف الصحــي وغيرهــا‪ .‬وعندمــا‬ ‫ظهــر مــرض اإليبــوال يف غــرب إفريقيــا عــام ‪2014‬م‪ ،‬أرســلت الصــني‬ ‫مســاعدات إلــى ســيراليون‪ ،‬و‪ 200‬طبيــب إلــى «مستشــفي الصداقــة‬ ‫الصينــي الســيراليوني» للعمــل علــى محاصــرة املــرض‪.‬‬

‫‪ 1000‬مـــدرســــــة‬ ‫ابـتـدائية و ‪ 69‬قـسـ ًما‬ ‫ومــــعـهــ ًدا عــلــمــيـاً‬ ‫بجامعات القارة السمراء‬ ‫لنشر الثقافة الصينية‬

‫ــ التعاون اإلعامي الصيني ‪ -‬اإلفريقي‬ ‫بــدأت بكــني يف توســيع نشــاطها اإلعامــي بإفريقيــا بعــد قمــة‬ ‫«املنتــدى اإلفريقــي الصينــي للتعــاون» ‪2006‬م‪ ،‬عبــر القــروض‬ ‫والــدورات التدريبيــة وبرامــج التبــادل مــع األفارقــة يف هــذا املجــال‪.‬‬ ‫وخــال عــام ‪2012‬م‪ ،‬مت فتــح قنــاة «‪ »CCTV Africa‬يف نيروبــي‬ ‫بكينيــا‪ ،‬شــغلت فيهــا صحفيــني كينيــني وصينيــني لتغطيــة األحــداث‬ ‫يف مختلــف مناطــق القــارة‪ .‬وافتتحــت يف كينيــا ً‬ ‫أيضــا إذاعــة ناطقــة‬ ‫باللغتــني اإلجنليزيــة والســواحلية‪ ،‬فضــا عــن إصــدار جريــدة باســم‬ ‫ً‬ ‫قرضــا لزميبابــوي عــام ‪2012‬م‪،‬‬ ‫«‪ .»China Daily‬ومنحــت بكــني‬ ‫قيمتــه ‪ 5‬مايــني دوالر لتوفيــر ســيارات البــث اإلذاعــي لفائــدة قنــاة‬ ‫ً‬ ‫قرضــا بقيمــة ‪ 30.6‬مليــون دوالر لواليــة‬ ‫«‪ ،»ZBC‬كمــا قدمــت‬ ‫كادونــا يف شــمال نيجيريــا لتطويــر املؤسســات اإلعاميــة‪ ،‬فضــا‬ ‫عــن ‪ 4‬مايــني دوالر لتحديــث اإلعــام الليبيــري‪ .‬وخصصــت قروضـاً‬ ‫أخــرى ومســاعدات تقنيــة يف مجــال اإلعــام لناميبيــا‪ ،‬ليســوتو‪،‬‬ ‫موريشــيوس‪ ،‬جنــوب إفريقيــا‪ ،‬موزامبيــق‪ ،‬ومــاالوي‪ ،‬وسيشــيل‪،‬‬ ‫وجيبوتــي‪ ،‬الغابــون‪ ،‬وجــزر القمــر وغيرهــا‪.‬‬

‫اجلــدول رقــم ‪ :٢‬املســاعدات الطبيــة الصينيــة إلفريقيــا خــالل‬ ‫الثمانينيــات مــن القــرن العشــرين‬

‫‪Source: Huang Yanzhong, “Domestic Politics and China’s Health aid to‬‬ ‫‪Africa”,China: An International Journal, Vol. 12, N.3, December, 2014,‬‬ ‫‪p:182.‬‬

‫ولكــن املاحــظ أن اإلعانــات الصحيــة الصينيــة مرتبطــة‬ ‫بظاهرتــني‪ ،‬األولــى أنهــا تقــدم لنفــس الــدول التــي لهــا فيهــا‬

‫‪26‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫رؤية وتحليل‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫رفـعـت الـبنـوك الـصـيـنـية الـمـسـاعـدات للمشـاريع االقـتصـاديـة‬ ‫والـتنـمـوية فـي إفـريقـيا إىل ‪ 35‬مـليار دوالر عـام ‪2012‬‬ ‫وتعــزز بكــني التعــاون يف مجــال التدريــب الزراعــي مــع عــدد‬ ‫مــن املؤسســات يف إفريقيــا‪ .‬وخــال يونيــو ‪2010‬م‪ ،‬مت تأســيس إطــار‬ ‫تعــاون صينــي ـ إفريقــي لتشــجيع املزيــد مــن االســتثمارات يف القطــاع‬ ‫الزراعــي بإفريقيــا‪ ،‬مببــادرة كل مــن «مجموعــة تنمية التعــاون الفاحي‬ ‫الوطنــي الصينــي» (‪ )CNADC‬التابعــة للدولــة و»بنــك التنميــة‬ ‫الصينــي اإلفريقــي» ومجموعــة مــن الشــركات التجاريــة الفاحيــة‪.‬‬

‫ دور البنــوك الصينيــة يف العالقات االقتصادية اإلفريقية‬ ‫تأسس «بنك االستيراد والتصدير الصيني» عام ‪1994‬م‪ ،‬لتشجيع‬ ‫االســتثمار والتجــارة اخلارجيــة‪ ،‬عبــر القــروض امليســرة التــي يقدمهــا‪،‬‬ ‫ويف ظــرف وجيــز أصبــح ضمــن أكبر املؤسســات البنكية يف العالم التي‬ ‫تقــدم القــروض علــى هــذا املســتوى‪ ،‬مبــا فيهــا املقدمــة لاســتثمارات‬ ‫الصينية املباشرة يف إفريقيا‪ ،‬خاصة يف مجال البنى التحتية واملعادن‪.‬‬ ‫ويعتبــر ً‬ ‫أيضــا «البنــك الصينــي للتنميــة» أحــد أذرع بكني لدعم مشــاريع‬ ‫التنمية يف إفريقيا‪ ،‬كما أنه املؤسســة املالية الرئيســة يف تنفيذ أجندة‬ ‫«املنتــدى االقتصــادي الصينــي اإلفريقــي للتعــاون»‪ ،‬وذلــك بالتنســيق‬ ‫مــع عــدد مــن املؤسســات األخــرى‪ ،‬أهمهــا وزارة التجــارة الصينيــة‪.‬‬

‫وتطــور دور البنــوك الصينيــة يف إفريقيــا بتأســيس بكــني‬ ‫لـ»الصنــدوق اإلفريقــي الصينــي للتنمية» يف يوينيو ‪2007‬م‪ ،‬برأســمال‬ ‫أولــي قــدره ‪ 5‬مليــارات دوالر‪ ،‬مخصصــة لتشــجيع االســتثمارات‪،‬‬ ‫ومنــذ ‪2009‬م‪ ،‬صــار لـــه ممثليــة بـ»جوهانســبورغ» يف جمهوريــة جنوب‬ ‫إفريقيــا‪ .‬وقــد أجنــز «الصنــدوق» عــد ًدا مــن املشــاريع يف قطاعــات‬ ‫مختلفــة‪ ،‬منهــا تخصيــص ‪ 22.6‬مليــون دوالر لزراعــة القطــن يف‬ ‫مــاالوي‪ ،‬املوزمبيــق‪ ،‬وزامبيــا‪ ،‬و‪ 16.4‬مليــون دوالر حملطــة كهربائيــة‬ ‫ومشــاريع أخــرى يف إثيوبيــا واملناطــق الصناعيــة احلــرة يف نيجيريــا‬ ‫ومصــر‪ .‬وعمو ًمــا‪ ،‬فقــد ســاعدت هــذه البنــوك علــى رفــع املســاعدات‬ ‫واملشــاريع االقتصاديــة والتنمويــة إلفريقيــا‪ ،‬إذ انتقلــت مــن ‪1.2‬‬ ‫مليــار دوالر عــام ‪2000‬م‪ ،‬إلــى ‪ 35‬مليــار دوالر عــام ‪2012‬م‪.‬‬

‫ االعتناء الصيني بالموارد البشــرية اإلفريقية‬ ‫ــ التعاون العلمي والثقايف الصيني اإلفريقي‬ ‫اهتمــت الصــني مبك ـ ًرا بالتعــاون العلمــي والثقــايف مــع إفريقيــا‪،‬‬ ‫خاصــة منــذ الثمانينيــات عندمــا بــدأت الصــني باالندمــاج مــع‬ ‫إفريقيــا‪ ،‬كنتيجــة لسياســة االنفتــاح علــى اخلــارج خــال هــذه‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫رؤية وتحليل‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪25‬‬

‫ملف العدد‬

‫تفعيل الشراكة الخليجية ـ الصينية في القارة السمراء ضرورة استراتيجية‬

‫الخليج العربي وجاذبية القوى اآلسيوية‬ ‫يف إفـريقـيا‪ :‬الصـين نموذجـًا‬ ‫بــدأت منــذ ثمانينيــات القــرن املاضــي تظهــر مؤشــرات ســعي الصــني إلــى أن تتحــول لاعــب أساســي يف مناطــق أوســع مــن‬ ‫العالــم‪ ،‬وبانتهــاء احلــرب البــاردة دفعــت االحتياجــات االقتصاديــة والتطلعــات االســتراتيجية للصــني إلــى االهتمــام املكثــف‬ ‫واملنظــم بالقــارة اإلفريقيــة‪ ،‬جعلهــا محــط أنظــار قــوى آســيوية أخــرى‪ ،‬كمجموعــة اآلســيان واليابــان ودول اخلليــج العربــي‪.‬‬

‫د‪ .‬فؤاد فرحاوي‬

‫العالقات الصينية بإفريقيا جنوب الصحراء‪ :‬المجاالت واآلليات‬ ‫العالقات االقتصادية الصينية اإلفريقية وأهم مجاالتها‬ ‫التطــور االقتصــادي للصــني خــال العقديــن األخيريــن جعلهــا‬ ‫يف حاجــة أكبــر إلــى مــوارد الطاقــة واملعــادن‪ ،‬وفــرض عليهــا تركيــز‬ ‫اســتثماراتها يف هــذا املجــال بالــدول الغنيــة باملــوارد الطبيعيــة يف‬ ‫إفريقيــا‪ ،‬خاصــة اجلزائــر‪ ،‬أنغــوال‪ ،‬الكونغــو الدميوقراطيــة‪ ،‬زامبيــا‪،‬‬ ‫غينيــا‪ ،‬نيجيريــا‪ ،‬والغابــون‪ ،‬حيــث اســتحوذت فيهــا بكــني علــى نســبة‬ ‫مهمــة مــن االســتثمارات األجنبيــة املباشــرة‪ .‬ولتســهيل تصديــر املــواد‬ ‫األوليــة والطاقــة‪ ،‬أنشــأت الصــني عــد ًدا مــن مشــاريع البنيــة التحتيــة‬ ‫بإفريقيــا‪ ،‬مبــا فيهــا تهيئــة املوانــئ وخطــوط الســكك احلديديــة‪.‬‬ ‫وأعطــت أهميــة خاصــة لهــذه املشــاريع يف كينيــا‪ ،‬تانزانيــا‪ ،‬وإثيوبيــا‪،‬‬ ‫لكونهــا تربــط سياســتها يف شــرق إفريقيــا باســتراتيجياتها يف‬ ‫احمليــط الهنــدي األهــم لتجارتهــا الدوليــة‪ .‬وأنشــأت الصــني يف أنغوال‬ ‫ونيجيريــا مشــاريع يف مجــال البنيــة املرتبطــة بالطاقــة‪ ،‬مبــا فيهــا‬ ‫مصفــات تكريــر النفــط والطاقــة الكهربائيــة‪.‬‬ ‫واملاحــظ‪ ،‬أن الشــركات الصينيــة التابعــة للدولــة هــي التــي تقــود‬ ‫االستثمارات بإفريقيا يف قطاعات الزراعة والطاقة واملعادن والبنية‬ ‫التحتيــة‪ ،‬بينمــا الشــركات اخلاصــة تركــز علــى التصنيــع واخلدمــات‬ ‫(اجلــدول رقــم‪ .)1 :‬وعمو ًمــا‪ ،‬مشــاريع البنيــة التحتيــة التــي أجنزتهــا‬ ‫الصــني بإفريقيــا‪ ،‬بقــدر مــا أســهمت يف التطــور االقتصــادي داخــل‬ ‫دولهــا‪ ،‬أعطــت دفعــة الندمــاج أكبــر بــني دول القــارة‪ .‬وبغيــة حتقيــق‬ ‫اندمــاج اقتصــادي أوســع مــع إفريقيــا‪ ،‬اعتمــدت الصــني أيضــا علــى‬ ‫آليــة إنشــاء «املناطــق االقتصاديــة احلــرة»‪ ،‬كتلــك التــي أقامتهــا يف‬ ‫مصــر‪ ،‬اجلزائــر‪ ،‬إثيوبيــا‪ ،‬موريتيــوس‪ ،‬نيجيريــا‪ ،‬وزامبيــا‪.‬‬

‫اجلــدول رقــم ‪ :1‬الــدول العشــر األوائــل التــي تســتثمر فيهــا الشــركات‬ ‫اخلاصــة والعامــة الصينيــة يف إفريقيــا إلــى غايــة ‪ ٢٠1٢‬م‬

‫‪Source: Juan Zhang, William X., “Stratigic Entry and Determinants of Chinese‬‬ ‫‪Private Enterprices Into Africa”, Journal of African Business, Vol. 14, N.2,‬‬ ‫‪2013, p:100.‬‬

‫ القطاع الزراعي‬ ‫بدأت الصني تهتم بالقطاع الزراعي مع إفريقيا يف سياق سياسة‬ ‫«تصديــر الثــورة اخلضــراء»‪ ،‬تعــززت مــع توجــس الصــني مــن ارتفــاع‬ ‫أســعار املــواد الغذائيــة ملــا ميكــن أن يســبب لهــا مــن توتــرات اجتماعيــة‬ ‫إذا لــم تتمكــن مــن ســد احتياجاتهــا املتزايــدة‪ ،‬لذلــك ركــزت ً‬ ‫أيضــا على‬ ‫االســتثمارات الزراعية يف إفريقيا‪ ،‬ونتج عنها ظاهرة شــراء األراضي‬ ‫يف عــدد مــن دول القــارة‪ ،‬مثــل بنني ومدغشــقر وســيراليون‪ .‬وتنافســت‬ ‫الصــني يف هــذا املجــال عــدد مــن الــدول اآلســيوية األخــرى‪ ،‬كماليزيــا‪،‬‬ ‫كوريــا اجلنوبيــة‪ ،‬ســنغافورة‪ ،‬وفيتنــام‪ .‬وعمو ًمــا‪ ،‬اســتثمر يف القطــاع‬ ‫الزراعــي بإفريقيــا حتــى ‪2011‬م‪ 2372 ،‬شــركة صينيــة‪ ،‬أغلبهــا يف‬ ‫زامبيــا‪ ،‬نيجيريــا وإثيوبيــا‪ ،‬تنزانيــا‪ ،‬جنــوب إفريقيــا‪ ،‬أنغــوال‪ ،‬ومصــر‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫دراسة العدد‬

‫ومبنطــق املخالفــة‪ ،‬فــإن إحجــام إثيوبيــا عــن تبني شــرط اإلخطار‬ ‫املســبق‪ ،‬والتــذرع بالســيادة اإلقليميــة املطلقــة علــى جــزء النهــر‬ ‫الواقــع يف أقاليمهــا‪ ،‬قــد يفتــح البــاب علــى مصراعيــه لتســارع وتزايــد‬ ‫وتيــرة التفاعــات الهيدروبوليتيكيــة الصراعيــة يف حــوض النيــل‪.‬‬

‫دول الخليج واالستفادة من اإلمكانات المائية اإلفريقية‪:‬‬ ‫الزراعة خارج احلدود لتفعيل «املياه االفتراضية»‬ ‫تســعى كل الــدول إلــى حــل معضلــة األمــن املائــي واألمــن الغذائــي‪،‬‬ ‫مــن خــال توفيــر املتطلبــات الغذائيــة دون حتميــل ميزانهــا املائــي‬ ‫مزيــداً مــن التبعــات‪.‬‬ ‫ويوضــح الطلــب علــى امليــاه العذبــة يف اخلليــج‪،‬‬ ‫أن النمــو الســكاني يزيــد عــادة الطلــب علــى امليــاه‬ ‫يف جميــع القطاعــات االقتصاديــة‪ :‬الزراعيــة‬ ‫والصناعيــة واملنزليــة‪ .‬بيــد أن الزراعــة تســتهلك‬ ‫األغلبيــة العظمــى مــن امليــاه‪ .‬فزهــاء ‪ ٪80‬يف‬ ‫املتوســط مــن امليــاه املســتخدمة يف املنطقــة هــي‬ ‫لاســتخدام الزراعــي‪ ،‬والنســبة املتبقيــة موزعــة‬ ‫بــني القطاعــني الصناعــي واملنزلــي‪ .‬ويف الفتــرة‬ ‫بــني ‪ 1965‬و‪1997‬م‪ ،‬تضاعفــت تقريبــاً املســاحة‬ ‫اإلجماليــة املرويــة يف املنطقــة‪ ،‬ويعــود ذلــك جزئي ـاً‬ ‫إلــى أن النمــو الســكاني زاد مــن الطلــب علــى الغــذاء‪.‬‬ ‫ويــزداد الطلــب علــى امليــاه يف قطاعــي الصناعــة واخلدمــات‬ ‫مــع توســعهما لتلبيــة طلــب أعــداد متزايــدة مــن الســكان‪ .‬فالصناعــة‬ ‫حتتــاج للميــاه للصناعــات التحويليــة والتبريــد وكذلك إلزالــة النفايات‪.‬‬ ‫يف حــني الطلــب علــى امليــاه ازداد بســرعة يف جميــع القطاعــات‬ ‫باملنطقــة‪ ،‬فإنــه ازداد بأكبــر ســرعة يف االســتخدامات املنزلية‪ ،‬فحصة‬ ‫القطــاع املنزلــي مــن امليــاه هــي اآلن أعلــى بكثيــر مــن حصــة قطــاع‬ ‫الصناعــة يف بعــض الــدول اخلليجيــة؛ إذ ميثــل االســتخدام املنزلــي‬ ‫‪ ٪25‬أو أكثــر مــن مجمــوع اســتخدام امليــاه يف البحريــن والكويــت‪.‬‬ ‫كمــا أن ارتفــاع مســتويات املعيشــة والنزعــة االســتهاكية يؤديــان‬ ‫إلــى ارتفــاع الطلــب علــى امليــاه يف قطاعــات أخــرى‪ .‬فارتفــاع الدخــل‪،‬‬ ‫مثـ ً‬ ‫ا‪ ،‬يــؤدي إلــى زيــادة اســتهاك اللحــوم‪ .‬ويحتــاج إنتــاج اللحــوم إلــى‬ ‫مدخــات إضافيــة كبيــرة مــن امليــاه واحلبــوب التــي هــي محاصيــل‬ ‫تتطلــب كميــات كبيــرة مــن امليــاه‪ .‬وتعتمــد احلكومــات اخلليجيــة‬ ‫بشــكل متزايد‪-‬علــى األغذيــة املســتوردة‪.‬‬‫يف هــذا الســياق‪ ،‬وللتعامــل مــع «معضلــة املاء‪-‬الغــذاء»‪ ،‬تبنــت دول‬ ‫اخلليــج سياســة اســتيراد الغــذاء مــن الــدول الغنيــة بامليــاه واملصـدِّرة‬ ‫للســلع الغذائيــة‪ ،‬وذلــك يف صــورة «ميــاه افتراضيــة» (‪Virtual‬‬ ‫‪ ،)Water‬ويقصــد بهــذا املفهــوم «امليــاه املســتخدمة يف أماكــن أخــرى‬ ‫إلنتــاج األغذيــة التــي يتــم تصديرهــا إلــى مناطــق الشــح املائــي»‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إن «امليــاه االفتراضيــة» مفهــوم حديــث نســبياً‪ ،‬ظهــر يف منتصــف‬ ‫التســعينيات‪ ،‬ويعتبر «توني آلن» (‪- )Tony Allan‬أســتاذ اجلغرافيا‬ ‫السياســية بكليــة الدراســات الشــرقية واإلفريقيــة بجامعــة لنــدن‪ -‬أول‬ ‫مــن دشــن هــذا املفهــوم‪ .‬وطــرح ‪ Allan‬هــذا املفهــوم بهــدف حــل‬ ‫مشــكلة محدوديــة املــوارد املائيــة يف املناطــق اجلافــة عمومــاً‪ ،‬ويف‬ ‫خصوصــا؛ إذ يــرى أنــه‪« :‬مبــا أن امليــاه مــن‬ ‫منطقــة الشــرق األوســط‬ ‫ً‬ ‫املتغيــرات املهمــة يف إنتــاج احملاصيــل‪ ،‬لــذا يتعــني على مختلــف البلدان‬ ‫حتديــد كميــة امليــاه الازمــة إلنتــاج األغذيــة التــي هــي بحاجــة إليهــا‪،‬‬ ‫وعندمــا يســتورد بلــد مــا طنـاً مــن القمــح والــذرة‪ ،‬إمنــا يســتورد فعليـاً‬ ‫أيض ـاً مياه ـاً افتراضي ـاً أي امليــاه الازمــة إلنتــاج تلــك احملاصيــل»‪.‬‬ ‫ويؤكــد ‪ Allan‬أن «نظريــة امليــاه االفتراضيــة» التــي‬ ‫طرحهــا‪ ،‬ميكــن أن تســهم يف حــل مشــكلة النــدرة‬ ‫املائيــة يف الشــرق األوســط‪ ،‬حيــث ميكــن للــدول‬ ‫التــي تعانــي مــن شــح مائــي أن تســتعيض عــن زراعــة‬ ‫احملاصيــل الكثيفــة يف اســتخدام امليــاه‪ ،‬باســتيرادها‬ ‫مــن الــدول ذات الوفــرة املائيــة‪ .‬وبهــذه الطريقــة‪ ،‬حتقق‬ ‫البلــدان املســتوردة وفــورات مــن خــال جتــارة «امليــاه‬ ‫االفتراضيــة»‪ .‬وجديــر بالذكــر أن الدراســات احلديثــة‬ ‫قــد توصلــت حلســابات دقيقــة حــول امليــاه االفتراضيــة‬ ‫املوجــودة يف كل أنــواع الســلع الغذائيــة مــن حلــوم‬ ‫وفواكــه وخضــروات‪ .‬وعلــى الرغــم مــن أن نظريــة «امليــاه االفتراضيــة»‬ ‫قــد تبــدو منطقيــة مــن الناحيــة االقتصاديــة‪ ،‬بيــد أن هنــاك اعتبــارات‬ ‫سياســية واســتراتيجية حتــول دون اعتمــاد دول املنطقــة اعتمــا ًدا‬ ‫شــديدًا علــى اســتيراد احلبــوب مــن اخلــارج‪ ،‬حيــث إن هــذه البلــدان‬ ‫كثيـ ًرا مــا تشــعر أن إنتــاج حبوبهــا بنفســها مســألة مهمــة اســتراتيج ًيا‪.‬‬ ‫يف هــذا اإلطــار‪ ،‬تبــدو «اســتراتيجية الزراعــة خــارج احلــدود»‬ ‫ذات وجاهــة وفعاليــة يف ضــوء تفعيــل مقولــة امليــاه االفتراضيــة‪.‬‬ ‫أراض زراعيــة أو قابلــة‬ ‫وذلــك بــأن تقــوم الــدول اخلليجيــة بشــراء ٍ‬ ‫للزراعــة يف املناطــق الغنيــة باملــوارد املائيــة بعيــدًا عــن املناطــق‬ ‫القاحلــة والفقيــرة مائ ًيــا‪ ،‬إمــا بعقــد متلــك أو عقــود انتفــاع طويلــة‬ ‫األجــل‪ ،‬ويتــم زراعــة تلــك األراضــي باالســتفادة مــن الوفــورات املائيــة‬ ‫املتاحــة يف تلــك املناطــق‪ .‬وتتبــدى اجلــدوى السياســية واالقتصاديــة‬ ‫لتلــك االســتراتيجية بشــكل أعمــق إذا مــا ُط ِّبقــت يف القــارة اإلفريقيــة‬ ‫الغنيــة مبواردهــا املائيــة وأراضيهــا القابلــة للزراعــة‪ .‬واعتمــا ًدا علــى‬ ‫«اســتراتيجية الزراعة خارج احلدود»‪ ،‬ميكن للدول اخلليجية إحال‬ ‫سياســية «اإلنتاج يف اخلارج» محل سياســة «االســتيراد من اخلارج»‪.‬‬

‫‪ %1‬مـــن الميـــاه‬ ‫الـعـذبـــة فـقـــط فـــي‬ ‫بـحــيــــرات وأنـهـــــار‬ ‫لـــــال ســـــتـــخـــــــدام‬ ‫الـبـشـــري عـى األرض‬

‫*أس ــتاذ العل ــوم السياس ــية ـ جامع ــة القاه ــرة ـ عض ــو املجل ــس‬ ‫املص ــري للش ــؤون اخلارجي ــة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪23‬‬

‫ملف العدد‬

‫الصحــراء الكبــرى تضــم أكبــر مســتودع ميــاه يف العالــم وإفريقيــا‬ ‫تضم ‪ 13‬خزانًا جوف ًيا من بين الخزانات الـ ‪ 37‬األكبر يف العالم‬ ‫النيــل يعوزهــا النجــاح لألســباب اآلتيــة‪:‬‬ ‫(‪ )1‬عدم اكتمال االتفاق (عدم التوصل إلى توافق يف اآلراء)‪.‬‬ ‫(‪ )٢‬غياب نص خاص بحقوق مصر املكتسبة على نهر النيل‪.‬‬ ‫(‪ )٣‬غياب نص يعالج اإلخطار املسبق‪.‬‬ ‫(‪ )٤‬عــدم وجــود نــص يحكــم العاقــة بــني مبــدأ التوزيــع العــادل‬ ‫ومبــدأ عــدم األضــرار‪.‬‬ ‫وبالفعــل‪ ،‬متحــورت املــواد اخلافيــة يف االتفاقيــة املذكــورة يف ثــاث‬ ‫مــواد باألســاس وهــي‪:‬‬ ‫‪ -1‬املــادة الثامنة‪-‬فقــرة (ب) املتعلقــة بتبــادل املعلومــات ذات الصلــة‬ ‫بشــرط اإلخطــار املســبق (‪.)Planned Measures‬‬ ‫‪ -٢‬املــادة ‪- 14‬فقــرة (ب) املتعلقــة مبــا ســمي يف االتفاقيــة باألمــن‬ ‫املائــي‪ ،‬حيــث اشــترط املفــاوض املصــري ‪-‬والســوداني‪-‬ضرورة‬ ‫تضمــني االتفاقيــة بنــدًا يحمــي «األمــن املائــي واالســتخدامات‬ ‫واحلقــوق احلاليــة ألي دولــة يف احلــوض»‪ .‬كمــا أكــدت مصــر ضــرورة‬ ‫تضمــني هــذا البنــد مــا يفيــد االلتــزام باحتــرام االتفاقيــات القائمــة‪.‬‬ ‫وهــو مــا لــم يل ـ َق القبــول مــن جانــب دول املنابــع‪.‬‬ ‫‪ -٣‬املــادة ‪- 34‬فقــرة(ب) و(ج) املتعلقــة بطريقــة اتخــاذ القــرارات‬ ‫ذات الصلــة بحــوض النيــل‪ ،‬حيــث نصــت املــادة علــى أن يكــون‬ ‫توافــق اآلراء باألغلبيــة (‪ )Consensus‬هــو اآلليــة املعمــول بهــا يف‬ ‫اتخــاذ القــرارات‪ .‬وهنــا اشــترطت مصــر والســودان تفســير مفهــوم‬ ‫«التوافــق» إمــا بــأن يكــون بإجمــاع اآلراء‪ ،‬أو باألغلبيــة املشــروطة‬ ‫التــي تتضمــن ك ً‬ ‫ا مــن مصــر والســودان بوصفهمــا دولتــي املصــب‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وهكــذا‪ ،‬وقفــت تلــك املــواد اخلافيــة حائ ـا دون التوصــل إلــى‬ ‫قبــول عــام يُرضــي جميــع دول احلــوض‪ .‬وكان القرار مصر والســودان‬ ‫االمتنــاع عــن توقيــع االتفاقيــة بشــكلها احلالــي‪ .‬بيــد أن هــذا القــرار‬ ‫لــم مينــع دول املنابــع الســت املذكــورة ســاب ًقا مــن التوقيــع علــى‬ ‫ـوع مــن الضغــط‬ ‫االتفاقيــة بوضعهــا احلالــي مــن جانــب أحــادي‪ ،‬كنـ ٍ‬ ‫كل مــن مصــر والســودان الشــمالي‪.‬‬ ‫واالبتــزاز السياســي علــى ٍ‬

‫تقدير الموقف بشأن «سد النهضة اإلثيوبي»‪:‬‬ ‫إن التطــور األعقــد واألهــم يف وتيــرة التفاعات الهيدروبوليتيكية‬ ‫يف حــوض النيــل‪ ،‬هــو اســتغال إثيوبيــا حالــة االرتبــاك الداخلــي‬ ‫الشــديد يف مصــر إبــان ثــورة ‪ 25‬ينايــر ‪2011‬م‪ ،‬وقامــت باإلعــان‬ ‫بشــكل أحــادي اجلانــب‪-‬يف فبرايــر ‪2011‬م‪ ،‬عــن مشــروع «ســد‬‫النهضــة اإلثيوبــي العظيــم»‪ ،‬واإلعــان عــن اعتزامهــا بنــاء ذلــك‬ ‫الســد مبواصفــات فنيــة مــن شــأنها تهديــد األمــن املائــي املصــري‪.‬‬

‫وبالفعــل‪ ،‬شــرعت إثيوبيــا بوضــع حجــر أســاس «ســد النهضــة» يف ‪2‬‬ ‫أبريــل ‪2011‬م‪ ،‬لتبــدأ حلقــة جديــدة مــن حلقــات الصــراع املائــي بــني‬ ‫مصــر وإثيوبيــا‪.‬‬ ‫والســيما أن «ســد النهضــة اإلثيوبــي» أصبــح يثيــر إشــكاليات‬ ‫سياســية وقانونيــة تتعلــق بعــدم التــزام إثيوبيــا بشــرط اإلخطــار‬ ‫املســبق عنــد قيامهــا بتنفيــذ املشــروعات املائيــة‪ ،‬وعــدم مراعاتهــا‬ ‫رواجــا‬ ‫لواحــدة مــن أهــم وأبــرز قواعــد القانــون الدولــي العرفيــة‬ ‫ً‬ ‫وقبــوالً يف الســاحة الدوليــة‪ ،‬وهــو مبــدأ «عــدم التســبب يف ضــرر»‪.‬‬ ‫ولقــد كانــت اجلــوالت اخلتاميــة للتفــاوض حــول االتفاقيــة‬ ‫املذكــورة كاشــفة وفاضحــة حلجــم الهــوة واخلــاف بــني طــريف‬ ‫التفــاوض مــن ناحيــة‪ ،‬وكاشــفة لألخطــاء التفاوضيــة التــي وقــع فيهــا‬ ‫املفــاوض املصــري طــوال الســنوات الســالفة‪ .‬بعــد أن وصــل األمــر‬ ‫إلــى طريــق مســدود‪ ،‬بســبب اســتنفاد الوقــت واجلهــد واملــوارد املاليــة‬ ‫يف مفاوضــات ذات معادلــة صفريــة نتيجتهــا إمــا (‪I win - you‬‬ ‫‪ )lose‬أو (‪.)I lose - you win‬‬ ‫واضح ــا من ــذ الوهل ــة األول ــى للتف ــاوض بش ــأن س ــد‬ ‫فق ــد كان‬ ‫ً‬ ‫النهضــة؛ حينمــا تشــكلت «اللجنــة الفنيــة لتقييــم آثــار ســد النهضــة»‪،‬‬ ‫والتــي ضمــت يف عضويتهــا عشــرة مــن اخلبــراء الفنيــني (اثنــني مــن‬ ‫مص ــر ومثلهم ــا م ــن كل م ــن الس ــودان وإثيوبي ــا‪ ،‬فض ـ ً‬ ‫ـا ع ــن أربع ــة‬ ‫واضح ــا أن املف ــاوض املص ــري يت ــم اس ــتدراجه‬ ‫خب ــراء دولي ــني)‪ ،‬كان‬ ‫ً‬ ‫مــن اجلانــب اإلثيوبــي إلطالــة أمــد التفــاوض يف ســياق «اســتراتيجية‬ ‫إثيوبيــة للتفــاوض» تقــوم علــى كســب الوقــت واملماطلــة والتعنــت الــا‬ ‫مب ــرر‪ .‬لق ــد كان ــت كل املؤش ــرات خ ــال محادث ــات ومفاوض ــات تل ــك‬ ‫اللجنــة تشــير إلــى سياســة «االســتدراج املمنهــج من اجلانــب اإلثيوبي»‪.‬‬ ‫ـص تأثي ــر س ــد النهض ــة عل ــى العاق ــات‬ ‫وصف ــوة الق ــول فيم ــا خ ـ َّ‬ ‫الهيدروبوليتيكيــة يف حــوض النيــل‪ ،‬فــإن املشــروعات املائيــة ‪-‬احلاليــة‬ ‫واملزمعــة يف املســتقبل‪ -‬يف إثيوبيــا أو غيرهــا مــن دول حــوض النيــل‪،‬‬ ‫ميك ــن أن تك ــون وس ــيلة للتق ــارب ب ــني دول احل ــوض‪ ،‬وذل ــك إذا م ــا‬ ‫مت التعامـــل معهـــا مـــن منظـــور الربـــح للجميـــع (‪Win – Win‬‬ ‫‪ ،)Approach‬بحي ــث يت ــم التواف ــق والتراض ــي ب ــني مختل ــف دول‬ ‫احلــوض علــى املشــروعات التنمويــة التــي تولــد الطاقــة لــدول املنابــع‪،‬‬ ‫مبــا ال يؤثــر بالســلب أو يضــر باملصالــح املائيــة لــدول احلــوض؛ ومبــا‬ ‫ال يخــل باحلصــة املائيــة املصريــة والســودانية‪ ،‬ومبــا يحقــق املصالــح‬ ‫اجلماعي ــة ل ــكل ش ــعوب ح ــوض الني ــل‪ .‬بي ــد أن ذل ــك املنه ــج التعاون ــي‬ ‫يظـــل مرهـــون بقبـــول دول املنابـــع لشـــرط اإلخطـــار املســـبق قبـــل‬ ‫املض ــي يف تنفي ــذ أي ــة مش ــروعات مائي ــة‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫دراسة العدد‬

‫وبالنظــر إلــى النظــام اإلقليمــي املائــي حلــوض نهــر النيــل‪،‬‬ ‫يتبــني أنــه يشــهد منطــني مــن التفاعــات الهيدروبوليتيكيــة‪:‬‬ ‫بعضهــا تعاونــي‪ ،‬واآلخــر صراعــي‪ .‬وتتمثــل مجــاالت الصــراع املائــي‬ ‫التــي تؤثــر يف احلــوض منــذ ســتينيات القــرن العشــرين يف ثاثــة‬ ‫مجــاالت رئيســية‪:‬‬ ‫أولهــا‪ :‬الصــراع حــول «مشــروعية» االتفاقيــات الســابقة التي وقعت يف‬ ‫نهايات القرن التاسع عشر والنصف األول من القرن العشرين‪ ،‬ومدى‬ ‫مرجعيتهــا كإطــار قانونــي ينظــم املســائل اإلجرائيــة املتعلقــة بالنهــر‪.‬‬ ‫وثانيهــا‪ :‬الصــراع حــول تقاســم امليــاه املشــتركة يف حــوض النيــل‪،‬‬ ‫والدعــوة إلــى إعــادة توزيــع احلصــص واألنصبــة املائيــة بــني دولــه‪.‬‬ ‫وثالثهــا‪ :‬الصــراع حــول «لزوميــة» شــرط اإلخطــار املســبق عنــد‬ ‫القيــام مبشــروعات مائيــة قطريــة مــن قبــل دول منابــع النهــر‪.‬‬ ‫كانــت هــذه املجــاالت الثاثــة ‪-‬باإلضافــة إلــى مجــاالت أخــرى‪-‬‬ ‫محــاور أساســية للتفــاوض املائــي بــني دول حــوض النيــل منــذ عــام‬ ‫‪2001‬م‪ ،‬للتوصــل إلــى اتفاقيــة إطاريــة تنظــم إدارة املــوارد املائيــة يف‬ ‫احلــوض مــن مختلــف األوجــه‪.‬‬ ‫ودار التفــاوض حــول هــذه املجــاالت الثاثــة يف صــورة‬ ‫«مناظــرات» فكريــة وسياســية وقانونيــة واقتصاديــة وهيدروليكيــة‪،‬‬ ‫مــا بــني دول منابــع حــوض النيــل‪ ،‬وبــني دولتــي املصــب واملجــرى‬ ‫(مصــر والســودان)‪.‬‬ ‫خريطة (‪ :)11‬حوض نهر النيل‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تقدير الموقف بشأن «االتفاقية اإلطارية»‪:‬‬ ‫لقــد تعثــرت املفاوضــات املائيــة السياســية التــي بدأتهــا دول‬ ‫حــوض النيــل مــع مطلــع األلفيــة اجلديــدة‪ ،‬ووقفــت مجموعــة مــن‬ ‫العقبــات السياســية والفنيــة حائ ـ ً‬ ‫ا دون التوصــل إلــى اتفــاق حــول‬ ‫الصياغــة النهائيــة لاتفاقيــة اإلطاريــة التــي كانــت مــن املفتــرض أن‬ ‫تقــنن وتنظــم إدارة عمليــة االنتفــاع مبــوارد النهــر‪.‬‬ ‫ويكشــف تأمــل املشــهد السياســي قبــل وأثنــاء وبعــد جــوالت‬ ‫بلجان‬ ‫ٍ‬ ‫التفــاوض حــول االتفاقيــة اإلطاريــة حلوض النيــل؛ والتي بدأت‬ ‫تفاوضيــة؛ ثــم اجتماعــات وزراء ميــاه النيــل بــد ًءا مــن اجتمــاع أديــس‬ ‫أبابا يف يناير ‪2006‬م؛ وانتها ًء باجتماع شــرم الشــيخ يف أبريل ‪2010‬؛‬ ‫والــذي كان مبثابــة اإلعــان عــن فشــل مفاوضــات االتفاقيــة اإلطاريــة‬ ‫حلــوض النيــل‪ ،‬والتــي اســتمرت زهــاء اخلمــس ســنوات (‪-2006‬‬ ‫قــدر‬ ‫‪2010‬م)‪ ،‬يكشــف تأمــل أحــداث ذلــك املشــهد السياســي عــن ٍ‬ ‫كبيـ ٍـر مــن حتــول مواقــف دول املنابــع‪ ،‬وتبنيهــا مواقــف أكثــر تشــد ًدا‪.‬‬ ‫ومــن ثــم‪ ،‬تصاعــد وتيــرة التفاعــات الصراعيــة يف حــوض النيــل‪.‬‬ ‫فقــد أقدمــت خمــس دول مــن دول املنابــع النيليــة يف ‪ 14‬مايــو‬ ‫‪2010‬م‪ ،‬بالتوقيــع بشــكل منفــرد علــى االتفاقيــة اإلطاريــة «عنتيبــي»‬ ‫لتأســيس مفوضيــة حــوض النيــل‪ ،‬دون األخــذ يف االعتبــار اعتــراض‬ ‫دولتــي املصــب واملجــرى (مصــر والســودان)‪ .‬ثــم بــادرت بورونــدي‬ ‫باتخــاذ خطــوة تصعيديــة‪ -‬بالتوقيــع علــى االتفاقيــة يف فبرايــر‬‫‪2011‬م‪ ،‬ليكتمــل النصــاب القانونــي ببلــوغ الــدول املوقعــة ســت دول‬ ‫مــن مجمــوع الــدول النيليــة‪.‬‬ ‫ميــا بعــد انفصــال جنــوب الســودان يف ‪9‬‬ ‫وازداد املوقــف تأز ً‬ ‫يوليــو ‪2011‬م‪ ،‬ذلــك احلــدث الــذي ألقــى بظــال ســلبية علــى‬ ‫تطــورات املعادلــة الهيدروبوليتيكيــة (املائية‪-‬السياســية) يف حــوض‬ ‫النيــل‪ ،‬وضاعــف مــن حالــة االحتقــان السياســي؛ والســيما يف ضــوء‬ ‫التصريحــات التــي خرجــت مــن «جوبــا» يف ‪ 22‬مــارس ‪2013‬م‪ ،‬لتنادي‬ ‫بالتبــرؤ مــن اتفاقيــة االنتفــاع الكامــل مبيــاه النيــل عــام ‪1959‬م‪،‬‬ ‫والتلويــح باالنضمــام إلــى اتفاقيــة «عنتيبــي»‪ .‬ومــن ثــم‪ ،‬مزيــد مــن‬ ‫التطويــق السياســي واجليوســتراتيجي ملصــر‪.‬‬ ‫إن التحليــل السياســي للســلوك التفاوضــي حــول املســائل النيليــة‪،‬‬ ‫يُوضــح أن ثمــة قضايــا خافيــة حالــت دون التقــاء وجهــات نظــر دول‬ ‫املنابــع مــع دولتــي املصــب (مصــر والســودان)‪ ،‬وظلــت تلــك القضايــا‬ ‫تشــغل حيـزًا بــني الشــد واجلــذب‪ ،‬بــني القبــول والرفــض‪ ،‬بــني التقابــل‬ ‫والتنافــر‪ .‬كمــا يكشــف حتليــل املواقــف التفاوضيــة لطــريف املعادلــة‬ ‫النيليــة (املصب‪-‬املنابــع) أنهــا تنطلــق مــن مســلمات تاريخيــة متثــل‬ ‫بالنســبة لهــذه الــدول ثوابــت سياســية يصعــب التحــرك خارجهــا‪ ،‬أو‬ ‫التنــازل عنهــا‪ .‬األمــر الــذي قــد يجعــل مــن تلــك املفاوضــات كمــا لــو‬ ‫أنهــا مبــاراة صفريــة العائــد (‪.)zero sum game‬‬ ‫واضحــا أن مفاوضــات االتفاقيــة اإلطاريــة حلــوض‬ ‫لقــد بــدا‬ ‫ً‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫بي ــد أن املع ــدالت الس ــابق اإلش ــارة إليه ــا فيم ــا يتعل ــق بتواف ــر‬ ‫«احل ــق اإلنس ــاني للمي ــاه» يف إفريقي ــا جن ــوب الصح ــراء ‪-‬حس ــب‬ ‫املؤش ــر االقتص ــادي ال ــذي يُحس ــب بتواف ــر البني ــة التحتي ــة املائي ــة‬ ‫يف مجال ــي املي ــاه والص ــرف الصح ــي‪ -‬تعتب ــر أعل ــى م ــن املع ــدالت‬ ‫املناظــرة لهــا عامل ًيــا‪ ،‬خاصــة عنــد مقارنــة أعــداد األشــخاص الذيــن‬ ‫ال يتواف ــر له ــم احلص ــول عل ــى مص ــدر مي ــاه محس ــن‪ ،‬وك ــذا الذي ــن‬ ‫ال يتواف ــر له ــم احلص ــول عل ــى مراف ــق الص ــرف الصح ــي يف جن ــوب‬ ‫كل مـــن جنـــوب وشـــرق آســـيا ومنطقـــة‬ ‫الصحـــراء‪ ،‬بنظرائهـــم يف ٍ‬ ‫احملي ــط اله ــادي‪.‬‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪21‬‬

‫ملف العدد‬

‫خريطــة (‪ :)1٠‬مســتقبل نصيــب الفــرد مــن امليــاه يف إفريقيــا والعالــم‬ ‫(‪٢٠٢٥‬م)‬

‫المياه والجفاف يف إفريقيا‪:‬‬ ‫يعتبــر اجلفــاف أهــم املشــكات التــي تواجههــا إفريقيــا‪ ،‬خاصــة‬ ‫منطقــة الصحــراء الكبــرى بشــكل روتينــي‪ ،‬حيــث تعانــي القــارة مــن‬ ‫جفــاف قاتــل مــرة أو مرتــني ســنو ًيا‪ ،‬مــا يتســبب يف وفــاة عـ ٍ‬ ‫ـدد كبيـ ٍـر‬ ‫مــن البشــر ونفــوق مئــات اآلالف مــن احليوانــات‪ .‬ناهيــك عــن وفيــات‬ ‫حــروب القبائــل للحصــول علــى املــوارد املائيــة‪.‬‬ ‫وباإلضافــة إلــى ذلــك‪ ،‬يلقــى عشــرات اآلالف مــن ســكان القــارة‬ ‫حتفهــم جــراء نقــص امليــاه النظيفــة ومــا يســببه ذلــك مــن أمــراض‬ ‫كاإلســهال والعمــى والبلهارســيا وســوء التغذيــة‪ ،‬مــا يــؤدي إلــى الوفــاة‪.‬‬

‫المياه والمجاعة يف إفريقيا‪:‬‬ ‫إن حــروب امليــاه القادمــة لهــا أبعــاد أكثــر خطــورة‪ ،‬متتــد إلــى‬ ‫وقــوع مجاعــة حقيقيــة نتيجــة لنــدرة امليــاه املســتخدمة يف الزراعــة‪،‬‬ ‫ألنهــا متثــل الركيــزة األساســية التــي تعتمــد عليهــا برامــج التنميــة‬ ‫االقتصاديــة واالجتماعيــة والبيئيــة‪.‬‬ ‫وإذا نظرنــا إلــى كميــة امليــاه التــي حتتاجهــا الزراعــة‪ ،‬فقــد أكــدت‬ ‫إحصائيــات األمم املتحــدة عــام ‪ 2003‬أن الزراعــة تســتحوذ علــى ‪٪80‬‬ ‫مــن مخــزون امليــاه؛ حيــث يُســتهلك ‪ 1000‬طــن مــن امليــاه إلنتــاج كل‬ ‫طــن مــن احلبــوب‪ .‬وترتفــع نســبة االســتهاك يف إفريقيــا وآســيا‪،‬‬ ‫نظـ ًرا الرتفــاع درجــات احلــرارة‪ ،‬ولتخلــف اإلمكانــات الزراعيــة وتأخــر‬ ‫التقنيــات املســتخدمة‪.‬‬ ‫أما عن كمية املياه املطلوبة إلنتاج مقدار االستيراد السنوي حلبوب‬ ‫الشــرق األوســط وشــمال إفريقيا فإنها تعادل مجرى نهر النيل الســنوي‪،‬‬ ‫كما أن حجم املياه املطلوب يف عام ‪2025‬م‪ ،‬ســيزيد مبقدار‪ ٪50‬بســبب‬ ‫العــدد الســكاني املتزايــد والبحــث الدائــم عــن مســتوى زراعــي أفضــل‪.‬‬ ‫وتشــير التقديــرات إلــى نقطــة أكثــر خطــورة‪ ،‬إذ أنهــا تؤكــد أن‬ ‫النــدرة الفائقــة يف امليــاه ســتؤدي إلــى تقليــل طعــام العالــم بنســبة ‪٪10‬‬ ‫ويــؤدي ذلــك إلــى ارتفــاع يف أســعار احملاصيــل والــذي قــد يشــكل‬ ‫مشــكلة حقيقيــة ملــا يزيــد عــن ‪ 110‬مليــون شــخص ميثــل دخلُهــم‬ ‫دوال ًرا واح ـدًا أو أقــل يوم ًيــا‪.‬‬

‫حروب المياه يف إفريقيا‪:‬‬ ‫إذا نظرنــا إلــى مصــادر امليــاه يف إفريقيــا والتــي تتمثــل يف‬ ‫مجموعــة مــن األنهــار والبحيــرات أهمهــا أنهــار النيــل‪ ،‬والنيجــر‪،‬‬ ‫الفولتــا‪ ،‬وزامبيــزى‪ ،‬جندهــا مشــتركة بــني مجموعــة دول‪ ،‬ومقســمة‬ ‫بينهــا بحســب عــدد الســكان‪ ،‬الــذي يتزايــد‪ ،‬ويف املقابــل ترتفــع معــه‬ ‫حاجــة الســكان إلــى امليــاه‪ ،‬ممــا يفتــح البــاب إلــى نشــوب الصراعــات‬ ‫واحلــروب بــني الــدول‪.‬‬ ‫فنهــر النيــل يضــم بخــاف مصــر والســودان تســع دول إفريقيــة‬ ‫أخــرى‪ ،‬وباتــت العاقــات الهيدروبوليتيكيــة فيــه تهــدد بارتفــاع املنحى‬ ‫الصراعــي بــني دولــه‪ ،‬والســيما بــني مصــر وإثيوبيــا‪.‬‬ ‫أمــا نهــر الكيتــو‪ ،‬والــذي ميــر يف بوتســوانا‪ ،‬ناميبيــا وأجنــوال يعتبــر‬ ‫مصــدر توتــر يف العاقــات بــني اجليــران‪.‬‬ ‫ويف وســط وغــرب إفريقيــا‪ ،‬يعتمــد مــا يزيــد علــى ‪ 20‬مليــون‬ ‫شــخص يف ســت دول علــى بحيــرة تشــاد فقــط‪ ،‬والتــي قلــت مياههــا‬ ‫مبقــدار ‪ %95‬خــال الـــ ‪ 43‬عا ًمــا املاضيــة؛ ممــا قــد يهــدد بأزمــة‬ ‫سياســية أخــرى‪.‬‬ ‫ويف املقابــل تعانــي ‪ 13‬دولــة يف إفريقيــا مــن نــدرة أو ضغــط املياه‪،‬‬ ‫وســتنضم إليهــم ‪ 12‬دولــة أخــرى بحلول عام ‪2025‬م‪.‬‬

‫الصراع الدويل حول المياه يف حوض النيل‪:‬‬ ‫توضــح املســتجدات الراهنــة يف خريطــة التفاعــات‬ ‫الهيدروبوليتيكيــة (املائية‪-‬السياســية) يف حــوض النيــل‪ ،‬أن ثمــة‬ ‫تطــورات صراعيــة هيمنــت علــى العاقــات النيليــة ‪-‬النيليــة‪ ،‬والســيما‬ ‫بعــد اإلخفــاق يف عمليــة التفــاوض حــول االتفاقيــة اإلطاريــة‪ ،‬والتوقيــع‬ ‫عليهــا بشــكل منفــرد مــن جانــب ســت مــن دول املنابــع‪ .‬وبالتــوازي‪،‬‬ ‫جــاءت التطــورات الســلبية علــى ملــف ميــاه النيــل مــن خــال التحــرك‬ ‫اإلثيوبــي املكثــف إلنشــاء عــدد مــن الســدود اجلديدة على منابــع النيل‪.‬‬

‫‪20‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫دراسة العدد‬

‫خريطــة (‪ :)٧‬توافــر خدمــات ميــاه الشــرب والصــرف الصحــي احملســن‬ ‫يف أفريقــا‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫خريطــة (‪ :)8‬خدمــات ميــاه الشــرب والصــرف الصحــي احملســن يف‬ ‫الريــف واحلضــر األفريقــي‬

‫‪Source:http://sites.google.com/a/bluedemons.org/wa‬‬‫‪ter-supply-and-sanitation-in-africa/graphs-1‬‬

‫وإذا كانــت معظــم أقاليــم قــارة إفريقيــا عامــة؛ وإفريقيــا جنــوب‬ ‫الصحــراء خاصــة؛ تعانــي مــن فقــر مائــي متمثــل يف غيــاب إمــدادات‬ ‫ميــاه الشــرب النقيــة؛ والصــرف الصحــي احملســن‪ ،‬فــإن هــذه‬ ‫وضوحــا يف األقاليــم الريفيــة يف إفريقيــا مقارنــة‬ ‫اإلشــكالية تــزداد‬ ‫ً‬ ‫وضوحــا وحــدة يف‬ ‫باملناطــق احلضريــة‪ ،‬حيــث تبــدو األزمــة أكثــر‬ ‫ً‬ ‫كل الريــف اإلفريقــي‪ ،‬ورمبــا ال يُســتثنى مــن ذلــك إال مصــر وليبيــا‪.‬‬ ‫وذلــك كمــا يتضــح مــن خريطــة (‪.)8‬‬ ‫مــع أن مشــكلة عــدم توفــر البنيــة التحتيــة املائيــة مــن خدمــات‬ ‫ميــاه الشــرب والصــرف الصحــي احملســن؛ ليســت يف ســبيلها‬ ‫للحــل‪ ،‬بــل مســتمرة‪ ،‬ورمبــا آخــذة يف التزايــد‪ .‬فقــد بينــت دراســة‬ ‫صــادرة عــن املعهــد الدولــي إلدارة امليــاه (‪ )IWMI‬أنــه بحلــول علــم‬ ‫‪2025‬م فــإن إفريقيــا جنــوب الصحــراء ســوف لــن تعانــي مــن مشــكلة‬ ‫مائيــة كميــة‪ ،‬بيــد أن املشــكلة األساســية ســتتمثل يف الفقــر املائــي‬ ‫االقتصــادي الناجــم عــن العــوز يف توافــر البنيــة التحتيــة املائيــة مــن‬ ‫إمــدادات الصــرف الصحــي وميــاه الشــرب النقيــة‪ .‬وذلــك علــى النحــو‬ ‫املبــني يف خريطــة (‪.)9‬‬

‫خريطــة (‪ :)٩‬توقعــات النــدرة الكميــة واالقتصاديــة للميــاه العذبــة يف‬ ‫إفريقيــا والعالــم عــام ‪٢٠٢٥‬م‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ يعيـــش الفـــرد مـــن ســـكان الـــدول اإلفريقيـــة علـــى أقـــل مـــن‬‫‪ 10‬لتـــرات مـــاء (أي ‪ 2.6‬جالـــون) يوم ًيـــا‪ ،‬وهـــي ظـــروف يائســـة‬ ‫جـــ ًدا‪ ،‬مقارنـــة بســـكان بقيـــة الـــدول املتضـــررة مـــن األزمـــة التـــي‬ ‫كان متوســـط نصيـــب الفـــرد اليومـــي قـــد بلـــغ ‪ 30‬لتـــ ًرا (أي ‪8‬‬ ‫جالون ــات)‪ .‬ويف املقاب ــل تق ــدر احتياج ــات الف ــرد الع ــادي م ــن املي ــاه‬ ‫يوم ًي ــا بـــ ‪ 50‬لتـ ـ ًرا (أي ‪ 13.2‬جالون ــا) تش ــمل ‪ 5‬لت ــرات للش ــرب‪،‬‬ ‫و‪ 20‬لتـــ ًرا لاســـتخدامات الصحيـــة‪ ،‬و‪ 15‬لتـــ ًرا لاســـتحمام‪ ،‬و‪10‬‬ ‫لتـــرات للطهـــي‪.‬‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪19‬‬

‫ملف العدد‬

‫شــكل (‪ :)٣‬الوقــت املتوقــع لبلــوغ الهــدف املتعلــق بامليــاه يف إفريقيــا‬ ‫وباقــي األقاليــم‬

‫المؤشــر االقتصــادي ألزمــة الميــاه يف إفريقيــا ‪ ..‬الحاضــر‬ ‫وا لمســتقبل ‪:‬‬ ‫(‪:)Economic Water Scarcity‬‬ ‫ينصـــرف مفهـــوم «محدوديـــة املـــوارد املائيـــة» وفـــق املؤشـــر‬ ‫االقتص ــادي إل ــى احلال ــة الت ــي يك ــون فيه ــا وف ــرة يف كمي ــات املي ــاه‬ ‫املتاح ــة يف فت ــرة زمني ــة معين ــة‪ ،‬وبنوعي ــة جي ــدة‪ ،‬بي ــد أن ــه ال توج ــد‬ ‫اإلمكان ــات املادي ــة الت ــي تس ــمح بإنش ــاء البني ــة األساس ــية الازم ــة‬ ‫لتوصيـــل إمـــدادات ميـــاه للشـــرب والـــري والصـــرف‪ .‬ففـــي هـــذه‬ ‫احلالــة‪ ،‬فــإن عــدم وجــود املنشــآت املائيــة الازمــة إليصــال امليــاه إلــى‬ ‫املس ــتخدمني‪ ،‬فض ـ ً‬ ‫ـا ع ــن ع ــدم تواف ــر إم ــدادات الص ــرف الصح ــي‬ ‫نتيجــة للفقــر الشــديد‪ ،‬يترتــب عليــه عــدم قــدرة املســتخدمني علــى‬ ‫االنتفــاع بامليــاه‪ ،‬وهــي نفــس النتيجــة املترتبــة عــن عــدم وجــود امليــاه‬ ‫كلي ــة أو وج ــوده بكمي ــات قليل ــة‪.‬‬ ‫إن الغالبيـــة العظمـــى مـــن الســـكان احملرومـــني مـــن إمـــدادات‬ ‫ميـــاه الشـــرب النقيـــة والصـــرف الصحـــي احملســـن يعيشـــون يف‬ ‫قارتـــي آســـيا وإفريقيـــا ‪-‬وهمـــا القارتـــان اللتـــان يوجـــد بهمـــا كل‬ ‫ال ــدول العربية‪-‬مقارن ــة بالق ــارات األخ ــرى‪ .‬كم ــا يتض ــح م ــن ه ــذه‬ ‫–وخصوص ــا دول إفريقي ــا‬ ‫اخلريط ــة أن معظ ــم ال ــدول اإلفريقي ــة‬ ‫ً‬ ‫جنـــوب الصحراء‪-‬تعانـــي مـــن محدوديـــة يف مواردهـــا املائيـــة‪.‬‬ ‫ووف ًقــا لدراســة نشــرها برنامــج األمم املتحــدة للبيئــة‪ ،‬فإن كميات‬ ‫امليـــاه املتوفـــرة للفـــرد الواحـــد يف إفريقيـــا آخـــذة يف االنخفـــاض‪،‬‬ ‫وهنــاك فقــط ‪ 26‬بل ـدًا مــن أصــل ‪ 53‬يف القــارة علــى مســار حتقيــق‬ ‫ه ــدف تخفي ــض ع ــدد األش ــخاص الذي ــن ال يس ــتطيعون الوص ــول‬ ‫ملي ــاه الش ــرب النظيف ــة بحل ــول ع ــام ‪2015‬م‪.‬‬ ‫وذكـــرت الدراســـة املعنونـــة «أطلـــس ميـــاه أفريقيـــا» والتـــي‬ ‫أطلقـــت خـــال أســـبوع امليـــاه اإلفريقـــي يف أديـــس أبابـــا‪ ،‬أن مـــن‬ ‫املتوق ــع أن حتق ــق خمس ــة بل ــدان فق ــط يف إفريقي ــا ه ــدف تخفي ــض‬ ‫عــدد الســكان الذيــن يفتقــرون لوســائل الصــرف الصحــي األساســي‬ ‫بحلــول عــام ‪2015‬م‪ ،‬وهــو املوعــد الــذي اتفقــت عليــه جميــع بلــدان‬ ‫العال ــم ومؤسس ــات التنمي ــة القيادي ــة لأله ــداف اإلمنائي ــة لأللفي ــة‬ ‫به ــدف تلبي ــة احتياج ــات فق ــراء العال ــم‪.‬‬

‫‪Source: United Nations, UNDP, “Beyond scarcity: Power,‬‬ ‫‪poverty and the global water crisis”, Human Development‬‬ ‫‪Report 2006, New York, UNDP, 2006.‬‬

‫ووف ًقــا لاجتاهــات احلاليــة‪ ،‬ســوف تبلــغ إفريقيــا جنــوب‬ ‫الصحــراء الهــدف املتعلــق بامليــاه يف عــام ‪2040‬م‪ ،‬والهــدف املتعلــق‬ ‫بالصــرف الصحــي يف عــام ‪2076‬م‪.‬‬ ‫إن املســتوى املتدنــي مــن توفــر مصــادر امليــاه والصــرف الصحــي‬ ‫يف املناطــق الريفيــة يف البلــدان األقــل من ـ ًوا معــروف بشــكل موثــق‬ ‫جيـدًا‪ ،‬وليســت األمــور بأفضــل حــاالً يف البلــدان اإلفريقيــة الفقيــرة‪،‬‬ ‫فنســبة ‪ ٪40‬تقري ًبــا مــن دول إفريقيــا جنــوب الصحــراء لــم يتوفــر‬ ‫لهــا احلصــول علــى امليــاه النظيفــة بــني ‪ 1990‬و‪1996‬م‪ ،‬كمــا لــم تكــن‬ ‫لــدى مــا يزيــد عــن ‪ ٪50‬تقري ًبــا مــن ســكان املنطقــة ‪-‬خــال الفتــرة‬ ‫ذاتها‪-‬مرافــق للصــرف الصحــي‪.‬‬ ‫وتــكـشـــف اإلحــصـــاءات الــمــتــعــلـقـــة بالـمـؤشــــر االقــتـصـــادي‬ ‫لـلـمـيـــاه (حـالـــة الـمـيــــاه والــصــــرف الــصـحـــي) فـــي تـقـاريــــر‬ ‫الـتـنـمـيـــة الـبـشـريــــة الـصـــادرة عـن األمـم الـمـتـحــدة بـشــأن الــقارة‬ ‫اإلفريقيــة‪ ،‬أن هنــاك تأخــ ًرا يف جهــود إمتــام منشــآت «الـبـنـــية‬ ‫الـتـحـتـــية الـمـائـيـــة» (‪ )Water Infrastructure‬والــخـــاصــــة‬ ‫بــإمــــدادات مــيـــــاه الــشـــرب الــنــقــيـــة‪ ،‬وإمــدادات الـــصـــرف‬ ‫ـحـســـن‪.‬‬ ‫الــصـــحـــي الـ ُم َّ‬

‫‪18‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫دراسة العدد‬

‫خريط ــة (‪ :)٦‬توقع ــات محدودي ــة املي ــاه العذب ــة يف أفريقي ــا والعال ــم‬ ‫ع ــام ‪٢٠٣٠‬م‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫بايــني شــخص‪.‬‬ ‫ يفتقــد أكثــر مــن ‪ 300‬مليــون شــخص يف إفريقيــا احلصــول علــى‬‫امليــاه النقيــة ووســائل حفــظ الصحــة العامــة‪.‬‬ ‫ تعــد إفريقيــا أقــل القــارات يف إمكانيــة وصــول خدمــة شــبكاتها‬‫لتقــدمي ميــاه نقيــة‪.‬‬ ‫ يعاني نصف سكان إفريقيا من األمراض املتصلة باملياه غير النقية‪.‬‬‫ ‪ 40‬دولــة يف العالــم ضمــن قائمــة الــدول التــي تعانــي مــن أزمــة‬‫امليــاه نصفهــا إفريقيــة‪.‬‬ ‫ تضــم القائمــة اخلاصــة بـــ ‪ 13‬دولــة األكثــر معانــاة بــني أزمــة‬‫امليــاه يف ‪ 9‬دول إفريقيــة هــي‪ :‬جامبيــا‪ ،‬جيبوتــي‪ ،‬الصومــال‪ ،‬مالــي‪،‬‬ ‫موزمبيــق‪ ،‬أوغنــدا‪ ،‬تنزانيــا‪ ،‬أثيوبيــا‪ ،‬وإريتريــا‪.‬‬ ‫شكل (‪ :)٢‬الوضع املائي يف بعض بلدان أفريقيا عامي ‪ 1٩٩٠‬و‪٢٠٢٥‬م‬

‫‪Source: http://www.cropscience.org.au/icsc2004/plenary/1/‬‬ ‫‪1994_rijsbermanf.htm‬‬

‫وذهبــت تقديــرات صــادرة عــن «منظمــة األغذيــة والزراعــة» إلــى‬ ‫أن عــدد ســكان إفريقيــا جنــوب الصحــراء الذيــن يعانــون مــن نــدرة‬ ‫مائيــة؛ قــد تضاعــف مرتــني خــال الفتــرة (‪2005-1990‬م)‪ ،‬وأن هــذه‬ ‫اإلحصائيــات ليســت يف ســبيلها إلــى التحســن يف املســتقبل املنظــور‬ ‫حتــى عــام ‪2050‬م‪ ،‬بــل يُنتظــر أن يبلــغ عــدد ســكان البلــدان املجهــدة‬ ‫مائ ًيــا يف إفريقيــا جنــوب الصحــراء إلــى مــا يزيــد عــن ‪ 1.5‬مليــار‬ ‫نســمة بحلــول عــام ‪2050‬م‪ .‬وذلــك حســبما يتضــح مــن الشــكل التالــي‪:‬‬ ‫شكل (‪ :)1‬اإلجهاد املائي يف أفريقيا جنوب الصحراء مقارنة‬ ‫ببعض املناطق (‪)٢٠٥٠-1٩٩٠‬‬

‫إفريقيا‪ :‬بين وضع مائي حرج ‪ ..‬ومستقبل محفوف بالمخاطر‪:‬‬ ‫يف مــارس ‪2007‬م‪ ،‬صــدر تقريــ ٌر عــن برنامــج األمم املتحــدة‬ ‫للميــاه وحفــظ الصحــة العامــة مبناســبة اليــوم العاملــي للميــاه‪ ،‬حــذر‬ ‫مــن كارثــة إنســانية تنتظــر القــارة الســمراء وتهــدد بانــدالع املزيــد مــن‬ ‫احلــروب مــن أجــل احلصــول علــى قطــرة امليــاه‪ ،‬حيــث أشــار التقريــر‬ ‫إلــى احلقائــق التاليــة‪:‬‬ ‫ يعانــي حوالــي ‪ 700‬مليــون شــخص يف ‪ 43‬بل ـدًا مــن نــدرة امليــاه‪،‬‬‫وبحلــول عــام ‪2025‬م‪ ،‬قــد يصــل هــذا الرقــم إلــى مــا يربــو عــن ‪3‬‬

‫‪Source:http://www.internationalwaterlaw.org/blog/wp‬‬‫_‪content/uploads/2012/05/Africa_Water_Avaiability_Per‬‬ ‫‪Capita1.jpg‬‬

‫ تعانــي ‪ 31‬دولــة‪ ،‬غالبيتهــا يف أفريقيــا والشــرق األوســط حال ًيــا مــن‬‫ضغــط أو قلــة امليــاه‪ ،‬وســيصل العــدد ‪-‬كمــا تشــير التوقعــات ‪ -‬إلــى‬ ‫‪ 48‬دولــة مــع حلــول عــام ‪2025‬م‪ ،‬أي أن ‪ 2‬مــن ‪ 3‬أشــخاص ســيواجهون‬ ‫مشــكلة نــدرة امليــاه عــام ‪2025‬؛ حيــث ســتكفي امليــاه الســتهاك ‪٪35‬‬ ‫فقــط مــن ســكان األرض‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫وتشــير حتليــات أزمــة امليــاه العذبــة يف العالــم إلــى أن االســتهاك‬ ‫خــال القــرن العشــرين زاد عشــر مــرات‪ .‬حيــث توضــح اإلحصــاءات‬ ‫الكميــة انخفــاض نصيــب الفــرد مــن امليــاه مــن حوالــي ‪12900‬م‪3‬‬ ‫ســنوياً عــام ‪1970‬م‪ ،‬إلــى ‪7600‬م‪ 3‬ســنوياً عــام ‪1996‬م‪ ،‬أي أن نصيــب‬ ‫الفــرد تناقــص مبعــدالت وصلــت إلــى ‪ ٪40‬خــال ربــع قــرن‪ .‬ومــن‬ ‫ناحيــة أخــرى‪ ،‬زادت االســتخدامات املائيــة علــى مســتوى العالــم خــال‬ ‫القــرن العشــرين مبقــدار أربعــة أمثــال مــا كانــت عليــه مــن قبــل‪ ،‬ومــن‬ ‫املتوقــع أن تزيــد معــدالت تناقــص نصيــب الفــرد مــن امليــاه العذبــة يف‬ ‫القــرن احلــادي والعشــرين لســببني‪ :‬األول‪ ،‬الزيــادة الكبيــرة يف عــدد‬ ‫الســكان‪ ،‬والثانــي‪ ،‬ارتفــاع مســتوى املعيشــة‪.‬‬ ‫ومــن الواضــح أن الزيــادة الســكانية وزيــادة معــدالت التحضــر‬ ‫ســتنعكس بالســلب علــى املــوارد املائيــة األفريقيــة‪ ،‬حيــث ســتزداد‬ ‫الســحوبات لتلبيــة األغــراض التنمويــة واالســتخدامات املنزليــة‪.‬‬ ‫ولقــد أعــد املعهــد الدولــي إلدارة امليــاه (‪ )IWMI‬تقريـ ًرا حــول‬ ‫التوقــع بســيناريو «نــدرة امليــاه يف مختلــف أقاليــم العالــم»‪ ،‬وانتهــى‬ ‫إلــى أن معظــم األقاليــم ستشــهد أزمــة مائيــة بدرجــات متفاوتــة مــن‬ ‫إقليــم آلخــر‪ .‬بيــد أن إقليــم العالــم العربــي والشــرق األوســط ســيكون‬ ‫مــن بــني أكثــر األقاليــم تعرضــاً لهــذه املشــكلة‪ .‬وأكــد التقريــر أنــه‬ ‫بحلــول عــام ‪2025‬م‪ ،‬ســتكون كل الــدول العربيــة والشــرق أوســطية‬ ‫أخــذت تعانــي مــن نــدرة مائيــة حســب املعيــار الكمــي للفقــر املائــي‬ ‫(‪ .)Physical Water Scarcity‬ولكــن الــدول اإلفريقيــة جنــوب‬ ‫الصحــراء لــن تعانــي ‪ -‬فيمــا عــدا دولــة جنــوب إفريقيا‪-‬مــن نــدرة‬ ‫مائيــة وفــق املؤشــر الكمــي للفقــر املائــي‪ .‬وذلــك علــى النحــو املوضــح‬ ‫باخلريطــة التاليــة‪.‬‬ ‫يتضح من اخلريطة أن معظم دول أفريقيا جنوب الصحراء لن تعاني‬ ‫مــن محدوديــة املــوارد املائيــة حســب املعيار الكمي بحلول عــام ‪2025‬م‪.‬‬ ‫بيــد أن األمــر الافــت للنظــر مــن تأمــل اخلريطة الفائتــة‪ ،‬أن كل الدول‬ ‫العربيــة ‪-‬اإلفريقيــة وغيــر اإلفريقية‪-‬ســوف تصنف بحلــول عام ‪2025‬‬ ‫م‪ ،‬ضمــن فئــة البلــدان املجهــدة مائ ًيــا‪ ،‬والتــي يقــل فيهــا نصيــب الفــرد‬ ‫املائــي عن ‪500‬م‪/3‬الســنة‪.‬‬ ‫ويف الســياق ذاتــه‪ ،‬أصــدرت مفوضيــة األمم املتحــدة االقتصاديــة‬ ‫لشــؤون إفريقيــا (‪ )UNECA‬دراســة عــام ‪2000‬م‪ ،‬تناولــت حتليـ ً‬ ‫ا‬ ‫للوضــع املائــي يف الشــرق األوســط وإفريقيــا‪ .‬ووضعــت ســيناريو‬ ‫لألمــن املائــي يف تلــك األقاليــم وفــق املعيــار الكمــي ملــدى تو ُّفــر‬ ‫امليــاه العذبــة‪ ،‬وانتهــى التقريــر إلــى تقســيم بلــدان الشــرق األوســط‬ ‫وإفريقيــا إلــى فئتــني‪ .‬فئــة ســتعاني مــن الضغــط املائــي بحلــول عــام‬ ‫‪2025‬م‪ ،‬وهــي تلــك الــدول التــي ســيتراوح نصيــب الفــرد مــن امليــاه‬ ‫العذبــة فيهــا ســنو ًيا مــا بــني ‪ 1000‬و‪1700‬م‪ 3‬بحلــول عــام ‪2025‬م‪.‬‬ ‫ويقــع يف هــذه الفئــة عــد ٌد مــن بلــدان القــارة اإلفريقيــة جنــوب‬ ‫الصحــراء‪ .‬كمــا يبــني مــن اخلريطــة‪.‬‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪17‬‬

‫ملف العدد‬

‫خريط ــة (‪ :)٥‬الضغ ــط املائ ــي الـ ــمتوقع مس ــتقب ًال فـ ــي أفـريـقـيـ ــا‬ ‫والش ــرق األوس ــط‬

‫وتذهـــب تقديـــرات مفوضيـــة األمم املتحـــدة االقتصاديـــة‬ ‫(‪ )UNECA‬إل ــى أن ــه بحل ــول ع ــام ‪2025‬م‪ ،‬ف ــإن جمي ــع البل ــدان‬ ‫ً‬ ‫فضـــا عـــن دولـــة جنـــوب أفريقيـــا؛‬ ‫الواقعـــة يف شـــمال أفريقيـــا؛‬ ‫ســتكون قابعــة حتــت خــط الفقــر املائــي (‪1000‬م‪/3‬للفرد‪/‬الســنة)‪.‬‬ ‫ويف دراســـة عـــن مســـتقبل امليـــاه وندرتهـــا يف العالـــم؛‬ ‫وحتديـــدًا يف املنطقـــة العربيـــة توقعـــت املنظمـــة العربيـــة للتربيـــة‬ ‫والثقافـــة والعلـــوم واملركـــز العربـــي لدراســـات املناطـــق اجلافـــة‬ ‫واألراضـــي القاحلـــة‪ ،‬ظهـــور عجـــز مائـــي شـــديد يف دول شـــمال‬ ‫إفريقي ــا العربي ــة بحل ــول ع ــام ‪2030‬م‪ ،‬بينم ــا ل ــم تتوق ــع الدراس ــة‬ ‫املذكـــورة عجـــزًا مائ ًيـــا يف دول إفريقيـــا جنـــوب الصحـــراء‪.‬‬ ‫يتبـــني مـــن اخلريطـــة الســـابقة أن ‪ ٪ 62‬مـــن ســـكان العالـــم‬ ‫(أي حوالـــي ثلثـــي البشـــر) ســـيعانون مـــن مشـــكات نـــدرة امليـــاه‬ ‫العذب ــة بحل ــول ع ــام ‪2030‬م‪ ،‬عل ــى الرغ ــم م ــن كل اجله ــود الدولي ــة‬ ‫املبذول ــة لتحقي ــق اله ــدف الس ــابع م ــن أه ــداف األلفي ــة التنموي ــة‬ ‫(‪ ،)MDGs‬وال ــذي يس ــتهدف تخفي ــض نس ــبة الذي ــن يعان ــون م ــن‬ ‫ع ــدم احلص ــول عل ــى إم ــدادات مي ــاه ش ــرب نقي ــة وص ــرف صح ــي‬ ‫محســـن إلـــى النصـــف بحلـــول عـــام ‪2015‬م‪ .‬كمـــا يتضـــح أن دول‬ ‫إفريقيــا جنــوب الصحــراء ســتكون بعيــدة عــن حــزام النــدرة املائيــة‪،‬‬ ‫بــل ســتكون آمنــة مائ ًي ــا وفــق املؤشــر الكمــي لألمــن املائــي بــــحلول‬ ‫عام ‪2030‬م‪.‬‬

‫‪16‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫دراسة العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ربــــع إمـــدادات الـــمياه الـعـــذبة فـــي بحـيرة بيكـــال فـي سـيبـيريا‬ ‫وتحظـى أمريكـا الالتينية بـ ‪ %31‬من مـياه العـالم‬ ‫مشكالت المياه يف إفريقيا‪:‬‬ ‫إذا نظرنــا إلــى إقليــم إفريقيــا جنــوب الصحــراء‪ ،‬ســنجد أنــه‬ ‫يضــم أكبــر عــدد مــن البلــدان املجهــدة مائ ًيــا‪ ،‬فنحــو ربــع ســكان‬ ‫إفريقيــا جنــوب الصحــراء يعيشــون يف بلــدان مجهــدة مائ ًيــا والنســبة‬ ‫آخــذة يف االرتفــاع‪.‬‬ ‫وتبــدو ســرعة الهبــوط واضحــة إذا مــا تخيلنــا اســتمرار املعــدالت‬ ‫احلاليــة يف املســتقبل‪ .‬فبحلــول عــام ‪2025‬م ســيكون هنــاك مــا يزيــد‬ ‫عــن ‪ 3‬بليــون فــرد يعيشــون يف بلــدان مجهــدة مائ ًيــا‪ ،‬وســتهبط ‪14‬‬ ‫بلـدًا مــن وضــع اإلجهــاد املائــي إلــى النــدرة املائيــة‪.‬‬ ‫ومــن املتوقــع زيــادة حــدة األزمــة املائيــة عامل ًيــا مــع اســتمرار تزايد‬ ‫النمــو الســكاني‪ .‬وإذا وضعنــا يف االعتبــار أن معظــم البــاد املجهــدة‬ ‫مائ ًيــا تشــهد معــدالت منــو ســكاني مرتفعــة للغايــة‪ ،‬عرفنــا أن نصيــب‬ ‫الفــرد مــن امليــاه يتناقــص مبعــدل ســريع‪ ،‬وإذا أخذنــا عــام ‪1950‬م‪،‬‬ ‫كنقطــة مرجعيــة‪ ،‬وجدنــا أن توزيــع منــو ســكان العالــم أعــاد صياغــة‬ ‫نصيــب الفــرد مــن امليــاه بشــكل كبيــر‪ .‬فمــع اســتقرار معــدالت توفــر‬ ‫امليــاه يف البلــدان الغنيــة يف عقــد الســبعينيات املاضــي‪ ،‬اســتمر هبوط‬ ‫تلــك النســب يف البلــدان الناميــة‪ ،‬ســيما يف البلــدان الناميــة القاحلــة‪.‬‬ ‫لقــد أظهــرت آخــر ســيناريوهات اســتخدام امليــاه والتــي أعدهــا املعهد‬

‫الدولــي لبحــوث سياســات األغذيــة واملعهــد الدولــي إلدارة امليــاه‬ ‫ومنظمــة األغذيــة والزراعــة وقائــع مختلفــة بعــض الشــيء‪ ،‬لكنهــا‬ ‫تــدور حــول موضوعــات مشــتركة‪ ،‬ومــن بــني الســمات اجلوهريــة‬ ‫للســيناريو املطــروح للعقــود األربعــة القادمــة اســتمرار النمــو‬ ‫الســكاني والتحضــر الســريع‪ ،‬فمــن املتوقــع أن يــزداد تعــداد الســكان‬ ‫بنحــو ‪ 80‬مليــون نســمة يف العــام علــى مــدار العقــود الثاثــة القادمــة‪،‬‬ ‫ليصــل إلــى ‪ 9‬بايــني نســمة عــام ‪2025‬م‪ ،‬وســوف تكــون هــذه الزيــادة‬ ‫بأكملهــا تقري ًبــا يف البلــدان الناميــة‪ .‬كمــا ســيتواكب النمــو الســكاني‬ ‫مــع التحضــر الســريع‪ .‬ففــي عــام ‪1960‬م‪ ،‬كان ثلثــا ســكان العالــم‬ ‫يعيشــون يف مناطــق ريفيــة‪ ،‬وانخفضــت هــذه النســبة إلــى النصــف‪،‬‬ ‫وبحلــول عــام ‪2025‬م‪ ،‬ســيعيش ثلثــا ســكان العالــم يف املــدن‪ .‬وبذلــك‬ ‫فــإن توفيــر إمــدادات الغــذاء ســوف يتطلــب حتقيــق مكاســب كبيــرة‬ ‫يف اإلنتاجيــة لضمــان متكــني القلــة القليلــة مــن املنتجــني الريفيــني‬ ‫بالوفــاء مبتطلبــات التعــداد الســكاني املتزايــد لســكان احلضــر‪.‬‬ ‫وتوضــح اخلريطــة مقارنــة بــني معــدالت الســحب مــن امليــاه العذبة‬ ‫املتاحة يف عام ‪1995‬م‪ ،‬بتلك التي ستكون متاحة عام ‪2025‬م يف مختلف‬ ‫أرجــاء العالــم‪ .‬ومنهــا يتضــح أن معــدالت الســحب مــن امليــاه العذبــة‬ ‫املتاحــة يف إفريقيــا جنــوب الصحراء ســوف تزداد بحلول عــام ‪2025‬م‪.‬‬

‫توقعــات النــدرة املائيــة لعــام ‪ ٢٠٢٥‬يف ظــل الزيــادة الســكانية مقارنــة بعــام ‪1٩٩٥‬‬

‫‪Source: http://www.unep.org/dewa/vitalwater/article141.html on: 7 June 2016.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫خريطــة (‪ :)٢‬توزيــع املــوارد املائيــة يف أفريقيا‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪15‬‬

‫ملف العدد‬

‫ومنهــا تتجلــى اإلمكانــات الهائلــة التــي حتويهــا القــارة مــن املــوارد‬ ‫املائيــة اجلوفيــة أو مــا يعــرف بامليــاه الســوداء‪.‬‬ ‫خريطــة (‪ :)٣‬حــوض نهــر الســنغال يف أفريقيــا‬

‫‪Source: http://www.tothevictoriafalls.com/vfpages/zambezi.html‬‬

‫حوض نهر الفولتا‬ ‫ يضــم ‪ 6‬دول هــي‪ :‬غانــا‪ ،‬بوركينافاســو‪ ،‬كــوت ديفــوار‪ ،‬توجــو‪،‬‬‫بنــني‪ ،‬مالــي‪ ،‬غانــا وبوركينافاســو همــا الدولتــان الرئيســتان صاحبتــا‬ ‫املصلحــة احلقيقيــة فيــه‪ ،‬تســيطر علــى ‪ ٪42 ٪4505‬مــن احلــوض‬ ‫علــى التوالــي‪.‬‬ ‫ عاشــر أكبــر حــوض يف إفريقيــا مــن حيــث املســاحة ‪ 380‬ألــف كم‪.2‬‬‫وثانــي أكبــر حــوض يف إفريقيــا مــن حيــث التصريــف ‪ 390‬مليــار كم‪.2‬‬ ‫ ليس هناك معاهدات وال منظمة حلوض نهر الفولتا‪.‬‬‫ هنــاك تعــاون غيــر رســمي بــني دول احلــوض‪ ،‬ولكــن عــدم كفايــة‬‫وكفــاءة السياســات واملؤسســات والتشــريعات يقيــد كثيــ ًرا فعاليــة‬ ‫إدارة حــوض النهــر‪.‬‬

‫‪Source: http://www.riverbasin.org/aeimages//Image/Senegal_basin‬‬ ‫‪_map.gif‬‬

‫خريطــة (‪ :)٤‬خريطــة امليــاه اجلوفيــة يف أفريقيــا‬

‫حوض نهر السنغال‬ ‫ يضم ‪ 4‬دول وهي بالترتيب غينيا‪ ،‬مالي‪ ،‬السنغال‪ ،‬موريتانيا‪.‬‬‫ تعــد موريتانيــا والســنغال األكثــر اعتمــا ًدا علــى ميــاه النهــر‪ ،‬وأتــاح‬‫لهمــا إمكانيــة الزراعــة‪ ،‬واملراعــي التــي منــت علــى ضفــاف النهــر‪.‬‬ ‫ توجــد درجــة مــن التعــاون بــني دول النهــر‪ ،‬وقــد مت تشــييد ســدين‬‫كبيريــن الســتغال ميــاه النهــر همــا‪ :‬ســدا ديامــا وماننتالــي‪.‬‬ ‫ويف الواقــع‪ ،‬إفريقيــا ليســت فقيــرة مــن حيــث املــوارد املائيــة‪ ،‬على‬ ‫الرغــم مــن أن الصحــراء الكبــرى هــي األكبــر يف العالــم إال أن تلــك‬ ‫الصحــراء حتــوي يف أعماقهــا أكبــر مســتودع ميــاه وأكثرهــا صاحيــة‬ ‫لاســتخدام يف العالــم‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬توصــف غالبيــة البلــدان املوجــودة‬ ‫جنــوب الصحــراء مــن بــني أشــد البلــدان فق ـ ًرا يف العالــم؛ والتــي ال‬ ‫يســمح وضعهــا االقتصــادي باســتخراج امليــاه إلــى الســطح‪ .‬وجديــر‬ ‫بالذكــر أن قــارة إفريقيــا تضــم ثاثــة عشــر خزا ًنــا جوف ًيــا كبيـ ًرا مــن‬ ‫بــني اخلزانــات الســبعة وثاثــني األكبــر يف العالــم‪.‬‬ ‫وملــا كانــت إفريقيــا جنــوب الصحــراء متتــاز بوفــرة الهطــول‬ ‫املطــري خــال فتــرات ممتــدة مــن العــام‪ ،‬فــإن كميــات كبيــرة مــن تلــك‬ ‫األمطــار تســهم يف تكويــن كميــات هائلــة مــن امليــاه اجلوفيــة‪ .‬وتوضــح‬ ‫اخلريطــة التاليــة توزيــع خزانــات امليــاه اجلوفيــة الكبــرى يف إفريقيــا‪.‬‬

‫‪Source:http://www.whymap.org/whymap/EN/Downloads/‬‬ ‫‪Continental_maps/gwrm_africa_g.html‬‬

‫‪14‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫دراسة العدد‬

‫متثــل األهــداف اإلمنائيــة لأللفيــة نقطــة مرجعيــة لقيــاس‬ ‫مــدى مــا حتقــق مــن تقــدم للحصــول علــى امليــاه املأمونــة‪ ،‬لــذا‪ ،‬فــإن‬ ‫«خفــض عــدد ســكان العالــم الذيــن ليــس لديهــم مصــدر مســتدام‬ ‫للحصــول علــى ميــاه الشــرب املأمونــة والصــرف الصحــي األساســي‬ ‫إلــى النصــف يف عــام ‪( »2015‬الهــدف الســابع الغايــة العاشــرة)‪ ،‬يعــد‬ ‫ضــروري‬ ‫رئيســا‪ .‬علــى أن حتقيــق هــذا الهــدف يعــد أمــ ًرا‬ ‫هد ًفــا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫البلــوغ أهــداف أخــرى‪ ،‬فتوفــر امليــاه النظيفــة والصــرف الصحــي‬ ‫ســوف ينقــذ حيــاة أعــداد ال ُحتصــى مــن األطفــال‪ ،‬وســوف يدعــم‬ ‫التقــدم يف عمليــة التعليــم‪ ،‬كمــا أنــه ســوف يحــرر الكثيــر مــن البشــر‬ ‫مــن حالــة املــرض الفقــر الــذي يعيشــون فيــه‪.‬‬ ‫ويشــير «بيتــر جليــك» (‪ ،)P. Gleick‬إلــى أن أحــد القضايــا‬ ‫الرئيســية يف القــرن الواحــد والعشــرين هــي‪« :‬كيــف ســنوفى‬ ‫احتياجــات عشــرة أو اثنــي عشــر أو خمســة عشــر بليونــاً مــن‬ ‫األشــخاص فيمــا يحتاجونــه مــن ميــاه للشــرب وللزراعــة يف الوقــت‬ ‫الــذي فشــلنا فيــه يف تلبيــة تلــك االحتياجــات لعالــم يتألــف مــن‬ ‫خمســة بايــني مــن األشــخاص؟»‪.‬‬ ‫ويف الوقــت الراهــن‪ ،‬يعيــش حوالــي ‪ 700‬مليــون شــخص‬ ‫يف ‪ 43‬بلــدًا علــى مســتوى العالــم حتــت حــد اإلجهــاد املائــي‪.‬‬ ‫وبقيــاس األوضــاع يف كل بلــد‪ ،‬لــن يتمكــن ‪ 234‬مليون شــخص من‬ ‫الوصــول إلــى الهــدف املتعلــق بامليــاه بحلــول عــام ‪ ،2015‬وذلــك يف‬ ‫ضــوء تأخــر ‪ 55‬بلـدًا عــن اخلطــة املوضوعــة‪ ،‬ولــن يتمكــن ‪ 430‬مليــون‬ ‫شــخص مــن حتقيــق هــدف الصــرف الصحــي‪ ،‬حيــث إن هنــاك ‪74‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫بل ـدًا متأخ ـ ًرا‪ .‬ولكــي تتمكــن إفريقيــا جنــوب الصحــراء مــن العــودة‬ ‫إلــى الطريــق املرســوم لتحقيــق الهــدف املتعلــق بامليــاه‪ ،‬يتعــني عليهــا‬ ‫أن تزيــد مــن معــدالت توصيــل امليــاه إلــى االســتخدام مــن عشــرة‬ ‫مايــني توصيلــة يف العــام يف العقــد املاضــي إلــى ‪ 23‬مليــون توصيلــة‬ ‫خــال العقــد القــادم‪ ،‬كمــا يجــب أن يزيــد معــدل توفيــر الصــرف‬ ‫الصحــي يف جنــوب آســيا ليزيــد مــن تتوفــر لهــم هــذه اخلدمــة مــن‬ ‫‪ 25‬مليــون فــرد يف العــام إلــى ‪ 43‬مليــون فــرد‪.‬‬

‫الوضع المائي يف إفريقيا‪:‬‬ ‫أجــزاء كبيــرة مــن القــارة اإلفريقيــة تقــع ضمــن اإلقليــم االســتوائي‬ ‫وارتفــاع معــدالت الهطــول املطــري عليهــا معظــم أوقــات الســنة‪.‬‬ ‫وتضــم إفريقيــا عــد ًدا كبيـ ًرا مــن األحــواض املائيــة الدولية ألنهار‬ ‫وبحيــرات كبــرى‪ ،‬وتتشــارك دو ٌل كثيــرة يف القــارة يف تلــك األنهــار‬ ‫الدوليــة‪ .‬وحســبما يتضــح مــن اخلريطــة واجلــدول التالــي‪.‬‬

‫أحواض إفريقيا الجنوبية‬ ‫تشــمل أنهــار‪ :‬أوراجن‪-‬ليمبوبو‪-‬زامبيزي‪-‬أوكافانغــو‪ .‬ومــن املرجــح‬ ‫حــدوث منازعــات بــني دول هــذه األحــواض مــع ازديــاد الطلــب علــى‬ ‫امليــاه‪ .‬ينظــم العاقــة بــني هــذه الــدول بروتوكــول أنظمــة املجــاري املائيــة‬ ‫املشــتركة‪ ،‬والــذي أبرمتــه دول مجموعــة تنميــة إفريقيــا اجلنوبيــة عــام‬ ‫‪1995‬م‪ .‬ويؤكــد احتــرام مبــدأ القانون الدولي اخلاص باالنتفاع املنصف‪،‬‬ ‫كمــا يؤكــد علــى أن تســوية املنازعــات بــني الــدول املتشــاطئة يف احلــوض‬ ‫يتــم مــن قبــل هيــأة حتكيــم تابعــة ملجموعــة تنميــة إفريقيــا اجلنوبيــة‪.‬‬

‫احلوض‬

‫عدد‬ ‫الدول‬

‫مساحة احلوض‬ ‫بآالف كم‪٢‬‬

‫النيل‬

‫‪11‬‬

‫‪2960‬‬

‫مصر‪ ،‬السودان‪ ،‬جنوب السودان إثيوبيا‪ ،‬أوغندا‪ ،‬كينيا‪ ،‬تنزانيا‪ ،‬رواندا‪،‬‬ ‫بوروندي‪ ،‬جمهورية الكونغو الدميقراطية‪ ،‬اريتريا‪.‬‬

‫الكونغو‬

‫‪9‬‬

‫‪3820‬‬

‫جمهورية الكونغو الدميقراطية‪ ،‬جمهورية إفريقيا الوسطى‪ ،‬أنغوال‪ ،‬جمهورية‬ ‫الكونغو‪ ،‬زامبيا‪ ،‬تنزانيا‪ ،‬الكاميرون‪ ،‬بوروندي‪ ،‬رواندا‪.‬‬

‫النيجر‬

‫‪9‬‬

‫‪180‬‬

‫النيجر‪ ،‬نيجريا‪ ،‬مالي‪ ،‬غينيا‪ ،‬بوركينا فاسو‪ ،‬كوت ديفوار‪ ،‬بنن‪ ،‬الكاميرون‪،‬‬ ‫تشاد‬

‫زامبيزي‬

‫‪8‬‬

‫‪1420‬‬

‫زامبيا‪ ،‬أنغوال‪ ،‬ماوي‪ ،‬زمبابوي‪ ،‬مززامبيق‪ ،‬بوتسوانا‪ ،‬تنزانيا‪ ،‬ناميبيا‬

‫الفولتا‬

‫‪6‬‬

‫‪380‬‬

‫غانا‪ ،‬بوركينا فاسو‪ ،‬كوت ديفوار‪ ،‬توغو‪ ،‬بنن‪ ،‬مالي‬

‫أوراجن‬

‫‪4‬‬

‫‪950‬‬

‫جنوب إفريقيا‪ ،‬ناميبيا‪ ،‬بوتسوانا‪ ،‬ليستو‬

‫السنغال‬

‫‪4‬‬

‫‪340‬‬

‫السنغال‪ ،‬موريتانيا‪ ،‬مالى‪ ،‬غينيا‬

‫ليمبوبو‬

‫‪4‬‬

‫‪385‬‬

‫جنوب إفريقيا‪ ،‬بوتسوانا‪ ،‬موزامبيق‪ ،‬زمبابوي‬

‫دول احلوض‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أزمة المياه العذبة يف العالم‪:‬‬ ‫املـاء أحـد أهـم املـوارد الطبيعيـة املتجـددة علـى كوكـب األرض‪،‬‬ ‫وأهـم مـا مييـزه كمركـب كيميائـي هـو ثباتـه‪ ،‬فالكميـات املوجـودة منـه‬ ‫على ظهر األرض هي نفسـها منذ مئات السـنني‪ .‬ويقدر احلجم الكلى‬ ‫للميـاه بحوالـي ‪ 1360‬مليـون كـم‪ 3‬غيـر أن ‪ ٪97‬مـن مياهـه موجـود يف‬ ‫البحار واحمليطات‪ ،‬وال تشكل املياه العذبة سوى ‪ ٪3‬من مياه األرض‪.‬‬ ‫والتـي تقـدر بنحـو ‪ 37‬مليـون كـم‪ ،3‬واجلـزء األكبـر مـن النسـبة املتبقية‬ ‫(‪ %75‬منهـا) محتجـز يف األغطيـة اجلليديـة بقـارة أنتاركتيـكا ويف‬ ‫األنهـار اجلليديـة وجبـال اجلليد وليسـت متاحة لاسـتعمال البشـري‪.‬‬ ‫كما أن هناك ‪ 8‬مايني كم‪ 3‬من املياه العذبة مخزنة يف جوف األرض‪،‬‬ ‫وتبقـى نسـبة تقـل عـن‪ ٪1‬مـن امليـاه العذبـة (‪ 200‬ألـف كـم‪ )3‬يف شـكل‬ ‫بحيـرات وأنهـار ميكـن الوصـول إليهـا بسـهولة لاسـتخدام البشـري‪.‬‬ ‫ومتتــاز هــذه الكميــة مــن امليــاه العذبــة بالثبــات‪ ،‬بفعــل دورة امليــاه‬ ‫العذبــة يف الطبيعــة‪ .‬وتعتبــر الكميــة املتبقيــة مــن امليــاه العذبــة كافيــة‬ ‫لســكان العالــم احلاليــني فيمــا لــو وزعــت بعدالــة علــى مختلــف األقاليم‬ ‫‪ ،‬بــل ميكنهــا مقابلــة الطلــب العاملــي املتزايــد علــى امليــاه مســتقب ً‬ ‫ا‪ .‬بيــد‬ ‫أن توزيــع امليــاه العذبــة غيــر متــوازن بــني هــذه األقاليــم مــن جهــة‪ ،‬وبــني‬ ‫دول اإلقليــم الواحــد مــن جهــة ثانيــة‪.‬‬ ‫قرابــة ربــع املعــروض عاملي ـاً مــن إمــدادات امليــاه العذبــة يقــع يف‬ ‫بحيرة بيكال يف ســيبيريا التي تتســم بندرة الســكان‪ ،‬وحتظى أمريكا‬ ‫الاتينيــة بــــ ‪ ٪31‬مــن مــوارد امليــاه العذبــة يف العالــم‪ ،‬ونســبة ســكانها‬ ‫إلجمالــي ســكان العالــم عــن ‪ ٪6‬ويقــدر نصيــب الفــرد فيهــا مبقــدار‬ ‫‪ 12‬ضعف ـاً مقارن ـ ًة بنصيــب الفــرد يف جنــوب آســيا‪ ،‬وتســتحوذ قــارة‬ ‫إفريقيــا علــى ‪ ٪11‬مــن امليــاه العذبــة العامليــة وميثــل األفارقــة ‪٪13‬‬ ‫مــن ســكان العالــم‪ .‬كمــا يوجــد داخــل األقاليــم ذاتهــا خلــل بــني املــوارد‬ ‫املائيــة والســكان‪ ،‬فإقليــم إفريقيــا جنــوب الصحــراء‪ ،‬يحظــى بقــدر‬ ‫مناســب مــن امليــاه‪ ،‬فــإذ قمنــا بالتوزيــع علــى أســاس مجموعــة مــن‬ ‫العوامــل‪ ،‬تغيــرت الصــورة‪ ،‬فجمهوريــة الكونغــو الدميقراطيــة حتظــى‬ ‫بأكثــر مــن ربــع املــوارد املائيــة يف اإلقليــم ويبلــغ نصيــب املواطــن فيهــا‬ ‫أكثــر مــن ‪20.000‬م‪ ،3‬بينمــا بلدانــاً مثــل كينيــا ومــاالوي وجنــوب‬ ‫إفريقيــا يقعــون بالفعــل حتــت حــد اإلجهــاد املائــي‪.‬‬ ‫يتضــح مــن اخلريطــة عــدم التــوازن والتوزيــع غيــر العــادل‬ ‫للمــوارد املائيــة العذبــة يف قــارة إفريقيــا‪ ،‬حيــث تنعــم بعــض الــدول‬ ‫وخصوصــاً الكونغــو الدميقراطية‪-‬بوفــرة مائيــة كبيــرة‪ ،‬وهنــاك‬‫دول بهــا وفــرة متوســطة‪ ،‬وأخــرى تعانــي مــن النــدرة؛ والســيما كينيــا‬ ‫والصومــال ودول شــمال إفريقيــا وبعــض دول غــرب القــارة‪.‬‬ ‫وقــد يــؤدي التوزيــع اإلقليمــي غيــر العــادل للميــاه العذبــة إلــى‬ ‫تزايــد احتمــاالت الصــراع املائــي‪ .‬فلقــد كانــت امليــاه ‪-‬تاريخيـاً‪ ،‬ومنــذ‬ ‫عهــود مــا قبــل املياد‪-‬ســب ًبا رئيسـ ًيا لنشــوب العديــد مــن الصراعــات‬ ‫يف العالــم‪.‬‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪13‬‬

‫ملف العدد‬

‫خريطــة (‪ :)1‬توزيــع املــوارد املائيــة يف أفريقيا‬

‫املصـدر‪http://iprogroup.weebly.com/africa-water-crisis.html :‬‬

‫ويبــدو التناقــض بــني البلــدان الغنيــة والفقيــرة صارخــاً‪ ،‬فمــع‬ ‫وجــود احلرمــان بنســب متفاوتــة‪ ،‬إال أن حقائــق أزمــة امليــاه العامليــة‬ ‫تتحــدث عــن نفســها‪ .‬فهنــاك مــا يقــرب مــن ‪ 1.1‬مليــار شــخص يف‬ ‫البلــدان الناميــة ال يســتطيعون احلصــول علــى احلــد األدنــى مــن‬ ‫امليــاه النظيفــة‪ ،‬وتبلــغ التغطيــة أدنــى معدالتهــا يف إفريقيــا جنــوب‬ ‫الصحــراء‪ ،‬حيــث يأتــي ثُلــثُ هــذا الرقــم‪ ،‬إذ يعيــش مــا يقــرب مــن‬ ‫‪ 315‬مليــون بجنــوب الصحــراء محرو ًمــا مــن امليــاه احملســنة‪.‬‬ ‫أمــا احلرمــان مــن الصــرف الصحــي فهو أكثر انتشــا ًرا‪ ،‬فنحو ‪2.6‬‬ ‫مليــار شــخص ‪-‬نصــف ســكان بلــدان العالــم النامــي تقري ًبــا‪-‬ال تتوفــر‬ ‫لديهــم مرافــق الصــرف الصحــي األساســية‪ ،‬و يعانــي قرابــة ‪440‬‬ ‫مليــون إفريقــي جنــوب الصحــراء من عــوز إمدادات الصــرف الصحي‪.‬‬ ‫إن تعبيــر «عــدم احلصــول» علــى امليــاه والصــرف الصحــي هــو‬ ‫نــوع مــن اللباقــة لإلشــارة إلــى شــكل مــن أشــكال احلرمــان يهــدد‬ ‫احليــاة وميتهــن الكرامــة اإلنســانية‪ .‬فعندمــا ال يســتطيع اإلنســان‬ ‫احلصــول علــى امليــاه فــإن ذلــك يعنــي جلــوءه إلــى املصــارف واألنهــار‬ ‫والبحيــرات امللوثــة‪ ،‬وال يقتصــر األمــر علــى ذلــك‪ ،‬بــل يصــل إلــى‬ ‫عــدم توفــر امليــاه الازمــة للوفــاء بأكثــر احتياجــات اإلنســان ضــرور ًة‪.‬‬ ‫وبإمعــان النظــر يف أزمــة امليــاه العامليــة حال ًيــا‪ ،‬جنــد أن التاريــخ‬ ‫االفتراضــي لتحقيــق األهــداف اإلمنائيــة لأللفيــة (‪)MDGs‬‬ ‫هــو عــام ‪2015‬م‪ ،‬وهــي األهــداف التــي حددهــا املجتمــع الدولــي‪،‬‬ ‫ووضــع لهــا إطــا ًرا زمن ًيــا للحــد مــن الفقــر واجلــوع‪ ،‬وخفــض معــدل‬ ‫وفيــات األطفــال‪ ،‬وتوفيــر فــرص التعليــم‪ ،‬والتغلــب علــى التفاوتــات‬ ‫بــني اجلنســني‪ .‬وســيكون التقــدم يف ٍأي مــن هــذه اجلوانــب مرهو ًنــا‬ ‫بكيفيــة اســتجابة احلكومــات ألزمــة امليــاه‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫دراسة العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫اإلنـتـاج الغذائي الـخـليجي فـي الخـارج أفـضـل مـن االسـتيـراد املباشر‬

‫مــشـكــلـة الـمـيـاه فـي إفـريـقـيــا‪:‬‬ ‫أزمـة إدارة ال نـدرة‬ ‫«الناس شركاء يف ثاث‪ :‬النار والكأل واملاء»‪ .‬صدق رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬ ‫«احلصــول علــى امليــاه املأمونــة حاجــة إنســانية ضروريــة وحــق إنســاني أساســي»‪ .‬كــويف عنــان‪ ،‬اليــوم العاملــي للميــاه‪22 ،‬‬ ‫رئيســا هــو كــون امليــاه يف محــور األمــور االجتماعيــة‬ ‫مــارس ‪2001‬م‪« .‬مــن ضمــن العديــد مــن األشــياء التــي تعلمتهــا مــن عملــي‬ ‫ً‬ ‫والسياســية واالقتصاديــة للبلــد والقــارة والعالــم”‪ .‬نيلســون مانديــا‪ ،‬مؤمتــر القمــة العاملــي للتنميــة املســتدامة ‪2002‬م‪.‬‬

‫د‪ .‬محمد ساملان طايع‬

‫إن احلصــول علــى امليــاه العذبــة هــو موضــع اهتمــام عاملــي‪،‬‬ ‫فامليــاه العذبــة هــي التــي تــدمي الصحــة واإلنتــاج الغذائــي والتنميــة‬ ‫االقتصاديــة‪ .‬ولذلــك‪ ،‬فــإن احلديــثَ عــن أهميــة «امليــاه» أمـ ٌر ال يحتاج‬ ‫إلــى تدليــل‪ .‬فقــد أخــذ متغير»امليــاه» يكتســب أهميــة اســتثنائية خــال‬ ‫العقــود األربعــة األخيــرة‪ ،‬حينمــا لفــت مؤمتــر األمم املتحــدة للميــاه ‪-‬‬ ‫الــذي عقــد يف «مــاردل باتــا» باألرجنتــني‪ ،‬مــارس ‪1977‬م‪ ،‬األنظــار‬ ‫إلــى أهميــة النظــر إلــى امليــاه بوصفهــا مــور ًدا اســتراتيج ًيا ال يقــل‬ ‫أهميــة عــن النفــط والغــاز‪ ،‬بــل رمبــا يزيــد‪.‬‬ ‫وباإلضافــة إلــى كونــه عنصــ ًرا أساســ ًيا الز ًمــا حليــاة جميــع‬ ‫الكائنــات‪ ،‬فإنــه أحــد أهــم املدخــات الرئيســية للتنميــة‪ ،‬وال ميكــن‬ ‫احلديــث عــن تنميــة دومنــا توافــر امليــاه؛ حيــث تعــد امليــاه النظيفــة‬ ‫والصــرف الصحــي مــن بــني أقــوى العوامــل احملركــة للتنمية البشــرية‪،‬‬ ‫فمــع وجودهمــا تزيــد فــرص احليــاة‪ ،‬ولذلــك‪ ،‬أخــذت أدبيــات التنميــة‬ ‫خــال العقــود الثاثــة األخيــرة ‪ -‬تربــط بــني «امليــاه املتاحــة» ‪-‬ك ًمــا‬‫وكي ًفــا‪ -‬وبــني التنميــة املســتدامة‪.‬‬ ‫أصبــح املتغيــر املائــي واحــدًا مــن عناصــر قــوة الدولــة وأمنهــا‬ ‫القومــي‪ ،‬والســيما يف ضــوء ارتبــاط «األمــن الغذائــي» «باألمــن‬ ‫املائــي»‪ ،‬انطا ًقــا مــن مقولــة‪« :‬ال أمــن عســكري ألمــة مــن األمم خــارج‬ ‫أمنهــا االقتصــادي‪ ،‬وذروة األمــن االقتصــادي هــو الغــذاء‪ ،‬وجوهــر‬ ‫األمــن الغذائــي ومنتجــه هــو املــاء»‪.‬‬ ‫يف هــذا الســياق‪ ،‬تزايــد دو ُر املتغيــر املائــي يف السياســة الدوليــة‬ ‫املعاصــرة‪ ،‬حيــث صــار يُنظــر إلــى امليــاه العذبــة باعتبارهــا إحــدى‬

‫املتغيــرات املؤثــرة يف التفاعــات بــني الــدول‪ ،‬بوصفهــا إحــدى‬ ‫العوامــل التــي ميكــن أن تهــدد عاقــات حســن اجلــوار والتعــاون بــني‬ ‫الــدول املشــاطئة ألحــواض األنهــار‪ .‬كمــا أضحــت «امليــاه» إحــدى‬ ‫املتغيــرات التــي تهــدد «األمــن القومــي» للــدول‪ ،‬علــى الصعيديــن‪:‬‬ ‫األمــن الداخلــي واألمــن اخلارجــي‪ ،‬اســتنا ًدا إلــى الــدور املتزايــد‬ ‫ملتغيــر امليــاه يف منظومــة األمــن القومــي أليــة دولــة‪.‬‬ ‫ولذلــك‪ ،‬يســود االعتقــاد عامل ًيــا بــأن «املــورد املائــي» يعتبــر مــور ًدا‬ ‫عامل ًيــا(‪ )global resources‬أو باألحــرى «ســلعة عامليــة» (‪global‬‬ ‫‪ )public good‬ومــن ثــم‪ ،‬فهــو يقــع ضمــن اإلرث العاملــي املشــترك‬ ‫(‪)common heritage of human kind‬الــذي يســتلزم‬ ‫تضاف ـ ًرا للجهــود العامليــة إلدارة هــذا املــورد إدارة علميــة تقــوم علــى‬ ‫املنهــج التكاملــي (‪)comprehensive water management‬‬ ‫لتعظيــم االنتفــاع املنصــف مبيــاه األنهــار الدوليــة‪.‬‬ ‫يف هــذا الســياق‪ ،‬يــرى البعــض أن أزمــة امليــاه هــي يف جوهرهــا‬ ‫أزمــة إدارة‪ ،‬وتتعــدد أســباب تلــك األخيــرة فتشــمل‪ :‬عــدم كفايــة‬ ‫املؤسســات املعنيــة بامليــاه‪ ،‬وتفــكك الهيــاكل املؤسســية‪ ،‬وغيــاب‬ ‫التنســيق بــني هيــاكل صنــع القــرار‪ ،‬والصراعــات املائيــة الناجمــة عــن‬ ‫تعــارض مصالــح البلــدان الواقعــة عنــد أعالــي األنهــار وتلــك الواقعــة‬ ‫علــى مجــرى األنهــار فيمــا يتعلــق بحقوقهــا ووصولهــا إلــى امليــاه‪.‬‬ ‫ولقــد تســببت مواطــن الضعــف يف نظــم اإلدارة املائيــة يف‬ ‫كثيــر مــن الــدول يف إعاقــة حتقيــق تنميــة مســتدامة‪ ،‬واملوازنــة بــني‬ ‫االحتياجــات االقتصاديــة واالجتماعيــة واالســتدامة األيكولوجيــة‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪11‬‬

‫بلغــت قيمــة مســاهمة الصنــدوق الســعودي للتنميــة يف تمويــل‬ ‫(‪ )41‬مشــروعا يف قطاعي التعليم والصحة بـ (‪ )1.9‬مليار ريال ســعودي‬ ‫‪ -2‬المساعدات المخصصة يف مجال المياه‪:‬‬ ‫انطا ًقــا مــن الرؤيــة احلكيمــة للقيادة الرشــيدة خلــادم احلرمني«‬ ‫حفظــه اهلل « يف دعــم اجلهــود الهادفــة إلــى توفيــر امليــاه الصاحلــة‬ ‫للشــرب وتأمــني صــرف مناســب للســكان الفقــراء يف الــدول الناميــة‪،‬‬ ‫عــاوة علــى توفيــر امليــاه لتحقيــق التنميــة الريفيــة‪ ،‬وهــو مــا أشــار‬ ‫إليــه الهــدف الســابع مــن أهــداف األلفيــة « ضمــان االســتدامة‬ ‫البيئيــة»‪ ،‬فقــد قــام الصنــدوق الســعودي للتنميــة يف متويــل (‪)102‬‬ ‫مشــروعا يف قطــاع امليــاه‪ ،‬متثلــت يف إنشــاء ســدود ومشــاريع ري‬ ‫ً‬ ‫وجلــب ميــاه للشــرب وإنشــاء محطــات لتحليــة امليــاه مببلــغ إجمالــي‬ ‫قــدره (‪ )8052.21‬مليــون ريــال ســعودي‪ ،‬أي مــا يعــادل حوالــي‬ ‫(‪ )2147.30‬مليــون دوالر أمريكــي وهــذا يشــكل نســبة (‪ )%25‬مــن‬ ‫إجمالــي املبالــغ املقدمــة‪ .‬كمــا تولــى الصنــدوق إدارة منــح مقدمــة مــن‬ ‫حكومــة اململكــة العربيــة الســعودية مببلــغ(‪ )230‬مليــون دوالر أمريكــي‬ ‫حلفــر اآلبــار والتنميــة الريفيــة يف العديــد مــن الــدول اإلفريقيــة‪.‬‬ ‫وبلــغ عــدد املشــاريع التــي قامــت اململكــة العربيــة الســعودية‬ ‫ـروعا يف‬ ‫يف متويلهــا يف قطــاع امليــاه يف الــدول اإلفريقيــة (‪ )70‬مشـ ً‬ ‫(‪ )19‬دولــة مببلــغ قــدره (‪ )5562.31‬مليــون ريــال‪ ،‬وكانــت تونــس‬ ‫واملغــرب يف مقدمــة الــدول اإلفريقيــة اســتفادة‪ ،‬حيــث مت تنفيــذ (‪)10‬‬ ‫مشــروعات يف كل منها‪ ،‬تليها الســنغال بــ(‪ )8‬مشــروعات‪ ،‬فالســودان‬ ‫ومالــي(‪ )6‬مشــروعات لــكل بلــد‪ ،‬واجلزائــر وبوركينــا فاســو (‪)5‬‬ ‫مشــروعات لــكل بلــد‪ ،‬و(‪ )4‬مشــروعات يف كل مــن موريتانيــا وغينيــا‬ ‫لــكل بلــد‪ .‬واجلــدول (‪ )3‬وضــح ذلــك‪.‬‬ ‫واستجابة لنداء الدول اإلفريقية التي عانت من اجلفاف املزمن يف‬ ‫نهايــة ســبعينات ومطلــع ثمانينــات القرن املاضــي‪ ،‬أعلنت اململكة العربية‬ ‫السعودية عن برنامجها اخلاص مبساعدة دول الساحل اإلفريقي خال‬ ‫مؤمتــر القمــة اإلســامي الــذي أنعقــد مبكــة املكرمــة يف ينايــر ‪1981‬م‪،‬‬ ‫بــأن خصصــت منحــة قدرهــا (‪ )100‬مليــون دوالر أمريكــي بــدأ تنفيذهــا‬ ‫يف عــام ‪ ،1982‬ومت اســتام أول بئــر مــن تلــك املرحلــة يف عــام ‪1988‬م‪.‬‬ ‫ونظــ ًرا لتعاقــب ســنوات اجلفــاف يف معظــم الــدول اإلفريقيــة‬ ‫واســتجابة لنــداء مماثــل خــال مؤمتــر القمــة اإلســامي الرابــع‬ ‫الــذي انعقــد بالــدار البيضــاء يف ينايــر ‪ ،1984‬خصصــت اململكــة‬ ‫العربيــة الســعودية مبلــغ (‪ )30‬مليــون دوالر أمريكــي لتنفيــذ‬ ‫مرحلــة ثانيــة مــن البرنامــج اكتمــل تنفيذهــا عــام ‪1991‬م‪.‬‬ ‫وبالرغــم مــن جنــاح البرنامج يف املرحلتني األولى والثانيــة‪ ،‬والذي مت‬ ‫خالهما توفير املياه الصاحلة للشرب ملئات اآلالف من سكان األرياف‪،‬‬ ‫غيــر أن احلاجــة مازالــت لبــذل املزيــد مــن الدعــم يف هذا املجــال‪ ،‬خاصة‬ ‫مع استمرار اجلفاف يف املنطقة بصورة لم تشهدها يف أي فترة سابقة‬

‫مــن تاريخهــا‪ .‬لــذا فقــد أعلنت اململكة العربية الســعودية اســتمرار العمل‬ ‫ببرنامجهــا اخلــاص بتزويــد دول الســاحل اإلفريقي باملياه بأن خصصت‬ ‫مبلــغ (‪ )50‬مليــون دوالر أمريكــي وذلــك لتنفيــذ املرحلــة الثالثــة منــه‪.‬‬ ‫واسـتمراراً ملواصلـة العمـل بهـذا البرنامـج اخلـاص‪ ،‬فقـد خصصـت‬ ‫اململكة مبلغ (‪ )50‬مليون دوالر أمريكي لتمويل مرحلة رابعة منه‪ .‬ويأتي‬ ‫هذا امتدا ًدا ملا توليه حكومة اململكة من أهمية لهذا البرنامج الذي أثبت‬ ‫جناحه وسـاهم بصورة كبيرة يف حتسـني إمدادات املياه يف املناطق التي‬ ‫وصل إليها‪ ،‬عاوة على حتسـني املسـتوى الصحي لسـكان تلك املناطق‪.‬‬ ‫واســتمرا ًرا إلشــراف الصندوق الســعودي للتنمية على تنفيذ أعمال‬ ‫املراحــل الثــاث األولــى‪ ،‬فقــد أشــرف علــى تنفيــذ املرحلــة الرابعــة التــي‬ ‫انطلقــت أعمالهــا يف عــام ‪2006‬م وانتهــت مــع نهايــة العــام ‪2011‬م‪،‬‬ ‫وشــملت هــذه املرحلــة اثنتــا عشــر دولــة إفريقيــة ذات الدخــل الفــردي‬ ‫الــمـــنخفض وهي‪ :‬بنني‪ ،‬بوركينافاســو‪ ،‬تشــاد‪ ،‬تـــوجو‪ ،‬غامبيا‪ ،‬جيبوتي‪،‬‬ ‫غينيــا‪ ،‬غينيــا بيســاو‪ ،‬مالــي‪ ،‬موريتانيــا والنيجــر‪.‬‬ ‫وغنــي عــن البيــان فقــد جــرى اختيــار املشــاريع يف املراحــل‬ ‫األربعــة كافــة طب ًقــا ملعاييــر محــددة ســاهمت بصــورة كبيــرة يف إجنــاح‬ ‫هــذا البرنامــج‪ ،‬ومتثلــت هــذه املعاييــر بالتالــي‪:‬‬ ‫‪ -1‬ضمان استفادة أكبر عدد ممكن من السكان من املشاريع املعتمدة‪.‬‬ ‫‪ -٢‬توفير مياه نظيفة وصاحلة لاستخدام البشري‪.‬‬ ‫‪ -٣‬اعتماد أساليب فنية حديثة للتنفيذ مع توخي االقتصاد يف التكاليف‪.‬‬ ‫‪-٤‬إنشاء جتهيزات سهلة التشغيل والصيانة‪.‬‬ ‫‪-٥‬العمل على استغال املوارد احمللية البشرية واملادية‪.‬‬ ‫وجديــر بالذكــر فقــد اهتــم البرنامــج منــذ املرحلــة األولــى مبشــاركة‬ ‫املســتفيدين مــن مشــاريعه يف األنشــطة املختلفــة وعلــى وجــه اخلصوص‬ ‫يف مجاالت التشغيل والصيانة واحملافظة على البيئة‪ ،‬عن طريق توعية‬ ‫الســكان وحتملهم ملســؤولياتهم املســتقبلية يف اإلشــراف واحملافظة على‬ ‫نقــاط امليــاه وتشــكيل جلــان مــن األهالــي ينــاط بهــا بعــد امتــام املشــروع‬ ‫القيام مبهام التســيير اإلداري واملالي والبيئي لإلنشــاءات التي تســلمتها‬ ‫الدوائــر احلكوميــة املختصــة والتي تعيد تســليمها للســكان املســتفيدين‪.‬‬ ‫ويف الواقع‪ ،‬فقد ساهمت هذه املشاريع يف مساعدة بعض الدول‬ ‫اإلفريقيــة علــى حتقيــق اجنــازات فيمــا يتعلــق بهــدف االســتدامة‬ ‫البيئيــة وحتديــداً يف حتقيــق الغايــة الثانيــة واملتمثلــة بخفــض نســبة‬ ‫الســكان العاجزيــن عــن التأمــني املســتدام مليــاه الشــرب اآلمنــة‬ ‫االســتعمال والســكان غيــر املتمتعــني بخدمــات الصــرف الصحــي‬ ‫املســتدام إلــى النصــف بحلــول عــام ‪2015‬م‪.‬‬ ‫*أﻛﺎدميﻲ ﻣﺘﺨﺼﺺ ﺑﺎﻟﺸﺆون اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ‬

‫‪10‬‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪ 67‬مشـــرو ًعا يف قطـــاع الزراعـــة والتنميـــة الريفيـــة بمســـاهمة‬ ‫(‪ )5675.79‬مليون ريال نسبة (‪ )%24.81‬من إجمايل ما قدمه الصندوق‬ ‫ـروعا يف (‪ )7‬دول إفريقيــة‪.‬‬ ‫دولــة ذات دخــل منخفــض منهــا (‪ )14‬مشـ ً‬ ‫خاصــا لتوفيــر اخلدمــات الطبيــة لســكان‬ ‫ أولــى الصنــدوق اهتما ًمــا ً‬‫الــدول الناميــة املقيمــني خــارج املــدن الكبــرى‪ ،‬حيــث أن (‪ )9‬مشــاريع مــن‬ ‫مشروعا‪ ،‬خصصت لها قروض بلغ إجمالها (‪ )216.9‬مليون‬ ‫أصل (‪)15‬‬ ‫ً‬ ‫ريــال ســعودي وذلــك إلنشــاء مراكــز طبيــة إقليميــة وريفية تقــوم بالدرجة‬ ‫األساســية توفيــر الرعايــة الصحيــة األوليــة ألكبــر عــدد مــن املواطنــني‬ ‫مــن ذوي الدخــل املنخفــض خاصــة املقيمــني منهــم يف املناطــق النائيــة‪.‬‬ ‫ ركــز الصنــدوق نشــاطه يف قطــاع التعليــم علــى نوعيــة التعليم الفني‬‫والتقنــي بكافــة مراحلــه‪ ،‬نظــراً للــدور الهــام الــذي متارســه يف تكويــن‬ ‫املهــارات املهنيــة‪ ،‬حيــث عانــى هــذا القطــاع يف الــدول الناميــة مــن‬ ‫عوامــل عــدة تتمثــل يف عــدم كفايــة التمويــل ورداءة التصميــم وضعــف‬ ‫الصلــة بأســواق العمــل‪ .‬كمــا أن الصندوق اســتجاب لاهتمام املتزايد‬

‫الــذي يوليــه النشــاط التنمــوي املبــذول علــى الصعيــد العاملــي للتعليــم‬ ‫األساســي والثانــوي بوصفهمــا عنصريــن بالغــي األهميــة يف تنميــة‬ ‫املــوارد البشــرية وحتقيــق التنميــة املســتدامة مــن خــال االهتمــام‬ ‫بتمويــل منشــآت التعليــم العــام يف املراحــل مــا قبــل اجلامعــة‪.‬‬ ‫ جــاءت األهــداف اإلمنائيــة لأللفيــة التــي وضعتهــا األمم املتحــدة‬‫املتوافقــة مــع مســار الصنــدوق يف دعــم هذيــن القطاعــني بصــورة‬ ‫أساســية‪ ،‬فالتعليــم والصحــة يُعــدان مــن الوســائل القويــة للحــد مــن‬ ‫الفقــر وانعــدام املســاواة وزيــادة الرفاهيــة االجتماعيــة‪.‬‬ ‫وقــد بلغــت قيمــة مســاهمة الصنــدوق الســعودي للتنمية يف متويل‬ ‫مشــروعا يف قطاعــي التعليــم والصحــة يف القــارة اإلفريقيــة‬ ‫(‪)41‬‬ ‫ً‬ ‫حوالــي (‪ )1.9‬مليــار ريــال ســعودي خــال الفتــرة (‪)2010-1975‬‬ ‫واجلــدول (‪ (٢‬يوضــح ذلــك‪.‬‬

‫جــدول (‪ )٣‬مشــاريع قطــاع امليــاه يف الــدول اإلفريقيــة خــالل الفتــرة (‪ )٢٠1٠-1٩٧٥‬مليــون ريال‬ ‫الدولة‬ ‫بوركينافاسو‬ ‫بوروندي‬ ‫توجو‬ ‫تونس‬ ‫اجلزائر‬ ‫جيبوتي‬ ‫السنغال‬ ‫السودان‬ ‫غانا‬ ‫غينيا‬ ‫الكاميرون‬ ‫كينيا‬ ‫ليسوتو‬ ‫مالي‬ ‫مدغشقر‬ ‫مصر‬ ‫املغرب‬ ‫موريتانيا‬ ‫النيجر‬ ‫اإلجمالي‬

‫عدد املشاريع‬ ‫‪5‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪٧٠‬‬

‫املبلغ‬ ‫‪184.87‬‬ ‫‪8.70‬‬ ‫‪17.00‬‬ ‫‪828.27‬‬ ‫‪437.00‬‬ ‫‪15.00‬‬ ‫‪480.04‬‬ ‫‪1182.80‬‬ ‫‪114.70‬‬ ‫‪181.00‬‬ ‫‪109.90‬‬ ‫‪126.94‬‬ ‫‪37.50‬‬ ‫‪367.43‬‬ ‫‪42.40‬‬ ‫‪81.66‬‬ ‫‪848.00‬‬ ‫‪428.10‬‬ ‫‪75.00‬‬ ‫‪٥٥٦٢٫٣1‬‬

‫املصدر‪ :‬الصندوق السعودي للتنمية‪ ،‬دور الصندوق السعودي للتنمية يف دعم مشاريع املياه يف الدول النامية‪ ،‬الرياض‪ 2012،‬ص‪3‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ـروعا يف قطــاع الصحــة‪ ،‬وبلــغ‬ ‫ـروعا يف قطــاع التعليــم و(‪ )32‬مشـ ً‬ ‫مشـ ً‬ ‫مجمــوع مســاهماته يف القطاعــني (‪ )4885.98‬مليــون ريــال ســعودي‬ ‫أي مــا يعــادل (‪ )1302.93‬مليــون دوالر أمريكــي‪ ،‬منهــا (‪)2871.42‬‬ ‫ملي ــون ري ــال س ــعودي يف قط ــاع التعلي ــم و(‪ )2014.56‬ملي ــون ريــــ ــال‬ ‫يف قط ــاع الصح ــة‪.‬‬ ‫إن الــدور الــذي يقــوم بــه الصنــدوق يف دعــم القطاعــني ال‬ ‫يقتصــر علــى التدخــل املباشــر يف متويــل املشــاريع اخلاصــة بهمــا‪،‬‬ ‫بــل يتخطــاه إلــى املســاهمة يف متويــل مشــاريع يف قطاعــات أخــرى‬ ‫لهــا تأثيــرات إيجابيــة علــى األوضــاع التعليميــة والصحيــة للســكان‬ ‫مــن خــال مــا ينجــم عنهــا مــن آثــار يف القضــاء علــى الفقــر‪ .‬ومــن‬ ‫أهــم النشــاطات التــي يقــوم بهــا الصنــدوق لدعــم القطــاع الصحــي‬ ‫مســاهمته يف برامــج مكافحــة األمــراض املســتوطنة يف إفريقيــا‬ ‫بوجــه خــاص كبرنامــج مكافحــة العمــى النهــري ومــرض نقــص املناعة‬ ‫املكتســبة(اإليدز) وأمــراض الســل والكوليــرا‪.‬‬ ‫ويســعى الصنــدوق مــن خــال متويلــه ملشــاريع هذيــن القطاعــني‬

‫متابعات خليجية‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫إلــى حتقيــق أولويــات احلكومــات املســتفيدة وذلــك مبــا يتوافــق‬ ‫مــع خططهــا وبرامجهــا التنمويــة ومبــا يضمــن للــدول املســتفيدة‬ ‫منــ ًوا متواز ًنــا وتنميــة مســتدامة‪ .‬أن التمعــن يف مشــهد مســاهمات‬ ‫الصنــدوق يف قطاعــي التعليــم والصحــة منــذ بواكيــر إنشــائه وحلــد‬ ‫اآلن ترينــا املســائل اآلتيــة‪:‬‬ ‫ تزايــد اهتمــام الصنــدوق بالقطاعــني خــال األعــوام القليلــة‬‫املنصرمــة‪ ،‬فنجــد أن حصــة القطاعــني مــن مجمــل املبالــغ التــي‬ ‫قدمــت خــال الفتــرة (‪2010-1975‬م) بلغــت (‪ )4885.98‬مليــون‬ ‫مشــروعا يف أكثــر مــن (‪ )25‬بلــدًا‪.‬‬ ‫ريــال مت تخصيصهــا إلــى (‪)85‬‬ ‫ً‬ ‫ يوجــه الصنــدوق جــز ًءا ها ًمــا مــن مســاهماته يف القطاعــني للــدول‬‫ذات الدخــل املنخفــض التــي ال يتخطــى نصيــب الفــرد فيهــا مــن النــاجت‬ ‫احمللــي اإلجمالــي الســنوي (‪ )745‬دوالراً وفــق معاييــر املؤسســات‬ ‫الدوليــة‪ ،‬وقــد خصــص الصنــدوق لهــذه الــدول ما مجموعــه(‪)717.93‬‬ ‫مليون ريال ســعودي‪ ،‬أي ما نســبته (‪ )%26.6‬من إجمالي املســاعدات‬ ‫ـروعا يف (‪)13‬‬ ‫املخصصــة للقطاعــني‪ ،‬وذلــك بقصــد متويــل (‪ )19‬مشـ ً‬

‫جــدول (‪ )٢‬مســاهمة الصنــدوق يف دعــم قطاعــي التعليــم والصحــة يف إفريقيــا خــالل الفتــرة (‪ )٢٠1٠-1٩٧٥‬مليــون ريــال‬ ‫الدولة‬ ‫أوغندا‬ ‫بنني‬ ‫تونس‬ ‫اجلابون‬ ‫اجلزائر‬ ‫جزر الراس األخضر‬ ‫جيبوتي‬ ‫رواندا‬ ‫كوت دي فوار‬ ‫السنغال‬ ‫السودان‬ ‫سيراليون‬ ‫الصومال‬ ‫غانا‬ ‫غينيا‬ ‫كينيا‬ ‫مصر‬ ‫املغرب‬ ‫النيجر‬ ‫اإلجمالي‬

‫‪9‬‬

‫مشروعات قطاع التعليم‬ ‫‪45.00‬‬ ‫‪43.00‬‬ ‫‪51.15‬‬ ‫‪99.76‬‬ ‫‪241.00‬‬ ‫‪37.50‬‬ ‫‪26.25‬‬ ‫‪....‬‬ ‫‪37.50‬‬ ‫‪26.89‬‬ ‫‪4.23‬‬ ‫‪....‬‬ ‫‪35.30‬‬ ‫‪11.39‬‬ ‫‪69.00‬‬ ‫‪....‬‬ ‫‪100.00‬‬ ‫‪440.00‬‬ ‫‪81.16‬‬ ‫‪1349.13‬‬

‫مشروعات قطاع الصحة‬ ‫‪...‬‬ ‫‪40.00‬‬ ‫‪40.00‬‬ ‫‪....‬‬ ‫‪60.00‬‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫‪109.27‬‬ ‫‪....‬‬ ‫‪82.99‬‬ ‫‪....‬‬ ‫‪4.33‬‬ ‫‪....‬‬ ‫‪83.67‬‬ ‫‪49.00‬‬ ‫‪24.00‬‬ ‫‪85.00‬‬ ‫‪....‬‬ ‫‪....‬‬ ‫‪578.26‬‬

‫املصدر‪ :‬الصندوق السعودي للتنمية‪ ،‬نشاط الصندوق السعودي للتنمية يف دعم قطاعي التعليم والصحة‪ ،‬الرياض‪ 2012،‬ص ‪.9-8‬‬

‫‪8‬‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫صيانــة الطــرق واملوانــئ واملطــارات وســكك احلديــد وشــراء املعــدات‬ ‫وتدريــب العاملــني يف قطــاع النقــل واالتصــاالت‪.‬‬ ‫وجاء باملرتبة الثانية قطاع البنية االجتماعية‪ ،‬حيث مول الصندوق‬ ‫ـروعا مــن مشـــاريع البنيـــــة االجتماعيــــــة مببـــــــــــــــــــلـــــغ‬ ‫(‪ )91‬مشـ ً‬ ‫إجمـــــــــالي قدره (‪ )5955.59‬مليون ريـــال أي مــــــا يســـاوي (‪)%26‬‬ ‫مــن إجمالــي متويــل الصنــدوق خــال الفتــرة (‪ ،)2014-1975‬وكان‬ ‫ـروعا للمياه‬ ‫ـروعا‪ ،‬و(‪ )24‬مشـ ً‬ ‫لقطــاع الصحــة والتعليــم منهــا(‪ )55‬مشـ ً‬ ‫ـروعا لإلســكان والتنميــة احلضريــة‪.‬‬ ‫والصــرف الصحــي و (‪ )12‬مشـ ً‬ ‫وتعكــس النســبة العاليــة ملشــروعات البنيــة االجتماعيــة مــدى‬ ‫اهتمــام الصنــدوق الســعودي للتنميــة بالقطاعــات ذات الصلــة‬ ‫خصوصــا‬ ‫املباشــرة بالتنميــة البشــرية‪ ،‬ومســاعدة الــدول اإلفريقيــة‬ ‫ً‬ ‫الفقيــرة منهــا يف حتقيــق أجنــدة التنميــة الدوليــة‪.‬‬ ‫وجــاء قطــاع الزراعــة والتنميــة الريفيــة باملرتبــة الثالثــة‪ ،‬حيث بلغ‬ ‫ـروعا بلغــت مســاهمة‬ ‫عــدد املشــروعات املرتبطــة بالزراعــة (‪ )67‬مشـ ً‬ ‫الصنــدوق فيهــا (‪ )5675.79‬مليــون ريــال شــكلت نســبة (‪)%24.81‬‬ ‫مــن إجمالــي مــا قدمــه الصنــدوق‪ .‬وتركــزت هــذه املشــروعات يف‬ ‫مجــال تطويــر أســاليب الــري واســتصاح األراضــي وشــراء األســمدة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫واملعــدات لتطويــر وميكنــة القطــاع الزراعــي ومتويــل برامــج التنميــة‬ ‫الريفيــة املتكاملــة‪ ،‬وتطويــر الســدود‪.‬‬ ‫واحتــل قطــاع الطاقــة املرتبــة الرابعــة‪ ،‬حيــث مــول الصنــدوق‬ ‫مشــروعا لنقــل الطاقــة وإنشــاء محطــات الطاقــة الكهربائيــة‬ ‫(‪)26‬‬ ‫ً‬ ‫مببلــغ قــدره (‪ )3362.23‬مليــون ريــال وهــو مــا يشــكل (‪ )%14.7‬مــن‬ ‫إجمالــي التمويــل املقــدم مــن الصنــدوق خال الفتــرة (‪.)2014-1975‬‬ ‫ويلــي قطــاع الطاقــة قطــاع الصناعــة والتعديــن‪ ،‬حيــث‬ ‫بلغــت مســاهمات الصنــدوق الســعودي للتنميــة يف هــذا القطــاع‬ ‫مشــروعا صناع ًيــا وقــد‬ ‫(‪ )1277.21‬مليــون ريــال لتمويــل (‪)12‬‬ ‫ً‬ ‫شــكل متويــل قطــاع الصناعــة والتعديــن مــا نســبته (‪ )%5.58‬مــن‬ ‫إجمالــي متويــل كافــة القطاعــات‪ .‬وتركــزت املشــروعات املمولــة يف‬ ‫دعــم الصناعــات األساســية يف بعــض الــدول مثــل إنتــاج الســكر‬ ‫وإقامــة مجمعــات صناعيــة‪ ،‬وتطويــر محالــج األقطــان‪ ،‬واستكشــاف‬ ‫وإنتــاج بعــض اخلامــات‪ ،‬ودعــم القطــاع الصناعــي‪ .‬أمــا القطاعــات‬ ‫مشــروعا بقيمــة (‪)627.84‬‬ ‫األخــرى‪ ،‬فقــد مــول الصنــدوق (‪)22‬‬ ‫ً‬ ‫مليــون ريــال‪ ،‬وهــو مــا يشــكل (‪ )%2.74‬مــن مجمــل متويــل الصنــدوق‬ ‫خــال الفتــرة (‪ )2014-1975‬والشــكل البيانــي التالــي يوضــح ذلــك‪.‬‬

‫شــكل (‪ )٢‬التوزيــع القطاعــي لقــروض الصنــدوق الســعودي للتنميــة خــالل الفتــرة ‪٢٠1٤- 1٩٧٥‬‬

‫املصدر‪ :‬الصندوق السعودي للتنمية‪ ،‬التقرير السنوي للصندوق لعام ‪ ،2011‬الرياض‪ ،2012 ،‬ص‪42‬‬

‫ثالثاً‪-‬المســاعدات الســعودية ودعــم تحقيــق األهــداف اإلنمائيــة‬ ‫يف الــدول اإلفريقيــة‪:‬‬ ‫حرصــت اململكــة العربيــة الســعودية علــى تبنــي سياســة يف مجــال‬ ‫املســاعدات اإلمنائيــة تقــوم علــى توجيــه املنــح واملعونــات والقــروض‬ ‫نحــو القطاعــات ذات الصلــة بتحقيــق األهــداف اإلمنائيــة لأللفيــة‬ ‫يف الــدول الناميــة‪ ،‬وللتعــرف علــى جهــود اململكــة يف هــذا املجــال‬ ‫ســوف نســتعرض املشــروعات التــي قــام الصنــدوق الســعودي للتنميــة‬ ‫بتنفيذهــا لتحقيــق األهــداف اإلمنائيــة لأللفيــة يف الــدول الناميــة‪ ،‬يف‬ ‫مجــاالت التعليــم والصحــة وامليــاه‪.‬‬

‫‪ -1‬المساعدات المخصصة يف مجايل التعليم والصحة‪:‬‬ ‫س ــاهم الصن ــدوق الس ــعودي للتنمي ــة يف تعزي ــز سياس ــة اململك ــة‬ ‫العربيـــة الســـعودية يف دعـــم جهـــود الـــدول الناميـــة الشـــقيقة‬ ‫والصديق ــة للمس ــاعدة يف رف ــع مس ــتوى تل ــك الش ــعوب يف مجال ــي‬ ‫الصحـــة والتعليـــم ومبـــا يســـاعدها يف بلـــوغ األهـــداف اإلمنائيـــة‬ ‫لأللفيـــة املرتبطـــة بنشـــر التعليـــم‪ ،‬وخفـــض معـــدالت وفيـــات‬ ‫األطفـــال‪ ،‬وحتســـني صحـــة األمهـــات‪ ،‬ومكافحـــة فيـــروس نقـــص‬ ‫املناع ــة البش ــرية‪ /‬اإلي ــدز‪ ،‬واملاري ــا‪ ،‬حي ــث أس ــهم الصن ــدوق من ــذ‬ ‫مباشــرة نشــاطه عــام ‪1975‬م‪ ،‬حتــى نهايــة ‪2010‬م‪ ،‬يف متويــل (‪)53‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪7‬‬

‫جــدول (‪ )1‬التوزيــع القطاعــي لقــروض الصنــدوق الســعودي للتنميــة يف إفريقيــا خــالل الفتــرة (‪ ٢٠1٤-1٩٧٥‬م) مليــون ريــال‬

‫القطاع‬

‫عدد املشروعات والبرامج‬

‫املبلغ‬

‫‪112‬‬ ‫‪91‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪67‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪494‬‬

‫‪6588.68‬‬ ‫‪5955.59‬‬ ‫‪3362.23‬‬ ‫‪5087.18‬‬ ‫‪1277.21‬‬ ‫‪627.84‬‬ ‫‪22868.73‬‬

‫النقل واالتصاالت‬ ‫البنية االجتماعية‬ ‫الطاقة‬ ‫الزراعة‬ ‫الصناعة والتعدين‬ ‫القطاعات األخرى‬ ‫اإلجمالي‬

‫املصدر‪ :‬الصندوق السعودي للتنمية‪ ،‬التقرير السنوي لعام ‪ ،2014‬الرياض ‪ ،2015‬ص ‪.43‬‬ ‫شــكل (‪ )1‬التوزيــع القطاعــي لقــروض الصنــدوق الســعودي للتنميــة خــالل الفتــرة ‪٢٠1٤- 1٩٧٥‬‬

‫املصدر‪ :‬الصندوق السعودي للتنمية‪ ،‬التقرير السنوي للصندوق لعام ‪ ،2011‬الرياض‪ ،2012 ،‬ص‪42‬‬ ‫ويف العقد األول من القرن احلادي والعشــرين بقي قطاع البنية‬ ‫وخصوصــا التعليــم والصحــة يســتحوذ علــى نصيــب‬ ‫االجتماعيــة‬ ‫ً‬ ‫وافــر مــن القــروض إلــى جانــب قطــاع النقــل واالتصــاالت الــذي‬ ‫يحتــل املرتبــة األولــى طيلــة الفتــرة (‪2014-1975‬م) واجلــدول(‪)1‬‬ ‫يوضــح التوزيــع القطاعــي لقــروض الصنــدوق علــى القطاعــات‬ ‫التنمويــة التاليــة‪ :‬النقــل واالتصــاالت‪ ،‬الزراعــة‪ ،‬الـطــاقـــــة‪ ،‬الـــبــنيـــة‬ ‫االجـتـماعـــية‪ ،‬الصـــناعة والتــعـــدين‪ ،‬والقطاعــات األخــرى‪.‬‬ ‫يتبــني مــن اجلــدول أعــاه بــأن قطــاع النقــل واالتصــاالت‬ ‫قــد حظــي باحلصــة األكبــر مــن املشــاريع التــي مولهــا الصنــدوق‬ ‫الســعودي ســواء مــن حيــث العــدد أو املبلــغ اإلجمالــي‪ ،‬فقــد مــول‬ ‫مشــروعا مــن مشــاريع النقــل واالتصــاالت مببلــغ‬ ‫الصنــدوق(‪)112‬‬ ‫ً‬

‫إجمالــي قــدره (‪ )6558.68‬مليــون ريــال أي بنســبة (‪ )%28.67‬مــن‬ ‫إجمالــي متويــل الصنــدوق خــال الفتــرة(‪2014-1975‬م)‪.‬‬ ‫وكان لقطــاع النقــل(‪ )108‬مشــروعات موزعــة بواقــع (‪)78‬‬ ‫مشــروعا للطــرق‪ ،‬و(‪ )8‬مشــروعات للســكك احلديديــة‪ ،‬و(‪)11‬‬ ‫ً‬ ‫ـروعا للمطــارات‪ .‬أمــا قطــاع‬ ‫ـروعا للموانــئ البحريــة‪ ،‬و(‪ )11‬مشـ ً‬ ‫مشـ ً‬ ‫االتصــاالت فحظــي بأربعــة مشــروعات فقــط نفــذت يف كل مــن‬ ‫زميبابــوي والســودان ومصــر‪ .‬إن ارتفــاع عــدد القــروض املقدمــة‬ ‫لقطــاع النقــل واالتصــاالت يبــني مــدى حاجــة الــدول الناميــة يف‬ ‫إفريقيــا التــي ليســت لهــا منافــذ بحريــة لتطويــر هــذا القطــاع املهــم‪،‬‬ ‫إذ أن مراكــز إنتــاج املــواد األوليــة يف بعــض هــذه الــدول باتــت بعيــدة‬ ‫عــن املوانــئ‪ ،‬ولهــذه األســباب قــدم الصنــدوق مســاعدته بهــدف‬

‫اســـتحوذت البلـــدان العربيـــة اإلفريقيـــة عـــى (‪ )129‬مشـــروعاً‬ ‫بـ (‪ )14082.74‬مليون ريال بنسبة (‪ )%61.58‬من القروض األفريقية‬

‫‪6‬‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ســاهـــم فـــي الـتـنـمـيـــة الـمـسـتــدامـــة وتـوفــيـر الـخــدمـات‬

‫الصندوق السعودي للتنمية‪ :‬تمويل (‪)330‬‬ ‫مشرو ًعا يف (‪ )44‬دولة إفريقية بـ ‪ 23‬مليار ًا‬ ‫ســعت اململكــة العربيــة الســعودية منــذ ســبعينات القــرن املاضــي علــى اســتخدام املســاعدات اإلمنائيــة كأحد أدوات السياســة‬ ‫الناعمــة يف تعزيــز عاقاتهــا مــع مختلــف الــدول الناميــة ومنهــا الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬ولتوفيــر البنيــة املؤسســية التــي تعنــى‬ ‫بعمليــة تقــدمي املســاعدات واملعونــات اإلمنائيــة فقــد مت إنشــاء الصنــدوق الســعودي للتنميــة يف العــام ‪1974‬م‪ ،‬والــذي بــدء‬ ‫أعمالــه يف العــام ‪1975‬م‪ ،‬يف متويــل املشــاريع اإلمنائيــة يف الــدول الناميــة مــن خــال منــح القــروض بتســهيات كبيــرة بقصــد‬ ‫دعــم الــدول األقــل منـ ًوا بتوفيــر مــا يلزمهــا مــن األمــوال‪ ،‬وفــق احتياجاتهــا التنمويــة‪.‬‬

‫د‪ .‬نوزاد عبد الرحمن الهيتي‬

‫وســوف نتنــاول يف هــذا املقــال بيــان الــدور الذي قــام به الصندوق‬ ‫الســعودي للتنميــة يف دعــم جهــود الــدول اإلفريقيــة لتحقيــق التنميــة‬ ‫املســتدامة بأبعادهــا االقتصاديــة واالجتماعيــة والبيئيــة‪ ،‬ويف إجنــاز‬ ‫األهــداف اإلمنائيــة لأللفيــة فيهــا‪.‬‬

‫أوالً‪-‬التوزيع الجغرايف إلجمايل مشاريع الصندوق‪:‬‬ ‫بلــغ عــدد اتفاقيــات القــروض التــي وقعهــا الصنــدوق منــذ بدايــة‬ ‫نشــاطه يف عــام ‪1975‬م‪ ،‬وحتــى نهايــة عــام ‪ 2014‬نحــو (‪)511‬‬ ‫وبرنامجــا‬ ‫ـروعا إمنائ ًيــا‬ ‫اتفاقيــة قــرض خصصــت لتمويــل (‪ )537‬مشـ ً‬ ‫ً‬ ‫اقتصاد ًيــا مببلــغ قــدره (‪ )44156.59‬مليــون ريــال‪ .‬وقــد اســتفاد مــن‬ ‫هــذه املســاعدات (‪ )81‬دولــة ناميــة يف مناطــق مختلفــة مــن العالــم‬ ‫منهــا (‪ )44‬دولــة يف إفريقيــا و(‪ )29‬دولــة يف آســيا و(‪ )8‬دول يف‬ ‫مناطــق أخــرى‪.‬‬ ‫وياحــظ بــأن الــدول اإلفريقيــة قــد حظيت بالنصيــب األوفر من‬ ‫ـروعا‬ ‫قــروض الصنــدوق التراكميــة‪ ،‬إذ ســاهم يف متويــل (‪ )330‬مشـ ً‬ ‫يف (‪ )44‬دولــة إفريقيــة مببلــغ إجمالــي قــدره (‪ )22868.73‬مليــون‬ ‫ريــال‪ ،‬وهــو يشــكل مــا نســبته (‪ )%51‬مــن إجمالــي القــروض املقدمــة‬ ‫مــن الصنــدوق‪.‬‬ ‫واســتحوذت البلــدان العربيــة اإلفريقيــة علــى اجلــزء األكبــر مــن‬ ‫مشــروعا أي بنســبة (‪ )%30‬ومببلــغ‬ ‫املشــاريع والبرامــج (‪)129‬‬ ‫ً‬ ‫(‪ )14082.74‬مليــون ريــال وهــو مــا يشــكل (‪ )%61.58‬مــن القيمــة‬ ‫اإلجماليــة لقــروض الصنــدوق التراكميــة للــدول اإلفريقيــة‪.‬‬

‫ثان ًيا‪-‬التوزيع القطاعي إلجمايل مشاريع الصندوق‪:‬‬ ‫لقــد ســاهم الصنــدوق الســعودي للتنميــة منــذ بــدء نشــاطه وحتــى‬ ‫وبرنامجــا تنمو ًيــا‬ ‫مشــروعا‬ ‫نهايــة عــام ‪2014‬م‪ ،‬يف متويــل (‪)330‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يف مختلــف قطاعــات البنيــة التحتيــة احملــددة ضمــن إطــار نشــاطه‬ ‫التنمــوي يف إفريقيــا‪ ،‬شــملت قطاعــات النقــل واالتصــاالت والزراعــة‬ ‫والطاقــة والبنيــة االجتماعيــة (امليــاه والصــرف الصحــي‪ ،‬التعليــم‪،‬‬ ‫الصحــة‪ ،‬واإلســكان والتنميــة احلضريــة) الصناعــة والتعديــن‬ ‫والقطاعــات األخــرى‪.‬‬ ‫وياحظ على مدار الفترة (‪2014-1975‬م) بأن التوزيع القطاعي‬ ‫لقــروض الصنــدوق الســعودي قــد شــهد تغيــرات عديــدة‪ ،‬ففــي الوقــت‬ ‫الــذي كان النصيــب األكبــر مــن القــروض املقدمــة للــدول اإلفريقيــة‬ ‫خــال عقــد الســبعينيات لتمويــل مشــروعات النقــل واالتصــاالت‬ ‫والطاقــة انســجا ًما مــع احتياجــات الــدول املســتفيدة خــال تلــك‬ ‫الفتــرة‪ ،‬جنــد بــأن عقــد الثمانينــات شــهد اهتما ًمــا أكبــر بقطــاع‬ ‫الزراعــة والتنميــة الريفيــة إلــى جانــب قطــاع النقــل واالتصــاالت‪ .‬وقــد‬ ‫جــاء التركيــز علــى القطــاع الزراعــي نظ ـ ًرا ألهميتــه يف التنميــة يف‬ ‫العديــد مــن الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬كمــا شــهد هــذا العقــد بــدء التوجــه‬ ‫نحــو دعــم برامــج اإلصــاح االقتصــادي والتصحيــح الهيكلــي التــي‬ ‫تقــوم بهــا بعــض الــدول بهــدف املســاعدة يف توفيــر االســتقرار ودفــع‬ ‫النمــو االقتصــادي‪ .‬أمــا عقــد التســعينات‪ ،‬فقــد متيــز باالهتمــام‬ ‫بالقطاعــات االجتماعيــة‪ ،‬حيــث وجــه القســم األكبــر مــن القــروض‬ ‫واملســاعدات إلــى قطاعــي البنيــة االجتماعيــة والطاقــة‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫اخلليجــي ـ اإلفريقــي ‪ :‬تعزيــز العاقــات االقتصاديــة) وشــارك فيــه‬ ‫‪ 4‬رؤســاء دول إفريقيــة و‪ 40‬مســؤوالً رفيعــي املســتوى مــن مختلــف‬ ‫دول جنــوب الصحــراء‪ ،‬ومتخــض عــن هــذا املؤمتــر العديــد مــن‬ ‫املقترحــات والتوصيــات املهمــة التــي تؤســس لشــراكة علــى كافــة‬ ‫اجلوانــب االقتصاديــة مبــا يعــزز االســتثمارات املشــتركة ويزيــد مــن‬ ‫حجــم وقيمــة التبــادل التجــاري بــني اجلانبــني‪.‬‬ ‫وعلى املســتوى الرســمي‪ ،‬شــهدت العاقات اخلليجية ـ اإلفريقية‬ ‫اهتما ًمــا كبيــ ًرا منــذ مطلــع العــام املاضــي حيــث اســتقبل خــادم‬ ‫احلرمــني الشــريفني امللــك ســلمان بــن عبــد العزيــز ـ حفظــه اهلل ـ‬ ‫رئيســا إفريق ًيــا زاروا اململكــة‪ ،‬كمــا شــهدت الفتــرة ذاتهــا توقيــع‬ ‫‪20‬‬ ‫ً‬ ‫العديــد مــن االتفاقيــات مــع الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬إضافــة إلــى مشــاركة‬ ‫‪ 10‬دول إفريقيــة يف املنــاورة العســكرية الكبــرى (رعــد الشــمال) التــي‬ ‫اســتضافتها اململكــة العربيــة الســعودية العــام احلالــي ومت تنفيذهــا‬ ‫يف حفــر الباطــن مبشــاركة ‪ 20‬دولــة إســامية أي نصــف الــدول التــي‬ ‫شــاركت يف املنــاورة كانــت إفريقيــة‪ ،‬كمــا أن ثــاث دول إفريقيــة‬ ‫شــاركت يف عاصفــة احلــزم ووافقــت دولــة رابعــة علــى املشــاركة‬ ‫وهــي الســنغال‪ ،‬وهــذا يؤكــد أن التحديــات واألهــداف مشــتركة‪ ،‬وأن‬ ‫التعــاون والتاحــم بــني اململكــة ودول اخلليــج مــن ناحيــة‪ ،‬ودول القــارة‬ ‫اإلفريقيــة مــن جهــة أخــرى مطلــب للطرفــني‪.‬‬ ‫ونعتقــد أن هــذا التعــاون املهــم ميثــل بدايــة مشــجعة للتكامــل‬ ‫اخلليجــي ـ اإلفريقــي يجــب البنــاء عليــه وتطويــره نظـ ًرا للعديــد مــن‬ ‫االعتبــارات واملنافــع املتبادلــة للجانبــني اخلليجــي واإلفريقــي م ًعــا‪،‬‬ ‫فعلــى صعيــد التعــاون االقتصــادي‪ :‬تشــرع القــارة الســمراء أبوابهــا‬ ‫لاســتثمارات اخلارجيــة خاصــة االســتثمار الزراعــي والصناعــات‬ ‫الغذائيــة والتعديــن واستكشــاف واســتخراج النفــط والغــاز‪ ،‬إضافــة‬ ‫إلــى كونهــا ســو ًقا واســعة للتســويق واالســتهاك‪ ،‬يف حــني دول‬ ‫مجلــس التعــاون اخلليجــي تبحــث عــن مثــل هــذه الفــرص خاصــة‬ ‫لتوفيــر احتياجاتهــا مــن الغــذاء واحملاصيــل الزراعيــة‪ ،‬كمــا لديهــا‬ ‫خبــرات متراكمــة يف صناعــة النفــط‪ ،‬وكذلــك لديهــا قــدرات كبيــرة‬ ‫يف إعــادة التصديــر إلــى القــارة الســمراء‪.‬‬ ‫والبعد األمني يف العاقة اخلليجية ـ اإلفريقية غاية يف األهمية‬ ‫ً‬ ‫أيضــا خاصــة بعــد زيــادة رقعــة اإلرهــاب وانتشــاره يف العديــد مــن‬ ‫الــدول اإلفريقيــة ال ســيما التنظيمــات اإلرهابيــة اخلطيــرة العابــرة‬ ‫للحــدود واملرتبطــة بقيــادات وفــروع دوليــة‪ .‬لذلــك يجــب تكثيــف‬ ‫التعــاون األمنــي واالســتخباراتي ملواجهــة هــذه الظاهــرة التــي أخــذت‬ ‫تتنامــى جنــوب الصحــراء اإلفريقيــة وشــمالها‪.‬‬ ‫العاقــات العســكرية بــني الطرفــني ال تقــل أهميــة عــن التعــاون‬ ‫األمنــي خاصــة أن هنــاك جتــارب ناجحــة بــني بعــض دول اخلليــج‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪5‬‬

‫والــدول اإلفريقيــة يف مجــال التصنيــع العســكري ومنهــا جتربــة‬ ‫اململكــة العربيــة الســعودية مــع جنــوب إفريقيــا التــي جــاءت يف وقــت‬ ‫تســعى فيــه دول مجلــس التعــاون إلــى توطــني الصناعــات العســكرية‪،‬‬ ‫إضافــة إلــى ضــرورة العمــل املشــترك لتأمــني مضيــق بــاب املنــدب‬ ‫ومدخــل البحــر األحمــر وخليــج عــدن حيــث توجــد جهــود دوليــة‬ ‫محمومــة للتواجــد العســكري خاصــة يف شــرق إفريقيــا هــذه املنطقــة‬ ‫التــي تعــد مــن أهــم حلقــات األمــن اخلليجــي والعربــي‪.‬‬ ‫ويأتــي ذلــك يف ظــل توجــه دول مجلــس التعــاون اخلليجــي إلــى‬ ‫تنويــع مصــادر الدخــل وتوســيع القاعــدة االقتصاديــة واالســتعداد‬ ‫ملرحلــة مــا بعــد النفــط‪ ،‬وهــو مــا ترجمتــه رؤيــة ‪ 2030‬التــي طرحتهــا‬ ‫اململكــة العربيــة الســعودية وتعمــل بجديــة علــى تنفيذهــا حيــث تعتمــد‬ ‫علــى التوســع يف االســتثمارات الداخليــة واخلارجيــة وحتقيــق زيــادة‬ ‫معــدالت النمــو‪ ،‬واالســتمرار يف حتقيــق الرفاهيــة دون االعتمــاد علــى‬ ‫النفــط كســلعة وحيــدة أو رئيســية يف الدخــل الوطنــي‪.‬‬ ‫ولتفعيــل الشــراكة مــع إفريقيــا جنــوب الصحــراء مــن الضــروري‬ ‫وضــع أســس لهــذه الشــراكة بــني احلكومــات عبــر اتفاقيــات بعيــدة‬ ‫املــدى تؤطــر ملنــع االزدواج الضريبــي‪ ،‬والتحكيــم‪ ،‬وانتقــال رؤوس‬ ‫األمــوال‪ ،‬والســلع‪ ،‬والعمالــة‪ ،‬وتفعيــل دور القطــاع اخلــاص وحتفيــزه‬ ‫لاســتثمار يف إفريقيــا علــى ضــوء اســتراتيجية واضحــة املعالــم‬ ‫وليــس مجــرد اجتهــادات فقــط مــن بعــض شــركات القطــاع اخلــاص‪.‬‬ ‫ومــن الضــروري أن تقــوم جامعــة الــدول العربيــة ومجلــس التعاون‬ ‫اخلليجــي برفــع مســتوى التنســيق مــع االحتــاد اإلفريقــي لتعزيــز‬ ‫التعــاون العربــي واخلليجــي اجلماعــي وف ًقــا لرؤيــة تخــدم األمــن‬ ‫اجلماعــي ال ســيما أن هنــاك تواجــد دولــي وإقليمــي متعــدد األوجــه‬ ‫واألبعــاد واألهــداف لتحقيــق غايــات دينيــة‪ ،‬وطائفيــة‪ ،‬وعرقيــة عــاوة‬ ‫علــى املصالــح السياســية واالقتصاديــة يف إفريقيــا جنــوب الصحــراء‬ ‫وهــذا يؤثــر بشــكل مباشــر علــى األمــن العربــي واخلليجــي واألمــن‬ ‫اإلقليمــي برمتــه نظ ـ ًرا حلساســية وأهميــة املوقــع اجلغــرايف للقــارة‬ ‫اإلفريقيــة وقربهــا مــن املمــرات املاحيــة الدوليــة وبذلــك ال بــد أن‬ ‫تكــون إفريقيــا يف صلــب التخطيــط االســتراتيجي اخلليجــي نظ ـ ًرا‬ ‫ألهميــة املنافــع وخطــورة التحديــات‪.‬‬ ‫ويف بعدهــا االســتراتيجي‪ ،‬فــإن تطويــر العاقــات اخلليجيــة ‪-‬‬ ‫االفريقيــة يهــدف إلــى احتــواء التمــدد اإليرانــي يف القــارة الســمراء‪،‬‬ ‫حيــث عملــت طهــران خــال العقديــن املاضيــني علــى توســيع دائــرة‬ ‫نفوهــا السياســي‪ ،‬والثقــايف‪ ،‬وركــزت بشــكل خــاص علــى النشــاطات‬ ‫التبشــيرية ذات الصبغــة الطائفيــة‪.‬‬ ‫*رﺋﻴﺲ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺨﻠﻴﺞ ﻟﻸﺑﺤﺎث‬

‫حول الخليج‬ ‫‪4‬‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫افـتتــاحــية ال ـعـدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الخليج وإفريقيا‪ :‬الفرص والتحديات‬

‫د‪ .‬عبد العزيز بن عثمان بن صقر‬

‫‪4‬‬

‫‪sager@grc.net‬‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫اهتمــام دول مجلــس التعــاون اخلليجــي بإفريقيــا جنــوب الصحــراء‬ ‫ليــس جديـدًا‪ ،‬حيــث هنــاك العديــد مــن الروابــط التاريخيــة‪ ،‬اجلغرافيــة‪،‬‬ ‫الدينيــة‪ ،‬والثقافيــة وغيرهــا مــن األواصــر التــي جتمع بــني الطرفني منذ‬ ‫القــدم والتــي توثقــت بعــد اإلســام‪ ،‬ثــم زادت قوتهــا يف التاريــخ احلديــث‬ ‫واملعاصــر‪ ،‬كــون إفريقيــا جــاره لــدول مجلــس التعــاون اخلليجــي وللــدول‬ ‫العربيــة عامــة‪ ،‬إضافــة إلــى كونهــا ثانــي أكبــر قــارة يف العالــم مــن حيــث‬ ‫املســاحة‪ ،‬وتضــم ‪ 53‬دولــة ويقطنهــا مــا يقتــرب مــن ‪ 100‬مليــون نســمة‪،‬‬ ‫وتعــد ســو ًقا اســتهاك ًيا واســعة‪ ،‬وتضــم بــني جنباتهــا الكثيــر مــن الفــرص‬ ‫ً‬ ‫وأيضــا لثقلهــا السياســي علــى املســرح‬ ‫االســتثمارية املتاحــة واملمكنــة‪،‬‬ ‫الدولــي‪ ،‬إضافــة إلــى االهتمــام الدولــي واإلقليمــي الــذي يــزداد بهــذه‬ ‫القــارة الغنيــة باملــوارد الطبيعيــة املهمــة‪ ،‬وذات األهميــة االســتراتيجية‬ ‫واجليوسياسية‪.‬‬ ‫ولعــل دعــم دول اخلليــج ويف مقدمتهــا الســعودية حلــركات التحــرر‬ ‫اإلفريقيــة منــذ ســتينيات القــرن العشــرين يعــد أحــد وجــوه هــذا‬ ‫االهتمــام الــذي ســرعان مــا حتــول إلــى الدعــم املــادي واالقتصــادي‬ ‫وتطويــر اخلدمــات واملرافــق مبــا يخــدم التنميــة يف إفريقيــا عنــد بدايــة‬ ‫الطفــرة النفطيــة يف منتصــف ســبعينيات القــرن العشــرين حيث أسســت‬ ‫الــدول اخلليجيــة الصناديــق التنمويــة بغــرض تقــدمي املســاعدات‬ ‫واملنــح والقــروض للعديــد مــن الــدول الناميــة ويف مقدمتهــا الــدول‬ ‫اإلفريقيــة بشــقيها العربــي وجنــوب الصحــراء‪ ،‬وعلــى ســبيل املثــال‬ ‫قــام الصنــدوق الســعودي للتنميــة منــذ عــام ‪1975‬م‪ ،‬ومــازال بتمويــل‬ ‫الكثيــر مــن املشــروعات يف ‪ 44‬دولــة إفريقيــة مببالــغ اقتربــت مــن ‪23‬‬ ‫مليــار دوالر‪ ،‬وقدمــت الصناديــق التنمويــة يف دولــة اإلمــارات العربيــة‬ ‫املتحــدة والكويــت بدعــم مماثــل‪ ،‬إضافــة إلــى الــدور املتميــز الــذي يقــوم‬ ‫بــه البنــك اإلســامي للتنميــة يف تقــدمي القــروض واملنــح غيــر املســتردة‬ ‫للــدول اإلفريقيــة‪ ،‬وكذلــك جهــود هيــأة اإلغاثــة اإلســامية العامليــة‪،‬‬ ‫واجلمعيــات اخليريــة‪.‬‬ ‫وأولــى مركــز اخلليــج لألبحــاث أهميــة كبيــرة للعاقــات اخلليجيــة‬ ‫برنامجــا لهــذه العاقــات أثمــر‬ ‫مــع إفريقيــا جنــوب الصحــراء وخصــص‬ ‫ً‬ ‫عــن عقــد مؤمتريــن األول يف كيــب تــاون بجنــوب إفريقيــا يف فبرايــر‬ ‫‪2009‬م‪ ،‬حتــت عنــوان (اخلليــج وإفريقيــا‪ :‬اســتراتيجية جديــدة)‪،‬‬ ‫والثانــي بالريــاض يف ديســمبر ‪2010‬م‪ ،‬حتــت عنــوان (االســتثمار‬

‫ملف العدد‬ ‫د‪ .‬ظافــر محمد العجمي‬ ‫د‪ .‬طــالل صالح بنّان‬ ‫د‪ .‬عيل الدين هالل‬ ‫د‪ .‬نــادر نور الدين محمد‬ ‫د‪ .‬عباس محمد شــراقي‬ ‫د‪ .‬عبــد الحفيــظ عبد الرحيم محبوب‬ ‫د‪ .‬ســايل محمد فريد‬ ‫د‪ .‬هويــدا عبــد العظيم عبد الهادي‬ ‫د‪ .‬خالد يايموت‬ ‫د‪ .‬خالد شيات‬ ‫د‪ .‬نورهان الشيخ‬ ‫اللــواء محمد إبراهيم‬ ‫د‪ .‬أيمن الســيد شبانة‬

‫هذا العدد‬ ‫‪www.araa.sa‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪43‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪54‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪64‬‬ ‫‪69‬‬ ‫‪75‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪87‬‬ ‫‪91‬‬ ‫‪95‬‬ ‫‪99‬‬

‫متابعات دولية‬ ‫سبـــاق الرئاسة األمـــريكي األول فـــي التـــاريخ بـمـرشـحـــين أقــل‬ ‫شـعـبـيـة‬ ‫د‪ .‬أمل مدليل‬

‫إصدارات‬

‫‪105‬‬

‫‪111‬‬

‫علــم االجتمــاع السياســي المعاصــر ـ تطبيقــات عــى المجتمــع‬ ‫العربــي‬

‫وقفة‬

‫‪112‬‬

‫الــغـيـــاب الـعـربـي فـــي إفـريـقـيـا‬ ‫جمال أمين ّهمام‬

‫اإلسهامات‬ ‫٭ ترحــب مجلــة «آراء حــول اخلليــج» بإســهامات الكتــاب والباحثــني يف الشــؤون اخلليجيــة يف‬ ‫املجــاالت السياســية واالقتصاديــة واالجتماعيــة والدفاعيــة واألمنيــة‪.‬‬ ‫٭ المجلة غير ملتزمة بإعادة أي مادة تتلقاها للنشر‪.‬‬ ‫٭ جميع حقوق الترجمة والنشر محفوظة لمركز الخليج لألبحاث ‪.٢٠٠8‬‬ ‫٭ ال يســمح بإعــادة نشــر المــواد المنشــورة فــي المجلــة دون الحصــول علــى إذن خطــي مســبق مــن‬ ‫مركــز الخليــج لألبحــاث‪.‬‬ ‫٭ آراء الكتاب تعبر عن أصحابها وال تعبر بالضرورة عن اتجاهات يتبناها مركز الخليج أو مجلة آراء‪.‬‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يحمــل رقــم ‪ 109‬مــن أعــداد‬ ‫هــذا العــدد مــن مجلــة (آراء حــول الخليــج)‬ ‫والــذي ‪3‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬ ‫رئيســا عــن العالقــات‬ ‫هــذه المجلــة التــي تصــدر عــن مركــز الخليــج لألبحــاث يتضمــن ملفً ــا ً‬ ‫الخليجيــة ـ اإلفريقيــة بعنــوان (العالقــات الخليجيــة ـ اإلفريقيــة‪ :‬الفــرص والتحديــات)‬ ‫ويتنــاول هــذا الملــف دراســات ومقــاالت عميقــة حــول العالقــات الخليجيــة مــع إفريقيــا‬ ‫جنــوب الصحــراء وكيــف يمكــن تفعيلهــا وتطويرهــا لتناســب المســتجدات اإلقليميــة‬ ‫والدوليــة واحتياجــات شــعوب ودول الجانبيــن وبمــا يخــدم المصالــح و األهداف المشــتركة‬ ‫عــى ضــوء اإلمكانيــات المتاحــة لــدى الجانبيــن‪.‬‬ ‫تؤكــد الدراســات التــي يطرحهــا هــذا العــدد أن الظــروف والمعطيــات تهيــئ للتكامــل‬ ‫وليــس للتنافــس بيــن دول الخليــج ودول إفريقيــا جنــوب الصحــراء‪ ،‬انطال ًقــا مــن عالقــات‬ ‫تاريخيــة متميــزة‪ ،‬وقــرب جغــرايف وتشــابه يف التحديــات واألهــداف‪ ،‬إضافــة إىل القواســم‬ ‫المشــتركة ومنهــا الديــن واإلرث الحضــاري خاصــة يف مناطــق شــرق إفريقيــا‪.‬‬ ‫كمــا أن المــوارد الطبيعيــة المتوفــرة لــدى الجانبيــن تتيــح فــرص التكامــل الــذي‬ ‫يعتمــد عــى المنافــع المتبادلــة‪ ،‬حيــث تتوفــر يف إفريقيــا جنــوب الصحــراء األراضــي‬ ‫الزراعيــة والميــاه العذبــة والفــرص المواتيــة إلنتــاج المحاصيــل الزراعيــة التــي تحتاجهــا‬ ‫دول مجلــس التعــاون‪ ،‬إضافــة إىل الثــروة المعدنيــة والمــواد األوليــة الالزمــة للصناعــة‪،‬‬ ‫كمــا أن هنــاك ثــروة نفطيــة مهمــة يف إفريقيــا ودخلــت األســواق العالميــة‪.‬‬ ‫وتعــد مواجهــة اإلرهــاب مــن التحديــات المشــتركة التــي تواجــه الجانبيــن وتتطلــب‬ ‫تعــاون مشــترك لحصــار هــذه اآلفــة خاصــة موجــات اإلرهــاب العابــرة للحــدود التــي تنفذهــا‬ ‫التنظيمــات المرتبطــة بقيــادات وتنظيمــات إقليميــة ودوليــة ال ســيما تنظيمــات‬ ‫داعــش والقاعــدة وبوكــو حــرام وغيرهــا مــن التنظيمــات التــي تســللت إىل القــارة الســمراء‬ ‫وأخــذت تهــدد اســتقرار هــذه المنطقــة التــي تعانــي أصـ ًال مــن مشــاكل أخــرى تصــب يف‬ ‫قنــاة التوتــر جــراء الصراعــات الموجــودة يف دول القــارة‪.‬‬ ‫يظــل تأميــن بــاب المنــدب والبحــر األحمــر مــن الضــرورات األمنيــة الخليجيــة والعربيــة‬ ‫واإلفريقيــة وهــذا يتطلــب تعــاون خليجــي ـ إفريقــي‪ ،‬خاصــة يف ظــل التنافــس الــدويل‬ ‫واإلقليمــي عــى التواجــد يف منطقــة القــرن اإلفريقــي خاصــة التواجــد العســكري‪.‬‬

‫محاور العدد المقبل‬ ‫العالقــات الخليجية ـ أمريــكا الالتينية‪ :‬الواقع والمأمول‬ ‫ويتناول الملف الرئيســي لهــذا العدد المحاور التالية‪:‬‬ ‫ـ تأثير تراجع اليسار يف أمريكا الالتينية عى العالقات مع دول الخليج العربية‪.‬‬ ‫ـ تعــاون الجنــوب ـ الجنوب يف توجهات السياســة الخارجية الالتينية‪.‬‬ ‫ـ االســتثمارات الخليجيــة يف أمريــكا الالتينية‪ :‬المتاح والممكن‪.‬‬ ‫ـ التعاون االقتصادي‪ :‬االســتفادة من المزايا النســبية للطرفين‪.‬‬ ‫ـ مســتقبل الطاقــة يف العالقــات الخليجية ـ الالتينية‪.‬‬ ‫ـ فــرص االســتثمار الزراعي الخليجــي يف أمريكا الالتينية‪.‬‬ ‫ـ التعــاون العســكري الخليجــي ـ الالتينــي‪ :‬الحدود والقدرات والمنافــع المتبادلة‪.‬‬ ‫ـ األهميــة االســتراتيجية للعالقــات الخليجيــة ـ الالتينيــة عــى المســرح الــدويل‬ ‫واإلقليمــي‪.‬‬ ‫ـ التصــور الخليجــي للتعاون بيــن الجانبين لمواجهة اإلرهاب‪.‬‬ ‫ـ مواقــف دول أمريــكا الالتينيــة مــن القضايــا العربيــة وتأثيرهــا عــى‬ ‫العالقــات بيــن الجانبيــن‪.‬‬ ‫ـ تأثيــر األدب الالتينــي والقــوة الناعمــة عــى العالقــات بيــن دول الخليــج‬ ‫وأمريــكا الالتينيــة‪.‬‬ ‫ـ تأثيــر األوضــاع السياســية يف البرازيــل عــى أمريــكا الالتينيــة وانعكاســها‬ ‫عــى العالقــات الخليجيــة‪.‬‬ ‫ـ الرياضــة كأداة مــن أدوات القــوى النعامــة الالتينية‪..‬واقعهــا ‪..‬أهميتهــا‪..‬‬ ‫مســتقبلها‪.‬‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪2‬‬

‫مجلة شهرية تصدر عن‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬ ‫تعنى بالشؤون اخلليجية‬ ‫رئيس التحرير‬

‫افتتاحية العدد‬

‫‪4‬‬

‫الفرص والتحديات‬ ‫الخليــج وإفريقيا‪:‬‬ ‫‪www.araa.sa‬‬ ‫د‪ .‬عبــد العزيــز بن عثمان بن صقر‬

‫متابعات خليجية‬

‫‪6‬‬

‫الصندوق الســعودي للتنمية‪ :‬تمويل (‪ )330‬مشــرو ًعا يف (‪)44‬‬ ‫دولــة إفريقية بـ ‪ 23‬مليار ًا‬ ‫د‪ .‬نــوزاد عبد الرحمن الهيتي‬

‫د‪ .‬عبد العزيز بن عثمان بن صقر‬ ‫‪sager@grc.net‬‬

‫مدير التحرير‬

‫جمال أمني همام‬

‫دراسة العدد‬

‫‪12‬‬

‫مشكلة المياه يف إفريقيا‪ :‬أزمـــة إدارة ال نـــدرة‬ ‫د‪ .‬محمد ســالمان طايع‬

‫‪jamal@araa.sa‬‬

‫سكرتيرالتحرير‬

‫أحمد صالح‬ ‫‪salah@grc.net‬‬

‫التصميم الفني‬

‫منى فيصل‬

‫رؤية وتحليل‬

‫‪25‬‬

‫الخليج العربي وجاذبية القوى اآلسيوية يف إفـريقـــيا‪ :‬الصـــين‬ ‫نموذجـًا‬ ‫د‪ .‬فؤاد فرحاوي‬

‫قضية العدد‬

‫‪31‬‬

‫‪mona@grc.net‬‬

‫الهيئة االستشارية‬

‫د‪ .‬خالد اجلابر‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬عبد اخلالق عبد اهلل‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬عبد اهلل خليفة الشايجي‬ ‫د‪ .‬عبد اهلل بن علي عبد الرزاق باحجاج‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬صالح بن عبد الرحمن املانع‬ ‫د‪ .‬محمد عبد الغفار عبد اهلل‬ ‫الطباعة‬ ‫متت الطباعة يف مؤسسة‬ ‫املدينة للصحافة والطباعة والنشر‬

‫العالقــات الخليجيــة ــ اإلفريقية‪ ..‬بيــن التكامل أو التنافس‬ ‫أمينة العـريمي‬

‫اإلعالنات واملراسالت‬ ‫لإلعالن يف املجلة ميكن االتصال بقسم اإلعالن والتسويق على العنوان التالي‪:‬‬ ‫البريد االلكتروني‪info@araa.sa :‬‬

‫اململكة العربية السعودية‪ ٣٥ :‬ري ـ ــا ًال‬

‫الدول العربية‪:‬‬

‫‪ 1٠٠‬دوال ًرا‬

‫توجه جميع املراسالت إلى مجلة «آراء حول اخلليج» على العنوان التالي‪:‬‬ ‫‪ 1٩‬شارع راية االحتاد‬ ‫ص‪.‬ب‪ 1٠٥٠1 .‬جدة ‪ ٢1٤٤٣‬اململكة العربية السعودية‬ ‫هاتف‪+٩٦٦ 1٢ ٦٥11٩٩٩:‬‬ ‫فاكس‪+٩٦٦ 1٢ ٦٥٣1٣٧٥ :‬‬ ‫البريد اإللكتروني‪info@araa.sa :‬‬

‫درهما‬ ‫اإلمارات العربية املتحدة‪٣٥ :‬‬ ‫ً‬ ‫‪ ٣٫٥‬دينا ًرا‬ ‫مملكة البحرين‪:‬‬ ‫‪ ٣٥‬ري ـ ـ ــا ًال‬ ‫دولة قطر‪:‬‬ ‫‪ ٣٫٥‬دينا ًرا‬ ‫دولة الكويت‪:‬‬ ‫‪ ٣٫٥‬ري ـ ـ ــا ًال‬ ‫سلطنة عمان‪:‬‬ ‫‪ ٤٫٥‬ديـنــا ًرا‬ ‫األردن‪:‬‬

‫الدول األوروبية‪:‬‬ ‫بقية دول العالم‪:‬‬

‫‪ 11٠‬دوال ًرا‬ ‫‪ 1٢٠‬دوال ًرا‬

‫ثمن النسخة‬

‫االشتراك السنوي‬

‫يرسل طلب االشتراك إلى عنوان املجلة‬ ‫مــع حوالــة مصرفيــة أو شــيك بقيمــة‬ ‫االشــتراك باســم مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫العــدد ‪109‬‬ ‫يولـيـو ‪2016‬‬

‫‪1‬‬

‫العــــــدد ‪109‬‬ ‫ﻳـــﻮﻟــﻴـــــﻮ ‪2016 -‬‬

‫الصنـدوق السعـودي‪ 330:‬مشـرو ًعا‬ ‫فـي ‪ 44‬دولة بـ ‪ 32‬مـليا ًرا يف إفريقيا‬ ‫روســيـــا تراقـب إفـريـقيا بشبكـة‬ ‫«كوندو» وإسقاط الديون المالية‬ ‫المحافظون الجدد‪ :‬ترامب كارثة ‪..‬‬ ‫والتنافس بين مرشحين أقل شعبية‬

‫ملف العدد‪:‬‬

‫العالقــات الخليجية مع إفريقيا جنوب الصحــراء‪ :‬الفرص والتحديات‬ ‫▀ ‪ 4‬مجــاالت لالســتثمارات العربيــة يف قــارة تضــم نصــف خامــات معــادن العالــم‬ ‫▀ اإلرهـــــاب وإسـرائـيـــل وإيـــران ‪ ..‬ثــالـــوث الــخـطــــر الـــقـــادم عـلـــى الـعـــرب مـــن إفـريـقـيـــا‬ ‫▀ ‪ %6.5‬متوســط النمــو يف إفريقيــا و‪ 7‬دول مرشــحة ضمــن االقتصــادات األســرع نمــ ًوا‬ ‫▀ ‪ %11‬مــن الميــاه العذبــة فــي إفريقيــا والصحــراء الكبــرى تضــم أكبــر مســتودع للميــاه فــي العالــم‬ ‫▀ إفريقيــا تضــم ‪ 21‬دولــة منتجــة للنفــط بينهــم ‪ 4‬أعضــاء أوبــك والثقــل يف غــرب إفريقيا‬ ‫▀ ‪ 1000‬مـــدرســــة و‪ 69‬مـعـهـــ ًدا و‪ 16‬مـلـحـقـــية عـسـكـــرية صـيـنيـــة و‪ 35‬مـلـيـــا ًرا إلفـريـقـــيا‬ ‫▀ إســرائيل فككــت الكتلــة التصويتية للــدول اإلفريقية وتســتثمر الفقــر بإغراء المســاعدات‬ ‫▀ ثــالث قــوى عالميــة تتصــارع فــي غــرب إفريقيــا‪ ..‬والــدور الخليجــي تحكمــه المصالــح والسياســة‬ ‫▀ اإلمـــارات الـمـســتــثـمـــر الـعـربـــي األول بـــ ‪ %21‬والـســعـوديـــة الـثــانـــي بـــ ‪ %19‬فــي إفـريـقــيـــا‬