مجلة آراء العدد 130

‫العــــــدد ‪130‬‬ ‫إبـــريــــــــــــل ‪2018‬‬

‫ملف العدد‪:‬‬

‫الــعـالقـ ــات الـخـلـيـجـيـ ــة ‪ -‬الـجـزائـريـ ــة‪ :‬الـواقـ ــع والـمـأمـ ــول‬ ‫▀ ‪ 4‬مقترح ــات لتطوي ــر الش ــراكة االقتصادي ــة الس ــعودية ‪ -‬الجزائري ــة غي ــر الغ ــاز المس ــال‬ ‫▀ فش ــل الره ــان عل ــى تعث ــر العالق ــات الس ــعودية ‪ -‬الجزائري ــة بع ــد ث ــورات الربي ــع العرب ــي‬ ‫▀ تجربـــة الجزائـــر‪ :‬ثـــالث مقاربـــات ومحاربـــة اإلرهـــاب صعبـــة لكـــن ليســـت مســـتحيلة‬ ‫▀ الدبلوماس ــية الس ــعودية أول م ــن وف ــر حاضن ــة عربي ــة للجزائ ــر بع ــد العش ــرية الس ــوداء‬ ‫▀ مراجع ــات محس ــوبة تهي ــئ لنقل ــة ف ــي العالق ــات االس ــتراتيجية الس ــعودية ‪ -‬الجزائري ــة‬ ‫▀ فـــراق العالقـــات الجزائريـــة ‪ -‬اإليرانيـــة آت‪ ..‬والمشـــروع اإليرانـــي ال يســـتثني أحـــ ًدا‬ ‫▀ الجزائ ــر نم ــوذج للق ــوة الش ــاملة وجيش ــها الـــ ‪25‬عالم ًي ــا والثان ــي إفريقي ــا والثال ــث عرب ًي ــا‬ ‫▀ العالق ــات الخليجي ــة ‪ -‬الجزائري ــة ق ــوة عربي ــة أم ــام التدخ ــالت الخارجي ــة يف المنطق ــة‬ ‫▀ ‪ 4‬مص ــادر لتموي ــل اإلره ــاب ف ــي غ ــرب إفريقي ــا وبوك ــو ح ــرام التنظي ــم األكث ــر دموي ــة‬

‫‪120‬‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫وقفة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫جـائـزة اإلبـداع اإلعـالمي ‪..‬الشـكـر والـعـرفـان‬

‫جمال أمني همام*‬ ‫‪jamal@araa.sa‬‬ ‫فــوز مجلــة (آراء حــول اخلليــج) بجائــزة اإلبــداع اإلعالمــي مــن‬ ‫مؤسســة الفكــر العربــي والتــي مت اإلعــالن عنهــا يف مؤمتــر فكــر‪ 16‬الــذي‬ ‫احتضنتــه دبــي (‪ 12 - 10‬أبريــل ‪2018‬م) لــه وقــع خــاص كمــا قــال رئيــس‬ ‫حتريــر املجلــة الدكتــور عبــد العزيــز بــن صقــر يف كلمتــه أثنــاء منــح اجلائــزة‬ ‫العتبــارات قــد حددهــا يف كلمتــه أمــام احلضــور رفيــع املســتوى‪ ،‬منهــا‬ ‫مصداقيــة اجلائــزة وموضوعيــة وحياديــة جلنــة التحكيــم‪ ،‬وثقــل وأهميــة‬ ‫اجلهــة املانحــة للجائــزة املتمثلــة يف عراقــة واهتمامــات مؤسســة الفكــر‬ ‫العربــي‪ ،‬وثقافــة ورؤيــة القائمــن عليهــا ممــا جعلهــا اجلائــزة األرفــع عرب ًيــا‪،‬‬ ‫ومــن ثــم فاحلصــول عليهــا هــدف ســام وشــرف كبيــر‪.‬‬ ‫يظـل تكـرمي مؤسسـة الفكـر العربـي هـو أثمـن جائـزة وأجـل تكـرمي‬ ‫وتقدير‪ ،‬وإن كانت املؤسسـة ‪-‬اجلهة املانحة للجائزة‪ -‬غير معنية بالتحكيم‬ ‫واختيـار الفائزيـن‪ ،‬لكنهـا تقـر النتائـج ومتنح اجلوائز وتقيـم احتفالية راقية‬ ‫جـدًا لتسـليم اجلوائـز وسـط حضـور تختـاره املؤسسـة مـن صفـوة املفكريـن‬ ‫واملسـؤولن العـرب‪ ،‬ولقـد سـعدت جـدًا مبـا قاله لي األسـتاذ الدكتور هنري‬ ‫العويـط مديـر عـام مؤسسـة الفكـر العربـي قبيـل اإلعـالن الرسـمي‪ ،‬حيـث‬ ‫قـال مبـارك لكـم الفـوز املسـتحق‪ ،‬وال أخفيـك أنـه لـم يكـن لنـا أي دور‬ ‫يف االختيـار لكـن فـوز مجلتكـم أسـعدني كونهـا تسـتحق الفـوز عـن جـدارة‪.‬‬ ‫واجلميـل ً‬ ‫أيضـا مـا قالـه مجموعـة مـن النخـب العربيـة الذيـن حضـروا‬ ‫االحتفاليـة‪ ،‬أو الذيـن أبرقـوا وهاتفـوا وكتبوا مهنئن وفرحن بهذا التكرمي‪،‬‬ ‫وعباراتهـم الدقيقـة واملعبـرة جعلتنـي أكتشـف املجلـة مـن جديـد‪.‬‬ ‫وللحقيقــة‪ ،‬فــوز املجلــة بهــذه اجلائــزة‪ ،‬ليــس مســتغر ًبا ملــن يكتــب فيهــا‪،‬‬ ‫ومــن يقرأهــا ويتابعهــا‪ ،‬وملــن يعمــل فيهــا ويقــوم عليهــا حيــث يجــد أن هــذا‬ ‫التكــرمي مســتحق ألســباب منطقيــة‪ ،‬منهــا الفكــرة التــي انطلقــت منهــا‬ ‫املجلــة‪ ،‬ثــم األهــداف التــي وضعتهــا لنفســها‪ ،‬وفلســفة رئيــس حتريرهــا‬ ‫وانتمــاؤه الشــديد لوطنــه وإقليمــه واملنطقــة العربيــة‪ ،‬وهــذا مــا يترجمــه‬ ‫مركــز اخلليــج لألبحــاث وفروعــه وفعالياتــه وإصداراتــه يف منطقــة اخلليــج‬ ‫وخارجهــا‪ ،‬واملركــز هــو اجلهــة احلاضنــة للمجلــة‪.‬‬

‫وجنـاح املجلـة يعـود كذلـك للشـركاء احلقيقيـن وهـم أصحـاب الـرأي‬ ‫والفكـر مـن األكادمييـن والباحثـن مـن اجلنسـن الرجـال والسـيدات‪،‬‬ ‫ومـن جتربـة (آراء حـول اخلليـج) فـإن املنطقـة العربيـة ثريـة جـدًا بالعقـول‬ ‫وأصحـاب األفـكار مـن العلمـاء والباحثـن الذيـن لديهـم الرؤيـة الصائبـة‬ ‫واالجتهـادات احملمـودة‪ ،‬فهـم يكتبـون مبوضوعيـة وحياديـة‪ ،‬ويقدمـون نتـاج‬ ‫فكرهـم مبـا يرونـه صائ ًبـا خلدمـة املنطقة ومبا يتناسـب مع أصـول البحث‪،‬‬ ‫ومبـا يليـق بأسـمائهم ومـا هـو منسـوب لهـم مـن فكـر‪ ،‬ويف هـذا اإلطـار‬ ‫تسـتكتب املجلـة أكثـر مـن ‪ 600‬باحـث وأكادميـي ومفكـر عربـي وأجنبـي‪،‬‬ ‫وتختار من بينهم ما يناسـب كل ملف من امللفات التي تناقشـها املجلة التي‬ ‫تخصـص كل عـدد مللـف قائـم بذاتـه وعليـه يتـم تناولـه مـن مختلـف الزوايـا‬ ‫ً‬ ‫متكامـال‪.‬‬ ‫وإشـباعه مـن النقـاش والتحليـل مـا يثـري امللـف ويجعلـه‬ ‫وبفضــل هــذه األقــالم والعقــول أضحــت مجلــة (آراء حــول اخلليــج)‬ ‫خصوصــا يف الشــأن اخلليجــي‪ ،‬ورافــدًا مه ًمــا‬ ‫مرج ًعــا موثو ًقــا للباحثــن‬ ‫ً‬ ‫لصانــع القــرار ولــكل مــن يبحــث عــن املعلومــة املوثقــة الدقيقــة عــن منطقــة‬ ‫اخلليــج العربــي‪ ،‬وكمــا قــال رئيــس التحريــر يف حفــل اســتالم اجلائــزة إنــه‬ ‫يســعدني أن أجــد اســم املجلــة يزيــل رســائل الدكتــوراه واملاجســتير عــن‬ ‫منطقــة اخلليــج بــن هوامــش هــذه الرســائل العلميــة واألطروحــات يف‬ ‫أعــرق اجلامعــات العربيــة والعامليــة‪.‬‬ ‫ويسـاهم يف هـذا النجـاح مجلـس الهيـأة االستشـارية للمجلـة الـذي‬ ‫يتكـون مـن سـتة أعضـاء ميثلـون دول مجلـس التعـاون اخلليجـي وهـم مـن‬ ‫الباحثـن املرموقـن ذوي اخلبـرة والكفـاءة والتاريـخ‪.‬‬ ‫ومبوضوعيــة‪ ،‬تقــف كتيبــة مــن اجلنــود املقاتلــن ‪-‬املعروفــن أحيا ًنــا‪،‬‬ ‫واملجهولــن أحيا ًنــا أخــرى‪ -‬مــن أعضــاء مجلــس التحريــر واجلهــاز الفنــي‬ ‫بــكل أقســامه خلــف هــذا العمــل الــذي يصــدر يف مجلــة تصــل إلــى القــارئ‬ ‫بنســختيها الورقيــة واأللكترونيــة‪ ،‬وأعضــاء هــذه الكتيبــة يعملــون حتــت‬ ‫شــعار التفانــي واإلخــالص والعمــل اجلــاد‪ ،‬والعمــل بطريقــة تكامليــة علــى‬ ‫طريقــة الطاولــة املســتديرة فــكل يســاهم بقــدر مهامــه وتخصصــه يف‬ ‫النجــاح‪ ،‬بــل هــذا الفريــق يلغــي جــز ًءا مــن أيــام الراحات والعطــالت طواعية‬ ‫وبإرادتــه ُحبــا يف العمــل وســع ًيا لتحقيــق النجــاح‪ ،‬وفلســفة هــذا الفريــق هــي‬ ‫أن العمــل اإلعالمــي والبحثــي ال يعــرف اإلجــازات أو العطــالت‪ ،‬وأن العمــل‬ ‫املكتــوب عندمــا يخــرج إلــى العلــن يكــون ملــك القــارئ‪ ،‬ويف ذمــة التاريــخ‬ ‫والنقــاد‪ ،‬وليــس ملــك جهــة النشــر‪.‬‬ ‫ختا ًمــا‪ ،‬أعتــز مبــا قالــه رئيــس التحريــر يف محفــل التكــرمي "أخــص‬ ‫بالشــكر أخــي وزميلــي جمــال أمــني همــام مديــر التحرير الباحث والصحفي‬ ‫الــذي ميتلــك الرؤيــة‪ ،‬والقــادر علــى حتويــل هــذه الرؤيــة إلــى هــدف‪ ،‬وترجمــة‬ ‫الهــدف إلــى واقــع"‪.‬‬ ‫*مدير التحرير‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إصدارات‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪119‬‬

‫قراءة في كتاب‪:‬‬

‫"الــحـصــاد الـمـدمـر للــربـيـع الــعــربـي"‬ ‫ه ــل تـصـمـ ــد الـجـزائـ ــر فـ ــي وجـ ــه الـتـحـديـ ــات‬ ‫صــدر للمؤلــف اجلزائــري وأســتاذ اإلعــالم األســتاذ الدكتــور محمــد لعقــاب‪ ،‬يف نهايــة فبرايــر املاضــي كتا ًبــا بعنــوان "‬ ‫احلصــاد املــر للربيــع العربــي ‪ ..‬هــل تصمــد اجلزائــر يف وجــه التحديــات؟" ‪ ..‬الكتــاب يبحــث وينقــب ويرصــد أســباب‬ ‫ونتائــج وتداعيــات مــا يســمى بثــورات الربيــع العربــي التــي ضربــت العديــد مــن دول املنطقــة العربيــة منــذ نهايــة عــام ‪،2010‬‬ ‫وبدايــة عــام ‪2011‬م‪ ،‬وتضمــن الكتــاب ثالثــة أقســام وعشــرة فصــول‪ ،‬جــاء القســم األول حتــت عنــوان" مــن الديكتاتوريــات‬ ‫إلــى الثــورات ‪ ..‬ومــن الثــورات إلــى النكبــة" وانــدرج حتــت هــذا القســم فصــالن همــا األول‪ :‬مــن خريــف األنظمــة إلــى ربيــع‬ ‫الشــعوب‪ ..‬ومــن الربيــع إلــى خريــف مدمــر‪ ،‬والثانــي‪ :‬احتــالل العــراق ‪ ..‬وبدايــة الربيــع العربــي‪.‬‬

‫آراء حول اخلليج ‪ -‬جدة‬

‫وج ــاء عن ــوان القس ــم الثان ــي "احلص ــاد امل ــر" وتضم ــن خمس ــة‬

‫أمريكية مـدرعـــة مـــن طــــراز إم ‪ ، 88‬ثـــم إعــــدام صــــدام حـــســيـــن‬

‫فصـــول هـــي‪ :‬مـــن االســـتقطاب اإلســـالمي‪ /‬العلمانـــي إلـــى‬

‫صــبــيــحــــــة عــيــــد األضــحــــى يـــــوم ‪ 30‬ديـسـمـبــــر ‪2006‬م‪ ،‬أمـــا‬

‫االس ــتقطاب الش ــيعي‪ /‬الس ــني ‪ -‬التح ــول اإلرهاب ــي م ــن القاع ــدة‬

‫مــؤشـراتـ ــه فـبـ ــدأت باحــتـ ــالل أمـريـكـ ــا ألفـغـانـسـتـ ــان انـتـقـامـ ًــا‬ ‫ألحـــداث ‪ 11‬ســـبتمبر ‪2001‬م‪.‬‬

‫اخللي ــج م ــن منظ ــور جزائ ــري ‪ -‬القضي ــة الفلس ــطينية بع ــد الربي ــع‬

‫ويس ــتطرد املؤل ــف‪ ،‬يحم ــل ه ــذا الكت ــاب يف مضمون ــه إش ــارات‬

‫العرب ــي‪ :‬م ــن قضي ــة مركزي ــة إل ــى صفق ــة الق ــرن ‪ -‬الربي ــع العرب ــي‬

‫إلـــى أن الربيـــع العربـــي لـــم ينتـــه بعـــد‪ ،‬مـــا دامـــت السياســـات‬

‫وانفج ــار الهج ــرة القس ــرية‪.‬‬

‫املول ــدة ل ــه م ــا ت ــزال تنته ــج م ــن ط ــرف بع ــد األنظم ــة احلاكم ــة‪،‬‬

‫إل ــى داع ــش ‪ -‬م ــن ال ــدول املتحاب ــة إل ــى ال ــدول املتباغض ــة‪ :‬أزم ــة‬

‫والفص ــل الثال ــث حت ــت عن ــوان "اجلزائ ــر يف مواجه ــة حتدي ــات‬

‫معتب ـ ًرا أن م ــا يح ــدث يف دول ج ــوار اجلزائ ــر‪ ،‬وحتدي ـ ًدا يف مال ــي‬

‫الربيــع العربــي" وتضمــن فصلــن همــا‪ :‬تهديــدات الداخــل واخلــارج ‪-‬‬

‫ه ــو نتيج ــة منطقي ــة للربي ــع العرب ــي فبع ــد س ــقوط الق ــذايف اس ــتغل‬

‫اجلزائ ــر وارت ــدادات الربي ــع العرب ــي يف دول اجل ــوار‪.‬‬

‫الط ــوارق مخ ــزون ليبي ــا م ــن األس ــلحة وأعلن ــوا دولته ــم يف ش ــمال‬

‫يقـــول املؤلـــف يف مقدمـــة كتابـــه‪ :‬هـــذا الكتـــاب هـــو رصـــد‬ ‫حتليل ــي مل ــا آل إلي ــه الربي ــع العرب ــي م ــن دم ــار وخ ــراب‪ ،‬ويتط ــرق‬

‫مال ــي ورغ ــم التدخ ــل الفرنس ــي العس ــكري ع ــام ‪2013‬م‪ ،‬يف مال ــي‬ ‫إال أن مال ــي م ــا ت ــزال دول ــة غي ــر مس ــتقرة‪.‬‬

‫ملرحل ــة هام ــة م ــن األح ــداث وه ــي حبل ــى باملتغي ــرات واملفاج ــآت‬

‫ويف زحمـــة هـــذا الربيـــع جتـــد اجلزائـــر نفســـها يف مواجهـــة‬

‫لذل ــك يظ ــل اإلمس ــاك به ــا صع ًب ــا فت ــم اللج ــوء إل ــى إث ــراء الكت ــاب‬

‫حتديـــات عديـــدة أمنيـــة وسياســـية واقتصاديـــة كبيـــرة‪ ،‬وتبايـــن‬

‫بالعديـــد مـــن اإلحـــاالت كـــي تضـــع القـــارئ يف صـــورة املســـتجد‪،‬‬

‫كبي ــر يف ال ــرؤى م ــع ع ــدد م ــن ال ــدول العربي ــة بخص ــوص العدي ــد‬

‫والكتــاب ينظــر إلــى أن الربيــع العربــي علــى أنــه بــدأ منــذ احتــالل‬

‫مـــن القضايـــا‪ ،‬وقـــد خصـــص الكتـــاب جـــز ًءا يوضـــح فيـــه أن‬ ‫ً‬ ‫فعـــال يف خطـــر ألن نتائـــج الربيـــع العربـــي املدمـــرة لـــم‬ ‫اجلزائـــر‬

‫أبري ــل ‪2003‬م‪ ،‬عندم ــا مت إس ــقاط متث ــال ص ــدام حس ــن برافع ــة‬

‫يتـــم احتواؤهـــا بعـــد‪.‬‬

‫أمريـــكا للعـــراق ومـــا جتســـد يف احلـــدث التاريخـــي مســـاء ‪9‬‬

‫‪118‬‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫رأي‬

‫للجم ــع ب ــن الوظيفت ــن الفكري ــة والدبلوماس ــية‪ .‬وبه ــذا‪ ،‬اقترب ــت‬ ‫الوظيفـــة الدبلوماســـية الفرنســـية مـــن املجـــال الفكـــري واألدبـــي‪،‬‬ ‫أكث ــر م ــن كونه ــا حقيق ــة واقع ــة يف اخلدم ــة املدني ــة الداخلي ــة‪ ،‬إذ‬ ‫كان نصـــف األعضـــاء النشـــطن يف العمـــل الدبلوماســـي‪ ،‬يف عـــام‬ ‫ـف عشــرة يف املائــة منهــم أعمــاالً‬ ‫‪1937‬م‪ ،‬قــد نشــروا ُكتُ ًبــا‪ ،‬بينمــا أَ َّلـ َ‬ ‫روائي ــة ذاع صيته ــا‪.‬‬ ‫إن هـــذا العـــرض للحالـــة الفرنســـية يُ َعـــ ُّد‪ ،‬بالطبـــع‪ ،‬حالـــة‬ ‫قياس ــا إل ــى الواق ــع الدبلوماس ــي املتواض ــع الي ــوم‪ .‬وم ــع‬ ‫متمي ــزة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ذلـــك‪ ،‬فـــإن االهتمـــام باألســـلوب‪ ،‬جن ًبـــا إلـــى جنـــب مـــع احلريـــة‬ ‫يف التعبيـــر‪ ،‬وأحيا ًنـــا‪ ،‬شـــيء مـــن الفكاهـــة‪ ،‬ال يـــزال شـــائ ًعا يف‬ ‫املراســـالت الدبلوماســـية‪ .‬وقـــد تبـــن ذلـــك مـــن‬ ‫تســـريبات "ويكيليكـــس"‪ ،‬التـــي أظهـــرت كيـــف‬ ‫متكـــن الدبلوماســـيون األمريكيـــون مـــن تقـــدمي‬ ‫معلوم ــات مس ــتقلة وإبداعي ــة حلكومته ــم‪ .‬وبعيــ ًدا‬ ‫عـــن احلـــرج‪ ،‬فقـــد خدمـــت هـــذه التســـريبات‬ ‫صـــورة الدبلوماســـية األمريكيـــة بشـــكل جيـــد‪،‬‬ ‫ال ســـيما يف الشـــرق األوســـط‪ ،‬حيـــث اكتشـــف‬ ‫النـــاس‪ ،‬الذيـــن كانـــوا ينظـــرون إلـــى واشـــنطن‬ ‫كداعـــم بـــال حتفـــظ لبعـــض األنظمـــة العربيـــة‪،‬‬ ‫وتبينـــوا اآلن أن الدبلوماســـين األمريكيـــن‬ ‫تعامل ــوا م ــع الواق ــع بص ــورة أكث ــر دق ــة‪ ،‬وبص ــدق‪ ،‬وبنظ ــرة نقدي ــة‪.‬‬ ‫وق ــد أش ــار البع ــض إل ــى أن تقاريره ــم رمب ــا تك ــون ق ــد س ــاهمت‬ ‫يف س ــقوط ه ــذه األنظم ــة فيم ــا ُع ــرِ َف بـ"الربي ــع العرب ــي"‪ ،‬ال ــذي‬ ‫انطلـــق منـــذ عـــام ‪2011‬م‪.‬‬ ‫إن ســـجل التاريـــخ ســـوف يحفـــظ أســـماء األعـــالم مـــن‬ ‫الدبلوماس ــين؛ فق ــط ألنه ــم س ــيتركون أثـ ـ ًرا مب ــا فعل ــوه؛ متيـ ـزًا‬ ‫واقت ــدا ًرا‪ ،‬حت ــى ل ــو ن ــأت به ــم ص ــروف الزم ــن‪ ،‬وتلون ــت املواق ــف‪.‬‬ ‫وق ــد يك ــون ش ــاهدنا األخي ــر‪ ،‬ال ــذي تش ــمله ه ــذه الصف ــة‪ ،‬ج ــورج‬ ‫فروســـت كينـــان‪ ،‬الدبلوماســـي األمريكـــي املتمـــرس واملفكـــر‪،‬‬ ‫هنـــدس"‬ ‫والـــذي تصـــور الدبلوماســـية كفـــن‪ ،‬ولكنـــه أُعتبـــر " ُم‬ ‫َ‬ ‫احلــرب البــاردة بــال منــازع‪ ،‬وذلــك بتخطيطــه سياســة "االحتــواء"‪،‬‬ ‫يف أواخـــر األربعينيـــات واخلمســـينيات مـــن القـــرن العشـــرين‪.‬‬ ‫ومـــع ذلـــك‪ ،‬أصبـــح جـــورج كينـــان نفســـه‪ ،‬بعـــد عشـــر ســـنوات‪،‬‬ ‫بط ـ ً‬ ‫ـال لليس ــار الليبرال ــي‪ ،‬وم ــن دع ــاة الس ــالم والعزل ــة اجل ــدد‪،‬‬ ‫عندم ــا ص ــاغ ش ــعار "ف ــك االرتب ــاط"‪ ،‬عل ــى أس ــاس فرضي ــة أن‬ ‫احلــرب البــاردة قــد انتهــت‪ .‬فالدبلوماســية نشــاط فكــري يهــدف‬ ‫إل ــى دع ــم وترجي ــح خي ــارات العم ــل السياس ــي‪ .‬وميك ــن تعزي ــز‬ ‫حال ــة التأثي ــر ه ــذه ع ــن طري ــق التق ــارب االجتماع ــي‪ ،‬والثق ــايف‪،‬‬ ‫والفكـــري‪ ،‬بـــن الدبلوماســـين ومختلـــف مســـتويات طبقـــات‬ ‫املجتمـــع ومؤسســـات الدولـــة‪ .‬وبقـــدر مـــا يســـمح بـــه مصطلـــح‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫"املفكريـــن"‪ ،‬يهـــدف الدبلوماســـيون‪ ،‬يف نهايـــة املطـــاف‪ ،‬إلـــى‬ ‫التأثي ــر عل ــى مناقش ــة السياس ــة اخلارجي ــة‪ ،‬وعل ــى أداء الش ــؤون‬ ‫العام ــة الداخلي ــة‪ ،‬وه ــو مص ــدر اهتم ــام يتقاس ــمونه م ــع املثقف ــن‬ ‫املنتمـــن إلـــى كل القطاعـــات‪.‬‬ ‫وقبــل اخلتــام‪ ،‬ميكننــا القــول إن ظــن التباعــد بــن الدبلوماســية‬ ‫ً‬ ‫افتراضـــا َر َّو َج لـــه التراجـــع يف األداء العـــام‬ ‫والفكـــر لـــم يكـــن إال‬ ‫له ــذه املهن ــة النبيل ــة‪ .‬فق ــد كان لـ"لورين ــزو دي ميديتش ــي‪-49 ...‬‬ ‫‪ ،"1492‬الـــذي أ ُ ْشـــتُهِ َر بـ"الرائـــع‪ ،"The Magnificent -‬تأثيـــر‬ ‫عمي ــق عل ــى احلي ــاة الفكري ــة اإليطالي ــة‪ .‬إذ كان أح ــد السياس ــين‬ ‫والدبلوماس ــين املفكري ــن املاهري ــن‪ ،‬والرع ــاة احلريص ــن للفن ــون‪،‬‬ ‫والـــذي حكمـــت عائلتـــه فلورنســـا وتوســـكاني مـــن‬ ‫الق ــرن اخلام ــس عش ــر إل ــى الق ــرن الثام ــن عش ــر‪،‬‬ ‫وأصب ــح أربع ــة م ــن أف ــراد األس ــرة م ــن الباب ــاوات‪،‬‬ ‫وتـــزوج البعـــض اآلخـــر مـــن األســـر امللكيـــة يف‬ ‫أوروب ــا‪ ،‬وب ــرز الكثي ــرون منه ــم م ــن خ ــالل رعايته ــم‬ ‫للفنـــون‪ .‬وتعلمنـــا مـــن ميديتشـــي خطـــر تفشـــي‬ ‫"الفـــراغ الفكـــري" يف الوظيفـــة الدبلوماســـية‪ ،‬ألن‬ ‫ذلـــك مدعـــاة حلـــدوث األزمـــة‪ .‬فشـــكلت جتربتـــه‬ ‫م ــدار الرؤي ــة الدبلوماس ــية‪ ،‬و َم َّثــ َل انتفاض ــة نقدي ــة‬ ‫وإصالحيـــة باكـــرة‪ ،‬جـــددت مفهو ًمـــا تأصيل ًيـــا‬ ‫ملقايي ــس وس ــمات الدبلوماس ــي الفع ــال م ــن حي ــث ه ــو مثق ــف‪ ،‬ال‬ ‫ينبغ ــي أن يق ــل ع ــن مرتب ــة املفك ــر‪.‬‬ ‫إن راهـــن العالقـــات الدوليـــة‪ ،‬الـــذي يتعـــرض لغيـــر قليـــل‬ ‫مـــن النقـــد؛ علـــى مســـتوى األهليـــة الفكريـــة للدبلوماســـية‪،‬‬ ‫والدربـــة الثقافيـــة للدبلوماســـي‪ ،‬والت َ​َخلُّـــق القيمـــي للسياســـات‬ ‫اخلارجيـــة‪ ،‬ينبغـــي أن يســـتحضر ذلـــك املثـــال املوســـوعي‪،‬‬ ‫وال ــذي اختط ــه ميديتش ــي كمنه ــج لدبلوماس ــية إيطالي ــة فاعل ــة‪.‬‬ ‫إذ تُؤش ــر الكثي ــر م ــن الدراس ــات إل ــى تراج ــع امله ــارة املعرفي ــة‪،‬‬ ‫الت ــي حل ــت محله ــا طرائ ــق وممارس ــات روتيني ــة‪ ،‬وغي ــر قلي ــل‬ ‫مـــن املؤامـــرات‪ ،‬والتـــي ال تثمـــر علـــى املســـتوى االســـتراتيجي‪،‬‬ ‫وال تُعــن علــى إنشــاء عالئــق ذات امتــداد سياســي حقيقــي‪ ،‬وال‬ ‫تُع ــزز مس ــتوى تش ــكيل التق ــارب الثق ــايف والوجدان ــي املطل ــوب‬ ‫ب ــن الش ــعوب‪ .‬ل ــذا‪ ،‬ف ــإن مقي ــاس األهلي ــة الفكري ــة يج ــب أن‬ ‫يكـــون حاك ًمـــا لالختيـــار واألداء والترقـــي؛ ترقيـــة للوظيفـــة‬ ‫الدبلوماســـية وأصالتهـــا الفكريـــة‪.‬‬

‫اختطـــت اليابـــان‬ ‫منهجــا مغايـ ًرا ألمريكا‬ ‫ً‬ ‫وبريطــــانيا وفرنســـا‬ ‫يف قب ــول مس ــاهمات‬ ‫المفكرين يف السياسة‬

‫* دبلوم ــايس س ــوداين ‪ ،‬األم ــني الع ــام الس ــابق ملنت ــدى الفكـــر الع ــريب ـ‬ ‫ع ــامن‪ ،‬اململك ــة األردني ــة الهاش ــمية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫رأي‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪117‬‬

‫البعض يحذر من نزعة المفكرين العتماد النظريات إلثبات صحة أفعالهم‬ ‫وافتقار الدبلوماسيين للمرونة المعرفية يف اتخاذ القرارات السياسية‬ ‫متنوع ــة م ــن الفض ــاءات الغربي ــة وغي ــر الغربي ــة‪ ،‬مب ــا فيه ــا الفض ــاء‬ ‫العرب ــي واإلس ــالمي‪ .‬فح ــدد املس ــاهمون مركزي ــة الوع ــي التاريخ ــي‪،‬‬ ‫والفهـــم الفلســـفي الذاتـــي‪ ،‬والضـــرورات األخالقيـــة ألي مفكريـــن‬ ‫يفتــرض أن يتكلمــوا احلقيقــة إلــى الســلطة السياســية‪ ،‬مبــا يف ذلــك‬ ‫ترتيب ــات السياس ــة اخلارجي ــة والدبلوماس ــية‪.‬‬ ‫إن اإلش ــارة إل ــى وج ــوب ق ــول احلقيق ــة للس ــلطة يقودن ــا إل ــى‬ ‫الس ــؤال‪ :‬مل ــاذا يصم ــت املفك ــر؟ وإذا افترضن ــا أن الدبلوماس ــي ه ــو‬ ‫ذل ــك املفك ــر‪ ،‬ب ــن موظف ــي اخلدم ــة املدني ــة‪ ،‬فإن ــه يج ــب أن يك ــون‬ ‫مؤه ـ ً‬ ‫ص َع ـ ُد بكس ــبه املع ــريف إل ــى مس ــتوى‬ ‫ـال بش ــكل فري ــد كمثق ــف يَ ْ‬ ‫املفكريـــن األخالقيـــن‪ ،‬الذيـــن ال يخشـــون يف احلـــق لومـــة الئـــم‪،‬‬ ‫أو ق ــول ش ــائن‪ .‬فعل ــى الرغ ــم م ــن حتفظ ــات ماي ــكل دي ــش‪ ،‬الت ــي‬ ‫ضمنهـــا كتابـــه "الدبلوماســـيون كمثقفـــن‪ :‬مزيـــج غيـــر متوقـــع"‪،‬‬ ‫ف ــإن الدبلوماس ــية مهن ــة موجه ــة يف نهاي ــة املط ــاف نح ــو الفع ــل؛‬ ‫التفاع ــل‪ ،‬والتمثي ــل‪ ،‬والتف ــاوض‪ ،‬والس ــعي لتحقي ــق غ ــرض عمل ــي‪،‬‬ ‫أي إدارة العالق ــات م ــع البل ــدان األخ ــرى‪ .‬ولك ــن ج ــز ًءا غي ــر يس ــير‬ ‫م ــن عم ــل الدبلوماس ــي ل ــه بُ ْع ـ ٌد حتليل ــي واستش ــرايف‪ ،‬يتطل ــب من ــه‬ ‫اكتســـاب معرفـــة متعمقـــة للبلـــدان األخـــرى ولغتهـــا ومجتمعهـــا‬ ‫وأنظمته ــا السياس ــية؛ وفه ــم أهدافه ــا ودوافعه ــا‪ ،‬والتع ــرف عل ــى‬ ‫الكيفيـــة‪ ،‬التـــي ميكـــن أن يبتعـــدوا بهـــا عنهـــا‪ ،‬أو يتوافقـــون بهـــا‪،‬‬ ‫م ــع مصال ــح بل ــده‪ ،‬وإيج ــاد حل ــول وس ــط ممكن ــة‪ ،‬أو ط ــرق أخ ــرى‪،‬‬ ‫لتحقي ــق أهداف ــه‪ .‬وق ــد تتضم ــن ه ــذه احلل ــول العم ــل امليدان ــي‪،‬‬ ‫واالتصــاالت‪ ،‬التــي غال ًبــا مــا يتــم فيهــا تضييــع الكثيــر مــن الوقــت‬ ‫يف اجلانـــب الـــذي ال طائـــل منـــه مـــن عمـــل الدبلوماســـية؛ أي‬ ‫املناســـبات االجتماعيـــة واملراســـيمية‪.‬‬ ‫ومــع ذلــك‪ ،‬فــإن معظمهــا تتطلــب كتابــة تقاريــر‪ ،‬وينتــج عنهــا‬ ‫مراســالت‪ ،‬أو برقيــات‪ ،‬أو مذكــرات رســمية‪ ،‬تتضمــن بدرجــات‬ ‫متفاوتــة األبعــاد التحليليــة واملفاهيميــة واالستشــرافية املرتبطــة عادة‬ ‫بالعمــل الفكــري‪ ،‬التــي ال يســتطيع الوفــاء بتمامهــا إال مــن حتصــن‬ ‫مبعــارف ترتقــي بأدائــه إلــى رســوخ املفكــر‪ .‬رغــم أن عــد ًدا غيــر قليــل‬ ‫مــن موظفــي البعثــات‪ ،‬الذيــن عــادة مــا يتصرفــون كجــزء مــن اخلدمــة‬ ‫املدنيــة‪ ،‬يكرســون وق ًتــا طويـ ً‬ ‫ال للكتابــة كدبلوماســين منطيــن‪ .‬وهــذا‬ ‫اجلانــب مــن أنشــطتهم ال يختلــف كثي ـ ًرا عــن تقاريــر الصحافــة‪ ،‬وال‬ ‫ســيما مــا أشــرنا إليــه كاهتمامهــا بالدقــة الواقعيــة واإلبــالغ يف الوقت‬ ‫املناســب‪ .‬كمــا أن الكتابــة الدبلوماســية ا َ‬ ‫حلقَّــة تبــدو قريبــة جــدًا‬ ‫مــن البحــوث األكادمييــة‪ ،‬حتــى لــو كانــت ذات طابــع جتريبــي للغايــة‪،‬‬ ‫وخاليــة مــن اللوائــح الرســمية للعمــل اجلامعــي‪.‬‬

‫وبعيــدًا ع ــن مه ــام اإلب ــالغ ع ــن احلقائ ــق وإدراكه ــا كصحف ــي‪،‬‬ ‫فـــإن لـــدى الدبلوماســـي ســـؤاالً عمل ًيـــا يتطلـــب إ ِْع َمـــال العقـــل‬ ‫احلصيـــف لإلجابـــة عليـــه‪ .‬وقبـــل الشـــروع يف اإلجابـــة‪ ،‬يجـــب أن‬ ‫يض ــع افتراض ــات م ــن أج ــل التوص ــل إل ــى ه ــذه اإلجاب ــة‪ ،‬الت ــي ال‬ ‫ب ــد أن تك ــون ُم ْر ِضيَ ــة للغاي ــة‪ ،‬ألن عليه ــا يتأس ــس الق ــرار السياس ــي‬ ‫واالســـتراتيجي؛ بأبعـــاده املختلفـــة‪ ،‬وحتـــى يف القضايـــا الثقافيـــة‬ ‫واالجتماعي ــة واالقتصادي ــة‪ ،‬ال يتص ــرف الدبلوماس ــي عل ــى عك ــس‬ ‫عال ــم االجتم ــاع‪ ،‬ب ــل علي ــه أن ينف ــذ مبنهج ــه م ــن اس ــتبانة األزم ــة‬ ‫إلـــى اســـتنتاج احلـــل‪ .‬ونتيجـــة لذلـــك‪ ،‬واعترا ًفـــا بهـــذا التداخـــل‪،‬‬ ‫كان ــت هن ــاك دائ ًم ــا درج ــة م ــن املقارب ــة ب ــن ه ــذه امله ــن الث ــالث؛ إذ‬ ‫أصبــح عــدد مــن الصحفيــن واألكادمييــن دبلوماســين‪ ،‬يف حــن أن‬ ‫العديــد مــن الدبلوماســين قــد َد َّر َســوا يف مرحلــة مــا مــن حياتهــم يف‬ ‫اجلامع ــات‪ ،‬أو كتب ــوا يف الصح ــف‪ ،‬أو كان ــوا ق ــادة إعالمي ــن‪.‬‬ ‫لق ــد رف ــدت ه ــذه املس ــارات الث ــالث؛ األكادميي ــة واإلعالمي ــة‬ ‫والدبلوماســـية‪ ،‬بعضهـــا البعـــض بـــأدوات البحـــث والصياغـــة‪ .‬إذ‬ ‫ثبـــت باملالحظـــة أن الكتابـــات الدبلوماســـية‪ ،‬بأقـــالم املتميزيـــن‬ ‫فكر ًيـــا وثقاف ًيـــا‪ ،‬قـــد تضمنـــت دائمـــاً اهتما ًمـــا كبيـــ ًرا باجلـــودة‬ ‫األدبيـــة‪ ،‬باإلضافـــة للمحتـــوى التحليلـــي واالستشـــرايف‪ .‬وهـــذا‬ ‫بالطب ــع يعتم ــد عل ــى تقالي ــد كل بل ــد‪ ،‬ومطلوباته ــا االس ــتراتيجية‪،‬‬ ‫الت ــي تتف ــاوت ق ــوة وضع ًف ــا م ــع البل ــد امل ُ ِضي ــف‪ .‬وم ــع ذل ــك‪ ،‬ف ــإن‬ ‫الدبلوماســين عــادة‪ ،‬إمــا ألنهــم يواجهــون مشــكلة االضطــرار إلــى‬ ‫جـــذب انتبـــاه جمهورهـــم احملـــدود‪ ،‬أو نتيجـــة لفكرتهـــم اخلاصـــة‬ ‫ع ــن مهنته ــم‪ ،‬مييل ــون إل ــى إظه ــار اهتم ــام زائ ــد ألس ــلوب وش ــكل‬ ‫عمله ــم املكت ــوب‪ .‬وكثيــ ًرا م ــا كان الدبلوماس ــيون كتا ًب ــا حقيقي ــن‪،‬‬ ‫وقدمـــوا صياغـــات دقيقـــة وبارعـــة‪ ،‬وأحيا ًنـــا مســـتوحاة مـــن‬ ‫األح ــداث‪ ،‬الت ــي ش ــهدوها‪ .‬وم ــن األمثل ــة عل ــى ذل ــك‪ ،‬م ــا أرس ــله‬ ‫س ــفراء البندقي ــة يف باري ــس يف وق ــت الث ــورة الفرنس ــية‪ ،‬ال ــذي ال‬ ‫ي ــزال قطع ــة م ــن األدب املتمي ــز‪.‬‬ ‫وهـــذا يقودنـــا إلـــى املقاربـــة األخـــرى‪ ،‬التـــي توجـــد بـــن‬ ‫الدبلوماســـية والوظيفـــة األدبيـــة‪ .‬وقـــد أفضـــى ذلـــك يف فرنســـا‬ ‫إل ــى ظه ــور م ــا أس ــماه البع ــض "أس ــطورة" الكات ــب الدبلوماس ــي‪ .‬إذ‬ ‫احت ــل الكت ــاب الفرنس ــيون الب ــارزون يف الق ــرن التاس ــع عش ــر؛ مث ــل‪،‬‬ ‫ســتيندال‪ ،‬أو شــاتوبرياند‪ ،‬مناصــب دبلوماســية‪ ،‬ولــو لفتــرة وجيــزة‪،‬‬ ‫أظه ــروا فيه ــا براعته ــم يف الكتاب ــة والتدوي ــن والتحلي ــل‪ ،‬مم ــا ش ــجع‬ ‫غيرهــم مــن الدبلوماســين لبنــاء رؤيــة مثاليــة ملهنتهــم‪ .‬ومتثــل هــذه‬ ‫الرؤيــة وجهــة النظــر األكثــر قبــوالً ومشــاركة مــن اجلمهــور‪ ،‬تقدي ـ ًرا‬

‫‪116‬‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫ومواجهتــه ألدولــف هتلــر‪ ،‬حد ًثــا دبلوماسـ ًيا نوع ًيــا‪ ،‬وشــكلت مقاالتــه‬ ‫ـجاعا ضد أخطار الشــمولية‪.‬‬ ‫الثقافيــة ودراســاته الفكريــة حتذيـ ًرا شـ ً‬ ‫إال أنــه لــم ميــض وقــت طويــل قبــل أن يعــود إلــى احليــاة األكادمييــة‬ ‫ومواصلــة التحقيــق يف تاريــخ العصــور الوســطى‪ ،‬وقــد أصبــح أكبــر‬ ‫باحــث يف الدراســات "الســلتية" يف زمانــه‪ ،‬وشــغل مناصــب عليــا يف‬ ‫جامعــة كاليفورنيــا‪ ،‬وكليــة كوربــوس كريســتي بأكســفورد‪ ،‬وهارفــارد‪،‬‬ ‫ومعهــد دبلــن للدراســات املتقدمــة‪.‬‬ ‫وثمـــة مقاربـــة أخـــرى تُ ْدنِينـــا أكثـــر إلـــى حيـــث نحـــن؛ مكا ًنـــا‬ ‫وزما ًن ــا‪ .‬وباملث ــال ال احلص ــر‪ ،‬ميك ــن النظ ــر إل ــى التجرب ــة املغربي ــة‪،‬‬ ‫الت ــي أجنب ــت أمث ــال عب ــد الوه ــاب الت ــازي‪ ،‬ومحم ــد ب ــن عيس ــى‪،‬‬ ‫وعل ــي أملي ــل‪ ،‬وس ــعد الدي ــن العثمان ــي‪ ،‬كحال ــة تس ــتحق املطالع ــة‪.‬‬ ‫فاالنخـــراط الدبلوماســـي للمغـــرب يف العالـــم واكبـــه دائ ًمـــا تطـــور‬ ‫ال ــدور‪ ،‬ال ــذي تضطل ــع ب ــه مراك ــز الفك ــر ومعاه ــد البح ــث املغربي ــة‬ ‫باعتبارهــا آليــات لليقظــة االســتراتيجية يف مجــال الدبلوماســية‪ ،‬يف‬ ‫تق ــدمي أرضي ــة للتفكي ــر تس ــاعد عل ــى اتخ ــاذ الق ــرار‪ .‬إن ه ــذا م ــا‬ ‫أك ــدت علي ــه ورش ــة عم ــل‪ ،‬انتظم ــت يف ‪ 18‬فبراي ــر ‪2014‬م‪ ،‬مبعه ــد‬ ‫الدراس ــات اإلفريقي ــة التاب ــع جلامع ــة محم ــد اخلام ــس السويس ــي‬ ‫بالرب ــاط‪ ،‬ح ــول موض ــوع "مراك ــز الفك ــر ومعاه ــد البح ــث‪ :‬أي موق ــع‬ ‫للدبلوماســية املغربيــة بإفريقيــا"‪ .‬إذ نُ ِظ ـ َر إلــى هــذه املراكــز كفضــاء‬ ‫للق ــاءات ب ــن الباحث ــن م ــن أج ــل تعزي ــز آلي ــات عم ــل الدبلوماس ــية‪،‬‬ ‫عب ــر إدم ــاج كاف ــة األبع ــاد السياس ــية‪ ،‬واالقتصادي ــة‪ ،‬واإلنس ــانية‪،‬‬ ‫واالجتماعيــة‪ ،‬والثقافيــة‪ ،‬والعقائديــة‪ ،‬ضمــن منظــور فكــري شــمولي‬ ‫يس ــاهم يف تعزي ــز انفت ــاح املغ ــرب عل ــى عمق ــه اإلفريق ــي‪ ،‬وإب ــراز‬ ‫احلاج ــة إل ــى عق ــد لق ــاءات س ــنوية ب ــن مراك ــز الفك ــر اإلفريقي ــة‬ ‫لتعمي ــق النق ــاش ح ــول التوجه ــات االس ــتراتيجية ذات األولوي ــة يف‬ ‫السياس ــة اخلارجي ــة‪.‬‬ ‫واملؤك ــد أن يف غي ــر املغ ــرب م ــا يس ــتحق الذك ــر‪ ،‬وم ــن جت ــدر‬ ‫اإلش ــارة إليه ــم كأع ــالم للفك ــر والثقاف ــة والدبلوماس ــية‪ .‬فالس ــودان‬ ‫كان ل ــه عل ــى رأس دبلوماس ــيته منص ــور خال ــد‪ ،‬وفرانس ــيس دين ــق‪،‬‬ ‫وحســـن عبـــد اهلل الترابـــي‪ ،‬الذيـــن ُعرفـــوا بإســـهاماتهم الفكريـــة‬ ‫الواســـعة قبـــل وبعـــد جتاربهـــم الدبلوماســـية‪ ،‬وكانـــت لـــكل منهـــم‬ ‫بصمتـــه الواضحـــة يف مســـارات السياســـة اخلارجيـــة الســـودانية‪.‬‬ ‫وقدم ــت الدبلوماس ــية املصري ــة من ــوذج بط ــرس غال ــي‪ ،‬ال ــذي قادت ــه‬ ‫موس ــوعيته الفكري ــة وجتارب ــه الدبلوماس ــية إل ــى اعت ــالء قم ــة ه ــرم‬ ‫الدبلوماســية العامليــة‪ ،‬كأمــن عــام لــألمم املتحــدة‪ .‬وأعطــى الوضــوح‬ ‫الفكــري للدبلوماســية اجلزائريــة القــدرة علــى إظهــار قــدرات َفـ َّـذة‪،‬‬

‫رأي‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫لعب ــت أدوا ًرا ُم ْشــ َه َرة يف املس ــرح السياس ــي الدول ــي؛ لي ــس محم ــد‬ ‫س ــحنون واألخض ــر اإلبراهيم ــي إال أمثل ــة‪.‬‬ ‫واليقــن أن مقارباتنــا هــذه ال تكتمــل إال بذكــر الدكتــور أحمــد‬ ‫داؤود أوغلــو‪ ،‬املفكــر والسياســي التركــي‪ ،‬الــذي اختارتــه مجلــة‬ ‫"فوريــن بوليســي"‪ ،‬عــام ‪2010‬م‪ ،‬ضمــن أهــم مائــة مفكــر يف العالــم‪،‬‬ ‫وذلــك باعتبــاره أحــد أهــم العقــول‪ ،‬التــي تقــف وراء نهضــة تركيــا‬ ‫احلديثــة‪ .‬ويف ‪2011‬م‪ ،‬ويتبنــى أوغلــو‪ ،‬الــذي يتحــدث اإلجنليزيــة‬ ‫واألملانيــة والعربيــة‪ ،‬والتركيــة‪ ،‬عــد ًدا مــن األفــكار‪ ،‬التــي توصــل‬ ‫إليهــا يف بحوثــه األكادمييــة‪ ،‬ومــن بينهــا ضــرورة خــروج تركيــا مــن‬ ‫الــدور اإلقليمــي احملــدود إلــى أفــق التأثيــر يف السياســة الدوليــة‪.‬‬ ‫وتولــى وزارة اخلارجيــة ورئاســة احلكومــة يف وقــت تســعى فيــه تركيــا‬ ‫الســتعادة عمقهــا االســتراتيجي‪.‬‬ ‫لقـــد نشـــر أوغلـــو العديـــد مـــن املؤلفـــات والكتـــب باللغـــة‬ ‫التركي ــة واإلجنليزي ــة‪ ،‬م ــن بينه ــا؛ "الفلس ــفة والسياس ــة"‪ ،‬و"العال ــم‬ ‫اإلســـالمي يف مهـــب التحـــوالت احلضاريـــة"‪ ،‬وكتـــاب "العمـــق‬ ‫االســـتراتيجي"‪ ،‬الـــذي وضـــع اإلطـــار النظـــري للتوجـــه اجلديـــد‬ ‫لسياســة تركيــا اخلارجيــة‪ ،‬التــي تقــوم علــى أربعــة محــاور رئيســية؛‬ ‫أوله ــا‪ ،‬ع ــدم جتزئ ــة األم ــن‪ ،‬وثانيه ــا‪ ،‬التح ــاور‪ ،‬وثالثه ــا‪ ،‬التضام ــن‬ ‫االقتص ــادي‪ ،‬ورابعه ــا‪ ،‬التواف ــق الثق ــايف واالحت ــرام املتب ــادل‪ .‬كم ــا‬ ‫عم ــل بالتدري ــس يف اجلامع ــة اإلس ــالمية العاملي ــة مباليزيـــا ع ــام‬ ‫‪1990‬م‪ ،‬وأنش ــأ قس ــم العل ــوم السياس ــية به ــا‪ ،‬وت ــرأس ه ــذا القس ــم‬ ‫حتــى عــام ‪1993‬م‪ .‬ويف الفتــرة مــن عــام ‪ 1995‬إلــى ‪1999‬م‪ ،‬عمــل‬ ‫س به ــا‪ .‬وكان‬ ‫يف قس ــم العالق ــات الدولي ــة يف جامع ــة مرم ــرة و َد َّر َ‬ ‫ل ــه عم ــود صحف ــي رات ــب يف جري ــدة ين ــي ش ــفق م ــن ع ــام ‪1995‬‬ ‫إل ــى ‪1999‬م‪.‬‬ ‫بيـــد أن هنـــاك تســـاؤالت أساســـية‪ ،‬ميكـــن إعادتهـــا هنـــا‪،‬‬ ‫تس ــتصحب مح ــاوالت ديفي ــد ميل ــن‪ ،‬الت ــي َمــ َّر ذكره ــا آنفــاً‪ ،‬ح ــول‪:‬‬ ‫م ــن ه ــو املفك ــر؟ وأي ــن يت ــم العث ــور علي ــه؟ رغ ــم َ‬ ‫تش ـ ُككِ ه يف إمكاني ــة‬ ‫اتب ــاع كل النم ــاذج املذك ــورة‪ .‬إذ يق ــول ماي ــكل س ــي دي ــش يف كتاب ــه‪،‬‬ ‫ال ــذي ص ــدر ع ــام ‪2016‬م‪ ،‬بعن ــوان‪" :‬املفك ــرون يف الس ــاحة العاملي ــة‪:‬‬ ‫أســاتذة أو نقــاد؟"‪ ،‬إن الــذي يثيــر الرثــاء اليــوم أن املفكريــن املؤثريــن‬ ‫إمــا قليلــون‪ ،‬أو رمبــا إن الوضــع أســوأ مــن ذلــك‪ ،‬أي ال وجــود لهــم‪،‬‬ ‫خاص ــة إذا قلن ــا إن م ــن يش ــملهم التعري ــف غي ــر ذوي صل ــة بقضي ــة‬ ‫احلي ــاة العام ــة‪ .‬فف ــي حديث ــه ع ــن املفكري ــن يف الس ــاحة العاملي ــة‪،‬‬ ‫جم ــع ماي ــكل دي ــش مجموع ــة م ــن املس ــاهمن لتق ــدمي إع ــادة تقيي ــم‬ ‫يف الوقـــت املناســـب‪ ،‬وبعيـــد املـــدى‪ ،‬لـــدور املفكريـــن يف مجموعـــة‬

‫تناقــض توينبــي كمفكــر وكدبلوماســي قبــل وبعــد وعــد بلفــور‬ ‫فبعــد أن كان مناص ـ ًرا للصهيونيــة تعاطــف بجــرأة مــع الفلســطينيين‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫حتديــده ومعاجلتــه يف أيــة مؤسســة مــن مهامهــا احلــوار‪ ،‬والتفــاوض‪،‬‬ ‫وتوثيــق العالقــات‪ ،‬وتعظيــم املصالــح الوطنيــة‪ .‬ورمبــا ال يكــون هــذا‬ ‫الشــعور بالفــراغ نتيجــة الزِ َمــة للوظيفــة الدبلوماســية‪ ،‬وكأنهــا قــد‬ ‫ـت مــن كل فكــر وتدبيــر‪ ،‬ونُزِ َعــت منهــا خصائصهــا اجلوهريــة‪،‬‬ ‫ُج ِّر َفـ ْ‬ ‫التــي تُنَــادِ ي علــى شــاغليها بالتَ َم ُّيــز املعــريف احلافــز علــى اللباقــة‬ ‫واللياقــة واألناقــة‪ ،‬التــي تتجــاوز املظهــر إلــى املخبــر‪ .‬لكــن قــد يكــون‬ ‫مــرد عالمــات الدهشــة واالســتغراب‪ِ ،‬‬ ‫وحـ َّـدة االنتبــاه‪ ،‬التــي يبديهــا‬ ‫املتتبعــون حلركــة الفكــر والثقافــة لنوابــغ السياســة امل ُ َف ِّكــ َرة‪ ،‬هــو‬ ‫انكفــاء الدبلوماســية علــى نفســها‪ ،‬وتفاعلهــا‪ ،‬الــذي يــكاد أن يكــون‬ ‫معدو ًمــا‪ ،‬يف الســاحة الثقافيــة العامــة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫لقـد شـجب العديـد مـن املؤرخـن والكتَّـاب؛ مثـل ريتشـارد‬ ‫هوفسـتادتر وسـوزان جاكوبـي‪ ،‬حقيقـة الشـعور واملواقـف "املناهضـة‬ ‫للفكـر" يف السياسـة اخلارجيـة‪ ،‬التـي يظهـر بوضـوح يف تعميمـات‬ ‫خصوصا يف املجتمع األمريكي‪ .‬رغم‬ ‫الثقافة والتعبيرات السياسـية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أن املفكريـن لعبـوا علـى الـدوام دو ًرا حيو ًيـا يف تشـكيل الدبلوماسـية‬ ‫األمريكيـة؛ مـن تومـاس جيفرسـون‪ ،‬وودرو ويلسـون‪ ،‬إلـى ألفريـد ثاير‬ ‫ماهـان‪ ،‬وبـول وولفويتـز‪ ،‬ولوسـيان بـاي‪ ،‬وحتـى هينـري كيسـنجر‪،‬‬ ‫وزبيغنيـو برجينسـكي‪ .‬ويقـول ديفيـد ميلـن‪ ،‬أسـتاذ السياسـة‬ ‫األمريكية‪ ،‬يف جامعة إيسـت أجنليا‪ ،‬يف مقاله "الدبلوماسـية الفكرية‬ ‫األمريكيـة"‪ ،‬املنشـور يف مجلـة الشـؤون الدوليـة‪ ،‬املجلـد ‪ ،86‬العـدد‬ ‫‪ ،1‬ينايـر ‪2010‬م‪ ،‬إن هـذه املناهضـة قـد كشـفت عنهـا العديـد مـن‬ ‫الدراسـات‪ ،‬التـي تناولـت األسـباب املتنوعـة‪ ،‬والتـي جعلـت احلكومـة‬ ‫األمريكيـة قـادرة علـى اسـتيعاب املسـاهمات املعرفيـة مـن األوسـاط‬ ‫األكادمييـة‪ ،‬واملفكريـن واملثقفـن املسـتقلن‪.‬‬ ‫ويؤكــد ميلــن إن هــذه الدراســات ناقشــت الطــرق املختلفــة‪ ،‬التــي‬ ‫جــرى بهــا تعريــف "الفكــر"‪ ،‬واقتــراح معاييــر تســمح بتحديــد مــن هــو‬ ‫مفكــر السياســة اخلارجيــة‪ .‬وعاينــت الدراســات الظــروف التاريخيــة‪،‬‬ ‫التــي أتاحــت للمفكريــن التأثيــر علــى الدبلوماســية األمريكيــة‪ ،‬منــذ‬ ‫عــام ‪1890‬م‪ ،‬وحتــى الوقــت احلاضــر؛ مــع التركيــز علــى انتشــار‬ ‫اجلامعــات األميركيــة خــالل القــرن التاســع عشــر‪ ،‬واحملــاوالت‬ ‫الرائــدة الســتخدام األكادمييــا‪ ،‬مثــل "فكــرة ويسكونســن"‪ ،‬لروبــرت‬ ‫ال فوليــت‪ .‬وإضفــاء فكــرة الطابــع املهنــي علــى التعليــم العالــي يف‬ ‫الواليــات املتحــدة املســتوحاة مــن إجنــازات اجلامعــات البحثيــة‬ ‫األملانيــة والروابــط القويــة‪ ،‬التــي توثقــت بــن األوســاط األكادمييــة‪،‬‬ ‫واملراكــز الفكريــة واحلكومــة خــالل احلقبــة التقدميــة‪ ،‬واحلربــن‬ ‫العامليتــن‪ ،‬ويف احلــرب البــاردة‪ ،‬ومــا بعدهــا‪.‬‬ ‫وميكــن مقاربــة جتربــة الواليــات املتحــدة‪ ،‬املتمثلــة يف معادلــة‬ ‫املناهضــة والترحيــب باملفكريــن يف صنــع السياســات‪ ،‬مــع اململكــة‬ ‫طموحــا‬ ‫املتحــدة وفرنســا‪ ،‬وهمــا الدميقراطيتــان اللتــان أظهرتــا‬ ‫ً‬ ‫عامل ًيــا مشــاب ًها لواشــنطن يف التاريــخ احلديــث‪ .‬وإذا قلنــا إنــه تصعــب‬

‫رأي‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪115‬‬

‫مناقشــة تصنيفــات وأنــواع املفكريــن؛ كحالــة املــؤرخ يف السياســة‬ ‫اخلارجيــة‪ ،‬أو الباحــث يف العالقــات الدوليــة‪ ،‬إال أن التجربــة‬ ‫التاريخيــة واحلاضــرة تؤكــد أنــه ال ميكــن االســتغناء عــن مشــورتهم‬ ‫يف السياســة اخلارجيــة‪ .‬مثلمــا تتعــذر مقاربــة االختصاصــي مــع‬ ‫املبتــدئ‪ ،‬أو املهنــي‪ ،‬مــع العامــل احملــدود‪ ،‬ولكــن حاجــة كل طــرف‬ ‫لآلخــر ال ميكــن التقليــل مــن أهميتهــا‪ .‬رغــم أن هنــاك مــن يحــذرون‬ ‫مــن أن هــؤالء املفكريــن ينزعــون إلــى اعتمــاد النظريــات إلثبــات‬ ‫صحــة أفعالهــم‪ ،‬يف حــن أن غيرهــم مــن الدبلوماســين العاديــن‬ ‫غال ًبــا مــا يفتقــرون إلــى املرونــة املعرفيــة املطلوبــة عنــد اتخــاذ‬ ‫القــرارات السياســية‪.‬‬ ‫منهجــا مغايــ ًرا للواليــات‬ ‫ومــن جهــة أخــرى‪ ،‬اختطــت اليابــان‬ ‫ً‬ ‫وكل مــن بريطانيــا وفرنســا‪ ،‬يف شــأن القبــول‬ ‫املتحــدة األمريكيــة‪ٍ ،‬‬ ‫مبســاهمات املفكريــن يف السياســة اخلارجيــة‪ .‬وذلــك نظ ـ ًرا لطبيعــة‬ ‫االنفتــاح‪ ،‬التــي تتميــز بــه الدبلوماســية اليابانيــة عــن غيرهــا مــن الدول‬ ‫الغربيــة‪ ،‬إذ أنهــا مفتوحــة للمشــاركة العامــة‪ .‬وقــد جــاء يف الفصــل‬ ‫الرابــع مــن كتــاب وزارة اخلارجيــة اليابانيــة‪ ،‬الــذي يحمــل عنــوان‪:‬‬ ‫"دبلوماســية اليابــان مفتوحــة للجمهــور"‪ ،‬تثمــن لــدور املفكريــن يف‬ ‫الدبلوماســية الهادفــة لبنــاء نظــام دولــي مســتقبلي‪ ،‬يف عالــم متغيــر‬ ‫مبعــدالت ســريعة‪ .‬إذ أصبــح مــن الواضــح أن خبــراء مســتقلن ميكــن‬ ‫أن يأخــذوا زمــام املبــادرة يف إجــراء مناقشــات سياســية حــرة علــى‬ ‫نطــاق عاملــي‪ ،‬دون أن يكونــوا ملتزمــن بــاآلراء الرســمية للحكومة‪ ،‬التي‬ ‫ميكــن أن يكــون لهــا تأثيرهــا اخلــاص علــى الــرأي العــام‪ ،‬وكذلــك علــى‬ ‫القــرارات السياســية‪ ،‬والتــي تتخذهــا كل إدارة حكوميــة‪.‬‬ ‫ومــن األمثلــة علــى املجــاالت‪ ،‬أو املنتديــات‪ ،‬التــي ميكــن أن يلعــب‬ ‫فيهــا هــؤالء اخلبــراء‪ ،‬أو املفكــرون‪ ،‬أدوا ًرا مســاندة للدبلوماســية؛‬ ‫"املنتــدى االقتصــادي العاملــي ‪-‬دافــوس"‪ ،‬الــذي لــه تأثيــر كبيــر علــى‬ ‫السياســات االقتصاديــة الدوليــة لــكل بلــد‪ ،‬و"حــوار شــانغريال"‪،‬‬ ‫الــذي يوفــر للخبــراء البارزيــن واملفكريــن يف العالــم فرصــة ملناقشــة‬ ‫القضايــا األمنيــة واالســتراتيجية اآلســيوية‪ .‬كمــا أن هنــاك أهميــة‬ ‫متزايــدة لتطويــر املــوارد البشــرية ملراكــز التفكيــر ‪،Think Tanks‬‬ ‫واالســتفادة مــن خبــراء اجلامعــات واملنظمــات األخــرى يف البلــدان‬ ‫الكبــرى‪ ،‬للمشــاركة يف النقــاش يف مثــل هــذه املنتديــات‪ .‬وذلــك مــن‬ ‫أجــل تعزيــز ســلطة الدبلوماســية؛ علــى املــدى املتوســط والطويــل‪ ،‬مــن‬ ‫خــالل توســيع القاعــدة الفكريــة لدبلوماســية اليابــان وأمنهــا‪.‬‬ ‫وتستكشــف الســيرة الرائعــة حليــاة املفكــر والدبلوماســي‬ ‫األيرلنــدي دانيــال بينشــي‪ ،‬الــذي بــرزت شــخصيته العامــة يف مرحلــة‬ ‫مــا بعــد االســتقالل يف أيرلنــدا‪ .‬وأثنــاء عملــه ســفي ًرا أليرلنــدا يف‬ ‫أملانيــا مــن ‪1929‬م‪ ،‬إلــى ‪1932‬م‪ ،‬كان بينشــي ينــادي بتحديــث الدولــة‬ ‫األيرلنديــة احلــرة املســتقلة‪ ،‬التــي كانــت تعانــي بصــورة مباشــرة‬ ‫مــن الزيــادة املقلقــة لســطوة النازيــة والفاشــية‪ .‬وكان اجتماعــه مــع‪،‬‬

‫‪114‬‬

‫رأي‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أزمات املنطقة تدفع دول الخليج إلعادة صياغة سياساتها الخارجية تجاه إفريقيا‬

‫الـدبـلـومـاسـيـة والــفـكــر‪:‬‬ ‫تــــالزم أصــيــــل وتـبـاعـــــد مـفـتــــرض‬ ‫اس ــتدعت الس ــنوات األخي ــرة م ــن الق ــرن العش ــرين النق ــاش ح ــول قضي ــة الفك ــر والدبلوماس ــية‪ ،‬وجلبت ــه إل ــى املقدم ــة‪،‬‬ ‫ألس ــباب ال عالق ــة له ــا باإلش ــكاليات الفكري ــة املطروح ــة‪ ،‬وإمن ــا مب ــن طرحه ــا ووظيفت ــه املهني ــة‪ ،‬يف عال ــم تتماي ــز في ــه‬ ‫التخصص ــات ع ــن املختص ــن‪ .‬فعندم ــا نش ــر الدكت ــور يوش ــيهيرو فرانس ــيس فوكويام ــا أطروحت ــه املش ــهورة "نهاي ــة التاري ــخ‬ ‫واإلنس ــان األخي ــر"‪ ،‬يف مجل ــة "ناش ــيونال إنترس ــت"‪ ،‬صي ــف ع ــام ‪1989‬م‪ ،‬قب ــل أن يتوس ــع فيه ــا ويصدره ــا ككت ــاب يف ع ــام‬ ‫‪1992‬م‪ ،‬انتبهــت االنتلجنســيا األمريكيــة إلــى ظاهــرة بــدأت غيــر مألوفــة‪ ،‬إذ ركــز الكثيــر مــن النقــاد آراءهــم علــى الوظيفــة‬ ‫ال املوظــف‪ ،‬وهاجمــوا مــكان العمــل ال مكانــة العامــل العلميــة والفكريــة املعروفــة يف املؤسســات األكادمييــة‪ ،‬التــي ســبق أن‬ ‫َعمِ ـ َل به ــا‪ .‬وث ــار ج ــدل كبي ــر ح ــول عالق ــة الفك ــر بالدبلوماس ــية‪ ،‬ألن فوكويام ــا كان يعم ــل يف "هي ــأة تخطي ــط السياس ــات"‬ ‫ب ــوزارة اخلارجي ــة األمريكي ــة‪.‬‬

‫د‪ .‬الصادق الفقيه‬

‫لقــد كتــب جوناثــان آلتــر‪ ،‬يف مجلــة "نيوزويــك" يف ‪ 9‬أكتوبــر‬ ‫‪1989‬م‪ ،‬مقــاالً بعنــوان‪" :‬الضجــة الفكريــة‪The Intellectual-‬‬ ‫‪ ،"Hola Hoop‬مصو ًبــا نقــده ناحيــة وزارة اخلارجيــة األمريكيــة‬ ‫وحظهــا املتواضــع يف اجلوانــب الفكريــة‪ ،‬وأنهــا لــم يُعــرف عنهــا‬ ‫التفكيــر‪ ،‬وعندمــا فكــر أحــد منســوبيها ســارعت بإبعــاد نفســها‬ ‫عــن الفكــرة‪ .‬وكتــب جيمــس أتــالس‪ ،‬يف "مجلــة نيويــورك تاميــز"يف‬ ‫‪ 22‬أكتوبــر ‪1989‬م‪ ،‬متســائ ً‬ ‫ال‪" :‬مــاذا يقــول فوكويامــا‪ ،‬وملــن يوجــه‬ ‫حديثــه؟"‪ ،‬مســتبعدًا قــدرة رؤســائه ومرؤوســيه علــى اســتيعاب مــا‬ ‫قــال بــه املوظــف املفكــر‪ .‬وتناولــت الكثيــر مــن املقــاالت األخــرى نفــس‬ ‫التســاؤالت‪ ،‬التــي نشــطت يف تداولهــا املجالــس الفكريــة يف ذلــك‬ ‫العــام‪ ،‬ومــا تــاله مــن أعــوام تعــددت فيهــا املــدارس‪ ،‬والتــي تراوحــت‬ ‫نظرتهــا لعالقــة الفكــر بالدبلوماســية؛ بــن تأكيــد التــالزم األصيــل‪،‬‬ ‫واإلشــارة إلــى التباعــد املفتــرض‪.‬‬ ‫َُ‬ ‫وحت ِّدثُنَــا أوراق التاريــخ عــن مِ ثــال آخر شــكل ارتباطه مبؤسســات‬ ‫صناعــة السياســة اخلارجيــة ً‬ ‫لغطــا وحــوارات حــول عالقــة الفكــر‬ ‫بالدبلوماســية‪ ،‬أال وهــو املــؤرخ املعــروف أرنولــد توينبــي‪ ،‬الــذي كان لــه‬ ‫نفــوذ وتأثيــر كبيــر علــى السياســة اخلارجيــة البريطانيــة‪ ،‬يف بدايــات‬ ‫القــرن العشــرين‪ .‬فقــد كان اســتا ًذا للعالقــات الدوليــة يف عــدد مــن‬ ‫اجلامعــات البريطانيــة‪ ،‬وكان مندو ًبــا يف "مؤمتــر باريــس للســالم"‪،‬‬

‫عــام ‪1919‬م‪ .‬وعمــل مدي ـ ًرا لألبحــاث اخلارجيــة يف "املعهــد امللكــي‬ ‫للشــؤون الدولية‪-‬تشــاتام هــاوس"‪ ،‬بــن عامــي ‪1943-39‬م‪ ،‬ومحــر ًرا‬ ‫لتقريــر "املســح الســنوي للعالقــات الدوليــة"‪ ،‬الــذي صــار مرج ًعــا‬ ‫مه ًمــا للمختصــن يف العالقــات الدوليــة يف بريطانيــا‪ ،‬وعمــل يف‬ ‫"إدارة االســتخبارات السياســية"‪ ،‬ومديـ ًرا لـ"قســم البحــوث"‪ ،‬يف وزارة‬ ‫اخلارجيــة البريطانيــة ‪1946-43‬م‪ .‬وقــد كانــت لــه مواقــف متناقضــة‬ ‫كثيــرة؛ بــن صفتــه كمفكــر وعملــه كموظــف يف هيــأة دبلوماســية‪،‬‬ ‫خصوصــا بــن عامــي ‪1917-15‬م‪ ،‬أو فتــرة املرافعــات السياســية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫التــي ســبقت وعــد بلفــور حــول خلــق وطــن لليهــود يف فلســطن‪ .‬فبعــد‬ ‫أن كان مناصـ ًرا بشــدة للفكــرة الصهيونيــة‪ ،‬أبــدى الح ًقــا جــرأة وقــد ًرا‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫معارضــا‬ ‫ــد وقتئــذ‬ ‫مــن التعاطــف مــع الفلســطينين؛ يف‬ ‫موقــف ًع َّ‬ ‫للسياســة البريطانيــة الرســمية‪ ،‬مشــي ًرا إلــى أنــه وعــد مــن ال ميلــك‬ ‫ملــن ال يســتحق‪.‬‬ ‫فهــل كان توينبــي وفوكويامــا ظاهرتــن فكريتــن شــاذتن يف‬ ‫احليــاة الدبلوماســية البريطانيــة واألمريكيــة‪ ،‬أو العامليــة؟ تقــول‬ ‫األدبيــات السياســية أنــه إذا كان هنــاك شــيء يســمى الفكــر يف‬ ‫العمــل الدبلوماســي فهنــاك بالقطــع دبلوماســية صحيحــة‪ .‬إ ًذا‪،‬‬ ‫قــد يكــون االســتثناء هــو مــن احملتويــات الدقيقــة لطبيعــة الوظيفــة‬ ‫الدبلوماســية‪ ،‬أو مــا ميكــن أن نُ َع ِّر ْفـ ُه بـ"الفــراغ الفكــري"‪ ،‬الــذي ينبغي‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫رأي‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪113‬‬

‫عزلــة أمريــكا عــن العالــم والمنظمــات الدوليــة أقــرب إىل الواقــع عــى‬ ‫ضــوء مواقــف ترامــب وانســحاب بــالده مــن بعــض المنظمات والشــراكات‬ ‫ومجلـس األمـن منسـج ًما مـع الرؤيـة األميركيـة‪ ،‬علـى اعتبـار أنهـا مـا‬ ‫زالـت املسـاهم األكبـر يف امليزانيـة ومبـا يفـوق (‪ )25‬باملائـة كمـا أن‬ ‫مقـر الهيـأة يقـع باألراضـي األمريكيـة‪ ،‬ناهيـك عـن أن منصب األمن‬ ‫العام املسـاعد للشـؤون اإلدارية واملالية يعد حك ًرا على أمريكا لذلك‬ ‫فـإن أي توجـه لإلصـالح سـيكون خاض ًعا للرؤية األمريكية ومنسـج ًما‬ ‫مـع مصاحلهـا ممـا يعنـي أن حتديـث سياسـات األمم املتحدة سـتكون‬ ‫أكثـر تواف ًقـا مـع توجهـات ومصالـح أمريـكا بالدرجـة األولى سـيما إن‬ ‫القيـادة العامليـة للواليـات املتحـدة يف مجلـس األمـن تشـكل مسـألة‬ ‫مركزيـة للتأثيـر يف أعضـاء األمم املتحـدة بشـأن القضايـا احلاسـمة‬ ‫بالنسبة إليها ومبا أن التأثير السياسي والعسكري ألمريكا ميكن أن‬ ‫ميتـد إلـى قـارات بعيـدة سـيبقى مجلـس األمـن األداة األهـم واألقوى‬ ‫لتعزيـز هيمنـة القـوى العظمـى يف العالـم وفـرض إرادتهـا علـى دول‬ ‫العالـم الثالـث ممـا يعنـي أن قضيـة التحديـث األممـي سـتظل متعثـر‬ ‫مع غياب اإلرادة السياسـية الالزمة من قبل الدول الدائمة العضوية‬ ‫لتقريـب وجهـات النظـر حـول الهـدف املنشـود فالتحديـات الدوليـة‬ ‫املتسـارعة تدفـع لبـذل مزيـد مـن اجلهـد لتحسـن مسـار املفاوضات‬ ‫والتأكيـد علـى العمـل اجلماعـي كمـا أن أي مقترحـات تتعلـق بتوسـيع‬ ‫وإصـالح مجلـس األمـن يجـب أن حتصـد اتفـاق عـام أو علـى األقـل‬ ‫أكبـر قـد ًرا مـن التوافـق حولـه األمـر الـذي يصعـب حتقيقـه مـع ظهور‬

‫مؤشـرات علـى أن أمريـكا والصـن لـن يصدقـا علـى مسـألة إصـالح‬ ‫مجلـس األمـن‪ ،‬كمـا أن تنفيـذ قـرار اإلصـالح يتطلـب تصديـق ثلثـي‬ ‫أعضـاء اجلمعيـة العامـة مبـا يف ذلـك األعضـاء الدائمـن والشـك أن‬ ‫امتنـاع الـدول األعضـاء الدائمـن عـن التصديق لـن تدخل إصالحات‬ ‫مجلـس األمـن حيـز التنفيـذ مـا لـم يحـدث تعديـل يف ميثـاق األمم‬ ‫املتحـدة يوافـق عليـه ثلثـي الـدول األعضـاء يف األمم املتحـدة ومـن‬ ‫بينهـا األعضـاء الدائمـن يف مجلـس األمـن‪ ،‬كمـا أن احتمـال عزلـة‬ ‫أمريـكا عـن العالـم واملنظمـات الدوليـة أقـرب إلـى الواقـع ‪ ،‬يف ضـوء‬ ‫مواقـف الرئيـس األمريكـي ‪-‬ترامـب‪ -‬املعاديـة للمنظمـات الدوليـة‪،‬‬ ‫وإعـالن انسـحاب بـالده مـن بعـض املنظمـات الدوليـة والشـراكات‬ ‫السياسـية واألمنيـة واالقتصاديـة قـد تؤشـر لنهايـة زمـن التعـاون‬ ‫اجلماعـي الـذي سـبق أن حـذرت منـه ‪-‬اجنيـال ميـركل‪ -‬علـى اعتبـار‬ ‫أن أمريـكا باتـت شـري ًكا غيـر موثـوق به أمـام حلفائها وإن كان التوجه‬ ‫األمريكـي األخيـر ينبـئ أن انعزاليـة الواليات املتحدة عن العالم الذي‬ ‫نظمتـه وقادتـه لعقـود‪ ،‬سـتدفع ببعـص الـدول إلـى إبـرام اتفاقـات‬ ‫ً‬ ‫عوضـا عـن‬ ‫ثنائيـة معهـا ملنافـع بينيـة كاالتفـاق اخلليجي‪/‬األمريكـي‬ ‫ربـط القـوة األمريكيـة بتحالفـات وجتمعـات عاملية أوسـع قد حتد من‬ ‫حريـة التصـرف األمريكـي وأسـاليب ضغطـه‪.‬‬ ‫* خبرية دراسات سياسية واسرتاتيجية‬

‫‪112‬‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫رأي‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫لـــن تدخـــل إصالحـــات مجلـــس األمـــن حيـــز التنفيـــذ بـــدون‬ ‫تعديـــل الميثـــاق بموافقـــة ثلثـــي األعضـــاء مـــن بينهـــم الدائميـــن‬ ‫عـدة تطويـر مجلـس األمـن للرفـع مـن كفاءتـه وتكاملـه مـع اجلمعيـة‬ ‫العامـة واملجلسـن االقتصـادي وتقاريـر االجتماعـي مـا يسـتدعي‬ ‫مراجعـة شـاملة وإحـداث تغيـرات جوهريـة يف عمل املجلس من حيث‬ ‫فئـات العضويـة وفئـة النقـض واالختصاصـات واالمتيـازات املمنوحـة‬ ‫لألعضـاء الدائمـن وعالقتـه مـع اجلمعيـة العامـة مبـا يتسـق وميثـاق‬ ‫األمم واملتغيـرات الدوليـة ومـا تفرضـه من معاييـر جديدة إلعادة بناء‬ ‫الثقـة‪ ،‬وسـيكون مـن األهميـة توسـيع عضويـة مجلـس األمـن للعمـل‬ ‫وفـق معاييـر دوليـة مقبولـة للقـدرة علـى التحـرك بشـكل مسـتمر‬ ‫وفاعـل ألداء مهمتـه األساسـية يف حفـظ السـلم واألمـن نيابـة عـن‬ ‫الـدول األعضـاء ممـن تعهـدوا بقبـول قراراتـه وتنفيذهـا ممـا يتعـن‬ ‫علـى املجلـس اعتمـاد االسـتراتيجيات التاليـة‪:‬‬ ‫ تفعيـل البنـود املجمـدة يف ميثـاق األمم املتحـدة لضمـان عمـل‬‫مجلـس األمـن وف ًقـا ملبـادئ امليثـاق التـي تشـكل حـدو ًدا لسـلطاته ال‬ ‫وف ًقـا لغايـات األعضـاء الدائمـن ملناهضـة سياسـة الهيمنـة املضـادة‬ ‫لـروح نظـام األمـن اجلماعـي مـن حيـث اللجـوء إلى القـوة والتهديد أو‬ ‫تقييـد حريـة الـدول يف اختيـار نظامها السياسـي ومتابعـة تنميتها مع‬ ‫إقامـة نظـام جديـد للعالقـات الدوليـة قائـم على املسـاهمة املتسـاوية‬ ‫يف حـل املشـاكل العامليـة وضمـان اسـتقرار األمـن والسـلم الدوليـن‪.‬‬ ‫ بلـورة معالـم نظـام لألمـن اجلماعـي يسـتهدف تسـوية النزاعـات‬‫السياسـية مـن خـالل املعاجلـة الشـاملة جلـذور األزمـات الدوليـة‬ ‫وهـي جـذور اقتصاديـة ‪ -‬اجتماعيـة ‪ -‬ثقافيـة ‪ -‬مـع التـزام الـدول‬ ‫الدائمـة العضويـة مببـادئ وسـلوكيات تضمن حصول الدول الضعيفة‬ ‫واملسـتهدفة علـى احلمايـة التـي يفترضهـا لهـا امليثـاق وتأمـن كفالـة‬ ‫املجلـس والتزامـه بـأال تطغـى مصالـح الـدول الكبـرى علـى مصالـح‬ ‫وأمـن وسـالمة املجتمـع الدولـي ومبـادئ العدالـة وامليثـاق‪.‬‬ ‫ إعــادة النظــر يف قضيــة توســيع العضويــة‪ ،‬لتمكــن املجلــس مــن‬‫التمثيــل العــادل واملتــوازن للــدول األعضــاء يف املنظمــة مــن خــالل‬ ‫ً‬ ‫وســطا بــن العضويــة‬ ‫إيجــاد فئــة عضويــة جديــدة‪ ،‬حتتــل موق ًعــا‬ ‫انعكاســا وتواز ًنــا للبعديــن‬ ‫الدائمــة وغيــر الدائمــة تكــون أكثــر‬ ‫ً‬ ‫اإلســتراتيجي واجليوسياســي علــى مســتوى القــارات اخلمــس مــن‬ ‫أجــل تفعيــل أشــمل لقراراتــه وهــو مــا ســبق أن طالبــت بــه مجموعــة‬ ‫األربعــة ‪-‬أملانيــا واليابــان والهنــد والبرازيــل‪ -‬التــي لهــا ثقــل اقتصــادي‬ ‫عاملــي بعضويــة دائمــة كمــا طالبــت مجموعــة الــدول العربيــة‬ ‫واخلليجيــة بتمثيــل كامــل الصالحيــات يف فئــة املقاعــد الدائمــة يف‬ ‫حــال أي توســيع مســتقبلي للمجلــس حتــى ال يظــل مجلــس األمــن‬ ‫حتــت تأثيــر القــوى النوويــة اخلمــس التــي تعقــد غال ًبــا اجتماعــات‬

‫غيــر رســمية ‪-‬جلــان صغيــرة‪ -‬حلــل املفاوضــات أو التوصــل إلــى‬ ‫توافــق يف اآلراء يتــم اعتمــاده فيمــا بعــد يف مجلــس األمــن‪.‬‬ ‫مساســا مببــدأ الدميقراطيــة‬ ‫ تقييــد حــق الفيتــو‪ ،‬باعتبــاره‬‫ً‬ ‫واملســاواة يف الســيادة بــن الــدول ممــا يســتدعي تقييــد اســتعماله‬ ‫تدريج ًيــا وحصــره يف احلــاالت املنصــوص عليهــا يف الفقــرة (‪)7‬‬ ‫متهي ـدًا إللغائــه كل ًيــا وقدمــت فرنســا أكثــر مــن مشــروع قــرار إلــى‬ ‫مجلــس األمــن يف ‪ 3‬ســبتمبر ‪2015‬م‪ ،‬للحــد مــن اســتخدام حــق‬ ‫النقــض لألعضــاء الدائمــن وأن واجهتــه روســيا بحــق النقــض وأن‬ ‫كانــت حظــوظ تعديــل حــق االعتــراض ضئيلــة يف ظــل األوضــاع‬ ‫الدوليــة الراهنــة‪.‬‬ ‫ إيجــاد مرجعيــة قانونيــة سياســية تؤطــر عالقــة مجلــس األمــن‬‫بأجهــزة األمم املتحــدة األخــرى لضمــان عــدم التعــدي علــى‬ ‫اختصاصاتهــا كاجلمعيــة العامــة واملجلــس االقتصــادي واالجتماعــي‬ ‫وأن يقتصــر دور مجلــس األمــن علــى أداء املهــام املوكلــة إليــه مبوجــب‬ ‫امليثــاق مــن حيــث صيانــة الســلم واألمــن الدوليــن لتجــاوز الضغــوط‬ ‫التــي تفرضهــا الــدول دائمــة العضويــة وحمياتــه مــن التأثيــر الــذي‬ ‫متارســه أمريــكا يف مؤسســاته وآلياتــه‪.‬‬ ‫ اعتمــاد ميثــاق أممــي ملراقبــة قانونيــة اتخــاذ القــرارات يف املجلــس‬‫مــن حيــث الشــكل واملضمــون للتأكــد مــن اتفاقهــا مــع مبــادئ امليثــاق‬ ‫ومــع اختصاصــات املجلــس نفســه فضــال عــن توافقهــا مــع إرادة‬ ‫ورغبــة ورؤيــة أعضــاء اجلمعيــة العامــة خاصــة تلــك القــرارات‬ ‫املتعلقــة باســتخدام العقوبــات أو القــوة املســلحة كــون إصــالح عمليــة‬ ‫اتخــاذ القــرار يف مجلــس األمــن يضفــي طابــع اإللزاميــة عليهــا وينبــذ‬ ‫نهــج االنتقائيــة واالزدواجيــة حيــال األزمــات الدوليــة ومــن املناســب‬ ‫إعطــاء محكمــة العــدل الدوليــة دو ًرا رقاب ًيــا علــى مشــروعية أعمــال‬ ‫مجلــس األمــن حتــى مــع إصــالح منظمــة األمم املتحــدة عمو ًمــا‬ ‫ومجلــس األمــن بصفــة خاصــة‪.‬‬

‫مستقبل األمم المتحدة ومراكز القوى الدولية الجديدة‬ ‫الستشـراف مسـتقبل األمم املتحـدة مـن حيـث قدرتهـا علـى‬ ‫اسـتيعاب التحـوالت الدوليـة وقيـادة النظـام الدولـي وفـق قواعـد‬ ‫الشـرعية الدوليـة لضبـط األمـن واالسـتقرار الدولـي يف ظـل تغييـر‬ ‫مراكـز القـوى وظهـور معالـم جديـدة ملجتمـع دولـي متعـدد القطبيـة‬ ‫يلـوح يف األفـق وحتديـات وقضايـا عامليـة تسـتدعي العمـل بعيـدًا عـن‬ ‫ضغـوط الـدول العظمـى املتحكمـة يف صنـع القـرار السياسـي الدولي‬ ‫مـن املؤكـد أن الهيمنـة األميركيـة سـتجعل مـن إصـالح األمم املتحـدة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫خامســا‪ :‬تأثيــر قــوة ونفــوذ جماعــات الضغــط ‪-‬اللوبــي الصهيونــي‪-‬‬ ‫ً‬ ‫وجماعــات املصالــح يف أمريــكا التــي تتمتــع بقــدرة علــى الوصــول إلــى‬ ‫مراكــز القــرار باحلكومــة الفيدراليــة والتحكــم فيهــا وعلــى واضعــي‬ ‫السياســة اخلارجيــة لضمــان منافعهــا يف أنشــطة املنظمــات بالنســبة‬ ‫لسياســات واقتصــادات الــدول األعضــاء إذ وجــدت يف املنظمــات‬ ‫الدوليــة فرصــة مواتيــة لرســم أجنــدة تلــك املنظمــات مبــا يحقــق‬ ‫أهدافهــا البرجماتيــة ويعــزز مصاحلهــا يف مجــاالت كثيــرة انطال ًقــا‬ ‫مــن معتقداتهــم الراســخة بهيمنــة أمريــكا العامليــة‪.‬‬

‫إصالح األمم المتحدة ومتطلبات النظام العالمي الجديد‬ ‫يف خضــم أزمــة الثقــة الدوليــة يف األمم املتحــدة وتداعــي ســلطة‬ ‫مجلــس األمــن طالبــت العديــد مــن الــدول بإصالحــات جذريــة‬ ‫للمنظمــة و مؤسســاتها إلضفــاء املصداقيــة لقراراتهــا بعيــدًا عــن‬ ‫الهيمنــة ليكــون للمنظمــة دور أكبــر يف إنهــاء النزاعــات واملجاعــات‬ ‫وتكريــس اآلليــات الفاعلــة الحتــواء الصراعــات وإن تباينــت رؤى‬ ‫القــوى العامليــة واإلقليميــة حــول إعــادة هيكلــة األمم املتحــدة إن لــم‬ ‫تكــن متعارضــة إال إنهــا تتفــق جمي ًعــا علــى دعــم مســيرة اإلصــالح‬ ‫لتكــون املنظمــة أكثــر كفــاءة يف منظومــة العمــل األممــي لتحســن‬ ‫أدائهــا يف مياديــن العمــل لصنــع وبنــاء الســالم العاملــي عبــر قواعــد‬ ‫قانونيــة جديــدة للتغلــب علــى اجلمــود والشــلل يف أجهزتهــا‪ ،‬لــن تتــم‬ ‫إال مــن خــالل تفعيــل بنــود امليثــاق التأسيســي للمنظمــة التــي ظلــت‬ ‫معطلــة ألكثــر مــن نصــف قــرن ممــا انعكــس ســل ًبا علــى دور املنظمــة‬ ‫وســمح بتحكــم القــوى الكبــرى يف قــرارات املنظمــة ومجلــس األمــن‬ ‫باالســتخدام املفــرط حلــق االعتــراض ممــا يســتوجب الوقــوف علــى‬ ‫بعــض االســتراتيجيات كمدخــل لإلصــالح مــن بينهــا ‪:‬‬ ‫ إعــادة هيكلــة األمم املتحــدة وإصــالح األمانــة العامــة ليكــون‬‫أكثــر دميقراطيــة ومتثيــال لــدول العالــم وتعبي ـ ًرا عــن تــوازن القــوى‬ ‫الدولــي وحتســن قــدرة املنظمــة علــى إدارة عمليــات حفــظ الســالم‬ ‫وأدائهــا يف مياديــن العمــل اإلنســاني واإلمنائــي وتعزيــز دورهــا يف حل‬ ‫النزاعــات وتكريــس مقومــات الســالم الدولــي و حتســن كفاءتهــا يف‬ ‫التنســيق واملســاعدة يف منــع األزمــات وأكثــر قــوة يف مجــال الوقايــة‬ ‫مــن نشــوب الصراعــات وأكثــر مرونــة يف مجــال الوســاطة وأكثــر‬ ‫فعاليــة مــن حيــث التكلفــة يف عمليــات حفــظ الســالم مــع حتديــث‬ ‫الهيــاكل التــي مــن شــأنها تعزيــز الســلم لتجنــب العــودة إلــى النــزاع‬ ‫وتفعيــل الدبلوماســية الوقائيــة للحــد مــن العنــف‪.‬‬ ‫ دراســة مســتويات االســتقالل النســبي الــذي تتمتــع بــه األمم‬‫املتحــدة واملؤسســات املنبثقــة عنهــا كصنــدوق النقــد الدولــي والبنــك‬ ‫الدولــي لترســيخ بيئــة دوليــة تعنــى باالســتقالل السياســي للــدول‬ ‫وتنــأى عــن املســاومات مــع االضطــالع مبســؤولياتها جتــاه حتييــد‬ ‫عــدم التكافــؤ يف القــوة‪ ،‬مــن خــالل إعــادة النظــر يف املمارســة‬

‫رأي‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪111‬‬

‫الفعليــة للوظائــف التمثيليــة والتداوليــة للمنظمــات‪ ،‬وكيفيــة صياغــة‬ ‫تفويضــات األعضــاء داخــل هــذه املنظمــات والقــوة التصويتيــة التــي‬ ‫يتحصــل عليهــا كل عضــو واألســاس املنطقــي لوجــود بنيــة التمثيــل‬ ‫مــع حتييــد دور أمريــكا يف تشــكيل تلــك البنيــة ومتطلبــات اإلصــالح‬ ‫والتغييــر ملنــع اإلبقــاء علــى القواعــد املبهمــة يف عمــل املنظمــات ومنــع‬ ‫جتــاوز القواعــد الرســمية لصنــع القــرار‪.‬‬ ‫ إصــالح املــوارد البشــرية وكفــاءة العاملــن باملنظمــة وهــي القضيــة‬‫األكثــر تعقيــدًا يف التغييــر‪ ،‬حيــث تســتوجب عمليــة تصحيحيــة‬ ‫محكمــة التخطيــط والتنظيــم تهــدف إلــى ضمــان إدخــال التغييــرات‬ ‫وفــق تسلســل منطقــي‪ ،‬علــى أن تشــارك فيهــا هيــآت متثــل املوظفــن‬ ‫مشــاركة كاملــة أمــا فيمــا يخــص اإلصــالح املالــي واإلداري فــإن نهــج‬ ‫مبــدأ الشــفافية يف امليزانيــة واالعتمــاد علــى مبــدأ النتائــج والرقابــة‬ ‫والتحقيقــات ورفــع الكفــاءة والفعاليــة لــدى موظفــي األمم املتحــدة‪،‬‬ ‫قــد يســاهم يف حتســن اســتعمال املــوارد املاليــة واإلداريــة لتحقيــق‬ ‫غايــة املنظمــة يف حفــظ الســلم واألمــن الدوليــن الدوليــة‪.‬‬ ‫ اإلصــالح املالــي بقصــد تنويــع مصــادر الدخــل لتفــادي الهيمنــة‬‫وتقليــل النفقــات للحــد مــن األزمــات املاليــة الناجتــة عــن ضعــف‬ ‫التدبيــر املالــي‪ ،‬وعــن تأخــر الــدول األعضــاء يف دفــع اشــتراكاتها‪،‬‬ ‫وهــي أزمــة مزمنــة ومســتمرة بســبب اخللــل البنيــوي يف سياســة‬ ‫التمويــل واإلنفــاق جــراء اعتمــاد املنظمــة يف متويلهــا علــى مســاهمة‬ ‫الــدول األعضــاء مــا يجعــل عملياتهــا معرضــة للفشــل‪ ،‬وفكــرة تعــدد‬ ‫مصــادر التمويــل و توزيــع أعبائهــا مــن أبــرز مظاهــر االختــالف بــن‬ ‫الــدول حــول كيفيــة متويــل أنشــطتها وال حتظــى بقبــول عام ســيما من‬ ‫جانــب الــدول التــي تســهم بالنصيــب األكبــر يف امليزانيــة والنفقــات‪.‬‬ ‫ تفعيــل دور األمم املتحــدة يف دفــع عمليــات التنميــة االقتصاديــة‬‫وحتســن آليــة العمــل لالســتثمار يف مكاســب مســتقبلية وتقنــن‬ ‫ضوابــط أحقيــة الــدول احملتاجــة للمســاعدة لتحقيــق تنميتهــا‬ ‫املســتدامة وإعــادة كســب ثقتهــا مــن خــالل ســن قيــود حقيقيــة‬ ‫علــى املمارســات العشــوائية للقــوة ممــا يتعــن علــى الــدول املتنفــذة‬ ‫منحهــا قــد ًرا مــن االســتقالل الذاتــي واخلضــوع لقواعــد املنظمــة‬ ‫وإن تعارضــت مــع مصاحلهــا لدعــم شــرعيتها للحــد مــن خضــوع‬ ‫املنظمــات الدوليــة لســلطة التمويــل املؤثــرة علــى اســتقالليتها‪.‬‬

‫إصالح وتحديث تركيبة مجلس األمن‬ ‫لـم يعـد تهديـد السـلم واألمـن الدوليـن مقصـو ًرا علـى النازعـات‬ ‫التقليديـة‪ ،‬بـل أمتـد ليشـمل ظواهـر جديـدة منهـا انتشـار اجلرميـة‬ ‫املنظمـة واملخـدرات واإلرهـاب والفسـاد والهجـرة غيـر الشـرعية‬ ‫وغيرهـا‪ ،‬مـا يفـرض حتديـث مجلـس األمـن مبـا ينسـجم والتهديـدات‬ ‫ً‬ ‫عامـال مسـاعدًا علـى دميومـة تلـك‬ ‫الدوليـة اجلديـدة حتـى ال يكـون‬ ‫التهديـدات ناهيـك عـن جتـاوزات الكيـان الصهيونـي‪ ،‬وقـد تناولـت‬

‫‪110‬‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫رأي‬

‫الوق ــت ال ــذي تطل ــب في ــه م ــن املؤسس ــات متع ــددة األط ــراف القي ــام‬ ‫ب ــدور أكب ــر يف مكافح ــة اإلره ــاب‪.‬‬ ‫ومــن منظــور براجماتــي يف قيــاس التأثيــر األمريكــي علــى‬ ‫املنظمــات متعــددة األطــراف ومــن بينهــا األمم املتحــدة ومجلــس‬ ‫األمــن نلحــظ أن هــذا املنظــور يرتكــز علــى عــدد مــن احملــددات‬ ‫والدوافــع التاليــة‪:‬‬ ‫أو ًال‪ :‬احملـــددات الداخليـــة – للسياســـة اخلارجيـــة األمريكيـــة‬ ‫ومصاحله ــا القومي ــة الت ــي تقت ــرن بش ــروط دعمه ــا لتل ــك املنظم ــات‬ ‫و نشــر بعــض تشــريعاتها الوطنيــة وإن كانــت تتعــارض مــع القواعــد‬ ‫الت ــي تفرضه ــا القوان ــن الدولي ــة إال أن متتعه ــا بحصان ــة واضح ــة‬ ‫جتــاه ضغــوط اآلخريــن دفعهــا للعمــل بشــكل انفــرادي علــى صعيــد‬ ‫مجموعـــة متنوعـــة مـــن القضايـــا مبعـــزل عـــن الهيـــآت الدوليـــة‬ ‫لتحقي ــق خياراته ــا املجتمعي ــة ‪ -‬السياس ــية والش ــعبية ‪ -‬م ــن حي ــث‬ ‫الفوائ ــد واملخاط ــر ُ‬ ‫احملصل ــة م ــن املش ــاركة يف املنظم ــات العاملي ــة‬ ‫للدف ــع بأه ــداف أمري ــكا أكث ــر إل ــى األم ــام‪ ،‬وال نغف ــل تقيي ــم جاذبي ــة‬ ‫املنظم ــات األممي ــة لتوظي ــف قدرته ــا عل ــى الهيمن ــة اجليوسياس ــية‬ ‫م ــن خ ــالل ضب ــط ال ــدول املس ــتهدفة بحس ــب األجن ــدة األمريكي ــة‬ ‫وحتجيـــم اســـتقاللها مـــن خـــالل تقييـــد ســـلطتها بالعديـــد مـــن‬ ‫االلتزام ــات والتعه ــدات الدولي ــة م ــا يقل ــل احلاج ــة إل ــى اس ــتخدام‬ ‫الق ــوة وخف ــض كلف ــة الضغ ــط وه ــذا ه ــو ثم ــن املس ــاومة األممي ــة‬ ‫كم ــا ه ــو احل ــال م ــع الكثي ــر م ــن دول العال ــم الثال ــث م ــن ج ــراء‬ ‫االســـتراتيجية األمريكيـــة ذات النزعـــة األحاديـــة واإلمبرياليـــة‬ ‫القائمــة علــى أســاس براغماتــي محــض ملأسســة املنظمــات الدوليــة‬ ‫لتعزي ــز املصال ــح األمريكي ــة‪.‬‬ ‫ثانيــا‪ :‬تقييــد اســتقاللية املنظمــات الدوليــة وأعضائها فاالســتثنائية‬ ‫ً‬ ‫األمريكيــة حــول دورهــا يف بنــاء نظــام عاملــي جديــد تنظــر دو ًمــا‬ ‫إلــى أن املصالــح األمريكيــة تتماشــى مــع مصالــح اآلخريــن يف معظــم‬ ‫املجــاالت ســيما األمــن والثــروات والدميقراطيــة وحقــوق اإلنســان‬ ‫ومكافحــة اإلرهــاب كمــا اجتهــت إلــى تقييــم تكاليــف احلــد مــن‬ ‫االســتقالل السياســي مقارنــة مــع املكاســب التــي ميكنهــا أن حتققهــا‬ ‫مــن تقييــد الــدول األخــرى يف مواقــف سياســية ثابتــة خللــق منظمــات‬ ‫دوليــة قــادرة علــى دفــع سياســة الــدول األعضــاء يف االجتــاه الــذي‬ ‫تريــده خاصــة أن واشــنطن كانــت قــادرة علــى ضمــان االنتقــال‬ ‫السياســي واالقتصــادي لهــذه الــدول عبــر تقــدمي ضمانــات حمايــة‬ ‫دائمــة‪ ،‬والعكــس بالنســبة للــدول املارقــة إذ مــن النــادر جـدًا أن متنــح‬ ‫السياســة األمريكيــة املنظمــات الدوليــة قــد ًرا كبي ـ ًرا مــن الســلطات‬ ‫املســتقلة قدرتهــا علــى الوصــول إلــى أهدافهــا مــن خــالل وســائل‬ ‫أخــرى‪ ،‬الســيما أن إعطــاء االســتقاللية لــألمم املتحــدة أو مجلــس‬ ‫األمــن مــن شــأنه تقــدمي بعــض التنــازالت الســيادية عــن مناطــق‬ ‫نفوذهــا لصالــح تلــك املنظمــات وهــو األمــر الــذي ترفضــه أمريــكا‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫وهــو مــا يفســر التناقــض الواضــح يف املواقــف األمريكيــة وتضــارب‬ ‫ســلوكها جتــاه نشــاط مجلــس األمــن‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثالثــا‪ :‬تدويــل اســتراتيجية االنحيــاز السياســي إذ جــاءت قــرارات‬ ‫وحتــركات الكثيــر مــن املنظمــات الدوليــة لتعزز فرضيــة ‪-‬االصطفاف‬ ‫السياســي‪ -‬لصالح توجهات أمريكا حيث اكتشــفت اإلدارة األمريكية‬ ‫عقــب ‪ -11‬ســبتمبر ‪2001‬م‪ ،‬أن األمم املتحــدة ميكــن أن تكــون‬ ‫أداة هامــة لهــا كقنــاة رئيســة ملعاجلــة األزمــات مــن خــالل خفــض‬ ‫التكاليــف واملخاطــر بالنســبة ألمريــكا‪ ،‬وعليــه فــإن انحيــاز بعــض‬ ‫الــدول إلــى أمريــكا يحســن فــرص تلــك الــدول يف احلصــول علــى‬ ‫امتيــازات مــا أكثــر مــن فرضيــة ‪-‬التقــارب السياســي‪ -‬البســيطة كمــا‬ ‫أنهــا تكافــئ والء الذيــن يتوافقــون معهــا ويعــد هــذا مــن املؤشــرات‬ ‫اخلطيــرة علــى فعاليــة وقانونيــة قــرارات األمم املتحــدة كونهــا تصــب‬ ‫يف الصالــح األمريكــي كمــا أن األصــوات األساســية للجمعيــة العامــة‬ ‫مقياســا غيــر مكتمــل النضــوج للتعبيــر عــن الباعــث السياســي‬ ‫تعتبــر‬ ‫ً‬ ‫لتلــك القــرارات ممــا يســتوجب احلــد مــن مكافــأة ‪-‬االنحيــاز‬ ‫السياســي‪ -‬التــي تنتهجهــا أمريــكا يف متريــر قراراتهــا‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬توظيف القرارات األممية يف تأمن الثروات واملوارد الطبيعية‬ ‫ً‬ ‫التـي تعـد أهـم آليـات اجلـذب للحـراك اجليوسياسـي األمريكـي‬ ‫للسـيطرة علـى تلـك املـوارد مبـا يحقـق مصاحلهـا مـع السـماح للـدول‬ ‫املتوافقـة معهـا ببعـض مـن التـرف السياسـي واالسـتقالل دون‬ ‫التضحيـة بعائداتهـا االقتصاديـة يف األسـواق العامليـة سـاعدها يف‬ ‫صنـدوق النقـد والبنـك الدولـي لدورهـا يف إحـداث تلـك املؤسسـات‬ ‫واسـتئثارها بتنظيـم هياكلهـا ومقـرات تواجدهـا وآليـات تفويضهـا‬ ‫ً‬ ‫فضـال عـن احتكامهـا علـى أكثـر مـن ثلـث القـوة التصويتيـة داخـل كل‬ ‫منظمة مما يؤشـر على إن أنشـطة تلك املنظمات التي تخضع لقيود‬ ‫أمريـكا وعلـى مسـاعداتها املشـروطة وهـو مـا يؤكـد أن سـلوكيات‬ ‫واشـنطن تنتظـم وتعمـل يف إطـار املؤسسـات الدوليـة عندمـا تكـون‬ ‫قـادرة علـى السـيطرة عليهـا بحسـب مصاحلهـا وتقاومهـا عندمـا‬ ‫تتعـارض مـع تلـك املصالـح‪ ،‬كمـا يفسـر ازدواجيـة مواقفهـا ومعضلـة‬ ‫واضحـا‬ ‫عالقاتهـا مـع االتفاقـات الدوليـة املؤسسـاتية كمـا بـدا‬ ‫ً‬ ‫جلميـع األعضـاء واملسـؤولن يف صنـدوق النقـد الدولـي بـأن مكانـة‬ ‫املنظمـة ودورهـا يف االقتصـاد العاملـي تتوقـف علـى االسـتخدامات‬ ‫التـي تقررهـا أمريـكا ومـن غيـر املفاجـئ أن تغتنـم قدرتهـا علـى‬ ‫اخلـوض يف جميـع القضايـا واملـوارد التـي تقدمها من أجل متثيلها يف‬ ‫صندوق النقد والبنك الدولي سـيما وأن هناك الكثير من املسـؤولن‬ ‫واملوظفـن األمريكيـن ممـا يشـاركون بانتظـام يف التفكيـر وتقـدمي‬ ‫ً‬ ‫فضـال عـن إسـهام موظفـي اخلارجيـة‬ ‫املشـورة للمنظمـات الدوليـة‬ ‫والفيدراليـة األمريكيـة إلجـراء التحليـالت والبرامـج املناطـة ببعـض‬ ‫املنظمـات الدوليـة املؤثـرة األمـر الـذي عـزز مـن قدرتهـا يف رسـم‬ ‫السياسـات وطريقـة عمـل املؤسسـات املاليـة الدوليـة‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫رأي‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪109‬‬

‫إصالح األمم المتحدة سيكون وفق الرؤية األميركية لمساهمتها بـ ‪% 25‬‬ ‫من ميزانيتها واحتكارها األمين العام المسـاعد للشـؤون اإلدارية والمالية‬ ‫أهــداف املنظمــات ‪-‬اإلنســانية‪ -‬لتحقيــق مصاحلهــا وأهدافهــا بغيــة‬ ‫إضف ــاء الش ــرعية عليه ــا لبس ــط س ــيطرتها‪ ،‬م ــع اس ــتغالل بع ــض‬ ‫القـــرارات األمميـــة كأداة ضغـــط و مســـاومة عنـــد احلاجـــة ممـــا‬ ‫أث ــار اجل ــدل من ــذ التس ــعينيات وتعال ــت األص ــوات للح ــد م ــن املي ــول‬ ‫األحاديـــة ألمريـــكا‪ ،‬يف الوقـــت الـــذي لـــم تلتـــزم اإلدارة األمريكيـــة‬ ‫مبب ــادرات أخ ــرى متع ــددة األط ــراف م ــن بينه ــا‪ :‬رف ــض االنضم ــام‬ ‫للمحكمـــة اجلنائيـــة الدوليـــة ورفـــض املصادقـــة علـــى معاهـــدة‬ ‫احلظ ــر الش ــامل عل ــى التج ــارب النووي ــة وق ــرار االنس ــحاب م ــن‬ ‫معاهـــدة ‪ ABM‬الصواريـــخ املضـــادة للصواريـــخ الباليســـتية‬ ‫وموقفه ــا م ــن بروتوك ــول كيوت ــو ‪- Kyoto Protocol‬ح ــول تغي ــر‬ ‫املنـــاخ العاملـــي‪ -‬والقيـــام بأعمـــال عســـكرية أحاديـــة اجلانـــب مـــا‬ ‫بع ــد الهجم ــات اإلرهابي ــة الت ــي تعرض ــت له ــا يف ‪ 11‬س ــبتمبر ع ــام‬ ‫‪2001‬م‪ ،‬للتص ــدي للتهدي ــدات األمني ــة عل ــى نح ــو اس ــتباقي لتعزي ــز‬ ‫مصاحلهـــا األساســـية واإلســـتراتيجية‪.‬‬ ‫ولــم تتمكــن األمم املتحــدة مــن التحــرك لتهدئــة بــؤر التوتــر‬ ‫وحــل األزمــات املهــددة للســلم الدولــي‪ ،‬ورغــم أن املنظمــة حتركــت‬ ‫يف بدايــة التســعينات حلــل بعــض القضايــا الدوليــة‪ ،‬إال إن ذلــك مت‬ ‫بأجنــدة أمريكيــة محضــة خدمــة ملصاحلهــا‪ ،‬كمــا حــدث يف املنطقــة‬ ‫ـرحا خص ًبــا للــدور اجلديــد لــألمم املتحــدة‪،‬‬ ‫العربيــة التــي كانــت مسـ ً‬

‫كتدخلهــا يف أزمــة اخلليــج الثانيــة عــام ‪1991‬م‪ ،‬ضــد العــراق واألزمــة‬ ‫الصوماليــة عــام ‪1992‬م‪ ،‬واألزمــة الليبيــة ‪-‬قضيــة لوكريــي‪ -‬مقابــل‬ ‫تقاعــس األمم املتحــدة عــن التزاماتهــا جتــاه القضيــة الفلســطينية‬ ‫وقراراتهــا الدوليــة ضــد إســرائيل‪.‬‬ ‫ومــن حيــث أدوات أســاليب أمريــكا لتطويــع قــرارات املنظمــة‬ ‫األمميـــة شـــكل ســـلوكها وممارســـاتها حالـــة مـــن الـــال اســـتقاللية‬ ‫والــال شــرعية بحســب منظورهــا السياســي للهيمنــة علــى محيطهــا‬ ‫اخلارج ــي املع ــزز ملصاحله ــا ومنافعه ــا وبحس ــب اإلط ــار املعي ــاري‬ ‫للق ــوى الدولي ــة املؤث ــرة م ــن حي ــث التق ــارب أو التباي ــن معه ــا فض ـ ً‬ ‫ـال‬ ‫عـــن اجلهـــود الدبلوماســـية مـــن احلكومـــات األخـــرى يف التعـــاون‬ ‫معهـــا ‪-‬حلفـــاء أو خصـــوم‪ -‬لدعـــم مواقفهـــا الدوليـــة وخططهـــا‬ ‫لالقتصـــاد العاملـــي ســـيما التـــي تتطلـــب جهـــود عـــدد مـــن الـــدول‬ ‫مم ــن تع ــول عل ــى ش ــرعية املنظم ــات الدولي ــة األم ــر ال ــذي يعف ــي‬ ‫أمري ــكا م ــن التهدي ــد أو الضغ ــوط كم ــا يجنبه ــا التضحي ــة بس ــمعتها‬ ‫أو حت ــى حتم ــل الكلف ــة السياس ــية لبع ــض تدخالته ــا الت ــي جتنيه ــا‬ ‫م ــن ش ــرعية ق ــرارات وأداء املنظم ــات متع ــددة األط ــراف باعتباره ــا‬ ‫معنيـــة بوضـــع قواعـــد احلـــراك السياســـي واالقتصـــادي علـــى‬ ‫املس ــتوى الدول ــي وق ــد برهن ــت اإلدارات األمريكي ــة املتعاقب ــة عل ــى‬ ‫أن ــه م ــن الطبيع ــي جــدًا رف ــض االنضم ــام لالتفاقي ــات األممي ــة يف‬

‫‪108‬‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫رأي‬

‫التدخــل بالنيابــة عــن األمم املتحــدة‪ ،‬إال أن تلــك االســتثنائية لــم تعــد‬ ‫تســتطيع الصمــود أمــام امتعــاض اجلمعيــة العموميــة‪ ،‬مــا يؤشــر لعمق‬ ‫عجــز املنظمــة األمميــة وقــرارات مجلــس األمــن‪ ،‬التــي برهنــت لعقــود‬ ‫إنــه لــم يوجــد إال ليكــون وســيلة لســيطرة الــدول دائمــة العضويــة‪،‬‬ ‫ليتحــول مجلــس األمــن إلــى أداة تخــدم مصالــح تلــك الــدول ومقاومــة‬ ‫أي محاولــة تغييــر يف هيــكل املجلــس أو تقليــص لدورهــا مبــا يف ذلــك‬ ‫ممارســة النفــوذ علــى األمــن العــام‪ ،‬لإلبقــاء علــى تلــك االمتيــازات‪،‬‬ ‫وضمــان اســتفادتها مــن األوضــاع احلاليــة لــألمم املتحــدة يف بســط‬ ‫ســيادتها وســيطرتها علــى مناطــق نفوذهــا بالرغــم مــن املطالــب‬ ‫املتزايــدة لكافــة الــدول األعضــاء بتوســيع عضويــة مجلــس األمــن مــع‬ ‫بــروز قــوى جديــدة وف ًقــا لتوزيــع النفــوذ يف النظــام العاملــي اجلديــد‪،‬‬ ‫ناهيــك عــن دورهــا يف اســتمرار عجــز األمم املتحــدة ســيما مــا يتصــل‬ ‫بــاألدوار التاليــة ‪:‬‬ ‫ تقاعــس األمم املتحــدة ومجلــس األمــن عن مســؤولياتهما جتاه حفظ‬‫الســالم الدولــي‪ ،‬ممــا غــذى الكثيــر مــن النزاعــات‪ ،‬لتداعــي عمليــات‬ ‫حفــظ الســالم يف ظــل املتغيــرات وهــو يناقــض ميثــاق األمم املتحــدة‬ ‫الــذي تأســس علــى املعاهــدات إلدارة العالقــات الدوليــة‪ ،‬وفاقــم مــن‬ ‫ذلــك العجــز‪ ،‬إحجــام املنظمــة عــن ايجــاد قــوات دوليــة حلفــظ الســالم‬ ‫باســتمرار‪ ،‬والتــي حالــت أمريــكا دون إنشــائها مــع إقرارهــا قانــون‬ ‫هيلمــز بايــدن ‪ Biden Act Helms‬الــذي يحظــر علــى احلكومــة‬ ‫األمريكيــة دفــع مســتحقات األمم املتحــدة إذا مــا توصلــت األخيــرة إلــى‬ ‫اتفــاق مــع أي دولــة بخصــوص وضــع قــوات أمميــة حتــت تصرفهــا‪،‬‬ ‫إضافــة إلــى رفــع الكونغــرس مــن ســلطته الرقابيــة لكبــح مــا اعتبــروه‬ ‫توسـ ًعا منفل ًتــا لطموحــات األمم املتحــدة يف مبــادرات حفــظ الســالم‪،‬‬ ‫كمــا طلبــت أمريــكا مــن األعضــاء الدائمــن‪ ،‬التأكــد مــن أن تقــوم األمم‬ ‫املتحــدة بــإدارة عمليــات حفــظ الســالم فحســب وليــس صنــع الســالم‬ ‫وأن تقــوم بذلــك علــى أســاس التكلفــة يف مقابــل الفعاليــة ومبــا يتســق‬ ‫مــع التفويــض املمنــوح وإن كانــت أمريــكا ال تعــارض اســتخدام القــوة‬ ‫يف حــد ذاتهــا يف تأمــن مصاحلهــا مادامــت قــد حشــدت التحالفــات‬ ‫الدوليــة حتــى يكــون لهــا تأثيــر قــوي علــى خصومهــا‪.‬‬ ‫ عجــز األمم املتحــدة عــن حتقيــق األمــن االجتماعــي أو األمــن‬‫التعاونــي‪ ،‬إذ أســهمت معاجلاتهــا االنتقائيــة والهزيلــة للقضايــا‬ ‫الدوليــة واملفتقــرة إلــى قواعــد عا َّمــة مقبولــة ومتفــق عليهــا دول ًيــا‪،‬‬ ‫يف دفــع الكثيــر مــن الــدول جتــاه االنقســام‪ ،‬والعزلــة‪ ،‬فضــ ً‬ ‫ال عــن‬ ‫قــي خو ًفــا مــن فقــدان ال ُهويــة أو‬ ‫االنغــالق الفكــري والثقــايف والعِ ْر ّ‬ ‫ســلب اإلرادة‪ ،‬األمــر ع ّقــد مــن عمليــة التنظيــم الدولــي‪ ،‬كمــا أضحــت‬ ‫خصوصــا جتــاه الــدول املتقدمــة‬ ‫كلفتــه باهظــة وتداعياتــه خطيــرة‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫والغنيــة‪ ،‬لتنظيــم عالقاتهــا ومعاجلــة قضاياهــا يف أ ُط ٍــر تنظيميــة‬ ‫مؤسســية خاصــة بهــا مبنــأى عــن األمم املتحــدة‪ ،‬يف الوقــت الــذي‬ ‫تزايــدت فيــه أزمــات الدولــة الفقيــرة‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ تراجــع دور األمم املتحــدة يف تقــدمي البرامــج اإلمنائيــة للــدول‬‫الناميــة مــع محدوديتهــا وتدنــي فعاليتهــا بالرغــم مــن تضخــم‬ ‫ميزانيتهــا إال أن أعمالهــا ال تتضمــن تقــدمي ودعــم برامــج التنميــة‬ ‫املســتدامة أو اإلنفــاق علــى قــوات حفــظ الســالم التابعــة‪ ،‬ممــا ســاهم‬ ‫بخيبــة أمــل عامليــة لســوء إدارة وتخطيــط عملياتهــا ومجازفاتهــا‬ ‫الكبيــرة وتفكيرهــا غيــر الواقعــي يف إدارة املــوارد املتاحــة ناهيــك عــن‬ ‫تراجــع مســؤوليتها يف جلنــة صنــع القــرار إلنقــاذ البشــر والتدخــل‬ ‫الســريع يف حــاالت اإلبــادة اجلماعيــة‪.‬‬ ‫ تقيــد االســتقالل السياســي للــدول‪ ،‬واســتمرار سياســة حبســها‬‫يف اتفاقيــات يصعــب حتديدهــا والتكهــن بالتزاماتهــا مســب ًقا فكثيــر‬ ‫مــن األزمــات الدوليــة مــا بعــد انتهــاء احلــرب البــاردة‪ ،‬كانــت بســبب‬ ‫تخطيــط ورؤيــة أمريــكا علــى اعتبــار أنهــا مهمــة للغاية علــى نحو يبرر‬ ‫القيــود وااللتزامــات التــي قدمتهــا للحصــول علــى تلــك الترتيبــات‬ ‫املؤسســاتية يف كل مــن أوروبــا والشــرق األوســط ومؤخـ ًرا شــرق آســيا‬ ‫وجميعهــا تســتهدف حبــس الــدول يف اتفاقيــات مؤسســاتية ممــا‬ ‫يجعلهــا عرضــة للمســاومات املســتقبلية التــي مــن الصعــب حتديدهــا‬ ‫أو التكهــن بهــا يف بعــض هــذه النمــاذج املؤسســاتية‪.‬‬ ‫ونســتنتج أنــه يف الوقــت الــذي بــدا فيــه حفــظ الســالم أمــ ًرا‬ ‫هامشــ ًيا ومشــكوكاً فيــه بــاألمم املتحــدة ومجلــس األمــن‪ ،‬اعتبــرت‬ ‫قضيــة التجــارة العامليــة مركزيــة إلعــادة ترتيــب األولويــات ملــا بعــد‬ ‫احلرب الباردة ولتحقيق توازن سياسي اجتهدت اإلدارات األمريكية‬ ‫املتعاقبــة يف إيجــاد شــكل مــن أشــكال التعويــض لتحقيــق مكاســب‬ ‫جتاريــة مــن خــالل بنــاء نظــام دولــي جديــد‪ ،‬قائــم علــى التجــارة‬ ‫احلــرة والنمــو االقتصــادي واإلنتاجيــة مــن خــالل منظمــة التجــارة‬ ‫العامليــة وشــبكة اإلنترنــت بــدالً مــن األجنــدة القدميــة للســالم واألمــن‬ ‫لــألمم املتحــدة وتطلــب االتفــاق مــن جميــع الــدول التجاريــة االلتــزام‬ ‫بنفــس القواعــد ومبــا أن أمريــكا لديهــا أكبــر اقتصــاد منتــج وقــادر‬ ‫علــى املنافســة وكانــت القضايــا االقتصاديــة العامليــة األكثــر أهميــة‬ ‫ومناســبة ملســتقبل الشــعب األمريكــي مــن القضايــا اجليوسياســية‬ ‫وقضايــا حفــظ الســالم املكلفــة وتظــل مهــام وأنشــطة منظمــة التجارة‬ ‫الدوليــة اعتبــرت دائ ًمــا علــى صلــة مباشــرة باملصالــح احليويــة‬ ‫األمريكيــة كمنظمــة نفعيــة مقارنــة بــاألمم املتحــدة ممــا ســاعد علــى‬ ‫انتقــال أجنــدة املؤسســات املاليــة واإلمنائيــة الدوليــة نحــو الليبراليــة‬ ‫االقتصاديــة التــي ال تخفــي عالقتهــا باالختيــارات األميركيــة‪.‬‬

‫حقيقة تأثير أمريكا عى األمم المتحدة ومجلس األمن‬ ‫لطامل ــا كان ــت األمم املتح ــدة ومجل ــس األم ــن الدول ــي م ــن أب ــرز‬ ‫محـــاور االســـتراتيجية األمريكيـــة للتفـــ ُّرد بالقـــرار الدولـــي وأداة‬ ‫هيمنتهــا علــى العالــم وال تخفــى ممارســات أمريــكا وآليــات توظيــف‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫رأي‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪107‬‬

‫التــــأثير األمريكـــي علـــى األمـــم الـمـتـحــــدة ومجلـــس األمـــن الــــدولي‪:‬‬

‫رؤيـــة استشـــرافية لمســـتقبل مجلـــس‬ ‫التع ــاون الخليج ــي والمنظم ــات الدولي ــة‬ ‫ســعت دول مجلــس التعــاون اخلليجــي إلــى أن يكــون لهــا حضــور إقليمــي ودولــي ووجــود مؤثــر يف الســاحات الدوليــة سياسـ ًيا‬ ‫واقتصاد ًيــا واجتماع ًيــا وثقاف ًيــا واســتراتيج ًيا‪ ،‬ال بصفتهــا دوالً مصــدرة للنفــط فحســب‪ ،‬وإمنــا لتســجيل حضــور أكبــر يف ســاحة‬ ‫القــرار الدولــي باعتبارهــا عضـ ًوا مؤثـ ًرا يف األمم املتحــدة‪ ،‬ولهــا إســهاماتها املاليــة يف املنظمــات الدولية كصنــدوق النقد الدولي‬ ‫والبنــك الدولــي‪ ،‬بالرغــم مــن الغمــوض الــذي يطغــى علــى وظائــف األمم املتحــدة‪ ،‬وتناقــض مواقــف مجلــس األمــن وغيــاب‬ ‫الشــراكة احلقيقــة مــع العالــم يف صياغــة مســتقبل العالــم وتنميتــه لالســتفادة مــن البرامــج واملســاعدات النوعيــة التــي ميكــن أن‬ ‫تقدمهــا تلــك املنظمــات يف إحــداث التنميــة املســتدامة‪ ،‬وفشــلها يف متثيــل طموحــات و تطلعــات شــعوب العالــم‪.‬‬

‫د‪ .‬أميرة الراشد الغامدي‬

‫إذ يبــدو أن هنــاك خطــ ًرا يهــدد مســتقبل املنظمــة األمميــة‬ ‫وهيآتهــا‪ ،‬و اســتحوذت هــذه القضيــة علــى انتباه الكثيــر من احلكومات‬ ‫واملراقبــن عنــد مناقشــة وضــع األمم املتحــدة‪ ،‬وكذلــك املنظمــات التــي‬ ‫تواجــه انقســامات جــراء تركيبــة مجلــس األمــن التــي لــم تعــد تســتجيب‬ ‫لنظــام توزيــع القــوى الدوليــة اجلديــدة ولوقائــع التطــورات املعاصــرة‬ ‫لتحقيــق الســلم واألمــن الدولــي‪ ،‬واإلفــراط يف الفيتــو ومــا ترتــب عليــه‬ ‫مــن عواقــب ال ســيما مــا يتصــل بالشــرق األوســط وانعكاســاتها علــى‬ ‫دول اخلليــج‪ ،‬كمــا يبــدو أن سياســات مجلــس األمــن يف ظــل غيــاب‬ ‫دميقراطيــة للتصويــت‪ ،‬تلجــأ إلــى قــرارات تعــزز االنقســامات‪ ،‬مــا‬ ‫خصوصــا مــع اســتمرار ســلوك‬ ‫قــد يفضــي إلــى تقســيم دول املنطقــة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أمريــكا الســلبي داخــل مجلــس األمــن بشــكل متكــرر يف اســتخدام‬ ‫الفيتــو لقضايــا الشــرق األوســط‪ ،‬ودعــوات الكونغــرس إلــى تخفيــض‬ ‫املســاعدات اخلارجيــة‪ ،‬مــا عــزز مخــاوف الــدول الناميــة حــول أولويات‬ ‫اإلدارة األمريكيــة‪ ،‬والتهديــدات التــي متثلهــا داخــل املنظمــة الدوليــة‪،‬‬ ‫األمــر الــذي يشــكل حتد ًيــا لشــرعية األمم املتحــدة كمؤسســة دوليــة‪،‬‬ ‫كمــا إن اســتمرار هيمنــة أمريــكا عليهــا ســيقوض املقاصــد التــي أنشــئ‬ ‫مــن أجلهــا مجلــس األمــن‪ ،‬مــا يعطــي حافــزًا للحكومــات املتنفــذة‬ ‫لبســط املزيــد مــن الســيطرة‪ ،‬األمــر الــذي يثيــر التســاؤل عــن جــدوى‬ ‫املنظمــات الدوليــة يف ظــل عــدم إلزاميــة قــرارات مجلــس األمــن‪،‬‬ ‫واســتثنائية الــدول دائمــة العضويــة ســيما موقــف أمريــكا الــذي يشــكل‬ ‫األكثــر اســتثنائية يف العالــم‪.‬‬

‫واقـــع األمـــم المتحـــدة والنظـــام العالمـــي‪ :‬نزاعـــات دائمـــة ‪-‬‬ ‫وسياســـات بائـــدة‬ ‫تقييــم هيكليــة وميثــاق األمم املتحــدة ومجلــس األمــن مدينــة‬ ‫كثيـ ًرا لتجاربهــا املاضيــة وعالقاتهــا مــع أمريــكا خاصــة بعــد أحــداث‬ ‫ً‬ ‫تهميشــا وانتهــا ًكا مليثاقهــا‪،‬‬ ‫‪ 11‬ســبتمبر ‪2001‬م‪ ،‬التــي عكســت‬ ‫إذ حتــول مجلــس األمــن مــن جهــاز حلفــظ الســلم الدولــي إلــى‬ ‫ُمشــرع للتدخــالت العســكرية األمريكيــة يف العالــم بدعــوى مكافحــة‬ ‫اإلرهــاب‪ ،‬مــا يعنــي منــح تفويــض أممــي لواشــنطن متلــك مبوجبــه‬ ‫ســلطة حفــظ األمــن الدولــي باســم املجتمــع الدولــي‪ ،‬األمــر الــذي‬ ‫أثــار الشــكوك حــول الغايــات واملمارســة السياســية لــألمم املتحــدة‬ ‫ومســؤولياتها علــى الصعيــد الدولــي مــن زاويــة ‪-‬اداتيــه‪ -‬أو ‪ -‬تكوينية‬ ‫فالنظــام الدولــي مــن الصعــب أن يتجاهــل طويـ ً‬ ‫ال إخفاقــات املنظمات‬ ‫الدوليــة‪ ،‬وعــدم إلزاميــة قراراتهــا التــي تعتبــر إطــا ًرا قانون ًيــا لتعزيــز‬ ‫خصوصــا مــع أزمــة الثقــة يف أمريــكا واألعضــاء‬ ‫نظــام عاملــي مســتقر‬ ‫ً‬ ‫الدائمــن يف مجلــس األمــن‪.‬‬ ‫وإن كانــت ســلبيات املنظمــة األمميــة‪ ،‬ارتبطــت مبنــاخ نشــأتها‪،‬‬ ‫وحــدد أدائهــا بحســب أوضــاع العالــم ومراكــز‬ ‫إذ صممــت هياكلهــا‪ُ ،‬‬ ‫القــوى آنــذاك‪ ،‬فأعطــت املنتصريــن يف احلــرب العامليــة الثانيــة وض ًعا‬ ‫اســتثنائ ًيا‪ ،‬جتســد يف مجلــس األمــن‪ ،‬ومنحــت تركيبتــه لألعضــاء‬ ‫الدائمــن ‪ -‬أمريــكا ‪ -‬روســيا ‪ -‬الصــن ‪ -‬فرنســا ‪ -‬بريطانيــا ‪-‬‬ ‫صالحيــة إصــدار قــرارات حســم ذات صفــة إلزاميــة مبــا فيهــا حــق‬

‫‪106‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫تاريخه ــا‪ ،‬أصبح ــت ش ــعلة إله ــام للكثي ــر م ــن املناض ــالت العربي ــات‬ ‫منوذج ــا وق ــدوة‬ ‫الالت ــي حمل ــن الراي ــة م ــن بعده ــا متخذي ــن منه ــا‬ ‫ً‬ ‫يحت ــذى به ــا‪.‬‬

‫ملهمة الشعراء‬ ‫ألهم ــت جميل ــة الش ــعراء حت ــى وص ــل إجمال ــي م ــا كت ــب عنه ــا‬ ‫إلـــى مـــا يقـــرب مـــن ســـبعن قصيـــدة نظمهـــا أشـــهر الشـــعراء يف‬ ‫الوط ــن العرب ــي الذي ــن تنافس ــوا يف كتاب ــة القصائ ــد الت ــي أش ــادت‬ ‫مب ــا قام ــت ب ــه م ــن نض ــال ض ــد املس ــتعمر الفرنس ــي‪ ،‬فم ــن ب ــدر‬ ‫ش ــاكر الس ــياب إل ــى محم ــد مه ــدي اجلواه ــري م ــرو ًرا بن ــزار قبان ــي‬ ‫وصـــالح عبدالصبـــور وغيرهـــم‪ ،‬ولـــم تتـــرك الســـينما املصريـــة‬ ‫قصته ــا حي ــث أنت ــج له ــا فيل ــم "جميل ــة"‪ ،‬ع ــام ‪1958‬و ال ــذى يحك ــى‬ ‫جناحـــا عرب ًيـــا كبيـــ ًرا وحصـــد الكثيـــر‬ ‫تفاصيـــل نضالهـــا‪ ،‬وحقـــق‬ ‫ً‬ ‫م ــن اجلوائ ــز املصري ــة والعربي ــة والعاملي ــة وعل ــى املس ــتوى الدول ــي‬ ‫حظي ــت بالكثي ــر م ــن احلف ــاوة والتك ــرمي م ــن كل البل ــدان العربي ــة‬ ‫والعاملي ــة خ ــالل عق ــدي الس ــتينات و الس ــبعينات وحت ــى وقتن ــا ه ــذا‬ ‫الي ــزال العال ــم العرب ــي يحتف ــي به ــا كلم ــا ذك ــر اس ــمها حلق ــت ب ــه‬ ‫عالمــات املجــد والعظمــة والقــوة فأصبحــت بشــهادة اجلميــع املــرأة‬ ‫العربي ــة األكث ــر ش ــهرة‪.‬‬ ‫تواريه ــا وابتعاده ــا ع ــن الس ــاحة السياس ــية ل ــم يؤث ــر ب ــأي ح ــال‬ ‫م ــن األح ــوال عل ــى أنه ــا أصبح ــت ش ــعلة وأيقون ــة للصب ــر والتحم ــل‪،‬‬ ‫اســتطاعت أن حتفــر اســمها يف كتــب اخلالديــن وأن تســطر صفحــة‬ ‫جدي ــدة مش ــرفة يف تاري ــخ نض ــال امل ــرأة العربي ــة ال ــذى ال ينته ــي‬ ‫أبـ ـدًا‪ ،‬إنكاره ــا وتقليله ــا م ــن قيم ــة م ــا فعلت ــه رف ــع أس ــهمها ل ــدى‬ ‫الرجـــال والنســـاء علـــى حـــد ســـواء خاصـــة أنهـــا كانـــت كثيـــرة‬ ‫التردي ــد (إن م ــا قم ــت ب ــه كان واجب ــي جت ــاه دولت ــي)‪ ،‬عب ــر تاري ــخ‬ ‫اجلزائ ــر النضال ــي الطوي ــل ل ــم تنس ــى ال ــدور ال ــذى قام ــت ب ــه بن ــت‬ ‫العشــرين ربي ًعــا يف تذكيــة روح املقاومــة وفضــح املســتعمر الفرنســي‬ ‫وممارس ــاته الوحش ــية حت ــى إن قضيته ــا وإكس ــابها الطاب ــع الدول ــي‬ ‫س ــاهمت يف إجن ــاح الث ــورة اجلزائري ــة وتخلي ــد ذك ــرى أبنائه ــا عل ــى‬ ‫صفح ــات م ــن ن ــور‪.‬‬

‫الثورة الجزائرية‬ ‫أجم ــع املؤرخ ــون عل ــى أن الش ــعب اجلزائ ــري يتمي ــز بالعدي ــد‬ ‫م ــن الصف ــات الفري ــدة فه ــو يأب ــى اخلض ــوع واالس ــتكانة‪ ،‬يح ــارب‬ ‫بنزع ــة ديني ــة وطني ــة ش ــعاره تضحيتن ــا للوط ــن خي ــر م ــن احلي ــاة‬ ‫ل ــذا اس ــتطاع خ ــوض الكثي ــر م ــن احل ــروب الضاري ــة وخ ــرج منه ــا‬ ‫بع ــزة ومتك ــن يتس ــاوى يف ذل ــك نس ــاؤه ورجال ــه‪ ،‬وكان ــت الث ــورة‬ ‫اجلزائري ــة ض ــد االحت ــالل الفرنس ــي جتس ــي ًدا ح ًي ــا مل ــا وص ــف‬ ‫بـــه املؤرخـــون هـــذا الشـــعب والتـــي انطلقـــت شـــرارتها يف األول‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫م ــن نوفمب ــر ‪1954‬م‪ ،‬بقي ــادة جبه ــة التحري ــر الوطن ــي اجلزائري ــة‪،‬‬ ‫واســـتمرت ســـبع ســـنوات ونصـــف استشـــهد فيهـــا أكثـــر مـــن‬ ‫ملي ــون ونص ــف ملي ــون جزائ ــري ل ــذا أطل ــق عليه ــا ث ــورة امللي ــون‬ ‫شـــهيد‪ ،‬وخـــالل فتـــرة االحتـــالل عملـــت فرنســـا علـــى إيقـــاف‬ ‫النمـــو احلضـــاري واملجتمعـــي للجزائـــر‪ ،‬وحاولـــت طمـــس هويـــة‬ ‫اجلزائريـــن الوطنيـــة‪ ،‬وتصفيـــة األســـس املاديـــة واملعنويـــة التـــي‬ ‫يق ــوم عليه ــا املجتم ــع‪ ،‬ورف ــض الش ــعب اجلزائ ــري كل مح ــاوالت‬ ‫طم ــس الهوي ــة الت ــي كان ــت تتبناه ــا فرنس ــا واس ــتمرت مقاومت ــه‬ ‫أمـــام محاولـــة احلمـــالت العســـكرية االســـتعمارية الشرســـة‪،‬‬ ‫واملســـتمرة إلخفـــاق الثـــورة التـــي اندلعـــت شـــرارتها داخل ًيـــا‬ ‫وخارج ًي ــا‪ ،‬وتعاطف ــت الكثي ــر م ــن البل ــدان م ــع الث ــورة اجلزائري ــة‬ ‫وقدمـــت العديـــد مـــن الـــدول العربيـــة الدعـــم و لعبـــت اململكـــة‬ ‫العربيـــة الســـعودية دو ًرا كبيـــ ًرا يف جعـــل الثـــورة قضيـــة عامليـــة‬ ‫دوليـــة واخراجهـــا عـــن كونهـــا قضيـــة متمرديـــن علـــى الدولـــة‬ ‫الفرنس ــية وحتويله ــا إل ــى ث ــورة ش ــرعية ض ــد محت ــل‪ ،‬ألن فرنس ــا‬ ‫كان ــت ت ــروج خارج ًي ــا لفك ــرة أن قضي ــة اجلزائ ــر قضي ــة داخلي ــة‬ ‫خاص ــة بالدول ــة الفرنس ــية‪ ،‬فكان ــت الس ــعودية م ــن أوائ ــل ال ــدول‬ ‫التـــي نشـــرت القضيـــة اجلزائريـــة يف احمليـــط اخلارجـــي‪ ،‬كمـــا‬ ‫قدمـــت مصـــر للجزائـــر خـــالل الثـــورة دع ًمـــا عســـكر ًيا وماد ًيـــا‬ ‫وسياس ـ ًيا‪ ،‬األم ــر ال ــذي مه ــد إل ــى إج ــراء مفاوض ــات ب ــن فرنس ــا‬ ‫واجلزائـــر‪ ،‬حتـــى صـــادق الطـــرف الفرنســـي علـــى مبـــدأ تقريـــر‬ ‫املصيــر الــذي طالــب بــه اجلزائريــون‪ ،‬ممــا أدى إلــى وقــف القتــال‪،‬‬ ‫وبذل ــك متك ــن اجلزائري ــون م ــن ني ــل حقه ــم يف تقري ــر مصيره ــم‬ ‫السياس ــي‪ ،‬وتأس ــيس دولته ــم املس ــتقلة‪ ،‬وبذل ــك حتقق ــت أه ــداف‬ ‫الثـــورة بتتويـــج كفـــاح الشـــعب‪ ،‬وحتقيـــق آمالـــه باحلصـــول علـــى‬ ‫دول ــة مس ــتقلة وذات س ــيادة كامل ــة عل ــى كل الت ــراب اجلزائ ــري‪.‬‬ ‫جميل ــة بوحي ــرد ابن ــة العش ــرين ربي ًع ــا آن ــذاك واح ــدة م ــن أبن ــاء‬ ‫الشــعب اجلزائــري الــذي وصفــة املؤرخــون بالكثيــر مــن الصفــات‪..‬‬ ‫الفت ــاة الت ــي متكن ــت م ــن خ ــوض معرك ــة غي ــر متكافئ ــة م ــع احملت ــل‬ ‫الفرنســـي‪ ،‬واخلـــروج منتصـــرة‪ ،‬نضالهـــا وجلدهـــا أضـــاف إلـــى‬ ‫الشـــعب اجلزائـــي مجـــدًا إلـــى أمجـــاده‪ ،‬وحتولـــت إلـــى رمـــز بـــن‬ ‫النســـاء العربيـــات‪ ،‬فخرجـــت قصتهـــا مـــن بـــن جـــدران الســـجن‬ ‫وســـياط اجلـــالد ومقصلـــة اإلعـــدام‪ ،‬إلـــى عالـــم املجـــد واخللـــود‬ ‫وأصبح ــت طر ًف ــا فع ــاالً ومؤثـ ـ ًرا يف بن ــاء مس ــتقبل اجلزائ ــر املني ــر‬ ‫بأبنائ ــه األب ــرار املتف ــردون‪.‬‬

‫* صحفية مبجلة األهرام العربية وباحثة دكتوراه يف الشأن العريب‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫حقــوق اإلنســان‪ ،‬وقالــت جميلــة إنهــا لــن جتيــب عــن أيــة أســئلة يف‬ ‫غيــر وجــود محاميهــا واســتمر التحقيــق معهــا قرابــة الشــهر‪ ،‬غيــر أن‬ ‫تشــدد احملكمــة وانحيازهــا الواضــح دفــع احملامــي الفرنســي إلبــالغ‬ ‫احملكمــة بــأن احترامــه للعدالــة ولنفســه يضطرانــه إلــى االنســحاب‬ ‫مــن القضيــة وإبــالغ نقيــب احملامــن يف باريــس بالتجــاوزات التــي‬ ‫تعرضــت لهــا املتهمــة‪.‬‬

‫حكم اإلعدام‬ ‫بـعـــد انتـهـــاء التحـــقيق وانتـظـــار الـحـكـــم الـنـهـــائي ســمح لهــا‬ ‫باحلديــث فوقفــت وقالــت‪ :‬جملتهــا الشــهيرة "أعــرف أنكــم ســوف‬ ‫حتكمــون علــي باإلعــدام لكــن ال تنســوا أنكــم بقتلــي تغتالــون تقاليــد‬ ‫احلريــة يف بلدكــم‪ ،‬ولكنكــم لــن متنعــوا اجلزائــر مــن أن تصبــح حــرة‬ ‫مســتقلة واحلقيقــة أننــي أحــب بلــدي وأريــد لــه احلريــة ولهــذا أؤيــد‬ ‫كفــاح جبهــة التحريــر الوطنــي" فمــا كان مــن احملكمــة إال أن أصــدرت‬ ‫بحقهــا حك ًمــا باإلعــدام‪ ،‬وعندمــا قرأتــه احملكمــة عليهــا انطلقــت يف‬ ‫الضحــك يف قــوة وعصبيــة جعلــت القاضــي يصــرخ بهــا (ال تضحكــي‬ ‫يف موقــف اجلــد)‪.‬‬ ‫كانـت جميلـة علـى بضـع خطـوات مـن أن تالقـى حتفهـا‪ ،‬حتـى‬ ‫أنهـم تعمـدوا إخفـاء موعـد إعدامهـا عن اإلعـالم خو ًفا من رد الفعل‬ ‫العاملـي‪ ،‬لكـن إرادة الشـعوب ودفاعهـا عـن احلريـة والعـدل كانـت هـي‬ ‫األقـوى واألبقـى فـوق إرادة ظلـم االسـتعمار‪ ،‬ولـم يتـم إعدامهـا كمـا‬ ‫حكـم عليهـا‪ ،‬فصرختهـا التـي أطلقتهـا من قاعة احملكمة انتشـرت يف‬ ‫كل أرجـاء العالـم الـذى ثـار مـن أجـل رفـع الظلـم وحتقيـق املسـاواة‪،‬‬ ‫ولـم تكـن الـدول العربيـة وحدهـا هـي التـي شـاركت يف إبعـاد هـذا‬ ‫املصيـر املؤلـم عنهـا فقـد انهالـت علـى (داج همرشـولد) السـكرتير‬ ‫العـام لـألمم املتحـدة وقتهـا البطاقات من كل مـكان يف العالم مطالبة‬ ‫بإنقـاذ جميلـة وإيقـاف حكـم اإلعـدام‪.‬‬ ‫وفــى صبــاح الســابع مــن مــارس ‪1958‬م‪ ،‬وهــو اليــوم الــذى أقرتــه‬ ‫احملكمــة الفرنســية لتنفيــذ حكــم اإلعــدام‪ ،‬ثــار العالــم واجتمعــت‬ ‫جلنــة حقــوق اإلنســان بــاألمم املتحــدة بعــد أن تلقــت املاليــن مــن‬ ‫برقيــات االســتنكار املطالبــة بتحقيــق العدالــة‪ ،‬وطالبــت اللجنــة مــن‬ ‫هيــأة احملكمــة تأجيــل تنفيــذ احلكــم‪ ،‬وبالفعــل جنحــت مســاعيهم‪،‬‬ ‫لــم يؤجــل حكــم اإلعــدام فقــط بــل تقــرر تعديلــه إلــى الســجن مــدى‬ ‫احليــاة‪ ،‬وبعــد ‪ 3‬ســنوات قضتهــا جميلــة يف ســجن(بار بــدوس) مت‬ ‫ترحيلهــا إلــى باريــس وقضــت هنــاك مــدة ثــالث ســنوات أخــرى قبــل‬ ‫إعــالن االســتقالل‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪105‬‬

‫ملف العدد‬

‫الكفاح المسلح وإعالن االستقالل‬ ‫كانـــت جميلـــة بوحيـــرد واحـــدة مـــن اآلالف املناضلـــن الذيـــن‬ ‫كتـــب عليهـــم أن يســـقطوا يف قبضـــة القـــوات االســـتعمارية فقـــد‬ ‫ألقـــي القبـــض عليهـــا أثنـــاء غـــارة شـــنتها القـــوات الفرنســـية‬ ‫اخلاصــة‪ ،‬واتهمــت مــع غيرهــا مــن األبطــال املناضلــن بــزرع الكثيــر‬ ‫م ــن املتفج ــرات والعب ــوات الناس ــفة يف العاصم ــة‪ ،‬مم ــا أودى بحي ــاة‬ ‫الكثي ــر م ــن الفرنس ــين‪ .‬يف الوق ــت ال ــذي كان ــت الق ــوات الفرنس ــية‬ ‫تقــوم بعمليــات إبــادة ممنهجــة للشــعب اجلزائــري‪ ،‬لتقضــي علــى كل‬ ‫أش ــكال املقاوم ــة وح ــركات النض ــال واملظاه ــرات حت ــى أن ش ــوارع‬ ‫املدينــة كانــت متتلــئ بجثــث الشــهداء‪ ،‬ومبــرور الوقــت ومــع اشــتداد‬ ‫خصوص ــا يف املناط ــق‬ ‫املقاوم ــة تلق ــى الكف ــاح املس ــلح دع ًم ــا كبيــ ًرا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الريفيـــة وبـــن القرويـــن‪ .‬أمـــا يف املـــدن‪ ،‬فـــإن األحيـــاء الشـــعبية‬ ‫مث ــل ح ــي القصب ــة يف العاصم ــة‪ ،‬وف ــرت دع ًم ــا ممت ــازًا للمقاتل ــن‪،‬‬ ‫وأصبح ــت مناط ــق ش ــبه محظ ــور دخوله ــا عل ــى ق ــوات االحت ــالل‪.‬‬ ‫وكان ــت املظاه ــرات العارم ــة تندل ــع يف امل ــدن اجلزائري ــة حي ــث كان‬ ‫املتظاه ــرون يتص ــدون لق ــوات االحت ــالل غي ــر مهتم ــن بتهدي ــدات‬ ‫احملت ــل وال يخش ــون امل ــوت‪.‬‬ ‫وعلـــى الصعيـــد السياســـي‪ ،‬وبعـــد خســـائر بشـــرية تكبدهـــا‬ ‫الشـــعب اجلزائـــري جتـــاوزت املليـــون شـــهيد‪ ،‬مت يف مايـــو ‪1962‬م‪،‬‬ ‫توقيــع اتفاقيــات "إيفيــان" وتخلصــت اجلزائــر نهائ ًيــا مــن االســتعمار‬ ‫الفرنس ــي وأعل ــن االس ــتقالل‪ .‬وم ــع تق ــدم س ــير املفاوض ــات‪ ،‬قام ــت‬ ‫باريـــس بإطـــالق ســـراح األســـرى اجلزائريـــن تدريج ًيـــا‪ ،‬والذيـــن‬ ‫كان م ــن بينه ــم جميل ــة‪ ،‬الت ــي تزوج ــت بع ــد أش ــهر م ــن حريته ــا م ــن‬ ‫محاميه ــا ال ــذي أش ــهر إس ــالمه واتخ ــذ اس ــم منص ــور‪.‬‬ ‫بعــد أن حصلــت اجلزائــر علــى اســتقاللها‪ ،‬كلفــت جميلــة بتولــي‬ ‫رئاســة احتــاد املــرأة اجلزائــري‪ ،‬لكــن اضطرارهــا للنضــال املســتمر‬ ‫يف ســبيل تنفيــذ كل قــرار أو إجــراء تتخــذه‪ ،‬بســبب خالفهــا مــع‬ ‫الرئيــس أحمــد بــن بلــة وقتهــا وقبــل مــرور عامــن مــن توليهــا هــذا‬ ‫املنصــب‪ ،‬قــررت أنهــا لــم تعــد قــادرة علــى احتمــال املزيــد مــن املعانــاة‪،‬‬ ‫فاســتقالت وتركــت العمــل العــام‪ ،‬لتعيــش حيــاة هادئــة متواريــة بعيــدة‬ ‫عــن صخــب السياســة‪.‬‬ ‫هــي ليســت مجــرد اســم معــروف يف التاريــخ العربــي اجلزائــري‪،‬‬ ‫إنه ــا رم ــز مض ــيء م ــن رم ــوز الكرام ــة العربي ــة واحلري ــة اإلنس ــانية‬ ‫ال ت ــكاد تخل ــو مدين ــة أو بل ــد عربي ــة م ــن ش ــارع أو مدرس ــة يحم ــالن‬ ‫اســـمها ألنهـــا أشـــهر رمـــز نســـائي للمقاومـــة العربيـــة‪ ،‬بـــل هـــي‬ ‫األش ــهر عل ــي اإلط ــالق عندم ــا يذك ــر اس ــما ملناضل ــة عربي ــة يني ــر‬

‫السعودية من أوائل الدول التي نشرت القضية الجزائرية يف المحيط‬ ‫الخارجـي وقدمـت مصر للجزائر خالل الثورة دع ًما عسـكر ًيا وماد ًيا وسياسـ ًيا‬

‫‪104‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تنافس عى كتابة القصائد يف "جميلة" بدر شاكر السياب محمد مهدي‬ ‫الجواهري ونزار قباني وصالح عبد الصبور وجسدت السينما المصرية قصتها‬ ‫الهــرب لكــن إصابتهــا منعتهــا مــن حتقيــق ذلــك وألنهــا كنــز معلوماتــي‬ ‫ثمــن لقــوات االحتــالل حرصــوا علــى اإلبقــاء علــى حياتهــا‪ ،‬فكانــت‬ ‫محاولتهــم املســتميتة معهــا عقــب شــفائها إلجبارهــا علــى اإلفصــاح‬ ‫عــن مــكان (ياســيف الســعدي) الرجــل األهــم داخــل جبهــة التحريــر‬ ‫الوطنيــة‪ ،‬غيــر أنهــا أبــت أن تصــرح بــأي معلومــات وانكــرت كافــة‬ ‫االتهامــات املوجهــة إليهــا‪ ،‬فلــم يتــردد جنــود االحتــالل يف تعذيبهــا‬ ‫أكثــر مــن ســبعة عشــر يو ًمــا متواصلــة أشــد أنــواع التعذيــب ممــا‬ ‫نتــج عنــة إصابتهــا بنزيــف‪ ،‬أجبرهــم علــى إيقــاف حمــالت التعذيــب‬ ‫املمنهــج ضدهــا‪ ،‬نُقلــت جميلــة بعــد شــفائها إلــى ســجن (بــار بــدوس)‬ ‫أشــهر مؤسســات التعذيــب حينــذاك حيــث بــدأت نوبــات أخــرى مــن‬ ‫التعذيــب أكثــر ضــراوة حتملتهــا بصبــر وجلــد أثنــاء االســتجواب‬ ‫ورفضهــا مقايضــة املعلومــات التــي لديهــا بحريتهــا صنــع منهــا أيقونــة‬ ‫نضــال بــن زمالئهــا داخــل الســجن‪.‬‬

‫حــن فشــل التعذيــب يف انتــزاع أي اعتــراف منهــا‪ ،‬تقــرر‬ ‫محاكمتهــا رســم ًيا وســاعدها أصدقاؤهــا ومحبوهــا يف العالــم‬ ‫العربــي يف إقنــاع أحــد أهــم محاميــي فرنســا واحملبــن واملطالبــن‬ ‫باحلريــة يف التحقيــق والدفــاع عنهــا بعــد اعتــذار العديــد مــن‬ ‫احملامــن الفرنســين الدفــاع عنهــا لرفــض احملكمــة اطالعهــم علــى‬ ‫ملــف القضيــة ولعــدم اســتبعادهم التحقيقــات التــي أخــذت خــالل‬ ‫جلســات التعذيــب مــن احملاكــم‪ .‬وقــرر احملامــي الفرنســي (ميســو‬ ‫قرجيــه) الدفــاع عنهــا وأخبرهــا مبجــرد توليــه القضيــة "أنهــا ليســت‬ ‫وحدهــا‪ ،‬فــكل شــرفاء العالــم معهــا " ورغــم أن القاضــي املشــرف علــى‬ ‫التحقيــق رفــض منحــه ســاعة واحــدة للجلــوس معهــا لالطــالع منهــا‬ ‫علــى مالبســات القضيــة ولــم يســتجب لطلباتــه إال بعــد أن هددهــم‬ ‫باالنســحاب مــن القضيــة ونشــر تفاصيــل مــا حــدث داخــل أروقــة‬ ‫احملاكمــة للــرأي العــام العاملــي وتقــدمي شــكوى رســمية ملنظمــات‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪103‬‬

‫ملف العدد‬

‫‪ 70‬قصي ــدة نظمه ــا أش ــهر الش ــعراء الع ــرب وتنافس ــوا عل ــى الغن ــاء به ــا‬

‫جميلــة بوحيــرد أيقونــة الثــورة الجزائرية‪..‬‬ ‫فـتـاة هـ ّزت ضـمـيـر الـعـالـم‬ ‫متكنــت بقــوة عزميتهــا وإميانهــا بقضيتهــا‪ ..‬قضيــة وطنهــا‪ ..‬وقدرتهــا علــى الدفــاع عــن احلــق‪ ..‬والتضحيــة والنضــال مــن‬ ‫أجــل الوطــن‪ ..‬قــررت أن تتحمــل اآلالم والتعذيــب‪ ..‬وواجهــت حكــم اإلعــدام الــذي صــدر يف حقهــا‪ ..‬وطالبــت وهــي يف‬ ‫خضــم أزمتهــا بحريــة بلدهــا واإلفــراج عــن املعتقلــن لذلــك اســتحقت أن تكــون أيقونــة املقاومــة اجلزائريــة‪ ..‬إنهــا املناضلــة‬ ‫اجلزائريــة رمــز املــرأة املقاومــة‪ ..‬إنهــا جميلــة بوحيــرد‪ ..‬جميلــة بوحيــرد النمــوذج النضالــي املشــرف للمــرأة العربيــة‪.‬‬

‫شاهيناز العقباوي‬

‫قصــة كفــاح لــم تقتصــر شــهرتها علــى العالــم العربــي‪ ،‬بــل يتــردد‬ ‫أســمها علــى ألســنة العالــم أجمــع‪ ،‬قدمــت خيــر مثــال يحتــذى بــه‬ ‫للمــرأة العربيــة صاحبــة الرؤيــة والهــدف والقيمــة‪ ،‬جميلــة بوحيــرد‬ ‫التــي ولــدت يف عائلــة متوســطة احلــال‪ ،‬مــن أب جزائــري وأم‬ ‫تونســية يف مدينــة "القصبــة" وكانــت البنــت الوحيــدة بــن ســبعة‬ ‫أبنــاء ذكــور‪ ،‬لعبــت أســرتها دو ًرا كبيـ ًرا يف تذكيــة روح النضــال وحــب‬ ‫الوطــن بداخلهــا‪ ،‬حيــث كانــت أمهــا حتــرص علــى تذكيرهــا دائ ًمــا‬ ‫يف مراحــل طفولتهــا األولــى‪ ،‬بأنهــا جزائريــة عربيــة يجــب أن تعتــز‬ ‫بهويتهــا وحتافــظ علــى تقاليدهــا وليســت فرنســية‪ ،‬وانتقــل حــب‬ ‫الوطــن إلــى مرحلــة أخــرى يف حياتهــا‪ ،‬عــن طريــق عمهــا مصطفــى‬ ‫الــذى ســاعدها يف التعــرف علــى رجــال جبهــة التحريــر الوطنيــة‬ ‫وعلمهــا مبــادئ اجلبهــة وزرع يف قلبهــا القــوة وعــدم الرهبــة مــن‬ ‫احملتــل‪ ،‬ولعــب استشــهاده دو ًرا كبيــ ًرا يف متســكها بقضيــة وطنهــا‬ ‫وزيــادة إميانهــا بتحريــره مــن قبضــة احملتــل الغاشــم الــذى يقتــل‬ ‫أبنــاءه الشــرفاء بــدم بــارد‪ ،‬أزمتهــا يف الفقــد لــم تنتــه مبــوت عمهــا‬ ‫فســرعان مــا حلــق بــه أخوهــا األصغــر الــذى لــم يتجــاوز الســابعة‬ ‫عشــر ربي ًعــا بعــد أن قتلتــه قــوات االحتــالل عقــب القبــض عليــه‬ ‫وتعذيبــه النضمامــه لرجــال املقاومــة‪.‬‬

‫جبهة التحرير الوطني‬ ‫وهــي يف العشــرين مــن عمرهــا وبعــد أن أنهــت دراســتها انضمــت‬ ‫جميلــة بوحيــرد إلــى جبهــة التحريــر الوطنــي اجلزائــري للنضــال ضــد‬ ‫االحتــالل الفرنســي وعندمــا اندلعــت الثــورة اجلزائريــة عــام ‪1954‬م‪،‬‬

‫التــي كانــت واحــدة مــن أقــوى حــركات النضــال ضــد االســتعمار‪..‬‬ ‫انطلقــت العمليــة األولــى للثــورة‪ ،‬عندمــا هاجــم فدائيــو جبهــة‬ ‫التحريــر الوطنــي قــوة جزائريــة يف جبــال األوراس الشــرقية‪ .‬وكانــت‬ ‫املعنويــات الفرنســية آنــذاك تعانــي الكثيــر بعــد الهزميــة املذلــة التــي‬ ‫حلقــت بقواتهــم يف معركــة "ديــان بيــان فــو الشــهيرة"‪ ،‬والتــي خطــت‬ ‫ســطور نهايــة االحتــالل الفرنســي للهنــد الصينيــة‪ ،‬وبالتالــي نهايــة‬ ‫اإلمبراطوريــة االســتعمارية الفرنســية‬ ‫وقتهـــا أصبحـــت جميلـــة واحـــدة مـــن نســـاء حركـــة املقاومـــة‬ ‫الســـرية عـــن طريـــق شـــقيقها وعمهـــا اللذيـــن اغتالتهمـــا أيـــدي‬ ‫االحت ــالل‪ ،‬تدرج ــت جميل ــة داخ ــل اجلبه ــة ونظــ ًرا جلرأته ــا كان ــت‬ ‫أول املتطوعـــات لـــزرع القنابـــل يف طريـــق االســـتعمار ونتيجـــة‬ ‫للنجاحـــات املتكـــررة التـــي حققتهـــا والبطـــوالت التـــي صنعتهـــا‬ ‫وشـــهرتها بـــن الفدائيـــن واخلســـائر التـــي أوقعتهـــا يف صفـــوف‬ ‫االحت ــالل‪ ،‬أصبح ــت املط ــاردة رق ــم واح ــد يف ع ــرف احملت ــل‪ ،‬كان‬ ‫دور "جميل ــة" أن تك ــون حلق ــة الوص ــل ب ــن قائ ــد اجلب ــل يف جبه ــة‬ ‫التحريــر اجلزائريــة ومنــدوب القيــادة يف املدينــة (ياســيف الســعدي)‬ ‫ال ــذى رص ــدت ق ــوات االحت ــالل مائ ــة أل ــف فرن ــك فرنس ــي مقاب ــل‬ ‫رأســـه‪ ،‬إلـــى جانـــب وجـــود معلوم ــات أنه ــا تولـــت لبعـــض الوقـــت‬ ‫مســـؤولية العمليـــات املســـلحة يف العاصمـــة اجلزائـــر‪.‬‬ ‫تنــوع املهــام التــي تولتهــا داخــل اجلبهــة‪ ،‬فضــال عــن متيزهــا‬ ‫يف تأديتهــا جعــل مــن القبــض عليهــا هد ًفــا رئيســ ًيا وضرور ًيــا‬ ‫فطاردتهــا قــوات االحتــالل أثنــاء قيامهــا بأحــد العمليــات وأطلقــوا‬ ‫عليهــا بوابــل مــن الرصــاص فاســتقرت إحداهــا يف كتفهــا‪ ،‬وحاولــت‬

‫‪102‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تـــوازن سياســـة بوتفليقـــة الداخليـــة والخارجيـــة الحياديـــة دفـــع‬ ‫أطرا ًفـــا جزائريـــة للمنـــاداة بترشـــيحه للرئاســـة للمـــرة الخامســـة‬ ‫بوتفليقة وعودة التوازن يف العالقات الخارجية‬ ‫كان احمل ــور الرئي ــس يف حمل ــة بوتفليق ــة االنتخابي ــة للرئاس ــة‬ ‫عـــام ‪1999‬م‪ ،‬عـــودة الـــدور اإلقليمـــي والدولـــي للجزائـــر ـ خاصـــة‬ ‫ألنـــه كان مهنـــدس السياســـة اخلارجيـــة اجلزائريـــة خـــالل فتـــرة‬ ‫احل ــرب الب ــاردة ومكان ــة اجلزائ ــر يف ع ــدم االنحي ــاز‪ ،‬فتبن ــى مب ــدأ‬ ‫املصاحلـــة بالداخـــل اجلزائـــري ممـــا حقـــق االســـتقرار السياســـي‬ ‫م ــن خ ــالل الت ــوازن يف السياس ــة الداخلي ــة‪ ،‬وح ــاول إع ــادة ال ــدور‬ ‫للعالقــات اجلزائريــة اإلقليميــة والدوليــة وخاصــة دورهــا يف القــارة‬ ‫اإلفريقيــة ‪ ،‬املجــال احليــوي وهــو مــا عبــر عنــه الرئيــس بومديــن يف‬ ‫عهــده بقولــه ‪ ":‬إن املغــرب العربــي واملنطقــة الفاصلــة بــن القاهــرة‬ ‫وداكار متث ــل منطق ــة أم ــن قوم ــي بالنس ــبة للجزائ ــر‪ ،‬وأن ــه ال ميك ــن‬ ‫أن يحص ــل أي تغيي ــر يف ه ــذه املنطق ــة دون اتف ــاق م ــع اجلزائ ــر"‪.‬‬ ‫وال زالــت هــذه السياســة حتــى اليــوم الدائــرة اإلفريقيــة والســاحلية‬ ‫بشــكل خــاص منطقــة حيويــة يف السياســة اخلارجيــة‪ ،‬ولذلــك لعبــت‬ ‫اجلزائ ــر دو ًرا حيو ًي ــا يف األزم ــة مال ــي ‪2006 ،1995-1991‬م‪ ،‬وه ــي‬ ‫أزم ــة الط ــوارق يف مال ــي‪ ،‬وكذل ــك الوس ــاطة يف الن ــزاع ب ــن إرتيري ــا‬ ‫وإثيوبيــا ويف لــم شــمل الــدول املصــدرة للنفــط يف اجلزائــر ‪2016‬م‪.‬‬ ‫وتتح ــرك الدبلوماس ــية اجلزائري ــة يف األزم ــة الليبي ــة والتوفي ــق ب ــن‬ ‫األح ــزاب التونس ــية ألنه ــا مج ــاورة له ــا وتتأث ــر مب ــا يح ــدث به ــا‪.‬‬ ‫وعندم ــا حاول ــت بع ــض اجلماع ــات انفص ــال إقلي ــم أزواد يف ش ــمال‬ ‫مال ــي كان للجزائ ــر دور يف حتقي ــق االس ــتقرار ووح ــدة مال ــي ألن ــه‬ ‫مي ــس األم ــن القوم ــي اجلزائ ــري ‪.‬‬ ‫وتعاونــت اجلزائــر مــع الواليــات املتحــدة يف ســبيل مطــاردة‬ ‫اجلماعــات اإلرهابيــة يف منطقــة الســاحل والصحــراء وبالــذات‬ ‫اجلماعــات املتطرفــة‪ ،‬ولكنهــا ترفــض اســتعمال قواتهــا خلدمــة‬ ‫الــدول األخــرى‪.‬‬ ‫وتتمتــع اجلزائــر بعالقــات جيــدة مــع النظــام اإليرانــي الــذي‬ ‫تعتبــره الواليــات املتحــدة أحــد أعدائهــا‪ ،‬وتتكــرر زيــارة املســؤولن‬ ‫اإليرانيــن لهــا واجلديــر بالذكــر أنهــا لعبــت دور الوســيط يف أزمــة‬ ‫الرهائــن بــن أيــران والواليــات املتحــدة عــام ‪1980‬م‪ ،‬وتتمتــع اجلزائــر‬ ‫ً‬ ‫أيضــا بعالقــات جيــدة مــع دول اخلليــج وتقــف علــى مســافة واحــدة‬ ‫مــن أطــراف اخلالفــات يف أزمــة حصــار قطــر‪.‬‬ ‫وكمــا قــال محــي الديــن عميمــور مستشــار الرئيــس بومديــن"‬ ‫إن بومديــن كان يؤمــن بفكــر حقيقــي بعــدم االنحيــاز‪ ،‬حيــث أنــه كان‬ ‫يتواجــد األســطول الســادس األمريكــي يف البحــر املتوســط‪ ،‬ممــا دفــع‬ ‫اجلزائــر للســماح بتواجــد األســطول الســوفيتي يف موانــئ اجلزائــر‪،‬‬

‫ويف عهــد الرئيــس بوتفليقــة‪ ،‬ينظــر الــروس إلــى اجلزائــر بأنهــا‬ ‫مــا زالــت حلي ًفــا اســتراتيج ًيا لروســيا‪ ،‬ويف الوقــت ذاتــه ينطــر يف‬ ‫واشــنطن أن اجلزائــر صديــق قــدمي للواليــات املتحــدة وخاصــة يف‬ ‫مجــال الطاقــة‪ ،‬فهنــاك حوالــي ‪ 50‬شــركة نفــط أمريكيــة للتنقيــب‬ ‫وإنتــاج اخلــام يف اجلزائــر ويبلــغ حجــم التبــادل التجــاري بــن‬ ‫واشــنطن واجلزائــر ‪ 19.4‬مليــار دوالر‪ .‬وتعتبــر موســكو املصــدر‬ ‫الرئيــس للســالح إلــى اجلزائــر فــإن ‪ %93‬مــن صفقــات الســالح‬ ‫للجيــش اجلزائــري تأتــي مــن روســيا االحتاديــة‪ .‬ولذلك تبقى سياســة‬ ‫التــوازن يف عالقــات اجلزائــر اخلارجيــة هــي احملــور الرئيــس يف‬ ‫حتقيــق مصاحلهــا‪ .‬وترفــض اجلزائــر سياســة احملــاور‪ .‬فقــد رفضــت‬ ‫اجلزائــر‪ ،‬كمــا نشــرت ‪ Maghreb Intelligence‬الفرنســية‬ ‫ً‬ ‫عرضــا أمريك ًيــا للجزائــر بقيــادة قــوات عســكرية متعددة اجلنســيات‪،‬‬ ‫أو التدخــل مبفردهــا يف ليبيــا إلحــالل الســالم يف العاصمــة الليبيــة‪،‬‬ ‫ونشــر قــوات علــى طــول احلــدود مــع تونــس‪ ،‬لكــن اجلزائــر رفضــت‬ ‫الطلــب األمريكــي ً‬ ‫رفضــا قاط ًعــا‪ ،‬فالعقيــدة العســكرية اجلزائريــة‬ ‫منــذ أواخــر عهــد بومديــن‪ ،‬وبعــد معاهــدة كامــب ديفيــد بــن مصــر‬ ‫وإســرائيل ‪1978‬م‪ ،‬تقــوم علــى عــدم إرســال قــوات جزائريــة إلــى‬ ‫خــارج حدودهــا مهمــا كانــت الظــروف وعــدم االنخــراط يف أحــالف‬ ‫عســكرية‪ .‬وعندمــا تعرضــت القنصليــة اجلزائريــة يف أبريــل ‪2012‬م‪،‬‬ ‫مبدينــة غــاو شــمال مالــي لالقتحــام مــن جماعــة املرابطــن اإلرهابيــة‬ ‫واختطفــت ســبعة دبلوماســين جزائريــن‪ ،‬لــم تتدخــل اجلزائــر‬ ‫عســكر ًيا بــل فضلــت التفــاوض الســري النقــاذ دبلوماســييها ألنهــا ال‬ ‫تريــد التــورط يف مســتنقع مالــي رغــم إحلــاح فرنســا عليهــا بالتدخــل‬ ‫العســكري يف مالــي‪.‬‬ ‫وتبقــى اجلزائــر علــى سياســة التــوازن يف العالقــات اخلارجيــة‬ ‫لتحقيــق مصاحلهــا بعيــدة عــن الصراعــات الدوليــة واإلقليميــة‬ ‫ً‬ ‫وســيطا سياســ ًيا كمــا عملــت يف فتــرات‬ ‫ممــا يؤهلهــا ألن تلعــب‬ ‫ســابقة‪ .‬إن تــوازن سياســة بوتفليقــة الداخليــة واخلارجيــة التــي‬ ‫ميكــن وصفهــا اســتمرا ًرا للحيــاد إبــان احلــرب البــاردة‪ ،‬دفــع أطرا ًفــا‬ ‫جزائريــة للمنــاداة بترشــيحه لرئاســة اجلزائــر للمــرة اخلامســة‪ ،‬إنهــا‬ ‫البرجماتيــة اجلزائريــة التــي أعطتهــا ســمعة ثوريــة دوليــة حتظــى‬ ‫باالحتــرام والتقديــر لدفاعهــا عــن حــركات التحــرر وحــق الشــعوب‬ ‫يف تقريــر مصيرهــا‪.‬‬

‫* أستاذ العلوم السياسية يف جامعتي الحسني بن طالل وامللك عبد العزيز سابقًا‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪101‬‬

‫ملف العدد‬

‫بومديـــن أول رئيـــس يخطـــب باللغـــة العربيـــة بـــدون مترجـــم‬ ‫رئيســـا للجمعيـــة العامـــة ‪١974‬‬ ‫يف األمـــم المتحـــدة وبوتفليقـــة ً‬ ‫للــدول الناميــة‪ ،‬وقدمــت مجموعــة الـــ ‪ 77‬باســم دول عــدم االنحيــاز‬ ‫مطالبهــا للجمعيــة العامــة لــألمم املتحــدة للتصويــت عليهــا وكانــت‬ ‫اجلزائــر رئيــس اجلمعيــة العامــة آنــذاك‪ ،‬وقــد مت التصويــت علــى‬ ‫هــذه املطالــب يف دورة خاصــة للجمعيــة العامــة يف مايــو ‪1974‬م‪ ،‬ومت‬ ‫صــدور القــرار ‪ 3281‬بأكثريــة ‪ 120‬دولــة صوتــت يف صالــح القــرار‬ ‫ومطالــب الــدول الناميــة وعارضتــه الــدول الصناعيــة وعلــى رأســها‬ ‫الواليــات املتحــدة وبريطانيــا‪ .‬وكانــت مطالــب الــدول الناميــة يف قمــة‬ ‫اجلزائــر تتمثــل فيمــا يلــي‪:‬‬ ‫‪-1‬إصــالح التبــادل التجــاري بالســماح لبضائــع الــدول الناميــة‬ ‫بالوصــول ألســواق الــدول الصناعيــة‪.‬‬ ‫‪-2‬إصــالح املؤسســات االقتصاديــة العامليــة‪ ،‬صنــدوق النقــد الدولــي‬ ‫والبنــك الدولــي فيمــا يحقــق مصالــح الــدول الناميــة‪.‬‬ ‫‪-3‬االعتراف مبشكلة الديون للدول النامية‪.‬‬ ‫‪-4‬زيادة املساعدات املقدمة من الدول الصناعية للدول النامية‪.‬‬ ‫‪-5‬االعتــراف بحــق الــدول الناميــة بســيادتها علــى مواردهــا‪ ،‬حــق‬ ‫التأميــم ملواردهــا مــن ســيطرة الشــركات املتعــددة اجلنســية‪.‬‬ ‫‪-6‬رفــع أســعار املــواد اخلــام املصــدرة مــن الــدول الناميــة مبــا‬ ‫يتناســب مــع أســعار املنتجــات الصناعيــة املصــدرة مــن الــدول‬ ‫املتقدمــة صناع ًيــا‪ .‬ولذلــك نالحــظ أن اجلزائــر لعبــت دو ًرا حيو ًيــا‬ ‫بالدفــاع عــن املطالــب العادلــة للــدول الناميــة وكانــت عض ـ ًوا فعــاالً‬ ‫يف مجموعــة الـــ ‪ 77‬يف قضايــا دول عــدم االنحيــاز‪ ،‬وكان العصــر‬ ‫الذهبــي للجزائــر يف حركــة عــدم االنحيــاز يف عهــد الرئيســن أحمــد‬ ‫بــن بــال وهــواري بومديــن؟‬ ‫كمــا لعبــت اجلزائــر دو ًرا مه ًمــا يف اإلصــالح بــن الــدول الناميــة‬ ‫وخاصــة اخلالفــات بــن الــدول اإلفريقيــة جنــوب الصحــراء‪،‬‬ ‫واخلالفــات بــن الــدول العربيــة وجيرانهــا مــن الــدول اإلســالمية‪،‬‬ ‫كاملصاحلــة بــن العــراق وإيــران الشــاه حــول اخلالفــات حــول شــط‬ ‫العــرب وهــي مــا عرفــت باتفاقيــة اجلزائــر عــام ‪1975‬م‪ ،‬وبهــذه‬ ‫االتفاقيــة توقــف دعــم ِشــاه إيــران لألكــراد الــذي يقودهــم مصطفــى‬ ‫البرزانــي ضــد احلكومــة العراقيــة‪ ،‬وكانــت املوســاد اإلســرائيلي‬ ‫واملخابــرات املركزيــة األمريكيــة ‪ CIA‬تدعــم األكــراد مــن خــالل‬ ‫إيــران الشــاه‪.‬‬

‫األزمة الداخلية وتراجع الدور العالمي‬ ‫قامــت اجلزائــر يف سياســتها الداخليــة منــذ االســتقالل علــى‬ ‫سياســة احلــزب الواحــد‪ ،‬جبهــة التحريــر الوطنــي اجلزائــري‪ ،‬ورغــم‬

‫محــاوالت اإلصــالح االقتصــادي يف عهــد بومديــن وتبنــي سياســة‬ ‫التســيير الذاتــي علــى التجربــة اليوغســالفية‪ ،‬فبعــد وفــاة بومديــن‬ ‫ديســمبر ‪1978‬م‪ ،‬الشــخصية الثوريــة الكاريزمــا‪ ،‬تعثــر االقتصــاد‪،‬‬ ‫وزادت نســبة البطالــة وتراجــع النمــو االقتصــادي وتراجــع التعليــم‬ ‫والصحــة ومــع النمــو الســكاني بــرزت مشــكلة أزمــة الســكن‪ ،‬وكانــت‬ ‫املؤسســة العســكرية التــي تهيمــن علــى حكــم البــالد منــذ االســتقالل‬ ‫رئيســا للبلــد (‪1992-1979‬م)‪ ،‬وهــو‬ ‫جــاءت بالشــاذلي بــن جديــد‬ ‫ً‬ ‫قــادم مــن هــذه املؤسســة ويف نهايــة عقــد الثمانينــات مــن القــرن‬ ‫العشــرين زادت األحــوال االقتصاديــة ســو ًءا‪ ،‬فحاولــت احلكومــة‬ ‫اجلزائريــة تخفبــف رد الفعــل الشــعبي علــى األزمــة االقتصاديــة‬ ‫عــن طريــق التعدديــة احلزبيــة‪ ،‬وإنهــاء سياســة احلــزب الواحــد‪،‬‬ ‫وكانــت التعدديــة احلزبيــة يف اجلزائــر عــام ‪1988‬م‪ ،‬حتــى وصــل‬ ‫عــدد األحــزاب ‪ 60‬حز ًبــا سياســ ًيا‪ ،‬ونهايــة هيمنــة جبهــة التحريــر‬ ‫اجلزائريــة علــى سياســة البــالد ‪.‬‬ ‫إن االنفتــاح السياســي بالتعدديــة احلزبيــة يف ظــل التراجــع‬ ‫االقتصــادي لــه خطورتــه علــى اســتقرار النظــام السياســي يف البــالد‪،‬‬ ‫ولذلــك اعتبــرت جبهــة التحريــر اجلزائريــة مســؤولة عــن هــذه‬ ‫األحــوال خــالل حكومــة احلــزب الواحــد‪ ،‬وبالتالــي يفســح املجــال‬ ‫لألحــزاب السياســية التــي لــم يجربهــا الشــعب ‪ ،‬أن جتــذب أفــراد‬ ‫الشــعب يف حالــة االنتخابــات البلديــة والبرملانيــة‪ ،‬وهــذا مــا حــدث‬ ‫بالفعــل يف االنتخابــات عــام ‪1991‬م‪ ،‬حيــث فــازت جبهــة اإلنقــاذ‬ ‫اإلســالمية بأغلــب املقاعــد النيابيــة يف الــدورة األولــى‪ ،‬يف ظــل‬ ‫تراجــع جبهــة التحريــر اجلزائريــة‪ ،‬حيــث حصلــت جبهــة اإلنقــاذ‬ ‫علــى ‪ 188‬مقعــدًا مــن أصــل ‪ ،232‬ممــا دفــع املؤسســة العســكرية‬ ‫إللغــاء الــدورة الثانيــة مــن االنتخابــات‪ ،‬ممــا أدى إلــى صــراع‬ ‫الشــرعية السياســية حيــث اعتبــرت جبهــة اإلنقــاذ علــى أن فوزهــا‬ ‫أعطاهــا الشــرعية السياســية للحكــم فيمــا تتمســك جبهــة التحيــر‬ ‫ومــن خلفهــا املؤسســة العســكرية باحلكــم‪ ،‬ممــا أدخــل اجلزائــر يف‬ ‫دوامــة العشــرية الســوداء‪ ،‬احلــرب األهليــة‪ ،‬حتــى مجــيء عبــد العزيــز‬ ‫رئيســا للبــالد وبدعــم املؤسســة العســكرية وبتراثــه الثــوري‬ ‫بوتفليقــة‬ ‫ً‬ ‫وارتباطــه بالعصــر الذهبــي للجزائــر طــرح املصاحلــة اجلزائريــة ممــا‬ ‫أدى إلــى انفــراج يف األزمــة السياســية الداخليــة والتوجــه بالبــالد إلــى‬ ‫االســتقرار السياســي واملصاحلــة اجلزائريــة بــن التيــارات السياســية‬ ‫بالبــالد‪ ،‬وكانــت العشــرية الســوداء قــد أســاءت إلــى ســمعة اجلزائــر‬ ‫الثوريــة وتراجــع دورهــا كمدافــع عــن قضايــا العالــم الثالــث بســبب‬ ‫صراعهــا الداخلــي ؟‬

‫‪100‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫موس ــكو مص ــد ًرا للس ــالح للجزائ ــر يف وق ــت كان ــت في ــه العالق ــات‬ ‫االقتصاديـــة مـــع الغـــرب والواليـــات املتحـــدة خـــالل الســـبعينيات‬ ‫مـــن القـــرن املاضـــي ‪ ،‬كانـــت الواليـــات املتحـــدة املســـتورد األول‬ ‫للغ ــاز الطبيع ــي اجلزائ ــري‪.‬‬ ‫ورغ ــم تبن ــي اجلزائ ــر لالش ــتراكية يف سياس ــتها االقتصادي ــة‬ ‫إال أنهـــا كانـــت بعيـــدة عـــن املاركســـية فقـــد حظـــرت احلكومـــة‬ ‫اجلزائريـــة نشـــاط احلـــزب الشـــيوعي يف اجلزائـــر‪ ،‬ألنهـــا دولـــة‬ ‫احلـــزب الواحـــد جبهـــة التحريـــر اجلزائريـــة‪ ،‬فأخـــذ يتـــردد يف‬ ‫بعـــض األوســـاط السياســـية واإلعالميـــة علـــى ســـبيل التنـــدر أن‬ ‫اجلزائ ــر اش ــتراكية ب ــال اش ــتراكين‪ .‬واملثي ــر لالنتب ــاه أن جارت ــا‬ ‫اجلزائـــر كل مـــن املغـــرب وتونـــس رأســـمالية ومواليـــة للمعســـكر‬ ‫الغربـــي‪ ،‬ولكـــن احلـــزب الشـــيوعي يف البلديـــن ميـــارس نشـــاطه‬ ‫بشـــكل قانونـــي وبحريـــة‪ ،‬فاحلـــزب الشـــيوعي املغربـــي تأســـس‬ ‫‪1943‬م‪ ،‬وحت ــول الس ــم ح ــزب التح ــرر واالش ــتراكية ع ــام ‪1969‬م‪،‬‬ ‫ث ــم اس ــتقر عل ــى اس ــم ح ــزب التق ــدم واالش ــتراكية‪ ،‬أم ــا يف تون ــس‬ ‫فتأســـس احلـــزب الشـــيوعي عـــام ‪1920‬م‪ ،‬يف عهـــد االســـتعمار‬ ‫واســـتمر بعـــد االســـتقالل وشـــارك يف االنتخابـــات عـــام ‪1959‬م‪،‬‬ ‫ولـــم يحصـــل علـــى أي مقعـــد يف البرملـــان‪.‬‬ ‫ولك ــن يف اجلزائ ــر االش ــتراكية‪ ،‬بع ــد اس ــتقاللها‪ ،‬حظ ــر نش ــاط‬ ‫احلـــزب الشـــيوعي ‪1964‬م‪ ،‬ممـــا يؤكـــد اســـتقاللية السياســـة‬ ‫اجلزائريــة ومــع دســتور التعدديــة السياســية عــام ‪1989‬م‪ ،‬بــدأ نظــام‬ ‫التعدديــة احلزبيــة وعــاد ملمارســة نشــاطه‪ .‬إن اجلزائــر علــى احليــاد‬ ‫وتتصــرف وفــق مصاحلهــا بعيــدة عــن سياســة الــدول الكبــرى‪ ،‬وكان‬ ‫علـــى رأس الدبلوماســـية اجلزائريـــة منـــذ االســـتقالل حتـــى عـــام‬ ‫‪1979‬م‪ ،‬الرئيــس احلالــي للجزائــر عبــد العزيــز بوتفليقــة الــذي كان‬ ‫رفق ًيــا للرئيــس هــواري بومديــن وعضــو مجلــس قيــادة الثــورة حتــى‬ ‫وف ــاة بومدي ــن‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫العقدي ــة‪ ،‬وكان ــت للح ــركات الثوري ــة اإلفريقي ــة رعاي ــة خاص ــة عن ــد‬ ‫القيـــادة اجلزائريـــة‪ ،‬فاســـتقبلت القيـــادات الثوريـــة مـــن اجنـــوال‪،‬‬ ‫الكاميـــرون‪ ،‬الكونغـــو‪ ،‬موزمبيـــق‪ ،‬النيجـــر‪ ،‬غينيا‪-‬بيســـاو‪ ،‬جنـــوب‬ ‫إفريقي ــا وناميبي ــا‪ ،‬كم ــا أن الق ــادة الكاريزمي ــة م ــن أمث ــال نكروم ــا‬ ‫وباتري ــس لوميمب ــا‪ ،‬قب ــل اغتياله ــا كان ــت لهم ــا مكان ــة يف اجلزائ ــر‬ ‫م ــع توطي ــد العالق ــات م ــع الرئي ــس كاس ــترو يف كوب ــا والدف ــاع ع ــن‬ ‫القضيـــة الفلســـطينية يف احملافـــل الدوليـــة والدعـــم السياســـي‬ ‫والعس ــكري للح ــركات الفلس ــطينية وأصبح ــت كلم ــة بومدي ــن ع ــن‬ ‫تأييــد ودعــم فلســطن مثـ ً‬ ‫ـال حتــى اليــوم يف اجلزائــر " مــع فلســطن‬ ‫مظلوم ــة أو ظامل ــة"؟‬ ‫إن اجلزائــر مــن مؤسســي منظمــة الوحــدة اإلفريقيــة ‪1963‬م‪،‬‬ ‫(االحتــاد اإلفريقــي اآلن)‪ ،‬كمــا أصبحــت مــن الــدول الرئيســة يف‬ ‫حركــة عــدم االنحيــاز‪ ،‬وأصبــح الدفــاع عــن قضايــا العالــم الثالــث‬ ‫مشــروعا سياســ ًيا يف السياســة اخلارجيــة اجلزائريــة مــن خــالل‬ ‫ً‬ ‫عــدم االنحيــاز ومجموعــة الـــ ‪ ،77‬ومتيــزت خطابــات الرئيــس‬ ‫اجلزائــري بومديــن ووزيــر خارجيتــه بالدفــاع عــن حــركات التحــرر‬ ‫يف العالــم الثالــث كخطاباتــه يف اجلمعيــة العامــة ورئاســة منظمــة‬ ‫الوحــدة اإلفريقيــة ‪ 1969-1968‬م‪ ،‬وتولــت اجلزائــر الســكرتيرية‬ ‫العامــة حلركــة عــدم االنحيــاز ‪1976-1973‬م‪ ،‬وكانــت قمــة عــدم‬ ‫االنحيــاز قــد عقــدت يف اجلزائــر وألقــى بومديــن خطابــه يف‬ ‫اجلمعيــة العامــة يف عــام ‪1974‬م‪ ،‬وكان أول رئيــس يخطــب باللغــة‬ ‫العربيــة بــدون مترجــم بعــد اعتمادهــا لغــة رســمية يف مؤسســات‬ ‫األمم املتحــدة‪ .‬كمــا انتخــب وزيــر اخلارجيــة اجلزائريــة بوتفليقــة‬ ‫رئيســا للجمعيــة العامــة ‪1974‬م‪ ،‬ولعبــت دو ًرا مه ًمــا‬ ‫الرئيــس احلالــي‬ ‫ً‬ ‫يف إلقــاء رئيــس منظمــة التحريــر الفلســطينية خطا ًبــا يف اجلمعيــة‬ ‫العــام ‪1974‬م‪ ،‬ممــا يؤكــد علــى الــدور الطالئعــي للجزائــر يف خدمــة‬ ‫قضايــا التحــرر ممــا أكســبها ســمعة ثوريــة يف السياســة الدوليــة ويف‬ ‫دول العالــم الثالــث‪.‬‬

‫العالم الثالث كمشروع سياسي‬ ‫إن ميـــراث الثـــورة اجلزائريـــة‪ ،‬شـــكل املرجعيـــة الرئيســـة‬ ‫للسياســة اخلارجيــة اجلزائريــة‪ ،‬وكانــت النخبــة السياســية احلاكمــة‬ ‫م ــن الرئي ــس ب ــن ب ــال والرئي ــس ه ــواري بومدي ــن ت ــرى يف اجلزائ ــر‬ ‫قلع ــة الث ــوار‪ ،‬وأخ ــذت اجلزائ ــر س ــمعهتا الدولي ــة بالتاري ــخ الث ــوري‬ ‫يف مقاوم ــة االس ــتعمار الفرنس ــي‪ ،‬ولذل ــك ف ــإن رف ــض اإلمبريالي ــة‬ ‫واالس ــتعمار يف ج ــذوره يرج ــع إل ــى تاري ــخ احلرك ــة الثوري ــة‪ ،‬ولذل ــك‬ ‫فتحــت اجلزائــر ابوابهــا للحــركات الثوريــة علــى اختــالف اجتاهاتهــا‬

‫النظام االقتصادي العالمي الجديد ومطالب العالم الثالث‬ ‫كانــت الــدول الرأســمالية تســيطر علــى األســواق‪ ،‬وتتحكــم يف‬ ‫أســعار املــواد اخلــام املنتجــة مــن الــدول الناميــة‪ ،‬كمــا تتحكــم ً‬ ‫أيضــا‬ ‫يف أســعار صادراتهــا إلــى أســواق الــدول الناميــة‪ ،‬ولذلــك عندمــا‬ ‫عقــدت قمــة عــدم االنحيــاز يف اجلزائــر عــام ‪1973‬م‪ ،‬اعتبــرت‬ ‫قمــة اقتصاديــة تدافــع عــن مطالــب الــدول الناميــة‪ ،‬ولذلــك تبنــى‬ ‫املؤمتــر املطالبــة بنظــام اقتصــادي عاملــي جديــد يحقــق العدالــة‬

‫تبنــت الجزائــر االشــتراكية االقتصاديــة إال أنهــا بعيــدة عن الماركســية‬ ‫وحظ ــرت الح ــزب الش ــيوعي فت ــردد "الجزائ ــر اش ــتراكية ب ــال اش ــتراكيين"‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪99‬‬

‫ملف العدد‬

‫دعـم مصـر للثـورة الجزائرية دفع فرنسـا للمشـاركة يف العدوان الثالثي‬ ‫والمساهمة يف بناء المفاعل النووي اإلسرائيي نكاية يف الموقف المصري‬ ‫الناصــر وقــادة الــدول املســتقلة اإلفريقيــة واآلســيوية مثــل الزعيــم‬ ‫الهنــدي نهــرو والرئيــس أحمــد ســوكارنو رئيــس إندونيســيا ورئيــس‬ ‫وزراء الصــن آنــذاك شــو إن الي ‪ ،‬ممــا وفــر دع ًمــا قو ًيــا للجزائــر‬ ‫بنشــاطها الدبلوماســي‪ ،‬ودعــم حــق تقريــر املصيــر للجزائــر يف األمم‬ ‫املتحــدة باإلضافــة إلــى دعــم دول عــدم االنحيــاز للثــورة اجلزائريــة‪،‬‬ ‫وحضــرت احلكومــة اجلزائريــة املؤقتــه التــي أعلنــت عــام ‪1958‬م‪،‬‬ ‫مؤمتــر عــدم االنحيــار يف بلغــراد ‪1961‬م‪ ،‬حيــث كان الرئيــس‬ ‫اليوغســاليف تيتــو مــن مؤيــدي الثــورة اجلزائريــة‪ ،‬وكان مــع عبــد‬ ‫الناصــر ونهــرو مــن أشــهر قادتهــا عنــد إنشــائها‪ .‬كمــا اســتفادت‬ ‫الثــورة اجلزائريــة بنشــاط قادتهــا مــن العالقــات مــع االحتــاد‬ ‫الســوفيتي والصــن وحتــى الواليــات املتحــدة لتحقيــق االســتقالل يف‬ ‫يوليــو ‪1962‬م‪ .‬أخــذت اجلزائــر الدولــة املســتقلة ســمعة ثوريــة علــى‬ ‫مســتوى دول العالــم وشــعوبها بســبب بطــوالت وتضحيــات الشــعب‬ ‫اجلزائــري ضــد االســتعمار الفرنســي الــذي اســتمر ‪ 130‬عا ًمــا حتــى‬ ‫أن دبلوماســية اجلزائــر أثنــاء الثــورة جذبــت اهتمــام الباحثــن‪ ،‬فــكان‬ ‫كتــاب مثيــو كونللــي عــن الدبلوماســية يف كتابــه ‪A Diplomatic‬‬ ‫‪Revolution: Algeria's Fight for independence and‬‬ ‫‪.the Origins of the Post-Cold War 2002‬‬

‫الحياد اإليجابي بين الشرق والغرب‬ ‫كمــا كان دعــم االحتــاد الســوفيتي حلــركات التحــرر فكانــت‬ ‫الواليــات املتحــدة داعمــة لسياســة التحــرر مــن االســتعمار يف القــارة‬ ‫اإلفريقيــة‪ ،‬فقــد كان الرئيــس األمريكــي جــون كينــدي مــن املؤيديــن‬ ‫رئيســا للواليــات املتحــدة‪،‬‬ ‫الســتقالل الــدول اإلفريقيــة قبــل انتخابــه‬ ‫ً‬ ‫فعندمــا كان يف مجلــس الشــيوخ كان يتبنــى سياســة اســتقالل الــدول‬ ‫اإلفريقيــة وحــق تقريــر املصيــر وخاصــة اجلزائــر‪ ،‬وعندمــا انتخــب‬ ‫رئيســا كان داع ًمــا الســتقالل اجلزائــر وكانــت اخلالفــات بــن‬ ‫ً‬ ‫واشــنطن وباريــس بســبب رغبــة فرنســا اســتعمال الناتــو ضــد الثــورة‬ ‫اجلزائريــة وهــو مــا رفضتــه واشــنطن‪ ،‬فحلــف الناتــو للدفــاع عــن‬ ‫أوروبــا وليــس التدخــل خــارج القــارة‪.‬‬ ‫زار الرئي ــس أحم ــد ب ــن بي ــال أول رئي ــس للجزائ ــر واش ــنطن‬ ‫أكتوبـــر عـــام ‪1962‬م‪ ،‬واجتمـــع بالرئيـــس جـــون كينـــدي‪ ،‬ولكـــن‬ ‫الوف ــد اجلزائ ــري الزائ ــر انتق ــل م ــن الوالي ــات املتح ــدة إل ــى كوب ــا‬ ‫واالجتمــاع مــع الرئيــس كاســترو‪ ،‬ممــا أقلــق واشــنطن خاصــة أنهــا‬ ‫ج ــاءت يف أثن ــاء أزم ــة الصواري ــخ الس ــوفيتية يف كوب ــا فيم ــا يع ــرف‬ ‫بأزمـــة كوبـــا‪ .‬إن السياســـة اجلزائريـــة مســـتقلة فالعالقـــات مـــع‬ ‫االحت ــاد الس ــوفيتي ال تعن ــي أنه ــا عل ــى حس ــاب واش ــنطن‪ ،‬كان ــت‬

‫‪98‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ثوابــت تاريخيــة ومخــاوف داخليــة تبعــد الجزائــر عــن ملفــات الربيــع العربــي‬

‫الـجـزائـــر‪ :‬دبـلـومـاسـيـــة الـثـــورة والـعـالـم‬ ‫الـثـالـــث كـمـشـــروع سـيـاسـي‬ ‫عندمــا عقــد املهرجــان الثقــايف اإلفريقــي باجلزائــر يف أكتوبــر عــام ‪1969‬م‪ ،‬جمــع املهرجــان القيــادات الثوريــة مــن جميــع‬ ‫أنحــاء القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬نحــت القائــد الثــوري املــكار كابرائيــل‪ ،‬تعبيــر "مكــة الثوريــن" فحســب قولــه" النصــارى يذهبــون‬ ‫إلــى الفاتيــكان‪ ،‬واملســلمون يذهبــون إلــى مكــة والثــوار يذهبــون إلــى اجلزائــر"؟ علــى اعتبــار أن اجلزائــر أصبحــت قلعــة للثــوار‬ ‫مــن مختلــف أنحــاء العالــم الثالــث‪ ،‬فبعــد اســتقالل اجلزائــر توجــه قــادة الثــوار مــن أمريــكا الالتينيــة وآســيا وإفريقيــا إلــى‬ ‫اجلزائــر لدراســة جتربــة الثــورة اجلزائريــة‪ ،‬ثــورة املليــون ونصــف املليــون شــهيد (‪1962-1954‬م)‪ ،‬فزارهــا تشــي جيفــارا‪،‬‬ ‫نيلســون مانديــال‪ ،‬وياســر عرفــات‪ ،‬وغيرهــم مــن قيــادات حــركات التحــرر يف العالــم‪ ،‬ومنهــم املــكار كابرائيــل نفســه الــذي‬ ‫كان يقــود حركــة التحــرر يف غينيــا بيســاو ضــد االســتعمار البرتغالــي ولكــن مت اغتيالــه ‪1972‬م‪ ،‬قبــل أن تتحــرر غينيــا مــن‬ ‫االســتعمار البرتغالــي بثمانيــة شــهور‪ .‬ولقــد اقتبــس جيقــري بايــرن هــذا التعبيــر لعنــوان كتابــه الــذي صــدر عــن دار اكســفورد‬ ‫عــن الثــورة اجلزائريــة ‪Mecca of revolution: Algeria, Decolonization and the Third World order‬‬ ‫‪ ،2016‬حتــى جماعــة الفهــود الســود األمريكيــة توجهــت للجزائــر بعــد االســتقالل ممــا أزعــج الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪.‬‬

‫د‪ .‬أحمد سليم البرصان‬

‫البندقية والدبلوماسية‬ ‫يعتبــر االســتعمار الفرنســي مــن أبشــع أنــواع االســتعمار‪،‬‬ ‫فعندمــا اســتعمرت فرنســا اجلزائــر‪ ،‬كانــت تريدهــا قطعــة مــن‬ ‫فرنســا وعملــت بــكل جهودهــا لطمــس الهويــة العربيــة واإلســالمية‬ ‫يف اجلزائــر وحاربــت اللغــة العربيــة بــكل الوســائل وظهــرت املقاومــة‬ ‫اجلزائريــة ضــد املســتعمر الفرنســي منــذ القــرن التاســع عشــر‬ ‫بزعامــة األميــر عبــد القــادر اجلزائــري (‪1883-1808‬م)‪ ،‬وغيــره مــن‬ ‫رجــال املقاومــة‪ ،‬والعالمــة عبــد احلميــد بــن باديــس (‪1940-1889‬م)‬ ‫والبشــير اإلبراهيمــي (‪1966-1880‬م)‪ ،‬وكان لهــوالء وغيرهــم دور يف‬ ‫احملافظــة علــى اللغــة العربيــة واإلســالم ممــا أشــعل املقاومة املســلحة‬ ‫فيمــا بعــد ضــد املســتعمر الفرنســي‪ ،‬فبــدأت الشــرارة املســلحة عــام‬ ‫‪1954‬م‪ ،‬ضــد فرنســا التــي أرادت اســتعمال حلــف الناتــو إلخمــاد‬ ‫الثــورة اجلزائريــة وظهــرت بطــوالت الرجــال والنســاء يف املقاومــة‪،‬‬ ‫التــي مــا زالــت تــدرس جتربتهــا حــركات التحــرر واملعاهــد األكادمييــة‬ ‫يف العالــم‪ .‬كمــا اســتغل قــادة الثــورة اجلزائريــة جميــع الوســائل‬ ‫الدبلوماســية باإلضافــة للمقاومــة املســلحة‪ ،‬مســتغلة احلــرب البــاردة‬ ‫بــن االحتــاد الســوفيتي والواليــات املتحــدة ودول العالــم املناهضــة‬

‫لالســتعمار والتنافــس بــن أوروبــا العجــوز التــي خرجــت ضعيفــة‬ ‫بعــد احلــرب العامليــة الثانيــة والواليــات املتحــدة‪ .‬كانــت الواليــات‬ ‫املتحــدة ضــد االســتعمار الفرنســي علــى اعتبــار أن االســتعمار يوفــر‬ ‫مبــر ًرا لالحتــاد الســوفيتي ملهاجمــة الرأســمالية الغربيــة ويجــد لــه‬ ‫موطــئ قــدم يف الــدول التــي تطالــب باالســتقالل ألنــه يدعــم حــركات‬ ‫التحــرر‪ ،‬فلذلــك واشــنطن كانــت تضغــط علــى بريطانيــا وفرنســا‬ ‫باالنســحاب مــن مســتعمراتها‪.‬‬ ‫ودعمــت الــدول العربيــة املســتقلة اجلزائــر وكان للجامعــة‬ ‫العربيــة آنــذاك دور يف احملافــل الدوليــة‪ ،‬ولكــن الدعــم القــوي كان‬ ‫مــن أكبــر دولــة عربيــة‪ ،‬مصــر بقيــادة الرئيــس جمــال عبــد الناصــر‪،‬‬ ‫وكانــت األســلحة تصــل للثــوار اجلزائريــن مــن البحــر شــماالً‬ ‫والصحــراء جنو ًبــا ممــا أقلــق فرنســا ممــا جعلهــا تشــارك يف العــدوان‬ ‫الثالثــي علــى مصــر عــام ‪1956‬م‪ ،‬بــل قامــت فرنســا باملســاهمة يف‬ ‫بنــاء املفاعــل النــووي اإلســرائيلي نكايــة يف املوقــف املصــري الداعــم‬ ‫للثــورة اجلزائريــة‪.‬‬ ‫كانــت الثــورة اجلزائريــة حاضــرة بقادتهــا يف مؤمتــر باندونــغ‪،‬‬ ‫املؤمتــر األفروآســيوي ‪1955‬م‪ ،‬والــذي حضــره الرئيــس جمــال عبــد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪97‬‬

‫ملف العدد‬

‫ضــرورة اتفــاق العالــم عــى آليــات فعالــة لمحاربــة اإلرهاب واســتئصال‬ ‫جـــذوره والتجربـــة الجزائريـــة شـــاهدة عـــى إرادة العيـــش يف ســـالم‬ ‫التــي بــادرت إلــى تقــدمي التهانــي لهــا‪ ،‬وأكــدت علــى الــدور األساســي‬ ‫للوس ــاطة اجلزائري ــة‪.‬‬ ‫إن الســـاحل بالنســـبة للجزائـــر يعتبـــر املوجـــه الشـــرعي‬ ‫لسياســـتها اخلارجيـــة‪ ،‬وعليـــة فاملهمـــة ليســـت ســـهلة‪ ،‬بســـبب‬ ‫شس ــاعة املنطقـــة‪ ،‬فمنطق ــة الس ــاحل امتـــداد طبيعـــي للصح ــراء‬ ‫اجلزائريـــة‪ ،‬حيـــث تتقاســـم املنطقـــة أطـــول حـــدود مـــع دولتـــن‪،‬‬ ‫مال ــي (‪ 1300‬كل ــم) والنيج ــر (‪1200‬كل ــم)‪ ،‬إضاف ــة إل ــى اإلدم ــاج‬ ‫الهج ــن ب ــن اإلره ــاب واجلرمي ــة‪ ،‬وبالتال ــي ف ــإن كل اس ــتراتيجية‬ ‫أمنيــة إقليميــة ال بــد لهــا مــن إدمــاج هــذا البعــد األخيــر‪ ،‬بالنســبة‬ ‫للتنظيمـــات اإلرهابيـــة تعتبـــر منطقـــة الســـاحل منطقـــة عبـــور‬ ‫نح ــو التجمع ــات الس ــكنية (املناط ــق احلضري ــة يف الش ــمال) دول‬ ‫ً‬ ‫وأيض ــا جت ــاه أوروب ــا‪ ،‬باعتب ــار أن س ــاحة املعرك ــة‬ ‫ش ــمال إفريقي ــا‬ ‫يف املس ــتقبل س ــتكون يف املراك ــز احلضري ــة أي ــن جت ــد التنظيم ــات‬ ‫اإلرهابيـــة واملجموعـــات اإلجراميـــة مـــال ًذا وصـــد ًرا للتمويـــن‬ ‫وتش ــجيع املنخرط ــن فيه ــا ويف امل ــدن الكب ــرى أي ــن يك ــون مص ــدر‬ ‫اإلقصـــاء السياســـي والعنـــف احلضـــري‪.‬‬ ‫إن بــروز (داعــش) يف العــراق وبــالد الشــام‪ ،‬يف الســاحة الليبيــة‪،‬‬ ‫وبســط ســيطرته علــى بعــض املــدن كســرت‪ ،‬ودرنــة‪ ،‬وطموحــه يف‬ ‫إقامــة خالفتــه يف كل ربــوع منطقــة املغــرب العربــي‪ ،‬ومــن ثــم توســيع‬ ‫تأثيــره نحــو دول الســاحل‪ ،‬كلهــا عوامــل أســهمت يف تغييــر املعطــى‬ ‫اجليواســتراتيجي للمنطقــة‪ ،‬ورفــع درجــة التهديــدات علــى اجلزائــر‪،‬‬ ‫ممــا جعــل هــذه األخيــرة تضطــر إلــى تبنــي اســتراتيجية متعــددة‬ ‫األبعــاد تتمثــل يف‪:‬‬ ‫ إعـــادة تنظيـــم تشـــكيالتها العســـكرية علـــى نحـــو تســـتطيع‬‫ممارس ــة ن ــوع م ــن احل ــذر واليقظ ــة الدائم ــة عل ــى ع ــدة جبه ــات‪.‬‬ ‫ً‬ ‫جيشـــا متماســـ ًكا ومدر ًبـــا جيـــ ًدا‪ ،‬قـــادر علـــى‬ ‫وبحكـــم امتالكهـــا‬ ‫القي ــام بامله ــام املنوط ــة ب ــه‪ ،‬حي ــث صنفت ــه العدي ــد م ــن املؤسس ــات‬ ‫البحثي ــة العاملي ــة كأق ــوى جي ــوش املنطق ــة (أحت ــل املرتب ــة الثاني ــة‬ ‫عل ــى املس ــتوى اإلفريق ــي حس ــب ترتي ــب منظم ــة (‪Global Fire‬‬ ‫‪ ،)Power‬املوق ــع األمريك ــي املتخص ــص يف الدف ــاع‪ ،‬إل ــى جان ــب‬ ‫التجرب ــة العاملي ــة الت ــي ميتلكه ــا جه ــاز االس ــتعالمات اجلزائ ــري يف‬ ‫مج ــال مكافح ــة اإلره ــاب‪ ،‬تب ــدو اجلزائ ــر خ ــالل ه ــذا كل ــه كالبل ــد‬ ‫الوحي ــد يف املنطق ــة الق ــادر عل ــى حف ــظ اس ــتقرار منطق ــة املغ ــرب‬ ‫العرب ــي والس ــاحل‪.‬‬ ‫ وجــدت اجلزائــر نفســها مــن جديــد يف املقدمــة للعــب الــدور‬‫الدبلوماســي‪ ،‬مــن خــالل الوســاطة بــن املتحاربــن يف ليبيــا‪ ،‬حيــث‬

‫ً‬ ‫تفويضــا مــن املنظمــات الدوليــة للوســاطة‪ ،‬إذ بدلــت‪ ،‬ومــا‬ ‫تلقــت‬ ‫تــزال تبــدل جهــو ًدا حثيثــة لدفــع األطــراف املتصارعــة إلــى طاولــة‬ ‫احلــوار واملفاوضــات‪ ،‬قصــد البحــث عــن حلــول سياســية بعيــدة عــن‬ ‫احلــل العســكري‪ ،‬لتحقيــق هــدف إعــادة االســتقرار واألمــن إلــى ربــوع‬ ‫املنطقــة‪ ،‬وهــي بذلــك تدعــم بــدون حتفــظ املفاوضــات اجلاريــة حتــت‬ ‫غطــاء األمم املتحــدة‪.‬‬ ‫وميكــن القــول أننــا اليــوم جنــد العديــد مــن القــوى الغربيــة‬ ‫تعتــرف بالــدور احملــوري الــذي تلعبــه الوســاطة اجلزائريــة‪ ،‬والضامــن‬ ‫األساســي لألمــن اإلقليمــي‪ ،‬وبدونهــا ال ميكــن رؤيــة حــل دائــم يف‬ ‫الســاحل واملغــرب العربــي‪.‬‬

‫خاتمة‬ ‫صـــدق مـــن قـــال "أن األزمـــة تلـــد الهمـــة وال يتســـع األمـــر إال‬ ‫إذا ض ــاق"‪ ،‬إذ وج ــدت اجلزائ ــر نفس ــها تواج ــه أزم ــة أمني ــة بالغ ــة‬ ‫اخلطــورة‪ ،‬متثلــت يف الظاهــرة اإلرهابيــة‪ ،‬فاضطــرت إلــى مواجهتهــا‬ ‫بإمكاناته ــا اخلاص ــة‪ ،‬وبفض ــل تضحي ــات الق ــوات األمني ــة مبختل ــف‬ ‫أســـالكها‪ ،‬دون أن تتلـــق أي دعـــم أو مســـاندة مـــن قبـــل املجتمـــع‬ ‫الدولـــي‪ ،‬بـــل بالعكـــس وجـــدت نفســـها تعانـــي العزلـــة والصمـــت‬ ‫الل ــذان فرض ــا عليه ــا‪ ،‬يف الوق ــت ال ــذي كان ــت بحاج ــة إل ــى دع ــم‬ ‫معن ــوي وتع ــاون دول ــي‪ ،‬لك ــن بفض ــل اإلرادة والعزمي ــة الت ــي حتل ــى‬ ‫بهـــا الشـــعب اجلزائـــري‪ ،‬الـــذي كان الســـند وراء قـــوة وصالبـــة‬ ‫اجليــش الوطنــي الشــعبي ومعــه كل األســالك األمنيــة‪ ،‬يف محاربتهــا‬ ‫للظاه ــرة‪ ،‬أفض ــت إل ــى القض ــاء النهائ ــي عل ــى األزم ــة‪ ،‬وخرج ــت‬ ‫اجلزائ ــر منتص ــرة‪ ،‬وه ــا ه ــي الي ــوم يعت ــرف العال ــم له ــا بالنج ــاح‪،‬‬ ‫ويس ــتلهم م ــن جتربته ــا‪.‬‬ ‫إن محاربــة الظاهــرة اإلرهابيــة ليســت باملســألة الهينــة‪ ،‬يف ظــل‬ ‫التعقيــدات التــي تشــهدها العالقــات الدوليــة الراهنــة‪ ،‬والتطــورات‬ ‫املتســارعة التــي يعيشــها العالــم اليــوم‪ ،‬لكنهــا ليســت مســتحيلة ً‬ ‫أيضــا‪،‬‬ ‫وإمنــا ينبغــي حملاربتهــا تكاتــف اجلهــود والتعــاون املشــترك بــن كل‬ ‫دول العالــم احملبــة للســالم واألمــن واالســتقرار‪ ،‬واالتفــاق علــى وضــع‬ ‫آليــات فعالــة حملاربتهــا واســتئصال جذورهــا نهائ ًيــا‪ ،‬والتجربــة‬ ‫اجلزائريــة تبقــى ماثلــة وشــاهدة علــى أن اإلرادة واإلميــان بالعيــش‬ ‫يف ســالم تصنــع مــن املســتحيل املمكــن‪.‬‬ ‫* أستاذ العالقات الدولية ـ جامعة الجزائر‬

‫‪96‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫ كمــا صنفــت اجلزائــر يف املرتبــة األولــى إفريق ًيــا وعرب ًيــا األكثــر‬‫أم ًنــا‪ ،‬يف مؤشــر عــام ‪2017‬م‪ ،‬لألمــن والنظــام العــام الــذي يصــدره‬ ‫معهــد جالــوب (‪ )GALLUP‬لصبــر اآلراء حيــث منحهــا ‪ 90‬نقطــة‬ ‫مــن أصــل ‪ ،100‬مــن بــن ‪ 37‬دولــة جــرى حولهــا اســتطالع الــرأي‪،‬‬ ‫واحتلــت املرتبــة الســابعة عامل ًيــا مــن أصــل ‪ 135‬دولــة جــرى حولهــا‬ ‫اســتطالع الــرأي‪.‬‬ ‫ ويف تقريــر قدمــه مجلــس الســلم واألمــن حــول نشــاطاته ووضعيــة‬‫الســالم واألمــن يف إفريقيــا‪ ،‬مبناســبة النــدوة ‪ 30‬لرؤســاء الــدول‬ ‫واحلكومــات لالحتــاد اإلفريقــي‪ ،‬أبــرز فيــه جهــود اجلزائــر يف‬ ‫مكافحــة اإلرهــاب والتطــرف العنيــف‪.‬‬ ‫ وكـمـعـيـــار الــحـكـــم عـلـــى نــجــــاح الـتـجـربـــة‬‫الـجـــزائرية يف مكافحــة اإلرهــاب نرصــد ذلــك‬ ‫العــدد الضعيــف مــن اجلزائريــن املنخرطــن يف‬ ‫صفــوف التنظيمــات اإلرهابيــة‪ ،‬حيــث لــم يتجــاوز‬ ‫‪ 170‬منخــرط‪ ،‬حســب تقريــر مكتــب االستشــارة‬ ‫األمــريــكــــي (‪ ،)The Soufan Center‬الـــــذي‬ ‫صنــف اجلزائــر ســنة ‪2016‬م‪ ،‬كبلــد األقــل معنــي‬ ‫بالتجنيــد اإلرهابــي يف العالــم‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫فرضـــت منطقهـــا اإلرهابـــي علـــى ســـكان تلـــك املناطـــق‪.‬‬ ‫لق ــد دف ــع االنهي ــار األمن ــي يف ليبي ــا‪ ،‬عل ــى غ ــرار م ــا ح ــدث‬ ‫يف الع ــراق وس ــوريا واليم ــن‪ ،‬إل ــى فوض ــى انتش ــار الس ــالح‪ ،‬وب ــروز‬ ‫تنظيم ــات إرهابي ــة جدي ــدة تض ــاف إل ــى تنظي ــم القاع ــدة‪ ،‬وم ــن‬ ‫ث ــم أصبح ــت منطق ــة املغ ــرب العرب ــي‪ ،‬واجلزائ ــر ضمنه ــا‪ ،‬تعي ــش‬ ‫وض ًع ــا أمن ًي ــا صع ًب ــا‪ ،‬يس ــوده احل ــذر واليقظ ــة املس ــتمرة‪ ،‬خاص ــة‬ ‫بع ــد أن ب ــدأ تنظيـ ــم القاع ــدة يف ب ــالد املغ ــرب اإلسالمـ ــي يعي ــد‬ ‫ترتيـــب شبكتــــه يف منطقـــة املغـــرب العربــــي والساحــــل‪ .‬ويقـــول‬ ‫الباحــث توفيــق هامــل يف هــذا الشــأن‪ :‬إن تنظيــم القاعــدة يف بــالد‬ ‫املغ ــرب اإلس ــالمي (‪ ،)AQMI‬وبع ــض التنظيم ــات اإلرهابي ــة يف‬ ‫املنطقـــة ال يشـــكلون تهديـــ ًدا اســـتراتيج ًيا بالنســـبة‬ ‫للدولـــة اجلزائريـــة‪ ،‬بقـــدر مـــا يشـــكلون اهتما ًمـــا‬ ‫أمن ًيـــا ها ًمـــا‪ ،‬لقـــد انســـحب تنظيـــم القاعـــدة‬ ‫(‪ )AQMI‬إلـــى أقصـــى اجلنـــوب إلـــى الســـاحل‬ ‫بفع ــل الضرب ــات املتتالي ــة الت ــي تلقاه ــا م ــن ط ــرف‬ ‫قـــوات األمـــن اجلزائريـــة‪".‬‬

‫إعادة تقييم مصادر‬ ‫التهديدات عى ضوء‬ ‫التحوالت العالمية خاصة‬ ‫العولمة التي اصطبغت‬ ‫بهـا العالقـات الدوليـة‬

‫‪ -3‬استراتيجية الجزائر يف محاربة اإلرهاب‬ ‫عندمــا نتحــدث عــن جنــاح التجربــة اجلزائريــة يف مكافحــة‬ ‫اإلرهــاب‪ ،‬هــذا ليــس معنــاه أن اجلزائــر أصبحــت يف منــأى عــن‬ ‫مخاطــر وتهديــدات الظاهــرة اإلرهابيــة‪ ،‬بــل بالعكــس هنــاك حتديــات‬ ‫وتهديــدات أمنيــة أفرزتهــا التطــورات األخيــرة التــي تشــهدها املنطقــة‬ ‫العربيــة اليــوم‪ ،‬إلــى جانــب الوضــع األمنــي املتدهــور يف منطقــة‬ ‫الســاحل اإلفريقــي‪ .‬وبالتالــي مــا زالــت جهــود اجلزائــر متواصلــة‬ ‫ملواجهــة هــذه التهديــدات والتحديــات األمنيــة التــي فرضتهــا‬ ‫املرحلــة الراهنــة‪ .‬ومــن ثــم فــإن اســتراتيجيتها منصبــة علــى إعطــاء‬ ‫األولويــة لدائرتــن جغرافيتــن أقــرب منهــا وهــي الدائــرة العربيــة‪،‬‬ ‫وباخلصــوص منطقــة املغــرب العربــي‪ ،‬والدائــرة اإلفريقيــة‪ ،‬حتديـدًا‬ ‫منطقــة الســاحل الصحــراوي‪.‬‬ ‫‪ -1-٣‬التداعيات األمنية للحراك الشعبي يف املنطقة العربية‬ ‫لقـــد أدى احلـــراك الشـــعبي العربـــي‪ ،‬الـــذي اندلـــع يف‬ ‫مجملـــه بدايـــة عـــام ‪2011‬م‪ ،‬إلـــى جملـــة مـــن اإلفـــرازات‬ ‫انعكســـت ســـل ًبا علـــى دول املنطقـــة‪ ،‬خاصـــة مـــا تعلـــق منهـــا‬ ‫باجلانـــب األمنـــي‪ ،‬مـــن خـــالل تنامـــي ظاهـــرة اإلرهـــاب بشـــكل‬ ‫خطيـــر‪ ،‬حتـــى أصبحـــت أجـــزاء مـــن أراضـــي بعـــض الـــدول‬ ‫العربيـــة ذات الســـيادة‪ ،‬محتلـــة مـــن طـــرف تنظيمـــات إرهابيـــة‪،‬‬

‫‪ -٢-٣‬التهديد اإلرهابي يف منطقة الساحل اإلفريقي‬ ‫ودور اجلزائر يف مواجهته‬ ‫تنطلــق االســتراتيجية اجلزائريــة يف معامالتهــا‬ ‫م ــع منطق ــة الس ــاحل م ــن منطل ــق األس ــس العقائدي ــة الت ــي تؤم ــن‬ ‫بهـــا‪ ،‬وهـــي الوحـــدة الترابيـــة للـــدول (احتـــرام احلـــدود)‪ ،‬ثـــم‬ ‫مكافحـــة اإلرهـــاب باعتبـــاره عامـــل مهـــدد لألمـــن واالســـتقرار‬ ‫يف املنطق ــة‪ ،‬كم ــا تتبن ــى سياس ــة االعتم ــاد عل ــى النف ــس‪ ،‬وه ــذا‬ ‫م ــا فعلت ــه أثن ــاء مواجهته ــا لإلره ــاب خ ــالل العش ــرية الس ــوداء‪،‬‬ ‫واألس ــاس العقائ ــدي ال ــذي كرس ــته يف مس ــيرتها الكفاحي ــة ض ــد‬ ‫اإلرهـــاب هـــو إميانهـــا باحلـــل السياســـي للنزاعـــات واحلـــوار‬ ‫البنــاء‪ .‬ونظـ ًرا للمخاطــر األمنيــة التــي يشــكلها تواجــد اجلهاديــن‬ ‫يف ش ــمال مال ــي بالنس ــبة للجزائ ــر‪ ،‬فق ــد أع ــادت ه ــذه األخي ــرة‬ ‫توجيـــه أولوياتهـــا الدبلوماســـية نحـــو منطقـــة الســـاحل‪ ،‬التـــي‬ ‫تعتبـــر " عمقهـــا االســـتراتيجي"‪ ،‬حيـــث أصبـــح شـــغلها الشـــاغل‬ ‫ه ــو إيج ــاد تس ــوية للص ــراع يف مال ــي‪ ،‬وال ــذي أضح ــى أولوي ــة‪،‬‬ ‫إذ تب ــذل قص ــارى جهده ــا حل ــل الص ــراع ب ــكل الط ــرق‪ ،‬احل ــوار‪،‬‬ ‫التفـــاوض والتفاهمـــات‪.‬‬ ‫ولقـــد توجـــت مجهوداتهـــا الدبلوماســـية يف األزمـــة املاليـــة‬ ‫واملفاوض ــات الت ــي ج ــرت حت ــت وس ــاطتها للتوص ــل إل ــى إمض ــاء‬ ‫اتفـــاق الســـالم واملصاحلـــة بـــن احلكومـــة املركزيـــة يف باماكـــو‬ ‫والفصائـــل املســـلحة الترقيـــة واجلهاديـــن الذيـــن أوصلـــوا البـــالد‬ ‫إلــى حافــة االنفجــار عــام ‪ ،2013‬هــذا االتفــاق الــذي رمــت اجلزائــر‬ ‫بــكل ثقلهــا إلجنــازه‪ ،‬كان محــل تقديــر واعتــراف املجموعــة الدوليــة‪،‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪95‬‬

‫ملف العدد‬

‫ظاهـــرة اإلرهـــاب تنشـــأ يف ظـــل العولمـــة وإلغـــاء المســـافات‬ ‫والـحـــدود وتنـشـــط فـــي فـضـــاءات افـتـراضـيـــة يـصـعـــب مـراقـبـتـهـا‬ ‫‪-1-٢‬املقاربة اجلزائرية يف مكافحة اإلرهاب‬ ‫لقــد فهــم القــادة اجلزائريــون بــأن اإلجابــة عــن التطــرف العنيــف‬ ‫ال ينبغــي أن يتوقــف علــى البعــد األمنــي‪ ،‬ولكــن مــن خــالل وضــع‬ ‫اســتراتيجية ذات أبعــاد متعــددة‪ ،‬حيــث مت وضــع ثــالث مقاربــات‬ ‫مهيكلــة تتمثــل يف‪:‬‬ ‫● مسار املصاحلة الوطنية‪.‬‬ ‫● ترقية الدميقراطية‪.‬‬ ‫● سياسة محاربة التطرف متعدد القطاعات‪.‬‬ ‫ومــن هــذا املنطلــق كان مســار املصاحلــة الوطنيــة الــذي بــدأ‬ ‫عــام ‪1995‬م‪ ،‬مــن خــالل قانــون الرحمــة‪ ،‬والــذي تــوج عــام ‪2005‬م‪،‬‬ ‫مبيثــاق الســلم واملصاحلــة الوطنيــة‪ ،‬الــذي مت املصادقــة عليــه عــن‬ ‫طريــق اســتفتاء شــعبي‪ ،‬والــذي ســمح آلالف اإلرهابيــن للتخلــي عــن‬ ‫ســالحهم والعــودة إلــى أســرهم وذويهــم‪ .‬ثــم املقاربــة الثانيــة متثلــت‬ ‫يف ترقيــة الدميقراطيــة مــن خــالل إعطــاء مجــال أوســع حلريــة‬ ‫الــرأي والتعبيــر واملشــاركة يف العمليــة السياســية‪ ،‬وهــذا مــا تضمنــه‬ ‫التعديــل الدســتوري لســنة ‪ ،2008‬ثــم دســتور ‪2016‬م‪.‬‬ ‫أمــا املقاربــة الثالثــة فتتمثــل يف سياســة محاربــة التطــرف‬ ‫متعــدد القطاعــات‪ ،‬حيــث أدخلــت اجلزائــر جملــة مــن اإلصالحــات‬ ‫االجتماعيــة واالقتصاديــة‪ ،‬واألمنيــة والسياســية‪ ،‬ولــم تغفــل البعــد‬ ‫الفكــري والدينــي يف مقارباتهــا الشــاملة‪.‬‬ ‫‪ -٢-٢‬انـخـ ــراط ال ـجـزائ ـ ــر فـ ــي الـعـديـ ــد م ــن اآلل ـيـ ــات ال ـهــادف ـ ــة إل ــى‬ ‫محارب ــة اإلره ــاب‬ ‫ســع ًيا منهــا لإلســهام بفعاليــة يف مكافحــة اإلرهــاب وتســخير‬ ‫جتربتهــا يف هــذا املجــال‪ ،‬انخرطــت اجلزائــر يف العديــد مــن اآلليــات‬ ‫الدوليــة واإلقليميــة الهادفــة إلــى محاربــة هــذه الظاهــرة‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ومؤسســا يف املنتــدى العاملــي ملكافحــة‬ ‫نشــطا‬ ‫ فكانــت عضــ ًوا‬‫ً‬ ‫اإلرهــاب (‪ ،)FGCT‬الــذي أنشــأ ســنة ‪2011‬م‪ ،‬مــن طــرف ‪ 29‬دولــة‪،‬‬ ‫والــذي يســعى لتشــجيع الــدول األعضــاء علــى تنفيــذ اســتراتيجية‬ ‫األمم املتحــدة ملكافحــة اإلرهــاب‪ .‬كمــا تتــرأس مناصفــة مــع كنــدا‬ ‫مجموعــة العمــل حــول غــرب إفريقيــا‪.‬‬ ‫ إلــى جانــب احتضانهــا مقــر املركــز اإلفريقــي للدراســات والبحــث‬‫حــول اإلرهــاب يف إفريقيــا (‪ ،)CAERT‬ونفــس الشــيء بالنســبة‬ ‫ملركــز آليــة التعــاون الشــرطي اإلفريقــي (‪.)AFRIPOL‬‬ ‫ املشــاركة يف جلنــة األركان املشــتركة لــدول الســاحل (‪)CEMOC‬‬‫مــع مالــي وموريتانيــا والنيجــر‪ .‬ويف هــذا اإلطــار‪ ،‬حرصــت اجلزائــر‬

‫علــى اســتقبال وحــدة الدمــج واالتصــال لتبــادل املعلومــات التابــع‬ ‫لهــذه اللجنــة‪.‬‬ ‫ تكثيــف النشــاط داخــل مجموعــة العمــل املالــي ملنطقــة الشــرق‬‫األوســط وشــمال إفريقيــا (‪ )MENAFATF‬اخلاصــة مبكافحــة‬ ‫غســل األمــوال ومتويــل اإلرهــاب‪.‬‬ ‫ املشــاركة يف "الشــراكة مــن أجــل مكافحــة اإلرهــاب عبــر الصحــراء"‬‫(‪ ،)TSCTP‬هــو برنامــج إقليمــي أمريكــي مشــترك بــن الــوكاالت‬ ‫يهــدف إلــى بنــاء قــدرات حكومــات دول إقليــم املغــرب العربــي‬ ‫ومنطقــة الســاحل ملواجهــة التهديــدات التــي يخلقهــا اإلرهــاب‪.‬‬ ‫ وظفــت اجلزائــر حوالــي ‪ 100‬مليــون دوالر خــالل ‪7‬أو‪ 8‬ســنوات مــن‬‫أجــل تكويــن العشــرات مــن مؤسســات القــوات اخلاصــة‪ ،‬إلــى جانــب‬ ‫تقــدمي معــدات عســكرية لبعــض الــدول كليبيــا‪ ،‬وتشــاد‪ ،‬وموريتانيــا‪،‬‬ ‫والنيجــر‪ ،‬كمــا أقدمــت اجلزائــر منــذ ســنة ‪2013‬م‪ ،‬علــى إلغــاء أكثــر‬ ‫مــن ‪ 900‬مليــون دوالر كديــون لـــ ‪ 14‬دولــة إفريقيــة منهــا ‪ 4‬دول مــن‬ ‫الســاحل (بوركينــا فاســو‪ ،‬مالــي‪ ،‬موريتانيــا‪ ،‬والنيجــر)‬ ‫‪ -٣-٢‬مؤشرات جناح التجربة اجلزائرية‬ ‫ً‬ ‫تعــد اجلزائــر واحــدة مــن أقــل الــدول تعرضا للهجمــات اإلرهابية‬ ‫خــالل الســنوات األخيــرة‪ ،‬وذلــك علــى الرغــم مــن تطــور الظاهــرة‬ ‫اإلرهابيــة ومتــدد موجاتهــا يف احمليــط اجليوســتراتيجي للجزائــر‪،‬‬ ‫ســواء يف الشــرق األوســط وشــمال إفريقيــا أو يف دول الســاحل أو‬ ‫حتــى يف القــارة األوروبيــة‪ ،‬وقــد دلــت علــى ذلــك املؤشــرات اآلتيــة‪:‬‬ ‫ تتحــدث العديــد مــن التقاريــر والدراســات البحثيــة عــن الوضــع‬‫األمنــي يف اجلزائــر‪ ،‬وكيــف اســتطاعت أن تعيــد الســلم واألمــن إلــى‬ ‫ربــوع الوطــن بعــد عشــرية مــن احلــزن والدمــار والقتــل الهمجــي‬ ‫الــذي عاشــه الشــعب اجلزائــري خــالل موجــة اإلرهــاب التــي‬ ‫ضربتــه‪ .‬فنجــد تقريـ ًرا صــاد ًرا حدي ًثــا عــن كتابــة الدولــة األمريكيــة‪،‬‬ ‫يشــير إلــى أن اجلزائــر جنحــت يف جتفيــف منابــع متويــل اإلرهــاب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ملحوظــا‬ ‫وأن األرقــام التــي بحــوزة اإلدارة األمريكيــة تؤكــد تراج ًعــا‬ ‫لوتيــرة العنــف يف هــذا البلــد ‪.‬‬ ‫ وهــذا مــا أكــده مؤشــر اإلرهــاب العاملــي (‪Global Terrorism‬‬‫‪ )Index 2017‬عندمــا صنــف اجلزائـــر يف املرتبــة ‪ 49‬مــن بــن ‪163‬‬ ‫دولــة عامل ًيــا مــن حيــث الــدول األكثــر أمنــ ًـا يف العالـــم‪ ،‬حيــث منحـــها‬ ‫نقطــة ‪( 3.97‬املؤشــر يبــدأ مــن ‪ 10‬بالنســبة للــدول األقــل أمنــا إلــى ‪0‬‬ ‫بالنســبة للــدول األكثــر أمنــا)‪ ،‬وبذلــك تكــون اجلزائــر قــد أصبحــت‬ ‫أكثــر أمنــا مــن اململكــة املتحــدة وفرنســا‪.‬‬

‫‪94‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫وكذلــك يف ظــل ازديــاد أعــداد‪ ،‬وتغيــر أنــواع مصــادر التهديــدات‬ ‫واملشــكالت األمنيــة‪ ،‬لتشــمل أيضــا اجلماعــات الصغيــرة واألفــراد‬ ‫الذيــن أصبحــوا قادريــن علــى خــرق جــدار األمــن وتهديــده حتــى‬ ‫بالنســبة للــدول العظمــى‪ ،‬إذا توفــرت لهــم القــدرات الالزمــة‬ ‫والظــروف املناســبة‪ .‬ضــف إلــى ذلــك اتســاع نطــاق التهديــدات‬ ‫األمنيــة وارتفــاع درجــة خطورتهــا‪ ،‬بعــد أن أصبحــت أســلحة الدمــار‬ ‫الشــامل الكيميائيــة والبيولوجيــة‪ ،‬ورمبــا النوويــة مســتقب ً‬ ‫ال‪ ،‬يف‬ ‫متنــاول كل الراغبــن يف اســتخدامها‪ .‬وعليــه ميكــن القــول حســب‬ ‫الباحــث توفيــق هامــل أن "املجموعــات املســلحة تعتبــر أعضــاء حيــة‪،‬‬ ‫وليســت هيــاكل ميكانيكيــةـ فهــي تتغيــر‪ ،‬وتتحــول‪ ،‬وتعيــد تشــكيل‬ ‫نفســها‪ .‬حيــث تبقــى يف مســار تبدلــي غيــر متناهــي‪ ،‬ممــا يدفــع‬ ‫باالســتراتيجيات واملفاهيــم إلــى التغيــر مــع الوقــت"‬ ‫ومــن هــذا كلــه ينغــي إعــادة تقييــم مصــادر التهديــدات األمنيــة‬ ‫علــى ضــوء التحــوالت التــي يشــهدها العالــم املعاصــر‪ ،‬خاصــة العوملــة‬ ‫التــي اصطبغــت مبظاهرهــا العالقــات الدوليــة الراهنــة‪ ،‬حيــث يقــول‬ ‫األســتاذ الدكتــور وليــد عبــد احلــي ‪ :‬إن مصــادر التهديــد يجــب إعــادة‬ ‫النظــر فيهــا مــن ناحيتــن‪ :‬مصــادر التهديــد املوجهــة (أي التــي يعمــل‬ ‫األطــراف اآلخــرون علــى بنائهــا وتنفيذهــا) ومصــادر التهديــد غيــر‬ ‫املوجهــة (فاكتشــاف بديــل للبتــرول علــى ســبيل املثــال قــد يزعــزع‬ ‫أمــن دول اخلليــج متا ًمــا‪ ،‬دون أن يكــون االكتشــاف العلمــي يف هــذا‬ ‫املجــال موج ًهــا ضــد هــذه الــدول حتديـدًا)‬ ‫و يبــدو أن مؤشــرات تنامــي الثانيــة نتيجــة التماهــي الذي أشــرت‬ ‫لــه ســاب ًقا تتزايــد علــى حســاب األولــى دون أن تلغيهــا‪ -‬علــى األقــل‬ ‫يف الزمــن املســتقبلي املنظــور‪ ،‬مــن ناحيــة أخــرى ال بــد مــن التفكيــر‬ ‫يف مصــادر التهديــد املســتقبلية ســواء للدولــة أو للنظــم الدوليــة‬ ‫واإلقليميــة مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬وتشــكل التكنولوجيــة املصــدر األكثــر‬ ‫ضــرورة ملراقبتــه مــن هــذه الناحيــة‪ ،‬بخاصــة مــن ناحيتــن همــا إيقــاع‬ ‫التســارع املتزايــد يف التغيــر وهــو مــا يكشــف املنحنــى الســوقي أوالً‪،‬‬ ‫ثــم العجــز عــن التكيــف مــع هــذا التســارع ممــا خلــق فجــوة بــن البنيــة‬ ‫القائمــة والبنيــة التــي يفرضهــا التغيــر املتســارع‪.‬‬ ‫إن الظاهــرة اإلرهابيــة اليــوم لــم تعــد تقتصــر علــى منطقــة يف‬ ‫العالــم‪ ،‬بــل زاد توســعها جغراف ًيــا و انتشــارها بشــر ًيا‪ ،‬حيــث أفــراد‬ ‫اجلماعــات اإلرهابيــة ينتمــون إلــى جنســيات مختلفــة قــد تختلــف‬ ‫ظــروف انخراطهــم يف هــذه التنظيمــات‪ ،‬ويف هــذا الشــأن يقــول‬ ‫محمــد لســير‪ " :‬إن الربيــع العربــي أعطــى للجهاديــة نفــس جديــد‪،‬‬ ‫فبعــد حــرب العــراق ‪2003‬م‪ ،‬نشــهد اليــوم جهــاد معولــم‪ ،‬الــذي ميتــد‬ ‫إلــى مــا وراء املســارح التقليديــة ليصــل إلــى املغــرب العربــي وأوروبــا‪،‬‬ ‫إن التحالفــات اإلقليميــة والغربيــة التــي اســتفاد منهــا يف بعــض‬ ‫املراحــل‪ ،‬علــى اجلبهــة الســورية‪ ،‬ســمحت لــه لتدعيــم تواجــده يف‬ ‫املشــهد العاملــي‪".‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪ -1-1‬اجلهود الدولية ملكافحة اإلرهاب‬ ‫تتفـــق الـــدول جميعهـــا علـــى أن اإلرهـــاب الدولـــي يشـــكل‬ ‫جرميـــة مخلـــة بالســـلم واإلنســـانية يف القانـــون الدولـــي كمـــا‬ ‫يشـــير تقريـــر اللجنـــة املختصـــة يف مســـألة اإلرهـــاب‪ ،‬إذ أنـــه يف‬ ‫أغل ــب األحي ــان‪ ،‬تك ــون أعم ــال اإلره ــاب الدول ــي منافي ــة لقواع ــد‬ ‫القان ــون الدول ــي واألخ ــالق واملجام ــالت الدولي ــة ومب ــادئ ميث ــاق‬ ‫األمم املتح ــدة واملقاص ــد الت ــي ج ــاء م ــن أجله ــا اإلع ــالن العامل ــي‬ ‫حلقـــوق اإلنســـان‪.‬‬ ‫ظاهــرة اإلرهــاب أضحــت ممارســة مــن طــرف ‪ 371‬منظمــة‬ ‫منتشــرة يف ‪ 63‬دولــة متــارس نشــاطها يف ‪120‬دولــة‪ ،‬وقــد ارتفــع‬ ‫عــدد احلــوادث اإلرهابيــة ‪ 1968‬إلــى ‪ 111‬حادثــة‪ ،‬ليصــل عــام ‪1989‬‬ ‫إلــى ‪ 3000‬حــادث‪ ،‬األمــر الــذي دفــع مبجلــس األمــن الدولــي إلــى‬ ‫إصــدار قــراره رقــم ‪ 1044‬بتاريــخ ‪ 31‬ينايــر ‪ 1996‬إلدانــة " اإلرهــاب‬ ‫الدولــي" بشــدة داع ًيــا إلــى ضــرورة مكافحتــه وضــرورة التعــاون‬ ‫الدولــي ملواجهتــه‬ ‫يف أول ديســمبر ‪ 2004‬م‪ ،‬قــدم الفريــق الرفيــع املســتوى –الــذي‬ ‫عينــه األمــن العــام لــألمم املتحدة‪-‬املعنــي بالتهديــدات والتحديــات‬ ‫تقريـ ًرا عنوانــه " عالــم أكثــر أم ًنــا‪ :‬مســؤوليتنا املشــتركة" حيــث اعتبــر‬ ‫اإلرهــاب أحــد التهديــدات الســتة الرئيســية للســلم واألمــن الدوليــن‪،‬‬ ‫وأوصــى الفريــق بــأن تقــوم األمم املتحــدة‪ ،‬وعلــى رأســها األمــن العــام‬ ‫بالتشــجيع علــى وضــع اســتراتيجية شــاملة تتضمــن تدابيــر واســعة‬ ‫النطــاق ال تدابيــر قســرية‪.‬‬

‫‪ -2‬دور الجزائر يف مكافحة اإلرهاب واالعتراف الدويل بتجربتها‬ ‫تعرضـــت اجلزائـــر يف بدايـــة التســـعينيات مـــن القـــرن‬ ‫العش ــرين‪ ،‬ولفت ــرة أزي ــد م ــن عش ــر س ــنوات‪ ،‬إل ــى أعم ــال إرهابي ــة‬ ‫أدت إلـــى مقتـــل مـــا يقـــارب ‪ 200‬ألـــف قتيـــل وخســـائر ماديـــة‬ ‫ق ــدرت بعش ــرات امللي ــارات م ــن ال ــدوالرات‪ ،‬حي ــث طال ــت األعم ــال‬ ‫التخريبيـــة العديـــد مـــن املنشـــآت واملؤسســـات االقتصاديـــة‬ ‫واإلداري ــة‪ ،‬وحت ــى املؤسس ــات التعليمي ــة‪ .‬وكان ــت تواج ــه الظاه ــرة‬ ‫اإلرهابي ــة آن ــذاك لوحده ــا دون مس ــاعدة وال اهتم ــام م ــن قب ــل‬ ‫املجتم ــع الدول ــي‪ ،‬حي ــث عان ــت األم ــر لوحده ــا‪ ،‬ول ــم يك ــن يصغ ــى‬ ‫إليهـــا عندمـــا كانـــت حتـــذر مـــن تداعيـــات الظاهـــرة وخطـــورة‬ ‫اســـتفحالها يف العالـــم‪ ،‬ولكـــن بفضـــل حنكـــة وعزميـــة القـــوات‬ ‫األمنيــة اجلزائريــة‪ ،‬اســتطاعت أن تقضــي علــى الظاهــرة‪ ،‬وإعــادة‬ ‫األم ــن واالس ــتقرار إل ــى الوط ــن‪ ،‬ومن ــذ ذل ــك احل ــن ب ــدأت تتوال ــى‬ ‫األح ــداث اإلرهابي ــة يف مناط ــق مختلف ــة م ــن العال ــم‪ ،‬طال ــت دول‬ ‫كب ــرى يف أوروب ــا وحت ــى أمري ــكا الت ــي كان ــت تعتق ــد أنه ــا مبن ــأى‬ ‫عنه ــا‪ .‬حت ــى تب ــن للعال ــم أجم ــع مصداقي ــة التنب ــؤات الت ــي كان ــت‬ ‫حت ــاول التنبي ــه إليه ــا‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪93‬‬

‫ملف العدد‬

‫الجزائر وضعت ثالث مقاربات تضمنت املصالحة والديمقراطية ومحاربة التطرف‬

‫تجربــة الجزائــر يف قــراءة مســتقبل اإلرهــاب‬ ‫وكيفيــة مواجهتــه‬ ‫إميا ًنــا منهــا بضــرورة مكافحــة اإلرهــاب‪ ،‬واجتثــاث جــذور التطــرف العنيــف‪ ،‬واإلســهام يف نشــر الســلم والســالم يف العالــم‪،‬‬ ‫أبــت اجلزائــر إال أن تقاســم جتربتهــا التــي حققتهــا يف مجــال مكافحــة هــذه الظاهــرة‪ ،‬مــع كل الــدول واملنظمــات الدوليــة‪،‬‬ ‫التــي طلبــت منهــا االســتفادة مــن هــذه التجربــة‪ ،‬التــي أصبــح العالــم يشــيد بهــا يف كل املناســبات‪ .‬إن اجلزائــر التــي عانــت‬ ‫ً‬ ‫باهظــا يف مواجهتــه خــالل فتــرة التســعينيات مــن القــرن العشــرين‪ ،‬كانــت حــذرت املجتمــع‬ ‫ويــالت اإلرهــاب‪ ،‬ودفعــت ثم ًنــا‬ ‫الدولــي بــأن ظاهــرة اإلرهــاب ال تقتصــر علــى بلــد دون ســواه أو منطقــة دون أخــرى‪ ،‬بــل ســوف تزحــف إلــى كافــة املناطــق‬ ‫يف العالــم إذا مــا وجــدت البيئــة املهيــأة لهــا والســند والدعــم لتقويتهــا‪ .‬كمــا أنهــا لــم تقتصــر علــى التنبــه والتحذيــر‪ ،‬وإمنــا‬ ‫انخرطــت بقــوة يف كل املبــادرات التــي مــن شــأنها محاربــة الظاهــرة واســتئصالها مــن جذورهــا‪ ،‬كمــا انضمــت إلــى العديــد‬ ‫مــن اآلليــات الدوليــة واإلقليميــة التــي وضعــت لهــذا الغــرض (مكافحــة اإلرهــاب)‪ .‬ومــن ثــم أســهمت‪ ،‬ومــا زالــت تســهم‪ ،‬يف‬ ‫تقــدمي مقاربتهــا املتعــددة األبعــاد يف مواجهــة هــذه الظاهــرة‪.‬‬

‫د‪ .‬دريدي مصطفى‬

‫إن الغــرض مــن تقــدمي هــذه الورقــة البحثيــة‪ ،‬ليــس احلديــث‬ ‫عــن اإلرهــاب ومظاهــره املدمــرة لقيــم الســلم واألمــن يف العالــم‪ ،‬وإن‬ ‫كان موضــوع يف غايــة األهميــة‪ ،‬وإمنــا املــراد منهــا هــو محاولــة إبــراز‬ ‫التجربــة اجلزائريــة يف محاربتــه مبختلــف أشــكاله وتنــوع مصــادر‬ ‫متويلــه‪ ،‬حيــث أصبحــت هــذه التجربــة محــل اهتمــام وتقديــر مــن‬ ‫طــرف العديــد مــن الــدول يف العالــم‪ ،‬إلــى جانــب املنظمــات والهيــآت‬ ‫الدوليــة واإلقليميــة املعنيــة مبكافحــة هــذه اآلفــة‪ .‬كمــا حتــاول هــذه‬ ‫الورقــة ً‬ ‫أيضــا أن تقــدم رؤيــة اجلزائــر ملســتقبل اإلرهــاب ومــدى قــدرة‬ ‫الــدول علــى مواجهتــه‪ .‬طاملــا أنــه مــا زال يضــرب يف أماكــن مختلفــة‬ ‫مــن العالــم‪ ،‬ويف كل مــرة يحصــد املزيــد مــن الضحايــا األبريــاء‪.‬‬ ‫ولكــن ال بــأس أن نتطــرق باختصــار ملخاطــر الظاهــرة اإلرهابيــة‬ ‫وانعكاســاتها علــى أمــن واســتقرار الــدول‪ ،‬قبــل الدخــول يف صلــب‬ ‫موضــوع هــذه الورقــة البحثيــة‪.‬‬

‫‪ -١‬الظاهرة اإلرهابية وانعكاساتها عى األمن القومي‬ ‫تعتبــر الظاهــرة اإلرهابيــة مــن أخطــر الظواهــر التــي يشــهدها‬ ‫العالــم اليــوم‪ ،‬وهــي مســألة علــى قــدر كبيــر مــن األهميــة‪ ،‬ملــا لهــا‬ ‫مــن تأثيــر ليــس فقــط علــى االســتقرار احمللــي واإلقليمــي‪ ،‬بــل ً‬ ‫أيضــا‬

‫علــى الســلم واألمــن الدوليــن‪ .‬ولكــن ينبغــي النظــر إليهــا بنظــرة‬ ‫ً‬ ‫غامضــا وغيــر‬ ‫احلــذر‪ ،‬خاصــة مــن حيــث املفهــوم الــذي يبقــى‬ ‫محــدد‪ ،‬لــم يــرق إلــى إجمــاع دولــي حولــه‪ ،‬بالرغــم مــن االتفــاق‬ ‫علــى أن الظاهــرة اإلرهابيــة أضحــت تشــكل تهدي ـدًا حقيق ًيــا علــى‬ ‫أمــن الــدول واملجتمعــات‪ ،‬وهــي بالتالــي متثــل حتد ًيــا وتهديـدًا أمن ًيــا‬ ‫حقيق ًيــا للعديــد مــن الــدول يف العالــم‪ ،‬مهمــا كان حجمهــا وقوتهــا يف‬ ‫ميــزان العالقــات الدوليــة‪ .‬وألن الظاهــرة ال ديــن لهــا وال جنســية‪،‬‬ ‫فهــي تنشــأ وتتمــدد إذا مــا وجــدت البيئــة التــي حتتضنهــا وترعاهــا‪،‬‬ ‫خاصــة يف ظــل العوملــة التــي اختصــرت املســافات وألغــت مفهــوم‬ ‫احلــدود مــن خــالل التطــورات التكنولوجيــة الهائلــة التــي نشــهدها‬ ‫اليــوم‪ ،‬حيــث أصبحــت التنظيمــات اإلرهابيــة تتهيــكل وتنشــط يف‬ ‫فضــاءات افتراضيــة يصعــب مراقبتهــا‪.‬‬ ‫ومــا دمنــا نتحــدث عــن ظاهــرة اإلرهــاب فهــذا يعنــي أننــا نتحدث‬ ‫عــن مصــدر مــن مصــادر التهديــدات األمنيــة التــي أضحــت تشــكل‬ ‫هاجســا مقل ًقــا الســتقرار وطمأنينــة األفــراد واملجتمعــات يف بلدانهم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫يف ظــل إســقاط نظريــة األمــن املطلــق بشــكل كامــل ونهائــي‪ ،‬حتــى‬ ‫بالنسبة للدول الكبرى أو العظمى كأمريكا‪ ،‬على الرغم من انفرادها‬ ‫بــدور القــوة األولــى الفاعلــة يف النظــام الدولــي‪ ،‬واحملركــة لنشــاطاته‪.‬‬

‫‪92‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫ االنتبــاه إلــى" الفــراغ الكبيــر" الــذي يوجــد علــى املســتوى الدولي يف‬‫مجــال وســائل التواصــل‪ .‬ممــا يتطلــب التعــاون يف احلــرب االســتباقية‬ ‫علــى اخلطــر اإلرهابــي مــع شــركاء مــن مختلــف دول املنطقــة العربيــة‬ ‫لتقاســم املعلومــات االســتخباراتية والتعــاون العســكري عبــر دورات‬ ‫تكويــن وتدريــب متخصصــة تهــدف إلــى دعــم قــدرات التحليــل‬ ‫والوقايــة مــن العمليــات اإلرهابيــة‪ ،‬ويكــون مواز ًيــا لهــا احلــوار‬ ‫السياســي وتبــادل الزيــارات الهامــة علــى غــرار حــوار اســتراتيجي‬ ‫ســنوي مختــص‪.‬‬ ‫● معوقات التعاون‬ ‫ هن ــاك مي ــل جزائ ــري لالبتع ــاد ع ــن دول اخللي ــج‬‫ب ــل تب ــدوا وكأنه ــا يف املعس ــكر اآلخ ــر‪ .‬فاجلزائ ــر‬ ‫حتتـــل مغارب ًيـــا وإفريق ًيـــا مرتبـــة الدولـــة األكثـــر‬ ‫ش ــرا ًء للس ــالح بنس ــبة ‪% 54‬م ــن مجم ــوع ميزاني ــات‬ ‫الدف ــاع اإلقليمي ــة‪ .‬وتع ــد الق ــوة العس ــكرية األول ــى‬ ‫يف املغ ــرب العرب ــي‪ ،‬م ــن حي ــث التجهي ــز والكف ــاءة‪.‬‬ ‫لكنهـــا رفضـــت املشـــاركة يف "عاصفـــة احلـــزم"‪،‬‬ ‫وأعلنـــت عـــن دعوتهـــا للوســـاطة بـــن عبدربـــه‬ ‫هـــادي واحلوثيـــن وإيجـــاد حـــل سياســـي‪ .‬كمـــا‬ ‫حتفظــت علــى القــوة العربيــة املشــتركة‪ ،‬والتحالــف‬ ‫العســـكري اإلســـالمي ولـــم تشـــترك يف "رعـــد الشـــمال"‪ .‬ويتعـــذر‬ ‫صان ــع الق ــرار السياس ــي هن ــاك ب ــأن عقي ــدة اجلي ــش اجلزائ ــري‬ ‫العس ــكرية متن ــع اجلي ــش الوطن ــي الش ــعبي ع ــن أداء مه ــام خ ــارج‬ ‫ح ــدود الت ــراب اجلزائ ــري‪ .‬رغ ــم أن اجلي ــش اجلزائ ــري ل ــم يت ــردد‬ ‫يف املشــاركة يف احلــروب العربيــة اإلســرائيلية خــارج حــدوده‪ .‬وألننــا‬ ‫نعيــش يف زمــن تفكيــك التحالفــات اإلقليميــة وإعــادة تركيبهــا‪ ،‬فقــد‬ ‫ظه ــر جل ًي ــا تق ــرب اجلزائ ــر م ــن إي ــران‪ ،‬مبتع ــدة عم ــن يناظره ــا‬ ‫هويات ًي ــا وعرق ًي ــا‪ ،‬فس ــلوك اجلزائ ــر يضعه ــا تق ــف مبس ــافة أق ــرب‬ ‫م ــن إي ــران‪ ،‬وكأن اجلزائ ــر حت ــاول االنس ــحاب م ــن البيئ ــة العربي ــة‪،‬‬ ‫بـــل واالنســـحاب عـــن كل مـــا يتعلـــق بتحوالتهـــا كصعـــود القـــوى‬ ‫اخلليجيـــة‪ .‬أو ألن إيـــران قـــادرة علـــى الوصـــول بتأثيرهـــا إلـــى‬ ‫كب ــرى دوائ ــر صن ــع الق ــرار الدولي ــة‪ .‬أو لتعاظ ــم نف ــوذ الس ــعودية‪،‬‬ ‫وعمله ــا إلبع ــاد إي ــران م ــن املغ ــرب العرب ــي‪ ،‬وبعيـ ـدًا ع ــن ش ــريكها‬ ‫االســـتراتيجي اململكـــة املغربيـــة‪.‬‬ ‫ ان حتديــات التكامــل تتداخــل بشــكل كبيــر مــع التهديــدات التــي‬‫يواجههــا األمــن القومــي العربــي نفســه وتهديــد املنظمــات اإلرهابيــة‬ ‫لألمــن اإلقليمــي هــو مشــابه لغيــاب منظومــة دفاعيــة عربيــة‬ ‫مشــتركة‪ ،‬مــع اســتمرار قضايــا نــزاع الــدول العربيــة واختــالف‬ ‫توجهاتهــا واتهــام بعضهــا البعــض بكونهــا بيئــة حاضنــة للمنظمــات‬ ‫اإلرهابيــة والتطــرف‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ احلضــور األمنــي الغربــي يف اخلليــج العربــي‪ ،‬والفرنســي يف‬‫اجلزائــر‪ ،‬وقيــام أنظمــة أمــن فرعيــة مرتبطــة فيهــا دول اخلليــج‬ ‫بدائــرة احللفــاء أكثــر مــن ارتباطهــا بنظــام األمــن العربــي واتفاقيــات‬ ‫الدفــاع العربــي املشــترك وإميانهــا بــأن الغــرب أقــرب مــن اجلزائــر‬ ‫وأســرع يف االنفتــاح ســواء بالعمليــات احملــدودة ضــد اإلرهــاب أو‬ ‫ضــد خطــر داهــم مــن دولــة أخــرى‪.‬‬ ‫● متطلبات التكامل‬ ‫يجــب االلتــزام بالواقعيــة يف مقاربــة مشــهد التعــاون املطلــوب‬ ‫بــن اجلزائــر ودول اخلليــج العربــي يف مكافحــة اإلرهــاب‪ ،‬حيــث أن‬ ‫أي نــوع مــن التعــاون يســتلزم إطــا ًرا وآليــات ومتطلبات‬ ‫كإصــالح اجلامعــة العربيــة‪ .‬وإقامــة نظــام األمــن‬ ‫اجلماعــي العربــي‪ ،‬بإحيــاء معاهــدة الدفــاع العربــي‬ ‫املشــترك وأحــكام تلــك املعاهدة التــي تخص اإلرهاب‪.‬‬ ‫كمــا ال ننســى أهم ّيــة ت ّوفــر اإلرادة السياسـ ّية لتفعيــل‬ ‫األمنــي‬ ‫العربــي املشــترك عا ّمــ ًة‪ ،‬والتكامــل‬ ‫العمــل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ـكري علــى وجــه اخلصــوص اعتمــاد مبــدأ بنــاء‬ ‫والعسـ ّ‬ ‫ً‬ ‫ثقــة بــن جميــع الــدول العرب ّيــة‪ ،‬تكــون أساسـا لتطويــر‬ ‫مشــروع تكامــل عربـ ّـي أوســع نطا ًقــا وأكثــر فعاليـ ًة يف‬ ‫املجــال األمنــي ومكافحــة اإلرهــاب‪.‬‬

‫تملك الجزائر ودول‬ ‫الخليج موارد تحقق نجاح‬ ‫التـكـــامل فـي محـاربة‬ ‫اإلرهـاب وتبلور تحالف‬ ‫يــكـ ــون لـ ــه صـ ــداه‬ ‫الخالصات‬

‫تتشــابه الظــروف الدافعــة لنمــو اإلرهــاب يف اخلليــج العربــي مــع‬ ‫مثيلتهــا يف اجلزائــر‪ .‬كمــا تتشــابه جاهزيــة قــوات األمــن اجلزائريــة‬ ‫وخبرته ــا يف مكافح ــة اإلره ــاب م ــع تل ــك املتوف ــرة ألجه ــزة األم ــن‬ ‫اخلليجـــي‪ .‬باإلضافـــة إلـــى تشـــابه املهـــددات اإلرهابيـــة املتمثلـــة‬ ‫بشـــكل رئيســـي يف التطـــرف اإلســـالمي املتدثـــر بعبـــاءة الديـــن‪.‬‬ ‫وهن ــاك الكث ــر م ــن املفارق ــات الت ــي ق ــد جتع ــل م ــن الصع ــب التق ــاء‬ ‫الطري ــق اخلليج ــي والطري ــق اجلزائ ــري للس ــير ملكافح ــة اإلره ــاب‪.‬‬ ‫لكــن ذلــك لــن مينــع مــن إقامــة تعــاون اســتخباري وتبــادل اخلبــرات‬ ‫خصوصـــا تشـــبه إلـــى حـــد مـــا بالتجربـــة‬ ‫فالتجربـــة الســـعودية‬ ‫ً‬ ‫اجلزائريـــة والقاســـم املشـــترك بينهمـــا والنجـــاح يف كســـر ظهـــر‬ ‫اجلماع ــات اإلس ــالمية املتطرف ــة‪ .‬لك ــن م ــن امله ــم حتدي ــد تعري ــف‬ ‫اإلرهــاب حتــى ال ينتهــي األمــر بنــا ونحــن نشــاهد اجلزائــر مدافعــة‬ ‫ع ــن الفصائ ــل اإلرهابي ــة الت ــي حت ــارب إل ــى جان ــب األس ــد أو أن‬ ‫ترمت ــي يف حض ــن طه ــران مبرئ ــة مكم ــالت طه ــران االس ــتراتيجية‬ ‫م ــن اجلماع ــات اإلرهابي ــة نكاي ــة ب ــدول اخللي ــج ج ــراء تقربه ــا م ــن‬ ‫اململك ــة املغربي ــة‪.‬‬ ‫* املدير التنفيذي ملجموعة مراقبة الخليج‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪91‬‬

‫ملف العدد‬

‫الـجــزائـــر فـكـكـــت خــاليـــا وأوقـفـــت مـتـورطـين فـــي "الـتـجـنـيـد"‬ ‫واتـبـعــــت اسـتـراتـيـجـيـة الـمــمـــرات اآلمــنــة‬ ‫السياس ــية‪ ،‬مم ــا أث ــار نقم ــة بع ــض الراغب ــن يف الع ــودة ومراجع ــة‬ ‫أفكاره ــم‪ ،‬فل ــم يج ــدوا بدي ــل ل ــه إال للتمس ــك بالفك ــر املتط ــرف‪،‬‬ ‫واللج ــوء إل ــى العن ــف كأداة للتغيي ــر‪.‬‬ ‫● دواعي التعاون‬ ‫ هنــاك اعتــراف دولــي بالريــادة الســعودية ـ اجلزائريــة يف مكافحــة‬‫اإلرهــاب ألســباب منهــا‪ :‬وجــود خبــرة ميدانيــة يف مكافحــة اإلرهــاب‬ ‫واجلماعــات املتطرفــة‪ .‬وامتالكهمــا لقــدرة ميدانيــة يف تطويــر هــذه‬ ‫اخلبــرة إلــى عمــل مشــترك‪ .‬وأخيـ ًرا عــدم قــدرة دول عربيــة منفــردة‬ ‫اإلدارة القطريــة ألمنهــا‪ ،‬فاإلرهــاب العاملــي احلديــث عابــر للحــدود‪.‬‬ ‫ إن آثــار األعمــال اإلرهابيــة وحــرب اإلرهــاب املدمــرة لــم تنتـ ٍـه‪ ،‬فمــا‬‫زال هنــاك وجــود للتنظيمــات اإلرهابيــة كتنظيــم القاعــدة وداعــش‬ ‫واحلشــد الشــعبي وحــزب اهلل واحلوثيــن وهــي تنظيمــات أصبــح‬ ‫بعضهــا مبواصفــات دول‪.‬‬ ‫ مــازال اإلرهابيــون قادريــن علــى تنفيــذ العمليــات اإلرهابيــة‪.‬‬‫ومــازال انضمــام الشــباب العربــي إلــى خاليــا نائمــة إمــر وارد‪.‬‬ ‫ومــادام هنــاك عــراق وســوريا وليبيــا وميــن غيــر مســتقر فســتبقى‬ ‫كحواضــن لإلرهــاب والقضــاء عليهــا مهمــة ينبغــي أن تتوالهــا الــدول‬ ‫العربيــة واملجتمــع الدولــي علــى حــد ســواء‪.‬‬ ‫ تش ــرف اجلزائ ــر كم ــا تش ــرف دول اخللي ــج بصف ــة عام ــة عل ــى‬‫أه ــم النق ــاط اجليوس ــتراتيجية يف الش ــرق األوس ــط‪ ،‬حي ــث تش ــرف‬ ‫دول اخلليـــج علـــى مضيـــق هرمـــز الـــذي يربـــط بـــن اخلليـــج‬ ‫العربـــي وخليـــج ُعمـــان ثـــم احمليـــط الهنـــدي‪ ،‬كمـــا تشـــرف كتلـــة‬ ‫اجلزيـــرة العربيـــة علـــى مضيـــق بـــاب املنـــدب الـــذي يربـــط بـــن‬ ‫البح ــر األحم ــر وخلي ــج ع ــدن ث ــم احملي ــط الهن ــدي‪ .‬كم ــا تش ــرف‬ ‫الس ــعودية عل ــى مضي ــق تي ــران يف مدخ ــل خلي ــج العقب ــة‪ .‬واجلزائ ــر‬ ‫م ــن أكب ــر البل ــدان مس ــاحة يف العال ــم العرب ــي وإفريقي ــا‪ ،‬كم ــا تق ــع‬ ‫اجلزائـــر بالقـــرب مـــن دول جنـــوب الصحـــراء اإلفريقيـــة وقـــرب‬ ‫البحـــر األبيـــض املتوســـط‪ ،‬هـــذه األهميـــة وكبـــر املســـاحة جتعـــل‬ ‫م ــن الصعوب ــة مب ــكان أن تس ــتطيع دول ــة مبفرده ــا القي ــام بأعم ــال‬ ‫أمنيـــة كبيـــرة كمواجهـــة اإلرهـــاب‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تعرضــا للخلخلــة مــن‬ ‫ كانــت دول اخلليــج واملغــرب األقصــى األقــل‬‫عاصفــة الربيــع العربــي‪ ،‬رمبــا للقواعــد الراســخة للحكــم مبعظــم‬ ‫دول الكتلتــن؛ كعــدم وجــود مصالــح مســتقلة خاصــة باجليــوش‬ ‫عــن أنظمــة احلكــم فهــي احلاكمــة باجلزائــر‪ .‬وهــي املنفصلــة عــن‬ ‫احلكــم انفصــاالً تا ًمــا يف اخلليــج العربــي‪ .‬ولوجــود ثــروات يحميهــا‬

‫العالــم مــن تبعــات عــدم االســتقرار‪ .‬باإلضافــة إلــى بعــد بعــض هــذه‬ ‫األنظمــة عــن قلــب الصراعــات يف املنطقــة‪.‬‬ ‫ بقــاء قواتهــا العســكرية ســاملة دون تفــكك‪ ،‬مقارنــة بجيــوش مراكــز‬‫الثقــل التقليــدي الســورية والعراقيــة‪ ،‬واســتثناء احلالــة املصريــة مــن‬ ‫ذلــك املــآل‪ ،‬مــع عــدم وضعهــا يف نفــس الوقــت مصــاف اجليــوش‬ ‫ـلحا‪.‬‬ ‫اخلليجيــة واجليــش اجلزائــري األكثــر جاهزيــة واألحــدث تسـ ً‬ ‫ممــا يجعلهمــا األقــدر علــى دعــم األجهــزة األمنيــة ملكافحــة اإلرهــاب‪.‬‬ ‫ متلــك اجلزائــر ودول اخلليــج ق ـ ّوة مــوارد ســتدفع لنجــاح التكامــل‬‫االســتراتيجي يف محاربــة اإلرهــاب‪ .‬وبهمــا ً‬ ‫أيضــا اســتقرار سياســي‬ ‫دفعهمــا للعــب أدوار هامــة‪ ،‬مــع طمــوح مســتمر لتكــون وســيط عربــي‬ ‫وإقليمــي بــارز‪ .‬باإلضافــة إلــى أن أي تبلــور حتالــف اســتراتيجي بــن‬ ‫اجلزائــر واخلليــج ســيكون لــه صــداه فكلتاهمــا رقمــن مهمــن يف‬ ‫املعادلــة اإلقليميــة والدوليــة ال ميكــن جتاوزهمــا‪.‬‬

‫أوجه التعاون الخليجي الجزائري يف مكافحة اإلرهاب‬ ‫تعرضــت ‪ 93‬دولــة يف العالــم أي مــا نســبته (‪ )%57‬مــن دول‬ ‫العالــم لإلرهــاب حتــى اآلن وســترتفع النســبة‪ ،‬وقــد راح ضحيتهــا‬ ‫شــخصا‪ .‬وهــذا يعنــي أن أكثــر مــن نصــف دول العالــم‬ ‫‪32765‬‬ ‫ً‬ ‫تعرضــت لإلرهــاب‪ ،‬ويعنــي كذلــك املــدى والنطــاق الــذي وصــل‬ ‫إليــه اإلرهــاب كظاهــرة عامليــة متخطيــة للحــدود الوطنيــة‪ .‬وميكــن‬ ‫التعــاون يف مجــال اإلرهــاب بــن اجلزائــر ودول اخلليــج عبــر ثالثــة‬ ‫هيــاكل هــي‪:‬‬ ‫ الهيـــكل العربـــي ملكافحـــة اإلرهـــاب‪ ،‬ويتمثـــل يف إطـــار جامعـــة‬‫ال ــدول العربي ــة‪ ،‬عب ــر االتفاقي ــة العربي ــة ملكافح ــة اإلره ــاب الت ــي‬ ‫أقره ــا مجل ــس وزراء الداخلي ــة والع ــدل الع ــرب ال ــذي مت انعق ــاده‬ ‫يف مق ــر األمان ــة العام ــة جلامع ــة ال ــدول العربي ــة يف القاه ــرة يف‬ ‫‪ 22‬أبري ــل ‪1998‬م‪ .‬لك ــون اجلزائ ــر ودول اخللي ــج أعض ــاء موقع ــن‬ ‫له ــذه االتفاقي ــة‪.‬‬ ‫ هيــكل التحالفــات التــي جتمــع عــد ًدا مــن الــدول العربيــة إلــى جانب‬‫قــوى إقليميــة ودوليــة بهــدف محاربــة اإلرهــاب‪ ،‬كالتحالــف الدولــي‬ ‫حملاربــة تنظيــم داعــش يف العــراق وســوريا‪ ،‬وإفريقيــا‪ .‬وكمبــادرات‬ ‫حلــف الناتــو بــن دول اخلليــج ودول حــوض البحــر األبيــض املتوســط‪.‬‬ ‫ هيــكل التعــاون ويتمثــل يف االتفاقــات الثنائيــة بــن اجلزائــر ودول‬‫اخلليــج منفــردة أو مجتمعــة‪ ،‬وهــذه االتفاقــات تتضمــن تعاو ًنــا يف‬ ‫مجــال تبــادل املعلومــات االســتخباراتية وتبــادل اخلبــرات وتقــدمي‬ ‫املســاعدات للبعــض يف مجــال محاربــة اإلرهــاب‪.‬‬

‫‪90‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫اإلرهابيـــن بعـــد قضـــاء احملكوميـــة‪ ،‬ويشـــمل التأهيـــل النفســـي‬ ‫والعملـــي لدمجهـــم باملجتمـــع‪ .‬وكانـــت النتائـــج باهـــرة لدرجـــة أن‬ ‫مجل ــس األم ــن الدول ــي أش ــاد به ــذه اخلط ــوة‪ ،‬ودع ــا إل ــى تعمي ــم‬ ‫التجرب ــة الس ــعودية عامل ًي ــا واالس ــتفادة منه ــا‪ .‬كم ــا كان للضرب ــات‬ ‫االس ــتباقية لإلره ــاب عب ــر محاص ــر ِة متوي ــل التنظيم ــات املتطرف ــة‬ ‫وجتفي ــف مناب ــع متويل ــه؛ ومحاص ــرة الداعم ــن ل ــه ماد ًي ــا بكش ــف‬ ‫خط ــط التموي ــل ووقفه ــا‪ ،‬تأثي ــر مه ــم ج ـ ًدا عل ــى اس ــتئصال ج ــذور‬ ‫ه ــذه اآلف ــة‪.‬‬ ‫● املقاربة اجلزائرية ملكافحة اإلرهاب‬ ‫كان ــت قابلي ــة وص ــول الربي ــع العرب ــي للجزائ ــر عالي ــة كـ"قابلي ــة‬ ‫االســـتعمار" وهـــو مفهـــوم خلـــص فيـــه املرحـــوم «مالـــك بـــن نبـــي»‬ ‫مشــكلة االســتعمار لبلــده‪ ،‬بأنهــا قابليــة تأتــي نتيجــة عيــوب داخليــة‬ ‫يف املجتمع ــات نفس ــها‪ ،‬فدفع ــت بالكثي ــر م ــن أبن ــاء اجلزائ ــر للح ــاق‬ ‫باملســـتعمر الفرنســـي بعـــد رحيلـــه تتب ًعـــا لنـــور باريـــس الثقـــايف‬ ‫واملعيش ــي‪ ،‬لينته ــي به ــم األم ــر يف الضواح ــي املعتم ــة الفقي ــرة‪ .‬لك ــن‬ ‫الربي ــع العرب ــي تالش ــى قب ــل أن يص ــل إل ــى اجلزائ ــر فق ــد كان ــت‬ ‫اجلزائ ــر محصن ــة ض ــد القالق ــل ج ــراء عس ــكرة الش ــارع اجلزائ ــري‬ ‫الت ــي كان ــت قائم ــة من ــذ عق ــد وني ــف وس ــميت بـ"العش ــرية الس ــوداء"‬ ‫يف اجلزائــر كأصعــب مرحلــة يف تاريــخ هــذه الدولــة احلديــث حيــث‬ ‫اكت ــوت خالله ــا بهجم ــات اإلرهابي ــن‪ .‬ويعتب ــر كثي ــرون أن املقارب ــة‬ ‫اجلزائريـــة مثـــال ناجـــح يف احلـــرب علـــى اإلرهـــاب قـــد انفلـــت‬ ‫اإلرهـــاب ينشـــر اخلـــراب حتـــت مس ــمى إســـقاط النظـــام وإقامـــة‬ ‫«الدولـــة اإلســـالمية»‪ ،‬لكـــن اجلزائـــر صمـــدت أمـــام اإلعصـــار‬ ‫واســـتطاعت أن تنتصـــر علـــى اإلرهـــاب وأن تفـــرض وجودهـــا يف‬ ‫النهاي ــة‪ ،‬عب ــر االس ــتراتيجيات التالي ــة‪:‬‬ ‫ لـــم تتوقـــف جهـــود اجلزائـــر علـــى مالحقـــة اإلرهابيـــن داخـــل‬‫حدودهـــا فقـــط‪ ،‬بـــل ومالحقـــة وتفكيـــك الشـــبكات اإلرهابيـــة يف‬ ‫محيطهــا ً‬ ‫أيضــا‪ .‬ومؤخ ـ ًرا مت تفكيــك بعــض اخلاليــا وإيقــاف بعــض‬ ‫املتورطـــن يف جتنيـــد «اجلهاديـــن» لتنظيـــم «داعـــش»‪ .‬ويف هـــذا‬ ‫املجــال اتبعــت اجلزائــر اســتراتيجية املمــرات اآلمنــة عبــر حدودهــا‬ ‫الت ــي يبل ــغ طوله ــا ‪ 4‬آالف مي ــل والتضاري ــس اجلبلي ــة يف الش ــمال‬ ‫الشـــرقي‪ ،‬وهـــي فرصـــة ســـانحة أمـــام املتطرفـــن والتنظيمـــات‬ ‫اإلرهابيـــة للتســـلل عبرهـــا بســـهولة‪ .‬حيـــث قامـــت الســـلطات‬ ‫اجلزائري ــة بفت ــح ‪ 4‬مم ــرات آمن ــة لتش ــجيع املتطرف ــن عل ــى تس ــليم‬ ‫أنفس ــهم‪ ،‬واخل ــروج م ــن التنظيم ــات اإلرهابي ــة املنتم ــن له ــا‪ ،‬ووف ًق ــا‬ ‫للحكومـــة أعلـــن عـــن وصـــول العديـــد مـــن العناصـــر اإلرهابيـــة‬ ‫واملســـلحن عبـــر املمـــرات‪.‬‬ ‫ التنســيق األمنــي‪ ،‬مــع كل مــن تونــس وفرنســا وإســبانيا وأملانيــا‬‫وبريطانيــا والواليــات املتحــدة وإيطاليــا‪ ،‬حيــث إن تبادل املعلومات يتم‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أحيا ًنــا بشــكل يومــي بــن اســتخبارات هــذه الــدول عــن نشــاط عــدد‬ ‫مــن شــبكات التجنيــد مباشــرة لــه عبــر االنترنــت ووســائل التواصــل‬ ‫االجتماعــي‪ .‬كمــا يشــمل التنســيق املشــاركة بصــورة فعالــة يف أنشــطة‬ ‫مكافحــة اإلرهــاب عبــر برامــج متخصصــة تدعمهــا الواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة‪ ،‬حيــث مت تصميــم برامــج متخصصــة لتقييــم الطبيعــة‬ ‫املتغيــرة للتهديــد عبــر دول شــمال إفريقيــا ومنهــا اجلزائــر‪ ،‬كمــا‬ ‫شــاركت اجلزائــر يف تأســيس املنتــدى العاملــي ملكافحــة اإلرهــاب يف‬ ‫ســبتمبر ‪2011‬م‪ ،‬كمــا يشــمل التنســيق التعــاون مــع القــوات الفرنســية‬ ‫يف تطبيــق اســتراتيجية أمنيــة الســتهداف التنظيمــات اإلرهابيــة‪،‬‬ ‫حيــث تعــرض تنظيــم القاعــدة يف بــالد املغــرب اإلســالمي لضربــات‬ ‫موجعــة‪ ،‬ســواء تلــك التــي شــنّها اجليــش اجلزائــري أو تلــك التــي‬ ‫نفذتهــا القــوات الفرنســية‪.‬‬ ‫ تطوي ــر الق ــدرات ويت ــم برف ــع كف ــاءة األجه ــزة األمني ــة والق ــوات‬‫املس ــلحة العامل ــة يف مج ــال مكافح ــة اإلره ــاب‪ ،‬بالتدري ــب وحتدي ــث‬ ‫منظوم ــة التس ــليح وأجه ــزة التنص ــت واملراقب ــة وبتحجي ــم املخاط ــر‬ ‫حي ــث جنح ــت الضرب ــات اجلوي ــة والعملي ــات امليداني ــة يف حتقي ــق‬ ‫احلـــد مـــن توســـع انتشـــار تنظيمـــي القاعـــدة و داعـــش‪ ،‬وحتجيـــم‬ ‫قدراتهم ــا وق ــد متكن ــت ق ــوات اجلي ــش م ــن تفكي ــك تنظي ــم جن ــد‬ ‫اخلالفـــة يف أرض اجلزائـــر‪ .‬وطـــرد مجموعـــة مـــن املتشـــددين‬ ‫املرتبطـــن بتنظيـــم الدولـــة اإلســـالمية‪.‬واإلصرار علـــى القتـــال‬ ‫م ــع ع ــدم تق ــدمي الفدي ــة لإلرهاب ــن لك ــون دف ــع الفدي ــة ال يق ــوم‬ ‫س ــوى بتش ــجيع ه ــذه اجلماع ــات عل ــى تك ــرار أفعاله ــا‪ .‬ويس ــد ب ــاب‬ ‫مص ــادر التموي ــل الت ــي مت جتفيفه ــا‪ .‬فف ــي إط ــار ِعمله ــا املتواص ــلِ‬ ‫يف مكافح ــةِ اإلره ــاب واجلماع ــات املتش ــددة والداعم ــن له ــا مادي ــا‬ ‫جنحـــت اجلزائـــر يف اتخـــاذ إجـــراءات احترازيـــة لكشـــف ووقـــف‬ ‫متوي ــل اإلره ــاب‪.‬‬

‫نقاط الضعف يف التجربتين وجدوى التعاون‬ ‫● نقاط الضعف‬ ‫رغــم قــوة االســتراتيجية التــي تتبعتهــا الســعودية واجلزائــر يف‬ ‫مواجه ــة التط ــرف واإلره ــاب‪ ،‬إال أن به ــا بع ــض نق ــاط الضع ــف‪،‬‬ ‫ومنه ــا االنقي ــاد للنه ــج الغرب ــي يف البداي ــة يف التعام ــل م ــع الفئ ــة‬ ‫الضالـــة‪ .‬كمـــا أن عـــدم حتديـــد مفهـــوم اإلرهـــاب خلـــط بـــن‬ ‫الســلفيات اجلهاديــة والدعويــة‪ ،‬وشــرع األبــواب ملهاجمــة مناهجنــا‬ ‫وقيمن ــا اإلس ــالمية‪ .‬كم ــا أن تركي ــز ق ــوات األم ــن عل ــى اإلره ــاب‬ ‫أدى إلـــى فقـــدان احلـــزم يف مجـــاالت األمـــن األخـــرى اجلنائيـــة‬ ‫ب ــل واحل ــد م ــن الرعون ــة وضب ــط حرك ــة امل ــرور‪ .‬أم ــا يف اجلزائ ــر‬ ‫فقـــد أدت عســـكرة الشـــارع إلـــى إطـــالق العنـــان للكثيـــر مـــن‬ ‫املنظم ــات احلقوقي ــة العاملي ــة ملهاجم ــة منه ــج اجلزائ ــر يف احل ــرب‬ ‫عل ــى اإلره ــاب‪ ،‬رمب ــا حلرمانه ــا العائدي ــن م ــن ممارس ــة حقوقه ــم‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪89‬‬

‫ملف العدد‬

‫االســتراتيجية الســعودية ملكافحة اإلرهاب اعتمدت على ذراعي األمن والفكر‬

‫المقاربــة الجزائريــة ‪ -‬الخليجية مع اإلرهاب‪:‬‬ ‫تجارب وأهداف مشــتركة‬ ‫أدى فشــل بعــض األنظمــة السياســية العربيــة والتدخــالت األجنبيــة والفقــر خللــق إحبــاط مريــر دفــع بالشــباب للفــرار نحــو‬ ‫البحــر للهجــرة‪ ،‬أو نحــو البــراري إرها ًبــا أو نحــو املخــدرات إدما ًنــا‪ ،‬ويف اخلليــج العربــي عانينــا مــن محــاوالت جــر الشــباب‬ ‫إلــى اإلرهــاب واملخــدرات‪ ،‬فيمــا دفعــت الشــباب اجلزائــري إلــى الهجــرة أو االنضمــام للجماعــات اإلرهابيــة‪ .‬وللجزائــر‬ ‫جتربــة مهمــة يف مقاومــة اإلرهــاب‪ ،‬ومواجهــة التطــرف‪ ،‬وجماعــات اإلســالم السياســي التــي كانــت تطمــح يف احلكــم‪ ،‬ممــا‬ ‫يطــرح ســؤاالً حــول كيفيــة االســتفادة مــن التجربــة اجلزائريــة يف مواجهــة التطــرف واإلرهــاب يف اخلليــج‪ ،‬وكيــف ميكــن أن‬ ‫يكــون التعــاون والتنســيق يف صالــح اســتقرار وأمــن املنطقــة العربيــة‪.‬‬

‫د‪ .‬ظافر محمد العجمي‬

‫اإلرهاب بين تجربتين‬ ‫للس ــعودية واجلزائ ــر جت ــارب رائ ــدة يف التعام ــل م ــع اإلره ــاب‬ ‫فللريـــاض جتربـــة مميـــزة يف مكافحـــة اإلرهـــاب حيـــث اعتبـــر‬ ‫محلل ــون أن م ــا قام ــت ب ــه اململك ــة ه ــو عمــ ٌل رائ ــد وفري ــد‪ ،‬حقــ َق‬ ‫جناحـــا منقطـــ َع النظيـــر عط ًفـــا علـــى خبرتِهـــا التـــي أصبحـــت‬ ‫ً‬ ‫منوذجـــا يُحتـــذى بـــه إقليم ًيـــا وعامل ًيـــا‪ .‬ومثلهـــا اجلزائـــر كخيـــر‬ ‫ً‬ ‫مث ــال إفريق ــي اس ــتطا َع دح ــر اإلره ــاب‪ ،‬وقطع ــت ش ـ ً‬ ‫ناجح ــا‬ ‫ـوطا‬ ‫ً‬ ‫يف مواجهتـــه‪.‬‬ ‫● االستراتيجية السعودية يف مكافحة اإلرهاب‬ ‫ممــا يذكــر عــن امللــك املؤســس عبــد العزيــز بــن عبــد الرحمــن‬ ‫آل س ــعود ‪-‬طي ــب اهلل ث ــراه‪ -‬قول ــه "الدي ــن طي ــر ح ــر م ــن ص ــاده‬ ‫قن ــص ب ــه" قاله ــا اب ــن س ــعود بش ــجاعته األدبي ــة املعروف ــة‪ ،‬قاله ــا‬ ‫بفه ــم كام ــل ملعن ــى االعتم ــاد عل ــى اهلل وبفه ــم الش ــريعة الس ــمحة‪.‬‬ ‫ثـــم جـــاء عصـــر اإلرهـــاب والفئـــة الضالـــة فالتقطـــت "القاعـــدة"‬ ‫الديـــن كطيـــر لـــم تعـــرف القنـــص بـــه‪ ،‬فقتلـــت األبريـــاء وروعـــت‬ ‫اآلمنـــن‪ ،‬ولدغـــت اجلســـد الســـعودي يف مواضـــع عـــدة فســـلط‬ ‫اهلل عليهـــم الصقـــر األميـــر نايـــف بـــن عبـــد العزيـــز ‪-‬يرحمـــه‬ ‫اهلل‪ -‬ال ــذي أقس ــم عل ــى ه ــدم جحوره ــم يف كل ش ــبر م ــن ب ــالده‬ ‫وب ــر بقس ــمه‪ ،‬ب ــل إن ــه راح يلتق ــط صغ ــار تل ــك األفع ــى‪ ،‬معتمـ ـ ًدا‬ ‫اس ــتراتيجية العص ــا واجل ــزرة يف القض ــاء عل ــى ج ــذور اإلره ــاب‪.‬‬

‫لق ــد قام ــت االس ــتراتيجية الس ــعودية يف مكافح ــة اإلره ــاب عل ــى‬ ‫املواجه ــات األمني ــة كس ــياج ق ــوي حلماي ــة املجتم ــع الس ــعودي أم ــام‬ ‫خطـــر اإلرهـــاب‪ .‬فبـــن كلمـــة "األمـــن" وكلمـــة "اإلرهـــاب" وضـــع‬ ‫الس ــعوديون لعق ــد كام ــل كلم ــة "ناي ــف" رحم ــه اهلل ح ــن تعرض ــت‬ ‫الســـعودية يف بدايـــة التســـعينات لهجمـــات اإلرهـــاب يف ذروتهـــا‬ ‫‪ .2003‬واســتمرت اململكــة يف هــذا النهــج‪ ،‬الدولــة التــي لهــا وزنهــا‬ ‫اإلقليمـــي والدولـــي الفاعـــل يف اســـتراتيجية حلـــرب اإلرهـــاب‪.‬‬ ‫بالضـــرب بيـــد مـــن حديـــد علـــى اإلرهـــاب‪ ،‬ممـــا أدى إلـــى قلـــب‬ ‫رأســـا علـــى عقـــب‪ .‬حيـــث‬ ‫قاعـــدة اجلهـــاد يف جزيـــرة العـــرب‪ً -‬‬‫حتقق ــت عل ــى ي ــد الصق ــور الكثي ــر م ــن اإلجن ــازات األمني ــة الت ــي‬ ‫تعاملــوا معهــا مبهنيــة عاليــة‪ ،‬فحــرروا رهائــن الطائــرات‪ ،‬وطــاردوا‬ ‫الفاريـــن وأبطلـــوا مفعـــول املتفجـــرات وقضـــوا علـــى اإلرهابيـــن‪.‬‬ ‫أمـــا الـــذراع اآلخـــر لالســـتراتيجية الســـعودية فهـــي اجتثـــاث‬ ‫اإلرهـــاب مـــن جـــذوره الفكريـــة‪ ،‬وكشـــف حقيقـــة الفئـــة الضالـــة‬ ‫ـالحا‪،‬‬ ‫ونش ــر الفك ــر املعت ــدل‪ .‬فاإلره ــاب فك ــرة قب ــل أن يك ــون س ـ ً‬ ‫فق ــد كان هن ــاك م ــا يق ــارب ‪ 4000‬معتق ــل أش ــرف عليه ــم ع ــدد‬ ‫مــن رجــال الديــن الســعودين وعلمــاء متخصصــن يف علــم النفــس‬ ‫واالجتمـــاع‪ ،‬فخضـــع خاللهـــا املعتقلـــون لبرامـــج مكثفـــة ســـميت‬ ‫«املناصح ــة» أو إع ــادة تأهي ــل ذوي الفك ــر املتش ــدد واملتط ــرف إل ــى‬ ‫التي ــار املعت ــدل والوس ــطي‪ ،‬حي ــث رك ــزت عب ــر برنامج ــن أولهم ــا‬ ‫التأهيـــل اإلرهابيـــن املوقوفـــن باملناصحـــة‪ .‬وثانيهمـــا رعايـــة‬

‫‪88‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ســحابة صيــف مــرت عــى العالقــات الســعودية ‪ -‬الجزائريــة وفشــلت‬ ‫محــاوالت أصحــاب المصالــح الضيقــة وغيــر المجديــة يف اســتثمارها‬ ‫والفكريــة‪ ،‬واتخــاذ خطــوات مهمــة وإيجابيــة علــى صعيــد سياســتها‬ ‫الداخليــة واخلارجيــة يقــف خلفهــا خــادم احلرمــن الشــريفن امللــك‬ ‫س ــلمان ب ــن عب ــد العزي ــز‪ ،‬وول ــي العه ــد يف اململك ــة األمي ــر محم ــد‬ ‫بــن ســلمان مــا جعــل مــن التغييــر عنوا ًنــا ملنهجهــا اجلديــد علــى كل‬ ‫املس ــتويات‪ ،‬وه ــذا يكش ــف لن ــا أن اململك ــة العربي ــة الس ــعودية مت ــر‬ ‫مبرحل ــة جدي ــدة واضح ــة ب ــن م ــا س ــبق وم ــا س ــيكون‪ ..‬م ــن ه ــذا‬ ‫املنطل ــق جن ــد املش ــهد متغيـ ـ ًرا‪ ،‬حي ــث جن ــد اجلزائ ــر احملافظ ــة‪،‬‬ ‫والس ــعودية املتج ــددة‪ ،‬تنظ ــران م ــن زاويت ــن مختلفت ــن للمش ــهد‬ ‫العربــي مــا أوجــد نظرتــن غيــر متطابقتــن أحيا ًنــا جتــاه تطــورات‬ ‫بعــض امللفــات العربيــة‪ ،‬خاصــة امللفــات التــي متــس أحــد األطــراف‬ ‫بش ــكل مباش ــر مث ــل مل ــف الصح ــراء بالنس ــبة للجزائ ــر‪ ،‬فعندم ــا‬ ‫قــررت قمــة مجلــس التعــاون اخلليجــي دعــم املغــرب خاصــة الدعــم‬ ‫االقتص ــادي واالس ــتثماري‪ ،‬ردت اجلزائ ــر بزي ــارة لوزي ــر خارجيته ــا‬ ‫للشــؤون املغاربيــة واإلفريقيــة وقتهــا عبــد القــادر مســاهل لدمشــق‬ ‫يف إع ــالن صري ــح لدع ــم األس ــد‪ ،‬و كان ق ــد س ــبق ه ــذا مس ــألة‬ ‫التصنيف ــات اإلرهابي ــة الت ــي رفض ــت اجلزائ ــر مج ــاراة األش ــقاء‬ ‫اخلليجي ــن والع ــرب فيه ــا‪ ،‬كتصني ــف ح ــزب اهلل جماع ــة إرهابي ــة‬ ‫و جماع ــة اإلخ ــوان املس ــلمن‪ ،‬كم ــا أوج ــد موق ــف اجلزائ ــر م ــن‬ ‫األزم ــة م ــع قط ــر حساس ــية‪...‬‬ ‫لكـــن‪ ،‬كل مـــا ســـبق كان مجـــرد ســـحابة صيـــف ثقيلـــة ولـــم‬ ‫يســـتثمر فيهـــا إال أصحـــاب املصالـــح الضيقـــة وغيـــر املجديـــة‪،‬‬ ‫ألن رصي ــد البلدي ــن الزاخ ــر مبواق ــف الدع ــم والثب ــات و التكاف ــل‬ ‫حتمــت علــى اجلزائــر و اململكــة العربيــة الســعودية إعــادة قــراءة‬ ‫املشـــهد مـــرة أخـــرى وهـــذه القـــراءة املتأنيـــة ســـمحت لكليهمـــا‬ ‫بتوجي ــه دف ــة العالق ــات املتمي ــزة و األصيل ــة بينهم ــا إل ــى الع ــودة‬ ‫س ــري ًعا إل ــى مجراه ــا الطبيع ــي ال ــذي اتس ــمت ب ــه لعق ــود ط ــوال‪،‬‬ ‫وجتســـد ذلـــك يف االتفـــاق التاريخـــي لدعـــم أســـعار النفـــط يف‬ ‫اجتم ــاع منظم ــة أوب ــك باجلزائ ــر س ــبتمبر ‪2016‬م‪ ،‬و ال ــذي ل ــم‬ ‫يك ــن لينج ــح ل ــوال االنخ ــراط الت ــام للمملك ــة العربي ــة الس ــعودية‬ ‫أكبـــر منتجـــي النفـــط يف العالـــم إلجناحـــه يف ضيافـــة اجلزائـــر‬ ‫جناحــا‬ ‫كمــا يعــد االلتــزام املتكــرر بهــذا القــرار منــذ ذلــك احلــن‬ ‫ً‬ ‫آخ ــر يت ــوج التع ــاون اجلزائ ــري الس ــعودي‪ ،‬ال ــذي يدع ــم بش ــكل‬ ‫دوري م ــن خ ــالل انعق ــاد اللج ــان املش ــتركة للتع ــاون و الش ــراكة‬ ‫وكان آخرهــا يف الــدورة الـــ ‪ 13‬املنعقــدة بالريــاض يف شــهر أبريــل‬ ‫املنصـــرم‪ ،‬ومنتـــدى رجـــال األعمـــال املشـــترك بـــن البلديـــن يف‬ ‫دورت ــه احلادي ــة عش ــرة‪.‬‬

‫يقـــدر اجلزائريـــون كثيـــ ًرا اململكـــة العربيـــة الســـعودية قبلـــة‬ ‫املس ــلمن وحاضن ــة احلرم ــن الش ــريفن‪ ،‬وكذل ــك لطامل ــا بقي ــت‬ ‫وس ــتبقى اجلزائ ــر ممتن ــة و مق ــدرة بش ــكل كبي ــر للمملك ــة و ل ــكل‬ ‫ال ــدول العربي ــة الت ــي س ــاهمت يف دع ــم ث ــورة التحري ــر املجي ــدة‪،‬‬ ‫واململكـــة تتفهـــم مـــن جانبهـــا أن اجلزائـــر ذات تاريـــخ نضالـــي‬ ‫مش ــرف وله ــا ب ــاع طوي ــل يف الكف ــاح م ــن أج ــل احلري ــة‪ ،‬وعلي ــه‬ ‫ف ــإن ه ــذا الرصي ــد العظي ــم ل ــكال البلدي ــن يجعلهم ــا يش ــكالن‬ ‫قاط ــرة قوي ــة للدف ــع باملقص ــورة العربي ــة إل ــى ب ــر األم ــان بعيــدًا‬ ‫عـــن هواجـــس التقســـيم واحلـــرب واإلرهـــاب‪ ،‬و إذا مـــا كان‬ ‫تعاونهم ــا عل ــى املس ــتوى الثنائ ــي ق ــد تعاف ــى و ارتق ــى و درأ كل‬ ‫الش ــوائب ف ــإن تعاو ًن ــا أوس ــع يف مج ــال الصال ــح العرب ــي س ــيكون‬ ‫مثمــ ًرا أكث ــر باالعتم ــاد عل ــى ثق ــل كل منهم ــا يف مجال ــه‪ ،‬واتخ ــاذ‬ ‫مواق ــف قوي ــة مس ــتندة يف أساس ــها إل ــى احت ــرام مب ــادئ القان ــون‬ ‫الدول ــي وس ــيادة ال ــدول و ح ــق الش ــعوب يف احلري ــة و احلي ــاة ‪..‬‬ ‫تع ــاون يق ــود إل ــى إع ــادة تش ــكيل اخلارط ــة العربي ــة مب ــا يخ ــدم‬ ‫املصالـــح العربيـــة املشـــتركة شـــعو ًبا وحكومـــات‪ ،‬ويفتـــح املجـــال‬ ‫إلصـــالح هيـــاكل العمـــل العربـــي واالرتقـــاء بهـــا لتمثيـــل عربـــي‬ ‫حقيق ــي يتع ــدى احملي ــط اخلليج ــي للمملك ــة واإلفريق ــي للجزائ ــر‬ ‫ليكــون متثيـ ً‬ ‫ـال أمم ًيــا يحســب لــه حســاب‪ .‬إن مــا يجمــع اجلزائــر‬ ‫و اململك ــة العربي ــة الس ــعودية والعال ــم العرب ــي أكث ــر بكثي ــر مم ــا‬ ‫يفرقه ــم‪ ،‬فف ــي وق ــت جن ــح في ــه األوربي ــون رغ ــم م ــا بينه ــم م ــن‬ ‫خالفـــات واختالفـــات إال أن ذلـــك لـــم مينعهـــم مـــن التناغـــم‬ ‫والوح ــدة و العم ــل املش ــترك األم ــر ال ــذي يجعلن ــا ح ًق ــا نخج ــل‬ ‫مـــن خالفاتنـــا الضيقـــة التـــي تتســـبب يف توهاننـــا اليـــوم بـــن‬ ‫اخلصومـــات و القطيعـــة‬ ‫إننـــا نأمـــل أن تعـــود األمـــة العربيـــة بجناحيهـــا يف آســـيا‬ ‫وإفريقي ــا للوح ــدة واالحت ــاد وجت ــاوز اخلالف ــات البس ــيطة م ــن‬ ‫أجـــل أهـــداف أعظـــم وأجـــل مـــن كل اختـــالف مهمـــا كانـــت‬ ‫أســبابه ودواعيــه‪ ،‬خاصــة أن مــا يجمــع دول األمــة العربيــة أكبــر‬ ‫ممـــا يفرقهـــا‪.‬‬

‫* أكاتبة جزائرية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪87‬‬

‫ملف العدد‬

‫العالقــات الســعودية ‪ -‬الجزائريــة تعيــد تشــكيل الخارطــة لخدمــة‬ ‫المصالــح العربيــة شــعو ًبا وحكومات ومــا يجمع البلدين أكثــر مما يفرقهما‬ ‫تخومه ــا رغ ــم أنه ــا تعتب ــر املس ــتهدفة األول ــى و اخلاس ــر األكب ــر‬ ‫م ــن التدخ ــالت العس ــكرية األجنبي ــة الت ــي ش ــهدها البل ــدان‪ ،‬كم ــا‬ ‫ناش ــدت يف كل املناب ــر العربي ــة واألممي ــة التعق ــل لدع ــم مواقفه ــا‬ ‫ً‬ ‫وأيض ــا التدخ ــل يف ليبي ــا عس ــكر ًيا و‬ ‫فيم ــا يخ ــص س ــوريا واليم ــن‪،‬‬ ‫سياسـ ًيا‪ ،‬يف حــن ثمنــت كل توجــه يرمــي لنشــر الســلم يف األقطــار‬ ‫العربي ــة كم ــا ح ــدث يف مص ــر بع ــد تنحي ــة الدكت ــور محم ــد مرس ــي‬ ‫ع ــن الس ــلطة وتول ــي املش ــير عب ــد الفت ــاح السيس ــي مقاليده ــا‪ ،‬و‬ ‫ق ــد توج ــت مجه ــودات اجلزائ ــر احلثيث ــة يف مس ــعاها يف اعتم ــاد‬ ‫األمم املتح ــدة ي ــوم ‪ 16‬ماي ــو يو ًم ــا عامل ًي ــا للعي ــش م ًع ــا يف س ــالم‬ ‫مببـــادرة مـــن اجلزائـــر ‪ ..‬يف املقابـــل جنـــد أن اململكـــة العربيـــة‬ ‫الس ــعودية‪ ،‬الدول ــة املفصلي ــة واأله ــم مبنطق ــة اخللي ــج و الش ــرق‬

‫األوس ــط‪ ،‬ل ــم تت ــوان يف اتخ ــاذ املواق ــف الواضح ــة واألكث ــر حز ًم ــا‬ ‫يف التعام ــل املباش ــر م ــع النزاع ــات العربي ــة رغب ــة منه ــا يف إنه ــاء‬ ‫األزم ــات الت ــي ت ــدور يف ال ــدول املأزوم ــة‪.‬‬ ‫لكــن يف ظــل التدخــالت اخلارجيــة واإلقليميــة جتــاه هــذه طــال‬ ‫أمــد الصراعــات يف هــذه الــدول‪ ،‬ففــي ســوريا مثـ ً‬ ‫ال اقتربــت احلــرب‬ ‫مــن عامهــا الســابع دومنــا نهايــة تــرى لهــا‪ ،‬ويف اليمــن احلــرب‬ ‫املفتوحــة تدخــل عامهــا الرابــع دون انتهــاء الصــراع ومازالــت جماعــة‬ ‫احلوثــي علــى موقفهــا‪.‬‬ ‫يف ظـــل هـــذه األحـــداث تتجـــه اململكـــة العربيـــة الســـعودية‬ ‫نح ــو حتدي ــث مؤسس ــاتها الداخلي ــة وحتدي ــث اقتصاده ــا وتطوي ــر‬ ‫أداء القط ــاع اخل ــاص‪ ،‬وتطوي ــر البني ــة الثقافي ــة والترفيهي ــة‪ ،‬ب ــل‬

‫‪86‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الـمـشـهـــد الـمـتـغـيـــر بن الـجـزائـــر الـمـحـافـظـــة والـسـعـــودية الـمـتـجـددة‬

‫الجزائ ــر والري ــاض‪ :‬اس ــتراتيجية المصال ــح‬ ‫ودبلوماس ــية المواق ــف‬ ‫يٌنســب إلــى وزيــر اخلارجيــة األمريكــي األســبق هنــري كيســنجر قولــه إن الدبلوماســية هــي فــن تقييــد القــوة ‪ ..‬وهمــا‬ ‫مفهومــان اختلــط فيهمــا احلابــل بالنابــل حــول أيهمــا غــاب و أيهمــا حضــر يف اخلالفــات التــي عرفتهــا املنطقــة العربيــة‬ ‫يف الســنوات األخيــرة علــى إثــر اجتيــاح موجــة الثــورات أو التــي عرفــت بثــورات الربيــع العربــي‪ ،‬و مــا آلــت إليــه املنطقــة‬ ‫مــن التغييــر الكامــل يف موازيــن القــوى والتحالفــات‪ ،‬فبعضهــا اشــتد إلــى حــد القطيعــة وراوحــت أخــرى يف دور اخلصومــة‪،‬‬ ‫حتــى وفــق أصحــاب النوايــا الطيبــة يف إرســاء الصلــح وإرضــاء املتخاصمــن ‪ ..‬ففــي وقــت تصاعــدت فيــه األزمــة اخلليجيــة‬ ‫بــن أشــقاء البيــت الواحــد دخلــت العالقــات اخلليجيــة ـ اخلليجيــة يف مواجهــات غابــت فيهــا الدبلوماســية العربيــة تقري ًبــا‬ ‫ولــم جتســم أمــر هــذه األزمــة‪ ..‬بينمــا ظهــرت مواجهــة مــن نــوع آخــر أكثــر هــدو ًءا وقــوة ومــا ميزهــا هــو ظهورهــا الســريع‬ ‫واختفاؤهــا األســرع رغــم اســتثمار العديــد مــن أصحــاب املصالــح الضيقــة يف النفــخ بالرمــاد لشــق حبــال الوصــل بــن أهــم‬ ‫دولتــن عربيتــن همــا اململكــة العربيــة الســعودية واجلزائــر‪ ،‬اللتــان تشــكالن ركيزتــا العالــم العربــي‪ ،‬الــذي يراهــن علــى بقائــه‬ ‫اليــوم بالغالــي والنفيــس أمــام حتديــات اإلرهــاب والتقســيم والــال أمــن‪...‬‬

‫نعيمة عكوش‬

‫ولكــن يف هــذه الفتــرة التــي جتتــاح فيهــا املنطقــة موجــة غبــار‬ ‫كثيفــة تعيــق الرؤيــة جنحــت الريــاض واجلزائــر يف الوصــول إلــى‬ ‫أرضيــة تفاهــم صلبــة تســتوعب كالهمــا بــكل مــا تعنيــه كل دولــة‬ ‫مــن ثقــل تاريخــي ودينــي ودبلوماســي وسياســي واقتصــادي وكيــف‬ ‫سيســاهم ذلــك يف دعــم اللحمــة العربيــة املتآكلــة‪.‬‬ ‫ال يخفــى علــى أحــد أن تلــك التوتــرات التــي كانــت تظهــر بــن‬ ‫الفينــة واألخــرى بــن اجلزائــر و اململكــة العربيــة الســعودية كانــت‬ ‫مرتبطــة بالرؤيــة اخلاصــة لــكل منهمــا ملجــرى األحــداث يف املنطقــة‪،‬‬ ‫واملواقــف التــي يجــب تبنيهــا جتــاه هــذه األحــداث ومــا مــدى اســتعداد‬ ‫كل منهمــا لالنخــراط يف النزاعــات العربيــة بشــكل جزئــي أو كامــل‪.‬‬ ‫فاجلزائــر التــي متتلــك جتربــة زاخــرة يف مكافحــة اإلرهــاب بــدت‬ ‫ً‬ ‫حتفظــا يف تعاطيهــا مــع التصدعــات العربيــة ورفضــت التدخــل‬ ‫أكثــر‬ ‫نزاعــا بــن الســلطة واملعارضــة حتــى‬ ‫يف شــؤون أي دولــة تشــهد‬ ‫ً‬ ‫علــى حدودهــا يف ليبيــا ومالــي‪ ،‬ليــس فقــط اعتمــا ًدا علــى مــا ينــص‬ ‫عليــه دســتور البــالد يف مادتــه الـــ ‪ 31‬مــن فصــل الدولــة الثالــث‪،‬‬ ‫وإمنــا للقناعــة التــي اكتســبتها مــن جتربتهــا الطويلــة خــالل فتــرة‬ ‫التســعينيات يف مكافحــة اإلرهــاب الداخلــي ومواجهــة محــاوالت‬

‫التدخــل لعــدد مــن الــدول يف دعــم املتمرديــن كمــا حــدث مــع إيــران‬ ‫والســودان وأفغانســتان‪.‬‬ ‫وكل ذلـــك جعلهـــا تنـــأى بنفســـها عـــن املشـــاركة يف تشـــكيل‬ ‫الق ــوة العربي ــة املش ــتركة الت ــي تق ــرر إنش ــاؤها يف ال ــدورة الـــ ‪26‬‬ ‫ملؤمتـــر القمـــة العربيـــة املنعقـــد بشـــرم الشـــيخ املصريـــة‪ ،‬وجـــاء‬ ‫ذل ــك يف ق ــرار رس ــمي و نهائ ــي م ــن اجلزائ ــر ال يقب ــل التف ــاوض‬ ‫واالكتفـــاء بالتعهـــد بتقـــدمي الدعـــم اللوجســـتيكي املتمثـــل يف‬ ‫التمويــل والتدريــب و التعــاون االســتخباراتي‪ ،‬و كانــت اجلزائــر قــد‬ ‫رفض ــت ً‬ ‫أيض ــا االنخ ــراط يف عاصف ــة احل ــزم الس ــتعادة الس ــلطة‬ ‫الشـــرعية يف اليمـــن‪ ،‬يف ظـــل امتنـــاع قاطـــع لتحريـــك جيشـــها‬ ‫الوطن ــي خ ــارج ح ــدود الدول ــة‪ ،‬مفضل ــة مس ــلك احل ــوار والتف ــاوض‬ ‫لتحقيـــق الســـالم و درء النزاعـــات علـــى مســـتوى بـــؤر التوتـــر‬ ‫العربيــة كافــة‪ ،‬وهــي إلــى اليــوم تدافــع بــكل إصــرار لصالــح احلــل‬ ‫الس ــلمي السياس ــي يف إط ــار املصاحل ــة الوطني ــة ب ــن كل أطي ــاف‬ ‫البل ــد الواح ــد‪ ،‬بعيــ ًدا ع ــن أي تدخ ــل خارج ــي لصال ــح أي ط ــرف‬ ‫أو لصال ــح مصلح ــة اقتصادي ــة أو سياس ــية كان ــت لدول ــة م ــا س ــوا ًء‬ ‫عربيــة أو أجنبيــة وســعيها يف ذلــك كان جل ًيــا يف ليبيــا ومالــي علــى‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪85‬‬

‫ملف العدد‬

‫توظف الجزائر معرفتها بالجماعات اإلسالمية يف المغرب العربي لبناء‬ ‫شبكة عالقات مع الجماعات الليبية وبعض رموزها مثل عبد الحكيم بلحاج‬ ‫ويف مقابـل ذلـك‪ ،‬فـإن اتخـاذ أي موقـف معـاد للنظـام السـوري‬ ‫ال يعنـي بالضـرورة تأييـدًا للمعارضـة السـورية مبختلـف فصائلهـا‪،‬‬ ‫حتـى وإن كان لفيـف مـن السـلفين اجلزائريـن قد تنقلوا إلى سـورية‬ ‫وانضمـوا إلـى التنظيمـات اإلسـالمية التـي تُقـارع النظـام السـوري‪.‬‬ ‫ومتاشــ ًيا م ــع ه ــذا اإلدراك‪ ،‬عارض ــت اجلزائ ــر ع ــزل النظ ــام‬ ‫الســـوري دبلوماســـ ًيا وتفكيـــك شـــبكة حتالفاتـــه اإلقليميـــة؛ فقـــد‬ ‫أوفـــدت وزيـــر خارجيتهـــا عبـــد القـــادر مســـاهل إلـــى دمشـــق يف‬ ‫أبريـــل ‪2016‬م‪ ،‬والتقـــى بشـــار األســـد‪ ،‬وأكـــد لـــه دعـــم اجلزائـــر‬ ‫لســورية يف حربهــا ضــد اإلرهــاب‪ .‬وتأتــي هــذه الزيــارة بعــد شــهر‬ ‫م ــن زي ــارة وزي ــر اخلارجي ــة الس ــوري ولي ــد املعل ــم إل ــى اجلزائ ــر‬ ‫نهايـــة مـــارس ‪2016‬م‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ويف هـــذا الســـياق‪ ،‬حتفظـــت اجلزائـــر علـــى نـــص الئحـــة‬ ‫مجلـــس وزراء الداخليـــة العـــرب يف ‪ 02‬مـــارس ‪2016‬م‪ ،‬والتـــي‬ ‫تُديـــن "املمارســـات واألعمـــال اإلرهابيـــة" حلـــزب اهلل اللبنانـــي‪،‬‬ ‫ُاملته ــم مبحاول ــة "زعزع ــة اس ــتقرار بع ــض ال ــدول العربي ــة"‪ .‬كم ــا‬ ‫رفض ــت ق ــرار جامع ــة ال ــدول العربي ــة يف م ــارس ‪2016‬م‪ ،‬تصني ــف‬ ‫ح ــزب اهلل اللبنان ــي عل ــى الالئح ــة املنظم ــات اإلرهابي ــة‪ .‬وبـ ـ ّررت‬ ‫اجلزائـــر موقفهـــا بـــأن احلـــزب اللبنانـــي مكـــون أساســـي مـــن‬ ‫مكون ــات املجتم ــع اللبنان ــي وج ــزء م ــن احلكوم ــة اللبناني ــة‪ ،‬وم ــن‬ ‫ثـــم ترفـــض أي تدخـــل يف الشـــؤون الداخليـــة للبنـــان‪.‬‬ ‫كم ــا اعترض ــت اجلزائ ــر عل ــى مضم ــون الفق ــرة الثالث ــة م ــن‬ ‫ق ــرار جامع ــة ال ــدول العربي ــة املجتم ــع بتاري ــخ ‪ 22‬يولي ــو ‪2011‬م‪،‬‬ ‫والـــذي يُطالـــب الرئيـــس بشـــار األســـد بالرحيـــل‪ ،‬باعتبـــاره‬ ‫يتعـــارض مـــع ميثـــاق جامعـــة الـــدول العربيـــة ويف ‪ 12‬نوفمبـــر‬ ‫‪2011‬م‪ ،‬قـــررت جامعـــة الـــدول العربيـــة طـــرد ســـورية ودعـــت‬ ‫ال ــدول األعض ــاء (‪ 22‬عض ـ ًوا) إل ــى س ــحب س ــفرائهم م ــن دمش ــق‬ ‫باســـتثناء اجلزائـــر‪ .‬وهـــو القـــرار الـــذي دخـــل ح ّيـــز التنفيـــذ‬ ‫بتاري ــخ ‪ 16‬نوفمب ــر ‪2011‬م‪ ،‬يف القم ــة االس ــتثنائية الت ــي انعق ــدت‬ ‫بالربـــاط باملغـــرب‪.‬‬

‫رابـعـ ًـ ــا‪ :‬الموق ــف الجزائ ــري م ــن األزم ــة اليمني ــة‪ ..‬ح ــرب ع ــى‬ ‫إيـــران يف أرض محايـــدة‬ ‫تـــرى اجلزائـــر أن التدخـــل العســـكري يف اليمـــن حتـــت‬ ‫مظلـــة حتالـــف دعـــم الشـــرعية هـــو مواجهـــة إيـــران يف أرض‬ ‫ُمحاي ــدة‪ .‬وتعتق ــد اجلزائ ــر أن حلفائه ــا التقليدي ــن ومنه ــم اليم ــن‬ ‫يتعرضـــون إلـــى مؤامـــرة يف إطـــار "الربيـــع العربـــي"‪ ،‬ومـــن ثـــم‬

‫يتعـــن عليهـــا دعمهـــم سياســـياً ودبلوماســـياً‪ .‬ويف هـــذا اإلطـــار‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تناضـــل اجلزائـــر مـــن أجـــل التوصـــل إلـــى حـــل تفاوضـــي بـــن‬ ‫أطـــراف األزمـــة اليمنيـــة‪.‬‬ ‫وتأسيس ــا عل ــى ذل ــك‪ ،‬ت ــرى دول اخللي ــج أن املوق ــف اجلزائ ــري‬ ‫ً‬ ‫يف األزم ــة اليمني ــة غي ــر ُمحاي ــد ومنح ــاز إل ــى الش ــيعة‪ ،‬م ــا يجعله ــا‬ ‫تخـــرج عـــن اإلجمـــاع العربـــي‪ ،‬وهـــو مـــا ســـيؤثر يف مكانتهـــا يف‬ ‫املنطق ــة العربي ــة‪.‬‬ ‫وهـــذا رمبـــا مـــا دفـــع اجلزائـــر إلـــى مقاطعـــة اجتمـــاع‬ ‫الري ــاض ال ــذي ش ــهد والدة التحال ــف الدول ــي ملكافح ــة اإلره ــاب‬ ‫بتاري ــخ ‪ 26‬نوفمب ــر ‪2017‬م‪ ،‬وال ــذي حض ــره ‪ 40‬بل ـ ًدا م ــن آس ــيا‪،‬‬ ‫إفريقي ــا وأورب ــا‪ .‬حي ــث ت ــرى اجلزائ ــر أنه ــا حت ــارب اإلره ــاب‬ ‫والتط ــرف من ــذ أكث ــر م ــن عقدي ــن وبات ــت صاحب ــة مذه ــب يف‬ ‫ه ــذا الش ــأن‪ ،‬وم ــن ث ــم فه ــي ليس ــت بحاج ــة إل ــى االنضم ــام إل ــى‬ ‫مب ــادرات أخ ــرى‪.‬‬ ‫وســـبق للجزائـــر وأن رفضـــت االنضمـــام يف ‪2015‬م‪ ،‬إلـــى‬ ‫حتج ــج وزي ــر‬ ‫التحال ــف العرب ــي لدع ــم الش ــرعية يف اليم ــن ‪ ،‬وق ــد‬ ‫ّ‬ ‫خارجيته ــا رمط ــان العمام ــرة ق ــرار ب ــالده يف القم ــة التحضيري ــة‬ ‫للقمـــة العربيـــة بشـــرم الشـــيخ بتاريـــخ ‪ 26‬مـــارس ‪2016‬م‪ ،‬بـــأن‬ ‫العقيـــدة العســـكرية للجيـــش اجلزائـــري متنـــع إرســـال جنـــود‬ ‫للقتــال خــارج احلــدود‪ .‬لكنــه أكــد بــأن اجلزائــر مســتعدة لتقــدمي‬ ‫أي دعــم لوجســتي إذا اقتضــى األمــر؛ دون أن يعنــي ذلــك إرســال‬ ‫وح ــدات عس ــكرية‪.‬‬ ‫وتُبــ ّرر اجلزائ ــر موقفه ــا م ــن االقت ــراح املص ــري بإنش ــاء "ق ــوة‬ ‫عربي ــة" ملكافح ــة اإلره ــاب‪ ،‬الت ــي نوقش ــت داخ ــل جامع ــة ال ــدول‬ ‫العربيـــة؛ بـــأن الفكـــرة خرجـــت عـــن نطـــاق املنظمـــة اإلقليميـــة‬ ‫وأخ ــذت أبع ــا ًدا أخ ــرى‪ ،‬بع ــد أن مت الطل ــب م ــن دول غي ــر عربي ــة‬ ‫مث ــل باكس ــتان وتركي ــا االنضم ــام إليه ــا‪ .‬وه ــو م ــا رفضت ــه اجلزائ ــر‬ ‫بدع ــوى أن إس ــالم آب ــاد وأنق ــرة حليف ــن اس ــتراتيجين للوالي ــات‬ ‫املتحـــدة األمريكيـــة‪ .‬فباكســـتان تضـــم مركـــز قيـــادة احلـــركات‬ ‫اإلســـالمية اجلهاديـــة العامليـــة‪ .‬أمـــا تركيـــا فجـــزء مهـــم ضمـــن‬ ‫إس ــتراتيجية حل ــف الش ــمال األطلس ــي يف مرحل ــة م ــا بع ــد احل ــرب‬ ‫الب ــاردة‪ ،‬وحلي ًف ــا إلس ــرائيل‪ .‬كم ــا أن تورطه ــا يف املأس ــاة الس ــورية‬ ‫ال يخف ــى عل ــى أح ــد‪.‬‬

‫* أستاذ بجامعة أمحمد بوقرة ‪ -‬بومرداس ‪ -‬عميد كلية الحقوق سابقًا‬

‫‪84‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫حساســية إلدانــة النظــام الســوري خو ًفــا مــن ردود أفعــال الــرأي‬ ‫العــام الجزائــري الداخــي يف حالــة تبنــي أي موقــف ضــد ســوريا‬ ‫إن دع ــم اجلزائ ــر املفت ــرض لعملي ــة "الكرام ــة" بقي ــادة اجلن ــرال‬ ‫حفتــر يف مايــو ‪ 2014‬م‪( ،‬وهــو مــا لــم تؤكــده الســلطات اجلزائريــة)‪،‬‬ ‫يُنظــر إليــه كنــوع مــن البراغماتيــة مــن قبــل الدبلوماســية اجلزائريــة‬ ‫يرم ــي إل ــى احل ــد م ــن االنخ ــراط العمليات ــي للجزائ ــر يف الش ــؤون‬ ‫الداخلي ــة لليبي ــا‪ .‬وق ــد أعل ــن اجلن ــرال حفت ــر أن ــه ال يُع ــارض قي ــام‬ ‫مص ــر واجلزائ ــر بتوجي ــه ضرب ــات جوي ــة ض ــد معاق ــل اإلس ــالمين‬ ‫املتشـــددين يف ليبيـــا‪ .‬بيـــد أن اجلزائـــر لهـــا وجهـــة نظـــر مغايـــرة‬ ‫مضمونهــا أن أي دعــم مباشــر للجنــرال حفتــر يتوقــف علــى قدرتهــا‬ ‫يف أن تك ــون عام ــل اس ــتقرار ب ــدالً م ــن عام ــل توت ــر‪.‬‬ ‫وتب ــرز أهمي ــة التنس ــيق اجلزائ ــري ـ الروس ــي يف املل ــف الليب ــي‬ ‫يف أن توص ــل اجلزائ ــر إل ــى إقن ــاع بقي ــة الفصائ ــل الليبي ــة بض ــرورة‬ ‫إقام ــة قاع ــدة عس ــكرية روس ــية يف ليبي ــا‪ .‬وه ــو م ــا س ــيؤدي حت ًم ــا‬ ‫إلـــى حتقيـــق نـــوع مـــن تـــوازن القـــوى يف حـــوض املتوســـط‪ ،‬وكـــذا‬ ‫تخفي ــف الضغ ــوط األوروبي ــة والفرنس ــية حتديـ ـدًا عل ــى اجلزائ ــر‪.‬‬ ‫تخشـــى اجلزائـــر مـــن أن تـــؤدي تدخـــالت القـــوى الكبـــرى يف‬ ‫األزمــة الليبيــة إلــى نســف جهودهــا لتســوية سياســية لهــذه األزمــة‪.‬‬ ‫لذل ــك عارض ــت املخط ــط الفرنس ــي للتدخ ــل العس ــكري يف ليبي ــا‬ ‫بدع ــوى حتري ــر ه ــذا البل ــد م ــن اإلس ــالمين املتش ــددين‪ ،‬بالنظ ــر‬ ‫إل ــى النتائ ــج الوخيم ــة ملث ــل ه ــذا اخلط ــوة عل ــى اس ــتقرار املنطق ــة‪.‬‬ ‫فقــد أدى التدخــل العســكري الفرنســي يف مالــي "ينايــر ‪2013‬م‪"،‬‬ ‫إلــى تراجــع عناصــر تنظيــم القاعــدة يف بــالد املغــرب وجماعــة‬ ‫املرابطــون التــي يتزعمهــا مختــار بلمختــار إلــى منطقــة جنــوب غــرب‬ ‫ليبيــا‪ ،‬بينمــا اســتقرت مجموعــة مســلحة تزعــم بأنهــا تنضــوي حتــت‬ ‫لــواء الدولــة اإلســالمية يف منطقــة درنــة‪ .‬وتكمــن خطــورة هــذه‬ ‫املجموعــات يف أنهــا اســتولت علــى األســلحة التــي ألقــى بهــا حلــف‬ ‫الناتــو إلــى ثــوار ليبيــا‪ ،‬وهــو مــا يُشــكل تهديــدًا خطيــ ًرا بالنســبة‬ ‫ملنطقــة املغــرب والســاحل‪.‬‬ ‫وأمـام هـذا الوضـع اخلطيـر حتـاول اجلزائـر احتـواء انتشـار‬ ‫األسـلحة الليبية يف منطقة الصحراء والسـاحل‪ ،‬وإعادة إحياء اتفاقية‬ ‫غدامـس "‪"2013‬م‪ ،‬بـن اجلزائـر‪ ،‬تونس وليبيا‪ ،‬وهي االتفاقية التي مت‬ ‫تدخـل ح ّيـز التنفيـذ بسـبب سـيطرة املتطرفـن اجلهاديـن وعصابـات‬ ‫التهريـب علـى احلـدود املشـتركة بـن ليبيـا واجلزائـر‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬الجزائر والصراع عى سوريا‬ ‫تب ّنــت اجلزائــر منــذ انــدالع األزمــة الســورية يف ‪2011‬م‪ ،‬موق ًفــا‬ ‫ثاب ًت ــا م ــن احل ــرب يف ب ــالد الش ــام‪ ،‬حي ــث يب ــدو موقفه ــا منس ــج ًما‬

‫مـــع قناعاتهـــا واملبـــادئ التـــي تقـــوم عليهـــا سياســـتها اخلارجيـــة؛‬ ‫حـــن رفضـــت اجلزائـــر أي تدخـــل عســـكري أجنبـــي يف ســـوريا‪،‬‬ ‫األم ــر ال ــذي أضف ــى مصداقي ــة عل ــى جهوده ــا الدبلوماس ــية إلنه ــاء‬ ‫ميك ــن‬ ‫الص ــراع‪ .‬فاجلزائ ــر دول ــة مس ــلمة عل ــى املذه ــب الس ــني‪ ،‬وال ُ‬ ‫أن تُتهـــم بأنهـــا منحـــازة لدمشـــق العتبـــارات طائفيـــة (شـــيعية أو‬ ‫علوي ــة) مث ـ ً‬ ‫ـال‪.‬‬ ‫وانطال ًقــا مــن إدراكهــا لـ"الربيــع العربــي" تتصــور اجلزائــر أن‬ ‫ســوريا ضحيــة مؤامــرة كونيــة تســتهدف أمنهــا ووحدتهــا الوطنيــة‪،‬‬ ‫وهــي بحكــم موقعهــا اجلغــرايف تشــهد تدخــل قــوى إقليميــة ودوليــة‬ ‫عديــدة يف أزمتهــا الداخليــة‪ ،‬األمــر الــذي جنــم عنــه تدفــق عشــرات‬ ‫اآلالف مــن املقاتلــن األجانــب إلــى بــالد الشــام‪ ،‬مــا زاد األزمــة‬ ‫الســورية أكثــر تعقي ـدًا‪.‬‬ ‫وبســبب متســكها بقناعاتها وجدت اجلزائر نفســها داخل جامعة‬ ‫الــدول العربيــة يف مواجهــة سياســات مجلــس التعــاون اخلليجــي جتــاه‬ ‫احلــرب علــى ســوريا‪ .‬ويف كل القمــم العربيــة منــذ ‪2011‬م‪ ،‬ج ـ ّددت‬ ‫اجلزائــر التأكيــد علــى متســكها بحــل سياســي لألزمــة الســورية‪،‬‬ ‫ورفضهــا االنضمــام إلــى أي حتالــف عربــي أو دولــي إلســقاط النظــام‬ ‫الســوري‪ .‬ووفقـاً للرؤيــة اجلزائريــة فــإن أي تدخــل أجنبــي يف ســوريا‬ ‫ســيؤدي حت ًمــا إلــى تأجيــج التوتــرات‪ ،‬وميكــن أن يــؤدي إلــى انــدالع‬ ‫حــرب طائفيــة إقليميــة تــدوم لعقــود طويلــة‪.‬‬ ‫مــن جهــة ثانيــة‪ ،‬هنــاك إجمــاع يف اجلزائــر بــن النظــام والــرأي‬ ‫العــام بخصــوص املوقــف مــن األزمــة الســورية‪ ،‬حيــث حتظــى مســألة‬ ‫إدانـــة النظـــام الســـوري بحساســـية شـــديدة لـــدى اجلزائريـــن‪ .‬إذ‬ ‫تخشــى الســلطات اجلزائريــة مــن ردود أفعــال الــرأي العــام يف حالــة‬ ‫أي تبن ــي أي موق ــف ض ــد س ــورية‪ .‬ف ــاإلدراك اجلزائ ــري مل ــا يج ــري‬ ‫يف ب ــالد الش ــام م ــؤداه أن دمش ــق ضحي ــة مخط ــط يس ــتهدف أمنه ــا‬ ‫ووحدته ــا الترابي ــة ويرم ــي إل ــى تقس ــيمها إل ــى دوي ــالت يف إط ــار‬ ‫مش ــروع الش ــرق األوس ــط الكبي ــر‪ .‬وينظ ــر اجلزائري ــون عمو ًم ــا إل ــى‬ ‫معارض ــة النظ ــام الس ــوري بأنه ــا م ــرادف خليان ــة القضي ــة العربي ــة‪،‬‬ ‫والعمالـــة لالمبرياليـــة ولإلرهـــاب الدولـــي‪ .‬ووف ًقـــا لهـــذا الطـــرح‪،‬‬ ‫فـــإن عـــداء الغـــرب لســـورية ٍ‬ ‫كاف يف نظـــر اجلزائريـــن للتضامـــن‬ ‫م ــع دمش ــق‪.‬‬ ‫أضــف إلــى ذلــك أن الصــراع علــى ســوريا هــو أحــد تداعيــات‬ ‫"الربيــع العربــي"‪ ،‬الــذي تعتبــره اجلزائــر مــن صنــع االمبرياليــة‬ ‫العامليــة ومؤامــرة كونيــة لتفكيــك مــا تبقــى مــن الــدول العربيــة‬ ‫املعاديــة للكيــان الصهيونــي واملعارضــة للتطبيــع معــه‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الليبيــة‪ .‬ومــن بــن هــؤالء الالعبــن اإلقليميــن نذكــر مصــر واإلمارات‬ ‫التــي نفـ ّذ ســالحها اجلــوي غــارات علــى أهــداف داخــل ليبيــا بدعــم‬ ‫مــن القاهــرة‪ ،‬وهــي اخلطــوة التــي رأت فيهــا اجلزائــر بأنهــا قــد تــؤدي‬ ‫إلــى عواقــب وخيمــة علــى أمــن واســتقرار املنطقــة برمتهــا‪.‬‬ ‫وبالنظــر إلــى مكانــة مصــر كقــوة إقليميــة ومعنيــة بشــكل مباشــر‬ ‫مبــا يجــري يف ليبيــا‪ ،‬وبالرغــم مــن التبايــن يف السياســتن اجلزائريــة‬ ‫واملصريــة مــن امللــف الليبــي؛ إ ّال أن اجلزائــر تعتقــد أن التنســيق‬ ‫مــع القاهــرة حتــت مظلــة املجلــس األعلــى اجلزائري‪-‬املصــري قــد‬ ‫يكــون مدخـ ً‬ ‫ال حلــل األزمــة الليبيــة بالطــرق الســلمية‪ .‬وذلــك بالرغــم‬ ‫مــن التبايــن يف سياســة الدولتــن جتــاه األزمــة الليبيــة؛ فمصــر ال‬ ‫ترغــب يف مشــاركة اإلخــوان املســلمن يف آيــة عمليــة سياســية‪ ،‬بينمــا‬ ‫تتمســك اجلزائــر بحــوار جامــع ال يقصــي أي طــرف ليبــي‪.‬‬ ‫كمــا تصطــدم املســاعي اجلزائريــة حلــل األزمــة يف ليبيــا بعقبــات‬ ‫عديــدة‪ ،‬ل ّعــل يف مقدمتهــا ارتبــاط الالعبــن احملليــن بأطــراف‬ ‫خارجيــة دوليــة وإقليميــة‪ ،‬األمــر الــذي أدى إلــى تأجيــل جــوالت‬ ‫احلــوار يف اجلزائــر عــدة مــرات‪.‬‬ ‫وم ــن ب ــن الفصائ ــل الت ــي أبان ــت ع ــن اس ــتعدادها للمش ــاركة يف‬ ‫احلــوار الوطنــي الليبــي نذكــر حكومــة وبرملــان طبــرق املعتــرف بهمــا‬ ‫م ــن قب ــل األوروبي ــن واألمريكي ــن‪ ،‬إل ــى جان ــب وف ــد م ــن املؤمت ــر‬ ‫العـــام الوطنـــي (أحمـــد قـــذاف الـــدم‪ ،‬منســـق ســـابق للعالقـــات‬ ‫املصرية‪-‬الليبيـــة إبـــان عهـــد القـــذايف‪ ،‬واجلنـــرال خليفـــة حفتـــر‪،‬‬ ‫قائـــد عمليـــة الكرامـــة‪ ،‬واجلنـــرال علـــي قانـــة‪ ،‬ضابـــط ســـابق يف‬ ‫نظـــام القـــذايف)‪ .‬أمـــا املعارضـــون للحـــوار نذكـــر القـــادة املقربـــون‬ ‫م ــن أنص ــار الش ــريعة‪ ،‬وه ــي منظم ــة تابع ــة إل ــى حتال ــف املجل ــس‬ ‫الث ــوري الب ــن غ ــازي؛ حي ــث يطعن ــون يف ش ــرعية حفت ــر‪ ،‬ويطالب ــون‬ ‫باس ــتبعاده م ــن املفاوض ــات‪.‬‬ ‫ويفـــرض اســـتمرار التوتـــر يف ليبيـــا علـــى اجلزائـــر ضـــرورة‬ ‫تأم ــن احل ــدود املش ــتركة ب ــن البلدي ــن والت ــي يف ــوق طوله ــا ‪900‬‬ ‫كل ــم‪ .‬فمن ــذ ‪2011‬م‪ ،‬فق ــد قام ــت اجلزائ ــر بنش ــر م ــا ب ــن ‪ 30‬و‪40‬‬ ‫أل ــف جن ــدي عل ــى ط ــول احل ــدود‪ ،‬وه ــي إج ــراءات ج ـ ُّد مكلف ــة م ــن‬ ‫الناحيـــة املاليـــة‪ .‬كمـــا عـــززت وســـائلها الدفاعيـــة مـــن مدرعـــات‬ ‫وطيـــران حربـــي‪ .‬وقامـــت تأمـــن احلـــدود اجلزائريـــة النيجيريـــة‬ ‫واحلـــدود اجلزائريـــة املاليـــة‪.‬‬ ‫ولكــن مــا هــي طبيعــة األوراق التــي بحــوزة اجلزائــر وتؤهلهــا‬ ‫إلــى االضطــالع بــدور أساســي يف األزمــة الليبيــة؟ ميكــن القــول أن‬ ‫اجلزائــر تتحــرك جتــاه ليبيــا مدفوعــة بحقائــق التاريــخ واجلغرافيــا‪،‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪83‬‬

‫ملف العدد‬

‫حيــث تعــرف جيــداً األرض الليبيــة‪ ،‬ويحتفــظ جهاز مخابراتها بشــبكة‬ ‫عالقــات واســعة مــع أطــراف األزمــة ســواء مــع أنصــار القــذايف أو مــع‬ ‫املعارضــة املســلحة‪.‬‬ ‫كــمــ ــا تـوظـ ــف الـجـزائـ ــر مـعـرفـتـهـ ــا الـجـ ــيدة بالـجـماعـ ــات‬ ‫اإلســـالمية يف الـمـغــــرب الـعـربــــي‪ ،‬لـبــــناء شبكــــة عالقـــات مـــع‬ ‫اجلماعــات اإلســالمية الليبيــة وبعــض رموزهــا مثــل عبــد احلكيــم‬ ‫بلح ــاج (قائ ــد س ــابق يف اجلماع ــة الليبي ــة املقاتل ــة‪ ،‬وقائ ــد س ــابق‬ ‫للمجلـــس العســـكري يف طرابلـــس)‪ .‬وقـــد لعـــب زعيـــم حركـــة‬ ‫النهضـــة التونســـية الشـــيخ راشـــد الغنوشـــي دو ًرا يف مســـاعدة‬ ‫اجلزائــر علــى ربــط اتصــاالت مــع الوجــوه اإلســالمية املعتدلــة يف‬ ‫ليبيــا‪ .‬ويف هــذا الشــأن‪ ،‬تتقاطــع املقاربــة اجلزائريــة مــع السياســة‬ ‫القطري ــة والتركي ــة يف ليبي ــا والت ــي تتمث ــل يف إضع ــاف اجلماع ــات‬ ‫التكفيريـــة وحتييدهـــا مـــن خـــالل دعـــم اإلخـــوان املســـلمن‬ ‫واجلماعـــات الســـلفية غيـــر اجلهاديـــة‪.‬‬ ‫وي ّنــص املخطــط اجلزائــري حلــل األزمــة الليبيــة علــى ضــرورة‬ ‫إج ــراء مفاوض ــات مباش ــرة م ــع جمي ــع الفصائ ــل الليبي ــة‪ ،‬بعيـ ـ ًدا‬ ‫ع ــن أي تدخ ــل خارج ــي‪ ،‬لكن ــه يب ــدأ بتوحي ــد املأموري ــة السياس ــية‬ ‫لل ــدول املعني ــة بش ــكل مباش ــر بالص ــراع يف ليبي ــا‪ ،‬وعل ــى رأس ــها‬ ‫مصـــر‪ .‬كمـــا يتضمـــن املخطـــط اجلزائـــري اقتـــراح إعـــادة بنـــاء‬ ‫الدولــة يف ليبيــا‪ ،‬وإقامــة مؤسســات قويــة بجيــش وحكومــة وطنيــة‬ ‫حملارب ــة اإلره ــاب واجلرمي ــة املنظم ــة‪ .‬ولبل ــوغ تل ــك الغاي ــة حت ــاول‬ ‫اجلزائ ــر إقن ــاع الليبي ــن بض ــرورة الذه ــاب إل ــى مصاحل ــة وطني ــة‬ ‫حقيقيـــة تضمـــن ترســـيخ مشـــروعية املؤسســـات وتعبئـــة كافـــة‬ ‫الوســـائل واملـــوارد إلعـــادة إعمـــار مـــا خربتـــه احلـــرب األهليـــة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫طويـــال يف‬ ‫وتتصـــور اجلزائـــر أن النزاعـــات التـــي تســـتغرق وقتًـــا‬ ‫إيجـــاد حلـــول دائمـــة تتخـــذ مســـارات غيـــر مضمونـــة النتائـــج‬ ‫وعواقبه ــا وخيم ــة عل ــى األم ــن اإلقليم ــي‪.‬‬ ‫وعلـــى الصعيـــد القـــاري‪ ،‬توظـــف اجلزائـــر نفوذهـــا لـــدى‬ ‫االحتـــاد اإلفريقـــي لفـــرض رؤيتهـــا للحـــل يف ليبيـــا‪ .‬أمـــا علـــى‬ ‫الصعيــد الدولــي‪ ،‬ميكــن القــول أن األزمــة الليبيــة أتاحــت للجزائــر‬ ‫فرصــة تعزيــز التعــاون الدبلوماســي مــع حليفهــا التقليــدي روســيا‪،‬‬ ‫حي ــث تتطل ــع وريث ــة االحت ــاد الس ــوفييتي الس ــابق إل ــى موط ــأ ق ــدم‬ ‫يف ليبي ــا م ــا بع ــد الق ــذايف وإقام ــة قاع ــدة عس ــكرية هن ــاك‪ .‬وق ــد‬ ‫اســـتطاعت اجلزائـــر إقنـــاع موســـكو بضـــرورة دعـــم اجلنـــرال‬ ‫خليف ــة حفت ــر ال ــذي أش ــرف عل ــى حمل ــة تطهي ــر ش ــرق ليبي ــا م ــن‬ ‫اإلســـالمين اجلهاديـــن‪.‬‬

‫"الربيـــع العربـــي" أثـــار مخـــاوف الجزائرييـــن مـــن تكـــرار مأســـاة‬ ‫التس ــعينيات الت ــي خلف ــت ‪ 200‬أل ــف قتي ــل و‪ 30‬ملي ــار دوالر خس ــائر‬

‫‪82‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الـــجــزائـ ــر تــلــقــ ــت تــحــذيــ ــرات مـ ــن روســـيــ ــا عــ ــن مــؤامــ ــرة‬ ‫خـــارجــيـــــة لــتـسـويــــق الـفـوضــــى عـبــــر "الــربـيــــع الــعــربــــي"‬ ‫ُميكــن اســتيرادها علــى ظهــر دبابــة‪ .‬وال نذيــع ســ ًرا إذا قلنــا بــأن‬ ‫"الربيــع العربــي" قــد أثــار مخــاوف النخبــة احلاكمــة مــن احتمــال‬ ‫انتقــال عــدوى االضطرابــات إلــى اجلزائــر‪ ،‬مبــا قــد يــؤدي إلــى تكــرار‬ ‫ســيناريو املأســاة الوطنيــة يف التســعينيات املاضيــة التــي أســفرت‬ ‫عــن مقتــل ‪ 200‬ألــف جزائــري يف أعمــال عنــف‪ ،‬وخســائر قــدرت‬ ‫بـــ ‪ 30‬مليــار دوالر‪ .‬وهــو مــا جعــل اجلزائريــن الذيــن لــم تندمــل‬ ‫جراحهــم بعــد يُحجمــون عــن تلبيــة كل دعــوة للتغييــر أو إســقاط‬ ‫النظــام‪ ،‬ويعتقــدون أن أصحابهــا حتركهــم ٍ‬ ‫أيــاد خارجيــة‪.‬‬ ‫وهــذا مــا دفــع اجلزائــر إلــى عــدم تأييــد الثورتــن املصريــة‬ ‫والليبيــة إلســقاط نظامــي مبــارك والقــذايف؛ رمبــا اعتقــا ًدا منهــا بــأن‬ ‫وصــول اإلســالمين إلــى احلكــم يف تونــس ومصــر‪ ،‬سـيُتيح الفرصــة‬ ‫لعناصــر جبهــة االنقــاذ احملظــورة للعــودة إلــى الســاحة السياســية‬ ‫وقلــب األوضــاع لصاحلهــم‪ .‬ومــرد هــذا هــو أن اجلزائــر تعتقــد‬ ‫أن األنظمــة املتهاويــة يف املنطقــة كانــت تشــكل ســدًا مني ًعــا ضــد‬ ‫احلــركات اإلســالمية الراديكاليــة‪ .‬وبســقوطها تكــون بيئــة اجلزائــر‬ ‫اإلقليميــة قــد تعرضــت للتجريــف‪ ،‬وهــو مــا يجعــل األمــن الوطنــي‬ ‫اجلزائــري منكشــ ًفا بشــكل غيــر مســبوق‪.‬‬ ‫ومــا زاد مــن حــدة املخــاوف اجلزائريــة حتذيــر روســيا للجزائــر‬ ‫مــن وجــود مؤامــرة خارجيــة ُحتــاك ضدهــا لتســويق الفوضــى‬ ‫إليهــا عــن طريــق "الربيــع العربــي"‪ ،‬حيــث تســعى أطــراف خارجيــة‬

‫إلــى توظيــف األقليــات واالثنيــات والشــبكات اإلرهابيــة لزعزعــة‬ ‫اســتقرارها وإثــارة الفوضــى فيهــا‪ .‬وقــد أكــد وزيــر خارجيــة روســيا‬ ‫ســيرغاي الفــروف أن هــذه األطــراف ســبق لهــا وأن نشــرت الفوضــى‬ ‫يف بيئــة اجلزائــر اإلقليميــة انطال ًقــا مــن ليبيــا‪ ،‬تونــس ومالــي‪ ،‬حيــث‬ ‫متثــل هــذه الــدول العمــق االســتراتيجي للجزائــر‪.‬‬ ‫ووف ًقا لهذا الطرح‪ ،‬فإن اسـتهداف العمق االسـتراتيجي للجزائر‬ ‫يف ليبيـا ومالـي وإثـارة الفوضـى يف تونـس‪ ،‬هـو اسـتهداف لألمـن‬ ‫القومـي اجلزائـري‪ ،‬وهـو مـا يعنـي أن اجلزائـر معنيـة بشـكل مباشـر‬ ‫مبـا يجـري يف بيئتهـا اإلقليميـة وعليهـا التحـرك إلعـادة االسـتقرار‪.‬‬

‫ثان ًيا ‪ :‬اإلدراك الجزائري لتطورات األوضاع يف ليبيا‬

‫خلّــف ســقوط نظــام القــذايف واق ًعــا جدي ـدًا يتمثــل يف إضعــاف‬ ‫الفواعــل السياســية التقليديــة يف ليبيــا املنبثقــة عــن النظــام القبلــي؛‬ ‫حيــث ظهــرت بــدالً منهــا فواعــل جديــدة أو مــا يعــرف بالثــوار‪،‬‬ ‫يســتمدون شــرعيتهم مــن املشــاركة يف الثــورة‪ .‬كمــا أنتجــت الفوضــى‬ ‫الليبيــة جماعــات مســلحة انتشــرت يف مناطــق ليبيــا‪ ،‬وكل جماعــة لهــا‬ ‫والءات ُمتعــددة‪ ،‬ومرتبطــة بجهــات خارجيــة‪.‬‬ ‫ومــن ثــم تنظــر اجلزائــر إلــى األزمــة الليبيــة باعتبارهــا أزمــة‬ ‫ُمعقــدة؛ حيــث حتولــت ليبيــا إلــى مســرح لتدخــل العبــن دوليــن‬ ‫واقليميــن‪ ،‬كل فاعــل يحــاول فــرض مأموريتــه علــى أطــراف األزمــة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪81‬‬

‫ملف العدد‬

‫ثوابــت تاريخيــة ومخــاوف داخليــة تبعــد الجزائــر عــن ملفــات الربيــع العربــي‬

‫الــــربـيـع الـــعـــربــي‪:‬‬ ‫تـأمــــالت فــــي الــمـوقــــف الــجــزائــــري‬ ‫تقتضــي التحــوالت الدوليــة الســريعة ومواجهتهــا بتفعيــل سياســة خارجيــة قــادرة علــى التعامــل مــع املســتجدات والتك ّيــف‬ ‫معهــا‪ ،‬وإحــداث ترتيبــات تســتفيد مــن الفــرص املتاحــة وتقليــص ثقــل القيــود واالســتجابة ملتطلبــات التغييــر الضروريــة‬ ‫لتعظيــم املكاســب وتقليــل اخلســائر‪ ،‬واحملافظــة علــى املكانــة اإلقليميــة والدوليــة الالئقــة بإمكانــات اجلزائــر‪ .‬وتســتدعي مثــل‬ ‫هــذه األمــور مزيـدًا مــن اســتغالل املقــدرات املختلفــة‪ ،‬وجتميــع الطاقــات الوطنيــة مــن أجــل إجنــاز سياســة خارجيــة فاعلــة‬ ‫ومثمــرة ورشــيدة‪ .‬وال بــد مــن استشــراف مخطــط للسياســة اخلارجيــة‪ ،‬واإلبقــاء علــى االنتبــاه الدائــم ملــا ميكــن أن تــؤول إليــه‬ ‫األمــور يف اآلمــاد املختلفــة‪ .‬لقــد كان للحــراك الــذي غمــر احمليــط اإلقليمــي العربــي للجزائــر "‪ 2010‬و‪2011‬م"‪ ،‬دور معتبــر‬ ‫يف إدراك القائمــن علــى السياســة اخلارجيــة اجلزائريــة‪ ،‬ومــن ثــم صياغــة املواقــف التــي يتوجــب اتخاذهــا تب ًعــا للصــور‬ ‫املشــكلة لديهــم عــن ذلــك احلــراك‪ .‬وترتــب علــى ذلــك نقــاش وتفســيرات وتقوميــات للموقــف اجلزائــري‪ ،‬حيــث وصــف مــن‬ ‫قبــل البعــض بالتــردد والتخبــط‪ .‬ومــن قبــل آخريــن باحلــذر واخلــوف مــن مــآالت األمــور وانعكاســاتها علــى اجلزائــر‪.‬‬

‫د‪ .‬فتحي بولعراس‬

‫الـمـشـكـلـة البـحـثية‪:‬‬ ‫أبان املوقف اجلزائري جتاه ما يُسمى بـ"الربيع العربي" عن بَون‬ ‫شاسع بن تصور وإدراك موروثن عن السنوات األولى لالستقالل وبن‬ ‫سياق استراتيجي متغ ّير‪ ،‬ومعالم ترى اجلزائر بأنها ضد املبادئ التي‬ ‫تدافع عنها‪ .‬لقد كشفت "الثورات العربية" عن مشكلة لصيقة بالسياسة‬ ‫اخلارجية ويتعلق األمر بتطوير ومتثيل دور اجلزائر يف السياسة الدولية‬ ‫وتأسيسا على ذلك ميكن أن نطرح التساؤالت التالية‪:‬‬ ‫ويف عالم متغ ّير‪.‬‬ ‫ً‬ ‫● كيــف ميكــن تفســير الســلوك اجلزائــري جتــاه التحــوالت السياســية‬ ‫يف املنطقــة العربية؟‬ ‫● إلــى أي مــدى ميكــن اعتبــار هاجــس بقــاء واســتمرار النظــام هــو‬ ‫ُ‬ ‫احملــدد الرئيســي للسياســة اخلارجيــة اجلزائريــة جتــاه التحــوالت‬ ‫السياســية يف املنطقــة العربيــة؟‬ ‫● مــا هــي االعتبــارات األخــرى التــي أملــت علــى اجلزائــر تبنــي تلــك‬ ‫املواقــف جتــاه األوضــاع يف ليبيــا‪ ،‬ســورية واليمــن؟‬

‫أوالً‪ُ :‬صور ومواقف المق ّررين الجزائريين عن الحراك العربي‬ ‫فوجئــت اجلزائــر كغيرهــا مــن الــدول العربيــة بأحــداث "الربيــع‬ ‫العربــي" يف مصــر وتونــس وليبيــا‪ ،‬وســورية واليمــن‪ .‬وبــدا موقفهــا‬

‫ً‬ ‫غامضــا مــن التحــوالت السياســية يف املنطقــة العربيــة‪ .‬وأدرك ص ّنــاع‬ ‫القــرار يف اجلزائــر أن بقــاء واســتمرار النظــام مرهــون باســتقرار‬ ‫بيئتــه اإلقليميــة‪ .‬ومــن ثــم قــ ّررت اجلزائــر تبنــي سياســة الدفــاع‬ ‫عــن األنظمــة العربيــة التــي انهالــت عليهــا ســياط "الربيــع العربــي"‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مخططــا أجنب ًيــا يرمــي إلــى إعــادة رســم جغرافيــة منطقــة‬ ‫باعتبــاره‬ ‫الشــرق األوســط وشــمال إفريقيــا‪ .‬وهــو مــا عنــاه الرئيــس بوتفليقــة‬ ‫حــن انتقــد احلــراك العربــي بالنظــر إلــى مــا خلفّــه مــن دمــار‬ ‫وفوضــى يف ليبيــا‪ ،‬ســورية واليمــن‪ ،‬حيــث حـ ّذر مواطنيــه مــن وجــود‬ ‫"خطــر اعتــداء خارجــي" علــى أمــن البــالد‪.‬‬ ‫ويف خطابـه بتاريـخ ‪2012/04/16‬م‪ ،‬يف مناسـبة يـوم العلـم؛ قـال‬ ‫الرئيـس اجلزائـري‪" :‬إن اجلزائـر كبقيـة الشـعوب التـي عانـت مـن‬ ‫االسـتعمار قـد تعلـم بـأن أيـة جهـات خارجيـة‪ ،‬مهما بلغت مـن التطور‬ ‫الدميقراطـي والتنمـوي‪ ،‬ال ميكنهـا أن متنحـه الدميقراطيـة والتنمية‪.‬‬ ‫إن مـا يجـري يف املنطقـة العربيـة حتـت غطـاء الدميقراطيـة واحترام‬ ‫حقـوق اإلنسـان يبقـى محـل نقـاش‪ ،‬لكـن الدميقراطية قبـل التنمية ال‬ ‫تعطـى كهبـة وال تسـتورد كمصنـع يف صيغـة مفتـاح يف البيـد"‪.‬‬ ‫وبعبــارة أخــرى‪ ،‬أراد الرئيــس اجلزائري القــول بأن الدميقراطية‬ ‫هــي اختيــار دولــة ومجتمــع‪ ،‬وتفرزهــا صناديــق االنتخابــات‪ ،‬وال‬

‫‪80‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫إلـــى العائـــدات املاليـــة التـــي تكســـبها اجلماعـــات اإلرهابيـــة يف‬ ‫غــرب إفريقيــا يف تقاطــع املصالــح مــع جماعــات اجلرميــة املنظمــة‬ ‫العاب ــرة للح ــدود‪ ،‬فإنه ــا تعتم ــد عل ــى إجب ــار ال ــدول الغربي ــة عل ــى‬ ‫دف ــع الفدي ــة مقاب ــل اختط ــاف الرعاي ــا الغربي ــن ويف ه ــذا املج ــال‬ ‫فـــإن بوكـــو حـــرام لديهـــا خبـــرة كبيـــرة يف االجتـــار باملختطفـــن‪،‬‬ ‫بحي ــث تق ــدر املصال ــح االس ــتخباراتية األمريكي ــة اخلاص ــة‪ ،‬مع ــدل‬ ‫أربـــاح بوكـــو حـــرام مـــن االختطافـــات احملليـــة ألصحـــاب الثـــروة‬ ‫يف نيجيري ــا‪ ،‬ملي ــون دوالر مقاب ــل كل مختط ــف‪ ،‬يف الوق ــت ال ــذي‬ ‫أش ــارت صحيف ــة "ذو وي ــك" البريطاني ــة ب ــأن جماع ــة بوك ــو ح ــرام‬ ‫تلقـــت حوالـــي ‪ 3.5‬مليـــون دوالر كفديـــة مـــن قبـــل املفاوضـــن‬ ‫الفرنس ــين والكاميروني ــن مقاب ــل إط ــالق س ــراح‬ ‫العائل ــة الفرنس ــية "م ــوالن فورني ــي"‪ .‬كم ــا تش ــير‬ ‫التقديـــرات األمريكيـــة إلـــى عائـــدات التعـــاون‬ ‫بـــن بوكـــو حـــرام وجماعـــات اجلرميـــة املنظمـــة‬ ‫يف الفتـــرة مـــا بـــن ‪ 2006‬و‪ 2011‬مـــا يعـــادل ‪35‬‬ ‫ملي ــار فرن ــك إفريق ــي‪ .‬كم ــا تعتم ــد جماع ــة بوك ــو‬ ‫ح ــرام عل ــى طريق ــة داع ــش يف ف ــرض الضرائ ــب‬ ‫عل ــى الس ــكان يف املناط ــق الت ــي تس ــيطر عليه ــا يف‬ ‫ش ــمال ش ــرق نيجيري ــا وتراق ــب كل أن ــواع التج ــارة‬ ‫املوازيـــة مـــن الســـجائر إلـــى ســـوق الســـيارات‬ ‫الت ــي جتن ــي م ــن خالل ــه م ــا ب ــن ‪ 175‬أل ــف إل ــى ‪ 450‬أل ــف ي ــورو‬ ‫شــهريا وهــي قيمــة ماليــة ضعيفــة مقارنــة مبــا تكســبه داعــش مــن‬ ‫الضرائ ــب الت ــي كان ــت تص ــل إل ــى ‪ 360‬ملي ــون دوالر س ــنويا‪ ،‬وم ــن‬ ‫حس ــن ح ــظ نيجيري ــا ف ــإن امل ــوارد النفطي ــة احليوي ــة موج ــودة يف‬ ‫دلتــا النيجــر يف اجلنــوب وليــس يف الشــمال وإال الكتســبت جماعــة‬ ‫بوك ــو ح ــرام مص ــادر للق ــوة التمويلي ــة تق ــوض به ــا أس ــس الدول ــة‬ ‫املركزي ــة يف أبوج ــا‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ـخصا م ــن بينه ــم وزراء‬ ‫اإلع ــالم النيجي ــري‪ ،‬الي محم ــد‪ " ،‬أن ‪ 55‬ش ـ ً‬ ‫س ــابقون اختلس ــوا م ــا يع ــادل ‪ 7‬مالي ــارات دوالر عل ــى م ــدى س ــبعة‬ ‫س ــنوات يف الفت ــرة م ــا ب ــن ‪ 2006‬و‪ "2013‬وخت ــم بقول ــه‪ ":‬إذا ل ــم‬ ‫يقــض علــى الفســاد فإنــه ســيقضي علــى نيجيريــا"‪ ،‬متغيــر الفســاد‬ ‫يســـاهم يف ضعـــف الدولـــة يف بســـط قوتهـــا وقدرتهـــا التوزيعيـــة‬ ‫والتنموي ــة‪ ،‬وه ــو من ــوذج واض ــح يف مال ــي م ــع االنق ــالب العس ــكري‬ ‫عل ــى الرئي ــس‪ ،‬أم ــادو تومان ــي ت ــوري‪ ،‬يف ‪ 21‬م ــارس ‪ ، 2012‬ال ــذي‬ ‫ق ــاده مجموع ــة م ــن العس ــكرين بحج ــة ع ــدم اس ــتجابة احلكوم ــة‬ ‫ملطالـــب اجليـــش الـــذي يطالـــب بتســـليح القـــوات النظاميـــة قـــي‬ ‫ش ــمال مال ــي ال ــذي يتلق ــى خس ــائر عل ــى ي ــد اجلماع ــات اإلرهابي ــة‬ ‫املس ــلحة واجلماع ــات الترقي ــة املس ــلحة‪.‬‬ ‫وبســبب الفســاد وغيــاب احلكــم الراشــد يف كل‬ ‫مــن نيجيريــا ومالــي‪ ،‬جتــد اجلماعــات اإلرهابيــة‬ ‫احملليــة والعابــرة للحــدود‪ ،‬البيئــة املواتيــة لتمدد قوتها‬ ‫وبســط نفوذهــا وبنــاء حتالفــات عضويــة ووظيفيــة مــع‬ ‫جماعــات اجلرميــة املنظمــة العابــرة للحــدود‪.‬‬ ‫إلــى جانــب املتغيــر السياســي الداخلــي‪ ،‬فــإن‬ ‫املتغيــر اجليوسياســي يســاهم بشــكل واضــح يف‬ ‫إعطــاء الشــرعية للجماعــات اإلرهابيــة يف الترويــج‬ ‫ألدبياتهــا العامــة‪ ،‬مثــل الــوالء والبــراء ومحاربــة‬ ‫الكفــار والصليبيــن يف أرض اإلســالم واملســلمن‪ ،‬حيــث أن التواجــد‬ ‫العســكري الفرنســي يف منطقــة الســاحل وغــرب إفريقيــا يزيــد مــن‬ ‫تصاعــد اجلماعــات اإلرهابيــة‪ ،‬ألن التدخــالت العســكرية األجنبيــة‬ ‫مؤشــر علــى هشاشــة املنظومــة األمنيــة العســكرية لــدول غــرب‬ ‫أساســا يف البدايــة مــع التدخــل الفرنســي‬ ‫إفريقيــا‪ ،‬التــي تأثــرت‬ ‫ً‬ ‫الغربــي يف ليبيــا والتدخــل الفرنســي يف شــمال مالــي‪ ،‬واملعطــى‬ ‫اجليوسياســي ال ينظــر للقــوى اخلارجيــة علــى أنهــا جمعيــات خيريــة‬ ‫أو رجــال للحمايــة املدنيــة‪ ،‬وإمنــا يركــز علــى املصالــح احليويــة التــي‬ ‫أساســا يف‬ ‫تســعى مــن خاللهــا الــدول الكبــرى الكتســابها‪ ،‬واملتمثلــة‬ ‫ً‬ ‫املــوارد ذات البعــد العاملــي وكــم هــي كثيــرة يف غــرب إفريقيــا مثــل‪،‬‬ ‫اليورانيــوم‪ ،‬النفــط والذهــب‪.‬‬ ‫كمــا أن استشــراف املســتقبل يف غــرب إفريقيــا يبقــى مرهونــا‬ ‫بالتطــورات األمنيــة احلاصلــة يف الشــرق األوســط‪ ،‬مبــا ســتنتهي‬ ‫عليــه التنظيمــات اإلرهابيــة املعوملــة املتمثلــة يف تنظيــم القاعــدة‬ ‫وتنظيــم الدولــة "داعــش"‪ ،‬ألن واقــع اجلماعــات اإلرهابيــة يف غــرب‬ ‫إفريقيــا مرتبــط إيديولوجيــا وعمل ًيــا بــكال التنظيمــن‪ ،‬فــكل طــرف‬ ‫يريــد االســتثمار يف الطــرف اآلخــر للحفــاظ علــى البقــاء ألطــول‬ ‫مــدة ممكنــة‪.‬‬

‫بــــوكــــ ــو حــ ــرام‬ ‫اخــتــطــفــــت ‪١000‬‬ ‫طـفـــل فـــي نيـجـــيريا‬ ‫وقتل ــت ‪ ١295‬معل ًم ــا‬ ‫وحطمت ‪ ١400‬مدرسة‬

‫ثال ًثا‪ ،‬اإلرهاب يف غرب إفريقيا‪..‬إىل أين؟‬ ‫استشـــراف مســـتقبل االســـتراتيجية الدوليـــة واجلهويـــة التـــي‬ ‫تعتمدهــا دول املنطقــة مــن خــالل جتربــة القــوة العســكرية املختلطــة‬ ‫املتعــددة اجلنســيات لــدول حــوض التشــاد ومجموعــة دول الســاحل‬ ‫اخلمـــس‪ ،‬يف مواجهـــة اجلماعـــات اإلرهابيـــة يف غـــرب إفريقيـــا‪،‬‬ ‫يبق ــى يف مس ــاره الع ــام محكو ًم ــا مبجموع ــة م ــن املتغي ــرات الثقيل ــة‬ ‫الت ــي تؤث ــر عل ــى ق ــوة أو ضع ــف ال ــدول يف غ ــرب إفريقي ــا‪ ،‬أه ــم‬ ‫ه ــذه املتغي ــرات عل ــى املس ــتوى السياس ــي‪ ،‬غي ــاب احلك ــم الراش ــد‬ ‫واستشـــراء الفســـاد‪ ،‬ممـــا يعطـــي ورقـــة قـــوة لصالـــح اجلماعـــات‬ ‫اإلرهابيــة التــي تســتثمر يف املناطــق الهشــة للدولــة املركزيــة‪ ،‬ونقــدم‬ ‫مؤشــ ًرا واحــدًا لفه ــم تأثي ــر ه ــذا املتغي ــر يف أكب ــر دول ــة يف غ ــرب‬ ‫إفريقي ــا‪ ،‬الت ــي تع ــد أكب ــر دول ــة منتج ــة للنف ــط‪ ،‬حي ــث ص ــرح وزي ــر‬

‫* مدير املدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية )الجزائر(‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫التــي تشــمل الصليبيــن (العــدو البعيــد)‪ ،‬واألنظمــة املواليــة للغــرب‬ ‫(العــدو القريــب)‪.‬‬ ‫إلثبـــات قوتهـــا وقدرتهـــا القتاليـــة املتحديـــة لـــدول املنطقـــة‬ ‫واملش ــروع الفرنس ــي‪ ،‬نف ــذت اجلماع ــة مباش ــرة بع ــد اإلع ــالن ع ــن‬ ‫ميالدهـــا‪ ،‬هجو ًمـــا علـــى موقـــع عســـكري يف جنـــوب مالـــي علـــى‬ ‫احلــدود املتخمــة لشــمال بوركينــا فاســو (‪ 05‬مــارس ‪2017‬م)‪ ،‬خلــف‬ ‫مقت ــل ‪ 11‬عس ــكري م ــن الق ــوات املالي ــة واالس ــتيالء عل ــى املع ــدات‬ ‫العســـكرية‪ ،‬ويف صيـــف ‪ 2017‬م‪ ،‬قـــام التنظيـــم مبهاجمـــة مطعـــم‬ ‫ـخصا‪ ،‬ومباشــرة بعدهــا‬ ‫تركــي بالعاصمــة البوركينابيــة مت قتــل ‪ 18‬شـ ً‬ ‫نفــذ عمليــة عســكرية علــى قــوات األمم املتحــدة خلــف مقتــل ســبعة‬ ‫أش ــخاص‪ ،‬م ــن بينه ــم خمس ــة م ــن ح ــراس بعث ــة حف ــظ الس ــالم يف‬ ‫مالــي‪ ،‬كمــا هاجــم املقــر العــام لبعثــة القبعــات الــزرق التابعــة لــألمم‬ ‫املتح ــدة يف متبكت ــو ش ــمال مال ــي‪.‬‬ ‫صعــدت جماعــة نصــرة اإلســالم واملســلمن عملياتهــا اإلرهابيــة‬ ‫بتنفيــذ هجومــن نوعيــن متزامنــن‪ ،‬األول علــى مقــر رئاســة األركان‬ ‫املســلحة لبوركينــا فاســو والثانــي علــى مقــر الســفارة الفرنســية‬ ‫اجتماعــا أمن ًيــا‬ ‫بواغادوغــو (مــارس ‪2018‬م)‪ ،‬يف الوقــت الــذي كان‬ ‫ً‬ ‫للقــوة املتعــددة اجلنســيات ملجموعــة دول الســاحل اخلمــس ينعقــد‬ ‫مبقــر رئاســة األركان بعاصمــة بوركينــا فاســو‪ ،‬واغادوغــو‪.‬‬ ‫تؤشــر هــذه العمليــات اإلرهابيــة علــى قــدرة التنظيــم علــى‬ ‫التنســيق االســتخباراتي والتحكــم يف امليــدان باســتخدام حــرب‬ ‫العصابــات‪ ،‬بتكتيــك الكــر والفــر‪ ،‬ويتضــح أنــه اســتفاد مــن انهيــار‬ ‫وهشاشــة الدولــة يف مالــي يف مرحلــة مــا بعــد ‪2012‬م‪ ،‬وتهريــب‬ ‫ترســانة الســالح مــا بعــد انهيــار نظــام القــذايف يف ليبيــا‪ ،‬مــع‬ ‫االســتفادة مــن عناصــر إرهابيــة لديهــا اخلبــرة القتاليــة يف املناطــق‬ ‫الصحراويــة واحلــدود املنكشــفة بــن مالــي والنيجــر‪ ،‬ومالــي وبوركينــا‬ ‫فاســو‪ ،‬حيــث يقــدر عــدد املقاتلــن يف صفــوف التنظيــم مــا بــن ‪2000‬‬ ‫و‪ 3000‬مقاتــل‪.‬‬ ‫إذا كانــت الوســائل والكيفيــات يف تنفيــذ العمليــات اإلرهابيــة‬ ‫تختلــف بــن بوكــو حــرام وأنصــار اإلســالم واملســلمن‪ ،‬فــإن األســس‬ ‫اإليديولوجيــة العامــة التــي حتكــم التنظيمــن قائمــة علــى نفــس‬ ‫املعتقــدات التــي تختــزل يف احلاكميــة‪ ،‬الفرقــة الناجيــة‪ ،‬حتــرمي‬ ‫التعليــم الغربــي‪ ،‬إقامــة الدولــة اإلســالمية والبيعــة لإلمــام‪ ،‬الــوالء‬ ‫والبــراء ومعــادة املخالفــن حتــى داخــل الدائــرة اإلســالمية الواحــدة‬ ‫بتكفيــر الطوائــف واملذاهــب املخالفــة‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬تمويل الجماعات اإلرهابية يف غرب إفريقيا‪.‬‬ ‫تســتمد اجلماعــات اإلرهابيــة يف غــرب إفريقيــا قوتهــا مــن‬ ‫مصــادر التمويــل املتنوعــة التــي حتصــل عليهــا مــن أجــل مواجهــة‬ ‫اجليــوش النظاميــة والتحالفــات العســكرية اجلهويــة‪ ،‬التــي عجــزت‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪79‬‬

‫ملف العدد‬

‫عــن فــرض ســيطرتها علــى مســاحات جغرافيــة مكشــوفة وغيــر‬ ‫متحكــم فيهــا‪ ،‬ممــا أعطــت نقــاط قــوة لتلــك اجلماعــات اإلرهابيــة‬ ‫يف إدارة احلــروب الالمتاثليــة مبنطــق الضعيــف يف مواجهــة القــوي‪،‬‬ ‫فالعمليــات االنتحاريــة والســيارات املفخخــة‪ ،‬واســتخدام األطفــال‬ ‫والبنــات كمــا هــو احلــال جلماعــة بوكوحرام‪ ،‬يف مواجهــة التكنولوجية‬ ‫العســكرية‪ ،‬األقمــار الصناعيــة‪ ،‬طائــرات بــدون طيــار‪.‬‬ ‫فمــا هــي مصــادر التمويــل التــي تعتمــد عليهــا هــذه اجلماعــات‬ ‫اإلرهابيــة يف غــرب إفريقيــا؟‬ ‫يف دراســـة ميدانيـــة قامـــت بهـــا مجموعـــة العمـــل احلكوميـــة‬ ‫حملاربــة تبييــض األمــوال يف غــرب إفريقيــا (‪ )GIABA‬ومجموعــة‬ ‫العمـــل املاليـــة ‪ GAFI‬حـــول تشـــخيص املناهـــج املســـتخدمة مـــن‬ ‫قب ــل اإلرهابي ــن والتنظيم ــات اإلرهابي ــة واجلماع ــات الت ــي تدعمه ــا‬ ‫يف جمـــع‪ ،‬نقـــل واســـتخدام األمـــوال‪ ،‬توصـــل فريـــق مـــن اخلبـــراء‬ ‫م ــن خمس ــة دول م ــن غ ــرب إفريقي ــا األكث ــر تض ــر ًرا م ــن العملي ــات‬ ‫اإلرهابيــة‪ ،‬وهــي مالــي‪ ،‬بوركينافاســو‪ ،‬النيجــر‪ ،‬نيجيريــا والســنغال‪،‬‬ ‫وهــي الــدول التــي تنشــط وتنتشــر فيهــا كل مــن جماعــة بوكــو حــرام‬ ‫وجماع ــة نص ــرة اإلس ــالم واملس ــلمن‪ ،‬إل ــى حتدي ــد أربع ــة أصن ــاف‬ ‫م ــن املناه ــج والتقني ــات الت ــي تس ــتخدمها اجلماع ــات اإلرهابي ــة يف‬ ‫غــرب إفريقيــا يف متويــل ودعــم األعمــال اإلرهابيــة‪ ،‬وتتمثــل أوالً‪ ،‬يف‬ ‫التموي ــل ع ــن طري ــق التج ــارة والنش ــاطات الربحي ــة‪ ،‬ثان ًي ــا‪ ،‬التموي ــل‬ ‫ع ــن طري ــق املنظم ــات غي ــر احلكومي ــة واخلدم ــات اخليري ــة‪ ،‬ثال ًث ــا‪،‬‬ ‫التمويـــل بواســـطة جتـــارة األســـلحة واملمتلـــكات والعمـــالت‪ ،‬راب ًعـــا‬ ‫وأخيــ ًرا‪ ،‬يك ــون التموي ــل ع ــن طري ــق االجت ــار باملخ ــدرات‪.‬‬ ‫ووفــق التقاريــر امليدانيــة الصــادرة عــن األمم املتحــدة فيمــا‬ ‫يخــص النشــاطات اإلرهابيــة وعالقاتهــا باجلرميــة املنظمــة‪ ،‬ميكــن‬ ‫أن نســتند علــى البرنامــج اجلهــوي اخلــاص بغــرب إفريقيــا (‪-2016‬‬ ‫‪ )2020‬لنكتشــف أن املنطقــة تشــكل مجــاالً حيو ًيــا للجماعــات‬ ‫اإلرهابيــة يف تعزيــز صفوفهــا عبــر مختلــف أنــواع اجلرميــة املنظمــة‪،‬‬ ‫االجتــار بالبشــر‪ ،‬تهريــب الســالح‪ ،‬االجتــار باملخــدرات وغيرهــا‪،‬‬ ‫بحيــث أضحــت منطقــة غــرب إفريقيــا منطقــة عبــور للكوكايــن‬ ‫والهرويــن مــن أمريــكا الالتينيــة نحــو أوروبــا‪ ،‬وكذلــك منطقــة لتطويــر‬ ‫طريــق اجلنــوب للهرويــن مــن إيــران وباكســتان عبــر الشــرق األوســط‬ ‫واألدنــى نحــو أوروبــا‪.‬‬ ‫مت تقديـــر العائـــدات املاليـــة مـــن اجلرائـــم املنظمـــة خلمســـة‬ ‫عش ــر دول ــة يف غ ــرب إفريقي ــا م ــن قب ــل البن ــك العامل ــي والبن ــك‬ ‫اإلفريقـــي للتنميـــة‪ ،‬مبـــا يعـــادل ‪ % 3.6‬مـــن إنتاجهـــا الداخلـــي‬ ‫اخل ــام‪ ،‬ومتث ــل عائ ــدات اجلرمي ــة املنظم ــة العاب ــرة للح ــدود فيم ــا‬ ‫يخ ــص االجت ــار باملخ ــدرات‪ ،‬االجت ــار بالبش ــر وك ــذا س ــرقة النف ــط‬ ‫م ــا يع ــادل ‪ 1.5‬باملائ ــة م ــن اإلنت ــاج الداخل ــي اخل ــام‪ ،‬وتتكب ــد دول‬ ‫غـــرب إفريقيـــا خســـائر ســـنوية بقيمـــة ‪ 15‬مليـــار دوالر‪ .‬إضافـــة‬

‫‪78‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫صفوفهــا‪ ،‬ويف توســيع احلصــول علــى التمويــل والدعــم اللوجســتي‬ ‫وأنهــا ســتحصل كذلــك علــى النصيحــة مــن داعــش يف مجــال اإلعــالم‬ ‫والدعايــة احلربيــة‪ ،‬ففــي الســابق كانــت بوكــو حــرام خــارج الســياق‬ ‫يف املجتمــع اجلهــادي العاملــي‪ ،‬واآلن رمبــا تكــون أكبــر تابــع لداعــش‪.‬‬ ‫بينمــا داعــش فســوف يحصــل علــى شــرعية دوليــة كخالفــة علــى‬ ‫مســتوى العالــم‪".‬‬ ‫وإذا حللنــا الســياق اجليوسياســي ملبايعــة بوكــو حــرام لداعــش‪،‬‬ ‫فإنــه جــاء يف فتــرة مبــادرة تشــكيل تنســيق عســكري وأمنــي جهــوي‬ ‫بــن مجموعــة دول حــوض التشــاد‪ ،‬التــي تتشــكل مــن الكاميــرون‪،‬‬ ‫ليبيــا‪ ،‬النيجــر‪ ،‬نيجيريــا‪ ،‬التشــاد وجمهوريــة إفريقيــا الوســطى‪ ،‬حيــث‬ ‫قــرر يف اجتمــاع قمــة رؤســاء دول حــوض التشــاد بباريــس لألمــن يف‬ ‫نيجيريــا املنعقــد يف ‪ 17‬مايــو ‪2014‬م‪ ،‬إقامــة تعــاون اســتعالماتي‬ ‫ولوجيســتيكي بــن هــذه الــدول‪ ،‬ومت اإلعــالن عــن ميالد قوة عســكرية‬ ‫متعــددة اجلنســيات يف ‪ 7‬أكتوبــر ‪2014‬م‪ ،‬يف قمــة اســتثنائية لرؤســاء‬ ‫دول حــوض التشــاد‪ ،‬هدفهــا محاربــة بوكــو حــرام وفــق رزنامــة زمنيــة‬ ‫النتشــار تلــك القــوة العســكرية التــي مت حتديــد تعدادهــا فيمــا بعــد‬ ‫بـــ ‪ 8700‬عســكري‪.‬‬ ‫وعليـــه‪ ،‬فـــإن جماعـــة بوكـــو حـــرام التـــي أعلنـــت والءهـــا‬ ‫لتنظي ــم داع ــش كان ــت تبح ــث ع ــن وس ــائل تكتيكي ــة للتكي ــف م ــع‬ ‫خصوصـــا بعدمـــا تصاعـــدت‬ ‫هـــذه القـــوة العســـكرية اجلهويـــة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫العملي ــات اإلرهابي ــة للتنظي ــم يف دول اجل ــوار لنيجيري ــا‪ ،‬م ــا ب ــن‬ ‫التشـــاد والكاميـــرون علـــى وجـــه اخلصـــوص‪ ،‬مـــع ظهـــور خاليـــا‬ ‫نائمـــة للتنظيـــم يف دول حـــوض تشـــاد‪ .‬لكـــن يف الوقـــت ذاتـــه‬ ‫كان ــت إغ ــراءات أبوبك ــر البغ ــدادي يف الع ــراق وس ــوريا م ــن خ ــالل‬ ‫ســيطرته علــى األرض واملــال ومتــدده اجلغــرايف مــن املوصــل إلــى‬ ‫منوذجـــا مغر ًيـــا ألبـــي بكـــر شـــيكاو‪ ،‬ليتمـــدد مـــن شـــمال‬ ‫الرقـــة‬ ‫ً‬ ‫ش ــرق نيجيري ــا إل ــى املناط ــق اجلغرافي ــة املتخم ــة حل ــدود نيجيري ــا‬ ‫حيـــث تغيـــب الســـلطة املركزيـــة يف بســـط ســـيطرتها األمنيـــة‪.‬‬ ‫ويف الوقـــت ذاتـــه‪ ،‬ستســـمح هـــذه املبايعـــة بتجنيـــد أتبـــاع خـــارج‬ ‫التجني ــد الكالس ــيكي لبوك ــو ح ــرام ال ــذي كان يعتم ــد يف األس ــاس‬ ‫علـــى طلبـــة العلـــم الشـــرعي والتجنيـــد اإليديولوجـــي اإلجبـــاري‬ ‫لألطف ــال‪ .‬ومب ــا أن امل ــال ه ــو عص ــب أي تنظي ــم إرهاب ــي‪ ،‬ف ــإن‬ ‫بوك ــو ح ــرام كان ــت ترج ــو أن يصله ــا امل ــدد امل ــادي م ــن الس ــالح‬ ‫واملــال بإعالنــه قطعــة جغرافيــة تابعــة لدولــة اخلالفــة يف بغــداد‪.‬‬ ‫لكـــن مـــع بدايـــة ‪2015‬م‪ ،‬اتضحـــت اإلرادة العســـكرية اجلهويـــة‬ ‫للتحالـــف الرباعـــي املتشـــكل مـــن الكاميـــرون‪ ،‬النيجـــر‪ ،‬نيجيريـــا‬ ‫والتش ــاد بش ــن هجوم ــات جوي ــة وبري ــة ض ــد بوك ــو ح ــرام الت ــي‬ ‫كبدت ــه خس ــائر بش ــرية ومادي ــة‪ ،‬بتقلي ــص نف ــوذه اجلغ ــرايف ال ــذي‬ ‫كان ميتـــد علـــى مســـاحة ‪ 20‬ألـــف كلـــم مربـــع‪ ،‬وقطـــع طـــرق‬ ‫اإلمـــدادات اللوجيســـتكية‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ب‪ .‬جماعــة نصــرة اإلســالم واملســلمني‪ :‬تعــد مــن بــن اجلماعــات‬ ‫اإلرهابيــة املنتشــرة يف الســاحل الصحــراوي ومتــس جــز ًءا مــن دول‬ ‫غــرب إفريقيــا‪ ،‬مالــي‪ ،‬التشــاد‪ ،‬النيجــر‪ ،‬بوركينافاســو وموريتانيــا‪،‬‬ ‫وقــد تشــكلت اجلماعــة مــن خــالل احتــاد مجموعــة مــن التنظيمــات‬ ‫وهــي‪ :‬جماعــة أنصــار الديــن التــي يقودهــا املالــي‪ ،‬إيــاد أغ غالــي‪،‬‬ ‫ذو األصــول الترقيــة‪ ،‬الــذي كان يطالــب بانفصــال منطقــة شــمال‬ ‫مالــي وتطبيــق الشــريعة‪ ،‬إلــى جانــب هــذه اجلماعــة انضمــت "إمــارة‬ ‫الصحــراء الكبــرى" إلــى نصــرة اإلســالم واملســلمن‪ ،‬وهــي بدورهــا‬ ‫جتمــع لســتة كتائــب تابعــة لتنظيــم القاعــدة يف بــالد املغــرب‬ ‫اإلســالمي‪ ،‬يضــاف إلــى جماعــة أنصــار الديــن وإمــارة الصحــراء‬ ‫الكبــرى‪ ،‬كتيبــة املرابطــون التــي يقودهــا مختــار بلمختــار والتــي هــي‬ ‫يف األصــل نتــاج اندمــاج بــن جماعــة امللثمــون التــي كان يقودهــا‬ ‫مختــار بلمختــار وجماعــة التوحيــد واجلهــاد يف غــرب إفريقيــا‪ ،‬وآخــر‬ ‫اجلماعــة التــي انضمــت إلــى نصــرة اإلســالم واملســلمن كتائــب جبهــة‬ ‫حتريــر ماســينا‪ ،‬وهــي مــن اثنيــة الفــالن‪.‬‬ ‫مت مبايعــة إيــاد أغالــي لقيــادة نصــرة اإلســالم واملســلمن مــن‬ ‫خــالل شــريط فيديــو مصــور‪ ،‬يف أول مــارس ‪2017‬م‪ ،‬حيــث أعلــن يف‬ ‫الوقــت ذاتــه قائدهــا اجلديــد عــن بيعــة اجلماعــة لتنظيــم القاعــدة‬ ‫وزعيمهــا أميــن الظواهــري‪ ،‬وأميــر القاعــدة ببــالد املغرب اإلســالمي‪،‬‬ ‫أبــو مصعــب عبــد الــودود‪ ،‬وأميــر حركــة طالبــان املــال هبــة اهلل‪.‬‬ ‫وتتشــابه البيئــة اجليوسياســية إلعــالن ميــالد نصــرة اإلســالم‬ ‫واملســـلمن مـــع بوكـــو حـــرام‪ ،‬وبيعـــة األولـــى لتنظيـــم القاعـــدة‬ ‫والثاني ــة لداع ــش‪ ،‬ف ــإذا كان أح ــد أه ــم أه ــداف بيع ــة بوك ــو ح ــرام‬ ‫هـــو التكيـــف مـــع القـــوة املختلطـــة املتعـــددة اجلنســـيات لـــدول‬ ‫حـــوض التشـــاد‪ ،‬فـــإن أنصـــار اإلســـالم واملســـلمن أعلنـــت عـــن‬ ‫توحي ــد التنظيم ــات فيم ــا بينه ــا ملواجه ــة تش ــكيل الق ــوة العس ــكرية‬ ‫املشــتركة لــدول الســاحل اخلمــس التــي تشــمل كل مــن‪ ،‬موريتانيــا‪،‬‬ ‫مالـــي‪ ،‬النيجـــر‪ ،‬التشـــاد وبوركينافاســـو‪.‬‬ ‫يعتمــد التنظيــم يف أعمالــه اإلرهابيــة علــى الهجومــات اخلاطفــة‬ ‫على الثكنات العســكرية النائية لالســتيالء على األســلحة‪ ،‬واختطاف‬ ‫الرهائــن الــذي تعــد فيــه التنظيمــات املكونــة لــه ذات اخلبــرة الواســعة‬ ‫يف إجبــار احلكومــات الغربيــة علــى دفــع الفديــة لتمويــل عملياتهــا‬ ‫اإلرهابيــة وجتنيــد العناصــر اجلديــدة‪.‬‬ ‫وعكــس بوكــو حــرام‪ ،‬فــإن اجلماعــة تريــد أن تلحــق الضــرر‬ ‫املــادي واملعنــوي بالبعثــة العســكرية الفرنســية املعروفــة باســم‬ ‫"برخــان" والتــي متتــد يف املنطقــة مــن موريتانيــا إلــى غايــة التشــاد‬ ‫مــرورا مبالــي والنيجــر وبوركينافاســو‪ ،‬كمــا تهاجــم بعثــة األمم‬ ‫املتحــدة يف مالــي املعروفــة اختصــا ًرا بــ"مينوســما"‪ .‬وهــو التســويق‬ ‫الدعائــي التــي يــروج لــه تنظيــم القاعــدة منــذ أحــداث ‪ 11‬ســبتمبر‬ ‫‪2001‬م‪ ،‬بــأن صراعهــا قائــم مــع الدائــرة احلضاريــة الغربيــة الواســعة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪77‬‬

‫ملف العدد‬

‫منطقـة غـرب إفريقيـا معبـر للكوكاييـن والهرويـن مـن أمريكا الالتينية‬ ‫إىل أوروبـا وطريـق الجنـوب للهرويـن مـن إيـران وباكسـتان نحـو الغـرب‬ ‫حــدث يف العمليــة االنتحاريــة التــي نفذتهــا طفلتــن يف ســن الســابعة‬ ‫يف ســوق مبايدوغــوري‪ ،‬عاصمــة واليــة بورنــو‪ ،‬أو تلــك العمليــة‬ ‫االنتحاريــة التــي نفذتهــا طفلــة حتمــل صبــي علــى ظهرهــا للتمويــه‬ ‫وعــدم توجيــه األنظــار إليهــا‪ ،‬يف بدايــة ينايــر ‪.2017‬‬ ‫فيم ــا يخ ــص عالق ــات بوك ــو ح ــرام بالتنظيم ــات اإلرهابي ــة يف‬ ‫الق ــارة اإلفريقي ــة‪ ،‬ف ــإن يف بداي ــة األلفي ــة اجلدي ــدة بعدم ــا جل ــأت‬ ‫للعم ــل املس ــلح كان تقاط ــع املصال ــح م ــع تنظي ــم القاع ــدة يف ب ــالد‬ ‫املغ ــرب اإلس ــالمي‪ ،‬حي ــث تؤك ــد الكثي ــر م ــن التقاري ــر اإلعالمي ــة‬ ‫األمني ــة ع ــن التع ــاون اللوجيس ــتيكي والعمليات ــي ب ــن التنظيم ــن‪،‬‬ ‫فحس ــب تقري ــر ص ــادر ع ــن مجل ــس األم ــن ل ــألمم املتح ــدة بتاري ــخ‬ ‫ينايـــر ‪2012‬م‪ ،‬فـــإن تنظيـــم بوكـــو حـــرام رغـــم متركـــزه يف شـــمال‬ ‫شـــرق نيجيريـــا‪ ،‬فـــإن ســـبعة مـــن أعضائـــه مت توقيفهـــم بالنيجـــر‬

‫يف طريقهـــم للوصـــول ملالـــي‪ ،‬وبحوزتهـــم وثائـــق حـــول صناعـــة‬ ‫املتفج ــرات‪ ،‬ومعلوم ــات بياني ــة ع ــن أعض ــاء م ــن تنظي ــم القاع ــدة‬ ‫يف ب ــالد املغ ــرب اإلس ــالمي‪ ،‬كم ــا ش ــارك أعض ــاء م ــن جماع ــة بوك ــو‬ ‫حـــرام يف اختطـــاف ســـبعة أفـــراد مـــن القنصليـــة اجلزائريـــة يف‬ ‫غ ــاو ش ــمال مال ــي‪ ،‬يف‪ 5‬أبري ــل ‪2012‬م‪ ،‬إل ــى جان ــب حرك ــة التوحي ــد‬ ‫واجلهــاد يف غــرب إفريقيــا ذات االرتبــاط بتنظيــم القاعــدة يف بــالد‬ ‫املغ ــرب اإلس ــالمي‪.‬‬ ‫فيمــا بعــد عندمــا اشــتد عــود تنظيــم الدولــة اإلســالمية يف‬ ‫ســوريا والعــراق‪ ،‬بايــع أوبكــر شــيكاو‪ ،‬أبوبكــر البغــدادي ليعلــن تنظيمه‬ ‫جغرافيــا واليــة غــرب إفريقيــا للدولــة اإلســالمية‪ .‬واعتبــر البعــض‬ ‫أن هــذه املبايعــة تعــد صفقــة مربحــة للطرفــن‪ ،‬بحيــث "بوكــو حــرام‬ ‫ســوف حتصــل علــى الشــرعية ستســاعدها يف جتنيــد املزيــد يف‬

‫‪76‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫استشـــراف المســـتقبل يف غـــرب إفريقيـــا مرهـــون بالتطـــورات‬ ‫األمنيـــة يف الشـــرق األوســـط ومـــا تنتهـــي إليـــه القاعـــدة داعـــش‬ ‫خصوص ــا بع ــد مقت ــل مؤسس ــها‬ ‫العني ــف م ــع الش ــرطة النيجيري ــة‬ ‫ً‬ ‫الــذي اعتبــر شــهيدًا يف نظــر أتباعــه‪ ،‬ممــا جعــل الشــخصية الثانيــة‬ ‫يف اجلماعـــة " أبوبكـــر شـــيكاو" تبحـــث عـــن والءات خـــارج احليـــز‬ ‫اإليديولوج ــي واجلغ ــرايف للجماع ــة ب ــن تنظي ــم القاع ــدة والدول ــة‬ ‫اإلس ــالمية "داع ــش"‪.‬‬ ‫تعتمــد جماعــة بوكــو حــرام يف عملياتهــا اإلرهابيــة علــى‬ ‫اســتراتيجية احلــروب الالمتاثليــة‪ ،‬بحيــث تشــكل الهجومــات‬ ‫االنتحاريــة الواســعة يف األماكــن العموميــة لبــث الرعــب يف األوســاط‬ ‫الشــعبية وتقويــض قــدرات الســلطة املركزيــة الوســيلة التدميريــة‬ ‫األكثــر اســتخدا ًما‪ ،‬حيــث يــوكل تنفيــذ هــذه العمليــات لالنتحاريــن‬ ‫الشــباب واألطفــال‪ ،‬كمــا يؤكــد تقريــر لليونســيف صــدر ســنة ‪2016‬م‪،‬‬ ‫بعنــوان "مــا بعــد شــييوك"‪ ،‬وهــو إشــارة لعمليــة االختطــاف التي قامت‬ ‫بهــا بوكــو حــرام بحــق ‪ 276‬تلميــذة ثانويــة مبنطقــة شــيبوك‪ ،‬أن ‪%75‬‬ ‫مــن هــذه العمليــات نفذتهــا الفتيــات يف هجومــات مــا بــن نيجيريــا‪،‬‬ ‫الكاميــرون‪ ،‬النيجــر والتشــاد‪ .‬وأضحــى جتنيــد األطفــال يشــكل قل ًقــا‬ ‫كبيــ ًرا بالنســبة لليونســيف‪ ،‬حيــث تشــير يف تقريرهــا أنــه مــا بــن‬ ‫ينايــر‪ 2014‬وفبرايــر‪ ،2016‬مت إحصــاء طفــل انتحــاري واحــد مــن بــن‬

‫كل خمســة منفذيــن للعمليــات االنتحاريــة وثالثــة أربــاع مــن هــؤالء‬ ‫األطفــال بنــات‪ ،‬ويف ســنة ‪2015‬م‪ ،‬مت اســتخدام األطفــال مبعــدل‬ ‫هجــوم واحــد لــكل هجومــن اثنــن يف الكاميــرون‪ ،‬وهجــوم واحــد‬ ‫لــكل ثمانيــة هجومــات يف التشــاد ومبعــدل هجــوم واحــد لــكل ســبعة‬ ‫هجومــات يف نيجيريــا‪ ،‬وعليــه‪ ،‬فــإن السياســة التــي ينتهجهــا تنظيــم‬ ‫بوكــو حــرام تعتمــد علــى اختطــاف األطفــال وجتنيدهــم إيديولوجيــا‬ ‫الســتخدامهم كقنابــل بشــرية‪ ،‬حيــث مت اختطــاف ‪ 1000‬طفــل‬ ‫يف شــمال شــرق نيجيريــا منــذ ‪2013‬م‪ ،‬إلــى غايــة بدايــة ‪2018‬م‪،‬‬ ‫مــن ضمنهــم ‪ 276‬بنــت فإضافــة إلــى اســتخدامهم يف العمليــات‬ ‫االنتحاريــة‪ ،‬فــإن التنظيــم نفــذ عمليــات القتــل يف حــق أكثــر مــن‬ ‫‪ 2295‬معلــم وحطــم أكثــر مــن ‪ 1400‬مدرســة بحجــة حتــرمي التعليــم‬ ‫الغربــي الالئيكــي‪ .‬واحلصيلــة غيــر النهائيــة جلرائــم بوكــو حــرام منــذ‬ ‫‪ 2009‬تتجــاوز ‪ 20‬ألــف قتيــل و ‪2.6‬مليــون نــازح ويبقــى التنظيــم‬ ‫مقارنــة باجلماعــات اإلرهابيــة يف غــرب إفريقيــا ينفــرد بالعمليــات‬ ‫األكثــر غرابــة ووحشــية‪ ،‬مثــل جتنيــد فتيــات يف الســن الســابعة للقيــام‬ ‫بعمليــة انتحاريــة يف أوســاط العامــة يف األســواق‪،‬التجمعات‪ ،‬مراكــز‬ ‫املراقبــة‪ ،‬محطــات النقــل وحتــى داخــل املســاجد والكنائــس‪ ،‬كمــا‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪75‬‬

‫ملف العدد‬

‫أربـــعــــــة مـــصـــــادر لـتـمـويــــل اإلرهـــــاب فــــي غـــــرب إفــريــقــيـــــا‬

‫الجماعـــات اإلرهابيـــة يف غـــرب إفريقيـــا‪:‬‬ ‫الخريطـــة ـ التمويـــل ـ والتحديـــات‬ ‫متثــل دول منطقــة غــرب إفريقيــا خمــس املســاحة اإلجماليــة للقــارة اإلفريقيــة‪ ،‬وهــي متتــد جغراف ًيــا مــن خليــج غينيــا إلــى‬ ‫نهــر الســنغال وتشــمل البلــدان التــي يغطيهــا حــوض النيجــر والبلــدان التــي تقــع خلــف منطقــة الســاحل‪ .‬وشــكلت منــذ ‪1975‬م‪،‬‬ ‫املجموعــة االقتصاديــة لــدول غــرب إفريقيــا "اإليكــواس" التــي يصــل إنتاجهــا الداخلــي اخلــام إلــى ‪ 565‬مليــار دوالر حســب‬ ‫صنــدوق النقــد الدولــي‪ ،‬ممــا يجعلهــا القــوة االقتصاديــة رقــم ‪ 25‬يف ترتيــب االقتصــاد العاملــي‪ .‬لكــن يف الوقــت ذاتــه تشــمل‬ ‫دول غــرب إفريقيــا علــى مجموعــة مــن التناقضــات اجلغرافيــة واالقتصاديــة بســبب التفــاوت الدميغــرايف واملــوارد احليويــة‪،‬‬ ‫انعكــس علــى اآلداء السياســي واألمنــي للمنطقــة بأســرها‪ ،‬وميكــن أن نكتشــف أهــم هــذه التناقضــات يف اجلماعــات اإلرهابية‬ ‫يف كل مــن نيجيريــا ومالــي ومتددهمــا خــارج حــدود الدولتــن‪ ،‬بحيــث تشــكل كل مــن جماعــة بوكــو حــرام وتنظيــم نصــرة‬ ‫منوذجــا ملتابعــة قــدرة دول غــرب إفريقيــا علــى مواجهــة هــذه التهديــدات‪ .‬فمــا هــي خريطــة اجلماعــات‬ ‫اإلســالم واملســلمن‬ ‫ً‬ ‫اإلرهابيــة يف غــرب إفريقيــا؟ ومــا هــي مصــادر متويلهــا؟ ومــا هــي املتغيــرات التــي تتحكــم يف مســتقبل هــذه اجلماعــات؟‬

‫د‪ .‬مصطفى صايج‬

‫أوال‪ :‬خريطة الجماعات اإلرهابية يف غرب إفريقيا‪.‬‬ ‫تتنــوع اجلماعــات اإلرهابيــة يف غــرب إفريقيــا وتتــوزع بــن‬ ‫تنظيمــات تابعــة إيديولوجيــا وتنظيميــا لتنظيــم القاعــدة وجماعــات‬ ‫تابعــة للدولــة اإلســالمية "داعــش"‪ ،‬كمــا أنهــا تختلــف مــن حيــث القــوة‬ ‫والقــدرة يف مواجهــة الــدول القائمــة‪ ،‬رغــم أنهــا تشــترك معظمهــا يف‬ ‫الرايــة الســوداء التــي تزعــم إقامــة الدولــة اإلســالمية أو اخلالفــة‬ ‫اإلســالمية ومواجهــة مــا تســميه يف أدبياتهــا "العــدو القريــب"‬ ‫و"العــدو البعيــد"‪.‬‬ ‫يف دراســة مســحية حــول اجلماعــات اإلرهابيــة يف القــارة‬ ‫اإلفريقيــة‪ ،‬مت إحصــاء ثمانيــة جماعــات إرهابيــة أساســية مرتبطــة‬ ‫بتنظيــم القاعــدة أو الدولــة اإلســالمية‪ ،‬تشــمل ‪ 52400‬مقاتــل‪ ،‬وهــي‬ ‫إحصائيــات مت جمعهــا مــن القائمــة الرســمية التــي تعدهــا جلنــة‬ ‫مكافحــة اإلرهــاب‪ ،‬املكلفــة مــن قبــل مجلــس األمــن وف ًقــا للقراريــن‬ ‫‪ 1373‬و‪ ،1624‬وكذلــك طب ًقــا للبيانــات الصــادرة عــن مؤشــر‬ ‫اإلرهــاب العاملــي واملركــز األمريكــي ملراقبــة املواقــع اإللكترونيــة‬ ‫اإلرهابيــة واملالحــظ مــن خــالل هــذه الدراســة أن الثقــل األكبــر لهــذه‬ ‫اجلماعــات تنتشــر يف غــرب إفريقيــا‪ ،‬حيــث متثــل جماعــة بوكــو حرام‬ ‫لوحدهــا التنظيــم األكبــر تعــدا ًدا واألكثــر دمويــة‪ ،‬يف فتــرة عشــرة‬

‫ســنوات نفــذت هــذه اجلماعــة ‪ 2480‬عمليــة منــذ ‪ 2002‬وقتــل أكثــر‬ ‫مــن ‪ 9000‬ضحيــة مــن أصــل ‪ 28500‬ضحيــة األعمــال اإلرهابيــة‬ ‫يف القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬كمــا نفــذت اجلماعــات اإلرهابيــة يف منطقــة‬ ‫الســاحل الصحــراوي بــن مالــي‪ ،‬النيجــر وبوركينــا فاســو ‪ 257‬هجــوم‬ ‫يف ســنة ‪،2016‬أي بزيــادة ‪ 150‬باملائــة مقارنــة بســنة ‪.2015‬‬ ‫وإذا حاولنــا أن نوضــح طبيعــة اجلماعــات اإلرهابيــة يف غــرب‬ ‫إفريقيــا بأكثــر دقــة‪ ،‬فإننــا نحــاول متابعــة اخلريطــة اجلغرافيــة‬ ‫والتركيبــة اإليديولوجيــة للجماعتــن األكثــر تأثيــ ًرا‪ ،‬بوكــو حــرام‬ ‫وجماعــة أنصــار اإلســالم واملســلمن‪ ،‬مــع اســتخالص املقارنــة‬ ‫مــن حيــث قــوة وقــدرة هاتــن اجلماعتــن علــى البقــاء ومواجهــة‬ ‫السياســات األمنيــة احملليــة واإلقليميــة والدوليــة القائمــة‪.‬‬ ‫أ‪ .‬جماع ــة بوك ــو ح ــرام أو "طالب ــان إفريقي ــا"‪ .‬ب ــدأت نش ــاطها ع ــام‬ ‫‪2002‬م‪ ،‬عندم ــا أسس ــها محم ــد يوس ــف‪ ،‬يف ش ــمال ش ــرق نيجيري ــا‪،‬‬ ‫ال ــذي رك ــز عل ــى التعلي ــم الدين ــي وحت ــرمي التعلي ــم الغرب ــي‪ ،‬ومن ــه‬ ‫جـــاءت التســـمية" بوكـــو حـــرام" أي حتـــرمي التعليـــم الغربـــي‪ ،‬وكان‬ ‫غايتــه فــرض الشــريعة علــى مجمــوع الواليــات الـــ ‪ 36‬لنيجيريــا‪ ،‬حيث‬ ‫تطبيـــق الشـــريعة كان ســـاري املفعـــول يف الواليـــات ‪ 12‬الشـــمالية‪،‬‬ ‫وانتقلـــت اجلماعـــة إلـــى العمـــل املســـلح بعـــد الصـــدام الدمـــوي‬

‫‪74‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪ -2‬خليفة حفتر قائد اجليش الليبي يوم ‪ 18‬ديسمبر ‪2016‬م‪.‬‬ ‫‪ -3‬رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح يوم ‪ 27‬نوفمبر ‪2016‬م‪.‬‬ ‫‪ -4‬رئيــس حــزب التغييــر وعضــو جلنــة احلــوار الليبــي جمعــة‬ ‫القماطــي يــوم ‪ 19‬نوفمبــر ‪2016‬م‪.‬‬ ‫‪ -5‬وفد ليبي ميثل منطقة زنتان يوم ‪ 12‬فبراير ‪ 2017‬م‪.‬‬ ‫‪ -6‬وفد عسكري من "البنيان املرصوص "الليبية" يوم ‪ 5‬فبراير ‪2017‬‬ ‫‪ -7‬وفــدان برملانيــان ليبيــان مــن مجلــس النــواب الليبــي (برملــان‬ ‫طبــرق) بتاريــخ ‪ 15‬ينايــر ‪ 2017‬م‪.‬‬ ‫‪ -٥‬خلفيات أخرى لفهم املوقف اجلزائري من ليبيا‬ ‫رغـــم أن املوقـــف اجلزائـــري مـــن تطـــور‬ ‫الوضـــع يف ليبيـــا ظـــل ثابتًـــا بنـــاء علـــى أســـس‬ ‫سياســتها اخلارجيــة‪ ،‬إال أن هنــاك عوامــل أخــرى‬ ‫جعلـــت اجلزائـــر تتخـــذ املوقـــف الـــذي اتخذتـــه‪،‬‬ ‫وه ــي كم ــا يل ــي‪:‬‬ ‫‪ -1‬إن االنفـــالت األمنـــي يف ليبيـــا ألقـــى‬ ‫بظاللـــه بشـــكل مباشـــر علـــى اجلزائـــر التـــي‬ ‫تربطهـــا حـــدود مـــع ليبيـــا تقـــارب ‪ 1000‬كلـــم‪،‬‬ ‫وأصبح ــت ليبي ــا مص ــد ًرا للس ــالح لإلرهابي ــن‬ ‫يف اجلزائــر‪ ،‬ومــن ليبيــا تســلل اإلرهابيــون إلــى‬ ‫املجم ــع الغ ــازي بتيغنتوري ــن ش ــهر يناي ــر ‪2013‬م‪ ،‬قب ــل أن يتدخ ــل‬ ‫اجلي ــش بوحدات ــه اخلاص ــة ويقض ــي عل ــى اإلرهابي ــن‪ .‬وبالتال ــي‬ ‫يعتبـــر اســـتمرار االنفـــالت يف ليبيـــا هـــو اســـتمرار التحديـــات‬ ‫األمنيـــة للجزائـــر‪.‬‬ ‫‪ -2‬إن س ــقوط الق ــذايف‪ ،‬جع ــل الس ــالح الليب ــي ينتق ــل للط ــوارق‬ ‫يف ش ــمال مال ــي‪ ،‬م ــا جعله ــم يعلن ــون ع ــن تش ــكيل دول ــة مس ــتقلة‬ ‫للطـــوارق عـــام ‪2012‬م‪ ،‬وهـــو مـــا عارضتـــه اجلزائـــر‪ ،‬وتدخلـــت‬ ‫سياســـ ًيا بقـــوة ونظمـــت عـــدة دورات للحـــوار بـــن الفرقـــاء‬ ‫املاليـــن‪ ،‬وتوصلـــوا لتوقيـــع اتفـــاق الســـلم واملصاحلـــة يف مالـــي‬ ‫عـــام ‪2015‬م‪.‬‬ ‫إن متــرد الطــوارق علــى احلكومــة املركزيــة‪ ،‬أدى إلــى التدخــل‬ ‫العســكري الفرنســي يف شــمال مالــي‪ ،‬ومــازال مســتم ًرا إلــى‬ ‫اليــوم‪ ،‬بتســميات مختلفــة مــن "ســيرفال إلــى براخــان" إلــى دعــم‬ ‫قــوة ‪ 5‬ســاحل املتكونــة مــن مالــي والتشــاد والنيجــر وموريتانيــا‬ ‫وبوركينافاســو‪ .‬وبالتالــي‪ ،‬عــدم اســتقرار مالــي‪ ،‬التــي اســتفادت‬ ‫املعارضــة فيهــا مــن مخــازن ســالح القــذايف يشــكل حتد ًيــا أمن ًيــا آخــر‬ ‫مــن الناحيــة اجلنوبيــة للجزائــر‪ ،‬لذلــك تعتبــر اجلزائــر اســتقرار‬ ‫رئيســا الســتقرار مالــي‪.‬‬ ‫ليبيــا دع ًمــا‬ ‫ً‬ ‫‪ -3‬إن جنــاح الطــوارق يف إقامــة دولــة مســتقلة لهــم شــمالي مالــي‪،‬‬ ‫علــى احلــدود مــع اجلزائــر‪ ،‬يعتبــر تهديـدًا مباشـ ًرا للوحــدة الترابيــة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫للجزائــر‪ .‬فالوضــع شــبيه بإقامــة دولــة كرديــة يف العــراق أو يف‬ ‫ســورية بالنســبة لتركيــا‪.‬‬ ‫هــذه املعطيــات الثالثــة‪ ،‬تعــزز املوقــف اجلزائــري جتــاه ليبيــا‪،‬‬ ‫بنــاء علــى مبــادئ سياســتها اخلارجيــة التــي شــرحناها أعــاله‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬موقف الجزائر من تداعيات الربيع العربي يف سوريا‬ ‫حـدث آخـر تطـور يف العالقـات اجلزائريـة ـــ السـورية‪ ،‬شـهر‬ ‫سـبتمبر ‪2017‬م‪ ،‬عندمـا دعـا عبـد القـادر مسـاهل يف حديـث لقنـاة‬ ‫روسـيا اليـوم إلـى عـودة سـوريا جلامعـة الـدول العربيـة‪ ،‬حيـث قـال‪:‬‬ ‫"لدينـا عالقـات تاريخيـة مع سـوريا وندعـو لعودتها إلى‬ ‫اجلامعـة العربيـة"‪.‬‬ ‫‪ -1‬خلفية املوقف من الربيع العربي يف سورية‬ ‫تقــوم سياســة اجلزائــر اخلارجيــة جتــاه ســوريا‬ ‫علــى مبــدأ عــدم التدخــل يف شــؤون اآلخريــن‪،‬‬ ‫والدعــوة حلــل األزمــة باحلــوار بــن كل األطــراف‬ ‫ورفــض االعتــراف باجليــش احلــر واملعارضــة‬ ‫املســلحة‪ ،‬ورفــض منــح مقعــد ســورية باجلامعــة‬ ‫العربيــة للمعارضــة‪.‬‬ ‫ويف شــهر نوفمبــر ‪2011‬م‪ ،‬رفضــت اجلزائــر‬ ‫رســم ًيا اســتدعاء ســفيرها بدمشــق‪ ،‬تبعــا ملقترحــات جامعــة الــدول‬ ‫العربيــة‪ .‬كمــا ع ّبــرت عــن حتفظهــا علــى البنــد املتعلــق بدعــوة‬ ‫اجلامعــة العربيــة لتنحــي بشــار األســد عــن احلكــم‪ ،‬مشــيرة أن‬ ‫مســألة التنحــي "أمــر ســيادي للشــعب الســوري"‪ ،‬وال ينــدرج ضمــن‬ ‫صالحيــات مجلــس وزراء اخلارجيــة العــرب امللتئــم شــهر أغســطس‬ ‫‪2012‬م‪ ،‬يف الدوحــة‪.‬‬ ‫ويف أغســطس ‪2012‬م‪ ،‬صوتــت اجلمعيــة العامــة لــألمم املتحــدة‪،‬‬ ‫علــى مشــروع قــرار عربــي حتــت عنــوان "املوقــف يف ســورية"‪ ،‬وذلــك‬ ‫بدعــم ‪ 133‬دولــة مــن بينهــا العــراق‪ ،‬ومعارضــة ‪ 12‬دولــة‪ ،‬وامتنــاع ‪31‬‬ ‫دولــة عــن التصويــت‪ ،‬مــن بينهــا لبنــان واجلزائــر‪.‬‬ ‫وحتفظ ــت اجلزائ ــر رس ــميا ي ــوم ‪ 27‬يناي ــر ‪2012‬م‪ ،‬عل ــى توج ــه‬ ‫الوف ــد العرب ــي إل ــى مجل ــس األم ــن إلطالع ــه عل ــى ق ــرار اجلامع ــة‬ ‫العربيـــة بشـــأن ســـورية‪ .‬كمـــا حتفظـــت علـــى إرســـال قـــوة حفـــظ‬ ‫ســـالم عربيـــة أمميـــة إلـــى ســـورية‪ .‬ويف اجتمـــاع مكـــة ملنظمـــة‬ ‫التع ــاون اإلس ــالمي ش ــهر أغس ــطس ‪2012‬م‪ ،‬ل ــم تعت ــرض اجلزائ ــر‬ ‫ع ــن مقت ــرح جتمي ــد عضوي ــة س ــورية لكنه ــا تس ــاءلت ع ــن "ج ــدوى"‬ ‫ه ــذا اإلج ــراء وفعاليت ــه‪.‬‬

‫استفادة المعارضة يف‬ ‫مــايل من مخازن ســالح‬ ‫القــذايف تشــكل تحد ًيا‬ ‫أمن ًيا للجزائر لذلك استقرار‬ ‫ليبيا دع ًما الستقرار مايل‬

‫* أستاذ اإلعالم بجامعة الجزائر ‪ -‬كاتب صحفي ومحلل سيايس‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪73‬‬

‫ملف العدد‬

‫تحفظ ــت الجزائ ــر ع ــى إط ــالع مجل ــس األم ــن ع ــى ق ــرار الجامع ــة‬ ‫العربي ــة بش ــأن س ــوريا وع ــى إرس ــال ق ــوة حف ــظ س ــالم عربي ــة إىل س ــوريا‬ ‫األزم ــة‪ ،‬وتعت ــرف بالهي ــآت الث ــالث املنبثق ــة عن ــه‪ ،‬وه ــي املجل ــس‬ ‫الرئاســـي ومجلـــس النـــواب واملجلـــس األعلـــى للدولـــة‪ ،‬وظلـــت‬ ‫تشـــجعها علـــى توحيـــد جهودهـــا للخـــروج مـــن حالـــة االنســـداد‬ ‫وجتـــاوز الوضـــع القائـــم‪.‬‬ ‫ويف شــهر أكتوبــر ‪2017‬م‪ ،‬خــالل االجتمــاع اإلقليمــي لشــؤون‬ ‫األمــن ومحاربــة اإلرهــاب الــذي انعقــد بالعاصمــة املاليــة باماكــو‪،‬‬ ‫شــدد البيــان اخلتامــي لالجتمــاع (كانــت اجلزائــر أبــرز محرريــه)‬ ‫علــى حــرص بلــدان إفريقيــا علــى دعــم اجلهــود املبذولــة لصالــح‬ ‫الســلم واألمــن يف ليبيــا طب ًقــا التفــاق الصخيــرات‪.‬‬ ‫لإلشــارة‪ ،‬فــإن اتفــاق الصخيــرات‪ ،‬انتهــت صالحياتــه شــهر‬ ‫ديســمبر ‪2017‬م‪ ،‬إال أن مجلــس األمــن مــدد صالحياتــه اســتجابة‬ ‫لطلــب املبعــوث األممــي اجلديــد غســان ســالمة‪.‬‬ ‫‪ -٤‬جهود سياسية جزائرية حلل األزمة‬ ‫ويف ســـياق جهـــود حـــل األزمـــة الليبيـــة قـــام وزيـــر الشـــؤون‬ ‫املغاربيــة واالحتــاد اإلفريقــي وجامعــة الــدول العربيــة عبــد القــادر‬

‫مســـاهل (قبـــل أن يصبـــح وزيـــ ًرا للخارجيـــة شـــهر أغســـطس‬ ‫‪2017‬م) بزي ــارة إل ــى بع ــض املناط ــق الليبي ــة ش ــهر م ــارس ‪2017‬م‪،‬‬ ‫التقـــى بالعديـــد مـــن الشـــخصيات الفاعلـــة‪ ،‬وجتـــول يف شـــوارع‬ ‫ليبيـــا وجلـــس يف مقاهيهـــا‪ ،‬وكانـــت تلـــك رســـالة سياســـية أن‬ ‫ً‬ ‫تدخـــال عســـكر ًيا‪.‬‬ ‫الوضـــع العـــام ال يســـتدعي‬ ‫كذلــك قامــت اجلزائــر باســتقبال وفــود ليبيــة إلقناعهــا بوجهــة‬ ‫نظره ــا لتحقي ــق احل ــل السياس ــي لألزم ــة بعي ـدًا ع ــن لغ ــة الس ــالح‬ ‫والتدخ ــالت اخلارجي ــة‪ ،‬منه ــم‪:‬‬ ‫‪ -1‬فايـز السـراج رئيـس حكومـة الوفـاق الوطنـي يـوم ‪ 4‬أكتوبـر‬ ‫‪2016‬م‪ ،‬وبتاريـخ ‪ 29‬يوليـو ‪2017‬م‪ ،‬قـام السـراج بزيـارة جديـدة‬ ‫للجزائـر لشـرح بنـود االتفـاق الـذي وقعه يف باريس مع املشـير خليفة‬ ‫حفتـر‪ .‬وتعتبـر اجلزائـر أول بلـد يزورهـا السـراج بعـد ذلـك االتفـاق‪.‬‬ ‫ويف ‪ 17‬ديسـمبر‪2017‬م‪ ،‬قـام بزيـارة أخـرى للجزائـر تباحـث خاللهـا‬ ‫مـع رئيـس الـوزراء اجلزائـري أحمـد أويحيـى‪ ،‬وجـددت اجلزائـر‬ ‫للسـراج موقفهـا بـأن االتفـاق السياسـي ميثـل األرضيـة الوحيـدة‬ ‫لتحقيـق التوافـق‪ ،‬مشـددة علـى عـدم وجـود حـل عسـكري لألزمـة‪.‬‬

‫‪72‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫إعالميـــة علـــى اجلزائـــر واتهموهـــا باالنحيـــاز للعقيـــد معمـــر‬ ‫القــذايف‪ .‬وعبــرت اجلزائــر أكثــر مــن مــرة‪ ،‬أنهــا ليســت مــع أو ضــد‬ ‫أي طـــرف مـــن أطـــراف الصـــراع يف ليبيـــا‪ ،‬لكنهـــا كانـــت بوضـــوح‬ ‫معارضـــة لتدخـــل الناتـــو يف املنطقـــة ويف الصـــراع‪.‬‬ ‫وبع ــد تط ــور األح ــداث يف ليبي ــا‪ ،‬الت ــي أدت إل ــى مقت ــل العقي ــد‬ ‫القـــذايف يف مشـــهد درامـــي ودفنـــه مبـــكان مجهـــول‪ ،‬اعترفـــت‬ ‫اجلزائ ــر رس ــميا باملجل ــس االنتقال ــي الليب ــي عل ــى مرت ــن‪ :‬امل ــرة‬ ‫األولـــى قبـــل ســـقوط العاصمـــة طرابلـــس عـــن طريـــق االحتـــاد‬ ‫اإلفريق ــي‪ ،‬وامل ــرة الثاني ــة‪ ،‬عندم ــا التق ــى الرئي ــس بوتفليق ــة مرت ــن‬ ‫م ــع رئي ــس املجل ــس مصطف ــى عب ــد اجللي ــل يف العاصم ــة القطري ــة‬ ‫الدوح ــة بوس ــاطة أمي ــر قط ــر خ ــالل القم ــة العاملي ــة للغ ــاز ش ــهر‬ ‫نوفمبـــر ‪2011‬م‪ ،‬كمـــا قـــام بوتفليقـــة بإرســـال برقيـــة تهنئـــة‬ ‫ملصطف ــى عب ــد اجللي ــل مبناس ــبة احتف ــال ليبي ــا بالعي ــد الوطن ــي‬ ‫اجلدي ــد املص ــادف لتاري ــخ ‪ 25‬ديس ــمبر مبناس ــبة اس ــتقالل ليبي ــا‬ ‫عـــن إيطاليـــا‪ ،‬بعدمـــا كانـــت ليبيـــا حتتفـــل بالعيـــد الوطنـــي يـــوم‬ ‫‪1‬س ــبتمبر ذك ــرى وص ــول الق ــذايف للحك ــم‪ .‬ث ــم ق ــام عب ــد اجللي ــل‬ ‫بزيـــارة رســـمية للجزائـــر يـــوم ‪ 16‬أبريـــل ‪2012‬م‪ ،‬بدعـــوة مـــن‬ ‫الرئيـــس بوتفليقـــة‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪ -٢‬دعم املبعوث األممي إلى ليبيا‬ ‫أعلنـــت اجلزائـــر بـــدون أي حتفـــظ دعمهـــا خلطـــة املبعـــوث‬ ‫األمم ــي اجلدي ــد إل ــى ليبي ــا‪ ،‬غس ــان س ــالمة‪ ،‬ال ــذي أعل ــن ش ــهر‬ ‫س ــبتمبر ‪2017‬م‪ ،‬خ ــالل فعالي ــات اجلمعي ــة العام ــة ل ــألمم املتح ــدة‬ ‫يف نيويـــورك‪« ،‬خطـــة عمـــل جديـــدة» تهـــدف إلـــى إطـــالق جولـــة‬ ‫جديـــدة مـــن املفاوضـــات حلـــل اخلالفـــات العالقـــة يف ليبيـــا‪.‬‬ ‫وخــالل أشــغال اجلمعيــة العامــة لــألمم املتحــدة شــهر ســبتمبر‬ ‫‪2017‬م‪ ،‬ش ــاركت اجلزائ ــر يف االجتم ــاع رفي ــع املس ــتوى ح ــول ليبي ــا‬ ‫والـــذي شـــاركت فيـــه كل مـــن األمم املتحـــدة واجلزائـــر ومصـــر‬ ‫وتون ــس‪ ،‬ومت في ــه االتف ــاق عل ــى من ــح جماع ــة الق ــذايف مكان ــة يف‬ ‫اخلارط ــة اجلدي ــدة‪ .‬ومت اإلع ــالن ع ــن رف ــض تع ــدد مب ــادرات ح ــل‬ ‫األزمــة الليبيــة وإبقائهــا فقــط حتــت إشــراف األمم املتحــدة (إشــارة‬ ‫إل ــى تدخ ــل فرنس ــا بش ــكل منف ــرد يف القضي ــة)‪.‬‬ ‫‪ -٣‬اتفاق الصخيرات‪ :‬إطار للحل‬ ‫تعتبـــر اجلزائـــر أن االتفـــاق السياســـي الـــذي وقـــع حتـــت‬ ‫إش ــراف األمم املتح ــدة م ــن قب ــل األط ــراف الليبي ــة ش ــهر ديس ــمبر‬ ‫‪2015‬م‪ ،‬مبدينـــة الصخيـــرات املغربيـــة‪ ،‬يشـــكل إطـــا ًرا لتســـوية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪71‬‬

‫ملف العدد‬

‫تحفظــت النخــب الجزائريــة والنظــام علــى أحــداث الربيــع العربــي مــن بدايتهــا‬

‫أســس الموقــف الجزائــري مــن تداعيــات‬ ‫الربيــع العربــي‪ :‬أزمــات ليبيــا وســوريا‬ ‫منــذ بدايــة أحــداث الربيــع العربــي يف تونــس عــام ‪2011‬م‪ ،‬ثــم مصــر وانتقالهــا لليبيــا واليمــن‪ ،‬حتفظــت النخبــة اجلزائريــة‪،‬‬ ‫وكذلــك النظــام السياســي القائــم علــى تلــك األحــداث‪ ،‬ففــي الوقــت الــذي تعتبرهــا معظــم النخــب اإلعالميــة والسياســية‬ ‫(باســتثناء األحــزاب اإلخوانيــة) مؤامــرة خارجيــة تســتهدف الــدول الوطنيــة‪ ،‬ظــل النظــام السياســي يتحفــظ على تعامــل الدول‬ ‫ً‬ ‫ملحوظــا يف املواقــف بــن اجلزائــر وبعــض الــدول العربيــة وعلــى رأســها دول اخلليــج‬ ‫العربيــة معهــا‪ ،‬األمــر الــذي أنتــج تباي ًنــا‬ ‫يف كيفيــة التعامــل مــع تداعيــات الربيــع العربــي‪ .‬وعلــى ســبيل املثــال اختلفــت اجلزائــر مــع عــدد مــن الــدول العربيــة بخصــوص‬ ‫الوضــع يف ليبيــا‪ ،‬وســوريا وقضيــة القــوة العربيــة للتدخــل الســريع‪ ،‬وقضيــة التحالــف العســكري‪ ،‬وغيرهــا مــن القضايــا‪ ،‬وتبــرر‬ ‫اجلزائــر موقفهــا علــى أن لديهــا دســتور يحــدد مهــام اجليــش اجلزائــري‪ ،‬ومبــادئ تتحكــم يف سياســتها اخلارجيــة‪.‬‬

‫د محمد لعقاب‬

‫أوالً‪-‬أهم مبادئ السياسة الخارجية للجزائر‬ ‫تســتمد اجلزائــر سياســتها اخلارجيــة مــن تاريخهــا النضالــي‬ ‫الطويــل‪ ،‬وحتديــدًا مــن بيــان ثــورة أول نوفمبــر ‪1954‬م‪ ،‬ثــم مــن‬ ‫جتاربهــا الدبلوماســية بعــد االســتقالل‪ ،‬ولعــل أهــم أسســها تتمثــل يف‪:‬‬ ‫ احترام سيادة اآلخرين وعدم التدخل يف الشؤون الداخلية للدول‪.‬‬‫ رفض احللول العسكرية لألزمات‪.‬‬‫ عدم املشاركة عسكر ًيا خارج حدود اجلزائر‪.‬‬‫ حسن اجلوار‪ ،‬واملعاملة باملثل‪.‬‬‫ احلوار حلل اخلالفات الداخلية أو بن الدول‪.‬‬‫ دعم الوساطة الدبلوماسية حلل اخلالفات‪.‬‬‫ دعم حل اخلالفات عن طريق املفاوضات أو التحكيم الدولي‪.‬‬‫ دعم حل اخلالفات عن طريق األمم املتحدة‪.‬‬‫ دعم حركات التحرر والقضايا العادلة يف العالم‪.‬‬‫وبنــاء علــى ذلــك اتخــذت اجلزائــر مواقفهــا ممــا يحــدث يف دول‬ ‫الربيــع العربــي‪ ،‬كمــا نوضحــه فيمــا يلــي‪:‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬موقف الجزائر من تداعيات الربيع العربي يف ليبيا‬ ‫كان تفاعــل اجلزائــر مــن األزمــة الليبيــة ملفتًــا‪ ،‬حيــث ألقــت‬ ‫بثقلهــا مــن أجــل إجنــاح رؤيتهــا حلــل األزمــة‪ ،‬وهــو احلــل الــذي ينبغــي‬ ‫أن يقــوم علــى‪:‬‬

‫ احلوار السياسي بن جميع مكونات الشعب الليبي‬‫ احلل السياسي لألزمة بعيدًا عن احللول العسكرية‬‫ احلل السياسي يتم بن الليبين بدون تدخل أي دولة خارجية‬‫احلفاظ على سيادة ليبيا وسالمتها الترابية ووحدتها وتالحم شعبها‪.‬‬‫ رفـض التدخـل العسـكري اخلارجـي يف ليبيـا ورفـض كل مسـعى‬‫غيـر سـلمي والسـيما اخليـار العسـكري الـذي قـد يـؤدي الـى اسـتمرار‬ ‫االنقسـام والفوضـى‪.‬‬ ‫ اتفاق الصخيرات ميثل اإلطار العام للحل للمشكلة يف ليبيا‪.‬‬‫ خلق توافق ليبي ‪ -‬ليبي (يشمل كافة األطراف التي ترفض العنف)‪.‬‬‫ إعــادة تشــكيل اجليــش الليبــي وتوحيــده حتــى يكــون قــاد ًرا علــى‬‫رفــع التحديــات األمنيــة‪.‬‬ ‫ التنسـيق مـع دول اجلـوار خاصـة تونـس ومصـر علـى دعـم احلـل‬‫السياسـي يف ليبيـا‪ ،‬لكـن هنـاك خـالف غير معلن مـع مصر لكون هذه‬ ‫األخيـرة تدعـم خليفـة حفتـر وقامـت بقصـف عـدة مواقـع يف ليبيـا‪.‬‬ ‫وبـنـ ــاء عـلـ ــى ذلـ ــك اتـخـ ــذت الـجـزائـ ــر مـواقـفـهـ ــا م ــن األزمـ ــة‬ ‫الليبيـــة كمـــا يلـــي‪:‬‬ ‫‪ -1‬االعتراف باملجلس االنتقالي‬ ‫يف بداي ــة أح ــداث الربي ــع العرب ــي‪ ،‬وقف ــت اجلزائ ــر محاي ــدة‪،‬‬ ‫ودع ــت إل ــى احل ــوار حل ــل األزم ــة‪ ،‬لك ــن "الث ــوار" ش ــنوا هجوم ــات‬

‫‪70‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫مــن االختــالف يف األجنــدات علــى مســتوى جامعــة الــدول العربيــة‬ ‫برفــض اجلزائــر لــكل أشــكال التدخــل األجنبــي يف الــدول العربيــة‬ ‫وأن اجلزائ ــر بقاريته ــا تتعام ــل م ــع احلكوم ــات ولي ــس اجلماع ــات‬ ‫ونأيه ــا ع ــن سياس ــة التحالف ــات إال أن الديناميكي ــة يف العالق ــات‬ ‫اجلزائريـــة ــــ الســـعودية باتـــت واضحـــة مـــن خـــالل فتـــح أفـــق‬ ‫الشـــراكة وتطويرهـــا مـــن حيـــث حجـــم االســـتثمارات التـــي مـــن‬ ‫املتوقـــع أن تبلـــغ ‪10‬مليـــارات دوالر‪.‬‬ ‫ويتماش ــى ذل ــك م ــع السياس ــة اإلصالحي ــة واالنفتاحي ــة الت ــي‬ ‫تتبناه ــا الس ــعودية اس ــتراتيج ًيا واقتصاد ًي ــا وثقاف ًي ــا وق ــد تراكم ــت‬ ‫صي ــرورة الش ــراكة ب ــن الس ــعودية واجلزائ ــر م ــن خ ــالل تش ــجيع‬ ‫اجلزائـــر للســـعودية ألن تكـــون قط ًبـــا مه ًمـــا يف‬ ‫خف ــض اإلنت ــاج يف منظم ــة األوب ــك وه ــذا م ــا جتل ــى‬ ‫م ــن خ ــالل لق ــاء اجلزائ ــر س ــبتمبر ‪2016‬م‪ ،‬كأح ــد‬ ‫آليـــات الدبلوماســـية الطاقويـــة التـــي عـــززت مـــن‬ ‫اســـتقرار الســـوق النفطـــي وارتفـــاع محســـوس يف‬ ‫أســـعاره املقـــدرة حال ًيـــا ب ‪75‬دوالر لســـعر برنـــت‬ ‫ويتوقـــع اخلبـــراء آن يكـــون الســـعر ‪100‬دوالر يف‬ ‫غضـــون ســـنة ‪2020‬م‪.‬‬ ‫وحتتفــظ اجلزائــر ً‬ ‫أيضــا بعالقــات قويــة مــع‬ ‫اإلمــارات مــن حيــث االســتثمارات املتدفقــة وبنفــس‬ ‫التــوازي مــع قطــر مــن خــالل مجموعــة االســتثمارات التــي تســتثمر‬ ‫فيــه قطــر يف اجلزائــر كمجــال احلديــد يف منطقــة بــالرة يف واليــة‬ ‫جيجــل ‪ .‬كمــا تعتبــر الكويــت ً‬ ‫أيضــا شــري ًكا ها ًمــا للجزائــر يف مجــال‬ ‫االســتثمارات يف االتصــاالت وكانــت دولــة الكويــت مــن بــن الــدول‬ ‫التــي احتضنــت الثــورة اجلزائريــة مال ًيــا وإعالم ًيــا‪.‬‬ ‫ويف هــذا الســياق وقفــت اجلزائــر مبســافة واحــدة مــن أطــراف‬ ‫األزمــة اخلليجيــة القائمــة حال ًيــا وتــرى اجلزائــر أن احلــل يكمــن يف‬ ‫التصالــح وهــي تضــع جتربتهــا يف مجــال الوســاطة حتــت تصــرف‬ ‫أشــقائها للــم الشــمل العربــي مــرة أخــرى للوقــوف أمــام التحديــات‬ ‫اخلطيــرة التــي تواجــه العالــم العربــي‪.‬‬ ‫باملجمــل تنظــر اجلزائــر إلــى العالــم العربــي بنظــرة متوازنــة مــع‬ ‫كافــة الــدول العربيــة وقــادت مبــادرة إصــالح اجلامعــة العربيــة علــى‬ ‫املســتوى املؤسســاتي لتســتجيب للمتطلبــات االقتصاديــة واألمنيــة التي‬ ‫تواجــه املنطقــة وأن أهــم حتــد هــو حتــدي اإلرهــاب لذلــك كانــت‬ ‫التجربــة اجلزائريــة يف مجــال مكافحــة اإلرهــاب واملصاحلــة الوطنيــة‬ ‫مرج ًعــا أساســ ًيا ميكــن أن تســتفيد بــه الــدول العربيــة التــي تعيــش‬ ‫أزمــات بنيويــة حــادة تهــدد اســتقرارها بــل وبقائهــا يف ظــل حالــة مــن‬ ‫انهيــار دول وتنامــي اإلرهــاب فيهــا وســط حالــة مــن االنشــقاق العربــي‬ ‫حــول املواقــف الرســمية وحالــة مــن التحالفــات بــن محــاور عربيــة‬ ‫ضــد محــاور أخــرى‪ .‬إن الظرفيــة التاريخيــة التــي متــر بهــا منطقــة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫العالــم العربــي جتعلنــا نفكــر عــن بقائنــا املهــدد مــن قبــل قــوى إقليميــة‬ ‫ودوليــة تســعى لتقســيم مجــاالت النفــوذ علــى العالــم العربــي ومــن‬ ‫ثــم فــإن اســتيعاب اللحظــة التاريخيــة تكمــن يف مزيــد مــن التكامــل‬ ‫والتالحــم بعي ـدًا عــن الــرؤى الضيقــة املغلفــة إقليم ًيــا ودول ًيــا‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬ ‫لقد عملت سياســة اجلزائر اخلارجية يف فضائها اجليوسياســي‬ ‫املــزدوج إفريق ًيا‪-‬العالــم العربــي كعامــل اســتقرار مصــدر لالســتقرار‬ ‫منــوذج لالســتقرار مــن خــالل دبلوماســية واقعيــة وعمليــة غلبــت‬ ‫احللــول السياســية الســلمية علــى احللــول العســكرية‪.‬‬ ‫كمــا شــاركت اجلزائــر يف كل النقاشــات التــي‬ ‫تهتــم باملجــال اإلفريقــي والعربــي مــن خــالل‬ ‫انضمامهــا إلــى البنيــات املؤسســاتية املتمثلــة يف‬ ‫االحتــاد اإلفريقــي وجامعــة الــدول العربيــة وبطــرح‬ ‫مبــادرات يف إطــار مــن الديناميكيــة السياســية‬ ‫واالقتصاديــة واألمنيــة‪.‬‬ ‫تتعامــل اجلزائــر مبقاربــة تبنــي النهــج السياســي‬ ‫الســلمي وتنــأى بنفســها عــن التدخــالت العســكرية‬ ‫مــن منطلــق عقيدتهــا العســكرية والدبلوماســية‬ ‫الثابتــة وغيــر القابلــة ال للتغييــر وال للمســاومة‪.‬‬ ‫حتــاول اجلزائــر دو ًمــا تســويق جتربتهــا الرائــدة يف مجــال‬ ‫مكافحــة اإلرهــاب واملصاحلــة الوطنيــة كآليــات ميكــن أن تســتفيد‬ ‫منهــا إفريقيــا والعالــم العربــي حلــل املعضــالت السياســية واألمنيــة‬ ‫يف ظــل هــذا العالــم املتحــول اســتراتيج ًيا والــذي تطغــى فيــه القضايــا‬ ‫األمنيــة علــى أولويــات التنميــة واالقتصــاد‪.‬‬ ‫تتبنــى اجلزائــر يف منهجيتهــا يف التعامــل مــع عمقهــا اإلفريقــي‬ ‫والعربيــة أســلوب الشــراكات االســتراتيجية وليــس التحالفــات‪ ،‬إن‬ ‫الدبلوماســية اجلزائريــة هــي دبلوماســية شــراكات ال حتالفــات‪.‬‬ ‫تؤمــن اجلزائــر بتجــارب التكامــل وتــرى يف التجربــة اإلفريقيــة‬ ‫جتربــة ميكــن أن يكــون لهــا صــدى واقعــي علــى مختلــف األبعــاد‬ ‫السياســية واالقتصاديــة واألمنيــة شــرط اســتبعاد التدخــالت‬ ‫األجنبيــة يف هــذا املجــال‪.‬‬ ‫تؤمــن اجلزائــر بعمقهــا العربــي الــذي تــراه امتــدا ًدا وحاضنًــا‬ ‫لهــا تاريخ ًيــا وعرب ًيــا وثقاف ًيــا وتتبنــى سياســة متوازنــة مــع أقطابــه‪،‬‬ ‫الســعودية اإلمــارات مصــر ســوريا العــراق ويف ســياق التحرشــات‬ ‫اإلقليميــة بالعالــم العربــي وبعــض دولــه تفرق الدبلوماســية اجلزائرية‬ ‫جي ـدًا بــن الشــقيق والصديــق‪.‬‬

‫تـؤمــــن الـجـزائــــر‬ ‫بالتكام ــل وت ــرى فـ ــي‬ ‫النموذج اإلفريقي صدى‬ ‫واقـــعي عى السـياسة‬ ‫واالقــتــصــاد واألمــن‬

‫* أستاذ العلوم السياسية باملدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية –الجزائر‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫لقــد أفــرز الواقــع األزمــوي يف منطقــة الســاحل حتديــات علــى‬ ‫اجلزائــر وأمنهــا القومــي ففــي بيــان وزارة الداخليــة املنشــور يف‬ ‫نهايــة أبريــل مــن هــذا العــام اتضــح أن مــا يقــارب عــن ‪500‬مهاجــر‬ ‫يعبــر اجلزائــر يوم ًيــا ‪ ،‬وقــد ازدادت وتيــرة الهجــرة غيــر الشــرعية إلى‬ ‫اجلزائــر تزايــدت بوتيــرة متســارعة ما بن ســنتي ‪2017‬و‪2018‬م‪ ،‬ويف‬ ‫منطقــة بــرج احلــواس مثــال يف جنــوب اجلزائــر هنالــك ‪7000‬مهاجــر‬ ‫إفريقــي وســكان املنطقــة ســكانها اليتعــدى‪ ، 6000‬إن هــذه املؤشــرات‬ ‫تبــن مــدى خطــورة الوضــع الــذي تفــرزه األزمــات احلــادة يف منطقــة‬ ‫إفريقيــا علــى األمــن القومــي اجلزائــري وســجلت ً‬ ‫أيضــا املصالــح‬ ‫األمنيــة أن مــا قيمتــه ‪39‬مليــار دي ًنــا جزائــري هــي عائــدات املهاجريــن‬ ‫غيــر الشــرعين مــن عمليــات غســيل األمــوال واملخــدرات الــخ‪.‬‬ ‫كل هــذه التحديــات جعلــت اجلزائــر تنــادي دائمــا يف احملافــل‬ ‫الدوليــة بضــرورة تكريــس مبــدأ التنميــة يف البلــدان اإلفريقيــة كآليــة‬ ‫المتصــاص األزمــات البنيويــة يف إفريقيــا فالتنميــة هــي مــن ســيعزز‬ ‫فــرص االســتقرار يف املنطقــة ويحــد مــن موجــات الهجــرة غيــر‬ ‫الشــرعية التــي أصبحــت حتــدي أمنــي ال ميــس إفريقيــا فقــط وإمنــا‬ ‫ً‬ ‫أيضــا البلــدان األوروبيــة‪.‬‬ ‫لــم تكتــف اجلزائــر يف رؤيتهــا االســتراتيجية جتــاه الفضــاء‬ ‫اجليوسياســي اإلفريقــي برؤيــة أمنيــة بــل تبعتهــا مبــادرات اقتصاديــة‬ ‫وتنمويــة ‪ ،‬إن اجلزائــرأول دولــة متســح ديــون ‪14‬دولــة إفريقيــة‬ ‫بقيمــة ‪3.5‬مليــار دوالر وتشــتغل حال ًيــا الرؤيــة اجلزائريــة مبفهــوم‬ ‫الدبلوماســية االقتصاديــة يف إفريقيــا اذ حتــاول اجلزائــر إقامــة‬ ‫مجموعــة مــن املشــاريع التنمويــة فخــالل الشــهر املقبــل ستدشــن‬ ‫اجلزائــر خــط مالحــي يربطهــا كوديفــوار لتســويق املنتجــات وكذلــك‬ ‫عرفــت اجلزائــر مجموعــة اســتثمارات لشــركات الهاتــف النقــال يف‬ ‫إفريقيــا وتســعى اجلزائــر إلــى تعزيــز توجههــا نحــو إفريقيــا مــن‬ ‫خــالل اســتثمارات شــركة ســونطراك يف مجــال الطاقــة‬

‫العالم العربي كبعد يف سياسة الجزائر الخارجية‪:‬‬ ‫يـشـكـــل الـعـالـــم الـعـربـــي الـعـمـــق الـحـضـــاري والـتـاريـخـــي‬ ‫واالســتراتيجي للجزائــر ولقــد اهتمــت اجلزائــر دائ ًمــا بهــذا املجــال‬ ‫احليــوي مــن منطلــق أنهــا فاعــل مركــزي فيــه بحكــم موقعهــا‬ ‫اجليوسياســي والتاريخــي واجليواقتصــادي وســعت اجلزائــر دائمــا‬ ‫إلــى إقامــة عالقــات متوازنــة مــع كل الــدول العربيــة يف إطــار مــن‬ ‫مبــادئ االحتــرام وعــدم التدخــل يف الشــؤون الداخليــة للــدول وبنــاء‬ ‫عالقــات تقــوم علــى أســس الشــراكات ال التحالفــات‪.‬‬ ‫لقــد شــكل العالــم العربــي مــن الناحيــة االســتراتيجية ملع ًبــا‬ ‫لصــراع القــوى ملــا حتملــه املنطقــة مــن ثــروات وموقع اســتراتيجي وبعد‬ ‫حضــاري جعــل منــه محــل اهتمــام القــوى الكبــرى والعظمــى اإلقليميــة‬ ‫علــى حــد ســواء‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪69‬‬

‫ملف العدد‬

‫وعبــر الرصــد التاريخــي للمنطقة بأنها املنطقة األكثر اشــتعاالً يف‬ ‫العالــم وأن بــؤر الصــراع تتمركــز فيهــا بالرغــم مــن هنالــك مــن احملللن‬ ‫واالســتراتيجين ممــن يتنبــأ بانتقــال الصــراع من الشــرق األوســط إلى‬ ‫جنــوب شــرق أســيا إال أن كل املؤشــرات تقــول عكــس ذلــك‪.‬‬ ‫اهتمــت اجلزائــر مبجالهــا العربــي وكانــت مــن املنضمــن إلــى‬ ‫جامعــة الــدول العربيــة ودافعــت عــن تصوراتهــا التــي تخــدم مفهــوم‬ ‫املصلحــة العربيــة املشــتركة وصيانــة األمــن القومــي العربــي ونــأت‬ ‫الدبلوماســية اجلزائريــة عــن الدخــول يف أي حتالــف مــن التحالفــات‬ ‫وفــق مــا متليــه عقيدتهــا العســكرية املهندســة دســتور ًيا وهــو أن‬ ‫اجليــش اجلزائــري ال يتدخــل خــارج حــدوده ألســباب ترتبــط برؤيــة‬ ‫واقعيــة وعمليــة وتتغــذى مــن مبــادئ الدبلوماســية اجلزائريــة التــي ال‬ ‫تتدخــل يف الشــؤون الداخليــة للــدول‪.‬‬ ‫احتفظــت اجلزائــر بعالقــات قويــة مــع شــقيقاتها العربيــات اذ‬ ‫حتتفــظ اجلزائــر بعالقــات قويــة مــع مصــر كقــوة مركزيــة يف العالــم‬ ‫العربــي ونفــس الشــيء مــع ســوريا والســعودية والعــراق وباقــي الــدول‪.‬‬ ‫لقـــد أفـــرزت الهـــزة اجليوبولتيكيـــة يف ‪2011‬م‪ ،‬ضمـــن مـــا‬ ‫س ــمي يف أدبي ــات النق ــا ش ــات اإلعالمي ــة بالربي ــع العرب ــي حتدي ــات‬ ‫مفصليـــة علـــى مســـتوى دول العالـــم العربـــي لبعـــض الـــدول التـــي‬ ‫عرف ــت أح ــداث بالغ ــة وب ــدأ العال ــم العرب ــي يش ــتعل يف س ــياق م ــن‬ ‫التحالفـــات والتدخـــالت يف الشـــؤون الداخليـــة للـــدول فوقفـــت‬ ‫الدبلوماســـية اجلزائريـــة علـــى مســـافة واحـــدة بـــن كل األطـــراف‬ ‫وحتفظ ــت عل ــى الق ــرارات الت ــي م ــن ش ــأنها أن تك ــون مدخ ـ ً‬ ‫ـال نح ــو‬ ‫التدخ ــل ويب ــدو أن املقارب ــة اجلزائري ــة كان ــت منطقي ــة بالنظ ــر إل ــى‬ ‫فلس ــفتها الت ــي تؤم ــن به ــا‪.‬‬ ‫ويف ســياق اإلقليــم املضطــرب بإيقاعــات مختلفــة بــد ًءا باجلــوار‬ ‫اإلقليمــي للجزائــر الــذي عرفــت فيــه تونــس وليبيــا احلــراك‬ ‫االحتجاجــي الــذي أدلــى إلــى ســقوط النظــام يف تونــس وليبيــا‬ ‫وانــزالق األوضــاع االجتماعيــة واالقتصاديــة واألمنيــة يف البلديــن‪،‬‬ ‫عملــت اجلزائــر ووفــق مقاربــة حســن اجلــوار إلــى مــد يــد العــون إلــى‬ ‫تونــس عــن طــرق تقيــد منحــة ماليــة للخــروج مــن أزمتهــا االقتصاديــة‬ ‫واملاليــة كمــا ســاعدت اجلزائــر ً‬ ‫أيضــا تونــس يف مجــال لــم الشــمل بن‬ ‫كل املكونــات السياســية وأطيافهــا التــي تتــوزع مــن أقصــى اليمــن‬ ‫إلــى أقصــى اليســار ويف ليبيــا مــدت اجلزائــر يدهــا ألعمــال مبــدأ‬ ‫املصاحلــة الوطنيــة وحتقيــق االســتقرار عــن طريــق احلــوار السياســي‬ ‫بعيـدًا عــن االقتتــال القبلــي والعشــائري والــذي يتغــذى مــن أجنــدات‬ ‫دوليــة وإقليميــة‪.‬‬ ‫لق ــد احتفظ ــت اجلزائ ــر ً‬ ‫أيض ــا بعالق ــات قوي ــة م ــع ش ــقيقاتها‬ ‫مـــن اخلليـــج فمنطقـــة اخلليـــج تشـــكل العمـــق االســـتراتيجي‬ ‫للجزائـــر فربطـــت اجلزائـــر عالقـــات قويـــة مـــع قـــوة الثقـــل‬ ‫احلضـــاري واالســـتراتيجي يف اخلليـــج وهـــي الســـعودية وبالرغـــم‬

‫‪68‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫سياسة اجلزائر اخلارجية يف فضائها اجليوسياسي اإلفريقي‪:‬‬ ‫يشــكل الفضــاء اجليوسياســي اإلفريقــي ملع ًبــا اســتراتيج ًيا‬ ‫لصــراع القــوى اإلقليميــة والدوليــة علــى مجــاالت النفــوذ وتزخــر هذه‬ ‫املنطقــة‪ ،‬بثــروات ومــوارد طبيعيــة هائلــة كالنفــط‪ ،‬اليورانيــوم ‪،‬الذهب‬ ‫وامليــاه ممــا جعــل القــوى الكبــرى تضــع يف أولويــات أهدافهــا‪ ،‬أســس‬ ‫واســتراتيجيات للتوغــل يف هــذه املنطقــة‪ ،‬فباإلضافــة إلــى قــوى‬ ‫النفــوذ التقليــدي يف املنطقــة كفرنســا الواليــات املتحــدة األمريكيــة‬ ‫والتوغــل الصينــي التجــاري واالقتصــادي بصــورة ملفتــة لالنتبــاه‪،‬‬ ‫اهتمــت قــوى أخــرى كتركيــا وإســرائيل بهــذا املجــال احليــوي ‪،‬فقــد‬ ‫عمــدت تركيــا مثــال إلــى وضــع اســتراتيجية تســتهدف مــن خاللهــا‬ ‫اســتثمار ‪20‬مليــار دوالر يف إفريقيــا يف مجــال البنيــة التحتيــة‬ ‫والنســيج يف حــدود ‪2022‬م‪.‬‬ ‫وقــد اتضــح االهتمــام اإلســرائيلي مــن خــالل زيــارة نتنياهــو‬ ‫إلــى دول حــوض النيــل وتزويــد هــذه الــدول‪ ،‬مبعــدات اســتخباراتية‬ ‫ووســائل الــري وتزويدهــا ً‬ ‫أيضــا مبعلومــات اســتخباراتية‪.‬‬ ‫لقد ادرك صانع القرار يف اجلزائر أهمية املنطقة‪ ،‬فإفريقيا هي‬ ‫العمـق االسـتراتيجي للجزائـر وهويـة إفريقيـا كعمـق اسـتراتيجي يف‬ ‫املنطقـة واضحـة يف السياسـة اجلزائرية‪ ،‬فلقد اهتمـت دائ ًما اجلزائر‬ ‫ببنـاء عالقـات قويـة مـع القـوى التقليديـة الكبـرى يف إفريقيـا كجنـوب‬ ‫إفريقيـا السـينغال الكونغـو النيجـر ونيجيريـا وكل الـدول اإلفريقيـة‬ ‫األخـرى لـذا كانـت اجلزائـر ووفـق صيـرورة تاريخيـة السـباقة إلـى‬ ‫االهتمـام باملجـال اإلفريقـي ورأت فيـه إمكانيـة قيـام جتربـة تكامليـة‪،‬‬ ‫تكـون لهـا مكانتهـا فقـد كانـت اجلزائـر مـن املؤسسـن األوائـل ملنظمة‬ ‫الوحـدة اإلفريقيـة التـي حتولـت فيمـا بعـد إلـى مـا يعـرف باالحتـاد‬ ‫اإلفريقـي والتـي تعـرف حضـو ًرا قو ًيـا للجزائـر مـن خـالل انتخابهـا يف‬ ‫مختلـف الهيـاكل املهمـة فيـه كمجلـس السـلم واألمـن اإلفريقـي الـذي‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫يعـد احملـرك األساسـي يف هـذه املنظمـة‪ .‬تعتبـر منطقـة السـاحل‬ ‫االمتـداد اجليوسياسـي القريـب جغراف ًيـا ‪،‬اسـتراتيج ًيا وأصبـح هـذا‬ ‫منتجا ملجموعة من األزمات الشـك أن لها انعكاسـات سـلبية‬ ‫الفضاء‬ ‫ً‬ ‫علـى األمـن القومـي اجلزائـري فهـذا الفضـاء أصبـح بـؤرة النتشـار‬ ‫اجلماعـات اإلرهابيـة وأشـكال التهديدات األمنيـة اجلديدة املتمثلة يف‬ ‫اجلرمية املنظمة ‪،‬غسـيل األموال ‪،‬الهجرة غير الشـرعية تتقاسـم هذه‬ ‫التهديدات بصورة حدية ليبيا ومالي وهما األزمتان األكثر اشتعاال يف‬ ‫الفضـاء اجليوسياسـي املـزدوج مغـارب وسـاحل اذا تعتبـر ليبيـا مبثابـة‬ ‫هـوة أمنيـة خلقهـا تدخـل حلـف الناتـو دون إيجـاد احللـول لهـا وتعتبـر‬ ‫ليبيـا مبثابـة كعكـة اسـتراتيجية متتـد جغراف ًيـا علـى حـدود ‪1200‬كلـم‬ ‫كمـا تزخـر مبـوارد طاقويـة يجعـل مـن تتبـوأ املراتب األولـى عامل ًيا وهي‬ ‫ً‬ ‫أيضـا دولـة معبـر نحـو إفريقيـا العالـم العربـي واملتوسـط األوربـي‪.‬‬ ‫لقــد أدى تدخــل الناتــو إلــى حالــة مــن الفوضــى يف ظــل غيــاب‬ ‫دولــة ومؤسســات ومجتمــع انثربولوجيــا يعتبــر مجتمــع قبلــي فتــح‬ ‫املجــال أمــام صــراع بــن جماعــات تغــذى سياسـ ًيا واقلي ًمــا وإعالم ًيــا‬ ‫مــن قبــل قــوى معروفــة خلقــت مــن خاللهــا حالــة عــدم اســتقرار جعــل‬ ‫منهــا دولــة حاضنــة لإلرهــاب بســبب انتقــال التنظيمــات اإلرهابيــة‬ ‫مــن ســوريا والعــراق إليهــا فقــد وصــل يف ســنة ‪2015‬م‪ ،‬حوالــي ‪500‬‬ ‫مقاتــل مــن تنظيــم داعــش اإلرهابــي إلــى ليبيــا أمــام أعــن وأجهــزة‬ ‫االســتخبارات العامليــة‪.‬‬ ‫تتصــارع يف ليبيــا أجنــدات إقليميــة دوليــة ففيهــا شــرعيتان‬ ‫تتصارعــان وتغيبــان احلــل السياســي ممــا جعــل ليبيــا اليــوم مهــددة‬ ‫بالتقســيم وهــذا هــو الســيناريو الــذي تتبنــاه القــوى الغربيــة ففــي‬ ‫أبريــل ‪2017‬م‪ ،‬التقــى مســؤولون أمريكيــون مــع دبلوماســين أوروبيــن‬ ‫اتفقــوا علــى أن احلــل يف ليبيــا هــو التقســيم للقضــاء علــى الصــراع‬ ‫ومــن هنــا تتضــح نوايــا املنظومــة الغربيــة جتــاه العالــم العربــي‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪67‬‬

‫ملف العدد‬

‫الثــورة الجزائريــة ومؤتمــر باندونــغ المرجعيــة التأسيســية لمبــادئ الجزائــر‬

‫سياس ــية الجزائ ــر يف فضائه ــا اإلفريق ــي‬ ‫والعرب ــي‪ :‬الش ــراكات ال التحالف ــات‬ ‫تشــكل اجلزائــر مبــا حتملــه مــن عمــق اســتراتيجي وإرث تاريخــي دولــة محوريــة يف فضائهــا اجليوسياســي‪ ،‬الــذي ميتــد‬ ‫وفــق ثالثــة معابــر أساســية هــي املتوســط والعالــم العربــي وإفريقيــا وهــي كلهــا فضــاءات جيوسياســية تعتبــر مبثابــة اخللفيــة‬ ‫األساســية لهندســة ورســم سياســة اجلزائــر اخلارجيــة جتاههــا مــن خــالل مســتوين أساســين‪ :‬املســتوى األول‪ :‬هــو بنــاء‬ ‫عالقــات دبلوماســية واقتصاديــة يف إطــار مــن التــوازن‪ ،‬التعــاون والشــراكة‪ .‬املســتوى الثانــي‪ :‬صيانــة األمــن القومــي اجلزائري‬ ‫الــذي ميتــد إلــى هــذه الفضــاءات اجليوسياســية‪ ،‬ضمــن مــا يســمى يف أدبيــات الدراســات األمنيــة مبفهــوم األمــن املركــب‪.‬‬ ‫لقــد تبنــت سياســة اجلزائــر اخلارجيــة دائمــا النهــج الواقعــي والعملــي‪ ،‬وتنطلــق دو ًمــا مــن مرتكــزات حكامــة دبلوماســيتها‬ ‫التــي تقــوم علــى أســس ومبــادئ ال حتيــد عنهــا جعلــت منهــا فلســفة واســتراتيجية متتــد يف ســياق سوســيو تاريخــي إلــى الثــورة‬ ‫اجلزائريــة ومؤمتــر باندونــغ ‪1956‬م‪ ،‬الــذي يشــكل املرجعيــة األساســية والتأسيســية ملبادئهــا‪.‬‬

‫د‪ .‬فاحت خننو‬

‫إن الرصــد اجليواســتراتيجي للراهــن الدولــي مبختلــف حتدياتــه‬ ‫ورهاناتــه يبــن أن العالــم ميــر بأخطــر مرحلــة تاريخيــة تتدافــع فيهــا‬ ‫القــوى الكبــرى علــى مصالــح ونقــاط نفــوذ ويعتبــر العالــم العربــي‬ ‫وإفريقيــا مجــاال لهــذا الصــراع ملــا حتملــه املنطقــة مــن ثــروات نفطيــة‬ ‫ومــوارد طاقويــة جعلــت القــوى تتنافــس وتتصــارع حولهــا ومــن ثــم فإن‬ ‫اللحظــة التاريخيــة فارقــة وهــو مــا يلــزم علــى صانــع القــرار صياغــة‬ ‫قــرارات تتوافــق ومتطلبــات املصلحــة الوطنيــة واألمــن القومــي‪.‬‬

‫مبادئ ومرتكزات سياسة الجزائر الخارجية‪:‬‬ ‫تســعى كل سياســة خارجيــة مــن زاويــة تعريــف علــم السياســة‬ ‫إلــى حتقيــق أهــداف وتعظيــم مكاســب تتماشــى ومصلحتهــا الوطنيــة‬ ‫وسياســاتها العليــا ولقــد اشــتغلت السياســة اجلزائريــة دائمــا مبنطــق‬ ‫مبــادئ ومرتكــزات تقــوم علــى أســاس النقــاط التاليــة‪:‬‬ ‫النقطــة األولــى‪ :‬عــد م التدخــل يف الشــؤون الداخليــة للــدول اذ رفعت‬ ‫اجلزائــر دائمــا هــذا املبــدأ النبيــل ورمبــا اختارتــه كمنهجيــة واضحــة‬ ‫إلدارة دبلوماســيتها‪ ،‬ألن مبــدأ عــدم التدخــل يف الشــؤون الداخليــة‬ ‫للــدول ليــس ضع ًفــا لكــن هــو حتديــد لقواعــد اللعبــة السياســية‬ ‫التــي ســنجني مــن خاللهــا نتائــج لــذا حاضــرت اجلزائــر وفــق هــذه‬ ‫املقاربــة مــع مختلــف األزمــات التــي تشــتعل يف املنطقــة بإيقاعــات‬

‫مختلفــة ويعــود هــذا املبــدأ يف ســياق تاريخــي منصتــه مؤمتــر باندونــغ‬ ‫‪ 1956‬الــذي كان مبثابــة األرضيــة التأسيســية ملنطــق الدبلوماســية‬ ‫اجلزائريــة‪ ،‬حــق الشــعوب يف تقريــر مصيرهــا‪.‬‬ ‫النقطــة الثانيــة‪ :‬املعقوليــة السياســية اذ تشــتغل سياســة اجلزائــر‬ ‫اخلارجيــة يف إطــار مــن إيجــاد احللــول لألزمــات وفــق مقاربة سياســية‬ ‫ســلمية وترفــض الدبلوماســية اجلزائريــة كل أشــكال التدخــالت‬ ‫العســكرية التــي تنعكــس ســل ًبا علــى النزاعــات وإدارتهــا‪.‬‬ ‫النقط ــة الثالث ــة‪ :‬صناع ــة خط ــاب سياس ــي اذ تق ــوم الدبلوماس ــية‬ ‫اجلزائريـــة علـــى أســـاس تنويـــع الشـــراكات االســـتراتيجية مـــع كل‬ ‫الفاعلـــن اإلقليمـــن والدوليـــن يف إطـــار مـــن التـــوازن فاجلزائـــر‬ ‫تتعـــاون مـــع أمريـــكا‪ ،‬االحتـــاد األوربـــي روســـيا الصـــن تركيـــا‬ ‫الســـعودية إيـــران‪.‬‬ ‫النقطــة الرابعــة‪ :‬الدبلوماســية اجلزائريــة تنــأى بنفســها عــن الدخــول‬ ‫يف أي حتالــف عســكري أو سياســي مــن منطلــق عقيدتهــا الســكرية‬ ‫الثابتــة والتــي ال تتغيــر‪ ،‬أي أنهــا دبلوماســية شــراكات ال حتالفــات‪.‬‬ ‫النقطــة اخلامســة‪ :‬تشــتغل الدبلوماســية اجلزائريــة بــكل أدوات‬ ‫آليــات التفــاوض والوســاطة وقــد كانــت للتجربــة اجلزائريــة منــاذج‬ ‫ناجحــة يف ذلــك فعلــى ســبيل املثــال الوســاطة بــن العــراق وإيــران‬ ‫وبــن إريتريــا وإثيوبيــا ممــا أعطاهــا زخ ًمــا ورصيــدًا يف ذلــك‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫ضمــن الفــرص االقتصاديــة التــي تتوفــر للخليــج يف كســب اجلزائــر‪،‬‬ ‫وحتييــد عالقاتهــا مــع إيــران‪ ،‬وفرصتهــا كذلــك مواتيــة يف نقــل‬ ‫التكنولوجيــا إليهــا‪.‬‬ ‫وهنـــاك تعـــاون بـــن اإلمـــارات واجلزائـــر يف مجـــال التصنيـــع‬ ‫العس ــكري‪ ،‬لكن ــه يش ــكل خط ــوة صغي ــرة‪ ،‬ويف الوق ــت نفس ــه ميث ــل‬ ‫النمــوذج الــذي ينبغــي أن يعمــم ويعــزز ســواء علــى صعيــد العالقــات‬ ‫اجلزائريـــة اإلماراتيـــة أو علـــى صعيـــد العالقـــات اجلزائريـــة‬ ‫اخلليجيـــة‪ ،‬فهـــذا التعـــاون الثنائـــي يتجلـــى يف إنتـــاج ســـيارات‬ ‫عس ــكرية ذات الدف ــع الرباع ــي‪ ،‬كم ــا يت ــم بص ــورة مش ــتركة تصني ــع‬ ‫عربــات مصفحــة مــن نــوع " منــر" ولنــا أن نتصــور لــو كانــت الشــراكة‬ ‫اخلليجيـــة اجلزائريـــة يف مجـــال التصنيـــع اجلزائـــري اخلليجـــي‬ ‫املشـــترك شـــاملة ومتعـــددة االجتاهـــات‪ ،‬وعميقـــة البنيـــات‪ ..‬الـــخ‬ ‫كي ــف س ــيكون تأثيره ــا عل ــى السياس ــة ؟‬

‫الدالالت واالستدالالت بحصانة الوعي السياسي الخليجي‬ ‫تبــدو لنــا الصــورة واضحــة اآلن يف إمكانيــات جنــاح املنظومــة‬ ‫اخلليجيــة يف تأســيس عالقــات اســتراتيجية مســتقبلية مــع اجلزائــر‬ ‫مــن البوابــة االقتصاديــة‪ ،‬فــكل العوامــل واملعطيــات قابلــة إلحــداث‬ ‫هــذا التحــول اآلن‪ ،‬بــل أننــا نراهــن علــى البعــد االقتصــادي يف‬ ‫اختــراق السياســة‪ ،‬فهــو ميتــاز بالثبــات والدميومــة علــى عكــس البعــد‬ ‫السياســي الــذي يتميــز بالتقلبــات والتحــوالت الدراماتيكيــة‪.‬‬ ‫وهــذه فرصــة للخليــج يف كســب اجلزائــر‪ ،‬وحتويــل بوصلتهــا‬ ‫مــن إيــران‪ ،‬أو علــى األقــل حتكــم عالقاتهــا مــع اجلزائــر مبفاصــل‬ ‫اقتصاديــة حتــى حتــدث التناقضــات السياســية يف املشــهد اجلزائــري‬ ‫اإليرانــي‪ ،‬وهــو متوقــع مــن خــالل عــدة أبعــاد أبرزهــا‪ ،‬البعــد الدينــي‬ ‫أو املذهبــي علــى الســواء‪.‬‬ ‫األه ــم هن ــا أن يك ــون للمنظوم ــة اخلليجي ــة عم ــق اقتص ــادي‬ ‫مؤث ــر يف االقتص ــاد اجلزائ ــري‪ ،‬وجن ــد للخلي ــج مصلح ــة كب ــرى يف‬ ‫ذلــك مــن كل األبعــاد املختلفــة‪ ،‬السياســية والعســكرية واالقتصاديــة‪،‬‬ ‫وهـــذا لـــم تســـتغل الفـــرص املتاحـــة لهـــا اآلن‪ ،‬فســـتتفوت عليهـــا‬ ‫خاصـــة إذا مـــا اســـتدركت طهـــران أهميـــة البعـــد االقتصـــادي يف‬ ‫دميوم ــة عالقته ــا م ــع اجلزائ ــر‪.‬‬ ‫والفرصــة نفســها متاحــة للجزائــر‪ ،‬حلاجتهــا للدعــم والتعــاون‬ ‫االقتصــادي اخلليجــي يف ظــل ظروفهــا االقتصاديــة واملاليــة ســالفة‬ ‫الذكــر‪ ،‬كمــا أنهــا يف أمــس احلاجــة إلــى عــودة ثقلهــا العربــي‬ ‫املتأرجــح‪ ،‬بعدمــا فقــدت دبلوماســيتها مؤخ ـ ًرا جــز ًءا مــن فاعليتهــا‬ ‫أثــر فشــل وســاطتها لالزمــة اخلليجيــة بعــد أن كانــت الدبلوماســية‬ ‫اجلزائريــة فاعلــة ومؤثــرة إقليم ًيــا وعامل ًيــا‪ ،‬لعــل آخرهــا التوصــل إلــى‬ ‫اتفــاق اجلزائــر ملنظمــة أوبــك‪ ،‬وحمــل الفرقــاء يف مالــي علــى التوصــل‬ ‫إلــى ســالم تاريخــي‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫وقــد يحتــاج اخلليــج للدبلوماســية اجلزائريــة حتــى يف حالــة‬ ‫احتفــاظ اجلزائــر بقــوة عالقاتهــا السياســية مــع إيــران‪ ،‬فهــي ســتكون‬ ‫طــرف وســيط بــن اجلانبــن لهــا مصلحــة قويــة يف حــل أيــة خالفــات‬ ‫بــن اخلليــج وإيــران وذلــك حتــى ال تتأثــر مصاحلهــا السياســية مــع‬ ‫طهــران ومصاحلهــا االقتصاديــة مــع اخلليــج‪ ،‬وهــذه أدنــى املقاربــات‬ ‫احملتملــة‪ ،‬وهــي وفــق احلســابات اخلليجيــة مقبولــة‪.‬‬ ‫وال ينبغــي أن يغيــب عــن الوعــي السياســي اخلليجــي‪ ،‬مــا يتوقــع‬ ‫للجزائــر مــن مســتقبل خــالل املرحلــة املقبلــة‪ ،‬بشــهادات عامليــة‪،‬‬ ‫فمثــ ً‬ ‫ال تقــول النشــرة الدوليــة الفرنســية " القضايــا الدوليــة " يف‬ ‫إحــدى إعدادهــا احلديثــة‪ ،‬إن اجلزائــر أصبحــت قــوة مؤثــرة يف‬ ‫البحــر املتوســط‪ ،‬وهــى مرســاة االســتقرار يف املنطقــة‪ ،‬والع ًبــا مؤثـ ًرا‬ ‫يف إفريقيــا‪ ،‬وتوضــح كذلــك أن اجلزائــر تتجــه إلــى إقامــة شــراكات‬ ‫اقتصاديــة كبيــرة مــع الصــن والواليــات املتحــدة األمريكيــة وروســيا‪،‬‬ ‫وهنــا‪ ،‬ال جنــد إيــران مــن ضمــن الــدول التــي تؤســس عالقــات‬ ‫اقتصاديــة كبيــرة مــع اجلزائــر‪ ،‬وهــذا مــا يزكــي طروحاتنــا الســابقة‪،‬‬ ‫ويدلــل علــى أهميــة االختــراق اخلليجــي لهــذا الفــراغ يف توقيتاتــه‬ ‫الزمنيــة املناســبة‪.‬‬

‫الخاتمة‪:‬‬ ‫بـقــــدر مــــا يــكـــــون للــوقـــــت أهـمـيــــة كـبــــرى يف تـصـحـيــــح‬ ‫اخـتـــالالت الـعـالقـــات الـخـلـيـجـــية ‪ -‬الـجـزائـــرية‪ ،‬وهــو سـيـكـــون‬ ‫الفاعـــل الـــذي ســـيقود التحـــوالت‪ ،‬بالقـــدر نفســـه يحتـــم علـــى‬ ‫السياســـة اخلليجيـــة طـــي صفحـــة املواقـــف اجلزائريـــة مـــن‬ ‫قضايـــا خليجيـــة معاصـــرة‪ ،‬وكذلـــك تغييـــر املفاهيـــم السياســـية‬ ‫ع ــن اجلزائ ــر‪ ،‬م ــن كونه ــا تق ــود املعس ــكر املع ــارض يف اجلامع ــة‬ ‫العربيـــة إلـــى دولـــة لهـــا رأي مختلـــف داخـــل البيـــت العربـــي‪،‬‬ ‫وينبغـــي التعايـــش معـــه والعمـــل علـــى صناعـــة قواســـم مشـــتركة‬ ‫للعيـــش معـــه عـــن طريـــق املصالـــح االقتصاديـــة املتبادلـــة التـــي‬ ‫ينعكـــس آثارهـــا اإليجابيـــة علـــى الـــدول ومجتمعاتـــه‪.‬‬ ‫وذلــك عبــر إعــادة تصويــب النظــرة للجزائــر كونهــا تتمتــع بثقــل‬ ‫سياس ــي مس ــتندة إل ــى ثق ــل تاريخ ــي كبي ــر يش ــعر ب ــه اجلزائري ــون‪،‬‬ ‫ويتحك ــم يف مواقفه ــم املعاص ــرة‪ ،‬عنده ــا س ــيحدث الف ــارق‪ ،‬ومنه ــا‬ ‫سنس ــلم مبس ــلمات التعاي ــش‪ ،‬وتقلي ــص اخلالف ــات‪ ،‬ورمب ــا وأده ــا‬ ‫عـــن طريـــق قـــوة الترابـــط االقتصـــادي ومنافعـــه املشـــتركة‪ ،‬ليـــس‬ ‫هن ــاك بدي ـ ً‬ ‫ـال أخ ــر أم ــام املنظوم ــة اخلليجي ــة يف ظ ــل تصاع ــد ق ــوة‬ ‫اجلزائـــر الشـــاملة وتقارباتهـــا السياســـية مـــع إيـــران ســـوى قبـــول‬ ‫اجلزائـــر كمـــا هـــي اآلن‪ ،‬والرهـــان علـــى االقتصـــاد يف إحـــداث‬ ‫التح ــوالت املفتوح ــة معه ــا‪.‬‬ ‫* كاتب ومحلل سيايس ـ سلطنة ُعامن‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪65‬‬

‫ملف العدد‬

‫مهما كان حجم المصالح بين الجزائر وإيران فإن أي تدخالت إيرانية يف‬ ‫البنيــة األيديولوجيــة الجزائريــة ســتمتد حساســيتها عــى بقيــة المصالــح‬ ‫وقــد تطــورت الصناعــة اجلزائريــة العســكرية الثقيلة اآلن بشــكل‬ ‫ملحــوظ‪ ،‬وانتقلــت مــن الشــراكة إلــى االعتمــاد الذاتــي الكلــي‪ ،‬فقــد‬ ‫متكــن باحثــون ومهندســون جزائريــون مــن صنــع طائــرة بــدون طيــار‬ ‫مبــواد ووســائل ذاتيــة وصــار بحــوزة اجلزائــر منوذجــان مــن الطائــرة‬ ‫بــدون طيــار‪ ،‬همــا "أمــل ‪ "400-1‬و"أمــل ‪ ،"700-2‬إلــى جانــب منــوذج‬ ‫صغيــر احلجــم يُعــرف بالطائــرة املتعــددة املروحيــات‪.‬‬ ‫واعتبـــر ســـتيفن بوســـي‪ ،‬احمللـــل األمنـــي مبجلـــة "فوريـــن‬ ‫بوليس ــي" أن اجلزائ ــر متكن ــت م ــن ش ــراء أس ــلحة متط ــورة جدي ــدة‬ ‫مثــل "الطائــرات الروســية املقاتــل (‪ ،)Su-30MK‬ودبابــات القتــال‬ ‫(‪ ،T-90S‬وغواصـــات ومروحيـــات متطـــورة وناقـــالت اجلنـــد‬ ‫األملانيـــة املدرعـــة"‪ ،‬مشـــي ًرا إلـــى أنّ ميزانيـــة وزارة الدفـــاع لســـنة‬ ‫‪2013‬م‪ ،‬تعتب ــر أضخ ــم ميزاني ــة مبنطق ــة ش ــمال إفريقي ــا‪ ،‬واعتب ــر‬ ‫كذلـــك أن هـــذا اإلنفـــاق العســـكري اجلزائـــري ســـيمكن اجليـــش‬ ‫اجلزائــري مــن احتــالل مركــز متقــدم ضمــن قائمــة "أكثــر اجليــوش‬ ‫العامليـــة خطـــورة"‪.‬‬

‫وال يقتصــر تطــور الصناعــة اجلزائريــة علــى القطــاع العســكري‬ ‫فق ــط‪ ،‬ب ــل ه ــي كذل ــك يف بقي ــة القطاع ــات املدني ــة يف الس ــيارات‬ ‫واحلديــد والصلــب واالســمنت والنســيج والبتروكيماويــات واألدويــة‪،‬‬ ‫وقري ًب ــا ق ــد تتح ــول اجلزائ ــر إل ــى راب ــع قط ــب عامل ــي يف صناع ــة‬ ‫األدوي ــة‪ ،‬كم ــا ق ــد أصبح ــت تصن ــع األقم ــار االصطناعي ــة‪ ،‬وتطلقه ــا‬ ‫للفض ــاء لدواع ــي عس ــكرية ومدني ــة‪ ،‬بع ــد أن دخل ــت يف ش ــراكات‬ ‫م ــع الص ــن والهن ــد‪ ،‬ولديه ــا اآلن كف ــاءات علمي ــة جزائري ــة عل ــى‬ ‫مس ــتوى ع ــال‪.‬‬ ‫وفــرص اخلليــج قائمــة وبصــورة كبيــرة‪ ،‬خاصــة يف املرحلــة‬ ‫الراهنــة التــي تدخــل فيهــا اجلزائــر يف دوامــة التقشــف بســبب‬ ‫األزمــة النفطيــة نظــ ًرا إلــى أنهــا تعتمــد علــى إيــرادات النفــط يف‬ ‫متويــل نفقاتهــا‪.‬‬ ‫وبإمــكان األمــوال اخلليجيــة أن تقــود مرحلــة جديــدة يف‬ ‫العالقــات اخلليجيــة اجلزائريــة‪ ،‬إذا مــا وظفــت يف إقامــة مشــاريع‬ ‫صناعيــة مشــتركة ســواء يف اجلزائــر أو داخــل يف اخلليــج‪ ،‬وهــذه‬

‫‪64‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ال يمكــن للمنظومــة الخليجيــة النفــاذ للجزائــر مــن البوابــة السياســية‬ ‫محكمــة اإلغــالق بــل عبــر بنــاء الثقــة كمــا المبــادرات الســعودية الحديثة‬ ‫موق ــف ض ــد أي ــة دول ــة يف أزم ــة ب ــن دولت ــن‪ ،‬وع ــدم التدخ ــل يف‬ ‫الش ــأن الداخل ــي لل ــدول‪ ،‬ومب ــدأ املعامل ــة باملث ــل‪ ،‬وه ــذا ل ــم يك ــن‬ ‫مســـتوعب خليج ًي ــا‪ ،‬وذل ــك الرتـــكاز الفكـــر السياســـي اخلليجـــي‬ ‫عل ــى طبيع ــة فلس ــفة دول اخللي ــج يف احت ــواء ال ــدول‪ ،‬م ــا ترت ــب‬ ‫علي ــه وج ــود اجلزائ ــر بعي ــدة ع ــن محيطه ــا العرب ــي رغ ــم عمقه ــا‬ ‫في ــه‪ ،‬فيم ــا جنده ــا قريب ــة م ــن موس ــكو وطه ــران‪ ،‬وق ــد يس ــاعد‬ ‫علـــى ذلـــك أنهـــا دولـــة ماليـــة وليســـت ضمـــن الـــدول املتلقيـــة‬ ‫للمســـاعدات املاليـــة‪.‬‬ ‫وقـــد كرســـت الفجـــوة الفاصلـــة بـــن اجلزائـــر ودول اخلليـــج‬ ‫العربـــي‪ ،‬املوقـــف اخلليجـــي املتعاطـــف مـــع املغـــرب يف قضيـــة‬ ‫الصح ــراء والت ــي تق ــف اجلزائ ــر هن ــا داعم ــة جلبه ــة البوليس ــاريو‬ ‫التــي تطالــب باســتقالل الصحــراء عــن الربــاط‪ ،‬وقــد كرســت القمــة‬ ‫اخلليجيــة رقــم (‪ )13‬هــذه الفجــوة‪ ،‬عندمــا اتخــذت خطــة بإعالنهــا‬ ‫الترحي ــب بانضم ــام الرب ــاط إل ــى املنظوم ــة اخلليجي ــة‪ ،‬مم ــا فس ــرت‬ ‫اجلزائ ــر ذل ــك بأنه ــا مس ــتهدفة م ــن ه ــذا اإلع ــالن‪ ،‬وق ــد ال يك ــون‬ ‫ذل ــك مقص ــو ًدا م ــن دول مجل ــس التع ــاون اخلليج ــي‪.‬‬ ‫مــن هنــا‪ ،‬يتجلــى مدخــل االنفتــاح نحــو اجلزائــر كقبولهــا كحالــة‬ ‫تاريخيــة متميــزة‪ ،‬وبأفكارهــا املعاصــرة‪ ،‬وحتــى بعالقاتهــا مــع إيــران‬ ‫وروســيا‪ ،‬فعالقاتهــا مــع طهــران علــى وجــه التحديــد‪ ،‬حتمــل أمكانيــة‬ ‫التحــول يف أي وقــت ألنهــا مبنيــة علــى رؤيــة تنقصهــا الدقــة‪ ،‬فمثـ ً‬ ‫ال‪،‬‬ ‫ال تنظــر اجلزائــر لطهــران بحساســية جتــاه مشــروعها الطائفــي‪،‬‬ ‫وتــرى أنهــا محصنــة داخل ًيــا‪.‬‬ ‫وتلكــم القناعــة متغيــرة‪ ،‬ولــن تظــل ثابتــة‪ ،‬والتطــورات السياســية‬ ‫الداخليــة يف اجلزائــر رمبــا تكشــف لنــا ســري ًعا حقيقــة هــذا التحــول‪،‬‬ ‫مث ــل م ــا ح ــدث ب ــن البلدي ــن قطيع ــة دام ــت ع ــدة س ــنوات عندم ــا‬ ‫وقفـــت طهـــران مـــع اإلســـالمين يف االنتخابـــات‪ ،‬ومهمـــا كان مـــن‬ ‫حج ــم املصال ــح العس ــكرية والسياس ــية ب ــن اجلزائ ــر وإي ــران‪ ،‬ف ــإن‬ ‫أيــة تدخــالت إيرانيــة يف البنيــة األيديولوجيــة اجلزائريــة التــي يغلــب‬ ‫عليهـــا الطابـــع الســـني املعتـــدل‪ ،‬فســـتمتد حساســـيتها علـــى بقيـــة‬ ‫مصال ــح البلدي ــن‪.‬‬

‫مدخل الخليج العربي للجزائر‬ ‫ال ميكــن للمنظومــة اخلليجيــة أن تنفــذ للجزائــر مــن خــالل‬ ‫البوابــة السياســية‪ ،‬فهــي محكمــة‪ ،‬وتــكاد تكــون مغلقــة خاصــة يف‬ ‫القضايــا العربيــة ـ العربيــة‪ ،‬والعربيــة ـ اإلســالمية‪ ،‬وحتــى القضايــا‬ ‫اخلليجيــة ــــ اإليرانيــة‪ ،‬ألن اجلزائــر تعتقــد أن طهــران ينبغي أن يكون‬

‫لهــا ثقلهــا اإلقليمــي بحكــم وزنهــا االقتصــادي واجلغرايف والعســكري‪،‬‬ ‫ومــن ثــم فــإن هــذه البوابــة ينبغــي اختراقهــا عبــر اللقــاءات املســتمرة‬ ‫واملتواصلــة بهــدف بنــاء ثقــة خليجيــة ـ جزائريــة تظــل مفقــودة حتــى‬ ‫اآلن بصــورة مــا‪ ،‬باســتثناء مبــادرات ســعودية حديثــة‪.‬‬ ‫مفتوح ــا للجان ــب االقتص ــادي عل ــى مصراعي ــه‬ ‫بينم ــا املج ــال‬ ‫ً‬ ‫للخليـــج‪ ،‬فمـــن املفارقـــات أن العالقـــات التجاريـــة اجلزائريـــة ـ‬ ‫اإليرانيـــة ليســـت يف مســـتوى العالقـــات السياســـية والعســـكرية‬ ‫بـــن اجلانبـــن‪ ،‬فهـــي يف أدنـــى مســـتوياتها وال ترتقـــي إلـــى تلكـــم‬ ‫املس ــتويات‪ ،‬وه ــذه ثغ ــرة يف العالق ــات اإليراني ــة اجلزائري ــة‪ ،‬متي ــل‬ ‫لصال ــح اخللي ــج إذا م ــا ع ــرف اس ــتغاللها عل ــى وج ــه الس ــرعة قب ــل‬ ‫أن تســـتدرك إيران ًيـــا‪.‬‬ ‫األه ــم يف ه ــذه املرحل ــة‪ ،‬أن يظ ــل النظ ــام اخلليج ــي قري ــب م ــن‬ ‫اجلزائ ــر‪ ،‬وعمي ــق يف عالقات ــه االقتصادي ــة معه ــا‪ ،‬انتظ ــا ًرا للحظ ــة‬ ‫الفارق ــة يف العالق ــات اجلزائري ــة ـ اإليراني ــة‪ ،‬وه ــي آتي ــة ال محال ــة‪،‬‬ ‫فطهــران لديهــا مشــروع طائفــي عاملــي‪ ،‬لــن تســتثني منــه أيــة دولــة‪،‬‬ ‫لك ــن تظ ــل اس ــتهدافاتها اجلغرافي ــة مح ــل حس ــابات دقيق ــة‪.‬‬ ‫وبإمــكان املنظومــة اخلليجيــة أن تختــرق العالقــات اجلزائريــة ــــ‬ ‫اإليرانيــة املتينــة إذا مــا علمــت بــأن املؤسســة العســكرية واألمنيــة يف‬ ‫كال البلديــن همــا اللتــان حتكمــان يف إيــران واجلزائــر‪ ،‬وبالتالــي فإنــه‬ ‫مــن خــالل تغليــب البرغماتيــة االقتصاديــة ميكــن خلخلــة جــدار هــذه‬ ‫العالقــات شــريطة أن تصــل رســالة واضحــة إلــى املؤسســة العســكرية‬ ‫اجلزائريــة بــأن مصاحلهــا الدائمــة واآلمنــة مــع اخلليــج‪.‬‬ ‫وذلــك علــى غــرار تركيــا التــي أصبحــت اآلن حتكمهــا ســلطة‬ ‫مدنيــة أدخلــت تعديــالت ومتغيــرات يف بنيتهــا العســكرية التــي كانــت‬ ‫حاكمــة منــذ عهــد اتاتــورك‪ ،‬وكذلــك تغييــرات دســتورية باجتــاه‬ ‫تكريــس احلكــم املدنــي‪ ،‬وهــذا يحتــم علــى املنظومــة اخلليجيــة‬ ‫اإلســراع يف تأســيس وجودهــا البنيــوي داخــل منظومــة املصالــح‬ ‫االقتصاديــة والسياســية اجلزائريــة‪.‬‬ ‫لك ــن كي ــف؟ ه ــذه الكيفي ــة جنده ــا يف إقام ــة مش ــاريع مش ــتركة‬ ‫يف الصناعـــات مـــع اجلزائـــر‪ ،‬مبـــا فيهـــا العســـكرية املتطـــورة‪،‬‬ ‫فالســـيولة املاليـــة بســـبب األزمـــة النفطيـــة‪ ،‬لـــن متكـــن للجزائـــر‬ ‫لوحده ــا الذه ــاب بعيــدًا يف طموحاته ــا التصنيعي ــة رغ ــم أنه ــا ق ــد‬ ‫أصبحـــت اآلن دولـــة مصـــدرة للســـالح‪ ،‬ومتلـــك التقنيـــة‪ ،‬ويرجـــع‬ ‫ذل ــك إل ــى ال ــذكاء اجلزائ ــري ال ــذي ق ــاده إل ــى الدخ ــول م ــع حلف ــاء‬ ‫أوروبي ــن وحتديــدًا أملاني ــا وإيطالي ــا وجن ــوب إفريقي ــا يف ش ــراكات‬ ‫تصنيعيـــة متقدمـــة جـــدًا‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪63‬‬

‫ملف العدد‬

‫الــفـــــراق فــــي الــعــالقـــــات الـجـزائـريــــة ‪ -‬اإليــرانـيــــة آت ال مــحــالـــــة‬

‫الجزائر بين األخطاء الخليجية "التاريخية"‬ ‫وضرورات اإلصالح وتبادل المنافع‬ ‫ينبغــي االعتــراف منــذ البدايــة أن النظــام اخلليجــي قــد يكــون ارتكــب خطـ ًأ اســتراتيج ًيا مــن املنظــور التاريخــي يف التعامــل‬ ‫مــع اجلزائــر ســواء مــن حيــث ابتعادهــا عــن فضاءاتهــا العربيــة واإلســالمية والعامليــة‪ ،‬أو مــن حيــث عــدم اســتيعاب سياســتها‬ ‫اخلارجيــة التــي ال تنســجم مــع املواقــف اخلليجيــة‪ ،‬ممــا دفــع بهــا إلــى االجتــاه نحــو إيــران وروســيا إلــى أن وصلــت عالقــات‬ ‫هــذه الــدول مــن العمــق مــا تدفــع بطهــران إلــى إبــداء اســتعدادها لوضــع خبراتهــا يف مجــال الطاقــة النوويــة حتــت تصــرف‬ ‫اجلزائــر‪ ،‬والدفــع مبوســكو إلــى حتديــث اجليــش اجلزائــري بأحــدث األســلحة‪ ،‬مــا جعــل اجلزائــر أصبحــت تراهــن اآلن علــى‬ ‫هاتــن الدولتــن أكثــر مــن عمقهــا العربــي‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد اهلل باحجاج‬

‫وهنــاك الكثيــر مــن االســتدالالت ميكــن تقدميهــا لتأكيــد هــذا‬ ‫اخلطــأ‪ ،‬واســتحضارها اآلن‪ ،‬لدواعــي تغييــر املفاهيــم وضــرورات‬ ‫اإلصــالح بعــد أن أصبحــت اجلزائــر العربيــة قــوة متوســطية متيــل‬ ‫لطهــران وموســكو‪ ،‬وتتعمــق عالقاتهــا السياســية معهمــا يف ظــل‬ ‫اســتمرار تقليديــة العالقــات اخلليجيــة ـ اجلزائريــة‪ ،‬وتفــرج النظــام‬ ‫اخلليجــي علــى االندفــاع اإليرانــي نحــو إحــدى أهــم الوحــدات‬ ‫السياســية للنظــام العربــي " اجلزائــر "‪.‬‬ ‫الســؤال‪ :‬فكيــف يكــون االقنــاع املتبــادل بأهميــة العالقــات‬ ‫اخلليجيــة ‪ -‬اجلزائريــة‪ ،‬إذ ينبغــي إقنــاع الفكــر السياســي اخلليجــي‬ ‫بأهميــة اجلزائــر للخليــج العربــي‪ ،‬والعكــس صحيــح ً‬ ‫أيضــا أي أهميــة‬ ‫اخلليــج العربــي للجزائــر؟ ومــن ثــم‪ ،‬مــا هــي املجــاالت املتاحــة للخليــج‬ ‫إلحــداث التحــول يف عالقاتــه مــع الشــقيقة اجلزائــر رغــم عالقاتهــا‬ ‫القويــة مــع طهــران وموســكو‪ ،‬وكذلــك كيــف تقــوي اجلزائــر عالقاتهــا‬ ‫مــع عمقهــا اخلليجــي؟‬

‫الخليج وتصحيح اختالالته البنيوية مع الجزائر‬ ‫يــرى البعــض أن الفكــر السياســي اخلليجــي لــم يســتوعب‬ ‫اجلزائــر ‪-‬ألســباب كثيــرة منهــا اجلغرافيــا‪ ،‬أو تشــتت االهتمامــات‬ ‫وتباعدهــا ومــا ألقتــه الســنوات األخيــرة مــن حتديــات علــى دول‬ ‫اخلليــج‪ -‬كدولــة عميقــة تاريخ ًيــا‪ ،‬وليــدة حضــارات وإمبراطوريــات‬ ‫مثــل حكــم النوميديــن والفينيقيــن والبونيقيــن والرومــان فالونــدال‬

‫والبيزنطيــن‪ ،‬وبعــد الفتــح اإلســالمي شــهدت البــالد أو أجــزاء‬ ‫منهــا ســيطرة كل مــن األمويــن والعباســين واألدارســة واألغالبــة‬ ‫والرســتمين‪ ،‬والفاطميــن‪ ،‬والزيريــن واحلماديــن‪ ،‬واملرابطــن‬ ‫واملوحديــن فالعثمانيــن‪ ،‬وشــهدت يف القــرن التاســع عشــر االحتــالل‬ ‫الفرنســي‪ ،‬وعرفــت ببــالد مليــون شــهيد‪.‬‬ ‫حتتــل اجلزائــر املرتبــة العاشــرة كأكبــر بلــد يف العالــم مســاحة‪،‬‬ ‫واألولــى إفريقيــا وعربيــا‪ ،‬والثانيــة إســالم ًيا بعــد كازاخســتان‪،‬‬ ‫ميــا‪ .‬فقدميــا تقــول‬ ‫وتعتبــر قــوة إقليميــة متوســطية‪ ،‬حديثــا ‪ /‬قد ً‬ ‫مراجــع التاريــخ أن أســطول اجلزائــر البحــري كان يتحكــم يف البحــر‬ ‫املتوســط‪ ،‬ويفــرض علــى الســفن التــي متــر فيــه غرميــة حلمايتهــا‬ ‫(رســوم) فمثــال كانــت أمريــكا تدفــع (‪ )100‬ألــف دوالر ســنويا‬ ‫للجزائــر مقابــل حمايــة ســفنها يف األبيــض املتوســط‪.‬‬ ‫وهـذه النافـذة الصغيـرة علـى التاريـخ اجلزائـري‪ ،‬تقربنا نحو فهم‬ ‫اجلزائـر‪ ،‬وكيـف تفكـر؟ وبالتالـي ال غرابـة مـن تبنيهـا سياسـة خارجية‬ ‫مبنيـة علـى جتاربهـا وعقيدتهـا السياسـية التـي متـزج بـن القوميـة‬ ‫واالشـتراكية كمنابـع وجوديـة لدولتهـا التاريخيـة‪ ،‬لذلـك جنـد كل‬ ‫مواقفها من األزمات واحلروب التي شـهدتها املنطقة العربية مختلفة‬ ‫عـن موقـف الـدول العربيـة الرئيسـية‪ ،‬بد ًءا من الغـزو العراقي للكويت‪،‬‬ ‫والغـزو األمريكـي للعـراق وأخيـ ًرا األزمـة بـن األشـقاء يف اخلليـج‪.‬‬ ‫وهـــذا مـــرده إلـــى سياســـة اجلزائـــر الثابتـــة‪ ،‬الراميـــة إلـــى‬ ‫عــدم االنخــراط يف أيــة أحــالف عســكرية خارجيــة‪ ،‬وعــدم اتخــاذ‬

‫‪62‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫يف مج ــال الزراع ــة ومش ــروعات ال ــري والص ــرف وإقام ــة الس ــدود‬ ‫التـــي تتخذهـــا إســـرائيل ذريعـــة إلحـــداث االختـــراق العســـكري‬ ‫واألمن ــي واالس ــتخباراتي يف دول الق ــارة اإلفريقي ــة‪ ،‬وتس ــعى م ــن‬ ‫خـــالل إســـهامات خاصـــة بهـــا مـــع تلـــك الـــدول أو التعـــاون مـــع‬ ‫دول عربيـــة لتوســـيع املشـــاركة واحلضـــور يف هـــذه املشـــروعات‬ ‫وغيرهـــا‪ ،‬ويكفـــى أن اجلزائـــر هـــي أول مـــن لفـــت انتبـــاه الـــدول‬ ‫العربي ــة وضغط ــت خ ــالل دوري ــة انعق ــاد القم ــم العربي ــة األخي ــرة‬ ‫لض ــرورة وض ــع مل ــف العالق ــات العربي ــة ـ اإلفريقي ــة كأح ــد البن ــود‬ ‫الثابتــة علــى جــدول أعمــال القمــم العربيــة وتعاونــت مــع مصــر يف‬ ‫الســـنوات املاضيـــة يف ضـــرورة عقـــد القمـــم العربيـــة ـ اإلفريقيـــة‬ ‫وجنحـــت يف عقـــد أكثـــر مـــن قمـــة يف القاهـــرة‬ ‫وعاصمـــة إفريقيـــة وســـتعقد القمـــة القادمـــة يف‬ ‫الري ــاض باململك ــة العربي ــة الس ــعودية‪.‬‬ ‫يف ضـــوء كل هـــذه التحديـــات التـــي تواجـــه‬ ‫العالـــم العربـــي بشـــأن حضـــوره مـــن املشـــهد‬ ‫اإلفريق ــي كان ــت اجلزائ ــر حاض ــرة بق ــوة إل ــى ح ــد‬ ‫م ــا وســـعت بالفع ــل إل ــى تكري ــس هـــذا احلض ــور‬ ‫انطال ًقـــا مـــن عالقاتهـــا املميـــزة مـــع معظـــم‪،‬‬ ‫إن لـــم يكـــن كل‪ ،‬الـــدول اإلفريقيـــة‪ ،‬إال أن هـــذا‬ ‫احلض ــور العرب ــي ب ــكل تأكي ــد س ــعى إل ــى تكري ــس‬ ‫هـــذا التواجـــد بفعاليـــة وحضـــور أكبـــر يف الســـاحة اإلفريقيـــة يف‬ ‫ض ــوء اس ــتمرار تزاي ــد ه ــذه التحدي ــات‪ ،‬وف ــى املقدم ــة األب ــرز منه ــا‬ ‫تتزاي ــد أعم ــال اإلره ــاب وانتق ــال املئ ــات‪ ،‬إن ل ــم يك ــن اآلالف‪ ،‬م ــن‬ ‫التنظيمــات اإلرهابيــة‪ ،‬خاصــة تلــك احملســوبة علــى داعــش وقادتهــا‬ ‫إل ــى دول اجل ــوار العرب ــي ـ اإلفريق ــي‪ ،‬حي ــث تظه ــر أرق ــام أجه ــزة‬ ‫االس ــتخبارات األمريكي ــة والفرنس ــية ومراك ــز األبح ــاث األمريكي ــة‬ ‫إل ــى ق ــرار وتواج ــد أكث ــر م ــن ‪ 6‬آالف م ــن أعض ــاء تنظي ــم داع ــش‬ ‫يف ســـوريا والعـــراق إلـــى منطقـــة الســـاحة اإلفريقيـــة وتكوينهـــم‬ ‫مـــا يعـــرف بداعـــش يف الصحـــراء الكبـــرى بزعامـــة أبـــو الوليـــد‬ ‫الصحــراوي‪ ،‬حيــث يشــكل هــذا التنظيــم وغيــره خطـ ًرا داه ًمــا علــى‬ ‫األم ــن العرب ــي ولي ــس اإلفريق ــي فحس ــب‪ ،‬خاص ــة أن ه ــذا التنظي ــم‬ ‫لـــه أتبـــاع ومريديـــن وخاليـــا نائمـــة هربـــت إلـــى بعـــض العواصـــم‬ ‫العربي ــة بع ــد القض ــاء عل ــى داع ــش يف ب ــالد الش ــام والع ــراق‪.‬‬ ‫وبالتالـــي يحتـــاج األمـــر إلـــى مضاعفـــة وتضافـــر اجلهـــود‬ ‫العربيـــة للتعـــاون مـــع دول القـــارة اإلفريقيـــة لزيـــادة وتيـــرة هـــذا‬ ‫التع ــاون ملواجه ــة خط ــر اإلره ــاب بق ــوة وتوفي ــر مصـ ـ ّدات وقائي ــة‬ ‫مس ــب ًقا لألم ــن القوم ــي العرب ــي‪ .‬باإلضاف ــة إل ــى حتدي ــات اخلط ــر‬ ‫اإليرانــي واإلســرائيلي يف القــارة اإلفريقيــة وفــرص التقليــل العربــي‬ ‫مـــن زيـــادة احلضـــور والنفـــوذ األمريكـــي والصينـــي يف إفريقيـــا‬ ‫حال ًي ــا ال ــذى أصب ــح يناف ــس ويالح ــق النف ــوذ الفرنس ــي التقلي ــدي‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫يف الق ــارة اإلفريقي ــة‪ ،‬حي ــث الب ــد م ــن االتف ــاق عل ــى آلي ــات تع ــاون‬ ‫جدي ــد للعامل ــن العرب ــي واإلفريق ــي‪ ،‬وه ــذا م ــا ميك ــن أن تس ــاعد‬ ‫فيـــه بغـــزارة وكثافـــة أكبـــر دولـــة اجلزائـــر وصـــوال إلـــى الفرصـــة‬ ‫الســـانحة التـــي ســـتتوفر لـــكال اجلانبـــن العربـــي ـ اإلفريقـــي مـــع‬ ‫انعق ــاد قمته ــم املش ــتركة القادم ــة يف اململك ــة العربي ــة الس ــعودية‪،‬‬ ‫حي ــث هن ــاك رهان ــات عربي ــة وإفريقي ــة م ــن اآلن أن ه ــذه القم ــة‬ ‫ســتحدث التحــول املطلــوب والتاريخــي يف مســار العالقــات العربيــة‬ ‫ـ اإلفريقي ــة انطال ًق ــا م ــن احتض ــان اململك ــة أوال ه ــذه القم ــة‪.‬‬ ‫باإلضاف ــة إل ــى التوقع ــات الت ــي تنت ــج ع ــن ه ــذه القم ــة بإع ــداد‬ ‫قائم ــة مش ــروعات وإس ــهامات عربي ــة وف ــى املقدم ــة اخلليجي ــة يف‬ ‫الق ــارة اإلفريقي ــة‪ ،‬خاص ــة تل ــك الت ــي تتعل ــق بالبني ــة‬ ‫التحتيـــة وحيـــاة املواطنـــن األفارقـــة مـــن صحـــة‬ ‫وتعليـــم وزيـــادة حصـــة االســـتثمارات العربيـــة يف‬ ‫مش ــروعات التصح ــر وال ــري والص ــرف والزراع ــات‬ ‫يف الصحـــراء‪.‬‬ ‫وبالتالـــي فـــإن أي تقـــارب عربـــي ـ إفريقـــي‬ ‫س ــيصب يف صال ــح خدم ــة مصال ــح الطرف ــن عل ــى‬ ‫كاف ــة األصع ــدة‪ ،‬كم ــا أن ه ــذا احلض ــور سيس ــهم يف‬ ‫احلف ــاظ عل ــى احلق ــوق واملكاس ــب لل ــدول العربي ــة‬ ‫الواقع ــة يف احملي ــط اإلفريق ــي وس ــيخلق جبه ــة دع ــم‬ ‫عربـــي لهـــذا البلـــد وهـــو مـــا حتتاجـــه مصـــر حال ًيـــا علـــى ســـبيل‬ ‫املث ــال يف مفاوض ــات س ــد النهض ــة م ــع إثيوبي ــا والس ــودان وبقي ــة‬ ‫دول ح ــوض الني ــل وغيره ــا م ــن أزم ــات ال ــدول العربي ــة يف الق ــارة‬ ‫اإلفريقيــة أو علــى حدودهــا اجلغرافيــة‪ ،‬وهــذا مــا التفتــت إليــه دول‬ ‫عربي ــة كب ــرى مث ــل الس ــعودية واإلم ــارات والكوي ــت‪ ،‬فس ــعت لزي ــادة‬ ‫إس ــهاماتها واس ــتثماراتها يف إفريقي ــا ملصلح ــة احلق ــوق والتواج ــد‬ ‫العــرب يف إفريقيــا ورمبــا يتزايــد بوتيــرة متســارعة مــع قــادم األيــام‬ ‫وســيبلغ ذروتــه بــكل تأكيــد بعــدم انعقــاد القمــة العربيــة ‪ -‬اإلفريقيــة‬ ‫يف اململك ــة العربي ــة الس ــعودية‪ ،‬حي ــث احلض ــور العرب ــي يف املش ــهد‬ ‫اإلفريق ــي الف ــت ولك ــن التوقع ــات كثي ــرة للحض ــور العرب ــي هن ــاك‬ ‫يف مواجه ــة العدي ــد م ــن التحدي ــات والنف ــوذ ل ــدول إقليمي ــة وكب ــرى‬ ‫معظمهـــا ال يراعـــي املصالـــح واحلقـــوق العربيـــة‪ ،‬وهـــذه فرصـــة‬ ‫الع ــرب اآلن للحض ــور أكث ــر يف إفريقي ــا م ــن اآلن فصاعــدًا حي ــث‬ ‫يج ــب أن يك ــون الره ــان‪.‬‬ ‫علــى التواجــد والتموضــع العربــي يف املشــهد اإلفريقــي هــو‬ ‫أولويــة وضــرورة العــرب بامتيــاز‪.‬‬

‫آليات وقمة عربية ـ‬ ‫إفريقيــة تســتضيفها‬ ‫الــســعــوديـــة بـــدور‬ ‫جــزائـــري للـتـصـــدي‬ ‫لأجنــدات المشــبوهة‬

‫* مدير تحرير صحيفة األهرام املرصية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪61‬‬

‫ملف العدد‬

‫أمــريـكـ ــا وقـفـ ــت عـلـ ــى مـسـافـ ــة واحـ ــدة مـ ــن الـدولـ ــة وجـبـهـ ــة‬ ‫االنـقـ ــاذ طـيـلـ ــة الـعـشـريـ ــة الـسـ ــوداء وبـوتـفـلـيـقـ ــة رد االعـتـبـ ــار‬ ‫االختــراق اإلســرائيلي للقــارة اإلفريقيــة وتتابعــه باهتمــام بالــغ حيــث‬ ‫ت ــرى اجلزائ ــر يف ه ــذا احلض ــور أو االخت ــراق اإلس ــرائيلي‪.‬‬ ‫دور مخــرب وانتهــازي وترفــض أي محــاوالت إســرائيلية للعبــث‬ ‫باألمــن القومــي اإلفريقــي الــذي تــرى فيــه معــادال موضوع ًيــا لألمــن‬ ‫القومــي العربــي‪.‬‬ ‫ناهي ــك ع ــن أن اجلزائ ــر مازال ــت ت ــرى يف املوق ــف اإلفريق ــي‬ ‫مـــن قضيـــة الصـــراع العربـــي ـ اإلســـرائيلي ورفـــض املمارســـات‬ ‫اإلس ــرائيلية واحتالله ــا األراض ــي العربي ــة جعلن ــا ضي ًع ــا ملواجه ــة‬ ‫إس ــرائيل وخل ــق منص ــات ومصــ ّدات دفاعي ــة ووقائي ــة يف مواجه ــة‬ ‫إســـرائيل واســـتمرار خلـــق جبهـــات إفريقيـــة وإقليميـــة‪ ،‬ســـواء يف‬ ‫اإلقليــم أو حتــى علــى املســتوى الدولــي عبــر األمم املتحــدة ومجلــس‬

‫األمـــن وهيآتـــه املختصـــة‪ ،‬للتنديـــد باالحتـــالل اإلســـرائيلي وخلـــق‬ ‫ركيـــزة جماعيـــة دوليـــة ملجابهـــة ومواجهـــة إســـرائيل مـــن ناحيـــة‬ ‫وتوفي ــر حاضن ــة دولي ــة وإقليمي ــة للضغ ــط عل ــى إس ــرائيل لع ــودة‬ ‫احلق ــوق العربي ــة‪.‬‬ ‫حي ــث ال ينس ــى يف ه ــذا الش ــأن أدوار جزائري ــة بعضه ــا معل ــن‬ ‫والبعـــض اآلخـــر غيـــر معلـــن يف ممارســـة مســـاع جزائريـــة علـــى‬ ‫عواص ــم إفريقي ــة ملن ــع وإلغ ــاء زي ــارات كان متف ــق عليه ــا ملس ــؤولن‬ ‫إس ــرائيلين‪ ،‬وف ــى املقدم ــة منه ــم رئي ــس وزراء إس ــرائيل بنيام ــن‬ ‫نتنياهــو ووزراء ومســؤولن يف حكومتــه لــدول إفريقيــة‪ ،‬مت تأجيلهــا‬ ‫ومــن ثــم تعطيلهــا‪ ،‬باإلضافــة إلــى تدخــالت جزائريــة إلقنــاع العديــد‬ ‫م ــن ال ــدول برف ــض إقام ــة أي مش ــروعات أو ش ــراكة م ــع إس ــرائيل‬

‫‪60‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫وأرب ــع م ــرات يف الع ــام الواح ــد ويبق ــى بضياف ــة الرئي ــس بوتفليق ــة‬ ‫ألي ــام مطول ــة وكذل ــك فع ــل وزي ــر خارجيت ــه يف ذل ــك الوق ــت حم ــد‬ ‫ب ــن جاس ــم‪.‬‬ ‫وكان املدخ ــل الرئيس ــي لزي ــادة النف ــوذ القط ــري يف اجلزائ ــر‬ ‫خ ــالل س ــنوات حك ــم بوتفليق ــة األول ــى إقام ــة مش ــروعات قطري ــة‬ ‫عمالق ــة وزي ــادة حص ــص االس ــتثمارات واإلس ــهامات التنموي ــة يف‬ ‫اجلزائ ــر إال س ــرعان م ــا اكتش ــفت الس ــلطات اجلزائري ــة احليل ــة‬ ‫واملؤام ــرة القطري ــة والتق ــارب القط ــري م ــع اجلماع ــات اإلرهابي ــة‬ ‫يف اجلزائ ــر وس ــعى تنظي ــم احلمدي ــن إلع ــادة إحي ــاء جبه ــة االنق ــاذ‬ ‫مـــن جديـــد يف اجلزائـــر والســـعي نحـــو تســـهيل عـــودة عبـــاس‬ ‫مدن ــى زعي ــم اجلبه ــة واملؤس ــس له ــا وال ــذى كان وم ــا ي ــزال يقي ــم‬ ‫بقط ــر من ــذ ف ــراره م ــن اجلزائ ــر نهاي ــة التس ــعينيات وعل ــى الف ــور‬ ‫رص ــدت اجلزائ ــر حج ــم املؤام ــرات القطري ــة فق ــررت عل ــى الف ــور‬ ‫إعـــادة النظـــر يف شـــكل وجوهـــر العالقـــات القطريـــة اجلزائريـــة‬ ‫فق ــررت إغ ــالق مكت ــب اجلزائ ــر بقط ــر من ــذ ع ــام ‪2007‬م‪ ،‬وط ــرد‬ ‫كل العاملـــن بـــه وعـــدم الســـماح بـــأي بـــث أو حضـــور إعالمـــي‬ ‫قط ــري يف األراض ــي اجلزائري ــة من ــذ ذل ــك الوق ــت وكذل ــك احل ــال‬ ‫بش ــأن العالق ــات السياس ــية حت ــى س ــعت القي ــادة اجلزائري ــة إل ــى‬ ‫حتجيمه ــا بش ــكل كبي ــر عم ــا كان قائ ًم ــا يف بداي ــة وص ــول بوتفليق ــة‬ ‫إلـــى ســـدة احلكـــم وتراجـــع ومـــازال حتـــى اآلن حجـــم التنســـيق‬ ‫اجلزائــري القطــري وحتــى يف أزمــة الــدول الرباعيــة األخيــرة التــي‬ ‫ب ــن اململك ــة العربي ــة الس ــعودية‪ ،‬مص ــر‪ ،‬دول ــة اإلم ــارات العربي ــة‬ ‫املتحـــدة‪ ،‬و مملكـــة البحريـــن مـــع قطـــر ــــزادت وقبلـــت اجلزائـــر‬ ‫موق ــف الرباعي ــة م ــن قط ــر وسياس ــتها ووص ــل احل ــال باإلع ــالم‬ ‫اجلزائ ــري الرس ــمي إل ــى مطالب ــة قط ــر بالقب ــول والتضام ــن م ــع‬ ‫الئحـــة الثالثـــة عشـــر للرباعيـــة العربيـــة ضـــد قطـــر بـــل وزادت‬ ‫عليهـــا مطالبتهـــا بالتخلـــص الفـــوري عـــن دعـــم اإلرهـــاب ووقـــف‬ ‫تقـــدمي املـــال العابـــر للحـــدود للجماعـــات اإلرهابيـــة يف املنطقـــة‬ ‫والتخل ــي ع ــن تدخالته ــا يف ش ــؤون ال ــدول العربي ــة واعتب ــار أن م ــا‬ ‫ش ــهدته عواص ــم عربي ــة يف اآلون ــة األخي ــرة يف ض ــوء م ــا يع ــرف‬ ‫بالربيــع العربــي كان بســبب التدخــالت القطريــة وتغذيــة احلــركات‬ ‫االحتجاجي ــة عب ــر تق ــدمي امل ــال واملنص ــات اإلعالمي ــة وأبرزه ــا م ــا‬ ‫كانـــت تفعلـــه اجلزائـــر يف ذلـــك الوقـــت وباســـتثناء هـــذا املوقـــف‬ ‫اجلزائ ــري م ــن قط ــر وحت ــى اآلن تعتب ــر عالق ــات اجلزائ ــر بالعال ــم‬ ‫العرب ــي جي ــدة وحاض ــرة بق ــوة يف املش ــهد السياس ــي العرب ــي ب ــكل‬ ‫تفاصيل ــه وتنويعات ــه وت ــرى يف نفس ــها أنه ــا أح ــد الدوائ ــر الكب ــرى‬ ‫يف العال ــم العرب ــي لتوفي ــر حلق ــة الوص ــل بالق ــارة اإلفريقي ــة حي ــث‬ ‫كانــت مازالــت تركــز علــى دعــم عالقــات والقمــم العربيــة اإلفريقيــة‬ ‫وستس ــاهم م ــع اململك ــة العربي ــة الس ــعودية يف زي ــادة زخ ــم وفعالي ــة‬ ‫عق ــد القم ــة العربي ــة وتس ــعى اجلزائ ــر للقي ــام ب ــدور حي ــوي م ــع‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫اجلامعـــة العربيـــة لتوســـيع دائـــرة التعـــاون يف مكافحـــة اإلرهـــاب‬ ‫حي ــث تنظ ــم س ــنو ًيا منت ــدى رس ــمي لكب ــار ق ــادة اجلي ــوش العربي ــة‬ ‫ـ واإلفريقي ــة بحض ــور رؤس ــاء أجه ــزة األم ــن واالس ــتخبارات لبح ــث‬ ‫آلي ــات التع ــاون وتعمي ــق التع ــاون يف ه ــذا الش ــأن ملكافح ــة اإلره ــاب‬ ‫وتوفي ــر وتوس ــيع دوائ ــر التع ــاون االس ــتخباراتي وف ــى مج ــال نق ــل‬ ‫املعلوم ــات ب ــن ال ــدول العربي ــة واإلفريقي ــة الت ــي تتواج ــد وتتناق ــل‬ ‫عبره ــا التنظيم ــات اإلرهابي ــة حي ــث اس ــتطاعت اجلزائ ــر بالفع ــل‬ ‫يف هـــذا الشـــأن أحـــداث نقلـــة نوعيـــة يف التعـــاون بـــن اجلانبـــن‬ ‫وم ــا يحس ــب للجزائ ــر ً‬ ‫أيض ــا م ــن أدوار للحض ــور العرب ــي اإلفريق ــي‬ ‫هــي وقوفهــا باملرصــاد للتمــدد والتغلغــل اإليرانــي يف إفريقيــا حيــث‬ ‫متان ــع بق ــوة إقام ــة مراك ــز ثقافي ــة إيراني ــة لنش ــر الفك ــر الش ــيعي‬ ‫والتش ــيع يف ال ــدول اإلفريقي ــة وخاص ــة الت ــي تق ــع يف كل اجل ــوار‬ ‫اجلزائـــري وكذلـــك التصـــدي للنفـــوذ األمنـــي واالســـتخباراتي‬ ‫والعســـكري اإليرانـــي يف تلـــك الـــدول اإلفريقيـــة وينطلـــق هـــذا‬ ‫املوق ــف اجلزائ ــري املناه ــض للوج ــود والنف ــوذ اإليران ــي يف إفريقي ــا‬ ‫م ــن التجرب ــة الثنائي ــة الت ــي عانته ــا اجلزائ ــر حت ــى األم ــس القري ــب‬ ‫مــن التدخــالت اإليرانيــة يف الشــأن اجلزائــري واســتغالل الســفارة‬ ‫اإليراني ــة يف اجلزائ ــر طيل ــة األع ــوام املاضي ــة إح ــداث التوت ــر يف‬ ‫بع ــض والي ــات اجلن ــوب اجلزائ ــري وش ــرق اجلزائ ــر حي ــث االمازي ــغ‬ ‫ومعاركهــم مــع الســلطات اجلزائريــة للحصــول علــى مكاســب أوســع‬ ‫و‪:‬ب ــر لفئ ــة االمازي ــغ وخاص ــة منطق ــة تي ــزي وزو وس ــعت إلح ــداث‬ ‫تأييــد داخلــي بــن مواطنــي بعــض الواليــات اجلزائريــة والســلطات‬ ‫هن ــاك ونش ــر الفك ــر الش ــيعي واإلس ــراع بانتش ــار وتوس ــيع إقام ــة‬ ‫املراك ــز الثقافي ــة اإليراني ــة هن ــاك ونق ــل املناس ــبات واالحتف ــاالت‬ ‫الشـــيعية إلـــى بعـــض املناطـــق اجلزائريـــة وهـــو مـــا تيقنـــت لـــه‬ ‫الســـلطات اجلزائريـــة فســـعت لوقـــف تلـــك احملـــاوالت اإليرانيـــة‬ ‫وقطـــع الطريـــق علـــى أي تغلغـــل ومتـــدد إيرانـــي مـــن الداخـــل‬ ‫اجلزائــري وهــو مــا قــررت ســحبه علــى التواجــد والنفــوذ اإليرانــي‬ ‫يف دول القـــارة اإلفريقيـــة‪.‬‬ ‫حيـــث جتـــد حال ًيـــا حضـــور جزائـــري واســـع يســـمح بجانبـــه‬ ‫بالتواج ــد واحلض ــور العرب ــي يف الق ــارة اإلفريقي ــة يف مواجه ــة ه ــذا‬ ‫التواج ــد والتغلغ ــل اإليران ــي‪.‬‬ ‫حيـــث لـــم يخـــف اإلعـــالم الرســـمي اجلزائـــري يف اآلونـــة‬ ‫األخي ــرة إعجاب ــه وإش ــادته بالتواج ــد واحلض ــور الس ــعودي امللح ــوظ‬ ‫يف الســـاحة اإلفريقيـــة يف األعـــوام القليلـــة املاضيـــة وكانـــت تبـــرز‬ ‫ج ــوالت ع ــادل اجلبي ــر وزي ــر اخلارجي ــة الس ــعودي لبع ــض العواص ــم‬ ‫اإلفريقيــة يف صفحاتهــا األولــى يف املقابــل يواجــه احلضــور والتمــرد‬ ‫اإلســـرائيلي يف بعـــض دول القـــارة اإلفريقيـــة بامتعـــاض وغضـــب‬ ‫جزائـــري بالـــغ األهميـــة حيـــث كانـــت ومازالـــت اجلزائـــر مـــن أول‬ ‫الــدول العربيــة التــي تقــف باملرصــاد للمحــاوالت اإلســرائيلية الحــدا‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪59‬‬

‫ملف العدد‬

‫مـنـهــــج بـوتـفـلـيـقــــة‪ :‬الـعـالقــــات الـعـربـيــــة ‪ -‬الـجـزائـريــــة‬ ‫األفـضــــل لـبــــالده وأحــــدث انـفـتـاحـًـــا عـربـ ًيــــا غـيــــر مـسـبــــوق‬ ‫كال اجلانبــن يف اجلزائــر الدولــة وحــزب جبهــة التحريــر احلاكــم‬ ‫مــن ناحيــة وقيــادات جبهــة االنقــاذ التــي كانــت تقــود أعمــال العنــف‬ ‫والتوتــر واإلرهــاب طيلــة العشــر ســنوات وهــو األمــر الــذي جعــل‬ ‫العالقــات اجلزائريــة ـ األمريكيــة حتــى العشــر ســنوات األولــى مــن‬ ‫حكــم بوتفليقــة للجزائــر متراجعــة وبهــا فتــور وكمــون وخلــل ظاهــر‬ ‫حتــى أن بوتفليقــة رفــض طيلــة عامــي ‪ 2007‬م‪ ،‬و‪ 2008‬م‪ ،‬ضغــوط‬ ‫أمريكيــة ملحــة وضاغطــة إلنشــاء مــا يعــرف بقاعــدة أفريكــوم‬ ‫األمريكيــة ـ اإلفريقيــة ـ بأراضيــه أي تشــكيل قــوات مكافحــة‬ ‫اإلرهــاب مــن القــوات األمريكيــة مبعداتهــا العســكرية بانضمام بعض‬ ‫اجلنــود والقيــادات العســكرية اإلفريقيــة التــي ميكــن تدريبهــم علــى‬ ‫يــد القــوات األمريكيــة واألملانيــة ملســاعدتها يف مكافحــة اإلرهــاب‬ ‫يف منطقــة القــرن اإلفريقــي ويومهــا أطلــق صرخاتــه التــي مازالــت‬ ‫محفــورة يف عقــول وذاكــرة اجلزائريــن حتــى اليــوم موجهــا حديثــه‬ ‫إلــى اجلانبــن الفرنســي واألمريكــي تبـاً لصداقــة تتغــذى علــى حلــم‬ ‫البشــر يف إشــارة إلــى موقــف البلديــن وحتفظهمــا والتراجــع يف‬ ‫توفيــر احلاضنــة السياســية والعســكرية واألمنيــة للدولــة واجليــش‬ ‫اجلزائــري خــالل ســنوات العشــرية الســوداء‪.‬‬ ‫ويف تلـــك األثنـــاء وجـــد الرئيـــس بوتفليقـــة ومـــازال يـــري أن‬ ‫أفض ــل حاضن ــة دع ــم وش ــبكة أم ــان للجزائ ــر ه ــي اس ــتعادة وتقوي ــة‬ ‫وتأكيـــد عالقـــات بـــالده مـــع العالـــم العربـــي والقـــارة اإلفريقيـــة‬ ‫فســـعى منـــذ اللحظـــة األولـــى إلـــى اســـتعادة زمـــام العالقـــات‬ ‫اجلزائري ــة ـ العربي ــة فأح ــدث انفت ــاح غي ــر مش ــهود يف العالق ــات‬ ‫م ــع س ــائر دول العال ــم العرب ــي ويف مقدمته ــا دول اخللي ــج العرب ــي‬ ‫دون اســـتثناء وكذلـــك دول املغـــرب العربـــي ومصـــر وكان لبلـــده‬ ‫دور فعـــال عبـــر احلضـــور اجلزائـــري يف أزمـــات العـــراق وقضيـــة‬ ‫الص ــراع العرب ــي ـ اإلس ــرائيلي وخاص ــة يف س ــنوات ياس ــر عرف ــات‬ ‫علـــى رأس منظمـــة التحريـــر الفلســـطينية‪.‬‬ ‫وكان االنفتـــاح األكبـــر مـــع دول اخلليـــج قاطبـــة حيـــث كانـــت‬ ‫اململكـــة العربيـــة الســـعودية األكثـــر تواجـــدًا وحضـــو ًرا يف الســـاحة‬ ‫واملشــهد اجلزائــري وكان بوتفليقــة ودبلوماســيه يطــالن علــى املشــهد‬ ‫العرب ــي ويش ــاركان باحلض ــور في ــه بفاعلي ــة عب ــر دوائ ــر التنس ــيق‬ ‫اجلزائـــري ـ الســـعودي حيـــث يذكـــر حتـــى اآلن أن األميـــر ســـعود‬ ‫الفيصـــل وزيـــر اخلارجيـــة الســـعودي الســـابق وأبـــرز دبلوماســـي‬ ‫عرب ــي كان أكث ــر وزراء اخلارجي ــة الع ــرب الذي ــن زاروا اجلزائ ــر يف‬ ‫جــوالت مكوكيــة التقــى خاللهــا الرئيــس بوتفليقــة وقيــادات حكومتــه‬ ‫س ــواء للتش ــاور عل ــى مس ــتوى العالق ــات الثنائي ــة أو تنس ــيق املواق ــف‬

‫بش ــأن تط ــورات األوض ــاع يف العال ــم العرب ــي وبه ــدف خل ــق جبه ــة‬ ‫دف ــاع عربي ــة تك ــون اجلزائ ــر أح ــد أضالعه ــا يف مواجه ــة كثيرم ــن‬ ‫األزم ــات واملش ــاكل الت ــي واجهه ــا العال ــم العرب ــي من ــذ التس ــعينيات‬ ‫وحت ــى األم ــس القري ــب‪.‬‬ ‫مـــع األخـــذ يف االعتبـــار أن القيـــادة اجلزائريـــة ودبلوماســـيها‬ ‫مازال ــت تق ــر بالعرف ــان واالمتن ــان والفض ــل للدبلوماس ــية الس ــعودية‬ ‫وحت ــى اآلن ألنه ــا كان ــت أول م ــن س ــعت ووف ــرت حاضن ــة عربي ــة‬ ‫وإقليميـــة للجزائـــر للعـــودة إلـــى املشـــهد اخلارجـــي وخاصـــة يف‬ ‫العالـــم العربـــي والشـــرق أوســـطي بعـــد انتهـــاء زمـــن العشـــرية‬ ‫الس ــوداء يف اجلزائ ــر حي ــث ظل ــت اجلزائ ــر طيل ــة ه ــذه الس ــنوات‬ ‫يف حالــة مــن االنغــالق علــى الداخــل واالنكفــاء علــى الــذات بســبب‬ ‫أحداثه ــا الداخلي ــة ورمب ــا تك ــون عالقاته ــا م ــع غالبي ــة دول العال ــم‬ ‫ش ــبه مجم ــدة‪.‬‬ ‫ناهي ــك ع ــن حال ــة العزل ــة الت ــي كان ــت تواجهه ــا اجلزائ ــر طيل ــة‬ ‫تلـــك الســـنوات إذ ســـرعان مـــا ســـارعت الدبلوماســـية الســـعودية‬ ‫مب ــد ي ــد التالق ــي والع ــون م ــع اجلزائ ــر لتس ــريع عودته ــا العربي ــة‬ ‫واإلقليميـــة وقـــد جنحـــت يف ذلـــك بامتيـــاز ورمبـــا تكـــون الدولـــة‬ ‫العربي ــة الت ــي حتفظ ــت عليه ــا اجلزائ ــر وس ــعت لتحجي ــم عالقاته ــا‬ ‫معهـــا منـــذ نهايـــة عـــام ‪ 2007‬م‪ ،‬وحتـــى اآلن هـــي قطـــر بعـــد أن‬ ‫أدرك ــت اجلزائ ــر أن قط ــر له ــا مش ــروع تآم ــري لتخري ــب اجلزائ ــر‬ ‫وعودتهـــا إلـــى ســـنوات العشـــرية الســـوداء عبـــر االســـتهداف‬ ‫املتواص ــل به ــا عب ــر فضائي ــة اجلزي ــرة ومنص ــات إعالمي ــة جدي ــدة‬ ‫ظه ــرت يف لن ــدن وكان ــت مت ــول م ــن قط ــر وتنظي ــم احلمدي ــن‪ ،‬حم ــد‬ ‫بـــن خليفـــة وحمـــد بـــن جاســـم حيـــث كانـــوا كلهـــم ويف مقدمتهـــم‬ ‫فضائيـــة الشـــر اجلديـــدة تخصـــص برامـــج يوميـــة وتتعمـــد أن‬ ‫جتع ــل اجلزائ ــر وأحداثه ــا اإلرهابي ــة املتفاوت ــة حت ــى بع ــد أن وص ــل‬ ‫بوتفليق ــة لس ــدة احلك ــم س ــنوات طويل ــة وجناح ــه يف القض ــاء ش ــبه‬ ‫املب ــرم عل ــى اإلره ــاب هد ًف ــا يوم ًي ــا وتس ــعى للني ــل والتقلي ــل م ــن أي‬ ‫جناح ــات للقي ــادة واجلي ــش اجلزائ ــري يف ه ــذا الص ــدد‪ .‬باإلضاف ــة‬ ‫إل ــى جن ــاح أجه ــزة األم ــن واالس ــتخبارات اجلزائري ــة الت ــي ترص ــد‬ ‫حت ــى نهاي ــة ع ــام ‪ 2008‬م‪ ،‬وق ــوف الس ــلطات القطري ــة وراء تق ــدمي‬ ‫بعـــض العـــون املالـــي واملســـاعدة اللوجســـتية عبـــر جهـــات يف دول‬ ‫منطق ــة ش ــمال إفريقي ــا ومنطق ــة الس ــاحل والصح ــراء اإلفريقي ــة‬ ‫تتب ــع الدول ــة القطري ــة وخالياه ــا الت ــي توف ــر حواض ــن للعدي ــد يف‬ ‫التنظيمــات اإلرهابيــة يف الوقــت الــذي كان أميــر قطــر حتــى بدايــة‬ ‫الس ــنوات الس ــبع األول ــى م ــن حك ــم بوتفليق ــة ي ــزور اجلزائ ــر ث ــالث‬

‫‪58‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الدبلوماسية السعودية أول من وفر حاضنة عربية للجزائر بعد العشرية السوداء‬

‫الجزائـــر يف إفريقيـــا‪ :‬حائـــط صـــد ضـــد‬ ‫الق ــوى المناوئ ــة ونقط ــة ارت ــكاز عربي ــة‬ ‫رمبــا كان ومــا يــزال يُحســب للجزائــر منــذ وصــول الرئيــس عبــد العزيــز بوتفليقــة لقصــر املراديــة وســط اجلزائــر العاصمــة‬ ‫عــام ‪2000‬م‪ ،‬وطيلــة أربعــة عهــود رئاســية وحتــى اآلن أنــه جعــل مــن اجلزائــر حلقــة وصــل بــن العالــم العربــي ودول االحتــاد‬ ‫اإلفريقــي فرمبــا يكــون البلــد العربــي مــن ضمــن دول شــمال إفريقيــا قاطبــة الــذي يتمتــع بعالقــات وحضــور طاغــي يف‬ ‫القــارة اإلفريقيــة حيــث نُســجت هــذه العالقــات علــي مــدار عشــرات الســنوات منــذ مكافحــة اجلزائــر االســتعمار الفرنســي‬ ‫الــذي اســتمر ألكثــر مــن مائــة عــام حتــى حصــل علــى اســتقالله عــام ‪ 1962‬م‪ ،‬واســتمرت هــذه العالقــات آخــذة يف التطويــر‬ ‫والتطبيــع ويف بعــض األحيــان التكامــل والتالقــي يف املصالــح السياســية واالقتصاديــة وحتــى األمنيــة وخاصــة مــع دول‬ ‫اجلنــوب اجلزائــري وخاصــة مالــي والنيجــر بفعــل أحــداث العشــرية الســوداء التــي شــهدتها اجلزائــر منــذ عــام ‪1990‬م‪،‬‬ ‫واســتمرت قرابــة عشــر ســنوات شــهدت فيهــا البــالد أعمــال اإلرهــاب وقتــل وتخريــب وحــرب طويلــة بــن الدولــة اجلزائريــة‬ ‫ممثلــة يف اجليــش وقــوى األمــن وجبهــة اإلنقــاذ وأجنحتهــا العســكرية حتــى وصــل بوتفليقــة إلــى ســدة احلكــم واســتطاع بشــكل‬ ‫تدريجــي ممنهــج إخمــاد جــذوة اإلرهــاب والعنــف عندمــا طــرح مبــادرات الســلم واملصاحلــة حتــي عــام ‪ 2005‬م‪ ،‬فاســتطاع‬ ‫تصفيــة جبهــة االنقــاذ وأجنحتهــا العســكرية وســائر التنظيمــات اإلرهابيــة باحلــوار واملصاحلــة حي ًنــا وبالتصفيــة والقضــاء‬ ‫علــى األعــداد الكبيــرة باســتثناء بعــض قيــادات وزعامــات احلــرب واإلرهــاب الذيــن فــروا إلــى صحــراء جنــوب اجلزائــر‬ ‫وشــكلوا القاعــدة يف بــالد املغــرب اإلســالمي مثــل حســن حطــاب وعبــد املالــك درودكال زعيــم القاعــدة حال ًيــا يف بــالد املغــرب‬ ‫اإلســالمي والتــي تلقــت ضربــات قاتلــة يف الســنوات العشــر فنقلــت كثيــر مــن أنشــطتها اإلرهابيــة وخاصــة اجلــزء األكبــر إلــى‬ ‫دول الشــريط اجلنوبــي ودول الســاحل والصحــراء‪.‬‬

‫أشرف العشري‬

‫يف حــن انفصــل بعــض زعاماتهــا اإلرهابيــة األخــرى مثــل‬ ‫مختــار بلمختــار امللقــب "باألعــور" الــذي أنشــئ تنظيــم املرابطــون‬ ‫ووجــه نشــاطه اإلرهابــي باجتــاه احلــدود اجلزائريــة ـ التونســية‬ ‫وصــوال إلــى ليبيــا حيــث وجــد تالقــي وترابــط مــع تنظيــم أنصــار‬ ‫الشــريعة التونســي فقــررا غــزو الســاحة الليبيــة وجعلهــا منصــة‬ ‫كبــري كمــا يحــدث اآلن لبقــاء ومتــدد هــذا التنظيــم بعــد أن وجــد‬ ‫مؤسســا مــا يعــرف بشــبه شــراكة‬ ‫يف داعــش ليبيــا فصيــال متعاونــا‬ ‫ً‬ ‫إرهابيــة بــن التنظيمــن‪.‬‬ ‫ورمبــا تكــون هــذه احلــرب اإلرهابيــة الطويلــة واملواجهــة الشــاملة‬ ‫مــن الرئيــس بوتفليقــة لــكل خاليــا اإلرهــاب يف اجلزائــر ومــن ثــم‬ ‫توســيع دائــرة احلركــة والتعــاون مــع الــدول اإلفريقيــة وخاصــة‬ ‫دول اجلــوار للجزائــر أحــد األســباب الرئيســية يف تعاظــم وتعميــق‬

‫العالقــات اجلزائريــة ـ اإلفريقيــة حيــث أن الرئيــس بوتفليقــة نفســه‬ ‫يف زمــن املواجهــة الســاحقة مــع خاليــا اإلرهــاب كان يــردد دومــا‬ ‫علــى مســامع اجلزائريــن واخلــارج أن األفارقــة كانــوا خيــر عــون‬ ‫وأفضــل حــاال ومســاندة للجزائــر يف الشــعوب االقليميــة والكبــرى يف‬ ‫العالــم وكان؟ يف قنــاة املوقفــن الفرنســي واألمريكــي حتدي ـدًا حيــث‬ ‫كان املوقــف الفرنســي خــالل فتــرة العشــرية الســوداء ضباب ًيــا وبــه‬ ‫كثيــر مــن اخللــل والتباعــد عــن نصــرة الدولــة اجلزائريــة واملؤسســة‬ ‫العســكرية وكان الفرنســيون يجاهــرون دومــا يف تلــك الفتــرة مبقولــة‬ ‫مــن يقتــل مــن يف اجلزائــر؟‬ ‫ووكذلــك نفــس احلــال للموقــف األمريكــي وإن اختلــف يف‬ ‫األدوات والتكتيــكات حيــث أن اإلدارات األمريكيــة وأجهــزة‬ ‫االســتخبارات اخلاصــة بهــا كانــت تقــف علــى مســافة قريبــة مــن‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪57‬‬

‫ملف العدد‬

‫تطوير العالقات الخليجية ‪ -‬الجزائرية إىل اتفاق استراتيجي حول التهديدات‬ ‫ومواجهتهـا يمثـل إضافـة كبيـرة للقـوة العربيـة لمجابهـة التهديـدات‬ ‫‪ -٢‬األمـن ومكافحـة اإلرهـاب‪ :‬يف ظـل التحديـات األمنيـة التـي تعصـف‬ ‫باملنطقـة العربيـة واخلليـج العربـي بصفـة خاصـة مـن حيـث انتشـار‬ ‫احلـروب الالمتماثلـة واإلرهـاب والتواجـد العسـكري األجنبـي املكثـف‬ ‫يف املنطقـة وانتشـار األسـلحة وغيرهـا مـن التهديـدات التـي تسـتهدف‬ ‫باألسـاس تقويـض دعائـم األمـن القومـي العربـي يف املنطقـة وال سـيما‬ ‫أمـن دول اخلليـج العربيـة‪ ،‬وهـذه التهديـدات حتتـاج إلى ترتيبات أمنية‬ ‫خصوصـا علـى تدعيـم القـدرات العسـكرية الذاتيـة‬ ‫عربيـة تعتمـد‬ ‫ً‬ ‫وحتديثهـا واجلزائـر متتلـك ً‬ ‫جيشـا عسـكر ًيا قو ًيـا ولـه خبـرات قتاليـة‬ ‫عاليـة وبخاصـة فيمـا يتعلـق بتأمن احلـدود ومكافحة اإلرهـاب العابر‬ ‫للـدول واملعلومـات األمنيـة وبالتالـي فـإن تدعيـم العالقـات اخلليجيـة‬ ‫اجلزائريـة للوصـول بهـا إلـى االتفـاق االسـتراتيجي حـول التهديـدات‬ ‫احملتملـة ومواجهتهـا إمنـا ميثـل إضافة كبيرة للقوة العربية يف مجابهة‬ ‫هذه التهديدات ويسـد الثغرة التي تنتهزها الدول اإلقليمية وال سـيما‬ ‫إيـران يف متديـد نفوذهـا عبـر تفتيـت وحـدة الهـدف والقـرار العربـي‪.‬‬ ‫‪-٣‬الــدول العربيــة ودول اخلليــج العربــي بصفــة خاصــة بحاجــة كبيــرة‬ ‫إلــى توحيــد إمكانيــات وقــدرات األمــة العربيــة يف كافــة احملــاور‬ ‫االســتراتيجية فتــم العمــل علــى تدعيــم قــدرات واســتقرار دول العمــق‬ ‫االســتراتيجي يف مصــر والســودان مــن أجــل اســتقرار أمــن البحــر‬ ‫األحمــر واملمــرات البحريــة فيــه (بــاب املنــدب) وتدعيــم العالقــات يف‬ ‫االجتــاه االســتراتيجي املغاربــي واجلزائــر مــن أجــل ضــرب محــاوالت‬

‫القــوى اإلقليميــة تطويــق النظــام العربــي وضــرب مرتكزاتــه وتعــد‬ ‫اجلزائــر ركيــزة هامــة يف هــذه املنطقــة‪.‬‬ ‫وبشكل عام ميكن القول رغم ما تتداوله وسائل اإلعالم أحيا ًنا من‬ ‫وجود خالفات بن دول اخلليج العربية واجلزائر ‪ ،‬إال أن دبلوماسية‬ ‫القمة والتي تتمثل يف تبادل الزيارات بن مسؤولي الطرفن يثبت‬ ‫بشكل كبير مدى حاجة الطرفن لبعضهما يف إطار الصف العربي‬ ‫من أجل توحيد القدرات العربية ملواجهة التهديدات اآلنية التي باتت‬ ‫تشكل خط ًرا كبي ًرا على مستقبل النظام العربي وهذا يحفز التفكير يف‬ ‫تطوير آليات العمل العربي املشترك وبخاصة اجلامعة العربية بإنشاء‬ ‫محكمة العدل العربية التي تبت يف القضايا العربية ـ العربية وتكون‬ ‫قراراتها ملزمة مبا يقضي على اخلالفات البينية فدول اخلليج العربي‬ ‫ومعها كل من مصر واألردن وغيرها أدركت مدى فداحة التهديدات‬ ‫احملتملة ومن ثم رأت أنه ال بديل عن توحيد القدرات العربية ملواجهتها‬ ‫وعلى اجلزائر التي تلتزم سياسة احلياد أن تدرك أن التهديدات التي‬ ‫تعصف باملنطقة العربية ال تقل عن حرب أكتوبر ‪1973‬م‪ ،‬التي شاركت‬ ‫فيها أشقاءها العرب والبد من االستفادة العربية من اإلمكانيات‬ ‫والقدرات اجلزائرية يف هذا الشأن‪.‬‬ ‫* باحــث يف العلــوم السياســية ـ جامعــة القاهــرة ـ مديــر برنامــج الدراســات‬ ‫اإلرسائيليــة باملركــز العــريب ألبحــاث الفضــاء االلكــرتوين‬

‫‪56‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫ملســارات مختلفــة‪ ،‬فيتــردد يف وســائل اإلعــالم اعتــراف بعــض‬ ‫دول اخلليــج بكــون الصحــراء مغربيــة وأنهــا تدعــم املغــرب ماد ًيــا‬ ‫ومعنو ًيــا يف ســبيل االســتثمار فيهــا فينعكــس بالســلب علــى العالقــات‬ ‫اجلزائرية‪-‬اخلليجيــة‪.‬‬ ‫وبحكــم العالقــات التــي تربــط اجلزائــر بإيــران فــإن اجلزائــر‬ ‫ً‬ ‫أيضــا ترفــض تصنيــف حــزب اهلل كمنظمــة إرهابيــة يضــاف إلــى‬ ‫ذلــك مــا يتعلــق بالقلــق اجلزائــري حــول انخفــاض أســعار النفــط‬ ‫والــذي ميثــل لهــا مصــد ًرا اقتصاد ًيــا ها ًمــا واحلاجــة إلــى خفــض‬ ‫معــدالت اإلنتــاج مــن أجــل عــودة األســعار إلــى االرتفــاع مــرة أخــرى‪.‬‬

‫محفزات التقارب‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫يف اجلزائـر يحتـاج إلـى نقلـة كبيـرة وبخاصـة أن الدولتـن لهما توجه‬ ‫نحـو تنويـع مصـادر االقتصـاد بعيـدًا عـن البتـرول واجلزائـر لديهـا‬ ‫مصـدر طبيعـي مثـل املعـادن يحتـاج إلـى تعبئـة االسـتثمار فيـه بشـكل‬ ‫كبيـر وقـد ميثـل مجـاالً واعـدًا للتعـاون بـن الدولتـن كما تقـدر حجم‬ ‫االسـتثمارات اإلماراتيـة بحوالـي ‪ 10‬مليـار دوالر تتركـز يف قطاعـات‬ ‫الصناعـة والسـياحة والعقـارات والطاقـة املتجـددة وترتبـط اإلمارات‬ ‫باجلزائـر بحوالـي ‪ 40‬اتفاقيـة ومذكـرة تفاهـم يف مجـاالت كثيـرة‬ ‫وبالرغم من اإلجراءات والتشـريعات التي تتخذها سـلطات اجلزائر‬ ‫خللـق منـاخ جـاذب لالسـتثمار تتضمـن إزالـة املعوقـات البيروقراطية‬ ‫ومنـح امتيـازات متعـددة تتـراوح بـن اإلعفـاء الضريبـي وتسـهيالت‬ ‫تتعلـق بتوفيـر العمالـة ومصـادر الطاقـة بأسـعار‬ ‫تنافسـية وتعـد اإلقـرارات األخيـرة لقانـون االسـتثمار‬ ‫تخلـق بيئـة جاذبـة لالسـتثمار وبخاصـة اخلليجـي‪.‬‬ ‫‪ -٣‬قضي ــة الصح ــراء الغربي ــة‪ :‬تس ــعى اجلزائ ــر إل ــى‬ ‫احل ــول دون االعت ــراف اخلليج ــي مبغربي ــة الصح ــراء‬ ‫واالكتف ــاء مبوق ــف محاي ــد وع ــدم مس ــاعدة املغ ــرب‬ ‫مـــن خـــالل االســـتثمار يف هـــذه املنطقـــة حيـــث‬ ‫تكتســب قضيــة الصحــراء أهميــة بالغــة يف السياســة‬ ‫اخلارجيـــة اجلزائريـــة‪.‬‬ ‫‪ -٤‬القضيــة الليبيــة‪ :‬تشــكل األوضــاع يف ليبيــا تهديـدًا‬ ‫خطيــ ًرا علــى األمــن الوطنــي اجلزائــري نظــ ًرا لطــول مســاحة‬ ‫احلــدود بــن ليبيــا واجلزائــر التــي تقــدر بحوالــي ‪1000‬كــم‪ 2‬وانتشــار‬ ‫األســلحة والفوضــى قــد يتــم نقلهــا للجزائــر‪ .‬وهنــا الســعودية‬ ‫تســتطيع لعــب دور يتماشــى مــع الرؤيــة اجلزائريــة خاصــة أن ليبيــا‬ ‫ال تشــكل أهميــة كبيــرة للســعودية‪.‬‬

‫تدعيـم قدرات دول‬ ‫العمق والمغرب العربي‬ ‫السـتقرار البحـر األحمـر‬ ‫وكـسر تطويق النظام‬ ‫العربي وضــرب أركانه‬

‫رغــم اخلــالف يف وجهــات النظــر حــول بعــض‬ ‫القضايــا إال أن اجلانبــن بحاجــة كبيــرة إلــى‬ ‫بعضهمــا البعــض خاصــة الســعودية واجلزائــر‬ ‫يف إطــار العالقــة التــي جتمعهمــا كــدول عربيــة‬ ‫وإســالمية وثقافــة واحــدة وتاريــخ واحــد حيــث‬ ‫حتتفــظ اجلزائــر بعالقــات وديــة مــع باقــي دول‬ ‫مجلــس التعــاون فــإن توطيــد العالقــة مع الســعودية‬ ‫أكبــر دول املجلــس وأكثرهــا تأثيــ ًرا يعــد ضــرورة‬ ‫ال غنــى عنهــا يف املرحلــة احلاليــة وبخاصــة يف‬ ‫امللفــات املشــتركة التــي تتمثــل يف‪:‬‬ ‫‪-1‬القضيــة الفلســطينية‪ :‬متثــل القضيــة الفلســطينية منــذ ميالدهــا‬ ‫قبــل عــام ‪1948‬م‪ ،‬محــور االلتقــاء العربــي وتوحيــد التحــركات علــى‬ ‫املســتوى الدولــي ســواء لــدى القــوى الدوليــة أو يف هيــآت ومنظمــات‬ ‫األمم املتحــدة ورغــم االنشــغال العربــي باألزمــات اجلديــدة يف اآلونــة‬ ‫األخيــرة‪ ،‬إال أن الــدول العربيــة لــم تنــس دورهــا الداعــم للقضيــة‬ ‫الفلســطينية ومتثــل هــذه القضيــة أهــم نقــاط التوافــق وااللتقــاء‬ ‫العربــي وبخاصــة بــن الــدول اخلليجيــة واجلزائــر وميكــن أن تشــكل‬ ‫مجــاالً لتطويــر العالقــات السياســية بــن الطرفــن‪.‬‬ ‫‪-٢‬النفـط واالسـتثمار‪ :‬تعتمـد اجلزائـر يف ميزانياتهـا علـى عائـدات‬ ‫النفـط‪ ،‬ويـؤدي تراجـع أسـعاره إلـى أزمـة اقتصاديـة حيـث تشـكل‬ ‫عائـدات النفـط حوالـى ‪ %65‬مـن ميزانيـة الدولـة ومـن هنـا فإن رغبة‬ ‫اجلزائـر يف خفـض اإلنتـاج مـن أجـل عـودة أسـعاره لالرتفـاع لـن يتـم‬ ‫إال مبوافقـة دول اخلليـج العربيـة وفـى مقدمتهـا السـعودية التـي تعـد‬ ‫أكبـر املنتجـن للنفـط والتـي متتلـك احتياطـي ضخـم منـه مقارنـة‬ ‫باجلزائـر كمـا أن اجلزائـر بحاجة ماسـة إلى االسـتثمارات اخلليجية‬ ‫حتـى يتـم تنويـع االقتصـاد اجلزائـري واخلـروج مـن ضائقتهـا املاليـة‬ ‫حيـث بلغـت حجـم املنـح والقـروض املقدمـة مـن الصنـدوق السـعودي‬ ‫للتنميـة يف قطاعـات الـري واإلسـكان والكهربـاء يف اجلزائـر مـا‬ ‫يقـدر بحوالـي ‪ 491.09‬مليـون دوالر وقطـاع االسـتثمار السـعودي‬

‫هاما يف القضايا اآلتية‪:‬‬ ‫وميكن للجزائر أن تلعب دو ًرا ً‬ ‫‪ -1‬القضيــة اليمنيــة‪ :‬تعــد اجلزائــر مــن الــدول التــي تتمتــع بثقــة‬ ‫جميــع األطــراف لسياســتها املتوازنــة مــع كل أطــراف النــزاع يف‬ ‫اليمــن وتلتــزم دائ ًمــا سياســة عــدم التدخــل يف الشــأن الداخلــي‬ ‫للــدول واحليــاد خاصــة يف النزاعــات العربيــة‪ ،‬وتتمتــع الدبلوماســية‬ ‫اجلزائريــة ً‬ ‫أيضــا بخبــرة كبيــرة يف الوســاطة كدورهــا يف حــل أزمــة‬ ‫احلــدود بــن العــراق وإيــران‪ ،‬وأزمــة الرهائــن األمريكيــن يف طهــران‬ ‫واملشــاركة يف إمتــام اتفــاق الســالم بــن إثيوبيــا وإريتريــا وميكنهــا أن‬ ‫تلعــب دو ًرا ها ًمــا يف حلحلــة األزمــة يف حــال جنحــت األطــراف إلــى‬ ‫احلــل الســلمي بصــورة ال تضــر مبكانــة اململكــة ومصاحلهــا اإلقليميــة‬ ‫وميكنهــا مــن خــالل عالقاتهــا التــي تربطهــا بإيــران أن تخفــف حــدة‬ ‫التوتــر بينهــا وبــن دول مجلــس التعــاون والــدول العربيــة خاصــة بعــد‬ ‫االتفــاق النــووي األخيــر الــذي ترافــق معــه شــدة التوتــر بــن األطــراف‬ ‫اإلقليميــة والصــراع حــول األدوار اإلقليميــة‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪55‬‬

‫ملف العدد‬

‫الس ــعودية والجزائ ــر بحاج ــة إىل بعضهم ــا وتوطي ــد العالق ــة بينهم ــا‬ ‫ض ــرورة ال غن ــى عنه ــا يف المرحل ــة الحالي ــة تج ــاه الملف ــات المش ــتركة‬ ‫مــن قضاياهــا بالتفاعــالت الدوليــة خاصــة يف األزمــات ذات األبعــاد‬ ‫الدوليــة مثــل األزمــة الســورية‪ ،‬والليبيــة‪ ،‬واليمنيــة‪ ،‬واحلالــة العراقيــة‪،‬‬ ‫واللبنانيــة وغيرهــا‪ ،‬وزادت هــذه احلالــة مــن األعبــاء األمنيــة امللقــاة‬ ‫علــى عاتــق اجليــوش والقــوى العربيــة وزكــت نزاعات طائفيــة وعرقية‬ ‫ترســخت مــع اســتراتيجية الشــرق األوســط اجلديــد‪ ،‬ونتــج عــن هــذه‬ ‫احلالــة تراجــع الــدور العربــي وبــروز دور قــوى إقليميــة مثــل إيــران‪،‬‬ ‫وتركيــا‪ ،‬وإســرائيل وســعيها للهيمنــة علــى املنطقــة العربيــة ومثلــت‬ ‫حــاالت التناقــض العربــي إزاء هــذه األحــداث محــط اســتغالل إيــران‬ ‫للهيمنــة علــى املنطقــة ونشــر املبــدأ الشــيعي اإلثنــي عشــري الــذى‬ ‫قامــت عليــه ثورتهــا عــام ‪1979‬م‪ ،‬حيــث اســتغلت إيــران عالقاتهــا‬ ‫باجلزائــر يف دعــوة اجلزائريــن لزيــارة األماكــن املقدســة يف العــراق‪،‬‬ ‫كمــا ســاهمت بــدور يف االضطرابــات التــي شــهدتها البحريــن‪،‬‬ ‫والتواجــد العســكري املباشــر يف ســوريا لدعــم نظــام بشــار والدعــم‬ ‫املــادي والعســكري جلماعــة احلوثــي يف اليمــن‪ ،‬وحــزب اهلل يف لبنــان‪.‬‬ ‫إن االتفــاق النــووي اإليرانــي مــع القــوى الدوليــة (‪ )1+5‬عــام‬ ‫‪2015‬م‪ ،‬الــذى ســمح إليــران بتخصيــب اليورانيــوم بنســبة ‪ %5‬فتــح‬ ‫البــاب علــى مصراعيــه يف منطقــة الشــرق األوســط لســباق تســلح‬ ‫تقليــدي وغيــر تقليــدي وســمح إليــران باالســتفادة مــن مئــات املليارات‬ ‫التــي أفــرج عنهــا مبوجــب رفــع العقوبــات الســتغاللها يف تطويــر‬ ‫برامجهــا الصاروخيــة شــكل تهديـدًا مباشـ ًرا ألمــن اخلليــج‪ ،‬وبطبيعــة‬ ‫احلــال فــإن اجلزائــر كدولــة محوريــة تتأثــر إيجا ًبــا وســل ًبا باألحــداث‬ ‫يف دول اجلــوار حيــث أن البيئــة املجــاورة للجزائــر متوتــرة وال يوجــد‬ ‫يف األفــق القريــب مؤشـ ًرا الســتقرارها فقــد شــهدت اجلزائــر ً‬ ‫أيضــا‬ ‫مظاهــرات يف عــام ‪2001‬م‪ ،‬عرفــت بحركــة "الزيــت والســكر" تزامنــت‬ ‫مــع االحتجاجــات يف تونــس لكــن احلكومــة رفعــت شــعار املــوارد‬ ‫املتاحــة وفتحــت مجــاالت اإلقــراض طويــل األجــل للشــباب ملواجهــة‬ ‫مشــكلة البطالــة والتشــاور حــول إجــراء تعديــل دســتوري لتحديــد‬ ‫فتــرات الرئاســة بفترتــن رئاســيتن فقــط وتوســيع هامــش احلريــات‬ ‫واملشــاركة السياســية للمــرأة وتأســيس األحــزاب السياســية وهــو مــا‬ ‫حتــم عليهــا ضــرورة وضــع اســتراتيجية ملواجهــة التهديــدات احملتملــة‬ ‫ســواء مــن اإلرهــاب أو اجلرميــة املنظمــة والتجــارة غيــر املشــروعة‬ ‫وغيرهــا وصــوالً إلــى خطــر انتشــار األوبئــة القادمــة مــن إفريقيــا‬ ‫عبــر الهجــرة غيــر الشــرعية وصــوالً ألوروبــا مثــل (اإليدز‪-‬اإليبــوال)‬ ‫ورغــم أن سياســتها اخلارجيــة التزمــت الصمــت جتــاه األزمــة الليبيــة‬ ‫إال أنهــا قامــت بنشــر حوالــى ‪ 75‬ألــف جنــدي علــى احلــدود مــع ليبيــا‬ ‫ملنــع تهريــب األســلحة أو املقاتلــن وجتنبــت عــدم إدانــة نظــام بشــار‬

‫األســد ورفضــت التدخــل العســكري يف ســوريا وتفضــل دعــم األنظمــة‬ ‫وليــس املقاتلــن أو الثــوار وهــى تعــد مــن النقــاط اخلالفيــة مــع دول‬ ‫اخلليــج العربيــة‪.‬‬

‫معوقات التقارب بين الدولتين‬ ‫نتيجــة الوضــع املرتبــك إقليم ًيــا وحــاالت عــدم االســتقرار يف‬ ‫بعــض الــدول العربيــة حــدث نــوع مــن االختــالف يف وجهــات النظــر‬ ‫بــن بعــض الــدول العربيــة حــول معاجلــة هــذه القضايــا‪ ،‬فاألزمــة‬ ‫الســورية أخــذت أبعــا ًدا دوليــة وإقليميــة بشــكل كبيــر يف ظــل التدخــل‬ ‫الروســي واألمريكــي واألوروبــي مــع ضلــوع قــوى إقليميــة يف القضيــة‬ ‫ومنهــا إيــران وتركيــا‪ ،‬والــدور العربــي هــو بطبيعــة احلــال وكــون‬ ‫القضيــة عربيــة كان البــد مــن اتخــاذ موقــف يحافــظ يف نفــس الوقــت‬ ‫علــى وحــدة التــراب الســوري والشــعب الســوري‪ ،‬ومــا حــدث مــن‬ ‫خــالف يف وجهــات النظــر بــن الــدول العربيــة متحــور حــول شــرعية‬ ‫وجــود النظــام الســوري وبقائــه‪ ،‬واألمــر الثانــي أدوات احلــل التــي‬ ‫تراوحــت بــن التدخــل العســكري أو القنــوات السياســية‪ .‬اجلزائــر‬ ‫احتفظــت بعالقاتهــا مــع النظــام الســوري والتزمــت عــدم التدخــل‬ ‫يف األزمــة لصالــح أي طــرف ولكنهــا متيــل إلــى بقــاء النظــام يف‬ ‫الوقــت الــذي أصبــح فيــه النظــام الســوري محــل شــك وغيــر مرحــب‬ ‫بــه مــن بعــض الــدول العربيــة نظــ ًرا الرتباطــه بإيــران وأذرعهــا يف‬ ‫املنطقــة مثــل حــزب اهلل علــى حســاب املصالــح العربيــة‪ ،‬كمــا أن‬ ‫النظــام الســوري يســعى للبقــاء علــى حســاب تشــريد الشــعب وتدميــر‬ ‫مقــدرات الدولــة‪.‬‬ ‫واألزمــة العربيــة الثانيــة‪ ،‬التــي كانــت محــل خــالف يف وجهــات‬ ‫النظــر بــن الســعودية واجلزائــر‪ ،‬هــي األزمــة اليمنيــة والتدخــل‬ ‫العســكري للتحالــف العربــي إلعــادة الشــرعية يف اليمــن والقضــاء‬ ‫علــى التمــرد احلوثــي املدعــوم إيرانيــا وحتفظــت اجلزائــر علــى‬ ‫التدخــل حلــل األزمــة‪ ،‬وبطبيعــة احلــال فــإن املوقــف اجلزائــري مــن‬ ‫األزمــة الســورية واليمنيــة علــى وجــه التحديــد كان محــط تلقــف‬ ‫مــن إيــران للتقــارب مــن دولــة بثقــل اجلزائــر ومحاولــة إخراجهــا‬ ‫عــن الصــف العربــي وإعــادة تدويرهــا ضمــن اســتراتيجية التطويــق‬ ‫اإليرانــي للنظــام العربــي‪.‬‬ ‫وتعــد قضيــة الصحــراء مــن احملــددات الهامــة يف تطــور العالقــة‬ ‫بــن املغــرب واجلزائــر وبــن اجلزائــر والــدول العربيــة حيــث دائمــا‬ ‫مــا تكــون هــذه القضيــة محــل اســتغالل مــن وســائل اإلعــالم‬ ‫الســتخدامها كورقــة يف توجيــه دفــة العالقــات بــن األطــراف العربيــة‬

‫‪54‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫إلــى متديــد وجودهــا العســكري مــن خــالل إنشــاء قاعدة عســكرية يف‬ ‫جيبوتــي (عــام ‪2017‬م)‪ ،‬ورفــض محــاوالت أمريــكا اســتصدار قــرار‬ ‫مــن مجلــس األمــن بشــأن ســوريا‪ ،‬يف حــن شــهدت الســاحة الدوليــة‬ ‫ارتفــاع النبــرة املعاديــة للعــرب واإلســالم مــع صعــود اليمــن املتطــرف‬ ‫يف أوروبــا بعــد أحــداث ‪ 11‬ســبتمبر‪2001‬م‪( ،‬اإلســالموفوبيا) وجــاء‬ ‫ذلــك مــع تراجــع دور وفاعليــة املجتمــع الدولــي مبنظماتــه املختلفــة‬ ‫يف حــل الكثيــر مــن القضايــا الدوليــة‪.‬‬ ‫وتركــت هــذه التفاعــالت أثــ ًرا كبيــ ًرا علــى اإلخــالل بالتــوازن‬ ‫العســكري يف املنطقــة العربيــة‪ ،‬مــن حيــث الصــراع علــى التســلح‬ ‫وحجمــه ونوعيتــه‪ ،‬حيــث تعــد أمريــكا وروســيا مــن أكبــر مصــدري‬ ‫الســالح يف العالــم و فرضــت هــذه األوضــاع علــى دول املنطقــة‬ ‫ضــرورة اقتنــاء األســلحة املتطــورة ملجابهــة التهديــدات احملتملــة‬ ‫وهــو األمــر الــذي زاد مــن معــدالت اإلنفــاق العســكري لــدول املنطقــة‬ ‫وبخاصــة يف الســعودية التــي وصــل معــدل اإلنفــاق العســكري فيهــا‬ ‫إلــى ‪ 82‬مليــار دوالر عــام ‪2016‬م‪ ،‬متثــل ‪ %9.8‬مــن النــاجت احمللــى‬ ‫اإلجمالــي‪ ،‬ويف اجلزائــر حوالــي ‪ 10.4‬مليــار دوالر عــام ‪2015‬م‪،‬‬ ‫بنســبة ‪ %6.4‬مــن النــاجت احمللــى اإلجمالــي‪ ،‬كمــا أن تواجــد القــوات‬ ‫األجنبيــة نتيجــة التدخــل الروســي واألمريكــي يف املنطقــة زاد مــن‬ ‫حجــم األعبــاء األمنيــة علــى الــدول يف تأمــن حدودهــا مــع الــدول‬ ‫التــي تشــهد اضطرابــات‪ ،‬وزاد هــذا التدخــل مــن الصــراع حــول‬ ‫التســلح النــووي يف املنطقــة والعالــم بعــد أن شــرعت القوتــن‬ ‫العظميــن يف تخفيــض حجــم ترســانتهما النوويــة بــن عامــي‬ ‫(‪2002‬م ‪2010‬م)‪ ،‬إال أن االســتراتيجية األمريكيــة اجلديــدة التــي‬ ‫أعلنهــا ترامــب والتــي ترتكــز إلــى أمريــكا أوالً وترســخ ملفهــوم القــوة‬ ‫بزيــادة ميزانيــة الدفــاع األمريكيــة إلــى أكثــر مــن ‪ 700‬مليــار دوالر‬ ‫مــن أجــل إعــادة بنــاء اجليــش األمريكــي‪ ،‬يعنــى إطــالق ســباق التســلح‬ ‫النــووي التكتيكــي يف العالــم‪ ،‬وهــذه األعبــاء تؤثــر بالســلب علــى مســار‬ ‫التنميــة يف هــذه الــدول حيــث تشــير التقاريــر إلــى أن العالــم خســر‬ ‫حوالــى ‪ 13.6‬تريليــون دوالر يف الســنوات التــي شــهدت فيهــا منطقــة‬ ‫الشــرق األوســط اضطرابــات كان ميكــن أن تذهــب إلــى التنميــة‬ ‫واالســتثمار‪ ،‬ومكافحــة البطالــة التــي ارتفعــت نســبتها‪ ،‬مــا أدى إلــى‬ ‫بــطء منــو االقتصــاد العاملــي فقــد تراجعــت إيــرادات اليمــن ‪،%88‬‬ ‫وليبيــا‪ ،%84‬وســوريا‪ ،%54‬وأقدمــت كل مــن مصــر وتونــس علــى طلــب‬ ‫قــروض مــن البنــك الدولــي‪.‬‬ ‫شــملت التغيــرات التــي طــرأت علــى البيئــة الدوليــة توســيع‬ ‫مفهــوم تهديــدات األمــن والســلم الدوليــن‪ ،‬فأضحــى هنــاك التدخــل‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫اإلنســاني‪ ،‬والتدخــل لقمــع اإلرهــاب‪ ،‬حيــث أصبحــت ظاهــرة‬ ‫اإلرهــاب عامليــة مــع التطــورات األخيــرة لظهــور تنظيــم الدولــة‬ ‫اإلســالمية يف العــراق والشــام (داعــش) ووجــوده علــى األرض بشــكل‬ ‫كبيــر يف كل مــن العــراق وســوريا‪ ،‬وهــو األمــر الــذى أحلــق أضــرا ًرا‬ ‫بــدول املنطقــة‪ ،‬وكانــت اململكــة العربيــة الســعودية يف مقدمــة الــدول‬ ‫التــي دعــت إلــى مكافحــة الفكــر املتطــرف ليــس علــى مســتوى القــوى‬ ‫الصلبــة فقــط (التحالــف العســكري اإلســالمي ملكافحــة اإلرهــاب)‬ ‫بــل علــى مســتوى الفكــر وأدوات املعاجلــة احلديثــة عبــر مواقــع‬ ‫التواصــل االجتماعــي لتتماشــى مــع االجتــاه احلديــث يف وســائل‬ ‫نشــر الفكــر املتطــرف حملاولــة تطويقــه‪ ،‬وعانــت اململكــة واجلزائــر‬ ‫مــن اإلرهــاب والفكــر املتطــرف خاصــة مــا وقــع للســفارات الســعودية‬ ‫‪ 19‬رهينــة أجنبــي ملقايضاتهــم بإرهابيــن يف ســجون اجلزائــر عــام‬ ‫‪2013‬م‪ ،‬كمــا تعرضــت ســفارة اجلزائــر يف ليبيــا للحــرق وتدميــر‬ ‫كل وثائقهــا وهــروب أفــراد حركــة "أزواد" مــن مالــي إلــى اجلزائــر‪،‬‬ ‫إضافــة إلــى انتشــار اجلرميــة املنظمــة عبــر احلــدود والتجــارة غيــر‬ ‫املشــروعة يف املخــدرات والبشــر وغســيل األمــوال‪.‬‬ ‫وعلـــى املســـتوى االقتصـــادي واالجتماعـــي‪ ،‬كان النخفـــاض‬ ‫أســـعار النفـــط مـــن منتصـــف عـــام ‪2014‬م‪ ،‬وحتـــى عـــام ‪2016‬م‪،‬‬ ‫تبعـــات علـــى اقتصاديـــات الـــدول املنتجـــة للنفـــط خاصـــة التـــي‬ ‫تعتم ــد علي ــه كمص ــدر اقتص ــادي ه ــام ومنه ــا دول اخللي ــج‪ ،‬فم ــع‬ ‫تراجــع ســعر البرميــل إلــى (‪ )26‬دوال ًرا عــام ‪2015‬م‪ ،‬توقعــت وكالــة‬ ‫(س ــاندر وان ــد ب ــورز) أن ينخف ــض مع ــه دخ ــل دول مجل ــس التع ــاون‬ ‫مــن نحــو (‪ )729‬مليــار دوالر إلــى نحــو (‪ )350‬مليــار دوالر‪ .‬أمــا علــى‬ ‫املس ــتوى االجتماع ــي فق ــد وضع ــت الث ــورة الكبي ــرة يف تكنولوجي ــا‬ ‫االتص ــال واملعلوم ــات حتدي ــات أم ــام املجتمع ــات العربي ــة م ــن حي ــث‬ ‫ســـرعة تـــداول املعلومـــات وعـــدم القـــدرة علـــى التحكـــم بهـــا كمـــا‬ ‫أن منصـــات التواصـــل االجتماعـــي البعيـــدة عـــن التحكـــم األمنـــي‬ ‫أصبحـــت تســـتخدمها اجلماعـــات املتطرفـــة يف التجنيـــد ونشـــر‬ ‫أفكاره ــا املغلوط ــة ع ــن اإلس ــالم‪ ،‬رغ ــم أنه ــا وس ــيلة م ــن وس ــائل‬ ‫املش ــاركة الش ــعبية إال أنه ــا فتح ــت املج ــال ً‬ ‫أيض ــا للغ ــزو الثق ــايف‬ ‫ال ــذي ق ــد ال يتواف ــق م ــع القي ــم العربي ــة واإلس ــالمية‪.‬‬

‫أثر المتغيرات اإلقليمية‬ ‫تأثــرت التحــركات اخلليجيــة باملتغيــرات التــي شــهدتها الســاحة‬ ‫اإلقليميــة وفــى مقدمتهــا حالــة عــدم االســتقرار يف بعــض الــدول‬ ‫العربيــة بعــد أحــداث عــام ‪2011‬م‪ ،‬وهــذه احلالــة ارتبطــت يف كثيــر‬

‫الجزائــر الملتزمــة بالحيــاد مطالبة بإدراك أن التهديدات الحالية ال تقل‬ ‫عــن حــرب أكتوبــر التــي شــاركت فيهــا والبــد للعرب االســتفادة مــن قدراتها‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫نســبة العمالــة الوافــدة حيــث تصــل يف بعــض دول اخلليــج مثــل قطــر‬ ‫واإلمــارات إلــى ‪ %75‬مــن الســكان‪ ،‬وتصــل يف الســعودية ‪ %11.6‬وف ًقــا‬ ‫ملؤشــرات البنــك الدولــي‪.‬‬ ‫ونتيجــة ألهميــة منطقــة اخلليــج العربــي أضحــت مجــاالً‬ ‫للتفاعــالت اإلقليميــة والدوليــة لتأمــن مــوارد الطاقــة واملمــرات‬ ‫البحريــة وصــراع القــوى فارتبــط أمــن اخلليــج العربــي بتفاعــل‬ ‫هــذه املتغيــرات وتشــابك مــع قضايــا املنطقــة وجوارهــا اإلقليمــي‪،‬‬ ‫لــذا حتــم ذلــك علــى دول اخلليــج تدعيــم قدراتهــا العســكرية‬ ‫الذاتيــة يف مجابهــة التهديــدات‪ ،‬فــكان إنشــاء مجلــس التعــاون عــام‬ ‫‪1981‬م‪ ،‬نتيجــة احلــرب العراقية‪-‬اإليرانيــة والثــورة اإليرانيــة عــام‬ ‫‪1979‬م‪ ،‬وبنــاء قــوة متمثلــة يف قــوات درع اجلزيــرة وتوحيــد املفاهيــم‬ ‫العســكرية بالتدريبــات املشــتركة وتنويــع مصــادر التســليح واحلصــول‬ ‫علــى أحــدث األســلحة‪ ،‬وتدعيــم عالقاتهــا مــع دول اجلــوار فــكان‬ ‫االجتــاه االســتراتيجي نحــو مصــر والســودان واألردن واملغــرب‬ ‫وغيرهــا وتدعيــم العالقــات مــع باكســتان كقــوة إســالمية إقليميــة‪،‬‬ ‫إضافــة إلــى القــوى الدوليــة كأمريــكا وبريطانيــا وفرنســا‪ ،‬أمــا‬ ‫اجلزائــر والتــي تتبــع النظــام شــبه الرئاســي الــذى نتــج عــن حــرب‬ ‫ثوريــة دامــت قرابــة ثمــان ســنوات (‪1962-1954‬م) تعــد مــن أكبــر‬ ‫الــدول العربيــة مســاحة بحوالــي ‪ 2.37‬مليــون كــم‪ 2‬وعــدد ســكان‬ ‫‪ 40‬مليــون نســمة‪ ،‬ومتتلــك جيــش عســكري مســلح بأحــدث األســلحة‬ ‫الروســية والغربيــة‪ ،‬ويعتمــد االقتصــاد اجلزائــري علــى النفــط كأهــم‬ ‫مــورد اقتصــادي حيــث ميثــل ‪ %60‬مــن ميزانيــة الدولــة حيــث تنتــج‬ ‫اجلزائــر ‪ %4.7‬مــن اإلنتــاج العاملــي مــن النفــط وحتتــل املركــز الســابع‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪53‬‬

‫ملف العدد‬

‫عامل ًيــا يف انتــاج الغــاز بحوالــي ‪ 159.1‬تريليــون قــدم مكعــب ســنو ًيا‪،‬‬ ‫وهــى عضــو (أوبــك)‪ ،‬وهــى ال تقتنــع بفكــرة األمــن اجلماعــي ولكنهــا‬ ‫ترتبــط بــدول لهــا دور وثقــل يف حتالفــات دوليــة وإقليميــة مثــل‬ ‫فرنســا‪ ،‬و يعــزى ذلــك إلــى الفتــرات التــي عاشــتها اجلزائــر بــن‬ ‫رحــى اإلرهــاب والقيــد الدســتوري الــذى مينــع القــوات املســلحة مــن‬ ‫املشــاركة يف عمليــات خــارج احلــدود‪.‬‬

‫أثــر المتغيــرات الدوليــة واإلقليميــة عــى تطــور العالقــات‬ ‫الخليجية‪-‬الجزائريــة‬ ‫كانــت للمتغيــرات التــي شــهدتها بيئــة النظــام الدولــي أثــر كبيــر‬ ‫علــى األوضــاع يف املنطقــة العربيــة بشــكل خــاص‪ ،‬حيــث أن طبيعــة‬ ‫النظــام الدولــي تعكــس طبيعــة العالقــات الدوليــة وحتــدد قــدرة‬ ‫الوحــدات السياســية يف رســم سياســاتها اخلارجيــة حيــث حتــول‬ ‫النظــام الدولــي مــن ثنائــي القطبيــة بعــد انهيــار االحتــاد الســوفيتي‬ ‫يف أوائــل تســعينيات القــرن املاضــي إلــى القطبيــة األحاديــة بهيمنــة‬ ‫أمريكيــة‪ ،‬وهنــاك مؤشــرات حال ًيــا علــى حتولــه إلــى عالــم متعــدد‬ ‫األقطــاب يف ظــل صعــود قــوى أخــرى مثــل (الصن وروســيا‪ ،‬واالحتاد‬ ‫األوروبــي) التــي جتلــى دورهــا يف مناطحــة السياســية األمريكيــة يف‬ ‫قضايــا كثيــرة يف الشــرق األوســط وال ســيما الــدور الروســي اجلديــد‬ ‫يف املنطقــة العربيــة الــذى يســعى إلــى اســتعادة التــوازن مــع أمريــكا‬ ‫وجتلــى يف األزمــة الســورية والتدخــل العســكري ملســاندة نظــام بشــار‬ ‫األســد بالتعــاون مــع إيــران‪ ،‬كمــا تشــهد الســاحة الدوليــة مناطحة بن‬ ‫الصــن وأمريــكا يف املجــال االقتصــادي والعســكري وســعي الصــن‬

‫‪52‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫العالقـــات الخليجيـــة ‪ -‬الجزائريـــة‪ :‬قـــوة عربيـــة وســـد ثغـــرة تنتهزهـــا إيـــران‬

‫الـعـالقـات الـخـليجـية ـ الـجـزائـريـة‪:‬‬ ‫التحديـات والمحفـزات عى ضـوء المتغيرات‬ ‫لــم يكــن تطــور العالقــات اخلليجيــة اجلزائريــة مبعــزل عــن تأثيــر املتغيــرات الدوليــة واإلقليميــة التــى شــهدتها املنطقــة‬ ‫العربيــة‪ ،‬رغــم مــا يجمعهمــا مــن عالقــات تاريخيــة ممتــدة ترتبــط باألصــل احلضــاري والثقــايف‪ ،‬والدين‪ ،‬العربي‪ ،‬واإلســالمي‪،‬‬ ‫واملصيــر املشــترك والــذي جتلــى يف الدعــم السياســي واالقتصــادي والعســكري مــن دول النظــام العربي وال ســيما دول اخلليج‬ ‫العربيــة لكفــاح الشــعب اجلزائــري مــن أجــل نيــل اســتقالله وحريتــه‪ .‬مــرت العالقــات اخلليجيــة ـ اجلزائريــة مبنعطفــات‬ ‫كثيــرة تخللتهــا حــاالت مــن الفتــور يف العالقــات خاصــة فتــرة حكــم الرئيــس "بــن بلــه" ثــم حــاالت أخــرى مــن العصــور الذهبيــة‬ ‫فتــرة حكــم الرئيــس "بومديــن" ارتقــى فيهــا التنســيق بينهمــا لدرجــة كبيــرة خاصــة مــا تعلــق بالقضيــة الفلســطينية‪ ،‬ثــم حــاالت‬ ‫أخــرى مــن التأرجــح فتــرة حكــم الرئيــس "الشــاذلي بــن جديــد" الــذى لــم يعــط أهميــة كبيــرة للعالقــات العربيــة‪ ،‬ثــم شــهدت‬ ‫تناقــض يف املواقــف فتــرة تســعينيات القــرن املاضــي والتــي جتلــت يف املوقــف اجلزائــري املؤيــد لصــدام حســن عــام ‪1990‬م‪،‬‬ ‫ورفــض التدخــل اخلارجــي يف حــل األزمــة مــع أنهــا لــم تؤيــد العــراق يف حربــه ضــد إيــران‪ ،‬علــى عكــس املوقــف اخلليجــي‪،‬‬ ‫وإذا كان األمــر كذلــك علــى املســتوى السياســي فــإن املســتوى االقتصــادي ارتبــط مبســتوى التطــور يف العالقــات السياســية‬ ‫فلــم تكــن حجــم االســتثمارات اخلليجيــة مبســتوى كبيــر ولــم تخــرج عــن إطــار املشــروعات املشــتركة‪ ،‬ولكــن يف الوقــت نفســه‬ ‫يرتبــط الطرفــان بعالقــات ثقافيــة متقدمــة مــن حيــث كــون الســعودية حتتضــن املقدســات اإلســالمية ومتثــل قبلــة املســلمن‬ ‫يف العالــم‪ ،‬فــكان هنــاك تنســيق يف مجــال توحيــد اخلطــاب الدينــي ومحاربــة الفكــر املتشــدد حيــث عانــى الطرفــان ويــالت‬ ‫التطــرف الدينــي يف هــذه املرحلــة‪.‬‬

‫د‪ .‬مصطفى عبد الرحمن‬

‫المحددات الداخلية للعالقات الخليجية ‪ -‬الجزائرية‬ ‫الشــك أن احملــددات الداخليــة تعلــب دو ًرا بــارزًا يف توجيــه‬ ‫دفــة السياســة اخلارجيــة كمــا أن لهــا القــدرة علــى تدعيــم وزنهــا‬ ‫يف احمليــط اإلقليمــي والدولــي‪ ،‬فــدول اخلليــج العربــي تتمتــع مبوقــع‬ ‫جيواســتراتيجي ميثــل قلــب العالــم‪ ،‬ويتوســط قــارات العالــم الثــالث‬ ‫آســيا وأوروبــا وإفريقيــا ويشــرف علــى بحــار ومحيطــات وممــرات‬ ‫بحريــة ذات أهميــة كبيــرة يف التجــارة الدوليــة وبخاصــة الطاقــة‬ ‫وزاد مــن أهميتهــا االقتصاديــة االكتشــافات البتروليــة التــي أظهــرت‬ ‫وجــود احتياطــات ضخمــة مــن البتــرول والغــاز الطبيعــي يف أراضيهــا‬ ‫حيــث متتلــك الســعودية وحدهــا‪ %25‬مــن االحتياطــي العاملــي مــن‬ ‫البتــرول ومتتلــك حوالــى ‪ 8588‬مليــار متــر مكعــب مــن احتياطــي الغاز‬ ‫الطبيعــي‪ ،‬ويصــل معــدل اإلنتــاج اليومــي لــدول املجلــس مــن النفــط‬ ‫حوالــى ‪ 17.878.8‬مليــون برميــل يوم ًيــا‪ ،‬ومتتلــك دول مجلــس‬

‫التعــاون ‪ %22‬مــن إجمالــي االحتياطــات العامليــة مــن الغــاز الطبيعــي‬ ‫وتنتــج نحــو ‪ %11‬مــن إجمالــي اإلنتــاج العاملــي حيــث يقــدر اإلنتــاج‬ ‫اليومــي لــدول مجلــس التعــاون مــن الغــاز الطبيعــي نحــو ‪408.845‬‬ ‫مليــون متــر مكعــب ســنو ًيا عــام ‪2015‬م‪ ،‬ويبلــغ االحتياطــي ‪41.785‬‬ ‫مليــار متــر مكعــب عــام ‪2015‬م‪ ،‬كمــا أن عــدد الســكان وتركيبهــم‬ ‫يعــد مــن عناصــر القــوة الشــاملة للدولــة ويبلــغ عــدد ســكان دول‬ ‫اخلليــج العربيــة حوالــى ‪ 51‬مليــون نســمة وف ًقــا لتقديــرات عــام‬ ‫‪2016‬م‪ ،‬متثــل الســعودية النصيــب األكبــر بتعــداد ســكاني يصــل إلــى‬ ‫مــا يزيــد عــن ‪ 30‬مليــون نســمة مبســاحة جغرافيــة تقــدر بحوالــي‬ ‫‪ 2.225‬مليــون م‪ ،2‬مييــل التركيــب النوعــي للســكان لصالــح الذكــور‬ ‫عــن اإلنــاث والشــباب عــن كبــار الســن حيــث تصــل نســبة مــا هــم يف‬ ‫ســن اجلامعــة إلــى ‪ %39.1‬مــن حجــم الســكان‪ ،‬وارتفــع معــدل القــراءة‬ ‫والكتابــة للبالغــن مــن اجلنســن الــى ‪ %97.8‬عــام ‪2016‬م‪ ،‬كمــا ترتفع‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪51‬‬

‫ملف العدد‬

‫سعر النفط حول ‪ 55‬دوال ًرا حال ًيا ومن المتوقع صعوده قبل نهاية العام‬ ‫إىل ‪ ٦0‬دوال ًرا مــع ثبــات األســعار عنــد هــذا الحــد الــذي يعتبــر ســع ًرا عــاد ًال‬ ‫تـوصـيـــف لـمـوقـف أسـعـار الـنـفـط حـالــ ًيا وانـعـكـاسـهـا عـلـى‬ ‫االقتص ــاد العالم ــي‪:‬‬ ‫عقـب دخـول العالـم يف الصراعـات املشـار إليهـا‪ ،‬بـدأت الـدول‬ ‫الكبـرى يف اسـتخدام كل األسـاليب غيـر العسـكرية مثـل األدوات‬ ‫االقتصاديـة (ميـزان التبـادل التجـاري) والتكنولوجيـة (النفـط‬ ‫الصخـري) ملواجهـة مـد أسـعار الطاقـة الـذي وصـل إلـى ذروتـه يف‬ ‫الربع الثالث لعام ‪ 2008‬م‪ ،‬حيث بلغ سـعر برميل النفط ‪ 140‬دوالر‪،‬‬ ‫وانهـار بعدهـا مـع تداعيـات األزمـة االقتصاديـة ليصـل إلـى مـا دون‬ ‫‪ 45‬دوالر يف بداية ‪2009‬م‪ ،‬إال أن أسعار النفط عاودت االرتفاع مرة‬ ‫أخـرى لتتخطـى حاجـز ‪ 100‬دوالر بنهايـة ‪2011‬م‪ ،‬وتسـتمر األسـعار‬ ‫يف التذبـذب حـول هـذا السـعر حتـى الربـع الثانـي مـن ‪2014‬م‪ ،‬ليبـدأ‬ ‫بعدهـا مسلسـل االنهيـار التـام وتتدنـى أسـعار النفـط إلى مـا دون ‪25‬‬ ‫دوالريف الربع األول من ‪2016‬م‪ ،‬وتعد تكلفة اإلنتاج من أهم العوامل‬ ‫التـي حتـدد القـاع الـذي ميكـن أن تصل إليه أسـعار النفـط يف العالم‪،‬‬ ‫حيـث ال ميكـن لألسـعار أن تبقـى أقل من هـذه التكلفة لفترات طويلة‬ ‫نظـ ًرا للتبعـات التـي سـتطرأ علـى هـذه الصناعـة وخـروج العديـد مـن‬ ‫منتجـي النفـط مرتفـع الكلفـة مـن احللبـة‪ .‬تتأرجـح تكلفـة اسـتخراج‬ ‫النفـط يف العالـم (تكاليـف اسـتثمارية ‪ +‬تكلفـة تشـغيل) طب ًقا لطبيعة‬ ‫ونـوع النفـط‪ ،‬عل ًمـا بـأن التكاليـف تختلـف مـن حقـل آلخـر‪ ،‬حيـث أن‬

‫تكاليـف احلقـول البريـة الضخمـة مثـل حقل "الغوار" يف السـعودية أو‬ ‫حقـل "برقـان" يف الكويـت تقـل بكثيـر يف حـن تكـون تكلفـة اإلنتـاج يف‬ ‫احلقـول البحريـة بامليـاه الضحلـة أكثـر‪ ،‬أمـا تكاليف احلقـول يف املياه‬ ‫العميقـة كمـا هـو احلـال يف خليـج املكسـيك واحلقـول يف البرازيـل‬ ‫وغـرب إفريقيـا ووسـط البحـر املتوسـط فهـي مرتفعـة جـدًا‪.‬‬ ‫تشـير التقاريـر إلـى أن األسـعار السـابقة للنفـط كانـت أعلـى مـن‬ ‫تكاليـف اإلنتـاج التشـغيلية ولكنهـا وصلـت مرحلـة حرجـة عندمـا تتـم‬ ‫املقارنـة بالتكاليـف اإلجماليـة شـاملة التكاليف الرأسـمالية وهو األمر‬ ‫الـذي أدى إلـى قيـام العديـد مـن الشـركات العامليـة بتخفيـض إنفاقهـا‬ ‫الرأسـمالي بنسـبة ‪ %25‬خـالل عامـي ‪ 2015‬و ‪2016‬م‪ ،‬وذلـك عبـر‬ ‫تخفيـض ميزانيـات احلفـر والتنقيـب وإيقـاف بعـض املشـاريع التـي‬ ‫أصبحـت غيـر مجديـة وهـو ما سـيؤدي يف نهاية املطـاف إلى انخفاض‬ ‫اإلنتـاج العاملـي‪ ،‬ومـن ثـم التخلـص مـن تخمـة املعـروض احلاليـة‪ .‬يؤدي‬ ‫هـذا بالطبـع إلـى اسـتقرار األسـواق وارتفـاع أسـعار النفـط تدريج ًيـا‬ ‫طب ًقـا ملـا رأينـاه يف الشـهرين األخيريـن ليـدور حـول ‪ 55‬دوال ًرا حال ًيـا‪،‬‬ ‫ومـن املتوقـع صعـوده قبـل نهايـة العـام إلـى ‪ 60‬دوال ًرا مع ثبات األسـعار‬ ‫عنـد هـذا احلـد الـذي يعتبـر سـع ًرا عـادالً لبرميـل النفـط‪.‬‬ ‫* وزير البرتول السابق ـ جمهورية مرص العربية‬

‫‪50‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تـحـلـيـ ــل وتـقـ ــييم مـسـتـويـ ــات األسـعـ ــار م ــن خـ ــالل ثـالثـ ــة مـشـاهـ ــد‬

‫أســـعار النفـــط ‪ ..‬والخلفيـــات السياســـية‬ ‫وهيمن ــة الق ــوى الكب ــرى‬ ‫شــهدت أســواق البتــرول العامليــة تقلبــات حــادة خــالل العامــن األخيريــن‪ ،‬معظمهــا نشــأ مــن خلفيــات سياســية احتــدم فيهــا‬ ‫صــراع القــوى الكبــري إلحــكام الســيطرة علــى منابــع الطاقــة يف العالــم‪ ،‬وخاصــة الــدول التــي تلعــب أو ترغــب يف لعــب أدور‬ ‫قياديــة يف منطقتهــا أو علــى املســتوى العاملــي‪ ،‬حيــث تعتبــر الطاقــة بكافــة صورهــا وأشــكالها (بتــرول خــام ‪ -‬غــاز ‪ -‬مشــتقات‬ ‫بتروليــة ‪ -‬كهربــاء) هــي احملــور األساســي للتنميــة االقتصاديــة واملجتمعيــة ومحاربــة البطالــة‪ ،‬وتشــير التقاريــر الصــادرة عــن‬ ‫البنــك الدولــي إلــى ارتبــاط وثيــق بــن أســعار النفــط ومتوســط النــاجت القومــي ومعــدالت البطالــة‪ ،‬حيــث مت تقســيم دول‬ ‫العالــم إلــى ثــالث فئــات‪:‬‬

‫د‪ .‬مصطفى كمال‬

‫ الفئ ــة األول ــى‪ :‬وه ــي تل ــك الب ــالد الت ــي تتن ــوع مص ــادر دخله ــا‬‫وإيراداتهــا وتهتــم يف الـمـقـــام األول بتـعـظـــيم القيمــة الـمـــضافة‬ ‫م ــن مـواردهـ ــا الـمـتـ ــاحة س ــواء كـ ــانت طـ ــبيعية أو مـ ــادية أو‬ ‫بشــرية وتلعــب دو ًرا محـــور ًيا علــى الـمـســـتوى العاملــي بامتالكهــا‬ ‫للتـكـ ــنولوجيا‪ ،‬وتهت ــم بـتـ ــأمن احـ ــتياجاتها م ــن الـطـاقـ ــة (دول‬ ‫الـعـالـ ــم األول)‪.‬‬ ‫ الفئــة الثانيــة‪ :‬وهــي البــالد التــي حتــاول النهــوض مــن خــالل‬‫اســتغالل مــا لديهــا مــن طاقــات محــدودة (طبيعيــة أو بشــرية) يف‬ ‫توفيــر حيــاة كرميــة ملواطنيهــا اعتمــا ًدا علــى عناصــر التقــدم غيــر‬ ‫املتوفــرة لديهــا ولكــن تعمــل علــى اجتذابهــا مــن خــالل اإلرســاليات‬ ‫التعليميــة ألبنائهــا باخلــارج (جتربــة الهنــد ‪ -‬أقــوى ســابع اقتصــاد‬ ‫علــى مســتوى العالــم ‪2015‬م) أو اســتقدام أصحــاب التكنولوجيــا‬ ‫لالســتثمار بحزمــة مــن احلوافــز والضمانــات (جتربــة الصــن ‪ -‬ثانــي‬ ‫أكبــر اقتصــاد علــى مســتوى العالــم ‪2015‬م)‪.‬‬ ‫ الفئــة الثالثــة‪ :‬وهــي البــالد التــي متتلــك ثــروات طبيعيــة وبشــرية‬‫وتعتمــد علــى مــوارد ريعيــة غيــر تكنولوجيــة (تصديــر خــام البتــرول‬ ‫أو الثــروات املعدنيــة ‪ -‬الســياحة ‪ -‬املمــرات املالحيــة) وال تعمــل‬ ‫علــى اســتقدام التكنولوجيــا بقــدر اهتمامهــا باالســتثمار‪ ،‬ومــن ثــم‬ ‫أصبحــت مطم ًعــا أو صيــدًا ســهال للفئتــن الســابقتن برغــم مــن‬ ‫تخطــي نصيــب الفــرد مــن النــاجت القومــي يف بعــض هــذه البــالد‬ ‫ألقرانهــم يف الفئتــن األولــى والثانيــة‪.‬‬

‫ممــا تقــدم يســهل اآلن حتليــل وتقييــم مســتويات األســعار التــي‬ ‫شــهدها العالــم يف العامــن األخيريــن‪ ،‬ومــدى تأثيــره علــى مناطــق‬ ‫الصــراع يف العالــم مــن خــالل ثالثــة مشــاهد محــددة‪:‬‬ ‫ أزمـــة القـــرم ورد الغـــرب عليهـــا بإضعـــاف االقتصـــاد الروســـي‬‫بخف ــض أس ــعار البت ــرول‪ ،‬وه ــو ميث ــل م ــن ‪ %50-40‬م ــن إجمال ــي‬ ‫الن ــاجت القوم ــي‪ ،‬وكي ــف انعك ــس ذل ــك عل ــى خف ــض قيم ــة الروب ــل‬ ‫ليصـــل ســـعر حتويـــل الـــدوالر ألكثـــر مـــن ‪ 80‬روبـــل خـــالل الربـــع‬ ‫األول مـــن ‪2016‬م‪.‬‬ ‫ اسـتـسـ ــالم إيـ ــران للـضـغـ ــط األمـريـكـ ــي وتـوقـيـ ــع اتـفـاقـيـ ــة‬‫االنـتـشـــار الـنـــووي وفـقــ ًـا لـضـوابـــط ومـعـــايير مـحـــددة مـقـــابل‬ ‫رفــع الـعـقـــوبات االقـتـصـــادية الـمـفروضـــة عليهــا‪ ،‬بعــد انخـــفاض‬ ‫عـــائدات الـنـفـــط ومـشـتـقـــاته‪ ،‬وهــي تـمـثـــل أكـثـــر مــن ‪ %80‬مــن‬ ‫إجمال ــي الص ــادرات‪.‬‬ ‫ معاقبــة الــدول اخلليجيــة املؤيــدة ملصــر بعــد ثــورة ‪ 30‬يونيــو والتــي‬‫ميث ــل النف ــط أكث ــر م ــن ‪ %80‬م ــن عائ ــدات الدخ ــل به ــا‪ ،‬ب ــل وتألي ــب‬ ‫احلــروب الطائفيــة مــن حولهــا كمــا نــرى يف ســوريا واليمــن والعــراق‬ ‫وليبي ــا‪ ،‬مم ــا كان ل ــه أث ــر س ــلبي عل ــى مجموع ــة ال ــدول اخلليجي ــة‬ ‫بتأجيـــل بعـــض املشـــروعات التنمويـــة بهـــا وظهـــر أثـــره اإليجابـــي‬ ‫بتفه ــم اململك ــة العربي ــة الس ــعودية ألبع ــاد املخط ــط وإصراره ــا عل ــى‬ ‫اس ــتمرار اإلنت ــاج ب ــدون تخفي ــض ووض ــع سياس ــة جدي ــدة للمملك ــة‬ ‫حت ــى ‪ 2030‬ال تعتم ــد عل ــى النف ــط كأكب ــر مص ــدر للدخ ــل‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫وتنطلــق الرؤيــة اجلزائريــة مــن أنــه مــع حالــة االنهيــار يف اإلقليــم‬ ‫العربــي فعلــى الــدول التــي ســلمت منــه يف اجلانــب اإلفريقــي كمصــر‬ ‫واجلزائــر بــأن تتعــاون مــع غيرهــا خاصــة الســعودية يف اســتعادة‬ ‫األمــن واالســتقرار‪ ،‬مــن أجــل وقــف االنهيــار يف البنيــة التحتيــة ويف‬ ‫اخلســائر البشــرية واملاديــة والعســكرية والتــي ســتؤثر بــدون شــك يف‬ ‫تقويــة أعــداء األمــة العربيــة وتعزيــز قــدرة إيــران وتركيــا وإســرائيل‬ ‫علــى التدخــل يف الشــؤون الداخليــة للــدول املعنيــة‪.‬‬ ‫ومــن ثــم فــك ً‬ ‫ال مــن اجلزائــر والســعودية متثــالن عم ًقــا‬ ‫اســتراتيج ًيا ها ًمــا يف تعزيــز القــدرات االقتصاديــة واألمنيــة ويف‬ ‫مواجهــة التطــرف واإلرهــاب‪ ،‬والعمــل علــى صياغــة دور لتشــكيل‬ ‫رؤيــة عربيــة وطنيــة ملســتقبل الــدول العربيــة‪،‬‬ ‫بــدالً مــن إتاحــة الفرصــة لــدول خارجيــة لفــرض‬ ‫مشــروعات تآمريــة وتفتيتيــة لــدول املنطقــة‪ ،‬والعمل‬ ‫علــى حمايــة مقــدرات وثــروات األمــة العربيــة‪.‬‬

‫فرص التعاون االقتصادي‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪49‬‬

‫ملف العدد‬

‫الداخليــة‪ ،‬واالجتــاه إلــى تنويــع مصــادر االقتصــاد الوطنــي ال ســيما‬ ‫بعــد انهيــار أســعار النفــط العامليــة‪ ،‬واالجتــاه إلــى توطــن اقتصــاد‬ ‫املعرفــة‪ ،‬وهــي خطــوة بــدأت بهــا الســعودية حتــت خطــة تنفيــذ رؤيــة‬ ‫‪ ،2030‬وهــو األمــر الــذي حتتــاج إليــه اجلزائــر مــن خــالل اعتمــاد‬ ‫خطــة وطنيــة للتحــول الرقمــي‪ ،‬باإلضافــة الــى أهميــة تعزيــز التعــاون‬ ‫يف مجــاالت الســياحة واملســتحضرات الصيدالنيــة واملنتجــات‬ ‫الغذائيــة واإلســمنت والكهربــاء وغيرهــا‪.‬‬ ‫لذلــك يجــب تنشــيط مجلــس األعمــال الســعودي اجلزائــري‬ ‫لتشــجيع حركــة االســتثمار والتعــاون بــن رجــال األعمــال الســعودين‬ ‫واجلزائريــن إلقامــة مشــروعات تنمويــة تخــدم اقتصاديــات البلديــن‪،‬‬ ‫ودعــم الصداقــة القائمــة بــن القيادتــن والشــعبن‪.‬‬ ‫وبخاصــة أن اجلزائــر بهــا ســوق ديناميكــي مــن ‪40‬‬ ‫مليــون مســتهلك‪ ،‬إلــى جانــب البنيــة التحتيــة احلديثــة‬ ‫التــي تعتبــر وجهــة جذابــة للمســتثمرين األجانــب‪.‬‬ ‫والعمــل علــى إعــادة إطــالق الشــركة الســعودية للنقــل‬ ‫البحــري اجلزائــري‪ ،‬وإنشــاء بنــك ســعودي جزائــري‬ ‫لتمويــل املشــاريع االســتثمارية الداخليــة‪.‬‬ ‫وتتبنـــى احلكومـــة اجلزائريـــة سلســـلة مـــن‬ ‫اإلجــراءات واإلصالحــات لتحســن النظــام االقتصادي‪،‬‬ ‫مب ــا يف ذل ــك قان ــون االس ــتثمار اجلدي ــد ال ــذي يحت ــوي‬ ‫عل ــى ع ــدد م ــن الضمان ــات واحلواف ــز املنص ــوص عليه ــا يف الدس ــتور‪،‬‬ ‫وحري ــة اللج ــوء إل ــى التحكي ــم الدول ــي‪.‬‬

‫الجزائر لديها حساسية‬ ‫تـجـــاه االنـخـــراط فـي‬ ‫حروب ضد دول إقليمية‬ ‫تحــــس ًبا النعكاســـات‬ ‫عــى الداخــل الجزائــري‬

‫تـحــتل كــل مـن الـجـزائــر والـسـعـوديــة أهـمــية‬ ‫اسـتراتيجية كبـرى يف مجـال النفـط والغـاز وداخـل‬ ‫منظمـة أوبـك‪ ،‬وباجلزائـر فـرص اسـتثمارية مهمـة‬ ‫للسـعودية خاصـة مـع توجـه اجلزائـر إلـى إحـداث‬ ‫تعديـالت يف قوانـن االسـتثمار األجنبـي علـى النحـو الـذي سـينعكس‬ ‫علـى حجـم االقتصـاد ومكافحـة البطالة وتعزيز النمـو االقتصادي‪ ،‬يف‬ ‫الوقت الذي متلك فيه السعودية استثمارات تزيد قيمتها على ‪ 10‬بليون‬ ‫دوالر يف اجلزائـر‪ ،‬ومـن ثـم ميكـن البنـاء علـى هذه األرضية املشـتركة‪.‬‬ ‫وتعــد اجلزائــر بوابــة القتحــام أســواق أوروبــا وإفريقيــا أمــام‬ ‫الســعودية‪ ،‬إضافــة إلــى الســوق اجلزائــري الواســع مــع توفــر العمالــة‬ ‫الرخيصــة التــي تســاهم يف إقامــة مشــروعات مشــتركة‪ ،‬كمــا تتشــابه‬ ‫كل مــن اجلزائــر والســعودية يف هيــكل االقتصــاد املبنــي علــى‬ ‫عائــدات الطاقــة‪ ،‬حيــث متثــل مــوارد اجلزائــر مــن الطاقــة حوالــي‬ ‫‪ %30‬مــن النــاجت احمللــي اإلجمالــي‪ ،‬و‪ %60‬مــن إيــرادات املوازنــة‪ ،‬ومــا‬ ‫يقــرب مــن ‪ %95‬مــن عائــدات التصديــر‪ .‬وحتتــل اجلزائــر املرتبــة‬ ‫العاشــرة بــن أكبــر احتياطــي للغــاز الطبيعــي يف العالــم وهــي ســادس‬ ‫أكبــر مصــدر للغــاز‪ ،‬وحتتــل املرتبــة ‪ 16‬يف احتياطــي النفــط‪ ،‬ولــدى‬ ‫الســعودية اقتصــاد قائــم علــى النفــط‪ ،‬ومتتلــك حوالــي ‪ %16‬مــن‬ ‫احتياطيــات النفــط العامليــة املثبتــة‪ ،‬وأكبــر مصــدر للنفــط‪ ،‬وتلعــب‬ ‫دو ًرا رائ ـدًا يف منظمــة أوبــك‪ ،‬وميثــل قطــاع البتــرول مــا يقــرب مــن‬ ‫‪ % 87‬مــن إيــرادات امليزانيــة‪ ،‬و‪ % 42‬مــن النــاجت احمللــي اإلجمالــي‪،‬‬ ‫و‪ % 90‬مــن عائــدات التصديــر‪.‬‬ ‫وعلــى الرغــم مــن النمــط االقتصــادي للدولتــن فــإن هناك فرص‬ ‫لتعزيــز التعــاون املشــترك‪ ،‬يف ظــل املتغيــرات الدوليــة والتحديــات‬

‫جسر دبلوماسي‬ ‫ميكــن حلكومــات دول مجلــس التعــاون اخلليجــي أن ستكشــف‬ ‫إمكانــات اجلزائــر يف العمــل كوســيط إقليمــي مبــا لديهــا مــن خبــرات‬ ‫متراكمــة يف العديــد مــن الوســاطات‪ ،‬ولكــون اجلزائــر عضــ ًوا يف‬ ‫جامعــة الــدول العربيــة وتتمتــع بعالقــات جيــدة مــع دول اجلــوار‬ ‫باالضافــة إلــى عــدم تدخلهــا يف الصراعــات العربيــة‪ ،‬مــا يشــكل‬ ‫أرضيــة الســتخدام "حيــاد" اجلزائــر للتخفيــف مــن حــدة التوتــر‬ ‫والتنافــس اجلغــرايف اإلقليمــي واملســاهمة يف حــوار إقليمــي يهــدف‬ ‫إلــى تهدئــة التوتــرات وإيجــاد حلــول لألزمــات اإلقليميــة‪.‬‬ ‫وميكـــن للـــدول العربيـــة واإلقليميـــة االســـتفادة مـــن اجلزائـــر‬ ‫كجســر دبلوماســي مقبــول بــن كافــة األطــراف العربيــة واإلقليميــة‪،‬‬ ‫وكذل ــك كس ــر ب ــرواز م ــا يعتب ــره البع ــض بـ"الدبلوماس ــية الصامت ــة "‬ ‫م ــا يفت ــح الب ــاب إل ــى آف ــاق جدي ــدة للعالق ــات الثنائي ــة واإلقليمي ــة‬ ‫ســـواء عبـــر مجلـــس التعـــاون اخلليجـــي أو إعـــادة تنشـــيط احتـــاد‬ ‫املغ ــرب العرب ــي‪.‬‬ ‫* خبري بوحدة العالقات الدولية ‪ -‬مركز األهرام للدراسات السياسية واالسرتاتيجية‬

‫‪48‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫إفريقيــا‪ ،‬وأكبــر منتــج ومصــدر للغــاز الطبيعــي يف القــارة‪ ،‬لذلــك‬ ‫نهجــا‬ ‫تشــعر اجلزائــر باالســتقاللية االقتصاديــة‪ ،‬ومــن ثــم انتهجــت ً‬ ‫مســتقال بعــض الشــيء يف التعامــل مــع القضايــا اإلقليميــة‪ ،‬وهــو‬ ‫األمــر الــذي مت يف حالــة "ليبيــا القــذايف"‪ ،‬ورفضــت أن حتــذو حــذو‬ ‫الــدول العربيــة وحافظــت علــى عالقــات مــع طهــران علــى الرغــم مــن‬ ‫بعــض التوتــر‪ ،‬وأدت هــذه الديناميكيــة نفســها يف بعــض األحيــان إلــى‬ ‫درجــة مــن التوتــر بــن اجلزائــر والــدول العربيــة الســنية‪.‬‬

‫نقاط الجذب االستراتيجي‬ ‫علــى الرغــم مــن وجــود تلــك امللفــات التــي تشــهد اختــالف يف‬ ‫وجهــات النظــر بــن اجلانبــن إال أن هنــاك مراجعــة لوجهــة اخلليجية‬ ‫جتــاه معاجلــة بعــض تلــك امللفــات علــى النحــو الــذي تقتــرب مــن‬ ‫وجهــة النظــر اجلزائريــة والعكــس ً‬ ‫أيضــا حيــث تراجــع اجلزائــر‬ ‫وجهــة نظرهــا‪ ،‬وهــذه املراجعــة احملســوبة متثــل أرضيــة هامــة‬ ‫إلحــداث نقلــة يف العالقــات االســتراتيجية بــن اجلانبــن خاصــة بــن‬ ‫اململكــة العربيــة الســعودية واجلزائر‪.‬وجــاءت التوجهــات اجلديــدة‬ ‫يف الســعودية يف عهــد خــادم احلرمــن الشــريفن امللــك ســلمان‬ ‫وولــي العهــد ســمو األميــر محمــد بــن ســلمان ضمــن رســم خطــط‬ ‫اململكــة املســتقبلية يف رؤيــة ‪ ،2030‬لتؤكــد علــى توســيع قاعــدة‬ ‫التعامــل اإلقليمــي والدولــي وتنويــع الشــراكات وفــق مــا كشــفت عنــه‬ ‫الرؤيــة االســتراتيجية للمملكــة مــن انفتــاح داخلــي و خارجــي وتعزيــز‬ ‫الشــركات االســتراتيجية مــع دول اجلــوار العربــي‪ ،‬كمــا تفاعــل موقــف‬ ‫اململكــة العربيــة الســعودية مــع تطــورات القضيــة الســورية بالتأكيــد‬ ‫علــى احلــل واســتضافت اجتماعــات املعارضــة الســورية يف الريــاض‬ ‫لتقــدمي احللــول السياســية‪ ،‬ومــن جهــة أخرى تنهج الســعودية سياســة‬ ‫إيجابيــة جتــاه العــراق‪ ،‬بغيــة العمــل علــى جذبــه إلــى محيطــه العربــي‬ ‫وســد الطريــق أمــام توغــل النفــوذ اإليرانــي بــه‪ ،‬وكذلــك اهتمــام‬ ‫الســعودية باحلــل السياســي لألزمــة اليمنيــة‪ ،‬ويف املقابــل انزعجــت‬ ‫اجلزائــر مــن خطــة إيــران لنشــر التشــيع يف املغــرب العربــي خاصــة‬ ‫يف اجلزائــر ‪ ،‬وهــو األمــر الــذي لقــي رد فعــل حكومــي جزائــري قــوي‪،‬‬ ‫وعبــرت اجلزائــر كذلــك عــن اســتيائها مــن الــدور القطــري يف دعــم‬ ‫املليشــيات املســلحة يف ليبيــا علــى النحــو الــذي يؤثــر علــى احلــل‬ ‫السياســي لألزمــة ويزيــد مــن التهديــدات األمنيــة لألمــن القومــي‬ ‫اجلزائــري‪ ،‬وانتقــدت اجلزائــر اإلعــالم القطــري واتهمتــه مبحاولــة‬ ‫بــث الشــائعات واملعلومــات املضللــة عــن عالقتهــا اخلارجيــة مــع‬ ‫الســعودية واإلمــارات‪ ،‬وتراقــب اجلزائــر بقلــق تصاعــد الــدور التركــي‬ ‫يف ســوريا والعــراق وليبيــا‪ ،‬كل ذلــك ميثــل نقــاط التقــاء بــن اجلزائــر‬ ‫واململكــة العربيــة الســعودية‪.‬‬ ‫وعلــى الرغــم مــن ذلــك فــإن اجلزائــر حتتفــظ بعالقــات مــع‬ ‫قطــر وتركيــا وإيــران ‪،‬ورمبــا يشــكل ذلــك عنصــر قــوة يف ســبيل دعــم‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫االســتقرار‪ ،‬وفــرض شــروط علــى اســتمرار تلــك العالقــات وف ًقا لألمن‬ ‫القومــي العربــي ‪،‬كمــا متلــك اجلزائــر خبــرات هائلــة يف عمليــة تأمــن‬ ‫احلــدود ويف مكافحــة اإلرهــاب‪ ،‬ومتلــك اململكــة العربيــة الســعودية‬ ‫جتربــة داخليــة ناجحــة يف مكافحــة التطــرف والعنــف واملناصحــة ملنــع‬ ‫التطــرف الــذي يقــود لإلرهــاب‪ ،‬وهنــا ميكــن االســتفادة مــن خبــرات‬ ‫وإمكانيــات يف دعــم اســتقرار وأمــن املنطقــة‪ ،‬إضافــة إلــى ذلــك ميكــن‬ ‫أن تلعــب اجلزائــر دورا يف التوصــل إلــى تســوية ســلمية لألزمــة اليمنية‬ ‫مــع احتفاظهــا بعالقــات مــع كافــة أطــراف الصــراع‪ ،‬ولــدى اجلزائــر‬ ‫قــدرات عســكرية كبيــرة ميكــن أن تشــكل مدخــال للتعــاون العســكري‬ ‫بــن البلديــن‪ ،‬ويف تبــادل املعلومــات األمنيــة‪.‬‬ ‫ومــع ذلــك‪ ،‬تواجــه اجلزائــر تهديــدات إقليميــة أخــرى مثــل‬ ‫االضطرابــات يف ليبيــا ومالــي والنيجــر ويف منطقــة الســاحل‬ ‫والصحــراء والتــي تؤثــر ســل ًبا علــى اجلزائــر مسـ ً‬ ‫ـتقبال وعلــى مبــدأ‬ ‫التــداول الســلمي للســلطة‪ .‬علــى الرغــم مــن جناحهــا يف حتقيــق‬ ‫األمــن واالســتقرار إبــان فتــرة االضطرابــات يف اإلقليــم‪.‬‬ ‫أكــدت اجلزائــر أن موقفهــا جتــاه األزمــة اخلليجيــة واضــح‬ ‫بأنهــا تقــف علــى مســافة واحــدة بــن جميــع األطــراف وأن احلضــور‬ ‫اخلليجــي السياســي واالقتصــادي يف اجلزائــر قــوي‪ ،‬بفضــل‬ ‫العالقــات األخويــة التــي تربــط بــن القيــادة اجلزائريــة مــع قــادة دول‬ ‫اخلليــج العربــي"‪.‬‬ ‫وتوالــت الزيــارات املتبادلــة بــن املســؤولن مــن اجلزائــر واململكــة‬ ‫العربيــة الســعودية بغيــة تعزيــز التعــاون بــن املؤسســات املعنيــة ذات‬ ‫العمــل املتشــابه‪ ،‬خاصــة يف مجــال العمــل علــى تعزيــز اإلســالم النقــي‬ ‫ومواجهــة انحرافــات الفهــم اخلاطــئ والتأويــالت غيــر الدقيقــة‬ ‫للقــرآن الكــرمي والســنة النبويــة املطهــرة‪ ،‬وقــد تقــدم كال البلديــن يف‬ ‫إحــراز خطــوات ملموســة يف هــذا االجتــاه املتعلــق باجتثــاث منابــع‬ ‫فكــر التطــرف والتشــدد واإلرهــاب الــذي أصبــح اليــوم ظاهــرة عاملية‪،‬‬ ‫خاصــة أن اجلزائــر تبــدي للعــب دو ًرا ها ًمــا يف محاصــرة النشــاط‬ ‫اإليرانــي يف إفريقيــا ومحاولــة نشــر التشــيع داخــل التجمعــات‬ ‫اإلســالمية اإلفريقيــة‪ ،‬كمــا تعمــل الدولتــن علــى تعميــق التعــاون‬ ‫وتبــادل اخلبــرات‪ ،‬وتنســيق أداء مناســك احلــج خاصــة أن اجلزائــر‬ ‫تطالــب زيــادة حصتهــا إلــى ‪ 40‬ألــف حــاج ســنو ًيا‪. ،‬‬ ‫ويجــب أن تتضافــر اجلهــود العربيــة ملنــع إطالــة أمــد اخلالفــات‬ ‫حــول القضايــا الســاخنة يف الدائــرة العربيــة ومنــع اســتمرار حالــة‬ ‫االنهيــار يف اليمــن وســوريا ولبيبــا‪ ،‬خاصــة أن هــذه الظــروف متثــل‬ ‫بيئــة حاضنــة لنمــو اجلماعــات اإلرهابيــة وامتــداد نشــاطها إلــى‬ ‫الــدول املجــاورة‪ ،‬خاصــة أن اجلزائــر تعانــي مــن مجاورتهــا حلــدود‬ ‫مضطربــة ولــدول منهــارة‪ ،‬ومــن ثــم حتتــاج إلــى الدعــم يف تعزيــز‬ ‫دورهــا يف اســتعادة األمــن يف دول جوارهــا‪ ،‬وبخاصــة مــع الــدور‬ ‫الســلبي الــذي تلعبــه قطــر يف ليبيــا‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫اختــارت تأمــن حدودهــا اخلاصــة بينمــا عرضــت خدماتهــا كوســيط‬ ‫بــن الفصائــل املتحاربــة يف البلــد‪ .‬وخــالل مــا عــرف بـــ "الربيــع‬ ‫العربــي" عــام ‪2011‬م‪ ،‬عارضــت اجلزائــر تدخــل حلــف شــمال‬ ‫األطلســي ودول مــن مجلــس التعــاون اخلليجــي يف ليبيــا خــالل الثــورة‬ ‫املناهضــة للقــذايف‪ ،‬وســعت دون جــدوى إلــى قيــام االحتــاد اإلفريقــي‬ ‫بالتفــاوض علــى حــل دبلوماســي لألزمــة‪ .‬وعارضــت كذلــك غــزو‬ ‫صــدام للكويــت عــام ‪1990‬م‪ ،‬رغــم حتفظهــا بعــد مشــاركة الواليــات‬ ‫املتحــدة‪ ،‬ويرتكــز موقــف اجلزائــر مــن األزمــة اليمنيــة بــأن عمليــة‬ ‫اســتعادة االســتقرار واألمــن لــن تكــون ممكنــة إال مــن خــالل االلتــزام‬ ‫مبخرجــات احلــوار الوطنــي‪.‬‬

‫التفاعل السياسي واالرتباط الواقعي‬ ‫لقــي قــرار جامعــة الــدول العربيــة بتصنيــف حــزب اهلل منظمــة‬ ‫إرهابيــة‪ ،‬عــدم جتــاوب مــن اجلزائــر حيــث اعتبرتــه األخيــرة تدخـ ً‬ ‫ال‬ ‫يف الشــأن اللبنانــي مــن جهــة‪ ،‬كونــه يؤثــر علــى مقاومــة ضــد العــدوان‬ ‫اإلســرائيلي حســب الرؤيــة اجلزائريــة مــن جهــة أخــرى حيــث‬ ‫مــازال الشــعب اجلزائــري يســتحضر مشــهد حــرب االســتقالل عــن‬ ‫االســتعمار اجلزائــري‪.‬‬ ‫وتعــد قضيــة حــزب اهلل وحركــة حمــاس مــن امللفــات التــي‬ ‫تثيــر اجلــدل‪ ،‬فاجلزائــر التــي نالــت اســتقاللها بعــد مــا يزيــد عــن‬ ‫التضحيــة مبليــون شــهيد ضــد االحتــالل الفرنســي‪ ،‬تعتبــر املقاومــة‬ ‫ضــد االحتــالل األجنبــي حــق شــرعي وقانونــي مــا بقــي وجــوده‪ ،‬ومــن‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪47‬‬

‫ملف العدد‬

‫ثــم فــإن السياســة اخلارجيــة اجلزائريــة يف دعــم حــركات التحــرر‬ ‫الوطنــي ثابتــة يف العقيــدة الوطنيــة‪ ،‬ومــن هــذه الزاويــة ً‬ ‫أيضــا يأتــي‬ ‫دعمهــا كذلــك حلركــة البوليســاريو يف الصحــراء الغربيــة‪ ،‬بينمــا تــرى‬ ‫وجهــة النظــر الســعودية أن كال احلركتــن متورطتــان يف قضايــا‬ ‫إرهــاب ولهمــا عالقــات وثيقــة مــع إيــران ويهــددان األمــن والســلم‬ ‫‪ ،‬خاصــة أن إيــران تعمــل علــى هــز اســتقرار منطقــة اخلليــج‪ ،‬وعبــر‬ ‫تواجدهــا يف ســوريا واليمــن ومــا تقــوم بــه مــن اختراقــات وتغذيــة‬ ‫للطائفيــة يف املنطقــة‪ ،‬وإيــران تقــوم مبحــاوالت ملــد النفــوذ الشــيعي‬ ‫ودفــع املنطقــة إلــى عــدم االســتقرار يف اخلليــج العربــي خاصــة ويف‬ ‫املنطقــة العربيــة برمتهــا عامــة‪.‬‬ ‫ويرتكــز املوقــف اجلزائــري مــن ســوريا علــى أســاس أهميــة‬ ‫احلفــاظ علــى وحــدة الدولــة الســورية وأهميــة احلفــاظ علــى‬ ‫مقــدرات محــور املقاومــة واملمانعــة‪ ،‬ومــن ثــم احتفظــت اجلزائــر‬ ‫بعالقــات دبلوماســية مــع ســوريا‪ ،‬وعارضــت املطالــب برحيــل بشــار‬ ‫األســد كشــرط للتســوية السياســية‪ ،‬إضافــة إلــى تبايــن وجهــات‬ ‫النظــر حيــال قضيــة الصحــراء‪.‬‬ ‫علــى صعيــد ذي صلــة متلــك اجلزائــر عالقــات اســتراتيجية‬ ‫مــع طهــران وهــذه العالقــة الثنائيــة املتناميــة لهــا أبعــاد جيوسياســية‬ ‫وكذلــك اقتصاديــة‪ .‬ويف نهايــة املطــاف‪ ،‬فــإن اســتقالل اجلزائــر‬ ‫النســبي عــن املــدارات اجليوسياســية يف املنطقــة ينبــع إلــى حــد بعيــد‬ ‫مــن اإلرث التاريخــي وثــروة املــوارد الطبيعيــة‪ .‬وبصفتهــا عض ـ ًوا يف‬ ‫منظمــة أوبــك‪ ،‬وهــي ثالــث أكبــر منتــج ومصــدر للنفــط اخلــام يف‬

‫‪46‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مراجعـات محسـوبة مـن الجانبـن تهيـئ لنقلـة فـي العالقات االسـتراتيجية‬

‫الــعـالقـــات الــجـزائــريــــة ‪ -‬الــســعـوديـة‪:‬‬ ‫إعـادة اكـتشــاف الـفـرص والـمـنافـع‬ ‫ترتبــط دول املغــرب العربــي بعالقــات تاريخيــة متصلــة مــع دول اخلليــج العربيــة‪ ،‬بحكــم طبيعــة العالقــات التاريخيــة املمتــدة‬ ‫والتواصــل احلضــاري واإلنســاني والتــي تشــكلت عبــر وشــائج العروبــة واإلســالم‪ ،‬ويف القلــب مــن اجلناحــن الشــرقي‬ ‫والغربــي حتتــل الســعودية واجلزائــر مكانــة اســتراتيجية‪ ،‬وجتعلهمــا يف منصــة النطــالق رؤيــة مشــتركة‪ ،‬وذلــك مواكبــة‬ ‫للتغييــرات والتحــوالت التــي يشــهدها اإلقليــم والعالــم‪ ،‬إلــى جانــب رؤيــة القيــادة السياســية يف كال البلديــن حلجــم‬ ‫التحديــات التــي تواجــه املنطقــة علــى املســتوى األمنــي والسياســي واالقتصــادي‪ ،‬ويأتــي ذلــك يف ظــل التحــوالت اجلديــدة‬ ‫يف الســعودية التــي يقودهــا العاهــل الســعودي خــادم احلرمــن الشــريفن امللــك ســلمان بــن عبــد العزيــز وولــي العهــد ســمو‬ ‫األميــر محمــد بــن ســلمان‪ ،‬وحالــة املخــاض التــي تشــهدها اجلزائــر إلدارة عمليــة التحــول داخل ًيــا وخارج ًيــا لتلبيــة متطلبــات‬ ‫املرحلــة املســتقبلية‪ .‬وعلــى الرغــم مــن وجــود بعــض التبايــن يف وجهــات النظــر بــن البلديــن حيــال بعــض امللفــات القليلــة‬ ‫طب ًقــا لطبيعــة العالقــات الدوليــة‪ ،‬إال أن قيــادة البلديــن حرصتــا علــى تفهــم خصوصيــة مواقــف كل طــرف وعــدم التصعيــد‬ ‫علــى املســتوى الرســمي‪.‬‬

‫د‪ .‬عادل عبد الصادق‬

‫خصوصية االختالف حول التدخل العسكري‬ ‫رفضــت اجلزائــر االنخــراط يف "التحالــف العســكري اإلســالمي‬ ‫ملقاومــة اإلرهــاب الــذي كونتــه الريــاض منــذ ‪2015‬م‪ ،‬وكذلــك‬ ‫"عاصفــة احلــزم" ضــد جماعــة احلوثــي يف اليمــن‪ ،‬يف حــن شــاركت‬ ‫تونــس واملغــرب وليبيــا ومالــي وموريتانيــا‪ ،‬وعــدم مشــاركة اجلزائــر‬ ‫اســتندت إلــى التزامهــا بعــدم التدخــل يف الشــؤون الداخليــة للــدول‬ ‫األخــرى‪ ،‬وتــرى أن الدخــول يف حتالفــات عســكرية يعمــل علــى زيــادة‬ ‫االســتقطاب يف املنطقــة حســب وجهــة نظرهــا‪ ،‬وبــررت موقفها حيال‬ ‫عــدم انضمامهــا للتحالــف العربــي أو اإلســالمي وألســباب دســتورية‬ ‫يف ظــل متتــع اجليــش اجلزائــري بقــدرات كبيــرة ســواء علــى مســتوى‬ ‫عــدد اجلنــود أو التســليح أو اخلبــرة‪ ،‬وهــو الــذي خــاض حر ًبــا امتــدت‬ ‫لعقــد مــن الزمــن يف مكافحــة اإلرهــاب فيمــا أطلــق عليــة "العشــرية‬ ‫الســوداء"‪ ،‬فضــ ً‬ ‫ال عــن مواجهــة التنظيمــات اإلرهابيــة يف منطقــة‬ ‫الســاحل والصحــراء وامتدادهــا الداخلــي يف اجلزائــر‪ ،‬حيــث تشــكل‬ ‫احلــدود اجلزائريــة عب ًئــا أمن ًيــا كبيـ ًرا وبخاصــة مــع حالــة الفوضى يف‬ ‫ليبيــا‪ ،‬وعلــى الرغــم مــن الرفــض اجلزائــري يف االنخــراط عســكر ًيا‬ ‫إال أنهــا لــم تتوقــف عــن إدانــة العمليــات اإلرهابيــة التــي يقــوم بهــا‬

‫احلوثيــون ضــد الســعودية‪ ،‬وتســتند اجلزائــر علــى النــص الدســتورى‬ ‫بعــدم انخــراط جيشــها يف أي مهــام قتاليــة خــارج احلــدود‪ ،‬وهــذا‬ ‫املبــدأ لــم يتــم جتــاوزه إال يف عــام ‪ 1967‬و ‪1973‬م‪ ،‬يف احلــروب‬ ‫العربيــة اإلســرائيلية‪ ،‬مرتكــزًا علــى خبــرة التحــرر الوطنــي والتــي‬ ‫تشــكل عقيــدة اجليــش اجلزائــري‪.‬‬ ‫ويأتي ذلك إلى جانب تلك احلساسية التي توليها اجلزائر‬ ‫جتاه االنخراط يف حروب ضد دول إقليمية حتس ًبا ألن يكون لها‬ ‫انعكاسات على الداخل اجلزائري مبكوناته املعروفة‪ ،‬لذلك حتافظ‬ ‫على تبني سياسة خارجية مستقلة جتاه عالقاتها مع الدول األخرى‪.‬‬ ‫وتتخـوف اجلزائـر مـن نقـل الصـراع املذهبـي إليها‪ ،‬أو ما يسـمى‬ ‫بالصـراع السـني ‪ -‬الشـيعي خاصـة أن هنـاك بالفعـل توتـرات ذات‬ ‫أبعـاد اقتصاديـة بـن األباضيـة وهـي أحـد املذاهـب الشـيعية‪ ،‬وبـن‬ ‫السـنة مـن أتبـاع املذهـب املالكـي‪ .‬ناهيـك عـن التوتـر يف منطقـة‬ ‫القبائـل‪ ،‬ومـن ثـم تـرى اجلزائـر أن عمليـة االنخراط خارج ًيا سـتؤدي‬ ‫إلـى التأثيـر علـى االسـتقرار الداخلـي‪.‬‬ ‫يف عــام ‪2013‬م‪ ،‬تــرددت اجلزائــر يف تأييــد حملــة فرنســا‬ ‫العســكرية "عمليــة ســيرفال" يف شــمال مالــي‪ ،‬وبــدالً مــن ذلــك‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪ ٢-٣‬رفع القدرات التصديرية‬ ‫تعتبــر اجلزائــر مــن الــدول الرائــدة يف مجــال تصديــر الغــاز مبــا‬ ‫يزيــد عــن ‪ 54‬مليــار متــر مكعــب ســنو ًيا مقسـ ًما علــى النحــو التالــي‪:‬‬ ‫‪ 38.44‬مليــار متــر مكعــب علــى شــكل غــاز طبيعــي عبــر األنابيــب و‬ ‫‪ 15.53‬مليــار متــر مكعــب عبــر الناقــالت‪ ،‬يف مقابــل ذلــك تختفــى‬ ‫الســعودية مــن خريطــة تصديــر الغــاز وقــد يعــود ذلــك باألســاس‬ ‫إلــى اســتراتيجية اململكــة يف احملافظــة علــى هــذا املــورد الطبيعــي‬ ‫واســتغالله مبــا يكفــي االســتهالك الداخلــي‪ ،‬يف هــذا الصــدد يشــير‬ ‫التقريــر اإلحصائــي الصــادر عــن شــركة بيبــي ‪ BP‬يف يونيــو ‪2017‬م‪،‬‬ ‫إلــى أن الســعودية تنتــج حوالــي ‪ 109.4‬مليــار متــر مكعــب ســنو ًيا و‬ ‫هــو مــا يعــادل حجــم اســتهالكها الداخلــي بالضبــط‪.‬‬ ‫و علـى اعتبـار أن اجلزائـر تلبـي مـا نسـبته ‪ %10‬مـن احتياجـات‬ ‫الطلـب األوروبـي علـى هـذه املـادة احليويـة ومـن منطلـق أن السـوق‬ ‫األوروبيـة سـوق واعـدة بالنظـر إلـى احلركيـة االقتصاديـة التي متيزها‬ ‫خاصـة منطقـة اليـورو ميكـن للجزائـر أن ترفـع حصتهـا أو علـى األقل‬ ‫احملافظـة عليهـا يف ظـل املنافسـة القويـة مـن قبـل كل مـن الواليـات‬ ‫املتحـدة‪ ،‬روسـيا‪ ،‬وقطـر وعلـى اعتبـار أن أفضـل سـبيل لرفـع املبيعـات‬ ‫اخلارجيـة هـو بيـع الغـاز املميـع (املسـال) من منطلـق أن الغاز الطبيعي‬ ‫يحتـاج إلـى تأمـن البيـع يف األسـواق الدوليـة مـن خـالل عقـود طويلـة‬ ‫املـدى‪ ،‬يف هـذا الصـدد ميكـن للجزائـر االشـتراك مـع السـعودية يف‬ ‫مجـال نقـل هـذه السـلع االسـتراتيجية حيـث متلـك هـذه األخيـرة‬ ‫مختصـا يف نقـل سـوائل احملروقـات ميكـن له التسـيير‬ ‫أسـطوالً بحر ًيـا‬ ‫ً‬ ‫اجليـد والعقالنـي لإلمـدادات وحتـن فـرص البيـع األسـواق الفوريـة‪.‬‬ ‫‪ ٣-٣‬رفع سعر الغاز يف أسواق الطاقة‬ ‫مـن املتناقضـات يف أسـواق الطاقـة هـو االرتفـاع الدائـم لسـعر‬ ‫البتـرول باملقارنـة مـع سـعر الغـاز بينمـا غيـر املفهـوم متا ًمـا هـو أن‬ ‫سعر الغاز مربوط بسعر النفط أي ـن أي اجتاه تنازلي لسعر النفط‬ ‫يقـود إلـى حتميـة تخفيـض سـعر الغـاز‪ .‬يبرز اجلدول أسـفله الذي مت‬ ‫اقتباسـه من بيانات منشـورة بالنشـرة الشـهرية ألوبك هذه الوضعية‬ ‫خاصـة وأنـه يسـتخدم وحـدة قيـاس مشـترك لـكل مـن املادتـن‪.‬‬ ‫اجل ــدول رق ــم (‪ )٤‬تط ــورات األس ــعار الفوري ــة للغ ــاز الطبيع ــي و خ ــام‬ ‫غ ــرب تكس ــاس يف الس ــوق األمريك ــي خ ــالل س ــنة ‪٢٠1٧‬‬ ‫( دوالر لكل وحدة حرارية بريطانية)‬ ‫يناير مارس مايو يوليو سبتمبر نوفمبر‬ ‫االشهر‬ ‫الغاز الطبيعي ‪3.0 3.0 3.0 3.2 2.9 3.3‬‬ ‫خام غرب‬ ‫‪9.8 8.3 8.1 8.4 8.6 9.1‬‬ ‫تكساس‬ ‫املصــدر منظمــة االقطــار العربيــة املصدرة للبترول‪،‬النشــرة الشــهرية‪،‬‬ ‫العــدد‪ 1‬الســنة ‪ 33‬ينايــر ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪45‬‬

‫ملف العدد‬

‫إذا ســـلمنا أن منظمـــة أوبـــك التـــي تضـــم يف عضويتهـــا كال‬ ‫م ــن الس ــعودية و اجلزائ ــر تس ــاهم نس ــب ًيا يف احملافظ ــة عل ــى س ــعر‬ ‫البت ــرول م ــن خ ــالل آلي ــة تس ــقيف اإلنت ــاج‪ ،‬ميك ــن لهات ــن الدولت ــن‬ ‫أن جتتمع ــان يف تكت ــل آخ ــر يض ــم دول أخ ــرى‪ ،‬يك ــون هدف ــه إيج ــاد‬ ‫آليـــة تســـمح بتحريـــر ســـعر الغـــاز والعمـــل علـــى حمايتـــه مـــن‬ ‫االنخفـــاض وهـــو مـــا يســـمح بتالـــي للجزائـــر التـــي تصـــدر هـــذه‬ ‫امل ــادة م ــن تعوي ــض تراج ــع املداخي ــل البترولي ــة باملداخي ــل الغازي ــة‬ ‫ويفت ــح أف ــق إمكاني ــة ب ــدء التصدي ــر الفعل ــي له ــذا املنت ــج م ــن قب ــل‬ ‫الســـعودية وتســـتفيد الدولتـــان مـــن انســـياب مداخيـــل بالعملـــة‬ ‫الصعب ــة تس ــتخدم يف تغطي ــة العج ــز الداخل ــي واخلارج ــي وإيق ــاف‬ ‫اســـتنزاف احتياطـــات الصـــرف األجنبـــي‪.‬‬

‫الخاتمة‬ ‫مـ ــن خــ ــالل مــ ــا تــقـ ــدم يـمـكـنـنـ ــا الـقـ ــول أن الـسـعـوديـ ــة‬ ‫واجلزائ ــر ميك ــن لهم ــا إقام ــة ش ــراكة واع ــدة يف مج ــال الغ ــاز‬ ‫الطبيعـــي وبالتركيـــز علـــى تنميـــة قـــدرات التميعيـــة (املســـالة)‬ ‫والتصديريـــة وكـــذا إيجـــاد إطـــار دولـــي يبحـــث يف سياســـة‬ ‫جديـــدة لتســـعيره‪.‬‬ ‫‪ -1‬نتائج اختبار الفرضية‬ ‫يعتب ــر الغ ــاز الطبيع ــي بدي ــل طاق ــوي داخل ــي للبت ــرول‪ ،‬ذل ــك‬ ‫أن كل املادتـــن يعتبـــر أن مـــن احملروقـــات ومـــن مصـــادر الطاقـــة‬ ‫االحف ــوري‪ ،‬وإذا متي ــز األول بكون ــه ش ــكل م ــن أش ــكال الث ــروة ذل ــك‬ ‫أن عقــود النفــط تعتبــر مــن أهــم األصــول تتــداول يتميــز الغــاز بقلــة‬ ‫آث ــاره الس ــلبية عل ــى البيئ ــة وعلي ــه ميك ــن لعوائ ــد ه ــذا األخي ــر أن‬ ‫تك ــون بدي ـ ً‬ ‫ـال حقيق ًي ــا يع ــوض املداخي ــل البترولي ــة‪.‬‬ ‫‪- ٢‬مقترحات لدعم أهداف الدراسة‬ ‫● تكويــن فريــق عمــل تقنــي ومالــي لدراســة مشــروع الشــراكة وآليــات‬ ‫التمويــل واقتســام املداخيل‪.‬‬ ‫● إعطاء األولوية للمكاسب االقتصادية‪.‬‬ ‫● دراســة إمكانيــة توســيع مجــاالت التعــاون إلــى الــدول اخلليجيــة‬ ‫واملغاربيــة خاصــة مســألة مراجعــة ســعر الغــاز‪.‬‬ ‫● االنفتــاح علــى املقترحــات الــدول خاصــة تلــك التــي تتضمــن حلــول‬ ‫تكنولوجيــة وابتكاريــة‪.‬‬

‫* أســتاذ محــارض يف العلــوم االقتصاديــة بكليــة العلــوم االقتصاديــة‪ ،‬والعلــوم‬ ‫التجاريــة وعلــوم التســيري جامعــة ابــن خلــدون ـ الجزائــر‬

‫‪44‬‬

‫ملف العدد‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫يمكن للجزائر االسـتفادة من األسـطول البحري السـعودي يف نقل الغاز‬ ‫الطبيعـي المتـالك المملكة أسـطول مختـص يف نقل سـوائل المحروقات‬ ‫اجلدول رقم (‪ )1‬احتياطات وإنتاج الغاز الطبيعي يف اململكة‬ ‫العربية السعودية سنة ‪٢٠1٦‬‬ ‫احتياطات الغاز‬ ‫(ترليون متر مكعب)‬

‫اإلنتاج‬ ‫(مليار متر مربع)‬

‫السعودية‬

‫‪8.4‬‬

‫‪109.4‬‬

‫العالم‬

‫‪186.6‬‬

‫‪3551.6‬‬

‫املصدر‪ :‬من إعداد الباحث باالعتماد على‬ ‫‪BP Statistical Review of World Energy June 2017‬‬ ‫‪www.Bp.com/statisticalreview‬‬

‫‪ ٢-٢‬القدرات اجلزائرية يف مجال الغاز الطبيعي‬ ‫بلـغ احتياطـي الغـاز الطبيعـي اجلزائـري ‪ 4.5‬ترليـون متر مكعب‬ ‫سـنة ‪2016‬م‪ ،‬عل ًمـا أن هـذا االحتياطـي اسـتمر عنـد هـذا املسـتوى‬ ‫ملـدة أزيـد مـن ‪ 10‬سـنوات بالرغـم مـن اإلنتـاج املسـتمر مـا يـدل أن‬ ‫كل اسـتخدام يقابلـه اكتشـاف بنفـس القـدر تقري ًبـا‪ ،‬حيـث بلـغ عـدد‬ ‫االكتشـافات سـنة ‪2016‬م‪ 16 ،‬اكتشـافا بينمـا كانـت الـذروة سـنة‬ ‫‪ 2013‬م‪ ،‬عندمـا بلـغ عـدد االكتشـافات ‪ .20‬أمـا مـن حيـث االنتـاج‬ ‫فقـد قـدر ب ‪ 91.4‬مليـار متـر مكعـب سـنة ‪2016‬م‪ ،‬بزيـادة قدرهـا‬ ‫‪ 10‬مليـار متـر مكعـب باملقارنـة مـع سـنة ‪ 2011‬م‪ ،‬و‪2012‬م‪ ،‬عـن قـدر‬ ‫اإلنتـاج آنـذاك ب‪ 82.3‬و ‪ 81.5‬مليـار متـر مكعـب علـى التوالـي‪.‬‬ ‫اجل ــدول رق ــم (‪ )٢‬احتياط ــات و إنت ــاج الغ ــاز الطبيع ــي يف اجلزائ ــر‬ ‫س ــنة ‪٢٠1٦‬‬

‫اجلزائر‬ ‫العالم‬ ‫نفس املصدر‬

‫احتياطات الغاز‬ ‫(ترليون متر مربع)‬

‫اإلنتاج‬ ‫(مليار متر مربع)‬

‫‪4.5‬‬ ‫‪186.6‬‬

‫‪91.3‬‬ ‫‪3551.6‬‬

‫ممــا تقــدم نالحــظ أن هنــاك آفــاق للشــراكة بــن الدولتــن‬ ‫اللتــان متتلــكان احتياطــات كبيــرة كمــا تنتجــان كميــة معتبــرة اســتجابة‬ ‫للمتطلبــات التســويق الداخلــي واخلارجــي‪.‬‬

‫‪ -3‬مقومات الشراكة الجزائرية السعودية‬ ‫إن دوافــع ومقومــات الشــراكة يف مجــال الغــاز الطبيعــي بــن‬ ‫الســعودية واجلزائــر متوفــرة حتتــاج فقــط إلــى رؤيــة تقنيــة وإطــار‬

‫عملــي موحــد‪ ،‬وهــو مــا يســمح بانســياب عوائــد قــد تســاهم بشــكل‬ ‫مباشــر يف احلــد مــن العجــز املالــي الــذي تســبب فيه تراجــع املداخيل‬ ‫البتروليــة‪ .‬ومــن بــن أهــم مقومــات التعــاون يف القطــاع الغــازي‪.‬‬ ‫‪ 1-٣‬مجال متييع الغاز الطبيعي‬ ‫تعــرف صناعــة ســوائل الغــاز يف كل مــن الســعودية واجلزائــر‬ ‫تطــو ًرا مســتم ًرا حيــث يبــرز ذلــك مــن خــالل انتقــال كميــة إنتــاج يف‬ ‫كل مــن البلديــن مــن ‪ 1093.1‬ألــف برميــل مكافــئ ســنة ‪2012‬م‪ ،‬الــى‬ ‫‪ 1185.5‬ألــف برميــل مكافــئ ســنة ‪2016‬م‪ ،‬بالنســبة للمملكــة‬ ‫العربيــة الســعودية بينمــا ارتفــع اإلنتــاج يف اجلزائــر مــن ‪ 449.0‬ألــف‬ ‫برميــل مكافــئ إلــى ‪ 501.0‬ألــف برميــل مكافــئ خــالل نفــس الفتــرة‪.‬‬ ‫وذلــك خاصــة مــن أجــل االســتجابة إلــى احتياجــات الطلــب الداخلــي‬ ‫بالنســبة للدولتــن‪.‬‬ ‫اجلــدول رقــم (‪ )٣‬تطــورات إنتــاج صناعــة الســوائل الغازيــة يف كل مــن‬ ‫اجلزائــر و الســعودية‬ ‫السنة‬

‫‪2012‬‬

‫‪2013‬‬

‫‪2014‬‬

‫‪2015‬‬

‫‪2016‬‬

‫السعودية ‪1185.5 1155.2 1099.6 1093.1 1093.1‬‬ ‫اجلزائر ‪501.0 508.0 510.0 420.0 449.0‬‬ ‫املصـدر‪ :‬منظمـة االقطـار العربيـة املصـدرة للبتـرول التقريـر االحصائـي‬ ‫السـنوي ‪2017‬‬ ‫ومبــا أن اجلزائــر تســوق جــز ًءا مــن إنتاجهــا يف األســواق‬ ‫اخلارجيــة ميكــن لهــا أن ترفــع مــن قدراتهــا اإلنتاجيــة خاصــة الغــاز‬ ‫املميــع يف هــذا الصــدد ميكــن إقامــة شــراكة رابح‪-‬رابــح للطرفــن‬ ‫مــن خــالل إطــالق الســعودية ملشــروع اســتثماري يتمثــل يف تطويــر‬ ‫مصانــع متييــع الغــاز يف اجلزائــر حيــث أن املنشــأة احلاليــة تتميــز‬ ‫بقــدم معداتهــا فاالســتثمار لــن يكــون مكلــف كثيــ ًرا مــن الناحيــة‬ ‫املاليــة ألنــه لــن يحتــاج إلــى عقــار صناعــي وبنــى حتتيــة ســواء‬ ‫منهــا تلــك املرتبطــة مباشــرة مبصانــع التمييــع أو اجلوريــة بــل إلــى‬ ‫تطويــر وصيانــة التجهيــزات املوجــود بهــدف رفــع حجــم اإلنتــاج‪ ،‬مــن‬ ‫خــالل إدخــال أســاليب تقنيــة و تكنولوجيــا حديثــة و حتســن آليــة‬ ‫التســيير‪ ،‬فالســعودية لديهــا اإلمكانيــة التقنيــة والبشــرية للقيــام‬ ‫بذلــك انطال ًقــا مــن انفتاحهــا علــى رأس املــال األجنبــي الــذي يتميــز‬ ‫بالتطويــر املســتمر لقدراتهــا مقابــل امتــالك اجلزائــر لتجربــة طويلــة‬ ‫يف مجــال التمييــع‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مص ــدر‪ ،‬كان له ــا الفض ــل يف العدي ــد م ــن املناس ــبات يف حماي ــة‬ ‫أســـعار اخلـــام مـــن االنهيـــار وبتالـــي جتنيـــب الـــدول املصـــدرة‬ ‫أزمــات ماليــة خاصــة خــالل الفتــرة ‪1985-1983‬م‪ ،‬وكــذا قبولهــا‬ ‫تخفيــض أكبــر كميــة مــن اإلنتــاج بحوالــي ‪ 486‬ألــف برميــل يوم ًيــا‬ ‫خــالل اتفــاق تخفيــض اإلنتــاج بـــ ‪ 1.2‬مليــون برميــل يوم ًيــا الــذي‬ ‫اقرتــه أوبــك خــالل اجتماعهــا يف ‪ 30‬نوفمبــر ‪2016‬م‪ ،‬مــن جهتهــا‬ ‫اجلزائـــر التـــي انضمـــت لهـــذا التجمـــع ســـنة ‪1969‬م‪ ،‬كان لهـــا‬ ‫دور دبلوماس ــي يف العدي ــد م ــن املناس ــبات لع ــل أب ــرزه إصراره ــا‬ ‫عل ــى أن يتوص ــل األعض ــاء خ ــالل االجتم ــاع ال ــذي عق ــد يف (‪28‬‬ ‫س ــبتمبر ‪2016‬م) باجلزائ ــر إل ــى اتف ــاق يقض ــي بتخفي ــض اإلنت ــاج‬ ‫إلـــى مـــا بـــن ‪ 32.5‬و‪ 33‬مليـــون برميـــل يوم ًيـــا‪،‬‬ ‫بعدمـــا كان يف حـــدود ‪ 33.47‬مليـــون برميـــل‪،‬‬ ‫وقـــد اعتبـــر هـــذا االتفـــاق التاريخـــي خطـــوة‬ ‫أساس ــية س ــاهمت يف التحس ــن النس ــبي ألس ــعار‬ ‫اخل ــام‪ ،‬ال ــذي ارتف ــع إل ــى مس ــتويات مقبول ــة ق ــدر‬ ‫متوســـطها ‪ 65‬دوالر للبرميـــل خـــالل الثالثـــي‬ ‫األول مـــن ســـنة ‪ 2018‬م‪ ،‬بعدمـــا كان يف حـــدود‬ ‫‪ 43‬دوالر كمتوســـط لســـنة ‪2016‬م‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪43‬‬

‫ملف العدد‬

‫معف ــاة م ــن جمي ــع الرس ــوم اجلمركي ــة و القي ــود غي ــر اجلمركي ــة‪،‬‬ ‫وكان مــن بــن املوقعــن الســعودية واجلزائــر‪ ،‬وبالرغــم مــن ضعــف‬ ‫حجـــم التبـــادل بينهمـــا إال أن الدولتـــن باإلضافـــة إلـــى الكويـــت‬ ‫واإلم ــارات تصن ــف عل ــى أنه ــا أكب ــر ال ــدول املص ــدرة للبت ــرول يف‬ ‫إط ــار التج ــارة البيني ــة العربي ــة‪.‬‬ ‫‪ ٤-1‬صندوق النقد العربي‬ ‫تأس ــس صن ــدوق النق ــد العرب ــي س ــنة ‪1976‬م‪ ،‬وه ــو مؤسس ــة‬ ‫ماليــة عربيــة تضــم ‪ 22‬دولــة مــن أهــم أهدافهــا تصحيــح االختــالل‬ ‫يف موازي ــن مدفوع ــات والعم ــل عل ــى إزال ــة القي ــود عل ــى املدفوع ــات‬ ‫اجلاريـــة و إرســـاء السياســـات وأســـاليب التعـــاون‬ ‫النقـــدي العربـــي‪ ،‬باإلضافـــة الـــى إبـــداء املشـــورة‬ ‫عن ــد طلبه ــا يف م ــا يتعل ــق بالسياس ــات االس ــتثمارية‬ ‫اخلارجيــة و تطويــر أســواق املــال‪ ،‬وكــذا العمــل علــى‬ ‫تهيئـــة الظـــروف املؤديـــة إلـــى إنشـــاء عملـــة عربيـــة‬ ‫موحــدة‪ ،‬مــن بــن أهــم أعمالــه إعــداد تقريــر ســنوي‬ ‫موحـــد يتنـــاول التطـــورات االقتصاديـــة يف الوطـــن‬ ‫العربـــي بالتنســـيق والتعـــاون مـــع األمانـــة العامـــة‬ ‫للجامعـــة العربيـــة واملنظمـــات العربيـــة املتخصصـــة‬ ‫وذل ــك ابت ــداء م ــن س ــنة ‪1980‬م‪ ،‬بن ــاء عل ــى توصي ــة‬ ‫اللجن ــة الس ــباعية حملافظ ــي املص ــارف املركزي ــة‪.‬‬ ‫ممــا تقــدم اتضــح أن هنــاك عــدة أطــر للشــراكة الســعودية‬ ‫اجلزائريــة يف إطــار تكتــالت إقليميــة كان للقطــاع الطاقــوي حصــة‬ ‫األســد‪ ،‬مــا يعطــي مؤشــ ًرا إلــى إمكانيــة إنشــاء شــراكة ثنائيــة يف‬ ‫مجــال الغــاز الطبيعــي‪.‬‬

‫يتوقع قانون المالية‬ ‫الجزائري عج ًزا بالميزانية‬ ‫‪ %١5‬السنة الحالية من‬ ‫النتاج المحي اإلجمايل‬ ‫أي ما يعادل‪ 20‬مليار دوالر‬

‫‪ ٢-1‬مـنـظـمـة األق ـطــار ال ـعــرب ـيــة ال ـم ـصــدرة للـنـفـط‬ ‫أوبك ‪OAPEC‬‬ ‫منظمــة األقطــار العربيــة املصــدرة للنفــط "‪ OAPEC‬التــي‬ ‫مقرهــا الكويــت إحــدى أهــم أطــر الشــراكة التــي جتمــع اجلزائــر‬ ‫بالســعودية باإلضافــة الــى ‪ 8‬دول عربيــة أخــرى ممــن يُكــون البتــرول‬ ‫مصــدر هــام لدخلهــا القومــي‪ ،‬يهــدف نشــاطها إلــى تنســيق السياســة‬ ‫البتروليــة للــدول األعضــاء‪ ،‬وتشــجيع التعــاون فيمــا بينهــا يف مجــال‬ ‫النفطــي عــن طريــق تبــادل املعلومــات واخلبــرات وإقامــة مشــروعات‬ ‫مشــتركة خاصــة يف مجــال النقــل‪ ،‬لهــذا الغــرض مت إنشــاء‪:‬‬ ‫ الشركة العربية البحرية لنقل البترول ‪1973‬م‪.‬‬‫ الشركة العربية لبناء وإصالح السفن ‪1974‬م‪.‬‬‫ الشركة العربية لالستثمارات البترولية ‪1975‬م‪.‬‬‫ الشركة العربية للخدمات البترولية ‪1975‬م‪.‬‬‫‪ -‬معهد النفط العربي للتدريب ‪1978‬م‪.‬‬

‫‪ ٣-1‬منطقة التجارة احلرة العربية ‪ZAL‬‬ ‫نشـــأت منطقـــة التجـــارة احلـــرة العربيـــة ‪ ZAL‬ســـنة ‪2005‬‬ ‫بنــاء علــى القــرار رقــم (‪ )1317‬الــذي اتخــذه املجلــس اإلقتصــادي‬ ‫و اإلجتماع ــي التاب ــع جلامع ــة ال ــدول العربي ــة بتاري ــخ ‪ 19‬فبراي ــر‬ ‫ســـنة ‪ 1997‬والـــذي ينـــص علـــى إقامـــة منطقـــة للتجـــارة احلـــرة‬ ‫الس ــلع ذات املنش ــأ العرب ــي‬ ‫ب ــن ال ــدول العربي ــة‪ ،‬تصب ــح مبوجبه ــا ِّ‬

‫‪ -2‬القدرات السعودية و الجزائرية يف مجال الغاز الطبيعي‬ ‫متتلــك كال مــن اجلزائــر والســعودية إمكانيــات كبيــرة يف مجــال‬ ‫الغــاز الطبيعــي‪ ،‬ســواء علــى مســتوى االحتياطــات املؤكــدة أو علــى‬ ‫مســتوى اإلنتــاج‪ ،‬حيــث تســخر الســعودية بقــدرات إنتاجيــة كبيــرة‬ ‫بينمــا تلبــي اجلزائــر نســبة ‪% 10‬مــن احتياجــات الطلــب األوروبــي‬ ‫مــن هــذه املــادة‪.‬‬ ‫‪ 1-٢‬القدرات السعودية يف مجال الغاز الطبيعي‬ ‫متتل ــك الس ــعودية إمكاني ــات كبي ــرة يف املج ــال الغ ــاز الطبيع ــي‬ ‫حيـــث قـــدرت احتياطهـــا املؤكـــدة ســـنة ‪ 2016‬بنحـــو ‪ 8.4‬ترليـــون‬ ‫مت ــر مكع ــب‪ ،‬أي م ــا نس ــبته ‪ %4.50‬م ــن االحتياط ــي العامل ــي ال ــذي‬ ‫بل ــغ تل ــك الس ــنة ‪ 186.6‬ترلي ــون مت ــر مكع ــب‪ ،‬يف ح ــن أن إنتاجه ــا‬ ‫مـــن الغـــاز قـــارب ‪ 109.4‬مليـــار متـــر مكعـــب ســـنة ‪2016‬م‪ ،‬وهـــو‬ ‫م ــا يع ــادل تقري ًب ــا ‪ %3.07‬م ــن اإلنت ــاج العامل ــي ال ــذي جت ــاوز ‪3551‬‬ ‫ملي ــار مت ــر مكع ــب‪.‬‬

‫‪42‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪ 4‬مــقـتـرحــ ــات لـتـطـويـ ــر الـشـراكـ ــة االقـتـصـاديـ ــة الـسـعـوديـ ــة الـجـزائـريـ ــة‬

‫شراكة رابح ‪ -‬رابح بين السعودية والجزائر يف‬ ‫الغاز المسال بتطوير مصانع التسييل الجزائرية‬ ‫تعتمــد الســعودية و اجلزائــر يف متــول عملياتهمــا االقتصاديــة علــى العوائــد البتروليــة التــي تســاهم بنســبة كبيــرة يف تغطيــة‬ ‫النفقــات العامــة ويف متويــل فاتــورة املنتجــات املســتوردة‪ ،‬وعليــه فــإن أي تراجــع يف الســعر عــن مســتويات التــوازن يــؤدي إلــى‬ ‫اختــالالت تبــرز يف عجــوزات ماليــة علــى مســتوى مختلــف املوازيــن يف هــذا الصــدد تتوقــع الســعودية عجـزًا يف ميزانيتهــا العامة‬ ‫بنســبة ‪ % 7.3‬مــن النتــاج احمللــي اإلجمالــي‪ ،‬بالرغــم مــن ارتفــاع ايراداتهــا غيــر النفطيــة بنســبة ‪ % 14‬مقارنــة بســنة ‪2017‬م‪ ،‬يف‬ ‫مقابــل ذلــك يتوقــع قانــون املاليــة اجلزائــري لــذات الســنة عجـزًا يف حــدود ‪ %15‬مــن النــاجت احمللــي اإلجمالــي وهــو مــا يعــادل‬ ‫تقري ًبــا ‪ 20‬مليــار دوالر حيــث ســتضطر احلكومــة للجــوء إلــى البنــك املركــزي لطبــع النقــود مــن أجــل متويلــه‪.‬‬

‫د ‪ .‬عية عبد الرحمن‬ ‫تعتمــد الســعودية و اجلزائــر يف متــول عملياتهمــا االقتصاديــة‬ ‫علــى العوائــد البتروليــة التــي تســاهم بنســبة كبيــرة يف تغطيــة‬ ‫النفقــات العامــة ويف متويــل فاتــورة املنتجــات املســتوردة‪ ،‬وعليــه فــإن‬ ‫أي تراجــع يف الســعر عــن مســتويات التــوازن يــؤدي إلــى اختــالالت‬ ‫تبــرز يف عجــوزات ماليــة علــى مســتوى مختلــف املوازيــن يف هــذا‬ ‫الصــدد تتوقــع الســعودية عجــزًا يف ميزانيتهــا العامــة بنســبة ‪7.3‬‬ ‫‪ %‬مــن النتــاج احمللــي اإلجمالــي‪ ،‬بالرغــم مــن ارتفــاع ايراداتهــا غيــر‬ ‫النفطيــة بنســبة ‪ % 14‬مقارنــة بســنة ‪2017‬م‪ ،‬يف مقابــل ذلــك يتوقــع‬ ‫قانــون املاليــة اجلزائــري لــذات الســنة عجــزًا يف حــدود ‪ %15‬مــن‬ ‫النــاجت احمللــي اإلجمالــي وهــو مــا يعــادل تقري ًبــا ‪ 20‬مليــار دوالر‬ ‫حيــث ســتضطر احلكومــة للجــوء إلــى البنــك املركــزي لطبــع النقــود‬ ‫مــن أجــل متويلــه‪.‬‬ ‫غيـــر أن كلتـــا الدولتـــن تســـعيان جاهـــدة للخـــروج مـــن هـــذه‬ ‫التبعيـــة للقطـــاع البترولـــي مـــن خـــالل اعتمـــاد برامـــج للتنويـــع‬ ‫االقتص ــادي وعل ــى اعتب ــار أن عملي ــة التح ــول االقتص ــادي حتت ــاج‬ ‫إلـــى اســـتثمارات متوســـطة وطويلـــة األجـــل‪ ،‬ميكـــن للدولتـــن أن‬ ‫تش ــتركان يف مش ــروع بدي ــل واملتمث ــل يف إح ــالل العوائ ــد البترولي ــة‬ ‫بالعوائـــد الغازيـــة باالعتمـــاد علـــى مجموعـــة مـــن املقومـــات‬ ‫ســـنتناولها يف هـــذه الدراســـة‪ ،‬التـــي ســـتناقش آفـــاق التعـــاون‬ ‫الســعودي اجلزائــري يف مجــال الغــاز الطبيعــي مــن خــالل محاولــة‬ ‫اإلجابـــة علـــى اإلشـــكالية التاليـــة‪:‬‬

‫ مــا هــي أهــم مجــاالت التعــاون الســعودي اجلزائــري يف مجــال‬‫تنميــة الغــاز الطبيعــي ؟ و إلــى أي مــدى ميكــن للمداخيــل املتوقعــة‬ ‫تعويــض تقلــص العوائــد البتروليــة ؟‪.‬‬ ‫مــن أجــل محاولــة اإلجابــة علــى هــذه اإلشــكالية قمنــا بتصميــم‬ ‫وصياغــة الفرضيــة التاليــة‪:‬‬ ‫ مــن منطلــق أن الغــاز الطبيعــي بديــل طاقــوي داخلــي للبتــرول ميكــن‬‫لعوائــده أن تســاهم يف تعويــض املداخيــل النفطيــة مــن خــالل تفعيــل‬ ‫مقومات الشــراكة‪.‬‬

‫‪-١‬العالقات االقتصادية السعودية ‪ -‬الجزائرية‬ ‫جتمــع الســعودية واجلزائــر عــدة شــركات يف مختلــف املجــاالت‬ ‫لكــن معظمهــا يتركــز يف جانــب العالقــات االقتصاديــة اإلقليميــة‬ ‫والدوليــة والتــي ســنتناول أهمهــا فيمــا يلــي‪:‬‬ ‫‪ 1-1‬منظمة الدول املصدرة للبترول أوبك ‪OPEC‬‬ ‫تضـــم منظمـــة البلـــدان املصـــدرة للبتـــرول أوبـــك ‪،OPEC‬‬ ‫ســـبعة دول عربيـــة مـــن بينهـــا الســـعودية واجلزائـــر وهـــو تكتـــل‬ ‫تتمث ــل أهداف ــه يف حماي ــة مصال ــح ال ــدول األعض ــاء ع ــن طري ــق‬ ‫تنظي ــم املع ــروض النفط ــي لضب ــط األس ــعار م ــن خ ــالل حتدي ــد‬ ‫ســقف إنتــاج لــكل دولــة عضــو‪ .‬الســعودية التــي تعتبــر واحــدة مــن‬ ‫دول املؤسســة لهــذا التكتــل ســنة ‪1960‬م‪ ،‬وأكبــر منتــج فيــه وأكبــر‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫يف احلفـــاظ علـــى اســـتقرار الســـوق النفطـــي‪ ،‬خاصـــة أن اململكـــة‬ ‫العربي ــة الس ــعودية تس ــتطيع مقاوم ــة س ــقوط أس ــعار النف ــط لفت ــرة‬ ‫أط ــول م ــن اجلزائ ــر ألنه ــا متل ــك احتياط ــي ص ــرف كبي ــر مقارن ــة‬ ‫باجلزائ ــر‪ ،‬كم ــا أن اجلزائ ــر بحاج ــة ماس ــة الس ــتثمارات الس ــعودية‬ ‫حت ــى تن ــوع اقتصاده ــا وتواج ــه ضائقته ــا املالي ــة‪.‬‬ ‫وبدورهــا الســعودية‪ ،‬ال ميكنهــا جتاهــل أهميــة الــدور الــذي تلعبه‬ ‫اجلزائــر كفاعــل أساســي يف القــرار السياســي اإلقليمــي واإلفريقــي‬ ‫وكقــوة اقتصاديــة تؤثــر يف أســواق النفــط العامليــة‪ ،‬وبإمكانهــا أن‬ ‫تســهم يف حتقيــق التــوازن االقتصــادي العربــي والتــوازن السياســي‬ ‫املغاربــي‪ ،‬لذلــك فالطرفــان يســتطيعان حتقيــق مكاســب سياســية‬ ‫وأمنيــة حتدي ـدًا‪ ،‬هــي كاآلتــي‪:‬‬ ‫ اس ــتثمار اخلب ــرة الديبلوماس ــية اجلزائري ــة يف‬‫حـــل أزمـــات املنطقـــة‪ :‬تـــدرك اململكـــة العربيـــة‬ ‫الس ــعودية أن إع ــادة ال ــدفء وتصفي ــر العالق ــات‬ ‫م ــع اجلزائ ــر مه ــم للغاي ــة‪ ،‬فم ــن املمك ــن أن تلع ــب‬ ‫الدبلوماس ــية اجلزائري ــة دو ًرا يف املل ــف اإليران ــي‪،‬‬ ‫ويف قضايـــا أســـعار النفـــط‪ ،‬ويف فتـــح قنـــوات‬ ‫التواصـــل للمســـاهمة يف حـــل األزمـــة الســـورية‬ ‫ورمب ــا يف اليم ــن‪ ،‬بالنظ ــر إل ــى عامل ــن اثن ــن‪:‬‬ ‫ الكثيــر مــن دول مجلــس التعــاون اخلليجــي‬‫أضحــت تــدرك أن طريقهــا نحــو ســوريا يجــب أن ميــر عبــر اجلزائــر‪،‬‬ ‫ألن اجلزائــر حافظــت علــى شــعرة معاويــة بعالقاتهــا مــع نظــام‬ ‫األســد بشــكل يجعلهــا قــادرة علــى لعــب أي دور باســم الــدول العربيــة‬ ‫يف امللــف الســوري‪.‬‬ ‫ إمكاني ــة أن ت ــؤدي اجلزائ ــر دور املس ــاعد يف إط ــالق ح ــوار ب ــن‬‫مختلــف األطــراف يف األزمــة اليمنيــة‪ ،‬بحكــم أن اجلزائــر لــم تتحيــز‬ ‫إل ــى أي ط ــرف يف ه ــذه األزم ــة‪ ،‬وق ــد رددت تقاري ــر إعالمي ــة أنب ــاء‬ ‫حـــول وســـاطة جزائريـــة يف األزمـــة اليمنيـــة لكـــن دون تأكيدهـــا‬ ‫رســم ًيا مــن الطرفــن‪ ،‬إذ اكتفــى وزيــر اخلارجيــة اجلزائــري الســابق‬ ‫رمط ــان لعمام ــرة بالق ــول ‪":‬إن الدبلوماس ــية اجلزائري ــة قائم ــة عل ــى‬ ‫مبـــدأ خدمـــة الغيـــر والتضامـــن دون اســـتعمال دبلوماســـية مكبـــر‬ ‫الصوت‪،"...‬ومــن جهتــه‪ ،‬رفــض الســفير الســعودي باجلزائــر ســامي‬ ‫ب ــن عب ــد اهلل الصال ــح يف ح ــوار م ــع صحيف ــة "اخلب ــر" اجلزائري ــة‬ ‫موضح ــا أن "مكان ــة اجلزائ ــر‬ ‫تأكي ــد أو نف ــي وج ــود ه ــذه الوس ــاطة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫يف املجتم ــع الدول ــي وموقعه ــا اجليوسياس ــي يجعله ــا ق ــادرة عل ــى‬ ‫حلحل ــة األزم ــات يف اليم ــن أو يف غي ــره"‪.‬‬ ‫ إيجــاد تعــاون أمنــي فعــال مــع اجلزائــر‪ :‬الوضــع اإلقليمــي يحتــاج‬‫معاجلــة أمنيــة يف ظــل انتشــار اإلرهــاب واحلــروب الالمتاثليــة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫جيشــا محتر ًمــا إلــى جانــب خبــرة أمنيــة كبيــرة‬ ‫واجلزائــر متتلــك‬ ‫علــى مســتوى تأمــن احلــدود أو مكافحــة اإلرهــاب العابــر للــدول‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪41‬‬

‫ملف العدد‬

‫أو املعلومــات األمنيــة‪ ،‬ولطاملــا أكــدت اجلزائــر مــن خــالل مســؤوليها‬ ‫علــى أن أمــن اخلليــج خــط أحمــر وهــو مــا يعــد نقطــة انطــالق يف‬ ‫تعزيــز الروابــط مــا بــن البلديــن‪.‬‬ ‫ مواجهــة املنافســة الشرســة يف إفريقيــا‪ :‬الســعودية تشــهد منافســة‬‫عديــدة يف إفريقيــا‪ ،‬لذلــك هــي بحاجــة لبديــل اســتراتيجي يف‬ ‫إفريقيــا‪ ،‬حيــث شــكلت الدوحــة مجموعــة إفريقيــة لســفراء ‪ 25‬دولــة‬ ‫إفريقيــة برئاســة ســفير اجلزائــر لديهــا‪ ،‬الــذي تعهــد بـ"دعــم عالقــات‬ ‫التعــاون بــن قطــر والــدول اإلفريقيــة وإبــراز إمكانــات القــارة‪،‬‬ ‫وخاصــة االقتصاديــة"‪ ،‬مــا يؤكــد أهميــة دور اجلزائــر احملــوري يف‬ ‫التقــارب اخلليجــي ـ اإلفريقــي‪.‬‬ ‫ م ــلء الف ــراغ‪ :‬الف ــراغ ال ــذي تش ــهده املنطق ــة‪ ،‬ه ــو‬‫مســـاحة اســـتثمار لبعـــض األجنـــدات مـــن خـــالل‬ ‫ضـــخ اســـتثمارات اقتصاديـــة‪ ،‬فقـــد دخلـــت إيـــران‬ ‫بعم ــق إل ــى األس ــواق اجلزائري ــة من ــذ إنش ــاء جلن ــة‬ ‫اقتصادي ــة مش ــتركة ب ــن البلدي ــن ع ــام (‪2003‬م)‪ ،‬ومت‬ ‫توقيــع (‪ )54‬اتفاقيــة تعــاون اقتصــادي مشــترك‪ ،‬وبــذا‬ ‫تع ــي دول مجل ــس التع ــاون اخلليج ــي عام ــة واململك ــة‬ ‫العربي ــة الس ــعودية خاص ــة أهمي ــة تعزي ــز حضوره ــا‬ ‫مـــن خـــالل بنـــاء شـــراكة اقتصاديـــة حقيقيـــة يف‬ ‫محاولــة اســتراتيجية الحتــواء اجلزائــر وإبعادهــا عــن‬ ‫محـــور طهران‪-‬موســـكو‪.‬‬

‫العالقات السعودية‪-‬‬ ‫الجزائريـة تمـر بمرحلة‬ ‫تخدم الوضع اإلقليمي‬ ‫والبلــدان يتجهــان إىل‬ ‫ترســـيخ البراغماتيـــة‬ ‫الخاتمة‪:‬‬

‫رغــم أن البعــض ذهــب إلــى حــد الرهــان علــى تعثــر العالقــات‬ ‫اجلزائريـــة ـــــ الســـعودية معللـــن ذلـــك بواقـــع املنطقـــة العربيـــة‬ ‫والتحدي ــات الت ــي تعرفه ــا‪ ،‬إال أن التاري ــخ ومس ــار ه ــذه العالق ــات‬ ‫لطاملـــا أكـــد أن ســـمة هـــذه الروابـــط هـــو الهـــدوء والتقـــارب‪،‬‬ ‫بالنظـــر إلـــى جملـــة مـــن الدوافـــع التـــي تصـــب يف مســـار إعـــادة‬ ‫الفاعليـــة‪ ،‬إذ تكشـــف طبيعـــة التعـــاون االقتصـــادي الراهـــن بـــن‬ ‫البلدي ــن تش ــكل إط ــار تق ــارب براغمات ــي مرحل ــي يفس ــر طبيع ــة‬ ‫العالق ــات القائم ــة ب ــن االقتص ــاد والسياس ــة يف ظ ــل التناق ــض‬ ‫القائ ــم يف العالق ــة ب ــن البلدي ــن (تفعي ــل التع ــاون االقتص ــادي ‪/‬‬ ‫غي ــاب تواف ــق سياس ــي إقليم ــي) ‪،‬حي ــث أصب ــح حتقي ــق املصال ــح‬ ‫االقتصادي ــة املش ــتركة ب ــن البلدي ــن متغيـ ـ ًرا رئيسـ ـ ًيا يف توطي ــد‬ ‫العالق ــات الديبلوماس ــية م ــن خ ــالل توظي ــف العام ــل االقتص ــادي‬ ‫يف التعامـــل السياســـي‪.‬‬

‫* أستاذ علوم سياسية ‪ -‬جامعة باجي مختار ‪ -‬عنابة ‪ -‬الجزائر‬

‫‪40‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫المصال ــح االقتصادي ــة بي ــن الس ــعودية والجزائ ــر متغي ــر رئيس ــي‬ ‫لتوطي ــد العالق ــات م ــن خ ــالل توظي ــف االقتص ــاد لتفعي ــل السياس ــة‬ ‫وقــد قامــت الريــاض خــالل ينايــر ‪2017‬م بتعيــن ســامي بــن عبــد‬ ‫اهلل ســفي ًرا فــوق العــادة لــدى اجلزائــر‪ ،‬والــذي ســبق أن شــغل هــذا‬ ‫املنصــب باجلزائــر حتــى العــام (‪2013‬م)‪.‬‬ ‫● تقارب اقتصادي بحسابات براغماتية‪:‬‬ ‫إن يف انتهــاج العالقــة بــن البلديــن مؤخــ ًرا سياســة تعتمــد‬ ‫تطويــر العالقــات الثنائيــة باالعتمــاد علــى التعــاون االقتصــادي لــه‬ ‫مــا يبــرره بعــد أن أصبحــت النشــاطات االقتصاديــة مــن العناصــر‬ ‫الضامنــة الســتمرارية ومتانــة العالقــات بــن الــدول‪ ،‬عبــر توظيــف‬ ‫العامــل االقتصــادي يف التعامــل السياســي‪.‬‬ ‫وبالنظــر إلــى مــا تشــكله الســعودية كوزن جيو‪-‬سياســي واجلزائر‬ ‫كفاعــل يف اإلقليــم والقــارة اإلفريقيــة‪ ،‬هنــاك جملــة مــن الدوافــع‬ ‫التــي تصــب يف مســار إعــادة الفاعليــة بينهمــا‪ ،‬فرغــم االختــالف يف‬ ‫وجهــات النظــر حــول الكثيــر مــن القضايــا اإلقليميــة‪ ،‬إال أن البلــدان‬ ‫يجــدان نفســيهما بحاجــة إلــى بعضهمــا البعــض‪.‬‬ ‫ولئــن كان اســتقالل اجلزائــر النســبي عــن املــدار اجليوسياســي‬ ‫لــدول مجلــس التعــاون اخلليجــي ينبــع إلــى حــد كبيــر مــن التاريــخ‬ ‫الفريــد للثــروة واملــوارد الطبيعيــة يف البــالد‪ ،‬فقــد جنحــت ســاب ًقا‬ ‫يف مقاومــة الضغــوط املاليــة مــن بعــض دول اخلليــج العربــي‪ ،‬إال أن‬ ‫األزمــات التــي أضحــت تعانــي منهــا اجلزائــر بســبب تذبــذب أســعار‬ ‫النفــط‪ ،‬ومواقفهــا السياســية التــي جعلــت منهــا شــبه معزولــة عرب ًيــا‪،‬‬ ‫جعلــت منهــا تفكــر يف توطيــد العالقــة الدبلوماســية مــع الســعودية‪،‬‬ ‫وهــي أكبــر دول اخلليــج‪ ،‬كضــرورة ال غنــى عنهــا‪ ،‬فهــي وان كانــت‬ ‫حتتفــظ بعالقــات وديــة مــع باقــي دول مجلــس التعــاون اخلليجــي إال‬ ‫أنهــا بحاجــة للمملكــة العربيــة الســعودية يف ملفــات رئيســية متكنهــا‬ ‫مــن حتقيــق املكاســب السياســية واالقتصاديــة واألمنيــة التاليــة‪:‬‬ ‫● دور الـسـعـ ــودية يف تهدئ ــة منطق ــة الـمـ ــغرب العرب ــي يف ملف ــات‬ ‫ع ــدة منه ــا‪:‬‬ ‫ اإلســهام يف إيجــاد حــل للقضيــة الصحراويــة‪ ،‬حيــث تســعى‬‫اجلزائــر لدعــم اململكــة العربيــة الســعودية حلــل مشــكلة الصحــراء‬ ‫أو االكتفــاء مبوقــف محايــد وعــدم مســاعدة املغــرب يف االســتثمار‬ ‫باملناطــق الصحراويــة ألن القضيــة الصحراويــة تكتســي أهميــة كبيــرة‬ ‫يف السياســة اخلارجيــة اجلزائريــة التــي طاملــا أكــدت أن قضيــة‬ ‫الصحــراء يف عهــدة األمم املتحــدة‪.‬‬ ‫ ســـعي اجلزائـــر إلـــى منـــع املســـاعي املغربيـــة مـــن بنـــاء محـــور‬‫ش ــمال غ ــرب إفريقي ــا وربط ــه بوس ــط الق ــارة حت ــى يك ــون لدي ــه‬

‫خصوصــا يف ســنوات ‪2010‬م‪،‬‬ ‫ممــر إلــى حتالــف آخــر بنــاه املغــرب‬ ‫ً‬ ‫إل ــى اآلن م ــع دول اخللي ــج‪ ،‬ألن موق ــع ه ــذه ال ــدول االس ــتراتيجي‬ ‫خصوصـــا الســـعودية‬ ‫وعملهـــا يوجـــد يف شـــرق القـــارة الســـمراء‬ ‫ً‬ ‫واإلمـــارات والبحريـــن‪ ،‬وإلـــى حـــد مـــا يف الوســـط‪ ،‬ممـــا يتيـــح‬ ‫إمكانيــة التالقــي‪ ،‬خاصــة وأن مبــادرة انضمــام املغــرب للمجموعــة‬ ‫االقتصادي ــة ل ــدول غ ــرب إفريقي ــا "س ــيدياو" الت ــي تض ــم ‪ 15‬دول ــة‬ ‫إفريقيـــة تدخـــل ضمـــن املقاربـــة السياســـية واالقتصاديـــة التـــي‬ ‫اعتم ــدت عليه ــا الدبلوماس ــية املغربي ــة يف الرج ــوع اإلفريق ــي وكان‬ ‫عل ــى رأس ــها عودت ــه إل ــى حض ــن االحت ــاد اإلفريق ــي (م ــن وجه ــة‬ ‫نظ ــر كات ــب املق ــال)‪.‬‬ ‫ مكافحــة اإلرهــاب‪ :‬تشــكل األوضــاع يف ليبيــا تهديـ ًدا كبيـ ًرا ألمــن‬‫اجلزائــر نظــ ًرا النتشــار األســلحة وحالــة الفوضــى التــي تعرفهــا‬ ‫البــالد‪ ،‬وللســعودية عالقــات جيــدة مــع بعــض األطــراف الفاعلــة‬ ‫يف النــزاع الليبــي ســواء األطــراف الليبيــة الداخليــة أو الــدول‬ ‫الفاعلــة يف النــزاع الليبــي علــى غــرار اإلمــارات العربيــة املتحــدة‪،‬‬ ‫وتســتطيع الســعودية لعــب دور يتماشــى مــع الرؤيــة اجلزائريــة‪،‬‬ ‫وتــؤدي دور إيجابــي يف دعــم اســتقرار ليبيــا ووحدتهــا التاريخيــة‪،‬‬ ‫فضـ ً‬ ‫ال عــن تونــس ومالــي‪ ،‬وهــي احلــدود امللتهبــة التــي تــؤرق الدولــة‬ ‫اجلزائريــة‪ ،‬خاصــة يف ظــل التحــرك الســعودي – اإلماراتــي لتفعيــل‬ ‫قــوة الســاحل اإلفريقــي (جــي‪ ،)5‬حيــث تعهــد البلــدان اخلليجيــان‬ ‫خــالل قمــة باريــس األخيــرة (‪ 13‬ديســمبر ‪2017‬م) باإلســهام يف‬ ‫متويــل هــذه القــوة بـــ‪ 130‬مليــون يــورو‪ ،‬و تأخــذ أهــداف التحــرك‬ ‫الســعودي ‪ -‬اإلماراتــي يف الســاحل اإلفريقــي ثالثــة أمنــاط مــن‬ ‫الدوافــع املتشــابكة‪:‬‬ ‫ الترابــط بــن قضيــة مكافحــة اإلرهــاب‪ ،‬وتأمــن املصالــح األمنيــة‬‫واالقتصاديــة لهمــا باملنطقــة‪.‬‬ ‫ إن التحــرك املــزدوج مال ًيــا ولوجســتيا يوحــي بــأن اإلدراك اخلليجي‬‫ملكافحــة اإلرهــاب بــات يأخــذ ً‬ ‫منطــا مــن االســتراتيجيات االســتباقية‬ ‫الهجوميــة يف املناطــق البعيــدة‪ ،‬وليــس فقــط الدفاعيــة القريبــة‪.‬‬ ‫ تصاعــد التحذيــرات الدوليــة مــن مغبــة انتقــال مقاتلــي داعــش‬‫إلــى جغرافيــات هشــة أخــرى أكثــر قابليــة لتصاعــد حــدة الظاهــرة‬ ‫اإلرهابيــة‪ ،‬خاصــة يف منطقــة الســاحل اإلفريقــي‪ ،‬كونهــا تعــج‬ ‫بتنظيمــات متطرفــة عابــرة للحــدود‪.‬‬ ‫ املســاهمة يف تنويــع االقتصــاد اجلزائــري وتكســير هيمنــة النفــط‪:‬‬‫فاجلزائ ــر الت ــي تعتم ــد ميزانيته ــا عل ــى عائ ــدات البت ــرول تعان ــي‬ ‫أزمــة اقتصاديــة حــادة نتيجــة تذبــذب أســعاره لذلــك وجــب التفكيــر‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الغربيــة‪ ،‬إذ تضمــن البيــان اخلتامــي ألول قمــة خليجيــة ـ مغربيــة‬ ‫يف ‪2016/04/20‬م التأكيــد علــى االلتــزام اخلليجــي بدعــم املوقــف‬ ‫املغربــي حــول قضيــة الصحــراء الغربيــة القاضــي بـــتقدمي حكــم ذاتــي‬ ‫للصحــراء الغربيــة وهــو مــا يتنافــى مــع املوقــف اجلزائــري‪.‬‬ ‫ التح ــرك اإليران ــي ص ــوب الـمـ ــغرب العرب ــي عب ــر بواب ــة اجلزائ ــر‬‫هـدفـ ــه األسـاسـ ــي مـحـ ــاصرة الـمـ ــغرب ال ــذي ينظ ــر إلي ــه نظ ــام‬ ‫املاللـــي بأنـــه القـــوة الســـنية املغاربيـــة احلريصـــة علـــى محاربـــة‬ ‫النفـــوذ اإليرانـــي‪.‬‬ ‫رغـم هـذه املؤشـرات التـي تـدل علـى أنـه هنـاك نـوع مـن التقارب‬ ‫اجلزائـري مـع محـور إيـران‪ ،‬إال أن ذلـك ال يعنـي بـأن اجلزائـر تعمـل‬ ‫ضـد املوقـف السـعودي أو اخلليجـي يف املنطقـة‪ ،‬فلحـد اآلن ال يوجـد‬ ‫مؤشـر واحـد ميكـن مـن خاللـه اعتبـار اجلزائـر جز ًءا مـن الصراع يف‬ ‫املنطقـة خاصـة بـن إيـران والسـعودية‪ ،‬نتيجـة اعتبـارات عـدة منها‪:‬‬ ‫ إن االختالف يف وجهات النظر بخصوص السياسة اخلارجية بن‬‫اجلزائـر ودول مجلـس التعـاون اخلليجـي سـببه أن اجلزائر ترغب يف‬ ‫احلفـاظ علـى وزنهـا ودورها كدولـة قوية يف املنطقة‪.‬‬ ‫ رغــم أن التعــاون اإليرانــي ‪ -‬اجلزائــري أخــذ أبعــا ًدا كثيــرة‪،‬‬‫يبقــى التعــاون الثقــايف مســتبعدًا ‪-‬يف شــقه العقائــدي‪-‬ألن النظــام‬ ‫اجلزائــري لــن يســمح بوجــود كيانــات ترعــى توجهــات ثقافيــة تختلــف‬ ‫عــن التوجــه العــام اجلزائــري‪.‬‬

‫ثـانـيـًـا‪ :‬الـعـالقــات الـجـزائـريــة ‪ -‬الـسـعـوديــة‪ :‬الـتـوجــه نـحــو‬ ‫الديبلوماسـية االقتصاديـة‬ ‫إن العالقــات اجلزائريــة ‪ -‬الســعودية‪ ،‬متــر مبرحلــة جديــدة‬ ‫كل ًيــا مــن خــالل إعــادة ترميمهــا مبــا يخــدم الوضــع اإلقليمــي الراهــن‬ ‫ويحفــظ حـدًا مقبــوال يف العالقــة الدبلوماســية‪ ،‬إذ يبــدو أن البلديــن‬ ‫يتجهــان إلــى ترســيخ عالقــة براغماتيــة مرحليــة يغلــب عليهــا التعــاون‬ ‫االقتصــادي قــد يــؤدي مســتقبال إلــى حتقيــق أبعــاد اســتراتيجية‬ ‫تتعــدى هــذا األخيــر (البعــد االقتصــادي) لتخــدم مصالــح الطرفــن‬ ‫سياس ـ ًيا وأمن ًيــا‪.‬‬ ‫● التقارب االقتصادي بني اجلزائر والسعودية‪ :‬املؤشرات والدالالت‬ ‫شـهدت العالقـات بـن البلديـن منـذ مجـيء الرئيـس عبـد العزيـز‬ ‫ً‬ ‫ملحوظا يف املجـاالت االقتصادية‪،‬‬ ‫بوتفليقـة إلـى سـدة الرئاسـة تطـو ًرا‬ ‫خاصـة بعـد الزيـارة الرسـمية التـي قـام بهـا امللـك عبـد اهلل بـن عبـد‬ ‫العزيـز خالل واليته للعهد إلى اجلزائر يومـي ‪ 11‬و‪ 12‬أكتوبر ‪1999‬م‪،‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪39‬‬

‫ملف العدد‬

‫بدعـوة مـن رئيـس اجلمهوريـة اجلزائريـة‪ ،‬والتـي صـدر علـى إثرهـا‬ ‫بيـان مشـترك ورد فيـه أنهمـا أصـدرا توجيهاتهمـا للجهـات املسـؤولة‬ ‫يف البلديـن التخـاذ اإلجـراءات الالزمـة لتطويـر العالقـات االقتصاديـة‬ ‫سـع ًيا لتدعيـم وتشـجيع املبـادالت التجاريـة واالسـتثمارية‪.‬‬ ‫وفيمــا أكــد وزيــر الصناعــة واملناجــم اجلزائــري عبــد الســالم‬ ‫مشــروعا‬ ‫بوشــوارب بتاريــخ ‪ 15‬فبرايــر ‪2017‬م‪ ،‬وجــود (‪)16‬‬ ‫ً‬ ‫فقــط يف إطــار الشــراكة اجلزائرية‪-‬الســعودية بــن الفتــرة (‪2002‬‬ ‫و‪2015‬م) مت جتســيدها يف مجــاالت عــدة‪ ،‬شــهد نفــس التاريــخ‬ ‫(‪ 15‬فيفــري‪2017‬م) التوقيــع علــى (‪ )8‬اتفاقيــات تفاهــم وشــراكة‬ ‫اقتصاديــة تخــص عــدة مجــاالت لالســتثمار خــالل لقــاء األعمــال‬ ‫اجلزائــري ـ الســعودي‪ ،‬كمــا قــدر حجــم املبــادالت التجاريــة بــن‬ ‫البلديــن عــام (‪2016‬م) حوالــي ‪ 654‬مليــون دوالر ‪،‬وتطمــح اجلزائــر‬ ‫والســعودية إلــى رفــع هــذه املبــادالت وكــذا االســتثمارات إلــى حوالــي‬ ‫‪ 15‬مليــار دوالر يف الســنوات العشــر املقبلــة‪.‬‬ ‫ويف ذلــك داللــة واضحــة علــى انتهــاج العالقــة بــن البلديــن‬ ‫مؤخــ ًرا سياســة تعتمــد تطويــر العالقــات الثنائيــة باالعتمــاد علــى‬ ‫أساســا يف ظــل غيــاب توافــق سياســي‬ ‫تفعيــل التعــاون االقتصــادي‬ ‫ً‬ ‫حــول بعــض قضايــا املنطقــة‪ ،‬وميكــن إبــراز دالالت ومؤشــرات هــذا‬ ‫التوجــه عبــر مــا يلــي‪:‬‬ ‫ الزيــارات املتبادلــة التــي غلــب عليهــا الطابــع االقتصــادي‪ ،‬حيــث‬‫شــهدت الزيــارات املتبادلــة ملســؤولي البلديــن وتيــرة متصاعــدة‬ ‫منــذ الزيــارة التــي أداهــا مستشــار الرئيــس بوتفليقــة إلــى الريــاض‬ ‫يف إبريــل ‪2015‬م‪ ،‬أبرزهــا زيــارة الوزيــر األول األســبق اجلزائــري‬ ‫عبــد املالــك ســالل للســعودية يف نوفمبــر ‪2016‬م‪ ،‬حيــث أكــد ســالل‬ ‫يف منتــدى اقتصــادي رفيــع املســتوى مخصــص لتشــجيع متعاملــي‬ ‫البلديــن علــى تطويــر االســتثمار املنتــج وتكثيــف مبــادرات الشــراكة‬ ‫الكفيلــة بتعزيــز عالقــات األعمــال القائمــة والرقــي بهــا إلــى مســتوى‬ ‫العالقــات املتميــزة التــي تربــط اجلزائــر والســعودية‪.‬‬ ‫ العمــل والتنســيق املشــترك واالتفــاق االســتراتيجي عــام (‪2017‬م)‬‫فيمــا يخــص تســقيف إنتــاج النفــط والعمــل علــى إيجــاد آليــات لعــودة‬ ‫أســعار النفــط إلــى االســتقرار‪ ،‬ويعــد مــن أهــم النقــاط التــي تدفــع‬ ‫بالعالقــات الثنائيــة نحــو الــدفء والتواصــل املســتمر‪ ،‬فالســعودية‬ ‫التــي امتنعــت منــذ عــام (‪2014‬م) عــن تخفيــض إنتاجهــا للنفــط‪،‬‬ ‫قــررت االســتجابة لتشــجيعات اجلزائــر‪ ،‬ووصــف وزيــر طاقتهــا خالــد‬ ‫الفالــح االلتــزام باالتفــاق بـ"الرائــع واملذهــل"‪ ،‬متماهيــا بالتالــي مــع‬ ‫توجهــات اجلزائــر‪.‬‬

‫توصفالعالقاتالجزائرية‪-‬السعوديةيفالسنواتاألخيرةبـ"الدبلوماسية‬ ‫الصامتة" رغم حرص المسؤولين يف البلدين عى وضعها يف إطارها الطبيعي‬

‫‪38‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫فشل الرهان عى تعثر العالقات الجزائرية ‪ -‬السعودية لمن ربطوا ذلك‬ ‫بواقع المنطقة العربية والتحديات ما بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي‬ ‫أدت بعــد انــدالع موجــة احلــراك االحتجاجــي العربــي نهايــة العــام‬ ‫(‪2010‬م) إلــى تبايــن يف املواقــف بينهمــا بســبب حســابات إقليميــة‬ ‫متباينــة‪ ،‬إذ أن تكــرار املواقــف اجلزائريــة التــي يكتســيها نــوع مــن‬ ‫التحفــظ بصفــة ملحوظــة لــم يشــكل عام ـ ً‬ ‫ال داف ًعــا لتحقيــق تقــارب‬ ‫سياســي مــع اململكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬بفعــل متســك اجلزائــر‬ ‫مبــا أســماه الرئيــس اجلزائــري عبــد العزيــز بوتفليقــة يف رســالة‬ ‫حملهــا مستشــاره اخلــاص الطيــب بلعيــز يف أبريــل (‪2015‬م) إلــى‬ ‫خــادم احلرمــن الشــريفن امللــك ســلمان بــن عبــد العزيــز باملــوروث‬ ‫السياســي للجزائــر القائــم علــى جملــة مــن املبــادئ‪ ،‬أهمهــا‪ :‬مبــدأ‬ ‫عــدم التدخــل وضــرورة حــل النزاعــات بالطــرق الســلمية‪ ،‬مؤكــدا‬ ‫مــن خاللهــا بــأن مواقــف اجلزائــر جتــاه بعــض القضايــا العربيــة‬ ‫الســاخنة ليســت موجهــة ضــد أشــقائها العــرب‪ ،‬وأن هــذا ُفهــم خطــأ‪،‬‬ ‫وموضحــا يف الســياق ذاتــه أنــه يســهر شــخص ًيا علــى صــون العالقــات‬ ‫ً‬ ‫اجلزائريــة ـ الســعودية رغــم محــاوالت املاكريــن‪.‬‬ ‫ويف املقابــل يالحــظ أن الســعودية بــدأت ‪-‬منــذ العــام ‪2015‬م‪-‬‬ ‫عمليــة واســعة مــن إعــادة النظــر يف سياســتها اخلارجيــة و حتديــد‬ ‫أولويــات أمنهــا الوطنــي يف أعقــاب التغيــرات الدراماتيكيــة التــي‬ ‫حلقــت بعــدد مــن امللفــات والقضايــا اإلقليميــة‪ ،‬حيــث تبنــت الريــاض‬ ‫نهجــا يف السياســة اخلارجيــة أكثــر فعاليــة وإقدا ًمــا‪،‬‬ ‫منــذ ‪ 2015‬م ً‬ ‫وأظهــرت مــن خــالل اخلطــوات التــي خطتهــا خــالل هــذه املرحلــة‬ ‫أنهــا جــادة يف تطبيــق اســتراتيجية تســتهدف حتقيــق ثالثــة أهــداف‬ ‫أساســية‪ ،‬هــي‪ :‬مواجهــة مخاطــر نفــوذ إيــران املتزايــد يف املنطقــة‪،‬‬ ‫وبنــاء حتالفــات جديــدة علــى املســتوى العاملــي واملنطقــة‪ ،‬وتطويــر‬ ‫شــراكة اقتصاديــة جديــدة علــى نطــاق العالــم كلــه يف ســبيل تعزيــز‬ ‫قدراتهــا االقتصاديــة‪.‬‬ ‫وبنــاء علــى مــا تضمنتــه مقاربــة السياســة اخلارجيــة للبلديــن‬ ‫يف التعاطــي مــع مختلــف التداعيــات التــي أنتجهــا احلــراك القائــم‬ ‫يف املنطقــة العربيــة منــذ ‪ 2010‬م‪ ،‬اختلفــت املواقــف حــول عــدد مــن‬ ‫القضايــا وامللفــات اإلقليميــة‪ ،‬أهمهــا‪:‬‬ ‫● املوقف من أزمات املنطقة (األزمة الليبية ‪/‬السورية ‪/‬اليمنية)‪:‬‬ ‫حيــث رفضــت اجلزائــر كل أشــكال التدخــل يف الشــؤون الداخليــة‬ ‫واضحــا عندمــا اعترضــت اجلزائــر‬ ‫للــدول الثــالث‪ ،‬وجتلــى ذلــك‬ ‫ً‬ ‫باإلضافــة إلــى ســوريا‪ -‬علــى قــرار مجلــس جامعــة الــدول العربيــة‬‫رقــم ‪ 7360‬الصــادر ‪2011/03/12‬م ‪،‬الــذي كان مبثابــة الشــرعنة‬ ‫التــي أضفتهــا اجلامعــة العربيــة علــى التدخــل يف ليبيــا‪ ،‬وتبنــت‬ ‫مقاربــة دبلوماســية لفتــرة مــا بعــد نظــام معمــر القــذايف قائمــة‬

‫علــى ضــرورة العمــل علــى دفــع األطــراف الليبيــة ‪-‬دون إقصــاء أي‬ ‫طــرف‪ -‬نحــو حــوار سياســي يكــون كفيــال بوقــف الصراعــات املســلحة‬ ‫الداخليــة‪ ،‬ويف ســوريا تظــل املقاربــة اجلزائريــة تؤكــد علــى أمــور‬ ‫ثالثــة‪ :‬احلفــاظ علــى وحــدة األراضــي الســورية‪ ،‬ضــرورة احلــوار‬ ‫بــن الســلطة واملعارضــة وجتنــب عســكرة النــزاع‪ ،‬ضــرورة مكافحــة‬ ‫اإلرهــاب‪ ،‬ويف اليمــن رفضــت اجلزائــر املشــاركة يف عمليــة عاصفــة‬ ‫احلــزم‪ ،‬التــي انطلقــت يف ‪ 26‬مــارس ‪2015‬م املوجهــة ضــد جماعــة‬ ‫احلوثيــن يف اليمــن املدعومــة مــن إيــران‪.‬‬ ‫● املوقف من التحالف اإلسالمي ضد اإلرهاب‪:‬‬ ‫وعلى الرغم من محورية مكافحة اإلرهاب يف السياســة اخلارجية‬ ‫اجلزائرية‪ ،‬إال أنها رفضت املشــاركة يف التحالف العســكري اإلســالمي‬ ‫يف ‪15‬ديســمبر ‪2015‬م‪ ،‬بالنظر إلى عاملن اثنتن‪:‬‬ ‫ الدســتور اجلزائــري يف مادتــه (‪ )26‬ينــص علــى عــدم الســماح‬‫مبشــاركة اجليــش اجلزائــري يف مهمــات خــارج حــدود بــالده‪.‬‬ ‫ جــاء هــذا التحالــف يف وقــت وبيئــة إقليميــة تتســم بالغمــوض‬‫بالنســبة للجزائــر يف ظــل اشــتداد حــدة التجــاذب اإلقليمــي‪ ،‬إذ قــد‬ ‫يتــم يف هــذا الســياق تســييس مفهــوم اإلرهــاب مــن املنظــور اجلزائري‬ ‫كمــا الحظنــا مــع قــرار تصنيــف حــزب اهلل مبنظمــة إرهابيــة مــن قبــل‬ ‫جامعــة الــدول العربيــة يف مــارس عــام ‪2016‬م‪ ،‬وهــو القــرار الــذي مت‬ ‫رفضــه مــن قبــل اجلزائــر‪.‬‬ ‫إن البحــث يف خلفيــات املوقــف اجلزائــري مــن قضايــا وملفــات‬ ‫املنطقــة غيــر املتوافــق مــع املواقــف اخلليجيــة يثيــر العديــد مــن‬ ‫اإلشــكاليات‪ ،‬ففــي الوقــت الــذي تؤكــد فيــه اجلزائــر االلتــزام‬ ‫باحليــاد اإليجابــي والنــأي بنفســها عــن سياســة احملــاور اإلقليميــة‬ ‫والدوليــة ‪ ،‬هنــاك وجهــة نظــر أخــرى تــرى بــأن السياســية اخلارجيــة‬ ‫اجلزائريــة جتــاه القضايــا الراهنــة ال تتســم باحليــاد ‪،‬إذ هنــاك‬ ‫بعــض املؤشــرات التــي تظهــر بــأن اجلزائــر محســوبة علــى احملــور‬ ‫الروســي‪ -‬الســوري‪ -‬اإليرانــي‪ ،‬علــى حســاب املوقــف اخلليجــي الــذي‬ ‫بــات يشــمل املغرب(الربــاط) ً‬ ‫أيضــا‪ ،‬وبالتالــي تقــارب وجهــات النظــر‬ ‫بــن اجلزائــر واحملــور الســابق حــول القضايــا الراهنــة لــم يكــن علــى‬ ‫ً‬ ‫مرتبطــا مببــادئ السياســية اخلارجيــة اجلزائريــة‪،‬‬ ‫نحــو الصدفــة أو‬ ‫بــل كان يعبــر عــن صــراع محــاور بــات يشــمل حتــى املغــرب واجلزائــر‪،‬‬ ‫ومــن املؤشــرات علــى ذلــك ‪:‬‬ ‫ تبــادل الزيــارات الســورية ‪ -‬اجلزائريــة والــذي قابلــه يف فتــرة‬‫وجيــزة تأكيــد الدعــم اخلليجــي للمغــرب حــول قضيــة الصحــراء‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪37‬‬

‫ملف العدد‬

‫حــدود العالقــات الجزائريــة الســعودية فــي ظــل املتغيــرات اإلقليميــة الراهنــة‪:‬‬

‫سمة العالقات السعودية ـ الجزائرية الهدوء‬ ‫والتقارب وتجاوز الخالفات السياسية‬ ‫توصــف العالقــات اجلزائريــة ـ الســعودية يف الســنوات األخيــرة بـ"الدبلوماســية الصامتــة"‪ ،‬فرغــم حــرص املســؤولن يف‬ ‫البلديــن علــى إظهــار العالقــات يف وضعهــا الطبيعــي مــن خــالل تبــادل الزيــارات‪ ،‬لكــن ذلــك ال يخفــي اختالفــات يف املواقــف‬ ‫جتــاه بعــض القضايــا اإلقليميــة‪ ،‬حيــث شــهدت الفتــرة األخيــرة زيــارات متبادلــة هدفهــا دفــع قاطــرة التعــاون االقتصــادي‬ ‫وتقريــب وجهــات النظــر يف القضايــا السياســية اإلقليميــة الراهنــة‪ ،‬ويف الوقــت الــذي تشــهد فيــه العالقــات االقتصاديــة‬ ‫بــن البلديــن توقيــع العديــد مــن االتفاقيــات يف مجــاالت عــدة‪ ،‬لــم يؤثــر التبايــن يف املواقــف السياســية لكليهمــا علــى ذلــك‪،‬‬ ‫ولــم يتعطــل التعــاون يف املجــاالت األخــرى‪ ،‬وهــو مــا يثيــر التســاؤل حــول الدوافــع واألبعــاد االســتراتيجية لتفعيــل التعــاون‬ ‫االقتصــادي بــن البلديــن يف ظــل التبايــن حيــال القضايــا اإلقليميــة الراهنــة‪.‬‬

‫د‪ .‬آمال زرنيز‬ ‫يؤكــد الكثيــر مــن احملللن واملتابعن لطبيعة العالقات اجلزائرية‪-‬‬ ‫اخلليجيــة أن هــذه األخيــرة مــرت يف الســنوات األخيــرة مبــا وصفــه‬ ‫الكاتــب اجلزائــري زرواق نصيــر بـ"نــوع مــن املناكفــة الصامتــة غيــر‬ ‫املعلنــة"‪ ،‬والتــي لــم تخــرج عــن واجــب التحفــظ الرســمي بالنظــر‬ ‫لطبيعــة الدبلوماســيتن التــي تتســم بعــدم التســرع واحملافظــة‬ ‫عــن اللياقــة الدبلوماســية يف كل األحــوال‪ ،‬فقــد ظلــت العالقــات‬ ‫الســعوديةــ اجلزائريــة متأثــرة مبوجــات املــد واجلــذر بســبب القضايــا‬ ‫اإلقليميــة ومنهــا قضيــة الصحــراء‪ ،‬فاملوقــف اخلليجــي ليــس متطاب ًقا‬ ‫مــع موقــف اجلزائــر‪ ،‬إال أن ذلــك لــم يعكــر األجــواء بــن اجلزائــر‬ ‫ودول مجلــس التعــاون اخلليجــي بصــورة كبيــرة‪ ،‬وظلــت العالقــات‬ ‫بــن اجلانبــن مقبولــة‪ ،‬إلــى أن جــاءت موجــة احلــراك االحتجاجــي‬ ‫العربــي أمــام مــا يســمى بثــورات الربيــع العربــي‪ ،‬لتكشــف النقــاب عــن‬ ‫حجــم التبايــن يف وجهــات النظــر بــن اجلانبــن‪ ،‬مــا ســاهم يف رفــع‬ ‫منســوب عــدم الوفــاق يف العالقــات بــن اجلانبــن‪ ،‬بســبب اختــالف‬ ‫املواقــف حيــال ملفـ ٍ‬ ‫ـات سياســية إقليميــة عديــدة‪.‬‬ ‫ورغـــم انـعـكـــاس تـأثـيـــر عـدة قــضـايـا على عـالقـات الـجانبن‪،‬‬ ‫إال أنـهــــما متكــــنا مـــن الـتــــقارب اقـتــــصاد ًيا وجتـــاوز تناقضـــات‬ ‫الـمـواقــــف الـسياسـيــــة‪ ،‬ممـــا يعنـــي أن هنـــاك حاجـــة ملحـــة‬ ‫للطرفـــن لتجـــاوز اخلالفـــات يف إطـــار تقـــارب براغماتـــي متليـــه‬ ‫العديـــد مـــن الدوافـــع‪.‬‬

‫أوال‪ :‬العالقــات الجزائريــة الســعودية‪ :‬تحديــات مشــتركة ومواقــف‬ ‫سياســية متباينة‬ ‫إن التحـوالت اجليوسياسـية التـي خلفتهـا موجـة احلـراك‬ ‫االحتجاجـي العربـي‪ ،‬أو مـا يسـمى بثـورات الربيـع العربـي منـذ نهايـة‬ ‫عـام ‪2010‬م‪ ،‬ولـدت مجموعـة مـن التحديـات التـي كان علـى دول‬ ‫املنطقة مواجهتها وإيجاد مقاربات على مسـتوى سياسـاتها اخلارجية‬ ‫مـن أجـل التعامـل معهـا‪ ،‬ولئن تقاربت مواقف بعـض الدول من حركات‬ ‫االحتجاجـي العربـي‪ ،‬إال أن دوال أخـرى مثـل اجلزائر و السـعودية التي‬ ‫طالت حركات االحتجاجي العربي دوال حدودية لهما‪ ،‬ظلت العالقات‬ ‫السياسـية بينهمـا رهينـة بطياتهـا وتفاصيلهـا لسياسـات وتوجهـات‬ ‫إقليميـة واسـتراتيجية‪ ،‬تتحكـم فيهـا جملـة مـن املبادئ رغـم التحديات‬ ‫املشـتركة التـي فرضتهـا املتغيـرات اإلقليميـة الراهنـة‪ ،‬ومنهـا ‪:‬‬ ‫ اســتفحال التهديــد اإلرهابــي ووجــود كل منهمــا بحــدود إقليميــة‬‫ملتهبــة ‪-‬رغــم االختــالف يف تصنيــف اجلماعــات اإلرهابيــة‪.-‬‬ ‫ تداعيــات أزمــات املنطقــة املعقــدة واملتشــابكة (األزمــة الليبيــة‪،‬‬‫اليمنيــة‪ ،‬الســورية) علــى األمــن القومــي للبلديــن‪.‬‬ ‫ حالــة التذبــذب وعــدم االســتقرار التــي يعرفهــا الســوق النفطــي‪،‬‬‫ناهيــك عــن ضعــف التعــاون االقتصــادي بــن البلديــن‪.‬‬ ‫ومــن املعــروف أن العالقــات اجلزائريــة ‪ -‬الســعودية‪ ،‬التــي‬ ‫غال ًبــا مــا توصــف بالبراغماتيــة لتأثرهــا بالســياق اجليوسياســي‪،‬‬

‫‪36‬‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫قضية العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تـمـتـلـ ــك الـجـزائـ ــر ‪ 85‬قـطـعـ ــة بـحـريـ ــة مـنـهـ ــا ‪ 8‬فـرقـاطـ ــات‬ ‫و ‪ ٦‬غـــواصــــــات هــــي األكــــثـــــر عـــربـ ًيــــا ولــديــهــــا ‪ 9‬مـوانــــئ‬ ‫الخاتمة‪:‬‬ ‫متث ــل اجلزائ ــر إح ــدى الق ــوى اإلقليمي ــة الهام ــة واملؤث ــرة س ــواء‬ ‫يف اإلطـــار العربـــي أو الشـــرق أوســـطي أو الشـــمال اإلفريقـــي‬ ‫واإلفريقــي يف ذات الوقــت‪ ،‬ومتتلــك مقومــات القــوة الشــاملة للدولــة‬ ‫يف أبعادهــا السياســية والعســكرية واالقتصاديــة واالجتماعيــة‪ ،‬ممــا‬ ‫مكنه ــا م ــن بن ــاء ق ــوات مس ــلحة قوي ــة ومؤث ــرة يف املي ــزان العس ــكري‬ ‫العربـــي واإلقليمـــي‪ ،‬حيـــث ال تفتقـــر إلـــى بنـــاء القـــوى البشـــرية‬ ‫العس ــكرية مب ــا ال يؤث ــر عل ــى ق ــوة العم ــل حت ــى وق ــت التعبئ ــة‪ ،‬كم ــا‬ ‫متتل ــك الق ــوة االقتصادي ــة الت ــي توف ــر ميزاني ــة عس ــكرية جي ــدة مب ــا‬ ‫ال يع ــوق خط ــط التنمي ــة‪.‬‬ ‫وبالتالــي فاجلزائــر قــادرة علــى الدعــم العســكري للجنــاح‬ ‫العربــي اإلفريقــي كمــا مت يف دعــم مصــر يف حــرب أكتوبــر (‪1973‬م)‬ ‫وميكنهــا أن تقــوم بذلــك لدعــم اجلنــاح العربــي اآلســيوي وخاصــة‬ ‫دول مجلــس التعــاون اخلليجــي‪ ،‬خاصــة يف حالــة االتصــال البــري‬ ‫بــن كل مــن مصــر والســعودية عبــر مدخــل خليــج العقبــة‪ ،‬ومتتلــك‬ ‫اجلزائــر قاعــدة مناســبة للصناعــات العســكرية اخلفيفــة ولكنهــا‬

‫ميكــن أن تتكامــل يف إطــار عربــي شــامل متــى خــرج ذلــك إلــى حيــز‬ ‫الوجــود مســتقبل ًيا‪ ،‬كمــا تبــذل اجلزائــر جهــو ًدا كبيــرة حملاولــة مــلء‬ ‫الفــراغ الليبــي نتيجــة تفســخ الدولــة الليبيــة‪ ،‬واالزدواج يف مؤسســاتها‬ ‫وتفشــي التواجــد اإلرهابــي بهــا ســواء مــن الداخــل الليبــي أو القــادم‬ ‫عبــر إقليــم الصحــراء مــن اجلنــوب أو القــادم مــن داعــش العــراق‬ ‫وســوريا بعــد هزائمــه هنــاك ‪،‬ســواء اجلزائــر منفــردة أو بالتنســيق‬ ‫مــع دول اجلــوار الليبــي العربــي وخاصــة مصــر وتونــس‪ ،‬حيــث تلعــب‬ ‫مصــر دو ًرا ها ًمــا يف الوســاطة بــن الطرفــن الليبيــن‪ ،‬وخاصــة يف‬ ‫البعــد األمنــي العســكري‪ ،‬وعلــى وشــك الوصــول إلــى نتائــج هامــة ‪..‬‬ ‫كمــا تبــذل اجلزائــر جهودهــا ملقاومــة الهجــرات غيــر الشــرعية مــن‬ ‫إفريقيــا إلــى أوروبــا عبــر املتوســط‪ ،‬ومــن خــالل ليبيــا بشــكل خــاص‬ ‫ملــا لتلــك الهجــرات مــن تــزاوج مــع املليشــيات اإلرهابيــة كجرميــة‬ ‫منظمــة يف مجــاالت األســلحة واملخــدرات وجتــارة البشــر ً‬ ‫أيضــا‪.‬‬ ‫* أســـتاذ األمـــن القومـــي الزائـــر بأكادمييـــة نـــارص العســـكرية العليـــا ـ‬ ‫مستشـــار املركـــز اإلقليمـــي للدراســـات االســـرتاتيجية بالقاهـــرة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫بشكل (ال أخالقي) بدعوى أنه كانت هناك عقود آجلة !! والرد أن‬ ‫تلك العقود كانت مع الدولة الليبية وليست مع مليشيات إرهابية !!‬ ‫ه‪ -‬سـهولة اإلمـداد باألسـلحة املهربـة بالتعـاون مـع اجلرميـة املنظمـة‬ ‫العابـرة للحـدود يف إطـار تبـادل املنفعـة باسـتخدام املخـدرات أو بيـع‬ ‫البشـر أو تسـهيل مـرور وعبـور الهجـرات غيـر املشـروعة مـن العمـق‬ ‫اإلفريقـي جنـوب الصحـراء الكبـرى إلـى أوروبـا عبـر املتوسـط ومـن‬ ‫أساسـا واجلزائرية واملصريـة واملغربية ثانو ًيا‪.‬‬ ‫خـالل املمـرات الليبية‬ ‫ً‬ ‫‪ -٢‬تبلــور املوقــف الليبــي يف النهايــة إلــى انقســام وازدواج يف مؤسســات‬ ‫الدولــة بــن الشــرق يف بنغــازي بزعامــة املشــير(حفتر) والغــرب يف‬ ‫طرابلــس بزعامــة (الســراج) الــذي أيدتــه نتائــج اتفــاق (الصخيــرات)‬ ‫وبالتالــي أصبــح هنــاك ازدواج يف الســلطات التشــريعية والتنفيذيــة‬ ‫وجيشــن‪ ،‬اجليــش الوطنــي شــر ًقا وجيــش الغــرب الــذي قوامــه‬ ‫الرئيســي قــوات البنيــان املرصــوص وخاصــة بعــد جناحهــا يف‬ ‫العمليــات العســكرية ضــد قــوات داعــش يف ســرت بدعــم جــوي‬ ‫أمريكــي ‪..‬باإلضافــة إلــى التفتــت والتشــرذم ‪.‬يف اجلنــوب الشاســع‬ ‫حيــث االنتمــاء إلــى القبيلــة أو العشــيرة التــي أصبــح كل منهــا لديــه‬ ‫ميليشــياته املســلحة ‪.‬‬ ‫ـودا كبيــرة للتوفيــق بــني اجلانبــني وخاصــة يف‬ ‫‪ -٣‬تبــذل مصــر جهـ ً‬ ‫املجــال العســكري واألمنــي‪ ،‬وقــد مت عقــد عــدد (‪ )6‬جلســات‪ ،‬وأن لــم‬ ‫يتحقــق نتائــج جنــاح كبيــرة حتــى اآلن‪ ،‬إال أنهــا بدايــة صحيــة علــى‬ ‫الطريــق‪ ،‬ويف حالــة النجــاح يف توحيــد املجــال األمني العســكري‪ ،‬فقد‬ ‫يكــون حافـزًا جيـدًا للنجــاح يف توحيــد باقــي املجــاالت واملؤسســات يف‬ ‫إطــار الدولــة املركزيــة‪.‬‬ ‫‪ -٤‬ممــا يزيــد مــن تــأزم املوقــف الليبــي‪ ،‬هــو أن ليبيــا هــي الوجهــة‬ ‫املناســبة للعديــد مــن مليشــيات داعــش مــن كل مــن العــراق وســوريا‪،‬‬ ‫وخاصــة بعــد هزميــة التنظيــم وتفــكك أهــم قالعــة و(عواصمــه) يف‬ ‫كل مــن املوصــل بالعــراق والرقــة بســوريا‪.‬‬ ‫‪ -٥‬ثــم عقــد عــدة لقــاءات لــدول اجلــوار الليبــي املتأثــرة بالفــراغ‬ ‫الليبــي‪ ،‬هــي كل مــن مصــر وتونــس و اجلزائــر يف عواصــم تلــك‬ ‫الــدول‪ ،‬للتنســيق وتبــادل املعلومــات ومتابعــة حتــركات وإعــادة متركــز‬ ‫تلــك امليليشــيات داخــل ليبيــا أو إلــى حــدود تلــك الــدول‪ ،‬كمــا حتــاول‬ ‫مــرا ًرا وخاصــة جتــاه احلــدود املصريــة واجلزائريــة ‪..‬وهمــا الدولتــان‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪35‬‬

‫اللتــان يقــع علــى عاتقهمــا مهمــة ملــئ الفــراغ الليبــي تدريج ًيــا‪.‬‬ ‫وأقتــرح مســتقب ً‬ ‫ال أن يتــم توســيع تلــك الدائــرة لتشــمل كل مــن‬ ‫الســودان‪ ،‬وكذلــك دول إقليــم الصحــراء ذات احلــدود املتاخمــة مثــل‬ ‫(تشــاد ‪ -‬النيجــر ‪ -‬مالــي)‪...‬‬

‫سادســا‪ :‬الجيــش الجزائــري ومقاومــة الهجــرات اإلفريقيــة غيــر‬ ‫ً‬ ‫المشــروعة إىل أوروبــا‪:‬‬ ‫بــدأت تلــك الهجــرات منــذ وقــت طويــل ولكــن مبعــدالت محــددة‪،‬‬ ‫وكان دافعهــا مــن الــدول اإلفريقيــة الطــاردة‪ ،‬هــو الفقــر وضعــف‬ ‫التنميــة والصراعــات املســلحة ألســباب مختلفــة‪ ،‬مثــل الصــراع علــى‬ ‫الســلطة‪ ،‬أو ألســباب عرقيــة أو خو ًفــا مــن املليشــيات اإلرهابيــات‬ ‫أو جنــاح سماســرة الهجــرة بالدعايــة إلــى االنتقــال مــن اجلحيــم‬ ‫اإلفريقــي إلــى اجلنــة األوروبيــة !!!‬ ‫زادت وتيــرة تلــك الهجــرات بشــكل كبيــر بالتزامــن مــع الفوضــى‬ ‫الناجتــة عــن الربيــع العربــي وخاصــة يف ليبيــا وتونــس‪ ،‬واالنشــغال‬ ‫اجلزائــري واملصــري يف مقاومــة اإلرهــاب الداخلــي‪ ،‬مما أفرز حدو ًدا‬ ‫شاســعة غيــر مؤمنــة يســهل اختراقهــا عبــر فــراغ الدوليــة وخاصــة‬ ‫يف ليبيــا إلــى بعــض املوانــئ غيــر املســيطر عليهــا‪ ،‬واســتخدام ســفن‬ ‫صيــد أو زوارق غيــر مؤهلــة لألمــن البحــري وخاصــة مــع حمــوالت‬ ‫أضعــاف الطاقــة االســتيعابية‪ ،‬ممــا ينتــج عنــه غــرق العديــد مــن‬ ‫تلــك الســفن التــي تســتهدف إيطاليــا بالدرجــة األولــى‪ ،‬ثــم فرنســا‬ ‫واليونــان وإســبانيا بالدرجــة التاليــة‪.‬‬ ‫وينــدرج ذلــك حتــت غطــاء تبــادل املنفعــة بــن اإلرهــاب واجلرمية‬ ‫املنظمــة العابــرة للحــدود‪ ،‬يف تبــادل وبيــع األســلحة واملخــدرات‬ ‫والبشــر‪ ،‬خاصــة مــع الضعــف العســكري لــدول اجلــوار اجلنوبــي‬ ‫اإلفريقــي لــكل مــن ليبيــا واجلزائــر‪ ،‬واملتمثلــة يف كل مــن تشــاد‬ ‫والنيجــر ومالــي مــن الشــرق إلــى الغــرب علــى التوالــي‪.‬‬ ‫تبــذل القــوات املســلحة اجلزائريــة وخاصــة قــوات حــرس‬ ‫احلــدود‪ ،‬جهــو ًدا كبيــرة للســيطرة علــى مســافات كبيــرة مــن احلــدود‬ ‫املشــتركة اجلنوبيــة والشــرقية للدولــة األكبــر مســاحة يف إفريقيــا‬ ‫(‪ )1.382.000‬كــم ‪ .2‬ومحاربــة منــع تســرب تلــك الهجــرات إلــى‬ ‫العمــق اجلزائــري أو كمعبــر إلــى احلــدود الليبيــة‪.‬‬ ‫وتبــذل القــوات البحريــة اجلزائريــة جهــو ًدا كبيــرة للحــد مــن‬ ‫اســتخدام املوانــئ الفرعيــة للصيــد‪ ،‬أو االعتــراض يف عــرض البحــر‬ ‫املتوســط‪ ،‬يف إطــار التنســيق الشــمالي اإلفريقــي العربــي‪ ،‬واجلنوبــي‬ ‫األوروبــي وحلــف األطلنطــي‪.‬‬

‫الجزائـــر رصيـــد عربـــي أكدتـــه حـــرب أكتوبـــر وتحريـــر الكويـــت‬ ‫وتـــزداد الفاعليـــة عنـــد الربـــط البـــري بيـــن مصـــر والســـعودية‬

‫‪34‬‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫قضية العدد‬

‫إلــى االرتبــاط التجــاري بالعالــم حيــث كبــر حجــم النقــل ورخصــه ‪..‬‬ ‫ومتتلــك اجلزائــر أســطوالً بحر ًيــا عســكر ًيا قو ًيــا وخاصــة يف مجــال‬ ‫الغواصــات حيــث تأتــي يف املركــز األول عرب ًيــا‪.‬‬ ‫‪ -٣‬املوقع اجليوستراتيجي الهام‪:‬‬ ‫والــذي مي ًكــن مــن تقــدم الدعــم العســكري إلــى اجلــوار العربــي‬ ‫شــر ًقا ‪-‬حــرب أكتوبــر (‪1973‬م)‪ -‬أو غر ًبــا يف اجتــاه املغــرب‬ ‫وموريتانيــا وإقليــم الصحــراء بعــد اســتقراره كجــزء مــن املغــرب‪ ،‬كمــا‬ ‫أن اجلنــوب اجلزائــري هــو أهــم بوابــات الشــمال اإلفريقــي إلــى عمــق‬ ‫القــارة اإلفريقيــة عبــر إقليــم الصحــراء الكبــرى وخاصــة (النيجــر ‪-‬‬ ‫مالــي ‪ -‬موريتانيــا)‪ ،‬كمــا أن ســواحلها علــى البحــر‬ ‫املتوســط كأحــد أهــم البحــار الداخليــة املتحكمــة يف‬ ‫التجــارة بــن الشــرق والغــرب‪ ،‬يعطــي ميــزة إضافيــة‬ ‫للجزائــر‪ ،‬خاصــة مــع قربهــا مــن اجلنــوب األوروبــي‬ ‫ومضيــق جبــل طــارق عبــر جارتهــا املغــرب‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫خبــرات قتــال مســارح حــرب متعــددة ومتباينــة ســواء يف مناطــق‬ ‫جبليــة ‪ -‬صحراويــة ‪ -‬زراعيــة ‪ -‬مبنيــة‪ ،‬وهــو مــا أفــاده الح ًقــا يف‬ ‫حربــه علــى اإلرهــاب أو املتســللن عبــر حــدوده الشــرقية (ليبيــا)‬ ‫واجلنوبيــة الســابق ذكرهــا‪.‬‬ ‫‪ -٧‬توفر إمكانيات املناورة والنقل االستراتيجي‪:‬‬ ‫تتوفــر إمكانيــات النقــل البــري والبحــري واجلــوي بامتــالك‬ ‫أســطول نقــل مناســب يف كل مجــال‪ ..‬حيــث ميتلــك اجليش اجلزائري‬ ‫عــدد (‪ )266‬طائــرة نقــل ممــا ميكــن مــن نقــل قــوات كبيــرة أو إســقاط‬ ‫املظليــن يف الرحلــة الواحــدة مــع تكرارهــا‪ ،‬مــع إمكانيــة التعبئــة مــن‬ ‫املجهــود املدنــي وقــت احلــرب يف إطــار إعــداد الدولــة‬ ‫ً‬ ‫وأيضــا هــو مــا ينطبــق علــى النقــل البحــري‬ ‫للدفــاع‪،‬‬ ‫العســكري والتعبئــة املدنيــة ‪ ..‬أمــا النقــل البــري‬ ‫فقــد وضــع موضــع االختبــار الناجــح خــالل املرحلــة‬ ‫النهائيــة حلــرب أكتوبــر(‪1973‬م) لدعــم مصــر‪ ،‬وهــو‬ ‫مــا ميكــن أن يصــل إلــى اخلليــج العربــي ودول مجلــس‬ ‫التعــاون بســهولة بعــد بنــاء اجلســر بــن كل مــن مصــر‬ ‫والســعودية عبــر مدخــل خليــج العقبــة‪ ،‬وهــو مــا يوفــر‬ ‫وق ًتــا كبي ـ ًرا مقارنــة بالنقــل البحــري الــذي ســيحتاج‬ ‫إلــى حتميــل وتفريــق وانتظــار لوقــت طويــل لعبــور‬ ‫املضايــق واملمــرات املائيــة مثــل قنــاة الســويس‪.‬‬

‫الـجـيـش الـجـزائري‬ ‫الــ ‪ 25‬عالم ًيـا والثاني‬ ‫فــي شـمــال إفـريـقـيا‬ ‫والثالث عرب ًيا والسادس‬ ‫شـــــــرق أوســطـيـًـــا‬

‫‪ -٤‬مميزات االنتماء إلى مدرسة تسليحية واحدة‪:‬‬ ‫حيــث ينتمــي اجليــش اجلزائــري إلــى املدرســة‬ ‫الشــرقية الســوفيتية ثــم الروســية‪ ،‬ممــا يســهل‬ ‫املعياريــة والقياســية وخاصــة الذخائــر‪ ،‬كمــا يســهل‬ ‫التأمــن الفنــي والصيانــة‪ ،‬رغــم عيــوب إمكانيــة التعــرض لالحتــكار‪،‬‬ ‫ولذلــك تســعى اجلزائــر إلــى تنــوع مصــادر الســالح للتغلــب علــى أي‬ ‫احتــكار محتمــل‪ ،‬رغــم أن التعــدد لــه عيوبــه عكــس املدرســة الواحــدة‬ ‫يف مجــاالت العياريــة والقياســية والتأمــن الفنــي‪.‬‬ ‫‪ -٥‬توفر قاعدة مناسبة للتصنيع العسكري الذاتي‪:‬‬ ‫وهــو مــا يكفــي لتوفيــر معظــم الذخائــر الصغيــرة واملتوســطة‬ ‫والعديــد مــن قطــع الغيــار الالزمــة للصيانــة ‪ ..‬وهــي قاعــدة قابلــة‬ ‫للتطــور‪ ،‬يتوفــر الدعــم املالــي والكــوادر العلميــة الالزمــة للبحــث‬ ‫العلمــي وتوظيفــه يف املجالــن العســكري واملدنــي بشــكل متكامــل‪،‬‬ ‫كمــا أن ذلــك ميكــن أن يســهم بشــكل جيــد عرب ًيــا يف حالــة إقامــة‬ ‫مشــروع تصنيــع عســكري يف إطــار جماعــي عربــي ليشــارك كل‬ ‫مبــا ميلــك أو يتميــز بــه‪ ،‬باالشــتراك مــع دول عربيــه مثــل مصــر‬ ‫والســعودية واألردن وممكــن العــراق وســوريا بعــد تعافيهمــا مــن توابــع‬ ‫الربيــع العربــي والتغلــب علــى اإلرهــاب والتجزئــة‪.‬‬ ‫‪ -٦‬خبرات القتال التراكمية‪:‬‬ ‫يتمتــع اجليــش اجلزائــري بخبــرات قتــال تراكميــة عبــر عقــود‬ ‫طويلــة اكتســبها مــن حــروب العصابــات ضــد املســتعمر الفرنســي‬ ‫لنيــل االســتقالل ‪-‬وهــو مــا حتقــق‪ -‬حيــث اكتســب اجليــش اجلزائــري‬

‫خامسا‪ :‬الجزائر وملء الفراغ الليبي ومقاومة اإلرهاب‪:‬‬ ‫ً‬ ‫‪ -1‬تأثــرت ليبيــا بشــكل كبيــر بتوابــع الربيــع العربــي‪ ،‬ونتــج عــن ذلــك‬ ‫حالــة مــن الفوضــى وخاصــة بعــد تدخــل حلــف األطلنطــي ومقتــل‬ ‫الرئيــس الســابق معمــر القــذايف‪ ،‬ممــا أســفر عــن حالــة مــن التفســخ‬ ‫يف الدولــة ومؤسســاتها وحالــة مــن االقتتــال بــن أطــراف عــدة‬ ‫ذات مليشــيات مســلحة ســواء مــن الداخــل الليبــي نتيجــة االنتمــاء‬ ‫القبلــي والعشــائري وامتــالك الســالح الوفيــر مــن مخــازن الســالح‬ ‫الضخمــة التــي خلفهــا نظــام القــذايف‪ ،‬أو مــن اخلــارج نتيجــة تدفــق‬ ‫نظــم كالقاعــدة وداعــش والفاريــن مــن جنــوب الصحــراء ســواء نتيجــة‬ ‫احلــرب يف مالــي ينايــر (‪2011‬م) مــن األزاودو الطــوارق ‪،‬أو نتيجــة‬ ‫متــدد مليشــيات بوكوحــرام إلــى كل مــن شــمال الكاميــرون أو تشــاد‬ ‫‪ ..‬حيــث كان اجلنــوب الليبــي ميثــل املــالذ اآلمــن بامتيــاز لعــدة‬ ‫اعتبــارات أهمهــا‪:‬‬ ‫أ‪ -‬املســاحات الكبيــرة غيــر املســيطر عليهــا مــن الدولــة الليبيــة‬ ‫وخاصــة يف جنــوب البــالد‪.‬‬ ‫ب‪ -‬توفر اإليواء واإلمداد اللوجستي‪.‬‬ ‫ج‪ -‬توفر التمويل نتيجة استيالء بعض امليليشيات اإلرهابية على بعض‬ ‫مصادر وموانئ النفط وبيعها للخارج‪ ،‬وقيام بعض الدول بالشراء‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪33‬‬

‫الـجـزائــــر نـمــــوذج للـقــــوة الـشـامـلــــة للـدولــــة مــــن خــــالل‬ ‫الـمـربــــع الـسـيـاســــي واالقـتـصــــادي والـعـسـكــــري واالجـتـمـاعــــي‬ ‫‪ -٣‬حتليل اإلمكانيات والقدرات العسكرية للجيش اجلزائري‪:‬‬ ‫أ‪ -‬القوة البشرية‪:‬‬ ‫تبلــغ القــوات العاملــة عــدد (‪ )520‬ألــف مقاتــل‪ ،‬وهــو مبــا ميثــل‬ ‫(‪ )%1.29‬مــن عــدد الســكان‪ ،‬وميكــن مــن بنــاء قــوات مســلحة قويــة‬ ‫دون إرهــاق قــوة العمــل‪ ،‬وبإضافــة القــوات االحتياطيــة وقــت احلــرب‬ ‫أو التعبئــة (‪ )272‬ألــف مقاتــل‪ ،‬يشــكالن م ًعــا نســبة (‪ )%1.97‬مــن‬ ‫عــدد الســكان البالــغ (‪ )40.264.000‬وهــو مناســب طب ًقــا للمعــدالت‬ ‫الدوليــة التــي تعتبــر أن نســبة القــوات املســلحة إلــى عــدد الســكان‪،‬‬ ‫تكــون متوازنــة حــول نســبة (‪ )% 2 - 1.5‬وهــو مــا ينطبــق علــى‬ ‫اجلزائــر‪.‬‬ ‫ب‪ -‬القوات اجلوية‪:‬‬ ‫متتلــك عــدد (‪ )188‬طائــرة قتــال وهــي قــوة كبيــرة‪ ،‬باإلضافــة‬ ‫إلــى (‪ )266‬طائــرة نقــل وهــو أســطول ميكنــه نقــل قــوات كبيــرة يف‬ ‫الرحلــة الواحــدة وتــزداد يف حالــة التكــرار كمــا ميكــن إٍ ســقاط قــوة‬ ‫كبيــرة مــن املظليــن يف الرحلــة الواحــدة‪ ،‬باإلضافــة إلــى عــدد (‪)38‬‬ ‫هيــكل مســلح تســتخدم يف قتــال دبابــات العــدو‪ ،‬كخبــرة قتــال بــدأت‬ ‫منــذ حــرب أكتوبــر (‪1973‬م) ويزيــد مــن كفــاءة القــوات اجلويــة‪ ،‬توفــر‬ ‫عــدد (‪ )157‬مطــار وأراضــي هبــوط صاحلــة لالســتخدام العســكري‬ ‫بدرجــات متفاوتــة‪.‬‬ ‫جـ‪ -‬القوات البرية‪:‬‬ ‫متتلــك اجلزائــر عــدد ( ‪ )2405‬دبابــة قتالــة رئيســية (‪)MBT‬‬ ‫وهــو مــا يكافــئ عــدد (‪ )24‬لــواء مــدرع طب ًقــا للتنظيــم الشــرقي وهــو‬ ‫مــا يشــكل قــوة صدمــة مناســبة‪ ،‬كمــا متتلــك عــدد (‪ )6754‬مركبــة‬ ‫قتــال مدرعــة (‪ )AFV‬وهــي تشــكل عصــب القــوات امليكانيكيــة‬ ‫ســواء املشــاة أو املرافقــة للتشــكيالت املدرعــة‪ ،‬ومتتلــك عــدد (‪)490‬‬ ‫قطعــة مدفعيــة منهــا (‪ )220‬ذاتيــة احلركــة ((‪ SP‬ممــا يوفــر القــدرة‬ ‫ً‬ ‫وأيضــا‬ ‫علــى املنــاورة ومرافعــة التشــكيالت امليكانيكيــة واملدرعــة‬ ‫هنــاك عــدد (‪ )176‬مــن نظــم الصواريــخ امليدانيــة معظمهــا طــراز‬ ‫(‪ )BM–21‬وقــد يكــون جــزء منهــا مــن الطــرازات البالســتية‬ ‫(ســكود) الروســية الصنــع‪..‬‬ ‫د‪ -‬القوات البحرية‪:‬‬ ‫متتلــك اجلزائــر قــوة بحريــة قويــة بإجمالــي (‪ )85‬قطعــة متنوعــة‬ ‫أهمهــا عــدد (‪ )8‬فرقاطــات وعــدد (‪ )6‬غواصــات‪ ،‬هــي األكثــر عرب ًيــا‪،‬‬

‫ويزيــد مــن كفــاءة القــوات البحريــة اجلزائريــة‪ ،‬توفــر عــدد (‪ )9‬موانــئ‬ ‫ومرافــئ بحريــة علــى البحــر املتوســط‪.‬‬ ‫هـ‪ -‬امليزانية العسكرية‪:‬‬ ‫تعتبــر ميزانيــة كبيــرة لدولــة بتروليــة وقويــة اقتصاديــة‪ ،‬ممــا‬ ‫ميكــن مــن بنــاء قــوات مســلحة قويــة‪ ،‬مــع القــدرة علــى تنــوع مصــادر‬ ‫الســالح نظ ـ ًرا لتوفــر رصيــد مناســب مــن العمــالت الصعبــة‪ ،‬وتبلــغ‬ ‫امليزانيــة العســكرية للجيــش اجلزائــري لعــام (‪2017‬م) مــا قيمتــه‬ ‫(‪ )10.6‬مليــار دوالر‪.‬‬ ‫‪ -٤‬مصادر تسليح اجليش اجلزائري‪:‬‬ ‫ينتمي يف مجمله إلى املدرســة الشــرقية‪ ،‬منذ االحتاد الســوفيتي‬ ‫ثــم روســيا الح ًقــا‪ ،‬مــع تنــوع محــدود ملصــادر بعــض األســلحة الغربيــة‪،‬‬ ‫مــع توفــر قاعــدة محــدودة للصناعــات العســكرية‪ ،‬تغطــي جــز ًءا كبيـ ًرا‬ ‫مــن مطالــب القــوات املســلحة مــن األســلحة الصغيــرة واخلفيفــة‪،‬‬ ‫والعديــد مــن ذخائــر األســلحة اخلفيفــة واملتوســطة‪ ،‬وهــي قابلــة‬ ‫للتطــور مــع االهتمــام بالبحــث العلمــي‪.‬‬

‫راب ًعا‪ :‬مقومات الجيش الجزائري ومدى االستفادة منه عرب ًيا‪:‬‬ ‫‪ -1‬الشــك أن اجليــش اجلزائــري ميثــل إضافــة قويــة حملصلــة القــوة‬ ‫العربيــة العســكرية وبالتالــي محصلــة األمــن القومــي العربــي‪:.‬‬ ‫فهــو يحتــل مكانــة متقدمــة ضمــن التصنيــف الدولــي للمركــز‬ ‫(‪ )25‬ضمــن (‪ )133‬دولــة مصنفــة عامل ًيــا ‪ ..‬كمــا يحتــل املركــز الثانــي‬ ‫علــى مســتوى الشــمال اإلفريقــي والقــارة اإلفريقيــة‪ ،‬ويحتــل مــكان‬ ‫الصــدارة ضمــن التجمــع اإلقليمــي الفرعــي العربــي لالحتــاد املغاربــي‬ ‫ضمــن خمــس دول ‪ ..‬بينمــا يحتــل املركــز الثالــث عرب ًيــا‪ ،‬واملركــز‬ ‫الســادس ضمــن دول الشــرق األوســط‪ ،‬بإدخــال اجلــوار املباشــر‬ ‫القــوي لــكل مــن تركيــا وإيــران وإســرائيل‪ ،‬حيــث يكــون الترتيــب‬ ‫كاآلتــي‪ :‬تركيــا (‪ )8‬ومصــر (‪ )10‬وإســرائيل (‪ )15‬وإيــران (‪)21‬‬ ‫والســعودية (‪ )24‬واجلزائــر (‪.)25‬‬ ‫‪ -٢‬التوازن يف امتالك األسلحة املشتركة‪:‬‬ ‫وهــو التــوازن بــن كل مــن القــوات البريــة والبحريــة واجلويــة‬ ‫والدفــاع اجلــوي‪ ،‬فهنــاك بعــض اجليــوش قــد متتلــك بعــض العناصــر‬ ‫وتفتقــر إلــى األخــرى مثــل الــدول احلبيســة غيــر املطلــة علــى‬ ‫البحــار والتــي تفتقــر إلــى القــوات البحريــة عســكرياً‪ ،‬كمــا تفتقــر‬

‫‪32‬‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫والشــرق أوســطية واإلفريقيــة واملغاربيــة‪ ،‬ودول حــوض املتوســط‬ ‫األرومتوســطي‪ ،‬كمــا أنهــا عضــو فاعــل يف املنظمــات اإلقليميــة‬ ‫كاجلامعــة العربيــة واالحتــاد اإلفريقــي‪ ،‬باإلضافــة إلــى أنهــا عضــو‬ ‫مؤســس لــألمم املتحــدة‪.‬‬ ‫وعلــى املســتوى االقتصــادي‪ ،‬فهــي دولــة قويــة اقتصاديــة زراع ًيــا‬ ‫وصناع ًيــا‪ ،‬كمــا أنهــا دولــة منتجــة ومصــدرة للبتــرول‪ ،‬ومتلــك بنيــة‬ ‫أساســية صناعيــة مبــا يف ذلــك الصناعــات العســكرية اخلفيفــة‬ ‫القابلــة للتطــور ‪ ..‬أمــا علــى املســتوى االجتماعــي فــإن عــدد‬ ‫الســكان ميكــن أن يوفــر قــوة عمــل مناســبة وبنــاء قــوات مســلحة‬ ‫عاملــة واحتياطيــة قويــة دون تأثيــر علــى قــوة العمــل‪ ،‬عــدا وقــت‬ ‫احلــرب والتعبئــة‪ ،‬وعلــى املســتوى العســكري‪ ،‬فــإن القــوة االقتصاديــة‬ ‫والبشــرية مكنــت مــن بنــاء قــوات مســلحة قويــة جــاءت يف املركــز‬ ‫األول مغارب ًيــا واملركــز الثانــي للشــمال اإلفريقــي وإفريقيــا بعــد مصــر‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪ ..‬كمــا أن امتالكهــا لقــدرات النقــل اجلــوي العســكري واملدنــي املعبــأ‬ ‫واألســطول البحــري واملوانــئ واملطــارات‪ ،‬ميكنهــا مــن املنــاورة بقواتهــا‬ ‫مــن اجتــاه اســتراتيجي إلــى آخــر‪ ،‬وهومــا برهــن عليــه الواقــع خــالل‬ ‫املرحلــة النهائيــة حلــرب أكتوبــر (‪1973‬م) عندمــا نقلــت اجلزائــر‬ ‫مدرعــا بــ ًرا إلــى مصــر للمشــاركة يف تصفيــة قــوات الثغــرة‬ ‫لــوا ًء‬ ‫ً‬ ‫اإلســرائيلية ضمــن العمليــة (شــامل)‪.‬‬ ‫تبرهــن تلــك اإلمكانيــات علــى أن اجلزائــر متثــل رصيـدًا عرب ًيــا‬ ‫يضــاف للمحصلــة العربيــة ســواء يف اجلنــاح اإلفريقــي كمــا حــدث‬ ‫يف (‪1973‬م) أو لدعــم اجلنــاح اآلســيوي وخاصــة دول مجلــس‬ ‫التعــاون اخلليجــي كمــا حــدث خــالل حــرب حتريــر الكويــت‪ ،‬وإن تلــك‬ ‫اإلمكانيــات ســتزداد فاعليــة عنــد الربــط البــري بــن كل مــن مصــر‬ ‫والســعودية عبــر خليــج العقبــة‪ ،‬باإلضافــة إلــى إمكانيــات النقــل‬ ‫البحــري واجلــوي املتوفــرة حال ًيــا‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬الجيش الجزائري يف الميزان العسكري‪:‬‬ ‫‪ -1‬الـ ـج ـيـ ــش الـ ـجـزائ ــري يف التـص ــنيف ال ــدولي واإلق ـلـيم ــي ط ـبـق ـ ـًـا‬ ‫(‪GFP (GLOBAL FIRE POWER 2017‬‬ ‫الدول‬

‫مصر‬

‫اجلزائر‬

‫املغرب‬

‫ليبيا‬

‫تونس‬

‫موريتانيا‬

‫الترتيب الدولي (‪ )133‬دولة‬

‫‪10‬‬

‫‪25‬‬

‫‪54‬‬

‫‪73‬‬

‫‪78‬‬

‫‪130‬‬

‫الترتيب الشمالي إفريقي‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫‪4‬‬

‫‪5‬‬

‫‪6‬‬

‫الترتيب اإلفريقي شمال‬ ‫وجنوب الصحراء‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪6‬‬

‫‪7‬‬

‫‪8‬‬

‫‪14‬‬

‫الترتيب يف املغرب العربي‬

‫‪---‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫‪4‬‬

‫‪5‬‬

‫الترتيب الدولي واإلقليمي‬

‫مالحظات‬

‫إثيوبيا ‪3‬‬ ‫نيجريا ‪4‬‬ ‫السودان ‪5‬‬

‫‪-٢‬القدرات العسكرية للجيش اجلزائري‪:‬‬ ‫الدولة‬

‫قوة عاملة‬

‫اجلزائر‬

‫‪520.000‬‬

‫قوة احتياطية طائرات قتال‬

‫‪272.000‬‬

‫‪188‬‬

‫نقل‬

‫هيل مسلح‬

‫دبابات‬

‫مركبات قتال‬

‫‪266‬‬

‫‪38‬‬

‫‪2405‬‬

‫‪6754‬‬

‫مدفعيات‬ ‫‪SP‬‬ ‫‪490‬‬ ‫‪220‬‬

‫تابع‬ ‫الدولة‬

‫مدفعيات‬ ‫ميدان‬

‫إجمالي قوات‬ ‫بحرية‬

‫فرقاطات‬

‫غواصات‬

‫امليزانية مليار‬ ‫دوالر‬

‫موانئ بحرية‬

‫مطارات‬

‫اجلزائر‬

‫‪176‬‬

‫‪85‬‬

‫‪8‬‬

‫‪6‬‬

‫‪10.6‬‬

‫‪9‬‬

‫‪157‬‬

‫مالحظات‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪31‬‬

‫قــوام الجيــش ‪ 520‬أل ًفــا و‪ 272‬أل ًفــا احتياطــي و‪ 10.6‬مليــار دوالر للتســليح‬

‫الـجـزائـــر يف مـيـــزان الـقـــوى اإلقـلـيـمـــي‪:‬‬ ‫االحـتيـاطـ ــي االس ــتراتيجي الـعـ ــربي‬ ‫تعتبــر اجلزائــر إحــدى القــوى اإلقليميــة الهامــة واملؤثــرة يف املنطقــة‪ ،‬حيــث متتلــك مقومــات وعناصــر القــوة الشــاملة للدولــة‬ ‫عســكر ًيا‪ ،‬واقتصاد ًيــا‪ ،‬وسياسـ ًيا‪ ،‬واجتماع ًيــا‪ .‬وهــي الدولــة األكبــر مســاحة يف القــارة اإلفريقيــة بعــد انقســام الســودان حيــث‬ ‫تشــكل مــع مصــر احتياطــي اســتراتيجي عســكري مباشــر للجنــاح العربــي اإلفريقــي‪ ،‬وغيــر مباشــر للجنــاح العربــي اآلســيوي‬ ‫وخاصــة دول مجلــس التعــاون اخلليجــي‪ .‬ويحتــل اجليــش اجلزائــري مراكــز متقدمــة ضمــن التصنيــف الدولــي علــى املســتوى‬ ‫الشــرق أوســطي والعربــي واإلفريقــي‪ ،‬بينمــا يحتــل الصــدارة علــى املســتوى املغاربــي‪ ،‬ويتمتــع بخبــرات قتــال ضــد اإلرهــاب‪،‬‬ ‫توارثهــا مــن حــرب العصابــات خــالل حــرب التحريــر لعقــود طويلــة ضــد االحتــالل الفرنســي‪.‬‬

‫لواء أ‪.‬ح د‪ .‬محمد قشقوش‬ ‫ويشــكل املوقــع االســتراتيجي واحلــدود املشــتركة مــع ســت دول‪،‬‬ ‫أهميــة خاصــة يف مقاومــة اإلرهــاب واجلرميــة املنظمــة العابــرة‬ ‫للحــدود‪ ،‬والهجــرات غيــر املشــروعة مــن حدودهــا اجلنوبيــة املطلــة‬ ‫علــى الصحــراء الكبــرى وخاصــة عبــر النيجــر ومالــي‪ ،‬واملتجــه‬ ‫معظمهــا إلــى جنــوب ليبيــا‪ ،‬حيــث الفــراغ االســتراتيجي الليبــي الــذي‬ ‫يشــكل عب ًئــا إضاف ًيــا علــى كل مــن اجلزائــر ومصــر بشــكل خــاص‬ ‫وهــو مــا ســنعرض لــه‪.‬‬

‫المحتويات‪:‬‬ ‫اجلزائــر‪ ،‬الشــعب واألرض الوطــن ‪ -‬اجلزائــر كقــوة عربيــة‬ ‫إقليميــة مضافــة للرصيــد العربــي ‪ -‬اجليــش اجلزائــري يف امليــزان‬ ‫العســكري ‪ -‬مقومــات اجليــش اجلزائــري ومــدى االســتفادة منــه‬ ‫عرب ًيــا ‪ -‬اجلزائــر والفــراغ االســتراتيجي الليبــي ومقاومــة اإلرهــاب‬ ‫ اجلزائــر والهجــرات غيــر املشــروعة مــن جنــوب الصحــراء إلــى‬‫أوروبــا عبــر ليبيــا واجلزائــر‪.‬‬

‫عقــارب الســاعة (تونــس ‪ -‬ليبيــا ‪ -‬النيجــر ‪ -‬مالــي ‪ -‬موريتانيــا ‪-‬‬ ‫املغــرب ‪ -‬باإلضافــة إلــى إطاللــة محــدودة إلقليــم الصحــراء الغربيــة‬ ‫املتنــازع عليــه مــع املغــرب‪.‬‬ ‫واجلزائــر ذات موقــع جيــو اســتراتيجي هــام‪ ،‬ســواء ضمن اإلقليم‬ ‫العربــي‪ ،‬أو الشــمال اإلفريقــي‪ ،‬أو جنــوب املتوســط‪ ،‬باإلضافــة إلــى‬ ‫أنهــا قلــب املغــرب العربــي‪.‬‬ ‫وهــي أحــد أهــم البوابــات للشــمال اإلفريقــي الســاحلي إلــى قلــب‬ ‫القــارة اإلفريقيــة عبــر إقليــم الصحــراء الكبــرى‪ ،‬ومــن خــالل احلــدود‬ ‫املشــتركة مــع كل مــن النيجــر ومالــي وموريتانيــا‪ .‬رغــم أن ذلــك‬ ‫يلقــي علــى اجلزائــر مهمــة كبيــرة لتأمــن تلــك احلــدود الشاســعة‪،‬‬ ‫نظ ـ ًرا للضعــف العســكري واألمنــي لتلــك الــدول يف مواجهــة عبــور‬ ‫واختــراق تلــك احلــدود‪ ،‬ســواء مــن اجلماعــات اإلرهابيــة أو اجلرميــة‬ ‫املنظمــة العابــرة للحــدود أو الهجــرات غيــر املشــروعة إلــى أوروبــا‬ ‫عبــر املتوســط مــن خــالل اجلزائــر بشــكل محــدود أو مــن خــالل‬ ‫ليبيــا بشــكل كبيــر‪ ،‬نظـ ًرا للوضــع الليبــي املنقســم وضعــف الســيطرة‬ ‫األمنيــة العســكرية‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬الجزائر الشعب واألرض والوطن‪:‬‬ ‫تقــع اجلزائــر يف اإلقليــم الشــمالي الغربــي للقــارة اإلفريقيــة علــى‬ ‫ســاحل البحــر املتوســط‪ ،‬وهــي أكبــر الــدول اإلفريقيــة مســاحة حيــث‬ ‫تبلــغ (‪ )2.382.000‬كــم‪ 2‬ويبلــغ عدد ســكانها (‪ )40.264.000‬نســمة‬ ‫وهــي ذات حــدود مشــتركة مــع ســت دول عربيــة وإفريقيــة طب ًقا الجتاه‬

‫ثان ًيا‪ :‬الجزائر كقوة مضافة إىل الرصيد العربي واإلقليمي‪:‬‬ ‫منوذجــا للقــوة الشــاملة للدولــة مــن خــالل املربــع‬ ‫متثــل اجلزائــر‬ ‫ً‬ ‫السياســي واالقتصــادي والعســكري واالجتماعــي‪ ،‬فعلــى املســتوى‬ ‫السياســي هــي دولــة هامــة يف دوائرهــا اإلقليميــة املتعــددة‪ ،‬العربيــة‪،‬‬

‫‪30‬‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫دراسة العدد‬

‫اجلمركيـة الـذي يلتـزم بـه االحتاد األوروبي‪ ،‬أي أن اتفاقات الشـراكة‬ ‫ال تضيـف شـي ًئا علـى اإلطـالق لهـذه السـلع‪.‬‬ ‫● دول املغــرب العربــي تعقــد آمــاال كبيــرة علــى الصــادرات الزراعيــة‬ ‫إل ــى االحت ــاد األوروب ــي‪ ،‬إال أن ه ــذا األخي ــر يض ــع اعتب ــارات كثي ــرة‬ ‫عل ــى ال ــواردات الزراعي ــة م ــن خ ــارج االحت ــاد (املعايي ــر الصحي ــة‬ ‫وصحـــة النباتـــات وأنظمـــة احلجـــر الصحـــي)‪ ،‬وتشـــكل صعوبـــة‬ ‫التوصــل إلــى أســواق االحتــاد األوروبــي للســلع الزراعيــة قيـدًا كبيـ ًرا‬ ‫عل ــى من ــو التصدي ــر للكثي ــر م ــن ال ــدول املغاربي ــة‪.‬‬ ‫● اتفاقيــات الشــراكة األوروبيــة ال متتــد لتشــمل جتــارة اخلدمــات‬ ‫خاصــة تلــك املرتبطــة بتحــركات العمالــة‪ ،‬وهــو القطــاع الــذي يشــكل‬ ‫مكاســب محتملــة لكثيــر مــن الــدول املغربيــة‪.‬‬ ‫● قواع ــد املنش ــأ املطبق ــة يف اتفاقي ــات الش ــراكة‬ ‫م ــع االحت ــاد األوروب ــي معق ــدة ومقي ــدة إذ تخض ــع‬ ‫العديــد مــن الســلع املصنعــة املصــدرة إلــى قواعــد‬ ‫صارمــة يف املنشــأ تعيــق إمكانيــة توســيع التجــارة‪.‬‬ ‫● الســوق األوروبيــة مــع ضخامتهــا الفائقــة‬ ‫وتنوعهــا باملقارنــة مــع األســواق املغاربيــة ســتمارس‬ ‫قــوة جاذبــة لربــط أســواق دول املغــرب العربــي‬ ‫بعجلــة االقتصــاد األوروبــي‪ ،‬باملقابــل متــارس قــوة‬ ‫طــاردة للعالقــة بــن هــذه األخيــرة وبقيــة الــدول‬ ‫العربيــة األعضــاء وغيــر األعضــاء يف هــذه االتفاقيــات‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫اســتغالالً كام ـ ً‬ ‫ال‪ .‬وتوجــد إمكانيــات كبيــرة لزيــادة التكامــل بــن دول‬ ‫املغــرب العربــي كــون كثيــر مــن خصائــص املنطقــة يؤهلهــا خللــق‬ ‫فــرص للتجــارة واالســتثمار‪ ،‬فاملنطقــة تتمتــع بقاعــدة مــوارد طبيعيــة‬ ‫وبشــرية وماليــة متنوعــة تنتشــر بــن بلدانهــا‪ ،‬وهــي متثــل ســو ًقا‬ ‫كبيــرة ذات قــدرة شــرائية ال بــأس بهــا‪ ،‬كمــا تتمتــع البلــدان املغاربيــة‬ ‫بطــرق جتاريــة إقليميــة يســهل الوصــول إليهــا نســب ًيا‪ .‬وثمــة مكاســب‬ ‫قــد تكــون كبيــرة لــكل دولــة مــن دول االحتــاد املغاربــي يف تعزيــز‬ ‫وتعميــق اندماجهــا اإلقليمــي‪ ،‬فالــدول الغنيــة باملــوارد (اجلزائــر‬ ‫وليبيــا) ســوف تكســب مــن ســوق إقليمــي متنــوع يقلــل مــن مخاطــر‬ ‫اعتمادهــا الشــديد علــى املــوارد‪ ،‬ويؤمــن الدخــول يف اتفاقيــات‬ ‫التجــارة احلــرة التــي تولــت إبرامهــا االقتصاديــات ذات‬ ‫القاعــدة اخلدميــة (تونــس واملغــرب)‪ ،‬التــي ستســتفيد‬ ‫هــي األخــرى مــن مســتويات الدخــل املرتفعــة ألســواق‬ ‫جاراتهــا مبــا ميكنهــا مــن حتفيــز االســتثمار وتقويــة‬ ‫التنافســية العامليــة‪.‬‬ ‫ه ــذا م ــا يتطل ــب اإلس ــراع يف تعمي ــق وتوس ــيع‬ ‫مبـــادرات االندمـــاج لتشـــمل اخلدمـــات وتدفقـــات‬ ‫االســـتثمارات‪ ،‬مـــن خـــالل حتســـن بيئـــة األعمـــال‬ ‫ألداء القطـــاع اخلـــاص الـــذي يعانـــي مـــن وطـــأة‬ ‫ارتف ــاع تكالي ــف املعام ــالت التجاري ــة والبيروقراطي ــة‬ ‫وكـــذا تـــردي منـــاخ االســـتثمار‪ ،‬واســـتخدام املنافســـة يف الســـوق‬ ‫اإلقليميـــة كآليـــة لتتهيـــأ معهـــا االقتصاديـــات املغاربيـــة ملواجهـــة‬ ‫املنافســـة حيـــال املؤسســـات األوروبيـــة واألمريكيـــة بعـــد دخـــول‬ ‫اتفاقي ــات الش ــراكة األوروبي ــة واألمريكي ــة حي ــز التنفي ــذ‪ ،‬وجع ــل‬ ‫ه ــذه االتفاقي ــات عام ــل داع ــم لتعزي ــز مس ــار االندم ــاج املغارب ــي ال‬ ‫عامـــل طـــارد للعالقـــات البينيـــة‪.‬‬ ‫ولـــو تركنـــا جان ًبـــا املفاضلـــة بـــن اخليارات(املغاربيـــة ‪-‬‬ ‫املغاربيـــة) أو ( املغاربيـــة ‪ -‬العربيـــة) و (املغاربيـــة ‪ -‬األوروبيـــة‬ ‫ األميركي ــة) ف ــإن املس ــألة األه ــم تتعل ــق بقص ــور اخلي ــار املغارب ــي‬‫يف قي ــام احت ــاد حقيق ــي وتوفي ــر اإلط ــار القانون ــي واالقتص ــادي‬ ‫ل ــه ك ــي تواج ــه ش ــعوب املغرب ــي العرب ــي حتدي ــات العومل ــة بص ــورة‬ ‫متضافـــرة فعالـــة معتمـــدة علـــى ديناميكيـــة النمـــو االقتصـــادي‬ ‫املش ــترك واملتكام ــل‪ ،‬وبع ــد ف ــإن دول املغ ــرب العرب ــي بحاج ــة إل ــى‬ ‫اتفـــاق اســـتراتيجي يدعمـــه االلتـــزام السياســـي القـــوي لتطويـــر‬ ‫تكت ــل اقتص ــادي إقليم ــي يعظ ــم ق ــدرة املنطق ــة عل ــى حتقي ــق تنمي ــة‬ ‫مجديـــة ملواطنيهـــا‪.‬‬

‫االتحــاد األوروبــي‬ ‫الشــريك التجاري الهام‬ ‫للـــــدول الـمـغـاربـيـــة‬ ‫بـــحـــصــــة ‪ %50‬مــن‬ ‫الـمـبـادالت الـتـجـاريـة‬

‫أمـا فيمـا يخـص الشـراكة مـع الواليـات املتحـدة األمريكيـة‬ ‫فهـي حديثـة مقارنـة بالشـراكة األوربيـة‪ ،‬وهـي متثـل أحـد أدوات‬ ‫الديبلوماسـ ّية التجار ّيـة التـي جلـأت إليهـا واشـنطن‪ ،‬و مـن املب ّكـر‬ ‫جـداً تقـومي األثـر االقتصـادي التفاقيـة التجـارة احلـ ّرة نظـ ًرا إلـى‬ ‫أن تطبيقهـا لـم يبـدأ إال يف ينايـر ‪2006‬م‪ ،‬إال أن اإلشـارات األول ّيـة‬ ‫مثيـرة لالهتمـام وتـدل علـى أن التبـادل التجـاري بـن البلديـن ارتفـع‬ ‫مبتوسـط ‪% 47‬خـالل الفتـرة ‪2008-2006‬م‪ ،‬و ارتفعـت الصـادرات‬ ‫املغربية نحو الو‪.‬م‪.‬أ إلى ‪ 864.36‬مليون دوالر سـنة ‪ 2008‬مقارنة بـ‬ ‫لكـن التبـادل التجـاري‬ ‫‪ 281.14‬مليـون دوالر سـنة ‪( 2005‬الشـكل‪ّ .)2‬‬ ‫بـن املغـرب وأمريـكا بقـي محدو ًدا مقارن ًة بحجم التبادل بن االحتاد‬ ‫َّ‬ ‫حصـة أمريـكا ‪ % 5‬مـن حجـم التبـادل‬ ‫األوروبـي واململكـة‪ ،‬لـم‬ ‫تتخـط ّ‬ ‫املغربـي عـام ‪2016‬م‪ ،‬إال أن مـا يعـول عليه املغرب هو تدفق‬ ‫التجـاري‬ ‫ّ‬ ‫االسـتثمارات األمريكيـة التـي ارتفعـت مـن ‪ 226‬مليـون درهـم مغربـي‬ ‫سـنة ‪2005‬م‪ ،‬إلـى ‪ 1544‬مليـون درهـم سـنة ‪.2015‬‬

‫خـاتـمـة‬ ‫تتمتــع البلــدان املغاربيــة باملقومــات الســليمة لتحقيــق التكامــل‬ ‫اإلقليمــي ومســتوى التفاعــل االقتصــادي يف املنطقــة لــم يســتغل‬

‫* أستاذ محارض‪ ،‬كلية العلوم االقتصادية والعلوم التجارية وعلوم التسيري‪،‬‬ ‫جامعة الجزائر ‪) 3‬الجزائر( – الجمهورية الجزائرية الدميقراطية الشعبية‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫اجلدول رقم (‪ :)٤‬حصة صادرات الدول املغاربية حسب الشركاء من‬ ‫املنطقة العربية ( ‪)%( )٢٠1٦‬‬ ‫الشريك‬

‫الدول العربية‬

‫املغرب العربي‬

‫اتفاقية أغادير‬

‫تونس‬

‫‪%9.7‬‬

‫‪%7.95‬‬

‫‪%1.96‬‬

‫اجلزائر‬

‫‪%3.0‬‬

‫‪%1.29‬‬

‫‪-‬‬

‫املغرب‬

‫‪%3.7‬‬

‫‪%1.37‬‬

‫‪%0.88‬‬

‫ليبيا‬

‫‪%2.1‬‬

‫‪%1.98‬‬

‫‪-‬‬

‫موريتانيا‬

‫‪%2.1‬‬

‫‪%0.92‬‬

‫‪-‬‬

‫املغرب العربي‬

‫‪%5.50‬‬

‫‪%2.08‬‬

‫‪-‬‬

‫دول االحتاد‬

‫دراسة العدد‬

‫اجلدول رقم (‪ :)٥‬التجارة اخلارجية للدول املغاربية مع االحتاد‬ ‫األوروبي و الواليات املتحدة األمريكية ( ‪)%( )٢٠1٦‬‬ ‫الشريك‬ ‫دول االحتاد‬

‫املصدر‪ :‬مجمعة من طرف الباحث اعتما ًدا على‪:‬‬ ‫‪IMF, Direction of Trade Statistics, June 2017‬‬ ‫‪Available at: www.imfbookstore.org‬‬ ‫لـــذا يبـــدو أنـــا مدخـــل حتريـــر التبـــادل التجـــاري الســـلعي‬ ‫واالنتق ــال إل ــى مراح ــل أعل ــى م ــن التكام ــل ال ي ــزال يش ــكل خي ــار‬ ‫غيـــر مناســـب إلعـــادة بعـــث مســـيرة االندمـــاج املغاربـــي‪ ،‬واألمـــر‬ ‫يتطل ــب إع ــادة التفكي ــر بص ــورة واقعي ــة يف التحدي ــات احلقيقي ــة‬ ‫الت ــي تواج ــه ال ــدول املغاربي ــة مجتمع ــة م ــن خ ــالل تبن ــي صيغ ــة‬ ‫اندماجيـــة أكثـــر عم ًقـــا‪ ،‬تســـتجيب لالحتياجـــات الواقعيـــة‬ ‫لالقتصاديـــات املغاربيـــة وتســـتقصى مجـــاالت واعـــدة ميكـــن‬ ‫اختيارهـــا كبدائـــل إلعـــادة بعـــث املشـــروع املتعثـــر‪ ،‬دون إغفـــال‬ ‫االلتزامـــات التـــي تنطـــوي عليهـــا االتفاقيـــات احلاليـــة أو بعـــض‬ ‫املكتســـبات التـــي جنمـــت عنهـــا‪.‬‬

‫اتـفـاقـيـــات الـتـجـــارة الـحـــرة لـــدول الــمــغــــرب الـعـربـــي مـــع‬ ‫أطـــراف أجـنـبـيـــة‬ ‫فيم ــا يتعل ــق باالتفاقي ــات املوقع ــة ب ــن ال ــدول املغاربي ــة وبع ــض‬ ‫ال ــدول املتقدم ــة تش ــمل أه ــم ه ــذه االتفاقي ــات‪ :‬اتفاقي ــات الش ــراكة‬ ‫مـــع االحتـــاد األوروبـــي (تونـــس‪ ،‬اجلزائـــر واملغـــرب)‪ ،‬واتفاقيـــة‬ ‫التج ــارة احل ــرة ب ــن املغ ــرب وأمري ــكا‪.‬‬ ‫فيم ــا يخ ــص اتفاقي ــات الش ــراكة األورمتوس ــطية‪ ،‬فه ــي تعك ــس‬ ‫األهميـــة النســـبية الكبيـــرة لالحتـــاد األوروبـــي كشـــريك جتـــاري‬ ‫للمنطق ــة‪ ،‬إذ تتج ــاوز حص ــة املب ــادالت التجاري ــة املغاربي ــة من‪/‬إل ــى‬ ‫االحت ــاد نس ــبة ‪ %50‬م ــن إجمال ــي جتارته ــا اخلارجي ــة‪.‬‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪29‬‬

‫االحتاد األوروبي‬

‫الو‪.‬م‪.‬أ‬

‫صادرات‬

‫واردات‬

‫صادرات‬

‫واردات‬

‫تونس‬

‫‪%65.40‬‬

‫‪%71.78‬‬

‫‪%3.16‬‬

‫‪%2.32‬‬

‫اجلزائر‬

‫‪%49.77‬‬

‫‪%55.91‬‬

‫‪%23.86‬‬

‫‪%6.99‬‬

‫املغرب‬

‫‪%56.45‬‬

‫‪%56.33‬‬

‫‪%4.38‬‬

‫‪%4.68‬‬

‫املصدر‪ :‬مجمعة من طرف الباحث اعتما ًدا على‪:‬‬ ‫‪IMF, Direction of Trade Statistics, June 2017‬‬ ‫‪Available at: www.imfbookstore.org‬‬ ‫و ترتكــز اآلليــة العمليــة التفاقيــات الشــراكة علــى إنشــاء منطقــة‬ ‫جت ــارة ح ــرة ب ــن االحت ــاد األوروب ــي و كل دول ــة عل ــى ح ــدة خ ــالل‬ ‫فت ــرة زمني ــة انتقالي ــة تت ــراوح ب ــن عش ــر س ــنوات إل ــى اثنت ــي عش ــرة‬ ‫س ــنة وتغط ــي ه ــذه االتفاقي ــات معظ ــم الس ــلع الصناعي ــة‪ ،‬وفيم ــا‬ ‫يتعل ــق باملنتج ــات الزراعي ــة واخلدم ــات والسياس ــات الت ــي حتك ــم‬ ‫االس ــتثمار األجنب ــي املباش ــر‪ ،‬ف ــإن ه ــذه االتفاقي ــات ال تتضم ــن أي ــة‬ ‫التزام ــات موجب ــة تتع ــدى تل ــك الناجم ــة ع ــن العضوي ــة يف منظم ــة‬ ‫التج ــارة العاملي ــة‪ ،‬وال يوج ــد يف ه ــذا اإلط ــار س ــوى اتف ــاق ب ــأن يت ــم‬ ‫تن ــاول ه ــذه القضاي ــا يف إط ــار مفاوض ــات الحق ــة‪.‬‬ ‫حال ًي ــا يصع ــب حتدي ــد حج ــم املكاس ــب أو التكالي ــف الناجم ــة‬ ‫عـــن اتفاقيـــات الشـــراكة األوروبيـــة‪ ،‬إذ أن هنـــاك تخوفـــات‬ ‫جديـــة مـــن أن تشـــكل اتفاقيـــات الشـــراكة األوروبيـــة عقبـــة يف‬ ‫طري ــق جن ــاح وإع ــادة بع ــث املش ــروع تنط ــوي عل ــى متيي ــز ض ــد‬ ‫الس ــلع املغاربي ــة ملصلح ــة الس ــلع األوروبي ــة كونه ــا حتت ــوي عل ــى‬ ‫قواع ــد منش ــأ تعط ــي أولوي ــة للتج ــارة م ــع تركي ــا وإس ــرائيل م ــن‬ ‫دون التج ــارة م ــع دول عربي ــة أخ ــرى ليس ــت عضـ ـ ًوا يف منطق ــة‬ ‫نـــص‬ ‫التجـــارة احلـــرة مـــع أوروبـــا‪ ،‬علـــى الرغـــم مـــن أن هنـــاك ّ‬ ‫يف اتفاقـــات الشـــراكة يعطـــي للطـــرف غيـــر األوروبـــي (الـــدول‬ ‫املغاربيـــة يف هـــذه احلالـــة) احلـــق يف أن يدخـــل يف اتفاقـــات‬ ‫مماثل ــة م ــع أط ــراف غي ــر أوروبي ــة‪.‬‬ ‫ويـمـكـ ــن تـ ــوضيح ذل ــك م ــن خ ــالل األخ ــذ بـعـ ــن االعـتـبـ ــار‬ ‫الـمـسـائــــل الـتـالــــية‪:‬‬ ‫● عـد كبيـر مـن الصـادرات الصناعيـة من الـدول املغاربية إلى أوروبا‬ ‫معفـاة مـن الرسـوم اجلمركيـة يف إطـار النظـام العـام لألفضليـات‬

‫‪28‬‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫دراسة العدد‬

‫مقارنــة باالتفاقيــات األخــرى التــي تعقدهــا أو تدخــل فيهــا الــدول‬ ‫املغاربيــة‪ .‬وبدخولهــا حيــز التنفيــذ ســنة ‪2006‬م‪ ،‬أصبــح املغــرب ثانــي‬ ‫دولــة عربيــة بعــد األردن تعقــد مثــل هكــذا اتفاقيــة مــع الواليــات‬ ‫املتحــدة األمريكيــة‪.‬‬ ‫وشــكل انضمــام ليبيــا إلــى الســوق املشــتركة جلنــوب شــرق‬ ‫إفريقيــا (الكوميســا) ســنة ‪ 2005‬م‪ ،‬اســتكماال لتوجهاتهــا نحــو‬ ‫التجمعــات اإلفريقيــة (االحتــاد اإلفريقــي‪ ،‬جتمــع دول الســاحل و‬ ‫الصحــراء‪ ...‬إلــخ)‪.‬‬

‫القضايــا التــي تنطــوي عليهــا مشــاريع االندمــاج اإلقليمــي‬ ‫الجديــدة لــدول المغــرب العربــي‬ ‫تطــرح شــبكة االتفاقيــات الثنائيــة واإلقليميــة (الشــكل‪ )1‬التــي‬ ‫تعقدهــا دول املغــرب العربــي عــدة قضايــا مــن حيــث التداخــل فيمــا‬ ‫بينهــا وااللتزامــات التــي تنطــوي عليهــا كل اتفاقيــة وكــذا إمكانيــات‬ ‫التنفيــذ يف حــاالت التضــارب‪.‬‬ ‫الشكل رقم (‪ :)1‬شبكة اتفاقيات التجارة احلرة الثنائية واإلقليمية‬ ‫لدول املغرب العربي‬

‫املصدر‪ :‬من إعداد الباحث اعتما ًدا على اجلدول رقم (‪)2‬‬ ‫ق ــد تث ــار أول ــى ه ــذه املس ــائل ح ــول ج ــدوى انضم ــام دول ــة م ــا‬ ‫إلـــى اتفاقيـــة تتضمـــن شـــركاء جتمعهـــا معهـــم اتفاقيـــة أخـــرى يف‬ ‫نف ــس الوق ــت‪ ،‬مثلم ــا ه ــو س ــائد يف حال ــة اتفاقي ــات التج ــارة احل ــرة‬ ‫البينيــة‪ .‬فمثــال تعــد كل مــن تونــس واملغــرب وليبيــا أعضــاء مبنطقــة‬ ‫التجــارة احلــرة العربيــة الكبــرى وذلــك منــذ ســنة ‪1998‬م‪ ،‬وانضمــت‬ ‫اجلزائ ــر س ــنة ‪2009‬م‪ ،‬وارتبط ــت تون ــس واملغ ــرب باتفاقي ــة أغادي ــر‬ ‫الت ــي دخل ــت حي ــز التنفي ــذ س ــنة ‪2007‬م‪ ،‬هن ــا يط ــرح اإلش ــكال يف‬ ‫ح ــاالت التنفي ــذ وف ــق أح ــكام أي اتفاقي ــة تعام ــل الس ــلع املتبادل ــة‬ ‫ب ــن ال ــدول األعض ــاء‪ .‬ولتقري ــب املس ــألة أكث ــر ميك ــن أخ ــذ حال ــة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تونــس واملغــرب كنمــوذج‪ ،‬هــل تطبــق أحــكام منطقــة التجــارة احلــرة‬ ‫العربيــة الكبــرى أم أحــكام اتفاقيــة أغاديــر عل ًمــا أن بعــض املســائل‬ ‫الفنيـــة واملهمـــة متباينـــة بينهمـــا مثـــل قواعـــد املنشـــأ و هـــي مـــن‬ ‫األدوات املهمـــة يف السياســـة التجاريـــة والصناعيـــة للـــدول‪ ،‬حيـــث‬ ‫تعتمـــد دول اتفاقيـــة أغاديـــر قواعـــد املنشـــأ األوروبيـــة املعروفـــة‬ ‫باســـم ‪ PanEuropean System‬بينمـــا لـــم تتوصـــل الـــدول‬ ‫األعض ــاء مبنطق ــة التج ــارة احل ــرة العربي ــة الكب ــرى التف ــاق ش ــامل‬ ‫ح ــول منش ــأ جمي ــع الس ــلع املتبادل ــة‪.‬‬ ‫وقــد تتعقــد املســألة أكثــر يف حالــة تقــرر إعــادة بعــث مشــروع‬ ‫منطقــة تبــادل حــر يف إطــار احتــاد املغــرب العربــي‪ ،‬ويف حالــة مت ذلــك‪،‬‬ ‫فالــدول املغاربيــة أمــام اختبــار صعــب مــن حيــث االختيــار بــن مواصلة‬ ‫إتبــاع املنهــج التقليــدي يف االندمــاج مــن خــالل البــدء بتحريــر التبــادل‬ ‫التجــاري يف مجــال الســلع‪ ،‬عل ًمــا أنــه قائــم بــن هــذه الــدول حال ًيــا‬ ‫ســواء يف إطــار منطقــة التجــارة احلــرة العربيــة أو اتفاقيــة أغاديــر‪ ،‬ثــم‬ ‫االنتقــال نحــو الوحــدة اجلمركيــة كخيــار أول‪ .‬أو العمــل علــى تعميــق‬ ‫اندماجهــا مــن خــالل إقامــة منطقــة تبــادل حر مغاربية عميقة وشــاملة‬ ‫تتضمــن أحكا ًمــا تتجــاوز مجــال حتريــر املبــادالت التقليديــة مثلمــا هــو‬ ‫قائــم يف االتفاقيــات احلاليــة‪ ،‬لتشــمل التجــارة يف اخلدمــات و قضايــا‬ ‫االســتثمار ومواءمــة القواعــد والسياســات ذات الصلــة بالتجــارة مثــل‬ ‫قواعــد املنافســة و االعتــراف املتبــادل باملعاييــر الوطنيــة يف مجــاالت‬ ‫عــدة (مثــل املؤهــالت و الشــهادات العلميــة‪ ،‬املواصفــات‪ ،‬معاييــر البيئــة‬ ‫و شــروط العمالــة‪ ...‬الــخ)‪ ،‬كخيــار ثانــي‪.‬‬ ‫يبــدو أن خيــار االنتقــال إلــى احتــاد جمركــي مغاربــي مــا يــزال‬ ‫غيــر جــذاب ويواجــه حتديــات‪ ،‬منهــا أنــه كان أعضــاء مبنطقــة‬ ‫التجــارة احلــرة العربيــة عازمــة يف إطــار جامعــة الــدول العربيــة علــى‬ ‫االنتقــال إلــى احتــاد جمركــي مطلــع ســنة ‪2015‬م‪ ،‬علــى الرغــم مــن‬ ‫صعوبــة هــذا اخليــار يف حــد ذاتــه‪ ،‬وبالتالــي إمــا علــى الــدول املغاربية‬ ‫االنتظــار عمــا ستســفر عنــه املفاوضــات مــع بقيــة الــدول العربيــة أو‬ ‫اإلســراع يف إطــالق وحدتهــا اجلمركيــة مثلمــا مت حتقيقــه يف إطــار‬ ‫مجلــس التعــاون اخلليجــي منــذ ســنة ‪2005‬م‪.‬‬ ‫علــى صعيــد التبــادل التجــاري تظــل املبــادالت التجاريــة املغاربيــة‬ ‫هامشــية‪ ،‬إذ ال تشــكل أي اتفاقيــة أهميــة ألي دولــة‪ ،‬باســتثناء تونــس‬ ‫التــي متثــل صادراتهــا إلــى منطقــة التجــارة احلــرة العربيــة ‪ %10‬مــن‬ ‫إجمالــي صادراتهــا‪ ،‬مــع اإلشــارة إلــى أنهــا مركــزة يف دول املغــرب‬ ‫العربــي بنســبة ‪ %81‬وباخلصــوص تركــزت ســنة ‪2016‬م‪ ،‬يف دولتــن‬ ‫مجاورتــن همــا ليبيــا واجلزائــر بنســبة ‪ ،%68‬حتــى أن دول اتفاقيــة‬ ‫أغاديــر ال تشــكل ســوي ‪ %2‬مــن صادراتهــا اإلجماليــة‪ .‬وتنخفــض‬ ‫هــذه النســب كثيــ ًرا يف حالــة الــدول األخــرى‪ ،‬وحتــى دول املغــرب‬ ‫العربــي كمجموعــة ال تشــكل صادراتهــا البينيــة ســوى ‪ %2‬مــن‬ ‫إجمالــي صادراتهــا‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪27‬‬

‫ضعــف التبــادل التجــاري المغاربــي يعــود لعــدم تطــور هيــاكل اإلنتــاج‬ ‫المغاربيــة وقلــة تنوعهــا مــا انعكــس ســل ًبا عــى صادراتهــا ووارداتهــا‬ ‫يف مراحــل مختلفــة مــن التفــاوض علــى االنضمــام‪ ،‬وتشــارك جميــع‬ ‫هــذه الــدول بــدون اســتثناء يف شــبكة مــن االتفاقيــات التجاريــة‬ ‫الثنائيــة واإلقليميــة‪ ،‬بلــغ عددهــا إلــى غايــة منتصــف ‪2017‬م‪ ،‬عشــر‬ ‫اتفاقيــات دخلــت حيــز التنفيــذ و مت إخطارهــا ملنظمــة التجــارة‬ ‫العامليــة وعنــد األخــذ بعــن االعتبــار االتفاقيــات الســارية أو تلــك‬ ‫التــي ال تــزال يف إطــار التفــاوض خاصــة الثنائيــة منهــا والتــي لــم يتــم‬ ‫إخطــار املنظمــة بهــا فــإن هــذا الرقــم يرتفــع كثي ـ ًرا‪.‬‬

‫االندمـاج اإلقليمـي ضـروري لتحفيـز املسـيرة املتعثـرة الحتـاد املغـرب‬ ‫العربـي؟ يحـاول هـذا اجلـزء مـن الورقـة اسـتعراض أهـم االتفاقيـات‬ ‫التـي تدخـل فيهـا دول املغـرب وااللتزامـات التـي تنطـوي عليهـا ومـن‬ ‫ثـم محاولـة إلقـاء الضـوء علـى أهـم أثارهـا علـى هـذه الـدول‪.‬‬ ‫يف حــن يبلــغ عــدد الــدول املغاربيــة األعضــاء يف منظمــة التجــارة‬ ‫العامليــة ثــالث دول‪ ،‬هــي تونــس‪ ،‬املغــرب و موريتانيــا و هــي أعضــاء‬ ‫منــذ تأســيس املنظمــة ســنة ‪1995‬م‪ ،‬ال تــزال كل مــن اجلزائــر وليبيــا‬

‫اجلدول رقم (‪ :)٢‬شبكة اتفاقيات التجارة احلرة الثنائية واإلقليمية لدول املغرب العربي كما يف منتصف ‪٢٠1٧‬‬ ‫االتفاقية‬ ‫الدول‬

‫‪WTO‬‬

‫‪UMA‬‬

‫‪GAFTA‬‬

‫‪AGADIR‬‬

‫‪EU‬‬

‫‪EFTA‬‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫اجلزائر‬

‫*‬

‫*‬

‫ليبيا‬

‫*‬

‫*‬

‫تونس‬

‫‪USA‬‬

‫‪TURKEY‬‬

‫‪COMESA‬‬

‫‪COT‬‬

‫*‬

‫املجموع‬ ‫‪7‬‬

‫*‬

‫‪3‬‬ ‫*‬

‫موريتانيا‬

‫*‬

‫*‬

‫املغرب‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫املجموع‬

‫‪3‬‬

‫‪5‬‬

‫‪4‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫‪2‬‬

‫‪1‬‬

‫‪3‬‬

‫*‬

‫‪4‬‬ ‫*‬

‫‪3‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫املصــدر‪ :‬مجمعــة مــن طــرف الباحــث اعتمــا ًدا علــى‪Regional Trade Agreements Notified to the GATT/WTO and in Force :‬‬ ‫‪www.WTO.org‬‬ ‫تشــير * إلــى أن الــدول عضــو يف االتفاقيــة‪ .‬وتشــير املختصــرات‬ ‫إلــى‪ WTO :‬منظمــة التجــارة العامليــة‪ UMA .‬احتاد املغرب العربي‪.‬‬ ‫‪ GAFTA‬منطقــة التجــارة احلــرة العربيــة الكبــرى‪AGADIR .‬‬ ‫اتفاقيــة أغاديــر‪ EU .‬اتفاقيــة شــراكة مــع االحتــاد األوروبــي‪EFTA .‬‬ ‫اتفاقيــة جتــارة حــرة مــع رابطــة التجــارة احلــرة األوروبيــة‪USA .‬‬ ‫اتفاقيــة جتــارة حــرة مــع الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪TURKEY .‬‬ ‫اتفاقيــة جتــارة حــرة مــع تركيــا‪ COMESA .‬عضــو بالســوق‬ ‫املشــتركة جلنــوب شــرق إفريقيــا‪ COT .‬عضــو اتفاقيــة شــراكة بــن‬ ‫االحتــاد األوروبــي و الــدول األقــل منــوا (اتفاقيــة كوتونــو التــي خلفــت‬ ‫اتفاقيــة لومــي منــذ ســنة ‪.)2000‬‬ ‫نالحـظ مـن خـالل اجلـدول أن تونـس واملغـرب تعـدان أهـم‬ ‫العبـن يف عقـد اتفاقيـات جتـارة حـرة ثنائيـة وإقليميـة وهـو‬ ‫التوجـه الـذي يعكـس االنفتـاح الكبيـر القتصاديهمـا مقارنـة بالـدول‬ ‫املغاربيـة األخـرى‪ .‬وجميـع االتفاقيـات التـي تعقدهـا دول املغـرب‬ ‫العربـي اآلن اتفاقيـات جديـدة جـاءت بعـد تأسـيس منظمـة التجـارة‬ ‫العامليـة (باسـتثناء اتفاقيـة احتـاد املغـرب العربـي)‪ ،‬واسـتهلت أولـى‬

‫هـذه اجلهـود باتفاقيـات الشـراكة مـع االحتـاد األوروبـي التـي توجـت‬ ‫قمـة دول ضفتـي املتوسـط ببرشـلونة سـنة ‪1995‬م‪( ،‬فيمـا يسـمى‬ ‫مبسـار برشـلونة) علـى الرغـم مـن أن التفـاوض على هـذه االتفاقيات‬ ‫تنفيذهـا أخـذ بعـض الوقـت حسـب كل دولـة‪ ،‬فتونـس مثـال كانـت‬ ‫السباقة لذلك بداية من سنة ‪1998‬م‪ ،‬ثم تلتها املغرب سنة ‪ 2000‬م‪،‬‬ ‫واجلزائر سـنة ‪2005‬م‪ ،‬يف حن بدأت تونس واملغرب وليبيا تنفيذها‬ ‫التدريجـي ملنطقـة التجـارة احلـرة العربيـة الكبـرى منذ إطالقها سـنة‬ ‫‪1998‬م‪ ،‬تأخـر انضمـام اجلزائـر إلـى هـذا الفضاء إلـى غاية ‪2009‬م‪،‬‬ ‫(بعـد مـرور أربـع سـنوات علـى اسـتكمالها سـنة ‪2005‬م)‪.‬‬ ‫وبغيــة تعظيــم اســتفادتها مــن اتفاقيــات الشــراكة مــع االحتــاد‬ ‫األوروبــي مــن خــالل عمليــة تراكــم املنشــأ اإلقليمــي الــذي تتيحــه‬ ‫االتفاقيــة عقــدت كل مــن تونــس واملغــرب مــع كل مــن مصــر واألردن‬ ‫اتفاقيــة تبــادل حــر تعــرف "باتفاقيــة أغاديــر" ســنة ‪2004‬م‪ ،‬إال أن‬ ‫تنفيذهــا تأخــر إلــى ســنة ‪.2007‬‬ ‫وبعــد مفاوضــات دامــت قرابــة خمســة عشــر شــه ًرا‪ ،‬وقــع املغــرب‬ ‫وأمريــكا اتفاقيــة جتــارة حــرة ســنة ‪2004‬م‪ ،‬لتكــون األوســع نطا ًقــا‬

‫‪26‬‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫دراسة العدد‬

‫االتفاقيــات التــي عقدتهــا مــن إحــداث تغييــر ملمــوس علــى انســياب‬ ‫التج ــارة بينه ــا‪.‬‬ ‫إن منــط التبــادل الســابق ميكــن إرجاعــه إلــى عــدة عوامــل‪،‬‬ ‫أهمهــا يتمثــل يف عــدم تطــور هيــاكل اإلنتــاج يف الــدول املغاربيــة وقلــة‬ ‫تنوعهــا ممــا انعكــس ســل ًبا علــى هيــكل كل مــن صادراتهــا ووارداتهــا‪،‬‬ ‫فالصــادرات تتركــز يف عــدد قليــل مــن املنتجــات ومعظمهــا ســلع‬ ‫أساســية وقليلــة التنافســية‪ ،‬يف حــن تســتورد معظــم احتياجاتهــا مــن‬ ‫نفــس الســلع املصنعــة مــن األســواق خــارج املنطقــة نظــ ًرا لتشــابه‬ ‫هيــكل الــواردات ً‬ ‫أيضــا‪.‬‬ ‫‪ .٢‬سياسـ ًـيا‪ :‬عــادة مــا متيــل التفســيرات التــي تتنــاول دور الدوافــع‬ ‫السياســية لتفســير االندمــاج احملــدود بــن الــدول املغاربيــة إلــى‬ ‫التركيــز علــى العوامــل الثقافيــة‪ ،‬كاللغــة‪ ،‬الديــن واجلغرافيــا والتاريخ‪،‬‬ ‫بــدال مــن العوامــل التــي تــؤدي إلــى خلــق الديناميكيــات السياســية‬ ‫لالندمــاج‪ .‬لذلــك نحــاول توضيــح كيــف أدى غياب الدوافع السياســية‬ ‫وعــدم اقترانهــا بتحليــل متــوازن للمكاســب والتكاليــف السياســية‬ ‫التــي قــد تنجــم عــن االندمــاج وربطهــا بهيــكل احلوافــز االقتصاديــة‬ ‫التــي ســبق تناولهــا إلــى تعثــر بنــاء احتــاد املغــرب العربــي‪.‬‬ ‫ميكــن تفســير افتقــاد الــدول املغاربيــة إلــى الدوافــع السياســية‬ ‫لالندمــاج كنتيجــة لعــدة عوامــل‪:‬‬ ‫أ‪ .‬اختــالف األنظمــة السياســية وأشــكال احلكــم مبــا يترتــب علــى‬ ‫ذلــك مــن تبايــن يف األولويــات االقتصاديــة واالجتماعيــة واختــالف‬ ‫التوجهــات يف إطــار العالقــات مــع اخلــارج مــن حيــث األهــداف‬ ‫والوســائل‪ ،‬وهنــا قــد تطــرح املســألة مــن زاويتــن‪ :‬األولــى‪ ،‬عــادة‬ ‫مــا تكــون أي اتفاقيــة اندمــاج إقليمــي جذابــة بالنســبة للقيــادات‬ ‫السياســية وأنصارهــا إذا كانــت تضمــن لهــا االحتفــاظ بالقــوة‬ ‫السياســية واحلصــول علــى الدعــم الــالزم لالســتمرار يف احلكــم‪.‬‬ ‫بالنســبة للــدول املغاربيــة‪ ،‬ونظ ـ ًرا ألن األنظمــة ال تــرى يف االندمــاج‬ ‫اإلقليمــي وســيلة مهمــة ملصلحتهــا‪.‬‬ ‫مــن زاويــة أخــرى‪ ،‬يعــد التخــوف مــن فقــدان جــزء مــن الســيادة‬ ‫مبثابــة عقبــة رئيســية يف ســبيل االندمــاج‪ ،‬الشــيء الــذي قــد يجعــل‬ ‫العمليــة ال حتظــى باملســاندة الالزمــة مــن طــرف القيــادات السياســية‪.‬‬ ‫ب ـ يف حالــة الــدول املغاربيــة قــد ال تبــدو مســألة احلصــول علــى‬ ‫التأييــد الداخلــي عقبــة كبيــرة لــو مت النظــر إليهــا مــن وجهــة نظــر‬ ‫شــعبية‪ ،‬إذ ال تــزال اآلمــال الشــعبية والتفاعــالت يف حــاالت عديــدة‬ ‫تصــب يف صالــح عمليــة االندمــاج‪ .‬إال أن األمــر يبــدو مغاي ـ ًرا لــو مت‬ ‫النظــر إليــه مــن جهــة قــدرة الــرأي العــام يف هــذه الــدول علــى الضغــط‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫يف هــذا االجتــاه‪ .‬إذ يتميــز الــرأي العــام بــدور محــدود يف صناعــة‬ ‫القــرار‪ ،‬ويبــرز يف هــذه احلالــة دور جماعــات الضغــط احمللية املرتبطة‬ ‫بالنخــب احلاكمــة وقدرتهــا يف مســاندة أو تثبيــط مبــادرات االندمــاج‬ ‫كونهــا املســتفيد أو اخلاســر مــن مثــل هكــذا مبــادرات‪.‬‬ ‫علــى صعيــد آخــر‪ ،‬وعلــى الرغــم مــن إرســاء اتفاقيــة إنشــاء املغرب‬ ‫العربــي عــدة أطــر إقليميــة (أمانــة عامــة‪ ،‬مجلــس شــورى مغاربــي‪،‬‬ ‫هيــأة قضائيــة والعديــد مــن املجالــس الوزاريــة املتخصصــة)‪ ،‬إال أنــه‬ ‫عــادة مــا توصــف أدوارهــا باحملــدودة وقدراتهــا بالضعيفــة ومــن ثــم‬ ‫فنتائــج أعمالهــا غيــر ملموســة‪ .‬وهنــا تطــرح مســألة عــدم قــدرة الــدول‬ ‫املغاربيــة علــى إرســاء أطــر إقليميــة فعالــة إلدارة عمليــة االندمــاج‪.‬‬ ‫ج‪ .‬كمــا ينطــوي هنــا األمــر علــى مســألة دور القيــادة اإلقليميــة كوجود‬ ‫دولــة أو مجموعــة دول قائــدة ودورهــا احملتمــل يف جنــاح املبــادرات‬ ‫الراميــة إلــى حتقيــق االندمــاج مــن خــالل املرجعيــة التــي قــد تشــكلها‬ ‫يف مجــاالت تنســيق القواعــد والسياســات‪ ،‬يبــرز الــدور األملانــي‬ ‫والفرنســي يف حالــة االحتــاد األوروبــي‪ ،‬والواليــات املتحــدة األمريكيــة‬ ‫يف حالــة اتفاقيــة النافتــا كنمــاذج‪ .‬ويف حالــة الــدول املغاربيــة يبــدو‬ ‫أن أهــم قوتــن يف املنطقــة‪ ،‬اجلزائــر واملغــرب (‪ % 70‬مــن الســكان‬ ‫والنــاجت احمللــي اإلجمالــي املغاربــي) تســودهما حــاالت مــن الفتــور‬ ‫الواضــح يف العالقــات بســبب نــزاع الصحــراء الغربيــة‪.‬‬ ‫قــد تــورد أســباب أخــرى ذات طبيعــة سياســية وثقافيــة أدت إلــى‬ ‫عــدم حمــاس الــدول املغاربيــة وتعثرهــا يف بنــاء تكتــل إقليمــي فعــال‬ ‫بينهــا ســواء اتخــذ مــن حتريــر التجــارة اإلقليميــة مدخـ ً‬ ‫ال له أو أرســى‬ ‫مقاربــات بديلــة مــن أجــل حتقيــق االندمــاج‪ .‬أهمهــا االضطرابــات‬ ‫الداخليــة التــي عانــت منهــا عــدة دول مغاربيــة والتــي جتعــل مــن‬ ‫مســألة األجنــدة اإلقليميــة أم ـ ًرا مؤج ـ ً‬ ‫ال أو غيــر ذي أولويــة‪.‬‬

‫التوجهات الجديدة للشراكات يف دول المغرب العربي‬ ‫أمـام التعثـر الواضـح الـذي ميـز مسـيرة مشـروع احتـاد املغـرب‬ ‫ً‬ ‫جيـال جديـدًا مـن‬ ‫العربـي‪ ،‬تعقـد جميـع الـدول املغاربيـة حال ًيـا‬ ‫االتفاقيـات والترتيبـات التجاريـة يف مشـهد يتميـز بتعـدد مسـارات‬ ‫التحرير التجاري سواء يف إطار ثنائي أو إقليمي أو متعدد األطراف‬ ‫وااللتزامـات التـي تنطـوي عليهـا فيمـا بينها‪ ،‬مثل الترتيبـات التجارية‬ ‫داخـل املنطقـة العربيـة‪ ،‬ومـع دول وتكتـالت اقتصاديـة أجنبيـة‪ ،‬أو يف‬ ‫إطـار منظمـة التجـارة العامليـة‪ .‬إن السـؤال الـذي يطـرح نفسـه يف‬ ‫هـذا اإلطـار يتمحـور حـول جـدوى تعـدد مسـارات التحريـر التجـاري‬ ‫تلـك ومـا مـدى اتسـاقها فيمـا بينهـا مـن جهـة‪ ،‬وهـل مـا زال خيـار‬

‫ل ــم تش ــكل ال ــدول المغاربي ــة س ــو ًقا إقليمي ــة جاذب ــة للش ــركاء م ــن‬ ‫المنطقــة وال توجــد اتفاقيــات جذابة تســتطيع تغيير هذا النمط الســائد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪25‬‬

‫الـدول المغاربيـة أمـام االختيـار بيـن االندمـاج بتحرير التبـادل التجاري‬ ‫للسـلع ثم االنتقال للوحدة الجمركية أو إقامة منطقة تجارة حرة مغاربية‬ ‫كانــت مقــررة يف إطــار االحتــاد‪ .‬علــى الرغــم مــن احملــاوالت التــي‬ ‫تبــذل يف بعــض األحيــان إلحيــاء هــذا املشــروع مــن خــالل جتــاوز‬ ‫مســاعي التكتــل السياســي إلــى تشــكيل قطــب اقتصــادي مغاربــي‪،‬‬ ‫ولعــل أحــدث املبــادرات يف هــذا اإلطــار جتديــد اإلعــالن عــن إطــالق‬ ‫املصــرف املغاربــي للتجــارة واالســتثمار ســنة ‪2009‬م‪ ،‬بــرأس مــال‬ ‫‪ 500‬مليــون دوالر مــوزع بالتســاوي بــن الــدول األعضــاء وتقــرر أن‬ ‫تســتضيف مقــره تونــس وهــو يهــدف إلــى تعزيــز التجــارة واملبــادالت‬ ‫بــن األعضــاء‪ ،‬وإجنــاز املشــاريع االســتثمارية املشــتركة‪.‬‬

‫أسباب تعثر مسيرة اتحاد المغرب العربي‬ ‫تخضــع ترتيبــات التكامــل اإلقليمــي لالعتبــارات االقتصاديــة إال‬ ‫أنهــا تتأثــر بالدوافــع واملكاســب السياســية والتــي تعــوض أو تفــوق‬ ‫التكاليــف الناجتــة عــن مثــل هــذه االتفاقيــات‪ .‬وعلــى الرغــم مــن‬ ‫صعوبــة حتديــد وزن وأهميــة كل جانــب مــن جانبــي هــذه املعادلــة‪ ،‬إال‬ ‫أن التحــدي احلقيقــي يكمــن يف ضمــان حتقيــق مكاســب والــذي يعنــي‬ ‫مــدى توفــر هيــكل مــن احلوافــز االقتصاديــة والدوافــع السياســية ومــا‬ ‫يتبعــه مــن تخفيــض للتكاليــف االقتصاديــة وحتقيــق ملكاســب سياســية‪.‬‬ ‫الســؤال الــذي يطــرح نفســه‪ ،‬هــل يعتبــر غيــاب املكاســب مســؤوالً‬ ‫عــن محدوديــة نتائــج مشــروع الوحــدة املغاربيــة؟ إن حتليل االعتبارات‬ ‫االقتصاديــة والسياســية التــي صاحبــت جهــود هــذه الــدول لتحقيــق‬ ‫االندمــاج مهــم نظـ ًرا للترابــط القــوي بينهــم‪ ،‬كمــا أنــه مفيــد الختبــار‬ ‫جهــود اإلصــالح واملبــادرات التــي انخرطــت فيهــا هــذه الــدول يف‬ ‫جهــة تغييــر هيــكل احلوافــز االقتصاديــة والدوافــع السياســية مبــا‬ ‫يشــجع أو يعيــق االندمــاج اإلقليمــي‪.‬‬ ‫تنبــع األســباب االقتصاديــة والسياســية املســؤولة عــن تدنــي‬ ‫مســتويات االندمــاج بــن الــدول املغاربيــة مــن مجموعــة مــن‬ ‫االعتبــارات املتداخلــة‪ ،‬ومــن خــالل اســتقراء األهــداف ومــا مت إجنــازه‬ ‫أمكننــا تصنيــف هــذه العوامــل ضمــن عنصريــن يســهمان يف تقــدمي‬ ‫نوعــا مــا مقارنــة بالتحليــالت الســائدة‪.‬‬ ‫قــراءة مختلفــة ً‬ ‫‪ .1‬اقتصاد ًيــا‪ :‬ميكــن إيعــاز تدنــي مســتويات االندمــاج املغاربــي إلــى‬ ‫ضعــف مســتوى التبــادل التجــاري بــن الــدول املغاربيــة‪ ،‬واملقصــود بــه‬ ‫أن الــدول املغاربيــة لــم تتمتــع بــأي وضــع أولــي مناســب علــى صعيــد‬ ‫التبــادل التجــاري يكــون محــركا ملزيــد مــن التبــادل بعــد إقــرار أيــة‬ ‫اتفاقيــة تســتهدف حتقيــق مزيــد مــن االندمــاج‪ ،‬أي لــم تشــكل الــدول‬ ‫املغاربيــة ســوقا إقليميــة جاذبــة لبقيــة الشــركاء مــن املنطقــة‪ ،‬وقــد‬ ‫ال تكــون أي اتفاقيــة جذابــة تســتطيع تغييــر هــذا النمــط الســائد‪.‬‬

‫وميكــن تعزيــز هــذا االســتنتاج مــن خــالل تتبــع مســتويات التبــادل‬ ‫التجــاري بــن الــدول املغاربيــة ومقارنتهــا بتكتــالت إقليميــة أخــرى‬ ‫ممــن كانــت تتمتــع بوضــع مشــابه لهــا‪ ،‬وكيــف كانــت نتائجهــا مقارنــة‬ ‫مبــا حققتــه هــذه الــدول (اجلــدول رقــم‪.)1‬‬ ‫اجلدول رقم (‪ :)1‬نسبة الصادرات البينية إلى إجمالي الصادرات‬ ‫حسب التكتالت اإلقليمية‬

‫االتفاقية‬

‫متوسط‬ ‫سنوات قبل‬ ‫التنفيذ*‬

‫نسبة‬ ‫الصادرات‬ ‫البينية ‪%‬‬

‫متوسط‬ ‫سنوات بعد‬ ‫التنفيذ*‬

‫نسبة‬ ‫الصادرات‬ ‫البينية‬

‫اتفاقية احتاد املغرب‬ ‫‪1989-1980‬‬ ‫العربي ‪1989‬‬

‫‪1.14‬‬

‫‪1994-1990‬‬

‫‪3.25‬‬

‫اتفاقية اجلماعة‬ ‫األوروبية ‪1957‬‬

‫‪1957-1950‬‬

‫‪48.61‬‬

‫‪1960-1958‬‬ ‫‪1992-1961‬‬

‫‪49.86‬‬ ‫‪61.79‬‬

‫اتفاقية اآلسيان‬

‫‪1991-1981‬‬

‫‪18.63‬‬

‫‪2002-1992‬‬

‫‪23.13‬‬

‫اتفاقية املركسور‬ ‫‪1991‬‬

‫‪1995-1991‬‬

‫‪16.61‬‬

‫‪2000-1996‬‬

‫‪22.6‬‬

‫اتفاقية الكوميسا‬ ‫‪1994‬‬

‫‪1994-1990‬‬

‫‪4.68‬‬

‫‪2004-1995‬‬

‫‪5.8‬‬

‫اتفاقية النافتا‬ ‫‪1994‬‬

‫‪1993-1990‬‬

‫‪43.27‬‬

‫‪2000-1994‬‬

‫‪50.42‬‬

‫املصدر‪:‬حسبت من طرف الطالب اعتمادا على‪:‬‬ ‫‪UNCTAD Handbook of Statistics database 2009:‬‬ ‫‪www.unctad.org.‬‬ ‫* يشــير مصطلــح قبــل التنفيــذ إلــى متوســط الســنوات الــذي ســبق‬ ‫ســنة دخــول االتفاقيــة حيــز التنفيــذ‪ ،‬يف حــن يشــير مصطلــح بعــد‬ ‫التنفيــذ إلــى متوســط خمــس أو عشــر ســنوات مــن بــدء أو تلــت ســنة‬ ‫دخــول االتفــاق حيــز التنفيــذ‪.‬‬ ‫نالحـــظ مـــن خـــالل اجلـــدول أن الـــدول التـــي كان يشـــكل‬ ‫االعتم ــاد التج ــاري املتب ــادل بينه ــا مس ــتويات مرتفع ــة يف البداي ــة‬ ‫هــي التــي اســتطاعت زيــادة معــدالت التبــادل التجــاري بعــد دخولهــا‬ ‫يف تكت ــالت إقليمي ــة‪ ،‬يف ح ــن أن اتفاقي ــة احت ــاد املغ ــرب العرب ــي‬ ‫واتفاقيـــة الكوميســـا "الســـوق املشـــتركة جلنـــوب وشـــرق إفريقيـــا"‬ ‫ممـــن تتمتـــع مبســـتويات تبـــادل جتـــاري ضعيـــف لـــم تســـتطع‬

‫‪24‬‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫دراسة العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫غـيـــاب الـدوافـــع والـمـكـاســـب أدى إلى تـعـثـــر اتـحـــاد الـمـغـــرب الـعـربـــي‬

‫المســارات البديلــة‪ :‬هــل تشــكل مشــاريع‬ ‫التكامــل اإلقليمــي ً‬ ‫بديال لالتحــاد المغاربي؟‬ ‫تعقــد دول املغــرب العربــي مثلهــا مثــل العديــد مــن دول العالــم اآلن جي ـ ً‬ ‫ال جدي ـدًا مــن اتفاقيــات التجــارة احلــرة الثنائيــة‬ ‫واإلقليميــة باإلضافــة إلــى ســعيها لالندمــاج يف النظــام التجــاري العاملــي‪ ،‬فهــي عضــو يف منطقــة التجــارة احلــرة العربيــة‬ ‫الكبــرى‪ .‬كمــا أبرمــت معظــم دولــه اتفاقيــة شــراكة مــع االحتــاد األوروبــي بقصــد إنشــاء منطقــة جتــارة حــرة بينهمــا‪ .‬وتتجمــع‬ ‫مــع بعضهــا يف ترتيبــات إقليميــة بينيــة كاتفاقيــة أغاديــر‪ .‬هــذا باإلضافــة إلــى العديــد مــن اتفاقيــات التجــارة احلــرة التــي‬ ‫جتمــع ً‬ ‫بعضــا مــن دول املغــرب العربــي مــع عــدة دول بصــورة ثنائيــة‪ .‬لكــن يظــل تقديــر آثــار مختلــف هــذه الترتيبــات املتشــابكة‬ ‫العضويــة مــن الصعوبــة مبــكان خاصــة وأن معظمهــا حديــث نســب ًيا لــذا فنتائجهــا علــى أرض الواقــع تظــل عســيرة التقديــر‪.‬‬

‫د‪ .‬تـوات عـثمـان‬

‫يتنــاول هــذا املقــال انعكاســات هــذه االتفاقيــات علــى تطــور‬ ‫مســيرة االندمــاج املغاربــي‪ ،‬مــع محاولــة حتليــل أهــم العقبــات التــي‬ ‫حالــت دون تنفيــذ مــا مت رســمه مــن طموحــات لتحقيــق تنميــة‬ ‫مغاربيــة مشــتركة‪.‬‬

‫ إنشاء الوحدة اجلمركية قبل نهاية ‪1995‬م‪.‬‬‫ إطالق السوق املغاربية املشتركة بحلول سنة ‪2000‬م‪.‬‬‫ وأخيـ ًرا‪ ،‬يتــم توحيــد السياســات وخطــط التنميــة االقتصاديــة علــى‬‫أســس وأهــداف مشــتركة واحــدة مــع مراعــاة تقليــص فــوارق التنميــة‬ ‫داخــل البلــدان وفيمــا بينهــا‪.‬‬

‫اتفقـت خمـس دول هـي‪ :‬تونس‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ليبيا‪ ،‬املغرب وموريتانيا‬ ‫يف ‪ 17‬فبراير ‪1989‬م‪ ،‬مبراكش على إطالق مشروع االندماج املغاربي‪،‬‬ ‫من خالل تأسيس "احتاد املغرب العربي"‪.‬وانطال ًقا من الركائز الواردة‬ ‫يف معاهـدة إنشـائه مت حتديـد املالمـح الكبـرى السـتراتيجية مغاربيـة‬ ‫للتنميـة املشـتركة بهـدف حتقيـق الوحـدة االقتصادية بـن دول االحتاد‬ ‫تضمـن حريـة تنقـل األشـخاص وانتقـال اخلدمـات والسـلع ورؤوس‬ ‫األمـوال‪ .‬ومت تعزيـز هـذا التوجـه بعـد انعقـاد مجلـس رئاسـة االحتـاد‬ ‫خـالل شـهر يوليـو ‪1990‬م‪ ،‬والـذي دعـا وزراء اخلارجيـة واالقتصـاد‬ ‫والفالحـة إلـى وضـع اسـتراتيجية مغاربيـة للتنمية املشـتركة‪ ،‬ومت فعال‬ ‫صياغـة الوثيقـة يف ينايـر ‪1991‬م‪ ،‬لتحديـد مراحـل معينـة لتحقيـق‬ ‫االندمـاج مـن جهـة‪ ،‬ومـن جهـة أخـرى تنميـة املـوارد االقتصاديـة يف‬ ‫جميع امليادين‪ .‬وترتكز هذه االسـتراتيجية على مراحل زمنية تشـمل‪:‬‬ ‫ قيــام منطقــة جتــارة حــرة للمنتجــات ذات املنشــأ املغاربــي بإزالــة‬‫احلواجــز اجلمركيــة وغيرهــا‪ ،‬علــى أن يتــم حتقيــق هــذا الهــدف قبــل‬ ‫ســنة ‪1992‬م‪.‬‬

‫هــذا البرنامــج ال يخلــو مــن الطموحــات‪ ،‬وقــد بــدأ جتســيده مــن‬ ‫خــالل إقــرار عــدة اتفاقيــات جتاريــة‪ ،‬أولهــا "قــرار مجلــس الرئاســة‬ ‫باعتمــاد قواعــد مبــادئ الوحــدة اجلمركيــة" ســنة ‪1990‬م‪ ،‬والــذي‬ ‫تــوج بإقــرار "االتفاقيــة التجاريــة والتعريفيــة بــن دول االحتــاد"‬ ‫يف مــارس ‪1991‬م‪ ،‬حيــث حــددت قواعــد تنقــل البضائــع والتنســيق‬ ‫صريحــا‬ ‫التجــاري وتســوية املعامــالت‪ .‬إال أنهــا لــم تتضمــن إعال ًنــا‬ ‫ً‬ ‫علــى إقامــة منطقــة جتــارة حــرة أو اإلعــالن عــن إجــراءات تنفيذهــا إال‬ ‫بعــد االجتمــاع الرابــع ملجلــس وزراء اخلارجيــة يف ‪ 23‬فبرايــر ‪1994‬م‪،‬‬ ‫والــذي دعــا إلــى إعــداد اتفاقيــة مغاربيــة إلنشــاء منطقة للتبــادل احلر‪،‬‬ ‫علــى أن جتــري أشــغال عمــل الفريــق املكلــف بذلــك ســنة ‪1994‬م‪.‬‬ ‫لكــن تأخــر عمل ًيــا مقارنــة بالهــدف الــذي كان مرســو ًما لبلــوغ‬ ‫منطقــة جتــارة حــرة ســنة ‪1992‬م‪ ،‬إال أن التوتــرات السياســية التــي‬ ‫شــهدتها العالقــة بــن كل مــن اجلزائــر واملغــرب يف نفس الســنة والتي‬ ‫أســفرت عــن فــرض تأشــيرات دخــول علــى رعايــا البلديــن (ألغيــت‬ ‫بعدهــا) وغلــق احلــدود البريــة أدى إلــى تعليــق جميــع املشــاريع التــي‬

‫مسار عملية االندماج المغاربي‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫متابعات عربية‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪23‬‬

‫خســـائر المنطقـــة العربيـــة تعاظمـــت بفعـــل الثـــورات ونتيجـــة‬ ‫للـتـدخـــالت اإليـرانـيـــة فـــي مـقـومـــات ومـتـطـلـبـــات األمـــن الـعـربـــي‬ ‫األمني ــة واالس ــتخباراتية ب ــل والعس ــكرية إن تطل ــب األم ــر كم ــا ه ــو‬ ‫احل ــال يف اليم ــن‪.‬‬ ‫وكان ــت من ــاورات درع اجلزي ــرة الت ــي حضره ــا مل ــوك ورؤس ــاء‬ ‫الـــدول العربيـــة مـــن أقـــوى الرســـائل السياســـية والعســـكرية‬ ‫واألمنيـــة التـــي أكـــدت علـــى حالـــة التضامـــن العربـــي وجديـــة‬ ‫خصوص ــا حتدي ــات التنظيم ــات‬ ‫املواجه ــة العربي ــة لتل ــك التحدي ــات‬ ‫ً‬ ‫واجلماع ــات اإلرهابي ــة الت ــي أفرزته ــا وم ــن ث ــم غرزته ــا إي ــران يف‬ ‫املنطقـــة العربيـــة‪.‬‬ ‫جنـــاح قمـــة القـــدس يف اململكـــة العربيـــة الســـعودية دليـــل‬ ‫عل ــى وج ــود وع ــي سياس ــي عرب ــي مبخاط ــر التهدي ــدات اإلقليمي ــة‬ ‫اإليرانيـــة مـــن خـــالل أتباعهـــا وعمالئهـــا وطوابيرهـــا اخلامســـة‪،‬‬

‫وإرادة سياســـية عربيـــة جماعيـــة فاعلـــة ملواجهتهـــا فالتحالـــف‬ ‫اإليرانـــي ـ التركـــي ‪/‬الروســـي ومخاطـــره علـــى األمـــن القومـــي‬ ‫العرب ــي ل ــم تغ ــب ع ــن وع ــي مل ــوك وق ــادة وزعم ــاء ال ــدول العربي ــة‬ ‫يف ظ ــل م ــا اتض ــح للعال ــم كل ــه م ــن حقائ ــق املخطط ــات واألجن ــدة‬ ‫اإليراني ــة وحلفائه ــا ض ــد ال ــدول العربي ــة خاص ــة اململك ــة العربي ــة‬ ‫الس ــعودية ومص ــر واإلم ــارات العربي ــة املتح ــدة ‪،‬ال ــدول الت ــي حمل ــت‬ ‫ً‬ ‫حفاظ ــا عل ــى أم ــن‬ ‫عل ــى عاتقه ــا حتمي ــة مواجه ــة تل ــك املخطط ــات‬ ‫واســـتقرار الـــدول العربيـــة والشـــعوب العربيـــة‪.‬‬ ‫* أســـتاذ العلـــوم السياســـية ـ كليـــة االقتصـــاد واإلدارة ـ جامعـــة امللـــك‬ ‫عبـــد العزيـــز ـ جـــدة‬

‫‪22‬‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫متابعات عربية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫نجاح القمة دليل على الوعي السياسي العربي في مواجهة التهديدات اإليرانية‬

‫قمــة القــدس ومتطلبــات األمــن العربــي‪:‬‬ ‫إدراك للـمـخـاطـــر اإلقـلـــيمية‬ ‫انته ــت قم ــة الق ــدس الـــ ‪ 28‬يف ترتي ــب القم ــم العربي ــة‪ ،‬قم ــة الق ــدس الت ــي أس ــماها خ ــادم احلرم ــن الش ــريفن املل ــك‬ ‫س ــلمان ب ــن عب ــد العزي ــز آل س ــعود (يحفظ ــه اهلل) به ــذا االس ــم ‪،‬إميان ــا من ــه لك ــون الق ــدس والقضي ــة الفلس ــطينية قضي ــة‬ ‫العــرب األولــى التــي متخضــت عنهــا معظــم املخاطــر السياســية واألمنيــة والعســكرية الالحقــة حتــى اليــوم‪ ،‬وكان مــن أهــم‬ ‫مخرجــات هــذه القمــة علــى املســتوى السياســي اجلماعــي العربــي‪ ،‬التوافــق التــام علــى التمســك باملبــادرة العربيــة للســالم‬ ‫الت ــي أقرته ــا قم ــة لبن ــان ع ــام ‪2002‬م إليج ــاد ح ــل ع ــادل للقضي ــة الفلس ــطينية يرتك ــز عل ــى ح ــل الدولت ــن وتك ــون الق ــدس‬ ‫ً‬ ‫وأيضــا للحفــاظ علــى األمــن القومــي العربــي‪.‬‬ ‫الشــرقية عاصمــة للدولــة الفلســطينية إلنهــاء معظــم الصراعــات يف املنطقــة‬ ‫لكــن يجــب أن نعــي ً‬ ‫أيضــا أن املنطقــة العربيــة ال زالــت متــر منــذ ســنوات‪ ،‬وحتديـدًا منــذ مــا يســمى بثــورات الربيــع العربــي‬ ‫مبخاطــر محــاوالت تفتيــت منطقــة الشــرق األوســط وف ًقــا ملبــدأ كونداليــزا رايــس مــن خــالل تفعيــل اســتراتيجية سياســات‬ ‫الفوضــى اخلالقــة األمريكيــة‪.‬‬

‫د‪ .‬وحيد حمزة هاشم‬

‫لــــذا يـعــــد مـفـهــــوم الـحـفــــاظ عـلــــى األمــــن واالسـتـقــــرار‬ ‫الــقـومـ ــي الـعـربـ ــي اإلقـلـيـمـ ــي فـ ــي طـلـيـعـ ــة اهـتـمـامـ ــات مـلـ ــوك‬ ‫وزعم ــاء ال ــدول العربي ــة وه ــو م ــن املفاهي ــم الش ــاملة املتكامل ــة‬ ‫املرتبط ــة م ــع بعضه ــا البع ــض يف ظ ــل اس ــتمرارية حال ــة املخاط ــر‬ ‫اجلماعي ــة اإلقليمي ــة م ــن إي ــران والدولي ــة يف ذات الوق ــت وه ــو‬ ‫األم ــر ال ــذي يتطل ــب م ــن اجلمي ــع احلف ــاظ عل ــى وح ــدة الص ــف‬ ‫العربـــي وتضامنـــه‪.‬‬ ‫ال جـــدال يف أن خســـائر املنطقـــة العربيـــة منـــذ عـــام ‪2010‬م‪،‬‬ ‫تعاظم ــت بش ــكل ملح ــوظ عل ــى كاف ــة املس ــتويات املادي ــة والبش ــرية‬ ‫ليــس فقــط بفعــل الثــورات يف كل مــن تونــس وســوريا وليبيــا ومصــر‬ ‫نتاج ــا ملخاط ــر التدخ ــالت اإليراني ــة املس ــتمرة يف‬ ‫واليم ــن‪ ،‬وإمن ــا ً‬ ‫مقومـــات ومتطلبـــات أمـــن واســـتقرار الـــدول العربيـــة‪ ،‬مـــن جهـــة‪،‬‬ ‫وم ــن اجله ــة األخ ــرى بع ــد أن تصاع ــدت ح ــدة الصراع ــات الدولي ــة‬ ‫يف املنطق ــة خاص ــة يف س ــوريا‪.‬‬ ‫قمـــة القـــدس كان عليهـــا تبنـــي قـــرارات سياســـية عاجلـــة‬ ‫ملواجهـــة التحديـــات واملخاطـــر اإلقليميـــة والدوليـــة التـــي تضـــر‬ ‫بأمنه ــا وتعب ــث مبتطلب ــات اس ــتقرارها اجلماع ــي واأله ــم حتمي ــة‬ ‫احلفـــاظ علـــى املكتســـبات وأرواح وممتلـــكات وحريـــات مواطنيهـــا‬

‫وضمــان ســالمتهم مــن االختراقــات األمنيــة والفكريــة التــي تنفذهــا‬ ‫دولـــة إيـــران مبنهجيـــة شـــيطانية‪.‬‬ ‫األمـــن واالســـتقرار اإلقليمـــي العربـــي ميثـــالن قاعـــدة النمـــو‬ ‫واالزده ــار والتق ــدم االجتماع ــي واالقتص ــادي والتقن ــي للمجتمع ــات‬ ‫اإلنســـانية علـــى مـــدى التاريـــخ‪ ،‬وذلـــك مـــن مختلـــف النواحـــي‬ ‫النفســية‪ ،‬واالجتماعيــة‪ ،‬فشــعور املواطنــن فــرا ًدا كانــوا أم جماعــة‪،‬‬ ‫م ــن املس ــتثمرين أم م ــن املس ــتهلكن ببيئ ــة االس ــتقرار واألم ــن عل ــى‬ ‫أنفســهم وذويهــم وممتلكاتهــم تعــزز مــن مشــاعر االســتقرار النفســي‬ ‫واالجتماعـــي وتســـهم يف تعاظـــم احلركيـــة اإليجابيـــة املباشـــرة‬ ‫علـــى جنـــاح عمليـــات التنميـــة العربيـــة القوميـــة وعمليـــات البنـــاء‬ ‫واالســـتثمار يف املجتمعـــات العربيـــة‪.‬‬ ‫مخاط ــر الهيمن ــة اإليراني ــة عل ــى املنطق ــة العربي ــة م ــن خ ــالل‬ ‫دعـــم ومتويـــل وتســـليح التنظيمـــات واجلماعـــات اإلرهابيـــة مـــن‬ ‫اإلخــوان املســلمن‪ ،‬وحــزب اهلل يف لبنــان شــماالً‪ ،‬إلــى احلوثيــن يف‬ ‫اليمــن جنو ًبــا بهــدف اإلخــالل مبقومــات األمــن واالســتقرار العربــي‬ ‫وبإثــارة العــداء والفــن واإلشــاعات املغرضــة قط ًعــا لعبــت دو ًرا كبيـ ًرا‬ ‫يف التأثيــر علــى وحــدة الصــف العربــي‪ ،‬والتوافــق العربــي ‪ -‬العربــي‬ ‫م ــا يس ــتوجب ض ــرورة مواجهته ــا مبختل ــف الوس ــائل والسياس ــات‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫متابعات عربية‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪21‬‬

‫"وثيق ــة األم ــن القوم ــي العرب ــي" ج ــاءت دون توق ــع مس ــبق لتعي ــد‬ ‫إحي ــاء وتجدي ــد الطم ــوح القدي ــم بخص ــوص األم ــن القوم ــي العرب ــي‬ ‫بالضرب ــة‪ ،‬مم ــا يش ــير إل ــى تواف ــق ال ــدول العربي ــة عل ــى اس ــتيعاب‬ ‫خالفاته ــا البيني ــة‪ ،‬وع ــدم رغب ــة أي منه ــم عل ــى الظه ــور مبظه ــر‬ ‫املخالـــف ملوقـــف اململكـــة‪ .‬وأمـــا النقطـــة الثانيـــة‪ ،‬فهـــي اخلاصـــة‬ ‫بإدان ــات اإلع ــالن املتك ــررة والش ــديدة إلي ــران عل ــى تدخالته ــا يف‬ ‫اليم ــن ودعمه ــا للحوثي ــن بالصواري ــخ الت ــي تطل ــق عل ــى اململك ــة‪،‬‬ ‫وتدخالتهـــا يف ســـوريا ولبنـــان‪ ،‬وهـــي املواقـــف التـــي مـــرت دون‬ ‫إعــالن خــالف مــن أحــد حولهــا‪ ،‬وهــو مــا يشــير إلــى نفــوذ الدولــة‬ ‫ً‬ ‫وأيض ــا إل ــى "اس ــتثمارها املفي ــد" يف الواق ــع العرب ــي قب ــل‬ ‫املضيف ــة‪،‬‬ ‫خصوص ــا يف عالقاته ــا م ــع الع ــراق ولبن ــان‪ .‬لك ــن م ــن امله ــم‬ ‫القم ــة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫اإلش ــارة ً‬ ‫أيض ــا إل ــى ت ــوازن اإلع ــالن يف بن ــوده‪ ،‬حي ــث أن ــه بينم ــا ل ــم‬ ‫يعلــن موق ًفــا مــن الضربــة ضــد ســوريا‪ ،‬فإنــه لــم يلــق بالتبعــة علــى‬ ‫النظ ــام الس ــوري يف اس ــتخدام الس ــالح الكيم ــاوي‪ ،‬وإمن ــا دع ــا إل ــى‬ ‫حتقي ــق دول ــي يف ذل ــك‪.‬‬ ‫ويبـــرز االتســـاق االســـتراتيجي للقمـــة‪ ،‬يف أنهـــا يف مختلـــف‬ ‫األزم ــات العربي ــة س ــواء يف لبن ــان أو س ــوريا أو ليبي ــا أو اليم ــن أو‬ ‫الع ــراق‪ ،‬أو الصوم ــال أو ج ــزر القم ــر‪ ،‬كان التأكي ــد الدائ ــم عل ــى‬ ‫أهمي ــة س ــالمة الدول ــة ودع ــم مؤسس ــاتها الوطني ــة‪ ،‬فف ــي س ــوريا‬ ‫مث ـ ً‬ ‫ـال دع ــا إع ــالن الظه ــران إل ــى تس ــوية س ــلمية تضم ــن وح ــدة‬ ‫ً‬ ‫س ــوريا‪ ،‬وحتم ــي س ــيادتها واس ــتقاللها‪ ،‬وحتق ــق انتق ــاال حقيق ًّي ــا‬ ‫إل ــى واق ــع سياس ــي تصوغ ــه وتتواف ــق علي ــه كاف ــة مكون ــات الش ــعب‬ ‫الس ــوري عب ــر مس ــار جني ــف‪ .‬ويف لبن ــان أك ــد عل ــى التضام ــن م ــع‬ ‫لبن ــان واحل ــرص عل ــى اس ــتقراره وس ــالمة أراضي ــه‪ ،‬وأك ــد عل ــى‬ ‫اســـتقالل اليمـــن ووحدتـــه الترابيـــة ومنـــع التدخـــل يف شـــؤونه‬ ‫الداخلي ــة‪ ،‬واعتب ــر أن أم ــن الع ــراق واس ــتقراره وس ــالمة ووح ــدة‬ ‫أراضي ــه حلق ــة مهم ــة يف سلس ــلة منظوم ــة األم ــن القوم ــي العرب ــي‪،‬‬ ‫ودع ــا إل ــى أهمي ــة دع ــم املؤسس ــات الش ــرعية الليبي ــة والتوص ــل‬ ‫إل ــى اتف ــاق ينه ــي األزم ــة ويحف ــظ وح ــدة ليبي ــا الترابي ــة ومتاس ــك‬ ‫نس ــيجها املجتمع ــي‪ ،‬ودع ــا إل ــى ص ــون الس ــيادة الوطني ــة للس ــودان‪،‬‬ ‫وإلــى إعــادة بنــاء وتقويــة املؤسســات الوطنيــة ومواجهــة التحديــات‬ ‫االقتصاديــة والتنمويــة يف الصومــال‪ .‬وهــو مــا يشــير إلــى احلــرص‬ ‫الدائ ــم عل ــى االنحي ــاز للدول ــة ومؤسس ــاتها الوطني ــة‪.‬‬

‫انعكــس مــن كــم حضــور القــادة مــن امللــوك والرؤســاء (‪ 16‬مــن‬ ‫أصــل ‪ 22‬زعي ًمــا)‪ ،‬وقــوة اخلطــاب وشــمول الطــرح يف أهــم القضايــا‬ ‫واتســاقها يف املجمــل مــع الرؤيــة والطــرح الســعودي للقضايــا‬ ‫العربيــة‪ ،‬ولــم يكــن غري ًبــا أن يعلــق أميــر الكويــت علــى القمــة قائ ـ ً‬ ‫ال‬ ‫بـــ (إنهــا بــادرة انفــراج‪ ..‬للخــروج مــن اليــأس)‪ ،‬وأن يعتبــر البعــض أن‬ ‫مــا أجنزتــه القمــة يؤهلهــا ألن تكــون إحــدى القمــم العربيــة القليلــة‬ ‫الناجحــة‪ ،‬كـــ (القمــة الرابعــة) التــي عقــدت يف اخلرطــوم يف شــهر‬ ‫أغســطس مــن عــام ‪ ،1967‬بعــد شــهرين مــن نكســة يونيــو عــام‬ ‫‪1967‬م‪ ،‬والتــي أعقبهــا نصــر أكتوبــر عــام ‪1973‬م‪ ،‬أو غيرهــا مــن‬ ‫القمــم الكبــرى يف تاريــخ مؤسســة القمــة العربيــة‪.‬‬ ‫‪ .2‬أكــدت أن عالقــة الســعودية اخلاصــة بالواليــات املتحــدة ال متنعهــا‬ ‫م ــن مخالف ــة السياس ــة األمريكي ــة‪ ،‬وتبن ــي ق ــرارات عربي ــة مخالف ــة‬ ‫متا ًم ــا للموق ــف األمريك ــي م ــن قضي ــة الق ــدس‪ ،‬وم ــن ذل ــك ق ــرارات‬ ‫اململكــة بدعــم الســلطة ووكالــة غــوث الالجئــن الفلســطينين‪ ،‬حيــث‬ ‫أعل ــن املل ــك س ــلمان ب ــن عب ــد العزي ــز يف القم ــة ع ــن تق ــدمي اململك ــة‬ ‫تبرع ــا مبق ــدار ‪ 150‬ملي ــون دوالر لألوق ــاف اإلس ــالمية يف الق ــدس‪،‬‬ ‫ً‬ ‫و ‪ 50‬ملي ــون دوالر ملنظم ــة األون ــروا لالجئ ــن الفلس ــطينين‪ ،‬وكان ــت‬ ‫اململك ــة ق ــد رفع ــت دعمه ــا الش ــهري للس ــلطة الفلس ــطينية م ــن ‪7.5‬‬ ‫ملي ــون دوالر إل ــى ‪ 20‬ملي ــون دوالر‪ ،‬وأعلن ــت ع ــن تق ــدمي ‪ 70‬ملي ــون‬ ‫دوالر تنفي ـ ًذا لقــرار قمــة عمــان لدعــم صنــدوق القــدس واألقصــى‪.‬‬ ‫‪ .3‬أكــدت القمــة ً‬ ‫أيضــا أنــه ال تأثيــر أمريكــي علــى القــرار الســعودي‬ ‫م ــن قط ــر‪ :‬فعل ــى الرغ ــم م ــن الدعاي ــة القطري ــة قب ــل القم ــة ع ــن‬ ‫الضغـــوط األمريكيـــة بشـــأن حـــل أزمـــة الرباعـــي مـــع قطـــر‪ ،‬إال‬ ‫أن أ ًي ــا م ــن ذل ــك ل ــم يح ــدث‪ ،‬وب ــدت اململك ــة تدي ــر سياس ــاتها يف‬ ‫ملــف قطــر باســتقاللية تامــة‪ ،‬ومــن دون أي تأثيــر خارجــي‪ ،‬وكانــت‬ ‫إدارته ــا لألزم ــة قب ــل القم ــة وبعده ــا‪ ،‬بعي ــدة متا ًم ــا ع ــن أي تدخ ــل‬ ‫مــن أي طــرف‪ ،‬وال تــزال تتمســك بــأن األزمــة "صغيــرة جـدًا"‪ ،‬وأنهــا‬ ‫ســتحل يف الســياق اخلليجــي‪ ،‬وأنهــا لــن حتــل قبــل تعاطــي قطــر مــع‬ ‫الش ــروط املطروح ــة‪.‬‬

‫خالصة‬ ‫يف اخلتــام‪ ..‬ميكــن اإلشــارة إلــى أن قمــة الظهــران أبــرزت‬ ‫مجموعــة مــن املعانــي‪ ،‬تتمثــل أهمهــا فيمــا يلــي‪:‬‬ ‫‪ .1‬أكــدت القمــة املكانــة الســعودية يف النظــام العربــي‪ :‬وذلــك مــا‬

‫* مديــر برنامــج الخليــج العــريب ورئيــس وحــدة الدراســات العربيــة‬ ‫واإلقليميــة مبركــز الدراســات االســرتاتيجية باألهــرام‬

‫‪20‬‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫متابعات عربية‬

‫دعــم إيــران لإلرهــاب يف الــدول العربيــة‪ ،‬فأكــد علــى "االســتمرار يف‬ ‫محارب ــة اإلره ــاب وإزال ــة أس ــبابه والقض ــاء عل ــى داعمي ــه ومنظمي ــه‬ ‫وممولي ــه يف الداخ ــل واخل ــارج كإي ــران وأذرعه ــا يف منطق ــة الش ــرق‬ ‫األوس ــط وإفريقي ــا"‪.‬‬ ‫ومتثـــل اخلطـــر الثالـــث علـــى األمـــن القومـــي العربـــي الـــذي‬ ‫أشـــارت إليـــه وثيقـــة األمـــن القومـــي‪ ،‬يف األطمـــاع والتهديـــدات‬ ‫اإلقليميـــة‪ ،‬ومـــن ثـــم انتقلـــت الوثيقـــة مـــن قضيـــة قلـــب النظـــام‬ ‫العربـــي (القضيـــة الفلســـطينية)‪ ،‬إلـــى القضيـــة الداخليـــة التـــي‬ ‫تش ــكل أه ــم خط ــر عل ــى كي ــان األوط ــان (اإلره ــاب)‪ ،‬ومنه ــا إل ــى‬ ‫اخلط ــر األع ــرض ال ــذي ميث ــل احملي ــط املج ــاور غي ــر العرب ــي ال ــذي‬ ‫يهـــدد العالـــم العربـــي(دول اجلـــوار)‪ ،‬وهنـــا لـــم تطـــرح الوثيقـــة‬ ‫منهج ــا صراع ًي ــا م ــع اجل ــوار‪ ،‬وإمن ــا توجه ــت بدع ــوة دول اجل ــوار‬ ‫ً‬ ‫اإلقليمـــي إلـــى االلتـــزام مببـــادئ ُحســـن اجلـــوار واحتـــرام ســـيادة‬ ‫الــدول العربيــة‪ ،‬لتؤكــد علــى أن مشــكالتنا مــع اجلــوار ليســت نابعــة‬ ‫مــن كراهيــة وإمنــا هــي نتــاج لسياســاته التدخليــة الضــارة واملؤذيــة‬ ‫بالــدول العربيــة‪ .‬وكان الف ًتــا تركيــز "إعــالن الظهــران" علــى إيــران‪،‬‬ ‫دون اإلش ــارة إل ــى تركي ــا‪ ،‬وه ــو م ــا يش ــير إل ــى سياس ــات عربي ــة‬ ‫تتـــدرج مـــن التصريـــح بالرفـــض واإلدانة(إيـــران)‪ ،‬إلـــى االكتفـــاء‬ ‫مبجــرد التنويــه املضمر(تركيــا)‪ .‬وهنــا أدان إعــالن الظهــران إيــران‬ ‫علـــى سياســـاتها يف اليمـــن وســـوريا‪ ،‬وطالـــب بضـــرورة تشـــديد‬ ‫العقوب ــات عل ــى إي ــران وميليش ــياتها ومنعه ــا م ــن دع ــم اجلماع ــات‬ ‫اإلرهابيـــة وتزويـــد ميليشـــيات احلوثـــي بالصواريـــخ الباليســـتية‬ ‫التــي يتــم توجيههــا مــن اليمــن للمــدن الســعودية‪ ،‬كمــا أعلــن رفــض‬ ‫التدخـــالت اإليرانيـــة يف الشـــؤون الداخليـــة للـــدول العربيـــة ومـــا‬ ‫تق ــوم ب ــه م ــن تأجي ــج مذهب ــي وطائف ــي يف ال ــدول العربي ــة ودعمه ــا‬ ‫وتس ــليحها للميليش ــيات اإلرهابي ــة يف ع ــدد م ــن ال ــدول العربي ــة‪.‬‬ ‫وطال ــب إي ــران بس ــحب ميليش ــياتها وعناصره ــا املس ــلحة باألخ ــص‬ ‫س ــوريا واليم ــن‪.‬‬ ‫وراب ًعـــا انتقلـــت وثيقـــة األمـــن القومـــي مـــن احلديـــث عـــن‬ ‫امله ــددات واألخط ــار إل ــى احلدي ــث ع ــن ركائ ــز ودعائ ــم لألم ــن‬ ‫القومـــي‪ ،‬فطرحـــت ثـــالث ركائـــز ودعائـــم أساســـية‪ ،‬تدرجـــت‬ ‫م ــن اخل ــاص إل ــى الع ــام‪ ،‬فدع ــت إل ــى "احملافظ ــة عل ــى الدول ــة‬ ‫الوطني ــة"‪ ،‬ودع ــت إل ــى حتص ــن ال ــدول ض ــد "مح ــاوالت تقوي ــض‬ ‫ســـلطتها مـــن قبـــل األطـــراف اإلقليميـــة والـــوكالء واألحـــزاب‬ ‫واملليش ــيات التابع ــة له ــم داخ ــل ال ــدول العربي ــة"‪ ،‬ث ــم انتقل ــت إل ــى‬ ‫دعــوة الــدول العربيــة لاللتــزام بتعزيــز التضامــن العربــي وتقــدمي‬ ‫الدع ــم املمك ــن له ــا‪ ،‬وهن ــا حرص ــت الوثيق ــة عل ــى التأكي ــد عل ــى‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أن يك ــون ذل ــك وف ًق ــا مليث ــاق األمم املتح ــدة ويف إط ــار الش ــرعية‬ ‫الدولي ــة‪ ،‬ث ــم انتق ــل البي ــان م ــن حدي ــث السياس ــة واألم ــن إل ــى‬ ‫احلدي ــث ال ــذي يس ــند التضام ــن العرب ــي ويقوي ــه بالدع ــوة إل ــى‬ ‫"العمـــل علـــى تســـريع وتيـــرة آليـــات العمـــل العربـــي املشـــترك‬ ‫يف املجـــاالت االقتصاديـــة واالجتماعيـــة والتنمويـــة وتنفيـــذ‬ ‫االســـتراتيجيات العربيـــة يف تلـــك املجـــاالت"‪.‬‬ ‫هك ــذا ميك ــن الق ــول ب ــأن وثيق ــة األم ــن القومي–م ــع إع ــالن‬ ‫الظهران‪-‬أحاط ــا مبجم ــل الص ــورة اخلاص ــة مبه ــددات ومع ــززات‬ ‫األمـــن العربـــي‪ .‬ويبقـــى أن حـــرص القمـــة علـــى إصـــدار وثيقـــة‬ ‫خاصـــة باألمـــن القومـــي‪ ،‬يقـــدم أبلـــغ داللـــة علـــى مـــا تكتســـبه‬ ‫قضيـــة األمـــن القومـــي مـــن أولويـــة لـــدى القـــادة العـــرب‪ ،‬ومـــا‬ ‫يعكســـه ذلـــك مـــن إدراك أمـــن للحظـــة العربيـــة الراهنـــة؛ فلـــم‬ ‫يك ــن الق ــادة يف حاج ــة إل ــى تخصي ــص وثيق ــة لألم ــن القوم ــي‪ ،‬كان‬ ‫باإلم ــكان إي ــراد كل م ــا به ــا ‪-‬والكثي ــر من ــه ورد فعل ًي ــا يف إع ــالن‬ ‫الظه ــران‪ ،‬لك ــن ص ــدور وثيق ــة مس ــتقلة بش ــأن ذل ــك‪ ،‬يش ــير إل ــى‬ ‫م ــدى إدراك الق ــادة خلط ــورة مه ــددات األم ــن العرب ــي يف اللحظ ــة‬ ‫الراهن ــة م ــن التاري ــخ العرب ــي‪.‬‬ ‫(‪ )٣‬األزمــات العربيــة واالتســاق االســتراتيجي‪ :‬كان أه ــم م ــا أبرزت ــه‬ ‫قمــة الظهــران هــو طريقــة إدارة األزمــات العربيــة‪ ،‬والتــي تتجــه إلــى‬ ‫درجــة مــن الرشــادة‪ ،‬علــى نحــو مــا أوضحتــه وثيقــة األمــن القومــي‬ ‫وإعـــالن الظهـــران؛ فعلـــى الرغـــم مـــن اخلالفـــات التـــي تفـــرض‬ ‫ذاته ــا عل ــى البيان ــات اخلتامي ــة للقم ــم العربي ــة‪ ،‬فتأت ــي البيان ــات‬ ‫جامعــة للحــدود الدنيــا مــن املشــتركات يف السياســات‪ ،‬إلــى أن قمــة‬ ‫الظه ــران ل ــم تت ــن مناه ــج وس ــطية أو مواق ــف ضبابي ــة‪ ،‬فق ــد أت ــت‬ ‫القم ــة بنتائ ــج تؤي ــد املوق ــف الس ــعودي يف األزم ــات العربي ــة‪ ،‬وعل ــى‬ ‫األرج ــح أن ذل ــك ج ــاء كاشـ ـ ًفا ع ــن دور اململك ــة والدول ــة املضيف ــة‬ ‫للقم ــة يف صناع ــة الق ــرار العرب ــي الراه ــن‪ ،‬لكن ــه ً‬ ‫أيض ــا أش ــار إل ــى‬ ‫نه ــج عرب ــي جدي ــد مس ــتفيدًا م ــن أخط ــاء املاض ــي‪.‬‬ ‫وذل ــك م ــا يتض ــح بج ــالء م ــن موقف ــن أساس ــين يف القم ــة‪،‬‬ ‫األول أنــه علــى الرغــم مــن االختالفــات يف املواقــف العربيــة بشــأن‬ ‫ســوريا إال أن القمــة لــم تعكــس أي خالفــات علــى األقــل يف العلــن‪،‬‬ ‫وخصوصــا يف مســألة كان مــن املفتــرض أن تكــون محــال للخــالف‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وه ــي اخلاص ــة باس ــتخدام الس ــالح الكيم ــاوي والضرب ــة الغربي ــة‬ ‫الثالثي ــة لس ــوريا قب ــل القم ــة بس ــاعات؛ حي ــث ج ــاء اإلع ــالن مدي ًن ــا‬ ‫الســتخدام الســالح الكيمــاوي‪ ،‬وهــو املفتــرض أنــه مــن قبــل النظــام‬ ‫الســوري‪ ،‬بينمــا لــم يشــر ملوقــف عربــي مؤيــد أو مديــن فيمــا يتعلــق‬

‫المبــادرة العربيــة تميــز الخطــاب العربــي يف مرحلــة ال تؤهــل العــرب‬ ‫لخطــاب أكثــر مصداقيــة مــن الســالم واســتثمار رشــيد يف ســنوات التدهور‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫(‪ )1‬ع ــودة القضي ــة الفلس ــطينية كقضي ــة مركزي ــة للنظ ــام العرب ــي‪:‬‬ ‫كان أهـــم مـــا أتـــت بـــه قمـــة الظهـــران هـــو إعـــادة الصـــدارة‬ ‫للقضي ــة الفلس ــطينية كقضي ــة مركزي ــة للنظ ــام اإلقليم ــي العرب ــي‪،‬‬ ‫فقـــد تضمـــن إعـــالن الظهـــران (‪ 2‬فقـــرة‪ 7 ،‬خصصـــت للقضيـــة‬ ‫الفلس ــطينية‪ ،‬الت ــي ج ــرى تناوله ــا يف ‪ 390‬كلم ــة م ــن ب ــن إجمال ــي‬ ‫كلم ــات اإلع ــالن الت ــي بلغ ــت ‪ ،)1941‬مب ــا ميث ــل ‪ %20‬م ــن مجم ــل‬ ‫كلم ــات البي ــان‪ .‬فخ ــالل األع ــوام املاضي ــة‪ ،‬طغ ــت قضي ــة اإلره ــاب‬ ‫وتراجعـــت القضيـــة الفلســـطينية يف ترتيـــب األولويـــات العربيـــة‪،‬‬ ‫وب ــرز اجت ــاه ينظ ــر إل ــى القضي ــة عل ــى أنه ــا س ــبب تأخ ــر احل ــال‬ ‫العرب ــي وأنه ــا أصبح ــت عب ًئ ــا ول ــم تع ــد القضي ــة املركزي ــة للنظ ــام‬ ‫العربـــي‪ ،‬وجـــاءت قمـــة الظهـــران لتعيـــد التأكيـــد علـــى صـــدارة‬ ‫القضيـــة وموقعهـــا املركـــزي يف األولويـــات العربيـــة‪.‬‬ ‫لقـــد أكـــدت قمـــة الظهـــران علـــى الهويـــة العربيـــة للقـــدس‬ ‫الش ــرقية كعاصم ــة لدول ــة فلس ــطن‪ ،‬وكان إط ــالق املل ــك س ــلمان‬ ‫ً‬ ‫فضـــال عـــن ذلـــك‬ ‫علـــى القمـــة "قمـــة القـــدس" داللـــة خاصـــة‪،‬‬ ‫أعـــادت القمـــة التأكيـــد علـــى مبـــادرة الســـالم العربيـــة التـــي‬ ‫طرحـــت عـــام ‪2002‬م‪ ،‬وعلـــى قضيـــة الالجئـــن‪ ،‬ودعـــت إلـــى‬ ‫مفاوضــات ســالم وفــق جــدول زمنــي محــدد إلنهــاء الصــراع علــى‬ ‫أســاس حــل الدولتــن‪ ،‬ومــن ثــم ســكبت القمــة مــا ًء بــار ًدا علــى كل‬ ‫حديــث دار علــى مــدى عــام ‪2017‬م‪ ،‬عــن "ســالم دافــئ" أو "بــارد"‬ ‫مـــع إســـرائيل‪ ،‬علـــى األقـــل طاملـــا بقيـــت القضيـــة الفلســـطينية‬ ‫وقضيـــة القـــدس‪.‬‬ ‫لــم تكــن عــودة تصــدر القضيــة الفلســطينية لألولويــات العربيــة‪،‬‬ ‫مؤش ـ ًرا فق ــط عل ــى تراج ــع قضي ــة اإلره ــاب ع ــن ص ــدارة األولوي ــات‬ ‫بعـــد ســـقوط دولـــة داعـــش يف العـــراق‪ ،‬وإمنـــا جـــاء كـــرد فعـــل‬ ‫عل ــى املؤش ــرات الت ــي ب ــرزت ع ــام ‪2017‬م‪ ،‬والت ــي طال ــت الثواب ــت‬ ‫واحملرمـــات‪ ،‬بعـــد قـــرار الرئيـــس األمريكـــي دونالـــد ترامـــب بنقـــل‬ ‫الس ــفارة األمريكي ــة إل ــى الق ــدس‪ ،‬وباألخ ــص بع ــد رف ــض اس ــتصدار‬ ‫قــرار مــن مجلــس األمــن يناقــض القــرار األمريكــي‪ ،‬حظــي مبوافقــة‬ ‫‪ 14‬دول ــة إال أن الوالي ــات املتح ــدة اس ــتخدمت ح ــق الفيت ــو ض ــده‪،‬‬ ‫وه ــو م ــا ت ــاله ذه ــاب الع ــرب إل ــى اجلمعي ــة العام ــة ليحصل ــوا عل ــى‬ ‫تأيي ــد ‪ 129‬دول ــة داعم ــة للق ــرار العرب ــي برف ــض املوق ــف األمريك ــي‬ ‫واالعتـــراف بالقـــدس كمدينـــة محتلـــة وعاصمـــة لدولـــة فلســـطن‪،‬‬ ‫انعكاس ــا للزخ ــم العرب ــي‬ ‫وم ــن ث ــم كان زخ ــم القم ــة بش ــأن الق ــدس‬ ‫ً‬ ‫واملوق ــف الدول ــي‪ ،‬عل ــى ح ــد ق ــول األم ــن الع ــام للجامع ــة العربي ــة‬ ‫أحم ــد أب ــو الغي ــط‪.‬‬ ‫ولقـــد طـــرح البعـــض علـــى نحـــو ســـاخر‪ ،‬ســـؤال عـــن ســـبب‬ ‫تأكي ــد قم ــة الظه ــران وم ــا س ــبقها م ــن قم ــم عربي ــة عل ــى مب ــادرة‬ ‫الســالم العربيــة رغــم عــدم اســتجابة إســرائيل لهــا‪ ،‬دون إدراك بــأن‬ ‫املب ــادرة ه ــي الورق ــة الرئيس ــية يف ي ــد اجلان ــب العرب ــي‪ ،‬وه ــي الت ــي‬

‫متابعات عربية‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪19‬‬

‫حت ــدد البوصل ــة العربي ــة للقضي ــة الفلس ــطينية وتطرحه ــا بش ــكلها‬ ‫العــادل علــى العالــم‪ ،‬وإذا لــم يطــرح العــرب تلــك املبــادرة‪ ،‬ويعــاودون‬ ‫طرحه ــا م ــن الع ــام إل ــى الع ــام‪ ،‬فل ــن يك ــون املوق ــف العرب ــي أفض ــل‪،‬‬ ‫ب ــل إن عقالني ــة املب ــادرة متي ــز اخلط ــاب العرب ــي احلدي ــث بش ــأن‬ ‫القضي ــة ع ــن اخلط ــب العربي ــة الرنان ــة يف العق ــود الس ــابقة والت ــي‬ ‫ل ــم ت ــؤد إال إل ــى النكب ــات والهزائ ــم‪ ،‬فم ــن املؤك ــد أن الق ــادة الع ــرب‬ ‫جســدوا املوقــف مــن املبــادرة علــى اجلانــب اإلســرائيلي‪ ،‬وهــو الــذي‬ ‫اســتمر ملــا يزيــد علــى ‪ 15‬ســنة دون أن يقــدم أي حــل‪ ،‬ومــن ثــم فــإن‬ ‫املب ــادرة هن ــا ه ــي أضع ــف ال ــردود العربي ــة يف ظ ــل مرحل ــة ال تؤه ــل‬ ‫الع ــرب خلط ــاب أكث ــر مصداقي ــة م ــن خط ــاب الس ــالم‪ ،‬وه ــي هن ــا‬ ‫اس ــتثمار رش ــيد وأم ــن يف س ــنوات التده ــور العرب ــي‪.‬‬ ‫(‪ )٢‬إع ــادة إحي ــاء مفه ــوم األم ــن القوم ــي العرب ــي‪ :‬كان أهـــم مـــا‬ ‫ج ــاءت ب ــه قم ــة الظه ــران "وثيق ــة األم ــن القوم ــي العرب ــي"؛ فم ــن‬ ‫دون توقـــع مســـبق‪ ،‬أتـــت هـــذه الوثيقـــة‪ ،‬لتعيـــد إحيـــاء وجتديـــد‬ ‫الطمــوح القــدمي واملزمــن‪ ،‬بخصــوص األمــن القومــي العربــي‪ .‬فقــد‬ ‫كان موض ــوع اإلره ــاب عل ــى م ــدى الس ــنوات الس ــابقة أساس ـ ًيا يف‬ ‫وثائ ــق القم ــة‪ ،‬لكن ــه ل ــم يك ــن س ــوى وج ــه واح ــد مله ــددات األم ــن‬ ‫القومـــي‪ ،‬ثـــم جـــاءت الوثيقـــة لتجمـــع بشـــكل شـــامل مختلـــف‬ ‫التهدي ــدات االس ــتراتيجية لألم ــن العرب ــي‪ ،‬وهن ــا أش ــارت بداي ــة‬ ‫إلـــى اســـتمرار القضيـــة الفلســـطينية كخطـــر أساســـي‪ ،‬وأكـــدت‬ ‫نفـــس مـــا أكـــد عليـــه إعـــالن الظهـــران بشـــأن القـــدس والدولـــة‬ ‫الفلســـطينية ومبـــادرة الســـالم العربيـــة‪ ،‬لكـــن الوثيقـــة أحاطـــت‬ ‫باملهـــددات األخـــرى لألمـــن القومـــي‪ ،‬وأوردتهـــا بشـــكل متـــدرج‬ ‫ومنطقـــي بحســـب األهميـــة‪.‬‬ ‫فكانـــت القضيـــة الثانيـــة هـــي اإلرهـــاب‪ ،‬ويؤكـــد وضـــع هـــذه‬ ‫القضي ــة يف املرتب ــة الثاني ــة بع ــد القضي ــة الفلس ــطينية‪ ،‬يف وثيق ــة‬ ‫األم ــن القوم ــي اس ــتمرار إدراك الق ــادة خلط ــورة اإلره ــاب ال ــذي ال‬ ‫يــزال يهــدد كيــان الدولــة العربيــة ويعتــرض طريــق نهضتهــا الوطنيــة‪،‬‬ ‫وال ي ــزال ميتل ــك ق ــدرات عل ــى التح ــور‪ ،‬وأن ــه إذا كان ق ــد انه ــزم يف‬ ‫جــوالت يف ‪2017‬م‪ ،‬فإنــه ال تــزال هنــاك جــوالت كثيــرة منتظــرة معــه‬ ‫يف ســنوات أو عقــود مقبلــة‪ ،‬وهنــا طرحــت الوثيقــة هــدف حتصــن‬ ‫األمــة مــن اخلطــر الداهــم الــذي ميثلــه اإلرهــاب والتطــرف العنيــف‪.‬‬ ‫ولق ــد أف ــاض "إع ــالن الظه ــران" يف خط ــر اإلره ــاب‪ ،‬وخص ــص ل ــه‬ ‫‪ 177‬كلم ــة‪ ،‬يف تأكي ــد عل ــى اس ــتمرار خطورت ــه‪ ،‬وأهمي ــة معاجلت ــه‬ ‫والتصــدي لــه‪ ،‬وجــاء املبــدأ األول ليؤكــد علــى التــزام الــدول العربيــة‬ ‫"بتهيئ ــة الوس ــائل املمكن ــة وتكري ــس كاف ــة اجله ــود الالزم ــة للقض ــاء‬ ‫عل ــى العصاب ــات اإلرهابي ــة وهزمي ــة اإلرهابي ــن يف جمي ــع ميادي ــن‬ ‫املواجهــة العســكرية واألمنيــة والفكريــة"‪ .‬وكان الف ًتــا أن اإلعــالن لــم‬ ‫ينــس يف حديثــه عــن اإلرهــاب أن يــدرج اســم إيــران‪ ،‬يف تأكيــد علــى‬

‫‪18‬‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫متابعات عربية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫متابعات عربية‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪17‬‬

‫فــلـسـطـيــــن واإلرهـــــاب واألمـــــن الــعـربــــي أهـــــم مــخـرجـــــات الــقــمــــة‬

‫قــمــة الــظــهــران ‪..‬‬ ‫وقــف تدهـور الـنـظـام اإلقـلـيمـي الـعـربـي‬ ‫علــى الرغــم مــن انعقادهــا ليــوم واحــد‪ ،‬وخلمــس ســاعات ونصــف‪ ،‬إال أنــه ســيتم التأريــخ لقمــة الظهــران باعتبارهــا إحــدى‬ ‫أهــم القمــم العربيــة‪ ،‬وقــد يشــار إليهــا فيمــا بعــد علــى أنهــا القمــة التــي مثلــت البدايــة الفعليــة لوقــف التدهــور بالنظــام‬ ‫اإلقليمــي العربــي؛ فلقــد انعقــدت القمــة وســط خالفــات عربيــة كثيــرة‪ ،‬ويف ظــل فوضــى مــن الشــائعات التــي طالــت ثوابــت‬ ‫خصوصــا فلســطن والقــدس علــى أثــر مــا تــردد مــن شــائعات وأحاديــث‬ ‫املوقــف العربــي مــن القضايــا املركزيــة واملبدئيــة‬ ‫ً‬ ‫متكــررة عــن مــا ســمي بـــ "صفقــة القــرن"‪ ،‬فقبــل انعقــاد القمــة ثــار لغــط كبيــر بشــأن مــا أثيــر حــول تنــازالت مــن جانــب الــدول‬ ‫العربيــة يف القضيــة الفلســطينية والقــدس حتدي ـدًا‪ .‬ثــم جــاءت نتائــج القمــة لتنفــي تلــك الشــائعات‪ ،‬ولتعيــد التأكيــد ثانيــة‬ ‫علــى األســس الثابتــة للموقــف العربــي‪ ،‬ولتعيــد القضيــة الفلســطينية إلــى موقعهــا املركــزي مــن أولويــات األمــة العربيــة‪.‬‬ ‫ومــن ناحيــة الشــكل‪ ،‬حضــر القمــة أكبــر عــدد مــن امللــوك والرؤســاء منــذ قمــة انشــاص مبصــر عــام ‪1946‬م‪ ،‬ولــم يتغيــب إال‬ ‫أصحــاب األعــذار‪ ،‬أو ملوانــع سياســية (الرئيــس بشــار واألميــر متيــم)‪.‬‬

‫د‪ .‬معتز سالمة‬

‫احلاملــون فقــط توقعــوا مــن القمــة أكثــر ممــا خرجــت بــه؛ فصبوا‬ ‫جــام غضبهــم علــى القمــة والواقــع العربــي‪ ،‬وصفــوا القمــة بأنهــا‬ ‫غيــر مجديــة ولــم تقــدم أي جديــد للواقــع العربــي‪ ،‬ولــو تتبعنــا نوعيــة‬ ‫االتهامــات التــي تــكال للقمــة العربيــة مــن عــام إلــى عــام‪ ،‬ونوعيــة‬ ‫املقــوالت وضيــوف الفضائيــات ســوف جندهــم هــم أنفســهم‪ ،‬وهنــاك‬ ‫متاثــل يف االتهامــات املوجهــة للقمــة ســواء قبــل أو بعــد أن تعقــد‪،‬‬ ‫حتــى أصبحــت مثــل املعزوفــة املكــررة‪ ،‬ويف هــذه املــرة‪ ،‬ومــا أن انتهــت‬ ‫قمــة الظهــران حتــى أقــدم أحــد اإلعالميــن علــى متزيــق "إعــالن‬ ‫الظهــران" أمــام الفضائيــات‪ ،‬مكــر ًرا مقــوالت وأبيــات شــاعر عربــي‬ ‫دأب علــى توجيــه الشــتائم املســفة للقــادة العــرب‪ .‬وهــؤالء حتدي ـ ًدا‬ ‫ال يعرفــون أنــه ليــس مــن مهــام القمــة العربيــة أن تصــدر قــرارات‬ ‫بشــن احلــرب ضــد أعــداء األمــة‪ ،‬وأن القمــة ليســت ســوى ترجمــة‬ ‫للواقــع العربــي والدولــي‪ .‬ومثــل هــذه النغمــة يف احلــوار والتنــاول‬ ‫اإلعالمــي هــي مــا يؤســس خلطــاب التطــرف‪ ،‬رمبــا أكثــر مــن قــادة‬ ‫اجلماعــات اإلرهابيــة‪.‬‬ ‫ويف اجلوانــب الشــكلية ً‬ ‫أيضــا للتحليــل املشــوه لنتائــج قمــة‬ ‫الظهــران‪ ،‬ركــز فريــق آخــر مــن محللــي الفضائيــات اجلــدد‪ ،‬علــى‬ ‫صــورة بــرز فيهــا ملــوك ورؤســاء وأوليــاء عهــود ومســؤولون‪ ،‬وهــم‬

‫جالســون علــى مائــدة الطعــام يف مشــهد حميمــي غيــر رســمي‪،‬‬ ‫ليشــيروا إلــى مــا ينعــم بــه القــادة مــن صنــوف الطعــام النــادرة‬ ‫علــى املائــدة‪ ،‬غيــر مدركــن أنــه يف مثــل هــذه املوائــد‪ ،‬ال يســتطيع‬ ‫أي منهــم أن يكــون علــى راحتــه‪ ،‬العتبــارات تتعلــق بالرســميات‪،‬‬ ‫وبجــدول األعمــال املزدحــم باالجتماعــات املتتاليــة‪ .‬ويشــير هــذا‬ ‫التفســير إلــى حالــة التحليــل السياســي العربــي واحملللــن اجلــدد‪،‬‬ ‫والتأثيــر الفســيولوجي حلالــة اجلــوع والفقــر‪ .‬ومبثــل ذلــك ً‬ ‫أيضــا‬ ‫ميكــن احلديــث عــن توقــف اإلعــالم الفضائحــي لإلخــوان واجلزيــرة‬ ‫عنــد ذلــة لســان ‪-‬محــل اختالف‪-‬للرئيــس املصــري‪ ،‬وكل هــذه‬ ‫التحليــالت تشــير إلــى مــا أصــاب الواقــع العربــي مــن تشــوهات‬ ‫رفعــت مــن مقــام البعــض ليجــدوا يف التحليــل السياســي وظيفــة‬ ‫مثلــى لالرتــزاق الســريع‪ ،‬ولتجــد فيهــم قنــوات اإلثــارة ضالتهــا‪ ،‬يف‬ ‫ظــل واقــع عربــي مــأزوم‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬جديد قمة الظهران‪:‬‬ ‫أتــت قمــة الظهــران بكثيــر مــن النقــاط اجلديــدة التــي تبــث‬ ‫شــعاع نــور يف الواقــع العربــي‪ ،‬ويف هــذا الســياق ميكــن حتديــد أهــم‬ ‫مــا أتــت بــه القمــة مــن جديــد فيمــا يلــي‪:‬‬

‫‪16‬‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫جائزة اإلبداع اإلعالمي‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫عبد الحسين شعبان‬ ‫أوالً ســررت عندمــا اســتمعت إلــى كلمــة الصديــق الدكتــور عبــد العزيــز بــن صقــر عندمــا كرمتــه مؤسســة الفكــر‬ ‫العربــي وكرمــت معــه مجلــة (آراء حــول اخلليــج) التــي عكســت رصانــة وعم ًقــا كبي ـ ًرا يف معاجلــة الكثيــر مــن القضايــا‬ ‫الســيما القضايــا املتعلقــة باخلليــج والعــرب والعالــم‪ ،‬وأظــن ان مــا تتضمنــه املجلــة مــن وجهــات نظــر ومــن تنــوع ومــن‬ ‫تعدديــة تعكــس اهتمامــات متزايــدة مــن الرســمين واحلكوميــن ومــن األكادمييــن واملثقفــن واملجتمــع املدنــي بشــكل عــام‬ ‫وهــي جســر للتواصــل بــن اخلليــج وبــن العــرب و العالــم ولكونهــا تتمتــع مبثــل هــذه الصفــة فإنهــا تصلــح أن تكــون مرج ًعــا‬ ‫رئيســا مــن مصــادر معرفــة مــا يجــري مــن أوضــاع وحتليــالت لعمــوم املنطقــة‪.‬‬ ‫مه ًمــا توثيق ًيــا ومصــد ًرا‬ ‫ً‬ ‫د‪ .‬عبد احلسني شعبان ـ مفكر عربي وأكادميي عراقي‬

‫مفيد الزايدي‪ :‬إصدار منتظم وعلمي متوازن ورصين يف التحليل والرؤية واالستنتاج‬ ‫تلقيــت ببالــغ الفــرح والســرور خبــر نيــل مجلتكــم الغــراء (آراء حــول اخلليــج) جائــزة اإلبــداع اإلعالمــي يف مؤمتــر الفكــر‬ ‫العرب ــي يف دب ــي‪ ،‬ه ــذه اجلائ ــزة الت ــي تس ــتحقونها م ــن إص ــدار منتظ ــم وعلم ــي ومت ــوازن‪ ،‬ه ــذه املجل ــة الت ــي أتابعه ــا من ــذ ‪14‬‬ ‫عا ًم ــا‪ ،‬وه ــي املتزن ــة والرصين ــة يف التحلي ــل والرؤي ــة واالس ــتنتاج‪ ،‬نرج ــو للمجل ــة والقائم ــن عليه ــا دوام النج ــاح والتوفي ــق‬ ‫والتق ــدم وتقبل ــوا فائ ــق التقدي ــر واالحت ــرام‪.‬‬ ‫د‪ .‬مفيد الزايدي‪ ،‬رئيس قسم الدراسات اإلقليمية والدولية‪/‬مركز الدراسات االستراتيجية والدولية‪/‬جامعة بغداد‬

‫عبد الواحد مشعل‪ :‬تحمل بصمة وهوية خاصة واستطاعت أن تتبوأ هذه الدرجة الرفيعة والمرموقة‬ ‫أتق ــدم بالتهنئ ــة والتبري ــكات لرئي ــس حتري ــر مجل ــة آراء ح ــول اخللي ــج الدكت ــور عب ــد العزي ــز اب ــن صق ــر‪ ،‬رئي ــس‬ ‫مرك ــز اخللي ــج لألبح ــاث‪ ،‬وملدي ــر وهي ــأة التحري ــر عل ــى ه ــذه اجلائ ــزة الت ــي نالته ــا املجل ــة باس ــتحقاق‪ ،‬ه ــذه املجل ــة‬ ‫الت ــي حتم ــل بصم ــة وهوي ــة خاص ــة اس ــتطاعت م ــن خالله ــا أن تتب ــوأ ه ــذه الدرج ــة الرفيع ــة واملرموق ــة عل ــى الس ــاحة‬ ‫اإلعالمي ــة والبحثي ــة العربي ــة‪ ،‬ونهن ــئ هي ــأة التحري ــر وكت ــاب املجل ــة‪ ،‬وآل ــى مزي ــد م ــن التأل ــق واإلب ــداع‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد الواحد مشعل‪ ،‬أستاذ االنثروبولوجيا السياسية يف جامعة بغداد‬

‫صبحة باغورة‪ :‬الجائزة اعتراف باتساع مقروئية المجلة وجدية مواضيعها ونزاهة طرحها‬ ‫أســعدني حصــول مجلــة (آراء حــول اخلليــج) علــى جائــزة اإلبــداع اإلعالمــي وهــو تقديــر عظيــم صــادف أهلــه‬ ‫وشــهادة اعتــراف بكفــاءة مســؤولي التحريــر ودليــل علــى مــدى اتســاع مقروئيــة املجلــة بفضــل جديــة مواضيعهــا وعمــق‬ ‫حتليالتهــا ونزاهــة طرحهــا ويطيــب لــي يف هــذه املناســبة الطيبــة كإحــدى مــن شــاركن بجهــد متواضــع يف عــدة مواضيــع‬ ‫سياســية أن أهديكــم أطيــب األمنيــات بــدوام التوفيــق والنجــاح يف مهامكــم النبيلــة مــن أجــل تنويــر العقــل العربــي باملزيــد‬ ‫مــن التحليــالت اجلــادة ورفــع مســتوى الثقافــة السياســية ولكــم شــخص ًيا أهــدي أســمى عبــارات التقديــر والعرفــان‪.‬‬ ‫صبحة باغورة‪ ،‬كاتبة صحفية ـ اجلزائر‬

‫* محرر آراء حول الخليج‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫جائزة اإلبداع اإلعالمي‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪15‬‬

‫ما قامت به مجلة آراء حول اخلليج أكثر من مرة العالقة وطرحت العالقات بالعالم اخلارجي والعالقة بالقوى الكبرى‪ ،‬و العالقة مع املؤسسات‬ ‫ً‬ ‫وأيضا متابعة ملفات التحوالت التي حدثت يف ملف العنف وجماعات التطرف واجلماعات اإلرهابية‪.‬‬ ‫العاملية‪،‬‬ ‫د‪ .‬عمرو الشوبكي‪ ،‬مفكر سياسي مصري ـ خبير مبركز األهرام للدراسات السياسية واالستراتيجية‬

‫معتز سالمة‪ :‬أثرت الفكر االستراتيجي العربي ومرجع ال غنى عنه للباحثين وصناع القرار‬ ‫نهنئكــم أحــر التهانــي بفــوز مجلــة آراء حــول اخلليــج بجائــزة مؤسســة الفكــر العربــي لإلبــداع‪ ،‬وهــو األمــر الــذي‬ ‫أســعدنا كل الســعادة‪ .‬وحقيقــة فــإن هــذه املجلــة الرائــدة أثــرت الفكــر االســتراتيجي العربــي حــول املنطقــة‪ ،‬وهــو مــا‬ ‫جعلهــا مرج ًعــا ال غنــى عنــه للباحثــن والدارســن وصنــاع القــرار‪ .‬وذلــك كلــه بفضــل جهودكــم وجهــود اإلخــوة األفاضــل‬ ‫العاملــن معكــم بــكل احلــب والتفانــي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫خصوصــا بعــد أن تراجــع أداء‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫العربي‬ ‫ـية‬ ‫ـ‬ ‫والسياس‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫الفكري‬ ‫ـاحة‬ ‫ـ‬ ‫الس‬ ‫يف‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫فراغ‬ ‫ـدت‬ ‫إن (مجلــة آراء حــول اخلليــج) سـ‬ ‫ً‬ ‫الكثيــر مــن املجــالت العربيــة التقليديــة أو تــوارت واختفــت‪ ،‬ولــم تعــد تصــدر‪ ،‬أو حتــول البعــض منهــا إلــى نســخ الكترونيــة‪،‬‬ ‫وأتــت مجلــة (آراء حــول اخلليــج) يف وقتهــا بعــد الثــورات العربيــة لتعطــي دفعــة للفكــر العربــي ولتجمــع النخبــة العربيــة مــن املشــرق واملغــرب واخلليــج‬ ‫علــى أعمــال جــادة واجتهــادات مرموقــة يف مجــال االســتراتيجية والفكــر السياســي‪ .‬لذلــك فــإن مؤسســة الفكــر العربــي أحســنت االختيــار بــأن‬ ‫منحــت اجلائــزة ملــن يســتحق‪ .‬متنياتنــا لكــم بــدوام التألــق‪ ،‬وملركــز اخلليــج لألبحــاث واملجلــة بــدوام االزدهــار واإلشــعاع‪.‬‬ ‫د‪ .‬معتز سالمة مفكر سياسي ـ مدير برنامج اخلليج العربي ـ ورئيس وحدة الدراسات العربية واإلقليمية ـ مبركز الدراسات االستراتيجية باألهرام‬

‫ظافر العجمي‪ :‬ما تتضمنه المجلة قيمة تفيد صانع القرار والمثقف العربي وخير عنوان للخليج‬ ‫حضــرت تكــرمي مجلــة (آراء حــول اخلليــج) وتكــرمي الدكتــور عبــد العزيــز بــن صقــر مبناســبة فــوز مجلــة (آراء‬ ‫حــول اخلليــج ) بجائــزة مؤسســة الفكــر العربــي "جائــزة اإلبــداع اإلعالمــي" لعــام ‪2017‬م‪ ،‬وأكثــر مــا أثلــج صــدري اننــي‬ ‫مــن املشــاركن يف هــذه املجلــة التــي أعرفهــا عــن قــرب‪ ،‬إنهــا مجلــة علميــة تقــوم علــى االعتمــاد علــى أدوات التحكيــم‬ ‫العلمــي يف كتابــة املقــاالت مختصــة جـدًا يف قضايــا اخلليــج العربــي وأمــن اخلليــج العربــي مجموعــة الكتــاب املوجوديــن‬ ‫يف هــذه املجلــة هــم خيــر عنــوان عــن منطقــة اخلليــج مبــا حتملــه مــن الثقــل ومــا حتملــه مــن قيمــة معنويــة تفيــد صانــع‬ ‫القــرار السياســي وتفيــد املثقــف العربــي العــادي‪.‬‬ ‫ويسعدني أن أبارك للمجلة والعاملن فيها وأثمن جهدهم الرفيع واملهم ‪ ،‬وأمتنى لهم التوفيق‪.‬‬ ‫ظافر محمد العجمي ـ أكادميي كويتي ـ املدير التنفيذي ملجموعة مراقبة اخلليج‬

‫د‪ .‬أحمد البرصان‪ :‬الموضوعات متنوعة والتحليل عميق والكتاب نخبة وهيأة تحرير متميزة‬ ‫نب ــارك للمجل ــة به ــذا الف ــوز ال ــذي حتق ــق نتيج ــة اجله ــد املب ــذول فيه ــا‪ ،‬واملوضوع ــات الت ــي تتناوله ــا‪ ،‬بأس ــلوب‬ ‫علم ــي موضوع ــي‪ ،‬تتناوله ــا النخب ــة الت ــي تكت ــب فيه ــا واإلخ ــراج ال ــذي تتمي ــز به ــا فاملوضوع ــات متنوع ــة والتحلي ــل‬ ‫عمي ــق ومس ــتنير‪ ،‬والكت ــاب نخب ــة م ــن خي ــرة اخلب ــراء وهي ــأة حتري ــر متمي ــزة تب ــذل جهــ ًدا يجع ــل املجل ــة يف قم ــة‬ ‫املج ــالت اجل ــادة واملتمي ــز ًة يف اخللي ــج والعال ــم العرب ــي بش ــكل ع ــام ونك ــرر‪ .‬التهنئ ــة بالف ــوز‪ .‬وإل ــى األم ــام ي ــا‬ ‫هي ــأة التحري ــر‪.‬‬ ‫د‪ .‬أحمد سليم البرصان‪ ،‬أستاذ العلوم السياسية يف جامعتي احلسني بن طالل وامللك عبد العزيز سابقً ا‬

‫‪14‬‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫جائزة اإلبداع اإلعالمي‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫كمــا أن املجلــة ســاهمت يف زيــادة معرفــة العــرب مبنطقــة اخلليــج وقدمــت لهــم معرفــة لــم تكــن متاحــة مــن قبــل مبــا يحــدث مبنطقــة اخلليــج‪،‬‬ ‫وأنهــا مجلــة ذات هويــة واضحــة ومميــزة وهــذا أحــد أســباب تفوقهــا لكــن أي عمــل يحتــاج دائ ًمــا إلــى جتديــد وتطويــر وهــي حتتــاج إلــى تطويــر رؤى‬ ‫فيمــا يتعلــق باملســتقبل بدرجــة أكبــر واهتمــام بهــذا املجــال يف ظــل أوضــاع منطقــة الشــرق األوســط عمو ًمــا ومنطقــة اخلليــج بصفــة خاصــة‪ ،‬فهنالــك‬ ‫ضــرورة للســعي إلــى استشــراف مــا يحــدث علــى املــدى القصيــر وعلــى املــدى املتوســط ألن يف املراحــل التــي يشــتد فيهــا االضطــراب تصبــح الرؤيــة‬ ‫غائمــة يحتــاج النــاس إلــى مــن يســاعدهم يف أن يستشــرفوا مــا ميكــن أن يحــدث يف ظــل غيــوم كثيفــة جـدًا حتجــب الرؤيــة وحتــول أحيا ًنــا دون فهــم‬ ‫مــا قــد يحــدث وتصــور مــا ميكــن أن يحــدث بعــد ذلــك‪.‬‬ ‫د‪ .‬وحيد عبد املجيد‪ ،‬مفكر سياسي ـ رئيس مركز األهرام للدراسات السياسية واالستراتيجية‬

‫الصادق الفقيه‪ :‬منبر حر يتقصى أصول الحقيقة ويستبين جذورها وفضاء واسع من المعرفة الرصينة‬ ‫يقي ًنــا أن مجلــة آراء حــول اخلليــج لهــا مــن اســمها نصيــب كبيــر نســبة للتنــوع (الثــري) فيمــا تطــرح مــن قضايــا‬ ‫وموضوعــات وأفــكار ومــا تذخــر بــه مــن معلومــات ومــا اطلعــت علــى عــدد مــن أعدادهــا إال وتعمقــت عنــدي هــذه‬ ‫احلقيقــة جتــاه هــذا الفضــاء الواســع مــن املعرفــة الرصينــة املســتجدة املتجــددة دو ًمــا‪.‬‬ ‫إنهــا منبــر حــر يتقصــى أصــول احلقيقــة ويســتبن جذورهــا ويتقصــد إبرازهــا باإلخــراج الالئــق األنيــق إذ يســهل‬ ‫مطالعتهــا واالســتفادة مــن معينهــا‪ ،‬فقــد رفدتنــا بقــراءات وحتليــالت و اســتقصاءات وقدمــت لنــا بيانــات تعــن علــى‬ ‫فهــم مــا يجــري علــى مســتوى اخلليــج الــذي هــو محــط تركيزهــا وعلــى مــا يعتمــد يف عاملنــا العربــي واإلســالمي‬ ‫باعتبارهمــا الفضــاء احلاضــن ملنطقــة اخلليــج وحــول كل العالــم والــذي تترابــط أحداثــه وتداخــل مــع مــا يعنينــا ويؤثــر فيهــا ويتأثــر بهــا وكــم ســعدت‬ ‫ح ًقــا بالتكــرمي املســتحق الــذي قدمتــه مؤسســة الفكــر العربــي اعترافــا بدورهــا املتقــدم يف التثقيــف والفكــر والتنويــر فكانــت التفاتــة كرميــة أســعدت‬ ‫كل مهتــم بحركــة النشــر وصناعــة املعرفــة وأفرحــت كل معنــى بتطويــر الثقافــة وأســباب اســتدامتها فالتهنئــة للتحريــر واملكــرم بهــذا اإلهــداء‬ ‫واالعتــراف مــن العارفــن بوســيط معــريف رائــد‪.‬‬ ‫د ‪ .‬الصادق بخيت الفقيه ـ مفكر عربي ـ سفير السودان يف األردن وفلسطني‪ ،‬األمني العام السابق ملنتدى الفكر العربي‬

‫عمرو الشوبكي‪ :‬أثرت يف محيطها العربي والخليجي ‪ ..‬برصانة بعيدة عن الصراخ اإلعالمي‬ ‫فوز مجلة (آراء حول اخلليج ) هو فوز مستحق لدورية عربية مهمة حددت بشكل واضح أولوياتها هي تركز‬ ‫على الدراسات املتعلقة بدول اخلليج العربي بعالقتها وامتداداتها اإلقليمية والعربية والعاملية وهنا ال بد من التأكيد‬ ‫على أن املجلة قدمت العديد من املزايا من بينها إنها حرصت على التنوع يف إطار اإلميان بالقضايا العربية والقضايا‬ ‫اخلليجية ففي ملفاتها املختلفة حرصت على تنوع للمساهمن والكتاب وهذا التنوع أثرى املجلة وجعلها مؤثره يف‬ ‫محيطها اخلليجي ومحيطها العربي بشكل واضح وهي صيغة يف رأيي نحتاجها يف كل الدوريات العربية أي أن يكون‬ ‫هناك تنوع وتعدد ليس فقط جغرافيا من حيث املساهمات التي تكتب فيها ولكن تنوع فكري وثقايف‪ .‬املسألة الثانية‪،‬‬ ‫تتعلق بأنها رصينة ففي العالم العربي نحتاج أن نناقش قضايانا بشكل علمي رصن بعيدًا عن الصراخ الذي نسمعه يف كثير من األحيان حولنا‪،‬‬ ‫حيث يتصور البعض أنه يؤثر ويدغدغ مشاعر الناس بالصراخ وهذا غير صحيح فنحن بحاجة إلى دوريات علمية تقدم نفسها بشكل مبسط وبشكل‬ ‫ً‬ ‫وأيضا األسلوب املبسط‬ ‫واضح وشفاف للقارئ اخلليجي والعربي وهذا يف احلقيقة ما جنحت فيه آراء حول اخلليج‪ ،‬فهي تقدم الرصانة العلمية‬ ‫الذي يصل إلى قطاعات واسعة من الرأي العام‪.‬‬ ‫ويف رأيي أن املجلة أحسنت بطرح ملف العالقات اخلليجية ـ اجلزائرية يف هذا امللف ألننا نحتاج إلى معاجلة العالقات العربية ـ العربية‬ ‫والعالقات اخلليجيةـ العربية بأسلوب علمي وبدون أي حواجز وحساسيات طاملا أن النقاش هو نقاش علمي ورصن فنحن نحتاجه‪ ،‬واملطلوب‬ ‫أن نكون أقل حساسية وأكثر جرأة ملعاجلة مختلف القضايا رغم معرفتي أنه هناك دائ ًما حساسيات يف ما يتعلق بتفاصيل العالقات العربية ـ‬ ‫ً‬ ‫وأيضا العالقة مع العالم وأنا أتصور أن هذا‬ ‫العربية ولكن أعتقد مجلة آراء مبا لها من ثقة تستطيع معاجلة هذه املسألة بهدوء وموضوعية واتزان‪،‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫جائزة اإلبداع اإلعالمي‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪13‬‬

‫فاروق الباز‪ :‬ال يجب أن تركنوا لما تحقق من نجاح ومسؤوليتكم الوصول إىل العالمية‬ ‫نبــارك لكــم هــذا الفــوز املســتحق‪ ،‬والتكــرمي الهــام بحصــول مجلــة (آراء حــول اخلليــج) علــى جائــزة اإلبــداع‬ ‫اإلعالمــي‪ ،‬ولقــد ســبق لــي أن كتبــت فيهــا وأعتــز بذلــك‪ ،‬كمــا شــاركت يف مؤمتــرات ملركــز اخلليــج لألبحــاث الــذي‬ ‫تصــدر عنــه املجلــة‪ ،‬وهــذا املركــز املرمــوق واملعــروف علــى مســتوى العالــم لــه دور هــام علــى الســاحة الدوليــة كمركــز‬ ‫فكــري وبحثــي متميــز ولــه تصنيفــه املتقــدم بــن مراكــز البحــث ومؤسســات الفكــر علــى مســتوى العالــم‪ ،‬واســتطاع أن‬ ‫يحافــظ علــى متيــزه وعلــى ترتيبــه العاملــي واإلقليمــي منــذ ســنوات طويلــة‪ ،‬ومــن الضــروري بعــد فــوز مجلــة (آراء حــول‬ ‫اخلليــج) بهــذه اجلائــزة اســتكمال املســيرة أي يجــب أن تكــون اجلائــزة مدعــاة للمزيــد مــن التفــوق والعطــاء والتميــز علــى‬ ‫الــدوام‪ ،‬وال يجــب أن تركنــوا ملــا حتقــق مــن جنــاح‪ ،‬وهــذه اجلائــزة ألقــت علــى املجلــة والعاملــن فيهــا مســؤولية أكبــر ومــن املهــم بعــد أن متيــزمت علــى‬ ‫املســتوى العربــي أن تتميــزوا علــى املســتوى العاملــي‪ ،‬وأن جتتهــدوا للوصــول إلــى العامليــة خاصــة أنكــم تطرحــون قضايــا ذات أبعــاد دوليــة وإقليميــة‬ ‫مهمــة‪ ،‬ولقــد جنحــت املجلــة بــأن تطــرح قضايــا متنوعــة وشــاملة فهــي تطــرح ملفــات سياســية‪ ،‬واقتصاديــة‪ ،‬وأمنيــة‪ ،‬وعســكرية‪ ،‬وتنمويــة ‪ ،‬وفكريــة‬ ‫وغيــر ذلــك‪ ،‬أنهــا اســتطاعت أن جتمــع بــن العمــل البحثــي املوضوعــي والدقيــق واحملايــد وبــن العمــل اإلعالمــي اجلــاد‪ ،‬وجنحــت يف اســتقطاب‬ ‫كفــاءات أكادمييــة وبحثيــة مرموقــة ورفيعــة املســتوى مــن مختلــف الــدول العربيــة ومــن خارجهــا‪.‬‬ ‫دكتور فاروق الباز‪ ،‬مدير مركز تطبيقات االستشعار عن بعد بجامعة بوسطن األمريكية‬

‫محمد الرميحي‪ :‬حافظت عى الموضوعية المرتجاة يف الفضاء العربي الذي يتسم بالصراعات‬ ‫يف هــذا الفضــاء العربــي السياســي واالجتماعــي املمــزق تلــوح يف األفــق بــوارق أمــل‪ ،‬منهــا هــذه املجلــة العتيــدة وهــي‬ ‫مجلــة (آراء حــول اخلليــج)‪ ،‬إ ًذا ليــس مبســتغرب أن تُهــدى جائــزة اإلبــداع اإلعالمــي مــن مؤسســة عريقــة هــي مؤسســة‬ ‫الفكــر العربــي‪ ،‬التــي تشــرفت شــخص ًيا باالنتمــاء إلــى مجلــس إدارتهــا بضــع ســنن خلــت‪ .‬املجلــة تســتحق التكــرمي‬ ‫ألنهــا حافظــت علــى املوضوعيــة املهنيــة األكادمييــة املرجتــاة يف هــذا الفضــاء العربــي الــذي يتســم بالصراعــات التــي‬ ‫أودت باملوضوعيــة التــي يتطلبهــا الوقــت والظــروف احلاصلــة يف فضائنــا العربــي‪ .‬اســتمرار تلــك املوضوعيــة ومناقشــة‬ ‫القضايــا املفصليــة التــي تواجهنــا كعــرب مــن اخلليــج واالشــتباك املــر والدائــم مــع قضايــا احلداثــة مــن جهــة‪ ،‬وقضايــا‬ ‫التراجــع الفكــري والسياســي مــن جهــة أخــرى هــي رمبــا أهــم مــا تتصــف بــه املجلــة ‪،‬ولقــد ســعدت أخيـ ًرا بقــرار املســؤولن عــن املجلــة والصديــق‬ ‫الدكتــور عبــد العزيــز بــن صقــر أن املجلــة متوفــرة علــى تطبيــق ميكــن أن يتوفــر للجميــع علــى الشــبكة اإللكترونيــة‪ ،‬وهــذا تطــور مســتحب ومســتحق‬ ‫و رمبــا لــو فكــرت املجلــة يف لقــاء شــهري ‪ Focus group‬مــن متخصصــن ملناقشــة قضيــة مــن القضايــا التــي تواجــه دول املنطقــة والــدول العربيــة‬ ‫مــن أجــل نشــرها فــإن ذلــك ســيكون تطــو ًرا مه ًمــا يف أداء املجلــة‪ ،‬حيــث أن مثــل تلــك النقاشــات املعمقــة تفيــد كثي ـ ًرا القــارئ لالســتنارة و لعلــي‬ ‫اقتــرح يف هــذا املقــام لقــاء مثــل ( توقــع رادات فعــل جماعــات اإلســالم السياســي علــى مشــروعات التحديــث العربيــة) ألنــي أشــعر ان هنــاك مقاومــة‬ ‫(حتــت شــعارات مختلفــة) تتجمــع مــن أجــل إجهــاض أو تعطيــل املشــروع التحديثــي‪ ،‬ولكــم منــي خالــص الشــكر ورقيــق التهنئــة‪.‬‬ ‫د‪ .‬محمد غامن الرميحي‪ ،‬مفكر عربي ـ مدير مركز دراسات اخلليج واجلزيرة العربية ـ جامعة الكويت‬

‫وحيد عبد المجيد‪ :‬مأت فراغًا يف المعرفة العربية وساهمت بمعرفة العرب بمنطقة الخليج‬ ‫دائ ًمـا كنـت أقـول (آراء حـول اخلليـج ) هـي املطبوعـة األولـى علـى املسـتوى العربـي يف مجـال الدراسـات اخلارجيـة‬ ‫وهـي التـي قدمـت أهـم وأوسـع معرفـة حتليل ًيـا وعلم ًيـا بتطـور األوضـاع يف اخلليـج والقضايـا اخلليجيـة وعالقتهـا‬ ‫بالقضايـا العربيـة واإلقليميـة بشـكل عـام‪ ،‬و متيـز(آراء حـول اخلليـج) متيـز واضـح واجلائـزة مسـتحقة ‪ ،‬فهـي مـألت‬ ‫ً‬ ‫وخصوصـا يف ظـل التزامهـا‬ ‫فراغـا كان موجـو ًدا يف املعرفـة العربيـة مبنطقـة اخلليـج مـن الناحيـة العلميـة واملنهجيـة‬ ‫ً‬ ‫مبنهج علمي وموضوعية يف التحليل وتقدمي رؤى يف بعض االحيان تتجاوز التحليل إلى استشراف ما ميكن أن يحدث‬ ‫وفيهـا إفـادة مـن يريـد أن يسـتفيد مـن صنـاع القـرار جتـاه قضايـا أساسـية حتتـاج إلـى معاجلـة وإلـى حلـول وتسـويات‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫جائزة اإلبداع اإلعالمي‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫قالــوا عــن "آراء حــول الخليــج" بعــد فوزهــا بجائــزة مؤسســة الفكــر العربــي‬

‫المفكرونالعرب‪ :‬مأتفراغًا‪..‬أعادتالرصانة‪..‬‬ ‫اســتكتبت النخــب‪ ..‬عــى أعتــاب العالميــة‪..‬‬ ‫بع ــد أن حصل ــت مجل ــة (آراء ح ــول اخللي ــج) عل ــى جائ ــزة اإلب ــداع اإلعالم ــي م ــن مؤسس ــة الفك ــر العرب ــي‪ ،‬حصل ــت عل ــى‬ ‫جائــزة أخــرى مــن املفكريــن والنخــب العربيــة املعنيــة بالفكــر والثقافــة والتوثيــق والتأريــخ‪ ،‬الذيــن هبــوا لتهنئــة املجلــة ســواء‬ ‫بالتهنئ ــة املباش ــرة‪ ،‬أو عب ــر وس ــائط االتص ــال‪ ،‬وغيره ــا‪ ،‬وه ــؤالء النخب ــة أك ــدوا عل ــى أهمي ــة املجل ــة ودوره ــا وتأثيره ــا يف‬ ‫منطقــة اخلليــج ويف املنطقــة العربيــة برمتهــا وعلــى كل مــن يتابعهــا أينمــا كان‪ ،‬وبذلــك قدمــوا مــن خــالل شــهاداتهم‪ ،‬توثي ًقــا‬ ‫وتأصيـ ًـال للفــوز باجلائــزة‪ ،‬مؤكديــن أن الفــوز مســتحق ولــم يــأت مــن فــراغ ‪ ..‬وإليكــم جانــب مــن شــهادات النخــب العربيــة‪:‬‬

‫كتب‪ :‬احملرر‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مؤتمر فكر ‪١٦‬‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪11‬‬

‫ ظهــور حــروب أهليــة ومازالــت مســتمرة خاصــة يف الــدول ذات‬‫التنــوع املذهبــي والعرقــي والقومــي‪.‬‬ ‫ زيــادة التدخــل اخلارجــي يف شــؤون دول املنطقــة‪ ،‬ومتــدد دول‬‫إقليميــة يف املنطقــة العربيــة بشــكل معلــن بــل فيــه تبجــح ومباهــاة‪.‬‬ ‫ وجــود تقســيم ضمنــي أو يف حكــم األمــر الواقــع يف العديــد مــن‬‫الــدول العربيــة‪ .‬وتفتــت وحــدة وتالحــم املجتمعــات والــدول‪.‬‬ ‫ ضعــف الــوالء للدولــة األُم يف كثيــر مــن دول الربيــع العربي حلســاب‬‫دول ومرجعيــات خارجية‪.‬‬ ‫ وجــود دول رخــوة أو فاشــلة أو شــبه فاشــلة وأصبحــت مــأوى‬‫للجماعــات اإلرهابيــة الضالــة‪.‬‬ ‫ بــروز ظاهــرة داعــش التــي متثــل اجلماعــات املدسوســة واملجهولــة‬‫األهــداف والتمويــل‪ ،‬ومــا يســمى باإلمــارات اإلســالمية التــي تريــد‬ ‫اختطــاف أجــزاء مــن الوطــن كمــا هــو احلــال يف اجلماعــات اإلرهابيــة‬ ‫التــي أرادت اختطــاف ســيناء‪.‬‬ ‫ تغول إســرائيل على الفلســطينين وغيها يف التوســع يف االســتيطان‬‫وعــدم تنفيــذ القــرارات الدوليــة‪ ،‬لتأتــي اإلدارة األمريكيــة لتعلــن نقــل‬ ‫ســفارتها إلــى القــدس احملتلة‪.‬‬

‫ تـفـعـيــــل دور جـامـعــــة الــــدول الـعـربـيــــة‪ ،‬والــمـؤسـســــات‬‫الـمـنـبـثـــقة عـنـــها مــع تـنـحـــية الـخـــالفات الـعـــربية التــي تعطــل‬ ‫عـمـ ــل الـجـامـعـ ــة‪.‬‬ ‫ تقويــة الروابــط واملصالــح االقتصاديــة بــن الــدول العربيــة علــى‬‫أســس برجماتيــة وليــس شــعاراتية‪ ،‬مبــا يحقــق التكامــل احلقيقــي‬ ‫وربــط الــدول باملصالــح‪.‬‬ ‫ التعاون األمني الفعال عبر عمل إطاري أكثر تنظي ًما‪.‬‬‫ إيجــاد صيغــة مرنــة وفعالــة للتعــاون العســكري واالســتخباراتي بــن‬‫الــدول العربيــة الفاعلــة‪ ،‬تقــوم علــى منهــج واضــح وســليم‪.‬‬ ‫ حتديــث املنظومــة اإلعالميــة العربيــة مبــا يجعــل اإلعــالم العربــي‬‫نضجــا ووع ًيــا يف التنــاول والطــرح للحفــاظ علــى احلــد األدنــى‬ ‫أكثــر‬ ‫ً‬ ‫مــن التماســك والتعــاون‪.‬‬ ‫ تنســيق السياســة اخلارجيــة للــدول العربيــة‪ ،‬وتطبيــق الشــفافية‬‫بينهــا يف إطــار مصاحلــة شــاملة وحقيقيــة‪.‬‬ ‫ حتديــد مفهــوم واضــح لألمــن القومــي العربــي والتحديــات التــي‬‫تواجهــه بدقــة مبــا يف ذلــك حتديــد مفهــوم اإلرهــاب واإلرهابيــن‪،‬‬ ‫والعالقــات العربيــة ‪ -‬اإلقليميــة‪.‬‬

‫آفاق المســتقبل العربي‬

‫وختا ًمـــا‪ ،‬حتقيـــق ذلـــك كلـــه يتطلـــب إدرا ًكا عرب ًيـــا جماع ًيـــا‬ ‫للمخاطـــر والتحديـــات‪ ،‬وفرزهـــا وتصنيفهـــا وترتيـــب األولويـــات‪،‬‬ ‫والب ــدء بوض ــع احلل ــول للقضاي ــا املتف ــق عليه ــا م ــع تنحي ــة القضاي ــا‬ ‫املختل ــف عليه ــا‪ ،‬م ــع الوض ــع يف االعتب ــار التحدي ــات الت ــي ته ــدد‬ ‫الوجـــود العربـــي نفســـه‪.‬‬

‫بعــد أن غرســت الفوضــى جذورهــا يف املنطقــة وحتققــت شــعارات‬ ‫الفوضــى اخلالقــة‪ ،‬مــن الضــروري احلفــاظ علــى مــا تبقــى مــن دول‬ ‫املنطقــة واحليلولــة دون الــزج بهــا يف أتــون الفوضــى‪ ،‬ثــم العمــل علــى‬ ‫تفعيــل العمــل اجلماعــي العربــي ولــو جزئ ًيــا مــن خــالل مــا يلــي‪:‬‬

‫‪10‬‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مؤتمر فكر ‪١٦‬‬

‫التجاهــل وعــدم النقــد البنــاء ممــا ســاهم يف التســطيح وغيــاب‬ ‫الرؤيــة وســوء تقديــر األمــور‪.‬‬ ‫ زيــادة معــدالت الفقــر‪ ،‬بــل والفقــر املدقــع يف ظــل غيــاب احللــول‬‫ملعاجلــة هــذه الظاهــرة اخلطيــرة‪.‬‬ ‫ زيــادة نســبة األميــة واجلهــل مــا أدى إلــى التســطيح وفــراغ األدمغــة‬‫التــي اســتغلتها اجلماعــات اإلرهابيــة يف مــلء عقــول الشــباب‬ ‫باملعلومــات اخلاطئــة واملضللــة‪.‬‬ ‫ ظهــور أجنــدات إقليميــة صارخــة تخطــط لهــدم الكثيــر مــن دول‬‫املنطقــة العربيــة لتنفيــذ أجنــدات للتقســيم واســتغالل الــوالء الدينــي‬ ‫واملذهبــي لنشــر الفوضــى وتفتيــت الــدول العربيــة‪.‬‬ ‫ توظيــف املذهــب والطائفــة والعــرق واللــون واجلنــس لتغذيــة‬‫النعــرات االنفصاليــة بغــرض اهتــزاز الدولــة املســتهدفة‪.‬‬ ‫ تغيــر مفهــوم الــوالءات‪ ،‬وأصبحــت الــوالءات يف بعــض األحيــان‬‫ملراجــع أو جماعــات أو دول خارجيــة بعي ـدًا عــن الــوالء للدولــة األم‪.‬‬ ‫حــدوث فــراغ سياســي وأمنــي يف دول عربيــة كثيــرة بعــد ســقوط‬ ‫األنظمــة احلاكمــة املعمــرة ذات النزعــات الفرديــة يف احلكــم كمــا هــو‬ ‫احلــال يف اليمــن وليبيــا وســوريا‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ التنافــس الدولــي‪ ،‬والرغبــة يف تثبيــت نفــوذ جديــدة يف املنطقــة‬‫العربيــة علــى طريقــة احلــرب البــاردة أو احلــروب بالوكالــة كمــا هــو‬ ‫احلــال يف ســوريا واليمــن‪.‬‬ ‫ ظهــور جماعــات اإلســالم السياســي الطامحــة أو الطامعــة يف‬‫احلكــم واملدعومــة مــن دول إقليميــة‪ ،‬أخــرى كبــرى مــن خــارج اإلقليــم‬ ‫ نتائج الفوضى‬‫ أدت الفوضــى التــي تشــهدها املنطقــة العربيــة إلــى فــرض متغيرات‬‫جديــدة وحتــوالت رســخت يف كثيــر مــن الــدول منها‪:‬‬ ‫ خــروج دول عربيــة مــن املعادلــة اإلقليميــة والدوليــة وقــد تســتمر‬‫هــذه الــدول خــارج هــذه املعادلــة لفتــرة طويلــة‪.‬‬ ‫ تزايــد النشــاطات اإلرهابيــة يف الشــرق األوســط وشــمال إفريقيــا‬‫حيــث شــهدت املنطقــة ‪ 19172‬تفجي ـ ًرا‪ 526 ،‬اعتــداء مســلح‪2272 ،‬‬ ‫هجــوم انتحــاري‪ 1743 ،‬حالــة رهينــة‪ 650 ،‬هجــوم على البنية التحتية‪.‬‬ ‫(وف ًقــا لقاعــدة بيانــات اإلرهــاب العاملــي يف جامعــة ماريالنــد)‪.‬‬ ‫ ضعــف اقتصاديــات العديــد مــن الــدول‪ ،‬وغيــاب نســب النمــو‬‫مبعــدالت إيجابيــة‪ ،‬يف بعــض الــدول‪ ،‬أو النمــو مبعــدالت بســيطة مــع‬ ‫زيــادة معــدالت التضخــم‪.‬‬

‫إيج ــاد صيغ ــة مرن ــة وفعال ــة للتع ــاون العس ــكري واالس ــتخباراتي بي ــن ال ــدول العربي ــة‬ ‫الفاعل ــة تق ــوم ع ــى منه ــج س ــليم‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مؤتمر فكر ‪١٦‬‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪9‬‬

‫ض ــرورة تـفـعـيـ ــل دور الـجـامـعـ ــة الـعـ ــربية ومـؤسـسـاتـهـ ــا و تنـحـ ــية الـخـالفـ ــات‬ ‫الـعـ ــربية الت ــي تعـطـ ــل دور الـجـامـعـ ــة‬ ‫الدولــي عــرض احلائــط‪ ،‬كمــا أتاحــت إليــران دخــول العــراق وإدارتــه‬ ‫مباشــرة مــن طهــران‪ ،‬وعليــه غابــت دولــة عربيــة مهمــة مــن معادلــة‬ ‫االســتقرار اإلقليمــي‪.‬‬ ‫هــذه األســباب هيــأت دخــول الكثيــر مــن الــدول العربيــة‬ ‫يف مرحلــة مــا يُطلــق عليــه إعالم ًيــا بثــورات الربيــع العربــي التــي‬ ‫اجتاحــت الكثيــر مــن دول املنطقــة منــذ نهايــة عــام ‪2010‬م‪ ،‬ومازالــت‬ ‫تداعياتهــا مســتمرة يف الكثيــر مــن البــالد العربيــة حيــث أثــرت علــى‬ ‫مصــر وتونــس بشــكل كبيــر‪ ،‬ومازالــت ســوريا واليمــن وليبيــا تــرزح‬ ‫حتــت ويــالت اإلرهــاب واملعــارك الطائفيــة واحلــروب األهليــة حتــى‬ ‫اآلن وال أحــد يعلــم متــى تنتهــي‪.‬‬ ‫وباإلضافــة إلــى البعــد الدولــي واإلقليمــي‪ ،‬كانــت بــذور هــذه‬ ‫الفوضــى مغروســة يف تربــة الكثيــر مــن الــدول العربيــة‪ ،‬وكانــت‬ ‫جذوتهــا مســتعرة حتــت الرمــاد وانتظــرت الظــروف التــي أحاطــت‬ ‫بهــذه املوجــة لتنطلــق فوضــى عارمــة غيــر معتــادة وغيــر متوقعــة‬ ‫وذلــك ألســباب كثيــرة منهــا مــا يلــي‪:‬‬

‫ تفشــي ظاهــرة اإلرهــاب التــي أرهقــت العديــد مــن الــدول العربيــة‬‫مــا جعلهــا تنكفــئ علــى مواجهــة هــذه الظاهــرة علــى حســاب التنميــة‬ ‫والتعليــم والصحــة واألخــذ بعوامــل حتقيــق الرفاهيــة للشــعوب‪.‬‬ ‫ وجــود أنظمــة متســلطة ظلــت طويـ ًـال يف احلكــم وحرمــت شــعوب‬‫دولهــا مــن فــرص التنميــة والرفاهيــة‪.‬‬ ‫ غيــاب التعدديــة واملشــاركة السياســية وعــدم الفصــل بــن‬‫الســلطات خاصــة اســتقالل القضــاء وجــور بعــض الســلطات علــى‬ ‫ســلطات أخــرى‪.‬‬ ‫ تفشــي الفســاد السياســي واملالي وغياب الشــفافية وعدم املســاواة‬‫وجتاهــل حقــوق املرأة‪.‬‬ ‫ ســوء مســتوى التعليــم وضعــف مخرجاتــه والدفــع بخريجــن دون‬‫تأهيــل أو إعــداد مناســب لســوق العمــل ممــا خلــق بطالــة بنســب‬ ‫مرتفعــة جــدًا األمــر الــذي أدى إلــى احتقــان الشــباب‪.‬‬ ‫ فشــل اإلعــالم يف كثيــر مــن الــدول العربيــة يف حشــد الطاقــات‬‫بالطــرق اإليجابيــة البنــاءة‪ ،‬واتبــاع طــرق اإلثــارة والتهويــل‪ ،‬أو‬

‫‪8‬‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مؤتمر فكر ‪١٦‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫عبد العزيز بن صقر‪ :‬مواجهة الفوضى تتطلب‬ ‫إدرا ًكا جماع ًيا للمخاطر وفرزها وترتيب األولويات‬ ‫ويف جلســة حــول ‪-‬الفوضــى‪ :‬جذورهــا وأســبابها ومظاهرهــا‬ ‫ونتائجهــا‪ -‬التطــرف واإلرهــاب قــال الدكتــور عبــد العزيــز بــن‬ ‫صقــر رئيــس مركــز اخلليــج لألبحــاث‪ :‬إن الفوضــى التــي تضــرب‬ ‫بأطنابهــا يف املنطقــة العربيــة يف الوقــت الراهــن والتــي بــدأت تظهــر‬ ‫بوضــوح منــذ أحــداث مــا يســمى بثــورات الربيــع العربــي‪ ،‬ليســت‬ ‫وليــدة اللحظــة‪ ،‬أو جــاءت مبحــض الصدفــة‪ ،‬بــل كانــت متوقعــة طب ًقــا‬ ‫للســياق التاريخــي لألحــداث‪ ،‬وكانــت موضوعــة يف ســيناريوهات‬ ‫مســبقة قفــزت إلــى ســطح احليــز السياســي عقــب انهيــار االحتــاد‬ ‫الســوفيتي الســابق وتفككــه مطلــع تســعينيات القــرن العشــرين‪،‬‬ ‫وبــروز عالــم أحــادي القطبيــة بزعامــة أمريــكا‪.‬‬ ‫وأضــاف أنــه يف مطلــع األلفيــة الثالثــة وضعــت مجموعــة مــن‬ ‫مراك ــز الفك ــر العاملي ــة الس ــيناريوهات احملتمل ــة يف العال ــم خ ــالل‬ ‫الســنوات اخلمســن التاليــة‪ ،‬وتشــرفت باملشــاركة فيهــا نيابــة عــن‬ ‫مرك ــز اخللي ــج لألبح ــاث‪ ،‬واس ــتقت ه ــذه املراك ــز الس ــيناريوهات‬ ‫احملتملـــة مـــن خـــالل قـــراءة توجهـــات السياســـة األمريكيـــة‪،‬‬ ‫القط ــب ال ــذي تف ــرد بالترب ــع عل ــى س ــدة عال ــم أح ــادي القطبي ــة‬ ‫من ــذ مطل ــع التس ــعينيات املاضي ــة‪ ،‬حي ــث تقل ــدت أمري ــكا زعام ــة‬ ‫العالـــم بعـــد انهيـــار االحتـــاد الســـوفيتي مـــن داخلـــه‪ ،‬يف ذلـــك‬ ‫الوق ــت أعلن ــت واش ــنطن م ــا ُع ــرف بالنظ ــام الدول ــي اجلدي ــد يف‬ ‫خطــاب بــوش األب يف ‪ 11‬ســبتمبر ‪1990‬م‪ ،‬عشــية إرســال قــوات‬ ‫أمريكي ــة ملنطق ــة اخللي ــج عق ــب غ ــزو نظ ــام ص ــدام حس ــن لدول ــة‬ ‫الكويــت يف ‪ 2‬أغســطس ‪1990‬م‪" .‬أزمــة اخلليــج تبــدو خطيــرة إال‬ ‫أنه ــا فرص ــة ن ــادرة للتق ــدم نح ــو مرحل ــة تاريخي ــة لهدفن ــا وه ــو‬ ‫إقامــة نظــام دولــي جديــد‪ ،‬والدخــول يف مرحلــة أكثــر حتــر ًرا مــن‬ ‫التهدي ــدات واإلره ــاب‪ ،‬وأق ــوى يف البح ــث ع ــن العدال ــة"‪ ،‬وأك ــد‬ ‫بـــوش األب أن مفهـــوم النظـــام الدولـــي اجلديـــد لـــم يعـــد ثمـــرة‬ ‫تفاهـــم‪ ،‬بـــل ثمـــرة قواعـــد تفرضهـــا القـــوة العســـكرية للواليـــات‬ ‫املتح ــدة األمريكي ــة‪.‬‬ ‫وواك ــب ذل ــك ظه ــور ش ــعار "الفوض ــى اخلالق ــة" ه ــذا التعبي ــر‬ ‫ال ــذي عب ــر ع ــن وج ــه السياس ــة األمريكي ــة من ــذ أن أطلقت ــه وزي ــرة‬ ‫اخلارجيـــة األمريكيـــة حينئـــذ كونداليـــزا رايـــس والتـــي أرادت‬ ‫من ــه (اله ــدم أوال ث ــم البن ــاء بع ــد اله ــدم‪ ،‬والفوض ــى الت ــي تس ــبق‬ ‫التنظيـــم)‪ ،‬وبعـــد ذلـــك أتـــى وزيـــر اخلارجيـــة األمريكـــي األســـبق‬ ‫هن ــري كس ــينجر ليع ــرف ه ــذا املصطل ــح بأن ــه س ــوف يق ــود العال ــم‬ ‫إل ــى ح ــرب عاملي ــة ثالث ــة‪.‬‬

‫وجاءت السيناريوهات للسنوات اخلمسني كما يلي‪:‬‬ ‫ الســيناريو األول‪ :‬اســتمرار أمريــكا القــوة األكبــر يف العالــم‪،‬‬‫عســكر ًيا‪ ،‬واقتصاد ًيــا‪ ،‬وهيمنــة ونفــو ًذا‪ ،‬وســطوة‪ ،‬وإن كان البعــض‬ ‫يــرى أنهــا لــن تســتمر يف هــذا املوقــع كثي ـ ًرا حيــث تبــدو غيــر قــادرة‬ ‫علــى حتمــل كلفــة الهيمنــة والتفــرد يف الســيطرة علــى العالــم كقــوى‬ ‫عظمــى وحيــدة هــذا مــن ناحيــة‪ ،‬ومــن ناحيــة أخــرى ظهــور مــن‬ ‫ينافســها بقــوة‪.‬‬ ‫ الســيناريو الثانــي‪ :‬ظهــور قــوى مناوئــة ومنافســة علــى قيــادة العالم‪،‬‬‫مثــل الصــن وروســيا والهنــد‪ ،‬أو مجموعــة دول متحالفــة أو متشــاركة‬ ‫كمــا هــو حــال مجموعــة دول اتفاقيــة شــنغهاي‪.‬‬ ‫ الســيناريو الثالــث‪ :‬تفكيــك بعــض دول العالــم " الــدول املتفككــة أو‬‫املقســمة" والعــودة بهــا إلــى العصــور الوســطى مــن خــالل النزاعــات‬ ‫العرقيــة والطائفيــة والصــراع علــى الســلطة‪ ،‬حيــث يترتــب علــى ذلــك‬ ‫ضعــف قبضــة الدولــة املركزيــة وعــدم قدرتهــا علــى بســط نفوذهــا‬ ‫علــى إقليمهــا اجلغــرايف والســكاني‪.‬‬ ‫ الســيناريو الرابــع‪ :‬ظهــور الالعبــن مــن غيــر الدولــة علــى ســاحة‬‫الصــراع اإلقليمــي والدولــي‪ ،‬مثــل اجلماعــات املســلحة التــي تعمــل‬ ‫خــارج ســيطرة احلكومــات الرســمية‪ ،‬أو امليليشــيات العقائديــة‬ ‫املســلحة التــي تســيطر علــى أجــزاء مــن الدولــة وتكــون خــارج نفــوذ‬ ‫وهيمنــة الدولــة املركزيــة‪ ،‬ويكــون والء هــذه اجلماعــات جلهــات‪ ،‬أو‬ ‫دول‪ ،‬أو جماعــات خــارج دولتهــا الوطنيــة‪ ،‬وهــذا مــا متثلــه العديــد‬ ‫مــن امليليشــيات املســلحة يف املنطقــة العربيــة واملثــال علــى ذلــك‬ ‫اجلماعــات التــي أنشــأتها ومتولهــا إيــران مثــل جماعــة احلوثــي‬ ‫يف اليمــن‪ ،‬وجماعــة حــزب اهلل يف لبنــان حيــث مــارس احلوثيــون‬ ‫اإلرهــاب يف املنطقــة‪.‬‬

‫مظاهر الفوضــى يف المنطقة العربية‬ ‫وإن كانــت مقدمــات الفوضــى يف املنطقــة العربيــة بــدأت‬ ‫منــذ اجتيــاح قــوات صــدام حســن للكويــت يف ‪ 2‬أغســطس عــام‬ ‫ً‬ ‫شــكال أكثــر حــدة وتأثيــ ًرا عندمــا غــزت‬ ‫‪1990‬م‪ ،‬إال أنهــا أخــذت‬ ‫أمريــكا العــراق عــام ‪2003‬م‪ ،‬حتــت مظلــة أمريكيــة فقــط بفــرض‬ ‫إرادتهــا علــى املجتمــع الدولــي والقانــون األممــي‪ ،‬حيــث أســس هــذا‬ ‫االجتيــاح للكثيــر مــن األحــداث التــي جــاءت مــع بدايــة العقــد الثانــي‬ ‫مــن األلفيــة الثالثــة‪ ،‬فقــد أطلقــت العنــان إلســرائيل يف العبــث بأمــن‬ ‫املنطقــة العربيــة‪ ،‬وزادت مــن وتيــرة االســتيطان ضاربــة بالقانــون‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مؤتمر فكر ‪١٦‬‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪7‬‬

‫محمــد بــن راشــد‪ :‬االســتقرار صناعــة وجهــد وعمــل مســتمر وتنميــة دائمــة وتطــور‬ ‫ال يتوقــف وحركــة دائمــة لصنــع الحيــاة‬ ‫أحم ــد أب ــو الغي ــط‪ :‬األم ــة العربي ــة تم ــر بحال ــة س ــيولة غي ــر مس ــبوقة وخمس ــة‬ ‫تحدي ــات رئيس ــية تواج ــه مس ــتقبلنا‬ ‫هن ــري العوي ــط‪ :‬علين ــا التمس ــك بحقن ــا يف تقري ــر مصيرن ــا بأنفس ــنا وأن نضطل ــع‬ ‫بمس ــؤوليتنا ع ــن صناع ــة االس ــتقرار‬ ‫وحـــدد الســـيد أحمـــد أبـــو الغيـــط خمســـة حتديـــات‬ ‫رئيســـة تواجـــه األمـــة العربيـــة هـــي‪ :‬األولـــى رد الفعـــل العنيـــف‬ ‫علـــى ظاهـــرة العوملـــة مـــن جانـــب مواطنـــي الغـــرب وصعـــود‬ ‫لتيـــار االنكفـــاء علـــى الداخـــل وبنـــاء اجلـــدران أمـــام التجـــارة‬ ‫واملهاجريـــن‪ ،‬والتحـــدي الثانـــي هـــو أننـــا نقـــف علـــى أعتـــاب‬ ‫ثـــورة تكنولوجيـــة رابعـــة ضخمـــة ســـتغير القواعـــد الراســـخة‬ ‫يف السياســـة واالقتصـــاد واملجتمـــع‪ ،‬والتحـــدي الثالـــث يتمثـــل‬ ‫يف تقويـــض الثقـــة يف املؤسســـات القائمـــة السياســـية والدينيـــة‬ ‫واالجتماعيـــة والثقافيـــة‪ ،‬والتحـــدي الرابـــع فيتمثـــل يف أهميـــة‬ ‫انفتـــاح املؤسســـات العربيـــة املختلفـــة علـــى جتـــارب اآلخريـــن‬ ‫والتعل ــم منه ــا والتفاع ــل معه ــا‪ ،‬والتح ــدي اخلام ــس ه ــو ض ــرورة‬ ‫إص ــالح األنظم ــة التعليمي ــة وجتدي ــد املفاهي ــم الديني ــة وتطوي ــر‬ ‫الرؤيـــة الثقافيـــة‪.‬‬

‫المصارحة والمكاشفة‬ ‫وحتــدث املديــر العــام ملؤسســة الفكــر العربــي البروفيســور‬ ‫هنـــري العويـــط عـــن الظـــروف التـــي ينعقـــد فيهـــا مؤمتـــر‬ ‫الفكـــر العربـــي "فكـــر‪ "16‬ووصفهـــا بأنهـــا حلظـــة تاريخيـــة‬ ‫عصيبـــة ومصيريـــة ولـــم تعـــرف أمتنـــا مثيـــل لهـــا يف احلـــدة‬ ‫واخلط ــورة ‪ ،‬لذل ــك رأت مؤسس ــة الفك ــر العرب ــي التحذي ــر م ــن‬ ‫مغبـــة اســـتفحال هـــذه الفوضـــى وتفاقـــم األزمـــات‪ ،‬فقـــررت‬ ‫إخضاعهـــا للدراســـة والتحليـــل مبنهجيـــة علميـــة ومقاربـــات‬

‫موضوعيـــة ومبنتهـــى الصراحـــة والشـــفافية ‪ ،‬وليـــس بغـــرض‬ ‫التشــخيص وتوجيــه أصابــع االتهــام واإلدانــة ‪ ،‬بــل مــن منطلــق‬ ‫الدعـــوة إلـــى وعـــي خطـــورة األوضـــاع ومخاطرهـــا بهـــدف‬ ‫حتديـــد أفضـــل الســـبل ملواجهتهـــا‪ ،‬مشـــي ًرا إلـــى أن عنـــوان‬ ‫املؤمتـــر يف شـــقه األول يتنـــاول واقعنـــا املأســـاوي املريـــر‪،‬‬ ‫وأبرزنـــا يف شـــقه الثانـــي مـــا يتســـم بـــه املؤمتـــر مـــن بعـــد‬ ‫استشــرايف لإلحلــاح علــى ضــرورة اخلــروج مــن نفــق الفوضــى‬ ‫املظلـــم إلـــى رحـــاب االســـتقرار‪.‬‬ ‫وأشـــار البروفيســـور العويـــط إلـــى أن اجلميـــع يعـــرف‬ ‫مصالـــح وأطمـــاع األطـــراف اخلارجيـــة املجـــاورة والبعيـــدة‬ ‫اإلقليميـــة والدوليـــة وعلينـــا أن ننـــدد بتدخالتهـــا ومـــا حتوكـــه‬ ‫مـــن مؤامـــرات‪ ،‬لكـــن علينـــا أن نتذكـــر باســـتمرار أنـــه مبقـــدار‬ ‫م ــا يح ــق لن ــا أن ننح ــو بالالئم ــة عل ــى اآلخري ــن ‪ ،‬وأن نتمس ــك‬ ‫بحقنـــا يف تقريـــر مصيرنـــا بأنفســـنا يتعـــن علينـــا أن نضطلـــع‬ ‫مبســـؤوليتنا عـــن صناعـــة االســـتقرار‪ ،‬وأوضـــح البروفيســـور‬ ‫العويــط أن مؤمتــر "فكــر‪ "16‬هــو مؤمتــر للمصارحــة واملكاشــفة‪،‬‬ ‫واملؤمتــر هــو ً‬ ‫أيضــا للتحفيــز واالســتنهاض‪ ،‬فدعونــا نلبــي نــداء‪:‬‬ ‫إن املس ــؤولية يف معاجل ــة أس ــباب الفوض ــى وتداعياته ــا كم ــا يف‬ ‫حتقي ــق االس ــتقرار ‪ ،‬ه ــي مس ــؤولية جماعي ــة‪ ،‬إنه ــا مس ــؤوليتنا‬ ‫املشـــتركة‪ ،‬حكا ًمـــا ومواطنـــن‪ ،‬مؤسســـات وأفـــر ًدا‪ ،‬رجـــاالً‬ ‫ونســـا ًء‪ ،‬سياســـين‪ ،‬ورجـــال ديـــن‪ ،‬ورجـــال اقتصـــاد وأعمـــال‪،‬‬ ‫ومثقفـــن‪ ،‬وإعالميـــن‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫مؤتمر فكر ‪١٦‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫فكر ‪ 16‬يضع األمة العربية أمام مسؤوليتها إلنهاء الفوضى وبدء االستقرار‬

‫األمير خالد الفيصل‪ :‬تثائب العرب واستيقظ‬ ‫الشغب وتداعت األغراب واستفحل اإلرهاب‬ ‫أك ــد مؤمت ــر فك ــر ‪ 16‬ال ــذي نظمت ــه مؤسس ــة الفك ــر العرب ــي يف دب ــي م ــن ‪ 10‬إل ــى ‪ 12‬أبري ــل املاض ــي عل ــى ض ــرورة‬ ‫جت ــاوز تداعي ــات الفوض ــى الت ــي نتج ــت عم ــا يس ــمى بث ــورات الربي ــع العرب ــي الت ــي تعرض ــت له ــا العدي ــد م ــن ال ــدول‬ ‫العربي ــة من ــذ نهاي ــة ع ــام ‪2010‬م‪ ،‬واجتاح ــت ع ــدة دول عربي ــة‪ .‬وانعق ــد املؤمت ــر ال ــذي اس ــتمر ثالث ــة أي ــام حت ــت رعاي ــة‬ ‫ســمو الشــيخ محمــد بــن راشــد آل مكتــوم‪ ،‬نائــب رئيــس دولــة اإلمــارات العربيــة املتحــدة‪ ،‬رئيــس مجلــس الــوزراء حاكــم‬ ‫دب ــي‪ ،‬وبحض ــور صاح ــب الس ــمو امللك ــي األمي ــر خال ــد الفيص ــل مستش ــار خ ــادم احلرم ــن الش ــريفن‪ ،‬أمي ــر منطق ــة‬ ‫مك ــة املكرم ــة‪ ،‬رئي ــس مؤسس ــة الفك ــر العرب ــي‪ ،‬وصاح ــب الس ــمو امللك ــي األمي ــر بن ــدر ب ــن خال ــد الفيص ــل رئي ــس مجل ــس‬ ‫إدارة الفك ــر العرب ــي‪ ،‬والس ــيد أحم ــد أب ــو الغي ــط األم ــن الع ــام جلامع ــة ال ــدول العربي ــة‪ ،‬والدكت ــور عب ــد اللطي ــف ب ــن‬ ‫راش ــد الزيان ــي األم ــن الع ــام ملجل ــس التع ــاون اخلليج ــي‪ ،‬ونخب ــة م ــن املس ــؤولن واملفكري ــن والباحث ــن م ــن مختل ــف دول‬ ‫الوط ــن العرب ــي‪.‬‬

‫آراء حول اخلليج‪ :‬دبي‬

‫وجـــاء املؤمتـــر حتـــت عنـــوان "تداعيـــات الفوضـــى وحتديـــات‬ ‫صناع ــة الق ــرار" ويف مس ــتهل أعم ــال املؤمت ــر ق ــال س ــمو الش ــيخ‬ ‫محمـــد بـــن راشـــد "إن املؤمتـــر يناقـــش صناعـــة االســـتقرار‪..‬‬ ‫واالس ــتقرار صناع ــة وجه ــد وعم ــل مس ــتمر وتنمي ــة دائم ــة وتط ــور‬ ‫ال يتوق ــف‪ ..‬االس ــتقرار ه ــو حرك ــة دائم ــة لصن ــع احلي ــاة‪ ..‬وه ــو‬ ‫بح ــث مس ــتمر ع ــن مس ــتقبل أفض ــل ملجتمعاتن ــا‪ ..‬ونح ــن س ــعداء‬ ‫بهـــذا التجمـــع الكبيـــر مـــن املفكريـــن والقـــادة‪ ..‬ورســـالتنا لهـــم‬ ‫ه ــي توظي ــف علمه ــم ومعارفه ــم وجهوده ــم يف تنمي ــة مجتمعاتن ــا‬ ‫واســـتئناف حضارتنـــا العربيـــة‪ ..‬إن التغييـــر يحتـــاج منـــا توحيـــد‬ ‫كاف ــة اجله ــود‪ ،‬كل يف مجال ــه‪ ،‬مب ــا يخ ــدم مس ــتقبل أمتن ــا ويعم ــل‬ ‫علـــى حتقيـــق اســـتقرار وازدهـــار مســـتدامن‪".‬‬

‫رؤيــة األمير خالــد الفيصل للواقع العربي‬ ‫وقـــال صاحـــب الســـمو امللكـــي األميـــر خالـــد الفيصـــل يف‬ ‫شـــأن األمـــة العربيـــة وحالهـــا‪ :‬تثائـــب العـــرب‪ ..‬واســـتيقظ‬ ‫الشـــغب‪ ،‬وتداعـــت األغـــراب‪ ..‬واســـتفحل اإلرهـــاب‪ ،‬وتوحـــش‬ ‫الزمـــان‪ ..‬واستســـلم اإلنســـان‪ ،‬وعالـــم المتـــالك الدنيـــا يُســـابق‬ ‫الزمـــان‪ ،‬وعـــرب حتـــاول االحتفـــاظ بوطـــن‪ ،‬هنـــاك إبهـــار‪..‬‬

‫وهن ــا غب ــار‪ ،‬لي ــل هن ــا‪ ..‬وهن ــاك نه ــار‪ ،‬تش ــتت الفك ــر‪ ..‬وتاه ــت‬ ‫األبصـــار‪ ،‬و ُقتـــل العـــرب‪ ..‬وهدمـــت الديـــار‪ ،‬و ُهجـــر الرجـــال‪..‬‬ ‫والنس ــاء والصغ ــار‪ ،‬وألج ــل م ــاذا‪ ..‬كل ه ــذا؟‪ ،‬لتح ــل ف ــرس وروم‬ ‫وع ــار‪ ،‬وتع ــم فوض ــى ودم ــار‪ ،‬وتك ــون الق ــدس خي ــار‪ ،‬ث ــم قي ــل‪..‬‬ ‫إن ــه الواق ــع العرب ــي‪ ،‬أيه ــا الواق ــع العرب ــي‪ ..‬أف ــق‪ ،‬كف ــاك س ــباتًا‬ ‫وكفانــا انتظــار‪ ،‬ولــن نقبــل بعــد اليــوم اعتــذار‪ ،‬فمــا زال لنــا عقــل‬ ‫وفكـــر‪ ،‬وكفـــاح ومســـار‪.‬‬

‫التحديات الخمسة‬ ‫ويف اجللســـة ذاتهـــا‪ ،‬أكـــد األمـــن العـــام جلامعـــة الـــدول‬ ‫العربيـــة أن األمـــة العربيـــة متـــر بحالـــة ســـيولة غيـــر مســـبوقة‪،‬‬ ‫كذل ــك مت ــر بحال ــة م ــن التناف ــس ال ــذي يقت ــرب م ــن الص ــراع ب ــن‬ ‫الالعبــن الرئيســين‪ ،‬وأضــاف‪ :‬نحــن يف وضــع تتــآكل فيــه قواعــد‬ ‫قدميـــة مـــن دون أن تظهـــر أخـــرى جديـــدة حتـــل محلـــه‪ ،‬وتهـــب‬ ‫ري ــاح الفوض ــى واالضط ــراب عل ــى ال ــدول واملؤسس ــات الراس ــخة‬ ‫فتزعـــزع أركانهـــا‪ ،‬وتزلـــزل قواعدهـــا‪ ،‬وتصيـــب بنيانهـــا بخلـــل‬ ‫ش ــديد‪ ،‬وبالدن ــا العربي ــة ليس ــت بعي ــدة ع ــن ه ــذه الري ــاح اخلط ــرة‪،‬‬ ‫ب ــل ه ــي ألس ــباب كثي ــرة يف ع ــن العاصف ــة‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الــدول العربيــة داعمــة للجزائــر يف مواجهــة اإلرهــاب‪ ،‬وهــذا مــا‬ ‫فعلتــه الســعودية ً‬ ‫أيضــا يف مواجهــة اإلرهــاب والتطــرف مــا جعــل لــدى‬ ‫الدولتــن جتربتــن متماثلتــن ورائدتــن علــى مســتوى العالــم‪.‬‬ ‫وإذا كـنـا قد تـحـدثـنا عن الـعـالقـات الـتـاريـخـيـة‪ ،‬فـإن الـمـستـقبل‬ ‫يحمــل بــن طياتــه الكثيــر مــن فــرص التعــاون بــن اجلزائــر ودول‬ ‫مجلــس التعــاون‪ ،‬وتوجــد أســس ومنطلقــات لهــذا التعــاون‪ ،‬فاجلزائــر‬ ‫دولــة منتجــة للنفــط والغــاز وعضــو يف منظمــة (أوبــك) مــع الــدول‬ ‫اخلليجيــة وبقيــة أعضــاء املنظمــة ويظــل التعــاون مه ًمــا الســتقرار‬ ‫أســعار النفــط‪ ،‬كمــا أن اجلزائــر دولــة عربيــة لهــا ثقلهــا االســتراتيجي‬ ‫ومهمــة مبســاحتها الشاســعة وشــعبها وثرواتهــا الطبيعيــة املتنوعــة‪،‬‬ ‫وقوتهــا العســكرية الكبيــرة‪ ،‬إضافــة إلــى ثقلهــا يف إفريقيــا وعالقاتهــا‬ ‫التاريخيــة مــع دول القــارة الســمراء جنــوب الصحــراء‪ ،‬وقربهــا مــن‬ ‫األســواق األوروبيــة‪ ،‬وميكــن التوســع يف عضويــة اتفاقيــة أغاديــر‬ ‫بضــم أعضــاء جــدد مــن املنطقــة العربيــة بينهــم اجلزائــر إلــى هــذه‬ ‫االتفاقيــة التــي دخلــت حيــز التنفيــذ عــام‪2007‬م‪ ،‬والتــي تضــم يف‬ ‫عضويتهــا مصــر‪ ،‬األردن‪ ،‬املغــرب‪ ،‬تونــس‪ ،‬فلســطن‪ ،‬ولبنــان وتهــدف‬ ‫إلــى اإلعفــاءات اجلمركيــة والتبــادل التجــاري وجــذب االســتثمارات‬ ‫األجنبيــة بــن هــذه الــدول‪ ،‬ودول االحتــاد األوروبــي‪.‬‬ ‫يف املقابــل الــدول اخلليجيــة تســعى لالســتثمار يف اجلزائــر ويف‬ ‫كل الـــدول العربيـــة الشـــقيقة يف شـــمال إفريقيـــا‪ ،‬وبالفعـــل توجـــد‬ ‫اســـتثمارات خليجيـــة مهمـــة هنـــاك‪ ،‬بـــل تضاعفـــت يف الســـنوات‬ ‫األخيـــرة‪ ،‬حيـــث الرغبـــة متبادلـــة فتحتـــاج اجلزائـــر لالســـتثمارات‬ ‫اخلليجيـــة وقامـــت بتعديـــل التشـــريعات ملنـــح فـــرص اســـتثمارية‬ ‫أفضـــل تتضمـــن حمايـــة وضمانـــات قانونيـــة‪ ،‬وحتـــاول حتســـن‬ ‫البيئــة االســتثمارية يف ظــل التحــول إلــى اقتصاديــات الســوق احلــرة‬ ‫مبـــا يســـاعدها علـــى جتـــاوز األزمـــات االقتصاديـــة‪ .‬فيمـــا ترغـــب‬ ‫دول اخلليـــج يف تنويـــع اســـتثماراتها اخلارجيـــة وتوســـيع قاعـــدة‬ ‫اقتصاداته ــا‪ ،‬كم ــا أن تداعي ــات م ــا يس ــمى بث ــورات الربي ــع العرب ــي‬ ‫تس ــتوجب تكثي ــف التع ــاون ب ــن جناح ــي الوط ــن العرب ــي يف إفريقي ــا‬ ‫وآس ــيا خاص ــة عل ــى ض ــوء الف ــراغ األمن ــي والسياس ــي املوج ــود يف‬ ‫بعــض دول الربيــع العربــي ومنهــا ليبيــا وخطــورة ذلــك علــى اجلزائــر‬ ‫واملنطق ــة العربي ــة برمته ــا‪.‬‬ ‫وعـلـيـــه يـجـــب أن تـتـضـافـــر الـجـهـــود األمـنـيـــة والـعـسـكـــرية‬ ‫واالقتصاديــة‪ ،‬وتتقــارب وجهــات النظــر السياســية مــع تــرك هامــش‬ ‫لتبايــن الــرؤى دون أن يؤثــر علــى صلــب طبيعــة العالقــات األخويــة‪،‬‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبـــريــــــل‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪5‬‬

‫أي ليــس بالـضـــرورة تتـطـــابق السيـــاسات حـــيال كـافـــة الـقـــضايا‬ ‫الـمـــشتركة التــي تهــم جـــميع دول الـــمنطقة‪ ،‬لكــن يجــب وجــود احلــد‬ ‫األدنــى مــن التوافــق علــى القضايــا الرئيســية التــي متــس األمــن‬ ‫العربــي اجلماعــي‪ ،‬خاصــة أن املنطقــة العربيــة مســتهدفة بكاملهــا‬ ‫وليــس دولــة محــددة أو إقليــم دون آخــر‪ ،‬وال توجــد دولــة مبنــأى عــن‬ ‫اإلرهــاب أو تصديــر الفــن إليهــا‪ ،‬فاملنطقــة تتعــرض حلالــة مزدوجــة‬ ‫مــن التطويــق واالختــراق م ًعــا‪ ،‬ولعــل مــا تفعلــه إيــران يف دول شــمال‬ ‫إفريقيــا دون اســتثناء‪ ،‬بــل يف دول إفريقيــا جنــوب الصحــراء‪ ،‬يدعــو‬ ‫للقلــق علــى األمــن القومــي العربــي واإلقليمــي فقــد تعرضــت دول‬ ‫املغــرب العربــي كافــة ملؤامــرات إيرانيــة‪ ،‬ناهيــك عــن الصــراع الدولــي‬ ‫علــى التواجــد املســلح يف إفريقيــا‪ ،‬والصــراع علــى اليورانيــوم يف‬ ‫ً‬ ‫وأيضــا دفــن النفايــات النوويــة يف هــذه القــارة‬ ‫القــارة الســمراء‪،‬‬ ‫الفقيــرة القريبــة واملشــتركة للــدول العربيــة‪ ،‬إضافــة إلــى التنافــس‬ ‫علــى األســواق اإلفريقيــة مــن قــوى إقليميــة ودوليــة متعــددة‪.‬‬ ‫ومــن أجــل املكاشــفة والصراحــة‪ ،‬نــرى أنــه تظــل نقــاط خالفيــة‬ ‫بــن اجلزائــر ودول مجلــس التعــاون اخلليجــي حيــال ملفــات يف‬ ‫املنطقــة منهــا‪ :‬قضيــة البوليســاريو والصحراء‪ ،‬ســوريا‪ ،‬اليمــن‪ ،‬وإيران‬ ‫وغيــر ذلــك‪ ،‬واجلزائــر تتمســك ببنــود دســتورها يف التعامــل مــع هــذه‬ ‫القضايــا‪ ،‬والــدول العربيــة واخلليجيــة تتفهــم دوافــع ومنطلقــات‬ ‫اجلزائــر‪ ،‬لكــن يظــل مــن الضــروري إيجــاد رؤيــة جماعيــة مشــتركة‬ ‫يف حدهــا األدنــى لتحديــد املخاطــر والتهديــدات التــي تواجــه األمــة‬ ‫العربيــة‪ ،‬ومــن ثــم االتفــاق علــى أولويــات املواجهــة وحتديــد أدواتهــا يف‬ ‫إطــار عمــل جماعــي مشــترك حتتضنــه جامعــة الــدول العربيــة بهــدف‬ ‫حتصــن املنطقــة وقطــع الطــرق أمــام القــوى اإلقليميــة والدوليــة التــي‬ ‫تســعى إلــى النفــاذ للمنطقــة العربيــة وفــرض أجنداتهــا علــى مصالــح‬ ‫دولهــا وشــعوبها‪ ،‬كمــا أن هــذه الرؤيــة ال تتضمــن االعتــداء علــى أحــد‬ ‫وال تريــد جــر املنطقــة إلــى أتــون حــروب إقليميــة‪ ،‬بــل للدفــاع فقــط‬ ‫عــن مقدســات وأوطــان وأراضــي الــدول العربيــة‪ ،‬وقطــع الطــرق علــى‬ ‫الفــن املذهبيــة والعرقيــة وغيرهــا‪ ،‬ودعــم التعايــش الســلمي بــن كافــة‬ ‫العرقيــات واملذاهــب والقوميــات يف إطــار الدولــة الوطنيــة احلديثــة‬ ‫التــي تتســع للجميــع وهــذا حــق مشــروع للعــرب وســط هــذا احمليــط‬ ‫الهــادر واألجنــدات التوســعية واملؤامــرات املتتاليــة‪.‬‬

‫*رئيس مركز الخليج لألبحاث‬

‫حول الخليج‬ ‫‪4‬‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫افـتتــاحــية ال ـعـدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الـعــالقـات الـخـلـيـجـيـة ‪ -‬الـجـزائـريـة‪:‬‬ ‫رؤيــة مــسـتـقـبـلـيـة‬

‫‪4‬‬

‫د‪ .‬عبد العزيز بن عثمان بن صقر‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبـــريــــــل ‪2018‬‬

‫‪sager@grc.net‬‬

‫عندمــا نتحــدث عــن العالقــات البينيــة العربيــة ســواء الثنائيــة‪ ،‬أو‬ ‫اجلماعيــة‪ ،‬فإننــا نتحــدث عــن أهميــة تقويــة الروابــط العربيــة ككل‪،‬‬ ‫فالتعــاون الثنائــي أو يف إطــار تكتــالت يصــب يف النهايــة يف املصلحــة‬ ‫العربيــة اجلماعيــة‪.‬‬ ‫ولقــد دأبــت مجلــة (آراء حــول اخلليــج) علــى فتــح ملفــات العالقــات‬ ‫اخلليجيــة مــع احمليــط اخلارجــي ســواء العربــي‪ ،‬أو اإلقليمــي‪ ،‬أو الدولي‬ ‫مــن أجــل اكتشــاف فــرص التعــاون‪ ،‬ومواطــن االلتقــاء‪ ،‬واستشــراف‬ ‫املكامــن اإليجابيــة التــي تخــدم املصالــح املشــتركة وتنميتهــا والبنــاء‬ ‫عليهــا‪ ،‬وعــدم التوقــف عنــد نقــاط االختــالف وجعلهــا حاج ـزًا يصعــب‬ ‫جتــاوزه‪ ،‬فالعالقــات الدوليــة تقــوم علــى قاعــدة املصالــح وتبــادل املنافــع‬ ‫مبــا يعــزز مبــادئ العيــش‪ ،‬أمــا االســتثناء فهــو النزاعــات والصراعــات‪،‬‬ ‫وعليــه البــد للــدول أن تؤمــن باحلــوار والتعــاون يف اجلوانــب املمكنــة مــن‬ ‫جهــة‪ ،‬وتقريــب وجهــات النظــر حيــال القضايــا التــي ال يوجــد تطابــق‬ ‫يف الــرؤى حيالهــا‪ ،‬حيــث مــن الطبيعــي أن تتفــاوت وجهــات النظــر بــن‬ ‫الــدول جتــاه القضايــا الدوليــة واإلقليميــة خاصــة يف املرحلــة احلاليــة‬ ‫التــي تتشــابك فيهــا املصالــح والغايــات‪.‬‬ ‫واجلزائــر الشــقيقة دولــة عربيــة كبيــرة ومهمــة تربطهــا عالقــات‬ ‫تاريخيــة مــع دول مجلــس التعــاون‪ ،‬وكذلــك بقيــة الــدول العربيــة‪،‬‬ ‫وهــذه العالقــات متناميــة علــى أكثــر مــن مســتوى ســواء االقتصــادي‪،‬‬ ‫أو السياســي‪ ،‬أو األمنــي‪ ،‬أو غيــر ذلــك‪ ،‬وكانــت قــد بلغــت ذروتهــا‬ ‫يف مرحلــة اســتقالل اجلزائــر يف خمســينيات القــرن العشــرين‪ ،‬تلــك‬ ‫املرحلــة التــي بذلــت فيهــا اجلزائــر الغالــي والنفيــس ويف مقدمــة ذلــك‬ ‫"اإلنســان" فقدمــت مليــون ونصــف املليــون شــهيد مــن أبنــاء اجلزائــر‬ ‫والذيــن كانــت دماؤهــم الزكيــة الشــرارة التــي أشــعلت احلمــاس الوطنــي‬ ‫والعربــي والتأييــد الدولــي وحققــت االســتقالل‪ ،‬ولقــد وقــف العــرب‬ ‫جمي ًعــا إلــى جانــب اجلزائــر يف هــذه امللحمــة التاريخيــة‪.‬‬ ‫كمــا أن اجلزائــر اســتطاعت أن تتجــاوز أزمــة (العشــرية الســوداء)‬ ‫يف التســعينيات املاضيــة‪ ،‬وواجهــت اإلرهــاب بصالبــة وانتصــرت عليــه‪،‬‬ ‫وحققــت جتربــة مهمــة يف مقاومــة اإلرهــاب والتطــرف‪ ،‬وكانــت كافــة‬

‫قضية العدد‬

‫‪31‬‬

‫الجزائر يف ميزان القوى اإلقليمي‪ :‬االحتياطي االستراتيجي العربي‬ ‫لواء أ‪.‬ح د‪ .‬محمد قشقوش‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫هذا العدد‬ ‫هــذا العــدد الماثــل بيــن أيديكــم مــن مجلــة (آراء حــول الخليــج) والــذي يحمــل رقــم ‪ ١30‬مــن‬ ‫العــدد‬ ‫‪130‬‬ ‫ـة‪ ،‬وكان م‪3‬ــن بينهــا الملــف الرئيســي‬ ‫مهمـ‬ ‫إصــدارات المجلــة ركــز فيــه عــى عــدة موضوعــات‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬ ‫للعــدد عــن (العالقــات الخليجيــة ـ الجزائريــة) وتضمــن الملــف دراســات ومقــاالت عــن تاريــخ‬ ‫هــذه العالقــات‪ ،‬وواقعهــا‪ ،‬ورؤيــة استشــرافية لمســتقبلها‪ ،‬والمحفــزات التــي تشــجع عــى‬

‫ملف العدد‬ ‫د‪ .‬أمال زرنيز‬ ‫د ‪ .‬عية عبد الرحمان‬ ‫د‪ .‬عادل عبد الصادق‬ ‫د‪ .‬مصطفى كمال‬ ‫د‪ .‬مصطفى عبد الرحمن‬ ‫أشرف العشري‬ ‫د‪ .‬عبد الله باحجاج‬ ‫د‪.‬فاتح خننو‬ ‫د محمد لعقاب‬ ‫د‪ .‬مصطفى صايج‬ ‫د‪ .‬فتحي بولعراس‬ ‫نعيمة عكوش‬ ‫د‪ .‬ظافر محمد العجمي‬ ‫د‪ .‬دريدي مصطفى‬ ‫د‪ .‬أحمد سليم البرصان‬ ‫شاهيناز العقباوي‬

‫تطويرهــا وتفعيلهــا والنهــوض بهــا يف كافــة المجــاالت‪ ،‬وتأثيــر ذلــك عــى الطرفيــن واألمــة‬ ‫‪37‬‬ ‫‪42‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪52‬‬ ‫‪58‬‬ ‫‪63‬‬ ‫‪67‬‬ ‫‪71‬‬ ‫‪75‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪86‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪93‬‬ ‫‪98‬‬ ‫‪103‬‬

‫العربيــة خاصــة يف ظــل التحديــات التــي تواجــه الــدول العربيــة يف مرحلــة بعــد مــا يســمى‬ ‫بثــورات الربيــع العربــي ومــا تمخــض عنهــا مــن تداعيــات ســلبية أثــرت تأثي ـ ًرا مباش ـ ًرا عــى‬ ‫األمــن القومــي العربــي‪ ،‬والتــوازن اإلقليمــي وتأثيــر الــدول اإلقليميــة غيــر العربيــة عــى أمــن‬ ‫واســتقرار العــرب‪ ،‬إضافــة إىل التأثيــر االقتصــادي والسياســي واالجتماعــي‪ ،‬وانتشــار الجماعــات‬ ‫اإلرهابيــة المســلحة خصو ًصــا بعــد انفــراط عقــد بعــض الــدول العربيــة التــي زجــت بهــا أحــداث‬ ‫الربيــع العربــي يف أتــون حــروب أهليــة وتناحــر داخــي واختــراق إقليمــي ودويل‪ ،‬وتمــدد‬ ‫الجماعــات اإلرهابيــة المســلحة‪.‬‬ ‫كمــا تنــاول الملــف التحديــات والصعوبــات التــي تواجــه العالقــات الخليجيــة ـ الجزائريــة‪،‬‬ ‫واختــالف وجهــات النظــر حيــال بعــض القضايــا العربيــة‪ ،‬والبحــث يف كيفيــة التفاهــم حــول‬ ‫هــذه التحديــات‪ ،‬والتقريــب بيــن وجهــات النظــر المتباينــة بالعمــل أو ًال عــى تفعيــل النقــاط‬ ‫المتفــق عليهــا‪ ،‬وتخفيــف تأثيــر النقــاط محــل التبايــن عبــر الحــوار الدبلوماســي الهــادئ‬ ‫شــوطا جيــ ًدا يف التقــارب خــالل الســنوات‬ ‫والمفيــد للجانبيــن‪ ،‬خاصــة أن الجانبيــن قطعــا‬ ‫ً‬ ‫القليلــة األخيــرة‪ ،‬مــع تفهــم كل طــرف لمواقــف ووجهــات نظــر الطــرف اآلخــر‪.‬‬ ‫وتنــاول العــدد أي ًضــا تغطيــة لمؤتمــر فكــر ‪ ١٦‬الــذي نظمتــه مؤسســة الفكــر العربــي يف دبــي‬ ‫(‪ ١0‬ـ ‪ ١2‬أبريــل الماضــي) وتغطيــة موجــزة لفــوز هــذه المجلــة (آراء حــول الخليــج) بجائــزة‬

‫رأي‬ ‫رؤية استشرافية لمستقبل مجلس التعاون الخليجي والمنظمات الدولية‬ ‫د‪ .‬أميرة الراشد الغامدي‬

‫‪107‬‬

‫الدبلوماسية والفكر‪ :‬تالزم أصيل وتباعد مفترض‬ ‫د‪ .‬الصادق الفقيه‬

‫‪114‬‬

‫إصدارات‬

‫وتنــاول العــدد قــراءات يف نتائــج قمــة (القــدس) وهــي القمــة العربيــة األخيــرة التــي‬ ‫اســتضافتها المملكــة العربيــة الســعودية يف الظهــران منتصــف الشــهر المنصــرم‪ ،‬مــع عــرض‬ ‫نظــرة تحليليــة استشــرافية لمســتقبل العمــل العربــي المشــترك‪ ،‬إضافــة إىل بــاب الــرأي والــذي‬ ‫تنــاول عــدة قضايــا مختلفــة تمثــل قضايــا معاصــرة مهمــة لكوكبــة مــن الكتــاب‪.‬‬

‫‪119‬‬

‫"الحصاد المدمر للربيع العربي هل تصمد الجزائر يف وجه التحديات"‬ ‫آراء حول الخليج ‪ -‬جدة‬

‫وقفة‬

‫اإلبــداع اإلعالمــي لعــام ‪20١7‬م‪ ،‬والتــي منحتهــا إياهــا مؤسســة الفكــر العربــي‪.‬‬

‫محاور العدد المقبل‬ ‫يتن ــاول المل ــف الرئيس ــي للع ــدد المقب ــل م ــن مجل ــة (آراء ح ــول الخلي ــج) وه ــو ال ــذي يحم ــل‬ ‫الرق ــم ‪ ١3١‬م ــن سلس ــلة أع ــداد ه ــذه المجل ــة قضي ــة (مس ــتقبل النظ ــام العرب ــي والعم ــل‬ ‫العرب ــي المش ــترك) ويرك ــز ع ــى المح ــاور اآلتي ــة‪:‬‬

‫‪120‬‬

‫جائزة اإلبداع اإلعالمي ‪..‬الشكر والعرفان‬ ‫جمال أمين ه ّمام‬

‫ النظــام العربــي الجماعــي إىل أين بعد أحداث الربيع العربي؟‬‫ مــا هــي مالمح المنظومة العربية المســتقبلية‪ :‬امتداد للماضي أم توجه جديد؟‬‫ الجامعة العربية‪ :‬ترتيب الهيكلة‪ ،‬أم تغيير مســار‪ ،‬أم إعادة تشــكيل؟‬‫ هل يوجد مشــروع عربي جماعي لمواجهة مســتجدات التحديات؟‬‫‪ -‬كيــف يواجــه العرب التحديات اإلقليمية‪ :‬صمود أم انهيار؟‬

‫اإلسهامات‬ ‫٭ ترحــب مجلــة «آراء حــول اخلليــج» بإســهامات الكتــاب والباحثــني يف الشــؤون اخلليجيــة يف‬ ‫املجــاالت السياســية واالقتصاديــة واالجتماعيــة والدفاعيــة واألمنيــة‪.‬‬ ‫٭ المجلة غير ملتزمة بإعادة أي مادة تتلقاها للنشر‪.‬‬ ‫٭ جميع حقوق الترجمة والنشر محفوظة لمركز الخليج لألبحاث ‪.٢٠٠8‬‬ ‫٭ ال يســمح بإعــادة نشــر المــواد المنشــورة فــي المجلــة دون الحصــول علــى إذن خطــي مســبق مــن‬ ‫مركــز الخليــج لألبحــاث‪.‬‬ ‫٭ آراء الكتاب تعبر عن أصحابها وال تعبر بالضرورة عن اتجاهات يتبناها مركز الخليج أو مجلة آراء‪.‬‬

‫ ترتيــب التحديات وأولويــات المواجهة العربية‪ :‬الممكن والصعب‪.‬‬‫ مســتقبل ســوريا وليبيا واليمن يف منظومة العمل العربي المشــترك‪.‬‬‫ ملء الفراغ العربي وتحقيق التوازن يف المنطقة‪ :‬المســؤولية العربية؟‬‫ خيــارات العرب المســتقبلية عى ضــوء المتغيرات الدولية‪ :‬إىل أين تتجه البوصلة؟‬‫ التكامل االقتصادي العربي‪ :‬من الشــعارات إىل الواقع‪.‬‬‫‪ -‬القوة العســكرية العربية‪ :‬القوة الموزعة والقوة الجماعية‪.‬‬

‫افتتاحية العدد‬ ‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪2‬‬

‫مجلة شهرية تصدر عن‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬ ‫تعنى بالشؤون اخلليجية‬ ‫رئيس التحرير‬

‫د‪ .‬عبد العزيز بن عثمان بن صقر‬ ‫‪sager@grc.net‬‬

‫مدير التحرير‬

‫‪4‬‬

‫الـعالقـات الـخليجية ‪ -‬الـجـزائرية‪ :‬رؤيـة مـسـتقبلية‬ ‫‪www.araa.sa‬‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز بن عثمان بن صقر‬

‫مؤتمر فكر ‪١٦‬‬

‫‪6‬‬

‫فكر ‪ ١٦‬يضع األمة العربية أمام مسؤوليتها إلنهاء الفوضى وبدء االستقرار‬ ‫أراء حول الخليج‪ :‬دبي‬

‫جائزة اإلبداع اإلعالمي‬

‫‪12‬‬

‫المفكـرون العـرب‪ :‬مـأت فراغًـا‪ ..‬أعـادت الرصانـة‪ ..‬اسـتكتبت النخـب‪..‬‬ ‫عـى أعتـاب العالميـة‪..‬‬ ‫آراء حول الخليج‪ :‬دبي‬

‫جمال أمني همام‬ ‫‪jamal@araa.sa‬‬

‫سكرتير التحرير‬

‫سليمان مارديني‬ ‫‪suliman@araa.sa‬‬

‫التصميم الفني‬

‫منى فيصل‬

‫‪mona@grc.net‬‬

‫الهيئة االستشارية‬

‫د‪ .‬خالد اجلابر‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬عبد اخلالق عبد اهلل‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬عبد اهلل خليفة الشايجي‬ ‫د‪ .‬عبد اهلل بن علي عبد الرزاق باحجاج‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬صالح بن عبد الرحمن املانع‬ ‫د‪ .‬محمد عبد الغفار عبد اهلل‬ ‫الطباعة‬ ‫متت الطباعة يف مؤسسة‬ ‫املدينة للصحافة والطباعة والنشر‬

‫متابعات عربية‬ ‫قمة الظهران ‪ ..‬وقف تدهور النظام اإلقليمي العربي‬ ‫د‪ .‬معتز سالمة‬

‫‪17‬‬

‫قمة القدس ومتطلبات األمن العربي‪ :‬إدراك للمخاطر اإلقليمية‬ ‫د‪ .‬وحيد حمزة هاشم‬

‫‪22‬‬

‫دراسة العدد‬

‫‪24‬‬

‫المسارات البديلة‪ :‬هل تشكل مشاريع التكامل اإلقليمي بديال لالتحاد المغاربي؟‬ ‫د‪ .‬تـوات عـثمـان‬

‫اإلعالنات واملراسالت‬ ‫لإلعالن يف املجلة ميكن االتصال بقسم اإلعالن والتسويق على العنوان التالي‪:‬‬ ‫البريد االلكتروني‪info@araa.sa :‬‬ ‫توجه جميع املراسالت إلى مجلة «آراء حول اخلليج» على العنوان التالي‪:‬‬ ‫‪ 1٩‬شارع راية االحتاد‬ ‫ص‪.‬ب‪ 1٠٥٠1 .‬جدة ‪ ٢1٤٤٣‬اململكة العربية السعودية‬ ‫هاتف‪+٩٦٦ 1٢ ٦٥11٩٩٩:‬‬ ‫فاكس‪+٩٦٦ 1٢ ٦٥٣1٣٧٥ :‬‬ ‫البريد اإللكتروني‪info@araa.sa :‬‬

‫ثمن النسخة‬ ‫اململكة العربية السعودية‪ ٣٥ :‬ري ـ ــا ًال‬ ‫درهما‬ ‫اإلمارات العربية املتحدة‪٣٥ :‬‬ ‫ً‬ ‫‪ ٣٫٥‬دينا ًرا‬ ‫مملكة البحرين‪:‬‬ ‫دولة قطر‪:‬‬ ‫‪ ٣٥‬ري ـ ـ ــا ًال‬ ‫‪ ٣٫٥‬دينا ًرا‬ ‫دولة الكويت‪:‬‬ ‫سلطنة عمان‪:‬‬ ‫‪ ٣٫٥‬ري ـ ـ ــا ًال‬ ‫‪ ٤٫٥‬ديـنــا ًرا‬ ‫األردن‪:‬‬

‫االشتراك السنوي‬ ‫الدول العربية‪:‬‬ ‫الدول األوروبية‪:‬‬ ‫بقية دول العالم‪:‬‬

‫‪ 1٠٠‬دوال ًرا‬ ‫‪ 11٠‬دوال ًرا‬ ‫‪ 1٢٠‬دوال ًرا‬

‫يرسل طلب االشتراك إلى عنوان املجلة‬ ‫مــع حوالــة مصرفيــة أو شــيك بقيمــة‬ ‫االشــتراك باســم مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫العــدد ‪130‬‬ ‫إبــريـــــــل ‪2018‬‬

‫‪1‬‬

‫العــــــدد ‪130‬‬ ‫إبـــريــــــــــــل ‪2018‬‬

‫ملف العدد‪:‬‬

‫الــعـالقـ ــات الـخـلـيـجـيـ ــة ‪ -‬الـجـزائـريـ ــة‪ :‬الـواقـ ــع والـمـأمـ ــول‬ ‫▀ ‪ 4‬مقترح ــات لتطوي ــر الش ــراكة االقتصادي ــة الس ــعودية ‪ -‬الجزائري ــة غي ــر الغ ــاز المس ــال‬ ‫▀ فش ــل الره ــان عل ــى تعث ــر العالق ــات الس ــعودية ‪ -‬الجزائري ــة بع ــد ث ــورات الربي ــع العرب ــي‬ ‫▀ تجربـــة الجزائـــر‪ :‬ثـــالث مقاربـــات ومحاربـــة اإلرهـــاب صعبـــة لكـــن ليســـت مســـتحيلة‬ ‫▀ الدبلوماس ــية الس ــعودية أول م ــن وف ــر حاضن ــة عربي ــة للجزائ ــر بع ــد العش ــرية الس ــوداء‬ ‫▀ مراجع ــات محس ــوبة تهي ــئ لنقل ــة ف ــي العالق ــات االس ــتراتيجية الس ــعودية ‪ -‬الجزائري ــة‬ ‫▀ فـــراق العالقـــات الجزائريـــة ‪ -‬اإليرانيـــة آت‪ ..‬والمشـــروع اإليرانـــي ال يســـتثني أحـــ ًدا‬ ‫▀ الجزائ ــر نم ــوذج للق ــوة الش ــاملة وجيش ــها الـــ ‪25‬عالم ًي ــا والثان ــي إفريقي ــا والثال ــث عرب ًي ــا‬ ‫▀ العالق ــات الخليجي ــة ‪ -‬الجزائري ــة ق ــوة عربي ــة أم ــام التدخ ــالت الخارجي ــة يف المنطق ــة‬ ‫▀ ‪ 4‬مص ــادر لتموي ــل اإلره ــاب ف ــي غ ــرب إفريقي ــا وبوك ــو ح ــرام التنظي ــم األكث ــر دموي ــة‬