مجلة آراء العدد 132

‫صفقة القرن ‪ ..‬سباق الدبلوماسية والحرب‪:‬‬ ‫‪ 9‬مرتك��زات خل��ف التس��وية األمريكية‬ ‫العــــــدد ‪132‬‬ ‫يـــونــــيـــــــو ‪2018‬‬

‫معوقاتاالقتصاداإليراني‪:‬البطالةوالتضخم‬ ‫ومحدوديةاالستثماراتواالعتمادعىلالنفط‬

‫ملف العدد‪:‬‬

‫االنسحاب األمريكي من االتفاق النووي اإليراني‪ :‬التداعيات والسيناريوهات‬

‫▀ الت��وازن العس��كري يف الخلي��ج ض��د إي��ران واس��تبعاد أي مغام��رة عس��كرية والمواجه��ة اقتصادية‬ ‫▀ أوروب��ا تصط��ف م��ع أمري��كا والح��رب العس��كرية مس��تبعدة والح��رب االقتصادي��ة معلن��ة‬ ‫▀ الس��عودية ق��ادرة ع�لى تعوي��ض اإلم��دادات ودوره��ا القي��ادي ركي��زة م��ع دول "أوب��ك" و خارجه��ا‬ ‫▀ تعقي��دات النظام االس��تراتيجي يف المنطقة تجع��ل النووي ليس عامل ردع بل الفش��ل أكثر احتما ًال‬ ‫▀ ق��وة أمري��كا يف إنج��اح أو إفش��ال أي اتف��اق بعي�� ًدا ع��ن إرادة أطراف��ه الحلف��اء أو الخص��وم‬ ‫▀ ال مصلح��ة لروس��يا يف هيمن��ة إي��ران ع�لى المنطق��ة وه��ي بحاجة إىل ت��وازن ق��وى يف المنطقة‬ ‫▀ التصعي��د األمريك��ي يتج��اوز االتف��اق الن��ووي و الصاروخ��ي و النف��وذ اإلقليمي إىل تغيي��ر النظام‬ ‫▀ س��يناريوهات عالق��ة قط��ر وإيران يف ظل أزم��ة "النووي" تطرح تس��اؤالت حول الش��كوك والنوايا‬ ‫▀ أمري��كا ورط��ت إي��ران يف س��وريا الس��تدراجها لح��رب اس��تنزاف ترهقه��ا وج��رت روس��يا للمس��تنقع‬

‫‪130‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫وقفة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مفاتيح النزاع والحل يف الشرق األوسط‬

‫جمال أمني همام*‬ ‫‪jamal@araa.sa‬‬

‫منذ أن هدأت النزاعات يف القارة األوروبية وانتهى الصراع العسكري‬ ‫على النفوذ واالحتالل اخلارجي بصورته القدمية بعد أن وضعت احلرب‬ ‫العاملية الثانية أوزارها يف منتصف أربعينيات القرن العشرين‪ ،‬ظهر الشرق‬ ‫األوسط كمنطقة صراع ملتهبة بدأت باالحتالل اإلسرائيلي لدولة فلسطني‬ ‫ثم اسمترت هذه الصراعات بأشكال مختلفة‪ ،‬سواء على احلدود بني الدول‬ ‫بعد أن رحل االستعمار وترك ما يشبه مسمار جحا‪ ،‬أو صراعات اإلثنيات‬ ‫والعرقيات والقوميات وظهور اجلماعات اإلرهابية املسلحة‪ ،‬وما خلفته‬ ‫ثورات التحرر الوطني التي كانت تقاوم االستعمار وما ترتب عليها‪ ،‬إلى‬ ‫أن جاءت موجة جماعات اإلسالم السياسي الطامحة للوصول إلى احلكم‬ ‫بالقوة‪ ،‬وما يسمى بثورات الربيع العربي‪.‬‬ ‫ومع أن املنطقة حاولت أن تنأى بنفسها عن االستقطاب والصراعات‬ ‫الدولية يف ظل احلرب الباردة وانخرطت يف مجموعة عدم االنحياز ‪ ،‬إال‬ ‫أن القوى الكبرى التي لم تتخل عن توجهاتها القدمية‪ ،‬وعليه كانت ومازالت‬ ‫منطقة الشرق األوسط ساحة للحرب بالوكالة للدول الكبرى‪ ،‬بل والدول‬ ‫اإلقلميية ذات الطموح واملطامع والتي ترغب يف الهمينة والتوسع‪ ،‬وبعد‬ ‫انتهاء احلرب الباردة وأفول جنم االحتاد السوفيتي مت اختيار هذه املنطقة‬ ‫لتكون العدو الوهمي الذي تختلقه القوى الكبرى لتسويق مشروعها‪ ،‬والترويج‬ ‫لبضاعتها‪ ،‬وحتفيز شعوبها على مقاومة هذا العدو‪ ،‬ومت استغالل جماعات‬ ‫اإلسالم السياسي واإلرهاب لتوظيفها يف تضخمي مخاطر العدو اجلديد‬ ‫الذي طرأ على الساحة يف الشرق األوسط‪ ،‬وزادت خطورة هذا الوضع بعد‬ ‫الثورة اإلسالمية يف إيران عام ‪1979‬م‪ ،‬سواء كانت ثورة شعبية‪ ،‬أو مبساعدة‬ ‫الغرب حسب ترجيح بعض احملللني لتكون أداة لزعزعة استقرار منطقة‬ ‫الشرق األوسط مع إسرائيل‪ ،‬وبالفعل فرخت إيران وإسرائيل اإلرهاب الذي‬ ‫ضرب أطنابه يف املنطقة‪ ،‬فبعد قيام الثورة اإليرانية بعام واحد اندلعت حرب‬ ‫اخلليج األولى التي اسمترت ثماني سنوات بني العراق وإيران‪ ،‬وما لبثت أن‬

‫انتهت فاشتعلت حرب اخلليج الثانية باحتالل العراق لدولة الكويت‪ ،‬وجاءت‬ ‫حرب اخلليج الثانية على أنقاض احلرب األولى أو تابعة لها‪ ،‬وكامتداد‬ ‫طبيعي لذلك جاء االحتالل األمريكي للعراق وسقوط نظام صدام حسني‬ ‫وتبع ذلك همينة إيران على العراق ومنها متددت فميا بعد إلى سوريا ولبنان‬ ‫والمين وأغراها ذلك وفتح أمامها باب التوسع وفرض الهمينة يف املنطقة‬ ‫العربية وإفريقيا‪.‬‬ ‫التوسع والبدء يف حتقيق حلم إعادة االمبراطورية الفارسية جعل إيران‬ ‫تفكر يف امتالك عناصر القوة التي حتقق هذا احللم وحتميه‪ ،‬ومتثلت هذه‬ ‫القوة املأمولة يف امتالك السالح النووي الذي يجعل منها قوة عسكرية‬ ‫عظمى متتلك أداة الردع األقوى يف العالم ويجعلها تبتز دول املنطقة‪ ،‬وتساوم‬ ‫القوى العظمى على مناطق النفوذ‪ ،‬وساعد إيران على ذلك عدة اعتبارات‬ ‫منها امتالك إسرائيل للسالح النووي‪ ،‬ووجود فراغ إقلميي كبير يف الدول‬ ‫العربية بعد اندالع موجة ما يسمى بثورات الربيع العربي وخروج عدة دول‬ ‫عربية مهمة من دائرة التأثير ومن ثم غياب التوازن اإلقلميي‪ ،‬وساعدها‬ ‫ً‬ ‫أيضا وجود الوفورات املالية نتيجة الثروة النفطية‪ ،‬مع جتييش أتباع املذهب‬ ‫الشيعي‪ ،‬بل ومحاولة نشر هذا املذهب يف العديد من الدول اإلسالمية‬ ‫لضمان زيادة املناصرين لها واملدافعني عنها‪.‬‬ ‫القوى الكبرى والدول الغربية ليست بعيدة عن هذه السيناريوهات‬ ‫اإليرانية‪ ،‬بل بعضها ساهم يف حتقيق ذلك‪ ،‬أو على األقل لم تعترض على ما‬ ‫تفعله إيران أو ما تسعى إلى حتقيقه حتى أوشك النظام اإليراني على شفا‬ ‫امتالك القنبلة النووية وهنا ظهرت مخاوف الغرب من ظهور قوة نووية يف يد‬ ‫نظام املاللي املتغطرس و غير العاقل‪ ،‬وجاءت احملاوالت لتحجمي البرنامج‬ ‫النووي اإليراني‪ ،‬أو تأجيله فقط وهذا ما ترجمه اتفاق (‪ )1+5‬الذي انسحب‬ ‫منه الرئيس األمريكي ترامب‪ ،‬ثم جاءت التداعيات التي تنذر مبواجهة كبرى‪.‬‬ ‫املشكلة تكمن يف وجود نظام إيران الطامح والطامع والراغب يف إعادة‬ ‫االمبراطورية الفارسية‪ ،‬وقوة كبرى غير حازمة بل منقسمة جتاه إيران‬ ‫ومجمتع دولي غير موحد كما هو واضح جتاه انسحاب أمريكا من االتفاق‬ ‫النووي‪ ،‬إضافة إلى عدم استقرار منطقة الشرق األوسط ‪.‬‬ ‫واحللول تكمن يف جدية املجمتع الدولي إلخالء املنطقة من األسلحة‬ ‫النووية وفرض ذلك باإلرادة الدولية الصارمة سواء جتاه إيران أو إسرائيل‪،‬‬ ‫وأن يقرأ النظام اإليراني اخلريطة جيدًا وأال يقبل باستدراجه إلهدار‬ ‫مقدراته يف حروب لن حتقق له شي ًئا ولن تعيد االمبراطورية الفارسية وعليه‬ ‫قراءة تاريخ احلمالت القدمية التي قادتها إيران للتوسع وفشلت‪ ،‬وكذلك‬ ‫ضرورة لم شمل الدول العربية لتكون قوة قادرة على إعادة التوازن وحتقيق‬ ‫الردع والدفاع عن إقلميها‪.‬‬ ‫*مدير التحرير‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إصدارات‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪129‬‬

‫قضايا يف السياسة العالمية‬ ‫صدر عن مركز اخلليج لألبحاث كتاب " قضايا يف السياسة الدولية" ملجموعة من الباحثني يف‬ ‫العالقات الدولية والعلوم السياسية من جامعات دولية مرموقة من بينهم برايان وايت‪ ،‬ريتشارد‬ ‫ليتل‪ ،‬مايكل سميث‪ ،‬وآخرون بلغ عددهم ‪ 15‬باح ًثا مرمو ًقا من اجلامعات واملراكز البحثية‬ ‫املعروفة وجاء هذا الكتاب يف ‪ 400‬صفحة من القطع املتوسط‪ ،‬وشمل على ‪ 14‬فصلاً ‪.‬‬

‫آراء حول اخلليج ـ جدة‬

‫وهذا الكتاب يقدم تعري ًفا للمهمتني بالعلوم السياسية وقضايا‬ ‫السياسة الدولية من خالل إيجاد فهم للقضايا التي تهمين على صلب‬ ‫األجندة السياسة املعاصرة والتي تنبئ بالكثير عن طبيعة السياسة‬ ‫العاملية يف القرن احلادي والعشرين‪ ،‬خاصة ان القرن اجلديد ينذر‬ ‫بعالم جديد مثير مع اسمترار املشاكل القدمية التي تراوح مكانها إضافة‬ ‫إلي بزوغ مشاكل جديدة يتنافس الزعماء السياسيون واملواطنون على‬ ‫االهمتام بها وإيجاد تفسيرات لها‪ ،‬لذلك جاء هذا الكتاب ليقدم الدليل‬ ‫التحليلي للقضايا العاملية الرئيسية للعالم املعاصر وأيضا من أجل‬ ‫الوصول إلى ما وراء وسائل اإلعالم املثيرة التي إما أن تبسط القضايا‬ ‫املعقدة‪ ،‬أو تفشل يف إيجاد اخللفية التي مت ُكن املشاهد أو القارئ من‬ ‫فهمها فه ًما تا ًما‪.‬‬ ‫واالستنتاج األولي الذي يبدو أمام قارئ هذا الكتاب بعد االطالع‬ ‫على الفصول التي وردت بني دفتيه يفيد بأن السياسة الدولية قد طورت‬ ‫إمكانية أن تصبح سياسة "معوملة" ح ًقا‪ ،‬وأننا نعيش يف ظل نظام عاملي‬ ‫تظل فيه الدول هي المنط الوحيد للتنظمي السياسي القابل للبقاء‪،‬‬ ‫ويسعى إلى إيجاد جواب أولي عن سؤالني هما‪ :‬ما هي أهم القضايا‬ ‫السياسية العاملية املعاصرة؟ وملاذا؟‬ ‫ويسعى هذا الكتاب إلى تعريف القارئ بالسياسة العاملية من‬ ‫خالل إيجاد فهم أفضل للقضايا التي هي يف صلب األجندة (جدول‬ ‫األعمال) املعاصرة‪ ،‬ويظل الهدف الرئيسي كما هو يف هذه الطبعة من‬

‫الكتاب والذي يفترض أن هوية تلك القضايا وما متثله منة مشاكل عامة‬ ‫وأسباب موقعها على األجندة الدولية سوف تخبر بالكثير عن طبيعة‬ ‫السياسة العاملية يف القرن احلادي والعشرين‪.‬‬ ‫أوضحت الطبعة األولى من هذا الكتاب التي ترجمها ونشرها مركز‬ ‫اخلليج لألبحاث أن قضايا كثرة لعبت دو ًرا ها ًما يف تطور السياسة‬ ‫العاملية خالل نهايات القرن العشرين وسوف تظل مثار اهمتام يف‬ ‫القرن احلادي والعشرين‪ ،‬ومع ذلك تظل هناك قضايا عديدة لم حتظ‬ ‫بالتغطية الكافية على الرغم من أهميتها املركزية يف السياسة العاملية‪.‬‬ ‫وتناولت فصول هذا الكتاب‪ :‬قضايا يف السياسة العاملية‪ ،‬الدول‬ ‫واكتساب كيان الدولة‪ ،‬التجارة واملال واألسواق‪ ،‬قضايا الترابط‬ ‫االقتصادي على األجندة الدولية‪ ،‬األقالمي والنزعة اإلقلميية‪ ،‬التمنية‬ ‫وعدم املساواة‪ ،‬التسليح واحلد من األسلحة‪ ،‬حفظ السالم والتدخل‬ ‫اإلنساني‪ ،‬القومية والنزاع اإلثني‪ ،‬الدين‪ ،‬الهجرة والالجئون على األجندة‬ ‫الدولية‪ ،‬البيئة‪ ،‬وسائل اإلعالم وتكنولوجيا االتصاالت‪ ،‬اجلرمية العابرة‬ ‫للحدود الوطنية والفساد‪ ،‬وأخي ًرا مراجعة قضايا يف السياسة املعاصرة‪.‬‬ ‫وقدم الكتاب تعري ًفا للمشاركني فيه وتخصصاتهم العلمية وهم نخبة‬ ‫منتقاة من أساتذة العلوم السياسية املرموقني والباحثني يف هذا املجال‪،‬‬ ‫كما تضمنت مقدمة الكتاب قائمة للتعرف باملصطلحات واملختصرات‬ ‫الواردة يف هذا الكتاب‪ ،‬مع تقدمي من املؤلفني حيث أوضحوا فلسفة هذا‬ ‫الكتاب والهدف من وضعه وتقدميه للقارئ املعني بالسياسة الدولية‪.‬‬

‫‪128‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تؤكد التصريحات الرسمية عىل التزام أوروبا باالتفاق بينما ُيشير‬ ‫المعلقون إىل نفوذ وقوة محدودة لالتحاد األوروبي للحفاظ عىل الصفقة‬ ‫الشعب اإليراني‪ ,‬وهذا التوجه جتسد فعل ًيا يف مؤمتر مجاهدي خلق‬ ‫يف الثالثني من شهر يونيو املنصرم واملنعقد بباريس و شهد حضو ًرا‬ ‫كبي ًرا لشخصيات ووفود دولية مناصرة للمعارضة اإليرانية‪ ,‬أكثرهم‬ ‫لفتًا لالنتباه كان الوفد األمريكي بقيادة رودي جولياني املستشار‬ ‫القانوني للرئيس األمريكي دونالد ترامب و الذي عقد لقا ًء ثنائ ًيا قبل‬ ‫املؤمتر مع رئيسة املجلس الوطني للمقاومة اإليرانية مرمي رجوي أكد‬ ‫خالله جولياني أن اإلدارة األمريكية وعلى رأسها الرئيس األمريكي‬ ‫ووزير خارجيته يعتبران النظام اإليراني نظا ًما فاسدًا وأكثر املتضررين‬ ‫منه هو الشعب اإليراني‪ ,‬و بحسب اخلطة األمريكية فإن انسحاب‬ ‫الرئيس ترامب من االتفاق النووي وفرضه لعقوبات صارمة على‬ ‫االقتصاد اإليراني سيباشر يف تطبيقها رسم ًيا شهر نوفمبر املقبل أي‬ ‫الفصل األول من سلسلة ضغوطات سياسية و اقتصادية ستنتهجها‬ ‫اإلدارة األمريكية على مراحل للتضييق إقلمي ًيا ودول ًيا على النظام‬ ‫اإليراني مبا يشجع بشكل عكسي نشوب اضطرابات داخلية تطيح‬ ‫بنظام اجلمهورية اإلسالمية يف آخر املطاف‪ ,‬لكن األكيد أن السيناريو‬ ‫األمريكي هذا لن يتجسد دون عواقب‪ ,‬ألن اإليرانيني أصحاب نفس‬ ‫طويل و لديهم الكثير من األوراق للتفاوض وهي قابلة للتغيير حسب‬ ‫خصوصا إذا تعلق األمر مبعركة البقاء‪,‬‬ ‫الوضعيات املتاحة لهم‪,‬‬ ‫ً‬ ‫هذا يعني بلغة أخرى أن طهران لن تدخر جهدًا يف احلفاظ على‬ ‫مصاحلها‪ ,‬فزيارة روحاني إلى أوروبا وتهديدات غلق مضيق هرمز‬ ‫الدولي أمام صادرات النفط العربية جتاه األسواق العاملية ورفع شعار‬ ‫املضيق للجميع أو ال ألحد‪ ,‬و هو كله يدخل يف عملية التحمية التي‬ ‫تسبق املواجهة التي ترمي إليها تصريحات التهديد والوعيد املتبادلة‬ ‫بني الطرفني‪ ,‬إال أن املواجهة املوعودة تبدو وهمية أكثر منها واقعية‪,‬‬ ‫فإيران لن تعطي لواشنطن احلجة التي تتأملها لالنقضاض عليها و‬ ‫ستناور حتى آخر رمق‪ ,‬و ستكون الدول األوروبية املوقعة على االتفاق‬ ‫النووي هي زورق جناتها من التربص األمريكي‪ ,‬و ستتشبث بأي‬ ‫صيغة ميكن لتلك الدول تقدميها‪ ,‬حتى حتافظ على صالحية االتفاق‬ ‫النووي مبا يحول دون عودتها الستئناف أنشطتها النووية‪ ,‬العودة التي‬ ‫ستتخذها واشنطن ذريعة قانونية لضرب إيران ومن خلفها إسرائيل‪,‬‬ ‫يف ذات الوقت تتقن طهران جيدًا تدبير النفط والتحايل على العقوبات‬ ‫االقتصادية األمريكية بااللتفاف شر ًقا جتاه الصني و جنوب آسيا و‬ ‫روسيا من خلفهم و اللجوء إلى املقايضة و الذهب و استعمال العمالت‬ ‫احمللية يف التعامالت االقتصادية كالسابق حيث متلك خبرة ال يستهان‬ ‫بها يف مجال إدارة شؤونها يف حالة احلصار ‪ ,‬يف ذات الوقت ستتعامل‬

‫طهران بشكل شاق مع الدول العربية اجلارة وستصبح طهران‬ ‫وتستخدم سياسة ملتوية وأكثر تشد ًدا يف العراق و سوريا و لبنان و‬ ‫المين‪ ,‬و لن يتأخر ذلك يف الظهور جل ًيا يف األسابيع املقبلة‪ ,‬و ستغلق‬ ‫كل منافذ املصاحلة و االنفراج مع تلك الدول وستشهد املنطقة توت ًرا‬ ‫غير مسبوق‪ ,‬بيد أن األمر سيكون برمته يف ميزان االلتزام األمريكي‬ ‫جتاه احللفاء العرب و الذي سيترتب عليه تعزيز التواجد العسكري‬ ‫األمريكي يف املنطقة‪ ,‬ففظاظة الرئيس ترامب قد تخطت كل التقاليد‬ ‫الدبلوماسية و األعراف جتاه املنطقة برمتها‪ ,‬و هذا االلتزام سيكون‬ ‫فع ً‬ ‫ال على احملك مع رئيس فتح على نفسه جبهات عدة مع حلفاءه‬ ‫التاريخيني من األوروبيني بعد أن خلى بهم يف منتصف الطريق‬ ‫و ضرب مبصاحلهم عرض احلائط بانسحابه من االتفاق النووي‬ ‫اإليراني دون أي تردد أمام استجداءاتهم املتكررة‪ ,‬و كانت قبلها قد‬ ‫عرفت تعامالتهم االقتصادية املتبادلة الكثير من األخذ و الرد‪ ,‬مما‬ ‫جعل االستياء األوروبي يصل مداه‪ ,‬و ال ننسى الصني الغرمي األبدي‬ ‫للواليات املتحدة و حرب الضرائب التي تشنها األخيرة على الواردات‬ ‫الصينية‪ ,‬رغم االنفراجة املؤقتة بني االثنني يف امللف الكوري الشمالي‬ ‫مؤخ ًرا ‪.‬‬ ‫كل هذا جعل الواليات املتحدة تقف على جبهة مبفردها أمام عدد‬ ‫ال يستهان به من دول ذات الثقل‪ ,‬جنح توجهها اجلديد يف جمعهم‬ ‫يف جبهة واحدة يف مجابهتها‪ ,‬و اليوم مع انسحابها االستعراضي من‬ ‫االتفاق النووي اإليراني‪ ,‬تفتح جبهة يف منطقة ملتهبة أص ً‬ ‫ال‪ ,‬ستكون‬ ‫رهينة جناحات إدارة البيت األبيض يف امللفات املرتبطة كالقمة‬ ‫الروسية ــ األمريكية التي تراهن عليها واشنطن‪ ,‬و لن يكون األمن‬ ‫مسرحا ملواجهات أكثر‬ ‫العربي يف أفضل أحواله ألن دوله ستكون‬ ‫ً‬ ‫حدة لن تسهم بأي شكل من األشكال يف عودة االستقرار واألمان‬ ‫ملناطق النزاع والتوتر و لن تساعد يف التوصل إلى أي توافقات يف‬ ‫النقاط محل اخلالف‪ ,‬و التجربة أكبر دليل على فشل املسعى الذي‬ ‫تنتهجه الواليات املتحدة ليس فقط يف منطقة الشرق األوسط وإمنا‬ ‫يف العالم أجمع وعوض أن تفرض واشنطن سيطرتها على الدول‬ ‫بعنجهيتها اجلديدة هذه‪ ,‬قد جتد نفسها فاقدة للسيطرة متا ًما ‪.‬‬

‫*كاتبة وإعالمية جزائرية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪127‬‬

‫العاصفة التي تسبق الهدوء ‪ ..‬أم الهدوء الذي يسبق العاصفة؟؟‬

‫إيرانتجيدالتحايلعىلالعقوباتبااللتفافشر ًقا‬ ‫واللجوء للمقايضة بالذهب والعمالت المحلية‬ ‫ـ مبهجة كانت أو تعيسة مفاجآت الرئيس األمريكي دونالد ترامب منذ وصوله البيت األبيض‪ ,‬األهم أنها ال تتوقف و ال‬ ‫تعير أي اهمتام كان جتاه حليف أو عدو مشاغب وال تعبأ بالوقت لتداركها‪ ,‬بيد أن هؤالء ال يزالون يفكرون ضمن السياق‬ ‫التقليدي الذي يبدو أن واشنطن قد غادرته منذ االنتخابات الرئاسية األخيرة‪ ,‬و جتسد ذلك جل ًيا يف االنسحابات املتتالية‬ ‫للطرف األمريكي من عدد مهم من االتفاقيات الدولية واإلقلميية‪ ,‬اتفاقية باريس للمناخ‪ ,‬اتفاقية التجارة احلرة ألمريكا‬ ‫الشمالية‪ ,‬اتفاقية الشراكة عبر احمليط الهادي‪ ,‬ومن منظمات دولية عريقة ومنها اليونسكو ومجلس حقوق اإلنسان‪,‬‬ ‫وتهديد منظمة األمم املتحدة بإعادة مراجعة املشاركة األمريكية يف هياكل املنظمة مبا يخدم مصاحلها بشكل الئق وعاكس‬ ‫ملساهمتها املالية األكبر فيها‪ ,‬ذات املنطق سرى على االتفاق النووي اإليراني الذي فرط عقده شهر مايو املنصرم‪ ,‬والرأي‬ ‫فيه ال التفاق ال جتسد بنوده املصلحة األمريكية ‪..‬‬

‫نعيـمة عكوش‬

‫لقد انتقد دونالد ترامب وفريق عمله بشدة جل االتفاقيات التي‬ ‫مت االنسحاب منها على أساس أنها ال تراعي املصلحة األمريكية‬ ‫ووصفها بغير املنصفة للمنظمات والشركات األمريكية املنخرطة‬ ‫فيها ووصل به احلد لوصف االتفاق النووي مع إيران بالفضيحة لعدم‬ ‫استفادة الطرف األمريكي من عقده ألي شيء ذو قمية عكس ما‬ ‫شكله ألقرانه من األوروبيني الذين سارعت شركاتهم الكبرى لعقد‬ ‫أفضل الصفقات وحظيت منها بحصة األسد ‪ ..‬و رغم أن ترامب‬ ‫انتقد االتفاق النووي اإليراني خالل حملته االنتخابية يف الرئاسيات‬ ‫التي مكنته من ولوج البيت األبيض إال أن حجته دعمت منذ ذلك‬ ‫الوقت بالكثير من األسباب التي يرى العديد أنها تخدم مصالح حلفاءه‬ ‫يف الشرق األوسط بالدرجة األولى نظ ًرا لطبيعة خالفهم املمتد مع‬ ‫إيران منذ قيام الثورة اإلسالمية سنة ‪1979‬م‪...‬‬

‫فهل فع ً‬ ‫ال يصب االنسحاب األمريكي من االتفاق النووي اإليراني‬ ‫يف املصلحة العربية‪..‬؟؟ و إذا كانت املزايا قد عددت إلى أقصى مداها‬ ‫من هذا االنسحاب فهل تدرك دول منطقة اخلليج العربي حتديدًا‬ ‫سوءات هذا القرار ‪..‬؟؟‬ ‫بشكل ال يحمتل الريبة والشك‪ ,‬تسوق الدبلوماسية األمريكية‬ ‫تزامنًا مع قرارها املثير االنسحاب من االتفاق النووي اإليراني‪ ,‬لفكرة‬ ‫تسامحا و‬ ‫سقوط نظام اجلمهورية اإلسالمية و قيام نظام بديل أكثر‬ ‫ً‬ ‫تعاو ًنا‪ ,‬و تعول يف ذلك على ثورة جياع الداخل يف االنتفاض على نظام‬ ‫املاللي الذي سيجد نفسه عاجزًا عن تلبية مطالب جماهيره املتطلعة‬ ‫إلى حياة أفضل وساهم يف رسم خطوط هذه الصورة املتوقعة التطور‬ ‫الهائل يف وسائل االتصال التكنولوجي واحلرمان الذي طال امده لدى‬

‫‪126‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تؤكد التصريحات الرسمية عىل التزام أوروبا باالتفاق بينما ُيشير‬ ‫المعلقون إىل نفوذ وقوة محدودة لالتحاد األوروبي للحفاظ عىل الصفقة‬ ‫مهارات دبلوماسية ميكن عرضها على طاولة املفاوضات من قبل‬ ‫االحتاد األوروبي والدول األعضاء حتى ال يخرج الوضع متا ًما عن‬ ‫نطاق السيطرة‪.‬‬

‫ال ُمضي قد ًما‬

‫السؤال الذي يُطرح اآلن هو كيف سترد أوروبا على االستراتيجية‬ ‫األمريكية بشأن إيران؟ فقد أعلن وزير اخلارجية األمريكي‬ ‫"مايك بومبيو" عن سلسلة من الطلبات اجلديدة بشأن إيران يف‬ ‫خطابه بتاريخ ‪ 21‬مايو‪ .‬ولكن هذا اخلطاب لم يتناول الكثير حول‬ ‫استراتيجية واشنطن بالنسبة إليران‪ .‬وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن ترك‬ ‫الشرق األوسط بدون متابعة االتفاق النووي لن يسهم يف استقراره‬ ‫يف املستقبل‪.‬‬ ‫وبيمنا لن تمتكن خطة العمل الشاملة املشتركة من البقاء على‬ ‫جميع االحمتاالت خالل العام املقبل‪ ،‬إال أن أوروبا ال تزال متلك‬ ‫فرصة للحفاظ على قنوات التواصل وضمان عدم تسبب اجلهود‬ ‫الدبلوماسية األوروبية يف ضعف قدرتها على العمل والتواجد على‬ ‫الصعيد العاملي‪ ،‬حيث تعتبر أوروبا حال ًيا هي العنصر الفاعل الوحيد‬ ‫القادر على بذل اجلهود حللحلة األزمة‪ .‬وعلى الصعيد األخر‪ ،‬ال يبدو‬ ‫أن الواليات املتحدة وروسيا والصني على استعداد لبذل اجلهود يف‬ ‫سبيل البحث عن احللول الالزمة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬تستطيع أوروبا تبني مبادرة‬ ‫جديدة تستغل استثمارها الكبير يف خطة العمل الشاملة املشتركة‬ ‫من أجل عدم تعريض أوروبا للفشل مرة أخرى‪ ،‬بصفتها الع ًبا جا ًدا‬ ‫وفاع ً‬ ‫ال يف السياسة اخلارجية الدولية‪ .‬وتعتبر التصريحات األوروبية‬ ‫األخيرة التي صدرت من املستشارة األملانية "أجنيال ميركل أو من‬ ‫رئيسة الوزراء البريطانية "تيريزا ماي" حول االستعدادات التكميلية‬ ‫لالتفاق النووي مناسبة جدًا لبدء جهو ًدا جديدة‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من ذلك فإن تقدمي مبادرة جديدة تشرك دول اخلليج‬ ‫العربي يف املباحثات يعد أم ًرا بالغ األهمية‪ ،‬حيث قامت هذه الدول‬ ‫بالتصديق على خطة العمل الشاملة املشتركة بال حماس نظ ًرا ألنهم‬ ‫لم يكونوا مطل ًقا جز ًءا من املفاوضات الفعلية التي حدثت يف الفترة ما‬ ‫بني ‪ 2012‬إلى ‪2015‬م‪ ،‬وبالنسبة إلى دول اخلليج العربي‪ ،‬تعتبر خطة‬ ‫العمل الشاملة املشتركة اتفاق مت فرضه عليهم بدالً من كونه اتفاق‬ ‫مت التشاور بشأنه بشكل كبير واالنخراط فيه‪ .‬إن هذا هو الوقت‬

‫املناسب إلشراك دول مجلس التعاون اخلليجي‪ ،‬فبخالف العديد من‬ ‫وضع أفضل نتيجة‬ ‫التحليالت اإلخبارية‪ ،‬فإن دول اخلليج ليست يف ٍ‬ ‫لقرار إدارة ترامب‪ ،‬بل يف واقع األمر لديهم مخاوف كبيرة حول ما‬ ‫يحمله املستقبل‪ .‬إن إلغاء إحدى االتفاقيات دون توفير بديل مناسب‬ ‫وكايف يعد مشكلة كبيرة بالنسبة لهم‪ .‬فيف نهاية األمر‪ ،‬أي خالف يف‬ ‫املنطقة سوف يؤثر عليهم قبل أي طرف أخر‪ .‬أما الثقة يف اإلدارة‬ ‫األمريكية فهي مسألة أخرى‪ ،‬فالنشاط املتزايد للسياسة اخلارجية‬ ‫لدول مثل اململكة العربية السعودية واإلمارات العربية املتحدة يرجع‬ ‫إلى إدراك أنه ال ميكن االعمتاد على الواليات املتحدة يف لعب دور‬ ‫حامي األمن يف اخلليج كما كانت يف املاضي‪.‬‬ ‫هذا الشك يفتح املجال ألوروبا للسعي إلى جذب دول اخلليج‬ ‫العربي ملناقشة سبل التوصل إلى اتفاقية أمنية إقلميية‪ .‬وبالنسبة‬ ‫لدول مجلس التعاون اخلليجي‪ ،‬يظل الهدف هو وقف املزيد من‬ ‫التوسع يف الدور اإلقلميي اإليراني‪ ،‬ولذلك‪ ،‬فمن الضروري ً‬ ‫أيضا‬ ‫أن تؤدي اإلجراءات اجلديدة التي يمت دراستها اآلن إلى إبرام اتفاق‬ ‫جديد ال إلى خلق صراع جديد‪ .‬ومن أجل التوصل إلى بديل قابل‬ ‫للتطبيق واالسمترار‪ ،‬حتتاج أوروبا إلى أن تنظر إلى املخاوف األمنية‬ ‫لدول اخلليج العربي بصورة أكثر جدية مما سبق‪ .‬ومن جانبها قامت‬ ‫"فيديريكا موغريني" بعدد من جوالت احملادثات مع وزير اخلارجية‬ ‫اإليراني "محمد جواد ظريف" منذ انسحاب الواليات املتحدة من‬ ‫االتفاق‪ ،‬ولكنها لم جترِ أي محادثات مع دول اجلوار إليران‪ ،‬والذين‬ ‫تأثروا بالقرار األمريكي كما تأثرت طهران‪ .‬وبيمنا قد يكون لدى‬ ‫أوروبا وجهة نظر بشأن اإلصرار على الضغط للوصول إلى بدائل‬ ‫دبلوماسية مسمترة للحيلولة دون انتشار نزاع أوسع يف الشرق‬ ‫األوسط‪ ،‬فيتعني عليها إذن أن متتلك دبلوماسية قوية‪ ،‬تعكس تلك‬ ‫احلقيقة على أرض الواقع‪.‬‬ ‫وباستخدام هذا النهج فقط‪ ،‬ميكن ألوروبا أن تُظهِ ر أن االتفاق‬ ‫النووي لم يكن عب ًثا‪ ،‬ولكن بعد تعلم الدروس الصحيحة من االتفاق‪،‬‬ ‫وحينها ميكن لها أن تصبح طرف أمني فاعل وحاسم يف عالم يزداد‬ ‫فوضى واضطرا ًبا‪.‬‬ ‫*مدير مؤسسة مركز اخلليج لألبحاث ـ جنيف ـ سويسرا‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الكبيرة التي لديها عالقات مع الواليات املتحدة‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬حتى يف‬ ‫حالة تفعيلها‪ ،‬سيقتصر التأثير على شريحة صغيرة من الشركات‪،‬‬ ‫والتي سيكون لها نتيجة ضئيلة نسب ًيا على الصورة االقتصادية‬ ‫األشمل‪ .‬وحتى يف حالة رغبة أوروبا يف مواجهة العقوبات األمريكية‬ ‫اجلديدة‪ ،‬والتهديد بفرض تدابير ضد الشركات األوروبية‪ ،‬ستمتكن‬ ‫أوروبا من فعل ذلك إذا كانت مستعدة لبناء أدوات ومؤسسات مالية‬ ‫تعمتد بشكل رئيسي على اليورو بدالً من الدوالر األمريكي‪ .‬ويف هذه‬ ‫املرحلة‪ ،‬فإن أوروبا غير مستعدة التخاذ مثل هذه اخلطوة‪ ،‬ألن توحيد‬ ‫األدوات املالية سيأخذ بعض الوقت ليصبح ناف ًذا وفعاالً‪ .‬وباإلضافة‬ ‫إلى ذلك‪ ،‬لن تؤدي جميع هذه اإلجراءات إلى احلفاظ على بقاء‬ ‫العنصر االقتصادي لالتفاق النووي ناف ًذا‪.‬‬ ‫وقد بدأت ً‬ ‫أيضا ردة الفعل األولى بالتوحد من‬ ‫أجل احلفاظ على االتفاق النووي اإليراني يف التراجع‬ ‫مع اعتراف الدول األوروبية بأوجه القصور يف هذا‬ ‫االتفاق‪ ،‬والتعهد بإجراء مفاوضات متابعة لالتفاق‪.‬‬ ‫ومن جهتها قالت رئيسة الوزراء البريطانية "تيريزا‬ ‫ماي" يف يونيو ‪2018‬م‪ ،‬إن االحتاد األوروبي سيظل‬ ‫"ملتز ًما بخطة العمل الشاملة املشتركة طاملا تعمل‬ ‫إيران على الوفاء بالتزاماتها"‪ ،‬وأن االحتاد األوروبي‬ ‫يقر بوجود "قضايا أخرى تتعلق بإيران حتتاج إلى احلل‬ ‫– على سبيل املثال نشاطها اإلقلميي املزعزع لالستقرار‬ ‫يف دول مثل سوريا والمين‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن انتشار الصواريخ‬ ‫الباليستية"‪ .‬كما أصدر كال من الرئيس الفرنسي‬ ‫"إميانويل ماكرون" واملستشارة األملانية "أجنيال ميركل"‬ ‫تصريحات مماثلة لذلك‪ .‬وأشار وزير اخلارجية الفرنسي "جان إيف‬ ‫لودريان" أن البيان اإليراني األخير املتعلق باستئناف برامج تخصيب‬ ‫اليورانيوم هو "بيان غير ُمرحب به"‪ ،‬فض ً‬ ‫ال إلى أنه "من اخلطر دائ ًما‬ ‫االقتراب من اخلطوط احلمراء"‪ .‬ووف ًقا لهذه التصريحات‪ ،‬فقد تركت‬ ‫مفتوحا أمام االنسحاب من االتفاق من خالل حتميل‬ ‫أوروبا الباب‬ ‫ً‬ ‫إيران املسؤولية كامل ًة عن احلفاظ على االتفاق‪ ،‬مبعنى أن أوروبا‬ ‫ستلتزم باالتفاق طاملا إيران تلتزم به‪.‬‬

‫مقال‬

‫احملادثات يف املستقبل‪ ،‬ويجب عليها أن تتقدم بطلب للحصول على‬ ‫قرار من األمم املتحدة يدين انسحاب أمريكا من االتفاق‪ ،‬وأن تتصدى‬ ‫"صراحة للعقوبات األمريكية"‪ .‬إن تداعيات االنسحاب واضحة فميا‬ ‫يخص إيران‪ ،‬أوالً‪ :‬ستبدأ إيران يف استئناف جزء من برنامجها النووي‪،‬‬ ‫ما لم تطرح أوروبا إجراءات ملموسة على طاولة املفاوضات؛ ثان ًيا‪ :‬ال‬ ‫تثق إيران يف األوروبيني‪ ،‬وتعلم أن الصني وروسيا على أهبة االستعداد‬ ‫للتعويض عن اخلسائر االقتصادية التي ستتحملها إيران‪ .‬وكما أكد‬ ‫" علي خامنئي" أنه‪ :‬بالنسبة القتصادنا‪ ،‬ال ميكننا االعمتاد على خطة‬ ‫العمل الشاملة املشتركة وعلى الدول األوروبية‪ .‬فقد خالفت تلك الدول‬ ‫األوروبية الثالثة (فرنسا وأملانيا وبريطانيا) وعودهم منذ حوالي ثالثة‬ ‫عشر أو أربعة عشر عا ًما؛ حيث أنهم قد قطعوا وعدًا على أنفسهم‬ ‫أثناء املفاوضات ولكنهم لم يوفوا به‪ ،‬واآلن ينبغي عليهم أن يثبتوا عدم‬ ‫تكرار تلك املراوغات والكذب مرة أخرى‪".‬‬

‫أوروب���������ا غ��ي��ر‬ ‫م��س��ت��ع��دة للمخاطرة‬ ‫بالعالقات عبر األطلسي‬ ‫م��ن أج��ل ان��ق��اذ خطة‬ ‫ال��ع��م��ل ال��م��ش��ت��رك��ة‬ ‫وال ت��رغ��ب يف تلبية‬ ‫مطالب ع�لي خامنئي‬

‫خالصة القول‪ :‬إن أوروبا غير مستعدة وغير راغبة حتت أي ظرف يف‬ ‫املخاطرة بالعالقات عبر األطلسي من أجل إنقاذ خطة العمل الشاملة‬ ‫املشتركة‪ ،‬وال ترغب يف تلبية مطالب اإليرانيني كما صرح بها املرشد‬ ‫األعلى يف إيران "آية اهلل علي خامنئي" يف ‪ 23‬مايو ‪2018‬م‪ ،‬وهي أن‬ ‫أوروبا يجب عليها ضمان بيع النفط اإليراني‪ ،‬وعدم طرح مسألة‬ ‫األنشطة اإلقلميية اإليرانية أو الصواريخ الباليستية على طاولة‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪125‬‬

‫وبيمنا لن تستخدم أوروبا قضية االتفاق النووي‬ ‫كتحدي للسياسة األمريكية‪ ،‬فقد أكدت هذه احلادثة‬ ‫على حقيقة أنه ال ميكن اعتبار الواليات املتحدة‬ ‫بعد اآلن الع ًبا بنا ًء يف الساحة الدولية والذي ميكن‬ ‫ألوروبا أن تعمتد عليه عندما يحني وقت احلسم‪.‬‬ ‫وبيمنا تصاعدت حدة اخلالفات بني اجلانبني بعد‬ ‫فرض التعريفات اجلمركية على السلع األوروبية‪،‬‬ ‫وبعد الدعوات املتكررة من إدارة ترامب ألوروبا‬ ‫بزيادة اإلنفاق على الدفاع‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن اإلخفاق التام‬ ‫يف أعمال قمة مجموعة السبع يف كندا‪ ،‬فقد أبرز‬ ‫االتفاق النووي حقيقة أنه بالرغم من طرح العديد‬ ‫من احلجج والتنازالت‪ ،‬لم تستطع اجلهود األوروبية أن تفعل شي ًئا‪،‬‬ ‫وتُركت أوروبا وحيدة وهي حتمل راية االتفاق النووي مبفردها‪ .‬ويف‬ ‫هذا الصدد‪ ،‬أدى اخلالف حول االتفاق النووي إلى تعزيز األصوات‬ ‫التي تطالب بسياسة االبتعاد أكثر عن الواليات املتحدة من داخل‬ ‫أوروبا‪ ،‬باإلضافة إلى حاجة أوروبا إلى أن تتولى ذمام األمور بنفسها‪.‬‬ ‫ومن احملمتل أن يؤكد مسؤولي السياسة األوروبية على هذا الرأي على‬ ‫األقل خالل السنتني املتبقيتني من إدارة ترامب‪.‬‬ ‫ويف الوقت احلالي‪ ،‬ال متتلك أوروبا خيا ًرا سوى الدعوة إلى‬ ‫التوازن يف العالقات‪ ،‬واألمل يف عدم صعود البيئة األمنية يف املنطقة‬ ‫إلى نقطة الالعودة‪ .‬وبيمنا تضغط الواليات املتحدة كثي ًرا على إيران‪،‬‬ ‫لدرجة املطالبة بتغيير النظام علنًا‪ ،‬ستواجه أوروبا بيئة متقلبة ومتغيرة‬ ‫بشكل كبير داخل إيران‪ ،‬بدليل تصاعد املظاهرات يف الشهور األخيرة‬ ‫واستعداد النظام احلالي يف طهران لتحمل الضغوط داخل ًيا وخارج ًيا‪.‬‬ ‫ولذلك‪ ،‬إنه خط من التوازن الدقيق يجب احلفاظ عليه‪ ،‬مما سيتطلب‬

‫‪124‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫أوروبا تعمتد على جناح االتفاق النووي أكثر من مجرد عالقتها مع‬ ‫طهران‪ .‬ويمُ كن النظر إلى ذلك من منظور أن أوروبا قد اسمترت‬ ‫يف انتقاد السياسات اإليرانية واحلفاظ على عالقاتها شبه العدائية‬ ‫حتى بعد دخول خطة العمل الشاملة املشتركة يف حيز التنفيذ يف‬ ‫يوليو ‪2015‬م‪ ،‬وعلى سبيل املثال‪ ،‬أبقت أوروبا على مجموعة كاملة من‬ ‫العقوبات غير النووية التي ال تزال تُفرض على إيران‪ ،‬بل وعملت على‬ ‫جتديد تلك العقوبات لعام أخر يف إبريل ‪2018‬م‪ ،‬وباملثل‪ ،‬فقد أصدر‬ ‫البرملان األوروبي قرا ًرا غير ُملزم يف نهاية شهر مايو ‪2018‬م‪ ،‬حيث‬ ‫أدان وضع املواطنني مزدوجي اجلنسية اإليرانية واألوروبية واملعتقلني‬ ‫حال ًيا يف إيران‪ .‬وحتتل تلك اخلطوات أهمية كبيرة عند تقيمي رد‬ ‫فعل أوروبا على قرار الواليات املتحدة باالنسحاب من خطة العمل‬ ‫الشاملة املشتركة‪.‬‬ ‫ويف الوقت نفسه‪ ،‬ينبغي اإلقرار بأن أوروبا‬ ‫أخفقت عندما فشلت يف االعتراف بأوجه القصور‬ ‫الواضحة يف االتفاق النووي‪ .‬ويف الواقع‪ ،‬لم تفعل‬ ‫خطة العمل الشاملة املشتركة سوى القليل لتحسني‬ ‫املناخ األمني اإلقلميي يف الشرق األوسط على مدار‬ ‫العاميني املاضيني‪ .‬وبيمنا فرض هذا االتفاق قيو ًدا‬ ‫ً‬ ‫شروطا‬ ‫شديدة على البرنامج النووي اإليراني ووضع‬ ‫امتثلت لها إيران حتى اآلن‪ ،‬إال أنه أجل وضع حلوالً‬ ‫فعلية لهذه املسألة إلى وقت غير محدد يف املستقبل‪.‬‬ ‫فلم يكن هناك أي بند يف االتفاق يقترح عدم سعي‬ ‫إيران إلى حتقيق طموحاتها النووية مرة أخرى مبجرد‬ ‫انقضاء صالحية بنود االتفاق‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫صعود ترامب إلى سدة احلكم يف الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫كذلك لم ِ‬ ‫يف االتفاق النووي بالتوقعات املأمولة‪ ،‬ألنه لم يتناول‬ ‫بشكل ٍ‬ ‫كاف‪.‬‬ ‫األبعاد واملخاوف األمنية لبقية الدول يف املنطقة‬ ‫ٍ‬ ‫وبالنسبة ملعظم دول الشرق األوسط‪ ،‬فقد منح االتفاق مظلة إليران‬ ‫للعمل على توسيع نفوذها اإلقلميي على حساب االستقرار الشامل‬ ‫يف املنطقة كما رأينا يف سوريا والمين والعراق ولبنان‪ .‬ومع مرور أول‬ ‫عامني على االتفاق النووي‪ ،‬كان هناك دالئل قليلة تشير إلى إمكانية‬ ‫أن تصبح إيران طر ًفا فاع ً‬ ‫ال أكثر تعاو ًنا يف األعوام القادمة‪ .‬ويمتثل‬ ‫الدرس املستفاد هنا يف فشل أوروبا فور توقيع االتفاق يف استغالل‬ ‫الزخم وإشراك إيران يف مناقشات أمنية إقلميية على نطاق أوسع‪.‬‬ ‫ويعتقد كل طرف من األطراف أن خطة العمل الشاملة املشتركة هي‬ ‫عبارة عن اتفاق يحدث ملرة واحدة فقط‪ ،‬ويُبرم مبعزل عن القضايا‬ ‫األخرى املثيرة للقلق‪ .‬وكانت النتيجة هي حالة من‬ ‫عدم الرضا عن هذا االتفاق من قِ بل دول أخرى يف‬ ‫املنطقة‪ ،‬مبا يف ذلك إسرائيل ودول اخلليج العربي‪،‬‬ ‫والشعور بأن االتفاق النووي لن يسهم سوى بالقليل يف‬ ‫حماية أمنهم‪ .‬ويف هذا السياق‪ ،‬رأى الرئيس "ترامب"‬ ‫أنه من السهل اإلعالن عن انسحاب الواليات املتحدة‬ ‫من هذا االتفاق‪.‬‬

‫لدى أوروبا إصرار‬ ‫للضغط للوصول إىل‬ ‫ب���دائ���ل دب��ل��وم��اس��ي��ة‬ ‫والحيلولة دون ن��زاع‬ ‫أوس������ع يف ال���ش���رق‬ ‫األوس��ط وهذا يتطلب‬ ‫دب��ل��وم��اس��ي��ة ق��وي��ة‬

‫كذلك لم يستطع االتفاق النووي الوفاء بالتطلعات األخرى‪.‬‬ ‫فبالنسبة إلى إيران‪ ،‬لم تتحقق املصالح االقتصادية املتوقعة بعد‬ ‫تخفيف العقوبات‪ .‬فمع وجود حالة من عدم اليقني بشأن آفاق‬ ‫االتفاقية‪ ،‬ظلت االستثمارات األجنبية يف حالة من التردد‪ .‬وحتى‬ ‫بالنسبة ألوروبا‪ ،‬ازداد حجم التجارة مع إيران فقط بشكل متواضع‪،‬‬ ‫وضوحا‬ ‫إذ ال تزال العديد من الشركات يف انتظار ظهور عالمات أكثر‬ ‫ً‬ ‫على اسمترار االتفاق وإمكانية قبول ممارسة األعمال التجارية مع‬ ‫إيران مرة أخرى‪ .‬وقد ُحكِ َم على مثل هذه اآلمال باملوت احملقق مع‬

‫تداعيات انسحاب الواليات المتحدة عىل الموقف‬ ‫األوروبي‬

‫يف أعقاب هذا القرار‪ ،‬سعت أوروبا لوضع‬ ‫سلسلة من اإلجراءات التي من شأنها أن حتافظ‬ ‫على بقاء فعالية خطة العمل الشاملة املشتركة‪ .‬فقد‬ ‫كان هناك تأثير رئيسي لالتفاق يتعلق بالعالقات عبر األطلسي‪ ،‬حيث‬ ‫توقعت الواليات املتحدة من أوروبا أن تتبع اإلجراءات التي حددتها‬ ‫إدارة الرئيس "ترامب"‪ .‬ونظ ًرا لألوضاع الراهنة بشكل عام‪ ،‬وعدم‬ ‫احمتالية أن تخاطر الشركات األوروبية الكبرى أو الشركات متعددة‬ ‫اجلنسيات بأعمالها التجارية يف الواليات املتحدة‪ ،‬فمن املرجح أال‬ ‫تتخذ أوروبا سوى القليل من اخلطوات من حيث حظر العقوبات‬ ‫الثانوية األمريكية أو محاولة حماية عالقتها التجارية اخلاصة‬ ‫مع إيران‪ .‬وعلى سبيل املثال‪ ،‬فإن الئحة حظر املفوضية األوروبية‬ ‫اخلاصة بالعقوبات الثانوية‪ ،‬لم تشمل الشركات متعددة اجلنسيات‬

‫االتفاق النووي ألوروب��ا أكثر من مجرد اتفاق ثنائي مع إي��ران‬ ‫نهجا دبلوماس ًيا‬ ‫بل له دالل��ة للتأكيد عىل تعددية األط��راف باعتبارها ً‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪123‬‬

‫على أوروبا تعلم الدروس الصحيحة من االتفاق لتصبح طر ًفا فاع ً‬ ‫وحاسما‬ ‫ال‬ ‫ً‬

‫دورأوروباالمرتقب‪:‬إبراماتفاقجديدالخلقصراع‬ ‫جديد بإش��راك دول مجلس التع��اون الخليجي‬ ‫ال تزال أوروبا منزعجة من قرار الرئيس األمريكي دونالد ترامب باالنسحاب من خطة العمل الشاملة املشتركة (‪،)JCPOA‬‬ ‫والتي تُعرف إعالم ًيا باسم االتفاق النووي اإليراني‪ .‬وتتراوح التقديرات احلالية لعواقب االنسحاب من االتفاق بداي ًة من‬ ‫إنهاء العالقات عبر األطلسي ووصوالً إلى شن حرب جديدة يف الشرق األوسط‪ ،‬كاملواجهة املباشرة بني إيران وإسرائيل‬ ‫على سبيل املثال‪.‬‬ ‫وبشكل عام‪ ،‬يبدو أن أوروبا قد أصيبت بالشلل؛ إذ تؤكد التصريحات الرسمية على التزام االحتاد األوروبي باالتفاق النووي‬ ‫اإليراني‪ ،‬بيمنا يُشير املعلقون إلى النفوذ والقوة احملدودة الفعلية‪ ،‬التي متتلكها أوروبا للحفاظ على اسمترار الصفقة بشكل‬ ‫كامل‪ .‬كما يثير التهديد بالعقوبات األمريكية الواسعة واإلجراءات الثأرية احملمتلة على الشركات األوروبية شكو ًكا خطيرة‪،‬‬ ‫حول ما إذا كانت إيران ستظل تدرك فوائد اإلبقاء على االتفاق يف األشهر املقبلة أم ال‪.‬‬

‫د‪ .‬كريستيان كوخ‬

‫وطاملا ُذكر أن أوروبا ال تزال تستطيع ممارسة الكثير من النفوذ‪،‬‬ ‫إذا كانت مستعدة لتعلم الدروس الصحيحة من جتربة خطة العمل‬ ‫الشاملة املشتركة‪ .‬وهذا يشمل االعتراف بأوجه القصور يف االتفاق‬ ‫النووي‪ ،‬مع تقدمي مجموعة جديدة من االقتراحات التي من شأنها أن‬ ‫تعالج العيوب السابقة‪ ،‬واألهم من ذلك أنها تستطيع جمع بقية دول‬ ‫اخلليج على مائدة احلوار للتباحث بشأن تنفيذ عملية أمنية إقلميية‬ ‫واسعة النطاق‪ .‬فلن يُجدي التأسف فقط على قرار إدارة ترامب شيئاً‪،‬‬ ‫ولن مينع حدوث تداعيات سلبية بسبب قرار االنسحاب‪ ،‬أو يحول دون‬ ‫إلقاء خطة العمل الشاملة املشتركة يف غياهب التاريخ‪.‬‬

‫موقف أوروبا من خطة العمل الشاملة المشتركة‬

‫وفور إعالن الرئيس األمريكي دونالد "ترامب" عن انسحاب‬ ‫أمريكيا من خطة العمل الشاملة املشتركة‪ ،‬قالت ممثلة االحتاد‬ ‫األوروبي السامية للشؤون اخلارجية والسياسة األمنية ونائب رئيس‬

‫املفوضية األوروبية فيديريكا موغريني أن‪" :‬االتفاق النووي مع إيران‬ ‫هو تتويج الثنى عشر عا ًما من العمل الدبلوماسي‪ ،‬فهو ينمتي إلى‬ ‫املجمتع الدولي بأكمله‪ .‬وقد كان يعمل وال يزال على حتقيق هدفه‬ ‫املمتثل يف ضمان عدم قيام إيران بتطوير األسلحة النووية‪ .‬ولذلك فإن‬ ‫االحتاد األوروبي مصمم على احلفاظ عليه‪ .‬ونتوقع أن يواصل باقي‬ ‫املجمتع الدولي القيام بدوره لضمان اسمترار تنفيذه بالكامل‪ ،‬من أجل‬ ‫أمننا اجلماعي‪".‬‬ ‫وبالنسبة ألوروبا‪ ،‬فاالتفاق النووي هو أكثر من مجرد اتفاق ثنائي‬ ‫مع إيران حول البرنامج النووي اإليراني‪ .‬فهذا االتفاق له داللة رمزية‬ ‫نهجا‬ ‫كبيرة‪ ،‬من حيث التأكيد على أهمية تعددية األطراف باعتبارها ً‬ ‫دبلوماس ًيا‪ ،‬إذ يُنظر إليه على أنه خطوة هامة يف اجلهود العاملية جتاه‬ ‫مكافحة االنتشار النووي‪ ،‬ويعتبر يف النهاية أم ًرا حاس ًما ملصداقية‬ ‫االحتاد األوروبي كممثل للسياسة اخلارجية‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬كانت‬

‫‪122‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫مثل إسرائيل‪ ،‬والشاهد يف ذلك أن أمريكا تخشى على حتالفاتها مع‬ ‫إيران وميليشياتها العراقية مثل احلشد الشعبي أن يتأثر بذلك‪ ،‬أي أن‬ ‫أمريكا ال جترؤ على قصف موقع للجيش اإليراني‪ ،‬ألن جنود أمريكا‬ ‫يف العراق وسوريا واخلليج العربي سيكونون يف تهديد مباشر على‬ ‫أرواحهم‪ ،‬وهو ما ال حتمتله إدارة ترامب‪ ،‬ولذلك تسارع أمريكا للبراءة‬ ‫من قتل عنصر واحد من احلشد الشعبي العراق‪ ،‬فهل تفكر أمريكا بعد‬ ‫ذلك باستهداف إيران عسكر ًيا؟‬ ‫إن الدول العربية واإلسالمية يف الشرق األوسط مطالبة بأن‬ ‫تواصل مخاطبة القيادة اإليرانية وشعوبها وصناعة رأي عام داخل‬ ‫إيران بضرورة خروجها من األراضي والدول العربية قبل فوات‬ ‫األوان‪ ،‬وعدم التذرع بطلب حكومات تلك الدول الهشة لها بحمايتها‪،‬‬ ‫مبوجب اتفاقيات دفاع مشترك بينهما‪ ،‬وقد أصبحت تلك االتفاقيات‬ ‫منخورة وباطلة باستخدامها لقتل الشعوب العربية نفسها‪ ،‬وقتلها‬ ‫لشعوب تلك الدول التي وقعت هذه االتفاقيات الدفاعية حلمايتها‬ ‫يبطل تلك االتفاقيات‪ ،‬فإيران مخطئة بإرسالها جلنودها إلى البالد‬ ‫العربية ملناصرة أنظمة أو ميليشيات طائفية تابعة لها‪ ،‬ألن إرسالها‬ ‫لهذه اجليوش أو القوات أو املليشيات أو املتطوعني هو عدوان‬ ‫مباشر على الشعب العربي املسلم‪ ،‬وهو ظلم وفساد ولو لم يصحبه‬ ‫قتل وسفك دماء‪ ،‬فكيف وقد ارتكبت إيران املجازر وهتكت األعراض‬ ‫ً‬ ‫وشيوخا خارج بالدهم وداخلها‪،‬‬ ‫وشردت املستضعفني أطفاال ونسا ًء‬ ‫وما دعوى مقاتلة اإلرهابيني إال أكذوبة كبرى‪ ،‬فكل دولة هي الكفيلة‬ ‫مبحاربة اخلارجني عليها بحق أو بباطل‪ ،‬فليس من مسؤولية إيران‬ ‫مقاتلة املعارضة السورية بجيشها وحرسها الثوري وميليشياتها العربية‬ ‫واألعجمية باسم محاربة اإلرهاب‪.‬‬ ‫كما أن على الدول العربية واإلسالمية أن تتبع كل وسائل العقوبات‬ ‫السياسية على النظام اإليراني دون أن يؤثر ذلك على املستضعفني من‬ ‫أبناء الشعب اإليراني‪ ،‬ولو أدى ذلك لقطع العالقات الدبلوماسية مع‬ ‫إيران من كل دول منظمة التعاون اإلسالمي‪ ،‬حتى تخرج إيران جنودها‬ ‫وميليشياتها من البالد العربية واإلسالمية‪ ،‬وأن تدع الشعوب العربية‬ ‫لتقرير مصيرها بنفسها‪ ،‬بإشراف أممي ودولي فقط‪ ،‬أما غدر أمريكا‬ ‫باملعارضة السورية وتخليها عنهم فهو دليل على أن أمريكا ال تريد‬ ‫بالعرب واإليرانيني خي ًرا‪ ،‬وإمنا تهدف إلى اسمترار القتال والتدمير‬ ‫يف البالد العربية واإلسالمية‪ ،‬فلم تطفئ أمريكا حر ًبا يف املنطقة منذ‬ ‫أشعلتها باحتالل أفغانستان عام ‪2001‬م‪ ،‬بل زادت يف إشعالها نا ًرا‬ ‫وقت ً‬ ‫وذبحا ودما ًرا وتشريدًا يف األرض‪ ،‬وإذا ما جنحت أمريكا بإشعال‬ ‫ال ً‬ ‫احلرب بني إيران ودول اخلليج فلن تسعى لوقفها ولو بعد عقود‪ ،‬بل لن‬ ‫تسعى لينتصر بها طرف على طرف كما فعلت يف أفغانستان والعراق‬ ‫وسوريا ولبنان والمين وليبيا وغيرها‪ ،‬بل لن تسمح ألحد لوقفها‪،‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫والشاهد دليل على القادم‪.‬‬ ‫إن إيران متر بأزمة اقتصادية كبيرة‪ ،‬وباضطرابات شعبية واسعة‪،‬‬ ‫وعودة العقوبات األمريكية والدولية على إيران يف الشهر القادم سيزيد‬ ‫من معانتها‪ ،‬وهي أقرب إلى السقوط بنفسها دون حرب وال قتال‪ ،‬بل إن‬ ‫افتعال احلرب معها سيطيل من عمرها‪ ،‬فكل برامج روحاني وظريف‬ ‫السياسية واالقتصادية واالستثمارية يف مهب الريح بعد انسحاب‬ ‫أمريكا من االتفاق النووي‪ ،‬وكل الوعود التي قطعها الرئيس حسن‬ ‫روحاني على نفسه أمام احملافظني واملتشددين اإليرانيني أصبحت‬ ‫عب ًئا عليه وعلى وزير خارجيته‪ ،‬وعودة إيران إلى البرنامج النووي‬ ‫سيحملها عب ًئا اقتصاد ًيا أكبر ‪ ،‬ومخاطر تعرضها لعمل عسكري مؤلم‪،‬‬ ‫وكذلك تدخلها يف الدول العربية سيجعل منها عرضة للسقوط بشكل‬ ‫أسرع‪ ،‬ولوال التدخل العسكري الروسي يف سوريا سبمتبر ‪2015‬م‪،‬‬ ‫لكانت إيران اآلن غارقة بأزماتها الداخلية أكثر‪ ،‬ورمبا لكانت قد تهاوت‬ ‫يف الفنت واحلروب األهلية منذ ثالث سنوات‪ ،‬فاحلرس الثوري اإليراني‬ ‫يراهن على قتل ماليني اإليرانيني قبل سقوطهم من السلطة‪ ،‬كما فعل‬ ‫بشار األسد وحزبه وجيشه‪ ،‬ولكن إطالق الرصاصة األولى ألي نظام‬ ‫مستبد ضد شعبه إمنا هي الرصاصة األولى التي يوجهها إلى صدره‬ ‫ونظامه فال يقوم بعدها أبدا وإن بقي يقاتل لسنوات‪ ،‬ولكنه لن يعود‬ ‫للسلطة كما كان إطال ًقا‪.‬‬ ‫لن تستطيع الدول العربية واإلسالمية يف الشرق األوسط منع‬ ‫أمريكا أو إسرائيل من ضرب النظام اإليراني متى شاءوا‪ ،‬فهم لهم‬ ‫أهدافهم وخططهم‪ ،‬ولكن الدول العربية واإلسالمية غير معنية أن‬ ‫تكون أداة فقط يف عمل عدواني على الشعب اإليراني يف بالده‪ ،‬وإذا‬ ‫كانت أمريكا صادقة بضرب إيران ومنع متددها فلتعمل على إخراجهم‬ ‫من العراق وسوريا والمين‪ ،‬فإخراجها من دولة واحدة مدحورة سوف‬ ‫يؤدي إلى سقوط النظام اإليراني يف بالده أوالً‪ ،‬وسيؤدي ً‬ ‫أيضا إلى‬ ‫حترير البالد العربية من هذا الشر املستطير ‪ ،‬ولكن دفع أمريكا للدول‬ ‫العربية واإلسالمية أن تكون يف مقدمة احلرب على إيران غير مفهوم‬ ‫ومريب وقد كانت أمريكا نفسها هي املتسببة بهذا المتدد اإليراني‬ ‫العدواني يف البالد العربية باعترافات أمريكية محضة‪ ،‬ولذا فإن على‬ ‫أمريكا وقد اعترفت بأخطائها بالسماح إليران بالمتدد االجرامي يف‬ ‫البالد العربية منذ سنوات‪ ،‬فإن من مسؤوليتها أي أمريكا أن تصحح‬ ‫بنفسها أخطائها مبا ال يعود على املنطقة بالدمار وال باخلراب وال‬ ‫بالقتل وال بالهرج‪.‬‬

‫*كاتب ومحلل سياسي تركي‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫قبل شهر‪ ،‬ألنه يريد أن يعطي االنطباع قبل ساعة الرحيل بأننا مسلمون‬ ‫وجزء من األمة اإلسالمية‪ ،‬وأن الشيعة من أتباع الدين اإلسالمي‪ ،‬على‬ ‫أمل أن يشفع له ذلك بشيء من الرحمة لدى املسلمني يوم محاسبته‬ ‫وزبانيته على ما ارتكبوه بحق اإلسالم واملسلمني يف السنوات األخيرة‬ ‫من جرائم لم يعرفها التاريخ الشيعي يف التاريخ‪.‬‬ ‫ولذا فإذا كان خامنئي صاد ًقا يف حترمي سب الصحابة وأمهات‬ ‫املؤمنني وأنه يبتغي بذلك وجه اهلل تعالى ووحدة املسلمني‪ ،‬فإن عليه‬ ‫أن يبدأ بنفسه عهدًا جديدًا يف خطبه ومؤمتراته العلمية والشعبية‬ ‫بذكر الصحابة وأمهات املؤمنني والترضي عليهم كما يفعل كل املسلمني‬ ‫يف األرض‪ ،‬هذا ما يجب عليه إن كان صاد ًقا هو وكافة أتباعه من‬ ‫أصحاب العمائم السوداء والبيضاء‪ ،‬وأن يرفعوا أصواتهم بالترضي‬ ‫على صحابة رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم وأزواجه رضي اهلل‬ ‫عنهم أجمعني‪ ،‬وإال فإن فتواه سياسية فقط‪ ،‬ويدرأ بها مخاوف قادمة‬ ‫من حتالف الدول العربية واإلسالمية مع أمريكا ودول‬ ‫الغرب يف إعالنها حلرب ستكون مدمرة على منطقة‬ ‫الشرق األوسط مبا فيها إيران‪ ،‬وهذا ما يوجب احلذر‬ ‫من دعوات ترامب لتشكيل حتالف عسكري ضد إيران‪،‬‬ ‫فنتائجه املدمرة ستلحق بكل دول املنطقة‪ ،‬ألن إيران لن‬ ‫تتوانى عن قصف مدن عربية ويف دول اخلليج العربي‬ ‫بالصواريخ كما هدد بذلك جنراالت إيران قبل أيام‪،‬‬ ‫فهذه التهديدات ينبغي أخذها بعني االعتبار واحلسبان‬ ‫الدقيق‪.‬‬ ‫إن إيران وهي حتاول جتنب اخلروج من االتفاق‬ ‫النووي إمنا لتحمي نفسها من بناء حتالف دولي ضدها‪،‬‬ ‫وهذا ما صرح به الرئيس اإليراني حسن روحاني قبل‬ ‫أيام‪ ،‬فهي ال يهمها بقاء االتفاق النووي إذا لم يترتب‬ ‫عليه حتالف دولي ضد إيران‪ ،‬ومتسك إيران بالدول اخلمس التي‬ ‫تطالب إيران المتسك باالتفاق النووي هو رغبة مشتركة بعدم التورط‬ ‫يف حروب مدمرة للمنطقة‪ ،‬فأوروبا جربت نفسها يف احلروب الصليبية‬ ‫ضد املسلمني تاريخ ًياوعادت بخيف حنني‪ ،‬وال تريد الدخول يف حروب‬ ‫كونية تكون هي اخلاسرة منها ولو مت تدمير بالد املسلمني‪ ،‬وهي أي‬ ‫أمريكا تعلم أن اجليش اإليراني سيتولى هذه املهمة القذرة‪ ،‬وسيقوم‬ ‫بإطالق آالف الصواريخ نحو املدن اخلليجية إذا أصبحت إيران أمام‬ ‫شعبها مستهدفة بصواريخ من دولة عربية‪ ،‬وستعتبر نفسها أمام شعبها‬ ‫أنها يف حرب دفاعية‪ ،‬وسوف ترد على الصاروخ‪ ،‬طاملا كان مصدر‬ ‫الصاروخ دولة عربية‪ ،‬بيمنا لو قامت أمريكا أو إسرائيل باستهداف‬ ‫إيران فلن تقوم إيران بالرد إطال ًقا‪ ،‬ألنها تعلم أن الرد عليها سيكون‬ ‫مدم ًرا عليها أكثر ‪ ،‬وهي تعلم قدرة اجليش األمريكي واإلسرائيلي‬ ‫على إحداث دمار كبير يف إيران‪ ،‬ولذا فقد ترد إيران على أي صاروخ‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪121‬‬

‫أمريكي أو إسرائيلي على أهداف عربية وخليجية‪ ،‬بحجة وجود حتالف‬ ‫عسكري بينهم‪.‬‬ ‫مسؤولية دول الشرق األوسط وحماية شعوبها‪:‬‬ ‫إن الدول العربية مطالبة أن تنظر إلى املخاطر اإليرانية على‬ ‫أنها مخاطر كبيرة وحقيقية وقابلة للزيادة يف اخلطورة والتدمير‪ ،‬وأن‬ ‫إيران ال تردعها أخالق وال قوانني دولية وال شرائع سماوية‪ ،‬فإيران‬ ‫أثبتت يف السنوات املاضية أنها على استعداد أن ترتكب أكبر املجازر‬ ‫البشرية ضد العرب واملسلمني‪ ،‬ولذا فإن دول الشرق األوسط العربية‬ ‫واإلسالمية مطالبة أن تفكر كثي ًرا بالطرق السلمية إليقاف هذا اجلنون‬ ‫اإليراني‪ ،‬ومنع تكراره يف مدن عربية أخرى‪ ،‬مع أن الدخول يف حرب‬ ‫مع إيران سيؤدي إلى خسارة إيران للحرب ونهاية النظام اإليراني‪،‬‬ ‫ولكن سيكون ثمنه كبي ًرا على الدول العربية‪ ،‬بيمنا املطلوب هو نهاية‬ ‫هذا النظام اإليراني العدواني دون تدمير مدينة عربية واحدة‪ ،‬ومهما‬ ‫كانت الوعود األمريكية بحماية الدول العربية فإنها‬ ‫ستكون وعود كاذبة‪ ،‬كما كانت وعود أمريكا كاذبة‬ ‫للمعارضة السورية‪ ،‬وكما كانت الوعود األمريكية‬ ‫خادعة للحكومة التركية بشأن شمال سوريا‪ ،‬بل إن‬ ‫وعود أمريكا بصد العدوان اإليراني على املنطقة‬ ‫كانت أدنى من ضعيفة يف خطاب الرئيس األمريكي‬ ‫ترامب يف كلمته أمام رؤساء خمسني دولة إسالمية يف‬ ‫الرياض العام املاضي‪ ،‬فقد طالب الدول اإلسالمية‬ ‫أن حتارب إيران بنفسها‪ ،‬ولم يتعهد مبحاربة أمريكا‬ ‫إليران إطال ًقا‪ ،‬وبذلك ينبغي فهم الدعوات األمريكية‬ ‫لتشكيل حتالف ضد إيران أن أمريكا تريد من الدول‬ ‫العربية أن تخوض هذه احلرب بالنيابة عن أمريكا‪،‬‬ ‫وهذا خطر استراتيجي على الدول العربية ميكن‬ ‫إيجاد بدائل أفضل وأقل خط ًرا‪.‬‬

‫أم��ري��ك��ا ورط��ت‬ ‫إي�������ران يف س���وري���ا‬ ‫الس���ت���دراج���ه���ا ل��ح��رب‬ ‫اس��ت��ن��زاف ترهقها ما‬ ‫جعل إي���ران وأمريكا‬ ‫ي���ورط���ان روس���ي���ا يف‬ ‫المستنقع ال��س��وري‬

‫لقد قامت طائرات مجهولة بقصف مواقع للنظام السوري قبل‬ ‫أيام يف منطقة البوكمال احلدودية مع العراق‪ ،‬وقيل إن خسائر النظام‬ ‫السوري تعد بالعشرات من القتلى‪ ،‬وقد ادعى إعالم النظام السوري أن‬ ‫اجليش األمريكي هو من قام بهذا الهجوم‪ ،‬وبعد يوم واحد قام احلشد‬ ‫الشعبي العراقي باالعتراف بأن القتلى هم من احلشد الشعبي العراقي‬ ‫ومعهم عناصر من ميليشيات حزب اهلل اللبناني‪ ،‬وقامت عناصر من‬ ‫احلشد العراقي بتهديد أمريكا باالنتقام لعناصرها‪ ،‬مما اضطر‬ ‫جنراالت البنتاغون إلى كشف سر هذه الطائرات بأنها طائرات حربية‬ ‫إسرائيلية وليست أمريكية‪ ،‬وكأن أمريكا تريد دفع الشبهة عنها كل ًيا‪ ،‬وأن‬ ‫املقاتالت اإلسرائيلية هي من قتلت احلشد الشعبي العراقي‪ ،‬فأمريكا‬ ‫دفعت التهمة عن نفسها‪ ،‬حتى لو اضطرت للكشف عن دولة صديقة لها‬

‫‪120‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الموقف ال��روس��ي يف الملف ال��ن��ووي اإلي��ران��ي مريب يف مراحل‬ ‫اإلنشاء والتصميم أو التنفيذ أو الكشف عن أسرار البرنامج عبر مخابراتها‬ ‫من حيث الواقع‪ ،‬ولكنه ليست سب ًبا قانون ًيا النسحاب أمريكا من‬ ‫االتفاق النووي مع إيران‪ ،‬وإمنا هي ذريعة النسحاب أمريكا من االتفاق‬ ‫فقط‪ ،‬وكذلك مطالبة إيران بإخضاع أسلحتها الباليستية لشروط ذلك‬ ‫االتفاق‪ ،‬فهذه ذريعة ً‬ ‫أيضا‪ ،‬ولذا ينبغي البحث عن األسباب احلقيقية‬ ‫وراء انسحاب أمريكا من ذلك االتفاق‪ ،‬وقبل اإلجابة ال بد من التسلمي‬ ‫بأن إيران هي حليف عسكري لوزارة الدفاع األمريكي أكثر من أية دولة‬ ‫من دول الشرق األوسط‪ ،‬مبا فيها تركيا أو أحد من الدول العربية‪ ،‬وال‬ ‫يمت استثناء دولة من دول الشرق األوسط إال الدولة اإلسرائيلية فقط‪.‬‬ ‫مما هو معلوم ومشهور أن اللوبي اإليراني يف أمريكا أقوى من‬ ‫اللوبيات العربية واإلسالمية غير العربية ً‬ ‫أيضا‪ ،‬وأن اللوبي اإليراني‬ ‫يف أمريكا تعاون مع اللوبي اإلسرائيلي الصهيوني اليهودي يف أمريكا‬ ‫يف التخطيط لغزو أمريكا ألفغانستان عام ‪2001‬م‪ ،‬وأن اللوبي اإليراني‬ ‫والصهيوني قد حرضا احلزب اجلمهوري والميني األمريكي املتطرف‬ ‫بغزو العراق عام ‪2003‬م‪ ،‬وأن التعهدات التي قدمتها إليران ملساعدة‬ ‫اجليش األمريكي يف احتالل العراق كانت راجحة يف تبني وزارة‬ ‫الدفاع األمريكي (البنتاغون) لهذا الغزو املتهور للعراق‪ ،‬وما اجليش‬ ‫الطائيف الذي أعدته إيران على أراضيها للمشاركة يف احتالل األراضي‬ ‫العراقية بعد القصف اجلوي األمريكي للعراق سوى دليل قاطع على‬ ‫هذا التحالف‪ ،‬فقد قامت إيران وجيشها بدوره على أكمل وجه‪ ،‬فتولى‬ ‫هو القيادة العملياتية على األرض قبل اجليش األمريكي بعد إسقاط‬ ‫النظام العراقي السابق‪ ،‬وأن هذا اجليش اإليراني قام بتصفية كل‬ ‫املنظومة العسكرية واالستخباراتية للجيش العراقي السابق‪ ،‬بل‬ ‫وتقدمي التسهيالت للموساد اإلسرائيلي الغتيال علماء العراق وتدمير‬ ‫مؤسساته العلمية ومشاريعه التكنولوجية‪ ،‬فهذه معلومات موثقة وال‬ ‫يجهلها دارس لتاريخ العراق منذ قيام اجلمهورية اإليرانية عام ‪1979‬م‪،‬‬ ‫فأمريكا اعمتدت على إيران لتدمير العراق ومن قبله تدمير أفغانستان‪،‬‬ ‫وقد واصلت هذا التحالف يف تدمير سوريا والمين وتعطيل لبنان‬ ‫وتقويضها وتسلميها ملليشيات حزب اهلل الشيعي اللبناني‪ ،‬والرئيس‬ ‫األمريكي ترامب وإدارته ال يجهلون ذلك‪ ،‬وال يعملون ضده وال إلغائه‪،‬‬ ‫بل األرجح أن أمريكا تعمل للتعاون مع إيران لتدمير باقي دول الوطن‬ ‫العربي‪ ،‬وقد وجدت يف املليشيات اإليرانية وأتباعها ضالتها بالهمجية‬ ‫املطلوبة لتدمير الوطن العربي مبا فيه دول اخلليج‪ ،‬دون أن تتحمل‬ ‫أمريكا وزر ذلك وال كلفته املالية وال قتل جندي أمريكي واحد‪ ،‬ولكن‬

‫إيران تعتبر أنها أخذت ثمن تدمير العراق وتدمير سوريا وتدمير المين‬ ‫بتوقيع االتفاق النووي السابق وأنها كسبت ثقة الغرب كما قال جواد‬ ‫ظريف وزير اخلارجية اإليراني‪.‬‬ ‫أي ان إيران يف الغالب تعلم بأنها ال تستطيع بلع الوطن العربي‬ ‫بعقليتها السوداء احلاقدة‪ ،‬فقد عجزت عن ابتالع سوريا وحدها‪ ،‬ألن‬ ‫أمريكا لم تكن إلى جانبها مباشرة كما فعلت معها ذلك يف العراق‪،‬‬ ‫ورمبا أدركت أن أمريكا ورطتها يف سوريا الستدراجها حلرب استنزاف‬ ‫ترهقها وترهق شعبها واقتصادها وجيشها‪ ،‬وهو ما جعل إيران وبتشجيع‬ ‫أمريكي من جون كيري وزير اخلارجية األمريكي السابق يف عهد أوباما‬ ‫يعمالن على توريط روسيا يف املستنقع السوري‪ ،‬وهدف أمريكا أن يتولى‬ ‫اجليش الروسي تدمير املدن السورية ويقتل شعبها بعد أن تولت أمريكا‬ ‫ذلك يف العراق‪ ،‬فكانت خسارتها باهظة‪ ،‬وهدف إيران أن يتولى الروس‬ ‫حتميل اجليش الروسي وزر هذا القتل من العرب واملسلمني السوريني‬ ‫وغيرهم‪ ،‬ألن إيران عجزت عن مواصلة ذلك يف سوريا‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن‬ ‫إداركها أي إيران أن أمريكا شريك غير آمن‪ ،‬وقد خدعها يف العراق‬ ‫وسوريا والمين ولبنان باملتاعب أكثر من املكاسب‪ ،‬فهو يشجع إيران‬ ‫بالسر ولكنه يدعي عدائها بالعلن‪ ،‬وهذا أمر مرهق إليران وحكومتها‬ ‫املنتخبة‪ ،‬وكانت حكومة روحاني تأمل من جناح االتفاق النووي حتويل‬ ‫إيران إلى دولة مقبولة يف املجمتع الدولي‪ ،‬وهذا ما فشلت به‪ ،‬وهو‬ ‫ما يهدد منصب الرئيس روحاني اآلن‪ ،‬ويطالبه باالستقالة لفشله يف‬ ‫حتقيق ذلك‪.‬‬ ‫هذا يعني أن الرؤية األمريكية اجلديدة هي انتهاء حاجتها إلى‬ ‫إيران إال إذا وافقت إيران الدخول يف حرب مع الدول العربية بصورة‬ ‫مباشرة‪ ،‬وباألخص الدخول يف حرب مع دول اخلليج العربي‪ ،‬وبصورة‬ ‫أكثر دقة الدخول يف حرب مع اململكة العربية السعودية‪ ،‬وهذا ما سوف‬ ‫يوفر ألمريكا تنفيذ خططها التاريخية يف الشرق األوسط‪ ،‬وهذا األمر‬ ‫تعلم القيادة اإليرانية خطورته‪ ،‬ألنه سيجعلها دولة متورطة يف حروب‬ ‫خارج حدودها أكثر من حكمها لشعبها‪ ،‬وهذا ثقل كبير لن يقوى اجليش‬ ‫اإليراني وال احلرس الثوري اإليراني القيام به‪ ،‬وبالتالي سيوفر فرصة‬ ‫إمكانية سقوط نظام املاللي بسهولة من املعارضني اإليرانيني يف‬ ‫الداخل‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن أنه سيكون الفصل األخير من تاريخ هذه الطائفة‬ ‫على األرض‪ ،‬ألنه سيجعل منها أخبار للتاريخ فقط‪ ،‬وهذا ما دفع املرشد‬ ‫اإليراني خامنئي بإصدار فتوى حرمة سب الصحابة وأمهات املؤمنني‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪119‬‬

‫ال تستطيع إيران نفي تسببها يف أزمات دولية كبيرة لسكان العراق وسوريا‬ ‫ولبنان واليمن وارتكابها مجازر بحق الشعب العراقي والسوري واليمني واللبناني‬ ‫أمريكا هو أن ذلك االتفاق هو اتفاق دولي‪ ،‬مت االعتراف به من برملانات‬ ‫تلك الدول‪ ،‬مبا فيها البرملان اإليراني والكونغرس األمريكي نفسه‪،‬‬ ‫فالكونغرس األمريكي أقر ذلك االتفاق‪ ،‬بل وأقرته املنظمات الدولية‬ ‫املختصة‪ ،‬مبا فيها مؤسسات األمم املتحدة ذات الصلة‪ ،‬فكان انسحاب‬ ‫أمريكا منه منفردة هو مبثابة خروج أمريكي عن القانون الدولي‪ ،‬حيث‬ ‫أن خمسة دول كبرى موقعة على هذا االتفاق‪ ،‬وقد عبر املوقف التركي‬ ‫عن نفس تلك الرؤية‪ ،‬حيث جاءت تصريحات احلكومة التركية غير‬ ‫مرحبة باالنسحاب األمريكي منه‪ ،‬وحجتها أي احلكومة التركية أن هذا‬ ‫االتفاق هو اتفاق دولي ملزم للدول املوقعة عليه‪ ،‬ما لم يمت مخالفة بنوده‬ ‫نفسها‪ ،‬بيمنا ما قدمته احلكومة األمريكية بإدارة ترامب هو أن هناك‬ ‫ً‬ ‫شروطا كان ينبغي على إيران أن توقعها قبل التوصل لذلك االتفاق‪،‬‬ ‫ولذلك فإن ترامب ال ميتنع عن حتميل املسؤولية لسلفه الرئيس‬

‫األمريكي السابق بارك أوباما‪ ،‬الذي اعتبره بعض رجال إدارة ترامب‬ ‫بانه أي أوباما عاشق إليران وثقافتها وحضارتها الفارسية‪ ،‬وأوباما ً‬ ‫أيضا‬ ‫كاره للعرب وثقافتهم وحضارتهم‪ ،‬وأن أوباما فضل االنحياز السياسي‬ ‫والثقايف إلى اجلانب اإليراني يف قضايا منطقة الشرق األوسط‪ ،‬وأنه‬ ‫هو من سمح لها أن تمتدد يف الشرق األوسط‪ ،‬وباألخص يف سوريا‬ ‫لتهديد تركيا‪ ،‬وسمح إليران المتدد يف المين لتهديد السعودية ودول‬ ‫اخلليج العربي‪.‬‬ ‫هذه الرؤية تؤمن بها إدارة ترامب‪ ،‬ولذلك تتكرر تصريحات إدارة‬ ‫ترامب بتهم حتميل إدارة أوباما مسؤولية املخاطر التي أحدثتها إيران يف‬ ‫منطقة الشرق األوسط‪ ،‬وأنها هي املسؤولة عن التهديدات التي قامت بها‬ ‫صحيحا‬ ‫إيران يف العراق وسوريا والمين ولبنان وغيرها‪ ،‬وهذا وإن كان‬ ‫ً‬

‫‪118‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫من معارضة الدول اخلمس األخرى لهذا االنسحاب عالنية‪ ،‬بل إن‬ ‫الدول األوروبية يف حلف الناتو وهي فرنسا وبريطانيا وأملانيا مواصلة‬ ‫التزامها باالتفاق النووي مع إيران خشية على املشاريع التجارية واملالية‬ ‫مع إيران وهي تقدر بعشرات املليارات من الدوالرات‪ ،‬ولكنها لم تستطع‬ ‫أن تقنع أمريكا وال إيران بذلك حتى اآلن‪.‬‬ ‫وبحسب وجهة النظر األمريكية اجلديدة فإن االتفاق النووي السابق‬ ‫غير كاف ملنع إيران من إنتاج أسلحة نووية ولو بعد سنوات االتفاق‪،‬‬ ‫واألخطر من ذلك أنه لم يشترط على إيران وقف إنتاجها لألسلحة‬ ‫الصاروخية الباليستية بعيدة املدى‪ ،‬كما لم مينعها من تهديد املنطقة‬ ‫وتدخلها العدواني يف شؤون دول املنطقة‪ ،‬فأصبحت هذه اخلطوات أو‬ ‫الشروط هي املطالب األمريكية اجلديدة للتوصل إلى اتفاق جديد مع‬ ‫إيران‪ ،‬وتدعو أمريكا الدول اخلمس ودول العالم إلى‬ ‫مساعدتها بالضغط على إيران إلبرام اتفاق نووي جديد‬ ‫يتضمن تلك الشروط األمريكية‪ ،‬وهو ما تستصعبه تلك‬ ‫الدول اخلمس أوالً‪ ،‬وهو ما ترفضه إيران حتى اآلن‬ ‫رفضا باتًا ثانيا‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫يف يوم من األيام‪ ،‬وهذا شأن توافق عليه معظم دول العالم أوالً‪،‬‬ ‫ومنظمة الطاقة الذرية ثان ًيا‪ ،‬وهو ما ال تستطيع أمريكا أن متنعه عن‬ ‫إيران‪ ،‬طاملا أن إيران تعهدت بفتح مشاريعها النووية للتفتيش الدوري‬ ‫ملنظمة الطاقة الذرية وخبرائها املقميني عبر كاميرات حديثة مثبتة يف‬ ‫املفاعالت النووية اإليرانية‪ ،‬أو عبر زياراتهم الدورية إلى تلك املفاعالت‬ ‫دون إذن مسبق‪ ،‬ويف هذا املجال تنظر احلكومة التركية إلى حق إيران‬ ‫وكل دول العالم بإنتاج الطاقة النووية السلمية‪ ،‬بل ساهمت تركيا بتقريب‬ ‫وجهات النظر بني الدول الست وإيران يف مرحلة املفاوضات الصعبة‬ ‫قبل توقيع االتفاق النووي حزيران ‪2015‬م‪ ،‬واقترحت احلكومة التركية‬ ‫أن يمت تنفيذ بعض الشروط الدولية بالتقليل من كمية اليورانيوم املنضب‬ ‫قبل التزام إيران يف االتفاق على األراضي التركية‪ ،‬وهو ما لم يمت حيث‬ ‫كانت الوجهة به إلى األراضي الروسية‪ ،‬فروسيا هي صاحبة حقوق‬ ‫بناء املفاعالت النووية يف إيران بأثمان باهظة أوالً‪،‬‬ ‫وال يضر روسيا أن تأخذ اليورانيوم الذي صرفت عليه‬ ‫إيران أموالها وجهودها العلمية والتكنولوجية ثان ًيا‪،‬‬ ‫فاملوقف الروسي يف امللف النووي اإليراني موقف‬ ‫مريب‪ ،‬سواء يف مرحلة االنشاء والتصممي أو التنفيذ‬ ‫بل والكشف عن أسرار البرامج النووية عبر مخابراتها‬ ‫لألجهزة التي تخطط ملعرفة مواقع املفاعالت النووية‬ ‫وقصفها وتدميرها‪ ،‬وتدمير املفاعل النووي العراقي يف‬ ‫الثمانينات من القرن املاضي‪ ،‬وتدمير املفاعل النووي‬ ‫السوري بعده وكالهما يف مراحلهما السرية ليس بعيد‬ ‫عن ذلك‪.‬‬

‫ال���دول العربية‬ ‫واإلس�لام��ي��ة مطالبة‬ ‫ب��م��خ��اط��ب��ة ال��ق��ي��ادة‬ ‫اإلي��ران��ي��ة وشعوبها‬ ‫وصناعة رأي عام داخل‬ ‫إي��ران بضرورة خروجها‬ ‫م��ن ال����دول العربية‬ ‫ق��ب��ل ف����وات األوان‬

‫هذه الرؤية األمريكية اجلديدة نحو االتفاق النووي‬ ‫اإليراني بخاصة‪ ،‬ونحو السياسة اإليرانية الداخلية‬ ‫واخلارجية بعامة أوجدت تصو ًرا يف العالم ولدى دول‬ ‫هاجسا أو خط ًرا حقيق ًيا‬ ‫الشرق األوسط بأن هناك‬ ‫ً‬ ‫يف الشرق األوسط اسمه إيران وثورتها وسياسة‬ ‫تصدير الثورة للخارج‪ ،‬وتدخالت إيران التدميرية يف‬ ‫دول املنطقة يف السنوات األخيرة أكبر دليل على ذلك‪،‬‬ ‫كما حصل يف العراق وسوريا والمين ولبنان وبعض دول‬ ‫اخلليج العربي وغيرها‪ ،‬أي أن إيران ال تستطيع أن‬ ‫تنيف أعمالها العدوانية يف دول املنطقة وتسببها بأزمات دولية كبيرة‬ ‫من الهجرة القسرية لسكان العراق وسوريا ولبنان والمين وغيرها‪ ،‬بل‬ ‫وارتكابها ملجازر دولية بحق الشعب العراقي والسوري والميني واللبناني‪،‬‬ ‫فضال عما ترتكبه من أعمال عدوانية يف بعض دول اخلليج والدول‬ ‫اإلفريقية‪ ،‬مبا يحدث اضطرا ًبا سياس ًيا فيها‪ ،‬واألدلة على ذلك كثيرة‬ ‫وثابتة يف ملفات القضاء واحملاكم يف تلك الدول العربية وغيرها‪.‬‬ ‫أخطاء املوقف اإليراني ومخاوفه من االنسحاب من االتفاق النووي‪:‬‬ ‫مما قد مينح املوقف اإليراني حجة دولية يف مسألة االتفاق‬ ‫النووي هو حقها يف امتالك التكنولوجيا النووية ألسباب مدنية سلمية‪،‬‬ ‫وباألخص يف إنتاج الطاقة النووية يف املستقبل بعد نضوب آبار النفط‬

‫أما احلجة اإليرانية الثانية التي تمتسك بها‬ ‫بالدفاع عن اتفاقها النووي مع الدول الست هو أن‬ ‫أمريكا قد تفاوضت مع إيران حول االتفاق النووي‬ ‫لسنوات طويلة‪ ،‬وقد أخضعت إيران لشروط قاسية بسالح العقوبات‬ ‫الدولية القاسية‪ ،‬وحجزت لها أكثر من مائة مليار دوالر يف البنوك‬ ‫األمريكية‪ ،‬والتي هي يف األصل ثمن صفقات بني النفط اإليراني وغيره‪،‬‬ ‫وكانت إيران تأمل أن يمت اإلفراج عن هذه األموال أوالً‪ ،‬ثم تتوالى‬ ‫الشركات األمريكية واألوروبية لالستثمار يف إيران‪ ،‬وهو ما ذكره وزير‬ ‫اخلارجية اإليراني عراب ذلك االتفاق من اجلانب اإليراني جواد ظريف‬ ‫عند توقيع االتفاق‪ ،‬وهو أن إيران قد كسبت ثقة الغرب عند توقيها هذا‬ ‫االتفاق يونيو‪/‬حزيران ‪2015‬م‪ ،‬وهذا تصريح غريب من وزير خارجية‬ ‫دولة تدعي الثورية‪ ،‬ثم وزير خارجيتها يعتبر أن أكبر مكسب من ذلك‬ ‫االتفاق مع الدول الست أن إيران كسبت ثقة الغرب‪.‬‬ ‫وما تمتسك به الدول اخلمس املوقعة على االتفاق مع إيران باستثناء‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪117‬‬

‫العالقات اإلقليمية في الشرق األوسط على ضوء تطورات امللف النووي اإليراني‬

‫إيرانتمربأزمةاقتصاديةوباضطراباتشعبية‬ ‫وأقربللسقوطدونقتالوالحربتطيلعمرها‬ ‫منذ ثالثة عقود والعالم يتابع املتاعب والتهديدات التي تتسبب بها الثورة اإليرانية ضد شعبها وشعوب املنطقة والعالم‪،‬‬ ‫وحتديدًا فميا تطلق عليه اجلمهورية اإليرانية منذ نشأتها مبدأ تصدير الثورة‪ ،‬وكان من نصيب الشرق األوسط أن يكون‬ ‫امليدان األول التي تنطلق نحوه التهديدات اإليرانية اخلارجية‪ ،‬بحكم اجلوار اجلغرايف والدواعي املذهبية الطائفية التي‬ ‫ترتكز عليها الثورة اإليرانية منذ نشأتها عام ‪1979‬م‪،‬‬

‫د‪ .‬محمد زاهد جول‬

‫ويف املقابل لم تتوقف جهود دول الشرق األوسط املتضررة من‬ ‫هذه التهديدات من محاولة وقفها أو ردعها‪ ،‬أو محاولة إقناع النظام‬ ‫اإليراني الذي يتبنى هذه السياسات املتهورة والعدوانية بالتوقف عنها‪،‬‬ ‫بحكم حسن اجلوار أوالً‪ ،‬وعدم إرهاق اقتصادها واقتصاديات املنطقة‬ ‫بهذه األعباء التي يتحمل الشعب اإليراني قبل غيره نقمتها وويالتها‬ ‫باسمترار‪ ،‬ولكن العقلية التي تقدمها القيادة اإليرانية أمام شعبها‬ ‫هي ادعاؤها أنها مستهدفة من أعداء الثورة يف اخلارج‪ ،‬وأن وسيلتها‬ ‫حلماية نفسها هو التسلح بكل أنواع األسلحة التقليدية واملتطورة‪ ،‬مثل‬ ‫الصواريخ الباليستية بعيدة املدى والقابلة حلمل رؤوس نووية‪ ،‬وهذا ما‬ ‫يجعل املشروع اإليراني النووي حتت ضغوط دولية ومخاوف إقلميية‪،‬‬ ‫خشية حتول املنطقة كلها إلى سباق تسلح نووي دون استثناء‪ ،‬ولكن هذا‬ ‫احلرص الدولي لم يردع القيادة اإليرانية عن سياسة التسلح بل يزيدها‬ ‫عنا ًدا‪ ،‬كما جاء على لسان مرشدها األعلى خامنئي باعتباره‪ ":‬أن تشكيل‬ ‫حتالف دولي تتزعمه أمريكا ضد إيران هو دليل على قوة إيران"‪ ،‬يف‬ ‫تصريح له أمام طلبة كلية دفاعية بتاريخ ‪ 30‬يونيو‪/‬حزيران ‪2018‬م‪.‬‬

‫اتفاق (‪ )1+5‬مع إيران حزيران ‪:2015‬‬

‫من أكبر اجلهود الدولية التي بذلها العالم يف العقد األخير ملنع‬ ‫إيران من إنتاج أسلحة نووية هو االتفاق النووي الذي وقعته إيران مع‬ ‫ستة دول كبرى يف يونيو‪/‬حزيران ‪ 2015‬م‪ ،‬وهذه الدول هي أمريكا‬ ‫وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصني وهذه الدول اخلمس دائمة العضوية‬ ‫يف مجلس األمن والدول السادسة هي أملانيا االحتادية‪ ،‬ولذلك عرف‬ ‫االتفاق يف ذلك احلني باتفاق خمسة زائد واحد‪ ،‬ولكن حقيقته أن‬ ‫أمريكا ووزير خارجيتها السابق جون كيري هو من تولى التوصل لذلك‬ ‫االتفاق‪ ،‬بحسب توجهات وقناعات الرئيس األمريكي السابق باراك‬ ‫أوباما‪ ،‬الذي كان يرى بأن االتفاق هو السبيل الوحيد الذي سمينع‬ ‫إيران من إنتاج أسلحة نووية‪ ،‬ولكن تغير اإلدارة األمريكية من احلزب‬ ‫الدميقراطي إلى احلزب اجلمهوري برئاسة دونالد ترامب أدى إلى تغير‬ ‫املوقف األمريكي‪ ،‬حيث كان االنسحاب من االتفاق النووي مع إيران أحد‬ ‫شعاراته االنتخابية ديسمبر ‪2016‬م‪ ،‬وهو ما ألزم إدارته به بعد عام من‬ ‫توليه السلطة يف أمريكا باالنسحاب من االتفاق بصفة منفردة‪ ،‬بالرغم‬

‫‪116‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫الهمينة والنفوذ على الساحة السياسية يف العراق طوال السنوات‬ ‫املاضية وفى ظل حكومات شيعية دانت بالوالء لنظام الولي الفقيه‬ ‫وإن بدرجات تتراوح بني الوالء التام ( حكومتي نورى املالكي رئيس‬ ‫وزراء العراق ‪2014 -2006‬م)‪ ،‬وبني محاولة التوازن بني مصالح‬ ‫إيران وحاجة العراق للوجود األمريكي (حكومة حيدر العبادي‬ ‫‪2018 -2014‬م)‪ .‬وإن تعرضت حالة الهمينة اإليرانية على السلطة‬ ‫يف العراق لهزة قوية على وقع نتائج االنتخابات األخيرة ( ‪ 12‬مايو‬ ‫‪2018‬م) والتي أسفرت عن تقدم حتالف سائرون ملقتدى الصدر‬ ‫واحلزب الشيوعي‪ ،‬وهى النتائج التي سمتكن سائرون من تشكيل‬ ‫الكتلة البرملانية األكبر متهيدا لتشكيل احلكومة‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أهمية محاربة اجلماعات اإلرهابية‪ .‬وبالتالي فإن إيران – ووفقا لهذه‬ ‫الرؤية ‪ -‬ستتجه إلى ممارسة مزيد من االنخراط يف ملفات اإلقلمي‬ ‫ولن تتنازل عن دورها اإلقلميي ألن لديها من اجلماعات على أرض‬ ‫الصراع يف سوريا والمين ما ميكنها من استكمال خريطة مصاحلها‬ ‫هناك‪ ،‬فضال عن أذرعها يف البحرين والعراق‪ .‬وازدياد انخراطها‬ ‫سيكون بهدف استخدام هذا النفوذ كورقة ضغط فى حالة العودة‬ ‫إلى مفاوضات جديدة حول برنامجها النووي وفقا ملا تريده الواليات‬ ‫املتحدة‪ ،‬أو لدفع األخيرة للعدول عن قرار االنسحاب من االتفاق‪.‬‬ ‫ووفقا للرؤية السابقة فمن احملمتل أن تتجه إيران النتهاج خيارات‬ ‫أكثر تصعيدا كاستئناف تخصيب اليورانيوم مبعدالت عالية‪ ،‬لكن هذا‬ ‫االحمتال سيظل احمتاال إيرانيا مؤجال طاملا ظلت‬ ‫الدول األوروبية املوقعة على االتفاق حريصة على‬ ‫البقاء فيه‪ ،‬بالرغم من أن التيار املتشدد يف إيران‬ ‫يرى أن االتفاق لم يعد له أهمية بعد االنسحاب‬ ‫األمريكي منه‪.‬‬

‫م���ن ال��م��ت��وق��ع‬ ‫تشكيل أمريكا خطة‬ ‫عمل متكاملة للتعامل‬ ‫مع إيران يف مرحلة ما بعد‬ ‫االنسحاب من االتفاق‬

‫أما فميا بعد االنسحاب األمريكي من االتفاق‬ ‫النووي مع إيران فليس من املتوقع أن يحدث تغيير‬ ‫"حاد وسريع" يف حالة األوضاع اإلقلميية السائدة‪،‬‬ ‫ولكن من املفترض أن يؤدى ذلك إلى تغيير إقلميي‬ ‫على املدى الطويل‪ ،‬باعتبار أن تأثيرات القرار‬ ‫والعقوبات الالحقة له من شأنها أن تؤدى إلى تعثر‬ ‫الدور اإلقلميي إليران‪ ،‬وتدفعها إلى االنكفاء على‬ ‫وضعها الداخلي يف ضوء االحتجاجات املسمترة‬ ‫التي يواجهها النظام‪ ،‬نتيجة لتردى األوضاع القائمة‪ ،‬والتي يرجعها‬ ‫احملتجون إلى االنخراط اخلارجي حلكومتهم يف بؤر التوتر‬ ‫الساخنة السميا سوريا والعراق‪ .‬ومن املتوقع أن تنعكس نتائج‬ ‫قرار االنسحاب األمريكي على الساحة المينية باعتبارها مصدر‬ ‫تهديد مباشر للمنطقة‪ .‬فمن احملمتل أن تتراجع معدالت الدعم‬ ‫اإليراني املادي والعسكري للحوثيني على املدى الطويل بفعل تشديد‬ ‫العقوبات على إيران‪ .‬ومن املتوقع أيضا أن تولى الواليات املتحدة‬ ‫اهمتاما بالمين عبر مواجهة غير مباشرة مع إيران من خالل تقدمي‬ ‫دعم فعال سياسي واقتصادي وعسكري للحكومة الشرعية يف‬ ‫المين عبر املزيد من التنسيق مع التحالف‪.‬‬ ‫وهناك اجتاه مغاير لهذه الرؤية يقول بأن قرار االنسحاب‬ ‫األمريكي من االتفاق النووي اإليراني لن يؤد إلى انحسار سريع‬ ‫للنفوذ اإليراني يف املنطقة‪ ،‬بل من شأنه دفع األوضاع اإلقلميية ملزيد‬ ‫من الصراع والتوتر‪ ،‬خاصة وأن استراتيجية العقوبات األمريكية‬ ‫بعد هذا القرار تقوم على استهداف كافة أذرع إيران اإلقلميية‬ ‫وفى مقدمتها امليليشيات احلوثية يف المين‪ ،‬التي متثل تهديدا كبيرا‬ ‫جليرانها عبر صواريخ باليستية مصدرها إيران‪ ،‬ومتثل كذلك‬ ‫تهديدا للمصالح األمريكية يف منطقة البحر األحمر‪ ،‬فضال عن‬

‫ميكن القول أن االنسحاب األمريكي من االتفاق‬ ‫النووي مع إيران بدا حقيقة قائمة لها مبرراتها‬ ‫وتداعياتها على مجمل العالقات اإلقلميية من ناحية‪،‬‬ ‫ومجمل العالقات األمريكية األوروبية من ناحية ثانية‪ .‬ويبقى التساؤل‬ ‫حول مدى صمود االتفاق بعد االنسحاب األمريكي منه تساؤال له‬ ‫وجاهته؛ يف ضوء حرص الدول األوروبية املوقعة عليه على اسمتراره‬ ‫من ناحية‪ ،‬وإعالن طهران وفقا لهذه اخلطوة عن متسكها باالتفاق‬ ‫من ناحية ثانية‪ .‬فمن املتوقع أن جتتهد الدول األوروبية يف احلفاظ‬ ‫على دميومة االتفاق من باب أنه كابح لتطلعات إيران النووية‪ ،‬لكن‬ ‫هذا احلرص سيظل مرهونا مبدى تأثير العقوبات األمريكية على‬ ‫الشركات األوروبية التي باتت يف مرمى االستهداف األمريكي حال‬ ‫خرقها للعقوبات على إيران‪ .‬وعلى اجلانب اآلخر فمن املتوقع أن‬ ‫تتجه الواليات املتحدة لتشكيل خطة عمل متكاملة هدفها التعامل‬ ‫مع إيران يف مرحلة ما بعد االنسحاب األمريكي من االتفاق‪ ،‬خاصة‬ ‫ردود أفعالها اإلقلميية يف منطقة اخلليج العربي وهى املنطقة التي‬ ‫من املتوقع‪ ،‬ووفقا خلطوة االنسحاب األمريكي من االتفاق النووي‬ ‫اإليراني‪ ،‬أن تشهد حتجميا فعليا لتهديدات األمن واالستقرار بها‬ ‫والتي مصدرها الرئيسي إيران‪.‬‬

‫* مركز األهرام للدراسات السياسية واالسرتاتيجية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪115‬‬

‫ح��ف��اظ أوروب����ا ع�لى دي��م��وم��ة االت��ف��اق لكبح تطلعات إي���ران‬ ‫النووية ويتوقف ذل��ك عىل تأثير العقوبات عىل الشركات األوروبية‬ ‫النووي اإليراني‪ ،‬وإمنا حجمه إلى حد ما‪ .‬حيث ال تزال متتلك إيران‬ ‫بنية قادرة على أن تكون نواة لقوة نووية مستقبال‪ .‬مبا يعنيه ذلك من‬ ‫تهديد ألمن دول اجلوار اخلليجي حتديدا‪.‬‬ ‫ رغبة دول اخلليج يف كبح جماح التهديدات اإليرانية الدائمة‬‫للداخل البحريني عبر سياسات احلشد الطائيف التي ظلت متارسها‬ ‫يف البحرين والعراق وسوريا‪ .‬وكان الضغط اخلليجي على الرئيس‬ ‫ترامب بضرورة اتخاذ موقف جتاه تلك السياسات أحد أهم املدخالت‬ ‫التي شكلت قرار االنسحاب األمريكي من االتفاق‪.‬‬ ‫ ازدياد قلق احلكومات يف اخلليج من جناح إيران يف توظيف‬‫أدوات تهديد جديدة ضدها؛ وأبرزها هو التأسيس مليليشيات مسلحة‬ ‫ذات طبيعة عقائدية‪ .‬والتي تمتتع بدعم كامل من مؤسسة احلرس‬ ‫الثوري اإليراني عبر فيلق القدس املنخرط يف اخلارج‪ ،‬والذى يقوم‬

‫بتوفير الدعم املالي والتسليحي واللوجيستي لكافة اجلماعات التي‬ ‫تدين بالوالء املذهبي العقائدي إليران‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬التأثيرات عىل العالقات اإلقليمية‪:‬‬

‫األوضاع اإلقلميية التي كانت سائدة قبيل االنسحاب األمريكي‬ ‫من االتفاق النووي تقر مبوازين قوى لصالح إيران ووكالئها يف‬ ‫املنطقة‪ ،‬السميا بعد حالة السيطرة على الوضع يف سوريا ميدانيا‬ ‫عبر ميليشياتها من فيلق القدس التابع للحرس الثوري‪ ،‬والعديد من‬ ‫امليليشيات الشيعية العراقية واللبنانية واألفغانية‪ ،‬وإقرار روسيا‬ ‫بأهمية الدور اإليراني يف محاربة اإلرهاب يف سوريا‪ ،‬بالرغم من‬ ‫وجود خالفات واضحة بني الطرفني بشأن طبيعة هذا الدور يف‬ ‫املرحلة احلالية وموقعه من التسويات احملمتلة لألزمة يف إطار‬ ‫العالقات األمريكية الروسية‪ .‬فضال عن حالة الصعود السياسي‬ ‫حلزب اهلل حليف إيران الرئيسي يف لبنان‪ ،‬والتي انعكست بوضوح يف‬ ‫نتائج االنتخابات البرملانية األخيرة (‪ 6‬مايو ‪2018‬م)‪ .‬بخالف حالة‬

‫‪114‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫االن���س���ح���اب األم���ري���ك���ي أض����ر ب��ال��م��ص��ال��ح االق��ت��ص��ادي��ة‬ ‫األوروب����ي����ة م��ق��اب��ل ت��ع��زي��ز م��ص��ال��ح ش���رك���ات ال��ص��ي��ن وروس���ي���ا‬ ‫إمكانية استبدال االستثمارات األوروبية األمريكية بأخرى روسية‬ ‫صينية‪ .‬وبالرغم من النجاح الذى أحرزته طهران يف هذا السياق‪،‬‬ ‫إال أن تلك الدول جتاوبت نسبيا مع العقوبات األمريكية حتى‬ ‫ال تضع عالقتها مع الواليات املتحدة يف دائرة االستهداف غير‬ ‫احملسوب لقرارات اإلدارة األمريكية احلالية‪.‬‬ ‫يف إطار الرؤية األوروبية الرافضة لالنسحاب األمريكي من‬ ‫االتفاق النووي مع إيران‪ ،‬ميكن القول أن ثمة احمتاالت مستقبلية‬ ‫قد تشكل مسار العالقات األوروبية اإليرانية بشأن االتفاق بعضها‬ ‫يشير إلى إمكانية تعاون الدول األوروبية مع كل من الصني وروسيا‬ ‫يف الضغط على إيران حلملها على العودة ملفاوضات جديدة تتعلق‬ ‫باالتفاق النووي وفقا للمطلب األمريكي‪ .‬ووفقا لهذا االحمتال فمن‬ ‫املمكن أن متارس روسيا بالتحديد ضغوطا وازنة على إيران قد‬ ‫تدفعها مستقبال إلى الدخول يف مفاوضات جديدة بشأن برنامجها‬ ‫النووي‪ .‬ورمبا حالة اخلالف الروسية اإليرانية اآلخذة يف التصاعد‬ ‫حول الدور اإليراني احلالي يف سوريا‪ ،‬ومدى ما ميثله من ضغوط‬ ‫على روسيا واجنازاتها هناك يفسر هذا االحمتال‪ .‬وهو ما يعنى‬ ‫تدشني اتفاقا جديدا ال يتوقف عند حدود تقويض القدرات‬ ‫النووية والباليستية اإليرانية‪ ،‬وإمنا يتعداها ليشمل تقويض الدور‬ ‫اإليراني اإلقلميي باألساس الذى بات مهددا ألمن دول املنطقة‬ ‫ككل‪ .‬والبعض الثاني من هذه االحمتاالت يشير إلى مخاوف‬ ‫أوروبية من اندالع حرب إقلميية شاملة يف الشرق األوسط بني‬ ‫إيران وإسرائيل تكون ساحتها سوريا‪ ،‬السميا بعد االستهدافات‬ ‫اإلسرائيلية للميليشيات اإليرانية وللبنية العسكرية اإليرانية يف‬ ‫اجلنوب السوري‪ ،‬وفى مناطق الوسط حمص وحماة ودمشق‪.‬‬ ‫وبالتالي فإن إيران وحتت وطأة الداخل وضغوط اخلارج ستتجه‬ ‫إلى البحث عن مخرج لتدخالتها السياسية والعسكرية يف ملفات‬ ‫املنطقة كلها‪ .‬لكن حظوظ هذا االحمتال تبدو ضعيفة على خلفية‬ ‫اإلصرار اإليراني باسمترار التورط يف العراق والمين وسوريا‪ .‬أما‬ ‫البعض الثالث من هذه االحمتاالت فتشير إلى أن سطوة العقوبات‬ ‫األمريكية‪ ،‬وانتقادات الدول األوروبية للدور اإلقلميي اإليراني‬ ‫املزعزع الستقرار املنطقة من شأنه دفع إيران للدخول ملفاوضات‬ ‫جديدة حول نشاطها النووي ودورها اإلقلميي‪ ،‬بهدف احلفاظ على‬ ‫استقرار الداخل اإليراني وحمايته من السقوط‪ ،‬السميا وهو يواجه‬ ‫حاليا سلسلة من االحتجاجات الشعبية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التأثيرات عىل دول الخليج‪:‬‬

‫تباينت ردود فعل ومواقف دول اخلليج العربي على قرار الرئيس‬ ‫األمريكي ترامب باالنسحاب من االتفاق النووي مع إيران‪ ،‬حيث‬ ‫أيدت القرار كل من السعودية واإلمارات والبحرين‪ ،‬بل دعوا إلى‬ ‫إعادة صياغة وتقيمي االتفاق من أساسه يف ضوء سياسات إيران‬ ‫يف املنطقة‪ .‬وأبدت كل من قطر وسلطنة عمان موقفا محايدا من‬ ‫االنسحاب األمريكي‪ .‬بيمنا أعلنت الكويت رفضها للقرار‪ .‬حالة‬ ‫التأييد السعودي اإلماراتي البحريني كانت والزالت مدفوعة بعدة‬ ‫أسباب منها‪:‬‬ ‫ تطورات الدور اإليراني يف املرحلة التي أعقبت التوقيع على‬‫االتفاق النووي (مايو‪2015‬م) والذى تقبلته دول اخلليج بحذر‪ ،‬قد‬ ‫عكست تهديدا إيرانيا واضحا لها وملصاحلها يف املنطقة‪ ،‬وأن ما‬ ‫روجته اإلدارة األمريكية يف عهد أوباما من كون االتفاق سيقلل من‬ ‫التهديدات اإليرانية جليرانها‪ ،‬على اعتبار أن هذا الدور هدفه‬ ‫احلصول على مكتسبات بشأن البرنامج النووي‪ ،‬ما هي إال محض‬ ‫خيال‪ ،‬والعكس هو ما أثبتته التطورات‪ .‬حيث طورت إيران من‬ ‫تهديداتها للحدود اخلليجية مباشرة عبر الساحة المينية بإمدادها‬ ‫العسكري للحوثيني‪ .‬وقد كان االتفاق النووي سببا يف ذلك؛ حيث أن‬ ‫العقوبات التي مت رفعها عن طهران بتوقيعها االتفاق النووي أعاد‬ ‫احلياة القتصادها الوطني‪ ،‬األمر الذى استغلته احلكومة اإليرانية‬ ‫يف تطوير قدراتها الصاروخية الباليستية تطويرا هائال يف غضون‬ ‫ثالثة أعوام‪ .‬هذا بخالف زيادة دعمها املادي والتسليحي للجماعات‬ ‫الشيعية املوالية لها يف كل من المين والعراق وسوريا‪ ،‬كما الزالت‬ ‫تدعم سياسيات حزب اهلل يف لبنان املقوضة ملؤسسات الدولة‬ ‫اللبنانية‪ .‬أي اسمترار حالة متددها اإلقلميي‪ ،‬بل وتزايدها عما كانت‬ ‫عليه منذ عام ‪.2015‬م‪.‬‬ ‫ ترى دول اخلليج أن ضغوطا وازنة ميكن لإلدارة األمريكية‬‫ممارستها على طهران حاليا‪ ،‬عبر إعادة فرض وتشديد العقوبات‬ ‫االقتصادية‪ ،‬مبا قد يؤدى إلى انكشاف الداخل اإليراني بصورة تساهم‬ ‫يف حتجمي الدور اإليراني املهدد لألمن واالستقرار يف املنطقة‪ .‬وذلك‬ ‫على سبيل االستفادة من احلالة التي وصل إليها االقتصاد اإليراني‬ ‫املنهك بفعل انخراطات احلكومة يف اخلارج‪ ،‬وضخ مبالغ هائلة لدعم‬ ‫وكالئها يف العراق وسوريا والمين‪.‬‬ ‫‪ -‬قناعة دول اخلليج بأن االتفاق النووي لم يؤد إلى إنهاء النشاط‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫األمريكية بصورة دفعت إلى القول بأن احلرب يف منطقة الشرق‬ ‫األوسط ستكون وشيكة جدا‪ .‬لكن الواقع يشير إلى أن خيارات‬ ‫احلرب مبعناها الواسع لم تكن هدفا لإلدارة األمريكية احلالية‪،‬‬ ‫بالرغم من خطابها التصعيدي التهديدي‪ .‬وإمنا تظل االستهدافات‬ ‫النوعية العسكرية من حني آلخر‪ ،‬واملواجهات العسكرية عبر الوكالء‬ ‫هي اآلليات األكثر تعبيرا عن خطاب تلك اإلدارة جتاه أعدائها يف‬ ‫منطقة الشرق األوسط‪ .‬فكل ما تريده واشنطن من انسحابها من‬ ‫االتفاق هو دفع إيران إلى قبول وجهة النظر األمريكية الرامية إلى‬ ‫الدخول يف مفاوضات جديدة؛ هدفها الوصول إلى اتفاق مختلف‬ ‫يضع مسارا يضمن أن ال تكون إيران مصدرا مهددا لألمن اإلقلميي‬ ‫يف الشرق األوسط؛ أي أن واشنطن حاليا ليست بصدد خوض حربا‬ ‫مباشرة مع إيران التي ستتجه إلى إتباع سياسة أكثر تشددا يف‬ ‫املنطقة؛ السميا جتاه ملفات المتاس مع دول اخلليج وحتديدا مع‬ ‫السعودية التي تعتبرها إيران عدوها اإلقلميي األول‪ .‬يف‬ ‫هذا السياق ميكن تفسير حالة الضغط األمريكي التي‬ ‫تمُ ارس على إيران للخروج من سوريا ككل وليس منطقة‬ ‫اجلنوب السوري فقط‪ ،‬فضال عن حالة التباين يف‬ ‫املواقف بني روسيا وإيران بشأن توسع األخيرة يف إقامة‬ ‫العديد من قواعد البنية العسكرية يف سوريا على مدى‬ ‫العامني املاضيني‪ ،‬ومحاولة الرئيس األمريكي الضغط‬ ‫على نظيره الروسي فالدميير بوتني حلمله على اتخاذ‬ ‫موقف جتاه اسمترار بقاء القوات اإليرانية يف سوريا‪،‬‬ ‫ويأتي يف سياق ذلك الطرح الذى أشارت إليه اإلدارة‬ ‫األمريكية بشأن إمكانية سحب قواتها من سوريا مقابل‬ ‫أن حتل قوات عربية محل تلك القوات‪.‬‬

‫مقال‬

‫إيراني أو حلزب اهلل اللبناني يف منطقة اجلنوب حيث احلدود‬ ‫مع اجلوالن احملتل‪ .‬فضال عن احمتاالت أن تستهدف امليليشيات‬ ‫اإليرانية املوجودة يف سوريا القواعد األمريكية يف شرق وشمال شرق‬ ‫سوريا‪ .‬وكذلك األمر بالنسبة للمين ولدور التحالف الذى تتزعمه‬ ‫السعودية فيها فبالرغم من عدم اعتراف إيران باملشاركة العسكرية‬ ‫إلى جانب احلوثيني‪ ،‬لكنها تقوم بدعمهم بالسالح والصواريخ التي‬ ‫تطلقها تلك اجلماعة على حدود السعودية‪ .‬وعكست تطورات أزمة‬ ‫االتفاق النووي اإليراني واالنسحاب األمريكي منه جتاه إيران إلى‬ ‫رفع مستوى دعمها العسكري واملادي للحوثيني‪ ،‬والذى قوبل بتصعيد‬ ‫سعودي إماراتي على الساحة المينية وحتديدا يف صعدة معقل‬ ‫احلوثيني‪ .‬هذا يعنى أن اخلطوة األمريكية باالنسحاب من االتفاق‬ ‫النووي تبعه تصعيد مباشر وغير مباشر يف ساحات املواجهات‬ ‫العسكرية بني إيران وبني مناوئيها اإلقلمييني‪.‬‬

‫التمسك األوروبي‬ ‫لإلبقاء عىل االتفاق لن‬ ‫يستمر طويال إلمكانية‬ ‫فرض أمريكا عقوبات‬ ‫عىل الشركات األوروبية‬

‫انسحاب الواليات املتحدة إذن من االتفاق النووي مع إيران‬ ‫بالكيفية السابقة يشير إلى تأثيرات جمة على ملفات االنخراط‬ ‫اإليراني يف منطقة الشرق األوسط ‪ :‬فيف العراق بإمكان إيران دفع‬ ‫حلفائها هناك‪ ،‬السميا هيئة احلشد الشعبي‪ ،‬إلى استهداف الوجود‬ ‫العسكري األمريكي خاصة بعد أن حتولت الهيئة إلى كيان سياسي‬ ‫أحرز نتائج يعتد بها يف االنتخابات البرملانية األخيرة (مايو ‪2018‬م)‬ ‫متكنها أن تكون رقما مهما يف معادلة احلكومة العراقية اجلديدة‪.‬‬ ‫هذا فضال عن التأثير الديني القوى الذى متتلكه طهران وتوظفه‬ ‫بنجاح كبير يف إدارة عالقة التبعية التي تتخذها العديد من القوى‬ ‫السياسية الشيعية العراقية عنوانا للعالقة مع إيران على مدار‬ ‫السنوات املاضية‪ ،‬وحتديدا منذ االنسحاب األمريكي يف نهاية عام‬ ‫‪2011‬م‪ .‬أما يف سوريا فكانت انعكاسات املوقف األمريكي من االتفاق‬ ‫النووي اإليراني أكثر وضوحا حيث املواجهة املفتوحة مع إسرائيل‬ ‫يف اجلنوب السوري‪ ،‬يف ضوء رفض إسرائيل أي وجود عسكري‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪113‬‬

‫* عىل مستوى العالقات مع الحلفاء األوروبيين‪:‬‬

‫خطوة االنسحاب األمريكي من االتفاق‬ ‫النووي اإليراني مقابل متسك الدول األوروبية‬ ‫املوقعة على االتفاق به‪ ،‬أدت إلى توتر العالقات‬ ‫األمريكية األوروبية التي كانت تمتتع بقدر من‬ ‫المتاهي واالستقرار يف العديد من القضايا‬ ‫الدولية‪ .‬هذا التوتر جاء نتيجة لفشل محاوالت‬ ‫قادة العديد من الدول األوروبية وحتديدا‬ ‫فرنسا وأملانيا وبريطانيا يف إقناع الرئيس‬ ‫األمريكي بعدم اتخاذ خطوة سلبية جتاه االتفاق‬ ‫عند حلول موعد املراجعة له‪ .‬وهو ما يعنى‬ ‫استهداف مباشر للشركات األوروبية العاملة يف إيران يف مختلف‬ ‫املجاالت عبر العقوبات االقتصادية واملالية التي فرضتها واشنطن‬ ‫على إيران‪ .‬هذا بخالف أن تلك العقوبات ستهدد مباشرة العالقات‬ ‫االقتصادية األوروبية اإليرانية‪ ،‬والتي تزايدت معدالت منوها بعد‬ ‫توقيع االتفاق النووي يف مايو ‪2015‬م‪ .‬فالدول األوروبية ال ترغب يف‬ ‫الدخول من جديد يف مفاوضات قد تستغرق سنوات بشأن االتفاق‬ ‫النووي اإليراني‪ ،‬فضال عن عدم اقتناعها مبوقف اإلدارة األمريكية‬ ‫بشأن االتفاق‪ .‬وتعتبر الدول األوروبية أن اخلطوة األمريكية تقوض‬ ‫فعليا مساعي حكوماتها لالستفادة من السوق اإليراني عبر شركات‬ ‫االستثمار األوروبية املختلفة‪.‬‬ ‫وزاد من معدالت التوتر األوروبية األمريكية‪ ،‬على هامش‬ ‫االنسحاب األمريكي من االتفاق النووي اإليراني‪ ،‬أن هذا االنسحاب‬ ‫قد أضر باملصالح االقتصادية األوروبية مقابل تعزيز مصالح‬ ‫الشركات املماثلة التابعة للصني وروسيا‪ .‬حيث روجت طهران إلى‬

‫‪112‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ب���إم���ك���ان إي�������ران دف�����ع ح��ل��ف��ائ��ه��ا يف ال����ع����راق خ��اص��ة‬ ‫ال��ح��ش��د ال��ش��ع��ب��ي إىل اس��ت��ه��داف ال���وج���ود ال��ع��س��ك��ري األم��ري��ك��ي‬ ‫أوال‪ :‬تداعيات االنسحاب األمريكي من االتفاق النووي مع إيران‪:‬‬

‫ثمة من يرى أن خطوة االنسحاب األمريكي من االتفاق النووي‬ ‫اإليراني قد ال تكون مهددة بقوة للدور اإليراني يف املنطقة‪ ،‬ولن‬ ‫تدفع إيران إلى االنسحاب من االتفاق ردا على اخلطوة األمريكية‪،‬‬ ‫وبالتالي لن تتجه إلى استئناف نشاطها النووي‪ .‬وفى املقابل هناك‬ ‫رأى يقول أن اخلطوة متثل ضربة قاصمة لالتفاق النووي اإليراني‪،‬‬ ‫وأن حالة المتسك األوروبي باإلبقاء على االتفاق لن تسمتر طويال‪،‬‬ ‫السميا وأن الواليات املتحدة تتحكم يف النظام املالي واالقتصادي‬ ‫العاملي إلى حد كبير‪ ،‬ما ميكنها من فرض مزيد من العقوبات التي‬ ‫قد تطال الشركات األوروبية نفسها حال عدم خروجها من إيران‪.‬‬ ‫أيا كان الرأي الذى سيفرض نفسه بشأن تفسير موقف االنسحاب‬ ‫األمريكي من االتفاق النووي مع إيران على املديني املتوسط والطويل‪،‬‬ ‫فإن الواقع يشير إلى وجود تداعيات وتأثيرات على عدة مستويات‬ ‫ميكن رصدها يف النقاط التالية‪:‬‬

‫عىل مستوى منطقة الشرق األوسط ‪:‬‬

‫ثمة احمتاالت تقول بأن االنسحاب األمريكي من االتفاق النووي‬ ‫اإليراني قد يدفع إيران ‪ -‬وحتت وطأة وشدة العقوبات االقتصادية‬ ‫واملالية واسمترارها ‪ -‬إلى العودة لعملية تطوير قدراتها على تخصيب‬ ‫اليورانيوم‪ ،‬وبالتالي تطوير برنامجها النووي دون أن يكون خاضعا‬ ‫لإلشراف الدولي حال خروجها منه‪ ،‬أو حال خروج الدول األوروبية‬ ‫منه‪ .‬وأن هذا االحمتال يعنى تهديدا مباشرا ألمن واستقرار منطقة‬ ‫الشرق األوسط ككل خاصة دول اخلليج وإسرائيل‪ ،‬ويدفع إلى سباق‬ ‫تسلح حاد يف املنطقة‪ .‬هذا إلى جانب تصعيد حدة احلروب بالوكالة‬ ‫من ناحية‪ ،‬وتصاعد حدة املواجهات العسكرية املباشرة من ناحية‬ ‫أخرى السميا بني إيران وإسرائيل يف الساحة السورية‪ .‬هذا حتقق‬ ‫يف الواقع بعد ساعات من االنسحاب األمريكي؛ حيث وجهت إسرائيل‬ ‫ضربات عسكرية ضد البنية التحتية اإليرانية فى اجلنوب السوري‪،‬‬ ‫بيمنا قام وكالء إيران يف المين باستهداف احلدود اجلنوبية السعودية‬ ‫عبر صواريخ باليستية‪.‬‬ ‫هذه االستهدافات تكررت مرات عدة يف أعقاب اخلطوة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪111‬‬

‫االنسحاب األمريكي لن يحدث تغيي ًرا "حاد وسريع" في حالة األوضاع اإلقليمية‬

‫العالقاتاإلقليميةوتطوراتالملفالنووي‪:‬‬ ‫تحجي��م التهدي��دات اإليرانية يف المنطقة‬ ‫انسحبت الواليات املتحدة من االتفاق النووي بني إيران ومجموعة دول ( ‪ ) 1 + 5‬يف الثامن من مايو من عام ‪2018‬م‪ ،‬القرار‬ ‫جاء متسقا مع حالة مسمترة ومتجددة من محاوالت الرئيس دونالد ترامب إلعادة رسم السياسة اخلارجية األمريكية؛‬ ‫السميا تلك املتعلقة باالتفاقات الدولية التي انتقدها خالل حملته االنتخابية‪ ،‬وفى مقدمتها االتفاق النووي مع إيران‪،‬‬ ‫واتفاقية باريس للمناخ‪ ،‬واتفاقية الشراكة عبر احمليط الهادي‪ .‬حيث رأى ترامب أن االتفاق وفر مظلة دولية لمتدد املشروع‬ ‫اإليراني يف منطقة الشرق األوسط وزاد من نفوذه يف دولها‪ ،‬فضال عن أنه لم يتطرق ملنظومة برنامج الصواريخ الباليستية‬ ‫التي استطاعت طهران تطويرها بقوة خالل العامني املاضيني‪ ،‬كما أنه يمُ ّكن طهران بصورة أو بأخرى من امتالك قدرات‬ ‫تؤهلها إلنتاج أسلحة نووية يف إطار قانوني معترف به دوليا‪.‬‬

‫صافيناز محمد أحمد‬

‫وقد اتبعت إدارة ترامب تلك اخلطوة بفرض مجموعة من‬ ‫العقوبات االقتصادية الشاملة على النظام اإليراني‪ ،‬مصحوبة‬ ‫بتهديدات للدول التي ستساعد طهران فى خرق العقوبات أو‬ ‫مساعدتها يف استكمال امتالكها سالحا نوويا‪.‬‬ ‫وقد مثل القرار انسحابا من جانب واحد فقط من بني ستة‬ ‫أطراف أبرمت االتفاق الذى منحه مجلس األمن فميا بعد اعترافا‬ ‫دوليا‪ .‬حيث اعترضت الدول األوروبية الشريكة يف إبرام االتفاق على‬ ‫هذه اخلطوة‪ ،‬واعتبرتها خطوة غير محسوبة العواقب والتداعيات‪،‬‬ ‫لكونها توفر إليران مبررا الستئناف نشاطها يف تخصيب اليورانيوم‬ ‫متهيدا المتالكها سالحا نوويا‪ ،‬وكان هذا التباين يف املوقفني األمريكي‬ ‫واألوروبي بشأن االتفاق النووي مع إيران من أهم التداعيات التي لها‬ ‫انعكاساتها على مدى اسمترار بقاء هذا االتفاق قائما من عدمه‪.‬‬

‫وعلى اجلانب اآلخر فقد القت اخلطوة األمريكية ترحيبا من بعض‬ ‫الدول وفى مقدمتها دول اخلليج؛ التي تعتبر إيران مصدر التهديد‬ ‫األول والرئيسي لألمن يف املنطقة‪.‬‬ ‫االنسحاب األمريكي من االتفاق النووي مع إيران يفرض عدة‬ ‫تساؤالت حول تداعياته وتأثيراته على مجمل العالقات اإلقلميية‬ ‫خاصة املتعلقة بسياسات إيران ومتددها يف املنطقة؛ السميا يف‬ ‫ملفات العراق وسوريا والمين ولبنان‪ ،‬وكلها ملفات تمتاس فيها‬ ‫املصالح اإليرانية مع نظيرتها اخلليجية وحتديدا املصالح اإلقلميية‬ ‫السعودية‪ .‬كما يفرض تساؤالت بشأن مستقبل التباين يف املوقفني‬ ‫األمريكي واألوروبي فميا يتعلق باالتفاق‪ ،‬ويطرح كذلك استفسارات‬ ‫بشأن طبيعة العالقات اإلقلميية القائمة يف املنطقة‪ ،‬أو تلك التي‬ ‫ستترتب على حالة االنسحاب األمريكي من االتفاق النووي‪.‬‬

‫‪110‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫واالقتصادية‪.‬‬ ‫حتى أضحت العوملة االقتصادية محد ًدا جوهر ًيا يف إعادة تشكيل‬ ‫السياسية‪ ،‬لكن يبدو أن التقدم التكنولوجي وما رافقه من ثورة إلكترونية‬ ‫دخلتها بشكل مفاجئ فقدت عندها العوملة القيادة‪ ،‬وألول مرة فقدت‬ ‫العوملة القدرة على إدارة مصاحلها بفضل الثورة اإللكترونية وحتى‬ ‫احلكومات احمللية‪ ،‬ألن هذه الثورة تسمح بالتفكير والقيادة يف نظام‬ ‫منفلت من الضوابط والقيود امتدت إلى أنحاء العالم ولم تعد متركزة يف‬ ‫مكان محدد بل بدأت تضرب الهجرات واإلرهاب دول أوروبا وأمريكا‪.‬‬ ‫هناك واقع هجني غير مسبوق من املستحيل‬ ‫اإلحاطة به إذا لم يكن هناك تعاون مشترك‪ ،‬ألن‬ ‫العنف املمارس يف عالم اليوم يهدف إلى فرض سيطرة‬ ‫وتراتيبية معينة‪ ،‬لكنه قط ًعا ال يعمل على إقامة نظام‬ ‫سلمي‪ ،‬بل يسعى إلى اتساع رقعة العنف وتعمميه‪ ،‬ما‬ ‫يعني أن العالم يعاني من حرب عاملية‪ ،‬بعدما حاول‬ ‫العالم الغربي دفع رحى االضطراب إلى منطقة‬ ‫الشرق األوسط ألنه كان يعتبرها فضاءات تتكثف فيها‬ ‫إشكاليات جيو‪ -‬استراتيجية وجيو‪ -‬اقتصادية‪ ،‬فلم‬ ‫تعد الالمباالة تنفع بعدما كان الغرب ال تؤرقه حروب‬ ‫الشرق األوسط وال يرغب يف إيقافها ألن االنتصار لم‬ ‫يعد الهدف منها‪.‬‬ ‫استخدام األسلحة الكمييائية يف سوريا احملظورة دول ًيا وحتديد‬ ‫املسؤولية عن استخدامها تعترضها مصالح دولية بني الغرب وروسيا‬ ‫حيث تريد روسيا أن تنتزع من الغرب اتفاقية على غرار اتفاقية هلسنكي‬ ‫يف أغسطس ‪1975‬م‪ ،‬بني االحتاد السوفيتي السابق والدول الغربية التي‬ ‫حددت أطر العالقات خالل احلرب الباردة وأن متتد تلك االتفاقية‬ ‫بني السعودية وإيران عندما تقتنع إيران أن التغيرات اجليو‪ -‬سياسية‬ ‫تغيرات ال تصب يف صاحلها بل تصب يف صالح السعودية‪ ،‬والتي تفرض‬ ‫على مجلس األمن أن يضطلع بدور ما يف حال سارت األمور على ما‬ ‫يرام يف شبه اجلزيرة الكورية يف أعقاب القمة التاريخية التي جمعت‬ ‫الرئيس األمريكي دونالد ترامب والزعمي الكروي الشمالي كمي جونغ أون‬ ‫يف سنغافورة بعدما كان مجلس األمن متحدًا خلف قيادة أمريكية قوية‪.‬‬ ‫لم يعد يقتنع الغرب بأن إليران مصالح أمنية مشروعة يف الشرق‬ ‫األوسط بل هي تراها مزعزعة لالستقرار‪ ،‬وإذا اعترف بأن لها مصالح‬ ‫أمنية مشروعة كذلك يعترف بأن للسعودية هي األخرى مصالح أمنية‬ ‫مشروعة يجب التوفيق بني جميع املصالح‪ ،‬خصوصا بعدما اجتهت‬ ‫الدول الغربية إلى اتخاذ سياسة حازمة حيال الدور السيء إليران يف‬ ‫وخصوصا السعودية أن تتحمل املسؤولية‬ ‫املنطقة‪ ،‬لكن على دول املنطقة‬ ‫ً‬ ‫األساسية عن حتقيق االستقرار يف املنطقة‪.‬‬ ‫عانى الشرق األوسط حالة من االضطراب بعد نهاية احلرب‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الباردة عندما كان احلديث عن نظام عاملي جديد الذي بدأ باحتالل‬ ‫صدام الكويت ثم أحداث ‪ 11‬سبمتبر واحتالل أفغانستان والعراق إلى أن‬ ‫أتت ما يسمى ثورات الربيع العربي‪ ،‬ولم يكن العرب جاهزون بعد نهاية‬ ‫احلرب الباردة ماذا يعني نظام عاملي جديد الذي يعني اضطراب منطقة‬ ‫الشرق األوسط‪ ،‬كذلك لم تكن تلك االنتفاضات عاقلة مقتنعة بالوحدة‬ ‫بل على العكس هزت الثقة بالدولة والشعب فانهارت سوريا‪ ،‬وضربت‬ ‫العراق املنهار أصال‪ ،‬والمين‪ ،‬وليبيا‪ ،‬ويتعرض السودان لعوامل تعرية‪ ،‬وال‬ ‫يزال الصومال يعاني االنهيار‪ ،‬وليست موريتانيا بأفضل حال‪.‬‬ ‫التحرر العربي من االستعمار والتخلف مت على‬ ‫أساس إنشاء كيانات مستقلة لكنها لم تمتكن من ترسيخ‬ ‫احتاد فيدرالي على غرار االحتاد األوربي‪ ،‬بل جند‬ ‫حتى املنظمات اإلقلميية مثل مجلس التعاون اخلليجي‬ ‫واملغربي يتجهان نحو التفكك رغم أن التحديات أبقت‬ ‫على مجلس التعاون اخلليجي قائ ًما لكنه من دون تقدم‬ ‫وحتقيق املواطنة اخلليجية ما جعل السعودية تبحث‬ ‫عن خيارات أفضل‪.‬‬ ‫لم تكن فقط منطقة الشرق األوسط شملها‬ ‫االضطراب بل حتى البلقان‪ ،‬لكن كيف عاد الهدوء‬ ‫إلى منطقة البلقان ولم يعد الهدوء إلى منطقة الشرق‬ ‫األوسط‪ ،‬لكن بعدما امتد أثر تلك االضطرابات إلى أنحاء واسعة من‬ ‫العالم‪ ،‬يبدو أن منطقة الشرق األوسط موعودة بعودة الهدوء إليها‪ ،‬لكن‬ ‫هناك تصادم الكثير من املصالح بطريقة ال مثيل لها من قبل جزئيا‬ ‫ألن الكثير يف بلدان الشرق األوسط لم تكن العبة على الساحة الدولية‬ ‫خصوصا‬ ‫سابقا‪ ،‬بيمنا اليوم أصبحت السعودية الع ًبا إقلمي ًيا ودول ًيا‬ ‫ً‬ ‫وأنها عضو يف مجموعة العشرين ومن الضروري أن حتافظ على بقائها‬ ‫يف هذه املجموعة مما يتطلب تقوية اقتصادها احمللي‪.‬‬ ‫لذلك جند اليوم السعودية حتولت إلى العب إقلميي ودولي إلدارة‬ ‫نوع من تنافس املصالح بني الشرق والغرب وهي تتجه نحو إدارة حوار‬ ‫أكبر مع تلك املجموعات من أجل تسوية التنافس على كل هذه املصالح‬ ‫خارج نطاق خطر النزاع أو عدم االستقرار مثال على ذلك التعاون مع‬ ‫روسيا يف إدارة أسواق النفط بعيدًا عن التنافس والنزاع‪.‬‬ ‫وخصوصا الواليات املتحدة تنظر إلى السعودية كقوة‬ ‫وبدأ العالم‬ ‫ً‬ ‫اقتصادية جديدة قادرة على أن تبذل املزيد من اجلهد ملساعدة مناطق‬ ‫مختلفة على أن تكون أكثر استقرا ًرا مثال ذلك مصر واألردن والمين‬ ‫والعراق وسوريا‪ ،‬وهي تتولى إدارة منظمة املؤمتر اإلسالمي يف صياغة‬ ‫بعض اآلليات إلدارة بعض القضايا الداخلية يف املنطقة‪ ،‬خصوصا يف‬ ‫وقف موجة اإلرهاب والتشدد واالندماج العاملي‪.‬‬

‫تتعرض المنطقة‬ ‫العربية لتجزئة اإلسالم‬ ‫كدين أممي إىل طوائف‬ ‫وم��ذاه��ب تحت تأثير‬ ‫عنصري بقيادة ماليل‬ ‫إيران المتستر باإلرهاب‬

‫* أستاذ بجامعة أم القرى ـ مكة املكرمة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫احلرس الثوري المتسك بالتدخل يف العراق وسوريا ولبنان بشكل خاص‬ ‫وأفغانستان والمين ما يعني األمر العبث بأعواد الثقاب يف منطقة‬ ‫شديدة االشتعال ويف ظل استراتيجية الواليات املتحدة بعد التدخل‬ ‫املباشر فهي تعمتد استراتيجيتني جتاه احلرس الثوري األولى فرض‬ ‫حزم من العقوبات واالستراتيجية الثانية تنسيق سياساتها مع السعودية‬ ‫يف مواجهة النفوذ اإليراني‪.‬‬ ‫تفرض القوة منطقها على منحنيات الصعود والهبوط يف العالم‪،‬‬ ‫وتتعدد أشكالها‪ ،‬ما بني النعومة واخلشونة‪ ،‬والبطش‪ ،‬حيث تبقى القوة‬ ‫يف فضاء العالقات الدولية كعالقة مركبة وحاكمة إلشكاليات كثيرة‬ ‫تؤثر تأثي ًرا كبي ًرا على تشكيل النظام اإلقلميي‪ ،‬ورغم ذلك فإن تنافس‬ ‫الواليات املتحدة والسعودية مع إيران هو على صعيد القوة الناعمة‬ ‫بدال من القوة الصلبة ميكن أن تؤتي ثماره املنطقية‪ ،‬وما نشاهده يف‬ ‫االنتخابات البرملانية العراقية يف مايو ‪2018‬م‪ ،‬والتي قد تسفر عن تغيير‬ ‫كبير يف املشهد السياسي يف العراق‪ ،‬وهو يعكس تواز ًنا جديدًا للقوى‬ ‫أكثر إيجابية عن ذي قبل وهو يثبت جناح الدبلوماسية السعودية يف دعم‬ ‫الصدر سياس ًيا وأمن ًيا‪.‬‬ ‫وهو ما جعل دول الشرق األوسط مؤخ ًرا استيعاب أهمية دور‬ ‫عناصر القوة يف فهم اخليارات األساسية للعناصر الفاعلة يف املجمتع‬ ‫الدولي‪ ،‬رغم أن عنصر القوة يف العلوم االجمتاعية ينظر إليها بأنها‬ ‫متنوعا وأكثر تعقيدًا ولغ ًوا محي ًرا أكثر من أي وقت‬ ‫أضحت متثل تلو ًنا‬ ‫ً‬ ‫مضى بسبب صعوبة فهم ما وراء الدوافع املؤسسة ملواقف الدول جتاه‬ ‫قضايا معينة‪ ،‬فمثال جند هناك تواف ًقا بني دولتني يف ملف ما‪ ،‬بيمنا‬ ‫نوعا من التنافر فميا بني ذات الدولتني يف ملفات أخرى يعود‬ ‫جند ً‬ ‫ذلك إلى عناصر القوة والضعف واملصلحة لكل دولة يف كل ملف بشكل‬ ‫منفصل وهي عوامل أساسية يف تشكيل النظام اإلقلميي اجلديد يف‬ ‫الشرق األوسط‪ ،‬حتى أضحى التفريق بني القوة الناعمة والقوة الصلبة‬ ‫واضحا يف التسعينات من القرن املنصرم‪.‬‬ ‫غير ممكنًا اليوم كما كان‬ ‫ً‬ ‫أدركت دول الشرق األوسط وعلى رأسها السعودية أن القدرة‬ ‫العسكرية متثل أهمية يف رسم خارطة العالقات الدولية لكنها اليوم ال‬ ‫متثل األولوية األولى‪ ،‬فهناك معايير وقوى أخرى تأتي قبلها مثل القوة‬ ‫االقتصادية والقوة التكنولوجية أي هناك مراجعة للمفاهمي التقليدية‪،‬‬ ‫وهناك درس االحتاد السوفيتي ماثال للعيان أمام الدول عندما تفكك يف‬ ‫الثمانينات رغم أنه كان ميتلك قدرة عسكرية‪ ،‬وهو ما جعلها تتجه نحو‬ ‫قيادة حتول اقتصادي جذري عبر رؤية اململكة ‪.2030‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪109‬‬

‫فالعوملة ونهاية عهد القطبية الثنائية حفزتا على قراءة جديدة‬ ‫ملفهوم القوة خاصة يف ظل تعدد العناصر على الساحة الدولية‪ ،‬األمر‬ ‫الذي ترتب عليه ظهور معايير جديدة للقوة مثل حجم ونطاق املعرفة‪،‬‬ ‫وكذلك حجم املعلومات ومستوى التعلمي وهي معايير تمتتع بقدر أكثر‬ ‫أهمية من املعايير الكالسيكية التي كانت تصوغ العالقات الدولية يف‬ ‫زمن الثنائية القطبية‪.‬‬ ‫شعرت السعودية بأن أهم عناصر القوة يف مدى جناحها يف‬ ‫السيطرة على حدودها‪ ،‬وبسط سيطرتها عليها بشكل تام وكامل‪ ،‬لذلك‬ ‫هي لم تسمح بهمينة إيرانية على البحرين وال جعل قطر تسمتر منصة‬ ‫لإلخوان بقيادة تركيا‪ ،‬فرضت عليها املرحلة اجلديدة قيادة عاصفة‬ ‫احلزم ضد مليشيات احلوثيني يف المين التابعني إليران‪ ،‬وفرضت‬ ‫عليها قيادة مرحلة مقاطعة دولة قطر حملاصرة منصة اإلخوان يف قطر‬ ‫وحتجمي دورهم يف املنقطة استعدا ًدا ملرحلة جديدة يف املنطقة وفق‬ ‫ترتيبات إقلميية ودولية بقيادة السعودية مما يفرض عليها محاصرة‬ ‫ووقف متويل دولة قطر لتلك التنظميات‪.‬‬ ‫أدركت السعودية كذلك أنه يجب أن ترتب أوضاعها الداخلية من‬ ‫خالل وجود غطاء اجمتاعي واقتصادي ملا على األرض من اقتصاد‬ ‫وسكان من خالل برنامج رؤية اململكة ‪ 2030‬وحتفيز ما تمتتع به من‬ ‫بُنى حتتية وموارد طبيعية‪ ،‬وسكانية باعتبار السكان العنصر املهم ورها ًنا‬ ‫كبي ًرا لقوة الدولة يسمح ملليشيات داخل الدولة تبعيتها لدولة أخرى‪،‬‬ ‫كما أنه يضمن وجود أيد عاملة ومن ثم سوق عمل‪ ،‬وهي تأمل يف إنشاء‬ ‫آليات لصون االستقرار يف الشرق األوسط‪.‬‬ ‫القادة اجلريئون ميكن أن ينجحوا من خالل نشر رسالة أمل‬ ‫وانفتاح وإشراك وتعزيز رؤية تقدمية على أساس إصالحات موثوق بها‪،‬‬ ‫ومثال على ذلك روسيا تمتتع بحماية طبيعية لكنها ال متتلك بنية حتتية‬ ‫قوية وهو ما يؤدي إلى وجود قوة محدودة للدولة على هذه األراضي‬ ‫لذلك وجدت ضالتها يف التحالف مع السعودية لمتتني عالقتهما يف‬ ‫قيادة أسواق النفط من أجل بناء املزيد من البنى التحتية يف كل منهما‪.‬‬ ‫نحن نعيش مرحلة ما بعد العوملة التي كان ينظر لها من أنها شرط‬ ‫استكمال العوملة هو مزيد من الدماء واحلروب وعسكرة العالقات‬ ‫الدولية‪ ،‬وال ترمي حالة االضطراب التي دخلها العالم إلى غاية محددة‬ ‫أو هدف بعينه‪ ،‬بل تسعى إلى إدامة نظام غير مستتب ترعاه مؤسسات‬ ‫مالية عابرة للقوميات ما أفضى يف احملصلة إلى خضوع الدولة – األمة‬ ‫للشركات املتعددة اجلنسيات التي سلبت من الدول سيادتها السياسية‬

‫العقوبات االقتصادية تخنق اقتصاد الحرس ال��ث��وري اإليراني‬ ‫وتتماشى م��ع إح��ج��ام اإلدارة األم��ري��ك��ي��ة ع��ن ال��ت��دخ�لات العسكرية‬

‫‪108‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫املوقف السعودي جعل ترامب يعيد مراجعة االستراتيجية األمريكية تجاه إيران‬

‫الس��عودية الجدي��دة يف قل��ب تش��كيل‬ ‫نظ��ام إقليم��ي ش��رق أوس��طي مقب��ل‬ ‫ال ميكن أن يتشكل النظام اإلقلميي يف الشرق األوسط مبعزل عن تشكل النظام العاملي‪ ،‬رغم أن كثي ًرا من الدراسات حول‬ ‫تشكل النظام اإلقلميي يف الشرق األوسط أصابها لوثة سطحية أو تسرب إلى حقل تلك الدراسات االستراتيجية كانت‬ ‫من أجل مسايرة للسرعة والسبق واحلصرية التي تتطلبها وسائل اإلعالم مبختلف أشكالها‪ ،‬ما جعلها بعيدة كل البعد عن‬ ‫املنهجية العلمية يف حتليل األوضاع العاملية واإلقلميية يف حقلي السوسيولوجيا واجليوبولتيكا‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد احلفيظ عبد الرحمي محبوب‬

‫بنا ًء على ذلك انقسم املفكرون بني يسار وميني وتباينت آراؤهم بني‬ ‫محتف بالعوملة وبني رافض لها منهم من يعتبر أن ما وراء العوملة عالم‬ ‫بربري وفوضى قادمة تهدد اجلميع وليست موجهة ضد الشرق األوسط‬ ‫مبفرده والتي نتج عنها عسكرة العالقات الدولية يف ظل بروز عبودية‬ ‫خصوصا يف ظل عمليات السالم املعطلة التي‬ ‫جديدة وفوضى متشظية‬ ‫ً‬ ‫تخص الشرق األوسط بني العرب وإسرائيل‪ ،‬لكن يف املقابل هناك‬ ‫اهمتام بالسالم بني أمريكا وكوريا الشمالية‪.‬‬ ‫لكن همين على العالم يف اخلمسينات والستينات من القرن املاضي‬ ‫احلرب الباردة واستطاع كيسنجر يف عهد الرئيس نيكسون عام ‪1972‬م‪،‬‬ ‫فصل مسار الصني عن املدار السوفيتي‪ ،‬وساهم بريجينسكي يف تشكيل‬ ‫معاهدة كامب ديفيد التي أُبرمت يف عام ‪1977‬م‪ ،‬بني إسرائيل ومصر‬ ‫والتي ال تزال معاهدة السالم الدائمة الوحيدة يف الشرق األوسط‪،‬‬ ‫ويعود الفضل لبريجينسكي مصطلح االنخراط السلمي مما جعله يسعى‬ ‫لتحقيق انفراج مع االحتاد السوفيتي وضغط من أجل حقوق اإلنسان‪،‬‬ ‫وتطبيع العالقات بني أمريكا والصني‪ ،‬لكن يؤخذ على بريجينسكي أنه‬ ‫ساعد على منو إرهاب املتطرفني بسبب دعمه املجاهدين يف أعقاب‬ ‫غزو االحتاد السوفيتي ألفغانستان يف عام ‪1979‬م‪ ،‬التي انتقلت إلى‬ ‫الشرق األوسط الحقا‪.‬‬ ‫تتعرض املنطقة العربية اليوم إلى تفتيت وجتزئة اإلسالم كدين أممي‬

‫إلى طوائف ومذاهب حتت تأثير عنصري إقلميي بقيادة ماللي إيران‬ ‫املتستر بإرهاب ديني يف المين ومتدخال باملذهب يف العراق ومليشاويا‬ ‫خصوصا العربية يف سوريا ولبنان‪ ،‬استفادت‬ ‫مخترقا الغالبية السنية‬ ‫ً‬ ‫دولة املاللي من إقصاء أوباما السعودية عمدًا عن مفاوضات االتفاق‬ ‫النووي‪ ،‬لكن المترد السعودي على أمريكا جعل ترامب يعيد مراجعة‬ ‫االستراتيجية األمريكية تلقت دولة املاللي ضربة ليست على اخلد بل‬ ‫على اليد بعد انسحاب ترامب من االتفاق النووي اإليراني ويريد أن‬ ‫يحاسب دولة املاللي كدولة مارقة على النظام العاملي ومحاسبتها على‬ ‫التدخل يف املنطقة العربية الذي يهدد املصالح األمريكية‪ ،‬مع إعادة‬ ‫فرض العقوبات االقتصادية مبا يف ذلك العقوبات الفرعية املفروضة‬ ‫على حلفاء الواليات املتحدة‪ ،‬وستتبع الحقا حزم من العقوبات وأمناط‬ ‫الضغط األخرى غير ذات الصلة بالقضية النووية‪ ،‬الهدف منها هو خنق‬ ‫اقتصاد احلرس الثوري التابع للنظام احلاكم بشكل خاص وهي قوة‬ ‫ناعمة أكثر تأثي ًرا من القوة الصلبة املمتثلة يف إرسال مزيد من القوات‬ ‫العسكرية األمريكية إلى منطقة الشرق األوسط‪.‬‬ ‫وهو ما يمتاشى عن إحجام اإلدارة األمريكية عن العودة إلى‬ ‫سياسة التدخالت العسكرية املباشرة‪ ،‬ولن يسمتر احلرس الثور هاد ًئا‬ ‫فترة طويلة ستكون ردود فعله غير املتناظرة ضد مصالح الواليات‬ ‫املتحدة وحلفائها يف املنطقة وبشكل خاص السعودية يف وعلى طاولة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪107‬‬

‫إي�����ران ل���ن ت���ج���ازف ب��ح��رب م���ع إس��رائ��ي��ل ل��م��ع��اق��ب��ة أم��ري��ك��ا ل��ك��ن رف��ع‬ ‫ال��ج��ي��ش اإلس��رائ��ي�لي ح��ال��ة ال��ت��أه��ب ال��ق��ص��وى تحسبا ألي تصعيد يف س��وري��ا‬ ‫ويف تقديرنا أن على دول اخلليج تفعيل خطة طوارئ سبق أن‬ ‫أُعدت الستخدام كمية كبيرة من مخزونات الطوارئ للتعويض‬ ‫تقري ًبا عن كل نفط اخلليج الذي سيفقد إذا أغلقت إيران مضيق‬ ‫هرمز‪ .‬أو بقيام عمالقة تصدير النفط السعودية والكويت الذين‬ ‫يعمتدون على مضيق هرمز يف شحن معظم صادراتهم من اخلام‬ ‫عبر شبكة أنابيب متتد إلى ميناء ينبع على البحر األحمر أو عبر‬ ‫الشبكة اإلماراتية إلى بحر العرب‪.‬‬ ‫ عدم القدرة على تنفيذ حربني متوازيتني كما أشرنا‬‫ساب ًقا يفرض على قوات التحالف العربي التي هي خليجية يف‬ ‫جلها سرعة حسم حرب المين ‪.‬فقد طال أمد انتظار احلسم‬ ‫بعد احلزم‪ .‬ومعركة احلديدة هي بوابة للنصر احلاسم لتفويت‬ ‫الفرصة على احلوثة من المتادي يف التسلط عبر طلب املزيد من‬ ‫احلوار لتحقيق حلم «حزب اهلل» اجلديد يف المين‪ ،‬فالوقت ليس‬

‫يف صالح التحالف‪ ،‬واحلوثة يخوضون املعركة اإلعالمية الداخلية‬ ‫ببث سمومهم الفكرية يف ثنايا املجمتع‪ ،‬على أساس أن احلرب‬ ‫مفروضة على الشعب الميني كله وليس احلوثة وحدهم‪.‬‬ ‫ ورغم سكينة طبيعة احملادثات بني أطراف األزمة اخلليجية‬‫إال أن جهود الكويت كانت مميزة وفتحت آفاق ميكن الرجوع إليها‬ ‫للنفاد من االحتقان اخلليجي الراهن‪ .‬ومما يشجع على ذلك أن‬ ‫وجهات النظر تسير يف نفس االجتاه نحو العمل املشترك الوطيد‬ ‫الذي سيظل ثابتًا ال يتغير مهما كانت الظروف بعد تاليف نقاط‬ ‫االختالف يف البيت اخلليجي‪.‬‬

‫*مدير مجموعة مراقبة اخلليج‬

‫‪106‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫دور مق ّوضي الديكتاتوريات! ‬‬‬‬‬‬رغم أن إيران بلد احلضارة والتراث‬ ‫والطبيعة‪ ،‬والشعر والتدين واحلزن‪ ،‬لكن يف ثنايا هذه اجلوانب‬ ‫العاطفية الصوفية تقبع القالقل وعدم االستقرار كعمالت أزلية‬ ‫بيد أهله سبقت تداول التومان؛ بل نكاد جنزم أن املنتج احلضاري‬ ‫هو يف جزء كبير منه نتاج الثورات‬ غير املنتهية على الظلم وكفاح‬ ‫اإلنسان الفارسي حلياة أفضل‪ ،‬فهل يثور البازار اإليراني جراء‬ ‫الضغط االقتصادي وانهيار العملة والعقاب العسكري إن حدث يف‬ ‫إيران نفسها أو ضد احلرس الثوري فقط أو يف سوريا !‬ ‫إن من املؤسف أن تفتقد طهران القريبة منا‪ ،‬الرو ّية والدراية‬ ‫يف معاجلة األمور حيث الزالت مندفعة منذ ‪ 40‬عا ًما ولم "تهدأ‬ ‫أو تنضج" سياس ّياً لتنتج كل عقد أخطار قد يكون محركها ثورة‬ ‫داخلية أو هجوم خارجي كما وصفنا أعاله ومن األخطار التي‬ ‫على اخلليجيني تدبرها‪:‬‬

‫‪-1‬المخاوف بشأن المواد اإلشعاعية‬

‫سيطال عدم االستقرار الداخلي أو الهجوم اخلارجي‬ ‫املفاعالت النووية فهي أثمن ما يف بنك االهداف‪ .‬وليست مخاوفنا‬ ‫من االفتراضات اجلزافية ألن أي تسرب باملفاعل اإليراني يحتاج‬ ‫أيام معدودة‪،‬‬ ‫‪6‬ساعات للوصول للكويت‪ .‬والوصول للسعودية بعد ٍ‬ ‫ثم سيكون بلوغ اإلشعاعات النووية للمين بعد شهرين فقط‪ ،‬ووقتًا‬ ‫أطول لتصل مصر‪ ،‬وتركيا‪ ،‬وأفغانستان وباكستان‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫سوريا ولبنان‪ ،‬يف وقت لن يتجاوز ستة أشهر فقط‪.‬‬

‫‪-2‬أمن مضيق هرمز‬

‫تدرب احلرس الثوري على إغالق مضيق هرمز كإجراء قائم‬ ‫بذاته خارج قواعد االشتباك الدفاعية أو الهجومية يف عقيدته‬ ‫العسكرية‪ ،‬بل إن البرملان شرع قانون إلغالق هرمز أمام ناقالت‬ ‫النفط‪ ،‬ر ًدا على العقوبات‪ ،‬ولن يتردد عن التنفيذ يف حال مترد‬ ‫داخلي أو هجوم خارجي سواء مبرابطة السفن احلربية اإليرانية‬ ‫يف املضيق‪ ،‬أو إغراق كل سفينة تعبره أو بإحداث تسرب نفطي يف‬ ‫املضيق ملنع ‪ 17‬مليون برميل من املرور لألسواق‪ ،‬وهي ‪ %20‬من‬ ‫إنتاج النفط العاملي‪،‬و‪ %40‬من جتارة النفط العاملية‪.‬‬

‫‪ -3‬موجة ضخمة من الالجئين‬

‫لو خرج اإليرانيون للشارع للقضاء على الظلم والقمع‬ ‫واالستبداد املقيت‪ ،‬والسياسة اخلرقاء التي ميارسها نظام املاللي‬ ‫لواجهتهم جحافل الباسدران كالمنل على دراجاتهم النارية‪ ،‬ولو‬ ‫حدث هجوم خارجي إلسقاط نظام طهران من قبل األمريكان أو‬ ‫إسرائيل لكانت النتيجة مشابهة جراء الصدام بني الناس ورجال‬ ‫احلكومة‪ .‬و كأي حدث تاريخي رئيسي يترك أث ًرا يف اجلغرافيا‪،‬‬ ‫سيحدث عدم‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫االستقرار ونزوح وتغيرات دميوغرافية داخل إيران نفسها‪،‬‬ ‫أو هجرات عبر اخلليجي العربي‪ ،‬وستكون دبي والكويت مالذ‬ ‫قواربهم‪ ،‬حيث تبقى الهجرة غير الشرعية املالذ األخير‪ ،‬للهاربني‬ ‫من النظام االستبدادي والعنف املفرط واالعتقال واالختطاف‪ ،‬وإن‬ ‫لم يكن ألجل ذلك فللوضع االقتصادي لتوقف التجارة و البطالة مع‬ ‫االرتفاع اجلنوني يف األسعار وتوقف اخلدمات العامة‪.‬‬ ‫املسارات اخلليجية احملمتلة للتعامل مع األزمة‬ ‫أسسا‬ ‫يف زمن السلم وضعت دول مجلس التعاون اخلليجي‬ ‫ً‬ ‫واقعية ومنهجية للتعامل مع إيران‪ ،‬تقوم على ثالث أرضيات تقبل‬ ‫بها جميع الدول يف تعاملها مع الدول األخرى‪:‬‬ ‫ األرضية األولى هي "أن يكون هناك قبول بأن أساس‬‫العالقات اإليجابية هو عدم التدخل يف الشأن الداخلي"‪.‬‬ ‫األرضية الثانية‪" ،‬قبول طهران بأن ثورتها شأن داخلي‪ ،‬وهي‬‫غير قابلة للتصدير إلى الدول العربية"‪.‬‬ ‫األرضية الثالثة‪" ،‬القبول مببدأ املواطنة على أساس الوطن‪،‬‬‫وليس املواطنة على أساس املذهب" ‪.‬‬ ‫لكن نظام طهران حني يشعر باخلطر جراء هجوم خارجي‬ ‫منفرد أو معه مترد داخلي‪ .‬وستكون تصرفاته خارج الرشد‬ ‫املتعارف عليه دول ًيا؛ وقد يطال الشرر املفاعالت فتطلق املواد‬ ‫اإلشعاعية‪ ،‬كما قد يطال أمن مضيق هرمز‪ ،‬أو ستنطلق باجتاه‬ ‫دول اخلليج موجة ضخمة من الالجئني؛ ناهيك عن فتح أبواب‬ ‫إيران على مصراعيها جلذب اإلرهابيني من املليشيات املوالية‬ ‫للنظام ملساعدته مما يضيق املسارات اخلليجية احملمتلة للتعامل‬ ‫مع األزمة‪ .‬وعليه لن يكون أمام دول مجلس التعاون إال اتخاذ‬ ‫خطوات قد يكون منها‪:‬‬ ‫رفع حالة االستعداد يف جيوش اململكة العربية السعودية‬‫ودول مجلس التعاون اخلليجي‪ ،‬وذلك حتس ًبا لدخول االنخراط يف‬ ‫صراعني متزامنني على جبهة المين واجلبهة التي ستختار إيران‬ ‫فتحها إما بالصواريخ البالستية أو باإلنزال البحري أو عبر العراق‬ ‫كجسر بري يكون حرس املقدمة فيه قوات احلشد الشعبي‪.‬‬ ‫بحسب "رويترز" قال مسؤول كبير بوزارة اخلارجية األمريكية‬‫مؤخ ًرا‪ ،‬إن الدول التي تشتري النفط اإليراني يجب أن تستعد‬ ‫لوقف جميع الواردات منها‪ ،‬بد ًءاً من نوفمبر‪2018‬م‪ ،‬مع إعادة‬ ‫فرض الواليات املتحدة عقوبات على طهران‪ .‬وأضاف "سنعزل‬ ‫تدفقات المتويل اإليرانية‪ ،‬ونتطلع إلى تسليط الضوء على مجمل‬ ‫السلوك اإليراني اخلبيث يف املنطقة"‪ .‬وعليه نتوقع أن يكون‬ ‫الرد املنطقي من قبل طهران هو تكرار ما سبق أن قامت به يف‬ ‫الثمانينات حني حيدت طائرات سوبر ايتندار الفرنسية مصبات‬ ‫النفط اإليرانية اجلنوبية فقامت طهران بحرب الناقالت ملنع‬ ‫اجلميع من تصدير النفط ما دامت ال تستطيع تصدير نفطها‪،‬‬ ‫ونتوقع أن يشمل االنتقام اإليراني التدخل يف مضيق هرمز ً‬ ‫أيضا‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أن اإليرانيني يحاولون قدر اإلمكان أال يجازفوا بحرب مع إسرائيل‬ ‫ملعاقبة األمريكيني ‪ .‬لكن الصهاينة لهم وجهة نظر مخالفة وتأكي ًدا‬ ‫على ذلك التوجه يف تل أبيب رفع اجليش اإلسرائيلي حالة التأهب‬ ‫إلى القصوى حتس ًبا ألي تصعيد يف سوريا املجاورة حليفة إيران‬ ‫أكثر من مرة خالل الشهرين املاضيني‪.‬‬ ‫منوذجاً احتاد ًياً‬ ‫وألنه من املرجح أن يكون مستقبل سوريا هو‬ ‫ً‬ ‫يمت مبوجبه نقل السلطات إلى مناطق مختلفة‪ .‬فإن استراتيجية‬ ‫إيران هي أن تستولي على نفوذ لها يف هذه املناطق يسمح لها‬ ‫بالسيطرة على السلطات احلاكمة فيها‪ .‬ويرى باحثون أنه بالنظر‬ ‫إلى الوقائع يصل املرء إلى نتيجة مفادها أنه ال ميكن القضاء على‬ ‫النفوذ اإليراني يف سوريا‪ ،‬ألنه ال يوجد فصيل أو‬ ‫وكيل إيراني محدد ميكن استهدافه وإمنا شبكة‬ ‫واسعة من القادة واملقاتلني واملوارد واألسلحة‬ ‫التي متتد عبر املنطقة وصوالً إلى أفغانستان‪ .‬ال‬ ‫ميكن طرد إيران من سوريا‪ ،‬ولكن ميكن احتواؤها‬ ‫بضربات محدودة‪.‬‬ ‫لقد تركت طهران بصماتها على كل أزمة كبيرة‬ ‫يف املنطقة‪ .‬ومن ذلك قيادة قوات احلرس الثوري‬ ‫مشروع طهران التوسعي من سوريا التي حققت‬ ‫فيها جناحات كبيرة مقارنة بالالعبني اإلقلمييني‬ ‫املناوئني لها كدول اخلليج وواشنطن وحتى تركيا‪.‬‬ ‫وعليه فرغم مباركة تلك األطراف للضربات‬ ‫اجلوية لألسد وحزب اهلل إال أنهم يرون أنها غير‬ ‫كافية مبفردها ملعاجلة جذور قدرة األسد‪ ،‬والسبب هو أن جذور‬ ‫هذه اجلرائم ال تأتي من دمشق بل من طهران فيجب عقاب إيران‬ ‫ً‬ ‫أيضا ‪ .‬فاحمتاالت احلرب األمريكية مع إيران يف سوريا عالية‬ ‫حيث ال ميكن جتاهل تبعية الهياكل املسلحة هناك إليران كحزب‬ ‫اهلل اللبناني واحلشد الشعبي وغيرهما من الزينبيون والفصائل‬ ‫األفغانية والباكستانية الشيعية‪ ،‬وهي التي لن تقف مكتوفة األيدي‬ ‫حال تع ُّرض إيران لضربات عسكرية؛ وهو ما يلزم واشنطن بقطع‬ ‫رأس تلك األذرع ‪ .‬فيف فترة ما كان هناك مساعي أمريكية إليجاد‬ ‫موطئ قدم يف مثلث احلدود العراقية ـ السوريةـ األردنية إن لم‬ ‫يكن لها فللقوات التي حتظى بدعم من الواليات املتحدة والتحالف‬ ‫الذي تقوده‪ ،‬بهدف إجهاض املساعي اإليرانية املقابلة إليجاد نفوذ‬ ‫عبر احلشد الشعبي املدعوم منها يف تلك املنطقة‪ ،‬ومحاولة ربط‬ ‫اجلبهتني العراقية والسورية‪ ،‬وتسهيل مخطط احلشد لدخول‬ ‫األراضي السورية والقتال بجانب اجليش السوري‪ ،‬وتأمني اإلبقاء‬ ‫على الطرق مفتوحة بني إيران وسوريا عبر العراق‪ ،‬وضمان وجود‬ ‫ممر بري يصل إيران بحلفائها يف املنطقة‪ .‬كما أخذ الطرفان يف‬ ‫التنافس يف محاولة لفتح طرق غرب العراق‪ ،‬يف الوقت الذي تمت‬ ‫فيه استعادة األراضي التي كان يسيطر عليها تنظمي الدولة ‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪-3‬الهجوم الجراحي عىل ايران نفسها‬

‫‪105‬‬

‫يبدو أن الغاية وراء التصعيد األمريكي تتجاوز حتقيق مطالب‬ ‫تتعلق باالتفاق النووي نفسه أو القدرة الصاروخية أو النفوذ‬ ‫اإلقلميي إليران‪ ،‬إمنا الغاية هي تغيير نظام إيران ثم إحداث‬ ‫تغييرات يف جيوبوليتيكها‪ ،‬حسمبا أكد الرئيس ترامب نفسه‪.‬‬ ‫ولو افترضنا أن واشنطن حركت ذراعها العسكري لتحييد قدرة‬ ‫املفاعالت والقدرة الصاروخية يف ايران نفسها وهو احمتال‬ ‫أضعف من إركاع احلرس الثوري بالعقوبات أو بضرب اإليرانيني‬ ‫يف سوريا كما شرحنا ساب ًقا‪ ،‬فإن هذا األمر سيقابل بواحد من‬ ‫استراتيجيات إيرانية محمتلة أو ببعضها مجمتعة وتشمل ‪:‬‬ ‫استراتيجية "نحتفظ بحق الرد" عبر‬‫اإلحجام الكامل عن الرد وهو مشابهه للعجز‬ ‫العراقي عن الر ّد املباشر بعد مهاجمة إسرائيل‬ ‫ملفاعل أوزيراك ‪1981‬م‪ ،‬أو السكوت السوري عن‬ ‫على مهاجمة مفاعل دير الزور ‪2007‬م‪ .‬وهذا‬ ‫احمتا ٌل قد تتبنّاه إيران أسوة باملفهوم اخلليجي‬ ‫(بلع العافية) ‪.‬‬ ‫ إطالق ٍ‬‫كبير من الصواريخ البالستية‬ ‫عدد ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أهداف أخرى يف إسرائيل وضد‬ ‫من إيران ضد‬ ‫القواعد األمريكية يف دول اخلليج العربي والعراق‬ ‫و األردن‪.‬‬ ‫ استخدام اخلاليا اإلرهابية لتنفيذ هجمات‬‫انتحارية ضد املصالح األمريكية ورمبا الغربية‬ ‫جلرها للتحكم يف الصراع ووقفه حني تشاء طهران ‪.‬‬ ‫ونرجح أن تقوم طهران بأحد العملني األخيرين أو بهما م ًعا‬ ‫ألن الظهور مبظهر العاجز ليس يف صاحلها أمام الشارع‬ ‫والبازار والكتل السياسية اإليرانية اآلخر األكثر أو األقل تشدد‬ ‫من النظام القائم ‪.‬‬ ‫املخاوف اخلليجية من ضرب طهران‬ ‫بال استثناء ستكون جميع األطراف خاسرة جراء مثل‬ ‫هذه احلرب‪ ،‬وحتى الدول اخلليجية ستكون من املتضررين لكن‬ ‫ليس املتضرر األكبر؛ فهناك توقع بالتصعيد ضد اخلليج من‬ ‫المين‪ ،‬وسيواصل احلوثيون إطالق الصواريخ الباليستية باجتاه‬ ‫الرياض‪ ،‬واإلمارات وبقية املشاركني يف التحالف العربي ‪ .‬لكن‬ ‫النظام اإليراني سيكون املتضرر األكبر من مثل هذه الضربات‬ ‫التي ستكون كفيلة بدفع اإليرانيني لاللتفاف حول رموز المترد‬ ‫السياسي على نظام املاللي‪ ،‬الذي يعاني من فقدان مصداقيته‬ ‫يف الشارع اإليراني‪ .‬حتى أن املراقب يتساءل كيف تفشت البالهة‬ ‫التاريخ ّية يف أروقة صنع القرار بطهران ليجدوا أنفسهم يف‬ ‫مأزق الصدام مع العالم معطني اجلندي األمريكي فرصة لعب‬

‫قد تطلق إيران‬ ‫أه��داف‬ ‫صواري��خ ضد‬ ‫ٍ‬ ‫إس��رائيلية و قواع��د‬ ‫أمريكي��ة أو تح��رك‬ ‫خالي��ا إرهابي��ة ض��د‬ ‫المصال��ح األمريكي��ة‬

‫‪104‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫التصعيد األمريكي يتجاوز مطالب االت��ف��اق ال��ن��ووي وال��ق��درة‬ ‫الصاروخية و النفوذ اإلقليمي بل تغيير نظام إي��ران و جيوبوليتيكها‬ ‫اخلارج كحزب اهلل واحلوثيني واحلشد الشعبي من أن الظروف‬ ‫تتطلب االنحناء للعاصفة‪ .‬كما أن الظروف قد تُلزم احلرس الثوري‬ ‫بالتنازل عن توسعه الصاروخي ورمبا الوصول للسيناريو الكوري‬ ‫الشمالي بتدمير بعض الصواريخ يف مرحلة قادمة ‪.‬‬ ‫طمأنة الدول األوروبية التي كان لها موقف شبه مقبول من‬‫إيران حيث لم تنسحب من االتفاق وأبقت أبواب التواصل مشرعة‪،‬‬ ‫فكان على طهران إظهار حسن النية من أن صواريخها لن تطال‬ ‫أوروبا‪ ،‬مما يبدد مشروعية وجود صواريخ باتريول األمريكية يف‬ ‫بولندا والتي كررت واشنطن أمام العتب الروسي أنها حلماية‬ ‫الغرب من صواريخ إيران وليس صواريخ موسكو‪.‬‬ ‫لكسب تعاطف املجمتع الدولي فميا لو هاجمت واشنطن‬‫احلرس الثوري وصواريخه‪ ،‬حيث ميكنها القول أن مسافات‬ ‫صواريخنا هي حلماية املدى احليوي لطهران وليس للوصول ألماكن‬

‫أخرى‪ .‬ويف الوقت نفسه هي رسالة تشير بإمكانية التفاوض مع‬ ‫واشنطن على برامج الصواريخ‪ ،‬مادام مزاج التنازالت مقبوال بعد‬ ‫قيام بيونغ يانغ بالتطوع بتدمير بعض صواريخها‪.‬‬ ‫ويسمتر سيل التصاريح غير الناضجة حيث عاد قائد احلرس‬ ‫اإليراني برفض التفاوض حول الصواريخ ودعم احللفاء اإلقلمييني‪،‬‬ ‫موضحا أن‬ ‫حيث تفاخر بمتدد إيران يف سوريا والعراق ولبنان‪.‬‬ ‫ً‬ ‫الهدف من الضغوط األمريكية إضعاف القدرات الصاروخية‬ ‫اإليرانية‪ ،‬مشي ًرا إلى أن بالده متلك الترسانة الصاروخية األولى‬ ‫يف املنطقة؛ وف ًقا ملراكز أبحاث أمريكية‪.‬‬

‫‪ -2‬كسر إيران يف سوريا أو احتواؤها‬

‫رغم أن اخلطر اإليراني يتجاوز البرنامج النووي ويشمل دعم‬ ‫طهران لإلرهاب إلى جانب اخلطر اإللكتروني الذي يشكلونه‪ .‬إال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪103‬‬

‫االن���س���ح���اب األم���ري���ك���ي ي��ع��ج��ل ب��م��واج��ه��ة ب��ي��ن ط��ه��ران‬ ‫وواش��ن��ط��ن الس��ت��ه��داف ال��ح��رس ال��ث��وري وس��اح��ات ت��واج��ده يف سوريا‬ ‫هو خليط غير ناضج من عناصر حرب إعالمية متهيدية متباعدة‪،‬‬ ‫وكما هو معروف ال يصنع األعالم سياسات الدول ؛وإن كان ميهد‬ ‫لها‪ ،‬بل تصنعه مصالح الدول بالدرجة األولى إذا كانت بيد رجال‬ ‫دولة محنكني‪ .‬ولعل مجرى التصعيد سيصب كما يبدو يف شرايني‬ ‫احلرس الثوري اإليراني أو األطراف اإليرانية يف سوريا ولبنان‪.‬‬ ‫ويقوي هذا االعتقاد الهلع الذي رافق حتركات قادته مؤخ ًرا‪.‬‬ ‫وفميا يتعلق بإيران كان ترامب مقاو ًماً يف شكل غير عادي أمام‬ ‫السذاجة والتفاؤل اخلاطئ الذي كان ميزة العديد من قرارات‬ ‫سلفه أوباما‪، ،‬حيث سبق أن وصف الرئيس دونالد ترامب‪ ،‬احلرس‬ ‫الثوري بأنه "ميليشيا وقوة إرهابية فاسدة"‪ ،‬ثم فرض عليه عقوبات‬ ‫اقتصادية‪ .‬ألنه كما قال "جيش عدائي يسرق الشعب اإليراني‬ ‫لمتويل اإلرهاب يف اخلارج "‪ .‬وهو بحق يسرق قوت الشعب منذ أن‬ ‫تأسس عام‪1979‬م‪ ،‬للدفاع عن النظام اإلسالمي يف إيران‪ ،‬كقوة‬ ‫عسكرية وسياسية واقتصادية كبيرة يف البالد‪ .‬حيث ستستهدف‬

‫العقوبات بشكل خاص ذراع عملياتها يف اخلارج "فيلق القدس"‪.‬‬ ‫كما أدرجت وزارة اخلزانة األمريكية خمس شخصيات إيرانية‬ ‫على قائمة العقوبات اخلاصة بها‪ ،‬على عالقة باحلرس الثوري‬ ‫اإليراني‪ ،‬وهم‪ :‬مهدي أذربيشه‪ ،‬محمد جعفري‪ ،‬محمود كاظم‬ ‫أباد‪ ،‬جاويد شير أمني‪ ،‬سيد محمد طهراني‪ ،‬وجميعهم يعملون يف‬ ‫“احلرس الثوري” اإليراني‪ ،‬ومتورطني يف “تطوير القوة الصاروخية‬ ‫إليران” ‪.‬كما أن هذا الهلع جعل امليجر جنرال محمد علي جعفري‬ ‫قائد احلرس الثوري اإليراني يصرح إن إيران ال تعتزم يف الوقت‬ ‫الراهن زيادة مدى صواريخها‪ ،‬مشي ًراً إلى أن املدى احلالي وهو‬ ‫‪ 2000‬كيلومتر كاف حلماية اجلمهورية اإلسالمية‪ ،‬مضي ًفا أن‬ ‫معظم أهداف األعداء االستراتيجية تقع بالفعل ضمن مدى ‪2000‬‬ ‫كيلومتر‪ .‬هذا املدى كاف حلماية اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية‬ ‫ويف ما سبق رسائل لتحقيق أهداف عدة أهمها‪:‬‬ ‫‪-‬تهيئة الشعب اإليراني والقوى املرتبطة باحلرس الثوري يف‬

‫‪102‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫عدم استقرار إيران والهجوم على املفاعالت النووية أخطر ما يواجه املنطقة‬

‫التداعي��ات العس��كرية النهي��ار اتف��اق‬ ‫المل��ف الن��ووي‪ :‬الس��يناريوهات والبدائل‬ ‫ليس هناك نظام يف العالم على ألفة مبصطلحات احلصار واملقاطعة االقتصادية‪ ،‬والعزلة الدبلوماسية‪ ،‬والهجوم العسكري‬ ‫مثل نظام طهران؛ ورمبا يعود ذلك إلى صورة النظام التي شكلتها أهدافه العدوانية املوضوعة منذ ‪1979‬م‪ ،‬يف أربع مراحل «إعالن‬ ‫الثورة»‪ ،‬و«تثبيت الثورة»‪ ،‬و«تصدير الثورة»‪ ،‬ثم املرحلة الرابعة وهي «إعالن الدولة اإلسالمية» التي ستكون طهران محورها‪ .‬وعليه‬ ‫فإن اإلجراءات األمريكية اجلديدة كما تعتقد طهران ستكون مصدر إزعاج فحسب وقد تعطل جزء من مرحلة من مراحل الثورة‬ ‫األربع لكن ليس املشروع الثوري كله‪ ،‬حيث يعتقد اإليرانيون بمتتعهم بخبرة كبيرة يف التعامل مع العقوبات‪ ،‬وأصبحوا ماهرين‬ ‫حلول جديدة للخروج من العزلة الدبلوماسية واالقتصادية‪ ،‬والتكيف مع التهديد باحلرب‪ .‬لكن ما هي تداعيات انهيار‬ ‫يف إيجاد‬ ‫ٍ‬ ‫اتفاق امللف النووي عليهم‪ ،‬واحمتاالت التصعيد ‪،‬والسيناريو املتوقع وتأثيره على دول مجلس التعاون اخلليجي؟‬

‫د‪ .‬ظافر محمد العجمي‬

‫أشكال الصراع المتوقع‬

‫يف تقديرنا إن االنسحاب األمريكي من االتفاق قد يعجل‬ ‫مبواجهة بني طهران وواشنطن مباشرة وغير مباشرة‪ ،‬عبر‬ ‫استهداف احلرس الثوري ككيان عسكري واقتصادي وسياسي‬ ‫خصوصا يف اجلبهة السورية‪،‬‬ ‫وعبر الساحات التي ميتد فيها‬ ‫ً‬ ‫حيث تأتي سوريا يف صدارة الدول املرشحة ألن تشهد تداعيات‬ ‫قرار االنسحاب وحتولها جلبهة صدام غير مباشرة مع األمريكان‬ ‫لكن بني إسرائيل وإيران‪.‬‬

‫‪ -1‬الحرس الثوري و خليط غير ناضج من التصاريح‬

‫فجأة بدأت احلرب الكالمية وكأنها احلدود القصوى للتحرك‬ ‫خارج دائرة العقوبات االقتصادية األمريكية‪ ،‬فقد صرحت واشنطن‬ ‫أنها ال تستبعد استخدام القوة ضد إيران‪ ،‬وقد جاء هذا بعد أن‬ ‫مهدت طهران لذلك بانهمار جالميد لغوية للصدام حني قالت‬ ‫عن نيتها إنشاء املزيد من أجهزة الطرد املركزي‪ ،‬مما يعني يف‬

‫مراكز األبحاث والدراسات االستراتيجية وعند أهل البيت األبيض‬ ‫االنتقال إلى برنامج أسلحة نووية‪ .‬الالفت للنظر هو التهديد‬ ‫بضرب إيران بطريقة مربكة‪ .‬فقد قال وزير اخلارجية األمريكي‬ ‫مايك بومبيو إن حاولت طهران حيازة أسلحة نووية ستواجه "حنق‬ ‫العالم كله"‪ .‬فما درجة احلنق! و ما شكله! وهل هناك تنسيق‬ ‫دولي! أو على األقل غربي بني أمريكا وأوروبا! أم أنه تنسيق بني‬ ‫واشنطن ودول اخلليج بحكم أنها املتضرر األول من الطموح النووي‬ ‫اإليراني! أم سيرافقها كلب حراسة الشرق األوسط القابع يف تل‬ ‫أبيب يف رحلة القنص هذه! ‪.‬هذا التهديد زاد حجم اإلرباك فيه‬ ‫حيمنا أكمل الدبلوماسي األمريكي األول قائال "عندما أقول احلنق‬ ‫فال تخلط ذلك بالعمل العسكري‪ .‬عندما أقول احلنق فأنا أقصد‬ ‫العار األدبي والقوة االقتصادية التي تسقط عليهم‪ ،‬هذا ما أحتدث‬ ‫عنه‪ ،‬ال أحتدث عن العمل العسكري هنا‪ ".‬فأربك بومبيو أصدقاء‬ ‫أمريكا أكثر من طهران‪.‬‬ ‫ويف تقديرنا إن ما ُرشح حتى اآلن مما سيجري جتاه إيران‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫والصني‪ ،‬الذين يدعمون بقاء االتفاق‪ ،‬وإقرار املنظمة الدولية حلظر‬ ‫انتشار األسلحة النووية بالتزام إيران ببنود االتفاق‪ ،‬وشرعية القرار‬ ‫الدولي ‪ 2231‬الذي أقر خطة العمل املشتركة بني إيران ومجموعة‬ ‫‪ ،1+5‬فضال عن اإلغراءات االقتصادية التي قد متنحها لشركاء االتفاق‬ ‫النووي‪ ،‬يف مجال الطاقة والنفط‪.‬‬ ‫ومن أهم التحديات التي تعرقل هذا االحمتال‪ ،‬وجود شكوك‬ ‫أوروبية حقيقية جتاه سلوك إيران‪ ،‬خاصة ما يتضح لها من السلوك‬ ‫اإلقلميي‪ ،‬والذي قد يتسبب يف أزمة إقلميية وصراع قد يؤثر على‬ ‫االستقرار الذي قد تطال تداعياته أوروبا‪ ،‬كما أن إيران تصر على‬ ‫تطوير برنامج الصواريخ الباليستية‪ ،‬وتثير مخاوف جيرانها‪ ،‬ومواقفها‬ ‫املتعنتة جتاه تسوية تلك امللفات‪ ،‬ومن ثم قد تكون هي السبب ذاته الذي‬ ‫يدفع األوروبيني للخروج من االتفاق‪.‬‬

‫‪ -3‬التوصل إىل اتفاق جديد‬

‫ويستند هذا االحمتال على رغبة كل من إيران والدول األوروبية‪،‬‬ ‫وروسيا والصني يف اإلبقاء على االتفاق النووي‪ ،‬وال يذهبون إلى املدى‬ ‫الذي ذهب إليه الطرف األمريكي‪ ،‬مستندين إلى ما سببه االنسحاب‬ ‫األمريكي من ضغوط على اجلانب اإليراني بالعودة إلى طاولة املفاوضات‪،‬‬ ‫جتن ًبا لعودة العقوبات االقتصادية‪ ،‬ووقف الصادرات النفطية‪ ،‬وبالتالي‬ ‫التأثير على األوضاع املعيشية‪ ،‬ويثير الغضب الداخلي‪ ،‬لذا يضغطون‬ ‫باجتاه التفاوض حول ملحق يتضمن معاجلة للقضايا التي تثير مخاوف‬ ‫الواليات املتحدة‪ ،‬خشية الدخول يف مواجهة عسكرية مع إيران يزيد من‬ ‫عدم االستقرار يف املنطقة‪.‬‬ ‫وقد يكون هذا السيناريو هو محور االتصاالت القادمة بني كل‬ ‫األطراف املعنية باألزمة‪ ،‬إذ سيسعى األوروبيون إلى تهدئة الواليات‬ ‫املتحدة‪ ،‬وممارسة ضغوط على إيران من أجل الوصول إلى تفاهمات‪،‬‬ ‫حتول دون عودة األزمة إلى املربع األول‪.‬‬

‫مستقبل االقتصاد اإليراني‬

‫مثل غيرها من النظم األيدولوجية‪ ،‬يضع النظام اإليراني مصلحته‬ ‫يف املقدمة على مصلحة االقتصاد الوطني ومستوى التمنية والرخاء‬ ‫لشعوبها‪ ،‬ورغم استناد املوقف اإليراني إلى أن االتفاق اكتسب شرعية‬ ‫دولية باعتباره اتفا ًقا متعدد األطراف‪ ،‬مت إقراره من قبل املنظمة‬ ‫الدولية‪ ،‬وبالتالي فإن انسحاب الواليات املتحدة خروج على الشرعية‬ ‫الدولية‪ ،‬لكنها لم تكتف بذلك بل حتاول التلويح لألطراف املؤيدة‬ ‫السمترار االتفاق باملصالح االقتصادية‪ ،‬سواء من خالل التبادل التجاري‬ ‫أو من خالل االستثمارات األوروبية التي بدأت تتدفق مبجرد إعالن‬ ‫االتفاق‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن املصالح االستراتيجية مع كل من روسيا والصني‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪101‬‬

‫من ناحية أخرى فإن معظم اإليرانيني لم يشعروا بفوائد تخفيف‬ ‫العقوبات‪ ،‬حيث تولي احلكومة اعتبارات األمن وبسط النفوذ‪ ،‬أولوية‬ ‫على األوضاع املعيشية للسكان‪ ،‬وتشير بعض التقارير أن معظم أموال‬ ‫الواليات املتحدة املجمدة البالغة ‪ 1.7‬مليار دوالر ذهبت إلى زيادة‬ ‫ميزانية الدفاع‪ ،‬مبا يف ذلك دعمها لإلرهاب وأنشطته يف سوريا والمين‬ ‫ودول أخرى يف املنطقة‪.‬‬ ‫مما ال شك فيه أن عودة العقوبات االقتصادية سوف تثخن جراح‬ ‫االقتصاد اإليراني‪ ،‬وتثقل كاهل املواطنني‪ ،‬وتزيد من أعداد الفقراء‬ ‫مع تزايد معدالت البطالة‪ ،‬خاصة يف ظل ما يعاني منه االقتصاد‬ ‫اإليراني من اختالالت هيكلية مزمنة‪ ،‬تؤثر على معدالت منوه وتطوره‬ ‫يف املستقبل‪ ،‬وعلى رأسها االعمتاد املتزايد على قطاعي النفط والغاز‪،‬‬ ‫وسوء مناخ األعمال واالستثمار‪ ،‬وحتتل إيران املرتبة رقم ‪124‬وفق‬ ‫تقرير أداء األعمال من بني ‪190‬دولة شملهم التقرير ‪Doing Business‬‬ ‫‪ ، .2018‬فض ً‬ ‫ال عن سيطرة احلكومة على األنشطة االقتصادية‪ ،‬مما‬ ‫أضعف قطاع األعمال اخلاص‪ ،‬ويؤثر سل ًبا على درجة الشفافية ويزيد‬ ‫من معدالت الفساد‪.‬‬ ‫فضال عن احلاجة إلى مزيد من اإلصالحات الداخلية مثل‬ ‫ ‬ ‫تخفيف القيود على األعمال‪ ،‬ورفع تنافسية االقتصاد الوطني‪ ،‬والتوسع‬ ‫يف خلق فرص العمل ملواجهة مشكلة البطالة أو الداخلني اجلدد إلى‬ ‫سوق العمل‪ ،‬ووف ًقا لبعض التقديرات ‪،‬تسيطر مجموعات املصالح على‬ ‫ما يصل إلى ‪ ٪60‬من جميع األصول اإلنتاجية يف إيران وال تدفع أي‬ ‫ضرائب تذكر‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن انتشار الفساد‪ ،‬وحتتل إيران املرتبة رقم‬ ‫‪130‬وفق تقرير الشفافية من بني ‪180‬دولة شملهم التقرير ‪Corruption‬‬ ‫‪.2017 Perception Index‬‬ ‫وتتوقف آفاق منو االقتصاد اإليراني على إمكانية إعادة اندماج‬ ‫إيران يف االقتصاد العاملي‪ ،‬خاصة يف األنشطة املصرفية والتجارة‬ ‫واالستثمار‪ ،‬وتنفيذ اإلصالحات الهيكلية األساسية‪ ،‬وأن يحافظ على‬ ‫منو متزايد يف القطاعات غير النفطية‪ ،‬و يف ظل الوضع الراهن فمن‬ ‫املرجح أن تتزايد الضغوط التضخمية بسبب اتساع العجز يف املوازنة‬ ‫العامة وتواصل االنخفاض يف قمية الريال اإليراني‪.‬‬

‫*أستاذ االقتصاد واملالية العامة بجامعة املنوفية ـ‬ ‫املستشار االقتصادي بجامعة امللك عبد العزيز سابقً ا‬

‫‪100‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫على إثر ارتفاع وتيرة االحتجاجات ألسباب اقتصادية‪ ،‬بهدف البحث‬ ‫عن بدائل أمام العقوبات الدولية املفروضة على طهران‪ ،‬وهو األمر‬ ‫الذي أثبت فشله يف ظل تدهور معدالت التمنية‪ ،‬وارتفاع نسب التضخم‬ ‫والفقر إلى حد غير مسبوق‪.‬‬

‫احتماالت المستقبل والوضع االقتصادي‬

‫جتدر اإلشارة إلى أن روسيا والصني‪ ،‬ومعهم الدول األوروبية ال‬ ‫تزال تدافع عن مصاحلها‪ ،‬مستندة إلى أن االتفاق مت التصديق عليه‬ ‫من قبل مجلس األمن التابع لألمم املتحدة‪ ،‬ومن ثم اعترضت على‬ ‫انسحاب الواليات املتحدة من االتفاق‪ ،‬وعلى عودة العقوبات‪ ،‬وبالتالي‬ ‫فإنه بدون دعم دولي‪ ،‬قد يكون لألثر االقتصادي املباشر النسحاب‬ ‫الواليات املتحدة على االقتصاد اإليراني محدو ًدا‪ ،‬إال أنه يبقى اخلطر‬ ‫األكبر الناجم عن فرض عقوبات ثانوية ضد الشركات األوروبية التي ال‬ ‫تزال تعمل مع إيران‪.‬‬ ‫وفميا يتعلق بخيارات املستقبل والوضع االقتصادي اإليراني‪ ،‬فإن‬ ‫عدم اليقني يف املناخ الدولي‪ ،‬وتباين املصالح الدولية بني أوروبا والصني‬ ‫وروسيا من ناحية‪ ،‬والواليات املتحدة من الناحية األخرى‪ ،‬يفتح الباب‬ ‫أمام عدة سيناريوهات محمتلة‪.‬‬

‫‪ -1‬انهيار االتفاق‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫يستند هذا االحمتال على أساس ما متلكه الواليات املتحدة من‬ ‫سبل للضغط على بقية احللفاء يف االحتاد األوروبي‪ ،‬وإمكانية جناحها‬ ‫يف دفعهم لالنسحاب من االتفاق‪ ،‬فضال عن التهديد بفرض عقوبات‬ ‫على األطراف التي تقوم بشراكة مع اجلانب اإليراني‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫إمكانية تصعيب إجراء االتفاقات التجارية مع اجلانب اإليراني‪ ،‬وتنفيذ‬ ‫الصفقات‪ ،‬يف ظل وقف استخدام الدوالر يف املعامالت التي يجريها‬ ‫اجلانب اإليراني مع األطراف الدولية األخرى‪.‬‬ ‫ومما يضعف من إمكان حتقق هذا االحمتال أن إيران قد عمدت‬ ‫إلى توثيق تعاونها وعالقاتها مع الدول األوروبية ومع روسيا والصني‪،‬‬ ‫كبدائل عن الواليات املتحدة‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن إقامة خطوط تعاون قد حتتاج‬ ‫إلى وقت طويل من أجل مالحقتها والسيطرة عليها‪.‬‬

‫‪ -2‬بقاء االتفاق دون الواليات المتحدة‬

‫يعد أحد أفضل اخليارات املطروحة أمام اجلانب اإليراني‪ ،‬من‬ ‫أجل احلفاظ على مكتسبات االتفاق النووي‪ ،‬ومواجهة احمتال العودة‬ ‫إلى مربع العقوبات والعزلة الدولية‪ ،‬ورمبا خسارة نفوذها اإلقلميي‪،‬‬ ‫ويرتكز هذا االحمتال على مواقف باقي أطراف االتفاق الذين ال‬ ‫يحبذون النكوص عنه‪ ،‬وضرورة السعي الستكمال أوجه اخللل‪ .‬ومن‬ ‫وجهة النظر اإليرانية يبقى هذا االحمتال األفضل‪ ،‬كحل ثان‪ ،‬بعد‬ ‫انسحاب الواليات املتحدة‪ ،‬مستندة إلى اخلالفات الكبيرة بني املوقف‬ ‫األمريكي باالنسحاب من االتفاق وبني األطراف األوروبية وروسيا‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫األطراف يف ‪ 8‬مايو ‪2018‬م‪ ،‬مصحو ًبا بإعادة العقوبات االقتصادية التي‬ ‫كانت قد أوقفتها التزا ًما باالتفاق‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن ممارستها لضغوط على‬ ‫الدول التي ستتعامل مع إيران‪ ،‬ويف حال جناحها سيؤدي إلى تفاقم‬ ‫األزمة االقتصادية يف الداخل‪ ،‬والتي ال تدعم شرعية النظام وتثير‬ ‫االضطرابات‪.‬‬ ‫سوف يلغي تصريح بيع طائرات بوينغ وإيرباص إلى إيران‪ ،‬وسيكون‬ ‫لدى هذه الشركات فرصة لعدة أشهر فقط إلنهاء تعاونها مع إيران‪ ،‬وهو‬ ‫األمر الذي يؤكد الضرر االقتصادي والسياسي الذي سيلحق بالنظام‬ ‫اإليراني من جراء هذا القرار باالنسحاب من االتفاق‪ ،‬وال شك أن قرار‬ ‫ترامب باالنسحاب من االتفاق النووي ووضعها حتت طائلة العقوبات‬ ‫األمريكية سيؤثر بصورة مباشرة وغير مباشرة على الدور اإلقلميي‬ ‫إليران‪ ،‬وقد ينتهي األمر إلى عزلها‪ ،‬كما ستتحرر الواليات املتحدة من‬ ‫االلتزامات التي فرضها االتفاق النووي‪ ،‬وهذا سيكون‬ ‫له مردوده على االقتصاد اإليراني بصورة رئيسية ومِ ن‬ ‫ثم حرمان إيران من بعض املوارد التي كانت توظفها‬ ‫خلدمة مشروعها التوسعي ووجودها يف بعض مناطق‬ ‫الصراع‪.‬‬ ‫تداعيات االنسحاب على االقتصاد اإليراني‬ ‫يتوقف مدى تأثر االقتصاد اإليراني بقرارات‬ ‫احلظر والعقوبات االقتصادية الدولية‪ ،‬على طبيعة‬ ‫تنوعا‬ ‫وهيكل االقتصاد اإليراني‪ ،‬الذي يعتبر األكثر‬ ‫ً‬ ‫بني الدول األعضاء يف منظمة الدول املصدرة للبترول‬ ‫(أوبك)‪ ،‬وهذا‪ ،‬ال ينيف حقيقة أن قطاع النفط والغاز‪،‬‬ ‫مازال يشكل القطاع الرئيس يف الهيكل االقتصادي‪ ،‬ويساهم بنسبة‬ ‫ال يستهان بها يف اإليرادات احلكومية‪ ،‬ويشكل الدعامة الرئيسية‬ ‫لصادرات البالد‪ ،‬ولكن دون شك‪ ،‬تتوافر إمكانات قوية لمنو بعض‬ ‫القطاعات االقتصادية األخرى مثل البتروكمياويات والصلب والغزل‬ ‫والنسيج‪ ،‬وصناعة السيارات‪ ،‬هذا بجانب قطاع اخلدمات‪ ،‬فميا تشكل‬ ‫الزراعة أحد األنشطة االقتصادية الهامة ً‬ ‫أيضا‪ ،‬ومصدر رئيسي بعد‬ ‫النفط للتصدير‪.‬‬ ‫وتظهر بيانات البنك املركزي اإليراني أن القطاع غير النفطي (مبا‬ ‫فيه الزراعة والصناعة واخلدمات) يشكل حوالي ‪ %80‬من الناجت احمللي‬ ‫تنوعا أكبر يف مصادر‬ ‫للبالد خالل السنوات األخيرة وهو ما يعكس ً‬ ‫الدخل واألنشطة االقتصادية‪ ،‬بيمنا يستحوذ النفط على قرابة ‪ %20‬من‬ ‫الناجت احمللي اإلجمالي ‪.‬‬ ‫ما من شك يف أن تداعيات انسحاب الواليات املتحدة األمريكية من‬ ‫االتفاق النووي اإليراني‪ ،‬ستكون له آثار سلبية على االقتصاد اإليراني‪،‬‬ ‫من خالل عالقاته بالعالم اخلارجي‪ ،‬من خالل الصادرات والواردات‬ ‫السلعية واخلدمية وتدفقات التقنية ورؤوس األموال‪ ،‬وتأثير ذلك على‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪99‬‬

‫برامج العدالة االجمتاعية‪ ،‬وشبكات األمان االجمتاعي‪ ،‬ومعدالت منو‬ ‫الناجت احمللي اإلجمالي‪ ،‬خاصة إذا لم يسمتر املوقف األوروبي الداعم‬ ‫إليران طويال‪.‬‬ ‫وفميا يتعلق بالنفط فمن املتوقع أن تلجأ حكومة طهران إلى بيع‬ ‫النفط يف السوق السوداء بعد استئناف العقوبات األمريكية مع بعض‬ ‫الدول مثل الهند والصني‪ ،‬رغم أن قرار العقوبات سيتضمن كل الدول‬ ‫التي تتعاون مع إيران‪ .‬ولعل من أهم التداعيات املتوقعة تراجع إنتاج‬ ‫إيران من النفط‪ ،‬خاصة‪ ،‬حيث تشير بعض التوقعات إلى أن إنتاج إيران‬ ‫من النفط ميكن أن ينخفض من ‪ 3,91‬مليون برميل يوم ًيا حال ًيا إلى‬ ‫‪ 3,74‬مليون برميل يوم ًيا عام ‪2019‬م‪ ،‬فضال عما هو متوقع من وجود‬ ‫مصاعب يف تسويق النفط اإليراني مع بدء تنفيذ العقوبات خالل العام‬ ‫احلالي‪.‬‬ ‫من ناحية أخرى تشير التقارير إلى أن بعض‬ ‫الشركات العاملية قد بدأت تخطط لالنسحاب من‬ ‫العمل يف االقتصاد اإليراني‪ ،‬منها مجموعة إجني‬ ‫الفرنسية للطاقة التي قد تنهي عقودها يف نوفمبر‪،‬‬ ‫وكذلك شركة تورم الدمناركية العاملة يف تشغيل‬ ‫ناقالت النفط وبدأت تفكر يف وقف تعامالتها‪ ،‬أما‬ ‫شركة ميرسيك تانكرز الدمناركية‪ ،‬فسوف توقف‬ ‫نشاطها يف نوفمبر املقبل‪ ،‬ويوقف بنك دي زد األملاني‬ ‫تعامالته املالية يف يوليو‪.‬‬ ‫كما بدأ قرار حظر التعامل بالدوالر يف إيران‬ ‫يؤتي أثاره السلبية‪ ،‬حيث تفاقمت أزمة نقص الدوالر‬ ‫إضافة إلى تدهور قمية الريال اإليراني إلى أدنى مستوياته التاريخية‪،‬‬ ‫مما أدى إلى إعالن طهران التوقف عن استيراد آالف البضائع والسلع‬ ‫أبرزها السيارات‪ ،‬بعد أن وصل سعر صرف الدوالر إلى مستويات غير‬ ‫مسبوقة‪.‬‬ ‫وتشير التقارير األخيرة إلى أن أسعار العمالت األجنبية بالسوق‬ ‫احلرة يف إيران آخذة يف االرتفاع بشكل غير مسبوق‪ ،‬حيث صعد سعر‬ ‫صرف الدوالر يف غضون أسبوع واحد من ‪ 7200‬إلى ‪ 8000‬تومان‬ ‫(التومان يساوي ‪ 10‬رياالت إيرانية وهي العملة الرسمية)‪ ،‬يف الوقت‬ ‫الذي فشلت محاوالت السلطات اإليرانية يف احلد من قوة السوق غير‬ ‫الرسمية‪ ،‬بعد أن فرضت سيطرتها على املتعاملني‪ ،‬املضطرين للبيع‬ ‫والشراء منها يف ظل حتجمي وإغالق الصرافات بشكل رسمي‪.‬‬ ‫ويف السياق ذاته‪ ،‬حظرت وزارة الصناعة والتجارة اإليرانية استيراد‬ ‫أكثر من ‪ 1400‬سلعة أبرزها السيارات‪ ،‬التي يعتبرها النظام اإليراني‬ ‫ترفيهية‪ ،‬وسلعا ضرورية مثل زيوت الطعام‪ ،‬واملنظفات‪ ،‬حتت إشراف‬ ‫ما يعرف بـاالقتصاد املقاوم يف إيران‪ ،‬والتي تخضع لسيطرة املرشد‬ ‫اإليراني علي خامنئي‪ ،‬الذي سبق أن دعا مؤخ ًرا لدعم البضائع احمللية‪،‬‬

‫ت��رت��ب ع�لى رفع‬ ‫الحظر ارت��ف��اع حجم‬ ‫ال��ت��ج��ارة ب��ي��ن إي���ران‬ ‫واالت���ح���اد األوروب�����ي‬ ‫بنسبة ‪ ٪236‬وعقد‬ ‫صفقات بمليارات اليورو‬

‫‪98‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫بين ‪ 2012‬و ‪ 2014‬انكمش االق��ت��ص��اد اإلي��ران��ي بنسبة ‪٪9‬‬ ‫ويف ع��ام ‪ 2014‬بلغت البطالة ‪ ٪ 20‬و خسر االقتصاد ‪ %20‬من حجمه‬ ‫النفيسة والسيارات‪ ،‬إضافة إلى متكني البالد من حتديث أساطيل‬ ‫الطيران املدني‪ ،‬وبيع الطائرات التجارية‪ ،‬وقطع الغيار لألسطول‬ ‫اإليراني املتقادم منذ سنوات‪ ،‬وفتح املجال أمام الشركات العاملية الرائدة‬ ‫يف هذه الصناعات لعقد صفقات جتارية مع إيران‪ ،‬وكذلك إلغاء حظر‬ ‫تعامل األجانب من التعامل مع اإليرانيني‪.‬‬ ‫مكاسب مؤقتة لرفع العقوبات‬ ‫تمتثل أهم مكاسب االقتصاد اإليراني من رفع احلظر االقتصادي‬ ‫يف زيادة اإلنتاج ومن ثم الصادرات من النفط والغاز واملنتجات غير‬ ‫النفطية‪ ،‬وتخفيض تكلفة التجارة واملعامالت املالية الدولية‪ ،‬بعد‬ ‫عودة العمل بنظام التحويالت املالية الدولية (سويفت)‪ ،‬وإدماج النظام‬ ‫املصريف اإليراني مع املصرفية العاملية‪ ،‬وكذلك تشجيع الشركات‬ ‫الدولية على االستثمار يف إيران‪ ،‬وعودة االستثمارات األجنبية املباشرة‪،‬‬ ‫وحتديث التقنيات املتقادمة‪.‬‬ ‫كما ترتب على ذلك ارتفاع حجم التجارة بني إيران واالحتاد‬ ‫األوروبي بنسبة ‪ ،٪236‬حيث مت عقد العديد من الصفقات التجارية‬ ‫بقمية مليارات اليورو شملت إيرباص‪ ،‬كما عقدت شركة طيران الواليات‬ ‫املتحدة بوينج صفقة مماثلة‪ ،‬وتبعها فولكس واجن ‪ ،‬مان ‪ ،‬لينده ‪ ،‬وأودي‬ ‫‪ ،‬وداميلر بنز ‪ ،‬وميونيخ ري وكاترين ‪.‬‬ ‫وحتتل أملانيا مركز الصدارة بني دول االحتاد األوروبي من حيث‬ ‫التعامالت التجارية مع إيران ومتثل ‪ ٪27‬من إجمالي صادرات االحتاد‬ ‫األوروبي إلى إيران ولديها فائض جتاري كبير مع إيران حيث تصدر‬ ‫إليها اآلالت الصناعية والسلع االستهالكية النهائية‪ ،‬يف حني تستورد‬ ‫منها سل ًعا أقل تكلفة مثل الفواكه‪ ،‬والسجاد‪ ،‬وغيرها من السلع‪، .‬‬ ‫وقد زادت الصادرات األملانية إلى إيران بنسبة ‪ %61‬خالل الفترة من‬ ‫عام ‪2013‬م‪ ،‬إلى عام ‪2017‬م‪ ،‬يف حني حتتل إيطاليا مركز الصدارة‬ ‫كأكبر مستورد للسلع اإليرانية ( بنسبة ‪ ٪ 33‬من جميع واردات االحتاد‬ ‫األوروبي)‪ ،‬مبا لدى شركاتها من قدرة على تنقية النفط اخلام اإليراني‬ ‫الغني بالكبريت‪ ،‬أما اليونان فلديها نفس القدرات وتستحوذ على ‪% 12‬‬ ‫من حجم الواردات األوربية من إيران‪.‬‬ ‫ويفسر ذلك جزئ ًيا متسك الدول األوروبية باالتفاق النووي مع‬ ‫إيران‪ ،‬إال أنه رغم هذا فقد كان النسحاب الواليات املتحدة من االتفاق‪،‬‬ ‫وبدء عودة احلظر االقتصادي من جانب واحد آثار أولية على عدم‬ ‫استقرار االنتعاش االقتصادي وبدء تراجع معدل المنو االقتصادي‪،‬‬ ‫وتراجعت الصادرات اإليرانية ‪.‬‬ ‫وتوضح النظرة السريعة ملعدل المنو االقتصادي الوضع االقتصادي‬ ‫إليران قبل رفع احلظر والعقوبات‪ ،‬وبعد توقيع االتفاق النووي‪ ،‬ثم عقب‬

‫انسحاب الواليات املتحدة من االتفاق وتداعياته‪.‬‬ ‫معدل المنو السنوي ‪%‬‬ ‫بيان‬

‫‪2014‬‬

‫‪2015‬‬

‫‪2016‬‬

‫‪2017‬‬

‫‪2018‬‬

‫‪2019‬‬

‫الناجت احمللي اإلجمالي‬

‫‪4,6‬‬

‫‪-1,3‬‬

‫‪13,4‬‬

‫‪3,5‬‬

‫‪4,0‬‬

‫‪4,3‬‬

‫رأس املال الثابت‬

‫‪7,8‬‬

‫‪-12‬‬

‫‪-3,7‬‬

‫‪1,7‬‬

‫‪8,4‬‬

‫‪9.2‬‬

‫معدل التضخم‬

‫‪15.6‬‬

‫‪11,9‬‬

‫‪9‬‬

‫‪11,5‬‬

‫‪10.9‬‬

‫‪10.6‬‬

‫عجز امليزان اجلاري‪GDP ٪‬‬

‫‪3,1‬‬

‫‪2,3‬‬

‫‪3,9‬‬

‫‪4,1‬‬

‫‪4‬‬

‫‪3,8‬‬

‫عجز املوازنة ‪GDP ٪‬‬

‫‪1,1‬‬

‫‪1,7‬‬

‫‪2,2‬‬

‫‪2,2‬‬

‫‪2,3‬‬

‫‪3,1‬‬

‫‪World Bank, Macroeconomics and Fiscal Management‬‬ ‫‪.Global Practice, and Poverty Global Practice‬‬ ‫فما أن ظهرت بوادر االنفراج يف األزمة والتوصل إلى اتفاق بشأنها‬ ‫حتى استعاد االقتصاد اإليراني عافيته عام ‪2016‬م‪ ،‬وذلك على خلفية‬ ‫زيادة إنتاج إيران من النفط وارتفاع أسعاره يف السوق العاملية‪ ،‬والتي‬ ‫أعقبت رفع العقوبات املفروضة على إيران والتوصل إلى االتفاق النووي‪،‬‬ ‫حيث وصل معدل المنو االقتصادي إلى معدالت غير مسبوقة مبعدل‬ ‫‪ %13.4‬عام ‪2016‬م‪.‬‬ ‫ومع ذلك ظلت معدالت البطالة مرتفعة‪ ،‬حيث تتعدى ‪%10‬‬ ‫ ‬ ‫من قوة العمل‪ ،‬ولم حتقق قطاعات النشاط االقتصادي غير النفطية‬ ‫حتسنًا يذكر‪ ،‬بل ولم تتدفق االستثمارات األجنبية املباشرة باملعدالت‬ ‫املأمولة‪ ،‬يف ظل غياب التكامل التام بني القطاع املصريف مع النظام‬ ‫املصريف العاملي‪ ،‬واسمترار حالة عدم اليقني‪ ،‬ومن ثم ظل معدل المنو‬ ‫االقتصادي متواض ًعا‪ ،‬كما كان عليه احلال قبل رفع احلظر‪.‬‬ ‫انفراد الواليات املتحدة بقرار االنسحاب‬ ‫حتظر العقوبات جميع املعامالت النقدية مع إيران مما يعقد األمور‬ ‫أكثر حيث يمت إجراء جتارة النفط بالدوالر‪ ،‬األمر الذي سيحد من قدرة‬ ‫البنوك الدولية يف تقدمي المتويل للصفقات التجارية مع إيران‪.‬‬ ‫انفردت الواليات املتحدة بقرار االنسحاب مخالفة شركائها‬ ‫الرئيسيني‪ ،‬بريطانيا وفرنسا وأملانيا‪ ،‬التي بقيت ملتزمة بتنفيذ االتفاق‬ ‫وبذلت جهو ًدا كبيرة من أجل إقناع ترامب بعدم االنسحاب من االتفاق‪،‬‬ ‫وإدخال تعديالت على االتفاق أو التوقيع على ملحق يتضمن تسوية‬ ‫لقضايا اخلالف الرئيسية‪ ،‬على أساس أن االتفاق النووي مع إيران هو‬ ‫أفضل سبيل ملنعها من امتالك سالح نووي‪ ،‬خاصة وأن موقف الدول‬ ‫الثالث جاء منسج ًما مع املوقف األوروبي األوسع يف االحتاد األوروبي‪.‬‬ ‫جاء إعالن ترامب االنسحاب من االتفاق النووي اإليراني متعدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪97‬‬

‫مستقبل إيران ‪ ..‬بني رفع العقوبات الدولية وعودة الحظر األمريكي‬

‫‪3‬سيناريوهات تنتظر االقتصاد اإليراني ‪..‬‬ ‫وموقف األطراف الدولية عىل المحك‬

‫يف ظل عدم اللجوء إلى احللول العسكرية للنزاعات الدولية‪ ،‬تصبح احلرب االقتصادية وخاصة سالح العقوبات االقتصادية‬ ‫أحد أهم العقوبات الدولية التي يتيحها القانون الدولي‪ ،‬وتلجأ لها األمم املتحدة يف حاالت كثيرة‪ ،‬وقد كان هذا حال النزاع‬ ‫الدولي حول برنامج إيران النووي‪.‬‬ ‫مت فرض احلظر التجاري األمريكي على إيران يف نهاية التسعينات من القرن العشرين‪ ،‬بعد خالفات سياسية‪ ،‬تالها فرض‬ ‫عقوبات دولية وغربية منذ عام ‪2006‬م‪ ،‬والتي جرى تشديدها على خلفية تطوير إيران لبرنامجها النووي عام ‪2012‬م‪.‬‬

‫د‪ .‬محمد البنا‬

‫ومنذ تسعينات القرن العشرين والسنوات التي انقضت من األلفية‬ ‫الثالثة‪ ،‬نفذت الواليات املتحدة واالحتاد األوروبي واألمم املتحدة‬ ‫جميع العقوبات (بدرجات متفاوتة) وتسببت يف خسائر اقتصادية‬ ‫خطيرة على االقتصاد اإليراني‪ ،‬فما بني مارس ‪ 2012‬ومارس‬ ‫‪2014‬م‪ ،‬انكمش االقتصاد اإليراني بنسبة ‪ ،٪9‬مع تراجع صادرات‬ ‫النفط اخلام بنسبة أكثر من النصف بني عام ‪2011‬م‪ ،‬ومنتصف‬ ‫‪2013‬م‪ ،‬وبحلول عام ‪2014‬م‪ ،‬ارتفع معدل البطالة إلى حوالي ‪،٪ 20‬‬ ‫وكما تشير بعض التقديرات فإن االقتصاد اإليراني خسر ما بني ‪15‬‬ ‫‪ %20‬من حجمه يف ظل العقوبات االقتصادية الدولية‪.‬‬‫‪The Economics of the nuclear Deal.April 12,2018.AJC‬‬ ‫‪)(Berlin Ramer Institute‬‬ ‫وأدت العقوبات االقتصادية الدولية إلى إنهاك االقتصاد‬ ‫اإليراني‪ ،‬وقطعت مصد ًرا أساس ًيا من مصادر متويل املوازنة العامة‬ ‫للدولة‪ ،‬واملصدر الرئيسي للنقد األجنبي‪ ،‬بحظر تصدير النفط‬ ‫والغاز للخارج‪ ،‬كما مت منع الشركات العاملية من العمل واالستثمار يف‬ ‫إيران‪ ،‬األمر الذي حرم طهران من تطوير التقنيات أو احلصول على‬ ‫تقنيات حديثة‪ ،‬وتراجع املؤشرات االقتصادية الكلية‪ ،‬مثل معدل المنو‬ ‫االقتصادي‪ ،‬وعجز امليزان التجاري‪ ،‬وعجز املوازنة العامة‪ ،‬وارتفاع‬ ‫معدالت البطالة والتضخم‪.‬‬

‫رفع العقوبات االقتصادية‬

‫بدأت عملية رفع العقوبات تدريج ًيا ضد إيران بالتدريج منذ‬ ‫يناير ‪2014‬م‪ ،‬كجزء من االتفاق املؤقت الذي مت تنفيذه يف ‪ 16‬يناير‬ ‫‪2016‬م‪،‬عندما مت رفع معظم العقوبات االقتصادية واملالية املفروضة من‬ ‫األمم املتحدة واالحتاد األوروبي والواليات املتحدة‪ .‬وقد كان لذلك أثر‬ ‫واضح على االقتصاد اإليراني وحقق معدالت منو اقتصادي إيجابية‪،‬‬ ‫مع ارتفاع صادرات النفط إلى مستوى ما قبل العقوبات‪.‬‬ ‫وقد بعث توقيع خطة العمل ‪Joint Comprehensive Plan of‬‬ ‫‪ )Action (JCPOA‬يف ‪ 14‬يوليو ‪2015‬م‪ ،‬بني إيران والدول اخلمس‬ ‫دائمة العضوية يف مجلس األمن إضافة إلى االحتاد األوروبي‪ 1+P5 ،‬يف‬ ‫إطار البرنامج النووي اإليراني‪ ،‬والتي دخلت حيز التنفيذ يف ‪ 16‬يناير‬ ‫‪2016 ،‬م‪ ،‬دب األمل يف نفوس اإليرانيني‪ ،‬وتوقع املسؤولون اإليرانيون‬ ‫أن جتلب اخلطة ‪ 10‬مليارات دوالر سنو ًيا يف قطاع النفط والغاز‬ ‫واالستثمارات األجنبية املباشرة ‪ ،‬ولكن البالد لم حتصل إال على ‪1.3‬‬ ‫مليار دوالر على مدى عامني‪.‬‬ ‫تتضمن عملية رفع العقوبات املفروضة على االقتصاد اإليراني‪،‬‬ ‫رفع احلظر عن القطاعات االقتصادية احليوية‪ ،‬من بينها اجلهاز‬ ‫املصريف والقطاعات املالية غير املصرفية مثل شركات التأمني‪ ،‬وقطاع‬ ‫النفط والغاز والبتروكمييائيات‪ ،‬والنقل البحري واملوانئ‪ ،‬وجتارة املعادن‬

‫‪96‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫لذلك‪ ،‬إلى محاولة حتميل الواليات املتحدة األمريكية املسؤولية عن‬ ‫انهيار االتفاق يف توسيع نطاق توافقاتها السياسية مع الدول األوروبية‬ ‫ورمبا الوصول إلى آليات قد تساعد يف رفع مستوى التعاون االقتصادي‬ ‫من دون املغامرة بالتعرض لعقوبات أمريكية‪.‬‬ ‫وقد بدأت حكومة الرئيس روحاني يف اإلشارة إلى إمكانية التطرق‬ ‫إلى بدائل للتعامل مع الضغوط والعقوبات األمريكية‪ ،‬على غرار تبني‬ ‫آلية املقايضة‪ ،‬التي أشار إليها النائب األول للرئيس اسحق جهاجنيري‪،‬‬ ‫يف ‪ 2‬يوليو ‪2018‬م‪ ،‬والتي تقوم على مبادلة الصادرات النفطية اإليرانية‬ ‫بسلع من الدول املستوردة‪.‬‬ ‫كما أن إيران تعول على عالقاتها القوية مع كل من الصني وروسيا‪،‬‬ ‫وقد أشار بعض مسؤوليها إلى إمكانية إجراء التعامالت املالية مع‬ ‫الدول املستوردة للنفط بعمالتها الوطنية جتن ًبا للتعامل بالدوالر‪.‬‬ ‫ورمبا حتاول إيران ً‬ ‫أيضا إقناع بعض شركات الدولتني مبلء الفراغ‬ ‫الناجت عن انسحاب الشركات األوروبية من السوق‬ ‫اإليرانية جتن ًبا للتعرض للعقوبات األمريكية‪ ،‬وهو ما‬ ‫بدا جل ًيا يف اجلهود التي بذلتها احلكومة لدفع شركة‬ ‫"سي إن بي سي" الصينية لالستحواذ على حصة‬ ‫شركة "توتال" الفرنسية يف مشروع تطوير املرحلة‬ ‫احلادية عشرة من حقل بارس اجلنوبي والتي تبلغ‬ ‫‪.%50‬‬ ‫لكن هذا املسار بدوره يواجه إشكاليات مختلفة‪.‬‬ ‫إذ أن آلية املقايضة قد ال حتقق أهدافها بشكل كامل‪،‬‬ ‫ورمبا ال متثل خيا ًرا بدي ً‬ ‫ال للعوائد االقتصادية التي‬ ‫كانت ستحصل عليها إيران يف حالة ما إذا اسمتر‬ ‫العمل باالتفاق النووي‪ .‬كما أنه ال ميكن ضمان أن‬ ‫توافق كل الدول املستوردة للنفط اإليراني على إجراء تعامالتها املالية‬ ‫مع إيران بعملتها الوطنية‪ ،‬أو إقناع شركاتها باحللول محل الشركات‬ ‫األوروبية املنسحبة‪ ،‬خاصة أن ذلك سوف يتسبب يف توتر العالقات مع‬ ‫الواليات املتحدة األمريكية‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫على تدهور األوضاع االقتصادية ووصولها إلى مرحلة غير مسبوقة‪.‬‬ ‫وقد يكون ذلك خطوة متهيدية للمطالبة باإلطاحة بروحاني نفسه‪،‬‬ ‫باعتبار أن رهانه على االتفاق النووي هو الذي أدى إلى تعرض إيران‬ ‫لكل هذه الضغوط اخلارجية‪ ،‬التي فرضت ارتدادات قوية على الساحة‬ ‫الداخلية سوف تتفاقم بشكل أكبر مع بدء تفعيل العقوبات يف شهري‬ ‫أغسطس ونوفمبر القادمني‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫رمبا ميكن القول يف النهاية أن إيران تواجه اختبا ًرا صع ًبا يف‬ ‫املرحلة احلالية سوف تكون له انعكاسات على أكثر من صعيد‪ .‬إذ أن‬ ‫الضغوط اخلارجية وتزايد احمتاالت تصعيد حدة التوتر مع الواليات‬ ‫املتحدة األمريكية سوف يؤدي إلى توسيع نطاق اخلالفات السياسية‬ ‫الداخلية وتأجيج الصراعات داخل السلطة بني تياري املعتدلني‬ ‫واحملافظني األصوليني‪.‬‬ ‫كما أن إصرار إيران على مواصلة سياستها‬ ‫اخلارجية القائمة على اإلمعان يف التدخل يف الشؤون‬ ‫الداخلية لدول املنطقة ودعم التنظميات اإلرهابية‬ ‫واملسلحة املوجودة يف دول األزمات‪ ،‬بشكل أدى‬ ‫إلى نشر الفوضى وعدم االستقرار وعرقلة اجلهود‬ ‫املبذولة من أجل الوصول إلى تسويات سياسية‬ ‫لألزمات اإلقلميية املختلفة‪ ،‬سوف يُع ِّرضها ً‬ ‫أيضا‬ ‫لعزلة إقلميية‪ ،‬بعد أن وصل استياء كثير من دول‬ ‫املنطقة‪ ،‬السميا الدول الداعمة لالستقرار والداعية‬ ‫ملكافحة اإلرهاب‪ ،‬إلى مرحلة غير مسبوقة‪ ،‬انعكست‬ ‫يف اإلجراءات التي بدأت يف اتخاذها من أجل كبح‬ ‫األدوار التدخلية التي تقوم بها إيران وامليليشيات املوالية لها على غرار‬ ‫حزب اهلل والتنظميات الطائفية يف سوريا والعراق ولبنان وغيرها‪.‬‬ ‫ومن دون شك‪ ،‬فإن هذه املتغيرات ً‬ ‫أيضا سوف يكون لها دور يف‬ ‫ضبط اجتاهات العالقات مع القوى الدولية األخرى‪ ،‬التي بدأت يف‬ ‫إدراك أن املشكالت العالقة مع إيران ال تنحصر يف البرنامج النووي‪،‬‬ ‫رغم أهميته‪ ،‬وإمنا متتد ً‬ ‫أيضا إلى امللفات اإلقلميية األخرى التي تتدخل‬ ‫فيها إيران‪ ،‬إلى جانب برنامجها للصواريخ الباليستية التي بدأت يف‬ ‫تهريبها لبعض امليليشيات اإلرهابية يف املنطقة‪.‬‬ ‫هذه املؤشرات يف مجملها توحي بأن إيران تبدو مقبلة على‬ ‫استحقاقات استراتيجية هامة سوف حتدد‪ ،‬بدرجة كبيرة‪ ،‬مسارات‬ ‫توازنات القوى السياسية يف الداخل‪ ،‬واجتاهات تفاعالتها مع اخلارج‪.‬‬

‫ال���ع���ق���وب���ات‬ ‫ت��ف��اق��م أزم����ات إي���ران‬ ‫وقد تصل االحتجاجات‬ ‫لمرحلة ال يستطيع‬ ‫ال��ن��ظ��ام م��واج��ه��ت��ه��ا‬ ‫ب���اآلل���ي���ات ال��س��اب��ق��ة‬

‫فض ً‬ ‫ال عن ذلك‪ ،‬فإن حكومة روحاني قد تواجه يف سبيل محاولة‬ ‫مترير هذا اخليار حملة انتقادات قوية من جانب تيار احملافظني‬ ‫األصوليني‪ ،‬الذي سيعتبر ذلك فش ً‬ ‫ال ذري ًعا للحكومة التي أخفقت‪ ،‬يف‬ ‫رؤيته‪ ،‬يف احلفاظ على احلقوق النووية اإليرانية‪ ،‬ولم تنجح يف احلصول‬ ‫على عوائد اقتصادية ممتيزة من االتفاق النووي مقابل التنازالت التي‬ ‫قدمتها وتسببت يف تأخير تقدم البرنامج النووي اإليرانية إلى حد كبير‪.‬‬ ‫ورمبا يؤدي ذلك إلى تعرض روحاني لضغوط أكبر من جانب‬ ‫خصومه السياسيني‪ ،‬الذي بدؤوا يف استغالل التوتر مع الواليات‬ ‫املتحدة األمريكية لتصعيد الدعوة لتغيير الفريق االقتصادي يف‬ ‫احلكومة وحتميله املسئولية الكاملة عن أزمة انهيار سعر العملة الوطنية‬ ‫احتجاجا‬ ‫وارتفاع أسعار الذهب‪ ،‬التي دفعت البازار إلى إغالق أبوابه‬ ‫ً‬

‫* رئيس تحرير مجلة "مختارات إيرانية" مبركز األهرام للدراسات السياسية‬ ‫واالسرتاتيجية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪95‬‬

‫رغ���م ت��ه��دي��دات إي�����ران ب��اس��ت��ه��داف ال��م��ص��ال��ح األم��ري��ك��ي��ة‬ ‫إال أن��ه��ا ت��ت��ج��ن��ب ال��م��واج��ه��ة ال��ع��س��ك��ري��ة ل��خ��ل��ل ت�����وازن ال��ق��وى‬ ‫أكبر قدر من التقدم يف البرنامج النووي‪ ،‬على غرار ما حدث يف الفترة‬ ‫التي سبقت الوصول إلى االتفاق النووي‪ ،‬عندما متكنت إيران‪ ،‬يف عهد‬ ‫الرئيس السابق محمود أحمدي جناد‪ ،‬من زيادة أجهزة الطرد املركزي‬ ‫من بضعة مئات إلى نحو ‪ 20‬ألف جهاز من طرازات مختلفة‪ ،‬ورفع‬ ‫مستوى عمليات تخصيب اليورانيوم من ‪ %3.5‬إلى ‪.%20‬‬ ‫ومن هنا بدأت إيران يف التلويح بقدرتها على إعادة تخصيب‬ ‫اليورانيوم بنسبة ‪ %20‬خالل املرحلة القادمة‪ ،‬يف حالة ما إذا لم يكن‬ ‫اسمترار العمل باالتفاق النووي مجد ًيا بالنسبة لها‪ ،‬حيث قال املتحدث‬ ‫باسم منظمة الطاقة الذرية اإليرانية بهروز كمالوندي‪ ،‬يف ‪ 27‬مايو‬ ‫‪2018‬م‪ ،‬أن "إيران تستطيع تخصيب اليورانيوم بنسبة ‪ %20‬خالل يومني‬ ‫أو ثالثة أيام"‪ ،‬مشي ًرا إلى أن منشأة فوردو‪ ،‬التي قامت إيران ببنائها يف‬ ‫منطقة محصنة حتت األرض لتفادي التعرض لهجوم عسكري‪ ،‬جاهزة‬ ‫للتحرك يف هذا الصدد‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬يواجه هذا املسار حتديات عديدة ال تبدو هينة‪ .‬إذ تبدو‬ ‫إيران مدركة ألن عودتها إلى رفع مستوى عمليات التخصيب واستخدام‬ ‫أجهزة الطرد املركزي األكثر تطو ًرا سوف تصعد حدة التوتر مع الواليات‬ ‫املتحدة األمريكية‪ ،‬وإسرائيل‪ ،‬اللتني سوف تعتبران ذلك محاولة من‬ ‫جانبها للوصول إلى مرحلة امتالك القدرات الالزمة إلنتاج القنبلة‬ ‫النووية أو مبعنى أدق تبني منوذج كوريا الشمالية التي عزز امتالكها‬ ‫القنبلة النووية من موقعها التفاوضي مع الواليات املتحدة األمريكية‬ ‫يف املرحلة احلالية‪ ،‬بعد أن بدأت الدولتان يف إجراء مباحثات للوصول‬ ‫إلى تسوية للملفات اخلالفية العالقة بينهما عقب اللقاء الذي جمع بني‬ ‫الرئيس األمريكي دونالد ترامب والزعمي الكوري الشمالي كمي جوجن‬ ‫أون يف سنغافورة يف ‪ 12‬يونيو ‪2018‬م‪.‬‬ ‫ومن دون شك‪ ،‬فإن ذلك معناه تعرض إيران ملزيد من العقوبات‬ ‫األمريكية‪ ،‬والدولية ً‬ ‫أيضا‪ ،‬والتي ستصل ملستوى غير مسبوق قد ال‬ ‫يستطيع اقتصادها‪ ،‬الذي يعاني من مشكالت عديدة‪ ،‬حتمله على غرار‬ ‫ما حدث يف املرحلة السابقة على الوصول لالتفاق النووي‪.‬‬ ‫فضال عن أن إعادة تنشيط البرنامج النووي ميكن أن يدعم من‬ ‫فرص تعرض إيران لعمل عسكري‪ ،‬تبدو يف أمس احلاجة إلى جتنبه‪،‬‬ ‫يف ظل العواقب الوخمية التي ميكن أن يفرضها على مصاحلها وأمنها‪.‬‬ ‫وتكمن املفارقة يف أنه رغم التهديدات املتكررة التي توجهها إيران‬ ‫باستهداف املصالح األمريكية يف املنطقة‪ ،‬إال أن ذلك ال ينيف أنها‬ ‫حريصة على جتنب الدخول يف مواجهة عسكرية مباشرة مع الواليات‬ ‫املتحدة األمريكية‪ ،‬يف ظل اخللل الكبير يف توازن القوى بني الطرفني‪،‬‬ ‫والذي سيدفع إيران إلى العمل على تقليص فرص االستناد إلى هذا‬ ‫اخليار مهما كانت التداعيات التي ميكن أن تترتب على ذلك‪.‬‬

‫إلى جانب أن تصعيد حدة الضغوط والعقوبات املفروضة عليها‬ ‫قد يؤدي إلى تفاقم أزمتها الداخلية‪ ،‬ويساهم يف وصول االحتجاجات‬ ‫الداخلية املسمترة إلى مرحلة غير مسبوقة رمبا ال يستطيع النظام‬ ‫التعامل معها باآلليات نفسها التي تبناها يف احتواء االحتجاجات‬ ‫السابقة‪ ،‬والتي كان آخرها االحتجاجات التي اندلعت يف ديسمبر‬ ‫‪2017‬م‪ ،‬وبدأت يف مدينة مشهد ثم انتقلت تدريج ًيا إلى احملافظات‬ ‫األخرى حتى وصلت إلى العاصمة طهران‪.‬‬ ‫وقد اتسمت االحتجاجات األخيرة التي بدأت يف ‪ 25‬يونيو ‪2018‬م‪،‬‬ ‫خاصا من جانب النظام‪ .‬إذ أنها شهدت‬ ‫بخصائص جديدة تثير قل ًقا‬ ‫ً‬ ‫للمرة األولى مشاركة نخبة التجار (البازار) التي حتظى بثقل سياسي‬ ‫واجمتاعي بارز إلى جانب نفوذها االقتصادي‪ ،‬وكانت حلي ًفا رئيس ًيا‬ ‫لطبقة رجال الدين على مدى العقود املاضية‪ ،‬بل إن هذا التحالف مثل‬ ‫دو ًما متغي ًرا أساس ًيا يف التحوالت السياسية التي شهدتها إيران على‬ ‫مدار تاريخها احلديث‪ ،‬على غرار ما حدث يف ثورة عام ‪1906‬م‪.‬‬ ‫وقد وجهت مشاركة البازار يف االحتجاجات األخيرة التي انطلقت‬ ‫ً‬ ‫اعتراضا على انهيار سعر العملة الوطنية بعد أن وصل الدوالر إلى‬ ‫‪ 9000‬تومان‪ ،‬مبا يساوي أكثر من ضعف السعر الرسمي الذي حددته‬ ‫احلكومة ويبلغ ‪ 4200‬تومان‪ ،‬إلى جانب ارتفاع أسعار الذهب‪ ،‬رسالة‬ ‫قوية للنظام بأن إمعانه يف تبني اإلجراءات األمنية القمعية جتاه‬ ‫احملتجني‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن عدم استجابته ملطالبهم‪ ،‬خاصة ما يتعلق بتقليص‪،‬‬ ‫إن لم يكن إنهاء الدعم اخلارجي للتنظميات اإلرهابية واملسلحة املوجودة‬ ‫يف دول األزمات لصالح االهمتام بالتعامل مع األزمات املعيشية التي‬ ‫يواجهها اإليرانيون‪ ،‬من شأنها تعزيز احمتاالت اندالع ثورة قد تطيح‬ ‫به يف النهاية‪.‬‬

‫المسار الثالث‪ :‬توقف العمل باالتفاق دون تنشيط البرنامج‬ ‫النووي‬

‫وهو مسار قد تتبناه إيران‪ ،‬على األقل يف املدى القريب‪ ،‬من أجل‬ ‫جتنب تصعيد حدة التوتر يف العالقات مع الواليات املتحدة األمريكية‬ ‫ووصولها إلى مرحلة حرجة قد تدعم من احمتاالت إقدام واشنطن‬ ‫على التلويح باستخدام اخليار العسكري يف التعامل مع أزمة البرنامج‬ ‫النووي اإليراني‪.‬‬ ‫وهنا‪ ،‬فإن إيران قد ترى أن االتفاق النووي لم يخل من مكاسب‬ ‫عديدة حتى بعد انهياره‪ ،‬يمتثل أهمها يف أنه فتح الباب أمام حتسني‬ ‫العالقات بني إيران والدول األوروبية‪ ،‬التي كان التوتر هو سمتها الغالبة‬ ‫يف مرحلة ما قبل الوصول لالتفاق النووي‪ .‬ورمبا تسعى إيران‪ ،‬وف ًقا‬

‫‪94‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫أدى ذلك إلى استخدام اخليار العسكري‪.‬‬ ‫وتبدو الدول األوروبية أكثر القوى الدولية اهمتا ًما بتجنب نشوب‬ ‫حرب جديدة يف منطقة الشرق األوسط‪ ،‬يف ظل االرتدادات القوية التي‬ ‫تفرضها األزمات اإلقلميية يف املنطقة على مصاحلها املباشرة وأمنها‬ ‫القومي‪ ،‬على نحو بدا جل ًيا يف اسمترار موجات الالجئني واملهاجرين‬ ‫من املنطقة بعد تفاقم الصراعات الداخلية املسلحة يف دول األزمات‪،‬‬ ‫وجناح التنظميات اإلرهابية يف نقل عملياتها إلى داخل عواصمها‬ ‫ومدنها الرئيسية ر ًدا على العمليات العسكرية والضربات القوية التي‬ ‫تتعرض لها يف مناطق نفوذها باملنطقة‪.‬‬ ‫ومن هنا‪ ،‬بدأت هذه الدول يف إجراء محادثات جديدة مع إيران من‬ ‫أجل مناقشة آليات مواصلة العمل باالتفاق بعد االنسحاب األمريكي‬ ‫منه‪ ،‬بل إنها سعت يف الوقت نفسه إلى توسيع نطاق املباحثات ليشمل‬ ‫امللفات األخرى غير النووية‪ ،‬على غرار امللفني الميني والسوري‪ ،‬يف‬ ‫ظل الدور الذي تقوم به إيران يف األزمتني‪ ،‬إلى جانب ملف الصواريخ‬ ‫الباليستية‪.‬‬ ‫لكن هذا السيناريو يواجه عقبات عديدة‪ .‬إذ لم تمتكن الدول‬ ‫األوروبية من دفع الشركات األوروبية التي تستثمر يف إيران إلى‬ ‫االسمترار يف تعامالتها االقتصادية مع األخيرة‪ ،‬بعد التهديدات التي‬ ‫وجهتها الواليات املتحدة األمريكية لتلك الشركات بفرض عقوبات عليها‬ ‫يف حالة اسمترارها يف الصفقات التي عقدتها مع جهات داخل إيران‪.‬‬ ‫وقد حاولت الدول األوروبية إقناع اإلدارة األمريكية مبنح إعفاءات‬ ‫لتلك الشركات‪ ،‬إال أنها فشلت يف حتقيق ذلك‪ ،‬يف ظل إصرار اإلدارة‬ ‫األمريكية على فرض أعلى مستوى من العقوبات على إيران بهدف‬ ‫دفعها إلجراء مفاوضات جديدة من أجل الوصول إلى اتفاق نووي‬ ‫جديد يستوعب التحفظات التي تبديها على االتفاق احلالي‪.‬‬ ‫وقد أكد الرئيس األمريكي دونالد ترامب يف حواره مع شبكة "فوكس‬ ‫نيوز" يف أول يوليو ‪2018‬م‪ ،‬على أن الشركات األوروبية التي سوف‬ ‫تواصل التعامل مع إيران سوف تتعرض لعقوبات‪ ،‬وهو ما دفع بعض‬ ‫أبرز تلك الشركات بالفعل إلى املسارعة للتوقف عن تنفيذ الصفقات‬ ‫التي أبرمتها مع إيران‪ ،‬جتن ًبا للتعرض لتلك العقوبات األمريكية‪ ،‬على‬ ‫غرار "توتال" و"ميرسك" و"جنرال اليكتريك" و"بيجو" وغيرها‪.‬‬ ‫وتوازى ذلك مع تأكيد براين هوك مدير التخطيط السياسي يف‬ ‫وزارة اخلارجية األمريكية‪ ،‬يف ‪ 3‬يوليو ‪2018‬م‪ ،‬على أن حملة الضغط‬ ‫التي تقودها الواليات املتحدة األمريكية تهدف إلى تخفيض صادرات‬ ‫النفط اإليرانية إلى صفر‪ ،‬بشكل سيوجه ضربة قوية للجهود التي تبذلها‬ ‫حكومة الرئيس روحاني من أجل التعامل مع املشكالت االقتصادية التي‬ ‫تواجهها يف الداخل‪.‬‬ ‫ومن دون شك‪ ،‬فإن حرص اإلدارة األمريكية على عدم استبعاد‬ ‫خيار تصنيف احلرس الثوري كمنظمة إرهابية من شأنه تصعيد حدة‬ ‫الضغوط املفروضة على إيران‪ ،‬باعتبار أن ذلك سيضيف دوافع جديدة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫للشركات األجنبية‪ ،‬واألوروبية حتديدًا‪ ،‬من أجل العزوف عن االستثمار‬ ‫يف إيران أو االنسحاب من السوق اإليرانية يف حالة ما إذ توصلت بالفعل‬ ‫إلى اتفاقات مع جهات داخل إيران يف مرحلة ما بعد الوصول لالتفاق‬ ‫النووي‪ ،‬خاصة أن بعض تلك اجلهات قد تكون تابعة للحرس الثوري‪،‬‬ ‫على غرار املجموعات االقتصادية التابعة لشركة "خامت األنبياء"‪.‬‬ ‫وهنا‪ ،‬فإن التعاون مع تلك اجلهات قد يعرض الشركات األجنبية‬ ‫إلى عقوبات أمريكية‪ ،‬على غرار العقوبات التي فرضت على بنك "بي إن‬ ‫بي باريبا" الفرنسي‪ ،‬يف يونيو ‪2014‬م‪ ،‬بتهمة انتهاك العقوبات املفروضة‬ ‫على إيران وكوبا والسودان‪ ،‬بشكل اضطر معه البنك إلى دفع غرامة‬ ‫تصل إلى ‪ 8.9‬مليار دوالر‪.‬‬ ‫وقد بدأت شركات أجنبية عديدة يف االستناد إلى تلك اإلجراءات‬ ‫لتبرير إقدامها على عدم استكمال الصفقات التي عقدتها مع إيران‪،‬‬ ‫حيث اعتبرت أن مصاحلها الكبيرة يف السوق األمريكية والدولية تقتضي‬ ‫منها تبني سياسة أكثر حذ ًرا وعدم املغامرة بالدخول يف تعامالت "غير‬ ‫شفافة" مع جهات داخل إيران‪.‬‬

‫المسار الثاني‪ :‬انسحاب إيران من االتفاق‪:‬‬

‫قد ترى إيران أن اسمترار العمل باالتفاق يف ظل هذه الظروف‬ ‫لن يحقق مصاحلها‪ ،‬خاصة أن الدول األوروبية لم تستطع‪ ،‬حتى اآلن‪،‬‬ ‫االستجابة للشروط التي حددتها‪ ،‬والتي تمتثل يف اسمترار استيراد‬ ‫النفط‪ ،‬وجتنيب الشركات التي تستثمر داخلها العقوبات املفروضة‬ ‫عليها‪ ،‬ومواصلة التعامالت املالية واملصرفية‪.‬‬ ‫وقد بدأت إيران بالفعل يف توجيه رسائل عديدة بأنها قد ال تستطيع‬ ‫االسمترار يف العمل باالتفاق‪ ،‬طاملا أنها لن تمتكن من ضمان احلصول‬ ‫على مثل تلك العوائد االقتصادية‪ ،‬حيث قال مساعد وزير اخلارجية‬ ‫اإليراني والعضو البارز يف وفد التفاوض النووي عباس عراقجي‪ ،‬يف ‪22‬‬ ‫يونيو ‪2018‬م‪ ،‬أن "إيران قد تنسحب من خطة العمل املشتركة يف غضون‬ ‫أسابيع يف حالة عدم التوصل إلى اتفاق مع األطراف األوروبية"‪ ،‬معتب ًرا‬ ‫أن "االتفاق النووي بات يف غرفة اإلنعاش"‪ ،‬يف إشارة إلى التحديات‬ ‫العديدة التي تواجهه يف الوقت احلالي وتهدد اسمترار تنفيذه‪.‬‬ ‫ورغم أن حكومة الرئيس حسن روحاني ما زالت تعول على إمكانية‬ ‫الوصول إلى توافقات مع الدول األوروبية‪ ،‬بشكل قد يعزز من فرص‬ ‫مواصلة العمل باالتفاق النووي‪ ،‬وهو ما بدا جل ًيا يف الزيارتني اللتني قام‬ ‫بهما روحاني إلى كل من سويسرا والمنسا‪ ،‬يف الفترة من ‪ 3‬وحتى ‪5‬‬ ‫يوليو ‪2018‬م‪ ،‬حيث وقع بعض اتفاقات التعاون مع الدولتني‪ ،‬إال أن ذلك‬ ‫ال يقلص من احمتاالت إقدام إيران على تلك اخلطوة‪.‬‬ ‫ورمبا تدفع املؤسسات النافذة يف النظام‪ ،‬على غرار احلرس‬ ‫الثوري‪ ،‬إلى جانب تيار احملافظني األصوليني يف هذا االجتاه‪ ،‬باعتبار‬ ‫أن االتفاق النووي لم يدعم مصالح إيران‪ ،‬بل أدى إلى إهدار "وقت‬ ‫ثمني" كان من املمكن‪ ،‬يف رؤية هذه األطراف‪ ،‬أن يمت استثماره يف حتقيق‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪93‬‬

‫املسارات املحتملة للبرنامج النووي اإليراني بعد االنسحاب األمريكي‬

‫إي��ران مقبل��ة ع�لى اس��تحقاقات تح��دد مس��ارات‬ ‫التوازنات يف الداخل واتجاهات تفاعالتها مع الخارج‬ ‫دخلت أزمة البرنامج النووي اإليراني مرحلة جديدة مع القرار الذي اتخذته إدارة الرئيس األمريكي دونالد ترامب‪ ،‬يف ‪9‬‬ ‫مايو ‪2018‬م‪ ،‬باالنسحاب من االتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران مع مجموعة "‪ "1+5‬يف ‪ 14‬يوليو ‪2015‬م‪ ،‬وإعادة فرض‬ ‫العقوبات األمريكية على إيران‪.‬‬ ‫فرغم أن إيران والقوى الدولية املعنية باالتفاق (فرنسا وبريطانيا وأملانيا والصني وروسيا) حرصت على إبداء دعمها‬ ‫ملواصلة العمل باالتفاق‪ ،‬إال أن ذلك ال ينيف أن ثمة حتديات عديدة تواجه ذلك‪ ،‬يف ظل الثقل الكبير الذي حتظى به الواليات‬ ‫املتحدة األمريكية على الساحة الدولية والذي فرض تأثيرات قوية لقرارها باالنسحاب من االتفاق‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن الضغوط‬ ‫القوية التي تتعرض لها حكومة الرئيس حسن روحاني على الساحة الداخلية من جانب تيار احملافظني األصوليني الذي‬ ‫حاول استغالل الفرصة من أجل انتزاع زمام املبادرة من تيار املعتدلني وتقليص قاعدته الشعبية املؤيدة له متهيدًا إلقصائه‬ ‫من جديد من السلطة يف االستحقاقات السياسية القادمة‪ ،‬على غرار االنتخابات التشريعية والرئاسية التي سوف جترى‬ ‫يف عامي ‪ 2020‬و‪2021‬م‪.‬‬

‫د‪ .‬محمد عباس ناجي‬

‫هذه املتغيرات يف مجملها تطرح مسارات ثالثة رئيسية قد يتجه‬ ‫االتفاق النووي إلى أحدها خالل املرحلة القادمة وهو ما ميكن تناوله‬ ‫على النحو التالي‪:‬‬

‫المسار األول‪ ،‬استمرار العمل باالتفاق‪:‬‬

‫وذلك وف ًقا للصيغة الدولية اجلديدة "‪ "1+4‬أي الدول‬ ‫ ‬ ‫األربعة دائمة العضوية يف مجلس األمن (الصني‪ ،‬وروسيا‪ ،‬وفرنسا‪،‬‬ ‫وبريطانيا) إلى جانب أملانيا‪ ،‬وهى الدول التي حاولت من البداية إقناع‬ ‫اإلدارة األمريكية بعدم االنسحاب من االتفاق وسعت إلى فرض ضغوط‬ ‫على إيران من أجل التعاطي بإيجابية مع بعض التحفظات األمريكية‪،‬‬ ‫على غرار التوقف عن تطوير برنامج الصواريخ الباليستية ودعم بعض‬ ‫التنظميات اإلرهابية‪ ،‬لكنها لم تستطع دفع الطرفني إلى تغيير موقفهما‪،‬‬

‫فاجتهت إلى محاولة اتخاذ خطوات تعزز من خاللها احمتاالت مواصلة‬ ‫تطبيق االتفاق حتى بعد االنسحاب األمريكي منه‪.‬‬ ‫ويف رؤية تلك الدول‪ ،‬فإن مواصلة تطبيق االتفاق يفرض تداعيات‬ ‫إيجابية عديدة‪ ،‬يمتثل أبرزها يف تقليص احمتاالت نشوب حرب جديدة‬ ‫يف املنطقة‪ ،‬باعتبار أن انهيار االتفاق ميكن أن يدفع إيران إلى العودة‬ ‫من جديدة لتنشيط برنامجها النووي مرة أخرى‪ ،‬على صعيد تطوير‬ ‫أجهزة الطرد املركزي وإعادة استخدام األكثر تطو ًرا منه‪ ،‬مع رفع نسبة‬ ‫تخصيب اليورانيوم إلى مستوى ‪ %20‬على نحو يقربها مرة أخرى من‬ ‫مرحلة امتالك القدرة على إنتاج القنبلة النووية‪.‬‬ ‫ومن دون الشك‪ ،‬فإن ذلك ميثل ً‬ ‫"خطا أحمر" ال تسمح به الواليات‬ ‫املتحدة األمريكية‪ ،‬ومن خلفها إسرائيل‪ ،‬مبا يعني أنهما سوف تعمالن‬ ‫على عرقلة اجلهود التي ميكن أن تبذلها إيران يف هذا الصدد‪ ،‬حتى لو‬

‫‪92‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫يمتشى مع املطالب األمريكية وبالتالي مع الرؤية اإلسرائيلية والتي‬ ‫تتلخص يف ضرورة حتجمي البرنامج الصاروخي الباليستي وعدم‬ ‫السماح إليران بأية أنشطة نووية بعد عام ‪2025‬م‪ ،‬وكذالك ضرورة‬ ‫وقف دعمها للجماعات اإلرهابية يف املنطقة‪.‬‬ ‫ونأتي إلى أهم نقطة تتعلق باملستقبل وهي هل ميكن إلسرائيل أن‬ ‫تتعامل مع األنشطة النووية اإليرانية بطريقة مغايرة للمسار السياسي‬ ‫واالقتصادي احلالي الذي الزال املجمتع الدولي والقوى الدولية‬ ‫ووضوحا هل ميكن أن‬ ‫الرئيسية تتبناه‪ ,‬وبعبارة أخرى وبلغة أكثر دقة‬ ‫ً‬ ‫تقوم إسرائيل بعمل عسكري ضد املنشآت النووية اإليرانية‪ ,‬ويف رأيي‬ ‫أن هذا األمر غير مطروح حال ًيا يف ضوء العوامل الستة التالية ‪:‬‬ ‫العامل األول أن الواليات املتحدة لم تتخذ حتى اآلن أية قرارات‬ ‫باملواجهة العسكرية مع إيران وبالتالي لن تسمح ألية‬ ‫دولة أخرى والسميا إسرائيل بالقيام بهذا العمل‬ ‫خاصة وأننا نعرف مدى عمق التنسيق والتعاون‬ ‫االستراتيجي بني تل أبيب وواشنطن مبا يحول دون‬ ‫أن تقدم إسرائيل على أي عمل منفرد ضد إيران دون‬ ‫تشاور وموافقة واضحة مسبقة من جانب واشنطن ‪.‬‬ ‫العامل الثاني أن قرار الرئيس ترامب‬ ‫باالنسحاب من االتفاق النووي مع إيران لم يؤت‬ ‫ثماره املرجوة بصورة كاملة حتى اآلن مبعنى أن على‬ ‫إسرائيل والقوى األخرى االنتظار حتى تتضح نتائج‬ ‫هذا القرار ومدى تأثيره على املوقف اإليراني وهل ميكن أن ترضخ‬ ‫إيران يف النهاية وتوافق على تعديل االتفاق من عدمه‪ ,‬إضافة إلى أن‬ ‫مستقبل العالقات اإليرانية ــ األوروبية يف أعقاب قرار ترامب يحتاج‬ ‫إلى مزيد من الوقت حتى تظهر مدى انعكاسات التطورات األخيرة‬ ‫فعل ًيا على األرض ‪.‬‬ ‫العامل الثالث أن أي عمل عسكري محمتل ضد إيران سوف تكون‬ ‫له تداعيات سلبية على الوضع يف منطقة الشرق األوسط كلها وعلى‬ ‫املصالح األمريكية يف املنطقة‪.‬‬ ‫العامل الرابع هناك قناعة لدى إيران باستبعاد أي عمل عسكري‬ ‫ضدها رغم ما تلوح به من احمتاالت قيام بعض األطراف مثل الواليات‬ ‫املتحدة وإسرائيل بهذا العمل وقدرتها على التصدي له ثم الرد العنيف‬ ‫يف أعقابه‪ ,‬إضافة إلى أن إيران حتاول من فترة ألخرى التهديد‬ ‫مبواصلة برنامجها الصاروخي وإعادة تخصيب اليورانيوم على نطاق‬ ‫واسع إذا اسمترت املواقف األمريكية ضدها ‪.‬‬ ‫العامل اخلامس أن الدالئل واملعطيات تشير إلى أن كل من‬ ‫روسيا والصني والدول األوروبية تعارض متا ًما أي عمل عسكري ضد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إيران باعتباره عنصر تفجير ألمن واستقرار املنطقة كلها وملصاحلها‬ ‫االقتصادية يف الشرق األوسط وهو األمر الذي تأخذه اإلدارة‬ ‫األمريكية يف حسبانها خاصة وأن التعامل يف قضايا مثل سوريا وليبيا‬ ‫والمين وحتى مسألة فرض العقوبات االقتصادية يعد أم ًرا مختل ًفا‬ ‫بصورة مطلقة عن مسألة تنفيذ عمل عسكري ضد املنشآت النووية‬ ‫اإليرانية ‪.‬‬ ‫العامل السادس هناك شبه قناعة إسرائيلية بأن القدرات‬ ‫اإليرانية لم تصل حتى اآلن إلى مرحلة امتالك السالح النووي املهدد‬ ‫لألمن القومي اإلسرائيلي وأن الضغوط التي متارس على إيران قد‬ ‫تنجح يف حتجمي الطموحات اإليرانية يف هذا الشأن ‪.‬‬ ‫ويف كل األحوال علينا أن نعترف بوضوح ودون أي لبس بأن‬ ‫األنشطة والسياسات اإليرانية تشكل تهديدًا ألمن واستقرار املنطقة‬ ‫والشك أن املوقف يف سوريا والمين والعراق يعد دلي ً‬ ‫ال‬ ‫قاط ًعا على خطورة هذه املواقف اإليرانية‪ ,‬وبالتالي‬ ‫فمن الضروري اسمترار الضغوط اإلقلميية والدولية‬ ‫على إيران حتى تعدل من هذه السياسات املتطرفة‬ ‫التي تتبناها والتي تهدد كل دول املنطقة وخاصة دول‬ ‫اخلليج العربي التي عليها مواصلة التوحد وزيادة‬ ‫قدراتها املختلفة يف مواجهة هذا املوقف اإليراني كما‬ ‫أنه أصبح من املطلوب أال يشكل االتفاق النووي أي‬ ‫تهديد للمنطقة ومن ثم فإن املطالبة بتعديله أضحت‬ ‫مسألة ضرورية ‪.‬‬

‫ض���رورة استمرار‬ ‫ال��ض��غ��وط اإلقليمية‬ ‫وال��دول��ي��ة ع�لى إي��ران‬ ‫ل��ت��ع��دي��ل سياساتها‬ ‫المتطرفة يف المنطقة‬

‫أما فميا يتعلق بإسرائيل وحتركاتها القادمة فإنها سوف تتابع عن‬ ‫كثب كافة األنشطة اإليرانية والسميا يف املجالني النووي والصاروخي‬ ‫وكذا دعم اجلماعات اإلرهابية والمتركز يف سوريا‪ ,‬وفى رأيي أنها لن‬ ‫تقدم على أي عمل إال يف إطار التنسيق املتكامل مع الواليات املتحدة‬ ‫والتي يف رأيي ال متيل إلى انتهاج العمل العسكري ضد املنشآت‬ ‫اإليرانية على األقل يف املرحلة احلالية بل وفى املدى املنظور أيضاً‬ ‫دون أن نغفل بعض املواجهات اإلسرائيلية ‪ /‬اإليرانية التي تمت بني‬ ‫احلني واآلخر على األراضي السورية والتي يف رأيي سوف تسمتر‬ ‫ولكن دون أن تتطور ألبعد من ذلك خاصة إذا ما مت التوصل التفاق‬ ‫إلنهاء الوجود اإليراني العسكري على األراضي السورية وهو ما سوف‬ ‫يتضح خالل فترة قريبة قادمة‪.‬‬

‫*عضو املجلس املرصي للشؤون الخارجية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫نوعا فريدًا من التحالف الدولي املؤيد واملتبني لالتفاق مع إيران مما‬ ‫ً‬ ‫أفقد إسرائيل أهم عناصر القوة اخلارجية التي كانت تساندها بشكل‬ ‫دائم ‪.‬‬ ‫كما أنه من املفيد أن نوضح ً‬ ‫أيضا كيف حتركت إسرائيل بشكل‬ ‫مكثف ومنظم قبل توقيع هذا االتفاق من أجل منع التوصل إليه‪ ,‬واألمر‬ ‫الغريب الذي نالحظه هنا أن هذا التحرك اإلسرائيلي كان له األثر‬ ‫األكبر يف القرار األمريكي باالنسحاب من االتفاق بعد تولى إدارة‬ ‫الرئيس ترامب السلطة والذي أعلن مرا ًرا أن هذا هو أسوأ اتفاق يف‬ ‫تاريخ الواليات املتحدة‪ ,‬وميكن توضيح شكل ومضمون هذا التحرك‬ ‫اإلسرائيلي من خالل ثالثة محاور رئيسية نوجزها فميا يلي ‪:‬‬ ‫احملور األول وهو التحرك على املستوى الداخلي حيث حرصت‬ ‫حكومة رئيس الوزراء اإلسرائيلي نتانياهو على تثبيت املوقف الرافض‬ ‫لالتفاق ونتائجه مهما كانت واعتبار أن السعي إلسقاطه أو إفشاله‬ ‫هد ًفا استراتيج ًيا ال ميكن لها التخلي عنه‪ ,‬باإلضافة إلى التلويح‬ ‫باخليار العسكري ضد إيران باعتباره الوسيلة الوحيدة الناجحة إذا ما‬ ‫فشلت اجلهود السياسية واالقتصادية التي يستخدمها املجمتع الدولي‬ ‫ضد إيران ‪.‬‬ ‫احملور الثاني وهو نقل املعركة إلى داخل الكوجنرس األمريكي‬ ‫حيث سعى نتانياهو إلى تخطي كافة احلواجز والقيود البروتوكولية‬ ‫والدبلوماسية وقام بالتوجه ملخاطبة الكوجنرس مباشرة وخاصة‬ ‫األعضاء اجلمهوريني من أجل توضيح مخاطر هذا االتفاق مما أدى‬ ‫إلى تدهور العالقة بني نتانياهو والرئيس السابق أوباما بصورة غير‬ ‫مسبوقة ‪.‬‬ ‫احملور الثالث ويتعلق باستخدام إسرائيل للعمل االستخباراتي‬ ‫للتأثير على البرنامج النووي اإليراني ونشير يف هذا املجال إلى ما‬ ‫أثير حول اغتيال إسرائيل ثالثة من كبار العلماء اإليرانيني املرموقني‬ ‫يف املجال النووي دون إعالن إسرائيل بالطبع أية مسؤولية من جانبها‬ ‫عن عمليات االغتيال ‪.‬‬ ‫ومن املالحظ أن طبيعة التحرك اإلسرائيلي لم تختلف كثي ًرا يف‬ ‫أعقاب تولي اإلدارة اجلمهورية األمريكية احلالية السلطة بل كان األمر‬ ‫أكثر مرونة وسهولة فالتحرك اإلسرائيلي يف احلقبة اجلديدة أصبح‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪91‬‬

‫أكثر فعالية وإيجابية وتأثي ًرا نظ ًرا ملعارضة الرئيس ترامب قبيل توليه‬ ‫السلطة لهذا االتفاق والتأكيد على أنه سوف يسعى إلى االنسحاب‬ ‫منه عندما يصل إلى السلطة وهو ما حتقق بالفعل‪ ,‬وبالتالي جنحت‬ ‫إسرائيل يف استثمار املوقف األمريكي اجلديد لصاحلها كمقدمة ملزيد‬ ‫من ممارسة الضغوط األكثر تأثي ًرا على إيران خاصة يف مجال إعادة‬ ‫فرض العقوبات عليها لدفعها لتعديل االتفاق ‪.‬‬ ‫ويف الوقت نفسه حرصت إسرائيل على أن تدعم موقف جبهة‬ ‫األطراف اإلقلميية والدولية الرافضة واملعارضة لألنشطة النووية‬ ‫اإليرانية وذلك من خالل ما يلي ‪:‬‬ ‫بث القناعة لدى املجمتع الدولي كله بأن تقنني أية وضعية مميزة‬ ‫إليران يف املجال النووي سوف يهدد األمن القومي يف املنطقة بل يف‬ ‫العالم كله مع التأكيد على أن أية سياسات أو إجراءات مرنة أو تنازالت‬ ‫تقدم إليران ستقابلها األخيرة مبزيد من التشدد والشيطنة ‪.‬‬ ‫عدم االكتفاء بالتحرك الرافض المتالك إيران سالح نووي بل‬ ‫االنتقال من هذا املستوى من التعامل إلى مستوى أخر يشغل املجمتع‬ ‫الدولي حال ًيا وأعني به قضية اإلرهاب ‪ ,‬حيث حذرت إسرائيل من‬ ‫أن رفع العقوبات عن إيران سوف يؤدي إلى مزيد من دعم دورها‬ ‫يف تأجيج اإلرهاب الدولي ودعم اجلماعات املوالية لها يف املنطقة‬ ‫والسميا يف سوريا والعراق والمين ولبنان مما سيؤدي بالتالي إلى مزيد‬ ‫من تعقيد الصراعات املثارة يف املنطقة ‪.‬‬ ‫سعي إسرائيل إلى أن تصنف نفسها ولو حتى من الناحية النظرية‬ ‫كأحد احملاور املنضمة جلبهة الرفض العربية السنية املعارضة ليس‬ ‫فقط لالتفاق النووي ولكن لكافة األنشطة اإليرانية يف املجالني النووي‬ ‫والعسكري باإلضافة إلى املجال السياسي ‪.‬‬ ‫والشك أن قرار الرئيس ترامب باالنسحاب من االتفاق وما أثاره‬ ‫من بعض التحفظات الروسية واألوروبية والصينية الرافضة لفكرة‬ ‫االنسحاب نظ ًرا ألن مصاحلها االقتصادية مع إيران سوف تتأثر‬ ‫سل ًبا وخاصة أملانيا وفرنسا يصب بصورة واضحة يف صالح املوقف‬ ‫اإلسرائيلي الذي سيكثف من عملية االقتراب من املوقف األمريكي‬ ‫أم ً‬ ‫ال يف أن متارس واشنطن كافة ضغوطها على إيران وباقي الدول‬ ‫األطراف يف االتفاق من أجل إما أن تنسحب هذه الدول منه مثلما‬ ‫فعلت واشنطن أو على األقل تضغط على النظام اإليراني وتدفعه‬ ‫إلعادة النظر يف االتفاق من أجل تعديله يف مفاوضات جديدة مبا‬

‫ال��ت��ح��رك اإلس��رائ��ي�لي ل��ه األث����ر األك��ب��ر يف ال���ق���رار األم��ري��ك��ي‬ ‫ب���االن���س���ح���اب م����ن االت�����ف�����اق ب���ع���د ت�����ويل ت����رام����ب ال��س��ل��ط��ة‬

‫‪90‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫س��ت��ة ع��وام��ل ت��م��ن��ع إس��رائ��ي��ل م��ن ال��ق��ي��ام ب��ع��م��ل عسكري‬ ‫ض��د ال��م��ن��ش��آت ال��ن��ووي��ة اإلي��ران��ي��ة وت��ج��ع��ل��ه غ��ي��ر م��ط��روح حال ًيا‬ ‫الهدف بكل الوسائل املشروعة وغير املشروعة‪ ,‬وقد حاولت إسرائيل‬ ‫توسيع املدى اجلغرايف لهذا املهدد ليصل إلى محاولة منع بعض الدول‬ ‫اإلسالمية اآلسيوية من امتالك السالح النووي مثل باكستان ولكنها‬ ‫اصطدمت مبوازين القوى الدولية يف منطقة شبه اجلزيرة الهندية ‪.‬‬ ‫سالحا‬ ‫احملدد الثالث وهو االبقاء على مسألة امتالك إسرائيل‬ ‫ً‬ ‫نوو ًيا من عدمه كأحد األمور الغامضة التي ال ميكن حسمها بصورة‬ ‫قاطعة فهي لم تعلن بصفة رسمية حتى اآلن امتالكها هذا السالح‬ ‫سالحا نوو ًيا‬ ‫ولكن كافة املعلومات املتوافرة تؤكد أن إسرائيل متتلك‬ ‫ً‬ ‫منذ عقود طويلة‪ ,‬ومن املفيد هنا أن نشير إلى تصريحات الرئيس‬ ‫اإلسرائيلي األسبق شميون بيريس عندما أشار إلى أن إسرائيل لن‬ ‫تكون هي الدولة األولى التي تدخل السالح النووي للمنطقة ولكنها‬ ‫لن تكون األخيرة ‪.‬‬ ‫احملدد الرابع وهو رفض التوقيع على أية اتفاقيات تتعلق مبوضوع‬ ‫القيود املفروضة على امتالك السالح النووي ومن أهمها عدم التوقيع‬ ‫على اتفاقية حظر االنتشار النووي املعروفة باسم معاهدة ‪. NPT‬‬ ‫ويف هذا املجال ترى إسرائيل أن إيران بسياساتها واستراتيجياتها‬

‫وخاصة يف املجال النووي تعتبر أحد أهم مهددات األمن القومي‬ ‫اإلسرائيلي فالتهديد اإليراني بالنسبة لها يعد تهديدًا وجود ًيا‪ ,‬ومن‬ ‫املهم أن أشير يف هذا الشأن إلى أن كافة املؤمترات االستراتيجية‬ ‫الهامة التي تعقد يف إسرائيل وخاصة ما يعرف مبؤمتر ( هيرتزيليا )‬ ‫الذي يعقد سنو ًيا ويعتبره اخلبراء الدوليون أنه مبثابة عقل إسرائيل‬ ‫االستراتيجي أكد أكثر من مرة بإجماع خبرائه على أن اخلطر الوحيد‬ ‫الذي بات يهدد إسرائيل تهديدًا حقيق ًيا يف منطقة الشرق األوسط‬ ‫هو البرنامج النووي اإليراني وليست أية تهديدات أخرى سواء كانت‬ ‫عربية أو غيرها ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وارتباطا باالتفاق النووي الذي وقعته إيران يف الرابع عشر من‬ ‫يوليو عام ‪2015‬م‪ ،‬والذي يعرف باتفاق ( ‪ ) 1 + 5‬من املفيد أن نشير‬ ‫هنا إلى أن إسرائيل تعرضت إلى العديد من القيود املفروضة عليها‬ ‫وهي تتعامل مع هذا االتفاق كان أهمها ليس فقط موقف اإلدارة‬ ‫األمريكية آنذاك ( إدارة أوباما) التي سعت للتوقيع على االتفاق رغم‬ ‫الضغوط اإلسرائيلية ولكن ً‬ ‫أيضا املوقف اإليجابي املؤيد لالتفاق‬ ‫من قبل اجلانبني األوروبي والروسي والصيني ً‬ ‫أيضا وهي األطراف‬ ‫املشاركة يف هذا االتفاق وبالتالي فقد واجهت إسرائيل يف هذه احلالة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪89‬‬

‫أربعة محددات تستند إليها إسرائيل في التعامل مع امللف اإليراني‬

‫المواجه��ة العس��كرية اإلس��رائيلية ـ اإليرانية‬ ‫مؤجل��ة ون��زع فتيلها باالنس��حاب من س��وريا‬ ‫ال شك أن القرار الذي اتخذه الرئيس األمريكي دونالد ترامب يف الثامن من مايو املاضي باالنسحاب من االتفاق النووي مع‬ ‫إيران سوف يطرح العديد من التأثيرات شديدة األهمية على منطقة الشرق األوسط بصفة عامة وعلى دول اخلليج بصفة‬ ‫خاصة والسميا فميا يتعلق بطبيعة العالقات األمريكية‪ /‬اإليرانية‪ ,‬والعالقات األمريكية‪ /‬األوروبية‪ ,‬والعالقات اإليرانية ‪/‬‬ ‫اخلليجية‪ ,‬والعالقات اإليرانية ‪ /‬األوروبية‪ ,‬كما أن هذا القرار األمريكي سوف يكشف لنا بوضوح كيف ستتحرك إيران يف‬ ‫املرحلة القادمة للحد من مخاطر وسلبيات هذا القرار على وضعيتها وعلى استراتيجيتها النووية والعسكرية ‪.‬‬

‫لواء ‪ .‬محمد إبراهمي‬

‫ويف الوقت نفسه ال ميكن لنا أن نغفل أو نتجاهل أو نقفز على‬ ‫موقف أحد األطراف الرئيسية يف هذا املوضوع والذي ميكن توصيفه‬ ‫بأنه الطرف احلاضر الغائب وأعني بذلك موقف اجلانب اإلسرائيلي‬ ‫الذي حترك وال يزال يتحرك بشكل مكثف وتأتي بعض هذه التحركات‬ ‫بشكل علني ويأتي بعضها اآلخر بشكل سري وكلها تركز صوب‬ ‫األنشطة النووية اإليرانية حيث ترى إسرائيل أن هذه األنشطة تهدد‬ ‫أمن منطقة الشرق األوسط بصفة عامة واألمن القومي اإلسرائيلي‬ ‫بصفة خاصة ومن ثم فإنها تتعامل معها بصورة جدية وتضع جميع‬ ‫السيناريوهات املمكنة ملواجهتها ‪.‬‬ ‫ومن هذا املنطلق سوف نحاول يف هذا املقال الرد على األسئلة‬ ‫الثالثة الرئيسية التالية ‪:‬‬ ‫السؤال األول ويتعلق مباهية املوقف اإلسرائيلي وطبيعة‬ ‫االستراتيجية النووية اإلسرائيلية ‪.‬‬ ‫السؤال الثاني يرتبط مبوقف إسرائيل من البرنامج النووي‬ ‫اإليراني والتسليح النووي يف املنطقة ‪.‬‬ ‫السؤال الثالث ويتعلق مبدى إمكانية أن تقوم إسرائيل بعمل ما‬

‫ضد إيران يف املستقبل ‪.‬‬ ‫بداية من الضروري أن نوضح احملددات التي تستند إليها إسرائيل‬ ‫وهي تتعامل بشكل عام مع امللف النووي يف املنطقة مبا يف ذلك بالطبع‬ ‫امللف النووي اإليراني وهو ما ميكن إيضاحه يف احملددات األربعة‬ ‫التالية ‪:‬‬ ‫احملدد األول ويمتثل يف احلرص على أن متتلك إسرائيل السالح‬ ‫النووي الذي يوفر لها سواء عنصر الردع أو مواجهة أية أخطار ترى‬ ‫أنها قد تهدد وجودها وبقائها وهو ما وضح من خالل حتركها وسعيها‬ ‫الدؤوب منذ عام ‪1958‬م‪ ،‬المتالك السالح النووي وهو ما قد حتقق‬ ‫لها بالفعل منذ عام ‪1963‬م‪ ،‬واسمترت يف تطوير قدراتها النووية منذ‬ ‫ذلك احلني حتى أصبحت إحدى الدول النووية يف العالم ‪.‬‬ ‫احملدد الثاني ويتعلق بالسعي احلثيث نحو احليلولة دون امتالك‬ ‫سالحا نوو ًيا يهدد األمن‬ ‫أي من دول املنطقة والسميا الدول العربية‬ ‫ً‬ ‫القومي اإلسرائيلي دون املمانعة يف اقتصار استفادة أية دولة من‬ ‫املجال النووي لألغراض السلمية فقط‪ ,‬مع التحرك لتحقيق هذا‬

‫‪88‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫إذ عبرت السعودية عن تأييدها القرار األمريكي الرامي إلى‬ ‫االنسحاب األحادي من االتفاق النووي مع إيران حيث جاء يف البيان‬ ‫"أن السعودية تؤيد ما تضمنه اإلعالن األمريكي من إعادة فرض‬ ‫للعقوبات االقتصادية على إيران والتي سبق وأن مت تعليقها مبوجب‬ ‫االتفاق النووي"‪ .‬كما أيدت اإلمارات قرار ترامب‪ ،‬على نحو ما‬ ‫عكسته تغريدة نشرتها وكالة األنباء اإلماراتية "اإلمارات تدعو‬ ‫املجمتع الدولي والدول املشاركة يف االتفاق النووي إلى االستجابة‬ ‫ملوقف الرئيس ترامب إلخالء منطقة الشرق األوسط من األسلحة‬ ‫النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل وذلك من أجل احلفاظ‬ ‫على األمن واالستقرار الدولي"‪.‬‬ ‫وقالت مملكة البحرين يف بيان نشرته وكالة األنباء الرسمية‬ ‫إنها "تدعم بشكل كامل قرار الواليات املتحدة األمريكية للتصدي‬ ‫للسياسات اإليرانية ومحاوالتها املسمترة لتصدير اإلرهاب يف‬ ‫املنطقة دون أدنى التزام بالقوانني واألعراف الدولية"‪ .‬وشددت على‬ ‫وقوفها إلى جانب الواليات املتحدة األمريكية يف جهودها الهادفة‬ ‫للقضاء على اإلرهاب على الصعيدين اإلقلميي والدولي‪ .‬ودعت‬ ‫املنامة بقية أطراف االتفاق النووي إلى االنسحاب منه مثل ترامب‪،‬‬ ‫وأكدت على "موقفها الداعم جلميع املساعي التي تهدف إلى إخالء‬ ‫منطقة الشرق األوسط من األسلحة النووية وغيرها من أسلحة‬ ‫الدمار الشامل مبا فيها منع إيران من احلصول على أسلحة نووية‪،‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ومكافحة متويل وإسناد إيران للميلشيات املتطرفة يف املنطقة"‪.‬‬ ‫خالصة القول يستند قرار ترامب االنسحاب من االتفاق‬ ‫النووي مع إيران إلى حسابات محددة تتعلق بالداخل األمريكي‬ ‫الذي خاطبه بتعظمي املخاوف من طهران‪ ،‬وهو ما انعكس ً‬ ‫أيضا يف‬ ‫استراتيجية األمن القومي األمريكي‪ ،‬وتهدئة دول اخلليج املتضررة‬ ‫من سياسات إيران وإعالء نفوذها يف بؤر الصراعات‪ ،‬وترجمة‬ ‫التوافق مع الميني احلاكم يف إسرائيل إزاء اخلطر اإليراني‪ ،‬مبا‬ ‫يصب يف حتقيق هدف رئيسي وهو سياسات ردع إيران‪.‬‬ ‫فانسحاب ترامب من االتفاق النووي مع إيران‪ ،‬يعني متغي ًرا‬ ‫محد ًدا وهو أنه أزال نهج عهد أوباما جتاه إيران‪ ،‬وإذا متكنت‬ ‫األخيرة من تهديد االستقرار اإلقلميي من خالل توسيع تدخالتها‬ ‫يف بؤر الصراعات أو استئناف برنامجها النووي‪ ،‬فسيعود األمر‬ ‫إلى إدارة ترامب لكي تثبت لشركاؤها يف اإلقلمي وأوروبا أن لديها‬ ‫سياسة إلضعاف االحمتالني‪ ،‬وأن االنسحاب من االتفاق النووي‬ ‫ميثل نهاية طريق ليس للسياسة األمريكية وإمنا للسياسة اإليرانية‪،‬‬ ‫إذ ال يوفر االنسحاب وحده دلي ً‬ ‫ال على األهداف العامة لإلدارة‬ ‫األمريكية جتاه إيران والسياسات الالزمة لتحقيقها‪.‬‬ ‫* خبري الشؤون اإلقليمية مبركز األهرام للدراسات السياسية واالسرتاتيجيةـ‬ ‫مدير تحرير التقرير االسرتاتيجي العريب‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫فرؤية إدارة ترامب تختلف عن رؤية إدارة أوباما التي كانت‬ ‫تطمح يف الوصول إلى تفاهمات مع إيران وإشراكها يف اجلهود‬ ‫املبذولة للوصول إلى تسويات لألزمات اإلقلميية املختلفة‪ ،‬بعد سيادة‬ ‫اعتقاد لدى عناصرها أو أركانها مفاده أن النجاح يف التوصل إلى‬ ‫اتفاق نووي معها سوف يدفعها إلى إجراء تغيير يف سياستها باجتاه‬ ‫إضفاء طابع أكثر اعتداالً عليها‪ ،‬بل دعوتها إلى إجراء حوارات مع‬ ‫القوى اإلقلميية املتنافسة‪ ،‬وعدم الدخول يف مواجهات معها‪.‬‬ ‫ويف هذا السياق‪ ،‬تعرضت العالقات األمريكيةـ اإليرانية لهزة‬ ‫عنيفة مع وصول ترامب إلى سدة احلكم يف الواليات املتحدة‪،‬‬ ‫نهجا مختل ًفا وف ًقا لنسقه العقيدي عن النهج الذي‬ ‫والذي يتبنى ً‬ ‫اتبعه الرئيس السابق أوباما‪ ،‬بل يعتبر ترامب االتفاق النووي "أسوأ‬ ‫صفقة يف التاريخ" وسعيه املسمتر لعرقلة حصول طهران على عوائد‬ ‫اقتصادية منه‪ .‬بل حرص ترامب على توسيع نطاق اخلالفات مع‬ ‫إيران واعتبارها جزء من املشكلة بدالً من أن تكون جز ًءا من احلل‪،‬‬ ‫بحيث لم يعد االتفاق النووي فقط محور اخلالف الوحيد بني‬ ‫واشنطن وطهران إذ ركزت إدارة ترامب على قضايا تدخالت إيران‬ ‫اإلقلميية ودعمها لإلرهاب وتطويرها برنامج الصواريخ الباليستية‪.‬‬ ‫وقال ترامب يف تصريحات تبرر خروجه من هذا االتفاق "كان‬ ‫يفترض أن يكون هذا االتفاق بنا ًء‪ ،‬لكن هذا لم يحدث‪ ،‬مضي ًفا "‬ ‫اليوم لدينا أدلة دامغة تؤكد أن وعود إيران كانت أكذوبة‪ .‬هذا يدل‬ ‫على أن االتفاق كان مري ًعا‪ .‬لم يجلب السالم والهدوء"‪ .‬وتبعا لذلك‪،‬‬ ‫متثل التحدي للسياسة األمريكية يف السنوات املاضية يف موازنة‬ ‫إحجامها عن زيادة تدخلها يف الشرق األوسط والرغبة يف مواجهة‬ ‫إيران التي تزداد يف ممارسة "السياسات الشيطانية"‪ ،‬والتي ال تهدد‬ ‫استقرار املنطقة فحسب‪ ،‬بل حرية التجارة واملالحة يف املمرات‬ ‫املائية يف املنطقة وأمن حلفاء الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫‪ -6‬الضغوط اإلسرائيلية املتواصلة على اإلدارة األمريكية‪،‬‬ ‫وتقدمي أدلة على عدم حسن النوايا اإليرانية بخصوص البرنامج‬ ‫النووي‪ ،‬السميا يف ظل تصريحات متبادلة واحتكاكات ميدانية بني‬ ‫إيران وإسرائيل على الساحة السورية‪ ،‬وتهديد إسرائيل بضرب‬ ‫املنشأت النووية اإليرانية‪ ،‬يف حال إقدام طهران على ضرب تل‬ ‫أبيب‪ .‬لذا‪ ،‬رحب رئيس الوزراء اإلسرائيلي بنيامني نتانياهو بقرار‬ ‫ترامب‪ ،‬وأكد تأييد بالده الكامل لهذه اخلطوة‪ ،‬ووصف القرار بأنه‬ ‫"جرئ"‪.‬‬ ‫ووف ًقا لتصريحات صادرة عن مسؤولني أمريكيني وإسرائيليني‪،‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪87‬‬

‫فإن نيتانياهو أبلغ الرئيس األمريكي ترامب يف ‪ 5‬مارس ‪2018‬م‪،‬‬ ‫باألدلة املزعومة‪ .‬ويف ذات اليوم‪ ،‬أعلن ترامب أن عرض نيتانياهو‬ ‫أثبت أن موقفه من االتفاق اإليراني "صحيح مائة يف املائة"‪ .‬كما‬ ‫أصدر البيت األبيض بيا ًنا حينذاك جاء فيه أن املعلومات التي‬ ‫أعلنتها إسرائيل بشأن البرنامج النووي اإليراني توفر تفاصيل‬ ‫جديدة ومقنعة بشأن جهود إيران لصنع أسلحة نووية ميكن‬ ‫إطالقها عن طريق صواريخ‪.‬‬ ‫‪ -7‬إرضاء احللفاء التقليديني للواليات املتحدة األمريكية‪،‬‬ ‫وحتديدًا ثالث دول خليجية (السعودية واإلمارات والبحرين) والتي‬ ‫تضررت من سياسات المتدد اإليراني يف اإلقلمي‪ ،‬إذ سوف تتجه‬ ‫اإلدارة األمريكية فميا يبدو لزيادة ضغوطها على النظام اإليراني‪،‬‬ ‫خالل املرحلة املقبلة‪ ،‬إذ ترى إدارة ترامب أنه من الضروري تقييد‬ ‫االقتصاد اإليراني لتحجمي تهديداتها داخل الشرق األوسط وذلك‬ ‫من خالل حزمة واسعة من العقوبات االقتصادية ستفرضها وزارة‬ ‫اخلزانة األمريكية‪.‬‬ ‫وسوف تطال هذه املرة كافة األنشطة االقتصادية يف إيران‪،‬‬ ‫مبا سيؤدي على األرجح لشلل اقتصادي واسع بالبالد خالل الفترة‬ ‫املقبلة‪ ،‬ومن شأن العقوبات األمريكية أن تضعف الثقة الدولية‬ ‫باالقتصاد اإليراني وتعمل على إضعافه بخالف تقويض الطموح‬ ‫اإليراني بدعم مكانة قطاع النفط والغاز الطبيعي دول ًيا وهو ما‬ ‫يرضي الدول التي ترى أن الصمت األمريكي خالل إدارة أوباما هو‬ ‫الذي سمح لطهران بتغلغل نفوذها يف شؤون دول املنطقة‪.‬‬ ‫فقد أصدرت ثالث دول خليجية فور إعالن الرئيس األمريكي‬ ‫دونالد ترامب يف ‪ 8‬مايو ‪2018‬م‪ ،‬بشأن انسحاب الواليات املتحدة‬ ‫من االتفاق النووي اإليراني‪ ،‬بيانات ترحيب ملا تضمنه اإلعالن‬ ‫األمريكي من إعادة فرض للعقوبات االقتصادية على إيران والتي‬ ‫سبق وأن مت تعليقها مبوجب االتفاق النووي املوقع يف يوليو ‪2015‬م‪،‬‬ ‫خالل إدارة أوباما‪ ،‬وهو ما ميكن إرجاعه ملجموعة من العوامل‬ ‫تمتثل يف استخدام لطهران لألموال املجمدة يف زعزعة األمن‬ ‫واالستقرار اإلقلميي‪ ،‬وإضعاف النظام اإليراني بتوقيع عقوبات‬ ‫اقتصادية عليه والقوى الداعمة له‪ ،‬وتوجيه رسائل رادعة حلليف‬ ‫إيران يف اإلقلمي (قطر) فض ً‬ ‫ال عن وكالءها يف بؤر الصراعات مثل‬ ‫احلوثيني يف المين وحزب اهلل يف لبنان‪ ،‬واالتساق مع السياسات‬ ‫التي تتبعها عدد من دول اخلليج إلخالء اإلقلمي من خطر األسلحة‬ ‫النووية‪.‬‬

‫ترامب يعتقد أن النظام اإليراني ال تنحصر رغبته يف امتالك برنامج سلمي‬ ‫للطاقة النووية والوثائق تكشف سعي طهران للحصول عىل أسلحة نووية‬

‫‪86‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬ ‫‪2018‬‬

‫مقال‬

‫لكن دون شك إذا طورت إيران قنبلة نووية‪ ،‬فسوف نتبعها يف أسرع‬ ‫وقت ممكن"‪ .‬كما سبق يف عام ‪2011‬م‪ ،‬عندما حذر األمير تركي‬ ‫الفيصل ‪ -‬سفير السعودية السابق لدى الواليات املتحدة‪ -‬من أن‬ ‫التهديدات النووية من إسرائيل وإيران قد جتبر السعودية على أن‬ ‫حتذو حذوها‪.‬‬ ‫فقد أوضح الرئيس دونالد ترامب‪ ،‬يف كلمته من البيت األبيض‬ ‫لشرح أسباب اخلروج "إذا سمحنا لهذا االتفاق باملواصلة فسيكون‬ ‫هناك قري ًبا سالح نووي يف الشرق األوسط"‪ .‬يف حني أن ثمة‬ ‫مخاوف أوروبية مقابلة مفادها أن انهيار االتفاق النووي سيؤدي‬ ‫إلى سباق تسلح يف منقطة الشرق األوسط‪ ،‬وصراع بني إيران‬ ‫وإسرائيل‪ ،‬باإلضافة إلى تصعيد احلروب بالوكالة يف املنطقة بني‬ ‫طهران والرياض‪ ،‬وهو األمر الذي يحمل تأثيرات مباشرة وغير‬ ‫مباشرة على األمن األوروبي وعلى مصالح القوى األوروبية باملنطقة‪.‬‬ ‫‪ -5‬توظيف األموال املجمدة بعد رفع العقوبات يف دعم‬ ‫السياسات اإليرانية التدخلية وخاصة يف بؤر الصراعات املسلحة‬ ‫العربية يف سوريا والعراق والمين ولبنان‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن مناطق‬ ‫أخرى من العالم‪ ،‬السميا بعد مضاعفة امليزانية اخلاصة للشؤون‬ ‫العسكرية والتسليحية بنسبة ‪ ،% 40‬وتوظيف األموال يف بناء‬ ‫الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية‪ ،‬يف الوقت‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الذي اسمترت األوضاع االقتصادية تسوء‪ ،‬سواء من حيث ارتفاع‬ ‫معدالت البطالة وتزايد التضخم‪ ،‬وتراجع قمية الريال اإليراني‪،‬‬ ‫على نحو ما يفسر اسمترار اندالع االحتجاجات يف الداخل ثالث‬ ‫مرات خالل نصف عام‪.‬‬ ‫وقد أدى ذلك إلى فقدان الواليات املتحدة أحد أوراق الضغط‬ ‫الكبرى على إيران‪ ،‬بل حصل النظام اإليراني على مليارات‬ ‫الدوالرات لتعزيز ما يطلق عليه يف األدبيات "إيران المتدد"‪،‬‬ ‫وإحداث الفوضى يف جميع أنحاء الشرق األوسط بشكل خاص‪.‬‬ ‫يف حني أن االتفاق النووي يفتقر القدرة على تقييد أنشطة إيران‬ ‫املزعزعة لالستقرار اإلقلميي‪ ،‬مبا فيها دعم امليلشيات املسلحة‬ ‫واجليوش املوازية مثل حزب اهلل يف لبنان واملجموعات الشيعية‬ ‫التي تقاتل مع النظام السوري واجلماعات املسلحة يف العراق‬ ‫وميلشيا احلوثيني يف المين‪.‬‬ ‫ويف هذا السياق‪ ،‬برزت أدلة محددة على خرق إيران روح‬ ‫االتفاق ومنها تقارير األمم املتحدة حول تزويد طهران احلوثيني‬ ‫بالصواريخ الباليستية خر ًقا لقرار مجلس األمن ‪ .2216‬وتب ًعا‬ ‫لرؤية ترامب‪ ،‬فإن تراجع القدرات املالية إليران بسبب إعادة فرض‬ ‫عقوبات اقتصادية أمريكية عليها‪ ،‬سيحد من متويلها اجلماعات‬ ‫املوالية لها‪ ،‬على نحو يحد بالتالي من النفوذ اإليراني يف املنطقة‬ ‫العربية‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تفاهم ترضي الطرفني األمريكي واإليراني‪ ،‬وأدى هذا الفشل إلى‬ ‫إعالن االنسحاب األمريكي من االتفاق‪.‬‬ ‫ويف هذا السياق‪ ،‬تبرز بعض التحليالت التي ترى أن االنسحاب‬ ‫األمريكي من االتفاق النووي يهدف إلى إسقاط النظام اإليراني‪،‬‬ ‫عبر مراحل متدرجة تبدأ بزيادة الضغوط االقتصادية وتنتهي‬ ‫باحلرب املباشرة‪ ،‬على نحو ما حدث مع عراق صدام حسني‪ .‬وتب ًعا‬ ‫لوجهة النظر هذه‪ ،‬يتجاوز الهدف األهم من وجهة نظر واشنطن‬ ‫االتفاق النووي اإليراني أو السياسات التدخلية اإليرانية يف الشؤون‬ ‫اإلقلميية إلى هدف أوسع وهو إسقاط النظام‪ .‬ولعل ما يؤكد صحة‬ ‫هذا التحليل مخاطبة وزير اخلارجية بومبيو الشعب اإليراني بأن‬ ‫"عليه أن يغير قادته"‪ ،‬متسائ ً‬ ‫ال "ماذا استفاد اإليرانيون من ثورتهم‬ ‫بعد ‪ 40‬عا ًما ؟"‪.‬‬ ‫‪ -2‬امتالك القدرة على إنتاج القنبلة النووية‪ ،‬إذ يعتبر ترامب أن‬ ‫هذا االتفاق "معيب" وأن االتفاق الذي وقعته إدارة أوباما لم يجهض‬ ‫طموحات طهران الرامية إلى امتالك السالح النووي‪ ،‬بل سمح لها‬ ‫بتطوير قاعدة صناعية نووية كبيرة دون فرض قيود على أعداد‬ ‫أجهزة الطرد املركزي ونوعيتها املسموح بها ومواصلة تخصيب‬ ‫اليورانيوم‪ ،‬على نحو يقودها مبرور الوقت إلى "حافة االختراق‬ ‫النووي" أو "العتبة النووية" خالل فترة زمنية قصيرة‪ .‬بعبارة أخرى‪،‬‬ ‫إن بنود "الغروب يف الصفقة" أو املدة الزمنية احملددة يف االتفاق‬ ‫على تخصيب اليورانيوم غير مقبولة على اإلطالق‪.‬‬ ‫ومن ثم‪ ،‬فإن رؤية إدارة ترامب مفادها أن النظام اإليراني ال‬ ‫تنحصر رغبته يف مجرد امتالك البرنامج السلمي للطاقة النووية‪،‬‬ ‫بل أن ثمة وثائق استخباراتية تكشف تاريخ النظام اإليراني يف‬ ‫السعي للحصول على أسلحة نووية‪ .‬وقد حتدث الرئيس ترامب يف‬ ‫خطابه الذي أعلن فيه االنسحاب من االتفاق بصيغة الفعل املضارع‬ ‫عن سعي إيران املسمتر لبناء قنبلة نووية‪ .‬ويف ‪ 30‬إبريل ‪2018‬م‪،‬‬ ‫قال ترامب "يف غضون سبعة أعوام سيصل االتفاق لنهايته وستتحرر‬ ‫منه إيران ويكون مبقدورها إنتاج أسلحة نووية"‪ ،‬وهو أمر ال ميكن‬ ‫قبوله من وجهة نظره‪.‬‬ ‫وقد أثار جهاز االستخبارات اإلسرائيلي مفاجأة يف ‪ 30‬إبريل‬ ‫‪2018‬م‪ ،‬عندما أكد (استنا ًدا لوثائق من ‪ 55‬ألف صفحة‪ ،‬و‪ 55‬ألف‬ ‫مدمجا) أن العاملني يف البرنامج النووي‬ ‫قرصا‬ ‫ملف أخر على ‪193‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اإليراني سبق وعملوا على أجهزة متفجرة نووية‪ ،‬وحافظوا س ًرا‬ ‫على أعمالهم املتعلقة بصنع القنابل‪ ،‬والذي يشمل الرسومات وبناء‬ ‫الطراز باحلاسوب‪ ،‬واختبار محفزات النيوترون‪ .‬وقد قاموا بذلك‬ ‫على الرغم من أن االتفاق النووي يلزمهم بعدم السعي إلى امتالك‬ ‫سالح نووي أو حيازته أو تطويره‪ ،‬أو املشاركة يف أي عمل من أعمال‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪85‬‬

‫التصممي هذه‪.‬‬ ‫وقد دعا ذلك اخلبير يف معهد واشنطن لدراسات الشرق‬ ‫األدنى دينيس روس (الذي سبق أن خدم يف الوالية األولى إلدارة‬ ‫أوباما) إلى التساؤل يف مقال له بدورية فورين أفيرز يف ‪ 11‬مايو‬ ‫‪ 2018‬م‪" ،‬لو تخلى اإليرانيون ح ًقا عن نواياهم يف حيازة أسلحة‬ ‫نووية يو ًما ما‪ ،‬فلماذا احتفظوا بجميع هذه الوثائق؟"‪ .‬باختصار‪،‬‬ ‫لقد ارجأت إيران خيار امتالك األسلحة النووية ولم تتخلى عنها‪،‬‬ ‫على نحو يشير إلى أن انتقادات ترامب لالتفاق النووي صحيحة‪.‬‬ ‫فإيران كانت أقرب تطوير سالح نووي قابل لالستخدام أكثر مما‬ ‫تصوره العديد من اخلبراء حتى أولئك الذين شككوا سابقا يف إنكار‬ ‫هذا الواقع‪.‬‬ ‫‪ -3‬افتقار االتفاق إلى آليات تفتيش صارمة ملنع إيران من‬ ‫امتالك األسلحة النووية‪ ،‬على نحو يقلص فرص كشفها ومعاقبتها‬ ‫على أية محاوالت للخداع االستراتيجي للوكالة الدولية للطاقة‬ ‫الذرية أو لألجهزة االستخباراتية للدول الكبرى‪ .‬فاملفتشون ال‬ ‫ميلكون حق التفتيش غير املشروط للعديد من املواقع مبا فيها‬ ‫العسكرية‪ ،‬وف ًقا لرؤية إدارة ترامب‪ ،‬على الرغم من قيام مسؤولي‬ ‫الوكالة بالعديد من الزيارات ملواقع هذا البرنامج‪ ،‬للتحقق من‬ ‫التزام إيران بتطبيق االتفاق‪ ،‬وأقرت الوكالة بهذا االلتزام‪.‬‬ ‫لذا‪ ،‬ظهرت بعض التحليالت لدى عدد من مراكز الدراسات‬ ‫األمريكية واألوروبية التي تشير إلى أنه يف ظل االنسحاب األمريكي‬ ‫من االتفاق‪ ،‬فقد تلجأ إيران لزيادة تخصيب اليورانيوم‪ ،‬وإذا تبنت‬ ‫إيران هذا‪ ،‬فإن الهدف الرئيسي لالتفاق واملتعلق بتحجمي قدرة‬ ‫متاحا بعد األن‪.‬‬ ‫إيران يف احلصول على أسلحة نووية لن يكون‬ ‫ً‬ ‫‪ -4‬تعزيز الرغبة لدى القوى اإلقلميية يف امتالك األسلحة‬ ‫النووية‪ ،‬إذ أن بقاء الصفقة على صيغتها احلالية يعني – وفقا‬ ‫لرؤية إدارة ترامب‪ -‬أن منطقة الشرق األوسط سوف تشهد خالل‬ ‫املرحلة املقبلة سباق تسلح نووي‪ ،‬إذا ما متكنت إيران من امتالك‬ ‫هذا السالح‪ ،‬السميا أن إسرائيل متتلك أسلحة نووية‪ ،‬وترفض‬ ‫التوقيع على اتفاقية عدم نشر األسلحة النووية على نحو يشير إلى‬ ‫اختالل موازين القوى بني الدول العربية والدول غير العربية يف‬ ‫الشرق األوسط‪.‬‬ ‫ويف هذا السياق‪ ،‬حذر سمو ولي العهد السعودي األمير محمد‬ ‫سالحا نوو ًيا إذا امتلكت‬ ‫بن سلمان من أن بالده ستطور ومتتلك‬ ‫ً‬ ‫منافستها اإلقلميية إيران قنبلة نووية‪ ،‬حيث صرح يف حوار مع‬ ‫برنامج ‪ 60‬دقيقة على شبكة سي بي إس األمريكية‪ ،‬إن السعودية‬ ‫موضحا "‬ ‫"ال تريد احلصول على األسلحة النووية"‪ ،‬لكنه استطرد‬ ‫ً‬

‫‪84‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫االنسحاب من االتفاق ال يمثل نهاية طريق للسياسة األمريكية وإنما للسياسة اإليرانية‬

‫ال��م��ح��ددات الحاكمة الن��س��ح��اب ال��والي��ات‬ ‫المتحدة م��ن االت��ف��اق ال��ن��ووي م��ع إي��ران‬

‫ثمة مجموعة من األسباب دفعت إدارة ترامب إلى االنسحاب املنفرد من االتفاق النووي مع إيران (املعروف بخطة العمل‬ ‫الشاملة املشتركة)‪ ،‬يف ‪ 8‬مايو ‪2018‬م‪ ،‬وإعادة فرض العقوبات االقتصادية على طهران‪ ،‬والتي تمتثل يف تنفيذ الوعود‬ ‫االنتخابية أمام الرأي العام الداخلي والدولي‪ ،‬وامتالك القدرة على إنتاج القنبلة النووية‪ ،‬وافتقار االتفاق إلى آليات تفتيش‬ ‫صارمة ملنع إيران من امتالك األسلحة النووية‪ ،‬وتعزيز الرغبة لدى القوى اإلقلميية يف امتالك األسلحة النووية‪ ،‬وتوظيف‬ ‫األموال املجمدة بعد رفع العقوبات يف دعم السياسات اإليرانية التدخلية وخاصة يف بؤر الصراعات املسلحة العربية‪،‬‬ ‫والضغوط اإلسرائيلية املتواصلة على اإلدارة األمريكية حلصار إيران وتقليص نفوذها‪ ،‬وإرضاء احللفاء التقليديني للواليات‬ ‫املتحدة وخاصة دول اخلليج‪.‬‬ ‫بوجه عام‪ ،‬تشير العديد من التصريحات الرسمية الصادرة عن الرئيس األمريكي والبيت األبيض‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن األدبيات‬ ‫الصادرة عن مراكز البحث والتفكير والتحليالت الواردة يف وسائل اإلعالم‪ ،‬خاصة األمريكية‪ ،‬إلى أن هناك مجموعة من‬ ‫احملددات احلاكمة النسحاب الواليات املتحدة من االتفاق النووي مع إيران‪ ،‬على النحو التالي‪:‬‬

‫د‪ .‬محمد عز العرب‬ ‫ تنفيذ الوعود االنتخابية‪ ،‬التي كان قطعها الرئيس ترامب‬‫على نفسه منذ أن كان مرشحا لرئاسة الواليات املتحدة يف أحاديثه‬ ‫لوسائل اإلعالم خالل عامي ‪ 2015‬و‪2016‬م‪ ،‬بضرورة إلغاء االتفاق‬ ‫النووي الذي وقعته إدارة أوباما مع الدول األوروبية وإيران فميا‬ ‫عرف باتفاق "‪ "1+5‬يف يوليو ‪2015‬م‪ ،‬ألنه يعتبره "اتفاق كارثي"‪،‬‬ ‫لم يحافظ على أمن الواليات املتحدة‪ .‬هذا باإلضافة إلى محاولته‬ ‫االنتقاص من شرعية الرئيس السابق أوباما‪ ،‬فاالتفاق النووي مع‬ ‫إيران يعد أحد املكاسب التي حققها أوباما خالل واليته الثانية‪ ،‬وف ًقا‬ ‫الجتاه سائد يف الكتابات األمريكية‪.‬‬ ‫وتعد رؤية ترامب وأنصاره ومستشاريه‪ ،‬أو ما يطلق عليهم‬ ‫"حراس البوابة األمريكية"‪ ،‬لالتفاق باعتباره "الصفقة السيئة"‬ ‫للواليات املتحدة‪ ،‬واالقتناع بأن املفاوضني األمريكيني لم يكونوا على‬ ‫مستوى املسؤولية الوطنية يف الدفاع عن مصالح الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫فيف ‪ 13‬أكتوبر ‪2017‬م‪ ،‬أثناء خطابه عن استراتيجيته جتاه إيران‪،‬‬ ‫قال ترامب "إن العقلية التي كانت وراء هذا االتفاق هي نفس العقلية‬ ‫املسؤولة عن توقيع الكثير من االتفاقيات التجارية يف األعوام املاضية‬ ‫التي ضحت مبصالح الواليات املتحدة التجارية وغلبت مصالح دول‬

‫أخرى‪ ،‬وأضاعت ماليني فرص العمل على أبناء وطننا‪" .‬وأضاف‬ ‫نحن بحاجة ملفاوضني يدافعون بقوة عن مصالح الواليات املتحدة"‪.‬‬ ‫ومن ثم‪ ،‬كان هناك اجتاه عام لدى إدارة ترامب للتخلص من‬ ‫هذا االتفاق بأي شكل‪ ،‬فميا يطلق عليه "عقدة أوباما"‪ ،‬ولم يعد‬ ‫احلديث عن اتفاق تكميلي‪ ،‬وإمنا إعادة التفاوض على اتفاق جديد‬ ‫حيث قال ترامب خالل كلمته التي تفسر االنسحاب "بخروجنا من‬ ‫االتفاق سنبحث مع حلفائنا عن حل مستدام وشامل‪ ،‬اتفاق تستفيد‬ ‫منه إيران والشعب اإليراني‪ ،‬وعندما يكونون مستعدين‪ ،‬فأنا جاهز‪،‬‬ ‫ومستعد‪ ،‬وقادر"‪ .‬فهذا القرار يتسق مع اخلط السياسي الرافض‬ ‫لالتفاق الذي يتبناه ترامب من األساس‪.‬‬ ‫ولعل ما ساعد على اتخاذ ترامب هذا القرار خروج اثنني من‬ ‫الداعمني للحفاظ على االتفاق‪ ،‬مع تعديله وتقويته‪ ،‬من إدارته‪ ،‬هما‬ ‫وزير اخلارجية ريكس تيلرسون‪ ،‬ومستشار األمن القومي السابق‪،‬‬ ‫إتش أر ماكماستر‪ ،‬بل حل محلهما مايك بومبيو وجون بولتون‪،‬‬ ‫وكالهما معارض االتفاق ومؤيد االنسحاب منه‪ .‬فاملسألة تعلقت‬ ‫بتوقيت القرار وليس مبدأ اتخاذه‪ ،‬السميا بعد فشل جهود الوسطاء‬ ‫األوروبيني – بسبب تعنت املوقف اإليراني‪ -‬يف التوصل إلى صيغة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تتوقف على قدرات قطر ومهاراتها يف االسمترار يف لعبة احلبل‬ ‫املشدود‪ ،‬حيث قد تقنع الدوحة إدارة ترامب بأن عالقاتها احلالية‬ ‫مع إيران هي يف مصلحة أي عمل أو مشروع مواجهة مستقبلي‬ ‫ضد اجلمهورية اإليرانية‪ ،‬وأن قناتها اخلاصة مع النظام اإليراني‬ ‫ضرورية‪ ،‬بحيث تقنع قطر اإلدارة بأن منافعها‬ ‫للواليات املتحدة يف ظل موقفها الراهن مع‬ ‫إيران أكبر من منافعها لو قطعت عالقاتها مع‬ ‫النظام‪ ،‬وهو أمر طاملا جنحت فيه قطر‪ .‬لكن يف‬ ‫كل األحوال‪ ،‬سوف تظل اآللة اإلعالمية القطرية‬ ‫نافذة إعالمية لنظام اجلمهورية وداعميها‪ ،‬ومن ثم‬ ‫سترفع الضغوط على دول اخلليج‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬تطورات دراماتيكية إيرانية داخلية أو‬ ‫مواجهة عسكرية‪:‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪83‬‬

‫األزمة بني إيران والواليات املتحدة إلى مربع املواجهات العسكرية؛‬ ‫حيث يتوقع أن يقع صانع القرار القطري يف حالة انضغاط شديدة؛‬ ‫فسيكون عليه اإلقدام على سلسلة حسابات وقرارات حاسمة‪،‬‬ ‫تتعلق بوجوده وحتالفاته األبدية واالستراتيجية‪ ،‬فعلى فرض‬ ‫انزالق األوضاع إلى مواجهة عسكرية فإن قاعدتي‬ ‫العديد والسيلية ستقومان بدور كبير يف تلك‬ ‫املواجهات‪ ،‬وسواء أقدمت إيران على العمل على‬ ‫تنفيذ تهديدها بغلق مضيق هرمز أوال‪ ،‬أو شنت‬ ‫ضربة إسرائيلية أو أمريكية استباقية ضد إيران‪،‬‬ ‫فإن هاتني القاعدتني ستكونان عتبات أمامية يف‬ ‫املواجهات العسكرية‪ ،‬فإذا بدأت الواليات املتحدة‬ ‫بالهجوم أو بدأت إيران بتحرشات عسكرية‪ ،‬فإن‬ ‫القاعدتني ستكونان موظفتني يف العمل أو هد ًفا‬ ‫للمواجهة‪ .‬أما إذا فكرت قطر يف املمانعة أو‬ ‫االعتراض على االستخدام األمريكي للقاعدتني‬ ‫أو دعت إلى حتييدهما أو تفكيكهما –إن كان لها‬ ‫القول يف ذلك فعل ًيا مبقتضى اتفاقيات إنشائهما‪-‬‬ ‫فإنها ستكون قد حسمت خيارها على نحو غير‬ ‫محسوب يف عالقتها مع الواليات املتحدة‪ ،‬وهو أمر‬ ‫ال ميكن تصوره مطل ًقا‪.‬‬

‫ل��ن تس��تطيع‬ ‫قط��ر الحف��اظ ع�لى‬ ‫العالق��ة م��ع طه��ران‬ ‫بع��د ف��رض العقوب��ات‬ ‫دون أن يطاله��ا‬ ‫الض��رر ويتعي��ن ع�لى‬ ‫الدوح��ة تبن��ي مواقف‬ ‫ميليش��يات طه��ران‬

‫يعتبر السيناريو الثالث لتطور العالقات‬ ‫القطرية ـ اإليرانية هو األكثر دراماتيكية بالنسبة‬ ‫لقطر‪ ،‬والذي يهدد اسمترار نهجها وخطها الراهن‪،‬‬ ‫وعلى األرجح أن هذا السيناريو يحمل تهديدًا‬ ‫بالتغيير الكلي للنهج السياسي القطري الذي اسمتر‬ ‫لعشرين عا ًما‪ ،‬وليس فقط لنهج قطر فميا يتعلق باألزمة األمريكية‬ ‫مع إيران‪ .‬ويف ظل هذا السيناريو يتوقع أن تؤدي الضغوط السياسية‬ ‫واالقتصادية املتزايدة على إيران إلى زيادة تفجير الوضع الداخلي‬ ‫على نحو قد ينتهي بثورة تطيح بنظام اجلمهورية اإلسالمية‪ .‬وهذا‬ ‫السيناريو –لو افترضنا استقرا ًرا سري ًعا لألوضاع يف إيران عقب‬ ‫التغيير‪ -‬سيضر قطر كثي ًرا‪ ،‬ليس فقط لفقدانها حلي ًفا إقلمي ًيا م ّثل‬ ‫لها بدي ً‬ ‫ال ومال ًذا يف حلظات حرجة‪ ،‬بل عولت عليه خالل أزمتها‬ ‫يف فرض توازن جديد يف اخلليج‪ ،‬وإمنا يف أن أي تغيير داخلي يف‬ ‫إيران سوف يستتبعه تغيير يف التوجهات والسياسات؛ فأي نظام‬ ‫علماني جديد يف إيران لن يحتفظ بعالقات ودية مع قطر التي‬ ‫سعت إلى إطالة أمد النظام اإلسالمي واحتفظت بعالقات متينة‬ ‫معه‪ ،‬عالوة على ذلك فإنه سيشكل ضربة قوية لأليديولوجيات‬ ‫اإلسالمية الشيعية والسنية على حد سواء‪ ،‬وهو ما يعني ضربة‬ ‫جديدة لتوجهات نظام احلكم يف قطر‪.‬‬ ‫أما االحمتال اآلخر داخل هذا السيناريو‪ ،‬فإنه سيضع قطر‬ ‫يف مأزق فعلي؛ وهو االحمتال الذي يتوقع حدوثه يف حال انزلقت‬

‫وباختصار فإن األزمة الراهنة ستضع حدًا لتطور عالقات‬ ‫ال أو آج ً‬ ‫قطر بإيران‪ ،‬وسوف تفرض على قطر عاج ً‬ ‫ال إعادة‬ ‫حساباتها بخصوص اخلالف مع الرباعي العربي‪ ،‬واملؤكد أن‬ ‫قطر تدير أزمتها الراهنة انطال ًقا من هدف واحد ووحيد؛ وهو‬ ‫احلفاظ على البقاء لنظام احلكم‪ ،‬وهو الهدف الذي يحدد بوصلة‬ ‫التحالفات والسياسات الراهنة للسياسة القطرية‪ ،‬وجزء من‬ ‫احلفاظ على البقاء يتعلق بحفظ ماء وجه النظام داخل قطر ويف‬ ‫الواقع اخلليجي‪ ،‬ولن يرمي النظام بهدف حفظ ماء الوجه إال إذا‬ ‫تعرض لضغوط شديدة يف بقائه املادي‪ ،‬يف هذه احلالة سوف‬ ‫يتراجع سري ًعا ألجل هدف احلفاظ على البقاء املادي‪ ،‬حتى لو‬ ‫ضحى ببقائه املعنوي‪.‬‬

‫*مدير برنامج اخلليج العربي ورئيس وحدة الدراسات العربية‬ ‫واإلقليمية ـ مركز الدراسات االستراتيجية باألهرام‬

‫‪82‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫قطر تدير أزمتها الراهنة انطال ًقا من هدف واحد وهو الحفاظ عىل البقاء‬ ‫لنظام الحكم وهو الهدف الذي يحدد بوصلة تحالفات وسياسات الدوحة‬ ‫إزاء الرباعي‪ ،‬فأكد أنه‪" :‬تشدد دولة قطر على أهمية احترام‬ ‫املبادئ التي حتكم العالقات بني الدول وفى مقدمتها احترام سيادة‬ ‫الدول وعدم التدخل يف شؤونها الداخلية وحل اخلالفات باحلوار‬ ‫ومن خالل الوسائل والطرق السلمية املتعارف عليها دولياً‪".‬‬ ‫هذا املوقف القطري الذي يسعى إلى ضبط إيقاعاته بني‬ ‫أطراف الصراع‪ ،‬وإبداء التعاطف مع املغرب يف صيانة نفسها دون‬ ‫إبداء العداء إليران سوف يصعب على الدوحة تبنيه إذا اجتهت‬ ‫أزمة إيران مع الواليات املتحدة إلى التصعيد؛ حيث سيكون‬ ‫عليها تبني مواقف محددة إزاء األزمة‪ ،‬يف مستوياتها التصعيدية‬ ‫احملمتلة‪ ،‬حيث سيكون على السياسة القطرية عمل ترجيحات‬ ‫وحسابات معقدة‪ ،‬سيتعني عليها القيام بها يف ظل كل سيناريو‬ ‫محمتل لتطورات األزمة اإليرانية األمريكية‪ ،‬وهو ما ميكن تصوره‬ ‫على النحو التالي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬استمرار التوتر منخفض الحدة ألزمة النووي‪ :‬ويعني‬

‫ذلك بقاء األزمة بني إيران والواليات املتحدة عند مستوياتها‬ ‫الراهنة‪ ،‬وعدم إقدام النظام اإليراني أو إدارة ترامب على خطوات‬ ‫تصعيدية‪ ،‬وأال تتطور األزمة يف األشهر املقبلة إلى توسيع شبكة‬ ‫العقوبات االقتصادية على إيران وفرض حصار نفطي عليها على‬ ‫نحو ما أعلنت إدارة ترامب‪ .‬ويعني هذا السيناريو إفساح املجال‬ ‫للنظام اإليراني ملواجهة مستقبله على نحو تدريجي‪ ،‬يف ظل تقدير‬ ‫أمريكي بأن ضغوط الواقع الداخلي ستنتهي إلى إسقاط النظام‬ ‫على املدى البعيد‪ .‬ويف احلقيقة‪ ،‬فإن هذا السيناريو سيزداد‬ ‫االقتناع به كلما تطورت االحتجاجات واالضطرابات الداخلية يف‬ ‫إيران‪ ،‬والتي ستقنع إدارة ترامب بأن التغيير قادم وأن املواجهة مع‬ ‫النظام قد ترفع من سقف التطرف الداخلي الوطني‪ ،‬وستضرب‬ ‫القوى العلمانية ملصلحة اسمترار النظام الديني‪ ،‬الذي سيزداد‬ ‫اصطفاف اجلماهير حوله يف ظل أي خطوات عدائية من جانب‬ ‫الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫هذا السيناريو هو األفضل لقطر‪ ،‬إذا اسمترت على مواقفها‬ ‫وحساباتها الراهنة بشأن األزمة مع الرباعي العربي‪ ،‬وعلى توجهاتها‬ ‫اإلقلميية يف ظل هدف احلفاظ على البقاء‪ ،‬وهو ال يدفع قطر إلى‬

‫تغيير أي من سياساتها‪ ،‬يف الوقت الذي ميكن كال البلدين (قطر‬ ‫وإيران) من االسمترار يف نفس مستوى عالقاتهما وارتباطاتهما‬ ‫وخطابهما السياسي‪ ،‬وتكتيل قوى اإلسالم السياسي السني‬ ‫والشيعي خلف كل منهما‪ ،‬كما ميكن كال البلدين من االسمترار يف‬ ‫تبادل اخلدمات األمنية والسياسية واالقتصادية‪ ،‬ومن ثم هو أقل‬ ‫السيناريوهات تكلفة على السياسة اخلارجية القطرية الراهنة‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬التصعيد االقتصادي والسياسي المخطط والهادف‪:‬‬

‫وهذا السيناريو يتحقق يف حال اسمترار اإلدارة األمريكية‬ ‫والرئيس ترامب على موقفه من فرض العقوبات على إيران‬ ‫واسمتراره على خطته الساعية إلى دفع إيران لقبول تعديل االتفاق‬ ‫أو تصعيد املواجهة السياسية واالقتصادية؛ حيث من املقرر أن‬ ‫تعيد الواليات املتحدة بحلول ‪ 6‬أغسطس ‪2018‬م‪ ،‬فرض العقوبات‬ ‫على املعامالت الدوالرية للحكومة اإليرانية‪ ،‬وعلى جتارة إيران يف‬ ‫الذهب واملعادن النفيسة والتجارة يف املعادن اخلام أو شبه املصنعة‬ ‫والفحم وبرامج الكمبيوتر املرتبطة بالصناعات‪ ،‬وعقوبات على‬ ‫واردات السجاد واملواد الغذائية املصنعة يف إيران للواليات املتحدة‪.‬‬ ‫ويف ‪ 4‬نوفمبر سيعاد فرض العقوبات على قطاع الطاقة‬ ‫وخدمات التأمني‪ ،‬وعلى املعامالت املرتبطة بالنفط وعلى قطاعات‬ ‫الشحن وبناء السفن اإليراني‪ ،‬وستواجه املؤسسات املالية األجنبية‬ ‫عقوبات على أي معامالت لها مع البنك املركزي اإليراني ومؤسسات‬ ‫مالية أخرى‪ ،‬كما ستعيد الواليات املتحدة فرض العقوبات على‬ ‫أفراد كانوا مدرجني على القائمة السوداء األمريكية‪.‬‬ ‫يف ظل هذا السيناريو‪ ،‬وإذا جرى تطبيقه حرف ًيا‪ ،‬فسوف يعني‬ ‫االجتاه إلى مسار املواجهة تدريجيا‪ ،‬حيث أنه سيضيف مقادير من‬ ‫االضطراب والقلق على أجواء األزمة‪ ،‬وهو ما يعني إمكان إقدام‬ ‫إيران على سلوكيات انفعالية يف ظل أجواء التوتر‪ ،‬كتنفيذ بعض‬ ‫تهديداتها ضد املالحة البحرية عبر مضيق هرمز‪ ،‬أو تصعيد‬ ‫عملياتها يف بعض دول اجلوار‪ .‬ويف ظل هذا السيناريو سوف‬ ‫يتعني على قطر االلتزام باملوقف املطروح إزاء إيران‪ ،‬وهو ما يعني‬ ‫تقليص عالقتها بالنظام اإليراني‪ ،‬وتقليص تعامالتها االقتصادية‬ ‫واملالية مع اجلمهورية اإلسالمية‪ .‬وبشكل عام‪ ،‬فإن املسألة سوف‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ويهدد الوضع الراهن ‪-‬مع تصاعد حدة األزمة مع إيران‪-‬‬ ‫واالصطفاف القطري مع نظام اجلمهورية اإليرانية‪ ،‬ويف ظل‬ ‫اسمترار حالة اجلمود القطري بأحد أمرين‪ ،‬إما بكسر الدبلوماسية‬ ‫القطرية وتخندقها كل ًيا حول هدف احلفاظ على البقاء مهما‬ ‫تطلب من تنازالت‪ ،‬أو بتلونها وتراجعها السريع والدراماتيكي‬ ‫طل ًبا السمترار البقاء املادي‪ ،‬دون ضرورة البقاء املعنوي‪ .‬فبعض‬ ‫العقوبات التي تفرضها واشنطن ضد إيران توجه ضربة لعالقة‬ ‫قطر اخلاصة مع اجلمهورية اإلسالمية‪ ،‬كما أنه خالل أشهر‬ ‫محدودة سوف تكون إدارة ترامب إزاء قرارات مفصلية جديدة إزاء‬ ‫إيران‪ ،‬وهو ما قد يدفع اجلمهورية اإليرانية إلى قرارات عدائية‬ ‫يف قلب اخلليج‪ ،‬وهنا سوف يكون على الدوحة تبني‬ ‫مواقف واضحة وصريحة من النظام اإليراني‪ ،‬ولن‬ ‫تستطيع االسمترار على خطها الراهن يف احلفاظ‬ ‫على مستويات من العالقة بعيدًا عن أن يطالها‬ ‫الضرر‪ .‬وإذا كان يتعني على قطر تبني مواقف من‬ ‫إيران فسيكون عليها ً‬ ‫أيضا تبني مواقف من أنصار‬ ‫إيران يف اإلقلمي ومن جماعات وميليشيات وأطراف‬ ‫منغمسة يف الصراعات‪ ،‬وكل ذلك من شأنه أن‬ ‫ً‬ ‫ضغوطا على الواقع السياسي داخل قطر يف‬ ‫يفرض‬ ‫ظل همينة أنصار اإلسالم السياسي على مفاصل‬ ‫الدولة‪ ،‬وهمينة األيديولوجيا اخلاصة بهم على‬ ‫النظام القطري‪.‬‬

‫مقال‬

‫يؤيد ذلك أن مركز السياسة القطرية اآلن يمتحور حول هدف‬ ‫"احلفاظ على البقاء" وليس لعب دور إقلميي؛ حيث انحسرت‬ ‫دبلوماسية قطر وتكورت على نفسها متا ًما‪ ،‬وهي تدير معركتها‬ ‫مع الرباعي برغم الصخب والضجيج‪ ،‬بالشكل الذي يحقق هذا‬ ‫الهدف‪ ،‬وقد يبدو اسمترارها يف املناكفات مع السعودية واإلمارات‬ ‫حتديدًا‪ ،‬لكن جميع توجهاتها يف ذلك إمنا تستهدف احلفاظ‬ ‫على البقاء والدفاع عن الذات ضد إمكانات التغيير السلمي يف‬ ‫السياسات والتوجهات الذي قد يؤدي إلى إراقة ماء الوجه‪ ،‬أو‬ ‫التغيير القسري الذي قد ينتهي بفقدان احلكم‪ .‬ويعني ذلك أنه‬ ‫باإلمكان يف حلظة محددة توقع تنازل قطري يف ظل مصفوفة من‬ ‫التحوالت والضمانات‪.‬‬

‫أي ن���ظ���ام‬ ‫ع��ل��م��ان��ي يف إي����ران‬ ‫ل��ن يحتفظ بعالقات‬ ‫ودية مع قطر ويشكل‬ ‫ضربة لأليديولوجيات‬ ‫اإلس�لام��ي��ة الشيعية‬ ‫والسنية م ًعا و لتوجهات‬ ‫ال���ن���ظ���ام ال��ق��ط��ري‬

‫ويشير كل ذلك إال أنه يف املرحلة املقبلة‬ ‫وألسباب عملية وسياسية مختلفة‪ ،‬قد ال تمتكن قطر‬ ‫من االسمترار يف سياسة اجلمع بني التناقضات‪ ،‬حتى ولو فعلت‬ ‫ذلك بهدف احلفاظ على البقاء‪ ،‬وليس للعب دور إقلميي من طبيعة‬ ‫خاصة؛ ليس فقط ألن األزمة بني الواليات املتحدة وإيران تتجه إلى‬ ‫مراحل مفصلية‪ ،‬بل ألن الواقع اإليراني الداخلي هو نفسه يبدو‬ ‫مقب ً‬ ‫ال على مرحلة تغيير كبرى وتقلبات مسمترة‪ ،‬من دون أي تدخل‬ ‫خارجي‪ ،‬وهو ما لن ميكن نظام الثورة من االسمترار على نفس‬ ‫نهجه وقدراته يف اإلشكال اإلقلميي‪ ،‬ومن ثم يبدو الرهان القطري‬ ‫متاحا لقطر‬ ‫هو على جواد خاسر‪ .‬ويف مجال املفاضلة –لو كان ذلك‬ ‫ً‬ ‫فعل ًيا‪ -‬بني إيران والواليات املتحدة‪ ،‬فإن اخليار القطري سيكون‬ ‫واضحا متا ًما‪ ،‬وعلى األرجح أن املرحلة املقبلة‪ ،‬حتمل إمكانيات‬ ‫ً‬ ‫إحداث هذه النقلة يف السياسة القطرية بالترافق مع تغيير داخلي‬ ‫يف بيت احلكم‪ ،‬كأنسب بديل عقالني ممكن وقائم لبقاء النظام‬ ‫داخل أسرة آل ثاني‪.‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪81‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬سيناريوهات عالقة البلدين يف ظل‬ ‫أزمة االتفاق النووي‪:‬‬

‫ينطوي الوضع الراهن على مؤشرات أزمة‬ ‫كامنة يف العالقات القطرية اإليرانية سوف تتطور‬ ‫تدريج ًيا إذا تطورت األزمة بني إيران والواليات‬ ‫املتحدة إلى مستوى من االضطراب والتهديد‬ ‫باحلرب‪ .‬فحتى اآلن م ّكن املستوى األدنى من‬ ‫األزمة من جتنبت قطر إظهار موقف مختلف من‬ ‫إيران يف أزمتها الراهنة‪ ،‬واكتفت قطر مبواقف‬ ‫أقرب إلى املجاملة منها إلى تبني إجراءات‬ ‫ومواقف رسمية وعملية‪ .‬وحتى اآلن مت ّكن اإلدارة‬ ‫األمريكية لألزمة باملستوى املنخفض قطر من‬ ‫إدارة عالقاتها مع إيران عند مستوى وسطي‪،‬‬ ‫يسعى إلى احلفاظ على ما هو قائم‪ ،‬لكن عند مستوى معني سيكون‬ ‫على قطر تبني مواقف محددة‪ ،‬قد يترتب عليها خسائر وأضرار‬ ‫كثيرة باملوقف القطري‪.‬‬

‫لقد برز مسعى قطر إلى اجلمع والتوفيق املتعنت بني املصالح‬ ‫والتوجهات‪ ،‬يف موقفها من القرار املغربي بقطع العالقات مع إيران؛‬ ‫فحني أعلنت املغرب قطع عالقاتها الدبلوماسية مع اجلمهورية‬ ‫اإليرانية يف مايو ‪2018‬م‪ ،‬أعلنت قطر عن تأييدها للمغرب‪ ،‬وأكد‬ ‫البيان القطري تضامن قطر العميق والكامل مع اململكة املغربية‬ ‫يف احملافظة على سالمة ووحدة أراضيها يف وجه أية محاوالت‬ ‫تستهدف تقويض هذه الوحدة أو تستهدف أمن اململكة املغربية‬ ‫الشقيقة وسالمة مواطنيها‪ .‬لكن البيان جتنب مجرد ذكر إيران أو‬ ‫اإلشارة إليها‪ ،‬بل سعى إلى توظيف األزمة ملصلحة املوقف القطري‬

‫‪80‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫األزمة الراهنة ستضع ح ًدا لتطور عالقات قطر بإيران و تفرض عىل‬ ‫الدوحة عاج ًال أو آج ًال إعادة حساباتها بخصوص الخالف مع الرباعي العربي‬ ‫واإلطار السياسي والوضع اجليوبوليتيكي يف ظل تبيان التحالفات‬ ‫الدولية لكل منهما؟ ويف ظل عالقات كل منهما املتباينة مع دول‬ ‫اخلليج وإسرائيل والواليات املتحدة؟‬

‫ثان ًيا‪ :‬قطر بين لحظة االختيار وهدف الحفاظ عىل البقاء‪:‬‬

‫كان أهم ملمح حافظت عليه الدبلوماسية القطرية حتى‬ ‫الثورات العربية هو قدرتها على اللعب على حبال مشدودة واجلمع‬ ‫بني التناقضات (أيديولوجيات وسياسات وأطراف)‪ ،‬ولقد أثارت‬ ‫قدرة الدبلوماسية القطرية على جمع أطراف الصراعات املختلفني‬ ‫وجناحها يف التوصل إلى حلول سلمية لعديد من األزمات قبل‬ ‫‪ ، 2011‬قد ًرا من اإلعجاب‪ ،‬بشأن تلك املرونة السياسية العالية‬ ‫املصحوبة بالتساؤل والشكوك‪ ،‬لكن فقدان قطر تلك املرونة يف‬

‫السنوات األخيرة شل قدرتها على احلركة‪ ،‬وأوقعها يف مطبات‬ ‫العالقات اإلقلميية‪ ،‬وانتهى األمر إلى صدمة شديدة تسببت يف‬ ‫خسارة الدبلوماسية القطرية أغلب ما اكتسبته على مدى العقود‪.‬‬ ‫لقد بدت الدبلوماسية واإلعالم القطري جامدًا يف التعامل مع‬ ‫األزمة مع الرباعي العربي‪ ،‬وبيمنا متكنت الدوحة على مدى سنوات‬ ‫من مساعدة أطراف الصراعات على حل صراعاتهم‪ ،‬فقد فشلت‬ ‫يف مساعدة نفسها على جتاوز أهم أزمة كان باإلمكان إنهائها منذ‬ ‫البداية بتحركات مباشرة وسريعة‪ ،‬لكنها وقفت جامدة عند موقفها‬ ‫األولي دون تغيير‪ ،‬على نحو شكك يف قدراتها السياسية‪ ،‬وكشف‬ ‫عن أن قدرات قطر يف فض الصراعات لم تكن تتجاوز قدراتها‬ ‫املالية‪ ،‬وهو أكبر انتقاد جرى توجيهه إلى دبلوماسية قطر على‬ ‫مدى السنني‪.‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪79‬‬

‫تنامي العالقات القطرية ـ اإليرانية يطرح تساؤالت حول الشكوك والنوايا‬

‫س��ي��ن��اري��وه��ات ال��ع�لاق��ة ب��ي��ن قطر‬ ‫وإي������ران يف ظ���ل أزم�����ة "ال���ن���ووي"‬ ‫على الرغم من جهود البلدين إلبعاد عالقاتهما عن التوترات اإلقلميية‪ ،‬لن تكون العالقات بني قطر وإيران مبأمن من نتائج‬ ‫االنسحاب األمريكي من االتفاق النووي مستقب ً‬ ‫ال‪ .‬وإذا كان البلدان قد متكنا حتى اآلن من جتنب تلك التبعات واسمترت‬ ‫عالقاتهما يف تطور دون حتمل أية خسائر أو أعباء من جراء احلصار األمريكي على إيران واملقاطعة الرباعية على قطر‪،‬‬ ‫خصوصا لو اسمترت‬ ‫فهناك محطات فاصلة مقبلة فميا يتعلق بأزمة النووي‪ ،‬سوف جتعل عالقات الدولتني على احملك‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أزمة االتفاق النووي وشهدت خطوات تصعيدية‪ ،‬وهو االحمتال الوارد‪ ،‬طاملا بقي الرئيس دونالد ترامب على رأس السلطة‬ ‫يف الواليات املتحدة‪.‬‬

‫د‪ .‬معتز سالمة‬

‫أوالً‪ :‬قطر وإيران‪ ..‬المسكوت عنه يف العالقة‪:‬‬

‫تعتبر العالقات القطرية اإليرانية أكثر العالقات إثارة للجدل‬ ‫والنقاش؛ وينسحب عليها متا ًما ما ينسحب على العالقات القطرية‬ ‫ــ اإلسرائيلية‪ ،‬بل إن األولى تطرح تساؤالت وشكو ًكا أكثر؛ فلقد‬ ‫تنامت عالقات البلدين على كافة األصعدة االقتصادية والسياسية‬ ‫واألمنية والعسكرية‪ ،‬وبلغ التعاون بينهما حد العمل املشترك يف‬ ‫ساحات إقلميية وخلدمة أطراف محددة يف الصراعات‪ ،‬وبدت‬ ‫قطر يف السنوات األخيرة كدولة سنية يف قلب احملور اإليراني‬ ‫الشيعي‪ ،‬وذلك يف ظل أقصى فترات المتدد اإليراني ومتددات‬ ‫امليليشيات التابعة للجمهورية اإليرانية يف الساحات العربية‪ ،‬ويف‬ ‫ظل فترات تنامي الشكوك جتاه إيران خليج ًيا مع اسمترار حتركاتها‬ ‫يف الفناء اخلليف لعدد من الدول العربية من خالل خاليا التجسس‬ ‫وأعمال العنف والتحريض الطائيف‪ ،‬كما تنامت العالقات القطرية‬ ‫مع إيران يف ظل تنامي العالقات قطر مع إسرائيل واسمترار‬ ‫اخلالف األمريكي اإليراني‪ ،‬وبدا التعاون القطري اإليراني على‬ ‫ساحات المين والعراق ولبنان وفلسطني وثي ًقا‪ .‬وكان الفتًا أن‬

‫يحافظ البلدان على عالقاتهما اخلاصة على الرغم من اختالفهما‬ ‫األيديولوجي والسياسي والعسكري‪ ،‬وهو ما طرح تساؤالت كثيرة‬ ‫حول الشكوك والنوايا واألهداف‪.‬‬ ‫لقد أدت أزمة الرباعي العربي مع قطر إلى تكثيف وتيرة‬ ‫العالقات االقتصادية والسياسية واألمنية بني البلدين‪ ،‬وهو ما‬ ‫انعكس سواء على حركة اخلطوط اجلوية النتقال البشر والتجارة‪،‬‬ ‫منذ األيام األولى لألزمة يف إبريل ‪2017‬م‪ ،‬وحتى اآلن‪ ،‬أو يف حجم‬ ‫الزيارات املتبادلة بني املسؤولني واالتفاقيات ومذكرات التعاون‪ ،‬أو‬ ‫التصريحات السياسية التي برزت أكثر ودية وعلى أعلى مستوى‪،‬‬ ‫والتي عبرت عن تكاتف وتساند البلدين يف األزمة بني كل منهما‬ ‫والطرف اخلصم‪ ،‬سواء الرباعي العربي على جانب قطر أو املوقف‬ ‫الدولي على جانب إيران‪ .‬ويطرح اسمترار العالقات بني البلدين‬ ‫على امتداد فترة زمنية طويلة ‪-‬على الرغم من اختالف الظرف‬ ‫السياسي‪ -‬التساؤل حول‪ :‬أي مصالح يجنيها كل بلد من اآلخر؟‬ ‫وكيف حافظا على عالقتهما على الرغم من التناقض األيديولوجي‬

‫‪78‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫إسرائيل اإلرهابي الكذوب ال يتردد يف ضرب فتى يرمي باحلجارة‬ ‫بقنبلة من طائرة ف – ‪ .16‬أما دونالد ترامب‪ ،‬وهو أقوى قادة العالم‬ ‫وأكثرهم نفو ًذا‪ ،‬وبيده معظم أوراق هذه اللعبة‪ ،‬وأغلب األلعاب التي‬ ‫جتري باملنطقة‪ ،‬فإن حتليل شخصيته‪ ،‬يجعل توقع الكارثة اإلقلميية‬ ‫أقرب للحصول‪ .‬ولعل التذكير ببعض أهم ميوله وأفكاره يؤكد‬ ‫احمتال حصول السيناريو الرابع‪ ،‬وكونه‪ ،‬حتى تاريخه‪ ،‬األكثر ورو ًدا‪.‬‬ ‫يعرف عن هذا الرجل العديد من الصفات السلبية‪ ،‬منها‬ ‫االنتهازية واستخدام املتناقضات خلدمة نفسه أوال‪ ،‬وتوطيد أقدامه‬ ‫يف الرئاسة األمريكية‪ ،‬قيل عنه يف ندوة نظمتها صحيفة " واشنطن‬ ‫بوست " مؤخ ًرا أنه عنصري‪ ،‬يكره كل من يختلف عنه ومعه‪ ،‬مبا‬ ‫يف ذلك اليهود‪ ،‬وهو الرئيس األكثر تشد ًدا ضد األمريكيني من غير‬ ‫الـ " واسب "‪.‬‬ ‫ولكنه يتظاهر مبحبة املساواة‪ .‬كما أن رغبته يف اسمتالة‬ ‫الصهاينة إلى جانبه جعلته أكثر الرؤساء األمريكيني تأيي ًدا ودع ًما‬ ‫للكيان الصهيوني بفلسطني‪ .‬أنظروا ما فعل‬ ‫إلسرائيل خالل سنة رئاسته األولى فقط ‪ .‬وقيل يف‬ ‫هذه الندوة وندوات مشابهة أخرى‪ ،‬أنه يكره اإلسالم‬ ‫واملسلمني‪ ،‬ويحرص على أن ال تقوم ألغلبهم قائمة‪،‬‬ ‫وال يعني تشدده مع إيران حبه للعرب‪ .‬وتلك صفات‬ ‫جتعل توقيعه إلشعال احلرب مسألة وقت‪ ،‬خاصة‬ ‫إذا كانت تشن من أجل عيون الصهاينة‪.‬‬ ‫قال " توماس كانتيرميان "‪ ،‬املساعد السابق‬ ‫لوزير اخلارجية األمريكي لشؤون األمن الدولي‬ ‫واحلد من التسلح‪ ،‬والذى شغل منصبه هذا يف‬ ‫الفترة ‪2017 – 2011‬م‪ ،‬وكان أحد املشاركني يف‬ ‫مفاوضات االتفاق النووي ‪ ،‬عندما سؤل عن عيوب‬ ‫االتفاق‪ ،‬قال‪ " :‬ليس به أي عيب‪ ،‬سوى ميالده يف‬ ‫كنف إدارة أوباما ‪ ،‬ليترعرع يف عهد رئيس مغرم بإلغاء أي إجناز‬ ‫ذلك‬ ‫حققه سلفه "‪.‬‬ ‫أحد أسباب فساد االتفاق‪ ،‬من وجهة نظر الرئيس ترامب‪ .‬إضافة‬ ‫ألسبابه األخرى‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫التوسعية العدوانية باملنطقة‪ .‬تلك السياسات التي أخذت إيران‬ ‫تتبعها يف املنطقة منذ ثالثة عقود‪ ،‬والتي أهم وسائلها‪ :‬التدخل‬ ‫يف الشؤون الداخلية لدول اجلوار العربية‪ ،‬ودعم بعض األقليات يف‬ ‫هذه الدول‪ ،‬لمتكينها من السيطرة على غالبية شعوب البالد املعنية‪،‬‬ ‫والعمل حلساب إيران‪.‬‬ ‫فلخشية هذه الدول وحذرها ما يبرره‪ .‬وبعد مجيء إدارة‬ ‫أمريكية جديدة ‪ ،‬برئاسة دونالد ترامب‪ ،‬بدأ هذا الرئيس يشكك يف‬ ‫جدوى إبرام هذا االتفاق ‪ ،‬كما أبرم بالفعل من قبل إدارة الرئيس‬ ‫األمريكي السابق باراك أوباما‪ ،‬مطال ًبا بتشديد الرقابة الدولية على‬ ‫إيران‪ ،‬حتى ال تستغل أي ثغرة المتالك السالح النووي‪ .‬ومتخض عن‬ ‫هذا التشكيك انسحاب أمريكا مؤخ ًرا من االتفاق‪ ،‬وبقائه بصيغة (‬ ‫‪ ) 4 + 1‬حتى إشعار آخر‪.‬‬ ‫ونظ ًرا لتزايد شكوك أغلب هذه الدول حول نوايا إيران‬ ‫السياسية والعسكرية‪ ،‬أعربت هذه الدول عن‬ ‫تأييدها خلطوة الرئيس ترامب‪ ،‬وأعلنت دعمها‬ ‫لتشدده يف هذه القضية‪ ،‬مطالبة بإبرام اتفاق أكثر‬ ‫صرامة وإحكا ًما‪ ،‬ويشمل وقف تطوير الصواريخ‬ ‫الباليستية اإليرانية‪ ،‬وضرورة قبول إيران باملطالب‬ ‫االثني عشرة التي تطالب أمريكا إيران بااللتزام‬ ‫بها‪ ،‬ومنها وقف التدخالت اإليرانية يف دول اجلوار‬ ‫اإليراني‪ ،‬واالنسحاب من سوريا ‪ .‬وهذا التشدد‬ ‫األمريكي أعطى هذه الدول شي ًئا من االطمئنان‬ ‫األمني‪ ،‬لذلك باركته ودعمته‪.‬‬

‫ت���رام���ب ي��ك��ره‬ ‫اإلس��ل�ام والمسلمين‬ ‫وت���ش���دده م���ع إي���ران‬ ‫ال يعني حبه للعرب‬ ‫وت��وق��ي��ع��ه إلش��ع��ال‬ ‫ال��ح��رب م��س��أل��ة وق��ت‬

‫أبرز التداعيات عىل دول مجلس التعاون الخليجي‪:‬‬

‫كل دول مجلس التعاون اخلليجي الست أيدت‪ ،‬يف البدء‪،‬‬ ‫إبرام االتفاق النووي بني إيران والقوى الدولية الكبرى اخلمس‪،‬‬ ‫شريطة أن " يضمن عدم امتالك إيران للسالح النووي "‪ ،‬كما جاء‬ ‫يف أغلب بيانات هذه الدول حول االتفاق املذكور ‪ ،‬التي صدرت فور‬ ‫التوصل إليه‪ .‬ومعروف‪ ،‬أن هذه الدول هي من أكثر دول العالم‬ ‫معارضة إليران نووية‪ ،‬خاصة بعد ما عانته من سياسات إيران‬

‫ولكن‪ ،‬ما زالت إيران ترفض املطالب األمريكية‪.‬‬ ‫فشرعت أمريكا بإعادة املقاطعة االقتصادية ضد إيران وتشديدها‪.‬‬ ‫األمر الذى قد يقود إلى اشتعال حرب ضروس باملنطقة‪ ،‬ويجعل‬ ‫االحمتال الرابع واق ًعا باملنطقة‪ .‬املقاطعة االقتصادية تضر بانسياب‬ ‫سلسا‪ .‬ولكن‬ ‫التجارة اإلقلميية يف منطقة اخلليج انسيا ًبا طبيع ًيا‬ ‫ً‬ ‫األدهى أن احلرب إذا اشتعلت – ال قدر اهلل – قد تكون كارثية على‬ ‫هذه الدول‪ ،‬وقد تنزل بهم‪ ،‬أو ببعضهم‪ ،‬أضرا ًرا فادحة‪ ،‬خاصة يف‬ ‫البنى التحتية واملنشآت البترولية‪ ،‬ألن بالدهم‪ ،‬ببساطة‪ ،‬هي جزء‬ ‫– يصعب أن يتجزأ ‪ -‬من ساحة هذه احلرب الشرسة املتوقعة ‪ .‬من‬ ‫هنا تأتى أهمية‪ ،‬وضرورة‪ ،‬تفعيل احلل السياسي‪ ،‬ما أمكن‪.‬‬ ‫*عضو مجلس الشورى السعودي سابقا ــ أستاذ العلوم‬ ‫السياسية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪77‬‬

‫اح��ت��م��ال ق��ي��ام ح����رب إق��ل��ي��م��ي��ة ك��ارث��ي��ة أك��ث��ر ورو ًدا يف‬ ‫وج���ود ق��ي��ادات م��ت��ش��ددة ومندفعة يف إس��رائ��ي��ل وإي����ران وأمريكا‬ ‫االتفاق متا ًما‪ ،‬وجناح إيران يف محاوالتها التعايش مع العقوبات‬ ‫األمريكية والدولية ‪ ،‬واملسارعة بامتالك القنبلة ‪ ...‬لتفاوض املجمتع‬ ‫الدولي بعد ذلك من موقف أقوى‪ .‬وهنا‪ ،‬يتوقع حصول إيران على‬ ‫القنبلة يف أقرب فرصة ممكنة ‪.‬‬ ‫( ‪ ) 4‬انهيار االتفاق بانسحاب بعض أو كل أعضائه‪ ،‬ومسارعة‬ ‫إيران بامتالك القنبلة‪ ،‬عبر تكثيف تخصيبها لليورانيوم ‪ ...‬ولكن‬ ‫قيام أمريكا وحلفائها مبهاجمة إيران ومنشآتها النووية قد يؤدى إلى‬ ‫انهيار نظام إيران السياسي احلالي‪ ،‬ودخولها يف فوضى مدمرة‪.‬‬ ‫وفى ظل هذا السيناريو غال ًبا ما ستشارك إسرائيل يف ضرب إيران‪،‬‬ ‫وسترد إيران على أمريكا وإسرائيل بضربات غير تقليدية‪.‬‬ ‫( ‪ ) 5‬قبول إيران بإعادة التفاوض بشأن برنامجيها النووي‬ ‫والصاروخي فقط‪ ،‬وموافقة أمريكا واكتفائها بذلك‪ ،‬والرفع‬ ‫التدريجي للعقوبات األمريكية والدولية‪ ،‬والوصول إلى اتفاق جديد‪،‬‬ ‫أكثر صرامة وأما ًنا‪ (.‬وليته يتوج باتفاقية دولية شاملة لنزع السالح‬ ‫النووي من كامل املنطقة‪ ،‬لتصبح خالية من األسلحة النووية)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫شرطا التي‬ ‫( ‪ ) 6‬قبول إيران بشروط ترامب اجلديدة (الـ ‪12‬‬ ‫أعلنها بومبيو وزير اخلارجية األمريكي) وصياغة اتفاق جديد‪.‬‬

‫ولكن إيران رفضت بشدة كل هذا‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬يعتبر البعض هذا‬ ‫احمتاال وار ًدا‪ ،‬أن تصاعدت العقوبات‪ ،‬ولكنه أقل االحمتاالت ورو ًدا‪.‬‬ ‫( ‪ ) 7‬انهيار االتفاق‪ ،‬ومسارعة إيران بامتالك القنبلة ‪...‬‬ ‫وهجوم أمريكا وإسرائيل على إيران ومنشآتها النووية‪ .‬وبقاء النظام‬ ‫اإليراني‪ ،‬ورده بضربات غير تقليدية على مهاجميه‪.‬‬ ‫تلك هي أهم سبعة احمتاالت‪ ،‬ومضمون معظمها مفزع ‪،‬‬ ‫بالنسبة ألمن واستقرار املنطقة‪ .‬وكما هو واضح‪ ،‬فإن السيناريو‬ ‫رقم ‪ 5‬هو " األفضل " لكل األطراف املعنية – إن قبلته إيران‪ .‬ولكن‬ ‫الواقع الفعلي لسياسات القوى املؤثرة (خاصة أمريكا وإسرائيل)‬ ‫يرجح حصول االحمتال الرابع‪ .‬وهذا‪ ،‬إن حصل بالفعل‪ ،‬يعني إن‬ ‫هذه املنطقة ستشهد كارثة جديدة‪ ،‬وقد يكون صيفها القادم هو‬ ‫األسخن‪ ،‬منذ عاصفة الصحراء‪.‬‬ ‫والواقع‪ ،‬أن ما قد يمتناه العالم شيء‪ ،‬وما سيحصل شيء آخر‬ ‫واألمر‪ ،‬بعد مشيئة اهلل‪ ،‬يف يد قادة الدول الثالث املعنية‪ .‬وهؤالء‬ ‫يتصفون بالتشدد واالندفاع‪ ،‬كما أشرنا‪ ،‬قادة إيران احلاليني ليس‬ ‫لديهم مانع يف تدمير بالد من أجل نشر معتقداتهم ونفوذهم‪ .‬وزعمي‬

‫‪76‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫س��ب��ع��ة اح���ت���م���االت م��ع��ظ��م��ه��ا م���ف���زع ألم����ن واس���ت���ق���رار امل��ن��ط��ق��ة‬

‫ان���س���ح���اب أم���ري���ك���ا م����ن االت����ف����اق‪:‬‬ ‫ال���ت���داع���ي���ات ع��ل�ى دول ال��خ��ل��ي��ج‬ ‫يرفض كل محبي السالم الصادقني يف العالم‪ ،‬انتشار األسلحة النووية‪ ،‬أفق ًيا ورأس ًيا‪ .‬ويصبح هذا الرفض والقلق‬ ‫مضاع ًفا عندما تكون الدولة املصرة على امتالك هذا السالح الفتاك لها سياسات توسعية عدوانية‪ ،‬ضد جيرانها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وأيضا إسرائيل‪ .‬ويثير انسحاب أمريكا ترمب من االتفاق النووي مع إيران (اتفاق ‪ 5+1‬لعام ‪2015‬م) قل ًقا‬ ‫كحال إيران‪،‬‬ ‫هائ ً‬ ‫ال من تبعات ونتائج هذا االنسحاب‪ ،‬ولعل أسوأ ما يتوقعه البعض هو‪ :‬هجوم أمريكا وإسرائيل على إيران ونشوب‬ ‫حرب إقلميية‪ ،‬قد متتد لتصبح حر ًبا عاملية نووية‪ ،‬إن تدخلت روسيا‪ ،‬هذا االحمتال الصارخ يبدو مستبعدًا ولكن‪ ،‬يظل‬ ‫احمتال قيام حرب إقلميية كارثية أكثر ورو ًدا‪ ،‬خاصة يف ظل وجود قيادات متشددة (ومندفعة) يف كل من إسرائيل‬ ‫وإيران وأمريكا ‪.‬‬

‫د ‪ .‬صدقه يحيى فاضـ ـ ـ ــل‬

‫وعندما نأخذ كامل السياق الذى تلعب فيه هذه األطراف‬ ‫الثالثة وغيرها‪ ،‬جند أن هذه املنطقة العربية ما تزال على صفيح‬ ‫سالحا نوو ًيا ضار ًبا‪ ،‬تعربد بامتالكه‬ ‫ساخن‪ ،‬مع امتالك إسرائيل‬ ‫ً‬ ‫يف املنطقة عدوا ًنا وإرها ًبا‪ ،‬وتبتز به األمة على مدار الساعة‪ ،‬وما‬ ‫زالت الصراعات واحلروب الطائفية واملذهبية فيها على أشدها‪.‬‬ ‫هل هدف االنسحاب والعقوبات األمريكية أن ال يزيد طني املنطقة‬ ‫بلة ؟! ح ًقا‪ ،‬ال يوجد عاقل يصدق أن هذا االنسحاب ملصلحة‬ ‫حرصا على‬ ‫العدل والسالم‪ ،‬أو ح ًبا يف أمن واستقرار املنطقة‪ ،‬أو‬ ‫ً‬ ‫السالم العاملي‪ .‬لهذا االنسحاب مآرب واضحة جلميع املراقبني‪،‬‬ ‫منها الرغبة اجلامحة يف ترجيح كفة إسرائيل‪ .‬فمن احلقائق‬ ‫املؤسفة – بالنسبة للعرب وحملبي السالم يف العالم – كون إسرائيل‬ ‫رأسا نوو ًيا‪ ،‬وكون إيران متتلك املعرفة والتقنية‬ ‫متتلك حوالى ‪ً 280‬‬ ‫ال أو آج ً‬ ‫واملنشآت النووية التي سمتكنها‪ ،‬عاج ً‬ ‫ال‪ ،‬من حيازة قنابل‬ ‫نووية ‪ .‬هذا إن لم تكن إيران متتلك " القنبلة يف القبو" ‪ ....‬من‬ ‫هنا تأتى اخلشية من اندالع حرب نووية إقلميية مدمرة‪ ،‬قد ال تبقي‬

‫وال تذر‪.‬‬ ‫ونرى أن هناك‪ ،‬عقب انسحاب أمريكا من هذا االتفاق النووي‪،‬‬ ‫عدة احمتاالت (سيناريوهات ) ميكن اختصار أهمها فميا يلي‪:‬‬ ‫( ‪ – ) 1‬بقاء الدول اخلمس األخرى يف االتفاق‪ ،‬والتزام إيران‬ ‫ببنوده‪ ،‬وتعايش إيران – يف املدى الطويل – مع العقوبات‪ ،‬واكتفاء‬ ‫أمريكا بالعقوبات االقتصادية‪ ،‬وهنا نتوقع تأجي ً‬ ‫ال يف امتالك إيران‬ ‫للقنبلة‪.‬‬ ‫( ‪ – ) 2‬بقاء الدول اخلمس األخرى‪ ،‬واسمترار التزام إيران‬ ‫بهذا االتفاق ‪ ،‬وانهيار نظام املاللي – يف املديني املتوسط أو الطويل‬ ‫– بسبب العقوبات والضغوطات األمريكية‪ ،‬ولو حصل هذا‪ ،‬وقام‬ ‫نظام سياسي جديد يف إيران ‪ ،‬فإن هذا النظام غال ًبا ما لن يتخلى‬ ‫هاجسا وحل ًما إيران ًيا‪،‬‬ ‫طوعا – عن اخليار النووي الذى أمسى‬ ‫–‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫منذ عهد الشاه‪.‬‬ ‫( ‪ ) 3‬انسحاب بعض أو كل الدول اخلمس األخرى‪ ،‬وانهيار‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪75‬‬

‫مصالح استراتيجية للهند مع إي��ران تحول دون ح��دوث انتكاسة‬ ‫يف العالقات الستنادها عىل مشروعات مرتبطة بالتوازنات يف آسيا‬ ‫الباكستاني‪ ،‬قام رئيس الوزراء الهندي أثناء زيارته إليران يف مايو‬ ‫‪٢٠١٦‬م‪ ،‬بتوقيع اتفاق مع إيران يتضمن التزام الهند باستثمار ‪٥٠٠‬‬ ‫مليون دوالر لتطوير ميناء تشابهار اإليراني‪ .‬أكثر من ذلك‪ ،‬ويف إطار‬ ‫محاكاة السياسة الصينية يف هذا املجال‪ ،‬وكما قامت باكستان يف‬ ‫نوفمبر ‪٢٠١٥‬م‪ ،‬بنقل إدارة ميناء جوادار إلى "الشركة الصينية‬ ‫القابضة احملدودة ملوانئ عبر البحار"‪ ،‬حصلت الهند هي األخرى‬ ‫مبوجب اتفاق مت توقيعه مع إيران يف فبراير ‪٢٠١٨‬م‪ ،‬على نقل إدارة‬ ‫املرحلة األولى من ميناء تشابهار إلى اجلانب الهندي‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬ويف ضوء التحليل السابق لكل من "احلزام والطريق"‪،‬‬ ‫و"ممر الشمال‪ -‬اجلنوب"‪ ،‬ميكن القول إن إيران بالنسبة للهند لم‬ ‫تعد مجرد مصدر تقليدي للواردات النفطية‪ ،‬بقدر ما أصبحت‬ ‫ركيزة أساسية يف استراتيجية هندية متعددة األبعاد‪ ،‬تهدف يف أحد‬ ‫أبعادها إلى موازنة النفوذ الصيني املتنامي يف األقالمي اآلسيوية‬ ‫الرئيسية (خاصة يف جنوبي آسيا‪ ،‬واحمليط الهندي‪ ،‬وآسيا الوسطى‪،‬‬ ‫وغربي آسيا)‪ .‬وتهدف يف بعد ثاني إلى موازنة املبادرات الصينية‬ ‫الضخمة عابرة احلدود واألقالمي‪ .‬وتهدف‪ ،‬يف بعد ثالث‪ ،‬إلى تأمني‬ ‫النفاذ االقتصادي والتجاري الهندي إلى األقالمي األساسية املرتبطة‬ ‫باملمر املقترح‪ .‬كما تهدف‪ ،‬يف بعد رابع‪ ،‬إلى موازنة النفاذ الصيني‬ ‫املتنامي إلى املوانئ البحرية‪ .‬مبعنى آخر‪ ،‬فكما باتت باكستان متثل‬ ‫إحدى نقاط االرتكاز األساسية يف االستراتيجية الصينية للنفاذ‬ ‫االقتصادي والنفوذ االستراتيجي‪ ،‬فإن إيران تلعب الدور ذاته تقري ًبا‬ ‫بالنسبة للهند‪.‬‬ ‫هذه العوامل واحلسابات االستراتيجية‪ ،‬الصينية والهندية‪،‬‬ ‫السابق تناولها‪ ،‬جتعل التغير يف مواقف هاتني القوتني اآلسيويتني‬ ‫املهمتني بشأن املوقف من إيران‪ ،‬خاصة العقوبات االقتصادية‬ ‫واملالية‪ ،‬أقل مرونة وأقل حساسية واستجابة للسياسة األمريكية‬ ‫يف هذا الصدد‪ .‬وباإلضافة إلى هذه احلسابات واملصالح‪ ،‬هناك‬ ‫عامل آخر مهم سيساهم بشكل كبير يف استقرار املوقفني الصيني‬ ‫والهندي‪ ،‬يمتثل يف املوقف األوروبي املمتسك باالتفاق النووي مع‬ ‫إيران‪ .‬أهمية املوقف األوروبي هنا أنه يوفر "غطا ًء" دول ًيا للمواقف‬ ‫الدولية املشابهة‪ ،‬ما يضمن عدم انكشاف املوقفني الصيني والهندي‪.‬‬ ‫وأخي ًرا‪ ،‬جتدر اإلشارة إلى وجود مصلحة هندية‪ -‬أمريكية مشتركة‬ ‫يف احتواء النفوذ الصيني‪ ،‬مبا يف ذلك النفوذ املتنامي على أرضية‬ ‫مبادرة احلزام والطريق‪ ،‬التي الزالت واشنطن تمتسك برفضها‬ ‫اإلقلميية والدولية احملمتلة‪ ،‬األمر الذي قد يضطر‬ ‫لتداعياتها ٍ‬

‫الواليات إلى غض الطرف عن مجاالت التعاون الهندي‪ -‬اإليراني‪،‬‬ ‫كجزء من عمليات تقوية اقتصاد الهند وتوسيع نفوذها‪ ،‬وهو أحد‬ ‫العوامل التي ميكن أن تفسر لنا غض الواليات املتحدة الطرف‬ ‫عن سياسة االنفتاح الهندي على إيران خالل مرحلة ما قبل توقيع‬ ‫االتفاق النووي‪ .‬وهناك مؤشرات مهمة على هذا التوجه األمريكي‬ ‫احملمتل‪ ،‬أبرزها إشارة وزير الدفاع األمريكي‪ ،‬جميس متيس‪ ،‬يف‬ ‫إحدى جلسات االسمتاع مبجلس الشيوخ إلى ضرورة إيجاد آلية‬ ‫خاصة للتعامل مع احللفاء فميا يتعلق مبسألة العقوبات األمريكية‬ ‫صريحا يف اإلشارة إلى حالة الهند‪ .‬وقد‬ ‫اجلديدة على إيران‪ ،‬وكان‬ ‫ً‬ ‫تبنى عدد من أعضاء الكوجنرس موقف ماتيس‪.‬‬ ‫هذه احلسابات واملصالح الصينية والهندية متثل أوراق إيرانية‬ ‫مهمة يف إدارة أزمة االنسحاب األمريكي من االتفاق‪ .‬وقد قرأ صانع‬ ‫القرار اإليراني –على ما يبدو‪ -‬هذه املصالح بدقة‪ .‬وجاءت اجلهود‬ ‫اإليرانية بنتائج إيجابية يف هذا اإلطار‪ ،‬كان أبرزها تصريحات وزير‬ ‫اخلارجية الصيني يف املؤمتر الصحيف املشترك مع نظيره اإليراني‬ ‫أثناء زيارة األخير لبكني خالل األسبوع األول من شهر يونيو ‪٢٠١٨‬م‪،‬‬ ‫يف إطار جولة شملت روسيا والصني وعدد من الدول األوروبية‬ ‫للترويج للمتسك باالتفاق‪ .‬إذ ذهب وزير اخلارجية الصيني‪ ،‬واجن‬ ‫يي‪ ،‬إلى أن "االتفاق جاء نتيجة عمل شاق‪ ،‬وأن الصني ستتبنى موق ًفا‬ ‫موضوع ًيا وعادالً ومسئوالً‪ ،‬وستحافظ على تواصلها وتعاونها مع‬ ‫جميع الدول واألطراف املعنية‪ ،‬من أجل احلفاظ على االتفاق"‪.‬‬ ‫يف هذا اإلطار‪ ،‬وباإلضافة إلى الدفاع السياسي املتوقع‬ ‫عن االتفاق النووي اإليراني‪ ،‬من املتوقع أن تلجأ هذه الدول إلى‬ ‫بعض اآلليات لتجاوز موجة العقوبات اجلديدة‪ ،‬مثل الدفع باليورو‪،‬‬ ‫بدالً من الدوالر‪ ،‬عن طريق بعض البنوك األوروبية داخل الدول‬ ‫املمتسكة باالتفاق‪ ،‬أو استخدام العمالت احمللية يف تسوية املعامالت‬ ‫االقتصادية الثنائية‪ ،‬والتأمني املباشر على شحنات النفط املتجهة‬ ‫من إيران إلى هذه الدول من خالل احلكومتني الصينية والهندية‪،‬‬ ‫وهي إجراءات مت استخدامها إبان املوجة السابقة من العقوبات‪.‬‬ ‫أضف إلى ذلك املرونة األمريكية املتوقعة يف تطبيق العقوبات على‬ ‫حالة احللفاء‪ ،‬ويصدق ذلك على الهند‪ ،‬ورمبا ينسحب ً‬ ‫أيضا إلى‬ ‫حالتي كوريا اجلنوبية واليابان‪.‬‬ ‫*خبير مبركز األهرام للدراسات السياسية واالستراتيجية‪،‬‬ ‫متخصص في الشؤون اآلسيوية‬

‫‪74‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫منطقة بحر الصني اجلنوبي)‪ ،‬بجانب الوفورات املتوقعة يف تكاليف‬ ‫ومدد الشحن‪ .‬كما يتضمن املمر ً‬ ‫أيضا إنشاء مجموعة من املناطق‬ ‫االقتصادية والصناعية‪ ،‬وبعض املشروعات املهمة األخرى يف مجاالت‬ ‫الطاقة‪ ،‬والتمنية الزراعية‪ ،‬واالتصاالت وتكنولوجيا املعلومات‪ ،‬وبناء‬ ‫املطارات‪.‬‬ ‫ويتوزع القلق الهندي من مكونات هذا املمر بني املكاسب‬ ‫االقتصادية املتوقعة القتصاد باكستان –العدو التقليدي والتاريخي‬ ‫للهند‪ -‬خاصة فرص تطوير البنية األساسية ومعاجلة أزمة الطاقة‪،‬‬ ‫والتداعيات االستراتيجية املمتثلة يف تعميق الروابط االستراتيجية‬ ‫بني الصني وباكستان‪ ،‬وانتقالها إلى مستويات نوعية‪ ،‬وحتول باكستان‬ ‫إلى نقطة ارتكاز أساسية لالستراتيجية الصينية يف إقلمي جنوب آسيا‪،‬‬ ‫فض ً‬ ‫ال عن التأثير املتوقع للممر على مستقبل إقلمي كشمير املتنازع‬ ‫عليه بني الهند وباكستان‪ ،‬وذلك على خلفية تضمني املمر بعض أجزاء‬ ‫اإلقلمي الواقعة حتت السيطرة الباكستانية (منطقة‬ ‫جلجيت‪ -‬بلتستان)‪ .‬ذلك أن تعميق ربط اإلقلمي‬ ‫باالقتصاد الباكستاني وباقي األقالمي الباكستانية‬ ‫عبر شبكة السكك احلديدية املخططة‪ ،‬من شأنه‬ ‫خلق واقع جيو‪ -‬اقتصادي جديد باإلقلمي يعزز‬ ‫املوقف الباكستاني يف هذا النزاع‪ ،‬وخلق مصلحة‬ ‫لدى سكان اإلقلمي يف االرتباط بالدولة الباكستانية‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪ ،)Corridor (INSTC‬الذي يقوم على ربط الهند بأقالمي غرب آسيا‬ ‫وشمال وغرب أوروبا وآسيا الوسطى عبر إيران وبحر قزوين‪ ،‬أو‬ ‫إيران والبحر األسود‪ ،‬استنا ًدا إلى عدد من الدراسات التي تؤكد‬ ‫على الوفورات املادية والزمنية التي يوفرها هذا املمر باملقارنة بطرق‬ ‫التجارة التقليدية‪ .‬ويتضمن املشروع ثالثة بدائل أو مسارات فرعية‪.‬‬ ‫األول‪ ،‬ويعرف باملسار الغربي‪ ،‬حيث يبدأ من ميناء مومباي الهندي‬ ‫وصوالً إلى ميناء بندر عباس على مضيق هرمز‪ ،‬ثم املسار البري‬ ‫داخل إيران (طرق برية وسكك حديدية) وصوالً إلى معبر استارا‬ ‫اإليراني‪ ،‬ليبدأ بعدها مسا ًرا بريا مبحاذاة غرب بحر قزوين وصوال‬ ‫إلى استراخان ‪( Astrakhan‬الروسية) ثم موسكو ثم شمال أوروبا‪،‬‬ ‫أو من معبر أستارا إلى أذربيجان والبحر األسود وجورجيا إلى غرب‬ ‫أوروبا‪ .‬املسار الثاني‪ ،‬يبدأ من ميناء مومباي الهندي‪ ،‬ثم إلى ميناء‬ ‫بندر عباس اإليراني على مضيق هرمز‪ ،‬ليبدأ بعد ذلك املكون البري‬ ‫داخل إيران وصوالً إلى ميناء أمير آباد على بحر قزوين‪ ،‬ليبدأ بعد‬ ‫ذلك مكون بحري داخل بحر قزوين‪ ،‬وصوالً إلى‬ ‫استراخان الروسية‪ ،‬ثم إلى موسكو ثم إلى شمال‬ ‫أوروبا‪ .‬املسار الثالث‪ ،‬ويعرف باملسار الشرقي‪،‬‬ ‫ويبدأ من مومباي إلى ميناء بندر عباس‪ ،‬ثم املكون‬ ‫البري داخل إيران وصوالً إلى ميناء أمير آباد‪ ،‬مرو ًرا‬ ‫بشرق بحر قزوين‪ ،‬وتركمنستان‪ ،‬وصوالً إلى روسيا‪،‬‬ ‫ثم شمال أوروبا‪.‬‬

‫يف الس��ياق‬ ‫الصراعي ع�لى المصالح‬ ‫لي��س م��ن المتوق��ع‬ ‫أن تق��دم الصي��ن عىل‬ ‫االنصي��اع للق��رارات‬ ‫األمريكية بش��أن إيران‬

‫وبشكل عام‪ ،‬فإن مبادرة "احلزام والطريق"‬ ‫مبكوناتها املختلفة‪ ،‬باتت تثير قل ًقا هند ًيا واس ًعا حول‬ ‫تنامي حجم النفوذ الصيني يف األقالمي اآلسيوية‬ ‫التي شهدت تنام ًيا للنفوذ واحلضور الهندي‪ ،‬خاصة‬ ‫يف جنوبي آسيا الذي ميثل جز ًءا من املجال احليوي للهند‪ ،‬ومنطقة‬ ‫احمليط الهندي (على خلفية عمليات التحديث التي تشهدها القدرات‬ ‫البحرية الهندية‪ ،‬والدور املهم للهند داخل جتمع دول احمليط الهندي‬ ‫للتعاون اإلقلميي ‪ ،)IOR-ARC‬وما سيستتبعه ذلك من تغيير متوقع‬ ‫يف التوازنات اإلقلميية وتدشني ما يطرحه البعض احمتاالت تطور‬ ‫"املباراة الكبرى الثانية" ‪ The New Great Game‬بني الصني والهند‬ ‫(متييزًا لها عن التنافس البريطاني‪ -‬الروسي على الهمينة على‬ ‫أفغانستان واألقالمي املجاورة يف وسط وجنوب آسيا‪ ،‬والتي امتدت‬ ‫خالل النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى أوائل القرن التاسع‬ ‫عشر‪ ،‬والتي عرفت آنذاك باملباراة الكبرى)‪.‬‬ ‫يف هذا اإلطار‪ ،‬جاء الدور الهندي النشط خالل السنوات‬ ‫األخيرة –بالتعاون مع إيران وروسيا‪ -‬إلحياء وتسريع مشروع‬ ‫"ممر الشمال اجلنوب" ‪International North- South Transport‬‬

‫ورغم أن فكرة املشروع تعود إلى اتفاق موقع‬ ‫يف سبمتبر ‪2000‬م‪ ،‬بني روسيا وإيران والهند‪،‬‬ ‫انضم إليه الح ًقا عدد من دول آسيا الوسطى‬ ‫والقوقاز واخلليج العربي والشرق األوسط‪ ،‬إال أن‬ ‫طرح مبادرة احلزام والطريق –بجانب عوامل أخرى تخص إيران‬ ‫رئيسا يف سعي الهند إلى تسريع‬ ‫ودول آسيا الوسطى‪ -‬لعب دو ًرا‬ ‫ً‬ ‫تنفيذ هذا املشروع‪ .‬وباإلضافة إلى هذا االتفاق والذي ميثل اإلطار‬ ‫القانوني املباشر املنظم إلنشاء هذا "املمر"‪ ،‬هناك اتفاق آخر يعمل‬ ‫بشكل مكمل يمتثل يف "معاهدة عشق آباد"‪ ،‬وهي معاهدة تهدف إلى‬ ‫إنشاء شبكة من الطرق عابرة احلدود‪ ،‬بهدف تسهيل التجارة بني‬ ‫إقلميي آسيا الوسطى واخلليج العربي اعمتا ًدا على املوانئ اإليرانية‬ ‫والعمانية‪ ،‬مت توقيعها يف أبريل سنة ‪2011‬م‪ ،‬بني كل من أوزبكستان‪،‬‬ ‫وتركمنستان‪ ،‬وإيران‪ ،‬وعمان‪ ،‬وقطر (انسحبت من املعاهدة سنة‬ ‫‪2013‬م)‪ .‬وأصبحت املعاهدة نافذة يف أبريل ‪2016‬م‪ ،‬وانضمت إليها‬ ‫الحقـًا كل من كازخستان وباكستان يف سنة ‪2016‬م‪ ،‬ثم الهند يف‬ ‫فبراير ‪2018‬م‪.‬‬ ‫ويف محاولة ملوازنة مشروع الصني للنفاذ إلى ميناء جوادار‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫يزيد عن ‪ ٦٠٠‬ألف برميل يوم ًيا خالل عامي ‪٢٠١٨ /٢٠١٧‬م)‪ .‬املعطى‬ ‫الثاني‪ ،‬يتعلق بالسياق العام اجلاري للعالقات التجارية الصينية‪-‬‬ ‫األمريكية‪ ،‬والذي يتسم بدرجة كبيرة من التوتر بسبب الرسوم‬ ‫األمريكية على العديد من الصادرات الصينية إلى السوق األمريكية‪.‬‬ ‫يف هذا السياق "الصراعي" ليس من املتوقع أن تقدم الصني على‬ ‫االنصياع للقرارات األمريكية بشأن إيران‪ .‬أضف إلى ذلك‪ ،‬المتايز‬ ‫الكبير بني امللفني الكوري الشمالي واإليراني بالنسبة للصني‪ ،‬فعلى‬ ‫الرغم من األهمية الكبيرة لهذا امللف بالنسبة للصني‪ ،‬فإن األخيرة‬ ‫الزالت متتلك العديد من األوراق املهمة‪ ،‬والزالت الواليات املتحدة‬ ‫يف حاجة للصني لضمان الوصول إلى تسوية تاريخية ونهائية لهذا‬ ‫امللف‪ .‬ورغم التوتر النسبي الذي شهدته عالقات بكني‪ -‬بيوجن ياجن‪،‬‬ ‫خاصة خالل العام ‪٢٠١٧‬م‪ ،‬إال أن املؤشرات تشير إلى عودة هذه‬ ‫العالقات إلى طبيعتها‪ ،‬ووجود درجة كبيرة من التنسيق بني اجلانبني‬ ‫(أبرز هذه املؤشرات قيام الزعمي الكوري كمي جوجن أون بزيارة بكني‬ ‫ثالث مرات خالل النصف األول من العام اجلاري‬ ‫‪٢٠١٨‬م)‪ .‬املعطى الثالث‪ ،‬يتعلق بإمكانية اجتاه الصني‬ ‫إلى توظيف اختالفها مع الواليات املتحدة بشأن‬ ‫االتفاق لتوصيل رسالة داخل املجمتع الدولي بوجود‬ ‫تباينات بني الرؤيتني األمريكية والصينية يف التعامل‬ ‫مع قضايا األمن العاملي واألزمات اإلقلميية‪.‬‬

‫مقال‬

‫حيث تعد الهند ثاني أكبر مستورد للنفط اإليراني بعد الصني (كما‬ ‫تعد إيران ثالث أكبر مصدر للواردات النفطية الهندية بعد العراق‬ ‫واململكة العربية السعودية)‪ .‬العامل الثاني يتعلق بقدرة صانع القرار‬ ‫الهندي خالل العقود السابقة على خلق مساحة كبيرة من المتايز عن‬ ‫"الشريك" األمريكي يف عدد من ملفات السياسة اخلارجية‪ ،‬وعلى‬ ‫رأسها امللف اإليراني ذاته‪ .‬فقد استطاعت الهند تطوير عالقاتها‬ ‫السياسية واألمنية واالقتصادية مع إيران منذ بداية عقد تسعينيات‬ ‫القرن املاضي‪ ،‬وذلك رغم تأزم العالقات األمريكية‪ -‬اإليرانية على‬ ‫خلفية ملفات عديدة‪ ،‬منها البرنامج النووي اإليراني‪ .‬هناك عوامل‬ ‫عديدة تفسر هذا النجاح الهندي ‪-‬ليست موضوع هذا املقال‪ -‬لكن‬ ‫ما ميكن التأكيد عليه هنا أن هذه اخلبرة الهندية قابلة للتكرار‬ ‫وإعادة اإلنتاج مرة أخرى مع بدء فصل جديد من األزمة األمريكية‪-‬‬ ‫اإليرانية‪.‬‬ ‫يتعلق العامل الثاني بوجود مصالح استراتيجية‬ ‫قوية لدى الهند مع إيران قد حتول دون قبول‬ ‫األخيرة حدوث انتكاسة يف حجم التقدم الذي‬ ‫شهدته العالقات بني البلدين‪ .‬وتستند هذه املصالح‬ ‫على مشروعات استراتيجية ضخمة‪ ،‬ترتبط يف‬ ‫معظمها بالتوازنات واملنافسات الكبرى يف آسيا‪،‬‬ ‫وعلى رأسها التنافس الهندي‪ -‬الصيني الذي أخذ‬ ‫أبعا ًدا مهمة خالل السنوات اخلمس األخيرة‪.‬‬ ‫وعلى سبيل املثال‪ ،‬فقد تبع طرح الصني‪ ،‬خالل‬ ‫العام ‪٢٠١٣‬م‪ ،‬ملشروعها الضخم "مبادرة احلزام‬ ‫والطريق"‪ ،‬بشقيه البري (احلزام االقتصادي لطريق‬ ‫احلرير) والبحري (طريق احلرير البحري للقرن‬ ‫احلادي والعشرين)‪ ،‬وما يتضمنه من تعميق حالة التكامل والربط‬ ‫االقتصادي بني الصني وأكثر من ‪ ٦٤‬دولة تتوزع على أقالمي شرق‪،‬‬ ‫وجنوب‪ ،‬وجنوب شرق‪ ،‬وشمال‪ ،‬ووسط آسيا‪ ،‬والشرق األوسط‪،‬‬ ‫وشرق أفريقيا‪ ،‬وأوروبا‪ ،‬من خالل بناء عدد من املمرات االقتصادية‬ ‫وشبكات الطرق الدولية (البرية والبحرية) والسكك احلديدية‪ ،‬تبع‬ ‫ذلك تصاعد قلق كبير لدى الهند بشأن التداعيات االستراتيجية‬ ‫للمبادرة بشكل عام‪ ،‬وبعض مكوناتها بشكل خاص‪ .‬ومن أهم ما يثير‬ ‫القلق الهندي يف هذا اإلطار "املمر االقتصادي الصني‪ -‬باكستان"‪،‬‬ ‫والذي تضمن قيام الصني بتحديث ميناء جوادار الباكستاني (جنوب‬ ‫غرب)‪ ،‬وبناء شبكة من السكك احلديدية داخل باكستان بهدف ربط‬ ‫ميناء جوادار مبيناء قاشجار البري (بإقلمي شينجياجن الصيني)‪ ،‬مبا‬ ‫يتضمنه ذلك من إمكانية جتنب مرور التجارة الصينية مع عدد من‬ ‫األقالمي (خاصة منطقة اخلليج العربي‪ ،‬وشرق إفريقيا) عبر املضايق‬ ‫واملمرات التقليدية (خاصة مضيقا ملقا وتايوان‪ ،‬باإلضافة إلى‬

‫المرونة األمريكية‬ ‫المتوقع��ة يف تطبيق‬ ‫العقوب��ات ع�لى حال��ة‬ ‫الحلف��اء ومنه��م الهند‬ ‫ربما تنسحب إىل حالتي‬ ‫كوريا الجنوبية واليابان‬

‫رمبا يظل فقط املتغير املهم يف احلالة الصينية‬ ‫الذي يعمل يف االجتاه املعاكس‪ ،‬هو العالقات الصينية‬ ‫املهمة مع دول اخلليج العربي‪ ،‬وعلى رأسها اململكة‬ ‫العربية السعودية‪ .‬لكن ال توجد حتى اآلن مؤشرات‬ ‫كافية للقول بإمكانية تغليب بكني حلساباتها‬ ‫ومصاحلها مع دول اخلليج العربي‪ ،‬خاصة يف ظل عدم وجود تكلفة‬ ‫محددة على هذا املستوى‪ ،‬مقابل املكاسب االقتصادية الصينية‬ ‫املتوقعة يف حالة االلتزام باالتفاق النووي اإليراني‪ ،‬مثل إمكانية‬ ‫حصول بكني على النفط اإليراني بتكلفة أقل نتيجة العقوبات‪ ،‬فض ً‬ ‫ال‬ ‫عن صعوبة اتخاذ دول اخلليج العربي قرا ًرا سلب ًيا جتاه بكني يف‬ ‫هذا املجال خو ًفا من التأثير على السوق الصينية كوجهة أساسية‬ ‫للصادرات النفطية اخلليجية‪.‬‬

‫ويف حالة الهند‪ ،‬ورغم العالقات االستراتيجية املهمة التي‬ ‫تربطها مع الواليات املتحدة‪ ،‬لكن يصعب القول ً‬ ‫أيضا بحدوث حتول‬ ‫جوهري متوقع على املدى القريب يف سياساتها جتاه إيران عقب‬ ‫االنسحاب األمريكي من االتفاق النووي وبدء حزمة جديدة من‬ ‫العقوبات األمريكية‪ .‬يستند هذا االفتراض إلى عدد من العوامل‪.‬‬ ‫يتعلق أولها باالعمتاد الهندي على إيران كمصدر للواردات النفطية‪،‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪73‬‬

‫‪72‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ل���ن ت��ت��ن��اق��ض ط��وك��ي��و و س���ي���ول م���ع أم���ري���ك���ا يف أزم���ة‬ ‫االت��ف��اق ال��ن��ووي اإلي���ران���ي وم���ن ال��م��ت��وق��ع ال��ت��زام��ه��م��ا بالعقوبات‬ ‫لدى اليابان وكوريا اجلنوبية حول إمكانية إقدام إدارة ترامب على‬ ‫إجراء تسوية ألزمة البرنامج النووي الكوري على حساب مصالح كل‬ ‫منهما‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬كأن يمت تسوية البرنامج النووي دون تسوية‬ ‫مشكلة القدرات الصاروخية الكورية‪ ،‬أو على األقل إنهاء القدرات‬ ‫الصاروخية طويلة املدي‪ -‬األكثر أهمية بالنسبة للواليات املتحدة‪-‬‬ ‫وجتاهل القدرات الصاروخية قصيرة ومتوسطة املدى‪ ،‬والتي تهم‬ ‫كوريا اجلنوبية واليابان‪ .‬وتتعمق هذه الشكوك لدى الدولتني على‬ ‫خلفية صدور بيان قمة ترامب‪ -‬كمي بسنغافورة يف ‪ ١٢‬يونيو املاضي‬ ‫دون أي إشارة ملسألة القدرات الصاروخية الكورية‪ .‬من ذلك ً‬ ‫أيضا أن‬ ‫يمت تسوية أزمة البرنامج النووي الكوري دون تسوية ألزمة املخطوفني‬ ‫اليابانيني لدى بيوجن ياجن‪ ،‬وهي مسألة حتظى باهمتام كبير من جانب‬ ‫احلكومة اليابانية والرأي العام الياباني‪ .‬ولعل ما يعمق هذا التخوف‬ ‫لدى طوكيو ً‬ ‫أيضا ما أشار إليه بيان سنغافورة من تعاون واشنطن‬ ‫وبيوجن ياجن يف التعرف على رفات اجلنود األمريكيني املفقودين خالل‬ ‫احلرب الكورية‪ -‬الكورية‪ ،‬وتسلميهم إلى الواليات املتحدة‪.‬‬

‫يف ظل هذه احلسابات‪ ،‬ليس من املتوقع أن تأخذ أي من طوكيو‬ ‫أو سيول مواقف تتناقض مع املوقف األمريكي من أزمة االتفاق‬ ‫النووي اإليراني‪ .‬ومن ثم‪ ،‬من املتوقع ً‬ ‫أيضا أن يكون هناك التزام كبير‬ ‫من جانبهما بسياسة العقوبات ضد إيران‪ .‬ولعل ما يؤكد هذا التحليل‬ ‫التراجع يف متوسط الواردات النفطية الكورية من إيران خالل عام‬ ‫‪٢٠١٨‬م‪ ،‬وقبل االنسحاب الرسمي األمريكي من االتفاق النووي‪ ،‬إلى‬ ‫حوالي ‪ ٣٠٠‬ألف برميل يوم ًيا باملقارنة مبتوسط ‪ ٣٦٠‬ألف برميل‬ ‫خالل العام ‪٢٠١٧‬م‪.‬‬ ‫أما يف حالة الصني والهند‪ ،‬وهما املستوردان األكبر للنفط‬ ‫اإليراني‪ ،‬فإن األمر يخضع حلسابات مختلفة‪ .‬فيف حالة الصني‪ ،‬هناك‬ ‫عدد من املعطيات املهمة‪ ،‬أولها حجم الطلب الصيني الضخم على‬ ‫النفط‪ ،‬واحلاجة إلى تأمني هذا الطلب لضمان اسمترار معدل المنو‬ ‫االقتصادي (متثل الصني املستورد األول للنفط اإليراني مبتوسط‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪71‬‬

‫ما بعد االنسحاب األمريكي من االتفاق النووي اإليراني‪ :‬حسابات آسيوية متباينة‬

‫المصالح الصينية والهندية أوراق إيرانية‬ ‫مهمة يف إدارة أزمة االنسحاب األمريكي‬ ‫متثل الدائرة اآلسيوية مجاالً مه ًما للتحركات اإليرانية املتوقعة خالل املرحلة املقبلة‪ ،‬يف إطار إدارتها ملرحلة من بعد‬ ‫االنسحاب األمريكي من االتفاق النووي‪ .‬وترجع أهمية الدائرة اآلسيوية يف هذا املجال إلى عدد من املعطيات املهمة‪ .‬األول‪،‬‬ ‫يتعلق بوجود إحدى الدول اآلسيوية املهمة ضمن األطراف الدولية اخلمس املوقعة على االتفاق النووي‪ ،‬وهي الصني‪ .‬املعطى‬ ‫الثاني‪ ،‬يتعلق بأهمية إيران كمصدر مهم للواردات اآلسيوية من النفط‪ .‬وقد تلى توقيع االتفاق النووي اإليراني يف يوليو‬ ‫‪٢٠١٥‬م‪ ،‬تنامي املراهنات اآلسيوية على سوق النفط اإليرانية‪ ،‬يف اجتاهني أساسيني‪ .‬األول‪ ،‬هو تنامي فرص النفاذ إلى هذه‬ ‫السوق كمصدر مهم لواردات النفط والغاز‪ ،‬ومن ثم تنويع مصادر هذه الواردات وتخفيض حجم التبعية أو االعمتادية على‬ ‫سوق واحدة‪ .‬االجتاه الثاني هو ما تضمنته مرحلة ما بعد توقيع االتفاق ورفع العقوبات من فرص مهمة لنفاذ االستثمارات‬ ‫والشركات اآلسيوية إلى سوق الطاقة اإليرانية‪ ،‬بجانب قطاعات أخرى مثل قطاع البنية األساسية‪.‬‬

‫د‪ .‬محمد فايز فرحات‬

‫وجتدر اإلشارة هنا إلى أن السوق اآلسيوية متثل املصدر الرئيس‬ ‫للصادرات النفطية اإليرانية‪ ،‬حوالي ‪ ١.٥‬مليون برميل يوم ًيا‪ ،‬تستحوذ‬ ‫الصني والهند واليابان وكوريا اجلنوبية على النسبة األكبر منها‪ .‬ومن‬ ‫ثم‪ ،‬فإن جناح سياسة العقوبات األمريكية على إيران‪ ،‬خاصة يف‬ ‫مجال الطاقة‪ ،‬سيعمتد إلى حد كبير على مدى التزام القوى اآلسيوية‬ ‫بهذه العقوبات‪.‬‬ ‫املعطى الثالث‪ ،‬يتعلق بوجود مشروع آخر لبناء برنامج نووي‬ ‫(عسكري) داخل إحدى الدول اآلسيوية الصغيرة‪ ،‬وهي كوريا‬ ‫الشمالية‪ ،‬مير مبرحلة انتقال مهمة‪ .‬وسيكون للمآل األخير لهذا‬ ‫املشروع تأثيره املهم على مستقبل االتفاق النووي اإليراني وطريقة‬ ‫إدارته‪ .‬الهدف اإليراني هنا هو املراهنة على فشل العملية اجلارية‬ ‫واضحا يف التحذيرات‬ ‫إلجناز تسوية تاريخية لهذه احلالة‪ .‬كان ذلك‬ ‫ً‬ ‫اإليرانية املتتالية لصانع القرار الكوري الشمالي بعدم الوثوق بأية‬ ‫تعهدات أمريكية‪.‬‬

‫لكن مع أهمية املعطيات الثالث السابقة‪ ،‬واألهمية اإليرانية‬ ‫بالنسبة للقوى اآلسيوية‪ ،‬ليس من املتوقع أن تسلك هذه القوى‬ ‫سياسات واحدة بشأن مسألة العقوبات ومرحلة ما بعد االنسحاب‬ ‫األمريكي من االتفاق‪ ،‬ألسباب تتعلق بتباين احلسابات احلاكمة لكل‬ ‫منها‪ .‬ويهدف هذا املقال إلى فهم هذه احلسابات‪.‬‬ ‫من ناحية‪ ،‬من املتوقع حدوث متاهي كبير بني كل من اليابان وكوريا‬ ‫اجلنوبية مع الواليات املتحدة‪ ،‬سواء جلهة طبيعة العالقات التاريخية‬ ‫بني الدول الثالث منذ نهاية احلرب العاملية الثانية‪ ،‬أو جلهة طبيعة‬ ‫اللحظة الراهنة والتي قد تضطر اليابان وكوريا اجلنوبية االلتزام‬ ‫بدرجة كبيرة من التنسيق مع الواليات املتحدة فميا يتعلق بامللف‪/‬‬ ‫التهديد الكوري الشمالي الذي مير مبرحلة شديدة احلساسية‬ ‫والغموض‪ .‬وبعيدًا عن التفاصيل املعقدة‪ ،‬فإن ما ميكن التأكيد عليه‬ ‫هنا أن حالة الغموض التي تكتف مستقبل هذا امللف رغم التحوالت‬ ‫اإليجابية املتسارعة التي يشهدها منذ يناير ‪٢٠١٨‬م‪ ،‬تعمق القلق‬

‫‪70‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إع��ادة فرض العقوبات األمريكية الصارمة عىل إي��ران ي��ؤدي إىل‬ ‫فقدان طهران (‪ )200‬مليار دوالر قيمة صفقات الطاقة يف األمد القريب‬ ‫املواد الغذائية وغيرها من متطلبات املعيشة اليومية‪ ،‬ومن املتوقع أن‬ ‫يتخطى معدل التضخم يف إيران خالل العام احلالي (‪.)%12‬‬

‫‪ ) 2‬الـتأثير عىل معدل النمو يف الناتج المحيل اإلجمايل‪:‬‬

‫جتدد العقوبات األمريكية على طهران ‪,‬وفرض سياسة جتفيف‬ ‫منابع صادرات إيران من النفط اخلام سوف يسهم يف تقليص عوائد‬ ‫إيران من النفط والغاز‪ ،‬ومن ثم خفض مساهمة النفط والغاز يف‬ ‫الناجت احمللي اإلجمالي الذي يتوقع أن يحقق من ًوا بنحو ‪ %4‬عام‬ ‫‪2018‬م‪ ،‬مقارنة مبعدل المنو لعامي ‪2016‬م‪ ،‬واملقدر بنحو (‪)%12.5‬‬ ‫‪ .‬وتوقع بنك "باركليز" الدولي أن يؤدي استئناف العقوبات األمريكية‬ ‫إلى إضعاف قدرة إيران على جذب االستثمارات األجنبية ما يبقي‬ ‫إنتاج البالد مستق ًرا أو أقل حتى عام ‪2025‬م‪ ،‬ويلقي بظالل سلبية‬ ‫على منو الناجت احمللي اإلجمالي ‪.‬‬

‫‪ )3‬الـتأثير عىل القطاع الصناعي‪:‬‬

‫شهدت صناعة البتروكمياويات التي كانت تكافح من أجل التعايف‬ ‫منذ تخفيف القيود املفروضة على العقوبات منذ أكثر من عامني من ًوا‬ ‫متصاعدًا‪ ،‬حيث تضاعف شحنات البتروكمياويات اإليرانية ‪ -‬مبا‬ ‫يف ذلك اإليثلني وامليثانول واألسمدة ‪ -‬منذ عام ‪2013‬م‪ ،‬حيث بلغ‬ ‫إجمالي اإلنتاج نحو ‪ 53.6‬مليون طن يف األشهر الـ ‪ 12‬املنتهية يف‬ ‫‪ 21‬مارس ‪2018‬م ‪ ،‬لكن هذا المنو سرعان ما سيواجه حتديات مع‬ ‫إحجام الكثير من الدول من شراء منتجات هذه الصناعة‪.‬‬

‫‪ )4‬اآلثار عىل قطاع الطاقة‪:‬‬

‫من املتوقع أن تعرقل العقوبات االقتصادية التي سنها الرئيس‬ ‫األمريكي ترامب تقدم قطاع الطاقة اإليراني‪ ،‬وأشار تقرير ‪World‬‬ ‫‪ Oil‬بأن إعالن ترامب بإعادة فرض العقوبات األمريكية الصارمة‬ ‫على إيران سيؤدي إلى فقدان طهران (‪ )200‬مليار دوالر هي قمية‬ ‫صفقات الطاقة التي كانت متوقعة يف األمد القريب‪ ،‬حيث أن هذه‬ ‫العقوبات سوف تؤثر على االستثمار يف كل من مشاريع النفط والغاز‬ ‫الطبيعي ال سميا مع انسحاب الشركات النفطية من إيران يف مقدمتها‬ ‫شركة توتال الفرنسية التي تستثمر يف إيران وفازت بعقد قميته (‪)5‬‬ ‫مليار دوالر لتطوير حقل غاز جنوب فارس العمالق‪ .‬ومن املتوقع أن‬

‫تسبب العقوبات االقتصادية بإلغاء عدد من مشاريع استخراج النفط‬ ‫وإلى انخفاض طاقة إنتاج النفط‪ ،‬نتيجة انسحاب الشركات األجنبية‬ ‫العاملة يف قطاع النفط والغاز‪ ،‬كما ستعيق العقوبات ً‬ ‫أيضا استيراد‬ ‫املنتجات املكررة‪ ،‬حيث تعمتد إيران بنحو (‪ )%16‬على اخلارج يف سد‬ ‫الطلب احمللي على الوقود واملشتقات النفطية‪.‬‬ ‫وعالوة على اآلثار االقتصادية للحصار املتوقع اسمتراره‬ ‫حلني رضوخ إيران للمطالب األمريكية االثني عشر‪ ،‬ستكون‬ ‫هناك تداعيات على األوضاع الداخلية يف إيران التي تشهد اليوم‬ ‫احتجاجات شعبية بسبب انقطاع املياه وملوحتها يف جنوب غرب‬ ‫البالد وندرة املياه يف مدينة خرمشهر‪ ،‬وكذلك التدهور االقتصادي‪،‬‬ ‫الذي فاقم من معدالت البطالة‪ ،‬حيث وصل عدد العاطلني عن‬ ‫العمل نحو (‪ )7.5‬مليون شخص‪ ،‬ويعيش (‪ )%25‬من سكان إيران يف‬ ‫املساكن العشوائية بضواحي املدن اإليرانية‪ ،‬وهناك أكثر من (‪)12‬‬ ‫مليون مواطن يعيشون حتت خط الفقر عالوة على انتشار تعاطي‬ ‫املخدرات بشكل كبير يف الفئة العمرية (‪ )64-15‬سن‪ ،‬حيث وصل‬ ‫عدد متعاطي املخدرات نحو (‪ )4‬ماليني شخص‪.‬‬ ‫ويف اخلتام نقول بأن غياب الصادرات النفطية اإليرانية‬ ‫عن السوق العاملية نتيجة العقوبات االقتصادية سوف لن يؤثر كثي ًرا‬ ‫على أسعار النفط العاملية‪ ،‬حيث أن الدول املستوردة ويف مقدمتها‬ ‫الصني واالحتاد األوروبي واليابان وكوريا اجلنوبية والهند ميكنها‬ ‫أن تستخدم مخزوناتها التجارية واالستراتيجية من النفط لتعويض‬ ‫غياب النفط اإليراني ولتهدئة األسعار‪ ،‬عالوة على دور الضابط‬ ‫األكبر إليقاع أسعار النفط العاملية هي اململكة العربية السعودية‪،‬‬ ‫التي استطاعت أن تضمن أمن امدادات الطاقة يف فترات احلصار‬ ‫االقتصادي على كل من إيران والعراق‪ ،‬عالوة على اإلنهاء املتوقع‬ ‫التفاق خفض اإلنتاج يف ديسمبر القادم‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن التنسيق‬ ‫األمريكي السعودي والتنسيق الروسي السعودي بشأن ضمان‬ ‫امدادات أمن الطاقة من خالل زيادة إنتاج النفط اخلام‪.‬‬

‫*أكادميي متخصص بالشؤون االقتصادية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫(‪ )800‬ألف برميل يوم ًيا ابتدا ًء من مطلع يوليو احلالي للحفاظ على‬ ‫توازن السوق وملنع حدوث انخفاض يف املعروض النفطي‪ ،‬كما يتوقع‬ ‫أن ينتهي العمل باتفاق خفض اإلنتاج مع نهاية العام احلالي مما‬ ‫سيوفر الفرصة لسوق النفط من استعادة توازنه والتخفيف من‬ ‫الضغوط على أسعار النفط اخلام نتيجة العقوبات على قطاع النفط‬ ‫اإليراني‪.‬‬

‫ثالثاً‪ -‬تداعيات الحظر االقتصادي عىل النمو واألوضاع‬ ‫الداخلية يف إيران‪:‬‬

‫ميكن القول بأن القرار األخير بعودة العقوبات االقتصادية‬ ‫األمريكية واستكمالها بالتضييق على واردات إيران النفطية سيكون‬ ‫له تداعيات خطيرة على االقتصاد اإليراني بدأت جتلياتها خالل‬ ‫الشهر املنصرم وسوف تتصاعد هذه العقوبات مع انتهاء املهلة‬ ‫األمريكية للدول والشركات التي تتعامل مع إيران يف الرابع من‬ ‫شرحا ألثار هذه العقوبات املتوقعة على‬ ‫نوفمبر القادم‪ .‬وفميا يلي‬ ‫ً‬ ‫االقتصاد اإليراني‪:‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪69‬‬

‫‪ )1‬التأثير عىل اسعار صرف العملة‪:‬‬

‫عالوة على التأثيرات املتوقعة على قطاع النفط والغاز‪ ،‬فإن‬ ‫للعقوبات االقتصادية تأثير كبير على أسعار صرف العملة اإليرانية‪،‬‬ ‫فقد هبط سعر صرف الريال اإليراني أمام الدوالر األمريكي إلى‬ ‫مستويات فلكية لم يصلها من قبل‪ ،‬حيث بلغت قمية الدوالر الواحد‬ ‫نحو (‪ )90‬ألف ريال إيراني‪ .‬فقد انخفض سعر صرف الريال‬ ‫اإليراني ‪ 1277‬ضع ًفا‪ ،‬أي بنسبة ‪ %127574‬وذلك منذ عام ‪1979‬م‪،‬‬ ‫إذ كانت تبلغ قمية الدوالر الواحد (‪ )70.5‬ريال إيراني يف عام‬ ‫‪1979‬م‪ ،‬وبنهاية شهر يونيو ‪2018‬م‪ ،‬أصبح الدوالر الواحد يساوي‬ ‫(‪ )90‬ألف ريال إيراني‪ .‬وتتراجع العملة اإليرانية منذ شهور‪ ،‬بسبب‬ ‫األداء االقتصادي الضعيف‪ ،‬والصعوبات املالية يف املصارف احمللية‪،‬‬ ‫والطلب الكثيف على الدوالر بني اإليرانيني القلقني من انسحاب‬ ‫واشنطن من االتفاق النووي‪ ،‬وساهم انخفاض سعر صرف الريال‬ ‫اإليراني والقيود التي وضعها البنك املركزي اإليراني على بيع الدوالر‬ ‫للمواطنني بالسعر الرسمي ألغراض السفر للخارج يف موجة من‬ ‫االحتجاجات الشعبية‪ ،‬كما يؤثر انهيار العملة يف أي دولة على احلياة‬ ‫اليومية بشكل مباشر‪ ،‬حيث يرتفع التضخم بسبب ارتفاع أسعار‬

‫تشهد أس��واق النفط العالمية حالة من الترقب وع��دم اليقين‬ ‫وب���دأت بعض المصايف يف آسيا البحث ع��ن ب��دائ��ل للنفط اإلي��ران��ي‬

‫‪68‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫وأشار متحدث رسمي لشركة « ‪ ،»GXTG‬وهي التي تُعد من أكبر‬ ‫شركات التكرير اليابانية أن الشركة سوف تلتزم بأي قرار يصدر‬ ‫من احلكومة اليابانية بشأن تعليق الواردات‪ ،‬وأنها سوف تبحث‬ ‫حينها عن االستيراد من جهات أخرى من الشرق األوسط والواليات‬ ‫املتحدة وغرب إفريقيا‪.‬‬ ‫وأعلنت يف كوريا اجلنوبية‪ ،‬كل من شركات «إس كيه» و«هانهوا»‬ ‫و«هيونداي أويل بانك» أنهم سيتوقفون عن استيراد املكثفات من‬ ‫إيران كلقمي يف معامل البتروكمياويات‪ ،‬وسيبحثون عن منتجات‬ ‫واضحا الكمية التي‬ ‫أخرى مثل النافثا لتحل محلها ‪.‬وال يبدو‬ ‫ً‬ ‫تخسرها إيران من جراء احلظر على نفطها‪،‬‬ ‫غير أن مراقبو السوق يتوقعون أن ينخفض إنتاج‬ ‫النفط اإليراني مبقدار الثلث بنهاية ‪2018‬م‪ ،‬ويعني‬ ‫ذلك أن إيران لن حتقق مكس ًبا يذكر من اتفاق‬ ‫زيادة إنتاج أوبك األخير يف ‪ 23‬يونيو ‪2018‬م‪ ،‬بنحو‬ ‫(‪ )800‬ألف برميل على عكس منافسيها‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫اجمتاعا مع املصايف وحثتها على إيجاد بدائل للنفط‬ ‫يوليو ‪2018‬م‪،‬‬ ‫ً‬ ‫اإليراني‪ ،‬وذلك حلماية انكشاف االقتصاد الهندي على النظام املالي‬ ‫األمريكي‪ .‬كما قررت ريالينس أند ستريز املشغلة ألكبر مجمع تكرير‬ ‫يف العالم وقف الواردات من إيران‪.‬‬ ‫وغني عن البيان‪ ،‬فقد أثار قرار الرئيس األمريكي دونالد ترامب‬ ‫باالنسحاب من االتفاق النووي اإليراني وعودة العقوبات االقتصادية‬ ‫املشددة على طهران حالة من الترقب والقلق يف سوق النفط اخلام‬ ‫وسط توقعات واسعة بمنو األسعار بسبب تقلص الصادرات اإليرانية‬ ‫على نحو حاد قدره البعض بأكثر من مليون برميل يوم ًيا‬ ‫وتتجه األنظار يف السوق إلى كبار املنتجني يف‬ ‫العالم وعلى رأسهم السعودية وروسيا يف كيفية‬ ‫التعاطي مع القرار اجلديد واستيعاب تأثيراته‬ ‫وتخفيف آثاره السلبية يف سوق النفط اخلام‪.‬‬

‫عقوب��ات ماي��و‬ ‫‪ 2018‬غي��ر مس��بوقة‬ ‫يف التاريخ وتس��تهدف‬ ‫تجفيف منابع الصادرات‬ ‫النفطي��ة اإليراني��ة‬ ‫وقط��ع مص��ادر تمويل‬ ‫المليش��يات المنفلت��ة‬

‫أما بالنسبة لروسيا‪ ،‬فسيكون تأثير ارتفاع‬ ‫أسعار النفط إيجاب ًيا يف املقام األول على إيرادات‬ ‫املوازنة‪ .‬وإذا بقيت أسعار النفط مرتفعة‪ ،‬فينبغي‬ ‫توقع زيادة اإلنفاق‪ .‬لكن من ناحية أخرى‪ ،‬فإن‬ ‫القرار األمريكي بشأن إيران يهدد مصالح روسيا‪.‬‬ ‫فأوالً‪ ،‬العقوبات االقتصادية ضد إيران ستضع‬ ‫حدًا لعدد من املبادرات االقتصادية الروسية‪-‬اإليرانية‪ ،‬التي تخطط‬ ‫غاز بروم للمشاركة فيها؛ وثان ًيا‪ ،‬سيكون فرض حظر على شراء‬ ‫النفط اإليراني مبثابة تذكير املستثمرين بأن الواليات املتحدة قادرة‬ ‫على اتخاذ مثل هذه اخلطوة ضد روسيا ً‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫وتواجه إيران تهديدات تراجع صادراتها النفطية بشكل حاد يف‬ ‫ظل إعالن العديد من الدول والشركات األوروبية واآلسيوية وقف أو‬ ‫تقليص مشترياتها النفطية من طهران بسبب العقوبات األمريكية‬ ‫املرتقبة عليها‪ ،‬حيث أن عد ًدا من الدول الكبرى املستوردة للنفط‬ ‫بدأت تبحث وقف استيراد النفط من إيران امتثاالً لضغوط اإلدارة‬ ‫األمريكية‪.‬‬

‫وعلقت كوريا اجلنوبية بالفعل بعض وارداتها النفطية من إيران‪،‬‬ ‫يف الوقت الذي تبحث فيه شركة بترول اإلمارات الوطنية "اينوك"‬ ‫عن بدائل للشحنات اإليرانية واألوروبية‪ ،‬توقعت مصادر توقف‬ ‫الشركات األوروبية كلّ ًيا عن استيراد النفط اإليراني‪ ،‬لكنها لم حتدد‬ ‫وقتًا لتنفيذ قرارها‪ ،‬كما أن وزارة النفط الهندية عقدت مطلع‬

‫وتوقع محللون أن تعمل السعودية مع روسيا‬ ‫على ضمان استقرار وتوازن السوق وتعويض كافة‬ ‫التوقفات والتراجعات الطارئة يف إمدادات النفط‬ ‫اخلام مبا يضمن احلفاظ على توازن العرض والطلب‬ ‫يف األسواق ومبا يؤمن اإلمدادات على املدى الطويل‪.‬‬

‫ومن نافلة القول‪ ،‬فإن السعودية بقدراتها‬ ‫اإلنتاجية الواسعة قادرة على التعامل مع الوضع‬ ‫اجلديد يف السوق وتعويض اإلمدادات الناقصة واحلفاظ على شراكة‬ ‫قوية بني املنتجني مبا يبني على النجاحات السابقة ويعزز استقرار‬ ‫سوق النفط‪ ،‬وخير مصداق على ذلك عندما قامت بالتعويض عن‬ ‫النفط اإليراني بعد العقوبات التي فرضت على إيران عام ‪2012‬م‪،‬‬ ‫أن الدور السعودي القيادي يف السوق سيظل محور ًيا بالتعاون مع‬ ‫بقية الشركاء سواء يف "أوبك" أو خارجها‪.‬‬ ‫وغني عن البيان‪ ،‬فإن املنتجني من أوبك وخارجها كانوا قد‬ ‫بدؤوا يف خفض إنتاج النفط العام املاضي مبقدار (‪ )1.8‬مليون‬ ‫برميل يوم ًيا بقصد تخليص السوق من وفرة املعروض العاملية‪.‬‬ ‫وساهم هذا التخفيض يف القضاء على فائض مخزونات النفط‬ ‫اخلام العاملية وهو ما جعل السعودية أكبر مصدر للنفط اخلام يف‬ ‫العالم‪ ،‬حتث األعضاء اآلخرين على مواصلة خفض اإلنتاج‪ ،‬لكم‬ ‫املشهد اليوم قد تغير متا ًما‪ ،‬حيث أن التخفيضات اإلنتاجية جاوزت‬ ‫حال ًيا املستهدف ال سميا بعد قرار عودة العقوبات على إيران وهو‬ ‫ما دعا أعضاء أوبك والدول املشاركة يف اتفاق خفض اإلنتاج يف‬ ‫اجمتاعهم يف ‪ 23‬يونيو ‪2018‬م‪ ،‬إلى االتفاق على زيادة اإلنتاج مبقدار‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪67‬‬

‫يمكن االستغناء عن صادرات إيران النفطية لوجود طاقات إنتاجية لدى‬ ‫أوبك وخارجها تستطيع تعويض اإلنتاج اإليراني ما يعني هامشية دور إيران‬ ‫مخاطر جيوسياسية يف األشهر القادمة‪ ،‬وأن تقلبات أسعار النفط‬ ‫ستسمتر يف التزايد‪ .‬مالم تتعاون الدول التي تستورد النفط اإليراني‬ ‫السميا الصني والهند وكوريا يف تبني بدائل عنه والذي سيكون‬ ‫متاح مع الطلب األمريكي مؤخ ًرا من اململكة العربية السعودية لرفع‬ ‫إنتاجها بنحو مليوني برميل يوم ًيا‪.‬‬ ‫ويرى مصرف «سيتي غروب» األمريكي‪ ،‬أن التوتر بشأن احلظر‬ ‫على النفط اإليراني ساهم يف رفع أسعار النفط بنحو ‪ 5‬دوالرات‬ ‫مؤخ ًرا‪ ،‬ولكن ما إن يمت اتخاذ قرار باحلظر فإن العالوة السعرية‬ ‫سوف تزيد على هذا‪ .‬وتوقع بعض احملللني أن الرئيس ترمب سوف‬ ‫يخرج بصورة قوية؛ ليس لفرض حظر على النفط اإليراني‪ ،‬بل‬ ‫إلعطاء قادة أوروبا املزيد من الوقت من أجل مراجعة أنفسهم‬ ‫واالنضمام إلى احلظر على نفط إيران‪.‬‬ ‫وتشهد أسواق النفط العاملية اليوم حالة من الترقب وعدم اليقني‪،‬‬ ‫حيث بدأت بعض املصايف يف آسيا البحث عن بدائل للنفط اإليراني‪،‬‬ ‫عقب اإلعالن عن أن الواليات املتحدة ستضغط على حلفائها لوقف‬ ‫كامل مشترياتهم من نفط إيران قبل نهاية العام اجلاري‪ .‬ويف الوقت‬

‫الذي تسعى فيه شركات التكرير يف تايوان واليابان وكوريا اجلنوبية‬ ‫واإلمارات العربية املتحدة لتخفيض وارداتها بشكل كبير‪ ،‬حيث‬ ‫أصبحت مسألة احلظر على النفط اإليراني وشيكة وسط تشدد‬ ‫أمريكي بعدم إعطاء أي إعفاءات ألي دولة الستيراد أي شحنات‬ ‫نفط إيرانية‪ ،‬ال تزال الشركات يف الهند تنتظر قرار احلكومة بوقف‬ ‫استيراد النفط اإليراني من عدمه‪.‬‬ ‫إن الواليات املتحدة طلبت من جميع الدول وقف واردات النفط‬ ‫اإليراني اعتبا ًرا من الرابع من نوفمبر املقبل ‪.‬ونقلت وكالة بلومبيرغ‬ ‫عن مصادر يف شركة «فيوجي» اليابانية و«فرموزا» للبتروكمياويات‬ ‫يف تايوان أنهما تفكران حال ًيا يف إيقاف كامل استيرادهما من النفط‬ ‫اإليراني؛ إال أنهما لم تتخذا أي قرار نهائي حول املوضوع‪ .‬ويف دبي‬ ‫تبحث شركة «اينوك» عن بدائل حال ًيا للنفط اإليراني‪ ،‬فميا أوقفت‬ ‫بعض املصايف الكورية وارداتها من نفط إيران ‪.‬ومن املتوقع أن‬ ‫تنخفض واردات كوريا اجلنوبية من النفط اإليراني ألدنى مستوياتها‬ ‫يف ثالث سنوات يف سبمتبر املقبل مع إحجام مشترين عن حجز‬ ‫شحنات من هذا النفط‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫وجدير بالذكر أن معدل صادرات النفط اإليراني من هذا‬ ‫اإلنتاج يبلغ نحو (‪ )2.5‬برميل يوم ًيا تشكل حوالي نحو ‪ %8‬من‬ ‫الصادرات النفطية العاملية‪ ،‬وتشير خارطة صادرات إيران من النفط‬ ‫والسوائل للعام ‪2017‬م‪ ،‬إلى أن اجلزء األكبر من هذه الصادرات‬ ‫تذهب إلى دول آسيا بواقع (‪ )% 24‬للصني و(‪ )%18‬للهند و (‪)%14‬‬ ‫لكوريا اجلنوبية‪ ،‬كما يذهب نحو (‪ )%35‬نحو أوروبا والشكل التالي‬ ‫يبني ذلك‪.‬‬ ‫شكل (‪ )1‬الدول األكثر استيرا ًدا للنفط اخلام والسوائل من‬ ‫إيران للعام ‪% 2017‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ميثل (‪ )%6.1‬من اإلنتاج العاملي البالغ (‪ )3680.4‬مليار متر مكعب‪،‬‬ ‫واجلدول التالي يبني لك‪.‬‬ ‫إنتاجا للغاز الطبيعي يف العالم‬ ‫جدول (‪ )2‬الدول العشر األكثر‬ ‫ً‬ ‫لعام ‪ " 2017‬مليار متر مكعب"‬

‫م‬

‫الدولة‬

‫اإلنتاج‬

‫النسبة‬ ‫من اإلنتاج‬ ‫العاملي‬

‫‪1‬‬

‫الواليات املتحدة‬

‫‪734.5‬‬

‫‪%20.0‬‬

‫إيران‬

‫‪223.9‬‬

‫‪%6.1‬‬

‫‪2‬‬

‫روسيا‬

‫‪4‬‬

‫كندا‬

‫‪3‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪6‬‬

‫وميكن االستغناء عن حصة إيران من صادرات النفط إذا ما‬ ‫قرر مستوردو النفط منها وذلك لوجود طاقات إنتاجية لدى دول‬ ‫أوبك وخارجها تستطيع أن تعوض عن اإلنتاج اإليراني‪ ،‬وهذا يعني‬ ‫هامشية الدور اإليراني يف السوق العاملية للنفط‪ ،‬فإيران ال تصنف‬ ‫ضمن الالعبني الكبار كروسيا والسعودية والواليات املتحدة يف ضبط‬ ‫إيقاع أسعار النفط العاملية‪ ،‬فالدول الثالثة تستطيع ضخ نحو (‪)11‬‬ ‫مليون برميل يوم ًيا مبا يلبي ثلث الطلب العاملي على النفط وبالتالي‬ ‫سيسهم التفاهم الروسي السعودي من ناحية واألمريكي الروسي من‬ ‫ناحية أخرى يف بقاء أسعار النفط عند مستويات معتدلة مرضية‬ ‫للمنتجني واملستهلكني وسوف يساعد يف التغلب على النقص الذي‬ ‫سينشأ بسبب املقاطعة للنفط اإليراني‪.‬‬ ‫أما بالنسبة إلنتاج الغاز الطبيعي‪ ،‬فتأتي إيران باملرتبة الثالثة‬ ‫على الصعيد العاملي بعد الواليات املتحدة وروسيا االحتادية‪ ،‬حيث‬ ‫بلغ إنتاج إيران من الغاز الطبيعي (‪ )223.9‬مليار متر مكعب سنو ًيا‪،‬‬

‫الصني‬

‫‪7‬‬

‫النرويج‬

‫‪9‬‬

‫السعودية‬

‫‪8‬‬

‫‪Source:Interntional Energy Agency(IEA) ,Focus‬‬ ‫‪2018,Economic Consensus Forecat-March‬‬

‫قطر‬

‫‪10‬‬

‫أستراليا‬ ‫اجلزائر‬

‫‪635.6‬‬ ‫‪176.3‬‬ ‫‪175.7‬‬ ‫‪149.2‬‬

‫‪123.2‬‬ ‫‪113.5‬‬ ‫‪111.4‬‬ ‫‪91.2‬‬

‫‪%17.3‬‬ ‫‪%4.8‬‬

‫‪%4.8‬‬

‫‪%4.1‬‬ ‫‪%3.3‬‬ ‫‪%3.1‬‬ ‫‪%3.0‬‬ ‫‪%2.5‬‬

‫‪Source: British petroleum,BP Statistical Review of‬‬ ‫‪28.P,2018,67th,June,World Eneragy‬‬ ‫وتأتي إيران يف املرتبة السادسة عامل ًيا يف تصدير الغاز الطبيعي‪،‬‬ ‫سنوي مبا يوازي نحو‬ ‫حيث تصدر حوالي (‪ )80‬مليار متر مكعب منه‬ ‫ً‬ ‫‪ %3‬من الصادرات العاملية‪ ،‬حيث أن اجلزء األكبر من إنتاج إيران من‬ ‫الغاز الطبيعي يذهب لسد احتياجات الطلب احمللي‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ -‬تأثيرات الحصار االقتصادي عىل السوق العالمية‬ ‫للنفط‪:‬‬

‫تخطط الواليات املتحدة حلرمان إيران من تصدير النفط اخلام‬ ‫من خالل الضغط على الدول املستوردة له‪ ،‬وكذلك خفض أسعار‬ ‫خصوصا أن‬ ‫النفط لعدم إحداث ضغط على أسواقها احمللية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مخاوف اختفاء النفط اإليراني دفعت أسعار النفط اخلام األمريكي‬ ‫ألعلى مستوى يف ثالثة سنوات ونصف السنة خالل تعامالت نهاية‬ ‫شهر يونيو ‪2018‬م‪ ،‬مقتربة من حوالي (‪ )74‬دوالر للبرميل‪.‬‬ ‫إن إعادة التوازن إلى السوق النفطية العاملية ميكن أن تواجه‬

‫الجزء األكبر من صادرات النفط اإليرانية تذهب إىل آسيا‪)% 24( :‬‬ ‫للصين و(‪ )%18‬للهند و(‪ )%14‬لكوريا الجنوبية ويذهب (‪ )%35‬ألوروبا‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪65‬‬

‫تأثير الحصار االقتصادي ضد إيران على أسعار النفط العاملية‬

‫السعودية قادرة عىل تعويض اإلمدادات ودورها‬ ‫القيادي سيظل محور ًيا مع شركاء "أوبك" و خارجها‬ ‫تلعب العقوبات االقتصادية التي تفرض على الدول ألسباب مختلفة دو ًرا حاس ًما يف التأثير يف البيئة االقتصادية العاملية‬ ‫بصفة عامة وعلى الدول املشمولة بهذه العقوبات على وجه اخلصوص‪ ،‬ومنذ تغيير النظام السياسي يف إيران عام ‪1979‬م‪،‬‬ ‫الذي أطاح بنظام الشاه ذو التوجه الليبرالي‪ ،‬واستبداله بنظام ثيوقراطي يرتكز على ما يسمى بوالية الفقيه‪ ،‬قامت‬ ‫الواليات املتحدة بفرض عقوبات اقتصادية على إيران بسبب سياستها التوسعية التي ترتكز على زعزعة االستقرار يف‬ ‫مناطق مختلفة من العالم السميا منطقة الشرق األوسط ‪.‬‬

‫د‪ .‬نوزاد عبد الرحمن الهيتي‬

‫وما من شك كان لهذه العقوبات االقتصادية تأثيرات على‬ ‫أسواق النفط العاملية باعتبار أن إيران هي من الدول املنتجة‬ ‫الرئيسة املصدرة للنفط والغاز‪ ،‬عالوة على تأثير هذه العقوبات‬ ‫على االقتصاد اإليراني‪ ،‬لكن امللفت للنظر يف العقوبات التي أطلقت‬ ‫يف مايو ‪2018‬م‪ ،‬أنها غير مسبوقة يف التاريخ على حد تعبير وزير‬ ‫اخلارجية األمريكية بومبيو‪ ،‬وتستهدف جتفيف منابع الصادرات‬ ‫اإليرانية النفطية ومن ثم قطع مصادر المتويل التي تستخدمها‪،‬‬ ‫لمتويل املليشيات املنفلتة يف المين والعراق ولبنان وسوريا‪ .‬وسوف‬ ‫نتناول يف هذا املقال األهمية النسبية إليران يف سوق النفط العاملية‪،‬‬ ‫وتأثير احلصار االقتصادي على إيران على أسعار النفط العاملية"‬ ‫وتداعياته على المنو االقتصادي واألوضاع الداخلية يف إيران‪.‬‬

‫أوالً‪ -‬موقع إيران يف سوق النفط والغاز‬

‫تنتج إيران من النفط اخلام يف الوقت احلالي (‪ )4.9‬مليون‬ ‫برميل يوم ًيا تشكل (‪ )%5.4‬من إجمالي اإلنتاج العاملي‪ ،‬تضعها يف‬ ‫املرتبة الرابعة بني أكبر منتجي النفط يف العالم بعد الواليات املتحدة‬ ‫اململكة العربية السعودية وروسيا االحتادية‪ ،‬كما حتتل إيران املرتبة‬ ‫الرابعة يف احتياطي النفط اخلام عامل ًيا بنسبة (‪ ،)%9.3‬حيث تأتي‬ ‫بعد فنزويال والسعودية وكندا‪.‬‬

‫إنتاجا للنفط اخلام يف العالم‬ ‫جدول (‪ )1‬الدول العشر األكثر‬ ‫ً‬ ‫لعام ‪ " 2017‬ألف برميل يوم ًيا"‬ ‫اإلنتاج‬

‫النسبة‬ ‫من اإلنتاج‬ ‫العاملي *‬ ‫‪%14.1‬‬ ‫‪%12.9‬‬ ‫‪%5.4‬‬

‫م‬

‫الدولة‬

‫‪1‬‬

‫الواليات املتحدة‬

‫‪13057‬‬

‫‪2‬‬

‫اململكة العربية السعودية‬

‫‪11951‬‬

‫‪4‬‬

‫إيران‬

‫‪4982‬‬

‫‪3‬‬

‫روسيا االحتادية‬

‫‪11257‬‬

‫‪%12.1‬‬

‫‪5‬‬

‫كندا‬

‫‪4831‬‬

‫‪%5.2‬‬

‫‪6‬‬

‫العراق‬

‫‪4520‬‬

‫‪%4.9‬‬

‫‪3846‬‬

‫‪%4.1‬‬

‫‪3025‬‬

‫‪%3.3‬‬

‫‪7‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪10‬‬

‫اإلمارات‬ ‫الصني‬ ‫الكويت‬ ‫البرازيل‬

‫‪3935‬‬

‫‪2734‬‬

‫‪%4.2‬‬

‫‪%2.9‬‬

‫‪Source: British petroleum,BP Statistical Review of‬‬ ‫‪14.P,2018,67th,June,World Eneragy‬‬ ‫*مت احتساب النسبة من الباحث‬

‫‪64‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إس��رائ��ي��ل ع�لى أه��ب��ة االس��ت��ع��داد للتدخل ال��ج��وي ض��د األه���داف‬ ‫اإليرانية بالتنسيق مع أمريكا أو بدونه يف حالة ب��دء إي��ران الحرب‬ ‫وباملوقف العام‪ ،‬االستراتيجي حينئذ‪..‬‬ ‫‪ – 1‬السيناريو األول‪ :‬أن تبدأ إيران احلرب‪:‬‬ ‫وهو األكثر احمتاالً بهدف التخلص من الضغوط األمريكية‬ ‫واخلليجية بشن حرب ضد األهداف األمريكية العسكرية‬ ‫واخلليجية العسكرية واالقتصادية وخاصة الثروة البترولية‪.‬‬ ‫أ – اجلانب اإليراني‪:‬‬ ‫سيخطط لتحقيق املفاجأة االستراتيجية‪ ،‬وتوجيه ضربات‬ ‫صاروخية وجوية كثيفة لينفذ بعضها من املضادات اخلليجية‬ ‫اجلوية والصاروخية إلى األهداف األمريكية العسكرية واخلليجية‬ ‫العسكرية واالقتصادية والسكانية مع تأمني املنشآت النووية‬ ‫بواسطة وحدات ( (‪ )200-s‬أو((‪ )300-s‬حالة احلصول عليها‪،‬‬ ‫مع محاولة احتالل مملكة البحرين‪...‬‬ ‫ب – اجلانب اخلليجي‬ ‫وسيخطط الستيعاب الضربة اإليرانية باعتراض معظم‬ ‫صواريخها‪ ،‬مع االستعداد لتوجيه ضربة مضادة قوية يستخدم‬ ‫ً‬ ‫وأيضا القوة اجلوية الصاروخية الذكية‬ ‫فيها القوة اجلوية اخلليجية‬ ‫األمريكية‪ ،‬وسوف تستهدف الضربات مرابض الصواريخ واألهداف‬ ‫اإليرانية النووية كأسبقية أوالً ثم مخازن األسلحة والصواريخ‬ ‫كأسبقية ثانية ‪،‬ثم مواقع التصنيع العسكري وباقي األهداف‬ ‫العسكرية وخاصة البحرية كأسبقية ثالثة‪.‬‬ ‫‪ -2‬السيناريو الثاني‪ :‬أن تبدأ الواليات املتحدة ودول مجلس‬ ‫التعاون احلرب‪:‬‬ ‫وهو االحمتال التالي بهدف توجيه ضربة عنيفة وشاملة ضد‬ ‫كل األهداف اإليرانية ويف وقت واحد تقري ًبا مع االستعداد لتكرار‬ ‫الضربات لتحقيق أكبر نتائج تدميرية وخاصة ضد القدرات النووية‬ ‫والترسانة الصاروخية‪.‬‬ ‫ب – اجلانب اإليراني ‪:‬‬ ‫سيحاول الرد مبا تبقى لديه من قدرات صاروخية ضد األهداف‬ ‫اخلليجية واألمريكية من جهة‪ ،‬ولكنه ينتظر أن يوجه ضربات إلى‬ ‫إسرائيل من جهة أخرى‪ ،‬مبا لديه من قدرات شهاب ‪ 3‬و ‪، 4‬وبشكل‬ ‫استباقي إن لم تكن إسرائيل قد تدخلت بالفعل‪..‬‬ ‫‪ -3‬املوقف اإلسرائيلي املنتظر ‪:‬‬ ‫يف جميع السيناريوهات سوف تتدخل إسرائيل بضربات جوية‬ ‫مكثفة ضد القدرات النووية اإليرانية سواء بتنسيق مع الواليات‬

‫املتحدة األمريكية أو بشكل منفرد على غرار ما مت ضد العراق‬ ‫عام (‪1981‬م)‪ ،‬خاصة بعد امتالكها للطائرات (‪ )35 – F‬املتطورة‪..‬‬ ‫‪ – 4‬مصر‪:‬‬ ‫ينتظر أن تُشكل عمق استراتيجي خليجي بالدعم اجلوي‬ ‫والبحري يف إطار معاهدة الدفاع العربي املشترك حتت مظلة‬ ‫جامعة الدولة العربية‪ ،‬والتي ميكن أن تستوعب دول عربية داعمة‬ ‫أخرى طبقـًا للموقف حينئذ‪..‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫إن انسحاب الواليات املتحدة من اتفاق (‪ )1+5‬سيؤدي إلى‬ ‫تصدعه ورمبا إلى انهياره أو قد ينزلق املوقف إلى حرب بني إيران‬ ‫من جهة والواليات املتحدة املتحالفة مع دول مجلس التعاون من‬ ‫جهة أخرى‪ ،‬وطبقـًا للسيناريوهات السابقة من سيبدأ باحلرب بني‬ ‫اجلانبني ورغم حتليلنا أن فرصة نشوب تلك احلرب هي فرصة‬ ‫محدودة ‪ ،‬ولكن يجب وضعها يف االعتبار ‪ ..‬وأن تلك احلرب سوف‬ ‫تنتهي بقرار من مجلس األمن يعيد ترتيب األوضاع يف اإلقلمي‬ ‫وينتظر أال تكون يف صالح إيران‪ ..‬وسوف تستخدم ترسانة الردع‬ ‫االستراتيجي كما أسلفنا تفصي ً‬ ‫ال ‪،‬حيث أوضحت تفوق إيراني‬ ‫صاروخي وبحري ‪،‬مع ضعف جوي وضعف املضادات الصاروخية‬ ‫مقابل قوة جوية خليجية ومضادات صاروخية متنوعة تدعمها‬ ‫القبة الصاروخية األمريكية اخلليجية حالة استكمالها‪ ،‬وأن الدور‬ ‫الروسي لدعم إيران سيكون قبل احلرب من خالل صفقات السالح‬ ‫ولكن ال ينتظر دعم عسكري خاللها‪ ..‬ستتحني إسرائيل الفرصة‬ ‫لتوجيه ضربة جوية قوية ضد املنشآت اإليرانية النووية بصرف‬ ‫النظر عن من سيبدأ احلرب‪ ،‬سواء بالتنسيق مع الواليات املتحدة‬ ‫أو بدونه‪ ،‬على غرار ما مت ضد العراق عام (‪1981‬م) ‪ ..‬أما مصر‬ ‫فستكون مستعدة لتشكيل عمق استراتيجي خليجي مع دعم جوي‬ ‫وبحري‪ ،‬يف إطار ميثاق جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع‬ ‫العربي املشترك‪..‬‬

‫*أستاذ األمن القومي الزائر بأكادميية ناصر العسكرية العليا‬ ‫ـ مستشار املركز اإلقليمي للدراسات االستراتيجية بالقاهرة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫توفر ميزانية عسكرية محدودة (‪ )4.4‬مليار دوالر‪ ،‬نظ ًرا لظروفها‬ ‫االقتصادية ومحاربة اإلرهاب‪ ،‬ولكنها تعمتد جزئ ًيا علي املعونة‬ ‫العسكرية األمريكية‪ ،‬ودعم بعض الدول اخلليجية الشقيقة وخاصة‬ ‫السعودية واإلمارات والكويت والبحرين ‪.....‬‬ ‫وميكنها وقت الضرورة‪ ،‬الفتح االستراتيجي اجلوي‪ ،‬من خالل‬ ‫القواعد اخلليجية وحامالت املروحيات ( مسترال ) وكذلك الفتح‬ ‫البحري بواسطة تلك احلامالت‪ ،‬مع امتالك قوة غواصات (‪)6‬‬ ‫أملانية عالية التقنية‪ ،‬للعمل خالل البحر األحمر ‪ ،‬وبحر العرب ‪....‬‬ ‫إٍ سرائيل ‪:‬‬ ‫نتناول إسرائيل فقط من منظور عدائها املعلن ضد إيران‪،‬‬ ‫وتخوفها من املشروع النووي اإليراني‪ ،‬ووقوعها يف مدى الصواريخ‬ ‫اإليرانية وخاصة (شهاب – ‪ )3‬وتتحني الفرصة لتدمير ذلك املشروع‬ ‫‪ ،‬أسوة مبا مت ضد املفاعل العراقي عام ( ‪1981‬م) سواء منفردة‬ ‫( كأسبقية ثانية ) أو يف حالة نشوب حرب تكون طرفها إيران (‬ ‫كأسبقية أولى ) ‪ ...‬ومتتلك إسرائيل قوة جوية متطورة ( ف ‪) 35‬‬ ‫استخدمتها ضد أهداف إيرانية يف سوريا‪ ،‬مبا ميكن أن نعتبره نوع‬ ‫من تطعمي القتال ‪....‬‬ ‫كما متتلك إسرائيل منظومة متكاملة لالعتراض الصاروخي‬ ‫املتدرج من نظم ( باتريوت – وثاد – وارو ) وتدخل حتت القبة‬ ‫الصاروخية األمريكية ‪...‬‬

‫‪-4‬موجز عن الميزان العسكري للدول الكبرى المتداخلة (‬ ‫الواليات المتحدة – روسيا)‬

‫الواليات املتحدة ‪:‬‬ ‫هي الطرف الرئيسي العسكري يف مواجهة إيران‪ ،‬سواء كان‬ ‫ذلك بشكل مباشر ‪ ،‬أو شكل دعم حللفائها اخلليجيني يف حالة‬ ‫تعرضهم لعمل عسكري إيراني – وطب ًقا للتحالف االستراتيجي بني‬ ‫الطرفني ‪:‬‬ ‫وحتتل الواليات املتحدة‪ ،‬املرتبة األولى عسكر ًيا دول ًيا‪ ،‬بيمنا‬ ‫يتراوح املركز الثاني بني كل من روسيا والصني ‪ ..‬وتتفوق الواليات‬ ‫املتحدة تفو ًقا كبير يف املجال اجلوي والبحري ومجال األسلحة‬ ‫والصواريخ الذكية‪ ،‬كما أنها متتلك قواعد عسكرية كبيرة حول‬ ‫العالم ‪ ...‬وأساطيل بحرية قوية‪ ،‬مما ميكنها من الفتح االستراتيجي‬ ‫ألي مسرح عمليات حول العالم ‪ ...‬حيث متتلك (‪ )20‬حاملة طائرات‬ ‫استراتيجية‪ ،‬و(‪ )66‬غواصة نووية‪ ،‬و(‪ )75‬فرقاطة ومدمرة‪ ،‬باملقارنة‬ ‫مبا متتلكه روسيا (‪ )1‬حاملة (‪ )62‬غواصة معظمها متقادم‪)22( ،‬‬ ‫فرقاطة ومدمرة ‪ ،‬كما متتلك الواليات املتحدة أكبر ميزانية‬ ‫عسكرية عامل ًيا تبلغ (‪ )647‬مليار دوالر باملقارنة بروسيا (‪ )47‬مليار‬ ‫دوالر فقط‪...‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪63‬‬

‫روسيا االحتادية ‪:‬‬ ‫هي القوى الكبرى التالية للواليات املتحدة‪ ،‬وتمتتع بقوى‬ ‫ً‬ ‫وأيضا قوى برية يف مجال الدبابات حيث‬ ‫عسكرية بشرية كبيرة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وأيضا القوة صاروخية‬ ‫حتتل الصدارة عامل ًيا(‪ )20300‬دبابة‪،‬‬ ‫(‪ ،)3816‬والقوة التالية الواليات املتحدة يف مجال القوات اجلوية‪،‬‬ ‫ولكنها قوة متوسطة يف املجال البحري‪ ،‬حيث متتلك فقط حاملة‬ ‫طائرات واحدة وعدد (‪ )2‬حامالت مروحيات‪ ،‬وتعوض ذلك‬ ‫بامتالك (‪ )62‬غواصة معظمها نووي‪ ،‬مع ميزانية عسكرية محدودة‬ ‫(‪ )47‬مليار دوالر ‪ ،‬حيث تسبقها السعودية (‪ )56.7‬مليار دوالر‪،‬‬ ‫وجارية يف حتديث أسطولها البحري املتقادم طبقـًا خلطة الرئيس‬ ‫بوتني حتى (‪.)2022‬‬ ‫ينتظر أن تزيد من مبيعاتها العسكرية إلي إيران وخاصة يف‬ ‫املجال اجلوي والدفاع اجلوي ‪ ...‬ويف حالة التوتر ميكنها امتداد‬ ‫إيران من خالل بحر قزوين وموانيه الروسية واإليرانية الختصار‬ ‫املسافة ‪..‬‬ ‫‪-4‬القوة الصاروخية اإليرانية واالعتراضية اخلليجية ‪( :‬راجع‬ ‫اخلريطة )‬ ‫متتلك إيران ترسانة صاروخية بالستية متدرجة املدي من‬ ‫(‪ )300-200‬كم لصواريخ شهاب (‪ )1‬و(‪ )2‬التي تغطي عمق‬ ‫الشاطئ الغربي للخليج العربي‪ ،‬مبا فيه من ثروة نفطية ومدن‬ ‫رئيسية ‪ ...‬كما تغطي صواريخ شهاب (‪ )3‬حتي مسافة (‪)1150‬‬ ‫كم تشمل كل اجلزيرة العربية وإسرائيل وأجزاء من سيناء‪ ،‬وكل‬ ‫العراق واألردن ومعظم سوريا والمين ‪ ....‬وهي جارية يف تطوير‬ ‫نظم شهاب (‪ )4‬و(‪ )5‬و(‪ )6‬طويلة املدي وحتي العابرة للقارات ‪...‬‬ ‫ً‬ ‫وأيضا تطوير صاروخ بدر (‪ )110‬ليصل إلى (‪ )3000‬كم كصاروخ‬ ‫فضائي‪ ،‬باإلضافة إلى تزاوج استخدام الطائرات بدون طيار من‬ ‫إنتاجها طرازات ( فطرس – شاهني ) ‪...‬‬ ‫تفتقر إيران إلى مضادات الصواريخ احلديثة‪ ،‬وخاصة يف حالة‬ ‫اإلطالق الكثيف من قبل دول اخلليج – أو الواليات املتحدة – بعكس‬ ‫دول اخلليج التي تمتتع بنظام مضاد للصواريخ (باتريوت – ثاد )‬ ‫وميكنها الدخول حتت القبة الصاروخية األمريكية اخلليجية حالة‬ ‫استكمالها ‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬سيناريوهات الحرب المحتملة وأطرافها حالة نشوبها‪:‬‬

‫رغم استبعاد وقوع حرب وشيكة ‪،‬إال أننا سنفترض‬ ‫سيناريوهني ارتباطا مبن يبدأ احلرب سواء إيران من جهة‪ ،‬أو‬ ‫الواليات املتحدة ودول مجلس التعاون اخلليجي من جهة أخرى‪،‬‬ ‫ويف كلتا احلالتني‪،‬سوف يكون لدول إقلميية دو ًرا ارتباط مبصاحلها‬

‫‪62‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫احمليط الهندي ‪،‬عكس الدول اخلليجية ذات االطالالت احملدودة‬ ‫على اخلليج العربي‪ ،‬عدا السعودية وسلطنة عمان حيث تطالن على‬ ‫البحر األحمر وبحر العرب على الترتيب ‪،‬باإلضافة إلى االعمتاد‬ ‫على القوى البحرية االستراتيجية األمريكية والبريطانية يف املنطقة‬ ‫وقيادة األسطول اخلامس يف البحرين ‪...‬‬ ‫هذا وقد مت تداول معلومات غير مؤكدة مؤخ ًرا‪ ،‬عن إعادة‬ ‫تأهيل حاملة املروحيات اإليرانية (؟)وإعادة إدخالها إلى اخلدمة ؟؟‬ ‫ز‪ -‬امليزانيات العسكرية السنوية (مليار دوالر )‪:‬‬ ‫تفوق خليجي كبير باملقارنة بإيران حيث تبلغ (‪ )58.675‬إلى‬ ‫(‪ )6.3‬على الترتيب وتأتى امليزانية اخلليجية يف املرتبة الثالثة عامل ًيا‬ ‫بعد كل من الواليات املتحدة والصني وقبل روسيا ‪ ،‬يف القمية ويف‬ ‫األسباب ‪،‬كما أسلفنا ‪..‬‬

‫‪ -3‬موجز عن الميزان العسكري لبعض دول اإلقليم المتداخلة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫( مصر – إسرائيل )‬

‫مصر ‪:‬‬ ‫توضع يف االعتبار ‪ ،‬بصفتها االحتياطي االستراتيجي العربي‬ ‫املركزي‪ ،‬وكنسق ثاني لدول مجلس التعاون‪ ،‬يف حالة تهديدها‬ ‫بواسطة إيران ‪ ،‬وفى إطار معاهده الدفاع العربي املشترك جلامعة‬ ‫الدول العربية كما حدث إبان الغزو العراقي للكويت وخاصة يف‬ ‫حالة تكوين قوة عربية مشتركة‪.‬‬ ‫حتتل مصر مكانة متقدمة عامل ًيا وشرق أوسط ًيا بترتيب (‪)2/12‬‬ ‫وال يسبقها إقلمي ًيا سوى تركيا عضو حلف األطلنطي(‪...)1/10‬‬ ‫ومتتلك قوى عسكرية بشرية كبيرة ‪ ،‬وقوه بحرية متفوقة‪ ،‬حيث‬ ‫حتتل صدارة اإلقلمي يف الدبابات ومركبات القتال (‪)4946‬‬ ‫و(‪ )15.695‬على الترتيب ‪ ..‬وقوة جوية وخاصة يف مجال طائرات‬ ‫القتال املتطورة ومتنوعة املصادر الغربية والشرقية ‪ ......‬وحتتل‬ ‫القوات البحرية املركز (‪ )6‬عامل ًيا‪ ،‬حيث متتلك (‪ )2‬حاملة مروحيات‬ ‫متساوية مع روسيا‪ ،‬وال يسبقها سوى الواليات املتحدة‪ ....‬ولكنها‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪2‬ـ الميزان العسكري الخليجي ـ اإليراني والقوى اإلقليمية‬ ‫والدولية المتداخلة‪ :‬ملحق (ب)‬

‫وهنا نؤكد على مقارنة دول مجلس التعاون اخلليجي مجمتعة‬ ‫يف مواجهة إيران ‪،‬مع إشارة الحقة إلى القوى اإلقلميية (مصرـ‬ ‫إسرائيل) والكبرى (الواليات املتحدةـ روسيا )‬

‫الترتيب الدويل (‪)136‬والشرق أوسطي (‪: )15‬‬

‫ال يوجد ترتيب مجمع لدول املجلس‪ ،‬ولكن إيران قفزت إلى‬ ‫املركز( ‪ ) 3/13‬متخطية كل دول اإلقلمي عدا تركيا (‪ ، )1/10‬ومصر‬ ‫(‪ )2/12‬ومبا يف ذلك إسرائيل (‪...)4/16‬وقد حتققت تلك الطفرة‬ ‫املقلقة لإلقلمي ‪،‬خالل العامني املاضيني‪ ،‬مع اتفاق (‪)1+5‬ورفع‬ ‫العقوبات االقتصاديه عنها واستيراد العديد من األسلحة املتطور‬ ‫من روسيا وبعض الدول الغربية (فرنسا) حيث كان ترتيبها السابق‬ ‫(‪ )4/24‬ثم (‪!!!! )4/21‬‬ ‫ج‪ -‬دبابات القتال الرئيسية (‪ )MBT‬ومركبات القتال املدرعة‬ ‫( ‪) AFV‬‬ ‫تفوق خليجي عددي ونوعي يف الدبابات (‪ )2363‬مقابل (‪)1650‬‬ ‫إليران ‪،‬وتفوق كاسح يف مركبات القتال املدرعة (‪)10.288‬مقابل‬ ‫(‪ )2215‬فقط إليران‪...‬‬ ‫د‪ -‬صواريخ امليدان التقليدية والبالستية‪:‬‬ ‫تفوق إيراني كبير (‪)1533‬مقابل (‪ )445‬لدول مجلس التعاون‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪61‬‬

‫اخلليجي مجمتعة ‪،‬معظمها متلكه السعودية ‪..‬‬ ‫القوات العسكرية العاملة واالحتياطية ‪:‬‬ ‫يف القوى العاملة تفوق إيران (‪)534.000‬مقابل (‪)391.400‬‬ ‫لدول اخلليج مجمتعة مع تفوق كبير يف القوى االحتياطية‪ ،‬توفرها‬ ‫القوة السكانية اإليرانية حيث تبلغ أربعة أضعاف (‪)400.000‬‬ ‫إلى(‪ )96.305‬على الترتيب ‪...‬‬ ‫هـ ‪ -‬القوات اجلوية‪:‬‬ ‫تشكل قوة الردع اخلليجية الرئيسية يف مواجهة إيران‪ ،‬فيف‬ ‫ونوعا‬ ‫طائرة القتال املتنوعة ‪،‬تتفوق دول املجلس تفو ًقا كبي ًرا ك ًما‬ ‫ً‬ ‫حيث تبلغ قرابة ثالثة أضعاف ‪ )849(،‬إلى (‪)308‬على الترتيب‬ ‫ً‬ ‫وأيضا يف إجمالي املروحيات‪ ،‬حيث تبلغ قرابة أربعة أضعاف (‪)653‬‬ ‫إلى (‪ )145‬على الترتيب ‪ ..‬ويف مجال املروحيات املسلحة الهجومية‬ ‫‪،‬هناك تفوق خليجي كاسح يبلغ ثماني أضعاف (‪ )90‬إلى (‪ )12‬على‬ ‫الترتيب ‪...‬‬ ‫و‪ -‬القوات البحرية‪:‬‬ ‫على عكس القوات اجلوية حيث التفوق البحري اإليراني‬ ‫الكاسح يف مجال الغواصات (‪ )33‬إلى (صفر) حيث تعتبر القوه رقم‬ ‫(‪)5‬عامل ًيا بعد كل من كوريا الشمالية (‪ )1‬ثم الواليات املتحدة (‪ )2‬ثم‬ ‫الصني (‪ )3‬ثم روسيا (‪!!! )4‬‬ ‫مع تقارب يف عدد السفن الرئيسية من الفرقاطات واملدمرات‬ ‫وتفوق خليجي يف زوارق املرور املسلحة ‪ ،‬ويرجع التفوق يف مجال‬ ‫الغواصات اإليراني ألطاللها على سواحل طويلة ومياه عميقة يف‬

‫‪60‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫عمان (‪ )11/79‬فالكويت(‪)12/88‬والبحرين (‪ )13/97‬وأخي ًرا قطر‬ ‫(‪)14/100‬‬ ‫ب‪-‬القوات العاملة و االحتياطية‪:‬‬ ‫القوات العاملة ‪ :‬جاء الترتيب مشابه للترتيب الدولي والشرق‬ ‫أوسطي ‪،‬مع قوة عسكرية محدودة لكل من البحرين وقطر ارتباطـًا‬ ‫بعدد السكان‪...‬‬ ‫القوات االحتياطية‪ :‬جاءت البحرين متقدمة على كل من الكويت‬ ‫ثم السعودية ثم سلطة عمان‪ ،‬مع عدم وجود قوات احتياطية لكل‬ ‫من اإلمارات وقطر رغم مشروع األخيرة يف بناء ذلك‪....‬‬ ‫ج‪ -‬الدبابات ومركبات القتال ‪:‬‬ ‫(‪ )1‬دبابات القتال الرئيسية (‪ :)MBT‬تفوق‬ ‫سعودي كبير (‪ )1142‬دبابة‪ ،‬مت تنازلياً لكل من‬ ‫اإلمارات ( ‪ )464‬دبابة ‪ ،‬فالكويت‪ ،‬فسلطنة عمان‪،‬‬ ‫وما يكافئ عدد (‪ )2‬لواء مدرع للبحرين ‪ ،‬وواحد‬ ‫لواء مدرع لقطر‪....‬‬ ‫(‪ )2‬مركبات القتال املدرعة (‪A F V(:‬أيضـًا‬ ‫تفوق سعودي كبير (‪ )5472‬مت تسلسل تنازلي‬ ‫كالدبابات تقري ًبا لكل من اإلمارات (‪، )2204‬‬ ‫فسلطنة عمان ‪ ،‬فالكويت‪ ،‬وأخي ًرا كل من قطر‬ ‫والبحرين ‪...‬‬ ‫د‪-‬صواريخ امليدان ( الراجمات) ‪:‬‬ ‫تفوق سعودي (‪ )322‬ثم اإلمارات (‪)54‬‬ ‫فالكويت (‪ )27‬ثم تنازل ًيا بقوات محدودة لكل من قطر‪ ،‬فعمان‪،‬‬ ‫وأخي ًرا البحرين على الترتيب ‪,,,,‬‬ ‫هـ‪-‬القوات اجلوية‪:‬‬ ‫تمتيز باحلداثة لكل دول املجلس ومعظمها من اجليل الرابع‬ ‫وطائرات قتال متعددة املهام ‪ ،‬وتأتي السعودية يف املقدمة (‪ )487‬ثم‬ ‫اإلمارات (‪ )200‬فالكويت (‪ )54‬فعمان (‪،)50‬‬ ‫وأخي ًرا كل من البحرين (‪ )34‬وقطر (‪. )24‬‬ ‫واملسلحة‬ ‫اإلجمالية‪،‬‬ ‫املروحيات‪،‬‬ ‫الهجومية ‪:‬‬ ‫اإلجمالي ‪ :‬السعودية يف املقدمة (‪)254‬‬ ‫فاإلمارات (‪ )206‬فالبحرين (‪ )63‬وعمان ثم‬ ‫قطر وأخي ًرا الكويت ‪....‬‬ ‫الهجومية ‪ :‬تفوق إماراتي (‪ )30‬وتساوي‬ ‫سعودي وبحريني (‪ )22‬ثم كويتي‪ ،‬وال متتلك‬ ‫كل من عمان وقطر هذا العنصر املقاتل ‪.‬‬ ‫و‪-‬القوات البحرية ‪:‬‬ ‫قوات بحرية محدودة وال توجد قطع‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫بحرية رئيسية مثل حامالت الطائرات أو الغواصات‪ ،‬ولكن عدد‬ ‫محدود من الفرقاطات واملدمرات‪ ،‬السعودية (‪ )7‬والبحرين (‪)1‬‬ ‫وغير مؤكد ما متلكه اإلمارات ‪ ،‬ولكن اجلميع ميلك قوارب املرور‬ ‫السريعة‪ ،‬أو الصواريخ اخلفيفة للبعض وهنا يظهر مدي احلاجة‬ ‫للدعم البحري سواء من الواليات املتحددة وبريطانيا وفرنسا‬ ‫ومصر‪....‬‬ ‫ز‪ -‬امليزانيات العسكرية السنوية ( مليار دوالر ) ‪:‬‬ ‫تعتبر امليزانيات العسكرية لدول مجلس التعاون اخلليجي من‬ ‫أكبر امليزانيات العاملية‪ ،‬رغم أنها قد ال تشكل نسبة مئوية كبيرة‬ ‫مقارنة بالنتاج احمللي االجمالي ( (‪GDP‬نظ ًرا لغنى‬ ‫دول املنطقة كدول منتجة ومصدره للبترول والغاز‪،‬‬ ‫وتتفوق ميزانية السعودية البالغة ( ‪ )56.725‬مليار‬ ‫دوالر ‪ ،‬وتأتى يف املرتبة الثالثة عامل ًيا بعد كل من‬ ‫الواليات املتحدة والصني فقط ‪ ،‬كما أنها تسبق‬ ‫روسيا ذات الـ (‪ )47‬مليار دوالر !!‬

‫رغم ضعف فرصة‬ ‫نشوب حرب بين أمريكا‬ ‫وإي��ران إال أن دول‬ ‫الخليج يجب أن تخطط‬ ‫لمجابهة السيناريوهات‬ ‫المختلف��ة والمتحمل��ة‬

‫ويترجم ذلك مدى احلاجه إلى امتالك‬ ‫أسلحه متطورة وذات تكنولوجيا متقدمة وخاصه‬ ‫من الواليات املتحدة وأوروبا الغربية وخاصة يف‬ ‫مجاالت القوات اجلوية التي تشكل قوه الردع‬ ‫ً‬ ‫‪،‬وأيضا مضادات‬ ‫الرئيسية يف مواجهه إيران‬ ‫الصواريخ يف مواجة الترسانة اإليرانية الكثيفة‪،‬‬ ‫ولتعويض احملدودية البشرية العسكرية املرتبطة بالطاقة السكانية‬ ‫احملدودة ملعظم دول االحتاد ‪،‬مع استهداف بناء (جيش ذكي) فعال‬ ‫مؤثر ال يعمتد على الكم قدر اعمتاده على الكيف ‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫وأن القيادة الكورية الشمالية‪ ،‬أكثر تطر ًفا ورعونة‪ ،‬مع امتالك فعلي‬ ‫لألسلحة النووية!!!‬ ‫وأيضاً ال متلك الواليات املتحدة من يحارب نيابة عنها (‪Proxy‬‬ ‫ودفاعا عن حلفائها يف‬ ‫‪ )war‬بل هي التي ستقوم بذلك بنفسها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مجلس التعاون اخلليجي‪ ،‬طب ًقا لالتفاق االستراتيجي بينهما‪،‬‬ ‫باإلضافة إلى بعض حلفائها كبريطانيا و فرنسا و حلف األطلنطي‬ ‫(‪..) NATO‬‬ ‫إن اسمترار إيران يف االلتزام باالتفاق‪ ،‬حتى لو حتول إلى صيغة‬ ‫(‪ )1+4‬بانسحاب الواليات املتحدة‪ ،‬لن يعطي مبرر لألخيرة بشن‬ ‫احلرب ضد إيران‪ ،‬خاصة أن هذا االلتزام يصب يف صالح دول‬ ‫مجلس التعاون‪ ،‬وإسرائيل ً‬ ‫أيضا‪..‬‬ ‫‪-2‬إيران‪:‬‬ ‫ال ينتظر أن تسعى إلي إشعال حرب أو مواجهة مع الواليات‬ ‫املتحدة‪ ،‬وينتظر أال يتعدى تلك املواجهات‪ ،‬بعض املناوشات البحرية‬ ‫يف اخلليج العربي والتهديد بإغالق مضيق هرمز االستراتيجي‪،‬‬ ‫مع اسمترار االحتالل للجزر اإلمارتية الثالثة‪ ،‬واسمترار مطالبتها‬ ‫املستفزة بأحقيتها يف مملكة البحرين‪ ،‬و اسمترار تدخلها العسكري‬ ‫يف كل من العراق وسوريا والمين‪ ،‬مما يعطي قواتها املسلحة خبرة‬ ‫قتال وتعاون مع حلفائها‪ ،‬وخاصة يف سوريا ‪.‬‬ ‫‪-3‬دول مجلس التعاون اخلليجي ‪:‬‬ ‫رغما تلك احلرب بني كل من الواليات املتحدة وإيران إال أنها‬ ‫يجب أن تعد العدة ملجابهة ذلك‪ ،‬حيث ستشكل مجموعة دول‬ ‫املجلس‪ ،‬اجلزء األكبر من مسرح احلرب يف حالة حدوثها‪ ،‬حيث‬ ‫ستكون كل دولها واجلزء الشرقي لكل من السعودية وسلطنة عمان –‬ ‫رغم حيادها – هي األهداف الرئيسية يف مرمى الصواريخ اإليرانية‬ ‫الكثيفة ‪.....‬‬ ‫‪-4‬إسرائيل ‪:‬‬ ‫ستكون على أهبة االستعداد للتدخل‬ ‫اجلوي ضد األهداف النووية اإليرانية‪،‬‬ ‫وبالتنسيق مع الواليات املتحدة ‪ ،‬يف حالة‬ ‫بدء األخيرة للحرب‪ ،‬أو بالتنسيق أو بدونه‬ ‫يف حالة بدء إيران احلرب ‪...‬‬ ‫‪-5‬تركيا ‪:‬‬ ‫ال ينتظر تدخلها لدعم أي طرف‬ ‫ضد األخر ‪ ،‬العتبارات مصالح اقتصادية‬ ‫وبترولية مع إيران‪ ،‬واعتبارات مذهبية مع‬ ‫دول اخلليج‪ ،‬كما أنها ذات الوقت إحدى‬ ‫ً‬ ‫وأيضا إحدى دول‬ ‫حلفاء الواليات املتحدة‬ ‫حلف األطلنطي ( ‪....)NATO‬‬ ‫‪-6‬مصر ‪:‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪59‬‬

‫ستراقب عن كثب املوقف مع االستعداد للدعم اخلليجي ج ًوا‬ ‫وبح ًرا ‪ ،‬كاحتياطي استراتيجي عربي حتت مظلة اجلامعة العربية ‪..‬‬ ‫‪-7‬روسيا االحتادية ‪:‬‬ ‫ستحاول التدخل إليقاف احلرب حالة نشوبها‪ ،‬والسعي لدى‬ ‫مجلس األمن لذلك ‪،‬ولكنها ستكون مستعدة لتقدمي الدعم العسكري‬ ‫اخليف إليران ‪،‬مع استكمال توريد صفقات السالح املتقدمة إليها‬ ‫طب ًقا ملا مت إبرامه ساب ًقا‪ ،‬وخاصة يف مجاالت القوات اجلوية‬ ‫والدفاع اجلوي والبحري ‪...‬‬

‫ثالثـًا ‪ :‬عوامل الردع والتوازن االستراتيجي الخليجي –‬ ‫اإليراني والقوى اإلقليمية والدولية المتداخلة ‪:‬‬

‫وسوف تشمل أو ًال‪ ،‬امليزان العسكري لدول مجلس التعاون‬ ‫اخلليجي ذاتها كما يوضحها ملحق (أ) أما ملحق (ب) فسيقارن‬ ‫ً‬ ‫وأيضا سيلقي الضوء‬ ‫بني دول املجلس مجمتعة يف مواجهة إيران‪،‬‬ ‫على القوى اإلقلميية املتداخلة بشكل عام (مصر – إسرائيل) والقوى‬ ‫الدولية الكبرى املؤثرة ( الواليات املتحدة – روسيا ) ‪ ...‬وقد مت‬ ‫استبعاد كل من العراق من القوى اخلليجية حال ًيا نظ ًرا لظروف‬ ‫العراق التي ال متكنه من دعم طرف جتاه اآلخر ‪ ..‬وكذلك مت‬ ‫استبعاد تركيا ‪ ،‬كما مت توضيحه سابقـًا ‪...‬‬ ‫كما مت تناول القوى الكبرى بشكل عام‪ ،‬وفقط إلعطاء مؤشرات‬ ‫على قوة إمكانيات التدخل والدعم أو املواجهة العسكرية بشكل‬ ‫مباشر وخاصة الواليات املتحدة‪....‬‬ ‫امليزان العسكري داخل مجلس التعاون اخلليجي ( ملحق أ )‬ ‫املرفق ‪:‬‬ ‫أ‪-‬الترتيب الدولي (‪ )136‬دولة‪ ،‬والشرق األوسط ( ‪ )15‬دولة‪:‬‬ ‫كانت األولوية للسعودية (‪ )5/26‬ثم اإلمارات (‪ )8/65‬ثم سلطنة‬

‫‪58‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ت���ف���وق س����ع����ودي ك��ب��ي��ر يف ك���اف���ة م����ع����دات ال��ت��س��ل��ي��ح‬ ‫ال��م��ي��دان��ي مقابل زي���ادة يف ع��دد ال��ص��واري��خ الباليستية اإلي��ران��ي��ة‬ ‫نفذ الرئيس األمريكي ترامب ‪ ،‬ما وعد به خالل حملته‬ ‫االنتخابية باالنسحاب من االتفاق ‪ ،‬كما انسحب من اتفاقيات‬ ‫دولية أخرى وقعها سابقه الرئيس أوباما – مما أوجد تداعيات‪ ،‬على‬ ‫باقي األطراف املوقعة‪ ،‬وخاصة حلفاء الواليات املتحدة الغربيون‪،‬‬ ‫وكذلك الهيأة الدولية للطاقة الذرية ( ‪ ، ) IAEA‬كما أنه ميكن‬ ‫أن يعطي مجاالً أكبر للتقارب الروسي اإليراني‪ ،‬عودة العقوبات‬ ‫االقتصادية األمريكية ضد إيران لن تكون بذات التأثير السابق‪،‬‬ ‫حيث ستفتقر إلى الغطاء الدولي إذا ما اسمترت إيران يف احترام‬ ‫االتفاق‪ ,‬كما أن إيران ستسمتر يف صادراتها البترولية – عدا إلى‬ ‫الواليات املتحدة – التي لن تهددها بأرصدتها يف البنوك األمريكية‪،‬‬ ‫حيث مت سحب معظمها عند التوقيع على االتفاق‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى اسمترار إيران يف تطوير برنامجها الصاروخي‪،‬‬ ‫واسمترار استيراد نظم تسليح متطورة سواء من روسيا أو الصني‪،‬‬ ‫وحتى بعض الدول الغربية مثل فرنسا مما يؤثر يف معادلة القوة‬ ‫اإليرانية ــ اخلليجية‪.‬‬

‫ثان ًيا ‪ :‬احتمالية نشوب حرب بين أمريكا وإيران وموقف‬ ‫القوى المحلية واإلقليمية والدولية ‪:‬‬

‫رغم ضعف فرصة نشوب حرب بني الواليات املتحدة وإيران‬ ‫‪،‬إال أن األطراف املعنية يجب أن تخطط ملجابهة ذلك‪ ،‬وتضع‬ ‫السيناريوهات املختلفة واملتحملة‪ ،‬وما لكل منها من مميزات وعيوب‪،‬‬ ‫حيث قد تكون املميزات لدى طرف ما‪ ،‬هي العيوب لدى الطرف‬ ‫األخر ‪ ،‬والعكس صحيح ‪ ،‬وأن ضعف فرصة نشوب تلك احلرب من‬ ‫وجهة نظرنا يرجع إلى اآلتي‪:‬‬ ‫‪-1‬الواليات املتحدة ‪:‬‬ ‫توجهت مؤخ ًرا ‪ ,‬لتخفيف تواجدها العسكري‪ ،‬لتقليل األعباء‬ ‫املادية وجتنب اخلسائر يف األرواح‪ ،‬حيث الرأي العام األمريكي‬ ‫الضاغط ‪ ،‬طاملا أن ذلك ال ميس أمن الواليات املتحدة القومي‬ ‫بشكل مباشر‪ ،‬وال أمن إسرائيل ً‬ ‫أيضا‪ ..‬وهو ما أدى إلى االنسحاب‬ ‫تباعا من أفغانستان (‪2011‬م) ومن العراق (‪2014‬م)‬ ‫األمريكي‬ ‫ً‬ ‫كما أن الرئيس األمريكي ترامب اختار التعامل باحلوار مع كوريا‬ ‫الشمالية‪ ،‬األكثر عدا ًء و تهديدًا مباش ًرا للواليات املتحدة من إيران‪،‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪57‬‬

‫املواجهة العسكرية بني أمريكا وإيران مستبعدة واملنطقة مهددة‬

‫الت��وازن العس��كري يف منطق��ة الخلي��ج‬ ‫ومخاطر نش��وب حرب بين أمري��كا وإيران‬ ‫كان النسحاب الواليات املتحدة األمريكية من االتفاق النووي اإليراني والذي عرف بــ (‪ ) 1+5‬صدى كبير وإن لم يكن مفاجئ‬ ‫طب ًقا لتوجهات الرئيس األمريكي ترامب رغم ما سوف يتبع ذلك من تصدع هذا االتفاق إن لم يكن انهياره و تداعيات ذلك‬ ‫على أطراف االتفاق وأيضاً على املوقف اخلليجي بشكل خاص والشرق األوسطي بشكل عام ‪ ...‬وهل يسمتر االتفاق بصيغة‬ ‫جديدة ولتكن ( ‪ ) 1+4‬مث ً‬ ‫ال؟ وهل ستقبل إيران اسمترار إيقاف برنامجها النووي‪ ،‬رغم ما ستواجه من عقوبات اقتصادية‬ ‫ً‬ ‫أمريكية مؤثرة يف ذات الوقت ؟ أم ستقبله ظاهريا وحتاول االلتفاف عليه بالعودة إلى البرنامج النووي العسكري – كما‬ ‫فعلت كوريا الشمالية سابقاً – أم ينزلق املوقف إلى حرب يف املنطقة بني الواليات املتحدة وإيران طبقاً لسيناريوهات متعددة‬ ‫؟وموقف القوى احمللية واإلقلميية والدولية من ذلك ‪ ...‬وهذا هو ما سوف جنيب عليه ونعرض له طبقاً لرؤيتنا ‪...‬‬

‫لواء أ‪ .‬ح ‪ /‬محمد عبداخلالق قشقوش‬

‫أو ًال ‪ -:‬الخلفية التاريخية‪:‬‬

‫كانت الثورة اإليرانية عام (‪1979‬م) مبثابة نقطة فارقة‬ ‫يف العالقات األمريكية اإليرانية‪ ،‬حيث حتول حليف األمس وشرطي‬ ‫اخلليج ( إيران) إلى عدو استراتيجي ليس ضد الواليات املتحدة‬ ‫فقط‪ ,‬بل وحلفائها اخلليجيني أيضاً‪ ,‬حيث اعتبر أن التوجه اإليراني‬ ‫اجلديد‪ ،‬يهدد مصادر الطاقة االستراتيجية‪ ،‬كما يهدد أمن الشرق‬ ‫األوسط بشكل عام وأمن إسرائيل بشكل خاص ‪..‬‬ ‫عاونت الدول اخلليجية – راضية أو مضطرة – العراق يف‬ ‫حربه ضد إيران ملدة ثماني سنوات (‪1988-1980‬م) والتي انتهت‬ ‫دون غالب أو مغلوب‪ ،‬لكن الدول اخلليجية تفاجأت بغزو العراق‬ ‫للكويت !!!! والذي مت حتريره الح ًقا بواسطة التحالف الدولي بقيادة‬ ‫مزدوجا من كل‬ ‫الواليات املتحدة‪ ،‬لتواجه ‪.‬الدول اخلليجية تهديدًا‬ ‫ً‬ ‫من العراق وإيران‪ ،‬استتبعه تواجد أمريكي عسكري يف منطقة‬ ‫اخلليج يف شكل تعاون استراتيجي وتعاون مع بعض الدول الغربية‬ ‫احلليفة (بريطانيا وفرنسا) ثم حلف األطلنطي( ‪ ) NATO‬الحقاً بعد‬ ‫زوال حلف وارسو ‪...‬‬ ‫كان احتالل الواليات املتحدة للعراق يف (‪2003‬م) وحل اجليش‬

‫والقوى األمنية العراقية مبثابة خروج العراق من معادلة القوة يف‬ ‫املنطقة اخلليجية‪ ،‬ليبقى التهديد اإليراني املتنامي عسكر ًيا ومذهب ًيا‬ ‫مع احتالل جزر إماراتية ‪ ..‬ثم زاد التهديد اإليراني بتنامي امتالك‬ ‫القدرات الصاروخية متدرجة املدى‪ ,‬والعمل س ًرا على امتالك‬ ‫القدرات النووية‪ ،‬التي ظاهرها سلم ًيا وحقيقتها عسكر ًيا‪ ،‬مع ادعاء‬ ‫أن ذلك يخلق تواز ًنا نوو ًيا يف الشرق األوسط مع إسرائيل‪ ،‬على غرار‬ ‫ما مت يف شبه القارة الهندية بني كل من الهند وباكستان ‪..‬‬ ‫قادت الواليات املتحدة توج ًها دول ًيا لفرض عقوبات اقتصادية‬ ‫على إيران ( ‪ ) sanctions‬إلجبارها على التخلي عن برنامجها‬ ‫النووي‪ ،‬والذي أسفر يف النهاية عن اتفاق (‪ )1+5‬وجوهرة إيقاف‬ ‫البرنامج النووي اإليراني مقابل إيقاف العقوبات االقتصادية والتي‬ ‫سمحت إليران بحرية االستيراد والتصدير وخاصة يف مجاالت‬ ‫تصدير البترول واستيراد األسلحة‪ ،‬ونتج عن ذلك االتفاق ضيق‬ ‫خليجي وإسرائيلي ومصري‪ ،‬باعتبار أن ذلك االتفاق يقرب الواليات‬ ‫املتحدة من إيران على حساب حلفائها يف املنطقة‪ ،‬رغم نفى الواليات‬ ‫املتحدة لذلك ‪...‬‬

‫‪56‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫بشكل شامل‪ ,‬وهو ما جسدته قمة ترامب وكمي يف الثاني عشر‬ ‫من يونيو املاضي بسنغافورة‪ ,‬حيث اجتهت اإلدارة األمريكية‬ ‫إلى تبني سياسة اجلزرة مع كوريا الشمالية من خالل احلوار‬ ‫والتفاوض وتطبيع العالقات ورفع العقوبات عبر اتفاق شامل‬ ‫يقضي بنزع السالح النووي لكوريا الشمالية مقابل رفع‬ ‫العقوبات‪ .‬وبالتالي تريد اإلدارة األمريكية تقدمي منوذج كوريا‬ ‫الشمالية على جناح سياسة العصا أوالً ثم اجلزرة ثان ًيا مع كوريا‬ ‫الشمالية وتطبيقه مع إيران‪ ,‬حيث أن االتفاق مع كوريا الشمالية‬ ‫يقضي بنزع وتفكيك برنامجها النووي بشكل شامل وال رجعة‬ ‫فيه‪ ,‬بيمنا جند أن االتفاق النووي الذي وقعه أوباما مع إيران‬ ‫ومعه الدول الكبرى يف مجلس األمن إضافة ألملانيا لم يتضمن‬ ‫نزع وتفكيك البرنامج النووي إليران وإمنا تعليقه لفترة مؤقتة‪,‬‬ ‫ومن ثم رأت إدارة ترامب أن ذلك كان مبثابة ترحيل للمشكلة‬ ‫ملا بعد عام ‪2025‬م‪ ،‬وليس حلها من جذورها وهو ما دفعها إلى‬ ‫تغيير استراتيجيتها وتبني سياسة العصا الغليظة مرة أخرى‬ ‫وممارسة أقصى الضغوط جتاه إيران لكى تقوم بإبرام اتفاق‬ ‫جديد يقضي بنزع وتفكيك برنامجها النووي ومنع امتالكها‬ ‫للسالح النووي على غرار كوريا الشمالية‪ ,‬كما استهدفت ً‬ ‫أيضا‬ ‫تفكيك العالقات السرية بني كوريا الشمالية وإيران خاصة يف‬ ‫مجال الصواريخ الباليستية‪.‬‬ ‫اخليارات اإليرانية احملدودة جتاه االستراتيجية األمريكية‪:‬‬ ‫تبدو اخليارات اإليرانية جتاه االستراتيجية األمريكية‬ ‫اجلديدة بعد االنسحاب األمريكي من االتفاق النووي‪ ,‬محدودة‬ ‫ومكلفة ج ًدا‪ ,‬وتمتثل اخليارات اإليرانية يف‪:‬‬ ‫خيار االنسحاب اإليراني من االتفاق النووي‪ ,‬فإيران دخلت‬‫االتفاق العتبارات اقتصادية تستهدف رفع العقوبات الدولية‬ ‫عليها‪ ,‬وبعد االنسحاب األمريكي وإعادة فرض العقوبات‬ ‫األمريكية عليها مرة أخرى وفرض عقوبات جديدة مشددة‬ ‫من الصعب أن تستفيد إيران من مزايا االتفاق االقتصادية يف‬ ‫ظل صعوبة تعويض األطراف األخرى‪ ,‬خاصة أوروبا وروسيا‬ ‫والصني‪ ,‬للعقوبات األمريكية وفشل أوروبا يف تقدمي ضمانات‬ ‫حقيقية إليران بشأن استثماراتها فيها‪ ,‬ومن ثم قد تلجأ إيران‬ ‫إلى االنسحاب وإعادة التخصيب مبعدالت أعلى‪ ,‬كما هدد‬ ‫املرشد األعلى على خامنئي‪ ,‬لكن هذا اخليار سيكون مكل ًفا‬ ‫ج ًدا إليران‪ ,‬فمن ناحية فإن انسحابها يعنى انهيار االتفاق متا ًما‬ ‫ويفقدها تعاطف األطراف األخرى التي ستتجه صوب املوقف‬ ‫األمريكي‪ ,‬كما أن استئناف التخصيب مبعدالت أعلى وزيادة‬ ‫أجهزة الطرد املركز سيعيد العقوبات الدولية الصادرة عن‬ ‫مجلس األمن مرة أخرى‪ ,‬وسيدفع باجتاه فرض عقوبات جديدة‬ ‫وهو أمر ال يتحمله االقتصاد اإليراني الذي يعانى من تدهور‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫كبير قد يهدد بسقوط النظام اإليراني ذاته‪.‬‬ ‫خيار االسمترار يف االتفاق النووي مع األطراف األوروبية‬‫وروسيا والصني دون الطرف األمريكي وهو خيار يواجه‬ ‫بصعوبات ً‬ ‫أيضا يف ظل تأثير العقوبات األمريكية على الشركات‬ ‫األوروبية ومطالبة الواليات املتحدة الدول األخرى بوقف‬ ‫استيراد النفط اإليراني‪ ,‬وهو ما يدفع بانهيار االتفاق يف نهاية‬ ‫املطاف‪.‬‬ ‫ اسمترار الضغوط والعقوبات األمريكية وتداعياتها‬‫السلبية على إيران قد تدفعها للقبول مبقترح فرنسا بالتوصل‬ ‫إلى ملحق مكمل لالتفاق األصلي يقضى بإطالة أمد االتفاق‬ ‫وفتح مواقع التفتيش اإليرانية العسكرية ملفتشي الوكالة الدولية‬ ‫للطاقة الذرية ووضع قيود على برنامج إيراني الصاروخي‬ ‫الباليستي‪ ,‬ووقف دورها يف دعم اإلرهاب يف املنطقة‪ ,‬لكن‬ ‫هذا السيناريو يواجه بتحديات أبرزها رفض النظام اإليراني‬ ‫تعديل االتفاق األصلي ورفض ربط برنامجها النووي بالبرنامج‬ ‫الصاروخي ورفض تقليص نفوذها ودورها يف املنطقة بعد أن‬ ‫أنفقت عليه عشرات املليارات وكانت تنتظر جني ثمار تدخلها‬ ‫يف سوريا والعراق والمين‪ ,‬كما أن اإلدارة األمريكية لن تقبل‬ ‫بحلول أوسط أو اتفاق تكميلي وإمنا اتفاق جديد وشامل يتناول‬ ‫كل امللفات اإليرانية‪ ,‬وهذا ما سترفضه إيران‪ ,‬وهذا بدوره يدفع‬ ‫يف اجتاه اسمترار االستراتيجية األمريكية لتشديد الضغوط‬ ‫على إيران وفرض أقصى العقوبات عليها‪ .‬كما أن اسمترار‬ ‫النظام لسياسة التحدي ودعم اإلرهاب وأذرعه اإلرهابية‬ ‫سيزيد من الضغوط عليه يف ظل املشكالت االقتصادية الكبيرة‬ ‫التي يواجهها‪.‬‬ ‫ويف ظل الضغوط الداخلية املتصاعدة واسمترار الضغوط‬ ‫اخلارجية‪ ,‬أصبح النظام اإليراني يف مأزق كبير فهو بني مطرقة‬ ‫الداخل وسندان اخلارج وهو ما يدفعه يف نهاية املطاف إلى‬ ‫القبول باملطالب األمريكية واملمتثلة يف إبرام اتفاق نووي‬ ‫جديد يعالج ثغرات االتفاق السابق ويضع قيو ًدا صارمة على‬ ‫برنامجه الصاروخي ودوره يف دعم اإلرهاب ألن اخليار البديل‬ ‫سيكون سقوط النظام ذاته‪ .‬ويف كل األحوال فإن االستراتيجية‬ ‫األمريكية اجلديدة جتاه إيران والقائمة على ممارسة أقصى‬ ‫الضغوط والعقوبات ستساهم يف احتواء اخلطر اإليراني سواء‬ ‫يف املجال النووي أو الصواريخ الباليستية أو دورها يف دعم‬ ‫اإلرهاب يف منطقة الشرق األوسط حتى وإن استغرقت بعض‬ ‫الوقت‪.‬‬ ‫*خبير العالقات الدولية واملتخصص في الشؤون األمريكية‬ ‫باألهرام‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫من الشخصيات والكيانات التابعة للحزب بقائمة العقوبات التي‬ ‫تستهدف النشاطات التجارية للحزب‪ .‬وقد ضمت القائمة أسماء‬ ‫أربع أشخاص مقميني يف لبنان‪ ،‬هم كل من جهاد محمد قانصو‬ ‫وعلي محمد قانصو وعصام أحمد سعد ونبيل محمود عساف‪،‬‬ ‫وك ً‬ ‫ال من عبد اللطيف سعد ومحمد بدر الدين وكالهما مقمي يف‬ ‫العراق‪ ,‬وأدرجت اخلزانة األمريكية أسماء سبعة كيانات ممتثلة‬ ‫بكل من شركة اإلمناء للهندسة واملقاوالت ومجموعة بلو الجوون‬ ‫يف سيراليون وشركة قانصو للصيد احملدودة وشركة ستار‬ ‫ترايد يف غانا وشركة دولفني التجارية يف ليبيريا وشركة سكاي‬ ‫التجارية وغولدن فيش يف كل من ليبيريا ولبنان‪ .‬ومبوجب هذه‬ ‫العقوبات املفروضة فإن أصول هؤالء الشخصيات والكيانات‬ ‫املوجودة يف الواليات املتحدة األمريكية تخضع‬ ‫للتجميد‪ ،‬كما ويُحظر على األمريكيني التعامل‬ ‫معهم‪.‬‬ ‫كما تضمنت اخلطة األمريكية اجلديدة‪،‬‬ ‫جتفيف منابع متويل حزب اهلل يف أمريكا‬ ‫الالتينية‪ ،‬وضرب مصالح احلزب ومراكز‬ ‫نشاطه فيها وحتييد الشخصيات النافذة يف‬ ‫هذه الدول التي شكلت غطا ًء داع ًما ومسان ًدا‬ ‫سياس ًيا ولوجست ًيا للحزب‪ ،‬عبر مختلف الدول‬ ‫مثل املكسيك‪ ،‬وفنزويال‪ ،‬وكولومبيا‪ ،‬والبرازيل‪،‬‬ ‫وجزر العذراء البريطانية‪ .‬وحسب تقرير سري‬ ‫لألجهزة األمريكية‪ ،‬جنح حزب اهلل بفضل‬ ‫شبكة عالقاته يف أمريكا الالتينية‪ ،‬يف تبييض‬ ‫ما يتراوح بني ‪ 600‬و ‪ 700‬مليون دوالر‪ ،‬بني ‪ 2014‬و‪2016‬م‪.‬‬ ‫ونشرت وزارة اخلزانة األمريكية يف ‪ 16‬فبراير ‪2017‬م‪ ،‬قائمة‬ ‫بأمالك نائب الرئيس الفنزويلي طارق العصميى الذي تتهمه‬ ‫واشنطن بدعم ومتويل حزب اهلل اللبناني حتدي ًدا‪ .‬كما أكدت‬ ‫الواليات املتحدة األمريكية واألرجنتني يف ‪ 5‬فبراير ‪2018‬م‪،‬‬ ‫أنهما ستعمالن معا بشكل وثيق لوقف شبكات متويل حزب اهلل‬ ‫اللبناني يف أمريكا الالتينية‪ ،‬وعدم السماح للجماعات اخلارجية‬ ‫بتعريضها للخطر‪ .‬واتهمت الواليات املتحدة حزب اهلل باإلجتار‬ ‫باملخدرات والبشر والتهريب وغسل األموال يف أمريكا الالتينية‪.‬‬ ‫وبالتزامن ً‬ ‫أيضا ترتكز االستراتيجية األمريكية على مواجهة‬ ‫مليشيا احلوث االنقالبية يف المين وإنهاء االنقالب الذي قامت‬ ‫به يف عام ‪2015‬م‪ ،‬عبر تشديد احلصار على السواحل المينية‬ ‫ومنع إيران من تهريب األسلحة إليها‪ ,‬وكان من أبرز نتائج ذلك‬ ‫الهزائم الكبيرة التي تعرض لها احلوثيني يف المين وأخرها‬ ‫معركة احلديدة‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪55‬‬

‫ثالثها‪ :‬دعم قوى التغيير يف إيران‪:‬‬

‫ميثل دعم املعارضة اإليرانية أحد أدوات االستراتيجية‬ ‫األمريكية جتاه إيران فميا بعد االنسحاب من االتفاق النووي‪,‬‬ ‫من خالل الضغط على النظام اإليراني من الداخل‪ ,‬حيث دعمت‬ ‫اإلدارة األمريكية مؤمترات املعارضة اإليرانية يف اخلارج والتي‬ ‫تطالب بتغيير النظام اإليراني الذي ميارس أقصى االنتهاكات‬ ‫ضد الشعب اإليراني‪ .‬وشارك أعضاء من الكوجنرس األمريكي‬ ‫ومستشار الرئيس لألمن القومي جون بولتون يف مؤمتر‬ ‫املعارضة اإليرانية بباريس حتت عنوان "إيران‪ :‬آفاق التغيير يف‬ ‫عام ‪ ..2018‬سياسة الواليات املتحدة واالحتاد األوروبي بشأن‬ ‫إيران"‪ ،‬حيث طالب املشاركون الدول الغربية بالوقوف إلى جانب‬ ‫الشعب اإليراني ورغبته يف إقامة الدميقراطية‬ ‫وقد جتسدت التحركات اإليرانية الداخلية‬ ‫ضد النظام يف احتجاجات ديسمبر ‪2017‬م‪،‬‬ ‫والذي سعى لسحقها حيث قام احلرس الثوري‬ ‫وقوات الباسيج بسحل احملتجني يف شوارع املدن‬ ‫اإليرانية وعمل على شيطنة تلك االحتجاجات‬ ‫ووصفها بأنها مؤامرة خارجية‪ ,‬بيمنا هي انعكاس‬ ‫للديكتاتورية الدينية والعسكرية للنظام اإليراني‪.‬‬ ‫وقد اسمترت املظاهرات يف إيران خاصة يف‬ ‫إقلمي األحواز العربي وقام النظام بسحقها‪,‬‬ ‫ثم اندلعت احتجاجات جتار البازار يف طهران‬ ‫يف نهاية يونيو املاضي ضد تدهور األوضاع‬ ‫االقتصادية وانخفاض قمية العملة اإليرانية‪,‬‬ ‫الريال حيث هوت أمام الدوالر األمريكي إلى مستويات تاريخية‬ ‫لم يصلها من قبل‪ ،‬إذ بلغت قمية الدوالر الواحد نحو ‪ 90‬ألف‬ ‫ريال إيراني‪ .‬ومتثل احتجاجات البازار مؤش ًرا مهما على زيادة‬ ‫الضغوط على النظام اإليراني ألن جتار البازار هم من الطبقة‬ ‫الوسطى التي كانت متحالفة مع النظام اإليراني لعقود طويلة‪.‬‬

‫دع��م المعارض��ة‬ ‫اإليراني��ة أح��د أدوات‬ ‫االستراتيجية األمريكية‬ ‫ما بع��د االنس��حاب من‬ ‫االتفاق النووي للضغط‬ ‫ع�لى النظام من الداخل‬

‫رابعها‪ :‬كوريا الشمالية نموذجا للتعامل مع إيران‪:‬‬

‫ترتكز االستراتيجية األمريكية جتاه إيران على الربط بني‬ ‫ملفها النووي وامللف النووي لكوريا الشمالية‪ ,‬حيث انتهجت‬ ‫إدارة ترامب استراتيجية سياسة العصا وممارسة أقصى‬ ‫الضغوط على نظام كوريا الشمالية بقيادة الرئيس كمي جوجن‬ ‫أون عبر العقوبات الدولية من مجلس األمن على خلفية إجرائها‬ ‫التجارب النووية وإطالق الصواريخ الباليستية‪ ,‬كذلك العقوبات‬ ‫األمريكية االنفرادية املشددة جتاه كوريا الشمالية‪ ,‬وهو ما‬ ‫ساهم يف دفع النظام الكوري الشمالي إلى القبول باملفاوضات‬ ‫والدخول يف حوار مع الواليات املتحدة لنزع أسلحته النووية‬

‫‪54‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫على حزب اهلل‪ :‬شكل حزب اهلل اللبناني أحد األذرع العسكرية‬ ‫الرئيسية إليران يف زعزعة االستقرار باملنطقة‪ ,‬حيث وظفه‬ ‫النظام اإليراني يف تنفيذ أجندته عبر تدخله يف سوريا للقتال‬ ‫إلى جانب قوات النظام السوري ضد املعارضة‪ ,‬كما تدخل‬ ‫حزب اهلل ملساعدة احلوثيني يف المين‪ ,‬وترتكز االستراتيجية‬ ‫األمريكية على مواجهة واحتواء حزب اهلل عبر سياسة العصا‬ ‫وفرض العقوبات عليه‪ ,‬فيف ‪ 11‬أكتوبر ‪2017‬م‪ ،‬أعلنت اخلارجية‬ ‫األمريكية عن مكافأة مالية تصل إلى ‪ 12‬ماليني دوالر للحصول‬ ‫على معلومات تؤدى لتحديد أو اعتقال أو إدانة اثنني من‬ ‫كبار قادة حزب اهلل‪ ,‬وهما طالل حمية وفؤاد شكر‪ ,‬واتهممتا‬ ‫بأنهما شاركا يف هجمات إرهابية ضد أمريكيني‪ ،‬مبا يف ذلك‬ ‫التفجيرات االنتحارية التي استهدفت السفارة األمريكية يف‬ ‫بيروت يف أبريل ‪1983‬م‪ ،‬وثكنات البحرية األمريكية يف بيروت‬ ‫يف أكتوبر ‪1983‬م‪ ،‬وملحق السفارة األمريكية يف بيروت يف‬ ‫سبمتبر ‪1984‬م‪ ،‬واختطاف طائرة تي دبليو آي يف عام ‪1985‬م‪.‬‬ ‫وقد أقرت جلنة الشؤون اخلارجية يف مجلس النواب‬ ‫األمريكي باإلجماع يف ‪ 28‬سبمتبر ‪2017‬م‪ ،‬مسودة قانون‬ ‫تسمح بتشديد العقوبات على حزب اهلل‪ ،‬عبر تضمينه إجراءات‬ ‫إضافية للحد من مصادر متويله‪ .‬وتضمن مشروع القانون‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫واملعروف باسم "قانون منع المتويل الدولي حلزب اهلل" إلزام‬ ‫الرئيس األمريكي بفرض عقوبات على احلزب تطال كل شخص‬ ‫يدعم أو يرعى أن يقدم متوي ً‬ ‫ال مه ًما أو موا ًدا أو دع ًما تقن ًيا‬ ‫لعدد من الكيانات‪ ،‬ومن بينها بيت املال وجهاد البناء وهيئة دعم‬ ‫املقاومة اإلسالمية‪ ،‬وقسم العالقات اخلارجية‪ ،‬واملنظمة األمنية‬ ‫التابعة حلزب اهلل يف اخلارج‪ ،‬باإلضافة إلى قناة املنار وإذاعة‬ ‫النور واملجموعة اللبنانية لإلعالم‪ .‬كما شملت العقوبات جتميد‬ ‫األصول وحجب التعامالت املالية ومنع إصدار تأشيرات السفر‬ ‫ً‬ ‫أيضا إمكانية فرض‬ ‫إلى الواليات املتحدة‪ .‬وتضمن القانون‬ ‫عقوبات على دول أجنبية يف حال قامت بتقدمي دعم عسكري‬ ‫أو مالي لـحزب اهلل أو أحد الكيانات املرتبطة به‪ .‬وفرض‬ ‫مجلس النواب األمريكي يف ‪ 26‬أكتوبر ‪ 2017‬م‪ ،‬عقوبات جديدة‬ ‫على حزب اهلل حيث مت إقرار ثالثة قوانني‪ ,‬يتضمن القانون‬ ‫األول عقوبات جديدة على أي كيانات يثبت دعمها للجماعة‬ ‫من خالل إمدادها باألسلحة‪ .‬ويفرض القانون الثاني عقوبات‬ ‫على إيران وحزب اهلل الستخدامهما املدنيني كدروع بشرية‪.‬‬ ‫ويطالب القانون الثالث االحتاد األوروبي بتصنيف حزب اهلل‬ ‫ميا إرهاب ًيا‪ .‬وفرضت وزارة اخلزانة األمريكية يف ‪ 2‬فبراير‬ ‫تنظ ً‬ ‫‪ 2018‬م‪ ،‬عقوبات جديدة على حزب اهلل حيث أضافت عد ًدا‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫األخرى مثل مجموعة بيجو ستروين املنتجة لسيارات بيجو‪ ،‬التي‬ ‫أعلنت أنها بدأت تعليق أنشطة مشروعها املشترك يف إيران‪،‬‬ ‫لتجنب العقوبات األمريكية بعد انسحاب واشنطن من االتفاق‬ ‫النووي‪ .‬كما ألغت كل من شركتي السيارات مازدا اليابانية‪،‬‬ ‫وهيونداي الكورية اجلنوبية صفقات لهما مع شركات سيارات‬ ‫محلية يف إيران‪ ,‬وأعلن بنك التجارة واالستثمار السويسري يف‬ ‫مايو املاضي أنه علق جميع التعامالت اجلديدة مع إيران وأنه‬ ‫سينهي أنشطته مع هذا البلد تدريج ًيا‪ ,‬كما أن مصارف أوروبية‬ ‫عدة أعلنت استعدادها لوقف مشترياتها من النفط اإليراني‬ ‫مبجرد سريان العقوبات‪ .‬إضافة إلى أن بعض الشركات‬ ‫األمريكية مثل بوينج وجنرال إلكتريك لتصنيع الطائرات قد‬ ‫أعلنتا إيقاف استثماراتهما يف إيران‪ ،‬األمر الذى سيؤدي إلى‬ ‫إلغاء عقود توريد املعدات املتفق عليها مع إيران‪ .‬كذلك أعلنت‬ ‫شركة البترول البريطانية بتروليوم إنهاء شراكتها االستثمارية‬ ‫مع شركة النفط اإليرانية والتي من املفترض أن تبدأ أعمال‬ ‫التنقيب يف أعماق البحار قبالة الساحل االسكتلندي‪.‬‬ ‫وقد اعترف املسؤولون اإليرانيون مثل محمد جواد ظريف‬ ‫وزير اخلارجية اإليراني‪ .‬وعباس عراقجي وكيل وزارة اخلارجية‬ ‫اإليرانية‪ ,‬وعالء الدين بروجردي‪ ،‬رئيس جلنة األمن القومي‬ ‫والسياسة اخلارجية يف البرملان اإليراني‪ ،‬بالتأثير الكبير‬ ‫لالنسحاب األمريكي من االتفاق وإعادة فرض العقوبات‪.‬‬ ‫ورغم إعالن اجلانب األوروبي االسمترار يف االتفاق وانتقاده‬ ‫االنسحاب األمريكي‪ ,‬إال أنه غير قادر على حماية الشركات‬ ‫األوروبية املوجود يف السوق اإليرانية أو دفع تعويضات لها نتيجة‬ ‫للعقوبات األمريكية‪ ,‬كما أنه غير قادر على تقدمي الضمانات التي‬ ‫طالبتها إيران لالسمترار يف االتفاق واملتعلقة بحماية الشركات‬ ‫األوروبية وعدم خروجها من إيران‪ ,‬ورغم إقرار املفوضية‬ ‫األوروبية يف ‪ 6‬يونيو ‪2018‬م‪ ،‬تشري ًعا يتيح التصدي للتأثيرات‬ ‫اخلارجية للعقوبات األميركية على الشركات األوروبية الراغبة‬ ‫باالستثمار والعمل يف إيران بعد انسحاب واشنطن من االتفاق‬ ‫النووي إال أنه من الصعب تفعيل هذا التشريع على أرض الواقع‪,‬‬ ‫وهو ما دفع النظام اإليراني إلى التشكيك يف جدوى املوقف‬ ‫األوروبي وإمكانية صموده أمام الضغوط والعقوبات األمريكية‪.‬‬ ‫ويسعى النظام اإليراني للمراهنة على روسيا والصني لتعويض‬ ‫خروج االستثمارات األوروبية‪ ,‬لكن هذا التعويض لن يحقق‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪53‬‬

‫الهدف اإليراني يف ظل العقوبات األمريكية الصارمة ضد‬ ‫الشركات التي تستثمر يف إيران‪ ,‬حيث أحملت الواليات املتحدة‬ ‫األمريكية بأن العقوبات قد تشمل كل من الهند والصني‪ ،‬حال‬ ‫لم تنسحب من السوق اإليرانية مثلما فعلت عدد من الشركات‬ ‫األوروبية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ضغوطا كبيرة على‬ ‫وقد شكلت العقوبات األمريكية اجلديدة‬ ‫االقتصاد اإليراني خاصة أنها تطال عصب االقتصاد اإليراني‬ ‫مثل قطاع الطاقة من النفط والغاز واملصرف املركز اإليراني‪,‬‬ ‫حيث قامت وزارة اخلزانة األمريكية بفرض عقوبات على قطاع‬ ‫النفط يف إيران وحظرت على الدول األخرى استيراد النفط‬ ‫اإليراني‪ ,‬وقامت مبمارسة الضغوط على الدول التي تستورد‬ ‫النفط من إيران مثل اليابان والهند والصني‪ ,‬ورغم تأثر تلك‬ ‫الدول من وقف استيرادها للنفط اإليراني إال أنها يف نهاية‬ ‫املطاف رضخت للضغوط األمريكية‪ ,‬كما فرضت وزارة اخلزانة‬ ‫األمريكية يف ‪ 10‬مايو ‪2018‬م‪ ،‬عقوبات جديدة على ستة‬ ‫أشخاص وثالثة كيانات إيرانية‪ ،‬لديهم ارتباطات مع احلرس‬ ‫الثوري اإليراني والتعامل مع كيانات يف اإلمارات للحصول على‬ ‫أموال بالدوالر األمريكي لمتويل األنشطة اخلبيثة لفيلق القدس‪،‬‬ ‫مبا فيها متويل وتسليح وكالء له يف املنطقة‪.‬‬ ‫كذلك فرضت الواليات املتحدة عقوبات مشددة على إيران‬ ‫تتعلق ببرنامجه الصاروخي الباليستي‪ ,‬حيث صوت مجلس‬ ‫النواب األمريكي يف ‪ 26‬أكتوبر ‪ 2017‬م‪ ،‬باإلجماع تقري ًبا‪،‬‬ ‫على فرض عقوبات جديدة على برنامج الصواريخ الباليستية‬ ‫اإليرانية يف إطار جهود لتضييق اخلناق على إيران‪ ,‬والذي‬ ‫عرف بـ "قانون الصواريخ الباليستية اإليرانية وإنفاذ العقوبات‬ ‫الدولية"‪ .‬وطالب القانون الرئيس األمريكي بإبالغ الكوجنرس‬ ‫يف شأن سلسلة اإلمداد اإليرانية والدولية لبرنامج الصواريخ‬ ‫اإليراني وفرض عقوبات على احلكومة اإليرانية أو الكيانات‬ ‫األجنبية التي تدعمها‪.‬‬

‫ثانيها‪ :‬احتواء أذرع إيران‪:‬‬

‫ترتكز استراتيجية إدارة ترامب بالتزامن مع ممارسة أقصى‬ ‫الضغوط على النظام اإليراني‪ ,‬عبر العقوبات‪ ,‬على احتواء‬ ‫أذرع إيران اإلرهابية مثل حزب اهلل ومليشيا احلوثي االنقالبية‬ ‫واملليشيات اإليرانية يف سوريا والعراق‪ :‬العقوبات األمريكية‬

‫االتف��اق ل��م يش��مل المواق��ع العس��كرية النووي��ة اإليراني��ة‬ ‫تح��ت األرض وترف��ض طه��ران فتحه��ا لمفتش��ي الوكال��ة الدولي��ة‬

‫‪52‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تعتمد رؤي���ة ت��رام��ب الح��ت��واء ال��خ��ط��ر اإلي���ران���ي ع�لى العصا‬ ‫وم���م���ارس���ة ال��ع��ق��وب��ات وال���ض���غ���وط وال��ت��خ�لي ع���ن ج����زرة أوب��ام��ا‬ ‫أنه البد من تغيير االستراتيجية األمريكية جتاه إيران الحتواء‬ ‫ومواجهة اخلطر اإليراني املتصاعد‪.‬‬

‫استراتيجية متكاملة‪:‬‬

‫ترتكز استراتيجية إدارة ترامب جتاه إيران على عدة محاور‬ ‫متكاملة وشاملة ملواجهة اخلطر اإليراني وتمتثل يف‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬االنسحاب من االتفاق النووي اإليراني باعتباره اتفاق‬ ‫معيب وبه ثغرات خطيرة وأبرزها ما يعرف ببند الغروب‪ ,‬أي أن‬ ‫االتفاق مؤقت ومدته عشر سنوات تنتهى يف عام ‪2025‬م‪ ,‬وميكن‬ ‫إليران بعدها استئناف عملية التخصيب مبعدالت عالية وزيادة‬ ‫أجهزة الطرد املركزي ومن ثم إمكانية امتالك النظام اإليراني‬ ‫للسالح النووي‪ ,‬خاصة أن االتفاق لم يقم بنزع شامل للبرنامج‬ ‫النووي وإمنا اقتصر فقط على تخفيض عمليات التخصيب‬ ‫وتقليل عدد أجهزة الطرد املركزي‪ ,‬وبالتالي حافظ على بنية‬ ‫البرنامج النووي اإليراني‪ ,‬وهو ما ظهر جل ًيا يف تصريحات‬ ‫املسئولون اإليرانيني بعد االنسحاب األمريكي من االتفاق‬ ‫النووي بالتهديد باستئناف التخصيب مرة أخرى‪ ,‬كما أن االتفاق‬ ‫لم يشمل املواقع العسكرية اإليرانية التي حتت األرض وبها‬ ‫مواقع نووية‪ ,‬حيث ترفض إيران فتح تلك املواقع ملفتشي الوكالة‬ ‫الدولية للطاقة الذرية‪ ,‬وبالتالي تستهدف إدارة ترامب التوصل‬ ‫إلى اتفاق جديد وشامل يقضي على هذه الثغرات ويضع قيود‬ ‫واضحة على إمكانية امتالك النظام اإليراني للسالح النووي‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬ربط امللف النووي اإليراني بامللفات األخرى خاصة‬ ‫البرنامج الباليستي التي تهدد أمن واستقرار املنطقة ودعم‬ ‫إيران لإلرهاب وألذرعها العسكرية والتي أدت لتقويض‬ ‫االستقرار يف الدول العربية وتعقيد التوصل إلى حل سياسي‬ ‫فيها مثلما هو احلال يف المين حيث أدى الدعم اإليراني ملليشيا‬ ‫احلوثي إلى حتديها للمجمتع الدولي ورفض احللول السياسية‪,‬‬ ‫إضافة إلى ملف انتهاكات حقوق اإلنسان يف إيران‪ ,‬ولذلك‬ ‫ترتكز االستراتيجية األمريكية اجلديدة على التعامل مع تلك‬ ‫امللفات عبر حزمة واحد دون الفصل بينها‪ ,‬على خالف الوضع‬ ‫يف الوقف األوروبي الذي يريد الفصل بني املسارات ويركز فقط‬ ‫على امللف النووي واحلفاظ على االتفاق العتبارات اقتصادية‬ ‫بحتة‪ ,‬حيث استفادت الشركات األوروبية من االتفاق النووي عبر‬ ‫االستثمار يف إيران‪ ,‬وبالتالي ترى إدارة ترامب أن احتواء اخلطر‬ ‫اإليراني يكون عبر التعامل باستراتيجية متكاملة ترتكز على منع‬

‫إيران من امتالك السالح النووي ووقف برامجها الصاروخية‬ ‫والباليستية ووقف دعمها لإلرهاب وانتهاكات حقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬حشد الدعم الدولي جتاه إيران وزيادة عزلتها الدولية‬ ‫عبر ممارسة الضغوط على الدول التي تتعامل مع إيران‬ ‫عبر سياسة العقوبات‪ ,‬وكشف املمارسات اإليرانية يف مجال‬ ‫الصواريخ الباليستية ودعم اإلرهاب أمام املجمتع الدولي وفى‬ ‫مجلس األمن الدولي كما فعلت نيكي هيلي مندوبة الواليات‬ ‫املتحدة يف األمم املتحدة بعرض مناذج الصواريخ التي أطلقتها‬ ‫مليشيا احلوثي جتاه اململكة واملصنوعة يف إيران‪.‬‬

‫سياسة أقصى الضغوط عىل إيران‪:‬‬

‫ترتكز استراتيجية إدارة ترامب الحتواء اخلطر اإليراني‬ ‫بعد االنسحاب من االتفاق النووي بشكل أساسي على انتهاج‬ ‫سياسة العصا وممارسة أقصى العقوبات والضغوط على إيران‪,‬‬ ‫والتخلي عن سياسة اجلزرة التي انتهجتها إدارة أوباما‪ ,‬عبر‬ ‫عدة أمور‪:‬‬

‫أولها‪ :‬العقوبات المشددة‪:‬‬

‫فرغم اسمترار االتفاق من الناحية النظرية نظ ًرا السمترار‬ ‫األطراف األخرى فيه‪ ,‬روسيا والصني وأملانيا وفرنسا وبريطانيا‬ ‫إضافة إليران‪ ,‬إال أنه من الناحية العملية فإن االتفاق قد مت‬ ‫تفريغه من مضمونه وأصبح اتفا ًقا ً‬ ‫هشا نظ ًرا ألن الطرف‬ ‫األساسي وهو اجلانب األمريكي انسحب منه‪ ,‬حيث أن الدول‬ ‫األخرى كانت مبثابة ضامن لالتفاق كما أن إعادة فرض‬ ‫العقوبات األمريكية على إيران وفرض عقوبات على الشركات‬ ‫والدول التي تستثمر يف إيران ومطالبتها باالنسحاب من السوق‬ ‫اإليراني‪ ,‬أدى لتداعيات كبيرة على االقتصاد اإليراني وأوجد‬ ‫حالة من عدم اليقني حول االستثمار يف إيران‪ ,‬حيث من الصعب‬ ‫على الشركات األوروبية أن تسمتر يف السوق اإليرانية نظ ًرا‬ ‫للعقوبات األمريكية التي تطال هذه الشركات‪ ,‬وهو ما انعكس‬ ‫يف نزوح كبير للشركات األوروبية خارج السوق اإليرانية‪ ,‬حيث‬ ‫انسحبت شركة توتال من عقدها لالستثمار يف قطاع النفط‬ ‫والغاز يف إيران بقمية ثالثة مليارات يورو‪ ,‬بعد أن فشلت يف‬ ‫احلصول على إعفاء من العقوبات األمريكية‪ .‬كما أوقفت شركة‬ ‫إيرباص عقدها مع إيران والذى يقضي بتزويدها مائة طائرة‬ ‫مدنية مقابل عشرين مليار يورو إضافة إلى العديد من الشركات‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪51‬‬

‫مالمح االستراتيجية األمريكية بعد االنسحاب من االتفاق النووي‬

‫اس��تراتيجية ترام��ب ترك��ز ع�لى احت��واء‬ ‫أذرع إي��ران اإلرهابي��ة ودع��م المعارض��ة‬ ‫يأتي االنسحاب األمريكي من االتفاق النووي اإليراني كجزء من االستراتيجية األمريكية اجلديدة جتاه إيران والتي‬ ‫تقوم على ممارسة أقصى الضغوط على النظام اإليراني الحتواء اخلطر الذي ميثله سواء يف امللف النووي أو الصواريخ‬ ‫الباليستية أو دعم اإلرهاب أو انتهاكات حقوق اإلنسان‪ .‬وهذه االستراتيجية متثل حتوالً جذر ًيا عن استراتيجية إدارة أوباما‬ ‫جتاه إيران‪ ,‬فقد اعتبرت إدارة ترامب أن سياسة اجلزرة التي انتهجتها إدارة أوباما‪ ,‬أي احلوار واملفاوضات مع إيران وإبرام‬ ‫االتفاق النووي معها قد أثبتت فشلها وأتت بنتائج عكسية‪ , ,‬فعلى خالف ما كانت تعتقد إدارة أوباما أن هذه السياسة ستجعل‬ ‫إيران دولة رشيدة وتندمج يف املنظومة الدولية وتتوقف عن تخصيب اليورانيوم‪,‬‬

‫د‪ .‬أحمد سيد أحمد‬

‫‪ ,‬إال أن إيران قامت بتوظيف االتفاق النووي املعيب لتعظمي‬ ‫دورها يف املنطقة عبر دعم اإلرهاب وأذرعها اإلرهابية مثل‬ ‫مليشيا حزب اهلل يف لبنان ومليشيا احلوثي االنقالبية يف‬ ‫المين واجلماعات الشيعية يف العراق وسوريا مثل عصائب‬ ‫أهل احلق‪ ،‬وحركة النجباء‪ ،‬والزينبيون‪ ،‬والفاطميون‪ ،‬ولواء أبو‬ ‫العباس وغيرها من عشرات املليشيات التي أشرف عليها فيلق‬ ‫القدس بقيادة قاسم سلمياني‪ ,‬الذراع العسكري للحرس الثوري‬ ‫اإليراني‪ .‬من ناحية أخرى بدالً من أن يقوم النظام اإليراني‬ ‫بتوظيف عشرات املليارات التي جنمت عن رفع العقوبات‬ ‫الدولية واإلفراج عن األرصدة املجمدة يف اخلارج يف دعم‬ ‫التمنية وحتسني مستوى معيشة الشعب اإليراني الذى يئن حتت‬ ‫الفقر وتصاعد معدالت البطالة والتي تصل إلى ‪ %50‬يف بعض‬ ‫احملافظات وارتفاع نسب الشعب اإليراني الذي يقع حتت خط‬ ‫الفقر‪ ,‬وهو ما عكسته االنتفاضات الشعبية املتكررة ضد النظام‬ ‫اإليراني‪ ,‬وأبرزها االحتجاجات الشعبية التي اندلعت يف نهاية‬ ‫ديسمبر ‪2017‬م‪ ،‬يف مختلف املدن اإليرانية وعلى رأسها معقل‬ ‫احلوزات الدينية يف قم ومشهد ‪ ،‬ورفع احملتجون شعارات تندد‬

‫مبرشد الثورة اإليرانية على خامنئي مثل "ال غزة ولبنان فداكي‬ ‫يا إيران"‪ ,‬و"يسقط حكم املرشد"‪ ,‬بدالً من ذلك قام النظام‬ ‫اإليراني بتوظيف هذه األموال يف اإلنفاق على وكالئه وأذرعه‬ ‫اخلارجية حيث زاد النظام اإليراني من حصة متويله حلزب اهلل‬ ‫من ‪ 200‬مليون دوالر إلى مليار دوالر بنهاية عام ‪2017‬م‪ ,‬كما‬ ‫قام النظام بتوجيه اجلزء األكبر من موارده يف تطوير برنامجه‬ ‫الصاروخي الباليستي‪ ,‬وتزويده ملليشيا احلوثي االنقالبية بهذه‬ ‫الصواريخ والتي استخدمتها يف تهديد أمن اململكة العربية‬ ‫ً‬ ‫صاروخا باليستيا‬ ‫السعودية‪ ,‬حيث أطلق احلوثيون أكثر من ‪160‬‬ ‫على اململكة مستهد ًفا املدن السعودية ووصل األمر إلى حد‬ ‫استهداف األماكن املقدسة يف مكة املكرمة‪.‬‬ ‫وكان قد سعى أوباما لتحقيق إجنازًا يف السياسة اخلارجية‬ ‫عبر التوصل إلى اتفاق هش مع إيران حول برنامجها النووي‬ ‫وتغاضى عن االعتبارات األخرى مثل دعمها لإلرهاب وأذرعها‬ ‫اإلرهابية يف املنطقة وتغاضى عن برنامجها الصاروخي‬ ‫الباليستي‪ ,‬كما تغاضى ً‬ ‫أيضا عن انتهاكات حقوق اإلنسان التي‬ ‫يقوم بها النظام ضد الشعب اإليراني‪ .‬لذلك اعتبر إدارة ترامب‬

‫‪50‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫للمواجهات اإلسرائيلية اإليرانية خالل الفترة املقبلة‪ ،‬وهو ما‬ ‫يحدث بصورة جزئية حالياً من املتوقع أن املوقف األمريكي يف‬ ‫مجمله سوف يوفر غطاء ألية مغامرات عسكرية إسرائيلية مقبلة‬ ‫ضد إيران أو حلفائها على الساحة السورية‪ ،‬وسيتصاعد التصعيد‬ ‫اإلسرائيلي ضد األهداف اإليرانية يف سوريا خالل الفترة‬ ‫القادمة‪ ،‬كما أنه من املرجح أال حتدث مواجهات عسكرية مفتوحة‬ ‫بني الطرفني اإليراني واإلسرائيلي‪ ،‬ويف التقدير أن تقتصر على‬ ‫ضربات جوية ملواقع إيرانية على إمتداد سوريا‪ ،‬خاصة يف املنطقة‬ ‫التي متتد بني العاصمة دمشق وحدود اجلوالن احملتل‪ ،‬حيث تعتبر‬ ‫إسرائيل تلك املنطقة يجب ان تكون منطقة عازلة ال تتواجد فيها‬ ‫قوات إيرانية أو حلفائها‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫واحملافظة على معادلة التوازن التي حتكم العملية السياسية حالياً‬ ‫والتي حتافظ على حجم االستقرار احلالي‪ ،‬وحتصني لبنان بقدر‬ ‫اإلمكان من التداعيات السلبية لهذه التطورات‪.‬‬ ‫وبصفة عامة‪ ،‬ميكن القول أن االستراتيجية األمريكية املرتكزة‬ ‫على العقوبات االقتصادية‪ ،‬ومحاصرة البرنامج النووي اإليراني‬ ‫واحليلولة دون امتالك طهران للسالح النووي ووقف التدخالت‬ ‫اإليرانية يف دول املنطقة لتحجمي الدور والنفوذ اإليراني يف املنطقة‬ ‫حتمل يف طياتها الكثير من عناصر التوتر وتهديد االستقرار يف‬ ‫املنطقة إذا تصاعدت املواجهة‪ ،‬واألرجح أن األهداف الرئيسية لهذه‬ ‫اإلستراتيجية على مستوياتها املختلفة لن تتحقق‬ ‫بصورة كاملة خاصة عملية تصغير الصادرات‬ ‫البترولية أو التخلص من البرنامج النووي اإليراني‬ ‫ووقف التدخالت اإليرانية والنفوذ اإليراني يف دول‬ ‫املنطقة‪ ،‬صحيح أن كل ذلك سوف يشهد تغييراً‬ ‫كبيراً وتراجعات إيرانية لكن على اجلانب اآلخر‬ ‫فمن املتوقع أن تكون هذه اإلستراتيجية تتبنى‬ ‫سقفاً أعلى لكنه يكون قاب ً‬ ‫ال للتفاوض والتجاوب‬ ‫نسبياً إذا ما قدمت طهران تنازالت بخصوصها‪،‬‬ ‫خاصة إلغاء السقف الزمني للتخصيب ووقف‬ ‫تطوير برامج الصواريخ الباليستية ومراجعة تدخالتها يف بعض‬ ‫دول املنطقة‪.‬‬

‫النظام اإليراني‬ ‫ال يسعى للمواجهة‬ ‫ال��ع��س��ك��ري��ة ال��ت��ي ال‬ ‫تهدد قدراته النووية‬ ‫ف��ق��ط ب���ل وج����وده‬

‫وفميا يتعلق بالمين‪ ،‬فمن املتوقع أن حتافظ إيران‬ ‫على دعمها للحوثيني يف املرحلة األولى كورقة‬ ‫ضغط لتسمتر يف احلوار مع دول املنطقة ومبا‬ ‫يدفع ذلك احلوثيني إلى التشدد ورفض التجاوب‬ ‫مع جهود احلل السياسي‪ ،‬إال أن مواصلة إطالق‬ ‫الصواريخ الباليستية ميكن أن يدفع واشنطن إلى‬ ‫اعتبار ذلك تهديداً مباشراً لإلستقرار واملصالح‬ ‫األمريكية ومبرراً إلجراءات حادة مع إيران‪ ،‬األمر‬ ‫الذي يحسم وجهة نظر بعض املصادر الغربية واألمريكية ترجيح‬ ‫أن توازن إيران بني مواصلة موقفها على هذا النحو أو توفير‬ ‫مبررات إضافية ملزيد من العداء غير احملسوب مع أمريكا وبالتالي‬ ‫يدفع ذلك إلى أن تكون المين مجاالً إلثبات حسن سلوك النظام‬ ‫اإليراني والتجاوب مع جهود الوساطة املبذولة حالياً إذا أدركت‬ ‫إيران مخاطر دورها على هذا املستوى وإن كانت املعطيات احلالية‬ ‫التزال تشير إلى عكس ذلك‪ ،‬حيث التزال إيران تقدم دعمها‬ ‫للميليشيات احلوثية ملساعدتها على الصمود أمام عملية حترير‬ ‫احلديدة فقد أكدت مصادر مينية ضلوع إيران يف تدريب ‪500‬‬ ‫حوثي بالتنسيق مع قوات احلشد الشعبي يف بغداد خالل الستة‬ ‫أشهر املاضية بعد أن يمت تهريبهم عبر سوريا أو لبنان وصوالً‬ ‫إلى العراق ضمن استراتيجية إيرانية تربط بني امليليشيات التابعة‬ ‫لها يف كل الدول العربية‪ ،‬وبالتالي فإن التطوارت يف المين سوف‬ ‫تبقى مجال االختبار الرئيسي لطبيعة التوجهات اإليرانية ومدى‬ ‫ما تشهده سياساتها من تشدد أو مرونة‪.‬‬ ‫وفميا يتعلق بلبنان‪ ،‬فمن الواضح حرص كافة األطراف على عدم‬ ‫تأثر األوضاع هناك بهذه التداعيات واستيعاب التوترات املرتبطة‬ ‫بها وعدم الدخول يف مواجهات عسكرية على األراضي اللبنانية‬

‫اخلالصة‪ ،‬أن مجمل هذه التطورات مبا حتمله من تداعيات‬ ‫عسكرية واقتصادية وسياسية ستزيد من مظاهر التوتر يف املنطقة‬ ‫ولكنها لن تهدد االستقرار واألمن فيها بصورة كبيرة بالنظر إلى‬ ‫معطيات الواقع احلالي‪ ،‬ويف ظل متاسك املوقف اخلليجي وحجم‬ ‫املساندة الدولية للموقف األمريكي لقبول نوع من املرونة يسمح‬ ‫بتطويع املوقف اإليراني‪ ،‬وكما قال الرئيس األمريكي مؤخراً‪ ،‬أنه‬ ‫بعد إعالن اإلستراتيجية األمريكية األخيرة فإن رسائل إيران‬ ‫أصبحت أكثر تأدباً وأن ينتظر جتاوباً إيرانياً‪ ،‬فإن ذلك يشير إلى‬ ‫أن اإلدارة األمريكية ستواصل الضغط على إيران على أمل تطويع‬ ‫موقفها وإيجاد صيغة جديدة التفاق نووي وسياسي يستوعب‬ ‫املطالب األمريكية‪.‬‬

‫*مفكر سياسي مصري‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الشاملة بني إيران وأمريكا‪ ،‬وقد يكون دفعها للتجاوب مع بعض‬ ‫الصيغ اخلاصة بحلول سياسية خياراً مقبوالً مرحلياً للمحافظة‬ ‫عليها وتثبيت النفوذ اإليراني‪.‬‬ ‫ ليس من املتوقع أن تشارك العراق يف عمليات املقاطعة واحلصار‬‫االقتصادي إليران‪ ،‬خاصة بالنظر للتركيبة السياسية واملذهبية‬ ‫للقوى السياسية املؤثرة يف العراق وكذلك بالنظر ملعادالت وتوازنات‬ ‫القوى فميا بينها‪ ،‬بل إن العراق ميكن أن تكون أحد نوافذ إيرن‬ ‫لكسر املقاطعة والعقوبات االقتصادية أو التهرب منها‪ ،‬ويؤكد‬ ‫ذلك أن البيانات واملؤشرات الدالة على حجم الوجود االقتصادي‬ ‫اإليراني يف العراق وحجم وطبيعة التبادل تكشف عن حجم االعمتاد‬ ‫التجاري بينهما‪ ،‬وميل امليزان التجاري لصالح إيران بصورة كبيرة‪،‬‬ ‫فض ً‬ ‫ال عن امتالك الشركات والبنوك اإليرانية فروعاً ضخمة لها‬ ‫يف العراق سواء يف احملافظات الوسطى أو اجلنوبية أو منطقة‬ ‫كردستان‪ ،‬وهناك تعاون عراقي إيراني يف مجال استخراج النفط‬ ‫وتبادل املشتقات النفطية العراقية مقابل نفط خام إيراني‪ ،‬وإن كان‬ ‫هذا التعاون الثنائي بني البلدين لن يرتب اختراقاً كبيراً ملنظومة‬ ‫العقوبات وذلك قياساً مبا يجري يف فترة العقوبات التي سبقت‬ ‫توقيع االتفاق النووي‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪49‬‬

‫وفميا يتعلق بالوجود اإليراني يف سوريا‪ ،‬فإنه من املتوقع أن يؤدي‬ ‫جتدد املقاطعة األمريكية إليران إلي تقليص املساعدات االقتصادية‬ ‫االيرانية املباشرة للحكومة السورية‪ ،‬وسوف يحد هذا األمر من‬ ‫قدرة إيران على املشاركة يف اجلهود املستقبلية إلعادة إعمار‬ ‫سوريا‪ ،‬خاصة يف املناطق التي تمتتع فيها طهران بنفوذ على األرض‬ ‫واملناطق التي قررت الدول الكبرى أال يمت بها عمليات إعمار نظراً‬ ‫للحضور اإليراني بها وهو ما سوف يترك تداعيات سلبية على‬ ‫احلضور اإليراني بصفة عامة يف سوريا‪.‬‬ ‫ويُشار يف هذا السياق إلى أن طهران تُعد الداعم األول للنظام يف‬ ‫اجلانب االقتصادي‪ ،‬ويقوم النظام بتوجيه هذا الدعم بشكل أساسي‬ ‫خلدمة اقتصاد احلرب‪ ،‬كما يُشار إلي اهمية سوريا االقتصادية‬ ‫إليران‪ ،‬حيث أن إيران تقدم دعم للنظام وتأخذ ضمانات سيادية‬ ‫مقابل هذا الدعم بهدف السيطرة على بعض مفاصل االقتصاد‬ ‫السوري‪ ،‬ويأتي ذلك يف ضوء رغبتها يف فتح خيارات سياسية‬ ‫للمستقبل واالستفادة من جتربة الثمانينات عندما قدمت نفطاً إلي‬ ‫احلكومة السورية‪ ،‬وبقيت أزمة الديون عالقة إلي نهاية التسعينات‬ ‫واستخدمتها ايران كورقة تفاوضية خالل عقد التسعينات عندما‬ ‫حتسنت العالقة بني دمشق وكل من دول اخلليج والغرب‪.‬‬ ‫وعلى املستوى العسكري‪ ،‬من املرجح أن تكون سوريا امليدان املباشر‬

‫‪48‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫كان من الواضح التأثير اإلسرائيلي –نسبياً‪ -‬على املوقف األمريكي‬ ‫بهذا اخلصوص‪ ،‬إال أن هذا التوجه األمريكي يحقق الكثير من‬ ‫جوانبه مصالح أمريكية مباشرة وغير مباشرة تتعلق بالتجاوب مع‬ ‫مخاوف دول املنطقة من املمارسات اإليرانية ومحاولتها تقويض‬ ‫األمن يف دول اجلوار‪ ،‬وهو ما ينعكس إيجابياً على العالقات‬ ‫االقتصادية االستثمارية والتجارية الثنائية‪ ،‬ويفتح الباب لتعاون‬ ‫عسكري أوسع له انعكاساته اإليجابية على الطرفني‪ ،‬كما أن‬ ‫محاصرة القدرات اإليرانية العسكرية واالقتصادية سوف تؤدي‬ ‫إلي حتجمي الدور اإليراني ليس فقط يف اخلليج واملشرق العربي‬ ‫ولكن كذلك يف دوائر ترى واشنطن أنها متس مصاحلها بصورة‬ ‫كبيرة خاصة أفغانستان واملمرات املالحية االستراتيجية يف الدوائر‬ ‫احمليطة باملنطقة‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن مسعى طهران لنسج حتالفات مع كل‬ ‫من روسيا والصني ال تتفق مع املصالح األمريكية واإلستراتيجية‬ ‫التي تنتهجها اإلدارة األمريكية احلالية يف صراعها مع الدولتني‪.‬‬ ‫املوقف األمريكي على هذا النحو يتجه إلى ممارسة أكبر قدر من‬ ‫الضغوط على إيران إلرغامها على قبول االستراتيجية اخلاصة‬ ‫ببرنامجها النووي والصاروخي بالدرجة األولى‪ ،‬واملراهنة على‬ ‫أن تؤدي الصعوبات املتوقعة للعقوبات االقتصادية إلي دعم‬ ‫قطاعات شعبية تطالب بالتغيير داخل إيران‪ ،‬ولكن هل ميكن أن‬ ‫تؤدي هذه املواجهات إلى عمليات عسكرية مباشرة؟ إن مراجعة‬ ‫املواقف اإليرانية على مدى السنوات املاضية تشير إلي أن النظام‬ ‫اإليراني ال يسعى إلي هذه املواجهة التي ال تهدد القدرات النووية‬ ‫والعسكرية ولكنها تهدد النظام السياسي احلالي ذاته‪ ،‬وأنه مع‬ ‫دخول العقوبات االقتصادية مرحلة التنفيذ واعالن شركات دولية‬ ‫متعددة إيقاف برامجها االستثمارية يف إيران‪.‬‬ ‫فيف التقديرأن النظام اإليراني سوف يسعى إلي تهدئة املواجهة‪،‬‬ ‫وتقدمي تنازالت تبقى على البرنامج النووي كما ورد يف االتفاق‬ ‫السابق ولكن دون سقف زمني‪ ،‬يتحرر بعده من الضغوط والشروط‬ ‫ال بدالً من أن يخسره كام ً‬ ‫على أمل أن ميكن تطويره مستقب ً‬ ‫ال‪ ،‬وال‬ ‫شك أن ما أعلنه أحد كبار القادة يف احلرس الثوري اإليراني بأن‬ ‫إيران ترى أن برنامجها للصواريخ الباليستية ال يحتاج ‪-‬حالياً‪-‬‬ ‫ملزيد من التطوير يعتبر تنازالً كبيراً على هذا املستوى‪ ،‬ومحاولة‬ ‫لتخفيف الضغوط خاصة وأن هناك قرارين ملجلس األمن يحظر‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تطوير هذا البرنامج‪ ،‬كما ان املوقف األمريكي واألوروبي يلتقيان‬ ‫بخصوصه‪.‬‬ ‫اخليار العسكري يف تقديري مستبعد يف املرحلة احلالية رغم‬ ‫الضغوط اإلسرائيلية‪ ،‬وال أعتقد أن إيران ميكن أن تغامر‬ ‫مبمارسات ميكن أن ترجح يف تنفيذ هذا اخليار‪ ،‬وسوف تبقى‬ ‫تهديداتها باغالق مضيق هرمز جوفاء‪ ،‬ولن تقوم بأي إجراء بهذا‬ ‫اخلصوص‪ ،‬ومن ناحية أخرى فإنه مبقياس القوة الشاملة مع‬ ‫التركيز على القدرات العسكرية فإن التوازن العسكري بني إيران‬ ‫ودول اخلليج العربية ليس يف صالح إيران رغم ما يُثار حول قدراتها‬ ‫الصاروخية‪ ،‬كما أن احلضور العسكري األمريكي والغربي داخل‬ ‫اخلليج ويف الدوائر القريبة منه يُرجح استبعاد أي مغامرة عسكرية‬ ‫بني الطرفني‪ ،‬وأن سياسة الردع العسكري األمريكي سوف حتافظ‬ ‫على حتقيق ذلك بصورة كبيرة‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬نرى أننا حالياً يف مرحلة معينة ميكن تسميتها مبرحلة‬ ‫إحراق أوراق الضغط وتأثير من كل طرف لدى الطرف اآلخر‬ ‫ومحاولة إرغام واشنطن لطهران للتجاوب مع مطالبها‪ ،‬وإن كان‬ ‫من الضروري لفهم ذلك اإلشارة لالعتبارات التالية‪:‬‬ ‫ إذا لم يكن من املرجح أن حتدث مواجهة عسكرية شاملة بني‬‫الواليات املتحدة وإيران حالياً إال أن ذلك ال مينع من احمتال‬ ‫توجيه ضربات ألهداف منتقاة عسكرية ونووية ميكن أن تشارك‬ ‫فيها إسرائيل إذا زاد التعنت اإليراني واستأنفت طهران برنامجها‬ ‫النووي وجتاوز سقف التخصيب اقتراباً من السالح النووي‪ ،‬وهو‬ ‫احمتال ضعيف وال يتصور أن تذهب إليه إيران‪.‬‬ ‫ أن ميادين النفوذ اإليراني يف املنطقة خاصة العراق وسوريا‬‫والمين ولبنان سوف تكون مجاالً للتأثر والتأثير فميا يتعلق بتطور‬ ‫املواجهة اإليرانية األمريكية‪ ،‬وإن اختلفت طبيعة القتال كل ميدان‬ ‫منها عن اآلخر فميا يتعلق باحلصار واملقاطعة االقتصادية األمريكية‬ ‫إليران والتي تستهدف جتفيف اإليرادات واملوارد اإليرانية لزيادة‬ ‫انهيار العملة وشل قدرة النظام يف توفير االحتياجات اإلساسية‬ ‫للمواطنني اإليرانيني‪ ،‬فإن أهم تداعيات ذلك سوف تكون خفض‬ ‫املساعدات املالية والعسكرية للميليشيات املرتبطة بإيران يف‬ ‫تلك الدول دون التخلي عنها أو دفعها لالستسالم‪ ،‬فهي مبثابة‬ ‫أوراق ضغط ميكن أن تستثمر كعناصر مساومة يف اطار املواجهة‬

‫ال����م����واج����ه����ة األم����ري����ك����ي����ة اإلي�����ران�����ي�����ة ت��س��ت��ه��دف‬ ‫خ��ن��ق االق���ت���ص���اد اإلي�����ران�����ي وإل��������زام دول ال���ع���ال���م ب��ال��ت��واف��ق‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪47‬‬

‫واشنطن تضغط على إيران لتطويع موقفها وتعديل االتفاق النووي‬

‫التوازن العسكري يف الخليج ضد‬ ‫إيران واستبعاد أي مغامرة عسكرية‬ ‫أعلن الرئيس األمريكي يف ‪ 8‬مايو ‪2018‬م‪ ،‬انسحاب بالده من االتفاق الذي وقعته ‪ 6‬دول كبرى مع إيران‪ ،‬والذي يقضي يف‬ ‫جوهره بتأخير برنامج طهران النووي خمسة عشر عاماً‪ ،‬مقابل إنهاء تدريجي للعقوبات املفروضة عليها‪ ،‬وأعلنت الواليات‬ ‫املتحدة عن استراتيجية جديدة جتاه إيران أهم ما ورد فيها التزام واشنطن بحرمان النظام اإليراني من جميع املسارات‬ ‫التي تؤدي المتالكه سالحاً نووي –بعد إنتهاء خطة العمل الشاملة املشتركة التي كفلها االتفاق النووي‪ -‬ورفض ما تضمنه‬ ‫االتفاق باسقاط القيود التقنية املفروضة على األنشطة النووية بعد عشر سنوات‪ ،‬أي رفض ما أستهدفه االتفاق من تأجيل‬ ‫امتالك إيران للسالح النووي‪ ،‬واإلنتقال إلي اتخاذ كافة الوسائل والضغوط للحيلولة دون امتالك إيران للسالح النووي‬ ‫بصورة نهائية‪ ،‬وهو ما يختلف متاماً مع استراتيجية اإلدارة األمريكية السابقة‪ ،‬ومعها املوقف األوروبي‪ ،‬لتنتقل املواجهة‬ ‫إلي مستوى اخر قاعدته األساسية منع إيران من امتالك السالح النووي‪ ،‬ومحاصرة برنامجها النووي وقدراتها النووية‬ ‫بصورة شاملة‪،‬‬

‫د‪ .‬محمد مجاهد الزيات‬

‫وتفرعت االستراتيجية لتتناول ليس فقط املمارسات اإليرانية مع‬ ‫االقلمي وضرورة قطع أذرعها يف العديد من دول املنطقة إلي احلديث‬ ‫عن ضرورة محاصرة نفوذ احلرس الثوري اإليراني داخلياً‪ ،‬ووقف‬ ‫برامجها لتطوير املنظومات الصاروخية الباليستية‪.‬‬ ‫املواجهة األمريكية االيرانية إذن أصبحت مواجهة شاملة تستهدف‬ ‫خنق االقتصاد االيراني من خالل برنامج عقوبات شاملة ومحاولة‬ ‫التزام دول العالم بالتوافق معها إلرغام إيران على املطالب األمريكية‬ ‫والتهديد بتوجيه ضربات عسكرية إذا لم تلتزم إيران بالشروط‬ ‫األمريكية فميا يتعلق بالبرنامج النووي والبرنامج الصاروخي‬ ‫والتدخالت يف دول املنطقة‪.‬‬ ‫انتقلت املنطقة‪ ،‬خاصة منطقة اخلليج العربي‪ ،‬إلي مستوى من‬ ‫التوتر غير مسبوق‪ ،‬أيدت خاللها معظم دول املنطقة االستراتيجية‬

‫األمريكية خاصة وقف التدخالت اإليرانية يف الشئون الداخلية‬ ‫لبعض دولها‪- ،‬عبر تبني األنشطة الهدامة للميليشيات املرتبطة بها‪،‬‬ ‫يف كل من المين وسوريا ولبنان والعراق والبحرين ‪ -‬األمر الذي‬ ‫يثير عدداً من األسئلة التي سوف نسعى لالجابة عليها‪ ،‬والتي من‬ ‫بينها إلي أي مدى ميكن أن يذهب املوقف األمريكي جتاه إيران؟‬ ‫وهل ميكن أن حتدث مواجهة عسكرية بني الطرفني؟ وما تأثير‬ ‫مجمل االستراتيجية والتحركات األمريكية على األمن واالستقرار يف‬ ‫اخلليج العربي؟ وما هي تداعيات ذلك كله على األوضاع يف العراق‬ ‫والمين وسوريا؟‬ ‫الثابت أن إدارة الرئيس ترامب مقتنعة متاماً بضرورة حتجمي‬ ‫القدرات اإليرانية النووية والعسكرية وأن ذلك هدف استراتيجي‬ ‫لها‪ ،‬وأن لديها االستعداد للذهاب إلي أخر املدى لتحقيق ذلك‪ ،‬وإذا‬

‫‪46‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أن هناك آليات تشاورية داخل احللف ومنها اللجنة السياسية‪،‬‬ ‫فض ً‬ ‫ال عن آلية إدارة األزمات ومن ثم فإن هاتني اآلليتني تعمالن‬ ‫من أجل حتقيق اإلجماع قبيل تدخل احللف يف أزمة ما وهي‬ ‫مسألة ليس من السهولة مبكان‪ ،‬حيث أن اعتراض دولة واحدة‬ ‫فقط على تدخل احللف يعني إحجام احللف عن التدخل‪ ،‬ويف‬ ‫الوقت ذاته فإن موافقة الدول األعضاء على التدخل يعني وجود‬ ‫التزامات محددة تقع على عاتق كل دولة ضمن اإلطار اجلماعي‬ ‫للحلف‪.‬‬

‫مع إيران رمبا يرى أن االستراتيجية األفضل ملواجهة التهديدات‬ ‫اإليرانية والتي ال تختزل يف البرامج النووية بل يف السياسات‬ ‫اإلقلميية إليران هو ممارسة املزيد من الردع وتعزيز القدرات‬ ‫العسكرية للشركاء مبا يحقق احلد من النفوذ اإليراني ويف الوقت‬ ‫ذاته حتقيق توازن القوى اإلقلميي‪.‬‬ ‫ومع أهمية ما سبق فإن ثمة مالحظات ثالثة يجب أخذها‬ ‫بعني االعتبار عند تقيمي سياسات حلف الناتو جتاه تطورات امللف‬ ‫النووي اإليراني مستقب ً‬ ‫ال‪:‬‬

‫واليعني ما سبق أن عدم اإلجماع داخل احللف كان معوقاً‬ ‫لتحرك دول احللف الكبرى بشكل فردي للدفاع‬ ‫عن مصاحلها حال تعرضها لتهديد كبير‪،‬‬ ‫وهناك سابقتان يف هذا الشأن‪ :‬األولي خالل‬ ‫احلرب العراقية – اإليرانية (‪1988-1980‬م)‬ ‫حيث شارك بعض أعضاء احللف الرئيسيني‬ ‫يف تأمني إمدادات النفط من خالل حماية‬ ‫عبور ناقالت النفط عبر اخلليج العربي وذلك‬ ‫كمثال على"ائتالف من الدول الراغبة" لتأمني‬ ‫مصالح جوهرية رأت تلك الدول أنها تواجه‬ ‫تهدي ًدا بال ًغا‪ ،‬أما الثانية‪ :‬فهي حرب حترير‬ ‫دولة الكويت عام ‪1991‬م‪ ،‬التي شاركت فيها كل‬ ‫من الواليات املتحدة وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا‪ ،‬ضمن حتالف‬ ‫دولي ضم ‪ 34‬دولة وذلك لضمان عدم سيطرة العراق علي نفط‬ ‫دولة الكويت أو تهديد اإلمدادات النفطية من اململكة العربية‬ ‫السعودية‪ ،‬األمر الذي كان يعني مشه ًدا إقلمي ًيا بالغ التعقيد‪.‬‬

‫األولى‪ :‬أن القمة القادمة للحلف والتي سوف تعقد خالل‬ ‫الفترة من ‪ 12-11‬يوليو‪2018‬م ‪-‬والتي سوف‬ ‫تتزامن مع نشر هذه الورقة –ال تزال هي اإلطار‬ ‫احلاسم للقضايا اخلالفية بني أعضاء احللف‬ ‫بعيدًا عن التصريحات العديدة التي تثار من آن‬ ‫آلخر‪ ،‬ويف هذا السياق قال األمني العام للحلف"‬ ‫خالل تلك القمة املرتقبة سنذهب إلى أبعد من‬ ‫ذلك‪ ،‬مع املزيد من املال واملساهمات يف عمليات‬ ‫حلف األطلسي"‪.‬‬

‫كافة الخيارات‬ ‫قائمة بحسب تطور‬ ‫أزمة البرنامج النووي‬ ‫اإليراني ويرتبط ذلك‬ ‫بتكلفة وع��ائ��د أي‬ ‫م��ن ت��ل��ك ال��خ��ي��ارات‬

‫وبتطبيق تلك املعايير على املسألة النووية اإليرانية الراهنة‬ ‫ميكن القول أن وجود فجوة يف القدرات العسكرية جتعل من‬ ‫كافة األطراف جتنب "حافة الهاوية" للتعامل مع أزمات من هذا‬ ‫مزيجا من احللول الضاغطة والتوفيقية رمبا يكون‬ ‫النوع بل أن‬ ‫ً‬ ‫خيار حلف الناتو للتعامل مع تطورات امللف النووي اإليراني‬ ‫مستقب ً‬ ‫ال‪ ،‬من ناحية أخرى رمبا اليكون األمر مرتبطاً بحلف‬ ‫الناتو فحسب بل باالحتاد األوروبي الذي ما زال يسعى لتطوير‬ ‫هوية أمنية لن تصطدم بالضرورة مع حلف الناتو بل إن ذلك‬ ‫أمر يجب أن يؤخذ يف االعتبار من حيث التأثير على بناء اجماع‬ ‫دولي سواء داخل منظمة األمم املتحدة أو على أرض الواقع‪ ،‬من‬ ‫ناحية ثالثة فإن احللف الذي يوجد على خط المتاس املباشر‬

‫والثانية‪ :‬معضلة الدول األوروبية يف التوفيق‬ ‫بني التزاماتها األمنية ضمن منظمة حلف الناتو‬ ‫واالحتاد األوروبي يف ظل مؤشرات التباين األمريكي ‪-‬األوروبي‬ ‫حول العديد من القضايا ليس أقلها احلرب التجارية احملمتلة‬ ‫وتداعياتها على شركاء األمس وهو األمر الذي سوف ينعكس‬ ‫بالشك على التعامل مع امللف النووي اإليراني ضمن أي خيار‬ ‫مطروح‪.‬‬ ‫والثالثة‪ :‬تشير خبرة املاضي القريب إلى أن الدول الكبرى‬ ‫بغض النظر عن عضويتها سواء يف حلف الناتو أو االحتاد األوروبي‬ ‫لن تسمح بامتالك طرف إقلميي يف منطقة الشرق األوسط‬ ‫سالحا نوو ًيا مبا يتعارض وموازين القوى الراهنة وبالتالي تبقى‬ ‫ً‬ ‫كافة اخليارات قائمة بحسب تطور أزمة البرنامج النووي اإليراني‬ ‫ويرتبط ذلك بشكل أساسي بتكلفة وعائد أي من تلك اخليارات‪.‬‬

‫* مدير برنامج الدراسات االستراتيجية والدولية مبركز البحرين‬ ‫للدراسات االستراتيجية والدولية والطاقة مبملكة البحرين‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪2011‬م‪ ،‬حيث كان التدخل األطلسي فيها بنا ًء على قرارات أمنية‬ ‫وأخرى إقلميية رأى أنها متثل إحدى ركائز ذلك التدخل‪.‬‬ ‫ومن ثم فإن التساؤل الرئيس الذي يثار اآلن هو هل ميكن أن‬ ‫يتدخل حلف الناتو عسكر ًيا حلسم امللف النووي اإليراني حال ما‬ ‫مطروحا من جانب املجمتع الدولي؟‬ ‫كان اخليار العسكري‬ ‫ً‬ ‫واقع األمر أن اإلجابة ليست من السهولة مبكان ولكنها‬ ‫ترتبط بثالث مسائل أساسية األولى‪ :‬القدرات‪ ،‬والثانية‪ :‬أسس‬ ‫ذلك التدخل‪ ،‬والثالثة‪ :‬درجة التهديد‪.‬‬ ‫فعلى صعيد القدرات العسكرية للحلف فال مجال للمقارنة‬ ‫بني تلك القدرات والقدرات العسكرية اإليرانية‪ ،‬فقد بلغ اإلنفاق‬ ‫العسكري لدول حلف الناتو مجمتعة ‪ 921,5‬مليار‬ ‫دوالر خالل عام ‪2016‬م‪ ،‬وتسهم الواليات املتحدة‬ ‫مبا قميته ‪ %72‬من تلك امليزانية حيث بلغ النفقات‬ ‫العسكرية األمريكية يف احللف حوالي ‪ 664‬مليار‬ ‫دوالر‪ ،‬كما بلغت النفقات العسكرية لالحتاد‬ ‫األوروبي عام ‪2016‬م‪ ،‬حوالي ‪ 206,1‬مليار‬ ‫يورو يف مقابل ‪ 199‬مليار يورو يف عام ‪2012‬م‪،‬‬ ‫وذلك وف ًقا لبيانات املعهد الدولي للدراسات‬ ‫االستراتيجية ومعهد استكهولم الدولي ألبحاث‬ ‫السالم‪ ،‬أما إيران فقد أعلنت زيادة ميزانيتها‬ ‫العسكرية ‪ 1,3‬مليار دوالر‪ ،‬خالل العام ‪2017‬م‪،‬‬ ‫لتصل إلى حوالي ‪ 11,6‬مليار دوالر‪ ،‬والشك أن‬ ‫مؤشر اإلنفاق العسكري ينعكس بالطبع على واقع‬ ‫القدرات العسكرية التي تعكس فجوة هائلة بني حلف الناتو وإيران‪،‬‬ ‫إال أنه من التبسيط الشديد اختزال سيناريو املواجهة العسكرية يف‬ ‫القدرات العسكرية للجانبني فحسب بل أن هناك متغيرات أخرى‬ ‫يجب أخذها بعني االعتبار منها واقع البيئتني اإلقلميية والدولية‪،‬‬ ‫فيف ظل تطور العالقات الروسية‪ -‬اإليرانية على النحو الذي آلت‬ ‫إليه منذ التدخل الروسي يف األزمة الروسية عام ‪2014‬م‪ ،‬وحتى‬ ‫اآلن يعني أنه يجب وضع الدور الروسي يف احلسبان وخاصة‬ ‫أن للحلف جبهة أخرى للصراع مع روسيا وهي اجلبهة الشرقية‬ ‫"أوكرانيا" والتي تشهد تعزيزات عسكرية ومناورات متبادلة بني‬ ‫احللف وروسيا‪ ،‬ويف ظل األهمية االستراتيجية التي توليها روسيا‬ ‫للمسألة السورية والتي أسفرت عن إعادة التواجد الروسي ضمن‬ ‫معادلة الشرق األوسط مجد ًدا فإن فكرة تدخل احللف عسكر ًيا‬ ‫بشكل أو بآخر يف منطقة متاس شديد مع روسيا ستظل مرتهنة‬ ‫بحسابات دقيقة للغاية من جانب احللف‪ ،‬ولعل األزمة السورية‬ ‫قد عكست طبيعة العالقات الروسية‪ -‬األطلسية سواء من خالل‬ ‫إسقاط تركيا" أحد أعضاء احللف"‪ ،‬طائرة حربية روسية من طراز‬ ‫سوخوي ‪ 24‬يف نوفمبر عام ‪2015‬م‪ ،‬قيل أنها انتهكت املجال‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪45‬‬

‫اجلوي التركي‪ ،‬أو قيام كل من الواليات املتحدة وبريطانيا وفرنسا‬ ‫بتوجيه ضربة عسكرية ثالثية ضد مواقع قيل أنها مرتبطة‬ ‫بأسلحة كمياوية للنظام السوري وذلك يف إبريل ‪2018‬م‪ ،‬وقد تردد‬ ‫أنه مت إبالغ اجلانب الروسي مسبقاً بتلك الضربات مبا يعنيه ذلك‬ ‫من رغبة الدول الكبرى األعضاء يف احللف جتنب الصدام مع‬ ‫روسيا‪ ،‬بل أن حلف الناتو ذاته كمنظمة حريص على عدم الصدام‬ ‫مع روسيا وهو ما أكده األمني العام للحلف غير ذي مرة ‪،‬فخالل‬ ‫زيارته لبريطانيا يف ‪ 21‬يونيو‪2018‬م‪ ،‬قال ينس ستولتنبرج" ال نريد‬ ‫حر ًبا باردة جديدة مع روسيا‪ ،‬ال نريد سباقاً إلى التسلح" وأضاف"‬ ‫سنبذل أقصى اجلهود من أجل عالقة أفضل مع روسيا"‪ ،‬اجلدير‬ ‫بالذكر أنه مت تأسيس ما يعرف بـ " مجلس "روسيا‬ ‫— الناتو" عام ‪2002‬م‪ ،‬والذي يعد اآللية الرئيسية‬ ‫للتنسيق والتشاور بني حلف الناتو وروسيا ويعقد‬ ‫اجمتاعاته بشكل منتظم‪.‬‬

‫إي���ران النووية‬ ‫ت�����ه�����دد ال���ع���م���ق‬ ‫االستراتيجي للناتو‬ ‫لموقعها ع�لى نقاط‬ ‫ت���م���اس ال��ح��ل��ف يف‬ ‫منطقةالشراكاتوآسيا‬ ‫ال��وس��ط��ى وال��ق��وق��از‬

‫أما بشأن أسس التدخل‪ ،‬فقد حدد احللف‬ ‫شروطاً ثالثة للتدخل يف األزمات خارج أراضيه‬ ‫وهي حدوث إجماع بني دوله على أن تلك األزمة‬ ‫متثل خط ًرا مباش ًرا يهدد أعضاء احللف‪،‬‬ ‫وصدور قرار أممي يكون مبثابة مظلة قانونية‬ ‫للتدخل وذلك جتن ًبا لظهور فجوة بني "الشرعية"‬ ‫واملشروعية" وهي التي كانت أحد املعضالت‬ ‫التي واجهت عمل احللف خالل أزمات سابقة‪،‬‬ ‫حيث أثيرت تلك القضية خالل تدخل حلف الناتو يف كوسوفو‬ ‫عام ‪1999‬م‪ ،‬إذ وصفت عمليات الناتو بأنها "غير قانونية "ولكنها‬ ‫"مشروعة"‪ ،‬أما الشرط الثالث فهو طلب األطراف املعنية بالصراع‬ ‫بشكل مباشر أو غير مباشر تدخل احللف‪ ،‬فعلى سبيل املثال فقد‬ ‫اعتبر حلف الناتو أن قرار جامعة الدول العربية رقم ‪ 7298‬بتاريخ‬ ‫‪ 2‬مارس ‪2011‬م‪ ،‬بشأن" الطلب من مجلس األمن حتمل مسئولياته‬ ‫إزاء تدهور األوضاع يف ليبيا‪ ،‬واتخاذ اإلجراءات الكفيلة بفرض‬ ‫منطقة حظر جوي علي حركة الطيران العسكري الليبي‪ ،‬وإقامة‬ ‫مناطق آمنة يف األماكن التي تتعرض للقصف" هو دعم إقلميي‬ ‫مؤسسي لعمليات احللف يف ليبيا آنذاك‪ ،‬وبالتالي ومع وضوح‬ ‫أسس التدخل العسكري من جانب احللف يف األزمات التي تقع‬ ‫خارج أراضيه فإنه رمبا يكون لكل حالة خصوصيتها وبيئتها‬ ‫اإلقلميية والدولية التي أملت على احللف تفضيل هذا اخليار‬ ‫أو ذاك‪.‬‬ ‫وبشأن تقيمي درجة التهديد‪ ،‬فإنه يجب التأكيد يف هذا‬ ‫الشأن على أن احللف –برغم قدراته العسكرية الهائلة‪-‬فهو ليس‬ ‫آلة عسكرية جاهزة لالنطالق حتى يف ظل وجود قرار أممي بل‬

‫‪44‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫وذلك خارج منظومة االحتاد األوروبي والتي أطلق عليها" مبادرة‬ ‫التدخل األوروبية" يعد مؤش ًرا مه ًما يف هذا االجتاه‪ ،‬فعلى الرغم‬ ‫من أن تلك املبادرة لم تصدر عن االحتاد كمنظومة فإنها تعد‬ ‫تعتبر ر ًدا أوروب ًيا عمل ًيا على ما تراه أوروبا من ضرورة االضطالع‬ ‫بأمنها حتى خارج منظومة االحتاد األوروبي ذاتها‪.‬‬ ‫ورمبا يكون من غير الواضح مدى تأثر حلف الناتو على املدى‬ ‫القصير جراء ذلك التباين حيث تشير خبرة املاضي القريب أنه‬ ‫بالرغم من اخلالف بني الواليات املتحدة وأعضاء احللف فإن‬ ‫هناك متسك أمريكي ببقاء تلك املنظومة‪ ،‬يقابله حرص أطلسي‬ ‫تأسيسا‬ ‫مماثل إال أنه على املدى البعيد رمبا يشهد احللف تأث ًرا‬ ‫ً‬ ‫على مؤشرات ثالثة‪ :‬أولها‪ :‬ما أشارت إليه بعض املصادر من أن‬ ‫مشروع التخطيط العسكري لفرنسا للفترة من ‪2025 -2019‬م‬ ‫اقتراحا مفاده الدعوة‬ ‫– والذي أحيل للبرملان ملناقشته‪ -‬يتضمن‬ ‫ً‬ ‫الستقالل فرنسا عن حلف شمال األطلسي‪،‬اجلدير بالذكر أن‬ ‫فرنسا قد أعلنت انسحابها من قيادة اللجنة العسكرية يف احللف‬ ‫عام ‪1966‬م‪ ،‬بيد أنها عادت لتوليها مجد ًدا عام ‪2009‬م ‪.‬‬ ‫وثانيها‪ :‬أن التباين األمريكي‪-‬األوروبي رمبا يجعل احللف‬ ‫مجرد آلية للتشاور أكثر من كونه حتال ًفا دفاع ًيا‪ ،‬ويف هذا‬ ‫السياق قال األمني العام للحلف ينس ستولتنبرج "اخلالفات بني‬ ‫أعضاء احللف حقيقية لكن الروابط صامدة" وذلك خالل مؤمتر‬ ‫صحيف مع رئيسية الوزراء البريطانية تريزا ماي يف لندن ‪21‬‬ ‫يونيو‪2018‬م‪ ،‬ولم تكن هي املرة األولى التي يتحدث فيها األمني‬ ‫العام للحلف عن توتر العالقات األمريكية‪-‬األطلسية فخالل قمة‬ ‫احللف يف يوليو‪2017‬م‪ ،‬قال ينس ستولتنبرج "رمبا رأينا ضعف‬ ‫بعض العالقات بني أمريكا الشمالية وأوروبا‪ ،‬لكننا نصر على‬ ‫إبقاء الشراكة عبر األطلسي مبا يخدم مصاحلنا االستراتيجية"‬ ‫والشك أنها تعد التصريحات األقوى من نوعها بل ورسالة مباشرة‬ ‫للواليات املتحدة األمريكية ‪،‬إال أنه مما يزيد من مأزق الشركاء‬ ‫داخل احللف هو تزامن ذلك اخلالف مع خالفات أخرى بني‬ ‫الواليات املتحدة وشركائها وهو ما عكسه اجمتاع قادة مجموعة‬ ‫الدول الصناعية السبع يومي ‪ 8‬و‪9‬يونيو ‪2018‬م‪ ،‬والتي عقدت يف‬ ‫مقاطعة كيبيك بكندا والتي شهدت مؤشرات على انهيار التحالف‬ ‫األمريكي سواء مع أوروبا أو أمريكا الشمالية من خالل السياسات‬ ‫احلمائية التجارية التي أعلنها ترمب ضد هؤالء الشركاء‪.‬‬ ‫وثالثها‪ :‬أنه يف الوقت الذي يشهد فيه حلف الناتو خالفاً‬ ‫بني أعضائه جند سعي التجمعات املناوئة للسياسات الغربية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫عمو ًما لتعزيز دورها ومنها منظمة شنغهاي التي عقدت اجمتاعها‬ ‫السنوي يف يونيو‪2018‬م‪ ،‬و تضم تلك املنظمة العديد من الدول‬ ‫اآلسيوية ومنها روسيا ‪،‬فض ً‬ ‫ال عن حصول كل من الهند والصني‬ ‫على العضوية الكاملة يف تلك املنظمة‪ ،‬وسعي إيران لنيل تلك‬ ‫العضوية إذ التزال بصفة مراقب‪ ،‬تلك املنظمة التي يطلق‬ ‫عليها" حلف الناتو اآلسيوي" حيث تضم دوالً باإلضافة إلى أنها‬ ‫جتمعها مصالح مشتركة عديدة إال أن اإلطار العام الذي يعزز‬ ‫من أهميتها كونها تضم دوالً تناوئ سياسات الواليات املتحدة‬ ‫وحلف الناتو‪،‬ولعل إعالن ألكسندر جروشكو نائب وزير اخلارجية‬ ‫الروسي عن استعداد روسيا لالنضمام إلى حزمة تدابير احلماية‬ ‫األوروبية لالتفاق النووي والتي تتضمن ضمان عدم توقف‬ ‫صادرات النفط اإليرانية ودعم إيران للوصول إلى نظام الرسائل‬ ‫املصرفية الدولية‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن تأكيده بأن" توسع حلف الناتو لن‬ ‫يحل أياً من املشاكل األمنية احلقيقية يف املنطقة وإمنا يخلق خطاً‬ ‫فاص ً‬ ‫ال جدي ًدا" يعد مؤش ًرا على تأسيس جبهات مضادة إضافية‬ ‫للسياسات األمريكية اجلديدة‪،‬اجلدير بالذكر أن وزير الدفاع‬ ‫الروسي سبرجي شويجو أعلن يف ‪ 20‬يونيو‪2018‬م‪ ،‬أن حلف الناتو‬ ‫أجرى ‪ 13‬مناورة عسكرية ضخمة قرب احلدود الروسية‪،‬مشي ًرا‬ ‫إلى أن عدد قوات الناتو التي شاركت يف املناورات احلربية تراوح‬ ‫بني ‪ 40‬إلى ‪ 60‬ألف جندي وهو األمر الذي يدعو روسيا لتطوير‬ ‫قواتها املسلحة‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن إجراء مناورات مماثلة‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬حدود التدخل العسكري لحلف الناتو يف األزمات خارج‬ ‫أراضيه ودالالت ذلك بالنسبة لمستقبل الملف النووي اإليراني‪:‬‬

‫على الرغم من أن تدخل حلف الناتو عسكر ًيا خارج أراضيه‬ ‫يظل محكو ًما بامليثاق املنشئ للحلف عمو ًما الذي يحدد هوية‬ ‫احللف بوضوح فهو حتالف عسكري للدفاع عن دوله األعضاء‬ ‫حال تعرض إحداها لالعتداء وهو ما تشير إليه املادة اخلامسة‬ ‫من امليثاق املنشئ للحلف بوضوح من أن أي هجوم مسلح على دولة‬ ‫أو أكثر من دول احللف يعتبر هجو ًما على الدول األعضاء كافة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مرتبطا بالنطاق اجلغرايف‬ ‫إال أن ما سبق اليعني أن احللف ظل‬ ‫لدوله بل أنه مع انتهاء احلرب الباردة وظهور حتديات أمنية‬ ‫جديدة خارج أراضي دوله األعضاء بدأ احللف انتهاج سياسات‬ ‫استباقية ضمن مراحل التحول التي شهدتها استراتيجيات احللف‬ ‫من" الردع" إلى "الدفاع اجلماعي" بل أن هناك أزمات رأى احللف‬ ‫ضرورة التدخل العسكري املباشر فيها ومنها األزمة الليبية عام‬

‫ت��أس��ي��س ق���وة م��واج��ه��ة األزم�����ات خ����ارج االت���ح���اد األوروب�����ي"‬ ‫م���ب���ادرة ال��ت��دخ��ل األوروب����ي����ة" م��ؤش��ر ع�لى اض��ط�لاع أوروب�����ا بأمنها‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أن توقف ضخ النفط لدول احللف سيكون عم ً‬ ‫ال عدائ ًيا يستوجب‬ ‫على احللف التحرك عسكر ًيا للتصدي لهذا األمر‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن أن‬ ‫حتول إيران إلى دولة نووية يعد تهديدًا للعمق االستراتيجي للحلف‬ ‫يف ظل وجود إيران على نقاط متاس استراتيجي للحلف سواء يف‬ ‫منطقة الشراكات الشرق أوسطية أو يف آسيا الوسطى والقوقاز‬ ‫وهو ما يعني احلد من نفوذ احللف يف تلك املناطق‪ ،‬وقد عبر عن‬ ‫ذلك صراحة األمني العام للحلف يف كلمته أمام مؤمتر ميونخ‬ ‫لألمن عام ‪2016‬م‪ ،‬حيث قال " ينبغي أال يظن أحد أن األسلحة‬ ‫النووية قد تستخدم كجزء من صراع تقليدي‪ ،‬بل أنها سوف تغير‬ ‫من طبيعة أي صراع بشكل جذري"‪ ،‬باإلضافة إلى أن وجود دور‬ ‫فاعل للحلف يف منع إيران من حيازة أسلحة نووية من شأنه أن‬ ‫يعزز الثقة مع الشركاء‪ ،‬ومنها مبادرة اسطنبول للتعاون التي‬ ‫أطلقها احللف عام ‪2004‬م‪ ،‬وانضمت إليها أربع من دول اخلليج‬ ‫العربي‪ ،‬فبقاء الشراكات وتطورها أم ًرا يظل مرتهنًا مبدى قدرتها‬ ‫على مواجهة التحديات التي تواجه طرفيها من خالل العمل م ًعا‪،‬‬ ‫وأخي ًرا أنه مما يزيد من مخاوف حلف الناتو هو تزامن سعي إيران‬ ‫المتالك أسلحة نووية مع تطوير برامج صاروخية مبا يعنيه ذلك‬ ‫من إمكانية حيازة إيران لتلك األسلحة ووسائل إيصالها م ًعا‪ ،‬وقد‬ ‫عبر مسؤولو احللف غير ذي مرة من أن نظام الدفاع الصاروخي‬ ‫يف دول أوروبا الشرقية والتابع للحلف هو ملواجهة التهديدات التي‬ ‫تأتي من خارج النظام األوروبي األطلسي‪.‬‬ ‫ويعني ما سبق أن احللف ليس معن ًيا بشكل مباشر باملسألة‬ ‫النووية اإليرانية ولكن مبدى تأثير سياسات إيران وخاصة يف‬ ‫مجال التقليدي يف الوقت ذاته على مصالح أعضاء احللف وهو ما‬ ‫أشارت إليه صراحة أوانا لوجنيسكو املتحدثة باسم حلف الناتو‬ ‫تعقي ًبا على قرار ترمب االنسحاب من االتفاق النووي حيث قالت"‬ ‫أن احللف غير مخول بتقيمي ما إذا كانت إيران متتثل لالتفاق‬ ‫النووي أم ال؟" بيد أنها أضافت " أن احللفاء داخل الناتو يشعرون‬ ‫بالقلق من قدرة إيران على تطوير صواريخ باليستية‪ ،‬وكذلك إزاء‬ ‫األنشطة اإليرانية التي تزعزع االستقرار يف الشرق األوسط"‬ ‫وأضافت" نشجع جميع األطراف على العمل من أجل التوصل إلى‬ ‫حل سياسي شامل مينع إيران من تطوير أسلحة نووية"‪.‬‬ ‫إال أن تنفيذ تلك االستراتيجية يظل رهنًا مبدى التوافق‬ ‫داخل احللف والذي يضم ‪ 29‬دولة يف عضويته وبه آلية للتشاور‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪43‬‬

‫السياسي وهي املنوط بها رسم سياسات احللف‪ ،‬وال يرتبط‬ ‫األمر بذلك التشاور فحسب بل يف مراكز الثقل داخل احللف‬ ‫فالواليات املتحدة التزال هي عصب حلف الناتو يف ظل إسهامها‬ ‫بنسبة ‪%72‬من ميزانيته وهي القضية التي كانت‪ -‬والتزال‪ -‬سب ًبا‬ ‫للخالف األمريكي مع أعضاء احللف‪ ،‬بل كانت أحد عناوين‬ ‫احلملة االنتخابية للرئيس األمريكي دونالد ترمب حيث وصف‬ ‫احللف بأنه منظمة"عفا عليها الزمن‪،‬وأنه غير قادر على مواجهة‬ ‫موضوعا‬ ‫مخاطر اجلماعات اإلرهابية"‪،‬كما كانت تلك القضية‬ ‫ً‬ ‫رئيس ًيا يف قمم دول احللف التي جمعت ترمب مع نظرائه األعضاء‬ ‫يف حلف الناتو وتعهد هؤالء األعضاء بتخصيص نسبة ‪ %2‬من‬ ‫الدخل القومي لألغراض الدفاعية إال أنه لم تلتزم بذلك سوى‬ ‫كل من الواليات املتحدة األمريكية وبريطانيا وإستونيا واليونان‬ ‫وبولندا ورومانيا‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬انعكاس التباين األمريكي ‪-‬األوروبي بشأن الملف‬ ‫النووي اإليراني عىل الحلف كتحالف دفاعي‪:‬‬

‫الشك أن اسمترار التباين بني الواليات املتحدة وشركائها‬ ‫األوروبيني من شأنه أن يرتب آثا ًرا سلبية على حلف الناتو حيث‬ ‫أن معظم الدول أعضاء حلف الناتو هم يف الوقت ذاته أعضاء‬ ‫يف منظومة االحتاد األوروبي مبا يعني التداخل بني عضوية‬ ‫املنظمتني‪ ،‬صحيح أن االحتاد األوروبي يسعى لتأسيس هوية‬ ‫أمنية ممتايزة عن احللف وقد ازدادت وتيرتها يف أعقاب خروج‬ ‫بريطانيا من االحتاد األوروبي‪ ،‬إال أنه يف ظل اسمترار ذلك التباين‬ ‫فإن الدول األوروبية التي سوف تشهد مصاحلها ضر ًرا قد تبحث‬ ‫عن إجراءات ملواجهة تلك األضرار وهو ما عبر عنه رئيس املجلس‬ ‫األوروبي دونالد توسك خالل قمة االحتاد يف صوفيا والذي "ندد‬ ‫بتقلب مواقف إدارة ترمب وقال أن قرارتها " خلصت أوروبا‬ ‫من كل أوهامها يف شأن االعمتاد على الواليات املتحدة" ورمبا‬ ‫تمتثل تلك اإلجراءات يف املضي قد ًما يف تعزيز البديل األمني‬ ‫األوروبي بعيدًا عن الناتو رغم معارضة بعض الدول األوروبية‬ ‫لذلك اخليار وتفضيل مظلة احللف‪ ،‬ويعزز من ذلك إعالن كل من‬ ‫فرنسا وبريطانيا وأملانيا وهي الدول التي مثلت االحتاد األوروبي‬ ‫يف االتفاق النووي رفضها لقرار الرئيس ترمب‪ ،‬ولعل إعالن ‪9‬‬ ‫دول أوروبية وهي" فرنسا وأملانيا وبلجيكا والدمنارك وإستونيا‬ ‫وهولندا والبرتغال وإسبانيا"‪ ،‬باإلضافة إلى بريطانيا يف اخلامس‬ ‫والعشرين من يونيو ‪2018‬م‪ ،‬تأسيس قوة عسكرية ملواجهة األزمات‬

‫ن��ج��اح إي����ران يف ام��ت�لاك أس��ل��ح��ة ن��ووي��ة يعني ت��ك��ري��س خلل‬ ‫ال���ت���وازن اإلق��ل��ي��م��ي و ت��ه��دي��د م��ص��ال��ح دول ال��ن��ات��و وم��ن��ه��ا الطاقة‬

‫‪42‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تدخل الناتو عسكر ًيا في إيران يرتبط بالقدرات واألسس ودرجة التهديد‬

‫يف ظل التعقيدات وتداخل المصالح وتوازن‬ ‫القوى‪ :‬هل يواجه "الناتو" إيران عسكر ًيا؟‬ ‫حلف الناتو لن يقدم على مساعدة إسرائيل دفاع ًيا إذا هاجمتها إيران ألن إسرائيل شريكة وليست عض ًوا يف حلف شمال‬ ‫األطلسي ومن ثم فإن الضمانة األمنية التي يوفرها احللف ألعضائه ال تنطبق على إسرائيل"‪ ،‬بتلك الكلمات التي أدلى‬ ‫بها األمني العام حللف الناتو ينس ستولتنبرج ملجلة "دير شبيجل" األملانية يف الثاني من يونيو‪2018‬م ‪ ،‬فقد حدد وبوضوح‬ ‫موقف احللف من إمكانية تطور امللف اإليراني نحو سيناريو احلرب‪ ،‬ومع أهمية ذلك التصريح كونه رسالة رمبا ليس فقط‬ ‫إلسرائيل باعتبارها أحد شركاء احللف ضمن مبادرة احلوار املتوسطي التي أطلقها عام ‪1994‬م‪ ،‬بني احللف وسبع دول‬ ‫شرق أوسطية هي مصر‪ ،‬األردن‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬تونس‪ ،‬املغرب‪ ،‬موريتانيا‪ ،‬وإسرائيل وإمنا رمبا تكون إعادة التأكيد على الهدف‬ ‫الذي أنشئ من أجله احللف وهو الدفاع عن أعضائه حال تعرض أحدهم العتداء وفقاً ملا يحدده ميثاق احللف بوجه عام‬ ‫واملادة اخلامسة منه على نحو خاص‪ ،‬إال أن الصورة ليست بذلك التبسيط‪ ،‬مبعنى آخر أن للحلف شروطاً لالنخراط يف‬ ‫الصراعات خارج أراضيه إال أنه رمبا تكون هناك أزمات متلي على احللف أن يكون طر ًفا فيها ولو بشكل غير مباشر ‪،‬‬ ‫ويثير ما سبق ثالثة تساؤالت أساسية‪:‬‬

‫د‪ .‬أشرف محمد كشك‬

‫األول‪ :‬ما هو منظور ودور احللف جتاه البرامج النووية‬ ‫اإليرانية يف ضوء قرارالرئيس األمريكي االنسحاب من االتفاق‬ ‫النووي مع إيران؟‬ ‫والثاني‪ :‬ما هو انعكاس التباين األمريكي‪-‬األوروبي بشأن‬ ‫امللف النووي اإليراني على احللف كمنظومة أخذ ًا يف االعتبار‬ ‫أن معظم أعضاء احللف هم يف الوقت ذاته أعضاء يف االحتاد‬ ‫األوروبي؟‬ ‫والثالث‪ :‬ما هي حدود التدخل العسكري حللف الناتو يف‬ ‫األزمات خارج أراضيه ودالالت ذلك بالنسبة ملستقبل امللف النووي‬ ‫اإليراني؟‬

‫أوالً‪ :‬منظور ودور حلف الناتو تجاه البرامج النووية اإليرانية‬ ‫عىل خلفية االنسحاب األمريكي من االتفاق النووي مع إيران‪:‬‬

‫على الرغم من أن حلف الناتو كمنظمة لم يكن طر ًفا مباش ًرا‬ ‫يف االتفاق النووي إال أن ذلك اليعني أن احللف كان بعي ًدا عن تلك‬

‫القضية فخالل زيارة له لدولة اإلمارات العربية املتحدة يف مارس‬ ‫‪2016‬م‪ ،‬قال ينس ستولتنبرج األمني العام للحلف ر ًدا على سؤال‬ ‫بشأن مستقبل التعاون بني الناتو ودول اخلليج العربي يف أعقاب‬ ‫توقيع االتفاق النووي " إن الهدف من االتفاق هو منع إيران من‬ ‫امتالك سالح نووي" وأضاف" الواليات املتحدة والدول األخرى‬ ‫املعنية وأوروبا تصب تركيزها على أهمية تنفيذ بنود االتفاق وعلى‬ ‫أهمية احترامه" وقال "من املهم أن يكون هناك تنفيذ كامل لالتفاق‬ ‫النووي وأن يمت تنفيذ آليات التحقق من التزام إيران بتنفيذ بنوده‬ ‫كاملة ملنع االنتشار النووي عمو ًما"‪.‬‬ ‫وما يهمنا يف هذا التصريح هو منظور احللف ملنع االنتشار‬ ‫النووي عمو ًما واحلالة اإليرانية على نحو خاص‪ ،‬حيث أن هناك‬ ‫مصالح استراتيجية للحلف حتمت على هذا التحالف العسكري‬ ‫منع إيران من حيازة سالح نووي منها أن جناح إيران يف امتالك‬ ‫أسلحة نووية يعني تكريس خلل توازن القوى اإلقلميي ومن ثم‬ ‫تهديد مصالح دول احللف يف تلك املنطقة ومنها أمن الطاقة حيث‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫فيروسية استهدفت البنية التحتية لبرنامجها النووي‪ .‬واستعملت‬ ‫إسرائيل دودة ستاكستت يف حربها االكترونية مما تسبب يف تدمير‬ ‫املعدات على مدى عدة أسابيع وتعطيل ‪ %10‬من القدرة اإليرانية‬ ‫على تخصيب اليورانيوم‪ ،‬وأصاب هذا الفيروس ‪ 300‬ألف جهاز‬ ‫كمبيوتر وعطل افتتاح مفاعل بوشهر‪ .‬ويعتقد أن هذا الفيروس من‬ ‫صنع وحدة إسرائيلية‪ .‬ودعم الرئيس األمريكي باراك أوباما إبان‬ ‫رئاسته احلرب االلكترونية على املفاعل اإليراني‪،‬‬ ‫كما طورت إسرائيل يف حربها االكترونية مع‬ ‫إيران أنظمة قتالية إلكترونية تتيح لها التشويش‬ ‫على األنظمة الدفاعية اإليرانية يف حالة الهجوم‬ ‫اإلسرائيلي ؟‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪41‬‬

‫إسرائيل ملا تسميه "اجلبهة الشرقية " البعاد االنظار عن اجلبهة‬ ‫الغربية‪ :‬االحتالل اإلسرائيلي لألراضي العربية وجرائمها يف غزة‬ ‫والضفة الغربية‪.‬‬ ‫وكانت إسرائيل يف عهد مؤسسها بن غوريون‪ ،‬قد تبنت استراتيجية‬ ‫األطراف لتهديد األمن القومي العربي من خالل عالقاتها مع إيران‬ ‫الشاه وتركيا وإثيوبيا‪ ،‬ودعمت األقليات العرقية‬ ‫والدينية يف العالم العربي وتخترق ً‬ ‫أيضا التنظميات‬ ‫اإلرهابية املتطرفة‪ ،‬وقد أسست إسرائيل فرقة‬ ‫املستعربني التابعة للموساد‪ ،‬الذين يتقنون اللغة‬ ‫العربية واللهجات احمللية ودراسة تاريخ املنطقة‬ ‫إلختراق املجمتعات العربية إلثارة الفنت يف الدول‬ ‫العربية واإلسالمية‪ ،‬وكما تردد يف وسائل األعالم‬ ‫بأن أحد املستعربني استطاع اختراق التنظمي‬ ‫املتطرف ( داعش) يف ليبيا حتى وصل األمر أن‬ ‫يشكل جماعة متطرفة ووصل ألن يكون إما ًما ألحد‬ ‫املساجد‪ ،‬وعندما ألقي القبض عليه من السلطات‬ ‫الليبية تبني أنه من فرقة املستعربني اإلسرائيلية‬ ‫وأن اسمه احلقيقي بنيامني إفرامي‪ ،‬ولذلك تتخذ‬ ‫إسرائيل عدة وسائل ألن تكون القوة اإلقلميية‬ ‫من خالل استغالل اخلالفات بني الدول العربية‬ ‫واإلسالمية ‪.‬‬

‫إسرائيل تبنت‬ ‫استراتيجية األط��راف‬ ‫لتهديد األمن القومي‬ ‫العربي بعالقاتها مع‬ ‫إي���ران ال��ش��اه وتركيا‬ ‫وأث��ي��وب��ي��ا ودع��م��ت‬ ‫األق��ل��ي��ات وت��خ��ت��رق‬ ‫التنظيمات اإلرهابية‬

‫وباإلضافة للحرب االلكترونية‪ ،‬تشن إسرائيل حر ًبا‬ ‫اقتصادية بالضغط على الدول املؤيدة لها‪ ،‬وقال‬ ‫شاوؤل موفاز رئيس حزب كادميا ونائب رئيس‬ ‫الوزراء األسبق " حان الوقت ألن تفرض الواليات‬ ‫املتحدة األمريكية أو الدول الغربية عقوبات أشد‬ ‫على القطاع النفطي واملالي من أجل وقف تطوير‬ ‫برنامج إيران النووي" ‪ .‬وتستغل إسرائيل إدارة‬ ‫ترامب يف فرض املزيد من العقوبات على إيران‪،‬‬ ‫رغم أن بعض الدوائر األمريكية انتقدت انسحاب‬ ‫الواليات املتحدة من االتفاقية وحتى داخل إسرائيل من يشكك يف‬ ‫مدى فائدة االنسحاب يف منع إيران من تطوير مفاعلها‪ ،‬يف حالة‬ ‫انسحاب األخيرة‪ ،‬رغم فرض العقوبات األمريكية لوجود دول كبرى‬ ‫جتد إيران منف ًذا لها‪ :‬كالصني وروسيا االحتادية والهند وبعض‬ ‫الدول األوربية وغيرها من الدول خارج مظلة الضغط األمريكي‪.‬‬

‫إسرائيل والخالفات العربية ـ اإليرانية‬

‫تستغل إسرائيل التهديد اإليراني ملنطقة اخلليج العربي بتدخلها‬ ‫يف العراق وسوريا ولبنان ودعم حركة احلوثي يف المين‪ ،‬حيث تروج‬ ‫بأنها تواجه ً‬ ‫أيضا التهديد اإليراني‪ ،‬وحتاول اللعب على الورقة‬ ‫الطائفية بإثارة اخلالفات السنية ـ الشيعية‪ ،‬خاصة أنها منذ إنشائها‬ ‫وهي تتعاون مع األقليات لتهديد األمن القومي العربي‪ ،‬وتشن حملة‬ ‫إعالمية للترويج ملا يسمى احملور السني‪ ،‬عل ًما بأن إسرائيل كانت‬ ‫تبيع السالح إليران خالل احلرب العراقية اإليرانية ‪1988-1980‬م‪،‬‬ ‫وتروج يف وسائل اإلعالم الغربية والدوائر السياسية الغربية بأن‬ ‫احتاللها لفلسطني ليس سب ًبا يف عدم االستقرار يف الشرق األوسط‬ ‫وإمنا إيران والصراعات الطائقية هي سبب عدم االستقرار ‪ ،‬وتروج‬

‫وستبقى إسرائيل تتبنى مبدأ بيغن ملنع أي دولة يف الشرق األوسط‬ ‫من امتالك القوة النووية حتى تبقى القوة النووية الوحيدة يف الشرق‬ ‫األوسط وهي تتبنى سياسة ( الغموض) يف امتالك القوة النووية‬ ‫ويتردد أنها متلك ‪ 200‬رأس نووي ‪ ،‬ورفضت االنضمام التفاقية عدم‬ ‫انتشار األسلحة النووية‪ ،‬ولكن االحتكار اإلسرائيلي لن يسمتر ألن‬ ‫الدول تسعى حلماية أمنها وفقا لنظرية معضلة األمن ‪Security‬‬ ‫‪ ، Dilemma‬فإسرائيل تتحمل مسئولية سباق التسلح يف مجال‬ ‫األسلحة النووية ألنها هي التي بدأت يف امتالكها‪ ،‬ولن تستطيع‬ ‫الهجوم على إيران‪ ،‬وكما قال عالم العالقات الدولية الراحل كينث‬ ‫والتز‪ ،‬إذا عزمت الدولة على امتالك القوة النووية ‪ ،‬فقد حتصل‬ ‫عليها يف النهاية‪ ،‬ولن تبقى إسرائيل محتكرة القنبلة النووية؟‬ ‫أستاذ العلوم السياسية في جامعتي احلسني بن طالل‬ ‫وامللك عبد العزيز سابقً ا‬

‫‪40‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫موسي ‪1952‬م‪ ،‬وسمير جنيب ‪1967‬م ‪ ،‬ويحي املشد ‪1980‬م‪ ،‬وهم‬ ‫من خيرة علماء مصر ‪ ،‬واغتالت مؤخ ًرا عالم الطاقة الفلسطيني‬ ‫فادي البطش مباليزيا واملهندس التونسي محمد الزواري‪ .‬أما‬ ‫بالنسبة إليران فركزت على إغتيال العلماء يف املجاالت النووية أو‬ ‫جتنيد بعضهم للتجسس‪ ،‬وهي استراتيجية خطيرة وضررها بعيد‬ ‫املدى ألن إعداد العلماء يستغرق سنوات طويلة‪ ،‬فقد اغتاالت العالم‬ ‫اردشير حسن بوري ‪ 2007‬م‪ ،‬واغتالت أربعة علماء إيرانيني خالل‬ ‫‪2012-2010‬م‪ ،‬أمجد شهرياري مؤسس اجلمعية النووية اإليرانية‬ ‫يف ‪ 29‬نوفمبر ‪2010‬م‪ ،‬وعالم الفيزياء النووي فريدون عباسي دواني‬ ‫‪ ،‬واُغتيل العالم النووي مسعود علي محمدي أستاذ الفيزياء يف‬ ‫جامعة طهران وداريوش رضائي يف يوليو ‪2011‬م‪ ،‬ومصطفى روشن‬ ‫يناير ‪2012‬م‪،‬أما بشأن التجسس فقد أعدمت احلكومة اإليرانية‬ ‫ديسمبر ‪2017‬م‪ ،‬الباحث أحمد رضا جاللي لتقدميه معلومات عن‬ ‫العلماء اإليرانيني للموساد اإلسرائيلي كما ُحكم باإلعدام على ماجد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫فاشي للتجسس لصالح املوساد ‪ ،‬وهناك حرب استخبارات شديدة‬ ‫بني إيران وإسرائيل‪ ،‬وتسعى إسرائيل اختراق إيران وخاصة يف‬ ‫مجال األبحاث النووية وتدميرها من الداخل‪ .‬كما أن إيران حتاول‬ ‫اختراق إسرائيل حيث أُعلن مؤخ ًرا يف إسرائيل اعتقال وزير الطاقة‬ ‫السابق جونني سيغيف باتهامه بأن املخابرات اإليرانية جندته للعمل‬ ‫لصاحلها عندما كان يعمل يف إفريقيا‪.‬‬

‫الحرب االلكترونية‬

‫يعرف خبير أمن املعلومات ريتشارد كالرك احلرب االلكترونية‬ ‫بأنها " النشاطات التي تقوم الدول بها ضد أنظمة العدو وتعطيلها‬ ‫أو التجسس عليها‪ .‬وقد أسست إسرائيل عام ‪2009‬م‪ ،‬مركز‬ ‫للمخابرات املعلوماتية وتشفير املعرفة ‪ ،MATZOV‬وقد اعمتدت‬ ‫إسرائيل احلرب االلكترونية ملواجهة التهديد النووي اإليراني‪ ،‬وقام‬ ‫اجليش اإلسرائيلي منذ يناير ‪2012‬م‪ ،‬بتجميع فرق النخبة من‬ ‫قراصنة الكمبيوتر وعمليات الهاكرز‪ ،‬وتعرضت إيران لعدة هجمات‬

‫الحملة اإلع�لام��ي��ة اإلسرائيلية ع�لى المفاعل ال��ن��ووي اإلي��ران��ي‬ ‫لها أهدافها السياسية لتدفع القادة يف كل مكان لدعمها بالمساعدات‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪39‬‬

‫روسيا ال مصلحة لها يف هيمنة إي��ران عىل الشرق األوس��ط وموسكو‬ ‫بحاجة إىل ت��وازن قوى يف المنطقة وأمريكا أيضًا حتى لو بدا األمر غري ًبا‬ ‫أمام الصواريخ البالستية‪ ،‬وإسرائيل قوة إقلميية‪ ،‬ولكن قوتها تأتي‬ ‫من اخلالفات التي بني الدول العربية‪ ،‬وكما يعبر مدير املوساد‬ ‫السابق شافيت " إننا نحب عندما ننظر للمرآة أن نرى أننا قوة‬ ‫عظمى‪ ،‬لكن إسرائيل ليست قوى عظمى " ‪ ،‬ولذلك يعارض القيام‬ ‫فكرة القيام بضربة وقائية على املنشآت اإليراني‪ ،‬بل يستحيل ذلك‬ ‫رغم التطبيل اإلعالمي اإلسرائيلي‪ .‬ويؤكد ذلك ً‬ ‫أيضا اللواء احتياط‬ ‫عموس يادلني رئيس االستخبارات العسكرية السابق بقوله" عندما‬ ‫يتحدث رؤساء الدولة عن إسرائيل كقوة عظمى‪ ،‬فإن هذا يذكرني‬ ‫ً‬ ‫أيضا مبا يقال سنة ‪ "1973‬عندما هزمت يف حرب أكتوبر ‪1973‬م‪،‬‬ ‫أمام عبور القوات املصرية خط بارليف إلى سيناء‪.‬‬

‫انتشار المنشآت النووية اإليرانية‬

‫يقول اخلبير االستراتيجي واألكادميي اإلسرائيلي أفرام كام " إن‬ ‫املنشآت النووية اإليرانية هي أبعد عن إسرائيل من املفاعل النووي‬ ‫العراقي‪ ،‬إلى جانب كون هذه املنشآت محصنة جيدًا والبعض منها‬ ‫موجود يف باطن األرض من املستحيل تدمير القدرات النووية‬ ‫بالكامل من خالل مهاجمة منشأة واحدة كما هو يف احلالة العراقية‬ ‫"‪ .‬إضافة إلى التوزيع اجلغرايف للمنشآت النووية اإليرانية وصعوبة‬ ‫احلصول على معلومات استخبارية دقيقة ووجود اخلبراء الروس‬ ‫فيها‪ ،‬الذي يشكل ً‬ ‫أيضا قل ًقا لروسيا ووجود القوات األمريكية يف‬ ‫العراق مما يصعب املهمة اإلسرائيلية يف ضربة استباقية ومفاجأة‪.‬‬ ‫كما أن الرد اإليراني يصعب تصوره مع وجود تنظميات قريبة من‬ ‫إسرائيل تستعملها إيران يف حلظة معينة ضد إسرائيل مثل حزب‬ ‫اهلل يف اجلنوب اللبناني‪.‬‬ ‫ولذلك جند أن نتنياهو يحرض الواليات املتحدة ويستغل عدم‬ ‫خبرة ترامب السياسية واالستراتيجية ملواجهة إيران وشجعها على‬ ‫االنسحاب من اتفاقية ‪ 1+5‬حول امللف النووي اإليراني ‪.‬‬ ‫ويذكر ناحوم برنياع بحروب إسرائيل الفاشلة‪ ،‬كما ورد يف يديعوت‬ ‫أحرونوت ‪ 11‬مايو ‪2018‬م‪ ،‬بتحذيره لقادة إسرائيل من تكرار‬ ‫محاوالت تنصيب حكام دول أخرى وكتب أن " إنهيار االحتاد‬ ‫السوفييتي ليس المنوذج التاريخي الوحيد‪ .‬لقد ُهزمت مصر يف‬ ‫حرب األيام الستة (حزيران‪/‬يونيو ‪ ،)1967‬وإسرائيل ضربتها بشدة‬ ‫يف حرب االستنزاف‪ .‬وجاء الرد يف حرب يوم الغفران (تشرين‬ ‫أول‪/‬أكتوبر ‪ ،)1973‬وقد كان قاس ًيا ومؤملًا‪ .‬ويف بداية الثمانينيات‬ ‫رئيسا (بشير‬ ‫سيطرت إسرائيل على السياسة اللبنانية‪ ،‬واختارت‬ ‫ً‬

‫جميل) وأملت اتفاق سالم‪ .‬وكانت النتيجة تورط (إسرائيل) لسنوات‬ ‫ً‬ ‫باهظا جراء طموح مبالغ‬ ‫طويلة‪ .‬ويف الشرق األوسط يدفعون ثمنًا‬ ‫فيه"‪.‬‬ ‫ويدفع نتنياهو إدارة ترامب ملواجهة إيران وإثارة الرأي العام‬ ‫األوروبي‪ ،‬عندما أعلن يف ‪ 30‬أبريل ‪2018‬م‪ ،‬أنه ميلك وثائق سرية‬ ‫للبرنامج النووي اإليراني‪ ،‬مما دفع الوكالة الدولية للطاقة الذرية‬ ‫للتصريح بأنه ال جديد يف هذه الوثائق السرية عما تعرفه الوكالة‪.‬‬ ‫كما أن جيفري لويس الذي يعمل يف مركز جميس مارتن لدراسات‬ ‫عدم االنتشار النووي بأنه ال جديد يف وثائق نتنياهو وأنها منشورة‬ ‫يف الوثيقة التي حتمل رقم ‪ ،68/2015/GOV‬وإعالن نتنياهو جاء‬ ‫قبل إعالن ترامب االنسحاب من اتفاقية املفاعل النووي اإليراني يف‬ ‫مايو ‪2018‬م‪.‬‬ ‫ً‬ ‫محبطا إلسرائيل وحتى انسحاب إدارة‬ ‫وجاء املوقف األوروبي‬ ‫ترامب من االتفاقية ال يعني مواجهة عسكرية مع إيران‪ ،‬فترامب‬ ‫رجل صفقات جتارية‪ ،‬وهدد كوريا الشمالية ولكنه جلس مع الرئيس‬ ‫الكوري الشمالي كمي أون يف يونيو املاضي على مائدة مفاوضات يف‬ ‫سنغافورة‪ ،‬ولكن إسرائيل عبر تاريخها منذ إنشائها تعمتد على دولة‬ ‫كبرى يف وجودها من بريطانيا انتقلت إلى الواليات املتحدة وتعرف‬ ‫أن الوضع الدولي معقد وال تستطيع إال إثارة الرأي العام الدولي‬ ‫والدول الكبرى‪ ،‬ولكن سياستها مكشوفة ورفضت أوروبا اخلروج من‬ ‫االتفاقية واختلفت مع إدارة ترامب حول إيران يف قضايا التجارة‬ ‫اخلارجية واملفاعل النووي ألن الشركات األوروبية مستفيدة من‬ ‫استثماراتها يف إيران ؟‬

‫خيارات إسرائيل‪ :‬االغتياالت والحرب االلكترونية‬

‫إثر صعوبة احلل العسكري لتدمير املفاعل النووي اإليراني‪ ،‬فقد‬ ‫جلأت إسرائيل لعدة وسائل منها التشجيع على العقوبات االقتصادية‬ ‫وشن احلمالت الدبلوماسية على مستوى الدول الكبرى‪ ،‬وخاصة‬ ‫تسخير اللوبي الصهيوني يف الواليات املتحدة واالحتاد األوروبي‪،‬‬ ‫ولكن األسلوب األخطر هو محاربة إيران وحتى الدول العربية‬ ‫بإغتيال العلماء ‪ :‬مثل علماء الذرة واملتخصصني يف مجال الفضاء‬ ‫والفيزياء واألبحاث النووية‪ ،‬كما فعل املوساد يف إغتيال عشرات من‬ ‫العلماء العراقيني بعد االحتالل األمريكي ‪2003‬م‪ ،‬وتعمتد إسرائيل‬ ‫سياسة االغتيال للعقول العلمية‪ :‬علي مشرفة ‪1950‬م‪ ،‬وسميرة‬

‫‪38‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الصهيوني يف الواليات املتحدة وبعض‬ ‫اجلمهوريني‪ ،‬وذهب نتنياهو إلى الواليات‬ ‫املتحدة وألقى خطا ًبا يف الكونغرس مارس‬ ‫‪2015‬م‪ ،‬مهاج ًما االتفاق والرئيس أوباما‬ ‫ولكن كانت النتيجة عكسية كما قالت عضو‬ ‫الكونغرس من احلزب الدميقراطي جني‬ ‫شكوبسكي " إن خطاب نتنياهو واخلالفات‬ ‫التي تسبب بها وحدت الدميقرطيني يف‬ ‫مجلس الشيوخ ومجلس النواب حول الرئيس‬ ‫أوباما واالتفاق النووي" ‪.‬‬

‫إدارة أوباما ‪ :‬نتنياهو دجاجة جبان‬

‫شنت إسرائيل حملة قوية ضد إيران منذ‬ ‫انكشاف املفاعل النووي اإليراني‪ ،‬وكانت‬ ‫حمالتها السابقة أن إيران تدعم اإلرهاب‬ ‫وحزب اهلل وتهدد إسرائيل ‪ ،‬وكانت احلمالت‬ ‫اإلعالمية ونشاط اللوبي الصهيوني ضد‬ ‫إيران والتهديد بأن إسرائيل ستشن غارات‬ ‫جوية على املنشآت النووية اإليرانية على‬ ‫غرار ما فعلت يف الغراق ‪1981‬م‪ ،‬وسوريا‬ ‫‪2007‬م‪ ،‬وتضغط على اإلدارة األمريكية بعمل‬ ‫عسكري ضد إيران‪ ،‬مما دفع أحد مسئولي‬ ‫البيت األبيض يف أكتوبر ‪2014‬م‪ ،‬بوصف‬ ‫نتنياهو بأنه جبان وسخ دجاحة‪Chicken‬‬ ‫‪ ، shit‬واستعمل هذا التعبير عام ‪1929‬م‪ ،‬للتعبير على اجلنب والذم‪،‬‬ ‫مما دفع وزير اخلارجية األمريكي جون كيري لالعتذار لنتنياهو عن‬ ‫هذا الوصف‪ ،‬وقد أصبحت إدارة أوباما مقتنعة على أن نتنياهو رغم‬ ‫تهديده إليران باستعمال القوة العسكرية فإنه كذاب ومخادع وأنه‬ ‫يريد أن يجر الواليات املتحدة‪ ،‬ألن تتخذ موق ًفا صل ًبا‪ ،‬وأن تشن‬ ‫غارات عسكرية على إيران وهو ما ال تريده إدارة أوباما‪ .‬ويقول‬ ‫جاري سيك مسؤول مكتب إيران يف مجلس األمن القومي األمريكي‬ ‫يف عهد الرئيس كارتر‪ ،‬إن أي عمل عسكري إسرائيلي ضد إيران‬ ‫سيكون ماسأة وغير مفيد‪ ،‬وأن احلملة اإلعالمية اإلسرائيلية على‬ ‫املفاعل النووي اإليراني له أهدافه السياسية‪ ،‬بأن إسرائيل من‬ ‫خالل التهديد بعمل عسكري‪ ،‬جتعل قضية املفاعل النووي اإليراني‬

‫يف مقدمة وسائل اإلعالم العاملي وتدفع القادة السياسيون يف كل‬ ‫مكان تقدمي مساعدات إلسرائيل وعالقات سلبية مع إيران ‪.‬‬ ‫إن إسرائيل ال تستطيع أن تقوم بعمل عسكري وكما يعبر عن ذلك‬ ‫شبتاي شافيت مدير املوساد اإلسرائيلي ‪1996-1989‬م ‪ ،‬إن إيران‬ ‫ليست العراق أو سوريا‪ ،‬وإن سياسة إسرائيل الردع " ونحن نعيش‬ ‫يف منطقة خطرة يف وضع دمار‪ ،‬سيكون متبادل محقق"؟ وإن معظم‬ ‫األجزاء من البرنامج النووي اإليراني عميقة حتت األرض‪ ،‬وال ميكن‬ ‫الوصول إليها بواسطة األسلحة املتاحة لدى إسرائيل ‪.‬‬

‫إسرائيل ليست دولة عظمى‬

‫إن أسطورة اجليش الذي ال يقهر أصبحت من املاضي ونقل املعركة‬ ‫إلى أرض العدو لم تعد مجدية وأصبح العمق االستراتيجي مكشو ًفا‬

‫إدارة أوب��ام��ا اقتنعت أن نتنياهو رغ��م تهديده إلي��ران باستعمال‬ ‫القوة العسكرية أنه ك��ذاب ومخادع وأن��ه يريد أن يجر الواليات المتحدة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫على منع الدول املواجهة من احلصول على أسلحة نووية بالنسبة لنا‬ ‫ليست مسألة توازن الرعب ولكن مسألة بقاء"‪.‬‬ ‫وقامت إسرائيل يف يونيو ‪1981‬م‪ ،‬بغارة عسكرية على املفاعل النووي‬ ‫العراقي ‪ OSIRAK‬ودمرته يف عهد رئيس الوزراء مناحم بيغن‪،‬‬ ‫كما أغارت إسرائيل على منشآت ملفاعل نووي سوري يف محافظة‬ ‫دير الزور ادعت أنها النتاج السالح النووي ‪ ،‬وتستغل إسرائيل كل‬ ‫محاولة عربية لتطوير األسلحة أو شرائها حلماية أمنها بشن حملة‬ ‫إعالمية بأنها مهددة ‪.‬‬ ‫وعندما أظهرت التقارير اإلعالمية واالستخبارات األمريكية ‪2003‬م‪،‬‬ ‫بأن إيران قد أدخلت مواد نووية إلى منشآتها للتخصيب‪ ،‬انضمت‬ ‫الواليات املتحدة يف يونيو ‪2006‬م‪،‬إلى روسيا والصني وبريطانيا‬ ‫وفرنسا فميا عرف ب‪ ،1+5‬أي أملانيا مع الدول اخلمس يف محاولة‬ ‫إلى اقناع إيران باحلد من برنامجها النووي‪ .‬وقد أقر مجلس األمن‬ ‫الدولي يف ديسمبر ‪2006‬م‪ ،‬اجلولة األولى من العقوبات ضد إيران‪،‬‬ ‫ومت متديد العقوبات ضد إيران مع فرض حظر شامل على األسلحة‬ ‫يف يونيو ‪2010‬م‪ ،‬ثم دخلت إدارة أوباما يف مفاوضات سرية مع إيران‬ ‫بوساطة عمانية‪ ،‬حتى مت توقيع على اتفاق بني الدول اخلمسة الدائمة‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪37‬‬

‫و أملانيا مع إيران يف يوليو ‪2015‬م‪ ،‬للحد من برنامجها النووي مقابل‬ ‫رفع بعض العقوبات االقتصادية عنها‪ .‬كانت الدول اخلمس وأملانيا‬ ‫لها حساباتها االقتصادية واالستراتيجية والسياسية من االتفاق‪ ،‬على‬ ‫مطروحا خلطورته ملنطقة حيوية‬ ‫اعتبار أن اخليار العسكري ليس‬ ‫ً‬ ‫لألمن الدولي‪ ،‬ملا متلكه من مصادر الطاقة وخطوط املالحة التي تهدد‬ ‫االقتصاد العاملي واألمن الدولي واإلقلميي يف حالة أي عمل عسكري‪.‬‬ ‫وقد بني أوباما يف خطابه املتلفز يف ‪ 14‬يوليو ‪2015‬م‪ ،‬مبررات االتفاق‬ ‫بقوله " إن االتفاق يقطع أي طريق أمام إيران للحصول على أسلحة‬ ‫نووية ‪...‬إن االتفاق ينص على رفع ثلثي أجهزة الطرد املركزي التي‬ ‫نصبت يف إيران وخزنها حتت إشراف دولي‪ ،‬والتخلص من ‪ %98‬من‬ ‫اليورانيوم املخصب لديها‪ ،‬وقبول عودة العقوبات سري ًعا إذا حدث أي‬ ‫خرق لالتفاق‪ ،‬وإعطاء وكالة الطاقة الذرية الدولية مدخال بشكل دائم‬ ‫لتفتيش املواقع أيمنا وحيثما كان ذلك ضرور ًيا"؟‬ ‫كانت إدارة أوباما تتجه ألسيا واحمليط الهندي وال تريد التورط‬ ‫العسكري يف الشرق األوسط‪ ،‬بعد تورط إدارة بوش االبن يف كل‬ ‫من أفغانستان والعراق وكانت حملة أوباما االنتخابية على عودة‬ ‫اجلنود األمريكيني للبالد‪ ،‬ولكن االتفاق أثار غضب إسرائيل واللوبي‬

‫‪36‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الدولة العبرية ليست قوى عظمى وسالحها االغتياالت والتجسس‬

‫إس��رائ��ي��ل وال��م��ل��ف ال��ن��ووي اإلي��ران��ي‪:‬‬ ‫ت��ه��دي��د إع�ل�ام���ي ب�����دون م��ص��داق��ي��ة‬ ‫قال ثوماس جراهام األستاذ بجامعة ييل األمريكية ومدير مجموعة كيسنجر االستشارية واملساعد اخلاص للرئيس‬ ‫األمريكي السابق جورج بوش االبن ورئيس مكتب روسيا يف مجلس األمن القومي األمريكي ‪ 2007-2004‬م‪ ،‬يف مقابلة له مع‬ ‫صحيفة " أزفستيا الروسية" حول احمتال احلرب بني إسرائيل وإيران بعد خروج ترامب من الصفقة التي متت حول املفاعل‬ ‫النووي اإليراني " كل شيء ممكن‪ ،‬ولكنني ال أراها محمتلة اآلن‪ ،‬روسيا تلعب دو ًرا فائق األهمية‪ ،‬انطلق من أن روسيا ضد‬ ‫اندالع حرب يف الشرق األوسط‪ ،‬مؤشر كبير أن نتنياهو كان يف موسكو يف التاسع من مايو املاضي‪ ،‬فقد تواصل عن قرب‬ ‫مع فالدميير بوتني‪ ،‬روسيا نفسها ال مصلحة لها يف همينة إيران على الشرق األوسط‪ ،‬موسكو بحاجة إلى توازن قوى يف‬ ‫املنطقة‪ ،‬والواليات املتحدة ً‬ ‫أيضا بحاجة إلى ذلك‪ ،‬حتى لو بدا األمر غريبا"؟‬

‫د‪ .‬أحمد سلمي البرصان‬

‫مبدأ بيغن واحتكار إسرائيل القوة النووية‬

‫سعت إسرائيل منذ إنشائها للتفوق االستراتيجي على الدول العربية‬ ‫بامتالك السالح االستراتيجي‪ ،‬وبدأت يف بناء املفاعل النووي منذ‬ ‫عقد اخلمسينيات من القرن املاضي وتعاونت مع فرنسا يف سبيل‬ ‫بناء املفاعل النووي اإلسرائيلي‪ ،‬وكان شمعون بيرس املشرف على‬ ‫مشروع املفاعل النووي ‪،‬مما أدى إلى امتالكها السالح النووي منذ‬ ‫ستينات القرن املاضي‪ ،‬وتبنت إسرائيل استراتيجية منع امتالك دول‬ ‫املنطقة السالح النووي‪ ،‬وأن تبقى الدولة النووية الوحيدة لتضمن‬ ‫التفوق االستراتيجي كقوة ردع واستعمالها يف حالة تهديدها‪ ،‬كما‬ ‫عملت يف حرب أكتوبر ‪ /‬رمضان ‪1973‬م‪ ،‬عندما ُهزمت ‪.‬‬ ‫وعملت إسرائيل على تفوقها حتى يف األسلحة التقليدية‪ ،‬فعندما‬ ‫استعانت مصر يف عهد الرئيس عبد الناصر بالعلماء األملان يف‬ ‫تطوير أسلحة الصواريخ‪ ،‬جندت إسرائيل كل أجهزتها االستخباراتية‬ ‫الحباط هذا املشروع‪ ،‬مبحاولة اغتيال العلماء األملان والتجسس‬

‫عليهم ودفعهم للهروب الجهاض تطوير الصواريخ املصرية‪ ،‬كما‬ ‫أنها جندت للوبي الصهيوني يف الواليات املتحدة لفرض حظر‬ ‫تصدير األسلحة املتطورة والطائرات للدول العربية‪ ،‬كما فعل‬ ‫اللوبي الصهيوني عندما اشترت اململكة العربية السعودية طائرات‬ ‫أواكس‪ ،‬كما أثارت إسرائيل ضجة إعالمية عندما اشترت السعودية‬ ‫الصواريخ البالستية املتوسطة ‪ ))IRBMs‬املدى من الصني الشعبية‬ ‫وأصدر االستاذ باجلامعة العبرية إسحق شيشور دراسة بعنوان‬ ‫‪ ، )1989(East Wind over Arabia‬وتبنت إسرائيل مبدأ بيغن‬ ‫‪ Begin Doctrine‬الذي يعني منع امتالك الدول العربية وحتى‬ ‫اإلسالمية القوة النووية‪ ،‬حتى أنها عرضت على الهند املشاركة‬ ‫يف ضربة عسكرية للمفاعل النووي الباكستاني‪ ،‬إلجهاض امتالك‬ ‫باكستان القنبلة النووية ولكن الهند رفضت العرض اإلسرائيلي‪.‬‬ ‫وعبر رئيس الوزراء السابق أريل شارون عن استراتيجية إسرائيل‬ ‫يف خطاب له "إن العنصر الثالث يف سياستنا الدفاعية هو تصممينا‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪35‬‬

‫األسلحة النووية ك��رادع أبقت السالم بين أمريكا واالتحاد السوفيتي‬ ‫يف الحرب الباردة لكن تسود القناعات أنها مدعاة للمزيد من عدم االستقرار‬ ‫مع الصني وروسيا‪ ،‬إذ أوضح جميع املوقعني اآلخرين على الصفقة‬ ‫أنهم سيقفون إلى جانب االتفاق على الرغم من االنسحاب األمريكي‪.‬‬ ‫ويبقى أن نرى ما إذا كانوا سيتخذون أي إجراءات ملواجهة العقوبات‬ ‫األمريكية‪ ،‬التي من شأنها منع شركاتهم ومصارفهم من التعامل‬ ‫مع إيران‪ ،‬وحتفيز طهران على االسمترار يف االلتزام‪ .‬فيف حني أن‬ ‫االنسحاب األميركي ال يعني نهاية االتفاق النووي يف هذا الوقت‪ ،‬إال‬ ‫أنه ميكن أن يؤدي إلى سلسلة من األحداث‪ ،‬التي ستؤدي يف النهاية‬ ‫إلى تفكيك اجلهود متعددة األطراف‪ .‬وستسعى حكومة روحاني يف‬ ‫الوقت احلالي‪ ،‬إلى البقاء يف الصفقة‪ ،‬والعمل مع خمسة مو ّقعني‬ ‫آخرين على االتفاقية؛ فرنسا‪ ،‬وأملانيا‪ ،‬وبريطانيا‪ ،‬وروسيا‪ ،‬والصني‪،‬‬ ‫لتقليل تأثير العقوبات األمريكية و"عزل" واشنطن دبلوماس ًيا‪.‬‬ ‫رمبا كانت للعواصم العربية اخلليجية قراءتها اخلاصة‪ ،‬وتقديراتها‬ ‫املنتظرة لفوائد ما بعد االنسحاب األمريكي من االتفاق النووي‪،‬‬ ‫ولكن ردود الفعل الغربية عبرت عن مواقف مغايرة زاعمة بأن‬ ‫انسحاب الواليات املتحدة من االتفاق الدولي النووي مع إيران‬ ‫أحلق ضر ًرا كبي ًرا باملجمتع الدولي‪ .‬فقد حتدثت املستشارة‬ ‫األملانية أجنيال ميركل‪ ،‬بعبارات واضحة‪ ،‬يف خطاب لها أمام مؤمتر‬ ‫الكاثوليك‪ ،‬يوم اجلمعة ‪ 11‬مايو ‪2018‬م‪ ،‬يف مدينة مونستر بشمال‬ ‫غرب أملانيا‪ ،‬عن انسحاب الرئيس األمريكي دونالد ترامب‪ ،‬حيث‬ ‫وصفت اخلطوة بأنها "تلحق ضر ًرا كبي ًرا باملجمتع الدولي"‪ .‬وقالت‬ ‫صحيحا‬ ‫إن القرار يخرق الثقة بالنظام العاملي‪ ،‬مضيفة "لم يكن‬ ‫ً‬ ‫أن يمت إلغاء اتفاق متت املصادقة عليه من قبل مجلس األمن‬ ‫الدولي"‪ .‬ويف ذات السياق‪ ،‬قالت اخلارجية الروسية‪ ،‬يوم الثالثاء‬ ‫‪ 8‬مايو ‪2018‬م‪ ،‬إن اخلطوة األمريكية "هي انتهاك صارخ للقانون‬ ‫الدولي وتق ّوض وزن الوكالة الدولية للطاقة الذرية"‪ ،‬وإن "االنسحاب‬ ‫األمريكي من االتفاق النووي مع إيران يش ّكل تهديدًا لألمن الدولي‪".‬‬

‫الخاتمة‪:‬‬

‫من خالل النظر الفاحص لهذه القضية‪ ،‬التي َّ‬ ‫أش َر إليها عنوان هذا‬ ‫املقال‪ ،‬من جميع اجلوانب‪ ،‬يتضح أن برنامج إيران النووي سيظل‬ ‫هاجسا أمن ًيا لدول املنطقة‪ ،‬ستكون له تأثيرات مزعزعة‬ ‫يُ َش ِّكل‬ ‫ً‬ ‫للغاية على مواضعات القانون الدولي‪ .‬على الرغم من أن نظرية‬

‫الردع قد تكون هي احلافز لبرنامج إيران النووي‪ ،‬إال أن مبررات‬ ‫االنتشار‪ ،‬التي تفترض أن املنطقة ستصبح أكثر عرضة للنزاعات‬ ‫إقناعا‪ .‬إن مخاوف‬ ‫إذا حصلت إيران على أسلحة نووية‪ ،‬تبدو أكثر‬ ‫ً‬ ‫اجلوار اإلقلميي من طموحات الهمينة اإليرانية وظهور معضالت‬ ‫أمنية جديدة تمتثل يف سباق التسلح النووي‪ ،‬الذي ميكن أن يؤدي‬ ‫إلى سيناريو إقلميي متعدد األقطاب‪ ،‬وغير مستقر إلى حد كبير‪.‬‬ ‫عالوة على ذلك‪ ،‬فإن وجود نظام إقلميي معقد وغير مستقر‪،‬‬ ‫وعدم وجود بنية حتتية لالتصاالت بني إيران وإسرائيل‪ ،‬فإن ضربة‬ ‫استباقية محمتلة قد جتعل املعادلة أكثر تدمي ًرا‪ ،‬ورمبا‪ ،‬كما يقول‬ ‫بعض احملللني‪ ،‬قد تُشعل حر ًبا نووية ال تُبقي وال تزر‪ .‬رغم أن منطق‬ ‫التدخل املشروع يستند على االفتراض بأنه ميكن حتقيق السالم‬ ‫واالستقرار يف املنطقة من خالل تعزيز قدرة البرامج واألنظمة‬ ‫واملؤسسات القائمة واستخدامها بشكل أكثر فعالية‪ .‬وذلك بتحسني‬ ‫أنظمة اإلنذار املبكر واالستجابة املبكرة‪ ،‬بحيث ميكن للحكومات‬ ‫أن تتصرف بسرعة بشأن املعلومات املقدمة بطريقة تساعد على‬ ‫منع النزاعات أو حلها‪ .‬وبهذا‪ ،‬سيكون لدى احلكومات الوطنية‬ ‫وعي وفهم أكبر للقضايا األمنية‪ ،‬بحيث تكون جاهزة بشكل أفضل‬ ‫للتعامل مع التهديدات العابرة للحدود‪ ،‬وبقدرة أكثر فعالية‪.‬‬ ‫مروعا بالنسبة لطهران‪ ،‬كما هو‬ ‫إن انسحاب ترامب قد يبدو خب ًرا‬ ‫ً‬ ‫مزعج حللفاء واشنطن يف أوربا الغربية‪ ،‬التي تخشى أن يُ َس ِّرع من‬ ‫انتشار األسلحة النووية‪ ،‬إال أنه أوجد قد ًرا من الرضا السياسي يف‬ ‫خاصا بها‪ .‬ولكن‪،‬‬ ‫عواصم اخلليج العربية‪ ،‬واعتبرته تل أبيب اجنازًا‬ ‫ً‬ ‫هل سيضمن االستقرار يف املنطقة؟ وهل ميكن للجهود األمريكية‬ ‫املتجددة ملعاقبة االقتصاد اإليراني أن تخلق غض ًبا عار ًما داخل‬ ‫فئات الشعب اإليراني؛ لدرجة أنها ستسقط النظام من الداخل؟‬ ‫إذ يبدو أن هذا هو االحمتال‪ ،‬الذي تبني عليه اإلدارة األمريكية‬ ‫سياساتها‪ ،‬وكذا آمالها‪ ،‬لكنه ميثل مراهنة كبيرة وغير محسومة‬ ‫العواقب‪ .‬إذ إن االحمتال اآلخر هو أن النظام يف طهران سينشط‬ ‫أكثر يف إلقاء اللوم على الواليات املتحدة على أنها سبب معاناة‬ ‫الشعب اإليراني‪ ،‬كما فعل يف املاضي‪.‬‬ ‫* سفير ومفكر عربي‬

‫‪34‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫االنتشار النووي وآثاره المحتملة‪:‬‬

‫إحلاحا‪،‬‬ ‫ومن هنا‪ ،‬فإن أمر االهمتام بأسباب االنتشار يُصبح أكثر‬ ‫ً‬ ‫وف ًقا ملا ال يُرجح أن يعمل الردع على حتقيقه يف الوقت الراهن‬ ‫يف املنطقة‪ ،‬ألن االقتراح القائل إن األسلحة النووية تعزز السالم‬ ‫واالستقرار ال يُنظر إليه على الوجه الصحيح كحقيقة أصولية‪ ،‬بل‬ ‫كتفسير يستند إلى حد كبير إلى دليل حالة واحدة نتجت عنها احلرب‬ ‫الباردة بني املعسكرين الغربي والشرقي‪ .‬وبيمنا جادل الكثيرون بأن‬ ‫األسلحة النووية حافظت على السالم خالل احلرب الباردة‪ ،‬هناك‬ ‫مجموعة متنامية من األدبيات‪ ،‬التي تظهر أن ظهور العديد من‬ ‫املشاكل األمنية النووية بني الواليات املتحدة واالحتاد السوفييتي‪،‬‬ ‫والتي كان من املمكن أن تسبب حوادث مدمرة‪ .‬والسبب اإلضايف هو‬ ‫أن العديد من األسباب التقنية والسياسية والظرفية للردع النووي‬ ‫املستقر قد تكون مفقودة يف الشرق األوسط حيث يوجد احمتال‬ ‫كبير الستخدام األسلحة النووية‪ .‬ويؤكد ذلك أن‬ ‫الرهان املتراكم والقدرة األقل للمناورة يف املناطق‬ ‫املعرضة للصراع‪ ،‬والقيادة املتقلبة‪ ،‬وعدم االستقرار‬ ‫اإلقلميي‪ ،‬كلها تقوض مصداقية نظرية الردع‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫كبيرة‪ ،‬ويصبح الفشل أكثر احمتا ًال‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬من املرجح‬ ‫أن يؤدي سعي العديد من دول املنطقة إلى التسابق يف احلصول‬ ‫على القدرات النووية إلى مزيد من املعضالت األمنية‪ ،‬لها ولغيرها‪،‬‬ ‫بدالً من من اجلهد الذي ينبغي أن يتجه إلى إحداث توازن حقيقي‬ ‫وموضوعي للقوى يف املنطقة يحقق لها االستقرار املنشود‪.‬‬

‫االنسحاب والقانون الدويل‪:‬‬

‫لقد شهد النظام الدولي ثالث حت ّوالت كبرى‪ ،‬على األقل منذ نهاية‬ ‫ثمانينيات القرن العشرين‪ ،‬دون إثارة اضطراب حاد يف النظام‪ ،‬أو‬ ‫اللجوء إلى القوة‪ :‬انهيار االحتاد السوفييتي ونهاية املنطق العدائي‬ ‫العاملي للحرب الباردة؛ والتوسع يف التجارة واالستثمار الدوليني‪،‬‬ ‫على أساس العوملة وثورة االتصاالت؛ والظهور املتزامن القتصادات‬ ‫آسيا‪ ،‬وعلى رأسها الصني‪ .‬لذا‪ ،‬فإن عودة إيران كقوة رئيسية شاملة‬ ‫يف املنطقة تشكل رابع تغيير منهجي من هذا‬ ‫القبيل‪ .‬وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن اسمترار إسرائيل‪،‬‬ ‫باعتبارها دولة احتالل؛ ال تمتاشى سياساتها مع‬ ‫القواعد احلالية للنظام الدولي‪ ،‬ميثل تهديدًا‬ ‫متزايدًا لالستقرار واألمن اإلقلمييني‪ ،‬وألنظمة‬ ‫عدم االنتشار‪ ،‬التي توفر ذريعة إليران‪ ،‬باعتبارها‬ ‫دولة ممانعة؛ أن تنشط يف بناء قدراتها العسكرية‪،‬‬ ‫مبا يف ذلك تعزيز طموحاتها النووية‪.‬‬

‫السماح بانتشار‬ ‫األسلحة النووية يف‬ ‫المنطقة سيرتبط‬ ‫ب���ت���ع���دد األق���ط���اب‬ ‫واحتمالية سوء التقدير‬ ‫وض��رب��ة إسرائيلية‬ ‫وق���ائ���ي���ة إلي������ران‬

‫إن فكرة التصعيد غير املقصود‪ ،‬التي تقول إن ظاهرة‬ ‫احلرب‪ ،‬وسلوك املنظمات العسكرية‪ ،‬واملعضلة‬ ‫األمنية‪ ،‬التي توجد حتى يف حالة التكافؤ النووي‪،‬‬ ‫هي سبب لإلحباط العميق‪ .‬فيف املجال النووي‪،‬‬ ‫تبدو حالة باكستان والهند وثيقة الصلة بدعم حالة‬ ‫التصعيد غير املقصود‪ ،‬إذ خاضت باكستان حرب‬ ‫كارجيل مع الهند حتت مظلة األسلحة النووية‪ ،‬التي‬ ‫كان ميكن أن تتحول؛ عن قصد‪ ،‬أو غير قصد‪ ،‬إلى‬ ‫حرب نووية‪ .‬وباملثل‪ ،‬فإن تسلح باكستان املسلحة‬ ‫باألسلحة النووية‪ ،‬زادت من ثقتها يف أنها ميكن أن‬ ‫ترفع درجات الصراع مع الهند‪ .‬لذا‪ ،‬فإن مفارقة عدم االستقرار‪،‬‬ ‫تؤكد أن حر ًبا تقليدية محدودة‪ ،‬ميكن أن يتحول الصراع فيها إلى‬ ‫نووي‪ ،‬أمر وارد يف ظل وجود األسلحة النووية‪.‬‬ ‫من هذا املنظور‪ ،‬ومبا أن احلالة يف الشرق األوسط ما تزال بعيدة‬ ‫عن االستقرار‪ ،‬فميكن ألي حروب صغيرة وصراع تقليدي بني إيران‬ ‫وإسرائيل أن يؤدي؛ عن قصد‪ ،‬أو غير قصد‪ ،‬إلى تصعيد نووي‬ ‫خطير‪ .‬ومن املرجح دائ ًما أن تقع احلوادث النووية‪ ،‬واالستخدام‬ ‫غير املرخص به لألسلحة النووية‪ ،‬يف بيئة إقلميية أكثر توت ًرا وغير‬ ‫مستقرة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن كل هذه التعقيدات يف النظام االستراتيجي‬ ‫لدول املنطقة جتعل احمتال وجود ردع عملي قاب ً‬ ‫ال للتساؤل بدرجة‬

‫واآلن‪ ،‬بعد أن قام الرئيس ترامب بسحب التزام‬ ‫الواليات املتحدة من الصفقة بشكل كامل‪ ،‬ثارت‬ ‫نقاشات جدية حول جدوى االلتزامات الثنائية‬ ‫واجلماعية يف ظل قانون دولي تتهدده حاالت‬ ‫"الفصام" اإلدارات املختلفة يف البلد الواحد‪.‬‬ ‫فبينـمـا ساد يف دول اخلليج العربية ارتياح‪ ،‬يشوبه‬ ‫غير قليل من احلذر‪ ،‬تبخرت اآلمال الدبلوماسية يف أوروبا الغربية‬ ‫للتعاطي اإليجابي بني اخلصمني اللدودين؛ واشنطن وطهران‪ .‬ملاذا؟‬ ‫ألن قادة إيران‪ ،‬وغيرها من دول العالم‪ ،‬سيجدون‪ ،‬من اآلن فصاعدًا‪،‬‬ ‫صعوبة يف الثقة يف قدرة واشنطن على احلفاظ على كلمتها‪ .‬وقول‬ ‫األوربيون‪ ،‬وتشاطرهم يف ذلك األمم املتحدة‪ ،‬إن االتفاق النووي‬ ‫لعام ‪2015‬م‪ ،‬أثبت وفاء إيران بوعدها األساس‪ ،‬وف ًقا لرأي معظم‬ ‫املراقبني املوضوعيني‪ .‬إذ أوقف اندفاع طهران للحصول على سالح‬ ‫نووي‪ ،‬ألنها لو فعلت فسيمت اكتشافها‪ ،‬وذلك بفضل القيود املفروضة‬ ‫عليها مبوجب االتفاق‪.‬‬ ‫نزاعا دبلوماس ًيا واقتصاد ًيا مع أوروبا‪ ،‬وكذلك‬ ‫لقد أثار قرار ترامب ً‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إن طرح هذه األسئلة سيسمتر‪ ،‬يف ظل غياب دور الدول العربية‬ ‫الفاعل‪ .‬فهل ال يزال هناك أمل يف أن حتصل هذه الدول على‬ ‫االستقرار الذي تنشده؟ وهل ميكن السيطرة على قوى االضطراب‬ ‫والفوضى‪ ،‬وهل ستمتكن الدول من العمل يف تناغم للتغلب على مثل‬ ‫هذه التهديدات؟ أم هل تضيق الرؤى اخلاصة باملصلحة الذاتية‬ ‫الوطنية على حسابات اجلماعية القومية؟ كيف ستنظر العواصم‬ ‫العربية إلى التزاماتها ومسؤولياتها من الدرجة األولى‪ ،‬خاصة‬ ‫وأن االجتاهات املاثلة ليست مواتية؟ وهل ستمتكن الدول العربية‬ ‫من التعامل مع املشكالت اجلماعية لألمن واالستقرار باألدوات‬ ‫التقليدية‪ ،‬أو ال بد من تصممي مناهج جديدة‪ ،‬ال سميا عندما يكون‬ ‫هناك خطر نووي؟‬ ‫على الرغم من املخاوف املتزايدة بشأن القلق من عدم االستقرار يف‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪33‬‬

‫دول اخلليج خاصة‪ ،‬إال أن هذه الدول‪ ،‬يف الغالب‪ ،‬مزدهرة وتمتيز‬ ‫بتزايد التواصل االجمتاعي والتكنولوجي واالقتصادي عبر احلدود‬ ‫الوطنية‪ ،‬وتبدو أقل اضطرا ًبا بكثير من املواقع األخرى ذات األهمية‬ ‫االستراتيجية يف الشرق األوسط‪ ،‬الذي هو بعيد كل البعد عن أن‬ ‫يكون هاد ًئا‪ .‬وهناك عالمات متزايدة على عدم الثقة االستراتيجية‬ ‫الطويلة األجل‪ ،‬واملنافسة السياسية والعسكرية املتزايدة‪ ،‬وهناك‬ ‫غياب مسمتر لآلليات الفعالة للتصدي للمخاطر احملمتلة على‬ ‫السالم واألمن‪ .‬كما أنه من غير املؤكد أن دول اخلليج تتفق جميعها‬ ‫على املعنى الدقيق لالستقرار اإلقلميي‪ .‬لهذا‪ ،‬هناك مثل هذا‬ ‫القلق على نطاق واسع حول املستقبل‪ ،‬حتى عندما تبدو الظروف‬ ‫املوضوعية مواتية لالستقرار‪ .‬فهل ميكننا حتديد املخاطر األساسية‬ ‫على النظام اإلقلميي والعواقب احملمتلة إذا أثبتت الدول عدم قدرتها‬ ‫على إدارة هذه املخاطر؟‬

‫اس��ت��ق��رار األوض�����اع ال��ق��ائ��م��ة وااله���ت���م���ام بمقتضيات األم���ن‬ ‫ال����داخ��ل�ي ي��م��ث�لان ق��ض��ي��ة ج���وه���ري���ة يف ال��س��ي��اس��ة ال��خ��ل��ي��ج��ي��ة‬

‫‪32‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫دول الخليج م��زده��رة وتتميز بالتواصل االجتماعي والتكنولوجي‬ ‫واالقتصادي وأقل اضطرا ًبا من مواقع ذات أهمية استراتيجية يف الشرق األوسط‬ ‫العودة إلى نهج املواجهة‪ ،‬الذي أخفق خالل أكثر من عشر سنوات يف‬ ‫وقف التقدم النووي اإليراني‪ .‬لذا‪ ،‬يصف املعارضون لقرار الرئيس‬ ‫ترمب باخلطأ االستراتيجي‪ ،‬ويتوقعون أن تكون له ثالث عواقب‬ ‫رئيسية‪:‬‬ ‫‪ )1‬أنه يقوض املصالح القومية األمريكية بشكل كبير من خالل‬ ‫تآكل مصداقيتها‪ ،‬من خالل تقسمي الواليات املتحدة من حلفائها‬ ‫األوروبيني واملجمتع الدولي‪ ،‬من أجل التوصل إلى اتفاق يحجب‬ ‫بفاعلية التطلعات النووية اإليرانية على مستوى األسلحة‪ ،‬وبإهدار‬ ‫مليارات الدوالرات من رأس املال السياسي واملالي والبشري‪،‬‬ ‫استثمرتها الواليات املتحدة للوصول إلى خطة العمل املشتركة‬ ‫الشاملة‪.‬‬ ‫‪ )2‬يؤدي إلى تآكل ركائز النظام الدولي القائم على القواعد‪ ،‬حيث‬ ‫إنه يشكك يف السلطة املستقلة واملصداقية الدبلوماسية للدول‬ ‫األوروبية‪ ،‬خاصة إذا لم تكن قادرة على حماية االتفاق من االنتهاكات‬ ‫األمريكية‪ .‬وباملثل‪ ،‬فإن قرار ترامب يقوض قمية وأهمية تعددية‬ ‫األطراف واملؤسسات الدولية‪ ،‬خاصة تلك التي تعمل من أجل النظام‬ ‫العاملي لعدم االنتشار النووي مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية‪.‬‬ ‫‪ )3‬أنه ميثل نقطة حتول يف تاريخ ما بعد الثورة إليران احلديثة‬ ‫كأول جتربة مريرة كبيرة لشباب البالد مع الواليات املتحدة‪ ،‬وأول‬ ‫مفاوضات عامة مباشرة مع أمريكا ‪ -‬تأجيج القومية اإليرانية‪ ،‬مما‬ ‫يقوض قمية إشراك الغرب‪ ،‬وحتويل اخلطاب الداخلي إلى موقف‬ ‫متشدد‪.‬‬

‫القرار واالستقرار‪:‬‬

‫يرى العديد من املراقبني أن االستقرار كمفهوم منظم للعالقات‬ ‫اإلقلميية يُ َجابه بالكثير من التحديات املتنامية‪ .‬ولكن غال ًبا ما‬ ‫يمت استخدام هذا املفهوم بشكل غير مناسب عند التقيمي الدقيق‬ ‫للسياسات‪ ،‬التي تقود إلى االستقرار‪ .‬وعليه‪ ،‬ال ينبغي أن تكون لغة‬ ‫الترميز املبهمة يف التصريحات السياسية والبيانات اإلعالمية هي‬ ‫املعمتدة وحدها للحفاظ على الوضع الراهن‪ .‬فاالستقرار يبدو أكثر‬ ‫قابلية للتطبيق على نطاق واسع‪ ،‬أي غياب احلرب الكبرى؛ عند‬ ‫جتنب التركيز املفرط للقوة يف أي دولة من دول املنطقة‪ .‬والمتسك‬ ‫باالستقالل السياسي والسالمة اإلقلميية للجهات الفاعلة املوجودة‬ ‫داخل النظام السياسي لهذه الدول‪ .‬إذ يفترض االستقرار موافقة‬ ‫على الترتيبات والقواعد املتفق عليها داخل نظام دولي‪ ،‬أو نظام‬

‫إقلميي ممتيز‪ ،‬الذي يفترض ضبط النفس يف ممارسة القوة من‬ ‫اجلانب الذي ميلكها‪ ،‬والذي ال ميلكها‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فإن هذه املعايير تسلط الضوء على نقطتني هامتني حول‬ ‫أوجه القصور يف تعريفات االستقرار يف املنطقة‪ .‬أوالً‪ ،‬ناد ًرا ما‬ ‫يكون توزيع القوة يف النظام الدولي ثابتًا ‪ .‬ثان ًيا‪ ،‬وغالباً ما تطرح‬ ‫الدول تصورات متباينة للغاية حول النظام واالستراتيجية الوطنية‪،‬‬ ‫حتى لو لم ينتج عن ذلك بالضرورة نزاع مسلح أو حتديات علنية‬ ‫للوضع الراهن‪ .‬ويف الوقت نفسه‪ ،‬فإن لدى القوى الراسخة مصلحة‬ ‫متأصلة يف السعي للحفاظ على ميزة القوة لديها‪ ،‬كلما أمكن ذلك‪،‬‬ ‫على الرغم من أن البعض يدركون‪ ،‬بشكل متزايد‪ ،‬ضرورة تطوير‬ ‫قواعد جديدة من شأنها أن مت ّكن‪ ،‬على األرجح‪ ،‬عمليات انتقال‬ ‫استراتيجية أقل اضطرا ًبا‪.‬‬ ‫وبالنسبة ملنطقة اخلليج‪ ،‬فمن الواضح أن النظام واالستقرار‬ ‫هما عنصران أساسيان يف حسابات التفكير والسياسة يف جميع‬ ‫الدول تقري ًبا‪ .‬وهكذا‪ ،‬يظل السعي وراء استقرار األوضاع القائمة‪،‬‬ ‫واالهمتام مبقتضيات األمن الداخلي‪ ،‬ميثالن قضية جوهرية‬ ‫يف السياسة اخلليجية‪ .‬لكن كيف يمت تشكيل القواعد وإضفاء‬ ‫الطابع املؤسسي عليها؟ هل ميكن للمشاركني اآلخرين يف الدائرة‬ ‫االستراتيجية اجلغرافية‪ ،‬إسرائيل وإيران وتركيا‪ ،‬أو الدول العربية‪،‬‬ ‫التي تسعى إلى نفوذ أكبر ضمن النظام القائم؛ مثل مصر‪ ،‬أو العراق‬ ‫وسوريا‪ ،‬أو حتى تلك البعيدة‪ ،‬كالواليات املتحدة‪ ،‬وروسيا االحتادية‪،‬‬ ‫وجمهورية الصني الشعبية‪ ،‬والتي عليها أن توضح مصاحلها يف‬ ‫املنطقة دون حتدي املعايير القانونية‪ ،‬أو اللجوء إلى اإلكراه الواضح؟‬ ‫إن هذه القضايا هي اآلن محور االهمتام السياسي واإلستراتيجي‬ ‫يف جميع أنحاء الشرق األوسط‪ .‬ويف الوقت نفسه‪ ،‬لدى العديد‬ ‫من الدول العربية طموحات أوسع من أجل مزيد من االستقاللية‬ ‫وتعزيز حرية املشاركة السياسية اإلقلميية‪ .‬فيف الوقت احلاضر‪،‬‬ ‫وبالنسبة للمستقبل املنظور‪ ،‬سيسمتر حتديد ديناميكيات األمن‬ ‫اإلقلميي‪ ،‬بشكل أساسي‪ ،‬من قبل دول اجلوار العربي‪ .‬إذ تتركز‬ ‫معظم القدرات العسكرية اإلقلميية احلقيقية عند هذه الدول؛ وهي‬ ‫تسعى إلى دعم وتوسيع نطاق نفوذها االقتصادي والسياسي واألمني‬ ‫عبر هذه املنطقة احليوية‪ .‬ولكن هل ميكن اسمترار قوة هذا النفوذ‬ ‫إلى أجل غير مسمى‪ ،‬وعلى أي أساس؟‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫"العالم كما هو"‪ ،‬الذي أصدرته دار النشر األمريكية راندوم هاوس‪،‬‬ ‫يوم الثالثاء املوافق ‪ 5‬يونيو ‪2018‬م‪ ،‬واشمتل على ‪ 480‬صفحة‪،‬‬ ‫هو أن التناقضات داخل السياسة اخلارجية األمريكية‪ ،‬تُساهم "يف‬ ‫الفصام األمريكي"‪ ،‬وجعلت من البرنامج النووي اإليراني معضلة‬ ‫جديدة يف نسق النظام القانوني الدولي‪ .‬فقد تناول باستفاضة‬ ‫عملية التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران‪ ،‬وإجراء مفاوضات شاقة‬ ‫مع اإليرانيني‪ ،‬ومساومات متعددة مع احللفاء األوربيني‪ ،‬التي بلغت‬ ‫ذروتها بالتوقيع الفعلي على االتفاق‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪31‬‬

‫التي كانت تسعى إليها من خطة العمل املشتركة الشاملة‪ .‬وبيمنا‬ ‫يقول معارضوه إنه يلعب أوراقه بأسوأ طريقة ممكنة‪ ،‬إذ إنه بإعادة‬ ‫فرض العقوبات‪ ،‬قام بالفعل بالتخلي عن الكثير من نفوذه ضد‬ ‫إيران‪ ،‬إال أن هذا ال يعني أن طهران ستستفيد من انهيار خطة العمل‬ ‫املشتركة الشاملة‪ ،‬وبالتأكيد ليس من إعادة فرض العقوبات‪ .‬لكن ما‬ ‫فعله ترامب هو خلق حتديات للواليات املتحدة على الصعيد الدولي‪،‬‬ ‫وبالتالي ميكن أن تكون ذات قمية دبلوماسية لطهران لثالثة أسباب‪:‬‬ ‫أوالً‪ ،‬بدالً من استهداف إيران من خالل دورها القيادي التقليدي‬ ‫يف الترتيبات العاملية املتعددة األطراف‪ ،‬سحب الواليات املتحدة من‬ ‫جانب واحد من االتفاق وجتاهل نصيحة احللفاء األوروبيني‪ .‬لذلك‪،‬‬ ‫بدالً من حتمل وطأة الضغط العاملي‪ ،‬سيكون على‬ ‫إيران مواجهة إدارة أمريكية "مارقة" وف ًقا لبعض‬ ‫احملللني اإليرانيني‪ ،‬مع تعاطف العالم مع طهران‪.‬‬ ‫ثان ًيا‪ ،‬وضع ترامب نفسه على اجلانب اخلاسر من‬ ‫خطة العمل الشاملة‪ ،‬حيث أن الواليات املتحدة‬ ‫هي الطرف غير املسؤول الذي يدمر االتفاقية‪،‬‬ ‫وأن إيران هي الطرف الذي ييف بالتزاماته‪ .‬وثال ًثا‪،‬‬ ‫سد الفجوة بني الدعاية املعادية ألمريكا واملوقف‬ ‫األمريكي الرسمي للجمهور اإليراني‪ .‬بالكاد‬ ‫يستطيع املرء سماع صوت ينتقد احلكومة اإليرانية‬ ‫داخل البالد ألن اللوم يقع مباشرة على الواليات‬ ‫املتحدة بسبب احمتال انهيار االتفاق‪.‬‬

‫لقد كانت إدارة أوباما تتوخى تعزيز العناصر الليبرالية داخل إيران‬ ‫من خالل االتفاق النووي‪ ،‬لكن انسحاب الرئيس‬ ‫ترامب من االتفاق يف ‪ 8‬مايو ‪2018‬م‪ ،‬الذي يبدو‬ ‫أنه كان هد ًفا أكثر عم ًقا بكثير‪ ،‬وهو إحداث‬ ‫تغيير للنظام يف طهران‪ .‬فاملتاح اآلن يف حرز‬ ‫السياسة اخلارجية لواشنطن‪ ،‬التي تسعى ملعاجلة‬ ‫مشاكله العديدة مع إيران‪ ،‬بالعمل العقابي‪ ،‬الذي‬ ‫سيتخذ عقوبات اقتصادية أكثر تشد ًدا‪ ،‬تؤكد أن‬ ‫مبدأ املواجهة هو نية إدارة ترامب طوال الوقت‪،‬‬ ‫واحلقيقة أن الواليات املتحدة قد تبنت‪ ،‬بشكل‬ ‫ضمني‪ ،‬أو متعمد‪ ،‬سياسة تغيير النظام يف إيران‪،‬‬ ‫األمر الذي يضعها فعل ًيا يف مسار تصادمي مع‬ ‫طهران‪ ،‬وهذا سيعقد من املشهد أكثر‪.‬‬ ‫بيد أن هذه النية قد تبدو مقامرة كبيرة‪ ،‬والتاريخ‬ ‫قد ال يكون إلى جانب ترامب‪ .‬لذا‪ ،‬ملاذا يقامر‬ ‫ترامب بافتراض أن الشعب اإليراني مهيأ لتغيير النظام؟ أم فقط‬ ‫ألن هذا ما يقوله بعض الصقور املناهضني إليران‪ ،‬من مستشاريه‬ ‫الرئيسيني‪ ،‬أصحاب االلتزام األيديولوجي؛ مثل جون بولتون يف‬ ‫مجلس األمن القومي بولتون‪ ،‬وبدرجة أقل‪ ،‬مايك بومبيو‪ ،‬وزير‬ ‫اخلارجية‪ .‬فالفكرة القائلة بأن النظام اإليراني على حافة الهاوية‬ ‫يروج لها ترامب بزعمه أن الغضب الشعبي على وشك دفع ميزان‬ ‫القوى يف طهران‪ ،‬وهو يريد التعجيل به‪ .‬لكن ترامب لم يقدم خطة‬ ‫بديلة ملعاجلة األنشطة النووية اإليرانية يف سيناريو ما بعد الصفقة‪.‬‬ ‫يف الواقع‪ ،‬إذا تركت طهران الصفقة واستأنفت التخصيب النووي‬ ‫على مستوى عال‪ ،‬فإنها ميكن أن تسرع من سلسلة زيادة االنتشار‬ ‫يف املنطقة‪ ،‬ومن احملمتل أن تتسبب يف رد عسكري إسرائيلي‪ ،‬أو‬ ‫أمريكي‪ ،‬يف املستقبل‪.‬‬

‫لهذا‪ ،‬قد ال يكون قرار الرئيس ترامب باالنسحاب‬ ‫من خطة العمل املشتركة‪ ،‬واالنتهاك الصريح ألحكام االتفاقية‪،‬‬ ‫مبثابة هدية لطهران‪ ،‬ولكنه على األقل ضار بالواليات املتحدة‪ ،‬كما‬ ‫هو احلال بالنسبة إليران‪ .‬إنه يعزل الواليات املتحدة‪ ،‬ويضعها كعقبة‬ ‫للصفقة‪ ،‬ويسيء إليها كشريك تفاوضي جدير بالثقة؛ على األقل‬ ‫مع إيران‪ ،‬إن لم يكن على نطاق أوسع‪ .‬إنه يفصل واشنطن من‬ ‫حلفائها األوروبيني‪ ،‬إذ إن جميعهم يعارضون بشدة هذه اخلطوة‪،‬‬ ‫بيمنا يخلق فرصة إليران للتعاون بشكل أوثق مع أوروبا وروسيا‬ ‫والصني‪ ،‬بترتيبات تستثني الواليات املتحدة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬تتيح إليران‬ ‫فرصة للهرب من القيود احلاسمة والتدقيق املكثف‪ ،‬الذي وضعته‬ ‫خطة العمل الشاملة املشتركة‪ .‬وسيتطلب ذلك من الواليات املتحدة‬ ‫السعي لفرض عقوبات إضافية يف بيئة ال يوجد فيها تعاطف كبير‬ ‫مع املوقف األمريكي وبعض االحترام المتثال إيران لالتفاق‪.‬‬

‫لقد أراد الرئيس ترامب عزل إيران ووضعها حتت طائلة االتهام‬ ‫بأنها تهدد السلم واألمن الدوليني‪ ،‬من أجل حرمانها من الفوائد‪،‬‬

‫إن االنسحاب يثير احمتال وجود عالم تكون فيه العقوبات األمريكية‬ ‫غير فعالة بيمنا يتقدم برنامج إيران النووي بثبات‪ .‬إنه يشير إلى‬

‫ترام��ب لم يقدم‬ ‫خطة بديلة يف سيناريو‬ ‫ما بع��د الصفق��ة وقد‬ ‫تسرع طهران يف زيادة‬ ‫الن��ووي بالمنطق��ة‬ ‫والتسبب يف رد عسكري‬ ‫إس��رائييل أو أمريك��ي‬

‫‪30‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫نظرية موضوعية‪ ،‬يُعتقد على نطاق واسع أن األسلحة النووية كرادع‬ ‫أبقت السالم واالستقرار بني الواليات املتحدة واالحتاد السوفيتي‪،‬‬ ‫خالل الصراع الطويل إبان حقبة احلرب الباردة‪ ،‬غير أنه من ناحية‬ ‫أخرى‪ ،‬تسود القناعات أن انتشار األسلحة النووية أمر خطير للغاية‪،‬‬ ‫وهو مدعاة للمزيد من عدم االستقرار‪.‬‬ ‫وهنا‪ ،‬يأخذ الكثير من املراقبني يف احلسبان أن توازن القوى‪،‬‬ ‫والتسابق بني إيران وإسرائيل‪ ،‬من شأنه أن يخلق إشكالية وجودية‬ ‫لدول مجلس التعاون اخلليجي‪ ،‬التي تعتبر قدراتهما النووية تهديد‬ ‫الستقرارها ومصاحلها اجليوسياسية واالستراتيجية طويلة األمد‪.‬‬ ‫عالوة على ذلك‪ ،‬فإن التفكير يف السماح بانتشار األسلحة النووية يف‬ ‫املنطقة؛ إذا حصلت إيران على هذه األسلحة‪ ،‬سيرتبط مبنطق تعدد‬ ‫األقطاب‪ ،‬الذي بطبيعته محفز للنزاعات‪ ،‬ويحمل يف طياته احمتالية‬ ‫أعلى لسوء التقدير؛ منها‪ ،‬احمتاالت وقوع ضربة إسرائيلية وقائية‬ ‫على إيران‪ ،‬التي ال ميكن استبعادها بالنظر إلى سلوك إسرائيل‬ ‫التاريخي وموقفها السياسي من التجارب النووية يف املنطقة‪ .‬ومبا‬ ‫أن إيران ليست هي العراق‪ ،‬أو سوريا‪ ،‬وأنها لن تقف مكتوفة األيدي‪،‬‬ ‫فهناك من يعتقد أنه هذه الضربة؛ سواء كانت ضربة تقليدية‪،‬‬ ‫أو نووية‪ ،‬فستنجم عنها عواقب وخمية وآثار مدمرة لالستقرار يف‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫املنطقة‪.‬‬ ‫فيف الوقت‪ ،‬الذي تصعب فيه قراءة ما يضمر النظام اإليراني من‬ ‫تصورات املواجهة احملمتلة مع إسرائيل‪ ،‬ليس هناك من شك يف أنه‬ ‫سيقاوم بقوة من أجل البقاء‪ .‬وقد يُصبح قرار واشنطن بالتدخل‬ ‫إلى جانب شركائها اإلقلمييني أكثر سهولة إذا ما اندلعت أعمال‬ ‫عسكرية مباشرة بني إيران وإسرائيل‪ .‬لكن إذا جتنبت طهران‬ ‫املواجهة املفتوحة‪ ،‬سيصبح مثل هذا التدخل أم ًرا صع ًبا‪ .‬وباملقابل‪،‬‬ ‫ونظ ًرا للتفوق العسكري الهائل‪ ،‬الذي متلكه الواليات املتحدة‪ ،‬فإن‬ ‫املرجح اسمترار فرضية جتنب طهران للصدام املباشر مع واشنطن‪،‬‬ ‫إال أنها قد ال تتوقف متا ًما عن مالحقة شركاء أمريكا‪ ،‬أو مصاحلها‬ ‫ً‬ ‫صاروخا على‬ ‫يف املنطقة‪ ،‬كما اتضح من خالل إطالقها عشرين‬ ‫مواقع إسرائيلية يف هضبة اجلوالن احملتلة‪ ،‬التي ردت عليها تل أبيب‬ ‫بقصف أهداف إيرانية يف سوريا‪ .‬فمن خالل مثل هذه املناورات‪،‬‬ ‫حتاول إيران إرسال رسالة إلى كل من تل أبيب وواشنطن مفادها أن‬ ‫طهران لديها خيارات متاحة ميكن أن تؤذي خصومها بشدة‪.‬‬

‫بين أوباما وترامب‪:‬‬

‫إن أبرز ما كشفه بن رودس‪ ،‬مساعد الرئيس باراك أوباما ونائب‬ ‫مستشار األمن القومي لشؤون االتصاالت االستراتيجية‪ ،‬يف كتابه‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪29‬‬

‫تعقي���دات املنطقة تجع���ل الخيار النووي ليس عمل ردع بل فش���ل‬

‫ال��ب��رن��ام��ج ال���ن���ووي اإلي���ران���ي‪:‬‬ ‫إشكالية االستمرار وجدلية االستقرار‬

‫برز البرنامج النووي اإليراني كواحد من أعقد التحديات األمنية والسياسية والدبلوماسية يف القرن الواحد والعشرين‪،‬‬ ‫ليس على مستوى املنطقة فحسب‪ ،‬بل على مستوى العالم‪ .‬ومما ال شك فيه أن هذا البرنامج سوف يجعل الهياكل األمنية‬ ‫احلالية يف الشرق األوسط يف حالة تَ َغ ُّي ٍر مسمتر‪ ،‬مما سيتسبب يف إعادة التفكير بشكل أساسي يف التحالفات االستراتيجية‬ ‫اإلقلميية والدولية‪ ،‬ألن التعقيد يف تشكيل هذه الهياكل ال ميكن إهماله‪ .‬وهذا التعقيد املاثل سيدفع إيران النووية أن تتخذ‬ ‫بالفعل توج ًها جيوسياس ًيا واستراتيج ًيا جديدًا يتسق مع تنامي قوة الردع‪ ،‬التي متتلكها‪ ،‬يف منطقة ظل تاريخها غار ًقا يف‬ ‫الصراعات‪ ،‬وانعدام الثقة‪ ،‬ومجموعة من العوامل التنافسية املتكاملة األخرى‪ ،‬والتي ال تسمح بأنصاف احللول‪.‬‬

‫د‪ .‬الصادق الفقيه‬

‫برز البرنامج النووي اإليراني كواحد من أعقد التحديات األمنية‬ ‫والسياسية والدبلوماسية يف القرن الواحد والعشرين‪ ،‬ليس على‬ ‫مستوى املنطقة فحسب‪ ،‬بل على مستوى العالم‪ .‬ومما ال شك فيه‬ ‫أن هذا البرنامج سوف يجعل الهياكل األمنية احلالية يف الشرق‬ ‫األوسط يف حالة تَ َغ ُّي ٍر مسمتر‪ ،‬مما سيتسبب يف إعادة التفكير بشكل‬ ‫أساسي يف التحالفات االستراتيجية اإلقلميية والدولية‪ ،‬ألن التعقيد‬ ‫يف تشكيل هذه الهياكل ال ميكن إهماله‪ .‬وهذا التعقيد املاثل سيدفع‬ ‫إيران النووية أن تتخذ بالفعل توج ًها جيوسياس ًيا واستراتيج ًيا‬ ‫جديدًا يتسق مع تنامي قوة الردع‪ ،‬التي متتلكها‪ ،‬يف منطقة ظل‬ ‫تاريخها غار ًقا يف الصراعات‪ ،‬وانعدام الثقة‪ ،‬ومجموعة من العوامل‬ ‫التنافسية املتكاملة األخرى‪ ،‬والتي ال تسمح بأنصاف احللول‪.‬‬ ‫لقد أحدث طموح إيران العسكري قل ًقا جد ًيا بني الدول املجاورة لها‪،‬‬ ‫وعلى رأسها دول مجلس التعاون اخلليجي العربية‪ ،‬وتلك القريبة‬ ‫منها كإسرائيل‪ .‬رغم أن ردود الفعل يف املنطقة حول برنامجها‬ ‫النووي تتباين على نطاق واسع‪ ،‬وتتراوح بني التعايش والتفاهم‪ ،‬إلى‬ ‫العداء واملعارضة الصريحة‪ ،‬مبا يف ذلك اجلهود الرامية للحصول‬ ‫على رادع مضاد‪ ،‬يُ َس ِّرع االنتشار والتسابق النووي يف املنطقة‪ .‬ومع‬

‫عدم اليقني السائدة حول ما إذا كان برنامج إيران النووي ميتلك‬ ‫بعدًا عسكر ًيا حقيق ًيا أم ال‪ ،‬رغم تطمينات طهران املسمترة بأن‬ ‫هذا البرنامج مخصص ألغراض الطاقة السلمية‪ ،‬وال شيء غيرها‪،‬‬ ‫إال أن مجرد االحمتال بوجود سياسة إيرانية نووية‪ ،‬تدعمها خبرة‬ ‫علمية متطورة‪ ،‬زادت من حدة التوترات اإلقلميية‪ .‬تدعمها محاوالت‬ ‫املناوئني لوجهة النظر اإليرانية التأكيد على أن اسمترار هذه‬ ‫السياسة النووية لها تأثير خطير على االستقرار اإلقلميي‪ ،‬وعلى‬ ‫أمن وسالمة العالم بأسره‪.‬‬ ‫وبالنظر إلى الطبيعة املعقدة وامللتهبة للوضع اجليوسياسي‬ ‫واالستراتيجي يف املنطقة‪ ،‬يجادل هؤالء املناوئون بأنه إذا حصلت‬ ‫إيران على أسلحة نووية‪ ،‬أو تواصل مسارها يف مسعاها النووي‪،‬‬ ‫فستكون لذلك تداعيات ال ميكن التغاضي عنها‪ ،‬وال ينبغي السكوت‬ ‫عليها؛ ال اآلن‪ ،‬وال يف املستقبل‪ .‬ومن أجل البناء على املنطق األكثر‬ ‫إقناعا‪ ،‬ال بد؛ أوالً‪ ،‬من مناقشة مبدأ نظرية الردع؛ وثان ًيا‪ ،‬االستناد‬ ‫ً‬ ‫إلى حجية أن نظرية الردع من غير املرجح أن تعمل يف املنطقة‪،‬‬ ‫نسبة جلملة من األسباب املختلفة‪ ،‬التي سيكون أقلها تشجيع‬ ‫االنتشار يف هذا املجال‪ .‬فمن ناحية‪ ،‬ومن خالل تقدمي إقرارات‬

‫‪28‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫النخب احلاكمة‪ ،‬عاد ًة ال يترتب عليه تغييرات جذرية يف سياستها‬ ‫اخلارجية‪ ،‬تنال من التزاماتها الدولية‪ ...‬وإن حدث شيء من هذا‬ ‫القبيل‪ ،‬فإنه يأخذ وقتًا طوي ً‬ ‫ال‪ ،‬كما هو يف حالة أوضاع السياسة‬ ‫اخلارجية املتغيرة‪ ،‬من العزلة إلى التداخلية‪ ،‬على سبيل املثال‪،‬‬ ‫ومع ذلك تبقى تلك الدول ملتزمة بتعهداتها الدولية‪ ،‬السابقة لتلك‬ ‫التحوالت‪.‬‬ ‫تداعيات خروج واشنطن من اتفاقية لوزان‬ ‫املشكلة هنا‪ :‬لو انفرط عقد اتفاقية لوزان اخلاصة ببرنامج‬ ‫إيران النووي‪ ،‬وترتب على ذلك تطور يقود إلى حالة من عدم‬ ‫استقرار إقلميي‪ ،‬ميكن أن تتسع وتشعل منطقة تقبع حتت برميل‬ ‫بارود يطل منه فتي ٌل منتظ ًرا أي شرارة‪ ،‬حتى لو‬ ‫أُشعلت بطريق اخلطأ‪ ،‬لينفجر يف وجه املنطقة‪،‬‬ ‫ورمبا العالم‪ .‬إيران‪ ،‬بعقلية نخبها احلاكمة‬ ‫املتحجرة أيدلوج ًيا‪ ،‬أغلب الظن أنها لن تنساق‬ ‫جلولة مفاوضات جديدة‪ ،‬بسهولة مهما كان ضغط‬ ‫األطراف األخرى يف االتفاقية‪ ،‬وسوف حتاول‬ ‫طهران باسمتاتة اإلبقاء على االتفاقية‪ ،‬لع َل وعسى‬ ‫حتدث تطورات داخلية يف أمريكا‪ ،‬ميكن أن تقود‬ ‫إلى استعادة التزام واشنطن بها‪ ..‬أو على األقل‬ ‫احلصول على تعاون وتعاطف األطراف األخرى‬ ‫يف االتفاقية خاص ًة األوربيني‪ ،‬ومحاولة تخفيف‬ ‫الضغط من نظام العقوبات اجلديد‪ ،‬الذي حتاول‬ ‫الواليات املتحدة فرضه‪ ..‬أو احلصول على ضمانات مبفاوضات‬ ‫جديدة تقود إلى اتفاق جديد‪ ،‬ال ينقض االتفاق القدمي‪ ،‬وإن كان‬ ‫يقترب من مطالب إدارة الرئيس ترامب‪ ،‬بصورة تكون مقبولة‬ ‫لطهران‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫حالة التوتر يف املنطقة‪ ،‬إلى سابق عهدها‪ ،‬ورمبا يف هذه احلالة‪،‬‬ ‫يدفع طهران ألن تكون أكثر تشد ًدا يف ملفات هي مشتعلة بالفعل‪،‬‬ ‫بسبب تدخل طهران فيها‪ ،‬مثل األوضاع يف العراق وسوريا ولبنان‬ ‫والمين‪.‬‬ ‫تلك املناطق املشتعلة‪ ،‬قد تدفع املقاطعة االقتصادية اجلديدة‬ ‫التي تفرضها واشنطن على طهران‪ ،‬إلى صب املاللي املزيد من‬ ‫الزيت فيها‪ ،‬مما يهدد بامتداد لهيبها إلى مناطق أخرى‪ .‬ومما‬ ‫يدلل على قسوة نظام املقاطعة االقتصادية اجلديدة التي فرضتها‬ ‫واشنطن على طهران عقب انسحابها من اتفاقية لوزان‪ ،‬أن كثي ًرا‬ ‫من الشركات التابعة لدول االتفاق السابق‪ ،‬منها شركات عاملية‬ ‫كبرى مثل توتال وإير باص‪ ،‬خرجت من إيران‪،‬‬ ‫مضحي ًة باستثماراتها هناك‪ ،‬ورمبا خسارة مالية‬ ‫ضخمة وردت يف عقود تلك الشركات مع احلكومة‬ ‫اإليرانية يف شكل غرامات جزائية إن هي لم تلتزم‬ ‫بنصوص العقود مع احلكومة اإليرانية‪ .‬كل ذلك‬ ‫خو ًفا من سيف العقوبات األمريكية‪ ،‬التي فرضتها‬ ‫واشنطن على طهران‪ ،‬عند انسحابها من االتفاق‬ ‫األممي اجلماعي اخلاص ببرنامج إيران النووي‪.‬‬ ‫هذا باإلضافة إلى شركات أمريكية سارعت يف‬ ‫االستجابة لنظام املقاطعة األمريكية اجلديد‬ ‫إليران مثل شركة بوينغ‪ ،‬مضحية باستثمارات‬ ‫بعشرات املليارات من الدوالرات‪ ،‬ورمبا التضحية‬ ‫بدفع مليارات أخرى يف صورة غرامات جزائية نظير لفسخها‬ ‫عقو ًدا مع احلكومة اإليرانية‪.‬‬

‫تبرز قوة أمريكا‬ ‫إلنجاح أو إفشال أي‬ ‫اتفاق بعي ًدا عن إرادة‬ ‫أطرافه حتى ولو كانوا‬ ‫م��ن أق����رب حلفائها‬ ‫وخصومها الدوليين‬

‫إال أن ما يُخشى منه‪ ،‬ويتناسب مع التزمت األيدلوجي لنظام‬ ‫طهران‪ ،‬أن يصل الطيش مباللي طهران‪ ،‬إلى اإلعالن عن عودة‬ ‫برنامج تخصيب اليورانيوم يف مفاعالتها النووية‪ ،‬من جديد‪ .‬هذا‬ ‫خروجا من االتفاق السابق من قبل طهران‪ ،‬ويعطي‬ ‫ميكن أن يكون‬ ‫ً‬ ‫مبر ًرا لألوربيني ‪ -‬بدورهم ‪ -‬اخلروج من االتفاق واللحاق باملوقف‬ ‫األمريكي‪ .‬هذا التطور‪ ،‬إن حدث قد يهيئ األمر الحمتاالت حرب‬ ‫قوى‬ ‫يف املنطقة‪ ،‬ليس إدارة الرئيس ترامب وحدها تتطلع إليها‪ ،‬بل ً‬ ‫إقلميية قد تتوق إليها‪ .‬حتى لو لم يتطور األمر ملثل هذا "السيناريو"‬ ‫اخلطير‪ ،‬فإن األطراف األخرى يف االتفاق السابق‪ ،‬بقاؤهم فيه أو‬ ‫خروجهم منه‪ ،‬ال يقدم من األمر شي ًئا وال يؤخر‪ .‬ففرض عقوبات‬ ‫جديدة على طهران‪ ،‬من قبل واشنطن‪ ،‬من شأنه على األقل يعيد‬

‫بعيدًا عن ما قد ينجم من تداعيات خطيرة محمتلة‪ ،‬إقلمي ًيا‪،‬‬ ‫جراء انسحاب الواليات املتحدة من اتفاقية لوزان اخلاصة ببرنامج‬ ‫طهران النووي‪ ،‬يبقى أخطر ما يف هذه التطور‪ ،‬ما قد يتطور عامل ًيا‬ ‫من فقدان الثقة يف مصداقية الدولة األعظم املهمينة على النظام‬ ‫الدولي‪ ،‬جتاه أي اتفاقات ميكن أن تدخل فيها مع أطراف دولية‪،‬‬ ‫وتنقضها مبجرد حدوث تغيير موسمي‪ ،‬وإن كان دميقراط ًيا‪ ،‬يف‬ ‫هيكل النخبة احلاكمة ومؤسسات الدولة يف واشنطن‪ ،‬يعكس‬ ‫اختالفات أيدلوجية‪ ..‬أو تصفية حسابات مريرة‪ ،‬أو وسيلة للخروج‬ ‫من أزمات سياسية داخلية‪.‬‬

‫أستاذ العلوم السياسية ـ كلية االقتصاد واإلدارة ـ‬ ‫جامعة امللك عبد العزيز ـ جدة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪27‬‬

‫مهما ح���اول األوروب���ي���ون وال����روس والصينيون المحافظة عىل‬ ‫االتفاق فإن ذلك غير مج ٍد طالما أن الطرف األق��وى يف المعادلة خارجه‬ ‫‪٢٠١٥‬م‪ ،‬مبدينة لوزان السويسرية‪ ،‬مع إيران‪ ،‬لتسوية اخلالف حول‬ ‫برنامج طهران النووي املثير للقلق واجلدل م ًعا‪ ،‬دول ًيا وإقلمي ًيا‪.‬‬ ‫شأن االتفاقات اجلماعية‪ ،‬التي تكون الواليات املتحدة طر ًفا فيها‪،‬‬ ‫فإن خروجها منها‪ ،‬من الناحية العملية‪ ،‬يسقط تلك االتفاقات‪ ،‬حتى‬ ‫لو حرصت بقية األطراف على االلتزام بها‪.‬‬ ‫لم تَ ْكت َِف واشنطن بإعالن خروجها من االتفاق‪ ،‬بل أتْ َب َعت‬ ‫قرارها هذا بإجراءات عملية‪ ،‬جتعل االتفاق خب ًرا بعد عني‪،‬‬ ‫فأعادت فرض نظام عقوباتها على طهران‪ ،‬بقسوة أشد هذه املرة‪،‬‬ ‫لتتجاوز إيران إلى كل طرف دولي يتعامل معها‪ ،‬حتى ولو كان من‬ ‫ضمن أطراف االتفاق الرئيسيني‪ .‬ليس هذا فحسب‪ ،‬بل هددت‬ ‫واشنطن باحمتاالت احلرب على إيران‪ ،‬إن لم تباشر يف مفاوضات‬ ‫جديدة‪ ،‬تتخلص من القصور يف االتفاق السابق‪ ،‬من وجهة نظرها‪،‬‬ ‫وإال!؟ وإال هنا‪ :‬حتمل يف طياتها ح ً‬ ‫ال عني ًفا ضمن ًيا للتخلص من‬ ‫برنامج إيران النووي‪ ،‬ليس فقط تدمير هذا البرنامج ومنشآته‬ ‫بعمل عسكري جراحي مباشر‪ ،‬بل ً‬ ‫أيضا‪ ،‬قد يصل األمر لدرجة‬ ‫التدخل العنيف إلسقاط نظام املاللي يف طهران‪ ،‬واستبداله بنظام‬ ‫أقرب ملصالح الواليات املتحدة وملتطلبات أمنها القومي‪ ،‬من وجهة‬ ‫نظر إدارة الرئيس ترامب‪ ،‬يف أكثر مناطق العالم حساسية وحيوية‪،‬‬ ‫الستقرار النظام الدولي وسالم العالم‪.‬‬ ‫تبرز قوة الواليات املتحدة‪ ،‬يف إمكاناتها احلقيقية‪ ،‬إلجناح أو‬ ‫إفشال أي اتفاق‪ ،‬بعي ًدا عن تعاون أو إرادة أطرافه اآلخرين‪ ،‬حتى‬ ‫ولو كانوا من أقرب حلفائها وخصومها الدوليني‪ ،‬مثل حلفائها‬ ‫التقليديني يف االحتاد األوربي‪ ..‬أو خصومها األلداء‪ ،‬مثل روسيا‬ ‫والصني‪ .‬قوة تدلل على مكانة الواليات املتحدة املهمينة على النظام‬ ‫أساسا من إمكاناتها الذاتية االقتصادية والسياسية‬ ‫الدولي‪ ،‬تنبع‬ ‫ً‬ ‫واالستراتيجية‪ ،‬بصورة ال تنافسها فيها أو تضاهيها بها أي قوة‬ ‫دولية أخرى يف النظام الدولي‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى أن إدارة الرئيس ترامب‪ ،‬بالرغم من مشاكلها‬ ‫الداخلية‪ ،‬إال أنها تتصرف يف ملف السياسة اخلارجية‪ ،‬بصورة‬ ‫فيها ٍ‬ ‫حتد واضح‪ ،‬لكل االنتقادات التي صدرت داخل ًيا معارض ًة‬ ‫للخروج من االتفاق وكذا االلتزامات الدولية التي راعتها احلكومات‬ ‫ً‬ ‫منطا متوت ًرا يعكس مسؤولية واشنطن‬ ‫السابقة‪ ،‬وكانت تعكس‬ ‫األممية‪ ،‬بوصفها القوة املركزية املهمينة على النظام الدولي‪.‬‬

‫كأن تعمل إدارة الرئيس ترامب بهذه الطريقة غير التقليدية يف‬ ‫ملفات السياسة اخلارجية املعقدة واحلساسة‪ ،‬مثل االتفاق النووي‬ ‫اإليراني‪ ..‬وقضية نقل السفارة األمريكية للقدس‪ ..‬واخلط املتشدد‬ ‫جتاه حلفاء الواليات املتحدة التقليديني وخصومها احملمتلني‪ ،‬هو‬ ‫الطريق خلروج إدارة ترامب وهو شخص ًيا‪ ،‬من أزماتهم الداخلية‪،‬‬ ‫متعللني بحجة وفاء الرئيس بالتزاماته جتاه ناخبيه‪ ،‬الذين أتوا به‬ ‫لسدة احلكم يف البيت األبيض‪.‬‬ ‫من الناحية العملية‪ ،‬وكما سبق وظهر أعاله‪ ،‬فإن خروج الواليات‬ ‫املتحدة‪ ،‬منفردة من االتفاق‪ ،‬يعكس حالة كالسيكية لطبيعة مثل هذه‬ ‫االتفاقات التي تبدو جماعية‪ ،‬إال أنها يف حقيقة األمر اتفاقات بني‬ ‫طرفني فر ّدين‪ ،‬ال بني طرف يتكون من مجموعة من الدول وطرف‬ ‫آخر فرد‪ .‬مهما حاول األوروبيون والروس والصينيون‪ ،‬أن يحافظوا‬ ‫على االتفاق‪ ،‬فإن األمر يف النهاية‪ ،‬بني طريف االتفاق الرئيسيني‬ ‫( الواليات املتحدة وإيران )‪ .‬ومها حاول الطرف األضعف هنا (‬ ‫إيران)‪ ،‬أن يلمتس التزام األطراف األخرى يف االتفاق‪ ،‬متظاه ًرا‬ ‫بالتزامه به‪ ،‬فإن ذلك لن يسعفه‪ ،‬طاملا أن الطرف األقوى يف املعادلة‬ ‫بأسرها‪ ،‬أمسى خارج االتفاق‪.‬‬ ‫نفس الشيء حدث التفاقيات دولية كانت الواليات املتحدة‬ ‫طر ًفا فيها وانهارت مبجرد انسحابها منها‪ ،‬مثل‪ :‬اتفاقية الشراكة‬ ‫عبر احمليط الهادي ( ‪ ، ) TTP‬التي انسحبت منها إدارة الرئيس‬ ‫ترامب يف بداية عهدها‪ .‬ثُ ّم ما هو مصير مجموعة الدول الصناعية‬ ‫السبع الكبرى ( ‪ ،) G7‬لو خرجت منها الواليات املتحدة‪ ،‬وهو ما‬ ‫لوحظ ضمن ًيا يف سلوك وتصريحات الرئيس ترامب يف ختام القمة‬ ‫الـ ‪ ٤٤‬التي عقدت يف مدينة تشارليوفكس مبقاطعة كيوبك يف كندا‬ ‫( ‪ ) ١٠ - ٩‬يونيو الشهر املاضي‪.‬‬ ‫املشكلة تظهر يف نهج السياسة اخلارجية غير املسبوقة‪ ،‬ذات‬ ‫البعد الشعبوي‪ ،‬التي تتبعها إدارة الرئيس ترامب‪ ،‬التي ال تقتصر‬ ‫على خصوم أو األطراف التي ال تعتبرها واشنطن صديقة‪ ،‬بل‬ ‫متتد إلى حلفاء الواليات املتحدة التقليديني‪ ،‬دول ًيا وإقلمي ًيا‪.‬‬ ‫سياسة خارجية‪ ،‬أقل ما ميكن أن يُقال عنها افتقارها إلى البعد‬ ‫الدبلوماسي أو مراعاة قواعد التعامل املرعية يف النظام الدولي‪،‬‬ ‫الذي تهمين عليه وتعتبر مسؤولة عن استقراره‪ .‬حتى يف جتربة‬ ‫الدميقراطيات الليبرالية‪ ،‬مبا فيها الواليات املتحدة نفسها‪ ،‬تغيير‬

‫‪26‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫االتفاقات وااللتزامات عن مفاوضات شاقة‪ ..‬أو شروط استسالم‬ ‫قاسية‪ ،‬خضعت لها الدول األضعف يف أي صيغة للتفاوض‪ ،‬ويكون‬ ‫يف النهاية من مصلحة الدولة األقوى التزام الدولة أو الدول األصغر‬ ‫واألضعف‪ ،‬بتلك االتفاقات‪ .‬كما أن الدول الكبرى عندما تدخل يف‬ ‫عالقة تعاقدية مع الدول األصغر واألضعف‪ ،‬من صاحلها احلرص‬ ‫على احلفاظ على بنود ونصوص تلك االتفاقات والتعاقدات‪ ،‬من‬ ‫أجل احلصول على العائد من ورائها‪ ،‬بأقل تكلفة ممكنة‪ ،‬مقارنة‬ ‫بخيار العودة من جديد حلالة الصراع التقليدية السابقة‪.‬‬ ‫حتى يف حاالت توقيع معاهدات السالم أو االستسالم‪ ،‬عقب‬ ‫احلروب الطاحنة‪ ،‬من صالح الطرف األقوى املنتصر‪ ،‬أن يراعي‬ ‫التزاماته يف االتفاق‪ ،‬أكثر من احلرص على تعجل‬ ‫جني ثمار انتصاره‪ ،‬من أجل احليلولة دون العودة‬ ‫إلى حالة الصراع السابقة‪ ،‬التي قد تدفع الطرف‬ ‫األضعف املهزوم‪ ،‬إلى الشعور بدافع اخلروج من‬ ‫االتفاق‪ ،‬بسبب عدم التزام الطرف اآلخر مبا‬ ‫يترتب عليه من واجبات ومسؤوليات من جراء‬ ‫ذلك االتفاق‪ ،‬على سبيل املثال‪ :‬مثل التزام اجلانب‬ ‫املنتصر يف احلرب بإعادة اإلعمار ومساعدة‬ ‫الطرف املنتصر التخلي عن حالة احلرب أو‬ ‫الصراع‪ ،‬خاصة إذا ما متادى الطرف املنتصر‬ ‫األقوى يف إذالل وإهانة والتضييق على اجلانب‬ ‫املنهزم‪ .‬أملانيا‪ ،‬على سبيل املثال عقب هزميتها‬ ‫يف احلرب الكونية األولى فرض عليها احللفاء‬ ‫األوربيون شروط استسالم جائرة‪ ،‬ما لبثت أملانيا يف عشرين سنة‬ ‫أن ثارت على معاهدة فرساي ومزقتها‪ ،‬وكان أن اندلعت احلرب‬ ‫الكونية الثانية‪ .‬قارن هذا مبا فعله احللفاء يف احلرب الكونية‬ ‫الثانية‪ ،‬عندما فرضوا االستسالم على اليابان وأملانيا‪ ،‬وواكبوا ذلك‬ ‫مبشاريع تمنوية ومساعدات سياسية‪ ،‬كانت كفيلة بإعادة إعمار‬ ‫أملانيا واليابان وتطوير أنظمة دميقراطية‪ ،‬حالت دون عودة األنظمة‬ ‫الشمولية من جديد يف أملانيا واليابان وحتى إيطاليا‪ ،‬التي كانت‬ ‫تعرف بدول احملور‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫خصوصية االتفاقات الجماعية‬

‫تكون مسؤولية الدولة الكبرى أعظم جتاه التزاماتها الدولية‪،‬‬ ‫إذا كانت تلك االتفاقات جماعية تتضمن أطرا ًفا تربطها بها‬ ‫عالقات حتالف‪ ..‬وتكون قد أُبرمت يف إطار دولي جماعي‪ ،‬قد‬ ‫يشمل مؤسسات النظام الدولي القائم‪ .‬هنا تكون املصلحة يف‬ ‫االلتزام باالتفاق الدولي جماعية‪ ..‬ويصعب خرق هذا االتفاق‬ ‫الدولي أو التنصل منه‪ ،‬لقوة خلفيته القانونية والسياسية‪ِ ..‬‬ ‫وع َظ ِم‬ ‫مكانة مشروعيته األخالقية‪ .‬يف حالة االتفاقات اجلماعية‪ ،‬خاصة‬ ‫إذا كان أحد أطرافها أكثر من طرف دولي يف مواجهة طرف دولي‬ ‫منفر ًدا‪ .‬هنا‪ :‬يظهر عدم التكافؤ منذ مرحلة التفاوض األولى‪ ،‬وحتى‬ ‫الوصول إلى مرحلة التفاوض النهائية‪ ،‬بتوقيع االتفاق بني أطرافه‬ ‫املتعددة من جهة وطرفه اآلخر الوحيد‪ ،‬من جهة‬ ‫أخرى‪.‬‬

‫تبرز قوة أمريكا‬ ‫إلنجاح أو إفشال أي‬ ‫اتفاق بعي ًدا عن إرادة‬ ‫أطرافه حتى ولو كانوا‬ ‫م��ن أق����رب حلفائها‬ ‫وخصومها الدوليين‬

‫إ ًذا‪ :‬من مصلحة الطرف األقوى‪ ،‬يف أي اتفاق دولي‪ ،‬أن يكون‬ ‫أحرص على االلتزام بواجباته يف أي اتفاق يوقعه مع الطرف‬ ‫األضعف‪ ،‬حتى لو تغلب عليه يف حرب فاصلة‪ ،‬ليشجع الطرف‬ ‫األضعف االلتزام‪ ،‬بدور باالتفاق‪ ،‬من أجل جني عوائد االتفاق‪..‬‬ ‫وضمان عدم عودة حالة الصراع املكلفة لسابق عهدها غير املستقر‬ ‫باحمتاالت العنف املتجذرة فيها‪.‬‬

‫خال ًفا ملا يُعتقد‪ ،‬فإن االتفاقات اجلماعية من‬ ‫هذا النوع‪ ،‬ليست بالضرورة يف غير صالح الطرف‬ ‫الوحيد الذي يبدو ضعي ًفا‪ .‬يف مثل هذه االتفاقات‬ ‫تكمن قوة ردع خفية‪ ،‬تعطي حماية غير مرئ ّية‬ ‫ملصالح الطرف األضعف‪ .‬يف مرحلة املفاوضات‬ ‫قد يستفيد الطرف الوحيد الذي يبدو ضعي ًفا‪ ،‬من‬ ‫تضارب مصالح مجموعة الدول يف الطرف اآلخر‪.‬‬ ‫ويف مرحلة تنفيذ االتفاق قد تشكل مجموعة‬ ‫الدول‪ ،‬مظلة غير مرئ ّية لضمان االلتزام باالتفاق‪،‬‬ ‫حتى يف حالة خروج أحد أطراف مجموعة الدول‬ ‫التي تشكل أحد طريف االتفاق‪ ،‬من االتفاق‪ .‬إال يف حالة واحدة‪،‬‬ ‫عندما يكون هناك يف املجموعة املكونة لطريف االتفاق‪ ،‬طرف بعينه‬ ‫يطغى وجوده ووزنه أو يتفوق على بقية أطراف مجموعة االتفاق‪،‬‬ ‫ليظهر االتفاق يف حقيقة بني طرفني فر ّدين‪ ،‬ال طرفني أحدهما‬ ‫مكون من عدة دول والطرف اآلخر مكون من طرف واحد فريد‪ .‬من‬ ‫ثم خروج أحد أطراف مجموعة الدول يف معادلة االتفاق‪ ،‬ميكن أن‬ ‫يعصف باالتفاق‪ ،‬ليعود االتفاق إلى طبيعته احلقيقية‪ ،‬بني طرفني‬ ‫فر ّدين‪ ،‬ال كما يظهر بني طرفني أحدهما مجموعة دول واآلخر‬ ‫طرف دولي‪ ،‬بعينه‪ .‬وهذا ما ينطبق‪ ،‬إلى ٍ‬ ‫كبير على اتفاقية‬ ‫حد ٍ‬ ‫البرنامج النووي اإليراني‪.‬‬

‫خروج الواليات المتحدة من اتفاقية لوزان‬

‫يوم الثالثاء ‪ ٨‬مايو املاضي َو ّق َع الرئيس األمريكي دونالد‬ ‫ترامب مرسو ًما جمهور ًيا بخروج الواليات املتحدة‪ ،‬من جانب واحد‪،‬‬ ‫من االتفاق الذي عقدته الواليات املتحدة والدول األعضاء يف‬ ‫مجلس األمن وأملانيا يف ما عرف مبجموعة ( ‪ ،) ١ +٥‬يف ‪ ٢‬أبريل‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫‪25‬‬

‫التغيير املوسمي في هيكل النخبة األمريكية يعكس تصفية الحسابات‬

‫خ��روج أمري��كا م��ن اتفاقي��ة البرنام��ج‬ ‫الن��ووي اإليران��ي‪ :‬المحـاذي��ر والتـداعيات‬ ‫عاد ًة ما تتحرى الدول االلتزام باتفاقياتها ومعاهداتها مع األطراف الدولية األخرى‪ ،‬حتى مع حدوث التغيير‬ ‫يف رموز ومؤسسات أنظمتها السياسية‪ .‬ليس ذلك من سلوك الدول الكبرى واملتقدمة دميقراط ًيا‪ ،‬فحسب‪ ...‬بل‬ ‫إنه ينسحب على دول العالم الثالث‪ ،‬األقل من ًوا واستقرا ًرا‪ ،‬حيث تتحرى هذه الدول عند حدوث تغيير عنيف يف‬ ‫مؤسسات السلطة ورموزها‪ ،‬نراها تُسارع لطمأنة شركائها الدوليني الذين سبق للحكومات السابقة أن عقدت‬ ‫معهم اتفاقات ثنائية أو جماعية‪ ،‬بأن احلكومة أو النظام اجلديد ملتزمان‪ ،‬جتاه األطراف الدولية‪ ،‬مبا سبق‬ ‫وعقدته من اتفاقات دولية احلكومات السابقة التي أُخرجت من احلكم‪ ،‬بطريقة عنيفة وغير دستورية‪ .‬هذه‬ ‫قاعدة من قواعد التعامل الدولي املرعية‪ ،‬التي تعكس أبرز مسوغات العضوية يف مؤسسات النظام الدولي‪ ،‬التي‬ ‫تتطلب إظهار الدولة قدرتها وإبداء إرادتها احترام التزاماتها الدولية واالبتعاد عن أي سلوك أو توجه من شأنه‬ ‫أن يخل بتلك االلتزامات أو التنصل مِ نْ َها‪.‬‬

‫*د‪ .‬طالل صالح بنّان‬

‫"دياليكتية" نشوء وانهيار األنظمة الدولية‬

‫هذا االحترام املتواتر من قبل أعضاء النظام الدولي اللتزاماتهم‬ ‫الدولية يُعد من أبرز محددات استقرار أي نظام دولي وفاعليته‪،‬‬ ‫خاص ًة مع عدم توفر سلطة مركزية رادعة قادرة على فرض التزام‬ ‫الدول بتعهداتها الدولية ما يحول دون فوضوية أي نظام دولي‪ ،‬ال‬ ‫حتكمه سلطة مركزية قاهرة‪ ،‬مثل ما هو حال أعضائه من الدول‬ ‫داخل ًيا‪ ،‬هو‪ :‬هذا اإلحساس السياسي الضاغط القوي‪ ،‬لدى‬ ‫الدول باملسؤولية السياسية واألخالقية والقانونية‪ ،‬جتاه التزاماتها‬ ‫الدولية‪ ،‬الذي يدفعها منطق الدولة‪ ،‬االلتزام بقواعد القانون‬ ‫الدولي‪ ..‬وعدم االستهانة واالستخفاف بقواعد التعامل املرعية يف‬ ‫مسرح السياسة الدولية‪ ،‬النابع من مصلحة الدول نفسها‪ ،‬دون ما‬ ‫ينتقص ذلك ‪ -‬بالضرورة ‪ -‬من سيادتها‪.‬‬ ‫هذه اخلاصية املمتيزة‪ ،‬التي تقترب من مكانة القوة الرادعة‬ ‫"اخلفية" للنظام الدولي‪ ،‬هي يف حقيقة األمر التي حتافظ على‬

‫استقرار النظام وتبعد عنه احمتاالت الفوضى وعدم االستقرار‪،‬‬ ‫التي عاد ًة ما ترافق أي كيان سياسي‪ ،‬ال تتوفر فيه سلطة مركزية‬ ‫رادعة تتحكم يف سلوك وتوجهات أعضائه‪ .‬النظام الدولي‪ ،‬أي نظام‬ ‫دولي‪ ،‬قد يكون عشوائ ًيا‪ ،‬وأحيا ًنا‪ ،‬غير منضبط‪ ،‬إال أنه بالقطع‬ ‫غير فوضوي‪ .‬ومتى يصل النظام الدولي إلى درجة الفوضوية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫انضباطا وأدعى‬ ‫ينهار‪ ،‬ليفسح املجال لنظام دولي جديد‪ ،‬يكون أكثر‬ ‫استقرا ًرا‪ .‬حركة "دياليكتية" كانت وراء نشوء وانهيار األنظمة‬ ‫الدولية احلديثة املتعاقبة‪ ،‬منذ القرن اخلامس عشر‪.‬‬

‫مسؤولية الدول الكبرى تجاه التزاماتها‬

‫كما أنه‪ ،‬عاد ًة ما تكون مصلحة الدول الكبرى والقوية‪ ،‬احترام‬ ‫التزاماتها الدولية‪ ،‬ليس من أجل تقدمي قدوة وصورة حضارية‬ ‫لثقافتها وتقدمها‪ ..‬وإظهار مسؤوليتها القانونية واألخالقية‬ ‫جتاه استقرار النظام الدولي‪ ...‬بل‪ ،‬أوالً وأخي ًرا‪ :‬من أجل خدمة‬ ‫مصاحلها الوطنية وأمنها القومي‪ .‬إذ عاد ًة ما تمتخض تلك‬

www.araa.sa

‫قضية العدد‬

132 ‫العــدد‬ 2018 ‫يــونـــيـــو‬

24

:‫مصادر البحث‬ ‫املصادر باللغة االجنليزية‬ 14.https://www.cia.gov/library/publications/the-worldfactbook/geos/ir.html 15. .IMF. Country Report, Islamic Republic Of Iran, No.1863/, P 30. It is available at http//www.imf.org.

16. BP. Statistical Review of World Energy, June 2018, P-26. It is available at: bp.com/statistical review.

17. Country Report, Islamic Republic Of Iran, February 2017No.1893/, P 37 .It is available at http//www.imf.org.

18. Eia.U.S.Energy Information Administration ,June 19 ,2015.It is available at: https://www.eia.gov/beta/ international/analysis.cfm?iso=IRN 19. https://www.cia.gov/library/publications/the-worldfactbook/geos/ir.html 20.https://www.cia.gov/library/publications/the-worldfactbook/geos/ir.html 21. https://www.cia.gov/library/publications/the-worldfactbook/geos/ir.html 22. I, M, F. World Economic and Finances Survey Outlook, Middle East and Central Asia, October, 2017,p111. It is available at http//www.imf.org.

23. I, M, F. World Economic and Finances Survey Outlook, Middle East and Central Asia, March 2018 No.1893/, P.30 It is available at http//www.imf.org.

24. I. M. F. World Economic and Finances Survey Outlook, Middle East and Central Asia, October, 2017, p.104, 105 25. IMF. Country Report, Islamic Republic Of Iran, March 2018 ,No.1863/, P 38. It is available at http//www.imf.org.

26. OPEC, Annual Statistical Bulletin,2017,P26.And. U.S.Energy Information Administration, Country Analysis Brief: Iran, April 2018, 27. UNCTAD, World Investment Report, 2018, P186.It is available at : http://unctad.org/en/PublicationsLibrary/ wir2018_en.pdf

‫باللغة العربية‬ ‫ تشرين‬13 ، ‫ واشنطن‬،‫ اإلستراتيجية األميركية جتاه إيران‬.1 ‫( ترجمة وزارة اخلارجية األميركية ) واملنشورة‬، 2017 ‫ أكتوبر‬/ ‫الثاني‬ ‫يف املوقع الرسمي لوزارة اخلارجية األميركية ؟ يف االنترنت على الرابط‬ 84%D9%83%D9%/14/10/2017/https://translations.state.gov : ‫ لو لم نتصد للفتنة يف سوريا لكنا نقاتلهم اليوم يف‬..‫ خامنئي‬.2 ‫ لندن‬، ‫ صحيفة رأي اليوم االلكترونية‬،‫طهران وفارس وخرسان واصفهان‬ http://www.raialyoum. :‫ يف االنترنيت وعلى الرابط‬2017/1/5 ، 596412=com/?p ، 2016 ‫ االقتصاد اإليراني يف عام‬، ‫ خضير عباس النداوي‬.‫ د‬.3 ‫ الشارقة‬، 2016 ،‫ مركز اخلليج للدراسات‬، ‫التقرير االقتصادي اخلليجي‬ . ‫ صحيفة احلياة ايران تهدد األوروبيني مبليون الجئ وآالف‬.4 2018 ‫ يوليو‬/‫ متوز‬3 ، ‫ لندن‬، ‫األطنان من املخدرات‬ 2016 ‫مارس‬11 ،‫ لندن‬،‫ صحيفة احلياة‬.5 .2016 ‫ يناير‬15 ، ‫ لندن‬،‫ صحيفة الشرق األوسط‬.6 ،‫ واشنطن تض ّيق هامش املناورة على إيران لندن‬،‫ صحيفة العرب‬.7 2018 ‫ يوليو‬/ ‫ متوز‬6 ‫ التسلح ونزع‬،)sipri ( ‫ معهد ستوكهولم ألبحاث السالم الدولي‬.8 ‫ ترجمة مركز دراسات‬، 2017 ، ‫ الكتاب السنوي‬، ‫السالح واألمن الدولي‬ .621‫ ص‬، 2018 ‫ يناير‬، ‫ بيروت‬، ‫الوحدة العربية‬ ‫ تقرير احلالة‬،‫ مركز اخلليج العربي للدراسات اإليرانية‬.9 https:// :‫ يف االنترنيت وعلى الرابط‬،2016 ‫ يوليو‬،‫ الرياض‬،‫اإليرانية‬ %AA%D9%D8%/10/2016/arabiangcis.org/wp-content/uploads B1%8A%D8%D9%B1%D8%82 ،‫ تقرير احلالة اإليرانية‬،‫ مركز اخلليج العربي للدراسات اإليرانية‬.10 www.arabiangcis.org :‫ يف االنترنيت وعلى الرابط‬،2016 ‫أغسطس‬ ،‫ مركز املستقبل لألبحاث والدراسات املتقدمة ارتدادات التوتر‬.11 ‫هل تتراجع الشركات الغربية عن إبرام صفقات استثمارية مع إيران؟‬ https:// :‫ يف االنترنيت وعلى الرابط‬، 2017 ‫ شباط‬/ ‫ فبراير‬7 ، ‫ابوظبي‬ BA%AA%D8%D8%/2457/futureuae.com/ar-AE/MainPage/Item 8%8A%D9%%D9 ‫ مصطفى سالم أيران "الثورية"! أسباب التصعيد غير املبرر جتاه‬.12 ، ‫ مركز املستقبل لألبحاث والدراسات املستقبلية‬، ‫ ابوظبي‬،‫السعودية‬ http://www.futurecenter. :‫ يف االنترنيت وعلى الرابط‬2016/1/4 717=ae/analys.php?analys 2018/6/26 ‫وكالة إنباء تسنمي اإليرانية يف‬.13

‫‪www.araa.sa‬‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونــيــو ‪2018‬‬

‫‪23‬‬

‫خامنئ��ي أرس��ى أس��س نظري��ة األم��ن القوم��ي اإليران��ي القائمة عىل‬ ‫تنفيذ سياس��ة الدفاع عن إيران خارج حدودها ما س��بب زيادة اإلنفاق العس��كري‬ ‫مما يعكس جان ًبا من التداعيات السلبية إلعادة فرض العقوبات‬ ‫االقتصادية األمريكية على االقتصاد اإليراني ‪.‬‬ ‫‪ .3‬محدودية االستثمارات اخلارجية‪ :‬يعاني االقتصاد‬ ‫اإليراني من محدودية االستثمارات األجنبية املباشرة‪ ،‬والتي لم‬ ‫تتجاوز أرقامها سوى (‪ )5.019‬مليار دوالر أمريكي فقط‪.‬‬ ‫‪.4‬االعتـماد على القطاع النفطي‪ :‬شكلت الواردات املالية‬ ‫للنفط والغاز بنهاية عام ‪2016‬م‪ ) %13( ،‬من الناجت احمللي‬ ‫اإلجمالي اإليراني (( ونحو (‪ )%80‬من إجمالي الصادرات لعام‬ ‫م‪ ،2016‬مما يعني استـمرار تزايد اعتـماد االقتصاد اإليراني على‬ ‫القطاع النفطي ‪،‬مما يكرس سمة االقتصاد الريعي يف إيران ‪.‬‬

‫أمام صانع القرار اإليراني‪ ،‬ومع ذلك قد تعمل إيران على تطبيق‬ ‫اخليارات اآلتية‪:‬‬ ‫‪ .1‬يف امليدان االقتصادي‪ :‬تسعى إيران ملواجهة العقوبات‬ ‫االقتصادية بإعادة النظر مبجمل سياساتها االقتصادية‪ ،‬والتي‬ ‫تستهدف إما خفض اإلنتاج العام‪ ،‬لتعويض انخفاض العائدات‬ ‫املالية الحتواء العجز املالي‪ ،‬أو اإلبقاء على اإلنفاق العام‬ ‫عند مستوياته احلالية‪ ،‬وزيادة نسب الدين العام إلى الناجت‬ ‫احمللي اإلجمالي‪ .‬وينبغي على صانع القرار اإليراني أن يأخذ‬ ‫بنظر االعتبار أن لكال اخليارين تداعيات سياسية واقتصادية‬ ‫واجمتاعية سلبية وباهظة التكاليف‪ ،‬إال أن طبيعة إشكالية إيران‬ ‫احلالية تتطلب تطبيق أحد اخليارين أو كالهما حملاولة مواجهة‬ ‫التداعيات السلبية للعقوبات االقتصادية ‪ ،‬وذلك من خالل العودة‬ ‫لفكرة االقتصاد املقاوم‪ ،‬وتطبيق سياسة اقتصادية تقشفية‬ ‫صارمة‪ ،‬والتحايل على العقوبات االقتصادية بإتباع صفقات‬ ‫املقايضة التجارية مع دول العالم‪ ،‬وبخاصة مع الصني والهند ‪.‬‬

‫ومبقارنة عوامل القوة مع مكامن الضعف بتطورات االقتصاد‬ ‫اإليراني‪ ،‬يتضح حصول تطورات إيجابية مرحلية يف غالبية‬ ‫قطاعات االقتصاد اإليراني خالل عام ‪ 2017‬م‪ ،‬كنتيجة لزيادة‬ ‫املوارد املالية املتأتية من بيع النفط اخلام يف األسواق الدولية‬ ‫بعد تخفيف العقوبات االقتصادية‪ .‬وعلى أهمية هذه املبالغ ‪ ،‬إال‬ ‫أنها لم تأت كنتيجة حلصول تطور نوعي يف قطاعات االقتصاد‬ ‫اإليراني ‪ .‬إال أن تفاقم مشاكل االقتصاد اإليراني‪ ،‬وبخاصة‬ ‫ارتفاع أعداد العاطلني‪ ،‬وتزايد نسب التضخم النقدي ‪ ،‬ومحدودية‬ ‫االستثمارات اخلارجية ‪ ،‬واالعمتاد على القطاع النفطي‪ ،‬فضال‬ ‫عن اسمترار االختالالت الهيكلية التي يعاني منها االقتصاد‬ ‫اإليراني‪ ،‬مما أدى إلى تراجع أداء كافة القطاعات االقتصادية‪،‬‬ ‫وإذا ما اسمترت هذه الظاهرة ‪ ،‬فأنها قد تودي لتدهور األوضاع‬ ‫الداخلية جراء تصاعد أعداد الرافضني لهذه الظواهر السلبية‬ ‫من مختلف قطاعات املجمتع اإليراني ‪.‬‬

‫وال نستبعد قيام صناع القرار يف طهران بدراسة اخليارات‬ ‫املتاحة أمامهم ‪ ،‬ويف مقدمتها ( احملافظة على النظام السياسي‬ ‫احلاكم يف طهران) ‪ ،‬واألخذ بنظر االعتبار تأثير الضغوط‬ ‫الداخلية واإلقلميية والدولية وقد يضطروا ‪ ،‬أمام إصرار اإلدارة‬ ‫األمريكية على مواقفها املعلنة حيال إيران ‪ ،‬بإتباع السلطات‬ ‫اإليرانية يف نهاية املطاف ‪ ،‬مسلك (( اخليار الكوري ))‪ ،‬وفتح‬ ‫صفحة جديدة يف العالقات األمريكية اإليرانية ‪ ،‬سوا ًء آنذاك يف‬ ‫املدى املنظور أم يف اإلطار االستراتيجي ‪.‬‬

‫ثال ًثا ‪ .‬اخليارات املستقبلية ‪:‬‬ ‫يف ضوء ما تقدم ‪ ،‬ومع اسمترار التوتر يف العالقات‬ ‫اإليرانية األمريكية‪ ،‬ومع قرب تطبيق اإلدارة األمريكية للعقوبات‬ ‫االقتصادية يف نوفمبر ‪2018‬م ‪ ،‬يتضح مبحدودية احللول املتاحة‬

‫* أكادميي وخبير اقتصادي ‪ /‬العراق‬

‫‪22‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫قضية العدد‬

‫خالل عام ‪2017‬م‪ )98.064( ،‬مليار دوالر‪ ،‬بزيادة قدرها‬ ‫(‪ )14.084‬مليار دوالر عن أرقام صادرات عام ‪2016‬م‪ ،‬فميا‬ ‫بلغ حجم الواردات اإليرانية للسنة ذاتها ( ‪ )73.466‬مليار دوالر‬ ‫بزيادة (‪ )10.331‬مليار دوالر عن عام ‪2016‬م‪ .‬كما سجل امليزان‬ ‫التجاري فائض قدره ( ‪ )24.596‬مليار دوالر ‪ ،‬بزيادة ( ‪)3.753‬‬ ‫مليار دوالر عن العام املاضي‪.‬‬ ‫ثان ًيا‪ .‬عناصر الضعف بتطورات االقتصاد اإليراني‪ ،‬وتتركز‬ ‫باآلتي‪:‬‬ ‫‪ .1‬ارتفاع نسبة البطالة‪ :‬ارتفعت أعداد العاطلني عن العمل‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫يف إيران خالل عام ‪2017‬م‪ ،‬لتصل إلى (‪ )3.1‬مليون‪ ،‬وشكلت‬ ‫هذه الظاهرة معضلة لها انعكاسات سلبية جدًا على االقتصاد‬ ‫اإليراني‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن تداعياتها االجمتاعية ‪.‬‬ ‫‪ .2‬التضخم النقدي‪ :‬على الرغم من تراجع نسبة التضخم‪،‬‬ ‫طيلة السنوات األربع األخيرة وبشكل تدريجي لتستقر عام‬ ‫‪2017‬م‪ ،‬عند (‪ ، )%10.5‬إال إن تأثير التضخم النقدي على‬ ‫سعر صرف الريال ال زال مرتف ًعا‪ ،‬حيث يساوي الدوالر الواحد‬ ‫(‪ )42.700‬ريال بالسعر الرسمي‪ .‬وخالل النصف األول من عام‬ ‫م‪ ،2018‬انهارت أسعار صرف العملة اإليرانية يف السوق السوداء‬ ‫لتصل إلى (‪ )90.000‬ريال مقابل الدوالر األمريكي‪ ،‬مما أدى‬ ‫إلى اندالع مظاهرات نظمها البازار يف طهران واملدن اإليرانية ‪،‬‬

‫ت����راوح����ت ن��س��ب��ة ال��ت��ض��خ��م ط��ي��ل��ة ال���س���ن���وات األرب�����ع‬ ‫األخ���ي���رة ب��ي��ن (‪ )%11.9‬يف ع���ام ‪ 2015‬و (‪ )%10.1‬ع���ام ‪2018‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مسمتر من ُذ عام ‪2015‬م‪ ،‬إذ كانت يف عام ‪2015‬م‪)57.641 ( ،‬‬ ‫مليار دوالر ‪ ،‬ثم ارتفعت بعد الرفع اجلزئي للعقوبات عقب توقيع‬ ‫االتفاق النووي إلى (‪ )73.466‬مليار دوالر عام ‪2017‬م‪ .‬وستصل يف‬ ‫عام ‪2018‬م‪ ،‬إلى (‪ )82.564‬مليار دوالر (اجلدول ــــــ‪. )6‬‬ ‫فيـما عكست أرقام امليزان التجاري يف إيران للسنوات‬ ‫(‪ 2015‬ــــــ‪2016‬م) مؤشرات إيجابية قوامها وجود فائض جتاري‪،‬‬ ‫تدرج من (‪ )5.354‬مليار دوالر عام ‪2015‬م‪ ،‬لتصل أرقام الفائض‬ ‫التجاري لعام ‪2017‬م‪ ،‬إلى (‪ )24.596‬مليار دوالر‪ ،‬ووف ًقا لتقديرات‬ ‫صندوق النقد الدولي سيكون الفائض التجاري يف إيران لعام‬ ‫‪2018‬م‪ )33.850( ،‬مليار دوالر أمريكي (اجلدول ـــــ ‪.)6‬‬ ‫( اجلدول ـــــ ‪) 6‬‬ ‫امليزان التجاري يف إيران للمدة ‪2015‬ــــــ‪( 2018‬مليار دوالر‬ ‫أمريكي)‬

‫السنة‬

‫التصدير‬

‫االستيراد‬

‫امليزان التجاري‬ ‫( التصدير ‪-‬‬ ‫االستيراد)‬

‫‪2015‬‬

‫‪62.995‬‬

‫‪57.641‬‬

‫‪5.354‬‬

‫‪2016‬‬

‫‪83.978‬‬

‫‪63.135‬‬

‫‪20.843‬‬

‫‪2017‬‬

‫‪98.062‬‬

‫‪73.466‬‬

‫‪24.596‬‬

‫‪2018‬‬

‫‪116.718‬‬

‫‪82.864‬‬

‫‪33.850‬‬

‫ثال ًثا‪ .‬قطاع اخلدمات‪ :‬يُعد قطاع اخلدمات من أكبر‬ ‫القطاعات االقتصادية يف إيران‪ ،‬وساهم بنسبة (‪ ،)%54.3‬من‬ ‫الناجت احمللي اإلجمالي عام ‪2017‬م‪ ،‬ويعمل بهذا القطاع (‪)%48,6‬‬ ‫من قوة العمل يف إيران( ) والتي بلغت نهاية عام ‪2017‬م‪)26.2( ،‬‬ ‫مليون نسمة ( )‪.‬‬ ‫راب ًعا‪ .‬القطاع الصناعي‪ :‬احتلت إيران املرتبة ( ‪)24‬على‬ ‫املستوى العاملي من حيث نسب منو اإلنتاج الصناعي يف العالم‬ ‫لعام ‪2017‬م ‪.‬‬ ‫وساهم القطاع الصناعي يف إيران عام ‪2017‬م‪ ،‬بنسبة‬ ‫(‪ )%35.9‬من الناجت احمللي اإلجمالي ‪ ،‬فميا يعمل باملؤسسات‬ ‫التابعة لهذا القطاع ( ‪ )%35,1‬من قوة العمل ( )‪.‬‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونــيــو ‪2018‬‬

‫‪21‬‬

‫خامسا‪ .‬قطاع الزراعة‪ :‬تبل ُغ مساحة إيران (‪ )1,648,195‬كم‪،2‬‬ ‫ً‬ ‫وحتتل املرتبة (‪ )19‬على املستوى العاملي من حيث املساحة‪ ،‬وتشكل‬ ‫نسبة األراضي الزراعية (‪ .)%30.1‬وساهم القطاع الزراعي عام‬ ‫‪2017‬م‪ ،‬بنسبة (‪ )%9,8‬من الناجت احمللي اإلجمالي‪ ،‬و يعمل بهذا‬ ‫القطاع (‪ )%16,3‬من إجمالي قوة العمل الفعلية ( )‪.‬‬

‫الخاتمــــــــة‪:‬‬

‫مبراجعة املؤشرات االقتصادية للسنوات (‪2015‬ــــــ ‪2018‬م)‬ ‫نوضح اآلتي ‪:‬‬ ‫أوال‪ .‬عناصر القوة يف االقتصاد اإليراني‪ :‬وضعت اتفاقية فينا‬ ‫األساس النطالقة االقتصاد اإليراني ( مرحل ًيا) كنتيجة لتخفيف‬ ‫العقوبات االقتصادية مما دفع نحو انتقال االقتصاد اإليراني خالل‬ ‫عامي ‪ 2016‬و‪ 2017‬م‪ ،‬ملرحلة جديدة‪ ،‬وقد ظهرت انعكاساتها‬ ‫اإليجابية على االقتصاد اإليراني يف بعض القطاعات لعل أهمها‬ ‫اآلتي‪:‬‬ ‫‪ .1‬الناجت احمللي اإلجمالي‪ :‬بلغ الناجت احمللي اإلجمالي اإليراني‬ ‫(‪ )404.4‬مليار دوالر عام ‪ 2016‬م‪ ،‬بزيادة (‪ )31‬مليار دوالر عن‬ ‫العام السابق‪ ،‬وتزايد هذا الرقم ليصل عام ‪2017‬م‪ ،‬إلى (‪)427.7‬‬ ‫مليار دوالر بزيادة (‪ )23.3‬مليار دوالر عن العام السابق‪ .‬أما نسبة‬ ‫منو الناجت احمللي اإلجمالي النفطي احلقيقي فقد قفزت بعد رفع‬ ‫احلصر النفطي عام ‪ 2016‬م‪ ،‬إلى (‪ )%61‬ومن ثم استقرت بنسبة‬ ‫(‪ )%2.5‬يف العام ‪ 2017‬م‪ ،‬مما يعكس مؤش ًرا إيجاب ًيا على تنامي‬ ‫أنشطة مختلف قطاعات االقتصاد اإليراني‪ ،‬وبخاصة القطاع‬ ‫النفطي بعد تخفيف العقوبات االقتصادية ‪.‬‬ ‫‪ .2‬املوازنة السنوية‪ :‬تزايدت أرقام املوازنة السنوية اإليرانية‬ ‫لعام ‪2016‬م‪ ،‬لتصل إلى ( ‪ )329.63‬مليار دوالر بزيادة (‪)35.63‬‬ ‫مليار دوالر ‪ ،‬ثم انخفض إلى ( ‪ )328‬مليار دوالر يف عام ‪ 2017‬م ‪.‬‬ ‫‪ .3‬االحتياطيات املالية‪ :‬بلغت االحتياطيات املالية اإليرانية‬ ‫عام ‪2016‬م‪ )120.7( ،‬مليار دوالر ‪ ،‬بانخفاض قدره ( ‪ )7.7‬مليار‬ ‫دوالر عن العام السابق‪ ،‬ثم واصلت انخفاضها لتصل يف نهاية عام‬ ‫‪2017‬م‪ ،‬إلى (‪ )111.7‬مليار دوالر ‪.‬‬ ‫‪ .4‬القطاع النفطي‪ :‬تزايدت العائدات املالية السنوية املتأتية‬ ‫من بيع النفط اخلام والغاز الطبيعي لتصل عام ‪2016‬م‪ ،‬إلى‬ ‫(‪ )49.8‬مليار دوالر بعد أن كانت عام ‪ 2015‬م‪ ،‬بحدود ( ‪)26.9‬‬ ‫مليار دوالر ‪ ،‬أي تزايدت مببلغ ( ‪ )22.9‬مليار دوالر ‪ ،‬واسمتر‬ ‫تزايد أرقام العائدات النفطية اإليرانية لعام ‪ )14.1( 2017‬مليار‬ ‫دوالر ‪ ،‬لتصل بنهاية عام ‪2017‬م‪ ،‬إلى (‪ ) 63.7‬مليار دوالر‪.‬‬ ‫‪ .5‬قطاع التجارة اخلارجية‪ :‬بلغ إجمالي الصادرات اإليرانية‬

‫‪20‬‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫راب ًعا‪ .‬االستثمار األجنبي يف إيران‪:‬‬

‫االستثمار األجنبي يف إيران مقيد مبوجب املادة‬ ‫( يمُ نع من ًعا باتًا‬ ‫(‪ )81‬من الدستور اإليراني والتي تنص على‪:‬‬ ‫منح األجانب حق تأسيس الشركات واملؤسسات يف مجال التجارة‬ ‫والصناعة والزراعة واملعادن واخلدمات )‪ ،‬لذلك يُعاني االقتصاد‬ ‫اإليراني من محدودية االستثمارات األجنبية املباشرة ‪ ،‬والتي لم‬ ‫تتجاوز أرقامها لعامي (‪ 2016‬ــــــ‪2017‬م) سوى (‪ )5.019‬مليار‬ ‫دوالر فقط (اجلدول ـــــ ‪ . )4‬و هذه األرقام متواضعة جدًا وال‬ ‫تتناسب مع ضخامة االقتصاد اإليراني خاصة قطاع النفط اخلام‬ ‫والغاز الطبيعي‪ ،‬وذلك كنتيجة لعزوف املستثمرين األجانب يف‬ ‫استثمار أموالهم يف الساحة اإليرانية حتس ًبا من اسمترار العقوبات‬ ‫االقتصادية الدولية ‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن العقبات األخرى املمتثلة بوجود‬ ‫توترات سياسية بني إيران والدول املجاورة أو مع الدول الكبرى‪.‬‬ ‫( اجلدول ــــ‪)4‬‬ ‫االستثمار األجنبي املباشر يف إيران للمدة ‪ 2014‬ــــــ ‪2017‬‬ ‫السنة‬

‫إجمالي االستثمار األجنبي املباشر‬ ‫في ايران ( مليار دوالر أمريكي )‬

‫‪2014‬‬

‫‪2.105‬‬

‫‪2015‬‬

‫‪2.060‬‬

‫‪2016‬‬

‫‪5.019‬‬

‫‪2017‬‬

‫‪5.019‬‬

‫تطور قطاعات االقتصاد اإليراني‬

‫أو ًال‪ .‬قطاع النفط اخلام والغاز الطبيعي‪ :‬تُعد إيران من‬ ‫ضمن الدول العشر األولى يف العالم من حيث اإلمكانيات النفطية‬ ‫والغاز الطبيعي‪ ،‬و حتتل املرتبة الرابعة بعد فنزويال والسعودية‬ ‫وكندا باالحتياطيات النفطية العاملية‪ ،‬وخالل عام ‪2017‬م‪ ،‬حافظت‬ ‫االحتياطيات النفطية اإليرانية على أرقامها املرتفعة والتي بلغت‬ ‫(‪ )157‬مليار برميل(اجلدول ـــــ‪ ،)5‬أي ما يعادل (‪ )%10‬من احتياطي‬ ‫النفط العاملي و(‪ )%13‬من احتياطي ( األوبك) ويقع ( ‪ )%70‬من‬ ‫االحتياطي النفطي اإليراني يف إقلمي األحواز وعلى شواطئ اخلليج‬ ‫العربي ( ) كما حتتل إيران املرتبة الثانية عامل ًيا بعد روسيا من حيث‬ ‫احتياطي الغاز ‪ ،‬والتي تبلغ ( ‪ )1173‬تريليون قدم ‪ ، 3‬إي ما يعادل‬ ‫(‪ )%17.2‬من احتياطي الغاز يف العالم ( )‪ ،‬وتنتج ما يكيف اإلنتاج‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫احمللي وتصدر كميات محدودة للدول املجاورة ‪.‬‬ ‫لقد تصاعد اإلنتاج النفطي يف إيران من (‪ )2.9‬مليون‬ ‫برميل يوم ًيا عام ‪2015‬م‪ ،‬ليصل إلى (‪ )3.8‬مليون برميل يوم ًيا عام‬ ‫‪ 2017‬م‪ ،‬وخالل النصف األول من عام ‪2018‬م‪ ،‬استنا ًدا لتقديرات‬ ‫أعد يف مارس ‪2018‬م‪ .‬فميا‬ ‫التقرير القطري للبنك الدولي والذي ّ‬ ‫تزايدت العائدات املالية السنوية املتأتية من بيع النفط والغاز يف‬ ‫إيران لتصل يف عام ‪2017‬م‪ ،‬إلى (‪ )63.7‬مليار دوالر بعد أن كانت‬ ‫يف عام ‪2016‬م‪ ،‬بحدود ( ‪ )49.8‬مليار دوالر ‪ ،‬أي تزايدت مببلغ‬ ‫قدره ( ‪ )14.1‬مليار دوالر (اجلدول ـــــــ‪. )5‬‬ ‫( اجلدول ـــ ‪)5‬‬ ‫مؤشرات عن القطاع النفطي يف إيران للمدة ‪ 2015‬لغاية‬ ‫‪2018‬‬ ‫العائدات‬ ‫االحتياطي‬ ‫كميات التصدير املالية السنوية‬ ‫اإلنتاج النفطي‬ ‫لبيع النفط‬ ‫النفطي‬ ‫النفطي‬ ‫اخلام والغاز‬ ‫(مليون برميل‬ ‫السنة‬ ‫( مليار برميل)‬ ‫(مليون برميل الطبيعي(مليار‬ ‫يوميا ً‬ ‫)(‪)2‬‬ ‫يوميا)(‪)3‬‬ ‫دوالر أمريكي)‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪2015‬‬

‫‪158.4‬‬

‫‪2.9‬‬

‫‪1.4‬‬

‫‪26.9‬‬

‫‪2016‬‬

‫‪157.2‬‬

‫‪3.7‬‬

‫‪2.1‬‬

‫‪49.8‬‬

‫‪2017‬‬

‫‪157‬‬

‫‪3.8‬‬

‫‪2.5‬‬

‫‪63.7‬‬

‫‪2018‬‬

‫‪157‬‬

‫‪3.8‬‬

‫‪2.7‬‬

‫‪78.3‬‬

‫ثان ًيا ‪ .‬قطاع التجارة اخلارجية‪ :‬مبراجعة املعطيات اإلحصائية‬ ‫بخصوص أرقام الصادرات والواردات وفائض امليزان التجاري يف‬ ‫إيران للسنوات (‪2015‬ــــــ‪2018‬م)‪ ،‬يتضح مدى تأثير العقوبات‬ ‫االقتصادية على قطاع التجارة اخلارجية اإليرانية‪ ،‬وبخاصة لعام‬ ‫‪2015‬م‪ ،‬إذ انخفضت أرقام الصادرات والواردات وفائض امليزان‬ ‫التجاري ‪.‬‬ ‫ومع ذلك تصاعدت أرقام قمي الصادرات اإليرانية للمدة‬ ‫(‪ 2015‬ـــــــ ‪2018‬م)‪ .‬إذ كانت يف عام ‪2015‬م‪ ،‬نحو (‪)62.995‬‬ ‫مليار دوالر ‪ ،‬ثم وصلت (‪ )98.064‬مليار دوالر عام ‪2017‬م ‪ .‬ووف ًقا‬ ‫لتقديرات صندوق النقد الدولي سوف يسمتر التصاعد خالل عام‬ ‫‪2018‬م‪ ،‬ليصل إلى (‪ )116.718‬مليار دوالر ( انظر اجلدول ــــــ‪.)6‬‬ ‫وبخصوص قمي االستيرادات‪ ،‬تصاعدت أرقامها بشكل‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫( اجلدول ـــــ‪)2‬‬ ‫مؤشرات عن البطالة يف إيران للمدة ‪ 2015‬ــــ ‪2018‬‬

‫السنة‬

‫إجمالي سكان إجمالي القوى‬ ‫العاملة‬ ‫إيران‬ ‫مليون نسمة مليون نسمة‬

‫عدد العاملني أعداد العاطلني‬ ‫مليون نسمة مليون نسمة‬

‫‪2015‬‬

‫‪79.5‬‬

‫‪24.7‬‬

‫‪22‬‬

‫‪2.7‬‬

‫‪2016‬‬

‫‪80.5‬‬

‫‪25.8‬‬

‫‪22.6‬‬

‫‪3.2‬‬

‫‪2017‬‬

‫‪81.4‬‬

‫‪26.2‬‬

‫‪23.1‬‬

‫‪3.1‬‬

‫‪)*(2018‬‬

‫‪82.4‬‬

‫‪26.5‬‬

‫‪23.4‬‬

‫‪3.1‬‬

‫(*) األرقام لعام‪ 2018‬بحسب تقديرات البنك الدولي بالتعاون‬ ‫مع اخلبراء اإليرانيني‬

‫ثال ًثا‪ .‬التطورات المالية‪:‬‬

‫‪ .1‬املوازنة العامة‪:‬‬ ‫كانت أرقام املوازنة العامة يف إيران لعام ‪2015‬م‪)294( ،‬‬ ‫مليار دوالر وبعد تخفيف احلصار االقتصادي بداية عام ‪2016‬م‪،‬‬ ‫تزايدت أرقام املوازنة احلكومية‪ ،‬لتصل إلى (‪ )329,63‬مليار دوالر‬ ‫‪ ،‬أي بزيادة قدرها (‪ )35,63‬مليار دوالر عن موازنة عام ‪2015‬‬ ‫م‪( ،‬اجلدول ــــــ‪ . )3‬فميا انخفضت أرقام املوازنة اإليرانية لعام‬ ‫‪2017‬مبقدار (‪ )1.63‬مليار دوالر ‪ ،‬يف حني تزايدت موازنة عام‬ ‫‪ 2018‬م‪ ،‬بقمية ملياري دوالر عن أرقام موازنة عام ‪2017‬‬ ‫(اجلدول ـــــــ‪.)3‬‬ ‫‪ .1‬إجمالي االحتياطيات املالية يف إيران‪ :‬مع اسمترار احلصار‬ ‫االقتصادي ‪ ،‬فقد حرص املسؤولون اإليرانيون على احملافظة على‬ ‫استقرار كميات احتياطي النقد األجنبي‪ ،‬وزيادتها بشكل تدريجي‪.‬‬ ‫ومبراجعة املعطيات اإلحصائية املثبتة يف ( اجلدول ـــــ‪ ،)3‬يتضح‬ ‫أن االحتياطيات املالية اإليرانية كانت بحدود (‪ )128.4‬مليار دوالر‬ ‫يف عام ‪2015‬م‪ ،‬وتناقص هذا الرقم يف عام ‪ 2016‬م‪ ،‬ليصل إلى‬ ‫(‪ )120.7‬مليار دوالر ‪ ،‬ثم واصل تراجعه ليبلغ يف عام ‪2017‬م‪،‬‬ ‫نحو (‪ )111.7‬مليار دوالر‪ ،‬ثم يعاود االرتفاع ــــــ بحسب تقديرات‬ ‫البنك الدولي ليصل إلى (‪ )124.9‬عام ‪2018‬م‪.‬‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونــيــو ‪2018‬‬

‫‪19‬‬

‫‪ .2‬اجمالي الديون احلكومية يف إيران ‪ :‬استطاعت احلكومة‬ ‫اإليرانية خالل عام ‪2016‬م‪ ،‬تقليص الدين العام إلى (‪ )9.3‬مليار‬ ‫دوالر ‪ ،‬بعد أن كان عام ‪ )10( ،2015‬مليارات دوالر ‪ ،‬ثم واصلت‬ ‫تراجعه خالل عام ‪2017‬م‪ ،‬ليصل إلى (‪ ، )8.7‬ومن ثم ارتفعت ــــــ‬ ‫بحسب تقديرات البنك الدولي خالل عام ‪ 2018‬م‪ ،‬إلى (‪ )9.1‬مليار‬ ‫دوالر‪ ( .‬اجلدول ــــــ ‪)3‬‬ ‫‪ .3‬التضخم النقدي السنوي يف إيران ‪ :‬يف إيران تراوحت‬ ‫نسبة التضخم طيلة السنوات األربع األخيرة ما بني (‪ )%11.9‬يف‬ ‫عام ‪ 2015‬م‪ ،‬و (‪ )%10.1‬خالل عام ‪2018‬م‪ ( ،‬اجلدول ـــــ‪، ) 3‬‬ ‫سعر صرف الريال اإليراني يساوي الدوالر الواحد (‪ )42.7‬ألف‬ ‫ريال يف بداية عام ‪2018‬م‪ ، ،‬متأث ًرا بتراكم تداعيات العقوبات‬ ‫االقتصادية األمريكية والتي فرضتها إدارة ترامب بعد عام ‪2017‬م‪،‬‬ ‫فض ً‬ ‫ال عن العقوبات السابقة املفروضة على إيران منذ عام ‪2006‬م‪.‬‬ ‫وخالل النصف األول من عام ‪ 2018‬م‪ ،‬انهارت أسعار صرف العملة‬ ‫اإليرانية يف السوق السوداء لتصل إلى (‪ )90‬ألف ريال مقابل‬ ‫الدوالر‪ ،‬يف بداية يوليو ‪2018‬م ( ولرمبا يواصل الريال اإليراني‬ ‫تراجعه يف األشهر القادمة ) مما أدى إلى اندالع مظاهرات نظمها‬ ‫جتار البازار يف طهران واملدن اإليرانية األخرى‪ ،‬مما يعكس جان ًبا‬ ‫من التداعيات السلبية إلعادة فرض العقوبات االقتصادية األمريكية‬ ‫على االقتصاد اإليراني ‪.‬‬ ‫(اجلدول ــــ ‪) 3‬‬ ‫التطورات املالية يف إيران للمدة ‪2015‬ــــــ ‪2018‬‬

‫السنة‬

‫إجمالي املوازنة االحتياطيات‬ ‫السنوية املالية اإليرانية‬ ‫(مليار دوالر (مليار دوالر‬ ‫أمريكي)(‪ )1‬أمريكي)(‪)3‬‬

‫إجمالي الديون‬ ‫التضخم‬ ‫احلكومية‬ ‫النقدي‬ ‫(مليار دوالر‬ ‫السنوي ‪)5(%‬‬ ‫أمريكي)(‪)4‬‬

‫‪2015‬‬

‫‪294‬‬

‫‪128.4‬‬

‫‪10‬‬

‫‪11.9‬‬

‫‪2016‬‬

‫‪329,63‬‬

‫‪120.7‬‬

‫‪9.3‬‬

‫‪9‬‬

‫‪2017‬‬

‫‪328‬‬

‫‪111.7‬‬

‫‪8.7‬‬

‫‪10.5‬‬

‫‪2018‬‬

‫‪)2(330‬‬

‫‪124.9‬‬

‫‪9.1‬‬

‫‪10.1‬‬

‫‪18‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫قضية العدد‬

‫وتوقيعه مرسو ًما بإعادة العمل بالعقوبات االقتصادية على إيران‬ ‫يف الثامن من يونيو ‪2018‬م ( ) ‪ .‬واستنا ًدا ملا أعلنه مدير التخطيط‬ ‫االستراتيجي يف وزارة اخلارجية األمريكية " براس هوك" يف‬ ‫األول من يوليو ‪2018‬م " فإن احلملة التي تشنها بالده ضد إيران‬ ‫تستهدف خفض إيراداتها من مبيعات النفط اخلام إلى الصفر‬ ‫" ‪ ،‬وبخاصة عقب إعالن (‪ )50‬شركة عن نيتها خفض عالقاتها‬ ‫التجارية مع إيران‪ ،‬إثر انسحاب أمريكا من االتفاق النووي‪ .‬وقد أثار‬ ‫شروع اإلدارة األمريكية بتطبيق استراتيجيتها ضد إيران حفيظة‬ ‫املسؤولني اإليرانيني‪ ،‬وسارعوا إلطالق تهديدات ضد واشنطن‪،‬‬ ‫واملجمتع الدولي‪.‬‬

‫المؤشرات األساسية لالقتصاد اإليراني‬ ‫أو ًال ‪ .‬الناتج المحيل اإلجمايل‪:‬‬

‫حتتل إيران املرتبة (‪ )19‬على املُستوى العاملي من حيث‬ ‫الناجت احمللي اإلجمالي ( )‪ ،‬ومبراجعة املعطيات اإلحصائية للناجت‬ ‫احمللي اإلجمالي اإليراني للسنوات األربع املاضية‪ ( ،‬اجلدول ــــ ‪،)1‬‬ ‫يتضح تذبذب أرقامه يف إيران من ( ‪ ) 375.4‬مليار دوالر عام ‪2015‬‬ ‫م‪ ،‬ليصل عام ‪2016‬م‪ ،‬إلى ( ‪ )404.4‬مليار دوالر ‪ ،‬أي أنه ازداد‬ ‫مبا قميته (‪ )39‬مليار دوالر خالل عام ‪2016‬م‪،‬عقب رفع جزئي‬ ‫للحصار ‪ ،‬ثم واصل صعوده ليصل عام ‪2017‬م‪ ،‬إلى (‪ )427.7‬مليار‬ ‫دوالر‪ ،‬ووف ًقا لتقديرات البنك الدولي واخلبراء اإليرانيني‪ ،‬سيتراجع‬ ‫الناجت احمللي اإلجمالي اإليراني بنهاية عام ‪ 2018‬م‪ ،‬إلى (‪)398.4‬‬ ‫(اجلدول ــــــ ‪.)1‬‬ ‫ويعكس ارتفاع أرقام الناجت احمللي اإلجمالي اإليراني خالل‬ ‫عامي ‪ 2016‬و‪2017‬م‪ ،‬جراء اسمترار رفع العقوبات االقتصادية ‪،‬‬ ‫ويف ضوء نتائج هذا االتفاق مت تخفيف العقوبات االقتصادية مع‬ ‫بداية عام ‪2016‬م‪ ،‬وبذلك عاودت أرقام الناجت احمللي اإلجمالي‬ ‫اإليراني بالتصاعد التدريجي لتصل يف نهاية عام ‪2016‬م‪ ،‬إلى‬ ‫(‪ )427.7‬مليار دوالر‪ ،‬أي بزيادة قدرها (‪ )23‬مليار دوالر عن أرقام‬ ‫العام السابق‪.‬‬ ‫وخالل املدة (‪ 2015‬ــــــ‪ )2018‬حتققت أعلى نسب منو الناجت‬ ‫احمللي‪ ،‬احلقيقي والنفطي وغير النفطي يف إيران خالل عام ‪2016‬م‪،‬‬ ‫والتي كانت على التوالي (‪%12.5‬و‪%61.6‬و‪، )%3.3‬وقد تأثر الناجت‬ ‫احمللي اإلجمالي النفطي إيجاب ًيا بعد تخفيف العقوبات لتصل نسبته‬ ‫إلى (‪ ،)%61‬ولميثل نقلة نوعية يف أداء القطاع النفطي‪ ،‬ومن ثم يف‬ ‫أداء االقتصاد اإليراني‪ .‬ومع ذلك ال يزال نصيب الفرد من الناجت‬ ‫ً‬ ‫منخفضا يف إيران وهو يتراوح ما بني (‪ )4723‬لعام‬ ‫احمللي اإلجمالي‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪ 2015‬م‪ ،‬و(‪ )5086‬لعام ‪ 2018‬م‪ ،‬دوال ًرا سنو ًيا‪( .‬اجلدول ـــــــ ‪.)1‬‬ ‫( اجلدول ــــ ‪)1‬‬ ‫الناجت احمللي اإلجمالي يف إيران(‪ )GDP‬للمدة (‪2015‬ـــ ‪)2018‬‬

‫ت‬

‫مؤشرات عامة‬

‫‪2018 2017 2016 2015‬‬

‫‪.1‬‬

‫الناجت احمللي اإلجمالي ( مليار‬ ‫دوالر أمريكي )(‪)1‬‬

‫‪398.4 427.7 404.4 375.4‬‬

‫‪.2‬‬

‫منو الناجت احمللي اإلجمالي‬ ‫احلقيقي السنوي ‪)2( ٪‬‬

‫(*)‬

‫‪1.6-‬‬

‫‪12.5‬‬

‫‪3.5‬‬

‫‪3.8‬‬

‫منو الناجت احمللي اإلجمالي النفطي‬ ‫‪.3‬‬ ‫احلقيقي السنوي‪)3( ٪‬‬

‫‪7.2‬‬

‫‪61.6‬‬

‫‪2.5‬‬

‫‪3.9‬‬

‫منو الناجت احمللي اإلجمالي النفطي‬ ‫‪.4‬‬ ‫غير احلقيقي السنوي‪)4( ٪‬‬

‫‪3.1-‬‬

‫‪3.3‬‬

‫‪3.7‬‬

‫‪3.7‬‬

‫نصيب الفرد من الناجت احمللي‬ ‫‪.5‬‬ ‫اإلجمالي السنوي ( ألف دوالر ) (‪)5‬‬

‫‪5086 5305 5027 4723‬‬

‫(*) األرقام لعام‪ 2018‬بحسب تقديرات البنك الدولي بالتعاون‬ ‫مع اخلبراء اإليرانيني‬

‫ثان ًيا‪ .‬تزايد معدالت البطالة‪:‬‬

‫فقد تزايد عدد السكان خالل السنوات األربع األخيرة مبعدل‬ ‫مليون نسمة سنو ًيا ووف ًقا ألحدث تقرير أعده البنك الدولي يف‬ ‫مارس ‪ 2018‬م‪( ،‬اجلدول ـــــ‪ )2‬إذ وصل عدد سكان إيران إلى‬ ‫(‪ )79.5‬مليون نسمة يف نهاية عام ‪2015‬م‪ ،‬ليصل عام ‪2018‬م‪،‬‬ ‫إلى (‪ )82.4‬مليون نسمة‪ ،‬يف حني بلغ عدد إجمالي القوى العاملة‬ ‫( ‪ )24.7‬مليون نسمة‪ ،‬عام ‪2015‬م‪ ،‬واسمتر بالتزايد ليصل إلى‬ ‫(‪ )26.5‬مليون نسمة عام ‪2018‬م‪ ،‬فميا بلغ عدد العاملني فعل ًيا (‬ ‫‪ )22‬مليون نسمة عام ‪2015‬م‪ ،‬وتزايد ليصل إلى (‪ )23.4‬مليون‬ ‫نسمة عام ‪2018‬م‪ ،‬فميا بلغ عدد العاطلني عن العمل (‪ )2.7‬مليون‬ ‫عاطل عام ‪2015‬م‪ ،‬وتزايد هذا العدد ليصل يف العام ‪ 2018‬إلى‬ ‫(‪ )3.1‬مليون عاطل‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونــيــو ‪2018‬‬

‫‪17‬‬

‫بل��غ ع��دد العاطلي��ن ع��ن العم��ل يف إي��ران (‪ )2.7‬ماليي��ن عاط��ل‬ ‫ع��ام ‪2015‬وتزاي��د الع��دد ليص��ل ع��ام ‪ 2018‬إىل (‪ )3.1‬ملي��ون عاط��ل‬ ‫بثالث مراحل‪:‬‬ ‫‪ .1‬املرحلة األولى‪ ،‬اتسمت بفرض عقوبات أمريكية‪ ،‬وأوروبية‬ ‫ودولية‪ ،‬وخاصة العقوبات التي فرضت مبوجب قرارات من مجلس‬ ‫األمن الدولي‪ ،‬واسمترت هذه املرحلة ــ (‪ )11‬سنة ‪ ،‬من عام ‪2006‬م‪،‬‬ ‫وانتهت بتوقيع اتفاقية فينا يف يوليو ‪ 2015‬م‪ ،‬وأصدر مجلس األمن‬ ‫باإلجماع القرار املرقم (‪ )2231‬يف ‪ 20‬يوليو ‪2015‬م‪ ،‬مؤيدًا خطة‬ ‫العمل و ُمنه ًيا كل األحكام التي تضمنتها قراراته املتصلة بالبرنامج‬ ‫النووي اإليراني وهي‪ (، ) 2006 /1696( :‬والقرار ‪)2006/1747‬‬ ‫‪(،‬والقرار ‪( )2008 /1803‬والقرار‪( )2008 / 1835‬والقـرار ‪1929‬‬ ‫‪( ، )2010 /‬والقرار ‪ . )2015/2224‬ومت االتفاق يف الوقت عينه‬ ‫على أن تتولى الوكالة الدولية للطاقة الذرية التحقق من تنفيذ‬ ‫إيران لألحكام املتصلة بالبرنامج النووي اإليراني مبوجب خطة‬ ‫العمل الشاملة املشتركة ( ) والتي مت مبوجبها رفع احلصار عن‬ ‫تصدير النفط اإليراني اعتبا ًرا من ‪2016/1/1‬م‪.‬‬ ‫‪ .2‬املرحلة الثانية‪ .‬اسمترت لسنتني وخمسة أشهر وسبعة أيام‬ ‫من األول من يناير ‪ 2016‬م‪ ،‬ولغاية ‪ 8‬يونيو ‪2018‬م‪ ،‬واتسمت برفع‬

‫احلظر عن تصدير النفط مع اسمترار العديد من العقوبات األخرى‬ ‫رهنا بتنفيذ إيران بالتزاماتها مبوجب اتفاقية فينا‪ .‬وكان قطاع‬ ‫النفط هو أبرز القطاعات املستفيدة من االتفاق‪ ،‬فقد متكنت البالد‬ ‫من زيادة إنتاجها النفطي بقرابة مليون برميل يوم ًيا ليصل إلى(‪)3,7‬‬ ‫ماليني برميل يوم ًيا بنهاية عام ‪2016‬م‪ ،‬مقابل (‪ )2,8‬مليون برميل‬ ‫عام ‪2015‬م‪ .‬وجنحت إيران منذ رفع العقوبات يف إبرام صفقات‬ ‫جتارية واستثمارية مع شركات غربية على درجة كبيرة من األهمية‬ ‫إليران إلعادة تأهيل قطاعها النفطي ودعم بنيتها التحتية‪ ،‬وتمنية‬ ‫تسلم‬ ‫قطاعاتها غير النفطي‪ .‬ويف يناير ‪2017‬م‪ ،‬متكنت إيران من ّ‬ ‫أول طائرة مدنية من شركة "إيرباص" الفرنسية‪ ،‬والتي تأتي يف إطار‬ ‫صفقتها مع الشركة لشراء (‪ )118‬طائرة بقمية (‪ )25‬مليار دوالر‪.‬‬ ‫‪ .3‬املرحلة الثالثة‪ ،‬ابتدأت املقدمات لتنفيذها مع إعالن "‬ ‫ترامب" استراتيجية جديده إزاء إيران يف ‪ 13‬أكتوبر ‪2017‬م‪ ،‬ووصف‬ ‫مبوجبها االتفاق النووي مع إيران بكونه "أحد أسوأ االتفاقات يف‬ ‫التاريخ" ‪.‬‬ ‫وأعقب ذلك إعالنه انسحاب بالده من االتفاق النووي‬

‫‪16‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫قضية العدد‬

‫من فبراير‪ 2016‬م‪" ،‬انتخابات مجلس الشورى العاشر‪ ،‬وانتخابات‬ ‫ٍ‬ ‫واحد‪،‬‬ ‫يوم‬ ‫مجلس خبراء القيادة اخلامس " وجرى اجلمع بينهما يف ٍ‬ ‫وف ًقا لقانون جمع االنتخابات الذي ُشرع لغرض تقليص نفقات‬ ‫إجراءات االنتخابات‪ .‬وبالنتيجة حاز التيار األصولي غالبية املقاعد‬ ‫يف كال االقتراعني‪.‬‬ ‫وتتجلى خطورة فوز التيارات اإلسالمية احملافظة املدعومة‬ ‫من قبل املُرشد األعلى علي خامنئي خاصة إن خلامنئي موقف‬ ‫رافض لالتفاق النووي‪ ،‬وبدأ اإلعالن عنه منذ مارس ‪2016‬م‪ ،‬و‬ ‫تصاعدت حدة التعبير عن هذا الرفض بعد توقف أمريكا يف رفع‬ ‫العقوبات البنكية‪ ،‬إذ أعلن أنه وافق على توقيع االتفاق النووي من‬ ‫باب إقامة احلجة على األمريكيني لكي يُثبت للجميع أن واشنطن هي‬ ‫العدو وأنها لن تويف بوعودها‪ .‬ومن جانب أخر يرى الرئيس اإليراني‬ ‫حسن روحاني أن االتفاق النووي هو جناح إليران ودبلوماسيتها‪ ،‬ومن‬ ‫ثم تعمقت اخلالفات بني الطرفني بعد املواقف املتباينة خلامنئي‬ ‫وروحاني حول االتفاق النووي‪ ،‬وكما هو ُمعتاد فإن‬ ‫تصريحا خلامنئي ضد سياسة ما أو شخص ما يف‬ ‫ً‬ ‫إيران يُعد إشارة بدء هجوم التيار احملافظ عليه‬ ‫داخل إيران ( )‪ .‬وعزز توجه احملافظني يف الساحة‬ ‫اإليرانية خالل عام ‪2016‬م‪ ،‬اخلطوات املعلنة منذ‬ ‫عام ‪2015‬م الختيار خليفة للمرشد األعلى علي‬ ‫خامنئي بسبب إصابته مبرض السرطان ( ) خاصة‬ ‫بعد الطلب املقدم من املرشد األعلى ملجلس خبراء‬ ‫القيادة يف مارس ‪ 2016‬م‪ ،‬للتصرف بحسب ما‬ ‫وصفه ((بطريقة ثورية الختيار مرشد ثوري ))‪ ،‬بدي ً‬ ‫ال‬ ‫عنه( ) ليخلفه يف سدة احلكم ‪ .‬وتنعكس خطورة هذا‬ ‫التوجه يف تداعياته السلبية على امليدان االقتصادي‬ ‫من خالل فرض واشنطن عقوبات اقتصادية جديدة‬ ‫على إيران‪ ،‬مما أثر على التوجهات السياسية واالقتصادية حلكومة‬ ‫روحاني ‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أن أسباب الوجود العسكري اإليراني يف سوريا للحفاظ على أمن‬ ‫اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية ( )‪ ،‬ويف ‪ 15‬يناير ‪2016‬م‪ ،‬أكد‬ ‫محمد علي جعفري وجود (‪ )200‬ألف مقاتل مرتبطني باحلرس‬ ‫الثوري اإليراني يف خمس من دول املنطقة هي ‪( :‬المين وسوريا‬ ‫والعراق وباكستان وأفغانستان) تعمل من أجل حماية ودعم " الولي‬ ‫الفقيه" واجلمهورية اإلسالمية ( )‪ ،‬فميا صرح املُرشد علي‬ ‫خامنئي لدى استقباله ألسر ضباط إيرانيني ُقتلوا يف سوريا ‪" :‬‬ ‫لو لم يمت التصدي هناك لضامري السوء و ُمشعلي الفنت الذين هم‬ ‫أداة بيد أمريكا والصهيونية لوجب علينا التصدي لهم يف طهران‬ ‫وفارس وخراسان وأصفهان‪ ،‬إن هؤالء "الشهداء سلبوا العدو القدرة‬ ‫على التحرك" ( )‪.‬وهو بذلك أرسى أحد أهم أسس نظرية األمن‬ ‫القومي اإليراني القائمة على تنفيذ سياسة الدفاع عن إيران خارج‬ ‫احلدود الدولية لها‪ .‬ومما الشك فيه بان لهذه السياسة كلفة مالية‬ ‫كونها تؤدي إلى زيادة اإلنفاق العسكري اإليراني‪ ،‬مما ينعكس‬ ‫سل ًبا على تطورات االقتصاد اإليراني ‪.‬‬ ‫‪ .2‬توتر العالقات اإليرانية السعودية‪ :‬اتصفت‬ ‫العالقات اإليرانية ــ السعودية‪ ،‬وعلى مدى أربع‬ ‫عقود خلت‪ ،‬وحتديدًا منذ عام ‪1979‬م‪ ،‬بعدم‬ ‫االستقرار وتصاعد األزمات بني فترة وأخرى‪،‬‬ ‫والتي تزايدت حدتها لتصل ملرحلة قطع العالقات‬ ‫الدبلوماسية بني البلدين‪ ،‬وحدثت األزمة األولى‬ ‫عام ‪1988‬م‪ ،‬نتيجة صدام اندلع بني احلجاج‬ ‫اإليرانيني مع عدد من منتسبي األمن السعودي‬ ‫وتفجير احلرم املكي‪ ،‬لتعود العالقات عام‬ ‫‪ .) ( 1991‬فميا حدثت األزمة الثانية يف بداية‬ ‫عام ‪2016‬م‪،‬على خلفية مجموعة من القضايا‬ ‫اإلقلميية اخلالفية بني البلدين‪ ،‬ويف ُمقدمتها‬ ‫تداعيات التدخل اإليراني يف الشؤون الداخلية للدول العربية‪،‬‬ ‫فض ً‬ ‫ال عن تداعيات التدخل اإليراني يف األزمة المينية وموقفها‬ ‫من التحالف العربي الستعادة الشرعية يف المين‪ .‬واجتهت األزمة‬ ‫يف هذه املرة نحو تأجيج الصراع املذهبي يف املنطقة إثر اقتحام‬ ‫متظاهرين إيرانيني ملقري السفارة والقنصلية السعودية يف كل من‬ ‫"طهران" و"مشهد"‪ ،‬يوم ‪ 2016/1/2‬م‪.‬‬

‫نصيب الفرد من‬ ‫الناتج المحيل اإلجمايل‬ ‫منخف��ض يف إي��ران و‬ ‫يت��راوح بي��ن (‪)4723‬‬ ‫دوالر لع��ام ‪2015‬‬ ‫و(‪ )5086‬ع��ام ‪2018‬‬

‫ثانيا‪ .‬العوامل اإلقلميية‪:‬‬ ‫‪ .1‬التدخل العسكري اإليراني يف دول الشرق األوسط‪ :‬اتخذت‬ ‫احلكومات اإليرانية املتعاقبة منذ عام ‪1979‬م‪ ،‬تعبيرات ُمختلفة‬ ‫لتطبيق جان ًبا من مبادئ (نظرية والية الفقيه)‪ ،‬إال أن إيران اتخذت‬ ‫بعد اندالع ما يُسمى بأحداث الربيع العربي عام ‪2011‬م‪ ،‬توج ًها‬ ‫توسع ًيا إلرساء جان ًبا من أطر نظرية تصدير الثورة اإليرانية عبر‬ ‫تدخالت إيران اإلقلميية‪ ،‬وعلى سبيل املثال‪ ،‬دعا القائد العام‬ ‫للحرس الثوري اإليراني محمد علي جعفري إلى إلغاء احلدود بني‬ ‫العراق وسوريا ولبنان‪ ،‬ووصف هذه الدول مبحور املقاومة ُمؤكدًا "‬

‫‪ .3‬ثال ًثا‪ .‬العقوبات االقتصادية الدولية‪:‬‬ ‫تصاعد التوتر بني إيران والدول الغربية املتقدمة‪ ،‬منذ شروع‬ ‫إيران بعمليات تخصيب اليورانيوم عام ‪ 2005‬م‪ ،‬بسبب اخلالف‬ ‫بشان أهداف وتطورات العمل يف البرنامج النووي اإليراني ‪،‬‬ ‫وبذلك ّمرت العقوبات االقتصادية الدولية واألمريكية واألوروبية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونــيــو ‪2018‬‬

‫‪15‬‬

‫التداعيات السلبية للعقوبات االقتصادية األمريكية على االقتصاد اإليراني‬

‫معوقات االقتصاد اإليراني ‪ :‬البطالة والتضخم‬ ‫ومحدودية االستثمارات واالعتماد عىل النفط‬ ‫تعرض االقتصاد اإليراني منذ عقد ونيف لعقوبات اقتصادية فرضها مجلس األمن الدولي‪ ،‬وأمريكا‪،‬‬ ‫ودول االحتاد األوروبي جراء اعتراض الدول املتقدمة‪ ،‬ويف ُمقدمتها أمريكا على اخلطوات التنفيذية للبرنامج‬ ‫النووي‪.‬‬ ‫تراجع حاد يف أداء مختلف قطاعات االقتصاد‪،‬‬ ‫وقد أدى اسمترار فرض العقوبات االقتصادية على إيران إلى‬ ‫ٍ‬ ‫وعلى رأسها الصادرات النفطية‪ ،‬مما أدى إلى انخفاض العائدات املالية وإحلاق أضرار واسعة يف بنية االقتصاد‬ ‫اإليراني‪ ،‬وبخاصة خالل املدة ‪ 2015‬ـ ـ ـ ‪2018‬م‪ ،‬إذ شهدت إيران ُمتغيرين كان لهما تأثير بالغ على اقتصادها‪.‬‬

‫د‪ .‬خضير عباس النداوي‬

‫املُتغير األول تخفيف العقوبات االقتصادية‪ ،‬وله انعكاسات‬ ‫إيجابية متثلت بانتعاش اقتصادي مرحلي ملموس بعد مرور سنة‬ ‫على الرفع اجلزئي للعقوبات بعد توقيع اتفاقية فينا يف يوليو‬ ‫‪ 2015‬م‪ ،‬والتي حتق َق مبوجبها رفع احلظر على الصادرات النفطية‬ ‫اإليرانية اعتبا ًرا من األول من يناير ‪2016‬م‪،‬‬ ‫املُتغير الثاني‪ ،‬انسحاب أمريكا من االتفاق النووي عكس‬ ‫تداعيات سلبية على االقتصاد اإليراني‪ ،‬بعد تسلم ترامب احلكم‬ ‫يف ‪ 20‬يناير ‪ 2017‬م‪ ،‬واعتراضه على توقيع سلفه أوباما" لالتفاق‬ ‫النووي مع إيران ثم إعالنه يف ‪ 14‬أكتوبر ‪2017‬م‪ ،‬استراتيجية‬ ‫أمريكية جديدة إزاء إيران‪ ،‬وعدم ُمصادقتهِ على التقرير الفصلي‬ ‫لالتفاق النووي‪ ،‬ثم إعالنه يف ‪ 8‬مايو ‪2018‬م‪ ،‬انسحاب بالده من‬ ‫االتفاق‪ ،‬كما وقع مرسو ًما رئاس ًيا للبدء بإعادة العقوبات املفروضة‬ ‫على إيران‪ ،‬وبذلك توقفت فترة االنتعاش االقتصادي اإليراني‪.‬‬ ‫وسرعان ما حتولت العقوبات االقتصادية األمريكية اجلديدة‬ ‫إلى إشكالية ُمسمترة ومركبة بأبعادها الداخلية واإلقلميية والدولية‪،‬‬

‫عانت منها إيران‪ ،‬وهي يف ذات الوقت أحد أهم احملددات لتطور‬ ‫عالقات إيران اإلقلميية والدولية‪ ،‬وبخاصة مع أمريكا واالحتاد‬ ‫األوروبي والدول العربية‪.‬‬ ‫ولتوضيح أهمية هذه التطورات جرى تقسمي البحث‬ ‫إلى املقدمة وثالثة محاور‪ ،‬ركزت على تطورات االقتصاد اإليراني‬ ‫للسنوات (‪ 2015‬ــــــ‪2018‬م)‪ ،‬وقد تناول احملور األول العوامل املؤثرة‬ ‫يف االقتصاد اإليراني‪ .‬وتطرق الثاني إلى‪ :‬املؤشرات األساسية‬ ‫لالقتصاد اإليراني‪ .‬واستعرض احملور الثالث‪ :‬تطور قطاعات‬ ‫االقتصاد اإليراني‪ ،‬ثم اخلامتة ‪.‬‬

‫العوامل المؤثرة يف االقتصاد اإليراني‬

‫تأثر االقتصاد اإليران بعدة عوامل‪ ،‬داخلية وإقلميية ودولية‪،‬‬ ‫أثرت على تطوراته خالل السنوات السابقة خاصة خالل عامي‬ ‫‪2017‬ـــــــ ‪2018‬م‪ ،‬والتي ميكن إيجازها بالعوامل اآلتية ‪:‬‬ ‫أوالً‪ .‬العوامل الداخلية‪ :‬شهدت إيران يف السادس والعشرين‬

‫‪14‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫دراسة العدد‬

‫تقاوم إسرائيل‪ ،‬والثانية بعض املساعدات لبعض القوى‬ ‫السياسية الفلسطينية‪ ،‬وقد صدق كثيرون تلك األطروحات ومن‬ ‫النتائج غير املباشرة النسحاب الواليات املتحدة من االتفاق النووي‪،‬‬ ‫انكشاف املوقف اإليراني جتاه ( املقاومة وحترير فلسطني) فبعد‬ ‫ضربات موجعة من الطيران اإلسرائيلي على جتمعات إيرانية‬ ‫عسكرية يف سوريا‪ ،‬ردت تلك القوات بعدد من الصواريخ لم تتجاوز‬ ‫هضبة اجلوالن‪ ،‬كثير منها سقط يف العراء‪ ،‬ويف نفس الوقت لم‬ ‫يتحرك حزب اهلل يف لبنان ( للثأر) من إسرائيل‪ ،‬رغم تهديد زعمائه‬ ‫واضح من سير األحداث أن إيران يف سوريا لن تلجأ إلى إثارة‬ ‫إسرائيل‪ ،‬ولن تسمح لها روسيا ( املهمينة اليوم على القرار السوري)‬ ‫بأن تفعل ذلك‪ ،‬فإذا نحن أمام نهاية ( ادعاءات) خدع بها كثيرون‪،‬‬ ‫فليس من احملمتل أن تدخل إيران يف صراع مباشر مع إسرائيل‪،‬‬ ‫كما أن إسرائيل ال يحمتل أن تضحي باستهداف تل أبيب أو حيفا‬ ‫بسبب دمشق أو حماة! فهناك إذا توافق غير معلن يرعاه الروس و‬ ‫أمريكا ليست بعيدة عنه‪ .‬ذلك يفضي يف التحليل األخير أن (احلجة‬ ‫الفلسطينية) فرب استخدام بطاقتها على االنتهاء ! دول اجلوار‬ ‫ً‬ ‫أيضا سوف يكون لها شيء من ( االشتباك) يف مسرح العلميات‪ ،‬على‬ ‫سبيل املثال‪ ،‬فإن تركيا تربطها عالقات وثيقة اقتصادية مع إيران‪،‬‬ ‫كما تربطها مواثيق دولية مع الواليات املتحدة‪ ،‬وقد وصلت العالقات‬ ‫االقتصادية التركية ـــ اإليرانية‪ ،‬فالعقوبات على إيران سوف تؤدي‬ ‫إلى ارتفاع فاتورة الواردات التركية من الطاقة وتسبب يف تراجع‬ ‫قمية الليرة التركية فيف عام ‪2012‬م‪ ،‬بلغ حجم التجارة البينية بني‬ ‫تركيا رق ًما غير مسبوق‪ ،‬حوالي ‪ 14‬مليار دوالر‪ ،‬وتراجع بعد ذلك‪،‬‬ ‫وبسبب العقوبات السابقة‪ ،‬كانت إيران تستبدل أموالها يف تركيا‬ ‫بالذهب وتبيعه يف أسواق قريبة منها الستبداله بعمالت أجنبية‬ ‫وقد صرح وزير االقتصاد التركي(أن بالده سوف تواصل التجارة‬ ‫مع إيران قدر اإلمكان‪ ،‬ولن تستجيب ألي كان بهذا اخلصوص) ‪،‬‬ ‫بجانب املصالح االقتصادية التركية اإليرانية‪ ،‬هناك توافقات حول‬ ‫سوريا مشتركة ً‬ ‫أيضا مع روسيا ‪ ،‬من املمكن أن تستجيب تركيا نسبيا‬ ‫مع منظومة العقوبات األمريكية‪ ،‬إال أن ذلك يعمتد بشكل كبير على‬ ‫اإلغراءات التي ميكن أن تقدمها الواليات املتحدة لتركيا‬

‫دول الخليج ‪:‬‬

‫يف الغالب فإن دول مجلس التعاون اخلليجي سوف تستجيب‬ ‫بشكل كلي للتوافق مع العقوبات األمريكية‪ ،‬لسببني األول هو‬ ‫العالقات التاريخية مع الواليات املتحدة ‪،‬والثاني أنها ال تقدر على‬ ‫خرق العقوبات حتت طائلة السياسة األمريكية التي تفرض املقاطعة‬ ‫على (أي دولة أو شركة) تتعامل مع إيران بعد سريان العقوبات‪.‬‬ ‫من دول اخلليج التي لها عالقة اقتصادية واسعة دولة اإلمارات‪،‬‬ ‫وخاصة دبي‪ ،‬التي تبلغ حولي احدى عشر مليار دوالر ( ‪2017‬م) وهو‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مبلغ ضخم‪ ،‬يشمل إعادة التصدير وهنا تبز املعادلة بني (الشراكة‬ ‫االقتصادية وبني اخلصومة السياسية) التي يتوجب حلها قبل حلول‬ ‫مواعيد مراحل املقاطعة ( اغسطس\ نوفمبر ‪2018‬م)‪ ،‬من طرف‬ ‫آخر تنامت العالقة التجارية بني إيران وقطر يف السنة األخيرة‪،‬‬ ‫خاصة يف املواد الغذائية واحملاصيل الزراعية‪ ،‬استخدام قطر‬ ‫للمجال اجلوي اإليراني يف بعض رحالت شركتها الوطنية للطيران‪،‬‬ ‫كما أن إيران وقطر يتقاسمان أكبر حقل للغاز الطبيعي يف العالم‪،‬‬ ‫و الذي تشغله شركات عاملية‪ ،‬بقية دول اخلليج التبادل التجاري‬ ‫متواضع نسب ًيا ويف ضوء قطع العالقات بني الرياض وطهران الذي‬ ‫أعلن عنه يف يناير ‪ 2016‬تدنت العالقات االقتصادية مع السعودية‬ ‫و البحرين‪ ،‬وتراجعت مع كل من الكويت و عمان‪.‬‬ ‫من هنا الى أين ؟ بعد إكمال فترة اإلنذار ‪ ،‬أي بعد بداية نوفمبر‬ ‫‪2018‬م‪ ،‬سوف يتطور الصراع‪ ،‬ورمبا يف البداية يأخذ شكل ضغوط‬ ‫أمريكية ورمبا غربية على الداخل اإليراني‪ ،‬يف تصور خللخلة‬ ‫النظام‪ ،‬كشاكلة تسريب معلومات مضرة بالنظام‪،‬خاصة من حيث‬ ‫فساد النخبة اإليرانية احلاكمة‪ ،‬وكذلك دعم أكثر لقوى املعارضة‬ ‫اإليرانية يف الداخل واخلارج‪ ،‬وقد تتصاعد جتليات الصراع لتصل‬ ‫(مادون احلرب املعلنة الساخنة) كما أن إيران سوف حتاول ( حتييد)‬ ‫أكبر عدد من الدول املهمة جتاه العقوبات‪ ،‬خاصة روسيا والصني‪،‬‬ ‫وبعض الدول األخرى‪ ،‬كما سوف ترفع الشوكة من خالل التابعني لها‬ ‫يف بعض الدول العربية‪ ،‬مثل حزب اهلل يف لبنان و احلوثي يف المين‪،‬‬ ‫ورفع درجة التدخل يف كل من العراق وسوريا‪ ،‬من أجل استخدام تلك‬ ‫األوراق للتفاوض‪ ،‬ولكن لن تذهب إلى مكان ما يثير العالم عليها‪،‬‬ ‫مثل إعادة التخصيب (كما هددت) أو التحرش باحلدود اإلسرائيلية‪،‬‬ ‫فتلك الورقتان سوف تعجالن‪ ،‬إن متتا ‪ ،‬بالصدام رمبا الساخن ‪.‬‬ ‫سيبقى احلال يف إطار املناورة‪ ،‬و يعمتد السيناريو بكامله على قدرة‬ ‫الواليات املتحدة بإقناع أكبر عدد من الدول‪،‬ورمبا إغرائها بأحكام‬ ‫العقوبات املختلفة‪ ،‬ألن أي ثغرة أو اختراق من أية دولة أو دول ‪،‬‬ ‫يقلل من فعالية العقوبات عندما تبدأ‪ ،‬من جهة أخرى سوف تعمتد‬ ‫جزئ ًيا سير مسار الصراع على االتفاق بني الواليات املتحدة و كوريا‬ ‫ً‬ ‫ضغطا على إيران وإغرا ًء للدول‬ ‫الشمالية‪ ،‬فإن جنح سوف يشكل‬ ‫الغربية ( املترددة) بالسير مع سياسة الواليات املتحدة‪ .‬أما إذا‬ ‫انفجر صراع مسلح وما يشبهه فإن الساحة التي سوف تدور فيها‬ ‫ً‬ ‫وأرضا‪ ،‬و ال يستبعد أن‬ ‫املعارك هي الساحة اخلليجية بح ًرا و ج ًوا‬ ‫تقوم إيران‪ ،‬يف حال فشل األدوات األخرى بالتحرش بدول اخلليج!‬ ‫تلك خيارات وجب التفكير فيها !‬

‫مدير مركز دراسات اخلليج واجلزيرة العربية ـ جامعة الكويت‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونــيــو ‪2018‬‬

‫‪13‬‬

‫أوروب�����ا ت��م��ي��ل إىل االص��ط��ف��اف م��ع أم��ري��ك��ا ت��ف��ه� ًم��ا لمخاطر‬ ‫إي�����ران أو ألن��ه��ا ال تستطيع ال��ت��ض��ح��ي��ة ب��م��ص��ال��ح��ه��ا م���ع واش��ن��ط��ن‬ ‫إن ما سبقت اإلشارة إليه من سياسات حكومة الواليات املتحدة‪،‬‬ ‫منوذجا من أسباب عدم ثقة الشعب اإليراني يف حكومة الواليات‬ ‫تع ّد‬ ‫ً‬ ‫املتحدة‪ ،‬ليس هذا فحسب‪ ،‬وإمنا هي أحد األسباب املهمة الرئيسية‬ ‫النعدام العدالة وانتشار العنف واإلرهاب واحلرب وانعدام األمن يف‬ ‫العالم وعلي وجه اخلصوص يف منطقة غرب آسيا‪ .‬ولم تؤت هذه‬ ‫السياسات ثما ًرا للشعب األمريكي الشريف املتحضر سوى العبء‬ ‫الثقيل املالي والروحي وعزلة حقيقية لدي الرأي العام يف األغلبية‬ ‫الساحقة لدول العالم‪ .‬فلم يجنِ ثمارها إال عدد محدود من منتجي‬ ‫األسلحة الفتاكة‪ .‬وإذا امتلكت حكومة الواليات املتحدة شجاعة‬ ‫متكنها من التخلي عن هذه السياسات رسم ًيا وفعل ًيا من أجل أمن‬ ‫ورفاهية شعبها‪ ،‬فإن عزلة أمريكا الدولية يف هذه احلالة تنتهي‬ ‫وتبرز صورة جديدة عن أمريكا يف إيران والعالم‪ ،‬وتتهيأ الظروف‬ ‫املالئمة حلركة مشتركة باجتاه األمن واالستقرار والتمنية الشاملة‬ ‫واملستدامة‪.‬‬ ‫ويجب أن نعترف بأن التطلع إلي تغيير سلوك الواليات املتحدة‪،‬‬ ‫مع األسف‪ ،‬ال يبدو واقع ًيا على ضوء الظروف الراهنة‪ ،‬ولذلك‬ ‫بذلت اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية جهودها دو ًما على املستوي‬ ‫العاملي يف سبيل الترويج للشمولية والتعددية واحلوار واحترام سيادة‬ ‫القانون ونزع السالح النووي‪ ،‬وذلك من خالل تقدمي مبادرات من‬ ‫قبيل (حوار احلضارات) و(العالم ضد العنف والتطرف) واملشاركة‬ ‫الفعالة يف املساعي العاملية الرامية إلي حتقيق نزع سالح نووي‬ ‫ونظام دولي مبني علي القانون‪ .‬كما أننا قدمنا حلوالً عملية حلل‬ ‫األزمة يف كل من سوريا والمين سلم ًيا؛ وذلك منذ أوائل أيام هاتني‬ ‫األزمتني‪ ،‬وشاركنا بفعالية يف املبادرات السياسية اجلادة‪ ،‬إال أنه‬ ‫يف كل هذه األزمات قامت الواليات املتحدة‪ ،‬ومع األسف‪ ،‬بحماية‬ ‫املعتدين واإلرهابيني‪ .‬كما أننا على أثر انسحاب أمريكا من االتفاق‬ ‫النووي بذلنا جهو ًدا صادقة مع سائر أعضاء اإلتفاقية املتبقني من‬ ‫أجل احلفاظ على هذا اإلجناز الدبلوماسي العاملي املهم وال نزال‬ ‫نواصل هذا املسار ‪.‬‬ ‫تلك هي الساحة الواسعة (ملسرح العمليات) اجلديد يف الشرق‬ ‫األوسط‪ ،‬والشهور القادمة سوف تبني لنا ما هي السيناريوهات‬ ‫التي سوف تخاض عمليات الصراع على هذا املسرح املمتد من‬ ‫أفغانستان شر ًقا‪ ،‬وحتى ضفاف البحر األبيض غر ًبا‪ ،‬على أقل‬ ‫تقدير‪ .‬كما أن الشروط والشروط املضادة واضح أنها حتمل مساحة‬

‫واسعة من املبتغيات‪ ،‬وعلى هذه الساحة الواسعة سوف تصدم‬ ‫اإلرادات و اإلدارات‬

‫السيناريوهات المحتملة التي يمكن أن يطورها الصراع سيناريو‬ ‫العالقة األمريكية واإليرانية‪:‬‬

‫واضح من الشروط والشروط املضادة أن املسارين يف تصادم‪،‬‬ ‫وأن الشروط اإليرانية نابعة من ( فخر وطني) غير مبرر ‪ ،‬فهي‬ ‫تقدم تلك الشروط التعجيزية من أجل كسب رأي عام محلي‪ ،‬وإظهار‬ ‫القضية وكأنها ثأر تاريخي‪ ،‬يعود تاريخه منذ منتصف القرن املاضي‬ ‫( أحداث مصدق) ‪ ،‬كما لم يبرر الرد اإليراني وجود قوات إيرانية‬ ‫يف كل من العراق وسوريا ودعم لقوى عميلة له يف كل من لبنان و‬ ‫المين‪ ،‬وعبث مبقدرات بالد أخرى يف اخلليج ‪ ،‬إال أن حدود التصادم‬ ‫الزالت ترسم يف اخللفية‪ ،‬فيبدو ألول وهلة أن ( احلرب الساخنة‬ ‫املباشرة) مستبعدة‪ ،‬على األقل يف األشهر القليلة القادمة‪ ،‬ولكن‬ ‫(نوع من احلروب محمتلة) فاحلرب االقتصادية معلنة وخطوطها‬ ‫معروفة‪ ،‬وهي أوال على الصناعات النفطية و القطاع املالي‪ ،‬فال‬ ‫بيع أو شراء من املنتج النفطي اإليراني‪ ،‬كما أن املنظومة املصرفية‬ ‫العاملية سوف تتشدد يف التعامل مع إيران تدريج ًيا‪ ،‬أي ال حتويل من‬ ‫وإلى العملة اإليرانية‪ ،‬فأول الضحايا سوف يكون الريال اإليراني‪،‬‬ ‫الذي سوف يشهد تراج ًعا يف قميته‪ ،‬يسمع ذلك يف التضخم ويف‬ ‫العوز االقتصادي‪ ،‬كما سوف تستهدف القوى العسكرية اإليرانية‪،‬‬ ‫خاصة احلرس الثوري اإليراني بتفرعاته املختلفة‪ ،‬ومن احململ شن‬ ‫حرب أعصاب على النظام و خلخلته من الداخل‪ ،‬كما حدث مؤخ ًرا‬ ‫يف نشر وجود أموال ضخمة ألبناء مسؤولني يف النظام اإليراني‬ ‫احلالي‪ ،‬مما أثار ً‬ ‫لغطا واس ًعا على وسائل التواصل االجمتاعي بني‬ ‫الفرقاء يف إيران‪ ،‬ورمبا تتصاعد هذه الضغوط من خالل املعلومات‬ ‫السرية التي حتتفظ بها اإلدارة األمريكية حول شؤون إيران املختلفة‪.‬‬ ‫من جهة أخرى تتصاعد الضغوط على وجود قوات عسكرية إيرانية‬ ‫يف سوريا‪ ،‬و يبدو أن هناك تفاهم إسرائيلي\ روسي\ و أمريكي‪ ،‬على‬ ‫دفع تلك القوات بعيدًا عن احلدود اإلسرائيلية واألردنية‪.‬‬

‫سيناريو العالقات اإليرانية العربية ومع الجوار‪:‬‬

‫من القضايا التي طاملا ( سرقت الدعاية اإليرانية) بعض العقول‬ ‫العربية‪ ،‬قضية فلسطني‪ ،‬وهي القضية احلساسة لدى العرب‬ ‫واستطاعت إيران ألسباب مختلفة (منها قصور يف الوعي اجلماعي‬ ‫العربي) أن تركب القضية من طريقني‪ ،‬األول الدعاية بانها تقاوم‬

‫‪12‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫دراسة العدد‬

‫ونقض العهد ونقضها السافر لإلتفاق النووي مما أحلق بإيران‬ ‫خسائر مباشرة وغير مباشرة تبلغ مئات املليارات من الدوالرات‬ ‫بسبب فرض احلظر على التجارة مع إيران واالستثمار فيها‪ ،‬وأن‬ ‫تع ّوض عن اخلسائر التي أحلقت بالشعب اإليراني‪ ،‬وتتعهد بطريقة‬ ‫ميكن اختبار مصداقيتها بأنها تنفذ دون قيد أو شرط كل ما تعهدت‬ ‫به يف اإلتفاق النووي‪ ،‬وأنها مبوجب ما نص عليه اإلتفاق النووي‬ ‫سمتتنع عن أي عمل يعرقل طريق تطبيع العالقات االقتصادية‬ ‫اإليرانية‪.‬‬ ‫‪ .7‬على احلكومة األمريكية أن تبادر فو ًرا إلي إطالق سراح جميع‬ ‫املواطنني اإليرانيني وغير اإليرانيني ممن ُو ّجهت إليهم تهم مفتعلة‬ ‫بخرق العقوبات املفروضة علي إيران فأودعوا السجون األمريكية‪،‬‬ ‫أو مت اعتقالهم يف سائر الدول بفعل الضغوط الالقانونية من قبل‬ ‫احلكومة األمريكية لغرض تسلميهم إلي أمريكا وهم يعانون أقسي‬ ‫الظروف حتت االعتقال الالقانوني‪ ،‬كما يجب أن تقوم بالتعويض‬ ‫عن اخلسائر التي حلقت بهؤالء وذويهم‪ ،‬حيث يوجد بينهم نساء‬ ‫حوامل وشيوخ طاعنني يف السن ومرضى‪ ،‬وقد لقي البعض منهم‬ ‫حتفه يف السجن‪.‬‬ ‫‪ 8.‬على احلكومة األمريكية أن تعترف بتداعيات غزوها‬ ‫العدواني التدخلي لهذه املنطقة‪ ،‬مبا فيها العراق وأفغانستان وكذلك‬ ‫اخلليج الفارسي‪ ،‬وتسحب قواتها من املنطقة وتضع نهاية لتدخلها‬ ‫يف شؤون املنطقة‪.‬‬ ‫‪ 9‬ــ على احلكومة األمريكية أن تضع نهاية‬ ‫للسياسات واإلجراءات التي أدت إلي إيجاد جماعة‬ ‫داعش اإلرهابية الالإنسانية وغيرها من اجلماعات‬ ‫املتطرفة‪ ،‬وترغم حلفاءها يف املنطقة علي إيقاف‬ ‫الدعم املالي والتسليحي والسياسي للجماعات‬ ‫املتطرفة يف هذه املنطقة ويف العالم‪ ،‬وذلك بطريقة‬ ‫ميكن اختبار مدي مصداقيتها‪.‬‬ ‫‪10‬ـــ على احلكومة األمريكية أن تتخلي عن‬ ‫توفير السالح للطرف املعتدي يف المين واملشاركة‬ ‫يف الهجمات املتكررة علي الشعب الميني املظلوم‬ ‫وقتل اآلالف من أبنائه وتدمير بلده‪ ،‬وأن ترغم‬ ‫حلفاءها علي إنهاء العدوان علي الشعب الميني‬ ‫والتعويض عن اخلسائر الناجمة عنه‪.‬‬ ‫‪ 11‬ـ على احلكومة األمريكية أن حتترم القوانني واألنظمة‬ ‫الدولية وتبادر إلي وقف دعمها الالمحدود للكيان الصهيوني وتدين‬ ‫سياسة األبارتهايد واالنتهاك املسمتر حلقوق اإلنسان من قبل هذا‬ ‫الكيان‪ ،‬وتدعم بشكل فعلي حقوق الشعب الفلسطيني وبوجه خاص‬ ‫حقه يف تقرير املصير وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها‬ ‫القدس الشريف‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪ 12‬ــ على احلكومة األمريكية أن تبادر إلي وقف بيع األسلحة‬ ‫الفتاكة ـ وليس اجلميلةـ بقمية مئات املليارات من الدوالرات إلي‬ ‫املناطق املتأزمة يف العالم وبخاصة منطقة غرب آسيا‪ .‬فبدالً من‬ ‫أن حتول املناطق املتأزمة إلي مخزن بارود‪ ،‬يجب أن تدع هذه املبالغ‬ ‫الباهظة ّ‬ ‫توظف لتمنية الدول ومكافحة الفقر يف العالم‪ .‬حيث أن‬ ‫جز ًءا من نفقات شراء األسلحة من قبل زبائن أمريكا من شأنه‬ ‫أن يكون عام ً‬ ‫ال إلزالة اجلوع والفقر املدقع‪ ،‬وتوفير املياه الصاحلة‬ ‫للشرب‪ ،‬ومكافحة األمراض و‪ ...‬يف كل أرجاء العالم‪.‬‬ ‫‪ 13‬ـــ على احلكومة األمريكية أن تتخلي عن معارضتها ملوقف‬ ‫املجمتع الدولي املطالب منذ خمسة عقود بإيجاد منطقة خالية‬ ‫من أسلحة الدمار الشامل يف الشرق األوسط‪ ،‬وأن ترغم الكيان‬ ‫الصهيوني احملتل املعتدي علي نزع سالحه النووي‪ ،‬وتعمل علي إزالة‬ ‫أكبر خطر يهدد فعال السالم واألمن اإلقلمييني والعامليني أي وجود‬ ‫أفتك أنواع األسلحة بيد كيان هو أكبر معتد ومؤجج للحروب علي‬ ‫مر التأريخ املعاصر‪.‬‬ ‫‪ 14‬ـــ على احلكومة األمريكية التخلي عن اعمتادها املتزايد علي‬ ‫األسلحة النووية ومنهج التهديد باستخدام هذه األسلحة الالإنسانية‬ ‫أمام األخطار غير النووية‪ ،‬مما يعتبر انتها ًكا ساف ًرا ملا تعهدت به‬ ‫تلك احلكومة مبوجب املادة ‪ 6‬من معاهدة حظر انتشار األسلحة‬ ‫النووية‪ ،‬والقرار االستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية‪،‬‬ ‫والبيان الصادر عن اجمتاع مراجعة وجتديد معاهدة حظر األسلحة‬ ‫النووية عام ‪1995‬م‪ ،‬وقرار مجلس األمن رقم ‪984‬؛‬ ‫وأن تعمل بواجبها األخالقي والقانوني واألمني يف‬ ‫نزع السالح النووي بشكل كامل‪ ،‬األمر الذي يشكل‬ ‫مطلب األغلبية الساحقة من أعضاء األمم املتحدة‬ ‫وحتي وزراء خارجية أمريكا السابقني‪ ،‬كما أنه‬ ‫مطلب كل أبناء البشر املوجودين علي وجه األرض‬ ‫بالتأكيد‪ .‬فإن احلكومة األمريكية ـ باعتبارها‬ ‫الدولة الوحيدة التي سجلت يف التاريخ باسمها عار‬ ‫استخدام السالح النووي‪ ،‬عليها أن تخلـّص البشرية‬ ‫من كابوس احملرقة النووية العاملية املشؤوم واألمن‬ ‫الوهمي الذي أُرسي بنيانه علي أساس الزوال‬ ‫احلمتي للطرفني‪.‬‬ ‫‪ 15‬ـــ على احلكومة األمريكية أن تتعهد جلميع‬ ‫األطراف املتعاقدة معها وللمجمتع الدولي بأنها حتترم مبدأ الوفاء‬ ‫أساسا‬ ‫بالعهد الذي يع ّد أهم قاعدة يف القانون الدولي وميثل‬ ‫ً‬ ‫للعالقات اإلنسانية املتحضرة‪ ،‬وأن تتخلي رسم ًيا‪ ،‬بل وأهم من‬ ‫ذلك عمل ًيا‪ ،‬عن املنهج اخلطر املمتثل يف استغالل القانون الدولي‬ ‫واملنظمات الدولية كـإحدى األدوات املتواجدة يف جعبة أدوات‬ ‫الواليات املتحدة‪.‬‬

‫العقوبات عىل‬ ‫إي����ران ت��رف��ع ف��ات��ورة‬ ‫واردات الطاقة التركية‬ ‫و تراجع قيمة الليرة‬ ‫بعد أن بلغ حجم التجارة‬ ‫البينية ‪ 14‬مليار دوالر‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ظريف وزير اخلارجية اإليراني و نشرت يوم اخلميس ‪ 21‬يونيو‬ ‫وكانت ً‬ ‫أيضا مزايدة على الشروط االثناعشر ‪ ،‬فقد جاءت يف خمسة‬ ‫عشر بندًا هي التالي‪:‬‬ ‫‪ 1‬على احلكومة األميركية أن حتترم استقالل إيران وسيادتها‬ ‫الوطنية‪ ،‬وتعطي ضمانا بأنها ستنهي تدخالتها يف إيران مبوجب ما‬ ‫تعهدت به عبر معاهدة اجلزائر لعام ‪1980‬م‪.‬‬ ‫‪ 2‬ــ على احلكومة األمريكية أن تتخلى رسميا عن أسلوب‬ ‫التهديد‪ ،‬واستخدام القوة كأداة للسياسة اخلارجية ضد اجلمهورية‬ ‫اإلسالمية اإليرانية وغيرها من الدول‪ ،‬مما يتناقض مع املبادئ‬ ‫اآلمرة يف القانون الدولي وميثاق األمم املتحدة‪ ،‬وقد أحلق خسائر‬ ‫جمة بشعوب العالم‪ ،‬وشعوب منطقتنا والشعب األميركي‪.‬‬ ‫‪3‬ــ على احلكومة األمريكية أن حتترم حصانة حكومة اجلمهورية‬ ‫اإلسالمية اإليرانية‪ ،‬األمر الذي يعتبر من املبادئ‬ ‫األساسية للقانون الدولي‪ ،‬وأن تلغي ما أصدرته‬ ‫ّ‬ ‫وتكف عن تطبيقها‬ ‫من أحكام تعسفية غير قانونية‪،‬‬ ‫سواء داخل الواليات املتحدة أو يف سائر الدول‪.‬‬ ‫‪ 4‬ــ على احلكومة األمريكية أن تعترف باألعمال‬ ‫غير القانونية التي قامت بها طوال العقود املنصرمة‬ ‫ضد الشعب اإليراني‪ ،‬كما عليها أن تقوم بالتعويض‬ ‫عن اخلسائر التي حلقت بالشعب اإليراني من جراء‬ ‫ذلك‪ ،‬وتقدم ضما ًنا ميكن اختبار مصداقيتها بأنها‬ ‫ستكف عن االسمترار فيها والعودة إليها حول‪:‬‬ ‫ دورها يف االنقالب العسكري الذي أدى يف‬‫‪ 19‬أغسطس ‪1953‬م‪ ،‬إلى إسقاط احلكومة الوطنية‬ ‫الشرعية يف إيران‪ ،‬وأحلقت خسائر وأضرار كبيرة‬ ‫بالشعب اإليراني من جراء اسمترار احلكومة‬ ‫االنقالبية املستبدة يف إيران طوال مدة ‪ 25‬سنة‪.‬‬ ‫ قيامها بحجز ومصادرة عشرات املليارات من الدوالرات‬‫من أموال وممتلكات الشعب اإليراني بال وجه قانوني‪ ،‬سواء ما مت‬ ‫جتميده منها يف أمريكا بعد انتصار الثورة اإلسالمية عام ‪1979‬م‪،‬‬ ‫أو ما متت مصادرته خالل األعوام املاضية حتت ذرائع واهية وعلى‬ ‫غير وجه قانوني‪.‬‬ ‫ اعتداؤها العسكري على األراضي اإليرانية عام ‪1980‬م‪،‬‬‫وانتهاكها الصارخ والسافر لسيادة إيران ووحدة أراضيها‪.‬‬ ‫ مساعداتها العسكرية والتسليحية واالستخباراتية السخية‬‫للدكتاتور العراقي املقبور صدام حسني خالل فترة ‪ 8‬سنوات من‬ ‫احلرب املفروضة على الشعب اإليراني‪.‬‬ ‫ دورها املباشر يف معاناة جمع غفير من اإليرانيني املصابني‬‫باألسلحة الكميياوية العراقية التي مت تزويد صدام بأجزائها من قبل‬ ‫أمريكا وحلفائها الغربيني‪.‬‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونــيــو ‪2018‬‬

‫‪11‬‬

‫ إسقاط طائرة ركاب مدنية إيرانية بواسطة فرقاطة وينسنس‬‫األمريكية يف ‪ 3‬يوليو ‪1988‬م‪ ،‬مما أودى بحياة ما يزيد على ‪290‬‬ ‫مدن ًيا بري ًئا من الركاب والطاقم‪ ،‬ثم منح الوسام لقائد تلك الفرقاطة‪.‬‬ ‫ قيامها بضرب املنصات النفطية اإليرانية عبر هجمات‬‫متكررة خالل ربيع عام ‪1988‬م‪.‬‬ ‫ توجيه تهم وإساءات واهية إلى الشعب اإليراني الشريف‬‫باسمترار؛ كتسميتها الشعب اإليراني بـ (الشعب املمترد املجرم) أو‬ ‫(الشعب اإلرهابي) أو (محور الشر)‪.‬‬ ‫ إدراج املسلمني مبن فيهم املواطنون اإليرانيون يف قائمة‬‫املمنوعني من دخول األراضي األمريكية‪ ،‬وذلك بأسلوب غير‬ ‫قانوني وعنصري وغير مبرر‪ .‬إن اإليرانيني يف أمريكا هم من أكثر‬ ‫جناحا وثقافة والتزا ًما بالقانون‪ ،‬كما أنهم قدموا خدمات‬ ‫اجلاليات‬ ‫ً‬ ‫كبيرة ملجمتعهم‪ .‬وهاهم اليوم محرومون من اللقاء‬ ‫بأقربائهم حتى اجل ّد واجلدة‪.‬‬ ‫ قيامها بإيواء أشخاص من دعاة ممارسة‬‫العنف ضد إيران يف أمريكا ‪ ،‬وحماية اجلماعات‬ ‫الشريرة من امليليشيات واملنظمات اإلرهابية التي‬ ‫كانت بعضها طوال سنوات ضمن قائمة اجلماعات‬ ‫اإلرهابية لدى احلكومة األمريكية نفسها ثم مت‬ ‫شطبها من هذه القائمة قبل عدة سنوات بفعل‬ ‫محاوالت لوبي مؤججي احلروب‪ ،‬ومن يتقاضون‬ ‫الرواتب من هذه املنظمات ممن أصبح بعضهم‬ ‫اليوم يف عداد املسؤولني من الطراز األول يف اإلدارة‬ ‫األمريكية احلالية‪.‬‬ ‫ دعمها للمنظمة االستخباراتية التابعة للكيان‬‫الصهيوني (موساد) لغرض القيام بأعمال إرهابية‬ ‫أسفرت عن استشهاد علماء نوويني إيرانيني‪.‬‬ ‫ قيامها بعمليات التخريب يف املشروع النووي اإليراني من‬‫خالل احلروب السايبرية‪.‬‬ ‫ العمل على تزوير املستندات وخداع املجمتع الدولي والترويج‬‫لألزمة املفتعلة‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـــ على احلكومة األمريكية أن تتخلى عن سياساتها العدوانية‬ ‫وعدوانها االقتصادي املسمتر طوال أربعة عقود ماضية ضد الشعب‬ ‫اإليراني‪ ،‬وأن تلغي العقوبات الظاملة الواسعة النطاق واملباشرة‬ ‫والتي تتعدى حدود أمريكا‪ ،‬وتوقف فو ًرا مئات من اللوائح واألوامر‬ ‫التنفيذية الصادرة بهدف عرقلة املسار الطبيعي للتمنية يف إيران‪،‬‬ ‫مما يشكل انتها ًكا ساف ًرا للقانون الدولي واملعاهدات النافذة‪ ،‬ومت‬ ‫إدانته من قبل اجلميع‪ ،‬وتقوم بالتعويض عن اخلسائر اجلسمية التي‬ ‫حلقت بشعب إيران واقتصادها من جراء ذلك‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـــ على احلكومة األمريكية أن توقف فو ًرا أسلوبها يف الغدر‪،‬‬

‫إي��ران ل��ن‬ ‫تثي��ر العال��م بإع��ادة‬ ‫التخصيب أو التحرش‬ ‫بإس��رائيل فالورقت��ان‬ ‫تعج�لان بالص��دام‬ ‫الس��اخن وس��يبقى‬ ‫الحال يف إطار المناورة‬

‫‪10‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫دراسة العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ال��ح��رب الساخنة المباشرة بين أمريكا وإي����ران مستبعدة يف‬ ‫المدى القريب لكن الحرب االقتصادية معلنة وخطوطها معروفة‬ ‫يف إيران على النظام‪ .‬مباشرة بعد اإلعالنني يف ‪ 8‬و ‪ 21‬مايو‬ ‫‪ ،‬بدأت الشركات الكبرى الغربية‪ ،‬حتس ًبا ألية مخاطر‪ ،‬تنسحب‬ ‫من السوق اإليراني‪ ،‬كما وجدت الدول الغربية‪ ،‬التي حاولت إيجاد‬ ‫حلول وسطى بني املوقف األمريكي واإليراني وجدت نفسها متيل‬ ‫إلى االصطفاف مع الواليات املتحدة‪ ،‬إما بسبب تفهمها للمخاطر‬ ‫التي تسببها إيران ملصاحلها يف املدى البعيد‪ ،‬أو النها ال تستطيع‬ ‫أن تضحي باملصالح االقتصادية والسياسية التي تربطها بالواليات‬ ‫املتحدة‪ ،‬خاصة يف ظروف تصاعد ( الشد واجلذب) يف القطاع‬ ‫االقتصادي الذي ينذر بـ ( حرب اقتصادية دولية) وتوجه الواليات‬ ‫املتحدة لفرض ضرائب على االستيراد من الغرب ! ذلك امليل ميكن‬ ‫قراءته يف تصريح السيدة اجنيال ميركل‪ ،‬املستشارة األملانية‪ ،‬الذي‬ ‫نشر على لسانها وهي يف زيارة إلى األردن حيث قالت أنها ( قلقة‬ ‫حول سياسية الصواريخ اإليرانية البالستية‪ ،‬ووجود إيران يف سوريا‬ ‫ودورها يف المين )‬

‫شروط إيران المضادة ‪:‬‬

‫يف ‪ 24‬مايو ‪ ،‬أي بعد ثالثة أيام من إعالن شروط الواليات‬ ‫املتحدة التفصيلية ‪،‬طرح املرشد اإليراني علي خامنئي عد ًدا من‬ ‫الشروط على الدول األوروبية لبقاء إيران ضمن االتفاق النووي‪ ،‬لعل‬ ‫ً‬ ‫ضغطا على تلك الدول‪ ،‬وهي من جديد قراءة غير دقيقة‬ ‫يف ذلك‬ ‫ملا يجمع الدول األوروبية بالواليات املتحدة‪ .‬وطالب علي خامنئي‬ ‫الدول األوروبية بتقدمي ضمانات ملواصلة االتفاق النووي وحماية‬ ‫مبيعات النفط اإليرانية من الضغوطات األمريكية‪ ،‬ومواصلة شراء‬ ‫النفط اإليراني‪ ،‬وأن ال تسعى للتفاوض حول برنامج إيران للصواريخ‬ ‫البالستية‪ ،‬أو نشاط إيران يف منطقة الشرق األوسط‪ .‬كما طالب‬ ‫البنوك األوروبية بحماية التعامالت التجارية مع إيران‪ ،‬مشي ًرا إلى‬ ‫أن طهران ال تريد الدخول يف نزاع مع الدول األوروبية الثالث‪،‬‬ ‫األطراف يف االتفاق النووي‪ ،‬وهي بريطانيا وأملانيا وفرنسا‪ ،‬رغم أنها‬ ‫ال تثق بها! واضح من هذه الشروط أنها رد استعالئي‪ ،‬كما أن املرشد‬ ‫لم يذكر موضوع المين ورمبا جرى جتاهله عن قصد !‬ ‫أما الرد اإليراني املوسع فقد جاء يف مقالة مطولة للسيد جواد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مايو ظهرت شروط اإلدارة األمريكية ملعاودة التفاوض مع إيران‬ ‫على قاعدتها‪ ،‬والتي أعلنها مايك بومبيو وزير اخلارحية األمريكي‪،‬‬ ‫يف كلمة ألقاها يف معهد "هيرتيغ" يف العاصمة األمريكية واشنطن‪،‬‬ ‫وهذا يعني موقف سياسي للواليات املتحدة مدروس‪ .‬والشروط التي‬ ‫ً‬ ‫شرطا هي ‪:‬‬ ‫بلغت اثناعشر‬ ‫ الكشف عن كل التفاصيل املرتبطة ببرنامج طهران النووي‬‫والسماح لوكالة الطاقة الذرية الدولية بالتفتيش املسمتر‪.‬‬ ‫ التوقف عن تخصيب اليورانيوم‪ ،‬وغلق املفاعل الذي يعمل‬‫باملاء الثقيل ( أراك)‪.‬‬ ‫ منح الوكالة الدولية نفا ًذا شام ً‬‫ال لكل احملطات النووية‬ ‫اإليرانية‪.‬‬ ‫ وضع حد النتشار الصواريخ البالستية‪ ،‬والصواريخ التي ميكن‬‫رؤوسا نووية‪.‬‬ ‫أن حتمل‬ ‫ً‬ ‫ إطالق سراح األمريكيني‪ ،‬وكل املواطنني احلاملني جلنسيات‬‫من دول حليفة لواشنطن احملتجزين يف إيران‪.‬‬ ‫ وضع حد لدعم "املجموعات اإلرهابية يف الشرق األوسط"‪.‬‬‫ وضع حد لدعم حركة طالبان والقاعدة واجلماعات اإلرهابية‬‫األخرى‪.‬‬ ‫‪ -‬وضع حد لدعم فيلق القدس يف احلرس الثوري‪.‬‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونــيــو ‪2018‬‬

‫‪9‬‬

‫ وضع حد لتصرفات طهران جتاه إسرائيل والدول احلليفة‬‫لواشنطن يف الشرق األوسط‪.‬‬ ‫ نزع سالح املليشيات الشيعية يف العراق‪.‬‬‫ وضع حد لدعم ميليشيات جماعة احلوثي يف المين‪.‬‬‫ االنسحاب من سوريا وسحب مليشيات احلرس الثوري‬‫اإليراني هناك‪.‬‬ ‫تلك الشروط الواسعة تشير إلى كل ما تراه واشنطن من أضرار‬ ‫نتيجة السياسات التي تتبعها طهران منذ فترة‪ ،‬ولم يتعامل معها‬ ‫املفاوضون يف ( ‪ )1+5‬وقد تفاعل اإلعالم العاملي والعربي مع تلك‬ ‫الشروط‪ ،‬البعض من املناصرين إليران رأى أنها (تعجيزية)‪ ،‬والبعض‬ ‫اآلخر وجد أنها موضوعية وهي إن لم تستوفى يف معظمها‪ ،‬فهي‬ ‫مقدمة (لتغيير النظام اإليراني) بعد تصعيد مبرمج للصراع‪ ،‬ويف‬ ‫نفس خطاب بومبيو قال إن الواليات املتحدة سوف ترسل مجموعات‬ ‫متخصصة لدول العالم لشرح سياسة اإلدارة األمريكية جتاه إيران‪،‬‬ ‫والكشف عن الدور التخريبي الذي تقوم به إيران يف املنطقة‪،‬‬ ‫و أردف يف اخلطاب ( إذا لم تغير إيران مسارها فسوف تزداد‬ ‫العقوبات)‪ ،‬و اجلملة األخيرة هي صدى ملا صرح به الرئيس ترمب‬ ‫يف وقت سابق ‪ ،‬مبا معناه أن إيران سوف تشهد حصا ًرا اقتصاد ًيا لم‬ ‫تعهد من قبل ! كما وضع اخلطاب اللوم يف تردي األوضاع املعيشية‬

‫‪8‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫دراسة العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إذا انفجر صراع مسلح فإن ساحة املعارك ستكون الساحة الخليجية‬

‫االنس��حاب األمريك��ي من االتف��اق النووي‬ ‫ومجل��س التع��اون‪ :‬التــحدي��ات والنتائ��ج‬ ‫ما اتفق عليه املشتغلون بعلم االجمتاع السياسي‪ ،‬أن هناك يف الغالب ارتدادات تصغر أو تكبر ألي قرار كبير يف الشؤون الدولية‬ ‫لدى طائفة من الدول‪ ،‬صغيرها وكبيرها‪ ،‬بعيدها وقريبها‪ ،‬وخاصة إذا كانت تلك القرارات متخذة من دولة كبرى (كما يف حال‬ ‫الواليات املتحدة وإدارتها احلالية بقيادة الرئيس دونالد ترامب) و القضية الساخنة التي تعرف بالقضية اإليرانية وحيث أن‬ ‫الصدام بني القوة الكبرى (أمريكا) وبني (إيران) القوة اإلقلميية‪ ،‬يجري قري ًبا من الفضاء اجلغرايف اخلليجي و العربي‪ ،‬كما‬ ‫تباعا مبجريات هذا الصراع‬ ‫أن شكل الصدام له احمتاالت متعددة‪ ،‬فمن الطبيعي أن تتأثر هذه املنظومة (اخلليجية) و العربية ً‬ ‫وتداعياته السياسية واالقتصادية‪ ،‬بل وحتى االجمتاعية ورمبا العسكرية‪ .‬لقد نشأ من جراء الصراع مجموعة من الشروط‬ ‫واملطالب املسبقة بني كال الطرفني‪ ،‬منها الشروط الذي طالبت بها أمريكا من أجل إعادة التفاوض‪ ،‬واالشتراطات اإليرانية‬ ‫املضادة‪ ،‬وكما جاءت األولى على مرحلتني (الرآسة) ووزير اخلارجية‪ ،‬قابلتها االستجابة االيرانية ً‬ ‫أيضا على مرحلتني‪ ،‬ومن أجل‬ ‫اإلحاطة بالصورة نعرض هنا لشروط الطرفني لبسط النظر على (ساحة املعركة)!‬

‫د‪ .‬محمد غامن الرميحي‬

‫شروط الواليات المتحدة‪:‬‬

‫لم يكن خف ًيا أن السيد دونالد ترامب‪ ،‬كان قد أعلن أثناء احلملة‬ ‫الرئاسية االنتخابية عام ‪2016‬م‪ ،‬أن من بني أولوياته إعادة النظر‬ ‫يف االتفاق النووي الذي وقع يف ‪ 15‬يوليو ‪2015‬م‪ ،‬بني الدول الست‬ ‫(اخلمسة زائد واحد و بني إيران) وأن ذلك االتفاق معيب من‬ ‫وجهة نظره ‪ ،‬وسوف جتري مراجعته يف حال فوز املرشح ترامب‬ ‫! وسارت األمور يف التخمني بني املراقبني بني احمتالني ‪،‬خروج‬ ‫الواليات واملتحدة من االتفاق‪ ،‬وبني بقائها مع تعديالت طفيفة‬ ‫على االتقاق‪ ،‬وكانت بعض التحليالت قد ذهبت إلى عدم جدية‬ ‫اإلدارة األمريكية يف االنسحاب من ذلك االتفاق الدولي‪ ،‬خاصة مع‬ ‫معارضة شديدة من شركائها االساسيون‪ ،‬وهم دول اوروبا الغربية‬ ‫(املانيا‪ ،‬فرنسا‪ ،‬بريطانيا)‪ ،‬وحتى بعض احملللني خارج تلك املنظومة‬ ‫الغربية‪ ،‬وجدوا أن هناك صعوبات تكتنف االنسحاب‪ ،‬بسبب أن‬ ‫اخليارات األخرى غير واضحة‪ ،‬أو غير متاحة‪ ،‬إال أن األمر أخذ‬

‫وجهة أخرى‪ ،‬فيف ‪ 8‬مايو ‪2018‬م‪ ،‬أعلن الرئيس األمريكي انسحاب‬ ‫بالده من االتفاق‪ ،‬و التشدد يف إعادة املقاطعة االقتصادية إيران‬ ‫خالل أشهر (تبدأ املرحلة األولى ‪ 6‬أغسطس واملرحلة الثانية ‪4‬‬ ‫نوفمبر ‪2018‬م)‪ ،‬كما شدد اإلعالن على فرض عقوبات اقتصادية‬ ‫على أي دولة وشركة تتعامل مع إيران بعد ذلك التاريخ ‪ ،‬وعلى‬ ‫الرغم من الزيارات التي قام بها عدد من رؤساء الدول الغربية‬ ‫قبل اإلعالن مباشرة إلى البيت األبيض من أجل إقناع اإلدارة‬ ‫األمريكية باتخاذ تدابير مخففة‪ ،‬وزيارات سابقة لوزراء اخلارجية‬ ‫الغربيون إليران من أجل البحث يف مخارج إلبقاء الواليات املتحدة‬ ‫يف صلب االتفاق مع تعديالت ترضى بها إيران‪ ،‬إال أن قراءة إيران‬ ‫للتوجه األمريكي لم تكن أكثر من أنها (مناورة) و راهنت طهران‬ ‫على التدخل من الدول الغربية ملنع الواليات املتحدة من اخلروج‬ ‫من االتفاق‪ ،‬وكانت املراهنة خاسرة! عقب اإلعالن عن اخلروج من‬ ‫االتفاق بأيام ‪ ،‬أي خالل ثالثة عشر يو ًما‪ ،‬جاءت التفاصيل‪ ،‬فيف ‪21‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫متابعات عربية‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونــيــو ‪2018‬‬

‫‪7‬‬

‫اإلدارة األمريكية حولت األمر الواقع إىل صفقة بموافقة كل األطراف أو‬ ‫أغلبيتها علن ًيا أو ضمن ًيا مع تعديالت عىل أطراف المعادلة وجغرافيا المنطقة‬ ‫هذا األمر الواقع إلى صفقة سياسية توافق عليها كل األطراف أو‬ ‫أغلبيتها‪ ،‬علن ًيا أو ضمن ًيا‪ ،‬مع إدخال تعديالت على أطراف املعادلة‬ ‫وجغرافيا املنطقة‪.‬‬

‫هل ستكون الحرب مدخ ًال لتمرير صفقة القرن ؟‬

‫صفقة القرن ليست مجرد أفكار محل تداول بل مخطط يجري‬ ‫تنفيذه عمل ًيا واملشكلة تمتحور حول كيفية تكريسها رسم ًيا‪ ،‬ويف هذا‬ ‫السياق يوجد سيناريوهان رئيسيان ‪:‬‬

‫السيناريو األول ‪ :‬تمرير الصفقة سلم ًيا من خالل ‪:‬‬

‫‪ -1‬أال تعلن اإلدارة األمريكية عن الصفقة رسم ًيا فميا تسمتر‬ ‫وإسرائيل يف تنفيذ بنودها ووضع العالم أمام األمر الواقع كما جرى‬ ‫مبسألة القدس ويجري بخصوص قضية الالجئني وبفصل غزة عن‬ ‫الضفة ‪.‬‬ ‫‪ -2‬أن تعلن واشنطن عن صفقة القرن من طرف واحد وتقوم‬ ‫إسرائيل مبا عليها من استحقاقات مبقتضاها دون موافقة أي‬ ‫طرف فلسطيني وهذا يعني اسمترار األمور على حالها يف غزة‬ ‫والضفة مما سيؤدي لتآكل سلطتي الضفة وغزة ‪.‬‬ ‫‪ -3‬أن يوافق طرف فلسطيني على التعامل مع الصفقة ‪.‬‬ ‫‪ -4‬عقد مؤمتر على شاكلة مؤمتر مدريد لمترير التطبيع مع‬ ‫إسرائيل والتخلي عن املبادرة العربية للسالم وإنهاء الصراع العربي‬ ‫اإلسرائيلي‪ ،‬يتبعه اتفاقية جديدة على شاكلة اتفاقية أوسلو ولكن‬ ‫أكثر سو ًءا ليتنازل الطرف الفلسطيني من خاللها عن حق العودة‬ ‫واحلق يف القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية ‪.‬‬

‫السيناريو الثاني ‪ :‬أن يتم تمرير الصفقة عن طريق حرب‬

‫وهذا سيناريو أكثر كارثية من األول وهدف هذه احلرب ما‬ ‫يلي ‪:‬‬

‫‪ -1‬تدمير ما ميكن تدميره من مواقع املقاومة وقياداتها وزيادة‬ ‫األوضاع اإلنسانية يف غزة صعوبة ‪.‬‬ ‫‪ -2‬افتعال حرب أهلية يف قطاع غزة حول َمن يحكم قطاع‬ ‫غزة‪ ،‬ويف هذه احلالة سيمت نقل مركز ثقل السلطة من الضفة‬ ‫إلى غزة بحيث يمت تصفية احلالة الوطنية يف الضفة الغربية إما‬ ‫لصالح تقاسم وظييف مع األردن أو ضمها إلسرائيل‪ ،‬وحلول السلطة‬

‫الوطنية محل سلطة حركة حماس يف قطاع غزة‪ ،‬أو استجالب‬ ‫طرف ثالث ليحكم قطاع غزة ‪.‬‬ ‫‪ -3‬تهجير مئات آالف الفلسطينيني إلى شمال سيناء‪ ،‬ويف هذا‬ ‫السياق نذكر مبا جرى بداية األحداث يف سوريا حيث تدفق ماليني‬ ‫السوريني إلى دول اجلوار بتواطؤ دولي وحتت مبررات األوضاع‬ ‫اإلنسانية ‪.‬‬ ‫‪ -4‬استدعاء تدخل دولي للتعامل مع الواقع اجلديد وقد يمت‬ ‫إرسال قوات دولية للقطاع ‪.‬‬ ‫‪ -5‬فرض دولة غزة ‪.‬‬ ‫يف جميع احلاالت فإن هذه الصفقة لن تُنهي الصراع أو تحُ قق‬ ‫السالم حتى وإن شاركت فيها أطراف عربية وقد يكون مصيرها‬ ‫مصير اتفاقات مدريد وأوسلو وتسمتر لعقود مع إدارة جديدة‬ ‫للصراع ‪.‬‬ ‫حتى مع موافقة طرف فلسطيني على الصفقة‪ ،‬رسم ًيا أو‬ ‫ضمن ًيا‪ ،‬فلن ينتهي الصراع ألن الطرف الفلسطيني الذي سيوافق‬ ‫إما أن تكون حركة حماس وهي ال متثل الشعب الفلسطيني‪ ،‬أو‬ ‫منظمة التحرير ويف هذه احلالة ستفقد أهليتها لمتثيل الشعب‬ ‫الفلسطيني األمر الذي سيدفع غالبية الفلسطينيني لتأسيس‬ ‫منظمة حترير جديدة أو كيان سياسي جديد ميثل حالة الرفض‬ ‫لتسوية األمر الواقع‪ ،‬مع عدم جتاهل إمكانية إيجاد طرف فلسطيني‬ ‫ثالث مستعد للتعامل مع الصفقة ‪.‬‬ ‫ويف اخلتام نمتنى أن ال تدفن القيادات الفلسطينية رأسها‬ ‫يف الرمال مجد ًدا ‪،‬فبعد ربع قرن اعترفت بفشل تسوية أوسلو‬ ‫وعدم نزاهة الوسيط األمريكي !!!‪ ،‬وبعد أحد عشر عا ًما نسمع‬ ‫تصريحات من قيادات يف منظمة التحرير والسلطة بوجود مخطط‬ ‫لفصل غزة عن الضفة وتتراشق حركتا فتح وحماس االتهامات‬ ‫باملسؤولية عن االنقسام !!! وما نخشاه أن نسمع من نفس القيادات‬ ‫بعد حني اكتشافها وجود مخطط يمت تنفيذه يسمى صفقة القرن‬ ‫وتتراشق االتهامات مع بعضها البعض عن املسؤولية عن مترير هذه‬ ‫الصفقة !!! ‪.‬‬

‫*أكادميي وكاتب فلسطيني‬

‫‪6‬‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫يــونـــيـــو ‪2018‬‬

‫متابعات عربية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الرفض الفلسطيني الرسمي املُعلن مثل التهوين و لن يوقف مسار التسوية‬

‫صفقة القرن وسباق الدبلوماسية والحرب‪:‬‬ ‫(‪ )9‬مرتكزات خلف التسوية األمريكية‬

‫جهود واتصاالت أمريكية مكثفة علنية مع دول عربية وسرية وعبر وسطاء مع أطراف فلسطينية الستكمال إخراج ما‬ ‫تسمى صفقة القرن أو صفقة العصر ‪ ،‬وكأن هناك سباق بني اجلهود السياسية لمترير صفقة القرن وقرع طبول احلرب من‬ ‫إسرائيل كجزء من سيناريو حرب قادمة تلوح يف األفق لفرض صفقة القرن ‪.‬‬ ‫بغض النظر عن املسمى وعما إن كانت تسوية إلنهاء الصراع أم لتجديد أدوات وشكل إدارته فإن الرئيس ترامب وفريق‬ ‫إدارته وظفوا متغيرات ووقائع تراكمت خالل سنني ليبنوا عليها مشروع التسوية اجلديدة الذي باشرت إدارة ترامب تطبيقه‬ ‫حتى قبل اإلعالن عنه‪ ،‬وذلك من خالل إجراءات وقرارات الرئيس ترامب وإسرائيل حول القدس والالجئني وتعطيل اجلهود‬ ‫الفلسطينية يف مجلس األمن وما يجري من اتصاالت ومشاورات حول مستقبل قطاع غزة ‪.‬‬

‫د‪ .‬إبراهمي أبراش‬

‫المرتكزات التي يعتمد عليها مشروع التسوية الجديدة (صفقة‬ ‫القرن) ‪:‬‬

‫‪ -1‬وصول مشروع التسوية السياسية الذي عنوانه اتفاقية‬ ‫أوسلو لطريق مسدود وغياب أي حراك دولي جاد لتسوية بديلة‪.‬‬ ‫‪ -2‬األمر الواقع الذي فرضته إسرائيل مبباركة أمريكية يف‬ ‫الضفة والقدس من استيطان وتغيير دميغرايف‪ ،‬وفميا يخص قضية‬ ‫الالجئني من خالل محاولة إنهاء خدمات األونروا ‪.‬‬ ‫‪ -3‬فشل املراهنة على األمم املتحدة ومجلس األمن حتديدًا‬ ‫إلنصاف الشعب الفلسطيني يف قيام دولته املستقلة ‪.‬‬ ‫‪ -4‬جتاهل قرارات الشرعية الدولية حول القضية الفلسطينية ‪.‬‬ ‫‪ -5‬االنقسام الفلسطيني واإلفشال املُتعمد لكل جهود املصاحلة‬ ‫‪.‬‬ ‫‪ -6‬ضعف السلطتني القائمتني يف الضفة وغزة ‪.‬‬ ‫‪ -7‬االشتغال املمنهج على قطاع غزة خللق أوضاع إنسانية تهدد‬ ‫باالنفجار مما يتطلب حل سري ًعا ‪.‬‬ ‫‪ -8‬فوضى الربيع العربي وانهيار معسكر الصمود واملقاومة يف‬ ‫مقابل بوادر االستعداد للتطبيع مع إسرائيل وااللتفاف على املبادرة‬ ‫العربية للسالم ‪.‬‬

‫‪ -9‬املعادالت والتحالفات اجلديدة يف املنطقة التي تغير من‬ ‫طبيعة الصراع يف الشرق األوسط وأطرافه ‪.‬‬ ‫ألنها مشروع تسوية أمر واقع فإن عالقة قوية توجد ما بني‬ ‫صفقة القرن واالنقسام الفلسطيني واإلفشال املُتعمد للمصاحلة‪.‬‬ ‫الرفض الفلسطيني الرسمي املُعلن للصفقة مثله مثل التهوين من‬ ‫الصفقة والقول بأنها مجرد فزاعة أو ولِدت ميتة لن يوقف مسار‬ ‫مشروع التسوية إن اقتصر على مجرد الرفض أو التجاهل‪ ،‬الرفض‬ ‫دون استراتيجية فلسطينية موحدة ملواجهة الصفقة قد يؤول إلى‬ ‫قبول ضمني ‪.‬‬ ‫قد يقول قائل إن احلديث عن (صفقة القرن) ظهر حدي ًثا مع‬ ‫ترامب منذ حوالي العام فقط بيمنا االنقسام وفشل املصاحلة يعودا‬ ‫ألكثر من عقد من الزمن‪ ،‬وهذا كالم صحيح من حيث التسلسل‬ ‫الزمني واملسميات‪ ،‬ولكن من يرجع إلى ما تسرب عن صفقة القرن‬ ‫وما يمت تنفيذه منها سيجد أنها تُبنى وتؤسس على األمر الواقع‬ ‫الذي نتج عن فشل تسوية أوسلو وعن االنقسام وتداعياته من حيث‬ ‫خروج غزة عن سيطرة السلطة وخلق أوضاع إنسانية صعبة يف غزة‬ ‫تدفع الناس فيه ألي حل‪ ،‬وما تقوم به اإلدارة األمريكية هو حتويل‬

‫العــدد ‪132‬‬ ‫‪131‬‬ ‫مــــــايـــــو‬ ‫يـونـيــو ‪2018‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ــ محاولة كسب تعاطف الشارع العربي واإلسالمي بزعم أنها‬

‫معادية إلسرائيل والواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬ومحاولة اللعب بورقة‬

‫القضية الفلسطينية دون فعل أي شيء لهذه القضية‪ ،‬واإلساءة إلى‬

‫الشعائر اإلسالمية العظمية وهو ما فعله احلجاج اإليرانيون يف‬ ‫مواسم احلج ويف املشاعر املقدسة‪.‬‬

‫ــ استعراض القوة العسكرية يف اخلليج والتدخل يف حرية‬

‫وسالمة املالحة الدولية واحلديث املتكرر عن إغالق مضيق هرمز‬ ‫احليوي للمالحة الدولية وجتارة النفط العاملية‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫واخلارجة عن طوع دولها من أجل خدمة املصالح اإليرانية‪.‬‬

‫دول مجلس التعاون اخلليجي التي سبق أن رحبت باالتفاق النووي‬

‫بني إيران ومجموعة (‪ )1+5‬ال تضمر ش ًرا للشعب اإليراني وال تريد‬

‫له اإليذاء‪ ،‬بل تريد له الرخاء والسالم‪ ،‬كما أنها تريد إخالء منطقة‬ ‫اخلليج وعموم منطقة الشرق األوسط من األسلحة النووية‪ ،‬وتريد‬

‫عدم جر املنطقة إلى أي مواجهة عسكرية تضر بالسلم واالستقرار‬ ‫اإلقلمييني‪ ،‬أو تضر بالشعب اإليراني ومكتسباته وحقه يف احلياة‬

‫الكرمية‪ ،‬لذلك تريد دول مجلس التعاون أن يتوقف النظام اإليراني‬

‫ــ التسليح املبالغ فيه ‪ ,‬ما جر املنطقة إلى حالة من سباق التسلح‬

‫عن السياسات العدائية جتاه دول املنطقة وأن يكف عن التدخل‬

‫اخلليج من التمنية والبناء إلى مواجهة األخطار اإليرانية املعلنة والتي‬

‫وقبول مبدأ التعايش السلمي والتعاون اإلقلميي إلرساء السالم يف‬

‫غير مشهودة من قبل‪ ،‬وتعمدت ذلك لتحويل جهود دول منطقة‬ ‫جتاهر بها طهران‪ ،‬بل تنفذها بالتدخل السافر يف شؤون العديد من‬

‫الدول العربية واخلليجية‪ ،‬ما جعلها تتدخل عسكر ًيا وبشكل مباشر‬

‫يف العراق وسوريا والمين‪ ،‬أو عبر امليليشيات املسلحة واجلماعات‬ ‫اإلرهابية ما دون الدولة والتي تعمل ضد دولها بغرض الهمينة‬ ‫اإليرانية على القرار السياسي للعديد من الدول العربية‪.‬‬

‫يف شؤون دول اجلوار واالنسحاب العسكري من خارج حدود بالده‬

‫عموم املنطقة التي عكر هذا النظام صفوها‪ ،‬وأن تتخلى طهران عن‬ ‫طموحاتها النووية العسكرية‪.‬‬

‫املطلوب من إيران يف املرحلة احلالية اإلنصات إلى صوت‬

‫العقل والنظر إلى مصالح شعبها دون عناد أو مكابرة لتعديل االتفاق‬ ‫النووي مبا يجعلها تستفيد من االستخدامات السلمية للطاقة النووية‬

‫ــ وزاد أمر التسليح خطورة عندما دخلت إيران إلى املجال النووي‬

‫والتخلي عن طموح امتالك القنبلة الذرية التي لن تستخدمها‬

‫العسكري يف املنطقة بامتالك أسلحة الدمار الشامل‪ ،‬وزاد األمر‬

‫من السباق النووي مجد ًدا يف املنطقة‪ ،‬من أجل أن تتفادى فرض‬

‫واحلديث عن سعيها المتالك السالح الذري ما يجعلها تخل بالتوازن‬ ‫خطورة بتحديها للمجمتع الدولي والتهرب من التفتيش األممي على‬

‫مفاعالتها النووية القريبة جدًا من الساحل الشرقي للخليج العربي‬ ‫يف مواجهة دول مجلس التعاون اخلليجي‪.‬‬

‫كل ذلك وغيره من املمارسات اإليرانية غير القانونية وغير‬

‫حتت أي ظرف من الظروف العتبارات عديدة‪ ،‬بل ستوجد حالة‬

‫املزيد من العقوبات االقتصادية التي تعطل مسيرتها التمنوية وتهدر‬ ‫قمية عملتها وتزيد من الضغوط على اقتصادها املتهاوي وجتنب‬ ‫شعبها ويالت ونتائج املواجهة مع العالم خاصة أن تلك املواجهة غير‬

‫ذات عائد إليران وشعبها سوى املزيد من احلصار الدولي وتفاقم‬

‫األخالقية واخلارجة عن سياسات ُحسن اجلوار جعلت املجمتع‬ ‫الدولي عامة ودول مجلس التعاون اخلليجي خاصة ال تثق يف‬

‫نفسه‪ ،‬وهذه العواقب لن حتقق ما يسعى إليه النظام من أن املواجهة‬

‫الدولية املتعارف عليها‪ ،‬وبذلك أرست إيران مبادئ عدم الثقة مع‬

‫خلفه يف ظل االنفتاح اإلعالمي والعجز االقتصادي وتردي األوضاع‬

‫سلوكيات النظام اإليراني املنفلت وغير امللتزم بأسس العالقات‬ ‫املجمتع الدولي وجيرانها‪ ،‬لذلك رأت الواليات املتحدة األمريكية‬

‫والعديد من دول العالم أن إيران غير أمينة على إدارة مفاعالت نووية‬ ‫قياسا‬ ‫حتى وإن كانت حتت شعار االستخدام السلمي للطاقة الذرية‬ ‫ً‬

‫على تاريخ إيران وطموحاتها ونزعاتها العدوانية والطائفية وتلويحها‬ ‫الدائم باستخدام القوة العسكرية وتدخلها العسكري السافر والعلني‬

‫يف دول اجلوار بشكل مباشر أو عبر وكالئها من امليليشيات املسلحة‬

‫املشكالت الداخلية التي قد تؤدي إلى عواقب وخمية للنظام احلاكم‬ ‫مع العالم تطيل بقاءه يف السلطة وجتعل الشعب اإليراني يتوحد‬

‫االجمتاعية لشعب عريق وصاحب حضارة ما يجعل هذا الشعب‬ ‫درعا يف حروب النظام اإليراني الفاشلة التي‬ ‫يرفض استخدامه ً‬

‫يتحمل تكلفتها الشعب اإليراني وشعوب املنطقة‪.‬‬

‫*رئيس مركز الخليج لألبحاث‬

‫حول الخليج‬ ‫‪4‬‬

‫العــدد ‪131‬‬ ‫مــــــايـــــو ‪2018‬‬

‫افـتتــاحــية ال ـعـدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫النظام اإليراني ‪..‬‬ ‫فروسية كاذبة وإهدار مقدرات شعبه‬ ‫من الثابت أن منطقة اخلليج العربي لم تهدأ منذ قيام الثورة‬

‫اإلسالمية اإليرانية يف عام ‪1979‬م‪ ،‬وحتى اآلن‪ ،‬فقد بدأ النظام اإليراني‬

‫الذي خلف الشاه سياسة جديدة يف املنطقة وال سميا جتاه دول اجلوار‬ ‫خاصة الدول العربية ويف مقدمتها دول مجلس التعاون اخلليجي‪ ،‬وهذه‬ ‫السياسة ارتكزت إلى عدة مرتكزات بغية حتقيق مجموعة أهداف لم‬ ‫تكن من قبل‪ ،‬بل غير قابلة للتطبيق والتحقيق ألنها تسعى لتغيير أسس‬

‫العالقات الدولية املتعارف عليها خاصة بعد احلرب العاملية الثانية‬

‫واستقرار الدولة الوطنية وتطبيق القوانني الدولية يف إطار مجمتع‬

‫‪4‬‬

‫د‪ .‬عبد العزيز بن عثمان بن صقر‬

‫العــدد ‪131‬‬ ‫مــــــايـــــو ‪2018‬‬

‫‪sager@grc.net‬‬

‫دولي قائم على احترام سيادة الدول و استقاللها‪.‬‬

‫ونتيجة للسياسة اخلارجية اإليرانية التي انتهجها نظام ما بعد‬

‫الثورة اإلسالمية طرأت تطورات جديدة يف املنطقة العربية عامة‬

‫ومنطقة اخلليج خاصة‪ ،‬وكان أبرز معاملها سعي إيران للتوسع اإلقلميي‪،‬‬

‫أو ما يسمى بتصدير الثورة ‪ ،‬واعمتدت يف ذلك على عدة مرتكزات‬ ‫أهمها‪:‬‬

‫ـ تصعيد اخلالف املذهبي الطائيف لكي تضمن الوالء املطلق باسم‬

‫الدين لتدعمي نهج والية الفقيه ويكون هذا الوالء فوق الوطن من خارج‬ ‫إيران ‪.‬‬

‫ـ زعزعة االستقرار اإلقلميي للنفاذ إلى داخل الدول العربية‬

‫واإلسالمية حتت مسميات طائفية ونصرة فرقة أو طائفة ضد دولتها‬

‫ومجمتعها بغطاء مزاعم كاذبة وحجج واهية ومغلوطة‪.‬‬

‫ــ استخدام األذرع املسلحة أو امليليشيات ضد دولها لتفتيت عضد‬

‫الدول وتشكيل عصابات والؤها املطلق إليران‪.‬‬

‫ــ متويل اجلماعات وامليليشيات املناهضة لدولها أي اجلماعات‬ ‫اإلرهابية ما جعلها تنفق أموا ًال طائلة على متويل اجلماعات املسلحة‬ ‫خارج حدودها‪.‬‬

‫ــ الدخول يف حروب إقلميية ويف مقدمتها احلرب العراقية ـ‬

‫اإليرانية التي اسمترت لثماني سنوات‪ ،‬وتغذية حروب غير مباشرة يف‬ ‫لبنان والعراق وسوريا والمين‪.‬‬

‫هذا العدد‬

‫ملف العدد‬ ‫د‪ .‬طالل صالح بنّان‬ ‫د‪ .‬الصادق الفقيه‬ ‫د‪ .‬احمد سليم البرصان‬ ‫د‪ .‬أشرف محمد كشك‬ ‫د‪ .‬محمد مجاهد الزيات‬ ‫د‪ .‬أحمد سيد أحمد‬ ‫لواء أ‪ .‬ح ‪ /‬محمد عبدالخالق قشقوش‬ ‫د‪ .‬نوزاد عبد الرحمن الهيتي‬ ‫د‪ .‬محمد فايز فرحات‬ ‫د ‪ .‬صدقه يحيى فاضــــــــل‬ ‫د‪ .‬معتز سالمة‬ ‫د‪.‬محمد عزالعرب‬ ‫لواء ‪ .‬محمد إبراهيم‬ ‫د‪ .‬محمد عباس ناجي‬ ‫د‪ .‬محمد البنا‬ ‫د‪ .‬ظافر محمد العجمي‬ ‫د‪ .‬عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب‬ ‫صافيناز محمد أحمد‬ ‫د‪ .‬محمد زاهد جول‬ ‫د‪ .‬كريستيان كوخ‬ ‫نعيـمة عكوش‬

‫إصدارات‬

‫‪25www.araa.sa‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪42‬‬ ‫‪47‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪57‬‬ ‫‪65‬‬ ‫‪71‬‬ ‫‪76‬‬ ‫‪79‬‬ ‫‪84‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪93‬‬ ‫‪97‬‬ ‫‪102‬‬ ‫‪108‬‬ ‫‪111‬‬ ‫‪117‬‬ ‫‪123‬‬ ‫‪127‬‬

‫‪129‬‬

‫قضايا يف السياسة العالمية‬

‫هذا العدد من مجلة (آراء حول الخليج) والذي يحمل رقم " ‪ "132‬من سلسلة إصدار المجلة يتناول يف الملف‬ ‫‪131‬اإليراني وتأثير ذلك عىل إيران ومنطقة الخليج‬ ‫النووي‬ ‫الرئيسي قضية االنسحاب األمريكي من اتفاق الملف‬ ‫العــدد‬ ‫مــــــايـــــو ‪3 2018‬‬ ‫المتوقعة من جانب األطراف المعنية بقضية الملف‬ ‫والشرق األوسط برمته‪ ،‬والسيناريوهات المطروحة أو‬ ‫النووي اإليراني‪.‬‬ ‫وتناولت دراسات ومقاالت هذا العدد أبعاد هذه القضية بعمق وموضوعية ومن ثم جاءت الرؤية واضحة‬ ‫والتوصيات مقنعة حيث تم مناقشة كافة األسباب وما يمكن أن تؤول إليه تطورات األحداث المستقبلية يف‬ ‫ظل التشدد األمريكي والتعنت اإليراني‪ ،‬وقد تم استعراض األسباب التي دفعت إدارة الرئيس األمريكي ترامب‬ ‫التخاذ هذه الخطوة أي االنسحاب من االتفاق الذي أبرمته إدارة الرئيس أوباما‪ ،‬وكذلك قراءة وتوقع السياسات‬ ‫اإليرانية عىل ضوء نهج النظام اإليراني وسلوكه وممارساته‪ ،‬ويف المقابل قراءة ورصد مواقف المجتمع‬ ‫الدويل عىل ضوء تباين المصالح والتوجهات السياسية‪ ،‬وبين هذا وذاك توقع ما قد يحدث يف منطقة الشرق‬ ‫األوسط عامة ومنطقة الخليج خاصة‪ ،‬وما قد يصيب هذه المنطقة من شرر متطاير‪.‬‬ ‫ويرى الكثير من المحللين أن الواليات المتحدة األمريكية جادة يف فرض العقوبات والحصار االقتصادي ضد‬ ‫إيران‪ ،‬وأن واشنطن لن تسمح لطهران بامتالك السالح النوي كون النظام اإليراني ال يعبأ بالقوانين الدولية‪،‬‬ ‫ويريد امتالك السالح النووي لزعزعة استقرار المنطقة والعالم وتهديد دول الجوار ‪ ،‬إضافة إىل تهديد إسرائيل‬ ‫وهذا ما ال تقبله الواليات المتحدة األمريكية ودول االتحاد األوروبي ‪.‬‬ ‫الكثير من المحللين وضعوا ثالثة سيناريوهات رئيسية لمستقبل أزمة االتفاق النووي اإليراني وهي إما أن‬ ‫تقبل إيران بتعديل االتفاق النووي المعروف باتفاق (‪ )1+5‬بما يضمن أال تمتلك القنبلة النووية الحقًا‪ ،‬أو‬ ‫يكون تدخل األطراف الدولية المؤثرة مثل دول االتحاد األوروبي وروسيا والصين مقن ًعا ومؤث ًرا عىل اإلدارة‬ ‫األمريكية وتستطيع هذه الدول الضغط عىل واشنطن‪ ،‬أو ال تلتزم بفرض العقوبات األمريكية المقترحة‬ ‫والتي ستدخل حيز التنفيذ يف نوفمبر المقبل‪ ،‬ومن ثم تتراجع واشنطن بعض الشيء عن شروطها التي أعلنها‬ ‫الرئيس ترامب تجاه أزمة الملف النووي اإليراني‪ ،‬والسيناريو األخير هو نشوب حرب أمريكية ـ إيرانية‪ ،‬وهذا‬ ‫السيناريو يعد من أخطر االحتماالت ومع ذلك ال يبدو الوقوع قري ًبا ‪ ،‬أو عىل األقل يف المدى المنظور‪.‬‬ ‫ويعتقد البعض أن العقوبات التي ستفرضها الواليات المتحدة األمريكية والتي سيقبلها المجتمع الدويل يف‬ ‫نهاية األمر سوف تطيح بالنظام اإليراني الحاكم‪ ،‬بل أن الهدف الرئيسي من هذه العقوبات هو تأليب الشعب‬ ‫اإليراني عىل حكومته ومن ثم التغيير من الداخل تحت ضغط الخارج‪ ،‬ويعتقد الكثيرون أن هذا السيناريو هو‬ ‫األقرب إىل التحقيق كون النظام اإليراني الحايل استعدى شعبه وجعله مكرو ًها من الدول يف العالم لتبنيه‬ ‫سياسة التدخل يف الشؤون الداخلية للدول األخرى وتبديد أموال الشعب يف مغامرات تمويل الميليشيات‬ ‫المسلحة خارج إيران كما هو الحاصل يف اليمن وسوريا والعراق ولبنان وغيرها وقد تحمل الشعب اإليراني‬ ‫كلفة هذه المغامرات والطموحات اإليرانية الفاشلة والتي يقودها نظام الماليل‪ ،‬إضافة إىل تأثير األوضاع‬ ‫االقتصادية الصعبة والفقر عىل الشعب اإليراني ما جعل البازار يقف يتخىل عن دعم النظام الحاكم‪ ،‬بل يشترك‬ ‫يف مظاهرات ضده‪.‬‬ ‫يف النهاية‪ ،‬يظل العالم يف حالة ترقب وانتظار لما ستؤول إليه األحداث يف إيران و ما يخيم عىل المنطقة من‬ ‫قلق جراء الملف النووي اإليراني ورعونة النظام الحاكم يف طهران‪ ،‬وعجرفته وتهديده للمنطقة واستخدام‬ ‫ورقة إغالق مضيق هرمز ‪.‬‬

‫محاور العدد المقبل‬ ‫وقفة‬

‫‪130‬‬

‫مفاتيح النزاع والحل يف الشرق األوسط‬ ‫جمال أمين ه ّمام‬

‫اإلسهامات‬ ‫٭ ترحب مجلة «آراء حول اخلليج» بإسهامات الكتاب والباحثني يف الشؤون اخلليجية يف املجاالت‬ ‫السياسية واالقتصادية واالجمتـاعية والدفاعية واألمنية‪.‬‬ ‫٭ المجلة غير ملتزمة بإعادة أي مادة تتلقاها للنشر‪.‬‬ ‫٭ جميع حقوق الترجمة والنشر محفوظة لمركز الخليج لألبحاث ‪.2008‬‬ ‫٭ ال يسمح بإعادة نشر المواد المنشورة في المجلة دون الحصول على إذن خطي مسبق من مركز‬ ‫الخليج لألبحاث‪.‬‬ ‫٭ آراء الكتاب تعبر عن أصحابها وال تعبر بالضرورة عن اتجاهات يتبناها مركز الخليج أو مجلة آراء‪.‬‬

‫سوف يناقش الملف الرئيسي بالعدد المقبل من مجلة (آراء حول الخليج) والذي يحمل الرقم ‪ 133‬من سلسلة‬ ‫أعداد المجلة قضية حيوية طرأت عىل الساحة الدولية مؤخ ًرا وهي (طريق الحرير‪ :‬تأثيره وأهدافه ودوره)‪،‬‬ ‫حيث تلقي الصين بثقلها عىل إعادة إنشاء طريق الحرير والذي من المتوقع أم يكون بمثابة تحول تاريخي يف‬ ‫طريق التجارة الدولية والتنمية العالمية ودور الصين يف االقتصاد العالمي والتجارة الدولية يف القرن الحادي‬ ‫والعشرين‪ ،‬وسوف يتناول هذا الملف العديد من المحاور منها ما ييل‪:‬‬ ‫ــ تأثير طريق الحرير عىل طرق التجارة التقليدية والممرات المالحية الحالية‪.‬‬ ‫ــ مدي تأثر الدول العربية والخليجية باإليجاب أو السلب من طريق الحرير‪.‬‬ ‫ــ الطرق المثىل المتاحة أمام الدول العربية لالستفادة من طريق الحرير يف التنمية‪.‬‬ ‫ــ لماذا تتواجد الصين بقوة يف الخليج وماذا يعكس استئجارها جزيرة فيلكا الكويتية؟‬ ‫ــ مستقبل العالقات الصينية ـ اإليرانية ‪ /‬الروسية وتأثيرها عىل منطقة الخليج‪.‬‬ ‫ـ مستقبل التبادل التجاري بين الصين وأوروبا وتأثيره عىل الدول العربية‪.‬‬ ‫ــ تأثير طريق الحرير عىل تجارة النفط وتداعيات ذلك عىل النفط الخليجي‪.‬‬ ‫ــ عالقات الصين والغرب يف المستقبل ‪ ..‬تكامل وحوار أم تنافس وصراع؟‬ ‫ــ الزيادة المتوقعة يف المبادالت الصينية ـ العالمية‪ ،‬والحجم المتوقع لهذه المبادالت‪.‬‬ ‫ــ مستقبل التكتالت التجارية اإلقليمية والدولية الحالية بعد طريق الحرير‪.‬‬ ‫ــ استشراف الدور العالمي المستقبيل للصين وموقف الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬ ‫ــ هل ستتحول الصين إىل قوة اقتصادية وعسكرية عظمي وتغير موازين العالم؟‬

‫افتتاحية العدد‬ ‫العــدد ‪131‬‬ ‫مــــــايـــــو ‪2018‬‬

‫‪2‬‬

‫مجلة شهرية تصدر عن‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬ ‫تعنى بالشؤون اخلليجية‬

‫‪4‬‬

‫النظام اإليراني ‪ ..‬فروسية كاذبة وإهدار مقدرات شعبه‬ ‫‪www.araa.sa‬‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز بن عثمان بن صقر‬

‫متابعات عربية‬

‫‪6‬‬

‫صفقة القرن وسباق الدبلوماسية والحرب‪ 9 :‬مرتكزات خلف التسوية األمريكية‬ ‫د‪ .‬إبراهيم أبراش‬

‫رئيس التحرير‬

‫د‪ .‬عبد العزيز بن عثمان بن صقر‬ ‫‪sager@grc.net‬‬

‫مدير التحرير‬

‫جمال أمني همام‬

‫دراسة العدد‬

‫‪8‬‬

‫إذا انفجر صراع مسلح فإن ساحة المعارك ستكون الساحة الخليجية‬ ‫االنسحاب االمريكي من االتفاق النووي ومجلس التعاون‪ :‬التحديات والنتائج‬ ‫د‪ .‬محمد غانم الرميحي‬

‫‪jamal@araa.sa‬‬

‫سكرتير التحرير‬

‫سليـمان مارديني‬ ‫‪suliman@araa.sa‬‬

‫التصممي الفني‬

‫خالد علي محمد‬ ‫‪info@araa.sa‬‬

‫الهيئة االستشارية‬

‫د‪ .‬خالد اجلابر‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬عبد اخلالق عبد اهلل‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬عبد اهلل خليفة الشايجي‬ ‫د‪ .‬عبد اهلل بن علي عبد الرزاق باحجاج‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬صالح بن عبد الرحمن املانع‬ ‫د‪ .‬محمد عبد الغفار عبد اهلل‬

‫قضية العدد‬

‫‪15‬‬

‫التداعيات السلبية للعقوبات االقتصادية األميركية عىل االقتصاد اإليراني‬ ‫معوق��ات االقتصاد اإليران��ي ‪ :‬البطالة والتضخم ومحدودية االس��تثمارات‬ ‫واالعتماد عىل النفط‬ ‫د‪ .‬خضير عباس النداوي‬

‫الطباعة‬

‫متت الطباعة يف مؤسسة‬ ‫املدينة للصحافة والطباعة والنشر‬

‫اإلعالنات واملراسالت‬ ‫لإلعالن يف املجلة ميكن االتصال بقسم اإلعالن والتسويق على العنوان التالي‪:‬‬ ‫البريد االلكتروني‪info@araa.sa :‬‬ ‫توجه جميع املراسالت إلى مجلة «آراء حول اخلليج» على العنوان التالي‪:‬‬ ‫‪ 1٩‬شارع راية االحتاد‬ ‫ص‪.‬ب‪ ١٠٥٠١ .‬جدة ‪ ٢١٤٤٣‬اململكة العربية السعودية‬ ‫هاتف‪+٩٦٦ ١٢ ٦٥١١٩٩٩:‬‬ ‫فاكس‪+٩٦٦ ١٢ ٦٥٣١٣٧٥ :‬‬ ‫البريد اإللكتروني‪info@araa.sa :‬‬

‫ثمن النسخة‬ ‫اململكة العربية السعودية‪ ٣٥ :‬ري ـ ــا ًال‬ ‫درهما‬ ‫اإلمارات العربية املتحدة‪٣٥ :‬‬ ‫ً‬ ‫‪ ٣٫٥‬دينا ًرا‬ ‫مملكة البحرين‪:‬‬ ‫‪ ٣٥‬ري ـ ـ ــا ًال‬ ‫دولة قطر‪:‬‬ ‫‪ ٣٫٥‬دينا ًرا‬ ‫دولة الكويت‪:‬‬ ‫‪ ٣٫٥‬ري ـ ـ ــا ًال‬ ‫سلطنة عمان‪:‬‬ ‫‪ ٤٫٥‬ديـنــا ًرا‬ ‫األردن‪:‬‬

‫االشتراك السنوي‬ ‫الدول العربية‪:‬‬ ‫الدول األوروبية‪:‬‬ ‫بقية دول العالم‪:‬‬

‫‪ ١٠٠‬دوال ًرا‬ ‫‪ ١١٠‬دوال ًرا‬ ‫‪ ١٢٠‬دوال ًرا‬

‫يرسل طلب االشتراك إلى عنوان املجلة‬ ‫مع حوالة مصرفية أو شيك بقمية‬ ‫االشتراك باسم مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫العــدد ‪131‬‬ ‫مــــــايـــــو ‪2018‬‬

‫‪1‬‬

‫صفقة القرن ‪ ..‬سباق الدبلوماسية والحرب‪:‬‬ ‫‪ 9‬مرتك��زات خل��ف التس��وية األمريكية‬ ‫العــــــدد ‪132‬‬ ‫يـــونــــيـــــــو ‪2018‬‬

‫معوقاتاالقتصاداإليراني‪:‬البطالةوالتضخم‬ ‫ومحدوديةاالستثماراتواالعتمادعىلالنفط‬

‫ملف العدد‪:‬‬

‫االنسحاب األمريكي من االتفاق النووي اإليراني‪ :‬التداعيات والسيناريوهات‬

‫▀ الت��وازن العس��كري يف الخلي��ج ض��د إي��ران واس��تبعاد أي مغام��رة عس��كرية والمواجه��ة اقتصادية‬ ‫▀ أوروب��ا تصط��ف م��ع أمري��كا والح��رب العس��كرية مس��تبعدة والح��رب االقتصادي��ة معلن��ة‬ ‫▀ الس��عودية ق��ادرة ع�لى تعوي��ض اإلم��دادات ودوره��ا القي��ادي ركي��زة م��ع دول "أوب��ك" و خارجه��ا‬ ‫▀ تعقي��دات النظام االس��تراتيجي يف المنطقة تجع��ل النووي ليس عامل ردع بل الفش��ل أكثر احتما ًال‬ ‫▀ ق��وة أمري��كا يف إنج��اح أو إفش��ال أي اتف��اق بعي�� ًدا ع��ن إرادة أطراف��ه الحلف��اء أو الخص��وم‬ ‫▀ ال مصلح��ة لروس��يا يف هيمن��ة إي��ران ع�لى المنطق��ة وه��ي بحاجة إىل ت��وازن ق��وى يف المنطقة‬ ‫▀ التصعي��د األمريك��ي يتج��اوز االتف��اق الن��ووي و الصاروخ��ي و النف��وذ اإلقليمي إىل تغيي��ر النظام‬ ‫▀ س��يناريوهات عالق��ة قط��ر وإيران يف ظل أزم��ة "النووي" تطرح تس��اؤالت حول الش��كوك والنوايا‬ ‫▀ أمري��كا ورط��ت إي��ران يف س��وريا الس��تدراجها لح��رب اس��تنزاف ترهقه��ا وج��رت روس��يا للمس��تنقع‬