مجلة آراء العدد 124

‫التفاهم السعودي ـ الـروسـي‪:‬‬ ‫شـراكـة مـن أجـل االسـتـقـرار‬

‫العــــــدد ‪124‬‬ ‫أكــــــتــــوبــــر ‪2017‬‬

‫مجلس التنســيق الســعودي ـ العراقي‪:‬‬ ‫دعم وحدة العراق وإعادته إىل محيطه‬ ‫الــخــلـيـج الــذهــبـي ‪..‬‬ ‫بـيــــن االســتـعـمــــار واالسـتـثـمــــار‬

‫ملف العدد‪:‬‬

‫العـــراق مـــا بعـــد داعـــش ‪ ..‬وبعـــد اســـتفتاء انفصـــال األكـــراد‬ ‫▀ تـأثـيـــر الـعـــراق عـلـــى الـخـلـيـــج‪ :‬صـــراع عـسـكـــري مـحـتـمـــل وخـيـــارات بـغـــداد تـضـيـــق‬ ‫▀ الســـعودية ترفـــض انفصـــال كردســـتان مـــن بـــاب المســـؤولية التاريخيـــة والتبعـــات‬ ‫▀ كاب ــوس خليج ــي م ــن قط ــع ح ــدود تركي ــا م ــع الع ــرب بح ــزام ك ــردي ـ غرب ــي ـ إس ــرائييل‬ ‫▀ اســتراتيجية أمريــكا‪ :‬تقســيم العــراق مســألة وقــت وإســرائيل تعتبــره امتــدا ًدا لوعــد بلفــور‬ ‫▀ مافيــا روســيةـ تركيــة تســلح داعــش بموافقــة أمريــكا والتنظيــم فيــروس تغذيــه الــدول‬ ‫▀ ‪ 24‬مليـــار دوالر خســـائر داعـــش الحكوميـــة وقـــوات التحالـــف حصلـــت عـــى ‪ 12‬مليـــا ًرا‬ ‫▀ الموس ــاد جن ــد ‪ 2600‬عنص ــر م ــن البيش ــمركة لتصفي ــة العلم ــاء واألكاديميي ــن العراقيي ــن‬ ‫▀ عـوائـد نـفـط األكـراد فـي بـنـوك تـركـيـا ولـيـس لـكـردسـتـان مـقـومـات االنـفـصـال والـدولـة‬ ‫▀ ‪ 12‬مليـــون امـــرأة عراقيـــة مشـــردة و‪ %50‬نســـبة األميـــة بيـــن النســـاء العراقيـــات‬

‫‪116‬‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫وقفة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الــعــراق ‪ ..‬نــمــوذج األزمــات الــعــربــيــة‬

‫جمال أمني همام*‬ ‫‪jamal@araa.sa‬‬

‫معانــاة العــراق الدولــة والشــعب‪ ،‬جــزء مــن معانــاة عربيــة عامــة‪ ،‬لكــن‬ ‫العــراق تعــرض للمخطــط مبكــ ًرا‪ ،‬وكان أول مــن تعــرض ملبضــع اجلــراح‬ ‫األجنبــي الــذي رســم خريطــة التقســيم يف اجلســد العربــي منــذ مطلــع القــرن‬ ‫العشــرين‪ ،‬أي منــذ ســايكس ـ بيكــو‪ ،‬فمــا كنــا نظنــه مــن نســج خيــال العقليــات‬ ‫التآمريــة‪ ،‬أصبــح حقيقــة‪ ،‬والعــراق هــو النمــوذج األوضــح يف اســتهداف‬ ‫التجزئــة العربيــة‪ ،‬وأســباب كثيــرة جعلتــه يتقــدم إلــى مشــرحة التقســيم‪ ،‬منها‬ ‫موقعــه‪ ،‬وقدراتــه‪ ،‬وفسيفســاء تركيبتــه الســكانية‪ ،‬والــدول املجــاورة لــه‪.‬‬ ‫لذلـك‪ ،‬فـكل مـا مـر بـه العـراق مـن نكبـات ليـس صدفـة‪ ،‬حتـى اختيـار‬ ‫حكامـه ليـس صدفـة‪ ،‬ومجـيء صـدام حسـن وذهابـه ليـس صدفـة‪ ،‬ومـا أتى‬ ‫مـن العـراق وانعكسـت تداعياتـه علـى األمـة العربية ليس صدفـة‪ ،‬فمنذ قيام‬ ‫الثـورة اإليرانيـة عـام ‪1979‬م‪ ،‬واملجـيء باخلمينـي مـن باريـس إلـى طهـران‬ ‫مبسـاعدة غربيـة‪ ،‬ومباركـة أمريـكا لنظـام واليـة الفقيـه‪ ،‬ثـم الـزج بصـدام‬ ‫حسـن يف أتـون حـرب السـنوات الثمانـي مـع إيـران‪ ،‬واسـتدراجه بعـد ذلـك‬ ‫ً‬ ‫مخططـا بعنايـة‪ ،‬ليحدث مـا حدث‪ ،‬ومن ثم انتقال العدوى‬ ‫لغـزو الكويـت كان‬ ‫إلـى دول عربيـة أخـرى‪ ،‬يف مقدمتهـا السـودان‪ ،‬سـوريا‪ ،‬ثـم اليمـن أي دول‬ ‫االثنيـات التكوينيـة سـواء فيمـا يتعلـق باملذهـب‪ ،‬أو العـرق‪ ،‬أو القوميـة‪.‬‬ ‫بــدأت إيــران بتصديــر مــا يســمى بالثــورة اإلســالمية‪ ،‬وإن كانــت فشــلت‬ ‫يف ذلــك إال أنهــا زرعــت حــزب اهلل يف لبنــان‪ ،‬واحلشــد الشــعبي يف العــراق‪،‬‬ ‫واحلوثيــن يف اليمــن‪ ،‬بــل شــكلت ودعمــت جماعــات اإلســالم السياســي يف‬ ‫العديــد مــن الــدول العربيــة لتكــون معــاول طهــران للهــدم يف العمــق العربــي‪،‬‬ ‫وقــد وجــدت ضالتهــا يف ســقوط نظــام صــدام حســن‪ ،‬وأخيـ ًرا فيمــا يُعــرف‬ ‫بثــورات الربيــع العربــي التــي فتحــت البــاب علــى مصرعيــه أمــام طهــران‬ ‫للتدخــل يف الشــأن العربــي‪.‬‬ ‫العــراق لــم تســتهدفه إيــران فقــط‪ ،‬بــل إســرائيل ً‬ ‫أيضــا‪ ،‬التــي رفعــت‬ ‫أعالمهــا إلــى جانــب العلــم الكــردي بإقليــم كردســتان يــوم اســتفتاء األكــراد‬ ‫لالنفصــال يف اخلامــس والعشــرين مــن ســبتمبر املاضــي‪ ،‬حيــث إلســرائيل‬ ‫عالقــات قدميــة ومعلنــة مــع كردســتان‪ ،‬واكبهــا تواجــد إســرائيلي علــى‬

‫أرض كردســتان موثــق بأدلــة دامغــة‪ ،‬حيــث لهــا مصالــح كبــرى وأهــداف‬ ‫اســتراتيجية يف اإلقليــم الكــردي‪ ،‬فإســرائيل تريــد إقامــة دولــة عرقيــة كرديــة‬ ‫لتصبــح مبــر ًرا لقيــام دويــالت عرقيــة أو دينيــة أخــرى لتكــون ليــس وحدهــا‬ ‫الدولــة الدينيــة يف املنطقــة‪ ،‬كمــا تريــد إضعــاف العــراق حتــى ال يأتــي إليهــا‬ ‫ً‬ ‫وأيضــا تريــد أن تكــون موجــودة علــى حــدود إيــران‬ ‫التهديــد مــن الشــرق‪،‬‬ ‫وتركيــا والعــراق‪ ،‬وبذلــك تصبــح الالعــب األقــوى يف الشــرق األوســط‪.‬‬ ‫تركيـا مـن جانبهـا‪ ،‬تريـد إشـغال األكراد بحروب مع بغـداد حتى حتاصر‬ ‫النزعـة االنفصاليـة الكرديـة علـى أراضيهـا‪ ،‬كمـا أنهـا املسـتفيد األول‬ ‫اقتصاد ًيـا مـن كردسـتان باعتبارهـا منفذ األكراد وبوابتهـم إلى العالم وبذلك‬ ‫أرباحـا طائلـة مـن حالـة تأرجـح العالقـات الكرديـة مـع بغـداد‪.‬‬ ‫جتنـي‬ ‫ً‬ ‫أمــا اجلماعــات اإلرهابيــة يف العــراق‪ ،‬فهــي صناعــة‪ ،‬وجتــارة‪ ،‬وأدوات‬ ‫الســتمرار الصــراع‪ ،‬ومبــرر للتواجــد اخلارجــي‪ ،‬فحتــى اآلن غيــر معــروف‬ ‫مــن هــي (داعــش)‪ ،‬وهــل هــي تنظيــم إســالمي صــرف‪ ،‬أم صناعــة أجهــزة‬ ‫اســتخبارات‪ ،‬كمــا ال يعــرف أحــد بدقــة مصــادر متويلهــا وتســليحها‪ ،‬وطبيعــة‬ ‫وأهــداف عناصرهــا‪ ،‬وهــل املقصــود إضعــاف وســط العــراق أكثــر ممــا هــو‬ ‫عليــه مــن ضعــف وإبــادة املكــون الســني يف حــرب دائمــة‪ ،‬أم إيجــاد املبــرر‬ ‫لوجــود احلشــد الشــعبي وإيــران وأمريــكا وإســرائيل يف هــذا الصــراع الــذي‬ ‫لــم يحقــق ســوى إضعــاف العــراق وجيشــه واقتصــاده ؟!‬ ‫الوضــع يف العــراق أخطــر ممــا يبــدو علــى الســطح‪ ،‬فهــو بــركان يصــدر‬ ‫حممــه إلــى كافــة أرجــاء الوطــن العربــي ؛ ولــن يترك يف معقلــه إال ضياع دولة‬ ‫عربيــة كانــت قويــة وحائــط صــد‪ ،‬وســوف يظــل األمــر هكــذا مــا دام العــراق‬ ‫ومعــه العــرب والعالــم يركــز علــى ظواهــر األمــور ويبحــث عــن حلــول ترقيعيــة‬ ‫إلخمــاد ألســنة احلرائــق دون إطفــاء جذوتهــا املســتعرة حتت الرماد‪ ،‬ســرعان‬ ‫مــا تشــتعل لتــأكل األخضــر واليابــس‪.‬‬ ‫أمـا عـن احللـول‪ ،‬فهنـاك حلـول عاجلـة تسـتطيع أن تقدمهـا حكومـة‬ ‫بغـداد‪ ،‬وأخـرى بعيـدة املـدى تتطلـب موق ًفـا عرب ًيـا ودول ًيـا جماع ًيـا‪ ،‬أمـا‬ ‫احللـول السـريعة فتتمثـل أن تتبنـى حكومـة بغـداد سياسـات واضحـة حيـال‬ ‫حتقيق مصاحلة وطنية جامعة بالتخلي عن الطائفية كنمط للحكم وللحياة‬ ‫السياسـية واإلداريـة‪ ،‬وإلغـاء مظاهـر التسـليح خـارج اجليـش وأجهـزة األمن‪،‬‬ ‫وتطبيق معايير الدولة املدنية ال العقدية املذهبية‪ ،‬وأن متنح حقوق املواطنة‬ ‫لـكل العراقيـن مبـا فيهـم األكـراد‪ ،‬وأن تسـتقل بقراراتهـا الداخليـة عن إيران‬ ‫بقـدر اإلمـكان‪ ،‬مـع إسـراع اخلطـى نحـو العـودة إلـى البيـت العربـي‪.‬‬ ‫وعلـى املـدى البعيـد‪ ،‬فيجـب علـى الـدول العربيـة‪ ،‬وحتـت مظلـة جامعتهـم‪،‬‬ ‫بحـث نقـاط الضعـف واالختـراق التـي يعانـي منها النظام العربي مبا فيـه العراق‪،‬‬ ‫والتعامل معها بوضوح وتسـمية األشـياء بأسـمائها‪ ،‬ووضع احلقائق يف نصابها‪..‬‬ ‫هـذا يف حالـة رغبـة مواجهـة إعصـار التفتيـت الـذي سـيغرق املنطقـة برمتهـا‪.‬‬ ‫*ﻣﺪﻳﺮ اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إصدارات‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪115‬‬

‫تحرير الكويت حالة عملية للصراع بين استراتيجيات المصالح يف الخليج‬ ‫"الذهبي" وحالة مثالية لتضامن خليجي وإرادة دولية إلعادة دولة الكويت‬ ‫ً‬ ‫مربوطــا بأمــن القــوى اخلارجيــة التــي‬ ‫املنطقــة وأصبــح أمــن اخلليــج‬ ‫ت ــرى أن احملافظ ــة عل ــى مصاحله ــا يف اخللي ــج العرب ــي ه ــو امت ــداد‬ ‫مباش ــر ألمنه ــا القوم ــي يف جتليات ــه الداخلي ــة واخلارجي ــة‪.‬‬ ‫ويقـــول الدكتـــور أحمـــد القرنـــي يف نهايـــة التوطئـــة لهـــذا‬ ‫الكت ــاب " فم ــن ال ــذكاء أن يُعم ــل اخلليجي ــون عقوله ــم يف املس ــتقبل‬ ‫إلدراك واستش ــراف م ــا يكتنف ــه م ــن مخاط ــر ضده ــم فيحتووه ــا‬ ‫م ــن خ ــالل صياغ ــة اس ــتراتيجيات اس ــتباقية وقائي ــة‪ ،‬وبن ــاء الق ــوة‬ ‫والقـــدرة املالئمتـــن‪ ،‬وكذلـــك مـــا يتضمنـــه املســـتقبل مـــن فـــرص‬ ‫فيتعرفـــوا عليهـــا راســـمن لذلـــك االســـتراتيجيات االســـتثمارية‬ ‫لزي ــادة رفاهي ــة دوله ــم ومنوه ــا ودميومته ــا"‪.‬‬ ‫ويف املقدمـــة التـــي قدمهـــا ملضمـــون كتابـــه‪ ،‬بعـــد التوطئـــة‪،‬‬ ‫يق ــول الدكت ــور أحم ــد القرن ــي" ل ــم يك ــن ص ــدام حس ــن موف ًق ــا يف‬ ‫قراءت ــه للنظ ــام العامل ــي قي ــد التش ــكل ‪ ،‬ورمب ــا كان ص ــدام حس ــن‬ ‫يح ــدث نفس ــه ب ــأن ه ــذه املنطق ــة م ــن العال ــم س ــبق أن تك ــرر فيه ــا‬ ‫وباس ــتمرار انته ــاك املب ــادئ العام ــة للقان ــون الدول ــي‪ ،‬وبالتال ــي فل ــن‬ ‫تك ــون ردة الفع ــل ض ــده س ــوى حلظ ــة س ــخط عاب ــرة‪ ،‬ول ــم يحس ــب‬ ‫حســاب العجــز الســوفيتي عــن لعــب دور مناهــض للواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكي ــة ول ــم يتوق ــع حت ــرك األمم املتح ــدة ض ــد االعت ــداء وض ــم‬ ‫الكوي ــت كعض ــو مه ــم فيه ــا م ــن حي ــث قوته ــا االقتصادي ــة وموقعه ــا‬ ‫اجلغ ــرايف وأهميته ــا اإلقليمي ــة وارتباطاته ــا التاريخي ــة‪.‬‬ ‫وه ــذا الكت ــاب ه ــو يف األص ــل رس ــالة دكت ــوراه للباح ــث وتع ــد‬ ‫األولـــى مـــن نوعهـــا وجـــاءت حتـــت عنـــوان (األبعـــاد العســـكرية‬ ‫واالســـتراتيجية يف حـــرب حتريـــر الكويـــت"‪ 1990‬ـ ‪1991‬م"‬ ‫وكان الباحـــث أول عربـــي يحصـــل علـــى الدكتـــوراه يف تخصـــص‬ ‫"الدراســات العليــا االســتراتيجية التطبيقيــة" مــن جامعــة فرنســية‪،‬‬ ‫هدف ــت إل ــى حتلي ــل احل ــرب ككل يف وجه ــة النظ ــر االس ــتراتيجية‬ ‫والعســـكرية (العملياتيـــة‪ ،‬التكتيكيـــة‪ ،‬التقنيـــة) واخلـــروج منهـــا‬ ‫بــدروس مســتفادة يف كل املجــاالت ذات الصلــة بالعمــل العســكري‪.‬‬ ‫وعلـى الغـالف األخيـر للكتـاب نقتطـف من كلمـة للمؤلف" عندما‬ ‫غزا الرئيس العراقي األسـبق صدام حسـن الكويت يف ‪ 2‬أغسـطس‬ ‫عـام ‪1990‬م‪ ،‬لـم يكـن موف ًقـا يف فهـم اإلدراك األمريكي ألمن اخلليج‪،‬‬ ‫وال يف قـراءة النظـام العاملـي قيـد التشـكيل‪ ،‬وهـو مـا دفـع بـه ليتخـذ‬ ‫أسـوأ قـرار يف حياتـه الرئاسـية مـن حيـث حجـم التبعـات‪ ،‬ليـس عليـه‬ ‫شـخص ًيا وعلـى نظامـه‪ ،‬وإمنـا علـى العـراق والعالـم العربي‪.‬‬

‫إ ًذا فح ــرب حتري ــر الكوي ــت (‪1990‬ـ ‪1991‬م) كان ــت جتس ــي ًدا‬ ‫ح ًيـــا‪ ،‬وحالـــة عمليـــة لصـــراع بـــن اســـتراتيجيات املصالـــح يف‬ ‫اخللي ــج "الذهب ــي" ولكنه ــا يف املقاب ــل كان ــت حال ــة مثالي ــة لتضام ــن‬ ‫خليجـــي وإرادة دوليـــة لتكويـــن حتالـــف عســـكري حتـــت مظلـــة‬ ‫أممي ــة إلع ــادة دول ــة الكوي ــت إل ــى س ــلطتها الش ــرعية يف احلقيق ــة‪.‬‬ ‫ل ــم تك ــن ه ــذه احل ــرب أزم ــة عاب ــرة‪ :‬فه ــي أول ح ــرب يف التاري ــخ‬ ‫احلديـــث ظهـــرت فيهـــا ثـــورة قويـــة يف الشـــؤون االســـتراتيجية‬ ‫والعس ــكرية والتكنولوجي ــة‪ ،‬وه ــي ح ــرب ل ــم تن ــه بع ــد ألن حتوالته ــا‬ ‫السياس ــية واألمني ــة واالجتماعي ــة ال زال ــت قائم ــة‪ ،‬واألخط ــر م ــن‬ ‫ذل ــك كل ــه أنه ــا أحدث ــت خل ــال يف معادل ــة ت ــوازن الق ــوى‪ ،‬باختف ــاء‬ ‫ق ــوة وظه ــور أخ ــرى حتم ــل نزع ــة الهيمن ــة ذاته ــا‪ ،‬مدفوع ــة إم ــا‬ ‫بتصديـــر آالمهـــا‪ ،‬أو نفـــي خبثهـــا‪ ،‬أو شـــراهتها لـــرزق لـــم يكتبـــه‬ ‫اهلل له ــا ‪ ..‬وله ــذا فاخللي ــج مرك ــز ثق ــل دول ــي‪ ،‬وبالتال ــي فق ــدره أن‬ ‫مســـرحا للصراعـــات واالســـتقطابات‪.‬‬ ‫يســـتمر‬ ‫ً‬

‫المؤلف يف سطور‪:‬‬ ‫العميــد الركــن الدكتــور(م) ‪ /‬أحمــد ضيــف اهلل القرنــي‪:‬‬ ‫ مؤلف وباحث يف الشــؤون االســتراتيجية واألمنية‪.‬‬‫ مستش ــار س ــابق مبكت ــب س ــمو وزي ــر الدف ــاع‪ ،‬األمي ــر محم ــد ب ــن‬‫س ــلمان ب ــن عب ــد العزي ــز‪.‬‬ ‫ مدير مركز الدراسات واألبحاث االستراتيجية برئاسة هيأة األركان‪.‬‬‫ معلــم بكليــة القيادة واألركان‪.‬‬‫ تقلــد العديــد مــن املناصــب القيادية واإلدارية ‪.‬‬‫ دكت ــوراه يف التاري ــخ والفلس ــفة السياس ــية بدرج ــة مش ــرف ج ـ ًدا‬‫م ــن املدرس ــة التطبيقي ــة للدراس ــات العلي ــا‪ /‬الس ــوربون‪ ،‬فرنس ــا‪.‬‬ ‫ ماجســـتير و بكالوريـــوس يف العالقـــات الدوليـــة مـــن جامعـــة‬‫الســـوربون ‪ /‬فرنســـا‪.‬‬ ‫ ماجســتير العلوم العســكرية‪.‬‬‫ بكالوري ــوس العل ــوم االس ــتراتيجية والف ــن العس ــكري م ــن كلي ــة‬‫سانســـير العســـكرية اخلاصـــة‪ ،‬بفرنســـا‪.‬‬ ‫ كاتب يف العديد من مراكز الدراســات ‪.‬‬‫ مـــدرب دولـــي يف القيـــادة االســـتراتيجية ‪.‬حتـــت عنـــوان" نحـــو‬‫تفكيـــر اســـتراتيجي جديـــد ملســـتقبل آمـــن"‪.‬‬

‫‪114‬‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫إصدارات‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ق ــوى كب ــرى تس ــعى الحت ــواء الخلي ــج والتحك ــم يف اقتصادات ــه‬ ‫إلنعــاش اقتصاداتهــا المتراجعــة وتمويــل مغامراتهــا وحروبهــا الزائفــة‬ ‫اجلــزء الرابــع‪ :‬التصــدي لصواريــخ ســكود والعمليــات البحريــة‬ ‫والهجــوم البــري‪ :‬وشــملن اعتــراض صواريــخ ســكود‪ ،‬أداء صواريــخ‬ ‫ســـكود يف القتـــال‪ ،‬العمليـــات اجلويـــة ضـــد القـــدرات البالســـتية‬ ‫العراقيـــة‪ ،‬صواريـــخ باتريـــوت يف مواجهـــة مـــع صواريـــخ ســـكود‪.‬‬ ‫ث ــم العملي ــات البحري ــة‪ :‬جتم ــع الق ــوات البحري ــة‪ ،‬احلص ــار‪ ،‬حمل ــة‬ ‫إزالـــة األلغـــام والســـيطرة علـــى البحـــار‪ .‬العمليـــات الســـاحلية‪:‬‬ ‫صواري ــخ توماه ــوك البح ــر األحم ــر‪ ،‬اخل ــداع بالهج ــوم املائ ــي‪.‬‬ ‫بـــدء الهجـــوم البـــري‪ :‬اســـتعدادات احللفـــاء للهجـــوم البـــري‪،‬‬ ‫الزحــف‪ :‬الهجــوم البــري للتحالــف‪ ،‬يــوم الثالثــاء ‪ 26‬فبرايــر‪ ،‬اليــوم‬ ‫الثال ــث م ــن الزح ــف واللوح ــة ‪ ،54‬ي ــوم األربع ــاء ‪ 27‬فبراي ــر‪ ،‬الي ــوم‬ ‫الرابــع مــن الزحــف‪ :‬مصيــر احلــرس اجلمهــوري‪ ،‬يــوم اخلميــس ‪28‬‬ ‫فبرايــر ‪1991‬م‪ ،‬اليــوم اخلامــس مــن الزحــف‪ :‬الســاعات األخيــرة‪.‬‬ ‫ثـــم جـــاءت اخلالصـــة‪ :‬التقييـــم العـــام والـــدروس املســـتفادة مـــن‬ ‫ح ــرب حتري ــر الكوي ــت‪.‬‬ ‫ويـــرى املؤلـــف أن أهميـــة منطقـــة اخلليـــج جعلتهـــا ســـر‬ ‫الصـــراع حولهـــا منـــذ فجـــر التاريـــخ وجعلهـــا هد ًفـــا ســـعت إليـــه‬ ‫قـــوى تاريخيـــة إمـــا الســـتعمارها أو الســـتثمارها‪ ،‬ويـــرى أنـــه ال‬

‫زال ــت الي ــوم ق ــوى كب ــرى وناف ــذة ستس ــعى دائم ــا الحت ــواء اخللي ــج‬ ‫والتغلغ ــل في ــه والتحك ــم يف اقتصادات ــه وأس ــواقه وميزانيات ــه بغي ــة‬ ‫إنعـــاش اقتصاداتهـــا املتراجعـــة ومتويـــل مغامراتهـــا ومشـــاريعها‬ ‫الذاتي ــة وحروبه ــا الزائف ــة! لدرج ــة أن البع ــض ذك ــر بأن ــه م ــا م ــن‬ ‫بح ــر داخل ــي يف العال ــم ق ــد أث ــار أطم ــاع ال ــدول واالمبراطوري ــات‬ ‫مبث ــل م ــا أث ــاره اخللي ــج العرب ــي‪.‬‬ ‫وعــرض الدكتــور القرنــي يف توطئــة هذا الكتاب لالســتراتيجيات‬ ‫التاريخيــة الدوليــة لالهتمــام مبنطقــة اخلليــج وأطمــاع هــذه الــدول‬ ‫منــذ عــام ‪ ،1100‬واســتعرض االهتمــام الولــي مبنطقــة اخلليــج منــذ‬ ‫االحت ــالل البرتغال ــي يف الق ــرن الس ــادس عش ــر‪ ،‬ث ــم االجنلي ــز ع ــام‬ ‫‪1622‬م‪ ،‬والســـيطرة الهولنديـــة يف منتصـــف القـــرن الســـابع عشـــر‬ ‫يف ظ ــل تنافس ــهم م ــع االجنلي ــز ث ــم حس ــم األم ــر لصال ــح االجنلي ــز‪،‬‬ ‫وي ــرى املؤل ــف أن ــه م ــن امله ــم الق ــول أن الص ــراع م ــن أج ــل الهيمن ــة‬ ‫عل ــى منطق ــة اخللي ــج كان أح ــد األس ــباب الت ــي أدت إل ــى ان ــدالع‬ ‫احل ــرب العاملي ــة األول ــى‪ ،‬ث ــم واص ــل س ــرده التاريخ ــي ودور الق ــوى‬ ‫الكب ــرى يف كل حقب ــة تاريخي ــة لالهتم ــام الدول ــي والص ــراع ح ــول‬ ‫منطق ــة اخللي ــج األم ــر ال ــذي أوج ــد املس ــوغات والذرائ ــع إلش ــعال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إصدارات‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪113‬‬

‫قراءة في كتاب‪:‬‬

‫صـــــراع االســـــتـراتــيــجــيــات‬ ‫فـي الــخــلـيـج الــعــربـي‬ ‫صــــدر مـؤخـــ ًرا وفـــي مـنـتـصـــف الـعـــام الـحـالـــي ‪2017‬م‪ ،‬كـتـــاب (صـــراع االسـتـراتـيـجـيـــات فـــي الـخـلـيـــج‬ ‫الـعـربـــي) للـمـؤلـــف الـدكـتـــور أحـمـــد ضـيـــف اهلل الـقـرنـــي‪ ،‬عــن الــدار العربيــة للعلــوم ناشــرون‪ ،‬وجــاء يف‬ ‫‪ 568‬صفح ــة‪ ،‬رك ــز الكات ــب عل ــى األهمي ــة االس ــتراتيجية ملنطق ــة اخللي ــج‪ ،‬وكون ــه مح ــط نظ ــر وص ــراع‬ ‫العال ــم خاص ــة الق ــوى الكب ــرى‪ ،‬ورك ــز عل ــى أزم ــة غ ــزو الكوي ــت يف أغس ــطس ع ــام ‪1990‬م‪ ،‬ث ــم حتريره ــا‬ ‫واملوق ــف الدول ــي ودالالت ــه‪.‬‬

‫قراءة وعرض‪ :‬جمال أمني همام‬

‫وتنــاول الدكتــور أحمــد القرنــي يف فصــول هــذا الكتــاب‪ ،‬االجتيــاح‬ ‫العراق ــي للكوي ــت‪ :‬أس ــباب احل ــرب‪ ،‬وتن ــاول ه ــذا الفص ــل‪ :‬مح ــددات‬ ‫السياســـة األمريكيـــة يف اجتيـــاح الكويـــت السياســـة األمريكيـــة يف‬ ‫الشـــرق األوســـط (‪ 1945‬ـ ‪1973‬م)‪ :‬خارطـــة القوميـــة العربيـــة‪ ،‬ثـــم‬ ‫السياس ــة األمريكي ــة يف اخللي ــج (‪1990 - 1974‬م)‪.‬‬ ‫ثــم تنــاول محــددات السياســة العراقيــة يف اجتيــاح الكويــت‪( ،‬أصــل‬ ‫النزاع ــات احلدودي ــة ب ــن الع ــراق والكوي ــت ـ النزاع ــات احلدودي ــة)‪،‬‬ ‫وتن ــاول العوام ــل السياس ــية واالقتصادي ــة املتعلق ــة باحل ــرب اإليراني ــة‬ ‫ـ العراقيــة‪ :‬منــذ وقــف إطــالق النــار مــع إيــران وحتــى اجتيــاح الكويــت‬ ‫(العوام ــل السياس ــية ـ العوام ــل االقتصادي ــة واملالي ــة)‪.‬‬ ‫وتطـــرق إلـــى مســـرح العمليـــات بـــن الكويـــت والعـــراق‬ ‫واالجتيـــاح العراقـــي للكويـــت‪( ،‬مســـرح العمليـــات الكويتيـــة‬ ‫العراقيـــة ـ ســـير عمليـــات االجتيـــاح العراقـــي للكويـــت)‪ .‬وتنـــاول‬ ‫اجلي ــش العراق ــي حت ــت عناوي ــن‪ :‬قي ــادة الق ــوات العراقي ــة ومب ــدأ‬ ‫االنتش ــار‪ ،‬القي ــادة والتحك ــم واالتص ــاالت واالس ــتخبارات‪ ،‬الب ــري‬ ‫العراقــي واحلــرس اجلمهــوري‪ ،‬القــوات اجلويــة العراقيــة‪ ،‬القــوات‬ ‫البحريـــة العراقيـــة‪ ،‬وأســـلحة صـــدام اخلاصـــة‪.‬‬ ‫واســـتعرض القـــدرات العســـكرية لـــدول مجلـــس التعـــاون‬ ‫(الســعودية‪ ،‬قــدرات دول املجلــس والســيطرة الســعودية‪ ،‬هــل كانــت‬

‫القـــوات املســـلحة الســـعودية كافيـــة لوقـــف الهجـــوم العراقـــي؟)‬ ‫وج ــاء اجل ــزء الثان ــي يف الكت ــاب حت ــت عن ــوان‪ :‬نش ــر الق ــوات‬ ‫وتنظيـــم التحالـــف علـــى مســـرح العمليـــات الكويتـــي ـ العراقـــي‪.‬‬ ‫وتن ــاول ه ــذا اجل ــزء نش ــر الق ــوات األمريكي ــة‪ ،‬وج ــاء يف إط ــار ه ــذا‬ ‫اجل ــزء عناوي ــن‪ :‬مترك ــز بقي ــة ق ــوات التحال ــف‪ ،‬والتنظي ــم القي ــادي‬ ‫للتحالـــف‪ ،‬واخلطـــط العســـكرية للتحالـــف‪ ،‬واإلمـــداد اللوجســـتي‬ ‫للحلف ــاء‪ ،‬واالس ــتخبارات والنظ ــم الفضائي ــة‪ ،‬وطائ ــرات االس ــتطالع‬ ‫االس ــتراتيجي والتكتيك ــي‪ ،‬ونظ ــم املراقب ــة يف س ــاحة املعرك ــة‪.‬‬ ‫وتن ــاول اجلــزء الثالــث م ــن الكت ــاب‪ ،‬احلمل ــة اجلوي ــة‪ ،‬وانط ــوى‬ ‫هــذا اجلــزء علــى‪ ،‬املرحلــة األولــى‪ :‬القصــف االســتراتيجي‪ ،‬وشــمل‬ ‫متهيـــد املســـار اجلـــوي للموجـــات الهجوميـــة األولـــى‪ ،‬الهجـــوم‬ ‫عل ــى منظوم ــة القي ــادة والس ــيطرة واالتص ــاالت‪ ،‬حمل ــة الطاق ــة‪،‬‬ ‫مهاجم ــة منش ــآت الدم ــار الش ــامل‪.‬‬ ‫ث ــم املرحل ــة الثاني ــة‪ :‬العملي ــات ض ــد الق ــوات اجلوي ــة والدف ــاع‬ ‫اجل ــوي العراق ــي‪ ،‬وش ــملت‪ :‬الهج ــوم عل ــى ال ــرادارات والطائ ــرات‪،‬‬ ‫حتيي ــد الدفاع ــات اجلوي ــة عل ــى أرض املعرك ــة‪.‬‬ ‫املرحلـــة الثالثـــة‪ :‬عمليـــات احلظـــر اجلـــوي مليـــدان املعركـــة‬ ‫واإلس ــناد اجل ــوي املباش ــر للق ــوات البري ــة‪ :‬احلظ ــر اجل ــوي ملي ــدان‬ ‫املعركـــة‪ ،‬العمليـــات اجلويـــة إلســـناد الهجـــوم البـــري‪.‬‬

‫‪112‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫وسلبت حقوقها‪ ،‬وذلك تأكيدا للمتالزمة الطبيعية أنه كلما ارتفع مستوى‬ ‫الطائفيــة واالســتبداد يف املجتمــع تقهقــرت وضعيــة املــرأة ومشــاركتها ‪.‬‬

‫تهميش الحقوق‬ ‫أساســا علــى تهميــش حقــوق ومكتســبات‬ ‫هــذه النكســة قامــت‬ ‫ً‬ ‫املــرأة وإقصائهــا عــن املســاهمة يف احليــاة السياســية‪ ،‬وبعــد عقــود مــن‬ ‫النضــال نحــو اكتســاب احلقــوق‪ ،‬باتــت املــرأة العراقيــة اليــوم تعانــي‬ ‫الكثيــر مــن أنــواع التمييــز وانعــدام احلمايــة القانونيــة واالجتماعيــة‬ ‫واحلرمــان مــن فــرص العمــل والتعــرض لالســتغالل والعنــف واخلطــف‬ ‫والقتــل ورغــم أن العــراق ميتلــك حزمــة مــن التشــريعات والوســائل‬ ‫واملؤسســات الوطنيــة املهتمــة باملــرأة كــوزارة الدولــة لشــؤون املــرأة‬ ‫ودائــرة الرعايــة االجتماعيــة للمــرأة وقســم املــرأة املوجــود يف كل‬ ‫وزارات الدولــة ومؤسســاتها وقســم الرصــد يف وزارة حقــوق اإلنســان‬ ‫وجلنــة املــرأة واألســرة يف مجلــس النــواب العراقــي وجلــان املــرأة يف‬ ‫كل مجالــس احملافظــات‪ ،‬إال أن التوجــه السياســي العــام والعقائــدي‬ ‫والعشــائري ‪ ،‬فضــال عــن التراجــع االجتماعــي الــذي ســاد يف البــالد‬ ‫بعــد ســنوات طــوال مــن االحتــالل والــذى ترتــب عليــه ســيادة فكــرة‬ ‫أحاديــة يف املجتمــع تقــوم علــى تهميــش املــرأة والعمــل علــى إعادتهــا‬ ‫خطــوات كثيــرة للخلــف ظلــت عقــود تناضــل لتصــل اليهــا‪.‬‬ ‫واســتمرا ًرا لتــردي أوضــاع املــرأة العراقيــة كشــفت منظمــة "هيومــان‬ ‫رايتــس ووتــش" يف تقريــر لهــا أن حقــوق اإلنســان يف العــراق مــا تــزال‬ ‫مزريــة‪ ،‬خاصــة بالنســبة للمعتقلــن والصحفيــن والناشــطن والنســوة‬ ‫والفتيــات‪ .‬وبينــت أن العديــد مــن النســوة العراقيــات اللواتــي ترملــن‬ ‫نتيجــة احلــرب والعنــف الطائفي يجري اســتهدافهن واســتغاللهن جنســيا‬ ‫وإجبارهــن علــى ممارســة البغــاء‪ .‬وبينــت بعثــة األمم املتحــدة يف العــراق‬ ‫أن نحــو ‪ 1.2‬مليــون امــرأة عراقيــة تعرضــن للتشــرد مــن منازلهــن بســبب‬ ‫اخلــوف مــن العنــف وانتهــاكات حقوق اإلنســان والتهديــدات بالقتل الالئي‬ ‫تعرضــن لــه وضــع مأساوي‪.‬وكشــف مركــز "سيســفاير" العاملــي حلقــوق‬ ‫املدنيــن الوضــع املأســاوي للمــرأة العراقيــة‪ ،‬وتعرضهــا لكافــة أشــكال‬ ‫االضطهــاد والتجــاوزات التــي تهــدم إنســانيتها وآدميتهــا ً‬ ‫وأيضــا تلغــي‬ ‫حقهــا يف احليــاه‪ ،‬جــاء ذلــك‪ ،‬ضمــن تقريــر (نســاء العــراق املفقــودات‪:‬‬ ‫العنــف األســري يف فتــرات النــزاع املســلح) والــذى أكــد يف مقدمتــه‪ ،‬أنــه‬ ‫علــى خلفيــة النــزاع املســلح والعنــف الطائفــي اللذيــن باتــا يشــكالن ســمة‬ ‫تعانيهــا الدولــة العراقيــة علــى مــدى العقــود األخيــرة‪ ،‬يظــل شــك ً‬ ‫ال آخـ ًرا‬ ‫مــن أشــكال العنــف خف ًيــا إلــى حــد كبيــر‪ ،‬فضمــن حــدود النطاق األســري‪،‬‬ ‫ً‬ ‫باهظــا النهيــار ســيادة القانــون والســلم العــام‬ ‫دفعــت نســاء العــراق ثم ًنــا‬ ‫يف املجتمــع ككل‪ ،‬حيــث أن العنــف واالفتقــار إلــى األمــن واألمــان قــد طــاال‬ ‫ً‬ ‫أيضــا‪ ،‬املنــازل التــي يعانــي ســاكنوها بالفعــل مــن صعوبــات اقتصاديــة‬ ‫جمــة‪ ،‬ممــا أدى إلــى تصاعــد وتيــرة العنــف ضــد النســاء‪ .‬وبينمــا مثــل‬ ‫االهتمــام العاملــي املتزايــد بالعنــف القائــم علــى أســاس اجلنــس ســمة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫جوهريــة للصــراع الدائــر يف العــراق‪ ،‬فــإن األســرة تظــل املتســبب األول يف‬ ‫العنــف ضــد النســاء يف العــراق‪ ،‬وأشــار التقريــر إلــى أنــه وبحســب دراســة‬ ‫أجرتهــا "مؤسســة تومســون" يف عــام ‪2013‬م‪ ،‬تناولــت حقــوق املــرأة يف ‪22‬‬ ‫دولــة عربيــة‪ ،‬احتــل العــراق املرتبــة األخيــرة باعتبــاره أســوأ دولــة بالنســبة‬ ‫للنســاء ضمــن فئــة (النســاء يف املجتمــع) وثانــي أســوأ دولــة بالنســبة إلــى‬ ‫النســاء بشــكل عــام‪.‬‬ ‫وتعانــي النســاء يف العــراق مــن التهميــش واألميــة والبطالــة ‪،‬‬ ‫إذ أصبحــت نســبة األميــات أكثــر مــن ‪ ،% 50‬بعــد أن كانــت نســبة‬ ‫املتعلمــات ‪ % 90‬خــالل خمســينات القــرن املاضــي‪ ،‬فيمــا ال تتجــاوز‬ ‫مشــاركة العراقيات يف ســوق العمل الـ‪ % 14.5‬حال ًيا يف الوقت الذى‬ ‫تتزايــد فيــه أعــداد النســاء بــال معيــل بســبب ترمــل الكثيــرات والتــي‬ ‫جتــاوز إعدادهــن املليــون نتيجــة للحــروب مــن جهــة والصراعــات‬ ‫ً‬ ‫وأيضــا لتفاقــم عمليــات الطــالق‬ ‫الطائفيــة والتفجيــرات العشــوائية‪،‬‬ ‫بشــكل لــم يشــهده العــراق علــى مــدى تاريخــه‪ ،‬حيــث كشــفت‬ ‫اإلحصــاءات الصــادرة عــن الســلطة القضائيــة االحتاديــة يف العــراق‬ ‫أن حوالــي ‪ 53‬الــف حالــة طــالق مقابــل ‪ 196‬الــف حالــة زواج ســجلت‬ ‫خــالل العــام املاضــي‪ ،‬ولأســف ال متنــح احلكومــة العراقيــة إال‬ ‫نســبة قليلــة مــن النســاء الالتــي فقــدن عائلهــن ســوى علــى معونــات‬ ‫ماليــة بســيطة مــن احلكومــة‪ ،‬فيمــا يعيــش أغلبهــن يف دائــرة الفقــر‬ ‫املغلقــة‪ ،‬هــذا فض ـ ً‬ ‫ال عــن تعــرض حياتهــن للخطــر‪.‬‬ ‫املـرأة العراقيـة التـي قدمـت الكثيـر من التضحيات وسـطرت على‬ ‫أعظـم البطـوالت خـالل تاريـخ بـالد الرافديـن الطويـل‪ ،‬تعيـش حال ًيـا‬ ‫حالة من عدم االسـتقرار على خلفية ما يتعرض له العراق وما يواجهه‬ ‫مـن مخـاوف وحتديـات تهـدد أمن البالد واسـتقرارها خاصة ما يلوح به‬ ‫مـن تهديـدات بالتقسـيم وحـرب أهليـة‪ ،‬ومخـاوف من اسـتمرار سـيطرة‬ ‫داعـش ومـن يدعمهـا علـى مقاليـد األمـور يف البـالد‪ ،‬لـذا نراهـا أكبـر‬ ‫اخلاسـرين علـى السـاحة‪ ،‬حقيقـة أن هنـاك خطـوات ولـو حسيسـة مـن‬ ‫الدولـة إلثبـات عكـس مـا يشـاع حول السـعي اجلاد إلقصائهـا‪ ،‬وعودتها‬ ‫إلى الصفوف اخللفية لكن الوضع العام يف بغداد يحتاج من السلطات‬ ‫العراقية العمل على وضع رؤية اصالحية وطنية شاملة يف إطار خطط‬ ‫اإلصـالح السياسـي واالقتصـادي واالجتماعـي والثقـايف‪ ،‬التـي تتبناهـا‬ ‫البـالد و يتـم اإلعـالن عنهـا مـن وقـت آلخـر‪ ،‬ومن الضـروري أن تتضمن‬ ‫اخلطط املستقبلية االستفادة من طاقات وخبرات ومهارات وإمكانيات‬ ‫وثقافة املرأة العراقية مع العمل على دفعها ومشاركتها يف عملية صنع‬ ‫القـرار يف البـالد السـيما أنهـا لـم تعـد نصـف املجتمـع بـل هـي العـراق‬ ‫حيـث أصبحـت تشـكل ‪ %65‬مـن مجمـوع التركيبـة السـكانية يف البـالد‪،‬‬ ‫لـذا فـكل خطـط التهميـش والتجاهـل لن تعود على مسـتقبل العـراق إال‬ ‫مبؤثـرات سـلبية‪ ،‬البـالد يف غنـى عنها‪.‬‬ ‫* ﺻﺤﻔﻴﺔ ﰲ ﻣﺠﻠﺔ اﻷﻫﺮام اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﺑﺎﺣﺜﺔ ﰲ اﻟﺸﺆون اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪111‬‬

‫ملف العدد‬

‫النســاء األكثــر تضــر ًرا مــن غــزو الكويــت ووعــود بــوش للعراقيــات‬ ‫أكذوبــة ويف ظــل داعــش المــرأة ضحيــة االغتصــاب والســجن والتعذيب‬ ‫قاضية عراقية‪ ،‬وبعدها أصبحت أول رئيسة احتاد نساء كردستان العراق‬ ‫سنة ‪1975‬م‪ ،‬وتاريخ املرأة العراقية ال ينسى دور الرياضيات السيدات‬ ‫سلمى اجلبوري وإميان صبيح وإميان الرفيعي وباسمة بهنام وكذلك‬ ‫العداءة العراقية إميان عبد األمير‪ ،‬وكذلك ال ننسى دور كل من زكية‬ ‫العبايجي وساملة اخلفاف وفائزة النجار وسهيلة كامل الشبيب ونهى النجار‬ ‫يف تأسيس نادي الفتاة العراقي يف اخلمسينيات حيث كان للهيأة اإلدارية‬ ‫للنادي والالعبات دور كبير يف دعم احلركة الرياضية النسوية وتطورها‪..‬‬ ‫وبعد حرب ‪1967‬م‪ ،‬لعبت نساء العراق دو ًرا ماد ًيا ومعنو ًيا ها ًما عندما‬ ‫قامت بجمع التبرعات وإيصالها إلى املخيمات يف األردن وسوريا‪.‬‬ ‫وتطــول قائمــة النســاء العراقيــات الالتــي ســاهمن مســاهمة فعالة‬ ‫يف بنــاء العــراق احلديــث ورفعــن لــواء احلقــوق واحلريــات‪ ،‬وبرهــن على‬ ‫قدراتهــن وكفاءتهــن يف مجــاالت عــدة حققــن فيهــا النجــاح والتميــز‪،‬‬ ‫ورغــم أن املــرأة العراقيــة لــم تصــل إلــى مســتويات عاليــة يف طريــق‬ ‫ســعيها لكســب مزيــد مــن احلقــوق وحتقيــق الــذات مقارنــة مبا حققته‬ ‫املــرأة علــى مســتوى العالــم إال أنهــا كانــت تســير يف الطريــق الصحيــح‪،‬‬ ‫وإن كان يف احلقيقــة تقدمهــا بطي ًئــا‪ ،‬إال أنــه كان بخطــوات ثابتــة‪،‬‬ ‫ومنــذ بدايــات القــرن املاضــي خاضــت املــرأة العراقيــة نضــاالً طويـ ً‬ ‫ال‬ ‫للحصــول علــى أبســط احلقــوق اإلنســانية التــي تكفــل لهــا العيــش‬ ‫بكرامــة‪ ،‬وتؤمــن لهــا الطريــق للوصــول إلــى حتقيــق املســاواة مــع الرجــل‬ ‫يف مختلــف األصعــدة يف ظــل مجتمــع يؤمــن بــأن الرجل له كل احلقوق‬ ‫وهــو املســؤول عــن املــرأة‪ ،‬علــى الرغــم مــن وصولهــا إلــى مواقــع قيادية‬ ‫بالدولــة العراقيــة علــى مختلــف العهــود واحلكومــات لكــن ظلــت تعانــى‬ ‫لســنوات طــوال ومازالــت مــن ســيطرة فكــرة أنهــا تقــع يف مرتبــة تاليــة‬ ‫للرجــل داخــل الكثيــر مــن طوائــف املجتمــع العراقــي‪..‬‬

‫علــى أن األســرة هــي أســاس املجتمــع وجــاء يف نصهــا ((األســرة أســاس‬ ‫املجتمــع‪ ،‬قوامهــا الديــن واألخــالق الوطنيــة)) وركــز يف املــادة العاشــرة‬ ‫علــى حقــوق املــرأة يف توفيــر فــرص عمــل لهــا مســاواة بالرجــل ((تضمــن‬ ‫الدولــة تكافــؤ الفــرص جلميــع العراقيــن وأن مــن حــق املــرأة والرجــل‬ ‫علــى الدولــة توفيــر فــرص العمــل علــى أســاس الكفاءة لكال اجلنســن))‪.‬‬

‫غزو الكويت‬ ‫وبعد غزو الرئيس العراقي صدام حسن لدولة الكويت عام ‪1990‬م‪،‬‬ ‫بدأ وضع املرأة يتأثر بالفعل حينما فرض املجتمع الدولي عقوبات‬ ‫على العراق‪ ،‬وانعكس الوضع السياسي السائد على املجتمع العراقي‬ ‫بشكل عام‪ ،‬وعلى املرأة على وجه اخلصوص‪ ،‬حيث حتملت خالل فترة‬ ‫التسعينات ظروف الصراع القاسية وتراجع دورها كثي ًرا‪ ،‬فمنذ احلصار‬ ‫الدولي الذي فرض على البالد‪ ،‬و أدى إلى تردي األوضاع االقتصادية‬ ‫بشكل غير مسبوق وما نتج عنه من تضاؤل يف الناجت احمللي وانخفاض‬ ‫معدل دخل الفرد واعتماد نحو ‪ % 65‬من السكان على نظام اإلعانات‬ ‫الغذائية‪ ،‬فقدت املرأة العراقية الكثير من املكتسبات التي ظلت لعقود‬ ‫طوال تناضل للحصول عليها وحتملت ويالت الصراع وما نتج عنه من‬ ‫مآسي طالت جميع طوائف الشعب‪ ،‬أما بعد االحتالل األمريكي لبغداد‬ ‫والذى علقت نسبة البأس بها من النساء العراقيات اآلمال عليه‪ ،‬إثر نهاية‬ ‫عهد الرئيس صدام حسن يف أن تكون من أكبر املستفيدين وذلك نتيجة‬ ‫فعلية إلعالن الرئيس األمريكي جورج بوش بعد عام من الغزو‪ ،‬أمام‬ ‫حشد من الناس يف العاصمة واشنطن أن "كل النساء يف العراق أفضل‬ ‫حاال‪ ،‬ألن غرف صدام حسن لالغتصاب والتعذيب أغلقت إلى األبد"‪.‬‬

‫المرأة العراقية واالحتالل‬ ‫معركة الحقوق والحريات‬ ‫وخــالل العقــود املاضيــة وحتدي ـدًا قبــل االحتــالل األميركــي عــام‬ ‫‪ 2003‬م‪ ،‬متكنــت العراقيــات مــن حتقيــق بعض األهداف املتعلقة بكســب‬ ‫معركــة احلقــوق واحلريــات التــي ظلت لســنوات طوال تصــارع من أجلها‪،‬‬ ‫حيــث دخلــت املــدارس واملعاهــد واجلامعات وحققت جناحات يف التعليم‬ ‫واســتطاعت العديــد منهــن إلــى احلصــول علــى شــهادات علميــة محليــة‬ ‫ودوليــة‪ ،‬كمــا انخرطــت يف العمــل املدنــي املجتمعــي وشــكلت جمعيــات‬ ‫نســائية ضمــت يف صفوفهــا النســاء مبختلــف اجتاهاتهــن السياســية‬ ‫والقوميــة والدينيــة واالجتماعيــة وشــاركت بفاعليــة يف كافــة التحــركات‬ ‫السياســية التــي خاضهــا الشــعب العراقــي‪ .‬وكان دســتور بــالد الرافديــن‬ ‫قبــل االحتــالل قــد أنصــف املرأة العراقية حيــث ذكر يف املادة الثامنة منه‬

‫لكــن لأســف لــم يتحقــق أي مــن هــذه التوقعــات واآلمــال‪ ،‬بــل‬ ‫أصبحت أكبر اخلاسرين بعد أن نالت الفوضى السياسية واالقتصادية‬ ‫واالجتماعيــة مــن كل البــالد‪ ،‬وباتــت امليليشــيات الطائفيــة اليــد الطولــي‬ ‫يف العــراق‪ ،‬وبــرزت التنظيمــات اإلرهابيــة يف مناطــق متفرقــة مــن بــالد‬ ‫الرافدين‪ ،‬ناهيك عن معاناتها النفسية واالقتصادية الناجتة عن فقدان‬ ‫الــزوج واالبــن واألخ الذيــن قتلــوا خــالل فتــرة االحتــالل أمامهــا‪ ،‬وظلــت‬ ‫ســنوات طــوال تعانــى مــن االعتــداء عليهــا والســجن والتعذيــب‪ ،‬ولــم تكــن‬ ‫ـروعا يرمي إلى‬ ‫"داعــش" التــي ظهــرت نتيجــة طبيعية لالحتالل‪ ،‬إال مشـ ً‬ ‫العــودة باملجتمــع العراقــي وباملــرأة قرونــا إلــى الــوراء الســيما بعــد صعــود‬ ‫تيــارات اإلســالم السياســي بعــد احتــالل العــراق عــام ‪ 2003‬ومــا تاله من‬ ‫اضطرابــات أدت إلــى ظهــور تيــارات متطرفــة‪ ،‬أعــادت املــرأة إلــى الــوراء‬

‫‪110‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الـعـ ــراق فـ ــي الـمـرتـبـ ــة الـثـانـيـ ــة كـأسـ ــوأ دولـ ــة للـنـسـ ــاء ف ــي الـعـالـ ــم‬

‫المرأة العراقية من النضال إىل االضطهاد‪..‬‬ ‫وتـحـديات الـمـسـتـقـبل‬ ‫املــرأة العراقيــة التــي حتمــل يف داخلهــا مفهو ًمــا أخالق ًيــا إســالمية وقبليــة مفعمــة بالقيــم والشــرف عاشــت معهــا مراحــل‬ ‫مختلفــة يف تاريــخ بغــداد القــدمي واملعاصــر‪ ،‬وحققــت مكانــة مرموقــة اســتطاعت الوصــول اليهــا بعــد عنــاء طويــل وكفــاح ضــد‬ ‫الظلــم‪ ،‬ومتكنــت مــن االرتقــاء بواقعهــا علــى مــر العصــور نحــو التقــدم‪ ،‬وخاضــت أشـ ً‬ ‫ـواطا مختلفة مــن الصراعــات واملتناقضات‬ ‫ولعبــت دو ًرا محور ًيــا يف الكثيــر مــن احلضــارات علــى مــر العصــور‪ ،‬وكانــت ذات اســتقاللية واحتــرام ومتتلــك ســيطرة ومتيــز‪،‬‬ ‫لذلــك ظهــرت عبــادة األم يف وادي الرافديــن واحتلــت املــرأة يف العصــر الســومري مكانــة خاصــة‪ ،‬بينمــا يف احلضــارة البابليــة‬ ‫عانــت مــن الظلــم واالضطهــاد‪ ،‬وتــردى حالهــا أكثــر يف املجتمــع اآلشــوري فكانــوا يعتبرونهــا مل ـ ًكا للرجــل يتصــرف بهــا كمــا‬ ‫يشــاء ويطلقهــا ويحرمهــا حقوقهــا وممتلكاتهــا‪ ،‬ورغــم ذلــك متكنــت امللكــة اآلشــورية "ســميراميس" مــن الوصــول إلــى احلكــم‬ ‫حيــث حكمــت إلــى جانــب زوجهــا ‪ 42‬عا ًمــا وانفــردت باحلكــم بعــد وفــاة زوجهــا ‪ 5‬أعــوام‪ ،‬وفــى العصــر اإلســالمي لعبــت املــرأة‬ ‫العراقيــة أدوا ًرا مختلفــة علــى جميــع األصعــدة احلياتيــة وشــاركت الرجــل يف بنــاء املجتمــع العراقــي ومــع تأســيس الدولــة‬ ‫العراقيــة يف عشــرينات القــرن املاضــي‪ ،‬وقفــت جن ًبــا إلــى جنــب مــع الرجــل وشــاركت يف بنــاء الدولــة الناشــئة آنــذاك‪ ،‬وكانــت‬ ‫رائــدة يف نهضتهــا الفكريــة وعطائهــا للمجتمــع يف جميــع املياديــن الثقافيــة والسياســية واالجتماعيــة والفكريــة‪.‬‬

‫شاهيناز العقباوي‬

‫النضال السياسي للمرأة العراقية‬ ‫ومـع مطلـع األربعينيـات امليالديـة مـن القـرن العشـرين‪ ،‬خاضـت‬ ‫املرأة العراقية معركة النضال والتحرر والعمل مع املنظمات السياسـية‬ ‫املناضلة‪ ،‬فقامت بتأسيس "اللجنة النسائية ملكافحة الفاشية والنازية"‪،‬‬ ‫التـي ضمـت يف صفوفهـا النسـاء الرائـدات العراقيـات الواعيـات‬ ‫املناضالت من الطبقات املثقفة‪ ،‬ومت استبدال اسم اللجنة باجلمعية ثم‬ ‫"الرابطة النسائية العراقية التي أصدرت عام ‪ 1947‬م‪ ،‬مجلة (حترير‬ ‫املـرأة) إال أنهـا أغلقـت بعـد صـدور عددين فقط‪ ،‬ولعبت املرأة العراقية‬ ‫دو ًرا متميـزًا يف وثبـة كانـون الثانـي ‪ /‬ينايـر سـنة ‪1948‬م‪ ،‬إلسـقاط‬ ‫"معاهـدة بـور تسـموث" التـي أبرمـت بـن اململكـة العراقيـة واململكـة‬ ‫املتحـدة‪ ،‬وتقدمـت العراقيـة عدويـة الفلكـي التظاهـرات حاملـة علـم‬ ‫العراق مما ترتب عليه تعرض الكثير من النسـاء العراقيات آنذاك إلى‬ ‫االعتقـال والسـجن واالضطهـاد‪ .‬كمـا لعبت املرأة العراقيـة دو ًرا محور ًيا‬ ‫يف انتفاضـة اكتوبـر عـام ‪1952‬م‪ .‬ولـم يتوقـف بـروز املـرأة العراقيـة عند‬ ‫املجـال السياسـي بـل جتاوزه إلى أعلـى مراتب القضاء واجليش والطب‬ ‫والهندسـة‪ .‬أمـا يف مجـال الطـب فكانـت أول طبيبـة عراقيـة عينتهـا‬

‫وزارة الصحـة‪ ،‬أرمنيـة األصـل‪ ،‬هـي الدكتـورة آناسـتيان‪ ،‬وهـي أول فتـاة‬ ‫عراقيـة دخلـت مدرسـة الطـب يف بغـداد وتخرجـت منهـا سـنة ‪1939‬م‪،‬‬ ‫ويف بدايـات مجـال الصحافـة النسـائية العراقية برزت الصحفية بولينا‬ ‫حسـون كرائدة الصحافة النسـائية العراقية وترأسـت حترير أول مجلة‬ ‫نسـائية "ليلـى" عـام ‪1923‬م‪ ،‬وكانـت حسـون مـن أول األصـوات واألقـالم‬ ‫النسـائية التـي طالبـت مبنـح املـرأة حقوقها السياسـية‪ ،‬وكانت الشـاعرة‬ ‫نـازك املالئكـة مـن أهـم الشـاعرات يف بغـداد‪ ،‬والعالـم العربـي‪.‬‬

‫النهضة النسوية العراقية‬ ‫ولعبت املرأة دو ًرا اجتماع ًيا ها ًما يف النهضة النسوية العراقية‪ ،‬حيث‬ ‫شاركت النساء العراقيات يف مختلف اجلمعيات اخليرية واإلنسانية‬ ‫والهالل األحمر ويف احتاد النساء العراقي‪ ،‬وساهمت يف الكثير من‬ ‫املؤمترات النسوية واإلنسانية داخل وخارج العراق ويف عام ‪1652‬م‪،‬‬ ‫تأسست أول منظمة دميقراطية جماهيرية باسم (رابطة الدفاع عن‬ ‫حقوق املرأة العراقية)‪ ،‬وفى عام ‪1958‬م‪ ،‬عينت الدكتورة نزيهة الدليمي‬ ‫أول وزيرة عراقية بعد ثورة ‪ 14‬يوليو ‪1958‬م‪ ،‬وكانت زكية إسماعيل أول‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫اســتفتاء إقليــم كردســتان العــراق ال معنــى لــه بــأي حــال‪ ،‬واعتبــر أنــه‬ ‫خطــأ يجــب التراجــع عنــه‪ .‬وأضــاف أنــه "ال يســعنا أن نغمــض أعيننــا‬ ‫حلفــر بئــر فتنــة مقابــل حدودنــا يشــكل تهديــدًا دائ ًمــا للشــعبن‬ ‫العراقــي والتركــي م ًعــا"‪ ،‬وشــدد علــى أن كركــوك مدينــة تركمانيــة‬ ‫رغــم توصيــف املجتمــع الدولــي لهــا بأنهــا منطقــة متنــازع عليهــا‪.‬‬ ‫ويف زيارتــه إلــى إيــران يــوم ‪ 4‬تشــرين األول‪/‬أكتوبــر أكــد أردوغــان‪،‬‬ ‫أن اســتفتاء كردســتان غيــر مشــروع وأن بــالده لــن تعتــرف بــه‪.‬‬ ‫وأضــاف أن أنقــرة ســتتخذ خطــوات أقــوى ر ًدا علــى اســتفتاء أكــراد‬ ‫العــراق‪ ،‬وذلــك بعــد أن اتخــذت بالفعــل بعــض اإلجــراءات بالتنســيق‬ ‫مــع احلكومــة العراقيــة املركزيــة وإيــران‪ ،‬مشــي ًرا إلــى أن االســتفتاء‬ ‫يفتقــر إلــى الشــرعية ولــم تعتــرف بــه ســوى إســرائيل‪.‬‬ ‫فضـ ً‬ ‫ال عــن ذلــك فــإن تركيــا ذات أهميــة اقتصاديــة كبــرى إلقليــم‬ ‫كردســتان العــراق‪ ،‬بعــد أن اجتــه األخيــر خــالل الســنوات املاضيــة‬ ‫إلــى االرتبــاط بتركيــا اقتصاد ًيــا وجتار ًيــا‪ ،‬الســيما بعــد تصديــر‬ ‫النفــط عبــر األراضــي التركيــة‪ ،‬وتشــير التقديــرات إلــى أن حجــم‬ ‫التبــادل التجــاري بــن تركيــا واإلقليــم بلــغ قرابــة خمســة مليــارات‬ ‫دوالر‪ ،‬وأن حجــم االســتثمارات التركيــة يف اإلقليــم جتــاوزت أربعــن‬ ‫مليــار دوالر‪ ،‬زيــادة علــى أن نفــط إقليــم كردســتان العــراق إلــى العالــم‬ ‫ميــر عبــر األراضــي التركيــة‪ .‬لهــذا فــإن خســارة تركيــا ســتغير قواعــد‬ ‫اللعبــة بالنســبة لإلقليــم‪ ،‬إذ ســيوقف كافــة إيــرادات احلكومــة مــن‬ ‫"مفلســا ومعــزوالً عــن العالــم"‪.‬‬ ‫النفــط واجلمــارك‪ ،‬ممــا يتــرك اإلقليــم‬ ‫ً‬ ‫كذلــك جــاء املوقــف اإليرانــي حاز ًمــا ً‬ ‫أيضــا يف معارضــة‬ ‫االســتفتاء‪ ،‬بــل إن اســتفتاء اإلقليــم كان أحــد العوامــل الرئيســة يف‬ ‫التقــارب السياســي والعســكري بــن تركيــا وإيــران خــالل األشــهر‬ ‫املاض ّيــة‪ .‬ويعــود موقــف إيــران إلــى مجموعــة عوامــل داخل ّيــة‬ ‫وخارج ّيــة‪ .‬فاملســألة الكرديــة يف إيــران‪ ،‬وإن كانــت تداعياتهــا أقــل‬ ‫وطــأة مــن مثيالتهــا يف تركيــا والعــراق‪ ،‬متثــل مصــدر قلــق دائــم‬ ‫لدولــة متعــددة اإلثنيــات والقوميــات‪ ،‬مثــل إيــران خاصــة‪ .‬ويفاقــم مــن‬ ‫هــذه املخــاوف عــودة مقاتلــي "احلــزب الدميقراطــي الكردســتاني"‬ ‫املعــروف بـــ "حــدكا" إلــى نشــاطهم العســكري يف إيــران‪ ،‬إثــر توقف دام‬ ‫زهــاء ‪ 15‬عشــر عا ًمــا مــن جهــة‪ ،‬وتصاعــد هجمــات مقاتلــي حــزب‬ ‫"احليــاة الكردســتاني"‪ ،‬جنــاح حــزب العمــال الكردســتاني يف إيــران‪،‬‬ ‫يف املناطــق احلدود ّيــة‪ ،‬مــن جهــة ثانيــة‪ .‬وتخشــى طهــران أن ينعكــس‬ ‫انفصــال إقليــم كردســتان ســلب ًيا علــى دورها اإلقليمــي بعد أن ضمنت‬ ‫موق ًعــا متقد ًمــا يف العــراق وســورية خــالل الســنوات املاضيــة‪ ،‬وتــرى‬ ‫أن اخلطــوة الكرديــة تتناغــم مــع التوجــه اإلســرائيلي الرامــي إلــى‬ ‫تقليــص نفوذهــا عبــر تقطيــع جغــرايف ألوصــال الــدول التــي تنشــط‬ ‫ضمنهــا‪ .‬ممــا يثيــر هواجــس جديــة يف إيــران‪ ،‬عــن إمــكان تنامــي‬ ‫النشــاط اإلســرائيلي يف مناطــق قريبــة إليهــا جغراف ًيــا‪ .‬لهــذا صــرح‬ ‫الرئيــس اإليرانــي حســن روحانــي يف لقائــه مــع الرئيــس التركــي‪،‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪109‬‬

‫ملف العدد‬

‫أن قــرار االســتفتاء يف كردســتان قــرار خاطــئ‪ .‬لهــذا هــددت إيــران‬ ‫بوقــف التعــاون االقتصــادي واألمنــي مــع حكومــة إقليــم كردســتان‪،‬‬ ‫وبتصعيــد العنــف ضــد جماعــات املعارضــة الكرديــة اإليرانيــة املقيمــة‬ ‫داخــل كردســتان العــراق‪ ،‬ورافــق ذلــك ً‬ ‫أيضــا‪ ،‬انتشــا ًرا عســكر ًيا‬ ‫ومنــاورات علــى احلــدود املتاخمــة لإلقليــم‪ ،‬كخيــار عســكري يلــوح‬ ‫باألفــق يف حالــة عــدم اســتجابة اإلقليــم للضغــوط الســابقة‪.‬‬ ‫أمــا علــى مســتوى املوقــف الدولــي‪ ،‬ص ّرحــت الواليــات املتحــدة‬ ‫األميركيــة بأنهــا ترغــب يف أن يحافــظ العــراق علــى وحــدة أراضيــه‪.‬‬ ‫فهــي ليســت مــع االنفصــال يف الوقــت احلاضــر العتقادهــا أن‬ ‫التصويــت ال ينبغــي أن يتــم قبــل هزميــة تنظيــم (داعــش) بشــكل‬ ‫نهائــي‪ ،‬لذلــك هــي مــع املفاوضــات بــن أربيــل وبغــداد حــول شــروط‬ ‫عالقتهمــا داخــل العــراق‪ .‬لذلــك أعلنــت وزارة اخلارجيــة األميركيــة‬ ‫أن الواليــات املتحــدة "تشــعر بخيبــة أمــل كبيــرة" جتاه حكومــة اإلقليم‪،‬‬ ‫بــل ذهبــت أبعــد مــن ذلــك‪ ،‬بإصــدار وزيــر اخلارجيــة تيلرســون بيــان‬ ‫يــوم ‪29‬ايلول‪/‬ســبتمبر بشــأن االســتفتاء أكــد فيــه "ال تعتــرف الواليات‬ ‫املتحــدة باســتفتاء حكومــة إقليــم كردســتان األحــادي اجلانــب الــذي‬ ‫أجــري يــوم االثنــن‪ .‬يفتقــر التصويــت والنتائــج إلــى الشــرعية‪ ،‬ونحــن‬ ‫نواصــل دعمنــا لعــراق موحــد احتــادي ودميقراطــي ومزدهــر"‪.‬‬ ‫وقــد أيــدت كل مــن األمم املتحــدة وبريطانيــا‪ ،‬والعديــد مــن‬ ‫الــدول األعضــاء يف االحتــاد األوروبــي موقــف الواليــات املتحــدة‬ ‫ً‬ ‫عوضــا عــن‬ ‫األميركيــة التــي عارضــت بشــدة االســتفتاء‪ ،‬وحــث الكــرد‬ ‫ذلــك علــى إجــراء حــوار جــدي ومســتدام مــع احلكومــة املركزيــة‪.‬‬ ‫فاملجتمــع الدولــي ليــس مســتعدًا لفتــح بــاب تغييــر اخلرائــط يف‬ ‫الوقــت احلالــي‪ ،‬فمثــل هــذا التغييــر ســيكون لــه تأثيــر الدومينــو‬ ‫يف دول اجلــوار القريــب والبعيــد‪ ،‬ووضــع خطيــر لتوليــد احلــروب‬ ‫والفوضــى ومــن ثــم الهجــرة غيــر املســيطرة عليهــا كمــا حــدث ســاب ًقا‪.‬‬ ‫كمــا أن إقامــة دولــة كرديــة ســتغير مــن دوافــع االصطفافــات الدوليــة‬ ‫واإلقليميــة يف املنطقــة‪ ،‬ممــا يكــون زيــادة لعــدم االســتقرار فيهــا‬ ‫وتعقــد املشــهد اجليوبوليتيكــي‪.‬‬ ‫مــن خــالل مــا تقــدم‪ ،‬فــان احلجــج التــي ارتكــز عليهــا اإلقليــم‬ ‫كمســببات ومبــررات لالســتفتاء‪ ،‬تئــن حتــت املنطــق غيــر الواقعــي‬ ‫لهــا‪ ،‬فلإلقليــم كيانــه اخلــاص ضمــن حــدود الدولــة العراقيــة‪ ،‬ويتمتــع‬ ‫مواطنــوه بجميــع حقوقهــم السياســية والقانونيــة واالقتصاديــة‬ ‫والثقافيــة‪ ،‬لكــن يبقــى االســتفتاء ميثــل ورقــة مســاومة وابتزاز ملســعود‬ ‫برزانــي حــول مكاســب مســتقبلية يســعى لهــا أمــام احلكومــة املركزيــة‬ ‫ومخرجــا للعديــد‬ ‫هــذا مــن جهــة‪ ،‬ومــن جهــة أخــرى هرو ًبــا إلــى األمــام‬ ‫ً‬ ‫مــن األزمــات الداخليــة يف اإلقليــم‪ ،‬أهمهــا األمــوال والنفــط والســلطة‬ ‫التــي متركــزت بيــده‪.‬‬ ‫* أﺳﺘﺎذ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑﻐﺪاد‬

‫‪108‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫منــه "كابوســا لشــعبه"‪ ،‬أولــى هــذه املؤشــرات سياســية‪-‬أمنية‪ ،‬ســيكون‬ ‫النظــام السياســي يف كردســتان اســتبداديا رغــم مظهــره الدميقراطي‪،‬‬ ‫فهــو امتــداد للنظــام القائــم‪ ،‬فمســعود برزانــي وعائلتــه يعمــالن علــى‬ ‫ترســيخ الســلطة يف شــخص واحــد وحــزب واحــد واملتمثــل باحلــزب‬ ‫الدميقراطــي الكردســتاني وجماعــة مهيمنــة واحــدة‪ ،‬كمــا يعتبــران‬ ‫أنفســهما مالكــي كردســتان العــراق‪ ،‬وأمثلتــه كثيــرة حصرها يف جتميد‬ ‫عمــل برملــان اإلقليــم وطــرد رئيســه عــام ‪2015‬م‪ ،‬عندمــا حــاول البرملان‬ ‫تعديــل قانــون الرئاســة إلجــراء انتخابــات رئاســية عادلــة‪ .‬وهنــا تنتــج‬ ‫العالقــة بــن شــرعية النظــام السياســي والشــرعية الدوليــة‪ .‬وهــذا‬ ‫ســيقود إلــى منافســة حــزب االحتــاد الوطنــي الكردســتاني علــى‬ ‫الهيمنــة والشــرعية ً‬ ‫أيضــا‪ ،‬ممــا يعمــق االنقســامات‬ ‫السياســية والثقافيــة بــن منطقــة بهدينــان اخلاضعة‬ ‫إلــى ســيطرة بارزانــي‪ ،‬وبــن املنطقــة املعروفــة باســم‬ ‫ســوران‪ ،‬وعاصمتهــا الواقعــة يف الســليمانية‪ .‬فأكــراد‬ ‫ســوران يؤيــدون مبدئ ًيــا اســتقالل إقليــم كردســتان‪،‬‬ ‫لكنهــم عمل ًيــا ال يريــدون أن يتــم ذلك بقيــادة بارزاني‪.‬‬ ‫ممــا يجعــل املجتمــع الكــردي العراقــي منقســ ًما‬ ‫انقســا َما عمي ًقــا‪ ،‬إلــى درجــة ميكــن أن ينحــدر معهــا‬ ‫إلــى معــارك ضــروس ســبق أن شــهدها اإلقليــم مــن‬ ‫قبــل يف منتصــف تســعينيات القــرن املاضــي والتــي‬ ‫راح ضحيتهــا آالف املواطنــن‪ .‬وهنــا فــإن احلــرب األهليــة ســتقوم‬ ‫نتيجــة صــراع القيــادة والهيمنــة بــن احلزبــن يف اإلقليــم‪ ،‬وشــاهد‬ ‫ذلــك طبيعــة هيكليــة القــوات العســكرية الكرديــة اآلن فهــي غيــر‬ ‫موحــدة‪ ،‬وال تنضــوي حتــت رايــة مؤسســة‪ ،‬إذ تنقســم بــن احلزبــن‪،‬‬ ‫فلــكل حــزب قيــادة قــوات البيشــمركة وقــوات أمنيــة خاصــة بــه‪.‬‬ ‫أمــا اقتصاد ًيــا‪ ،‬يُعتبــر اإلقليــم أضعــف علــى الصعيــد االقتصــادي‬ ‫ممــا كانــت عليــه منــذ ســنوات‪ .‬ومبــا أن احلــزب الدميقراطــي‬ ‫الكردســتاني واالحتــاد الوطنــي الكردســتاني رهنــا املســتقبل‬ ‫االقتصــادي للســكان علــى اســتغالل الثــروات النفطيــة حص ـ ًرا‪ ،‬أ ّدى‬ ‫االنخفــاض احلــاد يف أســعار النفــط يف العــام ‪2014‬م‪ ،‬إلــى تســريع‬ ‫انــدالع أزمــة بنيويــة وأزمــة توزيــع‪ .‬كمــا تشــير اكتشــافات حديثــة إلــى‬ ‫أن اإلقليــم ال ميلــك احتياطيــات نفطيــة كبيــرة كمــا أعلــن ســاب ًقا‪ ،‬ومبــا‬ ‫أن اقتصــاد اإلقليــم يعتمــد اعتمــا ًدا كبيــ ًرا علــى النفــط فمــن غيــر‬ ‫احملتمــل أن يبقــى صامـدًا علــى املــدى الطويــل‪ ،‬فهــو اقتصــاد أحــادي‬ ‫اجلانــب‪ ،‬اســتهالكي‪ ،‬تعتريــه مشــاكل هيكليــة ترتبــط بالفســاد وانعدام‬ ‫الشــفافية واحتــكار األســواق والتدخــل املفــرط مــن قبــل زعمــاء‬ ‫األحــزاب لصالــح شــركات أو أشــخاص نافذيــن‪ .‬لهــذا ممكــن أن‬ ‫يشــكل الفســاد عام ً‬ ‫ال أساسـ ًيا مســاه ًما يف فشــل الدولة وفوضويتها‪.‬‬ ‫أمــا جغراف ًيــا‪ ،‬فــان كردســتان إقليــم مغلــق‪ ،‬فهــي ال متتلــك‬ ‫منفــذا بحر ًيــا‪ ،‬ومحاطــة بــدول ال تدعمهــا بالكامــل‪ ،‬وهــذا يجعلهــا‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تخســر ســيادتها أو رضوخهــا إلحــدى دول اجلــوار‪ ،‬ورضوخهــا يعنــي‬ ‫ـرحا للصراعــات اإلقليميــة حــول‬ ‫زعزعــة الســتقرارها‪ ،‬ومــن ثــم مسـ ً‬ ‫مــن يســيطر‪ .‬مبعنــى رقعــة شــطرجن جديــدة للعبــة النفــوذ والســيطرة‬ ‫واملصالــح اإلقليميــة والدوليــة‪.‬‬ ‫ويف ضــوء هــذه الصراعــات اإلقليميــة‪ ،‬ما هي التحديات اخلارجية‬ ‫التي ســيواجهها اإلقليم؟‬

‫التحديات الخارجية‪:‬‬ ‫تعارض القوى اإلقليمية والدولية املساعي االنفصالية لكردستان‬ ‫العـراق‪ .‬فاملنتمـون للقوميـة الكردية يتوزعون يف الشـرق األوسـط على‬ ‫العراق وتركيا وسـوريا وإيران‪ ،‬وحكومات الدول األربع‬ ‫ترفض تأسـيس دولة كردية مسـتقلة يف شـمال العراق‪.‬‬ ‫واحلكومات العربية ذات القدر من التأثير كالسـعودية‬ ‫ومصـر ترفضه ً‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫ومــن بــن كل املواقــف الدوليــة حيــال توجــه إقليــم‬ ‫كردســتان العــراق نحــو االنفصــال‪ ،‬يســتأثر املوقفــان؛‬ ‫التركــي واإليرانــي‪ ،‬باهتمــام خــاص‪ ،‬مــن حيــث أن‬ ‫الدولتــن تريــان نفســيهما األشـ ّد تأثـ ًرا مبــا يجــري يف‬ ‫شــمال العــراق؛ بســبب وجــود أقليــات كرديــة كبيــرة يف‬ ‫أراضيهمــا‪ ،‬ويف مناطــق متاخمــة للمناطق التي يقطنها‬ ‫األكــراد شــمال العــراق‪ .‬فضـ ً‬ ‫ال ع ّمــا ميكــن أن يطلقــه قيــام دولــة كردية‬ ‫مــن نزعــات انفصاليــة يف ســائر املنطقــة‪ ،‬ســتقود إلــى تغيــرات كبيــرة‬ ‫يف املنظومــة اإلقليميــة‪ ،‬ال ميكــن الســيطرة عليهــا‪ .‬مبعنــى أن تركيــا‬ ‫وإيــران تتفقــان أن انفصــال كردســتان العــراق ميثــل تهدي ـدًا ألمنهمــا‬ ‫واســتقرارهما‪ ،‬باعتبــار أنــه ميكــن أن يحفــز أكــراد إيــران وتركيــا علــى‬ ‫تبنــي النهــج ذاتــه يف املســتقبل‪.‬‬ ‫لهــذا جــاء املوقــف التركـ ّـي متوق ًعــا يف رفضــه خطــوة االســتفتاء؛‬ ‫إذ وصفتهــا اخلارجيــة التركيــة يف ‪ 9‬حزيــران‪ /‬يونيــو ‪ 2017‬م‪ ،‬بأنهــا‬ ‫"خطــأ مميــت"‪ ،‬وعدهــا رئيــس الــوزراء بــن علــي يلــدرم قــرا ًرا "غيــر‬ ‫مســؤول"‪ .‬وقــد تصاعــدت نبــرة اخلطــاب التركــي تدريج ًيــا مــع‬ ‫اقتــراب موعــد االســتفتاء وتنامــي الرفــض الدولــي لــه‪ ،‬لتتضمــن‬ ‫تهديــدات مبطنــة باســتخدام القــوة‪ .‬إذ قامــت تركيــا وإيــران بنشــر‬ ‫قواتهــا العســكرية علــى احلــدود املتاخمــة إلحــكام املنافــذ املؤديــة‬ ‫إليهــا‪ ،‬إضافــة إلــى إصــدار البرملــان التركــي قــراره يف ‪ 23‬أيلــول‪/‬‬ ‫ســبتمبر بتمديــد التفويــض اخلــاص بنشــر قــوات تركيــة يف العــراق‬ ‫وســورية ملــدة عــام‪ .‬بالتــوازي مــع ذلــك أجــرت تركيــا منــاورات‬ ‫مشــتركة مــع القــوات العراقيــة قــرب احلــدود املتاخمــة لإلقليــم‪ .‬ممــا‬ ‫يوســع حــدود اخليــارات املتاحــة للتعامــل مــع انعكاســات االســتفتاء‬ ‫علــى وحــدة العــراق‪ .‬كمــا أكــد الرئيــس التركــي رجــب طيــب أردوغــان‬ ‫يف كلمتــه أمــام البرملــان يف ‪ 1‬تشــرين األول‪/‬أكتوبــر ‪2017‬م‪ ،‬أن‬

‫لجوء برزاني لالستفتاء‬ ‫يحول التوازن العسكري‬ ‫لصالح العراق الفيدرايل‬ ‫بعد هزيمة داعش وحال‬ ‫للمناطـــق المتنازعـــة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫يكــن ضمــن بنــوده‪ .‬غيــر أن هــذا اإلقــرار لم يســتمر إال ثالث ســنوات‪،‬‬ ‫إذ جــاءت معاهــدة لــوزان عــام ‪1923‬م‪ ،‬بــن بريطانيــا وتركيــا‪ ،‬لتلغــي‬ ‫احلكــم الذاتــي لكردســتان‪ ،‬واالعتــراف بدولــة تركيــا املوحــدة‪ ،‬فضـ ً‬ ‫ال‬ ‫عــن إقــرار الشــكل احلالــي للحــدود العراقيــة والســيما يف املنطقــة‬ ‫الشــمالية منــه‪ ،‬ومبــا أن هــذه املعاهــدة أقــرت بإشــراف عصبــة األمم‪،‬‬ ‫وأن األخيــرة وريثتهــا يف التنظيــم الدولــي األمم املتحــدة‪ ،‬لــذا فــإن‬ ‫احلــدود العراقيــة مقــرة حســب اتفاقيــات دوليــة وبإشــراف دولــي‪.‬‬ ‫ويف ســياق مــواز‪ ،‬لــو افترضنــا إن ســيفر أقــرت حكــم ذاتــي للكــرد‬ ‫عــام ‪1920‬م‪ ،‬وأن العــراق احلديــث أســس عــام ‪1921‬م‪ ،‬وأن بريطانيــا‬ ‫املشــرفة علــى هــذه املعاهــدة وعلــى ذلــك اإلنشــاء م ًعــا‪ ،‬فإنهــا لــم‬ ‫تقــر ذلــك يف شــمال العــراق حســب الســياق التاريخــي والسياســي‬ ‫والقانونــي واإلداري‪ ،‬وبذلــك يكــون العــراق خــارج نصــوص الوعــد‬ ‫اجلغــرايف بإنشــاء دولــة كردســتان‪.‬‬ ‫إضافـة إلـى ذلـك‪ ،‬فـإن احملافظـة علـى احلـدود اجلغرافيـة‬ ‫العراقيـة‪ ،‬هـي اآلن ضمـن مسـؤولية مجلـس األمـن التابـع لـأمم‬ ‫املتحدة‪ ،‬بحسـب قرار املجلس رقم (‪ )2170‬لعام ‪2014‬م‪ ،‬الذي اتخذ‬ ‫يف ‪ 15‬أب‪/‬أغسطس ‪2014‬م‪ ،‬بعد احتالل (داعش) لثالث محافظات‬ ‫عراقيـة‪ ،‬إذ اسـتخدم هـذا القـرار ضمـن الفصـل السـابع‪ ،‬والـذي‬ ‫أكـد علـى اسـتقالل جمهوريـة العـراق وسـيادتها ووحدتهـا وسـالمة‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪107‬‬

‫ملف العدد‬

‫أراضيهـا‪ ،‬ومبـا أن العـراق مسـتمر حتت هذا القـرار فإن االنفصال ال‬ ‫يتفـق مـع نـص القـرار وروحـه‪ ،‬بـل أن احملافظـة علـى وحدتـه وسـالمة‬ ‫أراضيـه هـي مـن مسـؤوليات مجلـس األمـن املباشـرة‪ ،‬لهـذا يعـد أي‬ ‫انفصـال هـو إخـالل بذلـك القرار األممي‪ .‬كما أن األراضي واملنشـآت‬ ‫التـي حررتهـا قـوات البيشـمركة هـي حتـت هـذا القـرار‪ ،‬وضمنًا حتت‬ ‫الفصـل السـابع‪ ،‬لتقـع املسـؤولية علـى عاتق مجلـس األمن يف احلفاظ‬ ‫علـى هـذه الوحـدة ودميومتهـا‪ .‬زد علـى ذلـك‪ ،‬فـإن الفقـرة (‪ )22‬مـن‬ ‫القـرار أعـاله‪ ،‬أوعـزت إلـى فريـق الرصـد أن يقـدم تقريـر عن اخلطر‬ ‫الـذي يشـكله (داعـش) علـى العـراق واملنطقـة‪ ،‬لذلـك ميكـن أن يؤخـذ‬ ‫االسـتفتاء كأحـد تداعيـات ذلـك اخلطـر بعـد االقتـراب مـن نهايـة‬ ‫خطـر تنظيـم (داعـش) هـذا مـن جانـب‪ ،‬ومن جانب آخر فـإن انفصال‬ ‫كردسـتان يشـكل تهديـدًا للسـلم واألمـن الدوليـن‪ ،‬وهـذا مـا ال يتفـق‬ ‫ومقاصـد ميثـاق األمم املتحـدة ومبادئهـا‪.‬‬ ‫وهنــا يطــرح ســؤال رغــم مــا أثيــر ســاب ًقا‪ ،‬مــا هــي التحديــات التــي‬ ‫ســتواجه إقليــم كردســتان يف حــال إعــالن االنفصــال مــن جانــب واحد؟‬

‫التحديات الداخلية‪:‬‬ ‫ســيواجه إقليــم كردســتان العديــد مــن التحديــات الداخليــة التــي‬ ‫جتعــل هــذا اإلقليــم دولــة فاشــلة وهشــة قبــل والدتــه‪ ،‬بــل ســيجعل‬

‫‪106‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إقليــم كردســتان يتمتــع بمزايــا حكــم ذاتــي غيــر موجــودة يف أي‬ ‫فيدراليــة بالعالــم وعــراق ما بعد ‪ 2003‬يضمن مشــاركة جميع المكونات‬ ‫إلــى شــعوب دول تتمتــع باالســتقالل والســيادة‪ ،‬حــق املطالبــة بتقريــر‬ ‫مصيرهــا بوصفهــا أجــزاء مــن شــعب الدولــة األم‪ ،‬أو االنفصــال عنهــا‬ ‫بجــزء مــن إقليمهــا يف إطــار دولــة مســتقلة‪.‬‬ ‫مما تقدم هناك عدة شروط توازي حتقيق تقرير املصير منها‪:‬‬ ‫‪ -1‬أن تكـون تلـك األقليـة أو ذلـك العـرق حتـت االضطهـاد والعنـف‬ ‫املسـتمرين مـن قبـل احلكومـة املركزيـة‪.‬‬ ‫‪ -2‬لم يحصل ذلك العرق على حقوقه السياسية واملدنية واالقتصادية‬ ‫واالجتماعيـة يف إطـار الدولـة التـي يعيـش فيهـا‪ .‬مبعنـى افتقـاده ألي‬ ‫مركـز قانونـي ‪ -‬سياسـي داخـل إطـار الدولة‪.‬‬ ‫‪ -3‬أال يؤدي االنفصال إلى حروب وصراعات داخلية أو إقليمية يهدد‬ ‫السلم واألمن الدولين‪.‬‬ ‫‪ -4‬أال يهدد تقسيم الدولة األم إلى دويالت صغيرة متناحرة ومتصارعة‪.‬‬ ‫‪ -5‬أال يعلــن مــن طــرف واحــد علــى أســاس أحــادي اجلانــب‪ .‬بــل‬ ‫ينبغــي أن يبنــى علــى اتفــاق ورضــا داخلــي‪.‬‬ ‫‪ -6‬أن تســاعد الظــروف اإلقليميــة والدوليــة علــى حتقيــق ذلــك لنيــل‬ ‫العنصــر األســاس واملتمثــل باالعتــراف‪.‬‬ ‫وعلــى أســاس ذلــك‪ ،‬هــل تنطبــق الشــروط أعــاله علــى مســاعي‬ ‫إقليــم كردســتان العــراق والســيما احلجــج التــي يســتند عليهــا؟ أوالً‪،‬‬ ‫إن اإلقليــم ليــس يف وضــع االحتــالل املباشــر مــن قبــل قــوة أجنبيــة‬ ‫مســتعمرة لــه ليطالــب بتقريــر مصيــره واســتقالله‪ .‬ثان ًيــا‪ ،‬ال بــد مــن‬ ‫تبيــان أن لإلقليــم مركــزه القانونــي والسياســي ضمــن إطــار الدولــة‬ ‫العراقيــة الواحــدة‪ ،‬ويتمتــع مواطنــوه بجميــع حقوقهــم السياســية‬ ‫واالجتماعيــة والثقافيــة‪ ،‬فلإلقليــم حكمــه الذاتــي منــذ عــام ‪1992‬م‪،‬‬ ‫عــالوة علــى مــا أعطــاه الدســتور العراقــي الدائــم لعــام ‪2005‬م‪،‬‬ ‫صالحيــات واســعة وكبيــرة‪ ،‬فلــه برملانــه وحكومتــه وميزانيتــه اخلاصة‬ ‫بــه‪ ،‬ولــه إنشــاء أجهزتــه األمنيــة والعســكرية‪ ،‬وإقامــة قنصليــات‪،‬‬ ‫واســتقبال مســؤولن أجانــب‪ ،‬وإجــراء تعامــالت خارجيــة مــن دون‬ ‫العــودة إلــى احلكومــة املركزيــة يف بغــداد‪ .‬ولإلقليــم ً‬ ‫أيضــا عل َ ُمــه‬ ‫ونشــيده الوطنــي‪ .‬وهــذا مــا ال يحتويــه أي نظــام فدرالــي يف العالــم‪،‬‬ ‫كمــا أنــه طــرف غيــر مغيــب علــى مســتوى احلكومــة االحتاديــة‪ ،‬بــل‬ ‫يشــكل القاعــدة السياســية الرئيســة فيهــا‪ ،‬إذ يصــح أن نطلــق عليــه‬ ‫حامــل اللقبــان يف ضــوء التوازنــات السياســية العراقيــة‪ ،‬فضـ ً‬ ‫ال عــن‬ ‫ذلــك‪ ،‬إن اللغــة الكرديــة تشــكل اللغــة الثانيــة للبــالد إلــى جانــب اللغــة‬ ‫العربيــة كلغــة رســمية‪ .‬أمــا احلديــث عــن االضطهــاد‪ ،‬فهــذا يتعلــق‬ ‫بتاريــخ العــراق الســابق التــي تعاقبــت عليــه أنظمــة دكتاتوريــة‪ ،‬والتــي‬

‫لــم تســتهدف يف اضطهادهــا املكــون الكــردي فحســب‪ ،‬بــل مارســته‬ ‫علــى الغالبيــة مــن هــذا البلــد منــذ عــام ‪1921‬م‪ ،‬فض ـ ً‬ ‫ال عــن ذلــك‬ ‫فــإن عــراق مــا بعــد عــام ‪2003‬م‪ ،‬هــو يختلــف عــن عــراق مــا قبــل‬ ‫ذلــك التاريــخ ألن أغلــب املكونــات كانــت شــريكة يف تأســيس نظامــه‬ ‫اجلديــد ودســتوره بــل حتــى اختيــار األشــخاص للمواقــع احلكوميــة‬ ‫لندخــل فيمــا يطلــق عليــه بـ"الدميقراطيــة التوافقيــة" أي اشــتراك‬ ‫اجلميــع يف االختيــار واالمتيــازات واملنافــع‪.‬‬ ‫يف ضــوء احلقائــق الســابقة واالمتيــازات التــي يتمتــع بهــا‬ ‫اإلقليــم‪ ،‬يطــرح ســؤال جوهــري ومهــم‪ ،‬ملــاذا أصــر مســعود برزانــي‬ ‫علــى إجــراء االســتفتاء بوقتــه احملــدد رغــم التحذيــرات الداخليــة‬ ‫واخلارجيــة؟ هنــاك العديــد مــن األســباب التــي تدفــع إلــى ذلــك منهــا‪،‬‬ ‫بلــوغ احلــرب ضــد (تنظيــم الدولــة اإلســالمية داعــش) نهايتهــا فــال‬ ‫بــد مــن إقامتــه قبــل أن يتحــول التــوازن العســكري لصالــح العــراق‬ ‫الفيدرالــي‪ ،‬إضافــة إلــى مــا ينظــر اليــه مســعود برزانــي مــن أن‬ ‫مخرجــا لــه مــن أزمــات وملفــات شــائكة كثيــرة‪،‬‬ ‫االســتفتاء يشــكل‬ ‫ً‬ ‫تتصدرهــا مســألة "املناطــق املتنــازع عليهــا" بــن أربيــل وبغــداد‪،‬‬ ‫وخاصــة مــا يتعلــق مبحافظــة كركــوك الغنيــة بالنفــط التــي اســتولت‬ ‫عليهــا قــوات البيشــمركة بعــد طــرد عناصــر (داعــش)‪ ،‬فضــ ً‬ ‫ال‬ ‫عــن املناطــق التــي دخلتهــا قــوات البيشــمركة إبــان معركــة املوصــل‬ ‫مخرجــا لبرزانــي‬ ‫األخيــرة‪ .‬عــالوة عــن ذلــك‪ ،‬ميثــل االســتفتاء‬ ‫ً‬ ‫يف مواجهــة جملــة حتديــات سياســية واقتصاديــة حرجــة‪ ،‬وكذلــك‬ ‫لشــرعية وجــوده يف الســلطة بعــد انتهــاء فتــرة واليتــه؛ األمــر الــذي‬ ‫دفعــه إلــى تعطيــل البرملــان عــام ‪2015‬م‪ ،‬واحتقــان عالقتــه‪ ،‬بســبب‬ ‫ذلــك‪ ،‬مــع القــوى والتيــارات السياســية الكرديــة الرئيســية األخــرى‪،‬‬ ‫وعلــى رأســها االحتــاد الوطنــي الكردســتاني وحركــة التغييــر‪ .‬إضافــة‬ ‫إلــى مــا يســعى إليــه مســعود برزانــي مــن الســلطة واملجــد الشــخصي‬ ‫إذا مــا ارتبــط ذلــك االســتفتاء بإنشــاء الدولــة الكردســتانية‪ ،‬علــى‬ ‫األراضــي العراقيــة‪ .‬ولكــن هــل يحــق لــه ذلــك مــن منظــور العالقــات‬ ‫الدوليــة واحلقــوق اجلغرافيــة التاريخيــة؟‬

‫الحدود العراقية والجغرافية الدولية‪:‬‬ ‫جــاءت معاهــدة ســيفر عــام ‪1920‬م‪ ،‬وهــي أحــد مقــررات الصلــح‬ ‫بــن احللفــاء واإلمبراطوريــة العثمانيــة حينئــذ‪ ،‬لتقــر للقوميــة الكردية‬ ‫بإقامــة حكــم ذاتــي لهــا‪ ،‬علــى جــزء مــن اجلغرافيــة التركيــة مقابــل‬ ‫النفــوذ البريطانــي والفرنســي يف األناضــول‪ ،‬مبعنــى آخــر إن العــراق‬ ‫لــم يكــن داخــل ضمــن هــذا التقســيم اجلغــرايف لإلقليــم الكــردي ولــم‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪105‬‬

‫ملف العدد‬

‫إقـــلـــيــــم كــردســتــــان الـعــــراق ‪ ..‬بـيــــن وهــــم الـــدولــــة وواقــعــهــــا‬

‫االستفتاء مساومة من برزاني لتحقيق مكاسب‬ ‫وهـروب إىل األمـام ومخـرج لألزمـات الداخلية‬ ‫أيــدت الغالبيــة مــن الكــرد االنفصــال عــن العــراق‪ ،‬يف االســتفتاء الــذي جــرى يــوم ‪ 25‬أيلول‪/‬ســبتمبر ‪2017‬م‪ ،‬إذ كانــت نســبة‬ ‫املشــاركة كمــا أعلنهــا اإلقليــم (‪ ،)%72‬أيــد (‪ )%92.7‬منهــم االنفصــال‪ ،‬ورفــض مــا يقــارب (‪ )%7,2‬ذلــك‪ ،‬ورغــم أن النتيجــة ال‬ ‫صريحــا إلعــالن الدولــة الكرديــة‪ ،‬إال أنهــا متهــد الطريــق إلــى ذلــك مــن خــالل‬ ‫تــؤدي إلــى أي تغييــرات إداريــة‪ ،‬وال تشــكل إعال ًنــا‬ ‫ً‬ ‫املفاوضــات القادمــة مــع بغــداد كمــا أعلنهــا رئيــس إقليــم كردســتان مســعود برزانــي‪ .‬ويف ضــوء هــذا الواقــع تطــرح مجموعــة‬ ‫أســئلة‪ :‬مــا هــو تقريــر املصيــر الــذي يحلــم بــه الكــرد؟ وهــل لــدى إقليــم كردســتان العــراق القــدرة علــى إعــالن االنفصــال مــن‬ ‫جانــب واحــد؟ ومــا موقــف العــراق مــن ذلــك؟ وهــل يوجــد لــدى بغــداد مســوغات قانونيــة تدفــع بهــا لعــدم قبــول املجتمــع الدولــي‬ ‫واملنظمــات الدوليــة ذلــك االنفصــال؟ ومــا هــي التحديــات الداخليــة واخلارجيــة التــي ســيواجهها اإلقليــم يف حــال االنفصــال؟‬

‫د‪ .‬عادل البديوي‬

‫إقليم كردستان وحق تقرير المصير‪:‬‬ ‫تستند أغلب حجج إقليم كردستان العراق باالنفصال على نقطتن‬ ‫ثانيا‪ ،‬تاريخ القمع‪ ،‬والذي‬ ‫رئيستن هما‪ :‬أو ًال‪ ،‬احلق يف تقرير املصير‪ً .‬‬ ‫شمل اضطهاد وإبادة على يد احلكومات العراقية املتعاقبة‪.‬‬ ‫وحــق تقريــر املصيــر ارتبــط بفكــرة متكــن الشــعوب الرازحــة‬ ‫حتــت ســيطرة االســتعمار األجنبــي مــن تقريــر مصيرهــا واحلصــول‬ ‫علــى اســتقاللها يف كيــان جتســده دولــة مســتقلة ذات ســيادة كمــا‬ ‫أعلنــه الرئيــس األميركــي وودرو ولســون عــام ‪1918‬م‪ .‬وانتشــر هــذا‬ ‫املفهــوم بصــورة واســعة بعــد انتهــاء احلــرب العامليــة الثانيــة‪ ،‬وأصبــح‬ ‫مــن املفاهيــم األساســية يف العالقــات الدوليــة‪ ،‬والتــي أكــد عليهــا‬ ‫ميثــاق األمم املتحــدة عــام ‪1945‬م‪ ،‬كمــا جــاء يف املــواد (‪)55 ،21 ،1‬‬ ‫وتعــززت تلــك املكانــة القانونيــة أكثــر بعــد وروده يف العديــد مــن املواثيق‬ ‫الدوليــة وفتــاوى محكمــة العــدل الدوليــة وقــرار اجلمعيــة العامة املرقم‬ ‫(‪ )1514‬لعــام ‪1960‬م‪ ،‬واملتضمــن إعــالن منــح االســتقالل للشــعوب‬ ‫والبلــدان املســتعمرة‪ ،‬إذ شــرع ملســألة ضروريــة حينئــذ للتخلــص مــن‬ ‫االســتعمار األجنبــي‪ ،‬ليعطــي الشــعوب حقهــا يف تقريــر مصيرهــا‬ ‫واختيــار أنظمتهــا وحكوماتهــا‪ ،‬وعلــى الرغــم مــن اعترافنــا بهــذا‬ ‫احلــق‪ ،‬غيــر أنــه ال يفهــم منــه اإلطالقــة يف التطبيــق بــدون قيــود أو‬ ‫شــروط تــالزم ذلــك احلــق وتضبطــه منهــا‪ :‬أوالً‪ ،‬إن تفســير حــق تقرير‬ ‫املصيــر يختلــف خارج ًيــا عنــه داخل ًيــا‪ ،‬خارج ًيــا يعنــي التخلــص مــن‬

‫االســتعمار وتكوين دولة مســتقلة ذات ســيادة‪ ،‬أما داخل ًيا يكون ســقف‬ ‫املطلــوب يف اطــار حــق تقريــر املصيــر هــو احلريــة يف اختيــار املركــز‬ ‫السياســي‪-‬القانوني داخــل كيــان الدولــة ومؤسســاتها‪ ،‬وبهــذا املعنــى‬ ‫فــإن حــق تقريــر املصيــر يضمــن لأقليــات احلــق يف احلصــول علــى‬ ‫متثيــل لهــا يف إطــار احلكومــة املركزيــة‪ ،‬وهــو مــا يقتضــي يف بعــض‬ ‫األحيــان منــح بعــض األقليــات ذات اخلصوصيــة القوميــة حــق احلكــم‬ ‫الذاتــي أو الفيدراليــة ضمــن حــدود الدولــة القائمــة ممــا يضمــن لهــا‬ ‫مزدوجــا (قانون ًيــا ‪ -‬سياس ـ ًيا) ال يصــل إلــى حــد االنفصــال‪.‬‬ ‫مرك ـزًا‬ ‫ً‬ ‫ثان ًيــا‪ ،‬حــق تقريــر املصيــر الــذي يقــره القانــون الدولــي العــام يف أحــد‬ ‫اجتاهاتــه ال ينشــئ ســوى حــق تقريــر املصيــر اخلارجــي يف حــاالت‬ ‫املســتعمرات الســابقة واالحتــالل العســكري األجنبــي‪ ،‬أو حينمــا يحــال‬ ‫بــن مجموعــة محــددة وحقهــا يف الوصــول إلــى احلكــم علــى نحو مجد‬ ‫للســعي نحــو النمــو السياســي واالقتصــادي واالجتماعــي والثقــايف‪.‬‬ ‫ثال ًثــا‪ ،‬إن تطبيــق هــذا املفهــوم مبطلقــه ســيقود إلــى مطالبــة الكيانــات‬ ‫واألعــراق الصغيــرة بإنشــاء وتكويــن دول مســتقلة لهــا‪ ،‬وســيكون ســب ًبا‬ ‫حقيق ًيــا للتفتيــت الداخلــي‪ ،‬وهــذا يــؤدي إلــى عدم االســتقرار اإلقليمي‬ ‫والدولــي نتيجــة تصاعــد االختالفــات والصراعــات داخــل الــدول ومــا‬ ‫بــن الــدول حــول احلــدود السياســية وغيرهــا مــن املصالــح املتباينــة‪.‬‬ ‫ولهــذا فــإن اإلشــكال يــدور اليــوم حــول مــا يــراد لهــذا احلــق من تفســير‬ ‫وتطبيــق يتــاح مــن خاللــه لشــرائح أو فئــات شــعبية تنتمــي كأقليــات‬

‫‪104‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تنظيـــم "داعـــش" فايـــروس اســـتهالكي عندمـــا يغـــذّى دوليـــا‬ ‫يكب ــر وينتش ــر ‪ ..‬وحي ــن يقط ــع عن ــه الغ ــذاء يتغ ــذى ع ــى نفس ــه‬ ‫واشــتراط حكومــة التكنوقــراط ملــن يحملــون شــهادات وخبــرة وظيفية‬ ‫ال تقــل عــن ‪ 25‬عا ًمــا‪ ،‬وإعــالء شــأن املواطنــة يف إعــادة صياغــة‬ ‫الدســتور وف ًقــا لنمــوذج رئاســي‪-‬برملاني‪ ،‬وهــو النمــوذج األكثــر‬ ‫تفضيــال للمرجعيــة الدينيــة وقبــول إيرانــي علــى مضــض‪.‬‬ ‫● أمــا النمــوذج الثالــث فهــو االنتقــال إلــى مواجهــات ميدانيــة‬ ‫للقضــاء علــى داعــش وتشــكيل حكومــة "منتصريــن" يكــون احلشــد‬ ‫الشــعبي محورهــا األســاس‪ ،‬وهــو النمــوذج املطلــوب إيران ًيــا بقــوة‪،‬‬ ‫واملرفــوض مــن أغلبيــة األطــراف الســنية والكرديــةـ بــل وحتــى مــن‬ ‫بعــض األطــراف الشــيعية‪ .‬وهــذا املشــهد بعيــد املنــال وإن كانــت‬ ‫األمــور جتنــح إلــى هيمنــة إيــران علــى القــرار العراقــي السياســي‬ ‫والعســكري إال أن التوســع اإليرانــي يف املنطقــة ومنهــا العــراق هــو‬ ‫عامــل مــن عوامــل االســتنزاف طويــل األمــد إذ أن إيــران متوغلــة‬ ‫بعمــق يف مشــاكل وحــروب عبــر الــوكالء خــارج حدودهــا يف ‪ 5‬دول‬ ‫العــراق وســوريا واليمــن وســوريا ولبنــان إلــى جانــب تدخلهــا يف‬ ‫حتريــض الشــيعة يف كل مــن الســعودية والبحريــن كنــوع مــن أنــواع‬ ‫زعزعــة األمــن واالســتقرار يف املنطقــة‪ ،‬كل هــذا التوســع يحتــاج إلــى‬ ‫دعــم مــادي ولوجســتي لدميومــة احلــرب بالنيابــة يف ظــل العقوبــات‬ ‫والتهديــدات اجلديــدة األميركيــة مــن قبــل الرئيــس "دونالــد ترامــب"‬ ‫ســيقود باحملصلــة إلــى انحــدار إيــران اقتصاد ًيــا ووضعهــا يف دوامــة‬ ‫اإللهــاء الســيما وأن داعــش اجليــش الــذي تســتخدمه مخابــرات‬ ‫العديــد مــن الــدول سيشــكل تهدي ـدًا جدي ـدًا علــى حــدوده الشــرقية‬ ‫مــع العــراق يف املســتقبل فض ـ ً‬ ‫ال عــن مشــاكل الداخــل اإليرانــي مــن‬ ‫عــرب األحــواز والكــرد والبلــوش وغيرهــم‪.‬‬ ‫● وهنــاك منــوذج أمريكــي يطــرح ســيناريو "احلتميــة" بتشــكيل‬ ‫مجلــس عســكري كمــا حصــل باألمــس يف محافظــة كركــوك بوضــع‬ ‫قائــد عســكري ليحكــم احملافظــة إلــى إشــعار آخــر إلدارة احملافظــة‪،‬‬ ‫وســيكون هــذا النمــوذج فيمــا بعــد إلــى بعــض املناطــق إذ ســيتم‬ ‫تشــكيل مجلــس عســكري يف املســتقبل بعــد إعــالن حالــة الطــوارئ يف‬ ‫العــراق مــن ‪ 10-7‬شــخصيات منهــا مــن هــو موجــود داخــل العــراق‬ ‫وآخريــن مــن خارجــه‪ ،‬كمجلــس ســيادي يعاونــه مجلــس حكمــاء مــن‬ ‫‪ 50‬شــخصية عراقيــة يدعمهــم حتالــف إســالمي بقيــادة اململكــة‬ ‫العربيــة الســعودية وموافقــة مــن مجلــس األمــن الدولــي‪ ،‬وظهــور‬ ‫عســكري وأمنــي أمريكــي كبيــر يف العــراق مجــد ًدا وهــذا مــا يشــهد‬ ‫لــه القواعــد العســكرية اجلديــدة التــي بــدأت تؤســس يف احملافظــات‬ ‫التــي انتهــت مــن تنظيــم داعــش‪ ،‬وهــذا الســيناريو ســيكون خيــا ًرا‬ ‫يف حــال بقــاء املفوضيــة العليــا لالنتخابــات بنفــس الوجــوه وبنفــس‬

‫اآلليــات التــي تعمــل بهــا ألن بقاءهــا يعنــي بقــاء نفــس الوجــوه ونفــس‬ ‫األحــزاب التــي تديــن بالــوالء إليــران ‪.‬‬ ‫وإن مــا يجــري مــن منــاورات قــرب احلــدود العراقيــة يعــد‬ ‫النمــوذج للتدخــل األميركــي ‪ -‬اإلســالمي يف العــراق حلــل احلكومــة‬ ‫احلاليــة وتعليــق الدســتور وإعــالن حالــة الطــوارئ مــع بقــاء حيــدر‬ ‫العبــادي بعــده رجــل املرحلــة‪ ،‬وال ميكــن أن تعلــن هــذه احلالــة دون‬ ‫وجــود مشــاكل أمنيــة يف وســط وجنــوب العــراق بعــد أن حتــل قضيــة‬ ‫كركــوك واملناطــق املتنــازع عليهــا مــع اإلقليــم فهنــاك قــوات تابعــة‬ ‫لأحــزاب تســمى بقــوات احلشــد الوالئيــة أي الذيــن يؤمنــون بواليــة‬ ‫الفقيــه وتابعــن عقائد ًيــا إلــى ولــي الفقيــه يف إيــران ويتبعون عســكر ًيا‬ ‫إلــى قائــد احلــرس الثــوري يف العــراق "قاســم ســليماني" ويقابلهــم‬ ‫بالضــد قــوات تابعــة للمرجعيــة الدينيــة التابعــة للعتبــة املقدســة‬ ‫متمثلــة بقــوات "فرقــة العبــاس القتاليــة" التــي أثبــت اعتدالهــا التــي‬ ‫تأمتــر بأمــر رئيــس الــوزراء بصــور مباشــرة إلــى جانب ســرايا الســالم‬ ‫التابعــة لرجــل الديــن "مقتــدى الصــدر" الــذي أثبــت يف الســنوات‬ ‫األخيــرة اعتــدال نهجــه ووســطيته ورفضــه للوجــود اإليرانــي علــى‬ ‫األرض العراقيــة والتبعيــة لهــم‪ ،‬ممــا سيشــكل مــع القــوى األخــرى‬ ‫الــال والئيــة لرفــد األمــن مــع قــوات األمــن احلكوميــة يف حــال قيــام‬ ‫الفوضــى وفــرض القانــون بصولــة فرســان ثانيــة بدعــم دولــي الــذي‬ ‫تتربعــه الواليــات املتحــدة األميركيــة لدميومــة ســيادة الدولــة والقضاء‬ ‫علــى املتطــرف الشــيعي بعــد أن مت القضــاء علــى املتطــرف الســني‬ ‫إلــى جانــب حتييــد وتضييــق احلنــاق علــى املتطــرف القومــي املتمثــل‬ ‫بجماعــة "مســعود البارزانــي" الــذي فقــد شــعبيته بعــد فــرط عقــد‬ ‫تهديداتــه يف القتــال مــن أجــل كركــوك مــا بعــد االســتفتاء‪.‬‬ ‫وبعــد إعــالن حالــة الطــوارئ يف هــذا املشــهد سيتشــكل مجلــس‬ ‫احتــادي ميثــل مــن رؤســاء املجالــس للمحافظــات العراقيــة‪ ،‬يف عامن‬ ‫انتقاليــن‪ ،‬ليتــم االنتقــال إلــى نظــام برملانــي ‪ -‬رئاســي مجــددا بنكهــة‬ ‫حتاكــي النمــوذج األميركــي‪.‬‬ ‫بقــي أن كل مــن هــذه الســيناريوهات تؤكــد احلاجــة امللحــة‬ ‫لالنتقــال بالعــراق إلــى مرحلــة انتقاليــة والتــي ســوف تبــدأ مالمحهــا‬ ‫يف عــام ‪2018‬م‪ ،‬وســتتوضح بشــكل جلــي مــع عــام ‪2019‬م‪ ،‬وســتثبت‬ ‫جذورهــا يف عــام ‪2020‬م‪.‬‬

‫* ﺧﺒري ﻋﺴﻜﺮي ﻋﺮاﻗﻲ‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫يدفع ــه للبح ــث ع ــن أرض أخ ــرى مالئم ــه الحتض ــان أف ــكاره كم ــا‬ ‫حص ــل الي ــوم‪.‬‬ ‫واليــوم يســعى تنظيــم داعــش إلــى توجيــه فلولــه بعــد خســارته‬ ‫والي ــة نين ــوى ووالي ــة كرك ــوك إل ــى الش ــرق يف ديال ــى عب ــر سلس ــة‬ ‫جب ــال حمري ــن املمت ــدة إل ــى احل ــدود اإليراني ــة وم ــن هن ــاك إل ــى‬ ‫ش ــرقها يف واليت ــه اجلدي ــدة الت ــي أس ــماها "والي ــة ف ــارس" وكذل ــك‬ ‫يصعـــب التعامـــل مـــع املناطـــق احملـــررة مـــن داعـــش بوجـــود قـــوى‬ ‫متطرف ــة دين ًي ــا أخ ــرى ب ــدل داع ــش‪ ،‬فاألخي ــر دم ــر ثل ــث املنطق ــة‬ ‫الت ــي س ــيطر عليه ــا‪ ..‬وبق ــدوم امليليش ــيات الش ــيعية بع ــد إخ ــراج‬ ‫تنظي ــم داع ــش يدم ــر ثلثيه ــا الباقي ــن وذل ــك ال يضم ــن ع ــدم من ــو‬ ‫خاليــا خيطيــه أخــرى لداعــش أو ألشــباهه يف املناطــق احملــررة مــن‬ ‫املتط ــرف الس ــني بق ــوى املتط ــرف الش ــيعي‪.‬‬ ‫يجــب إيجــاد قــوه وطنيــة معتدلــة ذات فكــر وطنــي الدينــي مــن‬ ‫أبنــاء املناطــق احملــررة ترتبــط مبنظومــة الدولــة املركزيــة لتعالــج‬ ‫آثــار اإلرهــاب وتعيــد مــن هجرهــم داعــش إلــى بلداتهــم ومناطــق‬ ‫ســكناهم‪ ،‬واحلقيقــة أن حكومــة بغــداد يف هــذه املرحلــة غيــر قــادرة‬ ‫علــى ذلــك كــون أن املتحكــم يف مفاصــل الــدول الرئيســة هــي مــن‬ ‫نفــس األحــزاب والتيــارات اإلســالمية والقوميــة املتطرفــة حتــى وأن‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪103‬‬

‫ملف العدد‬

‫اعتلــى يف خطابهــم الدعــوات العلمانيــة أو املدينــة ألنهــا إن صــح‬ ‫التعبيــر أقنعــة لبقائهــم يف الســلطة ألطــول مــدة ممكنــة‪ .‬فاألجنحــة‬ ‫العســكرية التابعــة لهــذه األحــزاب جتتــاح املناطــق بذريعــة القضــاء‬ ‫علــى داعــش واألجنحــة السياســية تشــرعن لهــا وجودهــا وتســخر لهــا‬ ‫الدعــم مــن الدولــة‪.‬‬ ‫ويف املنظور املتوسط يف أبعد األحوال التي تلوح يف أفق املستقبل‬ ‫تستشـرف أن االنتقـال إلـى منـوذج حكـم فيدرالـي أو كونفدرالـي‬ ‫بصالحيـات واسـعة هـو مـا سـيكون لعـراق مـا بعـد تنظيـم داعـش‪،‬‬ ‫وسـوف تكـون بغـداد حكومـة احتاديـة باختـالف نـوع األحـزاب ما بن‬ ‫النمـوذج الطائفـي "شيعي‪-‬سـني" أو القومـي "العربي‪-‬الكـردي"‪ ،‬علـى‬ ‫أن تبقـى هـذه احلكومـة االحتاديـة بصالحيـات احتاديـة تعنـى باألمن‬ ‫واالقتصـاد والعالقـات اخلارجيـة وتتـرك بقيـة األمـور للفيدراليـات‬ ‫أو الكونفدراليـات التـي يتوقـع أن مـا بـن ‪ 7-5‬فيدراليـات‪ ،‬واحـدة‬ ‫كرديـة‪ ،‬و‪ 3-2‬سـنية‪ 4-3 ،‬شـيعية‪.‬‬ ‫● حتــول الدولــة إلــى منــوذج احلكــم بــاإلدارة الالمركزيــة‪ ،‬وبذلك‬ ‫تلغــي فيدراليــة كردســتان أو تبقــي عليهــا‪ ،‬ويعــاد تشــكيل الدولــة علــى‬ ‫أســاس قانــون أحــزاب جديــد يكــون قاعدتــه التمثيليــة مــن ‪5‬االف‬ ‫مواطــن ميثلــون محافظــات العــراق مبــا ال يقــل عــن ‪ 10‬محافظــات‪،‬‬

‫‪102‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مســـتقبل العـــراق مرهـــون بمـــا تريـــده أمريـــكا مـــع غيـــاب‬ ‫اإلرادة الوطنيـــة لصالـــح اإلرادة الحزبيـــة أو المذهبيـــة أو القوميـــة‬ ‫م ــن جه ــة وترجي ــح كف ــة اجلماع ــات واملليش ــيات القتالي ــة التابع ــة‬ ‫لأح ــزاب اإلس ــالمية املوالي ــة إلي ــران م ــن جه ــة أخ ــرى‪ ،‬ه ــذا م ــا‬ ‫س ــيعود بنتائ ــج س ــلبية عل ــى احلكوم ــة املركزي ــة الت ــي س ــوف تق ــع يف‬ ‫مش ــكلة أمني ــة أخ ــرى يف ضب ــط ه ــذه احلش ــود الكبي ــرة الت ــي كان ــت‬ ‫تقاتــل ضــد تنظيــم داعــش ومــن ثــم صعوبــة القبــول بحقــوق بســيطة‬ ‫دون مكاس ــب سياس ــية تذك ــر الس ــيما وأن الش ــارع العراق ــي ومن ــه‬ ‫الش ــيعي ق ــد ي ــأس م ــن وع ــود األح ــزاب الديني ــة وغي ــاب التنمي ــة‬ ‫واالزده ــار يف مناطقه ــم‪ ،‬فاملجتم ــع الش ــيعي يعي ــش أعل ــى مع ــدالت‬ ‫الفق ــر واجله ــل بع ــد اس ــتالم قادته ــم الش ــيعة لزم ــام احلك ــم إل ــى‬ ‫جانــب الشــرخ االجتماعــي الكبيــر مــن اآلثــار التــي خلفتهــا احلــروب‬ ‫فأغل ــب الذي ــن قتل ــوا يف مع ــارك حتري ــر الع ــراق م ــن تنظي ــم داع ــش‬ ‫ه ــم م ــن ه ــذا املجتم ــع‪.‬‬ ‫أمــا الســنة فهــم تائهــون متفرجــون فليــس لهــم قيــادة موحــدة‬ ‫يســيرون خلفهــا اذ أصبحــوا مســتضعفن وال يثقــون بأحــد مــن‬ ‫الساســة الذيــن ينصبــون أنفســهم قــادة الســنة بعــد ‪ 2003‬م‪ ،‬وهــم‬ ‫اليــوم يرجتــون مــن محتــل األمــس ‪-‬أي الواليــات املتحــدة األميركيــة‪-‬‬ ‫أن ينصرهــم اليــوم ملســتقبل ضبابــي بعدمــا ذاقــوا األمريــن وهــي‬ ‫أســوء مرحلــة مــر بهــا املجتمــع الســني بعــد ‪2014‬م‪ ،‬وال زالــت‬ ‫مخلفــات احلــرب املاديــة واملعنويــة شــاخصة يف النفوس ويف الشــوارع‬ ‫ويف كل مــكان‪.‬‬ ‫وبهــذا نــرى أن شــعب العــراق معـ ّ ٌد للتقســيم لثالثة أقاليــم او ثالث‬ ‫دويــالت أو كونفدراليــات يف أضعــف تقديــر‪ ،‬وكل فئــة افتعلــت لهــا‬ ‫أســباب عــده منهــا قوميــة وأخــرى مذهبيــة وعرقيــة لكــي تكــون يف هذا‬ ‫التوجــه‪ .‬وبالتالــي فــال منــاص مــن التقســيم املخطــط لــه بعمــق مســب ًقا‬ ‫علــى أرض العــراق أوالً‪ .‬والــدول املجــاورة للعــراق مــن بعــده واحــدة تلــو‬ ‫األخــرى‪ ،‬فــكل املنطقــة أ ُ ِعــدت شــعوبها وثُبِتــت لهــا أســبابها وأصبــح‬ ‫لــكل فئــة تاريخهــا اخلــاص مثــل ســوريا وإيــران وتركيــا‪.‬‬ ‫أ ّمــا املخاطــر واخلســائر التــي حلقــت بالعــراق جــراء ســيطرة‬ ‫تنظيــم داعــش اإلرهابــي علــى مناطقــه خلّــف كــوارث متعــددة‪،‬‬ ‫فاملخاطــر جســيمه علــى املســتوى األمنــي واالجتماعــي والعلمــي‬ ‫واالقتصــادي‪ ،‬الفوضــى التــي حلــت باملناطــق التــي ســيطر عليهــا‬ ‫داعــش ال مثيــل لهــا‪ .‬فقــد خــرج العــراق مــن كــف داعــش املتط ـ ّرف‬ ‫الس ـنّي لتقــع يف كــف احلشــد املتطــرف الشــيعي كــي ميــزق وحدتهــا‬ ‫املتطــرف القومــي مــن الشــمال واحلجــم احلقيقــي لهــذه اخلســائر‪،‬‬ ‫تضاعــف هنــا ليصــل إلــى حــد الكــوارث اإلنســانية بحيــث ال قــدرة‬ ‫للحكومــة املركزيــة علــى إنقاذهــا واحلفــاظ علــى مــا تبقــى مــن شــعبها‬

‫إال بطلــب جهــد دولــي للتدخــل باحلمايــة والبنــاء‪ ،‬وكل هــذا يوضــح‬ ‫لنــا أن داعــش لــن تولــد بســبب تهميــش السـنّة وظلمهــم لكــن داعــش‬ ‫ـي ليكــون ســبب متعــدد الفوائــد‪:‬‬ ‫بُنـ َ‬ ‫اقتصاد ًيــا‪ :‬ال ميكــن شــراء أجــود بتــرول يف العالــم بأبخــس‬ ‫األثمــان لــوال وجــود داعــش فقــد أصبحــت حقــول البتــرول يف العــراق‬ ‫محطــة مــن محطــات التهريــب لــكل مافيــات العالــم وال يتجــاوز ســعر‬ ‫البرميــل مــن النفــط املهــرب أكثــر مــن ‪ 14‬دوالر بينمــا الســعر العاملــي‬ ‫يتجــاوز الـــ ‪ $50‬دوال ًرا‪.‬‬ ‫اجتماع ًيــا‪ :‬ال ميكــن تقســيم مجتمــع بشــكل واضــح لــوال وجــود‬ ‫داعــش فبظهــور داعــش (املتطــرف الســني) ظهــر (املتطرف الشــيعي)‬ ‫و(املتطــرف القومــي)‪( ..‬الكــردي والتركمانــي والعربــي)‪.‬‬ ‫أمني ــا‪ :‬ال ميك ــن جم ــع أعت ــى متط ــريف العال ــم يف م ــكان واح ــد‬ ‫ً‬ ‫والقض ــاء عليه ــم ل ــوال وج ــود داع ــش‪ ،‬اس ــتراتيجية اس ــتنزفت دول‬ ‫وتو ّرط ــت دول وتع ــادت دول وحتالف ــت دول وأُحرِ ج ــت دول والس ــبب‬ ‫وج ــود تنظي ــم "داع ــش"‪ ،‬فه ــي فاي ــروس اس ــتهالكي عندم ــا يغـ ـ ّذى‬ ‫دوليــا يكبــر وينتشــر‪ ..‬وحــن يقطــع عنــه الغــذاء يتغــذى علــى نفســه‬ ‫حت ــى يتالش ــى يف بداي ــة زرع داع ــش كان تس ــليحه وتدريب ــه محل ًي ــا‬ ‫يف والي ــات اس ــماها ه ــو يف الع ــراق والش ــام يصع ــب تعقبه ــا كونه ــا‬ ‫تشـــكيالت خيطيـــة لكـــن عندمـــا منـــت داعـــش وســـيطرت علـــى‬ ‫مس ــاحات وم ــدن يف الع ــراق وأزال ــت اللث ــام عنه ــا وانتهج ــت منه ــج‬ ‫الدول ــة بدي ـ ً‬ ‫ـال ملنه ــج العصاب ــة أصب ــح م ــن الس ــهل تعقبه ــا ‪ ،‬وم ــن‬ ‫هن ــا وج ــدت دول أجنبي ــة وإس ــالمية يف تنظي ــم داع ــش مصال ــح له ــا‬ ‫فإيــران أنشــأت معســكرات لتدريبــه وإطالقــه أمـ ً‬ ‫ـال بتحقيــق آمالهــا‬ ‫التوس ــعية يف أرض أحالمه ــا‪ ،‬وروس ــيا االحتادي ــة س ــلحته لتصري ــف‬ ‫بضائعه ــا وكس ــب أم ــوال لتعزي ــز نهضته ــا االقتصادي ــة‪ ،‬وأمريكي ــا‬ ‫نظمـــت ووجهتـــه لتصفيـــة وإنهـــاك أعدائهـــا وشـــرعنت وجودهـــا‬ ‫حي ــث يوج ــد ه ــذا التنظي ــم الراديكال ــي‪ ،‬فكم ــا ه ــو مع ــروف وم ــن‬ ‫خ ــالل معلوم ــات اس ــتخباراتية جن ــد أن تنظي ــم داع ــش يأت ــي ج ــل‬ ‫س ــالحه م ــن مافي ــات جت ــارة الس ــالح الروس ــية والتركي ــة بدراي ــة‬ ‫أميركي ــة تام ــة اخت ــارت ال ــدول يف املنطق ــة طري ًق ــا طوي ـ ً‬ ‫ـال للقض ــاء‬ ‫علــى داعــش فــال ميكــن القضــاء علــى فكــر التكفيــر لتنظيــم داعــش‬ ‫خصوصـــا‬ ‫املتطـــرف دين ًيـــا بالقـــوة اخلشـــنة –األداة العســـكرية‪-‬‬ ‫ً‬ ‫الق ــوة اإلس ــالمية املض ــادة ل ــه بالتط ــرف مث ــل املليش ــيات الش ــيعية‬ ‫وتركــت الطريــق املختصــر حيــث ميكــن القضــاء علــى داعــش متا ًمــا‬ ‫ببل ــورة فك ــر معت ــدل إنس ــاني وبجي ــش وطن ــي معت ــدل ونظام ــي ال‬ ‫بجل ــب متط ــرف إس ــالمي ش ــيعي‪ ،‬اخ ــراج داع ــش بالق ــوى املتطرف ــة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪101‬‬

‫ملف العدد‬

‫املعلومات االستخباراتية‪ :‬تسليح داعش من مافيا روسية وتركية بدراية أمريكية‬

‫العراق مع ٌّد للتقسيم وكل فئة افتعلت أسباب‬ ‫انفصالها وال قدرة للحكومة المركزية عى اإلنقاذ‬ ‫إن املتطلــع إلــى واقــع املنطقــة بشــكل عــام والعــراق بشــكل خــاص‪ ،‬يجــده ال يقبــل يف خياراتــه الراجحــة إال خيــار التقســيم‬ ‫وهــذا املنطلــق يعــود إلــى مشــاريع التقســيم (تفتيــت املفتــت وتقســيم املقســم) وهــو مــا حملتــه مرتكــزات الشــرق األوســط‬ ‫الق ــدمي واجلدي ــد ال ــذي يتط ــور م ــع موج ــات التغيي ــر املتس ــارعة الت ــي أفض ــت إلي ــه مقارب ــات الق ــوة الناعم ــة والفاع ــل‬ ‫الرقم ــي ب ــكل جتليات ــه يف الق ــرن احل ــادي والعش ــرين‪.‬‬

‫الرحمن‬ ‫ركنعبد‬ ‫حمدي‬ ‫حسان ثابت‬ ‫د‪.‬مقدم‬

‫وهـــذا األمـــر ليـــس ضر ًبـــا مـــن اخليـــال أو أمنيـــة يريدهـــا‬ ‫الباح ــث يف ش ــؤون الع ــراق إمن ــا ه ــو واق ــع ف ــرض م ــا بع ــد ‪2003‬م‪،‬‬ ‫علــى أســس املكونــات الثــالث الرئيســة فقــد ثبتــت قــوات االحتــالل‬ ‫األميرك ــي ث ــالث قواع ــد للحك ــم يف الع ــراق وزرع ــوا ب ــذور التفتي ــت‬ ‫عل ــى أس ــس مذهبي ــة وقومي ــة‪ ،‬فنالح ــظ أن أول تش ــكل للحكوم ــة‬ ‫العراقي ــة متمث ـ ً‬ ‫ـال مبحل ــس احلك ــم كان عل ــى ه ــذا األس ــاس ف ــكل‬ ‫رئيـــس لـــه يكـــون مـــن مكـــون معـــن شـــيعي‪ ،‬أو ســـني‪ ،‬أو كـــردي‪،‬‬ ‫وخـــالل التواجـــد األميركـــي لـــم حتصـــد الدميقراطيـــة املزعومـــة‬ ‫إال مزي ــدا م ــن احل ــروب واالقتت ــال املس ــتمر فكي ــف م ــع االنس ــحاب‬ ‫فادح ــا عل ــى املس ــتوى‬ ‫األميرك ــي يف ع ــام ‪2011‬م‪ ،‬ال ــذي يع ــد خط ــأ‬ ‫ً‬ ‫االســـتراتيجي بشـــكل مقصـــود أو غيـــر مقصـــود‪ ،‬وحتـــى علـــى‬ ‫مســتقبل العــراق الضعيــف الــذي تتكالــب عليــه جميــع القــوى ســواء‬ ‫اإلقليميـــة أو الكبـــرى‪ ،‬فـــكان مصيـــره أن يســـيطر علـــى أراضيـــه‬ ‫تنظيــم راديكالــي ذو بعــد عاملــي وهــو تنظيــم داعــش يف عــام ‪2014‬م‪،‬‬ ‫وال ــذي م ــا زال يقات ــل عل ــى األرض رغ ــم انحس ــاره‪ ،‬ورغ ــم أهمي ــة‬ ‫العـــراق علـــى االجنـــدات األميركيـــة‪ ،‬نقـــول إن مســـتقبل العـــراق‬ ‫مره ــون بش ــكل كبي ــر مب ــا تري ــده الوالي ــات املتح ــدة األميركي ــة يف‬ ‫ظ ــل غي ــاب اإلرادة الوطني ــة لصال ــح اإلرادة الش ــخصية أو احلزبي ــة‬ ‫أو املذهبيــة أو القوميــة يف حكــم العــراق‪ ،‬حتــى مــع وصــول "دونالــد‬ ‫ترام ــب" فق ــد أع ــرب ع ــن اس ــتيائه الش ــديد م ــن اإلدارة الس ــابقة‬ ‫الت ــي ترك ــت الع ــراق لوح ــده‪ ،‬ليك ــون في ــه ف ــراغ يش ــغله اإليراني ــون‬ ‫وتنظيــم داعــش‪ ،‬مشــي ًرا إلــى أنــه كان يجــب أن تضــع أميــركا يدهــا‬ ‫عل ــى النف ــط يف الع ــراق‪ .‬وق ــال الرئي ــس األمريك ــي إن الع ــراق كان‬

‫ميتل ــك ق ــوة تس ــاوي إي ــران‪ ،‬إال أن أمي ــركا أخط ــأت حينم ــا دخل ــت‬ ‫الع ــراق ‪-‬يف إش ــارة للغ ــزو األميرك ــي للع ــراق‪ -‬ث ــم س ــلمته إلي ــران‪،‬‬ ‫مشـــي ًرا إلـــى أن اإلدارة األميركيـــة كان عليهـــا أن تبقـــى هنـــاك‬ ‫وتس ــيطر عل ــى النف ــط العراق ــي كورق ــة للحماي ــة وإع ــادة اإلعم ــار‬ ‫فيم ــا بع ــد داع ــش‪.‬‬ ‫وبعــد هــذه املقدمــة واملنطلقــات الواقعيــة فإننــا نستشــف‬ ‫ونســتقرئ املســتقبل املنظــور أن القــادم ال يقــوم علــى أســاس وحــدة‬ ‫يتقســم‬ ‫العــراق وإمنــا علــى أســاس التقســيم‪ ،‬فنــرى ان العــراق ســوف‬ ‫ّ‬ ‫مصيــره إلــى ثالثــة أقســام علــى األغلــب‪.‬‬ ‫فالقــادة الكــرد يأملــون مبســتقبل حــر ومســتقل ومزدهــر خلــف‬ ‫ســراب الدولــة القوميــة‪ .‬فحلــم األكــراد هــو قيــام الدولــة الكرديــة‬ ‫الكبــرى وهــذا الطمــوح والنزعــة القوميــة تغذيهــا دول خارجيــة منهــا‬ ‫(إســرائيل) وذلــك خللــق دول ذات نزعــات قوميــة وأخــرى دينيــة‬ ‫وأخــرى عرقيــة ومذهبيــة حتــى ال تكــون الدولــة الدينيــة الوحيــدة‬ ‫يف املنطقــة مــن جهــة وتفتيــت املنطــق علــى هــذه األســس وإبقائهــا‬ ‫يف صــراع االثنيــات الــذي ال ينتهــي الســيما وأن عالــم اليــوم يف‬ ‫القــرن احلــادي والعشــرين عالــم االنكشــاف االســتراتيجي والفضــاء‬ ‫اإللكترونــي املفتــوح فيســهل فيــه التأجيــج مبختلــف أشــكاله وهــذا‬ ‫األمــر ينطبــق علــى كافــة مكونــات العــراق مــن الشــيعة والســنة‪.‬‬ ‫أم ــا فيم ــا يتعل ــق بالش ــيعة فاحل ــكام والساس ــة الش ــيعة فرح ــون‬ ‫بثأرهـــم الـــذي حققـــوه بانتصارهـــم ملظلوميتهـــم مـــن الســـنّة بعـــد‬ ‫‪2003‬م‪ ،‬وعلــى داعــش يف عــام ‪2017‬م‪ ،‬رغــم تضحياتهــم واملســتقبل‬ ‫املظلـــم الـــذي ينتظرهـــم يف ظـــل محـــاور الفســـاد املالـــي واإلداري‬

‫‪100‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫سـوريا واليمـن وليبيـا والتـي تتلخـص يف احلـروب الطائفيـة نتيجـة‬ ‫وتأسيسا على ذلك كان املوقف العربي الرسمي‬ ‫التدخالت اخلارجية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫رافضـا خلطـوة االسـتفتاء ونتائجهـا بـد ًءا مـن موقـف اجلامعـة العربية‬ ‫وانتهـا ًء مبوقـف دول مجلـس التعـاون اخلليجـي بشـكل عـام واملوقـف‬ ‫السـعودي بشـكل خـاص‪ ،‬والـذي طاملـا كانـت تسـعى إلـى حفـظ وحـدة‬ ‫األراضـي العراقيـة مـا بعـد عـام ‪ 2003‬ومـن بـاب املسـؤولية التاريخيـة‬ ‫مـن جهـة ومـن االحتمـاالت املؤكـدة مـن انعـكاس خطـوة التقسـيم علـى‬ ‫األمـن الداخلـي لدولهـا ومواطنيهـا وتهديـدًا إلـى جتاربهـا التنمويـة‬ ‫الناجحـة التـي حققتهـا دول املجلـس مـن جهـة أخـرى‪ .‬وميكـن رصـد‬ ‫تلـك املواقـف اإليجابيـة التـي تشـهدها العالقـات العراقية ‪ -‬اخلليجية‬ ‫بدفـع مـن القيـادات الشـابة واملتطلعـة إلـى مسـتقبل زاهـر لدولهـا‪ ،‬مـن‬ ‫خـالل االنفتـاح اخلليجـي على جميع طوائف املجتمـع العراقي والقيام‬ ‫بالزيـارات املتبادلـة مـن أجـل فتـح صفحـة جديـدة من التعـاون يف كافة‬ ‫املجاالت االقتصادية والتجارية وتنسيق املواقف السياسية التي تهدد‬ ‫أمـن العـراق واملنطقـة ويف مقدمتهـا دعـم العـراق يف محاربـة اإلرهاب‪،‬‬ ‫وعليـه نـرى يف مسـاعدة العـراق الواحـد املوحـد يف األرض والشـعب‬ ‫وهـو يجتـاز محنتـه مبسـاعدة أشـقائه مـن دول املجلـس مبـا يلـي‪:‬‬ ‫‪ -1‬اإلســراع يف تقــدمي املســاعدات واملنــح والقــروض امليســرة إلعــادة‬ ‫إعمــار املــدن العراقيــة التــي تعرضــت للتدمير من قبل قــوى اإلرهاب‪،‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫بالتنســيق مــع منظمــات املجتمــع املدنــي مبــا يضمــن التنفيــذ الدقيــق‬ ‫للجهــة املســتفيدة واملتلقيــة‪.‬‬ ‫‪ -2‬التخفيف وإلغاء الديون والتعويضات املترتبة على الشعب العراقي ما‬ ‫قبـل عـام ‪2003‬م‪ ،‬مـن أجل آفاق جديدة للتنمية االقتصادية واالجتماعية‬ ‫يف العراق والتي شهدت تدني يف مستوياتها منذ عام ‪1980‬م‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقــدمي النصــح والدعــم االستشــاري يف بنــاء منظومــة مجتمعيــة‬ ‫مبــا يضمــن الســلم األهلــي يف العــراق عبــر احلــوارات والتفاهــم حــول‬ ‫احلقــوق والواجبــات‪.‬‬ ‫‪ -4‬اســتخدام الورقــة االقتصاديــة مــن قبــل بعــض دول مجلــس التعــاون‬ ‫التــي متتلــك اســتثمارات يف قطــاع الطاقــة يف إقليــم كردســتان العــراق‬ ‫يف الضغــط علــى الســلطات احملليــة بإلغــاء نتائــج االســتفتاء والتأكيــد‬ ‫علــى وحــدة العــراق‪.‬‬ ‫‪ -5‬التأكيــد علــى وحــدة العــراق وعــدم املســاس بوحــدة أراضيــه يف‬ ‫احملافــل اإلقليميــة والدوليــة حتــت أي ظــروف يتعــرض لهــا مــن‬ ‫الداخــل أو اخلــارج‪.‬‬ ‫* أﺳ ــﺘﺎذ اﻟﺘﻨﻤﻴ ــﺔ اﻟﺪوﻟﻴ ــﺔ‪ /‬ﺟﺎﻣﻌ ــﺔ اﻟﻘﺎدﺳ ــﻴﺔ ‪ -‬ﻛﻠﻴ ــﺔ اﻹدارة واﻻﻗﺘﺼ ــﺎد‪-‬‬ ‫ﺟﻤﻬﻮرﻳ ــﺔ اﻟﻌ ـﺮاق‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪99‬‬

‫ملف العدد‬

‫الدور الخليجي في الحفاظ على وحدة األراضي العراقية‪ :‬املوقف املسؤول‬

‫الموقــف العربــي يف الجامعــة العربيــة‬ ‫ومجلــس التعــاون يرفــض اســتفتاء األكراد‬ ‫يعيــش العــراق مرحلــة خطيــرة يف كيفيــة احلفــاظ علــى وحــدة ترابــه وشــعبه منــذ تأســيس الدولــة العراقيــة عــام ‪1921‬م‪،‬‬ ‫بعـــد قيـــام إقليـــم كردســـتان العـــراق الـــذي يضـــم احملافظـــات الشـــمالية (أربيـــل والســـليمانية ودهـــوك) ذات األغلبيـــة‬ ‫الس ــكانية م ــن القومي ــة الكردي ــة باس ــتفتاء االنفص ــال ع ــن الع ــراق يف ‪ 2017/9/25‬م‪ .‬وم ــن خ ــالل املراقب ــة الدقيق ــة إل ــى‬ ‫هــذه اخلطــوة تلمــس عمــق االســتعداد والتخطيــط منــذ زمــن بعيــد إلــى إنشــاء دولــة قوميــة يف املناطــق التــي يعيــش فيهــا‬ ‫أكــراد العــراق‪ ،‬أي أنهــا ليســت وليــدة الصدفــة ملجــرد خــالف مــع احلكومــة االحتاديــة حــول تطبيــق بنــود الدســتور العراقــي‬ ‫اجلدي ــد كم ــا تس ــوق ه ــذه الفك ــرة‪ .‬ويب ــدو أن القي ــادات الكردي ــة اخت ــارت الوق ــت الصع ــب عل ــى احلكوم ــة االحتادي ــة وه ــي‬ ‫تخــوض أشــرس حــرب مــع أخطــر عــدو إرهابــي واملســمى بتنظيــم الدولــة اإلســالمي واختصــا ًرا ب (داعــش) الــذي احتــل‬ ‫نح ــو‪ %30‬م ــن األراض ــي العراقي ــة يف بداي ــة النص ــف الثان ــي م ــن ع ــام ‪2014‬م‪ ،‬وم ــا ترت ــب علي ــه م ــن انس ــحاب اجلي ــش‬ ‫العراق ــي م ــن احملافظ ــات املتواج ــد فيه ــا (املوص ــل وص ــالح الدي ــن والرم ــادي) يف الوق ــت ال ــذي ل ــم تتع ــرض إل ــى االعت ــداء‬ ‫بش ــكل واض ــح مناط ــق كردس ــتان الع ــراق‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد الكرمي جابر شنجار العيساوي‬ ‫وقــد وفــرت هــذه األجــواء الفرصــة املناســبة للزعامــات الكرديــة‬ ‫مــن الســيطرة علــى املزيــد مــن األراضــي وضمهــا إلــى أراضــي‬ ‫اإلقليــم بحجــة شــمولها مبــا يســمى باملناطــق املتنــازع عليهــا وفــق‬ ‫املــادة ‪ 140‬مــن الدســتور اجلديــد‪ ،‬ومــن أهــم تلــك املناطــق محافظــة‬ ‫كركــوك التــي تضــم نحــو ‪ %17‬مــن احتياطيــات العــراق النفطيــة‬ ‫املؤكــدة والبالغــة نحــو ‪ 145،300‬مليــار برميــل وبإنتــاج كان يبلــغ نحــو‬ ‫مليــون برميــل ‪/‬يوم ًيــا ولكنــه تراجــع بعــد عمليــات التخريــب املتعمــد‬ ‫منــذ عــام ‪2006‬م‪ ،‬والســنوات الالحقــة‪.‬‬ ‫وواجهــت خطــوة االســتفتاء علــى االنفصــال عــن اجلســد العراقي‬ ‫بالرفــض القاطــع مــن قبــل احلكومــة االحتادية التــي يقودها التحالف‬ ‫الوطنــي والتــي تشــكلت بدعــم مــن التحالــف الكــردي اللــذان يربطهمــا‬ ‫حلــف ميتــد عمــره إلــى خمســن عا ًمــا‪ ،‬إلــى جانــب املواقــف الدوليــة‬ ‫غيــر املؤيــدة لهــذه اخلطــوة علــى األقــل يف توقيتهــا غيــر املناســب‬ ‫يف ظــل اســتمرار تهديــدات (داعش)إلــى جميــع دول املنطقــة وإلــى‬ ‫مصالــح الــدول العظمــى‪.‬‬ ‫وبالطبــع إن أكثــر املواقــف املتشــددة مــن االســتفتاء جــاءت مــن‬ ‫قبــل تركيــا ومــن ثــم إيــران التــي تــرى فيهــا تهديـدًا مباشـ ًرا إلــى األمــن‬

‫القومــي لــكل منهمــا علــى املــدي املتوســط والبعيــد‪ ،‬إذ مــن املمكــن أن‬ ‫حتفــز إنشــاء الدولــة الكرديــة يف شــمال العــراق إلــى مطالبــات مماثلــة‬ ‫محليــة مــن األقليــات الكرديــة الكبيــرة احلجــم باملقارنــة مــع حجــم‬ ‫أكــراد العــراق‪ ،‬أمــا باالنضمــام إلــى هــذه الدولــة أو املطالبــة باملزيــد‬ ‫مــن احلقــوق القوميــة‪ .‬وتأسـ ًيا علــى ذلــك مثــل هــذ املوقــف اإلقليمــي‬ ‫غيــر العربــي رأس النفيضــة إلــى وأد خطــوة االســتفتاء والتأييــد التــام‬ ‫إلــى قــرارات احلكومــة االحتاديــة والبرملــان العراقــي املطالبــة يف‬ ‫الســيطرة علــى املطــارات واملنافــذ البريــة علــى حدود العراق الشــمالية‬ ‫والشــرقية املتاخمــة إلــى إقليــم كردســتان العــراق والتعــاون يف الكشــف‬ ‫عــن اإليــرادات الناجمــة مــن بيــع النفــط اخلــام العراقــي مــن احلقــول‬ ‫الشــمالية التــي تســيطر عليهــا حكومــة اإلقليــم باالتفــاق مــع الشــركات‬ ‫النفطيــة األجنبيــة التــي بــدأت يف التنقيــب واالســتخراج والتصديــر‬ ‫للنفــط اخلــام بعــد عــام ‪2003‬م‪ ،‬والتــي يقــدر حجمهــا بنحــو ‪ 900‬الــف‬ ‫برميــل ‪/‬يوم ًيــا وبضمنهــا نفــط كركــوك‪.‬‬ ‫ولعـل مـن أبـرز املسـائل اخلطيـرة التـي البـد مـن أخذهـا يف‬ ‫احلسـبان تلـك املتمثلـة يف التداعيـات اخلطيـرة علـى األمـة العربيـة‬ ‫برمتهـا والتـي تعيـش بعـض دولهـا ظرو ًفـا دقيقـة وصعبـة يف كل مـن‬

‫‪98‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫فمثــ ً‬ ‫ال إذا مــا خيــرت الواليــات املتحــدة بــن خســارة حليــف مثــل‬ ‫تركيــا أو وحــدات حمايــة الشــعب يف ســوريا‪ ،‬فليــس مــن املعقــول‬ ‫أن تتنــازل عــن دولــة كبيــرة وعضــوة يف حلــف الناتــو وذات امتــداد‬ ‫تاريخــي يف التحالــف مــع الواليــات املتحــدة األمريكيــة إبــان احلــرب‬ ‫البــاردة وغيرهــا مــن املناســبات التــي احتاجــت الواليــات املتحــدة‬ ‫فيهــا داع ًمــا إقليم ًيــا بوجــه روســيا أو غيرهــا‪.‬‬ ‫‪ .٥‬التجــارب التاريخيــة القريبــة لفشــل التجــارب االنفصاليــة‪ ،‬وتأتــي‬ ‫جتربــة دولــة جنــوب الســودان التــي انفصلــت عــن دولــة الســودان بعــد‬ ‫عــام ‪2011‬م‪ ،‬بدعــم غربــي كبيــر ج ـدًا‪ ،‬واحتــواء الدولــة علــى مــوارد‬ ‫طبيعيــة تؤهلهــا لتكــون منــوذج لدولــة ناجحــة‪ ،‬لكنهــا تشــهد ومنــذ‬ ‫صراعــا دمو ًيــا علــى الســلطة ذو أســاس قبلــي وعرقــي‬ ‫عــام ‪2013‬م‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مدفوعــا برغبــة جنــراالت األمــس وقــادة اليــوم يف االســتئثار بالســلطة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حديثــا إلــى الشــرق األوســط‬ ‫‪ .٦‬إن قطــار التغييــر اجلديــد الواصــل‬ ‫ليــس لتأســيس دول قوميــة جديــدة‪ ،‬ألنهــا موضــة تالشــت منــذ أمــد‬ ‫بعيــد‪ ،‬إنــه قطــار العوملــة الــذي ال يعتــرف بحــدود‪ ،‬وال ميانــع االندمــاج‬ ‫والترابــط وف ًقــا ألســس الســوق والنظــام العاملــي بخصائصــه احلاليــة‪،‬‬ ‫التــي ال تعتــرف بســيادة الضعيــف‪ ،‬وتتحــدى ســيادة األقويــاء‪ ،‬لــذا‬ ‫فــإن التكتــل واالندمــاج هــو اخليــار األنســب مــن التفتــت والتشــظي‬ ‫الــذي ال يعــد حالــة صح ّيــة ماض ًيــا أو حاض ـ ًرا أو مســتقب ً‬ ‫ال‪.‬‬

‫حال العراق والمنطقة بعد والدة دولة كردستان‬ ‫إذا مــا جنــح اســتفتاء كردســتان العــراق يف تأســيس دولــة جديــدة‬ ‫أو لــم ينجــح يف ذلــك‪ ،‬فلــن يســتمر الوضــع يف العــراق علــى مــا هو عليه‬ ‫قبــل ‪ 25‬أيلول‪-‬ســبتمبر ‪2017‬م‪ ،‬إذ ثمــة تغييــر كبيــر ستشــهده العمليــة‬ ‫السياســية يف العــراق‪ ،‬ورمبــا ســيظهر حتالــف وعقــد اجتماعــي‪-‬‬ ‫سياســي جديــد تســير وفــق بنــوده الدولــة العراقيــة يف حــال بقــاء أو‬ ‫عــدم بقــاء كردســتان العــراق جــزء منــه‪ ،‬وهــو مــا يدفــع إلــى دراســة‬ ‫ســيناريوهات املضــي يف تأســيس الدولــة مــن عدمــه وكمــا يلــي‪:‬‬ ‫‪ .1‬عدم االستمرار بتأسيس دولة يف إقليم كردستان العراق‬ ‫بعــد أن أصبــح االســتفتاء واق ًعــا ال ميكــن جتاهلــه‪ ،‬فــإن التعامــل‬ ‫مــع نتائجــه مــن قبــل القــوى السياســية يف بغــداد ويف أربيل تعد مســألة‬ ‫يف ظــل الضغــوط اإلقليميــة والعراقيــة الرافضــة لــه تســتدعي التعامــل‬ ‫بدقــة يف التقليــل مــن تأثيراتــه الســلبية علــى العــراق وكردســتانه‪ ،‬األمر‬ ‫الــذي يدفــع إلــى خياريــن أساســين يجــب علــى القــوى السياســية‬ ‫يف العــراق اعتمادهــا ويعــدان بديــالن للعنــف‪ ،‬أولهمــا‪ :‬إعــادة القــوى‬ ‫السياســية يف بغــداد للنظــر يف مجمــل األخطــاء والســلبيات التي قادت‬ ‫إلــى أزمــة االســتفتاء الكــردي ومــن قبلهــا أزمــات اإلرهــاب والنــزاع‬ ‫الطائفــي والفســاد السياســي واإلداري وغيرهــا‪ ،‬وبذلــك ســيتحتّم على‬ ‫جميــع األطــراف السياســية داخــل العــراق إعــادة صياغــة قواعد اللعبة‬ ‫السياســية‪ ،‬وزيــادة املســاحة احلقيقيــة للمشــاركة السياســية جلميــع‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫املكونــات ومــن ضمنهــا املكــون الكــردي والســني وغيــره‪ ،‬ورمبا تأســيس‬ ‫أقاليــم جديــدة بهــدف التقليــل مــن حــدة التناحــر واالختــالف حــول‬ ‫إدارة امللفــات احملليــة وعــدم فــرض وجهــة نظــر سياســية أحاديــة بعيدة‬ ‫عــن املشــروع اجلامــع لتنوعــات املجتمــع العراقــي‪ ،‬أمــا ثانيهمــا‪ :‬تنــازل‬ ‫القــوى السياســية العراقيــة عــن مشــروعها الطائفــي والقومــي‪ ،‬وكتابــة‬ ‫دســتور يضمــن إجمــاع وطنــي مؤســس لدولــة مدنيــة عراقيــة وقيــام‬ ‫القــوى السياســية بكســر معادلــة املكونــات يف الدولــة‪ ،‬وهــو أمــر يتطلب‬ ‫شــجاعة قــد ال متتلكهــا أغلــب النخــب السياســية احلاليــة‪ ،‬وحتقيــق‬ ‫هــذا اخليــار رهــن بتدخــل قــوى داخليــة أو خارجيــة جتبــر اجلميــع‬ ‫علــى التســليم بعمليــة سياســية جديــدة ‪.‬‬ ‫‪ .٢‬تأسيس دولة كردستان يف شمال العراق‬ ‫األمــر الــذي ســيو ّلد ه ـزّات سياســية واجتماعيــة كبــرى داخــل‬ ‫العــراق ضــد النخبــة السياســية احلاكمــة‪ ،‬ألنهــا ســتكون أول قيــادة‬ ‫سياســية يف تاريــخ هــذا البلــد عجــزت عــن احلفــاظ علــى وحــدة‬ ‫الدولــة‪ ،‬وقــد يشــهد البلــد فوضــى عارمــة ورمبــا تدخـ ً‬ ‫ال للجيــش يف‬ ‫احليــاة السياســية وضبــط الشــارع بالقــوة‪ ،‬أو قــد يتقســم مــا بقــي‬ ‫مــن أرض العــراق إلــى دويــالت يف الوســط والغــرب والفرات األوســط‬ ‫واجلنــوب نتيجــة ضغــط القــوى احملليــة علــى حكومــة بغــداد وفقــدان‬ ‫الســيطرة علــى األوضــاع‪ ،‬وبذلــك يفتتــح املجــال ملزيــد مــن التدخــالت‬ ‫ورمبــا ضــم أراض مــن العــراق إلــى أراضــي دول مجــاورة كتركيــا‬ ‫وإيــران وغيرهــا‪ ،‬مــا يعنــي نهايــة الدولــة العراقيــة ‪.‬‬

‫الخاتمة‬ ‫تبقــى أزمــة اســتفتاء إقليــم كردســتان سياســية وليســت قانونيــة‪،‬‬ ‫يف أســبابها وطبيعتهــا ونتائجهــا‪ ،‬فهــي نتاج للطريقــة التي بنيت عليها‬ ‫الدولــة العراقيــة بعــد ‪2003‬م‪ ،‬والتــي شــابتها الكثيــر مــن التناقضــات‬ ‫واألخطــاء املتشــابكة مــع جميــع مراحلهــا‪ ،‬مــن تأســيس اجلمعيــة‬ ‫الوطنيــة إلــى كتابــة الدســتور واالنتخابــات احملليــة واحلكوميــة التــي‬ ‫قامــت علــى أساســه‪ ،‬ومــا أنتجتــه مــن واقــع ال يتــالءم وطبيعــة وتاريــخ‬ ‫العــراق‪ ،‬الدولــة واملجتمــع‪.‬‬ ‫وبنــاء علــى مــا تقــدم فــإن تأســيس دولــة جديــدة يف إقليــم الشــرق‬ ‫األوســط لــن يغ ّيــر كثيـ ًرا مــن االضطــراب الــذي يســوده منــذ منتصــف‬ ‫القــرن العشــرين‪ ،‬بــل رمبــا ســيفتح بــؤرة جديــدة للصــراع واخلــالف‬ ‫بــن دولــه‪ ،‬وتبقــى الشــعوب هــي الدافــع األكبــر لضرائــب سياســات‬ ‫النخــب املتنافســة يف مجتمعــات الشــرق األوســط‪ ،‬ويبــدو املجتمــع‬ ‫الكــردي يف إيــران وتركيــا وســوريا والعــراق أصحــاب نصيــب كبيــر‬ ‫فيــه‪ ،‬األمــر الــذي يدعــو إلــى ضــرورة إعــادة التفكيــر والتأمــل يف‬ ‫احللــول قبــل اختــالق مشــكالت جديــدة‪.‬‬ ‫* أﻛﺎدميﻲ ﻋﺮاﻗﻲ‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫املقاتلــن احملاذيــن لسالســل جبــال زاجــروس وطــوروس والضفــة‬ ‫الشــمالية الشــرقية لنهــر الفــرات الواصلــة بــن جنبــات كردســتان‬ ‫التاريخيــة‪ ،‬لكــن تطــورات املراحــل املتتاليــة إلــى اآلن جعلــت الفرصــة‬ ‫أكبــر إلــى التحقــق عبــر عــدة عوامــل هــي‪:‬‬ ‫‪ .1‬اجلهــود العلميــة واألدبيــة والفكريــة‪ ،‬التــي بذلتهــا النخــب الكرديــة‬ ‫املثقفــة علــى مــر العقــود الزمنيــة املاضيــة وحتــى اآلن‪ ،‬مــن أدبــاء‬ ‫وشــعراء وعلمــاء تاريــخ وانثروبولوجيــا ولغــة وغيرهــا‪ ،‬يف التنظيــر‬ ‫العلمــي ملفهــوم األمــة الكرديــة‪ ،‬وترســيخ إمكانيــة قيــام دولتهــا يف‬ ‫العقــل اجلمعــي للشــعب الكــردي‪.‬‬ ‫‪ .٢‬االمتــداد الســكاني املتواصــل للمجموعــات الدميوغرافيــة الكرديــة‬ ‫مــن شــرق إيــران إلــى غــرب ســوريا‪ ،‬ومــن وســط‬ ‫تركيــا إلــى شــرق العــراق‪ ،‬والــذي يشــكل إذا مــا‬ ‫أزيلــت احلــدود كيــان بشــري متواصــل ميكــن أن‬ ‫يكــون وعــا ًء ســكان ًيا لدولــة قــد يبلــغ عــدد ســكانها‬ ‫‪ 30‬مليــون نســمة‪ ،‬وهــو مــا يفــوق عــدد ســكان دول‬ ‫مهمــة يف العالــم كاســتراليا التــي يقــل عــدد ســكانها‬ ‫عــن أعــداد ســكان املجتمعــات الكرديــة املتواصلــة‬ ‫أساســا‬ ‫يف الشــرق األوســط‪ ،‬ويشــكل هــذا الكيــان‬ ‫ً‬ ‫مــن أســس تش ـ ّكل الــدول وهــو العنصــر البشــري‪.‬‬ ‫‪ .٣‬الدعــم الدولــي وخاصــة مــن الغــرب للقضيــة‬ ‫الكرديــة‪ ،‬والتــي أســهمت فيــه اللوبيــات الكرديــة‪ ،‬والــذي انعكــس‬ ‫عمل ًيــا يف دعــم لقــرارات دوليــة صــادرة عــن منظمــات دوليــة كاألمم‬ ‫املتحــدة‪ ،‬وتبنيهــا ملواقــف تدعــم القضيــة الكرديــة‪ ،‬مثــل فــرض‬ ‫مناطــق حظــر الطيــران علــى العــراق بعــد ‪1991‬م‪ ،‬ومــا وفــره ذلــك‬ ‫مــن إمكانيــة بنــاء القــدرات العســكرية الكرديــة يف شــمال العــراق‬ ‫وتدعيــم وجــود قــوات كالـ(بيشــمركة) التــي حظيــت بدعــم الغــرب‬ ‫تســليحا وتدري ًبــا يف إطــار احلــرب ضــد (داعــش)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ .٤‬املساحة اجلغرافية الواسعة‪ ،‬والتي حتتوي الثروات الطبيعية الكبيرة‬ ‫يف عموم جغرافية كردستان الكبرى والبنية االقتصادية املتنامية‬ ‫(خاصة يف كردستان العراق)‪ ،‬التي تشكل بداية لتأسيس اقتصاد قوي‬ ‫يف حال قيام الدولة‪ ،‬يعتمد على بنية حتتية متنامية وموارد بشرية‬ ‫مناسبة للشروع بنشاط اقتصادي وإنتاجي متنوع‪ ،‬حسب املوارد‬ ‫والفرص االستثمارية العديدة املتاحة يف قطاعات اإلنتاج واخلدمات‪.‬‬ ‫عمومــا‪ ،‬وخاصــة العــراق وســوريا‬ ‫‪ .٥‬اضطــراب الشــرق األوســط‬ ‫ً‬ ‫وإيــران‪ ،‬وتركيــا (بعــد محاولــة االنقــالب)‪ ،‬إذ بــدأت القــوى الكرديــة‬ ‫يف العــراق وســوريا بتأســيس كياناتهــا املســتقلة نســب ًيا وال حتتــاج‬ ‫ســوى إعــالن االندمــاج لتشــكيل دولــة واحــدة بعــد االنفصــال عــن‬ ‫الدولتــن‪ ،‬أمــا إيــران فيبــدو أنهــا علــى أعتــاب مواجهــة كبيــرة مــع‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬األمــر الــذي يعـ ّرض مســتقبلها للخطــر‬ ‫كمــا حصــل مــع العــراق‪ ،‬وبذلــك يفســح املجــال واس ـ ًعا أمــام القــوى‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪97‬‬

‫ملف العدد‬

‫الكرديــة للشــروع ببنــاء كيانهــا واالنضمــام رمبــا إلى كردســتان الكبرى‬ ‫مــع باقــي األجــزاء‪ ،‬وتبقــى تركيــا التــي تنتظــر بــدأت جتهــز نفســها‬ ‫للتخلــص مــن قيــود اتفاقيــات خســارة الدولــة العثمانيــة يف احلــرب‬ ‫العامليــة األولــى‪ ،‬والتــي بقيــت يف مواجهــة مشــكالت لــم تنجــح يف‬ ‫تصفيرهــا‪ ،‬فهــي ال تــزال تصــارع مــن أجــل وقــف املشــروع الكــردي‪،‬‬ ‫ورمبــا لــن تفلــح يف مواجهــة املفاجــآت التــي يحملهــا مســتقبل الشــرق‬ ‫األوســط‪ ،‬والتــي لــم تكــن محاولــة االنقــالب آخرهــا‪ ،‬مــا قــد يدفــع‬ ‫بالقــوى الكرديــة ذات الثقــل الســكاني والسياســي غيــر املســتهان بــه‬ ‫إلــى زيــادة وتيــرة الســعي لاللتحــاق بباقــي أجــزاء كردســتان الكبــرى‪.‬‬

‫قطار التغيير الجديد‬ ‫الـواصـــل إلـى الـشـرق‬ ‫األوسطليسلتأسيسدول‬ ‫قومية جديدة بل العولمة‬ ‫التي ال تعترف بالحدود‬

‫والدة دولة مع عوامل فنائها المدمرة‬

‫إن عوامــل فنــاء الدولــة تولــد معهــا‪ ،‬وعنــد النظــر‬ ‫إلــى احلالــة الكرديــة تظهــر العوامــل التاليــة‪:‬‬ ‫‪ .1‬التنافــس السياســي الداخلــي بــني القــوى الكرديــة‪،‬‬ ‫ســواء يف إقليــم كردســتان أو خارجــه‪ ،‬والتســاؤل حــول‬ ‫زعامــة الدولــة يف حالــة تشــ ّكلها‪ ،‬وشــكل الدولــة‬ ‫وغيرهــا مــن القضايــا‪ ،‬إذ ال تــكاد تصــل نســبة الكــرد‬ ‫يف كردســتان العــراق وســوريا ثلــث العــدد اإلجمالــي‬ ‫للكــرد يف دولــة كردســتان الكبــرى يف حــال تش ـ ّكلها‪،‬‬ ‫ومــن املعــروف أن تاريــخ العالقــات الكردية‪-‬الكرديــة‬ ‫ال يخلــو مــن التنافــس والصــراع الدمــوي بــن القيــادات احملليــة‪.‬‬ ‫‪ .٢‬االختالفــات اللغويــة بــني مكونــات األمــة الكرديــة‪ ،‬إذ ال يتكلــم‬ ‫الكــرد لهجــة أو لغــة واحــدة‪ ،‬بــل إن هنالــك عــدة لهجــات ولغــات‬ ‫متداولــة يف مناطــق كردســتان املختلفــة‪ ،‬كاللهجــة الســورانية املعتمــدة‬ ‫رســم ًيا يف كردســتان العــراق وخاصــة يف أربيــل والســليمانية‪ ،‬إضافــة‬ ‫إلــى اللهجــة البادينيــة يف دهــوك‪ ،‬واللهجــة الكرمنشــاهية التــي متتــد‬ ‫مــن منطقــة خانقــن يف الشــرق إلــى شــمولها ألغلــب كردســتان‬ ‫إيــران‪ ،‬أمــا يف تركيــا فتنتشــر اللهجــة الكرماجنيــة يف مناطــق الكــرد‪،‬‬ ‫إضافــة إلــى مناطــق شــمالي ســوريا مــع وجــود لهجــات أخــرى‬ ‫كالهورمانيــة والزازكيــة املنتشــرة يف املناطــق احلدوديــة بــن إيــران‬ ‫والعــراق وتركيــا‪ ،‬األمــر الــذي يثيــر التســاؤل حــول ماهيــة اللغــة التــي‬ ‫ســتعتمد يف هــذه الدولــة‪ ،‬وأي الثقافــات احملليــة ســوف تطغــى‪.‬‬ ‫‪ .٣‬احمليــط املعــادي للدولــة‪ ،‬وخاصــة مــن الــدول املجاورة‪ ،‬التي كافحت‬ ‫بــكل الوســائل اقتطــاع جــزء مــن أراضيهــا لصالــح إنشــاء دولــة كرديــة‬ ‫أو اســتقالل‪ ،‬واملقصــود هنــا تركيــا وإيــران والعــراق وســوريا‪ ،‬التــي‬ ‫تســتطيع عــزل الدولــة الكرديــة حــال قيامهــا اقتصاد ًيــا‪ ،‬وهــو مــا‬ ‫يعنــي تدميــر البنيــة السياســية والعســكرية واخلدميــة يف الدولــة‬ ‫إضافــة إلــى الفشــل االقتصــادي‪.‬‬ ‫‪ .٤‬عــدم وجــود مــا يلــزم القــوى الكبــرى التــي تســاند الكــرد سياس ـ ًيا‬ ‫وعســكر ًيا واقتصاد ًيــا باســتمرار الدعــم إذا مــا تغ ّيــرت الظــروف‪،‬‬

‫‪96‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫يوجـــد تقـــارب لغـــوي وثقـــايف بيـــن الكـــرد والفـــرس وبعـــض‬ ‫المفكريــن وصفــوا ال ُكــرد بأنهــم بــدو الفــارس كالطبــري وابــن خلــدون‬ ‫انتخابـــات بلديـــة ألول مـــرة يف شـــمال ســـوريا الختيـــار مجلـــس‬ ‫للحك ــم الذات ــي يف املناط ــق اخلاضع ــة لس ــيطرة (وح ــدات حماي ــة‬ ‫الش ــعب)‪ ،‬الت ــي أعل ــن قادته ــا ع ــن ترحيبه ــم باس ــتفتاء االنفص ــال‬ ‫الك ــردي ع ــن الع ــراق واس ــتعدادهم للدف ــاع عن ــه‪ ،‬واملطالب ــة بحك ــم‬ ‫ذاتـــي يف مناطـــق شـــمال وشـــرق ســـوريا‪ ،‬مســـتفيدين مـــن ضعـــف‬ ‫ســـيطرة النظـــام الســـوري علـــى مناطقهـــم والدعـــم الـــذي تقدمـــه‬ ‫لهــم الواليــات املتحــدة األمريكيــة يف إطــار حربهــم ضــد اجلماعــات‬ ‫املتطرفـــة يف ســـوريا‪.‬‬

‫مستقبل الكرد يف محيط كردستان العراق‬ ‫يرتبــط مســتقبل الكــرد عمو ًمــا مبســتقبل بقيــة املكونــات القوميــة‬ ‫واالجتماعيــة بتنوعاتهــا يف الــدول املتواجــدة فيهــا‪ ،‬إذ ال ميكــن فصــل‬ ‫احلالــة الكرديــة عــن احلالــة املجتمعيــة العامــة‪ ،‬ســواء يف إيــران أو‬ ‫تركيــا أو ســوريا‪ ،‬وميكــن توضيــح ذلــك بتقســيم احلــاالت حســب‬ ‫الــدول إلــى ثــالث مجموعــات‪ ،‬كمــا يلــي‪:‬‬ ‫‪ .1‬تركيــا‪ ،‬التــي ال تــزال تعيــش حــال الطــوارئ بعــد محاولــة االنقــالب‪،‬‬ ‫وتســتنهض جميــع قواهــا لــردع أي محاولــة للتأثيــر يف وحدتها الوطنية‬ ‫ومــن ضمنهــا أي دعــوة للتفاعــل مــع اســتقالل كردســتان العــراق‪.‬‬

‫‪ .2‬إيـران‪ ،‬ويبـدو الوضـع فيهـا ً‬ ‫آيـال إلـى التغيَـر علـى وقـع التوتـرات‬ ‫الظاهرة يف األفق مع إدارة الرئيس األمريكي دونالد ترمب‪ ،‬الذي ل ّوح‬ ‫يف أكثـر مـن مناسـبة بعـدم قناعتـه باالتفاق النووي الـذي أجرته القوى‬ ‫الكبـرى مـع إيـران إبـان مـدة حكـم الرئيـس األمريكـي السـابق بـاراك‬ ‫أوبامـا‪ ،‬عـالوة علـى البـدء بعقوبات جتاه احلـرس الثوري اإليراني‪ ،‬وما‬ ‫قـد تسـببه جميـع هـذه املتغيرات من مواجهة محتملـة‪ ،‬والتي يرجح أن‬ ‫تسـتخدم فيهـا الورقـة الكرديـة كعامل اسـتنزاف إليران‪.‬‬ ‫‪ .3‬ســوريا‪ ،‬التــي بــدأ مســار احلركــة الكرديــة فيهــا يتضــح بعــد‬ ‫تأســيس وحــدات حمايــة الشــعب واإلدارة الذاتيــة‪ ،‬وغيرهــا مــن‬ ‫مقومــات احلكــم الذاتــي للكــرد يف تلــك الدولــة‪ ،‬وهــو مــا يقــ ّرب‬ ‫مســألة اســتقالل الكــرد أكثــر فأكثــر‪ ،‬ويجعــل مســألة انضمــام‬ ‫كردســتان ســوريا إلــى كردســتان العــراق مرتبطــة بنضــج التفاهمــات‬ ‫بــن القيــادات الكرديــة يف املنطقتــن املتجاورتــن‪ ،‬خاصــة وأن الدعــم‬ ‫األمريكــي والتنســيق املشــترك متوافــر ومســتمر‪.‬‬

‫ما المانع أمام تحقيق دولة كردستان الكبرى؟‬ ‫كانــت الدولــة الكرديــة الكبــرى اجلامعــة لشــتات األمــة الكرديــة‬ ‫مبثابــة صــرح ميثولوجــي أو أســطوري ‪ ،Mythological‬يف مخيلــة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫حلم االستقالل ممكن أيضًا خارج كردستان العراق‬ ‫تنشــط يف كل مــن إيــران وتركيــا وســوريا جماعــات كرديــة‪،‬‬ ‫تســعى إلــى تأســيس كيــان مســتقل يف إطــار أو خــارج هــذه الــدول‪،‬‬ ‫لكــن ذلــك ال يعنــي أن جميــع املنتمــن إلــى القوميــة الكرديــة يحملــون‬ ‫نفــس احلماســة لفكــرة االســتقالل كمــا يف حالــة العــراق‪ ،‬واألمــر‬ ‫هنــا يتعلــق بتطــورات التاريــخ وسياســات التعامــل مــع متطلباتهــم‬ ‫يف كل دولــة ومــدى االســتقرار السياســي واالقتصــادي وغيرهــا مــن‬ ‫العوامــل‪ ،‬ومــن اجلديــر بالذكــر أن ك ً‬ ‫ال مــن تركيــا وإيــران حتتويــان‬ ‫عــد ًدا يفــوق عــدد ال ُكــرد يف العــراق كمــا يبينــه اجلــدول التالــي‪:‬‬ ‫جــدول يوضــح عــدد الكُ ــرد بالنســبة إلــى مجمــل ســكان الدولــة يف‬ ‫العــراق وتركيــا وإيــران وســوريا‬

‫الدولة‬

‫عدد السكان‬ ‫اإلجمالي‬ ‫باملالين‬ ‫‪32‬‬ ‫‪81.6‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪18‬‬

‫عدد ال ُكرد‬ ‫باملالين‬

‫النسبة من‬ ‫عدد السكان‪%‬‬

‫‪5.5‬‬ ‫‪14.7‬‬ ‫‪8.1‬‬ ‫‪1.7‬‬

‫‪17.5‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪9.7‬‬

‫العراق‬ ‫تركيا‬ ‫إيران‬ ‫سوريا‬ ‫املصدر‪:‬‬ ‫‪-Council on Foreign Relations, The Time of The‬‬ ‫‪Kurds, on:‬‬ ‫‪https://www.cfr.org/interactives/time-kurds?gcl‬‬ ‫‪id=EAIaIQobChMI08GH8I3e1gIVi6MYCh0E‬‬ ‫‪hQB6EAAYASAAEgIiffD_BwE#!/?cid=ppc‬‬‫‪Google-grant-kurds_infoguide-072715‬‬ ‫ويتضــح مــن خــالل اجلــدول أن تركيــا حتتــوي النســبة األكبــر مــن‬ ‫عــدد ال ُكــرد‪ ،‬تليهــا إيــران ثــم العــراق فســوريا‪ ،‬لكــن لــم تشــهد احلركــة‬ ‫الكرديــة فيهمــا تنام ًيــا كمــا يف احلالــة العراقيــة‪ ،‬وميكــن تســليط‬ ‫الضــوء علــى احلالــة الكرديــة يف كل مــن هــذه الــدول كمــا يلــي‪:‬‬ ‫الكرد يف تركيا‬ ‫ُ‬ ‫يشــكل الكــرد أكبــر مجموعــة عرقيــة يف تركيــا بعــد التــرك‪،‬‬ ‫ويعــد حــزب العمــال الكردســتاني ‪ PKK‬الوجــه األبــرز للنزعــة‬ ‫االنفصاليــة الكرديــة يف تركيــا‪ ،‬علــى الرغــم مــن وجــود أحــزاب كبيــرة‬ ‫مؤيــدة للكــرد كحــزب الشــعوب الدميقراطيــة ‪ HDP‬إال أنهــا ال تتبنــى‬ ‫فكـ ًرا انفصال ًيــا كحــزب العمــال الكردســتاني‪ ،‬الــذي كان موقفــه مــن‬ ‫االســتفتاء غري ًبــا بعــض الشــيء‪ ،‬إذ ص ـ َرح قادتــه بــأن االســتفتاء مــا‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪95‬‬

‫ملف العدد‬

‫هــو إال محاولــة للتقليــل مــن شــعبية احلــزب يف كردســتان ورفــع‬ ‫شــأن قيــادات أخــرى كرئيــس اإلقليــم مســعود البرزانــي‪ ،‬وأن الطــرق‬ ‫الدميقراطيــة واالســتفتاءات ال تعــد الوســيلة األنســب لتأســيس‬ ‫الــدول‪ ،‬وإمنــا القتــال والنضــال املســلح حتــى ولــو اســتمر مئــات‬ ‫األعــوام‪ ،‬إال أن بعــض قــادة احلــزب أشــاروا إلــى موضــوع االســتفتاء‬ ‫كحــق طبيعــي ألي شــعب‪ ،‬وعمو ًمــا لــم تبــد األحــزاب الكرديــة يف‬ ‫تركيــا اهتما ًمــا كبيـ ًرا باســتفتاء كردســتان‪ ،‬ألنهــا تعتبــر أن املفاوضات‬ ‫واملمارســات الدميقراطيــة لــن جتــدي نف ًعــا‪ ،‬وأن الســبيل الوحيــد‬ ‫لالنفصــال وتشــكيل كردســتان الكبــرى هــو النضــال املســلح‪ ،‬وترتبــط‬ ‫هــذه العقيــدة باجلــذور املاركســية حلــزب العمــال الكردســتاني‪ ،‬الــذي‬ ‫يتفــق مــع أحــزاب كردســتان العــراق يف هــدف االنفصــال وتكويــن‬ ‫الدولــة‪ ،‬ويختلــف معهــا يف الســبيل لتحقيــق هــذا الهــدف‪.‬‬ ‫الكرد يف إيران‬ ‫واضحــا يف مناطــق الكــرد يف‬ ‫كان انعــكاس اســتفتاء كردســتان‬ ‫ً‬ ‫إيــران‪ ،‬فقــد احتفلــت مجموعــات كبيــرة مــن الكــرد يف مناطقهــم‬ ‫احملاذيــة للحــدود العراقيــة اإليرانيــة‪ ،‬وهــي التــي أشــعلت شــرارة‬ ‫تأســيس الكيــان القومــي الكــردي منــذ ثــورة ســمكو (‪1922-1981‬م)‪،‬‬ ‫مــرو ًرا بأزمــة ‪1946‬م‪ ،‬ومــن ثــم الثــورة الكرديــة عــام ‪1967‬م‪،‬‬ ‫وتأســيس (جمهوريــة مهابــاد) التــي عرفــت بــأول جمهوريــة كرديــة‬ ‫مســتقلة‪ ،‬مــرو ًرا بالتمــرد الكــردي بعــد الثــورة اإليرانيــة عــام ‪1979‬م‪،‬‬ ‫وانتهــا ًء بتمــرد حــزب (احليــاة احلــرة ‪ )PJAK‬التابــع حلــزب العمــال‬ ‫الكردســتاني ‪ PKK‬بــن عامــي ‪2011-2004‬م‪ ،‬واســتمرار هــذا‬ ‫التمــرد حتــى الســاعة‪.‬‬ ‫ولكـن مـن ناحيـة أخـرى ال يخفـى مـدى التقـارب اللغـوي والثقـايف‬ ‫الكبيـر بـن الكـرد والفـرس‪ ،‬حتـى إن بعـض املفكريـن والعلمـاء وصفـوا‬ ‫ال ُكـرد بأنهـم (بـدو الفـارس) وهـو مـا أورده الطبـري وابـن خلـدون يف‬ ‫قياسـا بباقـي املكونـات غيـر‬ ‫كتبهمـا‪ ،‬ويحظـى الكـرد مبعاملـة جيـدة‬ ‫ً‬ ‫الفارسية‪ ،‬حتى يف تسمية إحدى احملافظات بـ(كردستان)‪ ،‬وهو تفضيل‬ ‫لـم حتـظ بـه أقليـات عرقيـة أخـرى كالعـرب يف منطقـة األحـواز علـى‬ ‫سـبيل املثال‪ ،‬إال أن شـواهد التاريخ تفيد بأن أولى شـرارات االنفصال‬ ‫الكـردي عـن جسـد الدولـة املقيمـن فيهـا بـدأ مـن ال ٌكـرد يف إيـران‪،‬‬ ‫وقـد يحفـز اسـتفتاء االنفصـال يف العـراق علـى القيام مبثلـه يف إيران‪.‬‬ ‫الكرد يف سوريا‬ ‫رح ــب الك ــرد يف س ــوريا مب ــا حقق ــه وال ي ــزال إقلي ــم كردس ــتان‬ ‫ّ‬ ‫العـــراق يف طريـــق حتصيـــل احلقـــوق القوميـــة للشـــعب الكـــردي‪،‬‬ ‫وس ــبقت اإلدارة الذاتي ــة يف ش ــمال س ــوريا الت ــي أسس ــتها (وح ــدات‬ ‫حماي ــة الش ــعب) التنظي ــم الك ــردي املسـ ـلّح املدع ــوم م ــن الوالي ــات‬ ‫املتحـــدة األمريكيـــة إجـــراء اســـتفتاء كردســـتان العـــراق بإجـــراء‬

‫‪94‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫بــدأ أكــراد العــراق وســوريا بتأســيس كيــان ال يحتــاج ســوى إعــالن الدولــة‬

‫الدولــة المحتملــة بعــد اســتفتاء كردســتان‬ ‫العــراق‪ :‬الفــرص والتحديــات‬ ‫مــا أن بــدأ العــراق يشــهد نهايــة أزمــة ســقوط املوصــل بيــد تنظيــم (داعــش) بعــد معــارك عنيفــة دخلــت عامهــا الثالــث‪ ،‬حتــى‬ ‫اســتجدت أزمــة جديــدة قدميــة فيــه‪ ،‬تتعلــق باحللــم الكــردي لتأســيس الدولــة القوميــة املنشــودة‪ ،‬وإعــادة تعريــف العالقــة‬ ‫وجتســدت أولــى محــاوالت حتقيــق هــذا احللــم باســتفتاء تقريــر‬ ‫بــن كــرد العــراق وباقــي املكونــات املجتمعيــة يف هــذا البلــد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫املصيــر الــذي حصــل يف اخلامــس والعشــرين مــن أيلــول‪ -‬ســبتمبر ‪2017‬م‪ ،‬هــذا احلــدث الــذي أعــاد خلــط األوراق احملليــة‪،‬‬ ‫فض ـ ً‬ ‫ال عــن دول احمليــط اإلقليمــي‪ ،‬وخاصــة تلــك التــي تتشــارك مــع العــراق بوجــود املكــون الكــردي‪ ،‬وشــغل هــذا املكــون‬ ‫حيـزًا مــن مســاحتها اجلغرافيــة‪.‬‬

‫د‪ .‬محمد العيدان‬ ‫أتــى ســعي القيــادات السياســية الكرديــة وعلــى رأســها رئيــس‬ ‫إقليــم كردســتان العــراق مســعود البرزانــي إلــى انتهاج طريــق االنفصال‬ ‫عــن الدولــة العراقيــة بعــد الشــعور بعــدم إمكانيــة االســتمرار كجــزء‬ ‫مــن دولــة متلؤهــا املشــكالت السياســية واألمنيــة واالقتصاديــة‪ ،‬التــي‬ ‫لــم تكــن (داعــش) أولهــا وال يبــدو أنهــا آخرهــا حســب رؤيــة هــذه‬ ‫القيــادات‪ ،‬ومحــاكا ًة لرغبــة صعــود قطــار القوميــة الــذي لــم يركبــه‬ ‫الشــعب الكــردي عبــر احلقــب التاريخيــة املاضيــة‪ ،‬األمــر الــذي تفاعــل‬ ‫مــع اختــالالت العمليــة السياســية يف العــراق بعــد ‪2003‬م‪ ،‬ورخــاوة‬ ‫النظــام اإلقليمــي يف الشــرق األوســط‪ ،‬إضافــة إلــى محاولــة االســتفادة‬ ‫مــع عمليــة إعــادة خلــط األوراق بعــد الفوضــى التــي شــهدتها املنطقــة‬ ‫يف العقــد احلالــي‪ ،‬األمــر الــذي أتــى بــردود فعــل إقليميــة معاكســة‬ ‫ومعرقلــة حملاولــة تأســيس الدولــة الكرديــة‪ ،‬الســيما مــن تركيــا وإيــران‬ ‫والنظــام الســوري‪ ،‬واحلكومــة املركزيــة يف بغــداد‪.‬‬

‫الوضع القانوني الستقالل كردستان العراق‬ ‫يعــد االســتفتاء دســتور ًيا مــن وجهــة نظــر منظميــه‪ ،‬الذيــن‬ ‫انطلقــوا مــن كفالــة الدســتور العراقــي حــق التعبيــر عــن الــرأي‪ ،‬األمــر‬ ‫الــذي ال يبــرر بالضــرورة إمكانيــة فصــل جــزء مــن جســد الدولــة‪ ،‬إذ‬ ‫ليــس مــن املنطقــي لدســتور أن يســمح بتقســيم الدولــة التــي ينظــم‬ ‫شــؤونها‪ ،‬لكــن ميكــن تفســير مــا يحصــل خــارج النصــوص القانونيــة‬ ‫وفــق الواقعيــة السياســية‪ ،‬التــي تقــوم علــى أســاس وجــود قــوة نحــو‬

‫تأســيس دولــة مســتقلة كرديــة‪ ،‬حتقــق مصلحــة أو أكثــر‪ ،‬لهــذه الدولــة‬ ‫وللداعمــن لهــا يف املســتقبل املنظــور والبعيــد‪.‬‬

‫جار جديد غير مرحب به‬ ‫ســبقت بعــض ردود الفعــل علــى االســتفتاء مــن الــدول املجــاورة‬ ‫احلــدث‪ ،‬إذ ع ّبــر ممثلــو السياســات اخلارجيــة يف إيــران وتركيــا عــن‬ ‫رفضهــم لهــذا اإلجــراء‪ ،‬وابتــدأ الــرد بتصريحــات صحفيــة لناطقــن‬ ‫رســمين ووزراء خارجيــة‪ ،‬وتطــور مــع مــرور الوقــت إلــى التلويــح‬ ‫بقطــع خــط تصديــر النفــط الكردســتاني عبــر منافــذ تركيــا وإيــران‪،‬‬ ‫والقيــام مبنــاورات عســكرية مشــتركة علــى جبهاتهــا املواجهــة‬ ‫لكردســتان العــراق‪ ،‬مــع اإلعــالن عــن االســتعداد الســتخدام الوســيلة‬ ‫العســكرية ملنــع انفصــال اإلقليــم عــن العــراق‪ ،‬وانتقــال التصريحــات‬ ‫إلــى أعلــى املناصــب يف الدولــة‪.‬‬ ‫واتفــق اجلميــع علــى ضــرورة التنســيق مــع العــراق بشــأن العقوبات‬ ‫املقترحــة ضــد كردســتان‪ ،‬مثــل الشــروع بــإدارة احلــدود مــع حكومــة‬ ‫املركــز يف بغــداد والســعي نحــو تفعيــل منافــذ حدوديــة جديــدة بــن‬ ‫الدولتــن والعــراق خــارج حــدود ســيطرة كردســتان‪ ،‬علــى الرغــم مــن‬ ‫أن حجــم التبــادل التجــاري قبــل األزمــة وصــل إلــى مليــارات الــدوالرات‬ ‫األمريكيــة‪ ،‬وإن تطبيــق هــذه اإلجــراءات جمي ًعــا ال ينبــع مــن خشــية‬ ‫إيــران وتركيــا مــن اجلــار اجلديــد احملتمــل‪ ،‬وإمنــا مــن تأثيراتــه علــى‬ ‫مجتمعاتهــا متعــددة األعــراق وامللــل كإيــران وتركيــا وســوريا كذلــك‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪93‬‬

‫ملف العدد‬

‫شــكل الحكومــة كردســتان مــا يــزال دون حســم وأثــار رفــض البارزاني‬ ‫التنحــي يف نهايــة مــدة واليته النقاش حول النظام البرلماني والرئاســي‬ ‫فيم ــا يدع ــم الثان ــي إقام ــة نظ ــام برملان ــي‪ ،‬فغال ًب ــا م ــا كان احل ــزب‬ ‫الدميقراط ــي الكردس ــتاني ال ــذي يرأس ــه بارزان ــي يدع ــو إل ــى إقام ــة‬ ‫نظ ــام رئاس ــي‪ ،‬يف ح ــن أن االحت ــاد الوطن ــي الكردس ــتاني (‪)PUK‬‬ ‫وحرك ــة التغيي ــر (ك ــوران) كان ــوا يدع ــون إل ــى إقام ــة نظ ــام برملان ــي‬ ‫م ــع إدخ ــال بع ــض التعدي ــالت عل ــى قان ــون االنتخاب ــات الرئاس ــية‬ ‫وتأسيس ــا عل ــى‬ ‫واحل ــد م ــن س ــلطات الرئي ــس م ــن قب ــل البرمل ــان‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ذل ــك ف ــان ش ــكل احلكوم ــة ال ــذي س ــتتبناه كردس ــتان م ــا ي ــزال م ــن‬ ‫دون ح ــل كم ــا أن اخلالف ــات الت ــي أثاره ــا رف ــض البارزان ــي التنح ــي‬ ‫يف نهاي ــة م ــدة واليت ــه ل ــم ي ــؤد إل ــى إث ــارة أزم ــة دس ــتورية‪ ،‬فحس ــب‬ ‫بــل وأثــار نقــاش أوســع حــول مــاذا كانــت كردســتان يجــب أن تتبنــى‬ ‫النظ ــام البرملان ــي أم الرئاس ــي الق ــوي‪ .‬فالبارزان ــي وأنص ــاره ي ــرون‬ ‫أنـــه يف أوقـــات األزمـــات حيـــث اقتصـــاد كردســـتان علـــى شـــفير‬ ‫الهاويــة والتهديــدات األمنيــة التــي تلــوح باألفــق حينهــا ســيكون مــن‬ ‫الضـــروري مبـــكان وجـــود رئيـــس قـــوي ذو خبـــرة‪ .‬أنصـــار النظـــام‬ ‫الرئاس ــي ي ــرون أن األود يف النظ ــام البرملان ــي س ــيحول دون تبن ــي‬ ‫إج ــراءات فعال ــة يف األزم ــة‪ .‬وه ــم يجادل ــون ب ــان االنتخ ــاب املباش ــر‬ ‫للرئي ــس ب ــدال م ــن اختي ــاره م ــن قب ــل م ــن البرمل ــان ميك ــن أن يجع ــل‬ ‫الرئي ــس مس ــؤوال أم ــام مواطن ــي كردس ــتان‪.‬‬ ‫فيمـــا يـــرد خصومـــه علـــى مثـــل هـــذه املواقـــف بـــأن ذلـــك‬ ‫يـــؤدي إلـــى تـــآكل الدميقراطيـــة واملســـاءلة‪ ،‬وإن نظـــام احلكـــم‬ ‫البرملان ــي‪ ،‬كم ــا ي ــرون‪ ،‬يفض ــي إل ــى املزي ــد م ــن املس ــاءلة ويعم ــل‬ ‫عل ــى رب ــط النظ ــام بش ــكل مباش ــر بالش ــعب بص ــورة أفض ــل‪ .‬إن‬ ‫االفتـــراض القائـــل بـــأن البارزانـــي هـــو الرجـــل الوحيـــد الـــذي‬ ‫ميك ــن أن يق ــود‪ ،‬كم ــا يقول ــون‪ ،‬ه ــو افت ــراض يعن ــي ان ــه بع ــد رب ــع‬ ‫ق ــرن م ــن احلك ــم الذات ــي بحك ــم األم ــر الواق ــع لك ــرد الع ــراق‪ ،‬يف‬ ‫إقلي ــم يض ــم ع ــدة مالي ــن ق ــد فش ــل يف أن يجن ــد فئ ــة تكنوق ــراط‬ ‫أو طبقـــة سياســـية مختصـــة‪.‬‬

‫هل النظام السياسي لدولة كردستان قابل للبقاء؟‬ ‫ســـيكون النظـــام السياســـي املســـتقبلي يف كردســـتان علـــى‬ ‫األرج ــح امت ــدا ًدا للنظ ــام القائ ــم‪ ،‬ال ــذي يب ــدو نظر ًي ــا دميقراط ًي ــا‬ ‫إمنــا مــن الناحيــة العمليــة يــزداد اســتبدا ًدا‪ .‬فاحلــزب الدميقراطــي‬ ‫الكردســـتاني ‪ KDP‬يعتبـــر نفســـه احلاكـــم الشـــرعي إلقليـــم‬ ‫كردســـتان وذلـــك كونـــه الفائـــز يف احلـــرب األهليـــة مـــع االحتـــاد‬ ‫الوطن ــي الكردس ــتاني ‪ PUK‬ب ــن عام ــي ‪1994‬م‪ ،‬والع ــام ‪1998‬م‪،‬‬ ‫لـــذا ال يقبـــل احلـــزب الدميقراطيـــة إال يف احلـــدود التـــي تخـــدم‬

‫مصاحل ــه وبخالف ــه يعم ــل عل ــى كب ــح اآللي ــات الدميقراطي ــة عندم ــا‬ ‫تنط ــوي عل ــى تهدي ــد ملصاحل ــه‪ .‬فعل ــى س ــبيل املث ــال‪ ،‬ط ــرد احل ــزب‬ ‫الدميقراطـــي الكردســـتاني ‪ KDP‬رئيـــس مجلـــس النـــواب يف ‪10‬‬ ‫كانــون األول‪/‬ديســمبر ‪2015‬م‪ ،‬عندمــا حــاول البرملــان تعديــل قانــون‬ ‫الرئاس ــة إلج ــراء انتخاب ــات رئاس ــية عادل ــة‪.‬‬ ‫واســتنا ًدا إلــى هــذه األحــداث التــي جــرت مؤخـ ًرا‪ ،‬ثمــة احتمــال‬ ‫كبيــر بــأن يتمثــل الهــدف مــن مطالبــة كردســتان باالســتقالل بترســيخ‬ ‫الســلطة يف شــخص واحــد وحــزب واحــد وجماعــة مهيمنــة واحــدة‪.‬‬ ‫وقــد ميهــد ذلــك لســيطرة نظــام اســتبدادي وغيــر دميقراطــي‪.‬‬ ‫ومـــن الواضـــح أن الثقافـــة السياســـية يف ُكردســـتان العـــراق‬ ‫اليــوم تســتخدم كأداة لتكريــس آليــات شــخصنة الســلطة أكثــر مــن‬ ‫قي ــم احلري ــة والدميقراطي ــة والتن ــوع‪ .‬ل ــذا حامل ــا تن ــال كردس ــتان‬ ‫االس ــتقالل فإنه ــا عل ــى األرج ــح س ــتواجه منافس ــة ب ــن احل ــكام‬ ‫املس ــتبدين‪ .‬فق ــد خ ــاض كال م ــن احلزب ــن ح ــزب االحت ــاد الوطن ــي‬ ‫الكردســـتاني ‪ PUK‬واحلـــزب الدميقراطـــي الكردســـتاني ‪KDP‬‬ ‫خاض ــا حر ًب ــا أهلي ــة بس ــبب العائ ــدات واألرض الت ــي أودت بحي ــاة‬ ‫اآلالف م ــن الك ــرد‪ .‬وأن املخاط ــر الناجم ــة ع ــن املنافس ــة س ــتكون‬ ‫أعلـــى‪ ،‬وأن مخاطـــر الصـــراع بـــن احلزبـــن ســـتكون أكبـــر‪ .‬ويف‬ ‫الواقــع إذا مــا اســتمرت الديناميــات السياســية احلاليــة لكردســتان‬ ‫بع ــد االس ــتقالل‪ ،‬ف ــإن املخاط ــر الت ــي تواج ــه البل ــد س ــتأخذ منح ــى‬ ‫أقــرب ممــا هــو عليــه احلــال يف جنــوب الســودان منــه إلــى التفــكك‬ ‫الســلمي لتشيكوســلوفاكيا‪ .‬وميكــن أن يبــدأ النــزاع بشــكل مبكــر أو‬ ‫أنــه قــد يأتــي مــع حالــة عــدم اليقــن التــي تســود يف أعقــاب وفــاة‬ ‫الرج ــل الق ــوي‪ ،‬س ــواء أكان ذل ــك يف املنافس ــة ب ــن اب ــن مس ــعود‬ ‫البارزان ــي واب ــن أخي ــه بع ــد وفات ــه أو التداف ــع مل ــلء ف ــراغ القي ــادة‬ ‫يف أعق ــاب وف ــاة الطالبان ــي وزوجت ــه‪ .‬وم ــا يدع ــم ه ــذا الس ــيناريو‬ ‫انقســـام املؤسســـات األمنيـــة بـــن احلزبـــن ويف هـــذه احلالـــة‬ ‫ال يســـتبعد أن تلجـــأ األطـــراف املتنازعـــة إلـــى أطـــراف إقليميـــة‬ ‫ودولي ــة م ــن أج ــل حتقي ــق األرجحي ــة عل ــى اخلص ــوم كم ــا حص ــل‬ ‫يف الســـابق‪ .‬أو يف أحســـن األحـــوال أن تكـــون الظـــروف مواتيـــة‬ ‫للتدخ ــل اإلقليم ــي (تركي ــا وإي ــران) بحج ــة حماي ــة أقلي ــات معين ــة‬ ‫أو مصاحلهمـــا يف املنطقـــة‪.‬‬ ‫* أﺳــﺘﺎذ ﻣﺴــﺎﻋﺪ اﻟﻨﻈــﻢ اﻟﺴﻴﺎﺳــﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳــﺎت اﻟﻌﺎﻣــﺔ ‪ -‬ﻛﻠﻴــﺔ اﻟﻌﻠــﻮم‬ ‫اﻟﺴﻴﺎﺳــﻴﺔ ‪ /‬ﺟﺎﻣﻌــﺔ اﻟﻨﻬﺮﻳــﻦ‬

‫‪92‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫أكث ــر تعقي ـدًا‪ .‬فق ــد جم ــع (مجل ــس أم ــن إقلي ــم كردس ــتان) (مجل ــس‬ ‫األم ــن)‪ ،‬ال ــذي أسس ــه مجل ــس الن ــواب ع ــام ‪2011‬م‪ ،‬م ــا كان يُع ــرف‬ ‫ســاب ًقا بـــ (وكالــة مخابــرات البيشــمركة) و "وكالــة األمــن (األســايش)‬ ‫واملخابــرات‪ .‬ويتألــف (مجلــس األمــن) حصر ًيــا مــن ضبــاط احلــزب‬ ‫الدميقراط ــي الكردس ــتاني ‪ KDP‬واالحت ــاد الوطن ــي الكردس ــتاني‬ ‫‪ ،PUK‬إذ يتـــم إقصـــاء األحـــزاب السياســـية األخـــرى بإقليـــم‬ ‫كردس ــتان‪ .‬وحت ــى ضم ــن ه ــذا التنظي ــم احملص ــور بنف ــوذ احلزب ــن‪،‬‬ ‫يتحكـــم احلـــزب الدميقراطـــي الكردســـتاني ‪ KDP‬باملفاصـــل‬ ‫األساس ــية ملجل ــس األم ــن ومي ــارس التميي ــز ض ــد أعض ــاء االحت ــاد‬ ‫الوطن ــي الكردس ــتاني ‪ .PUK‬وم ــن جان ــب آخ ــر وعل ــى الرغ ــم أن‬ ‫مجل ــس األم ــن ق ــد أثب ــت جناح ــه يف احل ــرب ض ــد تنظي ــم داع ــش‬ ‫خـــالل الهجمـــات التـــي شـــنها التنظيـــم علـــى كردســـتان يف آب‪/‬‬ ‫أغســطس ‪2014‬م‪ ،‬إال أنــه فشــل نســب ًيا يف صــون املبــادئ القانونيــة‬ ‫والدســـتورية يف إقليـــم كردســـتان‪ .‬إذ لـــم يحـــرص مجلـــس األمـــن‬ ‫عل ــى ضم ــان تنح ــي الرئي ــس ع ــن منصب ــه عن ــد انته ــاء واليت ــه يف‬ ‫آب‪/‬أغســـطس ‪2015‬م‪ ،‬وبـــدالً مـــن ذلـــك‪ ،‬قـــام املجلـــس بتعطيـــل‬ ‫مجلـــس النـــواب وحجـــب رئيســـه‪ .‬وبذلـــك أصبـــح مجلـــس األمـــن‬ ‫ً‬ ‫مســـلطا علـــى رقـــاب املعارضـــن يف الداخـــل بـــدالً مـــن أن‬ ‫ســـي ًفا‬ ‫يعمـــل علـــى حمايـــة كردســـتان مـــن التهديـــدات اخلارجيـــة‪ .‬كمـــا‬ ‫ويتقاس ــم احلزب ــان املؤسس ــات األمني ــة األخ ــرى‪.‬‬ ‫● نظام قبلي ‪ -‬أسري‬ ‫إن القيـــادات السياســـية يف كردســـتان لـــم تســـتطع اخلـــروج‬ ‫م ــن ش ــرنقة القبلي ــة وتأس ــيس مؤسس ــات مدني ــة ب ــل اس ــتمرت‬ ‫الـــوالءات التقليديـــة القبليـــة واألســـرية لتكـــون األســـاس الـــذي‬ ‫ت ــدار في ــه مؤسس ــات الدول ــة كاف ــة ويتخ ــذ ه ــذا التوج ــه ً‬ ‫منط ــا‬ ‫مشـــاب ًها لـــدى احلزبـــن الرئيســـن علـــى الســـواء‪ ،‬فقـــد اعتمـــد‬ ‫مســـعود البارزانـــي علـــى أفـــراد أســـرته املباشـــرين ملـــلء هـــذا‬ ‫رئيســـا ليـــس‬ ‫الـــدور‪ .‬وقـــد وضـــع ابنـــه البكـــر مســـرور بوصفـــه‬ ‫ً‬ ‫فق ــط ملجل ــس األم ــن القوم ــي يف اإلقلي ــم‪ ،‬املذك ــور آن ًف ــا‪ ،‬فحس ــب‬ ‫بـــل وجلهـــاز اســـتخباراتها ً‬ ‫أيضـــا التـــي قـــد تســـتخدم أحيانـــا‬ ‫كف ــرق م ــوت الس ــتهداف الصحفي ــن واآلخري ــن الذي ــن ينتق ــدون‬ ‫البارزان ــي سياســ ًيا‪ .‬ويش ــغل ابن ــه الثان ــي منص ــور منص ــب قائ ــد‬ ‫ع ــام‪ ،‬فيم ــا يش ــغل اب ــن أخي ــه نيجرف ــان منص ــب رئي ــس ال ــوزراء‪.‬‬ ‫أم ــا أعض ــاء أس ــرته اآلخري ــن يدي ــرون ش ــركة اتص ــاالت محلي ــة‬ ‫(مش ــروع خ ــاص مت ش ــراؤه م ــن امل ــال الع ــام) تعم ــل عل ــى تق ــدمي‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫خدمـــات قيـــادة احلـــزب الدميقراطـــي الكردســـتاني ‪ KDP‬أو‬ ‫ميثـــل مصاحلهـــا يف اخلـــارج‪.‬‬ ‫ويف الوق ــت ال ــذي ب ــدا في ــه ح ــزب ج ــالل الطالبان ــي االحت ــاد‬ ‫الوطن ــي الكردس ــتاني ‪ PUK‬بوصف ــه نـ ـدًا للح ــزب الدميقراط ــي‬ ‫الكردســـتاني ‪ ،KDP‬إال أنـــه يف الســـنوات األخيـــرة تخلـــى عـــن‬ ‫املبــادئ التــي وعــد بتنفيذهــا يف البدايــة وبــدا لصالــح عائلتــه‪ .‬فقــد‬ ‫دع ــم ابن ــه البك ــر بافي ــل ليك ــون قائ ــد عس ــكري يف ح ــزب االحت ــاد‬ ‫الدميقراطــي ‪ PUK‬وابنــه األصغــر قوبــاد‪ ،‬لتمثيــل مصالــح الكــرد‬ ‫يف واش ــنطن‪ .‬فيم ــا س ــيطرت زوجت ــه‪ ،‬هي ــرو إبراهي ــم أحم ــد‪ ،‬عل ــى‬ ‫وســـائل اإلعـــالم لالحتـــاد الوطنـــي الكردســـتاني ‪ ،PUK‬وبعـــد‬ ‫تعـــرض الطالبانـــي جللطـــة دماغيـــة تضاعفـــت ســـيطرتها علـــى‬ ‫الشـــؤون املاليـــة لالحتـــاد الوطنـــي الكردســـتاني ‪ .PUK‬وقامـــت‬ ‫بتطهي ــر الق ــادة م ــن غي ــر العائل ــة مث ــل بره ــم صال ــح‪ ،‬م ــن أج ــل‬ ‫تعزي ــز موق ــع قوب ــاد يف قم ــة ه ــرم حكوم ــة إقلي ــم كردس ــتان‪ .‬ويف‬ ‫الوقـــت نفســـه فـــإن ابـــن شـــقيق جـــالل الطالبانـــي الهـــور يقـــود‬ ‫قـــوة مكافحـــة اإلرهـــاب التابعـــة لالحتـــاد الوطنـــي الكردســـتاني‬ ‫‪ PUK‬وال ــذي اس ــتخدمه ه ــو هي ــرو بكث ــرة لترهي ــب املعارض ــن‬ ‫بحج ــة مكافح ــة اإلره ــاب‪ .‬أم ــا آالء ابن ــة ج ــالل الطالبان ــي ت ــرأس‬ ‫فصيــل حــزب االحتــاد الكردســتاني ‪ PUK‬يف البرملــان‪ .‬واألقــارب‬ ‫اآلخري ــن للطالبان ــي اس ــتخدموا مواقعه ــم الرس ــمية‪ ،‬س ــواء أكان ــت‬ ‫يف مـــكان إقامتهـــم يف الســـليمانية أم يف مناصـــب دبلوماســـية‬ ‫خارجه ــا بعيــدًا مث ــل بك ــن‪ ،‬حي ــث يقي ــم ش ــقيق زوجت ــه هي ــرو م ــن‬ ‫أجـــل إدارة احلـــزب واســـتثمار املـــال العـــام التـــي غال ًبـــا مـــا يتـــم‬ ‫توجيهـــه إلـــى خزائـــن العائلـــة‪ .‬وعلـــى الرغـــم مـــن غيـــاب جـــالل‬ ‫الطالبانــي يف أعقــاب اعتــالل صحتــه إال أن زوجتــه حتكــم باســمة‬ ‫بقبض ــة م ــن حدي ــد‪.‬‬

‫كيف سيكون شكل النظام السياسي يف دولة كردستان؟‬ ‫قــد أثــار النــزاع حــول ماهيــة النظــام السياســي الكثيــر مــن‬ ‫اإلشــكاليات التــي ردهــا املتابعــون واملراقبــون إلــى اخلصومــات‬ ‫التاريخية بن النخبة السياســية يف الســليمانية وبن عائلة البارزاني‪،‬‬ ‫والتــي ظهــرت للمــرة األولــى يف ســتينات القــرن املنصــرم حــن تــرك‬ ‫الرئيــس العراقــي الســابق جــالل الطالبانــي ورفاقــه صفــوف احلــزب‬ ‫الدميوقراطــي ال ُكردســتاني بقيــادة البارزانــي األب‪.‬‬ ‫وبشـــكل عـــام تشـــهد كردســـتان بهـــذا اخلصـــوص اســـتقطا ًبا‬ ‫يتمحـــور علـــى فريقـــن يدعـــم األول منهمـــا النظـــام الرئاســـي‪،‬‬

‫يدير مسعود البارزاني حكومة إقليم كردستان بشكل استبدادي ورفض‬ ‫التنحـي عـن رئاسـته يف نهايـة واليته الثانية التي مددها أص ًال بنفسـه‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪91‬‬

‫ملف العدد‬

‫ال يستبعد لجوء األطراف الكردية المتنازعة إىل دول إقليمية ودولية‬ ‫للفــوز عــى الخصــوم وتكــون الظــروف مواتيــة لتدخــل (تركيــا وإيــران)‬ ‫املصادقـــة عليـــه بعـــد‪ ،‬كمـــا أشـــرنا ســـاب ًقا‪ ،‬إال أن البارزانـــي قـــد‬ ‫ً‬ ‫جتاهــل هــذا الدســتور ً‬ ‫رافضــا التنحــي عــن رئاســته يف نهايــة‬ ‫أيضــا‬ ‫واليت ــه الثاني ــة الت ــي مدده ــا أص ـ ً‬ ‫ـال بنفس ــه‪ .‬كم ــا رف ــض االلت ــزام‬ ‫باملــادة ‪ 15‬مــن قانــون الرئاســة الــذي ينــص علــى أن رئيــس البرملــان‬ ‫يتولـــى الرئاســـة عندمـــا تنتهـــي مـــدة واليـــة الرئيـــس حتـــى تعقـــد‬ ‫انتخاب ــات الختي ــار رئي ــس جدي ــد‪.‬‬ ‫ويف ظــل البنيــة السياســية احلاليــة حلكومــة إقليــم كردســتان‪ ،‬ال‬ ‫وجــود ملبــدأ الفصــل بــن الســلطات كمــا تعطلــت آليــات الرقابــة بــكل‬ ‫أنواعهــا ســواء أكانــت رقابــة برملانيــة علــى أعمــال احلكومــة (الســؤال‪،‬‬ ‫االســتجواب‪ ،‬التحقيــق)‪ ،‬أم رقابــة قضائيــة لتكــرس هيمنــة رئاســة‬ ‫اإلقليــم علــى باقــي الســلطات‪.‬‬ ‫● هـيـمـنـ ــة الـحـزبـيـ ــن الـديـمـقـراطـ ــي الـكـردسـتانـ ــي وح ــزب االتـحـ ــاد‬ ‫الـكـردسـتـانـ ــي‬ ‫عل ــى الرغ ــم م ــن وج ــود ع ــدة أح ــزاب سياس ــية يف كردس ــتان‬ ‫إال أن كل منه ــا يتبن ــى ثقاف ــة اس ــتبدادية‪ .‬ل ــذا ف ــإن أه ــم م ــا يؤش ــر‬ ‫عل ــى احلي ــاة احلزبي ــة يف اإلقلي ــم‪ ،‬ه ــو الهيمن ــة ش ــبه املطلق ــة عل ــى‬

‫احلي ــاة السياس ــية يف كردس ــتان وه ــذه الهيمن ــة تأخ ــذ طاب ــع قبل ــي‬ ‫وأس ــري وهيمن ــة مناطقي ــة يص ــح معه ــا توصي ــف النظ ــام احلزب ــي‬ ‫بنظــام احلــزب الواحــد ويف الوقــت الــذي يهيمــن فيــه احلزبــن علــى‬ ‫مفاصــل املؤسســات السياســية‪ ،‬يعمــل احلزبــان علــى قمــع األحــزاب‬ ‫األخـــرى ووضـــع عقبـــات يف طريقهـــا للوصـــول إلـــى البرملـــان مـــن‬ ‫قبيـــل وضـــع عتبـــة ‪ %7‬مـــن أصـــوات الناخبـــن والتـــي ال يتمكـــن‬ ‫أي مـــن األحـــزاب جتـــاوز هـــذه العتبـــة عـــدا احلزبـــن الرئيســـن‬ ‫كمـــا ويســـتخدم احلزبـــان احلاكمـــان املؤسســـات احلكوميـــة يف‬ ‫اإلقليـــم واملـــال العـــام يف الدعايـــة االنتخابيـــة‪ ،‬كمـــا ويقـــوم هـــذان‬ ‫احلزبـــان بالضغـــط علـــى األحـــزاب األخـــرى عـــن طريـــق فصـــل‬ ‫كوادره ــا م ــن الدوائ ــر واملؤسس ــات العام ــة وقط ــع منحه ــم املالي ــة‬ ‫ب ــن احل ــن واآلخ ــر وص ــوالً إل ــى الهج ــوم عل ــى مقراته ــم وحرقه ــا‪،‬‬ ‫والســـيما يف املناطـــق التـــي تخضـــع لنفـــوذ احلـــزب الدميقراطـــي‬ ‫الكردس ــتاني ‪ KDP‬وال يقتص ــر األم ــر عل ــى ذل ــك ب ــل ويس ــتخدم‬ ‫كال مـــن احلزبـــن األجهـــزة األمنيـــة مـــن أجـــل تشـــديد قبضتهمـــا‬ ‫علـــى الســـلطة وإقصـــاء املعارضـــن‪ ،‬فعلـــى ســـبيل املثـــال يتخـــذ‬ ‫جه ــاز املخاب ــرات التاب ــع حلكوم ــة إقلي ــم كردس ــتان طاب ًع ــا حزب ًي ــا‬

‫‪90‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫خالفات "االتحاد الوطني" و"الديمقراطي الكردستاني" يقود لسيناريو جنوب السودان‬

‫النظام السياسي يف كردستان بعد االنفصال‪:‬‬ ‫مـعـضلة الـكيفـية والشكـل‬ ‫إن مــن بــن أهــم التحديــات التــي تواجــه كردســتان بعــد االســتقالل تلــك املتصلــة بطبيعــة النظــام السياســي الــذي ســتتبناه‬ ‫كردســتان‪ ،‬وهــذه اإلشــكالية تنطــوي علــى بعديــن رئيســن يتعلــق األول‪ ،‬بالكيفيــة التــي يعمــل فيهــا النظــام السياســي وممارســة‬ ‫الســلطة فيــه وتتجلــى بتجربــة احلكــم االســتبدادي وضعــف الثقافــة السياســية وســيادة الــوالءات التقليديــة‪ ،‬والســيما القبليــة‬ ‫واألســرية‪ ،‬يف كل مفاصــل احليــاة السياســية التــي يهيمــن عليهــا احلزبــن الرئيســن االحتــاد الوطنــي الكردســتاني ‪PUK‬‬ ‫التابــع جلــالل الطالبانــي واحلــزب الدميقراطــي الكردســتاني التابــع للبارزانــي ‪ KDP‬وكذلــك يف هــرم الســلطة‪ ،‬البل أصبحت‬ ‫األخيــرة تكــرس هيمنــة أســرة حاكمــة‪ ،‬أمــا البعــد الثانــي يتعلــق بشــكل النظــام السياســي الــذي ســتتبناه كردســتان الــذي‬ ‫أثــار جــدالً واســتقطا ًبا واســ ًعا علــى صعيــد (النخبــة) واجلماهيــر‪ ،‬بشــأن أي النظــام أصلــح هــل هــو النظــام البرملانــي أم‬ ‫الرئاســي‪ ،‬وهــذا اخلــالف اتخــذ نفــس االنقســام احلزبــي‪ ،‬واجلغــرايف والقبلــي داخل كردســتان العــراق‪ .‬وجتدر اإلشــارة يف هذا‬ ‫ً‬ ‫فراغــا دســتور ًيا علــى الرغــم مــن وجــود مســودة دســتور إال أنهــا لــم يتــم املصادقــة عليهــا بعــد‬ ‫اخلصــوص أن كردســتان تعيــش‬ ‫وتســتند الســلطات يف كردســتان (التشــريعية والتنفيذيــة والقضائيــة) إلــى قوانــن تســير عملهــا وتنظــم العالقــة فيمــا بينهــا‪.‬‬

‫د‪ .‬نصر محمد علي‬

‫ما هو شكل النظام السياسي القائم يف كردستان؟‬ ‫ان أصعـــب املعضـــالت التـــي تواجـــه إقليـــم كردســـتان هـــي‬ ‫معضل ــة حتدي ــد هوي ــة النظ ــام السياس ــي‪ ،‬إذ ال يع ــرف ش ــكله‪ ،‬ه ــل‬ ‫ه ــو نظ ــام برملان ــي أم رئاس ــي؟‪ .‬فعل ــى الرغ ــم م ــن أن امل ــادة األول ــى‬ ‫م ــن مس ــودة دس ــتور حكوم ــة إقلي ــم كردس ــتان تن ــص عل ــى النظ ــام‬ ‫السياس ــي يف اإلقلي ــم برملان ــي جمه ــوري دميقراط ــي‪ ،‬إال أن قان ــون‬ ‫رئاس ــة اإلقلي ــم رق ــم (‪ )1‬لع ــام ‪2005‬م‪ ،‬أن ــاط صالحي ــات واس ــعة‬ ‫لرئيـــس اإلقليـــم تكـــرس هيمنـــة الرئاســـة علـــى باقـــي الســـلطات‪،‬‬ ‫فرئيـــس اإلقليـــم وف ًقـــا لقانـــون الرئاســـة هـــو رئيـــس الســـلطة‬ ‫التنفيذي ــة لإلقلي ــم وقائ ــد الق ــوات (البيش ــمركة) ول ــه ح ــق اقت ــراح‬ ‫مش ــاريع القوان ــن كم ــا ميل ــك ح ــق النق ــض (الفيت ــو) عل ــى القوان ــن‬ ‫الصــادرة مــن البرملــان وميلــك حــق إصــدار مراســيم بشــأن؛ تشــكيل‬ ‫ال ــوزارة بع ــد ني ــل ثق ــة األغلبي ــة‪ ،‬وإقال ــة ال ــوزراء إذا طل ــب رئي ــس‬ ‫الــوزراء أو يف حالــة قيــام البرملــان بحجــب الثقــة عنهــم فضــال علــى‬ ‫تعيـــن القضـــاة وصالحيـــات أخـــرى‪ .‬ومـــن هنـــا وبســـبب النزعـــة‬ ‫االس ــتبدادية واخلل ــل يف الت ــوازن ب ــن الس ــلطات لصال ــح الس ــلطة‬ ‫التنفيذيـــة‪ ،‬أدى إلـــى صعوبـــة حتديـــد شـــكل النظـــام السياســـي‬

‫القائـــم‪ ،‬فالبعـــض يـــرى أنـــه أقـــرب إلـــى النظـــام الرئاســـي كـــون‬ ‫الرئيــس ينتخــب باالقتــراع الســري املباشــر مــن قبــل الشــعب األمــر‬ ‫الــذي يعطيــه مركــز قــوة أكبــر إزاء البرملــان كمــا يتمتــع بصالحيــات‬ ‫واس ــعة أخ ــرى ال تناس ــب أي رئي ــس يف أي نظ ــام برملان ــي‪ ،‬فيم ــا‬ ‫ي ــرى البع ــض اآلخ ــر أن ــه أق ــرب إل ــى النظ ــام املختل ــط كون ــه يض ــم‬ ‫رئيــس بصالحيــات قويــة باإلضافــة إلــى وجــود وزارة (رئيــس وزراء‬ ‫ووزراء) تســتند يف تشــكيلها إلــى األغلبيــة البرملانيــة ويخضعــون إلــى‬ ‫الرقاب ــة البرملاني ــة‪ .‬ومهم ــا يك ــن م ــن أم ــر ش ــكل النظ ــام السياس ــي‬ ‫فـــان األخيـــرة باملمارســـة يفصـــح عـــن نزعـــة اســـتبدادية ميكـــن‬ ‫تلمســـها م ــن خ ــالل اآلت ــي‪:‬‬ ‫● التفرد بالسلطة‬ ‫يدي ــر رئي ــس األم ــر الواق ــع مس ــعود البارزان ــي حكوم ــة إقلي ــم‬ ‫كردســـتان بشـــكل اســـتبدادي ويعامـــل البرملـــان كمؤسســـة شـــكلية‬ ‫عندم ــا يس ــيطر حزب ــه عليه ــا ويتجاهله ــا عندم ــا تتجم ــع أح ــزاب‬ ‫املعارض ــة يف أغلبي ــة ائتالفي ــة‪ .‬ويف الوق ــت ال ــذي متتل ــك كردس ــتان‬ ‫العـــراق مســـودة دســـتور التـــي أقرهـــا البرملـــان ولكـــن لـــم يتـــم‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الكرديــة تشــعر مبــأزق يف تعاملهــا مــع شــركات النفــط العامليــة منــذ‬ ‫أوائــل عــام ‪2015‬م‪ ،‬نتيجــة اســتنزاف مواردهــا مــن النفــط بفعــل‬ ‫تراجــع أســعار النفــط عامل ًيــا (مــن ‪ 115‬دوالر يف يونيــو ‪2014‬‬ ‫إلــى أقــل مــن ‪ 60‬يف الوقــت احلالــي) واحلــرب مــع مقاتلــي تنظيــم‬ ‫الدولــة اإلســالمية الذيــن كانــوا علــى مقربــة مــن أربيــل بحوالــي ‪30‬‬ ‫كيلومتــرا فقــط‪ .‬وقــد أدى ذلــك إلــى تعثــر احلكومــة الكرديــة يف دفــع‬ ‫مســتحقات شــركات النفــط العاملــة يف إقليــم كردســتان ممــا أدى‬ ‫إلــى خســائر فادحــة لهــذه الشــركات‪ ،‬مثــل جينيــل‪ ،‬وشــركة اخلليــج‬ ‫كيســتون للبتــرول احملــدودة‪ ،‬وشــركة ويســترنزاجروس ريسورســز‬ ‫احملــدودة‪ ،‬والتــي فقــدت أكثــر مــن ‪ 90‬يف املائــة مــن قيمتهــا‪ .‬وهــذه‬ ‫التجربــة واملنازعــات بــن احلكومــة الكرديــة والســلطات الوطنيــة‬ ‫العراقيــة أبقــت معظــم شــركات النفــط الكبــرى بعيـدًا ودفعــت بعــض‬ ‫املســتثمرين إلــى االنســحاب‪.‬‬ ‫ويف النهايــة‪ ،‬ميكــن القــول أن الغالبيــة الســاحقة مــن اخلبــراء‬ ‫تقــر بــأن مســاعي انفصــال منطقــة كردســتان العــراق عــن بغــداد‬ ‫ســوف تكــون لهــا آثــار ســلبية وخيمــة علــى مســتقبل قطــاع النفــط يف‬ ‫هــذه املنطقــة يف ظــل الرفــض اإلقليمــي والدولــي لهــذا االنفصــال‪.‬‬ ‫فجغراف ًيــا ال متلــك الدولــة الكرديــة املنتظــرة منف ـ ًذا بحر ًيــا‪ ،‬وهــي‬ ‫محاطــة بالكامــل مــن دول مجــاورة تعــادي خطوتهــا االنفصاليــة‪ ،‬أمــا‬ ‫اقتصاد ًيــا فيعتمــد اقتصــاد حكومــة كردســتان علــى النفــط الــذي‬ ‫يُنقــل عبــر أنابيــب متــر بتركيــا أو يص ـ ّدر عبــر احلكومــة املركزيــة‪،‬‬ ‫وكل هــذه املــوارد ســيتم إيقافهــا إذا ظلــت األوضــاع متوتــرة بــن‬ ‫ً‬ ‫وأيضــا تركيــا‪ ،‬وبالتالــي لــن تســتطيع‬ ‫اإلقليــم واحلكومــة املركزيــة‬ ‫أربيــل‪ ،‬علــى األرجــح‪ ،‬أن تؤســس دولــة دون القــدرة علــى تصديــر‬ ‫نفطهــا وهــو مصــدر القــوة الوحيــد واألبــرز لإلقليــم‪.‬‬ ‫ومــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬إذا مــا أصــرت حكومــة منطقــة كردســتان‬ ‫العــراق علــى املضــي قد ًمــا يف مســاعيها االنفصاليــة‪ ،‬رمبــا نشــهد‬ ‫تعاو ًنــا عراق ًيــا إيران ًيــا أكبــر يف مجــال تصديــر النفــط العراقــي مــن‬ ‫املناطــق الشــمالية‪ .‬حيــث أعلــن وزيــر النّفــط اإليرانــي بيجــن زنكنــة‬ ‫يف اليــوم األول مــن عــام ‪2017‬م‪ ،‬عــن رغبــة بــالده يف تعزيــز التعــاون‬ ‫مــع العــراق‪ ،‬خاصــة فيمــا يتعلــق مبشــروع مــد أنبــوب النفــط مــن‬ ‫محافظــة الســليمانية يف شــمال شــرق العــراق‪ ،‬وضمــن حــدود إقليــم‬ ‫كردســتان‪ ،‬إلــى األراضــي اإليرانيــة‪ .‬وكانــت إيــران قدمــت يف وقــت‬ ‫ً‬ ‫عرضــا إلــى ســلطات إقليــم كردســتان العــراق إلنشــاء أنبــوب‬ ‫ســابق‬ ‫لنقــل نفــط اإلقليــم إلــى األســواق العامليــة عبــر األراضــي اإليرانيــة‪،‬‬ ‫أســوة باخلــط التركــي القائــم حال ًيــا بــن املنطقــة ومينــاء جيهــان‬ ‫التركــي‪ .‬ومــن شــأن هــذا املشــروع أن ينهــي الســلطة شــبه الكاملــة‬ ‫للحــزب الدميقراطــي الكردســتاني بزعامــة رئيــس اإلقليــم مســعود‬ ‫البرزانــي يف تصديــر نفــط اإلقليــم عبــر تركيــا‪ .‬وممــا يدعــم مــن هــذا‬ ‫االحتمــال عــدم توافــر بدائــل كثيــرة لتصديــر النفــط مــن منطقــة‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪89‬‬

‫ملف العدد‬

‫كردســتان العــراق‪ ،‬خاصــة يف ظــل اســتمرار احلــرب األهليــة يف‬ ‫ســورية‪ ،‬وبالتالــي صعوبــة الوصــول إلــى منفــذ مالئــم علــى البحــر‬ ‫األبيــض للوصــول إلــى األســواق العامليــة‪.‬‬

‫* رﺋﻴــﺲ ﺑﺮﻧﺎﻣــﺞ دراﺳــﺎت اﻟﻄﺎﻗــﺔ وﺧﺒــري اﻟﻌﻼﻗــﺎت اﻟﺪوﻟﻴــﺔ ـ ﻣﺮﻛــﺰ اﻷﻫـﺮام‬ ‫ﻟﻠﺪراﺳــﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳــﻴﺔ واﻻﺳـﱰاﺗﻴﺠﻴﺔ‬

‫‪88‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تعثر الحكومة الكردية يف دفع المستحقات أدى إىل خسائر لشركات‬ ‫جينيل وكيســتون ويســترنزاجروس ريسورســز وفقدت ‪ % 90‬من قيمتها‬ ‫إنيرجـي التركيـة‪ ،‬وهمـا من أكبر شـركات النفط املسـتثمرة يف النفط‬ ‫الكـردي وتنتجـان معظـم النفـط يف منطقـة كردسـتان العـراق (أكثـر‬ ‫مـن ‪ 110‬ألـف برميـل يوم ًيـا مـن حقل تاوكي)‪ .‬وجتدر اإلشـارة إلى أن‬ ‫عالقـات الطاقـة القويـة بـن موسـكو وأربيـل قـد اتضحـت بقـوة قبـل‬ ‫اسـتفتاء ‪ 25‬سـبتمبر‪ .‬ففـي فبرايـر املاضـي‪ ،‬أعلنت شـركة روسـنيفت‬ ‫العمالقـة النفطيـة الروسـية أنهـا سـتمول مقد ًمـا اتفا ًقـا مدته سـنتان‬ ‫ابتـداء مـن هـذا العـام لشـراء النفـط الكردسـتاني‪ .‬ويف مطلـع يونيـو‬ ‫املاضـي‪ ،‬وقعـت شـركة روسـنيفت ً‬ ‫أيضـا اتفا ًقـا ملـدة ‪ 20‬عا ًمـا لشـراء‬ ‫النفط الكردسـتاني‪ ،‬واتفا ًقا آخر الستكشـاف وتطوير خمسـة حقول‬ ‫نفطيـة "ذات إمكانـات جيولوجيـة كبيـرة" يف كردسـتان العـراق‪ .‬ويف‬ ‫‪ 18‬سـبتمبر املاضـي‪ ،‬أعلنـت شـركة روسـنيفت مجـد ًدا عـن مشـروع‬ ‫لتمويـل بنـاء البنيـة التحتيـة خلطـوط أنابيـب الغـاز يف كردسـتان‬ ‫العـراق‪ ،‬لرفـع القـدرة التصديريـة املتوقعـة بحلـول عـام ‪2020‬م‪ ،‬إلـى‬ ‫‪ 30‬مليـار متـر مكعـب (أكثـر مـن تريليـون قـدم مكعـب) سـنو ًيا‪ .‬ويـرى‬ ‫كثيـر مـن املراقبـن أن توثيـق العالقـات بـن موسـكو وأربيـل يف اآلونة‬ ‫األخيـرة يأتـي يف إطـار حـرص الرئيس الروسـي فالدميير بوتن على‬ ‫حتقيـق أربـاح كبيـرة مـن االسـتثمار يف قطـاع ّ‬ ‫الطاقـة الكـردي‪ ،‬فضال‬ ‫عـن كسـب املزيـد مـن النفـوذ السياسـي يف الشـرق األوسـط‪ ،‬وذلـك‬ ‫الضخمـة مـع دمشـق‪ ،‬وطهـران‪،‬‬ ‫مـن خـالل مشـروعات النفـط والغـاز ّ‬ ‫وأنقـرة‪ ،‬وبغـداد إلـى حـ ّد مـا‪ ،‬وأربيـل‪ .‬ويف ضوء ذلـك‪ ،‬يرجح كثير من‬

‫اخلبـراء أن يناشـد الرئيـس بوتـن نظيـره التركـي أردوغـان ليسـحب‬ ‫ّ‬ ‫خـط أنابيـب كركـوك ‪ -‬جيهـان‪ .‬فشـركة النفـط‬ ‫تهديـده بإغـالق‬ ‫الروسـية روسـنفت اململوكـة للدولـة‪ ،‬تتوقـع أن يكـون خـط األنابيـب‬ ‫مفتوحـا‪ ،‬لكـي تسـتطيع احلصـول علـى مقابـل اسـتثمارها يف منطقـة‬ ‫ً‬ ‫كردسـتان العـراق‪ .‬فإغـالق هـذا اخلـط سيشـكل كارثـة مـن وجهـة‬ ‫النظـر الروسـية‪.‬‬ ‫ولــن يتوقــف مســتقبل نفــط منطقــة كردســتان العــراق علــى لعنــة‬ ‫اجلغرافيــا املتعلقــة مبســار صادراتــه النفطيــة فقــط‪ ،‬أو علــى صعوبــة‬ ‫إدارة العالقــات السياســية بــن أربيــل والقــوى األربــع املذكــورة‪ ،‬وإمنــا‬ ‫ً‬ ‫أيضــا علــى املشــاكل املاليــة املتزايــدة حلكومــة املنطقــة بســبب تراجــع‬ ‫أســعار النفــط عامل ًيــا‪ ،‬والفســاد الــذي ينخــر مفاصــل إدارات املنطقــة‬ ‫التــي تهيمــن عليهــا بشــكل واســع عائلتــان تقليديتــان همــا عائلــة‬ ‫برزانــي يف أربيــل وطالبانــي يف الســليمانية‪ .‬ويزيــد الوضــع ســوءا‬ ‫بــطء اإلصالحــات التــي أعلــن عنهــا رئيــس اإلقليــم مســعود البرزانــي‬ ‫ملكافحــة احملســوبية والرشــوة واالســتيالء علــى املــال العــام‪ .‬يضــاف‬ ‫إلــى ذلــك أن الســيد برزانــي يواجــه معارضــة داخليــة متزايــدة بســبب‬ ‫متســكه بالســلطة بشــكل غيــر دســتوري‪ ،‬وهــو األمــر الذي يعكــر املناخ‬ ‫السياســي ويســمم املنــاخ االســتثماري‪ ،‬خاصــة أمــام شــركات النفــط‬ ‫األجنبيــة التــي ترغــب يف االســتثمار يف مشــروعات اســتخراج النفــط‬ ‫وتصديــره يف منطقــة كردســتان العــراق‪ .‬ويشــار إلــى أن احلكومــة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الع ــراق س ــوف يعان ــي‪ ،‬عل ــى األرج ــح‪ ،‬م ــن مس ــتقبل غام ــض خ ــالل‬ ‫الفت ــرة املقبل ــة‪ ،‬رغ ــم الث ــروات الهائل ــة يف املنطق ــة‪ ،‬يف ظ ــل ع ــدم‬ ‫قــدرة حكومــة كردســتان العــراق علــى إدارة عالقاتهــا السياســية مــع‬ ‫أربع ــة ق ــوى أساس ــية‪ ،‬وه ــي احلكوم ــة املركزي ــة يف بغ ــداد‪ ،‬وتركي ــا‪،‬‬ ‫والوالي ــات املتح ــدة‪ ،‬وروس ــيا‪ ،‬خاص ــة وأن ه ــذه العالق ــات أساس ــية‬ ‫وحاســـمة مـــن أجـــل إنتـــاج وتصديـــر النفـــط‪ ،‬ومـــن أجـــل طمأنـــة‬ ‫ش ــركات النف ــط الدولي ــة بش ــأن احلص ــول عل ــى مس ــتحقاتها‪ ،‬وم ــن‬ ‫ث ــم االس ــتمرار يف االس ــتثمار لتطوي ــر احتياط ــات النف ــط والغ ــاز يف‬ ‫منطق ــة كردس ــتان الع ــراق‪.‬‬ ‫فمــن ناحيــة‪ ،‬ســوف يكــون لعالقــة أربيــل املســتقبلية مــع بغــداد‬ ‫تأثيــر مهــم للغايــة بالنســبة لإلنتــاج املشــترك مــن‬ ‫حقــول منطقــة كركــوك؛ واســتخدام خــط األنابيــب‬ ‫الكــردي لتصديــر النفــط العراقــي عبــر تركيــا‪ .‬إال‬ ‫أن نتائــج االســتفتاء األخيــر‪ ،‬واســتمرار اختــالف‬ ‫اجلانبــن علــى "املناطــق املتنــازع عليهــا"‪ ،‬وعلــى‬ ‫تقاســم امليزانيــة االحتاديــة ســوف يزيــد مــن‬ ‫التوتــر بــن اجلانبــن يف األيــام القادمــة‪ .‬ويف هــذا‬ ‫الســياق‪ ،‬يــرى كثيــر مــن املراقبــن أن النفــط هــو‬ ‫املصــدر األول للنــزاع بــن بغــداد وأربيــل‪ .‬ففــي‬ ‫أكتوبــر ‪2011‬م‪ ،‬و ّقــع األكــراد اتفا ًقــا مــع شــركة‬ ‫النفــط األمريكيــة العمالقــة "اكســون موبيــل" ‪-‬التــي كان يترأســها يف‬ ‫هــذا الوقــت وزيــر اخلارجيــة األمريكــي احلالــي ريكــس تيليرســون‪-‬‬ ‫للتنقيــب يف ســت كتــل نفطيــة يف كردســتان مــن دون الرجــوع إلــى‬ ‫بغــداد‪ ،‬وكان بعضهــا يف األراضــي املتنــازع عليهــا‪ .‬وهــذا ما شــكل أول‬ ‫مواجهــة رســمية بــن أربيــل واحلكومــة املركزيــة يف بغــداد‪ .‬وقــد أدى‬ ‫ذلــك إلــى تقويــض سياســة بغــداد يف عــزل أربيــل‪ ،‬كمــا أنــه أعطــى‬ ‫إشــارة واضحــة بــأن الواليــات املتحــدة ال متانــع تشــجيع االســتقالل‬ ‫الذاتــي املتنامــي يف املنطقــة‪ .‬ومنــذ ذلــك التاريــخ‪ ،‬متتنــع كردســتان‬ ‫عــن تقــدمي أي حســابات لبغــداد‪ ،‬ومتنــع عنهــا املراقبــة املاليــة التــي‬ ‫تتعلــق مبراجعــة واردات النفــط التــي اســتلمتها أربيــل‪ .‬ومنــذ ذلــك‬ ‫احلــن متتنــع بغــداد عــن دفــع ‪ %17‬مــن إجمالــي عائــدات النفــط‬ ‫حيــث تشــير التقديــرات إلــى أن أربيــل تبيــع وتتصـ ّرف بـــحوالي ‪%25‬‬ ‫مــن إجمالــي عائــدات النفــط العراقــي‪.‬‬ ‫وبنــاء علــى ذلــك‪ ،‬خلصــت أنقــرة‪ ،‬وهــي الفاعــل الرئيســي الثالــث‬ ‫يف تشــكيل مســتقبل النفــط يف منطقــة كردســتان العــراق‪ ،‬بعــد‬ ‫احلكومــة املركزيــة يف بغــداد والواليــات املتحــدة‪ ،‬إلى أنــه من األفضل‬ ‫حتويــل إقليــم كردســتان العراقــي إلــى شــريك ميكــن االعتمــاد عليــه‬ ‫بــدال مــن دفعــه لكــي يصبــح محــو ًرا للمشــاعر القوميــة الكرديــة يف‬ ‫دول اجلــوار‪ .‬ويف هــذا اإلطــار‪ ،‬أبرمــت تركيــا اتفا ًقــا اســتراتيج ًيا‬ ‫مــع منطقــة كردســتان العــراق يف عــام ‪2013‬م‪ ،‬مينــح األكــراد طري ًقــا‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪87‬‬

‫ملف العدد‬

‫موثو ًقــا فيــه لتصديــر النفــط إلــى العالــم اخلارجــي للمــرة األولــى‪.‬‬ ‫وعندمــا مت قطــع حصتهــم مــن امليزانيــة االحتاديــة يف عــام ‪2014‬م‪،‬‬ ‫نتيجــة النــزاع حــول صادراتهــم النفطيــة‪ ،‬قدمــت تركيــا مبالــغ كبيــرة‬ ‫ألكــراد العــراق‪ ،‬بلغــت حوالــي ‪ 3‬مليــارات دوالر مــن احلكومــة التركيــة‬ ‫ومبلــغ آخــر مــن البنــوك اخلاصــة‪ .‬ومــن جهــة أخــرى‪ ،‬كشــفت تركيــا‬ ‫عــن رغبتهــا يف دخــول شــركة الطاقــة التركيــة ‪Turkish Energy‬‬ ‫‪ ،Company‬التابعــة للدولــة مــن أجــل التنقيــب عــن النفــط يف‬ ‫عــدد مــن حقــول النفــط يف كردســتان‪ .‬ويف ضــوء ذلــك‪ ،‬يتوقــع‬ ‫كثيــر مــن املراقبــن أال تســتمر تركيــا طويــال يف تهديدهــا بإغــالق‬ ‫خــط األنابيــب الــذي ينقــل نفــط كردســتان مــن أجــل التصديــر عبــر‬ ‫مينــاء جيهــان التركــي علــى البحــر املتوســط‪ .‬حيــث‬ ‫تعانــي تركيــا مــن ارتفــاع أســعار النفــط عامل ًيــا‪ ،‬لكونهــا‬ ‫مســتوردة كبيــرة للطاقــة‪ ،‬ممــا يجعلهــا تعانــي مــن‬ ‫عجــز كبيــر يف احلســاب اجلــاري‪ .‬ويف الوقــت نفســه‬ ‫تســتفيد امليزانيــة التركيــة مــن عبــور النفــط القــادم‬ ‫مــن إقليــم كردســتان العراقــي‪ ،‬كمــا يرتبــط رجــال‬ ‫األعمــال األتــراك بقــوة مــع منطقــة كردســتان العــراق‬ ‫مــن الناحيــة التجاريــة‪ .‬حيــث صــدرت تركيــا ســلعا‬ ‫بقيمــة ‪ 4.5‬مليــار دوالر عبــر معبــر خابــور احلــدودي‬ ‫يف األشــهر الســتة األولــى مــن العــام احلالــي‪ ،‬ويقــوم‬ ‫املقاولــون األتــراك بأعمــال تفــوق قيمتهــا ‪ 5‬مليــارات دوالر ســنو ًيا يف‬ ‫كردســتان العــراق التــي تش ـ ّكل ثانــي أكبــر ســوق للمقاولــن األتــراك‬ ‫بعــد تركمانســتان‪ .‬وفضــال عــن كل ذلــك‪ ،‬نشــر موقــع "ويكيليكــس"‬ ‫وثائــق ســر ّية يف ديســمبر املاضــي عــن وجــود صفقــة بــن حكومــة‬ ‫املنطقــة وتركيــا لبيــع حقــول نفطيــة يف إقليــم كردســتان إلــى تركيــا‬ ‫مقابــل ‪ 5‬مليــارات دوالر‪.‬‬ ‫أمـا الالعـب الرئيسـي الرابـع يف تشـكيل مسـتقبل النفـط يف‬ ‫منطقـة كردسـتان العـراق‪ ،‬بعـد بغـداد والواليـات املتحـدة وتركيـا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫غموضـا لالسـتفتاء‬ ‫فهـو روسـيا‪ ،‬التـي أعطـت االسـتجابة األكثـر‬ ‫علـى االنفصـال الكـردي مـن بـن جميـع القـوى الكبـرى املعنيـة‪،‬‬ ‫ولـم تعلـق علـى مـا إذا كانـت سـتعترف بالنتيجـة‪ .‬ورمبـا يفسـر هـذا‬ ‫الغمـوض قيـام وزارة املـوارد الطبيعيـة الكرديـة مؤخـ ًرا باالتفـاق مـع‬ ‫شـركة روسـنيفت الروسـية العمالقـة‪ ،‬وعـدد مـن الشـركات الروسـية‬ ‫التجاريـة األخـرى‪ ،‬للحصـول علـى قـرض بقيمـة حوالـي ‪ 3‬مليـارات‬ ‫دوالر‪ .‬وقـد مت اسـتخدام هـذا القـرض يف تسـوية قضيـة حتكيـم‬ ‫طويلـة األمـد رفعتهـا شـركة دانـة غـاز‪ ،‬وشـركة نفـط الهـالل‪ ،‬وعـدد‬ ‫آخـر مـن الشـركات لتعويضهـم عـن خسـائرها يف حقـول الغـاز التـي‬ ‫يعملـون بهـا يف منطقـة كردسـتان العـراق‪ .‬كمـا مت اسـتخدم جـزء‬ ‫مـن هـذا القـرض ً‬ ‫أيضـا يف إعـادة هيكلـة ديـون احلكومـة الكرديـة‬ ‫املسـتحقة لشـركتي دنـو آسـا ‪ DNO ASA‬النرويجيـة وجينيـل‬

‫روسيا الالعب الرابع يف‬ ‫كردستان ووقعت شركة‬ ‫روسنيفت الروسية عقو ًدا‬ ‫نفطيـة لتمويل قرض‬ ‫لكردستان بـ‪ 3‬مليارات دوالر‬

‫‪86‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫برميــل يوم ًيــا يف العــام املاضــي‪ ،‬وف ًقــا لوكالــة بلومبــرج نيــوز‪ .‬بينمــا‬ ‫بلــغ حجــم هــذه الصــادرات يف العــام احلالــي حوالــي ‪ 584‬ألــف برميل‬ ‫يوم ًيــا يف الســنة حتــى كتابــة هــذه الســطور‪ .‬وعلــى ضــوء أســعار‬ ‫النفــط احلاليــة تتــراوح قيمــة املبيعــات اليوميــة ملنطقــة كردســتان‬ ‫العــراق بنحــو ‪ 50‬إلــى ‪ 60‬مليــون دوالر يوم ًيــا‪.‬‬ ‫خ ــط أنـابـي ــب تـصـدي ــر الـنـف ــط م ــن مـنـطـق ــة كـردسـت ــان الـع ــراق‬

‫معارضة قوية لالنفصال‬ ‫مبجــرد إجــراء كردســتان العــراق الســتفتاء "حــق تقريــر املصيــر"‪،‬‬ ‫الــذي أســفرت نتائجــه عــن تصويــت أكثــر مــن ‪ %92‬مــن األكــراد‬ ‫املشــاركن يف االســتفتاء لصالــح االنفصــال‪ ،‬تراوحــت ردود األفعــال‬ ‫بــن الرفــض الشــديد واالســتهجان مــن قبــل حكومــة بغــداد ودول‬ ‫اجلــوار‪ ،‬التــي جلــأت إلــى اجتماعــات مشــتركة للوقــوف جن ًبــا إلــى‬ ‫جنــب يف مواجهــة تقســيم العــراق‪ ،‬مســتنكرين بذلــك االســتفتاء‬ ‫الــذي اعتبــروه باط ـ ً‬ ‫ال‪ .‬حيــث وصــف رئيــس الــوزراء العراقــي حيــدر‬ ‫العبــادي االســتفتاء بأنــه خطــوة "غيــر شــرعية وغيــر دســتورية"‪ .‬كمــا‬ ‫رفــض البرملــان العراقــي يف بغــداد االســتفتاء‪ ،‬وطلــب مــن رئيــس‬ ‫احلكومــة العراقيــة اتخــاذ كل اإلجــراءات الضروريــة للحفــاظ علــى‬ ‫وحــدة العــراق يف مواجهــة خطــوة األكــراد االنفصاليــة‪ .‬كمــا وافــق‬ ‫البرملــان العراقــي ً‬ ‫أيضــا علــى ضــرورة وقــف عمــل الشــركات األجنبيــة‬ ‫العاملــة يف مجــال التنقيــب عــن النفــط يف منطقــة كردســتان العــراق‬ ‫ومقاضاتهــا دول ًيــا إذا لــم تلتــزم بالتعامــل مــع احلكومــة املركزيــة‪.‬‬ ‫وطالــب البرملــان العراقــي ً‬ ‫أيضــا بأهميــة التنســيق مــع دول اجلــوار‬ ‫إليقــاف تصديــر النفــط مــن إقليــم كردســتان‪ ،‬وحصــر ذلــك األمــر‬ ‫باحلكومــة املركزيــة يف بغــداد‪.‬‬ ‫ومــن ناحيــة ثانيــة‪ ،‬عارضــت كال مــن تركيــا وإيــران االســتفتاء‬ ‫علــى االنفصــال يف منطقــة كردســتان العــراق‪ ،‬واعتبرتــه أنقــرة مبثابــة‬ ‫"خطــأ تاريخــي"‪ ،‬بينمــا قالــت طهــران إنــه "خطــوة خطيــرة"‪ .‬وقــد‬ ‫رفضــت الدولتــان االســتفتاء بصــورة أساســية خو ًفــا مــن تأثيــره علــى‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫األقليــات الكرديــة املوجــودة لديهمــا وعددهــا يف الواقــع أكبــر مــن‬ ‫عــدد األكــراد يف العــراق‪.‬‬ ‫ويف ضــوء ذلــك‪ ،‬تســارعت األحــداث وتأزمــت بإعــالن احلكومــة‬ ‫العراقيــة‪ ،‬بالتنســيق مــع نظيرتيهــا يف أنقــرة وطهــران‪ ،‬عزمهــا‬ ‫علــى اســتعادة أربعــة معابــر حدوديــة مــع منطقــة كردســتان العــراق‬ ‫(اثنــان مــع تركيــا وآخــران مــع إيــران)‪ ،‬وكذلــك بــدأت بغــداد فــرض‬ ‫حظــر جــوي علــى الرحــالت مــن وإلــى املنطقــة‪ .‬كمــا أجــرت القــوات‬ ‫التركيــة منــاورات عســكرية يف ‪ 18‬ســبتمبر املاضــي‪ ،‬علــى بُعــد ثالثــة‬ ‫كيلومتــرات عــن معبــر "خابــور" احلــدودي مــع العــراق‪ ،‬ثــم انضمــت‬ ‫إليهــا وحــدات تابعــة للقــوات املســلحة العراقيــة يف ‪ 26‬ســبتمبر‪ .‬ويف‬ ‫اليــوم األخيــر مــن شــهر ســبتمبر‪ ،‬أعلــن املتحــدث باســم القــوات‬ ‫املســلحة اإليرانيــة العميــد مســعود جزائــري أن القــوات املســلحة‬ ‫اإليرانيــة قــررت إجــراء منــاورة مشــتركة خــالل األيــام املقبلــة مــع‬ ‫وحــدات مــن اجليــش العراقــي علــى احلــدود املشــتركة بينهمــا‪ .‬كمــا‬ ‫اعتبر عدد من اخلبراء اإليرانين أن ما يحدث يف منطقة كردســتان‬ ‫العــراق محــض مؤامــرة إســرائيلية لتقســيم العــراق وتقويــض النفــوذ‬ ‫اإليرانــي يف املنطقــة‪ .‬ومــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬شــرعت طهــران يف اتخــاذ‬ ‫إجــراءات عقابيــة ضــد كردســتان‪ ،‬منهــا حظــر حركــة شــحن املنتجــات‬ ‫النفطيــة مــن وإلــى املنطقــة حتــى إشــعار آخــر‪.‬‬ ‫أمــا الرئيــس التركــي رجــب طيــب أردوغــان فوصــل بــه األمــر‬ ‫إلــى حــد تهديــد ســكان منطقــة كردســتان العــراق باملجاعــة عبــر‬ ‫منــع الشــاحنات والنفــط مــن العبــور عبــر األراضــي التركيــة‪ .‬كمــا‬ ‫أعلــن الرئيــس التركــي أن بــالده لــن تســمح مســتقبال بتصديــر النفــط‬ ‫العراقــي إال عــن طريــق احلكومــة املركزيــة يف بغــداد وأنهــا ستســلم‬ ‫املعابــر احلدوديــة املشــتركة مــع اإلقليــم إلــى بغــداد وســتلجأ إلــى‬ ‫إجــراءات عســكرية إذا لــزم األمــر‪.‬‬ ‫ومـن جهتـه‪ ،‬حـ ّذر مجلـس األمن الدولـي التابع لأمم املتحدة من‬ ‫التأثيـر احملتمـل لالسـتفتاء اخلـاص بانفصـال كردسـتان العـراق على‬ ‫زعزعـة اسـتقرار املنطقـة‪ ،‬معر ًبـا عـن اعتقـاده بـأن هـذا االسـتفتاء‬ ‫قـد يعرقـل جهـود مواجهـة تنظيـم الدولـة اإلسـالمية "داعـش"‪ ،‬التـي‬ ‫تضطلـع فيهـا القـوات الكرديـة بدور بارز‪ ،‬وعودة النازحن العراقين‪،‬‬ ‫البالـغ عددهـم ثالثـة ماليـن شـخص‪ ،‬إلـى ديارهم‪.‬‬

‫تداعيات مهمة عى قطاع النفط‬ ‫تثي ــر املعارض ــة العراقي ــة واإلقليمي ــة والدولي ــة لقي ــام منطق ــة‬ ‫كردس ــتان الع ــراق بإج ــراء "اس ــتفتاء االس ــتقالل"‪ ،‬يف ‪ 25‬س ــبتمبر‬ ‫املاض ــي‪ ،‬تداعي ــات مهم ــة بش ــأن مس ــتقبل قط ــاع النف ــط والغ ــاز يف‬ ‫هــذه املنطقــة‪ ،‬التــي شــهدت اكتشــافات كبيــرة مــن هــذه املــوارد منــذ‬ ‫عــام ‪2004‬م‪ ،‬ممــا جعــل لهــا مكانــة مهمــة يف ســوق النفــط العاملــي‪.‬‬ ‫حي ــث يؤك ــد كثي ــر م ــن اخلب ــراء عل ــى إن نف ــط منطق ــة كردس ــتان‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪85‬‬

‫ملف العدد‬

‫يتوقف مستقبل نفط كردستان على لعنة الجغرافيا والعالقات مع القوى األربع‬

‫نف ــط كردس ــتان‪ :‬االنفص ــال يعن ــي االنهي ــار‬ ‫وآث ــار س ــلبية وخيم ــة‬ ‫صحي ــح أن منطق ــة كردس ــتان الع ــراق غني ــة بالنف ــط‪ ،‬غي ــر أن لعن ــة اجلغرافي ــا جتع ــل اقتص ــاد ه ــذه املنطق ــة وصادراته ــا‬ ‫النفطيــة إلــى اخلــارج حتــت رحمــة اجليــران‪ .‬وبالتالــي فــإن االنفصــال‪ ،‬إن حــدث يف الوقــت احلالــي‪ ،‬يف ظــل املعارضــة‬ ‫الشــديدة مــن جانــب احلكومــة املركزيــة يف بغــداد وباقــي القــوى اإلقليميــة‪ ،‬خاصــة تركيــا وإيــران‪ ،‬فإنــه لــن يعنــي ســوى‬ ‫االنهي ــار االقتص ــادي بالنس ــبة ملنطق ــة يتحك ــم يف ش ــرايينها االقتصادي ــة الري ــع النفط ــي‪ .‬فم ــن الواض ــح أن تطلع ــات‬ ‫االنفص ــال يف منطق ــة كردس ــتان الع ــراق يغذيه ــا بق ــوة قط ــاع الطاق ــة‪ .‬حي ــث تق ــول حكوم ــة إقلي ــم كردس ــتان أن املنطق ــة‬ ‫حتتــوي علــى ‪ 45‬مليــار برميــل مــن احتياطيــات النفــط اخلــام (و‪ 70‬مليــار برميــل إذا مــا متــت إضافــة حقــول كركــوك)‪،‬‬ ‫وه ــو أكث ــر مم ــا متتلك ــه بع ــض ال ــدول األعض ــاء يف منظم ــة ال ــدول املص ــدرة للنف ــط (أوب ــك)‪ ،‬مث ــل نيجيري ــا‪ .‬كم ــا أن‬ ‫بع ــض التقدي ــرات تش ــير ً‬ ‫أيض ــا إل ــى أن املنطق ــة حتت ــوي عل ــى ‪ 54‬تريلي ــون ق ــدم مكع ــب م ــن الغ ــاز‪ ،‬معظمه ــا يف األج ــزاء‬ ‫الوس ــطى واجلنوبي ــة م ــن املنطق ــة‪ .‬وق ــد أنتج ــت منطق ــة كردس ــتان الع ــراق حوال ــي ‪ 545‬أل ــف برمي ــل م ــن النف ــط يوم ًي ــا‬ ‫يف عــام ‪2016‬م‪ ،‬ومــن املتوقــع أن يتزايــد هــذا اإلنتــاج إلــى حوالــي ‪ 602‬ألــف برميــل يوم ًيــا هــذا العــام‪ ،‬وف ًقــا ملــا ذكرتــه‬ ‫مؤسس ــة ريس ــتاد للطاق ــة االستش ــارية يف أبري ــل املاض ــي‪ .‬وق ــد ش ــكل إنت ــاج النف ــط يف منطق ــة كردس ــتان الع ــراق يف‬ ‫الع ــام املاض ــي حوال ــي ‪ %12‬م ــن إجمال ــي اإلنت ــاج العراق ــي م ــن النف ــط‪ ،‬اس ــتنا ًدا إل ــى البيان ــات الت ــي جمعته ــا بلومب ــرج‬ ‫ني ــوز‪ .‬ويض ــع ه ــذا اإلنت ــاج حكوم ــة إقلي ــم كردس ــتان عل ــى ق ــدم املس ــاواة م ــع دولت ــي إك ــوادور وقط ــر‪ ،‬وهم ــا دولت ــان‬ ‫عضوت ــان يف أوب ــك‪.‬‬

‫د‪ .‬أحمد قنديل‬

‫إنـتـاج الـنـفـط فـي مـنـطـقـة كـردسـتـان الـعـراق‬ ‫(يف الفترة من ‪ ٢٠٠٣‬إلى ‪)٢٠٢٥‬‬

‫إنـتـاج الـنـفـط فـي مـنـطـقـة كـردسـتـان الـعـراق‬ ‫(يف الفترة من ‪ ٢٠1٤‬إلى ‪)٢٠1٧‬‬

‫ومــن جهــة أخــرى‪ ،‬بلــغ إجمالــي صــادرات النفــط مــن منطقــة‬ ‫كردســتان العــراق‪ ،‬وهــي منطقــة حبيســة تصــدر إنتاجهــا النفطــي‬ ‫عبــر خــط أنابيــب إلــى مينــاء جيهــان يف تركيــا‪ ،‬حوالــي ‪ 515‬ألــف‬

‫‪84‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪ -2‬فـــرض ضغـــوط اقتصادية‪ :‬علـــى غرار إغالق املعابـــر احلدودية‬ ‫أو تســـليمها للســـلطات العراقية‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن مواصلـــة إغالق املجال‬ ‫اجلـــوي أمام اإلقليـــم‪ ،‬بالتعاون مع تركيا واحلكومـــة العراقية‪ ،‬حيث‬ ‫تهـــدف إيـــران مـــن خـــالل ذلك إلـــى إقنـــاع قـــادة اإلقليـــم ومؤيدي‬ ‫االنفصـــال بالتراجع عن تفعيل النتائج التي أســـفر عنها االســـتفتاء‪،‬‬ ‫على أســـاس أن تلك اإلجـــراءات التي ميكن أن تواصل اســـتخدامها‬ ‫خـــالل الفتـــرة القادمـــة‪ ،‬لـــن تخصم مـــن قـــدرة اإلقليم علـــى إدارة‬ ‫شـــؤونه فحســـب‪ ،‬وإمنا ســـتؤدي إلى تفاقـــم املشـــكالت االقتصادية‬ ‫واالجتماعيـــة التـــي قد يواجههـــا يف مرحلة ما بعـــد االنفصال‪.‬‬ ‫لكــن هــذه اآلليــة رمبــا لــن تفــرض تداعيــات قويــة علــى موقــف‬ ‫اإلقليــم‪ ،‬باعتبــار أن اخليــارات املتاحــة أمــام إيــران قــد ال تكــون‬ ‫متعــددة يف هــذا الســياق‪ ،‬يف ظــل األهميــة التــي توليهــا للعالقــات‬ ‫االقتصاديــة مــع اإلقليــم‪ ،‬إذ أن اإلقليــم حتــول إلــى أحــد املنافــذ‬ ‫التــي ســعت إيــران الســتخدامها مــن أجــل االلتفــاف علــى العقوبــات‬ ‫الدوليــة التــي فرضــت عليهــا قبــل الوصــول إلــى الصفقــة النوويــة‪ ،‬يف‬ ‫منتصــف عــام ‪2015‬م‪.‬‬ ‫ورمبــا يدفــع ذلــك إيــران مــرة أخــرى إلــى التريــث يف تبنــي هــذا‬ ‫النهــج املتشــدد انتظــا ًرا ملــا ســوف يــؤول إليــه التصعيــد احلالــي مــع‬ ‫اإلدارة األمريكيــة‪ ،‬والــذي قــد ينتهــي بالعــودة إلــى املربــع األول مــن‬ ‫األزمــة النوويــة‪ ،‬بــكل مــا يفرضــه ذلــك مــن تعزيــز احتمــاالت العــودة‬ ‫إلــى فــرض عقوبــات دوليــة علــى إيــران أو انــدالع مواجهــة عســكرية‬ ‫جديــدة يف املنطقــة‪.‬‬ ‫فضــال عــن أن هــذه اإلجــراءات ميكــن أن تؤثــر علــى مصالــح‬ ‫قــوى دوليــة مثــل روســيا‪ ،‬التــي تتجــه نحــو توســيع نطــاق تعاونهــا‬ ‫االقتصــادي مــع اإلقليــم‪ ،‬بشــكل ميكــن أن ينعكــس ســل ًبا علــى‬ ‫التفاهمــات التــي تتوصــل إليهــا الــدول الثــالث يف ســوريا‪.‬‬ ‫‪ -3‬رفع مســتوى التنســيق اإليراني‪-‬التركي‪ :‬على املســتويات املختلفة‬ ‫األمنيــة والسياســية والعســكرية‪ ،‬وذلــك بهــدف توســيع نطــاق العزلــة‬ ‫اإلقليميــة املســتهدفة علــى اإلقليــم لتتحــول إلــى عزلــة دوليــة‪ ،‬جتن ًبــا‬ ‫حلصــول اإلقليــم علــى دعــم مــن جانــب قــوى أو أطــراف لهــا تأثيرهــا‬ ‫علــى الســاحة الدوليــة‪.‬‬ ‫وهن ــا‪ ،‬ف ــإن إي ــران رمب ــا تع ــول عل ــى متغيري ــن‪ :‬يتمث ــل أولهم ــا‪،‬‬ ‫يف وصولهـــا إلـــى تفاهمـــات سياســـية وأمنيـــة مـــع تركيـــا وروســـيا‬ ‫ح ــول املل ــف الس ــوري‪ ،‬م ــن خ ــالل احملادث ــات الت ــي جت ــري جوالته ــا‬ ‫يف اآلســـتانة‪.‬‬ ‫وينصــرف ثانيهمــا‪ ،‬إلــى توافقهــا مــع تركيــا حــول دعــم قطــر يف‬ ‫أزمتهــا مــع دول املقاطعــة العربيــة‪ ،‬حيــث ســعت الدولتــان إلــى التحول‬ ‫لظهيــر إقليمــي للدوحــة مــن أجــل تعزيــز قدرتهــا علــى التعامــل مــع‬ ‫الضغــوط التــي فرضتهــا قــرارات املقاطعــة‪ ،‬بــل والترويــج للموقــف‬ ‫القطــري علــى الصعيــد الدولــي‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫لكــن رغــم أن هــذا التوافــق دفــع اجتاهــات عديــدة إلــى ترجيــح‬ ‫إمكانيــة أن يســاهم ذلــك يف دعــم فــرص تأســيس محــور إقليمي يضم‬ ‫إيــران وتركيــا وقطــر‪ ،‬إال أن ذلــك ال ينفــي أن اخلالفــات القائمــة بــن‬ ‫الطرفــن ليســت ثانويــة وال ميكــن تســويتها بســهولة‪ ،‬وهــو مــا ميكــن‬ ‫أن يضــع حــدودا معينــة للتفاهمــات التــي تتوصــل إليهــا الدولتــان يف‬ ‫امللفــات اإلقليميــة املختلفــة‪ ،‬وعلــى رأســها املوقــف مــن األزمــة مــع‬ ‫قطــر‪ ،‬ومــن الصــراع يف ســوريا‪.‬‬ ‫‪ -4‬تبنــي سياســة "احلــرب بالوكالــة"‪ :‬مــن خــالل دفــع امليليشــيات‬ ‫اإلرهابيــة املواليــة لهــا يف العــراق‪ ،‬علــى غــرار "احلشــد الشــعبي"‬ ‫إلــى االنخــراط يف مواجهــات عســكرية ضــد ميليشــيا "البشــمركة"‬ ‫الكرديــة‪ ،‬يف إطــار الضغــوط التــي ميكــن أن متارســها ملنــع اإلقليــم‬ ‫مــن املضــي قدمــا يف تفعيــل إجــراءات االنفصــال عــن العــراق‪.‬‬ ‫لكــن هــذه اآلليــة تواجــه بدورهــا صعوبــات عديــدة‪ ،‬خاصــة أن‬ ‫ذلــك ميكــن أن يــؤدي إلــى تصاعــد حــدة التوتــر الطائفــي والعرقــي‬ ‫الــذي قــد يتجــاوز احلــدود العراقيــة وميتــد إلــى داخــل حدودهــا‪،‬‬ ‫وهــو مــا قــد يســاهم يف تصاعــد حــدة االحتقــان يف املناطــق التــي‬ ‫تقطنهــا القوميــات العرقيــة واألقليــات املذهبيــة علــى عكــس مــا‬ ‫تســعى إيــران إلــى حتقيقــه‪.‬‬ ‫فضــال عــن أن هــذا التدخــل ميكــن أن يصــب يف مصلحــة تنظيــم‬ ‫"داعــش"‪ ،‬الــذي متكــن‪ ،‬وف ًقــا لتقاريــر عديــدة‪ ،‬مــن جتنيــد بعــض‬ ‫األكــراد اإليرانيــن‪ ،‬الذيــن قامــوا بتنفيــذ الهجمــات التــي تعــرض لهــا‬ ‫ضريــح اخلمينــي واملبنــى اإلداري التابــع ملجلــس الشــورى اإلســالمي‬ ‫(البرملــان) يف ‪ 7‬يونيــو ‪.2017‬‬ ‫وعلـــى ضـــوء ذلـــك‪ ،‬ميكـــن القـــول يف النهايـــة إنـــه رغـــم‬ ‫التهدي ــدات اإليراني ــة املس ــتمرة ض ــد إقلي ــم كردس ــتان‪ ،‬س ــواء قب ــل‬ ‫االســتفتاء أو بعــده‪ ،‬إال أن ذلــك ال ينفــي أن اخليــارات املتاحــة أمــام‬ ‫إي ــران ليس ــت متع ــددة‪ ،‬بش ــكل يب ــدو أن ــه س ــوف يدفعه ــا إل ــى تبن ــي‬ ‫خط ــوات تدريج ًي ــا يف التعام ــل م ــع التط ــورات الت ــي س ــوف يش ــهدها‬ ‫اإلقليــم مســتقبال‪ ،‬خاصــة مــع اقتــراب موعــد االنتخابــات الرئاســية‬ ‫والتش ــريعية الت ــي س ــوف جت ــري يف بداي ــة نوفمب ــر الق ــادم‪ ،‬والت ــي‬ ‫ســوف يترتــب عليهــا اســتحقاقات أخــرى ســوف تؤثــر بدورهــا علــى‬ ‫اجتاه ــات السياس ــة اإليراني ــة م ــن اإلقلي ــم خ ــالل املرحل ــة القادم ــة‪،‬‬ ‫فضـــال عـــن اســـتمرار اجلهـــود التـــي يبذلهـــا بعـــض املســـؤولن‬ ‫العراقيـــن‪ ،‬علـــى غـــرار رئيـــس البرملـــان ســـليم اجلبـــوري ونائبـــي‬ ‫الرئي ــس أي ــاد ع ــالوي وأس ــامة النجيف ــي‪ ،‬م ــن أج ــل الوص ــول إل ــى‬ ‫تس ــوية لأزم ــة الت ــي فرضه ــا االس ــتفتاء‪.‬‬ ‫* رﺋﻴــﺲ ﺗﺤﺮﻳــﺮ ﻣﺠﻠــﺔ "ﻣﺨﺘــﺎرات إﻳﺮاﻧﻴــﺔ" مبﺮﻛــﺰ اﻟﺪراﺳــﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳــﻴﺔ‬ ‫واﻻﺳــﱰاﺗﻴﺠﻴﺔ ﺑﺎﻷﻫــﺮام‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪83‬‬

‫ملف العدد‬

‫أكــراد إيــران ‪ %7‬مــن الســكان ويواجهــون تراجــع االهتمام بمناطقهم‬ ‫وتدني الخدمات والمرافق وحرمانهم من المناصب الرئيســية يف الدولة‬ ‫‪2017‬م‪ ،‬منــاورات مشــتركة بالقــرب مــن معبــر باشــماق علــى احلــدود‬ ‫اإليرانيــة مــع اإلقليــم‪.‬‬ ‫كمـا قامـت إيـران بإغـالق مجالهـا اجلـوي مـع اإلقليـم قبـل يـوم‬ ‫مـن إجـراء االسـتفتاء ونشـر عشـرة دبابـات تسـاندها وحـدات مدفعية‬ ‫علـى احلـدود‪ .‬ومنعـت ً‬ ‫أيضا نقل املشـتقات النفطيـة من اإلقليم وإليه‪،‬‬ ‫وتعمـدت خـالل املنـاورات إغـالق املعابـر احلدوديـة مـع اإلقليـم ملـدة‬ ‫يومـن قبـل فتحهـا مـن جديـد‪ ،‬يف إشـارة تهديـد تفيـد أن إيـران متتلك‬ ‫أوراق ضغط ميكن أن تستخدمها يف حالة اجتاه مسؤولي اإلقليم إلى‬ ‫اتخـاذ خطـوات أخـرى أكثـر تصعيـدًا خـالل املرحلـة القادمـة‪.‬‬

‫عقبات متداخلة‬ ‫ومــع ذلــك‪ ،‬فــإن أيــة خطــوات تصعيديــة مــن جانــب إيــران‬ ‫قــد تواجــه عقبــات عديــدة‪ .‬فعلــى الرغــم مــن التهديــدات التــي‬ ‫يطلقهــا املســؤولون األمنيــون والعســكريون اإليرانيــون‪ ،‬إال أن اخليــار‬ ‫العســكري ال يبــدو وار ًدا يف املرحلــة احلاليــة العتبــارات عديــدة‪،‬‬ ‫يتمثــل أهمهــا يف أن ذلــك ميكــن أن يفــرض تداعيــات عكســية علــى‬ ‫مصالــح وحســابات إيــران‪ ،‬باعتبــار أنــه ســوف يضفــي وجاهــة خاصة‬ ‫علــى االتهامــات املوجهــة لهــا‪ ،‬ال ســيما مــن جانــب الواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة وبعــض القــوى اإلقليميــة يف املنطقــة‪ ،‬بزعزعــة االســتقرار‬ ‫يف الشــرق األوســط ودعــم التنظيمــات اإلرهابيــة‪.‬‬ ‫بــل إن ذلــك ســيوفر فرصــة إلدارة الرئيــس األمريكــي دونالــد‬ ‫ترامــب مــن أجــل العمــل علــى اســتقطاب تأييــد كثيــر مــن القــوى‬ ‫الدوليــة لسياســتها إزاء االتفــاق النــووي‪ ،‬الــذي تربــط فيهــا بــن‬ ‫االتفــاق وبــن الــدور اإلقليمــي اإليرانــي‪ ،‬لتأكيــد أن إيــران "تنتهــك‬ ‫روحــه"‪ ،‬بســبب التأثيــرات الســلبية لتدخالتهــا املســتمرة يف الشــؤون‬ ‫الداخليــة لــدول املنطقــة علــى االســتقرار واألمــن اإلقليمــي‪.‬‬ ‫فضــال عــن أن أى حتــرك مباشــر مــن جانــب إيــران يف هــذا‬ ‫الصــدد رمبــا ميكــن اعتبــاره انتهــا ًكا لقــرار مجلــس األمــن رقــم ‪2231‬‬ ‫الــذي صــدر يف ‪ 20‬يوليــو ‪2015‬م‪ ،‬وأضفــى شــرعية دوليــة علــى‬ ‫االتفــاق النــووي الــذي توصلــت إليــه إيــران ومجموعــة "‪ "1+5‬يف ‪14‬‬ ‫مــن الشــهر نفســه‪ ،‬لكنــه فــرض حظـ ًرا علــى بيــع أو نقــل األســلحة أو‬ ‫العتــاد ذي الصلــة مــن إيــران‪.‬‬

‫بدائل محتملة‬ ‫وعلــى ضــوء ذلــك‪ ،‬رمبــا تســعى إيــران إلــى اختبــار بدائــل أخــرى‬ ‫يف التعامــل مــع احتمــال انفصــال كردســتان يتمثــل أبرزهــا يف‪:‬‬

‫‪ -1‬محاولــة إحــداث انقســام كردي‪-‬كــردي‪ :‬مــن خــالل اســتقطاب‬ ‫بعــض القــوى السياســية الكرديــة وتوســيع مســاحة خالفاتهــا مــع‬ ‫رئيــس إقليــم كردســتان مســعود برزانــي‪ ،‬علــى غــرار حــزب االحتــاد‬ ‫الوطنــي الكردســتاني‪ ،‬مــن أجــل عرقلــة أيــة جهــود قــد يبذلهــا األول‬ ‫لتوحيــد سياســات األكــراد بهــدف احتــواء الضغــوط اإلقليميــة‬ ‫املتوقعــة خــالل املرحلــة القادمــة‪ ،‬ورمبــا تعزيــز فرصــه يف تولــي‬ ‫منصبــه لفتــرة جديــدة‪ ،‬بعــد االنتخابــات الرئاســية التــي أعلــن أنــه‬ ‫ســيتم إجراءهــا يف بدايــة نوفمبــر القــادم‪ ،‬ســواء عــن طريــق التمديــد‬ ‫لــه يف حالــة عــدم تقــدم أى مرشــح للمنافســة يف االنتخابــات‪ ،‬أو عبــر‬ ‫إجــراء تعديــل يف الدســتور ليســمح لــه بذلــك‪.‬‬ ‫وتعــول إيــران يف هــذا الســياق علــى اخلالفــات العالقــة بــن‬ ‫القــوى الكرديــة حــول تفعيــل البرملــان املعطــل‪ ،‬حيــث كانــت بعــض‬ ‫تلــك القــوى‪ ،‬مثــل حركــة التغييــر واجلماعــة اإلســالمية التــي أبــدت‬ ‫حتفظــات عديــدة جتــاه إعــالن رئيــس اإلقليــم وزعيــم حــزب االحتــاد‬ ‫الدميقراطــي الكردســتاني مســعود برزانــي عــن موعــد االســتفتاء‪،‬‬ ‫قــد ربطــت بــن هــذا املوقــف وبــن خالفاتهــا مــع برزانــي حــول‬ ‫البرملــان املعطــل والتمديــد لــه بعــد انتهــاء واليتــه الثانيــة‪.‬‬ ‫ويف هــذا الســياق‪ ،‬أكــدت حركــة التغييــر واجلماعــة اإلســالمية‬ ‫أنهمــا ترفضــان إجــراء االســتفتاء إال وفــق تشــريع يصــدره البرملــان‪،‬‬ ‫وأن شــرعيته ســتكون محــل شــك يف حالــة إجــراءه يف عهــد برزانــي‪.‬‬ ‫وانطال ًقــا مــن ذلــك ســعت إيــران إلــى اســتقطاب تأييــد‬ ‫بعــض تلــك القــوى ملوقفهــا‪ ،‬خاصــة حــزب االحتــاد الدميقراطــي‬ ‫الكردســتاني‪ ،‬الــذي قــام وفــد يضــم قياديــن فيــه برئاســة األمــن‬ ‫العــام األول للحــزب كوســرت رســول بزيــارة إيــران‪ ،‬يف ‪ 17‬يوليــو‬ ‫‪2017‬م‪ ،‬ســبقتها زيــارة غيــر رســمية قــام بهــا رئيســه الســابق جــالل‬ ‫طالبانــي‪ ،‬يف ‪ 12‬يوليــو ‪2017‬م‪ ،‬والــذي توفــى يف‪ 3‬أكتوبــر ‪2017‬م‪.‬‬ ‫وقــد كان الفتًــا أن إيــران حرصــت علــى املشــاركة يف مراســم‬ ‫تشــييع جثمانــه‪ ،‬بوفــد برئاســة وزيــر اخلارجيــة محمــد جــواد ظريــف‪،‬‬ ‫الــذي أكــد أن "إيــران ال تضــع أخطــاء بعــض األشــخاص االســتراتيجية‬ ‫يف حســاب كــرد العــراق"‪ ،‬يف إشــارة إلــى أن األولــى ال تتعامــل بسياســة‬ ‫واحــدة مــع كل املكونــات الكرديــة يف العــراق‪ ،‬وأنهــا تعــول علــى أن‬ ‫االنقســام العالــق فيمــا بينهــا ســوف يتحــول إلــى متغيــر مهــم يف حتديد‬ ‫مــدى قــدرة مؤيــدي االنفصــال علــى اتخــاذ خطــوات إجرائيــة مــن أجــل‬ ‫تفعيلــه‪ .‬لكــن إيــران ال تســتطيع التعويــل علــى هــذا اخليــار بشــكل‬ ‫كامــل‪ ،‬خاصــة أنــه ال ميكــن اســتبعاد وصــول القــوى الكرديــة إلــى حلول‬ ‫وســط للقضايــا اخلالفيــة العالقــة فيمــا بينهــا خــالل املرحلــة القادمة‪.‬‬

‫‪82‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫دولة كردستان تكرس وجود إسرائيل بالقرب من الحدود اإليرانية وتحويل‬ ‫الدولة الكردية إىل منطلق لهجمات إسرائيلية وأمريكية محتملة ضد إيران‬ ‫الضغــوط علــى األكــراد وإضعــاف كردســتان ويف النهايــة جميــع‬ ‫العــراق"‪ .‬وأعــاد شــمخاني توجيــه تهديداتــه مجــد ًدا قبــل إجــراء‬ ‫االســتفتاء بنحــو أســبوع‪ ،‬حيــث قــال‪ " :‬إن االتفاقيــات العســكرية‬ ‫واألمنيــة بــن إيــران واإلقليــم ســتعتبر ملغــاة يف حالــة إجــراء‬ ‫االســتفتاء وانفصــال اإلقليــم عــن العــراق"‪ ،‬واعتبــر أن "املعابــر‬ ‫احلدوديــة بــن إيــران واإلقليــم لهــا طابــع شــرعي فقــط يف ظــل وجــود‬ ‫اإلقليــم جــزء مــن العــراق"‪ ،‬يف إشــارة إلــى أن إيــران ســوف تتجــه إلــى‬ ‫إغــالق املعابــر احلدوديــة يف حالــة االنفصــال أو علــى األقــل تســليمها‬ ‫للحكومــة العراقيــة‪.‬‬ ‫كمــا قــام رئيــس األركان اإليرانــي اللــواء محمــد باقــري بزيــارة‬ ‫تركيــا‪ ،‬يف ‪ 15‬أغســطس ‪2017‬م‪ ،‬حيــث التقــى الرئيــس رجــب طيــب‬ ‫أردوغــان ووزيــر الدفــاع نــور الديــن جانيكلــي ورئيــس األركان اجلنرال‬ ‫خلــوص آكار‪ ،‬الــذي قــام بــدوره بزيــارة طهــران يف ‪ 2‬أكتوبــر ‪2017‬م‪،‬‬ ‫قبــل يومــن مــن الزيــارة التــي أجراهــا الرئيــس أردوغــان إلــى طهــران‪،‬‬ ‫حيــث كان امللــف الكــردي هــو أحــد احملــاور الرئيســية يف احملادثــات‬ ‫بــن املســؤولن األتــراك واإليرانيــن‪.‬‬

‫وقــد حــرص املرشــد األعلــى للجمهوريــة علــي خامنئــي‪ ،‬خــالل‬ ‫لقائــه مــع أردوغــان‪ ،‬علــى تأكيــد أن "االســتفتاء ميثــل خيانــة للمنطقــة‬ ‫وتهديـدًا الســتقرارها"‪ ،‬معتبـ ًرا أن "علــى إيــران وتركيــا اإلقــدام علــى‬ ‫أى خطــوة ملواجهــة هــذا احلــدث"‪.‬‬ ‫ووجــه محمــد باقــري تهديـدًا آخــر لإلقليــم‪ ،‬يف ‪ 6‬أكتوبــر ‪2017‬م‪،‬‬ ‫بـ"حــرب قــد تســتمر عشــرات الســنن إذا طبقــت نتائــج االســتفتاء على‬ ‫االســتقالل"‪ ،‬متســائال عــن مغــزى توقيــت اإلقــدام علــى تلــك اخلطــوة‪،‬‬ ‫يف إشــارة إلــى املزاعــم اإليرانيــة اخلاصــة بوجــود عالقــات قويــة بــن‬ ‫إســرائيل واإلقليــم مكنــت األولــى مــن ممارســة ضغــوط علــى الثاني من‬ ‫أجــل اتخــاذ تلــك اخلطــوة‪ ،‬لتعزيــز قدرتهــا علــى موازنــة نفــوذ إيــران يف‬ ‫ســوريا وجنــوب لبنــان بالقــرب مــن حدودهــا‪.‬‬ ‫وبالتــوازي مــع ذلــك‪ ،‬بــدا جل ًيــا أن إيــران حرصــت علــى رفــع‬ ‫مســتوى التنســيق األمنــي والسياســي مــع احلكومــة العراقيــة‪ ،‬حيــث‬ ‫قــام رئيــس األركان العراقــي الفريــق أول الركــن عثمــان الغامنــي‬ ‫بزيــارة تركيــا ثــم إيــران يومــى ‪ 23‬و‪ 27‬ســبتمبر علــى التوالــي‪،‬‬ ‫وأجــرت القــوات اإليرانيــة والعراقيــة‪ ،‬يف الفتــرة مــن ‪ 2‬إلــى ‪ 5‬أكتوبــر‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫علــى غــرار مــا حــدث يف ‪ 21‬ديســمبر ‪2016‬م‪ ،‬عندمــا اتهــم "احلــزب‬ ‫الدميقراطــي الكردســتاني اإليرانــي" طهــران باملســؤولية عــن الهجــوم‬ ‫الــذي أدى إلــى مقتــل ‪ 7‬وإصابــة ‪ 15‬يف مدينــة كويســنجق يف مدينــة‬ ‫أربيــل بشــمال العــراق‪ ،‬ر ًدا علــى املواجهــات التــي اندلعــت بــن مقاتلي‬ ‫احلــزب واحلــرس الثــوري يف مايــو ويونيــو مــن العــام نفســه وأدت إلــى‬ ‫مقتــل عــدد مــن عناصــر احلــرس‪.‬‬ ‫وقــد بــدت مؤشــرات التوتــر بــن إيــران وأكرادهــا يف االحتفــاالت‬ ‫التــي شــهدتها مناطقهــم بعــد اإلعــالن عــن نتائــج االســتفتاء يف‬ ‫كردســتان‪ ،‬بشــكل يشــير إلــى أن اخلطــوات التــي اتخذهــا اإلقليــم‬ ‫حظيــت بدعــم عابــر للحــدود مــن جانــب القوميــة الكرديــة املوجــودة‬ ‫يف أكثــر مــن دولــة‪.‬‬ ‫أمــا علــى مســتوى العوامــل اخلارجيــة‪ ،‬فيمكــن‬ ‫القــول أن تأســيس دولــة كرديــة يف شــمال العــراق‬ ‫قــد يتســبب يف تهديــد اجلهــود احلثيثــة التــي بذلتهــا‬ ‫إيــران خــالل الفتــرة املاضيــة مــن أجــل تأســيس‬ ‫ممــر اســتراتيجي يصــل بينهــا وبــن حلفائهــا يف‬ ‫ســوريا ولبنــان عبــر العــراق‪ ،‬وهــو املمــر الــذي بــات‬ ‫يحظــى باهتمــام دولــي بالــغ‪ ،‬يف ظــل السياســة‬ ‫األمريكيــة اجلديــدة التــي تتبناهــا إدارة الرئيــس‬ ‫دونالــد ترامــب‪ ،‬وتقــوم علــى عــدم حصــر اخلالفــات‬ ‫مــع إيــران يف امللــف النــووي فقــط‪ ،‬رغــم أهميتهــا‪ ،‬والتركيــز‪ ،‬بالتوازي‬ ‫مــع ذلــك‪ ،‬علــى األدوار التــي تقــوم بهــا إيــران علــى الســاحة اإلقليميــة‬ ‫وأدت إلــى دعــم نشــاط التنظيمــات اإلرهابيــة وزعزعــة االســتقرار‬ ‫يف الشــرق األوســط‪.‬‬ ‫فضـ ً‬ ‫ال عــن أن ثمــة تصــورات عديــدة تتبناهــا دوائــر صنــع القــرار‬ ‫ووســائل اإلعــالم التابعــة لهــا يف طهــران‪ ،‬وتقــوم علــى أن دولــة‬ ‫كردســتان املفترضــة يف شــمال العــراق ســوف تســاعد يف تكريــس‬ ‫وجــود إلســرائيل بالقــرب مــن حــدود إيــران‪ ،‬وذلــك بهــدف موازنــة‬ ‫نفــوذ األخيــرة يف جنــوب لبنــان‪ ،‬ومــن ثــم حتويــل كردســتان إلــى نقطــة‬ ‫انطــالق لهجمــات إســرائيلية أو أمريكيــة محتملــة قــد يتــم شــنها ضــد‬ ‫إيــران يف مرحلــة الحقــة‪ ،‬يف حالــة مــا إذا حتــول التصعيــد احلالــي‬ ‫بــن إيــران والواليــات املتحــدة األمريكيــة إلــى إجــراءات عســكرية‬ ‫علــى األرض بــن الطرفــن‪ ،‬يف ظــل املســارات الغامضــة التــي يتجــه‬ ‫إليهــا االتفــاق النــووي الــذي قــد يتــم جتميــده يف نهايــة األمــر‪ ،‬بــكل‬ ‫مــا يعنيــه ذلــك مــن عــودة إيــران إلــى تطويــر برنامجهــا النــووي املثيــر‬ ‫للجــدل مــن جديــد وتعزيــز احتمــاالت نشــوب مواجهــة عســكرية يف‬ ‫املنطقــة بســبب ذلــك‪.‬‬ ‫والالفــت هنــا أن اجلهــات التــي تتبنــى هــذه التصــورات تســتند‬ ‫إلــى اعتباريــن رئيســين لتبريــر حتذيراتهــا املســتمرة مــن التداعيــات‬ ‫اإلقليميــة التــي ميكــن أن يفرضهــا انفصــال كردســتان‪ :‬يتمثــل أولهما‪،‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪81‬‬

‫ملف العدد‬

‫يف تصاعــد الــدور الكــردي يف محاربــة تنظيــم "داعــش" داخــل كل مــن‬ ‫ســوريا والعــراق‪ ،‬وهــو الــدور الــذي بــات يحظــى بدعــم مــن جانــب‬ ‫بعــض القــوى الدوليــة املعنيــة باحلــرب ضــد اإلرهــاب علــى غــرار‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة وروســيا‪.‬‬ ‫فقـــد تأسســـت مـــا يســـمى بـ"قـــوات ســـوريا الدميقراطيـــة"‬ ‫(قســـد) داخـــل ســـوريا‪ ،‬يف حـــن شـــكل إقليـــم كردســـتان "قـــوات‬ ‫البش ــمركة"‪ ،‬حي ــث حتول ــت تل ــك امليليش ــيات إل ــى أط ــراف رئيس ــية‬ ‫يف املواجه ــات املس ــلحة م ــع "داع ــش" يف الع ــراق وس ــوريا‪ ،‬وبات ــت‬ ‫حتصـــل علـــى دعـــم عســـكري مـــن جانـــب واشـــنطن‪ ،‬بشـــكل لـــم‬ ‫يحــظ بقبــول مــن جانــب تركيــا‪ ،‬التــي تصنفهــا علــى أنهــا تنظيمــات‬ ‫إرهابي ــة‪ ،‬وقوب ــل بتوج ــس وح ــذر م ــن جان ــب إي ــران‬ ‫وحلفائهـــا‪ ،‬التـــي تـــرى أن ذلـــك ميكـــن أن يقـــوض‬ ‫اجلهـــود التـــي تبذلهـــا مـــن أجـــل توســـيع مســـاحة‬ ‫املناطــق التــي ســيطر عليهــا النظــام الســوري خــالل‬ ‫الفت ــرة األخي ــرة‪.‬‬ ‫وينص ــرف ثانيهم ــا‪ ،‬إل ــى اتس ــاع نط ــاق االهتم ــام‬ ‫الدولـــي‪ ،‬وال ســـيما األمريكـــي‪ ،‬بقضيـــة القوميـــات‬ ‫يف إيـــران‪ ،‬وهـــو مـــا انعكـــس يف تنديـــد املندوبـــة‬ ‫األمريكيـــة يف األمم املتحـــدة نيكـــي هايلـــي‪ ،‬يف‬ ‫‪ 18‬أبريـــل ‪2017‬م‪ ،‬بانتهـــاكات حقـــوق اإلنســـان يف‬ ‫إي ــران‪ ،‬وحتذيره ــا م ــن ان ــدالع نزاع ــات يف ث ــالث دول بس ــبب تل ــك‬ ‫االنتهـــاكات هـــى إيـــران وكوريـــا الشـــمالية وكوبـــا‪ ،‬وذلـــك خـــالل‬ ‫االجتمـــاع اخلـــاص بحقـــوق اإلنســـان يف مجلـــس األمـــن والـــذي‬ ‫دعـــت إليـــه الواليـــات املتحـــدة األمريكيـــة‪.‬‬ ‫كمــا بــدا ذلــك جل ًيــا يف التقريــر الســنوي األخيــر ملنظمــة العفــو‬ ‫الدوليــة‪ ،‬عــن حالــة "إيــران ‪"2017-2016‬م‪ ،‬الــذي أشــار إلــى أن‬ ‫املنتمــن لأقليــات الدينيــة والقوميــات العرقيــة يواجهــون متييــزًا‬ ‫يف إيــران‪ ،‬حيــث اســتخدمت الســلطات اإليرانيــة عقوبــة اإلعــدام‬ ‫علــى نطــاق واســع‪ ،‬كمــا تنــاول القيــود املفروضــة علــى فرصهــم يف‬ ‫احلصــول علــى وظيفــة وســكن مناســب وتولــي مناصــب وممارســة‬ ‫حقوقهــم املدنيــة والثقافيــة‪.‬‬

‫الـدولـــة الـكـرديـــة‬ ‫تهـــدد جهـــود إيـــران‬ ‫إليجاد ممر استراتيجي‬ ‫لربطه ــا بحلفائه ــا يف‬ ‫سوريا ولبنان عبر العراق‬

‫خطوات متعددة‬ ‫منــذ إعــالن رئيــس إقليــم كردســتان مســعود برزانــي يف ‪ 8‬يونيــو‬ ‫‪2017‬م‪ ،‬عــن حتديــد موعــد االســتفتاء علــى االنفصــال عــن العــراق‬ ‫يف ‪ 25‬ســبتمبر ‪2017‬م‪ ،‬حتركــت إيــران ملنــع األكــراد مــن اســتكمال‬ ‫اخلطــوات التمهيديــة إلجــراء االســتفتاء‪.‬‬ ‫إذ وجــه أمــن املجلــس األعلــى لأمــن القومــي اإليرانــي علــي‬ ‫شــمخاني تهدي ـدًا ضمن ًيــا لإلقليــم بقولــه‪ ،‬يف ‪ 17‬يوليــو ‪2017‬م‪ ،‬أن‬ ‫"االســتفتاء ســوف يــؤدي إلــى فــرض عزلــة علــى اإلقليــم وفــرض‬

‫‪80‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تبنــي الحــرب بالوكالــة عبــر الحشــد الشــعبي ضد األكــراد أحد الســيناريوهات‬

‫إيران تعول عى متغيرين‪ :‬التفاهم مع تركيا‬ ‫وروسيا حول سوريا والتوافق مع أنقرة لدعم قطر‬ ‫من ــذ إع ــالن إقلي ــم كردس ــتان ع ــن اجتاه ــه إلج ــراء اس ــتفتاء عل ــى االنفص ــال ع ــن الع ــراق يف ‪ 25‬س ــبتمبر ‪2017‬م‪ ،‬س ــعت‬ ‫إيــران إلــى احليلولــة دون حــدوث ذلــك‪ ،‬وســارعت إلــى التلويــح بخيــارات عديــدة ميكــن أن تســتخدمها لدفــع األكــراد نحــو‬ ‫إلغــاء هــذا االســتحقاق أو علــى األقــل جتميــد اســتحقاقاته‪ ،‬تراوحــت بــن املقاطعــة االقتصاديــة والعمــل العســكري‪ .‬لكــن‬ ‫هــذه املســاعي لــم تنجــح يف النهايــة يف منــع إجــراء االســتفتاء الــذي أســفرت نتائجــه عــن تأييــد ‪ %92‬مــن املقترعــن (نحــو‬ ‫‪ %72‬ممــن لهــم حــق االنتخــاب) لالنفصــال عــن العــراق‪ ،‬وهــو مــا دفــع طهــران إلــى البحــث عــن خيــارات أخــرى مــن أجــل‬ ‫التعامــل مــع االرتــدادات الداخليــة واإلقليميــة املتوقعــة لنتائــج االســتفتاء‪.‬‬

‫د‪ .‬محمد عباس ناجي‬

‫لكــن الالفــت يف هــذا الســياق‪ ،‬هــو أن إيــران كانــت حريصــة‬ ‫علــى عــدم إغــالق قنــوات التواصــل بشــكل كامــل مــع أكــراد العــراق‪،‬‬ ‫وفضلــت عــدم تصعيــد حــدة ضغوطهــا علــى اإلقليــم انتظــا ًرا ملــا‬ ‫ســوف تــؤول إليــه التطــورات‪ ،‬أو بعبــارة أدق مــا ســوف يتخــذه اإلقليــم‬ ‫مــن خطــوات لترجمــة نتائــج االســتفتاء إلــى إجــراءات علــى األرض‪،‬‬ ‫خاصــة أن أي خيــار ســوف تســتند إليــه يف النهايــة قــد يفــرض‬ ‫تداعيــات عديــدة علــى مصاحلهــا وحســاباتها يف ملفــات أخــرى‪ ،‬علــى‬ ‫غــرار تصعيدهــا املســتمر مــع إدارة الرئيــس األمريكــي دونالــد ترامــب‬ ‫حــول االتفــاق النــووي ودورهــا يف املنطقــة‪.‬‬

‫اعتبارات عديدة‬ ‫ميكــن تفســير السياســة اإليرانيــة املعارضــة النفصــال إقليــم‬ ‫كردســتان عــن العــراق يف ضــوء اعتبــارات عديــدة داخليــة وخارجيــة‪.‬‬ ‫فعلــى صعيــد العوامــل الداخليــة‪ ،‬تبــدي إيــران تخوفــات عديــدة‬ ‫مــن االنعكاســات احملتملــة إلجــراء االســتفتاء ثــم االنفصــال عــن‬ ‫العــراق علــى متاســكها الداخلــي‪ ،‬خاصــة أنــه ميكــن أن يحفــز أكــراد‬ ‫إيــران علــى املطالبــة باحلصــول علــى حكــم ذاتــي‪ ،‬أو علــى األقــل‬ ‫توســيع هامــش احلريــات السياســية واالجتماعيــة التــي نــص عليهــا‬ ‫الدســتور لكنهــا لــم تف َّعــل بســبب السياســات التــي تبنتهــا احلكومــات‬ ‫اإليرانيــة املتعاقبــة‪.‬‬ ‫وهن ــا‪ ،‬ف ــإن إي ــران تض ــع يف اعتباره ــا يف مقاربته ــا لتداعي ــات‬ ‫االســـتفتاء الكردســـتاني أن أبـــرز جتـــارب تأســـيس دولـــة كرديـــة‬

‫كان ــت عل ــى أراضيه ــا‪ ،‬وه ــي دول ــة "مهاب ــاد" الت ــي أعلنه ــا قاض ــي‬ ‫محمــد بدعــم مــن جانــب االحتــاد الســوفيتي يف ‪ 22‬ينايــر ‪1946‬م‪،‬‬ ‫إال أنهـــا لـــم تـــدم أكثـــر مـــن أحـــد عشـــر شـــه ًرا‪ ،‬حيـــث ســـرعان‬ ‫م ــا انه ــارت واجتاحته ــا الق ــوات اإليراني ــة بع ــد انس ــحاب االحت ــاد‬ ‫الس ــوفيتي م ــن إي ــران‪.‬‬ ‫ومــن دون شــك‪ ،‬فــإن مــا يكســب هــذه التخوفــات مزيــدًا مــن‬ ‫الزخــم هــو التوتــر املتواصــل الــذي ميثــل ســمة رئيســية يف عالقــات‬ ‫النظــام اإليرانــي مــع األكــراد علــى مــدى العقــود التــي تلــت تأسيســه‬ ‫يف عــام ‪1979‬م‪ .‬إذ يواجــه األكــراد‪ ،‬الذيــن ميثلــون ‪ %7‬مــن إجمالــي‬ ‫ســكان إيــران‪ ،‬أزمــات عديــدة علــى األصعــدة كافــة‪ ،‬بســبب تراجــع‬ ‫االهتمــام احلكومــي بتطويــر املناطــق التــي يعيشــون بهــا وتدنــي‬ ‫مســتوى اخلدمــات الصحيــة والتعليميــة فيهــا‪ ،‬فضـ ً‬ ‫ال عــن حرمانهــم‬ ‫مــن تولــي مناصــب رئيســية يف الدولــة‪ ،‬يف إطــار سياســة "التفريــس"‬ ‫التــي تتبناهــا األخيــرة‪.‬‬ ‫وتصاعــدت حــدة التوتــر يف معظــم املناطــق التــي يقطنهــا األكــراد‬ ‫يف إيــران‪ ،‬خاصــة مدينــة مهابــاد‪ ،‬بدايــة مــن ‪ 7‬مايــو ‪2015‬م‪ ،‬عقــب‬ ‫انتحــار فتــاة كرديــة جتن ًبــا الغتصابهــا مــن جانــب أحــد ضبــاط‬ ‫األمــن‪ ،‬وهــو مــا أدى إلــى انــدالع مواجهــات واســعة بــن الشــرطة‬ ‫واحملتجــن األكــراد‪.‬‬ ‫ووصــل هــذا التوتــر إلــى درجــة انــدالع مواجهــات مســلحة بــن‬ ‫القــوات اإليرانيــة وبعــض اجلماعــات املســلحة التــي تنتمــي إلــى‬ ‫القوميــة الكرديــة‪ ،‬جتــاوزت‪ ،‬يف بعــض األحيــان‪ ،‬احلــدود اإليرانيــة‪،‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬الجانب االجتماعي والقيمي‪.‬‬ ‫إن التعدديــة املذهبيــة واإلثنيــة موجــودة يف مجتمعــات بشــرية‬ ‫عديــدة‪ ،‬وقــد حتولــت هــذه املجتمعــات بعــد حــروب دمويــة طويلــة‬ ‫(كمــا يف أوروبــا) إلــى مجتمعــات متمدنــة ال جتــد للهويــة الطائفيــة‬ ‫فيهــا تأثيــ ًرا علــى احليــاة السياســية واالجتماعيــة‪ ،‬ويتمتــع الفــرد‬ ‫فيهــا باســتقالليته وبحريــة خياراتــه‪ ،‬وبالتالــي مــن التســطيح القــول‬ ‫أن املشــكلة تكمــن يف مجتمعاتنــا وتعدديتهــا‪ .‬وأن هــذه التعدديــة تقــود‬ ‫بالضــرورة إلــى احلالــة الطائفيــة التــي نعانيهــا‪ .‬إن تعزيــز املســألة‬ ‫الطائفيــة يأتــي مــن نظــرة االســتبداد لهــا كآلية ناجعــة لتفتيت املجتمع‬ ‫والســيطرة عليــه عبــر تكويــن كتــل منفصلــة ومتصارعــة تكــون أشــبة‬ ‫بالدمــى التــي ميســك بخيوطهــا املســتبد‪ ،‬ليصبــح‬ ‫احلاكــم والناظــم الرئيســي لطبيعــة الصــراع وتقســيم‬ ‫احلصــص والنفــوذ بــن األطــراف املتصارعــة‪.‬‬ ‫لعــل أهــم وأبــرز مــا انتجتــه الطائفيــة هــو ضــرب‬ ‫فكــرة الوحــدة الوطنيــة والهويــة اجلامعــة وإحــالل‬ ‫الهويــة الفرعيــة (العرقيــة‪ ،‬واملذهبيــة) محلهــا ك َمعبــر‬ ‫عــن أبنــاء الطائفــة يف تفكيرهــم ومواقفهــم‪ .‬وإن‬ ‫كانــت ممارســات الســلطة احلاكمــة واحملصصــة‬ ‫الطائفيــة قــد أنتجــت هــذا التفكيــر علــى طــوال‬ ‫الســنوات املاضيــة فــإن ممارســات "تنظيــم داعــش"‬ ‫ضــد األقليــات والســيما املســيحية وااليزيديــة‪ ،‬كذلــك ممارســات‬ ‫بعــض اجلماعــات املســلحة احلكوميــة خــالل املعــارك مــع "تنظيــم‬ ‫داعــش" قــد عمــق الشــعور بالظلــم واالضطهــاد واالنحيــاز إلــى‬ ‫الطائفــة والســيما لــدى األقليــات املســيحية وااليزيديــة وفقدانهــا‬ ‫بالشــعور بالهويــة اجلامعــة والواطــن الواحــد وتعزيــز الهويــات الفرعيــة‬ ‫والنزعــات االنفصاليــة‪.‬‬ ‫إن املخــرج مــن نفــق الطائفيــة يتطلــب شــعور تلــك األقليــات‬ ‫باملواطنــة وحتقيــق املســاواة‪ ،‬وهــذا يتطلــب مــن احلكومــة العراقيــة‪ ،‬أن‬ ‫تكــون جــادة يف إيجــاد مخرجــات حقيقيــة وشــاملة ملفهــوم املواطنــة مــن‬ ‫خــالل القيــام مبصاحلــة مــع مكونات الشــعب العراقي تعتمــد على عدم‬ ‫تغليــب املصالــح الطائفيــة والفئويــة والتــي تتمتــع بهــا الســلطة احلاكمــة‬ ‫وأحزابهــا علــى حســاب بقيــة املكونــات‪ ،‬كمــا يتطلــب االهتمــام باملناطــق‬ ‫التــي تعرضــت إلــى تدميــر أثنــاء املعــارك مــع "تنظيــم داعــش" وعــدم‬ ‫حتميــل تلــك املناطــق مســوؤلية مــا حــدث وانتهــاج سياســة إعالميــة‬ ‫حتــض علــى احملبــة والســالم وليــس علــى إقصــاء اآلخريــن وتهديدهــم‪،‬‬ ‫كمــا يتطلــب مــن احلكومــة إقامــة برنامج شــامل إلعــادة النازحن وتلبية‬ ‫حاجاتهــم اإلنســانية ويشــمل هــذا البرنامــج مــا يلــي‪:‬‬ ‫● العمــل علــى تأمــن أوضاعهــم وعــدم التعــرض لهــم حتــت طائلــة‬ ‫أيــة حجــة مــن احلجــج‪ ،‬وقــد يكــون بعضهــا طائفيــة وانتقاميــة مثلمــا‬ ‫حــدث مــع شــديد األســف بحجــة االنتقــام‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪79‬‬

‫ملف العدد‬

‫● جعــل القانــون والقضــاء العراقــي هــو الفاصــل واحلاكــم بــدالً مــن‬ ‫املعاجلــات غيــر القانونــي والالإنســانية جتــاه األبريــاء ملجــرد االنتقــام‪.‬‬ ‫● تعميق احترام حقوق اإلنسان والقانون اإلنساني داخل العراق‪.‬‬ ‫● تعزيــز اجلهــود الراميــة للحــد مــن النــزوح اإلجبــاري للســكان‪،‬‬ ‫وذلــك عــن طريــق إضعــاف وتقليــل األســباب التــي تدفــع النــاس إلــى‬ ‫الهــروب مــن منازلهــم‪ ،‬واســتغالل كل فرصــة لتقليــل األســباب التــي‬ ‫تدفــع العراقيــن إلــى تــرك منازلهــم‪.‬‬ ‫● توفيــر احلمايــة وتقــدمي املســاعدات املاديــة ملــن تركــوا العــراق‪،‬‬ ‫وذلــك بالتوافــق مــع القانــون الدولــي اخلــاص بالالجئــن‪ ،‬مــع إدراك‬ ‫أن العــودة الطوعيــة يف حــال ضمــان احلمايــة والكرامــة هــي اخليــار‬ ‫األفضــل عندمــا يكــون ذلــك ممك ًنــا‪.‬‬ ‫● وضــع حلــول فوريــة للمشــكالت اإلنســانية ألكثــر‬ ‫املجموعات تضر ًرا ودعم وصول املســاعدات اإلنســانية‬ ‫للســكان احملتاجــن بغــض النظــر عمــا إذا كان ذلــك يف‬ ‫مناطــق الصــراع أو املناطــق التــي ليــس بهــا صــراع‪.‬‬ ‫كمــا علــى احلكومــة إقــرار مفهــوم حقــوق اإلنســان‬ ‫برنامجــا أساســ ًيا‬ ‫بشــكل حقيقــي وملمــوس وجعلــه‬ ‫ً‬ ‫مــن برامــج احلكومــة وتكــون حريصــة عليــه‪ ،‬وذلــك‬ ‫مــن خــالل إنهــاء حــاالت املعتقلــن يف الســجون‬ ‫واملعتقــالت‪ ،‬وإنهــاء حــاالت انتهــاك حقــوق اإلنســان‬ ‫يف ســجون احلكومــة‪ ،‬ألن تلــك اإلجــراءات تعطــي داف ًعــا وزخ ًمــا‬ ‫حقيقــي للمصاحلــة بــن مكونــات الشــعب العراقــي‪.‬‬

‫الـتـحـركالـعـكـسـي‬ ‫والتشنج له آثار مدمرة‬ ‫لجميــع األطــراف فهــل‬ ‫يـعـــي صـانـــع الـقـــرار‬ ‫السياسي حقيقة األزمة؟‬ ‫الخاتمة‪:‬‬

‫وممـا الريـب فيـه أن العـراق اليـوم ميـر يف منعطـف خطير وحاسـم‬ ‫وليـس مـن السـهل االستشـراف املسـتقبلي ملـا سـيكون العـراق مابعـد "‬ ‫داعـش" ألن القضايـا واملشـكالت املطروحـة هـي قضايـا عميقـة ولهـا‬ ‫جذورهـا التاريخيـة‪ ،‬وهـذا يحتـم علـى صانع القـرار العراقـي أن ميارس‬ ‫سياسة ضبط النفس يف التعامل مع هذه القضايا‪ ،‬ولعل من أخطر هذه‬ ‫القضايـا هـي قضايـا االنفصـال وتقرير حق املصير ومن ثـم بقاء العراق‬ ‫موحـدًا مـن عدمـه‪ ،‬كمـا أن مسـألة احلفـاظ علـى حقـوق اإلنسـان التقل‬ ‫خطورة والسيما بالنسبة لأقليات واحلفاظ على حقوقهم وأن يعشيوا‬ ‫يف العـراق بكرامـة‪ ،‬وإذا مت إعطـاء بعـض املعاجلـات الضروريـة للحفـاظ‬ ‫علـى العـراق سياسـ ًيا وأمن ًيـا ومجتمع ًيـا وقيم ًيـا‪ ،‬وهي حلـول تتطلب من‬ ‫السلطة السياسية احلاكمة وصانع القرار العراقي إدراك مخاطر عدم‬ ‫التحـرك باجتاههـا بحنكـة وحصافـة‪ ،‬ألن التحـرك العكسـي والتشـنج‬ ‫اجتاههـا سـيكون آثـاره مدمـرة جلميـع األطراف‪ ،‬فهل يعـي صانع القرار‬ ‫السياسـي العراقـي تلـك األزمـة ويتصرف باجتاههـا بحنكة وحكمة‪.‬‬ ‫* ﺑﺎﺣﺚ وأﻛﺎدميﻲ ﻋﺮاﻗﻲ‬

‫‪78‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫أمــا اخليــار الثالــث فإنــه يتمثــل بنظــام احلكــم الالمركــزي‪ ،‬يف إدارة‬ ‫احلكــم ومنــح اإلدارات احملليــة شــي ًئا مــن االســتقاللية يف إدارة شــؤونها‬ ‫يف احلكــم دون اللجــوء إلــى أقاليــم‪ ،‬علــى اعتبــار أن السياســة املركزيــة‬ ‫املتبعــة الســيما يف ظــل احلكومــة الســابقة هــي مــن قــادت البلــد إلــى‬ ‫احلــال الــذي هــو عليــه‪ .‬وهــذا الوضــع حت ًمــا ال يرضــي الكــرد وال يلبــي‬ ‫طموحاتهــم االنفصاليــة التــي تعــد فكــرة اإلقليــم فيهــا نقطــة الشــروع‬ ‫األولــى‪ ،‬يبــدو أن هــذا اخليــار يعــد مقبــوالً مــن جانــب اآلخــر‪ ،‬وهــم‬ ‫العــرب الســنة ألنهــم يف األســاس مــع وحــدة دولــة العــراق وضــد امليــول‬ ‫االنفصاليــة بشــكل عــام إذا مــا طبــق هــذا النظــام بشــكل صحيــح‪.‬‬ ‫يف إطـار اجلانـب السياسـي يتحتـم علـى بغـداد القيـام بتعديـل‬ ‫للدسـتور يضمـن حقـوق جميـع مكونـات الشـعب العراقـي‪ ،‬السـيما‬ ‫وإن كتابـة الدسـتور العراقـي كان يف ظـل السـنوات األولـى لالحتـالل‬ ‫األمريكـي للعـراق‪ ،‬وهنـاك تغييـر يف بعـض املعطيـات علـى السـاحة‬ ‫السياسـية واألمنية يف العراق‪ ،‬ومما ال شـك فيه فإن هناك متلمل من‬ ‫بعـض مكونـات الشـعب العراقـي باعتبـار أن هذا الدسـتور تطغى عليه‬ ‫الصفـة الطائفيـة ومـن ثـم فـإن احلاجـة أصبحـت ملحـة للقيـام ببعـض‬ ‫التعديالت السيما وأن هذه التعديالت كانت مقررة القيام بها يف فترات‬ ‫سـابقة مت تأجيلهـا نتيجـة الظـروف التـي كان ميـر بهـا العـراق آنـذاك‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬الجانب األمني‪.‬‬ ‫تعــد املعضلــة األمنيــة احــدى أهــم املعضــالت للعــراق مــا بعــد‬ ‫داعــش‪ ،‬فعمليــة ظهــور " تنظيــم داعــش" وماصاحبــه مــن عمليــات‬ ‫قتاليــة أدى إلــى ظهــور القــوات العســكرية املوازيــة للجيــش العراقــي‪،‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أو مايســمى "باحلشــد الشــعبي" والــذي اســتطاع بحكــم الواقــع أن‬ ‫يفــرض ســيطرته علــى أرجــاء واســعة مــن العــراق فض ـ ً‬ ‫ال عــن حتكمــه‬ ‫يف القــرارات السياســية‪ ،‬ومــن البداهــة أن أي دولــة ألجــل أن حتافــظ‬ ‫علــى هيبتهــا البــد لهــا أن تكــون القــوة العســكرية يف يدهــا فقــط‪ ،‬عــالوة‬ ‫علــى ذلــك فــإن الكثيــر مــن عمليــات التجــاوز ضــد الســكان املدنيــن‪ ،‬قد‬ ‫حصلــت يف مناطــق القتــال‪ ،‬إذ كانــت تشــير أصابــع االتهــام إلــى ضلــوع‬ ‫قــوات "احلشــد الشــعبي" بتلــك التجــاوزات واملمارســات‪ ،‬ومــن اجلديــر‬ ‫بالذكــر أن تلــك التجــاوزات واملمارســات امتــدات إلــى العاصمــة بغــداد‬ ‫هاجســا أمن ًيا حلكومة العــراق يف‬ ‫ومحافظــات اجلنــوب‪ ،‬وهــو مــا يشــكل‬ ‫ً‬ ‫ظــل وجهــات النظــر املختلفــة‪ ،‬فعلــى الرغــم من قــول بعض قادة احلشــد‬ ‫الشــعبي أن مســألة بقائهــم هــي مســألة وقــت ليــس إال حملاربــة "تنظيــم‬ ‫داعــش"‪ ،‬هنــاك توجــس مــن أن تتحــول قــوات احلشــد الشــعبي إلــى تيــار‬ ‫سياســي مدعو ًمــا عســكر ًيا بتلــك القــوات وهــو مــا يشــكل عائ ًقــا أمن ًيــا‬ ‫يف مفهــوم الدولــة املدنيــة وحتولهــا إلــى عامــل ضغــط ضــد خصومهــا‬ ‫السياســين‪ ،‬وإذا كانــت مســألة متتــع قــوات احلشــد الشــعبي بنفــوذ‬ ‫سياســي وعســكري يف عــراق مابعــد "داعــش" تعــد مســألة مقبولــة لــدى‬ ‫أحــزاب الســلطة والشــيعة‪ ،‬فــإن املســألة غيــر مرغــوب فيهــا بالنســبة‬ ‫للســنة واألكــراد وتيــارات املجتمــع املدني واحلركات السياســية املســتقلة‬ ‫الغيــر حزبيــة ألن مــن وجهــة نظــر تلــك املكونــات‪ ،‬أن قــوات احلشــد‬ ‫الشــعبي ســتميل لصالــح أطــراف معينــة ضــد أطــراف أخــرى‪ ،‬ممــا‬ ‫يــؤدي إلــى حــدوث شــرخ يف العالقــات السياســية‪ ،‬والــذي ميثــل عائ ًقــا‬ ‫أمــام مدنيــة الــدول‪ ،‬وتكمــن احللــول يف دمــج احلشــد الشــعبي يف قــوات‬ ‫اجليــش العراقــي واألجهــزة األمنيــة دون أن يكــون لهــا متثيـ ً‬ ‫سياســا‪.‬‬ ‫ال‬ ‫ً‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫يقــول نيجيرفــان البارزانــي‪ ،‬إن اســتقالل إقلــم كوردســتان‪ ،‬مــن‬ ‫حــق الشــعب الكــوردي‪ ،‬وحــق تقريــر املصيــر مــن أهــداف الشــعب‬ ‫الكــوردي‪ ،‬إذ أصبــح مفهــوم جغرافيــة الــدم مــن معطيــات احلالــة يف‬ ‫دول الشــرق األوســط ويجــب بعــد انتهــاء داعــش‪ ،‬أن ننهــي موضــوع‬ ‫احلــدود الــذي حددتــه قــوات البيشــمركة بدمائهــا‪ ،‬وعليــه يتــم حتديد‬ ‫حــدود كردســتان التــي حــررت بدمــاء البيشــمركة بعــد مرحلــة داعــم‪.‬‬ ‫وهــذا مــا ذهــب اليــه رئيــس إقليــم كردســتان مســعود برزانــي حيــث‬ ‫مت الدعــوة إلــى اســتفتاء االنفصــال وتنظيمــه يف ‪ 25‬أيلــول ‪2017‬م‪،‬‬ ‫حيــث كانــت نســبة تاييــد االنفصــال ‪.%92‬‬ ‫ورغــم هــذه النتيجــة الكبيــرة واملؤيــدة لالنفصــال‪ ،‬فــإن جوزيــف ناي‬ ‫يــرى يف مقــال بعنــوان (مــن‪ ،‬أيــن‪ ،‬ومتــى االنفصــال)‪ ،‬أن التاريــخ اليخــدم‬ ‫قضيــة االنفصــال إلقليــم كردســتان إذ هنــاك الكثيــر مــن التجــارب‬ ‫والتــي حاولــت بهــا بعــض القوميــات مــن اللجــوء إلــى حــق تقريــر املصيــر‬ ‫واالنفصــال يف بالدهــا األصليــة ولــم تنجــح‪ ،‬واحلــال ينطبــق علــى إقليــم‬ ‫كردســتان يف ظــل التجاذبــات اإلقليميــة احمليطــة باإلقليــم‪.‬‬ ‫هنــا ميكــن القــول إن حلــول هــذه األزمــة مابــن احلكومــة‬ ‫املركزيــة يف بغــداد وحكومــة إقليــم كردســتان يف ظــل اســتبعاد قيــام‬ ‫حــرب بــن الطرفــن بســبب تكلفتهــا الواســعة للطرفــن همــا خيارين‪.‬‬ ‫اخليــار األول يكــون مــن خــالل إقامــة أقاليــم يف ظــل عــراق‬ ‫فيدرالــي مــع توســيع صالحيــات هــذه األقاليــم علــى حســاب املركــز‪،‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪77‬‬

‫ملف العدد‬

‫وهــذه األقاليــم ومــن أجــل عــدم اتخاذهــا منحــى عرقــي أو مذهبــي‬ ‫يتــم فيهــا دمــج بعــض املناطــق املتداخلــة وال يقتصر علــى ثالثة أقاليم‬ ‫فقــط ‪ ،‬ومــن ثــم إبعادهــا عــن البعــد الطائفــي أو العرقــي ويتألــف مــن‬ ‫خمســة أقاليــم همــا إقليــم الشــمال ويتكــون مــن محافظــات إقليــم‬ ‫كردســتان الثــالث وبعــض أجــزاء مــن محافظــة كركــوك‪ ،‬واإلقليــم‬ ‫الغربــي ويتألــف مــن محافظــات املوصــل وصــالح الديــن وديالــى‬ ‫واألنبــار واجلــزء املتبقــي مــن محافظــة كركــوك‪ ،‬وإقليــم بغــداد ويضــم‬ ‫احلــدود اإلداريــة ملدينــة بغــداد مــع التوســع علــى بعــض املناطــق يف‬ ‫ديالــى وصــالح الديــن ليضــم إليــه مدينــة ســامراء‪ ،‬وإقليــم الفــرات‬ ‫األوســط ويضــم محافظــات بابــل وواســط وكربــالء والنجــف‪ ،‬وأخيـ ًرا‬ ‫اإلقليــم اجلنوبــي ويضــم محافظــات البصــرة والعمــارة وذي قــار‬ ‫والديوانيــة واملثنــى‪.‬‬ ‫أمــا اخليــار الثانــي فهــو يتجســد باحلــل الكونفدرالــي حيــث‬ ‫كشــفت مصــادر كرديــة عــن طــرح بغــداد مبــادرة للنظــام الكونفدرالــي‬ ‫علــى أربيــل‪ ،‬وهــو عبــارة عــن احتــاد للعالقــات بــن العــراق وإقليــم‬ ‫كردســتان‪ .‬لكــن هــذا احلــل رمبا يشــجع الســنة للمطالبــة بكونفدرالية‬ ‫مماثلــة إلقليــم كرســتان‪ .‬وبالتالــي ميكــن أن يتالــف هــذا اخليــار مــن‬ ‫ثالثــة أقاليــم (شــيعية‪ ،‬ســنية‪ ،‬كرديــة)‪ ،‬يف حــن يبــدو أ َن هــذا اخليــار‬ ‫تكمــن فيــه خطــورة إذ يحمــل يف طياتــه بــذور االنفصــال واالســتقالل‬ ‫ألن األقاليــم قائمــة علــى أســاس عرقــي وطائفــي‪.‬‬

‫‪76‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مخاوف من تحول "الحشد" إلى تيار سياسي مدعوم عسكر ًيا يعيق الدولة املدنية‬

‫ع ــراق م ــا بع ــد داع ــش ‪ ..‬مخاط ــر تمزي ــق‬ ‫الدول ــة الموح ــدة ‪ ..‬والحل ــول معلق ــة‬ ‫لقـد مـر العـراق يف ظـل سـيطرة "تنظيـم داعـش" بعـد عـام ‪2014‬م‪ ،‬يف واحدة من أحلك مراحله بعـد عام ‪2003‬م‪ ،‬اليخالط هذه‬ ‫املرحلـة مـن آثـار سـيئة إال مرحلـة الصـراع الدامـي مابـن عامـي ‪2008-2006‬م‪ ،‬والتـي كادت تـؤدي إلـى حـرب أهليـة طاحنـة‬ ‫ومدمـرة‪ .‬لقـد مثلـت فتـرة " تنظيـم داعـش"‪ ،‬والتـي سـيطرت على ثلثي مسـاحة العـرق يف ثالث محافظات هـي املوصل واألنبار‬ ‫وصالح الدين‪ ،‬تهديدًا فعل ًيا ملفهوم دولة العراق باالضافة إلى ما صاحبها من آثار سـلبية متثلت يف تهجير السـكان ونزوحهم‬ ‫مـن مناطـق القتـال يف احملافظـات الثـالث‪ ،‬إذ أن اسـتمرار النـزاع املسـلح يف جميـع أنحـاء البـالد‪ ،‬أدى إلـى مزيـد مـن النـزوح‪،‬‬ ‫حيـث كان الوضـع للنازحـن يـزداد سـو ًءا بسـبب البنيـة التحتيـة واخلدمـات العامة املثقلة باألعباء يف معظـم مناطق البالد‪ ،‬بعد‬ ‫مـا يقـرب مـن ثالثـة أعـوام علـى ظهـور داعـش‪ ،‬جنـد أن النازحـن يف وضـع مالـي صعـب‪ ،‬األسـر الضعيفـة سـرعان ما تسـتنفذ‬ ‫األصول اإلنتاجية من أجل تلبية اإلحتياجات املنزلية اليومية‪ ،‬وهناك فرص محدودة لكسب الرزق يف مناطق النزوح‪ ،‬ويعتمد‬ ‫الكثيـرون علـى اسـتراتيجيات مواجهـة التـآكل‪ ،‬مثـل تقليـل الوجبـات‪ ،‬اقتـراض املـال‪ ،‬ويف أسـوأ احلـاالت‪ ،‬اللجـوء إلـى عمالـة‬ ‫األطفـال وغيرهـا مـن األمـور التـي تتنافـى مـع أبسـط مبـادئ حقوق اإلنسـان يف العيـش الكرمي‪.‬‬

‫د‪ .‬حارث قحطان عبد اهلل‬ ‫فض ـ ً‬ ‫ال عــن ممارســات "تنظيــم داعــش" ضــد الســكان والســيما‬ ‫ضــد األقليــات غيــر املســلمة املســيحية واأليزيديــة‪ ،‬حيــث شــكلت‬ ‫ضربــة لوحــدة النســيج الوطنــي العراقــي وهــو مــا جعــل تلــك األقليــات‬ ‫تلجــاء إلــى الفــرار مــن العــراق‪ ،‬أذ مثلــت أكبــر نســبة نــزوح وهجــرة‬ ‫والســيما للمســيحين‪.‬‬ ‫والســؤال الــذي يــدور يف أذهــان املتابعــن للشــأن العراقــي هــو‬ ‫يف كيفيــة جتــاوز هــذه اآلثــار الســلبية يف مجمــل النواحــي السياســية‬ ‫واألمنيــة واإلنســانية‪ ،‬وماهــي خيــارات احللــول يف ظــل تضــارب‬ ‫املصالــح وتقاطعهــا الســيما أن املســالة املهمــة كانــت تــدور يف حــول‬ ‫هــل يتمكــن العــراق مــن معاجلــة تلــك اآلثــار وماهــي املقترحــات‬ ‫املطروحــة علــى الســاحة العراقيــة وماهــي مــدى اســتجابة األطــراف‬ ‫يف ظــل ظــروف جديــدة خلقهــا التحالــف الدولــي ضــد "تنظيــم‬ ‫داعــش"‪ .‬علــى مجمــل األصعــدة السياســية واألمنيــة واملجتمعيــة‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬الجانب السياسي‪.‬‬ ‫مــع تقهقــر "تنظيــم داعــش" يف العــراق واقتــراب حســم معركــة‬ ‫حتريــر معظــم األراضــي التــي كانــت خاضعــة لــه‪ ،‬طفــت علــى الســطح‬

‫جملــة مشــكالت بعضهــا قــدمي متجــدد كتحديــد عائديــة املناطــق‬ ‫املتنــازع عليهــا بعــد حتريرهــا مــن ســيطرة التنظيــم ومــا يرتبــط بهــا‬ ‫مــن صــراع مكوناتــي‪ ،‬وبعضهــا اآلخــر جديــد لــه أبعــاد قدميــة وحتديدًا‬ ‫فيمــا يتعلــق بطريقــة إدارة احلكــم يف العــراق بعــد التخلــص مــن ســطوة‬ ‫التنظيــم‪ ،‬يف ظــل عــودة مشــروع األقاليــم إلــى الواجهــة مــن جديــد‬ ‫وتبنيــه مــن قبــل أطــراف كانــت معارضــة لــه يف الســابق‪ ،‬واملقصــود هنا‬ ‫(بعــض الفصائــل الســنية)‪ .‬كل ذلــك يحصــل يف ظــل صــراع إرادات‬ ‫ـرحا لهــا‪.‬‬ ‫دوليــة وإقليميــة جعلــت مــن الســاحة العراقيــة مسـ ً‬ ‫عــو ًدا علــى بــدء‪ ،‬فقــد أشــار الكثيــر مــن الباحثــن واحملللــن‪ ،‬حتــى‬ ‫السياســين أنفســهم إلــى أن (عــراق مــا بعــد داعــش) ســيكون أكثــر‬ ‫تعقي ـدًا‪ ،‬فالطموحــات الكرديــة ارتفــع ســقف مطالبهــا عل ًنــا بإعــالن‬ ‫رغبتهــا ضــم مناطــق أخــرى تشــمل ســنجار ومناطــق مــن كركــوك‬ ‫وديالــى‪ ،‬ويف هــذا الصــدد صــرح مســؤولون أكــراد بــأن‪( :‬العــراق مــا‬ ‫قبــل ســقوط املوصــل لــن يعــود كمــا كان)‪ .‬وتأكيــدات رئيــس األقليــم‬ ‫(مســعود البرزانــي) علــى أن (جهــود قــوات البيشــمركه لــن تذهــب‬ ‫ســدى)‪ ،‬وتكــرار تهديداتــه بإعــالن (اســتقالل اإلقليــم)‪ ،‬والعيــش كدولة‬ ‫مســتقلة تتمتــع بعالقــة "حســن اجلــوار" مــع جارهــا اجلديــد (العــراق)‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫يف تركيــا قويــة جــدًا‪ ،‬وال تقــوى أحــزاب مغامــرة علــى نــزع هــذه‬ ‫الوحــدة الوطنيــة‪ ،‬وإذا وجــد ألكــراد العــراق مــن حجــة لالنفصــال‬ ‫وهــي عــدم وجــود دولــة سياســية دميقراطيــة‪ ،‬فهــي حجــة قــد تكــون‬ ‫مقبولــة ولكنهــا غيــر كافيــة لتدميــر الشــعب الكــردي يف العــراق‬ ‫علــى أيــدي ميليشــيات احلــرس الثــوري واحلشــد الشــعبي وقاســم‬ ‫ســليماني وغيــره‪ ،‬فاحلــل هــو التفــاوض مــع احلكومــة العراقيــة بدعــم‬ ‫تركــي وإيرانــي ودولــي لتحقيــق كل مصالــح الشــعب العراقــي دون‬ ‫اســتثناء وال انفصــال‪.‬‬ ‫إن احلــروب التــي خاضتهــا احلكومــة العراقيــة ضــد التنظيمــات‬ ‫اإلرهابيــة يف الســنوات األخيــرة مؤشــر على جديــة احلكومة العراقية‬ ‫باتخــاذ تدابيــر عســكرية جديــة ملنــع االنفصــال‪ ،‬وإذا راهنــت زعامــة‬ ‫كردســتان علــى الضغــوط األمريكيــة علــى حكومــة العبــادي‪ ،‬فإنهــا‬ ‫لــن تســتطيع املراهنــة علــى املوقــف اإليرانــي الــذي يشــعر بخطــر‬ ‫أكبــر مــن احلكومــة العراقيــة ومــن احلكومــة التركيــة ً‬ ‫أيضــا‪ ،‬فــإن‬ ‫إيــران الثوريــة لــن تتوانــى عــن خــوض حــرب مصيريــة ضــد الدولــة‬ ‫الكرديــة؛ ألنهــا تــرى فيهــا خطــ ًرا مصير ًيــا‪ ،‬فاألراضــي األصليــة‬ ‫التاريخيــة للقوميــة الكرديــة هــي يف إيــران وليســت يف العــراق وال‬ ‫يف تركيــا وال يف ســوريا‪ ،‬وإيــران متلــك قــدرة علــى إدخــال احلكومــة‬ ‫العراقيــة يف حــرب فعليــة مــع كردســتان أكثــر مــن قــدرة تركيــا‪ ،‬كمــا‬ ‫أنهــا لــن تصبــر عليهــا كمــا ميكــن أن تفعــل تركيــا‪ ،‬فهــل يتوقــف الكــرد‬ ‫عــن هــذه املجازفــة القاتلــة؟!‬

‫موقف كركوك من االستفتاء واالنفصال‪:‬‬ ‫كان مــن الالفــت قبــل االســتفتاء بأشــهر عديــدة صــدور قــرار‬ ‫مجلــس حكــم محافظــة كركــوك برفــع علــم إقليــم كردســتان علــى‬ ‫املبانــي احلكومــة‪ ،‬مــا يعنــي أن االســتفتاء سيشــمل محافظــة كركــوك‬ ‫التــي ال يشــملها تقســيم األقاليــم يف العــراق‪ ،‬فالقــرار صــدر بشــهر‬ ‫أبريــل املاضــي‪ ،‬أي قبــل خمســة أشــهر تقري ًبــا مــن االســتفتاء‪ ،‬وهــذا‬ ‫بحــد ذاتــه فتــح مســألة خــالف أساســية بــن اإلقليــم واحلكومــة‬ ‫العراقيــة وتركيــا ً‬ ‫أيضــا‪ ،‬بالرغــم مــن أن خطــوة رفــع علــم إقليــم‬ ‫كردســتان يف كركــوك جــاءت بعــد توافــق بــن جــالل طالبانــي‬ ‫ومســعود برزانــي أقــوى قطبــن كرديــن يف العــراق‪ ،‬مــا يــدل علــى أن‬ ‫احلركــة تعنــي أول مــا تعنــي الســعي لتوســيع إقليــم كردســتان ليشــمل‬ ‫محافظــة كركــوك‪ ،‬وأمــا أســبابها فليســت توســع يف اجلغرافيــا فقــط‪،‬‬ ‫وإمنــا ملــا يف كركــوك مــن مخــزون نفطــي كبيــر‪ ،‬فاملســألة مســألة نفط‬ ‫يحتــاج إقليــم كردســتان إلــى عائداتــه املاليــة إلدارة اإلقليــم أو الدولــة‬ ‫الكرديــة القادمــة بعــد تقســيم العــراق‪ ،‬رغــم أن كركــوك ليســت مدينة‬ ‫خالصــة لأكــراد إطال ًقــا‪ ،‬فلديهــا أغلبيــة عربيــة وتركمانيــة ترفــض‬ ‫هــذا اإلجــراء وتوابعــه السياســية واالقتصاديــة‪ ،‬وخطــورة االســتفتاء‬ ‫واالنفصــال قــد تــؤدي إلــى تغيــر يف البنيــة الدميغرافيــة يف كركــوك‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪75‬‬

‫ملف العدد‬

‫يف املســتقبل القريــب‪ .‬لذلــك رفضــت احلكومــة العراقيــة رفــع العلــم‬ ‫الكردســتاني علــى مبانــي كركــوك‪.‬‬

‫الخاتمة‪:‬‬ ‫اإلش ــكالية الت ــي تواج ــه ش ــعوب املنطق ــة م ــن الع ــرب واألك ــراد‬ ‫والتركمــان يف العــراق وســوريا وإيــران وتركيــا هــي املشــاريع الدوليــة‪،‬‬ ‫فاألح ــزاب الكردي ــة ال تتح ــرك إال بوج ــود ترتيب ــات دولي ــة معين ــة‪،‬‬ ‫ول ــو م ــن ب ــاب احمل ــاوالت األمريكي ــة إليج ــاد تقس ــيمات سياس ــية‬ ‫كبي ــرة باملنطق ــة يف املس ــتقبل‪ ،‬فأمري ــكا عمل ــت عل ــى تدمي ــر الع ــراق‬ ‫من ــذ ع ــام ‪1980‬م‪ ،‬فاس ــتغلت احل ــرب العراقي ــة اإليراني ــة أوالً‪ ،‬ث ــم‬ ‫أزم ــة الكوي ــت ع ــام ‪1990‬م‪ ،‬وتابعته ــا باحلص ــار ثالث ــة عش ــر عام ــا‬ ‫حتــى عــام ‪2003‬م‪ ،‬ثــم انقضــت علــى العــراق‪ ،‬وال زالــت تعمــل علــى‬ ‫تدميــره مبزيــد مــن احلــروب الطائفيــة والقوميــة والعرقيــة‪ ،‬وقضيــة‬ ‫االســـتفتاء جـــزء مـــن اخلطـــة األمريكيـــة اإلســـرائيلية ملســـتقبل‬ ‫الع ــراق وتقس ــيمه‪ ،‬واملس ــاعدات العس ــكرية الت ــي قدمته ــا أمري ــكا‬ ‫إلقلي ــم ش ــمال الع ــراق أو مليليش ــيات ح ــزب االحت ــاد الدميقراط ــي‬ ‫الك ــردي الس ــوري تكف ــي لبن ــاء جي ــوش م ــن مئ ــات األل ــوف‪ ،‬وه ــذا‬ ‫يهـــدد املنطقـــة بحـــروب قوميـــة طويلـــة األمـــد ال تبقـــي وال تـــذر ‪،‬‬ ‫فالصراع ــات يف املنطق ــة ل ــن تك ــون ب ــن األك ــراد والع ــرب واألت ــراك‬ ‫واإليراني ــن فق ــط‪ ،‬وإمن ــا ه ــي صراع ــات ب ــن مش ــاريع سياس ــية‬ ‫دولي ــة ذات خلفي ــة صليبي ــة‪.‬‬ ‫لذلــك فــإن املواقــف التركيــة الرافضــة لالســتفتاء ليســت ضــد‬ ‫األكــراد إطالقـاً‪ ،‬وإمنــا مــن أجــل مصالــح شــعوب املنطقــة وقومياتهــا‪،‬‬ ‫فاملوقــف التركــي يــدرك االندفــاع الكــردي إلقامــة كيــان سياســي‬ ‫خــاص‪ ،‬ولكــن هــذا التقســيم الــذي تشــرف عليــه وتنفــذه الــدول‬ ‫الغربيــة وأمريــكا وإســرائيل لــن يكــون يف مصلحــة األكــراد وال يف‬ ‫مصلحــة شــعوب املنطقــة‪ ،‬فتقســيم ‪1916‬م‪ ،‬لــم ينقــذ شــعوب املنطقــة‬ ‫ممــا كانــت تشــكو منــه‪ ،‬وإمنــا إبقاهــا قر ًنــا كام ـ ً‬ ‫ال يف حالــة ضعــف‪،‬‬ ‫فالتقســيم الــذي يســعى لــه الغــرب األمريكــي واألوروبــي واإلســرائيلي‬ ‫لشــعوب املنطقــة املســلمة هــو إلضعافهــا وإبقائهــا يف حالــة صــراع‬ ‫سياســي وعســكري مــع بعضهــا‪ ،‬وليــس مــن أجــل حتررهــا وال نهضتها‬ ‫وال تقدمهــا وال اســتقاللها‪ ،‬وتركيــا حتــذر وتنــذر مــن حتــول هــذه‬ ‫املشــاريع االنفصاليــة لقتــل األكــراد لبعضهــم بعض ـاً أوالً‪ ،‬ودخولهــم‬ ‫يف حــروب مــع أخوتهــم مــن العــرب واألتــراك واإليرانيــن‪ ،‬وحتــذر‬ ‫وتتخــوف مــن زيــادة معانــاة الشــعب الكــردي والعربــي والعراقــي‪،‬‬ ‫وزيــادة تشــريدهم مــن مدنهــم وقراهــم‪ ،‬فالرفــض هــو جلعــل األكــراد‬ ‫انفســهم جنــو ًدا مرتزقــة للمشــاريع الغربيــة االســتعمارية‪ ،‬ولــن تســلم‬ ‫دول اجلــوار مــن مخاطرهــا‪.‬‬ ‫* ﻛﺎﺗﺐ وﺑﺎﺣﺚ ﺗﺮيك‬

‫‪74‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫أي قــرار تتخــذه احلكومــة املركزيــة جتــاه االســتفتاء"‪ ،‬مكــر ًرا أقــوال‬ ‫املرشــد خامنئــي بــأن إنشــاء دولــة كرديــة يصــب ضمــن األهــداف‬ ‫الصهيونيــة إليجــاد إســرائيل ثانيــة وثالثــة يف املنطقــة‪.‬‬ ‫لقــد بــادرت احلكومــة التركيــة باالســتجابة إلــى دعــوات التنســيق‬ ‫مــع احلكومتــن العراقيــة واإليرانيــة ملواجهــة انفصــال اإلقليــم أو‬ ‫محــاوالت فــرض التقســيم علــى العــراق‪ ،‬وبتاريــخ ‪ 15‬أغســطس‬ ‫‪2017‬م‪ ،‬زار رئيــس األركان اإليرانــي‪ ،‬محمــد حســن باقــري تركيــا‬ ‫بدعــوة مــن نظيــره التركــي خلوصــي أكار‪ ،‬فجــاء علــى رأس يف زيــارة‬ ‫هــي األولــى مــن نوعهــا منــذ الثــورة اإليرانيــة‪ ،‬واســتم َّرت ثالثــة‬ ‫موحــد مــن اســتفتاء‬ ‫أيــام‪ .‬وكان مــن أهــم أهدافهــا بلــورة موقــف َّ‬ ‫(كردســتان) العــراق؛ ملــا لــه مــن انعكاســات ســلبية علــى امللــف‬ ‫الكــردي يف كال البلديــن؛ وقــد حـ َّـذر وزيــر اخلارجيــة التركــي مــن أن‬ ‫يــؤدي االســتفتاء إلــى حــرب أهليــة عراقيــة‪ ،‬كمــا أكــد باقــري رفــض‬ ‫طهــران وأنقــرة لــه‪ ،‬واعتبــاره بدايــة توتــر جديــد يف املنطقــة‪ ،‬ومــن‬ ‫املؤكــد أن تركيــا تربــط بــن االنفصــال الكــردي يف العــراق مع مشــروع‬ ‫االنفصــال اآلخــر يف ســوريا وتعمــل علــى تأييــد احلكومــة اإليرانيــة‬ ‫لوجهــة نظرهــا برفــض االنفصالــن م ًعــا‪.‬‬ ‫وأمــا مــا يقــال بــأن لتركيــا مصالــح اقتصاديــة مــن انفصــال أكــراد‬ ‫العــراق‪ ،‬وأنــه يف حالــة مقاطعــة العــراق وإيــران لهــذا اإلقليــم املنفصل‬ ‫فســوف تكــون نافذتــه العامليــة هــي البوابــة التركيــة مبــا حتملــه مــن‬ ‫مصالــح اقتصاديــة كبيــرة لتركيــا‪ ،‬فــإن ذلــك كان متحققــا يف الوضــع‬ ‫الســابق دون مخاطــر أمنيــة علــى األمــن القومــي التركــي‪ ،‬فمــا ســوف‬ ‫يترتــب علــى هــذا االنفصــال مــن وجهــة نظــر تركيــا خطيــر جـدًا علــى‬ ‫املــدى القريــب والبعيــد‪ ،‬حيــث أن خشــية تركيــا مــن إقامــة دولــة‬ ‫كرديــة علــى حدودهــا اجلنوبيــة مــن جهــة العــراق ســيفتح عليهــا با ًبــا‬ ‫مــن املخاطــر الداخليــة واخلارجيــة‪ ،‬فاملخاطــر الداخليــة مــن جهــة‬ ‫تزايــد اجلهــود الداخليــة التــي يتبناهــا حــزب العمــال الكردســتاني‬ ‫داخــل تركيــا إلقامــة حكــم ذاتــي يف جنــوب شــرق تركيــا‪ ،‬ســوف‬ ‫يتحــول إلــى بــؤرة صــراع عســكري كبيــر أخطــر ممــا كان يف العقــود‬ ‫املاضيــة أضعــاف املــرات‪.‬‬ ‫إن تركي ــا تعان ــي من ــذ ع ــام ‪1985‬م‪ ،‬م ــن العملي ــات اإلرهابي ــة‬ ‫الت ــي يش ــنها ح ــزب العم ــال الكردس ــتاني الت ــي أودت بحي ــاة أكث ــر‬ ‫م ــن أربع ــن أل ًف ــا م ــن مواطن ــي تركي ــا‪ ،‬إضاف ــة إل ــى خس ــائر مادي ــة‬ ‫وماليـــة تقـــدر بعشـــرات مليـــارات الـــدوالرات‪ ،‬ولـــم تتوقـــف هـــذه‬ ‫العمليــات اإلرهابيــة إال بعــد اتفاقــات مبدئيــة بــن احلكومــة التركيــة‬ ‫وممثلـــن مـــن حـــزب الشـــعوب الدميقراطـــي التركـــي‪ ،‬الـــذي كان‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ين ــوب ع ــن ح ــزب العم ــال الكردس ــتاني يف عام ــي ‪ 2013‬و‪2014‬م‪،‬‬ ‫ولكــن احلــزب تراجــع عــن تلــك االتفاقيــات أو التفاهمــات بضغــوط‬ ‫خارجي ــة‪ ،‬إث ــر ظن ــون كان ــت واهي ــة ب ــأن ح ــزب العدال ــة والتنمي ــة‬ ‫س ــيفقد الس ــلطة السياس ــية بع ــد انتخاب ــات ‪ 7‬يوني ــو ‪2015‬م‪ ،‬ولك ــن‬ ‫احل ــزب ع ــاد إل ــى الس ــلطة يف انتخاب ــات نوفمب ــر ‪2015‬م‪ ،‬وش ــكل‬ ‫حكومتــه بــدون احلاجــة إلــى حكومــة ائتالفيــة‪ ،‬وظــل حــزب العمــال‬ ‫الكردس ــتاني يواص ــل اس ــتغالل الظ ــروف يف الع ــراق وس ــوريا بإث ــارة‬ ‫املش ــاكل للدول ــة التركي ــة‪ ،‬س ــيما يف جن ــوب ش ــرق تركي ــا‪ ،‬ووض ــع‬ ‫املتاريــس وحفــر اخلنــادق يف الشــوارع ومهاجمــة دوريــات الشــرطة‪،‬‬ ‫لفـــرض إدارة حكـــم ذاتـــي فيهـــا‪ ،‬ولكـــن أهالـــي تلـــك احملافظـــات‬ ‫أفشـــلوا جهـــوده‪ ،‬وكان يف مقدمتهـــم وغالبيتهـــم أبنـــاء القوميـــة‬ ‫الكرديـــة‪ ،‬الذيـــن يعلمـــون أن مســـتقبلهم اآلمـــن واملزدهـــر ســـيكون‬ ‫وه ــم مواطن ــون أت ــراك‪ ،‬ولي ــس م ــع مش ــروع انفصال ــي يحم ــل امل ــوت‬ ‫واملغام ــرة الس ــوداء يف مس ــتقبله‪ ،‬م ــا ف ــرض عل ــى احلكوم ــة التركي ــة‬ ‫أن تقـــف إلـــى جانبهـــم ودعمهـــم بإفشـــال مشـــروع االنفصـــال يف‬ ‫تركي ــا يف تل ــك األي ــام الغاب ــرة‪.‬‬ ‫إن جهـــود االنفصـــال التـــي تتبناهـــا األحـــزاب الكرديـــة يف‬ ‫املنطق ــة ليس ــت ولي ــدة االس ــتفتاء األخي ــر يف الع ــراق‪ ،‬وإمن ــا ه ــي‬ ‫قدمي ــة بق ــدم اجله ــود االس ــتعمارية لتقس ــيم الدول ــة العثماني ــة وم ــن‬ ‫بعده ــا تقس ــيم الع ــراق وس ــوريا وتركي ــا وإي ــران‪ ،‬وال تنظ ــر تركي ــا‬ ‫لأم ــر عل ــى أنــه شــأن عراق ــي فقــط‪ ،‬فنجــاح االنفص ــال يف العــراق‬ ‫يعنــي االنتقــال إلــى اخلطــوة التاليــة يف مشــروع االنفصــال يف تركيــا‪،‬‬ ‫ال ــذي س ــيجد م ــن إقلي ــم ش ــمال الع ــراق املنفص ــل الدع ــم السياس ــي‬ ‫العس ــكري‪ ،‬إن ل ــم يك ــن رس ــم ًيا فم ــن خ ــالل الق ــوى واألح ــزاب الت ــي‬ ‫تخ ــدم مش ــاريع تقس ــيم تركي ــا واملنطق ــة‪ ،‬م ــن تكوي ــن دول ــة كردي ــة‬ ‫علـــى حدودهـــا تكـــون نـــواة للدولـــة الكرديـــة األم وتشـــمل أكـــراد‬ ‫تركيــا‪ ،‬فتركيــا ال تســتطيع أن تراهــن علــى أن االنفصــال الكــردي يف‬ ‫الع ــراق س ــيكون محص ــو ًرا يف الع ــراق‪ ،‬فالق ــوى االس ــتعمارية تعم ــل‬ ‫عل ــى نف ــس املخطط ــات يف ش ــمال س ــوريا اآلن‪ ،‬ول ــن تنتظ ــر تركي ــا‬ ‫أن تســمح لهــا بالتمكــن لتكويــن جــوار مهــدد ألمــن القومــي التركــي‬ ‫والعرب ــي واإليران ــي‪.‬‬ ‫إن تركيــا تراهــن علــى أن املواطنــن يف تركيــا بــكل قومياتهــم لــن‬ ‫يســمحوا للقــوى االســتعمارية أن جتــد أدواتهــا احملليــة مــن خــالل‬ ‫األحــزاب الكرديــة املغامــرة‪ ،‬فأبنــاء القوميــة الكرديــة ال يؤمنــون بهــذه‬ ‫املشــاريع االنفصاليــة أوالً‪ ،‬وال يجــدون أن مصاحلهــم القوميــة تتحقق‬ ‫بإيجــاد دول ضعيفــة لهــم‪ ،‬فالعالقــات بــن أبنــاء القوميــات املختلفــة‬

‫أردوغان‪ :‬ال يمكن أن نقبل استفتا ًء ُأجري يف مناطق أحرقت فيها مبان‬ ‫إلدارات النفوس والسـجالت وأخرى ُه ّجر فيها من لم يخضعوا لكردسـتان‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫يدف ــع تركي ــا إل ــى إج ــراء مباحث ــات م ــع اإلدارة املركزي ــة يف بغ ــداد‬ ‫ً‬ ‫عوضـــا عـــن إدارة بارزانـــي‪ ،‬إضافـــة إلـــى‬ ‫حيـــال مصيـــر اإلقليـــم‬ ‫تشــكيل موقــف سياســي مشــترك بــن أنقــرة وبغــداد وطهــران جتــاه‬ ‫اإلقليــم‪ ،‬إضافــة إلــى العقوبــات الدبلوماســية التــي قــد تعيــد تركيــا‬ ‫إل ــى اتفاقي ــات ترس ــيم احل ــدود م ــع الع ــراق خ ــالل الق ــرن العش ــرين‬ ‫املاض ــي‪ ،‬ح ــول اتفاقي ــة رس ــم احل ــدود م ــع الع ــراق ع ــام ‪1926‬م‪،‬‬ ‫والتـــي أعيـــدت هيكلتهـــا عـــام ‪1946‬م‪ ،‬والعقوبـــات االقتصاديـــة‬ ‫ســتكون ذات تأثيــر كبيــر بالنظــر إلــى أن املنافــذ التركيــة كانــت هــي‬ ‫الوحي ــد لبي ــع النف ــط م ــن اإلقلي ــم خلارج ــه‪ ،‬وه ــو م ــا أث ــار العدي ــد‬ ‫م ــن املش ــكالت ب ــن تركي ــا والع ــراق يف الس ــنوات القليل ــة املاضي ــة‪،‬‬ ‫ولكـــن حكومـــة اإلقليـــم جازفـــت بذلـــك وكأنهـــا‬ ‫تراهـــن علـــى دعـــم دولـــي أكبـــر مـــن العقوبـــات‬ ‫اإلقليمي ــة م ــن الع ــراق وتركي ــا وإي ــران‪.‬‬ ‫إن القـــرار األول الـــذي اتخذتـــه احلكومـــة‬ ‫التركيـــة بعـــد إعـــالن نتائـــج االســـتفتاء أعلنـــه‬ ‫نائــب رئيــس الــوزراء التركــي "بكــر بــوزداغ" فقــال‪:‬‬ ‫"إن بـــالده أوقفـــت جميـــع أشـــكال التعـــاون مـــع‬ ‫إقلي ــم ش ــمال الع ــراق‪ ،‬مب ــا يف ذل ــك املس ــاعدات‬ ‫وتدريبــات قــوات اإلقليــم يف تركيــا‪ ،‬مشــي ًرا أنــه ال‬ ‫عــودة ملمثــل اإلقليــم إلينــا‪ ،‬وجــدد بــوزداغ التأكيــد‬ ‫أن أنقـــرة لـــن تتعامـــل ســـوى مـــع احلكومـــة املركزيـــة يف بغـــداد‪،‬‬ ‫ح ــول جمي ــع ش ــؤون الع ــراق‪ ،‬مب ــا يف ذل ــك م ــا يتعل ــق ب ــإدارة إقلي ــم‬ ‫ش ــمال الع ــراق‪ ،‬واملواطن ــن املقيم ــن في ــه‪ ،‬واحل ــدود‪ ،‬وتأش ــيرات‬ ‫الدخـــول‪ ،‬واملعابـــر احلدوديـــة واملواصـــالت‪ ،‬وأضـــاف‪ :‬أن تركيـــا‬ ‫تظه ــر اهتما ًم ــا بتكثي ــف التنس ــيق م ــع بغ ــداد خ ــالل ه ــذه املرحل ــة‪،‬‬ ‫وخصوص ــا إي ــران‪ ،‬وق ــال‪ُ :‬وضع ــت‬ ‫باإلضاف ــة إل ــى دول املنطق ــة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫كافــة اخليــارات علــى الطاولــة‪ ،‬ومت اتخــاذ خطــوات بالفعــل‪ ،‬منهــا‬ ‫املن ــاورات العس ــكرية عل ــى احل ــدود م ــع الع ــراق‪ ،‬واملس ــتمرة حت ــى‬ ‫اآلن مبش ــاركة ق ــوات عراقي ــة"‪.‬‬ ‫وعلـــق رئيـــس الـــوزراء التركـــي ابـــن علـــي يلـــدرم علـــى نتائـــج‬ ‫االس ــتفتاء قائ ـ ً‬ ‫ـال‪" :‬إن قي ــادات إقلي ــم ش ــمال الع ــراق ل ــم تت ــردد يف‬ ‫زج مالي ــن الن ــاس يف املغام ــرة (اس ــتفتاء االنفص ــال الباط ــل) م ــن‬ ‫أجـــل حتقيـــق أطماعهـــا واســـتمرار حكمهـــا"‪ ،‬واملغامـــرة هـــي يف‬ ‫زج املواطنـــن العراقيـــن األكـــراد يف حـــروب قوميـــة مـــع أخوتهـــم‬ ‫العراقي ــن‪ ،‬وزجه ــم يف مغام ــرة ح ــروب قومي ــة م ــع دول املنطق ــة‪،‬‬ ‫حي ــث تطم ــع ال ــدول االس ــتعمارية تك ــرار جترب ــة االنفص ــال فيه ــا‬ ‫علـــى أســـس قوميـــة مثـــل ســـوريا وإيـــران وتركيـــا فيمـــا لـــو جنـــح‬ ‫انفص ــال إقلي ــم ش ــمال الع ــراق‪.‬‬ ‫أمــا الرئيــس التركــي أردوغــان فقــد كان أكثــر حز ًمــا وقــال بعــد‬ ‫صــدور نتائــج االســتفتاء ‪" :‬إن إدارة إقليــم شــمال العــراق ســتدفع‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪73‬‬

‫ملف العدد‬

‫ثمــن إقدامهــا علــى إجــراء االســتفتاء"‪ ،‬مجــد ًدا عــزم بــالده مواجهــة‬ ‫مــا يترتــب علــى هــذه اخلطــوة الباطلــة بــكل حــزم‪ ،‬وأضــاف "أبلغنــا‬ ‫دول اجلــوار بأننــا مســتعدون ملواجهــة التطــورات الســلبية احملتملــة‬ ‫(الناجمــة عــن االســتفتاء)‪ ،‬ولــن نســمح بحدوثهــا يف العديــد مــن‬ ‫املناطــق الســكنية باخلريطــة التــي رســمتها إدارة اإلقليــم كمــا يحلــو‬ ‫لهــا"‪ ،‬وتابــع "هنــاك عــرب وتركمــان ومجموعــات أخــرى يف تلــك‬ ‫املناطــق وبعضهــم يشــكل فيهــا غالبيــة‪ ،‬ومبوجــب القانــون الدولــي هــي‬ ‫مناطــق متنــازع عليهــا‪ ،‬مبــا فيهــا كركــوك"‪ ،‬وقــال إن بــالده "ال ميكــن أن‬ ‫تقبــل اســتفتا ًء أُجــري يف مناطــق أحرقــت فيهــا مبــان إلدارات النفــوس‬ ‫والســجالت العقاريــة‪ ،‬وأخــرى ُه ّجــر فيهــا مــن لــم يخضعــوا (حلكومــة‬ ‫اإلقليــم)‪ ،‬عبــر الضغــوط والعنــف وطرق غيــر قانونية"‪،‬‬ ‫واملناطــق املتنــازع عليهــا هــي محافظــة كركــوك وأجــزاء‬ ‫مــن محافظــات نينــوى وصــالح الديــن (شــمال) وديالــى‬ ‫(شــرق)‪ ،‬وطالــب رئاســة اإلقليــم بالتراجــع عــن قــرار‬ ‫االســتفتاء باالنفصــال‪.‬‬ ‫إن اخلطــورة التــي يقــدم عليهــا إقليــم كردســتان‬ ‫ال تتوقــف علــى فتــح بــؤرة صــراع قومــي جديــد يف‬ ‫العــراق أو يف املنطقــة‪ ،‬وإمنــا هــي خطــورة علــى‬ ‫مشــاريع التقســيم التــي تتعــرض لهــا املنطقــة‪ ،‬وكأن‬ ‫أكــراد العــراق يريــدون أن يكونــوا الســباقن لتقســيم‬ ‫دول املنطقــة وفــق املشــاريع الغربيــة واألمريكيــة املعــدة لذلــك مــن‬ ‫أكثــر مــن قــرن مــن الزمــان‪ ،‬فاملشــاريع األولــى لتقســيم املنطقــة بــدأت‬ ‫مبخططــات بريطانيــة منــذ القــرن التاســع عشــر‪ ،‬مبــا فيهــا إقامــة‬ ‫دولــة كرديــة‪ ،‬وإن تأخيــر حتقيقهــا ألكثــر مــن قــرن ونصــف‪ ،‬ولكنهــا‬ ‫تبقــى علــى أجنــدة الــدول االســتعمارية أهدا ًفــا مســتقبلية مهمــا‬ ‫تأخــرت‪ ،‬لذلــك فــإن الــدول الغربيــة ومعهــا أمريــكا وروســيا لــن تكــون‬ ‫كثيــرة التأثــر مبنــع نشــوب األزمــات التــي ستنشــأ مــن جــراء إصــرار‬ ‫كــرد العــراق علــى االنفصــال‪ ،‬حتــى لــو أ ّدى ذلــك إلــى نشــوب حــروب‬ ‫قوميــة قاتلـ ٍـة ومدمــرة إلقليــم كردســتان‪.‬‬ ‫إن احلكومــة التركيــة لــن تتخــذ قــرا ًرا انفراد ًيــا يف مواجهــة قــرار‬ ‫االســتفتاء وتبعاتــه‪ ،‬وهــذا مــا عبــر عنــه املســؤولون األتــراك بــأن‬ ‫خطواتهــم ســوف تكــون بالتنســيق مــع احلكومــة العراقيــة‪ ،‬ســواء‬ ‫كانــت عقوبــات سياســية بإغــالق املعابــر مــع تركيــا‪ ،‬أو عقوبــات‬ ‫اقتصاديــة بجعــل التعامــالت االقتصاديــة الكبــرى مــع احلكومــة‬ ‫املركزيــة يف بغــداد‪ ،‬وباألخــص مبســألة اســتيراد النفــط العراقــي‪،‬‬ ‫مــن محافــظ كركــوك علــى وجــه التحديــد‪ ،‬وهــذا املوقــف بالتنســيق‬ ‫مــع احلكومــة العراقيــة هــو موقــف احلكومــة اإليرانيــة ً‬ ‫أيضــا‪ ،‬فإيــران‬ ‫ســوف تعـ ِّول علــى القــوى العراقيــة املتحالفــة معهــا ملواجهــة اخلطــوة‬ ‫الكرديــة‪ ،‬وهــو مــا أملــح إليــه وزيــر اخلارجيــة اإليرانــي األســبق د‪.‬‬ ‫علــي أكبــر واليتــي‪ ،‬بقولــه‪" :‬إيــران حليــف اســتراتيجي للعــراق وتدعــم‬

‫االنفصـــال الكـــردي‬ ‫تهديد للمكون السياسي‬ ‫العراقـي الحاكم وحليفه‬ ‫اإليراني ‪ ..‬وطهران تدرك‬ ‫مـخــاطــ ــر إسـرائـيـ ــل‬

‫‪72‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫الموقف األمريكي الغامض من االستفتاء واالنفصال‪:‬‬ ‫مــا تعلنــه الواليــات املتحــدة هــو أنهــا ال تدعــم توجه االنفصــال وأنها‬ ‫تؤيد ســيادة العراق ووحدة أراضيه‪ ،‬وذهب املوقف األميركي إلى رفض‬ ‫حدتــه مــن التعبيــر‬ ‫االســتفتاء يف بعــض تصريحاتــه‪ ،‬لكنــه تصاعــد يف َّ‬ ‫عــن القلــق إلــى االعتــراض علــى التوقيــت إلــى إصــدار بيــان مــن البيــت‬ ‫األبيــض يعتبــر االســتفتاء تهديدًا غيــر ضروري لالســتقرار ولإلجنازات‬ ‫خصوصــا إن مت‬ ‫التــي مت حتقيقهــا يف احلــرب ضــد تنظيــم الدولــة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫إجــراؤه يف املناطــق املتنــازع عليهــا‪ ،‬وقــد طــرح وفــد يضــم ممثلــن عــن‬ ‫الواليــات املتحــدة وبريطانيــا وممثــال عــن األمــن العــام لــأمم املتحــدة‬ ‫يف العــراق‪ ،‬علــى بارزانــي‪ ،‬تأجيــل االســتفتاء والشــروع مبفاوضــات مــع‬ ‫احلكومــة العراقيــة حتــت إشــراف املنظمــة الدوليــة‪ ،‬ولكــن ذلــك لــم‬ ‫مينــع إجــراء االســتفتاء مــا يثيــر شــبهة عــدم الضغــط الدولــي القــوي‬ ‫علــى إقليــم شــمال العــراق‪ ،‬الســيما أن السياســة األمريكيــة حتتــاج إلــى‬ ‫األحــزاب الكرديــة يف العــراق وســوريا‪ ،‬وهــي مطمــح آمــال مســتقبلية يف‬ ‫تركيــا وإيــران‪ ،‬فهــذه املواقــف قابلــة للتغييــر بعد االســتفتاء وإن لم تظهر‬ ‫حتــى اآلن‪ ،‬ولــذا فــإن موقــف أمريــكا غامــض لدرجــة أن مســعود برزانــي‬ ‫اعتبــر املوقــف األمريكــي مــن نتائــج االســتفتاء غيــر مقنــع ومخالــف‬ ‫للوعــود األمريكيــة الســرية بينهمــا‪.‬‬

‫مواقف الحكومة التركية‪:‬‬ ‫يف تصريحـــات كثيـــرة ملســـؤوليها اعتبـــرت احلكومـــة التركيـــة‬ ‫قــرار الدعــوة لالســتفتاء خاط ًئــا وخطيـ ًرا منــذ البدايــة‪ ،‬ودعــت إلــى‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫وحــدة األراضــي العراقيــة‪ ،‬بالرغــم مــن عالقاتهــا اجليــدة مــع إقليــم‬ ‫كردس ــتان ورئيس ــه مس ــعود برزان ــي‪ ،‬وكذل ــك كان املوق ــف اإليران ــي‬ ‫املعل ــن‪ ،‬فه ــو ض ــد االس ــتفتاء عل ــى االنفص ــال‪ ،‬ويدع ــو إل ــى وح ــدة‬ ‫األراض ــي العراقي ــة‪ ،‬وأم ــا أمري ــكا فق ــد أعلن ــت رفضه ــا لالنفص ــال‬ ‫وكذلــك معظــم الــدول األوروبيــة وروســيا‪ ،‬ولــو عــن طريــق مطالبتهــا‬ ‫بوح ــدة الع ــراق‪ ،‬وم ــع ذل ــك ذهب ــت حكوم ــة إقلي ــم كردس ــتان إلج ــراء‬ ‫االســـتفتاء بنفـــس التاريـــخ احملـــدد‪ ،‬وقـــد أصـــدر وزراء خارجيـــة‬ ‫الع ــراق وتركي ــا وإي ــران بيا ًن ــا مش ــتر ًكا بع ــد اجتماعه ــم يف أنق ــرة يف‬ ‫‪ 21‬س ــبتمبر‪/‬أيلول ‪2017‬م‪ ،‬يش ــير إل ــى أن البل ــدان الثالث ــة س ــتتخذ‬ ‫إج ــراءات مض ــادة منس ــقة يف حال ــة إج ــراء االس ــتفتاء‪.‬‬ ‫إن هـــذه املواقـــف الصارمـــة واجلـــادة مـــن احلكومـــة التركيـــة‬ ‫يعنــي أن مســتقبل اإلقليــم ســيكون متأز ًمــا بعــد االســتفتاء‪ ،‬وأشــارت‬ ‫أنق ــرة إل ــى أنه ــا ت ــدرس كل اخلي ــارات لل ــرد عل ــى االس ــتفتاء مب ــا‬ ‫فيه ــا العقوب ــات السياس ــية واالقتصادي ــة‪ ،‬وه ــذه العقوب ــات بدأته ــا‬ ‫تركي ــا فع ـ ً‬ ‫ـال‪ ،‬وه ــي تس ــتند إل ــى كلم ــة حازم ــة م ــن املوق ــف الترك ــي‬ ‫خلصه ــا أردوغ ــان‪ :‬وه ــي أن كل املس ــاعدات الت ــي قدمته ــا تركي ــا‬ ‫إلقليـــم شـــمال العـــراق وملســـعود البرزانـــي قـــد قابلهـــا باخليانـــة‪،‬‬ ‫فتركيـــا تـــرى أن خطـــوة اإلصـــرار علـــى اســـتفتاء االنفصـــال هـــي‬ ‫خيان ــة سياس ــية للتحال ــف ال ــذي كان بينه ــا وب ــن رئاس ــة اإلقلي ــم‬ ‫وم ــع مس ــعود برزان ــي ش ــخص ًيا‪ ،‬وإص ــرار برزان ــي عل ــى االنفص ــال‬ ‫س ــيعني تقوي ــض مس ــتوى العالق ــات السياس ــية ب ــن أنق ــرة وأربي ــل‪،‬‬ ‫ويع ــود به ــا إل ــى م ــا قب ــل تأس ــيس تل ــك العالق ــات القوي ــة‪ ،‬وس ــوف‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ال تتبــع اإلقليــم‪ ،‬إضافــة إلــى بعــض األماكــن التــي توصــف باملناطــق‬ ‫املختلــف عليهــا بــن حكومــة اإلقليــم واحلكومــة املركزيــة ببغــداد‪،‬‬ ‫مثــل مناطــق يف محافظــات نينــوى وديالــى وصــالح الديــن‪ ،‬وبحســب‬ ‫دســتور ‪2005‬م‪ ،‬ال يحــق لإلقليــم اتخــاذ أيــة إجــراءات تــؤدي إلــى‬ ‫انفصــال اإلقليــم ‪ ،‬فالدســتور العراقــي الــذي يخضــع لــه إقليــم‬ ‫كردســتان مينــع االنفصــال‪ ،‬ولذلــك وقفــت احلكومــات العامليــة إلــى‬ ‫جانــب احلكومــة العراقيــة املركزيــة ولــم تعلــن تأييدهــا لالســتفتاء وال‬ ‫االنفصــال؛ ألن ذلــك يتعــارض مــع القانــون الدولــي ومواثيــق األمم‬ ‫املتحــدة‪ ،‬ولــم تقــف إلــى جانــب االســتفتاء واالنفصــال إال إســرائيل‪.‬‬ ‫رفضــت احلكومــة املركزيــة يف بغــداد مبــدأ االســتفتاء مــن أصلــه‪،‬‬ ‫واعتبرتــه غيــر دســتوري كمــا أعلــن رئيــس احلكومــة حيــدر العبــادي‪:‬‬ ‫"إن احلكومــة املركزيــة ال تعتقــد بوجــود إطــار دســتوري أو رســمي‬ ‫الســتفتاء االســتقالل"‪ ،‬وبالتالــي رفــض نتائــج االســتفتاء مســب ًقا‪،‬‬ ‫وعليــه بقــي إجــراء االســتفتاء مجــرد مغامــرة أو خطــوة تقريبيــة‬ ‫ليــس ملشــروع تقســيم العــراق فقــط‪ ،‬وإمنــا خطــوة علــى طريــق‬ ‫تقســيم ســوريا وتركيــا والعديــد مــن الــدول العربيــة الكبيــرة بحســب‬ ‫املخططــات االســتعمارية‪.‬‬ ‫احلكومــة العراقيــة تــدرك املخاطــر احلقيقيــة لتقســيم العــراق‬ ‫علــى العــراق وبنيتهــا السياســية واالجتماعيــة واالقتصاديــة واألمنيــة‬ ‫والعســكرية وغيرهــا‪ ،‬وكذلــك هــي أمــام ضغــوط تتمثــل باملوقــف‬ ‫اإليرانــي ملخاطــر التقســيم علــى إيــران واحملــور الــذي تشــترك بــه‬ ‫دولــة العــراق مــع احلكومــة اإليرانيــة يف املنطقــة‪ ،‬وليــس يف العــراق‬ ‫فقــط‪ ،‬فاحلكومــة اإليرانيــة تعتبــر االنفصــال وإقامــة كيــان أو دولــة‬ ‫كرديــة علــى حدودهــا تهديـدًا مباشــرة للثــورة اإليرانيــة‪ ،‬وقــد "حاولــت‬ ‫طهــران‪ ،‬وعلــى أكثــر مــن صعيــد ومــن خــالل قنــوات عــدة‪ ،‬أن حتــول‬ ‫دون إجــراء االســتفتاء‪ ،‬ووظفــت عالقاتهــا ونفوذهــا للحيلولــة دونــه‪،‬‬ ‫وســعى قائــد فيلــق القــدس‪ ،‬اجلنــرال قاســم ســليماني‪ ،‬إلــى اســتثمار‬ ‫نفــوذه يف كردســتان لثنــي األكــراد ‪ ،‬لكــن اخلطــوات اإليرانيــة جــاءت‬ ‫ســابقة والحقــة إلعــالن مســعود بارزانــي رئيــس إقليــم كردســتان عــن‬ ‫قــرار عقــد االســتفتاء يف فبرايــر ‪".2016‬‬ ‫فمشــروع االنفصــال الكــردي شــمال العــراق تهديــ ٌد للمكــون‬ ‫السياســي الطائفــي يف العــراق وحليفــه اإليرانــي‪ ،‬وباألخــص أن‬ ‫املوقــف اإليرانــي يقــرأ املخاطــر القادمــة مــن التأييــد اإلســرائيلي‬ ‫لهــذا االنفصــال‪ ،‬فمرشــد الثــورة اإليرانيــة يصــف الكيــان االنفصالــي‬ ‫بأنــه إســرائيل الثانيــة‪ ،‬ولكــن املخــاوف اإليرانيــة احلقيقيــة هــي أن‬ ‫تاريــخ األكــراد األصلــي علــى األراضــي اإليرانيــة‪ ،‬ولذلــك ســتتخذ‬ ‫احلكومــة العراقيــة مؤيــدة بالسياســة اإليرانيــة كافــة اإلجــراءات‬ ‫التــي تفــرض علــى رئاســة إقليــم شــمال العــراق التراجــع عــن‬ ‫االســتفتاء ومنــع حتقيقــه علــى أرض الواقــع‪ ،‬مهمــا كانــت التطمينــات‬ ‫واالغــراءات الدوليــة وباألخــص مــن الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪،‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪71‬‬

‫ملف العدد‬

‫فالقــراءة العراقيــة واإليرانيــة النفصــال إقليــم شــمال العــراق مبثابــة‬ ‫استشــعار النفصــال أجــزاء مــن شــمال ســوريا وإعالنهــا إقلي ًمــا أو‬ ‫حك ًمــا ذات ًيــا مســتق ً‬ ‫ال‪ ،‬طاملــا أن مؤمتــر جنيــف للشــأن الســوري ينتظــر‬ ‫جنــاح اتفاقيــات مؤمتــرات أســتانا لوقــف التصعيــد يف الشــمال‬ ‫والوســط واجلنــوب‪ ،‬وهــذا مبعــث تهديــد للمشــروع اإليرانــي يف‬ ‫ســوريا والعــراق مرحل ًيــا وإيــران الح ًقــا‪.‬‬ ‫إن احلكومــة العراقيــة ترفــض احلــوار مــع رئاســة اإلقليــم مــا‬ ‫لــم يلــغ االســتفتاء‪ ،‬وأعلــن العبــادي أنــه يرفــض أي حــوار علــى نتائــج‬ ‫االســتفتاء‪ ،‬وكل تعــاون بــن بغــداد وأربيــل ســوف يكــون معط ـ ً‬ ‫ال‪ ،‬بــل‬ ‫ســيكون ســلب ًيا مــن بــاب العقوبــات العلنيــة مــن احلكومــة العراقيــة‪،‬‬ ‫إن املوقــف األهــم بــن الــردود الرافضــة لالســتفتاء ونتائجــه هــي‬ ‫حكومــة بغــداد؛ ألن قــرار االنفصــال النــاجت عــن االســتفتاء ليــس‬ ‫ملز ًمــا لهــا دســتور ًيا وقانون ًيــا‪ ،‬وصاحــب احلــق الوحيــد بذلــك هــو‬ ‫قــرار البرملــان العراقــي ببغــداد‪ ،‬عل ًمــا بــأن الدســتور العراقــي ال‬ ‫يجيــز االنفصــال وال تقســيم أراضــي العــراق إطالقـاً‪ ،‬ومــع ذلــك فــإن‬ ‫اجلهــة األولــى املعنيــة مبنــع االنفصــال هــي احلكومــة املركزيــة يف‬ ‫بغــداد؛ ألن االنفصــال يعنــي تقســيم العــراق وتغييــر بنيتــه السياســية‬ ‫واالجتماعيــة واالقتصاديــة واجلغرافيــة وغيرهــا‪ ،‬لذلــك فــردود‬ ‫الفعــل األخــرى الرافضــة لالنفصــال بقــوة وهمــا تركيــا وإيــران لــن‬ ‫تســتطيعا التحــرك بفاعليــة وتغطيــة قانونيــة دوليــة إال بالتفاهــم‬ ‫والتعــاون مــع احلكومــة العراقي ـ ًة‪.‬‬ ‫إن املجتمــع الدولــي وكل الهيــآت ذات الصلــة ‪-‬يف مقدمتهــا األمم‬ ‫املتحــدة‪ -‬معنيــة أن تتعامــل مــع نتائــج االســتفتاء مــن خــالل احلكومــة‬ ‫العراقيــة والبرملــان العراقــي صاحــب الصالحيــة التشــريعية‪،‬‬ ‫فــال ميكــن فــرض األمــر الواقــع بالقــوة‪ ،‬عل ًمــا بــان موازيــن القــوة‬ ‫العســكرية والسياســية واالقتصاديــة هــي بيــد احلكومــة العراقيــة‬ ‫حتــى اآلن‪ ،‬ومــا لــم يحصــل متغيــرات فــإن احلكومــة العراقيــة وحدهــا‬ ‫قــادرة علــى إلغــاء نتائــج االســتفتاء‪ ،‬معتبــرة االســتفتاء ضر ًبــا مــن‬ ‫اخليــال ال أكثــر‪ ،‬لكــن احلكومــة العراقيــة مــع ذلــك بحاجــة إلــى أهــم‬ ‫دولتــن للتأثيــر املباشــر علــى اإلقليــم وهمــا تركيــا وإيــران‪ ،‬ألن لكلتــا‬ ‫الدولتــن حــدو ًدا علــى إقليــم "كردســتان"‪ ،‬وإغــالق حدودهمــا يعنــي‬ ‫انقطــاع اإلقليــم عــن العالــم‪ ،‬فاقتصــاد اإلقليــم كان يعتمــد اعتمــا ًدا‬ ‫كل ًيــا علــى عالقاتــه االقتصاديــة مــع إيــران وتركيــا والتــي كانــت تقــدر‬ ‫بعشــرات املليــارات ســنويا‪ ،‬واحلكومــة العراقيــة يف بغــداد طالبــت‬ ‫ســلطات اإلقليــم تســليم املطــارات واملعابــر احلدوديــة‪ ،‬بــل إن البرملــان‬ ‫العراقــي قــد خــ ّول رئيــس الــوزراء العراقــي حيــدر العبــادي نشــر‬ ‫قــوات علــى حقــول النفــط بكركــوك ويف األراضــي املتنــازع عليهــا‪ ،‬ويف‬ ‫نفــس الوقــت عرضــت إيــران مســاعدة اجليــش العراقــي للســيطرة‬ ‫علــى احلــدود العراقيــة ‪ -‬اإليرانيــة‪ ،‬وهــو مــا ميكــن أن تقــوم بــه‬ ‫القــوات التركيــة علــى حدودهــا ً‬ ‫أيضــا‪.‬‬

‫‪70‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫نجـاح االنفصـال فـي العـراق يعنـي االنتقـال ملشـروع االنفصـال فـي تركيـا‬

‫موق ــف تركي ــا م ــن انفص ــال أك ــراد الع ــراق‪:‬‬ ‫اس ــتفتاء برزان ــي خيان ــة للدع ــم الترك ــي‬ ‫الشــعب الكــردي جــزءٌ أساســي مــن الشــعوب والقوميــات املســلمة‪ ،‬أقــام إمــارات ودوال كثيــرة يف التاريــخ‪ ،‬والشــعب املطالــب‬ ‫بالدولــة الكرديــة اليــوم لــه حقــوق إنســانية واجتماعيــة وسياســية يف منطقــة الشــرق األوســط‪ ،‬ومواجهة هذه احلقوق السياســية‬ ‫اليــوم‪ ،‬ســواء كانــت مــن األكــراد أنفســهم أو مــن دول املنطقــة‪ ،‬قــد يكــون هدفــه حمايــة الكــرد‪ ،‬وليــس نفــي حقوقهــم وال‬ ‫محاربتهــم‪ ،‬ومــن ثــم حمايــة دول املنطقــة وشــعوبها مــن حــروب جديــدة يكــون األكــراد وقودهــا األول يف املشــاريع االســتعمارية‬ ‫احلديثــة‪ ،‬وهــذا ال يعفــي شــعوب املنطقــة ودولهــا مــن البحــث الصحيــح لبنــاء مســتقبل جديــد لشــعوب املنطقــة بأمــن وســالم‬ ‫وتعــاون‪ ،‬وبــدون إراقــة دمــاء‪ ،‬ملجــرد أن القــوى االســتعمارية جتــد فيهــم ورقــة قابلــة لالشــتعال‪ ،‬وأمــا احلديــث عــن مســمى‬ ‫"كردســتان" التاريخيــة‪ ،‬فــإن مــن أصعــب األمــور أن نضــع ح ـدًا معي ًنــا لكردســتان‪.‬‬

‫د‪ .‬محمد زاهد جول‬ ‫لــذا كان إعــالن مجموعــة أحــزاب سياســية عراقيــة ذات أصــول‬ ‫كرديــة يف شــهر يونيــو املاضــي إلجــراء اســتفتاء علــى انفصــال إقليــم‬ ‫شــمال العــراق باســم "كردســتان" يف ‪ 25‬ســبتمبر مبثابــة إعــالن‬ ‫قنبلــة يف املنطقــة‪ ،‬حيــث بــدأت كافــة التحــركات املتخوفــة مــن هــذا‬ ‫التفجيــر بالتحذيــر منــه‪ ،‬والتهديــد باتخــاذ كل اإلجــراءات الالزمــة‬ ‫ملنعــه ومنــع نتائجــه‪ ،‬بالطــرق السياســية واالقتصاديــة والدبلوماســية‬ ‫والعســكرية‪ ،‬وضــد كل القائمــن عليــه‪ ،‬ممثلــة برئاســة مســعود‬ ‫برزانــي وحكومــة وبرملــان إقليــم شــمال العــراق‪ ،‬ومنــذ ذلــك التاريــخ‬ ‫كانــت املواقــف التركيــة رافضــة ومعارضــة لهــذا االســتفتاء‪ ،‬و طالبــت‬ ‫بعــدم إجرائــه‪ ،‬بــدون اســتجابة مــن رئاســة إقليــم كردســتان مســعود‬ ‫البرزانــي‪ ،‬فجــرى االســتفتاء بتاريخــه‪ ،‬بنســبة مشــاركة ‪ %72‬مــن‬ ‫ســكان اإلقليــم‪ ،‬واعلنــت الهيــأة العليــا لالســتفتاء يف اإلقليــم أن نســبة‬ ‫املؤيديــن لالنفصــال كانــت ‪.%92‬‬ ‫وبــدأت ردود الفعــل والتصريحــات واإلجــراءات العقابيــة‬ ‫متواليــة وســريعة‪ ،‬الرئيــس التركــي أردوغــان اعتبــر إجــراء االســتفتاء‬ ‫خيانــة لتركيــا مــن حكومــة إقليــم شــمال العــراق ومســعود البرزانــي‬ ‫شــخص ًيا‪ ،‬ألن احلكومــة التركيــة صادقــت رئاســة اإلقليــم الكــردي‬ ‫ودعمتــه‪ ،‬ودخلــت يف خالفــات مــع حكومــة العــراق بغــداد بســبب‬ ‫دعمهــا لــه‪ ،‬ولكــن احلكومــة التركيــة اضطــرت بعــد اخليانــة أن تعيــد‬ ‫عالقاتهــا الدبلوماســية االعتياديــة والقويــة مــع بغــداد‪ ،‬والدعــوة إلــى‬

‫التنســيق الكامــل معهــا ومــع احلكومــة اإليرانيــة‪ ،‬باعتبــار أن هــذه‬ ‫األطــراف الثالثــة أكثــر األطــراف الدوليــة املتضــررة مــن انفصــال‬ ‫إقليــم الشــمال وتقســيم العــراق بإقامــة دولــة كرديــة؛ ألنهــا ســتقع‬ ‫حتــت التهديــد املباشــرة يف وحدتهــا الوطنيــة‪ ،‬وســوف تفتــح فتنًــا‬ ‫وحروبــا أهليــة ال تنتهــي لعقــود قادمــة مــن الزمــن‪ ،‬وخشــية أن تصبــح‬ ‫املســألة الكرديــة النــار املشــتعلة يف املنطقــة لعقــود بأيــدي الالعبــن‬ ‫بخرائــط الشــرق األوســط‪ ،‬وهــذا فيمــا لــو متكــن االنفصاليــون‬ ‫وداعموهــم يف االنفصــال مــن حتقيــق مخططهــم بالتقســيم وإقامــة‬ ‫دولــة كرديــة مســتقلة عــن العــراق‪.‬‬

‫محددات الموقف العراقي من االستفتاء دستور ًيا‪:‬‬ ‫يُشــكل إقليــم شــمال العــراق كإقليــم كــردي وحكــم ذاتــي مبوجــب‬ ‫الدســتور العراقــي املوضــوع عــام ‪2005‬م‪ ،‬الــذي أشــرف عليــه احلاكــم‬ ‫العســكري األمريكــي برميــر بعــد احتــالل أمريــكا للعــراق‪ ،‬وعلــى‬ ‫أســاس ذلــك الدســتور تشــكل برملــان اإلقليــم وحكومتــه ورئاســته‬ ‫علــى أســاس الدســتور االحتــادي للعــراق‪ ،‬والتنظيمــات االحتاديــة‬ ‫السياســية والقضائيــة واألمنيــة والعســكرية‪ ،‬مبــا فيهــا تنظيــم‬ ‫االنتخابــات الدميقراطيــة اخلاصــة باإلقليــم التــي تشــمل ثــالث‬ ‫محافظــات أسياســية‪ ،‬هــي أربيــل عاصمــة اإلقليــم والســليمانية‬ ‫ودهــوك‪ ،‬بينمــا بقيــت كركــوك ذات األغلبيــة التركمانيــة والعربيــة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫علــى غــرار احلظــر النفطــي واجلــوي ضــد اإلقليــم‪ ،‬وسياســات‬ ‫عقابيــة منفــردة اتخذهــا كل طــرف‪ .‬وتهــدف تلــك السياســات‬ ‫حتقيــق مجموعــة مــن األهــداف املرحليــة‪ ،‬والتــي يتمثــل أهمهــا يف‬ ‫التأكيــد علــى حصريــة التعامــل مــع احلكومــة املركزيــة العراقيــة‪،‬‬ ‫وإدخــال املزيــد مــن الــدول يف منظومــة حصــار اإلقليــم‪ ،‬وتأليــب‬ ‫الداخــل يف اإلقليــم ضــد قادتــه‪ .‬وتبــدو اخليــارات املتاحــة أمــام‬ ‫حكومــة إقليــم كردســتان للــرد علــى تصعيــد بغــداد وأنقــرة وطهــران‬ ‫محــدودة ومرتبكــة‪ ،‬وســتنحصر تلــك اخليــارات خــالل الفتــرة املقبلــة‬ ‫يف محاولــة دفــع بعــض األطــراف الدوليــة للمســاهمة يف وقــف‬ ‫اإلجــراءات العقابيــة املفروضــة علــى اإلقليــم‪ ،‬ومحاولــة الدفــع ســري ًعا‬ ‫نحــو إجــراء حــوار مــع بغــداد‪.‬‬

‫الخيارات المطروحة لحل األزمة‪:‬‬ ‫مــن الواضــح إ ًذا أن الضغــوط التــي مارســتها احلكومــة العراقيــة‬ ‫وكذلــك املواقــف اإلقليميــة والدوليــة قــد ســاهمت يف نقــل األزمــة‬ ‫إلــى مســتوى يســمح بحــوار أقــل حــدة واحلديــث حال ًيــا ســواء‬ ‫داخــل اإلقليــم أو يف بغــداد يتركــز علــى كيفيــة الوصــول إلــى حلــول‬ ‫وســط تســمح ببقــاء احللــم القومــي الكــردي يف الدولــة املســتقلة‪،‬‬ ‫دون الذهــاب لالنفصــال يف الوقــت احلالــي وكيفيــة التعامــل فيمــا‬ ‫يتعلــق باملناطــق املتنــازع عليهــا‪ ،‬وقــد تكــون فكــرة اإلدارة املشــتركة‬ ‫مطروحــا يدفــع لتســكن املواقــف‬ ‫لــكل مكوناتهــا الدميوجرافيــا أمـ ًرا‬ ‫ً‬ ‫املضــادة بخصوصهــا‪ ،‬إال أنــه مــن املؤكــد أن العــراق قــد دخــل يف‬ ‫مرحلــة سياســية جديــدة يتعــن علــى قادتــه اتخــاذ سياســات تولــي‬ ‫املزيــد مــن االهتمــام لقضيــة املواطنــة علــى حســاب الطــرح املذهبــي‪،‬‬ ‫وأن يكــون ملقتضيــات الشــراكة تقديــراً أكبــر يف تعامــل احلكومــة‬ ‫املركزيــة مــع اإلقليــم‪ ،‬وإدراك أن املوقــف الدولــي ‪-‬خاصــة‪ -‬الرافــض‬ ‫لالنفصــال حاليــاً‪ ،‬قابــل للتغيــر مــع تغيــر املصالــح وفــى إطــار‬ ‫تطــورات الصــراع الدولــي يف املنطقــة‪.‬‬ ‫ورغــم احلديــث املتكــرر عــن خيــارات عســكرية حملاصــرة نتائــج‬ ‫االســتفتاء ســواء مــن جانــب بغــداد أو تركيــا وإيــران‪ ،‬إال أن معطيــات‬ ‫املوقــف احمللــى واإلقليمــي والدولــي ترجــح اســتبعاد هذا اخليــار وعدم‬ ‫الذهــاب إليــه‪ ،‬رغــم املنــاورات العســكرية ســواء العراقيــة اإليرانيــة‬ ‫قــرب حــدود اإلقليــم أو احملادثــات التــي أجرتهــا قيــادات عســكرية‬ ‫تركيــة وإيرانيــة‪ ،‬فاملوقــف الدولــي لــن يســمح بذلــك‪ .‬وســوف يبقــي‬ ‫هــذا اخليــار يف إطــار العنصــر الضاغــط لضبــط املوقــف الكــردي‪،‬‬ ‫ومحاصــرة أيــه خطــوات فعليــة يف اجتــاه االنفصــال‪ ،‬واخلطــورة‬ ‫الوحيــدة علــى هــذا املســتوى هــو اســتمرار التصعيــد اجلــاري مــن‬ ‫جانــب بعــض فصائل احلشــد‪ ،‬ويُشــار بهذا اخلصــوص إلى تصريحات‬ ‫الســيد‪ /‬قيــس اخلزعلــي زعيــم تنظيــم عصائــب أهــل احلــق والتــي‬ ‫ميكــن أن تــؤدى إلــى تدهــور لأمــن وتصاعــد اخليــار العســكري خاصة‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪69‬‬

‫ملف العدد‬

‫طروحــات احلشــد الشــعبي ومســاندة بعــض الشــخصيات املنتميــة إلــى‬ ‫االئتــالف الوطنــي الشــيعي والتــي هــي مبثابــة غطــاء لتلــك الفصائــل‪،‬‬ ‫وســوف ميثــل ذلــك يف النهايــة عائقــاً أمــام تقريــب وجهــات النظــر‬ ‫بخصــوص املناطــق املتنــازع عليهــا بصفــة خاصــة‪.‬‬ ‫ويتس ــاءل البع ــض ع ــن تأثي ــر ه ــذه األزم ــة بأبعاده ــا املختلف ــة‬ ‫علــى احلــرب اجلاريــة ضــد تنظيــم داعــش علــى اعتبــار أن القــوات‬ ‫العراقي ــة وق ــوات احلش ــد الش ــعبي ق ــد ش ــاركتها ق ــوات البش ــمرجة‬ ‫الكردي ــة يف ض ــرب ه ــذا التنظي ــم خاص ــة يف مناط ــق التم ــاس م ــع‬ ‫اإلقلي ــم‪ ،‬وف ــى تقدي ــري أن ــه ل ــن تك ــون لتل ــك األزم ــة أي تأثي ــر عل ــى‬ ‫تل ــك احل ــرب خاص ــة وإن مناط ــق املواجه ــة حال ًي ــا تترك ــز يف بع ــض‬ ‫اجليـــوب يف منطقـــة احلـــدود اجلنوبيـــة للعـــراق مـــع ســـوريا‪ ،‬وأن‬ ‫ق ــوات البش ــمرجة ال تش ــارك حال ًي ــا يف تل ــك العملي ــات‪.‬‬ ‫هكـــذا نـــرى أن أزمـــة االســـتفتاء الكـــردي تضمنـــت تهديـــدًا‬ ‫واضحـــا لأمـــن واالســـتقرار يف العـــراق‪ ،‬وكشـــفت عـــن هشاشـــة‬ ‫ً‬ ‫الدول ــة العراقي ــة الفيدرالي ــة‪ ،‬وضع ــف النظ ــام السياس ــي العراق ــي‬ ‫وأن الواق ــع بغ ــرض مراجع ــة الدس ــتور ووثائ ــق ه ــذا النظ ــام ال ــذي‬ ‫بُنـــي علـــى أرضيتـــه حتالـــف املتضرريـــن مـــن النظـــام الســـابق‪،‬‬ ‫وصياغ ــة نظ ــام سياس ــي جدي ــد يكف ــل التعددي ــة‪ ،‬ويتج ــاوز األط ــر‬ ‫املذهبيـــة واالبتعـــاد عـــن احملاصصـــة الطائفيـــة والعرقيـــة‪ ،‬قـــدر‬ ‫اإلمــكان‪ ،‬وإقــرار صيغــة جديــدة تســتوعب املطالــب الكرديــة وتُبقــي‬ ‫عل ــى متاس ــك الدول ــة العراقي ــة‪.‬‬ ‫وحتمـــل التطـــورات العراقيـــة القادمـــة درجـــة كبيـــرة مـــن‬ ‫األهميــة‪ ،‬فكثيــر مــن املراقبــن يــرون أن خــروج كردســتان مــن إطــار‬ ‫النظ ــام السياس ــي العراق ــي س ــوف يوف ــر لف ــرق احلش ــد الش ــعبي‬ ‫مجــاالً أوســع للتأثيــر والنفــوذ‪ ،‬وهــو مــا ميكــن أن يهــدد اجتــاه قــوى‬ ‫سياس ــية ش ــيعية عراقي ــة لفت ــح قن ــوات م ــع دول احملي ــط العرب ــي‬ ‫وموازن ــة النف ــوذ اإليران ــي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ارتباطــا بنتائــج‬ ‫اخلالصــة إذن أن التوجــه الكــردي لالنفصــال‬ ‫االســتفتاء‪ ،‬ســوف ميثــل متغي ـ ًرا جدي ـدًا يحكــم ليــس فقــط عالقــة‬ ‫اإلقليــم باحلكومــة املركزيــة‪ ،‬ولكــن مســتقبل النظــام السياســي يف‬ ‫العــراق‪ ،‬كمــا ســيمثل عامــل تأثيــر علــى مســتقبل النظــام السياســي‬ ‫اجلديــد يف ســوريا بالنظــر النعكاســات أيــه مكاســب يحققهــا الكــرد‬ ‫يف العــراق علــى مواقــف ورؤى الكــرد يف ســوريا مــن النظام السياســي‬ ‫هنــاك‪ .‬وال شــك أن هــذا املتغيــر ســوف يعنــى أن القضيــة الكرديــة‬ ‫بأبعادهــا املختلفــة ســتكون قضيــة اهتمــام مركزيــة يف املنطقــة تشــغل‬ ‫االهتمــام واملمارســة مــن جانــب كافــة القــوى ذات التأثيــر وتفــرض‬ ‫انعكاســاتها علــى األمــن واالســتقرار بصــورة كبيــرة‪.‬‬ ‫* ﻋﻀﻮ اﳌﴫي ﻟﻠﺸﺆون اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ‬

‫‪68‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫األداء الســـلبي لحكومـــة المالكـــي أفـــرز ً‬ ‫مناخـــا مذهب ًيـــا غيـــر‬ ‫مســـبوق وأثـــر ســـلب ًيا عـــى صيغـــة التحالـــف الشـــيعي الكـــردي‬ ‫الكبــرى واألمم املتحــدة‪ ،‬وتعــددت وســاطتها لتأجيــل االســتفتاء‪،‬‬ ‫إال أن الســيد‪ /‬مســعود برزانــي لــم يســتجب‪ .‬ورأت هــذه الــدول أن‬ ‫متريــر االســتفتاء والســعي لالنفصــال مــن شــأنه تعزيــز النزعــات‬ ‫االنفصاليــة لأقليــات الدينيــة والعرقيــة يف عــدد مــن دول اإلقليــم‪،‬‬ ‫وتــرى حســب وجهــة نظرهــا أن توقيــت ذلــك ليــس مناسـ ًبا‪ ،‬وشــاركت‬ ‫يف ذلــك قــوى إقليميــة أهمهــا تركيــا وإيــران ألســباب ذاتيــة مختلفــة‪،‬‬ ‫وقــد اتخــذت هــذه القــوى علــى الرغــم مــن اختالفاتهــا السياســية‬ ‫وتبايــن مواقفهــا مــن قضايــا املنطقــة إجــراءات مشــتركة اســتباقية‬ ‫لتقويــض فــرص االســتقالل السياســي واالقتصــادي لإلقليــم يف‬ ‫حالــة انفصالــه‪ ،‬فض ـ ً‬ ‫ال عــن التهديــد بالتدخــل العســكري‪.‬‬ ‫كان املوقــف التركــي الف ًتــا‪ ،‬حيــث كانــت تركيــا مســاندة بشــكل‬ ‫كبيــر حلكومــة إقليــم كردســتان وكان هنــاك مــا يشــبه التحالــف بــن‬ ‫أردوغــان والبرزانــي‪ ،‬ارتبــط يف جانــب منــه مبحاصــرة مكاســب أكراد‬ ‫ســوريا‪ ،‬وكانــت تركيــا طــوال الســنوات املاضيــة معبـ ًرا لنفــط اإلقليــم‬ ‫دون اهتمــام مبوقــف احلكومــة املركزيــة‪ .‬إال أن االجتــاه النفصــال‬ ‫اإلقليــم عــن العــراق ضــرب كل هــذا التحالــف‪ ،‬وهــدد حســب رأى‬ ‫املســؤولن األتــراك األمــن القومــي التركــي‪.‬‬

‫ويــرى كثيــر مــن املراقبــن أن حتالــف تركيــا وإيــران الــذي تبلــور‬ ‫مؤخـ ًرا خاصــة يف مواجهــة تطــورات كرديــة يف العــراق وســوريا‪ ،‬هــو‬ ‫حتالــف هــش يحــاول جتــاوز تســكن خالفــات جوهريــة يف مواقــف‬ ‫كل منهمــا حــول التطــورات يف ســوريا والعــراق ومســتقبل األوضــاع‬ ‫يف املنطقــة‪ ،‬وأن التحالــف فرضتــه مخــاوف البلديــن مــن املبــادرات‬ ‫االنفصاليــة التــي تهــدد كيــان دولتيهمــا وأن زوال هــذا اخلطــر‬ ‫االنفصالــي ســوف يعــري هــذا التحالــف‪.‬‬ ‫يعتبــر املوقــف اإلســرائيلي اســتثناء يف املواقــف اإلقليميــة‬ ‫والدوليــة وجــاء مســاندًا لالســتفتاء والنفصــال اإلقليــم ألســباب‬ ‫متعــددة مــن أهمهــا العالقــة التاريخيــة بينهــا وبــن بعــض القــادة‬ ‫الكــرد يف فتــرة الصــراع بينهــم وبــن نظــام صــدام حســن وألهــداف‬ ‫اســتراتيجية أخــرى خاصــة تثبيــت النفــوذ يف منطقــة جــوار مباشــر‬ ‫مــع إيــران العــدو األساســي إلســرائيل ولدعــم مفهــوم الــدول العرقيــة‬ ‫والدينيــة يف املنطقــة وتفتيــت الــدول العربيــة املركزيــة‪ ،‬واحتمــال‬ ‫تكــرار نفــس الصيغــة يف ســوريا‪.‬‬ ‫تتنــوع السياســات العقابيــة التــي اتخذتهــا ك ً‬ ‫ال مــن بغــداد وأنقــرة‬ ‫وطهــران ضــد إقليــم كردســتان بــن سياســات عقابيــة جماعيــة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫واحل ــد م ــن ديكتاتوري ــة رئي ــس اإلقلي ــم املنتهي ــة واليت ــه‪ ،‬كم ــا أدرك ــت‬ ‫احلكومــة يف بغــداد أن إعــالن الســيد برزانــي ارتبــط يف جانــب منــه‬ ‫باملزايــدة علــى أكــراد ســوريا (املرتبطــن بعبــد اهلل أوجــالن) والذيــن‬ ‫حقق ــوا مكاس ــب عس ــكرية وسياس ــية مبس ــاندة أمريكي ــة تؤث ــر س ــل ًبا‬ ‫علـــى طموحـــه للزعامـــة الكرديـــة ويســـحبون مـــن رصيـــده‪ ،‬كمـــا‬ ‫تُــدرك كذلــك أن الواقــع والبيئــة اإلقليميــة ليســت مواتيــة النفصــال‬ ‫اإلقلي ــم حال ًي ــا‪.‬‬ ‫الواضــح إذن أن هنــاك أســباب داخليــة وأزمــة كبيــرة يف إقليــم‬ ‫كردســتان دفعــت الســيد مســعود برزانــي لتبنــي هــذا االســتفتاء للقفــز‬ ‫علــى هــذه األزمــة وحتقيــق مكاســب تســتعيد لــه وحلزبــه نفــو ًذا علــى‬ ‫حســاب القــوى السياســية األخــرى‪.‬‬

‫مستقبل األزمة الكردية‪:‬‬ ‫ومــن الواضــح أن األزمــة الكرديــة بأبعادهــا احلاليــة تشــير إلــى‬ ‫عــدد مــن احلقائــق التــي يتعــن االنتبــاه لهــا ومــن أهمهــا‪:‬‬ ‫● إن حلــم إقامــة الدولــة الكرديــة املســتقلة ســوف يبقــى قائ ًمــا وقــد‬ ‫عبــر عــن ذلــك بوضــوح الســيد‪ /‬جــالل طالبانــي رحمــه اهلل يف لقــاء‬ ‫ش ــرفت ب ــه مع ــه ع ــام ‪2004‬م‪ ،‬حي ــث ق ــال إن الظ ــروف اإلقليمي ــة‬ ‫والدولي ــة ل ــن تس ــمح لن ــا بإقام ــة الدول ــة الكردي ــة املس ــتقلة حال ًي ــا‬ ‫ونح ــن ن ــدرك ذل ــك ونخش ــى م ــن جترب ــة س ــابقة ميك ــن أن جته ــض‬ ‫هـــذا احللـــم لكـــن ســـوف نســـعى لتوفيـــر البنيـــة األساســـية لهـــذه‬ ‫الدولــة وعلــى األجيــال القادمــة اســتثمار ذلــك إلقامــة هــذه الدولــة‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪67‬‬

‫ملف العدد‬

‫● أن هنــاك مــواد يف الدســتور العراقــي ســوف تكــون مجــاالً للنــزاع‬ ‫خاصــة املــادة ‪ 140‬اخلاصــة باملناطــق املتنــازع عليهــا وســوف تكــون‬ ‫مجــاالً للتجــاذب خــالل الفتــرة املقبلــة‪ .‬وبصفــة عامــة ميكــن القول أن‬ ‫الطــرف الكــردي والســيد‪ /‬مســعود برزانــي بالتحديــد قــد اســتهدف‬ ‫مــن مبادرتــه بإعــالن االســتفتاء محاولــة االلتفــاف علــى األزمــة‬ ‫الداخليــة يف اإلقليــم‪ ،‬وحتقيــق أكبــر قــدر مــن املكاســب مــن احلكومــة‬ ‫املركزيــة‪ .‬وال شــك أن هنــاك مؤشــرات كبيــرة علــى عــدم املبــادرة‬ ‫باتخــاذ خطــوات مقبلــة لالنفصــال حتقيق ـاً لنتائــج هــذا االســتفتاء‬ ‫لتخفيــف حــدة االحتقــان مــع احلكومــة املركزيــة‪.‬‬ ‫● أشــك أن تشــدد احلكومــة املركزيــة يف بغــداد واتخاذهــا خطــوات‬ ‫عقابيــة مقبلــة والتهديــد بإجــراءات أكثــر فاعليــة تكفــل محاصــرة‬ ‫اإلقليــم‪ ،‬قــد دفعــت القيــادة الكرديــة لالجتــاه إلــى التهدئــة ببعــض‬ ‫الشــروط التــي مــن أهمهــا حتديــد ســقف زمنــي لتحقيــق املطالــب‬ ‫الكرديــة واالتفــاق علــى تعديــل الدســتور مبــا يكفــل مزيــدًا مــن‬ ‫االســتقاللية لإلقليــم (الكونفدراليــة) وضمــان متريــر هــذه التعديالت‬ ‫بعيــدًا عــن ســيطرة األغلبيــة يف البرملــان‪ ،‬واتخــاذ خطــوات فعليــة‬ ‫فيمــا يتعلــق بقضيــة املناطــق املتنــازع عليهــا‪.‬‬

‫المواقف اإلقليمية والدولية من االستفتاء الكردي‪:‬‬ ‫عارضــت العديــد مــن القــوى الدوليــة إجــراء االســتفتاء الكــردي‬ ‫والســعي لالنفصــال عــن الدولــة العراقيــة‪ ،‬وتعــددت أســبابها وكان‬ ‫علــى رأس هــذه الــدول الواليــات املتحــدة والــدول األوروبيــة‬

‫‪66‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫املوقـف الدولـي لـن يسـمح بالخيار العسـكري ‪ ..‬واالنفصال يزيد نفوذ الحشـد‬

‫االسـتفتاء كشـف هشاشـة الفيدراليـة وأكد‬ ‫عـى ضـرورة التعدديـة وتجـاوز المذهبية‬ ‫لــم يكــن إجــراء الرئيــس مســعود بارزانــي رئيــس إقليــم كردســتان العــراق اســتفتاء حــول اســتقالل اإلقليــم يــوم ‪ 25‬ســبتمبر‬ ‫املاض ــي ه ــو األول‪ ،‬فق ــد س ــبق ل ــه أن أعل ــن ع ــن الترتي ــب إلج ــراء مث ــل ه ــذا االس ــتفتاء ع ــده م ــرات‪ ،‬كان أخره ــا ع ــام‬ ‫‪2014‬م‪ ،‬ولك ــن ألس ــباب مختلف ــة ل ــم جت ــري‪ ،‬وج ــاء االس ــتفتاء األخي ــر ليط ــرح م ــن جدي ــد القضي ــة الكردي ــة يف الع ــراق‪،‬‬ ‫والعالقـــة بـــن احلكومـــة املركزيـــة يف بغـــداد‪ ،‬ورئاســـة اإلقليـــم يف أربيـــل‪ ،‬وكذلـــك قضيـــة املناطـــق املتنـــازع عليهـــا بـــن‬ ‫الطرف ــن‪ ،‬وه ــي املناط ــق الت ــي يطال ــب الك ــرد بضمه ــا لإلقلي ــم‪.‬‬

‫د‪ .‬محمد مجاهد الزيات‬

‫الدوافع الكردية إلجراء االستفتاء‪:‬‬ ‫طــرح إجــراء االســتفتاء تســاؤالً حــول توقيــت إجرائــه ومــا هــي‬ ‫أهدافــه؟‪ ،‬إن اإلجابــة علــى هــذا الســؤال تتطلــب النظــر يف العالقــة‬ ‫بــن بغــداد وأربيــل منــذ بدايــة االحتــالل األمريكــي للعــراق‪ ،‬وإســقاط‬ ‫النظــام العراقــي الســابق وصيغــة التحالــف‪ ،‬خاصــة الشــيعي الكردي‪،‬‬ ‫الــذي ســاهم يف ذلــك وجنــح يف صياغــة وثائــق النظــام السياســي‬ ‫اجلديــد‪ ،‬خاصــة الدســتور العراقــي الدائــم والــذي أقــر فيدراليــة‬ ‫الدولــة العراقيــة‪.‬‬ ‫جنــح الكــرد يف تضمــن الدســتور العراقــي مــا يخــدم مصاحلهــم‬ ‫كقومي ــة وأق ــرت له ــم األط ــراف السياس ــية العراقي ــة ذل ــك‪ .‬ورغ ــم‬ ‫ذل ــك ظل ــت العالق ــة ب ــن بغ ــداد وأربي ــل مرتبك ــة ط ــوال الس ــنوات‬ ‫املاضي ــة‪ ،‬خاص ــة وأن القي ــادات الكردي ــة تري ــد اس ــتثمار م ــا أقرت ــه‬ ‫له ــا تل ــك املواثي ــق يف تثبي ــت مصاحله ــا واالنط ــالق لتحقي ــق مزي ــد‬ ‫م ــن املكاس ــب وص ــوالً إل ــى الدول ــة الكردي ــة املس ــتقلة‪ ،‬وبغ ــداد تن ــاور‬ ‫وتســـاوم دون حســـم لقضايـــا اخلـــالف التـــي مـــن أهمهـــا تطبيـــق‬ ‫املـــادة ‪ 58‬واملـــادة ‪ 140‬مـــن الدســـتور العراقـــي وكلتاهمـــا تتعلقـــان‬ ‫باملناطـــق املتنـــازع عليهـــا‪ ،‬خاصـــة محافظـــة كركـــوك البتروليـــة‪،‬‬ ‫ومناط ــق يف محافظ ــات نين ــوى وص ــالح الدي ــن وغيره ــا وتتضم ــن‬ ‫إج ــراء تع ــدا ًدا س ــكان ًيا ث ــم اس ــتفتاء لس ــكانها إم ــا باالنضم ــام إل ــى‬ ‫إقلي ــم كردس ــتان أو البق ــاء خارج ــه‪ ،‬ول ــم تُفع ــل املادت ــان ومت تأجي ــل‬ ‫ذل ــك من ــذ ع ــام ‪2007‬م‪ ،‬حت ــى اآلن وه ــو األم ــر ال ــذى يس ــتند إلي ــه‬ ‫األك ــراد يف ع ــدم تنفي ــذ احلكوم ــة العراقي ــة التزاماته ــا الدس ــتورية‬

‫جتاهه ــم‪ ،‬وف ــى احلقيق ــة ف ــإن املوق ــف الك ــردي عل ــى ه ــذا املس ــتوى‬ ‫وال ــذى ب ــدا مهاد ًن ــا إل ــى ح ــد كبي ــر تراف ــق م ــع إج ــراءات لتثبي ــت‬ ‫النفــوذ داخــل تلــك املناطــق وإعــادة تســكن آالف العائــالت وهــو مــا‬ ‫غي ــر م ــن الواق ــع الدميوغ ــرايف حس ــب وجه ــة نظ ــر بع ــض املراقب ــن‬ ‫يف تل ــك املناط ــق‪.‬‬

‫األبعاد الداخلية كمحفز لالستفتاء‪:‬‬ ‫ارتب ــط توقي ــت إع ــالن االس ــتفتاء بوج ــود اس ــتياء ش ــعبي كبي ــر‬ ‫ل ــدى س ــكان اإلقلي ــم م ــن تعام ــل احلكوم ــة املركزي ــة معه ــم وصعوب ــة‬ ‫احليـــاة االقتصاديـــة املترتبـــة علـــى ذلـــك واالمتنـــاع عـــن ســـداد‬ ‫مرتبــات املتقاعديــن خاصــة قــوات البشــمرجة العســكرية‪ ،‬وزاد مــن‬ ‫ذل ــك التقيي ــم الك ــردي ألداء حكوم ــة الس ــيد املالك ــي رئي ــس ال ــوزراء‬ ‫ً‬ ‫مناخــا مذهب ًيــا غيــر مســبوق يف العــراق وأثــر‬ ‫الســابق والــذي أفــرز‬ ‫ســلب ًيا علــى صيغــة التحالــف الشــيعي الكــردي‪ .‬ورغــم إجــراء بعــض‬ ‫احل ــوارات ب ــن مس ــؤولن أك ــراد ومس ــؤولن يف احلكوم ــة العراقي ــة‬ ‫بعـــد رحيـــل املالكـــي‪ ،‬إال أن ســـقف هـــذا احلـــوار ظـــل محكو ًمـــا‬ ‫بنـــوع مـــن االحتقـــان والتوتـــر دون تقـــدمي بدائـــل قابلـــة للنقـــاش‪،‬‬ ‫وق ــد ارتب ــط االس ــتفتاء يف جان ــب من ــه بعوام ــل داخلي ــة يف إقلي ــم‬ ‫كردســـتان أدركتهـــا احلكومـــة املركزيـــة يف بغـــداد وراهنـــت عليهـــا‬ ‫إلجه ــاض ه ــذا االس ــتفتاء وم ــن أه ــم ه ــذه العوام ــل‪ ،‬رف ــض ق ــوى‬ ‫وأح ــزاب كردي ــة مؤث ــرة لتوقي ــت االس ــتفتاء ومطالبته ــا بح ــل األزم ــة‬ ‫السياســـية يف اإلقليـــم كأولويـــة وتفعيـــل املؤسســـات الدســـتورية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪65‬‬

‫ملف العدد‬

‫الموس ــاد جن ــد ‪ 2600‬عنص ــر م ــن البيش ــمركة لتصفي ــة العلم ــاء‬ ‫الـعـراقـــيين واغـتـــال ‪ %74‬مـنـهـــم عـبـــر ‪ 307‬عـمـلـيـــات‬ ‫عمليـــات شـــراء األراضـــي‪ ،‬يف منطقـــة تعتبرهـــا إســـرائيل ملكيـــة‬ ‫تاريخيـــة لهـــا وتعطيهـــا طابـــع القدســـية عنـــد اليهـــود‪ ،‬وحســـب‬ ‫الصحفـــي األمريكـــي‪ ،‬فـــإن املخطـــط اإلســـرائيلي يهـــدف إلـــى‬ ‫توطـــن اليهـــود األكـــراد يف محـــل الكلـــدان واألشـــورين‪ .‬ويف‬ ‫تقريـــر مفصـــل أعـــده مركـــز دار بابـــل العراقـــي لالبحـــاث فـــإن"‬ ‫التغلغـــل اإلســـرائيلي يف هـــذا البلـــد طـــال اجلوانـــب السياســـية‬ ‫والتجاريــة واألمنيــة‪ ،‬وهــو مدعــوم مباشــرة مــن رجــاالت مســؤولن‬ ‫م ــن أمث ــال مس ــعود البرزان ــي‪ ،‬ج ــالل الطالبان ــي‪ ،‬كوس ــرت رس ــول‬ ‫مدي ــر مخاب ــرات الس ــليمانية‪ ،‬مث ــال األلوس ــي‪ ،‬وه ــو نائ ــب ورج ــل‬ ‫أعم ــال‪ ،‬كنع ــان مكي ــة ‪ "..‬؟ ويق ــوم به ــذه املخطط ــات كم ــا يق ــول‬ ‫ويـــن ماديســـن‪ ،‬ضبـــاط مـــن جهـــاز املوســـاد اإلســـرائيلي وبعلـــم‬ ‫القيـــادات الكرديـــة‪.‬‬ ‫ولـــم يقتصـــر الـــدور اإلســـرائيلي علـــى التجســـس وإدارة‬ ‫الش ــركات‪ ،‬ب ــل تول ــى عملي ــة اغتي ــال العلم ــاء العراقي ــن‪ ،‬ويكش ــف‬ ‫تقريــر صــدر عــن مركــز املعلومــات األمريكــي (‪2005‬م)‪ ،‬أن املوســاد‬ ‫ق ــام باغتي ــال ‪ 530‬عامل ً ــا عراق ًي ــا وأكث ــر م ــن ‪ 200‬أس ــتاذ جامع ــي‬ ‫وشـــخصيات أكادمييـــة مـــا بـــن ‪2006-2003‬م‪ ،‬وتشـــير معلومـــات‬ ‫أن املوس ــاد جن ــد ‪ 2400‬عنص ــر‪ ،‬إضاف ــة إل ــى وح ــدة نخب ــة س ــرية‬ ‫أكثـــر مـــن ‪ 200‬عنصـــر مؤهـــل مـــن قـــوات البيشـــمركة مـــن أجـــل‬ ‫االجهــاز علــى العلمــاء وتصفيتهــم‪ .‬وذكــر الدكتــور إســماعيل جليلــي‬ ‫يف دراس ــة ل ــه " محن ــة األكادميي ــن العراقي ــن " أبري ــل ‪ 2006‬م‪ ،‬أن‬ ‫املوس ــاد اإلس ــرائيلي ش ــن ‪ 307‬اعت ــداء عل ــى األكادميي ــن واألطب ــاء‪،‬‬ ‫ومتك ــن م ــن اغتي ــال ‪ %74‬منه ــم‪.‬‬

‫الخطر اإلسرائييل يف كردستان عى األمن اإلقليمي‬ ‫إن التأييــد اإلســرائيلي الســتقالل كردســتان ميثــل خط ـ ًرا علــى‬ ‫األمــن اإلقليمــي‪ ،‬ومركــز عمليــات متقــدم إلثــارة الفــن واحلــروب‬ ‫األهليــة مــن خــالل تغلغــل االســتخبارات اإلســرائيلية يف كردســتان‪،‬‬ ‫وذكــر الصحفــي الفرنســي جــورج مالبرونــو بعــد زيــارة لــه إلقليــم‬ ‫كردســتان أن هنــاك حوالــي ‪ 1200‬رجــل مخابــرات مــن املوســاد‬ ‫وخبــراء عســكرين إســرائيلين يزاولــون نشــاطهم يف إقليــم كردســتان‬ ‫منــذ عــام ‪2004‬م‪.‬‬ ‫ومــن خــالل وجودهــم يف كردســتان ميكــن التغلغــل يف إيــران‬ ‫والقيــام باالغتيــاالت‪ ،‬كمــا أشــار الصحفــي األمريكــي ســيمون هــرش‬ ‫يف مقالــة لــه يف مجلــة نيويوركــر‪ ،‬بــأن عمــالء إســرائيلين بينهــم‬ ‫عناصــر يف املوســاد ينشــطون يف كردســتان‪ ،‬وأنهــم قامــوا بعمليــات‬

‫تســلل مــن هنــاك داخــل إيــران للوصــول إلــى محيــط املنشــآت النوويــة‬ ‫فيهــا‪ ،‬وقــد مت اغتيــال عــدد مــن العلمــاء اإليرانيــن كانــت أصابــع‬ ‫املوســاد ظاهــرة فيهــا‪.‬‬ ‫وبتحالــف إســرائيل مــع القيــادات الكرديــة تــدس عيونــا وآذا ًنــا‬ ‫يف إيـــران والعـــراق وســـوريا وتركيـــا‪ ،‬وحتـــى لهـــا عالقاتهـــا مـــع‬ ‫ح ــزب العم ــال الكردس ــتاني ال ــذي يعتب ــر منظم ــة إرهابي ــة تقاتله ــا‬ ‫احلكومــة التركيــة‪ ،‬وهــذا مــا قالــه اللــواء اإلســرائيلي يائيــر غــوالن‬ ‫نائ ــب قائ ــد اجلي ــش اإلس ــرائيلي الس ــابق‪ ،‬يف تصري ــح ل ــه‪ ،‬بأن ــه ال‬ ‫يعتب ــر ح ــزب العم ــال الكردس ــتاني منظم ــة إرهابي ــة‪ .‬ب ــل م ــا ت ــردد‬ ‫ع ــن عالق ــة إس ــرائيل باملجموع ــة االنقالبي ــة يف تركي ــا أغس ــطس‬ ‫‪2016‬م‪ ،‬ألن إس ــرائيل تعتب ــر أن سياس ــة ح ــزب العدال ــة والتنمي ــة‬ ‫ال تخ ــدم مصاحله ــا‪.‬‬ ‫وباالضافــة إلــى ذلــك مــا نشــر مــن عــدة دراســات‪ ،‬عــن الــدور‬ ‫اإلســرائيلي والتخطيــط للحــروب الطائفيــة والعرقيــة يف العــراق‬ ‫والــدول العربيــة عامــة‪ .‬ولذلــك فــإن الوجــود اإلســرائيلي يف‬ ‫كردســتان العــراق ميثــل تهديـدًا يجــب مواجهتــه مــن قبــل دول اجلــوار‬ ‫لكردســتان العــراق‪ ،‬هــذا وتــردد يف الصحافــة التركيــة‪ ،‬عــن صفقــة‬ ‫مــع إســرائيل عقدهــا مســعود البرزانــي‪ ،‬بجلــب ‪ 200‬ألــف يهــودي مــن‬ ‫أصــل كــردي لتوطينهــم يف إقليــم كردســتان كمــا ذكرتــه ً‬ ‫أيضــا مجلــة‬ ‫نيوزويــك األمريكيــة‪ .‬فاخلطــر اإلســرائيلي يف كردســتان يهــدد إيــران‬ ‫وتركيــا ووحــدة الدولــة العراقيــة وبالتالــي يهــدد أمــن اإلقليــم واألمــن‬ ‫القومــي العربــي؟‬ ‫إن مســعود البرزانــي بإصــراره علــى إجــراء االســتفتاء بدعــم‬ ‫إســرائيلي‪ ،‬متوق ًعــا أن تعمــل إســرائيل علــى الضغــط علــى إدارة‬ ‫ترامــب بدعــم اســتقالل كردســتان‪ ،‬ولكنــه رهــان فاشــل‪ ،‬وبالتالــي فإن‬ ‫الشــعب الكــردي يدفــع ثمــن تآمــر البرزانــي تاريخيــا مــع إســرائيل‪،‬‬ ‫فاالســتفتاء قلــب تــوازن القــوى اإلقليمــي يف املنطقــة وأحــدث تقار ًبــا‬ ‫إيران ًيــا –ترك ًيــا– عراق ًيــا وقــد تدخــل ســوريا مســتقب ً‬ ‫ال يف هــذا‬ ‫التقــارب بســبب خطــورة سياســة البرزانــي يف كردســتان علــى أمــن‬ ‫الشــرق األوســط بســبب رعونــة حتالفــه مــع إســرائيل‪ ،‬وخطــورة رفــع‬ ‫العلــم اإلســرائيلي يف أربيــل مركــز كردســتان العــراق كمــا أن الشــعب‬ ‫الكــردي املســلم لــن يقبــل ذلــك‪.‬‬

‫* أﺳﺘﺎذ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺑﺠﺎﻣﻌﺘﻲ اﻟﺤﺴني ﺑﻦ ﻃﻼل واﳌﻠﻚ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ )ﺳﺎﺑﻘًﺎ(‬

‫‪64‬‬

‫ملف العدد‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫الثاني ــة يف س ــبتمبر ‪1966‬م‪ ،‬كم ــا زارت بع ــض القي ــادات الكردي ــة‬ ‫إســـرائيل وعلـــى رأســـها مصطفـــى البرزانـــي حيـــث زارهـــا عـــام‬ ‫‪1968‬م‪ ،‬وكان اإلس ــرائيليون يش ــجعون البرزان ــي عل ــى إقام ــة دول ــة‬ ‫ولي ــس حك ًم ــا ذات ًي ــا‪.‬‬ ‫إن إٍ ســـرائيل رأت يف كردســـتان العـــراق هد ًفـــا اســـتراتيج ًيا‬ ‫حيو ًيـــا‪ ،‬ودعمـــت فكـــرة انفصـــال األكـــراد وإقامـــة عالقـــة معهـــم‬ ‫كمنطقـــة إســـتراتيجية للتجســـس وجمـــع املعلومـــات وانفصالهـــا‬ ‫يشـــكل خطـــوة لتفكيـــك العـــراق إلـــى دويـــالت كمـــا تأكـــد فيمـــا‬ ‫بع ــد يف اس ــتراتيجية إس ــرائيل يف الثمانين ــات الت ــي نش ــرت ع ــام‬ ‫‪1982‬م‪ ،‬لتفكيـــك الـــدول العربيـــة‪.‬‬ ‫وحت ــى بع ــد توقي ــع اتفاقي ــة اجلزائ ــر ‪1975‬م‪،‬‬ ‫بـــن إيـــران والعـــراق‪ ،‬إلنهـــاء اخلالفـــات حـــول‬ ‫ش ــط الع ــرب‪ ،‬وتوق ــف الدع ــم اإليران ــي ألك ــراد‬ ‫العـــراق‪ ،‬إال أن إســـرائيل اســـتمرت يف دعمهـــا‬ ‫لأكـــراد واســـتمر تبـــادل الزيـــارات وتقـــدمي‬ ‫الدع ــم السياس ــي والعس ــكري وحت ــى يف املج ــال‬ ‫الصحـــي والثقـــايف لأكـــراد باعتبـــار التعامـــل‬ ‫معهـــم كنـــزًا اســـتراتيج ًيا إلســـرائيل‪.‬‬ ‫وبع ــد الث ــورة اإليراني ــة ع ــام ‪1979‬م‪ ،‬وإغ ــالق‬ ‫الســفارة اإلســرائيلية يف طهــران‪ ،‬أخــذت إســرائيل‬ ‫جت ــد يف كردس ــتان أهمي ــة إس ــتراتيجية للتجس ــس واخت ــراق إي ــران‬ ‫مـــن كردســـتان العـــراق‪ ،‬واســـتغلت احلـــرب العراقيـــة اإليرانيـــة‬ ‫بتزويــد إيــران ببعــض قطــع الغيــار مــن أجــل اســتمرار احلــرب كمــا‬ ‫ح ــدث يف فضيح ــة إي ــران جي ــت ع ــام ‪1985‬م‪ ،‬حي ــث ش ــارك مدي ــر‬ ‫مكت ــب ش ــمعون بي ــرس م ــع الوف ــد األمريك ــي يف زي ــارة طه ــران‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إس ــرائيل يف تل ــك الفت ــرة للتنس ــيق والتع ــاون مم ــا يش ــكل خطـ ـ ًرا‬ ‫علـــى العـــراق واألمـــن اإلقليمـــي‪.‬‬ ‫وتوافـــدت الشـــركات اإلســـرائيلية لالســـتثمار يف كردســـتان‪،‬‬ ‫هندســـية ومقـــاوالت إســـرائيلية‪ ،‬ويتولـــى إدارة هـــذه الشـــركات‬ ‫ضب ــاط متقاع ــدون يف االس ــتخبارات اإلس ــرائيلية كاملوس ــاد وجه ــاز‬ ‫االســـتخبارات الداخليـــة (الشـــاباك) واالســـتخبارات العســـكرية‬ ‫(أم ــان)‪ ،‬ويش ــرف عل ــى إدارة ه ــذه الش ــركات‪ ،‬اجلن ــرال دان ــي يات ــوم‬ ‫رئي ــس املوس ــاد الس ــابق‪ .‬وتعم ــل االس ــتخبارات اإلس ــرائيلية حت ــت‬ ‫غطـــاء الشـــركات التجاريـــة واالســـتثمارية للتجســـس يف املنطقـــة‬ ‫لي ــس عل ــى الع ــراق فق ــط‪ ،‬ب ــل إي ــران وتركي ــا وال ــدول العربي ــة‪.‬‬

‫فايننشـــال تايمـــز‬ ‫البريطاني ــة‪ :‬إس ــرائيل‬ ‫تستورد ‪ %77‬من نفطها‬ ‫من كردستان بمليار دوالر‬ ‫سنو ًيا وتعيد تصدير جز ًءا‬

‫استغالل الموساد للحظر الجوي يف شمال العراق عام ‪1991‬‬ ‫وجـــدت إســـرائيل فرصـــة ذهبيـــة يف تعزيـــز وجودهـــا يف‬ ‫كردس ــتان الع ــراق بع ــد ف ــرض منطق ــة احلظ ــر اجل ــوي يف ش ــمال‬ ‫وجنـــوب العـــراق بعـــد حتريـــر الكويـــت يف مـــارس ‪1991‬م‪ ،‬وجـــاء‬ ‫العديـــد مـــن اليهـــود مـــن أصـــول كرديـــة إلـــى كردســـتان ملعرفـــة‬ ‫مجريـــات األحـــداث يف كردســـتان وحتـــت شـــعار البحـــث عـــن‬ ‫أقربــاء لهــم‪ ،‬وأخــذت العالقــة بــن حكومــة كردســتان تأخــذ درجــة‬ ‫عاليـــة مـــن التنســـيق واالســـتثمار يف مجـــاالت النفـــط والزراعـــة‪،‬‬ ‫وأفتتـــح أكثـــر مـــن مكتـــب إرتبـــاط إلســـرائيل يف شـــمال العـــراق‪،‬‬ ‫وبات ــت منطق ــة ش ــمال الع ــراق أه ــم منطق ــة يتواج ــد فيه ــا املوس ــاد‬ ‫اإلســـرائيلي‪ .‬وتكـــررت زيـــارة قـــادة املوســـاد ملنطقـــة كردســـتان‬ ‫العـــراق‪ ،‬ففـــي يوليـــو عـــام ‪1998‬م‪ ،‬زار اجلنـــرال افـــرامي هليفـــي‬ ‫رئيـــس املوســـاد آنـــذاك كردســـتان العـــراق يرافقـــه عـــدد مـــن‬ ‫الضبـــاط الكبـــار يف جهـــاز املوســـاد كمـــا أن وفـــو ًدا كرديـــة زارت‬

‫االحتالل األمريكي ‪ 2003‬والدور اإلسرائييل‬

‫لعبـــت إســـرائيل دو ًرا حيو ًيـــا يف دفـــع الواليـــات‬ ‫املتحـــدة الحتـــالل العـــراق عـــام ‪ 2003‬م‪ ،‬ألن إدارة‬ ‫بـــوش كان يهيمـــن عليهـــا التيـــار احملافـــظ املوالـــي‬ ‫إلس ــرائيل‪ ،‬ب ــل كان ــت احل ــرب لصال ــح إس ــرائيل يف‬ ‫تدميـــر اجليـــش العراقـــي‪ .‬ويوكـــد كل مـــن اخلبـــراء‬ ‫األمريكيـــن أن اللوبـــي الصهيونـــي يف الواليـــات‬ ‫املتح ــدة لع ــب دو ًرا يف تش ــجيع إدارة ب ــوش الحت ــالل‬ ‫العـــراق‪ ،‬فمثـــال يشـــير ســـتيفن والتـــز األســـتاذ يف‬ ‫جامع ــة هارف ــارد وج ــون ميرش ــيمر األس ــتاذ يف جامع ــة ش ــيكاغو يف‬ ‫دراســة لهمــا عــن اللوبــي الصهيونــي نشــرت عــام ‪2006‬م " الضغــط‬ ‫م ــن إس ــرائيل واللوب ــي الصهيون ــي يف واش ــنطن‪ ،‬كان ل ــه دور فع ــال‬ ‫يف احتــالل العــراق غال ًبــا ملصلحــة إســرائيل وليــس البتــرول فقــط‪.‬‬ ‫وجــاء االحتــالل ليفتــح البــاب علــى مصراعيــة يف ظــل الفوضــى‬ ‫السياس ــية النتش ــار املوس ــاد يف الع ــراق وخاص ــة تعزي ــز العم ــل يف‬ ‫إقليــم كردســتان للعالقــة التاريخيــة مــع القــادة األكــراد يف احلزبــن‬ ‫االحتــاد الوطنــي الكردســتاني بزعامــة جــالل طالبانــي الــذي أصبــح‬ ‫رئيســـا جلمهوريـــة العـــراق واحلـــزب الدميقراطـــي الكردســـتاني‬ ‫ً‬ ‫بزعام ــة مس ــعود البرزان ــي ال ــذي ي ــرأس إقلي ــم كردس ــتان الع ــراق‪.‬‬

‫البترول واغتيال العلماء العراقيين والتجسس‬ ‫تعــددت أهــداف إســرائيل يف إقليــم كردســتان العــراق بعــد‬ ‫‪2003‬م‪ ،‬فباإلضافــة لأهــداف االســتراتيجية‪ ،‬فقــد ذكــرت صحيفــة‬ ‫فايننشــال تاميــز البريطانيــة بــأن إســرائيل تســتورد ‪ %77‬مــن نفطهــا‬ ‫بأســعار مخفضــة مــن منطقــة كردســتان العــراق ‪2015‬م‪ ،‬وقــدرت‬ ‫الصحيفــة أن قيمــة البتــرول املصــدر حوالــي مليــار دوالر‪ ،‬وقامــت‬ ‫إســرائيل بإعــادة تصديــر جــز ًءا مــن هــذا النفــط‪.‬‬ ‫وكشـــف الصحفـــي األمريكـــي ويـــن مادســـن‪ ،‬عـــن مخطـــط‬ ‫إس ــرائيلي الس ــتيطان الع ــراق‪ ،‬وق ــد ظه ــر دور بع ــض األك ــراد يف‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪63‬‬

‫ملف العدد‬

‫رئيس املوساد مائير أميت مع مصطفى البرزاني‬

‫اإلسرائيليون ارتدوا الزي الكردي ودربوا البيشمركة يف إسرائيل وإيران‬ ‫وكردســتان وزار مائيــر عمــت كردســتان وزار مصطفــى البرزانــي إســرائيل‬ ‫ماي ــو ‪1965‬م" إن األك ــراد يله ــون نص ــف اجلي ــش العراق ــي " وه ــذا‬ ‫مـــا تســـعى لـــه إســـرائيل ألن اجليـــش العراقـــي شـــارك يف حـــرب‬ ‫فلســـطن ‪1948‬م‪ ،‬وإن اشـــغال اجليـــش العراقـــي يف مواجهـــة مـــع‬ ‫األكـــراد يبعـــده عـــن املشـــاركة الفعليـــة ضـــد إســـرائيل يف حالـــة‬ ‫احلـــرب العربيـــة اإلســـرائيلية‪.‬‬ ‫والتق ــت األه ــداف االس ــتراتيجية للش ــاه م ــع إس ــرائيل‪ ،‬حي ــث‬ ‫كم ــا ق ــال رئي ــس فري ــق الضب ــاط اإلس ــرائيلين لتدري ــب األك ــراد يف‬ ‫ش ــمال الع ــراق‪ ،‬املق ــدم تس ــودي س ــاجي‪ ،‬إن النظري ــة االس ــتراتيجية‬ ‫يف عه ــد الش ــاه " كان االيراني ــون يرغب ــون جــدًا يف نش ــوب ح ــروب‬ ‫متواصلــة بــن إســرائيل والعــرب‪ ،‬بصــورة تشــغل اجليــوش العربيــة‪،‬‬ ‫وال تـــدع مجـــاال لإللتفـــاف إليهـــا أو العمـــل ضدهـــا"‪ ،‬وبســـبب‬ ‫التق ــاء أه ــداف الش ــاه تع ــاون جه ــاز الس ــفاك اإليران ــي م ــع املوس ــاد‬ ‫اإلســـرائيلي يف دعـــم األكـــراد يف العـــراق ودخلـــت املخابـــرات‬ ‫األمريكي ــة ‪ً CIA‬‬ ‫أيض ــا يف دع ــم األك ــراد للضغ ــط عل ــى الع ــراق يف‬ ‫عه ــد نيكس ــون ووزي ــر خارجيت ــه هن ــري كيس ــنجر‪.‬‬

‫البعثة اإلٍسرائيلية لتدريب قوات البيشمركه‬ ‫ذهــب رجــال املوســاد يف اخلامــس والعشــرين مــن يونيــو ‪1963‬‬ ‫م‪ ،‬لاللتقـــاء باملـــال مصطفـــى البرزانـــي الـــذي أخـــذ يف التعـــاون‬ ‫م ــع إس ــرائيل‪ ،‬حي ــث أقام ــت ل ــه محط ــة ب ــث وقدم ــت األم ــوال‪،‬‬ ‫ث ــم فيم ــا بع ــد أرس ــلت بعث ــة عس ــكرية لتدري ــب املقاتل ــن األك ــراد‪،‬‬ ‫البيشـــمركة‪ .‬كانـــت إســـرائيل قـــد اعتبـــرت القضيـــة الكرديـــة‬ ‫فرص ــة ذهبي ــة‪ ،‬وذل ــك إلضع ــاف اجلي ــش العراق ــي‪ .‬وق ــد أرس ــل‬ ‫خاص ــا لالجتم ــاع‬ ‫مصطف ــى البرزان ــي يف أبري ــل ‪1963‬م‪ ،‬مبعو ًث ــا‬ ‫ً‬ ‫م ــع رئي ــس ال ــوزراء اإلس ــرائيلي ب ــن غوري ــون‪.‬‬ ‫وتط ــورت العالق ــة بإرس ــال أربع ــة عس ــكرين برئاس ــة املف ــدم‬ ‫تســودي ســاجي يف ديســمبر ‪1965‬م‪ ،‬لتدريــب األكــراد علــى حــرب‬ ‫العصابـــات والتخريـــب‪ ،‬وكان اإلســـرائيليون حريصـــون علـــى أن‬ ‫يبــدو يف مظهــر األكــراد‪ ،‬فارتــدوا الــزي الكــردي‪ .‬وتعــددت الزيــارة‬ ‫والتدريـــب ســـواء يف إســـرائيل أو يف إيـــران وكردســـتان العـــراق‪،‬‬ ‫وزار رئي ــس املوس ــاد مائي ــر عم ــت أكث ــر م ــن م ــرة كردس ــتان‪ ،‬كان ــت‬

‫‪62‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫املقدم تسوري ساجي اليهودي مع مصطفى البرزاني عام ‪1٩٦٦‬‬

‫التقــى وفــد الموســاد يف يونيــو ‪ 1963‬المــال مصطفى البرزاني وأقام‬ ‫لــه محطــة بــث وقــدم لــه األمــوال وبعثة عســكرية لتدريب البيشــمركة‬ ‫مؤمتـــر باندونـــغ النـــواة األولـــى حلركـــة عـــدم االنحيـــاز بزعامـــة‬ ‫الرئي ــس املص ــري جم ــال عب ــد الناص ــر والرئي ــس الهن ــدي جواه ــر‬ ‫الل نهـــرو وحضـــر شـــو إن الي رئيـــس وزراء الصـــن الشـــعبية‪،‬‬ ‫وكان املؤمت ــر حلش ــد الدع ــم اآلس ــيوي واإلفريق ــي لدع ــم القضي ــة‬ ‫الفلســـطينية وقضايـــا التحـــرر اإلفريقـــي واآلســـيوي‪ ،‬وكانـــت‬ ‫مص ــر له ــا دور تاريخ ــي يف حرك ــة ع ــدم االنحي ــاز‪ ،‬ولذل ــك كان ــت‬ ‫العالق ــات املصري ــة يف عه ــد الرئي ــس عب ــد الناص ــر متوت ــرة م ــع‬ ‫إيـــران واحتـــواء العالقـــة اإلســـرائيلية مـــع أثيوبيـــا‪ .‬واعتبـــرت‬ ‫إســـرائيل قيـــادة مصـــر للعالـــم العربـــي ودوره يف حركـــة عـــدم‬ ‫االنحيـــار ويف إفريقيـــا وآســـيا خطـــ ًرا عليهـــا‪ ،‬وبالفعـــل فاجليـــش‬ ‫املصــري خــاض حروبــا مــع إســرائيل يف ‪ 1948‬و‪1956‬م‪ ،‬وبعدهمــا‬ ‫ً‬ ‫مخططـــا لضـــرب الرئيـــس املصـــري‬ ‫حـــرب ‪1967‬م‪ ،‬التـــي كانـــت‬ ‫واجلي ــش‪ ،‬ألنه ــا اعتب ــرت مص ــر مح ــور االس ــتراتيجية العربي ــة يف‬ ‫مواجه ــة إس ــرائيل تردي ــدا للمقول ــة يف واش ــنطن وإس ــرائيل آن ــذاك‬ ‫ال ح ــرب ب ــدون مص ــر وال س ــالم ب ــدون س ــوريا‪.‬‬

‫التحالف بين الموساد والسفاك ودعم أكراد العراق‬ ‫عمل ــت إس ــرائيل عل ــى توطي ــد عالقاته ــا م ــع ش ــاه إي ــران ال ــذي‬ ‫كان ضعي ًفـــا وحتـــت التأثيـــر األمريكـــي البريطانـــي بعـــد اســـقاط‬ ‫حكوم ــة الرئي ــس محم ــد مص ــدق ع ــام ‪1953‬م‪ ،‬يف عملي ــة آجاك ــس‬ ‫الت ــي هندس ــتها االس ــتخبارات األمريكي ــة ‪ CIA‬والبريطاني ــة ‪MI6‬‬ ‫بقيـــادة كيـــم روزفلـــت‪ ،‬بســـبب تأميـــم مصـــدق للبتـــرول اإليرانـــي‪،‬‬ ‫ولذل ــك كان الش ــاه مدي ًن ــا للوالي ــات املتح ــدة وبريطاني ــا يف تثبي ــت‬ ‫حكم ــه‪ ،‬واس ــتغلت إس ــرائيل ذل ــك وتغلغ ــل املوس ــاد اإلس ــرائيلي يف‬ ‫إي ــران‪ ،‬وأرس ــلت إس ــرائيل رج ــل املوس ــاد ديفي ــد قمح ــي لدراس ــة‬ ‫األوضـــاع السياســـية يف إيـــران والعالقـــة مـــع األكـــراد‪ .‬حيـــث‬ ‫اخلالفــات احلدوديــة بــن العــراق وإيــران حــول شــط العــرب‪ ،‬فــكان‬ ‫الشــاه يدعــم أكــراد العــراق كورقــة ضغــط علــى احلكومــة العراقيــة‬ ‫واس ــتنزاف اجلي ــش العراق ــي وإضعاف ــه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وجـــدت إســـرائيل يف العالقـــة مـــع إيـــران هدفـــا اســـتراتيج ًيا‬ ‫لهـــا‪ ،‬ففـــي توصيـــة لديفيـــد قمحـــي بعـــد عودتـــه مـــن إيـــران يف‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪61‬‬

‫ملف العدد‬

‫مخطط إسرائيل للتقسيم بدأ بعالقات مع إيران وتركيا واثيوبيا لحصار العرب‬

‫الموساد وانفصال كردستان واألمن اإلقليمي‪:‬‬ ‫أطماع إسرائيلية استراتيجية عبر البوابة الكردية‬ ‫إن رفــع العلــم اإلســرائيلي يف االســتفتاء الكــردي يف أربيــل يف ‪ 25‬ســبتمبر املاضــي‪ ،‬يعكــس مــدى العالقــة بــن إقليــم‬ ‫كردســتان العــراق وإســرائيل‪ ،‬واألخيــرة هــي الدولــة الوحيــدة التــي أيــدت االســتفتاء وتشــجع إعــالن دولــة كردســتان‪ ،‬يف‬ ‫الوقــت الــذي رفضــت فيــه جميــع الــدول الكبــرى والــدول اإلقليميــة االســتفتاء لتداعياتــه علــى أمــن املنطقــة والعالــم‪ ،‬وألن‬ ‫إعــالن اســتقالل كردســتان ســتكون لــه انعكاســاته اخلطيــرة علــى الــدول املجــاورة‪ ،‬ولذلــك هــددت كل مــن إيــران والعــراق‬ ‫وتركيــا بعقوبــات علــى كردســتان مــن أجــل إلغــاء االســتفتاء ومــا يترتــب عليــه‪ .‬واحلقيقــة أن موقــف إســرائيل املؤيــد العــالن‬ ‫انفصــال كردســتان وإعــالن قيــام الدولــة الكرديــة يرتبــط باالســتراتيجية اإلســرائيلية منــذ إعالنهــا عــام ‪1948‬م‪ ،‬يف تفكيــك‬ ‫دول املنطقــة إلــى كيانــات طائفيــة وعنصريــة‪ ،‬فقــد قــال بــن غوريــون أول رئيــس وزراء إلســرائيل " علينــا أن نكــون طر ًفــا‬ ‫يف العمليــة السياســية يف كل دولــة عربيــة" وخاصــة الــدول املجــاورة لهــا‪ ،‬ولذلــك تبنــى بــن غوريــون اســتراتيجية األطــراف‬ ‫‪ Peripheral Strategy‬لتهديــد األمــن القومــي العربــي وإثــارة األقليــات العرقيــة والطائفيــة‪.‬‬

‫د‪ .‬أحمد سليم البرصان‬

‫استراتيجية األطراف اإلسرائيلية‬ ‫تظهــر مراســالت موشــيه شــاريت رئيــس وزراء إســرائيل آنــذاك‬ ‫م ــع ب ــن غوري ــون ع ــام ‪1954‬م‪ ،‬مخط ــط إس ــرائيل لتقس ــيم لبن ــان‬ ‫وإقام ــة دول ــة ماروني ــة‪ ،‬تك ــون إس ــرائيل ثاني ــة يف املنطق ــة العربي ــة‪،‬‬ ‫وق ــد رد ب ــن غوري ــون عل ــى ش ــاريت يف رس ــالة بتاري ــخ ‪ 27‬فبراي ــر‬ ‫‪1954‬م‪ ،‬يقــول فيهــا " ويــكاد يســتحيل قيــام هــذه الدولــة يف األحــوال‬ ‫العاديــة بســبب افتقــار املســيحين إلــى املبــادرة والشــجاعة الالزمــة‬ ‫إال أن األمــور مــن املمكــن أن تأخــذ طاب ًعــا آخــر يف حــاالت الفوضــى‬ ‫والثــورة واحلــرب األهليــة حيــث يتحــول الضعيــف إلــى بطــل‪ ،‬ورمبــا‬ ‫ح ــان اآلن إلقام ــة دول ــة مس ــيحية إل ــى جوارن ــا"؟‬ ‫ولـكــــن الـحـلــــم اإلسـرائـيـلــــي لــــم يـتـحـقــــق بـسـبــــب الـمــــد‬ ‫الـــقومي يف لبنــان‪ ،‬حيــث أســقط التيــار القومــي الرئيــس البنانــي‬ ‫ً‬ ‫مرتبط ــا‬ ‫آن ــذاك كي ــل ش ــمعون ال ــذي كان كم ــا أش ــارت الوثائ ــق‬ ‫باالســتخبارات البريطانيــة‪.‬‬ ‫وأقامـــت إســـرائيل عالقـــات مـــع تركيـــا وإيـــران وأثيوبيـــا‬ ‫إلحاطـــة الـــدول العربيـــة بتحالفـــات إســـرائيلية مـــع الـــدول غيـــر‬ ‫العربيـــة‪ ،‬فكانـــت أكثـــر الـــدول الثـــالث عـــداء للـــدول العربيـــة‬ ‫شـــاه إيـــران حيـــث أمـــد إســـرائيل بالبتـــرول وأصبـــح شـــرطي‬

‫اخللي ــج وفت ــح الب ــاب للدع ــم اإلس ــرائيلي لأك ــرادـ بينم ــا كان ب ــن‬ ‫غوري ــون يس ــعى يف اس ــتراتيجيته مواجه ــة امل ــد العرب ــي يف إفريقي ــا‬ ‫باســـتغالل أثيوبيـــا‪ ،‬كمـــا حاولـــت إســـرائيل اســـتغالل تركيـــا يف‬ ‫حتالفاته ــا م ــع الغ ــرب يف النات ــو أو فيم ــا بع ــد حل ــف بغ ــداد ال ــذي‬ ‫أدخـــل نـــوري الســـعيد فيـــه العـــراق‪ ،‬ولكـــن الثـــورة العراقيـــة يف‬ ‫متــوز ‪1958‬م‪ ،‬أخرجــت العــراق‪ ،‬وكان ملصــر دو ًرا كبيـ ًرا يف إحبــاط‬ ‫مخطـــط حلـــف بغـــداد؟‬

‫القاهرة قلعة حركات التحرر اإلفريقية واآلسيوية‬ ‫كان املـــد القومـــي علـــى أشـــدة يف اخلمســـينيات يف القـــرن‬ ‫العشـــرين وتوجـــت بالوحـــدة املصريـــة الســـورية ‪1961-1958‬م‪،‬‬ ‫وعق ــدت ال ــدول العربي ــة الهدن ــة م ــع إس ــرائيل يف جزي ــرة رودوس‬ ‫عـــام ‪1949‬م‪ ،‬ولكنهـــا كانـــت معهـــا يف حالـــة حـــرب‪ ،‬وشـــاركت‬ ‫إســـرائيل يف العـــدوان الثالثـــي علـــى مصـــر عـــام ‪1956‬م‪ ،‬بعـــد‬ ‫تأميـــم قنـــاة الســـويس‪ ،‬وسياســـة مصـــر البعيـــدة عـــن األحـــالف‬ ‫الغربي ــة‪ .‬كان ــت مص ــر رائ ــدة يف مومت ــر باندون ــغ ال ــذي عق ــد يف‬ ‫‪ 28‬أبري ــل ‪1955‬م‪ ،‬حت ــت ش ــعار املؤمت ــر األف ــرو ‪ -‬آس ــيوي‪ ،‬ولق ــد‬ ‫منع ــت ال ــدول العربي ــة م ــن توجي ــه املؤمت ــر دع ــوة إلس ــرائيل‪ ،‬وكان‬

‫‪60‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫األفــكار واملعتقــدات والعــادات واالجتاهــات والقيــم والســلوك‪،‬حيث‬ ‫ينتمــي احلشــديون إلــى ثقافــة عقائديــة تســتند إلــى اإلميــان املطلــق‬ ‫بثوابتهــا‪ ،‬فهــم أســرى ثقافــة طائفيــة تاريخيــة‪ ،‬حيــث ارتبــط دخــول‬ ‫احلشــد الشــعبي أليــة منطقــة برايــات وشــعارات وصــور بــل ويف‬ ‫إصــرار عجيــب يرتــدون مالبــس ســوداء وعربــات قتــال ســوداء تناقــض‬ ‫التمويــه العســكري املطلــوب لقتــال الصحــراء أو املــدن‪ ،‬فهــي إلرهــاب‬ ‫ســكان املناطــق املســتهدفة وتذكيرهــم بثــأرات تبيــح عمليــات التطهيــر‬ ‫الطائفــي والعرقــي والتغييــر الدميغــرايف الــذي يطــال التجمعــات التــي‬ ‫ال تتماهــى مــع عقائديــة احلشــد‪ ،‬فثقافــة احلشــد الشــعبي ثقافــة‬ ‫خارجيــة تتمحــور حــول كونهــا وحــدة ُمجــازة دين ًيــا مــن معمــم يلبــس‬ ‫األســود قبــل أن تكــون كيا ًنــا متف ّر ًعــا عــن الدولــة‪.‬‬ ‫وتنتشــر يف قطاعــات احلشــد الشــعبي الثقافــة العســكرية‬ ‫اإليرانيــة ســواء يف اتســاق الهجــوم بالراجمــات الصاروخيــة‪ ،‬أو‬ ‫الهجــوم باملوجــات البشــرية التــي طوروهــا يف احلــرب العراقيــة‬ ‫اإليرانيــة‪ ،‬لوجــود املستشــارين والضبــاط اإليرانيــن مــن مختلــف‬ ‫الصنــوف العســكرية واألمنيــة وقيادتهــم امليدانيــة وســيطرتهم علــى‬ ‫حركــة مقاتلــي احلشــد حتقيقـاً لتمــدد املشــروع اإليرانــي والســيطرة‬ ‫علــى القــرار يف العــراق‪ .‬وقــد غرســت طهــران ثقافــة أن احلشــد‬ ‫الشــعبي جــزء مــن املخطــط اإليرانــي التوســعي يف الوصــول إلــى‬ ‫احلــدود العراقيــة مــع جوارهــا اإلقليمــي‪ ،‬ورصــف الطريــق امليدانــي‬ ‫الــذي سيســلكه احلــرس الثــوري لســوريا وتركيــا واألردن والكويــت‬ ‫ثــم اخلليــج‪ .‬وألنــه مــن املســتحيل أن تغــادر كــوادر «احلشــد الشــعبي»‬ ‫ثقافــة محطتهــا الفطريــة لتكويــن ثقافــة تعايــش مــع محيطهــا‪ .‬لذا من‬ ‫احلكمــة عــرض صورتهــا احلقيقيــة وجعلهــا عرضــة لالغتيــال املعنوي‬ ‫ثــم االندثــار‪ ،‬حيــث ال مجــال يف الثقافــة احلشــدية لفهــم وقبــول‬ ‫اآلخــر بــل الصــدام معــه كمــا كان حــال «داعــش" وممــا يزيــد األمــر‬ ‫تعقيـدًا أن احلشــد الشــعبي مســتمر يف التحــول لنســخة مــن احلــرس‬ ‫الثــوري مباشــرة‪ ،‬متجــاوزًا حــزب اهلل اللبنانــي العاجــز عــن التطــور يف‬ ‫مجــال القــوة اجلويــة مسـ ً‬ ‫ـلطا «ســالح املقاومــة» علــى رقــاب اللبنانيــن‬ ‫لضمــان حــق «متعتــه» بالثلــث املعطــل‪ .‬وللحشــد الشــعبي قــوة بريــة‬ ‫هــي األكثــر قــدرة بالعــراق‪ ،‬وكان النصــر يف حــرب املوصــل جرعــة‬ ‫النشــوة املعنويــة للخــروج عــن ســيطرة املنطقــة اخلضــراء‪ .‬وبعــد أن‬ ‫أصبــح احلشــد أحــد مكونــات الهيــكل األمنــي بشــكل رســمي لــن يكــون‬ ‫مبقــدور احلكومــة وقــف إمــداده بالســالح‪ .‬ونظـ ًرا لقلــة كفــاءة «عســكر‬ ‫احلكومــة» جــراء حتييدهــم لســنوات طويلــة‪ ،‬ســيكون مــن اليســير‬ ‫متتــع احلشــد الشــعبي بســالح الطيــران كمــا متتــع بدبابــات ابرامــز‬ ‫األمريكيــة والهمــر وكل ســالح يف ترســانة حكومــة املالكــي‪ .‬ومكمــن‬ ‫اخلطــر أن العــراق يف طريــق تشــكيل قــوة جويــة فعالــة حيــث ميلــك‬ ‫ســالح اجلــو العراقــي ‪ 14‬طائــرة «‪ ،»F-16‬مــن مجمــوع ‪ 36‬طائــرة‪،‬‬ ‫والتــي نفــذت قبــل شــهر لصالــح احلشــد الشــعبي ضربــة اســتهدفت‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫داعــش ليــس يف العــراق بــل يف منطقــة البوكمــال الســورية‪ ،‬كمــا ميلــك‬ ‫طائــرات اإلســناد اجلــوي الروســية ‪ MI28‬صائــد الليــل‪ ،‬و‪،MI35‬‬ ‫والســوخوي ‪ ،25‬بــل وتســلم العــراق ‪ 10‬طائــرات مــن املقاتلــة اخلفيفــة‬ ‫التشــيكية ‪ L-159‬والتي ميكنها حمل صواريخ جو‪/‬جو «ســايدوندر»‬ ‫وصواريــخ جــو‪/‬أرض «مافريــك» لأهــداف األرضيــة لعمليــات قمــع‬ ‫التمــرد والعصيــان املســلح وتقــدمي الدعــم اجلــوي للقطعــات البريــة‬ ‫املتقدمــة ومســح األرض أمــام املشــاة ومقاتلــة واســتهداف املروحيــات‬ ‫املعاديــة وإســقاطها‪ ،‬كمــا وصلــت الطائــرات املقاتلــة الكوريــة اجلنوبيــة‬ ‫‪ T50iq‬والبالــغ عددهــا ‪ 24‬طائــرة‪.‬‬

‫دور دول الخليج‬ ‫متــر العــراق بنفــس الظــروف التــي أعقبــت نهايــة احلــرب‬ ‫العراقيــة ــــ اإليرانيــة‪ ،‬فبعــد تلــك احلــرب كان صــدام عاجــز عــن‬ ‫إعادتهــم للمعســكرات فأرســلهم لغــزو الكويــت‪ ،‬وهــو مــا يفعلــه‬ ‫العبــادي حال ًيــا فقــد اقتنــص فرصــة‪ .‬حيــث لــم يعــد «احلشــد‬ ‫الشــعبي» حتــت ســن الرشــد العســكري القتالــي‪ ،‬وإن كان اليــزال يف‬ ‫حضانــة طهــران‪ ،‬يدعمــه نهــج طائفــي‪.‬‬ ‫وفيمــا مضــى لــم تكــن الظــروف مهيــأة لضبــط اتــزان طمــوح‬ ‫الكــرد لقيــام دول تضــم شــتاتهم‪ ،‬لكــن فكــرة الوطــن القومــي الكــردي‬ ‫كادت أن تذبــل لغيــاب ظــروف تعطيهــا احلضــور‪ .‬ثــم بــدأ تراجــع‬ ‫«داعــش» منــذ أن تقمصــوا ثــوب الدولــة‪ ،‬فاجلماعــات املســلحة تنتحر‬ ‫كمــا هــو معــروف يف اللحظــة التــي يصبــح لهــا عنــوان هــو مبثابــة‬ ‫مركــز ثقــل ميكــن إرســال الصواريــخ إليــه‪ .‬وألن االســتراتيجيات‬ ‫متقــت الفــراغ‪ ،‬فقــد قفــز األكــراد يف املســاحات الداعشــية الســابقة‬ ‫بدعــم أمريكــي‪ ،‬بــل ظهــر األكــراد وكأنهــم اآلن ومســتقب ً‬ ‫ال أهــم ورقــة‬ ‫يف املنطقــة‪ .‬والكابــوس الفعلــي ســيكون مــن نصيــب دول اخلليــج‪ ،‬بعــد‬ ‫قطــع حــدود تركيــا البريــة مــع الــدول العربيــة عبــر احلــزام الكــردي‬ ‫واملتشــكل بحمايــة غربيــة‪ ،‬والــذي ‪-‬كمــا أوضحتــه خرائــط كردســتان‬ ‫الكبــرى التــي يــروج لهــا مركــز واشــنطن لأبحــاث‪ -‬ســيمتد شــرقاً‬ ‫مــن األحــواز املطلــة علــى اخلليــج مــروراً بالعــراق وأطــراف تركيــا‬ ‫حتــى يطــل طرفــه الغربــي يف إســكندرونه علــى البحــر املتوســط‪ .‬و‬ ‫صحيــح أن كردســتان ســتكون دولــة عازلــة‪ ،‬لكــن أطمــاع الكيانــات‬ ‫اجلديــدة عــادة ال تتســع لهــا األرض‪ ،‬ممــا يــورد قابليــة أن تكــون‬ ‫جيــرة األكــراد أشــد وطــأة علــى العــرب‪ ،‬فكميــة انغمــاس األمريــكان‬ ‫يف هــذا املشــروع ســيجعلها قاعــدة غربيــة‪ ،‬وصديقــة إلســرائيل‪ ،‬كمــا‬ ‫أن ثــروات كردســتان تــوازي ثــروات اخلليــج‪ ،‬ممــا يجعلهــم يف مرتبــة‬ ‫الكيانــات املتحديــة لنــا اقتصاد ًيــا إن لــم يكــن عســكر ًيا‪.‬‬ ‫* ﻣﺪﻳﺮ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﺮاﻗﺒﺔ اﻟﺨﻠﻴﺞ‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تنظــر دول خليجيــة لالنفصــال كعامــل إيجابــي ينشــغل بــه األتــراك‬ ‫واإليرانيــون عــن أطماعهــم يف اخلليــج‪.‬‬

‫التوازن االستراتيجي يف موقف إيران وتركيا‬ ‫هددت تركيا وإيران والعراق باتخاذ "إجراءات" لم حتددها ضد‬ ‫إقليــم كردســتان العــراق‪ ،‬إذا مضــت ســلطات اإلقليم بإعــالن االنفصال‬ ‫عــن العــراق‪ .‬وأكــدت الــدول الثــالث يف بيــان مشــترك التزامهــا بوحــدة‬ ‫العــراق وســالمة أراضيــه و"معارضتهــا التامــة لالســتفتاء"‪ ،‬بحســب‬ ‫بيــان صــادر عــن وزارة اخلارجيــة التركيــة‪ .‬لكــن االســتفتاء مت وحتــى‬ ‫إن كانــت قضيــة األكــراد قضيــة عادلــة‪ ،‬ولكــن الدفــاع عنهــا يقتضــي‬ ‫التبصــر واحلكمــة وقــراءة املعطيــات اجليــو سياســية‬ ‫قــراءة صحيحــة‪ ،‬واالمتثــال باخلصــوص إلــى قاعــدة‬ ‫أن مــا ال يــدرك كلــه ال يتــرك بعضــه‪ .‬فلالكــراد وعــي‬ ‫مذهبــي بســنيتهم أكثــر مــن وعيهم بتفردهــم العرقي‪،‬‬ ‫لكــن ذلــك لــم يشــفع لهــم أمــام أنقــرة‪ .‬وفهــم طبيعــة‬ ‫ميــزان القــوى باملنطقــة‪ ،‬يبــرز أن هنــاك عــدة عوامــل‬ ‫تفســر وتبــرر هــذا الرفــض املعلن والشــرس للدولتين‬ ‫احملكومتــن بضــرورة احلفــاظ علــى أمنهمــا القومــي‬ ‫ضــد احللــم الكــردي ومناهضتهمــا لــه‪ ،‬ومــن ذلــك ‪:‬‬ ‫ يعيــد احللــم الكــردي إحيــاء تاريــخ مريــر مــع إيــران‬‫التــي عرفــت نشــوء أول جمهوريــة كرديــة يف التاريــخ برعايــة ســوفياتية‬ ‫ســنة ‪1946‬م‪ ،‬كانــت تدعــى جمهوريــة ماهابــاد عمــرت ملــدة ‪ 11‬شــه ًرا‬ ‫فقــط قبــل أن يســقطها محمــد رضــا بهلــوي ويعدم رئيســها يف الســاحة‬ ‫العامــة ســنة ‪ ،1947‬تلتهــا ثــورة فاشــلة أخــرى ســنة م‪ ،1962‬فتمــرد‬ ‫كــردي ســنة ‪1979‬م‪ ،‬قمعــه احلــرس الثــوري آنــذاك‪ ،‬وخلــف ‪10000‬‬ ‫قتيــال‪ .‬أمــا بالنســبة لتركيــا‪ ،‬فيعيــد إحيــاء الصدام العســكري مع حزب‬ ‫العمــال الكردســتاني‪ .‬كمــا تعتبــر تركيــا وإيــران االســتقالل الكــردي عن‬ ‫بغــداد‪ ،‬تهديـدًا ألمنهمــا القومــي‪ ،‬ومنــواالً تنســج عليــه جتــارب انفصال‬ ‫أخــرى فتحركاتهمــا ليســت خو ًفــا علــى وحــدة العــراق بقــدر مــا هــي‬ ‫خــوف علــى وحدتهمــا‪ .‬فأكــراد تركيــا يصل عددهــم ‪ 10‬مالين كردي‪،‬‬ ‫و ميثلــون ‪ 17‬يف املائــة مــن الســكان‪ ،‬وأكــراد إيــران‪ ،‬هــم العرقيــة الثالثــة‬ ‫ويصلــون ‪ 7،5‬مليــون كــردي إيرانــي‪ .‬هــذه األرقــام الدميوغرافيــة التــي‬ ‫تفــوق عــدد ســكان كردســتان العــراق الــذي يصــل ‪ 6،5‬مليــون‪ .‬وال تــرى‬ ‫أنقــرة‪ ،‬وال طهــران‪ ،‬أي مســوغ النفصــال األكــراد ألنهــا جميعهــا تكفــل‬ ‫علــى األقــل نظر ًيــا حقــوق األقليــة الكرديــة‪ :‬ألن الطابــع الدينــي إليــران‬ ‫يكتــم أنفــاس املطالــب العرقية لكل القوميــات‪ .‬والطابع العلماني لتركيا‬ ‫كفيــل بحجــب االختالفــات العرقيــة‪ ،‬بينمــا تضمــن الصيغــة االحتاديــة‬ ‫للعــراق اندمــاج الفصيــل الكــردي مــع احملافظــة على اســتقالله الذاتي‪،‬‬ ‫فاملكــون الكــردي بهــذه البلــدان‪ .‬ليســوا مبحتلــن أو مبســتعمرين مــن‬ ‫طــرف أيــة قوميــة أخــرى‪ .‬يضــاف إلــى ذلــك تخــوف إيــران وتركيــا مــن‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪59‬‬

‫ملف العدد‬

‫انبثــاق واقــع مخالــف مــع بــروز دولــة جديــدة يف احمليــط اإلقليمــي ال‬ ‫ميكــن التكهــن بدقــة بأدوارهــا‪ ،‬ورمبــا اســتقواء كردســتان بإســرائيل‬ ‫يعطيــه معنــى عدائيــا ملشــاريع األمــة العربيــة واإلســالمية‪ .‬كمــا تخشــى‬ ‫إيــران وتركيــا ودول كبــرى أخــرى أن يــؤدي نشــوء دولــة جديــدة تقتطــع‬ ‫قسـ ًرا مــن العــراق‪ ،‬إلــى حــدوث حــروب قوميــة‪ ،‬كمــا تتوجــس الدولتــان‬ ‫مــن ارتباطــات األكــراد باخلــارج وبالقــوى األخــرى‪.‬‬

‫الدور المطلوب من دول مجلس التعاون‬ ‫يعــود امتــداد الزمــن العســكري والسياســي للقضيــة الكرديــة‬ ‫ألمريــن‪ ،‬همــا فشــل العســكرية العراقيــة منــذ قاســم حتقيــق حســم‬ ‫عســكري ناجــز ونظيــف‪ ،‬وليــس بإبــادة قــرى باألســلحة‬ ‫الكيماويــة‪ .‬وثانيهمــا‪ ،‬عــدم الكفــاءة السياســية ببغــداد‬ ‫حيــث تناقضــات مواقــف املالكــي والعبــادي‪ ،‬كإقــرار‬ ‫البرملــان مبداولــة ال تزيــد عــن ســاعتن شــرعية‬ ‫قــوات احلشــد الشــعبي كهيــكل حتــت مظلــة احلكومــة‬ ‫حملاربــة «داعــش»‪ ،‬بينمــا يرفــض نفــس الطلــب لهيــكل‬ ‫البشــمركة العســكري طــوال عشــر ســنوات‪ ،‬رغــم أنهــم‬ ‫قاتلــوا «داعــش» وحققــوا انتصــارات أكثــر مــن احلشــد‬ ‫الشــعبي‪ .‬لكــن دول اخلليــج يقلقهــا أنه رغــم رفض دول‬ ‫اجلــوار يف تركيــا‪ ،‬وإيــران‪ ،‬وســوريا‪ ،‬والعــراق‪ ،‬لفكــرة‬ ‫االنفصــال‪ ،‬جــاء اإلعــالن الرســمي الــذي اســتبق بــه‬ ‫رئيــس الــوزراء الصهيونــي نتنياهــو نتائــج االســتفتاء املزمــع إجــراؤه يف‬ ‫كردســتان ليعلــن تأييــده الســتقالل اإلقليــم‪ .‬ولــم يــأت تصــرف نتنياهــو‬ ‫بــدون مرجعيــة للقيــم الصهيونيــة‪ ،‬فدعــم تــل أبيــب لأكــراد يف ســعيهم‬ ‫إلنشــاء دولتهــم املســتقلة يعطــي املشــروعية لوجــود دول غيــر عربيــة‬ ‫وغيــر إســالمية يف اجلــوار اإلقليمــي للصهاينــة‪ ،‬ويحقــق فكــرة تعــومي‬ ‫العروبــة واإلســالم بتكويــن الشــرق األوســط اجلديــد‪ .‬ومــا تريــده دول‬ ‫اخلليــج ح ًقــا هــو أن تعطــي بغــداد األكــراد حقهــم مــن النفــط وامليــاه‬ ‫والفــرص‪ ،‬ليبقــوا جزءاًمــن العــراق العظيــم‪ .‬فتأييــد نتنياهــو ســبب‬ ‫حرجــا لهــم النتهازيتــه الفجــة‪ .‬فاخلــوف ً‬ ‫أيضــا هــو أن تدفــع املصالــح‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫السياســية جي ـال قادم ـا مــن الكــرد لــم تروضــه آلــة القمــع العراقيــة‬ ‫لعقــود‪ ،‬ولــم يــر إال الكالــح مــن وجــوه العروبــة‪ ،‬إلــى انتهــاج مســار غيــر‬ ‫قابــل لالرتــداد‪ ،‬نحــو االنفصــال‪ ،‬حتــى ولــو قــدم أوراق اعتمــاده عبــر‬ ‫الشــيطان نفســه‪.‬‬

‫تنازع بغداد وأربيل‬ ‫عىمناطقالنفطيعني‬ ‫فق ًرا مدق ًعــا وتجمعات‬ ‫للبؤس يف الجنوب وعدم‬ ‫االستقراريفباقيالعراق‬

‫الخليج يف مسار صدام مع الحشد‬ ‫بعــد «داعــش» ســتصبح قــوات «احلشــد الشــعبي» البالغــة ‪100‬‬ ‫ألــف مقاتــل و‪ 3‬ماليــن متطــوع واحــدة مــن أهــم الهيــاكل العســكرية‬ ‫تأثيـ ًرا علــى األوضــاع العراقيــة واإلقليميــة‪ .‬وللحشــد الشــعبي ثقافــة‬ ‫مميــزة تتخطــى مصطلــح الثقافــة املعــروف بالنســيج الكلــي مــن‬

‫‪58‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ق ــد يك ــون اإليجاب ــي الص ــراع الك ــردي م ــع بغ ــداد إيع ــاز واش ــنطن‬ ‫بخطــة االنفصــال لجــذب الحشــد الشــعبي لنيــران المدفعيــة الكرديــة‬ ‫العراقــي‪ .‬وقــد قيــل قبــل عــام عــن إجمالــي اخلســائر التــي تعرضــت‬ ‫لهــا قــوى األمــن العراقيــة املختلفــة‪ ،‬مــن جيــش وشــرطة احتاديــة إلــى‬ ‫مقاتلــي احلشــد الشــعبي‪ ،‬بلغــت ‪ 11‬ألــف قتيــل ونحــو ‪ 23‬ألــف جريح"‪.‬‬ ‫لقــد كان صــدام يعلــم أنــه إذا انتصــر اجليــش العراقي يف احلرب‬ ‫أو علــى األقــل بــدا أنــه انتصــر يف شــيء مــا‪ ،‬فقــد ينقلب ضــده بإظهار‬ ‫أحــد لواءاتــه املنتصريــن بصفتــه «منقــذ األمــة» اجلديــد‪ .‬فابتكــر‬ ‫صــدام نظا ًمــا ال يســتطيع مبقتضــاه اللــواءات التواصــل مباشــرة‬ ‫مــع بعضهــم البعــض حتــى يف مياديــن املعركــة القريبــة‪ ،‬ويف معركــة‬ ‫احلميــد علــى ســبيل املثــال‪ ،‬حاصــر اإليرانيــون فرقتــن عراقيتــن‬ ‫وقضــوا علــى أفرادهمــا‪ ،‬بينمــا ظلــت فرقتــان عراقيتــان قوتــن‬ ‫جديدتــن مــن دون حركــة علــى بعــد عــدة كيلومتــرات يف الشــمال‪،‬‬ ‫وكان الســبب هــو انتظــار القــادة للحصــول علــى إذن مــن صــدام‬ ‫يف بغــداد لالنضمــام إلــى املعركــة وإنقــاذ زمالئهــم احملاصريــن‪،‬‬ ‫وجــاء اإلذن ولكــن بعــد ســاعات مــن خســارة املعركــة بالفعــل‪ .‬وهــي‬ ‫نفــس احلالــة اآلن حيــث التواصــل بــن اجليــش العراقــي النظامــي‬ ‫بكــوادره البريــة واجلويــة مــع قــوات احلشــد الشــعبي الــذي يرجــع‬ ‫يف أوامــره وخططــه إلــى جنــراالت إيرانيــن أكثــر مــن العراقيــن‬ ‫أنفســهم‪ .‬صحيــح أن اجليــش العراقــي الســابق كان رابــع أفضــل‬ ‫جيــش يف العالــم ‪ 1989‬م؛ وكان يف املرتبــة األولــى االحتــاد الســوفيتى‬ ‫والثانيــة أمريــكا‪ ،‬واملرتبــة الثالثــة بريطانيــا‪ ،‬والرابعــة العــراق‪،‬‬ ‫واخلامســة فرنســا‪ .‬وكانــت وحــدات احلــرس اجلمهــوري اخلــاص‬ ‫تســليحا‪،‬‬ ‫مــن أهــم وحــدات اجليــش العراقــي الســابق وأفضلهــا‬ ‫ً‬ ‫وتدري ًبــا‪ .‬لكــن احلشــد الشــعبي بقدراتــه علــى احلــروب الالمتماثلــة‬ ‫‪ Asymmetric Warfar‬جتعلــه بقــدرات الوحــدات اخلاصــة‬ ‫بدرجــة مــا‪ .‬وقــد يســتطيع العبــادي الســيطرة علــى وحــدات اجليــش‬ ‫ً‬ ‫انضباطــا‪ ،‬لكنــه ال يســتطيع االســتعانة بهــم‬ ‫النظامــي ألنهــم أكثــر‬ ‫لكبــح جمــاح احلشــد الشــعبي ألســباب ليســت سياســية وليســت‬ ‫ألن احلشــد قــد حصــل علــى مباركــة طائفيــة كبيــرة بــل ببســاطة‬ ‫الن جنــود اجليــش النظامــي العراقــي قــد أمضــى غالبيتهــم الوقــت‬ ‫علــى احلواجــز وتفتيــش اآلليــات وليــس يف محاربــة املتمرديــن علــى‬ ‫األرض‪ ،‬مثــل كــوادر احلشــد املعمديــن بنــار داعــش‪ .‬لــذا ال مخــرج‬ ‫أمــام العبــادي إال بــزج كــوادر آلتــه العســكرية ســواء مــن القــوات‬ ‫العراقيــة النظاميــة أو مــن احلشــد الشــعبي يف حــرب أخــرى‪ ،‬وألن‬ ‫االنتخابــات حتتــاج إلــى رصيــد علــى األرض بــل ومباركــة مــن دول‬ ‫اجلــوار لــذا نتوقــع أن يــزج العبــادي بآلتــه العســكري يف حــرب مــع‬ ‫البيشــمركة إن لــم تنصــاع لبغــداد‪.‬‬

‫تبعات تطورات العراق عى الخليج‬ ‫إن إضافــة مشــكلة أخــرى إلــى املنطقــة املتوتــرة أص ـ ً‬ ‫ال ليــس يف‬ ‫مصلحــة اخلليــج‪ ،‬حيــث ســتنطفئ النيــران العراقيــة ضــد «داعــش»‬ ‫لتشــتعل ضــد األكــراد‪ .‬لكــن رمبــا يكــون اإليجابــي يف األمــر مــن وجهــة‬ ‫نظــر مصلحيــة هــو أن تكــون واشــنطن قــد أوعــزت بخطــة االنفصــال‬ ‫جلــذب احلشــد الشــعبي «ملدايــات» املدفعيــة الكرديــة املجهــزة‪ ،‬فهــل‬ ‫ســينقاد «احلشــد» بدوافــع وطنيــة وأوامــر مــن العبــادي أم ســينتظر‬ ‫أمــر عمليــات بتوقيــع قاســم ســليماني؟‬ ‫لقــد اتفقــت االســتجابات املذعــورة مــن طهــران وأنقــرة وبغــداد‬ ‫علــى ذريعــة «دعــم وحــدة أراضــي العــراق» ووصفــت خطــة االســتفتاء‬ ‫بأنهــا غيــر مســؤولة‪ .‬وظهــر اخلليــج ً‬ ‫أيضــا مرتبـ ًكا وغيــر موحــد‪ ،‬وإن‬ ‫كان املوقــف اخلليجــي املفتــرض هــو‪:‬‬ ‫‪ -1‬ككيانــات صغيــرة تؤيــد حــق تقريــر املصيــر‪ ،‬يتســق انفصــال إقليــم‬ ‫كردســتان وتشــكل دول فيــه مــع قناعاتنــا اجليوسياســية اخلليجيــة‪،‬‬ ‫فهــو مكــون مــن ثــالث محافظــات وميــارس احلكــم الذاتــي منــذ‬ ‫‪1991‬م‪ ،‬ويعيــش فيــه ‪ 4.6‬مليــون نســمة‪.‬‬ ‫‪ -2‬مــرت علــى األكــراد يف العــراق الكثيــر مــن األحــداث وتتالــت دون‬ ‫أن تورطنــا معهــا باحلــب وال بالكراهيــة‪ ،‬بــل إن األكــراد يف جيــش‬ ‫صــدام ‪-‬مــن جتربــة‪ -‬كانــوا أســهل مــن تعامــل معــه الكويتيــون أثنــاء‬ ‫الغــزو‪ .‬لكــن هــذا التعاطــف اخلليجــي قــد يتغيــر‪ ،‬فالتحــول مــن إقليــم‬ ‫إلــى دولــة قــد يكــون كالتحــول مــن ثــورة إلــى دولــة وهــو مشــروع قــد‬ ‫ال يتــم مطلق ـاً كمــا يف طهــران‪.‬‬ ‫‪ -3‬مــن إيجابيــات انفصــال األكــراد تفــرغ بغــداد حلــل مشــاكلها‬ ‫الداخليــة‪ ،‬والتركيــز علــى مــا متلــك مــن ثــروات‪ ،‬ويف ذلــك تكــرار‬ ‫للســيناريو الســوداني الــذي تــرك اجلنــوب فتخلــص مــن رئــة مصابــة‪.‬‬ ‫‪ -4‬إن تنــازع بغــداد وأربيــل علــى مناطــق غنيــة بالنفــط‪ ،‬وفقــدان‬ ‫العــراق لهــا يعنــي فقـ ًرا مدق ًعــا وتشــكل جتمعــات للبــؤس يف اجلنــوب‬ ‫خاصــة‪ ،‬وعــدم االســتقرار يف باقــي العــراق‪ ،‬والــذي يعــد اســتقراره‬ ‫اســتقرار للخليــج‪.‬‬ ‫‪ -5‬ال شــك يف أن فقدان العراق لكردســتان خصم من رصيد العراق‬ ‫االســتراتيجي‪ ،‬وهــو أمــر إمــا سيكســر حكومــة بغــداد ويجفــف منابــع‬ ‫العدوانيــة فيهــا لــدول اجلــوار‪ ،‬وإمــا ســيكون داف ًعــا للتوســع بجــواره‬ ‫اجلنوبــي لتعويــض مــا فقــد يف الشــمال‪.‬‬ ‫‪ -6‬ســترفض دول اخلليــج مبدئ ًيــا فكــرة االنفصــال وتقســيم بلــد‬ ‫عربــي‪ ،‬فنحــن ضــد االنفصــال ألســباب وحدويــة‪ ،‬فاألســباب القوميــة‬ ‫قــد تبــرر انقســامات أخــرى ألســباب طائفيــة‪ ،‬وعرقيــة‪ ،‬وقــد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫عــن مشــروع داعــش‪ ،‬وهــو تقســيم البــالد عبــر االنفصــال الكــردي‬ ‫بعــد اســتفتاء شــعبي أيــد حكومــة كردســتان العــراق علــى املضــي يف‬ ‫عمليــة االنفصــال‪ ،‬حيــث يبــدوا اليــأس مــن إمكانيــة وجــود عــراق‬ ‫موحــد أكثــر قابليــة للتحقــق‪ ،‬وتظهــر صــورة العــراق املشــتت أكثــر‬ ‫وضوحا‪.‬حيــث يشــجع علــى ذلــك أن مؤسســات الدولــة منهــارة‬ ‫وميزانيتهــا خاويــة‪ ،‬وجماعــات مســلحة مــن مختلــف الصنــوف هــي‬ ‫التــي تتحكــم مبقــدرات البــالد‪ .‬لقــد توتــرت العالقــات بــن الطرفــن‬ ‫منــذ إجــراء االســتفتاء واعتبرتــه احلكومــة املركزيــة يف بغــداد غيــر‬ ‫شــرعي‪ .‬بــل وطلــب البرملــان العراقــي مــن رئيــس الــوزراء‪ ،‬حيــدر‬ ‫العبــادي‪ ،‬إرســال قــوات إلــى كركــوك واملــدن األخــرى املتنــازع‬ ‫عليهــا بعــد إعــالن النتائــج الرســمية لالســتفتاء‪ ،‬الــذي جــرى يف‬ ‫ثــالث محافظــات تتمتــع باحلكــم الذاتــي بإقليــم كردســتان (أربيــل‬ ‫والســليمانية ودهــوك)‪ ،‬باإلضافــة إلــى املناطــق القريبــة التــي يســيطر‬ ‫عليهــا األكــراد وضمنهــا مدينــة كركــوك التــي وقعــت فيهــا اشــتباكات‬ ‫لفتــرة وجيــزة بــن البيشــمركة وفصائــل شــيعية تدعــم احلكومــة‬ ‫العراقيــة‪ .‬فيمــا يشــدد مقاتلــو البيشــمركة علــى أنهــم جاهــزون‬ ‫للدفــاع عــن املواقــع التــي حتــت ســيطرتهم يف املدينــة ضــد أي هجــوم‬ ‫مــن القــوات العراقيــة‪.‬‬

‫صدام والعبادي والتخلص من العسكر‬ ‫اليختلف وجه البيئة السياســية والعســكرية يف بغداد هذه األيام‬ ‫عــن البيئــة التــي تشــكلت بعــد أن انتهــت احلــرب العراقيــة اإليرانيــة‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪57‬‬

‫ملف العدد‬

‫يف الثامــن مــن أغســطس ‪1988‬م‪ ،‬فقــد انتصــر الطاغيــة صــدام علــى‬ ‫اإليرانيــن بصــك قبــول اخلمينــي لوقــف نــار رفضــه لثمــان ســنوات‪.‬‬ ‫ومثلــه العبــادي الــذي يعتبــر حتريــر املوصــل انتصــار لــه علــى داعــش‪.‬‬ ‫كمــا تتشــابه البيئتــان بوجــود فيالــق احلــرس اجلمهــوري لصــدام بعــد‬ ‫احلــرب دون عمــل‪ ،‬ومثلهــا قــوات احلشــد الشــعبي‪ .‬كمــا قــدر خبــراء‬ ‫اقتصاديــون كلفــة ثمانــي ســنوات مــن احلــرب بأكثــر مــن أربعمائــة‬ ‫مليــار دوالر‪ ،‬فضــال عــن كلفــة بشــرية أهــم وهــي أكثــر مــن مليــون‬ ‫قتيــل وأضعــاف ذلــك مــن املصابــن واملعوقــن‪ .‬كمــا خلَّفــت دمــا ًرا‬ ‫واس ـ ًعا يف البنيــة التحتيــة للبلديــن وأحلقــت ضــر ًرا كبي ـ ًرا باملنشــآت‬ ‫النفطيــة التــي هــي قــوام اقتصــاد إيــران والعــراق‪.‬‬ ‫هــذا البــأس العســكري يف ‪1988‬م‪ ،‬ويف عــام ‪2017‬م‪ ،‬يقابلــه بــؤس‬ ‫سياســي وعــدم قــدرة علــى إدارة األمــور‪ .‬فقــد كان كل مــن صــدام‬ ‫واخلمينــي يخشــى مــن جيشــه أكثــر مــن أي عــدو خارجــي محــدد‪،‬‬ ‫فمثــال خســر العراقيــون ‪ 600000‬قتيــل وأكثــر مــن ‪ 1000000‬جريــح‬ ‫بينهــم ‪ 300000‬معــوق حــرب و‪ 250000‬أســير و‪ 120000‬مفقــود‬ ‫حســب إحصــاءات منظمــة الهــالل والصليــب األحمــر وأكثــر مــن ‪1300‬‬ ‫مليــار دوالر حســب إحصــاءات صنــدوق النقــد الدولــي‪ ،‬فيمــا خســر‬ ‫اإليرانيــون ‪ 730,000‬قتيــل‪ ،‬و‪ 1,200,000‬جريــح؛ و‪ 2,000,000‬الجئ؛‬ ‫و‪ 45,000‬أســير‪ .‬أمــا اآلن فقــد كشــف رئيــس الــوزراء‪ ،‬حيــدر العبــادي‪،‬‬ ‫أن خســائر العــراق مــن جــراء ســيطرة تنظيــم داعــش علــى مناطــق‬ ‫عــدة يف البــالد‪ ،‬وصلــت إلــى ‪ 35‬مليــار دوالر‪.‬تتضمــن خســائر احلقــول‬ ‫النفطيــة الشــمالية‪ ،‬وضيــاع كميــات كبيرة من أســلحة ومعدات اجليش‬

‫‪56‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫م ــا تري ــده دول التع ــاون ه ــو إعط ــاء حق ــوق األك ــراد ليبق ــوا ج ــز ًءا م ــن الع ــراق‬

‫كابوس خليجي من قطع حدود تركيا مع العرب‬ ‫بحزام كردي يكون قاعدة غربية صديقة إلسرائيل‬ ‫بعــد مضــي ثــالث ســنوات علــى ســيطرة تنظيــم داعــش اإلرهابــي علــى املوصــل ومناطــق شاســعة أخــرى؛ حتــرر العــراق مــن براثــن‬ ‫هــذا التنظيــم بعــد موجــة عنــف ودمــار هــي األقــوى منــذ عقــود‪ .‬ولــم يتبــق لداعــش مــن قــوة إال جيــوب صغيــرة تعــد وفــق املعطيات‬ ‫ســاقطة عســكر ًيا بعــد وقوعهــا يف أكثــر مــن مثلــث معــادي‪ .‬ورغــم دحــر داعــش عســكر ًيا‪ ،‬لــم يعــد العــراق كمــا كان‪ ،‬فقــد مت دحــر‬ ‫التنظيــم عســكر ًيا لكــن أســباب انتصــار التنظيــم قبــل ســنوات الزالــت قائمــة يف بغــداد كعــدم كفــاءة السياســين‪ ،‬وتشــتت البــالد‬ ‫طائف ًيــا وعرق ًيــا‪ ،‬وتعمــق الفســاد يف مؤسســات البــالد‪ .‬ويذهــب محللــون إلــى أنــه بعــد طــرد داعش‪ ،‬علــى بغداد أن تواجه املســائل‬ ‫التــي فشــلت يف معاجلتهــا لســنوات وال تــزال متثــل مصــادر للتوتــر وهــي‪ :‬الالمركزية‪ ،‬ووجــود القوات األجنبية يف الشــمال‪ ،‬ووضع‬ ‫األراضــي املتنــازع عليهــا مثــل كركــوك‪ ،‬بــن األكــراد واحلكومــة املركزيــة‪ .‬وتتطابــق هــذه القضايــا العالقــة مــع الــرؤى املتباينــة بــن‬ ‫الســنة والشــيعة فيمــا يتعلــق مبســتقبل العراق‪.‬هــذا داخل ًيــا أمــا يف العيــون اإلقليميــة والدوليــة فقــد تشــكل فــراغ مغــري جــراء‬ ‫انكمــاش داعــش تتســابق علــى احتاللــه كل مــن إيــران‪ ،‬وتركيــا‪ ،‬والكــرد‪ .‬ففــي غيــاب رؤيــة واضحــة ملســتقبل العــراق يبــدو أن‬ ‫مشــروع مبــادرة زعيــم التيــار الصــدري مقتــدى الصــدر‪ ،‬وهــي مــن ‪ 29‬نقطــة ملرحلــة مــا بعــد داعــش خطــة عمــل معقولــة حيــث‬ ‫تتضمــن حلــوال أوليــة‪ ،‬تدعــو إلــى "تعزيــز اجليــش وإغــالق مكاتــب الفصائــل املســلحة‪ ،‬وخــروج كل القــوات احملتلــة بــل والصديقــة‪،‬‬ ‫إن جــاز التعبيــر‪ ،‬مــن األراضــي العراقيــة للحفــاظ علــى هيبــة الدولة وســيادتها‪ ،‬وإشــراف دولي على العملية السياســية يف املناطق‬ ‫املســتعادة‪ ،‬وتلــك املتنــازع عليهــا مــع كردســتان وفتــح حــوار مــع اإلقليــم"‪.‬‬

‫د‪ .‬ظافر محمد العجمي‬ ‫بعــد مضــي ثــالث ســنوات علــى ســيطرة تنظيــم داعــش اإلرهابــي‬ ‫علــى املوصــل ومناطــق شاســعة أخــرى؛ حتــرر العــراق مــن براثــن هــذا‬ ‫التنظيــم بعــد موجــة عنــف ودمــار هــي األقــوى منــذ عقــود‪ .‬ولــم يتبــق‬ ‫لداعــش مــن قــوة إال جيــوب صغيــرة تعــد وفــق املعطيــات ســاقطة‬ ‫عســكر ًيا بعــد وقوعهــا يف أكثــر مــن مثلــث معــادي‪ .‬ورغــم دحــر داعش‬ ‫عســكر ًيا‪ ،‬لــم يعــد العــراق كمــا كان‪ ،‬فقــد مت دحــر التنظيــم عســكر ًيا‬ ‫لكــن أســباب انتصــار التنظيــم قبــل ســنوات الزالــت قائمــة يف بغــداد‬ ‫كعــدم كفــاءة السياســين‪ ،‬وتشــتت البــالد طائف ًيــا وعرق ًيــا‪ ،‬وتعمــق‬ ‫الفســاد يف مؤسســات البــالد‪ .‬ويذهــب محللــون إلــى أنــه بعــد طــرد‬ ‫داعــش‪ ،‬علــى بغــداد أن تواجــه املســائل التــي فشــلت يف معاجلتهــا‬ ‫لســنوات وال تــزال متثــل مصــادر للتوتــر وهــي‪ :‬الالمركزيــة‪ ،‬ووجــود‬ ‫القــوات األجنبيــة يف الشــمال‪ ،‬ووضــع األراضــي املتنــازع عليهــا مثــل‬ ‫كركــوك‪ ،‬بــن األكــراد واحلكومــة املركزيــة‪ .‬وتتطابــق هــذه القضايــا‬ ‫العالقــة مــع الــرؤى املتباينــة بــن الســنة والشــيعة فيمــا يتعلــق‬

‫مبســتقبل العراق‪.‬هــذا داخل ًيــا أمــا يف العيــون اإلقليميــة والدوليــة‬ ‫فقــد تشــكل فــراغ مغــري جــراء انكمــاش داعــش تتســابق علــى‬ ‫احتاللــه كل مــن إيــران‪ ،‬وتركيــا‪ ،‬والكــرد‪ .‬ففــي غيــاب رؤيــة واضحــة‬ ‫ملســتقبل العــراق يبــدو أن مشــروع مبــادرة زعيــم التيــار الصــدري‬ ‫مقتــدى الصــدر‪ ،‬وهــي مــن ‪ 29‬نقطــة ملرحلــة مــا بعــد داعــش خطــة‬ ‫عمــل معقولــة حيــث تتضمــن حلــوال أوليــة‪ ،‬تدعــو إلــى "تعزيــز اجليــش‬ ‫وإغــالق مكاتــب الفصائــل املســلحة‪ ،‬وخــروج كل القــوات احملتلــة بــل‬ ‫والصديقــة‪ ،‬إن جــاز التعبيــر‪ ،‬مــن األراضــي العراقيــة للحفــاظ علــى‬ ‫هيبــة الدولــة وســيادتها‪ ،‬وإشــراف دولــي علــى العمليــة السياســية يف‬ ‫املناطــق املســتعادة‪ ،‬وتلــك املتنــازع عليهــا مــع كردســتان وفتــح حــوار‬ ‫مــع اإلقليــم"‪.‬‬ ‫وتظهــر مســارات األحــداث مــا بعــد داعــش يف العــراق‪ ،‬بــأن‬ ‫الرؤيــة غيــر واضحــة؛ فمــا كادت تنتهــي حفلــة جنــون داعــش حتــى‬ ‫اشــتعل يف الشــمال مشــروع جديــد قــدمي اليقــل خطـ ًرا علــى العــراق‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫للتوصــل إلــى حــل يف إطــار دولــة عراقيــة موحــدة‪ ،‬كما أعلنــت اخلارجية‬ ‫الروســية يف بيــان لهــا يف ‪ ،2017/9/27‬أن موســكو حتتــرم الطموحــات‬ ‫الوطنيــة للكــرد لكنهــا حتبــذ احلفــاظ علــى وحــدة العــراق‪ ،‬ويف الوقــت‬ ‫ذاتــه حــذرت فرنســا مــن أن إعــالن االســتقالل ســيزعزع علــى األرجــح‬ ‫املنطقــة‪ ،‬لكنهــا دعــت احلكومــة االحتاديــة إلــى منــح الكــرد قــد ًرا أكبــر‬ ‫مــن احلكــم الذاتــي‪ ،‬ويف هــذا الصــدد قــال وزيــر اخلارجيــة الفرنســي‬ ‫(جــان إيــف لــو دريــان)‪ :‬إن "األمــر املســتحب اليــوم هــو دمــج الكــرد‬ ‫العراقيــن يف إعــادة بنــاء العــراق واملصاحلــة مــن خــالل احلصــول علــى‬ ‫أكبــر قــدر ممكــن مــن احلكــم الذاتــي"‪ .‬كمــا قدمــت كل مــن الواليــات‬ ‫املتحــدة وبريطانيــا وأملانيــا وفرنســا واألمم املتحــدة مبــادرات تدعــو يف‬ ‫مجملهــا إلــى التهدئــة وعــدم التصعيــد بــن احلكومــة‬ ‫االحتاديــة وإقليــم كردســتان‪.‬‬ ‫عل ًمــا أن وزيــر اخلارجيــة األمريكــي (ريكــس‬ ‫تيلرســون) أعلــن يف ‪2017/9/29‬م‪ ،‬أن بــالده ال‬ ‫تعتــرف باالســتفتاء األحــادي الســتقالل كردســتان‪،‬‬ ‫ودعــا جميــع األطــراف إلــى احلــوار وضبــط النفــس‪،‬‬ ‫وأضــاف‪" :‬أن التصويــت والنتائــج يفتقــران إلــى‬ ‫الشــرعية‪ ،‬ونواصــل دعمنــا عرا ًقــا موحـدًا احتاد ًيــا‬ ‫دميقراط ًيــا"‪ ،‬ومــن جانبــه وجــه الرئيــس الفرنســي‬ ‫(إميانويــل ماكــرون) دعــوة إلــى رئيــس الــوزراء‬ ‫(حيــدر العبــادي) إلــى زيــارة باريــس لبحــث أزمــة االســتفتاء‪ .‬وبالفعــل‬ ‫لبــى رئيــس الــوزراء (حيــدر العبــادي) هــذه الدعــوة‪ ،‬وزار فرنســا علــى‬ ‫رأس وفــد وزاري واســتمرت ليومــن ‪2017/10/6 – 4‬م‪ ،‬وأعــرب‬ ‫(إميانويــل ماكــرون) يف مؤمتــر صحفــي عــن اســتعداد فرنســا للتوســط‬ ‫بــن احلكومــة االحتاديــة وحكومــة إقليــم كردســتان‪ .‬وتتمحــور مبــادرة‬ ‫الرئيــس (إميانويــل ماكــرون) بفتــح بــاب احلــوار واالبتعــاد عــن املواجهة‬ ‫املباشــرة‪ ،‬وجتنــب التصعيــد‪ ،‬وإفســاح املجــال أمــام مفاوضــات قــد‬ ‫تقــود إلــى معاجلــة األمــر‪ ،‬والتوصــل إلــى خطــة تفــاوض مــع حكومــة‬ ‫اإلقليــم يف أربيــل‪ ،‬وهــو أمــر لــم يرفضــه الســيد (حيــدر العبــادي)‪.‬‬ ‫وال بــد مــن اإلشــارة إلــى أن احلكومــة االحتاديــة يف بغــداد تشــعر‬ ‫باالرتيــاح مــن املوقــف اإلقليمــي والدولــي جتــاه اســتفتاء كردســتان‬ ‫وقضيــة انفصــال األكــراد‪ ،‬وال ســيما املوقــف اإلقليمــي‪ ،‬حتــى‬ ‫أصبحــت احلكومــة االحتاديــة تعــول عليــه كثي ـ ًرا كونــه ميثــل خط ـ ًرا‬ ‫يهــدد األمــن القومــي لــكل مــن إيــران وتركيــا‪ ،‬ويحــدث حتــوالت‬ ‫خطــرة يف اخلارطــة السياســية ملنطقــة الشــرق األوســط‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪55‬‬

‫ملف العدد‬

‫أفرزهــا هــذا االســتفتاء‪ ،‬الســيما وأن هــذا االســتفتاء قــد عبــر عــن‬ ‫رغبــة الشــعب الكــردي الواضحــة يف قيــام دولــة خاصــة بهــم‪ ،‬ورمبــا‬ ‫أن هــذا اإلصــرار مــن القيــادة الكرديــة تقــف وراءه بعــض القــوى‬ ‫اخلارجيــة التــي مثلــت قــوة دعــم لهــم وفضلــت العمــل يف اخلفــاء‬ ‫خشــية مــن ردة فعــل ضدهــا‪ ،‬أو حتــى ان تقــوم بــدور مــزدوج فمــن‬ ‫جهــة تعلــن معارضتهــا لالســتفتاء وبنفــس الوقــت تدعــو إلــى احلــوار‬ ‫وعــدم التصعيــد وحتــى رفــض االســتفتاء اذا تطلــب األمــر‪ ،‬إال إنهــا‬ ‫تــؤدي بالوقــت ذاتــه دور الضامــن ألمــن إقليــم كردســتان مــن أي ردة‬ ‫فعــل مــن قبــل احلكومــة االحتاديــة الســيما اذا كانــت ردة الفعــل ذات‬ ‫طبيعــة عســكرية‪ .‬وعليــه فــإن مســتقبل هــذا االســتفتاء يتمحــور حــول‬ ‫الســيناريوهات اآلتيــة‪:‬‬ ‫‪-1‬جناح االستفتاء وقيام الدولة الكردية‪:‬‬ ‫يســتند هــذا الســيناريو علــى مؤشــرات مهمــة وهي‬ ‫أن القيــادة الكرديــة اتبعــت اســتراتيجية دفاعيــة جتــاه‬ ‫الضغــوط الداخليــة واخلارجيــة‪ ،‬وأظهــرت درجــة كبيرة‬ ‫مــن الصمــود‪ ،‬كمــا أن نتيجــة االســتفتاء التــي صوتــت‬ ‫لصالــح االســتقالل بأكثــر مــن (‪ )%92‬يعنــي أن هنــاك‬ ‫إجمــاع داخلــي حــول قضيــة قيــام دولــة خاصــة بهــم‪،‬‬ ‫فضـ ً‬ ‫ال عــن قــوة عســكرية املتمثلــة بـ(البشــمركة) التــي‬ ‫اســتفادت مــن الدعــم الغربــي لهــا خــالل احلــرب علــى‬ ‫داعــش‪ ،‬وغيرهــا كلهــا نقــاط قــوة تراهــن عليهــا القيــادة الكرديــة‪.‬‬

‫بغداد تشعر باالرتياح‬ ‫من الموقــف اإلقليمي‬ ‫والدويل تجاه اسـتفتاء‬ ‫كردستان وقضية انفصال‬ ‫األكراد وتعول عليه كثي ًرا‬

‫خامسا‪ -‬رؤى مستقبلية الستفتاء كردستان العراق‪:‬‬ ‫ً‬ ‫إن مؤشــرات الواقــع ومجمــل التصريحــات الصــادرة ال ســيما‬ ‫مــن الطــرف الكــردي تــدل علــى أن االســتفتاء شــيء مــن املاضــي‪،‬‬ ‫وأن أي حــوار مســتقبلي يجــب أن يســتند علــى املعطيــات التــي‬

‫‪-٢‬فشل االستفتاء وعودة اإلقليم إلى احلكومة االحتادية العراقية‪:‬‬ ‫ينطلــق هــذا الســيناريو مــن مؤشــرات عــدة منهــا دور ضغــوط‬ ‫احلكومــة االحتاديــة‪ ،‬والرفــض اإلقليمــي والدولــي لالســتفتاء‪ ،‬ومــن‬ ‫ثــم األضــرار التــي ســتلحق باإلقليــم يف ضــوء تصاعــد التهديــدات‬ ‫الداخليــة واإلقليميــة‪ ،‬ومــن منطــق الربــح واخلســارة فــان القيــادة‬ ‫الكرديــة ســتعدل عــن االنفصــال‪ ،‬وتبقــى مســألة نتيجــة االســتفتاء‬ ‫مجــرد عمليــة استشــارية وغيــر ملزمــة قانون ًيــا‪.‬‬ ‫‪-٣‬التوصل إلى حل الكونفدرالية‪:‬‬ ‫تأتــي صيغــة الكونفدراليــة كحــل وســط بــن اإلقليــم واحلكومــة‬ ‫االحتاديــة مــن أجــل اخلــروج مــن األزمــة الراهنــة‪ ،‬وطب ًعــا ســيحقق‬ ‫األكـــراد مكاســـب مهمـــة اقتصاديـــة وسياســـية وحتـــى جغرافيـــة‪،‬‬ ‫ويف املقابـــل ســـتنجح احلكومـــة االحتاديـــة بعـــودة اإلقليـــم إلـــى‬ ‫الســيادة العراقيــة‪ ،‬وجتنــب خيــار االنفصــال ومــا يترتــب عليــه مــن‬ ‫مس ــؤولية تاريخي ــة‪.‬‬ ‫* أﺳﺘﺎذ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﰲ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺪراﺳﺎت اﻻﺳﱰاﺗﻴﺠﻴﺔ واﻟﺪوﻟﻴﺔ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑﻐﺪاد‬

‫‪54‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫إلقليــم كردســتان مــع لقــاءات موســعة مــع القــادة األكــراد حلملهــم‬ ‫علــى التراجــع عــن ميولهــم االنفصاليــة"‪.‬‬ ‫كمــا أجــرت القــوات اإليرانيــة والعراقيــة منــاورات مشــتركة علــى‬ ‫بعــد ‪ 250‬متــر مــن حــدود إقليــم كردســتان العــراق يف ‪2017/10/2‬م‪.‬‬ ‫عل ًمــا أن اســتفتاء إقليــم كردســتان قــد هيمــن علــى لقــاء القمــة الــذي‬ ‫جمــع الرئيــس التركــي عنــد زيارتــه إليــران يف ‪2017/10/4‬م‪ ،‬ولقائــه‬ ‫بنظيــره اإليرانــي (حســن روحانــي) ومبرشــد الثــورة (علــي خامنئــي)‪،‬‬ ‫وقــد أعــرب األخيــر عــن مخاوفــه مــن أن الغــرب يســعى مــن وراء هــذا‬ ‫االســتفتاء إلــى خلــق إســرائيل جديــدة يف املنطقــة‪ ،‬ووســيلة جديــدة‬ ‫للخالفــات والصراعــات‪ ،‬كمــا اعتبــر االســتفتاء خيانــة للمنطقــة‪،‬‬ ‫وتهديـدًا ملســتقبلها‪ ،‬وأن علــى إيــران وتركيــا اتخــاذ أي خطــوة ممكنــة‬ ‫ملواجهــة هــذا احلــدث‪.‬‬ ‫‪ -٣‬موقف األزهر‪:‬‬ ‫رفــض اجلامــع األزهــر اســتفتاء إقليــم كردســتان العــراق‪ ،‬وأكــد‬ ‫حرصــه علــى وحــدة األراضــي العراقيــة‪ ،‬وأن دعــوات االنفصــال علــى‬ ‫أســس طائفية وعرقية ســوف تزيد من فرقة األمة العربية واإلســالمية‬ ‫ممــا ســيخدم املخططــات االســتعمارية‪ ،‬كمــا أعرب األزهــر يف بيانه عن‬ ‫أســفه مــن رفــع األعــالم اإلســرائيلية يف احتفــاالت نتائــج االســتفتاء‪.‬‬ ‫‪ -٤‬املوقف اإلسرائيلي‪:‬‬ ‫تــدل بعــض املؤشــرات علــى تــورط إســرائيلي يف قضيــة اســتفتاء‬ ‫إقليــم كردســتان لعــل أبرزهــا رفــع العلــم اإلســرائيلي إلــى جانــب‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ابتهاجــا بنتائــج االســتفتاء‪.‬‬ ‫العلــم الكــردي يف شــوارع كردســتان‬ ‫ً‬ ‫وقــد عبــر عــن هــذه احلالــة الرئيــس التركــي (رجــب طيــب‬ ‫أردوغــان) يف ‪2017/9/30‬م‪ ،‬قائــ ً‬ ‫ال‪" :‬هــذا يثبــت أمــ ًرا أن لهــذه‬ ‫ً‬ ‫تاريخــا مشــتر ًكا مــع املوســاد‪ .‬إنهمــا يســيران يــدًا بيــد"‪.‬‬ ‫اإلدارة‬ ‫وفيمــا يتعلــق باملوقــف اإلســرائيلي الرســمي فقــد نفــى رئيــس‬ ‫الــوزراء اإلســرائيلي (بنيامــن نتنياهــو) يف ‪2017/10/1‬م‪ ،‬أن يكــون‬ ‫إلســرائيل أي دور يف اســتفتاء إقليــم كردســتان العــراق‪ .‬قائـ ً‬ ‫ال‪" :‬لكــن‬ ‫إســرائيل لــم تكــن ضالعــة‪ ،‬ولــم تشــارك يف االســتفتاء الكــردي‪،‬‬ ‫باســتثناء التعاطــف العميــق والعالقــة الطبيعيــة الطويلــة األمــد مــا‬ ‫بــن الشــعب اإلســرائيلي والشــعب الكــردي وتطلعاتــه"‪.‬‬ ‫وهنــاك مــن يــرى بــأن املوقــف اإلســرائيلي هــو املوقــف الوحيــد‬ ‫والصريــح يف دعمــه ملســاعي اإلقليــم نحــو االنفصــال‪ ،‬ومســاندته‬ ‫لقيــام دولــة كرديــة منفصلــة عــن العــراق كــون ذلــك يخــدم إســرائيل‪،‬‬ ‫ال ســيما وأن الزعمــاء الكــرد لديهــم اســتعداد لبنــاء عالقــات معهــا‪.‬‬

‫رابعاً‪-‬الموقف الدويل من االستفتاء‪:‬‬ ‫أتســم املوقــف الدولــي عمو ًمــا برفــض االســتفتاء والتصريــح‬ ‫بعــدم شــرعيته ابتــدا ًء مــن منظمــة األمم املتحــدة ومــرو ًرا بالواليــات‬ ‫املتحــدة وبريطانيــا وروســيا وغيرهــا مــن القــوى الكبــرى‪ ،‬داعيــ ًة‬ ‫بالوقــت ذاتــه األطــراف بالتــزام التهدئــة واحلــوار‪.‬‬ ‫ويف هــذا اخلصــوص حــذرت وزارة اخلارجيــة الروســية احلكومــة‬ ‫االحتاديــة وإقليــم كردســتان مــن اتخــاذ أيــة خطــوات قــد تزعــزع‬ ‫االســتقرار يف الشــرق األوســط‪ ،‬وحثــت اجلانبــن علــى إجــراء محادثــات‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪53‬‬

‫ملف العدد‬

‫رفـض األزهـر االسـتفتاء وأكـد حرصـه عـى وحـدة األراضـي العراقيـة‬ ‫وأعرب عن أسفه لرفع األعالم اإلسرائيلية يف احتفاالت نتائج االستفتاء‬ ‫مت اتخاذهــا مــن قبــل فريــق اســترداد األمــوال العراقيــة‪ ،‬مبتابعــة‬ ‫حســابات إقليــم كردســتان وحســابات املســؤولن يف اإلقليــم؛ ممــن‬ ‫تــودع أمــوال تصديــر النفــط يف حســاباتهم‪ ،‬وعــرض تقريــر اللجنــة‬ ‫املكلفــة بهــذا امللــف والــذي تضمــن العديــد مــن القــرارات التــي‬ ‫ستســهم يف اســترداد األمــوال العراقيــة ومالحقــة الفاســدين"‪.‬‬ ‫وعليــه يتضــح بــأن اخليــارات املتاحــة التــي جلــأت اليهــا احلكومة‬ ‫االحتاديــة جتــاه إقليــم كردســتان هــي تشــديد العقوبــات االقتصاديــة‪،‬‬ ‫ومحاولــة فــرض عزلــة سياســية علــى اإلقليــم عــن طريــق التعــاون‬ ‫مــع الــدول الرافضــة لالســتفتاء الســيما تركيــا وإيــران‪ ،‬ويدعــم ذلــك‬ ‫اســتعراض للقــوة العســكرية‪.‬‬

‫ثال ًثا‪-‬الموقف اإلقليمي من االستفتاء‪:‬‬ ‫أثــارت خطــوة االســتفتاء ردود فعــل إقليميــة واضحــة لعــل أبرزها‬ ‫املوقــف التركــي واإليرانــي‪ ،‬إذ رفضــت هــذه اخلطــوة وحــذرت مــن‬ ‫تداعياتهــا‪ ،‬عل ًمــا أن الســبب الرئيــس يكمــن أن يف كال البلديــن توجــد‬ ‫فيهــا القوميــة الكرديــة‪ ،‬ولديهــم نزعــة انفصاليــة‪ ،‬ومــن املفارقــات‬ ‫أنهــم امتــداد جغــرايف طبيعــي لكردســتان العــراق‪ ،‬ممــا ســيؤثر حت ًمــا‬ ‫يف املســتقبل علــى تركيــا وإيــران‪.‬‬ ‫ومــن اجلديــر بالذكــر أن اســتفتاء كردســتان العــراق قــد انعكــس‬ ‫بشــكل واضــح علــى خارطــة العالقــات اإلقليميــة والســيما تركيــا‬ ‫وإيــران والعــراق‪ ،‬بــل شــهدت العالقــات فيمــا بينهــم تقــارب غيــر‬ ‫مســبوق‪ ،‬فرغــم اخلالفــات التــي كانــت بينهــم إال أن موق ًفــا واح ـدًا‬ ‫جمعهــم وهــو رفــض االســتفتاء وانفصــال شــمال العــراق‪ ،‬إذ تعتبــره‬ ‫خطــ ًرا اســتراتيج ًيا يهــدد أمنهــم القومــي‪ ،‬ولعــل أبــرز صــور هــذا‬ ‫التقــارب أن هــذه الــدول شــكلت جلــان تنســيق وتعــاون سياســي‬ ‫وعســكري واســتخباراتي مــن أجــل العمــل علــى إفشــال مشــروع‬ ‫االنفصــال‪ ،‬وإجــراء منــاورات مشــتركة بــن تركيــا والعــراق بالقــرب‬ ‫مــن معبــر اخلابــور علــى حــدود العــراق الشــمالية‪ ،‬فضـ ً‬ ‫ال عــن لقــاءات‬ ‫رؤســاء أركان جيــوش هــذه الــدول‪ ،‬وكبــار القــادة واملســؤولن يف إيــران‬ ‫وتركيــا لتنســيق املواقــف فيمــا بينهــم‪ .‬وفيمــا يلــي اســتعراض ألهــم‬ ‫ردود الفعــل اإلقليميــة‪:‬‬ ‫‪-1‬املوقف التركي‪:‬‬ ‫أعلن ــت اخلارجي ــة التركي ــة يف بي ــان له ــا يف ‪2017/9/25‬م‪ ،‬أن‬ ‫تركي ــا ال تعت ــرف باس ــتفتاء كردس ــتان ال ــذي وصفت ــه بأن ــه "محاول ــة‬ ‫انفصاليـــة فاقـــدة جلميـــع أنـــواع الشـــرعية واألســـاس القانونـــي‪،‬‬ ‫س ــواء بالنس ــبة إل ــى القان ــون الدول ــي أو الدس ــتور العراق ــي"‪ ،‬كم ــا‬

‫اعتبرتـــه "يف حكـــم امللغـــي مـــن حيـــث نتائجـــه"‪ ،‬كمـــا أكـــدت بـــأن‬ ‫تركيــا "ســتتخذ جميــع التدابيــر يف ضــوء الصالحيــات التــي مينحهــا‬ ‫القان ــون الدول ــي والبرمل ــان الترك ــي‪ ،‬يف ح ــال تع ــرض أمنه ــا القوم ــي‬ ‫للخط ــر م ــن ج ــراء اس ــتغالل اإلرهابي ــن وعناص ــر متطرف ــة للوض ــع‬ ‫الـــذي ســـينجم عقـــب االســـتفتاء يف اإلقليـــم أو أي تهديـــد ألمنهـــا‬ ‫القوم ــي يف عم ــوم الع ــراق"‪.‬‬ ‫وألهميــة احلــدث السياســي لالســتفتاء قــام الرئيــس التركــي‬ ‫(أردوغــان) بزيــارة إيــران يف ‪2017/10/4‬م‪ ،‬والتقــى بنظيــره اإليراني‬ ‫(حســن روحانــي)‪ ،‬واتفــق الطرفــان علــى رفــض اخلطــوة الكرديــة‪،‬‬ ‫وتنســيق اجلهــود للــرد عليهــا‪ ،‬واعتبــار االســتفتاء غيــر شــرعي‬ ‫علــى اإلطــالق‪ ،‬وقــال الرئيــس التركــي‪" :‬مــا هــذا االســتفتاء الــذي‬ ‫ال تعتــرف بــه دولــة يف العالــم ســوى إســرائيل؟ عندمــا يصــدر هكــذا‬ ‫قــرار عقــب التباحــث مــع املوســاد… فــال ســند قانونــي لــه"‪ ،‬وأضــاف‪:‬‬ ‫"تصــدرت أجندتنــا املســألة العراقيــة‪ ،‬التــي نعمــل علــى حلهــا عبــر‬ ‫آليــة ثالثيــة يف الوقــت الراهــن"‪ ،‬يف إشــارة إلــى التنســيق بــن تركيــا‬ ‫وإيــران والعــراق‪.‬‬ ‫‪ -٢‬املوقف اإليراني‪:‬‬ ‫إن اســتراتيجية التعامــل اإليرانــي مــع هــذه األزمــة اســتندت‬ ‫علــى تشــكيل محــور ثالثــي يضمهــا إلــى جانــب تركيــا والعــراق‪،‬‬ ‫واعتمــاد أســلوب تكثيــف الضغــوط علــى إقليــم كردســتان لثنيهــا عــن‬ ‫اإلجــراءات التــي ســتعقب االســتفتاء التــي رمبــا تقــود إلــى االنفصــال‪،‬‬ ‫وتعــد الزيــارات املتبادلــة للقــادة العســكرين واملســؤولن السياســين‬ ‫ومــن أعلــى قمــة الهــرم ال ســيما بــن تركيــا وإيــران دليــل علــى مــدى‬ ‫مخاوفهمــا مــن إثــارة هــذا االســتفتاء للمشــاعر القوميــة لأكــراد يف‬ ‫بلديهمــا‪ ،‬ال ســيما وأن لهــم ماضــي انفصالــي‪.‬‬ ‫حيــث قامــت جمهوريــة مهــا بــاد يف شــمال غــرب إيــران يف العــام‬ ‫‪1946‬م‪ ،‬وبدعــم مباشــر مــن االحتــاد الســوفياتي‪ ،‬ولكنهــا ســرعان‬ ‫مــا انهــارت‪ ،‬وعليــه فــإن إيــران تــرى يف اســتفتاء إقليــم كردســتان‬ ‫العــراق تهديــدًا لســيادتها وايديولوجيتهــا اإلســالمية‪ ،‬وال بــد مــن‬ ‫منــع االنفصــال وتكويــن دولــة كرديــة مســتقلة‪.‬‬ ‫ووصــف وزيــر اخلارجيــة اإليرانــي (محمــد جــواد ظريــف) يف‬ ‫‪2017/9/28‬م‪ ،‬االســتفتاء الكــردي بأنــه "خطــأ اســتراتيجي جســيم"‪،‬‬ ‫ومــن جانبــه أكــد (علــي شــمخاني) األمــن العــام للمجلــس األعلــى‬ ‫لأمــن القومــي اإليرانــي بــأن "خارطــة الطريــق التــي تعمــل عليهــا‬ ‫إيــران حال ًيــا مــع حكومــة بغــداد تشــمل عقوبــات اقتصاديــة‪ ،‬وحصــا ًرا‬

‫‪52‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫تعص ــف بالع ــراق أكث ــر من ــه دالل ــة عل ــى جاهزي ــة األك ــراد إلقام ــة‬ ‫دول ــة خاص ــة به ــم‪.‬‬ ‫عل ًمــا أن املكاســب الكرديــة تعــددت وتنوعــت بــن املكاســب‬ ‫الشــخصية واجلغرافيــة‪ ،‬ولعــل أبرزهــا‪:‬‬ ‫‪ -1‬هــذا االســتفتاء يأتــي ضمــن إطــار الطموحــات الشــخصية‬ ‫للزعيــم الكــردي (مســعود البرزانــي) الســاعي إلــى ضمــان مســتقبل‬ ‫سياســي أفضــل البنــه (مســرور)‪ ،‬ال ســيما بعــد أن أحكمــت عائلــة‬ ‫البرزانــي الســيطرة ليــس علــى احلــزب الدميقراطــي الكردســتاني‬ ‫فحســب‪ ،‬وإمنــا علــى مفاصــل احلكــم يف إقليــم كردســتان‪ ،‬أي أصبــح‬ ‫مشــروع عائلــة أكثــر مــن كونــه مشــروع أمــة‪.‬‬ ‫‪ -2‬توقيــت االســتفتاء يأتــي ضمــن اســتثمار الفــرص‬ ‫فاجليــش العراقــي مشــغول بحــرب مــع داعــش علــى‬ ‫جبهــات متعــددة‪ ،‬ومــن جهــة أخــرى جنــاح القــوات‬ ‫الكرديــة (البشــمركة) مــن الســيطرة علــى املناطــق‬ ‫املتنــازع عليهــا وفــق املــادة (‪ )140‬مــن الدســتور‬ ‫العراقــي‪ ،‬ممــا يوفــر هــذا االســتفتاء فرصــة مثاليــة‬ ‫للتمــدد اجلغــرايف وضمهــا إلدارة اإلقليــم‪.‬‬ ‫وعمو ًمــا االســتراتيجية الكرديــة يف املرحلــة‬ ‫القادمــة تقــوم علــى أســاس إدارة األزمــة مــن منطلــق‬ ‫التســليم بنتائج االســتفتاء‪ ،‬وأن احلوار هو األســاس‬ ‫يف إدارة األزمــة مــع احلكومــة االحتاديــة‪ ،‬ورفــض أي شــروط مســبقة‬ ‫للحــوار‪ ،‬وجتنــب التصعيــد كــون ذلــك يعــزز مــن رصيدهــا اإلقليمــي‬ ‫والدولــي‪ ،‬وإيصــال رســالة مفادهــا أن مشــروع الــدول الكرديــة هــي‬ ‫دولــة ســالم ال تهديــد وحــرب ألي طــرف‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ممثليــات لغــرض معرفــة موقفهــا الصريــح بخصــوص االســتفتاء‪.‬‬ ‫‪ -3‬املطالبــة بغلــق املنافــذ احلدوديــة التــي تقــع خــارج الســلطة‬ ‫االحتاديــة‪ ،‬واعتبــار البضائــع التــي تدخــل منهــا بضائــع مهربــة‪.‬‬ ‫‪ -4‬املطالبــة بإعــادة احلقــول الشــمالية يف كركــوك واملناطــق املتنــازع‬ ‫عليهــا إلــى إشــراف وســيطرة وزارة النفــط االحتاديــة‪ ،‬ومنــع ســيطرة‬ ‫أي قــوة تابعــة لأحــزاب الكرديــة‪ ،‬ومنــع التنقيــب يف املناطــق‬ ‫املختلطــة واملتنــازع عليهــا‪.‬‬ ‫‪ -5‬املطالبــة مبنــع تهريــب النفــط وعــدم الســماح بالتصديــر إال‬ ‫مــن خــالل احلكومــة االحتاديــة‪ ،‬وإعــادة النظــر يف جميــع النفقــات‬ ‫الســيادية واحلاكمــة والرواتــب والتقاعــد للموظفــن االحتاديــن‬ ‫الذيــن شــاركوا يف االســتفتاء‪.‬‬ ‫ومــن جانبــه أعلــن رئيــس الــوزراء (حيــدر‬ ‫العبــادي) يف ‪2017/9/26‬م‪ ،‬عــن رفضــه لنتائــج‬ ‫االســتفتاء‪ ،‬وأمهــل اإلقليــم ثالثــة أيــام لتســليم املنافــذ‬ ‫احلدوديــة واملطــارات إلــى الســلطة االحتاديــة‪ ،‬مؤكـدًا‬ ‫"أن بغــداد لــن تتفــاوض بشــأن نتائــج االســتفتاء"‪،‬‬ ‫كمــا اتخــذ مجلــس الــوزراء مجموعــة مــن القــرارات‬ ‫تتضمــن غلــق املنافــذ الرســمية وغيــر الرســمية‬ ‫بــن إقليــم كردســتان والــدول املجــاورة‪ ،‬وأن املــوارد‬ ‫النفطيــة يجــب أن تعــود إلــى املوازنــة االحتاديــة‬ ‫لغــرض توفيــر الرواتــب للموظفــن ومــن ضمنهــم الكــرد‪.‬‬ ‫فضـ ً‬ ‫ال عمــا تقــدم فرضــت احلكومــة االحتاديــة حظــر الطيــران‬ ‫مــع إقليــم كردســتان ودخــل حيــز التنفيذ يف ‪2017/9/29‬م‪ ،‬ويســتثنى‬ ‫مــن هــذا القــرار الرحــالت اإلنســانية والعســكرية والدبلوماســية‪.‬‬ ‫كمــا صــوت مجلــس النــواب يف ‪2017/10/3‬م‪ ،‬علــى إجــراءات‬ ‫عقابيــة جديــدة أهمهــا إيقــاف التعامــالت املاليــة واملصرفيــة مــع‬ ‫أربعــة مصــارف أساســية يف كردســتان‪ .‬ممــا ســيؤثر بصــورة مباشــرة‬ ‫علــى الســيولة النقديــة للعملــة األجنبيــة يف كردســتان‪ ،‬كمــا ســيؤدي‬ ‫إلــى ارتفــاع ســعر الــدوالر‪.‬‬ ‫ويف إطــار التصعيــد الــذي تشــهده أزمــة اســتفتاء إقليم كردســتان‬ ‫تبنــى املجلــس الــوزاري لأمــن الوطنــي يف جلســته التــي عقدهــا‬ ‫يف ‪2017/10/9‬م‪ ،‬مجموعــة مــن القــرارات العقابيــة ضــد إقليــم‬ ‫كردســتان منهــا‪ :‬وضــع شــبكات االتصــاالت للهواتــف اجلوالــة حتــت‬ ‫ســيطرة الســلطة االحتاديــة ونقلهــا إلــى بغــداد‪ ،‬كمــا طلبــت احلكومــة‬ ‫االحتاديــة رســم ًيا مــن إيــران وتركيــا بغلــق املنافــذ احلدوديــة مــع‬ ‫اإلقليــم حلــن تســلم إدارتهــا مــن قبــل احلكومــة االحتاديــة‪ ،‬وأن يكــون‬ ‫التعامــل مــع احلكومــة االحتاديــة حص ـ ًرا‪ .‬فض ـ ً‬ ‫ال عــن متابعــة "رفــع‬ ‫الدعــوى مــن قبــل االدعــاء العــام ملالحقــة موظفــي الدولــة ضمــن‬ ‫اإلقليــم‪ ،‬مــن الذيــن نفــذوا إجــراءات االســتفتاء املخالفــة لقــرارات‬ ‫احملكمــة االحتاديــة"‪ ،‬كمــا تابــع املجلــس ً‬ ‫أيضــا "اإلجــراءات التــي‬

‫اسـتـفـتـــاء األكـراد‬ ‫وسـيلة ال غاية ومؤشر‬ ‫لتراجع العملية السياسية‬ ‫المبنيــة عــى التوافق‬ ‫وتفكك العقد السياسي‬

‫ثان ًيا‪-‬موقف الحكومة االتحادية من االستفتاء‪:‬‬

‫مثــل اســتفتاء إقليــم كردســتان وق ًعــا ســي ًئا وأزمــة كبيــرة علــى‬ ‫شــركاء العمليــة السياســية‪ ،‬ولهــذا شــرعت احلكومــة االحتاديــة‬ ‫بحزمــة عقوبــات‪ ،‬وتصاعــدت حــدة التوتــر‪ ،‬وحتــى التهديــد إذا مــا‬ ‫أقــدم الساســة يف كردســتان علــى االنفصــال‪ ،‬وعليــه ســوف نتطــرق‬ ‫إلــى أبــرز هــذه العقوبــات نظ ـ ًرا لكثرتهــا‪.‬‬ ‫ويف هــذا اخلصــوص صـ َّوت مجلــس النــواب يف ‪2017/9/25‬م‪،‬‬ ‫علــى قــرار بعــدم دســتورية االســتفتاء بالوقــت ذاتــه انســحبت الكتــل‬ ‫الكرديــة مــن هــذه اجللســة‪ .‬وقــد طالــب مجلــس النــواب احلكومــة‬ ‫االحتاديــة باتخــاذ اإلجــراءات اآلتيــة‪:‬‬ ‫‪ -1‬إلــزام القائــد العــام للقــوات املســلحة باحلفــاظ علــى وحــدة‬ ‫العــراق‪ ،‬ونشــر القــوات يف كل املناطــق التــي ســيطر عليهــا اإلقليــم‬ ‫بعــد العــام ‪2003‬م‪ ،‬ومــن الناحيــة الدســتورية فــإن احلكومــة باتــت‬ ‫ملزمــة باالمتثــال إلــى قــرار البرملــان‪.‬‬ ‫‪ -2‬مطالبــة احلكومــة باســتدعاء الســفراء واملمثلــن للــدول التــي لديهــا‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪51‬‬

‫ملف العدد‬

‫اســـتــفـــتــــاء إقـــلــيــــم كـردسـتــــان الـعــــراق‪ :‬الـطـمـوحــــات والـتـحـديــــات‬

‫الكونفدراليـة حـل وسـط يضمـن تحقيـق‬ ‫مكاسب لألكراد وبقاء كردستان ضمن العراق‬ ‫شــهدت منطقــة الشــرق األوســط حــدث سياســي بالــغ األهميــة متثــل بقيــام إقليــم كردســتان العــراق إجــراء اســتفتاء يف‬ ‫‪2017/9/25‬م‪ ،‬اســتنا ًدا إلــى حــق تقريــر املصيــر الــذي أعلنــه قــادة اإلقليــم‪ ،‬متهيـدًا إلنشــاء دولــة جديــدة ذات طابــع قومــي‬ ‫ترتكــز علــى العــرق الكــردي‪ ،‬الســيما وأنهــم يشــعرون مبظلوميــة تاريخيــة لعــدم قيــام وطنهــم‪ ،‬ويعــد هــذا احلــدث مبثابــة‬ ‫زلــزال سياســي امتــدت ارتداداتــه داخل ًيــا وإقليم ًيــا ودول ًيــا‪ ،‬وعليــه فــإن هــذا البحــث هــو محاولــة مختصــرة لبيــان أبــرز‬ ‫املواقــف الداخليــة واإلقليميــة والدوليــة‪ ،‬وأثــر ذلــك علــى مســتقبل كردســتان العــراق‪ ،‬بتنــاول احملــاور اآلتيــة‪:‬‬

‫د‪ .‬مصطفى إبراهيم سلمان الشمري‬

‫أوالً‪ -‬مجريات استفتاء كردستان العراق‪:‬‬ ‫ُقبيــل إجــراء عمليــة االســتفتاء أعلــن رئيــس إقليــم كردســتان‬ ‫مســعود البرزانــي يف ‪2017/9/24‬م‪ ،‬عــن املضــي قد ًمــا بإجــراء‬ ‫االســتفتاء رغــم كل اجلهــود والوســاطات واملفاوضــات التــي حاولــت‬ ‫ثنيــه‪ ،‬إذ رفــض العــودة إلــى مــا أســماها "الشــراكة الفاشــلة"‪ ،‬مؤكـدًا‬ ‫بــأن االســتفتاء ســوف يشــمل إقليــم كردســتان واملناطــق املتنــازع‬ ‫عليهــا‪ ،‬ودعــا شــعب كردســتان إلــى التوجــه إلــى صناديــق االقتــراع‬ ‫وتقريــر مصيــره‪ ،‬وأعلــن عــن اســتعداد األكــراد إلجــراء مفاوضــات‬ ‫مــع احلكومــة يف بغــداد بعــد االســتفتاء‪.‬‬ ‫وبالفعــل جــرى االســتفتاء يف ‪2017/9/25‬م‪ ،‬وأعلنــت املفوضيــة‬ ‫العليــا لالســتفتاء أن نســبة املشــاركة بلغــت (‪ .)%78‬وأن احملافظــات‬ ‫التــي شــملها االســتفتاء هــي الســليمانية ودهــوك وأربيــل‪ ،‬وبعــض‬ ‫املناطــق املتنــازع عليهــا وهــي‪ :‬محافظــة كركــوك‪ ،‬وأجــزاء مــن‬ ‫محافظــة صــالح الديــن‪ ،‬ونينــوى‪ ،‬وديالــى‪ ،‬وبحســب املفوضيــة فقــد‬ ‫مت تخصيــص (‪ )1730‬مركـزًا لالقتــراع‪ ،‬و (‪ )6746‬محطــة انتخابيــة‪،‬‬ ‫وأمــا بخصــوص نســبة املشــاركة فكانــت يف أربيــل (‪ ،)%84‬ودهــوك‬ ‫(‪ ،)%90‬وكركوك (‪ ،)%78.77‬وســهل نينوى (‪ ،)%80‬وخانقن (‪،)%92‬‬ ‫وعقــرة (‪ ،)%94‬ومخمــور (‪ ،)%87.3‬وســوران (‪ ،)%86‬وزاخــو (‪.)%94‬‬ ‫أعلنــت املفوضيــة عــن نتائــج االســتفتاء يف ‪2017/9/27‬م‪ ،‬يف‬ ‫مؤمتــر صحفــي مــن أربيــل "أن أعــداد مــن لهــم احلــق بالتصويــت‬ ‫كانــت ‪ 4‬ماليــن و‪ 581‬أل ًفــا‪ ،‬شــارك منهــم ‪ 3‬ماليــن و‪ 305‬آالف‬ ‫يف أربيــل‪ ،‬والســليمانية‪ ،‬ودهــوك‪ ،‬وكركــوك‪ ،‬وحلبجــة‪ ،‬واملناطــق‬

‫خــارج اإلدارة الكردســتانية‪ ،‬إضافــة إلــى الكردســتانين يف اخلــارج"‪،‬‬ ‫وأضــاف (هندريــن محمــد) رئيــس املفوضيــة "أن مليونــن و‪ 861‬الفـاً‬ ‫ـخصا صوتــوا بنعــم؛ مــا يعــادل ‪ ،%92.73‬بينمــا صــوت ‪224‬‬ ‫و‪ 471‬شـ ً‬ ‫ـخصا بــال‪ ،‬مبــا يعــادل ‪ ،"%7.27‬كمــا أشــار إلــى أنــه‬ ‫الفــا و‪ 468‬شـ ً‬ ‫مت اســتبعاد ‪ 170‬أل ًفــا و‪ 611‬صو ًتــا‪ ،‬واحتســاب ‪ 40‬أل ًفــا و ‪ 11‬صو ًتــا‬ ‫كأصــوات باطلــة‪ ،‬و ‪ 9‬آالف و ‪ 368‬ورقــة بيضــاء"‪.‬‬ ‫ولعـــل مـــن املؤشـــرات املهمـــة لهـــذا االســـتفتاء أنـــه وســـيلة‬ ‫لتحقي ــق أه ــداف سياس ــية ق ــد تق ــود إل ــى االس ــتقالل ولي ــس غاي ــة‬ ‫بحـــد ذاتـــه‪ ،‬كمـــا أنـــه مؤشـــر علـــى تراجـــع العمليـــة السياســـية‬ ‫العراقي ــة املبني ــة عل ــى التواف ــق السياس ــي‪ ،‬فه ــو دلي ــل عل ــى تف ــكك‬ ‫العق ــد السياس ــي ب ــن الق ــوى الرئيس ــة الت ــي حكم ــت الع ــراق من ــذ‬ ‫الع ــام ‪2003‬م‪ ،‬الس ــيما ب ــن احلزب ــن الكردي ــن (االحت ــاد الوطن ــي‬ ‫الكردس ــتاني‪ ،‬واحل ــزب الدميقراط ــي الكردس ــتاني) وب ــن األح ــزاب‬ ‫الدينيـــة واألحـــزاب األخـــرى‪.‬‬ ‫ومــن اجلديــر بالذكــر أن إقليــم كردســتان قــد أعلــن يف‬ ‫‪2017/10/1‬م‪ ،‬عــن حــل مجلــس االســتفتاء وتشــكيل مجلس سياســي‬ ‫للتعامــل مــع نتائــج االســتفتاء‪ .‬وهــذا مؤشــر واضــح الداللــة بــأن‬ ‫نتيجــة االســتفتاء باتــت شــيء مــن املاضــي وعلــى حكومــة بغــداد أن‬ ‫تســتعد للمعطيــات اجلديــدة لالســتفتاء علــى األرض‪.‬‬ ‫ويف الواقـــع أن الســـعي الـــدؤوب لأكـــراد منـــذ قـــرن لتكويـــن‬ ‫دول ــة مس ــتقلة ش ــجعهم عل ــى اس ــتغالل األزم ــات العراقي ــة‪ ،‬وعل ــى‬ ‫ه ــذا األس ــاس ف ــإن االس ــتفتاء ه ــو انع ــكاس حلال ــة الفوض ــى الت ــي‬

‫‪50‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫وفيمـــا يتميـــز إقليـــم كردســـتان بكونـــه قبلـــة ســـياحية تتمتـــع‬ ‫مبناطـــق ســـياحية خالبـــة وشـــالالت ميـــاه وجبـــال وكهـــوف‬ ‫وم ــزارات تاريخي ــة ومنتجع ــات ق ــادرة عل ــى ج ــذب مالي ــن الس ــياح‬ ‫إال أن الفســـاد ومـــن بعـــده تســـليم مطـــاري أربيـــل والســـلمانية‬ ‫للســـلطات املركزيـــة يف بغـــداد قـــد حـــاال دون ذلـــك‪ ،‬خاصـــة وأن‬ ‫اإلقلي ــم كان يعتم ــد بش ــكل أساس ــي عل ــى الس ــياحة الداخلي ــة م ــن‬ ‫محافظ ــات الوس ــط واجلن ــوب العراق ــي الت ــي س ــتتأثر ب ــال ج ــدال‬ ‫بقـــرار االنفصـــال‪.‬‬ ‫ومـــن االســـتعراض الســـابق يتضـــح أن‪ ،‬هنـــاك العديـــد مـــن‬ ‫التحدي ــات الكب ــرى الت ــي تواج ــه مس ــتقبل إقلي ــم كردس ــتان ال ــذي‬ ‫مــازال داع ًمــا لالنفصــال واالســتقالل عــن العــراق‪،‬‬ ‫مب ــا يض ــع اإلقلي ــم يف وض ــع صع ــب ومجه ــول يف‬ ‫ظ ــل املعطي ــات التالي ــة‪:‬‬ ‫او ًال‪ :‬اضطـــراب األوضـــاع االقتصاديـــة وانتشـــار‬ ‫حــاالت الفســاد املالــي واإلداري واســتيراد اإلقليــم‬ ‫ملعظــم بضائعــه ومــواده االســتهالكية مــن اخلــارج‪.‬‬ ‫ثاني ــا‪ :‬انخف ــاض اي ــرادات اإلقليـــم ال ــذى يعتم ــد‬ ‫ً‬ ‫علـــى تصديـــر النفـــط ويجـــد صعوبـــة كبـــرى‬ ‫يف تســـويقه يف حالـــة عـــدم االعتـــراف الدولـــي‬ ‫بكردســـتان كدولـــة شـــرعية مســـتقلة ومـــن ثـــم‬ ‫مواجهته ــا للكثي ــر م ــن العقوب ــات القانوني ــة عن ــد تصدي ــر نفطه ــا‬ ‫للخـــارج يف ظـــل رفـــع احلكومـــة العراقيـــة دعـــاوى قضائيـــة ضـــد‬ ‫الش ــركات الت ــي تش ــتري النف ــط الك ــردي‪ ،‬وخي ــر مث ــال عل ــى ذل ــك‬ ‫حكـــم احملكمـــة االحتاديـــة يف كنـــدا يف يوليـــو املاضـــي مبصـــادرة‬ ‫مبيعـــات لشـــحنات نفـــط بلـــغ حجمهـــا ‪ 721,9‬ألـــف برميـــل مـــن‬ ‫اإلقليــم بقيمــة ‪ 32,5‬مليــون دوالر‪ ،‬ومواك ًبــا لذلــك صعوبــة اكتســاب‬ ‫ثق ــة املس ــتثمرين العاملي ــن يف ض ــخ اس ــتثمارات جدي ــده يف اإلقلي ــم‬ ‫بع ــد إع ــالن االس ــتقالل‪ ،‬يف ظ ــل احتمالي ــة حرم ــان تركي ــا لإلقلي ــم‬ ‫مــن تصديــر نفطــه عبــر املنفــذ الوحيــد لهــا عبــر األراضــي التركيــة‬ ‫ومنه ــا إل ــى مين ــاء جيه ــان‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثالث ــا‪ :‬ضع ــف الن ــاجت احملل ــي لإلقلي ــم ال ــذي يبل ــغ ‪ 26‬ملي ــار دوالر‬ ‫أي م ــا يع ــادل نح ــو ‪ %13‬فق ــط م ــن إجمال ــي الن ــاجت احملل ــي لدول ــة‬ ‫الع ــراق والبال ــغ ‪ 203‬ملي ــارات دوالر‪.‬‬ ‫رابعــا‪ :‬معارضــة دول اجلــوار وخاصــة تركيــا وإيــران اللتــان بدأتــا‬ ‫ً‬ ‫بالفع ــل يف ف ــرض مجموع ــة م ــن العقوب ــات االقتصادي ــة واألمني ــة‬ ‫والسياســـية علـــى اإلقليـــم ويف مقدمتهـــا تســـليم الســـلطات‬ ‫اإليراني ــة للمعاب ــر الت ــي بينه ــا وب ــن اإلقلي ــم للحكوم ــة العراقي ــة‬ ‫إلدارته ــا وه ــو نف ــس اإلج ــراء ال ــذي قام ــت ب ــه تركي ــا يف معب ــر‬ ‫اخلاب ــور احل ــدودي م ــع ش ــمال الع ــراق باالضاف ــة إل ــى إغالقه ــا‬ ‫للمج ــال اجل ــوي م ــن وإل ــى اإلقلي ــم‪ ،‬واخلط ــوة األه ــم م ــن ذل ــك‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫هـــو التهديـــد مبنـــع تصديـــر النفـــط مـــن كردســـتان مـــن املنفـــذ‬ ‫الوحي ــد لإلقلي ــم عب ــر مين ــاء جيه ــان الترك ــي‪ ،‬مم ــا يصع ــب م ــن‬ ‫مهمـــة اإلقليـــم يف احلصـــول علـــى اإليـــرادات الكافيـــة لتأمـــن‬ ‫إحتياجـــات أبنائـــه بالنظـــر العتمـــاده بشـــكل كبيـــر علـــى تدبيـــر‬ ‫احتياجات ــه م ــن اخل ــارج‪.‬‬ ‫خامســا‪ :‬تزايــد نفقــات اإلقليــم علــى عشــرات اآلالف مــن النازحــن‬ ‫ً‬ ‫الذي ــن ف ــروا م ــن دياره ــم وبلداته ــم الت ــي س ــيطر عليه ــا التنظي ــم‬ ‫اإلرهابــي أو املعــارك الدائــرة بهــا باالضافــة الآلف األكــراد الفاريــن‬ ‫م ــن كرك ــوك بع ــد حتريره ــا إل ــى أراضي ــه‪.‬‬ ‫سادس ــا‪ :‬مطالب ــة تركي ــا عل ــى لس ــان رئي ــس وزرائه ــا بإع ــادة بن ــاء‬ ‫ً‬ ‫دميوجـــرايف جديـــد بكركـــوك علـــى اعتبـــار أن‬ ‫التركمــان كانــوا قبــل خمســن عا ًمــا ميثلــون األغلبيــة‬ ‫املطلقـــة باحملافظـــة‪.‬‬ ‫ـابعا‪ :‬مواجهـــة اإلقليـــم ملجموعـــة مـــن التحديـــات‬ ‫سـ ً‬ ‫"اجليوسياســـية" اخلطيـــرة بالنظـــر ملوقـــع اإلقليـــم‬ ‫اجلغ ــرايف ل ــدول غي ــر صديق ــة إن ل ــم تك ــن معادي ــة‬ ‫ترفـــض فكـــرة االنفصـــال واالســـتقالل إلعتبـــارات‬ ‫تتعلـــق بأمنهـــا وإســـتقرارها لكونهـــا تضـــم أقليـــات‬ ‫كرديـــة تطمـــح ً‬ ‫أيضـــا يف االنفصـــال وتكويـــن دول‬ ‫كرديــة مســتقلة‪ ،‬وهــو األمــر الــذي يثيــر إمكانيــة خلــق‬ ‫توت ــرات عرقي ــة وطائفي ــة ب ــن مكون ــات ه ــذه ال ــدول االجتماعي ــة‬ ‫والعرقيـــة والطائفيـــة‪.‬‬ ‫ثام ًن ــا‪ :‬اســـترداد القـــوات العراقيـــة املركزيـــة "تقري ًبـــا" جلميـــع‬ ‫املناطـــق املتنـــازع عليهـــا والتـــي كانـــت قـــد ســـيطر عليهـــا إقليـــم‬ ‫كردســـتان بعـــد حتريرهـــا مـــن داعـــش يف يونيـــو ‪2014‬م‪ ،‬ويف‬ ‫مقدمته ــا كرك ــوك الغني ــة بالنف ــط والغ ــاز مل ــا متثل ــه ه ــذه املناط ــق‬ ‫مـــن ثقـــل اقتصـــادي ودميوجـــرايف‪.‬‬ ‫ويف ضــوء مــا ســبق ووف ًقــا لــرأي الكثيــر مــن اخلبــراء واحملللــن‬ ‫يتضـــح صعوبـــة وتعقيـــد الوضـــع االقتصـــادي إلقليـــم كردســـتان‬ ‫وتع ــدد التحدي ــات الت ــي تواجه ــه‪ ،‬وأن خي ــار االس ــتقالل ل ــن يوف ــر‬ ‫لإلقلي ــم املكاس ــب االقتصادي ــة املرج ــوة‪ ،‬حت ــى وإن حظ ــي بالدع ــم‬ ‫الدولـــي‪ ،‬وإن كان هـــذا االحتمـــال أمـــ ًرا غيـــر مطـــروح يف الوقـــت‬ ‫الراهـــن خاصـــة وأن الداعـــم الرئيســـي لكردســـتان واملتمثـــل يف‬ ‫الوالي ــات املتح ــدة األمريكي ــة تفض ــل خي ــار األقالي ــم يف ظ ــل دول ــة‬ ‫عراقي ــة فيدرالي ــة موح ــدة‪.‬‬

‫الـتـــدخل الـمـفـرط‬ ‫للحزبيـن الكردييـن يف‬ ‫الشؤون الحكومية أفرز‬ ‫منتفعيــن وجعــل ‪30‬‬ ‫بليوني ًرا يف ظل المحاباة‬

‫* اﻟــﺨـﺒـﻴـ ــﺮ اﻻﻗـﺘـﺼـ ــﺎدي اﻟـﺪوﻟـ ــﻲ ـ ورﺋـﻴـ ــﺲ اﻟــﻤـﻨـﺘـ ــﺪى اﻟـﻤـﺼـ ــﺮي‬ ‫ﻟﻠـﺪراﺳـ ــﺎت اﻻﻗـﺘـﺼـﺎدﻳـ ــﺔ‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪49‬‬

‫ملف العدد‬

‫حلــم األكــراد يف االســتقالل يراودهــم منــذ عــام ‪1514‬م يف معركــة‬ ‫جالــد بــران التي قســمت كردســتان بيــن الدولتين العثمانيــة والصفوية‬ ‫الرئيســي يف تشــبث قيــادات إقليــم كردســتان العــراق باالســتفتاء‬ ‫ونتائــج االســتفتاء‪.‬‬ ‫ورمبـــا يتســـائل البعـــض ألـــم تخلـــق نتائـــج اســـتفتاء إقليـــم‬ ‫كردس ــتان باالنفص ــال ع ــن احلكوم ــة االحتادي ــة يف بغ ــداد وحتقي ــق‬ ‫حلمه ــم التاريخ ــى بتكوي ــن دولته ــم املس ــتقلة واق ًع ــا جديـ ـ ًدا عل ــى‬ ‫أرض الواق ــع حت ــى بع ــد اس ــتعادة الق ــوات االحتادي ــة للكثي ــر م ــن‬ ‫األراضـــي التـــي كان متنـــازع عليهـــا‪ ،‬رغـــم إدراك األكـــراد بـــأن‬ ‫موضـــوع االســـتقالل هـــذا يعـــد ســـاب ًقا ألوانـــه علـــى املســـتوى‬ ‫العمل ــى حي ــث يحت ــاج األم ــر إل ــى س ــنتن أو ث ــالث س ــنوات لف ــض‬ ‫املتعلقـــات مـــع احلكومـــة املركزيـــة يف بغـــداد "يف حالـــة املوافقـــة‬ ‫عل ــى االس ــتقالل عل ــى الرغ ــم م ــن أن ــه يع ــد أمـ ـ ًرا مس ــتحي ً‬ ‫ال"‪...‬‬ ‫ومـــن ثـــم هـــل متلـــك الدولـــة الوليـــدة "يف حـــال إصـــرار األكـــراد‬ ‫عليه ــا والقب ــول به ــا م ــن جان ــب املس ــؤولن العراقي ــن يف بغ ــداد"‬ ‫املقوم ــات االقتصادي ــة الت ــي متكنه ــا م ــن احلي ــاة يف ظ ــل عالقته ــا‬ ‫املتوت ــرة م ــع حكوم ــة بغ ــداد وح ــدود متاخم ــة م ــن جمي ــع اجلوان ــب‬ ‫بــدول غيــر صديقــة وإمنــا معاديــة تخشــى حتــول عــدوى االنفصــال‬ ‫إلــى منــوذج يحتــذي بــه أكــراد دولهــم‪ ،‬ويف ظــل عــدم وجــود منفــذ‬ ‫بح ــري لإلقلي ــم عل ــى العال ــم اخلارج ــي‪ ،‬وم ــا ه ــي أه ــم املعوق ــات‬ ‫والتحدي ــات الت ــي حت ــول دون ذل ــك ‪ ...‬ل ــذا س ــوف نتن ــاول فيم ــا‬ ‫يل ــي حتلي ـ ً‬ ‫ـال تفصيل ًي ــا له ــذه املقوم ــات‪:‬‬

‫المقومات االقتصادية لدولة كردستان‪:‬‬ ‫يعتمــد إقليــم كردســتان يف مجمــل اقتصــاده علــى النفــط الــذي‬ ‫يش ــكل أكث ــر م ــن ‪ %90‬م ــن دخل ــه مب ــا ميث ــل أح ــد الص ــور الواضح ــة‬ ‫لالقتص ــاد الريع ــي ال ــذي يعتم ــد كل ًي ــا عل ــى النف ــط‪ ،‬وعل ــى الرغ ــم‬ ‫مم ــا كان يتمت ــع ب ــه اإلقلي ــم م ــن إس ــتقرار أمن ــي باملقارن ــة م ــع بقي ــة‬ ‫احملافظـــات العراقيـــة خـــالل ســـنوات طويلـــة مضـــت إال أنـــه لـــم‬ ‫يســتطع تنويــع مصــادر دخلــه واقتصــاده‪ ،‬كمــا أن اإلقليــم يعانــي مــن‬ ‫مع ــدالت مرتفع ــه م ــن إنع ــدام الش ــفافية والفس ــاد املال ــي باالضاف ــة‬ ‫إلـــى ارتفـــاع معـــدالت الرشـــاوى للدرجـــة التـــي اضطـــرت معهـــا‬ ‫الكثي ــر م ــن الش ــركات العامل ــة يف مجال ــي النف ــط والس ــياحة عل ــى‬ ‫أراضيـــه إلـــى اللجـــوء للتحكيـــم الدولـــي للحصـــول علـــى حقوقهـــا‬ ‫وم ــن بينه ــا ش ــركة "دان ــة" اإلماراتي ــة للطاق ــة الت ــى رفع ــت دع ــوى‬ ‫ض ــد وزارة الث ــروات الطبيعي ــة يف اإلقلي ــم‪ ،‬وه ــو ذات األم ــر ال ــذي‬ ‫دف ــع العدي ــد م ــن الش ــركات األجنبي ــة الكب ــرى إل ــى اإلحج ــام ع ــن‬ ‫التعام ــل م ــع اإلقلي ــم‪.‬‬

‫كمــا ينتشــر باإلقليــم كذلــك الكثيــر مــن صــور الفســاد اإلداري‬ ‫الــذي يتمثــل يف عمليــات التوظيــف بعيــدًا عــن االختصــاص‪ ،‬مــع‬ ‫ضعــف الرقابــة علــى عمليــات الصــرف والتنفيــذ و مســتوى اجلــودة‬ ‫يف معظــم مؤسســات اإلقليــم‪ ،‬باإلضافــة إلــى التدخــل املفــرط يف‬ ‫الشــؤون احلكوميــة مــن قبــل احلزبــن الكبيريــن لصالــح أشــخاص‬ ‫مرتبطــن بهذيــن احلزبــن يف ظــل إرتفــاع عــدد البليونيــرات بــن‬ ‫قيــادات احلزبــن ألكثــر مــن ‪ 30‬بليونيــ ًرا‪ ،‬ولــم يســتطع اإلقليــم‬ ‫تأســيس قطــاع عــام قــوي أو قطــاع خــاص منافــس‪ ،‬كمــا لــم يســتطع‬ ‫تأســيس قطــاع صناعــي وخاصــة التحويلــي منــه‪ ،‬وكــذا لــم يســتطع‬ ‫تكويــن قطــاع زراعــي فعــال قــادر علــى إشــباع حاجــات مواطنيــه‪،‬‬ ‫علــى الرغــم مــن وفــره امليــاه إلــى حــد كبيــر وخصوبــة التربــة‪ ،‬ممــا‬ ‫اضطــر اإلقليــم الــى اســتيراد معظــم بضائعــه ومــواده االســتهالكية‬ ‫مــن اخلــارج علــى الرغــم مــن أن اإلقليــم شــبه مســتقل عــن العــراق‬ ‫منــذ عــام ‪1991‬م‪.‬‬ ‫ومــع انخفــاض أســعار النفــط وعــودة كركــوك واملناطــق املتنــازع‬ ‫عليهــا والغنيــة بحقــول النفــط إلــى احلكومــة االحتاديــة ومــن ثــم‬ ‫انخفــاض إيــرادات اإلقليــم يف الوقــت الــذي تتزايــد فيــه األعبــاء‬ ‫املاليــة للنازحــن العراقيــن علــى األراضــي الكرديــة فقــد توقــف‬ ‫العمــل يف أكثــر مــن ســتة اآلف مشــروع وانتشــر الظلــم االجتماعــي‬ ‫والفــوارق بــن املــدن واملناطــق الريفيــة كمــا ارتفــع معــدل البطالــة‬ ‫بــن الشــباب إلــى نحــو‪ %40‬والتضخــم الــى ‪ %97,3‬ممــا أدى إلــى‬ ‫تــآكل الطبقــة املتوســطة وتراجــع القــدرة الشــرائية للعائــالت ‪ ...‬كمــا‬ ‫أدت اإلجــراءات العقابيــة مــن احلكومــة االحتاديــة علــى اإلقليــم إثــر‬ ‫رفــض إلغــاء نتيجــة االســتفتاء إلــى بــدء هــروب عــدد مــن املســتثمرين‬ ‫وإنســحاب بعــض شــركات النفــط العامليــة التــي كانــت تســتثمر يف‬ ‫مجالــي التنقيــب واإلنتــاج وخاصــة بعــد التهديــد الصريــح مــن وزارة‬ ‫النفــط العراقيــة للشــركات األجنبيــة التــي تســتثمر أو تبــرم عقــود مــع‬ ‫اإلقليــم دون موافقتهــا‪.‬‬ ‫إال أن األمــر األكثــر خطــورة هــو افتقــار حكومــة اإلقليــم لرؤيــة‬ ‫أو خطــة إســتراتيجية لتطويــر القطاعــات الرئيســية الهامــة باإلقليــم‬ ‫والتــى خصصــت "علــى ســبيل املثــال" للقطــاع الزراعــي نســبة ‪%1,8‬‬ ‫فقــط مــن املوازنــة الســنوية‪ ،‬فيمــا خصصــت النســبة األكبــر مــن‬ ‫ميزانيــة اإلقليــم لدفــع رواتــب املوظفــن ممــا أدى إلــى انخفــاض‬ ‫مســاحة الرقعــة الزراعيــة وإغــالق أبــواب املعامــل التــي تعتمــد علــى‬ ‫اإلنتــاج الزراعــي احمللــي‪ ،‬يف الوقــت الــذي تزايــد فيــه أعــداد ســكان‬ ‫اإلقليــم إلــى نحــو ‪ 5,8‬مليــون نســمة‪.‬‬

‫‪48‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫األرض‪ ،‬وعلـــى الرغـــم مـــن االســـتفتاء الكـــردي‪ ،‬وحتريـــر اجليـــش‬ ‫العراقـــي لكثيـــر مـــن املناطـــق املتنـــازع عليهـــا‪ ،‬وتصريـــح رئيـــس‬ ‫ال ــوزراء العراق ــي ب ــأن اس ــتفتاء إقلي ــم كردس ــتان ق ــد أصب ــح م ــن‬ ‫املاضــي‪ ،‬وباإلشــارة إلــى الضغــوط األمريكيــة علــى حكومتــي بغــداد‬ ‫وأربي ــل ف ــإن أه ــم الس ــيناريوهات احملتمل ــة للع ــراق ملرحل ــة م ــا بع ــد‬ ‫داع ــش تتبل ــور يف اآلت ــي‪:‬‬ ‫● الســيناريو األول‪ :‬الفيدراليــة‪ :‬وهــو الســيناريو األكثــر واقعيــة‬ ‫وترجيحــا "مــن وجهــة نظرنــا" حتــى بعــد عمليــة اســتفتاء إقليــم‬ ‫ً‬ ‫كردســتان علــى االنفصــال وإســتعادة األراضــى املتنــازع عليهــا لســلطة‬ ‫احلكومــة االحتاديــة يف بغــداد‪ ،‬وتتمثــل فــى منــح األقاليــم صالحيــات‬ ‫شــبه مطلقــة وهــو أمــر يتوافــق مــع مــواد الدســتور العراقــي ويحبــذه‬ ‫اجلانــب األمريكــي الــذي يــدرك أن القضــاء علــى داعــش دون ســد‬ ‫الفــراغ األمنــي ســوف يزيــد مــن النفــوذ اإليرانــي يف العــراق واملنطقــة‬ ‫‪ ...‬فيمــا ظلــت أحــالم إقليــم كردســتان باالســتقالل وتكويــن دولتهــم‬ ‫الكرديــة هــي الفكــرة املهيمنــة واملســيطرة عليهــم منــذ عقــود طويلــة‬ ‫وهــو مــا يؤكــده تصريــح رئيــس اإلقليــم مســعود البرزانــي بــأن العــراق‬ ‫يجــب أن يقســم إلــى ثــالث دول شــيعية وســنية وكرديــة مبجــرد‬ ‫االنتهــاء مــن احلــرب ضــد داعــش‪ ..‬إال أن املشــكلة التــي كانــت‬ ‫تشــغل فكــر ساســتهم هــي املناطــق املتنوعــة ســكان ًيا وعشــائر ًيا والتــي‬ ‫يرغبــون يف ضمهــا الــى دولتهــم الوليــدة‪.‬‬ ‫أمــا بالنســبة لوجهــة نظــر قــادة الشــيعة نحــو مشــروع اإلقليــم‬ ‫الشــيعي يف مناطــق وســط وجنــوب البــالد فهــو أمــر لــم يحســم بعــد‬ ‫بشــكل نهائــي حيــث أعلنــت بعــض الفصائــل عــن قبولــه فيمــا ترفضــه‬ ‫بعــض الفصائــل األخــرى وتعتبــره مبثابــة تقســيم للبــالد‪ ،‬كمــا أن هناك‬ ‫تخــوف مــن تنافــس الفصائــل الشــيعية علــى زعامــة البيــت الشــيعي‬ ‫‪ ...‬وفيمــا يتعلــق بقــادة الســنة فــإن لديهــم تخوفهــم املشــروع مــن‬ ‫خضــوع املناطــق الســنية لقــوات احلشــد الشــعبي وهــو األمــر الــذي‬ ‫يرفضــه ســنة العــراق‪ ،‬الذيــن يذكــرون بــأن هنــاك قــرار مت اعتمــاده مــن‬ ‫الكوجنــرس األمريكــي يف عــام ‪2007‬م‪ ،‬بإقامــة إقليــم ســني‪ ،‬وتأكيــد‬ ‫الشــيخ "علــي ســامي" شــيخ قبيلــة احملامــدة يف الفلوجــة على أن الســنة‬ ‫كانــوا دائ ًمــا مــن أشــد املدافعــن عــن وحــدة العــراق‪ ،‬أمــا اآلن فــال نريد‬ ‫ســوى إقلي ًمــا يضمنــا‪ ،‬فيمــا يــرى البعــض اآلخــر أن فكــرة األقاليــم‬ ‫هدفهــا األساســي هــو تقســيم العــراق‪ ،‬مبــا ينــذر بإمكانيــة حــدوث‬ ‫حــروب أهليــة بــن الفصائــل "الســنية ‪ -‬الســنية"‪.‬‬ ‫● الســيناريو الثانــي‪ :‬ال مركزيــة احلكــم‪ :‬وهــو نظــام يعــزز ال مركزيــة‬ ‫احلكــم ومينــح اإلدارات احملليــة شــي ًئا مــن االســتقاللية يف إدارة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫شــؤونها دون اللجــوء إلــى احلكومــة املركزيــة‪ ،‬وهــذا النظــام بالطبــع‬ ‫ال يرضــي إقليــم كردســتان وال يلبــي طموحــات األكــراد الطامحــن يف‬ ‫االســتقالل الكامــل‪.‬‬ ‫● الســيناريو الثالــث‪ :‬احلكــم املركــزي‪ :‬ويعتمــد هــذا النظــام علــى‬ ‫املنتصــر يف احلــرب ضــد داعــش ومــن يفــرض كلمتــه‪ ،‬ومــن ثــم‬ ‫ســيكون بالطبــع لصالــح الشــيعة وحســابات التحالفــات السياســية‬ ‫التــي ستتشــكل‪ ،‬ويترتــب عليــه يف املعتــاد تغييــر شــكل النظــام‬ ‫السياســى التوافقــي الراهــن إلــى نظــام األغلبيــة السياســية‪ ،‬ومــن‬ ‫املؤكــد معارضــة الفصائــل املشــتركة حال ًيــا يف العمليــة السياســية‬ ‫وبصفــة خاصــة اجلانــب الســني‪.‬‬ ‫● الســيناريو الرابع‪ :‬التقســيم واحلرب األهلية‪ :‬ويعد هذا الســيناريو‬ ‫مبثابــة الســيناريو األســوأ والــذي يتوقــع أن تســود فيــه الفوضــى‬ ‫بالبــالد بعــد مرحلــة القضــاء علــى تنظيــم داعــش‪ ،‬ويغيــب دور العملية‬ ‫احتجاجــا علــى‬ ‫السياســية‪ ،‬ورمبــا حتــدث بعــض الثــورات الشــعبية‬ ‫ً‬ ‫مســتوى اخلدمــات واإلهمــال والفســاد احلكومــي وســوف يشــارك بها‬ ‫الــكل ضــد الــكل وينقســم البلــد علــى نفســه‪.‬‬ ‫وعلـــى الرغـــم مـــن عـــدم وجـــود إحصـــاءات موثقـــة بتعـــداد‬ ‫األك ــراد ح ــول العال ــم إال أن غالبي ــة املص ــادر تٌفي ــد ب ــأن عدده ــم‬ ‫يص ــل ال ــى نح ــو خمس ــن ملي ــون نس ــمة‪ ،‬يقي ــم حوال ــى ‪ 22‬ملي ــون‬ ‫منهــم فــى تركيــا و‪ 12‬مليــون فــى إيــران وخمســة ماليــن يف ســوريا‬ ‫و‪ 1,8‬مليـــون يف أوروبـــا الغربيـــة ومليـــون يف روســـيا‪ ،‬باإلضافـــة‬ ‫إل ــى أع ــداد مح ــدودة يف ك ًل م ــن لبن ــان وإس ــرائيل ‪ ...‬وظ ــل حل ــم‬ ‫األكـــراد بتأســـيس دولـــة مســـتقلة يراودهـــم منـــذ عـــام ‪1514‬م‪،‬‬ ‫يف معركـــة جالـــد بـــران التـــي قســـمت كردســـتان بـــن الدولتـــن‬ ‫العثماني ــة والصفوي ــة‪ ،‬وتعمق ــت املش ــكلة بإتفاقي ــة س ــايكس بيك ــو‬ ‫عــام ‪1916‬م‪ ،‬التــي قســمت الدولــة العثمانيــة ومــن ضمنهــا القســم‬ ‫األكب ــر م ــن كردس ــتان‪.‬‬ ‫ومــن اجلديــر بالذكــرأن حلــم األكــراد يف إنشــاء دولتهــم املســتقلة‬ ‫قــد حتقــق مــرة واحــدة وملــدة ثالثــة عشــر شــه ًرا بشــمال غــرب إيــران‬ ‫يف ينايــر ‪1946‬م‪ ،‬ومبســاعدة مــن دولــة االحتــاد الســوفيتى التــي‬ ‫كانــت حتتــل إيــران يف ذلــك الوقــت‪ ،‬باســم اجلمهوريــة الكرديــة‬ ‫وعاصمتهــا مهابــاد‪ ،‬ولكــن بعــد االنســحاب الســوفيتي مــن إيــران‬ ‫بعــد احلــرب العامليــة الثانيــة متــت إعــادة الســيطرة اإليرانيــة علــى‬ ‫اجلمهوريــة الوليــدة يف مــارس ‪1947‬م‪ ،‬ومت إعــدام قائدهــا ورئيــس‬ ‫وزرائهــا "القاضــي محمــد" ومنــذ ذلــك التاريــخ ظــل حلــم إنشــاء‬ ‫الدولــة الكرديــة يــراود األبنــاء واألحفــاد‪ ،‬ولعــل هــذا كان الســبب‬

‫خمســة مالييــن طفــل تعلمــوا يف مــدارس داعــش خــالل ‪ 3‬ســنوات‬ ‫"قنبلـــة موقوتـــة" يف حاجـــة إىل إعـــادة تأهيـــل نفســـي ومعنـــوي‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪47‬‬

‫ملف العدد‬

‫مرحلة ما بعد داعش أكثر تعقيدًا في ظل عسكرة التكتالت املدعومة إقليم ًيا‬

‫رؤية تحليلية لمستقبل العراق‪:‬‬ ‫وترجيحا‬ ‫الفيدرالية السيناريو األكثر واقعية‬ ‫ً‬ ‫اعتقــد الكثيــرون أن العــراق يتجــه نحــو االســتقرار وإعــادة البنــاء والتنميــة بعــد القضــاء علــى تنظيــم داعــش اإلرهابــي‪ ،‬إال أن‬ ‫هنــاك الكثيــر مــن اخلبــراء واحملللــن يعتقــدون أن عــراق مــا بعــد داعــش ســيكون أكثــر صعوبــة وتعقيـدًا وأنــه علــى موعــد مــع‬ ‫مزيــد مــن األزمــات التــي قــد تفــوق مخاطــر التنظيــم اإلرهابــي للدرجــة التــي ميكــن أن تــؤدي إلــى احتماليــة تقســيم البــالد‬ ‫عرق ًيــا وطائف ًيــا‪ ،‬باإلضافــة إلــى مــا أعلنتــه منظمــة اليونيســيف مــن وجــود خمســة ماليــن طفــل عراقــي تعلمــوا فــى مــدارس‬ ‫داعــش خــالل الســنوات الثــالث املاضيــة وأنهــم مبثابــة "قنبلــة موقوتــه" وهــم يف حاجــة ماســة إلــى عمليــة إعــادة تأهيــل‪ ،‬نفســياً‬ ‫ومعنويـاً ملعاجلــة األفــكار اخلاطئــة التــي تعلموهــا يف تلــك املــدارس‪ ...‬وكــذا انتهــاز قيــادات إقليــم كردســتان حالــة اإلضطــراب‬ ‫األمنــي والفوضــى السياســية وبدايــة االنقســام الطائفــي إلجــراء اســتفتاء شــعبى باالقليم لالنفصال و االســتقالل عن احلكومة‬ ‫االحتاديــة يف بغــداد‪.‬‬

‫د‪ .‬رشاد عبده‬ ‫ولق ــد إتخ ــذت قي ــادات األك ــراد ه ــذه اخلط ــوة بع ــد إس ــتغاللهم‬ ‫ملكاس ــبهم يف احل ــرب عل ــى داع ــش وتوس ــيع رقع ــة اإلقلي ــم بنح ــو‬ ‫‪ %50‬عمـــا كان عليـــه الوضـــع قبـــل االجتيـــاح الداعشـــي يف يونيـــو‬ ‫‪ 2014‬م‪ ،‬م ــن خ ــالل ض ــم م ــدن غني ــة مبخزون ــات النف ــط والغ ــاز‬ ‫ويف مقدمته ــا مدين ــة كرك ــوك الت ــي كان ــت تص ــدر منه ــا أكث ــر م ــن‬ ‫‪ 300‬أل ــف برمي ــل نف ــط يوم ًي ــا ويوج ــد به ــا حوال ــى ‪ %40‬م ــن نف ــط‬ ‫الع ــراق بالنظ ــر لكونه ــا تع ــد ثان ــى أكب ــر امل ــدن املنتج ــة للنف ــط بع ــد‬ ‫املوص ــل‪ ،‬كم ــا يوج ــد به ــا ً‬ ‫أيض ــا نح ــو ‪ %70‬م ــن غ ــاز الع ــراق "فيم ــا‬ ‫اليص ــدر إقلي ــم كردس ــتان ذات ــه أكث ــر م ــن ‪ 250‬أل ــف برمي ــل نف ــط‬ ‫يوم ًي ــا"‪ ،‬باالضاف ــة إل ــى بع ــض املناط ــق األخ ــرى املتن ــازع عليه ــا بع ــد‬ ‫ع ــام‪2014‬م‪ ،‬ك ــي تتمك ــن يف ظ ــل ذل ــك الوض ــع م ــن إيج ــاد ضمان ــات‬ ‫للبق ــاء اقتصاد ًي ــا‪.‬‬ ‫وفيمــا أظهــر تأكيــد رئيــس إقليــم كردســتان "مســعود البرزانــى"‬ ‫أكثــر مــن مــرة بــأن جهــود وتضحيــات قــوات البشــمركة يف محاربــة‬ ‫داع ــش ل ــن تذه ــب س ــدى وأن ع ــراق ماقب ــل س ــقوط داع ــش ل ــن‬ ‫يعـــود كمـــا كان‪ ،‬رغـــم إدراكـــه التـــام بـــأن هـــذه اخلطـــوه ســـوف‬ ‫تصط ــدم مبعارض ــة الق ــوى السياس ــية العراقي ــة م ــن ش ــيعة وس ــنة‬ ‫واأله ــم م ــن ذل ــك احلكوم ــة االحتادي ــة ف ــى بغ ــداد الت ــى أعط ــت‬ ‫اإلقلي ــم فرص ــة كافي ــة إللغ ــاء نتيج ــه االس ــتفتاء معتمـ ـدًا يف ذل ــك‬

‫علـــى الدعـــم األمريكـــى واإلســـرائيلي‪ ،‬وهـــو األمـــر الـــذي قوبـــل‬ ‫بالرف ــض الكام ــل م ــن جان ــب قي ــادات اإلقلي ــم مب ــا اضط ــر الق ــوات‬ ‫املركزيــة العراقيــة للتحــرك واســتعادة ســيطرتها علــى كامــل مدينــة‬ ‫كركـــوك وغالبيـــة املناطـــق األخـــرى املتنـــازع عليهـــا بعـــد ســـيطرة‬ ‫كرديـــة عليهـــا منـــذ عـــام ‪2014‬م‪ ،‬وســـط اتهامـــات باخليانـــة بـــن‬ ‫حزب ــي مس ــعود البرزان ــى وج ــالل طالبان ــي‪ ،‬وتهدي ــد م ــن قي ــادات‬ ‫اإلقلي ــم للحكوم ــة االحتادي ــة يف بغ ــداد بأنه ــا س ــوف تدف ــع الثم ــن‬ ‫غال ًي ــا وباحملافظ ــة عل ــى مكاس ــب األك ــراد بالرغ ــم م ــن انتكاس ــة‬ ‫كركــوك‪ ،‬وإصــدار البرزانــي بيا ًنــا يؤكــد فيــه علــى صعوبــة التعايــش‬ ‫مـــع بغـــداد وأنه ــا ل ــن تتمك ــن م ــن اعتق ــال نائـــب رئيـــس اإلقليـــم‬ ‫ال ــذي وص ــف الق ــوات العراقي ــة الت ــي دخل ــت إل ــى كرك ــوك باحملتل ــة‬ ‫وص ــدور حك ــم قضائ ــي باعتقال ــه‪.‬‬ ‫وهـــو األمـــر الـــذي يؤكـــد علـــى أن مرحلـــة مـــا بعـــد داعـــش‬ ‫س ــتكون أكث ــر تعقيـ ـدًا يف ظ ــل تأم ــن معظ ــم التكت ــالت السياس ــية‬ ‫لنفســها عســكر ًيا مــن خــالل تكويــن قــوات مواليــة لهــا ووجــود دعــم‬ ‫إقليمــى لــكل تكتــل مــن هــذه التكتــالت مبــا ميهــد بإمكانيــة حــدوث‬ ‫نـــزاع سياســـي محتمـــل‪ ،‬ويف ضـــوء رفـــض تركيـــا بســـحب قواتهـــا‬ ‫العســكرية مــن بعــض مناطــق العــراق فضـ ً‬ ‫ـال عــن حتكمهــا مبصــادر‬ ‫املي ــاه النابع ــة م ــن أراضيه ــا‪ ...‬ويف ظ ــل ه ــذا الواق ــع العمل ــي عل ــى‬

‫‪46‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫المقومات االقتصادية إلقليم كردستان سواء بوجود محافظة كركوك‬ ‫أو بدونهــا لــن تحقــق قيام الدولة بــدون منفذ بحري أو بري وحتى جوي‬ ‫مليــار دوالر‪ .‬أمــا مــع إيــران فقــد بلــغ (‪ )12‬مليــار دوالر‪ ،‬نصفــه‬ ‫تقري ًبــا ‪ %50‬مــع اإلقليــم‪ ،‬أي (‪ )6‬مليــار دوالر‪.‬‬ ‫أمــا العــراق فإنــه ســيقطع عالقاتــه التجاريــة ولــن يتخلــى‬ ‫عــن كركــوك يف أبســط األحــوال بــل ســيكثف جهــوده الدبلوماســية‬ ‫والسياســية واخيــ ًرا العســكرية إلــى اســترجاع كركــوك‪ ،‬وحتــى مــع‬ ‫ســوريا املضطربــة فإنهــا ترفــض أي قيــام لهــذه الدولــة‪ ،‬فهنــاك عائــق‬ ‫بشــري يف منفــذ ربيعــة العراقــي متمثــل بقبيلــة شــمر العربيــة التــي‬ ‫تديــن بالــوالء إلــى احلكومــة املركزيــة فض ـ ً‬ ‫ال عــن جذورهــا العربيــة‬ ‫لذلــك فــإن قيــام دولــة كرديــة يجعلهــا يف وضــع املانــع البشــري يف‬ ‫وجــه الدولــة الكرديــة يف أي جتــاه ‪.‬‬ ‫فأطـــراف املعادلـــة السياســـية هـــي متســـاوية والســـيما يف‬ ‫ضعـــف النظـــام السياســـي الريعـــي يف اإلقليـــم ومبســـتوى ال‬ ‫يختلـــف عـــن نظيـــره الكبيـــر يف املركـــز‪ .‬فوحـــدة النظـــام املالـــي‬ ‫مـــن الناحيـــة التاريخيـــة هـــي التـــي ولـــدت الوحـــدة السياســـية‬ ‫ولي ــس العك ــس‪ .‬فخل ــق ق ــوة مالي ــة م ــن نف ــط اإلقلي ــم ممزوج ــة‬ ‫مبب ــدأ تقري ــر املصي ــر ‪ self determination‬ه ــو لوح ــده غي ــر‬ ‫كاف لــوالدة كيــان سياســي ريعــي صغيــر يف وســط رفــض داخلــي‬ ‫وخارج ــي الس ــيما وأن السياس ــة ه ــي م ــن تتحك ــم يف بن ــاء ه ــذه‬ ‫الدولـــة املنتظـــرة وليـــس االقتصـــاد‪ .‬مـــن نافلـــة القـــول نؤك ــد‬ ‫ونس ــتنتج م ــا يأت ــي‪:‬‬ ‫‪ -1‬الـمـقـومــــات االقتصاديـــة إلقـلـيــــم كـردسـتــــان ســـواء بــــوجود‬ ‫مـحـافـظـ ــة كـركـ ــوك أو بـدونـهـ ــا ل ــن تـحـقـ ــق قـيـ ــام الـدولـ ــة فـهـ ــي‬ ‫دولــــة حـبـيـســـة لـيـــس لـهـــا مـنـفـذ بـحـري أو بـري وحـتـى جـوي إلـى‬ ‫الـعـالـــم الـخـارجـــي‪.‬‬ ‫‪ -2‬هن ــاك م ــن يس ــتعن بتجرب ــة ‪ 2003- 1991‬م‪ ،‬بق ــدرة األك ــراد‬ ‫االعتم ــاد عل ــى االكتف ــاء الذات ــي‪ ،‬وه ــذا األم ــر غي ــر منطق ــي اآلن‪،‬‬ ‫الســيما أن الرفاهيــة التــي حصــل عليهــا املواطــن ســتجعله يرفــض‬ ‫ت ــرك احلي ــاة االقتصادي ــة املرفه ــة وه ــذا الرف ــض سيش ــكل ثغ ــرة‬ ‫يف رفـــض القـــرار السياســـي يف حـــال ازديـــاد قـــرارات حكومـــة‬ ‫بغـــداد يف فـــرض قيـــود اقتصاديـــة جتـــاه اإلقليـــم ناهيـــك علـــن‬ ‫إي ــران وتركي ــا‪.‬‬ ‫‪ -3‬ل ــم يكس ــب اإلقلي ــم م ــن أي دول ــة أي اعت ــراف رس ــمي يف قي ــام‬ ‫دولتــه ســوى قبــول وتأييــد معلــن مــن قبــل (إســرائيل) وبالتالــي فــإن‬ ‫ع ــدم االعت ــراف يعن ــي ع ــدم تعام ــل املنظم ــات االقتصادي ــة الدولي ــة‬ ‫كصن ــدوق النق ــد الدول ــي والبن ــك الدول ــي مع ــه يف رف ــده اإلق ــراض‬ ‫واملن ــح واملس ــاعدات الت ــي تعين ــه يف بن ــاء دولت ــه‪.‬‬

‫‪ -4‬ال ميكــن أن تقــوم الدولــة الكرديــة ويكــون مــن ضمنهــا كركــوك‬ ‫فهــي تعــد الشــريان الثانــي للنفــط بعــد البصــرة والشــريان األول‬ ‫للغــاز يف العــراق وبالتالــي فــإن تخلــي العــراق عــن كركــوك يعنــي‬ ‫خســارته الكبيــرة التــي لــم يتخلــى عنهــا مــن املنظــور االقتصــادي يف‬ ‫أحلــك الظــروف‪.‬‬ ‫‪ -5‬املقاطعـــة التجاريـــة وغلـــق احلـــدود كأحـــد وســـائل الضغـــط‬ ‫السياس ــي تخل ــق خس ــائر كبي ــرة يف االقتص ــاد‪ ،‬وهن ــا نأخ ــذ من ــوذج‬ ‫بســـيط ملقاطعـــة ثـــالث دول هـــي الســـعودية واإلمـــارات ومصـــر‬ ‫لقطـــر فنجـــد أن األخيـــرة خســـرت أكثـــر مـــن ‪ 100‬مليـــون دوالر‬ ‫يف أق ــل م ــن ثالث ــة أش ــهر رغ ــم أن املنف ــذ البح ــري واجل ــوي قائ ــم‪،‬‬ ‫فكي ــف باإلقلي ــم ال ــذي س ــيغلق بوجه ــه كاف ــة املناف ــذ يف ح ــال قي ــام‬ ‫الدول ــة الكردي ــة‪.‬‬ ‫‪ -6‬فق ــدان االس ــتثمارات األجنبي ــة املباش ــرة وغي ــر املباش ــرة الت ــي‬ ‫تعـــد أحـــد ركائـــز قـــوة اإلقليـــم ألنهـــا عامـــل مـــن عوامـــل جـــذب‬ ‫رؤوس األمــوال األجنبيــة‪ .‬وبالتالــي فــإن التوتــر األمنــي والعســكري‬ ‫مــا بــن املركــز واالقليــم والتحــركات العســكرية التركيــة واإليرانيــة‬ ‫عل ــى احل ــدود س ــيؤدي إل ــى ه ــروب رؤوس األم ــوال إل ــى املناط ــق‬ ‫األكث ــر أمن ــا‪.‬‬ ‫‪ -7‬سياســ ًيا ممكــن قيــام الدولــة الكرديــة يف حدودهــا القدميــة‬ ‫ســليمانية أربيــل دهــوك بــدون املناطــق املتنــازع عليهــا بعــد تفتيــت‬ ‫وضعــف دول اجلــوار تركيــا وإيــران يف املــدى املتوســط أو البعيــد‬ ‫فهنــاك مشــاريع أميركيــة و(إســرائيلية) لتقســيم املنطقــة تستشــرف‬ ‫هــذا التقســيم يف عــام ‪2026‬م‪ ،‬حتــت مســمى مشــروع الشــرق‬ ‫األوســط اجلديــد الــذي يقســم ‪ 5‬دول إلــى ‪ 14‬دويلــة دينيــة وعرقيــة‬ ‫وقوميــة منهــا العــراق وســوريا وإيــران‪.‬‬ ‫‪ -8‬بعــد حتريــر احملافظــات مــن تنظيــم داعــش يف صــالح الديــن‬ ‫واملوصــل واألنبــار وأخرهــا أجــزاء كركــوك العربيــة خيــب آمــال الكــرد‬ ‫الســيما وأن رئاســة اإلقليــم أكــدت بعــد االنهيــار الكبيــر يف نكســة‬ ‫حزيــران الثانيــة ‪2014‬م‪ ،‬أن احلــدود ترســم بالــدم‪ ،‬بيــد أن القــوة‬ ‫العســكرية املتجحفلــة اآلن تقــدر ب ‪ 8‬فــرق عســكرية إلــى جانــب‬ ‫قــوات احلشــد الشــعبي عكــس وجهــة النظــر الســابقة إلــى القــدرة يف‬ ‫فــرض الســلطة االحتاديــة علــى كركــوك‪.‬‬

‫* أﺳﺘﺎذ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ـ ﻛﻠﻴﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ـ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺗﻜﺮﻳﺖ‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫و نصــف أمــا الســياح مــن اخلــارج فيصــل إلــى ‪ 60‬الــف ســائح‬ ‫ســنو ًيا يف نفــس املــدة‪ ،‬كل هــذه العوامــل األمنيــة وصعوبــة الدخــول‬ ‫إلــى أراضــي اإلقليــم علــى ســياح الداخــل بســبب التشــديد األمنــي‬ ‫كان عائ ًقــا أمــام منــو هــذا القطــاع فكيــف إذا اســتقل اإلقليــم فــإن‬ ‫املرافــئ الســياحية ســتكون عبــارة عــن بنايــات مهجــورة الســيما وإن‬ ‫الســياحة تعتمــد بشــكل كبيــر علــى األمــان واالســتقرار‪.‬‬

‫راب ًعا‪ :‬القطاع النفطي‪:‬‬ ‫تق ــدر احتياطي ــات اإلقلي ــم م ــن النف ــط مب ــا يق ــارب ‪ 45‬ملي ــار‬ ‫برمي ــل إذا م ــا مت ض ــم كرك ــوك إل ــى خريط ــة اإلقلي ــم م ــن إجمال ــي‬ ‫احتياطيــات العــراق التــي تقــدر بحوالــي ‪ 150‬مليــار‬ ‫برميـــل‪ ،‬أي ‪ %30‬مـــن احتياطـــات النفـــط توجـــد‬ ‫يف اإلقليـــم‪ ،‬أمـــا احتياطـــي الغـــاز الطبيعـــي فـــإن‬ ‫م ــا نس ــبته ‪ %81‬م ــن إجمال ــي احتياط ــات الع ــراق‬ ‫موج ــودة يف اإلقلي ــم الت ــي تق ــدر بأكث ــر م ــن ‪2.8‬‬ ‫ترليـــون متـــر مكعـــب مـــن الغـــاز الطبيعـــي‪ ،‬كمـــا‬ ‫يقــدر مســاهمة إقليــم كردســتان يف النــاجت القومــي‬ ‫اإلجمالــي العراقــي بحوالــي ‪ 26‬مليــار دوالر ســنو ًيا‬ ‫يف موازن ــة كلي ــة تق ــدر ب ‪ 203‬ملي ــار دوالر‪ ،‬وينت ــج‬ ‫اإلقلي ــم م ــا ب ــن ‪ 550‬ال ــى ‪ 650‬ال ــف برمي ــل يوم ًي ــا‬ ‫والعـــراق ينتـــج مـــا يقـــارب ‪ 4.2‬مليـــون برميـــل يوم ًيـــا‪ ،‬مبعنـــى أن‬ ‫انفصـــال اإلقليـــم عـــن العـــراق ســـيؤدي إلـــى خســـارة العـــراق ملـــا‬ ‫يق ــارب ‪ %13‬م ــن الن ــاجت احملل ــي و‪ %15‬م ــن إنت ــاج النف ــط‪.‬‬ ‫وبعـــد اســـتعراض املقومـــات االقتصاديـــة الطاقويـــة لإلقليـــم‬ ‫املتمثل ــة بالنف ــط والغ ــاز ومس ــاهمته يف الن ــاجت اإلجمال ــي احملل ــي‬ ‫العراق ــي ف ــإن ه ــذه املعطي ــات الرقمي ــة ال ميك ــن قراءته ــا بتج ــرد‬ ‫دون أن يك ــون العام ــل السياس ــي واجلي ــو ‪-‬سياس ــي مبع ــزل عنه ــا‪،‬‬ ‫بالتال ــي ه ــذه األرق ــام يف ح ــال قي ــام الدول ــة الكردي ــة ال يعن ــي أنه ــا‬ ‫س ــتحقق مكاس ــب وأنه ــا "مس ــألة االنفص ــال" س ــتكون كح ــال ال ــدول‬ ‫الت ــي انفصل ــت‪ ،‬فف ــي ظ ــل املتغي ــرات اإلقليمي ــة والداخلي ــة جن ــد‬ ‫أن إقلي ــم كردس ــتان مح ــاط ب بث ــالث دول ترف ــض االنفص ــال الن ــه‬ ‫س ــيؤثر عل ــى أمنه ــا القوم ــي الس ــيما وأن القومي ــة الكردي ــة متوزع ــة‬ ‫عل ــى دول اجل ــوار كم ــا أس ــلفنا يف مقدم ــة ورقتن ــا البحثي ــة ‪،‬إل ــى‬ ‫جان ــب الدول ــة األم‪ ،‬وبالتال ــي فه ــو ال ميتل ــك أي منف ــذ بح ــري أو‬ ‫ب ــري لتصدي ــر نفط ــه فمنف ــذ تس ــويق النف ــط الوحي ــد ه ــو مين ــاء‬ ‫جيه ــان الترك ــي إل ــى جان ــب املنف ــذ الب ــري إل ــى إي ــران‪ ،‬فف ــي ظ ــل‬ ‫الرفــض التركــي واإليرانــي ال يكــون للنفــط أي قيمــة تذكــر‪ ،‬كمــا أن‬ ‫العوائ ــد املالي ــة م ــن النف ــط املص ــدر م ــن إقلي ــم كردس ــتان ت ــودع يف‬ ‫البن ــوك التركي ــة مم ــا يعن ــي أن ه ــذا القط ــاع حت ــت رحم ــة ال ــدول‬ ‫احمليط ــة الت ــي أخ ــذت إج ــراءات جدي ــدة بوق ــف تصدي ــر النف ــط‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪45‬‬

‫ملف العدد‬

‫عبـــر منافذهـــا البحريـــة والبريـــة‪ ،‬ومـــن املعلـــوم أن العـــراق وقـــع‬ ‫اتفاقي ــة م ــع إقلي ــم كردس ــتان يف ع ــام ‪2014‬م‪ ،‬حل ــل الن ــزاع‪ ،‬تن ــص‬ ‫عل ــى أن يس ــلم اإلقلي ــم إل ــى بغ ــداد العوائ ــد املالي ــة لـــ (‪ )550‬ال ــف‬ ‫برمي ــل نف ــط يوم ًي ــا ‪ )300( -‬م ــن حق ــل نف ــط كرك ــوك و(‪ )250‬م ــن‬ ‫إنت ــاج نف ــط اإلقلي ــم مقاب ــل حصول ــه عل ــى حصت ــه البالغ ــة (‪)%17‬‬ ‫م ــن املوازن ــة االحتادي ــة‪ .‬ولك ــن اإلقلي ــم تخل ــى ع ــن االتف ــاق وأعل ــن‬ ‫اإلقلي ــم بأن ــه مضط ــر لبي ــع ج ــزء م ــن نفط ــه مباش ــرة إل ــى اجله ــات‬ ‫اخلارجيــة عــن طريــق الشــركات األجنبيــة وذلــك لتــدارك األوضــاع‬ ‫االقتصادي ــة الصعب ــة‪ ،‬ال س ــيما م ــع تدن ــي أس ــعار النف ــط العاملي ــة‬ ‫م ــن ‪ 100‬دوالر للبرمي ــل الواح ــد ع ــام ‪ 2014‬إل ــى أق ــل م ــن (‪)50‬‬ ‫دوالر يف الوقـــت احلاضـــر‪ ،‬أي بتراجـــع مقـــداره‬ ‫حوال ــي النص ــف للبرمي ــل الواح ــد‪.‬‬ ‫صحيـــح أن حكومـــة كردســـتان اســـتطاعت مـــن‬ ‫إبـــرام حوالـــي ‪ 50‬عقـــدًا مـــع الشـــركات األجنبيـــة‬ ‫معظمهـــا عقـــود مشـــاركة يف اإلنتـــاج‪ ،‬وكثيـــر منهـــا‬ ‫عق ــود استكش ــاف نف ــط مغري ــة للش ــركات يف حال ــة‬ ‫االكتشـــاف‪ ،‬إال أن احلكومـــة املركزيـــة مـــا بعـــد‬ ‫االســـتفتاء يف ‪ 25‬ســـبتمبر‪ /‬أيلـــول ‪2017‬م‪ ،‬اتفقـــت‬ ‫مــع تركيــا وإيــران بإيقــاف الصــادرات عبــر منافذهــا‬ ‫ً‬ ‫فضـــال عـــن ذلـــك احلكومـــة‬ ‫البحريـــة والبريـــة‪،‬‬ ‫العراقيـــة خاطبـــت الشـــركات الرئيســـية التـــي تســـتثمر يف باقـــي‬ ‫احلقـــول يف جنـــوب ووســـط العـــراق بوقـــف عمـــل شـــركاتها علـــى‬ ‫األراض ــي الكردي ــة منه ــا ش ــركة ش ــفيرون‪ ،‬وجين ــل إنرج ــي‪ ،‬وروس‬ ‫نفـــط تريدينـــغ أس إي"‪ .‬وال ميكـــن إغفـــال أن اإلقليـــم يف ورطـــة‬ ‫م ــع كب ــرى الش ــركات النفطي ــة يف دف ــع مس ــتحقاتها قب ــل االس ــتفتاء‬ ‫فكي ــف إذا اس ــتقل ع ــن الع ــراق يف ظ ــل االنغ ــالق اجلغ ــرايف‪ ،‬فعل ــى‬ ‫ســـبيل املثـــال قامـــت "شـــركة (غلـــف كـــي ســـتون) وهـــي إحـــدى‬ ‫الشـــركات الرئيســـة بتعليـــق صـــادرات النفـــط إلـــى تركيـــا بســـبب‬ ‫املس ــتحقات املترتب ــة له ــا بذم ــة حكوم ــة كردس ــتان‪ ،‬وكان ــت الش ــركة‬ ‫أعلن ــت أن له ــا ‪ 100‬ملي ــون دوالر كمس ــتحقات عل ــى اإلقلي ــم"‪ .‬يف‬ ‫حـــن احلكومـــة االحتاديـــة يف العـــراق تطالـــب ببيـــع النفـــط عبـــر‬ ‫شـــركة تســـويق النفـــط ســـومو ومبوافقتهـــا وأن تكـــون العائـــدات‬ ‫املاليـــة يف امليزانيـــة االحتاديـــة‪.‬‬ ‫أمــا التجــارة إذا مــا قامــت الدولــة الكرديــة فإنهــا ال متلــك أي‬ ‫منفــذ للتجــارة لالســتيراد والتصديــر‪ ،‬فاإلقليــم تابــع جتاريــا لثــالث‬ ‫دول‪ ،‬إذ تســيطر اجلارتــن تركيــا وإيــران وكذلــك الصــن علــى (‪)%90‬‬ ‫مــن ســوق إقليــم كردســتان‪ ،‬أي بنســبة (‪ )%30 ،%25 ،%35‬لــكل منهــا‬ ‫علــى التوالــي‪ .‬إن حجــم التبــادل التجــاري (الــذي يتألــف مــن مجمــوع‬ ‫قيــم الــواردات والصــادرات) بــن العــراق وتركيــا لعــام ‪2013‬م‪ ،‬بلــغ‬ ‫(‪ )12‬مليــار دوالر‪ ،‬كان (‪ )%70‬منــه مــع إقليــم كردســتان أي (‪)8.4‬‬

‫ال يتجـــاوز حملـــة‬ ‫الشهادات الجامعية‪%7.60‬‬ ‫ويشكل حاميل الشهادة‬ ‫االبتدائية فما دون نسبة‬ ‫‪ %52.57‬بإقليم كردستان‬

‫‪44‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫رئيـس الجمهوريـة و‪ 3‬وزراء يف حكومـة بغـداد مـن األكـراد ووكيـل‬ ‫كـردي يف كل وزارة ورواتـب البيشـمركة غيـر خاضعة إلمرة وزارة الدفاع‬ ‫النامي ــة وع ــادة ً م ــا تصن ــف ال ــدول النامي ــة بأنه ــا تعان ــي م ــن فج ــوة‬ ‫كبيــرة فهنــاك قفــزة يف مراحــل التطــور لبنــاء االقتصــاد‪ ،‬ومــا نريــد‬ ‫الوص ــول إلي ــه ه ــو الفج ــوة م ــا ب ــن القطاع ــات‪ ،‬فقط ــاع اخلدم ــات‬ ‫يف كردســـتان مؤشـــر للتخلـــف‪ ،‬ويرجـــع ذلـــك إلـــى متركـــز قـــوة‬ ‫العمال ــة يف القط ــاع اخلدم ــي ال ــذي ل ــم يك ــن نتيج ــة له ــذا التط ــور‬ ‫التدريج ــي ال ــذي يب ــدأ بالزراع ــة ث ــم ينتق ــل إل ــى الصناع ــة فقط ــاع‬ ‫اخلدم ــات‪ ،‬مبعن ــى أن ــه ل ــم يك ــن حتصي ــل حاص ــل املس ــاهمات يف‬ ‫قطاعــي (الزراعــة والصناعــة) يف النــاجت القومــي (‪ ،)GNP‬مبعنــى‬ ‫آخ ــر‪ ،‬إن مش ــاركة الق ــوى العامل ــة يف قط ــاع اخلدم ــات ال ــذي ج ــاء‬ ‫بصـــورة مباشـــرة دون أن متـــر يف قطـــاع الصناعـــة ضمـــن نظريـــة‬ ‫التط ــور الت ــي طرحه ــا (كوالي ــن كالرك) عل ــى حتقي ــق العدال ــة يف‬ ‫التوزي ــع مب ــا يتناس ــب م ــع منحن ــى العم ــل كم ــا يف الش ــكل (‪ )1‬ف ــإذا‬ ‫كان مؤش ــر قط ــاع اخلدم ــات لل ــدول املتقدم ــة مؤش ــر ق ــوة ألن ــه م ــر‬ ‫به ــذه املراح ــل الثالث ــة ‪ ،‬فإن ــه يعن ــي العك ــس لل ــدول النامي ــة أو م ــن‬ ‫تري ــد أن تك ــون دول ــة‪.‬‬ ‫يعتمــد اإلقليــم يف قطــاع اخلدمــات علــى الســياحة الداخليــة‬ ‫وعلــى قطــاع العقــارات واالتصــاالت واالنترنيــت والنقــل البــري‬ ‫واجلــوي‪ ،‬فاإلقليــم يضــم ‪ 500‬فنــدق و‪ 50‬مرفــأ ســياحي متنــوع‬

‫ويضــم ً‬ ‫أيضــا شــركات انترنيــت ضوئــي قــادم مــن األراضــي التركيــة‬ ‫وهــي شــركة نــوروز يف أربيــل وشــركة أي كيــو يف الســليمانية‪،‬‬ ‫وباإلقليــم مطــاران للرحــالت اجلويــة يف أربيــل والســليمانية يشــكالن‬ ‫رافــدًا مه ًمــا لالقتصــاد يف اإلقليــم واملخــرج اجلــوي الوحيــد إلــى‬ ‫العالــم‪ ،‬أمــا النقــل البــري وســكك احلديــد فهــي رغــم إعــادة بنائهــا‬ ‫إال أنهــا مــا زالــت متقادمــة‪ ،‬ولــم تســتطع حكومــة اإلقليــم أن تضيــف‬ ‫إليــه خطــوط متــرو أو ســكك حديــد لتســاهم يف رفــد االقتصــاد‬ ‫والتجــارة مــن جهــة وحتقيــق نــوع مــن أنــواع الرفاهيــة للمواطــن مــن‬ ‫جهــة أخــرى‪ ،‬واحلقيقــة التــي نؤكــد عليهــا أن اإلقليــم اعتمــد يف‬ ‫بنــاء هــذا القطــاع علــى العوائــد املاليــة النفطيــة ممــا يجعــل تطــوره‬ ‫ومنــوه رهــن أســعار النفــط ورهــن تصديــره والــذي ســنتحدث عنــه‬ ‫يف الفقــرة القادمــة‪.‬‬ ‫وبعــد توضيــح البنــى التحيــة لقطــاع اخلدمــات يبقــى الرافــد‬ ‫الرئيــس فيــه وهــو قطــاع الســياحة الــذي تعــرض إلــى نكســة كبيــرة‬ ‫مــع ســيطرة وهيمنــة تنظيــم داعــش علــى احملافظــات احملاذيــة لــه‬ ‫املوصــل وصــالح الديــن وأجــزاء مــن ديالــى إذ انخفضــت واردات‬ ‫الســياحة إلــى ‪ %60‬عمــا كانــت عليــه يف مــا قبــل حزيــران ‪2014‬م‪،‬‬ ‫فقــد كان عــدد الســياح مــن داخــل العــراق يقــدر بأكثــر مــن مليــون‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫نهجــاً خاط ًئــا يف‬ ‫املركــز الســيما وأن حكومــة بغــداد قــد انتهجــت ً‬ ‫التعامــل مــع فئــات املجتمــع ولــم تســتطع تذويــب اخلالفــات املذهبيــة‬ ‫ولــم تســتطع خلــق روح املواطنــة‪.‬‬ ‫وعل ــى م ــدى العقدي ــن املاضي ــن أق ــام األك ــراد منطق ـ ًة مس ــتقرة‬ ‫ومســـاملة ال تطـــرح تهديـــدًا علـــى الـــدول املجـــاورة‪ .‬وبالفعـــل‪ ،‬كان‬ ‫«إقليـــم كردســـتان العـــراق» واحـــ ًة مـــن االســـتقرار وســـط أعمـــال‬ ‫العنـــف‪ ،‬حيـــث واجهـــت العـــراق وســـوريا ودوالً أخـــرى يف املنطقـــة‬ ‫حرو ًبــا وإرها ًبــا‪ .‬كمــا ش ـ ّكل «إقليــم كردســتان» مــال ًذا لنحــو مليونــي‬ ‫الج ــئ ‪-‬معظمه ــم م ــن الع ــرب ولي ــس م ــن األك ــراد‪ -‬وم ــن جهته ــم‬ ‫أثبت ــت الق ــوات الكردي ــة أنه ــا رق ــم صع ــب يعتم ــد علي ــه يف مواجه ــة‬ ‫التنظيم ــات املتطرف ــة‪.‬‬ ‫وإذا مــا أردنــا دراســة مقومــات قيــام الدولــة الكرديــة فيجــب أن‬ ‫منيــز كيــان اإلقليــم بــدون كركــوك‪ ،‬فكركــوك مــن املناطــق املتنــازع‬ ‫عليهــا وتقطنهــا مكونــات ثالثــة رئيســية الكــرد والتركمــان والعــرب‬ ‫فضـ ً‬ ‫ال عــن العامــل املذهبــي الســني والشــيعي الــذي يندمــج يف هــذه‬ ‫القوميــات الثــالث‪.‬‬ ‫واحلقيقــة التــي يعرفهــا كل مختــص أن قيــام أي دولــة وبناءهــا‬ ‫يحتــاج بعــد الشــعب واإلقليــم والســلطة مقومــات اقتصاديــة‪ ،‬هــذه‬ ‫املقومات ال ميكن أن تبني دولة دون وجود التسلســل يف بناء قطاعات‬ ‫االقتصــاد الثالثــة وهــي‪ :‬قطاعــات الزراعــة‪ ،‬الصناعــة‪ ،‬واخلدمــات‪،‬‬ ‫أمــا قطــاع الطاقــة فيجــب أال يعتمــد عليــه ألنــه قطــاع ريعــي يتأثــر‬ ‫بأســعار األســواق العامليــة التــي تعتمــد علــى العــرض والطلــب وبالتالــي‬ ‫تكــون الدولــة رهينــة لهــا كحــال الكثيــر مــن الــدول النفطيــة‪.‬‬

‫فهــل الدولــة الكرديــة مــرت بهــذه املراحــل الثــالث يف بنــاء‬ ‫اقتصادهــا مــا بعــد ‪ 2003‬أم إنهــا اعتمــدت علــى املوازنــة االحتاديــة‬ ‫الـــ ‪ %17‬وعلــى النفــط يف بنــاء اقتصادهــا؟‬ ‫لإلجابــة علــى هــذا التســاؤل فإنــه مــن املهــم أن نعالــج تلــك‬ ‫املســألة بطريقــة علميــة وفــق األدوات االكادمييــة وهــي دراســة‬ ‫االقتصــاد بطريقــة جزئيــة لتحليــل كل قطــاع ودوره يف حتقيــق النتــاج‬ ‫القومــي احمللــي اإلجمالــي والوقــوف علــى مــدى قدرتــه يف رفــد زخــم‬ ‫إقامــة الدولــة الكرديــة‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪43‬‬

‫ملف العدد‬

‫أوالً‪ :‬القطاع الزراعي‪:‬‬ ‫احلقيق ــة أن اقتص ــاد إقلي ــم كردس ــتان اقتص ــاد ريع ــي يعتم ــد‬ ‫عل ــى النف ــط كمص ــدر رئيس ــي يف تأم ــن متطلب ــات اإلقلي ــم‪ ،‬لك ــن‬ ‫األزمـــة االقتصاديـــة التـــي تواجهـــه منـــذ عامـــن دفعـــت بـــه إلـــى‬ ‫البح ــث ع ــن مص ــادر أخ ــرى لتعوي ــض م ــا نق ــص بس ــبب انخف ــاض‬ ‫أســـعار النفـــط‪ ،‬فكانـــت الزراعـــة يف مقدمـــة هـــذه املصـــادر وقـــد‬ ‫وضـــع خطـــة اســـتثمارية يف عـــام ‪2015‬م‪ ،‬لدعـــم قطـــاع الزراعـــة‬ ‫بيـــد أن األزمـــات املاليـــة لـــم تكـــن مبســـتوى اخلطـــة‪ .‬وبحســـب‬ ‫إحصائي ــات وزارة الزراع ــة يف حكوم ــة اإلقلي ــم‪ ،‬فالقط ــاع الزراع ــي‬ ‫يس ــاهم حالي ـاً يف تأم ــن ‪ %10‬م ــن واردات ــه املالي ــة‪ ،‬وه ــي مس ــاهمة‬ ‫ضعيفــة ج ـدًا مقارنــة بالثــروة الزراعيــة التــي ميتلكهــا اإلقليــم فيمــا‬ ‫إذا ُفعل ــت بالش ــكل املطل ــوب‪ .‬كم ــا إن ‪ %90‬م ــن امل ــواد الغذائي ــة يف‬ ‫إقلي ــم كوردس ــتان تس ــتورد م ــن اخل ــارج‪ ،‬وإذا م ــا أراد اإلقلي ــم عن ــد‬ ‫االســـتقالل االعتمـــاد علـــى االكتفـــاء الذاتـــي يف ســـد املتطلبـــات‬ ‫األساســـية مـــن املـــواد الغذائيـــة فإنـــه ســـيحتاج للخمـــس ســـنوات‬ ‫املقبلـــة ثالثـــة ترليونـــات و‪ 30‬مليـــا ًرا و‪ 200‬مليـــون دينـــار" لكـــي‬ ‫يس ــتطيع س ــد احلاج ــات األساس ــية‪ ،‬ناهي ــك أن اإلقلي ــم يعان ــي م ــن‬ ‫نقـــص الســـيولة النقديـــة مـــن العملـــة األجنبيـــة يف ظـــل األزمـــات‬ ‫االقتصاديـــة الداخليـــة‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬القطاع الصناعي‪:‬‬ ‫القط ــاع الصناع ــي يف إقلي ــم كردس ــتان‪ ،‬يعان ــي م ــن تدن ــي بال ــغ‬ ‫يف املس ــتوى العلم ــي يف الهي ــآت واملؤسس ــات احلكومي ــة الت ــي تق ــوم‬ ‫بــإدارة النشــاط الصناعــي‪ ،‬إذ ال يتجــاوز حملــة الشــهادات اجلامعيــة‬ ‫فم ــا ف ــوق أكث ــر م ــن (‪ )%7.60‬ع ــام ‪2007‬م‪ ،‬يف ح ــن يش ــكل حامل ــو‬ ‫الش ــهادة االبتدائي ــة فم ــا دون نس ــبة (‪ ،)%52.57‬وال يختل ــف األم ــر‬ ‫كثيـــ ًرا بالنســـبة للمشـــاريع الصناعيـــة للقطـــاع اخلـــاص‪ ،‬ويرتبـــط‬ ‫باملؤش ــرات أع ــاله تدن ــي إنتاجي ــة العام ــل يف القط ــاع الصناع ــي يف‬ ‫إقلي ــم كردس ــتان‪.‬‬ ‫وبخصـــوص مســـاهمة القطـــاع الصناعـــي يف توليـــد النـــاجت‬ ‫احملل ــي اإلجمال ــي فإن ــه ال يس ــاهم س ــوى ‪ ،%2‬ونس ــتطيع أن نق ــارن‬ ‫مبـــدى مســـاهمة القطـــاع الصناعـــي يف النـــاجت احمللـــي اإلجمالـــي‬ ‫يف كل م ــن مص ــر واألردن وتون ــس‪ %18.6 ،%15.7 ،%25.9 ،‬عل ــى‬ ‫التوال ــي‪ .‬ويعان ــي القط ــاع الصناع ــي م ــن تدن ــي الق ــدرة التنافس ــية‬ ‫مقابـــل املنتجـــات املســـتوردة‪ ،‬ألن القـــدرة التنافســـية تعتمـــد علـــى‬ ‫العدي ــد م ــن العوام ــل كاجل ــودة والس ــعر والتروي ــج وكف ــاءة اإلنت ــاج‬ ‫والتكنلوجي ــا والق ــدرات الفني ــة واملهني ــة للعامل ــن‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬قطاع الخدمات‪:‬‬ ‫إقلي ــم كردس ــتان يق ــع يف دائ ــرة الع ــراق ال ــذي يع ــد م ــن ال ــدول‬

‫‪42‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫عوائد نفط كردستان تودع في البنوك التركية وال يستطيع اإلقليم التخلي عن بغداد‬

‫معوقات الدولة الكردية‪ :‬ليس لكردستان مقومات‬ ‫اقتصاديــة وتكــون تحــت رحمــة دول الجــوار‬ ‫عندمــا نريــد أن نخــوض يف القضيــة الكرديــة وتعقيداتهــا فإننــا نقــف علــى اجلــذور التاريخيــة لهــا‪ ،‬فهــي تعــد مــن القضايــا‬ ‫الشــائكة ســواء علــى مســتوى العــراق وعلــى منطقــة الشــرق األوســط‪ ،‬اذ أن الفــرادة التاريخيــة جلــذور املشــكلة تخبرنــا بــأن‬ ‫القوميــة الكرديــة كغيرهــا مــن القوميــات كانــت مندمجــة ضمــن الدولــة العثمانيــة آنــذاك وكانــوا القــوة الضاربــة يف جميــع‬ ‫احلــروب التــي خاضتهــا األخيــرة فهــم رقــم صعــب يف املعــارك‪ .‬حتــى جــاءت الثــورة العربيــة يف عــام ‪1916‬م‪ ،‬ومــن ثــم اتفاقيــة‬ ‫ســايكس بيكــو ليتــم تقســم املنطقــة بطريقــة عشــوائية مــن جهــة ومدروســة مــن جهــة أخــرى‪ ،‬ومــن بــن املناطــق املدروســة‬ ‫بعنايــة هــو تفتيــت األكــراد فيمــا بــن ‪ 4‬دول هــي تركيــا وســوريا والعــراق باإلضافــة إلــى إيــران‪ ،‬ألنهــم كانــوا قــوة ضاربــة ذات‬ ‫طابــع دينــي صــويف اعتمــد عليهــم األتــراك يف حروبهــم واحلفــاظ علــى امبراطورتيهــم‪.‬‬

‫د‪ .‬سيف الهرمزي‬ ‫ومــن هنــا جــاءت النزعــة القوميــة علــى حســاب النزعــة الدينيــة‬ ‫نزوعــا قوم ًيــا‬ ‫الســيما أن الثــورة العربيــة الكبــرى آنــذاك كانــت تشــكل‬ ‫ً‬ ‫بــارزًا‪ ،‬وبقــى احللــم الكــردي الــذي حتقــق يف "دولــة مهابــاد" يف عــام‬ ‫‪1946‬م‪ ،‬علــى األراضــي اإليرانيــة التــي لــم تســتمر ســوى ‪ 11‬شــه ًرا‪،‬‬ ‫ولــم يحصــل األكــراد علــى مــا يريــدوه إال يف العــراق عندمــا مت‬ ‫إعطاؤهــم احلكــم الذاتــي يف بيــان ‪ 11‬آذار ‪1970‬م‪ ،‬ورغــم ذلــك فــإن‬ ‫النزعــة القوميــة بقــت تشــكل خطـ ًرا علــى وحــدة العــراق وكأن املفتــاح‬ ‫األول حللــم الدولــة هــو مــع وضــع خطــوط العــرض مــن قبــل الواليــات‬ ‫املتحــدة األميركيــة بحجــة حمايــة الشــعب الكــردي والشــيعي مــن‬ ‫النظــام العراقــي إبــان حــرب اخلليــج الثانيــة يف عــام ‪1991‬م‪ ،‬اذ مت‬ ‫وضــع خطــوط حظــر طيــران علــى اجليــش العراقــي‪ ،‬وهــي الثغــرة‬ ‫األولــى يف قيــام وتأســيس التقســيم علــى أســاس املكونــات‪ ،‬وكان‬ ‫األكــراد يف هــذه املرحلــة يف أســوأ األحــوال اقتصاد ًيــا ويعتمــدون‬ ‫بشــكل رئيــس علــى املعونــات واملســاعدات اإلنســانية مــن املنظمــات‬ ‫الدوليــة والــدول الكبــرى إلــى جانــب االعتمــاد علــى التهريــب يف ســد‬ ‫حاجاتهــم الرئيســية الســيما وأن العــراق آنــذاك كان يعيــش مرحلــة‬ ‫احلصــار االقتصــادي الــذي أثــر علــى كل الشــعب العراقــي وليــس‬ ‫الكــردي فحســب‪ .‬ولــم يكــن حتــت ســيطرة العــراق ســوى كركــوك‬ ‫الغنيــة بالنفــط التــي تعــد الشــريان الثانــي بعــد البصــرة مــن حيــث‬ ‫االحتيــاط واإلنتــاج‪.‬‬

‫وبعــد عــام ‪2003‬م‪ ،‬دخــل الكــرد املشــهد السياســي العراقــي‬ ‫بقــوة وفرضــوا أنفســهم كشــركاء يف إدارة البلــد وحصلــوا علــى‬ ‫شــبه اســتقالل يف جميــع حقوقهــم فهنــاك ‪ %17‬مــن امليزانيــة‬ ‫مخصصــة حملافظــات إقليــم كردســتان أربيــل‪ ،‬ســليمانية‪ ،‬دهــوك‪.‬‬ ‫وجميــع املطــارات واملنافــذ احلدوديــة هــي خــارج ســيطرة احلكومــة‬ ‫املركزيــة بــل أن جميــع الثــروات النفطيــة يف احملافظــات الثــالث غيــر‬ ‫خاضعــة لرقابــة احلكومــة املركزيــة‪ ،‬باإلضافــة إلــى ذلــك فــإن رئيــس‬ ‫مخصصــا للقوميــة‬ ‫اجلمهوريــة مــن األكــراد الــذي أصبــح منص ًبــا‬ ‫ً‬ ‫الكرديــة عر ًفــا وليــس دســتور ًيا‪ ،‬فض ـ ً‬ ‫ال عــن أن أكثــر مــن ‪ 3‬وزارات‬ ‫يف حكومــة بغــداد مــن األكــراد إلــى جانــب وكيــل كــردي يف كل وزارة‬ ‫عراقيــة ناهيــك عــن أن رواتــب البيشــمركة (القــوى املكلفــة بحمايــة‬ ‫اإلقليــم) غيــر خاضعــة إلمــرة وزارة الدفــاع العراقيــة وال تأمتــر‬ ‫بأمرهــا وهــي تســتلم كمؤسســة رواتبهــا مــن حكومــة املركــز‪.‬‬ ‫جميــع هــذه احلقــوق التــي حصــل عليهــا األكــراد يف هــذه املرحلــة‬ ‫اســتطاعوا بنــاء مقومــات دولــة واســتقطاب كبــرى الشــركات يف‬ ‫مختلــف املجــاالت الطاقويــة واالنشــائية والســياحية‪ ،‬ممــا جعــل مــن‬ ‫قياســا بباقــي احملافظــات‬ ‫منوذجــا حضار ًيــا مه ًمــا‬ ‫إقليــم كردســتان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫التــي تعانــي مــن اإلهمــال والفســاد وهــذه األمــور جعلــت مــن اإلقليــم‬ ‫محطــة جلــذب االســتثمارات احملليــة واألجنبيــة يف تطويــر البنــى‬ ‫التحتيــة ومــال ًذا آم ًنــا لــكل املهمشــن واملطلوبــن مــن قبــل حكومــة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪41‬‬

‫ملف العدد‬

‫تركيـــا تســـتثمر يف اإلقليـــم ‪ 40‬مليـــار دوالر تمتلكهـــا ‪1300‬‬ ‫شــركة تســاهم بـــ ‪ %70‬مــن اقتصــاد اإلقليــم وتشــغل ‪ 200‬ألــف عامــل‬ ‫‪ -2‬تســليم املنافــذ احلدوديــة واملطــارات وإخضاعهــا لســلطات‬ ‫احلكومــة االحتاديــة التــي نــص عليهــا الدســتور‪.‬‬ ‫‪ -3‬تســليم النفــط املنتــج مــن حقــول اإلقليــم وحقــول كركــوك إلــى‬ ‫شــركة تســويق النفــط الوطنيــة (ســومو) مقابــل تعهــد احلكومــة‬ ‫االحتاديــة بدفــع رواتــب موظفــي اإلقليــم بعــد تقــدمي حكومــة اإلقليــم‬ ‫كشــوفات بأعدادهــم وأســمائهم ومواقــع عملهــم‪.‬‬ ‫‪ -4‬تســـوية املســـتحقات املاليـــة املترتبـــة علـــى حكومـــة اإلقليـــم‬ ‫الناجتـــة عـــن اإليـــرادات الســـيادية غيـــر املســـددة للحكومـــة‬ ‫االحتاديـــة كالضرائـــب االحتاديـــة والرســـوم اجلمركيـــة املتحصلـــة‬ ‫منـــذ عـــام ‪.2004‬‬ ‫‪ -5‬إخضــاع الدوائــر املاليــة لســلطة األجهــزة الرقابيــة االحتاديــة‬ ‫كديــوان الرقابــة املاليــة وتدقيــق ســجالتها املاليــة منــذ عــام ‪2004‬م‪.‬‬ ‫‪ -6‬االنســحاب مــن األراضــي املتنــازع عليهــا وتســليمها لســلطات‬ ‫احلكومــة االحتاديــة علــى أن تشــكل لهــا الح ًقــا إدارات مشــتركة‪.‬‬ ‫‪ -7‬حــ ــل الـمـشــاكـ ــل الـسـيـاسـيـ ــة واالقـتـصـاديـ ــة مـسـتـقـبـ ـ ً‬ ‫ـال وـ ــفق‬ ‫الدســـتور العراقـــي‪.‬‬

‫ولك ــن يبق ــى جن ــاح ه ــذا اخلي ــار مرهون ــا باملوق ــف الترك ــي‬ ‫ومـــدى جديتـــه يف تطبيـــق العقوبـــات االقتصاديـــة كونـــه يعتمـــد‬ ‫عل ــى أكث ــر م ــن نص ــف نف ــط اإلقلي ــم املص ــدر س ــواء عب ــر أنب ــوب‬ ‫التصديـــر أو املنقـــول بالصهاريـــج‪ ،‬كمـــا أن الشـــركات التركيـــة‬ ‫العاملـــة يف اإلقليـــم واســـتثماراتها الكبيـــرة رمبـــا ســـتؤثر علـــى‬ ‫الق ــرار السياس ــي الترك ــي‪ .‬إضاف ــة إل ــى أن غل ــق املعب ــر احل ــدودي‬ ‫يف إبراهي ــم اخللي ــل ميك ــن أن يس ــبب له ــا مش ــاكل أمني ــة كبي ــرة يف‬ ‫محافظ ــات جن ــوب تركي ــا الكردي ــة لتعط ــل أع ــداد كبي ــرة ش ــبابها‬ ‫م ــن س ــائقي ش ــاحنات النق ــل الب ــري الت ــي تنق ــل الس ــلع والبضائ ــع‬ ‫ب ــن تركي ــا واإلقلي ــم‪.‬‬

‫* أﺳـــﺘﺎذ اﻟﻌﻼﻗـــﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳـــﺔ اﳌﺴـــﺎﻋﺪ ‪ -‬ﻛﻠﻴـــﺔ اﻹدارة واﻻﻗﺘﺼـــﺎد ‪/‬‬ ‫اﻟﺠﺎﻣﻌـــﺔ اﻟﻌﺮاﻗﻴـــﺔ‬

‫‪40‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫أزمــة حــادة يف امليــاه يف وســط وجنــوب العــراق الــذي يعانــي أصــال‬ ‫مــن شــحة امليــاه الصاحلــة للشــرب‪.‬‬ ‫ اســتيالء حكومــة اإلقليــم علــى حقــول نفــط كركــوك وبعــض احلقول‬‫يف أراضــي املناطــق املتنــازع عليهــا إذا مــا ضمــت إلــى اإلقليــم فــإن‬ ‫العــراق سيخســر مــا يقــرب مــن ‪ 24‬مليــار برميــل مــن احتياطاتــه‬ ‫النفطيــة‪ ،‬كمــا سيخســر ‪550‬ألــف برميــل إنتــاج يومــي مــن النفــط‬ ‫اخلفيــف عــدا الغــاز‪.‬‬ ‫ خســارة مركــز أربيــل يف توريــد الذهــب إلــى وســط وجنــوب العــراق‬‫بســبب عــدم ســماح القوانــن الوطنيــة بانتقالــه إال عبــر البنــك‬ ‫املركــزي‪.‬‬ ‫ خســارة مواقــع ســياحية وترفيهيــة تســتقبل ســنو ًيا مــن ‪ 600‬ألــف‬‫إلــى مليــون ســائح ســنو ًيا مــن وســط وجنــوب العــراق‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اآلثار االقتصادية املترتبة على حكومة اإلقليم‪:‬‬ ‫من السابق ألوانه أن يستقل إقليم كردستان فعل ًيا‪ ،‬فاألمر يحتاج‬ ‫من سنتن إلى ثالث سنوات لفض املتعلقات مع احلكومة االحتادية‬ ‫يف بغداد‪ .‬حيث أن إقدام حكومة اإلقليم على إعالن االنفصال بدون‬ ‫احلصول على التأييد الدولي ودعم دول اجلوار بالتأكيد مخاطرة‬ ‫كبيرة ستعرض الدولة الوليدة إلى مشاكل جمة فتجربة جنوب‬ ‫السودان أنتجت دولة فاشلة رغم امتالكها النفط والتأييد الدولي‪.‬‬ ‫ومبجــرد تنفيــذ االســتفتاء فــإن دول اجلــوار (تركيــا وإيــران)‬ ‫اتخــذت إجــراءات عقابيــة أشــد مــن إجــراءات احلكومــة املركزيــة‬ ‫حتــى وإن كانــت إعالميــة كــون االنفصــال يهــدد أمــن هــذه الــدول‬ ‫القومــي‪ .‬وبالتأكيــد ســتزداد حــدة إذا مــا أقدمــت علــى إعــالن‬ ‫االنفصــال وعــدم التراجــع بإلغــاء االســتفتاء ونتائجــه والتــي ميكــن‬ ‫إيجــاز أهــم اآلثــار الســلبية علــى اإلقليــم بـــ‪:‬‬ ‫ إعــالن احلكومــة التركيــة عــن وقــف عبــور وتصديــر النفــط عبــر‬‫أراضيهــا إلــى الــدول املســتهلكة يف أوروبــا وكذلــك منــع تهريــب ‪100‬‬ ‫ألــف برميــل يوم ًيــا بالشــاحنات عبــر األراضــي اإليرانيــة‪ .‬ســيؤدي‬ ‫إلــى خســارة ‪ %85‬مــن إيراداتهــا كمــا يــؤدي ذلــك إلــى عجــز حكومــة‬ ‫اإلقليــم عــن دفــع مســتحقات الشــركات النفطيــة األجنبيــة‪.‬‬ ‫ اإلعــالن عــن غلــق املنافــذ احلدوديــة البريــة وتســليمها للســلطات‬‫االحتاديــة يف بغــداد ســيؤدي إلــى منــع دخــول ‪ 5000‬شــاحنة تنقــل‬ ‫املــواد الغذائيــة والطبيــة والتجاريــة املختلفــة مــن تركيــا فقــط‪ ،‬األمــر‬ ‫الــذي يعنــي شــحة يف املــواد األساســية وانهيــار األســواق وارتفــاع‬ ‫معــدالت التضخــم‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ احتماليــة ســحب تركيــا الســتثماراتها يف اإلقليــم التــي تقــدر بـــ ‪40‬‬‫مليــار دوالر متتلكهــا أكثــر مــن ‪ 1300‬شــركة تركيــة أو جتميــد عملهــا‪،‬‬ ‫وهــي تســاهم بنحــو ‪ %70‬مــن اقتصــاد اإلقليــم وتشــغل أكثــر مــن ‪200‬‬ ‫ألــف عامــل‪.‬‬ ‫ حرمــان محافظــات اإلقليــم ومرافقهــا الســياحية مــن أكثــر مــن‬‫‪ 600‬ألــف ســائح ســنو ًيا سيشــكل ضربــة موجعــة لقطــاع الســياحة يف‬ ‫اإلقليــم عــدا رســوم الدخــول لإلقليــم‪.‬‬ ‫ إعــادة تشــغيل خــط النفــط الرابــط لنفــط كركــوك باخلــط‬‫االســتراتيجي عبــر محافظــة نينــوى وحرمــان اإلقليــم مــن اســتغالله‬ ‫كونــه جــزء مــن ممتلــكات وزارة النفــط االحتاديــة‪.‬‬ ‫ إعــادة تشــغيل خــط التجــارة بــن تركيــا وبغــداد عبــر أراضــي‬‫محافظــة نينــوى وبالقــرب مــن احلــدود الدوليــة مــع ســوريا دون‬ ‫املــرور بأراضــي اإلقليــم ســيحرم حكومــة اإلقليــم مــن اإليــرادات‬ ‫اجلمركيــة أو رســوم املــرور عبــر أراضيهــا‪.‬‬ ‫ منــع حركــة الطيــران املدنــي جتــاه اإلقليــم يعنــي حرمــان اإلقليــم‬‫مــن التواصــل مــع العالــم اخلارجــي خاصــة وأن الــدول احمليطــة بــه‬ ‫هــي رافضــة ومعاديــة لالســتقالل (العــراق وتركيــا وإيــران وســوريا)‪.‬‬

‫راب ًعـــا‪ :‬الخيـــارات والبدائـــل االقتصاديـــة الممكنـــة ومســـتقبل‬ ‫االقتصـــاد العراقـــي يف المتغيـــرات الجديـــدة‪:‬‬ ‫يف ظــل املتغيــرات السياســية واالقتصاديــة الســابقة ويف ضــوء‬ ‫اإلجــراءات اإلداريــة التــي اتخذتهــا احلكومــة االحتاديــة بالتعــاون‬ ‫والتنســيق مــع دول اجلــوار لإلقليــم تركيــا وإيــران وتهديداتهــم‬ ‫املســتمرة حلكومــة اإلقليــم بإمكانيــة تشــديد العقوبــات االقتصاديــة‬ ‫واحتماليــة التدخــل العســكري ملنــع قيــام دولــة كردســتان لذلــك فــإن‬ ‫اخليــارات تنحصــر يف اخليــارات التاليــة‪:‬‬ ‫اخليــار األول‪ :‬املض ــي بإع ــالن الدول ــة الكردي ــة وحتم ــل عواق ــب‬ ‫العقوبـــات االقتصاديـــة والعســـكرية التـــي قـــد تـــؤدي إلـــى تفـــكك‬ ‫وح ــدة اإلقلي ــم ونش ــوب نزاع ــات داخلي ــة ب ــن األح ــزاب الكردي ــة‬ ‫كم ــا حص ــل يف ع ــام ‪1996‬م‪ ،‬أو نش ــوب ح ــرب جدي ــدة ق ــد تعص ــف‬ ‫بأم ــن املنطق ــة اإلقليم ــي وت ــؤدي إل ــى انهي ــار حل ــم إقام ــة الدول ــة‬ ‫الكردي ــة ملئ ــة س ــنة قادم ــة‪.‬‬ ‫اخليــار الثانــي‪ :‬االســتجابة إلــى مطالبــات احلكومــة االحتاديــة‬ ‫يف بغــداد وحكومــات دول اجلــوار املتمثلــة بـــ‪:‬‬ ‫‪ -1‬إلغــاء نتائــج االســتفتاء والعــودة إلــى طاولــة احلــوار مــع احلكومــة‬ ‫االحتاديــة دون قيــد أو شــرط‪.‬‬

‫اســتيالء كردســتان عــى نفــط كركــوك والمناطــق المتنــازع عليهــا‬ ‫يفقــد العــراق ‪ 24‬مليــار برميــل مــن احتياطاته وخســارة ‪ 550‬ألف يوم ًيا‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ يعانــي اقتصــاد اإلقليــم مــن اختــالالت هيكليــة واضحــة نتيجــة‬‫لهيمنــة قطــاع اخلدمــات علــى النشــاط االقتصــادي ودون توفــر جهــاز‬ ‫إنتاجــي ( زراعــي وصناعــي) متطــور ومــرن‪ ،‬ممــا يعنــي وجــود ســيولة‬ ‫نقديــة تشــكل قــوة شــرائية تزيــد مــن ضغــوط الطلــب احمللــي الــذي‬ ‫يلبــى بالســلع املســتوردة‪.‬‬ ‫ إن إقليــم كردســتان شــبه املســتقل عــن العــراق منــذ عــام ‪1991‬م‪،‬‬‫لــم يســتطع تنويــع اقتصــاده علــى الرغــم مــن االســتقرار األمنــي‬ ‫الكبيــر الــذي متتــع بــه مقارنــة مــع باقــي احملافظــات‪ .‬فقــد أدى تزايــد‬ ‫االعتمــاد علــى الريــع النفطــي إلــى تشــويه الهيــكل اإلنتاجــي القتصــاد‬ ‫اإلقليــم املتمثــل بتراجــع النشــاط الزراعــي وتخلــف اإلنتــاج احلــريف‬ ‫وغيــاب الصناعــة التحويلــة‪.‬‬ ‫ اتســاع االســتيراد الســلعي وإغــراق األســواق احملليــة بالســلع‬‫املســتوردة التــي عمقــت انكشــاف اقتصــاد اإلقليــم علــى اخلــارج‪.‬‬ ‫خصوصــا البطالــة بــن الشــباب إلــى أكثــر‬ ‫ تزايــد معــدالت البطالــة‬‫ً‬ ‫مــن ‪ %40‬وكذلــك تزايــد معــدالت الفقــر‪.‬‬ ‫ تفشــي ظاهــرة الفســاد اإلداري واملالــي وانعــدام الشــفافية واملســاءلة‬‫يف اإلقليــم الــذي يظهــر بصــورة احملســوبية واملنســوبية يف التوظيــف‬ ‫بعيـدًا عــن التخصــص والكفــاءة مــن جهــة وضعف الرقابــة على الصرف‬ ‫والتنفيــذ ومســتوى اجلــودة واجلــدوى االقتصاديــة مــن جهــة أخــرى‪ .‬بدد‬ ‫الكثيــر مــن املــوارد يف مشــاريع وهميــة أو مضخمــة التكاليــف‪.‬‬ ‫‪ -٢‬املشاكل السياسية واالقتصادية التي تواجه حكومة اإلقليم‪:‬‬ ‫ عــدم التوافــق بــن األحــزاب الكرديــة بســبب اعتقــاد البعــض منهــم‬‫بتفــرد الســيد رئيــس اإلقليــم املنتهيــة واليتــه يف إدارة اإلقليــم والــذي‬ ‫أدى إلــى تعطــل برملــان اإلقليــم‪.‬‬ ‫ تصديــر وتأجيــل املشــاكل الداخليــة مــع اقتــراب موعــد االنتخابــات‬‫لرئاســة اإلقليــم والبرملــان ومجالــس محافظــات اإلقليــم يف النصــف‬ ‫األول مــن شــهر نوفمبــر‪ /‬تشــرين الثانــي ‪2017‬م‪ ،‬بخلــق عــدو جديــد‬ ‫يهــدد أمــن اإلقليــم‪.‬‬ ‫ األزمــة االقتصاديــة اخلانقــة التــي ضربــت اإلقليــم منــذ أكثــر مــن‬‫ثــالث ســنوات بعــد أن قطعــت احلكومــة االحتاديــة حصــة اإلقليــم‬ ‫مــن املوازنــة العامــة البالغــة ‪ %17‬ســنو ًيا لعــدم التــزام حكومــة اإلقليــم‬ ‫بتســليم النفــط املنتــج يف كركــوك واإلقليــم البالــغ ‪ 550‬ألــف برميــل‬ ‫يوم ًيــا إلــى شــركة تســويق النفــط الوطنيــة (ســومو)‪.‬‬ ‫ تعط ــل العدي ــد م ــن املش ــاريع االس ــتثمارية وتع ــذر دف ــع روات ــب‬‫موظفـــي اإلقليـــم وراتـــب قـــوات حـــرس اإلقليـــم (البيشـــمركة)‬ ‫بش ــكل منتظ ــم نتيج ــة لقط ــع حكوم ــة بغ ــداد حص ــة اإلقلي ــم م ــن‬ ‫املوازن ــة العام ــة وانهي ــار أس ــعار النف ــط العاملي ــة الت ــي بات ــت رهين ــة‬ ‫ملبيع ــات النف ــط‪.‬‬ ‫‪ -‬تزايــد مديونيــة اإلقليــم إلــى أكثــر مــن ‪ 22‬مليــار دوالر وعــدم تعهــد‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪39‬‬

‫ملف العدد‬

‫احلكومــة االحتاديــة بدفعهــا باعتبــار أن هــذه الديــون متــت دون علــم‬ ‫أو موافقــة احلكومــة االحتاديــة‪.‬‬ ‫ تزايــد االلتزامــات املاليــة حلكومــة اإلقليــم جتــاه الشــركات النفطية‬‫العاملــة لديهــا والتــي كانــت تســتقطع مســتحقاتها مــن النفــط املنتــج‬ ‫واملصــدر عبــر مينــاء جيهــان التركــي‪.‬‬ ‫ تبنــي حكومــة اإلقليــم سياســة االنفــراد بالقــرارات النفطيــة‬‫بعيـدًا عــن حكومــة بغــداد بالتعاقــد مــع الشــركات النفطيــة بأســلوب‬ ‫املشــاركة يف اإلنتــاج كمــا منحــت عقــو ًدا لهــذه الشــركات يف مناطــق‬ ‫متنــازع عليهــا ليســت تابعــة لإلقليــم‪.‬‬ ‫ اســتقبال أكثــر مــن مليونــي نــازح عراقــي وســوري يف محافظــات‬‫اإلقليــم ومبــا يعــادل ‪ %30‬ثلــث ســكان اإلقليــم‪.‬‬

‫ثال ًث ــا‪ :‬اآلث ــار االقتصادي ــة المتوقع ــة لإلع ــالن انفص ــال اإلقلي ــم‬ ‫ع ــى الحكوم ــة االتحادي ــة واإلقلي ــم‪:‬‬ ‫ال شــك أن انفصــال اإلقليــم وإعالنــه كدولــة ســوف يتــرك آثــا ًرا‬ ‫ســلبية علــى الطرفــن ميكــن إيجازهــا بـــ‪:‬‬ ‫أ‪ -‬اآلثار االقتصادية املترتبة على احلكومة االحتادية‪:‬‬ ‫أدى تفــرد حكومــة اإلقليــم بالقــرارات االقتصاديــة والسياســية‬ ‫والتص ــرف كدول ــة مس ــتقلة بع ــد ع ــام ‪2006‬م‪ ،‬بعق ــد االتفاقي ــات‬ ‫االقتصادي ــة م ــع الش ــركات وال ــدول واالقت ــراض اخلارج ــي دون‬ ‫الرجـــوع أو التشـــاور مـــع حكومـــة بغـــداد مســـتغلة الصراعـــات‬ ‫واخلالف ــات السياس ــية ب ــن املك ــون العرب ــي (الس ــني والش ــيعي)‬ ‫عل ــى الس ــلطة واعتب ــار الطرف ــن أن األك ــراد ه ــم مك ــون الت ــوازن‬ ‫أو كم ــا يطل ــق علي ــه بيض ــة القب ــان فكان ــت احلكوم ــات ال تش ــكل‬ ‫إال بالتواف ــق م ــع األك ــراد لذل ــك غض ــت حكوم ــة املرك ــز الط ــرف‬ ‫ع ــن جت ــاوزات حكوم ــة اإلقلي ــم ومنه ــا تخصي ــص م ــا نس ــبته ‪%17‬‬ ‫مــن املوازنــة العامــة لإلقليــم بعــد أن كانــت ‪ %13‬يف عــام ‪2006‬م‪،‬‬ ‫رغ ــم ع ــدم التزامه ــا بتس ــليم النف ــط املنت ــج فيه ــا وكذل ــك ع ــدم‬ ‫تســـديد اإليـــرادات الضريبيـــة واجلمركيـــة املتحققـــة يف اإلقليـــم‬ ‫حلكوم ــة املرك ــز من ــذ ع ــام ‪2003‬م‪ ،‬إضاف ــة إل ــى ع ــدم الس ــماح‬ ‫للمؤسســـات الرقابيـــة االحتاديـــة بتدقيـــق ســـجالت اإلقليـــم‬ ‫املاليـــة مثـــل ديـــوان الرقابـــة املاليـــة أو البنـــك املركـــزي رغـــم‬ ‫أنـــه ميتلـــك فرعـــن يف أربيـــل والســـليمانية واســـتولت عليهمـــا‬ ‫حكوم ــة اإلقلي ــم من ــذ ع ــام ‪2014‬م‪.‬‬ ‫إن انفصــال اإلقليــم وإعالنــه كدولــة مســتقلة ســوف يخلــف آثــا ًرا‬ ‫تختلــف يف تأثيرهــا مــن قطــاع آلخــر علــى االقتصاد العراقــي تتمثل بـ‪:‬‬ ‫ ســيطرة حكومــة اإلقليــم علــى مجــرى نهــر دجلــة وروافــده‪ ،‬حيــث‬‫أنشــأت أكثــر مــن ‪ 15‬سـدًا علــى روافــد النهــر خــالل العشــر ســنوات‬ ‫املاضيــة إضافــة إلــى ســيطرتها علــى ســد املوصــل وتهديــدات الكــرد‬ ‫بقط ــع املي ــاه ع ــن بغ ــداد إذا م ــا اتخ ــذت إج ــراءات عقابي ــة سيس ــبب‬

‫‪38‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪ 22‬مليــار دوالر مديونيــة كردســتان وعــدم تعهــد الحكومة االتحادية‬ ‫بدفعهـــا باعتبـــار أن هـــذه الديـــون تمـــت دون علمهـــا أو موافقتهـــا‬ ‫‪ 6,920‬تـرلـيون ديـنـار‬ ‫ الوزارات األخرى‬‫‪ 1,116‬ترليون ديـنـار‬ ‫ املؤسسات غير املرتبطة بوزارة‬‫(‪ )1,449‬ترليون دينار‬ ‫ النقد املفقود يف مؤسسات البنك‬‫املركزي ومصريف الرافدين والرشيد وديوان الرقابة املالية‬ ‫ب‪ -‬اخلسائر التي تكبدتها احملافظات‪:‬‬ ‫كانــت قيمــة اخلســائر املاديــة التــي تكبدتهــا احملافظــات جــراء‬ ‫تدميــر بناهــا التحتيــة عــدا محافظــة نينــوى يف قطاعــات الطــرق‬ ‫واجلســور والتربيــة والتعليــم والصحــة ومحطــات الكهربــاء ومحطــات‬ ‫املــاء وشــبكات الصــرف الصحــي تقــدر بـــ ( ‪ ),152,440‬مليــار دينــار‬ ‫عراقــي كمــا يف تقريــر وزارة التخطيــط توزعــت كاالتــي‪:‬‬ ‫‪ 106,935‬مليار دينار‬ ‫ محافظة األنبار‪:‬‬‫‪ 35,835‬ملـيار ديـنـار‬ ‫ محافظة صالح الدين‪:‬‬‫‪ 5,280‬مـلـيـار ديـــنــار‬ ‫ محافظة كركوك‪:‬‬‫‪ 4,388‬مــلــيـار ديـنـار‬ ‫ محافظة ديالى‪:‬‬‫‪ 1,166‬مــلــيـار ديـنـار‬ ‫ محافظة كربالء‪:‬‬‫ج‪ -‬تكاليف عمليات حترير احملافظات‬ ‫تشــير التقديــرات األوليــة إلــى أن تكاليــف العمليــات العســكرية‬ ‫وعمليــات التحريــر للمحافظــات ديالــى وصــالح الديــن واألنبــار تقــدر‬ ‫بـــ (‪ )40‬مليــار دوالر‪ ،‬ويزيــد الرقــم عــن الـــــ (‪ )50‬مليــار دوالر إذا مــا‬ ‫أضفنــا إليــه تكاليــف العمليــات العســكرية وعمليــات حتريــر املوصــل‪.‬‬ ‫د‪ -‬تكاليف قوات التحالف‪:‬‬ ‫بلغــت تكاليــف قــوات التحالــف الدولــي (‪ )11,700‬مليــار دوالر‬ ‫للفتــرة مــن ‪ 2014/8/8‬ولغايــة ‪ 2017/2/15‬م‪ ،‬مبعــدل يومــي يبلــغ‬ ‫(‪ )12,7‬مليــون دوالر عــن‪:‬‬ ‫ قيمة الذخائر واألعتدة املجهزة للحكومة العراقية‪.‬‬‫ عمليات الطيران اليومية االستطالعية والقتالية‪.‬‬‫ التدريب والصيانة والوقود‪.‬‬‫ تكاليف دعم القوات البحرية للقوات املقاتلة‪.‬‬‫هـ‪ -‬خسائر األفراد‪:‬‬ ‫تزيــد تقديــرات قيمــة خســائر األفــراد بـــ (‪ )6,500‬مليــار دوالر‬ ‫الناجمــة عــن تدميــر ممتلكاتهــم الشــخصية ســواء املنــازل والشــقق‬ ‫الســكنية التــي يزيــد عددهــا عــن ‪ 250‬ألف وحدة ســكنية توزعت على‪:‬‬

‫ نينوى أكثر من ‪ 100‬ألف وحدة سكنية‪.‬‬‫ األنبــار أكثــر مــن ‪ 90‬ألــف وحــدة ســكنية والتــزال أقضيــة وراوه‬‫والقائــم غيــر محــررة‪.‬‬ ‫ صالح الدين أكثر من ‪ 50‬ألف وحدة سكنية‪.‬‬‫ إضافــة إلــى عشــرات الــورش واملعامــل والفنــادق والســيارات‬‫واملقتنيــات الشــخصية‪.‬‬ ‫‪ :٢‬اخلسائر املادية غير املباشرة‪:‬‬ ‫أدى احتــالل داعــش لهــذه احملافظــات إلــى هجــرة ونــزوح أغلــب‬ ‫ســكانها الــذي قــدر بأكثــر مــن (‪ )3,600‬مليــون نــازح‪ ،‬وهــم يف الغالــب‬ ‫ممــن ميتهنــون الزراعــة األمــر الــذي أدى بهــم إلــى تــرك مزارعهــم‬ ‫ملــدة زادت عــن الثــالث ســنوات يف بعــض املناطــق وقــد ال يســتطيعون‬ ‫زراعــة أراضيهــم عنــد العــودة نتيجــة ســرقة معداتهــم ومكائنهــم‬ ‫الزراعيــة إضافــة إلــى تلــوث معظــم أراضيهــم ومزارعهــم باأللغــام‬ ‫والعبــوات الناســفة خاصــة وأن هــذه احملافظــات منتجــة للحبــوب‬ ‫والفواكــه واخلضــار الــذي يســد جــز ًءا مه ًمــا مــن حاجــة الســوق‬ ‫احملليــة إضافــة إلــى تغيــر منــط حياتهــم املعيشــي وحتــول قســما‬ ‫منهــم للعمــل يف املدينــة‪ .‬فقــد قــدرت وزارة الزراعــة خســائرها مــن‬ ‫محصــول احلنطــة يف محافظــة نينــوى مبليــون طــن يف عــام ‪2017‬م‪،‬‬ ‫إضافــة إلــى خســارة نصــف مليــون طــن يف محافظــة صــالح الديــن‬ ‫وهــي تغطــي أكثــر مــن ‪ %40‬مــن حاجــة العــراق مــن احلبــوب‪.‬‬

‫ثان ًي ــا‪ :‬حل ــم الدول ــة الكردي ــة واألض ــرار االقتصادي ــة المتوقع ــة‬ ‫يف ح ــال تحق ــق االنفص ــال الك ــردي‪:‬‬ ‫لــم يكــن تاريــخ ‪2017/9/25‬م‪ ،‬تاريخ إجراء االســتفتاء لالنفصال‬ ‫وحتقيــق حلــم الدولــة الكرديــة هــو األول بــل ســبقه اســتفتاء يف‬ ‫كانــون األول مــن عــام ‪2005‬م‪ ،‬تاريــخ إجــراء أول انتخابــات برملانيــة‬ ‫يف العــراق بعــد التغييــر وقــد كانــت نتائجــه متوافقــة مــع مــا جــرى‬ ‫يف أيلــول‪ /‬ســبتمبر ‪2017‬م‪ ،‬ولكنــه يأتــي يف وقــت عصيــب ميــر بــه‬ ‫اإلقليــم إذ يشــهد الكثيــر مــن األزمــات والصراعــات ســواء كانــت‬ ‫داخليــة أو خارجيــة اقتصاديــة أو سياســية أهمهــا‪:‬‬ ‫‪ -1‬املشاكل االقتصادية إلقليم كردستان‪:‬‬ ‫ اقتصــاد اإلقليــم هــو اقتصــاد ريعــي مثلــة مثــل اقتصــاد العــراق‬‫يعتمــد علــى مــا يحققــه مــن عوائــد نفطيــة لتمويــل نفقــات املوازنــات‬ ‫العامــة حلكومــة اإلقليــم التــي تشــكل اإليــرادات النفطيــة مــا نســبته‬ ‫‪ %85‬مــن مجمــل إيراداتهــا‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪37‬‬

‫ملف العدد‬

‫‪ 24.3‬مليار دوالر خسائر الحكومة و‪ 152‬مليار دينار ضرر املرافق العراقية‬

‫قـــوات التحالـــف حصلـــت عـــى ‪11.770‬‬ ‫مـــلــيــار دوالر فــي حــرب داعــش‬ ‫تعــرض االقتصــاد العراقــي إلــى أزمــات خطيــرة كادت تعصــف بكيــان الدولــة وتفككهــا فمــع احتــالل التنظيمــات اإلرهابيــة‬ ‫(داعــش) لثلــث مســاحة العــراق وقطــع طــرق التجــارة واملواصــالت الرابطــة بــن بغــداد وتركيــا وعمــان ودمشــق وهجــرة‬ ‫ونــزوح أكثــر مــن ثالثــة ماليــن مواطــن‪ ،‬حتــى انهيــار أســعار النفــط العامليــة التــي انعكســت يف آثارهــا علــى عجــز كبيــر يف‬ ‫إيــرادات املوازنــة العامــة التــي لــم تعــد كافيــة لتلبيــة احتياجــات النفقــات التشــغيلية املتمثلــة بالرواتــب واألجــور إضافــة إلــى‬ ‫احلاجــة إلــى متويــل العمليــات العســكرية إليقــاف زحــف هــذه التنظيمــات اإلرهابيــة علــى بغــداد‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد الرحمن جنم املشهداني‬ ‫ومــا أن شــارفت معــارك التحريــر علــى االنتهــاء إلعــالن النصــر‬ ‫حتــى بــادرت حكومــة إقليــم كردســتان إلــى إعــالن موع ـدًا الســتفتاء‬ ‫الشــعب الكــردي يف العــراق لتقريــر مصيــره وحتقيــق حلــم قيــام‬ ‫الدولــة الكرديــة‪ ،‬وهــو بــال شــك قــرار ســيغير مــن خارطــة املنطقــة‬ ‫اجليوسياســية وســيترك آثــا ًرا اقتصاديــة وسياســية واجتماعيــة علــى‬ ‫العــراق ودول املنطقــة‪ .‬ولدراســة هــذا املوضــوع وآثــاره االقتصاديــة‬ ‫قســم املوضــوع إلــى احملــاور التاليــة‪:‬‬ ‫أو ًال‪ :‬حرب التحرير واألضرار االقتصادية التي حلقت باالقتصاد العراقي‪.‬‬ ‫ثانيــا‪ :‬حلــم الدولــة الكرديــة واألضــرار االقتصاديــة املتوقعــة يف حــال‬ ‫ً‬ ‫حتقــق االنفصــال الكــردي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثالثــا‪ :‬اآلثــار االقتصاديــة املتوقعــة إلعــالن انفصــال اإلقليــم علــى‬ ‫احلكومــة االحتاديــة واإلقليــم‪.‬‬ ‫رابعــا‪ :‬اخليــارات والبدائــل االقتصاديــة املمكنــة ومســتقبل االقتصــاد‬ ‫ً‬ ‫العراقــي يف املتغيــرات اجلديــدة‬

‫أوالً‪ :‬حـ ــرب الـتـحـريـ ــر واألضـ ــرار االقـتـصـاديـ ــة الـتـ ــي لـحـقـ ــت‬ ‫باالقتص ــاد الـعـراقـ ــي‬ ‫يف صباح يوم الثالثاء املوافق ‪2014/6/10‬م‪ ،‬فوجئ العراقيون‬ ‫باحتالل مدنهم من قبل التنظيمات اإلرهابية (داعش) يف محافظات‬ ‫نينوى وصالح الدين وديالى واألنبار وكركوك وانهيار املؤسسة العسكرية‬ ‫واملدنية التي تقود هذه احملافظات‪ ،‬كما أدى ذلك إلى هجرة ونزوح‬ ‫عشرات اآلالف من املواطنن إلى محافظات إقليم كردستان وبغداد‪.‬‬

‫إن طــول معركــة التحريــر التــي اســتمرت أكثــر مــن ثــالث‬ ‫ســنوات كبــدت العــراق خســائر جســيمة أثــرت علــى البرامــج‬ ‫التنمويــة واالســتثمارية للحكومــة العراقيــة خاصــة وأنهــا تزامنــت مــع‬ ‫االنخفــاض احلــاد يف أســعار النفــط العامليــة التــي أدت إلــى تراجــع‬ ‫العوائــد النفطيــة إلــى الثلــث تقري ًبــا‪ .‬وبغيــة الوقــوف علــى إجمالــي‬ ‫اخلســائر التــي تكبدتهــا هــذه احملافظــات تناولــت الدراســة املوضــوع‬ ‫مــن اجلوانــب التاليــة‪:‬‬ ‫‪ :1‬اخلسائر املباشرة‪:‬‬ ‫أ‪ -‬خسائر الوزارات واملؤسسات احلكومية‪:‬‬ ‫ووف ًقـــا لتقريـــر اللجنـــة املكلفـــة بتدقيـــق وتوحيـــد األضـــرار‬ ‫التـــي حلقـــت مبؤسســـات الدولـــة الصـــادر عـــن وزارة التخطيـــط‬ ‫يف ‪2016/4/15‬م‪ ،‬واخل ــاص بالبن ــى التحتي ــة والناجم ــة م ــن ج ــراء‬ ‫األعمـــال اإلرهابيـــة والعمليـــات العســـكرية مـــن حزيـــران ‪2014‬م‪،‬‬ ‫لغاي ــة ‪2015/9/30‬م‪ ،‬بلغ ــت ه ــذه التكالي ــف (‪ )28,880,698‬ملي ــون‬ ‫ديـنــ ــار عراق ــي أي م ــا يـعـ ــادل (‪ )24,310‬مـلـيـ ــار دوالر أمـريـكـ ــي‬ ‫وهــــذه الـتـكـالـيـــف هـــي مـــا سـجـلـــته هــذه الدوائــر واملؤسســات التــي‬ ‫توزع ــت عل ــى‪:‬‬ ‫‪ 15,340‬ترليون دينار‬ ‫ وزارة الدفاع ‪:‬‬‫‪ 2,552‬تـرليون ديـنـار‬ ‫ وزارة النفط ‪:‬‬‫‪ 2,492‬ترلـيون ديـنـار‬ ‫ وزارة الكهرباء‪:‬‬‫‪ 1,576‬ترلـيون ديـنـار‬ ‫‪ -‬وزارة اإلسكان واإلعمار‪:‬‬

‫‪36‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫االحتـــادي يـــوم ‪ 25‬ســـبتمبر ‪ /‬أيلـــول املنصـــرم‪ ،‬وقـــد أثـــار هـــذا‬ ‫اإلجـــراء ردود أفعـــال رافضـــة لـــه وبشـــكل كبيـــر علـــى الصعيـــد‬ ‫الداخلـــي وعلـــى الصعيـــد اخلارجـــي ببعديـــه اإلقليمـــي والدولـــي‪،‬‬ ‫مل ــا لأم ــر م ــن تداعي ــات وانعكاس ــات تتع ــارض م ــع احلف ــاظ عل ــى‬ ‫وح ــدة واس ــتقالل الع ــراق م ــن جه ــة‪ ،‬ومصال ــح اجله ــات اإلقليمي ــة‬ ‫والدوليـــة مـــن جهـــة أخـــرى‪.‬‬ ‫وانعك ــس إج ــراء االس ــتفتاء عل ــى مختل ــف مج ــاالت احلي ــاة يف‬ ‫الع ــراق السياس ــية واألمني ــة واالقتصادي ــة واالجتماعي ــة‪ ،‬فسياســ ًيا‬ ‫متثلــت تداعياتــه مبخالفــة الدســتور عبــر فعــل أحــادي اجلانــب مــن‬ ‫قب ــل حكوم ــة اإلقلي ــم بإج ــراء االس ــتفتاء وتعقي ــد ح ــل اخلالف ــات‬ ‫ب ــن احلكوم ــة االحتادي ــة وحكوم ــة إقلي ــم كردس ــتان وإث ــارة أزم ــة‬ ‫جدي ــدة ب ــن الطرف ــن‪ ،‬وتفاق ــم أزم ــة املناط ــق املتن ــازع عليه ــا ب ــن‬ ‫املرك ــز واإلقلي ــم وب ــروز خالف ــات ب ــن الق ــوى السياس ــية العراقي ــة‪،‬‬ ‫وحت ــى ن ــوع آخ ــر م ــن االخت ــالف ب ــن احل ــركات واألح ــزاب الكردي ــة‬ ‫ح ــول إج ــراء االس ــتفتاء وتوقيت ــه‪ .‬وانعكس ــت أمن ًي ــا يف التأثي ــر عل ــى‬ ‫اجله ــود العراقي ــة والدولي ــة يف مج ــال مكافح ــة اإلره ــاب وإع ــادة‬ ‫الس ــيطرة عل ــى كاف ــة املناط ــق الت ــي اس ــتولى عليه ــا داع ــش س ــاب ًقا‬ ‫وال ســيما أن احلــرب علــى داعــش توشــك علــى انتهائهــا‪ ،‬مثلمــا أدت‬ ‫زي ــادة ق ــوات البيش ــمركة يف املناط ــق املتن ــازع عليه ــا إل ــى إخراجه ــا‬ ‫مــن ســيطرة احلكومــة االحتاديــة والقــوات األمنيــة العراقيــة ناهيــك‬ ‫ع ــن حص ــول مش ــاكل ب ــن الق ــوات األمني ــة وق ــوات البيش ــمركة يف‬ ‫مناط ــق التم ــاس بينهم ــا‪.‬‬ ‫ويف املجــال االقتصــادي متثلــت االنعكاســات يف التأثيــر علــى‬ ‫صــادرات العــراق النفطيــة الســيما مــن شــمال العــراق إلــى تركيــا‪،‬‬ ‫وتعطيــل حركــة مــرور التجــارة عبــر منافــذ إقليــم كردســتان واملنافــذ‬ ‫مــع إيــران وتركيــا مــن جهــة وبــن محافظــات إقليــم كردســتان‬ ‫واحملافظــات األخــرى مــن جهــة ثانيــة‪.‬‬ ‫أمــا اجتماع ًيــا فاالنعكاســات تتضــح بتنامــي النزعــات العرقيــة‬ ‫والقوميــة لــدى مكونــات املجتمــع العراقــي ومــا ميكــن أن يؤديــه ذلــك‬ ‫مــن خالفــات بــن أبنــاء املجتمــع علــى أســس عرقيــة وإدخــال العــراق‬ ‫يف دوامــة العنــف مــن جديــد‪.‬‬ ‫وبالتالـــي انعكـــس ذلـــك وبشـــكل ســـلبي علـــى االســـتقرار‬ ‫السياس ــي يف الع ــراق وإضاف ــة أزم ــة معق ــدة جدي ــدة عل ــى أزم ــات‬ ‫عـــدة تعانيهـــا البـــالد‪.‬‬

‫التوقعات المستقبلية‬ ‫يف ظــل األمنيــة واالقتصاديــة الراهنــة التــي متــر بهــا البــالد‬ ‫نشــأت أزمــة أخــرى جـ ّراء إجــراء حكومــة إقليــم كردســتان االســتفتاء‬ ‫يــوم ‪ 25‬ســبتمبر‪ /‬أيلــول املاضــي مــا أدى إلــى بــروز تداعيــات‬ ‫وانعكاســات أثــرت علــى مختلــف مجــاالت احليــاة السياســية واألمنيــة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫واالجتماعيــة واالقتصاديــة كمــا ذكرنــا‪ ،‬وبنــا ًء علــى ذلــك وإضافــة‬ ‫إلــى مــا يف الواقــع مــن معطيــات ومؤثــرات لهــذا الوضــع‪ ،‬ومــن خاللــه‬ ‫ميكــن توقــع ثالثــة مشــاهد مــن املمكــن أن يــؤول إليهــا االســتقرار‬ ‫السياســي مســتقب ً‬ ‫ال‪:‬‬ ‫ مشـــهد حتقـــق االســـتقرار السياســـي‪ ،‬ويفتـــرض هـــذا املشـــهد‬‫حتق ــق ن ــوع م ــن االس ــتقرار السياس ــي يف الع ــراق وتس ــوية األزم ــة‬ ‫الناجم ــة ع ــن اس ــتفتاء إقلي ــم كردس ــتان وم ــن املمك ــن يف ظ ــل ه ــذا‬ ‫املشــهد أن جتمــد نتيجــة االســتفتاء وتتجــه أطــراف األزمــة لتســوية‬ ‫اخلالف ــات فيم ــا بينه ــا أو حت ــى تأجي ــل حس ــم ع ــدد م ــن القضاي ــا‬ ‫العالق ــة يف ظ ــل إدراك ه ــذه األط ــراف بخط ــورة التوج ــه الس ــتخدام‬ ‫الق ــوة يف معاجل ــة األزم ــة‪.‬‬ ‫ناهيــك عــن أن احلــرب علــى داعــش قــد أوشــكت علــى االنتهــاء‬ ‫بعــد حتريــر بلدتــي احلويجــة وعانــة والتوجــه نحــو إعــادة اســتكمال‬ ‫الســيطرة علــى آخــر معاقــل داعــش يف األراضــي احملاذيــة للحــدود‬ ‫العراقيــة الســورية يف ظــل دعــم إقليمــي ودولــي للعــراق وإعــادة‬ ‫حتســن عالقــات العــراق مــع تركيــا ودول اخلليــج العربــي‪ ،‬وبــروز‬ ‫العديــد مــن مؤشــرات االســتقرار السياســي مؤخــ ًرا كالتوجــه‬ ‫للمشــاركة السياســية والتغييــر يف توجيهــات العديــد مــن األحــزاب‬ ‫السياســية صــوب تبنــي التوجهــات الوطنيــة وارتفــاع أســعار النفــط‬ ‫التدريجــي الــذي ســينهي األزمــة االقتصاديــة وغيرهــا‪.‬‬ ‫ مشــهد اســتمرار الوضــع الراهــن‪ ،‬الــذي يفتــرض اســتمرار‬‫األوضــاع احلاليــة يف الســاحة العراقيــة وبقــاء العديــد مــن القضايــا‬ ‫وامللفــات العالقــة دون حــل يف ظــل توجــه احلكومــة العراقيــة صــوب‬ ‫اكمــال جهودهــا يف محاربــة اإلرهــاب وإعــادة الســيطرة علــى كافــة‬ ‫األراضــي واملناطــق التــي اســتولى عليهــا داعــش‪ ،‬ومحاولــة ترحيــل‬ ‫امللفــات العالقــة إلــى مــا بعــد االنتخابــات الوطنيــة املزمــع إجراؤهــا‬ ‫عــام ‪ 2018‬م‪.‬‬ ‫ مشــهد تدهــور وتراجــع االســتقرار السياســي‪ ،‬ميكــن أن يحــدث‬‫ذلــك يف حــال ازديــاد الهـ ّوة بــن احلكومــة االحتاديــة وحكومــة إقليــم‬ ‫كردســتان وتصاعــد اخلالفــات بينهمــا يف ظــل إصــرار الطرفــن‬ ‫علــى مواقفهمــا إزاء البعــض واللجــوء إلــى أســلوب القــوة يف معاجلــة‬ ‫القضايــا العالقــة والســيما بعــد إجــراء االســتفتاء – فضــ ً‬ ‫ال عــن‬ ‫احتماليــة بقــاء عــدد مــن مؤشــرات عــدم االســتقرار األخــرى مثــل‬ ‫ازديــاد األزمــة االقتصاديــة وإجــراءات التقشــف وتأخــر عــودة‬ ‫النازحــن إلــى مناطــق ســكناهم بعــد حتريرهــا مــن ســيطرة داعــش ‪،‬‬ ‫ووجــود عــدد مــن اخلالفــات بــن القــوى السياســية التــي تؤثــر علــى‬ ‫مســار العمليــة السياســية‪.‬‬ ‫* ﻛﺎﺗﺐ وأﻛﺎدميﻲ ـ اﻟﻌﺮاق‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪35‬‬

‫ملف العدد‬

‫المحاصص ــة ظه ــرت م ــع الحك ــم االنتق ــايل ومس ــتمرة رغ ــم ع ــدم‬ ‫دســتوريتها وأصبحــت عر ًفــا متب ًعــا وحــددت قــدرة النظــام عــى الفعــل‬ ‫واللعب ــة الدميقراطي ــة واستش ــراء الفس ــاد السياس ــي واإلداري‪ ،‬كل‬ ‫ذل ــك أث ــر ويؤث ــر س ــل ًبا وبش ــكل كبي ــر عل ــى االس ــتقرار السياس ــي‬ ‫املطل ــوب يف الع ــراق‪.‬‬ ‫ اســتمرار العديــد مــن امللفــات والقضايــا العالقــة دون معاجلــة‪،‬‬‫ومنهــا‪ :‬اخلالفــات بــن احلكومــة االحتاديــة وحكومــة إقليــم كردســتان‬ ‫وعــدم حســم ملــف املناطــق املتنــازع عليهــا بينهمــا واخلــالف حــول‬ ‫توزيــع الصالحيــات اإلداريــة بــن املركــز واحملافظــات‪.‬‬ ‫ انتشــار الســالح خــارج نطــاق ســيطرة الدولــة والســيما امتــالك‬‫العشــائر والقبائــل األســلحة املختلفــة ونشــوب صراعــات متكــررة‬ ‫فيمــا بينهــا‪ ،‬وجــود جماعــات ومليشــيات مســلحة‪ ،‬ومــا يؤديــه ذلــك‬ ‫مــن زعزعــة االســتقرار مبختلــف جوانبــه‪.‬‬ ‫ تعـــرض العـــراق أكثـــر مـــن أي دولـــة أخـــرى خلطـــر اإلرهـــاب‬‫من ــذ الع ــام ‪ 2003‬إذ وص ــل األم ــر إل ــى اس ــتيالء تنظي ــم داع ــش‬ ‫يف مرحلـــة مـــا بعـــد ‪ 10‬يونيـــو ‪2014‬م‪ ،‬علـــى مـــدن ومناطـــق‬ ‫وأراض ــي واس ــعة م ــن الع ــراق ليعل ــن "دولت ــه املزعوم ــة" وم ــا لذل ــك‬

‫مـــن تداعيـــات كبيـــرة وآثـــار ســـلبية علـــى املجـــاالت االجتماعيـــة‬ ‫واالقتصاديـــة والسياســـية‪.‬‬ ‫ فضــ ً‬‫ال عــن ذلــك تشــكل العوامــل اخلارجيــة مؤثــ ًرا آخــ ًرا علــى‬ ‫حالــة االســتقرار السياســي يف العــراق والســيما التنافــس والصــراع‬ ‫االقليمــي يف الســاحة العراقيــة ووجــود حــركات وقــوى عراقيــة‬ ‫مرتبطــة بهــذه اجلهــة االقليميــة أو تلــك وتعمــل وفــق أجنداتهــا‬ ‫علــى حســاب مصلحــة العــراق‪ ،‬ناهيــك عــن تأثيــر العامــل الدولــي‬ ‫وخاصــة الواليــات املتحــدة األمريكيــة منــذ وجودهــا كدولــة احتــالل‬ ‫يف عــام ‪2003‬م‪ ،‬ومــا بعــد االنســحاب العســكري عــام ‪2011‬م‪ ،‬كانــت‬ ‫ســب ًبا يف حالــة عــدم االســتقرار السياســي مبــا اتخذتــه مــن قــرارات‬ ‫وسياســات غيــر مناســبة مــع الوضــع العراقــي‪.‬‬

‫انعكاسات استفتاء إقليم كردستان‬ ‫أج ــرت حكوم ــة إقلي ــم كردس ــتان اس ــتفتاء ح ــول إع ــالن دول ــة‬ ‫كرديـــة منفصلـــة أو البقـــاء كإقليـــم ضمـــن العـــراق الفيدرالـــي‬

‫‪34‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫ يتطلــب اســتقرار النظــام أن يكــون قــاد ًرا على االســتجابة للتحديات‬‫املختلفــة التــي يتعــرض لهــا علــى الصعيديــن الداخلــي واخلارجــي‪،‬‬ ‫التــي تتمثــل "علــى األغلــب" باملطالــب والتهديــدات فالنظــام الساســي‬ ‫الــذي يتمكــن مــن مواجهــة هــذ ِه التحديــات يحقــق االســتقرار‪،‬‬ ‫فالعــراق الــذي يواجــه وبشــكل مســتمر التحديــات والتهديــدات‬ ‫املختلفــة يتوجــب علــى صنّــاع القــرار فيــه والقــوى السياســية‬ ‫ومختلــف مؤسســات نظــام احلكــم أن متتلــك زمــام املبــادرة وحتقــق‬ ‫القــدرة علــى معاجلــة مــا يواجــه املجتمــع والدولــة مــن حتديــات مــن‬ ‫أجــل ضمــان اســتقرار سياســي مناســب للبــالد‪.‬‬ ‫ وجــود توافــق بــن مشــروع الســلطة ومشــروع املجتمــع‪ ،‬وبالشــكل‬‫الــذي يــؤدي كل طــرف فيــه دوره الطبيعــي يف البنــاء والتطــور‪ ،‬يف ظــل‬ ‫انســجام اخليــارات السياســية والثقافيــة بــن الســلطة واملجتمــع‪.‬‬ ‫ تعزيــز وترســيخ الثقــة املتبادلــة بــن القائمــن علــى احلكــم مــن جهــة‬‫واملجتمــع مــن جهــة أخــرى‪ ،‬ألن األمــن واالســتقرار املطلــوب البــد أن‬ ‫يرتكــز علــى توفــر الثقــة العميقــة واملتبادلــة بــن الســلطة واملجتمــع‪.‬‬ ‫ توفــر احلريــات السياســية والثقافيــة‪ ،‬كونهــا تشــكل مرتكـزًا مه ًمــا‬‫يف حتقيــق االســتقرار وتســاهم يف تقويــة املجتمــع ملواجهــة التحديات‪،‬‬ ‫فاالســتقرار السياســي هــو وليــد طبيعــي لتوفــر احلريــات يف الداخــل‬ ‫العربــي ومــن ضمنــه الداخــل العراقــي‪.‬‬ ‫ أهميــة االســتناد والرجــوع إلــى املؤسســات الدســتورية والعمــل وفقاً‬‫للقانــون ومنــح احلريــة ملختلــف التجمعــات والتكتــالت واالحــزاب‬ ‫السياســية التــي ينظــم عملهــا بقانــون وتفعيــل عمــل منظمــات‬ ‫املجتمــع املدنــي‪ ،‬وترســيخ أســس الدميقراطيــة والتعدديــة وحقــوق‬ ‫اإلنســان وتعزيــز حقــوق األقليــات والتأكيــد علــى مبــدأ التعايــش‬ ‫الســلمي مبــا يضمــن حتقيــق االســتقرار السياســي‪.‬‬ ‫ تفعيــل تطبيــق الالمركزيــة اإلداريــة والسياســية كونهــا أداة مرتبطــة‬‫بالدميقراطيــة ولهــا أهميتهــا يف حتقيــق االســتقرار السياســي نظر ًيــا‬ ‫وعمل ًيــا‪ ،‬ال ســيما يف الــدول التــي تعانــي مجتمعاتهــا مــن مشــاكل‬ ‫تتعلــق بتعــدد التركيبــة املجتمعيــة وتقبــل اآلخــر والهويــات الفرعيــة‬ ‫كالعــراق‪ ،‬فالفيدراليــة والالمركزيــة متنــع االســتبداد بالســلطة‬ ‫واتخــاذ القــرارات وتضمــن مشــاركة مختلــف مكونــات املجتمــع يف‬ ‫صنــع القــرار والسياســة وف ًقــا لأســس الدســتورية وتنظيــم العالقــة‬ ‫بــن املركــز واحملافظــات واألقاليــم مــا يعنــي مســاهمتها يف حتقيــق‬ ‫االســتقرار وحمايــة املجتمــع مــن التمــزق‪.‬‬ ‫ حتقيــق مصاحلــة وطنيــة حقيقيــة بــن القــوى السياســية املشــاركة‬‫يف العمليــة السياســية فيمــا بينهــا‪ ،‬وكذلــك حتقيــق مصاحلــة بــن‬ ‫احلكومــة والقــوى املعارضــة للعمليــة السياســية ومــن دون وضــع‬ ‫شــروط غيــر قابلــة للتطبيــق أو تشــكل حجــر عثــرة أمــام مســار‬ ‫حتقيــق مصاحلــة وطنيــة شــاملة تضمــن قبــول اآلخــر وتنصــف‬ ‫املتضرريــن مــن سياســات املرحلــة الســابقة‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫معوقات االستقرار السياسي‬ ‫تواجــه ظاهــرة االســتقرار السياســي يف العــراق مجموعــة مــن‬ ‫املعوقــات تأتــي نتيجــة ألوضــاع وأحــداث تشــهدها الســاحة العراقيــة‬ ‫وتختلــف يف عــدد مــن جوانبهــا عــن مؤشــرات عــدم االســتقرار‬ ‫السياســي املتعــارف عليهــا‪ ،‬وتدفــع هــذ ِه املعوقــات صــوب وجــود‬ ‫حالــة مــن عــدم االســتقرار يعانــي منهــا العــراق‪ ،‬وتختلــف حدتهــا بــن‬ ‫احلــن واآلخــر فمــا أن يحصــل نــوع مــن االســتقرار ملــدة معينــة حتــى‬ ‫ينتكــس هــذا االســتقرار بأزمــة أخــرى أو حــدث مــا آخــر‪ ،‬ولعــل أهــم‬ ‫هــذ ِه املعوقــات هــي‪:‬‬ ‫ عجــز أو تلكــؤ النظــام السياســي أو احلكومــة عــن أداء وظائفهــا‬‫وتأديــة اخلدمــات التــي يحتاجهــا املجتمــع بكفــاءة وفاعليــة األمــر‬ ‫الــذي يزعــزع ثقــة املواطنــن فيهــا‪ ،‬وعجــز النظــام عــن جلــب املســاندة‬ ‫والدعــم الشــعبي لــه‪ ،‬ويتجلــى هــذا األمــر بصــورة كبيــرة يف ضعــف‬ ‫قطاعــات عديــدة ومنهــا قطــاع الكهربــاء والصحة والتربيــة والصناعة‬ ‫والزراعــة وغيرهــا التــي تعانــي مــن أزمــات لــم تتمكــن احلكومــات‬ ‫املتعاقبــة منــذ عــام ‪2003‬م‪ ،‬مــن االرتقــاء بهــا إلــى مســتوى مناســب‬ ‫مــا أدى إلــى ظهــور عــدم الرضــى الشــعبي علــى األداء احلكومــي‬ ‫بصــور عــدة عبــر االحتجاجــات واملظاهــرات والرفــض مــن خــالل‬ ‫وســائل التواصــل االجتماعــي ووســائل وقنــوات اإلعــالم‪.‬‬ ‫ احملاصصــة الطائفيــة والسياســية التــي ظهــرت مــع تشــكيل‬‫مجلــس احلكــم االنتقالــي عــام ‪2003‬م‪ ،‬وال زالــت مســتمرة وعلــى‬ ‫الرغــم مــن عــدم وجــود نــص دســتوري أو قانونــي يقــر بهــا إال أنهــا‬ ‫اصبحــت مبثابــة عــرف سياســي متبــع يف العمليــة السياســية منــذ‬ ‫ذلــك الوقــت‪ ،‬وتنعكــس احملاصصــة علــى االســتقرار السياســي يف‬ ‫العــراق بشــكل مباشــر وآخــر غيــر مباشــر‪ ،‬وانســحبت علــى النســيج‬ ‫االجتماعــي العراقــي وحــددت قــدرة النظــام السياســي علــى الفعــل‬ ‫املؤثــر وصياغــة القــرارات االســتراتيجية املهمــة يف مجــاالت التنميــة‬ ‫واالســتقرار والتطــور يف العــراق‪.‬‬ ‫ وجــود العديــد مــن األحزاب السياســية ذات االيديولوجية الطائفية‬‫والعرقيــة التــي لــم تســتطع اســتيعاب مفهــوم الدميقراطيــة كونهــا‬ ‫مجــرد واجهــات لشــخصيات طائفيــة أو سياســية أو عشــائرية‪ ،‬ولــم‬ ‫تكــن قــادرة علــى االنفتــاح علــى األفــق السياســي الرحــب والوطنــي‪،‬‬ ‫فكانــت أحــد أســباب بــروز أزمــة الهويــة وتعــدد الــوالءات الفرعيــة‪،‬‬ ‫فض ـ ً‬ ‫ال عــن دخولهــا يف صراعــات مــع بعضهــا البعــض كانــت ســب ًبا‬ ‫يف موجــة العنــف الطائفــي ودخــول البــالد يف حالــة حــادة مــن عــدم‬ ‫االســتقرار السياســي‪.‬‬ ‫ الصراع ــات السياس ــية ب ــن النخ ــب احلاكم ــة والق ــوى السياس ــية‬‫املشـــاركة يف العمليـــة السياســـية وضعـــف أو انعـــدام الثقـــة يف مـــا‬ ‫بينه ــا والتض ــارب يف املصال ــح الش ــخصية واحلزبي ــة وتغليبه ــا عل ــى‬ ‫املصلح ــة العام ــة والوطني ــة وع ــدم االعتم ــاد عل ــى قواع ــد التناف ــس‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪33‬‬

‫ملف العدد‬

‫مؤشـــرات االســـتقرار السياســـي ال تتوفـــر كاملـــة يف العـــراق‬ ‫ومتغي ــرة وم ــا يمك ــن تطبيق ــه يف مرحل ــة ينع ــدم يف مرحل ــة أخ ــرى‬ ‫أهميــة مفهــوم االســتقرار السياســي كونــه يشــكل مطل ًبــا جماع ًيــا‪،‬‬ ‫فمهمــا كان نــوع ومنــط النظــام السياســي القائــم يف أي دولــة مــن‬ ‫دول العالــم ســواء كان النظــام دميقراطــي أم ديكتاتــوري فــإن مبتغــى‬ ‫وهــدف هــذا النظــام أو ذاك يف أن يكــون حكمــه مســتق ًرا مــن أجــل‬ ‫االســتمرار والبقــاء‪.‬‬ ‫ويعنــي االســتقرار بصفــة عامــة اســتتباب النظــام واألمــن‬ ‫القائمــن علــى أســس مقبولــة مــن قبــل غالبيــة املجتمــع بفئاتــه‬ ‫املختلفــة‪ ،‬وســيادة االســتقرار تضمــن ســير احليــاة بشــكل طبيعــي‬ ‫وب ّنــاء يف إطــار الســالم‪ ،‬الــذي ال بــد مــن توافــره بشــكل مالئــم وبقــدر‬ ‫مــا يضمــن حيــاة طبيعيــة ألفــراد املجتمــع‪ .‬ومهمــا تعــددت واختلفــت‬ ‫تعريفــات االســتقرار السياســي إال أن الكثيــر منهــا تضمــن عنصريــن‬ ‫لهــذا املفهــوم‪ :‬األول يتمثــل بالنظــام (الالفوضــوي) الــذي يعنــي‬ ‫عــدم اللجــوء إلــى اســتخدام العنــف والقــوة واإلكــراه والقطيعــة مــن‬ ‫النظــام السياســي‪ .‬والثانــي االســتمرارية التــي تعــرف االســتقرار بأنــه‬ ‫الغيــاب النســبي للتغييــر يف مكونــات النظــام السياســي‪.‬‬ ‫وميكــن القــول أن ظاهــرة االســتقرار السياســي ال تتخــذ وتيــرة‬ ‫واحــدة أو منطلــق متســاوي‪ ،‬فمــا يُعــد اســتقرا ًرا سياس ـ ًيا يف دولــة‬ ‫أو مجتمــع مــا ال يشــكل ذلــك يف دولــة أو مجتمــع آخــر‪ ،‬وذلــك‬ ‫يرتبــط باختــالف درجــة التطــور والوعــي السياســي ومنــط النظــام‬ ‫السياســي القائــم وطبيعــة وضــع وشــكل الدولــة واملجتمــع وطريقــة‬ ‫إدارة الســلطة لأحــداث والتطــورات اجلاريــة طب ًقــا ملــا تشــكله هــذه‬ ‫األحــداث مــن ضغوطــات علــى املجتمــع والســلطة‪ ،‬واحلــال الــذي‬ ‫ينطبــق علــى طبيعــة ظاهــرة االســتقرار السياســي يف العــراق مــن‬ ‫حيــث اختالفهــا مــن مرحلــة إلــى أخــرى وتغيرهــا وتأثرهــا باألحــداث‬ ‫والتطــورات التــي تشــهدها البــالد‪.‬‬ ‫وإذا مــا عدنــا إلــى مؤشــرات االســتقرار السياســي التــي تتمثــل‬ ‫بـــ‪ :‬التــداول الســلمي للســلطة واالنتقــال القانونــي للســلطة داخــل‬ ‫الدولــة‪ ،‬وشــرعية النظــام السياســي‪ ،‬وســيادة الدولــة‪ ،‬والثبــات يف‬ ‫مناصــب القيــادات السياســية‪ ،‬واالســتقرار البرملانــي‪ ،‬والدميقراطيــة‬ ‫وتدعيــم املشــاركة السياســية‪ ،‬وغيــاب العنــف واختفــاء احلــروب‬ ‫األهليــة واحلــركات االنفصاليــة والتمــردات‪ ،‬وترســيخ مبــدأ املواطنــة‬ ‫ووجــود اقتصــاد ناجــح وقلــة الهجــرة الداخليــة واخلارجيــة‪ ،‬فإنهــا‬ ‫"أي هــذه املؤشــرات" ال تتوفــر كاملــة يف الوضــع العراقــي مثلمــا تتغيــر‬ ‫مــن مرحلــة إلــى أخــرى‪ ،‬ومــا ميكــن أن يتطبــق يف مرحلــة مــا فإنــه‬ ‫ينعــدم يف مرحلــة أخــرى األمــر الــذي يــدل علــى عــدم وجــود حالــة‬ ‫مــن االســتقرار السياســي يف العــراق طب ًقــا لهــذه املؤشــرات وأنــه‬

‫حتــى يف حالــة توفــر نــوع مــن االســتقرار السياســي فإنــه اســتقرار‬ ‫نســبي ســرعان مــا يتعــرض إلــى فقــدان عــدد مــن مؤشــراته لصالــح‬ ‫حالــة عــدم االســتقرار‪.‬‬

‫مقومات االستقرار السياسي يف العراق‬ ‫يتطلــب االســتقرار السياســي يف حالــة العــراق أن يتــم حتقيــق‬ ‫مجموعــة مــن املتطلبــات واملقومــات منهــا مــا ميثــل متطلــب اعتيــادي‬ ‫لتحقيــق أي اســتقرار سياســي يف أي جتربــة منهــا مــا هــو مرتبــط‬ ‫باحلالــة العراقيــة وخصوصيتهــا وتتمثــل بـــ‪:‬‬ ‫ تُعـــد الهويـــة املميـــزة املوحـــدة أحـــد أهـــم عوامـــل االســـتقرار‬‫ووح ــدة متاس ــك الدول ــة واملجتم ــع وتعك ــس التضام ــن االجتماع ــي‬ ‫وجتانـــس املجتمـــع وتقويـــة الروابـــط الوطنيـــة وترســـيخ املواطنـــة‬ ‫وتعزي ــز االنتم ــاء م ــا يحت ــم عل ــى املؤسس ــة السياس ــية أن تتحم ــل‬ ‫مس ــؤولية جتس ــيد الهوي ــة املوح ــدة الت ــي جتم ــع أعض ــاء املجتم ــع‬ ‫وحت ــارب التش ــتت والتفرق ــة فاملجتم ــع العراق ــي يتس ــم بتن ــوع وتع ــدد‬ ‫مكونات ــه عرق ًي ــا ودين ًي ــا ومذهب ًي ــا األم ــر ال ــذي يتطل ــب صه ــر ه ــذ ِه‬ ‫التفرعــات بهويــة وطنيــة جامعــة تســاهم يف ترســيخ االســتقرار بــدالً‬ ‫عــن الــوالءات الفرعيــة أو علــى أقــل تقديــر تغليــب الهويــة الوطنيــة‬ ‫عل ــى الهوي ــات الفرعي ــة‪.‬‬ ‫ االعتمــاد علــى معيــار الكفــاءة واالســتحقاق بــدالً عــن احملاصصــة‬‫الطائفيــة والسياســية يف تشــكيل احلكومــة وتولــي املناصــب واملهــام‬ ‫السياســية واإلداريــة‪ ،‬مبــا يضمــن املشــاركة يف عمليــة صنــع واتخــاذ‬ ‫الق ــرار والسياس ــة‪ ،‬واالبتع ــاد ع ــن سياس ــات اإلقص ــاء والتهمي ــش‬ ‫الت ــي اتبع ــت يف س ــنوات س ــابقة وبالض ــد م ــن مكون ــات وجماع ــات‬ ‫مـعـيـنــــة والعمـــل علـــى ضمـــان مشـــاركتها فــــي الـحــيــــاة الـعـامــــة‬ ‫مبختل ــف جوانبه ــا‪.‬‬ ‫ العمــل علــى ترســيخ التجانــس الفكــري والثقــايف وااليديولوجــي‬‫بــن القــوى السياســية واالجتماعيــة التــي تتفاعــل داخــل نظــام‬ ‫احلكــم القائــم‪ ،‬مبــا يســمح إليجــاد احلــوار وتبــادل األفــكار ووجهــات‬ ‫النظــر بشــكل ســليم يــؤدي إلــى حتقيــق املصلحــة العامــة والتوافــق‬ ‫املجتمعــي ويحقــق فكــرة االســتقرار السياســي‪.‬‬ ‫ أن تتحقــق قــدرة النظــام علــى اجلمــع بــن القــدرة االســتخراجية‬‫والقــدرة التوزيعيــة‪ ،‬إذ تشــير األولــى إلــى كفــاءة النظــام مــن خــالل‬ ‫تعبئــة املــوارد املاديــة والبشــرية واجتذابهــا مــن البيئتــن احملليــة‬ ‫والدوليــة‪ ،‬بينمــا تشــير الثانيــة إلــى قدرتــه علــى توزيــع املنافــع‬ ‫واخلدمــات والفــرص بــن أفــراد املجتمــع علــى مختلــف تنوعاتهــم‪.‬‬

‫‪32‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫االسـتـقــــرار الـسـيـاســــي فــــي الـعــــراق ‪ ..‬الـواقــــع واحـتـمــــاالت الـمـسـتـقـبــــل‬

‫ثـالثـة سـيناريوهات مستقبلية ‪..‬‬ ‫واالســتقرار السياســي لــم يتحقــق منذ ‪1921‬‬ ‫ليــس مــن املبالغــة القــول إن العــراق ومنــذ تأســيس الدولــة احلديثــة فيــه عــام ‪1921‬م‪ ،‬ولــم يشــهد اســتقرا ًرا سياسـ ًيا كامـ ً‬ ‫ال مبــا‬ ‫يحتويــه هــذا املفهــوم مــن مؤشــرات ومظاهــر‪ ،‬وعلــى الرغــم مــن قســاوة الوصــف إال أن الواقــع يشــهد علــى ذلــك بســبب مــا مــرت‬ ‫ومتــر بــه البــالد مــن أحــداث وتطــورات سياســية وأمنيــة واجتماعيــة واقتصاديــة وتغيــر يف شــكل وطبيعــة النظــام السياســي يف‬ ‫العــراق عــدة مــرات وكل ذلــك حــال دون وصــول العــراق إلــى مرحلــة مــن االســتقرار السياســي التــام‪ ،‬وعنــد الوصــول إلــى مرحلــة‬ ‫مــا بعــد عــام ‪2003‬م‪ ،‬التــي احتلــت بهــا الواليــات املتحــدة األمريكيــة العــراق وتشــكل فيــه نظــام سياســي جديــد قائــم علــى أســاس‬ ‫مبــدأي الدميقراطيــة والتعدديــة علــى أنقــاض نظــام احلــزب الواحــد الشــمولي ويف الوقــت الــذي كان مــن املؤمــل حتقيــق نــوع مــن‬ ‫االســتقرار يف ظــل هــذه املرحلــة التــي تضمنــت إقــرار العديــد مــن متطلبات حتقيق االســتقرار السياســي إال أن ذلك االســتقرار لم‬ ‫يتحقــق يف ظــل أزمــات سياســية وأمنيــة واقتصاديــة متتاليــة وتــكاد تكــون مســتمرة تعصــف بالبالد بــن احلن واآلخــر‪ ،‬حتى وصل‬ ‫احلــال إلــى دعــوات االنفصــال عــن العــراق مؤخـ ًرا التــي جتســدت باســتفتاء إقليــم كردســتان حول مســألة البقاء يف العــراق املوحد‬ ‫أو إعــالن دولــة مســتقلة عنــه األمــر الــذي يــدل علــى وجــود أزمــة أو أزمــات تهــدد وحــدة العــراق وســيادته واســتقالله‪.‬‬

‫د‪ .‬مثنى فائق العبيدي‬ ‫ليــس مــن املبالغــة القــول إن العــراق ومنــذ تأســيس الدولــة‬ ‫احلديثــة فيــه عــام ‪1921‬م‪ ،‬ولــم يشــهد اســتقرا ًرا سياســ ًيا كامــ ً‬ ‫ال‬ ‫مبــا يحتويــه هــذا املفهــوم مــن مؤشــرات ومظاهــر‪ ،‬وعلــى الرغــم‬ ‫مــن قســاوة الوصــف إال أن الواقــع يشــهد علــى ذلــك بســبب مــا‬ ‫مــرت ومتــر بــه البــالد مــن أحــداث وتطــورات سياســية وأمنيــة‬ ‫واجتماعيــة واقتصاديــة وتغيــر يف شــكل وطبيعــة النظــام السياســي‬ ‫يف العــراق عــدة مــرات وكل ذلــك حــال دون وصــول العــراق إلــى‬ ‫مرحلــة مــن االســتقرار السياســي التــام‪ ،‬وعنــد الوصــول إلــى‬ ‫مرحلــة مــا بعــد عــام ‪2003‬م‪ ،‬التــي احتلــت بهــا الواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة العــراق وتشــكل فيــه نظــام سياســي جديــد قائــم علــى‬ ‫أســاس مبــدأي الدميقراطيــة والتعدديــة علــى أنقــاض نظــام احلــزب‬ ‫الواحــد الشــمولي ويف الوقــت الــذي كان مــن املؤمــل حتقيــق نــوع مــن‬ ‫االســتقرار يف ظــل هــذه املرحلــة التــي تضمنــت إقــرار العديــد مــن‬ ‫متطلبــات حتقيــق االســتقرار السياســي إال أن ذلــك االســتقرار لــم‬ ‫يتحقــق يف ظــل أزمــات سياســية وأمنيــة واقتصاديــة متتاليــة وتــكاد‬ ‫تكــون مســتمرة تعصــف بالبــالد بــن احلــن واآلخــر‪ ،‬حتــى وصــل‬ ‫احلــال إلــى دعــوات االنفصــال عــن العــراق مؤخ ـ ًرا التــي جتســدت‬

‫باســتفتاء إقليــم كردســتان حــول مســألة البقــاء يف العــراق املوحــد‬ ‫أو إعــالن دولــة مســتقلة عنــه األمــر الــذي يــدل علــى وجــود أزمــة أو‬ ‫أزمــات تهــدد وحــدة العــراق وســيادته واســتقالله‪.‬‬ ‫وعنــد التطــرق باحلديــث عــن االســتقرار السياســي يف العــراق‬ ‫تثــار عــدة أســئلة مهمــة تتمثــل بـــ‪ :‬مــا طبيعــة االســتقرار السياســي‬ ‫يف العــراق؟ ومــا متطلبــات هــذا االســتقرار؟ ومــا هــي املعوقــات أو‬ ‫التحديــات التــي تعيــق حتقيقــه؟ وكيــف ينعكــس اســتفتاء كردســتان‬ ‫ونتائجــه علــى االســتقرار السياســي يف البــالد؟ ومــا هــي التوقعــات‬ ‫املســتقبلية التــي مــن املمكــن أن يكــون عليهــا االســتقرار السياســي يف‬ ‫العــراق يف ظــل األحــداث والتطــورات املختلفــة التــي تشــهدها البــالد؟‬

‫طبيعة االستقرار السياسي‬ ‫ال يختلــف مفهــوم االســتقرار السياســي عــن العديــد مــن املفاهيم‬ ‫يف العلــوم اإلنســانية والسياســية بشــكل خــاص مــن حيــث غموضــه‬ ‫وتعقــده وعــدم وجــود تعريــف شــامل لــه متفــق عليــه‪ ،‬ويُعــد هــذا‬ ‫املفهــوم معيار ًيــا فمــا قــد يتســبب يف اســتقرار جماعــة مــا قــد يكــون‬ ‫ســب ًبا يف عــدم اســتقرار جماعــة أخــرى يف الوقــت ذاتــه‪ ،‬وتتركــز‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪31‬‬

‫ملف العدد‬

‫بــرزانـــي تـأثـــر بـمـيـكـافـيـلـــي وأراد أن يـكــــون األســد والـثـعـلـب‬ ‫مـ ًعـــا إال أن الــتــطـــورات تــجـبـره أن يـكــون واحــ ًدا‬ ‫الصدام األمريكي اإليراني‪:‬‬ ‫يف األفـق السياسـي اإلقليمـي احتمـال تصاعـد صـدام (أمريكـي‪/‬‬ ‫إيرانـي) سـوف يكـون املسـرح العراقـي هـو السـاحة األولـى‪ ،‬ولكـن ال‬ ‫تسـتثنى السـاحة اخلليجيـة‪ ،‬فمـا أن بـدى التنابـز بـن واشـنطن‬ ‫واضحا من إيران‪ .‬ويف األسـابيع القليلة‬ ‫وطهـران حتـى سـمعنا تهديـدًا‬ ‫ً‬ ‫القادمـة سـوف تتضـح اسـتراتيجية اإلدارة األمريكيـة جتـاه التعامـل‬ ‫مـع إيـران‪ ،‬خاصـة بعـد تصريحـات السـيد رونالـد ترامـب‪ ،‬الرئيـس‬ ‫األمريكـي مسـاء اجلمعـة ‪ 13‬أكتوبـر ‪2017‬م‪ ،‬ومـن املتوقـع أن تتجـه‬ ‫تلك االسـتراتيجية التي رسـم خطوطها العريضة الرئيس األمريكي و‬ ‫أحالهـا إلـى (الكوجنـرس) للتصـرف حيالها‪ ،‬تتوجـه إلى التضييق على‬ ‫إيـران سياسـ ًيا و لوجسـت ًيا واقتصاد ًيـا‪ ،‬ورمبـا تتصاعـد إلـى مواجهـة‬ ‫سـاخنة بشـكل مـا‪ ،‬وقـد ُمهـد لهـذه االسـتراتيجية مـن خـالل عـدد مـن‬ ‫التشـريعات املقدمـة إلـى الكوجنـرس‪ ،‬ضـد إيـران و ً‬ ‫أيضـا حـزب اهلل‬ ‫التابـع لهـا يف لبنـان‪ ،‬كمـا أن تصريحـات قائد احلرس الثـوري اإليراني‬ ‫محمـد علـى جعفـري‪ ،‬الـذي قـال ( يف حـال أقـرت أمريـكا اجـراءات‬ ‫حصـر جديـدة‪ ،‬فعليهـا أن تنقـل قواعدهـا مسـافة الفـن كيلومتـر عـن‬ ‫حـدود إيـران)! وكذلـك إن أقـرت أن احلـرس الثـوري منظمـة إرهابية!!‬ ‫واإلشـارة هنا إلى القواعد األمريكية يف دول اخلليج! تلك تصريحات‬

‫اسـتفزازية لـن تقابـل إال باسـتعداد علـى مسـتوى عـال مـن الواليـات‬ ‫املتحـدة‪ ،‬وقـد حتـدث مسـؤول يف وزارة الدفـاع األمريكيـة (البنتاجـون)‬ ‫إلـى وضـع خطـط عمليـة لتحويـل تصريحـات الرئيـس إلـى واقـع‪ ،‬وقـد‬ ‫تسـعى إيـران يف هـذه احلالـة إلـى حتريـك (اخلاليـا النائمـة) التابعـة‬ ‫لهـا يف بعـض دول اخلليـج وإشـاعة اضطـراب مـن نـوع مـا يف النسـيج‬ ‫الداخلـي اخلليجـي‪ ،‬أو االسـتفادة مـن (اخلـالف) اخلليجي للولوج إلى‬ ‫داخـل منظومـة مجلـس التعـاون لتوسـيع الفرقـة‪.‬‬

‫الخالصة‬ ‫مــن الواضــح يف الســرد الســابق أن املنطقــة برمتهــا ســوف تدخــل‬ ‫يف األشــهر القليلــة القادمــة (مرحلــة اضطــراب سياســي) وقــد يتحول‬ ‫إلــى صــراع عســكري محــدود أو واســع‪ ،‬ورمبــا شــبه دولــي يكــون‬ ‫مســرحه الســاحة اخلليجيــة والقريبــة منهــا‪ ،‬فاحلــرب كمــا قيــل أولهــا‬ ‫كالم! وال أكثــر مــن الــكالم املتطايــر حولنــا مــن القضيــة الكرديــة إلــى‬ ‫اليمنيــة إلــى الســورية إلــى العراقيــة إلــى أخيـ ًرا اإليرانيــة!‬ ‫* ﻣﺪﻳﺮ ﻣﺮﻛﺰ دراﺳﺎت اﻟﺨﻠﻴﺞ واﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ اﻟﻜﻮﻳﺖ ـ اﻟﻜﻮﻳﺖ‬

‫‪30‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫لكــن ً‬ ‫أيضــا يعتمــد علــى رضــا أو ضعــف الالعبــن اآلخريــن‪ ،‬إيــران‪،‬‬ ‫ســوريا‪ ،‬تركيــا‪ .‬رمبــا الدوائــر اإليرانيــة هــي األشــد قل ًقــا مــن التطــور‬ ‫يف كردســتان العــراق فاالســتقالل ميكــن أن يكــون مســاعدًا أو يقــوم‬ ‫بتعضيــد أي حركــة كرديــة عنــد أكــراد إيــران للقيــام باملثــل‪ ،‬فإيــران‬ ‫لديهــا حوالــي ‪ 8‬مليــون كــردي إيرانــي (أكثــر قليــال مــن ‪ %10‬مــن‬ ‫مجمــوع ســكان إيــران) فهــي يف حســاب املصالــح‪ ،‬تفضــل أن يبقــى‬ ‫العــراق موحـدًا‪ ،‬وأكثــر ان يُحجــم الكــرد املثيريــن للشــغب‪ ،‬وأصدقــاء‬ ‫الواليــات املتحــدة! وقتهــا ميكــن التحكــم يف معظــم ثــروات العــراق‬ ‫وســكانه‪ ،‬بــل وإشــاعة احلكــم الثيوقراطــي اإليرانــي ولــو بطبعــة‬ ‫عراقيــة! ســوريا رمبــا يأخــذ أكرادهــا يف نهايــة األمــر طريــق أكــراد‬ ‫العــراق‪ ،‬علــى األقــل يف حكــم ذاتــي‪ ،‬قــد يتطــور إن ســمحت الظــروف‪،‬‬ ‫تركيــا التــي تــرى وجــود دولــة كرديــة علــى حدودهــا اجلنوبيــة مشــج ًعا‬ ‫لكردهــا الذيــن يطالبــون منــذ فتــرة طويلــة بحكــم ذاتــي علــى األقــل!‬ ‫وقــد دخــل بعضهــم يف صــراع مســلح دام حتــى اآلن عقــود مــن الزمــن‪،‬‬ ‫وكــرد تركيــا يبلــغ عددهــم خمســة عشــر مليــون‪ ،‬أي حوالــي ‪ %20‬مــن‬ ‫إجمالــي ســكان تركيــا‪ ،‬لكــرد تركيــا تاريــخ مــن النــزاع (حتــى املســلح)‬ ‫الــذي قــد يهــدد اســتقرار تركيــا‪ ،‬إن وجــد يف جنوبهــا كيــان كــردي‬ ‫مســتقل‪ ،‬كمــا يخطــط املســؤولون يف تركســتان العــراق‪ ،‬ليســاعد أو‬ ‫يصبــح حاضنــة حلركــة كــرد تركيــا‪.‬‬ ‫الواليــات املتحــدة‪ ،‬وبعــض الــدول الغربيــة تقــف بشــكل‬ ‫(غامــض) جتــاه التطــورات يف تركســتان العــراق‪ ،‬وكانــت تتمنــى‬ ‫علــى مســعود بارزانــي تأخيــر االســتفتاء ال إلغــاءه!‪ ،‬وقــد رد‪ ،‬إن لــم‬ ‫يكــن الوقــت احلالــي مناسـ ًبا‪ ،‬فمتــى الوقــت املناســب؟ محاولــة ذكيــة‬ ‫منــه الســتصدار رأي مــن واشــنطن‪ ،‬قــد يكــون ملــزم يف املســتقبل‪،‬‬ ‫ويضــاف إلــى احلجــج املتراكمــة‪ ،‬إن هــي اقترحــت وقتًــا آخــر‬ ‫لالســتفتاء‪ ،‬واالقتــراح بحــد ذاتــه إن حــدث هــو اعتــراف بأحقيــة‬ ‫اإلقليــم باالســتقالل‪ ،‬إال أنــه لــم يحــدث‪ ،‬وقــد مت االســتفتاء‪ ،‬وآثــار وال‬ ‫يــزال يثيــر الكثيــر مــن اللغــط السياســي والتهديــدات املختلفــة مــن‬ ‫كل مــن بغــداد‪ ،‬وطهــران‪ ،‬وأنقــرة! قــد تقــود إلــى صــراع ال يتوقــف يف‬ ‫العــراق‪ ،‬بــل يشــمل اإلقليــم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫إال أن الطريــق إلــى االســتقالل الكــردي ليــس مفروشــا بالزهــور‪،‬‬ ‫فهنــاك حتديــات أمنيــة واقتصاديــة ســوف يواجههــا اإلقليــم‪ ،‬قــد‬ ‫يكــون مــن بينهــا حر ًبــا جديــدة مدمــرة‪ ،‬هــذه املــرة تأخــذ العــراق إلــى‬ ‫قــاع غيــر مســبوق مــن الصــراع‪ ،‬تصبــح معــه حتريــر املوصــل‪ ،‬لعبــة‬ ‫صغيــرة‪ .‬بغــداد خيارتهــا قليلــة ً‬ ‫أيضــا وتضيــق يف طريــق اســتيعاب‬ ‫الكــرد‪ ،‬فهــي حتتــاج إلــى اســتراتيجية مــن ثالثــة عوامــل لتحقيــق‬ ‫ذلــك االســتيعاب‪ ،‬أوالً يجــب أن تقلــص ومــن ثــم تذويــب احلشــد‬ ‫الشــعبي يف القــوات العســكرية العراقيــة الرســمية‪ ،‬ذات التعــدد‬ ‫املذهبــي والقيــادة املركزيــة املهنيــة‪ ،‬وإبعــاد قــوى التشــدد يف قياداتــه‬ ‫إلــى التقاعــد‪ ،‬ووضــع أفــراده علــى قاعــدة االحتــراف‪ ،‬ال التبعيــة‪،‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫وثان ًيــا تقليــص ومــن ثــم التخلــص مــن النفــوذ اإليرانــي‪ ،‬األيديولوجــي‬ ‫والعســكري‪ ،‬وثال ًثــا بنــاء فضــاء سياســي قريــب إلــى الدميقراطيــة!‬ ‫وهــي ثالثيــة صعبــة جــدًا‪ ،‬إن لــم تكــن مســتحيلة‪ ،‬أخــذا بالوضــع‬ ‫احلالــي يف بغــداد‪.‬‬

‫المتغيرات العراقية ودول مجلس التعاون‪:‬‬ ‫خيــارات الســلطة املركزيــة يف بغــداد جتــاه مــا يحــدث يف‬ ‫تركســتان العــراق محــدودة‪ ،‬مبحدوديــة قدرتهــا علــى احلركــة‪ ،‬مــا‬ ‫لدينــا مــن خارطــة سياســية اليــوم يف العــراق ال تتيــح فرصــة ولــو‬ ‫ضئيلــة لالستبشــار‪ ،‬هنــاك تدخــل إيرانــي واضــح يف العــراق‪ ،‬أصبــح‬ ‫مــن احملرمــات احلديــث فيــه أو حولــه‪ ،‬كثيــر مــن السياســين يف‬ ‫بغــداد يرجــون رضــا طهــران اليــوم أو وكالئهــا يف بغــداد‪ ،‬ومــن يخــرج‬ ‫عــن (الســمع والطاعــة) تشــن عليــه حــرب شــعواء‪ ،‬ويخــرج مــن دائــرة‬ ‫الرضــا‪ ،‬لذلــك يتســابق كثيــرون إلــى طهــران مــن أجــل الوصــول إلــى‬ ‫كراســي احلكــم يف بغــداد! تلــك احلقيقــة بذاتهــا تقيــد إلــى حــد‬ ‫االقعــاد أي قــدرة علــى احلركــة إلــى األمــام‪ ،‬أو أيــة قــدرة علــى احتــواء‬ ‫الشــريك بشــكل صحــي ‪ /‬يف دولــة حديثــة‪ ،‬ســواء املكــون الكــردي‬ ‫أو املكونــات األخــرى‪ ،‬وعلــى رأســها املكــون الســني الــذي هضمــت‬ ‫حقوقــه حتــى اإلهمــال!‬ ‫اخليــارات قليلــة‪ ،‬مــن بــن تلــك اخليــارات الذهــاب إلــى (صــراع‬ ‫مســلح) وهــو خيــار قــد يكــون ممكــن ولكنــه مكلــف مال ًيــا وبشــر ًيا‬ ‫وحتــى اســتراتيج ًيا‪ ،‬النــه ســوف يشــعل املنطقــة برمتهــا‪ ،‬واخليــار‬ ‫اآلخــر هــو تعضيــد التحالــف العراقــي (الســلطة املركزيــة) مــع‬ ‫طهــران وتركيــا‪ ،‬وهــو يعنــي (أقلمــة الصــراع) وهــو خيــار ً‬ ‫أيضــا صعــب‬ ‫يرهــن العــراق إلــى قــوى إقليميــة‪ ،‬أمــا الثالــث فهــو الذهــاب إلــى‬ ‫حــوار (رمبــا بواســطة دولــة كبــرى أو متوســطة لهــا بعــض النفــوذ)‪ ،‬كل‬ ‫تلــك اخليــارات تعنــي شــي ًئا واحـدًا هــو (إضعــاف العــراق) و (تســهيل‬ ‫تدخــل إيــران يف شــؤونه) أكثــر ممــا هــي متدخلــة اآلن‪ .‬يعنــي وضــع‬ ‫العــراق حتــت (شــبه وصايــة إيرانيــة) وقــد تطــول‪ .‬وجــود إيــران لفتــرة‬ ‫طويلــة يف العــراق‪ ،‬يعنــي تهديــد مباشــر لــدول اخلليــج‪ ،‬فمــن ناحيــة‬ ‫تدخــل العــراق يف فتــرة عــدم اســتقرار‪ ،‬ال بــد أن تتــرك تأثيراتهــا‬ ‫علــى دول اخلليــج‪ ،‬مــن خــالل عــدد مــن املدخــالت‪ ،‬منهــا زيــادة‬ ‫احليطــة واحلــذر مــن تلــك التطــورات ممــا يجعــل دول اخلليــج يف‬ ‫مــكان البحــث عــن مصــدات عســكرية وسياســية‪ ،‬وحتــوط الحتمــال‬ ‫تدفــق الجئــن بغــزارة مــن مراكــز الصــراع‪ ،‬ممــا يعنــي اســتنزاف‬ ‫للمــوارد البشــرية واملاديــة اخلليجيــة‪ ،‬كمــا قــد تتعــرض العــراق‬ ‫لتغيــرات دميغرافيــة مــن انتقــال أعــداد كبيــرة مــن البشــر مــن مــكان‬ ‫ً‬ ‫وأيضــا‬ ‫إلــى آخــر‪ ،‬وتضغــط علــى احلــدود الشــمالية لــدول اخلليــج‪،‬‬ ‫اضمحــالل وتهميــش املكــون الســني العراقــي وإخراجــه مــن املعادلــة‬ ‫بضغــط إيرانــي!‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫كركــوك‪ ،‬وفيهــا مصــادر الثــروة النفطيــة‪ ،‬وهــو يف الوقــت نفســة‬ ‫يتوخــى الفخــاخ السياســية باختيــار التوقيــت املناســب متا ًمــا النتــزاع‬ ‫أفضــل مــا ميكــن احلصــول عليــه مــن (ســيادة)‪ ،‬فالســلطة الرســمية‬ ‫العراقيــة يف بغــداد منقســمة علــى نفســها‪ ،‬خاضــت وتخــوض حر ًبــا‬ ‫مكلفــة مــع داعــش‪ ،‬وتتعــدد لديهــا القــوى ليــس السياســية فقــط‪،‬‬ ‫ولكــن حتــى العســكرية‪ ،‬والقــوات الكرديــة مــن جهــة (البشــمرجة) قــد‬ ‫تطــور تســليحها وأســهمت يف احلــرب ضــد (اإلرهــاب)‪ ،‬و ســاعدت‬ ‫علــى طــرد كثيريــن مــن املتشــددين‪ ،‬فهــي تســتحق أن جتــازى ! ومــن‬ ‫جهــة أخــرى هنــاك (احلشــد الشــعبي) وكلــه طائفــي‪ ،‬واجليــش‬ ‫العراقــي‪ ،‬وقــوات إيرانيــة كثيفــة وقــوات تركيــة‪ ،‬ولــو محــدودة‪ ،‬يف‬ ‫الشــمال‪ ،‬أي أن هنــاك (مجموعــة مــن البنــادق ال بندقيــة واحــدة يف‬ ‫الدولــة العراقيــة) ممــا يضعــف الدولــة‪.‬‬ ‫الرغبــة الكرديــة يف االســتقالل ليســت جديــدة‪ ،‬فقــد حصــل‬ ‫األكــراد‪ ،‬بعــد حــرب طويلــة مــع نظــام البعــث العراقــي علــى (حكــم‬ ‫ذاتــي) عــام ‪1970‬م‪ ،‬كان وقتهــا حــزب البعــث العراقــي يحــاول‬ ‫توســيع ســلطته والتغلــب علــى خصومــه يف الداخــل العراقــي‪ ،‬و لديــه‬ ‫معارضــن أقويــاء يف عقــر داره‪ ،‬فــأراد أن يتفــرغ لهــم لبســط ســلطته‬ ‫الكاملــة‪ ،‬ويحيــد االكــراد‪ ،‬فأعطاهــم حــق احلكــم الذاتــي‪ ،‬علــى أن‬ ‫يعــود لهــم عندمــا تســتقر لــه األمــور‪ ،‬وهــذا مــا مت بالفعــل‪ ،‬فبعــد أن‬ ‫أصبــح احلــزب القائــد (البعــث) مســيط ًرا‪ ،‬عــاد مــرة أخــرى حلــرب‬ ‫األكــراد متنكـ ًرا ملــا وقــع عليــه مــن وثائــق‪ ،‬يف املقابــل انتظــم األكــراد‬ ‫يف حلــف مصلحــي مــع إيــران‪ ،‬التــي كان يحكمهــا االمبراطــور محمــد‬ ‫رضــا بهلــوي (الشــاه)‪ ،‬الــذي وجــد أن إزعــاج خصمــه يف بغــداد هــو‬ ‫أمنيــة تتحقــق مــن خــالل األكــراد‪ ،‬التقــت مصالــح مشــتركة‪ ،‬ســرعان‬ ‫مــا بــاع الشــاه القضيــة الكرديــة‪ ،‬عندمــا قــدم لــه صــدام حســن‬ ‫يف اجلزائــر عــام ‪1975‬م‪( ،‬وجبــة) سياســية و جغرافيــة ال يســتطيع‬ ‫رفضهــا‪ ،‬هــي اجلــزء الــذي كانــت حتلــم بــه إيــران يف شــط العــرب‪،‬‬ ‫وهكــذا بقــى األكــراد (ســلعة) يف ســوق املنــاورات السياســية‪ ،‬ومــا‬ ‫أن اندلعــت احلــرب العراقيــة اإليرانيــة‪ ،‬بعــد ســقوط الشــاه يف‬ ‫طهــران عــام ‪1979‬م‪ ،‬حتــى شــنت الســلطة البعثيــة العراقيــة حر ًبــا‬ ‫شــعواء علــى األكــراد‪ ،‬كانــت قمتهــا مذبحــة حلبجــة املشــهورة‪ ،‬التــي‬ ‫اســتخدمت فيهــا الغــازات الســامة‪ .‬النتيجــة النهائيــة املهمــة أن‬ ‫احلكــم الذاتــي الــذي أعطــي للكــرد عــام ‪1970‬م‪ ،‬الــذي ظنــه نظــام‬ ‫البعــث أنــه منــاورة مؤقتــة‪ ،‬ظــل قائ ًمــا‪ ،‬و تأكــد بعــد ســقوط النظــام‬ ‫البعثــي يف عــام ‪2003‬م‪ ،‬أوالً يف الدســتور اجلديــد‪ ،‬الــذي انتــزع فيــه‬ ‫األكــراد (حكــم ذاتــي رســمي) وثان ًيــا يف العلــم الكــردي واالســتقالل‬ ‫املالــي‪ ،‬ذلــك هــو الــدرس األهــم يف القيمــة املعنويــة لالســتفتاء يف‬ ‫ســبتمبر ‪2017‬م‪ ،‬أمــام العالــم اليــوم أغلبيــة يف اإلقليــم صوتت بشــكل‬ ‫حــر علــى (االســتقالل)‪ ،‬ســوف يصبــح ذلــك التصويــت احلجــر اآلخــر‬ ‫( بعــد احلكــم الذاتــي) يف طريــق طويــل لدولــة كرديــة قــد تتبلــور‪ ،‬مــع‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪29‬‬

‫ملف العدد‬

‫فــارق مهــم هــو أن الســلطة العراقيــة يف بغــداد ال متلــك حتــى جــز ًءا‬ ‫مــن الســلطة التــي كان ميلكهــا البعــث وقــت توقيــع اتفــاق ‪1970‬م‪،‬‬ ‫حتــى يتــم اعتــراض املســيرة‪.‬‬ ‫علــى مقلــب آخــر‪ ،‬فــإن الكــرد وجــدوا أنفســهم حلفــاء دون‬ ‫حليــف بعــد ســقوط نظــام البعــث عــام ‪2003‬م‪ُ ،‬ســلموا موقــع (رئيــس‬ ‫اجلمهوريــة) املنــزوع الســلطة‪ ،‬كمــا حصلــوا علــى بعــض املقاعــد يف‬ ‫الــوزارات‪ ،‬ســرعان مــا جــردوا مــن أهمهــا‪ ،‬وحتــى دون احتــرام أو‬ ‫لياقــة‪ ،‬كمــا حــدث للســيد هوشــيار زيبــاري بخروجــه مــن الــوزارة‬ ‫مته ًمــا بالفســاد! تشــتت الســلطة العراقيــة يف بغــداد لــه شــواهد‬ ‫كثيــرة‪ ،‬فالكــرد يشــعرون بقلــق حقيقــي حــول تقوية وتعضيد (احلشــد‬ ‫الشــعبي) وهــو قــوة عســكرية ضاربــة مكونــة مــن لــون طائفــي واحــد‬ ‫ومدعــوم مــن إيــران‪ ،‬عــدى التصريــح الصــارخ الــذي نقــل عــن الســيد‬ ‫حيــدر العبــادي‪ ،‬رئيــس الــوزراء العراقــي‪ ،‬أن (احلشــد الشــعبي بــاق‬ ‫حتــت ســلطة احلكومــة واملرجعيــة)! أي حتــول الســلطة املدنيــة‬ ‫إلــى شــبة ثنائيــة و (ثيوقراطيــة) شــبيهة باجلــارة إيــران!! أصبــح‬ ‫االســتفتاء خلفنــا قــد يكــون قفــزة إلــى املجهــول‪ ،‬وقــد يكــون حســبة‬ ‫(معلــم مــن الســيد مســعود بارزانــي) األيــام ســوف تقــرر لنــا ذلــك‪.‬‬ ‫املهــم أن لدينــا أطروحتــان‪ ،‬األولــى للكــرد العراقيــن‪ ،‬تقــول أنهــم‬ ‫دخلــوا يف شــراكة مــع املكونــات العراقيــة األخــرى بعــد عــام ‪2003‬م‪،‬‬ ‫مــن أجــل بنــاء عــراق وطنــي (دميقراطــي مدنــي حديــث)‪ ،‬ووجــدوا‬ ‫بعــد طــول جتربــة‪ ،‬أنــه عــراق طائفــي ‪ /‬دينــي تتخلــل مســامه شــرور‬ ‫ً‬ ‫ومتدخــل يف شــؤونه مــن عــدد مــن الــدول‪ ،‬علــى راســها‬ ‫الفســاد‪،‬‬ ‫إيــران اخلمينيــة‪ ،‬جتــره جـ ًرا إلــى نــوع مــن (واليــة الفقيــه)! أي فشــل‬ ‫ذريــع يف إقامــة الدولــة الوطنيــة احلديثــة فــال مفــر إ ًذا مــن فــك‬ ‫الشــراكة‪ ،‬يف الوقــت الــذي كان الســيد مســعود بارزانــي يتحــدث فيــه‬ ‫إلــى العالــم عشــية االســتفتاء يــوم ‪ 24‬ســبتمبر ‪2017‬م‪ ،‬مــن خــالل‬ ‫مؤمتــر صحفــي عاملــي‪ ،‬ينُقــل مباشــرة علــى شاشــات التلفزيــون‪،‬‬ ‫ظهــر الســيد حيــدر العبــادي ليدافــع عــن وجهــة نظــر الســلطة‬ ‫املركزيــة‪ ،‬وحتــدث األخيــر كثيــ ًرا‪ ،‬ولكنــه لــم يكــن ُمقن ًعــا‪ ،‬فقــد‬ ‫ذهــب إلــى التذكيــر بقهــر وظلــم وعســف صــدام حســن (وهــذا‬ ‫غيــر مشــكوك فيــه) وأن البعــض قــد تعــاون معــه مــن كل املكونــات‬ ‫العراقيــة (إشــارة إلــى الزعامــات الكرديــة) ولكــن الســيد العبــادي لــم‬ ‫ـروعا مقابــل أطروحــات الكــرد التــي تشــير إلــى الفشــل يف‬ ‫يقــدم مشـ ً‬ ‫إقامــة (دولــة مدنيــة حديثــة وغيــر طائفيــة) والشــعوب تتــوق إلــى أن‬ ‫تلقــي الســمع إلــى مــن يتحــدث عــن مســتقبلها ال عــن ســفاحيها‪.‬‬ ‫وعلــى الرغــم مــن أن (مشــروع اســتقالل كردســتان العــراق) ســوف‬ ‫يثيــر مــن اآلن وصاع ـدًا اللغــط واألخــذ والــرد والشــجار السياســي‪،‬‬ ‫ورمبــا يتحــول إلــى شــيء أكثــر ســخونة‪ ،‬حيــث ال يعتمــد قيــام الدولــة‬ ‫الكرديــة القادمــة فقــط علــى قــدرة القيــادة الكرديــة يف املنــاورة‪ ،‬وال‬ ‫علــى ضعــف الدولــة العراقيــة املركزيــة التــي تشــتت القــرار فيهــا‪،‬‬

‫‪28‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫ً‬ ‫وأيضــا التدخــل يف‬ ‫ســوريا و العــراق (التــي هــي محــور حديثنــا هنــا)‬ ‫دول اخلليــج!‬

‫العراق من احتالل إىل احتالل‪:‬‬ ‫علــى رغــم املعانــاة التــي واجههــا العراقيــون حتــت حكــم البعــث‬ ‫(‪2003 - 1958‬م) إال أن العــراق ظــل يف معظــم هــذه الفتــرة لــه‬ ‫اســتقاللية يف املجــال الدولــي‪ ،‬رغــم كل اآلثــام التــي ارتكبهــا نظــام‬ ‫البعــث يف الداخــل العراقــي‪ ،‬ورغــم كل األخطــاء التــي متــت يف‬ ‫اجلــوار ويف العالقــات الدوليــة مــع العالــم‪ .‬إال أن مســألتن كانتــا‬ ‫مؤرقتــن للعــراق يف تلــك الفتــرة‪ ،‬األولــى هــي مــا ميكــن أن يعــرف‬ ‫باملســألة الكرديــة‪ ،‬والثانيــة العالقــة مــع إيــران‪ ،‬علــى مــا فيهمــا مــن‬ ‫تداخــل‪ ،‬إال أن (حتريــر العــراق مــن البعــث) أوقعــه يف (احتــالل آخــر‬ ‫مــن إيــران) فأصبــح مــا يواجــه العــراق مــن مســألتن ســابقتن‪ ،‬قــد‬ ‫جتــددا مــن جديــد (إيــران والكــرد)! ولكــن بثــوب آخــر‪.‬‬

‫المسألة الكردية‪:‬‬ ‫يف الســنوات األخيــرة وخلــف األبــواب املغلقــة يف العواصــم‬ ‫احمليطــة بالعــراق‪ ،‬القريبــة والبعيــدة املهتمــة كان هنــاك مجموعــات‬ ‫موضوعــا واح ـدًا وهــو محاولــة اإلجابــة عــن ســؤال مركــزي‬ ‫تــدرس‬ ‫ً‬ ‫يخــص مجتمعــات تلــك الــدول ومصاحلهــا‪ ،‬الســؤال هــو‪ :‬هــل عــراق‬ ‫موحــد‪ ،‬و(إن شــاء اهلل دميقراطــي نســبي)‪ ،‬هــو األفضــل يف جوارنــا‪،‬‬ ‫أم عــراق مقســم إلــى أقاليــم ـ علــى األقــل ثالثــة‪ ،‬الكــرد يف الشــمال‪،‬‬ ‫الســنة يف الغــرب والشــيعة يف اجلنــوب؟ علــى ضــوء التطــورات التــي‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫كانــت حتــدث يف العــراق‪ ،‬مــن شــقاق طائفــي وفشــل إداري وفســاد‬ ‫سياســي‪ ،‬وتغــول (إرهابي‪-‬داعشــي) وأضــف إليهــا منطقــة شــبه‬ ‫مســتقلة يف الشــمال! وتتــراوح اإلجابــات علــى تلــك األســئلة باختــالف‬ ‫مصالــح ورؤى ومتنيــات تلــك الــدول‪ .‬واضــح مــن قــراءة األحــداث‬ ‫األخيــرة أن القيــادة الكرديــة يف كردســتان العــراق قــد اتخــذت قــرا ًرا‪،‬‬ ‫ال رجعــة عنــه‪ ،‬كمــا فعلــت عــام ‪2014‬م‪ ،‬أن تســير يف ترتيباتهــا إلقامــة‬ ‫اســتفتاء عــام بــن ســكان إقليــم كردســتان العــراق هــذه املــرة دون‬ ‫خضــوع لضغــوط تشــابه ضغــوط ‪2014‬م‪ ،‬حيــث تراجعــت وقتهــا‬ ‫عــن ذلــك وقــد ُســئل الســكان يف املناطــق اخلاضعــة للحكــم الذاتــي‬ ‫الكــردي‪ ،‬فيمــا إذا كانــوا يفضلــون االســتقالل كدولــة‪ ،‬أو االنتمــاء إلــى‬ ‫عــراق موحــد؟ وكانــت اإلجابــة التــي ظهــرت يــوم ‪ 27‬ســبتمبر ‪2017‬م‬ ‫أن هنــاك أغلبيــة مريحــة مــن أجــل االســتقالل‪ ،‬ممــا أطلــق تداعيــات‬ ‫ال زالــت جاريــة يف اإلقليــم ككل‪ ،‬ليــس يف العــراق وحــده‪ ،‬بــل إيــران‬ ‫وتركيــا ومنطقــة اخلليــج‪.‬‬ ‫الســيد مســعود برزانــي‪ ،‬رئيــس إقليــم كردســتان العــراق منــذ‬ ‫‪1992‬م‪ ،‬يبــدو أنــه يقــرأ كتــاب الســيد نيكــوال ميكافيلــي (األميــر)‪،‬‬ ‫الذائــع الصيــت‪ ،‬والصــادر يف أوائــل القــرن الســادس عشــر ميــالدي‪،‬‬ ‫كانــت نصيحــة ميكافيلــي للحاكــم‪ ،‬أن يكــون األســد والثعلــب يف‬ ‫نفــس الوقــت‪ ،‬األســد إلخافــة الذئــب‪ ،‬والثعلــب لتفــادي الفخــاخ!‬ ‫بارزانــي اآلن كالهمــا‪ ،‬إال أن التطــورات قــد جتبــره أن يكــون واحـدًا‬ ‫فقــط! يبــدو أنــه يريــد أن يفــاوض بغــداد مــن أجــل احلصــول علــى‬ ‫أكبــر مجموعــة مــن التنــازالت‪ ،‬خاصــة يف توســيع جغرافيــا اإلقليــم‬ ‫الكــردي إلــى مناطــق تســمى عــادة (متنــازع عليهــا) مبــا فيهــا مدينــة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪27‬‬

‫ملف العدد‬

‫انفصال كردستان ال يعتمد على مناورة األكراد أو ضعف بغداد بل على الالعبني الجدد‬

‫تأثيـر العـراق عى الخليج‪ :‬األزمـة الكردية قد‬ ‫تتحول إىل صراع عسـكري محدود أو واسـع‬ ‫ليـس جديـدًا القـول أن املنطقـة العربيـة (خاصـة املشـرقية منهـا) متـر مبرحلة تغير كبرى‪ ،‬رمبا تشـبه تلـك املرحلة التي أعقبت‬ ‫احلـرب العظمـى األولـي‪ ،‬مـن حيـث تغييـر احلـدود والتحالفـات‪ ،‬وانبثـاق دول لـم تكن موجودة يف السـابق‪ ،‬واختفـاء أخرى‪ .‬تلك‬ ‫املرحلـة التـي شـهدت انحسـار (الدولـة العثمانيـة) وظهـور الـدول املختلفـة يف املنطقـة‪ ،‬التـي كان للدولـة العثمانيـة نفـوذ فيهـا‪،‬‬ ‫كالعـراق والشـام‪ .‬املرحلـة التاريخيـة اليـوم تشـبه تلـك املرحلـة‪ ،‬ولـو مبعطيـات مختلفـة وبالعبـن جـدد‪ .‬فـإن بدلنـا الالعبـن‬ ‫القدامـى (الدولـة العثمانيـة‪ ،‬بريطانيـا العظمـى‪ ،‬دول املنطقـة) بالعبـن جـدد‪ ،‬هـم (الواليـات املتحـدة‪ ،‬اجلمهوريـة اإليرانيـة‪،‬‬ ‫ودول املنطقة) سـوف جند أن السـيناريوهات واحدة تقري ًبا‪ .‬يف السـابق كانت بريطانيا تريد أن جتفف نفوذ الدولة العثمانية‪،‬‬ ‫ألسـباب كثيـرة لهـا عالقـة مبصالـح بريطانيـا نفسـها‪ ،‬وجنـد أن الواليـات املتحـدة اليـوم تسـعى لتجفيـف و(انحسـار) النفـوذ‬ ‫اإليرانـي يف املنطقـة‪ ،‬ألن (اإلدارة اجلديـدة) تشـعر أن ذلـك النفـوذ يهـدد مصاحلهـا يف املـدى املتوسـط والبعيـد‪ .‬طب ًعـا املقارنـة‬ ‫هنـا مـع اختـالف الزمـان والدوافـع السياسـية‪ .‬فقـد كانـت اإلدارة األمريكيـة السـابقة (إدارة السـيد بـاراك أوبامـا) ألسـباب‬ ‫وحسـابات مختلفـة قـد (سـهلت) أو حتـى شـجعت التمـدد اإليرانـي خـارج خريطـة إيـران املعروفـة‪ ،‬رمبـا لتصـور سياسـي‪ ،‬أن‬ ‫إيـران إذا ُقبلـت يف املجتمـع الدولـي‪ ،‬و مت تخفيـف (مخاوفهـا) مـن (تغييـر النظـام)‪ ،‬فإنهـا سـوف تتصـرف (كدولـة مسـؤولة)‪،‬‬ ‫تلـك مراهنـة جعلـت مـن اتفـاق (الـدول السـت مـع إيـران) يف يوليـو ‪2015‬م‪( ،‬اتفاقية البرنامج النووي اإليرانـي) ممكنًا‪ ،‬رغم كل‬ ‫املالحظـات التـي أبدتهـا دول عديـدة (منهـا دول مجلـس التعـاون) حيـث أن ذلـك االتفاق ال ينص بوضوح (على تقييد أو تقليص‬ ‫ً‬ ‫وأيضا التدخل يف دول اخلليج!‬ ‫التوسـع اإليراني يف اجلوار) وخاصة يف كل من سـوريا و العراق (التي هي محور حديثنا هنا)‬

‫د‪ .‬محمد غامن الرميحي‬

‫ليــس جديـدًا القــول أن املنطقــة العربيــة (خاصــة املشــرقية منها)‬ ‫متــر مبرحلــة تغيــر كبــرى‪ ،‬رمبــا تشــبه تلــك املرحلــة التــي أعقبــت‬ ‫احلــرب العظمــى األولــي‪ ،‬مــن حيــث تغييــر احلــدود والتحالفــات‪،‬‬ ‫وانبثــاق دول لــم تكــن موجــودة يف الســابق‪ ،‬واختفــاء أخــرى‪ .‬تلــك‬ ‫املرحلــة التــي شــهدت انحســار (الدولــة العثمانيــة) وظهــور الــدول‬ ‫املختلفــة يف املنطقــة‪ ،‬التــي كان للدولــة العثمانيــة نفــوذ فيهــا‪،‬‬ ‫كالعــراق والشــام‪ .‬املرحلــة التاريخيــة اليــوم تشــبه تلــك املرحلــة‪ ،‬ولــو‬ ‫مبعطيــات مختلفــة وبالعبــن جــدد‪ .‬فــإن بدلنــا الالعبــن القدامــى‬ ‫(الدولــة العثمانيــة‪ ،‬بريطانيــا العظمــى‪ ،‬دول املنطقــة) بالعبــن‬ ‫جــدد‪ ،‬هــم (الواليــات املتحــدة‪ ،‬اجلمهوريــة اإليرانيــة‪ ،‬ودول املنطقــة)‬ ‫ســوف جنــد أن الســيناريوهات واحــدة تقري ًبــا‪ .‬يف الســابق كانــت‬ ‫بريطانيــا تريــد أن جتفــف نفــوذ الدولــة العثمانيــة‪ ،‬ألســباب كثيــرة‬ ‫لهــا عالقــة مبصالــح بريطانيــا نفســها‪ ،‬وجنــد أن الواليــات املتحــدة‬

‫اليــوم تســعى لتجفيــف و(انحســار) النفــوذ اإليرانــي يف املنطقــة‪،‬‬ ‫ألن (اإلدارة اجلديــدة) تشــعر أن ذلــك النفــوذ يهــدد مصاحلهــا يف‬ ‫املــدى املتوســط والبعيــد‪ .‬طب ًعــا املقارنــة هنــا مــع اختــالف الزمــان‬ ‫والدوافــع السياســية‪ .‬فقــد كانــت اإلدارة األمريكيــة الســابقة (إدارة‬ ‫الســيد بــاراك أوبامــا) ألســباب وحســابات مختلفــة قــد (ســهلت)‬ ‫أو حتــى شــجعت التمــدد اإليرانــي خــارج خريطــة إيــران املعروفــة‪،‬‬ ‫رمبــا لتصــور سياســي‪ ،‬أن إيــران إذا ُقبلــت يف املجتمــع الدولــي‪ ،‬و‬ ‫مت تخفيــف (مخاوفهــا) مــن (تغييــر النظــام)‪ ،‬فإنهــا ســوف تتصــرف‬ ‫(كدولــة مســؤولة)‪ ،‬تلــك مراهنــة جعلــت مــن اتفــاق (الــدول الســت‬ ‫مــع إيــران) يف يوليــو ‪2015‬م‪( ،‬اتفاقيــة البرنامــج النــووي اإليرانــي)‬ ‫ممكنًــا‪ ،‬رغــم كل املالحظــات التــي أبدتهــا دول عديــدة (منهــا دول‬ ‫مجلــس التعــاون) حيــث أن ذلــك االتفــاق ال ينــص بوضــوح (علــى‬ ‫تقييــد أو تقليــص التوســع اإليرانــي يف اجلــوار) وخاصــة يف كل مــن‬

‫‪26‬‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫قضية العدد‬

‫إيــران‪ ،‬وإنهــا ميكــن أن تنفصــل الح ًقــا وتنضــم لدولــة ســنية إن حصــل‬ ‫تفكيــك للعــراق‪ ،‬أمــا القــوى األخــرى يف االحتــاد فتــرى أن ظهــور كيــان‬ ‫كــردي ســيكون علــى حســاب مناطــق الوجــود الســني يف محافظــات‪:‬‬ ‫نينــوى وكركــوك وديالــى‪ ،‬ولهــذا هــم يضعــون هد ًفــا أكبــر وهــو التأكيــد‬ ‫علــى وحــدة العــراق حلــن جتــاوز هــذه املرحلــة وتأكيــد الوجــود الســني‬ ‫كهويــة وتيــار سياســي قبــل الشــروع بعمليــة تفكيــك العــراق‪.‬‬ ‫‪ -3‬أمــا التيــار املدنــي‪ ،‬فهــو تيــار ضعيــف‪ ،‬وأهــم قياداتــه هــم التيــار‬ ‫الشــيوعي‪ ،‬التــي ترتبــط بعالقــات تاريخيــة جيــدة مــع الكــرد‪ ،‬ومــن ثــم‬ ‫ال يتوقــع أن يعــارض قيــام دولــة كرديــة‪.‬‬ ‫ولهــذا‪ ،‬وجدنــا ان اســتجابة احلكومــة العراقيــة لالســتفتاء كانــت‬ ‫بســيطة‪ ،‬متثلــت بتعليــق‪ :‬عضويــة النواب الكــرد يف البرملان االحتادي‪،‬‬ ‫وبعــض التعامــالت املاليــة مــع اإلقليــم‪ ،‬والطيــران املدنــي الدولــي‬ ‫ملطــارات اإلقليــم‪ ،‬وإجــراء منــاورات عســكرية مــع تركيــا وإيــران كل‬ ‫علــى حــدا بالقــرب مــن اإلقليــم‪ ،‬ونشــر قــوات عســكرية وأخــرى مــن‬ ‫احلشــد الشــعبي يف أجــزاء مــن مدينــة كركــوك‪ ،‬ومحــاوالت للســيطرة‬ ‫علــى املنافــذ احلدوديــة لإلقليــم‪ ،‬ويبقــى املوقــف احلكومــي معتمــد‬ ‫علــى املوقــف اإلقليمــي أكثــر مــن اعتمــاده علــى اجلهــد الوطنــي‪.‬‬

‫راب ًعـا‪ -‬توقعـات العالقـة بين كردسـتان العراق والبيئـة اإلقليمية‬ ‫بعد االسـتفتاء‬ ‫اجتهت كل من تركيا وإيران يف شــهر ســبتمبر ‪2017‬م‪ ،‬إلى تنســيق‬ ‫مواقفهــم مــن اســتفتاء االنفصــال‪ ،‬واجتهــوا التخــاذ خطــوات منهــا‪:‬‬ ‫الغلــق التدريجــي للمنافــذ احلدوديــة مبــا يضمــن عــدم التعــرض ملصالح‬ ‫الدولتــن يف كردســتان مــع ممارســة تأثيــر يف سياســة حكومــة اإلقليــم‪،‬‬ ‫وتقــدمي دعــم محــدود للحكومــة االحتاديــة الســتعادة التــوازن يف العالقة‬ ‫مــع اإلقليــم‪ ،‬واللجــوء إلــى إجــراء منــاورات علــى مقربــة مــن حــدود‬ ‫اإلقليــم‪ ،‬وعقــد اجتمــاع قمــة يف طهــران يف أكتوبــر حــددوا فيــه هدفــن‪:‬‬ ‫‪ -1‬رفض إقامة دولة كردية‪.‬‬ ‫‪ -2‬رفض إقامة إقليم فدرالي لكرد سوريا‪.‬‬ ‫مــع إدراك الدولتــان أن العــراق واقــع ضمــن نقطــة توازنــات حرجة‬ ‫تؤثــر فيــه عــدة دول‪ ،‬وهــذا األمــر خفــف مــن قــوة املوقــف الكــردي‬ ‫وجعلــه يتراجــع أمــام ســعي احلكومــة االحتاديــة لفــرض حضورهــا يف‬ ‫بعــض املناطــق املتنــازع عليهــا‪ ،‬وقبــول دعــوات للحــوار مع بغــداد‪ .‬إن ما‬ ‫اســتقر عليــه هــو‪ :‬أن الظــروف واملتغيــرات هــي مــن ســيحدد احتماالت‬ ‫تدخــل تركيــا وإيــران يف اإلقليــم‪ ،‬فــكل مــن الدولتــن حــذرة يف متاســها‬ ‫معــه‪ ،‬إال أنهــا لــن تتدخــل بشــكل مباشــر يف هــذه املرحلــة‪.‬‬ ‫والواضــح‪ ،‬أن البرزانــي جــاد يف مســعى االنفصــال‪ ،‬لكنــه يــدرك‬ ‫أن الظــروف اإلقليميــة ال تســمح بذلــك‪ ،‬فالهــدف الــذي يشــغله ليــس‬ ‫إدارة اإلقليــم فهــو ميكــن أن يعالــج بالتوريــث ضمــن عائلتــه ألســباب‬ ‫اقتصاديــة وقبليــة كرديــة وأخــرى متعلقــة بارتباطــات خارجيــة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫للعوائــل الكرديــة املؤثــرة يف اإلقليــم‪ ،‬إال أنــه يــرى ثــالث مســائل‪:‬‬ ‫األولى‪ -‬أن العراق لم يعد خيار مالئم الستمرار الكرد ضمنه‪.‬‬ ‫والثانيــة‪ -‬أن البيئــة الدوليــة ميكنهــا أن تقبــل انفصــال الكــرد إذا مــا‬ ‫أصــرت قيــادات الكــرد علــى إعــالن دولتهــم‪ ،‬كمــا أن بعــض الــدول‬ ‫مثــل إســرائيل تــرى مصاحلهــا يف دعــم تأســيس دولــة كرديــة‪.‬‬ ‫والثالثــة‪ -‬أن تأســيس دولــة كرديــة يف هــذا العهــد ســيبقى حد ًثــا‬ ‫تاريخ ًيــا يخلــد عائلــة البرزانــي‪.‬‬ ‫ويف كل األحــوال أصبحــت كردســتان العــراق أمــام خيــارات‬ ‫مصيريــة محــددة وهــي‪:‬‬ ‫ إمــا االســتمرار ضمــن الدولــة العراقيــة‪ ،‬وهــذا اخليــار يضعــف‬‫باســتمرار مبــرور الزمــن‪ ،‬والبيئــة اإلقليمية تتقبل وتتفهــم هذا الضعف‪،‬‬ ‫فبــدأت تتفاعــل مــع كردســتان وتتعــاون معهــا ككيــان لــه خصوصيــة‪.‬‬ ‫ أو االجتــاه للكونفدراليــة‪ ،‬وهــذا اخليــار مطــروح التحــول إليــه‬‫إلنهــاء جــزء مــن مشــكالت العــراق‪ ،‬إال أنــه يتطلــب تعديــل الدســتور‬ ‫االحتــادي‪ ،‬وســيكون خطــوة نحــو االنفصــال الح ًقــا‪.‬‬ ‫ أو إعــالن االنفصــال‪ ،‬وهــذا اخليــار يتوقــع أن يتحقــق خــالل‬‫املســتقبل املتوســط يف أبعــد تقديــر‪.‬‬ ‫ويف كل األحــوال فــإن كردســتان مــا بعــد االســتفتاء ســيكون لهــا‬ ‫عالقــات مختلفــة مــع البيئــة املجــاورة‪ ،‬فاحلكومــة االحتاديــة تســعى‬ ‫حملاربــة اإلرهــاب وفــرض حضورهــا عراق ًيــا‪ ،‬واســتعادة اإلقليــم ضمــن‬ ‫كيــان الدولــة‪ ،‬وضعفهــا يكمــن يف القــوى السياســية التــي تتعــرض‬ ‫لهيبــة ووجــود الدولــة‪ :‬مال ًيــا وأمن ًيــا وسياسـ ًيا وثقاف ًيــا‪ ،‬لهــذا وجدنا أن‬ ‫احلكومــة االحتاديــة لــم تســتطع أن تتخــذ إال إجــراءات محــدودة ممــا‬ ‫مت وصفــه‪ ،‬ألنهــا تــدرك أن مركــز ثقــل اإلجــراءات ومصالــح اإلقليــم‬ ‫ال يتعلــق باحلكومــة العراقيــة إمنــا مبصالــح وإجــراءات كل مــن تركيــا‬ ‫وإيــران‪ ،‬فــكل منهمــا إن أغلــق حــدوده عندهــا لــن يكــون بوســع اإلقليــم‬ ‫االنفصــال‪ .‬اال أن الواضــح أن الكــرد أسســوا لكيــان دولــة‪ ،‬والعــراق‬ ‫متجــه تدريجيــا للتفــكك‪ ،‬وهــذا األمــر تقبلتــه تركيــا وإيــران منــذ مــدة‪،‬‬ ‫وســتتقبله بشــكل أكبــر علــى املــدى املتوســط يف أبعــد احلــدود‪ ،‬فهمــا‬ ‫أمــام خيــارات ضيقــة‪:‬‬ ‫‪ -1‬إمــا التدخــل املباشــر يف كردســتان العــراق‪ ،‬وهــذا األمــر ســيقود‬ ‫إلــى فوضــى إقليميــة أوســع مــن املتحققــة يف هــذه املرحلــة‪.‬‬ ‫‪ -2‬أو حصار اإلقليم‪ ،‬وعندها ستتضرر مصالح الدولتن يف اإلقليم‪.‬‬ ‫‪ -3‬أو قبــول متــدرج بتحــول اإلقليــم إلــى دولــة‪ ،‬وهــو مــا يتطلــب‬ ‫ضمانــات بعــدم تعــرض اإلقليــم للوحدة اإلقليمية للدولتن مســتقب ً‬ ‫ال‪.‬‬ ‫ونــرى‪ ،‬مــن خــالل اســتقراء املعطيــات املتاحــة‪ ،‬أن اخليــار األخيــر‬ ‫رجوحــا مــن غيــره‪.‬‬ ‫هــو األكثــر‬ ‫ً‬ ‫* أﺳﺘﺎذ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ ـ ﻛﻠﻴﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ـ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻨﻬﺮﻳﻦ‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫العقــد الثانــي مــن هــذا القــرن‪ ،‬ثــم صــار احلديــث عــن تأســيس كيــان‬ ‫دولــة هــو الطاغــي علــى حديــث أبــرز قيــادات الكــرد يف أعقــاب أزمــة‬ ‫عامــي ‪2014 -2013‬م‪ ،‬بــن احلكومتــن االحتاديــة واإلقليميــة‪.‬‬ ‫إن تأســيس كيــان الدولــة يحتــاج إلــى إمكانــات وإرادة داخليــة‬ ‫وقبــول خارجــي صريــح أو ضمنــي‪ ،‬ومــا يتعلــق باإلمكانــات فالكــرد‬ ‫أقامــوا مؤسســاتهم‪ ،‬ولديهــم مــوارد‪ ،‬وحجــم ايراداتهــم مــن التجــارة‬ ‫واجلمــارك والضرائــب وإيــرادات تصديــر النفــط تفــوق حجــم‬ ‫حصتهــم يف املوازنــة االحتاديــة (‪ ،)%17‬بنســبة قــدرت بـــ (‪ 100‬مليــون‬ ‫دوالر‪/‬يــوم عــام ‪2016‬م)‪.‬‬ ‫أمــا بشــأن اإلرادة الكرديــة لدعــم هــدف االنفصــال‪ ،‬فإنــه محــل‬ ‫اتفــاق كــردي داخلــي‪ ،‬ومــن يعارضــه قــوى صغيــرة‪ ،‬ومنهــم‪ :‬الكــرد‬ ‫الفيليــة (جماعــة اثنيــة‪ ،‬شــيعية‪ ،‬أغلــب أفرادهــا يتواجــدون يف إيــران‪،‬‬ ‫ويف العراق تقريبا ‪ 80‬ألف شخص يستوطنون شرق محافظتي ديالى‬ ‫والكــوت)‪ ،‬ثــم يأتــي بعدهــم التركمــان (ويعيــش منهــم مــا يزيــد علــى‬ ‫‪ 150‬ألــف داخــل اإلقليــم‪ ،‬وداخــل العــراق نحــو ‪ 1.6‬مليــون شــخص)‪.‬‬ ‫أمــا بخصــوص الدعــم اخلارجــي‪ ،‬فهــو متحقــق ضمنًــا مــن‬ ‫الدعــم األمريكي‪-‬اإلســرائيلي‪ ،‬وتبقــى نقطــة مهمــة تتعلــق بــأن‬ ‫الواليــات املتحــدة مدركــة أن العــراق حال ًيــا محســوب عليهــا‪ ،‬وأن‬ ‫دعمهــا للكــرد الســورين يرجــع إلــى إدراكهــا أن ســوريا محســوبة علــى‬ ‫روســيا‪ ،‬وهــذه النقطــة كانــت حاضــرة يف تفكيــر القيــادات الكرديــة‬ ‫عنــد إعــالن وتنفيــذ االســتفتاء‪ ،‬فهــم يــرون أن العالــم الغربــي يدعــم‬ ‫كــرد ســوريا‪ ،‬ودعــم كــرد العــراق وســمح بتســليحهم مبعــزل عــن‬ ‫احلكومــة االحتاديــة عــام ‪2014‬م‪ ،‬ومــا بعــده‪ ،‬وهــم يــرون أن خيــار‬ ‫الدولــة الكرديــة يصــب يف مصلحــة الغــرب كمــا يف مصلحــة الكــرد‪.‬‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪25‬‬

‫ويالحــظ أن تركيــا وإيــران ال يرغبــان بإقامــة دولــة كرديــة إال‬ ‫أنهمــا معنيــان بعــدم تعزيــز قــوة العــراق إلــى مســتوى يكــون قــادر علــى‬ ‫منافســتها‪ ،‬كمــا أن لهمــا مصالــح كبيــرة يف كردســتان العــراق ال ميكــن‬ ‫أن تعرضهــا للخنــق‪.‬‬ ‫وتبقــى هنــاك نقطــة مهمــة تتمثــل يف إمكانيــة احتــاد مواقــف‬ ‫العراقيــن مــن انفصــال اإلقليــم‪ ،‬ويالحــظ‪:‬‬ ‫‪ -1‬مــا يتعلــق بالتحالــف الوطنــي (شــيعي)‪ ،‬فإنــه منقســم إلــى‬ ‫معســكرين‪ ،‬يتمثــل األول بتيــار ميينــي مدعــوم مــن إيــران‪ ،‬وموقــف‬ ‫هــؤالء مرتبــط برفــض إيــران لالنفصــال‪ ،‬أمــا التيــار الثانــي فهــو‬ ‫براغماتــي‪ ،‬ورفضهــم لالنفصــال مرتبــط بتمكــن الشــيعة مــن‬ ‫االســتيالء علــى حكــم العــراق‪ ،‬وهــؤالء يطالبــون بتصحيــح مســار‬ ‫العمــل السياســي وتقليــل ســلبيات اإلدارة احلكوميــة‪ ،‬وهــم ال يرغبــون‬ ‫برؤيــة تفــكك العــراق تتــم خــالل حكــم الشــيعة‪.‬‬ ‫‪ -2‬أمــا مــا يتعلــق باحتــاد القــوى (ســنية)‪ ،‬فإنــه يعانــي مــن انقســام‬ ‫حــاد يف مواقفــه‪ ،‬فالبعــض ال يعطــي رأي بشــان االنفصــال ويركــز‬ ‫علــى رفــض اســتمرار تأثيــر التيــارات القريبــة مــن إيــران يف السياســة‬ ‫العراقيــة بكونــه الســبب لتفــكك البلــد‪ ،‬ويعــزز مــن اجتاههــم أن‬ ‫مصاحلهــم موجــودة يف كردســتان وهــم يســتذكرون سياســات قــوى‬ ‫شــيعية يف التعــرض غيــر املســؤول للمناطــق الســنية بعــد ‪2003‬م‪،‬‬ ‫وهنــاك قلــة تــرى أن ظهــور دولــة كرديــة ســيعزز مــن فرص ظهــور إقليم‬ ‫ســني يف ظــل فشــل التحالــف الوطنــي يف إدارة العــراق بصيغــة وطنيــة‬ ‫جامعــة‪ ،‬أمــا البعــض اآلخــر (خاصــة قــوى قبليــة يف املناطــق املتنــازع‬ ‫عليهــا) فإنهــم يــرون أن االنضمــام إلــى دولــة كرديــة يف هــذه املرحلــة‬ ‫أفضــل مــن االســتمرار بدولــة عراقيــة يؤثــر عليهــا تيــارات مقربــة مــن‬

‫‪24‬‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫قضية العدد‬

‫األوســط مبشــكالت مذهبية وفوضى‪ ،‬ولهذا أظهرت التزامات تشــكيل‬ ‫احلكومــة االحتاديــة عــام ‪2010‬م‪ ،‬أن قوى سياســية يف التحالف الوطني‬ ‫لــم تكــن حريصــة علــى اســتمرار ارتبــاط محافظــات نينــوى وكركــوك‬ ‫وديالــى ببغــداد‪ ،‬وأنهــا اســتجابت عمل ًيــا ملطالــب الكــرد بالســيطرة علــى‬ ‫مــا عــده الكــرد مناطــق متنــازع عليهــا‪ ،‬مقابــل دعــم تشــكيل حكومــة‬ ‫احتاديــة بالتركيبــة التــي ظهــرت عليهــا‪ ،‬وتكرر األمر نفســه عــام ‪-2014‬‬ ‫‪2015‬م‪ ،‬يف تشــكيل حكومــة ومواجهــة متــدد اإلرهــاب بالســماح للكــرد‬ ‫بالتمــدد املناطقــي‪ ،‬واليــوم جتــد احلكومــة العراقيــة أن انفصــال اإلقليــم‬ ‫ميكــن أن يقــرأ بأكثــر مــن طريقــة‪ :‬فهــو ميكــن أن يخلــص العــراق مــن‬ ‫مشــكلة مســتعصية اســتنزفت مــوارد مهمــة علــى مــدى قــرن‪ ،‬إال أنــه‬ ‫يخلق مشــكلة متعلقة بخضوع أمن العراق املائي لكردســتان (‪ %75‬منها‬ ‫متــر عبــر كردســتان)‪ ،‬كمــا أن تركيــا وإيــران لــن تقبال بهــذا التطور حتت‬ ‫أي ضمانــات علــى املــدى القريــب ألنــه يهــدد وحدتهمــا اإلقليمية بســبب‬ ‫وجــود أقليــة كرديــة فيهمــا مجــاورة إلقليــم كردســتان العــراق‪.‬‬ ‫واســتثناء الرفــض املشــترك للبلديــن‪ ،‬فــإن ك ً‬ ‫ال منهمــا يعــد‬ ‫الداعــم األكبــر بعــد الواليــات املتحــدة وإســرائيل لتمــرد اإلقليــم علــى‬ ‫احلكومــة العراقيــة‪ ،‬فهمــا تعامــال معــه منــذ ‪1991‬م‪ ،‬ككيــان منفصــل‬ ‫عمل ًيــا‪ ،‬سياســ ًيا وأمن ًيــا واقتصاد ًيــا‪ ،‬لهــذا عندمــا أعلــن اإلقليــم‬ ‫االســتفتاء كانــت خطــوات تركيــا وإيــران محــدودة ألنــه مــن الصعــب‬ ‫اعتمــاد تدخــل عســكري مباشــر أو فــرض مقاطعــة شــاملة لإلقليــم‬ ‫ألن مصالــح الدولتــان يف اإلقليــم ســتتضرر أكثــر مــن تضــرر العــراق‪.‬‬ ‫أمــا إســرائيل فإنهــا ظهــرت كطــرف داعــم لتمــرد الكــرد علــى‬ ‫العــراق بعــد ‪1967‬م‪ ،‬ثــم تصاعــد دعمهــا بعــد ‪1991‬م‪ ،‬واليــوم متثــل‬ ‫أكبــر طــرف خارجــي داعــم لالنفصــال‪ ،‬وأســبابه أن إســرائيل تصنــف‬ ‫العــراق كعــدو‪ ،‬وأفضــل طريقــة للتعامــل معــه هــي بإنهــاء الدولــة‬ ‫العراقيــة‪ ،‬وانفصــال الكــرد ســيضمن وجــود دولــة ال داعــم لهــا علــى‬ ‫املــدى املتوســط إال الواليــات املتحــدة وإســرائيل‪ ،‬وميكــن اســتخدامها‬ ‫إلــى الضــد مــن العــراق وتركيــا وإيــران يف آن واحــد‪.‬‬ ‫ويبقــى املوقــف املهــم هــو املوقــف األمريكــي‪ ،‬فالواليــات املتحــدة‬ ‫دولــة كبــرى لهــا مراكــز عــدة لصناعــة القــرار‪ ،‬وكل مركــز يتأثــر‬ ‫بعوامــل ضغــط ومصالــح متنوعــة‪ ،‬وإذا كانــت بعــض تلــك املراكــز مــع‬ ‫تفكيــك العــراق‪ ،‬ومنــح الكــرد دولــة‪ ،‬وهــي املراكــز األكثــر تأثيــ ًرا يف‬ ‫السياســة األمريكيــة يف العــراق فــإن الواليــات املتحــدة اليــوم حتــدث‬ ‫مراجعــة لسياســاتها يف العــراق‪ ،‬وهــي تــدرك أن املصالــح البعيــدة‬ ‫املــدى تســتلزم إنضــاج فكــرة الدولــة الكرديــة ألنهــا ســتكون مرتبطــة‬ ‫بالواليــات املتحــدة وإســرائيل أكثــر مــن ارتباطهــا بالبيئــة اإلقليميــة‪.‬‬ ‫وتــدرك بريطانيــا وفرنســا وأملانيــا وروســيا أن مصاحلهــم هــي‬ ‫مــع وجــود دولــة كرديــة‪ ،‬إال أنهــم يقــدرون حجــم املشــكلة اإلقليميــة يف‬ ‫العــراق وســوريا‪ ،‬وأن أي تصعيــد ميكــن أن يتســبب بحــرب إقليميــة ال‬ ‫ميكــن الســيطرة عليهــا‪ .‬ولهــذا‪ ،‬وجدنــا أن ك ً‬ ‫ال مــن الواليــات املتحــدة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫وبريطانيــا وفرنســا وأملانيــا ومعهــا األمم املتحــدة حــاورت احلكومتــن‬ ‫االحتاديــة واإلقليميــة علــى ثنائيــة وضمانات دولية‪ :‬تأجيل االســتفتاء أو‬ ‫جتميــد النظــر بنتائجــه مقابــل إطــالق حــوار هــادف لتســوية املشــكالت‬ ‫بينهمــا خــالل مــدة محــددة‪ ،‬وهــذا مــا يخفــي خلفه ضم ًنــا أن تلك القوى‬ ‫ستعترف باالنفصال إن فشلت احلكومتان يف تسوية املشكالت العالقة‪.‬‬

‫ثال ًثا‪-‬إمكانية تأسيس دولة كردية‬ ‫يعيــش الكــرد بشــكل متبايــن الكثافــة علــى مناطــق شــمال وشــمال‬ ‫شــرق العــراق‪ ،‬وســبق أن اعترفــت احلكومــة العراقيــة عــام ‪1971‬م‪،‬‬ ‫بــأن محافظــات كردســتان هــي مناطــق حكــم ذاتــي‪ ،‬ويف عــام ‪1991‬م‪،‬‬ ‫تفاوضــت القــوى الكرديــة علــى ضــم كركــوك ومــدن جمجمــال وكفــري‬ ‫وخانقــن وغيرهــا إلــى مناطــق احلكــم الذاتــي‪ ،‬وبعــد ‪2003‬م‪،‬‬ ‫اســتطاع الكــرد ضــم عــدد منهــا‪ ،‬ثــم توســعوا يف ‪2014‬م‪ ،‬وضمــوا‬ ‫مد ًنــا أخــرى لســلطة اإلقليــم‪ .‬إن تتبــع هــذا األمــر يفيــد‪:‬‬ ‫‪ -1‬هــدف الكــرد هــو ضــم أكبــر قــدر ممكــن مــن األراضــي العربيــة‬ ‫لإلقليــم حتــى ميكــن املســاومة عليهــا الح ًقــا‪ ،‬مســتغلن محاربــة قــوى‬ ‫سياســية شــيعة للوجــود الســني يف العــراق‪ ،‬وهــذه األراضــي اجلديــدة‬ ‫ميكن أن يتنازل عنها الكرد مقابل سقف تنازالت واسعة ومنه إمكانية‬ ‫ضــم احلقــول النفطيــة يف نينــوى وكركــوك وصــالح الديــن لإلقليــم‪.‬‬ ‫‪ -2‬كان هــدف الكــرد ضــم بعــض املــدن ذات الكثافــة الكرديــة‪ ،‬وطالبــوا‬ ‫بتطبيــق املــادة ‪ 140‬مــن الدســتور االحتــادي (التطبيــع واإلحصــاء‬ ‫واالســتفتاء)‪ ،‬إال أن احلكومــة االحتاديــة لــم تنفــذ تلــك املــادة‪ ،‬ممــا‬ ‫خلــق مشــكلة كبيــرة ألن تلــك املــادة تتحــدث عــن ســقف زمنــي قصيــر‬ ‫لتنفيذهــا‪ ،‬وهــو مالــم يتحقــق‪.‬‬ ‫‪ -3‬لقــد جنــح الكــرد يف تأســيس بنــاء كيــان دولــة‪ ،‬فبعــد ‪1991‬م‪،‬‬ ‫وأسســوا مؤسســات محــدودة سياســية وتنفيذيــة وتشــريعية وقضائيــة‪،‬‬ ‫وأقامــوا عالقــات مــع عــدة دول‪ ،‬ومنهــا تركيــا وإيــران وبعــض الــدول‬ ‫العربيــة‪ ،‬أمــا بعــد ‪2003‬م‪ ،‬فعــزز الكرد مؤسســاتهم وعالقاتهم الدولية‬ ‫اســتنا ًدا للدســتور العراقــي‪ ،‬ولــم يعــد يربطهــم بالعــراق ســوى رابــط‬ ‫ضعيــف جـدًا‪ :‬العلــم اجلامــع والعملــة والتمثيــل يف األمم املتحــدة‪ ،‬أمــا‬ ‫مــا عــدى ذلــك فــإن اإلقليــم منفصــل عمل ًيــا‪ ،‬فأغلــب األجيــال الشــابة‬ ‫ال تعــرف اللغــة العربيــة‪ ،‬ويف أغلــب مؤسســاته ال يرفــع العلــم العراقــي‪،‬‬ ‫بــل أخــذ اإلقليــم يقيــم اســتثمارات وميــارس سياســة تصديــر منعزلــة‬ ‫عــن الدولــة العراقيــة‪ ،‬ومنــه سياســة الطاقــة‪.‬‬ ‫إن التتبــع التاريخــي لسياســات القــوى الكرديــة يفيــد أن تلــك‬ ‫القــوى اجتهــت إلــى إحــداث نقلــة مهمــة‪ ،‬فمــن االنخــراط الواســع يف‬ ‫البــالط العثمانــي‪ ،‬إلــى دعــوة (قصيــرة) لتأســيس كيــان قومــي بعــد‬ ‫احلــرب العامليــة األولــى‪ ،‬ثــم إلــى املطالبــة بــاإلدارة احملليــة يف منتصــف‬ ‫القــرن املاضــي‪ ،‬اعقبهــا املطالبــة باحلكــم الذاتــي‪ ،‬ثــم إلــى إقامــة إقليــم‬ ‫فدرالــي عــام ‪1992‬م‪ ،‬ثــم املطالبــة بإقامــة إقليــم كونفدرالي يف مســتهل‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪23‬‬

‫قــوى سياســية غيــر حريصــة عــى ارتبــاط المناطــق المتنــازع عليهــا‬ ‫ببغــداد اســتجابت لســيطرة الكــرد عليها مقابل دعــم الحكومة االتحادية‬ ‫ومتــردوا علــى الدولــة العراقيــة بدعــم إيرانــي‪ -‬ســوفيتي‪ -‬ســوري‪-‬‬ ‫ليبــي حتــى ‪1989‬م‪ ،‬عندمــا اســتخدم العــراق العنــف إلخضــاع‬ ‫مناطقهــم للســيطرة‪ ،‬التــي انتهــت عــام ‪1991‬م‪ ،‬بتدخــل أمريكــي‪-‬‬ ‫بريطانــي‪ -‬فرنســي‪ ،‬اشــتركت فيــه تركيــا وإيــران‪ ،‬ومت فــرض منطقــة‬ ‫حمايــة ســاعدت علــى تأســيس كردســتان إلقليمهــا الفدرالــي‪.‬‬ ‫ويــدرك الكــرد أنهــم أمــام محاولــة انفصــال وليــس أمــام مســعى‬ ‫اســتقالل‪ ،‬فاالســتقالل يأتــي جــراء إخــراج قــوة محتلــة‪ ،‬أمــا االنفصــال‬ ‫فيأتــي مــن محاولــة اخلــروج مــن دولــة لــم يعــد مالئ ًمــا اســتمرار‬ ‫االرتبــاط بهــا‪ .‬إن حلــم الدولــة الكرديــة طــرح بقــوة عــام ‪2003‬م‪،‬‬ ‫بانهيــار الدولــة العراقيــة الســابقة‪ ،‬إال أن القيــادات الكرديــة أدركــت أن‬ ‫البيئــة اإلقليميــة غيــر مالئمــة لالنفصــال‪ ،‬مــع ذلــك فإن تلــك القيادات‬ ‫ســارت يف طريــق التمهيــد لالنفصــال عندمــا أســهمت بإضعــاف‬ ‫الرابــط الدســتوري والسياســي الســتمرار الدولــة العراقيــة‪ ،‬وفصلــت‬ ‫كردســتان عمل ًيــا عــن العــراق‪ ،‬وأخــذت تقــوي مؤسســات كيــان دولــة‬ ‫كرديــة فيهــا متهي ـدًا ألي مســعى ميكــن أن يتخــذوه مســتقب ً‬ ‫ال‪.‬‬

‫ثان ًيا‪-‬اســتفتاء انفصــال كردســتان العــراق بيــن المصالــح العراقية‬ ‫واإلقليميــة والدولية‬ ‫أخــذت العالقــة بــن احلكومتــن االحتاديــة واالقليميــة تتدهــور‬ ‫بســرعة بعــد عــام ‪2010‬م‪ ،‬بســبب االختــالف علــى‪:‬‬ ‫ حصة اإلقليم من املوازنة االحتادية‪.‬‬‫ االستثمار النفطي يف كردستان‪.‬‬‫ إدارة املناطق املتنازع عليها‪.‬‬‫ البيشمركة‪ ،‬وغيرها من القضايا‪.‬‬‫ورغــم جرعــات التســوية الوقتيــة لتلــك املشــكالت إال أنهــا‬ ‫كانــت تتفاقــم‪ ،‬وكان دافــع قــوى يف التحالــف الوطنــي (الشــيعي) يف‬ ‫اســتمرار العالقــة مــع القــوى الكردســتانية تتمثــل يف عــدم حجــب‬ ‫الثقــة عــن حكومــة نــوري املالكــي مقابــل تغاضــي احلكومــة االحتاديــة‬ ‫عــن توســع اإلقليــم علــى حســاب املناطــق الســنية‪ ،‬والســكوت املتقابــل‬ ‫عــن أعمــال الفســاد وإثــراء املســؤولن لــدى الطرفــن علــى حســاب‬ ‫مــوارد الدولــة العراقيــة‪ ،‬إال أن اخلــالف بــن احلكومــة االحتاديــة‬ ‫واإلقليــم وصــل إلــى مراحــل خطيــرة جــدًا عامــي ‪2014 -2013‬م‪،‬‬ ‫بعــد أن اســتوعب اإلقليــم أغلــب القيــادات الســنية بعــد اســتهدافها‬ ‫مــن قبــل قــوى سياســية شــيعية‪ ،‬وهــددت القــوى الكرديــة باللجــوء‬ ‫إلــى االســتفتاء لتقريــر مصيــر اإلقليــم‪ ،‬وهــو مــا تزامــن مــع متــدد‬ ‫تنظيــم داعــش يف املناطــق الســنية مــن العــراق (وهــي مناطــق لــم‬

‫تســمح قــوى يف التحالــف الوطنــي بوجــود قــوى قــادرة علــى تنظيمهــا‬ ‫أو امتالكهــا ســالح لتكــون قــادرة علــى الدفــاع عــن نفســها بوجــه‬ ‫اإلرهــاب)‪ ،‬وهــو مــا مثــل فرصــة كبيــرة ألن يتمــدد اإلقليــم إلــى‬ ‫مســاحة تقــدر بنحــو ‪ %40‬إضافيــة مــن حجــم اإلقليــم‪ ،‬أو مــا مجموعه‬ ‫‪ %45‬مــن مــدن محافظــات‪ :‬نينــوى وكركــوك وديالــى وصــالح الديــن‪،‬‬ ‫وحاولــت الواليــات املتحــدة وتركيــا وإيــران التدخــل لتســوية املشــكلة‬ ‫بــن احلكومــة االحتاديــة واإلقليــم إال أن احللــول كانــت وقتيــة غيــر‬ ‫متماســكة‪ ،‬وال توجــد رغبــة حقيقيــة بالتمســك بهــا‪ ،‬لهــذا انهــارت كل‬ ‫اتفاقــات الطرفــن يف مســتهل عــام ‪2017‬م‪ ،‬وهــو مــا دفــع قيــادات‬ ‫الكــرد إلــى التصريــح يف فبرايــر أنهــم نفــذوا املــادة ‪ 140‬مــن الدســتور‬ ‫االحتــادي بشــأن املناطــق التــي طالبــوا بضمهــا إلــى اإلقليــم وصنفــت‬ ‫كمناطــق متنــازع عليهــا‪ ،‬واعلنــوا أنهــم ســيتجهون إلــى تنظيــم اســتفتاء‬ ‫يبــن رأي الســكان احملليــن بشــأن رغبتهــم يف االنفصــال عــن العراق‪.‬‬ ‫الواضــح‪ ،‬أن طمــوح االنفصــال الكــردي يفيــد باســتقطاع ثــالث‬ ‫محافظــات عــن العــراق وهــي‪ :‬دهــوك وأربيــل والســليمانية‪ ،‬حجــم‬ ‫الوجــود الكــردي فيهــا نحــو ‪ %90‬مــن حجــم الســكان‪ ،‬واســتقطاع‬ ‫أجــزاء مــن محافظــات نينــوى وكركــوك وديالــى ميثــل الكــرد يف املناطــق‬ ‫املســتقطعة بــن ‪ %60 -50‬مــن حجــم ســكان تلــك املناطــق‪ ،‬هــذا‬ ‫االجتــاه يفيــد بتأســيس كيــان دولــة يجــاور املتبقــي مــن العــراق ويجــاور‬ ‫تركيــا إيــران وســوريا‪ ،‬ولــه قــدرة نفطيــة كبيــرة (احتياطــي كردســتان‬ ‫يبلــغ نحــو ‪ 46‬مليــار برميــل‪ ،‬واحتياطــي املناطــق املتنــازع عليهــا يبلــغ‬ ‫نحــو ‪ 30‬مليــار برميــل) واحتياطــي غــازي مــا زال غيــر محــدد بدقــة‪.‬‬ ‫وإذا مــا تتبعنــا مقــدار التقــاء أو تعــارض انفصــال الكــرد مــع‬ ‫املصالح الكردية والعراقية واإلقليمية والدولية ســنجد أن السياســات‬ ‫الكرديــة تســببت بإربــاك واضــح يف السياســات العراقيــة منــذ ‪1961‬م‪،‬‬ ‫وحتمــل العــراق بســببها خســائر كبيــرة‪ ،‬إن أغلــب القيــادات الكرديــة‬ ‫تؤيــد االنفصــال وإنشــاء وطــن قومــي‪ ،‬وجتــد مــن مصلحتهــا النظريــة‬ ‫تأســيس دولــة‪ ،‬إال أن واقــع البيئــة اإلقليميــة يجعــل كيانهــم السياســي‬ ‫حتــت رحمــة البيئــة اخلارجيــة وليــس الطموحــات الكرديــة‪.‬‬ ‫أمــا مصالــح العــراق مــن بقــاء أو انفصــال اإلقليــم‪ ،‬الواضــح أن‬ ‫القيــادات السياســية يف العــراق تفتقــر للقــدرة علــى إدارة دولــة‪ ،‬وبســببه‬ ‫ً‬ ‫مرتبطــا بــإرادة البيئــة اخلارجيــة وليــس الداخليــة‪،‬‬ ‫أصبــح بقــاء العــراق‬ ‫فالفشــل يف إدارة الدولــة قــاد إلــى نتيجــة‪ :‬أن بعــض القــوى السياســية‬ ‫متفاعلــة ضم ًنــا مــع مشــاريع إقليميــة ومحليــة ضيقــة إلعــادة صياغــة‬ ‫مناطــق العــراق اثن ًيــا ومذهب ًيــا متهيــدًا لتفكيكــه‪ ،‬أو يف أقــل تقديــر‬ ‫ســرقة منظمــة ملقــدرات البلــد أو رمبــا تنفيــذ مشــاريع إلدخــال الشــرق‬

‫‪22‬‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫قضية العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫محـــاوالت انفصـــال كـــرد العـــراق بيـــن المصالـــح الكرديـــة والسياســـات اإلقليميـــة‬

‫انفصال كردســتان يتوقف عى قــدرة القيادة‬ ‫المركزيــة يف إدارة الدولة بقرار داخيل‬ ‫اجتهــت اجلهــود الكرديــة إلقامــة دولــة كردســتان العــراق إلــى إعــالن تنظيــم اســتفتاء يبــن رأي الكرد بشــأن تقريــر مصيرهم‪،‬‬ ‫وهــو مــا مت يــوم ‪ 25‬ســبتمبر ‪2017‬م‪ ،‬هــذا املســعى ال ميثــل احملاولــة األولــى‪ ،‬فقــد ســبقته محاولــة يف ينايــر ‪2005‬م‪( ،‬وكانــت‬ ‫نتائجــه ‪ %98.8‬لصالــح االنفصــال)‪ ،‬ثــم اجتهــت القــوى الكرديــة إلــى التهديــد باالســتفتاء للتعبيــر عــن رغبتهــا باالنفصــال‬ ‫يف خضــم تطــور املشــكالت يف العالقــة بــن احلكومتــن االحتاديــة واإلقليميــة يف عامــي ‪2014 -2013‬م‪ ،‬إال أن مــا منــع‬ ‫اإلقليــم مــن اللجــوء إلــى االســتفتاء هــو ظهــور ومتــدد تنظيــم داعــش‪ ،‬ثــم تســلم حيــدر العبــادي رئاســة مجلــس الــوزراء‪ ،‬ومــع‬ ‫تداعيــات اســتمرار املشــكالت بــن بغــداد وأربيــل أعلــن مســعود البرزانــي أن االســتفتاء ســينظم يف أكتوبــر ‪2016‬م‪ ،‬إال أنــه‬ ‫عــاد وأكــد أنــه ســينفذ بعــد اســتعادة مدينــة املوصــل مــن تنظيــم داعــش‪ ،‬واتخــذ قــرار االســتفتاء يف أعقــاب اجتمــاع البرزانــي‬ ‫مــع القــوى املمثلــة ببرملــان اإلقليــم يف ‪ 7‬يونيــو ‪2017‬م‪ ،‬بعــد سلســة إجــراءات اتبعتهــا احلكومــة االحتاديــة ضــد اإلقليــم ومنهــا‬ ‫قــرار إيقــاف متويلــه مــن املوازنــة االحتاديــة يف ينايــر ‪2017‬م‪ ،‬اعقبهــا ضغــط احلكومــة االحتاديــة علــى دول العالــم لرفــض‬ ‫محاولــة تصديــر اإلقليــم لنفطــه يف مايــو ‪2017‬م‪ ،‬وغيرهــا‪.‬‬

‫د‪ .‬خضر عباس عطوان‬ ‫وباالســتفتاء‪ ،‬عبــرت القيــادات الكرديــة عــن طموحهــا بإنشــاء‬ ‫وطــن قومــي للكــرد‪ ،‬إال أنــه تصــادم مــع توجهــات إقليميــة تعــارض‬ ‫أي توجــه لتفكيــك وحــدة العــراق اإلقليميــة طاملــا أنــه يهــدد ســالمة‬ ‫ووحــدة أراضــي كل مــن تركيــا وإيــران‪ .‬يف هــذه الورقــة ســنناقش هــذا‬ ‫املوضــوع عبــر أربــع نقــاط‪ ،‬وهــي‪:‬‬

‫أوالً‪-‬الدولة يف المنظور الكردي‬ ‫يســتوطن الكــرد املناطــق اجلبليــة (كردســتان) منــذ األلــف الثانــي‬ ‫قبــل امليــالد‪ ،‬وأكثــر األطروحــات قبــوال ترجعهــم كاثنيــة لاللتقــاء مــع‬ ‫الفــرس‪ ،‬واعتنقــوا االعتقــادات التــي ســادت يف الشــرق األوســط‪ ،‬هــذه‬ ‫اجلماعة لم تســتطع أن تشــكل لها كيان سياســي مســتقل عبر تاريخها‬ ‫إمنــا تفاعلــت واندمجــت مــع الكيانــات اإلقليميــة التــي ظهــرت تاريخ ًيــا‪،‬‬ ‫ومنهــا‪ :‬الدولــة اآلشــورية‪ ،‬والعربية‪-‬اإلســالمية‪ ،‬والعثمانيــة‪ ،‬وبعــد‬ ‫احلــرب العامليــة األولــى توزعــت مناطــق اســتيطانهم بــن عــدة دول‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ارتباطا بالعامل الديني‪،‬‬ ‫وخالل التاريخ احلديث كان الكرد أكثر‬ ‫وكانــوا جــز ًءا أساسـ ًيا مــن كيــان الدولــة العثمانيــة‪ ،‬ولــم يتمــردوا علــى‬ ‫هــذه الدولــة إال يف أوقــات متأخــرة ويف حــاالت محــدودة ال تتعلــق‬

‫برغبــات لتأســيس دولــة كرديــة إمنــا بالتقاطــع االقطاعــي والقبلــي‬ ‫بشــأن حجــم مشــاركة الكــرد يف اجليــش والضرائــب العثمانيــة‪.‬‬ ‫وبعــد ظهــور دول العــراق وســوريا وتركيــا احلديثــة‪ ،‬القائمــة علــى‬ ‫أســس قوميــة‪ ،‬أخــذت طموحــات الكــرد القوميــة بالظهــور‪ ،‬وكانــت‬ ‫هنــاك محــاوالت كرديــة لتأســيس دولــة‪ ،‬منهــا محــاوالت محمــود‬ ‫احلفيــد يف العــراق‪ ،‬إال أن تلــك احملــاوالت جــرى إحباطهــا بجهــد‬ ‫بريطاني‪-‬عراقي‪-‬تركــي‪ ،‬ثــم دخلــت إيــران علــى اخلــط يف ميثــاق‬ ‫ســعد آبــاد ‪1937‬م‪.‬‬ ‫وخــالل أربعينيــات القــرن املاضــي‪ ،‬اســتعادت محــاوالت الكــرد‬ ‫لتأســيس كيــان سياســي دوافعهــا بتأســيس دولــة مهــا آبــاد شــمال‬ ‫غــرب إيــران عــام ‪1946‬م‪ ،‬وبتنظيــم النشــاط السياســي والعســكري‬ ‫يف كردســتان العــراق‪ ،‬إال أن تلــك احملــاوالت فشــلت وانســحبت‬ ‫القيــادات الكرديــة إلــى االحتــاد الســوفيتي‪ ،‬ولــم تعــود للعــراق إال‬ ‫عــام ‪1959‬م‪ ،‬وبعــد مرحلــة قصيــرة مــن الوفــاق مــع الدولــة العراقيــة‬ ‫اجتــه الكــرد إلــى اســتغالل االنخــراط األمريكــي مبعارضــة الدولــة‬ ‫العراقيــة وأعلنــوا متردهــم املســلح وهدفهــم يف احلصــول علــى‬ ‫احلكــم الذاتــي‪ ،‬وهــو مــا حصلــوا عليــه عــام ‪1971‬م‪ ،‬إال أنهــم عــادوا‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫املوق ــف اإلس ــرائيلي م ــع اس ــتقالل جن ــوب الس ــودان يف ع ــام ‪2011‬م‪،‬‬ ‫وبحس ــب رؤي ــة عض ــو ح ــزب املعس ــكر الصهيون ــي ‪-‬ش ــيفاتوفيا‪ -‬يف‬ ‫مقالتهــا يف صحيفــة معاريــف إن إنشــاء دولــة كرديــة يف شــمال العــراق‬ ‫س ــيخلق واق ًع ــا جديــدًا يف منطق ــة الش ــرق األوس ــط وس ــيفضي إل ــى‬ ‫تغييــر جوهــري يف ميــزان القــوى الســائد يف املنطقــة ســيما أن التقييــم‬ ‫اإلس ــرائيلي الس ــائد للموق ــف األمريك ــي م ــن االس ــتفتاء يف كردس ــتان‬ ‫مياثـــل الوضـــع يف إعـــالن إنشـــاء إســـرائيل يف عـــام ‪1948‬م‪ ،‬وإن لـــم‬ ‫تكــن واشــنطن ســريعة االعتــراف‪ ،‬وال يوجــد اليــوم مــا تخشــاه الواليــات‬ ‫املتح ــدة م ــن العواق ــب اإلقليمي ــة النفص ــال األك ــراد‪.‬‬

‫االستنتاجات ذات المغزى السياسي واألمني‬ ‫وف ًقــا للمعطيــات واإلشــكاليات الســابق رصدهــا ال يبــدو مصيــر‬ ‫الع ــراق م ــا بع ــد داع ــش واض ــح املعال ــم يف امل ــدى املنظ ــور‪ ،‬وإن أب ــدت‬ ‫ع ــدد م ــن األط ــراف السياس ــية العراقي ــة اهتما ًم ــا اس ــتثنائ ًيا بتل ــك‬ ‫املرحلــة إال إنهــا لــم تقــدم رؤيتهــا السياســية ملصاحلــة وطنيــة لعــراق‬ ‫موح ــد وتعاط ــي أمث ــل م ــع متطلب ــات وحتدي ــات املرحل ــة املقبل ــة مم ــا‬ ‫مفتوحــا لقــوى إقليميــة ودوليــة لفــرض إرادتهــا كمتغيــر‬ ‫تــرك املجــال‬ ‫ً‬ ‫أساس ــي يف بن ــاء الع ــراق اجلدي ــد تأت ــي يف مقدمته ــا قل ــق الوالي ــات‬ ‫املتح ــدة ملرحل ــة م ــا بع ــد داع ــش‪ ،‬ورؤيته ــا للعالق ــة م ــع الع ــراق الت ــي‬ ‫حتكمه ــا الكثي ــر م ــن االعتب ــارات والتفاع ــالت السياس ــية وامليداني ــة‬ ‫يف ظ ــل االنقس ــامات الت ــي يعان ــي منه ــا الع ــراق‪ ،‬وس ــطوة ميليش ــيات‬ ‫احلشـــد الشـــعبي املدعومـــة إيران ًيـــا علـــى مجريـــات األحـــداث وإن‬ ‫كانــت املؤشــرات متيــل إلــى االعتقــاد أن مخطــط تقســيم العــراق مــا‬ ‫زال حاضــ ًرا يف مخطط ــات اإلدارة األمريكي ــة لتحيي ــد دول اجل ــوار‬ ‫العراقــي مــن اســتغالل الفــراغ األمنــي مــا بعــد القضــاء علــى داعــش‬ ‫وه ــو الف ــراغ ال ــذي ل ــم تنج ــح احلكوم ــة العراقي ــة يف التعاط ــي م ــع‬ ‫تأثيرات ــه بظهوره ــا الضعي ــف أم ــام ق ــوات احلش ــد الش ــعبي‪.‬‬ ‫أم ــا املك ــون الس ـنّي ال ــذي ع ــرف بضع ــف موقف ــه م ــن العملي ــة‬ ‫السياس ــية بكامله ــا‪ ،‬ف ــإن التعوي ــل علي ــه إقليم ًي ــا ودول ًي ــا ال يخل ــو‬ ‫ه ــو اآلخ ــر م ــن حتدي ــات‪ ،‬ورمب ــا كان أهمه ــا غي ــاب قي ــادة فاعل ــة‬ ‫وموحـــدة للســـنة متثلهـــا علـــى نحـــو مكافـــئ للمكونـــات الطائفيـــة‬ ‫والعرقيـــة األخـــرى‪ ،‬الســـيما أن الشـــخصيات السياســـية الســـن ّية‬ ‫الت ــي ّ‬ ‫مت تكريس ــها م ــن قب ــل النظ ــام‪ ،‬ل ــم تع ــد حتظ ــى ب ــذات القب ــول‬ ‫الســـابق علـــى املســـتوى الشـــعبي‪ ،‬وإن كانـــت هنـــاك محـــاوالت‬ ‫جدي ــدة إلع ــادة ترش ــيح وانتخ ــاب قي ــادات حتظ ــى بقب ــول إقليم ــي‬ ‫مم ــا يس ــاعد يف تأم ــن حق ــوق املعس ــكر الس ــني يف ظ ــل التعددي ــة‬ ‫السياســـية والقوميـــة والطائفيـــة يف العـــراق‪.‬‬ ‫أمــا مــن حيــث إدارة العالقــة بــن كردســتان العــراق وبــن‬ ‫احلكومــة املركزيــة يف بغــداد مــن الواضــح أن مســألة االنفصــال لــم‬ ‫تعــد تقتصــر علــى الداخــل العراقــي فحســب‪ ،‬وإمنــا أضحــت يف ظــل‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪21‬‬

‫النقــالت النوعيــة التــي يقــوم بهــا مســؤولو اإلقليــم ‪-‬مســألة إقليميــة‬ ‫دوليــة‪ -‬تخضــع إدارتهــا لتفاعــالت إرادات قــوى دوليــة وإقليميــة‬ ‫ذات تأثيــرات وانعكاســات متباينــة باعتبارهــا أزمــة عابــرة للحــدود‪،‬‬ ‫نظــ ًرا لتواجــد القوميــات الكرديــة يف أربــع دول مجــاورة للعــراق‬ ‫تركيــا وإيــران والعــراق وســوريا‪ -‬مــا يجعــل مــن مشــروع اســتقالل‬‫ـروعا ذا أبعــاد وتداعيــات سياســية وأمنيــة ال‬ ‫كردســتان العــراق مشـ ً‬ ‫متــس العــراق فحســب‪ ،‬وإمنــا ســتغذي النزعــة االنفصاليــة ألكــراد‬ ‫تلــك الــدول‪ ،‬ومــا قــد تفضــي إليــه مــن تطــورات سياســية وعمــل‬ ‫مسـلّح لنيــل اســتقاللهم‪ ،‬وعليــه‪ ،‬فــإن نتائــج االســتفتاء علــى تقريــر‬ ‫مصيــر العالقــة بــن إقليــم كردســتان العــراق والدولــة العراقيــة‪،‬‬ ‫وإن كانــت مكفولــة تشــريع ًيا‪ ،‬إال أنــه ســيتم التعامــل معهــا إقلي ًمــا‬ ‫كورقــة ضغــط علــى احلكومــة العراقيــة للتنــازل عــن مجمــل املناطــق‬ ‫احلدوديــة إلقليــم كردســتان املتنــازع عليهــا يف مقدمتهــا محافظــة‬ ‫كركــوك الغنيــة بالنفــط والغــاز‪ ،‬فضــ ً‬ ‫ال عــن تســوية اخلالفــات‬ ‫بخصــوص حصــة اإلقليــم يف موازنــة الدولــة‪ ،‬مــا لــم تتدخــل الواليــات‬ ‫املتحــدة علــى نحــو مغايــر باجتــاه تقســيم وفدرلــة العــراق ال ســيما‬ ‫مــع تصريحــات حكومــة ترامــب ببقــاء قــوات أمريكيــة يف العــراق قــد‬ ‫تصــل إلــى ‪ 3000‬جنــدي لضمــان االســتقرار مــا بعــد خــروج داعــش‪،‬‬ ‫يخــص العمليــة‬ ‫باإلضافــة إلــى ســعي اإلدارة األمريكيــة إلدارة مــا‬ ‫ّ‬ ‫السياســية العراقيــة إلنهــاء الــدور اإليرانــي وحســم نفــوذه‪.‬‬ ‫ومــن تلــك املنطلقــات‪ ،‬الب ـ ّد مــن التّذكيــر‪ ،‬أنّ املنطقــة العربيــة‬ ‫مقبلــة علــى عــدد مــن التحــوالت واملواجهــات اجلديــدة يف فتــرة مــا‬ ‫بعــد انهيــار الدولــة اإلســالمية يف العــراق ســيما مــع تشـ ّدد مواقــف‬ ‫القــوى الدوليــة املتدخّ لــة يف العــراق‪ ،‬واشــتداد املواجهــات بينهــا وبــن‬ ‫القــوى اإلقليميــة مــن دول اجلــوار العراقــي التــي لهــا مطامعهــا‬ ‫هــي األخــرى يف العــراق اجلديــد مــا بعــد داعــش‪ ،‬واحتمـــال تغــــ ـ ّير‬ ‫اخلــــريطة اجلغـــرافية للمنطقة بظهــــور تقسيمـــات ومنـــاطق جـديدة‬ ‫يف العــراق بفعــل بعــض جيــوب تنظيــم "داعــش" بحســب التحــول يف‬ ‫اإلســتراتيجية القتاليــة للتنظيــم التــي أعلــن عنهــا مؤخ ـ ًرا "أبــو بكــر‬ ‫البغــدادي" يف خطابــه التحريضــي األخيــر لتعبئــة وحشــد اجلماعــات‬ ‫العقديــة واألتبــاع واملوالــن مــن الســنة يف الداخــل العراقــي لتشــتيت‬ ‫اجلهــود القتاليــة للتحالــف الدولــي ومحاولــة الــزج بــه يف أتــون حــرب‬ ‫اســتنزاف طويلــة‪ ،‬فضــ ً‬ ‫ال عــن اســتنفار خاليــا التنظيــم النائمــة‬ ‫يف العالــم أجمــع‪ ،‬لالنغمــاس يف عمليــات استشــهادية فرديــة ضــد‬ ‫حكومــات إســالمية بعينهــا وحكومــات غربيــة مــن قــوى التحالــف‬ ‫املشــاركة يف احلــرب ضــد تنظيــم داعــش‪.‬‬

‫* ﺧﺒرية دراﺳﺎت ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ واﺳﱰاﺗﻴﺠﻴﺔ‬

‫‪20‬‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫دراسة العدد‬

‫إن اســتمر اإلقليــم يف تطلعاتــه االنفصاليــة‪ ،‬مؤكــداً أن كل اخليــارات‬ ‫متاحــة باجتــاه كردســتان العــراق‪ ،‬مــن اإلجــراءات االقتصاديــة إلــى‬ ‫أخــرى أكثــر تصعيــدا‪ .‬كمــا عبــرت طهــران يف بيــان رســمي صــادر‬ ‫عــن وزارة خارجيتهــا أكــدت فيــه أن احلفــاظ علــى ســيادة األراضــي‬ ‫والوحــدة السياســية للعــراق أحــد أســس السياســة التركيــة‪ .‬كمــا إن‬ ‫االنفصــال بقــرار أحــادي ســيفضي إلــى مرحلــة سياســية جديــدة‬ ‫لتقســيم العــراق تقســي ًما مناطق ًيــا أو تقســي ًما علــى أســس طائفيــة أو‬ ‫عرقيــة وهــو مــا يعنــي أن الصــراع مــا بعــد تنظيــم داعــش ســيكون‬ ‫صراعــا بــن حكومــة العــراق وبــن مكوناتهــا الطائفيــة والعرقيــة التــي‬ ‫ً‬ ‫ســتطالب كل منهــا مبكاســب كتلــك التــي ســيحصل عليهــا األكــراد‪،‬‬ ‫كمــا رفضــت تركيــا ضــم محافظــة كركــوك ذات‬ ‫املكــون االجتماعــي املتنــوع مــا بــن أكــراد وعــرب‬ ‫وتركمــان إلقليــم كردســتان‪ ،‬معتبــرة أن اســتقالل‬ ‫ً‬ ‫"خطــا أحمــر" لأمــن القومــي التركــي‬ ‫اإلقليــم‬ ‫وللسياســة اخلارجيــة التركيــة التــي ال يجــب علــى‬ ‫أكــراد العــراق جتــاوزه‪.‬‬ ‫علــى املســتوى األمنــي‪ ،‬أصــدر وزيــر الدفــاع‬ ‫التركــي بيــان عبــر وكالــة أنبــاء رويتــرز يجــدد موقــف‬ ‫حكومــة طهــران الرافــض خلطــط انفصــال اقليــم‬ ‫كردســتان العــراق‪ ،‬مشــي ًرا إلــى نشــر أنقــرة قــوات‬ ‫ودبابــات بالقــرب مــن احلــدود مــع العــراق‪ ،‬وإجــراء منــاورات عســكرية‬ ‫يف جنــوب شــرق تركيــا قــرب احلــدود مــع العــراق‪ ،‬ممــا يؤكــد عــزم‬ ‫طهــران علــى الوقــوف دون تنفيــذ أي إجــراءات بخصــوص تقســيم‬ ‫العــراق‪ ،‬أو انتهــاك وحــدة أراضيــه‪ ،‬وهــو األمــر الــذي يشــكل خط ـ ًرا‬ ‫كبي ـ ًرا علــى تركيــا‪ ،‬وميكــن أن يــؤدى إلــى انــدالع صــراع عاملــي‪ .‬كمــا‬ ‫أكــد أن أنقــرة ســتتخذ كافــة الوســائل والقــرارات الالزمــة لوقــف‬ ‫عوامــل اخلطــر املتزايــدة مــع تســخير كافــة قواتهــا األمنيــة والقــوات‬ ‫املســلحة ملتابعــة تطــورات التقســيم والتعامــل بحــزم عنــد الضــرورة‪.‬‬ ‫ويأتــي هــذا التصعيــد التركــي علــى خلفيــة تعاطــف أكــراد تركيــا‬ ‫م ــع فك ــرة االس ــتقالل‪ ،‬إذ أثن ــت بع ــض األح ــزاب الكردي ــة الش ــرعية‬ ‫يف تركيـــا علـــى خطـــوة إجـــراء االســـتفتاء يف كردســـتان العـــراق‪.‬‬ ‫كم ــا عم ــدت تركي ــا إل ــى تنس ــيق اجله ــود م ــع منافس ــتها اإلقليمي ــة‬ ‫إيــران ملنــع اســتقالل إقليــم كردســتان ليــس يف العــراق فحســب‪ ،‬بــل‬ ‫حت ــى أك ــراد س ــوريا وإي ــران نفس ــها عل ــى اعتب ــار أن اس ــتقالل إقلي ــم‬ ‫كردس ــتان الع ــراق‪ ،‬عل ــى املس ــتوين السياس ــي واألمن ــي س ــيحفز م ــن‬ ‫تطلع ــات القومي ــة الكردي ــة والنزع ــة االنفصالي ــة لديه ــا ول ــدى دول‬ ‫اجل ــوار‪ ،‬مم ــا يع ــرض الدول ــة لصراع ــات داخلي ــة ح ــادة خاص ــة م ــع‬ ‫احتمالي ــة ش ــروع ح ــزب العم ــال الكردس ــتاني الترك ــي املع ــارض إل ــى‬ ‫تكوي ــن دول ــة كردي ــة‪ ،‬ناهي ــك ع ــن ص ــراع حكوم ــة تركي ــا م ــع أك ــراد‬ ‫س ــوريا املتطلع ــن لوج ــود كي ــان ك ــردي يف مناط ــق ش ــمال س ــوريا‪،‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ومبــوازاة احلــدود اجلنوبيــة لتركيــا‪ ،‬والتــي قــد متهــد لبنــاء حتالفــات‬ ‫قومي ــة كردي ــة أكث ــر نف ــوذاً س ــيما م ــع تواج ــد ق ــوات ‪-‬ح ــزب العم ــال‬ ‫الكردس ــتاني الترك ــي‪ -‬املع ــارض واملصن ــف ل ــدى احلكوم ــة التركي ــة‬ ‫كمنظمـــة إرهابيـــة ‪-‬يف جبـــال قنديـــل وســـنجار‪ -‬وهـــو مـــا يشـــكل‬ ‫تهديـ ـدًا أمن ًي ــا للعم ــق الترك ــي بس ــبب مت ــرد وعملي ــات ميليش ــيات‬ ‫ً‬ ‫فضـــال عـــن تزايـــد الهاجـــس األمنـــي‬ ‫احلـــزب منـــذ الثمانينـــات‪،‬‬ ‫الترك ــي ج ــراء التنس ــيق القائ ــم ب ــن احل ــزب و"ميليش ــيات وح ــدات‬ ‫الش ــعوب" التابع ــة حل ــزب االحت ــاد الدميقراط ــي الس ــوري‪ ،‬التاب ــع‬ ‫لق ــوات س ــوريا الدميقراطي ــة "قس ــد" املدعوم ــة م ــن قب ــل الوالي ــات‬ ‫املتح ــدة يف حربه ــا ض ــد تنظي ــم داع ــش داخ ــل األراض ــي الس ــورية‪،‬‬ ‫لتطلعاته ــا ه ــي األخ ــرى بش ــأن إقام ــة دول ــة كردي ــة‬ ‫ســـورية‪ ،‬ممـــا يقـــوض النفـــوذ التركـــي يف املنطقـــة‪،‬‬ ‫وهــدر مكاســبه السياســية وامليدانيــة‪ ،‬وقطــع الطريــق‬ ‫علـــى قـــوات البيشـــمركة الكرديـــة التـــي تســـتثمرها‬ ‫تركي ــا يف محارب ــة تنظي ــم داع ــش‪.‬‬ ‫وعلــى املســتوى االقتصــادي‪ ،‬قــد يؤثــر اســتقالل‬ ‫إقليـــم كردســـتان علـــى االقتصـــاد التركـــي حيـــث‬ ‫م ــن املتوق ــع إن الكونفدرالي ــة الكردس ــتانية‪ ،‬س ــتؤثر‬ ‫بش ــكل أو بآخ ــر عل ــى عالق ــات التع ــاون االقتص ــادي‬ ‫املمي ــزة ب ــن حكوم ــة تركي ــا واحل ــزب "الدميقراط ــي‬ ‫الكردس ــتاني العراق ــي" بزعام ــة ‪-‬مس ــعود برازان ــي‪ -‬ال ــذي يتمت ــع‬ ‫بعالقــات قويــة بتركيــا جــراء الــدور احليــوي الــذي تقــوم بــه أنقــرة‬ ‫يف تصديـــر نفـــط وغـــاز إقليـــم كردســـتان للســـوق العامليـــة عبـــر‬ ‫األراض ــي التركي ــة دون الرج ــوع إل ــى احلكوم ــة املركزي ــة يف بغ ــداد‬ ‫أو اقتس ــام العوائ ــد معه ــا‪ ،‬وم ــا ترت ــب علي ــه م ــن إش ــكاليات فاقم ــت‬ ‫م ــن واق ــع اخلالف ــات املتراكم ــة ب ــن بغ ــداد واألك ــراد‪.‬‬

‫األزمــة الكرديــة ورقة‬ ‫ضـغـــط عـلـــى بـغـــداد‬ ‫للتنــازل عـــن المناطــق‬ ‫المتنـــازع عليهـــا و يف‬ ‫مـقـدمـتـ ــها كـركـ ــوك‬

‫الموقف اإلسرائييل من انفصال كردستان العراق‬ ‫لطاملــا أيــد رئيــس الــوزراء اإلســرائيلي ‪-‬بنيامــن نتنياهــو‪ -‬إقامــة‬ ‫دول ــة كردي ــة يف ش ــمال الع ــراق‪ ،‬وإن اعتب ــرت بع ــض الق ــوى السياس ــية‬ ‫العراقي ــة ذل ــك التأيي ــد بداي ــة لتحقي ــق مش ــروع "بلف ــور" ال ــذي يدع ــو‬ ‫إلقام ــة الدول ــة الصهيوني ــة م ــن الني ــل إل ــى نه ــر الف ــرات كم ــا دعم ــت‬ ‫حكومــة إســرائيل األكــراد عبــر مشــاركة الشــخصيات اإلســرائيلية يف‬ ‫ع ــدد م ــن األنش ــطة الكردي ــة‪ ،‬وبحس ــب الصحاف ــة اإلس ــرائيلية‪ ،‬ب ــات‬ ‫م ــن املؤك ــد أن إس ــرائيل ق ــادرة عل ــى التأثي ــر عل ــى الوالي ــات املتح ــدة‪،‬‬ ‫إلقناعهــا باملوافقــة علــى انفصــال إقليــم كردســتان عــن العــراق ســيما‬ ‫أن نتائ ــج االس ــتفتاء كان ــت مش ــجعة للعدي ــد م ــن األح ــزاب مب ــا فيه ــا‬ ‫إســرائيل كمــا لــن يقــف دعــم تــل أبيــب علــى أقنــاع واشــنطن فحســب‪،‬‬ ‫وإمنـــا ســـتكون إســـرائيل أول دولـــة يف العالـــم تعتـــرف باســـتقالل‬ ‫كردســتان اذا قــررت االنفصــال رســم ًيا عــن العــراق‪ ،‬وعلــى نحــو مياثــل‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الدول ــة اإلس ــالمية إل ــى ط ــرح مب ــادرات أخ ــرى للحكوم ــة العراقي ــة‬ ‫تتص ــل مب ــدى املش ــاركة يف عملي ــة إع ــادة إعم ــار الع ــراق‪ ،‬وتعزي ــز‬ ‫االســـتقرار واإلصالحـــات السياســـية اإلضافيـــة التـــي ميكـــن أن‬ ‫تك ــون ضمان ــة أساس ــية ملن ــع نش ــوء أي جماع ــات مس ــلحة أخ ــرى‪.‬‬

‫مواقف القوى اإلقليمية من استقالل إقليم كردستان‬ ‫ثمـــة مواقـــف إقليميـــة ذات تأثيـــرات هامـــة بشـــأن مشـــروع‬ ‫تقس ــيم الع ــراق م ــا بع ــد داع ــش‪ .‬كم ــا يح ــدد ف ــرص جن ــاح ذل ــك‬ ‫التقســيم مــن عدمــه ســواء كان مــن الداخــل العراقــي أو بفعــل قــوى‬ ‫إقليمي ــة أو دولي ــة بحك ــم أنه ــا تش ــكل متغيـ ـ ًرا أساسـ ـ ًيا يف س ــعيها‬ ‫للحف ــاظ عل ــى ع ــراق موح ــد ل ــذا كان ــت له ــا مواقفه ــا الرافض ــة م ــن‬ ‫اس ــتقالل إقلي ــم كردس ــتان ع ــن الدول ــة العراقي ــة‪ ،‬وض ــم محافظ ــة‬ ‫كركـــوك لنطاقـــه اجلغـــرايف والســـيادي‪ ،‬ومـــا قـــد تشـــكله مـــن‬ ‫امت ــدادات انفصالي ــة كردي ــة مماثل ــة يف ال ــدول الت ــي تتواج ــد لديه ــا‬ ‫قوميـــات كرديـــة كإيـــران وســـوريا وتركيـــا‪ .‬كمـــا أن هنـــاك موقـــف‬ ‫داع ــم النفص ــال اإلقلي ــم كم ــا ه ــو احل ــال بالنس ــبة إلس ــرائيل‪ ،‬وه ــو‬ ‫م ــا س ــنحاول تعرف ــه تال ًي ــا بحس ــب املتغي ــرات السياس ــية واألمني ــة‬ ‫واجلغرافي ــة ل ــكل دول ــة‪.‬‬

‫الموقف اإليراني من استقالل إقليم كردستان العراق‬ ‫يأتــي املوقــف اإليرانــي يف مقدمــة املواقــف اإلقليميــة الرافضــة‬ ‫لتقســـيم العـــراق‪ ،‬ومحـــد ًدا مه ًمـــا يف إمكانيـــة اســـتقالل إقليـــم‬ ‫كردســتان‪ ،‬حيــث تســعى طهــران إلــى أن يكــون العــراق موحـدًا‪ ،‬ممــا‬ ‫يعنــي أن إقليــم كردســتان كيــان غيــر قابــل لالنفصــال عــن اجلمهوريــة‬ ‫العراقي ــة س ــيما أنّ إي ــران ه ــي املتح ّك ــم يف العملي ــة السياس ــية يف‬ ‫العـــراق منـــذ ‪2003‬م‪ ،‬بدعمهـــا مختلـــف األحـــزاب ذات األغلبيـــة‬ ‫الشـــيعية‪ ،‬بـــل والتدخّ ـــل لتعيـــن املســـؤولن السياســـين أو حتـــى‬ ‫عزلهــم‪ ،‬كمــا لــم ي ّقــف التـــــدخّ ل اإليرانــي عنــد التح ّكــم يف األغلبيــة‬ ‫الش ــيعية فحس ــب ّ‬ ‫وإمن ــا أمت ــد إل ــى عق ــد صفق ــات م ــع األك ــراد‬ ‫يف الش ــمال وم ــع السـ ـنّة‪ ،‬وعل ــى نح ــو يبق ــي االس ــتقرار السياس ــي‬ ‫للعـــراق رهينًـــا بالـــدور اإليرانـــي‪ ،‬لـــذا كان مـــن الطبيعـــي رفـــض‬ ‫إي ــران نتائ ــج االس ــتفتاء الش ــعبي الك ــردي ومحاول ــة ض ــم كرك ــوك‬ ‫إل ــى إدارة احلك ــم الذات ــي يف إقلي ــم كردس ــتان‪ ،‬معتب ــرة ذل ــك تع ــدي‬ ‫صري ــح للدس ــتور العراق ــي‪ .‬كم ــا انتق ــدت احل ــراك أح ــادي اجلان ــب‬ ‫ال ــذي تنتهج ــه حكوم ــة أربي ــل باجت ــاه اس ــتقالل األقلي ــم وس ــتكون‬ ‫ل ــه انعكاس ــاته الس ــلبية عل ــى عالق ــات طه ــران اإلس ــتراتيجية م ــع‬ ‫ح ــزب االحت ــاد الوطن ــي الكردس ــتاني بزعام ــة ج ــالل طالبان ــي‪-‬‬‫وه ــو ال ــذي يتمت ــع بعالق ــة متمي ــزة ووطي ــدة بإي ــران‪ ،‬حي ــث أتف ــق‬ ‫كل م ــن ح ــزب االحت ــاد الوطن ــي وح ــزب الكردس ــتاني الدميقراط ــي‬ ‫غي ــر املوال ــي إلي ــران عل ــى بن ــاء إس ــتراتيجية مش ــروع االس ــتقالل‪،‬‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪19‬‬

‫ويـــرى النظـــام اإليرانـــي أن فحـــوى اخلـــالف بـــن أربيـــل وبغـــداد‬ ‫قاب ــل للح ــوار واملصاحل ــة الوطني ــة س ــيما م ــا يتص ــل باملس ــائل قي ــد‬ ‫اخلــالف حــول املناطــق املتنــازع عليهــا وحصــة اإلقليــم مــن املوازنــة‬ ‫االحتاديــة‪ ،‬وإنتــاج وتســويق واقتســام عائــدات النفــط والغــاز التابــع‬ ‫لإلقلي ــم ب ــن كال اجلانب ــن‪.‬‬ ‫ومل ــا كان ــت الع ــراق بواب ــة واس ــعة للتم ــدد اإليران ــي يف املنطق ــة‪،‬‬ ‫فم ــن املتوق ــع أن ينته ــج النظ ــام اإليران ــي كاف ــة الوس ــائل املمكن ــة‬ ‫حتـــى العســـكرية ملنـــع تكويـــن دولـــة كرديـــة عراقيـــة مســـتقلة‪،‬‬ ‫مس ــتغل يف ذل ــك رف ــض تركي ــا وس ــوريا وحكوم ــة الع ــراق نفس ــها‬ ‫لهـــذا االســـتقالل كمـــا عمـــدت طهـــران مؤخـــ ًرا إلـــى اســـتهداف‬ ‫حال ــة التق ــارب ب ــن احلزب ــن الكردس ــتانين الدميقراط ــي واالحت ــاد‬ ‫الوطن ــي ‪-‬رغ ــم خالفاتهم ــا العميق ــة‪ -‬بقص ــد من ــع التواف ــق بينهم ــا‬ ‫بش ــأن مس ــتقبل اإلقلي ــم وح ــل اخلالف ــات الت ــي بات ــت تعان ــي منه ــا‬ ‫أجنحــة حــزب االحتــاد الوطنــي حليفهــا الكردســتاني االســتراتيجي‪،‬‬ ‫كمـــا لـــن تتوانـــى طهـــران عـــن دعـــم سياســـات التحالـــف الوطنـــي‬ ‫الشــيعي احلاكــم يف تهميــش وإقصــاء غيــره مــن املكونــات الطائفيــة‬ ‫العراقيـــة ســـواء الســـنة أو األكـــراد علـــى نحـــو يكـــرس دكتاتوريـــة‬ ‫الغالبي ــة السياس ــية‪ ،‬ول ــن يتوان ــى التحال ــف الش ــيعي ب ــدوره وه ــو‬ ‫املدع ــوم إيران ًي ــا ع ــن اس ــتخدام الق ــوة يف مواجه ــة حكوم ــة أربي ــل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فضـــال عـــن سياســـاته يف اختـــراق املكـــون الكردســـتاني لكســـب‬ ‫والءات تســـاهم يف تكريـــس التواجـــد الشـــيعي داخـــل أربيـــل مبـــا‬ ‫يجهـــض تطلعاتهـــا االنفصاليـــة‪.‬‬ ‫وعل ــى املس ــتوى األمن ــي‪ ،‬ال ميك ــن جتاه ــل مخ ــاوف إي ــران م ــن‬ ‫اس ــتقالل اإلقلي ــم‪ ،‬وتداعيات ــه الس ــلبية يف الداخ ــل اإليران ــي مم ــا‬ ‫يحفـــز النزعـــة االنفصاليـــة ألكـــراد إيـــران وتداعياتـــه اخلارجيـــة‬ ‫بالنســـبة للمخطـــط اإليرانـــي التوســـعي يف املنطقـــة الـــذي اتخـــذ‬ ‫ـرحا لنش ــر ميلش ــياته‪ ،‬وتنفي ــذ عمليات ــه‬ ‫م ــن األراض ــي العراقي ــة مس ـ ً‬ ‫ســيما مــع االتفــاق األميركــي الروســي التركــي اخلليجــي علــى إنهــاء‬ ‫التم ــدد اإليران ــي يف العواص ــم العربي ــة ناهي ــك ع ــن تأث ــر مصال ــح‬ ‫إيــران االقتصاديــة مــع إقليــم كردســتان العــراق الــذي يقــدم النفــط‬ ‫اخل ــام إل ــى إي ــران مقاب ــل احلص ــول عل ــى منتج ــات نفطي ــة حي ــث‬ ‫يبل ــغ حج ــم التب ــادل التج ــاري ب ــن إي ــران وأك ــراد الع ــراق أكث ــر م ــن‬ ‫‪ 8‬مليـــارات دوالر‪.‬‬

‫الموقف التركي من استقالل إقليم كردستان العراق‬ ‫بلــورت تركيــا موقفهــا الرافــض ملشــروع القوميــة الكرديــة‬ ‫ومنحهــا حــق تقريــر املصيــر علــى أكثــر مــن مســتوى حيــث شــجب‬ ‫الرئيــس التركــي ‪-‬رجــب طيــب أردوغــان‪ -‬نتائــج اســتفتاء انفصــال‬ ‫إقليــم كردســتان العــراق‪ ،‬مته ًمــا اإلقليــم باخليانــة ومحاولــة جــر‬ ‫املنطقــة إلــى أتــون حــرب عرقيــة‪ ،‬كمــا هــدد باتخــاذ إجــراءات عقابيــة‬

‫‪18‬‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫دراسة العدد‬

‫مـــن إدراك القـــوى الدوليـــة للهـــدف الكـــردي‪ ،‬ومحاولـــة ترجمـــة‬ ‫واســـتثمار مشـــاركته وانتصاراتـــه يف اســـتكمال مســـار االســـتقالل‬ ‫ع ــن الدول ــة العراقي ــة‪ ،‬إال أن سياس ــات التحال ــف الدول ــي أتس ــمت‬ ‫بالكثي ــر م ــن احل ــذر يف التعام ــل م ــع التطلع ــات الكردي ــة ورف ــض‬ ‫فكـــرة االنفصـــال علـــى األقـــل يف الوقـــت الراهـــن علـــى اعتبـــار‬ ‫أن انفصـــال إقليـــم كردســـتان أثنـــاء احلـــرب علـــى تنظيـــم الدولـــة‬ ‫اإلســـالمية ســـتكون لـــه تداعياتـــه الكارثيـــة علـــى مجريـــات تلـــك‬ ‫احل ــرب‪ ،‬إذ س ــيفضي اس ــتقالل كردس ــتان إل ــى املزي ــد م ــن الص ــراع‬ ‫ب ــن احلكوم ــة العراقي ــة وب ــن حكوم ــة اإلقلي ــم‪ ،‬مم ــا يش ــتت جه ــود‬ ‫أمريــكا وحلفائهــا واحلكومــة العراقيــة يف حربهــا علــى تنظيــم الدولــة‬ ‫اإلســالمية ناهيــك عــن احتمــال اتســاع معادلــة الصــراع بــن بغــداد‬ ‫وأربي ــل م ــع دخ ــول املتغي ــر الش ــيعي عل ــى معادل ــة الرف ــض الداخلي ــة‬ ‫الس ــتقالل إقلي ــم كردس ــتان‪ ،‬ورف ــض بع ــض العراقي ــن األك ــراد م ــن‬ ‫السياس ــين ورج ــال األعم ــال وش ــخصيات ب ــارزة انفص ــال اإلقلي ــم‬ ‫يف ظــل األوضــاع األمنيــة واالقتصاديــة احلاليــة واحتمــال اســتخدام‬ ‫بغـــداد وســـائل عنيفـــة علـــى املســـتوين الدبلوماســـي والعســـكري‬ ‫لكبـــح التطلعـــات الكرديـــة‪ ،‬كمـــا أن الظـــروف احمليطـــة باملنطقـــة‬ ‫مؤخـــ ًرا‪ ،‬لـــن توفـــر بيئـــة مالئمـــة لنجـــاح مشـــروع االنفصـــال مـــع‬ ‫صعوب ــة التحدي ــات واملوان ــع الناجت ــة ع ــن رف ــض الق ــوى اإلقليمي ــة‬ ‫يف املنطقـــة مثـــل ‪-‬تركيـــا وإيـــران‪ -‬لنتائـــج االســـتفتاء العتبـــارات‬ ‫جيوسياس ــية وأمني ــة واقتصادي ــة خاص ــة به ــا‪.‬‬ ‫ونس ــتنتج مم ــا تق ــدم‪ ،‬أن ثم ــة موافق ــة أمريكي ــة ضمني ــة عل ــى‬ ‫اس ــتقالل إقلي ــم كردس ــتان يف امل ــدى البعي ــد‪ ،‬بالرغ ــم م ــن رفضه ــا‬ ‫لنتائ ــج االس ــتفتاء يف الوق ــت الراه ــن‪ ،‬وإن كان ــت تؤش ــر املعطي ــات‬ ‫بــأن اإلدارة األمريكيــة ســتدعم ‪-‬حــال االنتهــاء مــن محاربــة داعــش‬ ‫يف الع ــراق وس ــوريا‪ -‬مش ــروع اس ــتقالل اإلقلي ــم‪ .‬كم ــا س ــتعمد إل ــى‬ ‫الضغ ــط عل ــى حكوم ــة الع ــراق للتف ــاوض ح ــول فص ــل الس ــلطات‬ ‫الســـيادية بصـــورة رســـمية بينهـــا وبـــن إقليـــم كردســـتان إلقامـــة‬ ‫خصوص ــا أن‬ ‫كونفيدرالي ــة حقيق ــة معت ــرف به ــا م ــن كال اجلانب ــن‪،‬‬ ‫ً‬ ‫التجاه ــل األمريك ــي حلل ــم األك ــراد يف تكوي ــن دول ــة قومي ــة س ــيكون‬ ‫ل ــه ثمن ــه املكل ــف عل ــى اإلدارة األمريكي ــة الت ــي طرح ــت بداي ــة فك ــرة‬ ‫تقس ــيم الع ــراق وم ــا قب ــل احل ــرب عل ــى داع ــش‪.‬‬ ‫ويتوق ــع أن تتج ــه السياس ــة األمريكي ــة خ ــالل املرحل ــة القادم ــة‬ ‫يف الع ــراق ‪-‬وإن طالب ــت بتأجي ــل اس ــتقالل إقلي ــم كردس ــتان‪ -‬إل ــى‬ ‫ترتي ــب األوض ــاع الداخلي ــة يف مرحل ــة م ــا بع ــد داع ــش والوق ــوف‬ ‫إل ــى جان ــب الفري ــق السياس ــي ال ــذي س ــيحقق له ــا ه ــذه التطلع ــات‪،‬‬ ‫فطبيع ــة ليبرالي ــة اإلدارة األمريكي ــة اجلدي ــدة‪ ،‬س ــتجعلها تتج ــاوز‬ ‫الظ ــروف واالس ــتحقاقات السياس ــية مب ــا فيه ــا األغلبي ــة الطائفي ــة‬ ‫يف العــراق‪ ،‬إلــى إيجــاد أحــزاب سياســية مناهضــة للوجــود اإليرانــي‬ ‫الــذي ســيكثف مــن حراكــه ملــلء الفــراغ األمنــي يف العــراق مــا بعــد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫داعـــش‪ .‬كمـــا مـــن املتوقـــع أن يكـــون احلـــراك األمريكـــي املضـــاد‬ ‫للنف ــوذ اإليران ــي أح ــد أورق الضغ ــط األمريك ــي عل ــى إي ــران فيم ــا‬ ‫يتصــل مبراجعــة االتفــاق النــووي معهــا للحــد مــن دورهــا اإلقليمــي‬ ‫يف الع ــراق واملنطق ــة‪ ،‬س ــيما أن الع ــراق ال ي ــزال ل ــه ذات األهمي ــة‬ ‫العس ــكرية واألمني ــة االس ــتخباراتية ل ــدي اإلدارة األمريكي ــة‪ ،‬الت ــي‬ ‫ميكـــن اســـتقراؤها مـــن أجنـــدة وترتيبـــات اللقـــاء الـــذي عقدتـــه‬ ‫اللجن ــة املش ــتركة "األمريكية‪-‬العراقي ــة" واملقترح ــات الت ــي قدمته ــا‬ ‫إل ــى رئي ــس ال ــوزراء العراق ــي الت ــي تعك ــس يف مجمله ــا مرتك ــزات‬ ‫للسياس ــية األمريكي ــة لع ــراق م ــا بع ــد داع ــش م ــن حي ــث ض ــرورة‬ ‫بقـــاء القـــوات األمريكيـــة‪ ،‬وزيـــادة أعدادهـــا لفتـــرة ال تقـــل عـــن‬ ‫خمــس ســنوات فضــال عــن تعزيــز التعــاون األمنــي واالســتخباراتي‪،‬‬ ‫وتأهيــل األجهــزة األمنيــة العراقيــة وإعــادة تأهيــل وتدريــب القــوات‬ ‫العراقي ــة املس ــلحة بكاف ــة تصنيفاته ــا م ــن حي ــث التنظي ــم والتس ــليح‬ ‫مــع إعــادة تأهيــل املناطــق املتضــررة‪ ،‬فاخلطــة األمريكيــة لتقســيم‬ ‫العـــراق ســـواء يف الوقـــت الراهـــن أو بعـــد عامـــن لـــم تعـــد مـــن‬ ‫أج ــل ضم ــان االس ــتقرار النس ــبي للع ــراق عل ــى نح ــو ميك ــن أمري ــكا‬ ‫م ــن رف ــع يده ــا عن ــه‪ ،‬م ــع انس ــحاب تدريج ــي لقواته ــا م ــن الع ــراق‬ ‫بق ــدر تعزي ــز التواج ــد األمريك ــي يف املنطق ــة م ــن خ ــالل الع ــراق‬ ‫حيـــث افتـــرض مستشـــاري اإلدارة األمريكيـــة يف خطـــة تقســـيم‬ ‫العــراق أن يكــون لــكل طائفــة دولــــــتها اخلـــــــاصة بهــا ممــا يتطلــب‬ ‫م ــن واش ــنطن إبق ــاء نفوذه ــا عل ــى األقالي ــم الناجت ــة ع ــن التقس ــيم‬ ‫بقصـــد تقـــدمي الدعـــم واملســـاندة األمريكيـــة لضمـــان اســـتقاللية‬ ‫واس ــتمرارية بق ــاء تل ــك الدوي ــالت مقاب ــل من ــح األمريكي ــن تواج ــد‬ ‫ونف ــوذ أكب ــر‪ ،‬عب ــر نش ــر قواع ــد عس ــكرية تس ــتطيع م ــن خالله ــا‬ ‫احلفـــاظ علـــى مصاحلهـــا‪ ،‬وهـــو مـــا عرضـــه الرئيـــس األمريكـــي‬ ‫دونال ــد ترام ــب‪ -‬مؤخ ـ ًرا أم ــام الق ــادة العراقي ــن‪ ،‬عل ــى اعتب ــار أن‬‫خي ــار تقس ــيم الع ــراق لدوي ــالت يع ــد اخلي ــار األمث ــل م ــن البق ــاء‬ ‫خصوص ــا م ــع صعوب ــة ط ــرح مب ــادرة‬ ‫الدائ ــم عل ــى حال ــة العن ــف‬ ‫ً‬ ‫ش ــاملة للس ــلم األهل ــي واملصاحل ــة الوطني ــة تتف ــق عليه ــا املكون ــات‬ ‫املذهبي ــة والطائفي ــة والعرقي ــة يف الع ــراق‪.‬‬ ‫وعلــى املســتوى االقتصــادي‪ ،‬مــن الواضــح أن اإلدارة األمريكيــة‬ ‫س ــتمضي قد ًم ــا يف الس ــيطرة واالس ــتحواذ عل ــى النف ــط العراق ــي‪،‬‬ ‫وهـــي االســـتراتيجية املرتبـــط بتوجهـــات ترامـــب االســـتثمارية يف‬ ‫إدارة ملف ــات السياس ــة اخلارجي ــة‪ ،‬وال ــذي أعل ــن أن عل ــى الوالي ــات‬ ‫املتحــدة احلصــول علــى ثمــن الدفــاع عــن حقــوق الشــعوب األخــرى‪،‬‬ ‫وأن النفـــط العراقـــي هـــو حـــق أمريـــكا التـــي قدمـــت الكثيـــر مـــن‬ ‫األرواح واملليــارات يف حربهــا مــع العــراق ووجــدت اإلدارة األمريكيــة‬ ‫يف التوس ــع اإليران ــي يف الع ــراق‪ ،‬وتطوي ــر إي ــران نظامه ــا الدفاع ــي‬ ‫وجت ــارب إط ــالق صواريخه ــا الباليس ــتية مدخ ـ ً‬ ‫ـال مناسـ ـ ًبا لتعزي ــز‬ ‫تواجده ــا األمريك ــي‪ .‬كم ــا تس ــعى إدارة ترام ــب بع ــد تدمي ــر تنظي ــم‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪17‬‬

‫شــرعــــت اإلدارة األمــريــكــيــــة فــــي اســتــحــضـــار مـخـطـطـــات‬ ‫الـتـقـسـيـــم لـتـجـزئـــة بـلـــدان الـطـــوق وفـــي مـقـدمـتـهـــا الـعـــراق‬ ‫املفكري ــن ورج ــال الدي ــن وش ــريحة واس ــعة م ــن الش ــباب‪ ،‬تق ــف ض ــد‬ ‫ه ــذا التقس ــيم‪ ،‬وت ــرى في ــه مش ــروع غرب ــي لي ــس لتقس ــيم الع ــراق‬ ‫فحس ــب‪ ،‬ب ــل ودول املنطق ــة‪ ،‬عب ــر إضع ــاف ق ــوة الع ــراق مب ــا يخ ــدم‬ ‫أه ــداف إي ــران التوس ــعية‪ ،‬وتعزي ــز األم ــن القوم ــي اإلس ــرائيلي‪ ،‬وإن‬ ‫تأكـــدت تلـــك الشـــكوك بزيـــارة وزيـــر الدفـــاع األمريكـــي اجلديـــد‬ ‫جيم ــس ماتي ــس‪ -‬إل ــى الع ــراق الت ــي وج ــد فيه ــا البع ــض ح ــراك‬‫أمريك ــي لترتي ــب ودع ــم أوض ــاع قوات ــه يف مرحل ــة م ــا بع ــد داع ــش‪،‬‬ ‫وتأكيـــد اســـتمرار العالقـــة والدعـــم بقيـــادة ‪-‬الرئيـــس ترامـــب‪-‬‬ ‫لتحصـــن األمـــن القومـــي األمريكـــي مـــن خـــالل إنهـــاء الوجـــود‬ ‫القمع ــي يف الع ــراق وض ــرب جمي ــع احل ــركات اإلس ــالمية املتطرف ــة‬ ‫لضم ــان أمنه ــا الوطن ــي عب ــر الق ــارات‪.‬‬

‫الواليات المتحدة والعراق الجديد ما بعد داعش‬ ‫مـــن املســـلم بـــه أن السياســـة اخلارجيـــة األمريكيـــة ترتكـــز‬ ‫دو ًمــا علــى بعديــن خارجــن رئيســن فيمــا يتصــل مبنطقــة الشــرق‬ ‫األوس ــط واخللي ــج حتدي ـ ًدا‪ ،‬أولهم ــا‪ :‬تأس ــيس قاع ــدة أمني ــة قابل ــة‬ ‫للبق ــاء يف املنطق ــة كه ــدف قصي ــر األم ــد‪ ،‬وثانيهم ــا‪ :‬إع ــادة تش ــكيل‬ ‫السياســـات االقتصاديـــة والثقافـــات الداخليـــة يف املنطقـــة مبـــا‬ ‫يتناســـب والنمـــوذج األمريكـــي‪ ،‬وإن اقتضـــى ذلـــك شـــن حـــروب‬ ‫وقائي ــة لتغي ــر األنظم ــة وإح ــداث اإلصالح ــات الليبرالي ــة إلقام ــة‬ ‫أنظمـــة سياســـية حديثـــة ودميقراطيـــة‪ .‬كمـــا صـــرح بذلـــك عـــدد‬ ‫مـــن الساســـة واملفكريـــن ورؤســـاء الواليـــات املتحـــدة املتعاقبـــن‪،‬‬ ‫وهـــو مـــا يؤكـــد أن اخلطـــط األمريكيـــة الســـاعية إلـــى تقســـيم‬ ‫دول املنطقـــة العربيـــة ومـــن بينهـــا العـــراق لـــم تكـــن وليـــدة تـــأزم‬ ‫الوضــع السياســي والعســكري العراقــي ودخــول الواليــات املتحــدة‬ ‫يف ح ــرب اس ــتنزاف طويل ــة‪ ،‬ومحدودي ــة البدائ ــل املتاح ــة أمامه ــا‬ ‫حت ــى م ــع القض ــاء عل ــى تنظي ــم "داع ــش" ب ــل ه ــي اس ــتراتيجيات‬ ‫صاغه ــا الكثي ــر م ــن املفكري ــن والفالس ــفة األمري ــكان من ــذ عق ــود‪،‬‬ ‫وإن تُرك ــت خط ــط وأس ــلوب التنفي ــذ ملراك ــز األبح ــاث األمريكي ــة‬ ‫وأذهـــان السياســـين األمريكيـــن بحســـب املتغيـــرات السياســـية‬ ‫والدولي ــة ل ــكل رئاس ــة أمريكي ــة‪.‬‬ ‫وبتدافــع األحــداث والوقائــع علــى املســرحن الســوري والعراقــي‬ ‫مؤخــ ًرا ‪ ،‬ش ــرع مستش ــاري اإلدارة األمريكي ــة يف اس ــتحضار تاري ــخ‬ ‫مخطط ــات االس ــتعمار األمريك ــي من ــذ خمس ــينيات الق ــرن املاض ــي‬ ‫وصـــوال إلـــى بدايـــات صعـــود احملافظـــن اجلـــدد األمريكيـــن يف‬ ‫إط ــار مخط ــط التجزئ ــة والتقس ــيم لبل ــدان الط ــوق خ ــالل العق ــد‬

‫األخي ــر‪ ،‬وكان يف مقدمته ــا مش ــروع تقس ــيم الع ــراق‪ ،‬الت ــي اتفق ــت‬ ‫عل ــى اس ــتبدال الع ــراق احلال ــي بث ــالث دوي ــالت صغي ــرة كردي ــة يف‬ ‫الش ــمال‪ ،‬وس ــنية يف الوس ــط وش ــيعية يف اجلن ــوب‪ ،‬وه ــي اخلط ــة‬ ‫التــي اقترحهــا وزيــر اخلارجيــة األمريكيــة األســبق هنــري كيســنجر‬ ‫وأيده ــا بع ــض الساس ــة واملفكري ــن أمث ــال‪ :‬ليزل ــي جي ــب ‪ -‬ديفي ــد‬ ‫جوزي ــف ‪ -‬ج ــون هوبكن ــز – لوق ــف الص ــراع الدم ــوي يف الع ــراق‪،‬‬ ‫وإن كان ــت املؤش ــرات املتواف ــرة تؤك ــد أن االس ــتراتيجية األمريكي ــة‬ ‫متي ــل إلضع ــاف الق ــوة العراقي ــة واحليلول ــة دون إع ــادة بن ــاء قوت ــه‬ ‫العس ــكرية م ــرة أخ ــرى مم ــا يس ــهل الس ــيطرة علي ــه ولي ــس كمخ ــرج‬ ‫حل ــل األزم ــات الت ــي تواجهه ــا اإلدارة األمريكي ــة يف الع ــراق‪.‬‬ ‫وتنطلـــق اإلســـتراتيجية األمريكيـــة يف مخطـــط تقســـيم‬ ‫الع ــراق م ــن فرضي ــة أن التحدي ــات الت ــي تواج ــه الع ــراق ل ــن حت ــل‬ ‫بهزميـــة تنظيـــم الدولـــة يف ســـاحة املعركـــة فحســـب‪ ،‬وإن مســـألة‬ ‫تقســـيم العـــراق مســـألة وقـــت الســـيما مـــع تطـــور األحـــداث يف‬ ‫املنطقـــة وتوالـــي املعطيـــات امليدانيـــة‪ ،‬حيـــث وجـــدت أمريـــكا أن‬ ‫م ــن الصال ــح لتعزي ــز جهوده ــا امليداني ــة يف حربه ــا القائم ــة ض ــد‬ ‫الدول ــة اإلس ــالمية ع ــدم تقس ــيم الع ــراق م ــا قب ــل حتقي ــق الهزمي ــة‬ ‫الكامل ــة للتنظي ــم وس ــعت الوالي ــات املتح ــدة مؤخــ ًرا بالتنس ــيق م ــع‬ ‫بريطاني ــا‪ ،‬والتحال ــف الدول ــي حملارب ــة تنظي ــم الدول ــة اإلس ــالمية‪،‬‬ ‫تأجيـــل مشـــروع انفصـــال إقليـــم كردســـتان ملـــدة عامـــن‪ ،‬وأكـــد‬ ‫وزيـــر اخلارجيـــة األمريكـــي ‪ -‬ريكـــس تيلرســـون – عـــدم اعتـــراف‬ ‫واش ــنطن بنتائ ــج اس ــتفتاء انفص ــال األقلي ــم ال ــذي أج ــري مؤخـ ـ ًرا‬ ‫كــون االســتفتاء ونتائجــه يفتقــران للشــرعية‪ ،‬مشــد ًدا علــى اســتمرار‬ ‫ب ــالده يف دع ــم ع ــراق موح ــد احت ــادي ودميقراط ــي م ــع ح ــث بغ ــداد‬ ‫وأربيـــل علـــى الهـــدوء وإنهـــاء االتهامـــات والتهديـــدات املتبادلـــة‪.‬‬

‫الواليات المتحدة ومشروع انفصال كردستان العراق‬ ‫لطاملـــا كانـــت تطلعـــات األكـــراد يف دولتهـــم القوميـــة تتفـــق و‬ ‫اس ــتراتيجية اإلدارة األمريكي ــة يف التقس ــيم الكونفدرال ــي للع ــراق‪،‬‬ ‫كمخ ــرج ألزمته ــا من ــذ الع ــام ‪2003‬م‪ ،‬فطبيع ــة التحال ــف األمريك ــي‬ ‫م ــع أك ــراد كردس ــتان الع ــراق واض ــح للعي ــان الس ــيما م ــع صياغ ــة‬ ‫نصــوص دســتور عــام ‪2005‬م‪ ،‬التــي أعطــت وض ًعــا ممي ـزًا لإلقليــم‪،‬‬ ‫وتأك ــد ذل ــك التع ــاون أكث ــر م ــا يك ــون يف ح ــرب الوالي ــات املتح ــدة‬ ‫والتحال ــف الدول ــي ض ــد تنظي ــم الدول ــة اإلس ــالمية "داع ــش" مم ــا‬ ‫ش ــجع م ــن تطلع ــات األك ــراد يف تكوي ــن دولته ــم القومي ــة م ــع احتي ــاج‬ ‫القــوى الدوليــة ملشــاركتهم العســكرية يف محاربــة اإلرهــاب‪ ،‬وبالرغــم‬

‫‪16‬‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫دراسة العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الــواليــ ــات الـــمـــتــحــ ــدة والـــعــ ــراق الـــجـــديــ ــد مـــ ــا بـــعـــ ــد داعـــ ــش‬

‫االستراتيجية األمريكية‪ :‬تقسيم العراق مسألة‬ ‫وقت وإسرائيل تعتبره امتدا ًدا لوعد بلفور‬ ‫يق ــف الع ــراق م ــا بع ــد القض ــاء عل ــى تنظي ــم الدول ــة اإلس ــالمية أم ــام مرحل ــة حرج ــة م ــع غي ــاب التواف ــق السياس ــي عل ــى‬ ‫قضاي ــا أساس ــية‪ ،‬تتعل ــق بامل ــدن احمل ــررة م ــن س ــيطرة التنظي ــم وطبيع ــة اإلدارة يف ظ ــل التعددي ــة السياس ــية والقومي ــة‬ ‫والطائفي ــة‪ ،‬وم ــا إذا كان ــت حكوم ــة الع ــراق ق ــادرة عل ــى حتقي ــق مصاحل ــة وطني ــة لع ــراق موح ــد‪ ،‬أم أن املواجه ــات س ــتكون‬ ‫مفتوح ــة للمزي ــد م ــن التقس ــيمات الطائفي ــة والعرقي ــة واملناطقي ــة واالثني ــات الديني ــة يف ظ ــل االفتق ــار خلط ــط واقعي ــة‬ ‫لترتي ــب البي ــت العراق ــي‪ ،‬األم ــر ال ــذي ق ــد يدف ــع نح ــو تقس ــيم فدرال ــي يؤس ــس ملرحل ــة جدي ــدة م ــن تاري ــخ الع ــراق س ــيما‬ ‫مــع ارتفــاع الطموحــات الكرديــة إلعــالن انفصالهــا‪ ،‬والعيــش كدولــة مســتقلة ذات عالقــة مــع جارتهــا اجلديــدة العــراق‪ ،‬مــع‬ ‫صعوبــة توصــل الطرفــان لصيغــة مشــتركة متكنهمــا مــن حــل إشــكاليات اخلــالف‪ ،‬الــذي أتــى بالتزامــن مــع احلــرب الدوليــة‬ ‫ضــد تنظيــم الدولــة اإلســالمية "داعــش" ممــا يؤشــر ملرحلــة أكثــر صعوبــة وتعقي ـدًا علــى العــراق إذا مــا اســتثنينا مشــروع‬ ‫انفصــال كردســتان‪ ،‬حيــث ضمنــت معظــم األحــزاب السياســية لنفســها وجــود قــوات تنتمــي إليهــا مدعومــة إقليميـاً ودوليـاً‬ ‫لتعزي ــز تواجده ــا‪ ،‬مم ــا بل ــور حال ــة م ــن الص ــراع السياس ــي يف س ــياق جت ــاذب وص ــراع عمي ــق ل ــإلرادة الدولي ــة واإلقليمي ــة‬ ‫جعل ــت م ــن الع ــراق س ــاحة لنفوذه ــا السياس ــي والعس ــكري‪.‬‬

‫د‪ .‬أميرة الراشد الغامدي‬ ‫وم ــع تزاي ــد حال ــة االحتق ــان الطائف ــي يف العام ــن األخيري ــن‪،‬‬ ‫ترســـخت الكثيـــر مـــن القناعـــات لـــدى الشـــعب العراقـــي بفشـــل‬ ‫ّ‬ ‫احلكومـــات املتتاليـــة يف إيجـــاد مجتمـــع آمـــن ومســـتقر يســـتند‬ ‫عل ــى مصاحل ــة وطني ــة حقيقي ــة‪ ،‬حت ــد م ــن الصراع ــات السياس ــية‬ ‫واالقتتـــال الطائفـــي يف الســـاحة العراقيـــة ومـــن معانـــاة عشـــرات‬ ‫املالي ــن م ــن العراقي ــن فض ـ ً‬ ‫ـال ع ــن عج ــز احلكوم ــة ع ــن القي ــام‬ ‫بواجباتهـــا يف توفيـــر اخلدمـــات واألمـــن للعاصمـــة واحملافظـــات‬ ‫وتفاق ــم حال ــة االنف ــالت األمن ــي يف العاصم ــة بغ ــداد ومحافظ ــات‬ ‫الع ــراق الس ــنية مم ــا دف ــع مبطال ــب التقس ــيم أو ‪-‬الفدرل ــة‪ -‬الت ــي‬ ‫طاملـــا كانـــت حاضـــرة يف ذهـــن العراقيـــن منـــذ دخـــول الواليـــات‬ ‫املتحـــدة أراضيـــه عـــام ‪2003‬م‪ ،‬وحقهـــم التشـــريعي طبقـــاً للمـــادة‬ ‫(‪ )119‬مـــن الدســـتور العراقـــي‪ ،‬الـــذي صيـــغ بأمـــر مـــن احلاكـــم‬ ‫املدن ــي األميرك ــي ب ــول برمي ــر يف ع ــام ‪2004‬م‪ ،‬ون ــص عل ــى أحقي ــة‬ ‫كل محافظـــة أو أكثـــر تكويـــن إقليـــم بنـــاء علـــى طلـــب باالســـتفتاء‬ ‫عليـــه ســـواء كان بطلـــب مـــن ثلـــث األعضـــاء يف كل مجلـــس مـــن‬ ‫مجال ــس احملافظ ــات الت ــي تس ــعى لتكوي ــن اإلقلي ــم‪ ،‬أو بطل ــب م ــن‬

‫ُع ْش ــر الناخب ــن يف كل محافظ ــة م ــن احملافظ ــات الت ــي تس ــتهدف‬ ‫تكويـــن اإلقليـــم فالصيغـــة الفيدراليـــة التـــي تفضلهـــا اإلدارة‬ ‫األمريكي ــة‪ ،‬ه ــي أق ــرب م ــا تك ــون إل ــى الكونفدرالي ــة الت ــي تعتم ــد‬ ‫الطابـــع اإلقليمـــي‪ ،‬مـــع منـــح ســـلطة مطلقـــة تقري ًبـــا لـــكل إقليـــم‬ ‫خاصــة وأن الدســتور يدعــم هــذا االجتــاه يف بعــض مــواده‪ ،‬وهــو مــا‬ ‫مت مناقش ــته م ــن قب ــل مس ــؤولن أمريكي ــن م ــع بع ــض السياس ــين‬ ‫يف الس ــلطة العراقي ــة‪ ،‬ومت اط ــالع بع ــض حكوم ــات املنطق ــة علي ــه‪.‬‬ ‫كم ــا ش ــجع بع ــض القي ــادات السياس ــية والعش ــائرية العراقي ــة مم ــن‬ ‫كان ــوا ض ــد مش ــروع التقس ــيم‪ ،‬مناش ــدة اإلدارة األمريكي ــة الس ــابقة‬ ‫بض ــرورة الع ــزل م ــا ب ــن الطوائ ــف املذهبي ــة والعرقي ــة‪ ،‬يك ــون في ــه‬ ‫لــكل مكــون مــن الســنة والشــيعة واألكــراد‪ ،‬وضــع سياســي وجغــرايف‬ ‫ومعنـــوي يف ثالثـــة أقاليـــم مســـتقلة لعـــراق فدرالـــي‪ ،‬قـــادر علـــى‬ ‫حتقي ــق االنس ــجام والتآل ــف م ــا ب ــن الطوائ ــف م ــع توزي ــع ع ــادل‬ ‫للثــروة واملكتســبات الوطنيــة‪ ،‬وهــو حتدي ـدًا مــا يتوافــق مــع مشــروع‬ ‫الدميقراط ــي ‪-‬ج ــو باي ــدن‪ -‬مخط ــط مش ــروع تقس ــيم الع ــراق إل ــى‬ ‫أقالي ــم يف ع ــام ‪2007‬م‪ ،‬وإن كان ــت هن ــاك ق ــوى عراقي ــة مؤث ــرة م ــن‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مــا يســمى بالســالم مــع الدولــة العبريــة‪ ،‬خاص ـ ًة يف الفتــرة مــا بــن‬ ‫حــرب أكتوبــر ‪1973‬م‪ ،‬وتوقيــع معاهــدة الســالم بــن مصــر وإســرائيل‬ ‫(‪ 26‬مــارس ‪1979‬م)‪ ،‬التــي كان مــن أهــم بنودهــا تخلــي مصــر عــن‬ ‫املقاطعــة االقتصاديــة إلســرائيل‪ ،‬التــي امتــدت ‪-‬طــوال فتــرة أوج‬ ‫التــزام النظــام العربــي باســتحقاقات املقاطعــة اجلماعيــة إلســرائيل‪-‬‬ ‫لتشــمل مقاطعــة الــدول العربيــة لشــركات عامليــة تابعــة لــدول عظمــى‬ ‫تضــررت بدورهــا مــن نظــام املقاطعــة العربيــة إلســرائيل‪ ،‬مثــل شــركة‬ ‫كوكاكــوال وفــورد‪ ،‬حيــث خضعــت شــركات منافســة لتلــك الشــركات‬ ‫العامليــة وجتاوبــت مــع نظــام املقاطعــة العربيــة إلســرائيل مثــل‪ :‬شــركة‬ ‫بيبســي كــوال وجنــرال موتــورز‪ .‬وال ننســى هنــا جنــاح الــدول العربيــة‬ ‫املنتجــة للنفــط‪ ،‬بقيــادة اململكــة العربيــة الســعودية‬ ‫يف فــرض حظــر لتصديــر النفــط للــدول الداعمــة‬ ‫إلســرائيل يف حــرب أكتوبــر ‪1973‬م‪ ،‬الــذي شــمل‬ ‫دوالً غربيــة صناعيــة كبــرى وغنيــة‪ ،‬مثــل‪ :‬الواليــات‬ ‫املتحــدة وبريطانيــا وهولنــدا‪ .‬وكانــت هــذه املقاطعــة‬ ‫لتلــك الــدول املؤيــدة إلســرائيل يف حــروب ‪1973‬م‪،‬‬ ‫تكــرا ًرا ‪-‬ولــو بصــورة محــدودة وأقــل تأثيــ ًرا‬ ‫وإحكا ًمــا‪ -‬يف حربــي ‪1956‬م‪ ،‬و‪1967‬م‪.‬‬ ‫لــم تنجــح املقاطعــة العربيــة إلســرائيل‪ ،‬التــي‬ ‫امتــدت ألكثــر مــن ثالثــة عقــود تخللتهــا أربــع حــروب‬ ‫كبيــرة بــن العــرب وإســرائيل (‪ 1967 ،1956 ،1948‬و ‪1973‬م) بــأن‬ ‫تكــون لهــا آثــا ًرا اقتصاديــة مؤملــة علــى إســرائيل والــدول الداعمــة لهــا‪،‬‬ ‫بــل كانــت لهــا آثــار سياســية ممتــدة بفــرض عزلة سياســية علــى الدولة‬ ‫ـدول‬ ‫أراض تابعــة لـ ٍ‬ ‫العبريــة‪ ،‬باعتبارهــا دولــة عدوانيــة عنصريــة حتتــل ٍ‬ ‫عربيــة‪ ،‬صــدرت بحقهــا قــرارات إدانــة صريحــة وملزمــة مــن اجلمعيــة‬ ‫العامــة ومجلــس األمــن صنفتهــا صراحــة مــن الــدول العنصريــة‪ ،‬مثــل‬ ‫روديســيا وجنــوب إفريقيــا‪ ،‬كونهــا تغتصــب حــق الشــعب الفلســطيني‬ ‫الطبيعــي غيــر القابــل للتصــرف يف ســيادته وحريتــه وقيــام دولتــه‬ ‫املســتقلة علــى أرضــه (فلســطن)‪.‬‬ ‫بعــد توقيــع معاهــدة الســالم بــن مصــر وإســرائيل‪ ..‬وتبعتهــا‬ ‫األردن (‪ 2‬أكتوبــر ‪ 1994‬م)‪ ..‬وقبــل األخيــرة‪ ،‬اتفاقيــات أوســلو بــن‬ ‫إســرائيل ومنظمــة التحريــر الفلســطينية املوقعــة يف واشــنطن (‪13‬‬ ‫ســبتمبر ‪1993‬م)‪ ،‬وأخيــ ًرا‪ :‬أقامــت موريتانيــا عالقــات دبلوماســية‬ ‫كاملــة مــع إســرائيل يف (‪ 28‬أكتوبــر ‪1999‬م)‪ ،‬انهــار نظــام املقاطعــة‬ ‫االقتصاديــة العربيــة إلســرائيل‪ ،‬الــذي كان أمضــى مــن خيــار اللجــوء‬ ‫إلــى احلــروب‪ ،‬التــي خســرها العــرب جمي ًعــا‪ ،‬عــدا االنتصــار‪ ،‬الــذي‬ ‫حققــه العــرب يف حــرب أكتوبــر ‪1973‬م‪ ،‬كمــا ترتــب علــى اعتبــار‬ ‫حــرب أكتوبــر ‪1973‬م‪ ،‬كمــا وصفهــا الرئيــس املصــري الراحــل أنــور‬ ‫الســادات‪ ،‬بأنهــا آخــر احلــروب مــع إســرائيل‪ ،‬انهيــار تــام ملنظومــة‬ ‫املقاطعــة العربيــة‪ ،‬بدايـ ًة بالتخلــي ‪-‬كمــا ســبقت اإلشــارة إليــه‪ -‬عــن‬

‫متابعات دولية‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪15‬‬

‫أمضــى أســلحة العــرب يف صراعهــم مــع إســرائيل (نظــام املقاطعــة‬ ‫االقتصاديــة إلســرائيل)‪.‬‬ ‫بالتبعيــة‪ ،‬ونتيجــة لذلــك الســلوك لبعــض الــدول العربيــة جتــاه‬ ‫إســرائيل‪ ،‬وقضيــة األمــن القومــي العربــي‪ ،‬أخــذ اخليــط اإلســرائيلي‬ ‫يتخلــل النســيج العربــي‪ ،‬كأحــد أهــداف صــراع إســرائيل مــع العــرب‪،‬‬ ‫كمــا كان يقــول وزيــر الدفــاع اإلســرائيلي األســبق موشــي ديــان (‪1915‬‬ ‫‪1981‬م)‪ ،‬حيــث بــدأت عزلــة إســرائيل الدوليــة تتداعــى‪ ..‬وشــرعت‬‫حترجــا‬ ‫الــدول‪ ،‬التــي كانــت تتــردد يف االعتــراف بإســرائيل‪ ،‬إمــا‬ ‫ً‬ ‫مــن شــرعية إســرائيل الدوليــة واألخالقيــة‪ ،‬أو حتســ ًبا لــردع نظــام‬ ‫املقاطعــة العربيــة إلســرائيل‪ ،‬ومنهــا دول أوروبيــة غربيــة كانــت تاريخ ًيا‬ ‫صديقــة للعــرب ومتعاطفــة مــع القضيــة الفلســطينية‪،‬‬ ‫تباعــا‬ ‫مثــل‪ :‬أســبانيا واليونــان ودولــة الفاتيــكان‪ ،‬توالــت ً‬ ‫باالعتــراف بالدولــة العبريــة‪ .‬بل وأخذت دول يف العالم‬ ‫الثالــث‪ ،‬خاصـ ًة يف إفريقيــا‪ ،‬التــي تقري ًبــا جميعهــا لــم‬ ‫تعــد تقيــم عالقــات مــع إســرائيل‪ ،‬بعــد حــرب أكتوبــر‬ ‫‪1973‬م‪ ،‬أخــذت تتقاطــر لتقيــم أو تعيــد عالقاتهــا مــع‬ ‫إســرائيل بعــد أن فقــد اإلجمــاع العربــي زخمــه الهــادر‪،‬‬ ‫بقــرار بعــض دولــه املهمــة والهامشــية‪ ،‬التخلــي عمــا‬ ‫يُعــرف مبســتحقات األمــن القومــي العربــي‪ ،‬باعتبــار‬ ‫إســرائيل العدو االســتراتيجي األول للعرب‪ ..‬وبالتالي‪:‬‬ ‫تقويــض نظــام املقاطعــة االقتصاديــة الكفــوء والفعــال ضد إســرائيل‪...‬‬ ‫دعــك مــن تــواري قضيــة الشــعب الفلســطيني لــدى النظــام العربــي‬ ‫الرسمي ملرتبة متأخرة يف سلم أولويات العرب القومية االستراتيجية‪.‬‬

‫لــم يثبــت أن نظام‬ ‫العقوبــات االقتصادية‬ ‫خــدم أهدافــه وشــواهد‬ ‫تاريخي ــة ع ــى فش ــل‬ ‫هـــــذه الــعــقـوبــــات‬

‫تواضع أداء خيار العقوبات االقتصادية‬ ‫نظـام العقوبـات االقتصاديـة‪ ،‬أثبـت مـع الوقـت فشـله‪ ،‬عـدا يف‬ ‫زيـادة معانـاة الشـعوب وترسـيخ نظـم احلكـم املسـتبدة‪ ..‬ولـم يثبـت‬ ‫جناحـه إال يف حـاالت قليلـة ونـادرة‪ ،‬عندمـا يتمتـع بشـرعية سياسـية‬ ‫أمميـة غالبـة‪ ..‬ويسـتند إلـى قيـم أخالقيـة وثيقـة الصلـة بالقانـون‬ ‫الدولـي وميثـاق األمم املتحـدة وقواعـد التعامـل الدولـي املرعيـة يف‬ ‫مسـرح السياسـة الدوليـة‪ ،‬ويخـدم قضايـا عادلـة حتظـى بإجمـاع‬ ‫أممـي كاسـح‪ .‬بالتبعيـة‪ :‬يف مقدمـة متطلبـات أي نظـام للمقاطعـة‬ ‫والعقوبـات االقتصاديـة‪ ،‬ضـد أي دولـة أو مجموعـة مـن الـدول‪ ،‬أن‬ ‫تتوفـر لديـه شـرعية قانونيـة وأخالقيـة رادعـة بـأن يحظـى‪ ،‬بإجمـاع‬ ‫دولـي أو إقليمـي قـوي ومحكـم‪ ،‬مثـل مقاطعـة العالـم لنظـام الفصـل‬ ‫العنصـري (األبارتايـد)‪ ،‬يف روديسـيا وجنـوب إفريقيـا‪ ..‬ونظـام‬ ‫املقاطعـة االقتصاديـة والعزلـة السياسـية‪ ،‬الـذي فرضـه العـرب علـى‬ ‫إسـرائيل‪ ،‬ألكثـر مـن ثالثـة عقـود (‪1979-1948‬م)‪.‬‬ ‫* أﺳﺘﺎذ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ـ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﳌﻠﻚ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ـ ﺟﺪة‬

‫‪14‬‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫متابعات دولية‬

‫هــذا باإلضافــة إلــى األثــر الســلبي‪ ،‬طويــل األمــد‪ ،‬الــذي يتركــه‬ ‫خيــار اللجــوء للعقوبــات االقتصاديــة‪ ،‬يف مرحلــة مــا بعــد األخــذ بــه‪،‬‬ ‫يف عالقــات أطرافــه مــن الــدول‪ ،‬وكــذا يف شــكل التحالــف الــذي بــدأ‬ ‫بــه عنــده بعــد التخلــي عنــه‪ ،‬بــن الــدول التــي شــاركت يف فرضــه‪ .‬كمــا‬ ‫أنــه‪ ،‬مــع الوقــت‪ ،‬قــد يُحــدث نظــام العقوبــات االقتصاديــة تغييــرات‬ ‫هيكليــة يف النظامــن اإلقليمــي والدولــي‪ ،‬تتضــرر منــه أكثــر مصالــح‬ ‫الــدول التــي فرضتــه‪ ،‬لصالــح منافســيها اإلقليميــن والدوليــن‪،‬‬ ‫مبحاولــة اقتــراب األخيــرة مــن الــدول التــي ُفــرض عليهــا وجنحــت‬ ‫يف مقاومتــه‪ ،‬رمبــا مبســاعدة تلــك الــدول املنافســة للــدول التــي‬ ‫فرضتــه‪ ،‬ممــا يزيــد مــن تكلفــة وعــبء قــرار اللجــوء خليــار العقوبــات‬ ‫االقتصاديــة‪ ،‬مــن قبــل الدولــة أو الــدول التــي جلــأت لفرضــه‪.‬‬ ‫باختصـار‪ :‬لـم يحـدث أن أثبـت نظـام العقوبـات االقتصاديـة أنـه‬ ‫خـدم‪ ،‬بصـورة كفـوء وفعالة‪ ،‬الهـدف أو األهداف التي يُتخذ من أجلها‪،‬‬ ‫إال يف حـاالت قليلـة ونـادرة سـيتم التطـرق إليهـا الح ًقـا‪ .‬بـل‪ ،‬بالعكـس‪،‬‬ ‫هنـاك شـواهد تاريخيـة علـى فشـل نظـام العقوبـات االقتصاديـة مـن‬ ‫حتقيـق الهـدف منـه‪ ...‬فقـد ينتهـي بكارثـة كونيـة‪ ،‬كمـا حـدث بانـدالع‬ ‫احلـرب الكونيـة الثانيـة‪ ،‬عندمـا انتفضـت أملانيـا لتثـأر مـن نظـام‬ ‫العقوبـات االقتصاديـة (تعويضـات احلـرب)‪ ،‬التـي فرضهـا احللفـاء‬ ‫عليهـا بعـد هزميتهـا يف احلـرب الكونيـة األولـى‪ ،‬مبوجـب معاهـدة‬ ‫فرسـاي ‪1919‬م‪ ..‬كمـا أن احتمـاالت تكـرار مثـل هـذه الكـوارث الكونية‬ ‫وراد‪ ،‬هـذه األيـام‪ ،‬إذا مـا اسـتحكمت أزمـة التوتر بـن الواليات املتحدة‬ ‫كثيـر مـن منعطفاتهـا لشـدة وقسـوة‬ ‫وكوريـا الشـمالية‪ ،‬التـي تُعـزى يف ٍ‬ ‫العقوبات االقتصادية الدولية على بيونغ يانغ‪ .‬باإلضافة إلى أن فرض‬ ‫العقوبـات االقتصاديـة‪ ،‬علـى بعـض الـدول مـن احملتمـل أن يتـرك حالة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مـن عـدم االسـتقرار اإلقليمـي املزمـن‪ ،‬كمـا حـدث للعـراق بعـد غـزوه‬ ‫الكويـت ألكثـر مـن ‪ 13‬سـنة‪ ،‬لينتهـي نظـام العقوبـات االقتصاديـة علـى‬ ‫العـراق‪ ،‬طـوال تلـك املـدة‪ ،‬بغـزو أمريكـي للعـراق‪ ،‬خـارج إرادة املجتمـع‬ ‫الدولـي‪ ،‬مـازال العـراق ومنطقـة اخلليـج العربـي‪ ،‬بل والشـرق األوسـط‬ ‫بأسـره‪ ،‬يف معانـاة مسـتحكمة مـن تبعاتـه غيـر املسـتقرة‪ ،‬إلـى اليـوم‪.‬‬ ‫مـن احلـاالت النـادرة‪ ،‬التـي ميكـن تتبعهـا لنجـاح نظـام العقوبـات‬ ‫االقتصاديـة‪ ،‬ذلـك الـذي ُفـرض علـى أنظمـة احلكـم العنصريـة يف‬ ‫روديسـيا وجنـوب إفريقيـا‪ ،‬إال أنـه ال ميكـن إيعاز ذلك حصر ًيا للعقوبات‬ ‫االقتصاديـة‪ ،‬بقـدر مـا هـو راجـع للمقاومـة الشرسـة مـن قبـل السـكان‬ ‫األصليـن يف روديسـيا وجنـوب إفريقيـا‪ ،‬لنظامـي هـراري وبروتوريـا‬ ‫العنصريـن‪ ..‬واالسـتهجان األممـي الواسـع لنظـام الفصـل العنصـري (‬ ‫األبارتايـد ) يف روديسـيا وجنـوب إفريقيـا‪ ،‬مما وفر غطـا ًء أخالقياً قوياً‬ ‫عـزز مـن فـرص جنـاح نظـام العقوبات االقتصاديـة الدولية على نظامي‬ ‫الفصل العنصري تلك ‪ .‬بالرغم من ذلك‪ :‬حصل أن بعض الدول املهمة‬ ‫والكبيرة يف النظام الدولي‪ ،‬التي كانت تدعم نظام املقاطعة االقتصادية‬ ‫ضـد نظـام بروتوريـا العنصـري‪ ،‬كثيـراً مـا تخـرق هـذا النظـام حلاجتهـا‬ ‫لبعـض املـواد األوليـة التـي ال تتوفـر بهـا‪ ،‬ويصعـب توفرهـا مـن مصـادر‬ ‫أخـرى‪ ،‬مثـل مـا اضطـرت الواليـات املتحـدة‪ ،‬يف مناسـبات معينـة‪ ،‬مـن‬ ‫خـرق نظـام العقوبـات االقتصاديـة علـى جنوب إفريقيـا حلاجتها ملعادن‬ ‫اسـتراتيجية‪ ،‬مثـل الكـروم والبالتـن والروديـوم واإلريديـوم‪.‬‬

‫المقاطعة العربية إلسرائيل‪ ..‬استثناء للقاعدة!؟‬ ‫إال أنــه ال يفوتنــا هنــا التنويــه لنجــاح نظــام املقاطعــة العربيــة‬ ‫إلســرائيل‪ ،‬قبــل جلــوء بعــض الــدول العربيــة‪ ،‬بصــورة متباعــدة‪ ،‬خليار‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ليـس مـن أجـل مقاومـة تبعات العقوبـات االقتصاديـة‪ ..‬وتخفيف عبئها‬ ‫عن الناس‪ ،‬بل لترسيخ دعائم النظام السياسي القائم‪ ،‬وتشديد قبضة‬ ‫استبداده‪ .‬لكن‪ ،‬يف معظم احلاالت ال يبدو نظام العقوبات االقتصادية‬ ‫مجديـاً للـدول التـي تلجـأ لفرضـه‪ ،‬مهما كان وضع الـدول التي تتعرض‬ ‫له ضعي ًفا ً‬ ‫وهشا‪ ،‬من الناحية االقتصادية‪ .‬هذا باإلضافة إلى أن نظام‬ ‫العقوبـات االقتصاديـة‪ ،‬مـع الوقـت قـد يزيـد مـن كفـاءة أنظمـة الـدول‬ ‫التي تتعرض له باكتشاف أو تطوير إمكانات ذاتية‪ ..‬وكذا إيجاد بدائل‬ ‫محليـة وخارجيـة‪ ،‬للتعامـل مـع املشـكلة‪ ،‬مـا كان ميكـن أن حتـدث لـوال‬ ‫املعانـاة الناجتـة عـن العقوبـات االقتصاديـة‪ ،‬خاصـ ًة‪ :‬إذا مـا كان النظام‬ ‫السياسـي القائـم يحظـى بشـعبية قويـة‪ ،‬قائمـة علـى شـرعية سياسـية‬ ‫راسـخة‪ ،‬تعكـس إرادة النـاس احلقيقية‪.‬‬ ‫أو أن تكــون الدولــة املســتهدفة مــن نظــام العقوبــات االقتصاديــة‬ ‫غنيــة ومســتقرة نســب ًيا‪ ،‬بــل وحتــى قــوة كونيــة عظمــى‪ ،‬كمــا يف حالــة‬ ‫العقوبــات االقتصاديــة التــي فرضتهــا الواليــات املتحــدة األمريكيــة‬ ‫ودول االحتــاد األوروبــي علــى روســيا االحتاديــة‪ ،‬بســبب غزوهــا‬ ‫للقــرم وحربهــا ضــد أوكرانيــا (‪ 27‬فبرايــر ‪2014‬م) أو ذلــك النــوع مــن‬ ‫العقوبــات االقتصاديــة‪ ،‬التــي مازالــت الواليــات املتحــدة ودول الغــرب‬ ‫تفرضــه علــى الصــن‪ ،‬بدعــاوى االنتصــار حلقــوق اإلنســان يف الصــن‪،‬‬ ‫التــي فرضــت عقــب أحــداث ســاحة تيانامنــن ( ‪ 15‬أبريــل ‪1989‬م )‪.‬‬ ‫وكما سـبقت اإلشـارة إليه‪ ،‬فإن الضغوط التي ُمتارس على الدول‬ ‫موضـوع العقوبـات االقتصاديـة‪ ،‬قـد ال تقـود إلـى تغييـر يف سياسـاتها‬ ‫وتوجهاتهـا‪ ،‬بقـدر مـا تقـود إلـى ترسـيخ دعائـم أنظمتهـا السياسـية‪،‬‬ ‫مهمـا كانـت قمعيـة‪ ،‬بضـخ املزيـد مـن املـوارد الفقيـرة واملتناقصـة يف‬ ‫شـريان النظـام السياسـي‪ ،‬بهـدف تعزيـز سـطوته وزيـادة فـرص بقائـه‬ ‫يف السـلطة‪ ،‬ورمبـا التمـادي يف عنـاده‪ ،‬مبـا قـد يشـكل تهديـدًا مباشـ ًرا‬ ‫وناجـزًا علـى سـالم العالـم وأمنـه‪ ،‬كمـا هـو يف حـال نظـام العقوبـات‬ ‫االقتصاديـة القاسـية املفروضـة علـى كوريـا الشـمالية‪.‬‬ ‫كذلــك‪ :‬فــإن اجلانــب األخالقــي الســلبي خليــار اللجــوء للعقوبــات‬ ‫االقتصاديــة ال يقتصــر علــى األثــر الســلبي املتمثل يف اإلضرار املباشــر‬ ‫بحيــاة الشــعوب الفقيــرة‪ ،‬التــي ُفرضــت العقوبــات االقتصاديــة علــى‬ ‫دولهــا عقا ًبــا لســلوك أنظمتهــا السياســية‪ ،‬مهمــا كانت مبــررات اللجوء‬ ‫خليــار العقوبــات االقتصاديــة مــن قبــل الــدول‪ ،‬التــي تلجــأ إليهــا‪ .‬كثيـ ًرا‬ ‫مــا يتمثــل ُف ْحـ ُ‬ ‫ـش نظــام العقوبــات االقتصاديــة مــن قبــل دول الغــرب‪،‬‬ ‫التــي تزعــم انتصارهــا لقضايــا الدميقراطيــة وحقــوق اإلنســان يف‬ ‫وازدواجــا يف املعايير يف السياســة‬ ‫العالــم‪ ،‬حيــث يعكــس نفا ًقــا سياسـ ًيا‬ ‫ً‬ ‫اخلارجيــة لتلــك الــدول الغربيــة الغنيــة‪.‬‬ ‫أنظمــة الكثيــر مــن دول الغــرب الدميقراطيــة الداخليــة‪ ،‬وخاصـةً‬ ‫الواليــات املتحــدة‪ ،‬تقضــي مبعاقبــة األنظمــة السياســية‪ ،‬التــي تــرى‬ ‫أنهــا أتــت إلــى احلكــم بطــرق غيــر دميقراطيــة‪ ،‬خاصــ ًة إذا حدثــت‬ ‫تلــك احملــاوالت بطــرق عنيفــة لتغييــر أنظمــة احلكــم يف بالدهــا‪ .‬هــذه‬

‫متابعات دولية‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪13‬‬

‫الــدول الغربيــة الغنيــة‪ ،‬التــي تزعم انتصارهــا علنًا للخيار الدميقراطي‬ ‫وتلتــزم بــأن تعمــل علــى نشــره بــن مجتمعــات العالــم‪ ،‬نراهــا ال تكتفــي‬ ‫فقــط مبخالفــة أنظمتهــا الداخليــة لتبريــر عــدم معاقبــة أنظمــة احلكم‬ ‫التــي تأتــي بالعنــف‪ ،‬بتفــادي تســمية األشــياء مبســمياتها احلقيقيــة‪،‬‬ ‫بــل قــد تكــون نفســها ضالعــة يف إحــداث التآمــر علــى برامــج التحــول‬ ‫الدميقراطــي يف كثيــر مــن مجتمعــات العالــم الثالــث‪ .‬حــدث مثــل هــذا‬ ‫يف تدخــل الواليــات املتحــدة الســافر واملباشــر‪ ،‬يف انقــالب تشــيلي‬ ‫الدمــوي ‪1973‬م‪ ،‬حيــث كشــفت وثائــق اخلارجيــة ووكالــة االســتخبارات‬ ‫األمريكيــة (ســبتمبر ‪2003‬م) بعــد مضــي فترة الســرية (ثالثــن عا ًما)‪،‬‬ ‫التــي يفرضهــا القانــون للكشــف عــن وثائــق احلكومــة األمريكيــة‬ ‫الســرية‪ ،‬الــدور الســلبي املتواطــئ لواشــنطن يف تدبيــر ذلــك االنقــالب‬ ‫العســكري الدمــوي‪ ،‬الــذي كلّــف الشــعب التشــيلي أكثــر مــن ثالثة عقود‬ ‫من احلكم القمعي املســتبد‪ ،‬بل وعرقلة مســيرة الدميقراطية نفســها‪،‬‬ ‫يف دول جنــوب الكــرة األرضيــة‪ .‬لقــد أظهــرت تلــك الوثائــق تــورط‬ ‫إدارة الرئيــس األمريكــي‪ ،‬حينهــا ريتشــارد نيكســون (‪1994- 1913‬م)‬ ‫املباشــر يف االنقــالب العســكري العنيــف‪ ،‬الــذي قــاده اجلنرال أوغســتو‬ ‫بونيشــيه (‪ )2006-1915‬علــى حكومــة الرئيــس ســلفادور أللنــدي (‪11‬‬ ‫ســبتمبر ‪1973‬م)‪ ،‬وأفضــى إلــى قتــل الرئيــس أللنــدي يف القصــر‬ ‫اجلمهــوري بالعاصمــة ســنتياغو إثــر قصفــه بالطائــرات‪ ،‬بعــد ثــالث‬ ‫ســنوات عاشــتها تشــيلي يف ظــل حكــم دميوقراطــي‪ ،‬عقــب انتخــاب‬ ‫رئيســا لتشــيلي (‪ 4‬نوفمبــر ‪1970‬م)‪.‬‬ ‫ســلفادور أللنــدي‬ ‫ً‬

‫التأثيرات العكسية المضادة للعقوبات االقتصادية‬ ‫كمــا أنــه‪ ،‬يف األمــد الطويــل قــد يثبت نظام العقوبــات االقتصادية‬ ‫كونــه عب ًئــا اقتصاد ًيــا وسياس ـ ًيا وأخالق ًيــا علــى الــدول التــي تأخــذ‬ ‫بــه‪ ،‬منــه علــى الــدول التــي هــي موضوعــه‪ ،‬خاصــ ًة إذا مــا كانــت‬ ‫تفرضــه مجموعــة مــن الــدول تتفــاوت تكلفــة فرضــه ودواعــي األخــذ‬ ‫بــه بينهــا‪ .‬كثيـ ًرا مــا تثبــت الــدول واملجتمعــات‪ ،‬التــي تتعــرض لنظــام‬ ‫العقوبــات االقتصاديــة أن نَف َ​َســها يف حتمــل عبئــه تتجــاوز توقعــات‬ ‫الــدول التــي تلجــأ إليــه‪ ،‬رغــم شــدة وطأتــه عليهــا‪ ،‬خاصــ ًة إذا مــا‬ ‫كانــت أنظمتهــا السياســية حتظــى بشــرعية سياســية عنــد شــعوبها‪..‬‬ ‫أو تواجــه الــدول‪ ،‬التــي تفــرض نظــام العقوبــات االقتصاديــة‪ ،‬نفــو ًرا‬ ‫أو عــدم تعاطــف إقليمــي أو دولــي مــع القضايــا التــي تزعــم تبريــر‬ ‫جلوئهــا لنظــام العقوبــات االقتصاديــة خلدمتهــا‪ .‬مــع الوقــت‪ ،‬ليــس‬ ‫فقــط التعــب وامللــل والشــعور بارتفــاع تكلفــة اللجــوء خليــار العقوبــات‬ ‫ميكــن أن يصيــب الــدول التــي تفــرض العقوبــات االقتصاديــة‬ ‫ومؤيديهــا‪ ،‬بــل ً‬ ‫أيضــا قــد يحملهــا اليــأس مــن تأخــر جنــي عائــد‬ ‫االســتمرار يف خيــار العقوبــات االقتصاديــة إلــى اللجــوء إلــى وســائل‬ ‫أكثــر عن ًفــا و"دراماتيكيــة" مثــل احلــرب‪ ،‬فتــزداد بذلــك تكلفــة إدارة‬ ‫الصــراع والدخــول إلــى منطقــة أكثــر خطــورة وأقــل توق ًعــا بنتائجهــا‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫متابعات دولية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫العصــا والجــزرة ‪ ..‬ضــارة بالشــعوب وفــي خدمــة األنظمــة التــي تخضــع للعقــاب‬

‫الـعـقـوبــ ــات االقـتـصـاديـ ــة الـدولـيـ ــة ‪..‬‬ ‫تـكـلـفـتـهـ ــا وجـدواهـ ــا‬ ‫مــن أهــم أدوات السياســة اخلارجيــة‪ ،‬ألي دولــة مــن الــدول (األداة االقتصاديــة)‪ ،‬حيــث تقــع يف منطقــة وســط بــن األداة‬ ‫الدبلوماســية واألداة العســكرية‪ ،‬يف الوقــت الــذي تخــدم فيــه األداة االقتصاديــة الدبلوماســية‪ ،‬إال أنهــا ال تســتبعد متا ًمــا‬ ‫العمــل العســكري‪ ..‬وإن كانــت كلتــا األداتــان (االقتصاديــة والعســكرية) تعــدان امتــدا ًدا حلركــة األداة الدبلوماســية‪ ،‬لكــن‬ ‫بوســائل متقابلــة‪ ..‬وبتكلفــة متفاوتــة‪ ..‬وبعائــد مختلــف‪ ،‬وكــذا بتوقعــات متضاربــة النتائــج‪.‬‬

‫د‪ .‬طالل صالح بنّان‬

‫المعونات االقتصادية والعقوبات االقتصادية‬

‫تكلفة العقوبات االقتصادية األخالقية‬

‫كثيــ ًرا مــا تلجــأ الــدول خليــار األداة االقتصاديــة يف محاولتهــا‬ ‫خدمــة مصاحلهــا الوطنيــة‪ ،‬ودع ًمــا ألمنهــا القومــي‪ .‬الــدول‪ ،‬وخاصـ ًة‬ ‫الغنيــة منهــا‪ ،‬تلجــأ لنظــام املعونــات االقتصاديــة مبثابــة "اجلــزرة"‪،‬‬ ‫احتياجــا لهــا‪ ،‬مــن أجــل دعــم األخيــرة‬ ‫التــي جتــذب الــدول األكثــر‬ ‫ً‬ ‫السياســي وتعاطفهــا مــع القضايــا‪ ،‬التــي تتصــدى لهــا الــدول املانحــة‬ ‫للمعونــات االقتصاديــة‪ ،‬علــى املســتوين اإلقليمــي والدولــي‪ً .‬‬ ‫أيضــا‪:‬‬ ‫نفــس األداة تســتخدم ســلب ًيا كـــ "العصــاة" للتأثيــر علــى ســلوك الــدول‬ ‫األخــرى لتتوافــق مــع مصالــح وأمــن الدولــة أو الــدول‪ ،‬التــي تلجــأ‬ ‫لنظــام العقوبــات أو املقاطعــة االقتصاديــة‪ .‬يف كلتــا احلالتــن تتفــاوت‬ ‫عوائــد وتكلفــة اللجــوء لــأداة االقتصاديــة‪ ،‬بتفــاوت القضايــا التــي‬ ‫تُســتخدم مــن أجلهــا‪ ..‬وكــذا بتفــاوت حاجــة ومكانــة الــدول موضــوع‬ ‫نظــام العقوبــات االقتصاديــة‪.‬‬ ‫يف كل األحـوال‪ :‬نظـام العقوبـات االقتصاديـة‪ ،‬أشـد قسـوة وتكلفـة‬ ‫علـى طـريف الصـراع‪ ،‬كمـا أنه بالنسـبة لأطراف التي تتعرض له أشـد‬ ‫تسـامحا‪ ،‬رمبـا يف بعـض األحيـان‪ ،‬تفـوق تصميـم وإرادة‬ ‫مقاومـ ًة وأقـل‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫املقاط َعة‪ ،‬التي تلجأ خليار العقوبات االقتصادية‪ ..‬وأحيا ًنا‪ :‬قد‬ ‫الدول‬ ‫فرض‬ ‫يُعـد‪ ،‬اللجـوء خليـار العقوبات االقتصاديـة‪ ،‬من قبل الدول التي يُ ُ‬ ‫عليها‪ ،‬عدوا ًنا يرقى ملستوى التهديد باحلرب‪ .‬باإلضافة إلى أن العائد‬ ‫علـى الـدول‪ ،‬التـي تلجأ إلى خيـار العقوبات االقتصادية‪ ،‬غير مضمون‬ ‫ومـن الصعـب توقعـه‪ ،‬يف غالـب األحـوال‪ ،‬خاصـ ًة‪ :‬إذا مـا طـال أمـد‬ ‫العقوبات االقتصادية‪ ،‬وجنحت األطراف الدولية املستهدفة منه‪ ،‬على‬ ‫جتـاوز أو حتمـل تبعاتـه‪ ،‬ولـم يلق تعاو ًنا إقليم ًيـا ودول ًيا إلحكام فرضه‪.‬‬

‫األخطــر‪ :‬يف قــرار اللجــوء إلــى نظــام العقوبــات االقتصاديــة‪،‬‬ ‫ذلــك البعــد األخالقــي الــذي يطــال جوانــب إنســانية‪ ،‬كان يجــب علــى‬ ‫طــريف الصــراع‪ ،‬خاص ـ ًة‪ :‬تلــك األطــراف التــي تلجــأ خليــار املقاطعــة‬ ‫والعقوبــات االقتصاديــة‪ ،‬عــدم إقحامهــا واملجازفــة باألخــذ بخيارهــا‬ ‫مــآس إنســانية نتيجــة‬ ‫يف معمعــة اخلــالف بينهــا‪ .‬كثيــ ًرا مــا تتولــد‬ ‫ٍ‬ ‫لفــرض العقوبــات االقتصاديــة علــى دول هــي يف األســاس تعانــي مــن‬ ‫مشــاكل اقتصاديــة وسياســية واجتماعيــة مزمنــة‪ ،‬ويف أمــس احلاجــة‬ ‫للمعونــة االقتصاديــة‪ ،‬مــن أن تتعــرض للعقوبــات االقتصاديــة‪ ،‬ألســباب‬ ‫ودواع سياســية‪ ،‬هــي يف كثيــر مــن األحيــان‪ ،‬متــس قضايــا الســيادة‬ ‫ٍ‬ ‫جتــاوز علــى‬ ‫مــروق أو‬ ‫احلساســة‪ ،‬أكثــر مــن اعتبارهــا عقوبــة علــى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫قيــم النظــام الدولــي املرعيــة‪ ..‬أو ملواجهــة سـ ٍ‬ ‫ـلوك مــن شــأنه أن يخــل‬ ‫باســتقرار العالــم وأمنــه‪ ،‬كمــا حتــاول الدول التي تلجــأ خليار العقوبات‬ ‫االقتصاديــة تصويرهــا‪ ،‬أو حتــى اختالقهــا‪ ،‬مــن أجــل تبريــر األخــذ‬ ‫بخيــار العقوبــات االقتصاديــة إلدارة أهــداف سياســتها اخلارجيــة‪.‬‬ ‫يف املقابـل‪ :‬وامتـدا ًدا لهـذا البعـد اإلنسـاني واألخالقـي السـلبي‬ ‫خليـار العقوبـات االقتصاديـة‪ ،‬فـإن الكثيـر مـن الـدول‪ ،‬التـي تتعـرض‬ ‫ألنظمة العقوبات االقتصادية‪ ،‬يهمها اسـتقرار أنظمتها السياسـية‪ ،‬وال‬ ‫تلتفت لآلثار السلبية الستمرار العقوبات االقتصادية على شعوبها‪ .‬يف‬ ‫هـذه احلـاالت‪ :‬تتغلـب شـعارات احلفـاظ علـى السـيادة‪ ..‬وبقـاء الدولة‪،‬‬ ‫واسـتقالل قرارهـا السياسـي‪ ،‬ولـو مـن بـاب املزايـدة السياسـية‪ ،‬علـى‬ ‫مـدى فاعليـة النظـام السياسـي وكفاءتـه يف أداء وظائفه والقيام بأعباء‬ ‫مسـؤولياته‪ ،‬ومـن ثَـ ّم محاولة تسـخير موارد الدولة احملـدودة والفقيرة‪،‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫متابعات دولية‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪11‬‬

‫واش ــنطن ليس ــت مس ــتعدة أن تق ــدم مس ــاعدات وتك ــون ثان ــي‬ ‫أو ثالـــث مســـتفيد حتـــى ولـــو كان ذلـــك معـــز ًزا قيادتهـــا للعالـــم‬ ‫ثانيا‪ :‬إن الواليات املتحدة األمريكية مستعدة للتخلي عن قيادة العالم يف‬ ‫ً‬ ‫تلك املنظمات أو االتفاقيات مقابل أنها تعزز من مصلحتها الداخلية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثالثــا‪ :‬ترك الواليــات املتحــدة للمنظمــات الدوليــة واالنســحاب منهــا‬ ‫ومــن املعاهــدات الدوليــة يخلــق فــراغ قيــادي للعالــم وهــذا قــد يســبب‬ ‫عــدم اســتقرار للبنيــة الدوليــة ومؤسســات النظــام الدولــي‪.‬‬ ‫رابعــا‪ :‬إن الواليــات املتحــدة ليســت مســتعدة أن تســاعد أو تقــدم‬ ‫ً‬ ‫للنظــام الدولــي مســاعدات تكــون هــي ثانــي أو ثالــث مســتفيد‪ ،‬حتــى‬ ‫ولــو كان ذلــك معــززًا لقيادتهــا العالــم‪ ،‬فاحلســابات اآلن واألولويــات‬ ‫أصبحــت مختلفــة لديهــا عــن ذي قبــل‪.‬‬ ‫وهنا يطرح سؤال كذلك ماهي تبعات ذلك االنسحاب‪:‬‬ ‫هنالــك تبعــات قانونيــة وسياســية وإداريــة وماليــة للمنظمــات‬ ‫والــدول‪ ،‬ألن الواليــات األمريكيــة املتحــدة تعتبــر مــن أهــم املســاهمن‬ ‫يف املنظمــات الدوليــة‪ .‬ســتعاني املنظمــة بالتأكيــد مــن الدعــم املالــي‬ ‫كــون الواليــات املتحــدة مــن املســاهمن املهمــن‪ ،‬وبالتالــي ســيتعن علــى‬ ‫املنظمــة‪ ،‬رفــع قيمــة املســاهمة للــدول وطلــب دعــم مــن الــدول املانحــة‬ ‫وكذلــك البحــث عــن أســاليب جديــدة للتمويــل‪ .‬وتعــد هــذه النقطــة مــن‬ ‫خصوصــا األمم املتحــدة‪ ،‬واليونســكو‬ ‫املآخــذ علــى املنظمــات الدوليــة‬ ‫ً‬ ‫حيــث لــم تطــور طــرق لتمويلهــا‪ ،‬واعتمــدت علــى دعــم الــدول ممــا عــزز‬ ‫يف تدخــل الــدول الداعمــة يف أجنــدات تلــك املنظمــات‪.‬‬ ‫مــن التبعــات كذلــك علــى هــذا االنســحاب تعزيــز حركــة ‪BDS‬‬ ‫وهــي حركــة تهــدف إلــى املقاطعــة إلســرائيل‪ ،‬وســحب االســتثمارات‪،‬‬

‫وإيقــاع العقوبــات يقودهــا الفلســطينيون مــن أجــل احلريــة والعدالــة‬ ‫واملســاواة‪ .‬وتدعــم املبــدأ البســيط الــذي مفــاده أن الفلســطينين‬ ‫يحــق لهــم التمتــع بنفــس احلقــوق التــي يتمتــع بهــا بقيــة البشــر‪،‬‬ ‫وذلــك التعزيــز ينتــج أن تبــن هــذه احلركــة الظلــم الــذي تتعــرض‬ ‫لــه فلســطن والضغــط الدولــي املمثــل بانســحاب الواليــات املتحــدة‪،‬‬ ‫ادعــاء مــن األخيــرة أن املنظمــة متحيــزة ضــد إســرائيل‪.‬‬

‫ختا ًما‪:‬‬ ‫ينبغـي اإلشـارة إلـى أن األمنـاط املتتاليـة للسياسـة اخلارجيـة‬ ‫األمريكيـة والتغييـرات الدوليـة احلاصلة اليوم‪ ،‬تتجه مبا ال يدع مجاالً‬ ‫للشـك أننـا اآلن يف مرحلـة انهيـار ألجـزاء مـن النظـام الدولـي احلالي‪،‬‬ ‫وإقامـة نظـام أو أنظمـة دوليـة جديـدة‪ ،‬وتلـك العمليـة ستسـتغرق وقتًـا‬ ‫بالتأكيـد‪ ،‬لكنهـا تأتـي يف عمليـة االنسـحاب مـن املنظمـات واملعاهدات‬ ‫الدوليـة ممـا يعطـي بقيـة الالعبـن الدوليـن فرصـة لبسـط نفـوذ مـن‬ ‫ناحية‪ ،‬واسـتمرار يف تردي الثقة باملؤسسـات الدولية‪ ،‬ثم بزوغ أنظمة‬ ‫حتالفات أو منظمات أخرى مبنية على أسس مشتركة جديدة‪ ،‬وتعزز‬ ‫املصالـح املتغيـرة للـدول‪ .‬ال شـك أن هـذه التغيـرات هـي معـزز كذلـك‬ ‫ملثـل تلـك املنظمـات واملجتمع الدولي للمراجعة والنقد الذاتي من أجل‬ ‫التكيـف مـع التغيـرات الدوليـة احلاصلـة يف وقتنـا احلاضـر‪.‬‬ ‫* أﺳﺘﺎذ ﺑﻜﻠﻴﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻻﺳﱰاﺗﻴﺠﻴﺔ ـ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻧﺎﻳﻒ ﻟﻠﻌﻠﻮم اﻷﻣﻨﻴﺔ‬

‫‪10‬‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫متابعات دولية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أمريكا مستعدة للتخلي عن قيادة املنظمات مقابل تعزيز مصالحها الداخلية‬

‫انس ــحاب أمري ــكا م ــن اليونس ــكو‪ :‬مالم ــح‬ ‫انهي ــار النظ ــام ال ــدويل القائ ــم‬ ‫هــل املنظمــات الدوليــة مــا زالــت محــط ثقــة عامليــة؟ هــل املعاهــدات الدوليــة يف حالــة إعــادة مراجعــة أوإلغــاء؟ هــل نعيــش‬ ‫الي ــوم يف حال ــة م ــن إع ــداد تصمي ــم النظ ــام الدول ــي وهيكليات ــه ومؤسس ــاته؟ تب ــرز اآلن دوال جدي ــدة‪ ،‬وتفن ــى دول أخ ــرى‪،‬‬ ‫وتوق ــع معاه ــدات‪ ،‬ويت ــم االنس ــحاب م ــن معاه ــدات ومنظم ــات مختلف ــة؟ مل ــاذا مث ــل ه ــذه االنس ــحابات؟ وأي دور نتح ــدث‬ ‫عن ــه للوالي ــات املتح ــدة األمريكي ــة لقي ــادة العال ــم يف ظ ــل تل ــك االنس ــحابات؟‬

‫د‪ .‬يحيى بن مفرح الزهراني‬ ‫تختلـف املنظمـات الدوليـة وتتنـوع يف وقتنـا احلاضـر مـن حيـث‬ ‫األهمية واالختصــاصات وعـــدد األعـضــاء ولـكــن من حيث الشخصية‬ ‫الدوليـة والسـابق تعريفهـا بأنهـا‪" :‬مقـدرة هيـأة معينـة ذات صالحيـة‬ ‫مسـتقلة للقيـام باألعمـال يف املجـال الدولـي وأهليـة اكتسـاب احلقـوق‬ ‫وااللتزام بالواجبات واحملافظة عليها برفع الدعاوى الدولة"‪ ،‬فقد استقر‬ ‫الفقه الدولي على أن الدولة هي وحدها التي تتمتع ومتلك الشخصية‬ ‫الدوليـة وثـار جـدل حـول اكتسـاب املنظمـة الدولية للشـخصية الدولية‪.‬‬ ‫منـذ عـام ‪1945‬م‪ ،‬واملنظمـات الدوليـة تأخـذ حيزًا كبيـ ًرا يف النظام‬ ‫الدولـي مـن حيـث شـخصيتها الدوليـة‪ ،‬ودخـول التعاقـدات مـع الـدول‬ ‫والتأثيـر داخـل الدولـة وبـن الـدول‪ ،‬ومع التطـور والتعقيد الذي صاحب‬ ‫النظـام الدولـي‪ .‬أصبحـت بعض املواد اخلاصة باملواثيق الدولية عرضة‬ ‫نوعـا مـن االزدواجيـة‬ ‫للتفسـير الشـخصي مـن قبـل الـدول ممـا أضفـى ً‬ ‫بالتعامل يف قضايا مختلفة‪ ،‬ناهيك عن نقص بعض الهياكل التنظيمية‬ ‫األمميـة مـن جهـة‪ ،‬وباملقابـل انتفـاء احلاجـة إلى هيـاكل موجودة‪.‬‬ ‫أعلنـت الواليـات املتحـدة األمريكيـة مؤخـ ًرا انهـا ستنسـحب‬ ‫مـع نهايـة العـام ‪2018‬م‪ ،‬مـن منظمـة األمم املتحـدة للتربيـة والعلـم‬ ‫والثقافة‪،‬ويأتي هذا االنسـحاب "الثاني" بعد االنسـحاب الذي أعلنته‬ ‫الواليـات املتحـدة عـام ‪1984‬م‪ ،‬وال ميكـن إغفـال السـياق اخلـاص‬ ‫باالنسـحاب األول والـذي كان متعل ًقـا باملـد الشـيوعي الـذي ادعتـه‬ ‫الواليـات املتحـدة آنـذاك‪ ،‬ومـع سـياق اليـوم يف املنظمـة التـي تشـهد‬ ‫تنافسـا علـى مقعـد رئاسـتها مـن ناحيـة‪ ،‬و تشـهد كذلـك‬ ‫مؤخـ ًرا‬ ‫ً‬ ‫مكاسـب علـى الصعيـد الفلسـطيني ً‬ ‫أيضـا‪ ،‬وكذلـك سـياق رئيـس‬ ‫أمريكـي يضـع مصلحـة الواليـات املتحـدة الداخليـة قبـل كل شـيء‪،‬‬

‫األمـر الـذي أكـده مـرا ًرا و تكـرا ًرا الرئيـس األمريكـي دونالـد ترامـب‪،‬‬ ‫ال سـيما يف خطابـه األخيـر يف األمم املتحـدة يف نيويـورك‪.‬‬ ‫تبــرر الواليــات املتحــدة انســحابها بــأن املنظمــة متحيــزة ضــد‬ ‫إســرائيل‪ ،‬وكانــت أمريــكا متــول هــذه املنظمــة مبقــدار ‪ %22‬مــن‬ ‫ميزانيتهــا الســنوية لكنهــا أوقفــت ذلــك يف عــام ‪2011‬م‪ ،‬بعــد قبــول‬ ‫فلســطن كعضــو يف املنظمــة‪.‬‬ ‫بال شك إن اليونسكو من ناحية أخرى بحكم وجودها يف فرنسا‪،‬‬ ‫وعضويـة حوالـي ‪ 195‬دولـة فيهـا‪ ،‬قـد يجعـل دوال أخـرى مثـل فرنسـا‬ ‫أو جماعـات الضغـط املختلفـة تشـارك الواليـات املتحـدة التأثيـر بهـا‪،‬‬ ‫وهـذا ليـس احلـال يف نيويـورك مثـال وتأثيـر أمريـكا يف األمم املتحـدة‬ ‫أو مجلـس األمـن الواقـع علـى أراضيهـا‪ .‬لكـن السـؤال األهـم هنـا عـن‬ ‫النمـط الـذي بـدأت الواليـات املتحـدة اتخـاذه‪ ،‬والـذي سـبق قبـل هـذا‬ ‫االنسـحاب مثـال االنسـحاب مـن اتفاقيـة باريـس للمنـاخ والـذي يتيـح‬ ‫ألمريكا االسـتفادة من فرص اقتصادية داخل ًيا‪ ،‬لكنه بالتأكيد سـيعقد‬ ‫خصوصـا وأن الواليـات املتحـدة تعتبـر‬ ‫العمـل علـى القضايـا البيئيـة‬ ‫ً‬ ‫مسـؤولة عـن ‪ %15‬مـن االنبعاثـات الكربونيـة العامليـة‪.‬‬ ‫ذل ــك النم ــط م ــن االنس ــحابات م ــن املنظم ــات الدولي ــة يفض ــي إل ــى‬ ‫نتائ ــج هام ــة‪:‬‬ ‫أو ًال‪ :‬إن الواليــات املتحــدة نفســها ال تثــق بالنظــام الدولــي ومؤسســاته‬ ‫ومعاهداتــه وأن بعــض املعاهــدات الدوليــة أو املنظمــات الدوليــة ال‬ ‫متثــل مصلحــة للواليــات املتحــدة‪ ،‬وقــد يكــون االســتمرار يف تلــك‬ ‫املنظمــات أو املعاهــدات خســارة ألمريــكا‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ودعــا امللــك ســلمان رجــال األعمــال الروس لالســتثمار يف اململكة‬ ‫التــي اعتمــدت خطــة عريضــة للتنميــة حتــت عنــوان رؤيــة اململكــة‬ ‫‪ 2030‬مــن أجــل النهــوض باالقتصــاد الوطنــي وحتريــره مــن االعتمــاد‬ ‫علــى النفــط مصــد ًرا وحيــدًا ومتثــل خارطــة وأهــداف اململكــة يف‬ ‫التنميــة للســنوات القادمــة التــي تهــدف علــى تنويــع االقتصــاد بعيـدًا‬ ‫عــن النفــط مبــا يعمــق مــن أثــر ودور اململكــة إقليم ًيــا وعامل ًيــا‪.‬‬ ‫ومت تتويــج الزيــارة بحزمــة مــن صفقــات ضخمــة تشــمل عقــو ًدا‬ ‫لشــراء الريــاض أنظمــة اس ‪ 400‬الروســية‪ ،‬إضافــة إلــى تصنيعهــا‬ ‫يف الســعودية‪ ،‬وشــراء أنظمــة مضــادة للــدروع مــن نــوع كورنــت أي ام‬ ‫وقاذفــات صاروخيــة مــن نــوع تــوس ‪ 1-‬أي وقاذفــات قنابــل يدويــة‬ ‫أي جــي اس ‪ 30-‬ورشاشــات كالشــنيكوف مــن نــوع‬ ‫أي كــي ‪.103-‬‬ ‫ويتجــه البلــدان إلــى تأســيس صندوقــي اســتثمار‬ ‫يف مجالــي الطاقــة والتكنولوجيــا حيــث مت توقيــع ‪15‬‬ ‫عقــدًا تبلــغ قيمتهــا مليــارات الــدوالرات‪ ،‬وشــملت‬ ‫حزمــة اتفاقيــات عســكرية ومذكــرات تفاهــم وتعــاون‬ ‫اقتصــادي مــن بينهــا تأســيس صنــدوق بقيمــة مليــار‬ ‫دوالر لالســتثمار يف مجــال التكنولوجيــا وآخــر ميثــل‬ ‫القيمــة نفســها لالســتثمار يف مشــاريع الطاقــة‪،‬‬ ‫ويشــدد منتــدى االســتثمار السعودي‪-‬الروســي علــى‬ ‫رفــع مســتوى الشــراكة يف كل املجــاالت وأعلــن عــن انطــالق ‪25‬‬ ‫ـروعا مشــتر ًكا‪.‬‬ ‫مشـ ً‬ ‫كمــا وقــع البلــدان مذكــرة تفاهــم لتوطــن صناعــة أســلحة نوعيــة‬ ‫ومتقدمــة يف اململكــة التــي تقــوم بــدور محــوري يف منــو وتطويــر‬ ‫قطــاع األنظمــة العســكرية‪ ،‬حيــث أعلنــت شــركة درمــك للتطويــر عــن‬ ‫إنشــاء أكبــر مدينــة صناعيــة عامليــة يف اململكــة قائمــة علــى اإلبــداع‬ ‫واالبتــكار‪ ،‬حيــث تركــز الســعودية علــى أهميــة تبنــي األفــكار التــي‬ ‫مــن شــأنها أن حتــول االبتــكارات إلــى منتجــات حتقــق عوائــد مغريــة‪،‬‬ ‫وتســتهدف منظومــة الطاقــة والصناعــة والثــروة املعدنيــة‪ ،‬والطاقــة‬ ‫الذريــة الســلمية وتطويــر املالحــة باألقمــار الصناعيــة وغيرهــا‪.‬‬ ‫تزامــن عقــد القمــة بــن امللــك ســلمان وبوتــن انطــالق منتــدى‬ ‫االســتثمار الســعودي ـ الروســي مبشــاركة ‪ 200‬شــركة مــن الدولتــن‬ ‫بهــدف جتــاوز العقبــات والعراقيــل البيروقراطيــة رغــم ذلــك تبقــى‬ ‫تلــك االتفاقــات املوقعــة مــع روســيا أدنــى مــن تلــك التــي وقعــت مــع‬ ‫الواليــات املتحــدة يف مايــو ‪2017‬م‪ ،‬حيــث وقعــت شــراء أســلحة بقيمــة‬ ‫‪ 110‬مليــار دوالر شــملت خمــس محــاور هــي أمــن احلــدود ومكافحــة‬ ‫اإلرهــاب واألمــن البحــري والســاحلي وحتديــث القــوات اجلويــة‬ ‫والدفــاع اجلــوي والصاروخــي وحتديــث أمــن االتصــاالت‪.‬‬ ‫كمــا أثمــرت تلــك الزيــارة عــن موافقــة واشــنطن علــى بيــع‬ ‫الســعودية نظــام ثــاد الصاروخــي الدفاعــي التــي تبلــغ قيمتهــا ‪15‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪9‬‬

‫مليــار دوالر وأعلنــت أمريــكا أنهــا لــن تغيــر التــوازن العســكري‬ ‫األساســي يف املنطقــة‪ ،‬واعتبــرت املوافقــة علــى بيــع نظــام ثــاد‬ ‫الصاروخــي للســعودية يصــب يف دعــم األمــن طويــل األمــد للمملكــة‬ ‫ومنطقــة اخلليــج يف مواجهــة إيــران‪.‬‬ ‫لم تفعل الســعودية ســوى أنها شــجعت شــري ًكا حترص عليه‪ ،‬وهي‬ ‫بذلــك تعتــرف بروســيا باعتبارهــا فاع ـ ً‬ ‫ال مه ًمــا يف املنطقــة‪ ،‬وكذلــك‬ ‫روســيا تــدرك أهميــة موقــع اململكــة‪ ،‬وتؤمــن بأهميــة الــدور الســعودي‬ ‫يف حتقيــق األمــن يف املنطقــة‪ ،‬وروســيا حتتــاج للســعودية يف ســوريا رغم‬ ‫أنهــا متيــل ألمريــكا لكــن أمريــكا لديهــا أجنــدات فهــي اســتخدمت ورقــة‬ ‫االســتفتاء الكردســتاني مــن أجــل ممــر كــردي إلــى البحــر املتوســط مــن‬ ‫أجــل وقــف املمــر اإليرانــي‪ ،‬وهــي تريــد توريــط روســيا‬ ‫يف ســوريا رغــم ذلــك ال ميكــن أن ينجــح أي حل سياســي‬ ‫يف ســوريا دون موافقــة أمريــكا لذلــك تعتبــر الســعودية‬ ‫وسـ ً‬ ‫ـيطا فاعـ ً‬ ‫ال بــن الطرفــن لدفــع التســوية السياســية‬ ‫يف ســوريا بعــد حتقــق وقــف املمــر الكــردي لصالح تركيا‬ ‫ووقــف املمــر اإليرانــي لصالــح دول املنطقــة ممــا يفــرض‬ ‫علــى روســيا جلــم أطــراف النــزاع لتحقيــق معادلــة‬ ‫التســوية يف ســوريا ويف املنطقــة‪.‬‬ ‫الريــاض وموســكو دولتــان كل منهمــا نــد لآلخــر‬ ‫وهمــا دولتــان ناضجتــان لــن يرضخــا ألي أيديولوجيــا‪،‬‬ ‫ويجــب أن حتمــل تلــك العالقــات الثنائيــة طاب ًعــا مســتق ًرا‪ ،‬وأال تكــون‬ ‫عرضــة أو رهينــة للنزاعــات واألزمــات التــي تنشــأ يف منطقــة الشــرق‬ ‫خصوصــا بعدمــا تطــورت العالقــات بشــكل‬ ‫األوســط املضطربــة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫خصوصــا وأن‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫املتبادل‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫الثق‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫تول‬ ‫ـدأت‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫والت‬ ‫ســريع ملفــت لالنتبــاه‬ ‫ً‬ ‫مصالــح البلديــن تتقاطــع حــول أهــم القضايــا يف املنطقــة‪ .‬مــا يعني أنه‬ ‫حان الوقت لرفع مســتوى الشــراكات الســعودية ‪ -‬الروســية وتوســيعها‬ ‫تتويجــا للزخــم‬ ‫وتفعيلهــا وتعتبــر زيــارة امللــك ســلمان األولــى لروســيا‬ ‫ً‬ ‫الكبيــر للعالقــات الســعودية ‪ -‬الروســية خــالل العامــن املاضيــن‪.‬‬ ‫مثــل تلــك الزيــارات يزيــد مــن فــرص جنــاح رؤيــة اململكــة‬ ‫‪ 2030‬الطموحــة التــي تســعى نحــو التنــوع االقتصــادي واالنتقــال‬ ‫إلــى االقتصــاد املعــريف والتركيــز علــى متكــن القطــاع اخلــاص مــن‬ ‫قيــادة التوســع االقتصــادي واتخــاذ العلــوم والتقنيــة واالبتــكار وريــادة‬ ‫أسســا القتصادنــا املســتقبلي لبنــاء مســتقبل أكثــر إشــرا ًقا‪.‬‬ ‫األعمــال‬ ‫ً‬ ‫وتهــدف الســعودية االســتفادة مــن اخلبــرات الروســية يف مجــال‬ ‫صناعــة األملنيــوم والصناعــات اإللكترونيــة وصناعــة القطــارات‬ ‫خصوصــا وأن الســعودية تتمتــع بعــدد مــن‬ ‫والســكك احلديديــة‬ ‫ً‬ ‫الركائــز االقتصاديــة التــي تســعى اململكــة إلــى ترســيخ مكانتهــا‬ ‫كقطــب مــن أقطــاب االقتصــاد والتنميــة عامل ًيــا‪.‬‬

‫الســعودية وروســيا‬ ‫دولتان كل منهما ند لآلخر‬ ‫ناضجتان ولن يرضخا ألي‬ ‫أيديولوجيا ويجب أن تكون‬ ‫العالقات الثنائية مستقرة‬

‫* أﺳﺘﺎذ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ أم اﻟﻘﺮى ـ ﻣﻜﺔ اﳌﻜﺮﻣﺔ‬

‫‪8‬‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫التــي مكنــت إيــران مــن التوغــل يف املنطقــة العربيــة ولــم تعــد تثــق‬ ‫الســعودية يف مخططــات الواليــات املتحــدة رغــم أنهــا ال تســتطيع أن‬ ‫تســتغني عنهــا لكنهــا تبحــث عــن خيــارات أخــرى لتغطيــة هــذا العجــز‪.‬‬ ‫وكيــف جنحــت أوبــك بقيــادة الســعودية مــرة أخــرى لدورهــا املعتاد‬ ‫يف الســوق بعــد التنســيق مــع روســيا‪ ،‬حيــث اقتنعــت روســيا بنصيحــة‬ ‫الســعودية بأن منو مســتدام ألســعار النفط مرهون بإجراءات إضافية‬ ‫مــن املنتجــن بعــد تقليــص مليــون وثمامنائــة ألــف برميــل يوم ًيــا‪.‬‬ ‫هــذا التفاهــم بــن الســعودية وروســيا أوجــد ثقــة بــن الطرفــن‬ ‫وظهــرت هنــاك فــرص تعــاون جديــدة لتطويــر العالقات بــن الطرفن‬ ‫يف العديــد مــن امللفــات‪ ،‬وبشــكل خــاص امللــف الســوري حيــث ترغــب‬ ‫روســيا يف احلصــول علــى ســوريا املفيــدة لهــا ولــن تقبــل موســكو بــأن‬ ‫تصبــح ســوريا مفيــدة إليــران فقــط‪ ،‬وهــو مــا جعــل ترامــب يشــيد‬ ‫بــذكاء بوتــن ممــا أثــار حفيظــة احلزبــن الدميقراطــي واجلمهــوري‪.‬‬ ‫وبــدأ هنــاك تضــارب أجنــدات بــن روســيا وإيــران مــن جهــة وبــن‬ ‫إيــران وتركيــا مــن جهــة أخــرى‪ ،‬مــا جعــل مستشــار خامنئــي يعلــن أن‬ ‫حــزب اهلل لــن يخــرج مــن ســوريا‪ ،‬وبــدأت تركيــا تتهــم دوال ومجموعــات‬ ‫مبحاولــة عرقلــة وقــف إطــالق النــار يف ســوريا‪ ،‬وهــو مــا جنــد أن هناك‬ ‫إرهــاب يف إيــران وتركيــا وألول مــرة هنــاك تفجيران يســتهدفان أنابيب‬ ‫ثانــي أكبــر حقــول النفــط اإليرانيــة ؛ ينقــل ‪ 500‬ألــف برميــل يوم ًيــا‬ ‫تبنــاه النضــال العربــي لتحريــر األحــواز‪ ،‬بينمــا يف تركيــا إلضعــاف‬ ‫دورهــا وإشــغالها حتــى تخفــف مــن مطالبهــا مــن جهــة األكــراد التابعن‬ ‫للواليــات املتحــدة والســماح إليــران باحلصــول علــى نفــوذ أســوة‬ ‫بروســيا أي تقســيم ســوريا ولكــن روســيا تــدرك مطالــب الســعودية‪.‬‬ ‫لذلــك بــدأت إيــران بتخريــب املبــادرة الروســية ‪ -‬التركيــة لتكــرار‬ ‫التجربــة األفغانيــة إذا لــم تنضــم واشــنطن إلــى تلــك االتفاقيــة التــي‬ ‫ترفــض املســاس باألكــراد فــإن االتفاقيــة ســتصبح بيــد إيــران تتالعب‬ ‫بهــا‪ ،‬ومنــذ ســقوط حلــب روج حــزب اهلل واملليشــيات األخــرى التــي‬ ‫تقاتــل إلــى جانــب النظــام بــأن الوجهــة املقبلــة هــي إدلــب لكنهــم‬ ‫تفاجــؤوا باالتفــاق بــن روســيا وتركيــا وفــرض هــذا االتفــاق علــى‬ ‫إيــران وحــزب اهلل رغــم أن روســيا ضمــت تركيــا وإيــران كضامنــن‬ ‫لالتفــاق‪ ،‬لكــن إيــران لــن تستســلم ملثــل هــذا االتفــاق الــذي يحرمهــا‬ ‫مــن التغييــر الدميوغــرايف الــذي متارســه منــذ فتــرة طويلــة لتحقيــق‬ ‫النفــوذ الــذي رســمته‪.‬‬ ‫هــذا االتفــاق يحرمهــا مــن مخططهــا‪ ،‬لذلــك هي ترفض إشــراك‬ ‫الســعودية يف مفاوضــات اآلســتانة‪ ،‬بينمــا اعتبــر الــروس مشــاركة‬ ‫الســعودية مفصليــة‪ ،‬وهــي تهــدف فقــط القضــاء علــى املعارضــة‬ ‫املســلحة املدعومــة مــن دول اخلليــج وتركيــا والقضــاء علــى الثــورة‬ ‫بشــكل كامــل وتــام‪ ،‬وفوجئــت إيــران بــأن املعارضــة التــي مت ترحيلهــا‬ ‫بضمانــة روســية إلــى إدلــب مــن أجــل القضــاء عليهــا يف إدلــب باقيــة‬ ‫بحكــم اتفــاق وقــف إطــالق النــار الشــامل يف ســوريا ممــا أربكهــا‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫واختلطــت لديهــا األوراق وحتــى األولويــات وهــي قلقــة مــن خســارة‬ ‫أمريــكا وقــد تخســر حتــى روســيا‪.‬‬ ‫مفاوضـات األسـتانة حتظـى مبشـاركة محـدودة مـن األمم املتحدة‪،‬‬ ‫حتـى ال حتظـى بشـرعية دوليـة وتشـكيك مـن قبـل األطـراف الدوليـة‬ ‫خصوصـا أملانيـا وفرنسـا‪ ،‬ولكـن هـل ينجـح الـدور الروسـي رغـم أنـه‬ ‫ً‬ ‫حصـل علـى موافقـة مـن مجلـس األمـن؟‪ ،‬وهل تنجح روسـيا يف الضغط‬ ‫علـى إيـران مـن أجـل إقامـة شـراكة مـع السـعودية مـن جهـة ومـع تركيـا‬ ‫كممـر لتصديـر غازهـا إلـى أوربـا وحتقـق ممـ ًرا إلى قواعدهـا يف البحر‬ ‫املتوسط وعلى األراضي السورية؟‪ ،‬وهل الضغوط اإليرانية على روسيا‬ ‫تنجح يف مقاسمة روسيا لها يف سوريا كما قاسمت إيران أمريكا النفوذ‬ ‫يف العـراق؟ وكيـف يكـون الـدور السـعودي والـدور التركـي حيـال هـذا‬ ‫الواقع؟ وكانت زيارة امللك سلمان ملوسكو مفاجئة ومربكة خلطط إيران‬ ‫خصوصا وأن امللك سلمان‬ ‫املستقبلية ليس فقط يف سوريا بل يف املنطقة‬ ‫ً‬ ‫أكـد يف موسـكو بـأن السـعودية لـن تقبـل بالتمـدد اإليرانـي يف املنطقـة‬ ‫ً‬ ‫شـرطا يف العالقـة بن البلدين‪.‬‬ ‫وهـي رسـالة تدركهـا روسـيا بأنهـا متثل‬ ‫كان مفتــاح العالقــة بــن الســعودية وروســيا التعــاون فيمــا بــن‬ ‫البلديــن حــول النفــط ســاهم يف إعــادة التــوازن ألســواق النفــط‬ ‫العامليــة‪ ،‬ووجــدت الســعودية أنــه يوجــد توافــق يف اآلراء مــع القيــادة‬ ‫الروســية بشــأن توســيع نطــاق تلــك العالقــات بــن البلديــن وهــو‬ ‫مــا أعلنــه امللــك ســلمان لــدى اســتقباله أعضــاء مجلــس األعمــال‬ ‫الســعودي ـ الروســي أثنــاء زيارتــه لروســيا يف ‪2017/10/5‬م‪ ،‬قــال‬ ‫(نســجل بارتيــاح تــام مــا ملســناه مــن توافــق يف اآلراء مــع القيــادة‬ ‫الروســية نحــو العمــل علــى نقــل مســتوى العالقــات آلفــاق أرحــب) يف‬ ‫املقابــل قــال بوتــن يف مســتهل اجتماعــه بامللــك ســلمان (أنــا مقتنــع‬ ‫بــأن هــذه الزيــارة ســتعطي دف ًعــا جيـدًا لتطويــر العالقــات الثنائيــة)‪.‬‬ ‫وأكـد امللـك سـلمان بـأن تعـاون البلديـن سـاهم بشـكل محوري يف‬ ‫إعادة التوازن ألسواق النفط العاملية وهو ما نأمل يف استمراره ومبا‬ ‫يحقـق التـوازن بـن مصالـح املسـتهلكن واملنتجـن‪ ،‬الـذي عززتـه منـذ‬ ‫سـبتمبر ‪2016‬م‪ ،‬وأثمـر هـذا االتفـاق عـن اتفـاق وصـف بالتاريخـي‬ ‫واملفاجـئ يف ‪ 28‬سـبتمبر ‪2016‬م‪ ،‬باجلزائـر حيـث مت االتفـاق علـى‬ ‫تخفيـض اإلنتـاج بنحـو ‪ 1.8‬مليـون برميـل يوم ًيـا ملـدة ‪ 6‬شـهور ومت‬ ‫متديـده يف مايـو ‪ 9‬شـهور أخـرى تنتهـي يف مـارس ‪2018‬م‪.‬‬ ‫تتجــه الســعودية نحــو اســتثمار تلــك العالقــة وفتــح آفــاق‬ ‫لالســتثمار يف قطاعــات الطاقــة املختلفــة خاصــة أن هــذه الزيــارة‬ ‫جــاءت قبــل شــهر مــن اجتمــاع ملنظمــة الــدول املصــدرة للنفــط (أوبك)‬ ‫املقــرر أن تناقــش خاللــه متديــد اتفــاق خفــض اإلنتــاج الــذي أدى إلــى‬ ‫خصوصا وأن الســعودية وروســيا متثالن‬ ‫حتســن مســتويات األســعار‬ ‫ً‬ ‫ســويا ربــع النــاجت العاملــي مــن النفــط‪ ،‬همــا القــوة الدافعــة وراء إبــرام‬ ‫اتفــاق (أوبــك بلــس) وهــو اتفــاق غيــر مســبوق بشــأن إنتــاج النفــط‬ ‫وأســفر عــن اســتقرار أســواق الطاقــة العامليــة‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪7‬‬

‫‪ 2017‬عام عربي ســعودي جديد بمناعة أقل ومتربصين كثر وأفضل‬ ‫خيار لمواجهة المتربصين إصالحات هيكلية تؤطرها رؤية وطنية شاملة‬ ‫هــذه املنطقــة‪ ،‬حيــث كان يعلــم أنهــا متتلــك ربــع احتياطيــات النفــط‪ ،‬بل‬ ‫أخبــر روزفلــت امللــك عبــد العزيــز بأنــه رجــل أعمــال قبــل أن يكــون‬ ‫رئيســا ألمريــكا علــى عكــس ســتالن الــذي يجعــل األيديولوجيــة هــي‬ ‫ً‬ ‫األولويــة لديــه علــى غــرار إيــران يف الوقــت احلاضــر‪.‬‬ ‫جنــح روزفلــت يف متريــر قانــون مينــح الســعودية مســاعدات يف‬ ‫إطــار التأجيــر واإلعــارة ولــم يقيــم روزفلــت ســفارة يف الســعودية فقــط‬ ‫بــل وســع مــن البعثــات ولــم تســع أمريــكا لترســيخ الرأســمال األمريكــي‬ ‫بــل لترســيخ الدولــة األمريكيــة يف الســعودية‪ ،‬لذلــك قــال روزفلــت‬ ‫للملــك عبــد العزيــز روســيا تقــرر مســألة احلــرب بينمــا أمريــكا تقــرر‬ ‫مســألة الســالم‪.‬‬ ‫اآلن ترامــب يقــول فلنجعــل أمريــكا عظيمــة مجــد ًدا‪ ،‬وقــال‬ ‫ألجهزتــه االســتخبارية إنــي أعلــم مــا ال تعلمــون‪ ،‬حيــث يشــعل‬ ‫صدامــات متعــددة اجلبهــات مــع حلفائــه قبــل خصومــه‪ ،‬حيــث‬ ‫ويكيليكــس يبــرئ روســيا مــن القرصنــة ويتهــم أوبامــا مبحاولــة‬ ‫تقويــض شــرعية ترامــب‪ ،‬ويخشــى بعــض السياســين األميركيــن مــن‬ ‫أن يقــدم ترامــب علــى اتخــاذ إجــراء عســكري ضــد كوريــا الشــمالية‬ ‫وهــو مــا يهــدد االســتقرار العاملــي وينــذر مبواجهــة نوويــة‪ ،‬وهنــاك‬ ‫خشــية مــن أن يقــدم ترامــب علــى حــرب جتاريــة بعــد فــرض قيــود‬ ‫علــى الــواردات ومــن الواضــح أن رئيــس األركان القــادم يعتقــد أن‬ ‫التجــارة العامليــة لعبــة تخســر فيهــا أمريــكا‪ ،‬وعندمــا يتعلــق األمــر‬ ‫بالتجــارة فأمريــكا ليســت قــوة عظمــى‪ ،‬بــل الصــن وأوربــا و قــد‬

‫يــؤدي هــذا إلــى ركــود عاملــي حيــث أن االقتصــاد العاملــي يتمحــور‬ ‫حــول سالســل القيمــة العابــرة للحــدود ســتتقلص‪.‬‬ ‫البع ــض يعتق ــد أن ترام ــب س ــيفاجئ العال ــم بف ــرض مزي ــد م ــن‬ ‫العقوب ــات عل ــى روس ــيا إل ــى العقوب ــات الت ــي أعل ــن عنه ــا الرئي ــس‬ ‫أوبام ــا‪ ،‬والبريكس ــت ب ــدأ بفك ــرة وانته ــى بانفص ــال أط ــاح برئي ــس‬ ‫وزراء وهــز أســس االحتــاد األوربــي‪ ،‬لذلــك هنــاك مطالبــات لترامــب‬ ‫باالنضمــام إلــى أوربــا ملقاومــة التدخــل الروســي‪ ،‬أي أن هنــاك توجــه‬ ‫دول ــي جدي ــد يق ــوم عل ــى تعددي ــة يف جبه ــات الص ــراع الت ــي ميتلكه ــا‬ ‫كل طــرف بغيــة ضمــان أوراق كثيــرة عنــد التفــاوض واقتســام النفــوذ‪.‬‬ ‫عــام ‪2017‬م‪ ،‬عــام عربــي ســعودي جديــد ولكــن مبناعــة أقــل‬ ‫ومتربصــن كثــر‪ ،‬يبقــى أفضــل خيــار ملواجهــة املتربصــن خارج ًيــا‬ ‫القائــم علــى إصالحــات هيكليــة كبــرى تؤطرهــا رؤيــة وطنيــة شــاملة‬ ‫يف مســتوى تطلعــات املواطنــن‪.‬‬ ‫وهــو الــدور الــذي تقــوم بــه الســعودية نيابــة عــن العــرب أو مللــئ‬ ‫الفــراغ العربــي حينمــا انهــارت أســعار النفــط لــم تتدخــل الســعودية‬ ‫كعادتهــا يف قيــادة خفــض اإلنتــاج بــل تركــت الســوق ينهــار نتيجــة‬ ‫الصــراع علــى متســك الــدول الكبــرى املنتجة للنفط حينهــا أدرك بوتن‬ ‫أن عليــه أن يعيــد دراســة املســتقبل مــن خــالل أخطــاء ســتالن الــذي‬ ‫لــم يعيــر أهميــة للمملكــة العربيــة الســعودية التــي احتضنتهــا أمريــكا‬ ‫خصوصــا وأن التحالــف الســعودي ــــ‬ ‫نتيجــة وعيهــا اجليواســتراتيجي‬ ‫ً‬ ‫األمريكــي أصابتــه وعكــة نتيجــة االســتراتيجية األمريكيــة اجلديــدة‬

‫‪6‬‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫فرصا لتطوير العالقات‬ ‫التفاهم السعودي ـ الروسي أوجد ثقة بني الطرفني وأظهر ً‬

‫الـسـعـوديـة وروسـيــا ‪...‬‬ ‫بـدايـ ــة شـراكـ ــة قـويـ ــة وعـصـ ــر جـديـ ــد‬ ‫علـى مـدى سـتن عا ًمـا قبـل الثـورة البلشـفية التـي أطاحـت باإلمبراطوريـة عـام ‪1917‬م‪ ،‬تلقـت روسـيا ضربـات أغلقـت يف‬ ‫وجههـا الطريـق إلـى القسـطنطينية‪ ،‬وفقـدت السـيطرة علـى الشـعوب السـالفية يف البلقـان علـى يـد االجنليـز ثـم أملانيـا‬ ‫ومبسـاندة النمسـا‪ ،‬ويف عـام ‪1905‬م‪ ،‬هزمتهـا اليابـان وأوقفـت كل توسـع لهـا يف اجتـاه منشـوريا وكوريـا‪ .‬الثـورة البلشـفية‬ ‫بقيـادة لينـن الـذي أعلـن عـن تأسـيس أول دولـة اشـتراكية ضمـت لهـا ‪ 15‬جمهوريـة سـميت "االحتـاد السـوفيتي" الـذي ضـم‬ ‫مـا يزيـد عـن مائـة أمـة وقوميـة‪ ،‬وبـرز دور االحتـاد السـوفيتي عـام ‪1943‬م‪ ،‬عندمـا متكـن مـن مواجهـة اجليـش األملانـي يف‬ ‫سـتالينجراد واستسـلم اجليـش األملانـي السـادس أمـام القـوات السـوفيتية‪ ،‬بـل جنـح السـوفيتي يف وقـف هجـوم أملانـي علـى‬ ‫كورسـك‪ ،‬لكـن القـوات األمريكيـة كانـت تتابـع االنتصـارات السـوفيتية ودخلـت األراضـي األملانيـة يف سـبتمبر ‪1944‬م‪ ،‬بعـد‬ ‫شـهور مـن عبـور القـوات السـوفيتية مـن احلـدود الشـرقية‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد احلفيظ عبد الرحيم محبوب‬ ‫زار امللــك فيصــل بــن عبــد العزيــز موســكو عــام ‪1932‬م‪ ،‬بعــد عــدة‬ ‫زيــارات قــام بهــا إلــى أوروبــا وكانــت الزيــارة اقتصاديــة أكثــر منهــا‬ ‫سياســية‪ ،‬حيــث كان ذلــك يف عــام الكســاد بالواليــات املتحــدة الــذي‬ ‫أثــر علــى العالــم‪ ،‬بينمــا كان يتمتــع االحتــاد الســوفيتي برخــاء ولم يتأثر‬ ‫بهــذا الكســاد كثيـ ًرا‪ ،‬ولــم تكــن عوائــد النفــط حينهــا بــدأت تتدفــق على‬ ‫خصوصــا وأن الدعــم االجنليــزي كان محــدو ًدا‪.‬‬ ‫خزانــة الدولــة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫لــم يقــدر ســتالن مكانــة الســعودية حــق التقديــر بــل اعتبرهــا‬ ‫خصوصــا وأنــه كان أوربــي التوجــه‬ ‫بــالد صحراويــة ال تعنــي لــه شــي ًئا‬ ‫ً‬ ‫يف السياســة اخلارجيــة‪ ،‬ولــم يعــي أن امللــك عبــد العزيــز كان يهــدف‬ ‫علــى االســتقاللية رغــم الضغــوط التــي متــارس عليــه مــن املــال‬ ‫االجنليــزي‪ ،‬ورغــم ذلــك لــم يوافــق ســتالن علــى منــح امللــك فيصــل‬ ‫ً‬ ‫متحمســا للحصــول علــى‬ ‫خصوصــا أن امللــك فيصــل لــم يكــن‬ ‫قرضــا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الســالح حتــى ال يثيــر ضغائــن لنــدن‪.‬‬ ‫رغــم ذلــك ســاهمت موســكو بإقامــة أول محطــة للهاتــف اآللــي‬ ‫يف الطائــف عــام ‪1934‬م‪ ،‬ومت تدريــب ســعودين علــى أيــدي ســوفييت‪،‬‬ ‫لكــن جتمــدت العالقــة بــن البلديــن عــام ‪1938‬م‪ ،‬بســبب إعــدام‬ ‫موســكو كــرمي حكيــم ممثــل االحتــاد الســوفيتي يف الســعودية بعــد‬ ‫جاسوســا للملــك عبــد‬ ‫اتهامــه بأنــه تخلــى عــن ثــورة ‪1917‬م‪ ،‬وأصبــح‬ ‫ً‬ ‫العزيــز ورفــض امللــك عبــد العزيــز اســتقبال مبعو ًثــا آخــر وهــي خطــوة‬ ‫خصوصــا وأن مرحلــة شــبح‬ ‫اســتخدمها ســتالن لترهيــب دبلوماســييه‬ ‫ً‬

‫النازيــة العامليــة بــدأت بعدمــا ضمــت أملانيــا النمســا وتتطلــع لضــم‬ ‫تشيكوســلوفاكيا وكان ســتالن مشــغوال مبتابعــة األوضــاع يف أوربــا ولــم‬ ‫يكــن معــروف أن اململكــة العربية الســعودية متتلــك احتياطيات ضخمة‬ ‫خصوصا وأن‬ ‫مــن البتــرول يف أراضيهــا تقــدر بربــع احتياطيــات العالــم‬ ‫ً‬ ‫بريطانيــا قدمــت تقري ـ ًرا عــن أن اململكــة العربيــة الســعودية ال يوجــد‬ ‫فيهــا نفــط بعدمــا نقبــت عــن النفــط يف احلجــاز عــام ‪1928‬م‪.‬‬ ‫لكــن أوفــدت اململكــة العربيــة الســعودية جــون فلبــي املستشــار‬ ‫اخلــاص للملــك عبــد العزيــز يف عــام ‪1943‬م‪ ،‬بعــد االنتصــارات‬ ‫التــي حققهــا االحتــاد الســوفيتي مــع النازيــة‪ ،‬وقابــل مخائيــل رئيــس‬ ‫مركــز االستشــراق يف القاهــرة الــذي تأســس عــام ‪1917‬م‪ ،‬فيمــا‬ ‫أقيمــت ســفارة لالحتــاد الســوفيتي يف القاهــرة‪ ،‬وحــاول أن يقنــع‬ ‫رئيــس املركــز بــأن يقنــع الســفارة يف القاهــرة بعــودة العالقــات‬ ‫بــن الســعودية وموســكو التــي لــم تقطــع بــل توقفــت‪ ،‬لكــن الســفارة‬ ‫خصوصــا وأن‬ ‫طلبــت مــن فلبــي أن يتجــه نحــو القنــوات الدبلوماســية‬ ‫ً‬ ‫امللــك عبــد العزيــز التــزم احليــاد حتــى عــام ‪1945‬م‪ ،‬ولــم يــرد إثــارة‬ ‫االجنليــز املهيمنــن علــى اجلزيــرة العربيــة يف ذلــك الوقــت‪.‬‬ ‫لكــن اغتنمــت أمريــكا الفرصــة التــي التقــى فيهــا روزفلــت مــع‬ ‫امللــك عبــد العزيــز يف ‪ 14‬فبرايــر ‪1945‬م‪ ،‬مــن علــى الســفينة يف قنــاة‬ ‫الســويس بعــد عودتــه مــن اجتمــاع يالطــا حيــث أدرك روزفلــت أهميــة‬ ‫اململكة العربية الســعودية وهو يتمتع بنظرة واســعة شــاملة عن أهمية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مؤسســات الدولــة بكاملهــا‪ ،‬وتعقبــت القيــادات العراقيــة يف عهــد‬ ‫صــدام حســن وأعدمــت أكثرهــم‪ ،‬ومــن ثــم فقــد العــراق أهــم أدوات‬ ‫احلفــاظ علــى أمنــه وســالمة ووحــدة أراضيــه‪ ،‬وعليــه دخلــت إيــران‬ ‫العــراق يف إطــار صفقــة مشــبوهة مــع الواليــات املتحــدة مازالــت‬ ‫أجــزاء كثيــرة منهــا غيــر معلنــة‪ ،‬كمــا انكمــش الوجــود العربــي خاصــة‬ ‫بعــد أن جــاءت حكومــات عراقيــة تابعــة إليــران‪ ،‬وعلــى األرض‬ ‫طغــت الطائفيــة املســلحة‪ ،‬واالقتتــال الداخلــي بــن مكونــات الشــعب‬ ‫العراقــي‪ ،‬وأصبــح العــراق محاص ـ ًرا بــن اســتعمار أجنبــي‪ ،‬وهيمنــة‬ ‫إيرانيــة‪ ،‬وتفتــت واقتتــال داخلــي‪ ،‬واحتدمــت الصراعــات وحــروب‬ ‫امليليشــيات بعــد تشــكيل قــوات احلشــد الشــيعي‪ ،‬وســيطرة داعــش‬ ‫علــى أجــزاء كبيــرة مــن وســط العــراق‪ ،‬وأدت كل هــذه األوضــاع أخيـ ًرا‬ ‫إلــى محاولــة األكــراد بانفصــال إقليــم كردســتان ومت ترجمــة ذلــك يف‬ ‫اســتفتاء ‪ 25‬ســبتمبر املاضــي‪.‬‬ ‫هــذه األحــداث التــي تعصــف بالعــراق‪ ،‬وتســتهدف وجــود‬ ‫الدولــة العراقيــة نفســه‪ ،‬وتقســيم الشــعب‪ ،‬وإضعــاف احلكومــة‬ ‫املركزيــة‪ ،‬تتطلــب إعــادة ترتيــب األمــور العراقيــة متا ًمــا مــن حيــث‬ ‫تأثيــر حتجيــم نفــوذ القــوى اخلارجيــة املســيطرة علــى القــرار‬ ‫العراقــي الداخلــي‪ ،‬وإقامــة حكــم مدنــي يعتمــد العدالــة االجتماعيــة‬ ‫والتوزيــع العــادل للســلطة والثــروة‪ ،‬واملشــاركة السياســية‪ ،‬وإدارة‬ ‫شــؤون الدولــة واملناطــق‪ ،‬وإلغــاء احملاصصــة وكل مظاهــر عســكرة‬ ‫الطائفــة أو احلــزب‪ ،‬وتفكيــك جميــع املليشــيات املســلحة‪ ،‬وإعــادة بنــاء‬ ‫جيــش وطنــي نظامــي مــدرب ومؤهــل ومســلح‪ ،‬مــع حتجيــم التدخــل‬ ‫اخلارجــي خاصــة اإليرانــي يف الشــأن الداخلــي للعــراق والعراقيــن‪.‬‬ ‫مــن جانبهــا‪ ،‬فــإن دول مجلــس التعــاون اخلليجــي ســتؤيد‬ ‫وســتدعم ذلــك ألنهــا ترغــب يف وجــود عــراق موحــد وآمــن مســتقر‬ ‫وقــوي معافــى اقتصاد ًيــا‪ ،‬وسياســ ًيا‪ ،‬وأمنًيــا‪ ،‬واجتماع ًيــا‪ ،‬وال تريــد‬ ‫دولــة مقســمة أو فاشــلة موزعــة طائف ًيــا أو عرق ًيــا‪ ،‬أو قوم ًيــا‪ ،‬وال‬ ‫تريــد دولــة ضعيفــة أمن ًيــا تكــون مــأوى لإلرهــاب واإلرهابيــن‪ ،‬أي أن‬ ‫مصلحــة دول اخلليــج يف وجــود عــراق موحــد قــوي وليــس العكــس‪،‬‬ ‫واتخــذت هــذه الــدول خطــوات إيجابيــة كثيــرة نحــو بنــاء عالقــات‬ ‫قويــة وشــراكات مــع بغــداد يف اآلونــة األخيــرة‪ ،‬ولعــل الزيــارات‬ ‫املتبادلــة بــن كبــار املســؤولن يف اململكــة العربيــة الســعودية والعــراق‬ ‫دليــل قــوي علــى الرغبــة يف بنــاء هــذه العالقــة القائمــة علــى االحتــرام‬ ‫املتبــادل‪ ،‬وعــدم التدخــل يف شــؤون اآلخــر‪ ،‬وبنــاء شــراكة اقتصاديــة‬ ‫مفيــدة للطرفــن‪ ،‬وتدشــن تعــاون أمنــي وثيــق يواجــه اإلرهــاب‪.‬‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪5‬‬

‫وزيــارة رئيــس الــوزراء العراقــي حيــدر العبــادي إلــى الســعودية‬ ‫يومــي ‪ 22 ،21‬أكتوبــر ‪2017‬م‪ ،‬جســدت هــذه الرغبــة مــن اجلانبــن‪،‬‬ ‫فقــد شــهدت هــذه الزيــارة التوقيــع علــى محضــر إنشــاء مجلــس‬ ‫التنســيق الســعودي ـ العراقــي‪ ،‬وانعقــدت اجللســة األولــى مــن جلســات‬ ‫هــذا املجلــس يف الثانــي والعشــرين مــن أكتوبــر بالريــاض‪ ،‬وتضمــن‬ ‫البيــان اخلتامــي الــذي أشــار إلــى االلتــزام بــأن " يعمــل اجلانبــان‬ ‫علــى ضــرورة العمــل املشــترك للحــد مــن املعوقــات وتســهيل نفــاذ‬ ‫الصــادرات بــن البلديــن" كمــا اتفقــا علــى تنميــة الشــراكة بــن القطــاع‬ ‫اخلــاص يف البلديــن‪ ،‬وإتاحــة الفرصــة لرجــال األعمــال للتعــرف‬ ‫علــى الفــرص التجاريــة واالســتثمارية‪ ،‬وتبنــي الوســائل الفعالــة التــي‬ ‫تســاهم يف مســاعدتهم علــى اســتغاللها‪ ،‬إضافــة إلــى تشــجيع تبــادل‬ ‫اخلبــرات الفنيــة والتقنيــة والبحــث العلمــي بــن البلديــن‪.‬‬ ‫وقــد مت تشــغيل خطــوط الطيــران مــن الســعودية إلــى العــراق‬ ‫وهبطــت أول طائــرة ســعودية يف بغــداد يــوم ‪ 18‬أكتوبــر بعــد غيــاب‬ ‫أســتمر ألكثــر مــن ‪ 27‬عا ًمــا‪ ،‬إضافــة إلــى افتتــاح قنصليــة عامــة‬ ‫ســعودية جديــدة يف العــراق‪ ،‬وفتــح املنافــذ احلدوديــة‪ ،‬ودراســة‬ ‫إنشــاء منطقــة للتبــادل التجــاري‪ ،‬ومراجعــة اتفــاق التعــاون اجلمركــي‪،‬‬ ‫إضافــة إلــى رفــض اململكــة العربيــة الســعودية االعتــراف باالســتفتاء‬ ‫الكــردي ومــا يترتــب عليــه‪ ،‬وكل ذلــك يحمــل مؤشــرات‪ ،‬بــل خطــوات‬ ‫جــادة مــن جانــب اململكــة العربيــة جتــاه التعــاون مــع العــراق‪.‬‬ ‫يتبقــى علــى حكومــة بغــداد البــدء يف ترتيــب األوضــاع مــن‬ ‫الداخــل بــإرادة ذاتيــة دون تبعيــة إليــران‪ ،‬أن تتجــاوب مــع التوجــه‬ ‫اخلليجــي لتحقيــق تعــاون حقيقــي مثمــر ومفيــد للطرفــن‪ ،‬ويف‬ ‫الداخــل تعمــل علــى تطبيــق عدالــة ناجــزة‪ ،‬مبــا يضمــن املســاواة بــن‬ ‫جميــع العراقيــن وتكــون املواطنــة هــي املعيــار احلقيقــي بعي ـدًا عــن‬ ‫املذهبيــة‪ ،‬أو العرقيــة‪ ،‬والقوميــة إســوة بــدول أوربــا التــي تقدمــت حــن‬ ‫لفظــت التقســيم الدينــي واملذهبــي والعرقــي‪ ،‬وتكــون ألجهــزة الدولــة‬ ‫اليــد العليــا يف إدارة شــؤون العــراق‪ ،‬وأن يكــون القــرار العراقــي مــن‬ ‫الداخــل وليــس مــن اخلــارج‪ ،‬وأن تعامــل احلكومــة املركزيــة إقليــم‬ ‫كردســتان مبنــح احلقــوق مقابــل التــزام األكــراد بالواجبــات‪ ،‬حتــى‬ ‫حتافــظ علــى كردســتان ضمــن حــدود العــراق اجلغرافيــة كمــا كان‬ ‫الوضــع منــذ فجــر التاريــخ‪.‬‬

‫*رﺋﻴﺲ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺨﻠﻴﺞ ﻟﻸﺑﺤﺎث‬

‫حول الخليج‬ ‫‪4‬‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫افـتتــاحــية ال ـعـدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫دول الـخـلـيـج والـعـراق‪...‬‬ ‫الـتـعـاون لـتـجـاوز الـتـحـديـات‬

‫‪4‬‬

‫د‪ .‬عبد العزيز بن عثمان بن صقر‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪sager@grc.net‬‬

‫مــن املؤكــد أن العــراق قبــل عــام ‪2003‬م‪ ،‬ليــس هــو عــراق مــا بعــد‬ ‫هــذا التاريــخ‪ ،‬وكذلــك عــراق مــا بعــد داعــش ليــس كمــا كان عليــه قبــل‬ ‫تلــك املرحلــة‪ ،‬وهــذه احملطــات يف تاريــخ العــراق ليســت صدفــة‪ ،‬أو‬ ‫مجــرد أحــداث عابــرة مــرت علــى هــذا البلــد الشــقيق اجلــار صاحــب‬ ‫التاريــخ واحلضــارة‪ ،‬بــل أتــت وفــق مخططــات ســابقة‪ ،‬لــدول كبــرى‬ ‫ذات مصالــح اســتراتيجية موزعــة علــى جــداول زمنيــة وف ًقــا للظــروف‬ ‫الدوليــة واإلقليميــة‪ ،‬وأدوات تنفيــذ هــذه املخططــات هــي مكونــات‬ ‫الشــعب العراقــي ذاتــه‪ ،‬عبــر فسيفســاء نســيج هــذا الشــعب‪ ،‬والتأثيــر‬ ‫اإلقليمــي علــى الــوالءات واالنتمــاءات العقائديــة واملذهبيــة والعرقيــة‬ ‫والقوميــة داخــل العــراق‪.‬‬ ‫العــراق‪ ،‬كان مســتهد ًفا منــذ القــدم‪ ،‬لذلــك توجــه صوبهــا الغــزاة‬ ‫عبــر مراحــل مختلفــة يف التاريــخ القــدمي واحلديــث‪ ،‬بســبب موقعهــا‬ ‫اجلغــرايف احملــدد لقوميــات وعرقيــات ومذهبيــات متنوعــة‪ ،‬إضافــة إلــى‬ ‫ثرواتهــا الكبيــرة‪ ،‬وزاد اســتهدافها متغيــرات القــرن العشــرين‪ ،‬حيــث‬ ‫جــاءت الثــورة اإليرانيــة حاملــة لــواء نشــر املذهــب الشــيعي الــذي تريــد‬ ‫بســطه علــى املنطقــة لتثبيــت نظــام واليــة الفقيــه‪ ،‬ومتثــل العــراق يف ذلك‬ ‫البوابــة واملفتــاح أمــام حتقيــق أهــداف وطموحــات الثــورة اإليرانيــة‬ ‫ملــا بهــا مــن مقدســات شــيعية‪ ،‬وكذلــك وجــود األغلبيــة الشــيعية بــن‬ ‫العراقيــن‪ ،‬كمــا إنهــا دولــة مالصقــة إليــران‪.‬‬ ‫املتغيـر الثانـي‪ ،‬هـو قيـام دولـة إسـرائيل على أرض فلسـطن احملتلة‬ ‫القريبـة مـن العـراق‪ ،‬حيـث ال تريد إسـرائيل ومـن خلفها الغرب أن يكون‬ ‫العـراق دولـة قويـة تهـدد الوجـود اإلسـرائيلي‪ ،‬وعليـه تكالبـت الظـروف‬ ‫ضد العراق ووحدته‪ ،‬وأرضه‪ ،‬وشـعبه‪ ،‬وسـاعد على ذلك اهتمام القوى‬ ‫الكبـرى بالعـراق لدواعـي اسـتراتيجية واقتصاديـة‪ ،‬فالعراق دولة نفطية‬ ‫مهمـة وتأتـي بعـد السـعودية مـن حيـث االحتياطـي واإلنتـاج‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫صـراع النفـوذ الدولـي واإلقليمـي الدائـر علـى أرض هـذا البلـد العربـي‪،‬‬ ‫القريـب مـن البـؤر السـاخنة ومناطـق صـراع القـوى الكبـرى يف العالم‪.‬‬ ‫فمــا أن ســقط نظــام صــدام حســن عــام ‪2003‬م‪ ،‬سـ َرحت الواليــات‬ ‫املتحــدة اجليــش العراقــي وقــوات األمــن‪ ،‬وحلــت حــزب البعــث‪ ،‬وفككــت‬

‫قضية العدد‬

‫‪22‬‬

‫انفصــال كردســتان يتوقــف عــى قــدرة القيــادة المركزيــة يف إدارة‬ ‫الدولــة بقــرار داخــيل‬ ‫د‪ .‬خضر عباس عطوان‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ملف العدد‬ ‫د‪ .‬محمد غانم الرميحي‬ ‫د‪ .‬مثنى فائق العبيدي‬ ‫د‪ .‬عبد الرحمن نجم المشهداني‬ ‫د‪ .‬سيف الهرمزي‬ ‫د‪ .‬رشاد عبده‬ ‫د‪ .‬مصطفى إبراهيم الشمري‬ ‫د‪ .‬ظافر محمد العجمي‬ ‫د‪ .‬أحمد سليم البرصان‬ ‫د‪ .‬محمد مجاهد الزيات‬ ‫د‪ .‬محمد زاهد جول‬ ‫د‪ .‬حارث قحطان عبد الله‬ ‫د‪ .‬محمد عباس ناجي‬ ‫د‪ .‬احمد قنديل‬ ‫د‪ .‬نصر محمد عيل‬ ‫د‪ .‬محمد العيدان‬ ‫د‪ .‬عبد الكريم جابر العيساوي‬ ‫مقدم ركن حسان ثابت‬ ‫د‪ .‬عادل البديوي‬ ‫شاهيناز العقباوي‬

‫إصدارات‬

‫‪27‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪42‬‬ ‫‪47‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪56‬‬ ‫‪61‬‬ ‫‪66‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪76‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪90‬‬ ‫‪94‬‬ ‫‪99‬‬ ‫‪101‬‬ ‫‪105‬‬ ‫‪110‬‬

‫‪113‬‬

‫صراع االستراتيجيات يف الخليج العربي‬ ‫قراءة وعرض‪ :‬جمال أمين ه ّمام‬

‫وقفة‬

‫‪116‬‬

‫الــعــراق ‪ ..‬نــمــوذج األزمــات الــعــربــيــة‬ ‫جمال أمين ه ّمام‬ ‫اإلسهامات‬ ‫٭ ترحــب مجلــة «آراء حــول اخلليــج» بإســهامات الكتــاب والباحثــني يف الشــؤون اخلليجيــة يف‬ ‫املجــاالت السياســية واالقتصاديــة واالجتماعيــة والدفاعيــة واألمنيــة‪.‬‬ ‫٭ المجلة غير ملتزمة بإعادة أي مادة تتلقاها للنشر‪.‬‬ ‫٭ جميع حقوق الترجمة والنشر محفوظة لمركز الخليج لألبحاث ‪.٢٠٠8‬‬ ‫٭ ال يســمح بإعــادة نشــر المــواد المنشــورة فــي المجلــة دون الحصــول علــى إذن خطــي مســبق مــن‬ ‫مركــز الخليــج لألبحــاث‪.‬‬ ‫٭ آراء الكتاب تعبر عن أصحابها وال تعبر بالضرورة عن اتجاهات يتبناها مركز الخليج أو مجلة آراء‪.‬‬

‫هذا العدد‬ ‫هــذا العــدد الماثــل بيــن أيديكــم مــن مجلــة (آراء حــول الخليــج) التــي تصــدر عــن مركــز الخليــج‬ ‫العــددـذي‪124‬يحمــل رقــم (‪ )124‬مــن سلســلة هــذه‬ ‫لألبحــاث يف جــدة بالمملكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬وال‬ ‫أكـــتــوبــرـ ‪3 2017‬‬ ‫المجلــة الشــهرية‪ ،‬يخصــص الملــف الرئيــس عــن (العــراق مــا بعــد داعــش واســتفتاء األكــراد‬ ‫عــى االنفصــال)‪ ،‬يتنــاول عبــر أقــالم نخبــة متخصصيــن يف الشــأن العراقــي‪ ،‬واقــع ومســتقبل‬ ‫العــراق عــى ضــوء هــذه التطــورات‪.‬‬ ‫ونخبــة المحلليــن والباحثيــن جابــوا يف أســباب وتداعيــات المشــاكل واألزمــات العراقيــة ورســموا‬ ‫خارطــة طريــق لمســتقبل هــذه المشــكالت وتداعياتهــا عــى العــراق كدولــة‪ ،‬وعــى الشــعب‬ ‫العراقــي‪ ،‬وعــى وحــدة العــراق ‪ ،‬وطرحــوا مخططــات تقســيمه‪ ،‬وتفتيتــه‪ ،‬وأجمعــوا عــى أن‬ ‫مــا يحــدث يف العــراق ومــا قــد يحــدث‪ ،‬ليــس وليــد الصدفــة‪ ،‬أو نتيجــة ألحــداث عابــرة‪ ،‬بــل مــا‬ ‫يشــهده العــراق هــو ترجمــة لمخططــات ســابقة ولهــا أدلــة وقرائــن يف أجنــدات الــدول الكبــرى‬ ‫منــذ ســايكس ـ بيكــو ‪ ,‬مــا قبلهــا‪ ،‬ومــا بعدهــا‪ ،‬والتــي مازالــت تســير وفــق جــدول زمنــي‪ ،‬لــن‬ ‫يطــال العــراق فقــط‪ ،‬بــل المنطقــة العربيــة برمتهــا‪ ،‬وإن كانــت العــراق مســتهدفة يف البدايــة‬ ‫لكونهــا مــن دول الطــوق العربــي إلســرائيل‪ ،‬حيــث تهــدف المخططــات التــي أصبحــت حقيقــة‬ ‫عــى أرض الواقــع وليــس مجــرد شــكوكًا أو تخمينــات مبنيــة عــى أفــكار نابعــة ممــا ُيعــرف‬ ‫بالعقليــة التآمريــة‪ ،‬إىل تقســيم العــراق لكيانــات صغيــرة طائفيــة وعرقيــة‪.‬‬ ‫هنــاك إجمــاع عــى أن عــراق مــا بعــد داعــش لــن يكــون عــراق مــا قبــل داعــش‪ ،‬بــل مؤكــد ســوف‬ ‫تتغيــر الخريطــة الجغرافيــة والديموغرافيــة للدولــة العراقية بتاريخهــا القديم والحديــث‪ ،‬خاصة منذ‬ ‫أن نشــأت الدولــة العراقيــة الحديثــة يف مطلــع عشــرينيات القــرن العشــرين‪ ،‬فقــد اتضحــت صــورة‬ ‫عــراق مــا بعــد داعــش يف تأكيــد المخطــط األمريكــي الــذي تــم وضعــه منــذ خمســينيات القــرن‬ ‫العشــرين‪ ،‬ثــم أصبحــت يف طــور التنفيــذ منــذ عــام ‪2003‬م‪ ،‬ولعــل اســتفتاء األكــراد عــى انفصــال‬ ‫إقليــم كردســتان ومعــه بعــض المناطــق المتنــازع عليها بيــن بغــداد واألكــراد خاصة كركــوك‪ ،‬إضافة‬ ‫إىل الدولــة الســنية العربيــة يف الوســط‪ ،‬والدولــة الشــيعية يف الجنــوب‪ ،‬خيــر دليــل‪.‬‬ ‫الخبــراء تناولــوا وضــع إقليــم كردســتان مــن كافــة الزوايــا‪ ،‬مــن حيــث االقتصــاد‪ ،‬والسياســة‪،‬‬ ‫ومقومــات اإلقليــم‪ ،‬ومشــاكله‪ ،‬وتحدياتــه‪ ،‬وقدرتــه عــى إدارة نفســه والعيــش كدولــة مســتقلة‪،‬‬ ‫وكيفيــة عالقتهــا مــع دول الجــوار‪ ،‬وموقــف دول الجــوار مــن االنفصــال ومــا قــد يترتــب عــى ذلــك‬ ‫يف دول الجــوار نفســها‪ ،‬وإن كانــت الترجيحــات تميــل إىل فشــل االنفصــال بالكليــة‪ ،‬إال أن اإلقليــم‬ ‫ســوف يكــون يف إطــار كونفدراليــة وهــي الصيغــة األمثــل لعــراق المســتقبل‪.‬‬

‫محاور العدد المقبل‬ ‫العــدد المقبــل مــن مجلــة (آراء حــول الخليــج) والــذي يحمــل رقــم ‪ 125‬مــن سلســلة إصــدار هــذه‬ ‫المجلــة ســوف يتنــاول يف ملفــه الرئيــس ملــف "الســباق النــووي يف منطقــة الشــرق األوســط"‪،‬‬ ‫حيــث يتــم مناقشــة الســباق النــووي بشــقيه الســلمي والعســكري‪ .‬عــى الصعيــد الســلمي‪:‬‬ ‫ دول مجلس التعاون وتوطين الطاقة النووية لألغراض السلمية‪ :‬األهداف والنتائج‪.‬‬‫ قدرات الدول العربية يف تنفيذ برامج ومحطات الطاقة النووية‪ :‬الواقع والمأمول‪.‬‬‫ التعاون الخليجي ـ العالمي لتوطين تكنولوجيا الطاقة النووية لخدمة التنمية‪.‬‬‫ النماذج الناجحة يف المنطقة والعالم‪ ،‬ووسائل األمان النووي الرتياد هذا المجال‪.‬‬‫ االستفادة من العقول العربية واإلمكانيات والخبرات المتراكمة يف هذا المجال‪.‬‬‫احتياجا الستخدام الطاقة النووية لألغراض السلمية يف العالم‪.‬‬ ‫ المجاالت األكثر‬‫ً‬ ‫ االهتمام الخليجي باالنفتاح عى الطاقة النووية السلمية‪ :‬األسباب واألهداف‪.‬‬‫عى الصعيد العسكري‪:‬‬ ‫ كيف يمكن إخالء منطقة الشرق األوسط من األسلحة النووية‪.‬‬‫ دور الوكالة الدولية يف إخالء المنطقة من األسلحة النووية‪ :‬الرغبة والقدرات‪.‬‬‫ الخيارات والبدائل العربية والخليجية يف مواجهة السالح النووي اإليراني‪.‬‬‫ دول الجوار العربي خاصة إفريقيا وحقيقة مقابر النفايات النووية‪.‬‬‫ حقيقة استخدام السالح النووي يف الحروب القادمة‪ :‬هل من الممكن‪.‬‬‫‪ -‬التوازن االستراتيجي يف الخليج عى ضوء ظهور المتغير النووي‪.‬‬

‫افتتاحية العدد‬ ‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪2‬‬

‫مجلة شهرية تصدر عن‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬ ‫تعنى بالشؤون اخلليجية‬ ‫رئيس التحرير‬

‫‪4‬‬

‫دول الـخـلـيـج والـعـراق‪ ...‬الـتـعـاون لـتـجـاوز الـتـحـديـات‬ ‫‪www.araa.sa‬‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز بن عثمان بن صقر‬

‫متابعات خليجية‬

‫‪6‬‬

‫الـسـعـوديـة وروسـيــا ‪ ...‬بـدايـة شـراكـة قـويـة وعـصـر جـديـد‬ ‫د‪ .‬عبد الحفيظ عبدالرحمن محبوب‬

‫د‪ .‬عبد العزيز بن عثمان بن صقر‬ ‫‪sager@grc.net‬‬

‫مدير التحرير‬

‫جمال أمني همام‬ ‫‪jamal@araa.sa‬‬

‫سكرتير التحرير‬

‫سليمان مارديني‬ ‫‪suliman@araa.sa‬‬

‫التصميم الفني‬

‫منى فيصل‬

‫‪mona@grc.net‬‬

‫الهيئة االستشارية‬

‫د‪ .‬خالد اجلابر‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬عبد اخلالق عبد اهلل‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬عبد اهلل خليفة الشايجي‬ ‫د‪ .‬عبد اهلل بن علي عبد الرزاق باحجاج‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬صالح بن عبد الرحمن املانع‬ ‫د‪ .‬محمد عبد الغفار عبد اهلل‬ ‫الطباعة‬ ‫متت الطباعة يف مؤسسة‬ ‫املدينة للصحافة والطباعة والنشر‬

‫متابعات دولية‬ ‫انسحاب أمريكا من اليونسكو‪ :‬مالمح انهيار النظام الدويل القائم‬ ‫د‪ .‬يحي بن مفرح الزهراني‬

‫‪10‬‬

‫الـعـقـوبــات االقـتـصـاديـة الـدولـيـة ‪ ..‬تـكـلـفـتـهـا وجـدواهـا‬ ‫د‪ .‬طالل صالح بنّان‬

‫‪12‬‬

‫دراسة العدد‬

‫‪16‬‬

‫االســتراتيجية األمريكيــة‪ :‬تقســيم العــراق مســألة وقــت وإســرائيل‬ ‫تعتبــره امتــدا ًدا لوعــد بلفــور‬ ‫د‪ .‬أميرة الراشد الغامدي‬

‫اإلعالنات واملراسالت‬ ‫لإلعالن يف املجلة ميكن االتصال بقسم اإلعالن والتسويق على العنوان التالي‪:‬‬ ‫البريد االلكتروني‪info@araa.sa :‬‬ ‫توجه جميع املراسالت إلى مجلة «آراء حول اخلليج» على العنوان التالي‪:‬‬ ‫‪ 1٩‬شارع راية االحتاد‬ ‫ص‪.‬ب‪ 1٠٥٠1 .‬جدة ‪ ٢1٤٤٣‬اململكة العربية السعودية‬ ‫هاتف‪+٩٦٦ 1٢ ٦٥11٩٩٩:‬‬ ‫فاكس‪+٩٦٦ 1٢ ٦٥٣1٣٧٥ :‬‬ ‫البريد اإللكتروني‪info@araa.sa :‬‬

‫ثمن النسخة‬ ‫اململكة العربية السعودية‪ ٣٥ :‬ري ـ ــا ًال‬ ‫درهما‬ ‫اإلمارات العربية املتحدة‪٣٥ :‬‬ ‫ً‬ ‫‪ ٣٫٥‬دينا ًرا‬ ‫مملكة البحرين‪:‬‬ ‫دولة قطر‪:‬‬ ‫‪ ٣٥‬ري ـ ـ ــا ًال‬ ‫‪ ٣٫٥‬دينا ًرا‬ ‫دولة الكويت‪:‬‬ ‫سلطنة عمان‪:‬‬ ‫‪ ٣٫٥‬ري ـ ـ ــا ًال‬ ‫‪ ٤٫٥‬ديـنــا ًرا‬ ‫األردن‪:‬‬

‫االشتراك السنوي‬ ‫الدول العربية‪:‬‬ ‫الدول األوروبية‪:‬‬ ‫بقية دول العالم‪:‬‬

‫‪ 1٠٠‬دوال ًرا‬ ‫‪ 11٠‬دوال ًرا‬ ‫‪ 1٢٠‬دوال ًرا‬

‫يرسل طلب االشتراك إلى عنوان املجلة‬ ‫مــع حوالــة مصرفيــة أو شــيك بقيمــة‬ ‫االشــتراك باســم مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫العــدد ‪124‬‬ ‫أكـــتــوبــر ‪2017‬‬

‫‪1‬‬

‫التفاهم السعودي ـ الـروسـي‪:‬‬ ‫شـراكـة مـن أجـل االسـتـقـرار‬

‫العــــــدد ‪124‬‬ ‫أكــــــتــــوبــــر ‪2017‬‬

‫مجلس التنســيق الســعودي ـ العراقي‪:‬‬ ‫دعم وحدة العراق وإعادته إىل محيطه‬ ‫الــخــلـيـج الــذهــبـي ‪..‬‬ ‫بـيــــن االســتـعـمــــار واالسـتـثـمــــار‬

‫ملف العدد‪:‬‬

‫العـــراق مـــا بعـــد داعـــش ‪ ..‬وبعـــد اســـتفتاء انفصـــال األكـــراد‬ ‫▀ تـأثـيـــر الـعـــراق عـلـــى الـخـلـيـــج‪ :‬صـــراع عـسـكـــري مـحـتـمـــل وخـيـــارات بـغـــداد تـضـيـــق‬ ‫▀ الســـعودية ترفـــض انفصـــال كردســـتان مـــن بـــاب المســـؤولية التاريخيـــة والتبعـــات‬ ‫▀ كاب ــوس خليج ــي م ــن قط ــع ح ــدود تركي ــا م ــع الع ــرب بح ــزام ك ــردي ـ غرب ــي ـ إس ــرائييل‬ ‫▀ اســتراتيجية أمريــكا‪ :‬تقســيم العــراق مســألة وقــت وإســرائيل تعتبــره امتــدا ًدا لوعــد بلفــور‬ ‫▀ مافيــا روســيةـ تركيــة تســلح داعــش بموافقــة أمريــكا والتنظيــم فيــروس تغذيــه الــدول‬ ‫▀ ‪ 24‬مليـــار دوالر خســـائر داعـــش الحكوميـــة وقـــوات التحالـــف حصلـــت عـــى ‪ 12‬مليـــا ًرا‬ ‫▀ الموس ــاد جن ــد ‪ 2600‬عنص ــر م ــن البيش ــمركة لتصفي ــة العلم ــاء واألكاديميي ــن العراقيي ــن‬ ‫▀ عـوائـد نـفـط األكـراد فـي بـنـوك تـركـيـا ولـيـس لـكـردسـتـان مـقـومـات االنـفـصـال والـدولـة‬ ‫▀ ‪ 12‬مليـــون امـــرأة عراقيـــة مشـــردة و‪ %50‬نســـبة األميـــة بيـــن النســـاء العراقيـــات‬