مجلة آراء العدد 123

‫الرئيسالفلسطينيلـ(آراءحولالخليج)‪:‬‬ ‫اعـتـرافـنـــا بإســرائيل ليــس مجا ًنــا ‪..‬‬ ‫واالعتــداءات عىل مقدســاتنا لعب بالنار‬ ‫العــــــدد ‪123‬‬ ‫ســبــتـــمــبــر ‪2017‬‬

‫الســفير الفلســطيني‪ :‬لــن ننســى قــول‬ ‫الملــك ســلمان "نحــن رفــاق مصيــر ال‬ ‫رفــاق طريــق"‬ ‫العال ــم ل ــن يع ــود أح ــادي القطبي ــة‬ ‫وأمريـــكا تواجـــه انحســـار الفـــرص‬ ‫وتنامي التحديات‬

‫ملف العدد‪:‬‬

‫مح ــاوالت إس ــرائيل ه ــز اس ــتقرار المنطق ــة عب ــر المس ــجد األقص ــى‬ ‫▀ ‪ 450‬اقتحا ًمـــا تعـــرض لهـــا األقصـــى و‪ 100‬حفريـــة يف محيطـــه خـــال عـــام ‪2014‬‬ ‫▀ ‪ 460‬ش ــهيدة و‪ 65‬أس ــيرة فلس ــطينية بينه ــن ‪ 19‬قاصــ ًرا يقبع ــن ف ــي س ــجون االحت ــال‬ ‫▀ بع ــد هزيم ــة ‪ 67‬توج ــه النش ــطاء إىل أيدولوجي ــات ومخ ــارج ف ــكان "اإلس ــام السياس ــي"‬ ‫▀ أمريـــكا زرعـــت إســـرائيل واســـتخدمت الفيتـــو ‪ 40‬مـــرة لتأييدهـــا فـــي مجلـــس األمـــن‬ ‫▀ تركي ــا براجماتي ــة ميكافللي ــة وإي ــران ت ــدرك أن فلس ــطين بوابته ــا للزعام ــة اإلس ــامية‬ ‫▀ مؤام ــرات حفري ــات األقص ــى م ــرت بيس ــر رغ ــم الضجي ــج والعم ــل مس ــتمر لتدمي ــر بنيت ــه‬ ‫▀ ‪ 40‬دول ــة إفريقي ــة له ــا عاق ــات م ــع إس ــرائيل والع ــرب يتحدث ــون ع ــن حتمي ــات التاري ــخ‬ ‫▀ انتفاضـــة األقصـــى‪ :‬غابـــت الفصائـــل وحمـــاس وحضـــرت الجماهيـــر ومحمـــود عبـــاس‬ ‫▀ ‪ %23‬مـــن األرض للفلســـطينيين و‪%77‬إلســـرائيل و‪ 6165‬كـــم مســـاحة دولـــة فلســـطين‬

‫‪128‬‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫وقفة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الـقـضـيـة الـفـلـسـطـيـنـيـة‪ ..‬الـفـشـل وبـوادر االنـفـراج‬

‫جمال أمني همام*‬ ‫‪jamal@araa.sa‬‬

‫القضية الفلسطينية لم تشهد أزمات خطيرة بعد نكبة ‪1948‬م‪ ،‬ونكسة‬ ‫‪1967‬م‪ ،‬أكثر ما شـهدته يف السـنوات العشـر األخيرة التي بدأت مع سـيطرة‬ ‫حركـة حمـاس علـى قطـاع غـزة يف ‪ 14‬يونيـو ‪2007‬م‪ ،‬وكأن يونيـو‪ /‬حزيـران‬ ‫علـى موعـد مـع انتكاسـات فلسـطن‪ ،‬وترتـب علـى ذلـك اخلـالف مـا أضعـف‬ ‫السـلطة الوطنيـة الفلسـطينية‪ ،‬ومـزق الشـعب الفلسـطيني وأرضـه وجعـل‬ ‫قضيته تتوارى خلف الصراعات الفلسطينية الداخلية‪ ،‬ثم جاءت أحداث ما‬ ‫يسمى بثورات الربيع العربي حيث تاهت القضية الفلسطينية‪ ،‬وحتولت إلى‬ ‫وسيلة لالستقطاب‪ ،‬وأداة لبسط النفوذ‪ ،‬وجتنيد الشارع العربي واإلسالمي‬ ‫خلدمة أجندات خارجية‪ ،‬واستخدام قضية العرب املركزية من دول إقليمية‬ ‫كأوراق للعب على الساحة الدولية‪ ،‬ووسيلة للمساومة مع الدول الكبرى من‬ ‫جهـة‪ ،‬وحتقيـق مصالـح علـى حسـاب شـعب يئـن حتـت نيـر احتـالل عنصـري‬ ‫بغيـض منـذ مـا قبـل منتصـف القـرن العشـرين مـن جهـة أخـرى‪ ،‬إضافـة إلـى‬ ‫أن هـذه املرحلـة اختلطـت فيهـا املفاهيـم التحرريـة والنضاليـة باإلرهـاب‪،‬‬ ‫وحتـول فيهـا أصحـاب احلـق إلـى إرهابيـن يجـب مطاردتهـم وقتلهـم‪ ،‬بينمـا‬ ‫أرضهـم مسـلوبة‪ ،‬ويتـم إقامـة املسـتوطنات واألسـوار العازلـة علـى مـا تبقـى‬ ‫منهـا لتثبيـت سياسـة األمـر الواقـع التـي جعلـت الفلسـطينين غربـاء علـى‬ ‫أرضهـم وأصبـح حـق العـودة ملـن هـم يف اخلـارج مجـرد ذكـرى‪.‬‬ ‫خـالف الفصائـل الفلسـطينية زاد مـن هـذه األزمـة‪ ،‬ورسـخ مفهـوم‬ ‫اإلرهـاب ضـد الشـعب الفلسـطيني‪ ،‬وفتـح الباب واسـ ًعا لالسـتقطاب‪ ،‬وجعل‬ ‫القضيـة الفلسـطينية مجـرد ورقـة برضـا أصحابهـا‪ ،‬فوجـدت دول مثـل‬ ‫إيـران وتركيـا وقطـر الطريـق معبـدًا إلـى قطـاع غـزة‪ ،‬حيـث بـدت القضيـة‬ ‫حصـان طـروادة‪ ،‬ومطيـة لقيـادة الشـارع العربـي والتأثيـر عليـه ممـن يريـد‬ ‫انتـزاع الزعامـة اإلقليميـة (تركيـا ـ قطـر) أو الترويـج ملشـروعه االيدولوجـي‬ ‫وبسـط نفـوذه اإلقليمـي ومذهبـه الدينـي (إيـران)‪ ،‬وسـاعد علـى ذلـك انهيـار‬ ‫الوفـاق العربـي يف حـده األدنـى‪ ،‬الداعم للقضية الفلسـطينية بعد أحداث ما‬ ‫يسـمى بثـورات الربيـع العربـي منـذ نهاية عـام ‪2010‬م‪ ،‬حيث صعدت حركات‬ ‫اإلسالم السياسي للسلطة يف بعض الدول العربية‪ ،‬وهذه اجلماعات املؤيدة‬

‫حلمـاس تشـبه األخيـرة مـن حيـث رفـع الشـعارات‪ ،‬والفشـل يف إدارة األزمات‬ ‫الداخليـة‪ ،‬وعـدم القـدرة علـى التعاطـي مـع الشـأن السياسـي واالقتصـادي‪،‬‬ ‫وإدارة العالقـات اإلقليميـة والدوليـة‪.‬‬ ‫ويف تلـك الفتـرة زادت وتيـرة اإلرهـاب يف منطقـة الشـرق األوسـط‪،‬‬ ‫وارتبطـت اجلماعـات اإلرهابية بالدين اإلسـالمي‪ ،‬وبحركـة حماس حتديدًا‪،‬‬ ‫مـا جعـل اإلرهـاب ينسـخ النضـال الفلسـطيني ويجعلـه محظـو ًرا‪.‬‬ ‫وأتـت االنتخابـات األمريكيـة األخيـرة بدونالـد ترامـب األكثـر تأييـدًا‬ ‫إلسـرائيل‪ ،‬واألكثـر تشـد ًدا ضـد حـل "الدولتـن" الـذي تبنتـه إدارات أمريكيـة‬ ‫سـابقة‪ ،‬ونصت عليه صراحة املبادرة العربية للسـالم منذ عام ‪2002‬م‪ .‬ويف‬ ‫هـذه األجـواء غيـر املواتيـة جتمـدت القضيـة الفلسـطينية‪ ،‬واختفـت احللـول‬ ‫واملبـادرات لدرجـة أن الرئيـس األمريكـي ترامـب لـم يتطـرق نهائ ًيـا للقضيـة‬ ‫الفلسـطينية يف خطابـه األخيـر أمـام اجلمعيـة العامـة لـأمم املتحـدة يف‬ ‫سـبتمبر ‪2017‬م‪ ،‬وهو ما فعله رئيس الوزراء اإلسـرائيلي الذي اعتبر الدولة‬ ‫العبريـة واحـة الدميوقراطيـة والتقـدم يف العالـم‪.‬‬ ‫مؤخـ ًرا‪ ،‬ظهـرت مؤشـرات إيجابيـة بعـد أن حاولت إسـرائيل وضـع بوابات‬ ‫تفتيش الكترونية وكاميرات على أبواب املسـجد األقصى املبارك يف القدس‪،‬‬ ‫ما أدى إلى هبة فلسـطينية قوية أوقفت املخطط اإلسـرائيلي الذي هو حلقة‬ ‫ضمـن سلسـلة االعتـداءات اإلسـرائيلية لتهويـد القـدس‪ ،‬وتدميـر املسـجد‬ ‫األقصـى املبـارك أولـى القبلتـن وثالـث احلرمـن الشـريفن إلقامـة الهيـكل‬ ‫املزعـوم‪ .‬فقـد اسـتجابت حركـة حمـاس لنـداء العقـل بعـد أن تأخـرت كثيـ ًرا‪،‬‬ ‫وبعـد أن أعلنـت يف وقـت سـابق الفصـل بـن قيادتهـا يف اخلـارج عـن الداخـل‪،‬‬ ‫حلت اللجنة اإلدارية يف غزة والتي متثل حكومة موازية للحكومة الفلسطينية‪،‬‬ ‫كمـا عقـدت احلكومـة الوطنيـة اجتماعهـا األسـبوعي يف قطـاع غـزة‪.‬‬ ‫وعليـه يجـب اسـتغالل هـذه األجـواء املواتيـة التـي جـاءت بعـد سلسـلة‬ ‫فشـل داميـة راح ضحيتهـا الرئيـس السـابق ياسـر عرفـات الـذي اغتالتـه‬ ‫إسـرائيل بالسـم‪ ،‬وحصـار غـزة‪ ،‬وتقطيـع أواصـر أراضـي الضفـة وغـزة‬ ‫والتهامهـا باملسـتوطنات واجلـدار العنصـري العـازل‪ ،‬وكذلـك بعـد جتربـة‬ ‫االسـتقطاب اإلقليمـي الـذي راحـت ضحيتـه القضيـة الفلسـطينية برمتهـا‪،‬‬ ‫وبعـد فشـل حـركات اإلسـالم السياسـي يف املنطقـة‪ ،‬كل ذلـك يتطلـب مـن‬ ‫الفلسـطينين وقفـة مـع النفـس‪ ،‬وإعـادة احلسـابات واالسـتفادة مـن دروس‬ ‫الفشـل‪ ،‬واالحتشـاد خلـف القيـادة الفلسـطينية ممثلـة يف السـلطة الوطنيـة‬ ‫وقيادتهـا‪ ،‬وإجـراء االنتخابـات املؤجلـة والقبـول بنتائجهـا مهمـا كانـت‪ ،‬حتـى‬ ‫ميكن االصطفاف وتوحيد اجلهود‪ ،‬والضغط على إسـرائيل‪ ،‬وإقناع املجتمع‬ ‫الدولـي لتحقيـق السـالم املنشـود بحـل "الدولتـن" وإبعـاد املنطقـة عـن شـبح‬ ‫احلـروب واإلرهـاب والتفرقـة العنصريـة التـي اختفـت مـن العالـم ومـا زلـت‬ ‫متارسـها إسـرائيل‪.‬‬ ‫*ﻣﺪﻳﺮ اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إصدارات‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪127‬‬

‫تـأمــــات اسـتـشـرافـيــــة فــــي الـتـطــــورات والـتـغـيــــرات فــــي الـخـلـيــــج والـمـنـطــقــــة‬

‫"المس ــتقبل"‪ ...‬خارط ــة طري ــق يطرحه ــا الدكت ــور‬ ‫ن ــزار عبي ــد مدن ــي‬ ‫صــدر الشــهر املاضــي كتــاب (املســتقبل ـ تأمــالت استشــرافية يف التطــورات والتغيــرات العلميــة والتقنيــة واألوضــاع السياســية‬ ‫املتوقعــة يف القــرن احلــادي والعشــرين) للمؤلــف معالــي الدكتــور نــزار عبيــد مدنــي وزيــر الدولــة للشــؤون اخلارجيــة باململكــة‬ ‫العربيــة الســعودية‪ ،‬وجــاء الكتــاب يف ‪ ٤٤٠‬صفحــة‪ ،‬وصــدر عــن شــركة مكتبــة العبيــكان‪.‬‬

‫آراء حول اخلليج ـ جدة‬

‫تضمــن الكتــاب أربعــة فصــول رئيســية وانبثــق منهــا عــدة أجــزاء‪،‬‬ ‫تنــاول الفصــل األول (تطــور مفهــوم الدراســات املســتقبلية)‪ ،‬وتضمــن‬ ‫التأصيــل التاريخــي‪ ،‬تبســيط مفهــوم استشــراف املســتقبل‪ ،‬تصنيــف‬ ‫املهتمن باملستقبل‪ ،‬توقعات لم تتحقق وأسباب عدم حتققها‪ ،‬األساليب‬ ‫والتقنيــات يف الدراســات املســتقبلية‪ ،‬ماهيــة املتغيــرات املســتقبلية‪.‬‬ ‫الفصــل الثانــي‪( ،‬التحــوالت والتغيــرات املســتقبلية يف املجــاالت‬ ‫العلميــة والتقنيــة)‪ ،‬وتضمــن‪ :‬مكونــات التقــدم العلمــي ومظاهــره‪،‬‬ ‫احلاســوب‪ ،‬تقنيــة النانــو‪ ،‬اإلنســان اآللــي‪ ،‬التقنيــة احليويــة‪ ،‬التوقعات‬ ‫املســتقبلية ملظاهــر ومكونــات التقــدم التقنــي‪.‬‬ ‫الفصــل الثالــث‪( ،‬التأثيــر املســتقبلي للتحــوالت والتغيــرات‬ ‫العلميــة والتقنيــة يف مجــاالت حيــاة اإلنســان ودوائــر اهتماماتــه)‬ ‫وتضمــن هــذا الفصــل ‪ 6‬محــاور منهــا تأثيــر التقنيــات احلديثــة علــى‬ ‫االقتصــاد‪ ،‬وعلــى أســس النظــام الرأســمالي وقواعــده‪ ،‬علــى مجــال‬ ‫النقــل واملواصــالت‪ ،‬وعلــى مجــاالت اإلعــالم‪ ،‬الصحافــة‪ ،‬اإلذاعــة‬ ‫والتليفزيــون‪ ،‬مجــاالت التواصــل االجتماعــي‪ ،‬املجــال الطبــي‪.‬‬ ‫الفصــل الرابــع‪( ،‬التحــوالت والتغيــرات املســتقبلية يف املجــال‬ ‫السياســي) وتضمــن التحــوالت املتوقعــة يف هيــكل النظــام الدولــي‬ ‫ويف مواقــع بعــض الــدول‪ ،‬التحــوالت والتغيــرات املســتقبلية املتوقعــة‬ ‫يف العالــم العربــي وقــدم يف هــذا الصــدد أربعــة تصــورات‪ ،‬ثــم عــرض‬ ‫التحــوالت والتغيــرات املســتقبلية املتوقعــة يف منطقــة اخلليــج العربي‪،‬‬ ‫وتنــاول يف هــذا الصــدد‪ :‬الســيناريو الســلبي أو املتشــائم‪ ،‬الســيناريو‬ ‫اإليجابــي املتفائــل‪ ،‬الســيناريو املثالــي‪.‬‬

‫وأختتـــم الكتـــاب بأقـــوال منتقـــاة عـــن املســـتقبل‪ ،‬ثـــم قـــدم‬ ‫معالي ــه رؤي ــة موج ــزة ق ــال فيه ــا‪ :‬إذا أردن ــا أن نش ــارك بفاعلي ــة‬ ‫يف صنــع مســتقبلنا‪ ،‬فــإن علينــا أن منتلــك خارطــة طريــق واضحــة‬ ‫املعالــم ومحــددة األهــداف‪ ،‬وأن منتلــك البوصلــة التــي نهتــدي بهــا‬ ‫للتعـــرف علـــى الطريـــق إلـــى املســـتقبل الـــذي نريـــده‪ ،‬وأن يكـــون‬ ‫لدينـــا تصـــور واع للعالـــم اجلديـــد الـــذي نعيـــش فيـــه‪ ،‬وأن نهيـــئ‬ ‫أنفس ــنا للتعام ــل والتفاع ــل مع ــه بالش ــكل ال ــذي يخ ــدم مصاحلن ــا‪،‬‬ ‫ويحق ــق تطلعاتن ــا وآمالن ــا‪.‬‬ ‫ومـــن ثـــم‪ ،‬فـــإذا كـــان الـســـؤال هـــو‪ :‬ومـــا الـطـريـــق إلـــى امـتـــالك‬ ‫تـلـ ــك الـخـارطـ ــة وتـلـ ــك الـبـوصـلـ ــة؟ ومـ ــا الــسـبـيـ ــل إلـ ــى اخـتـيـ ــار‬ ‫الطريــق الــذي يفضــي إلــى مالمــح هــذا الـــمستقبل الـــمنشود؟ فــإن‬ ‫الـ ــجواب ميك ــن يف عـبـ ــارة واح ــدة‪ :‬الدراس ــات املس ــتقبلية وبح ــوث‬ ‫استشـــراف املســـتقبل‪.‬‬ ‫ويف تبســيط مفهوم استشــراف املســتقبل يقول املؤلف (شــأننا يف‬ ‫استشــراف املســتقبل ســيكون شــأن املكتشــفن اجلغرافيــن القدامــى‬ ‫نحــو املجهــول ال يعلمــون أيــن ســينتهي بهــم املطــاف‪ ،‬وال يدركــون‬ ‫ماهيــة األخطــار التــي ســتواجههم ‪ ..‬رحلتنــا إلــى املســتقبل لــن تكــون‬ ‫مجــرد اســتمتاع‪ ،‬بقــدر مــا هــي استكشــاف‪ ،‬ولــن تكــون مجــرد نزهــة‪،‬‬ ‫بقــدر مــا هــي مغامــرة‪ ،‬ولــن تكــون معلومــة النتائــج مأمونــة العواقــب‪،‬‬ ‫بقــدر مــا هــي مجهولــة املصيــر متعــددة االحتمــاالت‪ ،‬ونحــن يف هــذا‬ ‫الشــأن مثلنــا مثــل املستكشــفن األوائــل تتنازعنــا توقعــات وتنبــؤات‬ ‫متنافــرة ومتضــادة)‪.‬‬

‫‪126‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫ٍ‬ ‫وجاهــة‬ ‫االقتصــادي عــن طهــران‪ .‬ورغــم مــا يف هــذا الطــرح مــن‬ ‫سياسـ ٍ‬ ‫ـية‪ ،‬إ َّال أنَّ ذلــك األمــر مــن وجهــة نظرنــا مســتبعد يف املنظــور‬ ‫القريــب‪ ،‬وذلــك لأســباب التاليــة‪:‬‬ ‫‪ -1‬إذا مــا غ ّيــرت إيــران سياســاتها ومواقفهــا جتــاه املنطقــة‪،‬‬ ‫فذلــك يعنــي رغبتهــا يف اخلــروج مــن املنافســة علــى زعامــة العالــم‬ ‫خصوصــا أنهــا جنحــت بفرض إرادتها يف ســوريا‪ .‬وكذلك‬ ‫اإلســالمي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫التوغــل‬ ‫األمــر‪ :‬دورهــا يف دعــم جماعــة احلوثيــن يف اليمــن‪ .‬وأخيـ ًرا‪:‬‬ ‫السياســي واملذهبــي اإليرانــي يف إفريقيــا‪ ،‬مــن خــالل املســاعدات‬ ‫املاليــة واالســتثمارات الطائلــة يف تلــك القــارة‪.‬‬ ‫‪ -2‬أنَّ تفــوق إيــران يف إدارة ملــف األزمــة الســورية بتعقيداتــه كافــة‬ ‫زاد وســوف يزيــد مــن انكفــاء وعزلــة "تركيــا أردوغــان" عــن التدخّ ل يف‬ ‫مل ّفــات املنطقــة؛ وبالتالــي‪ :‬خســارة تركيــا لدورهــا يف املنطقــة كأكبــر‬ ‫قــوة إســالمية ُسـنّية‪.‬‬ ‫‪ -3‬إيــران جتيــد اســتخدام البراغماتيــة يف إدارة صراعهــا مــع القــوى‬ ‫اضطــرار القــوى الغربيــة لتوقيــع االتفــاق النــووي معهــا‬ ‫املعاديــة‪ ،‬ومــا ّ‬ ‫إ َّال جــزءٌ مــن تلــك السياســة‪.‬‬ ‫مؤهلــة‬ ‫‪ -4‬البعــد املذهبــي يف سياســة إيــران وواليــة الفقيــه يجعلهــا ّ‬ ‫لفــرض إرادتهــا السياســية يف املنطقــة‪ ،‬مــن خــالل امتــالك الشــيعة‬ ‫عقيــدة واليــة الفقيــه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ -5‬ال شــيء يجعــل إيــران تتحلــل مــن مواقفهــا جتــاه مل ّفــات املنطقــة‬ ‫وخصوصــا القضيــة الفلســطينية‪ ،‬وهــي تُــدرك جي ـدًا أ َّنهــا ب ّوابتهــا‬ ‫ً‬ ‫للولــوج إلــى مل ّفــات املنطقــة كافــة‪.‬‬ ‫‪ -6‬عــــدم الـــرغــبــــة اإليــرانــيــــة فـــي اســتـعـــادة مــصــــر لـدورهـــا‬ ‫اإلقـلـيمـــي الـرائـــد‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪ -7‬الرغبـــة اإليرانيـــة بتوســـيع دائـــرة احلـــرب يف اليمـــن‪ ،‬للتأثيـــر‬ ‫الســـلبي علـــى الســـعودية كقـــ ّو ًة اقتصاديـــ ًة أو إقليميـــ ًة مرموقـــة‪.‬‬ ‫وه ــذا كل ــه سيس ــاعدها عل ــى التم ـ ّدد باملنطق ــة أكث ــر فأكث ــر‪ ،‬ولك ــي‬ ‫تُعلــن الح ًقــا زعامتهــا للعالــم اإلســالمي يف ظــل عــدم وجــود منافـ ٍـس‬ ‫ـات وطيــدةٍ‬ ‫قــوي ينازعهــا هــذه الزعامــة‪ ،‬ســوى تركيــا املك ّبلــة بعالقـ ٍ‬ ‫م ــع (إس ــرائيل)‪ ،‬وارتباط ـ ٍ‬ ‫مم ــا‬ ‫ـات قوي ــة م ــع الغ ــرب وحل ــف النات ــو‪ّ ،‬‬ ‫يجع ــل فرص ــة تركي ــا يف املنافس ــة ش ــبه ضعيف ــة‪ ،‬وذل ــك م ــع اليق ــن‬ ‫اإليرانـــي بـــأنَّ محـــاوالت أنقـــرة للولـــوج إلـــى ملفّـــات املنطقـــة‪،‬‬ ‫وإع ــادة إحي ــاء س ــلطنتها العثماني ــة م ــن جدي ــد م ــن خ ــالل الب ّواب ــة‬ ‫الفلس ــطينية غي ــر جــ ّدي‪.‬‬ ‫ومــن نافلــة القــول‪ :‬إنَّ مــن حــق أي دولـ ٍـة البحــث عــن مصاحلهــا‬ ‫وأنَّ حتقّقهـــا مهمـــا كانـــت الوســـيلة املســـتخدمة؛ وبالتالـــي‪ :‬فـــإنَّ‬ ‫إيـــران وغيرهـــا مـــن الـــدول اإلقليميـــة احملوريـــة ال يخرجـــان عـــن‬ ‫ذل ــك الس ــياق‪ .‬ويف املقاب ــل‪ :‬م ــاذا أع ـ َّـد العال ــم العرب ــي بإمكانيات ــه‬ ‫الضخم ــة لك ــي يك ــون ل ــه دو ٌر متم ّي ــز ول ــو مح ــدود عل ــى خريط ــة‬ ‫املصال ــح اإلقليمي ــة أو الدولي ــة؟ فإي ــران وتركي ــا يس ــتغالن القضي ــة‬ ‫الفلســـطينية لتحقيـــق مكاســـبهما ومصاحلهمـــا‪ ،‬بينمـــا العـــرب‬ ‫ـات ُقطري ــة‪ ،‬أو خالف ـ ٍ‬ ‫يف خالف ـ ٍ‬ ‫ـات إقليمي ـ ٍـة ح ــول قضاي ــا إقليمي ــة‬ ‫ويتجاهلـــون احلفـــاظ علـــى حيويـــة القضيـــة الفلســـطينية التـــي‬ ‫أ ّرقتهـــم وأدمـــت الفلســـطينين علـــى اختـــالف مشـــاربهم؛ فرأينـــا‬ ‫خالف ـ ٍ‬ ‫ـات وانقس ــا ًما سياسـ ـ ًيا ح ــاد ب ــن فصي ـ ٍـل فلس ــطيني وآخ ــر‪،‬‬ ‫وخالف ـ ٍ‬ ‫ـات داخ ــل نس ــيج الفصي ــل الواح ــد‪.‬‬ ‫* أﺳﺘﺎذ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺤﺪﻳﺚ واﳌﻌﺎﴏ ـ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻷزﻫﺮ – ﻏﺰة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مــن القــرن العشــرين‪ ،‬وحتــى تاريــخ انــدالع احلِ ــراك الســوري يف آذار‬ ‫(مــارس) ‪2011‬م‪ .‬لكـ َّـن تخلّــي حركــة حمــاس عــن النظــام الســوري‪،‬‬ ‫وع ّمــا يُســ ّمى مبحــور املمانعــة دفــع إيــران إلــى وقــف مســاعداتها‬ ‫املاليــة جزئ ًيــا عنهــا‪ .‬لكــن يف املجمــل‪ :‬فالدعــم اإليرانــي حلركــة‬ ‫حمــاس لــم يتو ّقــف متا ًمــا‪ ،‬وذلــك لأســباب التاليــة‪:‬‬ ‫‪ -1‬أنّ إيــران تعــي وتُــدرك جيـدًا أنَّ مفتــاح زعامتهــا للعالم اإلســالمي‬ ‫ميـ ُّر مــن خــالل بوابــة القضيــة الفلســطينية‪ ،‬ومــن خــالل إبقــاء جــذوة‬ ‫هــذه القضية مشــتعلة‪.‬‬ ‫‪ -2‬عــدم الرغبــة اإليرانيــة يف إضعــاف حركــة حمــاس عســكر ًيا‪ ،‬مــا‬ ‫قــد يجعــل األخيــرة فريســة ســهلة أمــام (إســرائيل)‪ ،‬فتفقــد إيــران‬ ‫بذلــك مدخ ـ ً‬ ‫ال مه ًّمــا لهــا إلــى قلــب العالــم اإلســالمي‪.‬‬ ‫تضطــر حركــة حمــاس لالنضمــام‬ ‫‪ -3‬عــدم الرغبــة اإليرانيــة بــأن ّ‬ ‫إلــى احملــور املنافــس‪ ،‬أو محــور االعتــدال العربــي يف املنطقــة (مصــر‪،‬‬ ‫والســعودية‪ ،‬واإلمــارات العربيــة‪ ،‬واألردن)‪.‬‬ ‫خصوصــا الفلســطينين‬ ‫‪ -4‬أنَّ خســارة إيــران حللفائهــا التقليديــن‬ ‫ً‬ ‫منهم‪-‬رغــم االختــالف املذهبــي بينهــم ‪-‬يعنــي إضعــاف املشــروع‬ ‫التوســعي اإليرانــي يف املنطقــة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ويف هــذا الصــدد نــرى‪ :‬إ َّنــه وبســبب االنقســام الفلســطيني منــذ‬ ‫عــام‪2007‬م؛ فالناظــم الســتمرار هــذا االنقســام مــن عدمــه يكمــن‬ ‫يف املصالــح اإليرانيــة اإلقليميــة؛ وعليــه‪ :‬فــإنَّ إليــران شــأنها شــأن‬ ‫غيرهــا مــن الــدول اإلقليميــة يف املنطقــة كتركيــا علــى ســبيل املثــال‪،‬‬ ‫مصالــح يف املنطقــة ويف غيرهــا مــن مناطــق العالــم مســتغلة الفــراغ‬ ‫بســبب االنشــغال العربــي‪.‬‬ ‫وال يُفهــم يف هــذا الســياق‪ :‬أنَّ إيــران املســؤول الوحيــد عمــا يبــدو‬ ‫ســلب ًيا لــدى البعــض؛ بــل إنَّ تراجــع النظــام الرســمي العربــي إزاء‬ ‫التحـ ُّوالت علــى الصعيــد الفلســطيني‪ ،‬أ ّكــد نظريــة الفــراغ اإلقليمــي‬ ‫مــن ناحيــة‪ ،‬وبــ ّدد حلــم األمــن القومــي العربــي‪ ،‬فــكان التقــ ّدم‬ ‫اإليرانــي علــى ســاحة اإلقليــم العربــي مــن اخلليــج العربــي إلــى‬ ‫احمليــط األطلســي‪ ،‬بفعــل املوقــف اإليرانــي مــن القضيــة الفلســطينية‬ ‫قضيــة العــرب املركزيــة ‪-‬وبفعــل املواقــف اجلذريــة مــن السياســات‬‫اإلســرائيلية واملشــاريع الغربيــة األمريكيــة يف املنطقــة عمو ًمــا‪.‬‬ ‫بنــوع مــن اجلد ّيــة‪ :‬هــل سياســة إيــران نحــو‬ ‫ولنــا أ ْن نتســاءل‬ ‫ٍ‬ ‫(إســرائيل) هــي مجــ ّرد وســيلة أم غايــة؟ يف احلقيقــة‪ :‬ليــس مــن‬ ‫الصعوبــة مبــكان اإلجابــة عــن هــذا الســؤال املهــم؛ فإيــران تبحــث أوالً‬ ‫وأخيــراً عــن مصاحلهــا الذاتيــة قبــل مصالــح اآلخريــن‪ ،‬وال غضاضــة‬ ‫يف اســتخدامها األدوات والوســائل املناســبة لتحقيــق وإجنــاز هــذه‬ ‫املصالــح‪ .‬فإيــران ليــس وار ًدا يف حســاباتها أ ْن تشـ َّـن حر ًبــا مباشــرةَ‬ ‫ضــد (إســرائيل)‪ ،‬وهــي تعــي متا ًمــا خطــورة اتّخــاذ هكــذا خطــوة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫وعوضــا عــن ذلــك‪ :‬فإنهــا تســاعد حــركات املقاومــة العربيــة يف‬ ‫التصــ ّدي (إلســرائيل) نيابــ ًة عنهــا‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪125‬‬

‫ملف العدد‬

‫التوجهات السياسية اإليرانية جتاه الدول العربية‪ ،‬وانعكاساتها‬ ‫ثان ًيا‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫على القضية الفلسطينية‬ ‫إنَّ العالقــات العربيــة ـ اإليرانيــة يف الوقــت الراهــن متــر بأســوأ‬ ‫مراحلهــا‪ ،‬تُرخــي بظاللهــا علــى القضيــة الفلســطينية التــي لــم تســلم‬ ‫ســواء مــن املماحــكات الداخليــة الفلســطينية‪ ،‬أو اخلالفــات العربيــة‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬أو الصراعــات السياســية واملجتمعــة يف الــدول عربيــة‪،‬‬ ‫وكذلــك مــن العالقــات العربية‪-‬العربيــة املتو ّتــرة أصـ ً‬ ‫ال‪.‬‬ ‫ففلس ــطين ًيا‪ :‬اس ــتغلّت إي ــران قبي ــل احلِ ــراكات العربي ــة ظاه ــرة‬ ‫االنقســـام الفلســـطيني بـــن حركتـــي فتـــح وحمـــاس بصـــورةٍ أو‬ ‫بأخ ــرى‪ ،‬لك ــي تضم ــن له ــا موط ــئ ق ــدم يف الس ــاحة الفلس ــطينية‪،‬‬ ‫ملموس ــا‬ ‫فكان ــت م ــن ضم ــن األط ــراف اإلقليمي ــة الت ــي لعب ــت دو ًرا‬ ‫ً‬ ‫يف تعطيـــل املصاحلـــة بـــن فرقـــاء االنقســـام‪ ،‬مـــن خـــالل الدعـــم‬ ‫املالــي والعســكري الــذي ق ّدمتــه حلركــة حمــاس حتــى تاريــخ انــدالع‬ ‫األزم ــة الس ــورية‪.‬‬ ‫أ ّمــا عرب ًيــا‪ :‬اســتغلّت إيــران انطــالق احلِ ــراكات العربيــة لتنســلَّ‬ ‫داخ ــل النس ــيج العرب ــي‪ ،‬ولتدع ــم ط ـ ٍ‬ ‫ـرف داخ ــل دول ـ ٍـة عربي ـ ٍـة ض ــد‬ ‫طـ ٍ‬ ‫ـرف آخ ــر‪ ،‬كم ــا يف مص ــر إذ أ ّي ــدت إي ــران امل ــد الش ــعبي املص ــري‬ ‫ضـــد حكـــم الدكتـــور محمـــد مرســـي املنتمـــي جلماعـــة اإلخـــوان‬ ‫املســلمن‪ ،‬نظـ ًرا ملوقــف مرســي وجماعتــه مــن األزمــة الســورية‪ .‬ويف‬ ‫ســوريا‪ :‬اتّخــذت طهــران موق ًفــا مؤ ّي ـ ًدا للنظــام الســوري‪ ،‬مــع دعمــه‬ ‫بالوســائل السياســية والقتاليــة كافــة؛ بــل وصــل األمــر إلــى إرســال‬ ‫وح ـ ٍ‬ ‫ـدات قتالي ـ ٍـة إل ــى س ــوريا للقت ــال بج ــوار النظ ــام ض ــد معارضي ــه‬ ‫الس ــورين م ــن ناحي ــة‪ ،‬وض ـ َّـد التنظيم ــات اجلهادي ــة املتن ّوع ــة الت ــي‬ ‫ال تنتم ــي إل ــى املواطن ــة الس ــورية بصل ــة م ــن ناحي ـ ٍـة أخ ــرى‪ .‬ويف‬ ‫اليم ــن‪ :‬س ــاندت طه ــران ِمب ــا أوتي ــت م ــن قـ ـ ّوة جماع ــة احلوثي ــن‬ ‫الشــيعية‪ ،‬وأمدتّهــا باألســلحة الثقيلــة والصواريــخ البالســتية بعيــدة‬ ‫املـــدى‪ ،‬وج ّرأتهـــا علـــى اخلـــروج عـــن طاعـــة الرئيـــس عبـــد ربـــه‬ ‫منص ــور ه ــادي‪.‬‬ ‫عمومــا نــرى أن التدخّ ــل اإليرانــي يف املنطقــة العربيــة لــم‬ ‫رئيســا الســتنزاف القضيــة الفلســطينية وإخراجهــا عــن‬ ‫يكــن ســب ًبا‬ ‫ً‬ ‫مســارها‪ ،‬بــل أحــد هــذه األســباب‪ ،‬والفلســطينيون أنفســهم وبعــض‬ ‫العــرب هــم املســؤولون مســؤولية مباشــرة عــن إضعــاف قضيتهــم‬ ‫املركزيــة وإنهاكهــا بخالفاتهــم غيــر املبــررة‪ ،‬األمــر الــذي جــ ّرأ‬ ‫اآلخريــن علــى التدخّ ــل يف شــؤونهم الداخليــة‪.‬‬ ‫ثــال ـث ـً ــا‪ :‬م ــالمـ ــح ال ـ ــدور اإلي ــران ـ ــي ف ـ ـلـسـطـيـنـيـ ًــا ب ـ ـ ـع ـ ـ ــد ت ــوقـ ـيـ ـ ــع‬ ‫االت ـ ـف ــاق الـن ــووي‬ ‫هنالــك اعتقــا ٌد بــأنَّ املوقــف اإليرانــي حيــال ملفــات منطقــة‬ ‫الشــرق األوســط بعــد توقيعهــا لالتفــاق النــووي مــع الــدول الغربيــة‬ ‫خصوصــا إذا مــا رفعــت الــدول الغربيــة حصارهــا‬ ‫ســوف يتبــ ّدل‪،‬‬ ‫ً‬

‫‪124‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الموقــف التركــي براغماتــي مكيافيلــيل وأرادت أنقــرة الضغــط عــى‬ ‫االتح ــاد األوروب ــي للقب ــول بتركي ــا عضــ ًوا بالقط ــاع حص ــان ط ــروادة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ملموســة يف الكفــاح‬ ‫مواقــف‬ ‫واإلســالمي‪ ،‬بســبب مــا تتبنّــاه مــن‬ ‫املس ـلّح ضــد الوجــود اإلســرائيلي يف فلســطن‪ .‬لذلــك‪ :‬فمــن وجهــة‬ ‫أساســا‬ ‫نظــر أنقــرة فــإنَّ بوابتّهــا لزعامــة العــرب واملســلمن مرتبطــة‬ ‫ً‬ ‫بكســب التأييــد الفلســطيني مبختلــف أطيافــه‪ ،‬مــا قــد يُســ ّهل لهــا‬ ‫مه ّمــة الزعامــة مســتقب ً‬ ‫ال‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬عاقة تركيا بالمنطقة العربية‬

‫ش ـ ّكل وصــول حــزب العدالــة والتنميــة للحكــم يف عــام ‪2002‬م‪،‬‬ ‫توثي ًقــا للعالقــات التركيــة مــع الــدول العربيــة‪ ،‬وجــاء تعزيــز تلــك‬ ‫العالقــات نتيجــة قناعــات قــادة هــذا احلــزب بضــرورة تســريع تنامــي‬ ‫وتيــرة العالقــات التركيــة بالبلــدان العربيــة‪ ،‬علــى أمــل أ ْن تتط ـ ّور يف‬ ‫ٍ‬ ‫بشــكل أكبــر لتصبــح‬ ‫املســتقبل‬ ‫ٍ‬ ‫عالقــات اســتراتيجية‪ ،‬خاصــ ًة وأنَّ‬ ‫تركيــا تتطلّــع إلــى جتــاوز الكثيــر مــن العقبــات غيــر الضروريــة التــي‬ ‫َحـ ّدت مــن تطويــر العالقــات‪ ،‬ولتعزيــز نفوذهــا يف العالــم اإلســالمي‬ ‫باعتبــار أنَّ تركيــا مــن أهــم وأقــوى البلــدان يف الشــرق األوســط‬ ‫والعالــم اإلســالمي‪ ،‬خاصـ ًة يف ظــل اإلدراك واالحتيــاج االســتراتيجي‬ ‫املشــترك لــكال الطرفــن تبــرز احلاجــة إلــى ضــرورة تفعيــل عالقاتهــا‬ ‫مــع البلــدان العربيــة وتطويرهــا‪.‬‬ ‫ومــع اســتالم "أردوغــان" رئاســة الــوزراء بــدأت تركيــا تبحــث لهــا‬ ‫ـدم يف املنطقــة فحســب؛ بــل املنافســة علــى‬ ‫عــن فرصـ ٍـة ال كموطــئ قـ ٍ‬ ‫الزعامــة يف ظــل خــوار العــرب الســن ّيون مــن جهــة‪ ،‬ومسـ ٍـاع إيرانيـ ٍـة‬ ‫ـدأب‬ ‫حثيثــة لالنقضــاض علــى هــذه الزعامــة التــي تعمــل مــن أجلهــا بـ ٍ‬ ‫مــن جهـ ٍـة أخــرى‪ .‬فتركيــا‪ :‬بحكــم عضويتهــا يف حلــف الناتــو‪ ،‬وق ّوتهــا‬ ‫العســكرية امللحوظــة‪ ،‬وتقاربهــا الواضــح للعيــان مــع الواليــات املتحدة‪،‬‬ ‫وتذبــذب عالقتهــا (بإســرائيل) بســبب احلصــار املفــروض علــى قطــاع‬ ‫غــزة منــذ عــام ‪2007‬م‪ ،‬وحادثــة االعتــداء علــى أســطول احلريــة يف‬ ‫امليــاه الدوليــة لقطــاع غــزة يف عــام ‪2010‬م‪ ،‬واتّبــاع سياســة صفــر‬ ‫خصوصــا اجلــارة ســوريا حتــى انطــالق‬ ‫مشــاكل مــع الــدول اإلقليميــة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫احلِ ــراك الســوري يف آذار (مــارس) ‪2011‬م‪ ،‬ومــع مصــر حتــى تاريــخ‬ ‫عــزل الرئيــس محمــد مرســي يف ‪ 3‬متــوز (يوليــو) ‪2013‬م‪.‬‬ ‫يف ض ــوء ذل ــك كل ــه‪ :‬ارت ــأت تركي ــا أنَّ األوان ق ــد آن الس ــترداد‬ ‫زعامتهــا علــى املنطقــة العربيــة بعدمــا فقدتهــا أ ّبــان احلــرب العامليــة‬ ‫األولــى؛ وبالتالــي‪ :‬رأت بعــد ازديــاد شــعبيتها عرب ًيــا وإســالم ًيا بســبب‬ ‫مؤهل ــة للول ــوج إل ــى‬ ‫موقفه ــا م ــن حص ــار قط ــاع غ ــزة‪ ،‬أ َّنه ــا بات ــت ّ‬ ‫املل ــف الفلس ــطيني بكاف ــة تفاصيل ــه‪ ،‬واتّخ ــذت م ــن ه ــذا احلص ــار‬ ‫تؤه ــل أنق ــرة نفس ــها لزعام ــة‬ ‫مفتاح ــا لذل ــك الول ــوج‪ .‬ولكــ ْن ولك ــي ّ‬ ‫ً‬

‫املنطقـــة‪ ،‬جنـــد بعـــد وصـــول حـــزب العدالـــة والتنميـــة إلـــى ســـ ّدة‬ ‫احلك ــم أنَّ العالق ــات التركي ــة ‪ -‬املصري ــة ق ــد تو ّت ــرت‪ ،‬م ــا أ ّدى إل ــى‬ ‫انعطـ ٍ‬ ‫خصوصــا بعــد فــرض احلصــار‬ ‫ـاف خطيـ ٍـر يف تلــك العالقــات‪،‬‬ ‫ً‬ ‫اإلقليمـــي والدولـــي علـــى قطـــاع غـــزة‪ .‬ومـــع خـــالف مصـــر مـــع‬ ‫حمــاس‪ ،‬وإغالقهــا املتك ـ ّرر ملعبــر رفــح املوصــل بــن مصــر والقطــاع‪،‬‬ ‫دأب ــت احلكوم ــة التركي ــة عل ــى مطالب ــة مص ــر بفت ــح املعب ــر‪ ،‬وذل ــك‪:‬‬ ‫يف محاول ـ ٍـة منه ــا إلثب ــات دعمه ــا للفلس ــطينين وبحج ــة أ ْن تخلّ ــى‬ ‫أشــقّاؤهم الع ــرب عنه ــم‪.‬‬ ‫لذلــك‪ :‬ورغــم كافــة اإلمكانيــات التــي متتلكهــا تركيــا لكنّهــا غيــر‬ ‫ـب بهــا علــى األقــل مــن جانــب بعــض القــوى اإلقليميــة العربيــة‪،‬‬ ‫مرحـ ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫أو حتــى مــن جانــب (إســرائيل)‪ ،‬كل حســب مقتضيــات مصاحلــه‬ ‫الوطنيــة‪ .‬فمصــر والســعودية ال يرضيــان مبزاحمــة قــ ّوة إقليميــة‬ ‫أي محاولــة‬ ‫وتدخلهــا يف الشــؤون العربيــة كتركيــا‪ ،‬لذلــك‪ :‬فــإنَّ َّ‬ ‫ـب بهــا مــن األطــراف‬ ‫تركيــة ُوجــدت ولــو علــى اســتحياءٍ لــم يكــن مرحـ ٌ‬ ‫اإلقليميــة ِمبــا يف ذلــك الســلطة الفلســطينية التــي تنتمــي إلــى محــور‬ ‫االعتــدال العربــي‪.‬‬

‫الموقــف اإليرانــي مــن القضيــة الفلســطينية يف ظــل تنافســها‬ ‫عــى زعامــة العالــم اإلســامي‬ ‫فـيـمـــا يـخـــص عـالقـــة إيران بالـقـضـيـــة الـفـلسـطـــينية فـــي ظـــل‬ ‫ـري بنــا التو ّقــف عنــد‬ ‫تـنـافـسـهـــا علــى زعـامـــة الـعـــالم اإلســالمي‪ ،‬حـ ٌّ‬ ‫النق ــاط التالي ــة‪:‬‬ ‫أو ًال‪ :‬عالقة إيران بالتنظيمات الفلسطينية‬ ‫لعبــت إيــران بعــد جنــاح الثــورة اإلســالمية عــام ‪1979‬م‪ ،‬دو ًرا‬ ‫مه ًّمــا جتــاه القضيــة الفلســطينية‪ ،‬وســارعت إلــى تقــدمي الدعــم‬ ‫املــادي والعســكري للثــورة الفلســطينية يف لبنــان‪ ،‬وذلــك بعــد أ ْن‬ ‫قطعــت كافــة ارتباطاتهــا وعالقتهــا (بإســرائيل)‪ ،‬وح ّولــت الســفارة‬ ‫مكتــب لتمثيــل منظمــة التحريــر‪ .‬ويف‬ ‫اإلســرائيلية يف طهــران إلــى‬ ‫ٍ‬ ‫املقابــل‪ :‬وبعــد اإلعــالن عــن نشــأة حركــة اجلهــاد اإلســالمي يف‬ ‫وجهــت‬ ‫فلســطن عــام ‪1986‬م‪ ،‬وحركــة حمــاس يف العــام التالــي‪ّ ،‬‬ ‫إيــران دعمهــا لهاتــن احلركتــن اإلســالميتن؛ وذلــك ملســاعدتهما يف‬ ‫مقاومــة االحتــالل اإلســرائيلي مــن ناحيــة‪ ،‬ونكايـ ًة مبنظمــة التحريــر‬ ‫التــي دعمــت العــراق ض ّدهــا مــن ناحيـ ٍـة ثانيــة‪ ،‬وكجــزءٍ مــن حملتهــا‬ ‫لتصديــر الثــورة للخــارج‪ ،‬واســتقبلت مم ّثلــن عــن هاتــن احلركتــن‪.‬‬ ‫اســتم َّر الدعــم اإليرانــي الالمحــدود لقــوى املقاومــة ومنهــا‬ ‫حركتــا اجلهــاد اإلســالمي وحمــاس بــال تو ّقــف خــالل العقــد التاســع‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪123‬‬

‫ملف العدد‬

‫زعـامـــة أنـقـــرة وطـهـــران للـمـنـطـقـــة تـمـــر عـبـــر بـوابـــة الـتـأييـــد الـفـلـسـطـــيني‬

‫تأثيــر االســتقطاب اإلقليمــي عــى القضيــة‬ ‫الفلســطينية‪ :‬دور تركيــا وإيــران‬ ‫ـري بن ــا التو ّق ــف‬ ‫فيم ــا يخ ــص عالق ــة تركي ــا بالقضي ــة الفلس ــطينية يف ظ ــل تنافس ــها عل ــى زعام ــة العال ــم اإلس ــالمي‪ ،‬ح ـ ٌّ‬ ‫عن ــد النقطت ــن التاليت ــن‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬عالقة تركيا بالقضية الفلسطينية‬ ‫ثان ًيا‪ :‬عالقة تركيا باملنطقة العربية‬

‫د‪ .‬أسامة محمد أبو نحل‬

‫أوالً‪ :‬عاقة تركيا بالقضية الفلسطينية‬ ‫خال ًفـــا للمعط ّيـــات الدينيـــة والوجدانيـــة والتاريخيـــة للقضيـــة‬ ‫الفلســـطينية لـــدى األتـــراك عمو ًمـــا‪ ،‬وحـــزب العدالـــة والتنميـــة‬ ‫خصوصـــا‪ ،‬تقـــوم املقاربـــة التركيـــة للقضيـــة الفلســـطينية‬ ‫احلاكـــم‬ ‫ً‬ ‫علـــى ثالثـــة أســـس‪ ،‬منهـــا الثوابـــت املبدئيـــة‪ ،‬وأخـــرى القانونيـــة‪،‬‬ ‫وثالثـــة السياســـية التـــي تـــرى‪:‬‬ ‫‪ -1‬أنَّ هنــاك شــع ًبا مظلو ًمــا‪ ،‬حيــث أراضيــه محتلّــة‪ ،‬وقضيتــه عادلــة‪،‬‬ ‫وميتلــك كل املق ّومــات القانونيــة والشــرعية التــي تخ ّولــه الدفــاع عــن‬ ‫حقــه‪ ،‬وال يوجــد داعــم حقيقــي لــه علــى حــد مــا تــردده أنقــرة‪ .‬كمــا‬ ‫أنّ قضيتــه تتح ـ ّول دو ًمــا إلــى عنصــري‪ :‬االســتغالل والتوظيــف مــن‬ ‫قبــل أطــراف عديــدة لتبقــى تــدور يف دائــرةٍ مفرغــة‪ ،‬وتبقــى بالتالــي‪:‬‬ ‫جــز ًءا مــن حالــة عــدم االســتقرار اإلقليمــي‪ ،‬واحلــروب والنزاعــات‬ ‫القائمــة يف الشــرق األوســط‪.‬‬ ‫املؤسســات الدوليــة‬ ‫عــن‬ ‫وتصــدر‬ ‫صــدرت‬ ‫‪ -2‬أنّ هنــاك قــرارات‬ ‫ّ‬ ‫ـص عليهــا‬ ‫لصالــح القضيــة الفلســطينية‪ ،‬وحقــوق ال ميكــن جتاهلهــا نـ ّ‬ ‫القانــون الدولــي‪ ،‬ومــع ذلــك يتــم جتاهلهــا‪ ،‬والقفــز علــى هــذه احلقــوق‬ ‫واحملصــن الــذي متنحــه بعــض الدول (إلســرائيل)‪،‬‬ ‫عبــر املوقــع املم ّيــز‬ ‫ّ‬ ‫وجلــوء األخيــرة إلــى الق ـ ّوة العســكرية مــع الفلســطينين‪ ،‬وهــو أمــر‬ ‫غيــر مقبــول‪ ،‬كمــا تــردد تركيــا‪.‬‬ ‫وبالتالــي‪ :‬فــإنَّ حتقيــق األجنــدة التركيــة يتطلّــب اســتقرا ًرا‬ ‫إقليم ًيــا‪ ،‬وتعتبــر القضيــة الفلســطينية يف صلــب معظــم املشــاكل‬ ‫واحلــروب التــي جــرت خــالل العقــود املاضيــة‪ ،‬بســبب السياســة‬ ‫ـالل وعــدوان‪ ،‬وبقــاء هــذه القضيــة‬ ‫اإلســرائيلية ومــا مت ّثلــه مــن احتـ ٍ‬

‫معلّ ًقــة علــى هــذه الشــاكلة مــن شــأنه أن يُبقــي منطقــة الشــرق‬ ‫األوســط مشــتعلة‪ ،‬وال يؤ ّثــر ذلــك علــى املنطقــة وشــعوبها فحســب‪،‬‬ ‫بــل إنَّ ارتداداتــه ســتؤ ّثر ســل ًبا علــى الوضــع يف تركيــا‪ ،‬وعلــى األجنــدة‬ ‫التركيــة‪ ،‬وقــدرة تركيــا علــى حتقيــق هدفهــا االســتراتيجي‪.‬‬ ‫وظهــرت تركيــا خــالل العــدوان اإلســرائيلي علــى قطــاع غــزة‬ ‫أواخــر عــام ‪2008‬م؛ كواحــدةٍ مــن الــدول التــي وقفــت بقــ ّوة إلــى‬ ‫خصوصــا يف قطــاع غــزة‪ ،‬عكســتها‬ ‫جانــب الشــعب الفلســطيني‬ ‫ً‬ ‫املواقــف الرســمية والشــعبية وتعليقــات الصحــف‪ ،‬وبــرز رئيــس‬ ‫الــوزراء التركــي "رجــب طيــب أردوغــان" يف واحـ ٍـد مــن أقــوى املواقــف‬ ‫احتجاجــا علــى هــذا العــدوان بعدمــا وصفــه أ ّنــه‬ ‫املع ّبــرة واملؤ ّثــرة‬ ‫ً‬ ‫إهانــة لتركيــا نفســها‪.‬‬ ‫وباإلمــكان القــول‪ :‬إنَّ املوقــف التركــي الرســمي لــم يكــن موق ًفــا‬ ‫سياسـ ًيا ترك ًيــا ثاب ًتــا يع ّبــر عــن رغبـ ٍـة خالصـ ٍـة يف التخلّــص متا ًمــا مــن‬ ‫ربقــة ارتباطــات أنقــرة بتــل أبيــب‪ ،‬بقــدر مــا هــو موقـ ٌ‬ ‫ـف براغماتــي‬ ‫مييــل أكثــر إلــى املكيافيلليــة‪ ،‬أرادت أنقــرة مــن خاللــه الضغــط علــى‬ ‫االحتــاد األوروبــي للقبــول بتركيــا عض ـ ًوا دائ ًمــا فيــه‪ .‬فقطــاع غــزة‬ ‫مي ّثــل بالنســبة ألنقــرة حصــان طــروادة‪ ،‬تســتطيع مــن خاللــه الضغــط‬ ‫علــى األطــراف كافــة دفع ـ ًة واحــدة لتحقيــق مصاحلهــا القوميــة‪.‬‬ ‫فتركيــا التــي تعمــل حثي ًثــا علــى اســتعادة أمجادهــا القدميــة‬ ‫بتزعــم العالــم اإلســالمي‪ ،‬تــرى أنَّ األوان قــد آن لضــم الفلســطينين‬ ‫ّ‬ ‫بالــذات إلــى محورهــا أل ّنهــم أصحــاب قضيــة نضــال عادلــة‪،‬‬ ‫خصوصــا‬ ‫ويكتســبون شــعبية جماهريــة طاغيــة عرب ًيــا وإســالم ًيا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫طاغيــة يف الشــارعن العربــي‬ ‫بشــعبية‬ ‫حركــة حمــاس التــي تتم ّيــز‬

‫‪122‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫بـــالــــفــــاح نـــــســـــعـــــــى‪ ..‬وبــــالــــــقـــــــدس نـــــرقــــــى‪..‬‬

‫أهل القدس شرابهم وطعامهم التكبير والتهليل‬ ‫والتسبيح وشيخهم وقسيسهم جن ًبا إىل جنب‬ ‫ويف زحمــة اآلهــات أشــرقت االبتســامات‪ ،‬وفرحــت النفــوس‪ ،‬وارتقــت الهمــم‪ ،‬فــكان للفــالح بصمــات‪ ،‬ولرئيســها كلمــات‬ ‫مؤثــرات‪ ،‬بــات عاك ًفــا علــى رعايتهــم والســعي ملناصرتهــم‪ ،‬هــو هنــاك وهــم علــى بــاب األســباط‪ ،‬مــا منعــه احلضــور ســوى‬ ‫االحتــالل‪ .‬إن العمــل للقــدس ليــس كأي عمــل‪ ،‬والســعي لنصرتهــا ال يثبــت فيــه إال املوفــق التقــي‪ ،‬فعلــى عتبــات املســجد‬ ‫األقصــى املبــارك تُكشــف النوايــا وتظهــر اخلفيــات‪ ،‬وتبــان الغايــات‪.‬‬

‫املستشار مهنا نعيم جنم‬

‫يف خضـــم األحـــداث‪ ،‬التـــي عصفـــت بالعاصمـــة املقدســـة‬ ‫ومســـجدها املبـــارك‪ ،‬كان أهلهـــا واملرابطـــن فيـــه علـــى أبـــواب‬ ‫املس ــجد معتكف ــون‪ ،‬تله ــج ألس ــنتهم بالدع ــاء بكلم ــة واح ــدة ال ثاني ــة‬ ‫لهـــا (يـــا اهلل) كانـــت كافيـــة لتهـــز أركان كيـــان االحتـــالل‪ ،‬وتقلـــق‬ ‫خططهـــم‪ ،‬وتنصـــر املســـتضعفن املرابطـــن علـــى أبـــواب املســـجد‬ ‫األقصـــى املبـــارك‪.‬‬ ‫شــرابهم وأكلهــم مــا هــو ســوى تكبيــر وتهليــل وتســبيح‪ ،‬افترشــوا‬ ‫األرض والتحفــوا الســماء‪ ،‬كان شــيخهم وقسيســهم جن ًبــا إلــى جنــب‪،‬‬ ‫منــع األذان مــن علــى مــآذن املســجد فصــدع مــن على كنائــس القدس‪.‬‬ ‫انطلقــت قوافــل املصلــن‪ ،‬وتبعتهــم حافــالت املرابطــن‪ ،‬ليشــدوا‬ ‫عضــض إخوانهــم هنــاك علــى بــاب األســباط والعامــود وحطــة‪ ،‬فــكان‬ ‫جلمعيــة الفــالح اخليريــة بفلســطن فضــل بعــد اهلل يف رعايتهــم‬ ‫ونقلهــم‪ ،‬وكان اســمها لــه نصيــب مــن نشــاطها وعملهــا اخليــري الــذي‬ ‫مــا انحــاز إال للشــعب ومقدســاته‪.‬‬ ‫كانــت الفــالح أول مــن لبــت نــداء األقصــى‪ ،‬وأغاثــت أهلــه‪ ،‬فمنــذ‬ ‫تأسيســها وهــي تُعلــي هــرم بصماتهــا يف نصرتــه‪ ،‬ففــي محنتــه التــي‬ ‫عاشــها يف شــهر متــوز املنصــرم‪ ،‬ســيرت حافــالت املرابطــن وقدمــت‬ ‫إفطــار للصائمــن‪ ،‬وصيانــة ملرافــق املســجد األقصــى املبــارك تعاو ًنــا‬ ‫إحساســا منهــا بثقــل األمانــة التــي‬ ‫مــع األوقــاف واملؤسســات واألفــراد‬ ‫ً‬ ‫ألقيــت علــى عاتقهــا‪ ،‬وليســت كغيرهــا مــن مؤسســات تعمــل للقــدس‪،‬‬ ‫فهــي حريصــة علــى احلفــاظ علــى النســيج االجتماعــي والوطنــي‬ ‫فيهــا‪ ،‬وتواف ًقــا مــع السياســة العامــة الوطنيــة للحفــاظ عليهــا عاصمــة‬ ‫لدولــة فلســطن‪.‬‬

‫حــن تعلــو الهمــة ال ترضــى إال بالقمــة‪ ،‬ومــن رضــي بالــدون‬ ‫دنــي‪ ،‬ومــن جــد وجــد‪ ،‬ارتقــت همــة رئيســها الدكتــور رمضــان طنبــورة‬ ‫حتــى جابــت بــالد العــرب‪ ،‬والغــرب‪ ،‬يســرد قصتهــا اجلميلــة‪ ،‬ويرســم‬ ‫خريطتهــا الذهبيــة املكتســية شــعاعها مــن قبــة الصخــرة املشــرفة‪،‬‬ ‫حديثــه عــن أهلهــا وأزقتهــا‪ ،‬وحاراتهــا‪ ،‬يســمر بهــا مــع أهــل اخليــر‪،‬‬ ‫ويشــرح لهــم معانــي صمودهــا‪ ،‬وربــاط أهلهــا‪ ،‬يشــدو عــن ســهولها‬ ‫وهضابهــا‪ ،‬وكأنــه يعيــش فيهــا ويقطــن بلدتهــا القدميــة‪.‬‬ ‫يتصــل كثيـ ًرا ويســأل عمــا ميكنــه تقدميــه فأهــل اخليــر ينتظــرون‬ ‫تفاصيلــه واخبــاره وصــوره التــي دائ ًمــا تنقــل لهــم حقيقــة مــا يجــري‪،‬‬ ‫ومــا يحــدث‪.‬‬ ‫تتدفـق كلماتـه احلانيـة‪ ،‬وعباراتـه الراقيـة‪ ،‬وهمتـه العالية‪ ،‬لتزيد‬ ‫مـن صمـود املرابطـن‪ ،‬وتربـط علـى قلوبهـم بـأن أهل اخليـر معهم‪.‬‬ ‫صدحــت التكبيــرات علــى أبــواب املســجد األقصــى املبــارك‬ ‫وفتحــت األبــواب اخلشــبية وأزيلــت كل أشــكال القمــع التــي نصبــت‬ ‫لفــرض واقــع التقســيم الزمانــي واملكانــي الــذي ســعى لــه االحتــالل‪،‬‬ ‫فكانــت الفــالح أولــى اجلمعيــات التــي رابطــت مــع القــدس‪ ،‬فتجدهــا‬ ‫تتفــن يف تنــوع خدماتهــا‪ ،‬ومشــاريعها واعمالهــا إلغاثــة أهلهــا ونصــرة‬ ‫مســجدها املبــارك‪.‬‬ ‫الفــرح ال يقتصــر علــى وجبــة طعــام لفقيــر‪ ،‬وال كســوة عيــد‬ ‫ليتيــم‪ ،‬وال حافلــة للمرابطــن تســير‪ ،‬بــل هــي اســتمرارية العطــاء‪،‬‬ ‫وإغاثــة الضعفــاء‪.‬‬ ‫* ﻋﻀﻮ اﻟﻬﻴﺄة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﺑﺎﻟﻘﺪس‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪121‬‬

‫ملف العدد‬

‫ـت حمــات يف قطــاع غــزة للتبــرع بقيمــة يــوم عمــل ألجــل القــدس‬ ‫نُظمـ ْ‬ ‫والق ــت استحس ــان الغزيي ــن ع ــى الرغ ــم م ــن الواق ــع االقتص ــادي الصع ــب‬ ‫الغزيــن‪ ،‬علــى الرغــم مــن الواقــع االقتصــادي الصعــب للمدينــة‬ ‫احملاصــرة منــذ ‪ 10‬ســنوات‪ .‬ويف ســياق التضامــن املــادي‪ ،‬تبرعــت‬ ‫إحــدى الصحــف احملليــة الصــادرة يف قطــاع غــزة مبخصــص يــوم‬ ‫عمــل مــن رواتــب موظفيهــا تضام ًنــا مــع املســجد األقصــى‪.‬‬ ‫مديــر حتريــر صحيفــة االســتقالل التــي تصــدر مــن غــزة‪ ،‬توفيــق‬ ‫الســيد ســليم أكــد يف تصريــح لــه‪ ،‬علــى ضــرورة الوقــوف ص ًفــا واحـدًا‬ ‫من أجل دعم ومســاندة أهالي القدس واملصلن يف املســجد األقصى‪،‬‬ ‫ومواجهــة مخططــات االحتــالل اإلســرائيلي الراميــة إلــى فــرض واقــع‬ ‫جديــد يف املدينــة املقدســة‪ .‬واعتبــر الشــقاقي‪ ،‬أن التبــرع براتــب يــوم‬ ‫عمــل ملوظفــي اجلريــدة‪ ،‬هــي خطــوة خجولــة إزاء مــا يقدمــه أهالــي‬ ‫ً‬ ‫ورفضــا‬ ‫القــدس مــن تضحيــات جســام‪ ،‬نصــرة للمســجد األقصــى‬ ‫للبوابــات اإللكترونيــة التــي أقامهــا االحتــالل علــى أبوابــه‪ ،‬ولكنهــا‬ ‫يف الوقــت ذاتــه رســالة للجميــع أن شــعبنا ال يقبــل املســاس باملســجد‬ ‫األقصــى وإغــالق أبوابــه أو فــرض إجــراءات أمنيــة إســرائيلية عليــه‪.‬‬ ‫مســاجد غــزة هــي األخــرى متيــزت بالتعاطــي مــع مــا يجــري‬ ‫يف القــدس‪ ،‬وتفاعلــت مــع األحــداث مــن خــالل مشــاركتها بالدعــاء‬ ‫والقنــوت هلل عــز وجــل بــأن ينصــر األقصــى واملقدســين املرابطــن‪،‬‬ ‫تضرعــا‬ ‫وأقيمــت يف بعــض املســاجد يف قطــاع غــزة صــالة القيــام‬ ‫ً‬ ‫ـور‬ ‫هلل لتحريــر األقصــى مــن اإلســرائيلين‪.‬كذلك تزينــت املســاجد بصـ ٍ‬ ‫للمســجد األقصــى املبــارك‪ ،‬وقبــة الصخــرة‪ ،‬واُفــردت مســاحات كبيــرة‬ ‫داخــل املســاجد للحديــث عــن تاريــخ املســجد األقصــى‪ ،‬وجغرافيــة‬ ‫املدينــة املقدســة‪ ،‬وموقــع املســجد مــن الديــن اإلســالمي‪.‬‬

‫المسيحيون جن ًبا إىل جنب مع المسلمين‬ ‫لــم تكــن املســاجد يف قطــاع غــزة وحدهــا هــي مــن تدعــوا اهلل‬ ‫لنصــر املدينــة املكلومــة‪ ،‬إذ أقيمــت العديــد مــن الصلــوات يف كنائــس‬ ‫قطــاع غــزة‪ ،‬وحتــدث رجــال الديــن املســيحين عــن القــدس وتشــاركوا‬ ‫مــع املســلمن يف غــزة ملناصــرة املقدســين‪.‬‬ ‫وأشــاد الفلســطينيون يف القطــاع بالوقفــة التاريخيــة لســكان‬ ‫القــدس يف مواجهــة جميــع إجــراءات االحتــالل بــكل قــوة‪ ،‬رغــم‬ ‫محــاوالت قمعهــم مــن قبــل قــوات االحتــالل التــي ح َّولــت املســجد‬ ‫األقصــى ومحيطــه إلــى ثكنــة عســكرية يف محاولــة لفــرض إجــراءات‬ ‫ُ‬ ‫تهــدف إلــى الســيطرة علــى املســجد واملقدســات باملدينــة‪.‬‬ ‫ووقائــع‬ ‫جمعــة ســالمة ‪ -‬مــن قطــاع غــزة‪ -‬النائــب األول لرئيــس الهيــأة‬ ‫اإلسالمية العليا للقدس‪ :‬قال "إن موقف أهالي املدينة املقدسية الذين‬ ‫ضربــوا أروع األمثلــة يف الصبــر والثبــات أمــام احملتــل املتغطــرس‪ ،‬أثبتــوا‬

‫أنهــم إلــى جانــب أهلنــا مــن فلســطينيي الداخــل‪ ،‬علــى قــدر املســؤولية‪،‬‬ ‫وأنهــم يســتحقون هــذا الشــرف الــذي حتــدث عنه النبي صلــي اهلل عليه‬ ‫وســلم يف العديــد مــن األحاديــث الشــريفة حــول القــدس واألقصــى"‪.‬‬ ‫وأضــاف ســالمة حينهــا‪ " ،‬إن هــذه املواقــف املشــرفة للمقدســين‬ ‫واألشــقاء يف الداخــل احملتــل هــي صفحــة مشــرقة تنضــم إلــى‬ ‫الصفحــات املشــرقة لنضــاالت شــعبنا عبــر التاريــخ"‪ ،‬وأنهــا قــد علمــت‬ ‫درســا بــأن إجراءاتــه الظاملــة لــن متــر علــى الشــعب‪ ،‬ولــن يوافــق‬ ‫احملتــل ً‬ ‫عليهــا إطال ًقــا ويف طليعتــه الفئــة املؤمنــة يف املدينــة املقدســة التــي ال‬ ‫تقبــل بــأي إجــراءات لالحتــالل‪ ،‬فالقــدس إســالمية‪ ،‬واملســجد األقصــى‬ ‫إســالمي خالــص ليــس لليهــود فيــه أي حــق‪ ،‬وصاحب الســيادة عليه هي‬ ‫األوقــاف وال يجــوز للمحتــل أن يتدخــل يف أي أمــر مــن أمــور املســجد"‪.‬‬

‫أزمات غزة ذابت يف أحداث األقصى‬ ‫ورغــم أن غــزة مثقلــة باألزمــات مــن انقطــاع مســتمر للتيــار‬ ‫الكهربائــي وفقــر وميــاه وبطالــة واغالقــات‪ ،‬إال أن جميــع وســائل‬ ‫اإلعــالم والتواصــل االجتماعــي‪ ،‬نســوا كل هــذه األزمــات وكان‬ ‫صوتهــم يف كل مــكان عــن القــدس واألقصــى واملقدســين‪ ،‬وإميانهــم‬ ‫بــأن النصــر هــو حليــف املرابطــن رغــم كل اإلجــراءات اإلســرائيلية‪.‬‬ ‫وخــالل الثالثــة عشــر يو ًمــا كانت القــدس هي العنوان للجميع حتى‬ ‫املناكفــات السياســية بــن مختلــف الفصائــل ذابــت مــع ذوبــان احلديــث‬ ‫عــن األزمــات‪ ،‬باســتثناء ذلــك الصوت للقيــادي يف حماس فتحي حماس‬ ‫الــذي حــاول أن يحــرف البوصلــة وبــاءت محاوالته بالفشــل‪.‬‬ ‫ويف يــوم اخلميــس‪ 27 ،‬يوليــو ‪ 2017‬م‪ ،‬كان قطــاع غــزة علــى‬ ‫ٍ‬ ‫فــرح كبيــر‪ ،‬إذ تــواردت األنبــاء مــن املدينــة املقدســة أن‬ ‫موعــد مــع ٍ‬ ‫قــوات االحتــالل أزالــت البوابــات االلكترونيــة واألعمــدة التــي نصبتهــا‬ ‫علــى مداخــل املســجد األقصــى املبــارك لقرابــة األســبوعن‪ ،‬وبذلــك‬ ‫مت َّ َكــن املقدســيون مــن تســجيل انتصـ ٍـار يف وجــه االحتالل اإلســرائيلي‪.‬‬ ‫حالــ ٌة مــن الفــرح العــام ســادت أوســاط أهالــي قطــاع غــزة‪،‬‬ ‫علــى إثــر االنتصــار الــذي حتقــق علــى االحتــالل وجبروتــه‪ ،‬ووزعــت‬ ‫احللــوى علــى مفترقــات الطــرق‪ ،‬وأقيمــت صلــوات الشــكر يف املســاجد‬ ‫والكنائــس‪ ،‬وخــرج املواطنــون مبســيرات عفويــة تعبي ـ ًرا عــن فرحتهــم‬ ‫باالنتصــار الــذي وصفــوه بـ"الكبيــر"‪ ،‬ليجســدوا مشــهدًا طــال انتظــاره‬ ‫وهــو مشــهد الوحــدة الفلســطينية وطــي صفقــة انقســام الزال مســتم ًرا‬ ‫منــذ أحــد عشــر عام ـاً‪.‬‬ ‫* ﺻﺤﻔﻲ ﻓﻠﺴﻄﻴﻨﻲ ـ ﻏﺰة‬

‫‪120‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ما أطلقه قيادي حركة حماس فتحي حماد صوت نشاز للنيل من صمود‬ ‫المقدسـيين وذر الرمـاد يف العيـون وال يعبـر عـن موقـف الغزييـن األصيـل‬ ‫بــأول ونشــر الصــور ونشــر البوســتات والتغريــدات املؤيــدة والداعمــة‬ ‫لصمودهــم قبالــة بوابــات األقصــى‪.‬‬ ‫كمــا أعلنــت اإلذاعــات احملليــة حالــة الطــوارئ وفتحــت موجاتهــا‬ ‫لدعــم القــدس واألقصــى واملقدســين عبــر موجــات مفتوحــة مــع‬ ‫املواطنــن‪ ،‬وكان أبرزهــا إذاعــة صــوت القــدس التــي يصــل أثيرهــا‬ ‫إلــى القــدس والضفــة الغربيــة مــن قطــاع غــزة‪.‬‬ ‫ويف هــذا الســياق‪ ،‬أشــار مديــر البرامــج يف إذاعــة القــدس هانــي‬ ‫مطــر لـــ "آراء حــول اخلليــج"‪ ،‬أن جتميــد اإلذاعــة خطتهــا البرامجيــة‬ ‫مــع أحــداث األقصــى هــو واجــب وطنــي وأخالقــي ودينــي‪ ،‬ألن صــوت‬ ‫املواطــن الغــزي الداعــم ألخيــه املقدســي يزيــد مــن عزميتــه وإصــراره‬ ‫موضحــا أن املوجــات املفتوحــة‬ ‫علــى الربــاط يف مواجهــة االحتــالل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بــن غــزة والقــدس كان لهــا أثرهــا وحــاول االحتــالل التشــويش علــى‬ ‫اإلذاعــة لكــي ال يصــل صــوت الغــزي للمرابطــن‪.‬‬ ‫كمــا توجــه الغزيــون لالحتــكاك بجيــش االحتــالل علــى طــول‬ ‫الشــريط احلــدودي لقطــاع غــزة‪ ،‬معبريــن عــن غضبهــم ملــا يجــري يف‬ ‫القــدس مــن إجــراءات إســرائيلية‪ ،‬وهــو مــا أدى إلــى إصابــة عشــرات‬ ‫الشــبان بالرصــاص احلــي واملطاطــي‪ .‬ودشــن شــبا ٌن غزيــون عــد ًدا‬

‫كبيــ ًرا مــن الهاشــتاجات نصــرة لأقصــى‪ ،‬ومســاندة للمقدســين‪،‬‬ ‫وتصــدرت الهاشــتاجات يف حينهــا مواقــع التواصــل االجتماعــي‪.‬‬ ‫وأفــردت الصحــف احملليــة صفحــات ومالحــق للحديــث عــن‬ ‫القــدس واملقدســين‪ ،‬ولــم تتــرك شــاردة وال واردة إال حتدثــت بهــا‬ ‫مــن خــالل تقاريــر معمقــة‪.‬‬ ‫يف الســياق ذاتــه‪ ،‬تفاعــل رجــال الــرأي والديــن والسياســة مــع‬ ‫أحــداث القــدس بشــكل منقطــع النظيــر‪ ،‬إذ تداعــوا إلــى وســائل‬ ‫التواصــل‪ ،‬واحملطــات التلفزيونيــة‪ ،‬واإلذاعــات احملليــة‪ ،‬ووجهــوا‬ ‫العديــد مــن الرســائل إلــى األمــة العربيــة واإلســالمية ملناصــرة‬ ‫املقدســين‪ ،‬وكان ملناشــداتهم أثــر كبيــر يف عــدد مــن املظاهــرات التــي‬ ‫خرجــت يف العالــم العربــي واإلســالمي والــدول الغربيــة‪.‬‬ ‫ولــم يتوقــف تضامــن أهــل غــزة مــع القــدس عنــد املشــاركة‬ ‫بالكلمــة‪ ،‬والدعــاء‪ ،‬والوقفــات الشــعبية‪ ،‬واملســيرات اجلماهيريــة‪ ،‬إذ‬ ‫تخطــاه إلــى التبــرع باملــال لصالــح املقدســين‪ ،‬إذ تبــرع عــدد كبيــر‬ ‫منهــم باملــال لصالــح القــدس واملقدســين‪.‬‬ ‫ونُ‬ ‫ظمــت عــدد مــن احلمــالت يف قطــاع غــزة حثــت املوظفــن‬ ‫ْ‬ ‫للتبــرع بيــوم عمــل ألجــل القــدس‪ ،‬والقــت حمــالت التبــرع استحســان‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪119‬‬

‫ملف العدد‬

‫أصــوات قيــادي حمــاس النشــاز لــم تؤثــر علــى الوحــدة الوطنيــة الفلســطينية‬

‫غــزة تتفاعــل مــع القــدس المحتلــة لنصــرة‬ ‫األقصــى يف أزمتــه مــع االحتــال‬ ‫من ــذ اللحظ ــة األول ــى ألح ــداث املس ــجد األقص ــى األخي ــرة يف مدين ــة الق ــدس احملتل ــة‪ ،‬والت ــي وقع ــت بتاري ــخ ‪ 14‬يولي ــو‬ ‫املاض ــي‪ ،‬بع ــد عملي ــة إط ــالق الن ــار والطع ــن الت ــي نفذه ــا ثالث ــة ش ــبان م ــن عائل ــة جباري ــن‪ ،‬ض ــد الش ــرطة اإلس ــرائيلية‬ ‫يف باحــات األقصــى‪ ،‬وأدت إلــى مقتــل شــرطين إســرائيلين‪ ،‬وتبعهــا إجــراءات منهــا حرمــان املقدســين مــن الصــالة يف‬ ‫املس ــجد‪ ،‬ومحاولته ــم ف ــرض بواب ــات الكتروني ــة وكامي ــرات مراقب ــة عل ــى مداخ ــل األقص ــى‪ ،‬إال أنه ــم اضط ــروا للتراج ــع‬ ‫بع ــد ثالث ــة عش ــر يو ًم ــا م ــن رب ــاط املقدس ــين قبال ــة ب ــاب األس ــباط‪ ،‬وس ــط دع ــم كام ــل م ــن ال ــكل الفلس ــطيني عل ــى‬ ‫املس ــتوين الرس ــمي والش ــعبي وم ــن بينه ــم س ــكان قط ــاع غ ــزة ال ــذي يعي ــش ظرو ًف ــا صعب ــة م ــن احلص ــار اإلس ــرائيلي‬ ‫املس ــتمر مل ــدة أح ــد عش ــر عا ًم ــا‪.‬‬

‫كرمي عوض‬ ‫وكان لقطــاع غــزة موقــف ليــس باجلديــد عليــه منــذ إعــالن‬ ‫االحتــالل حظــر دخــول الفلســطينين للمســجد األقصــى يــوم‬ ‫اجلمعــة الــذي صــادف العمليــة (‪/14‬يوليــو)‪ ،‬حيــث خــرج الغزيــون‬ ‫عقــب صــالة اجلمعــة يف مســيرات حاشــدة جابــت جميــع محافظــات‬ ‫القطــاع‪ ،‬رافعــن صوتهــم عاليـاً ضــد االحتــالل وممارســاته‪ ،‬مؤكديـ َن‬ ‫أن املســجد األقصــى ً‬ ‫خطــا أحمــر‪ ،‬وأنــه ال ميكــن القبــول مبــا تنــوي‬ ‫احلكومــة اإلســرائيلية اليمينيــة التــي يترأســها بنيامــن نتنياهــو‪ ،‬مــن‬ ‫فرضــه علــى أرض الواقــع بالســيطرة علــى باحــات األقصــى وفــرض‬ ‫التقســيم الزمانــي واملكانــي كمــا حــدث يف املســجد اإلبراهيمــي يف‬ ‫مدينــة اخلليــل ســابقاً‪.‬‬ ‫ولعــب تفاعــل قطــاع غــزة مــع أحــداث األقصــى دو ًرا رئيس ـ ًيا يف‬ ‫رفــع الــروح املعنويــة لــدى املقدســين وشــعروا أنهــم ليســوا وحدهــم يف‬ ‫املعركــة‪ ،‬ويف الوقــت ذاتــه كان األصــوات الناشــزة التــي حاولــت النيــل‬ ‫مــن صمودهــم والتــي أطلقهــا القيــادي يف حركــة حمــاس فتحــي حمــاد‬ ‫لــذر الرمــاد يف العيــون ألنهــا ال تعبــر عــن موقــف الغزيــن األصيــل‪.‬‬ ‫وأكــدت الصحافيــة املقدســية ديــاال جويحــان لـــ "آراء حــول‬ ‫اخلليــج"‪ ،‬أن مشــهد قطــاع غــزة منــذ اليــوم األول ألحــداث األقصــى‬ ‫أعطــى دفعــة وقــوة معنويــة للمرابطــن قبالــة بــاب األســباط‪ ،‬وشــعروا‬ ‫أنهــم ليســوا لوحدهــم يف املواجهــة‪ ،‬إلــى جانــب املوقــف الرســمي‬ ‫الفلســطيني يف الضفــة الغربيــة‪ .‬ولفتــت إلــى أن اتهامــات القيــادي‬ ‫البــارز يف حركــة حمــاس فتحــي حمــاد للمرابطــن بأنهــم مســتمرون‬

‫بالربــاط مــن أجــل الوجبــات الســاخنة واملــال هــي اتهامــات ال متثــل‬ ‫أي فلســطيني وعربــي غيــور علــى القــدس واملقدســات اإلســالمية‪،‬‬ ‫مؤكــدة أن هــؤالء املقدســين الذيــن ميثلــون رأس احلربــة يف الدفــاع‬ ‫عــن مســرى ســيدنا محمــد األولــى بــأن توجــه لهــم كل اإلمكانــات‬ ‫لدعــم صمودهــم ال أن توجــه إليهــم التهــم غيــر الشــريفة كالتــي‬ ‫أطلقهــا "حمــاد" ومؤيــدوه‪.‬‬ ‫وأكــدت أن هــذه التصريحــات أحدثــت توتـ ًرا يف بــادئ األمــر إال‬ ‫أن مشــاهد الشــارع الغــزي أوصلــت الصــوت احلقيقــي جتــاه القــدس‪.‬‬ ‫وأوضحــت أن هــذا املســؤول احلمســاوي حــاول تعكيــر صفــو الوحــدة‬ ‫الفلســطينية جتــاه البوصلــة املتمثلــة يف القــدس احملتلــة إال أنهــا‬ ‫بــاءت بالفشــل بانتصــار املقدســين وإجبارهــم احلكومــة اإلســرائيلية‬ ‫للتراجــع عــن قراراتهــا التــي أرادت عــن جتســدها كأمــر واقــع‪.‬‬

‫أشكال التضامن والدعم‬ ‫ومتثلــت أشــكال التضامــن والدعــم الغــزي للمقدســين يف‬ ‫معركتهــم مــع االحتــالل اإلســرائيلي بعــدة أوجــه‪ ،‬منهــا‪ ،‬متابعــة‬ ‫أحــداث اشــتباكات الشــرطة اإلســرائيلية واملقدســين‪ ،‬والصلــوات‬ ‫اخلمســة علــى مواقــع ومنصــات التواصــل االجتماعــي الفيســبوك‬ ‫وتويتــر والواتســاب واالنســتغرام‪ ،‬ونشــر مشــاهد مؤثــرة للمقدســين‬ ‫مســلمن ومســيحين مترابطــن ومتوحديــن يف وجــه االحتــالل‬ ‫اإلســرائيلي‪ ،‬وحظيــت بتعاطــف كبيــر‪ .‬كمــا تابعــوا األخبــار أوالً‬

‫‪118‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫ويضيــف املرابــط املصــري جمــال خليــل أن مشــاركة املســلمن مــن‬ ‫خــارج فلســطن بالتصــدي القتحامــات املســتوطنن هــو واجــب دينــي‬ ‫والتــزام أخالقــي جتــاه قبلــة املســلمن األولــى‪.‬‬ ‫ويضيــف جمــال أن الزيــارة لأقصــى يجــب أن تكــون ليســت كأي‬ ‫زيــارة بــل بنيــة الدفــاع عنــه‪ ،‬وهــذا يترتــب عليــه التصــدي القتحامــات‬ ‫املســتوطنن‪ ،‬ولهــذا أنــا ضــد فتــاوى التحــرمي املطلق لزيــارة األقصى‪،‬‬ ‫ـائحا لأقصــى مبــا يجمــل‬ ‫إمنــا التحــرمي يجــب أن يكــون ملــن يأتــي سـ ً‬ ‫االحتــالل ويدعمــه‪ ،‬أمــا مــن جــاء مجاه ـدًا حلمايــة األقصــى فهــذا‬ ‫ليــس جائـزًا فحســب بــل واجــب ملــن اســتطاع إليــه ســبي ً‬ ‫ال‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أحــد حــراس املســجد األقصــى وهــو ماهــر القيســي يعمــل يف‬ ‫األقصــى منــذ ‪ 33‬عا ًمــا يقــول إن احلراســة يف األقصى هي مســؤولية‬ ‫وأمانــة خاصــة يف ظــل مــا يتعــرض لــه املســجد مــن إجــراءات حملاولــة‬ ‫املــس بقدســيته‪ ،‬إضافــة إلــى االقتحامــات واالنتهــاكات مــن قبــل‬ ‫املتطرفــن اليهــود‪.‬‬ ‫وأضــاف أن احلراســة يف األقصــى هــي جــزء مــن الربــاط فيــه‬ ‫وليســت مهنــة نقــوم بهــا أو نؤديهــا بــل نحــن نعتبــر أنفســنا نقــوم‬ ‫بواجــب الربــاط والدفــاع عــن أقصانــا ومقدســاتنا وحمايتهــا‪.‬‬

‫طفولة مرابطة نشأت عى عقيدة الدفاع عن المسرى‬ ‫حراســـة المســـجد األقصـــى ‪ ...‬عقيـــدة الربـــاط‬ ‫وواجـــب الحمايـــة‬

‫أطفــال لــم يتجــاوز عمرهــم العشــرة أعــوام تراهــم‬ ‫ينتشــرون بــن املرابطــن واملعتصمــن أمــام بوابــات‬ ‫املســجد األقصــى املبــارك خــالل فتــرة احلصــار وحتــى‬ ‫قبــل ذلــك‪ ،‬ومــا أن تلتفــت عينــك مينــة ويســرة حتى ترى‬ ‫أطفــاالً صغــا ًرا إمــا يلعبــون أو يتجمعــون يف حلقــات‬ ‫العلــم‪ ،‬وحريصــون علــى التواجد الدائــم برفقة أهلهم أو‬ ‫بشــكل منفــرد داخــل باحــات املســجد األقصــى املبــارك‪.‬‬ ‫وخــالل فتــرة االعتصــام كانــت مشــاهد هــؤالء‬ ‫األطفــال وهــم يرشــون املــاء علــى املصلــن الصامديــن‬ ‫أمــام بــاب األســباط‪ ،‬أحــد أبــواب مدينــة القــدس‬ ‫القدميــة وبعضهــم يقــدم القهــوة ويــوزع الفواكــه ويســاعد يف توزيــع‬ ‫الطعــام علــى املرابطــن واملعتصمــن‪ ،‬والبعــض اآلخــر يــوزع الكتــب على‬ ‫خصيصــا لهــذا الغــرض‪.‬‬ ‫املرابطــن للقــراءة بعــد أن جمعهــا‬ ‫ً‬ ‫الربــاط يف املســجد األقصــى املبــارك كانــت فكــرة وليــدة حلظــة‬ ‫تاريخيــة مــرت بهــا مدينــة القــدس واملســجد األقصــى املبــارك علــى‬ ‫وجــه اخلصــوص وكانــت نابعــة مــن الغيــرة علــى الديــن والوطــن‬ ‫واملقدســات وهــي اليــوم أصبحــت ظاهــرة تــؤرق صنــاع القــرار يف‬ ‫كيــان االحتــالل وعلــى املســتويات األمنيــة والسياســية‪ ،‬إذا أصبحــت‬ ‫ظاهــرة عفويــة وتلقائيــة وغيــر مسيســة ال تتبــع تنظي ًمــا أو توج ًهــا‬ ‫معينًــا يقودهــا االستشــعار بــأن األقصــى يف خطــر دائــم‪ ،‬ولــذا‬ ‫وجــب الدفــاع عنــه وحمايتــه بــكل الطــرق والوســائل‪ ،‬هــذه الفكــرة‬ ‫تســتوجب مــن العــرب واملســلمن دعمهــا ومناصرتهــا واحلــرص‬ ‫علــى اســتمراريتها ورفدهــا مبزيــد مــن املرابطــن مــن كافــة أرجــاء‬ ‫األرض‪ ،‬مــن خــالل تكثيــف الزيــارات الدوريــة للمســلمن القادريــن‬ ‫علــى الوصــول ملدينــة القــدس وهــي أبلــغ رســالة لدولــة االحتــالل بــأن‬ ‫األقصــى لــن يكــون وحيــدًا يف هــذه املعركــة ورســالة دعــم وإســناد‬ ‫للمرابطــن بأننــا معكــم لــن نخذلكــم ولــن نترككــم ولــن تكونــوا فريســة‬ ‫ســهلة وأنتــم األعلــون وأنتــم علــى ثغــر مــن ثغــور اإلســالم‪.‬‬

‫الـمــرابـطـة فـكـرة‬ ‫وليدة اللحظة نبعت من‬ ‫الغيرة عى المقدســات‬ ‫والوطـن وتؤرق صانع‬ ‫القرار يف كيان االحتال‬

‫حراســة املســجد األقصــى تعتبــر رأس احلربــة‬ ‫يف الدفــاع عــن املســجد وحمايتــه مــن التدنيــس‬ ‫واالقتحامــات‪ ،‬واحلــراس هــم دائ ًمــا يف فوهــة البركان‬ ‫ويعانــون الويــالت والعقوبــات واحلبــس والغرامــات‬ ‫الباهظــة مــن قبــل شــرطة االحتــالل مقابــل قيامهــم‬ ‫بواجبهــم الدينــي جتــاه املســجد األقصــى املبــارك‪،‬‬ ‫ويشــرف حــراس املســجد األقصــى علــى حمايــة‬ ‫املســجد والدفــاع عنــه وخدمــة املصلــن‪.‬‬ ‫ويقــول الشــيخ عمــر الكســواني مديــر املســجد األقصــى أن عــدد‬ ‫حارســا بينهــم ‪ 8‬حارســات نســاء‪ ،‬حيــث‬ ‫حــراس املســجد يبلــغ ‪235‬‬ ‫ً‬ ‫تكــون حراســة املســجد علــى مــدار الســاعة‪ ،‬والعــدد األكبــر للحــراس‬ ‫حارســا‪.‬‬ ‫يكــون خــالل الفتــرة الصباحيــة ويبلــغ ‪80‬‬ ‫ً‬ ‫وأوضــح الشــيخ الكســواني أن احلــراس يتوزعــون علــى جميــع‬ ‫أبــواب املســجد األقصــى‪ ،‬وعلــى أبــواب مســاجده الداخليــة‪ ،‬ويف‬ ‫باحاتــه‪ ،‬إضافــة إلــى دوريــات خاصــة عنــد بــاب املغاربــة‪ ،‬واحلــراس‬ ‫يقومــون بالتواجــد بشــكل خــاص يف محيــط املســتوطنن املقتحمــن‬ ‫للمســجد األقصــى لصــد أي جتــاوزات يقومــون بهــا‪.‬‬ ‫وعــن احلارســات أوضــح الشــيخ الكســواني أنهــن يعملــن داخــل‬ ‫مســجد قبــة الصخــرة واملصلــى القــدمي‪ ،‬ويتــم تنظيــم عملهــن مــن‬ ‫خــالل "نظــام املناوبــة"‪ ،‬وقــد مت توظيــف حارســات للمســجد األقصــى‬ ‫للتواجــد يف املســجدين لتأمــن كافــة ســبل الراحــة للنســاء الوافــدات‬ ‫إلــى املســجد األقصــى‪.‬‬ ‫واحلــراس كمــا يقــول الشــيخ الكســواني هــم دائ ًمــا يف دائــرة‬ ‫االســتهداف‪ ،‬اعتبــار عملهــم ووجودهــم الدائــم يف ســاحات األقصــى‬ ‫يعرضهــم للكثيــر مــن املضايقــات املتمثلــة باالعتقــال واالعتــداء‬ ‫بالضــرب واإلبعــاد عــن األقصــى‪ ،‬مضي ًفــا أن كل مصـ ٍـل هــو حــارس‬ ‫يف األقصــى وأن احلراســة ليســت مســمى وظيفــي للحــراس فقــط‬ ‫إمنــا لــكل مســلم يصــل إلــى املســجد‪.‬‬

‫* ﻛﺎﺗﺐ ﻓﻠﺴﻄﻴﻨﻲ وﺑﺎﺣﺚ ﰲ ﺷﺆون اﻟﻘﺪس‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫وبق ــاء الش ــاب املس ــيحي نض ــال جوزي ــف عب ــود واق ًف ــا يق ــرأ م ــن‬ ‫اإلجني ــل يف ي ــده‪ ،‬عال ًق ــا يف األذه ــان‪ ،‬فاملش ــهد فت ــح الب ــاب واســ ًعا‬ ‫للكشــف عــن تنــوع فريــد يف صفــوف املشــاركن باالعتصــام املفتــوح‪،‬‬ ‫فاملشــاركة يف االعتصــام الــذي هــدف إلنهــاء إجــراءات االحتــالل يف‬ ‫األقصــى‪ ،‬لــم تقتصــر علــى املصلــن الذيــن اعتــادوا ارتيــاد املســجد‪،‬‬ ‫وال حت ــى عل ــى املس ــلمن أو الع ــرب وحده ــم‪.‬‬ ‫وليــام مســيحي مقدســي أصيبــت ابنتــه بقنبلــة صــوت أثنــاء‬ ‫تواجدهــا يف االعتصــام وتصويرهــا لأحــداث‪ ،‬كان أحــد املداومــن‬ ‫علــى االعتصــام يف بــاب األســباط‪ ،‬يقــول‪" :‬نحــن شــعب فلســطيني‬ ‫واحــد ويجــب أن نســاعد بعضنــا البعــض‪ ،‬وكلمــا ازداد الوضــع‬ ‫صعوبــة يجــب أن نصمــد"‪.‬‬

‫دول الخليـــج وعبـــر جمعيـــات خيريـــة ســـاندت المرابطيـــن‬ ‫ودعمتهـــم‬ ‫تلعــب اجلمعيــات اخليريــة وبالــذات تلــك التــي تدعمهــا العديــد‬ ‫مـــن دول اخلليـــج العربـــي وبالـــذات اململكـــة العربيـــة الســـعودية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فاعـــال يف مســـاندة مجموعـــات املرابطـــن يف األقصـــى‬ ‫دو ًرا‬ ‫وبشـــتى الوســـائل املمكنـــة‪ ،‬بعـــض هـــذه اجلمعيـــات الناشـــطة يف‬ ‫األراض ــي الفلس ــطينية س ــيرت قراب ــة ‪ 100‬حافل ــة لش ــد الرح ــال‬ ‫إل ــى املس ــجد األقص ــى املب ــارك إضاف ــة لتزوي ــد املرابط ــن بامل ــاء‬ ‫والطع ــام طيل ــة الفت ــرة الت ــي أغل ــق به ــا املس ــجد‪ ..‬كم ــا أس ــهمت‬ ‫بصيان ــة مراف ــق املس ــجد بالتع ــاون م ــع أوق ــاف الق ــدس‪.‬‬ ‫رئــيـــــس إحـــــدى هـــــذه الـــجــمـعـيــــات الـدكـتــــور رمــضـــــان‬ ‫طـنـبــــورة يقـــول‪ :‬نحـــن نشـــرف علـــى دعـــم ومناصـــرة القـــدس‬ ‫واملســجد األقصــى املبــارك مــن خــالل أهــل اخليــر يف دول اخلليــج‬ ‫عام ــة والس ــعودية خاص ــة‪ ،‬وتعتب ــر جمعي ــة الف ــالح اخليري ــة الت ــي‬ ‫يرأس ــها الش ــيخ طنب ــورة وه ــو عض ــو املجل ــس الوطن ــي الفلس ــطيني‬ ‫م ــن اجلمعي ــات النش ــطة واملتمي ــزة بفلس ــطن حي ــث تأسس ــت يف‬ ‫الع ــام ‪1996‬م‪ ،‬ول ــم تنخ ــرط ب ــأي توج ــه سياس ــي‪ ،‬وق ــد أنش ــأت‬ ‫عـــدة مشـــاريع ومراكـــز تتبـــع لهـــا وتخـــدم فئـــات مختلفـــة مـــن‬ ‫املجتمـــع وتقـــدم خدماتهـــا مجا ًنـــا‪ ،‬ويف القـــدس تعتبـــر مـــن أهـــم‬ ‫اجلمعيــات العامــة فيهــا والداعمــة للـمـسـجـــد األقـصـــى الـمـبـــارك‬ ‫واملرابط ــن في ــه‪.‬‬ ‫باإلضافـــة إلـــى الدعـــم الـــذي تقـــوم بـــه بعـــض اجلمعيـــات‬ ‫اخليري ــة للمرابط ــن يف األقص ــى كان لرج ــال الق ــدس وأهله ــا دور‬ ‫فاع ــل يف دع ــم املعتصم ــن أم ــام البواب ــات خ ــالل فت ــرة احلص ــار‬ ‫مـــن رجـــال األعمـــال وأهـــل اخليـــر الذيـــن كانـــوا علـــى الـــدوام‬ ‫ي ــزودون املعتصم ــن بامل ــاء والش ــراب والطع ــام وم ــا يلزمه ــم م ــن‬ ‫أجـــل االســـتمرار يف اعتصامهـــم ودعـــم صمودهـــم يف معركتهـــم‬ ‫إلثبـــات الســـيادة الفلســـطينية واإلســـالمية علـــى املـــكان‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪117‬‬

‫ملف العدد‬

‫مهاجرون وأنصار يف الرباط المقدس‬ ‫املرابــط إبراهيــم يعــود ويؤكــد أن أهــل اخليــر مــن مدينــة القــدس‬ ‫كانــت لهــم وقفــة رجوليــة ونخــوة منقطعــة النظيــر‪ ،‬وكان دورهــم ال‬ ‫يقــل أبــدًا عــن دور املعتصمــن أمــام البوابــات فهــم كانــوا الوقــود‬ ‫الســتمرار االعتصــام وصمــود املرابطــن ملــا قدمــوه مــن دعــم مــادي‬ ‫ومعنــوي لنــا ولــم يبخلــوا عنــا بأموالهــم وجتارتهــم ووقتهــم وكانــوا‬ ‫يســاندوننا يف كل األوقــات‪ ،‬وال يغفــل إبراهيــم مــن اإلشــارة إلــى‬ ‫أهالــي األراضــي احملتلــة عــام ‪1948‬م‪ ،‬الذيــن رغــم كل املضايقــات‬ ‫واحلواجــز التــي وضعتهــا شــرطة االحتــالل للحيلولــة دون وصولهــم‬ ‫إلــى تخــوم املســجد األقصــى كانــوا دائمــن التواجــد واالعتصــام‪،‬‬ ‫وقــد انضمــوا للمعتصمــن بعــد أن اجتــازوا تلــك احلواجــز بشــتى‬ ‫الطــرق والوســائل‪.‬‬ ‫خالــد مــن منطقــة العيســوية يف مدينــة القــدس احملتلــة يــروي‬ ‫كيــف فتــح أبــواب بيتــه للمرابطــن واملعتصمــن الذيــن قدمــوا مــن‬ ‫مــدن الشــمال الفلســطيني كالناصــرة وحيفــا وأم الفحــم يعتصمــون‬ ‫ليــ ً‬ ‫ال نهــا ًرا مــع أهالــي القــدس‪ ،‬حيــث كانــت بيوتنــا مفتوحــة لهــم‬ ‫لقضــاء حاجاتهــم واالســتراحة فيهــا وتنــاول مــا تيســر مــن الطعــام‬ ‫والشــراب يف مشــهد يذكرنــا بأيــام املهاجريــن واألنصــار الذيــن‬ ‫اقتســموا كل شــيء فيمــا بينهــم عــن رضــى ومحبــة كمــا يقــول خالــد‪.‬‬ ‫ويشــير خالــد أن عــد ًدا ال بــأس بــه مــن املرابطــن واملعتصمــن‬ ‫لـــم يكونـــوا مـــن امللتزمـــن واملواظبـــن علـــى الصـــالة يف املســـجد‬ ‫األقصــى املبــارك إال أنهــم عندمــا استشــعروا بحجــم اخلطــر الــذي‬ ‫يهــدد مســرى النبــي محمــد صلــى اهلل عليــه وســلم انتفضــوا جمي ًعــا‬ ‫وهب ــوا للدف ــاع عن ــه وأقام ــوا الص ــالة يف الش ــوارع وأم ــام البواب ــات‬ ‫وكأنهـــم قضـــوا كل حياتهـــم داخـــل باحـــات املســـجد األمـــر الـــذي‬ ‫يعتب ــره خال ــد م ــن ح ــاالت االلتف ــاف الش ــعبي والفري ــدة م ــن نوعه ــا‬ ‫يف الشـــعب الفلســـطيني التـــي لقيـــت اإلجمـــاع الكامـــل واملنقطـــع‬ ‫النظي ــر م ــن اجلمي ــع مبختل ــف األطي ــاف والتوجه ــات واالهتمام ــات‬ ‫إذ أن األقصــى يجمــع الفرقــاء ويوحدهــم‪ ،‬وال توجــد قضيــة وحــدت‬ ‫الفلس ــطينين من ــذ عق ــود كه ــذه القضي ــة الت ــي وق ــف اجلمي ــع فيه ــا‬ ‫عل ــى قل ــب رج ــل واح ــد قي ــادة وش ــع ًبا وفصائ ــل وتنظيم ــات ش ــي ًبا‬ ‫وش ــبا ًنا مس ــيحين ومس ــلمن ‪.‬‬

‫زيارة األقصى للرباط فيه ليست تطبي ًعا مع االحتال‬ ‫ويذكــر املرابــط املصــري الــذي قــدم هــو وزوجتــه وأطفالــه لزيــارة‬ ‫املســجد األقصــى املبــارك قاد ًمــا مــن الســويد حيــث يقيــم وأســرته‬ ‫هنــاك منــذ ســنن‪ :‬إن زيــارة املســجد األقصــى والصــالة فيــه ونيــل‬ ‫شــرف الربــاط فيــه ولــو لبضعــة أيــام هــو أكبــر دعــم مباشــر نســتطيع‬ ‫نحــن املســلمن والعــرب القادريــن علــى الوصــول إليــه وبــأي طريقــة‬ ‫كانــت ال تعتبــر بــأي حــال مــن األحــوال تطبي ًعــا مــع دولــة االحتــالل‪،‬‬

‫‪116‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫حارســا للمســجد األقصى بينهم ‪ 8‬نســاء‪ ...‬وحراســة المســجد عى‬ ‫‪ً 235‬‬ ‫حارس ــا‬ ‫م ــدار الس ــاعة والع ــدد األكب ــر للح ــراس يك ــون ً‬ ‫صباح ــا بع ــدد ‪ً 80‬‬ ‫وتضاعــف العــدد إلــى املئــات واآلالف مــع تزايــد املواجهــات وتكثيــف‬ ‫االقتحامــات مــن قبــل املتطرفــن واملجموعــات اليهوديــة‪ ،‬وقــد وصــل‬ ‫عــدد املعتصمــن واملرابطــن خــالل احلصــار األخيــر للمســجد إلــى‬ ‫قرابــة ‪ 50‬ألــف مرابــط‪.‬‬

‫شــعو ًرا عار ًمــا بــأن الشــعب الفلســطيني بكافــة أطيافــه وقيادتــه يقــف‬ ‫خلفهــم ويســاندهم يف معركــة الصمــود وإثبــات الســيادة ونصــرة‬ ‫للحــق وللبيــت املقــدس‪.‬‬

‫المرابطون األجانب والعرب‪ :‬أخوة الدين واألقصى يجمعهم‬ ‫النساء المرابطات‪ :‬أبناؤنا وحياتنا رخيصة ألجل األقصى‬ ‫املرابط ــات والنس ــوة يف الق ــدس ه ــنً حج ــر الزاوي ــة يف قضي ــة‬ ‫الرب ــاط يف املس ــجد األقص ــى املب ــارك‪ ،‬وبإص ــرار وعزمي ــة ال تل ــن‬ ‫داوم ــت نس ــاء الق ــدس عل ــى الرب ــاط يف األقص ــى وأصبح ــن أيقون ــة‬ ‫ألهــل القــدس شــيبها وشــبابها‪ ،‬يصطحــن أطفالهــن حللقــات العلــم‬ ‫والـــدروس الدينيـــة يف مصاطـــب املســـجد بشـــكل دوري ومســـتمر‪،‬‬ ‫يرضعنهـــم مـــن حليـــب الكرامـــة فيكبـــرون علـــى معانـــي العـــزة‬ ‫والصم ــود مدافع ــن ع ــن أقصان ــا ومس ــرى نبين ــا محم ــد صل ــى اهلل‬ ‫علي ــه وس ــلم‪.‬‬ ‫تق ــول املرابط ــة أم إبراهي ــم وه ــي م ــن س ــكان الق ــدس العتيق ــة‪:‬‬ ‫خ ــالل حص ــار املس ــجد األقص ــى كان ــت جمي ــع نس ــاء الق ــدس يف‬ ‫املي ــدان ويف الرب ــاط وم ــع املعتصم ــن أم ــام أب ــواب املس ــجد‪ ،‬جن ًب ــا‬ ‫إلـــى جنـــب مـــع الشـــبان والشـــيوخ واألطفـــال نشـــد مـــن أزرهـــم‬ ‫وندعمه ــم مب ــا نس ــتطيع متس ــلحن بالدع ــاء هلل ع ــز وج ــل بالنص ــر‬ ‫املبــن‪ ،‬وكنــا كذلــك نصنــع الطعــام ونرســله للمرابطــن كــي يســتمروا‬ ‫يف الصم ــود‪.‬‬ ‫ويف بعــض احلــاالت كمــا ذكــرت أم إبراهيــم كانــت بعــض النســاء‬ ‫ترفــض تقــدمي الطعــام والشــراب ألزواجهــن وأبنائهــن داخــل البيــوت‬ ‫وأن الطع ــام فق ــط أم ــام األب ــواب ويف س ــاحة االعتص ــام لتحفيزه ــم‬ ‫للتواجــد الدائــم إلــى جانــب املرابطــن واملعتصمــن‪.‬‬ ‫علــى مــدار أســبوعن مــن الصمــود املتواصــل علــى بوابــات‬ ‫املســجد األقصــى املبــارك ســطر املرابطــون ملحمــة أســطورية لــم‬ ‫تكــن يو ًمــا يف حســبان املؤسســة اإلســرائيلية بذراعيهــا السياســي‬ ‫واألمنــي‪ ،‬ووقــف الكيــان اإلســرائيلي حائــ ًرا أمــام هــذا املشــهد‬ ‫حيــث توحــد اجلميــع خلــف القيــادات الدينيــة يف املدينــة املقدســة‬ ‫التــي دعمــت املرابطــن وســاندتهم يف كل شــيء ووقــف اجلميــع مــع‬ ‫املرابطــن رافضــن أي إجــراء عنصــري مــن قبــل االحتــالل حــول‬ ‫املســجد األقصــى‪.‬‬ ‫ويف خطــوة متقدمــة قــررت القيــادة الفلســطينية قطــع كافة أنواع‬ ‫االتصــاالت مــع دولــة االحتــالل حتــى تلبيــة كافــة مطالــب املرابطــن‬ ‫واملعتصمــن يف القــدس وهــو األمــر الــذي عــزز مــن موقفهــم وأضــاف‬

‫وانضـــم إلـــى املرابطـــن يف اعتصامهـــم عـــدد مـــن املســـلمن‬ ‫القادمــن مــن عــدة دول ممــن متكنــوا مــن الوصــول ملدينــة القــدس‬ ‫مـــن الصـــن وتركيـــا وماليزيـــا واندونيســـيا ومصـــر وغيرهـــا ‪..‬‬ ‫باإلضافـــة إلـــى بعـــض املتضامنـــن مـــن غيـــر املســـلمن ومنهـــم‬ ‫متضام ــن هولن ــدي يدع ــى ميخائي ــل ويبل ــغ م ــن العم ــر ‪ 37‬عا ًم ــا‪،‬‬ ‫رحبـــوا بـــه‪ ،‬وأطعمـــوه‬ ‫حيـــث كان يجلـــس مـــع املرابطـــن‪ ،‬الذيـــن ّ‬ ‫طعا ًمـــا فلســـطين ًيا شـــعب ًيا‪ ،‬حيـــث روى لهـــم أنـــه درس تاريـــخ‬ ‫الديان ــات يف الش ــرق األوس ــط‪ ،‬ويعتب ــر أن احل ــق الفلس ــطيني يف‬ ‫هـــذه األرض متجـــذر‪.‬‬ ‫إحــدى املرابطــات املقدســيات معلمــة تدعــى هنــادي كانــت‬ ‫يومــي لالعتصــام أمــام بــاب األســباط تــروي أحــد‬ ‫حتضــر بشــكل‬ ‫ّ‬ ‫املواقــف التــي أكــدت علــى العالقــة بــن املســجد األقصــى املبــارك‬ ‫والعمــق العربــي واإلســالمي قائلــة‪ :‬جتهزنــا يف إحــدى ليالــي‬ ‫االعتصــام لصــالة العشــاء‪ ،‬لكــن االحتــالل باغتنــا بالهجــوم علــى‬ ‫احملتشــدين وأطلــق علينــا األعيــرة الناريــة والقنابــل املســيلة للدمــوع‪،‬‬ ‫وأنــا كنــت مــع نســاء مســنّات وهربنــا مردديــن األذكار وآيــات مــن‬ ‫القــرآن‪ ،‬ويف تلــك اللحظــة كانــت جتاورنــا صحفيــة روســية تصــ ّور‬ ‫األحــداث‪ ،‬بــدأت بالصــراخ وأمســكت بيــدي‪ ،‬وبعدهــا تف ّرقنــا بســبب‬ ‫اســتمرار إطــالق القنابــل‪.‬‬ ‫هــذه املشــاهد وغيرهــا خاصــة تلــك املــرأة التــي تــداول رواد‬ ‫مواقــع التواصــل االجتماعــي لهــا وهــي تبكــي بعــد إصابــة ابنتهــا‪،‬‬ ‫إثــر فــض االحتــالل جمــوع املعتصمــن أمــام أبــواب األقصــى‪ ،‬لكنهــا‬ ‫رغــم ذلــك قالــت‪" :‬ال أفكــر اآلن يف ابنتــي‪ ،‬كل مــا أريــده هــو نصــرة‬ ‫األقصــى‪ ،‬فلتكــن ابنتــي وســيلة لذلــك‪ ،‬وألكــن أنــا ً‬ ‫أيضــا"‪.‬‬

‫المسيحيون ‪ " ..‬مرابطون " من أجل الكرامة والحرية‬ ‫باإلضاف ــة إل ــى مش ــاهد املتضامن ــن األجان ــب م ــع املرابط ــن‬ ‫واملعتصمـــن علـــى أبـــواب املســـجد األقصـــى املبـــارك‪ ،‬رســـم‬ ‫الفلس ــطينيون وخاص ــة أبن ــاء بي ــت املق ــدس ص ــورة متث ــل احلال ــة‬ ‫الفريـــدة التـــي يتمتـــع بهـــا املقدســـيون مـــن التآخـــي اإلســـالمي‬ ‫املســـيحي‪ ،‬وال يـــزال مشـــهد ســـجود املصلـــن يف بـــاب األســـباط‪،‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪115‬‬

‫ملف العدد‬

‫المرابطون يف األقصى مئات الرجال والنساء ال تنظيم لهم ويعملون‬ ‫بشـكل تطوعـي للبقـاء وأصبحـوا حائـط الصـد األول للدفـاع عن المسـجد‬ ‫نبينــا محمــد صلــى اهلل عليــه وســلم هــذه الكلمــات يرددهــا كافــة‬ ‫املرابطــن يف القــدس وينفذونهــا يوم ًيــا مــن خــالل التواجــد داخــل‬ ‫األقصــى يوم ًيــا ولــو مــن خــالل تأديــة صــالة واحــدة فيــه علــى األقــل‬ ‫كمــا يقــول محمــد‪.‬‬ ‫يـضـيـــف الـمـرابـــط مـحـمـــد‪ :‬إن قـــوات االحـتـــالل احـتـجـزتـــه‬ ‫أكـثـــر مـــن مـــرة ومـنـعـتـــه مـن الـوصــول للـمـسـجـــد األقـصـى بــقـرار‬ ‫قــضــائـ ــي لــمـ ــدة ثــالثـيـ ــن يـومـ ًــا إال أنــ ــه فـ ــي الـيـ ــوم الـحـ ــادي‬ ‫والثالثـــن صلـــى الفجـــر جماعـــة داخـــل األقصـــى املبـــارك مـــن‬ ‫ش ــدة الش ــوق واحلن ــن ألول ــى القبلت ــن وثان ــي املس ــجدين وثال ــث‬ ‫احلرمـــن الشـــريفن‪.‬‬ ‫وخــــالل حــصـــار الـمـسـجـد األقـصـى األخـيـر وإغـالق بـوابـاتـه‬ ‫ً‬ ‫مرابط ــا عل ــى أس ــواره مقي ًم ــا للص ــالة م ــع املعتصم ــن‬ ‫بق ــي محم ــد‬ ‫فـ ــي سـاحـ ــة بـ ــاب األسـبـ ــاط رافـضـيـ ــن الـبـوابـ ــات اإللـكـتـرونـيـ ــة‬ ‫ومصري ــن عل ــى إزالته ــا‪ ،‬ل ــم يترك ــوا امل ــكان أبــ ًدا مرابط ــن لي ـ ً‬ ‫ـال و‬ ‫نه ــا ًرا هن ــاك وطعامه ــم وش ــرابهم كان متوف ـ ًرا م ــن األهال ــي الذي ــن‬

‫ســـاندوهم بـــكل مـــا يســـتطيعون ولـــم يجعلوهـــم يشـــعرون أنهـــم‬ ‫وحده ــم يف املعرك ــة‪.‬‬ ‫يقـــول محمـــد كانـــت والدتـــي الســـبعينية تأتـــي يف صبـــاح كل‬ ‫ي ــوم تطمئ ــن علين ــا وعل ــى صمودن ــا محض ــرة معه ــا م ــا جت ــود ب ــه‬ ‫النفـــس ومعهـــا األدعيـــة التـــي تســـلحنا بهـــا مـــن أجـــل الصمـــود‬ ‫والبق ــاء وترف ــع معنوياتن ــا بالدع ــاء ل ــرب العامل ــن بالنص ــر والثب ــات‬ ‫ودح ــر االحت ــالل وبوابات ــه العنصري ــة‪.‬‬ ‫ويشــير محمــد أنــه يف بدايــة األمــر كانــت فكــرة املرابطــة داخــل‬ ‫املســجد األقصــى املبــارك لعــدة أيــام أو أســابيع مقتصــرة علــى أبنــاء‬ ‫املناطــق الشــمالية لفلســطن وعــدد مــن ســكان الضفــة الغربيــة الــذي‬ ‫يســتطيعون الوصــول عبــر احلواجــز االحتالليــة التــي تخنــق مدينــة‬ ‫القــدس وحتاصرهــا‪ ،‬وكان العــدد يقــدر بالعشــرات بــن الفينــة‬ ‫واألخــرى ومــع اشــتداد الهجمــة العنصريــة اإلســرائيلية علــى املســجد‬ ‫األقصــى توســعت فكــرة الربــاط والتواجــد داخــل باحــات وســاحات‬ ‫املســجد وأصبــح املقدســيون هــم الركيــزة األساســية للربــاط الدائــم‬

‫‪114‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫املرابطة في األقصى املبارك تضم أبناء ديانات مختلفة ومن جنسيات متعددة‬

‫المرابط ــون يف األقص ــى ‪ ..‬جن ــود لحماي ــة‬ ‫ثغ ــر م ــن ثغ ــور اإلس ــام‬ ‫يف الثامـــن والعشـــرين مـــن شـــهر ســـبتمبر ‪/‬أيلـــول للعـــام ‪2000‬م‪ ،‬قـــام أرئيـــل شـــارون برفقـــة قـــادة املؤسســـة األمنيـــة‬ ‫والسياســية يف دولــة االحتــالل اإلســرائيلي وبحمايــة مــن الشــرطة باقتحــام باحــات املســجد األقصــى املبــارك وتدنيســها‪،‬‬ ‫األمــر الــذي أثــار غضــب الفلســطينين يف كل مــكان واشــتعلت انتفاضــة شــعبية عارمــة ســرعان مــا حتولــت إلــى مواجهــات‬ ‫مس ــلحة يف كاف ــة أنح ــاء الضف ــة الغربي ــة وقط ــاع غ ــزة والداخ ــل الفلس ــطيني ناهي ــك ع ــن مواجه ــات دامي ــة وقع ــت يف‬ ‫دفاع ــا ع ــن احل ــرم القدس ــي الش ــريف‪ .‬ه ــذه األح ــداث‬ ‫باح ــات املس ــجد األقص ــى املب ــارك س ــقط فيه ــا عش ــرات الش ــهداء‬ ‫ً‬ ‫كانــت مبثابــة ناقــوس اخلطــر الــذي ولــدت منــه فكــرة املرابطــة داخــل املســجد األقصــى ويف باحاتــه وســاحاته ملواجهــة أي‬ ‫محاول ــة للمتطرف ــن اليه ــود القتحام ــه أو الص ــالة في ــه تأكي ــدا عل ــى إس ــالمية امل ــكان وعروبت ــه‪.‬‬

‫بهاء أبو عمشه‬ ‫واملرابط ــون يف األقص ــى ه ــم رج ــال ونس ــاء مقدس ــيون يق ــدرون‬ ‫باملئـــات ال تنظيـــم لهـــم ويعملـــون بشـــكل تطوعـــي للبقـــاء داخـــل‬ ‫املس ــجد األقص ــى للرب ــاط في ــه وأصبح ــوا يش ــكلون حائ ــط الص ــد‬ ‫األول للدف ــاع ع ــن املس ــجد ومن ــع أي محاول ــة لتقس ــيمه زمان ًي ــا أو‬ ‫مكان ًي ــا أو أي محاول ــة القتحام ــه وتدنيس ــه م ــن قب ــل املجموع ــات‬ ‫املتطرفـــة التـــي حتـــاول علـــى الـــدوام فـــرض حالـــة أمـــر واقـــع يف‬ ‫احل ــرم القدس ــي الش ــريف‪.‬‬ ‫وقــد دأبــت ســلطات االحتــالل خــالل الســنوات األخيــرة علــى‬ ‫اســتهداف املرابطــن ســواء باإلبعــاد أو االعتــداء عليهــم وحتــى‬ ‫االعتقــال والغرامــات الباهظــة والتهمــة واضحــة وهــي التواجــد‬ ‫بشــكل يومــي داخــل املســجد األقصــى املبــارك‪.‬‬ ‫وتوجــت حملــة االســتهداف للمرابطــن مبحاولــة مــا يســمى وزيــر‬ ‫األمــن الداخلــي يف دولــة االحتــالل بالتعــاون مــع أجهــزة أمنيــة أخــرى‪-‬‬ ‫بتقــدمي مشــروع قانــون يعتبــر املرابطــن يف املســجد األقصــى بالقــدس‬ ‫احملتل ــة تنظي ًم ــا محظ ــو ًرا‪ ،‬مم ــا يض ــع ه ــؤالء الش ــبان والفتي ــات يف‬ ‫دائــرة االســتهداف املباشــر واخلطــر احلقيقــي علــى حياتهــم وحركتهــم‬ ‫وحريتهــم يف العبــادة يف احلــرم القدســي الشــريف‪.‬‬

‫فرضوا الحصار فكان الرد بالرباط واالعتصام‬ ‫يف األحـــداث األخيـــرة يف داخـــل باحـــات احلـــرم القدســـي‬ ‫الشـــريف وعلـــى أبوابـــه ظهـــر دور املرابطـــن واملرابطـــات بشـــكل‬

‫جل ــي يف الدف ــاع ع ــن املقدس ــات وعل ــى رأس ــها املس ــجد األقص ــى‬ ‫املب ــارك عندم ــا فرض ــت ق ــوات االحت ــالل احلص ــار املطب ــق عل ــى‬ ‫املســـجد وأغلقتـــه بوجـــه املصلـــن يف محاولـــة لفـــرض حقيقـــة‬ ‫جدي ــدة عل ــى األرض م ــن خ ــالل بواب ــات الكتروني ــة متهي ـدًا لف ــرض‬ ‫حل ــم التقس ــيم‪ ،‬ف ــكان املرابط ــون وم ــن خلفه ــم كل الفلس ــطينين يف‬ ‫القــدس والداخــل شــوكة يف حلــق االحتــالل عندمــا قــرروا وبصــوت‬ ‫واض ــح وجل ــي أن ال للبواب ــات وغيره ــا م ــن اإلج ــراءات اإلحتاللي ــة‬ ‫والعنصريــة علــى أبــواب القــدس وفرضــوا اعتصا ًمــا ســلم ًيا اســتمر‬ ‫ألكث ــر م ــن أس ــبوعن عل ــى أب ــواب األقص ــى مفضل ــن الص ــالة يف‬ ‫الطرق ــات وبج ــوار األس ــوار وحت ــت ح ــرارة الش ــمس يف الع ــراء عل ــى‬ ‫القبــول بــأي وســيلة متتهــن مــن كرامــة املقدســين واملصلــن مؤكديــن‬ ‫أن ال س ــيادة لالحت ــالل عل ــى امل ــكان وأن الس ــيادة فق ــط لأوق ــاف‬ ‫اإلس ــالمية يف الق ــدس وحده ــا دون غيره ــا ضم ــن اتفاقي ــة الوض ــع‬ ‫القائــم " االستاتيســكو " منــذ االحتــالل الصهيونــي الغاشــم للقــدس‬ ‫يف العـــام ‪1967‬م ‪.‬‬ ‫هــذه األحــداث أعــادت دور املرابطــن املقدســين إلــى الواجهــة‬ ‫ودورهــم يف حمايــة املســجد األقصــى ‪ ..‬محمــد وهــو أحــد شــبان‬ ‫املدينــة املقدســة اعتــاد الذهــاب للمســجد األقصــى املبــارك منــذ‬ ‫نعومــة أظفــاره بصحبــة والــده الــذي فــارق احليــاة وهــو ينطــق‬ ‫بالشــهادتن موص ًيــا باألقصــى واحلــرم كمــا يقــول محمــد‪ " :‬نحــن‬ ‫لأقصــى فــداء ال نخذلــه وال نتركــه هــو ميــراث أجدادنــا ووصيــة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الغربيـة أول مـن عـادى السـامية وليـس العـرب فمـن يتحدثـون عـن‬ ‫حقـوق اإلنسـان اليـوم كانـوا هـم مغتصبـون حقـوق تلـك الفئـة سـاب ًقا‪.‬‬ ‫هـذه القـراءة تعطينـا رؤيـة عـن حالهـم كجماعـة منبـوذة دين ًيـا‬ ‫واجتماع ًيا وسياسـ ًيا مت اسـتغاللها من ناحية اقتصادية نتيجة عقلية‬ ‫اجلشع والفساد التي متيزت بها العقلية اليهودية‪ ،‬لكن ملا بدأ اخلطر‬ ‫يستشـعر مـن قبـل مـن يحكمـون الـدول الغربيـة بـأن اليهـود لهـم يـد يف‬ ‫إسـقاط دولهـم مـن خـالل االحتـكار للتجـارة والذهـب يف أوروبـا واتباع‬ ‫سياسـية التحريـض والتفريـق نتيجـة لتنامـي الكـره واحلقـد ملـا يلقونـه‬ ‫مـن معاملـة مـن قبلهـم مـن هنـا جاءت سياسـية الطـرد والتهجير التي‬ ‫اتبعتهـا الـدول الغربيـة للتخلـص منهـم فقـد ذكـر وليـم كار يف كتابـه‪:‬‬ ‫" اليهـود وراء كل جرميـة "أن ملـك فرنسـا سـعى إلـى حـل جـذري‬ ‫ملشـكلة اليهـود يف عـام ‪1253‬م‪ ،‬فقـد أمر بطردهـم من جميع األراضي‬ ‫الفرنسـية ملخالفتهـم قوانـن البـالد وهـذا مـا قامـت بـه كذلـك دول‬ ‫أخرى كهنغاريا وبلجيكا وسلوفاكيا والنمسا وهولندا واسبانيا‪ ،‬فاجته‬ ‫القسـم األكبـر منهـم إلـى اجنلتـرا التـي قبلـت بهم بسـبب سـيطرة عدد‬ ‫كبيـر مـن املرابـن اليهـود علـى كبـار رجـال الكنسـية االنكليـز‪ ،‬وعلـى‬ ‫قسـم كبيـر مـن النبـالء وأصحـاب اإلقطـاع الذيـن كانـوا بحاجـة إلـى‬ ‫أموال اليهود واالقتراض منهم من أجل متويل مشـاريعهم وحروبهم ‪.‬‬ ‫فسياســية الطــرد كانــت السياســية املتبعــة للــدول للتعامــل مــع‬ ‫اليهــود والتخلــص منهــم‪ ،‬إال أنهــم كانــوا يجــدون منافــذ للعــودة إلــى‬ ‫أن جــاء الطــرد مغلــف باحلجــة الدينيــة‪ ،‬فــكان التوقيــت لصالــح‬ ‫بريطانيــا التــي قامــت بالتنفيــذ بإصدارهــا الوعــد املشــؤوم‪.‬‬ ‫أما الكيفية التي مت بها تسهيل الطريق لليهود للنفاذ إلى فلسطن‪،‬‬ ‫هذا الدور لعبته بريطانيا‪ -‬وكانت وقتها أقوى قوة على األرض‪ -‬بحنكة‬ ‫سياسية مستغلة الضعف العربي وجهله آنذاك بالدهاء السياسي الغربي‪،‬‬ ‫وقتها كانت البالد العربية تإن من الظلم العثماني والتجبر الذي مارسته‬ ‫الدولة العثمانية حتت غطاء الدين‪ ،‬فجاءت بريطانيا لتقنع العرب‬ ‫مبساعدتها لقتل الراعي العثماني الذي أزعجها مترده فهي يكفيها‬ ‫تعاظم األملان‪ ،‬ومت ذلك حيث مت التخلص من الدولة العثمانية من خالل‬ ‫الثورة العربية الكبرى عام ‪1916‬م‪ .‬بدأت بريطانيا بعد ذلك بتنفيذ الغاية‬ ‫الكبرى‪ ،‬وهي تهجير اليهود إلى فلسطن متجاوزة االستنكار العربي‪،‬‬ ‫فهنالك ربط استراتيجي بن أهداف احلركة الصهيونية اإلرهابية‬ ‫وأهداف الدولة البريطانية وهذا مت ذكره يف صحيفة مانشستر جارديان‬ ‫عام ‪1916‬م‪ ،‬يف كتاب الدكتور كامل العجلوني " قبول اآلخر يف اليهودية‬ ‫حقيقة أم سراب"‪ " ،‬كانت بالد ما بن النهرين مهد الشعب اليهودي‬ ‫ومكان منفاه وجاء من مصر موسى مؤسس الدولة اليهودية‪ ،‬وإذا ما‬ ‫انتهت هذه احلرب (احلرب العاملية األولى)‪ ،‬بالقضاء على االمبراطورية‬ ‫التركية يف بالد ما بن النهرين وأدت احلاجة إلى تأمن جبهة دفاعية يف‬ ‫مصر إلى تأسيس دولة يهودية يف فلسطن فسيكون القدر قد دار دورة‬ ‫كاملة"‪ ،‬هذا يؤكد نوايا بريطانيا نحو العرب وفلسطن بشكل خاص‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪113‬‬

‫ملف العدد‬

‫وحصـل املبتغـى بحمايـة بريطانية وأمريكا وقسـمت البالد العربية‬ ‫حسـب مخطـط سـايكس ـ بيكـو السـائد إلـى اليـوم تفعيله حتت مسـمى‬ ‫شـرق أوسـطي جديـد‪ ،‬أمريـكا التـي ارتفـع شـأنها بعـد احلـرب العامليـة‬ ‫الثانيـة فأصبحـت قط ًبـا ال يسـتهان بـه‪ ،‬سـاعدت الدولـة الصهيونية يف‬ ‫احتـالل باقـي فلسـطن‪ ،‬فهـي اليـد التي تبطش بها السياسـية اليهودية‬ ‫متـى شـاءت ومـن شـاءت وهـي الراعـي احلامـي لإلرهـاب الصهيونـي‪.‬‬ ‫فاإلرهـاب الصهيونـي املنظـم تأسـس قبـل النفـاذ إلـى فلسـطن‬ ‫فالتخطيـط واالسـتعداد كان معـدًا مسـبقا‪ ،‬فاملنظمـات اإلرهابيـة‬ ‫الصهيونية أخذت الطابع املؤسسي العسكري منذ نشأتها فهي محمية‬ ‫من أي إدانة‪ ،‬ومتثل ذلك بإطالق تسمية جيش الدفاع اإلسرائيلي على‬ ‫جماعة الهاجاناه عام ‪1948‬م‪ ،‬وإدماج اجلماعات العسكرية داخل اجليش‬ ‫مثـل منظمـة اتسـل وكاخ وجـوش إميونيـم‪ ،‬هـذه املنظمـات بـدأت عملهـا‬ ‫فـور نافذهـا إلـى العالـم العربـي (لبنـان‪ ،‬األردن)‪ ،‬ويف فلسـطن اتخـذت‬ ‫املنظمـات أسـلوب التخريـب املتعمـد والعبـث باملقدسـات اإلسـالمية‪،‬‬ ‫القتـل املمنهـج ألي قامـة فكريـة تشـكل خطـ ًرا علـى أمنهـم‪ ،‬االسـتفزاز‬ ‫املتعمد للشعب الفلسطيني وإخراجه من أرضه وهدم البيوت ‪ ،‬املجازر‬ ‫املسـتمرة إلـى اليـوم‪ ،‬مـع وجـود مـا يسـمى مبنظمـات حقـوق اإلنسـان‪.‬‬ ‫بعد كل هذا احلديث اليزال املغتصب الصهيوني مستم ًرا بجرائمه‬ ‫ومجازره وإرهابه‪ ،‬فإسرائيل اليوم هي األم احلاضنة للمنظمات‬ ‫اإلرهابية يف العالم‪ ،‬إال أنهم غير محاسبن وكأنه رفع القلم عنهم‬ ‫مبعرفة مسبقة ومشروعة فشرع بريطانيا كصك غفران كنائسها مينح‬ ‫العفو‪ ،‬وفيتو أمريكا مينح احلماية لهم حتى ال يكتمل تصويت أي‬ ‫قرار لصالح فلسطن ضد محتلها‪ ،‬أصبحنا اليوم لأسف نتحدث‬ ‫عن حل الدولتن ‪،‬وكأننا نقر أن للصهاينة عندنا حق واألغرب أن‬ ‫احملتل يتعجرف علينا وال يقبل بهذا املقترح‪ ،‬كما أن هنالك من لهم‬ ‫مصالح أن يبقى الوضع كما هو عليه‪ ،‬فإخوة يوسف الزالوا يتكاثرون‬ ‫وهنالك من يطعم جوعهم فاليهود هذه عادتهم فرق تسد فهم أهل‬ ‫شقاق وفساد‪.‬كما أن الدولة الصهيونية تستغل اليوم أي هجوم ضدها‬ ‫من قبل الفلسطينين وذلك لتصعده على اإلعالم العاملي الداعم لهم‪،‬‬ ‫فهم حراسة البوابة لذلك اإلعالم‪ ،‬إلظهار االضطهاد الذي يتعرضون‬ ‫له مما يعطيهم احلق يف الدفاع عن أنفسهم‪ ،‬ورد العدوان‪ ،‬كذلك‬ ‫استعطاف العالم نحوهم‪ ،‬وإظهار املجاهدين بأنهم مجرمو حرب ال‬ ‫حق لهم بالدفاع عن بلدهم ومقدساتهم‪.‬‬ ‫لكـن نفـوض األمـر هلل ونأمـل مبجـيء يوم تتحرر بـه أرض املقدس‬ ‫مـن دنسـهم‪ ،‬فمحادثـات السـالم ال سـالم فيهـا مـن األذى‪ ،‬فالشـر‬ ‫متأصـل‪ ،‬أمـا اخلطابـات السياسـية اجلوفـاء فهـي التسـمن وال تغنـي‬ ‫مـن جـوع فقـد أرهقـت الشـعوب‪ ،‬يف ظـل اسـتعمار يتخـذ حلـة جديـدة‬ ‫طابعهـا االبتسـام وحقـوق اإلنسـان والدعايـة اإلعالميـة‪.‬‬ ‫* أﻛﺎدميﻴﺔ وﻛﺎﺗﺒﺔ ﻓﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ‬

‫‪112‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إســرائيل األم الحاضنــة للمنظمــات اإلرهابيــة فــي العالــم إال أنهــم غيــر محاســبني‬

‫أرض الميعــاد‪ :‬خرافــة للنفاذ ونشــر اإلرهاب‬ ‫الصهيونــي يف فلســطين والعالم العربي‬ ‫أرض امليعــاد تلــك اخلرافــة اليهوديــة التــي غلفــت بتفســيرات دينيــة زائفــة حتــى يشــتد وثاقهــا‪ ،‬فهــي املنفــذ لليهــود الصهاينــة‬ ‫ذرعــا‪ ،‬فهــم أهــل خــراب حيــث ارحتلــوا‬ ‫للخــروج مــن اضطهــاد عاشــوه طــوال فتــرة بقائهــم يف دول الغــرب التــي ضاقــت بهــم ً‬ ‫وحلــوا‪ ،‬إن القــراءة الصهيونيــة لتاريــخ فلســطن تــرى أنهــا أرض جــرداء خاويــة تنتظــر ســاكنيها األصليــن مــن اليهــود‪،‬‬ ‫فهــي األرض املوعــودة لهــم بزعمهــم‪ ،‬حتــى وصــل األمــر باحلركــة القوميــة اليهوديــة الصهيونيــة إلــى رشــوة أعضــاء الشــعب‬ ‫اليهــودي غيــر الراغــب يف مغــادرة البلــد الــذي يعيشــون فيــه‪ ،‬وتوصــل األمــر كذلــك إلــى إرهابهــم وتهديدهــم‪.‬‬

‫د‪ .‬رانيا عبد النعيم العشران‬

‫يشـير غوسـتاف لوبـان يف كتابـه "اليهـود يف تاريـخ احلضـارات‬ ‫األولـى "إ أن أرض امليعـاد‪ ،‬لـم تكـن إال بيئـة مختلقـة لليهـود‪ ،‬فالباديـة‬ ‫كانـت وطنهـم احلقيقـي"‪ .‬كمـا يؤكـد وأوديـد اينـون يف كتـاب "األرض‬ ‫املوعـودة خطـة صهيونيـة مـن الثمانيـات " إن اليهـود يدركـون كـم هـم‬ ‫مكرهـون وغيـر مرحـب بهـم يف الغـرب بعكس املعاملـة التي تلقوها من‬ ‫العـرب وهـذا يذكـره "هيرتـزل" مؤسـس الدولة اليهوديـة يف كتابه" دولة‬ ‫اليهـود "لذلـك وجـدوا احلـل يف إقامـة دولـة اليهـود يف األرض املوعودة‬ ‫ويقصـدون بهـا فلسـطن حسـب الروايـة يف التـوراة‪ ،‬كما يعـدد هيرتزل‬ ‫فوائـد تلـك الدولـة للحاضـن الغربـي بأنهـا سـتكون مثـل الطاعـون‬ ‫املتفشـي تقتـل بـال رحمـة‪ ،‬كمـا كتـب "هتلـر" يف كتابـه "كفاحـي" عـن‬ ‫مزاعـم اليهـود يف أرض فلسـطن بقولـه " بعـد أن مت لليهـود اإلشـراف‬ ‫الفعلـي علـى الدولـة اقتصاد ًيـا وسياسـ ًيا وفكر ًيـا تخلـوا عـن حتفظهـم‬ ‫التقليـدي وكشـفوا عمـا يسـميه أئمتهـم "مرامـي اليهوديـة العامليـة " أو‬ ‫الصهيونيـة وكفـوا عـن االدعـاء أنهـم جماعـة دينيـة ليصارحـوا النـاس‬ ‫يف كل مـكان بأنهـم يؤلفـون عر ًقـا لـه طابعه وخصائصـه‪ ،‬وأن مطمعهم‬ ‫القومـي إنشـاء وطـن قومـي يف فلسـطن ال تكـون لـه معالـم الدولـة‬ ‫مبفهومها احلديث بل يكون األرض التي يتطلع إليها اليهود املنتشرون‬ ‫حتـت كل كوكـب علـى أنهـا امللجـأ األخيـر الـذي إليـه يفزعـون"‪.‬‬ ‫فالشـعب اليهـودي كان بعيـدًا كمـا يتضـح عـن التخطيـط والتنظيـم‬ ‫الذي كانت حتتفظ به سياسية النخبة اإلسرائيلية احلاكمة والتي كانت‬ ‫تهـدف باألسـاس إلـى التخطيـط للعمـل العسـكري اإلرهابي‪ ،‬فالشـعوب‬ ‫غالبا ما تقاد لذلك فمن خطط فئة تتسم بالدهاء واملكر السياسي‪ ،‬ومن‬

‫خـالل التعبئـة النفسـية املرتكـزة على احلجة الدينية‪ ،‬جيشـت احلشـود‬ ‫اليهوديـة وبـدأ النـزح األكبـر إلـى فلسـطن مبباركـة مـن دول الغـرب‪.‬‬ ‫كمــا أن مــن يقــرأ التاريــخ يعلــم أن هــؤالء الصهاينــة كانــوا عبيــد‬ ‫بالط يف أوروبا يف العصور الوسطى والقرن السادس عشر ‪ ،‬وهذا‬ ‫‪:‬دفاعــا عــن‬ ‫مــا أشــار لــه الدكتــور عبــد الوهــاب املســيري يف كتابــه‬ ‫ً‬ ‫اإلنســان بقولــه " إن أوروبــا عاملتهــم معاملــة أدنــى باعتبارهــم غيــر‬ ‫مســيحين فاملعــروف أن الكنيســية يف أوروبــا ســاهمت يف اضطهــاد‬ ‫اليهــود‪ ،‬وكانــت الكنيســة تــرى ضــرورة اإلبقــاء علــى اليهوديــة عقيــدة‬ ‫وعلــى اليهــود شــع ًبا شــاهدًا ســيؤمن يف نهايــة الزمــان باملســيحية‪،‬‬ ‫لذلــك فاليهــود يشــكلون شــع ًبا عضو ًيــا منبــو ًذا ال مــكان لــه داخــل‬ ‫احلضــارة الغربيــة وهــو املفهــوم الــذي يشــكل إطــار التصــور الغربــي‬ ‫للجماعــات اليهوديــة منــذ أواخــر القــرن الثامــن عشــر امليــالدي‪.‬‬ ‫طبـق عليهـم بوصفهـم غربـاء قوانـن الصيـد‪ ،‬مبعنـى أنهـم يتبعون‬ ‫امللـك كالعبيـد يباعـون ويشـترون ويرهنـون‪ ،‬ويوضعـون حتـت حمايتـه‬ ‫ويصبحـون مـن أقنانـه لهـم مواثيـق خاصـة متنحهـم حقـوق ومزايـا‪،‬‬ ‫وعليهـم القيـام بوظائـف كانـت أهمهـا التجـارة والربـا وجمـع الضرائب‬ ‫وهنا كانت فائدتهم يف رفد خزينة امللك باألموال الطائلة وزيادة دخل‬ ‫األفـراد وريـع الدولـة ‪ ،‬كمـا كان يطلـب منهـم دفـع الضرائـب أعلـى مما‬ ‫كانـت تفـرض علـى التجـار املسـيحين‪ ،‬فاليهـود اسـتخدموا يف الغـرب‬ ‫كأداة يتم عن طريقها استغالل أفراد املجتمع والسيطرة على أموالهم‬ ‫والدفـع بهـا إلـى اخلزينـة حيـث يقـوم امللـك بأخـذ األمـوال منهـم عـن‬ ‫طريـق الضرائـب وبيـع املواثيـق واملزايـا لهـم‪ .‬هكـذا نـرى أن السياسـية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫واملــدارس واملــآذن والقبــاب‪ ،‬إلــخ‪ ،‬ويتواجــد يف مدينــة القدس الشــرقية‬ ‫قرابــة ‪ 340‬ألــف فلســطيني رغــم كل اإلجــراءات املمنهجــة ضدهــم‪.‬‬

‫توصيات‬ ‫حتقي ــق إجن ــاز فلس ــطيني واض ــح وتراج ــع إس ــرائيلي يف ه ــذه‬ ‫اجلولــة القصيــرة واملكثفــة مــن املواجهــة الفلســطينية املتكاملــة بــن‬ ‫الرس ــمي والش ــعبي‪ ،‬يس ــتوجب التوق ــف وتقيي ــم األح ــداث‪ ،‬وحســنًا‬ ‫فعـــل العاهـــل األردنـــي امللـــك عبـــد اهلل بـــن احلســـن عندمـــا زار‬ ‫مدينــة رام اهلل مؤخـ ًرا لدعــم موقــف القيــادة الفلســطينية والرئيــس‬ ‫محمــود عبــاس وتشــكيل خليــة أزمــة مشــتركة للتعامــل مــع تطــورات‬ ‫األوضـــاع يف مدينـــة القـــدس ومواجهـــة املخططـــات واإلجـــراءات‬ ‫اإلس ــرائيلية يف املدين ــة‪.‬‬ ‫كمــا جتــدر اإلشــارة الــى أن احلادثــة زادت مــن املشــاعر الوطنيــة‬ ‫واالنتمــاء الدينــي لــدى الشــباب الفلســطينين خاصــة املقدســين‬ ‫الذيــن حققــوا حالــة ممانعــة يف مواجهــة إجــراءات التغييــب والقمــع‬ ‫واالســتهداف اإلســرائيلي املتواصلــة‪ ،‬ومــن هنــا يجــب تقــدمي عــدد مــن‬ ‫التوصيــات كالتالــي‪:‬‬ ‫أو ًال‪ :‬الرهــان علــى الشــعب الفلســطيني باعتبــاره املدافــع عــن حقوقــه‬ ‫واحلاضــن للمســار الفلســطيني التحــرري‪.‬‬ ‫ثان ًيــا‪ :‬التأكيــد علــى أن املقاومــة الشــعبية الســلمية قــادرة علــى‬ ‫حتقيــق نتائــج هامــة يف مقابــل معادلــة القــوة والبطــش اإلســرائيلي‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪111‬‬

‫ملف العدد‬

‫ً‬ ‫ثالثـا‪ :‬أهميـة التعاضـد اإلسـالمي املسـيحي يف فلسـطن عمو ًمـا‬ ‫خصوصـا يف‬ ‫ويف مدينـة القـدس احملتلـة‪ ،‬وضـرورة تنميتـه وتطويـره‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مواجهـة اإلجـراءات اإلسـرائيلية ومشـاريع التهويـد واإلحـالل اسـتنا ًدا‬ ‫على العهدة العمرية واملصير املشترك والترابط الوطني واالجتماعي‪.‬‬ ‫رابعــا‪ :‬أهميــة التنســيق املشــترك بــن الرعايــة الفلســطينية والوصايــة‬ ‫ً‬ ‫األردنيــة للحــد مــن املمارســات اإلســرائيلية غيــر الشــرعية واملتعنتــة‬ ‫خــارج القوانــن واملعاهــدات الدوليــة‪.‬‬ ‫خامســا‪ :‬دعــم صمــود الفلســطينين وتعزيــز ســبل بقائهــم يف مناطــق‬ ‫ً‬ ‫االســتيطان و اإلحــالل خاصــة يف مدينتــي القــدس واخلليــل وقــرى‬ ‫مواجهــة املســتوطنات وجــدار الفصــل العنصــري‪.‬‬ ‫سادســا‪ :‬الســعي بــكل الســبل لتعزيــز الوحــدة الوطنيــة الفلســطينية‬ ‫ً‬ ‫وطــي صفحــة االنقســام الســوداء إلــى غيــر رجعــة‪.‬‬ ‫ـابعا‪ :‬تفعيــل اللجــان املشــتركة مــع العمــق العربــي واإلســالمي‬ ‫سـ ً‬ ‫واملؤسســات اإلقليميــة اإلســالمية والعربيــة باعتبارهــا جــدار إســناد‬ ‫سياســي وقانونــي للحقــوق الفلســطينية يف مدينــة القــدس احملتلــة‪.‬‬ ‫ثام ًنــا‪ :‬تشــجيع زيــارة القــدس لربــط األمتــن العربيــة واإلســالمية‬ ‫مبقدســاتهم اإلســالمية‪ ،‬وتعزيــز الزيــارات املســيحية للمقدســات‬ ‫املسيحية يف مدينتي القدس وبيت حلم لكشف اإلجراءات اإلسرائيلية‬ ‫العنصريــة ودعــم الفلســطينين املســلمن واملســيحين‪.‬‬ ‫* ﻛﺎﺗﺐ وﺻﺤﻔﻲ ﻓﻠﺴﻄﻴﻨﻲ‬

‫‪110‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫والثابتــة ومنــع وصــول املصلــن مــن الضفــة الغربيــة والداخــل احملتــل‬ ‫ومحاصــرة األحيــاء الفلســطينية داخــل مدينــة القــدس احملتلــة‪.‬‬

‫الفصائل الفلسطينية‪:‬‬ ‫رغـم أهميـة املواقـف الرسـمية الفلسـطينية حيـال اإلجـراءات‬ ‫اإلسـرائيلية يف القـدس‪ ،‬وإطـالق منظمـة التحريـر الفلسـطينية "نـداء‬ ‫القـدس" مـن أجـل اسـتعادة الوحـدة الوطنيـة ورأب صـدع االنقسـام‬ ‫ملواجهـة التحديـات اإلسـرائيلية ضـد الشـعب الفلسـطيني ومقدراتـه‬ ‫ومقدسـاته‪ ،‬اتخـذت الفصائـل الفلسـطينية مواقـف انفعاليـة لم تخرج‬ ‫عـن التهديـد واإلدانـة خاصـة حركـة حمـاس التـي تبسـط سـيطرتها‬ ‫علـى قطـاع غـزة‪ ،‬ولم تتجاوز املواقف دائرة املناشـدة‬ ‫وتنظيم مسـيرات احتجاجية دون التلويح إلى اخليار‬ ‫العسـكري‪ ،‬مـع اإلفـراط يف كيـل االتهامـات للسـلطة‬ ‫الفلسـطينية وحكومتها‪ ،‬واسـتغالل األوضاع كأدوات‬ ‫سياسـية وإعالميـة علـى قاعـدة اسـتمرار االنقسـام‬ ‫الداخلـي‪ ،‬فيمـا اكتفـت حركـة اجلهـاد اإلسـالمي‬ ‫باملشـاركة يف املسـيرات مـع حركـة حمـاس واإليحـاء‬ ‫بتهديـد عسـكري مـن خـالل مـواد دعائيـة مصـورة‪.‬‬

‫الموقف األردني‪:‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫يف املدينــة املقدســة لصالــح الروايــة اإلســرائيلية باعتبــار مدينــة‬ ‫القــدس كاملــة عاصمــة دولــة االحتــالل‪ ،‬رغــم القــرارات الدوليــة‬ ‫املتعاقبــة التــي تقــر بفلســطينية القــدس الشــرقية كعاصمــة للدولــة‬ ‫الفلســطينية املوعــودة‪ ،‬ومــن املعلــوم أن اإلجــراءات اإلســرائيلية ال‬ ‫تنحصــر يف محاولــة ترســيم الروايــة اليهوديــة يف املســجد األقصــى‬ ‫وخاصــة حائــط البــراق وبــاب املغاربــة رغــم قــرار اليونيســكو األخيــر‬ ‫بدحــض الروايــة اإلســرائيلية وتثبيــت األحقيــة الفلســطينية‪ ،‬ومــن أبــرز‬ ‫اإلجــراءات اإلســرائيلية لفــرض التهويــد واالحــالل‪:‬‬ ‫ حفــر أنفــاق حتــت املســجد األقصــى والبلــدة القدميــة ممــا أدى إلــى‬‫تصــدع املقدســات واملبانــي األثريــة الشــاهدة علــى عروبــة وإســالمية‬ ‫املدينــة‪ ،‬بالتــوازي مــع بنــاء مدينــة يهوديــة أســفل‬ ‫املســجد األقصــى‪.‬‬ ‫ إقامــة جســور وطــرق ومبانــي إســرائيلية وكنــس‬‫يهوديــة بهــدف تغييــر هويــة مدينــة القــدس وتهويدهــا‪.‬‬ ‫ ممارســة ضغــوط متزايــدة ودائمــة ذات صبغــة‬‫أمنيــة واقتصاديــة لتهجيــر وإزاحــة الفلســطينين‬ ‫املقدســين ودفعهــم للهجــرة والرحيــل‪.‬‬ ‫ ســن قوانــن جوهرهــا التضييــق وإجــراءات طــاردة‬‫للفلســطينين املقدســين بهــدف خفــض منــو الســكان‬ ‫وتهديــد أســباب االســتقرار‪.‬‬ ‫ ســن ضرائــب متعــددة وتصاعديــة باهظة علــى املواطنن واحلرفين‬‫ورجــال األعمــال متــس حقهــم يف الســكن والعمــل‪ ،‬وتطــال كل نواحــي‬ ‫احليــاة لدرجــة تصــل الــى فــرض ضريبــة علــى مشــاهدة التلفزيــون‪.‬‬ ‫ إغــالق كل املؤسســات الفلســطينية احلكوميــة وغيــر احلكوميــة‬‫والتضييــق عليهــا لنــزع أشــكال الوجــود الفلســطيني الرســمي أو‬ ‫املؤسســاتي وتغييــب الطابــع السياســي الفلســطيني عــن املدينــة‪.‬‬ ‫ ممارســة سياســة إغــالق وتنكيــل بالتجــار الفلســطينين خاصــة يف‬‫البلــدة القدميــة ملراكمــة خســائرهم مــع توفيــر عــروض الســتبدالهم‬ ‫بتجــار إســرائيلين يتلقــون الدعــم مــن مســتثمرين إســرائيلين‬ ‫متشــددين يف داخــل إســرائيل وخارجهــا‪.‬‬ ‫ زيــادة عمليــات الشــحن الدينــي والتطــرف مــن خــالل نشــر وزارة‬‫التربيــة والتعليــم اإلســرائيلية والوكالــة اليهوديــة آالف النســخ‬ ‫خلرائــط البلــدة القدميــة يف القــدس وضــع فيهــا صــورة ملجســم‬ ‫الهيــكل املزعــوم مــكان قبــة الصخــرة‪.‬‬ ‫ عمليــات واســعة لنشــر املخــدرات والرذيلــة بــن شــباب األحيــاء‬‫املقدســية أو مطــاردة واعتقــال النشــطاء منهــم‪.‬‬

‫اإلجراءات اإلسرائيلية‬ ‫اس ــتفزت األردن وج ــاء‬ ‫التحرك لثني إسرائيل عن‬ ‫قراراتها التي مست الوصاية‬ ‫الهاشمية عى األقصى‬

‫حتركــت القيــادة األردنيــة علــى كافــة املســتويات الدوليــة للضغــط‬ ‫علــى احلكومــة اإلســرائيلية ودفعهــا للتراجــع عــن قراراتهــا التي مســت‬ ‫الوصاية الهاشــمية على املســجد األقصى‪ ،‬واســتفزت مشــاعر الشعب‬ ‫األردنــي‪ ،‬وزاد غضــب القيــادة والشــعب األردنــي بعــد حادثــة االعتــداء‬ ‫علــى مواطنــن أردنيــن داخــل الســفارة اإلســرائيلية بعمــان‪ ،‬وموقــف‬ ‫احلكومــة اخلارجيــة اإلســرائيلية املمعــن يف االســتفزاز ومخالفــة‬ ‫األعــراف الدبلوماســية‪ ،‬فاتخــذت القيــادة األردنيــة موقــف أكثــر حــدة‬ ‫اجتــاه إســرائيل وأكثــر انســجا ًما مــع القيــادة الفلســطينية مــن خــالل‬ ‫تشــكيل حتــرك ثنائــي فاعــل إلبطــال اإلجــراءات اإلســرائيلية يف‬ ‫املســجد األقصــى‪ ،‬واســتعادة الوضــع الســابق إلــى حــن حــل قضايــا‬ ‫الوضــع النهائــي التــي تشــمل وضــع مدينــة القــدس احملتلــة‪.‬‬

‫إسرائيل لن تتوقف‬ ‫اخليبــة التــي منيــت بهــا حكومــة االحتــالل اإلســرائيلي بعــد‬ ‫اضطرارهــا للعــودة إلــى الوضــع الســابق يف املســجد األقصــى‪ ،‬ورفــع‬ ‫البوابــات االلكترونيــة‪ ،‬شــكل إخفــاق إســرائيلي هام ال ميكن االســتهانة‬ ‫بــه أو االســتكانة لــه‪ ،‬بــل يجــب العمــل علــى تعزيــز الــدور الفلســطيني‬ ‫يف حمايــة األرض واإلنســان الفلســطيني واملقدســات اإلســالمية‬ ‫واملســيحية‪ ،‬ألن اإلجــراءات اإلســرائيلية بــدأت مبكــرة منــذ احتــالل‬ ‫املدينــة وتســير يف الســنوات األخيــرة بوتيــرة متســارعة حلســم الصراع‬

‫معلومات ال بد منها‬ ‫تبلــغ مســاحة املســجد األقصــى ‪ 144‬دو ً‬ ‫منــا (‪ 144‬ألــف متــر‬ ‫مربــع) ويشــمل نحــو ‪ 200‬معلــم تضــم العديــد مــن املصليــات واملتاحــف‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪109‬‬

‫ملف العدد‬

‫تشــجيع زيــارة القــدس ضــرورة لربــط األمتــني العربيــة واإلســامية بمقدســاتهم‬

‫أحــــداث الـــقــدس األخــيــرة‪:‬‬ ‫جـــولة حـاسـمـة فـــي إطار مـعـركة ممـتـدة‬ ‫متتلــك مدينــة القــدس احملتلــة صاعــق التفجيــر الســريع والكبيــر يف تصعيــد الصــراع الفلســطيني – اإلســرائيلي‪ ،‬وميتــد‬ ‫تأثيرهــا إلــى أوســع نطــاق عرب ًيــا وإســالم ًيا وعامل ًيــا باعتبارهــا مدينــة مقدســة ترنــو للســالم يف كل العصــور‪ .‬األحــداث‬ ‫األخيــرة يف املســجد األقصــى املبــارك ومحيطــه حملــت دالالت كبيــرة يف إطــار مــا ميكــن تســميته "التدافــع الفلســطيني‬ ‫اإلســرائيلي"‪ ،‬بعــد حادثــة قيــام ثالثــة فلســطينين مــن مدينــة أم الفحــم بالداخــل احملتــل عــام ‪1948‬م‪ ،‬يحملــون اجلنســية‬ ‫اإلســرائيلية مبهاجمــة مجموعــة مــن جنــود وشــرطة االحتــالل اإلســرائيلي قــرب أحــد أبــواب املســجد األقصــى‪ ،‬ممــا دفــع‬ ‫احلكومــة اإلســرائيلية املتطرفــة لإلقــدام علــى خطــوات غيــر مســبوقة منــذ احتــالل املدينــة يف الرابــع مــن حزيــران عــام‬ ‫‪1967‬م‪ ،‬أبرزهــا إغــالق املســجد ملــدة يومــن لــم تقــم فيهــا الشــعائر اإلســالمية وصمــت صــوت األذان يف أهــم ثالــث مســجد‬ ‫للمســلمن وأول قبلــة لهــم‪.‬‬

‫عامر محمود أبو شباب‬ ‫اإلدانــة الفلســطينية للحادثــة عبــر الرئيــس الفلســطيني محمــود‬ ‫عبــاس‪ ،‬وعــدم تبنــي أي فصيــل فلســطيني الهجــوم‪ ،‬وكذلــك عــدم‬ ‫تنفيذهــا مــن قبــل فلســطينين مــن ســكان القــدس أو الضفــة الغربيــة‬ ‫أو قطــاع غــزة أفــرغ الذرائــع اإلســرائيلية مــن مبــررات كثيــرة‪ ،‬لكنه لم‬ ‫يحــد مــن تغــول احلكومــة اإلســرائيلية التــي طاملــا شــجعت مجموعات‬ ‫مــن املســتوطنن اليهــود علــى اقتحــام ســاحات املســجد األقصــى‬ ‫املبــارك يف أبــرز مظاهــر اســتفزاز الفلســطينين وحتــدي إدارة‬ ‫وحــراس املســجد األقصــى‪ ،‬حيــث تزايــدت عمليــات االقتحــام بشــكل‬ ‫كبيــر خــالل العــام اجلــاري شــارك فيهــا نحــو ‪ 19‬ألــف مســتوطن‪،‬‬ ‫جــراء الدعــم واحلمايــة الرســمية اإلســرائيلية لهــذه االعتــداءات بغيــة‬ ‫تغييــر الواقــع املســتقر يف املدينــة املقدســة‪ ،‬ومحاولــة فــرض تقســيم‬ ‫زمانــي ومكانــي يف املســجد األقصــى وباحاتــه بخــالف املتفــق عليــه‬ ‫بــن إســرائيل واجلانبــن الفلســطيني واألردنــي أصحــاب الوصايــة‬ ‫علــى أهــم ثالــث بقعــة للمســلمن يف العالــم‪.‬‬ ‫إصــرار ســلطات االحتــالل علــى سياســتها بعــد إغــالق املســجد‬ ‫األقصــى ليومــن‪ ،‬وتركيــب بوابــات الكترونيــة علــى مداخلــه وتثبيــت‬ ‫كاميــرات متطــورة اســتفز الفلســطينين وزاد مــن غضــب املقدســين‬ ‫ٍ‬ ‫حتــد للوصايــة األردنيــة املعهــودة علــى املســجد األقصــى‬ ‫وشــكل‬ ‫وفــرض واقــع جديــد يشــكل خطــ ًرا علــى إدارة وزارة األوقــاف‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬ومــس بشــكل غيــر مســبوق حريــة العبــادة للمســلمن‬

‫وأشــعل مخــاوف املســيحين مــن إجــراءات مســتقبلية متــس كنائســهم‬ ‫يف مدينــة القــدس‪ ،‬األمــر الــذي شــجع مرجعيــات دينيــة مســيحية‬ ‫وأفــراد علــى مشــاركة املســلمن اعتصاماتهــم بــل وصلواتهــم أحيا ًنــا‪.‬‬

‫موقف القيادة الفلسطينية‪:‬‬ ‫دعمــت القيــادة الفلســطينية قــرارات املراجــع الدينيــة يف‬ ‫مدينــة القــدس مبوقــف صلــب مــن خــالل إســنادها يف مواجهــة‬ ‫بلديــة االحتــالل واحلكومــة اإلســرائيلية‪ ،‬واتخــذت قــرارات هامــة‬ ‫سياســية واقتصاديــة غيــر مســبوقة وعاجلــة مثــل وقــف االتصــاالت‬ ‫مــع احلكومــة اإلســرائيلية علــى كافــة املســتويات‪ ،‬إلــى حــن العــودة‬ ‫للوضــع الســابق يف املســجد األقصــى‪ ،‬فضــال عــن ضــخ ‪ 25‬مليــون‬ ‫دوالر كدعــم مباشــر للمقدســين مــن طلبــة اجلامعــات إلــى التجــار‬ ‫بهــدف إســناد املظاهــرات واملســيرات واالعتصامــات الســلمية التــي‬ ‫نفذهــا الفلســطينيون مــن القــدس والداخــل احملتــل علــى مــدار الليــل‬ ‫والنهــار طــوال أســبوعن ً‬ ‫رفضــا للبوابــات االلكترونيــة‪ ،‬وللمطالبــة‬ ‫برفعهــا والســماح بحريــة العبــادة داخــل املســجد األقصــى‪ ،‬ومتكنــت‬ ‫املقاومــة الســلمية مــن كبــح قــدرة األجهــزة األمنيــة اإلســرائيلية‬ ‫علــى تنفيــذ مخططــات احلكومــة السياســية‪ ،‬رغــم حتويــل مدينــة‬ ‫القــدس احملتلــة إلــى ثكنــة عســكرية وقتــل ‪ 8‬شــبان وإصابــة مئــات‬ ‫املتظاهريــن واعتقــال العشــرات وإقامــة عشــرات احلواجــز املتحركــة‬

‫‪108‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫األســر مــن حرمــان بناتهــا مــن اســتكمال تعليمهــن وتزويجهــن مبكــراً‪،‬‬ ‫وتعطــل الكثيــر مــن الطلبــة عــن التعليــم بســبب اجلــدار خاصــة ممــن‬ ‫كانــت مدارســهم خــارج اجلــدار‪ .‬مــع وجــود مــا ســبق خلــق إشــكاليات‬ ‫متعــددة منهــا‪:‬‬ ‫‪ .1‬املشــاكل األســرية – وعلــى رأســها زيــادة نســبة الطــالق يف القــدس‬ ‫الناجتــة عــن الوضــع االقتصــادي والســكن اخلانــق إضافــة علــى‬ ‫دخــول بعــض النســاء ســوق العمــل ملســاعدة رب األســرة يف ســد‬ ‫االحتياجــات وهــذا بــدوره خلــق حالــة مــن صــراع األدوار يف األســرة‬ ‫وتفــكك أســري وتســرب األبنــاء مــن املــدارس ووجــود صــراع حــول‬ ‫أحقيــة التأمــن الوطنــي لــأوالد أوجــد حــاالت طــالق خاصــة إذا‬ ‫كان رب األســرة عاطـ ً‬ ‫ال عــن العمــل فإنــه يــرى بتأمــن األوالد والــذي‬ ‫عــادة يكــون مــن حــق األم وأطفالهــا حــق لــه‪.‬‬ ‫‪ .٢‬مشــكلة عمــل األطفــال‪ :‬والت ــي ب ــدت واضح ــة خاص ــة يف بع ــض‬ ‫أحيـــاء املدينـــة مثـــل املصـــرارة وبـــاب العامـــود وبـــاب الســـاهرة‬ ‫والت ــي أوج ــدت مجموع ــة م ــن األطف ــال املتس ــربن م ــن امل ــدارس‬ ‫معرض ــن لالعت ــداء واالس ــتغالل بكاف ــة أش ــكاله م ــن الكب ــار وم ــن‬ ‫املســـتوطنن ً‬ ‫أيضـــا‪.‬‬ ‫‪ .٣‬مشــكلة تعاطــي وإدمــان املخــدرات‪ :‬مــن األمــور املقلقــة أن‬ ‫القــدس وضواحيهــا أعلــى نســبة تعاطــي بنــا ًء علــى جهــاز اإلحصــاء‬ ‫الفلســطيني فنســبة املدمنــن تبلــغ ســتة آالف مدمــن و ‪ 18‬ألــف‬ ‫متعاطــي عل ًمــا بــأن الضفــة الغربيــة جميعهــا يوجــد منهــا ســتة أالف‬ ‫مدمــن‪ ،‬وعــادة تعــزى ظاهــرة انتشــار املخــدرات يف القــدس لالحتــالل‬ ‫بهــدف إحــكام الســيطرة علــى القــدس وتهويدهــا وتهجيــر ســكانها‬ ‫األصليــن مــن خــالل إضعــاف أهــم عنصــر وهــم الشــباب وعمــدت‬ ‫بالدرجــة األولــى بنشــر املخــدرات بكافــة أشــكالها وأنواعهــا بــن‬ ‫الشــباب يف البلــدة القدميــة ومــن ثــم يف األحيــاء احملاذيــة للبلــدة‬ ‫القدميــة ومــن ثــم مناطــق الضواحــي احملاذيــة للجــدار وخاصــة‬ ‫يف ظــل التقســيمات للمناطــق (‪ )A.B.C‬أي ال وجــود للســيطرة‬ ‫الفلســطينية علــى منطقــة ‪ C‬ويف موضــوع املخــدرات زراعــة وتعاطــي‬ ‫وترويــج بحاجــة الــى تنســيق أمنــي ملالحقــة املروجــن املزارعــن لهــا ‪.‬‬ ‫إال أن مجموعــات مــن الشــباب يف الســنوات األخيــرة أدرك‬ ‫مخطــط االحتــالل بإغــراق مدينــة القــدس باملخــدرات والتــي‬ ‫أصبحــت موســومة بذلــك‪ ،‬فكانــت صحــوة شــهدت لهــا كل أنحــاء‬ ‫فلســطن بوجــود شــباب تعافــوا مــن إدمــان املخــدرات وتعاطيهــا‪،‬‬ ‫واليــوم يحملــون رســالة فخــر فلســطن شــباب بــال مخــدرات‬ ‫ويريــدون مؤسســات للتعــايف وبرامــج وأنشــطة وقائيــة توعويــة للحــد‬ ‫مــن املخــدرات بــن الشــباب املقدســي‪ ،‬كمــا أنهــم كانــوا مــن أول‬ ‫املرابطــن علــى بوابــات األقصــى يف الهبــة األخيــرة‪.‬‬ ‫‪ .٤‬االغتــراب لــدى الشــباب املقدســي‪ :‬حيــث ســعى االحتــالل جاه ـدًا‬ ‫لتهويــد الشــخصية العربيــة الفلســطينية عنــد الشــاب املقدســي مــن‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫خــالل دمجــه بالقوانــن اإلســرائيلية بإجراءاتــه القمعيــة وعزلــه‬ ‫بجــدار الفصــل العنصــري‪ ،‬باملقابــل ً‬ ‫أيضــا كان توجهــات وتعامــل‬ ‫أهالــي الضفــة مــع الشــاب املقدســي كأنــه ليــس بالفلســطيني وإمنــا‬ ‫األقــرب للشــخصية اليهوديــة وخاصــة أنــه يتقاضــى التأمــن الوطنــي‬ ‫مــن دولــة احملتــل كل ذلــك ســاهم يف عزلــة وقطيعــة القــدس عــن‬ ‫باقــي مــدن الضفــة الغربيــة‪.‬‬ ‫إال أن الهبــة األخيــرة والربــاط يف ســاحات األقصــى فــوت‬ ‫فرصــة احملتــل ورهانــه الدائــم علــى ســلخ مدينــة القــدس وأهلهــا عــن‬ ‫فلســطينيتهم وإســالمهم وعروبتهــم‪.‬‬ ‫فقــد أثبتــوا مــن خــالل ترابطهــم مســلمن ومســيحين علــى عمــق‬ ‫االنتمــاء واملقاومــة وبكافــة األشــكال للمخاطــر علــى املــوروث الثقــايف‬ ‫العربــي واإلســالمي لإلنســان وملدينــة القــدس‪.‬‬ ‫وتهــدف كل السياســات الســابقة إلــى إفــراغ مدينــة القــدس مــن‬ ‫ســكانها وإحــالل اليهــود محلهــم‪.‬‬

‫دور المؤسســـات الوطنيـــة يف مواجهـــة األخطـــار االقتصاديـــة‬ ‫واالجتماعيـــة يف مدينـــة القـــدس‪:‬‬ ‫التحديــات التــي تواجههــا عاليــة جــدًا كمــا أن االحتــالل قــام‬ ‫بإغــالق أهــم مؤسســة هــي "بيــت الشــرق" والتــي كانــت تعتبــر مبثابــة‬ ‫مقــر ملنظمــة التحريــر الفلســطينية حيــث كانــت تقــوم علــى خدمــة‬ ‫املواطنــن املقدســين علــى املســتوى االجتماعــي وحتــى احلفــاظ علــى‬ ‫الهويــة املقدســية العربيــة الفلســطينية والتخفيــف عــن املواطنــن مــن‬ ‫حيــث الضرائــب‪ ،‬إال أن إغــالق بيــت الشــرق خلــق حالــة فــراغ كبيــر‬ ‫بــن املواطنــن واســتمرت حملــة إغــالق املؤسســات الفاعلــة إال أن‬ ‫اضطــرت الغالبيــة لهجــرة القــدس وممارســة عملهــا خــارج مدينــة‬ ‫القــدس ورغــم ذلــك مــا زالــت بعــض املؤسســات تناضــل مــن أجــل‬ ‫بقائهــا ووجودهــا حتــاول جاهــدة مــن خــالل مؤسســات وطنيــة‬ ‫وعربيــة تعــزز صمودهــا وصمــود أهــل القــدس مــن خــالل برامــج‬ ‫اجتماعيــة واقتصاديــة وبرامــج تشــغيل الشــباب وإيجــاد فــرص عمــل‬ ‫بســيطة وبرامــج التدريــب املهنــي وكذلــك وجــدت برامــج ســاهمت يف‬ ‫ترميــم البيــوت التــي كانــت مهــددة بالســقوط‪.‬‬ ‫فالقــدس كمــا نراهــا ويراهــا العديــد تعيــش حالــة تطهيــر عرقــي‬ ‫يشــمل كل السياســات الســابقة الهادفــة إلــى إقصــاء الفلســطينين‬ ‫عــن وطنهــم وإلغــاء حــق إقامتهــم يف مدينتهــم املقدســة مــن خــالل‬ ‫خلــق حالــة تــردي األوضــاع االجتماعيــة واالقتصاديــة والصحيــة‬ ‫والثقافيــة والتســرب مــن املــدارس وتفشــي مشــكلة املخــدرات‪ .‬إال‬ ‫أن القــدس ســتبقى عصيــة علــى كل محــاوالت التهويــد والتهجيــر‪.‬‬ ‫* ﺑﺎﺣﺜﺔ اﺟﺘامﻋﻴﺔ ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻘﺪس‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫بــن شــقي القــدس الشــرقية والغربيــة وبذلــك انخفضــت الغــرف‬ ‫الفندقيــة يف القــدس ‪ %60‬إلــى ‪ %40‬يف فتــرة قصيــرة بعــد االحتــالل‬ ‫واســتمرت هــي نفــس النســبة حتــى اآلن مــع وجودة إجراءات تعســفية‬ ‫أخــرى يف منــع التوســيع والترميــم وفــرض الضرائــب الباهظــة ممــا‬ ‫دفــع الســياح للجــوء إلــى القــدس الغربيــة حيــث فنــادق احملتــل‪.‬‬ ‫تضييــق اخلنــاق علــى اقتصــاد مدينــة القدس حيث يرتبــط الركود‬ ‫ً‬ ‫ارتباطــا وثي ًقــا بتدهــور قطــاع الســياحة‪ ،‬اعتمــد‬ ‫يف أســواق القــدس‬ ‫النشــاط التجــاري يف القــدس منــذ الســبعينات وحتــى الثمانينــات‬ ‫علــى الســياحة بشــكل كبيــر إال أن االنتفاضــة األولــى والثانيــة وهبــة‬ ‫األقصــى واجلــدار تســبب يف خنــق املدينــة اقتصاد ًيــا وذلــك بســبب‬ ‫إجــراءات احملتــل مــن منــع وصــول الفلســطينن مــن‬ ‫خــارج املدينــة للوصــول لهــا وكذلــك وعــدم كفايــة‬ ‫الفنــادق واألحــداث األخيــرة خلــق حالــة بعــدم األمــان‬ ‫عنــد الســائح احلــاج للقــدس‪.‬‬ ‫وبذلــك اســتطاع االحتــالل تهميــش القــدس‬ ‫اقتصاد ًيــا وخنقهــا وخلــق حالــة مــن البطالــة العاليــة‬ ‫بــن الشــباب يف وجــود التزامــات عاليــة خانقــة‪،‬‬ ‫هــذه األزمــة االقتصاديــة اخلانقــة أدت ببعــض جتــار‬ ‫مدينــة القــدس يف تغييــر جتارتهــم‪ ،‬فالقــدس كمــا‬ ‫هــو معــروف تتميــز بأســواقها املتعــددة املتخصصــه‬ ‫وكل أســم ســوق لــه خصوصيــة وخاصــة الصناعــات واألســواق‬ ‫التقليديــة القدميــة مثــل ســوق العطاريــن وســوق اللحامــن وســوق‬ ‫القطانــن وســوق بــاب خــان الزيــت وســوق الدباغــة وكل ســوق‬ ‫يتخصــص يف صنعــة وحرفــة معينــة إال أن الضرائــب الباهظــة مــن‬ ‫دفــع أرنونــا وضريبــة املســتحقات وضريبــة القيمــة املضافــة‪ ،‬وضريبة‬ ‫الدخــل وضريبــة الرواتــب وضريبــة الترخيــص ورســوم التأمــن‬ ‫الوطنــي هــذا بــدوره أثقــل كأهــل التاجــر الفلســطيني ومســاومة‬ ‫للمواطــن الفلســطيني املقدســي مــن أجــل تــرك دكانــه وبيعــه إال‬ ‫أن اإلنســان املقدســي يأبــه االنصيــاع لسياســات الــذل واالســتعباد‪.‬‬ ‫األســواق التجاريــة مــا بعــد الهبــة (تشــرين األول ‪2015‬م) أو كمــا‬ ‫يســمونها هبــة الســكاكن حيــث يــرى التجــار املقدســيون عامــة أن‬ ‫الهبــة األخيــرة زادت بشــكل كبيــر مــن تــردي األوضــاع التــي يعيشــها‬ ‫التجــار يف القــدس حيــث اتســمت سياســات االحتــالل بتشــديد‬ ‫سياســاتها األمنيــة وقيودهــا عــن حركــة املواطنــن واجــراءات‬ ‫تعســفية ضــد التجــار حيــث زاد تواجــد الشــرطة اإلســرائيلية‬ ‫واملخابــرات وحــرس احلــدود داخــل البلــدة القدميــة يف القــدس‬ ‫وإقامــة كتــل اســمنتية وحواجــز طيــارة علــى مداخــل أحيــاء القــدس‬ ‫مثــل ســلوان والطــور وجبــل املكبــر والعيســوية‪ ...‬وهــذه اإلجــراءات‬ ‫أدت إلــى حالــة عــزل ســكان القــدس عــن بعضهــم مــن جهــة وعــن‬ ‫باقــي األراضــي الفلســطينية األخــرى باإلضافــة إلــى تعطيــل كامــل‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪107‬‬

‫ملف العدد‬

‫حلركــة الســياحة يف البلــدة القدميــة‪ ،‬حيــث تولــد انطبــاع بوجــود‬ ‫بيئــة غيــر آمنــة‪ ،‬إضافــة إلــى ذلــك تســبب هــذه اإلجــراءات وتنكيــل‬ ‫باملواطنــن والشــباب وزرع اخلــوف يف قلــوب أهــل مدينــة القــدس‬ ‫وضواحيهــا‪ ،‬الذيــن صــار يصعــب عليهــم التســوق أو التجــوال يف‬ ‫القــدس‪ ،‬حيــث أشــارت إحــدى اإلحصائيــات علــى أنــه منــذ بــدء هبــة‬ ‫تشــرين األول ‪ 2015‬مت إغــالق ‪ 54‬محــال وتقليــل عــدد ســاعات فتــح‬ ‫أبــواب احملــالت‪ ،‬هــذا كمــا ذكــرت أن نســبة األســر الفلســطينية التــي‬ ‫حتــت خــط الفقــر يف القــدس ‪ %62‬مقابــل ‪ %18‬عنــد جانــب احملتــل‬ ‫وإحصائيــة أخــرى وضحــت أن األســر الفلســطينية هــي األفقــر حيــث‬ ‫‪ %72‬مــن العائــالت حتــت خــط الفقــر‪.‬‬

‫القــدس تعانــي مــن‬ ‫ضائقة سكنية وسلطات‬ ‫االحت ــال تخل ــت ع ــن‬ ‫التزاماتها بتقديم الخدمات‬ ‫الصحيــة واالجتماعية‬

‫‪ -‬سياسة فرض المنهاج اإلسرائييل يف التعليم‬

‫لــم ينجــح احملتــل ســوى يف بعــض املــدارس والتــي‬ ‫مــا زالــت تقــاوم تطبيــق املنهــاج اإلســرائيلي فالوضــع‬ ‫التعليمــي يف أســوء حاالتــه ألســباب تتعلــق بالبنيــة‬ ‫التحتيــة حيــث ال توجــد مــدارس كفايــة وغــرف صفيــة‬ ‫ضيقــة ومحــدودة وسياســات تهويــد املنهــاج‪ ،‬وجــود‬ ‫أبنيــة غيــر مؤهلــة زادت حالــة التوتــر والعنــف بــن‬ ‫الطــالب وارتفــاع نســبة حــاالت التســرب مــن املــدارس‪،‬‬ ‫فالواقــع التعليمــي يف القــدس هــو حصيلــة لتعــدد‬ ‫مرجعيــات يف أنظمــة تعليميــة مختلفــه‪ ،‬بعــض املــدارس تشــرف عليهــا‬ ‫بلديــة احملتــل‪ ،‬وبعضهــا وزارة األوقــاف الفلســطينيه وبعضهــا وكالــة‬ ‫الغــوث الدوليــة‪ ،‬وبعضهــا تبــع لــوزارة التربيــة والتعليــم الفلســطينية‪.‬‬

‫ سياسة سحب الهويات‪:‬‬‫مبوجــب القانــون اإلســرائيلي الــذي منــح اإلقامــة وليــس املواطنــة‬ ‫وأن مــن يعيــش خــارج مدينــة القــدس يتــم ســحب هويتــه فقــد مت‬ ‫ســحب أكثــر مــن ‪ 1400‬هويــة وبذلــك يصبــح هــؤالء األشــخاص بــال‬ ‫عمــل وبــال أوراق ثبوتيــة وال يســتطيعون احلركــة يف ظــل إجــراءات‬ ‫تســاهم يف جعــل الفلســطينن أقليــة يف مدينتهــم املقدســة‪.‬‬

‫ جدار الفصل العنصري‬‫كانــت ومــا زالــت تأثيــرات اجلــدار علــى احليــاة االجتماعيــة‬ ‫لســكان مدينــة القــدس خطيــرة منــذ باعــد اجلــدار بــن أهــل املدينــة‬ ‫وقراهــا وبــن أفــراد األســرة الواحــدة‪ ،‬حيــث يوجــد أســر يف أفــراد‬ ‫يحملــون بطاقــة إقامــة‪ ،‬والبعــض هويتــه ضفــة غربيــة "ســلطة" ال‬ ‫يحــق لــه زيــارة أهلــه يف القــدس وأن اجلــدار ســاهم يف حرمــان نســبة‬ ‫مــن الفتيــات خاصــة مــن فرصــة التعليــم اجلامعــي حيــث مدينــة‬ ‫القــدس تفتقــر جلامعــات عربيــة واجلامعــات هــي خــارج املدينــة لــذا‬ ‫تضطــر البنــات لعبــور احلواجــز مــن أجــل التعليــم‪ ،‬مــا دفــع بعــض‬

‫‪106‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تحديــد حجــم وأماكــن رخــص البنــاء ضمــن مخطــط حكومة االحتال‬ ‫لتهجي ــر المقدس ــيين وتوطي ــن اليه ــود لجع ــل الفلس ــطينيين أقلي ــة‬ ‫القــدس علــى شــبكات الصــرف الصحــي املنظمــة وشــوارع بــدون‬ ‫إنــارة علــى الرغــم أن املواطــن املقدســي يقــوم بدفــع مــا عليــه مــن‬ ‫التزامــات " ضرائــب وفواتيــر مفروضــة عليــه‪.‬‬

‫كإس ــرائيلين الذي ــن رواتبه ــم أعل ــى م ــن س ــت إل ــى ثمان ــي م ــرات‬ ‫م ــن دخ ــل الفلس ــطيني وإضاف ــة إل ــى اإلهم ــال الواض ــح يف تق ــدمي‬ ‫اخلدمـــات لأحيـــاء الفلســـطينية‪.‬‬

‫سياسة فرض الضرائب‪:‬‬

‫سياسة تهويد ليس يف معالم المدينة بل الشخصية المقدسية‪:‬‬

‫حيــث يعتبــر التشــديد يف دفــع الضرائــب مــن أكثــر الوســائل‬ ‫التــي يســتخدمها االحتــالل لتهجيــر الفلســطيني مــن القــدس وتعزيــز‬ ‫ســيطرتهم‪ ،‬لــذا تراهــم تفننــوا يف أنــواع الضرائــب منهــا‪:‬‬ ‫ ضريبة ارنونا " تدفع بنا ًء على مساحة العقار‪.‬‬‫ ضريبة القيمة املضافة والتي متثل ‪ 175‬من قيمة املبيعات‪.‬‬‫ ضريبة الدخل‪.‬‬‫ ضريبة العمال‪.‬‬‫ ضريبة التأمن الوطني (تدفع شهر ًيا)‪.‬‬‫ـــ ضريبة التراخيص والتي تصل آلالف الدوالرات سنو ًيا‪.‬‬

‫وذلــك مــن خــالل القوانــن التــي أخضعــت كل مواطــن مقدســي‬ ‫مجبــور للتعامــل معهــا ليســتطيع العيــش يف مدينــة القــدس يحمــل‬ ‫بطاقــة هويــة تســمح لــه باإلقامــة وليــس املواطنــة مبعنــى أنــه إذا‬ ‫ســافر خــارج املدينــة ملــدة ســبع ســنوات ســاب ًقا وحال ًيــا تصــل لســنة‬ ‫وبعدهــا تســحب هويتــه منــه ومينــع مــن اإلقامــة يف مدينــة القــدس‬ ‫ويصبــح محرو ًمــا حتــى مــن زيــارة أهلــه وأصدقائــه وذلــك مبوجــب‬ ‫قوانــن ســلطات االحتــالل اإلســرائيلية‪.‬‬

‫‪ -‬محاصرة قطاع السياحة‪:‬‬

‫ويـعـتــبــــر هـــــذا الــنــظـــــام الــضــريـبــــي الــمـفــــروض عـلــــى‬ ‫الفلس ــطيني يف الق ــدس مجح ًف ــا‪ ،‬حي ــث يطل ــب منه ــم دف ــع نف ــس‬ ‫معـــدالت ضرائـــب األمـــالك "االرنونـــا" وغيرهـــا مـــن الضرائـــب‬

‫وخصوصــا‬ ‫تعتبــر القــدس وجهــة ســياحية رئيســيه دينيــة‬ ‫ً‬ ‫الســياحة الدينيــة كونهــا مــكان للديانــات الثــالث‪ ،‬لكــن أخــذ قطــاع‬ ‫الســياحة بعــد االحتــالل اإلســرائيلي للقــدس ســنة ‪1967‬م‪ ،‬بالركــود‬ ‫نتيجــة للسياســات التــي فرضهــا مــن حيــث توزيــع الغــرف الفندقيــة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫القـــدس كخطـــوات عقابيـــة ملنـــع أي شـــكل مـــن أشـــكال املقاومـــة‬ ‫ملمارس ــات احملت ــل‪ ،‬يق ــوم الش ــباب وأهال ــي البل ــدة القدمي ــة خاص ــة‬ ‫والبلــدات احمليطــة بســور القــدس بالتواصــل مــن خــالل تطبيقــات‬ ‫خصيصــا‪ ،‬مهمتهــا الدفــاع‬ ‫االنترنــت مــن خــالل مجموعــات نظمــت‬ ‫ً‬ ‫اجلماع ــي ع ــن أبن ــاء وأحي ــاء البل ــدة القدمي ــة‪ ،‬ل ــذا عندم ــا يق ــوم‬ ‫احملت ــل مبحاول ــة القتح ــام أح ــد بي ــوت البل ــدة القدمي ــة يف الق ــدس‬ ‫احملتل ــة يف وق ــت قصي ــر يك ــون ق ــد ح ــض غالبي ــة أهال ــي البل ــدة‬ ‫القدميـــة‪ ،‬وبذلـــك اســـتطاعوا منـــع احملتـــل مـــن اعتقـــال العديـــد‬ ‫م ــن الش ــباب مم ــن كان له ــم دور كبي ــر يف هب ــة األقص ــى األخي ــرة‪،‬‬ ‫وتواجـــد املرجعيـــات الدينيـــة والسياســـية واالجتماعيـــة يف الهبـــة‬ ‫أعطاه ــا ثق ــل وق ــوة وكأن ــه خل ــق حال ــة م ــن املقاوم ــة ل ــم يعهده ــا‬ ‫ول ــم يحس ــب حس ــابها احملت ــل‪.‬‬ ‫يف هبــة األقصــى األخيــرة ومــا ســبقها مــن وقفــات نــرى أن‬ ‫الشــباب والصبايــا يرابطــون واألمهــات يقمــن برعايتهــم مــن حيــث‬ ‫األكل ومســاندتهم ودعمهــم‪.‬‬ ‫مدينــة القــدس‪ ،‬تعيــش أصعــب محطاتهــا حتــت االحتــالل حيــث‬ ‫أن الوضــع احلالــي ينــذر بكارثــة إنســانية وطنيــة حيــث جنــح احملتــل‬ ‫بفصــل مدينــة القــدس عــن ضواحيهــا وأدخــل األســر يف ضائقــة‬ ‫اقتصاديــة صحيــة اجتماعيــة‪ ،‬بحيــث تعيــش أســرة كاملــة عددهــا قــد‬ ‫يتعــدى عشــرة أفــراد داخــل غرفــة واحــدة مــع مطبــخ وحمــام‪ ،‬وذلــك‬ ‫بســبب سياســية االحتــالل ألنــه مينــع عــن أهالــي القــدس عامــة‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪105‬‬

‫ملف العدد‬

‫والبلــدة القدميــة خاصــة مــن البنــاء أو الترميــم باملقابــل إذا خرجــوا‬ ‫وســكنوا خــارج مدينــة القــدس يخســرون حــق اإلقامــة فيهــا وللوقــوف‬ ‫وضوحــا ســأقوم بســرد بعــض املمارســات التــي‬ ‫علــى الوضــع أكثــر‬ ‫ً‬ ‫ســاهمت وتســاهم يف خلــق حالــة اقتصاديــة خانقــة "فقــر" واجتماعية‬ ‫تنــذر بكارثــة إنســانية‪.‬‬ ‫‪ .1‬حتديــد حجــم وأماكــن رخــص البنــاء ضمــن مخطــط حددتــه‬ ‫حكومــة االحتــالل بهــدف تهجيــر املقدســين وتوطــن املســتوطنن‬ ‫وبذلــك يتحقــق الهــدف الــذي يســعون إليــه وهــو جعــل الفلســطينين‬ ‫يف مدينــة الــروح أقليــة‪ .‬عل ًمــا إصــدار رخــص البنــاء تكلــف عشــرات‬ ‫اآلالف مــن الشــواكل للحصــول علــى رخصــة بنــاء وهــذا إن وافقــوا‬ ‫فقــط مــن أجــل بيــت صغيــر ألســرة كبيــرة‪.‬‬ ‫‪ .2‬هــدم البيــوت وإغــالق املنــازل‪ :‬تقــوم ســلطات االحتــالل بذلــك‬ ‫متعللــة بــأن الهــدم بســبب عــدم التراخيــص أو مخالفــة الرخصــة‬ ‫املســموح بهــا عل ًمــا بــأن هــدم البيــوت وتنظيــف مــكان البيــت الــذي‬ ‫هــدم علــى صاحــب املالــك‪ .‬هــدم البيــوت وإغالقهــا حتــت ذرائــع‬ ‫أمنيــة وسياســية عقابيــة ألهــل الشــهداء واألســرى‪.‬‬ ‫‪ .3‬ونيجــة لذلــك خلقــت ضائقــة ســكنية حيــث وصــل معــدل‬ ‫االكتظــاظ الســكاني ألعلــى درجاتــه‪ ،‬كمــا أن ســلطات االحتــالل‬ ‫ال تقــوم بالتزاماتهــا اجتــاه املواطنــن املقدســين مــن حيــث تقــدمي‬ ‫اخلدمــات الصحيــة واالجتماعيــة بالشــكل الالئــق بــل وتتعمــد علــى‬ ‫إهمــال البنيــة التحتيــة بالقــدس حيــث تفتقــر األحيــاء العربيــة يف‬

‫‪104‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫قوانني االحتال تشرد املقدسيني والضرائب ومناهج التعليم والجدار وسائل التهويد‬

‫األوضـــاع االجتماعيـــة واالقتصاديـــة يف‬ ‫القـــدس‪ :‬التهويـــد المـــدروس‬ ‫عنـد احلديـث عـن القـدس حـول األوضـاع االجتماعيـة واالقتصاديـة فيهـا فال بد من املرور علـى املراحل التاريخية التي مرت بها‬ ‫مدينة القدس يف زمن االحتالل اإلسرائيلي فالتغير احلاصل نتيجة السياسات املمنهجة والتي يعمل احملتل املستعمر على تهويد‬ ‫ميدنـة القـدس بكافـة السـبل والطـرق لتثويـب الهويـة املقدسـية العربيـة اإلسـالمية إال أن أهـل القـدس أثبتـوا علـى مـدار السـنن‬ ‫وللمحتل أن القدس عص ّية على كل محاوالت التهويد والتهجير‪ .‬القدس بعد حرب ‪1948‬م‪ ،‬قسمت إلى جزأين‪ ،‬القدس الغربية‬ ‫والتـي أحكـم السـيطرة عليهـا مـن قبـل االحتـالل اإلسـرائيلي‪ ،‬والقـدس الشـرقية وتشـمل كامـل البلدة القدميـة وخارج السـور من‬ ‫البلدات العربية احمليطة حتت سلطة اململكة األردنية الهاشمية لغاية السابع من حزيران ‪1967‬م‪ ،‬احتلت من قبل دولة االحتالل‬ ‫اإلسـرائيلي‪ ،‬وبذلـك أصبحـت كل القـدس حتـت القبضـة اإلسـرائيلية إال أن القـدس الشـرقية بقيت تصـارع للحفاظ على هويتها‬ ‫العربيـة واإلسـالمية رغـم سياسـات التهويـد وتركيزهـم علـى جعـل الفلسـطينين قلة وأحكام القانون اإلسـرائيلي حولهـم‪ .‬وبذلك‬ ‫أصبحت دولة االحتالل هي املسؤولة الوحيدة عن اخلدمات يف القدس وتطبق سلسلة من القوانن التي هدفت إلى تقليل عدد‬ ‫سـكان القدس الفلسـطينين بأن يتعدى نسـبة (‪ )%30‬من سـكان مدينة القدس‪ ،‬وإنطالق االنتفاضة األولى سـنة ‪1987‬م‪ ،‬جاءت‬ ‫لترسـل رسـالة قوية للمحتل مهما خطط وعمل سـيبقى املقدسـيون صامدون وكذلك اإلنتفاضة الثانية والتي تالها بناء اجلدار‬ ‫احملكم على كل القدس وجعل منها سـجنًا وهد ًفا للتوسـع االسـتيطاني حتت أذرع واهمة كاذبة‪.‬‬

‫عفاف ربيع‬ ‫وكـمــــا الـوضــــع الـسـيـاســــي لـلــقـــــدس خــــــالل الــــهــبــــــات‬ ‫الـــشـــعـبـيـــة واإلنـتـفـاضـــة وحـالــ ًيا الـهـبـــة ومـــا يـسـمـيـهـــا الــمـحـتـــل‬ ‫هـبـــة الـسـكـاكـيـــن أدخـــلـــت الــقـــدس بــمـرحــلــــة مــخــتـلــفـــة كــلـــ ًيا‬ ‫عـلـى كــافـة األصــعــدة االجــتـمـاعـيـة واالقــتـصـاديـة والـســـيــاســـيـــة‬ ‫ومــمــ ــا زاد الـــتــحــ ــدي والــــخـــ ــروج عــــمــــ ــا هــ ــو مــتــوقــ ــع "هــبــ ــة‬ ‫األقــصــ ــى" وصـــمــ ــود أهـــ ــل الــقــ ــدس الـمـرابـطـيـ ــن الـ ــذي سـطـ ــر‬ ‫أجمــل معانــي الكفــاح والنضــال مــن أجــل فــك الهيمنــة اإلســرائيلية‬ ‫والتح ــرر وإعط ــاء معن ــى جدي ــد حلي ــاة انتظره ــا لي ــس املقدس ــيون‬ ‫وإمنـــا كل الشـــعب الفلســـطيني‪.‬‬

‫الحياة االجتماعية يف القدس‬ ‫للحديـــث عـــن احليـــاة االجتماعيـــة ملدينـــة حتـــت االحتـــالل‬ ‫"القـــدس" هـــو أصـــل احلكايـــة وكل احلكايـــة الفلســـطينية منهـــا‬ ‫إنطلقــت شــرارة الثــورات واالنتفاضــات املقاومــة للمحتــل الصهيونــي‬ ‫وه ــذا لي ــس بغري ــب ع ــن املجتم ــع املقدس ــي ال ــذي يعل ــم ويت ــداول‬

‫كل معلوم ــة صغي ــرة وكبي ــرة‪ ،‬ويع ــرف بعض ــه‪ ،‬وم ــن يعي ــش يف بي ــت‬ ‫املق ــدس وأكناف ــه ي ــدرك متا ًم ــا معن ــى ذل ــك‪.‬‬ ‫تاريخ ًيـــا القـــدس تســـكنها عائـــالت مقدســـية عريقـــة تتســـم‬ ‫بعاداته ــا وتقاليده ــا الت ــي ته ــدف للحف ــاظ عل ــى امل ــوروث الثق ــايف‬ ‫واإلســالمي ملدينــة القــدس كمفاتيــح كنيســة القيامــة التــي مــا زالــت‬ ‫يف عه ــدة (عائل ــة ج ــوده وعائل ــه نس ــيبة)‪ ،‬وإط ــالق مدف ــع رمض ــان‬ ‫رغ ــم كل مح ــاوالت منع ــه إال أن عائل ــة (صندوق ــه) م ــا زال ــت تق ــاوم‬ ‫يف احلفـــاظ عليـــه وخاصـــة أنـــه أرث حضـــاري ملدينـــة القـــدس‬ ‫اجلميل ــة يف رمض ــان‪.‬‬ ‫تتســـم العالقـــات بـــن أفـــراد املجتمـــع املقدســـي بالتالحـــم‬ ‫والت ــآزر وخاص ــة يف ظ ــل الهب ــة األخي ــرة هب ــة األقص ــى‪ ،‬حدثن ــي‬ ‫مرابطـــات ومرابطـــون أن أهـــل القـــدس دائ ًمـــا يجمعهـــم الهـــم‬ ‫الواحـــد لكـــن هـــذه الهبـــة ولـــ ّدت حالـــة لـــم يتوقعهـــا أحـــد يف‬ ‫التض ــاد والتالح ــم وآخ ــر أش ــكالها وخاص ــة يف ظ ــل العق ــاب ال ــذي‬ ‫ينتهجـــه احملتـــل بإبعـــاد الشـــباب عـــن املســـجد األقصـــى وعـــن‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪103‬‬

‫ملف العدد‬

‫إسرائيل ال تنظر إىل االتحاد األوروبي عى أنه شريك ذو كفاءة وتوازن‬ ‫يمكن التعاون معه لدفع عملية السام وأن لديه انحياز تجاه الجانب العربي‬ ‫حملاولـــة الدفـــع بعمليـــة الســـالم‪ .‬فإســـرائيل تعتبِـــر أن االحتـــاد‬ ‫األوروبـــي لديـــه انحيـــاز جتـــاه اجلانـــب العربـــي‪ ،‬ويُظهـــر درجـــة‬ ‫م ــن الالمب ــاالة عندم ــا يتعل ــق األم ــر بقضي ــة املخ ــاوف األمني ــة يف‬ ‫إســـرائيل‪ .‬كمـــا أن إســـرائيل ال ترفـــض أن تتعـــاون مـــع االحتـــاد‬ ‫األوروبـــي علـــى الوصـــول إلـــى نتائـــج بشـــأن مفاوضـــات الســـالم‬ ‫فحس ــب‪ ،‬ب ــل ميك ــن الق ــول إنه ــا تق ــوض بش ــدة م ــن العملي ــة م ــن‬ ‫خ ــالل التص ــدي باس ــتمرار للدع ــم امل ــادي ال ــذي يقدم ــه االحت ــاد‬ ‫األوروبـــي إلـــى الفلســـطينين بـــل وتدميـــره ً‬ ‫أيضـــا‪ ،‬فالكثيـــر مـــن‬ ‫الدع ــم املتعل ــق بالبني ــة التحتي ــة املق ــدم م ــن االحت ــاد األوروب ــي إل ــى‬ ‫األراض ــي الفلس ــطينية ق ــد ُدم ــر يف أعق ــاب االنتفاض ــة الثاني ــة‪.‬‬ ‫وق ــد تس ــبب إحج ــام االحت ــاد األوروب ــي يف ال ــرد بق ــوة أكب ــر عل ــى‬ ‫األفع ــال اإلس ــرائيلية بظه ــور اتهام ــات م ــن اجلان ــب الفلس ــطيني‬ ‫ب ــأن االحت ــاد األوروب ــي يف احلقيق ــة يدع ــم إس ــرائيل م ــن خ ــالل‬ ‫االســـتمرار يف االحتـــالل ولكـــن بصـــورة أخـــرى‪ .‬ونظـــ ًرا لرؤيـــة‬ ‫االحت ــاد األوروب ــي ودوره يف القط ــاع األمن ــي ل ــدى الفلس ــطينين‪،‬‬ ‫فقــد أدى ذلــك إلــى اجلــدال بــأن االحتــاد األوروبــي نفســه متــورط‬ ‫يف ترس ــيخ الوض ــع القائ ــم يف املنطق ــة‪ ،‬وبذل ــك فه ــو مس ــؤول ع ــن‬ ‫اإلخف ــاق يف إح ــراز تق ــدم يف عملي ــة الس ــالم‪.‬‬

‫ال مجال إلحراز تقدم‬ ‫بالرغـــم مـــن احتـــدام التوتـــر الـــذي حـــدث مؤخـــ ًرا يف البلـــدة‬ ‫القدميـــة للقـــدس‪ ،‬إال أنـــه فيمـــا يتعلـــق باالحتـــاد األوروبـــي فـــال‬ ‫يوجــد مؤشــر مــن بروكســل علــى تصــدر إحيــاء عمليــة الســالم مــن‬ ‫جديــد لقائمــة األولويــات‪ .‬وبالرغــم مــن أنــه كانــت هنــاك محــاوالت‬ ‫لط ــرح منه ــج متس ــق م ــن خ ــالل وثائ ــق مث ــل االس ــتراتيجية األمني ــة‬ ‫األوروبي ــة يف ‪2003‬م‪ ،‬أو االس ــتراتيجية العاملي ــة لالحت ــاد األوروب ــي‬ ‫املعلنـــة مؤخـــ ًرا يف ‪2016‬م‪ ،‬تبقـــى املســـألة األساســـية وهـــي أن‬ ‫االحتــاد األوروبــي يفتقــد إلــى اســتراتيجية سياســية شــاملة جامعــة‬ ‫بشـــأن عمليـــة الســـالم يف الشـــرق األوســـط يكـــون لهـــا الدعـــم‬ ‫املطلـــق واملســـتمر مـــن جميـــع الـــدول األعضـــاء‪ .‬هـــذا وتتضمـــن‬ ‫املجـــاالت األساســـية ذات األولويـــة يف االســـتراتيجية العامليـــة‬ ‫لالحت ــاد األوروب ــي األم ــن والدف ــاع األوروب ــي‪ ،‬ومكافح ــة اإلره ــاب‬ ‫والتط ــرف‪ ،‬ووق ــف تدف ــق الهج ــرة والتعام ــل م ــع أزم ــة الالجئ ــن‪،‬‬ ‫وقضي ــة البلق ــان يف جن ــوب ش ــرق أوروب ــا‪ ،‬وع ــرض اقتراح ــات ح ــول‬ ‫احلوكمـــة العامليـــة‪ .‬وبالرغـــم مـــن أن املناطـــق املجـــاورة ألوروبـــا –‬ ‫والت ــي يع ــد الش ــرق األوس ــط فيه ــا أح ــد األج ــزاء احملوري ــة – ي ــرد‬

‫ذكره ــا بوض ــوح يف وثيق ــة االس ــتراتيجية‪ ،‬إال أن الوثيق ــة افتق ــدت‬ ‫بصــورة ملحوظــة لإلشــارة إلــى عمليــة الســالم يف الشــرق األوســط‬ ‫باملقارن ــة م ــع الوثائ ــق أو البيان ــات الس ــابقة‪.‬‬ ‫مس ــألة أخ ــرى وه ــي التباي ــن املس ــتمر ب ــن األه ــداف احمل ــددة‬ ‫لالحتــاد األوروبــي علــى مســتوى الطــرح‪ ،‬والوســائل الفعليــة لتنفيــذ‬ ‫تل ــك األه ــداف عل ــى أرض الواق ــع بجان ــب االس ــتعداد ال ــالزم لرؤي ــة‬ ‫األم ــور مطبق ــة فعل ًي ــا حت ــى يف مواجه ــة املعارض ــة املنظم ــة‪ .‬فب ــدالً‬ ‫مـــن الدخـــول مـــع إســـرائيل يف حـــوار صريـــح يظهـــر مـــن خاللـــه‬ ‫الثمــن احلقيقــي الســتمرار احتــالل األراضــي الفلســطينية‪ ،‬أو الــرد‬ ‫بص ــورة أق ــوى عل ــى تدمي ــر املش ــاريع املمول ــة م ــن االحت ــاد األوروب ــي‬ ‫يف تل ــك األراض ــي‪ ،‬أو اس ــتنكار أعم ــال االس ــتيطان اإلس ــرائيلي مب ــا‬ ‫يتج ــاوز مج ــرد البيان ــات الش ــكلية‪ ،‬هن ــاك ت ــردد واض ــح م ــن جان ــب‬ ‫االحت ــاد األوروب ــي يف اس ــتخدام نف ــوذه ملواجه ــة إس ــرائيل‪ .‬فبمج ــرد‬ ‫محاول ــة االحت ــاد األوروب ــي التص ــرف عل ــى نح ــو أكث ــر صرام ــة إال‬ ‫وجت ــد إس ــرائيل تس ــرع إل ــى التهدي ــد بخف ــض مس ــتوى عالقته ــا أو‬ ‫من ــع زي ــارة وف ــد االحت ــاد األوروب ــي‪ .‬وأق ــرب مث ــال عل ــى ذل ــك ه ــو‬ ‫تهدي ــد إس ــرائيل مبقاطع ــة املبع ــوث اخل ــاص لعملي ــة الس ــالم التاب ــع‬ ‫لالحت ــاد األوروب ــي فرنان ــدو جينتيلين ــي يف م ــارس ‪.2017‬‬ ‫إن قضيـــة القـــدس قـــد أكـــدت علـــى عـــدم قـــدرة االحتـــاد‬ ‫األوروبــي علــى ســد الفجــوة التــي تســبب فيهــا انســحاب الواليــات‬ ‫املتحــدة كمــا تبــن خــالل الســنوات األخيــرة‪ .‬ففــي املرحلــة الراهنــة‪،‬‬ ‫ال يوج ــد م ــا يش ــير ‪ -‬بعيـ ـ ًدا ع ــن مج ــرد بيان ــات عام ــة إلع ــالن‬ ‫النواي ــا ‪ -‬عل ــى أن الوالي ــات املتح ــدة س ــيكون له ــا م ــرة أخ ــرى دور‬ ‫ق ــوى مب ــا يكف ــي إلعط ــاء عملي ــة الس ــالم ال َدفع ــة الالزم ــة‪ ،‬ومب ــا‬ ‫ميك ــن اعتب ــاره جه ــود فعلي ــة ب ــارزة‪ .‬وبالنس ــبة لالحت ــاد األوروب ــي‪،‬‬ ‫فــإن هــذا العجــز يعــزز مــن النظــرة إلــى االحتــاد األوروبــي بوصفــه‬ ‫جه ــة 'مانحــة' وليســت 'فاعلــة' علــى صعيــد الشــرق األوســط‪ .‬ومــا‬ ‫يعنيــه كل ذلــك أن الوضــع‪ ،‬فيمــا يتعلــق بالقضيــة األخيــرة‪ ،‬ســيظل‬ ‫مس ــتم ًرا يف التده ــور إل ــى أن يصب ــح ح ــل إقام ــة دولت ــن بدي ــال‬ ‫ٍ‬ ‫مجـــد‪ .‬فبعيـــ ًدا عـــن عبـــارات التحذيـــر والدعـــوات لكافـــة‬ ‫غيـــر‬ ‫األط ــراف بضب ــط النف ــس‪ ،‬ل ــم يق ــدم االحت ــاد األوروب ــي م ــا يذك ــر‬ ‫لتمهي ــد الطري ــق نح ــو ظه ــور عملي ــة س ــالم جوهري ــة‪ ،‬األم ــر ال ــذي‬ ‫س ــيثبت ض ــرره عل ــى جمي ــع األط ــراف املعني ــة‪.‬‬ ‫* ﻣﺪﻳﺮ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺨﻠﻴﺞ ﻟﻸﺑﺤﺎث ـ ﺟﻨﻴﻒ‬

‫‪102‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫دول ــة فلس ــطينية مس ــتقلة دميوقراطي ــة فعال ــة ومتصل ــة جغراف ًي ــا‪،‬‬ ‫تعي ــش جن ًب ــا إل ــى جن ــب يف س ــالم وأم ــن م ــع إس ــرائيل وال ــدول‬ ‫املج ــاورة له ــا‪".‬‬ ‫إن األس ــلوب القائ ــم عل ــى السياس ــة ه ــو نت ــاج لعملي ــة امت ــدت‬ ‫لعقـــد مـــن الزمـــن‪ ،‬بدايـــ ًة مـــن "إعـــالن البندقيـــة" عـــام ‪1980‬م‪،‬‬ ‫والتـــي أكـــدت فيهـــا املفوضيـــة األوروبيـــة وقتهـــا علـــى احلاجـــة‬ ‫إل ــى الوف ــاء باحلق ــوق "الش ــرعية" للفلس ــطينين‪ ،‬م ــرو ًرا بإع ــالن‬ ‫برل ــن ع ــام ‪1999‬م‪ ،‬حي ــث أع ــرب االحت ــاد األوروب ــي ع ــن التزام ــه‬ ‫الصري ــح بإقام ــة دول ــة فلس ــطينية‪ .‬وفيم ــا بع ــد‪ ،‬أصب ــح االحت ــاد‬ ‫األوروبـــي الراعـــي املشـــترك ملـــا يســـمى "خارطـــة الطريـــق نحـــو‬ ‫الس ــالم" يف ‪2002‬م‪ ،‬والت ــي أسس ــت اللجن ــة الرباعي ــة املكون ــة م ــن‬ ‫الواليــات املتحــدة وروســيا واالحتــاد األوروبــي واألمم املتحــدة‪ .‬ويف‬ ‫نوفمبـــر ‪2007‬م‪ ،‬أصـــدر االحتـــاد األوروبـــي "اســـتراتيجية العمـــل‬ ‫لتحقي ــق الس ــالم يف الش ــرق األوس ــط"‪ ،‬والت ــي ح ــددت مجموع ــة‬ ‫م ــن األنش ــطة الت ــي كان ــت مس ــتعدة لتنفيذه ــا‪ ،‬مث ــل تق ــدمي الدع ــم‬ ‫الواس ــع للس ــلطة الفلس ــطينية لبن ــاء الدول ــة‪ ،‬وذل ــك به ــدف تأيي ــد‬ ‫االجتـــاه الـــذي يرمـــي إلـــى حـــل إقامـــة دولتـــن‪ .‬ونظـــ ًرا لعـــدم‬ ‫إحـــراز تقـــدم مـــن قِ بـــل اللجنـــة الرباعيـــة أو لقلـــة النتائـــج التـــي‬ ‫قدمته ــا "اس ــتراتيجية العم ــل" الت ــي وضعه ــا االحت ــاد األوروب ــي يف‬ ‫دف ــع عملي ــة الس ــالم‪ ،‬فق ــد أعل ــن االحت ــاد األوروب ــي يف ديس ــمبر‬ ‫‪2014‬م‪ ،‬بأن ــه عل ــى اس ــتعداد لتنفي ــذ "دع ــم سياس ــي واقتص ــادي‬ ‫وأمن ــي غي ــر مس ــبوق" ل ــكل م ــن الفلس ــطينين واإلس ــرائيلين‪ ،‬إذا‬ ‫اش ــترك اجلانب ــان يف إح ــراز تق ــدم جوه ــري للوص ــول إل ــى ح ــل‬ ‫نهائ ــي‪ .‬وق ــد تضم ــن ذل ــك ع ــرض "ش ــراكة خاص ــة ومتمي ــزة" ل ــكل‬ ‫م ــن فلس ــطن وإس ــرائيل كم ــا ُذك ــر مج ــد ًدا يف املجل ــس األوروب ــي‬ ‫يف اجتماع ــه ش ــهر يناي ــر ‪.2016‬‬ ‫وباإلضاف ــة إل ــى مب ــادرات االحت ــاد األوروب ــي اخلاص ــة‪ ،‬رح ــب‬ ‫االحتـــاد ً‬ ‫أيضـــا مببـــادرة الســـالم العربيـــة كأســـاس ملزيـــد مـــن‬ ‫النق ــاش‪ ،‬ولكن ــه أع ــرب ع ــن خيب ــة أمل ــه ألن إس ــرائيل ل ــم تتعام ــل‬ ‫م ــع اخلط ــة بجدي ــة‪ .‬وكج ــزء م ــن السياس ــية األوروبي ــة للج ــوار‪،‬‬ ‫يج ــب اإلش ــارة إل ــى أن الش ــراكة األوروبي ــة املتوس ــطية اخلاص ــة‬ ‫باالحت ــاد األوروب ــي أو إط ــار العم ــل اخل ــاص باالحت ــاد م ــن أج ــل‬ ‫املتوس ــط ال ي ــزاالن يف الوق ــت احلال ــي الس ــياق متع ــدد األط ــراف‬ ‫الوحيـــد خـــارج األمم املتحـــدة‪ ،‬والـــذي ميكـــن أن يلتقـــي فيـــه‬ ‫أطـــراف النـــزاع وأن يتناقشـــوا حـــول مواقفهـــم املختلفـــة‪ .‬وعلـــى‬ ‫ه ــذا النح ــو‪ ،‬يوف ــر االحت ــاد األوروب ــي مس ــتويات مختلف ــة ميك ــن‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫م ــن خالله ــا املس ــاهمة يف محاول ــة دف ــع عملي ــة الس ــالم يف الش ــرق‬ ‫األوس ــط إل ــى األم ــام‪.‬‬ ‫فض ـ ً‬ ‫ـال ع ــن ذل ــك‪ ،‬يفتخ ــر االحت ــاد األوروب ــي مب ــا يقدم ــه م ــن‬ ‫مس ــاعدة إل ــى الفلس ــطينين فيم ــا يتعل ــق باملعون ــة اإلنس ــانية ودع ــم‬ ‫احلوكم ــة الس ــليمة‪ .‬وال ي ــزال االحت ــاد األوروب ــي ه ــو أكب ــر املانح ــن‬ ‫يف اجلهـــود الفلســـطينية املتعـــددة لبنـــاء الدولـــة‪ ،‬والتـــي تقـــدر‬ ‫اآلن بحوال ــي ملي ــار ي ــورو س ــنو ًيا‪ .‬ويتضم ــن ذل ــك خط ــوات لبن ــاء‬ ‫املؤسســـات يف مناطـــق خدمـــات األمـــن والقضـــاء ونظـــام احملاكـــم‬ ‫الفلســطيني‪ ،‬وكذلــك فيمــا يتعلــق بجوانــب تنميــة األراضــي وامليــاه‪.‬‬ ‫وقــد مت مؤخـ ًرا متديــد التكليــف اخلــاص بإصــالح وجتديــد عناصــر‬ ‫املؤسســة األمنيــة الفلســطينية يف إطــار عمــل بعثــة الشــرطة التابعــة‬ ‫لالحت ــاد األوروب ــي إل ــى األراض ــي الفلس ــطينية إل ــى يوني ــو ‪،2018‬‬ ‫وهن ــاك تعه ــدات مس ــتمرة م ــن االحت ــاد األوروب ــي للحف ــاظ عل ــى‬ ‫دعم ــه للبني ــة التحتي ــة يف ش ــتى املج ــاالت‪.‬‬ ‫يف الوقـــت نفســـه‪ ،‬تأثـــرت اجلهـــود العديـــدة املقدمـــة مـــن‬ ‫االحتـــاد األوروبـــي بعـــدة عوائـــق ميكـــن توضيحهـــا مـــن خـــالل‬ ‫قضيت ــن رئيس ــيتن‪ .‬أولهم ــا ه ــي املش ــكلة املزمن ــة داخ ــل االحت ــاد‬ ‫األوروبـــي املتعلقـــة بتشـــكيل سياســـة خارجيـــة وأمنيـــة مشـــتركة‬ ‫تلتـــزم بهـــا جميـــع الـــدول األعضـــاء‪ .‬وعلـــى غـــرار العديـــد مـــن‬ ‫مش ــكالت السياس ــة اخلارجي ــة األخ ــرى‪ ،‬ال يتوف ــر ل ــدى االحت ــاد‬ ‫ً‬ ‫متكامـــال عندمـــا يتعلـــق األمـــر بالقضيـــة‬ ‫منهجـــا‬ ‫األوروبـــي‬ ‫ً‬ ‫الفلســـطينية‪ ،‬حيـــث تتخـــذ بعـــض الـــدول األعضـــاء املبـــادرات‬ ‫بصــورة فرديــة وال تبــدي اســتعدا ًدا لتقــدمي اجلهــد الــكايف لدعــم‬ ‫سياس ــات االحت ــاد األوروب ــي املتف ــق عليه ــا بالفع ــل‪ .‬فف ــي يولي ــو‬ ‫‪2007‬م‪ ،‬عل ــى س ــبيل املث ــال‪ ،‬أعلن ــت ‪ 10‬دول أعض ــاء يف االحت ــاد‬ ‫نحـــو صريـــح إخفـــاق خطـــة خارطـــة الطريـــق‬ ‫األوروبـــي علـــى‬ ‫ٍ‬ ‫نحـــو الســـالم اخلاصـــة باللجنـــة الرباعيـــة يف ‪2003‬م‪ ،‬بالرغـــم‬ ‫م ــن حف ــاظ االحت ــاد األوروب ــي عل ــى موقف ــه ودوره داخ ــل اللجن ــة‬ ‫الرباعيـــة‪ .‬ويف ‪2010‬م‪ ،‬طرحـــت فرنســـا حتـــت حكـــم الرئيـــس‬ ‫س ــاركوزي خططه ــا اخلاص ــة للش ــرق األوس ــط‪ ،‬والت ــي ل ــم يت ــم‬ ‫تنســيقها مــع االحتــاد األوروبــي‪ .‬وعلــى غــرار قضيــة ليبيــا وأزمــة‬ ‫الالجئـــن‪ ،‬لـــم يتغلـــب االحتـــاد األوروبـــي علـــى مـــا يعانيـــه مـــن‬ ‫االنقس ــامات الثنائي ــة واملتع ــددة األط ــراف‪ ،‬وذل ــك عندم ــا يتعل ــق‬ ‫األمـــر بالسياســـة اخلارجيـــة واألمنيـــة‪.‬‬ ‫العائــق اآلخــر الرئيســي هــو أن إســرائيل ال تنظــر إلــى االحتــاد‬ ‫األوروب ــي عل ــى أن ــه ش ــريك ذو كف ــاءة وت ــوازن ميك ــن التع ــاون مع ــه‬

‫رحب االتحاد بمبادرة السام العربية كأساس للحل ولكن خاب أمله ألن‬ ‫إسرائيل لم تتعامل مع الخطة بجدية تتماشى مع السياسية األوروبية للجوار‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪101‬‬

‫ملف العدد‬

‫أوروبا تفتقد إلى استراتيجية سياسية شاملة تجاه السام في الشرق األوسط‬

‫االتحــاد األوروبــي واألزمــة الراهنــة حــول‬ ‫القــدس‪ :‬حالــة مــن الجمــود السياســي‬ ‫تفاجــأ االحتــاد األوروبــي مبــا قامــت بــه إســرائيل مــن فــرض تدابيــر أمنيــة جديــدة علــى حــرم املســجد األقصــى يف يوليــو‬ ‫ـوم علــى جنـ ٍ‬ ‫ـود إســرائيلين‪ .‬وقــد اتضــح مــرة أخــرى فيمــا تــال ذلــك مــن املناقشــات عــدم قــدرة االحتــاد‬ ‫‪ 2017‬م‪ ،‬إثــر هجـ ٍ‬ ‫األوروبــي للدفــع بتنفيــذ املزيــد مــن التدابيــر الفعليــة بهــدف التقليــل مــن هــذا التوتــر الــذي حــل يف مدينــة القــدس‪ ،‬وباألخــص‬ ‫بعــد إعــالن رئيــس الســلطة الفلســطينية محمــود عبــاس قيــام الســلطة الفلســطينية بتعليــق جميــع صــور التنســيق األمنــي مــع‬ ‫إســرائيل‪ ،‬وواكــب ذلــك عــدم اســتجابة إســرائيل إال ببــطء يف ســحبها لبعــض قراراتهــا‪ .‬ويف ظــل هــذا املوقــف‪ ،‬ال يــزال الوضــع‬ ‫متقل ًبــا مــع احتماليــة وقــوع املزيــد مــن املشــاحنات والعنــف املخطــط مســب ًقا‪.‬‬

‫د‪.‬كريستيان كوخ‬ ‫وأصـــدر االحتـــاد األوروبـــي‪ ،‬إلـــى جانـــب دول أخـــرى‪ ،‬بيا ًنـــا‬ ‫صحاف ًيـــا عقـــب أحـــداث العنـــف املباشـــرة‪ ،‬ومـــن خاللـــه دعـــا‬ ‫االحت ــاد األوروب ــي إل ــى "الت ــزام اجلمي ــع بأقص ــى درج ــات ضب ــط‬ ‫النفـــس وجتنـــب األعمـــال االســـتفزازية والعمـــل علـــى احلـــد مـــن‬ ‫تصاعــد املوقــف‪ ".‬ورحــب البيــان ً‬ ‫أيضــا بـــ "تأكيــدات رئيــس الــوزراء‬ ‫اإلس ــرائيلي ب ــأن الوض ــع القائ ــم يف األماك ــن املقدس ــة يف الق ــدس‬ ‫س ــيلقى التأيي ــد واالحت ــرام‪ ".‬وق ــد صرح ــت ماج ــا كوسيجانس ــيك‪،‬‬ ‫املتحدثـــة باســـم املمثلـــة العليـــا لالحتـــاد األوروبـــي فيديريـــكا‬ ‫موجيرينـــي‪ ،‬أن االحتـــاد األوروبـــي يدعـــو ً‬ ‫أيضـــا "جميـــع الزعمـــاء‬ ‫السياســـين والدينيـــن بالتصـــرف مبســـؤولية والســـعي الســـتعادة‬ ‫اله ــدوء" قائلــ ًة‪" :‬سنس ــتمر يف مراقب ــة التط ــورات ع ــن كث ــب‪ ".‬كم ــا‬ ‫ناش ــد االحت ــاد األوروب ــي اململك ــة األردني ــة مبحاول ــة املس ــاهمة يف‬ ‫تهدئ ــة التوت ــر‪ .‬وقال ــت كوسيجانس ــيك‪" :‬ندع ــو إس ــرائيل واململك ــة‬ ‫األردني ــة الهاش ــمية بالتع ــاون وب ــذل جمي ــع اجله ــود إليج ــاد حل ــول‬ ‫تضمـــن األمـــن للجميـــع‪ ،‬وحتتـــرم حرمـــة ذلـــك املـــكان املقـــدس‪،‬‬ ‫وحتاف ــظ عل ــى الوض ــع القائ ــم‪ ".‬وق ــد ُذك ــر ذل ــك م ــرة أخ ــرى بع ــد‬ ‫بضع ــة أي ــام يف بي ــان للجن ــة الرباعي ــة للس ــالم يف الش ــرق األوس ــط‪،‬‬ ‫والـــذي فيـــه دعيـــت األردن "بالعمـــل م ًعـــا للحفـــاظ علـــى الوضـــع‬ ‫القائ ــم‪ ،‬مش ــي ًرا إل ــى ال ــدور املتمي ــز للمملك ــة الهاش ــمية املتمث ــل يف‬ ‫معاهـــدة الســـالم بـــن األردن وإســـرائيل‪".‬‬ ‫وقـــد كانـــت البيانـــات الصـــادرة عـــن إســـرائيل تتماشـــى إلـــى‬

‫ح ـ ٍـد كبي ــر م ــع تل ــك البيان ــات املطروح ــة م ــن دول أخ ــرى واملجتم ــع‬ ‫الدول ــي األوس ــع نطا ًق ــا‪ .‬إال أن ــه بعي ـدًا ع ــن ص ــور الش ــجب اللفظ ــي‬ ‫والدع ــوات حل ــل س ــريع لذل ــك الوض ــع املش ــحون‪ ،‬فل ــم تُط ــرح أي‬ ‫خطـــوات ماديـــة ميكـــن أن يكـــون لهـــا تأثيـــر علـــى أرض الواقـــع‪.‬‬ ‫وه ــو م ــا يش ــبه سياس ــة االحت ــاد األوروب ــي يف عملي ــة الس ــالم يف‬ ‫الشـــرق األوســـط بشـــكل عـــام‪ ،‬حيـــث ميتلـــك االحتـــاد األوروبـــي‬ ‫جناحـــا كاف ًيـــا فيمـــا مضـــى‬ ‫سياســـة واضحـــة‪ ،‬ولكنـــه لـــم يحقـــق‬ ‫ً‬ ‫خللــق الوضــع الــذي ميهــد إلــى حــل حقيقــي للقضيــة الفلســطينية‪.‬‬ ‫كم ــا ال يوج ــد مؤش ــر عل ــى أن األزم ــة الراهن ــة ح ــول الدخ ــول إل ــى‬ ‫األماك ــن املقدس ــة يف البل ــدة القدمي ــة م ــن الق ــدس وحوله ــا س ــيغير‬ ‫م ــن املعادل ــة أو أن األوروبي ــن س ــيحاولون اس ــتغالل التوت ــر لب ــدء‬ ‫محاولــة جديــدة يف صنــع الســالم‪ .‬ولكــن‪ ،‬نظـ ًرا للتحديــات العديــدة‬ ‫األخـــرى التـــي يواجههـــا االحتـــاد األوروبـــي‪ ،‬فـــإن قبـــول الوضـــع‬ ‫القائ ــم يب ــدو أن ــه أفض ــل ح ــل ميكنن ــا أن نتطل ــع إلي ــه‪.‬‬

‫االتحاد األوروبي وعملية السام يف الشرق األوسط‬ ‫جنـــد سياســـة االحتـــاد األوروبـــي بشـــأن عمليـــة الســـالم يف‬ ‫الش ــرق األوس ــط مس ــطورة بإيج ــاز يف موق ــع الدائ ــرة األوروبي ــة‬ ‫للشـــؤون اخلارجيـــة‪" :‬إن حـــل الصـــراع العربـــي اإلســـرائيلي‬ ‫هـــو محـــور اهتمـــام أساســـي لـــدى االحتـــاد األوروبـــي‪ .‬ويهـــدف‬ ‫االحت ــاد األوروب ــي إل ــى تطبي ــق ح ــل الدولت ــن‪ ،‬وذل ــك م ــن خ ــالل‬

‫‪100‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫وجـرح املئـات مـن املقدسـين العـرب ثبـت للعالـم كلـه بـأن هـذا الـدم‬ ‫الطاهـر هـو الـذي يوحدنـا ويجمعنـا وأن هـذا الـدم يؤكـد للعالـم‬ ‫بـأن القـدس مبكانتهـا الدينيـة واحلضاريـة والتاريخيـة والسياسـية‬ ‫والثقافيـة واالجتماعيـة هـي التـي توحـد اجلميـع‪ ،‬وأن القـدس سـتظل‬ ‫هـي العاصمـة األبديـة للدولة الفلسـطينية‪ ،‬ومن يفكـر بغير ذلك يكون‬ ‫واهم وجاهل‪ ،‬واليعرف شي ًئا عن عظمة هذه املدينة املباركة واليعرف‬ ‫شـي ًئا عـن تاريخهـا يف نفـوس األمـة العربيـة واإلسـالمية والشـعب‬ ‫الفلسـطيني‪ ،‬ومـا حـدث مـن مواجهـات يف القـدس مـع دولـة االحتـالل‬ ‫الصهيونـي يؤكـد بـأن الصـراع العربـي الصهيونـي هـو صـراع وجـود‬ ‫ال حـدود وأن القـدس لهـا مكانتهـا الدينيـة‪ ،‬والتاريخيـة وأن الصـراع‬ ‫فيهـا هـو علـى السـيادة واملكانـة القانونيـة والدوليـة‬ ‫وأن املجتمـع الدولـى مطالـب اليـوم أكثـر من أي وقت‬ ‫مضـى بـأن يسـعى ويعمل بجدية علـى إنهاء االحتالل‬ ‫الصهيونـي‪ ،‬وأن ماحـدث بالقـدس يؤكـد بـأن القدس‬ ‫هـي جوهـر الصـراع مـع العـدو الصهيونـي الغاشـم‪،‬‬ ‫وأن احلـل للقضيـة الفلسـطينية يجـب أن يكـون ً‬ ‫حـال‬ ‫سياسـ ًيا‪ ،‬وليـس إنسـان ًيا أو اقتصاد ًيـا كمـا يدعـي‬ ‫ويخطـط رئيـس حكومـة دولـة االحتـالل الصهيونـي‪.‬‬ ‫وعلــى جامعــة الــدول العربيــة ومنظمــة العالــم‬ ‫اإلســالمي أن تقومــا بتفعيــل القــرارات األمميــة‬ ‫الصــادرة بشــأن القــدس‪ ،‬وإدخــال قــوات دوليــة حلمايــة األقصــي‪،‬‬ ‫واملقدســات‪ ،‬واملصليــن‪ ،‬وعلــى القيــادة الفلســطينية أن تتوجــه فــو ًرا‬ ‫إلــى محكمــة العــدل الدوليــة للحصــول علــى فتــوى بعــدم قانونيــة‬ ‫اإلجــراءات التــي ميارســها قــادة االحتــالل الصهيونــي يف القــدس‬ ‫واألقصــى‪ ،‬وإلــزام قــادة االحتــالل الصهيونــي باإللتــزام باتفاقيــات‬ ‫جنيــف‪ ،‬والقــرارات األمميــة الصــادرة عــن مجلــس األمــن‪ ،‬واجلمعيــة‬ ‫العامــة لــأمم املتحــدة‪ ،‬واملنظمــات الدوليــة األخــرى‪.‬‬ ‫ويجــب العمــل علــى املطالبــة بإعــادة النظــر باملركــز القانونــي إلى‬ ‫دولــة االحتــالل الصهيونــي حســب القــرار رقــم "‪ "273‬الصــادر بتاريــخ‬ ‫‪1949/5/11‬م‪ ،‬واخلــاص باالعتــراف بدولــة االحتــالل الصهيونــي‬ ‫ولكــن بشــروط‪ ،‬وهــي تنفيــذ قــرار التقســم رقــم ‪ 181‬والــذي جــاء‬ ‫فيــه إقامــة دولتــن وقــرار رقــم ‪ 194‬اخلــاص بحــق عــودة الالجئــن‬ ‫الفلســطينن إلــى قراهــم ومدنهــم ودفــع التعويضــات لــكل املتضرريــن‬ ‫واحتــرام ميثــاق األمم املتحــدة ومبادئــه التــى تعهــدت والتزمــت بها دولة‬ ‫االحتــالل الصهيونــي وأهمهــا إنهــاء االحتــالل وتقريــر املصيــر واحترام‬ ‫حقــوق اإلنســان‪ .‬وبالتدقيــق يف هــذه الشــروط جنــد أن دولــة االحتــالل‬ ‫الصهيونــي لــم تلتــزم بــأي منهــا‪ ،‬ممايعنــي أن هــذا الكيــان قــد خالــف‬ ‫الشــروط الــواردة بالقــرار ســالف الذكــر وأنهــا لــم تقــف عنــد عــدم‬ ‫االلتــزام بتلــك الشــروط والقــرارات األمميــة الصــادره عــن اجلمعيــة‬ ‫العموميــة ومجلــس األمــن وخاصــة القــرار األخيــر رقــم ‪ 2334‬الصــادر‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫عــن مجلــس األمــن والــذي اعتبــر املســتوطنات املقامــة علــى األراضــي‬ ‫الفلســطينية احملتلــة جرميــة حــرب وأنهــا ارتكبــت يف احلــروب الثــالث‬ ‫األخيــرة علــى قطــاع غــزة جرائــم ضــد اإلنســانية وجرائــم حــرب‬ ‫وجرائــم تطهيــر عرقــي وهــذا مــا أثبتتــه عــدة تقاريــر صــادرة عــن‬ ‫مجلــس حقــوق اإلنســان منهــا تقريــر جولدســتون وتقريــري منظمــة‬ ‫اليونســكو بشــأن القــدس واحلــرم اإلبراهيمــي كمــا أن دولــة االحتــالل‬ ‫الصهيونــي رغــم كل هــذه املخالفــات واالنتهــاكات واجلرائــم املذكــورة‬ ‫جنــد هــذه الدولــة املارقــة تســعى منــذ عــام ‪ 2000‬م لكــي تكــون يف‬ ‫عــام ‪ 2017 - 2019‬م‪ ،‬عضـ ًوا غيــر دائــم العضويــة يف مجلــس األمــن‪،‬‬ ‫الــذي يعتبــر اجلهــاز التنفيــذي األقــوى يف هــذه املنظمــة الدوليــة‪ ،‬وهــو‬ ‫مــن لــه احلــق يف تنفيــذ قــرارات األمم املتحــدة بالقــوة‬ ‫العســكرية وهــو أهــم جهــاز يف كل أجهــزة األمم املتحــدة‬ ‫يتحكــم يف الشــؤون الدوليــة واإلقليميــة‪ .‬ويف ظــل هــذه‬ ‫املخططــات الصهيونيــة التــي حتــاك ضــد القــدس‬ ‫والقضيــة الفلســطينية يجــب علــى القيادة الفلســطينية‬ ‫وبالتنســيق مــع جامعــة الدول العربية والــدول الصديقة‬ ‫أن تقــوم بعمــل دبلوماســي كبيــر وتقــدمي طلــب للجمعية‬ ‫العامــة لطــرد دولــة االحتــالل الصهيونــي مــن هــذه‬ ‫املنظمــة األمميــة تفعيــل املــادة السادســة مــن ميثــاق‬ ‫األمم املتحــدة لعــدم تنفيذهــا للشــروط الــواردة يف قرار‬ ‫رقــم ‪ 273‬اخلــاص باالعتــراف بهــذا الكيــان وعــدم التزامهــا بالقــرارات‬ ‫األمميــة الصــادرة عــن مجلــس األمــن واجلمعيــة العامــة ومنظماتهــا‬ ‫األخــرى والقيــام بعمــل دبلوماســي وقانونــي مــع دول آســيا وأمريــكا‬ ‫الالتينيــة وجــزر الكاريبــي لكــي ال تتمكــن دولة االحتــالل الصهيوني من‬ ‫أن تصبــح عضـ ًوا يف مجلــس األمــن أو إعاقتهــا مــن الوصــل إلــى هــذه‬ ‫العضويــة أو املرتبــة األمميــة التــي يجعلهــا أحــد الدول املركزيــة والهامة‬ ‫يف مجلــس األمــن الــذي يتحكــم باألمــن والســلم الدوليــن‪ .‬وكذلــك على‬ ‫القيــادة الفلســطينية القيــام بالتوجــه الفــوري والســريع للقضــاء الدولي‬ ‫وفتــح كل قضايــا اجلرائــم التــي ارتكبهــا قــادة االحتــالل الصهيونــي‬ ‫ضــد أبنــاء الشــعب الفلســطيني وضــد األراضــي الفلســطينية احملتلــة‬ ‫وضد املقدســات اإلســالمية واملســيحية‪ .‬وأن القيام بهذا العمل واجب‬ ‫قانونــي وواجــب وطنــي وأن القــدس تنادينــا جمي ًعــا وأنهــا تســتنهض‬ ‫األمــة جميعهــا وأنهــا هــي التــي توحدنــا وجتمعنــا وأنهــا هــي مركــز‬ ‫الصــراع احلقيقــي بــن األمــة العربيــة والكيــان الصهيونــي وهي مصدر‬ ‫قــوة وعــزة هــذه األمــة وهــي البوصلــة احلقيقيــة التــى حتــدد طبيعــة‬ ‫الصــراع العربــي الصهيونــي وهــي التــى تكشــف حقيقــة ونوايــا الكيــان‬ ‫الصهيونــي بأنــه يقــوم بــإدارة صــراع وليــس إنهــاءه‪.‬‬

‫انتفاضــة األقصــى‬ ‫أظه ــرت ق ــوة اتح ــاد‬ ‫الــفــلــســطـيـنـيـيـن‬ ‫وأعـطـتـهـم إحـسـاسـًا‬ ‫قـوي ًـ ــا بـانـتـصـارهـ ــم‬

‫* اﻟﺨﺒري ﰲ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺪوﱄ ورﺋﻴﺲ اﻟﺘﺠﻤﻊ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ اﳌﺴﺘﻘﻞ‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪99‬‬

‫ملف العدد‬

‫انتصار الفلسطينيين يف معركة البوابات وإزالة اإلجراءات األمنية هو‬ ‫الوحدة الحقيقية بين كل أبناء الشعب الفلسطيني عى اختاف انتماءاتهم‬ ‫الصهيونــي تغييــر طابــع املدينــة‪ ،‬وتهويدهــا"‪ ،‬وإن هــذه التقاريــر تعتبــر‬ ‫وثائــق قانونيــة هامــة ميكــن االســتفادة منهــا يف احملافــل الدوليــة‬ ‫واإلقليميــة وخاصــة حــال رفــع دعــاوى جنائيــة ضــد قــادة االحتــالل‬ ‫الصهيونــي أمــام القضــاء الدولــي‪ .‬ســواء احملكمــة اجلنائيــة الدوليــة أو‬ ‫قضــاء الــدول التــى لهــا واليــة دوليــة يف قضائهــا الوطنــي‪.‬‬ ‫إن هذه املكانة املقدســة لهذه املدينة املباركة اســتطاعت أن جتمع‬ ‫الكل الفلســطيني وتوحدهم ضد املخططات الصهيونية‪ ،‬ســواء " طرد‬ ‫وترحيــل املقدســين العــرب‪ ،‬أو إقامــة املســتوطنات واملســتعمرات‪ ،‬أو‬ ‫وضــع البوابــات االلكترونيــة والكاميــرات‪ ،‬أو االعتــداءات واالقتحامــات‬ ‫املتكــررة علــى املقدســين العــرب‪ ،‬واملقدســات‪ ،‬أو فــرض قوانــن‬ ‫وتشــريعات‪ ،‬وإجــراءات إداريــة وتصرفــات باطلــة‪ ،‬أو منــع األذان‪ ،‬أو‬ ‫تقســيم املســجد األقصــى زمان ًيــا ومكان ًيــا‪ ،‬أو احلفريــات واألنفــاق‪ ،‬أو‬ ‫االســتيالء بالقــوة علــى املنــازل احمليطــة بهــذه املدينــة املباركــة‪ ،‬أو مبنــع‬ ‫أبنــاء الشــعب الفلســطيني مــن الوصــول لأقصــى وتأديــة الصــالة فيه‪،‬‬ ‫ألن حــق العبــادة هــو حــق مقــدس مبوجــب اتفاقيــات جنيــف األربعــة‬ ‫وأهــم مــا جــاء يف اتفاقيــة جنيــف الرابعــة اخلاصــة بحمايــة املدنيــن‪،‬‬ ‫واملقدســات يف األراضــي احملتلــة‪ ،‬حيــث اليجــوز حلكومــة االحتــالل‬ ‫الصهيونــي انتهاكهــا بــأي حــال مــن األحــوال‪ ،‬وال ألي ســبب‪ ،‬أو مبــرر‬

‫أ ًيــا كان مصــدره‪ ،‬وأن أي انتهــاك لهــذا املبــدأ الدولــى‪ ،‬والقانونــي‪،‬‬ ‫واإلنســاني‪ ،‬واألخالقي‪ ،‬يعتبر جرمية حرب‪ ،‬وجرمية ضد اإلنســانية‪،‬‬ ‫وجرميــة تطهيــر عرقــي‪ .‬وعلــى املجتمــع الدولــي واألطــراف الســامية‬ ‫املوقعــة علــى ميثــاق األمم املتحــدة‪ ،‬واالتفاقيــات‪ ،‬والبروتوكــوالت‬ ‫الدوليــة مالحقــة‪ ،‬ومحاكمــة قــادة االحتــالل الصهيونــي‪ ،‬وعلــى رأســهم‬ ‫رئيــس حكومــة االحتــالل الصهيونــي‪ ،‬بنيامــن نتانياهــو علــى كل تلــك‬ ‫االنتهــاكات‪ ،‬واجلرائــم التــى ارتكبــت‪ ،‬وترتكــب بحــق أبنــاء الشــعب‬ ‫الفلســطيني‪ ،‬ومقدســاته‪0‬‬ ‫إن ماحصل من انتفاضة شعبية من املقدسين العرب يف القدس‬ ‫احتجاجـا علـى تلـك اجلرائـم واالنتهاكات خاصـة البوابات االلكترونية‬ ‫ً‬ ‫والكاميرات التى وضعتها حكومة االحتالل الصهيوني‪ ،‬مكنت الشعب‬ ‫العربـي الفلسـطيني مـن إثبـات هويتـه ووجـوده أمـام كل املخططـات‬ ‫التهويديـة كمـا أثبـت أن إرادتـه هـي أقـوى مـن أي سـالح ميتلكـه العـدو‬ ‫وهي إرادة صلبة الميكن أن تقهر أو تنكسـر‪ ،‬وهي متثل احلق العربي‬ ‫األصيـل لـكل األمـة العربيـة واإلسـالمية‪ ،‬وخاصـة للـكل الفلسـطيني‬ ‫ويجـب أن يعلـم اجلميـع بـأن القـدس مصـدر الوحـدة احلقيقـي وأن‬ ‫الـدم العربـي الفلسـطيني يجمـع الـكل العربـي واإلسـالمي‪ ،‬وأن مـا‬ ‫حـدث أو يحـدث يف القـدس العربيـة مـن إعـدام يف امليـدان واستشـهاد‬

‫‪98‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫حيــث قالــت املتحدثــة باســم شــرطة االحتــالل "لوبــا ســامري"‪:‬‬ ‫"الشــرطة أعــادت اإلجــراءات األمنيــة إلــى مــا كانــت عليــه قبــل هجــوم‬ ‫‪ 14‬يوليــو"‪ .‬وبعــد ذلــك عمــت شــوارع القــدس االحتفــاالت بعدمــا‬ ‫تراجعــت دولــة االحتــالل الصهيونــي عــن إجراءاتهــا األمنيــة‪ ،‬ووزع‬ ‫املقدســيون احللــوى علــى بعضهــم‪ ،‬وإعالنهــم إنهــاء مقاطعــة دخــول‬ ‫األقصــى والعــودة إليــه مــن جديــد‪.‬‬ ‫إن االنتفاضــة التــي شــهدها محيــط املســجد األقصــى خــالل‬ ‫الفتــرة املاضيــة‪ ،‬أظهــرت قــوة احتــاد الفلســطينين‪ ،‬فقــد اســتقطبت‬ ‫إحساســا غيــر عــادي‬ ‫االنتفاضــة اآلالف منهــم كل ليلــة‪ ،‬وأعطتهــم‬ ‫ً‬ ‫بانتصارهــم‪ ،‬خاصــة مــع تكتــل مختلــف القيــادات خلفهــم‪ .‬فقــد‬ ‫ألقــت القيــادة الفلســطينية بــكل ثقلهــا وراء انتفاضــة املقدســين‬ ‫وعلــق التنســيق األمنــي‪ ،‬وتوفيــر الدعــم املــادي وأيــدت كل الفصائــل‬ ‫الفلســطينية وحركــة "حمــاس" هــذه االنتفاضــة‪ ،‬وقــال عــزت‬ ‫الرشــق‪ ،‬القيــادي يف احلركــة‪ :‬إن الفلســطينين حققــوا "انتصــا ًرا‬ ‫تاريخ ًيــا بإجبــار االحتــالل علــى التراجــع‪ ...‬وغــدًا ســيحتفلون‬ ‫بإزالــة االحتــالل نفســه"‪ .‬ويف املقابــل انتقــد الزعمــاء السياســيون‬ ‫اليمينيــون املتطرفــون الصهاينــة‪ ،‬الــذي يعتمــد عليــه رئيــس دولــة‬ ‫االحتــالل بنيامــن نتنياهــو‪ ،‬لبقائــه يف الســلطة‪ ،‬هــذه اخلطــوة‪ .‬وقــال‬ ‫" نفتالــى بينيــت " وزيــر التعليــم وعضــو مجلــس الــوزراء األمنــى يف‬ ‫دولــة االحتــالل الصهيونــي لراديــو جيــش االحتــالل‪ " :‬إســرائيل "‬ ‫أضعفــت بســبب القــرار‪ ،‬وأتوقــع زيــادة العنــف قري ًبــا‪ ..‬التراجــع عــن‬ ‫اإلجــراءات فائدتــه علــى املــدى القصيــر‪ ،‬ولكــن علــى املــدى الطويــل‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫األمــر مختلــف‪ .‬وواجــه رئيــس حكومــة االحتــالل نتنياهــو رد فعــل‬ ‫كبيــر مــن خصومــه السياســين وحتــى مؤيديــه التقليديــن بســبب‬ ‫تعاملــه مــع األزمــة‪ ،‬ووصفــت بعــض وســائل اإلعــالم اإلســرائيلية‬ ‫تعامــل نتنياهــو مــع األزمــة بـــ" العجــز "‪.‬‬ ‫وكانــت دولــة االحتــالل الصهيونــي وضعــت إجــراءات أمنيــة فــى‬ ‫وقــت ســابق حــول األقصــى‪ ،‬قالــت إنهــا "ضروريــة"‪ ،‬فيمــا اعتبرهــا‬ ‫فلســطينيون محاولــة صهيونيــة لتوســيع ســيطرتها علــى األقصــى‪.‬‬ ‫وأثــار هــذا األمــر أســوأ االشــتباكات منــذ ســنوات‪ ،‬وهــددت بجــر‬ ‫إســرائيل إلــى صــراع مــع الــدول العربيــة واإلســالمية األخــرى‪ ،‬وحتــت‬ ‫ضغــط مكثــف‪ ،‬قامــت دولــة االحتــالل بإزالــة أجهــزة الكشــف عــن‬ ‫املعــادن‪ ،‬وقالــت إنهــا تخطــط لتثبيــت كاميــرات أمنيــة متطورة بــدالً من‬ ‫ذلــك‪ .‬وأبــرزت املواجهــة عــدم الثقــة بــن دولــة االحتــالل الصهيونــي‬ ‫والفلســطينين عندمــا يتعلــق األمــر بالقــدس واألقصــى واملقدســات‪.‬‬ ‫إن القــدس خــط أحمــر الميكــن ألي كان جتــاوزة بــأي حــال مــن‬ ‫األحــوال وإن مكانتهــا املقدســة والتاريخيــة العظيمــة مازالــت يف قلــوب‬ ‫العــرب واملســلمن والفلســطينين وهــذه القدســية لهذه املدينــة املباركة‬ ‫" أرض األنبيــاء" اســتطاعت أن جتــذب أنظــار العالــم كلــه وخاصــة‬ ‫الشــعوب العربيــة واإلســالمية والصديقــة التــى تدعــم وتســاند احلــق‬ ‫العربــي واإلســالمي فيهــا وهــي معروفــة بعروبتهــا وإســالميتها وهــذا‬ ‫مــا أكدتــه منظمــة اليونســكو يف تقاريرهــا األخيــرة حيــث " أدانــت فيهــا‬ ‫املمارســات الصهيونيــة ضــد التــراث الثقــايف‪ ،‬والدينــي‪ ،‬واحلضــاري‪،‬‬ ‫واإلســالمي‪ ،‬والعربــي‪ ،‬يف القــدس‪ ،‬ومحــاوالت دولــة االحتــالل‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪97‬‬

‫ملف العدد‬

‫مواجهــات القــدس أكــدت أن الصــراع العربــي الصهيونــي صــراع وجــود ال حــدود‬

‫الــــــقــــــدس تــــوحــــدنـــــا ‪..‬‬ ‫والـــــــدم يـــــجـــــمــــعـــــنـــــــا‬ ‫إن فلســطن مازالــت محتلــة وقطــاع غــزة مــازال حتــت احلصــار الظالــم والقاســي‪ ،‬وإن القــدس والضفــة الفلســطينية‬ ‫تتعــرض إلــى التهويــد واالســتيالء عليهــا بالقــوة وبشــكل مســتمر وإن الشــعب الفلســطيني واألمــة العربيــة يعيشــون اليــوم‬ ‫أخطــر مراحــل حياتهــم املصيريــة ويتعرضــون إلــى أكبــر نكبــة يف تاريخهــم املعاصــر‪ ،‬وهــو مشــروع الشــرق األوســط اجلديــد‬ ‫أو ســايس ـ بيكــو اجلديــدة‪ ،‬والــذي يهــدف إلــى تفتيــت وتقســيم الوطــن العربــي جغراف ًيــا وطائف ًيــا‪ ،‬ويف فلســطن يعانــي‬ ‫الشــعب مــن االنقســام البغيــض بــن األخــوة واألشــقاء الذيــن كانــوا مــع بعضهــم يف خنــدق واحــد يقارعــون ويقاومــون‬ ‫جيــش االحتــالل الصهيونــي ويعيشــون مــع بعضهــم يف املعتقــالت‪ ،‬فكانــوا يعانــون نفــس األلــم واملعانــاة ؛ يتجســد ذلــك بــن‬ ‫أكبــر حركتــن وفصيلــن فلســطينين يف األراضــي الفلســطينية احملتلــة ولكنهمــا لأســف تعيشــان اليــوم حالــة اســتقطاب‬ ‫وجتــاذب سياســي كبيــر إلــى أن أصبــح االنقســام عمي ًقــا وكبي ـ ًرا رغــم كل االتفاقيــات التــي أُبرمــت ووقعــت بينهمــا برعايــة‬ ‫عربيــة‪ ،‬وفصائليــة فلســطينية ورغــم كل اجلهــود التــي بذلــت لــم تتحقــق املصاحلــة ولــم تتــم الوحــدة الوطنيــة التــي أصبحــت‬ ‫هد ًفــا اســتراتيج ًيا قبــل إنهــاء االحتــالل وحتريــر األرض واإلنســان وتقريــر مصيــر الشــعب الفلســطيني وإعــادة الالجئــن‬ ‫الفلســطينين واإلفــراج عــن األســرى واملعتقلــن والرهائــن مــن ســجون االحتــالل الصهيونــي‪.‬‬

‫د ‪.‬عبد الكرمي شبير‬ ‫وفجــأة ظهــر مخطــط صهيونــي جديــد مــن حكومــة االحتــالل‬ ‫الصهيونــي وعلــى رأســها رئيســها بنيامــن نتانياهــو مســتغال التفــكك‬ ‫العربــي الراهــن بوضــع بوابــات الكترونيــة وكاميــرات أمــام أبــواب‬ ‫املســجد األقصــى بهــدف فــرض الســيادة الصهيونيــة علــى املقدســات‬ ‫خاصــة املســجد األقصــى ومنــع أي مســلم أو عربــي فلســطيني مــن‬ ‫دخولــه ألداء الصــالة إال بعــد فحصــه أمن ًيــا بواســطة تلــك البوابــات‬ ‫اإللكترونيــة والكاميــرات‪ ،‬فهــب املقدســيون العــرب مــن كل حــدب‬ ‫وصــوب ومعهــم أبنــاء الشــعب الفلســطيني‪ ،‬مســلمن ومســيحين‬ ‫وكل أبنــاء األمــة العربيــة واإلســالمية بــكل مكوناتهــا‪ .‬فاخلطــر الــذي‬ ‫تعــرض لــه األقصــى وحــق العبــادة والصــالة فيــه وحــد اجلميــع‪ ،‬وإن‬ ‫استشــهاد وجــرح املئــات مــن املقدســين ً‬ ‫أيضــا جمــع ووحــد الــكل‬ ‫وأصبحــت القــدس أولــى القبلتــن وثالــث احلرمــن ومســرى ومعــراج‬ ‫نبينــا محمــد صلــى اهلل عليــه وســلم‪ ،‬وهــي عنــوان الصــراع احلقيقــي‬ ‫مــع هــذا الكيــان الصهيونــي وأصبــح اليــوم اليختلــف عليهــا أحــد وهي‬ ‫التــى توحــد وجتمــع كل شــعوب األمــة العربيــة واإلســالمية وجتمــع‬ ‫وتوحــد الشــعب الفلســطيني‪ .‬وأن الدمــاء الطاهــرة والزكيــة التــي‬

‫ســالت يف باحــت املســجد األقصــى ويف شــوارع القــدس ويف كل حــارة‬ ‫وزقــاق هــي التــي أسســت لهــذه الوحــدة احلقيقيــة وهــي التــي جتمــع‬ ‫الشــمل وتوحــد األخــوة واألشــقاء وأن ســر انتصــار الفلســطينين‬ ‫يف معركــة البوابــات واحتفالهــم بإزالــة األجــراءات األمنيــة هــو‬ ‫الوحــدة احلقيقيــة بــن كل أبنــاء الشــعب الفلســطيني علــى اختــالف‬ ‫انتماءاتهــم الدينيــة والفصائليــة‪ ،‬حيــث أثــارت مخططــات دولــة‬ ‫االحتــالل الصهيونــي موجــة مــن االحتجاجــات الفلســطينية بوضعهــا‬ ‫البوابــات اإللكترونيــة والكاميــرات الذكيــة‪ ،‬وهــي أجهــزة للكشــف عــن‬ ‫املعــادن‪ ،‬إال أن تراجعهــا عــن تلــك اإلجــراءات األمنيــة وشــروعها يف‬ ‫إزالتهــا ميثــل انتصــا ًرا كبي ـ ًرا حلملــة العصيــان املدنــي للفلســطينين‬ ‫الذيــن رفضــوا دخــول املســجد األقصــى عبــر تلــك البوابــات‪ ،‬وفضلــوا‬ ‫الصــالة يف شــوارع القــدس‪.‬‬ ‫إن اإلجــراءات األمنيــة اإلضافيــة التــي اســتحدثتها دولــة‬ ‫االحتــالل الصهيونــي خــالل معركــة البوابات االلكترونيــة والكاميرات‬ ‫الذكيــة اجلديــدة وإزالتهــا وســط مخــاوف مــن أن تقــود االنتفاضــة‬ ‫إلــى منزلــق خطــر يف املنطقــة ‪.‬‬

‫‪96‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تتمس ــك مص ــر بح ــل الدولتي ــن انطا ًق ــا م ــن المحادث ــات الثنائي ــة‬ ‫بينمــا تســعى إســرائيل لطــرح مبــادرات تتضمــن رؤيتهــا لشــكل الدولــة‬ ‫ويف ظــل اســتمرار االنقســام الفلســطيني‪ ،‬تســعى إســرائيل‬ ‫للترويــج لفكــرة الكيانــات الثــالث‪ ،‬دولــة إســرائيل والســلطة الوطنيــة‬ ‫الفلســطينية يف الضفــة الغربيــة‪ ،‬وحكومــة ثالثــة يف قطاع غزة يرأســها‬ ‫محمــد دحــالن‪ ،‬ويأتــي احلديــث عــن هــذه األخيــرة مــع عــودة محمــد‬ ‫دحــالن للمشــهد السياســي بتنســيق مــع القيــادات اجلديــدة يف حركــة‬ ‫حمــاس‪ ،‬وكان دحــالن قــد اســتبعد مــن قيــادات حركــة فتــح بنــاء علــى‬ ‫رغبــة الرئيــس الفلســطيني محمــود عبــاس‪.‬‬ ‫وال توجــد معلومــات مؤكــدة حــول هــذا املشــروع‪ ،‬ولكــن نشــر موقــع‬ ‫بــي بــي ســي عربــي تقريـ ًرا يتحــدث عــن تنســيق بــن حمــاس ومحمــد‬ ‫دحــالن ومصــر مــن أجــل حــل األزمــات املعيشــية التــي ميــر بهــا القطاع‬ ‫باالعتمــاد علــى مصــر‪ ،‬ويف هــذا اإلطــار التقــى دحــالن يف ‪ 24‬يونيــو‬ ‫‪ 2017‬م‪ ،‬وفــدًا مــن حمــاس يف القاهــرة وكان يــرأس الوفــد يحيــى‬ ‫الســنوار القائــد اجلديــد حلمــاس يف القطــاع‪.‬‬ ‫كمــا أعلــن الدكتــور فايــز أبــو شــمالة أحــد املقربــن مــن دحــالن‬ ‫عــن وجــود مذكــرة تفاهــم ســيتم توقيعهــا مــن قبــل مصــر وحمــاس‬ ‫ومحمــد دحــالن‪ ،‬بهــدف ترتيــب األمــور بقطــاع غــزة‪ ،‬مشــي ًرا إلــى‬ ‫أنهــا "تقضــي بعــدم تفكيــك جلنــة إدارة شــؤون القطــاع التــي شــكلتها‬ ‫حمــاس‪ ،‬مــع اإلبقــاء علــى ملــف األمــن ووزارة الداخليــة بالكامــل مــع‬ ‫حركــة حمــاس‪ ،‬وســيتولى دحــالن السياســة اخلارجيــة والدبلوماســية‪،‬‬ ‫ويحشــد التمويــل والدعــم الدبلوماســي والسياســي للحالــة اجلديدة يف‬ ‫قطــاع غــزة"‪ ،‬كمــا حتــدث عــن االتفــاق علــى "تشــكيل جلنــة مشــتركة‬ ‫بــن حمــاس ودحــالن إلدارة اجلانــب الفلســطيني ملعبــر رفــح البــري‪،‬‬ ‫فيمــا يشــرف فريــق خــاص تابــع لدحــالن علــى املعابــر اإلســرائيلية‪،‬‬ ‫ويديــر العالقــة مــع إســرائيل لتســيير حيــاة النــاس يف غــزة"‪.‬‬

‫االهتمام بالبعد اإلنساني‪:‬‬‫ت ــدرك مص ــر أن اس ــتمرار تعث ــر جه ــود املصاحل ــة الفلس ــطينية‬ ‫وكذل ــك جه ــود تس ــوية القضي ــة الفلس ــطينية‪ ،‬يؤث ــر عل ــى الوض ــع‬ ‫اإلنســاني يف قطــاع غــزة‪ ،‬خاصــة يف ظــل جتــدد العمليــات العســكرية‬ ‫الت ــي تنفذه ــا الق ــوات اإلس ــرائيلية ض ــد القط ــاع واس ــتمرارها يف‬ ‫حصـــاره‪ ،‬وكذلـــك بعـــد تدميـــر األنفـــاق بـــن األراضـــي املصريـــة‬ ‫والقط ــاع والت ــي كان يس ــتفيد منه ــا القط ــاع اقتصاد ًي ــا وإنس ــان ًيا‪.‬‬ ‫وال يوجــد اتفــاق بــن املصــادر املختلفــة املعنيــة بهــذه القضيــة علــى‬ ‫عـــدد األنفـــاق التـــي دمـــرت‪ ،‬فاســـتنا ًدا لأرقـــام املعلنـــة مـــن قبـــل‬ ‫رئي ــس ق ــوات ح ــرس احل ــدود املصري ــة أحم ــد إبراهي ــم‪ ،‬بل ــغ ع ــدد‬ ‫األنف ــاق الت ــي دم ــرت من ــذ يناي ــر ‪2011‬م‪ ،‬وحت ــى ‪ 4‬أكتوب ــر ‪2013‬م‪،‬‬

‫ع ــدد ‪ 1055‬نف ًق ــا‪ ،‬وخ ــالل الع ــام ‪2013‬م‪ ،‬بل ــغ ع ــدد م ــا دم ــر م ــن‬ ‫أنف ــاق ‪ 793‬نف ًق ــا‪.‬‬ ‫وتهتــم مصــر بصــورة كبيــرة باجلانــب اإلنســاني وتســعى للموازنــة‬ ‫بينــه وبــن اعتبــارات األمــن القومــي املصــري مــن خــالل تنظيــم املــرور‬ ‫يف معبــر رفــح‪ ،‬ويف هــذا اإلطــار تراعــي اعتبــارات لم الشــمل واحلاالت‬ ‫اإلنســانية احلرجــة يف متكــن الفلســطينين مــن العبــور عبــر املعبــر‬ ‫إلــى األراضــي املصريــة‪ ،‬كمــا تقــدم تســهيالت للحجــاج الفلســطينين‬ ‫يف موســم احلــج‪ ،‬فعلــى ســبيل املثــال ســمحت بعبــور أكثــر مــن ‪1000‬‬ ‫حــاج فلســطيني عبــر رفــح مــن أجــل الســفر للســعودية‪.‬‬ ‫وإلــى جانــب معبــر رفــح‪ ،‬يعتمــد ســكان القطــاع علــى معبــر إيريــز‬ ‫الــذي تتحكــم فيــه الســلطات اإلســرائيلية‪ ،‬والتــي قامــت بخفــض عدد‬ ‫التصريحــات املمنوحــة لســكان القطــاع للعبــور مــن خاللــه إلــى ‪%55‬‬ ‫خــالل النصــف األول مــن عــام ‪2017‬م‪ ،‬مقارنــة بتلــك التــي كانــت‬ ‫متنــح خــالل العــام ‪2016‬م‪.‬‬ ‫وقـد حـرص الرئيـس السيسـي علـى توضيح السياسـة املصرية يف‬ ‫التعامـل مـع معبـر رفـح‪ ،‬حيـث صـرح يف حديثه مع قناة سـكاي نيوز بأن‬ ‫املعبـر "داخـل األراضـي املصريـة يف سـيناء‪ ،‬والبـد أن نعتـرف أن املوقف‬ ‫األمني فى سـيناء كان حاك ًما خالل الشـهور التي مضت‪ ،‬ألن يف اآلخر‬ ‫املواطـن الفلسـطيني الـذي سـيعبر مـن رفـح ويدخـل األراضـي املصريـة‬ ‫سـيكون تأمينـه وأمنـه مسـؤوليتنا يف مصـر‪ ،‬ثان ًيـا‪ ،‬هنـاك معابـر أخـرى‬ ‫موجـودة تربـط قطـاع غـزة مع إسـرائيل‪ ،‬وبالتالي ال نريـد أن نغفل هذا‪،‬‬ ‫البـد أن ال نغفـل عـن أنـه البـد أن يوجـد التـزام من جانب إسـرائيل جتاه‬ ‫قطاع غزة ‪ ،‬مبعنى أنه ال ينبغي أن ينصب كل األمر واحلديث كله فقط‬ ‫علـى معبـر رفـح‪ ،‬ومـع ذلـك فنحـن وبقـدر اإلمـكان كلمـا كانـت الظـروف‬ ‫األمنيـة مسـتقرة يف سـيناء نقـوم بفتح معبـر رفح"‪.‬‬ ‫يتمتــع دور مصــر يف تســوية القضيــة الفلســطينية بأهميــة‬ ‫تاريخيــة‪ ،‬وهــو مــا يجعلهــا طــرف ال ميكــن جتاهلــه أو اســتبعاده يف‬ ‫أي جهــود إقليميــة أو دوليــة جــادة ملعاجلــة أي مــن األبعــاد الثــالث‬ ‫للقضيــة الفلســطينية‪ ،‬وتؤكــد مصــر دو ًمــا علــى أن حتقيــق هــذه‬ ‫التســوية لــن يكــون بــدور منفــرد ألي طــرف‪ ،‬وإمنــا يف إطــار تعــاون‬ ‫إقليمــي ودولــي‪ ،‬حيــث تــرى مصــر أن تســوية القضيــة الفلســطينية‬ ‫تتطلــب "تكاتــف جهــود دول املنطقــة واملجتمــع الدولــي للتوصــل حلــل‬ ‫نهائــي وشــامل للصــراع"‪.‬‬ ‫* ﺧﺒــري ﰲ اﻷﻣــﻦ اﻹﻗﻠﻴﻤــﻲ ورﺋﻴــﺲ ﺗﺤﺮﻳــﺮ دورﻳــﺔ ﺑﺪاﺋــﻞ مبﺮﻛــﺰ اﻷﻫ ـﺮام‬ ‫ﻟﻠﺪراﺳــﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳــﻴﺔ واﻻﺳــﱰاﺗﻴﺠﻴﺔ‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫عــام ‪2014‬م‪ ،‬ولــم تتمكــن مــن العمــل يف القطــاع حتــى اآلن‪ ،‬باســتثناء‬ ‫متويــل قطاعــات مثــل الصحــة والتعليــم وغيرهــا‪ ،‬مــن دون أن يكــون‬ ‫لهــا وجــود علــى أرض الواقــع الــذي تســيطر عليــه حمــاس‪ ،‬وتنظيــم‬ ‫انتخابــات عامــة رئاســية وتشــريعية وللمجلــس الوطنــي الفلســطيني‬ ‫تنفي ـ ًذا التفاقــات ســابقة بــن حمــاس وفتــح‪ ،‬آخرهــا اتفــاق بيــروت‬ ‫يف فبرايــر ‪2017‬م‪.‬‬

‫ مفاوضات السام‪ :‬حكومة واحدة أم حكومتان؟‬‫تعد مســاعدة الشــعب الفلســطيني على إقامة دولته املستقلة على‬ ‫حــدود ‪ 4‬يونيــو ‪1967‬م‪ ،‬وعاصمتهــا القــدس الشــرقية حجــر الزاويــة‬ ‫يف السياســة املصريــة جتــاه القضيــة الفلســطينية‪،‬‬ ‫وذلــك اســتنا ًدا لقــرارات األمم املتحــدة ذات الصلــة‬ ‫ومنهــا القراريــن رقــم ‪ 242‬و‪ ،194‬وكذلــك مبــا يتفــق‬ ‫مــع مــا ورد يف املبــادرة العربيــة التــي طرحهــا امللــك‬ ‫عبــد اهلل بــن عبــد العزيــز يف ‪ 2002‬م‪ ،‬والتــي تعــد‬ ‫مرجعيــة رئيســية تســتند إليهــا مصــر يف سياســاتها‬ ‫جتــاه القضيــة الفلســطينية‪.‬‬ ‫وتنــص تلــك املبــادرة علــى انســحاب إســرائيل‬ ‫الكامــل مــن األراضــي العربيــة احملتلــة مبــا يف‬ ‫ذلــك اجلــوالن الســوري وحتــى خــط الرابــع مــن‬ ‫يونيــو ‪1967‬م‪ ،‬واألراضــي التــي مــا زالــت محتلــة يف جنــوب لبنــان‪،‬‬ ‫والتوصــل إلــى حــل عــادل ملشــكلة الالجئــن الفلســطينين يتفــق عليــه‬ ‫وف ًقــا لقــرار اجلمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة رقــم ‪ ،194‬وقبــول قيــام‬ ‫دولــة فلســطينية مســتقلة ذات ســيادة علــى األراضــي الفلســطينية‬ ‫احملتلــة منــذ الرابــع مــن يونيــو يف الضفــة الغربيــة وقطــاع غــزة وتكــون‬ ‫عاصمتهــا القــدس الشــرقية‪ .‬ويف حــال التــزام إســرائيل بتحقيــق ذلك‪،‬‬ ‫تقــوم الــدول العربيــة باعتبــار النــزاع العربي‪-‬اإلســرائيلي منتهيــا‪،‬‬ ‫والدخــول يف اتفاقيــة ســالم بينهــا وبــن إســرائيل مــع حتقيــق األمــن‬ ‫جلميــع دول املنطقــة‪ ،‬وبإنشــاء عالقــات طبيعيــة مــع إســرائيل يف إطــار‬ ‫هــذا الســالم الشــامل‪ ،‬وبضمــان رفــض كل أشــكال التوطــن ؛ الــذي‬ ‫يتنافــى والوضــع اخلــاص يف البلــدان العربيــة املضيفــة‪.‬‬ ‫واتســا ًقا مــع هــذا التوجــه‪ ،‬أطلقــت مصــر منــذ تولــي الرئيــس‬ ‫عبدالفتــاح السيســي احلكــم يف يونيــو ‪2014‬م‪ ،‬عــد ًدا مــن املبــادرات‬ ‫اخلاصــة بتحريــك محادثــات الســالم بــن اجلانبــن الفلســطيني‬ ‫واإلســرائيلي‪ ،‬فعلــى ســبيل املثــال وجــه الرئيــس السيســي يف مايــو‬ ‫‪2016‬م‪ ،‬أثنــاء افتتاحــه عــد ًدا مــن املشــروعات القومية يف أســيوط دعوة‬ ‫للجانبن الســتئناف محادثات الســالم اســتنا ًدا ملبادرة الســالم العربية‪،‬‬ ‫مــع تشــديده علــى "ضــرورة العمــل علــى اتخــاذ خطــوات بنــاءة إلنهــاء‬ ‫االســتيطان اإلســرائيلي وبــدء مفاوضــات الوضــع النهائــي‪ ،‬مــع التوقــف‬ ‫عــن األعمــال التــي تضــر بالتــراث العربــي يف القــدس الشــريف"‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪95‬‬

‫ملف العدد‬

‫وأثنــاء زيــارة وزيــر اخلارجيــة املصــري ســامح شــكري إلســرائيل‬ ‫يف يوليــو ‪2016‬م‪ ،‬حتــدث عــن أن الزيــارة "تأتــى فــى إطــار جهــد‬ ‫مصــرى نابــع مــن شــعور باملســؤولية جتــاه حتقيــق الســالم لنفســها‬ ‫وجميــع شــعوب املنطقــة‪ ،‬والســيما الشــعبن الفلســطيني واإلســرائيلي‬ ‫اللذيــن عانــا لســنوات طويلــة مــن جــراء امتــداد هــذا الصــراع الدمــوى‬ ‫البغيــض‪ .‬وتأتــى الزيــارة فــى إطــار الرؤيــة التــى عبــر عنهــا الرئيــس‬ ‫عبــد الفتــاح السيســي يف الســابع عشــر مــن مايــو املاضــى لتحقيــق‬ ‫ســالم شــامل وعــادل بــن اجلانبــن الفلســطيني واإلســرائيلي‪ ،‬ووضــع‬ ‫حــد نهائــي لهــذا الصــراع الطويــل‪ .‬فهــذا اإلجنــاز إذا حتقق ســيكون له‬ ‫أثار إيجابية على منطقة الشــرق األوســط‪ ،‬واســتعداد مصر لإلســهام‬ ‫بفاعليــة فــى حتقيــق هــذا الهــدف اســتنا ًدا إلــى جتربتها‬ ‫التاريخيــة فــى حتقيــق الســالم والثقــة التــي حتظــى بهــا‬ ‫كداعمــة لالســتقرار ونصيــر ملبــادئ العدالــة‪ .‬وتقــدر‬ ‫مصــر الثقــة التــى يوليهــا الطرفــان واملجتمــع الدولــي‬ ‫فيهــا نتيجــة التزامهــا بالســالم واالســتقرار والعدالــة"‪.‬‬ ‫وتنفتــح مصــر ً‬ ‫أيضــا علــى كل اجلهــود الدوليــة‬ ‫التــي يتــم بذلهــا مــن أجــل حتريــك املفاوضــات‪ ،‬خاصــة‬ ‫اجلهــود الفرنســية واألمريكيــة‪ .‬حيــث حرصــت مصــر‬ ‫علــى املشــاركة يف مؤمتــر الســالم الــذي دعــت لــه‬ ‫فرنســا يف ينايــر ‪2017‬م‪ .‬كمــا تنفتــح علــى جهــود إدارة‬ ‫الرئيــس األمريكــي دونالــد ترامــب لبحــث ســبل إحياء املفاوضــات‪ ،‬ويف‬ ‫هــذا اإلطــار التقــى الرئيــس السيســي ووزيــر اخلارجيــة جــارد كوشــنر‬ ‫الــذي بــدأ جولــة يف منطقــة الشــرق األوســط نهايــة أغســطس ‪2017‬م‪،‬‬ ‫مــن أجــل استكشــاف فــرص إحيــاء املفاوضــات يف إطــار رؤيــة الرئيــس‬ ‫األمريكــي دونالــد ترامــب للقضيــة والتــي أطلــق عليهــا اســم "الصفقــة‬ ‫الكبــرى" ‪ ultimate deal‬ولكــن دون ذكــر تفاصيــل محــددة‪.‬‬ ‫ويف ح ــن تتمس ــك مص ــر بح ــل الدولت ــن‪ ،‬فإنه ــا ت ــرى أن ه ــذه‬ ‫احملادثـــات بـــن اجلانبـــن الفلســـطيني واإلســـرائيلي هـــي التـــي‬ ‫ســـتحدد شـــكل الدولـــة الفلســـطينية‪ .‬يف حـــن تســـعى إســـرائيل‬ ‫الســـتباق هـــذه احملادثـــات مـــن خـــالل طـــرح مبـــادرات محـــددة‬ ‫تتضمــن رؤيتهــا لشــكل الدولــة‪ ،‬فعلــى ســبيل املثــال نشــرت صحيفــة‬ ‫جيروزاليــم بوســت تفاصيــل مــا يعــرف مببــادرة الســالم اإلســرائيلية‪،‬‬ ‫والت ــي تش ــمل وف ــق الصحيف ــة "تش ــكيل كي ــان فلس ــطيني مس ــتقر‬ ‫ومزده ــر يُ َؤ َّم ــن عب ــر التزام ــات دولي ــة‪ ،‬ع ــن طري ــق تش ــكيل احت ــاد‬ ‫كونفيدرال ــي م ــع مص ــر واألردن‪ ،‬واعت ــراف الع ــرب بدول ــة إس ــرائيل‬ ‫التــي ســتكون القــدس عاصمتهــا‪ ،‬وضمــان الغالبيــة اليهوديــة الثابتــة‬ ‫م ــن طري ــق االنفص ــال الدميوغ ــرايف ع ــن الفلس ــطينين‪ ،‬م ــع ف ــرض‬ ‫الســيادة اإلســرائيلية علــى جــزء كبيــر مــن أراضــي الضفــة الغربيــة‪،‬‬ ‫وجتني ــس الالجئ ــن الفلس ــطينين يف ال ــدول الت ــي يقيم ــون فيه ــا‬ ‫بفض ــل دع ــم دول ــي ش ــامل"‪.‬‬

‫مـصـــر احـتـفـظـــت‬ ‫بقنوات اتصال مع حماس‬ ‫يفمراحلالتوترمنأجل‬ ‫اإلبقاء عى فرص تجديد‬ ‫مسار المصالحة مع السلطة‬

‫‪94‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫القطــاع‪ ،‬الســيما فيمــا يتعلــق بتســهيل املــرور عبــر معبــر رفــح والــذي‬ ‫يعــد منف ـ ًذا مه ًمــا للقطــاع الــذي تســيطر عليــه حمــاس‪ .‬حيــث تعــد‬ ‫مصــر وفــق تقريــر املجموعــة الدوليــة لأزمــات‪" ،‬الشــريك الطبيعــي‬ ‫حلمــاس أكثــر مــن إيــران وحتــى مــن ســوريا األســد"‪ ،‬وذلــك بالنظــر إلى‬ ‫قربهــا اجلغــرايف مــن غــزة‪ ،‬وحتكمهــا يف معبــر رفــح‪ ،‬وغيــره‪.‬‬ ‫كمــا ظلــت مصــر حريصــة علــى االحتفــاظ بقنــوات اتصــال مــع‬ ‫حركــة حمــاس‪ ،‬حتــى يف ظــل مراحــل التوتــر يف العالقــات معهــا‪ ،‬مــن‬ ‫أجــل االحتفــاظ بفــرص جتديــد مســار املصاحلــة مــع الســلطة الوطنية‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬خاصــة وأن املصاحلــة مرتبطــة بعــدة قضايــا فرعيــة‪،‬‬ ‫منهــا الترتيبــات األمنيــة يف قطــاع غــزة والتــي لــم يتــم تنفيــذ مــا ورد‬ ‫بخصوصهــا يف اتفــاق الشــاطئ ‪2014‬م‪ ،‬الــذي أســس حلكومــة التوافق‬ ‫املوجــودة حال ًيــا‪ ،‬ومســتوى متثيــل حركــة حمــاس يف منظمــات الســلطة‬ ‫الوطنيــة الفلســطينية‪ ،‬وكذلــك قضيــة مــن الــذي ســيخلف محمــود‬ ‫عبــاس يف رئاســته للســلطة‪.‬‬ ‫ويف هــذا الســياق‪ ،‬التقــت الســلطات املصريــة وف ـدًا مــن حركــة‬ ‫حمــاس يف مــارس ‪2016‬م‪ ،‬يف زيــارة وصفهــا موســى أبــو مــرزوق‬ ‫نائــب رئيــس املكتــب السياســي حلركــة حمــاس حينهــا ورئيــس الوفــد‬ ‫بـــ "أنهــا فتحــت صفحــة جديــدة‪ ،‬وخطــاب مــودة مــع األشــقاء يف‬ ‫مصــر" كمــا قــام هنيــة بزيــارة للقاهــرة يف ‪ 23‬ينايــر ‪2017‬م‪ ،‬حــن‬ ‫كان نائ ًبــا لرئيــس املكتــب السياســي للحركــة‪ ،‬وكان هــدف الزيــارة‬ ‫مناقشــة أربــع قضايــا هــي إنهــاء اخلالفــات الثنائيــة بــن حمــاس‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫والقاهــرة‪ ،‬ورفــع احلصــار عــن القطــاع عبــر فتــح معبــر رفــح لفتــرات‬ ‫أطــول‪ ،‬وإمكانيــة حتويــل معبــر رفــح إلــى منطقــة اقتصاديــة حــرة‪،‬‬ ‫واملصاحلــة الفلســطينية‪ ،‬وحتــدث إســماعيل هنيــة رئيــس حكومــة‬ ‫حمــاس املقالــة يف القطــاع بعــد احملادثــات عــن "عهــد جديــد متا ًمــا‬ ‫بــن حمــاس والقاهــرة"‪.‬‬ ‫ويف هــذا اإلطــار‪ ،‬طــرح الرئيــس السيســي مبادرة يف ‪ 6‬أغســطس‬ ‫‪2017‬م‪ ،‬تألفــت مــن ســتة بنــود هــي حــل اللجنــة اإلداريــة احلكوميــة‬ ‫التــي شــكلتها حمــاس ونالــت الثقــة مــن املجلــس التشــريعي الــذي ال‬ ‫يحضــر جلســاته يف غــزة ســوى نــواب احلركــة مــن القطــاع‪ ،‬وأن يلغــي‬ ‫رئيــس الســلطة محمــود عبــاس كل إجراءاتــه وقراراتــه العقابيــة ضــد‬ ‫حمــاس مــن دون اســتثناء‪ ،‬و متكــن حكومــة التوافــق مــن العمــل بحريــة‬ ‫يف القطــاع‪ ،‬و حــل مشــكلة موظفــي حمــاس واســتيعابهم ضمــن اجلهــاز‬ ‫احلكومــي‪ ،‬و تنظيــم انتخابــات عامــة فلســطينية‪ ،‬و دعــوة القاهــرة‬ ‫كل األطــراف الفلســطينية إلــى حــوار شــامل للبحــث يف ســبل إنهــاء‬ ‫االنقســام نهائ ًيــا‪.‬‬ ‫وقــد وافقــت حمــاس علــى املبــادرة دون حتفــظ‪ ،‬الســيما وأنهــا‬ ‫طرحــت بعــد أن أعلنــت احلركــة عــن إعــادة النظــر يف وثيقتهــا‬ ‫التأسيســية يف أبريــل ‪ .2017‬بينمــا اجتهــت الســلطة الوطنيــة بعــد‬ ‫موافقتهــا علــى املبــادرة املصريــة لطــرح مبــادرة بديلــة تضمنــت‬ ‫بعــض مــا ورد يف املبــادرة املصريــة‪ ،‬وتضمنــت حــل اللجنــة اإلداريــة‬ ‫احلكوميــة‪ ،‬ومتكــن حكومــة التوافــق الوطنــي التــي ُشــكلت يف يونيــو‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪93‬‬

‫ملف العدد‬

‫تروج إسرائيل للكيانات الثاث‪ :‬دولة إسرائيل والسلطة وحكومة دحان في غزة‬

‫مصر تركز عى ‪ 3‬تصورات تجاه قضية فلسطين‪:‬‬ ‫المصالحة ـ المفاوضات ـ البعد اإلنساني‬ ‫جددت التطورات اخلاصة باملسـجد األقصى املناقشـات يف الدوائر السياسـية واألكادميية حول حجم االهتمام العربي خاصة‬ ‫املصري بالقضية الفلسطينية وبجهود تسويتها‪ ،‬السيما يف ظل توقف املفاوضات بن إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية‬ ‫منـذ أبريـل ‪2014‬م‪ .‬وبـدأت تلـك التطـورات منـذ نهايـة يوليو املاضي مع قيام إسـرائيل بوضـع أجهزة فحص معادن على مداخل‬ ‫املسـجد األقصى وتشـديد اإلجراءات األمنية‪ ،‬وقد أثارت هذه التطورات قضية ملكية املسـجد األقصى وتبعية القدس‪ ،‬وهي‬ ‫مـن بـن القضايـا اخلالفيـة التـي تتـم مناقشـتها يف مفاوضـات السـالم‪ .‬وتأتـي هذه التطـورات يف ظل تغير خريطة االسـتيطان‬ ‫يف األراضي الفلسطينية‪ ،‬فعلى سبيل املثال يشير معهد أبحاث القدس إلى أن عدد املستوطنن يف القدس الشرقية تضاعف‬ ‫مرتـن منـذ ‪1967‬م‪ ،‬حيـث ارتفـع مـن ‪ 197700‬إلـى ‪ 542000‬يهـودي ينتشـرون يف شـرق وغـرب القـدس‪ ،‬علـى نحـو يعـزز الواقع‬ ‫اجلديد الذي تسـعى السـلطات اإلسـرائيلية لوضعه يف االعتبار عند احلديث عن الدولة الفلسـطينية‪ ،‬وهو أمر ترفضه مصر‬ ‫والدول العربية‪ ،‬حيث تتمسـك بضرورة قيام الدولة الفلسـطينية وفق حدود ‪1967‬م‪.‬‬

‫د‪ .‬إميان رجب‬ ‫تتمتــع القضيــة الفلســطينية بأهميــة مركزيــة يف التوجهــات‬ ‫اخلارجيــة للدولــة املصريــة‪ ،‬فهــي مــن بــن القضايــا الرئيســية التــي‬ ‫تبنــت جتاههــا سياســة ثابتــة منــذ عقــود‪ ،‬وذلــك رغــم تعقــد املرحلــة‬ ‫االنتقاليــة التــي متــر بهــا منــذ ثــورة ‪2011‬م‪ ،‬والتــي أثــرت بصــورة كبيرة‬ ‫علــى نشــاط السياســة اخلارجيــة املصريــة‪.‬‬ ‫وهنــاك تصــور ثابــت يف الدوائــر املصريــة يــرى أن اســتمرار تعثــر‬ ‫تســوية القضيــة الفلســطينية ســبب يف عــدم االســتقرار يف املنطقــة‪،‬‬ ‫واتســا ًقا مــع هــذا التصــور صــرح الرئيــس عبــد الفتــاح السيســي بأنــه‬ ‫"جوهــر عــدم االســتقرار يف الشــرق األوســط"‪ ،‬وصــرح كذلــك بــأن‬ ‫"قضيــة الســالم ســتظل هــي األهــم واألخطــر علــى مســتقبل املنطقــة"‪.‬‬ ‫كمــا تعــد القضيــة الفلســطينية وفــق تعبيــر وزيــر اخلارجية ســامح‬ ‫شــكري "ســب ًبا رئيس ـ ًيا يف حالــة االضطــراب التــي تعــج بهــا منطقــة‬ ‫الشــرق األوســط وعائ ًقــا أساسـ ًيا أمــام شــعوبها لكــي يوحــدوا جهودهم‬ ‫مــن أجــل حتقيــق الهــدف األهــم وهــو حتقيــق التنميــة والرخــاء لكافــة‬ ‫شــعوبها بــال اســتثناء‪ ،‬كمــا مثــل ذلــك وقــو ًدا لإلرهــاب ليــس فقــط يف‬ ‫منطقتنــا بــل يف العالــم أســره"‪.‬‬ ‫وتقــوم التصــورات املصريــة‪ ،‬كمــا تنعكــس يف التصريحــات‬ ‫الرســمية لــكل مــن رئيــس اجلمهوريــة ووزيــر اخلارجيــة علــى أن‬ ‫القضيــة الفلســطينية تتضمــن ثالثــة أبعــاد رئيســية‪ ،‬األول يتعلــق‬

‫بتحقيــق املصاحلــة الفلســطينية‪ ،‬والثانــي خــاص باملفاوضــات مــع‬ ‫إســرائيل يف إطــار قــرارات مجلــس األمــن الدولــي ذات الصلة‪ ،‬والثالث‬ ‫يتعلــق بالبعــد اإلنســاني‪ .‬ويالحــظ أن اهتمــام مصــر بهــذه األبعــاد يتــم‬ ‫بصــورة متوازيــة‪ ،‬وســيتم حتليــل كل منهــا علــى حــدة‪.‬‬

‫ محورية تحقيق المصالحة الوطنية‪:‬‬‫تهتــم مصــر بصــورة ملحوظــة بتحقيــق املصاحلــة بــن الســلطة‬ ‫الفلســطينية وحركــة حمــاس‪ ،‬علــى نحــو ينهــي حالــة االنقســام‬ ‫السياســي واجلغــرايف املوجــودة حال ًيــا‪ ،‬والتــي تؤثــر بصــورة كبيــرة علــى‬ ‫األوضــاع األمنيــة يف القطــاع وعلــى األمــن القومــي املصــري‪.‬‬ ‫ويالحــظ أنــه رغــم توتــر العالقــات بــن حمــاس ومصــر يف الفتــرة‬ ‫التاليــة علــى ثــورة ‪2013‬م‪ ،‬بســبب االتهامــات التــي وجهــت حلمــاس‬ ‫لتورطهــا يف عــدد مــن العمليــات اإلرهابيــة التــي شــهدتها مصــر بعــد‬ ‫فــض اعتصامــي جماعــة األخــوان يف ميدانــي رابعــة العدويــة والنهضــة‬ ‫يف ‪ 14‬أغســطس ‪2013‬م‪ ،‬فضــال عــن قضيتــي التخابــر واقتحــام‬ ‫الســجون أثنــاء ثــورة ‪ 25‬ينايــر ‪2011‬م‪ ،‬والتــي اتهــم فيهــا عــدد مــن‬ ‫قيــادات جماعــة اإلخــوان يف مصــر‪ ،‬إال أن مصــر تظــل مصــد ًرا مه ًمــا‬ ‫للشــرعية اإلقليميــة حلركــة حمــاس‪ ،‬ألنهــا ال تقتصــر علــى شــرعية‬ ‫"دبلوماســية"‪ ،‬وإمنــا تترجــم لسياســات فعليــة تدعــم ســلطة حمــاس يف‬

‫‪92‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مــا يتــم رصــده للبحــث العلمي يف الوطن العربي واإلســامي ضعيف‬ ‫والخطــورة يف هــروب العقول العربية وضعف قاعدة المعلومات‬ ‫لكــن احلــال تبدلــت والعقــول تهــودت فأصبحــت هــذه األمــة‬ ‫هــي أمــة اجلهــل بعدمــا كانــت أمــة اقــرأ واقتــدت ببنــي إســرائيل‬ ‫يف إشــعال احلــروب ونشــر الفســاد وقتــل األبريــاء ومــن التكفيــر إلــى‬ ‫التفجيــر وســفكت دمــاء بغيــر حــق وأتلفــت أوطــان ودمــرت علــى‬ ‫ســاكنيها بحجــة اجلهــاد يف ســبيل اهلل واعتــدي علــى أبريــاء بذريعــة‬ ‫التقــرب إلــى اهلل ولعــن هــذه األمــة بعضهــا ً‬ ‫بعضــا‪.‬‬ ‫فعلــى ســبيل املثــال و حســب إحصائيــات منظمــة اليونســكو لســنة‬ ‫‪2004‬م‪ ،‬خصصــت الــدول العربيــة مجتمعــة للبحــث العلمــي مــا يناهــز‬ ‫‪ 1.7‬مليــار دوالر أي مــا نســبته ‪ %0.3‬مــن النــاجت القومــي اإلجمالــي‪،‬‬ ‫يف مقابــل تخصيــص دول أمريــكا الالتينيــة والكاريبــي لـــ‪ 21.3‬مليــار‬ ‫دوالر أي ما نســبته ‪ %0.6‬من الناجت القومي اإلجمالي‪ ،‬ودول جنوب‬ ‫شــرق آســيالـ ‪ 48.2‬مليــار دوالر أي مــا نســبته ‪ ،%2.7‬كمــا خصصــت‬ ‫كل مــن الســويد ‪ ،%3.3‬سويســرا و اليابــان ‪ ، %2.7‬وتتــراوح النســبة‬ ‫مــن ‪ 2‬إلــى ‪ %2.6‬يف كل مــن فرنســا والدامنــرك والواليــات املتحــدة‬ ‫كمــا وصلــت نســبة اإلنفــاق علــى البحــث العلمــي يف إســرائيل إلــى‬ ‫‪... %4.7‬الــخ ‪.‬‬ ‫ويف املقابـــل فـــإن مـــا يتـــم رصـــده مـــن ميزانيـــات يف هـــذا‬ ‫املجـــال يف الوطـــن العربـــي و اإلســـالمي يبقـــى ضعي ًفـــا يف ظـــل‬ ‫عــدم وجــود اســتراتيجيات أو سياســات واضحــة يف مجــال البحــث‬ ‫العلم ــي‪ ،‬وه ــروب العنص ــر البش ــري م ــن بع ــض ال ــدول العربي ــة و‬ ‫م ــا يس ــمى بظاه ــرة هج ــرة األدمغ ــة‪ ،‬إضاف ــة إل ــى ضع ــف قاع ــدة‬ ‫املعلوم ــات يف املراك ــز واملختب ــرات واملؤسس ــات اإلنتاجي ــة لبع ــض‬ ‫ه ــذه ال ــدول‪.‬‬ ‫زار وزيـــر أمريكـــي ســـابق الســـلطة الفلســـطينية يف عـــام‬ ‫‪2000‬م‪ ،‬وقادتـــه أقـــدام املســـؤولن إلـــى مخيـــم الشـــاطئ فبكـــى‬ ‫وتأث ــر م ــن حج ــم املأس ــاة االقتصادي ــة الت ــي يعيش ــها الس ــكان ف ــال‬ ‫بنيـــة حتتيـــة وال مـــاء وال كهربـــاء وال طـــرق‪ .....‬لكـــن إســـرائيل‬ ‫وجهــت لــه دعــوة لزيارتهــا فــزار جامعــة تــل أبيــب ومفاعــل دميونــا‬ ‫ومعهـــد التقنيـــة ( التخنيـــون) واطلـــع علـــى صناعـــة الدبابـــات‬ ‫(امليركاف ــا) وصناع ــة األقم ــار الصناعي ــة وم ــدى التف ــوق احلاص ــل‬ ‫يف الصناع ــات واالكتش ــافات العلمي ــة فانبه ــر الرج ــل م ــن حج ــم‬ ‫اإلجنـــازات الضخمـــة التـــي وصلـــت إليهـــا إســـرائيل يف شـــتى‬ ‫امليادي ــن وعن ــد س ــؤاله ع ــن رأي ــه فيم ــا ش ــاهده ق ــال الفلس ــطيني‬ ‫يحتـــاج إلـــى مســـاعدة اقتصاديـــة ليعيـــش أمـــا إســـرائيل فهـــي‬ ‫األق ــوى واألبق ــى ونح ــن محتاج ــون اليه ــا لنس ــتفيد م ــن طفرته ــا‬ ‫العلميـــة والتكنولوجيـــة‪.‬‬

‫ثال ًثا تهويد الروح‬ ‫واليــوم تبلــغ امللحمــة ذروتهــا وتواصــل إســرائيل قبضتهــا علــى‬ ‫املســجد األقصــى أولــى القبلتــن وثانــي املســجدين ومســرى رســول‬ ‫اهلل صلــى اهلل عليــه وســلم وتســعى جاهــدة اآلن إلــى بنــاء الهيــكل‬ ‫علــى أنقــاض قبــة الصخــرة ويعتقــد اليهــود أن كل يــوم يتأخــر فيــه‬ ‫بنــاء الهيــكل فهــم آثمــون عنــد اهلل‪.‬‬ ‫يقــول بــن جوريــون ‪-‬أول رئيــس وزراء لدولــة يهــود ‪" :-‬ال قيمــة‬ ‫إلســرائيل بــدون ال ُقــدس‪ ،‬وال قيمــة للقــدس بــدون الهيــكل"‪.‬‬ ‫وجــرأة‬ ‫ويقــول احلاخــام الهالــك مائيــر كاهانــا يف صفاقـ ٍـة ُّ‬ ‫وتبجــح ُ‬ ‫علــى اجل َّبــار ‪-‬جــل جاللُــه ‪" :-‬إن إزالــة املســجد األقصــى وقبــة‬ ‫ـب يقتضيــه الدِّيــن اليهــودي‪ ،‬وإن املعركــة دين َّيــة‪ ،‬ولــكل‬ ‫الصخــرة واجـ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ـي مســاجده فليفعــل يف‬ ‫شـ ٍ‬ ‫ـعب إلـ ٌه يَ ْحمِ يــه‪ ،‬وإذا اســتطاع اهلل أن يحمـ َ‬ ‫ُمواجهــة التصميــم اليهــودي علــى إعــادة بنــاء هيــكل ســليمان محــل‬ ‫املســاجد اإلســالمية"‪.‬‬ ‫فــأرض امليعــاد انتزعهــا اليهــود بالــدم والدمــع ‪-‬كمــا يقولــون‬ ‫ُ‬ ‫التجزئــة‪ ،‬ويف تَل ْ ُمودهــم املقـ َّـدس‪:‬‬ ‫وهــي ٌ‬‫أرض تقبــل الزيــادة وال تقبــل ْ‬ ‫القــدس َستَتَ َو َّســع يف آخــر الزمــان حتــى تصــل إلــى دمشــق‪.‬‬ ‫وحينمــا اجتــاح اجليــش اليهــودي القــدس الشــرقية‪ ،‬وأخذوهــا‬ ‫مــن املســلمن‪ ،‬و َقـ َ‬ ‫ـف وزيـ ُر الدفــاع اليهــودي موشــي ديــان أمــام حائــط‬ ‫البُــراق وقــال‪" :‬لقــد أع ْدنــا توحيــد املدينــة املق ََّدســة‪ ،‬و ُعدنــا إلــى أكثــر‬ ‫أماكننــا َق َداســة‪ ،‬ولــن نُغادرهــا أبـدًا"‪.‬‬ ‫ومن خطواتهم يف بناء الهيكل‪:‬‬ ‫ـت رســم ًّيا لعشــرات املنظمــات‬ ‫أن احلكومــة اليهوديــة قــد صرحـ ْ‬ ‫أجـــل بنـــاء الهيـــكل‪ ،‬ومـــن أشـــهرها جماعـــة‬ ‫اليهوديـــة للعمـــل مـــن ْ‬ ‫أمنـــاء الهيـــكل‪ ،‬والتـــي تلْقـــى دع ًمـــا واســـ ًعا داخـــل ُدويلـــة اليهـــود‬ ‫َ‬ ‫واملؤمتـــرات‪ ،‬ويجمعـــون التبرعـــات‬ ‫وخارجهـــا‪ ،‬ويُقيمـــون النـــدوات‬ ‫أج ــل الهي ــكل‪ ،‬ب ــل إن الصهاين ــة‬ ‫م ــن أثري ــاء اليه ــود يف العال ــم مِ ــ ْن ْ‬ ‫ق ــد فتح ــوا م ــدارس ديني ــة‪ ،‬اله ـ ُ‬ ‫ـدف منه ــا وغايته ــا تعلي ــم الناش ــئة‬ ‫علــى معا ِلــم الهيــكل اجلديــد وضخامتــه ومســاحته‪ ،‬ودِ َّقــة هندســته‪،‬‬ ‫وإتق ــان خدمات ــه‪.‬‬ ‫وهــذه املنظمــات واجلماعــات تنتظــر فقــط اإلشــارة اخلضــراء‬ ‫للبَ ـ ْدء يف بنــاء الهيــكل‪.‬‬ ‫* رﺋﻴﺲ اﳌﻌﻬﺪ اﻟﺪﻳﻨﻲ ﻟﻸزﻫﺮ اﻟﴩﻳﻒ ﰲ ﻏﺰة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أوال تهويد الذاكرة‬ ‫وجــاء هــذا القــرار يف إطــار خطــة ممنهجــة اعتمدتهــا حكومــة‬ ‫رئيــس الــوزراء اإلســرائيلي "بنيامــن نتانياهــو" تســتهدف ترســيخ‬ ‫مفاهيــم التهويــد وتذويــب الهويــة العربيــة واإلســالمية للفلســطينين‬ ‫وللمــدن الفلســطينية وعلــى رأســها مدينــة القــدس‪ ،‬فقــرار إلغــاء‬ ‫مصطلــح النكبــة يعــد مبثابــة نســخة مخففــة مــن مشــروع قانــون‬ ‫اقترحــه الفاشــي "أفيجــدور ليبرمــان" وزيــر اخلارجيــة اإلســرائيلية‬ ‫وزعيــم حــزب يســرائيل بيتنــا‪ ،‬يقضــي مبنــع أي مظاهــر مــن مظاهــر‬ ‫إحيــاء ذكــرى النكبــة الفلســطينية والتــي عــادة مــا كانــت تأخــذ شــكل‬ ‫احتفاليــات ثقافيــة تؤكــد علــى أصالــة ورســوخ الهويــة العربيــة يف‬ ‫إســرائيل [‪.]20‬‬ ‫لكــن الفلســطيني لــم يتــرك ذاكــرة التاريــخ‬ ‫واجلغرافيــا مــن دون توثيــق احلقيقــة‪ ،‬حيــث قــام‬ ‫مركــز األبحــاث الفلســطيني بإصــدار " بلدانيــة‬ ‫فلســطن احملتلــة " مــن إعــداد د‪ .‬أنيس صايغ( عام‬ ‫‪ ) 1968‬متضمنــة العديــد مــن األســماء الفلســطينية‬ ‫‪ /‬العربيــة للمواقــع‪ .‬وإصــدار "موســوعة فلســطن‬ ‫اجلغرافيــة" عــام ‪1969‬م‪ ،‬لأســتاذ قســطنطن‬ ‫خمــار الــذي صــدر لــه أيضـاً (عــن املؤسســة العربيــة‬ ‫َّ‬ ‫للدراســات والنشــر بيــروت عــام ‪ )1980‬م‪ ،‬كتــاب‬ ‫يتضمــن أســماء األماكــن واملواقــع واملعالــم الطبيعيــة والبشــرية‬ ‫واجلغرافيــة املعروفــة يف فلســطن حتــى العــام ‪1948‬م‪.‬‬ ‫التدقيــق الــذي قدمــه الباحــث فــرج اهلل صالــح ديــب يف كتابــه‬ ‫"معجــم معانــي وأصــول وأســماء املــدن والقــرى الفلســطينية "‬ ‫(الصــادر عــن دار احلمــراء يف بيــروت ‪ .)1991 /‬وفيــه أكــد أن تاريــخ‬ ‫فلســطن أخضــع للتزويــر املتع َّمــد‪ ،‬و ُغ ـ ِّرب الفلســطينيون واعتبــروا‬ ‫غــزاة مــن بحــر إيجــة‪ ،‬حلظــة مارســت الصهيونيــة ســالح االقتــالع‬ ‫والنفــي ومحــو الذاكــرة عبــر تزويــر اآلثــار وعبرنــة أســماء األماكــن‪.‬‬ ‫وقــد رصــد املؤلــف أســماء القــرى واملــدن واخلــرب ‪ /‬مــع جذورهــا‬ ‫ومعانيهــا يف القامــوس العربــي ومــا مياثلهــا مــن أســماء قــرى ومــدن‬ ‫وعشــائر يف احمليــط العربــي واليمــن خاصــة‪ .‬وخلــص الباحــث إلــى‬ ‫النتائــج التاليــة‪:‬‬ ‫ أسماء القرى واملدن واخلرب الفلسطينية‪ ،‬هي أسماء عشائر عربية‪.‬‬‫ ال وجود ألسماء عبرية يف فلسطن‪.‬‬‫ غالبية أسماء القرى واملدن الفلسطينية تتردد يف اليمن ولبنان‪.‬‬‫ غالبيــة اخلــرب الفلســطينية‪ ،‬حتــول أصحابهــا إلــى عائــالت يف‬‫املــدن واملناطــق اللبنانيــة‪ ،‬أو شــكلوا قــرى باالســم نفســه أحيان ـاً‪.‬‬

‫مقال‬

‫ملف العدد‬

‫تســمية املينــاء باســم عيســى العــوام البحــري أحــد قــادة صــالح الديــن‬ ‫بينمــا ترغــب بلديــة عــكا بتســمية املينــاء باســم زئيــف بريــد البحــري‬ ‫وهــو قائــد صهيونــي بــارز ويعــد مــن مؤسســي األســطول اإلســرائيلي‪.‬‬

‫ثان ًيا تهويد العقيدة‬ ‫صــورت العدســة القرآنيــة الشــخصية اليهوديــة بأوصافهــا‬ ‫احلقيقيــة مــن إســاءة األدب يف حــق اهلل والكفــر والطغيــان وســعيهم‬ ‫يف الفســاد وإثــارة احلــروب يف األرض وقــد ســجل القــرآن طر ًفــا‬ ‫مــن ذلــك ( َو َقالَـ ِـت الْيَ ُهــو ُد يَ ـ ُد َّ ِ‬ ‫مبــا‬ ‫اهلل َم ْغلُولَ ـ ٌة ُغلَّـ ْ‬ ‫ـت أَيْدِ يهِ ـ ْم َولُعِ نُــوا ْ ِ َ‬ ‫َقالُــوا ْ بَ ـ ْل يَ ـ َداهُ َمبْ ُسـ َ‬ ‫ـوطتَانِ يُنفِ ـ ُق َكيْـ َ‬ ‫ـف يَ َشــاء َولَيَزِ ي ـدَنَّ َكثِي ـ ًرا ِّمنْ ُهــم‬ ‫ـك مِ ــن َّر ِّبـ َ‬ ‫َّمــا أُنــزِ َل ِإلَيْـ َ‬ ‫ـك ُط ْغيَا ًنــا َو ُك ْفـ ًرا َوأَلْ َقيْنَــا بَيْنَ ُهـ ُم‬ ‫الْ َعـ َدا َوةَ َوالْ َبغ َ‬ ‫ْضــاء ِإلَــى يَـ ْو ِم الْقِ َيا َمــةِ ُكلَّ َمــا أَ ْو َقـ ُدوا ْ نَــا ًرا‬ ‫ض َفســا ًدا َو َّ‬ ‫َّ‬ ‫اهللُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّلل ْ َح ْر ِب أَ ْط َف َأ َها اهلل َويَ ْسَــع ْو َن ِيف األ ْر ِ َ‬ ‫ـب ْاملُف ِْســدِ ي َن) (‪.)64‬‬ ‫الَ يُ ِحـ ُّ‬ ‫وه ــم كذل ــك قتل ــة األنبي ــاء واألبري ــاء واألولي ــاء‬ ‫واآلمريـــن باملعـــروف والناهـــن عـــن املنكـــر (إِنَّ‬ ‫ـــات َّ ِ‬ ‫ا َّلذِ يـــ َن يَ ْكفُـــ ُرو َن بِآيَ ِ‬ ‫ـــن‬ ‫اهلل َويَ ْقتُلُـــو َن ال َّن ِب ِّي َ‬ ‫ْ‬ ‫ِب َغيْ ــرِ َح ــقٍّ َويَ ْقتُل ُ ــو َن ا ِّلذِ يـ ـ َن يَأ ُمـ ـ ُرو َن بِالْقِ ْس ـ ِ‬ ‫ـط مِ ـ ـ َن‬ ‫اب أَلِي ـ ٍـم (‪ )21‬أُولَ ِئ ـ َ‬ ‫ـك ا َّلذِ يــ َن‬ ‫ـاس َفبَ ِّشــ ْر ُهم ِب َعــ َذ ٍ‬ ‫ال َّن ـ ِ‬ ‫َحب َ‬ ‫ـت أَ ْع َمال ُ ُهــ ْم ِيف ال ُّدنْ َي ــا َو ِ‬ ‫اآلخ ـ َر ِة َو َم ــا لَ ُه ــم ِّم ــن‬ ‫ِط ـ ْ‬ ‫َّن ِ‬ ‫اصرِ يـــ َن) (‪)22‬‬ ‫قــال ابــن أبــي حــامت يف تفســيرها عــن قبيصــة بــن ذؤيــب‬ ‫اخلزاعــي عــن أبــي عبيــدة بــن اجلــراح قــال ‪ :‬قلــت ‪ :‬يــا رســول اهلل ‪،‬‬ ‫أي النــاس أشــد عذا ًبــا يــوم القيامــة ؟ قــال ‪:‬رجــل قتــل نب ًيــا ‪ ،‬أو رجــل‬ ‫أمــر باملنكــر ونهــى عــن املعــروف ‪ ،‬ثــم قــرأ رســول اهلل ( صلــى اهلل‬ ‫عليــه وســلم ) ويقتلــون النبــن بغيــر حــق و يقتلــون الذيــن يأمــرون‬ ‫بالقســط مــن النــاس إلــى قولــه ‪ :‬و مــا لهــم مــن ناصريــن ثــم قــال‬ ‫رســول اهلل ( صلــى اهلل عليــه وســلم ) ‪ :‬يــا أبــا عبيــدة قتلــت بنــو‬ ‫إســرائيل ثالثــة و أربعــن نب ًيــا مــن أول النهــار يف ســاعة واحــدة فقــام‬ ‫مائــة رجــل و ســبعن رجــال مــن بنــي إســرائيل‪ ،‬فأمــروا مــن قتلهــم‬ ‫باملعــروف و نهوهــم عــن املنكــر ‪ ،‬فقتلــوا جمي ًعــا مــن اخــر النهــار يف‬ ‫ذلــك اليــوم ‪ ،‬فهــم الذيــن ذكــر اهلل عــز و جــل‪ .‬قولــه تعالــى‪َ ( :‬ويَ ْقتُلُــو َن‬ ‫ال ِّذي ـ َن يَأ ُم ـ ُرو َن ِبالقِ ْسـ ِ‬ ‫ـط مِ ـ َن ال َّنــاس)‬ ‫إن هــذه األمــة الضالــة بعدمــا انحرفــت عــن هــدي ربهــا وحرفــت‬ ‫كتــب باريهــا‪ ،‬أمــة وســمت بالهــوى والضاللــة قــال تعالــى‪َ ( :‬ولَ ِئــنِ‬ ‫ـت أَ ْه َوا َء ُهــم بَ ْع ـ َد ا َّلــذِ ي َجــا َء َك مِ ـ َن الْعِ لْـ ِـم َمــا لَـ َ‬ ‫ـك مِ ـ َن َّ ِ‬ ‫اهلل مِ ــن‬ ‫ا َّت َب ْعـ َ‬ ‫يــر) (‪)120‬‬ ‫ِــي َوالَ نَ ِص ٍ‬ ‫َول ٍّ‬ ‫مــا عندنــا علــم وبينــة ومــا عندهــم أهــواء قــال تعالــى ( ُق ـ ْل ِإ ِّنــي‬ ‫َعلَــى بَ ِّين ٍَــة ِّمــن َّر ِّبــي َو َك َّذبْتُــم ِبــهِ َمــا ِعنــدِ ي َمــا ت َْســتَ ْع ِجلُو َن ِبــهِ إِنِ‬ ‫هلل يَ ُّقُــص ْ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫احل َّــق َو ُه َــو َخيْــ ُر الْف ِ‬ ‫احل ْكــ ُم ِإ َّال ِ ّ ِ‬ ‫َاصلِــنَ) (‪)57‬‬

‫الــصـــراع الـعـربـــي‬ ‫اإلســـرائـــيـلـــي فـــي‬ ‫ذروتــــه وإســرائــيـــل‬ ‫تســعى لبنــاء الهيــكل‬ ‫الـــمــزعــــوم حــالــيــًا‬

‫ولعــل األزمــة التــي بــرزت يف مدينــة عــكا مؤخــراً حيــث نشــب‬ ‫خــالف شــديد بــن الســكان العــرب ملدينــة عــكا الذيــن يرغبــون يف‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪91‬‬

‫‪90‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫التجزئة وفي التلمود القدس َت َت َو َّسع حتى دمشق‬ ‫أرض امليعاد عندهم تقبل الزيادة وال تقبل ْ‬

‫إس ــرائيل وسياس ــة تهوي ــد اإلس ــام بالق ــوة‬ ‫الناعم ــة والخش ــنة‬ ‫مــر الصــراع العربــي ‪ -‬اإلســرائيلي بأمنــاط وصــور متعــددة تطــورت علــى مراحــل ممنهجــة وسياســات دقيقــة لتؤكــد صــدق‬ ‫القــرآن الكــرمي (وال يزالــون يقاتلونكــم حتــى يردوكــم عــن دينكــم إن اســتطاعوا)‪ .‬اســتخدمت إســرائيل يف عمليــة التهويــد‬ ‫سياســتن؛ األولــى ممكــن أن تســمى بالتهويــد اخلشــن مــن خــالل القــوة وفــرض األمــر الواقــع‪ ،‬والثانــي عــرف بالتهويــد الناعــم‬ ‫مــن خــالل تهويــد الثقافــة والفكــر والهويــة بوســائل متدرجــة وأحيانــا بطيئــة مبتدئـ ًة بتغييــر اللغــة ومنتهيـ ًة بتهويــد العقيــدة‬ ‫والــروح وصــار هــذا التهويــد بخطــة منهجيــة علــى النحــو التالــي‪:‬‬

‫د‪ .‬عماد حمتو‬ ‫أو ًال‪ :‬تـهـويـــد األرض مـنـــذ أن اسـتـولـــت إسـرائـيـــل علــى األرض‬ ‫الفلســطينية شــرعت يف سياســة تهويــد األرض الفلســطينية فغيــرت‬ ‫معالــم التاريــخ واجلغرافيــا وقــد أحصــى الباحــث اجلغــرايف الدكتــور‪:‬‬ ‫شــكري عــراف يف كتابــه املواقــع الفلســطينية بن عهديــن –خريطتن‪-‬‬ ‫وفيــه أحصــى املؤلــف نحــو ‪ 2780‬موقعـاً مت تغييــر أســمائها‪ ،‬هــي‪340 :‬‬ ‫قريــة ومدينــة ‪ 1000 -‬خربــة ‪ 380 -‬عــن مــاء ‪ 560 -‬واديــاً ونهــراً‬ ‫ ‪ 14‬بركــة وبحيــرة ‪ 50 -‬مغــارة ‪ 28 -‬قلعــة وحصنـاً وقصــراً ‪198 -‬‬‫جبـ ً‬ ‫ال ‪ 210-‬تــالل‪ .‬ويعــد هــذا املرجــع ‪-‬علــى حــد علمنــا‪ -‬األشــمل بن‬ ‫كل مــا كتــب إحصائيـاً وعينيـاً عــن تهويــد أســماء املعالــم الفلســطينية‪.‬‬ ‫واعتمــدت إســرائيل علــى حتريــك أســماء املــدن والقــرى والطــرق‬ ‫باعتمــاد اســماء تــارة مرتبطــة بالتنــاخ –العهــد القــدمي‪ -‬فمنطقــة رام‬ ‫اهلل تســمى دان ومنطقــة القــدس وشــمالها ســميت يهــودا ومنطقــة‬ ‫اللــد والرملــة ويافــا ســميت شــمعون وأحيانــا تؤصــل إســرائيل لهــذا‬ ‫التحريــف لأســماء واملــدن بإطــالق تســميات ورد ذكرهــا يف املشــنى‬ ‫والتلمــود عمو ًمــا مثــل‪:‬‬ ‫خربة نبرتن (يف اجلليل األعلى)‪ :‬أسمتها‪ :‬خربة نبورياه‬ ‫خربة املنارة (يف اجلليل األسفل)‪ :‬أسمتها‪ :‬خربة منورمي‬ ‫ونســبت إســرائيل بعــض التســميات إلــى حاخامــات وأدبــاء مــن‬ ‫أمثلــة ذلــك‪:‬‬ ‫ تســمية جبــل حيــدر (يف اجلليــل األعلــى) باســم هــار هــآري ‪/‬‬‫لذكــرى رئيــس حاخامــات الكابــااله يف صفــد‪.‬‬ ‫‪ -‬تســمية عــن احلمــرة (جنــوب صفــد) عــن همبيــط ‪ /‬لذكــرى‬

‫احلاخــام موشــي مطرانــي الــذي قيــل أنــه عــاش يف صفــد يف القــرن‬ ‫الســادس عشــر‪.‬‬ ‫وكذلــك ســمي جبــل شــرفة غــرب القــدس هــار هرتســل تخليـدًا‬ ‫لذكــرى الرمــز الصهيونــي هرتســل ولَــم تنســى إســرائيل احملاربــن‬ ‫الصهاينــة الذيــن ســقطوا يف معاركهــم بتخليــد أســمائهم يف األماكــن‬ ‫التــي ســقطوا فيهــا فســمت جبــل قليلــة جنــوب مــرج ابــن عامــر هــار‬ ‫جيبوريــن (األبطــال) الذيــن ســقطوا يف عــام ‪1948‬م‪ ،‬بــل إنهــا خلــدت‬ ‫يف جبــال القــدس أســماء العصابــات القاتلــة فأطلقــت علــى مــكان‬ ‫التدريــب هــار الهاغانــاه وحرفــت أســماء عربيــة إلــى ألفــاظ عبريــة‬ ‫مثــل جبــل اباريــك يف النقــب اجلنوبــي إلــى هــار بــارك وترجمــت‬ ‫معانــي عربيــة إلــى عبريــة مثــل جبــل جــرادة إلــى هــار جوفــاي‬ ‫(جــرادة) ولَــم تنــس زعمــاء إســرائيل أو أصدقائهــا مــن إطــالق‬ ‫أســمائهم علــى مشــارف القــدس مثــل الوزيــر موشــي حاييــم شــابيرا‬ ‫وكذلــك مرداخــي غــور علــى منطقــة مجــاورة لبــاب األســباط‪.‬‬ ‫واخلالصـــة أن إســـرائيل اســـتمرت يف حتريـــف التاريـــخ‬ ‫ً‬ ‫عمـــال بالقاعـــدة التـــي تتمناهـــا (الكبـــار ميوتـــون‬ ‫واجلغرافيـــا‬ ‫والصغ ــار ينس ــون) فف ــي أح ــد الكيبوتس ــات ق ــال "مناحي ــم بيج ــن"‬ ‫إن اليه ــود ل ــو حتدث ــوا ع ــن فلس ــطن ب ــدالً م ــن ايرت ــس يس ــرائيل‪،‬‬ ‫فإنهـــم يفقـــدون كل حـــق لهـــم يف األرض‪ ،‬ألنهـــم بذلـــك يعترفـــون‬ ‫ضم ًن ــا ب ــأن هن ــاك وج ــو ًدا فلس ــطين ًيا‪ ،‬وبالتال ــي إن عب ــارة ارت ــس‬ ‫يســرائيل أي أرض إســرائيل تــدل علــى عــدم االعتــراف بــأي شــعب‬ ‫آخـــر علـــى هـــذه األرض"[‪.]14‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أساســي يف جنــاح مشــروعات الشــباب‪ ،‬وحتويلهــا إلــى مشــروعات‬ ‫نوعــا مــن الرعايــة‬ ‫ناجحــة‪ ،‬كمــا أن املشــروعات بطبيعتهــا حتتــاج ً‬ ‫واإلرشــاد والدعــم املالــي والفنــي يف مراحلهــا األولــى‪ ،‬وذلــك بســبب‬ ‫ضعــف اخلبــرات العمليــة‪ ،‬وخاصــة يف مجــال ريــادة األعمــال‪ ،‬وإدارة‬ ‫املشــروعات‪ ،‬وعمليــات التســويق يف ظــل ظــروف احلصــار‪.‬‬ ‫يضــاف إلــى ذلــك االهتمــام مبراكــز التدريــب املتخصصــة يف‬ ‫ريــادة األعمــال‪ ،‬بجانــب البرامــج التدريبيــة املهنيــة‪ ،‬والتدريب التحويلي‪،‬‬ ‫لتنميــة مهــارات الشــباب مــن اجلنســن‪ ،‬وللتأكــد من امتــالك اخلريجن‬ ‫املهــارات املطلوبــة لشــغل الوظائــف التــي تتوفــر‪ ،‬وإدارة املشــروعات‬ ‫املقامــة‪ .‬وتدعــم مجموعــة البنــك الدولــي هــذه اجلهــود مــن خــالل‬ ‫سلســلة مــن املشــاريع املســماة التمويــل بهــدف خلــق فــرص عمــل‪ ،‬والتــي‬ ‫بدأتهــا عــام ‪2015‬م‪ ،‬بتمويــل قــدره خمســة ماليــن دوالر‪ ،‬وقــد متــت‬ ‫املوافقــة مؤخـ ًرا علــى ‪ 9.5‬مليــون دوالر إضافيــة ملواصلــة هــذا العمــل‪.‬‬ ‫● استمرار دور املنظمات الدولية يف دعم السلطة الفلسطينية‬ ‫تســاعد زيــادة مســاهمات املانحــن مبــا فيهــا مجموعــة البنــك‬ ‫الدولــي‪ ،‬علــى حتفيــز اســتثمارات القطــاع اخلــاص‪ ،‬وخلــق فــرص‬ ‫اســتثمارية‪ ،‬تضيــف قيمــة مضافــة‪ ،‬وتخلــق فــرص عمــل للشــباب‪،‬‬ ‫ومــن املهــم يف هــذا الصــدد توســيع دعــم مؤسســات البنــك الدولــي‪،‬‬ ‫خاصــة التمويــل الدوليــة والوكالــة الدوليــة لضمــان االســتثمار‪،‬‬ ‫للشــركات متوســطة احلجــم والكبيــرة‪ ،‬بجانــب املشــروعات الصغيــرة‪،‬‬ ‫واملســاهمة يف حتفيــز االســتثمار وتخفيــف املخاطــر‪.‬‬ ‫وهنــاك عــدة محــاور تســعى املنظمــات الدوليــة للعمــل عليهــا‪،‬‬ ‫يأتــي علــى رأســها جنــاح املشــروعات الناشــئة‪ ،‬وحتســن الظــروف‬ ‫املعيشــية وزيــادة فــرص العمــل واالســتثمار املتاحــة للفلســطينين‪،‬‬ ‫ويقــوم البنــك الدولــي بتمويــل هــذه املشــاريع مــن خــالل منــح يبلــغ‬ ‫مجموعهــا ‪ 43‬مليــون دوالر بهــدف خلــق فــرص العمــل‪ ،‬والتعــايف‬ ‫وإعــادة اإلعمــار‪ ،‬وتقــدمي اخلدمــات‪ ،‬وتوفيــر احلمايــة االجتماعيــة‬ ‫للفئــات املهمشــة واألولــى بالرعايــة‪.‬‬ ‫كمــا تقــوم املنظمــات الدوليــة بتقــدمي اخلدمــات للمواطنــن‬ ‫الفلســطينين‪ ،‬وإشــراك القطــاع اخلــاص يف خلــق فــرص العمــل‪،‬‬ ‫وبنــاء ثقــة اجلمهــور يف املؤسســات احملليــة‪ ،‬مــن خــالل املشــاريع‬ ‫اجلديــدة ملســاندة مســتويات املعيشــة يف بيئــة صعبــة وهشــة‪.‬‬ ‫ومـن املجـاالت الهامـة لعمـل املنظمـات الدوليـة‪ ،‬تدعيـم االسـتدامة‬ ‫املالية للقطاع‪ ،‬وتهيئة بيئة مواتية الستثمارات القطاع اخلاص يف توليد‬ ‫الكهرباء‪ ،‬وميثل مشروع حتسن أداء قطاع الكهرباء جان ًبا آخر للتعاون‬ ‫بن البنك الدولي والشـركاء الدولين ملسـاعدة الشـعب الفلسطيني‪.‬‬ ‫ويشــارك البنــك الدولــي والصنــدوق االســتئماني يف متويــل هــذا‬ ‫املشــروع بواقــع ‪ 4‬ماليــن دوالر و ‪ 7‬ماليــن دوالر علــى الترتيــب‪،‬‬ ‫حيــث سيســهم يف تدعيــم قــدرات مؤسســات قطــاع الطاقــة‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪89‬‬

‫ملف العدد‬

‫الرئيســية‪ ،‬وحتســن كفــاءة نظــام توزيــع الكهربــاء وجــودة خدماتــه‪،‬‬ ‫وتطبيــق منــوذج عمــل جديــد علــى أســاس جتريبــي للطاقــة الشمســية‬ ‫يف غــزة‪ .‬عــالوة علــى ذلــك‪ ،‬سيســهم املشــروع‪.‬‬ ‫● تفعيل دور القطاع اخلاص يف التنمية املستدامة‬ ‫يلعــب القطــاع اخلــاص دو ًرا أساســ ًيا يف املســتقبل االجتماعــي‬ ‫واالقتصــادي للضفــة الغربيــة وغــزة‪ ،‬وهــي منطقــة تعانــي حال ًيــا مــن‬ ‫محدوديــة فــرص العمــل‪ ،‬والســيما بــن الشــباب والنســاء‪ .‬ويســاند‬ ‫البنــك خلــق فــرص العمــل مــن خــالل مشــروعه الثانــي للتمويــل مــن‬ ‫أجــل خلــق الوظائــف‪ .‬وعــن طريــق منــح مقدمــة مــن البنــك الدولــي‬ ‫مببلــغ ‪ 8‬ماليــن دوالر و ‪ 1.5‬مليــون دوالر مــن صنــدوق تقويــة قــدرات‬ ‫الــدول وبنــاء الســالم‪ ،‬ويســاند املشــروع أســاليب مبتكــرة للتمويــل‬ ‫إلعطــاء دفعــة خللــق فــرص العمــل مــن خــالل رأس املــال اخلــاص‪.‬‬ ‫ويقــدم املشــروع املســاندة لتمويــل الشــركات الناشــئة يف مراحــل‬ ‫تطورها املبكرة‪ ،‬واالســتثمار من أجل التوظيف يف الشــركات املتوســطة‬ ‫والكبيــرة‪ ،‬واالســتثمار يف املهــارات التــي يحتاجهــا القطــاع اخلــاص‪.‬‬ ‫● حتسني نظم احلماية االجتماعية‬ ‫يف ظـل الظـروف االقتصاديـة الصعبـة التـي تعيشـها األراضـي‬ ‫الفلسـطينية‪ ،‬وتزايـد معـدالت الفقـر‪ ،‬يصبـح تطويـر نظـم احلمايـة‬ ‫االجتماعية مسألة ملحة‪ ،‬ومع ضعف املوارد الذاتية وانخفاض املصروفات‬ ‫التحويلية من خالل املوازنة العامة للسلطة الفلسطينية‪ ،‬يصبح حتسن‬ ‫نظـم احلمايـة االجتماعيـة‪ ،‬جـز ًءا ال يتجـزأ مـن برنامـج البنـك الدولـي‪.‬‬ ‫ويقـدم البنـك الدولـي منحـة مببلـغ ‪ 15‬مليـون دوالر ملشـروع تعزيـز‬ ‫احلمايـة االجتماعيـة اجلديـد‪ ،‬ويواصـل املشـروع البنـاء علـى برنامـج‬ ‫التحويـالت النقديـة السـابق‪ ،‬ويتـم تعزيـزه بخدمـات ملعاجلـة جوانـب‬ ‫احتياجا‪،‬‬ ‫الضعف االجتماعي‪ ،‬ويستهدف كذلك األسر املعيشية األكثر‬ ‫ً‬ ‫وتوسيع نطاق نظام املعلومات واملتابعة‪ ،‬وحتديد الفرص املتاحة لأسر‬ ‫املعيشـية للخـروج مـن دائـرة الفقـر‪ ،‬إضافـة إلـى متكـن املـرأة ‪.‬‬ ‫● تنمية رأس املال البشري‬ ‫وســوف يكــون تعزيــز رأس املــال البشــري مطل ًبــا ضرور ًيــا ً‬ ‫أيضــا‬ ‫لدعــم جهــود صنــاع السياســات الراميــة إلــى تعزيــز اإلنتاجيــة‬ ‫والتصــدي للتحــدي املتمثــل يف توفيــر فــرص العمــل للشــباب الباحثــن‬ ‫عــن عمــل‪ ،‬وذلــك مــن خــالل حتســن جــودة التعليــم مــن أجــل حتقيــق‬ ‫نتائــج أفضــل يف دراســة االجتاهــات احلديثــة يف الدراســة الدوليــة‬ ‫للرياضيــات والعلــوم‪)TIMSS( .‬‬ ‫* أﺳﺘﺎذ اﻻﻗﺘﺼﺎد واﳌﺎﻟﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ‪-‬ﺟﺎﻣﻌﺔ اﳌﻨﻮﻓﻴﺔ‪-‬ﻣﴫ ـ اﳌﺴﺘﺸﺎر اﻻﻗﺘﺼﺎدي‬ ‫ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ اﳌﻠﻚ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ – اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ )ﺳﺎﺑﻘﺎ(‬

‫‪88‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫االقتصــاد يف الضفــة الغربيــة بنســبة ‪ %3.4‬وهــو مــا يُعــزى باألســاس‬ ‫إلــى زيــادة يف اســتهالك األســر بتمويــل مــن قــروض مصرفيــة‪.‬‬ ‫ومــع افتــراض اســتمرار فــرض القيــود احلاليــة وبقــاء الوضــع‬ ‫األمنــي هاد ًئــا نســب ًيا‪ ،‬فــإن معــدل النمــو املتوقــع إلجمالــي النــاجت‬ ‫احمللــي احلقيقــي لالقتصــاد الفلســطيني يف عــام ‪2017‬م‪ ،‬هــو‬ ‫‪ %2.7 :%3.5‬يف الضفــة الغربيــة و‪ %5.5‬يف قطــاع غــزة‪ .‬ويف‬ ‫املــدى املتوســط‪ ،‬ميكــن أن يبقــى معــدل منــو إجمالــي النــاجت احمللــي‬ ‫احلقيقــي قري ًبــا مــن نســبة ‪ ،%3.5‬ويشــير هــذا البــطء يف معــدل‬ ‫النمــو إلــى حالــة قريبــة مــن الركــود يف نصيــب الفــرد مــن الدخــل‬ ‫احلقيقــي وزيــادة يف معــدل البطالــة‪.‬‬ ‫إجمــاال ميكــن القــول أن االنتعــاش الــذي حــدث مؤخـ ًرا يف النمــو كان‬ ‫مدفوعــا بعمليــات إعــادة إعمــار قطــاع غــزة وال ميكــن اســتمراره بــدون‬ ‫ً‬ ‫تخفيــف القيــود اخلارجيــة وبــذل جهــود لتحســن بيئــة األعمــال احملليــة‪،‬‬ ‫وبالتالــي‪ ،‬ال تــزال اآلفــاق االقتصاديــة لأراضي الفلســطينية غير مواتية‬ ‫مع توقع عدم حتقيق مســتويات منو كافية لتحســن األوضاع املعيشــية‪.‬‬ ‫ويف مجــال املاليــة العامــة‪ ،‬مــن املتوقــع زيــادة عجــز املوازنــة‬ ‫العامــة (قبــل املنــح) إلــى ‪ %10‬مــن إجمالــي النــاجت احمللــي (‪1.35‬‬ ‫مليــار دوالر) يف عــام ‪2017‬م‪ ،‬ويف الوقــت ذاتــه‪ ،‬ميكــن انخفــاض‬ ‫املعونــات األجنبيــة يف عــام ‪2017‬م‪ ،‬إلــى نحــو ‪ 640‬مليــون دوالر‪ ،‬ممــا‬ ‫يخلِّــف فجــوة متويليــة تتجــاوز ‪ 0.7‬مليــار دوالر (‪ %5‬مــن إجمالــي‬ ‫النــاجت احمللــي)‪ ،‬وإذا لــم يتــم التعجيــل بزيــادة املعونــات التــي يقدمهــا‬ ‫املانحــون بدرجــة كبيــرة‪ ،‬فــإن هــذه الفجــوة ســيتم متويلهــا مــن خــالل‬ ‫متأخــرات للقطــاع اخلــاص واالقتــراض مــن البنــوك احملليــة‪.‬‬ ‫ورغــم أن مســاعدات املانحــن قــد زادت مــن اخلدمــات‬ ‫التــي متولهــا احلكومــة‪ ،‬ورفعــت النمــو القائــم علــى االســتهالك‬ ‫خــالل الفتــرة مــن ‪2007‬م‪ ،‬حتــى ‪2012‬م‪ ،‬فــإن هــذا النمــوذج للنمــو‬ ‫االقتصــادي قــد أثبــت عــدم قابليتــه لالســتمرار‪ ،‬وهــو مــا ظهــر جل ًيــا‬ ‫يف الســنوات األخيــرة‪ ،‬مــع تراجــع دعــم املانحــن على نحــو كبير‪ ،‬ومن‬ ‫املعــروف بداهــة أن املســاعدات ليــس مبقدورهــا باســتمرار التعويــض‬ ‫عــن عــدم كفايــة املــوارد الذاتيــة‪ ،‬وليســت بديــال عــن االســتثمارات‬ ‫اخلاصــة‪ ،‬تلــك التــي يقيدهــا علــى ك ّل حــال ضعــف ثقــة املســتثمرين‬ ‫بســبب العراقيــل القائمــة وعــدم حتقيــق تقــدم سياســي كاف‪.‬‬ ‫مــن ناحيــة أخــرى تســببت احلــرب التــي شــهدها قطــاع غــزة عــام‬ ‫‪2014‬م‪ ،‬يف وقــوع أزمــة إنســانية‪ ،‬وبلــغ حجــم اخلســائر التــي حلقــت‬ ‫باقتصــاد القطــاع الــذي ال يــزال يعانــي حتــى اليــوم مــن آثارهــا ‪1.7‬‬ ‫مليــار دوالر‪ ،‬وعلــى الرغــم مــن أن معــدل النمــو يف قطــاع غزة بلــغ ‪%7.3‬‬ ‫يف عــام ‪ 2016‬نتيجــة ألنشــطة البنــاء والتعميــر‪ ،‬من غير املتوقع أن يعود‬ ‫اقتصــاد غــزة إلــى مســتوياته الســابقة للحــرب حتــى عــام ‪.2018‬‬ ‫وقد استمرت معدالت البطالة مرتفعة دون تغير عند مستوى ‪%27‬‬ ‫يف عـام ‪2016‬م‪ ،‬بواقـع ‪ %42‬يف غـزة و‪ %18‬يف الضفـة‪ ،‬وتبلـغ معـدالت‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫البطالـة بـن الشـباب يف غـزة ‪ %58‬وهـو مسـتوى يبعث على القلق بوجه‬ ‫خـاص‪ ،‬وعلـى الرغـم مـن أن نحـو ‪ %80‬من سـكان القطاع يتلقون شـك ً‬ ‫ال‬ ‫مـن أشـكال املعونـة‪ ،‬فـإن معدالت الفقـر تُعد مرتفعة للغاية‪.‬‬

‫كيف يمكن استعادة النمو االقتصادي؟‬ ‫يــزداد الوضــع االقتصــادي صعوبــة‪ ،‬يف ظــل اســتمرار األوضــاع‬ ‫السياســية واألمنيــة علــى حالهــا فمعــدالت البطالــة ال تــزال مرتفعــة‬ ‫علــى نحــو اســتثنائي ومزمــن‪ ،‬حيــث بلغــت يف قطــاع غزة نحــو ‪ % 38‬يف‬ ‫عــام ‪2015‬م‪-‬وف ًقــا لصنــدوق النقــد الدولــي‪ ،‬ممــا يعنــي أن أكثــر مــن‬ ‫نصــف الفئــة األعلــى إنتاجيــة ضمــن القــوى العاملــة‪-‬أي الفئــة العمرية‬ ‫مــن ‪ 34-18‬عــام‪ ،‬عاطلــون عــن العمــل‪ ،‬ويف الوقــت نفســه‪ ،‬أصبــح‬ ‫مــن الصعــب التعويــل علــى املســاعدات اخلارجيــة‪ ،‬والتــي هــي أخــدت‬ ‫اجتاهــات نزوليــة‪ ،‬يف الفتــرة األخيــرة‪ .‬وفيمــا يلــي عــدد مــن املداخــل‬ ‫الالزمــة لتحقيــق التنميــة املســتدامة يف ظــل ظــروف االحتــالل‪:‬‬ ‫● توفير بيئة مواتية للتنمية املستدامة‬ ‫وباإلضافــة لضــرورة توفــر الشــروط املســبقة للنمــو االقتصــادي‪،‬‬ ‫ممثلــة يف رفــع املمارســات التعســفية لســلطات االحتــالل‪،‬‬ ‫واســتعادة الســلطة الفلســطينية ســيطرتها علــى مقــدرات االقتصــاد‬ ‫الفلســطيني‪ ،‬فــإن هنــاك مداخــل عــدة ميكــن مــن خاللهــا تغييــر‬ ‫اجتــاه التراجــع احلالــي يف النشــاط االقتصــادي وتراجــع مســتويات‬ ‫املعيشــة ألغلبيــة ســكان الضفــة والقطــاع‪.‬‬ ‫مــن أهــم هــذه املداخــل توفيــر بيئــة مشــجعة للنمــو املســتدام الذي‬ ‫يقــوده القطــاع اخلــاص‪ ،‬ففــي ضــوء الظــروف اخلاصــة باالقتصــاد‬ ‫الفلســطيني‪ ،‬والــذي يفتقــر بشــكل خــاص للتحكم يف املــوارد الطبيعية‪،‬‬ ‫وعــدم توفــر مصــادر متويــل مســتدامة‪ ،‬ميكــن للبنــوك بالتعــاون مــع‬ ‫قطاعــات األعمــال يف األنشــطة االنتاجيــة املختلفــة‪ ،‬املشــاركة يف‬ ‫متويــل مشــاريع مبتكــرة ومشــاريع ناشــئة‪ ،‬تهــدف إلــى اســتحداث‬ ‫فــرص جديــدة للنمــو وخلــق فــرص عمــل متطــورة‪ ،‬إضافــة إلــى إعــادة‬ ‫توجيــه املزيــد مــن املــوارد احلكوميــة بالتعــاون مــع صنــدوق االســتثمار‬ ‫والقطــاع اخلــاص‪ ،‬نحــو االســتثمار يف التنميــة البشــرية مــن خــالل‬ ‫التعليــم والتدريــب وحتديــث املهــارات‪ ،‬وزيــادة مــا ينفــق علــى البحــث‬ ‫والتطويــر بهــدف تطويــر أنشــطة إنتاجيــة ســلعية وخدميــة ذات قيمــة‬ ‫مضافــة عاليــة ‪-‬مؤمتــر مــاس االقتصــادي ‪ - 2016‬التقريــر النهائــي‪.‬‬ ‫ومــن الضــروري ترتيــب أولويــات اإلصــالح بعنايــة وتوخــي‬ ‫الدقــة يف حتديــد تسلســلها لتعزيــز آثارهــا علــى املــدى القصيــر‪،‬‬ ‫فإصــالح اختــالالت ســوق العمــل التــي تســتهدف إعــادة العاطلــن‬ ‫إلــى ســوق العمــل‪ ،‬يجــب أن تتــم مــن خــالل برامــج مدروســة إلعــادة‬ ‫التأهيــل‪ ،‬والتدريــب علــى رأس العمــل‪ ،‬ممــا يــؤدي إلــى تخفيــض‬ ‫إعانــات البطالــة وتخفيــف درجــة احلمايــة الوظيفيــة‪ .‬مــن ناحيــة‬ ‫أخــرى فــإن االهتمــام مبــا يعــرف بحاضنــات األعمــال‪ ،‬ميثــل جانــب‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫علــى ذلــك يتأثــر االقتصــاد الفلســطيني بــكل تغير يطرأ على السياســة‬ ‫النقديــة يف إســرائيل‪ ،‬ويتعامــل بالعملــة اإلســرائيلية الشــيكل‪ ،‬إضافــة‬ ‫لفــرض االحتــاد التجــاري بــن األراضــي الفلســطينية وإســرائيل‪ ،‬يف‬ ‫ظــل قوائــم محــددة مــن الســلع واخلدمــات مجــال التبــادل التجــاري‪،‬‬ ‫وإلــزام االقتصــاد الفلســطيني باســتيراد ‪ %80‬مــن احتياجاتــه مــن‬ ‫إســرائيل‪ ،‬كمــا أعطــت االتفاقيــة ســلطات االحتــالل صالحيــات كاملة‪،‬‬ ‫تتحكــم مبوجبهــا يف خــروج ودخــول الســلع‪ ،‬وتفــرض منافــذ داخــل‬ ‫الضفــة الغربيــة تعرقــل حركــة انتقــال التجــارة الداخليــة‪.‬‬ ‫أمــا عــن التبعيــة يف املاليــة العامــة فقــد كانــت أكثــر صرامــة‪،‬‬ ‫ووف ًقــا التفــاق باريــس تتحكــم ســلطات االحتــالل يف املــوارد الســيادية‬ ‫التمويليــة للســلطة الفلســطينية‪ ،‬فهــي التي حتصــل الضرائب‪ ،‬وتتحكم‬ ‫يف حتويلهــا للســلطة الفلســطينية‪ ،‬وحتــرم الســلطة الفلســطينية مــن‬ ‫حتصيــل الضريبــة اجلمركيــة علــى املنتجــات والصــادرات اإلســرائيلية‬ ‫إلــى فلســطن‪ ،‬إال إذا أشــارت وثائــق االســتيراد إلــى إجــراء الدفــع‪،‬‬ ‫باإلضافــة إلــى أن نــوع ونســب الضرائــب الفلســطينية يجــب أن تكــون‬ ‫مماثلــة لتلــك التــي تفرضهــا إســرائيل‪.‬‬ ‫وممــا ال شــك فيــه أن اســتمرار االحتــالل اإلســرائيلي قــد ســاعد‬ ‫علــى تغذيــة االنقســام الفلســطيني ـ الفلســطيني‪ ،‬ممــا أثــر ســل ًبا علــى‬ ‫األداء االقتصــادي ككل‪ ،‬فضـ ً‬ ‫ال عــن تأثيــره الســلبي علــى اقتصاديــات‬ ‫قطــاع غــزة علــى وجــه التحديــد‪ ،‬ممــا خلــق فجــوة يف األداء االقتصادي‬ ‫بينهمــا‪ ،‬وأثــر علــى مســتويات املعيشــة يف القطــاع بشــكل ملحــوظ‬ ‫‪،‬حيــث ترتفــع معــدالت الفقــر يف غــزة لتصــل إلــى ‪ ،%38‬بينمــا تصــل‬ ‫إلــى ‪ %18‬يف الضفــة الغربيــة‪ ،‬طب ًقــا ألخــر اإلحصــاءات املتوفــرة مــن‬ ‫البنــك الدولــي يف العــام ‪ ،2011‬وكذلــك يف معــدالت البطالــة التــي تبلــغ‬ ‫‪ %42‬يف غــزة بينمــا تقــل إلــى ‪ %18‬يف الضفــة الغربيــة‪.‬‬ ‫● تراجع بيئة ممارسات األعمال‬ ‫تعــد بيئــة ممارســة األعمــال يف األراضــي اخلاضعــة للســلطة‬ ‫الفلســطينية مــن أهــم العوامــل املؤثــرة علــى النشــاط االقتصــادي‪،‬‬ ‫وتدفــق االســتثمارات األجنبيــة املباشــرة بصفــة عامــة‪ ،‬حيــث احتلــت‬ ‫الضفــة الغربيــة وقطــاع غــزة املركز رقم ‪ 140‬يف مؤشــر ســهولة ممارســة‬ ‫األعمال‪-‬الــذي يصــدره البنــك الدولي‪-‬مــن بــن ‪ 190‬اقتصــا ًدا‪ ،‬عــام‬ ‫‪2017‬م‪ ،‬وتتمثــل أكبــر العراقيــل يف إجــراءات بــدء التأســيس (‪،)169‬‬ ‫واســتخراج تراخيــص البنــاء (‪ ،)157‬وحمايــة صغــار املســتثمرين(‪،)158‬‬ ‫وإنفــاذ العقــود (‪ )122‬واحلصــول علــى االئتمــان (‪ ،)118‬وتســوية حــاالت‬ ‫اإلفالس (‪Doing Business.2017 World Bank Group .)169‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪87‬‬

‫ملف العدد‬

‫مجمــل القــول ان أســباب التراجــع عديــدة‪ ،‬ترتبــط بالوضــع غيــر‬ ‫املســتقر سياسـ ًيا وأمن ًيــا نتيجــة االحتــالل والتبعيــة‪ ،‬ومــا يحــدث مــن‬ ‫مصــادرات مــن قبــل ســلطات االحتــالل لصالــح بنــاء املســتوطنات‪،‬‬ ‫والتــي تفقــد الشــعب الفلســطيني جــز ًءا مــن مــوارده الطبيعيــة‪،‬‬ ‫خاصــة يف مجــال الزراعــة واحملاجــر‪.‬‬ ‫● اجتاهات املؤشرات االقتصادية يف الفترة األخيرة‬ ‫يتســم الوضــع االقتصــادي يف الضفــة والقطــاع بســمات فريــدة‪،‬‬ ‫فالســلطة والســيادة ناقصــة‪ ،‬والقطــاع محاصــر‪ ،‬واالســتثمارات‬ ‫األجنبيــة محــدودة‪ ،‬وال يتوفــر دافــع علــى االســتثمار احمللــي لتحقيــق‬ ‫النمــو املنشــود‪ ،‬وال توجــد مــوارد ســيادية للســلطة احلكوميــة‪،‬‬ ‫فضــال عــن ارتفــاع املخاطــر السياســية الداخليــة جــراء االنقســام‬ ‫الفلســطيني وغيــاب الســالم واملصاحلــة‪ ،‬ممــا خلــق وض ًعــا اقتصاد ًيــا‬ ‫غيــر مســتدام يف الضفــة الغربيــة وغــزة‪.‬‬ ‫يتســم منــط النمــو الســائد يف األراضــي الفلســطينية بــأن اإلنفاق‬ ‫االســتهالكي‪ ،‬وليــس االســتثماري‪ ،‬هــو احملــك الرئيــس للنشــاط‬ ‫االقتصــادي‪ ،‬ســواء كان اإلنفــاق االســتهالكي اخلــاص أو اإلنفــاق‬ ‫احلكومــي‪ ،‬ممــا يفــرض علــى صانعــي القــرار القيــام بتغييــر جــذري‬ ‫يف السياســات احلاكمــة لالقتصــاد واألطــر التنظيميــة والتشــريعية‬ ‫اخلاصــة بــه‪.‬‬ ‫ومــع القيــود الشــديدة التــي تفرضهــا احلكومــة اإلســرائيلية‪،‬‬ ‫والتــي تقــف حجــر عثــرة أمــام االنتعــاش االقتصــادي‪ ،‬وإخضــاع‬ ‫الدخــول إلــى قطــاع غــزة لقيــود شــديدة‪ ،‬كمــا يُحظــر علــى‬ ‫الفلســطينين الدخــول إلــى مســاحات واســعة مــن املنطقــة (ج) التــي‬ ‫تشــكل ‪ %60‬مــن الضفــة الغربيــة‪ ،‬يصبــح وجــود قطــاع خــاص نشــط‬ ‫ً‬ ‫شــرطا ضرور ًيــا‪ ،‬للتحفيــز علــى االســتثمارات اإلنتاجيــة احملتملــة‬ ‫وحتقيــق النمــو املســتدام املطلــوب‪.‬‬ ‫ويعــزى منــو االقتصــاد الفلســطيني املؤقــت الــذي حتقــق عــام‬ ‫‪2016‬م‪ ،‬بســبب عوامــل مؤقتــة أهمهــا انتعــاش عمليــات إعــادة إعمــار‬ ‫قطــاع غــزة‪ ،‬لذلــك اســتمر معــدل البطالــة علــى ارتفاعــه عنــد نســبة‬ ‫‪ .%27‬ويف ظــل اســتمرار املعوقــات أمــام تعزيــز قــدرة االقتصــاد علــى‬ ‫املنافســة‪ ،‬يُتوقــع أن يبلــغ معــدل النمــو علــى املــدى املتوســط ‪.%3.5‬‬ ‫ويشــكل انخفــاض املعونــات عمــا هــو متوقــع وإمكانيــة تصاعــد‬ ‫الصــراع مخاطــر ســلبية علــى النمــو وخلــق فــرص العمــل‪.‬‬ ‫وتشــير التقديــرات إلــى أن معــدل النمــو يف قطــاع غــزة وصــل إلى‬ ‫مدفوعــا بطفــرة يف نشــاط قطــاع البنــاء‪ ،‬فيمــا منــا‬ ‫‪ %7.4‬يف ‪2016‬م‪،‬‬ ‫ً‬

‫معـدل البطالـة ‪ %30‬بيـن الشـباب والنسـاء واحتمـال حصول الشـاب‬ ‫الفلسـطيني عـى فرصـة عمـل ال تبلغ ثلـث فرصة نظرائه يف إسـرائيل‬

‫‪86‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫الثالــث مــن العــام ‪ ،2016‬وميثــل العمــال الفلســطينيون يف إســرائيل‬ ‫إجمــاالً ‪-‬الرســميون وغيــر الرســمين‪ -‬حوالــي ‪ %12‬مــن إجمالــي‬ ‫عمــال الضفــة الغربيــة وقطــاع غــزة‪ ،‬أي مــا يعــادل ‪ 111800‬عامــل‪.‬‬

‫قطاعات األعمال والنشاط االقتصادي‬ ‫تعمـل الشـركات الفلسـطينية يف ظـل بيئـة أعمـال غيـر مواتيـة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فضـال عن‬ ‫فـال اسـتقرار أمنـي‪ ،‬وال ضمانـات للحفـاظ علـى املمتلـكات‪،‬‬ ‫اإلغالقات املستمرة‪ ،‬وعدم انتظام دوالب العمل‪ ،‬ومن ثم يتزايد عنصر‬ ‫اخلطـر بشـكل كبيـر‪ ،‬ممـا ال يشـجع املنشـآت علـى التوسـع يف األعمـال‬ ‫ً‬ ‫فضـال عن مصاعب التمويل‪ ،‬الذي يشـكل عقبة‬ ‫أو بـدء أعمـال جديـدة‪،‬‬ ‫كبيـرة أمـام األعمـال‪ ،‬وبالتالـي فهـي ال تنجـح يف زيـادة القيمـة املضافـة‬ ‫للنـاجت احمللـي اإلجمالـي بالقـدر املمكـن‪ ،‬يف ظـروف االحتـالل‪ ،‬ومـن ثـم‬ ‫عجـزت عـن خلـق الوظائـف بالقـدر الـذي يحتاجـه االقتصـاد الوطنـي‪.‬‬

‫القطاع الخارجي‬ ‫تسيطر إسرائيل على نحو ‪ %90‬من الصادرات السلعية واخلدمية‬ ‫الفلسـطينية‪ ،‬وف ًقـا لإلحصـاءات الرسـمية الفلسـطينية‪ ،‬فيمـا تشـير‬ ‫بيانات منظمة ضمان االستثمار العربية إلى أن الصادرات الفلسطينية‬ ‫إلـى إسـرائيل متثـل ‪ %70‬بنهايـة عـام ‪2014‬م‪ ،‬بينمـا متثـل الـواردات‬ ‫اإلسـرائيلية إلـى فلسـطن حوالـي ‪ %80‬مـن إجمالـي الـواردات‪ ،‬وعـن‬ ‫التوزيع السلعي‪ ،‬فتحتل احلجارة أكبر حصة يف الصادرات الفلسطينية‪،‬‬ ‫فيمـا حتتـل منتجـات الطاقـة حوالـي ‪ %75‬مـن الـواردات إلـى فلسـطن‪.‬‬ ‫وتأخــذ معظــم التدفقــات مــن رؤوس األمــوال األجنبيــة شــكل‬ ‫مســاعدات ماليــة مــن املنظمــات الدوليــة واإلقليميــة والــدول املانحــة‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫وتعــد نســب االســتثمارات األجنبيــة املباشــرة إلــى فلســطن مــن‬ ‫أقــل النســب عامل ًيــا‪ ،‬ويحقــق تدفقــات ســالبة يف بعــض الســنوات‪،‬‬ ‫فبينمــا وصلــت التدفقــات الداخلــة نحــو ‪ 349‬مليــون دوالر عــام‬ ‫‪2011‬م‪ ،‬كانــت التدفقــات الداخلــة عــام ‪2014‬م‪ ،‬حوالــي ‪ 160‬مليــون‬ ‫دوالر يف حــن بلغــت التدفقــات اخلارجــة ‪ 188‬مليــون دوالر يف نفــس‬ ‫العــام‪ ،‬وبلغــت ‪ 269‬مليــون دوالر عــام ‪2016‬م‪ ،‬كتدفقــات داخلــة يف‬ ‫مقابــل ‪ 114‬مليــون دوالر كتدفقــات خارجــة يف نفــس العــام‪ ،‬ومــن ثــم‬ ‫ميكــن القــول ان تدفقــات االســتثمارات األجنبيــة املباشــرة ضئيلــة‬ ‫للغايــة‪ ،‬وال تتمشــى مــع احتياجــات القطــاع مــن البرامــج التنمويــة‪.‬‬ ‫‪WIR.2017 UNDP‬‬

‫عوامل التراجع يف االقتصاد الفلسطيني‬ ‫● ممارسات االحتالل والتبعية‬ ‫متارس السلطة الفلسطينية احلكم احمللي على نحوـ‪ %22‬فقط من‬ ‫أرض فلسـطن احملتلـة‪ ،‬وهـو مـا يتمثـل يف الضفـة الغربيـة وقطـاع غـزة‪،‬‬ ‫وعليه فإن الوجود اإلسرائيلي حرم فلسطن من ‪ %78‬من أراضيها‪ ،‬فيما‬ ‫ميـارس االحتـالل قيـوده علـى ‪ %22‬مـن األرض يف الضفـة الغربية وقطاع‬ ‫غـزة‪ .‬وعـالوة علـى اسـتقطاع املـوارد الطبيعيـة‪ ،‬فـإن الوجـود اإلسـرائيلي‬ ‫حـرم االقتصـاد الفلسـطيني مـن مـوارده البشـرية حيـث يعيـش حوالـي‬ ‫‪ %44.2‬مـن الفلسـطينين يف الـدول العربيـة‪ ،‬و‪ %5.5‬يف الدول األجنبية‪،‬‬ ‫بينما يعيش ‪ %11.9‬داخل فلسطن‪ ،‬فيما يعيش فقط ‪ %38.4‬يف الضفة‬ ‫وقطـاع غـزة‪ ،‬طب ًقـا للجهـاز املركـزي لإلحصاء الفلسـطيني للعـام ‪.2015‬‬ ‫وقــد كــرس بروتوكــول باريــس التبعيــة االقتصاديــة لأراضــي‬ ‫الفلســطينية لســلطات االحتــالل بقطاعــي الزراعــة والصناعــة‪ ،‬عــالوة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ويف الســياق نفســه كان االحتــاد األوروبــي أصــدر دراســة‬ ‫بالتعــاون مــع وزارة املاليــة الفلســطينية ‪-‬مــن خــالل “برنامــج‬ ‫دعــم السياســة التجاريــة لفلســطن”‪ -‬عــن تنافســية االقتصــاد‬ ‫الفلســطيني‪ ،‬وتوصلــت الدراســة إلــى أن النمــو االقتصــادي يف‬ ‫فلســطن خــالل العامــن املاضيــن غيــر كاف ألن عــدد الســكان‬ ‫ينمــو مبعــدل أســرع مــن منــو النــاجت احمللــي اإلجمالــي‪ ،‬فض ـ ً‬ ‫ال عــن‬ ‫عــدم االســتقرار نتيجــة تبعيتــه لالحتــالل‪ ،‬ويتأثــر مباشــرة بالسياســة‬ ‫النقديــة والتجاريــة إلســرائيل‪.‬‬

‫أداء قطاعات النشاط االقتصادي‬ ‫وقعــت اتفاقيــة أوســلو يف ‪ 13‬ســبتمبر‪ /‬أيلــول ‪1993‬م‪ ،‬أي أن نحــو‬ ‫‪ 24‬عا ًمــا مــرت علــى تلــك االتفاقيــة التــي مثلــت إطــا ًرا عا ًمــا للحكــم‬ ‫الفلســطيني الذاتــي‪ ،‬ونظمــت قواعــد األداء االقتصــادي وممارســات‬ ‫النشــاط االقتصــادي والعمــل يف األراضــي الفلســطينية‪ ،‬وحتــى اليــوم‪.‬‬ ‫خــالل األعــوام املاضيــة‪ ،‬كانــت املوازنــة العامــة للســلطة‪ ،‬وقطــاع‬ ‫اخلدمــة العامــة هــو محــرك النمــو االقتصــادي‪ ،‬مــن خــالل تدفــق‬ ‫املســاعدات املاليــة اخلارجيــة‪ ،‬فيمــا بــرز قطــاع التشــييد والبناء كأهم‬ ‫األنشــطة االقتصاديــة مــن خــالل عمليــات إعــادة اإلعمــار املســتمرة‪،‬‬ ‫وأداة اخلــروج مــن الركــود االقتصــادي‪ ،‬متــى تدفقــت املعونــات‬ ‫اخلارجيــة‪ ،‬هــذا يف حــن تعرضــت القطاعــات اإلنتاجيــة األخــرى‬ ‫التــي مــن شــأنها أن حتفــظ للنمــو اســتدامته‪ -‬إلــى قيــود متتابعــة‪،‬‬‫وعراقيــل مــن قبــل الســلطات اإلســرائيلية‪ ،‬فتراجعــت نســبة مســاهمة‬ ‫قطــاع الصناعــة التحويليــة يف النــاجت احمللــي اإلجمالــي مــن ‪ %19‬عــام‬ ‫‪1994‬م‪ ،‬إلــى ‪ %11‬عــام ‪2016‬م‪ ،‬كمــا تراجعــت النســبة نفســها اخلاصــة‬ ‫بقطــاع الزراعــة مــن ‪ %12‬إلــى ‪ %4‬خــالل نفــس الفتــرة‪.‬‬ ‫ويتعــرض القطــاع الزراعــي لعراقيــل عــدة مــن ســلطات االحتــالل‬ ‫ســواء مــن خــالل مصــادرة األراضــي أو منــع ميــاه الــري‪ ،‬حيــث يتــم‬ ‫زراعــة ‪ %21‬فقــط مــن األراضــي الصاحلــة للزراعــة‪ ،‬وتبلــغ نســبة‬ ‫املــروي منهــا ‪ ،%6.8‬طب ًقــا لســلطة النقــد الفلســطينية‪ ،‬وتقــدر‬ ‫اخلســائر الناجمــة عــن عــدم ري األراضــي بحوالــي ‪ %10‬مــن النــاجت‬ ‫احمللــي اإلجمالــي‪ ،‬وفقــدان ‪ 110‬ألــف وظيفــة‪ ،‬وذلــك طب ًقــا لبيانــات‬ ‫تقريــر املراقــب االقتصــادي الــذي يصــدر عــن مؤسســات اقتصاديــة‬ ‫فلســطينية‪ ،‬فضـ ً‬ ‫ال عــن تزايــد معــدل انعــدام األمــن الغذائــي الشــديد‬ ‫أو املتوســط مــن حوالــي ‪ %28.8‬عــام ‪ ،2014‬إلــى نحــو ‪ %72‬يف‬ ‫قطــاع غــزة عــام ‪2015‬م‪ ،‬طب ًقــا ملــا نشــرته منظمــة األونكتــاد‪.‬‬

‫الموازنة العامة للسلطة‬ ‫جـــاءت الســـلطة الفلســـطينية لتمـــارس صالحيـــات احلكومـــة‬ ‫الوطنيـــة دون مـــوارد ماليـــة ســـيادية تذكـــر‪ ،‬مـــع تعهـــدات دوليـــة‬ ‫مبســـاعدات ماليـــة‪ ،‬ومـــوارد ضريبيـــة مـــن حصيلـــة اجلمـــارك‪،‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪85‬‬

‫ملف العدد‬

‫حتصله ــا س ــلطات االحت ــالل‪ ،‬وتورده ــا خلزان ــة الس ــلطة الوطني ــة‪،‬‬ ‫ومصــدر ثانــوي يتمثــل يف رســوم تراخيــص االتصــاالت‪ ،‬مــع احلصيلــة‬ ‫الضريبيـــة‪ ،‬مـــن ضريبـــة الدخـــل‪ ،‬وضريبـــة القيمـــة املضافـــة‪.‬‬ ‫وحققــت املوازنــة العامــة للســلطة الفلســطينية عجـزًا يف معظــم‬ ‫الســنوات‪ ،‬رغــم اجتاهــه لالنخفــاض يف الســنوات األخيــرة بســبب‬ ‫ضغــط املصروفــات يف املقــام األول‪ ،‬فقــد انخفــض مــن ‪ %11.4‬مــن‬ ‫النــاجت احمللــي اإلجمالــي‪ ،‬عــام ‪2015‬م‪ ،‬إلــى ‪ %8.1‬عــام ‪2016‬م‪،‬‬ ‫ً‬ ‫انخفاضــا يف دعــم املانحــن الدوليــن للميزانيــة‪،‬‬ ‫وقــد واكــب هــذا‬ ‫ممــا أنتــج فجــوة متويليــة تقــدر بنحــو ‪ 330‬مليــون دوالر أي مــا يعــادل‬ ‫‪ %2.5‬مــن النــاجت احمللــي اإلجمالــي‪.‬‬ ‫وتعك ــس موازن ــة الع ــام اخلي ــر ‪2016‬م‪ ،‬املصاع ــب املالي ــة الت ــي‬ ‫تعان ــي منه ــا الس ــلطة الفلس ــطينية‪ ،‬كم ــا ج ــاء يف الورق ــة البحثي ــة‬ ‫التـــي أعدهـــا معهـــد أبحـــاث السياســـات االقتصاديـــة الفلســـطيني‬ ‫(م ــاس) فيم ــا يخ ــص العج ــز والتموي ــل‪ ،‬حي ــث أش ــارت الورق ــة إل ــى‬ ‫أن ــه وكنتيج ــة للتغي ــرات يف بن ــود اإلنف ــاق واإلي ــرادات والتوقع ــات م ــن‬ ‫التموي ــل‪ ،‬م ــن الطبيع ــي أن يتغي ــر العج ــز ‪ ،‬وبذل ــك م ــن املتوق ــع أن‬ ‫يص ــل العج ــز قب ــل التموي ــل إل ــى ‪ 4023‬ملي ــون ش ــيكل‪ ،‬وه ــذا أق ــل‬ ‫بقيم ــة ‪ 147‬ملي ــون ش ــيكل ع ــن ع ــام ‪2014‬م‪ ،‬وكذل ــك العج ــز الكل ــي‬ ‫م ــن املتوق ــع أن يرتف ــع م ــن ‪ 5042‬ملي ــون ش ــيكل ع ــام ‪2015‬م‪ ،‬إل ــى‬ ‫‪ 5388‬عـــام ‪ 2016‬م‪ ،‬وذلـــك بســـبب زيـــادة النفقـــات التطويريـــة‪.‬‬ ‫وقــد حظيــت النفقــات التطويريــة بقفــزة نوعيــة يف موازنــة عــام‬ ‫‪2016‬م‪ ،‬واألعــوام الالحقــة حيــث مت إقــرار ‪ 1365‬مليــون شــيكل بــدال‬ ‫مــن ‪ 900‬مليــون شــيكل كمعــدل ألخــر ســنتن‪ ،‬وقــد التزمــت وزارة‬ ‫املاليــة مــن خــالل مــا جــاء يف قانــون املوازنــة العــام ‪2016‬م‪( ،‬املــادة‬ ‫الثالثــة) أن اخلزينــة الفلســطينية ســتلتزم مببلــغ ‪ 409‬مليــون شــيكل‬ ‫لإلنفــاق التطويــري‪ ،‬واملانحــن مببلــغ ‪ 956‬مليــون شــيكل‪.‬‬

‫اختاالت سوق العمل الفلسطيني‬ ‫يعانــي ســوق العمــل الفلســطيني مــن اختــالالت هيكليــة‪ ،‬يف‬ ‫جانبيــه‪ ،‬الطلــب والعــرض‪ ،‬ويف األطــر احلاكمــة واملنظمــة لعالقــات‬ ‫العمالــة باملنشــآت ســواء الفلســطينية منهــا أو اإلســرائيلية‪ ،‬ويشــهد‬ ‫ســوق العمــل يف فلســطن أعلــى معــدالت البطالــة يف الوطــن العربــي‪،‬‬ ‫وخــالل األربعــة والعشــرين عا ًمــا املاضيــة ارتفــع عــدد القــوة املؤهلــة‬ ‫للعمــل بحوالــي ‪ 800‬ألــف فــرد يف الضفــة الغربيــة وقطــاع غــزة بينمــا‬ ‫جنــح االقتصــاد فقــط يف خلــق ‪ 500‬ألــف وظيفــة خــالل نفــس الفتــرة‪،‬‬ ‫وخــالل عــام ‪2016‬م‪ ،‬وصــل معــدل البطالــة إلــى ‪ ،%27‬وبلــغ هــذا‬ ‫املعــدل يف الضفــة الغربيــة ‪ ،%18‬بينمــا ارتفــع يف غــزة إلــى حوالــي‬ ‫‪ ،%42‬ويصــل بــن الشــباب يف غــزة إلــى ‪.%56‬‬ ‫يلجــأ العديــد مــن العمــال الفلســطينين للعمــل يف إســرائيل‪،‬‬ ‫ويف املســتوطنات ً‬ ‫أيضــا‪ ،‬وشــهدت هــذه النســبة زيــادة خــالل الربــع‬

‫‪84‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪ 3230‬دوالر دخــل المواطــن الفلســطيني يف العــام و‪ %25.8‬مــن‬ ‫الســكان يعيشــون تحت خط الفقر الوطني بحســب بيانات البنك الدويل‬ ‫وبعــد مــرور قرابــة ربــع القــرن مــن الزمــن‪ ،‬ورغــم تلــك الظــروف‬ ‫الصعبــة اســتطاع الفلســطينيون العيــش والتكيــف وايجــاد احللــول‬ ‫ملمارســة انشــطتهم االقتصاديــة‪ ،‬واحلياتيــة‪ ،‬يف ظــروف غيــر مواتيــة‬ ‫ألي نشــاط اقتصــادي منتظــم‪ ،‬ومــن ثــم تدنــت معــدالت منــو النــاجت‬ ‫احمللــي اإلجمالــي احلقيقــي معظــم ســنوات هــذه الفتــرة الزمنيــة‬ ‫بشــكل كبيــر‪.‬‬ ‫وقــد شــهد االقتصــاد الفلســطيني تراج ًعــا يف معــدالت النمــو‬ ‫االقتصــادي ومســتوى املعيشــة‪ ،‬بعــد أن بلــغ ذروتــه يف العــام ‪2011‬م‪،‬‬ ‫مبعــدل منــو قياســي وصــل إلــى ‪ %12.4‬بســبب املســاعدات اخلارجية‬ ‫وإعــادة اإلعمــار‪ ،‬إال أنــه عــاود الهبــوط يف عــام ‪2013‬م‪ ،‬إلــى مســتوى‬ ‫متدنــي بلــغ ‪ %2.22‬ثــم حقــق معــدل منــو ســالب يف العــام التالــي‪،‬‬ ‫بنســبة ‪%0.19-‬وبــدأ يســتعيد عافيتــه فيمــا بعــد وتخطــى نســبة ‪3.4‬‬ ‫عــام ‪2015‬م‪ ،‬ونحــو ‪ %3.3‬عــام ‪2016‬م‪ ،‬ومــن املتوقــع أن يســتمر‬ ‫عنــد املعــدل ‪ % 3.6‬يف العــام ‪ ،2017‬والعــام ‪( .2018‬توقعــات البنــك‬ ‫الدولــي ‪. )2017‬‬

‫واقع االقتصاد الفلسطيني تحت االحتال ومؤشرات األداء الكيل‬ ‫عندمــا يعيــش ‪ 1‬مــن كل ‪ 4‬فلســطينين حتــت خــط الفقــر وتصــل‬ ‫نســبة الفقــر إلــى مــا يقــارب ال‪ %40‬يف قطــاع غــزة‪ ،‬أي ‪ 2‬مــن كل‬ ‫‪ 5‬أشــخاص‪ ،‬وعندمــا حتاصــر غــزة فتصبــح كاجلزيــرة املنعزلــة‪ ،‬يف‬ ‫عالــم أصبحــت فيــه االقتصــادات الوطنيــة منفتحــة علــى بعضهــا‬ ‫البعــض‪ ،‬وصــار العالــم مثــل القريــة الصغيــرة‪ ،‬يصبــح برنامــج‬ ‫التحويــالت النقديــة أساســ ًيا يف اخلــروج مــن دائــرة الفقــر‪.‬‬ ‫وهــذا مــا تســعى منظمــات دوليــة كثيــرة على رأســها البنــك الدولي‬ ‫مبؤسســاته‪ ،‬إلــى تطويــر التحويــالت النقديــة عــن طريق إدخــال قاعدة‬ ‫بيانــات الكترونيــة مرتبطــة بخارطــة تفاعلية من أجل حتســن الوصول‬ ‫إلــى األســر الفقيــرة‪ ،‬فضـ ً‬ ‫ال عــن تطويــر أســلوب تلقــي املســاعدات عــن‬ ‫طريــق إشــراك املواطنــن‪ ،‬وبحــث الشــكاوى ومعاجلتهــا علــى أرض‬ ‫الواقــع فيمــا يعــرف بالنهــج املجتمعي التشــاركي‪.‬‬ ‫ويف ظــل التحــوالت التقنيــة املتســارعة يف عالــم اليــوم يصبــح‬ ‫احلصــول علــى وظيفــة بعــد التخــرج والدخــول إلــى ســوق العمــل‪ ،‬أم ًرا‬ ‫صع ًبــا يف أي مــكان يف العالــم‪ ،‬لكنــه أكثــر صعوبــة يف البلــدان املتأثــرة‬ ‫بالصراعــات‪ ،‬أمــا يف موطــن صــراع اســتمر عقــو ًدا مثــل فلســطن‪،‬‬ ‫فاألمــر غايــة يف الصعوبــة‪ ،‬وعلــى املؤهــل للعمــل أن يخلــق لنفســه‬ ‫فرصــة العمــل‪ ،‬وتلــك صعوبــة إضافيــة‪ ،‬ممــا جعــل معــدل البطالــة‬ ‫يقتــرب حال ًيــا مــن ‪ ،%30‬ومــا زال يأبــى علــى االنخفــاض‪ ،‬خاصــة بــن‬

‫الشــباب والنســاء‪ ،‬وكمــا تشــير تقاريــر البنــك الدولــي فــإن احتمــال‬ ‫حصــول الشــاب الفلســطيني علــى فرصــة عمــل ال تبلــغ ثلــث فرصــة‬ ‫نظرائــه يف إســرائيل‪.‬‬ ‫وإذا كان ذلــك هــو الوضــع يف فلســطن ككل (الضفــة وغــزة) فــإن‬ ‫الوضــع يف غــزة يكــون أكثــر صعوبــة‪ ،‬حيــث تصــل معــدالت البطالــة‬ ‫بــن الشــباب إلــى ‪ ،%60‬نظـ ًرا ألســباب كثيــرة‪ ،‬حيــث ال تتوفــر مصــادر‬ ‫للطاقــة والكهربــاء إال لفتــرة تتــراوح بــن ‪ 6-4‬ســاعات يوم ًيــا‪ ،‬فضــال‬ ‫عــن أن القيــود الهائلــة علــى التنقــل والتــي حتــول دون تنقــل األفــراد‬ ‫واملنتجــات التــي ميكــن أن تنتقــل عبــر احلــدود‪ ،‬ويف ظــل القيــود‬ ‫الصارمــة علــى النشــاط االقتصــادي‪.‬‬ ‫ويصيــر األمــر أكثــر صعوبــة عنــد احلديــث عن وضع املرأة يف ســوق‬ ‫العمــل بفلســطن ويف غــزة علــى وجــه التحديــد‪ ،‬ففــرص العمــل املتاحــة‬ ‫أمــام النســاء أقــل عــد ًدا مــن تلــك املتاحــة أمــام الرجــال‪ ،‬وباإلضافــة إلــى‬ ‫ذلــك‪ ،‬فــإن القيــود االجتماعيــة‪ ،‬والعقبــات التــي تعيــق االنتقــال‪ ،‬مبــا‬ ‫يف ذلــك نقــاط التفتيــش‪ ،‬وحالــة الطــرق‪ ،‬تســاهم يف انخفــاض معــدل‬ ‫مشــاركة اإلنــاث يف القــوى العاملــة‪ ،‬حيــث ال يتجــاوز ‪ .%19‬وقــد وجــد‬ ‫تقريــر حديــث للبنــك الدولــي أن نســبة احتمــال التحــاق املــرأة ال تتجــاوز‬ ‫‪ %8‬يف حن تصل نســبة حصول شــخص حاصل على شــهادة متوســطة‬ ‫بســوق العمــل تصــل إلــى ‪ %65‬بــن الذكــور‪.‬‬ ‫وعلــى مســتوى القطــاع املنظــم يف القطــاع اخلــاص الــذي يعــد‬ ‫محــر ًكا خللــق الوظائــف‪ ،‬بــات عاجـزًا عــن إتاحــة العــدد الــكايف مــن‬ ‫فــرص العمــل ملواكبــة منــو الســكان‪ ،‬رغــم ارتفــاع مســتوى التعليــم‬ ‫ونســبة الشــباب‪ ،‬نظــ ًرا ألن بيئــة األعمــال غيــر مواتيــة باملــرة‪ ،‬مــع‬ ‫عــدم االســتقرار السياســي وعــدم الشــعور باألمــن خاصــة يف غــزة‬ ‫ورام اهلل‪.‬‬

‫اتجاهات نمو الناتج المحيل اإلجمايل‬ ‫حقــق االقتصــاد الفلســطيني (يف الضفــة الغربيــة وقطــاع غــزة)‬ ‫منـ ـ ًوا اقتصاد ًي ــا بل ــغ ‪ %3.6‬خ ــالل الع ــام ‪2016‬م‪ ،‬بحس ــب تقدي ــر‬ ‫مدفوعـــا مبـــا شـــهده قطـــاع البنـــاء والتشـــييد‪،‬‬ ‫البنـــك الدولـــي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مـــن خـــالل بعـــض مشـــروعات إعـــادة اإلعمـــار يف قطـــاع غـــزة‪،‬‬ ‫وبن ــاء املن ــازل يف الضف ــة الغربي ــة‪ ،‬دون من ــو يذك ــر يف القطاع ــات‬ ‫واألنشـــطة االقتصاديـــة األخـــرى ذات املـــردود علـــى النـــاجت مـــن‬ ‫الس ــلع واخلدم ــات وذات األث ــر عل ــى مع ــدالت التش ــغيل والبطال ــة‬ ‫طويلــة األجــل‪ ،‬والتــي تنعكــس علــى حتســن مســتوى املعيشــة‪ ،‬ورفــع‬ ‫مســـتويات اإلنتاجيـــة‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪83‬‬

‫ملف العدد‬

‫بروتوكول باريس كرس التبعية االقتصادية لاحتال وتحكمه في الموارد السيادية للسلطة‬

‫االقـتـصــــاد الـفـلـسـطـيـنــــي‪ :‬الـواقـــــع‬ ‫الـصـعـ ــب وس ــبل الخ ــروج م ــن التبعي ــة‬ ‫يبلــغ عــدد ســكان الضفــة والقطــاع نحــو ‪ 4.6‬مليــون نســمة‪ ،‬يف العــام ‪2016‬م‪ ،‬يحققــون ‪ 13.4‬مليــار دوالر مــن النــاجت احمللــي‬ ‫اإلجمالــي يف نفــس العــام‪ ،‬مبتوســط دخــل يبلــغ ‪ 3230‬دوالر يف العــام‪ ،‬ويف ظــل الظــروف غيــر الطبيعيــة التــي تعيشــها‬ ‫األراضــي الفلســطينية‪ ،‬بلــغ معــدل الفقــر الوطنــي ‪ %25.8‬مــن الســكان يعيشــون حتــت خــط الفقــر الوطنــي بحســب بيانــات‬ ‫البنــك الدولــي‪ .‬وقــد مثلــت اتفاقــات أوســلو وبروتوكــول باريــس االقتصــادي الح ًقــا والتــي يشــار إليهــا بإطــار أوســلو‪ ،‬منــذ‬ ‫مطلــع التســعينات‪ ،‬وحتــى اليــوم‪ ،‬اإلطــار السياســي واالقتصــادي الــذي يعمــل يف ظلــه االقتصــاد الفلســطيني يف الضفــة‬ ‫وقطــاع غــزة‪ ،‬وبعــد مــرور نحــو ربــع القــرن مــن الزمــان يصبــح مــن الضــروري مراجعــة مــا قــد حتقــق مــن إجنــازات ومــا حــدث‬ ‫مــن إخفاقــات علــى املســتوى االقتصــادي‪ ،‬بغيــة وضــع إطــار جديــد ملســتقبل االقتصــاد الفلســطيني‪.‬‬

‫د‪ .‬محمد البنا‬ ‫يحقــق االقتصــاد الفلســطيني معــدالت منــو متواضعــة يف‬ ‫الســنوات الثــالث األخيــرة‪ ،‬تــدور حــول ‪ ،%3.6‬ويف املقابــل يبلــغ‬ ‫معــدل منــو الســكان ‪ %3.5‬ســنو ًيا‪ ،‬وهــو مــن املعــدالت األعلــى مــن‬ ‫نوعــه يف العالــم‪ ،‬األمــر الــذي انعكــس علــى مســتوى املعيشــة حيــث ال‬ ‫يتوقــع أن يتحقــق حتســن يذكــر يف مســتوى املعيشــة طاملــا بقــي معــدل‬ ‫منــو النــاجت احمللــي اإلجمالــي يف احلــدود احلاليــة‪ ،)%3.6( ،‬فضـ ً‬ ‫ال‬ ‫عــن ســوء توزيــع الدخــل والثــروة علــى كل املســتويات‪.‬‬ ‫فبالنســبة لســكان قطــاع غــزة‪ ،‬ونتيجــة لظــروف احلصــار‬ ‫وعــدم االســتقرار السياســي واألمنــي‪ ،‬كانــت النتائــج االقتصاديــة‬ ‫أســوأ مقارنــة بالضفــة الغربيــة‪ ،‬حيــث تزايــد الفــارق يف متوســط‬ ‫دخــل الفــرد بــن املنطقتــن يف الفتــرة ‪1994‬م‪ ،‬إلــى ‪2015‬م‪ ،‬بنســبة‬ ‫‪ ،%52‬ممــا زاد مــن معــدالت الفقــر التــي وصلــت إلــى ‪ %40‬يف قطــاع‬ ‫غــزة‪ ،‬ونحــو ‪ %18‬يف الضفــة الغربيــة يف عــام ‪2016‬م‪ ،‬مؤمتــر مــاس‬ ‫االقتصــادي ‪2016‬م ‪ -‬التقريــر النهائــي‪.‬‬

‫اإلطار الهيكيل التفاقيات أوسلو‬ ‫مينـــح اتفـــاق أوســـلو الفلســـطينين حك ًمـــا ذات ًيـــا مقيـــ ًدا‬ ‫ومحص ــو ًرا يف مناط ــق مح ــددة يف الضف ــة الغربي ــة وقط ــاع غ ــزة‪،‬‬ ‫كمـــا أن قيـــدت قـــدرة الفلســـطينين علـــى ممارســـة األنشـــطة‬ ‫االقتصاديـــة يف األراضـــي الفلســـطينية احملتلـــة‪ ،‬التـــي حددهـــا‬

‫االتفـــاق‪ ،‬واشـــترطت تأمـــن حمايـــة أمـــن اإلســـرائيلين‪ ،‬مبـــا يف‬ ‫ذلـــك املســـتوطنن‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بينمـــا يعطـــي نفـــس اإلطـــار إلســـرائيل نفـــوذا كامـــال ونهائ ًيـــا‬ ‫إلحـــكام ســـيطرتها علـــى كامـــل املنطقـــة إذا رأت لذلـــك ضـــرورة‪.‬‬ ‫ممـــا يعنـــي أن االتفـــاق منـــح إســـرائيل احلـــق بتعطيـــل األنشـــطة‬ ‫االقتصادي ــة يف األراض ــي الفلس ــطينية احملتل ــة إذا ق ــررت أن هن ــاك‬ ‫م ــا يه ــدد أمنه ــا‪.‬‬ ‫وبالرغــم مــن ذلــك‪ ،‬فــإن إطــار أوســلو حقــق بعــض النتائــج‬ ‫اإليجابيــة يف الســنوات األولــى لتوقيعــه‪ ،‬إذ شــهدت هــذه الفتــرة‬ ‫عــودة القيــادة السياســية الفلســطينية وتدفــق أعــداد كبيــرة مــن‬ ‫الفلســطينين إلــى الداخــل‪ ،‬باإلضافــة إلــى إقامــة مؤسســات الســلطة‬ ‫الفلســطينية لتحــل محــل مكاتــب اإلدارة املدنيــة اإلســرائيلية‪،‬‬ ‫وتدفقــت املســاعدات املاليــة الرســمية ورؤوس أمــوال ضخمــة مــن‬ ‫القطــاع اخلــاص‪.‬‬ ‫كل هــذا أدى إلــى تســارع معــدالت النمــو وإلــى ارتفــاع معــدالت‬ ‫الدخــل بشــكل كبيــر‪ ،‬كمــا اجتــذب ســوق العمــل اإلســرائيلي أعــدادا‬ ‫كبيــرة مــن العمــال الفلســطينين‪ ،‬ممــا رفــع نســبة التحويــالت‬ ‫املاليــة إلــى املناطــق الفلســطينية‪ ،‬وأدى حتســن الظــروف السياســية‬ ‫واالقتصاديــة إلــى تشــجيع االســتثمارات يف البنيــة التحتيــة املاديــة‬ ‫واالجتماعيــة وإلــى حتفيــز نشــاط القطــاع اخلــاص‪.‬‬

‫‪82‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫ً‬ ‫أيضــا أن ننســى أن مؤمتــرات القمــة العربيــة كانــت حريصــة علــى‬ ‫تعظيــم قضيــة القــدس والتحــرك الســريع مــن أجــل توفيــر الدعــم‬ ‫املــادي الــذى يســمح بدعــم صمــود أبنــاء القــدس يف مواجهــة عمليــات‬ ‫تهويــد املدينــة التــي تســير بخطــوات ثابتــة ويتوفــر لهــا الدعــم املــادي‬ ‫اإلســرائيلي واليهــودي‪ ،‬إال أن هــذا الدعــم العربــي بأشــكاله املختلفــة‬ ‫لــم يســتطع أن يحمــي القــدس مــن العنكبــوت االســتيطاني الــذي‬ ‫أحــاط بالقــدس مــن كافــة أطرافهــا‪.‬‬ ‫إذن نحــن يف قضيــة القــدس يتضــح لنــا أننــا أمــام مخطــط‬ ‫إســرائيلي شــديد الوضــوح والقــوة الغاشــمة والغطرســة ؛ اعتمــد يف‬ ‫البدايــة علــى إصــدار مجموعــة مــن القــرارات اخلاصــة بضــم القــدس‬ ‫للدولــة ثــم وضــع لهــا آليــات تنفيــذ علــى األرض ســاعدت يف مجملهــا‬ ‫علــى تســريع وتيــرة التهويــد يف مقابــل موقــف عربــي لــم يســتطع‬ ‫حتــى اآلن مواجهــة هــذا القطــار التهويــدي الســريع الــذى يــكاد يلتهــم‬ ‫املدينــة هــذا دون أن نعفــي املجتمــع الدولــي مــن املســؤولية التــي تقــع‬ ‫عليــه ألنــه لــم ينجــح يف أن يفــرض علــى إســرائيل أجنــدة تفــاوض‬ ‫سياســي تكــون القــدس مــن بــن قضايــاه‪ ،‬شــأنها شــأن القضايــا‬ ‫األخــرى اخلاصــة باالســتيطان واألمــن واحلــدود وامليــاه واألســرى ‪.‬‬ ‫أمــا فيمــا يتعلــق باألحــداث األخيــرة التــي شــهدها املســجد‬ ‫األقصــى واملتعلقــة باســتحداث إســرائيل اســتخدام بوابــات‬ ‫إليكترونيــة لدخــول املســجد أو وضــع كاميــرات مراقبــة يف بعــض‬ ‫األماكــن ورفــض الفلســطينين وقياداتهــم هــذا املوقــف ففــي رأيــي‬ ‫أن هــذه شــكليات حتــى وإن كانــت مهمــة نســب ًيا كمــا يــرى البعــض‬ ‫ولكــن يجــب أال تكــون هــي جوهــر الصــراع حــول املســجد األقصــى‪،‬‬ ‫فاألمــر أعمــق وأكبــر مــن ذلــك بكثيــر وليــس أدل علــى ذلــك مــن أن‬ ‫ردود األفعــال اإلقليميــة والدوليــة املختلفــة أدت بالفعــل إلــى تراجــع‬ ‫إســرائيل عــن هــذه اإلجــراءات (الشــكلية) ثــم انتهــت القضيــة دون‬ ‫أن يتعــرض أحــد إلــى سياســة التهويــد التــي تقــوم بهــا إســرائيل يف‬ ‫القــدس علــى مــدار اليــوم وتلــك هــي مشــكلتنا يف التعامــل مــع مثــل‬ ‫هــذه األحــداث ‪.‬‬ ‫ومــن هــذا املنطلــق أرى ضــرورة اســتثمار األحــداث األخيــرة التــي‬ ‫اندلعــت يف القــدس واملســجد األقصــى وأدت إلــى إغــالق إســرائيل‬ ‫املســجد للمــرة األولــى منــذ عــام ‪1969‬م‪( ،‬يف أعقــاب إحــراق أحــد‬ ‫املتطرفــن اليهــود املســجد) ومــا ترتــب علــى هــذه األحــداث مــن‬ ‫اســتخدام إســرائيل القــوة املفرطــة ضــد الســكان الفلســطينين‬ ‫لتنفيــذ بعــض املقترحــات التــي قــد تكــون مفيــدة يف مواجهــة املوقــف‬ ‫اإلســرائيلي أهمهــا مــا يلــي‪:‬‬ ‫● ضــرورة تصعيــد الــدول العربيــة قضيــة القــدس يف كافــة احملافــل‬ ‫إقليم ًيــا ودول ًيــا‪ ،‬وبحيــث تظــل القضيــة حاضــرة بــكل مكوناتهــا مــع‬ ‫اســتمرار وزيــادة الدعــم املــادي املخصــص لصمــود أهالــي القــدس‬ ‫وضــرورة أن يكــون لــه مــردود إيجابــي علــى األرض‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫● التأكيــد للمجتمــع الدولــي علــى أن اإلجــراءات التــي تتخذهــا‬ ‫إســرائيل يف القــدس بصفــة عامــة واملســجد األقصــى بصفــة خاصــة‬ ‫ســوف تــؤدى إلــى ردود أفعــال غيــر محســوبة مــن بعــض اجلماعــات‬ ‫املتشــددة وســتمنح اجلماعــات اإلرهابيــة التــي تتخــذ مــن الديــن‬ ‫اإلســالمي ســتا ًرا لهــا الفرصــة لتنفيــذ عملياتهــا ضــد املصالــح‬ ‫الغربيــة يف العالــم بدعــوى أنهــا تدافــع بذلــك عــن قدســية املســجد‬ ‫األقصــى يف مواجهــة إســرائيل‪.‬‬ ‫● مواصلـــة الســـكان املقدســـين النضـــال الســـلمي مـــن أجـــل‬ ‫احلفـــاظ علـــى الطابـــع العربـــي للمدينـــة يف مواجهـــة عمليـــات‬ ‫التهوي ــد الت ــي ال تتوق ــف وم ــن امله ــم اس ــتمرار ه ــذا النض ــال وال‬ ‫تخ ــف جذوت ــه باعتب ــاره أح ــد أه ــم العوام ــل الت ــي ميك ــن أن تدف ــع‬ ‫إس ــرائيل إل ــى إع ــادة النظ ــر يف بع ــض إجراءاته ــا جت ــاه الق ــدس أو‬ ‫جتـــاه املســـجد األقصـــى‪.‬‬ ‫● ض ــرورة إنه ــاء اخلالف ــات الفلس ــطينية ‪ /‬الفلس ــطينية وحتقي ــق‬ ‫املصاحل ــة احلقيقي ــة وع ــودة الس ــلطة الش ــرعية إل ــى قط ــاع غ ــزة‬ ‫حي ــث أن اس ــتمرار ه ــذه اخلالف ــات س ــوف يقض ــي عل ــى م ــا تبق ــى‬ ‫م ــن قضي ــة الق ــدس ب ــل وم ــن القضي ــة الفلس ــطينية نفس ــها‪.‬‬ ‫● اســتمرار دفــع املوقــف األمريكــي لعــدم نقــل الســفارة األمريكيــة‬ ‫إلــى القــدس حيــث أن إســرائيل ال تــزال متــارس ضغوطهــا علــى‬ ‫إدارة الرئيــس األمريكــي حتــى اآلن لتنفيــذ وعــوده االنتخابيــة يف‬ ‫هــذا الشــأن‪.‬‬ ‫● التحــرك العربــي املكثــف مــن أجــل دفــع اإلدارة األمريكيــة لبــدء‬ ‫مفاوضــات إســرائيلية فلســطينية يف أقــرب وقــت ممكــن حتى نحافظ‬ ‫علــى القضيــة الفلســطينية وقضيــة القــدس وال نتركهــا تذهــب إلــى‬ ‫دائــرة النســيان وهــو مــا تهــدف إليــه احلكومــة اإلســرائيلية احلاليــة‪.‬‬ ‫● عــدم تقييــد حريــة الراغبــن يف زيــارة القــدس مــن مواطنــي‬ ‫العالــم اإلســالمي حتــى ال نتركهــا فريســة أمــام مزيــد مــن الســيطرة‬ ‫اإلســرائيلية عليهــا أخــ ًذا يف االعتبــار أن إســرائيل تعــد أكثــر‬ ‫األطــراف اســتفادة مــن اســتمرار قــرار أغلبيــة الــدول بعــدم فتــح بــاب‬ ‫الزيــارة إلــى القــدس‪.‬‬ ‫● ضــرورة متســك اجلانــب العربــي والفلســطيني مببــادرة الســالم‬ ‫العربيــة املطروحــة يف قمــة بيــروت عــام ‪2002‬م‪ ،‬التــي تقضــي‬ ‫باالنســحاب اإلســرائيلي الكامــل أوالً مقابــل الســالم الكامــل وفــى‬ ‫نفــس الوقــت عــدم التخلــي عــن فكــرة حــل الدولتــن التــي قبلهــا‬ ‫املجتمــع الدولــي كلــه والتــي تعنــي أن تكــون هنــاك دولــة فلســطينية‬ ‫مســتقلة ذات ســيادة عاصمتهــا القــدس الشــرقية تعيــش جن ًبــا إلــى‬ ‫جنــب مــع دولــة إســرائيل ؛ يف أمــن وســالم واســتقرار‪.‬‬ ‫* رﺋﻴﺲ ﻗﺴﻢ اﻟﺪراﺳﺎت اﻹﴎاﺋﻴﻠﻴﺔ واﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ ﺑﺎﳌﺠﻠﺲ اﳌﴫي ﻟﻠﺸﺆون اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إطــار القانــون القــدمي املســمى بقانــون أمــالك الغائبــن مــع األخــذ‬ ‫يف االعتبــار ســماح إســرائيل للســكان املقدســين التمتــع ببعــض‬ ‫اخلدمــات اإلســرائيلية احملليــة باعتبارهــم يقطنــون يف القــدس‬ ‫عاصمــة الدولــة وليســت منطقــة محتلــة كمــا تدعــي إســرائيل ‪.‬‬ ‫ومــن جانــب آخــر ســمحت إســرائيل للمنظمــات اليهوديــة‬ ‫املتطرفــة وعلــى رأســها مــا يســمى بجماعــة أمنــاء جبــل الهيــكل‬ ‫بالدخــول للمســجد األقصــى واقتحامــه وهــو مــا يحــدث حال ًيــا علــى‬ ‫فتــرات متقاربــة‪ ،‬وزاد مــن خطــورة األمــر أنهــا ســمحت ملســؤوليها‬ ‫الرســمين بدخــول باحــة املســجد وال يــزال أعضــاء الكنيســت مــن‬ ‫األحــزاب الدينيــة واملتطرفــة يقتحمــون املســجد األقصــى حتــى اآلن‬ ‫مبوافقــة حكوميــة ومرافقــة أمنيــة مــع العلــم بأنــه قــد متــت أحــدث‬ ‫هــذه الزيــارات يف نهايــة شــهر أغســطس ‪2017‬م‪ ،‬بعــد توقــف دام‬ ‫عامــن‪ ،‬وال تلقــي احلكومــة اإلســرائيلية بــاالً أليــة اعتراضــات مــن‬ ‫اجلانــب الفلســطيني أو حتــى مــن أعضــاء الكنيســت العــرب أومــن‬ ‫األحــزاب اإلســرائيلية اليســارية الرافضــة لهــذه اإلجــراءات ‪.‬‬ ‫وف ــى ه ــذا املج ــال ال ميك ــن لن ــا أن ننس ــى الزي ــارة التاريخي ــة‬ ‫الت ــي ق ــام به ــا رئي ــس ال ــوزراء األس ــبق أرئي ــل ش ــارون إل ــى املس ــجد‬ ‫األقص ــى يف س ــبتمبر ‪2000‬م‪ ،‬قب ــل تولي ــه رئاس ــة ال ــوزراء يف حت ـ ٍـد‬ ‫واض ــح للعال ــم اإلس ــالمي واملجتم ــع الدول ــي كل ــه وأدت إل ــى اش ــتعال‬ ‫االنتفاضـــة الفلســـطينية الثانيـــة والتـــي اســـتمرت عـــدة ســـنوات ؛‬ ‫قام ــت إس ــرائيل خالله ــا بتدمي ــر املؤسس ــات الفلس ــطينية األمني ــة‬ ‫الت ــي مت تأسيس ــها بع ــد اتف ــاق أوس ــلو ‪1993‬م‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪81‬‬

‫ملف العدد‬

‫وحتــى تكــون الصــورة مكتملــة مــن الضــروري ً‬ ‫أيضــا أن نلقــي‬ ‫الضــوء علــى املوقــف السياســي لقضيــة القــدس‪ ،‬فمــن املعــروف أن‬ ‫القــدس مــن الناحيــة السياســية تعتبــر واحــدة مــن أهــم قضايا الوضع‬ ‫النهائــي عندمــا نتحــدث عــن تســوية شــاملة للقضيــة الفلســطينية يف‬ ‫إطــار مفاوضــات بــن اجلانبــن اإلســرائيلي والفلســطيني‪ ،‬وقــد مت‬ ‫طــرح العديــد مــن احللــول ملشــكلة القــدس كان أهمهــا مقترحــات‬ ‫الرئيــس األمريكــي األســبق كلينتــون التــي طرحهــا يف منتصــف عــام‬ ‫‪2000‬م‪ ،‬وقبــل أن يتــرك الســلطة حيــث اقتــرح بــأن تكــون مدينــة‬ ‫القــدس مفتوحــة أمــام أبنــاء الديانــات الســماوية الثــالث اليهوديــة‬ ‫واملســيحية واإلســالمية وأال يكــون إلســرائيل أي ســيادة علــى‬ ‫املقدســات املســيحية واإلســالمية وال علــى األحيــاء الفلســطينية‬ ‫يف املدينــة وهــو أمــر طبيعــي إال أن إســرائيل رفضــت كافــة هــذه‬ ‫املقترحــات بــل أن احلكومــة احلاليــة برئاســة نتانياهــو ترفــض مجــرد‬ ‫فكــرة أن تخضــع القــدس للمفاوضــات بدعــوى أنهــا عاصمــة للدولــة‪.‬‬ ‫وفــى اجلانــب املقابــل كان املوقــف العربــي أقــل قــوة وتأثي ـ ًرا يف‬ ‫التعاطــي مــع قضيــة القــدس بصفــة عامــة فلــم يخــرج هــذا املوقــف‬ ‫عــن تشــكيل مــا يســمى بلجنــة القــدس التــي مت تأسيســها بنــاء علــى‬ ‫توصيــة املؤمتــر الســادس لــوزراء خارجيــة منظمــة املؤمتــر اإلســالمي‬ ‫املنعقــد يف جــده عــام ‪1975‬م‪ ،‬ثــم وافــق املؤمتــر العاشــر علــى أن‬ ‫تــوكل رئاســة هــذه اللجنــة إلــى العاهــل املغربــي‪ ،‬إال أن الواقــع يؤكــد‬ ‫أنــه لــم يكــن الجتماعــات هــذه اللجنــة أي مــردود حقيقــي علــى‬ ‫األرض حلمايــة القــدس مــن املخططــات اإلســرائيلية‪ ،‬وال ميكــن لنــا‬

‫‪80‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إسـرائـيـــل تـمـهـــد للـتـقـسـيـــم الـزمـانـــي والـمـكـانـــي للـمـسـجـــد‬ ‫األقــــصى وهـــو مـــن أخطـــر المقترحـــات التـــي تســـعى لتنفيذهـــا‬ ‫جمي ًعــا ونقلــوا ســفاراتهم مــرة أخــرى مــن القــدس إلــى تــل أبيــب ‪.‬‬ ‫والبــد مــن التعــرض هنــا إلــى جوهــر السياســة اإلســرائيلية جتــاه‬ ‫مدينــة القــدس حيــث انتهجــت إســرائيل خطــة مدروســة اعتمــدت‬ ‫علــى تنفيــذ العديــد مــن اإلجــراءات التدريجيــة الهادفــة لتغييــر األمــر‬ ‫الواقــع لصاحلهــا يف النهايــة وذلــك مــن خــالل مــا يلــي‪:‬‬ ‫● البــدء بأكبــر أعمــال حفريــات يف محيــط املســجد األقصــى‬ ‫والزالــت عمليــات احلفــر تتــم حتــى اآلن وإن كانــت مبعــدل أقــل كثيـ ًرا‬ ‫وال شــك أن هــذه احلفريــات ميكــن أن تــؤدى إلــى انهيــار املســجد‬ ‫األقصــى يف أي وقــت وهنــا البــد أن نذكــر افتتــاح إســرائيل عــام‬ ‫‪1996‬م‪ ،‬ملــا أســموه (نفــق احلشــمونائيم) أســفل املســجد األقصــى‬ ‫وحضــر افتتاحــه معظــم القيــادات اإلســرائيلية الرســمية واحلكوميــة‪.‬‬ ‫● توســيع مســاحة مدينــة القــدس التــي كانــت تبلــغ حوالــي ‪ 7‬كيلومتــر‬ ‫قبــل احتاللهــا إلــى حوالــي ‪ 80‬كــم وذلــك طــوال ســنوات تنفيــذ‬ ‫اخلطــة مــع بنــاء أكثــر مــن ‪ 14‬مســتوطنة يف املناطــق التــي وســعتها‬ ‫وضمتهــا إلــى املدينــة لتصبــح هنــاك مدينــة جديــدة متا ًمــا يف شــكلها‬ ‫ومســاحتها وطبيعــة ســكانها‪.‬‬ ‫● الســعي بكافــة الطــرق والوســائل مــن أجــل تغييــر التركيبــة‬ ‫الدميوغرافيــة للمدينــة حتــى يكــون تعــداد اليهــود بهــا أكثــر مــن‬ ‫تعــداد الفلســطينين وهــو مــا حتقــق بالفعــل‪.‬‬

‫● القيــام بنقــل بعــض مكاتــب املؤسســات اإلســرائيلية الرســمية‬ ‫ســواء السياســية أو األمنيــة أو االجتماعيــة إلــى املدينــة تأكيــدًا‬ ‫الدعــاءات أنهــا عاصمــة الدولــة‪.‬‬ ‫● التمهي ــد لتنفي ــذ مقت ــرح التقس ــيم الزمان ــي واملكان ــي ب ــن اليه ــود‬ ‫والفلســطينين يف املســجد وهــو مــن أخطــر املقترحــات التــي تســعى‬ ‫إســرائيل لتنفيذهــا حيــث يقضــى بــأن يتــم تقســيم املســجد األقصــى‬ ‫وحتديـ ـدًا باح ــة املس ــجد إل ــى قس ــمن ب ــن الفلس ــطينين واليه ــود‬ ‫ليتي ــح له ــم ذل ــك الدخ ــول للقس ــم اخل ــاص به ــم يف أي وق ــت يرغب ــون‬ ‫في ــه دون أن يواجه ــوا أي ــة معارض ــة فلس ــطينية أو عربي ــة أو دولي ــة‪.‬‬ ‫وفــى الوقــت نفســه قامــت إســرائيل بالتضييــق علــى احليــاة‬ ‫اليوميــة للفلســطينين بهــدف إجبارهــم علــى تــرك املدينــة مثــل‬ ‫الضغــط علــى الســكان لشــراء منازلهــم بأســعار خياليــة حتــت‬ ‫الضغــوط والتهديــدات‪ ،‬وكــذا ســن كافــة القوانــن التــي متنــع أي‬ ‫فلســطيني مــن إعــادة ترميــم منزلــه أو إعــادة بنائــه بشــكل جديــد‬ ‫وهــو مــا يحقــق لهــم نفــس الهــدف مــن دفــع الفلســطينين إلــى بيــع‬ ‫منازلهــم وذلــك ألفــراد قــد يحملــون جنســيات أمريكيــة أو أوروبيــة‬ ‫ولكنهــم يعملــون لصالــح بعــض اجلمعيــات اليهوديــة املتخصصــة يف‬ ‫شــراء األراضــي‪ ،‬ناهيــك عــن ســن قوانــن أخــرى تتيــح للحكومــة‬ ‫اإلســرائيلية مصــادرة أيــة أراضــي لدواعــي أمنيــة أو محليــة أو يف‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪79‬‬

‫ملف العدد‬

‫ثمانيـــة منطلقـــات عربيـــة وفلســـطينية ملواجهـــة املخطـــط اإلســـرائيلي‬

‫الــقـــدس بـيـن ســيــاســــة األمــر الـواقــع‬ ‫اإلســرائييل والمســؤولية العربيــة والدولية‬ ‫يبــدو أن هنــاك مشــكلة كبيــرة تواجــه كل مــن يريــد أن يكتــب عــن القــدس يف ظــل االحتــالل اإلســرائيلي للمدينــة الــذى جــاوز‬ ‫عقــده اخلامــس وذلــك يف ضــوء مــا حتتويــه هــذه املدينــة العريقــة مــن مقدســات دينيــة والســيما املســجد األقصــى املبــارك‬ ‫وتعــدد جوانــب وتشــابك اجتاهــات تاريــخ وواقــع املدينــة مــن النواحــي السياســية واالجتماعيــة والثقافيــة والتاريخيــة‪ ،‬وال‬ ‫يتســع هــذا املقــام لســرد تاريــخ القــدس الــذى يعلمــه اجلميــع فيكفــي أن أقــول أن القــدس تعــد مــن أقــدم مــدن العالــم وتقــع‬ ‫يف محيــط مهبــط الرســاالت الســماوية وأنهــا باختصــار مدينــة الســالم والتســامح والوئــام كمــا كتــب لهــا أن تكــون كذلــك منــذ‬ ‫قــدمي األزل‪ ،‬تلــك مقدمــة كان البــد منهــا قبــل أن نتحــدث بشــكل تفصيلــي عــن الواقــع احلالــي للمدينــة واألطمــاع اإلســرائيلية‬ ‫فيهــا والوضــع الراهــن للمســجد األقصــى والتأثيــرات املختلفــة لهــذه القضيــة واملســؤوليات التــي تقــع علــى الــدول العربيــة‬ ‫واملجتمــع الدولــي للحفــاظ علــى طابــع املدينــة املقدســة ‪.‬‬

‫اللواء محمد إبراهيم‬ ‫بدايــة وقبــل التعــرض إلــى تفصيــالت مــا يحــدث يف القــدس‬ ‫واملســجد األقصــى البــد مــن اإلشــارة إلــى تكتيــك التعامــل‬ ‫اإلســرائيلي ليــس فقــط مــع قضيــة القــدس وإمنــا مــع كافــة مكونــات‬ ‫القضيــة الفلســطينية حيــث تقــوم إســرائيل بوضــع خطــة ممنهجــة‬ ‫تســتند علــى إيجــاد أمــر واقــع جديــد علــى األرض يف املرحلــة األولــى‬ ‫ثــم تتحــرك لدعــم هــذا الواقــع اجلديــد بإجــراءات متنوعــة بعضهــا‬ ‫شــكلي ومعظمهــا جوهــري بحيــث إذا أثيــرت أيــة اعتراضــات مــن‬ ‫أي طــرف تقــوم إســرائيل بالتنــازل عــن بعــض اإلجــراءات الشــكلية‬ ‫التــي اتخذتهــا حتــى يبــدو أمــام العالــم أنهــا قدمــت تنــازالت بينمــا‬ ‫يف حقيقــة األمــر فإنهــا لــم تتنــازل إال عــن بعــض اإلجــراءات التــي ال‬ ‫تبــدو مهمــة بالنســبة لهــا‪ ،‬والشــك أن دراســة األحــداث األخيــرة التــي‬ ‫شــهدها املســجد األقصــى ومســألة إقامــة البوابــات االليكترونيــة ثــم‬ ‫إزالتهــا تعــد خيــر ترجمــة فعليــة لهــذه السياســة اإلســرائيلية ‪.‬‬ ‫بــدأت املخططــات اإلســرائيلية يف القــدس بعــد أيــام قليلــة‬ ‫مــن احتاللهــا املدينــة بعــد حــرب ‪1967‬م‪ ،‬حيــث أســرعت احلكومــة‬ ‫اإلســرائيلية بإصــدار قــرار حكومــي منفــرد بضــم القــدس الشــرقية‬ ‫إلــى القــدس الغربيــة ممــا أتــاح لهــا أن تتوســع يف عمليات االســتيطان‬ ‫والتهويــد دون أيــة عوائــق حتــول بينهــا وبــن تنفيــذ سياســاتها‬ ‫املتطرفــة‪ ،‬ولــم تكتــف إســرائيل بذلــك بــل قامــت عــام ‪1980‬م‪،‬‬

‫بإصــدار أخطــر قــرار مــن الكنيســت باعتبــار القــدس املوحــدة‬ ‫عاصمــة أبديــة للدولــة ؛ منتهكــة بذلــك كافــة القــرارات الدوليــة التــي‬ ‫تفــرض عليهــا باعتبارهــا قــوة احتــالل مســؤوليتها احلفــاظ علــى‬ ‫الوضــع القائــم للمدينــة وهــو مــا ســمح لهــا بشــكل أكبــر االســتمرار‬ ‫يف سياســاتها االســتيطانية بصــورة مكثفــة‪.‬‬ ‫ولعــل رفــض املجتمــع الدولــي لهــذه اإلجــراءات اإلســرائيلية منــذ‬ ‫البدايــة كان شــديد الوضــوح حيــث أعلنــت الواليــات املتحــدة يف أكثــر‬ ‫مــن موقــف رســمي عــدم اعترافهــا بأيــة إجــراءات إســرائيلية يف‬ ‫القــدس الشــرقية وهنــا البــد مــن اإلشــارة إلــى موقفــن أمريكيــن‬ ‫يف منتهــى الوضــوح والتحديــد األول ويتمثــل يف بيــان آرثــر جولدبــرج‬ ‫ســفير الواليــات املتحــدة الــذى أدلــى بــه أمــام اجلمعيــة العامــة لــأمم‬ ‫املتحــدة يف يوليــو ‪1967‬م‪ ،‬بعــدم اعتــراف واشــنطن بأيــة تدابيــر‬ ‫تتخذهــا إســرائيل يف املدينــة‪ ،‬أمــا املوقــف الثانــي فــكان بيــان الســفير‬ ‫تشــارلز يوســت ممثــل الواليــات املتحــدة لــدى مجلــس األمــن الــذى‬ ‫ألقــاه يف نفــس التوقيــت تقري ًبــا مؤك ـدًا علــى نفــس املعنــى بــل أشــار‬ ‫إلــى موقــف أكثــر تقد ًمــا بــأن القــدس الشــرقية تعتبــر منطقــة محتلــة‪،‬‬ ‫كمــا قامــت كافــة الــدول األوربيــة بانتهــاج نفــس املوقــف األمريكــي‬ ‫ولــم تقــم أيــة دولــة منهــم بنقــل ســفارتها إلــى مدينــة القــدس إال عــدد‬ ‫محــدود للغايــة مــن دول أمريــكا الالتينيــة ولفتــرة مؤقتــة ثــم عــادوا‬

‫‪78‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تعمل إســرائيل بانتظام ضمن خطة محكمة لتنفيذ مخطط يقضي‬ ‫ببنــاء ‪ 58‬ألــف وحــدة ســكنية يف القــدس الشــرقية حتــى عــام ‪2020‬‬ ‫الشــرقية أواخــر ‪2016‬م‪ ،‬الــى ‪ 250‬أل ًفــا‪ ،‬يشــكلون ‪ %50‬مــن الســكان‪.‬‬ ‫مثــل تشــكيل احلكومــة اليمينيــة عــام ‪2015‬م‪ ،‬ضربــة قاســمة‬ ‫ملســار التســوية وفــرص إقامــة الدولــة الفلســطينية‪ ،‬فمــا مارســته‬ ‫ومتارســه احلكومــة اإلســرائيلية مــن سياســات تهويديــة يف مدينــة‬ ‫القــدس الشــرقية يقضــي علــى إمكانيــة إقامــة دولــة فلســطينية‬ ‫إلــى جانــب إســرائيل‪ ،‬تكــون عاصمتهــا القــدس الشــرقية‪ ،‬حيــث‬ ‫تتمســك إســرائيل بالقــدس املوحــدة كعاصمــة للدولــة اليهوديــة‪.‬‬ ‫وقــد جــاءت هبــة القــدس يف خريــف ‪2015‬م‪ ،‬كداللــة واضحــة‬ ‫لرفــض املقدســين كل اإلجــراءات اإلســرائيلية التعســفية وفشــل كل‬ ‫احملــاوالت لتهويــد القــدس وتغييــر طابعهــا العربــي اإلســالمي‪ .‬وهنــا‬ ‫يبــرز التســاؤل بجديــة حــول مســتقبل مشــروع التســوية القائــم علــى‬ ‫مبــدأ حــل الدولتــن بشــكل عــام‪ ،‬وفرضيــة أن تكــون القدس الشــرقية‬ ‫عاصمــة للدولــة الفلســطينية العتيــدة‪ ،‬وذلــك يف ضــوء حملــة التهويــد‬ ‫املســتعرة التــي تواجههــا املدينــة‪ ،‬باإلضافــة إلــى معارضــة األطيــاف‬ ‫ألي مســاس بوحــدة القــدس حتــت االحتــالل‪،‬‬ ‫السياســية اإلســرائيلية ّ‬ ‫وهــذا مــا يتطلــب مــن القيــادة الفلســطينية الرســمية إعــادة النظــر يف‬ ‫السياســات واخليــارات التــي تتبناهــا‪.‬‬

‫علــى هــذا النحــو؛ فقــد شــكلت قضيــة القــدس جوهــر الصــراع‬ ‫الفلســطيني اإلســرائيلي‪ ،‬فإســرائيل كونهــا ســلطة احتــالل انتهكــت‬ ‫القانــون الدولــي وضربــت بعــرض احلائــط قــرارات الشــرعية الدولية‬ ‫اخلاصــة بالقــدس‪ ،‬وانتهجــت سياســات تهويديــة تهــدف إلــى تغييــر‬ ‫معالــم القــدس ونــزع طابعهــا الفلســطيني اإلســالمي‪ ،‬ذلــك بالرغــم‬ ‫مــن كل املواقــف الدوليــة التــي ترفــض وتنــدد بتهويــد القــدس‪.‬‬ ‫وعليــه‪ ،‬جــاءت هبــة القــدس كــرد فعــل علــى اإلجــراءات‬ ‫اإلســرائيلية التهويديــة يف مدينــة القــدس‪ ،‬حيــث حتــاول إســرائيل‬ ‫مؤخــ ًرا حتويــل الصــراع مــع الفلســطينين مــن سياســي إلــى دينــي‬ ‫عبــر متســكها بيهوديــة الدولــة وعــدم اعترافهــا بحقوق أتبــاع الديانات‬ ‫وخصوصــا املســجد األقصــى‪ ،‬وذلــك‬ ‫األخــرى يف األماكــن املقدســة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عبــر محاوالتهــا فــرض ســيادتها علــى منطقة احلــرم والبلــدة القدمية‪،‬‬ ‫عبر سياســاتها التهويدية املمنهجة‪ ،‬وصوالً لفرض التقســيم الزماني‬ ‫واملكانــي للمســجد االقصــى‪.‬‬

‫* ﻣﺤﺎﴐ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ اﻟﻘﺪس اﳌﻔﺘﻮﺣﺔ ــ وﺑﺎﺣﺚ ﻟﺪى ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺘﺨﻄﻴﻂ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪77‬‬

‫ملف العدد‬

‫‪ 220‬ألف مستوطن يف مستعمرات أراضي القدس الشرقية موزعين عى‬ ‫‪ 12‬مستعمرة و‪ 13‬بؤرة استيطانية داخل األحياء الفلسطينية يف القدس‬ ‫مؤخـ ًرا انتقــدت األمم املتحــدة علــى لســان مســاعد األمــن العــام‬ ‫للشــؤون السياســية "ميروســالف جينــكا" مشــروع قانــون (القــدس‬ ‫املوحــدة) الــذي أقــره الكنيســت يف يوليــو ‪2017‬م‪ ،‬والــذي ينــص علــى‬ ‫أنّ القــدس هــي العاصمــة األبديــة لدولــة إســرائيل‪ ،‬معتبـ ًرا أنّ القــرار‬ ‫يف حالــة إقــراره ســيعمل علــى تعزيــز ســيطرة إســرائيل علــى القــدس‬ ‫الشــرقية احملتلــة‪ ،‬وســيحد مــن قــدرة الطرفــن علــى التوصــل حلــل‬ ‫تفاوضــي يتوافــق مــع قــرارات األمم املتحــدة واالتفاقــات الســابقة‬ ‫بــن الطرفــن‪ .‬كمــا دعــا جميــع األطــراف اإلقليميــة والدوليــة علــى‬ ‫العمــل علــى إنهــاء االحتــالل وحــل قضايــا الوضــع النهائــي وتنفيــذ‬ ‫حــل الدولتــن وف ًقــا لقــرارات األمم املتحــدة بهــذا الصــدد‪.‬‬ ‫ب‪ .‬موقف الواليات املتحدة األمريكية من تهويد القدس‪:‬‬ ‫حتــاول الواليــات املتحــدة إظهــار موقــف حيــادي يف بعــض القضايــا‬ ‫اخلاصــة بالصــراع الفلســطيني اإلســرائيلي‪ ،‬إال أنّ مواقفهــا جتــاه‬ ‫قضيــة القــدس تتســم باالنســجام مــع السياســات اإلســرائيلية‪ ،‬فقــد‬ ‫اتخــذت مواقــف منحــازة إلســرائيل بشــكل واضــح‪ ،‬واســتخدمت حــق‬ ‫أي قــرار عــن مجلــس األمــن‬ ‫النقــض "الفيتــو" بشــكل متكــرر ملنــع صــدور ّ‬ ‫ويتضمــن إدانــة إلجــراءات إســرائيل التهويديــة يف القــدس‪ ،‬مــع ذلــك‬ ‫فــإنّ الواليــات املتحــدة ظلــت تســتند يف تعاملهــا مــع القــدس علــى القرار‬ ‫(‪ )181‬ولــم تقبــل بســيادة إســرائيل علــى القــدس‪ .‬ويف عــام ‪1969‬م‪،‬‬ ‫أعلنــت يف مجلــس األمــن أنهــا ســتتعامل مــع القــدس الشــرقية كباقــي‬ ‫املناطــق التــي احتلتهــا إســرائيل عــام ‪ ،67‬وأنــه ال يجــوز لدولــة االحتــالل‬ ‫تغييــر وضــع القــدس القانونــي‪ ،‬كمــا ورد نفــس املوقــف يف وثائــق كامــب‬ ‫ديفيــد عــام ‪1978‬م‪ ،‬كمــا أكــدت وثائــق مؤمتــر مدريد عــام ‪1991‬م‪ ،‬بأنها‬ ‫ال تعتــرف بضــم إســرائيل لشــرق القــدس أو اإلجــراءات التــي اتخذتهــا‬ ‫إســرائيل مــن طــرف واحــد‪ .‬ويف تطــور واضــح عــام ‪1995‬م‪ ،‬مت إقــرار‬ ‫قانــون نقــل الســفارة األمريكيــة مــن "تــل أبيــب" إلــى القدس‪ ،‬والــذي أقره‬ ‫الكوجنــرس األمريكــي عــام ‪1990‬م‪ ،‬ويعتــرف القانــون بالقــدس املوحــدة‬ ‫عاصمــة إلســرائيل‪ ،‬ويلتــزم بنقــل الســفارة إلــى القــدس‪ ،‬وذلــك خال ًفــا‬ ‫للمواقــف والتعهــدات األمريكيــة الســابقة‪ .‬باملجمــل؛ ظلــت التصرفــات‬ ‫واملواقــف األمريكيــة ملتبســة وغيــر واضحــة جتــاه اإلجــراءات‬ ‫اإلســرائيلية يف القــدس‪ .‬فتــارة ترفــض تغييــر الوضع القائــم يف القدس‪،‬‬ ‫وتــار ًة أخــرى تعتــرف بالقــدس املوحــدة عاصمــة إلســرائيل‪ .‬ويظهــر ذلك‬ ‫التناقــض جل ًيــا خــالل احلملــة االنتخابيــة عــام ‪2016‬م‪ ،‬حيــث أعلــن‬ ‫املرشــح "دونالــد ترامــب" أ ّنــه ســينقل الســفارة إلــى القدس يف حــال فوزه‬ ‫بالرئاســة‪ ،‬إال أ ّنــه عــاد وأجــل خطــوة نقــل الســفارة‪.‬‬

‫ت‪ .‬املوقف األوروبي من تهويد القدس‪:‬‬ ‫رغــم ضعــف املوقــف األوروبــي جلهــة إلــزام إســرائيل تطبيــق‬ ‫القــرارات الدوليــة بشــأن القــدس إال أ ّنــه يتّســم باإليجابيــة إلــى حـ ٍـد‬ ‫مــا‪ ،‬فقــد طالــب عــدد كبيــر مــن املؤمتــرات والبيانــات األوروبيــة‬ ‫وأهمهــا بيــان البندقيــة عــام ‪1980‬م‪ ،‬إســرائيل باالنســحاب مــن‬ ‫األراضــي احملتلــة عــام ‪ 67‬مبــا فيهــا القــدس الشــرقية‪ ،‬كمــا وترفــض‬ ‫أي إجــراءات تتخــذ مــن طــرف واحــد مــن شــأنها تغييــر وضــع‬ ‫ّ‬ ‫القــدس‪ ،‬بــل تــرى أنّ املســألة يجــب أن تخضــع للتفــاوض ويضمــن يف‬ ‫الوقــت نفســه حــق حريــة الدخــول إلــى األماكــن املقدســة‪.‬‬ ‫اتضــح موقــف االحتــاد األوروبــي يف بيــان صــدر بداية تســعينيات‬ ‫القــرن املاضــي طالــب إســرائيل بوقــف إجراءاتهــا يف شــرق القــدس‬ ‫والتــي تهــدف لتهويدهــا؛ واص ًفــا إياهــا بالغيــر قانونيــة حســب‬ ‫القانــون الدولــي‪ .‬كمــا أكــد بيــان املجلــس األوروبــي يف يوليــو ‪2015‬م‪،‬‬ ‫علــى عــدم شــرعية املســتوطنات واجلــدار العــازل‪ ،‬معتب ـ ًرا أنّ تلــك‬ ‫اإلجــراءات يف القــدس تــؤدي إلــى إفشــال جهــود حــل الدولتــن‪ .‬مــن‬ ‫ناحيــة أخــرى‪ ،‬طرحــت املبــادرة الفرنســية أن تكــون القــدس عاصمــة‬ ‫للدولتــن‪ ،‬وهــو طــرح غامــض إلــى حـ ٍـد بعيــد‪.‬‬ ‫ث‪ .‬قرار اليونسكو اخلاص بالقدس‪:‬‬ ‫صادقــت منظمــة "اليونســكو" يف ‪ 2016/10/18‬م‪ ،‬علــى قــرار‬ ‫يعتبــر القــدس مدينــة ذات أهميــة خاصــة للديانــات الثــالث‪ ،‬إال أنّ‬ ‫القيمــة األبــرز يف القــرار ارتبطــت باملســجد االقصــى؛ فاعتبــره موقــع‬ ‫خــاص باملســلمن وحدهــم‪ ،‬وال عالقــة لليهــود بــه تاريخ ًيــا أو دين ًيــا‪،‬‬ ‫كمــا اعتمــد القــرار التســمية اإلســالمية وجتاهــل التســمية اليهوديــة‪،‬‬ ‫كمــا أدان املمارســات اإلســرائيلية داخــل املســجد األقصــى ويف‬ ‫محيطــه‪ ،‬ويف أكتوبــر ‪2016‬م‪ ،‬صوتــت جلنــة التــراث العاملــي التابعــة‬ ‫أي تغييــر أحدثــه‬ ‫ملنظمــة اليونســكو علــى قــرار يؤكــد عــدم شــرعية ّ‬ ‫االحتــالل يف مدينــة القــدس‪ ،‬حســب قــرارات األمم املتحــدة‪ ،‬وأدان‬ ‫اإلجــراءات التهويديــة يف مدينــة القــدس‪.‬‬ ‫خامتــة تتضمــن قــراءة نقديــة ملــدى التــزام إســرائيل بتوجهــات‬ ‫املجتمــع الدولــي بشــأن القــدس‬ ‫انتهجــت إســرائيل منــذ احتاللهــا القــدس الشــرقية اســتراتيجية‬ ‫شــاملة وممنهجــة لتهويــد املدينــة‪ ،‬وشــرعت بضــم أكبــر مســاحة‬ ‫ممكنــة مــن األرض مــع أقــل عــدد مــن الســكان العــرب‪ ،‬معتمــدة علــى‬ ‫مجموعــة مــن القوانــن والتشــريعات العنصريــة للتضييق على الســكان‬ ‫العــرب ومحاصرتهــم‪ ،‬يف حــن وصــل عــدد املســتوطنن يف القــدس‬

‫‪76‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪ .2‬تطور موقف المجتمع الدويل تجاه القدس‬ ‫عندمــا نناقــش املواقــف الدوليــة بشــأن الصــراع الفلســطيني ــــ‬ ‫اإلســرائيلي فإننــا نصطــدم مبعضلــة حقيقيــة تتمثــل يف تبايــن تلــك‬ ‫املواقــف بــن مــا تتبنــاه الــدول الكبــرى مــن مواقــف سياســية عمليــة‪،‬‬ ‫وبــن مــا تعلنــه وتتشــدق بــه مــن توجهــات نظريــة؛ تنعكــس يف إطــار‬ ‫مــا يعــرف باملجتمــع الدولــي أو الشــرعية الدوليــة‪ ،‬مــن خــالل هيــأة‬ ‫األمم املتحــدة‪ .‬ومــن املفيــد هنــا إبــراز هــذا التناقــض يف املواقــف‬ ‫جتــاه املمارســات االســتيطانية اإلســرائيلية يف مدينــة القــدس‪.‬‬ ‫أراض محتلــة‬ ‫جتمــع املواقــف الدوليــة علــى أنّ شــرق القــدس هــي ٍ‬ ‫وعلــى إســرائيل أن تنســحب منهــا‪ ،‬كمــا لــم يتــم االعتــراف الدولــي‬ ‫بالقــدس الغربيــة عاصمــة لدولــة إســرائيل‪ .‬بالرغــم مــن االعتــراف‬ ‫بدولــة إســرائيل التــزال املواقــف الدوليــة تســتند لقــرار اجلمعيــة‬ ‫العامــة رقــم (‪ )181‬اخلــاص بالتقســيم وتدويــل القــدس‪ ،‬وقــرار مجلس‬ ‫األمــن رقــم (‪ )242‬الــذي لــم يعتــرف بشــرعية االحتــالل اإلســرائيلي‬ ‫لأراضــي التــي احتلتهــا يف حــرب ‪1967‬م‪ ،‬مبــا فيهــا القدس الشــرقية‪،‬‬ ‫وذلــك بالرغــم مــن توقيــع اتفــاق أوســلو‪ ،‬الــذي فتــح البــاب أمــام‬ ‫التفــاوض حــول قضايــا احلــل النهائــي‪ ،‬وأهمهــا القــدس‪.‬‬ ‫رغــم متاهــي املواقــف الدوليــة مــع انتهــاكات إســرائيل يف القــدس‬ ‫إال أ ّنهــا تتســم بالقلــق واالســتنكار والتحذيــر مــن تغييــر الوضــع القائم‬ ‫يف املدينــة والــذي ســيؤدي إلــى تدهــور األوضاع‪.‬‬ ‫أ‪ .‬موقف األمم املتحدة من االستيطان اإلسرائيلي يف القدس‬ ‫بالرغــم مــن عــدم تطبيــق إســرائيل لقــرارات األمم املتحــدة‬ ‫(الشــرعية الدوليــة)‪ ،‬إال أنّ هــذه القــرارات متثــل مرتكــزًا قانون ًيــا‬ ‫وأخالق ًيــا يتبناهــا املجتمــع الدولــي جتــاه الصــراع الفلســطيني‬ ‫اإلســرائيلي‪ ،‬فقــد نــص قــرار التقســيم (‪ )181‬لعــام ‪1947‬م‪ ،‬علــى أن‬ ‫تصبح مدينة القدس كيا ًنا مستق ً‬ ‫ال يخضع إلدارة األمم املتحدة‪ .‬وبعد‬ ‫احتــالل إســرائيل لغــرب القــدس عــام ‪1948‬م‪ ،‬تبنــت اجلمعيــة العامــة‬ ‫قرارهــا رقــم (‪ )303‬يف ‪1949/12/9‬م‪ ،‬والقاضــي بوضــع القدس حتت‬ ‫نظــام دولــي دائــم‪ ،‬كمــا اتخــذ مجلــس الوصايــة عــدة قــرارات بشــأن‬ ‫القــدس وأهمهــا القــرار الرقــم (‪ )114‬يف ‪1949/12/20‬م‪ ،‬والــذي‬ ‫طالــب إســرائيل بعــدم نقــل املؤسســات الرســمية للقــدس‪.‬‬ ‫رفضــت إســرائيل تلــك القــرارات لتمســكها بالقــدس عاصمــة‬ ‫لهــا‪ ،‬ومنــذ ذلــك التاريــخ توقفــت اجلمعيــة العامــة عــن مناقشــة‬ ‫قضيــة تدويــل القــدس‪ ،‬إلــى أن متكنــت إســرائيل مــن احتــالل‬ ‫القــدس الشــرقية خــالل حــرب ‪ .1967‬وبعدهــا أصــدرت اجلمعيــة‬ ‫العامــة قرارهــا رقــم (‪ )2253‬وعبــرت فيــه عــن قلقهــا الشــديد مــن‬ ‫اإلجــراءات اإلســرائيلية الهادفــة لتغييــر وضــع املدينــة‪ ،‬وطالبــت‬ ‫إســرائيل بإلغــاء تلــك اإلجــراءات‪ .‬كمــا أكــد قــرار اجلمعيــة العامــة‬ ‫رقــم (‪ )2851‬يف ‪1971/12/20‬م‪ ،‬أنّ كل اإلجــراءات التــي اتخذتهــا‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إســرائيل لتهويــد القــدس باطلــة والغيــة كل ًيــا‪ ،‬فيمــا ظلــت جميــع‬ ‫قــرارات اجلمعيــة العامــة تتضمــن بنــد ثابــت ســنو ًيا ينــص علــى ذلــك‪.‬‬ ‫مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬أصــدر مجلــس األمــن عــدة قــرارات تطالــب‬ ‫إســرائيل بإنهــاء احتاللهــا لأراضــي التــي احتلتهــا عــام ‪ ،67‬وأهمهــا‬ ‫القــرار (‪ ،)242‬والــذي مثــل الح ًقــا األســاس الــذي بنيــت عليــه مجمــل‬ ‫القــرارات الدوليــة واملبــادرات السياســية حلــل الصــراع الفلســطيني‬ ‫اإلســرائيلي‪ ،‬وتــاله القــرار رقــم (‪ )267‬لعــام ‪1969‬م‪ ،‬والــذي أكــد‬ ‫علــى أنّ االســتيالء علــى األراضــي بالغــزو العســكري غيــر مقبــول‪،‬‬ ‫وعبــر عــن أســفه لتجاهــل إســرائيل لقــرارات مجلــس األمــن‬ ‫واجلمعيــة العامــة‪ ،‬واســتنكر جميــع اإلجــراءات التــي تهــدف لتغييــر‬ ‫وضــع القــدس واعتبرهــا باطلــة‪ ،‬وطالــب إســرائيل بإلغائهــا‪.‬‬ ‫أكــدت اجلمعيــة العامــة ومجلــس األمــن علــى انطبــاق اتفاقيــة‬ ‫جنيــف الرابعــة مــن الناحيــة القانونيــة علــى األراضــي الفلســطينية‬ ‫احملتلــة منــذ عــام ‪ 67‬مبــا يف ذلــك القــدس الشــرقية‪ ،‬وطالبــوا‬ ‫إســرائيل باالمتثــال إلرادة املجتمــع الدولــي والوفــاء بالتزاماتهــا‬ ‫الدوليــة‪ .‬وبســبب تعنــت إســرائيل ورفضهــا تطبيــق قــرارات األمم‬ ‫املتحــدة‪ ،‬عقــدت الــدول األطــراف يف اتفاقيــة جنيــف الرابعــة مؤمتـ ًرا‬ ‫يف فبرايــر ‪1999‬م‪ ،‬وآخ ـ ًرا يف ديســمبر عــام ‪2001‬م‪ ،‬وذلــك للتأكيــد‬ ‫علــى انطبــاق االتفاقيــة علــى األراضــي احملتلــة وشــرق القــدس‪ ،‬كمــا‬ ‫أيدهــا يف ذلــك العديــد مــن القــرارات الصــادرة عــن أجهــزة األمم‬ ‫املتحــدة‪ ،‬حيــث أكــدت محكمــة العــدل الدوليــة االنطبــاق القانونــي‬ ‫التفاقيــة جنيــف الرابعــة علــى األراضــي الفلســطينية احملتلــة عــام‬ ‫‪1967‬م‪ ،‬مبــا فيهــا شــرق القــدس‪ ،‬حيــث أصــدرت احملكمــة يف يوليــو‬ ‫‪2004‬م‪ ،‬رأيهــا االستشــاري بخصــوص اجلــدار واالســتيطان بأ ّنهــا‬ ‫أعمــال غيــر شــرعية وباطلــة ويجــب إزالتهــا‪.‬‬ ‫اعتمــد مجلــس األمــن يف ديســمبر ‪2016‬م‪ ،‬القــرار رقــم (‪)2334‬‬ ‫والــذي يطالــب إســرائيل بالوقــف الفــوري لالســتيطان يف األراضــي‬ ‫الفلســطينية احملتلــة مبــا فيهــا القــدس الشــرقية‪ ،‬وقــد اعتمــد القــرار‬ ‫بتأييــد ‪ 14‬عضـ ًوا وامتنــاع الواليــات املتحدة عن التصويــت‪ .‬وأكد القرار‬ ‫علــى أنّ إنشــاء إســرائيل للمســتوطنات يف األرض الفلســطينية احملتلــة‬ ‫أي شــرعية‬ ‫منــذ عــام ‪1967‬م‪ ،‬مبــا فيهــا القــدس الشــرقية‪ ،‬ليــس لــه ّ‬ ‫ً‬ ‫صارخــا مبوجــب القانــون الدولــي وعقبــة كبــرى‬ ‫قانونيــة ويشــكل انتهــاكا‬ ‫أمــام حتقيــق حــل الدولتــن وإحــالل الســالم العــادل والدائــم والشــامل‪.‬‬ ‫أكــد "نيكــوالي مالدينــوف" املنســق اخلــاص لعمليــة الســالم‬ ‫يف الشــرق األوســط أنّ األمم املتحــدة تعتبــر جميــع األنشــطة‬ ‫االســتيطانية غيــر قانونيــة وفــق القانــون الدولــي‪ ،‬وأحــد العقبــات‬ ‫الرئيســية أمــام الســالم‪ ،‬وأكــد علــى ضــرورة تطبيــق قــرار مجلــس‬ ‫األمــن رقــم (‪ )2334‬الــذي كــرر مطالبــة إســرائيل بوقــف جميــع‬ ‫األنشــطة االســتيطانية يف األرض الفلســطينية مبــا فيهــا القــدس‬ ‫الشــرقية بشــكل فــوري‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪75‬‬

‫ملف العدد‬

‫المجتمع الدويل لم يمارس أ ّي ضغوط حقيقية عى إسرائيل إلجبارها عى‬ ‫تنفيذ تلك القرارات الدولية أو وقف ممارساتها التعسفية االستيطانية‬ ‫يف سياســتها التهويديــة يف القــدس بــن املقدســات اإلســالمية‬ ‫ً‬ ‫ضغوطــا علــى كنيســة القيامــة وصلــت‬ ‫واملســيحية‪ ،‬فقــد مارســت‬ ‫حلــد احلجــز علــى أرصدتهــا بهــدف إرغامهــا علــى دفــع فواتيــر ميــاه‬ ‫مباليــن الشــواكل‪ ،‬بالرغــم مــن كــون الكنيســة معفــاة مــن الضرائــب‬ ‫منــذ العهــد العثمانــي‪ .‬ويبــدو أن املمارســات االحتالليــة أدت إلــى‬ ‫تراجــع أعــداد املســيحين إلــى ‪ 5000‬عــام ‪.2012‬‬ ‫ازدادت النشــاطات االســتيطانية ضــراو ًة بعــد حصــول فلســطن‬ ‫علــى صفــة عضــو مراقــب يف األمم املتحــدة‪ ،‬حيــث مت إحيــاء مخطــط‬ ‫البنــاء يف املنطقــة املســماة ‪ ,1‬الواقعــة بــن مســتوطنة "معاليــه‬ ‫ادوميــم" وشــرق القــدس‪ ،‬كمــا صادقــت حكومــة االحتــالل خــالل‬ ‫الســنوات اخلمــس األخيــرة علــى بنــاء آالف الوحــدات الســكنية يف‬ ‫محيــط القــدس‪ .‬وبالرغــم مــن املوقــف الدولــي الرافــض واملتخــوف‬ ‫مــن تبعــات املخططــات االســتيطانية‪ ،‬إال أنّ إســرائيل تصــر علــى‬ ‫مواصلــة االســتيطان وحتديــدًا يف القــدس‪ ،‬وتعلــن أنّ موضــوع‬ ‫االســتيطان غيــر قابــل للتفــاوض‪ ،‬وتتعهــد باســتمرار االســتيطان يف‬ ‫القــدس‪ ،‬معتبــر ًة إياهــا عاصمــ ًة موحــد ًة للدولــة اليهوديــة بحســب‬

‫ادعائهــا‪ .‬يف املقابــل‪ ،‬فــإنّ اجلهــود املبذولــة مــن األطــراف العربيــة‬ ‫واإلســالمية إلنقــاذ القــدس محــدودة وغيــر كافيــة‪.‬‬ ‫وصــل عــدد املســتوطنن يف املســتعمرات املقامــة علــى أراضــي‬ ‫القــدس الشــرقية إلــى ‪ 220‬ألــف موزعــن علــى ‪ 12‬مســتعمرة‪ ،‬و‪13‬‬ ‫بــؤرة اســتيطانية يف داخــل األحيــاء الفلســطينية يف القــدس‪ ،‬يذكــر أنّ‬ ‫إســرائيل تعمــل بانتظــام ضمــن خطــة محكمــة لتنفيــذ مخطط يقضي‬ ‫ببنــاء ‪ 58‬ألــف وحــدة ســكنية يف القــدس الشــرقية حتــى عــام ‪2020‬‬ ‫بالرغــم مــن تناقــص مســاحة القــدس الشــرقية لصالــح املســتوطنات‬ ‫اإلســرائيلية إال أنّ عــدد الســكان الفلســطينين ازداد مــن ‪ %26‬عــام‬ ‫‪1947‬م‪ ،‬الــى ‪ %37‬عــام ‪2014‬م‪ ،‬وذلــك حســب إحصــاءات إســرائيلية‪،‬‬ ‫وهــذا يشــير إلــى فشــل سياســة التهويــد اإلســرائيلية‪.‬‬ ‫وعليــه ميكــن القــول‪ :‬أنّ إســرائيل عملــت علــى تغييــر الوضــع‬ ‫أي فرصــة إلقامة‬ ‫القائــم وخلــق واقــع جديــد علــى األرض يقضــي علــى ّ‬ ‫دولــة فلســطينية‪ ،‬وذلــك مــن خــالل ابتالعهــا ملزيــد مــن األراضــي‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬وحتدي ـدًا يف القــدس ومحيطهــا‪ ،‬بحيــث يصبــح إقامــة‬ ‫دولــة فلســطينية مترابطــة جغراف ًيــا أم ـ ًرا غيــر قابــل للتطبيــق‪.‬‬

‫‪74‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مــوقــ ــف الـمـجـتـمـ ــع الـدولـ ــي مـ ــن تـهـويـ ــد الـقـ ــدس‪ :‬قـ ــراءة سـيـاسـيـ ــة‬

‫مواقف الدول الكبرى متناقضة بين ما تتبناه‬ ‫من مواقف عملية وما تعلنه من توجهات نظرية‬ ‫اجته ــد االحت ــالل اإلس ــرائيلي من ــذ احتالل ــه ملدين ــة الق ــدس ع ــام ‪1967‬م‪ ،‬يف توظيف ــه ل ــكل إمكانات ــه م ــن أج ــل تهوي ــد‬ ‫القــدس‪ ،‬وحتويلهــا إلــى مدينــة (عاصمــة) يهوديــة مــن حيــث الســكان واملعالــم‪ ،‬ومــن أجــل ذلــك اســتخدم سياســات مختلفــة‬ ‫ض ــد س ــكان الق ــدس الفلس ــطينين؛ م ــن قبي ــل احلص ــار والتضيي ــق واإلج ــراءات األمني ــة التعس ــفية‪ ،‬وذل ــك يف ظ ــل انحي ــاز‬ ‫دول ــي واض ــح للموق ــف اإلس ــرائيلي‪ .‬يف املقاب ــل‪ ،‬ظ ــل املوق ــف العرب ــي واإلس ــالمي يت ــراوح ب ــن الضع ــف أحيا ًن ــا والتقاع ــس‬ ‫أحيا ًن ــا أخ ــرى؛ يت ــوارى خل ــف خطاب ـ ٍ‬ ‫ـادي خج ــول‪.‬‬ ‫ـات إعالمي ــة ٍ رنان ــة ودع ـ ٍـم م ـ ٍ‬

‫د‪ .‬محمد يوسف احلايف‬ ‫اتســمت املواقــف الدوليــة جتــاه ممارســات إســرائيل يف القــدس‬ ‫ومحــاوالت تهويدهــا بالتناقــض الواضــح‪ ،‬فبالرغــم مــن تبنــى املجتمــع‬ ‫الدولــي ممثـ ً‬ ‫ال يف هيــأة األمم املتحــدة واملنظمــات التابعــة لهــا للعديــد‬ ‫مــن القــرارات التــي تعتــرف بحــق الفلســطينين يف القــدس الشــرقية‬ ‫والتــي أصبحــت منطل ًقــا للعديــد مــن املبــادرات السياســية حلــل‬ ‫أي ضغــوط‬ ‫القضيــة الفلســطينية‪ ،‬إال أنّ املجتمــع الدولــي لــم ميــارس ّ‬ ‫حقيقيــة علــى إســرائيل إلجبارهــا علــى تنفيــذ تلــك القــرارات‪ ،‬أو‬ ‫حتــى وقــف ممارســاتها التعســفية االســتيطانية‪ ،‬وذلــك بهــدف إتاحــة‬ ‫الفرصــة إلســرائيل لفــرض واقــع جديــد يف املدينــة املقدســة‪ ،‬والتــي‬ ‫تهــدف إلــى تغييــر التركيبــة الدميوغرافيــة للمدينــة‪ ،‬ونــزع الطابــع‬ ‫(الهويــة) العربــي اإلســالمي عنهــا يف ضــوء تســارع وتيــرة االســتيطان‬ ‫يف القــدس‪.‬‬ ‫وتهــدف هــذه الورقــة البحثيــة إلــى تقــدمي مراجعة سياســية نقدية‬ ‫ملوقــف املجتمــع الدولــي مــن تهويــد القــدس‪ ،‬باإلضافــة إلــى فضــح‬ ‫املمارســات االســتيطانية اإلســرائيلية يف املدينــة املقدســة‪ ،‬والتــي‬ ‫تتعــارض مــع القانــون الدولــي والقــرارات الدوليــة بهــذا الصــدد‪.‬‬

‫‪ .1‬الممارســـات االســـتيطانية اإلســـرائيلية يف مدينـــة القـــدس‬ ‫(لمح ــة تاريخي ــة)‬ ‫عملــت إســرائيل منــذ احتاللهــا ملدينــة القــدس علــى اســتكمال‬ ‫مخططهــا االســتيطاني بهــدف الســيطرة الكاملــة علــى املدينــة‪،‬‬ ‫عبــر مســارين متوازيــن همــا‪ :‬التهويــد الدينــي والثقــايف‪ ،‬والتهويــد‬

‫الدميوغــرايف‪ ،‬ويتركــز املســار األول علــى محــاوالت تغييــر الهويــة‬ ‫العربيــة للقــدس واملســجد األقصــى وحتويلــه مــن معلــم إســالمي إلــى‬ ‫موقــع دينــي مشــترك ألتبــاع الديانــات املختلفــة‪.‬‬ ‫وعلــى املســار الدميوغــرايف عمــدت إســرائيل إلــى زيــادة عــدد‬ ‫املســتوطنن اليهــود‪ ،‬وذلــك مــن خــالل توســيع حــدود القــدس شــر ًقا‬ ‫وشــماالً عبــر ضــم مســتوطنة (معاليــه ادوميــم) والبالــغ عــدد ســكانها‬ ‫‪ 20‬الــف مســتوطن‪ ،‬باإلضافــة إلــى العديــد مــن املواقــع العســكرية‪،‬‬ ‫ممــا أدى إلــى مضاعفــة عــدد املســتوطنن يف القــدس‪ ،‬يف مقابــل‬ ‫تهجيــر الســكان العــرب املقدســين عبــر ســحب الهويــات ومصــادرة‬ ‫األراضــي‪ ،‬وذلــك يف محاولــة لقلــب التــوازن الدميغــرايف بــن العــرب‬ ‫الفلســطينين واملســتوطنن اليهــود يف املدينــة‪.‬‬ ‫تنتشــر التجمعــات االســتيطانية حــول مدينــة القــدس بشــكل‬ ‫مكثــف بهــدف خنــق املدينــة وعزلهــا عــن محيطهــا العربــي‪ ،‬كمــا مت‬ ‫االســتيالء علــى مســاحات شاســعة مــن األراضــي العربيــة بقـ ٍ‬ ‫ـرارات‬ ‫مختلفـ ٍـة عبــر توســيع احلــدود البلديــة ملدينــة القــدس (الغربية)‪.‬كمــا‬ ‫وتزايــدت يف الفتــرة األخيــرة وتيــرة االقتحامــات للمســجد األقصــى‬ ‫خصوصــا بعــد وصول‬ ‫مــع تأييــد متزايــد لصــالة اليهــود داخــل احلــرم‬ ‫ً‬ ‫اليمــن اإلســرائيلي للحكــم‪ ،‬فقــد صادقــت بلديــة االحتــالل يف‬ ‫القــدس نوفمبــر ‪2012‬م‪ ،‬علــى ترميــم كنيــس يهــودي علــى بعــد ‪200‬‬ ‫متــر مــن املســجد األقصــى علــى أنقــاض مصلــى إســالمي مصــادر‪،‬‬ ‫كمــا أنهــت بلديــة االحتــالل املرحلــة األولــى مــن شــبكة األنفــاق علــى‬ ‫تخــوم املســجد وســاحته‪ .‬مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬ال تفــرق إســرائيل‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫اجلميــع‪ ،‬بأنــه محاولــة مــن حمــاس للظهــور باملشــارك يف الهبــة‪ ،‬دون‬ ‫فعــل حقيقــي علــى األرض‪.‬‬ ‫ففــي يــوم اجلمعــة ‪2017/8/9‬م‪ ،‬دعــت بعــض القيــادات‬ ‫احلمســاوية يف قطــاع غــزة املصلــن للتظاهــر بالقــرب مــن الســلك‬ ‫احلــدودي شــمال قطــاع غــزة‪ ،‬وطلبــت منهــم اصطحــاب أطفالهــم‬ ‫ليعلنــوا للصهاينــة أننــا "لــن نتنــازل عــن أي شــبر مــن أرضنــا‪ ،‬ولــن‬ ‫نبقــى مكتــويف األيــدي هنــا يف غــزة"‪.‬‬ ‫ولقــد أثــارت هــذه الدعــوة‪ ،‬يف حينــه لــدى املواطنــن‪ ،‬الكثيــر‬ ‫مــن االســتغراب‪ ،‬نظــ ًرا ألن حمــاس تدعوهــم إلــى املــوت املجانــي‪،‬‬ ‫علــى حــدود زعمــت دو ًمــا أنهــا قــادرة هــي علــى قصفهــا بالصواريــخ‬ ‫القســامية‪ ،‬حــن أعلــن أحــد قيادييهــا ـ قبــل شــهور ـ عــن اســتعداده‬ ‫لتصديــر الكثيــر منهــا‪ ،‬للجيــوش العربيــة‪ ،‬الراغبــة يف محاربــة الكيــان‬ ‫الصهيونــي‪ ،‬وحتريــر األقصــى‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬حركة الجهاد اإلسامي‪:‬‬ ‫لــم تتكلــم حركــة اجلهــاد اإلســالمي يف هــذا الصــدد كثيــ ًرا‪،‬‬ ‫كمــا لــم تفعــل الكثيــر‪ ،‬باســتثناء دعوتهــا إلــى إغــالق مســاجد قطــاع‬ ‫غــزة‪ ،‬يــوم اجلمعــة املوافــق ‪2017/7/21‬م‪ ،‬وإلغــاء كافــة الصلــوات يف‬ ‫املســاجد‪ ،‬واالكتفــاء بالصــالة يف العــراء والســاحات العامــة‪ ،‬تضام ًنــا‬ ‫مــع املســجد األقصــى‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪73‬‬

‫ملف العدد‬

‫عبــاس "أفــكا ًرا ميكــن البنــاء عليهــا" علــى طريــق توحيــد طاقات الشــعب‬ ‫الفلســطيني‪ .‬ودعــت حمــاس والســلطة إلــى جتــاوز خالفاتهمــا‪ ،‬وتنفيــذ‬ ‫اتفاقــات املصاحلــة بآليــات وطنيــة‪ .‬كمــا دعــت إلــى "تصعيــد النضــال‬ ‫واملقاومــة ضــد العــدو الصهيونــي وكل أشــكال وجــوده"‪.‬‬

‫الخاصة‪:‬‬ ‫لقــد فشــلت الفصائــل واألحــزاب الفلســطينية يف أداء دور‬ ‫مميــز يف هبــة األقصــى‪ .‬وباســتثناء أن الرئيــس محمــود عبــاس‪ ،‬كان‬ ‫املؤثــر األقــوى يف دعمهــا‪ ،‬والدعــوة إليهــا‪ ،‬واســتثمارها سياسـ ًيا‪ ،‬مبــا‬ ‫ميكــن فتــح مــن ادعــاء الفعاليــات الشــعبية املدعومــة منــه لنفســها‪،‬‬ ‫باعتبارهــا حــزب الرئيــس‪ ،‬لــم يُالحــظ للفصائــل ـ بصفتهــا فصائــل ـ‬ ‫مــن وجــود حقيقــي يف ســاحات الفعاليــات‪.‬‬ ‫وكل هــذا يدعونــا إلــى إعــادة دراســة املوقــف الرســمي‬ ‫خصوصــا وقــد وجــدت إســرائيل نفســها‪،‬‬ ‫الفلســطيني مــن جديــد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أمــام شــخص قــوي قــادر علــى املواجهــة والصــراع امليدانــي‪ ،‬رغــم كل‬ ‫مــا يرفعــه مــن شــعارات ســالمية‪ ،‬تســتغلها الفصائــل إلظهــاره بصــورة‬ ‫الشــخص املتــردد الضعيــف‪.‬‬ ‫لقــد بــدا الرئيــس الفلســطيني يف أقــوى مواقفــه‪ ،‬شــعب ًيا وإقليم ًيا‬ ‫ودول ًيــا‪ ،‬وبــدت إســرائيل يف أضعــف مواقفهــا‪ ،‬ممــا اضطرهــا إلــى‬ ‫التراجــع ورفــع البوابــات‪ .‬وبقــي أن تراجــع حمــاس والفصائــل‬ ‫موقفهــا مــن الرئيــس‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين‪:‬‬ ‫يف يوم ‪2017/7/23‬م‪ ،‬أصدرت اجلبهة الشــعبية لتحرير فلســطن‬ ‫بيانهــا مبناســبة هبــة القــدس‪ ،‬الــذي رأى يف خطــاب الرئيــس محمــود‬

‫* ﺑﺎﺣﺚ وأﺳﺘﺎذ ﺟﺎﻣﻌﻲ ﻓﻠﺴﻄﻴﻨﻲ‬

‫‪72‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪ -6‬تخصيــص مبلــغ خمســة وعشــرين مليــون دوالر أخــرى‪ ،‬لدعــم‬ ‫أهــل القــدس يف صمودهــم وهبتهــم‪.‬‬ ‫‪ -7‬دعــوة رجــال األعمــال الفلســطينين‪ ،‬واملؤسســات الوطنيــة‪،‬‬ ‫والصناديــق العربيــة واإلســالمية‪ ،‬ذات العالقــة بالقــدس لتوحيــد‬ ‫جهودهــا يف دعــم هبــة أهــل القــدس‪.‬‬ ‫‪ -8‬دعــوة جميــع العاملــن يف املؤسســات احلكوميــة والعامــة‬ ‫واخلاصــة‪ ،‬للتبــرع بأجــر يــوم عمــل مــن أجــل القــدس‪.‬‬ ‫‪ -9‬توجيــه النــداء جلميــع القــوى والفصائــل ـ وخاصــة حركــة‬ ‫حمــاس‪ -‬مــن أجــل االرتقــاء فــوق اخلالفــات‪ ،‬للوحــدة حــول القــدس‪،‬‬ ‫واالســتجابة لنــداء األقصــى‪.‬‬ ‫‪ -10‬مطالبــة األمم املتحــدة بتوفيــر احلمايــة الدوليــة الالزمــة‪،‬‬ ‫للفلســطينين ً‬ ‫أرضــا وشــع ًبا ومقدســات‪ ،‬إلــى حــن إنهــاء االحتــالل‪.‬‬ ‫وهكــذا بــدأ أهــل املســجد األقصــى يدافعــون عــن املســجد‬ ‫األقصــى‪ ،‬وقــد شــد يف عضدهــم وزادهــم قــوة مــا أعلنــه الرئيــس مــن‬ ‫دعــم مــادي ومعنــوي لنضالهــم‪ ،‬إلــى احلــد الذي حدا بوســائل اإلعالم‬ ‫اإلســرائيلية إلــى اعتبــار الرئيــس الفلســطيني "يقــود انتفاضــة شــعبية‬ ‫ضــد إســرائيل"‪ .‬إذ كتــب موقــع الصحيفــة اإلســرائيلية «يديعــوت‬ ‫أحرنــوت» مســاء يــوم ‪2017/7/26‬م‪ ،‬أن "الرئيــس الفلســطيني‬ ‫أصبــح واملتظاهريــن يف خــط واحــد‪ ،‬وأن رســالته مســاء اليــوم كانــت‬ ‫واضحــة"‪ .‬كمــا نقــل راديــو اجليــش اإلســرائيلي ـ يف نفــس اليــوم‬ ‫ـ عــن مصــادر أمنيــة إســرائيلية‪ ،‬قولهــا بــأن الرئيــس عبــاس قــال‬ ‫"للمشــاغبن‪« :‬واصلــوا التمــرد واالنتفاضــة والقتــال‪ ،‬وأنــا معكــم‪ ،‬ولــن‬ ‫أتراجــع عــن جتميــد التنســيق األمنــي»‪ .‬وكل هــذا مــن فعــل الرئيــس‬ ‫الفلســطيني ـ كان يف نظــر اإلســرائيلين ـ يهــدد باشــتعال انتفاضــة‬ ‫شــاملة يف األراضــي الفلســطينية"‪.‬‬ ‫هــذا وقــد استشــهدت الصحــف اإلســرائيلية علــى اتهامهــا‬ ‫للرئيــس بدعــم هبــة أهــل األقصــى‪ ،‬مبا حدث عشــية خطــاب الرئيس‬ ‫آنــف الذكــر‪ .‬إذ دعــا ســكان القــدس العالــم اإلســالمي إلــى مــا ســموه‬ ‫يومهــا بـــــ «جمعــة الغضــب مــن أجــل األقصــى» فالتحم الفلســطينيون‪،‬‬ ‫يف اليــوم التالــي بجنــود االحتــالل‪ ،‬وســقط منهــم الشــهداء احملمــدون‬ ‫الثالثــة‪ :‬محمــد شــرف‪ ،‬ومحمــد اليف‪ ،‬ومحمــد غ ّنــام‪ ،‬وجــرح املئــات‪.‬‬ ‫وهاجــم الشــاب الفلســطيني مــن قريــة كوبــر «عمــر العبــد» ـ ذي‬ ‫التســعة عشــر ربي ًعــا ـ ثالثــة صهاينــة مــن مســتوطنة حلميــش‪ ،‬فقتلهــم‬ ‫طع ًنــا بالســكن‪ .‬وتواصلــت الهبــة‪.‬‬ ‫وظلــت البوابــات اإللكترونيــة واقفــة يصلــي أمامهــا رجــال القدس‬ ‫ونســاؤها وأطفالهــا‪ ،‬دون أن يتجاوزوهــا‪ ،‬يف حركــة احتجــاج ســلمية‬ ‫واســعة‪ ،‬تعززهــا فتــاوى رجــال الديــن الذيــن أعلنــوا حرمــة دخــول‬ ‫األقصــى مــن هــذه البوابــات‪ .‬ورغــم ذلــك فقــد واصــل جنــود االحتالل‬ ‫التحــرش باملتظاهريــن الســلمين‪ ،‬وإشــعال غضبهــم‪ ،‬مبــا ينتــج عنــه‬ ‫مــن حتـ ٍـد وطعــن وعمليــات إطــالق نــار‪ ،‬ضــد جنــود الدولــة اليهوديــة‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫لقــد كان الفتًــا يف هــذه االنتفاضــة املقدســية أن األحــزاب‬ ‫والفصائــل الفلســطينية كانــت بعيــدة عنهــا‪ ،‬بقــدر اقتــراب الرئيــس‬ ‫والقيــادة الفلســطينية منهــا‪ .‬فخال ًفــا لــكل االنتفاضــات الســابقة‪ ،‬لــم‬ ‫يجــرؤ فصيــل فلســطيني علــى االدعــاء بأنــه يقــف وراء الهبــة‪ .‬وعلــى‬ ‫غيــر العــادة كذلــك‪ ،‬لــم يســارع فصيــل فلســطيني واحــد إلــى تبنــي أي‬ ‫مــن العمليــات الفدائيــة املذكــورة‪.‬‬

‫دور الفصائل‪:‬‬ ‫أو ًال‪ :‬فتح وحماس التنظيمان الكبيران‪:‬‬ ‫لقــد فوجئــت الفصائــل واألحــزاب مبــا أقعدهــا عــن الفعــل‪،‬‬ ‫بقــوة مــا فوجئــت بقــوة الفعــل لــدى القيــادة الفلســطينية‪ ،‬وقــد ظلــت‬ ‫طــوال الســنوات الســابقة تتهمهــا بالتقاعــس عــن نصــرة األقصــى‪،‬‬ ‫وتعيرهــا بالتنســيق األمنــي‪ ،‬وتطالبهــا بنبــذه‪ .‬فلمــا نبذتــه القيــادة‪،‬‬ ‫أعجــز ذلــك الفصائــل عــن الفعــل وأجلمهــا عــن القــول‪ ،‬ســوى‬ ‫املهاتــرات التضليليــة‪.‬‬ ‫فأمــا فتــح فقــد اعتبــرت أن خطــاب الرئيــس الداعــم للهبــة‬ ‫اجلماهيريــة‪ ،‬إشــارة لهــا للنــزول إلــى الشــارع‪ ،‬وقيــادة اجلماهيــر‪.‬‬ ‫واحلقيقــة أنــه ال ميكــن رصــد حتــرك فتحاوي مســتقل يف هــذا االجتاه‪،‬‬ ‫حيــث اندمــج اجلمهــور يف املواجهــات‪ ،‬واعتبرت فتح نفســها كالعادة هي‬ ‫هــذا اجلمهــور‪ ،‬مبــا ال ميكــن متييزها فعل ًيا عن روح الهبة الشــعبية غير‬ ‫املؤطــرة‪ .‬لكــن الالفــت أن فتــح بطبيعتهــا ال حتــرص علــى التميــز مــن‬ ‫بــن اجلماهيــر‪ ،‬مــع مالحظــة أن غالبيــة كوادرهــا امليدانيــة كانــوا وســط‬ ‫اجلمهــور يف املواجهــات‪ ،‬دون أن يرفعــوا أي شــارات فصائليــة‪.‬‬ ‫وأمــا حمــاس فلــم تكتــف بــرد يــد الرئيــس‪ ،‬لنبذ اخلالف واســتغالل‬ ‫خطواتــه للتقــارب معهــا‪ ،‬بحــل اللجنــة اإلدارية محل اخلــالف‪ ،‬والذهاب‬ ‫إلــى انتخابــات يقــرر فيهــا الشــعب إرادتــه؛ بــل وجــدت يف كل ذلــك مجرد‬ ‫طلــب "انتهــازي وغيــر منطقــي" معتبــرة أن "الرئيــس عبــاس حــاول‬ ‫عبــر خطابــه‪ ،‬التناغــم مــع احلالــة الشــعبية‪ ،‬الغاضبــة مــن اإلجــراءات‬ ‫اإلســرائيلية يف القدس واألقصى"‪ ،‬دون إيضاح إن كان يقصد‪ ،‬بإعالنه‬ ‫إلغــاء التنســيق األمنــي ـ الــذي تعرفــه حمــاس ـ مــع االحتــالل‪ ،‬أم مجــرد‬ ‫االتصــاالت السياســية غيــر املعلنــة‪ .‬ثــم ختمــت حماس رفضهــا للتعاون‪،‬‬ ‫بالهــروب إلــى األمــام‪ ،‬حــن أعلنــت بــأن الرئيــس ال يســتطيع تنفيــذ مــا‬ ‫أعلنــه‪ ،‬ألن التنســيق األمنــي "خــارج إرادة أبــو مــازن وســيطرته‪ ،‬باعتبــار‬ ‫أنــه يتعلــق بأمــر وظيفــي للســلطة الفلســطينية‪ ،‬مبوجــب التزامــات‬ ‫سياســية وأمنيــة فرضهــا اتفــاق أوســلو"‪.‬‬ ‫وبــدالً مــن التوحــد حــول األقصــى‪ ،‬ومــكان املشــاركة الفعالــة يف‬ ‫املواجهــات‪ ،‬اكتفــت حمــاس بإعــالن مســيرات غضــب شــعبية‪ ،‬تقودها‬ ‫نحــو الســلك احلــدودي مــع إســرائيل‪ ،‬حيــث ال يصــل املتظاهــرون‬ ‫إلــى اجلنــود‪ ،‬فيقنصهــم اجلنــود‪ ،‬تلبيــة لدعــوات املســاجد‪ ،‬دون أن‬ ‫يصيبــوا مــن العــدو أيــة إصابــة‪ ،‬لبعــد املســافة‪ .‬األمــر الــذي فســره‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪71‬‬

‫ملف العدد‬

‫اكتف ــت حم ــاس بإع ــان مس ــيرات غض ــب نح ــو الس ــلك الح ــدودي‬ ‫م ــع إس ــرائيل م ــا اعتب ــره الجمي ــع محاول ــة للظه ــور دون فع ــل‬ ‫لقــد حــدث كل هــذا يف شــهر يونيــو ‪1967‬م‪ .‬وقــد نشــر اجليــش‬ ‫اإلســرائيلي‪ ،‬بعــد احلــرب بســنوات‪ ،‬ســجالته اليوميــة التــي رصــدت‬ ‫جلســة نقــاش عقدتهــا القيــادة العســكرية اإلســرائيلية‪ ،‬يف نفــس اليــوم‪،‬‬ ‫أمــر فيهــا وزيــر احلــرب الصهيونــي موشــي ديــان‪ ،‬باقتحــام مدينــة‬ ‫القــدس دون الدخــول إلــى املســجد األقصــى‪ .‬لكننــا كنــا قــد رأينــاه قــد‬ ‫دخــل مــع جنــوده‪ ،‬قبــل أن يخــرج تطبي ًقــا لقــراره‪ ،‬أو رمبــا لدوافــع أخرى‪.‬‬ ‫وألن القانــون الدولــي ال يعتــرف مبــا نتــج عــن احتــالل األراضــي‬ ‫بالقــوة‪ ،‬وألنــه اعتبــر أن احلــق احلصــري لإلشــراف علــى املقدســات‬ ‫الدينيــة‪ ،‬يف هــذه األراضــي‪ ،‬مكفــول آلخــر سـ ٍ‬ ‫ـلطة محليـ ٍـة كانــت تشــرف‬ ‫عليهــا قبــل احتاللــه؛ فقــد تنازلــت دولــة االحتــالل مؤق ًتــا عــن الســيطرة‬ ‫الدينيــة علــى األقصــى‪ ،‬وواصلــت دائــرة أوقــاف القــدس ـ التابعــة لــوزارة‬ ‫األوقــاف واملقدســات والشــؤون اإلســالمية يف األردن ـ اإلشــراف‬ ‫الرســمي علــى املســجد األقصــى وأوقــاف القــدس‪ ،‬وظلــت صاحــب‬ ‫احلــق احلصــري يف إدارتهــا ورعايتهــا وإعمارهــا وتدبيــر كل شــؤونها‪.‬‬ ‫وقــد عــززت اتفاقيــة الســالم األردنيــة اإلســرائيلية املوقعــة عــام ‪1994‬م‪،‬‬ ‫املعروفــة بـــ «اتفاقيــة وادي عربــة» هــذا الواقــع‪ ،‬وظلــت دائــرة األوقــاف‬ ‫اجلهــة احلصريــة املخولــة باإلشــراف علــى األقصــى وأبوابــه ومفاتيحــه‬ ‫األربعــة عشــر‪ ،‬باســتثناء بــاب املغاربــة‪ ،‬الــذي واصــل االحتــالل اعتبــاره‬ ‫حائــط املبكــى والبقيــة الباقيــة مــن هيــكل ســليمان البائــد‪.‬‬ ‫مــن هنــا‪ ،‬فرغــم أن اقتحــام اجلنــود الصهاينــة للمســجد قــد‬ ‫مت يف األيــام األولــى للحــرب‪ ،‬كمــا ذكرنــا‪ ،‬إال أن إســرائيل اختــارت‪،‬‬ ‫كمــا رأينــا‪ ،‬بــأن تكتفــي بالســيطرة السياســية علــى املســجد‪ ،‬فأنزلــت‬ ‫علمهــا مــن فــوق قبــة الصخــرة ـ وقــد قيــل يومهــا إن ذلــك قــد حــدث‬ ‫اســتجابة لطلــب تركيــا‪ ،‬التــي كانــت يف تلــك األيــام حليفــة إلســرائيل‪.‬‬ ‫كان هــذا هــو الوضــع القائــم يف القــدس بعــد احتاللهــا‪ ،‬إلــى‬ ‫حــن صعــود اليمــن اإلســرائيلي‪ ،‬ووصولــه إلــى ســدة الســلطة يف‬ ‫الدولــة اليهوديــة‪ ،‬إذ بدأنــا نــرى اجلماعــات اليهوديــة املتطرفــة تنــال‬ ‫واضحــا مــن احلكومــات اليمينيــة املتعاقبــة‪ ،‬علــى اقتحــام‬ ‫تشــجي ًعا‬ ‫ً‬ ‫األقصــى‪ ،‬لتصلــي فــوق مــا تــراه جبــل الهيــكل‪ ،‬وهــو ذلــك اجلــزء مــن‬ ‫ســاحة األقصــى‪ ،‬الــذي بنــى األمويــون فوقــه مســجد قبــة الصخــرة‪،‬‬ ‫الــذي يــرى املتطرفــون اليهــود أنــه يقــوم فــوق أنقــاض هيــكل ســليمان‪،‬‬ ‫ويطمعــون يف إزالتــه‪ ،‬إلعــادة بنــاء الهيــكل للمــرة الثالثــة‪.‬‬

‫األحداث‪:‬‬ ‫لكــن قبــل كل ذلــك دعونــا نعد إلى بداية احلدث‪ ،‬الذي تفجر صباح‬ ‫يــوم اجلمعــة ‪2017/7/14‬م‪ ،‬حــن شــن ثالثــة شــبان مــن أم الفحــم‪ ،‬هم‪:‬‬

‫محمــد أحمــد محمــد جباريــن (‪ 29‬عا ًمــا)‪ ،‬ومحمــد حامد عبد اللطيف‬ ‫جباريــن (‪ 19‬عامــا) ومحمــد أحمــد مفضــل جباريــن (‪ 19‬عا ًمــا) هجو ًما‬ ‫مسلحا على عناصر الشرطة اإلسرائيلية يف باحات املسجد األقصى‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فقُتــل اثنــان مــن عناصــر الشــرطة‪ ،‬وأُصيــب شــرطي ثالــث بجــروح‪،‬‬ ‫فيمــا استُشــهد الفدائيــون الثالثــة‪ .‬ولقــد تبــن فيمــا بعــد أن الهجــوم‬ ‫كان مخططـاً لــه بعنايــة‪ ،‬ويحمــل طابــع العمليــات االستشــهادية‪ ،‬إذ كان‬ ‫الفدائي محمد حامد جبارين‪ ،‬قد أرفق صورة له يف املسجد األقصى‪،‬‬ ‫جتمعــه مــع ابــن عمــه محمد أحمد جباريــن‪ ،‬باجلملة اآلتية‪« :‬وابتســامة‬ ‫الغــد أجمــل بــإذن اهلل»‪ .‬أمــا يف أم الفحــم‪ ،‬بعــد العمليــة واستشــهاد‬ ‫األبنــاء‪ ،‬فقــد توافــدت حشــود الشــعب الفلســطيني يف الدولــة اليهوديــة‬ ‫علــى خيمــة عــزاء الشــهداء‪ ،‬تعلــن تعاطفهــا ودعمهــا لعائلــة جباريــن"‪.‬‬ ‫وعلــى عــادة الدولــة الصهيونيــة يف اســتغالل كل حــدث لتنفيــذ‬ ‫مخططاتهــا‪ ،‬انتهــزت ســلطة االحتــالل العمليــة الفدائيــة‪ ،‬لتعلــن عــن‬ ‫إجــراءات جديــدة يف املســجد األقصــى‪ ،‬تعيــد تغييــر قوانــن اللعبــة مــن‬ ‫جديــد‪ ،‬وتفــرض واق ًعــا مختل ًفا‪ ،‬بنشــر البوابات اإللكترونيــة والكاميرات‬ ‫الذكيــة يف ســاحات األقصــى‪ ،‬ملراقبــة كل داخــل وخــارج‪ ،‬ال لغرض أمني‪،‬‬ ‫بــل التخــاذ ذلــك ذريعــة ملنــع النــاس مــن الصــالة يف األقصــى‪ ،‬متهي ـدًا‬ ‫لتقاســم العبــادة هنــاك بــن املســلمن واليهــود‪.‬‬ ‫تلكــم هــي اخلطــوة األولــى‪ ،‬التــي ســتتبعها خطــوات أخــرى‪ ،‬يف‬ ‫وقــت الحــق ويف فرصــة قادمــة‪ ،‬لتحويــل األقصــى إلــى معبــد يهــودي‪،‬‬ ‫ميهــد لبنــاء الهيــكل الثالــث‪ .‬هكــذا فهــم الفلســطينيون اخلطــوة‬ ‫اإلســرائيلية‪ .‬وهكــذا فهمتهــا القيــادة الفلســطينية‪ .‬وبنــاء علــى ذلــك‬ ‫فقــد هــب أهــل القــدس ليدافعــوا عــن القــدس‪ ،‬واجتمعــت القيــادة‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬وأصــدر الرئيــس الفلســطيني بيانــه‪ ،‬الــذي لــم يكــن‬ ‫يتوقعــه الكثيــرون‪ ،‬واحتــوى علــى النقــاط اآلتيــة‪:‬‬ ‫‪ -1‬القــدس هــي العاصمــة األبديــة للشــعب الفلســطيني‪ ،‬ولــه‬ ‫الســيادة عليهــا‪ ،‬وعلــى مقدســاتها‪ ،‬وســيبقى يحميهــا ويعمــل مــن‬ ‫أجــل حتريرهــا‪ ،‬وبقيــة األرض التــي احتلــت عــام ‪1967‬م‪.‬‬ ‫‪ -2‬رفــض كل إجــراءات االحتــالل الراميــة لتهويــد األقصــى ومدينــة‬ ‫القــدس الشــريف‪.‬‬ ‫‪ -3‬إجــراء االتصــاالت مــع القــادة يف العاملــن العربــي واإلســالمي‪،‬‬ ‫واألمم املتحــدة ـ ومطالبتهــم بتحمــل مســؤولياتهم يف هــذا الشــأن‪.‬‬ ‫‪ -4‬جتميــد كافــة االتصــاالت ـ مبــا فيهــا التنســيق األمنــي ـ مــع‬ ‫إســرائيل‪ ،‬حتــى إلغــاء إجراءاتهــا يف القــدس‪.‬‬ ‫‪ -5‬رفـض البوابـات االلكترونيـة‪ ،‬باعتبارهـا إجـراءات سياسـية مغلفـة‬ ‫بغالف أمني وهمي‪ ،‬تهدف إلى تقسيم املسجد األقصى‪ ،‬زمان ًيا ومكان ًيا‪.‬‬

‫‪70‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫"الربيـــع العربـــي" شـــجع ســـلطة االحتـــال علـــى االنفـــراد بأهـــل األقصـــى‬

‫انـتـفـاضــــة الـقــــدس‪ :‬غـيــــاب األحــــزاب‬ ‫والفصائــل وحضــور الجماهيــر الفلســطينية‬ ‫يف هب ــة األقص ــى ثم ــة ش ــيء ثاب ــت واح ــد وأكي ــد‪ ،‬ب ــن كل ه ــذه املتغي ــرات والظواه ــر الالهب ــة وه ــو‪ :‬الفلس ــطينيون‬ ‫يف غالبه ــم ال ُحتركه ــم األح ــزاب وال الفصائ ــل‪ .‬فق ــد لوح ــظ أن الش ــبان املنتفض ــن يف بي ــت املق ــدس‪ ،‬ق ــد ق ــرروا أن‬ ‫يعول ــوا عل ــى أنفس ــهم فق ــط‪ ،‬فيأخ ــذوا زم ــام املب ــادرة‪ ،‬ويقف ــوا موحدي ــن عن ــد أب ــواب األقص ــى اخلمس ــة عش ــر‪ .‬واحل ــق‬ ‫أن الهب ــة الش ــعبية املقدس ــية املتصاع ــدة‪ ،‬ق ــد اس ــتطاعت أن تل ــم الش ــمل الفلس ــطيني عل ــى املس ــتوى الش ــعبي‪ ،‬بعيــ ًدا‬ ‫ع ــن مهات ــرات املنقس ــمن‪ .‬حي ــث ش ــملت الفعالي ــات ال ــكل الفلس ــطيني مس ــلمن ومس ــيحين‪ .‬وهك ــذا جتس ــدت الوح ــدة‬ ‫الوطني ــة الفلس ــطينية ـ ش ــعب ًيا ـ بأبه ــى صوره ــا‪ ،‬عل ــى أي ــدي ش ــبان مقدس ــين‪ ،‬أخ ــذوا عل ــى عاتقه ــم إنش ــاء قي ــادة‬ ‫ميداني ــة ال حزبي ــة‪ ،‬تنس ــق الفعالي ــات الش ــعبية ض ــد االحت ــالل‪ .‬حي ــث لوح ــظ أن العدي ــد م ــن الش ــبان املس ــيحين كان ــوا‬ ‫يصل ــون‪ ،‬م ــع إخوانه ــم املس ــلمن‪ ،‬أم ــام البواب ــات‪ .‬وامت ــأت مواق ــع التواص ــل االجتماع ــي بص ــور الكثيري ــن‪ ،‬م ــن ه ــؤالء‬ ‫الذي ــن يصل ــون ص ــالة املس ــلمن وعل ــى صدوره ــم تب ــدو أيقون ــة الصلي ــب‪.‬‬

‫د‪ .‬خضر محجز‬ ‫إضافــة إلــى ذلــك يجــدر بنــا القــول بــأن املســلمن (املصلــن) لــم‬ ‫يكونــوا وحدهــم الذيــن هبــوا للصــالة أمــام البوابــات اإللكترونيــة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫رفضــا لدخولهــا‪ ،‬بــل إن كثيـ ًرا مــن الذيــن لــم يكونــوا مواظبــن علــى‬ ‫الصــالة يف األيــام العاديــة‪ ،‬وجــدوا أنفســهم يصلــون ثمــة‪ ،‬يف صلــوات‬ ‫جامعــة ضــد االحتــالل‪.‬‬ ‫واضحــا للفلســطينين أن مــا يســمى بـــ «الربيــع العربــي»‬ ‫لقــد بــدا‬ ‫ً‬ ‫قــد شــجع ســلطة االحتــالل علــى االنفــراد بأهــل األقصــى‪ :‬فــأول‬ ‫مــرة منــذ احتــالل يونيــو ‪1967‬م‪ ،‬جتــرؤ الســلطة الصهيونيــة علــى‬ ‫إغــالق املســجد األقصــى‪ ،‬ومنــع إقامــة صــالة اجلمعــة فيــه‪ ،‬مســتغلة‬ ‫الوضــع واالنشــغال العربــي بالفــن الداخليــة يف بــالد الطــوق‪.‬‬ ‫ففــي يــوم اجلمعــة ‪2017/7/14‬م‪ ،‬أغلقــت ســلطات االحتــالل‬ ‫الصهيونــي املســجد األقصــى‪ ،‬ومنعــت املصلــن مــن دخولــه‪ .‬واســتمر‬ ‫اإلغــالق يومــن متتاليــن‪ ،‬قبــل أن يعــاد فتــح املســجد للصــالة مــرة‬ ‫أخــرى يــوم األحــد‪ ،‬ليفاجــأ املقدســيون ورواد املســجد األقصــى‬ ‫بالبوابــات االلكترونيــة تقــف علــى املداخــل والبوابــات‪ ،‬بذريعــة حفــظ‬ ‫األمــن‪ ،‬ومنــع العمليــات االستشــهادية‪ ،‬قبــل وقوعهــا‪.‬‬ ‫خصوصــا وهم يتابعون‬ ‫أمــا املقدســيون فلــم تقنعهــم هــذه الذريعة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫احملــاوالت اإلســرائيلية العديــدة لتغييــر قوانــن اللعبــة يف األقصــى‪،‬‬

‫مبــا يحقــق للصهاينــة تقاســم املســجد مــع املســلمن‪ ،‬كمرحلــة أولــى‬ ‫متهيـدًا ملــا بعدهــا مــن هــدم املســجد‪ ،‬وبنــاء الهيــكل علــى أنقاضــه‪.‬‬ ‫واحلــق أن إســرائيل رغبــت بالفعــل يف اســتغالل عمليــة الفدائيــن‬ ‫الثالثــة‪ ،‬لفــرض قوانــن تعامــل‪ ،‬تشــبه تلــك التــي ســبق أن مت فرضهــا‬ ‫يف احلــرم اإلبراهيمــي باخلليــل‪ ،‬عــام ‪1994‬م‪ ،‬فــكان هــذا اإلجــراء‬ ‫اجلديــد‪ ،‬يف القــدس‪ ،‬انقال ًبــا دراماتيك ًيــا عني ًفــا‪ ،‬يحــاول إعــادة العجلــة‬ ‫إلــى الــوراء‪ ،‬أكثــر مــن خمســن ســنة‪ ،‬حــن تنازلــت إســرائيل عــام‬ ‫‪1967‬م‪ ،‬عــن رغبتهــا يف تغييــر الواقــع‪ ،‬داخل أســوار املســجد األقصى‪.‬‬

‫مراجعة تاريخية‪:‬‬ ‫لقــد حــدث أن احتُلــت القــدس عــام ‪1967‬م‪ .‬كمــا حــدث أن‬ ‫دخــل موشــي ديــان‪ ،‬وزيــر احلــرب الصهيونــي آنــذاك‪ ،‬علــى رأس‬ ‫قواتــه املســجد األقصــى‪ ،‬يــوم ‪1967/6/6‬م‪ ،‬حيــث رفــع بعــض جنــوده‬ ‫العلــم اإلســرائيلي فــوق قبــة الصخــرة‪ ،‬فيمــا توجــه آخــرون إلــى ممــر‬ ‫بجانــب حائــط البــراق‪ ،‬فنفخــوا يف البــوق التلمــودي‪ .‬كمــا حــدث‬ ‫خــالل أربعــة أيــام أخــرى أن مت تدميــر حــي املغاريــة‪ ،‬جنوبــي املســجد‬ ‫األقصــى‪ ،‬وحتويلــه إلــى ســاحة صــالة يهوديــة كبيــرة‪ ،‬حتــت اســم‬ ‫«حائــط املبكــى»‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫قاع ــدة اس ــتثمار إجن ــازات املقدس ــين والبن ــاء عليه ــا‪ ،‬م ــع البح ــث‬ ‫ً‬ ‫أيض ــا عم ــا متي ــزت ب ــه هب ــة املقدس ــين وال ــدروس املس ــتفادة منه ــا‬ ‫وتوظيـــف ذلـــك فلســـطين ًيا مـــن أجـــل حشـــد الدعـــم العاملـــي يف‬ ‫مواجه ــة الغطرس ــة اإلس ــرائيلية يف ظ ــل حال ــة االنقس ــام العرب ــي‪،‬‬ ‫وذلـــك جتن ًبـــا أليـــة انعكاســـات علـــى الشـــعب الفلســـطيني‪ ،‬بـــل‬ ‫وعل ــى ال ــدول العربي ــة وأنظمته ــا الرس ــمية ً‬ ‫أيض ــا كأن يت ــم اإلتي ــان‬ ‫بتنظي ــم "داع ــش"‪ ،‬أو الدف ــع به ــذا التنظي ــم اإلرهاب ــي م ــن أج ــل أن‬ ‫يك ــون طر ًف ــا يف ه ــذه الهب ــة املقدس ــية‪.‬‬ ‫علــى القيــادة الفلســطينية أال تألــو جهــدًا إلنهــاء االنقســام‬ ‫الفلســطيني وإيجــاد برامــج واســتراتيجيات مــن أجــل مقاومــة‬ ‫شــعبية منظمــة وموحــدة‪ ،‬ليــس يف القــدس فقــط‪ ،‬بــل يف مختلــف‬ ‫املــدن والقــرى التــي مــا زالــت تخضــع لســيطرة االحتــالل‪ ،‬ألن يف‬ ‫ذلــك العمــل اجلماهيــري واملوحــد وخاصــة يف مدينــة القــدس مــا‬ ‫يؤكــد قلــب الطاولــة علــى رأس االحتــالل بأقــل قــدر مــن الكلفــة‬ ‫والتضحيــات‪ ،‬وهــذا مــا ســيجعل املنطقــة بأكملهــا يف مرحلــة ســتتغير‬ ‫املعادلــة فيهــا‪ ،‬حيــث لــن تســتمر الشــعوب العربيــة يف حالــة الصمــت‬ ‫التــي هــم فيهــا نتيجــة مــا يجــري فيمــا بينهــا مــن صــدام وصــراع مــع‬ ‫األنظمــة علــى احلكــم حي ًنــا‪ ،‬وصــراع البحــث عــن الهويــة حي ًنــا آخــر‪،‬‬ ‫الن القــدس هــي العنــوان الــذي ســيهتدون إلــى االســتظالل حتــت‬ ‫رايتهــا إن حــاول الصهاينــة العبــث بهــا مجــد ًدا وهــم ســيعبثون بذلــك‬ ‫حت ًمــا ألن خطــوات تهويــد األقصــى ووف ًقــا الســتقراء األحــداث تأتــي‬ ‫مبراحــل متصلــة ومتالحقــة وبدقــة متناهيــة‪.‬‬ ‫إن انتصــار املقدســين مــا كان لــه أن يفــرض انعكاســاته علــى‬ ‫إجــراءات احملتــل مبعــزل عــن وحدتهــم علــى األرض‪ ،‬وهــذا مــا‬ ‫ميــز هبتهــم والتــي يجــب أن تكــون مجــرد خطــوة أولــى نحــو إحقــاق‬ ‫ً‬ ‫أيضــا إلــى العالــم العربــي واإلســالمي وإلــى كافــة‬ ‫احلــق‪ ،‬وإشــارة‬ ‫الفلســطينين ً‬ ‫أيضــا بإمكانيــة االنتصــار علــى احملتــل وإحبــاط‬ ‫محــاوالت حتقيــق أحالمــه يف إقامــة هيكلهــم املزعــوم بعــد عمليــة‬ ‫انهيــار املســجد األقصــى وف ًقــا ملــا هــو مخطــط لــه‪ ،‬ولذلــك فــإن علــى‬ ‫دول االعتــدال الرســمي أن تلتقــط فرصــة مــا يجــري يف القــدس‬ ‫مــن هبــة واعتبارهــا مدخ ـ ً‬ ‫ال‪ ،‬ليــس إلعــادة االعتبــار للعمــل العربــي‬ ‫املشــترك فقــط‪ ،‬بــل إلعــادة الوحــدة والوئــام وإعــادة ترســيخ الثقــة‬ ‫مــن خــالل دعــم هبــة القــدس واإلعــالن بــأن القــدس عنــوان احلــرب‬ ‫والســالم وأن محــاوالت اســتهدافها هــو اســتهداف لأمــة العربيــة‪،‬‬ ‫بــل واســتهداف للعالــم أجمــع‪.‬‬ ‫لقــد آن األوان أن يعلــم اجلميــع بــأن القضــاء علــى القيــادة‬ ‫الفلســطينية هــو مقدمــة للقضــاء علــى املنطقــة ً‬ ‫أيضــا وذلــك مــن‬ ‫خــالل الســماح لتنظيــم "داعــش" بالتمدد والتوســع لتمريــر مخططات‬ ‫االحتــالل‪ ،‬ممــا يشــكل خطـ ًرا ليــس علــى وحــدة الفلســطينين فقــط‪،‬‬ ‫وإمنــا علــى األمــن اإلقليمــي العربــي وذلــك ملــا متارســه داعــش مــن‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪69‬‬

‫ملف العدد‬

‫جرائــم ماديــة ومعنويــة وهــي بذلــك تتوافــق مــع إســرائيل يف تهديــد‬ ‫األمــن العربــي حال ًيــا بفعــل مــا تقــوم بــه مــن أعمــال إرهابيــة ووحشــية‬ ‫لــم يشــهد التاريــخ احلديــث مثي ـ ً‬ ‫ال لهــا ‪.‬‬ ‫إن االتف ــاق عل ــى قاع ــدة العم ــل العرب ــي املش ــترك م ــن أج ــل‬ ‫حماي ــة احل ــق الفلس ــطيني ومس ــاندة الش ــعب يف إقام ــة دولت ــه م ــن‬ ‫خ ــالل الس ــلطة الفلس ــطينية ه ــو بح ــد ذات ــه من ــع لتم ــدد داع ــش‬ ‫وع ــدم الس ــماح له ــذا التنظي ــم م ــن خ ــالل عمليات ــه اإلرهابي ــة بقل ــب‬ ‫املوازيـــن ملصلحـــة إســـرائيل‪ ،‬مـــن حيـــث قيـــام إســـرائيل بتهويـــد‬ ‫القـــدس بذريعـــة إجراءاتـــه يف محاربـــة إرهـــاب هـــذا التنظيـــم‬ ‫وم ــا يش ــكله م ــن خط ــر عل ــى إس ــرائيل‪ ،‬كم ــا أن حماي ــة الس ــلطة‬ ‫الفلســـطينية بتوفيـــر شـــبكة أمـــان لهـــا وعـــدم القيـــام مبحـــاوالت‬ ‫تغييرهـــا تســـاو ًقا مـــع مخططـــات االحتـــالل هـــو دعـــم لفلســـطن‬ ‫وللقــدس وحمايــة لأقصــى ً‬ ‫أيضــا‪ ،‬ألن انهيــار الســلطة أو اخلــالص‬ ‫م ــن رئيس ــها ه ــو مطل ــب إس ــرائيلي‪ ،‬وه ــذا م ــا أك ــد علي ــه ضاب ــط‬ ‫كبيـــر يف جيـــش االحتـــالل الـــذي نـــادى بوجـــوب اخلـــالص مـــن‬ ‫الرئي ــس محم ــود عب ــاس وق ــد ج ــاءت تل ــك الرغب ــة بالتواف ــق م ــع‬ ‫توج ــه يف اإلدارة األميركي ــة لف ــرض احلص ــار عل ــى الس ــلطة ملوقفه ــا‬ ‫مـــن تصعيـــد هبـــة القـــدس ووقـــف التنســـيق األمنـــي‪ ،‬حيـــث كان‬ ‫ه ــذا الضاب ــط ق ــد ق ــال "إن الرئي ــس الفلس ــطيني ه ــو م ــن يتحم ــل‬ ‫مســـؤولية اســـتمرار اشـــتعال األحـــداث يف القـــدس‪ ،‬وأنـــه يســـتغل‬ ‫األح ــداث‪ ،‬ليظه ــر تغييــ ًرا يف قواع ــد اللعب ــة م ــع إس ــرائيل‪ ،‬ولذل ــك‬ ‫ف ــإن املس ــتوى األمن ــي واملس ــتوى السياس ــي اإلس ــرائيلي س ــيعملون‬ ‫عل ــى تدفيع ــه ثم ــن ذل ــك‪ ،‬ولك ــن بع ــد انته ــاء موج ــة التحري ــض ض ــد‬ ‫إس ــرائيل وتهدئ ــة الوض ــع امليدان ــي"‪.‬‬ ‫مــا هــو قــادم أخطــر ممــا يتوقــع البعــض‪ ،‬فالصــراع علــى‬ ‫القــدس لــن يتوقــف ‪ ،‬وإجــراءات تهويــد األقصــى مــا زالــت متصلــة‬ ‫ومتالحقــة‪ ،‬ولذلــك فمــا علــى الفلســطينين إال التوحــد والعمــل‬ ‫ً‬ ‫أيضــا علــى جــذب العــرب للوقــوف معهــم جنبــا الــى جنــب ليــس‬ ‫ميدانيــا‪ ،‬وإمنــا مال ًيــا ودبلوماســيا يتقــدم كل ذلــك وقــف إجــراءات‬ ‫البعــض منهــم يف تقويــض صالحيــات رئيــس الســلطة ألن يف‬ ‫تلــك اإلجــراءات توحــد مــع إجــراءات إســرائيل ال مواجهــة لهــا‬ ‫ومســاهمة عربيــة يف تهويــد القــدس ال حمايــة ملقدســاتها‪ ،‬وعلــى‬ ‫الــدول العربيــة أن تعلــم بــأن جنــاح إســرائيل يف اســتغالل متــدد‬ ‫"داعــش" هــو جنــاح لهــا يف حتقيــق بنــاء هيكلهــا املزعــوم يف ســاحات‬ ‫األقصــى وبديـ ً‬ ‫ال عنــه وأن ذلــك لــن يجعــل عــروش وجيــوش املنطقــة‬ ‫يف حالــة مــن األمــن واالســتقرار ألن القــدس هــي مفتــاح احلــرب يف‬ ‫املنطقــة‪ ،‬متامــا كمــا هــي مفتــاح للســالم‪.‬‬ ‫* ﻛﺎﺗﺐ وﺻﺤﻔﻲ ﻓﻠﺴﻄﻴﻨﻲ‬

‫‪68‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫سياســي متا ًمــا كمــا فعلــوا مــن خطــوات لفــرض التقســيم الزمانــي‬ ‫واملكانــي للحــرم اإلبراهيمــي‪ ،‬إال أن علــى الفلســطينين فعــل الكثيــر‬ ‫وذلــك مــن أجــل درء األخطــار احملدقــة بهــم وبالقــدس التــي ال تتوقف‬ ‫دولــة االحتــالل عــن العمليــات التهويديــة فيهــا‪.‬‬

‫الفلسطينيون ما بين امتداد الغضب وانحساره‬ ‫لقــد اثبتــت الفعاليــات الشــعبية وجودهــا يف إعــالن الغضــب‬ ‫الفلســطيني نصــرة للقــدس واألقصــى‪ ،‬مبــا يشــمله مــن نفيــر‬ ‫ومواصلــة االعتصــام قبالــة بوابــات األقصــى‪ ،‬إلــى جانــب مســيرات‬ ‫عمــت أرجــاء األراضــي الفلســطينية احملتلــة‪ ،‬ولكــن هــل ذلــك هــو‬ ‫املطلــوب فقــط؟‬ ‫مـــن املؤســـف القـــول إن هبـــة القـــدس قـــد‬ ‫كش ــفت غي ــاب اإلرادة السياس ــية وانع ــدام التوح ــد‬ ‫أو التواف ــق عل ــى اس ــتراتيجية وطني ــة‪ ،‬تل ــك اإلرادة‬ ‫التـــي حاولـــت الســـلطة الفلســـطينية تثبيتهـــا مـــن‬ ‫خـــالل تذليـــل العقبـــات وجتـــاوز االنقســـامات‪،‬‬ ‫وتوف ــر كل م ــا ه ــو ض ــروري‪ ،‬لك ــي تتط ــور املواجه ــة‬ ‫مـــن مجـــرد رفـــض البوابـــات االلكترونيـــة إلـــى‬ ‫مس ــتوى األه ــداف الوطني ــة‪ ،‬حي ــث أطل ــق الرئي ــس‬ ‫الفلســـطيني نـــداء القـــدس مـــن أجـــل تصليـــب‬ ‫اجلبهــة الداخليــة وتشــكيل حكومــة وحــدة وطنيــة تصــدر عــن إجمــاع‬ ‫الـــكل الوطنـــي تعمـــل علـــى جتســـيد حقـــوق الشـــعب الفلســـطيني‬ ‫وحماي ــة إجنازات ــه وص ــوالً لتحقي ــق أماني ــه يف التح ــرر واالس ــتقالل‪،‬‬ ‫وذل ــك ر ًدا عل ــى الصم ــت األمريك ــي وإج ــراءات االحت ــالل يف تغيي ــر‬ ‫معال ــم الق ــدس‪ ،‬إال أن حرك ــة حم ــاس رفض ــت التج ــاوب‪ ،‬ب ــل وردت‬ ‫علــى نــداء القــدس بنــداء مضــاد قصــد إفشــال مــا كان الرئيــس قــد‬ ‫دع ــا إل ــى تطبيق ــه‪.‬‬ ‫تعاملـــت حمـــاس مـــع مـــا يجـــري يف القـــدس مبـــا ال يتجـــاوز‬ ‫موقـــف اإلدانـــة‪ ،‬لتثبيـــت أركان حكمهـــا ومنـــع االنـــزالق نحـــو‬ ‫الصـــدام مـــع إســـرائيل‪ ،‬وذلـــك مـــن خـــالل ضبـــط احلـــدود‪ ،‬بـــل‬ ‫ومالحقـــة كل مـــا ميكـــن أن يعكـــر صفـــو الهـــدوء التـــي تنعـــم بـــه‬ ‫مس ــتوطنات غ ــالف غ ــزة‪ ،‬وكأن م ــا يج ــري يف األقص ــى ال يعنيه ــا‪،‬‬ ‫وأن الســـلطة الفلســـطينية هـــي املتهمـــة بعـــدم حمايـــة القـــدس‬ ‫واملقصــرة بحقــوق مــن فيهــا مــن املقدســين‪ ،‬حيــث أفشــلت حركــة‬ ‫حم ــاس كل دع ــوات الدف ــع به ــا نح ــو ال ــرد عل ــى جي ــش االحت ــالل‬ ‫واقتصـــر ظهـــور قياداتهـــا علـــى إفـــراغ مطالبـــات اجلماهيـــر‬ ‫الغاضبـــة مـــن محتواهـــا مـــن خـــالل إشـــرافهم املباشـــر علـــى‬ ‫مســـيرات الغضـــب يف غـــزة‪ ،‬بـــل واســـتغاللها مـــن أجـــل الهجـــوم‬ ‫عل ــى الرئي ــس الفلس ــطيني وإفش ــال ندائ ــه ال ــذي ج ــاء م ــن أج ــل‬ ‫الوحـــدة وتصليـــب اجلبهـــة الداخليـــة‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إن موافقــة حركــة حمــاس علــى مــا أطلقــه الرئيــس الفلســطيني‬ ‫مــن نــداء لهــا ســيؤدي حت ًمــا (إن خلصــت النوايــا) إلــى التوافــق علــى‬ ‫برنامــج واســتراتيجية وطنيــة جتعــل مــن الفلســطينين يف حالــة‬ ‫اصطفــاف ال حالــة تنافــر ‪ ،‬ممــا يــؤدي ذلــك إلــى إعاقــة مــا تتطلــع‬ ‫إســرائيل إلــى حتقيقــه‪ ،‬وإذا مــا أصــرت حركــة حمــاس علــى رفــض‬ ‫ذلــك النــداء فــإن ذلــك ســيؤدي إلــى مواصلــة إســرائيل إجراءاتهــا‬ ‫بشــكل متصــل ومتالحــق ودون توقــف إلــى أن يتــم حتقيــق أهدافهــا‬ ‫يف تقســيم القــدس مكان ًيــا وزمان ًيــا‪ ،‬ولذلــك فــإن علــى حمــاس أن‬ ‫تعلــم ً‬ ‫أيضــا أن اســتمرار ســيطرتها علــى غــزة هــي معــول هــدم ال‬ ‫بنــاء‪ ،‬ليــس علــى مســتوى القضيــة الفلســطينية‪ ،‬بــل وحتــى علــى‬ ‫مســتوى العــرب رســم ًيا وجماهير ًيــا‪ ،‬ألن تلــك احلالــة‬ ‫قــد جتعــل العــرب يف حالــة حتلــل مــن التزاماتهــم‬ ‫املاليــة والسياســية نحــو القضيــة الفلســطينية‪ ،‬بــل‬ ‫ســتؤدي ً‬ ‫أيضــا إلــى حالــة مــن الصمــت وعــدم اتخــاذ‬ ‫أيــة مواقــف حاســمة ألنهــم بطبيعــة احلــال ونتيجــة‬ ‫للموقــف الفلســطيني املترهــل‪ ،‬وبذلــك يتالشــى أي‬ ‫أمــل نحــو التفكيــر يف اتخــاد مواقف ولو باحلد األدنى‬ ‫مــن عمليــة احلفــاظ علــى هويــة القــدس واإلبقــاء على‬ ‫معاملهــا كونهــا العاصمــة للدولــة الفلســطينية املرتقبــة‬ ‫وف ًقــا ملــا جــاء يف مبادرتهــم للســالم مــع إســرائيل‪ ،‬فهل‬ ‫ينجــح الفلســطينيون بجــذب العــرب نحــو الوحــدة مــن أجــل القــدس؟‬ ‫أم أنهــم يف اجتــاه تكريــس التجزئــة والتفتــت بفعــل اإلذعــان لسياســة‬ ‫احملــاور واألحــالف؟ وهــل سيســاهم هــذا االنقســام والتشــرذم يف‬ ‫انتشــار وتوســع تنظيــم "داعــش"؟ ومــا هــي انعكاســات هــذا االنتشــار‬ ‫علــى األمــن اإلقليمــي العربــي؟‬

‫تعاملـت حمـاس مع‬ ‫أزم ــة األقص ــى بم ــا ال‬ ‫يتجاوز اإلدانة لتثبيت‬ ‫حكمهــا وعــدم االنزالق‬ ‫إىل الصدام مع إسرائيل‬

‫هبة األقصى ما بين االنقسام العربي وتمدد داعش‬ ‫القــدس هــي مدينــة الســالم‪ ،‬وهــي مدينــة للديانــات اإلســالمية‬ ‫واملســيحية‪ ،‬ولذلــك ومنــذ إعــالن دولــة إســرائيل‪ ،‬فــإن حكوماتهــا‬ ‫املتعاقبــة كانــت ومــا زالــت تعمــل علــى توحيــد القــدس كعاصمــة‬ ‫للدولــة اليهوديــة‪ ،‬حيــث حتــاول إســرائيل ومنــذ عــام ‪1929‬م‪ ،‬إثبــات‬ ‫أن حائــط البــراق هــو بقايــا هيــكل ســليمان املزعــوم‪ ،‬ولذلــك نراهــم‬ ‫يف اآلونــة األخيــرة يشــترطون علــى العــرب عامــة‪ ،‬والفلســطينين‬ ‫بشــكل خــاص بضــرورة االعتــراف بيهوديــة هــذه الدولــة كشــرط‬ ‫للســالم معهــم‪.‬‬ ‫ل ــم تتوق ــف إج ــراءات االحت ــالل نح ــو جتس ــيد واق ــع يف ــرض‬ ‫وجـــود احلـــق الدينـــي املزعـــوم لدولـــة إســـرائيل يف القـــدس‪،‬‬ ‫وخاصـــة يف ظـــل الواقـــع العربـــي املتـــردي‪ ،‬إال أن الفلســـطينين‬ ‫وأينمــا كانــوا أعلنــوا موقفهــم مــن خــالل صدورهــم العاريــة‪ ،‬وهنــا‬ ‫ال ب ــد م ــن البح ــث ع ــن آلي ــات لتوحي ــد الع ــرب واملس ــلمن عل ــى‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪67‬‬

‫ملف العدد‬

‫عمليــات الصهيونيــة ومــا تقــوم بــه حكومــات إســرائيل ال تشــكل‬ ‫فق ــط ش ــرعية االس ــتيطان ب ــل إلنه ــاء ش ــرع ّية الوج ــود الفلس ــطيني‬ ‫القدس ما بين صراع الحدود والصراع الديني‬ ‫منــذ أن دخــل الفيلــق الصهيونــي إلــى فلســطن جن ًبــا إلــى‬ ‫جنــب مــع جيــش االحتــالل البريطانــي عــام‪ 1917‬م‪ ،‬فــإن احلركــة‬ ‫الصهيونيــة بــدأت بإرســاء مؤسســات الدولــة التــي وعدهــم بلفــور‬ ‫بإعالنهــا‪ ،‬بــل وبــدأت تعمــل جاهــدة ً‬ ‫أيضــا مــن أجــل اكتســاب شــرعية‬ ‫الوجــود التاريخــي‪ ،‬مــع عمــل كل مــا هــو متــاح خللــق وقائــع علــى‬ ‫األرض ال ميكــن جتاوزهــا كاالســتيطان ومحاولــة إثبــات وجــود‬ ‫هيكلهــم املزعــوم‪.‬‬ ‫إن تلــك الوقائــع وعمليــات البحــث التــي قامــت بهــا احلركــة‬ ‫الصهيونيــة ومــا زالــت تقــوم بهــا حكومــات إســرائيل املتعاقبــة ال‬ ‫تشــكل فقــط بالنســبة اليهــم تأكي ـدًا لشــرعية االســتيطان‪ ،‬بــل هــي‬ ‫محاولــة إلنهــاء شــرع ّية الوجــود الفلســطيني ً‬ ‫أيضــا‪ ،‬ولذلــك بــدأت‬ ‫إســرائيل بالعمــل نحــو انتــزاع االعتــراف بيهوديــة الدولــة وهــي ليســت‬ ‫مســألة دينيــة‪ ،‬بــل هــي ملواجهــة اخلطــر الدميغــرايف‪ ،‬الــذي يقــوض‬ ‫شــرعية إســرائيل وادعاءهــا التاريخــي بــأن فلســطن ً‬ ‫أرضــا بــال‬ ‫شــعب‪ ،‬وهــذا مــا يؤكــد أن الصــراع مــع االحتــالل وف ًقــا ألعمالهــم‬ ‫بأنــه صــراع وجــود ال صــراع حــدود‪ ،‬وهــو صــراع دينــي ً‬ ‫أيضــا ال‬ ‫دنيــوي‪ ،‬وإن كانــت دولــة االحتــالل تتخــوف مــن إعالنــه بشــكل فعلــي‪،‬‬

‫وذلــك منــذ بــدء الهبــات واالنتفاضــات التــي مت إعالنهــا للدفــاع عــن‬ ‫األقصــى بدايــة بهبــة "البــراق" عــام ‪ 1929‬م‪ ،‬ومــرو ًرا بهبــة " النفــق"‬ ‫‪1996‬م‪ ،‬وكذلــك انتفاضــة األقصــى عــام ‪2000‬م‬ ‫احتجاجــا علــى اإلجــراءات التهويديــة‬ ‫جــاءت تلــك الهبَــات‬ ‫ً‬ ‫للمســجد األقصــى‪ ،‬ولذلــك ســرعان مــا كانــت تتوقــف تلــك‬ ‫اإلجــراءات حلصــر تلــك اله َبــات وإخفــات أصواتهــا كلمــا المســت‬ ‫مشــاعر املســلمن وبــدأت صحــوة األمــة اإلســالمية بالتملمــل بفعــل‬ ‫مــا يحيــط بأقــدس مقدســاتهم مــن أخطــار التهويــد وتغييــر املعالــم‪،‬‬ ‫ولذلــك اعتقــد اإلســرائيليون بــأن الــرد علــى العمليــة العســكرية التــي‬ ‫قــام بهــا أفــراد مــن عائلــة اجلباريــن داخــل ســاحات األقصــى مؤخـ ًرا‬ ‫قــد تشــكل لهــم فرصــة لتحقيــق مــا ســعوا إلــى إمتامــه مــن إجراءاتهــم‬ ‫التهويديــة يف ظــل انشــغال العــرب باملواجهــة والصــدام فيمــا بينهــم‬ ‫بح ًثــا عــن هويتهــم ووجودهــم‪.‬‬ ‫ال يســتطيع أحــد أن ينكــر علــى الفلســطينين إجنــازًا حققــوه‬ ‫بدمائهــم وتضحيــات أبنائهــم‪ ،‬حيــث اســتطاع املقدســيون وكل مــن‬ ‫اســتطاع الوصــول ليكــون معهــم جن ًبــا إلــى جنــب مــن منــع االحتــالل‬ ‫االســتفادة مــن العمليــة العســكرية يف باحــات األقصــى‪ ،‬وتوظيفهــا يف‬ ‫اإلقــدام علــى خطــوة ذات طابــع أمنــي‪ ،‬تهــدف إلــى حتقيــق مكســب‬

‫‪66‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫تعقيداتهــا بح ًثــا عــن حلــول لهــا وتوصيــات‪ ،‬ولذلــك فــإن قــادة احلركــة‬ ‫الصهيونيــة ومنــذ ظهورهــم السياســي كانــوا يعملــون علــى اإلضعــاف‬ ‫والتفكيــك وف ًقــا ملــا جــاء يف بروتوكوالتهــم‪ ،‬مــن حيــث تفكيــك دول‬ ‫وإعــادة تركيبهــا ومبــا يتوافــق ذلــك مــع مصلحــة إســرائيل وحمايتهــا‬ ‫ومنــع أي اعتــداء عليهــا‪ ،‬فمــع انتهــاء احلــرب العامليــة األولــى والثانيــة‬ ‫وتيقــظ الشــعور الثــوري العربــي نتيجــة املخططــات االســتعمارية التي‬ ‫اكتشــفتها اجلماهيــر العربيــة يف وقــت متأخــر كان ال بــد مــن إيقــاف‬ ‫هــذا املــد وانحســاره‪ ،‬فجــاءت موجــة االنقالبــات بحجــة القضــاء علــى‬ ‫الدكتاتوريــات أو الفســاد حي ًنــا‪ ،‬وبحجــة القضــاء علــى الدعــم النــازي‬ ‫لبعــض الكيانــات حي ًنــا آخــر‪.‬‬ ‫ومــع إعــادة الشــعور الوطنــي وبدايــة انحســار األنظمــة‬ ‫االســتعمارية يف ظــل النفــوذ الفدائــي الفلســطيني وتصاعــد العمليات‬ ‫ضــد االحتــالل جــاء االنقــالب يف ســوريا ســري ًعا علــى احلكومــة التــي‬ ‫أعطــت األوامــر مــن أجــل حمايــة املــد الثــوري‪ ،‬حيــث اســتطاع حافــظ‬ ‫األســد يف حينــه االســتيالء علــى مقاليــد احلكــم مــن أجــل املســاهمة‬ ‫يف حمايــة الركيــزة االســتعمارية يف شــرقي األردن‪ ،‬وذلــك بــان أوقــف‬ ‫اإلمــدادات التــي أرســلها الرئيــس االتاســي مــن أجــل حمايــة الثــورة‬ ‫الفلســطينية هنــاك‪.‬‬ ‫ويف ظــل االنفــراد األمريكــي يف املنطقــة واالجتــاه نحــو إعــادة‬ ‫صياغــة التــوازن الدولــي بطريقــة شــاملة وف ًقــا لرؤيــة تخــدم‬ ‫مصاحلهــا اجلديــدة‪ ،‬فإنــه كان ال بــد مــن االجتــاه نحــو صياغــة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫نظــام عربــي يخــدم نظــام الشــرق األوســط البديــل عــن النظــام‬ ‫العربــي احلالــي‪ ،‬ولذلــك كان ال بــد مــن اإلعــداد للثــورات علــى تلــك‬ ‫األنظمــة التــي حمتهــا لعقــود مــن أجــل إعــادة فــك وتركيــب اخلريطــة‬ ‫السياســية واجلغرافيــة للمنطقــة مــن حيــث زوال دول أو تقليصهــا‬ ‫جغراف ًيــا‪ ،‬وإقامــة دول أخــرى جديــدة علــى أقاليــم مت اســتقطاعها‬ ‫مــن هــذا الكيــان أو ذاك حتــت مســميات حقــوق األقليــات كمقدمــة‬ ‫لهــذا التغييــر وإعــادة بنــاء املنطقــة يقــوم أساســه علــى االعتــراف‬ ‫بإســرائيل وإقامــة عالقــات سياســية واســتراتيجية معهــا‪ ،‬والعمــل‬ ‫ً‬ ‫أيضــا علــى إنهــاء اجلامعــة العربيــة كمنظمــة إقليميــة ذات طابــع‬ ‫ً‬ ‫قومــي وصــوال لتســوية القضيــة الفلســطينية سياس ـ ًيا‪ ،‬ومبــا يتوافــق‬ ‫مــع الــرؤى اإلســرائيلية واألمريكيــة‪ ،‬ومبــا يحقــق ً‬ ‫أيضــا أمــن إســرائيل‬ ‫املطلــق وهيمنتهــا اإلقليميــة‪.‬‬ ‫لقــد وجــدت دولــة االحتــالل اإلســرائيلي يف ظــل الدعــوات حلــل‬ ‫القضيــة الفلســطينية‪ ،‬ويف ظــل مــا تشــهده الــدول العربيــة مــن ريــاح‬ ‫التغييــر وإشــغال الشــعوب ً‬ ‫أيضــا بهمــوم داخليــة وقضايــا هامشــية‬ ‫بــأن الفرصــة مواتيــة لفــرض األمــر الواقــع بالقــدس‪ ،‬إال أن الشــعب‬ ‫الفلســطيني قــد أوقــف ذلــك بصــدوره العاريــة ممــا أثــار خــوف‬ ‫اآلخريــن بإفــالت زمــام األمــور وتطــور الصــراع إلــى صــراع دينــي‬ ‫يخشــاه اجلميــع يف ظــل تنامــي مصالــح االســتعمار وتصاعــد نفوذهــم‬ ‫دون خســارة يف صفوفهم أو حترك ألســاطيلهم‪ ،‬فهل ميكن أن يتحول‬ ‫هــذا الصــراع إلــى صــراع دينــي فيمــا لــو اســتمر االحتــالل بإجراءاتــه؟‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪65‬‬

‫ملف العدد‬

‫الصراع مع االحتال‪ ..‬صراع وجود ال صراع حدود‪ ..‬وصراع ديني ال دنيوي‬

‫الـــقـــــدس‪...‬‬ ‫مــــفـــتـــــاح الـــحـــــرب والـــســــام‬ ‫وحده ــا ه ــي احلناج ــر الفلس ــطينية الت ــي كان ــت تص ــدح يف باح ــات األقص ــى دون مس ــاعدة أو مس ــاندة‪ ،‬ول ــو يف احل ــد‬ ‫األدن ــى م ــن حتقي ــق امل ــؤازرة له ــذا الص ــوت ونقل ــه إل ــى أصح ــاب الق ــرار‪ ،‬س ــواء له ــؤالء الذي ــن ميتلك ــون ق ــوة ال ــردع‪،‬‬ ‫وحت ــى ه ــؤالء الذي ــن م ــا زال ــوا يتش ــدقون بقي ــم الدميقراطي ــة وحق ــوق اإلنس ــان‪ ،‬ووحده ــا ً‬ ‫أيض ــا ه ــي الص ــدور العاري ــة‬ ‫التــي كانــت ومــا زالــت تتحــدى إرادة احملتــل الغاصــب يف تهويــد القــدس ومحاوالتــه يف فــرض واقــع جديــد فيهــا يفضــي‬ ‫إل ــى تقس ــيم األقص ــى مكان ًي ــا وزمان ًي ــا‪ ،‬ووحده ــا ه ــي الس ــلطة الفلس ــطينية ً‬ ‫أيض ــا املمزوج ــة آالم قادته ــا بفع ــل التكال ــب‬ ‫عليه ــا بتس ــاؤالت إل ــى ح ــد الي ــأس م ــن الصم ــت الدول ــي عل ــى ال ــدم ال ــذي م ــا زال يس ــيل عل ــى بواب ــات األقص ــى يف ظ ــل‬ ‫عج ــز الس ــلطة نفس ــها ع ــن حماي ــة احل ــق الفلس ــطيني ووق ــف اجل ــرح الن ــازف يف باح ــات األقص ــى وعل ــى بوابات ــه يف‬ ‫ظ ــل إدراكه ــا الت ــام بأن ــه م ــا كان إلس ــرائيل وحكومته ــا اليميني ــة املتطرف ــة أن حتاص ــر األقص ــى لتعم ــل عل ــى مواصل ــة‬ ‫إجراءاتهــا التهويديــة يف ظــل حتــد واضــح‪ ،‬ليــس للقانــون الدولــي فحســب‪ ،‬وإمنــا ملشــاعر العــرب واملســلمن ً‬ ‫أيضــا دون‬ ‫اخل ــذالن والتراج ــع العرب ــي‪.‬‬

‫ماجد هديب‬ ‫وحيــث أن القــدس قبلــة املســلمن األولــى‪ ،‬وأنهــا مــا زالــت تتعــرض‬ ‫الســتهداف ليــس ملعاملهــا فقــط‪ ،‬وامنــا لوجودهــا ً‬ ‫أيضــا‪ ،‬فإنــه ال بــد لنــا‬ ‫أن نســتقرئ م ًعــا بعــض الوقائــع لإلجابــة علــى بعــض التســاؤالت التــي‬ ‫ميكننــا مــن خاللهــا معرفــة مــا ميكــن أن تكــون عليــه القــدس حاضـ ًرا‬ ‫ومســتقبال وانعكاســات مــا يجــري فيهــا مــن وقائــع‪ ،‬ليــس علــى الشــعب‬ ‫الفلســطيني فقــط‪ ،‬وإمنــا علــى العالــم أجمــع باعتبــار أن القــدس هــي‬ ‫مفتــاح للحــرب‪ ,‬متا ًمــا كمــا هــي مفتــاح للســالم‪ ،‬ولنبــدأ مــن حيــث‬ ‫الواقــع العربــي املتــردي يف ظــل مــا يســمى الربيــع العربــي الــذي لــواله‬ ‫مــا كان إلســرائيل ان تتجــرأ فيــه علــى األقصــى‪.‬‬ ‫فهــل ميكــن القــول ح ًقــا بأنــه لــوال الربيــع العربــي ملــا كان‬ ‫إلســرائيل أن تصــل إلــى مرحلــة مــن القــوة والنفــوذ ال ميكــن ردعهــا‬ ‫عــن كل مــا حتــاول اإلقــدام عليــه؟‪ ،‬وهــل ميكــن أن يتحــول الصــراع‬ ‫فيمــا بــن الفلســطينين واإلســرائيلين إلــى صــراع دينــي فيمــا لــو‬ ‫اســتمر االحتــالل بإجراءاتــه التهويديــة ؟‪،‬أم أن هــذا الصــراع ونتيجــة‬ ‫مــا يقدمــه الفلســطينيون مــن تضحيــات لتحقيــق آمالهــم يف التحــرر‪،‬‬ ‫ومــن أجــل أن تصبــح القــدس عاصمــة لدولتهــم‪ ،‬ونتيجــة ً‬ ‫أيضــا مــا‬ ‫ميكــن أن تفعلــه القــدس مــن قلــب موازيــن القــوة واملعــادالت باملنطقــة‬

‫قــد يوحــد العــرب بعــد انقســام واقتتــال وال ســيما مــع انتشــار‬ ‫اإلرهــاب ومتــدد تنظيــم "داعــش" ممــا ميثلــه هــذا التمــدد مــن تهديــد‬ ‫لأمــن القومــي العربــي؟‬ ‫ً‬ ‫أســئلة كثيــرة حتتــاج منــا اإلجابــة عليهــا وصــوال ملعرفــة آفــاق‬ ‫مســتقبل الصــراع الفلســطيني اإلســرائيلي‪ ،‬لكــن الســؤال األبــرز‬ ‫والرئيــس هــو مــا إذا كانــت القــدس هــي ح ًقــا مفتــاح للحــرب‬ ‫والســالم‪ ،‬وأن ال ســالم باملنطقــة دون حتقيــق مــا يتمنــاه الشــعب‬ ‫الفلســطيني مــن حيــث احلــق التاريخــي والقانونــي بإقامــة دولــة‬ ‫فلســطينية وعاصمتهــا القــدس‪ ،‬حيــث ســنحاول معرفــة مــا طرحنــاه‬ ‫يف ظــل املعطيــات احلاليــة‪ ،‬ولنبــدأ مــن حيــث انعكاســات الربيــع‬ ‫العربــي وإفرازاتــه‪.‬‬

‫إجراءات التصعيد يف ظل ما يسمى ربيع العرب‬ ‫علينــا اإلقــرار أوال بــأن دولــة االحتــالل ال تخشــى مــن العــرب‬ ‫أحــدًا عنــد القيــام بإجراءاتهــا التهويديــة‪ ،‬وإن كانــت تخشــى إثــارة‬ ‫الــوازع الدينــي الــذي ميكــن مــن خاللــه إدخــال املنطقــة يف متاهــات‬ ‫ال تريــد أميــركا الدخــول فيهــا‪ ,‬وال حتــى محاولــة الغــوص يف‬

‫‪64‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫كحائــط صــد يف مواجهــة واقعهــا البائــس احملمــل مبشــاعر العــداء‬ ‫والكراهيــة مــن قبــل دول اجلــوار القريــب ‪.‬‬ ‫لقــد اقتصــرت التجــارة األفرو‪-‬اســرائيلية يف املاضــي غال ًبــا‬ ‫علــى القطاعــات الدفاعيــة والعســكرية وتصديــر األســلحة والتقنيــات‬ ‫اإلســرائيلية واخلبــراء إلــى بعــض األنظمــة املســتبدة يف إفريقيــا‪.‬‬ ‫وتأمــل إســرائيل يف ظــل ســفاري مســؤوليها السياســين إلــى إفريقيــا‬ ‫بــأن يتــم جتــاوز االجتــاه الســابق مــع تنويــع نطــاق التجــارة بــن‬ ‫إســرائيل وإفريقيــا بحيــث تشــمل القطاعــات األخــرى‪ .‬والواقــع أن‬ ‫العديــد مــن الشــركات اإلســرائيلية تتطلــع إلــى الفــوز بنصيــب أكبــر‬ ‫يف الســوق اإلفريقيــة الواعــدة‪.‬‬ ‫وهنــاك هــدف آخــر صريــح لهجــوم نتنياهــو الناعم علــى إفريقيا‪،‬‬ ‫وهــو ال يختلــف عــن ســابقه يف مرحلــة مــا قبــل حــرب عــام ‪1967‬م‪،‬‬ ‫يتمثــل يف احلصــول علــى الدعــم اإلفريقــي إلســرائيل يف األمم‬ ‫املتحــدة وغيرهــا مــن احملافــل الدوليــة‪ .‬إذ كثيـ ًرا مــا عارضــت الــدول‬ ‫اإلفريقيــة إســرائيل يف األمم املتحــدة بشــأن القضيــة الفلســطينية‪،‬‬ ‫ورمبــا يعــزى ذلــك إلــى الكتلــة اإلســالمية الضخمــة يف إفريقيــا‪،‬‬ ‫وتعاطــف كثيــر مــن األفارقــة مــع محنــة الفلســطينين‪ .‬ويــرى نتانياهو‬ ‫أنــه ميكنــه إغــراء الكتلــة اإلفريقيــة العريضــة مــن خــالل الزيــارات‬ ‫والصفقــات التجاريــة‪ ،‬وتقــدمي العــون الفنــي واألمنــي‪ .‬لقــد طالــب‬ ‫رئيــس الــوزراء اإلســرائيلي صراحــة الزعمــاء األفارقــة ســواء داخــل‬ ‫إســرائيل أو خارجهــا قائـ ً‬ ‫ال ‪" :‬أنــا أطلــب دعمكــم يف رفــض املواقــف‬ ‫املنحــازة ضــد إســرائيل يف األمم املتحــدة وغيرهــا مــن احملافــل مثــل‬ ‫اجلمعيــة العامــة واليونســكو ومجلــس حقــوق اإلنســان"‪.‬‬

‫خاتمة‬ ‫علــى الرغــم مــن االختراقــات اإلســرائيلية يف إفريقيــا منــذ توقيع‬ ‫معاهــدة الســالم املصريــة اإلســرائيلية واالنســحاب اإلســرائيلي مــن‬ ‫شــبه جزيــرة ســيناء فــإن السياســات اإلســرائيلية والســيما املتعلقــة‬ ‫بالفلســطينين التــزال تواجــه أصوا ًتــا إفريقيــة معارضــة ومؤيــدة يف‬ ‫نفــس الوقــت للحقــوق الفلســطينية املشــروعة‪ .‬ففــي عــام ‪2016‬م‪،‬‬ ‫رفــض الرئيــس النيجيــري بوهــاري مشــاركة الوفــد اإلســرائيلي‬ ‫يف قمــة االيكــواس‪ ،‬وعندمــا ُدعــي رئيــس الــوزراء نتنياهــو للقمــة‬ ‫ذاتهــا عــام ‪ 2017‬م‪ ،‬رفــض زعمــاء نيجيريــا والنيجــر وبنــن واملغــرب‬ ‫احلضــور‪ .‬ورمبــا يكــون العاهــل املغربــي هــو الوحيــد بينهــم الــذي‬ ‫ربــط علنــا بــن عــدم مشــاركته يف القمــة وحضــور رئيــس الــوزراء‬ ‫اإلســرائيلي‪ .‬ويف اجلنــوب اإلفريقــي يوجــد تيــار شــعبي وفكــري‬ ‫إفريقــي يــزداد يف اندفاعــه منــذ انتهــاء نظــام الفصــل العنصــري يف‬ ‫جنــوب إفريقيــا ويؤكــد علــى املقارنــة بــن نظــام األبارتهيــد البائــد‬ ‫وسياســات الفصــل العنصــري التــي متارســها إســرائيل بحــق الشــعب‬ ‫الفلســطيني‪ .‬ويف هــذا الســياق ميكــن اإلشــارة إلــى واحــدة مــن أبــرز‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫رســامي الكاريكاتيــر يف جنــوب إفريقيــا وهــي جوناثــان شــابيرو حيــث‬ ‫تعــارض بشــدة االحتــالل اإلســرائيلي لأراضــي الفلســطينية‪ .‬كمــا أن‬ ‫األســقف ديزمونــد توتــو احلائــز علــى جائــزة نوبــل للســالم مــا فتــئ‬ ‫يتحــدث علنًــا ضــد ظــروف الفصــل العنصــري يف فلســطن‪ .‬وقــد‬ ‫دفــع ذلــك ببعــض التيــارات الفكريــة يف جنــوب إفريقيــا إلــى التوكيــد‬ ‫علــى ضــرورة االســتفادة مــن خبــرة حتليــل نظــام الفصــل العنصــري‬ ‫والدعــوة إلــى تطبيــق منظــور جديــد لتأســيس دولــة دميوقراطيــة‬ ‫واحــدة تضمــن حقــوق الشــعب الفلســطيني املشــروعة‪.‬‬ ‫ومــن اجلديــر بالذكــر أنــه بالنظــر إلــى الضــرورات األخالقيــة‬ ‫التــي تلتــزم بهــا جنــوب إفريقيــا يف سياســتها اخلارجيــة‪ ،‬فقــد فرضــت‬ ‫اعتبــارات املصلحــة الوطنيــة األساســية علــى صانــع القــرار ضــرورة‬ ‫حتــدي العنصريــة والتعصــب العنصــري علــى الصعيديــن احمللــي‬ ‫والدولــي والتصــدي لهمــا‪ ،‬ومــن ثــم ليــس مــن قبيــل املصادفــة أن يأتــي‬ ‫الرئيــس زومــا علــى ذكــر فلســطن يف خطــاب األمــة عــام ‪2009‬م‪ ،‬يف‬ ‫ســياق حديثــه عــن القضايــا اإلفريقيــة رغــم أن فلســطن ليســت ضمــن‬ ‫احليــز اجلغــرايف إلفريقيــا‪ .‬ويف نــدوة عقــدت يف جامعة بريتوريــا يف ‪11‬‬ ‫ســبتمبر‪ 2012‬حــول رؤيــة جنــوب إفريقيــا للسياســة اخلارجيــة‪ ،‬أكــدت‬ ‫الوزيــرة نكوانــا‪ -‬مشــابان خــالل جلســة األســئلة واألجوبــة أن إســرائيل‬ ‫دولــة فصــل عنصــري وقالــت‪ :‬إن ك ً‬ ‫ال مــن جنــوب إفريقيــا وفلســطن‬ ‫يــدركان وحدهمــا كيــف يكــون العيــش يف ظــل نظــام الفصــل العنصــري‬ ‫‪.‬وقد عززت هذه املشــاعر الرســمية التعليقات املماثلة التي صدرت يف‬ ‫أكتوبــر ‪2012‬م‪ ،‬يف مؤمتــر التضامــن الدولــي الــذي نظمــه حزب املؤمتر‬ ‫الوطنــي اإلفريقــي احلاكــم عندمــا ذكــر رئيــس احلــزب باليــكا مبيتــي أن‬ ‫النظــام اإلســرائيلي ليــس قابـ ً‬ ‫ال للمقارنــة فحســب‪ ،‬بــل إنه "أســوأ بكثير‬ ‫مــن نظــام الفصــل العنصــري يف جنــوب إفريقيا" ولم يقتصــر األمر عند‬ ‫هــذا احلــد‪ ،‬بــل دعــا مندوبــو املؤمتــر الوطنــي اإلفريقــي إلى دعم جهود‬ ‫املقاطعــة الدوليــة ضــد إســرائيل‪.‬‬ ‫وميكــن مالحظــة هــذا التوجــه الشــعبي يف جنــوب إفريقيــا‬ ‫وتركيــزه علــى قضيــة العنصريــة والتمييــز العنصــري يف الصــراع‬ ‫الفلســطيني اإلســرائيلي منــذ عــام ‪2008‬م‪ ،‬عندمــا أدان أكثــر مــن ‪12‬‬ ‫مســؤوالً حكوم ًيــا سياســات الفصــل العنصــري يف إســرائيل وقيامهــا‬ ‫بســرقة املــوارد الفلســطينية وإنشــاء مــا يشــبه "البانتوســتانات" أو‬ ‫املعــزل يف األراضــي الفلســطينية احملتلــة‪ ،‬وذلــك يف رســالة مفتوحــة‬ ‫نشــرت يف وســائل اإلعــالم ‪2008‬م‪ ،‬فهــل ميكــن البنــاء علــى ذلــك‬ ‫التيــار اجلديــد الــذي يُعلــي مــن املبــادئ األخالقيــة علــى لغــة املصالــح‬ ‫السياســية إلحــداث اختــراق كبيــر يف املواقــف اإلفريقيــة جتــاه‬ ‫القضيــة الفلســطينية؟‪.‬‬ ‫* أﺳـﺘﺎذ اﻟﻌﻠـﻮم اﻟﺴﻴﺎﺳـﻴﺔ واﻟﻌﻤﻴـﺪ اﳌﺸـﺎرك ﺑﻜﻠﻴـﺔ اﻟﻌﻠـﻮم اﻻﺟﺘامﻋﻴـﺔ‬ ‫واﻹﻧﺴـﺎﻧﻴﺔ ﺑﺠﺎﻣﻌـﺔ زاﻳـﺪ ـ اﻹﻣـﺎرات‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫عالقات دبلوماســية رســمية مع إســرائيل عام ‪1963‬م‪ ،‬قبل قطعها يف‬ ‫عــام ‪1973‬م‪ ،‬عندمــا اعترفــت مبنظمــة التحريــر الفلســطينية كممثــل‬ ‫شــرعي للشــعب الفلســطيني‪ .‬وأصبحــت تنزانيــا أول دولــة إفريقيــة‬ ‫تســمح ملنظمــة التحريــر بفتــح ســفارة لهــا يف دار الســالم‪ .‬وخــالل تلــك‬ ‫الســنوات العشــر مــن العالقــات الدبلوماســية مــع إســرائيل‪ ،‬اســتفادت‬ ‫تنزانيــا مــن املســاعدة اإلمنائيــة واالســتثمارات يف الزراعــة وتنميــة‬ ‫الهيــاكل األساســية والتعــاون األمنــي وغيــر ذلــك مــن قضايــا التعــاون‬ ‫املشــترك‪ .‬لــم تســتأنف العالقــات بــن تنزانيــا وإســرائيل إال يف فبرايــر‬ ‫طوعــا يف‬ ‫عــام ‪ .1995‬ويف ذلــك الوقــت كان نيريــري قــد تــرك احلكــم ً‬ ‫بــالده‪ ،‬كمــا أعــادت غالبيــة البلــدان اإلفريقيــة عالقاتهــا مــع إســرائيل‬ ‫والتــي كانــت قطعتهــا يف عــام ‪1973‬م‪ .‬ورمبــا تعــزى‬ ‫العــودة اإلســرائيلية إلفريقيــا إلــى حتــوالت النظــام‬ ‫الدولــي مــا بــن عامــي ‪ 1991‬و‪1994‬م‪ ،‬وتداعيــات‬ ‫اتفاقــات أوســلو بــن إســرائيل ومنظمــة التحريــر‬ ‫الفلســطينية‪ .‬ثمــة مجموعــة مــن البلدان مثــل مالوي‬ ‫وســوازيلند وليســوتو لــم تقطــع عالقاتهــا قــط مــع‬ ‫إســرائيل يف أي وقــت مــن األوقــات‪ ،‬وتتمتــع بوجــود‬ ‫عالقــة صداقــة مســتمرة طــوال ســنوات احلــرب‬ ‫والســالم يف منطقــة الشــرق األوســط‪ .‬واليــوم‪ ،‬هناك‬ ‫أكثــر مــن ‪ 40‬دولــة إفريقيــة تقيم عالقات دبلوماســية‬ ‫مــع إســرائيل‪ ،‬وال يــزال عــدد قليــل فقــط علــى موقفــه الرافــض‬ ‫االعتــراف بهــا (اجلزائــر وليبيــا والســودان والصومــال)‪.‬‬

‫مقال‬

‫نظ ـ ًرا لتراجــع الــدور اإلقليمــي للقــوى العربيــة الكبــرى نتيجــة‬ ‫ملــا يســمى بثــورات الربيــع العربــي فقــد تغيــر املوقــف اإلفريقــي مــن‬ ‫إســرائيل‪ ،‬بــل ظهــرت دول إفريقيــة مهمــة مثــل كينيــا وإثيوبيــا تطالــب‬ ‫مبنحهــا مقعــد املراقــب يف االحتــاد اإلفريقــي‪ ،‬وال يخفــى أن االختــراق‬ ‫اإلســرائيلي الناعــم إلفريقيــا يف أعقــاب الربيــع العربــي قــد مت التعبيــر‬ ‫عنــه يف عــدة أشــكال لعــل مــن أبرزهــا‪:‬‬ ‫‪1‬ـ الترويــج للخيــار اإلســرائيلي يف مواجهة حــركات اإلرهاب والتطرف‬ ‫اإلســالمي يف كل مــن شــرق وغــرب إفريقيــا‪ .‬فإســرائيل تــرى نفســها‬ ‫صاحبــة خبــرة طويلــة يف تبنــي اســتراتيجيات أمنيــة وعســكرية‬ ‫واضحــا يف دول‬ ‫ملكافحــة اإلرهــاب‪ .‬وعليــه جنــد التغلغــل اإلســرائيلي‬ ‫ً‬ ‫حــوض النيــل والســيما كينيــا وجنــوب الســودان وإثيوبيا‪ .‬ومــن املعروف‬ ‫أن إســرائيل تقــدم التدريــب والدعــم لكينيــا يف مواجهــة حركة الشــباب‬ ‫الصوماليــة‪ .‬لقــد أشــار الرئيــس الكينــي أوهــورو كينياتــا إلــى املصالــح‬ ‫املشــتركة التــي جتمــع بــن بــالده ودول شــرق إفريقيــا عمو ًمــا وبــن‬ ‫إســرائيل وذلــك مــن أجــل مكافحــة إرهــاب اجلماعــات اإلســالمية‬ ‫املتطرفــة‪ .‬ويبــدو أن إســرائيل ســوف تســاعد كينيــا علــى بنــاء جــدار‬

‫ملف العدد‬

‫عــازل يبلــغ طولــه ‪ 440‬ميــال علــى طــول حدودهــا مــع الصومــال ملنــع‬ ‫حركــة الشــباب املجاهديــن وغيرهــا مــن امليليشــيات املســلحة مــن‬ ‫عبــور تلــك احلــدود‪ .‬كمــا أعلــن كينياتــا عــن توقيــع اتفاقــات أمنيــة بــن‬ ‫البلديــن لتبــادل املعلومــات االســتخباراتية‪.‬‬ ‫‪-2‬تدشــن أول لوبــي إســرائيلي يف الكنيســت لتعزيــز العالقــات بــن‬ ‫إســرائيل والــدول اإلفريقيــة‪ ،‬برئاســة العضــو شــمعون ســليمان‪ .‬ويف‬ ‫‪ 19‬مايــو ‪ 2014‬حضــر وزيــر اخلارجيــة أفيغــدور ليبرمــان أول اجتمــاع‬ ‫لهــذا اللوبــي وأكــد علــى أن إســرائيل باعتبارهــا قــوة اقتصاديــة وتتمتــع‬ ‫بعضويــة منظمــة التعــاون والتنميــة تســتطيع أن جتنــي فوائــد سياســية‬ ‫واقتصاديــة كبــرى مــن إفريقيــا‪.‬‬ ‫‪ -3‬اســتخدام إســرائيل قوتهــا الناعمــة لتقــدمي العــون‬ ‫لــدول إفريقيــة يف مجــاالت الزراعــة وامليــاه والطــب‬ ‫ومكافحــة اإلرهــاب وغيــر ذلــك‪ .‬بيــد أن إســرائيل يف‬ ‫ســعيها لتحقيــق هــذا الهــدف تقــوم بعقــد شــراكات مع‬ ‫الــدول املانحــة الكبــرى مثــل الواليــات املتحــدة وكنــدا‬ ‫وإيطاليــا مــن أجــل القيــام باملشــروعات االســتثمارية‬ ‫املختلفة‪ .‬وميكن اإلشــارة يف هذا الســياق إلى املبادرة‬ ‫اإلســرائيلية األملانيــة التــي مت إبرامهــا بــن البلديــن يف‬ ‫فبرايــر ‪2014‬م‪ ،‬مــن أجــل حتقيــق البرنامــج اإلمنائــي‬ ‫يف كل مــن بوركينــا فاســو والكاميــرون وبورونــدي‪.‬‬ ‫ففــي روانــدا‪ ،‬علــى ســبيل املثــال‪ ،‬تقــف شــركة إســرائيلية أمريكيــة‪،‬‬ ‫جيغــاوات غلوبــال‪ ،‬وراء إقامــة أول محطــة طاقــة شمســية يف شــرق‬ ‫إفريقيــا دعمــت قــدرة توليــد الكهربــاء يف البــالد بنســبة ‪ ،% 6‬ممــا‬ ‫يوفــر طاقــة متجــددة فعالــة حلوالــي خمســة عشــر ألــف منــزل‪ .‬وقــد‬ ‫اســتخدمت إســرائيل تكنولوجيــات الطاقــة الشمســية وامليــاه لتوفيــر‬ ‫امليــاه النظيفــة ملــا يقــرب مــن مليــون مــن ســكان القــرى الريفيــة‬ ‫يف ســبعة بلــدان إفريقيــة هــي (جمهوريــة الكونغــو الدميقراطيــة‬ ‫وإثيوبيــا ومــالوي والســنغال وجنــوب إفريقيــا‪ ،‬تنزانيــا‪ ،‬وأوغنــدا)‪.‬‬ ‫ويف عــام ‪2012‬م‪ ،‬مت تأســيس شــراكة تعاونيــة بــن وزارة الزراعــة‬ ‫اإلثيوبيــة والوكالــة األمريكيــة للتنميــة الدوليــة ووكالــة التعــاون‬ ‫الدولــي اإلســرائيلية لتعزيــز النمــو االقتصــادي يف املناطــق الريفيــة‬ ‫مــن خــالل تعزيــز إنتــاج أصحــاب احليــازات الصغيــرة مــن الفواكــه‬ ‫واخلضــروات مبــا يتــالءم واحتياجــات الســوق‪.‬‬ ‫مــا هــي الدوافــع التــي تقــف وراء هــذا االهتمــام اإلســرائيلي‬ ‫بإفريقيــا؟ مــن الواضــح أن نهــج الهرولــة اإلســرائيلية جتــاه إفريقيــا‬ ‫لــم يُظهــر مــن قبــل أي ارتبــاط مبصالــح اســتراتيجية محــددة‪ ،‬بــل‬ ‫ً‬ ‫عوضــا عــن ذلــك إلــى‬ ‫كانــت إســرائيل منــذ النشــأة توجــه ناظريهــا‬ ‫آســيا أو الغــرب حلــل مــأزق حصارهــا مــن قبــل جيرانهــا العــرب‪.‬‬ ‫وممــا ال شــك فيــه أن إســرائيل تتطلــع اليــوم أكثــر مــن أي وقــت‬ ‫مضــى إلــى توســيع دائــرة شــركائها التجاريــن واســتخدام إفريقيــا‬

‫العـرب يرجعـون إىل‬ ‫حتميات التاريخوالجغرافيا‬ ‫وتــلــجــــأ إسـرائـيــــل‬ ‫إلـــى "مـظـلـومـيـــات"‬ ‫الــيـهــــود والـــســــود‬

‫راب ًعا الربيع العربي وعودة الهجوم اإلسرائييل الناعم عى إفريقيا‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪63‬‬

‫‪62‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫قمتــه العاديــة يف أديــس أبابــا عــام ‪ .2013‬وأبــدى االحتــاد اإلفريقــي‬ ‫اهتمامه مبأســاة الشــعب الفلســطيني يف ظل املمارســات اإلســرائيلية‬ ‫غيــر املشــروعة واخلاصــة بالعقــاب اجلماعــي وبنــاء املســتوطنات‪.‬‬ ‫ويدعــم املوقــف اإلفريقــي مســاعي الســلطة الفلســطينية للحصــول‬ ‫علــى مقعــد كامــل يف األمم املتحــدة‪.‬‬ ‫وحرصــت القمــة األفروعربيــة يف الكويــت علــى إصــدار بيــان‬ ‫مشــترك حــول فلســطن‪ .‬وأكــد البيــان علــى ضــرورة وضــع حــد‬ ‫لالحتــالل اإلســرائيلي لأراضــي العربيــة احملتلــة منــذ عــام ‪1967‬م‪،‬‬ ‫وإقامــة دولــة فلســطينية عاصمتهــا القــدس الشــرقية وف ًقــا لقــرارات‬ ‫األمم املتحــدة ومبــادرة الســالم العربيــة وخارطــة الطريــق مــن أجــل‬ ‫التوصــل إلــى حــل عــادل وشــامل ملشــكلة الالجئن الفلســطينين وف ًقا‬ ‫للقــرار (‪ )194‬الصــادر عــن اجلمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة‪ .‬ويف‬ ‫قمــة جوهانزبيــرج اإلفريقيــة عــام ‪2015‬م‪ ،‬أكــد االحتــاد اإلفريقــي‬ ‫علــى اســتمرار دعمــه وتأييــده لكفــاح الشــعب الفلســطيني املشــروع‬ ‫ضــد االحتــالل اإلســرائيلي‪ .‬كمــا أكــد رئيــس مفوضيــة االحتــاد‬ ‫اإلفريقــي موســى فكــي يف قمــة عمــان العربيــة (مــارس ‪2017‬م) أن‬ ‫دول االحتــاد اإلفريقــي تقــف إلــى جانــب الــدول العربيــة يف الســعي‬ ‫إلــى التوصــل حلــل القضيــة الفلســطينية‪ ،‬باإلضافــة إلــى أن الدفــاع‬ ‫املســتميت عــن األقصــى الشــريف يحتــل الصــدارة يف أولوياتنــا"‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬تباين المواقف اإلفريقية تجاه القضية الفلسطينية‬ ‫قبــل حــرب ‪1967‬م‪ ،‬كانــت معظــم الــدول اإلفريقيــة غيــر مباليــة‬ ‫بالنــزاع يف الشــرق األوســط واعتبــرت قضيــة فلســطن مجــرد مشــكلة‬ ‫لالجئــن‪ .‬والواقــع أن العديــد مــن الــدول اإلفريقيــة أقامــت عالقــات‬ ‫قويــة مــع إســرائيل التــي اســتخدمت بعــض املــوارد التــي قدمتهــا إليهــا‬ ‫الواليــات املتحــدة وبعــض القــوى الغربيــة وموظفيهــا الفنين للمشــاركة‬ ‫يف مشــاريع البنية التحتية وتنمية املجتمعات احمللية وبناء املؤسســات‬ ‫العســكرية واألمنيــة يف الــدول اإلفريقيــة املســتقلة حدي ًثــا‪.‬‬ ‫وكان هدف إســرائيل خالل فترة أواخر اخلمســينيات والســتينيات‬ ‫مــن القــرن املاضــي هــو احلصــول علــى دعــم الــدول اإلفريقية إلســرائيل‬ ‫يف قضيــة الصــراع العربــي اإلســرائيلي‪ .‬اتضــح ذلــك بجــالء مــن قيــام‬ ‫إســرائيل بتأســيس ســفارات لهــا يف العديــد مــن الــدول اإلفريقيــة وقيــام‬ ‫الزعمــاء اإلســرائيلين واألفارقــة بزيــارات متبادلة‪.‬‬ ‫باإلضافــة إلــى زيــارات جولــدا مائيــر اخلمس إلفريقيا قام شــيمون‬ ‫بيريــز‪ ،‬بزيــارة غانــا وغينيــا عــام ‪1959‬م‪ ،‬حيــث التقــى ك ً‬ ‫ال مــن نكرومــا‬ ‫وســيكو تــوري علــى التوالــي‪ .‬كمــا قــام إيجــال ألــون بصفتــه مبعو ًثــا‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫خاصــا لرئيــس احلكومــة اإلســرائيلية ديفيــد بن جوريون بزيــارة إفريقيا‬ ‫ً‬ ‫مرتــن عامــي ‪1963 /1962‬م‪ .‬ويف أغســطس مــن العــام ‪1962‬م‪ ،‬زار‬ ‫الرئيــس اإلســرائيلي اســحق بــن زيفــي خمــس دول يف غــرب إفريقيــا‪.‬‬ ‫وعــام ‪1966‬م‪ ،‬زار رئيــس الــوزراء ليفــي أشــكول الســنغال وكــوت ديفــوار‬ ‫وليبيريــا والكونغــو كينشاســا ومدغشــقر وأوغنــدة وكينيــا‪ .‬وذكر أشــكول‬ ‫أمــام الكنيســت أن أنشــطة إســرائيل داخــل إفريقيــة تشــمل وجــود‬ ‫نحــو (‪ )1500‬خبيــر إســرائيلي يعملــون يف مشــروعات للتنميــة‪ ،‬كمــا مت‬ ‫تدريــب (‪ )630‬إفريقــي داخــل إســرائيل‪ .‬ومــن امللفــت أن أشــكول كان‬ ‫علــى قناعــة تامــة بــأن الطريــق إلــى القاهــرة البــد وأن ميــر عبــر باماكــو‬ ‫(مالــي) وأبيدجــان (كــوت ديفــوار)‪ .‬وباملثــل فقــد زار العديــد من الرؤســاء‬ ‫والــوزراء األفارقــة إســرائيل‪ ،‬فمثـ ً‬ ‫ال اســتضافت إســرائيل عشــرة رؤســاء‬ ‫أفارقــة خــالل الفتــرة مــن ‪ 1960‬إلــى ‪1963‬م‪ ،‬وكاملعتــاد يف نهايــة كل‬ ‫زيــارة يتــم التوقيــع علــى بيــان مشــترك يؤكــد علــى إدانــة االســتعمار‬ ‫والتفرقــة العنصريــة ويطالــب باســتقالل كافــة الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬كمــا‬ ‫ميتــدح يف الوقــت نفســه التعــاون بــن إفريقيــا وإســرائيل‪.‬‬ ‫بيـد أن التحـول اجلوهـري يف اإلدراك اإلفريقـي العـام بالقضيـة‬ ‫الفلسـطينية ارتبـط بحـرب عـام ‪1967‬م‪ ،‬فقـد فتحـت احلـرب عيـون‬ ‫إفريقيـا علـى الوجـه العنصـري إلسـرائيل باعتبارهـا كيا ًنـا مصطن ًعـا‬ ‫لتنفيـذ املخططـات اإلمبرياليـة الغربيـة‪ .‬وطب ًقـا لسـوزان غيتلسـون‪ ،‬يف‬ ‫كتابهـا عـن االنتكاسـة اإلسـرائيلية يف إفريقيـا‪ ،‬فقـد قطعـت ‪ 29‬دولـة‬ ‫إفريقية عالقاتها الدبلوماسـية مع إسـرائيل خالل الفترة بن ‪ 12‬يونيو‬ ‫‪ 1967‬و‪ 13‬نوفمبـر ‪ .1973‬وخـالل هـذه الفتـرة ً‬ ‫أيضـا اعتـرف عـدد مـن‬ ‫الدول اإلفريقية مبنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها املمثل الشرعي‬ ‫والوحيـد للشـعب الفلسـطيني‪ ،‬وأقامـت عالقـات دبلوماسـية معها‪ .‬كما‬ ‫انتشـرت منظمات تضامن يف إفريقيا لدعم الشـعب الفلسـطيني‪ .‬وقد‬ ‫منحت منظمة التحرير الفلسطينية صفة العضو املراقب لدى منظمة‬ ‫الوحـدة اإلفريقيـة (االحتـاد اإلفريقـي منـذ عـام ‪2002‬م)‪ .‬ويف نوفمبـر‬ ‫‪1975‬م‪ ،‬جـاءت حلظـة فاصلـة يف العالقـات اإلسـرائيلية ‪-‬اإلفريقيـة‬ ‫عندمـا صوتـت ‪ 19‬دولـة إفريقيـة لصالـح قـرار اجلمعيـة العامـة لـأمم‬ ‫املتحـدة التاريخـي مبسـاواة الصهيونيـة بالعنصريـة‪ .‬ورغـم ذلـك فـإن‬ ‫تناقضـات املوقـف اإلفريقـي ظلـت واضحة عندما فشـل مشـروع القرار‬ ‫يف حتقيق توافق إفريقي حيث عارضته خمسة بلدان إفريقية ‪ -‬ساحل‬ ‫العاج وليبيريا‪ ،‬ومالوي‪ ،‬وسوازيلند‪ ،‬وجمهورية إفريقيا الوسطى‪ ،‬بينما‬ ‫امتنعـت ‪ 16‬دولـة إفريقيـة أخـرى عـن التصويـت‪.‬‬ ‫ومــن املعلــوم أن تنزانيــا يف عالقتهــا مــع كل مــن إســرائيل‬ ‫وفلســطن تطــرح إشــكالية تناقــض أولويــات املصالــح‪ ،‬فقــد أقامــت‬

‫الع ــودة اإلس ــرائيلية إلفريقي ــا لتح ــوالت النظ ــام ال ــدويل وبع ــد‬ ‫تداعيات اتفاقات أوســلو بين إســرائيل ومنظمة التحرير الفلســطينية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫واضحــا‬ ‫السياســة اخلارجيــة جلنــوب إفريقيــا‪ .‬ويظهــر هــذا التأثيــر‬ ‫ً‬ ‫يف متويــل حمــالت السياســين واألحــزاب املؤيــدة إلســرائيل أو مــن‬ ‫خــالل احلمــالت اإلعالميــة املنظمــة للهجــوم علــى أي شــخص أو‬ ‫منظمــة معاديــة إلســرائيل‪ .‬وميكــن أن نشــير يف هــذا اخلصــوص إلــى‬ ‫دور كل مــن "مجلــس املندوبــن اليهــود يف جنــوب إفريقيــا" و"االحتــاد‬ ‫الصهيونــي اجلنــوب إفريقــي"‪ .‬ويف املقابــل اســتطاعت اجلماعــة‬ ‫املســلمة يف جنــوب إفريقيــا أن جتعــل القضيــة الفلســطينية محــور‬ ‫اهتمــام الــرأي العــام بقطاعاتــه العريضــة‪ .‬وقــد متثلــت ديناميــات‬ ‫احلركــة املؤيــدة للقضيــة الفلســطينية يف جمــع التبرعــات واملشــاركة‬ ‫يف االحتجاجــات واملمارســات ضــد السياســات اإلســرائيلية يف‬ ‫األراضــي الفلســطينية احملتلــة‪ .‬وقــد مت تشــكيل حتالــف مــن قــوى‬ ‫املجتمــع املدنــي والناشــطن حمــل اســم "فلســطن احلــرة"‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬االتحاد اإلفريقي والقضية الفلسطينية‬ ‫علــى الرغــم مــن أن تأســيس منظمــة الوحــدة اإلفريقيــة عــام‬ ‫‪1963‬م‪ ،‬فــإن اهتمامهــا بالقضيــة الفلســطينية بشــكل عــام وبقضيــة‬ ‫ً‬ ‫ارتباطــا وثي ًقــا بحــرب ‪1967‬م‪ .‬وكان ذلك‬ ‫القــدس بوجــه خــاص يرتبــط‬ ‫بتأثيــر مــن الــدول العربيــة اإلفريقيــة تعبيـ ًرا عــن تضامنهــا مــع مصــر‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪61‬‬

‫ملف العدد‬

‫مؤسســا يف املنظمــة‪ .‬ولعــل املوقــف التأسيســي‬ ‫باعتبارهــا عضــ ًوا‬ ‫ً‬ ‫للتنظيــم القــاري اإلفريقــي جتــاه القضيــة الفلســطينية يرتبــط بقــرار‬ ‫مجلــس وزراء منظمــة الوحــدة اإلفريقيــة يف أديــس أبابــا عــام ‪1973‬م‪،‬‬ ‫والــذي أكــد علــى أن "الســالم العــادل والدائــم يف الشــرق األوســط‬ ‫يجــب أن يســتند إلــى "انســحاب القــوات اإلســرائيلية الكامــل من جميع‬ ‫األراضــي العربيــة التــي احتلتهــا عــام ‪1967‬م‪ ،‬وحتريــر مدينــة القــدس‬ ‫العربيــة‪ ،‬وممارســة الشــعب الفلســطيني حقــه يف تقريــر مصيــره‬ ‫واالعتــراف باحلقــوق الوطنيــة‪ ،‬واإلعــالن عــن تأييــد املجلــس الكامــل‬ ‫لكفــاح منظمــة التحريــر الفلســطينية بصفتهــا املمثــل الشــرعي الوحيد‬ ‫للشــعب الفلســطيني وكفاحهــا البطولــي ضــد الصهيونيــة والعنصرية"‪.‬‬ ‫كمــا رفــض مجلــس الــوزراء اإلفريقــي أي تعديــل للوضــع يف القــدس‬ ‫واعتبــر إجــراءات الضــم التــي تعرضــت لهــا املدينــة املقدســة الغيــة‬ ‫وف ًقــا لقــرار مجلــس األمــن رقــم ‪ 252‬لســنة ‪1968‬م‪ ،‬وقــراري اجلمعيــة‬ ‫العامــة لــأمم املتحــدة رقــم ‪ 2253‬بتاريــخ ‪ 4‬يوليــو لســنة ‪1967‬م‪ ،‬ورقــم‬ ‫‪ 2254‬بتاريــخ ‪ 14‬يوليــو ســنة ‪1967‬م"‪.‬‬ ‫وال تــزال القضيــة الفلســطينية حتظــى بدعــم إفريقــي واســع مــن‬ ‫خــالل بيانــات االحتــاد اإلفريقــي‪ .‬وعلــى ســبيل املثــال أصــدر االحتــاد‬ ‫خاصــا بفلســطن‪ ،‬التــي تتمتــع بصفة مراقــب‪ ،‬أثناء‬ ‫اإلفريقــي إعال ًنــا‬ ‫ً‬

‫‪60‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪ 40‬دولة إفريقية تقيم عاقات دبلوماسية مع إسرائيل وال يزال عدد قليل‬ ‫فقط عى موقفه الرافض االعتراف بها (الجزائر وليبيا والسودان والصومال)‬ ‫إلــى زيــارة القــدس وبقــوا بهــا حيــث عملــوا كحــراس يف مجمــع املســجد‬ ‫األقصــى‪ .‬وخــالل الفتــرة العثمانيــة كان هــؤالء األفارقــة يحملون مفاتيح‬ ‫أبــواب املســجد األقصــى‪ ،‬وكانــوا مســؤولن عــن منــع غيــر املســلمن مــن‬ ‫الدخــول إلــى منطقــة املســجد‪ .‬وبعــد أن اســتولى البريطانيــون علــى‬ ‫فلســطن يف عــام ‪1918‬م‪ ،‬مت إســناد مســؤولية مبانــي " األحبــاس "‬ ‫اإلســالمية إلــى ســلطات الوقــف يف املدينــة املقدســة والتــي اســتخدمتها‬ ‫لســكنى الفقراء‪ ،‬مبن فيهم األفارقة‪ .‬وال يزال أحفاد األفارقة يعيشــون‬ ‫فيمــا يعــرف بـ"الربــع األفريقي" باحلي اإلســالمي يف القدس‪ .‬ويتمســك‬ ‫هــؤالء بهويتهــم األفروفلســطينية حيــث لــم يبرحــوا مكانهــم يف القــدس‬ ‫يف أصعــب األوقــات‪ ،‬بــل إن بعضهــم شــارك يف حــرب التحريــر العربيــة‬ ‫عــام ‪1948‬م‪ ،‬يف مواجهــة االغتصــاب الصهيونــي لأراضــي العربيــة‪.‬‬ ‫وعليــه فــإن هــذه األبعــاد الثقافيــة والتفاعــالت احلضاريــة‬ ‫ـروعا ثقاف ًيــا متعــدد‬ ‫التــي يجســدها مفهــوم "أفرابيــا "باعتبــاره مشـ ً‬ ‫اجلوانــب تســتطيع جتــاوز كافــة أبعــاد الصــراع بــن اجلانبــن ‪ -‬مثــل‬ ‫الــرق يف بعــض مكونــات اجلاليــة األفروفلســطينية مثــال ‪ -‬ويخلــق‬ ‫حالــة اندماجيــة تعبــر عــن التفاعــل الثقــايف العربــي األفريقــي‪.‬‬ ‫فاإلســالم والعروبــة همــا األوســع انتشــا ًرا يف الواقــع اإلفريقــي‪ .‬كمــا‬ ‫أن تاريــخ عالقــة إفريقيــا بــكل مــن العروبــة واإلســالم لــم يشــهد أي‬ ‫تصــادم حقيقــي مثــل خبــرة العالقــة مــع الغــرب األوروبــي‪.‬‬ ‫ويف املقابــل فــإن اخلطــاب السياســي واإلعالمــي الصهيونــي املوجه‬ ‫ألفريقيــا قــد اســتخدم منــذ بدايــة نشــأة الدولــة العبريــة املصطنعــة‬ ‫قضيــة املقارنــة بــن جتــارة العبيــد ومحرقــة اليهــود كأحــد أدوات‬ ‫االختــراق اإلســرائيلي لكســب عقــول وقلــوب األفارقــة‪ .‬ففــي إبريــل‬ ‫‪2014‬م‪ ،‬نشــرت صحيفــة هآرتــس مقابلــة مطولــة مــع ماركــوس ريديكــر‬ ‫مؤلــف كتــاب‪" :‬ســفينة جتــارة العبيــد‪ :‬تاريــخ إنســاني" والــذي حتــدث‬ ‫فيــه عــن معســكرات االعتقــال العائمــة وضــرورة تذكــر املجتمــع األســود‬ ‫لهذه املأســاة اإلنســانية دائ ًما‪ .‬وبالطبع اســتغلت الصحيفة اإلســرائيلية‬ ‫هــذه املناســبة للترويــج لقضيــة احملرقــة التــي تعــرض لهــا اليهــود مبــا‬ ‫يعنــي املشــابهة بــن التاريخــن اليهــودي واألفريقــي‪ .‬وتعطــي عالقــات‬ ‫إســرائيل وروانــدا مثــاال علــى محوريــة التوظيــف السياســي خلبــرات‬ ‫اإلبــادة اجلماعيــة املشــتركة‪ .‬ومــن الالفــت لالنتبــاه أن ثمــة جهــود‬ ‫أخــرى ميارســها املجتمــع املدنــي اإلســرائيلي لدعــم الروابــط الثقافيــة‬ ‫املشــتركة بــن الكيــان اإلســرائيلي وإفريقيــا‪ .‬لقد قامت امــرأة يهودية يف‬ ‫جنــوب إفريقيــا بتكريــس حياتهــا لدعــم الروابــط بــن إســرائيل وروانــدا‪،‬‬ ‫فأنشــأت مؤسســة احملرقــة واإلبــادة اجلماعيــة بغــرض نشــر الوعــي بن‬ ‫طــالب املــدارس وتبــادل اخلبــرات املشــتركة للضحايــا‪.‬‬

‫ومبراجعــة أدبيــات حركــة التحــرر األفريقــي جنــد أن عــد ًدا مــن‬ ‫منوذجــا‬ ‫رواد هــذه احلركــة رأى يف الصهيونيــة والقوميــة اليهوديــة‬ ‫ً‬ ‫يحتــذى مــن أجــل حتــرر الشــعوب الســوداء يف إفريقيــا‪ .‬وعــادة مــا‬ ‫متــت املقارنــة بــن ســعي اليهــود مــن أجــل إقامــة وطــن قومــي لهــم‬ ‫والبحــث عــن جذورهــم التاريخيــة بطمــوح األفارقــة الذيــن تقطعــت‬ ‫بهــم الســبل يف أمريــكا ومنطقــة الكاريبــي وأملهــم يف العــودة إلــى‬ ‫إفريقيــا وحتريرهــا مــن نيــر االســتعمار‪ ،‬بــل أكثــر مــن ذلــك‪ ،‬فقــد‬ ‫دعــا بعــض رواد حركــة الوحــدة األفريقيــة األولــى إلــى تبنــي مفهــوم‬ ‫"الصهيونيــة الســوداء"‪ .‬ومــن أبــرز هــؤالء إدوارد باليــدن‪ ،‬ووليــم‬ ‫ديبــوي‪ ،‬وماركــوس جــاريف‪ ،‬وفرانــس فانــون‪ .‬وال يخفــى أن كثيـ ًرا مــن‬ ‫اآلبــاء املؤسســن حلركــة التحــرر الوطنــي يف إفريقيــا أمثــال جومــو‬ ‫كينياتــا يف كينيــا وهوفييــه بوانيــه يف ســاحل العــاج‪ ،‬وكوامــي نكرومــا‬ ‫يف غانــا قــد تأثــروا تأث ـ ًرا بال ًغــا بهــذه األفــكار حــول معانــاة الشــعب‬ ‫واضحــا جتــاه إســرائيل‪.‬‬ ‫اليهــودي‪ ،‬وأظهــروا تعاط ًفــا‬ ‫ً‬ ‫وميكــن تلمــس معالــم هــذا الصــدام يف الروايــات والــرؤى يف‬ ‫ثالثيــة العالقــة األفروعربيــة مــع إســرائيل فيمــا يتعلــق بفلســطن‬ ‫مــن خــالل اإلشــارة إلــى بعــض األمثلــة واملواقــف املتباينــة ملختلــف‬ ‫األطــراف‪ .‬ففــي ديســمبر ‪ 2016‬م‪ ،‬تبنــت الســنغال قــرار مجلــس‬ ‫األمــن التاريخــي الــذي ينــص علــى عــدم مشــروعية املســتوطنات‬ ‫املقامــة يف األراضــي الفلســطينية احملتلــة منــذ العــام ‪1967‬م‪،‬‬ ‫ويطالــب بالوقــف الفــوري جلميــع األنشــطة االســتيطانية يف‬ ‫األراضــي الفلســطينية احملتلــة مبــا يف ذلــك شــرقي القــدس‪ ،‬واحتــرام‬ ‫إســرائيل جميــع التزاماتهــا القانونيــة‪ .‬وصوتــت أجنــوال هــي األخــرى‬ ‫لصالــح القــرار‪ .‬بيــد أن الرئيــس الســنغالي ماكــي ســال ســرعان مــا‬ ‫حــاول الرجــوع مــرة أخــرى إلــى املواقــف املؤيــدة إلســرائيل عندمــا‬ ‫التقــى رئيــس الــوزراء االســرائيلي أثنــاء اجتماعــات االيكــواس يف‬ ‫مونروفيــا يف يونيــو ‪2017‬م‪ .‬ويف مناســبة أخــرى انتقــدت اليونســكو‬ ‫ممارســات إســرائيل يف القــدس واعتبرتهــا ســلطة احتــالل مبــا يؤكــد‬ ‫فلســطينية املدينــة القدميــة‪ .‬وعلــى الرغــم مــن تصويــت دول إفريقيــة‬ ‫مثــل الســنغال ونيجيريــا وتشــاد وجنــوب إفريقيــا لصالــح صــدور هــذا‬ ‫القــرار فــإن توغــو عارضتــه واتخــذت موق ًفــا مؤيـدًا إلســرائيل‪ ،‬وهــو‬ ‫مــا يعكــس جنــاح االختــراق اإلســرائيلي للجبهــة اإلفريقيــة‪.‬‬ ‫وضوحــا كذلــك ألنهــا‬ ‫ولعــل حالــة جنــوب إفريقيــا تبــدو أكثــر‬ ‫ً‬ ‫تبــرز إشــكالية املخفــي واملعلــن والشــعبي والرســمي يف منظومــة‬ ‫العالقــات مــع إســرائيل والفلســطينين‪ .‬ال يســتطيع املــرء أن‬ ‫يتغاضــى عــن دور اللوبــي الصهيونــي كمتغيــر مهــم يف التأثيــر علــى‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪59‬‬

‫ملف العدد‬

‫تـغـيــــر مـواقــــف إفـريـقـيــــا مــــن إسـرائـيــــل لـتـراجــــع الــــدور الـعـربــــي‬

‫جـدلـيـة األخـاق والـسـيـاسـة‬ ‫المواقف اإلفريقية من القضية الفلسطينية‬ ‫خصوصــا دون وضعهــا‬ ‫ال ميكــن فهــم املواقــف اإلفريقيــة امللتبســة واملتشــابكة مــن القضيــة الفلســطينية عمو ًمــا والقــدس‬ ‫ً‬ ‫يف ســياق تاريــخ العالقــات األفروعربيــة يف العصــر احلديــث‪ .‬إذ أن هــذه العالقــات تعكــس دو ًمــا معضلــة الهويــة واالنتمــاء‬ ‫وإشــكالية املواءمــة بــن السياســي واأليديولوجــي مــن جهــة واألمنــي واالقتصــادي مــن جهــة أخــرى‪ .‬وتُظهــر عمليــة املراجعــة‬ ‫الواعيــة للفكــر السياســي واالجتماعــي يف العاملــن العربــي واإلفريقــي وجــود إشــكاليات يف العالقــة بــن مفاهيــم العروبــة‬ ‫(الوحــدة العربيــة) واألفريقانيــة (اجلامعــة اإلفريقيــة) مــن حيــث منظــور العــرق والهويــة‪ ،‬وإن حــاول البعــض اجلمــع بينهمــا‬ ‫علــى مســتوى النضــال مــن أجــل التحــرر الوطنــي‪ .‬علــى أن بــروز القضيــة الفلســطينية دفــع مــرة أخــرى عمليــة البحــث عــن‬ ‫جــذور االلتقــاء والتواصــل احلضــاري بــن العاملــن اإلفريقــي والعربــي‪.‬‬

‫د‪ .‬حمدي عبد الرحمن‬ ‫وممــا يزيــد األمــر تعقيــدًا وتشــاب ًكا هــو أزمــة الدولــة الوطنيــة‬ ‫املوروثــة عــن مرحلــة مــا بعــد االســتعمار وارتباطهــا بتراجــع مفاهيــم‬ ‫الوحــدة والتكامــل لصالــح بــروز جنــم مفاهيــم تفكيكيــة بديلــة يف‬ ‫ظــل واقــع ثقــايف معولــم عابــر للحــدود‪ .‬وهنــا تبــرز يف ســياق معــارك‬ ‫الصــراع مــن أجــل فلســطن ســرديات وأســاطير كبــرى حتــاول كل منها‬ ‫وصـ ً‬ ‫ال بالتاريــخ يف معركــة تســتهدف كســب العقــول والقلــوب والســيما‬ ‫يف إفريقيــا غيــر العربيــة‪ .‬اجلانــب العربــي يرجــع إلــى حتميــات‬ ‫التاريــخ واجلغرافيــا التــي أطلــق عليهــا الراحــل علــى األمــن مزروعــي‬ ‫اســم رابطــة "أفرابيــا" بينمــا يلجــأ اجلانــب اإلســرائيلي إلــى مفهــوم‬ ‫املظلوميــات التاريخيــة الــذي يجمــع بــن اليهــود والســود‪ .‬إنهــا معركــة‬ ‫غيــر تقليديــة لتحقيــق الفــوز علــى اخلصــم بالنقــاط‪ .‬ولعلنــا نتســاءل‬ ‫هنا كيف متكنت إســرائيل‪ -‬بالرغم من ممارســاتها الوحشــية كســلطة‬ ‫احتــالل ضــد الفلســطينين‪ -‬مــن العــودة املظفــرة إلــى إفريقيــا؟ ففــي‬ ‫عــام ‪2016‬م‪ ،‬زار بنيامــن نتنياهــو رئيــس الوزراء اإلســرائيلي أربعة من‬ ‫دول حــوض النيــل علــى رأســها أثيوبيــا‪ ،‬ومنــذ ذلــك الوقــت اســتقبلت‬ ‫تــل أبيــب عاصمــة الدولــة العبريــة تســعة مــن الرؤســاء األفارقــة‪.‬‬ ‫ليــس هــذا فحســب فقــد خطــب نتنياهــو ‪ -‬باعتبــاره أول زعيــم غيــر‬ ‫إفريقــي ‪-‬أمــام قمــة اجلماعــة االقتصاديــة لغــرب إفريقيــا (االيكــواس)‬ ‫مبونروفيــا يف يونيــو ‪2017‬م‪ ،‬مــا دفعــه للتباهــي بــأن إســرائيل عــادت‬ ‫إلــى إفريقيــا‪ .‬ورمبــا يتــم تدشــن هــذه العــودة رســم ًيا يف قمــة إســرائيل‬

‫إفريقيــا األولــى املقــرر عقدهــا يف توجــو اكتوبــر ‪2017‬م‪ ،‬والتــي وجهــت‬ ‫فيهــا الدعــوة جلميــع الــدول اإلفريقيــة مبــا فيهــا العربيــة‪ .‬مــا الــذي‬ ‫حــدث خطــأ يف مســيرة املواقــف النضاليــة اإلفريقيــة املؤيــدة للقضيــة‬ ‫الفلســطينية؟ هــذا مــا حتــاول هــذه الورقــة البحــث فيــه مــن خــالل‬ ‫إبــراز حقيقــة حتــوالت املواقــف اإلفريقيــة عبــر الزمــن ومــا يعكســه‬ ‫ذلــك مــن إشــكاليات املخفــي واملعلــن وصــراع األخــالق والسياســة يف‬ ‫تفاعــالت البلــدان اإلفريقيــة مــع محنــة الفلســطينين‪.‬‬

‫أو ًال صراع الروايات والبحث عن الجذور‬ ‫لعــل أبــرز املســكوت عنــه يف دراســة املواقــف اإلفريقية من القضية‬ ‫الفلســطينية هــو جتاهــل االتصــاالت املبكــرة بــن إفريقيــا واملنطقــة‬ ‫العربيــة عمومــا ومنطقــة فلســطن التاريخيــة علــى وجــه اخلصــوص‪.‬‬ ‫ووف ًقــا للكتابــات التاريخيــة املعتبــرة فــإن الهجــرة مــن إفريقيــا إلــى‬ ‫فلســطن وقعــت خــالل الفتــرة مــن القــرن الســادس وحتــى القــرن‬ ‫الرابــع قبــل امليــالد‪ .‬فقــد هاجــرت موجــات مــن الرعــاة واملزارعــن مــن‬ ‫الصحــراء إلــى كل مــن فلســطن وســوريا‪ .‬ويف نهايــة املطــاف اندمــج‬ ‫هــؤالء املهاجــرون مــن إفريقيــا مــع ســكان العصــر احلجــري احلديــث‬ ‫يف فلســطن التــي شــكلت جس ـ ًرا وحلقــة اتصــال بــن إفريقيــا وآســيا‬ ‫وأوروبــا‪ .‬ويف العصــر اإلســالمي عــرج كثيــر مــن احلجــاج األفارقــة‬ ‫املنحدريــن مــن نيجيريــا والســنغال وتشــاد‪ -‬بعــد أدائهــم مناســك احلج‪-‬‬

‫‪58‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫يبقــى عــى األطــراف الدوليــة النزيهة إنصاف الشــعب الفلســطيني‬ ‫من الظلم وتمكينه من الحد األدنى من حقوقه يف أرضه‬ ‫أمريكــي‪ ،‬حتــى اآلن‪ ،‬جهـدًا جــا ًدا حلــل هــذا الصــراع حـ ً‬ ‫ال عــادالً‪ ،‬أو‬ ‫ً‬ ‫ضغوطــا علــى إســرائيل للقبــول‬ ‫شــبه عــادل‪ ،‬ولــم ميــارس أي منهــم‬ ‫بهــذا احلــل‪ ،‬املطلــوب فلســطين ًيا وعرب ًيــا وإســالم ًيا وعامل ًيــا‪.‬‬ ‫أم ــا الرئي ــس احلال ــي " دونال ــد ترم ــب "‪ ،‬وال ــذي اتض ــح أن ــه‬ ‫داعـــم بشـــدة للصهيونيـــة‪ ،‬فيبـــدو أنـــه علـــى اســـتعداد للخـــروج‬ ‫عل ــى ه ــذا احل ــل‪ .‬ويتجل ــى ذل ــك يف تصريح ــه ال ــذي ق ــال في ــه‪" :‬‬ ‫أنظ ــر إل ــى ح ــل الدولت ــن‪ ،‬وح ــل الدول ــة الواح ــدة‪ .‬وأمي ــل ال ــى م ــا‬ ‫ميي ــل الي ــه الطرف ــان‪ .‬أن ــا س ــعيد للغاي ــة باحل ــل ال ــذي ميي ــل الي ــه‬ ‫الطرفـــان"‪ .‬ويبـــدو أن ترمـــب يلمـــح هنـــا إلـــى " حلـــول " أخـــرى‪،‬‬ ‫ســـنتطرق إلحداهـــا أدنـــاه‪.‬‬ ‫ومعــروف أن ترمــب أنتقــد عــدم اســتخدام أوبامــا حلــق النقض‬ ‫(الفيتــو) ضــد قــرار مجلــس األمــن بإدانــة االســتيطان اإلســرائيلي‪،‬‬ ‫وأكــد عــدم إصــراره علــى حــل الدولتــن‪ ،‬إرضــا ًء إلســرائيل‪ ،‬ودع ًمــا‬ ‫لهــا‪ .‬وبعــد ذلــك‪ ،‬تراجــع قليــال عــن موقفــه هــذا‪ .‬ومــن مؤشــرات‬ ‫ذلــك‪ :‬تريــث ترمــب يف تنفيــذ وعــده بنقــل الســفارة األمريكيــة مــن تــل‬ ‫أبيــب إلــى القــدس‪ ،‬وانفتاحــه علــى الفلســطينين‪ .‬إضافــة إلــى طلــب‬ ‫ترمــب مــن رئيــس الــوزراء اإلســرائيلي نتنياهــو " أن يكبــح قليـ ً‬ ‫ال بنــاء‬ ‫املســتوطنات"‪ .‬وهــذا الطلــب فاجــأ األخيــر أثنــاء زيارتــه لواشــنطن‬ ‫(يف فبرايــر ‪2017‬م)‪.‬‬ ‫أضــف إلــى ذلــك‪ ،‬قيــام ترمــب (يــوم ‪2017 / 3 / 10‬م) بعمــل‬ ‫أول اتصــال هاتفــي مــع الرئيــس الفلســطيني محمــود عبــاس‪،‬‬ ‫ودعوتــه لزيــارة البيــت األبيــض‪ .‬ورحــب اجلانــب الفلســطيني كثي ـ ًرا‬ ‫بهــذه املبــادرة‪ .‬وقــام عبــاس بالفعــل بزيــارة واشــنطن واللقــاء بترمــب‬ ‫يــوم ‪2017 / 5 / 3‬م‪ .‬وقــد متســك اجلانــب الفلســطيني بعمليــة‬ ‫الســالم‪ ،‬وحــل الدولتــن علــى حــدود ‪1967‬م‪ ،‬اســتنا ًدا إلــى مبــادرة‬ ‫الســالم العربيــة‪ ،‬والقــرارات األمميــة ذات الصلــة‪ .‬وأكــد رفضــه‬ ‫للهجمــة االســتيطانية اإلســرائيلية يف األراضــي الفلســطينية احملتلــة‪،‬‬ ‫ورفــض كل مــا قــد يترتــب علــى هــذا االســتيطان‪.‬‬ ‫وكل ذل ــك م ــا زال يش ــير إل ــى حت ــول طفي ــف جــدًا يف سياس ــة‬ ‫ترم ــب نح ــو ه ــذه القضي ــة‪ ،‬ورغب ــة ضئيل ــة يف وض ــع نهاي ــة له ــا‪.‬‬ ‫وحتـــى اآلن‪ ،‬يصعـــب اجلـــزم بـــأن ترمـــب ســـيتدخل يف العمليـــة‬ ‫السياس ــية اخلاص ــة بتس ــوية ه ــذا الص ــراع بش ــيء م ــن احليادي ــة‬ ‫واملوضوعيـــة‪ .‬ويخشـــى أن يحـــاول ترمـــب فـــرض حـــل ‪ ...‬غيـــر‬ ‫حـــل الدولتـــن‪ ،‬وغيـــر حـــل الدولـــة الواحـــدة‪ ،‬ومييـــل إلـــى مـــا‬ ‫تري ــده إس ــرائيل م ــن حل ــول غي ــر مقبول ــة‪ ،‬ومنه ــا م ــا يع ــرف بخط ــة‬ ‫اجلن ــرال اإلس ــرائيلي" جي ــورا ايالن ــد "‪ ،‬الت ــي يقت ــرح فيه ــا توط ــن‬

‫الفلســـطينين يف شـــمال ســـيناء‪ ،‬عبـــر توســـيع مســـاحة غـــزة‪،‬‬ ‫باالس ــتقطاع م ــن األراض ــي املصري ــة‪ ،‬مقاب ــل حص ــول مص ــر عل ــى‬ ‫أراض بديلـــة يف صحـــراء النقـــب التـــي تســـيطر إســـرائيل عليهـــا‪.‬‬ ‫لتصبـــح مســـاحة غـــزة حوالـــي ‪2000‬كـــم‪ ،2‬تقـــام عليهـــا دولـــة‬ ‫فلس ــطينية منزوع ــة الس ــالح‪ ،‬وتبق ــى امل ــدن الفلس ــطينية يف الضف ــة‬ ‫الغربي ــة حت ــت إدارة ذاتي ــة فلس ــطينية‪ ،‬مقاب ــل تن ــازل الفلس ــطينين‬ ‫ع ــن مطالبه ــم بدول ــة مس ــتقلة عل ــى ح ــدود ‪67‬م‪...‬؟! وال نظ ــن أن‬ ‫الفلس ــطينين‪ ،‬قي ــادة وش ــع ًبا‪ ،‬يقبل ــون به ــذا احل ــل اإلس ــرائيلي‪ ،‬أو‬ ‫أي ح ــل مش ــابه‪ ،‬ال يحق ــق له ــم احلص ــول عل ــى احل ــد األدن ــى م ــن‬ ‫حقوقه ــم املش ــروعة‪ ...‬حت ــى ل ــو ح ــاول ترم ــب تس ــويقه‪.‬‬

‫موقف المملكة العربية السعودية من القضية الفلسطينية‪:‬‬ ‫كعادتهـا يف االبتـزاز والتدليـس‪ ،‬تشـيع إسـرائيل أن اململكـة العربيـة‬ ‫السـعودية‪ ،‬ودول عربيـة (معتدلـة) أخـرى سـتقيم عالقـات طبيعيـة مـع‬ ‫إسـرائيل‪ ...‬حتـى مـع عـدم قبـول إسـرائيل ملبـادرة السـالم العربيـة ‪/‬‬ ‫العامليـة‪ .‬وذلـك مـن قبيـل التعـاون‪" ...‬ملواجهـة عـدو مشـترك‪ ...‬هـو‬ ‫إيـران"‪...‬؟! وتلـك إشـاعة ال أسـاس لهـا مـن الصحـة‪ .‬فاململكة العربية‬ ‫السعودية‪ ،‬حكومة وشع ًبا‪ ،‬تقف بقوة وصالبة مع حق الفلسطينين يف‬ ‫أرضهم‪ ،‬وترفض بكل قوة الهيمنة الصهيونية املبيتة على املنطقة‪ .‬ولن‬ ‫تقيم اململكة أي عالقة طبيعية مع الكيان الصهيوني‪ ،‬إال إذا استجابت‬ ‫إسـرائيل وقبلـت ونفـذت كامـل بنـود مبـادرة السـالم املشـار اليها‪.‬‬ ‫فمنــذ النكبــة‪ ،‬وقفــت اململكــة الــى جانــب أشــقائها الفلســطينين‪،‬‬ ‫رافضــة احتــالل بالدهــم‪ ،‬واغتصــاب أرضهــم‪ ،‬مــن قبــل هــذه‬ ‫العصابــات الصهيونيــة اإلجراميــة‪ ،‬وباذلــة الــدم واجلهــد واملــال‬ ‫لنصــرة القضيــة الفلســطينية‪ ،‬ودائمــا‪ ،‬وفــى كل احملافــل‪ .‬وهــذا‬ ‫املوقــف الســعودي هــو موقــف مبدئــي‪ ،‬ال مســاومة وال مزايــدة‬ ‫عليــه‪ .‬وهــو نابــع مــن كــون اململكــة موئــل العروبــة واإلســالم‪ ،‬والســند‬ ‫الرئيــس للعاملــن العربــي واإلســالمي‪ ،‬والداعــم األول لــكل القضايــا‬ ‫العربيــة واإلســالمية‪ ،‬وفــى مقدمتهــا القضيــة الفلســطينية‪.‬‬ ‫يهــم اململكــة حتريــر ثالــث احلرمــن الشــريفن‪ ،‬املســجد‬ ‫األقصــى‪ ،‬مــن دنــس االحتــالل الصهيونــي‪ ،‬وقيــام الدولة الفلســطينية‬ ‫املســتقلة بعاصمتهــا القــدس الشــرقية‪ .‬وكل الدالئــل تشــير إلــى أن‬ ‫هــذا املوقــف الســعودي ثابــت‪ ،‬ولــن يتزحــزح‪.‬‬ ‫* أﺳــﺘﺎذ اﻟﻌﻠــﻮم اﻟﺴﻴﺎﺳــﻴﺔ ﺟﺎﻣﻌــﺔ اﳌﻠــﻚ ﻋﺒــﺪ اﻟﻌﺰﻳــﺰ‪ ،‬ﻋﻀــﻮ ﻣﺠﻠــﺲ‬ ‫اﻟﺸــﻮرى اﻟﺴــﻌﻮدي ﺳــﺎﺑﻘًﺎ‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫وبينمــا تتمســك القيــادة الفلســطينية يف رام اهلل بـــ "حــل‬ ‫الدولتــن"‪ ،‬فــإن هــذه القيــادة أعلنــت مؤخـ ًرا وصراحــة‪ ،‬أنهــا ال متانــع‬ ‫يف قبــول "حــل الدولــة الواحــدة "‪ ...‬شــريطة أن تكــون هنــاك مســاواة‬ ‫بــن كل مواطنيهــا‪ ،‬ســوا ًء كانــوا يهــو ًدا أو فلســطينين‪ .‬ولكــن إســرائيل‬ ‫ترفــض بشــدة حــل الدولــة الواحــدة املســاوية فيمــا بــن مواطنيهــا يف‬ ‫احلقــوق والواجبــات‪ ...‬ممــا يؤكــد "عنصريــة" إســرائيل‪ ،‬وإصرارهــا‬ ‫علــى أن تكــون دولــة لليهــود فقــط‪ ...‬ال يســمح فيهــا لغيــر الصهاينــة‬ ‫باإلقامــة‪ ،‬إال رمبــا كمواطنــن مــن الدرجــة الدنيــا‪ .‬وكل ذلــك يكشــف‬ ‫وجــه إســرائيل القبيــح‪ ،‬ويؤكــد عدوانيتهــا‪ ،‬وعنصريتهــا املقيتــة‪.‬‬ ‫إســرائيل ترفــض‪ ،‬إذا‪" ،‬حــل الدولتــن"‪ ،‬ســواء العربــي أو األممي‪،‬‬ ‫لرفضهــا قيــام دولــة فلســطينية مســتقلة‪ ،‬يعيــش‬ ‫فيهــا الشــعب الفلســطيني الــذي شــرد‪ ،‬واحتلــت‬ ‫أرضــه‪ .‬كمــا ترفــض "حــل الدولــة الواحــدة" التــي‬ ‫يعيــش فيهــا اليهــود والعــرب كمواطنــن متســاوي‬ ‫احلقــوق والواجبــات‪ ...‬ألنهــا تريــد إقامــة دولــة‬ ‫يهوديــة عنصريــة خالصــة‪ ،‬وعلــى حســاب شــعب‬ ‫بأكملــه‪.‬‬ ‫ولاللتفــاف علــى هــذه املبــادرات واحللــول‬ ‫الســلمية املقترحــة‪ ،‬قدمــت إســرائيل حـ ً‬ ‫ال‪ ...‬يتمثــل‬ ‫يف‪ :‬احتفــاظ إســرائيل بكامــل فلســطن‪ً ،‬‬ ‫أرضــا‬ ‫وســكا ًنا‪ ...‬مــع إقامــة "كانتونــات" (تســميها "إمــارات") فلســطينية‬ ‫متناثــرة يف الضفــة الغربيــة وغــزة‪ ،‬يقيــم الفلســطينيون يف كل‬ ‫منهــا‪ ...‬دون رابــط قومــي ووطنــي واحــد‪ ...‬وبحيــث يســمح لــكل‬ ‫كانتــون مبمارســة احلكــم احمللــى علــى أرضــه‪!...‬‬ ‫وهــذا "احلــل" يذكــر بدولــة "جنــوب إفريقيــا" العنصريــة ســيئة‬ ‫الذكــر‪ .‬وهــي الدولــة الهالكــة التــي اندثــرت‪ ،‬وزالــت إلــى غيــر‬ ‫رجعــة‪ ...‬حتــت أقــدام املقاومــة اإلفريقيــة والدوليــة النزيهــة لهــا‪.‬‬ ‫والفلســطينيون‪ ،‬والغالبيــة الســاحقة مــن العــرب‪ ،‬ترفــض ‪-‬بالطبــع‪-‬‬ ‫حــل الدولــة ذات الكانتونــات العنصريــة‪ .‬والعجيــب أن إســرائيل ال‬ ‫تخجــل مــن اقتــراح هــذا احلــل‪ ،‬الــذي ينــم عــن عدوانيــة حاقــدة‬ ‫وعنصريــة باليــة‪ ،‬وإصــرار مقيــت علــى عــدم إعطــاء الفلســطينين‬ ‫حقوقهــم املشــروعة‪ ،‬أو احلــد األدنــى مــن هــذه احلقــوق‪ ،‬التــي‬ ‫ســلبتها إســرائيل بــكل وقاحــة‪.‬‬ ‫يبقــى علــى األطــراف النزيهــة يف املجتمــع الدولــي مســؤولية‬ ‫إنصــاف الشــعب الفلســطيني مــن هــذا الظلــم الصهيونــي القاهــر‪،‬‬ ‫ومتكــن الشــعب الفلســطيني‪ ،‬بعــد هــذه العقــود مــن التشــرد‬ ‫واملعانــاة‪ ،‬مــن احلصــول علــى احلــد االدنــى مــن حقوقــه املشــروعة‬ ‫يف أرضــه‪ ،‬والــذي يتمثــل يف أحــد وضعــن‪ :‬إمــا "حــل الدولتــن"‪،‬‬ ‫وقيــام دولــة فلســطينية مســتقلة بعاصمتهــا القــدس الشــرقية علــى‬ ‫كامــل األراضــي التــي احتلتهــا إســرائيل عــام ‪1967‬م‪ ،‬وإمــا إقامــة‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪57‬‬

‫ملف العدد‬

‫دولــة دميقراطيــة واحــدة‪ ...‬يعيــش فيهــا الشــعبان اإلســرائيلي‬ ‫والفلســطيني كمواطنــن متســاوي احلقــوق والواجبــات‪.‬‬ ‫ومــا زالــت األنظــار متجهــة إلــى أميــركا ودول الغــرب‪ ،‬التــي لديهــا‬ ‫مفاتيح حل هذه املأساة‪ ...‬والتي رمبا تدرك اآلن أن إسراعها يف وضع‬ ‫حــل ينهــي هــذه املأســاة لــن يكــون مراعــاة العتبــارات إنســانية وخيريــة‬ ‫وحسب‪ ،‬بل ولإلسهام يف استتباب األمن والسلم االقليمين والدولين‪،‬‬ ‫ومبــا يصــب يف نهايــة األمــر يف مصلحــة هــذا الغــرب‪ ،‬وكل العالــم‪.‬‬

‫موقف أمريكا الراهن‪:‬‬ ‫ومــا زال الشــعب الفلســطيني يتطلــع نحــو األطــراف النزيهــة‬ ‫يف املجتمــع الدولــي‪ ،‬راج ًيــا منهــا حتمــل مســؤولية‬ ‫إنصافــه مــن هــذا الظلــم الصهيوني القاهــر‪ ،‬ومتكينه‪،‬‬ ‫بعــد هــذه العقــود مــن التشــرد واملعانــاة‪ ،‬مــن احلصــول‬ ‫علــى احلــد األدنــى مــن حقوقــه املشــروعة يف أرضــه‪،‬‬ ‫والــذى يتمثــل ‪-‬بصفــة رئيســة‪ -‬يف أحــد وضعــن‪:‬‬ ‫إمــا "حــل الدولتــن"‪ ،‬وقيــام دولــة فلســطينية مســتقلة‬ ‫بعاصمتهــا القــدس الشــرقية علــى كامــل األراضــي‬ ‫التــي احتلتهــا إســرائيل عــام ‪1967‬م‪ ،‬وإمــا إقامــة‬ ‫دولــة دميقراطيــة واحــدة‪ ...‬يعيــش فيهــا الشــعبان‬ ‫اإلســرائيلي والفلســطيني كمواطنــن متســاوي‬ ‫احلقــوق والواجبــات‪ .‬أمــا احللــول "الترقيعيــة" فلــن تكــون حلــوالً‪ .‬وال‬ ‫يجــب أن تشــكل املســتوطنات اإلســرائيلية عقبــة مقصــودة‪ ،‬الن هــذه‬ ‫املســتوطنات غيــر مشــروعة أصــ ً‬ ‫ال‪.‬‬ ‫وتظــل األنظــار متجهــة إلــى أمريــكا ودول الغــرب املتنفــذ‬ ‫األخــرى‪ ،‬التــي لديهــا مفاتيــح حــل هــذه املأســاة‪ ...‬والتــي رمبــا‬ ‫تــدرك اآلن أن إســراعها يف وضــع حــل ينهــى هــذه املأســاة لــن يكــون‬ ‫العتبــارات إنســانية وخيريــة وحســب‪ ،‬بــل ولإلســهام يف اســتتباب‬ ‫األمــن والســلم اإلقليميــن والدوليــن‪ ،‬ومبــا يصــب يف نهايــة األمــر يف‬ ‫مصلحــة الغــرب‪ ،‬وكل العالــم‪.‬‬ ‫وكمــا هــو معــروف‪ ،‬فــإن أمريــكا تلعــب الــدور الرئيــس يف هــذه‬ ‫القضيــة ‪ /‬املأســاة‪ ...‬بســبب كونهــا الدولــة العظمــى األولــى حال ًيــا‪،‬‬ ‫والداعــم األكبــر للكيــان الصهيونــي‪ .‬بــل أن العالقــة األمريكيــة ‪-‬‬ ‫اإلســرائيلية جتــاوزت الدعــم والتأييــد إلــى التحالــف الفعلــي الوثيــق‪.‬‬ ‫وهــذا الدعــم األمريكــي املطلــق واألعمــى وضــع إســرائيل فــوق كل‬ ‫القوانــن واألعــراف الدوليــة‪ ،‬وأطلــق يدهــا‪ ...‬لتعمــل مــا تشــاء‪ ،‬دون‬ ‫حســيب أو رقيــب يحاســبها‪ ،‬ويعاقبهــا‪.‬‬ ‫ومعــروف أن الرؤســاء األمريكيــن الســابقن‪ ،‬بــد ًءا مــن‬ ‫كلينتــون‪ ،‬ثــم جــورج بــوش االبــن‪ ،‬فأوبامــا‪ ،‬كانــوا يعلنــون أنهــم مــع‬ ‫حــل الدولتــن‪ ،‬وادعــوا أنهــم عمــدوا حكوماتهــم بالعمــل علــى إنفــاذ‬ ‫هــذا احلــل‪ .‬ولكــن هــذا كان مجــرد ادعــاء‪ .‬إذ لــم يبــذل أي رئيــس‬

‫إســـرائيل ترفـــض‬ ‫مبادرة الســام العربية‬ ‫وحــل الدولتين وتعلن‬ ‫بوقاحة منقطعة النظير‬ ‫رفـضـهـــا للـمـبـادرتين‬

‫‪56‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫يف خططهــا الراميــة لالســتيالء علــى كامــل فلســطن‪ ،‬عبر االســتيطان‬ ‫وغيــره‪ ،‬وحرمــان الشــعب الفلســطيني مــن حقوقــه يف وطنــه‪ .‬وهنــاك‬ ‫مبــادرات تظاهــرت إســرائيل بقبولهــا‪ ...‬ثــم أتبعــت أســلوب املماطلــة‬ ‫الصهيونيــة املعروفــة‪ ،‬لكســب الوقــت‪ ،‬ومــن ثــم وأد تلــك املبــادرات‪.‬‬ ‫ولكــن‪ ،‬هنــاك مبــادرات دوليــة لــم تســتطع إســرائيل وأدهــا‬ ‫كغيرهــا‪ ،‬رغــم أنهــا أعلنــت رفضهــا لهــا مــرا ًرا وتكــرا ًرا‪ ،‬ورغــم قبــول‬ ‫الفلســطينين والعــرب بهــا‪ .‬ولكــن قــوى نزيهــة يف املجتمــع الدولــي‬ ‫حتــرص علــى دعمهــا‪ ،‬وحتــاول فرضهــا علــى إســرائيل‪ ،‬التي تســتقوي‬ ‫بداعميهــا‪ ،‬وفــى مقدمتهــم أمريــكا‪ ،‬لرفضهــا واســتبعادها‪ .‬وأهــم هذه‬ ‫املبــادرات (املتشــابهة) مبادرتــي "الســالم العربيــة"‪ ،‬واملبــادرة الدوليــة‬ ‫"األمميــة" التــي تســمى بـــ "حــل الدولتــن"‪.‬‬ ‫بالنســبة ملبــادرة الســالم العربيــة‪ ،‬فقــد أقرهــا مؤمتــر القمــة‬ ‫العربيــة‪ ،‬املنعقــد يف بيــروت ســنة ‪2002‬م‪ .‬وهــي تهــدف إلــى‪:‬‬ ‫إنشــاء دولــة فلســطينية مســتقلة ومعتــرف بهــا دول ًيــا علــى حــدود‬ ‫ســنة ‪1967‬م‪ .‬وتتضمــن‪ :‬التوصــل إلــى حــل عــادل ملشــكلة الالجئــن‬ ‫الفلســطينين‪ ،‬يتفــق عليــه وف ًقــا لقــرار اجلمعيــة العامــة لــأمم‬ ‫املتحــدة رقــم ‪ ،194‬ورفــض كل أشــكال التوطــن الفلســطيني الــذي‬ ‫يتنافــى والوضــع اخلــاص يف البلــدان العربيــة املضيفــة‪ ،‬واالنســحاب‬ ‫مــن هضبــة اجلــوالن‪ ،‬وكل األراضــي التــي احتلتهــا إســرائيل عــام‬ ‫‪1967‬م‪ ،‬ومــا بعدهــا‪ .‬وذلــك مقابــل اعتراف الدول العربية بإســرائيل‪،‬‬ ‫وتطبيــع العالقــات معهــا‪ ،‬وإنهــاء الصــراع العربــي ‪ -‬اإلســرائيلي‪.‬‬ ‫أمــا "حــل الدولتــن"‪ ،‬فهــو مشــابه ملضمــون مبــادرة الســالم‬ ‫العربيــة‪ .‬ويهــدف إلقامــة دولتــن‪ ،‬بــدالً مــن دولــة واحــدة علــى أرض‬ ‫فلســطن التاريخيــة‪ ،‬همــا‪ :‬دولــة فلســطن ودولــة إســرائيل‪ .‬وهــو‬ ‫مســتمد مــن قــرار مجلــس األمــن الدولــي رقــم ‪ 242‬لعــام ‪1967‬م‪.‬‬ ‫وأعتمــد كمرجعيــة للمفاوضــات الشــهيرة التــي جــرت يف أوســلو عــام‬ ‫‪1993‬م‪ ،‬بــن منظمــة التحريــر الفلســطينية وإســرائيل‪ ،‬والتــي متخــض‬ ‫عنهــا االعتــراف املتبــادل بــن هذيــن الطرفــن‪ .‬إنــه يعنــي‪ :‬إقامــة دولــة‬ ‫فلســطينية مســتقلة ضمــن حــدود ‪1967‬م‪ ،‬أي علــى مــا يعــادل ‪ %23‬من‬ ‫أرض فلســطن‪ .‬وهنــاك شــبه إجمــاع دولــي بــأن علــى إســرائيل إنهــاء‬ ‫احتاللهــا للضفــة الغربيــة وقطــاع غــزة‪ ،‬وقبــول قيــام دولــة فلســطن‬ ‫علــى هــذه األراضــي التــي تعتبــر ‪-‬دول ًيــا‪ -‬محتلــة مــن قبــل إســرائيل‪.‬‬ ‫ومــن ذلــك‪ ،‬نــرى أن معظــم الفلســطينين والعــرب‪ ،‬ومعظــم‬ ‫دول العالــم‪ ،‬تدعــو حلــل هــذا الصــراع‪ ،‬والــذي هــو أص ـ ً‬ ‫ال عــدوان‬ ‫صــارخ علــى الفلســطينين والعــرب‪ ،‬بإقامــة دولــة فلســطينية مســتقلة‬ ‫علــى األراضــي املذكــورة‪ ،‬بجانــب إســرائيل‪ ،‬وحــل مشــكلة الالجئــن‬ ‫الفلســطينين ح ـ ً‬ ‫ال عــادالً‪ ،‬وإبــرام معاهــدة ســالم دائــم بــن العــرب‬ ‫وإســرائيل‪ .‬وهــذا مــا تؤكــد عليــه مــا يســمى بـــ " اللجنــة الرباعيــة‬ ‫الدوليــة" (املنحــازة إلســرائيل) التــي شــكلت‪ ،‬مــن قبــل مجلــس األمــن‪،‬‬ ‫للمســاهمة يف حــل هــذا الصــراع‪...‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫وكمــا يالحــظ القــارئ‪ ،‬قلنــا أن "معظــم" الفلســطينين والعــرب‬ ‫والعالــم مــع هــذا احلــل‪ .‬وممــا يؤكــد ذلــك هــو الوثيقــة السياســية التــي‬ ‫أصدرتهــا حركــة حمــاس يــوم ‪ 1‬مايــو ‪2017‬م‪ ،‬التــي أعلنهــا الســيد خالد‬ ‫مشــعل رئيــس املكتــب السياســي الســابق حلركــة حمــاس‪ ،‬والتــي "تؤيــد‬ ‫إقامــة دولــة فلســطينية انتقاليــة علــى حــدود ‪1967‬م"‪ .‬صحيــح‪ ،‬أن هذه‬ ‫الوثيقــة تدعــو‪" :‬لتحريــر فلســطن‪ ...‬لكنهــا على اســتعداد لتأييــد إقامة‬ ‫دولة فلســطينية مســتقلة على حدود ‪1967‬م"‪ ...‬كما أشــار مشــعل إلى‬ ‫أن‪" :‬احلركــة ال تريــد تدميــر إســرائيل‪ ،‬وأن قبــول حــدود ‪ 67‬يأتــي يف‬ ‫إطــار العمــل الوطنــي الــذي يجــب احملافظــة عليه‪ ،‬وتطويــره"‪ .‬كما أعلن‬ ‫مشــعل فــك ارتبــاط حركتــه بجماعــة اإلخــوان املســلمن‪ .‬ومــا جــاء يف‬ ‫أساســا للمصاحلــة املأمولــة بــن حمــاس‬ ‫هــذه الوثيقــة ميكــن أن يشــكل‬ ‫ً‬ ‫وحركــة "فتــح"‪ ،‬رغــم أن البعــض يــرى العكــس‪.‬‬ ‫ولكــن‪ ،‬مــاذا تريــد إســرائيل؟! ترفــض إســرائيل‪ ،‬وبخاصــة‬ ‫اليمــن اإلســرائيلي‪ ،‬بشــدة‪ ،‬مبــادرة الســالم العربيــة‪ ،‬وكذلــك "حــل‬ ‫الدولتــن" األمميــة‪ .‬فهــي ترفــض بقــوة إقامــة دولــة فلســطينية‬ ‫بجانــب إســرائيل‪ .‬لذلــك‪ ،‬تعلــن مــرا ًرا وتكــرا ًرا‪ ،‬وبوقاحــة منقطعــة‬ ‫النظيــر‪ ،‬رفضهــا للمبادرتــن‪ ...‬ألن كل منهمــا تســتوجب قيــام دولــة‬ ‫فلســطينية مســتقلة‪ ،‬جن ًبــا إلــى جنــب مــع إســرائيل‪ .‬ورغــم بقــاء‬ ‫هاتــن املبادرتــن‪ ،‬وجناتهمــا مــن اخلبــث الصهيونــي‪ ،‬إال أن ك ً‬ ‫ال‬ ‫منهمــا تتعــرض‪ ،‬مــن حــن آلخــر‪ ،‬لضغوطــات‪ ،‬ومحــاوالت محمومــة‬ ‫لتغييــر جوهــر كل منهمــا‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬تبقــى املبادرتــان‪ ،‬املتشــابهتان‬ ‫ألكبــر حــد‪ ،‬مطروحتــان يف الســاحتن اإلقليميــة والعامليــة‪ ...‬كحــل‬ ‫شــبه عــادل لهــذه املأســاة‪ ،‬الناجمــة عــن عــدوان صهيونــي شــرس‪.‬‬

‫أما من نهاية‪...‬؟!‬ ‫تبــذل احلكومــات اإلســرائيلية املتعاقبــة قصــارى جهدهــا تصفيــة‬ ‫القضيــة الفلســطينية متا ًمــا‪ ،‬وعبــر كل الوســائل املمكنــة‪ ،‬ومــن ذلــك‪:‬‬ ‫االلتفــاف علــى املبــادرات العديــدة الراميــة لوضــع حــل ســلمى‪،‬‬ ‫ونهايــة‪ ،‬ملأســاة الشــعب الفلســطيني‪ ،‬وتواصــل الســعي لتمييعهــا‪...‬‬ ‫واملضــي قد ًمــا يف خططهــا الراميــة لالســتيالء علــى كامــل فلســطن‪،‬‬ ‫عبــر االســتيطان وغيــره‪ ،‬وحرمــان الشــعب الفلســطيني مــن حقوقــه‬ ‫يف وطنــه‪ .‬ومــا زالــت تتبــع أســلوب املماطلــة الصهيونيــة املعروفــة‪،‬‬ ‫لكســب الوقــت‪ ،‬ومــن ثــم وأد تلــك املبــادرات‪.‬‬ ‫ولكــن‪ ،‬هنــاك ‪-‬كمــا قلنــا‪ -‬مبــادرات دوليــة لــم تســتطع إســرائيل‬ ‫وأدهــا كغيرهــا‪ ،‬رغــم أنهــا أعلنــت رفضهــا لهــا مــرا ًرا وتكــرا ًرا‪ ،‬ورغــم‬ ‫قبــول الفلســطينين والعــرب بهــا‪ .‬ولكــن القــوى النزيهــة يف املجتمــع‬ ‫الدولــي تصــر علــى دعــم هــذه املبــادرات‪ ،‬وحتــاول فرضهــا علــى‬ ‫إســرائيل‪ ،‬التــي تســتقوي بداعميهــا‪ ،‬لرفضهــا واســتبعادها‪ .‬وأهــم‬ ‫هــذه املبــادرات (املتشــابهة) تظــل مبادرتــي "الســالم العربيــة"‪،‬‬ ‫واملبــادرة الدوليــة "األمميــة" التــي تســمى بـــ "حــل الدولتــن"‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪55‬‬

‫ملف العدد‬

‫كل املنطقــة ‪ ...‬وبصــرف النظــر عــن وضــع " احلــدود" التــي ستســتقر‬ ‫عليهــا ‪-‬يف النهايــة ‪-‬دويلــة إســرائيل‪.‬‬ ‫ويف إحصائيــة نشــرت مؤخـ ًرا‪ ،‬تبــن أن مجمــوع الفلســطينين يف‬ ‫العالــم يف نهايــة العــام ‪2016‬م‪ ،‬يصــل إلــى ‪ 12706000‬نســمة تقري ًبــا‪.‬‬

‫منهــم ‪ 6416000‬يعيشــون اآلن داخــل فلســطن احملتلــة عــام ‪1948‬م‪،‬‬ ‫وفــى الضفــة الغربيــة وقطــاع غــزة‪ ،‬مبــا نســبته ‪ %50,5‬مــن مجموعهــم‪.‬‬ ‫بينمــا يعيــش حوالــى ‪ 6290000‬نســمة‪ ،‬مبــا نســبته ‪ %49,5‬مــن‬ ‫الفلســطينين‪ ،‬يف بــالد عربيــة وأجنبيــة‪ ،‬كمــا يوضــح البيــان التالــي‪:‬‬

‫ومــن املؤســف واحملــزن أن نــرى بعــض العــرب اآلن وهــم يســاهمون‬ ‫–س ـ ًرا‪ ،‬وأحيا ًنــا عل ًنــا‪ -‬يف متكــن إســرائيل مــن حتقيــق أهدافهــا يف‬ ‫األرض العربيــة‪ .‬ونقــرأ لبعــض العــرب معارضتهــم ‪-‬صراحــة وضم ًنــا‪-‬‬ ‫اعتبــار املأســاة الفلســطينية القضيــة العربيــة املركزيــة‪ ،‬والتشــكيك‬ ‫والتهكــم مــن هــذا االهتمــام العربي بفلســطن‪ ،‬وجعلها القضيــة األولى‬ ‫لأمــة العربيــة‪ .‬وال شــك أن هــذا الفكــر االنعزالــي يتماهــى ويتناغــم‬ ‫واألهــداف الصهيونيــة – االســتعمارية الرهيبــة يف األرض العربيــة‪.‬‬ ‫لقـد أمسـى "االهتمـام" العربـي بالعـدوان الصهيونـي علـى األمـة‬ ‫العربيـة (‪2017‬م) أقـل كثيـ ًرا مـن السـابق‪ ،‬وممـا يجـب‪ ،‬وعلـى كل‬ ‫املستويات العربية‪ .‬إنه اليأس‪ ،‬واإلحباط‪ .‬إضافة إلى إنشغال معظم‬ ‫العرب اآلن بأنفسهم‪ ،‬ومبا يجري يف ديارهم‪ ،‬ومن حولهم‪ ،‬من أحداث‬ ‫جلل‪ ،‬وتطورات تدفع للتشاؤم‪ ،‬وليس األمل‪ .‬فهذه األحداث املتالحقة‬ ‫واملتسـارعة متـس حياتهـم مباشـرة‪ ،‬وتهـدد أمنهـم‪ ،‬بـل وبقاءهـم‪ .‬ومـن‬ ‫الطبيعـي‪ ،‬واملنطقـي‪ ،‬أن يهتـم اإلنسـان بأمنـه وبقائـه أوالً‪ ،‬وقبـل‬

‫االهتمـام بـأي خطـر‪ ،‬أو تهديـد غيـر مباشـر‪ ،‬وغيـر حـال‪ .‬ولعـل ذلـك‬ ‫هـو السـبب الرئيـس يف تدنـي احلـذر واالهتمـام العربـي ـــ بصفة عامة‬ ‫ـــ مبـا تفعلـه إسـرائيل يوم ًيـا ضـد الفلسـطينين‪ ،‬وضـد األمـة قاطبـة‪.‬‬ ‫واملؤمـل أال ينسـى العـرب أن اخلطـر الصهيونـي يفـوق كل األخطـار‪،‬‬ ‫ألنـه‪ ،‬ببسـاطة‪ ،‬يسـهم يف خلـق معظـم هـذه األخطـار التـي يواجهونهـا‪.‬‬

‫الحلول المطروحة‪:‬‬ ‫منذ قيام إسرائيل يف عام ‪1948‬م‪ ،‬طرحت العشرات من مبادرات‬ ‫"الســالم" حلــل هــذه املعضلــة‪ ،‬وإنهــاء مأســاة الشــعب الفلســطيني‪،‬‬ ‫التــي جنمــت عــن قيــام إســرائيل‪ ،‬وانــدالع الصــراع الفلســطيني‬ ‫ الصهيونــي‪ ،‬والصــراع العربــي ‪ -‬اإلســرائيلي‪ .‬وال يــكاد ميــر عــام‬‫واحــد دون اإلعــالن عــن " مبــادرة ســالم " جديــدة‪ ،‬مــن هــذا الطــرف‬ ‫الدولــي أو ذاك‪ .‬وقــد عملــت احلكومــات اإلســرائيلية املتعاقبــة علــى‬ ‫االلتفــاف علــى كل هــذه املبــادرات‪ ،‬والســعي لتمييعهــا‪ ...‬واملضــي قد ًما‬

‫‪54‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تزعـــم إســـرائيل أنهـــا ســـتقيم عاقـــات مـــع الســـعودية وهـــذه إشـــاعة كاذبـــة‬

‫مــأســ ــاة فــلـسـطـيـ ــن‪ :‬نـكـبـ ــة الـعـ ــرب‬ ‫والـحــــلول الـمـطـروحــــة ‪....‬؟؟‬ ‫فلســطن‪ ...‬قلــب الوطــن العربــي‪ ،‬ونقطــة الوصــل األولــى بــن مشــرقه ومغربــه‪ ...‬باإلضافــة إلــى كونهــا مركــز منطقــة الوصل بن‬ ‫قــارات العالــم القــدمي الثــالث‪ :‬آســيا‪ ،‬وإفريقيــا‪ ،‬وأوروبــا‪ ..‬فلســطن‪ ...‬إحــدى درر الشــرق‪ ،‬وأحــد أعــز األقطــار العربيــة‪ ...‬البلــد‬ ‫التــي تضــم " زهــرة املدائــن"‪ ،‬وأولــى القبلتــن (بالنســبة للمســلمن) وثالــث احلرمــن الشــريفن‪ ...‬أوشــك الصهاينــة‪ ،‬القادمــون‬ ‫مــن شــتى بقــاع األرض‪ ،‬علــى إكمــال اغتصابهــا‪ ،‬ومصادرتهــا –متا ًمــا– وإلــى أجــل غيــر مســمى‪ .‬ولــم يكتــف الصهاينــة باقتطــاع‬ ‫هــذا اجلــزء الغالــي مــن اجلســد العربــي‪ ،‬بــل إنهــم جعلــوا هــذه األرض منطل ًقــا للكيــد لهــذه األمــة‪ ،‬والهيمنــة عليهــا‪ ،‬واإلضــرار‬ ‫مبصاحلهــا‪ ،‬وضــرب حضارتهــا‪ .‬أصبحــت فلســطن ‪-‬بوجــود الدولــة الصهيونيــة فيهــا – قاعــدة متقدمــة ألعــداء األمــة العربيــة‬ ‫واإلســالمية‪ ،‬ويف عقــر دار هــذه األمــة‪ .‬وتلــك "حقائــق" دامغــة ‪ ...‬تدحــض حتذلقــات" املتصهينــن"‪ ،‬مــن العــرب والعجــم‪ ،‬والتــي‬ ‫أخــذت تتزايــد مؤخـ ًرا‪ ،‬وال عجــب‪ ،‬ألننــا يف العصــر العربــي الــرديء‪ .‬وحســب تقســيم ســايكس ‪ -‬بيكــو (البريطانــي – الفرنســي)‬ ‫احلــدودي للعالــم العربــي يف نهايــة احلــرب العامليــة الثانيــة‪ ،‬أصبــح مــا يعــرف بـ "فلســطن" ميتد من لبنان شــماالً‪ ،‬املتوســط غر ًبا‪،‬‬ ‫إلى جنوب ســوريا والبحر امليت (واألردن) شــر ًقا‪ .‬وتبلغ مســاحة فلســطن هذه كاملة ‪ 26.323‬كيلومت ًرا مرب ًعا‪ .‬أي أنها مســاحة‬ ‫صغيــرة (نســب ًيا)‪ .‬ولكــن كل شــبر فيهــا يعبــق بالتاريــخ وبالعراقــة‪ ،‬ويفــوح باألهميــة اخلاصــة‪.‬‬

‫د‪ .‬صدقه يحيى فاض ـ ـ ـ ـ ـ ــل‬ ‫ومنــذ عــام ‪1948‬م‪ ،‬وحتــى قبيــل ‪ 6‬يونيــو ســنة ‪1967‬م‪ ،‬كانــت‬ ‫إســرائيل حتتــل ‪ 20.153‬كــم‪ ، 2‬مــن فلســطن‪ .‬أي مــا يعــادل ‪%77‬‬ ‫مــن كل مســاحة هــذا القطــر‪ .‬وبقيــت " الضفــة الغربيــة "‪ ،‬التــي تبلــغ‬ ‫مســاحتها ‪5800‬كــم‪ ،2‬حتــت اإلدارة األردنيــة‪ ،‬بينمــا تبلــغ مســاحة قطــاع‬ ‫غــزة ‪365‬كــم‪ ،2‬ووضــع حتــت اإلدارة املصريــة‪ ،‬كمــا هــو معــروف‪ .‬وبهذا‪،‬‬ ‫نــرى أن مجمــوع مســاحة الضفــة الغربيــة وقطاع غــزة هو ‪6165‬كــم‪... 2‬‬ ‫أي مــا يعــادل ‪ %23‬فقــط‪ ،‬مــن كل مســاحة فلســطن‪.‬‬ ‫ومعــروف‪ ،‬أن أهــم " أســس" التســوية الســلمية‪ ،‬واملنشــودة عرب ًيــا‬ ‫وعامل ًيــا‪ ،‬وحتــى فلســطين ًيا‪ ،‬هــي‪ :‬أن تنســحب إســرائيل مــن كل‬ ‫األراضــي التــي احتلتهــا عــام ‪1967‬م‪ ...‬أي مــن كامــل الضفــة الغربيــة‬ ‫وقطــاع غــزة‪ ،‬ومنطقــة اجلــوالن الســورية‪ ،‬وأن متكــن الفلســطينين‬ ‫مــن إقامــة دولتهــم املســتقلة واخلاصــة بهــم‪ ،‬علــى الضفــة والقطــاع‬ ‫(حــل الدولتــن) ‪ ...‬أي علــى ‪ %23‬فقــط مــن مســاحة فلســطن‬ ‫الكليــة‪ .‬وهــذا يعنــي‪ :‬إعطــاء " إســرائيل" ‪ %77‬مــن أرض فلســطن‪...‬‬ ‫لتكــون عليهــا الدولــة الصهيونيــة‪ ،‬املكونــة مــن يهــود مهاجريــن مــن‬ ‫شــتى بقــاع املعمــورة‪.‬‬

‫ولكــن الصهاينــة لــم يرضــوا حتى بذلك ‪ ....‬إذ أنهم يســعون البتالع‬ ‫كامــل فلســطن‪ ،‬وإبــادة وتشــريد أكبــر عــدد ممكــن مــن الفلســطينين‪،‬‬ ‫والســماح ملــن بقــي منهــم بإقامــة "محميــات " متفرقــة فقــط‪ ،‬يف الضفــة‬ ‫والقطــاع‪ ،‬وحرمانهــم مــن أن تكــون لهــم دولة حقيقية خاصة بهــم‪ .‬بل أن‬ ‫خطــة غــالة الصهيونيــة تســتهدف ‪-‬كمــا هــو معــروف‪ " -‬التوســع " ألبعد‬ ‫مــن فلســطن بكثيــر (مــن النيل إلــى الفــرات)‪...‬؟!‬ ‫هــذا‪ ،‬إضافــة إلــى الرغبــة الصهيونيــة اجلامحة يف الســيطرة على‬ ‫كامل املنطقة العربية‪ ،‬ســواء عبر التوســع اجلغرايف (ملا بعد فلســطن)‬ ‫أو بــدون ذلــك التوســع (واالكتفــاء بكامــل فلســطن‪ ،‬أو معظمها فقط)‪.‬‬ ‫ويســود اآلن‪ ،‬يف الوســط السياســي اإلســرائيلي توجه اســتراتيجي ‪....‬‬ ‫ينــادي باحتفــاظ إســرائيل مبنطقــة اجلــوالن الســورية‪ ،‬وكذلــك مبعظم‬ ‫الضفــة الغربيــة (وعــدم الســماح بقيــام دولــة فلســطينية) ألســباب‬ ‫أمنيــة‪ ،‬أو" دفاعيــة"‪ ،‬كمــا يقــول أنصــار هــذا التوجــه‪ ،‬الــذي يتزعمــه‬ ‫قــادة حــزب "الليكــود" وبقيــة اليمــن اإلســرائيلي املتطــرف‪ .‬ومــع ذلــك‪،‬‬ ‫فــإن كل مــن التوجهــات االســتراتيجية اإلســرائيلية تصــر علــى أن‬ ‫تفــرض إســرائيل هيمنتهــا‪ ،‬العســكرية واالقتصاديــة والسياســية‪ ،‬علــى‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪53‬‬

‫ملف العدد‬

‫ـامحا تجاه المســاس بقضية‬ ‫كنــا قبــل عشــرين عا ًمــا يف مــزاج أقــل تسـ ً‬ ‫فلســطين أمــا اآلن فننهــل مــن أنقرة وطهران وحــزب الله مفهوم الغيرة‬ ‫تلويـــح الصهاينـــة بهـــدم األقصـــى‪ ،‬وعلـــى الفلســـطينين أنفســـهم‬ ‫إدراك أن األزمـــة احلاليـــة التـــي تشـــهدها دول مجلـــس التعـــاون‬ ‫اخلليجــي جعلتهــا مبنــأى عــن القضيــة الفلســطينية وتوابعهــا ومنهــا‬ ‫أزم ــة األقص ــى املب ــارك‪ ،‬ه ــي خالف ــات عربي ــة عربي ــة كس ــابقاتها‬ ‫م ــن قضاي ــا اخل ــالف العربي ــة الس ــابقة ‪ .‬فق ــد اس ــتغلها نتينياه ــو‬ ‫وذه ــب إل ــى من ــع املس ــلمن م ــن الص ــالة يف األقص ــى‪ ،‬وكان يعل ــم‬ ‫أن ــه س ــيتراجع‪ ،‬فطب ــق قانو ًن ــا بدي ـ ً‬ ‫ـال وه ــو أال يصل ــى في ــه إال م ــن‬ ‫يزيــد عمــره عــن الـــ ‪ 50‬عا ًمــا مــن الرجــال‪ ،‬وبعــد جولــة عنــف قادمــة‬ ‫ســيرفع عمــر املصلــن إلــى الـــ ‪ 60‬عا ًمــا ثــم إلــى الـــ ‪ ،70‬حتــى يخلــو‬ ‫مــن املصلن‪.‬وســيعيد هــو أو مــن يحــل محلــة البوابــات االلكترونيــة‪.‬‬ ‫ول ــن تنف ــع املرابط ــن واملرابط ــات بيان ــات االس ــتنكار‪ ،‬لك ــن بدعمه ــم‬ ‫بامل ــال خليج ًي ــا ليس ــتمر الرب ــاط‪ ،‬ول ــو بقط ــرة زي ــت زيت ــون‪ .‬فف ــي‬ ‫احلديــث الشــريف‪ ،‬أن ميمونــة مــوالة النبــي صلــى اهلل عليــه وســلم‬ ‫قال ــت‪ :‬ي ــا نب ــي اهلل أفتن ــا يف بي ــت املق ــدس؟ فق ــال‪« :‬أرض املنش ــر‬ ‫واحملش ــر‪ ،‬ائت ــوه فصل ــوا في ــه‪ ،‬ف ــإن ص ــال ًة في ــه كأل ــف ص ــالة فيم ــا‬ ‫ســـواه»‪ ،‬قالـــت‪ :‬أرأيـــت مـــن لـــم يطـــق أن يتحمـــل إليـــه أو يأتيـــه؟‬ ‫قــال‪« :‬فليهــد إليــه زي ًتــا‪ ،‬يســرج فيــه‪ ،‬فــإن مــن أهــدى لــه‪ ،‬كان كمــن‬

‫صلــى فيــه»‪ .‬وإذا كانــت احلــروب والفقــر متنــع البعــض فذلــك عــذر‬ ‫غيــر مقبــول مــن اخلليجيــن بــل عليهــم تســيير قوافــل تعزيــز لدعــم‬ ‫املرابطــن واملرابطــات حلمايــة األقصــى‪ ،‬إلفشــال تهويــد األقصــى‪.‬‬ ‫والـــرد الفلســـطيني عبـــر حمايـــة األقصـــى باألجســـاد جنـــح ألنـــه‬ ‫يحت ــاج لدع ــم إس ــالمي‪ .‬لك ــن م ــن اإلنص ــاف الق ــول أن منظم ــات‬ ‫خليجيــة تقــوم حالي ـاً بكفالــة املرابطــن واملرابطــات‪ ،‬براتــب شــهري‬ ‫ق ــدره ‪ 600‬دوالر‪ ،‬لتأم ــن عي ــش أس ــرهم ليدافع ــوا ع ــن األقص ــى‬ ‫فه ــل يكف ــي ذل ــك؟! يف عق ــد ق ــادم م ــن عص ــور االنحط ــاط س ــيكتب‬ ‫واع ــظ جدي ــد أن رئيس ــة وزراء الكي ــان الصهيون ــي «مي ــري ريج ــب»‬ ‫قالــت عندمــا وضعــت قانــون يقضــي مبنــع رفــع األذان يف األقصــى‬ ‫ومعاقبـــة مـــن يتصـــدى القتحامـــات اليهـــود للمســـجد‪ ،‬ولـــو برفـــع‬ ‫الصــوت «لــم أمن ليلتهــا وأنــا أتخيــل العــرب يدخلــون علينــا أفواج ـاً‬ ‫م ــن كل ص ــوب‪ ،‬وعندم ــا طل ــع الصب ــاح ول ــم يح ــدث ش ــيء‪ ،‬أدرك ــت‬ ‫صح ــة م ــا قالت ــه غول ــدا مائي ــر ع ــام ‪1969‬م‪ ،‬أن ــه باس ــتطاعتنا فع ــل‬ ‫م ــا نش ــاء فه ــذه أم ــة نائم ــة»‬ ‫* اﳌﺪﻳﺮ اﻟﺘﻨﻔﻴﺬي ﳌﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﺮاﻗﺒﺔ اﻟﺨﻠﻴﺞ‬

‫‪52‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مـــرت مؤامـــرة حفريـــات األقصـــى بيســـر رغـــم الضجيـــج العربـــي‬ ‫والـــدويل فالعمـــل يجـــري لتدميـــر البنيـــة التحتيـــة للمســـجد‬ ‫فلسطين يف زمن األزمة الخليجية‬ ‫ال شــك أن األزمــة احلاليــة التــي تشــهدها دول مجلــس التعــاون‬ ‫اخلليجـــي جتعـــل اخلليجيـــن مبنـــأى عـــن القضيـــة الفلســـطينية‬ ‫وتوابعه ــا ومنه ــا أزم ــة األقص ــى املبارك‪.‬ومايج ــري ب ــن اخلليجي ــن‬ ‫لـــه أضـــرار علـــى مســـتوين أولهمـــا إنكمـــاش الدعـــم اخلليجـــي‬ ‫لتف ــرق الفلس ــطينين ب ــن املعس ــكرات اخلليجي ــة‪ ،‬وثانيهم ــا ظه ــور‬ ‫تهمـــة تطبيـــع يتقاذفهـــا اجلميـــع فيمـــا بينهـــم‪ .‬ومـــن املتو ّقـــع أن‬ ‫وخصوص ــا قط ــاع غــزّة إل ــى س ــاحة‬ ‫تتحــ ّول الس ــاحة الفلس ــطينية‬ ‫ً‬ ‫مواجه ــة ب ــن قط ــر‪ ،‬ودول ــة اإلم ــارات العرب ّي ــة املتّح ــدة‪ ،‬يف ض ــوء‬ ‫تفاهمـــات حمـــاس ومصـــر‪ ،‬التـــي تقتضـــي تنفيـــذ مشـــاريع يف‬ ‫إماراتـــي‪ ،‬يف ظـــ ّل تصاعـــد األزمـــة اخلليج ّيـــة‬ ‫القطـــاع بتمويـــل‬ ‫ّ‬ ‫ضــ ّد قط ــر‪ ،‬وه ــذه املواجه ــة ق ــد تص ــل إل ــى إجب ــار حم ــاس عل ــى‬ ‫االختيــار بــن أحــد الطرفــن‪ .‬فاملغــري حلمــاس هــو تعزيــز حكمهــا‬ ‫يف القط ــاع‪ ،‬كم ــا س ــتو ّفر التفاهم ــات ح ـ ًّ‬ ‫ـال ألزم ــة الكهرب ــاء وفت ــح‬ ‫معب ــر رف ــح‪ ،‬األم ــر ال ــذي يس ــمح بس ــفر األف ــراد ودخ ــول البضائ ــع‬ ‫وخروجه ــا إل ــى القط ــاع‪ ،‬وحتقي ــق اله ــدوء املجتمع ـ ّـي‪ ،‬م ــن خ ــالل‬ ‫تفعي ــل جلن ــة املصاحل ــة املجتمعي ــة‪ ،‬ودف ــع فدي ــة قتل ــى االنقس ــام‪،‬‬ ‫األمـــر الـــذي ســـيغلق أي محـــاوالت قتـــل ثأريـــة مـــن قبـــل تلـــك‬ ‫العائ ــالت‪ .‬حي ــث س ــتقوم أبوظب ــي بتموي ــل املش ــاريع املترتّب ــة عل ــى‬ ‫التفاهمــات‪ ،‬والتــي ســتتجاوز ‪ 100‬مليــون دوالر مبرحلتهــا األوليــة‪،‬‬ ‫فهدفهـــا لـــن يقتصـــر علـــى تعزيـــز مكانـــة حلفائهـــا يف غـــزّة‪ ،‬بـــل‬ ‫ستســعى إلــى التقليــل مــن دور قطــر يف ظ ـ ّل األزمــة معهــا ودورهــا‬ ‫املصـــري املدعـــوم‬ ‫يف دعـــم اإلخـــوان املســـلمن وعدائهـــا للنظـــام‬ ‫ّ‬ ‫إمارات ّيـ ـاً‪ .‬وال ش ــك أن االختي ــار صع ــب عل ــى حم ــاس رغ ــم ه ــذه‬ ‫اإلغـــراءات رمبـــا بســـبب الســـخاء القطـــري؛ فالدوحـــة تعـــد مـــن‬ ‫أب ــرز الداعم ــن حلرك ــة حم ــاس‪ ،‬من ــذ حص ــار قط ــاع غ ــزة‪ ،‬م ــن‬ ‫خ ــالل متوي ــل مش ــاريع اجتماعي ــة وصحي ــة واقتصادي ــة بالقط ــاع‪،‬‬ ‫كان آخره ــا بداي ــة ع ــام ‪2017‬م‪ ،‬بس ــداد حوال ــي ‪ 12‬ملي ــون دوالر‬ ‫حلـــل مشـــكلة الكهربـــاء يف قطـــاع غـــزة‪ ،‬وبنـــاء مشـــاريع ســـكنية‬ ‫ضخم ــة كمدين ــة حم ــد الس ــكنية‪ ،‬ودفعه ــا روات ــب موظف ــي حرك ــة‬ ‫حمـــاس‪ ،‬وغيرهـــا مـــن التبرعـــات اإلنســـانية‪ .‬ونتوقـــع اســـتمرار‬ ‫قطـــر يف دعمهـــا لقطـــاع غـــزة‪ ،‬حيـــث ســـيجعلها ذات حضـــور يف‬ ‫القط ــاع‪ ،‬مدع ــوم ذل ــك بق ــوة عالقاته ــا م ــع ق ــادة حم ــاس الذي ــن‬ ‫حتتض ــن بعضه ــم الدوح ــة‪ .‬أم ــا حم ــاس ف ــال تري ــد خس ــارة أح ــد‪،‬‬ ‫ـري‪ ،‬إضاف ــة إل ــى الدع ــم‬ ‫فه ــي ترغ ــب يف االحتف ــاظ بالدع ــم القط ـ ّ‬ ‫اإلمارات ـ ّـي‪ ،‬لك ـ ّـن ه ــذا ل ــم يع ــد ممك ًن ــا يف ض ــوء األزم ــة اخلليجي ــة‪،‬‬

‫الت ــي س ــتجبرها عل ــى االختي ــار ب ــن ه ــذا الط ــرف أو ذاك‪ .‬ورغ ــم‬ ‫أن حم ــاس حت ــرص عل ــى الن ــأي بنفس ــها ع ــن األزم ــة اإلقليمي ــة‪،‬‬ ‫ولعب ــة احمل ــاور العربي ــة‪ ،‬حي ــث نف ــى املستش ــار السياس ـ ّـي الس ــابق‬ ‫لرئي ــس ال ــوزراء األس ــبق إس ــماعيل هن ّي ــة أحم ــد يوس ــف أن تك ــون‬ ‫مص ــر طلب ــت م ــن "حم ــاس" أن يك ــون ثم ــن التق ــارب معه ــا قط ــع‬ ‫العالقــات مــع قطــر‪.‬وأن حمــاس لــن تكــون مــع طــرف عربـ ّـي ض ـ ّد‬ ‫ـري‬ ‫آخ ــر‪ ،‬إال أن إجب ــار حم ــاس عل ــى االختي ــار ب ــن الدوري ــن القط ـ ّ‬ ‫ـري يب ــدو أمـ ـ ًرا محت ًم ــا‪.‬‬ ‫أو اإلمارات ـ ّـي املص ـ ّ‬

‫مماحكات التطبیع غیر المعلن‬ ‫منــذ أن بــدأت األزمــة اخلليجيــة بــن قطــر مــن جهــة‪ ،‬والســعودية‬ ‫واإلمــارات والبحريــن ومصــر مــن جهــة أخــرى‪ ،‬صــارت مســارات‬ ‫الصــراع تــدور حــول احلــروب اإلعالميــة واإلرهــاب والعالقــة مــع‬ ‫إيــران والتطبيــع مــع العــدو الصهيونــي‪ .‬حيــث جــرى تبــادل االت‪,‬ام‬ ‫بــن األطــراف يف بنــاء عالقــات ســرية مــع تــل أبيــب أو يعنــي تطبيــع‬ ‫غيــر معلــن‪ .‬حلساســية هــذا احملــور‪ ،‬فــدول اخلليــج هــي جزيــرة‬ ‫العــرب ومنبــع الرســالة احملمديــة وإليهــا ينظــر كافــة املســلمن‪.‬‬ ‫وقــد تقــود العالــم اإلســالمي كلــه إلــى قبــول فقــدان القــدس مرحل ًيــا‬ ‫والصلــح مــع الصهاينــة كموقــف أمــر واقــع‪ .‬لكــن هنــاك رفــض‬ ‫سياســي ونفســي خليجــي واســع للتطبيــع‪ .‬ويف هــذا اإلطــار‪ ،‬نشــطت‬ ‫مبــادرات شــبابية خليجيــة‪ ،‬ضــد أشــكال التطبيــع يف دول اخلليــج‬ ‫مــع الكيــان الصهيونــي‪ ،‬أو اخلطــاب الــذي يتســاهل مــع التطبيــع‬ ‫ويــروج لــه‪ ،‬ويحــاول اســتثمار الصراعــات اإلقليميــة يف تبديــد أولويــة‬ ‫الصــراع مــع الصهاينــة‪ ،‬وهــي مبــادرات تســتحق اإلشــادة والدعــم‪ ،‬إذ‬ ‫أنهــا حتافــظ علــى إبقــاء فلســطن ح ّيــة يف الوجــدان الشــعبي‪ ،‬يف‬ ‫زمــن الفتنــة واالنقســامات‪ .‬وعليــه‪ ،‬فأزمــة اخلليــج مــع مــا يرافقهــا‬ ‫مــن اصطفافــات‪ ،‬واتهامــات بالتطبيــع وتراجــع القضيــة الفلســطينية‬ ‫يف أولويــات اخلليجيــن تؤثــر بالســلب علــى القضيــة الفلســطينية‬ ‫مــن كافــة النواحــي‪ ،‬فكافــة اخلالفــات التــي شــهدتها املنطقــة تخــدم‬ ‫املشــروع الصهيونــي الــذي يرمــي إلزالــة املســجد األقصــى ليحــل‬ ‫مكانــه الهيــكل املزعــوم‪.‬‬ ‫إن املخاطـــر احملدقـــة بأولـــى القبلتـــن وثالـــث احلرمـــن‬ ‫الش ــريفن يف زم ــن الفوض ــى‪ ،‬يتطل ــب أن تك ــون دول اخللي ــج كم ــا‬ ‫كان ــت خي ــر داع ــم للقضي ــة الفلس ــطينية بصف ــة عام ــة‪ ،‬واملس ــجد‬ ‫األقصــى ومدينــة القــدس بصفــة خاصــة‪ ،،‬وهــو دور يجــب أن يتجــدد‬ ‫فاملطلــوب مــن دول اخلليــج يف املرحلــة احلاليــة أن تعــي مــدى خطــورة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الدعم الخليجي للقضية الفلسطينية‬ ‫يف اجتماع ــات املؤمت ــر الوطن ــي الفلس ــطيني األول ال ــذي عق ــد‬ ‫يف القـــدس ‪،‬أعلـــن قيـــام منظمـــة التحريـــر الفلســـطينية يـــوم ‪28‬‬ ‫ماي ــو ‪1964‬م‪ ،‬وش ــكل املجل ــس الوطن ــي الفلس ــطيني األول‪ ،‬و ق ــام‬ ‫الرئيـــس املنتخـــب أحمـــد الشـــقيري بإجـــراء مشـــاورات لتشـــكيل‬ ‫اللجنـــة التنفيذيـــة األولـــى ملنظمـــة التحريـــر الفلســـطينية‪ ،‬حيـــث‬ ‫عــن الضابــط باجليــش الكويتــي اللــواء وجيــه املدنــي عضــو اللجنــة‬ ‫التنفيذي ــة وقائ ــد جي ــش التحري ــر الفلس ــطيني ومت افتت ــاح مدرس ــة‬ ‫لتدريـــب املتطوعـــن الفلســـطينين علـــى الرمايـــة وفـــك وتركيـــب‬ ‫الســالح و فنــون القتــال األخــرى‪ .‬كمــا كان يعمــل يف وزارة األشــغال‬ ‫الكويتيـــة ياســـر عرفـــات ومجموعـــة مـــن القـــادة الفلســـطينين‪.‬‬ ‫فق ــد آم ــن الفلس ــطيني ب ــأن الكوي ــت م ــكان مثال ــي للحي ــاة وتربي ــة‬ ‫األطف ــال‪ .‬واحتضن ــت الكوي ــت العدي ــد م ــن القي ــادات الفلس ــطينية‪،‬‬ ‫ودعمـــت منظمـــة التحريـــر الفلســـطينية مال ًيـــا ومعنو ًيـــا‪ ،‬ووصـــل‬ ‫األم ــر إل ــى حـ ـ ّد مش ــاركة الش ــهيد الش ــيخ فه ــد أحم ــد الصب ــاح‪،‬‬ ‫يف القت ــال بجان ــب الفدائي ــن الفلس ــطينين‪ .‬فق ــد كان ــت الكوي ــت‬ ‫مبثاب ــة قاع ــدة خلفي ــة مهم ــة لدع ــم الش ــعب الفلس ــطيني‪ ،‬وثورت ــه‬ ‫املســـلحة"‪ .‬ولـــم تكـــن الكويـــت الوحيـــدة يف دعـــم الفلســـطينين‬ ‫واملســجد األقصــى‪ .‬فقــد كانــت هنــاك املبــادرة التــي أطلقهــا امللــك‬ ‫عبـــد اهلل بـــن عبـــد العزيـــز رحمـــه اهلل يف عـــام ‪2002‬م‪ ،‬للســـالم‬ ‫يف الش ــرق األوس ــط ب ــن الصهاين ــة والفلس ــطينين‪ .‬وكان هدفه ــا‬ ‫إنش ــاء دول ــة فلس ــطينية معت ــرف به ــا دول ًي ــا عل ــى ح ــدود ‪1967‬م‪،‬‬ ‫وعــودة الالجئــن واالنســحاب مــن هضبــة اجلــوالن احملتلــة‪ ،‬مقابــل‬ ‫اعت ــراف وتطبي ــع العالق ــات ب ــن ال ــدول العربي ــة م ــع ت ــل أبي ــب‪،‬‬ ‫وق ــد مت اإلع ــالن ع ــن مب ــادرة الس ــالم العربي ــة كم ــا س ــميت الح ًق ــا‬ ‫يف القمـــة العربيـــة يف بيـــروت‪ .‬ونالـــت واملبـــادرة تأييـــدًا عرب ًيـــا‪.‬‬ ‫وق ــد كان ــت «مب ــادرة الس ــالم العربي ــة» ‪2002‬م‪ ،‬آخ ــر جه ــد خليج ــي‬ ‫طوع ــا بن ــوع م ــن‬ ‫كبي ــر جت ــاه فلس ــطن‪ ،‬فق ــد رضين ــا يف اخللي ــج‬ ‫ً‬ ‫اإلقص ــاء فرضت ــه علين ــا واش ــنطن بإيح ــاءات صهيوني ــة‪ ،‬حي ــث ل ــم‬ ‫يع ــد لفلس ــطن حض ــور ق ــوي يف واقعن ــا اخلليج ــي السياس ــي ب ــل‬ ‫والثق ــايف‪ ،‬مقارن ــة بعص ــر كان ــت في ــه ج ــز ًءا م ــن واقعن ــا االجتماع ــي‬ ‫ً‬ ‫أيضـــا حـــن كان يعيـــش بيننـــا آالف الفلســـطينين قبـــل زلـــزال‬ ‫الغــزو العراقــي الغاشــم للكويــت ‪1990‬م‪ .‬لقــد غابــت فلســطن عــن‬ ‫األجن ــدة اخلليجي ــة رغ ــم أن يف ذل ــك غيبوب ــة تاريخي ــة‪ ،‬وم ــا الق ــول‬ ‫بــأن اجلهــد اخلليجــي يف الربيــع العربــي هــو خطــوة نحــو اإلصــالح‬ ‫وإس ــقاط الطغ ــاة وس ــيفضي بالنهاي ــة لظ ــروف مناس ــبة تق ــود حل ــل‬ ‫كل القضايـــا العربيـــة وأهمهـــا القضيـــة الفلســـطينية‪ ،‬إال قـــول ال‬ ‫يختل ــف ع ــن ط ــرح ص ــدام بتحري ــر الق ــدس عب ــر اجتي ــاح الكوي ــت‪،‬‬ ‫وهمــا تســويغان منفصــالن يف الشــكل متفقــان يف املضمــون‪ .‬وليــس‬ ‫تأسيس ــا لش ــيء جدي ــد ل ــو قلن ــا إنن ــا كن ــا قب ــل عش ــرين عا ًم ــا يف‬ ‫ً‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪51‬‬

‫ملف العدد‬

‫تســـامحا جتـــاه املســـاس بقضيـــة فلســـطن‪ ،‬أمـــا اآلن‬ ‫مـــزاج أقـــل‬ ‫ً‬ ‫فننهـــل مـــن أنقـــرة وطهـــران وحـــزب اهلل مفهـــوم الغيـــرة عليهـــا‪،‬‬ ‫ون ــكاد ننس ــاها حت ــى يف ذك ــرى النكب ــة! ورغ ــم ذل ــك ي ــرى البع ــض‬ ‫أن دول اخللي ــج يف سياس ــتها اخلارجي ــة جت ــاه فلس ــطن تتص ــرف‬ ‫وكأنهـــا ليســـت دول مواجهـــة مـــن الزاويـــة اجليوسياســـية للكيـــان‬ ‫الصهيونـــي‪ ،‬واحلـــال انهـــا كذلـــك‪ ،‬إلن علـــى دول اخلليـــج نظمـــا‬ ‫وشـــعوبا مســـؤولية مباشـــرة عمـــا يجـــري يف فليطـــن مـــن تهويـــد‬ ‫زاح ــف‪ .‬كم ــا أن امل ــال اخلليج ــي كفي ــل ب ــأن مين ــع عملي ــة تهوي ــد‬ ‫أرض فلســطن والقــدس لــو تأســس صنــدوق دعــم فلســطن لدعــم‬ ‫صم ــود ش ــعبها‪ .‬كم ــا ي ــرى آخ ــرون أن وج ــود جالي ــات فلس ــطينية‬ ‫كبيـــرة يف اخلليـــج‪ ،‬كانـــت صـــورة التفاعـــل الشـــعبي مـــع قضيـــة‬ ‫فلســـطن ‪,‬أكثـــر مـــن بقيـــة األقطـــار العربيـــة‪ ،‬وكانـــت الصـــورة‬ ‫واضح ــة بخص ــوص القضي ــة الفلس ــطينية‪ ،‬ث ــم خف ــت ج ــراء غ ــزو‬ ‫القـــوات العراقيـــة للكويـــت‪ ،‬وتقســـيم األمـــة إثـــر هـــذا احلـــدث‪،‬‬ ‫وبســـبب موقـــف ياســـر عرفـــات ومنظمـــة التحريـــر وفصائـــل‬ ‫فلس ــطينية أخ ــرى م ــن ح ــرب حتري ــر الكوي ــت‪.‬‬

‫دور دول الخليج يف مرحلة تهديد األقصى‬ ‫لــم تفتقــد دول اخلليــج للرو ّيــة والدرايــة يف معاجلــة األمــور‬ ‫اخلاصــة باألطمــاع الصهيونيــة يف املســجد األقصــى‪ ،‬فمنــذ أكثــر‬ ‫مــن عقــد؛ فقــد اجتمــاع الــوكالء املســؤولن عــن اآلثــار واملتاحــف‬ ‫يف دول مجلــس التعــاون يف ‪ 8‬مايــو ‪2007‬م‪ ،‬واتخــذوا قــرار تكليــف‬ ‫الكويــت متابعــة أعمــال الهــدم يف محيــط املســجد األقصــى‪ ،‬لكــون‬ ‫الكويــت عض ـ ًوا يف جلنــة التــراث العاملــي‪ .‬لكــن النــزوع نحــو جعــل‬ ‫الصــراع اخلليجــي مــع إيــران أولويــة علــى مــا عــداه أدى لتحجيــم‬ ‫االهتمــام بالقضيــة الفلســطينية ودفــع بعــض النخــب‪ ،‬ووســائل‬ ‫اإلعــالم‪ ،‬لتمريرأفــكار مــن نــوع املقارنــة بــن إيــران وإســرائيل‪ ،‬التــي‬ ‫تنتهــي ملصلحــة شــدة اخلطــر اإليرانــي وراهنيتــه‪ ،‬لتكــون مقدمــة‬ ‫لترويــج التطبيــع مــع الصهاينــة‪ ،‬أو علــى األقــل تبريــر العجــز عــن‬ ‫مواجهــة إســرائيل بــأي وســيلة‪ ،‬عبــر القــول أن هنــاك معرك ـ ًة أهــم‬ ‫وأخطــر ال بــد مــن خوضهــا‪ ،‬مــا يعنــي أن القضيــة الفلســطينية‬ ‫ـال‪ ،‬أو حملاولــة تصفيــة عــن‬ ‫تخضــع‪ ،‬هنــا‪ ،‬إمــا لتجاهــل تـ ٍـام وإهمـ ٍ‬ ‫طريــق تقــدمي نزاعـ ٍ‬ ‫ـات أخــرى بوصفهــا أولــى باالهتمــام‪ .‬أمــا إيــران‬ ‫مــن طرفهــا فتحــاول إيجــاد موقــع لهــا يف املنطقــة‪ ،‬مــن خــالل‬ ‫تبنيهــا لقضايــا معينــة علــى رأســها قضيــة فلســطن‪ ،‬لكــن إيــران‬ ‫تبــدو مشــلولة النهــا تصــورت أنــه مــن الســهل أن متــأ الفــراغ يف‬ ‫املنطقــة العربيــة الرخــوة‪ ،‬وأظهــرت حج ًمــا مــن املطامــع اجلغرافيــة‪،‬‬ ‫والرغبــة يف التســيد ممــا أظهــر مبــر ًرا كبيــ ًرا لتشــكك العــرب يف‬ ‫نواياهــا ومشــاريعها حتــى ولوســمت نصــف قواتهــا بفيلــق القــدس‬ ‫ولــواء فلســطن وســرية غــزة‪.‬‬

‫‪50‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫يعنــي أن مقتــرح قانــون «ريجــب» يقضــي بتقســيم املســجد األقصــى‬ ‫زمان ًيــا ومكان ًيــا‪.‬‬ ‫مـــا قـــام بـــه نتنياهـــو لـــم يكـــن إال توســـع يف القانـــون الـــذي‬ ‫طرحتــه «ريجــب»‪ ،‬التــي نتوقــع لهــا مســتقب ً‬ ‫ال باه ـ ًرا بــن الصهاينــة‬ ‫مــا دامــت شــعبيتهم تقــاس بدرجــة إذالل العــرب‪ ،‬لقــد أمــر نتنياهــو‬ ‫بإغ ــالق املس ــجد األقص ــى بع ــد االنتفاض ــة األخي ــرة ومقت ــل جن ــود‬ ‫صهاينـــة يف املســـجد األقصـــى واستشـــهاد فلســـطينين ‪،‬مســـج ً‬ ‫ال‬ ‫أنــه ألول مــرة منــذ ‪ 48‬عا ًمــا ال يُرفــع األذان باألقصــى حتــى يتفــوق‬ ‫علـــى «ميـــري ريجـــب» مســـتخد ًما قانونهـــا ومتوســـ ًعا فيـــه أكثـــر‬ ‫منه ــا‪ ،‬حي ــث أن يف القان ــون م ــا يقض ــي مبن ــع أي مظاه ــر للمن ــع‬ ‫أو التصــدي القتحامــات اليهــود أو صلواتهــم يف املســجد األقصــى‪،‬‬ ‫ومبعاقبــة كل مــن يحــاول ذلــك «ولــو برفــع الصــوت» وبغرامــة تصــل‬ ‫‪ 15‬أل ــف دوالر‪ ،‬تدف ــع للمتض ــرر اليه ــودي ح ــن مين ــع م ــن اقتح ــام‬ ‫األقصـــى‪ .‬أمـــا احملـــور الثانـــي فيتمثـــل بإقـــدام إســـرائيل علـــى‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫عملي ــات ح ــادة يف تغيي ــر معال ــم الق ــدس بإضاف ــة بناي ــات‪ ،‬وفص ــل‬ ‫الق ــدس ع ــن س ــائر املناط ــق العربي ــة احمليط ــة به ــا وه ــدم أحي ــاء‬ ‫لقطـــع الصلـــة اجلغرافيـــة والنفســـية مـــع احمليـــط الفلســـطيني‬ ‫املج ــاور؛ حال ــة تفري ــغ كامل ــة للفلس ــطينين م ــن املنطق ــة احمليط ــة‬ ‫باألقص ــى وحال ــة تطهي ــر وتهجي ــر للفلس ــطينين م ــن املنطق ــة‪ .‬ث ــم‬ ‫يأت ــي احمل ــور الثال ــث ال ــذي وضعت ــه منظم ــات وجمعي ــات يهودي ــة‬ ‫له ــدم املس ــجد األقص ــى وبن ــاء الهي ــكل عل ــى أنقاضه‪.‬عب ــر خلخل ــة‬ ‫أساس ــات املس ــجد وم ــن ث ــم انهي ــاره وس ــقوطه تلق ــاء نفس ــه‪ ،‬وق ــد‬ ‫مــرت مؤامــرة احلفريــات أســفل املســجد األقصــى بيســر حتــى اآلن‬ ‫رغــم الضجيــج العربــي والدولــي‪ ،‬فالعمــل يجــري بســرعة متواصلــة‬ ‫لي ـ ً‬ ‫ـال ونه ــار‪ ،‬لتدمي ــر البني ــة التحتي ــة للمس ــجد‪ ،‬حت ــى ب ــات معل ًق ــا‬ ‫بالهـــواء كنتيجـــة طبيعيـــة لتلـــك احلفريـــات التـــي مـــا فتـــأت عـــن‬ ‫النخ ــر بش ــتى الوس ــائل بجس ــد املس ــجد متهيــدًا لهدم ــة وبن ــاء م ــا‬ ‫يع ــرف لديه ــم بالهي ــكل املزع ــوم‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪49‬‬

‫ملف العدد‬

‫على دولنا أن تعي خطورة املرحلة الحالية وتلويح الصهاينة بهدم األقصى‬

‫دول الخليج مطالبة للعـودة كما كانت داعمة‬ ‫للقضية الفلسطينية خاصة األقصى والقدس‬ ‫س ــبعون عا ًم ــا تفص ــل ب ــن الفلس ــطينين وب ــن ح ــرب النكب ــة ع ــام ‪1948‬م‪ ،‬وس ــبعون ش ــي ًئا آخ ــر بينه ــم وب ــن اخلليجي ــن‪.‬‬ ‫ورغ ــم ذل ــك تهزن ــا ب ــن الفين ــة واألخ ــرى موعظ ــة منمق ــة بالص ــورة واخل ــط واإلخ ــراج عب ــر وس ــائط التواص ــل االجتماع ــي‬ ‫مضمونه ــا أن رئيس ــة وزراء الكي ــان الصهيون ــي الس ــابقة غول ــدا مائي ــر قال ــت عندم ــا مت ح ــرق املس ــجد األقص ــى يف ‪22‬‬ ‫أفواج ــا م ــن كل ص ــوب‪ ،‬وعندم ــا طل ــع الصب ــاح ول ــم‬ ‫أغس ــطس ‪1969‬م‪« :‬ل ــم أمن ليلته ــا وأن ــا أتخي ــل الع ــرب يدخل ــون علين ــا‬ ‫ً‬ ‫يح ــدث ش ــيء‪ ،‬أدرك ــت أن باس ــتطاعتنا فع ــل م ــا نش ــاء فه ــذه أم ــة نائم ــة»‪ .‬وق ــد تك ــون مائي ــر صادق ــة لك ــن املؤك ــد أن ــه ق ــد‬ ‫وع ــاظ يف تصرفاته ــم عظ ــة‪.‬‬ ‫الوع ــاظ وابت ــدأ جي ــل ّ‬ ‫انته ــى جي ــل ّ‬

‫د‪ .‬ظافر محمد العجمي‬ ‫فاجلميــع قضيتــه األولــى املعلنــة هي فلســطن رغــم أن من معظم‬ ‫مــن يدعــي ذلــك ال يفــرق بــن املســجد االقصــى‪ ،‬وقبــة الصخــرة‬ ‫ذات القبــة الذهبيــة‪ .‬لقــد كانــت القضيــة الفلســطينية قضيــة العــرب‬ ‫املركزيــة‪ ،‬ولــم يكــن للخليــج مــن عــدو إال عــدو الفلســطينين الذيــن‬ ‫وخصوصــا الكويــت مبكــ ًرا بشــهادة أهزوجــة‬ ‫احتضنهــم اخلليــج‬ ‫ً‬ ‫فلســطينية تراثيــة كان يتــم تكييفهــا مــع مناســبات ســفر الشــباب‬ ‫الفلســطينين‪ ،‬بعــد نكبــة ‪1948‬م‪ ،‬ونكســة ‪1967‬م‪ ،‬إلــى الكويــت بح ًثــا‬ ‫عــن لقمــة العيــش ومســاعدة أهلهــم يف الوطــن وتقــول‪:‬‬ ‫"عبيلـي اجلـرة‪ .‬عبيلـي اجلـرة‪ .‬ميـا يـا حنونـة عبيلـي اجلـرة‪.‬‬ ‫بعطـش مـن مـرة‪ .‬والكويـت بعيـدة‪ .‬بعطـش مـن مـرة‪ .‬وأنـا بـالدي‬ ‫بعيـدة‪ .‬بعطـش مـن مـرة‪ .‬والكويـت بعيـدة‪ .‬عبيلـي البريـق‪ .‬ميـا يـا‬ ‫حنونـه عبيلـي البريـق‪ .‬بعطـش ع طريـق‪ .‬وأنـا بـالدي بعيـدة بعطـش‬ ‫ع طريـق"‪.‬‬ ‫هــذا االســتطراد رمبــا البــد منــه لربــط مفاصــل املوضــوع بالبعــد‬ ‫اخلليجــي يف زمــن حتــدق فيــه املخاطــر بأولــى القبلتــن وثالــث‬ ‫احلرمــن الشــريفن عبــر عمليــات تهويــد ممنهجــة كان آخرهــا‬ ‫فــرض البوابــات االلكترونيــة علــى مداخــل املســجد األقصــى يف‬ ‫حتــد واضــح ليــس ملشــاعر الفلســطينين والعــرب واملســلمن فحســب‬ ‫بــل والقــرارات الدوليــة التــي متنــع الصهاينــة مــن التدخــل يف إدارة‬ ‫األماكــن املقدســة اإلســالمية بأيــة شــكل‪ ،‬حتــى كانــت االنتفاضــة‬ ‫القصيــرة وتدخــل خــادم احلرمــن الشــريفن امللــك ســلمان بــن عبــد‬

‫العزيــز بالضغــط علــى واشــنطن التــي أوقفــت الغطرســة الصهيونيــة‬ ‫ولــو حلــن‪.‬‬ ‫ســيتواصل تأثيــر اخلطيئــة األصليــة وهــي االحتــالل‪ ،‬يف صنــع‬ ‫القــرارات الصهيونيــة لــذا خرجــت خطــة صهيونيــة مبحــاور عــدة‬ ‫كالتقســيم الزمانــي واملكانــي وال ُعمــري للمســجد األقصــى ثــم قطــع‬ ‫الصلــة اجلغرافيــة للقــدس باملســجد نفســه ثــم هــدم املســجد‬ ‫األقصــى وبنــاء الهيــكل علــى أنقاضــه‪ .‬وتقــوم خطــة تقســيم األقصــى‬ ‫علــى ثالثــة محــاور؛ التقســيم املكانــي والتقســيم الزمانــي والتقســيم‬ ‫العمــري‪ ،‬والفكــر احملــرك لهــا رئيســة جلنــة الداخليــة يف الكنيســت‬ ‫ميــري ريجــب «‪ »Mary Rigab‬والعضــو يف حــزب الليكــود‬ ‫احلاكــم‪ ،‬فرغــم أن املســجد األقصــى بكامــل مســاحته الـــ ‪144‬‬ ‫دو ً‬ ‫خالصــا للمســلمن‬ ‫منــا‪ ،‬مــا فــوق األرض ومــا حتتهــا‪ ،‬يعــد ح ًقــا‬ ‫ً‬ ‫وحدهــم دين ًيــا وتاريخ ًيــا ويف وثائــق األمم املتحــدة ً‬ ‫أيضــا؛ إال أن‬ ‫مكــر «ريجــب» تســلل مــن بــاب آخــر؛ فقــد اســتطاعت احلصــول‬ ‫علــى دعــم كبيــر يف الكنيســت لتقســيم أوقــات الصــالة يف األقصــى‬ ‫ووجــود اليهــود يف املســجد اإلبراهيمــي‪ ،‬دون وجــود مســلمن يف‬ ‫بعــض األوقــات‪ ،‬وكذلــك إيجــاد مســاحات مــن املســجد اإلبراهيمــي‬ ‫تخصــص لليهــود يف أوقــات معينــة‪ ،‬كمــا مينــع يف أوقــات معينــة‬ ‫دخــول أي مســلم للمســجد اإلبراهيمــي‪ ،‬خاصــة يف مواســم األعيــاد‬ ‫واالحتفــاالت اليهوديــة‪ ،‬كمــا مينــع رفــع األذان للصــالة يف أوقــات أو‬ ‫أيــام معينــة احترا ًمــا لليهــود الذيــن يقيمــون شــعائرهم حينهــا‪ ،‬ممــا‬

‫‪48‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫القاضيــة خلــود فقيــه‪ :‬أول قاضيــة شــرعية يف فلســطن حتمــل‬ ‫درجتــي احلقــوق األولــى والثانيــة مــن جامعــة القــدس‪ ،‬وبــن العامــن‬ ‫‪ 2003‬و‪2008‬م‪ ،‬عملــت يف مؤسســة تعنــى بالدفــاع عــن حقــوق‬ ‫النســاء مــا مكنهــا بعــد توليهــا موقعهــا القضائــي مــن إثبــات جدارتهــا‬ ‫ونصــرة النســاء يف العــام ‪2009‬م‪ ،‬مت تصنيفهــا كواحــدة مــن أكثــر‬ ‫‪ 500‬شــخصية مســلمة تأثيـ ًرا علــى مســتوى العالــم‪ .‬وصنفتهــا مجلــة‬ ‫اريبيــان بزنــس يف ‪ 2012‬و‪2013‬م‪ ،‬علــى التوالــي ضمــن قائمــة ال‬ ‫‪ 100‬امــرأة عربيــة األقــوى تأثي ـ ًرا‪.‬‬ ‫الشــاعرة فــدوى طوقــان‪ :‬تعتبــر مــن أهــم شــاعرات فلســطن يف‬ ‫القــرن العشــرين‪ ،‬وقــد لقبــت بشــاعرة فلســطن‪ ،‬حضــرت العديــد‬ ‫مــن املهرجانــات واملؤمتــرات العربيــة واألجنبيــة‪ .‬كانــت عضــو مجلــس‬ ‫أمنــاء جامعــة النجــاح بنابلــس‪ .‬مت تنــاول إنتاجهــا األدبــي يف عــدة‬ ‫دراســات أكادمييــة يف عــدد مــن اجلامعــات العربيــة واألجنبيــة‪.‬‬ ‫الفنانــة رمي البنــا‪ :‬مغنيــة وملحنــة فلســطينية‪ .‬كمــا أنهــا موزعــة‬ ‫موســيقية وناشــطة‪ ،‬هي ابنة الشــاعرة الفلســطينية زهيرة صباغ‪ .‬لها‬ ‫عــدة ألبومــات موســيقية يطغــى عليهــا الطابــع الوطنــي‪ .‬كمــا أنّ لهــا‬ ‫عــدة ألبومــات أغانــي لأطفــال‪ .‬ولهــا ً‬ ‫أيضــا العديــد مــن املشــاركات يف‬ ‫احتفال ّيــات ونشــاطات عامليــة لنصــرة حقــوق اإلنســان‪ .‬يتميــز أســلوبها‬ ‫املوســيقي بدمــج التهاليــل الفلســطينية التراثيــة باملوســيقى العصريــة‪.‬‬ ‫الدكتــورة ليلــي غنــام‪ :‬تولــت رئاســة مركــز وطــن للقيــادات‬ ‫النســوية‪ ،‬يف عــام ‪2005‬م‪ ،‬ثــم ُعينــت كمحاضــر يف جامعــة القــدس‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫املفتوحــة‪ ،‬يف عــام ‪2006‬م‪ ،‬وتولــت إدارة ديــوان وزارة الشــؤون‬ ‫االجتماعيــة لعامــن مــن ‪ 2007‬وحتــى ‪2009‬م‪ ،‬وكانــت نائــب وقائــم‬ ‫بأعمــال محافــظ رام اهلل والبيــرة عــام ‪2009‬م‪ .‬وهــي أول ســيدة‬ ‫تتولــى منصــب محافــظ رام اهلل والبيــرة‪.‬‬ ‫حنـــان احلـــروب‪ :‬فـــازت املعلمـــة الفلســـطينية حنـــان احلـــروب‬ ‫بجائـــزة أفضـــل معلـــم يف العالـــم لعـــام ‪2016‬م‪ ،‬يف املســـابقة التـــي‬ ‫نظمتهــا مؤسســة “‪ ”Varkey Foundation‬البريطانيــة‪ .‬وخاضــت‬ ‫املنافســة مــع أكثــر مــن ثمانيــة آالف معلــم ومعلمــة مــن أنحــاء العالــم‪،‬‬ ‫وتُ ّوج ــت بلق ــب أفض ــل معلم ــة يف العال ــم خ ــالل حف ــل أقي ــم يف إم ــارة‬ ‫دب ــي‪ ،‬بحض ــور رس ــمي دول ــي وعرب ــي‪.‬‬ ‫وعلــى مــدار الزمــن يبــرز دور املــرأة الفلســطينية املرابطــة يف‬ ‫ال مــع التاريــخ تكامــ ً‬ ‫مدينــة القــدس الط ُهــور تواصــ ً‬ ‫ال مــع الرجــل‬ ‫مــع األبنــاء يف مواجهــة االحتــالل العســكري يف مواجهــة الفاشــية‬ ‫دفاعــا عــن القــدس‪.‬‬ ‫دفاعــا عــن الوطــن‬ ‫والعنصريــة الصهيونيــة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إنهــن نســاء فلســطن مــن شــعب التضحيــات اجلســام يزرعــن‬ ‫األمــل بالعــودة للوطــن فلســطن‪ .‬فلســطن حــرة مستقلة‪.‬فلســطن‬ ‫التاريخيــة وعاصمتهــا القــدس الشــريف‪.‬‬

‫* ﺑﺎﺣﺜﺔ ﰲ اﻟﺸﺄن اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫اجلســيمة يف حــق املدنيــن‪ ،‬ســرعان مــا أقــدم علــى هدمهــا مرتــن‬ ‫بحجــة أنهــا بنيــت مــن دون ترخيــص‪ .‬وتعرضــت خيمــة الصمــود‬ ‫القتحامــات متكــررة مــن قبــل جنــود االحتــالل لهــدم اخليمــة‪ ،‬ولكــن‬ ‫إصــرار أم كامــل علــى إعــادة بنائهــا لــم يتوقــف‪ ،‬لترفــع يديهــا إلــى‬ ‫الســماء قائلــة (حســبي اهلل ونعــم الوكيــل)‪.‬‬ ‫كمــا مت محاولــة نقــل أبــو كامــل الكــرد إلــى مستشــفى املقاصــد‬ ‫بالقــدس وذلــك بعــد تعرضــه لالعتــداء مــن قبــل أفــراد الشــرطة‬ ‫اإلســرائيلية‪ ،‬وقامــت القــوات اإلســرائيلية‪ ،‬بعــد إخراجــه مــن بيتــه‬ ‫عنــوة مبنــع ســيارة اإلســعاف مــن الوصــول إليــه‪ ،‬وبقــي يف العــراء ملــدة‬ ‫ســاعة‪ ،‬نقــل بعــد ذلــك للمستشــفى يف وضــع صحــي صعــب‪ ،‬وقــد‬ ‫انتقــل أبــو كامــل الكــرد إلــى رحمــة اهلل فــور وصولــه للمستشــفى‪.‬‬ ‫وبقيــت أم كامــل الكــرد املــرأة الفلســطينية املرابطــة يف خيمــة‬ ‫االعتصــام كالطــود األشــم‪ ،‬لــم تهزهــا العواصــف الهوجــاء وال الريــاح‬ ‫العاتيــة لســلطات االحتــالل اإلســرائيلي‪ ،‬وقفــت تقــول للمتضامنــن (لن‬ ‫نرحــل وســنبقى هنــا‪ ،‬نحمــي القــدس واألقصى) ‪ ،‬بهذه الكلمات رســمت‬ ‫أم كامــل الكــرد حكايــة صمــود مــن نــوع آخر‪ ،‬وســط تهديدات إســرائيلية‬ ‫بفــرض غرامــات باهظــة الثمــن عليهــا‪ ،‬علــى إثــر إقامتهــا خيمــة بــال‬ ‫ترخيــص حســب مــا تدعيــه قــوات االحتــالل يف مدينــة القــدس احملتلــة‪.‬‬ ‫أم كامــل الكــرد الالجئــة الفلســطينية التــي ُه َجــ َرت مــن بلدتهــا‬ ‫هاجســا‬ ‫وجلــأت إلــى حــي الشــيخ جــراح باملدينــة املقدســة‪ ،‬أصبحــت‬ ‫ً‬ ‫مقل ًقا إلسرائيل بعد قيامها بنصب خيمة اعتصام لها على قطعة أرض‬ ‫مطلــة علــى منزلهــا يف احلــي‪ ،‬وأطلقــت عليهــا اســم (خيمــة الصمــود)‪.‬‬ ‫إن قيــام ســلطات االحتــالل اإلســرائيلي بإخــالء عائلــة الكــرد‬ ‫وطردها من منزلها يف حي الشــيخ جراح بالقدس بالقوة العســكرية هو‬ ‫عمــل إجرامــي يهــدف إلــى الســيطرة علــى هــذا البيــت والبيــوت األخــرى‬ ‫املجــاورة مــن أجــل تهويــد املدينــة املقدســة‪ ،‬حيــث تتعــرض هــذه العائلــة‬ ‫وعائــالت آخــرى كثيــرة العتــداءات املســتوطنن منــذ ســنوات عديدة من‬ ‫أجــل إجبارهــا علــى الرحيــل مــن منزلهــا‪ ،‬وهــذا العمــل العدوانــي ينــدرج‬ ‫حتــت مخطــط سياســة تهويــد القــدس والتطهيــر العرقي الذي متارســه‬ ‫إســرائيل لطــرد الفلســطينين املقدســين مــن مدينتهم‪.‬‬ ‫تســعى حكومــة االحتــالل إلــى تهويــد القــدس قــدر اإلمــكان مــن‬ ‫ناحيــة التاريــخ والســكان واحلكــم ونــزع الهويــة العربيــة اإلســالمية‬ ‫منهــا‪ .‬تقــوم بتهويدهــا بعــدة طــرق منهــا هــدم املنــازل يف مدينــة‬ ‫القــدس‪ .‬وطــرد أهلهــا كمــا تســعى إلــى بنــاء املســتوطنات يف شــرقي‬ ‫القــدس وتشــجيع الهجــرة إليهــا‪ .‬كمــا تقوم مبصــادرة األراضي وتهجير‬ ‫الفلســطينين وســحب الهويــات منهــم‪ .‬وضــم معالــم إســالمية إلــى‬ ‫قائمــة التــراث اليهــودي كمــا تعمــل حكومــة االحتــالل لتوســيع حــدود‬ ‫بلديــة القــدس لتضــم متركــزات يهوديــة ومســتوطنات غيــر قانونيــة‬ ‫لتزيــد نســبة الســكان اليهــود‪ .‬وبنــاء اجلــدار العــازل وعــزل قــرى عربية‬ ‫عــن بعضهــا البعــض وتصعيــب املعيشــة علــى الفلســطينين‪ .‬وتزويــر‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪47‬‬

‫ملف العدد‬

‫التــراث احلضــاري يف القــدس مــن خــالل تزويــر أســماء املــدن والقــرى‬ ‫العربيــة بترجمــة االســم إلــى العبريــة‪ ،‬وهــو مــا ميكــن تســميته التزويــر‬ ‫للمعالــم األثريــة‪ .‬وحفريــات وأنفــاق حتــت وقــرب املســجد األقصــى‬ ‫ووضــع املــواد الكيماويــة علــى أساســيات املســجد متهي ـدًا النهيــاره‪.‬‬ ‫املــرأة الفلســطينية‪ ،‬امــرأة طــوت يف جعبتهــا‪ ،‬كل ســبل احليــاة‪،‬‬ ‫وهابهــا‪ ،‬أحيا ًنــا‪ ،‬املــوت‪ ،‬اختصــر بــن كفيهــا الكــون تعيــش‪ ،‬ومتــوت يف‬ ‫ثــوب البطولــة‪ ،‬ولكنهــا تبقــى رمزَا للفداء‪ ،‬والصبــر‪ ،‬والصمود والتحدي‪.‬‬ ‫تــارة جندهــا األم التــي حتــث أبناءهــا علــى الكفــاح ضــد االحتالل‬ ‫اإلســرائيلي وتزويدهــم بالســالح للدفــاع عــن النفــس وتــارة أخــرى‬ ‫جندهــا الشــهيدة واالستشــهادية مــن أجــل احلريــة التــي تقــدم روحهــا‬ ‫فــدا ًء لوطنهــا وتــارة تدفــع بأبنائهــا للعلــم والتفــوق‪.‬‬ ‫املــرأة الفلســطينية أســطورة النضــال الوطنــي‪ ،‬واالجتماعــي‪،‬‬ ‫والسياســي‪ ،‬والنمــوذج الفريــد‪ ،‬الــذي يحتــذى مــن قبــل نســاء العالــم‪،‬‬ ‫والتجربــة القويــة التــي خاضتهــا‪ ،‬بنجــاح‪ ،‬وبــكل مراحلهــا‪ ،‬وعلــى كافــة‬ ‫توجهاتهــا‪ .‬فكانــت أ ًمــا‪ ،‬وأختًــا‪ ،‬وزوجــة للمقــاوم‪ ،‬وهــي أم الشــهيد‪،‬‬ ‫وزوجــة املعتقــل‪ ،‬وبنــت األســير والشــهيد‪ ،‬وأخــت املبعــد خــارج وطنــه‪،‬‬ ‫بــل هــي األســيرة الفوالذيــة‪ ،‬التــي حتــدت‪ ،‬وحتملــت ويــالت االحتــالل‪،‬‬ ‫مــن تعذيــب‪ ،‬وإهانــة‪ .‬فقــد تعرضــت املــرأة الفلســطينية‪ ،‬كمــا الرجــال‬ ‫الفلســطينيون‪ ،‬إلــى االعتقــال‪ ،‬وزج بــاآلالف منهــن يف زنازين االحتالل‪،‬‬ ‫علــى مــدى الســنن‪ ،‬ليتعرضــن ألبشــع أنــواع التنكيــل‪ ،‬والتعذيــب‪.‬‬ ‫تشــير أعــداد األســيرات الفلســطينيات الالتــي يقبعــن يف ســجون‬ ‫االحتــالل اإلســرائيلي إلــى‪ 65‬أســيرة‪ ،‬ويعشــن ظرو ًفــا قاســية منهــن‬ ‫أمهــات‪ ،‬أجنــن داخــل املعتقــالت‪ ،‬أو تركــن أطفالهــن دون رعايــة‪،‬‬ ‫وبعضهــن طالبــات ومــن بينهــم ‪ 19‬أســيرة قاصــرة‪ ،‬دون الثامــن عشــرة‬ ‫فيمــا بينهــن مــن يعانــن مــن أمــراض خطيــرة وصــدرت بحقهــن‬ ‫أحــكام بالســجن الفعلــي‪ ،‬لســنوات طــوال‪ ،‬وصلــت إلــى املؤبــد‪ ،‬ملــرة‬ ‫واحــدة‪ ،‬أو لعــدة مــرات‪.‬‬ ‫لقــد حــاول االحتــالل اإلســرائيلي علــى مــدى عقــود طويلــة‬ ‫طمــس جــزء هــام مــن تاريــخ الشــعب الفلســطيني وإيهــام العالــم‬ ‫بــأن أرض فلســطن خاليــة مــن كل شــيء حتــى مــن الشــخصيات‬ ‫االعتباريــة يف املجتمــع وإنهــا مجــرد أرض خاويــة‪.‬‬ ‫الرموز النسائية الفلسطينية يف مجاالت شتى‪.‬‬ ‫الدكتــورة حنــان عشــراوي‪ :‬تعــد مــن أكثــر النســاء الفلســطينيات‬ ‫شــهر ًة ومدافعــة قويــة عــن حقــوق شــعبها وهــي ناشــطة يف املجتمــع‬ ‫املدنــي‪ ،‬أسســت املبــادرة الفلســطينية لتعميــق احلــوار والدميقراطيــة‬ ‫"مفتــاح"‪ .‬كمــا أن لهــا أســ ًما بــارزًا يف احلقــل األكادميــي‪ .‬كانــت‬ ‫الناطــق الرســمي باســم الوفــد الفلســطيني حملادثــات الســالم يف‬ ‫مدريــد وواشــنطن‪ .‬وتقلــدت مناصــب وزارية يف الســلطة الفلســطينية‬ ‫وهــي عضــو يف املجلــس التشــريعي الفلســطيني وعضــو يف اللجنــة‬ ‫التنفيذيــة ملنظمــة التحريــر الفلســطينية‪.‬‬

‫‪46‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫اعتقالهــن وتعذيبهــن إذا لــزم األمــر" وخــالل االنتفاضــة األولــى‬ ‫وبالتحديــد يف عــام ‪1987‬م‪ ،‬حدثــت أكبــر عمليــة اعتقــاالت بحــق‬ ‫النســاء الفلســطينيات وصلــت إلــى ‪ 3000‬أســيرة فلســطينية‪.‬‬ ‫ســاهمت املــرأة الفلســطينية يف تشــكيل العديــد مــن اللجــان يف‬ ‫جميــع أنحــاء فلســطن بهــدف جتميــع أكبــر عــدد مــن النســاء املشــاركات‬ ‫يف نشــاطات اللجــان املختلفــة‪ ،‬مــن أجــل مقاومــة االحتــالل باإلضافــة‬ ‫لتنظيمها حلملة مقاطعة للبضائع اإلسرائيلية بدوره استخدم االحتالل‬ ‫سياســة التعتيــم اإلعالمــي لــدور املــرأة يف القضيــة الفلســطينية‪.‬‬ ‫شــهدت االنتفاضــة الثانيــة مشــاركة للمــرأة يف العمليــات‬ ‫الفدائيــة منهــم الشــهيدة وفــاء إدريــس أولــى الفدائيــات يف انتفاضــة‬ ‫األقصــى بعــد قيامهــا بعمليــة استشــهادية يف عــام ‪2000‬م‪ ،‬وآيــات‬ ‫األخــرس التــي قامــت بعمليــة استشــهادية يف متجــر بالقــدس الغربيــة‬ ‫‪2002‬م‪ ،‬وقــد بلــغ عــدد النســاء الالتــي استشــهدن خــالل انتفاضــة‬ ‫األقصــى ‪ 460‬امــرأة‪ ،‬وعــدد حــاالت االعتقــال تقري ًبــا ‪ 900‬امــرأة‪.‬‬ ‫ثــم عــادت املــرأة الفلســطينية بانتفاضــة الســكاكن باملشــاركة يف‬ ‫النضــال الوطنــي‪ ،‬ولعــل وســائل اإلعــالم ومواقــع التواصــل االجتماعــي‬ ‫كانت كفيلة بأن تنقل صور الفتيات امللثمات يف مواجهة قوات االحتالل؛‬ ‫وهن يرشقن اجلنود باحلجارة دون خوف‪ ،‬حتى لو كان الثمن حياتهن‪،‬‬ ‫ولعــل مــن أشــهر الفلســطينيات الالتــي حتولــن إلــى رمز وقــدوة يف هذه‬ ‫االنتفاضــة هــي الطالبــة داليــا نصــار‪ ،‬التــي أصابهــا جنــود االحتــالل‬ ‫برصاصــة‪ ،‬وأصبــح إخــراج الرصاصــة ميثــل خطــ ًرا علــى حياتهــا‪،‬‬ ‫وهــي تعيــش اآلن وداخلهــا رصاصــة ومــا زالــت االنتفاضــة يف فلســطن‬ ‫مســتمرة حتــى األحــداث األخيــرة التــي شــهدها املســجد األقصــى‪.‬‬

‫المرأة واألقصى‬ ‫املرابطــات أمهاتنــا أخواتنــا خاالتنــا عماتنــا بناتنــا إنهــن الشــرف‬ ‫والكبريــاء والشــموخ‪ .‬إنهــن منحــة إلهيــة‪ ،‬وعطــاء إنســاني‪ ،‬وهــن يف‬ ‫حالــة تغذيــة دائ ًمــا لأبنــاء ليمارســوا دورهــم النضالــي اجلهــادي يف‬ ‫مواجهــة الطغمــة العســكرية‪.‬‬ ‫املرابطات‪ ،‬املهمة الدينية والعقيدة والتمســك بالرســالة السماوية‬ ‫يف الدفــاع عــن القــدس إنهــا البطولــة‪ ،‬فمنهــن مــن استشــهد ومــن جرح‬ ‫ومــن أســر يف ســجون االحتــالل‪ .‬وهــل هنــاك مــا هــو أشــرف مــن تلبيــة‬ ‫نــداء الوطــن‪ ،‬وأي نــداء‪ ،‬إنــه نــداء احلفــاظ علــى املســجد األقصــى‬ ‫املبــارك‪ .‬فــكان واليــزال وســوف يســتمر دور املرابطــات أساســي ومهــم‬ ‫يف مواجهــة كل الذيــن يحاولــون الســطو علــى مقدســاتنا‪ .‬وكــم حــاول‬ ‫العــدو الصهيونــي وبــكل وســائله التكنولوجيــة واإلعالميــة أن يصــد‬ ‫املرابطــات عــن أداء واجبهــن ولكنهــم عب ًثــا يحاولــون أمــام تصميــم‬ ‫املرابطــات واملرابطــن جعــل العــدو يتراجــع‪.‬‬ ‫وبتواصلــي مــع عــدد كبيــر مــن املرابطــات الصابــرات الصامــدات‬ ‫علــى أبــواب املســجد األقصــى ويف شــوارع القــدس وهــن يفترشــن‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫األرض ويلتحفــن الســماء ليــل نهــار يف مواجهــة التهديــد والوعيــد‬ ‫مــن جيــش االحتــالل الفاشــي‪ .‬كنــت ألتمــس باحلديــث معهــن الــروح‬ ‫اإلميانيــة‪ ،‬واحلالــة املعنويــة العاليــة والتصميــم والعنــاد والصمــود‬ ‫والتحــدي واألمــل باملســتقبل الزاهــر يف التخلــص مــن هــؤالء القتلــة‪.‬‬ ‫املرابطــات يرســخن الصمــود واألمــل والتحــدي حلمايــة املســجد‬ ‫األقصــى ملقدســاتنا لوطننــا فلســطن‪ .‬فلســطن لهــن أرض مباركــة‬ ‫مقدســة‪ ،‬ممزوجــة بدمــاء األجــداد واآلبــاء واألبنــاء‪ ،‬و أرض اإلســراء‬ ‫واملعــراج‪ ،‬وقــد أخــدت مكانتهــا مــن اإلرث الدينــي الــذي حتفــل بــه‪ ،‬فيهــا‬ ‫املســجد األقصــى املبــارك أولــى القبلتــن‪ ،‬وثالــث احلرمــن الشــريفن‬ ‫للمســلمن يف مشــارق األرض ومغاربهــا‪ ،‬فقــد جعلــه اهلل توأ ًمــا لشــقيقه‬ ‫(سـبْ َحا َن ا َّلــذِ ي أَ ْسـ َرى ِب َعبْــدِ ِه لَيْـ ًـال ِّمـ َن‬ ‫املســجد احلــرام مبكــة املكرمــة‪ُ :‬‬ ‫ْامل َ ْسـ ِـجدِ ْ َ‬ ‫صــى ا َّلــذِ ي بَا َر ْكنَــا َح ْولَ ـ ُه ِلنُرِ يَ ـ ُه مِ ـ ْن‬ ‫احل ـ َر ِام ِإلَــى ْامل َ ْسـ ِـجدِ ْاألَ ْق َ‬ ‫الســمِ ي ُع الْبَ ِصي ُر)(اإلســراء‪ ،)1:‬ففلســطن أرض النبوات‪،‬‬ ‫آيَا ِتنَــاج ِإ َّنـ ُه ُهـ َو َّ‬ ‫وتاريخها مرتبط بســير الرســل الكرام عليهم الصالة والســالم؛ فما من‬ ‫الوطــن بــد‪ ،‬ومــا لإلنســان عنــه مــن غنــى‪ ،‬يف ظلــه يأتلــف النــاس‪ ،‬وعلــى‬ ‫أرضــه يعيــش الفكــر‪ ،‬ويف حمــاه تتجمــع أســباب احليــاة‪ ،‬وعنــد دراســتنا‬ ‫لأحاديــث الشــريفة جنــد أن الرســول عليــه الصــالة والســالم قــد أثنــى‬ ‫علــى املرابطــن املقيمــن يف بيــت املقــدس‪ ،‬وأن منهــم الطائفــة املنصــورة‬ ‫إن شــاء اهلل‪ ،‬فبيــت املقــدس ســيبقى إن شــاء اهلل حص ًنــا لإلســالم إلــى‬ ‫يــوم القيامــة علــى الرغــم مــن احملــن التــي تعصــف باألمــة‪ ،‬حيــث يقــول‬ ‫صلــى اهلل عليــه وســلم ‪ ( :‬التــزال طائفــة مــن أمتــي علــى الدين ظاهرين‬ ‫لعدوهــم قاهريــن ال يضرهــم مــن خالفهــم إال مــا أصابهم مــن ألواء حتى‬ ‫يأتيهــم أمــر اهلل وهــم كذلــك‪ ،‬قالــوا ‪ :‬وأيــن هــم ؟ قــال‪ :‬ببيــت املقــدس‬ ‫وأكنــاف بيــت املقــدس) أخرجــه أحمــد بــن حنبــل يف مســنده ‪.5/ 269‬‬ ‫مــن منــاذج املــرأة املقدســية يبــرز اســم أم كامــل الكــرد منــوذج من‬ ‫النمــاذج املشــرفة للمــرأة الفلســطينية املقدســية املرابطــة املتمســكة‬ ‫بأرضهــا‪ ،‬املدافعــة عــن عقيدتهــا وحقوقهــا‪ ،‬رغــم كل وســائل الترغيب‬ ‫والترهيــب‪ .‬لقــد رفضــت أم كامــل الكــرد كمثلهــا مــن املقدســيات كل‬ ‫اإلغــراءات املاليــة التــي تقــدر مباليــن مــن الــدوالرات‪ ،‬كمــا رفضــت‬ ‫كل التهديــدات واالعتــداءات وبقيــت متمســكة ببيتهــا وبحقهــا‪،‬‬ ‫مرابطــة يف مدينتهــا املقدســة التــي أحبتهــا وضحــت مــن أجلهــا‪.‬‬ ‫فقــد اقتحمــت قــوة كبيــرة مــن جيــش االحتــالل اإلســرائيلي حــي‬ ‫الشــيخ جــراح مبدينــة القــدس‪ ،‬وأخلــت قــوات االحتــالل اإلســرائيلي‬ ‫بالقــوة‪ ،‬وحتــت تهديــد الســالح عائلــة الكــرد مــن منزلهــا‪ ،‬حيــث أخلــت‬ ‫رب العائلــة املســن واملقعــد (أبــو كامــل الكــرد) وزوجتــه (أم كامل الكرد)‬ ‫وأبنــاءه‪ ،‬واســتقرت فيــه وأعلنــت احلــي منطقــة عســكرية مغلقــة‪،‬‬ ‫ومنعــت املواطنــن مــن االقتــراب أو الوصــول إلــى منطقــة املنــزل‪،‬‬ ‫ووجــدت العائلــة نفســها الجئــة علــى بعــد نصــف متــر مــن بيتهــا‪.‬‬ ‫أقامــت العائلــة مبعونــة األهالــي خيمــة اعتصــام تقــع علــى‬ ‫مدخــل احلــي‪ ،‬لتكــون تلــك اخليمــة عالمــة علــى انتهــاكات االحتــالل‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مشــاركة بعــض مــن القيــادات النســوية مثــل ســميحة خليــل ويســرا‬ ‫البربــري مــن أجــل حتريــر فلســطن‪.‬‬ ‫بــدأ نشــاط تنظيــم "زهــرة األقحــوان" يف عــام النكبــة ‪1948‬م‪ ،‬الــذي‬ ‫مت تأسيســه علــى يــد األختــن مهيبــة ونارميــان خورشــيد‪ ،‬وقــد كان‬ ‫نشــاط هــذا التنظيــم يعتمــد علــى النشــاط اخليــري يف بدايــة األمــر‪ ،‬ثــم‬ ‫حتــول بعــد ذلــك إلى نشــاط عســكري نتيجة استشــهاد طفل فلســطيني‬ ‫علــى يــد جنــدي بريطانــي‪ .‬وقــد كان ظهــور نشــاط " زهــرة األقحــوان"‬ ‫يف يافــا أكثــر مــن أي مــكان آخــر بســبب االشــتباكات الدائمــة بن ســكان‬ ‫يافــا العــرب‪ ،‬مســتوطني تــل أبيــب و اليهــود‪ .‬وظهــر خــالل هــذه الفتــرة‬ ‫استشــهاد العديــد مــن النســاء لعــل أشــهرهن املناضلــة حيــاة البليســي‪.‬‬ ‫كانــت نكســة ‪1967‬م‪ ،‬وضيــاع الضفة الغربية وقطــاع غزة والقدس‪،‬‬ ‫ووقوعهــم حتــت االحتــالل الصهيونــي ســب ًبا يف حــدوث تغيــر كبيــر يف‬ ‫نضــال املــرأة الفلســطينية‪ .‬حيــث خرجــت املــرأة الفلســطينية مــن دائــرة‬ ‫املؤسسات‪ ،‬واجلمعيات اخليرية إلى دائرة النضال الوطني الذي وصل‬ ‫إلــى قمــة نشــاطه يف تلــك الفتــرة‪ .‬وبــدأت املــرأة الفلســطينية تنضــم إلى‬ ‫العمــل املســلح واحلــركات الفدائيــة يف فلســطن‪ ،‬مثــل املناضلــة عايــدة‬ ‫ســعد‪ ،‬والتــي قامــت بإلقــاء قنبلــة ضــد اآلليــات اإلســرائيلية املوجــودة‬ ‫أمــام مركــز الشــجاعية ‪1967‬م‪ ،‬يف قطــاع غــزة‪ ،‬وفاطمــة برنــاوي‪ ،‬التــي‬ ‫اعتقلــت بعــد تفجيرهــا لقنبلــة يف ســينما "صهيــون"‪ ،‬وليلــى خالــد التــي‬ ‫قامــت بخطــف طائــرة شــركة العــال اإلســرائيلية مــن أجــل إطالق ســراح‬ ‫املعتقلــن يف فلســطن ولفــت أنظــار العالــم إلــى القضيــة الفلســطينية‪،‬‬ ‫وشــهيدة حــرب األيــام الســتة شــادية أبــو غزالــة التــي استشــهدت أثنــاء‬ ‫إعدادهــا ملتفجــرة يف تــل أبيــب يف عــام ‪1968‬م‪ ،‬والشــهيدة دالل املغربــي‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪45‬‬

‫ملف العدد‬

‫قائــدة املجموعــة الفدائيــة‪ ،‬التــي قامــت بتفجيــر حافلــة إســرائيلية‬ ‫عســكرية‪ ،‬وقتــل جنــود إســرائيلين بداخلها وخارجهــا‪ ،‬واملناضلة فتحية‬ ‫عــوض احلورانــي التــي داســت الدبابــات اإلســرائيلية جســدها عــام‬ ‫‪1974‬م‪ ،‬وصــوالً إلــى تغريــد البطمــة التــي استشــهدت يف عــام ‪1980‬م‪،‬‬ ‫بجانــب وجــود الكثيــر من املناضالت الفلســطينيات الالتــي ضربن املثل‬ ‫والقــدوة يف النضــال مــن أجــل حتريــر الوطــن‪.‬‬ ‫لعبــت املــرأة الفلســطينية يف االنتفاضــة األولــى دو ًرا بــارزًا يف الدور‬ ‫السياســي واالجتماعي والدور التنظيمي والنقابي‪ ،‬فقد قامت بإفشــال‬ ‫خطــة االحتــالل اإلســرائيلي يف فــرض احلصار االقتصــادي على القرى‬ ‫واملخيمــات؛ حيــث كانــت تقــوم بإدخــال كميــات كبيــرة من املــواد الغذائية‬ ‫يف التفــاف وحتـ ٍـد للحصــار‪ ،‬مــن أجــل توفيــر الطعــام للثــوار ملســاعدتهم‬ ‫باالســتمرار يف النضــال الوطنــي‪ ،‬بجانــب اســتخدام املــرأة الفلســطينية‬ ‫للتعليــم املنزلــي‪ ،‬من أجل اســتكمال تعليم األطفــال الصغار‪ ،‬وجعل العلم‬ ‫كســالح يف وجــه االحتــالل بجانــب تقدميها للمســاعدات الصحية‪.‬‬ ‫ســاعدت املــرأة علــى حتريــر العديــد مــن شــباب وأبطــال‬ ‫االنتفاضــة وإنقــاذ أعــداد كبيــرة مــن الثــوار‪ ،‬وتأمــن خروجهــم‬ ‫وتوفيــر أماكــن لهــم داخــل البيــوت أو احلقــول باإلضافــة إلــى خــروج‬ ‫املــرأة الفلســطينية للشــارع مــن أجــل املشــاركة يف االعتصامــات‬ ‫واملظاهــرات ومقاومتهــا لقــوات االحتــالل‪ ،‬وتقدميهــا لفلــذات‬ ‫أكبادهــا مــن أجــل حتريــر الوطــن‪ ،‬بجانــب دورهــا يف التوعيــة بأهميــة‬ ‫دورهــا يف املشــاركة يف االنتفاضــة‪ ،‬وبســبب مشــاركة املــرأة الفعالــة‬ ‫صرحــت اإلدارة اإلســرائيلية بقولهــا " إن احلــرب هــي احلــرب وإن‬ ‫للنســاء الفلســطينيات دو ًرا فعــاالً يف االنتفاضــة لذلــك البــد مــن‬

‫‪44‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪ 460‬شـهـيـــدة و‪ 900‬فـلـسـطـيـنـيـــة مـعـتـقـلـــة خـــال انتـفـاضـــة األقـصـــى‬

‫نض ــال الم ــرأة الفلس ــطينية‪ :‬الحف ــاظ ع ــى‬ ‫هوي ــة وط ــن واحتض ــان قضي ــة أم ــة‬ ‫املــرأة‪ ،‬هــي ريــح األرض وعطرهــا‪ ،‬املــرأة هــي اخلصــب والنمــاء‪ ،‬املــرأة هــي القلــب واحلــب والعطــاء‪ ،‬املــرأة إشــراقة األمــل‬ ‫حــن يضيــق الكــون وتكــون هــي الرجــاء‪ ،‬املــرأة هــي األم‪ ،‬والتاريــخ‪ ،‬وذاكــرة األوطــان‪ ،‬هــي أنــا وأنــت وأنــن وهــن‪ ،‬وهــي‬ ‫احلاضــر بــكل قســاوته‪ ،‬ومرارتــه‪ ،‬وحلظــات األمــل وهــي احللــم‪ ،‬الــذي نعيشــه يف كل حلظــة‪ ،‬يف انتظــار إشــراقه شــمس‬ ‫جديــدة تضــيء املــكان‪ .‬إذا كانــت هــذه هــي املــرأة بصفــة عامــة‪ ،‬فاملــرأة الفلســطينية علــى وجــه اخلصــوص هــي التــي حملــت‬ ‫ال ثقيـ ً‬ ‫تاريخهــا علــى ظهرهــا‪ ،‬حمـ ً‬ ‫ال‪ ،‬ورحلــت جتــوب العالــم لتعــرض قضيتهــا‪ ،‬لتحافــظ علــى حضــارة تريــد اآللــة الصهيونيــة‬ ‫أن تدهســها ومتحوهــا مــن الذاكــرة‪ ،‬وحتمــل مج ـدًا تلي ـدًا‪ ،‬وتنثــر يف كل حلظــة ويف كل مــكان رســالة ســالم‪ ،‬رســالة حــب‬ ‫تبعــث أمـ ً‬ ‫ال إلعــادة وط ًنــا ســلي ًبا وقــع أســي ًرا حتــت براثــن عــدو غاشــم‪.‬‬

‫دانية باسم عبد اهلل األغا‬ ‫املــرأة الفلســطينية تتميــز بخصوصيــة مســتمدة مــن خصوصيــة‬ ‫قضيتهــا الوطنيــة التــي شــكلت حياتهــا‪ ،‬وأثــرت علــى مســيرة نضالهــا‪.‬‬ ‫حيــث خاضــت املــرأة الفلســطينية غمــار احليــاة مبكــ ًرا وشــاركت‬ ‫الرجــل يف مقاومــة االحتــالل اإلســرائيلي وانخرطــت يف صفــوف‬ ‫األحــزاب والقــوى الوطنيــة وســجلت أروع الصفحــات وأملعهــا يف تاريخ‬ ‫الثــورة الفلســطينية منــذ بدايتهــا وحتــى اآلن‪.‬‬ ‫بدأت املرأة الفلسطينية الدخول يف احلياة السياسية عام ‪1893‬م‪،‬‬ ‫بقيامهــا بــأول مظاهــرة احتجــاج ضــد االســتيطان اليهودي يف فلســطن‬ ‫بســبب إقامــة أول مســتوطنة يهوديــة يف قريــة العفولــة الفلســطينية‪،‬‬ ‫ومــن هنــا بــدأت املــرأة الدخــول يف احليــاة السياســية كنتيجــة لأوضــاع‬ ‫التــي متــر بهــا فلســطن‪ .‬ثــم جــاء بعــد ذلــك دورهــا البــارز يف ثــورة‬ ‫البــراق عــام ‪1929‬م‪ ،‬إضافــة إلــى تأســيس االحتــاد النســائي العربــي يف‬ ‫القــدس‪ ،‬الــذي كان لــه دور هــام يف " ثــورة البــراق"‪ ،‬وكان الهــدف مــن‬ ‫إنشــاء هــذا االحتــاد هــو" مناهضــة االســتعمار البريطانــي والوقــوف يف‬ ‫وجــه االســتيطان الصهيونــي"‪ ،‬إلــى جانــب القيــام بأنشــطة أخــرى مثــل‬ ‫إنشــاء جلنة اإلســعافات األولية لتقدمي اخلدمات للثوار الفلســطينين‬ ‫ضــد اليهــود‪ ،‬وإنشــاء مســتوصف لعــالج الفقــراء‪ ،‬باإلضافــة إلــى دوره‬ ‫يف نشــر القضيــة الفلســطينية والتعريــف بهــا يف الداخــل واخلــارج‪،‬‬ ‫ونظــم االحتــاد مســيرة صامتــة للســيدات عــام ‪1933‬م‪ ،‬انطلقت من مقر‬ ‫(اللجنــة التنفيذيــة للســيدات العربيــات) مــرو ًرا بشــوارع القــدس‪ ،‬إلى أن‬ ‫وصلــت مســجد عمــر بــن اخلطــاب حيــث وقفــت ســيدة مســيحية ألول‬

‫مــرة يف التاريــخ‪ ،‬علــى منبــر عمــر بــن اخلطــاب‪ ،‬وألقــت خطبــة‪ ،‬وصفــت‬ ‫فيهــا االنتــداب باالســتعمار‪ ،‬للمــرة األولــى كمــا ربطــت بــن موقــف‬ ‫االســتعمار البريطانــي‪ ،‬واألهــداف الصهيونيــة‪ ،‬وأشــارت إلــى عــدم‬ ‫جــدوى إرســال برقيــات االحتجــاج إلــى الســلطات البريطانيــة‪ ،‬وأكــدت‬ ‫أنــه ال ميكــن احلصــول علــى االســتقالل إال بكفــاح األمــة‪ ،‬وضــرورة‬ ‫االســتفادة مــن دروس التاريــخ‪ .‬ثــم أكملــت املظاهــرة طريقهــا‪ ،‬إلــى أن‬ ‫وصلــت القبــر املقــدس بالقــدس‪ ،‬حيــث احتشــد اآلالف مــن املســيحين‬ ‫ممــن كانــوا يحجــون لأراضــي املقدســة‪ ،‬وألقــت طــرب عبــد الهــادي‬ ‫خطبــة أمــام مــا يعتبــروه قبــر املســيح‪ ،‬وشــنت هجو ًمــا علــى السياســة‬ ‫البريطانيــة‪ ،‬املتحيــزة لليهــود والتــي ســمحت لهــم بالهجــرة مــن جميــع‬ ‫أنحــاء العالــم إلــى فلســطن‪.‬‬ ‫كمــا اتخــذت املــرأة الفلســطينية‪ ،‬مواقــف أكثــر جــرأة‪ ،‬فشــاركت يف‬ ‫الكفــاح املســلح‪ ،‬وقدمــت التضحيــات ففــي املعركــة التــي دارت‪ ،‬يف وادي‬ ‫غزوان بالضفة الغربية بن الثوار الفلسطينين والقوات البريطانية عام‬ ‫‪1936‬م‪ ،‬ســقطت أول شــهيدة فلســطينية وهــي الشــهيدة فاطمــة غــزال‪،‬‬ ‫حيــث مت قنصهــا مــن القــوات البريطانية أثناء تأديتهــا لواجبها الوطني‪.‬‬ ‫يف الفتــرة ‪ 1939‬إلــى ‪1947‬م‪ ،‬كان للمــرأة الفلســطينية دور هــام‬ ‫يف احليــاة السياســية‪ ،‬والعســكرية‪ ،‬مــن خــالل مشــاركتها يف األحداث‬ ‫التــي حدثــت بــن العــرب واليهــود خاصــة بعــد قرار تقســيم فلســطن‪.‬‬ ‫وقــد كانــت املــرأة الفلســطينية حلقــة الوصــل بــن الثــوار‪ ،‬ويف خــالل‬ ‫هــذه الفتــرة ظهــرت بعــض اجلمعيــات‪ ،‬واالحتــادات النســوية‪ ،‬بجانــب‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫نشــرت مؤسســة األقصــى للتــراث والوقــف اإلســالمية ‪-5-22‬‬ ‫‪2015‬م‪ ،‬تقري ـ ًرا عــن اغتصــاب مقبــرة‪( ،‬مأمــن اهلل) اإلســالمية يف‬ ‫القــدس‪ ،‬التــي حتــوي علــى جثامــن شــهداء معركــة حطــن‪ ،‬وتضــم‬ ‫رفــات علمــاءٍ مســلمن‪ ،‬وقــادة سياســين‪ .‬أبــرز التقريــ ُر كيفيــة‬ ‫حتويــل املقبــرة التراثيــة إلــى أماكــن لهـ ٍـو وشــراب‪ ،‬ومحوهــا بالكامــل‬ ‫لتصبــح حديقــة عامــة‪ ،‬حتــت اسـ ٍـم مزيــف (ماميــال) أي مــاء الســماء!‬ ‫تســعى اجلمعيــة ً‬ ‫ـص علــى‬ ‫أيضــا إلــى دفــع قانــون يف الكنيســت ينـ ُّ‬ ‫اقتســام املســجد األقصــى‪ ،‬زما ًنــا‪ ،‬ومكا ًنــا‪ ،‬بن املســلمن واليهود‪ ،‬على‬ ‫أن ُمينــع املصلــون املســلمون مــن مســجدهم يف األعيــاد اليهوديــة‪ ،‬وأن‬ ‫يغضــوا الطــرف عــن املصلــن اليهــود يف ســاحات احلــرم القدســي‪،‬‬ ‫كمــا يحــدث بالفعــل يف احلــرم اإلبراهيمــي يف مدينــة‬ ‫تنــص علــى منــع‬ ‫اخلليــل‪ ،‬ويضعــون بنــو ًدا قانونيــة‬ ‫ُّ‬ ‫اعتــكاف املصلــن يف احلــرم القدســي‪.‬‬ ‫جمعيــة (إلعــاد) االســتيطانية تراقــب موظفــي‬ ‫األوقاف اإلســالمية‪ ،‬وتُبلِّغ الشــرطة اإلســرائيلية عن‬ ‫أيِّ ترميـ ٍـم يُجريــه الفلســطينيون يف احلــرم‪ ،‬ومينعــون‬ ‫دخــول مــواد الترميــم‪ .‬ومــن أبــرز مشــاريع هــذه‬ ‫اجلمعيــة االســتيطانية تزييــف أمــالك األراضــي‪،‬‬ ‫وشــراء البيــوت الفلســطينية‪ ،‬بواســطة سماســرة‬ ‫محترفــن‪ ،‬يقومــون بتزييــف املســتندات‪.‬‬ ‫ـرت صحيفـ ُة‪ ،‬االندبنــدت البريطانيــة يــوم ‪2011-12-1‬م‪ ،‬قصــة‬ ‫نشـ ْ‬ ‫الفلسطيني‪ ،‬محمد سومارين‪ ،‬الذي يسكن يف بيت أجداده منذ عشرات‬ ‫السنن‪ ،‬غير أنه تلقى أم ًرا من الصندوق القومي اإلسرائيلي‪ ،‬بإيعاز من‬ ‫جمعيــة إلعــاد‪ ،‬بــأن يُخلــي املنزل ألن ملكيته تعــود إلى الصنــدوق (‪.)JNF‬‬ ‫تتولــى هــذه اجلمعيــة ً‬ ‫أيضــا تســيير حمــالت مداهمــة للمســجد‬ ‫األقصــى يف املناســبات الدينيــة اليهوديــة‪ ،‬بالتوافــق مــع جماعــة أمنــاء‬ ‫جبــل الهيــكل‪ ،‬وغيرهــا مــن اجلمعيــات الســابق ذكرهــا‪ ،‬وهــي تســمي‬ ‫حمــالت املداهمــة‪ :‬إحيــاء ذكــرى إعــادة بنــاء الهيــكل الثالــث‪ ،‬ومــن أبــرز‬ ‫املنظمن لهذه املداهمات للمســجد األقصى‪ ،‬البرفســور‪( ،‬هيلل فايتس)‬ ‫وهــو رئيــس قســم اآلداب يف جامعــة بــار إيــالن‪ ،‬اعتــاد إقامــة الصــالة‪،‬‬ ‫صــالة الهيــكل‪ ،‬أمــام بــاب القطانــن برعايــة وزارة األوقاف‪ ،‬يقول الكاتب‬ ‫اليســاري اإلســرائيلي نــداف شــرغاي يف صحيفــة‪ ،‬هارتــس يف مقــال لــه‬ ‫بعنوان (بروفا) إلقامة الهيكل يوم‪2000/4/19 ،‬م‪" :‬هذه هي املرة األولى‬ ‫التــي يحظــى فيهــا هــذا احلــدث بتغطيــة رســمية‪ .‬كل الدارســن للديــن‬ ‫اليهودي يعرفون بأن كل مراسم إعادة بناء الهيكل ال ميكن أن تتم إال يف‬ ‫ســاحة األقصى باعتباره يخفي الهيكل! وبخاصة (ذبح) املاعز وســلخها!‬ ‫جمعيــة إلعــاد‪ ،‬أو كتيبــة إلعــاد احلربيــة التــي تُصـ ِّو ُب صواريخهــا‬ ‫نحــو القــدس‪ ،‬تشــرف أيضــا علــى الســياحة الدينيــة يف إســرائيل‪،‬‬ ‫فهــي جتلــب ماليــن الســائحن‪ ،‬مــن اليهــود‪ ،‬ومــن غيرهــم‪ ،‬بخاصــة‬ ‫املســيحانيون الصهيونيــون‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪43‬‬

‫ملف العدد‬

‫مــن املعــروف أن الدخــل الســياحي يف إســرائيل هــو مــن أكبــر‬ ‫مصــادر الدخــل الوطنــي‪ .‬أمــا مــا تقــوم بــه احلكومــة اليمينيــة املتطرفــة‬ ‫يف ملــف القــدس فهــو‪ ،‬أبرتهايــد كامــل األركان‪ .‬إن التنافــس علــى‬ ‫أصــوات الناخبــن اإلســرائيلين ال يُحقــق أية نتيجة‪ ،‬بــدون القدس‪ ،‬ألن‬ ‫السياســي اإلســرائيلي الفائــز‪ ،‬هــو َمــن يرفــع شــعار (اغتصــاب القدس)‬ ‫وطــرد ســكانها الفلســطينين‪ ،‬ليتمكــن مــن احلصــول علــى أصــوات‬ ‫احلــاردمي املتزمتــن‪ ،‬كذلــك فــإن ملــف القــدس هــو امللــف الوحيــد الــذي‬ ‫ميكــن أن يُف ـ ِّكك االئتــالف احلكومــي‪.‬‬ ‫لذلــك فــإن كل السياســين يف إســرائيل يخشــون اليــوم حــ ّل‬ ‫الدولتــن‪ ،‬بســبب القــدس‪ ،‬ألنهــم جمي ُعهــم يرفعون شــعار‪( :‬كل القدس‬ ‫عاصمــة إســرائيل األبديــة)‪ ،‬هــم يفخــرون ً‬ ‫أيضــا بعــدد‬ ‫الفلســطينين الذيــن ُه ِّجــروا مــن القــدس‪ ،‬حتــى يف‬ ‫عهــد حكومــات اليســارين‪:‬‬ ‫ــرت إســرائي ُل أربعــة عشــر ِ‬ ‫ألــف فلســطيني‬ ‫هج ْ‬ ‫َّ‬ ‫منــذ عــام ‪1994-1967‬م‪ ،‬حتــى توقيــع اتفاقيــة أوســلو‪،‬‬ ‫وصــادرت هوياتهــم‪ ،‬ولــم تســمح لهــم بالعــودة مــرة‬ ‫ْ‬ ‫أخــرى‪( .‬صحيفــة هارتــس ‪2011-5-11‬م)‬ ‫انشــغل احملللــون بتعيــن أفيغــدور ليبرمــان وزي ـ ًرا‬ ‫طغت‬ ‫للدفــاع‪ ،‬كجنــرال عســكري‪ ،‬يؤجــج احلــروب‪ ،‬فقــد‬ ‫ْ‬ ‫هــذه الصفــة‪ ،‬صفـ ُة ليبرمــان‪ ،‬احملــرض علــى احلــروب‪،‬‬ ‫وداعــم علــى االســتيطان وشــرعنته‪،‬‬ ‫علــى أبشــع صفاتــه‪ ،‬كمحــرض‬ ‫ٍ‬ ‫وبخاصــة االســتيطان يف القــدس الشــرقية‪ ،‬إلجنــاز احلــل االســتيطاني‬ ‫ـس بلديــة‪،‬‬ ‫النهائــي‪ ،‬فقــد وعــد ليبرمــان قبــل تعيينــه وزيـ ًرا للدفــاع‪ ،‬رئيـ َ‬ ‫معاليــه أدوميــم‪ ،‬أن ينفــذ هــذا احلــل النهائــي‪ ،‬وهــو ضــم مســتوطنة‬ ‫معاليــه أدوميــم إلــى بلديــة القــدس‪ ،‬والســماح بتوســيعها‪ ،‬أي باالســتيالء‬ ‫علــى األراضــي الفلســطينية‪ ،‬وإنهــاء مشــروع الدولــة الفلســطينية!‬

‫جمعية إم ترتسو من‬ ‫أشـ ّد الجمعيــات خطــورة‬ ‫عى القدس وهي كتيبة‬ ‫عســكرية تقــوم بحصــار‬ ‫المسجد األقصى وتفريغها‬

‫أخي ًرا‪:‬‬ ‫مــا تــزال أحــداث الهبــة الشــعبية الفلســطينية‪ ،‬ضــد إجــراءات‬ ‫تفتيــش‬ ‫احملتــل اإلســرائيلي‪ ،‬حــن قــ َّرر احملتلــون وضــع بوابــات‬ ‫ٍ‬ ‫إلكترونيــة‪ ،‬أمــام مداخــل املســجد األقصــى يــوم ‪2017-7-16‬م‪،‬‬ ‫حاضــر ًة يف أذهــان كل املســلمن يف العالــم‪.‬‬ ‫هذه الهبة الشعبية الفلسطينية التي قادها الفلسطينيون يف صورة‬ ‫احتجاجات ســلمية‪ ،‬تتمثل يف الصالة خارج أبواب احلرم القدســي‪ ،‬هي‬ ‫التــي أرغمــت إســرائيل علــى إزالــة هــذه البوابــات‪ ،‬هذا االنتصار الشــعبي‬ ‫الفلســطيني‪ ،‬يؤكــد حقنــا املشــروع يف أرضنــا ومســجدنا‪ ،‬كمــا أنــه عـزَّز‬ ‫قدراتِنــا علــى إجهــاض مؤامــرات املتطرفن احملتلن‪.‬‬ ‫*ﻣﺴﺘﺸﺎر اﻟﺘﻮﺟﻴﻪ اﻟﻮﻃﻨﻲ واﻟﺴﻴﺎﳼ ﰲ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﺳﺎﺑﻘًﺎ ــ ﻣﺪﻳﺮ ﻋﺎم‬ ‫اﳌﻄﺒﻮﻋﺎت واﻟﻨﴩ ﰲ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﺳﺎﺑﻘًﺎ ـ ﺑﺎﺣﺚ وﺧﺒري ﰲ اﻟﺸﺆون اﻹﴎاﺋﻴﻠﻴﺔ‬

‫‪42‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫تتركــز يف مداهمــة احلــرم القدســي‪ ،‬وقبــة الصخــرة‪ ،‬وغال ًبــا مــا‬ ‫كانــت احملكمــة العليــا تســمح لهــم‪ .‬كانــوا يتعاونــون مــع حركــة‪ ،‬غــوش‬ ‫إميونيــم االســتيطانية‪ ،‬ومــع حركــة كاخ العنصريــة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫جماعــات مــع أعضــاء‬ ‫يف عــام ‪1980‬م بــدأوا يدخلــون احلــرم‬ ‫الكنيســت‪ ،‬ويف عــام ‪1987‬م‪ ،‬حصــل أكثــر مــن خمســن عض ـ ًوا منهــم‬ ‫على تصاريح بالدخول للحرم القدســي‪ ،‬واســتخدموا مكبرات الصوت‪،‬‬ ‫ألداء صلــوات تلموديــة‪ .‬تقــول جماعــة أمنــاء جبــل الهيــكل (‪:)TMF‬‬ ‫" نريد وضع حجر األساس للهيكل الثالث يف عقول الناس أوال"‪.‬‬ ‫يقول غرشون سوملون‪:‬‬ ‫أنــا متديــن ومتأكــد بــأن الرعايــة اإللهيــة هــي التــي اختارتنــي‬ ‫لتحقيق الرســالة التاريخية الســامية‪ ،‬أعرف كيف أســتخدم ســالحي‪،‬‬ ‫ـت مــن الدياســبورا‪ ،‬فمــن‬ ‫فأنــا مــن اجليــل اإلســرائيلي اجلديــد‪ ،‬لسـ ُ‬ ‫يحــاول االعتــداء علـ ّـى‪ ،‬يجــب أن يخــاف علــى نفســه"‬ ‫صحيفة جورسلم بوست ‪1991-3-29‬م‪.‬‬ ‫أما مبادئ‪ ،‬جماعة‪ ،‬عطيرت كوهانيم فهي تتلخص يف‪:‬‬ ‫"يجــب الســكن يف املدينــة القدميــة يف القــدس‪ ،‬يجــب تطهيــر‬ ‫اليهــود عقل ًيــا‪ ،‬وجســم ًيا‪ ،‬قبــل عــودة‪ ،‬املاشــيح‪ ،‬وإذا لــم يحــدث ذلــك‬ ‫فلــن يعــود املاشــيح‪ ،‬إن حتريــر إســرائيل هــو حتريــر العالــم‪ ،‬يجــب‬ ‫اتبــاع تعاليــم الــراب‪( ،‬ابــن ميمــون)‪ ،‬تفــرض تعالي ُمــه اســتيطان‪ ،‬أرض‬ ‫كنعــان‪ ،‬واختيــار امللــك‪ ،‬أيــة حكومــة هــي صــورة للملــك‪ ،‬وبنــاء الهيــكل‬ ‫هــو الركــن الرئيــس‪ ،‬نحــن نتبــع الكتــاب املقــدس وليــس تعاليــم األمم‬ ‫املتحــدة‪ ،‬فــاألمم املتحــدة ال تقيــم وزنــا للديــن‪".‬‬ ‫" (كتاب‪ ،‬الصراع يف إسرائيل لتوفيق أبو شومر ص ‪)210‬‬ ‫هنــاك جمعيــة أخــرى حديثــة التأســيس‪ ،‬هــي جمعيــة‪ ،‬إم ترتســو‪،‬‬ ‫ســت عام ‪2006‬م‪ ،‬جمعية صهيونية‪ ،‬مديرها ومؤسســها‪،‬‬ ‫(إذا أ ّر ْد ُمت) أ ُ ِّس ْ‬ ‫رونــن شــوفال‪ ،‬حتــارب كل الدعــوات بنــزع الشــرعية عــن إســرائيل‪،‬‬ ‫وهــي مختصــة مبحاربــة كل منتقدي إســرائيل يف اجلامعــات‪ ،‬ومبطاردة‬ ‫اليســارين وجمعياتهــم التــي تكشــف احلقائــق عــن جرائــم االحتــالل‪،‬‬ ‫وتســعى لتشــويه كل اجلمعيــات الدوليــة املختصــة بحقــوق اإلنســان‪،‬‬ ‫وبخاصة جمعية (عير عميم) وهي جمعية يســارية‪ ،‬أسســها اليســاريون‬ ‫ً‬ ‫نقيضا للجمعية العنصرية (عير داود) أُسست عير‬ ‫اإلسرائيليون لتكون‬ ‫عميــم عــام ‪ 2004‬للدفــاع عــن الفلســطينين املضطهديــن يف القــدس‪.‬‬ ‫تولــت جمعيــة‪ ،‬إم ترتســو‪ ،‬مطــاردة جمعية‪ ،‬عير عميم‪ ،‬والتشــكيك‬ ‫ـت اجلمعي ـ ُة أكادمييــن إســرائيلين بأنهــم يدعــون‬ ‫يف متويلهــا‪ ،‬واتهمـ ْ‬ ‫ملقاطعــة إســرائيل‪ ،‬أصــدرت عــام ‪2011‬م‪ ،‬كتا ًبــا مكو ًنــا مــن ســبعن‬ ‫صفحــة بعنــوان (هــراء النكبــة) تدعــو حكومــة إســرائيل إلــى منــع‬ ‫الفلســطينين مــن االحتفــال بالنكبــة‪ ،‬ونظمــت اجلمعيــة اعتصا ًما أمام‬ ‫مقــر األمم املتحــدة يف القــدس‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫غيــر أن أشـ ّد اجلمعيــات اليهوديــة خطــورة علــى القــدس‪ ،‬هــي يف‬ ‫احلقيقــة‪ ،‬ليســت جمعيــة‪ ،‬بــل كتيبــة عســكرية تقــوم بحصــار املســجد‬ ‫األقصــى‪ ،‬وتفريــغ مدينــة القــدس مــن ســكانها املســلمن واملســيحين‬ ‫الفلســطينين‪ ،‬لهــدف جعلهــا مدينــة يهوديــة فقــط‪ ،‬هــذه اجلمعيــة‬ ‫هــي األشــد خطــورة علــى مســتقبل القــدس‪ ،‬إنهــا جمعيــة‪( ،‬عيــر‬ ‫داود)‪ ،‬أو باســمها املُضلِّــل (إلعــاد)‪ ،‬والتــي يديرهــا ضابــط يف الوحــدة‬ ‫اخلاصــة‪ ،‬دافيــد بعيــري‪ ،‬أسســها عــام ‪1986‬م‪.‬‬ ‫ترجــ ُع خطــورة هــذه اجلمعيــة إلــى حجــم إمكاناتهــا املاليــة‪،‬‬ ‫وعــدد موظفيهــا الكبيــر‪ ،‬يتجــاوز ألــف موظــف‪ ،‬باإلضافــة إلــى آالف‬ ‫املتطوعــن‪ ،‬لهــا مقــرات يف كل أجــزاء القــدس‪ ،‬باإلضافــة إلــى مقرها‬ ‫الرئيــس يف بلــدة‪ ،‬ســلوان الفلســطينية‪ ،‬تعــود خطــورة هــذه اجلمعيــة‬ ‫إلــى الدعــم الكامــل الــذي تتلقَّــاهُ مــن احلكومــة اإلســرائيلية‪ ،‬وال‬ ‫ســيما مــن حزبــي‪ ،‬الليكــود‪ ،‬والبيــت اليهــودي‪ ،‬حتظــى اجلمعيــة ً‬ ‫أيضــا‬ ‫بدعـ ٍـم علنــي‪ ،‬مــن وزيــرة العــدل‪ ،‬إيليــت شــاكيد مــن حــزب (البيــت‬ ‫اليهــودي) االســتيطاني‪ ،‬ومــن كل أعضــاء احلكومــة اإلســرائيلية‪،‬‬ ‫باإلضافــة إلــى األثريــاء اليهــود يف العالــم‪.‬‬ ‫نشــرت هارتــس ‪ 2016-10-6‬خبــ ًرا يُشــير إلــى تواطــؤ هــذه‬ ‫الوزيــرة مــع اجلمعيــة يف بنــاء مخطط ســياحي يف ســلوان‪ ،‬واســتخدام‬ ‫نفوذهــا للضغــط علــى البلديــة لتحقيــق تلــك الغايــة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مهمات عديدة‪،‬‬ ‫أخذت على عاتقها‬ ‫كما أن هذه اجلمعية اخلطيرة‬ ‫ْ‬ ‫أبرزهــا‪ ،‬شــراء املُرتَزقــة مــن الباحثن األثرين‪ ،‬ليُزيفوا اآلثار املكتشــفة‪،‬‬ ‫بالتعاون مع سلطة اآلثار احلكومية‪ ،‬إلخفاء عمليات احلفر أسفل احلرم‪.‬‬ ‫تُعلــن اجلمعيــة بــن الوقــت واآلخــر عــن اكتشــافات أثريــة‬ ‫مز َّيفــة‪ ،‬علــى الرغــم مــن أن الباحثــن األثريــن اإلســرائيلين يف‬ ‫جامعــة بــن غريــون‪ ،‬واجلامعــة العبريــة‪ ،‬أقــروا بــأن األنفــاق املوجــودة‬ ‫ـوات تعــود إلــى العصــر‬ ‫أســفل احلــرم القدســي هــي مجـ ٍـار مائيــة‪ ،‬وقنـ ٌ‬ ‫الرومانــي‪ ،‬وال عالقــة لهــا بالهيــكل اليهــودي الثالــث‪.‬‬ ‫فقــد نشــرت صحيفــة اجلورســلم بوســت حتقي ًقــا يــوم‬ ‫‪2013/4/10‬م‪ ،‬حــول اكتشــاف حمــام طقســي يســتعمله األصوليــون‬ ‫للتطهيــر يســمى (املكفــا) أثنــاء تشــييد طريــق يف مســتوطنة‪ ،‬كريــات‬ ‫مناحــم يف القــدس‪ ،‬وقــد قــرر األثريــون إنــه يعــود لعصــر الهيــكل‬ ‫مخصصــا (ملســتوطنة)‬ ‫الثانــي يف القــرن الثانــي امليــالدي‪ ،‬وأنــه كان‬ ‫ً‬ ‫يهوديــة يف املــكان ويف التاريــخ الســابق! علــى الرغــم مــن أن هــذا‬ ‫ٍ‬ ‫غرفــة صغيــرة احلجــم‪.‬‬ ‫املكت َ​َشــف األثــري‪ ،‬ليــس ســوى‬ ‫تقــوم اجلمعيــة ً‬ ‫أيضــا باقتحامــات يوميــة‪ ،‬وموســمية‪ ،‬بخاصـ ٍـة يف‬ ‫مناسبة األعياد اليهودية‪ ،‬بادعاء أن الهيكل الثالث املزعوم يقع بالضبط‬ ‫أســفل قبــة الصخــرة‪ ،‬فقــد اقتحــم املتطــرف الليكودي‪ ،‬موشــيه فايغلن‪،‬‬ ‫املســجد األقصــى‪ ،‬يرافقــه مائــة مــن املتطرفــن‪ ،‬بحراســة الشــرطة‬ ‫اإلســرائيلية‪ ،‬يوم ‪2012-3-17‬م‪ ،‬كان يحمل معه خريطة لتحديد موقع‬ ‫الهيكل الثالث‪ .‬تتولى اجلمعية ً‬ ‫أيضا ملف اغتصاب املقابر اإلسالمية‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪41‬‬

‫ملف العدد‬

‫ُ‬ ‫إسرائيل وال يكتمل إيما ُن المتطرفين‬ ‫القدس عند اإلسرائيليين هي‬ ‫ُ‬ ‫إال باغتصابهــا وال يكتمــل ديــن الحارديــم إال بطــرد (األغيــار) منهــا‬ ‫بأثــواب عديــدة‪،‬‬ ‫جمعيــات تتســ َّت ُر‬ ‫أحزا ًبــا سياســية فقــط‪ ،‬ولكنهــا‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫تدعــي احملافظــة علــى‬ ‫دينيــة تلموديــة‪ ،‬وخدماتيــة يهوديــة‪ ،‬ومنظمــات َّ‬ ‫حقــوق اإلنســان‪ ،‬وغيرهــا‪.‬‬ ‫هــذه اجلمعيــات التلموديــة مختصــة بطقــوس إعــادة بنــاء الهيــكل‬ ‫الثالــث‪ ،‬بلــغ عددهــا حتــى نهايــة عــام ‪2006‬م‪ ،‬ســبعة وعشــرين‬ ‫جمعيــة‪ ،‬وفــق إحصــاء جمعيــة الوقــف والتــراث اإلســالمية (نوفمبــر‬ ‫ـرعت يف تنفيــذ مشــاريع‬ ‫‪ ،)2016‬كلهــا مختصــة بتهويــد القــدس‪ ،‬شـ ْ‬ ‫عديــدة‪ ،‬باســتخدام تكنلوجيــا العصــر الراهــن الرقميــة يف إنتــاج‬ ‫أفــالم لأطفــال‪ ،‬تشــرح لطــالب املــدارس طقــوس الهيــكل الثالــث‪،‬‬ ‫وكيفيــة إعــادة بنائــه مــن جديــد علــى أنقــاض املســجد األقصــى‪،‬‬ ‫ووزعــت ملصقــات علــى املعاهــد واملــدارس الدينيــة‪ ،‬فيهــا صــور‬ ‫مدينــة القــدس‪ ،‬بــال قبــة الصخــرة‪ ،‬بــل بصــورة مبنــى الهيــكل الثالــث‪.‬‬ ‫كشــفت صحيفــة‪ ،‬معاريــف‪2001-1-5 ،‬م‪ ،‬آليــات عمــل‬ ‫اجلمعيــات الدينيــة‪ ،‬التــي تســعى إلعــادة تأســيس الهيــكل الثالــث يف‬ ‫املســجد األقصــى ذاتــه‪:‬‬ ‫"أكثــر مــن عشــر مؤسســات‪ ،‬تضــم عشــرات اآلالف مــن‬ ‫األشــخاص‪ ،‬تعمــل لتجســيد فكــرة إقامــة الهيــكل الثالــث‪ .‬اســتأنف‬ ‫أنصــار هــذه الفكــرة نشــاطهم سـ ًرا يف إطــار‪( ،‬دار الفتــوى الصغيــرة)‪،‬‬ ‫وهــو إطــار دينــي يضــم ثالثــة وعشــرين عض ـ ًوا‪ ،‬كانــت دار الفتــوى‬ ‫موجــودة يف القــرن اخلامــس بعــد امليــالد‪.‬‬ ‫يهــدف اإلطــار اجلديــد إلــى إقامــة دولــة دينيــة‪ ،‬مــع إقامــة‬ ‫الهيــكل الثالــث‪ ،‬ومــن أبــرز زعمــاء هــذا التيــار‪ ،‬البرفســور هيلــل‬ ‫فايتــس‪ ،‬ويهــودا عتســيون‪ ،‬وموشــي فايغلــن‪ ،‬ويوئيــل ليــرز‪.‬‬ ‫قــال فايتــس‪ :‬يجــب إيجــاد بديــل دينــي لقيــادة الدولــة‪ ،‬بقــي‬ ‫أعضــاء دار الفتــوى غيــر معروفــن‪ ،‬وهــم يجتمعــون س ـ ًرا يف احلــي‬ ‫خبــر آخــر‪:‬‬ ‫اليهــودي يف القــدس‪ ".‬ويف‬ ‫ٍ‬ ‫"يقــف (أمنــاء جبــل الهيــكل) يف مدخــل احلــرم لوضع حجر أســاس‬ ‫ـدس‪،‬‬ ‫الهيــكل الثالــث‪ ،‬وقــد عـ ّـن احلاخــام‪ ،‬غرشــون ســولومون‪ ،‬املهنـ َ‬ ‫جدعــون حرليــف‪ ،‬ليشــرف علــى خطــة بنــاء الهيــكل الثالــث! وإكمــاالً‬ ‫للخطــة فقــد ا َّدعــى املهنــدس‪ ،‬حرليــف‪ ،‬بأنــه ينتمــي إلــى ســاللة امللــك‬ ‫ـت الصخــرةَ مــع الهيــكل الثالــث يف مشــروعي‪.‬‬ ‫داود‪ ،‬يقــول‪ :‬دمجـ ُ‬ ‫يُضيــف‪" :‬التــوراة هــي صــك الطابــو ألرض إســرائيل" (صحيفــة‬ ‫كــول هاعيــر ‪)2001-10-5‬‬ ‫مــن أبــرز اجلماعــات املتطرفــة‪ ،‬منظمــة [عطيــرت كوهانيــم]‬ ‫ـت عــام ‪1978‬م‪ ،‬علــى يــد احلاخــام‪ ،‬متياهــو كوهــن‪ ،‬هــذه‬ ‫التــي أ ُ ِّسسـ ْ‬ ‫اجلماعــة تســكن فقــط يف القــدس القدميــة‪ ،‬وحتــرم الســكن خارجهــا‪،‬‬

‫هــم يؤمنــون بضــرورة [تطهيــر] املدينــة مــن غيــر اليهــود (ألجــل)‪،‬‬ ‫ـخص واح ـ ٌد غيــر‬ ‫املاشــيح املُنتظــر‪ ،‬الــذي لــن يعــود ويف القــدس شـ ٌ‬ ‫يهــودي‪ .‬هــذه الطائفــة هــي الكتيبــة األولــى يف املعركــة الفاصلــة بــن‬ ‫اخليــر والشــر‪ ،‬هــم يعتبــرون جبل صهيون هو بيــت اإلله اخلالد‪ ،‬يحكم‬ ‫منــه العالــم‪ ،‬وكل املؤمنــن يشــبهون جبــل صهيــون الــذي ال يتزعــزع!‬ ‫متــول وزارة األديــان نشــاطات مركــز (جتديــد اإلميــان بالهيــكل)‪،‬‬ ‫مولــت مؤمتــرات أنصــار الهيــكل يف أيلــول ‪1998‬م‪.‬‬ ‫جتــري جتــارب إعــادة بنــاء الهيــكل الثالــث يف مســتوطنة‬ ‫(متســفيه يريحــو)‪ ،‬تشــمل تدريبــات علــى ذبــح األضاحــي‪ ،‬علــى‬ ‫منــاذج مــن البالســتيك تشــبه العجــول‪ ،‬واألبقــار‪ ،‬والطيــور‪.‬‬ ‫تهــدف اجلمعيــات إلــى إقامــة الهيــكل يف احلــرم نفســه‪ ،‬بــدالً مــن‬ ‫املســجد األقصــى‪ ،‬باإلضافــة إلــى تأســيس دولــة يهوديــة يف إســرائيل‪.‬‬ ‫هنــاك عشــر مؤسســات وجماعــات دينيــة متطرفــة مختصــة‬ ‫فقــط‪ ،‬يف إزالــة املســجد األقصــى‪ ،‬وبنــاء الهيــكل الثالــث مكانــه‪:‬‬ ‫‪ -1‬أنصار الهيكل‪ ،‬برئاسة‪ ،‬هيلل فايتس‪.‬‬ ‫‪ -2‬حركــة إقامــة الهيــكل‪ ،‬بقيــادة احلاخــام‪ ،‬دافيــد ألبــومي‪ ،‬وهــي‬ ‫متخصصــة يف كيفيــة تقــدمي األضاحــي‪.‬‬ ‫‪ -3‬معهد الهيكل‪ ،‬أسس ‪ 1983‬يف احلي اليهودي يف القدس‪ ،‬متوله الدولة‪.‬‬ ‫‪ -4‬حــي قيــوم‪ ،‬أقيمــت يف مطلــع التســعينيات مــن قبــل يهــودا‬ ‫عتســيون‪ ،‬وهــي تضــم مجموعــة مــن مســتوطنة‪ ،‬بــات عــن يف‪ ،‬غــوش‬ ‫عتصيــون‪ ،‬وهــي حركــة إعــادة ملــوك إســرائيل‪.‬‬ ‫‪ -5‬الهــار هامــور‪ ،‬وهــي إطــار فكــري مــن مؤسســة‪ ،‬إســحق شــابيرا‪،‬‬ ‫ودودي دودكيتــش‪.‬‬ ‫‪ -6‬نســاء مــن أجــل الهيــكل‪ ،‬برئاســة ميخــال أبعــازر‪ ،‬وهــي جتمــع‬ ‫املجوهــرات‪ ،‬واحلجــارة الكرميــة‪ ،‬وتودعهــا يف خزنــة معهــد الهيــكل‪.‬‬ ‫‪ -7‬من البداية‪ ،‬هدفها إقامة الهيكل بيد البشر‪ ،‬وعدم انتظار املاشيح‪.‬‬ ‫‪ -8‬مشمورت هكوهنيم‪ ،‬مختصة يف تأهيل سدنة الهيكل‪.‬‬ ‫‪ -9‬محكمــة الهيــكل‪ ،‬تضــم حاخامــن مثل‪ ،‬داف لينور‪ ،‬ونحمان كهانا‪.‬‬ ‫‪ -10‬منتــدى القــدس‪ ،‬تهتــم بتقليــص البيــوت الفلســطينية متهيــدًا‬ ‫لعــودة (املاشــيح)‪.‬‬ ‫غيــر أن أبــرز اجلماعــات التــي تختــص بشــؤون الهيــكل الثالــث‪،‬‬ ‫{جماعــة أمنــاء جبــل الهيــكل}‪ ،‬وهــي تعمــل منــذ زمــن لوضــع أســس‬ ‫[الهيــكل الثالــث]‪ُ .‬عهــد إلــى اجلماعــة باإلشــراف علــى تفصيــالت‬ ‫عمليــة البنــاء‪ ،‬وطقــوس خدمــة الهيــكل الثالــث‪.‬‬ ‫ظهــرت جماعــة أمنــاء جبــل الهيــكل حســب أقــوال زعيمهــم‬ ‫(غرشــون ســوملون) عــام ‪ ،1967‬كانــت جهودهــم يف بدايــة الثمانينيــات‬

‫‪40‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫بأثواب دينية‬ ‫خشي املتطرفون اإلسرائيليون من توابع النسف فلجأوا إلى جمعيات‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬

‫‪ 27‬جـمـعـيـــة ديـنـيـــة يـهـوديـــة حـربـيـة‬ ‫مـتـطـرفـــة الغـتـصـــاب الـقـدس‬ ‫لــم تكتـ ِ‬ ‫ـدأت‬ ‫ـف إســرائي ُل منــذ اإلعــالن عــن قيامهــا مبحاوالتهــا اغتصــاب القــدس‪ ،‬وطــرد ســكانها الفلســطينين‪ ،‬فقــد بـ ْ‬ ‫ـت‬ ‫احملــاوالت األولــى منــذ عــام ‪1948‬م‪ ،‬حينمــا عقـ ْ‬ ‫ـت جلســتها األولــى يــوم ‪1948-12-19‬م‪ ،‬يف القــدس‪ ،‬ثــم جعلـ ْ‬ ‫ـدت الكنيسـ ْ‬ ‫رئيــس دولتهــا‪ ،‬حــامي وايزمــن‪ ،‬يُقســم قسـ َم الــوالء‪ً ،‬‬ ‫ـدس‬ ‫أيضــا يف مدينــة القــدس‪ ،‬ثــم أعلنـ ْ‬ ‫ـت بتاريــخ ‪1950-1-23‬م‪ ،‬أن القـ َ‬ ‫ً‬ ‫أصــدرت الكنيســت ً‬ ‫أيضــا عــام ‪1950‬م‪ ،‬قانونــا يُبيــح االســتيالء علــى أمــالك الغائبــن‬ ‫هــي عاصمــة إســرائيل‪ ،‬كذلــك‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ـدس عنــد اإلســرائيلين ليســت مدينــة كمــا املــدن األخــرى‪ ،‬بــل إنهــا إســرائي ُل كلُّهــا‪ ،‬وال يكتمــل‬ ‫الفلســطينين يف القــدس‪ .‬القـ ُ‬ ‫إميــا ُن املؤمنــن املتطرفــن إال باغتصابهــا‪ .‬فالديــن اليهــودي ال يكتمــل عنــد أكثــر احلــاردمي املتزمتــن إال بطرد(األغيــار)‬ ‫ـدم املســجد األقصــى‪.‬‬ ‫مــن القــدس‪ ،‬أي املســلمن‪ ،‬واملســيحين‪ ،‬ولــن يعــو َد (املاشــي ُح) املنتظــر‪ ،‬ويُبنــى الهيــك ُل الثالــثُ إال بهـ ِ‬

‫توفيق أبو شومر‬ ‫مؤامــرات هــدم احلــرم القدســي قبــل ثمانيــة وأربعــن‬ ‫بــدأت‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫عا ًمــا‪ ،‬يــوم ‪1969-8-21‬م‪ ،‬عندمــا أقــدم املتطــرف اليمينــي‪ ،‬مايــكل‬ ‫دنيــس روهــان علــى إحــراق امل َ ْعلمــن األثريــن يف املســجد األقصــى‪،‬‬ ‫منبــرِ صــالح الديــن‪ ،‬وقبــة الصخــرة الفضيــة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫الهــدف املنشــود‪ ،‬بــل أثــارت‬ ‫لــم ُحت ِّقــ ْق هــذه اجلرميــ ُة‬ ‫الفلســطينين واملســلمن‪ ،‬وأنصــار العدالــة يف العالــم‪ .‬تطــورت‬ ‫ٍ‬ ‫خطــة لنســف قبــة الصخــرة مــن اجلــو‪:‬‬ ‫املؤامــرة إلــى‬ ‫َّـــت مجموعـــة يهوديـــة متطرفـــة بزعامـــة [بـــاري‪ ،‬ويوشـــع‬ ‫"تبن ْ‬ ‫ب ــن شوش ــان] وانض ــم إليه ــم‪ ،‬يه ــودا عتس ــيون‪ ،‬فك ــرةَ نس ـ ِ‬ ‫ـف قب ــة‬ ‫الصخـــرة‪ ،‬تنفيـــ ًذا لفتـــوى احلاخـــام‪ ،‬إبراهـــام اســـحق كـــوك‪،‬‬ ‫الـــذي قـــال‪ :‬إن (زوال) األقصـــى سيســـ ِّرع يف اخلـــالص‪ ،‬ألن‬ ‫وج ــود (الرذيل ــة)! يف امل ــكان املق ــدس يع ــوق اخل ــالص‪ ،‬اس ــتقطبت‬ ‫املجموعـــة خبيـــر املتفجـــرات‪( ،‬مناحـــم ليفنـــي) الـــذي عمـــل يف‬ ‫الوح ــدات اخلاص ــة‪ ،‬تنك ــر أح ــد أعض ــاء املجموع ــة يف زي راه ــب‬ ‫مس ــيحي يتح ــدث الفرنس ــية‪ ،‬دخ ــل األقص ــى‪ ،‬واس ــتطاع أن يقي ــس‬ ‫األبعـــاد‪ ،‬با ِّدعـــاء أنـــه يُعـــد بح ًثـــا الهوت ًيـــا‪.‬‬

‫مــن اعتقــال أفــراد هــذه املجموعــة‪ ،‬نُشــر اخلبـ ُر يف الصحف ووســائل‬ ‫اإلعــالم‪ ،‬إال أنهــم خرجــوا مــن االعتقــال بعــد ســاعات‪.‬‬ ‫اشــترك كذلــك دعــاة تيــار (املســيحانية الصهيونيــة) يف خطــط‬ ‫تدميــر احلــرم القدســي مــن اجلــو‪ ،‬واســتطاعوا تكليــف أحــد ضبــاط‬ ‫اجليــش اإلســرائيلي يف تنفيــذ عمليــة قصــف قبــة الصخــرة‪:‬‬ ‫"دافيــد (اســم ُمســتعار) جنــدي أمريكــي يهــودي‪ ،‬يبلــغ مــن العمــر‬ ‫‪21‬عا ًمــا‪ ،‬عــاد إلــى إســرائيل وانضــم للــواء غفعاتــي‪ ،‬وشــارك يف‬ ‫عمليــة اجلــرف الصامــد ‪2014‬م‪ ،‬علــى قطــاع غــزة‪ ،‬اعتــاد‪ ،‬دافيــد‬ ‫أن يســرق مــن مخــازن الكتيبــة املتفجــرات ويُخزنهــا يف بيتــه اخلــاص‪.‬‬ ‫التقــى باملســيحي األمريكــي الصهيونــي (آدم ليفكــس) القاطن يف‬ ‫تكســاس‪ ،‬وقــد دخــل إســرائيل بتأشــيرة ســائح‪ ،‬واتفــق مــع دافيــد على‬ ‫شــراء املتفجــرات‪ ،‬لغــرض تدميــر مســجد قبــة الصخــرة‪.‬‬ ‫اكتشــفت الشــرطة‪ ،‬والشــن بيــت‪ ،‬املؤامــرة‪ ،‬وســجن دافيــد ســتة‬ ‫شــهور يف الســجن العســكري‪.‬خرج دافيــد مــن الســجن وهــو يســتعد‬ ‫للعــودة إلــى أهلــه يف أمريــكا!‬

‫(صحيفة يديعوت أحرونوت ‪2015/6/30‬م)‬ ‫(صحيفة يديعوت أحرونوت ‪2000-4-25‬م)‬ ‫ـرت خط ـ ٌة أخــرى لنســف قبــة الصخــرة مــن اجلــو بواســطة‬ ‫ظهـ ْ‬ ‫الطيــار‪ ،‬يعقــوب هينمــان‪ ،‬باســتخدام صــاروخ خــاص‪ ،‬وعلــى الرغــم‬

‫ـي املتطرفــون اإلســرائيليون مــن توابــع ومضاعفــات عمليــة‬ ‫خشـ َ‬ ‫النســف‪ ،‬فلجــأوا إلــى َخطـ ٍـط ومؤامــرات أخرى تُشـ ُ‬ ‫أحزاب‬ ‫ـرف عليهــا‬ ‫ٌ‬ ‫دينيــة‪ ،‬تشــارك يف احلكومــة‪ ،‬وهــي منظومــة أصوليــة يهوديــة‪ ،‬ليســت‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫القــدس‪ ،‬وعــدم انتهــاز فرصــة وجــود شــريك للســالم يقــدم مــا ال ميكن‬ ‫أن يقدمــه غيــره هــو خطــأ اســتراتيجي يقــع بــه “نتنياهــو” ويــورط بــه‬ ‫دولــة االحتــالل متا ًمــا‪ ،‬إذ أن حــل قيــام دولــة فلســطينية علــى أراضــي‬ ‫‪1967‬م‪ ،‬والتأكيــد علــى أن القــدس الشــرقية عاصمــة لهــا‪ ،‬هــو حــل‬ ‫منوذجــي يجــب علــى “نتنياهــو” انتهــازه وتثبيــت قيادتــه مــن خــالل‬ ‫التقــدم يف هــذا احلــل‪ ،‬لكــن الرجــل علــى النقيــض يســعى للتأكيــد علــى‬ ‫تطرفــه‪ ،‬وعــدم اعترافــه بــأي حــق للفلســطينين يف األرض‪ ،‬معتب ـ ًرا‬ ‫أن معســكر اليمــن هــو املعســكر الرابــح دائ ًمــا‪ ،‬معتمــدًا بثقــة علــى‬ ‫تطــرف املجتمــع اإلســرائيلي الــذي ال يقــر أب ـدًا بــأن هنالــك إمكانيــة‬ ‫لقيــام دولــة فلســطينية‪ ،‬وأن أي قائــد "إســرائيلي" يجــرؤ علــى اتخــاذ‬ ‫قــرارات سياســية مصيريــة يحكــم علــى نفســه باملــوت ‪ -‬اســحق رابــن‬ ‫منوذجــا الــذي عقــد اتفاقيــة أوســلو مــع الرئيــس الراحل ياســر عرفات‬ ‫ً‬ ‫ وعليــه فــإن مراهنــة “نتنياهــو” علــى اجلمهــور اليمينــي املتطــرف‬‫غال ًبــا ورقــة رابحــة‪ ،‬لكــن الســؤال هــو إلــى متــى ؟‪.‬‬ ‫فــوز ترامــب غــذى عنصريــة “نتنياهــو” وأعطــاه شــعو ًرا بالظفــر‪،‬‬ ‫وأن ظهــره للحائــط القــوي‪ ،‬وكل مــا ينقصــه هــو احلصــول علــى املزيــد‬ ‫و املزيــد مــن الوقــت مــن خــالل مماطلــة مشــروعة أمريك ًيــا‪ ،‬واســتغالل‬ ‫بعــض األحــداث الدراماتيكيــة للتهــرب مــن أي اســتحقاقات‪ ،‬متعلــال يف‬ ‫الوقــت ذاتــه بالتفــكك الفلســطيني وحالــة عــدم وجــود قــرار واحــد داخل‬ ‫البيــت الفلســطيني‪ ،‬وال شــك أن حالــة االنقســام املســتمرة منــذ عشــرة‬ ‫أعــوام كانــت طــوق النجــاة الذهبــي حلكومــة “نتنياهــو” وهــو الوحيــد‬ ‫الــذي أجــاد اســتغاللها بدهــاء الثعالــب‪ ،‬خــاض رؤســاء حكومــة آخريــن‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪39‬‬

‫ملف العدد‬

‫حرو ًبــا ضــد غــزة‪ ،‬خســروا شــعبيتهم‪ ،‬لــم يســتطيعوا كســب الــرأي العــام‬ ‫لالســتمرار يف منصبهــم‪ ،‬لكــن “نتنياهــو” كان ذك ًيــا بالقــدر الكايف للعب‬ ‫علــى أوتــار عاطفــة اجلمهــور "اإلســرائيلي" ومتكــن مــن الفــوز مــرة تلــو‬ ‫األخــرى‪ ،‬لكــن قضايــا الفســاد التــي تطــارده اآلن وبقــوة‪ ،‬لــم تترك الكثير‬ ‫مــن املنــاورة‪ ،‬يحتــاج “نتنياهــو” لهــزة هائلــة أو قفــزة إلــى األمــام ليتمكــن‬ ‫مــن صــد معارضيــه ومنافســيه والبقــاء يف منصبــه‪ ،‬وهــذا لــه عالقــة‬ ‫مباشــرة مبجريــات األمــور ســواء علــى اجلبهــة اجلنوبيــة يف غــزة أو‬ ‫اجلبهــة الشــمالية يف لبنــان‪ ،‬وهــي اجلبهات الســاخنة على الــدوام والتي‬ ‫ميكــن أن تنفجــر يف أي حلظــة يشــعر فيهــا قائــد اليمــن املتطــرف أنــه‬ ‫بحاجــة ملخــرج ســريع مــن أزماتــه‪.‬‬ ‫ومــن املرجــح أن أمريــكا لــن تبــارك أي حــرب يف املرحلــة احلاليــة‪،‬‬ ‫وأن مراهنــة “نتنياهــو” علــى دعــم ترامــب لــه يف خــوض جولــة قتــال‬ ‫جديــدة لــن تكــون مراهنــة موفقــة‪ ،‬فترامــب بعقلــه التجــاري يفكــر‬ ‫بحســابات الربح واخلســارة‪ ،‬ومعركة كهذه بالنســبة له خاســرة سياسـ ًيا‬ ‫وليــس عســكر ًيا وستشــغل الشــرق األوســط يف مــدار ال يريــده ترامــب‪،‬‬ ‫لذلــك فاملتوقــع بالفعــل إن غامــر “نتنياهــو” بخــوض حــرب‪ ،‬فهــذا معناه‬ ‫ســقوطه املؤكــد هــذه املــرة يف أي انتخابــات قادمة‪ ،‬واعتماده املماطلة لن‬ ‫يجــدي نف ًعــا وليــس يف كل مرة تســلم اجلـ ّرة‪ ،‬ولن تكون أهواء “نتنياهو”‬ ‫هــي املسـ ّيرة للعالــم بعــد التغيــرات اإلقليميــة والدوليــة اجلديــدة ‪.‬‬ ‫* ﻛﺎﺗﺐ وﺑﺎﺣﺚ ﻓﻠﺴﻄﻴﻨﻲ‬

‫‪38‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫املهــم أن العمليــة وقعــت‪ ،‬و بــدأ االحتــالل إجراءاتــه الصارمــة‬ ‫حــول املســجد األقصــى حامــ ً‬ ‫ال كل املســ ّوغات واملبــررات لــكل مــا‬ ‫يفعــل‪ ،‬مت تركيــب البوابــات اإللكترونيــة واجلســور التــي حتمــل‬ ‫الكاميــرات الدقيقــة‪ ،‬وهاجــت اجلماهيــر الفلســطينية يف هبــة كبيــرة‬ ‫ترفــض إجــراءات االحتــالل رافضــة أن متــرر تلــك اإلجــراءات التــي‬ ‫لهــا مــا بعدهــا‪ ،‬وتركــزت كل األضــواء اإلعالميــة علــى القــدس‪،‬‬ ‫انشــغلت الســلطة بقيــاس ردة الفعــل ومــا ميكــن أن تصــل إليــه األمــور‪،‬‬ ‫فوجــدت أن جتاهــل الوضــع قــد يــؤدي إلــى كارثــة‪ ،‬ممــا جعلهــا تــدرس‬ ‫خطواتهــا جيـدًا‪ ،‬فــكان خيارهــا اإلعــالن عــن وقــف التنســيق األمنــي‬ ‫حلــن تراجــع االحتــالل عــن إجراءاتــه يف األقصــى‪ ،‬وتوجيــه بضعــة‬ ‫ماليــن مــن الــدوالرات لدعــم املقدســين ‪.‬‬ ‫جهــات دوليــة وعربيــة دخلــت ً‬ ‫أيضــا علــى اخلــط‪ ،‬حاولــت توصيــل‬ ‫رســالة لالحتــالل أنــه يتجــاوز اخلطــوط احلمــراء‪ ،‬وأن األقصــى لــه‬ ‫قدســية خاصــة قــد تشــعل املنطقــة بر ّمتهــا يف حــال أص ـ ّر االحتــالل‬ ‫علــى إجراءاتــه‪ ،‬كان اجلميــع يراهــن علــى اجلماهيــر الفلســطينية ومدى‬ ‫إصرارهــا علــى رفــع البوابــات‪ ،‬حتى الساســة اإلســرائيلين كانوا يق ّيمون‬ ‫املوقــف حلظــة بلحظــة يريــدون معرفة مــا ميكن حدوثه يف حــال اتخذت‬ ‫إجراءات الحقة تصب يف املصلحة اإلسرائيلية يف القدس‪ ،‬لكن السلوك‬ ‫العفــوي للجماهيــر ودخــول شــرائح متعــددة علــى خــط املواجهــة لــم يكــن‬ ‫يف حســبان االحتــالل‪ ،‬الــذي توقــع أن متــر مســألة البوابــات اإللكترونيــة‬ ‫وجتعــل التحكــم يف دخــول األقصــى أشــبه بالرميــوت كنتــرول‪ ،‬فلــم تــأت‬ ‫الريــاح مبــا تشــتهيه مخابــرات االحتــالل‪ ،‬والعمليــة التــي اعتبــرت خر ًقــا‬ ‫أمنيا كان ميكن اســتغاللها بشــكل أفضل من ذلك‪ ،‬لكنها لم ِ‬ ‫تؤت ثما ًرا‬ ‫تســتحق مــا حــدث‪ ،‬ولذلــك أصبــح الســؤال لــدى اجلميــع‪ ،‬كيــف النــزول‬ ‫عــن الشــجرة التــي اعتالهــا “نتنياهــو”‪ ،‬فتــم اســتغالل بعــض األحــداث‬ ‫اخلارجيــة لتمســي طوق النجــاة الضائع لـ“نتنياهو” ومخابراتــه‪ ،‬وحدث‬ ‫مــا حــدث مــن التراجع عــن البوابات والكاميرات تدريج ًيا‪ ،‬وعاد املصلون‬ ‫لدخــول األقصــى كمــا كان الوضــع عليــه قبــل وقــوع العمليــة‪ ،‬واتضــح لـــ‬ ‫“نتنياهــو” أن الورقــة التــي قامــر بهــا كانــت خاســرة منــذ البدايــة وعليــه‬ ‫اخلــوض يف جولــة أخــرى بطريقــة أكثــر فعاليــة‪.‬‬ ‫مــا لــم يعــد خف ًيــا أن احليــاة السياســية لـ“نتنياهــو” علــى وشــك‬ ‫االنهيــار‪ ،‬وبــات مــن شــبه املؤكــد أن العــد التنازلــي لغيابــه عــن املشــهد‬ ‫السياســي يف إســرائيل قــد بــدأ‪ ،‬التحقيقــات ضــد شــبهات الفســاد‬ ‫لـــ “نتنياهــو” أضعفتــه أمــام أعضــاء حزبــه وشــركائه يف احلكومــة‬ ‫وأمــام اإلســرائيلين بشــكل عــام‪ ،‬حيــث أن أخــر اســتطالع للــرأي‬ ‫العــام اإلســرائيلي أجــري يف مطلــع هــذا الشــهر "أغســطس" ونشــرته‬ ‫صحيفــة "معاريــف" العبريــة أظهــر ازديــاد نســبة اإلســرائيلين الذيــن‬ ‫يعتقــدون بعــدم بــراءة “نتنياهــو”‪ ،‬ووصلــت النســبة ل ‪.%67‬‬ ‫وحتمــا لــن يكــون منفـ ًذا لـ“نتنياهــو” إال الهــروب إلــى األمــام كالثــور‬ ‫الهائــج يف محاولــة يائســة إلنقــاذ نفســه وســيلحق باندفاعــه األهــوج‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ذلــك ً‬ ‫أيضــا عظيــم الضــرر بالفلســطينين‪ ،‬وألن اســتطالعات الــرأي‬ ‫العــام يف (إســرائيل) تشــير إلــى إمكانيــة حصــول حــزب الليكــود علــى‬ ‫‪27‬مقعـدًا برئاســة “نتنياهــو”‪ ،‬وبدونــه ســيحصل علــى ‪ 31‬مقعـدًا‪ .‬فقد‬ ‫بــدأت تتضــح عمليــة ريــاح التغييــر داخــل حزبــه وشــكل أعضــاء احلــزب‬ ‫(‪ )12‬ألــف منتســب (حوالــي عشــرة باملائــة مــن عــدد املنتســبن للحــزب)‬ ‫مجموعــة أطلــق عليهــا اســم (الليكوديــون اجلــدد) للمطالبــة بإجــراء‬ ‫انتخابــات داخليــة‪ ،‬باإلضافــة إلــى أن هنــاك أحزا ًبــا إســرائيلية متطرفــة‬ ‫تشــارك “نتنياهــو” يف االئتــالف احلكومــي علــى رأس أولوياتهــا زيــادة‬ ‫وتيــرة االســتيطان واملســتوطنات يف القــدس والضفــة الغريبــة‪ ،‬وكل مــا‬ ‫ســبق ســوف يقــود “نتنياهــو” التخــاذ خطــوات متطرفــة جتــاه القــدس‬ ‫بشــكل خــاص وجتــاه الفلســطينين بشــكل عــام لكي يحســن مــن صورته‬ ‫أمــام الناخبــن وشــركائه يف احلكومــة‪ ،‬ورمبــا أن عمليــة القــدس كانــت‬ ‫جــز ًءا مــن محــاوالت “نتنياهــو” للتهــرب مــن اســتحقاقاته السياســية‬ ‫ومحاولــة للهــروب مــن املــأزق الــذي تــورط بــه يف قضايــا الفســاد‪.‬‬ ‫ومــن اجلديــر بالذكــر أنــه قبــل شــهر مــن وقــوع عمليــة القــدس‬ ‫قــدم عضــو يف "الكنيســت اإلســرائيلي" مشــروع قانــون جديــد يقضــي‬ ‫بإخــراج جميــع القــرى الفلســطينية التــي مت ضمهــا للقــدس بعــد‬ ‫حــرب ‪1967‬م‪ ،‬خــارج حــدود "بلديــة القــدس" وتســليمها للســلطة‬ ‫الوطنيــة الفلســطينية وإذا مــا علمنــا أن عــدد ســكان هــذه القــرى‬ ‫يبلــغ حوالــي ‪ 300‬ألــف فلســطيني فهــذا يعنــي التخلــص مــن غالبيــة‬ ‫الســكان الفلســطينين يف القــدس احملتلــة‪.‬‬ ‫وجميــع اخلطــوات التــي اتخذتهــا حكومــة “نتنياهــو” منــذ توليــه‬ ‫رئاســة احلكومــة احلاليــة يف دولــة االحتــالل مــا هــي إال اســتكمال‬ ‫خلطــوات بــدأت "إســرائيل" باتخاذهــا منــذ احتــالل القــدس يف العــام‬ ‫‪1967‬م‪ ،‬ومازالــت حتــاول جاهــدة خلخلــة التــوازن الدميغــرايف يف‬ ‫املدينــة احملتلــة لصالــح اليهــود عل ًمــا بــأن عــدد الســكان الفلســطينين‬ ‫يف القــدس وحســب معطيــات رســمية إســرائيلية ال يتجــاوز ‪ 324‬ألــف‬ ‫يشــكلون مــا نســبته ‪ 37‬باملائــة مــن إجمالــي عــدد الســكان‪.‬‬ ‫و حســبما أفــاد تقريــر قبــل أيــام أصدرتــه منظمــة "هيومــن رايتــس‬ ‫واتــش" التــي تعنــى بحقوق اإلنســان‪" ،‬أنه ومنذ بداية احتالل (إســرائيل)‬ ‫للقــدس الشــرقية عــام ‪1967‬م‪ ،‬وحتــى نهايــة ‪2016‬م‪ ،‬ألغــت (إســرائيل)‬ ‫إقامــة ‪ 14,595‬فلســطين ًيا مــن القــدس الشــرقية علــى األقــل‪ ،‬وبــررت‬ ‫الســلطات معظــم عمليــات اإللغــاء علــى أســاس عــدم إثباتهــم أن القدس‬ ‫"مــكان ســكناهم أو معيشــتهم"‪ ،‬لكنهــا ألغــت ً‬ ‫أيضــا إقامــة فلســطينين‬ ‫متهمــن مبهاجمــة إســرائيلين كعقوبــة لهــم وكعقوبــة جماعيــة ضــد‬ ‫أقــارب املتهمــن املشــتبه بهــم‪ ،‬حيــث يدفــع النظــام التمييــزي العديد من‬ ‫الفلســطينين إلــى مغــادرة مدينتهــم يف مــا يصــل إلــى عمليــات ترحيــل‬ ‫قســري‪ ،‬كانتهــاك خطيــر للقانــون الدولــي"‪.‬‬ ‫ويف كل حــال مــن األحــوال فــإن جميــع إجــراءات االحتــالل علــى‬ ‫مــدار عقــود لــن تنهــي اجلــذور الفلســطينية األصيلــة مــن مدينــة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪37‬‬

‫ملف العدد‬

‫الشاباك والقيادة اإلسرائيلية سهلوا عملية األقصى لتحقيق مكاسب وإنقاذ نتنياهو‬

‫كرونولوجي ــا عملي ــة الق ــدس‪ :‬تمري ــر أمن ــي‬ ‫إس ــرائييل وإص ــرار ش ــعب ومقدس ــات أم ــة‬ ‫تالشــت تداعيــات عمليــة بــاب العمــود يف القــدس احملتلــة بعــد أن شــغلت الــرأي العــام والصحافــة احملليــة والعربيــة والدوليــة‬ ‫قرابــة الشــهر‪ ،‬لــم يفــكك أحــد شــيفرة العمليــة‪ ،‬واألغلبيــة ركــزت يف النتائــج وردة فعــل االحتــالل ومــن ثــم ردود الفعــل العربيــة‬ ‫والدوليــة علــى قــرارات إغــالق األقصــى وتركيــب الكاميــرات والبوابــات اإللكترونيــة‪ .‬لــم تـ ِ‬ ‫ـأت هــذه العمليــة مصادفــة‪ ،‬ولــم‬ ‫صباحــا ليقــول واحــد منهــم لآلخــر لنذهــب وننفــذ عمليــة داخــل باحــات األقصــى‪ ،‬ثــم أحضــر أحدهــم‬ ‫يســتيقظ منفذوهــا‬ ‫ً‬ ‫بندقيــة كارل غوســتاف وتوجهــوا للقــدس ونفــذوا العمليــة ومت استشــهادهم‪ ،‬واتخــذ االحتــالل إجراءاتــه الصارمــة لتثــور‬ ‫اجلماهيــر وتعتصــم يف القــدس‪ ،‬ليــس األمــر بتلــك البســاطة التــي يبــدو عليهــا للوهلــة األولــى‪.‬‬

‫فايز أبو رزق‬ ‫ولنلقي الضوء على تفاصيل العملية‪ ،‬ونتذكر أن الســالح املســتخدم‬ ‫هــو ســالح يص ّنــع محل ًيــا داخــل بعــض مــدن الضفــة الغربيــة‪ ،‬وليــس‬ ‫ـالحا حدي ًثا متداوالً يف الســوق الســوداء للســالح‪ ،‬ومن املتعارف عليه‬ ‫سـ ً‬ ‫أن مدينــة أم الفحــم بهــا نشــاط كبيــر للمافيــا‪ ،‬واحلصــول علــى ســالح‬ ‫بجــودة أكبــر لــن يكــون أم ـ ًرا عســي ًرا ملــن يدفــع املــال‪ ،‬ورغــم ذلــك كان‬ ‫الــكارل غوســتاف والســكاكن هــو اخليــار املتــاح ملنفــذي العمليــة لتبــدو‬ ‫عمليــة بدائيــة وعفويــة أو فرديــة كمــا يســميها االحتــالل‪ ،‬ال توقــع الضرر‬ ‫الفــادح بقــدر مــا تظهــر خلـ ً‬ ‫ال أمن ًيــا كبيـ ًرا يســتدعي ردة فعــل هائلــة‪.‬‬ ‫ولتتضــح األمــور أكثــر‪ ،‬فــإن هــؤالء املنفذيــن تنامــت لديهــم فكــرة‬ ‫االنتقــام مــن االحتــالل بشــكل أو بآخــر‪ ،‬لــم يســتوعبوا إجــراءات‬ ‫االحتــالل الدمويــة بحــق أبنــاء شــعبهم فقــرروا تنفيــذ عمليــة مســلحة‬ ‫واختــاروا القــدس ســاحة لهــا ملكانتهــا الدينيــة والوطنيــة‪ ،‬تشــاوروا‪،‬‬ ‫وخططــوا وفــق إمكانياتهــم البســيطة‪ ،‬فــكان مطلبهــم األول كيفيــة‬ ‫احلصــول علــى الســالح لتنفيــذ عمليــة موجعــة‪ ،‬ولعــدم وجــود أي خبــرة‬ ‫أمنية أو عســكرية مســبقة‪ ،‬ولكونهم غير منتمن تنظيم ًيا بشــكل فعلي‪،‬‬ ‫كان مــن الطبيعــي أن تتســرب أفكارهــم وال تتســم بالســرية املطلوبــة يف‬ ‫مثــل هــذه العمليــات‪ ،‬وال شــك أن نواياهــم وصلــت جلهــة مــا ترتبــط‬ ‫بشــكل أو بآخــر باالحتــالل‪ ،‬وكان مــن املمكــن أن يعتقلهــم االحتــالل‬ ‫بــكل يســر وســهولة قبــل تنفيــذ العمليــة‪ ،‬لكــن هنــاك للشــاباك (جهــاز‬ ‫األمــن العــام يف إســرائيل) والقيــادة السياســية مــآرب أخــرى‪ ،‬مــن حيــث‬ ‫جتاهــل حــدوث العمليــة مــع تقليــل حجــم الضــرر‪ ،‬مت تســهيل وصــول‬

‫ســالح محلــي غيــر فعــال للمجموعــة املنفــذة‪ ،‬لعلّــه مــن األســلحة التــي‬ ‫ســالحا‬ ‫صــودرت مــن ورش خراطــة يف الضفــة الغربيــة أو رمبــا كان‬ ‫ً‬ ‫اســتخدم يف عمليــة ســابقة‪ ،‬بينمــا كان الشــاباك يتابــع املنفذيــن خطــوة‬ ‫بخطــوة دون علمهــم بــأن أمرهــم قــد انكشــف‪ ،‬ويف بعــض الفيديوهــات‬ ‫التــي نشــرتها وســائل إعــالم االحتــالل فــإن كاميــرات املراقبــة املنتشــرة‬ ‫يف املنطقــة كانــت تتابــع حتــركات املنفذيــن بدقــة‪ ،‬ولــو لــم يكــن هنالــك‬ ‫علــم بالعمليــة لــكان مــن الســهل جـدًا االشــتباه بتحــركات املنفذيــن التــي‬ ‫أظهرتهــا الكاميــرات‪ ،‬حيــث دخلوا املســجد دون حقائــب‪ ،‬وخرج أحدهم‬ ‫حام ـ ً‬ ‫ال حقيبــة علــى ظهــره ‪ ،‬وكان مــن املمكــن اعتقالهــم لــو كان ذلــك‬ ‫هــو املطلــوب‪ ،‬لــم تعـ َ‬ ‫ـط الشــرطة أي حتذيــرات ألن ذلــك قــد يفســد‬ ‫األمــر ولــن يجــري كمــا يــراد لــه‪ ،‬انتظــر املنفــذون فرصــة ســانحة وبــدأوا‬ ‫الهجــوم‪ ،‬لكــن خلــال يف الســالح منــع الكارثــة حســبما أعلــن إعالم جيش‬ ‫االحتــالل بعــد ذلــك‪ ،‬قامــت الشــرطة بقتــل املنفذيــن‪ ،‬واعتبــرت أنهــا‬ ‫منعــت كارثــة كبيــرة من الوقوع‪ ،‬ونشــرت الشــرطة اإلســرائيلية فيما بعد‬ ‫ـخصا راب ًعــا كان هــو مــن ه ـ ّرب الســالح وخ ّبــأه داخــل‬ ‫أنهــا اعتقلــت شـ ً‬ ‫املســجد يف نقطــة ميتــة ليحصــل عليه املنفذون بعدهــا‪ ،‬يف الفيديوهات‬ ‫التــي نشــرتها شــرطة االحتــالل؛ حرصــت جيــدًا علــى إخفــاء وجــه‬ ‫الشــخص الرابــع‪ ،‬لــم تعلــن أي تفاصيــل أوســع بشــأنه‪ ،‬وذلــك لــه دالالت‬ ‫كثيــرة مــن الناحيــة األمنيــة خاصــة أن تفاصيــل العمليــة بأكملهــا قــد‬ ‫نشــرت ولــم تعــد هنالــك جزئيــات ســرية ســوى مــن يقــف خلــف دعــم‬ ‫العمليــة دون علــم املنفذيــن بذلــك‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫واالجتماعيـــة‪ ،‬مســـتغلة الظـــروف غيـــر املســـقرة التـــي جتتـــاح‬ ‫معظــم دول العالــم‪ ،‬وجتاهلــت هــذه الســلطات التأريــخ االجتماعــي‬ ‫والوطن ــي والدميغ ــرايف له ــذه املنطق ــة‪ ،‬وتصرف ــت كأن ه ــذه األرض‬ ‫ب ــال ش ــعب تنتظ ــر ش ــع ًبا ب ــال أرض‪ ،‬الس ــيما بع ــد االحت ــالل ع ــام‬ ‫‪1967‬م‪ ،‬عب ــر تكثي ــف مش ــاريع املس ــتوطنات يف املناط ــق احمليط ــة‬ ‫بالق ــدس‪ ،‬كونه ــا ج ــزء حي ــوي ضم ــن املش ــروع الصهيون ــي‪ .‬لذل ــك‬ ‫ال ميكـــن فصـــل االســـتراتيجية اإلســـرائيلية يف فلســـطن عـــن‬ ‫اس ــتراتيجيتها يف الق ــدس العربي ــة‪ ،‬فه ــي توظ ــف قضي ــة الق ــدس‬ ‫لتحقي ــق أه ــداف سياس ــية أخ ــرى‪ ،‬وم ــن أج ــل ذل ــك تت ــم إج ــراء‬ ‫التغي ــرات اجلغرافي ــة والدميغرافي ــة الت ــي ت ــؤدي إل ــى تقلي ــل نف ــوذ‬ ‫الوجـــود الفلســـطيني يف القـــدس‪ .‬مقابـــل التمـــدد اإلســـرائيلي‬ ‫وال ــذي يعي ــق عملي ــة التراب ــط ب ــن أج ــزاء الضف ــة الغربي ــة وعقب ــة‬ ‫أم ــام قي ــام الدول ــة الفلس ــطينية‪.‬‬ ‫عندمـــا ننظـــر إلـــى تسلســـل تطـــور األحـــداث مـــن العـــام‬ ‫‪1947‬م‪ ،‬وحتـــى العـــام ‪2017‬م‪ ،‬ســـنجد أننـــا أمـــام عمليـــة تهويـــد‬ ‫متواصلـــة للقـــدس واملســـجد األقصـــى‪ ،‬الســـيما اجلـــدار العـــازل‬ ‫داخـــل أراضـــي الضفـــة الغربيـــة‪ ،‬ليحاصـــر مـــدن وقـــرى عديـــدة‬ ‫ويتســـبب يف منـــع التواصـــل بـــن القـــدس والضفـــة‪ ،‬ومـــا حتدثـــه‬ ‫م ــن أض ــرار يف حي ــاة أبن ــاء الش ــعب‪ .‬لذل ــك ف ــإن أح ــداث ش ــهر‬ ‫متـــوز ‪2017‬م‪ ،‬لـــم تكـــن األولـــى ضـــد املســـجد األقصـــى‪ ،‬ولـــن‬ ‫تكـــون األخيـــرة‪ .‬كـــون ســـلطات االحتـــالل ال تتمكـــن مـــن إعـــالن‬ ‫ضـــم القـــدس ألنهـــا مخالفـــة للقانـــون الدولـــي‪ ،‬إال أنهـــا تتخـــذ‬ ‫االجـــراءات لطمـــس معاملهـــا اإلســـالمية واحلضاريـــة‪ .‬إن تأريـــخ‬ ‫حقيق ــة م ــا يج ــري القتح ــام املس ــجد األقص ــى من ــذ عق ــود قدمي ــة‪،‬‬ ‫ولكنه ــا جت ــدد التهدي ــدات باالقتح ــام بع ــد الع ــام ‪2003‬م‪ ،‬ودخ ــول‬ ‫مس ــجد قب ــة الصخ ــرة‪ ،‬عندم ــا مت تكثي ــف أع ــداد املصل ــن اليه ــود‪،‬‬ ‫حتـــت حجـــة إعـــادة فتـــح أبـــواب املســـجد أمـــام الـــزوار اليهـــود‬ ‫والس ــياح‪ .‬إن إحب ــاط مخط ــط س ــلطات االحت ــالل بش ــأن بواب ــات‬ ‫الدخ ــول االلكتروني ــة‪ ،‬بعزمي ــة وإرادة الش ــعب الفلس ــطيني‪ ،‬ودع ــم‬ ‫إرادة األم ــة واإلنس ــانية‪ ،‬ل ــن متن ــع س ــلطات االحت ــالل م ــن تنفي ــذ‬ ‫مخططهــم تدريج ًيــا‪ ،‬ممــا يتطلــب احلــذر والعمــل علــى دعــم إرادة‬ ‫وخصوص ــا الق ــدس واملس ــجد‬ ‫املقاوم ــة يف عم ــوم أرض فلس ــطن‬ ‫ً‬ ‫األقص ــى كونه ــا س ــتكون ب ــؤرة الص ــراع يف املرحل ــة القادم ــة‪.‬‬ ‫وبعـــد عـــرض هـــذه املشـــاهد لتطـــور حالـــة األوضـــاع يف‬ ‫القضيـــة الفلســـطينية والصـــراع العربـــي اإلســـرائيلي‪ ،‬البـــد مـــن‬ ‫اإلش ــادة ب ــدور وإرادة امل ــرأة الفلس ــطينية يف إس ــناد إرادة ومواق ــف‬ ‫الرجــل يف مقارعــة ظلــم االحتــالل‪ ،‬الســيما األم الفلســطينية التــي‬ ‫عاه ــدت اهلل ان تُنج ــب م ــا تس ــتطيع ب ــاذن اهلل تعال ــى‪ ،‬وأقس ــمت‬ ‫بـــأن تضعهـــم جمي ًعـــا قربا ًنـــا للوطـــن‪ ،‬لتُـــؤرق ســـلطات االحتـــالل‬ ‫وتتحـــدى ممارســـاتهم الظاملـــة كـــ ّون معادلـــة نســـبة الزيـــادة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الس ــكانية متي ــل لصال ــح الش ــعب الفلس ــطيني باس ــتمرار الص ــراع‬ ‫ضــد االحتــالل‪ ،‬وأن اجلميــع يقــف إجــالالً للشــهيد البطــل ويثمــن‬ ‫إرادة األم البطلـــة عندمـــا تـــزف ابنهـــا الشـــهيد يف حفـــل ُعـــرس‬ ‫قلم ــا ل ــه م ــن نظي ــر يف العال ــم‪ ،‬وهن ــا يج ــب أن نذك ــر ب ــكل فخ ــر‬ ‫وتقديــر موقــف وعزميــة األســير الفلســطيني الــذي يواجــه أقصــى‬ ‫املمارس ــات الالإنس ــانية داخ ــل س ــجون االحت ــالل‪ ،‬ول ــم تستس ــلم‬ ‫إرادت ــه ملواصل ــة درب نض ــال املقاوم ــة رغ ــم م ــرور ه ــذه الس ــنون‪.‬‬ ‫إن ه ــذه األح ــداث ل ــم تتمك ــن م ــن ثن ــي إرادة األم ــة بش ــكل ع ــام‬ ‫الســـيما إرادة الشـــعب الفلســـطيني ؛ إرادة املقاومـــة ضـــد كل مـــا‬ ‫يتعل ــق باالحت ــالل اإلس ــرائيلي‪ ،‬فعل ــى اجلمي ــع مواصل ــة املطالب ــة‬ ‫باحلق ــوق الش ــرعية ودع ــم نض ــال املقاوم ــة حت ــى إقام ــة الدول ــة‬ ‫الفلســـطينية وعاصمتهـــا القـــدس الشـــريف‪.‬‬

‫االستنتاجات‬ ‫‪ .1‬تُعـــد القضيـــة الفلســـطينية مـــن القضايـــا الدوليـــة التـــي‬ ‫اس ــتغرقت م ــن الوق ــت أكث ــر م ــن أي قضي ــة أخ ــرى‪ ،‬فبالرغ ــم م ــن‬ ‫كل اجلهـــود التـــي تبذلهـــا القـــوى العظمـــى واملنظمـــات الدوليـــة‪،‬‬ ‫إال أنه ــا ل ــم تتمك ــن م ــن معاجلته ــا كونه ــا ل ــم تتف ــق عل ــى معاجل ــة‬ ‫األســـباب احلقيقيـــة للقضيـــة‪.‬‬ ‫‪ .2‬إن قـــوة وعزميـــة إرادة األمـــة باملطالبـــة بحقـــوق الشـــعب‬ ‫الفســـطيني متكنـــت علـــى املســـتوى الدولـــي يف إثبـــات الشـــرعية‬ ‫االحت ــالل اإلس ــرائيلي وممارس ــتها العنصري ــة‪ .‬فض ـ ً‬ ‫ـال ع ــن إدانته ــا‬ ‫الدولي ــة باعتب ــار احلرك ــة الصهيوني ــة حرك ــة عنصري ــة من ــذ عق ــد‬ ‫ســـبعينيات القـــرن املاضـــي‪.‬‬ ‫‪ .3‬جنـــاح إرادة األمـــة بحصـــول ممثلـــي الشـــعب الفلســـطيني‬ ‫عل ــى عضوي ــة مراق ــب يف منظم ــة األمم املتح ــدة‪ ،‬إلثب ــات الهوي ــة‬ ‫الفلســـطينية علـــى املســـتوى الدولـــي وحمايتهـــا مـــن اإللغـــاء‪.‬‬ ‫‪ .4‬حتت ــل القضي ــة الفلس ــطينية أس ــبقية عل ــى القضاي ــا األخ ــرى‬ ‫التـــي تشـــهدها البلـــدان العربيـــة‪ ،‬نتيجـــة تالحـــم إرادة الشـــعب‬ ‫الفلس ــطيني بالرغ ــم م ــن اخلالف ــات السياس ــية الت ــي تظه ــر ب ــن‬ ‫ح ــن وآخ ــر‪.‬‬ ‫‪ .5‬تعــد شــبكات التواصــل االجتماعــي خيــر وســيلة لتوحيــد اإلرادة‬ ‫الشـــعبية ودعـــم االنتفاضـــة حتـــى النصـــر يف مواجهـــة سياســـات‬ ‫س ــلطات االحت ــالل اإلس ــرائيلي‪.‬‬ ‫‪ .6‬حافظـــت إرادة املقاومـــة علـــى الثوابـــت الوطنيـــة للشـــعب‬ ‫الفلســـطيني‪ ،‬بإنشـــاء الدولـــة الفلســـطينية املســـتقلة وعاصمتهـــا‬ ‫القــدس الشــريف وعــودة االجئــن‪ ،‬حتــت قيــادة الســلطة الفلســطينية‬ ‫بالرغـــم مـــن اخلالفـــات بـــن الفصائـــل الفلســـطينية‪.‬‬ ‫* أﺳﺘﺎذ ﻣﺴﺎﻋﺪ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ اﻟﺴﻠﻴامﻧﻴﺔ‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫هـــي اتفاقيـــة " رودس " لـــن يجلـــب الســـالم واألمـــن إال بضمـــان‬ ‫ّ‬ ‫حق ــوق ش ــعب فلس ــطن‪.‬‬

‫ثامنًا‪ :‬مشهد السلطة الوطنية‬ ‫ً‬ ‫فاعـــال علـــى زعزعـــة‬ ‫حققـــت انتفاضـــة احلجـــارة تأثيـــ ًرا‬ ‫االس ــتقرار و األم ــن اإلس ــرائيلي‪ ،‬مم ــا أجب ــرت س ــلطات االحت ــالل‪،‬‬ ‫البح ــث ع ــن إيج ــاد َمخ ــرج له ــذه األزم ــة الت ــي ب ــدأت ته ــدد أركان‬ ‫الكيـــان بالكامـــل‪ ،‬فلجـــأت إلـــى طلـــب الوســـطاء علـــى املســـتوى‬ ‫الدولـــي يف التوســـط إلجـــراء املفاوضـــات مـــع قيـــادة منظمـــة‬ ‫التحريـــر الفلســـطينية‪ ،‬مـــن أجـــل الوصـــول إلـــى حلـــول لتهدئـــة‬ ‫االنتفاض ــة وامتص ــاص زخ ــم تأثيره ــا عل ــى األم ــن‬ ‫ً‬ ‫فضـــال عـــن محاولـــة‬ ‫واالقتصـــاد اإلســـرائيلي‪،‬‬ ‫احلفـــاظ علـــى الســـمعة واملكانـــة الدوليـــة والتـــي‬ ‫تأثـــرت كثيـــ ًرا مقابـــل ممارســـاتها الالإنســـانية‬ ‫واســـتخدامها أحـــدث األســـلحة الفتاكـــة ضـــد‬ ‫شـــبان االنتفاضـــة املتســـلحن بإميـــان إرادة‬ ‫املقاومــة وباحلجــارة‪ .‬فكانــت مفاوضــات " أوســلو"‬ ‫واالتف ــاق م ــع قي ــادة منظم ــة التحري ــر الفلس ــطينية‬ ‫علـــى تشـــكيل الســـلطة الفلســـطينية علـــى أرض‬ ‫فلســطن‪ ،‬حتــى تســتكمل إجــراءات إعــالن الدولــة‬ ‫الفلســـطينية وفـــق مضمـــون االتفـــاق‪ .‬والتـــي تســـببت بانشـــقاق‬ ‫كبي ــر يف وح ــدة الص ــف الفلس ــطيني والعرب ــي‪ ،‬ب ــن مؤي ــد وراف ــض‬ ‫لالتفـــاق‪ ،‬لتبـــدأ مرحلـــة جديـــدة مـــن العمـــل علـــى مللمـــة الصـــف‬ ‫الوطن ــي يف الداخ ــل واخل ــارج‪ ،‬م ــن خ ــالل تفس ــير أه ــداف وأبع ــاد‬ ‫ه ــذا االتف ــاق وتأثيراته ــا املس ــتقبلية عل ــى حتقي ــق مطال ــب الش ــعب‬ ‫يف إعـــالن الدولـــة والعـــودة‪ .‬وتنفيـــ ًذا لالتفـــاق مت إجنـــاز عمليـــة‬ ‫انتخاب ــات املجل ــس الوطن ــي‪ ،‬والت ــي حصل ــت عل ــى اعت ــراف دول ــي‬ ‫بنزاهتهـــا‪ ،‬ومـــن ثـــم تشـــكيل حكومـــة الوحـــدة الوطنيـــة‪ ،‬والتـــي‬ ‫فتح ــت أج ــوا ًء م ــن التف ــاؤل عل ــى توحي ــد اإلرادة الوطني ــة به ــدف‬ ‫الوصـــول إلـــى مرحلـــة إعـــالن الدولـــة‪ ،‬إال أن أطـــراف إقليميـــة‬ ‫ودوليــة مارســت الضغــط لشــق وحــدة الصــف الفلســطيني ومحاولــة‬ ‫إش ــعال االحت ــراب الداخل ــي‪ ،‬وع ــزل غ ــزة ع ــن الضف ــة‪ ،‬واإلع ــالن‬ ‫ع ــن حكومت ـ ّـن عل ــى أرض الواق ــع‪ ،‬مم ــا ع ّق ــد املش ــهد الفلس ــطيني‪،‬‬ ‫وأفقـــد إرادة املقاومـــة فرصـــة لتحقيـــق الثوابـــت الوطنيـــة‬ ‫الفلس ــطينية‪ ،‬يف مهامه ــا إلثب ــات احل ــق الفلس ــطيني عل ــى املس ــتوى‬ ‫اإلقليم ــي والدول ــي‪ ،‬فاس ــتغلت س ــلطات االحت ــالل الفرص ــة ملزي ــد‬ ‫مــن مشــاريع االســتيطان لبنــاء املســتعمرات الســكانية علــى األرض‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬ومــن ثـ ّم تكــرار شــن العــدوان تلــو اآلخــر علــى الشــعب‬ ‫الفلســطيني‪ ،‬وحرمانــه مــن أبســط االحتياجــات الضروريــة وإقامــة‬ ‫احلصــار عليــه‪ ،‬خــالل العقــد األول مــن القــرن احلــادي والعشــرين‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪35‬‬

‫ملف العدد‬

‫تاس ًعا‪ :‬مشهد انتفاضة الربيع العربي‬ ‫ازدادت دعـــوات إصـــالح النظـــام السياســـي العربـــي‪ ،‬بعـــد‬ ‫أن تراكمـــت األزمـــات التـــي أعاقـــت مســـاعي اإلصـــالح والتطـــور‬ ‫أســـوة باملتغيـــرات اجلاريـــة يف الـــدول األخـــرى مطلـــع القـــرن‬ ‫احلـــادي والعشـــرين‪ .‬وبالرغـــم مـــن مشـــاريع اإلصـــالح السياســـي‬ ‫والدميقراط ــي الت ــي أعلن ــت ملعاجل ــة الوض ــع القائ ــم‪ ،‬إال أنه ــا ل ــم‬ ‫جت ــدِ نف ًع ــا‪ ،‬فاندلع ــت االنتفاض ــة الش ــعبية ب ــإرادة ش ــابة يف الع ــام‬ ‫‪2011‬م‪ ،‬ملواجه ــة جم ــود بع ــض املؤسس ــات احلكومي ــة يف أكث ــر م ــن‬ ‫بلــد عربــي‪ ،‬كانــت غايتهــا الضغــط جتــاه عمليــة اإلصــالح والتغييــر‬ ‫ملواكب ــة م ــا يج ــري يف العال ــم املتحض ــر‪ .‬حي ــث متكن ــت م ــن إس ــقاط‬ ‫النظ ــام السياس ــي يف ع ــدد م ــن البل ــدان ( تون ــس‪ ،‬و‬ ‫مصــر‪ ،‬وليبيــا‪ ،‬واليمــن) فضـ ً‬ ‫ـال عــن فقــدان الســيطرة‬ ‫األمني ــة يف س ــوريا وبنس ــبة ومس ــتوى م ــا يف الع ــراق‪،‬‬ ‫ولكــن لعــدم تكامــل عناصــر وحــدة قيــادة االنتفاضــة‬ ‫وع ــدم وض ــوح آلي ــات برنام ــج االص ــالح املطل ــوب‪ ،‬مت‬ ‫امتص ــاص زخ ــم االنتفاض ــة لتقلي ــل نس ــبة تأثيره ــا‪،‬‬ ‫ومــن ث ـ ّم انتهــزت أطــراف أخــرى الفرصــة الســتغالل‬ ‫حال ــة ع ــدم االس ــتقرار إلح ــداث حال ــة م ــن الفوض ــى‬ ‫واللج ــوء الس ــتخدام العن ــف وإش ــاعة اإلره ــاب ض ــد‬ ‫أبنـــاء الشـــعب‪ ،‬ممـــا أفقـــدت االنتفاضـــة صـــواب‬ ‫بوصلته ــا وتداخل ــت وامتزج ــت نش ــاطات االنتفاض ــة م ــع األعم ــال‬ ‫اإلرهابيـــة يف املشـــهد العـــام‪ ،‬ممـــا ســـنحت الفرصـــة ألطـــراف‬ ‫ثالث ــة‪ ،‬رك ــوب موج ــة االنتفاض ــة به ــدف اس ــتالم الس ــلطة وجتيي ــر‬ ‫االنتفاضـــة باســـمها‪ ،‬لتبـــدأ مرحلـــة جديـــدة مـــن الصـــراع داخـــل‬ ‫البل ــد الواح ــد حت ــت مس ــميات ِعرقي ــة وطائفي ــة ومذهبي ــة‪ ،‬ضم ــن‬ ‫محاول ــة إلبع ــاد ارادة املواط ــن ع ــن ه ــدف اإلص ــالح وع ــن القضي ــة‬ ‫املركزي ــة يف فلس ــطن‪ ،‬فض ـ ً‬ ‫ـال ع ــن خس ــارة امل ــوارد الوطني ــة عب ــر‬ ‫اســـتهالكها يف أتـــون املعـــارك بـــن أبنـــاء الشـــعب الواحـــد حتـــت‬ ‫يافطــات ( فصائــل مســلحة وأحــزاب دينيــة وميليشــيات طائفيــة )‪.‬‬ ‫والبــد أن نشــير هنــا‪ ،‬وبالرغــم مــن تطــور وجســامة هــذه األحــداث‬ ‫من ــذ الع ــام ‪2011‬م‪ ،‬إال أن إرادة املواط ــن العرب ــي واجتاه ــات ال ــرأي‬ ‫الع ــام العرب ــي الزال ــت تض ــع القضي ــة الفلس ــطينية‪ ،‬ضم ــن أس ــبقية‬ ‫قب ــل مل ــف األزم ــة داخ ــل بلدانه ــم‪ ،‬إلميانه ــم بأنه ــا قضي ــة الع ــرب‬ ‫جمي ًعــا وليــس قضيــة الشــعب الفلســطيني كونهــم أبنــاء أمــة واحــدة‬ ‫بالرغ ــم م ــن أخت ــالف مواق ــف النظ ــم السياس ــية‪.‬‬

‫إســـرائــيـل عــادت‬ ‫إلفريقيا بعد تحوالت‬ ‫النظام الدويل وتداعيات‬ ‫أوسلو ومدريد‪ ..‬والعرب‬ ‫يعتمدون عى التاريخ‬

‫عاش ًرا‪ :‬القدس ومشاهد انتفاضة المسجد األقصى‬ ‫عملـــت ســـلطات االحتـــالل اإلســـرائيلي منـــذ أن تبلـــورت‬ ‫بُنيته ــا التنظيمي ــة عل ــى تطوي ــر مفه ــوم لسياس ــة تعبوي ــة‪ ،‬تس ــعى‬ ‫إلـــى إحـــداث تغيـــرات جوهريـــة يف البٌنـــى الفكريـــة والسياســـية‬

‫‪34‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫للدف ــاع وحماي ــة املقاوم ــة الفلس ــطينية م ــن التصفي ــة‪ .‬ف ــكان ق ــرار‬ ‫إبعــاد قيــادة منظمــة التحريــر الفلســطينية مــن بيــروت إلــى تونــس‬ ‫به ــدف تقلي ــل تأثي ــر نش ــاطها امليدان ــي ع ــن أرض فلس ــطن ض ــد‬ ‫االحت ــالل اإلس ــرائيلي‪ ،‬وق ــد تزامن ــت ه ــذه األح ــداث م ــع عملي ــات‬ ‫جرائـــم اغتيـــال وتصفيـــة بحـــق قيـــادات مـــن املنظمـــة يف تونـــس‬ ‫(خلي ــل الوزي ــر ورفاق ــه) كم ــا مت اغتي ــال ع ــد ًدا م ــن َقبـ ـ ُل (كم ــال‬ ‫عـــدوان ورفاقـــه) يف بيـــروت‪ ،‬إال أن كافـــة هـــذه احملـــاوالت لـــم‬ ‫تتمك ــن م ــن اغتي ــال إرادة املقاوم ــة ض ــد قه ــر االحت ــالل‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬مشهد اتفاقيات التسوية السلمية‬ ‫ً‬

‫حققـــت اإلرادة العربيـــة إجنـــازًا كبيـــ ًرا ‪ ،‬متمثلـــ ًة بانتصـــار‬ ‫قواتهــا املســلحة البطلــة عــام ‪ ،1973‬بإحلاقهــا انتكاســة يف مفهــوم‬ ‫التفـــوق العســـكري اإلســـرائيلي‪ ،‬عندمـــا متكـــن اجليـــش املصـــري‬ ‫مبســـاندة ودعـــم اجليـــوش العربيـــة‪ ،‬مـــن عبـــور قنـــاة الســـويس‬ ‫واختـــراق حاجـــز" خـــط بارليـــف" االســـتراتيجي‪ ،‬والســـيطرة‬ ‫علـــى املناطـــق احليويـــة يف شـــبه جزيـــرة ســـيناء‪ ،‬والتـــي شـــ ّكلت‬ ‫عام ــل خط ــر يه ــدد عم ــق األم ــن اإلس ــرائيلي‪ ،‬ولغ ــرض االلتف ــاف‬ ‫واملن ــاورة عل ــى روح االنتص ــار ل ــإلرادة العربي ــة عل ــى الع ــدو‪ ،‬س ــعت‬ ‫أط ــراف دولي ــة إل ــى تس ــويف ه ــذا االنتص ــار بالدع ــوة إل ــى إج ــراء‬ ‫مفاوضـــات الســـالم يف منتجـــع " كامـــب ديفيـــد" حتـــت إشـــراف‬ ‫الواليـــات املتحـــدة األميركيـــة‪ ،‬يف نهايـــة عقـــد ســـبعينيات القـــرن‬ ‫املاض ــي‪ ،‬ث ـ ّم تبعه ــا اتفاقي ــة " وادي عرب ــة" م ــع احلكوم ــة األردني ــة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وفعـــال‬ ‫يف محاولـــة لوضـــع نهايـــة للصـــراع العربـــي اإلســـرائيلي‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫انعكســـت آثـــار هـــذه االتفاقيـــات علـــى إرادة عمـــوم أبناءالشـــعب‬ ‫العرب ــي والفلس ــطيني‪ ،‬ب ــن مؤي ــد وراف ــض لالتفاقي ــة‪ .‬وأحدث ــت‬ ‫ً‬ ‫شـــرخا يف وحـــدة الصـــف العربـــي والفلســـطيني لعـــدم وضـــوح‬ ‫رؤي ــة مش ــتركة ملفه ــوم األم ــن والس ــالم فل ــم تنت ــج ه ــذه االتفاقي ــات‬ ‫مكســـ ًبا ملصالـــح وحقـــوق الشـــعب الفلســـطيني‪.‬‬

‫ساب ًعا‪ :‬مشهد انتفاضة الحجارة‬ ‫كثفـــت ســـلطات االحتـــالل مـــن ممارســـاتها الالإنســـانية‬ ‫وسياس ــة الن ــار واحلدي ــد ض ــد أبن ــاء الش ــعب الفلس ــطيني‪ ،‬بع ــد‬ ‫أن مت االتفـــاق يف كامـــب ديفيـــد مـــع احلكومـــة املصريـــة واتفـــاق‬ ‫وادي عرب ــة م ــع احلكوم ــة األردني ــة‪ ،‬يف محاول ــة إلجب ــار املواط ــن‬ ‫عل ــى القناع ــة بالواق ــع القائ ــم واالعت ــراف ب ــه‪ ،‬إال أن نتائ ــج ه ــذه‬ ‫السياس ــة انعكس ــت س ــل ًبا عل ــى واق ــع الش ــعب الفلس ــطيني كاف ــة‪،‬‬ ‫فحف ــزت اإلرادة الش ــعبية للمقاوم ــة عل ــى االعتم ــاد عل ــى النف ــس‬ ‫والب ــدء خل ــوض االنتفاض ــة ض ــد سياس ــات االحت ــالل ومقاومته ــا‬ ‫باحلج ــارة‪ ،‬والت ــي أربك ــت وزعزع ــت اس ــتقرار األم ــن اإلس ــرائيلي‬ ‫يف عم ــوم أرض فلس ــطن احملتل ــة‪ ،‬بالرغ ــم م ــن اس ــتخدام أح ــدث‬ ‫األس ــلحة والقي ــام باعتق ــال وتعذي ــب عش ــرات اآلالف م ــن ش ــبان‬ ‫االنتفاضـــة الســـيما قيـــادة ثـــورة احلجـــارة ( الشـــهيد الشـــيخ‬ ‫أحم ــد ياس ــن و الش ــهيد محم ــود عبدالعزي ــز الرنتيس ــي و األس ــير‬ ‫م ــروان البرغوث ــي‪ )..‬واستش ــهاد العش ــرات م ــن أبط ــال االنتفاض ــة‬ ‫املباركـــة والتـــي أثبتـــت للعالـــم ولســـلطات االحتـــالل أن إرادة‬ ‫املقاوم ــة مس ــتمرة‪ ،‬وأن االتفاقي ــات م ــع احلكوم ــات العربي ــة كم ــا‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫النتائـــج معلومـــة مســـب ًقا رغـــم الترويـــج اإلعالمـــي واخلطابـــات‬ ‫والش ــعارات الثوري ــة‪ ،‬كونه ــا مع ــارك اتس ــمت بالتكتي ــك العس ــكري‪،‬‬ ‫غايته ــا تروي ــض إرادة املواط ــن واألم ــة م ــن ع ــدم ج ــدوى احل ــروب‬ ‫والوس ــائل العس ــكرية‪ ،‬عل ــى أم ــل إدخ ــال إرادة املواط ــن يف دائ ــرة "‬ ‫اللي ــأس" م ــن حتري ــر فلس ــطن والتس ــليم باألم ــر الوق ــع‪.‬‬

‫راب ًعا‪ :‬مشهد المنظمات الفلسطينية‬ ‫أيقن ــت جماهي ــر الش ــعب الفلس ــطيني بع ــدم ج ــدوى املع ــارك‬ ‫العســـكرية التقليديـــة‪ ،‬مـــن القـــدرة علـــى حتريـــر األرض وإنهـــاء‬ ‫االحتـــالل‪ .‬لذلـــك لـــم تستســـلم إرادة األمـــة لعجـــز ومحدوديـــة‬ ‫تأثي ــر املع ــارك العس ــكرية عل ــى حتقي ــق ه ــدف حتري ــر فلس ــطن‪،‬‬ ‫فتـــم اإلعـــالن عـــن تشـــكيل منظمـــة التحريـــر الفلســـطينية "‬ ‫فت ــح" يف س ــتينيات الق ــرن املاض ــي‪ ،‬للب ــدء بصحف ــة جدي ــدة م ــن‬ ‫النض ــال واملقاوم ــة املس ــلحة م ــن داخ ــل وخ ــارج أرض فلس ــطن‪،‬‬ ‫وق ــد تط ــوع الش ــباب للعم ــل الفدائ ــي املس ــلح م ــن كاف ــة البل ــدان‬ ‫العربي ــة إل ــى صف ــوف املنظم ــة‪ ،‬وحقق ــت املنظم ــة إجن ــازات كبي ــرة‬ ‫و ُم َؤث ــرة ض ــد س ــلطات االحت ــالل اإلس ــرائيلي وقدم ــت قواف ــل م ــن‬ ‫الش ــهداء م ــن أبن ــاء األم ــة والش ــعب الفلس ــطيني‪ .‬إال أن مس ــيرة‬ ‫نض ــال املقاوم ــة تعرض ــت إل ــى محاول ــة تش ــتيت اجلبه ــات لتفتي ــت‬ ‫القـــدرة واجلهـــد الفلســـطيني والعربـــي‪ ،‬عبـــر تشـــكيل العديـــد‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪33‬‬

‫ملف العدد‬

‫مـــن املنظمـــات الفلســـطينية املســـلحة وحتـــت مســـم ّيات شـــتى‪،‬‬ ‫وكل منظمـــة حتمـــل أيديولوجيـــة اجلهـــات التـــي تدعمهـــا‪ ،‬ممـــا‬ ‫أوج ــد حال ــة م ــن االخت ــالف يف البرام ــج واأله ــداف جت ــاه حتري ــر‬ ‫األرض مـــن االحتـــالل‪ ،‬إال أن إرادة أمـــة تفاعلـــت مـــع احلـــدث‬ ‫وأقـــرت االعتـــراف مبنظمـــة التحريـــر املمثـــل الشـــرعي الوحيـــد‬ ‫للشـــعب الفلســـطيني‪ ،‬وعلـــى املنظمـــات الفلســـطينية األخـــرى‬ ‫التنس ــيق والعم ــل حت ــت قيادته ــا لتوحي ــد اجله ــد ض ــد االحت ــالل‬ ‫اإلســـرائيلي‪ ،‬مـــن أجـــل منحهـــا الشـــرعية يف احملافـــل الدوليـــة‬ ‫للمطالبـــة باحلقـــوق الفلســـطينية‪ .‬وح ًقـــا متكنـــت املنظمـــة مـــن‬ ‫كس ــب االعت ــراف الدول ــي وأن تصب ــح عض ـ ًوا يف اجلامع ــة العربي ــة‬ ‫و " عضـــو مراقـــب" يف منظمـــة األمم املتحـــدة‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬مشهد تصفية المقاومة المسلحة‬ ‫ً‬ ‫متكنـــت فصائـــل منظمـــة التحريـــر الفلســـطينية مـــن إثبـــات‬ ‫وجوده ــا املؤث ــر ض ــد سياس ــات س ــلطات االحت ــالل اإلس ــرائيلي‪،‬‬ ‫داخـــل وخـــارج فلســـطن‪ ،‬لذلـــك ســـعت احلكومـــة اإلســـرائيلية‪،‬‬ ‫وبدعــم الــدول الغربيــة إلــى إنهــاء إرادة املقاومــة املســلحة أو احلــد‬ ‫م ــن قدراته ــا وتقيي ــد نش ــاطها حت ــت ذرائ ــع ش ــتى‪ ،‬فكان ــت أح ــداث‬ ‫أيل ــول األس ــود يف الس ــبعينيات‪ ،‬وأح ــداث لبن ــان وملحم ــة بطول ــة‬ ‫مخيمـــات صبـــرا وشـــاتيال يف الثمانينيـــات مـــن القـــرن املاضـــي‪،‬‬

‫‪32‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫نـمـوذجـا‬ ‫مـشـاهـــد مـــن إرادة الـتـحـــدي والـمـقـاومـة‪ :‬الـشـعـــب الـفـلـسـطـيـنـي‬ ‫ً‬

‫أحــداث األقصــى لم تكــن األوىل ولن تكون‬ ‫األخيرة واالحتال يحاول طمس معالم القدس‬ ‫وجســدت أبهــى معانــي روح إرادة األمــة يف التحــدي واملقاومــة‬ ‫تزام ًنــا مــع أحــداث املســجد األقصــى واملشــاهد التــي عبــرت‬ ‫ّ‬ ‫لسياســات وممارســات ســلطات االحتــالل اإلســرائيلي‪ ،‬وأنــا أســتذكر مشــاعر التفاخــر بهــذه املواقــف الشــجاعة التــي‬ ‫أحبطــت خطــط ســلطات االحتــالل علــى امتــداد أكثــر مــن نصــف قــرن علــى االحتــالل‪ ،‬حفزتنــي علــى كتابــة مشــاهد مــن‬ ‫حقائــق عــن القضيــة الفلســطينية ليطلــع اجليــل احلالــي واألجيــال القادمــة لتكــون علــى ب ّينــة ومعرفــة تامــة علــى تطــور حالــة‬ ‫األمــة العربيــة خــالل القــرن العشــرين‪ ،‬الســيما بشــأن قضيــة الشــعب الفلســطيني‪ ،‬ليفهــم أن حالــة الواقــع القائــم اآلن‪ ،‬هـ ّـي‬ ‫نتيجــة ملــا حصــل مــن محــاوالت ســعت فيهــا أطــراف عـ ّدة خارجيــة وداخليــة لتفتيــت إرادة املقاومــة‪ ،‬تنفيـ ًذا ملصالــح ذاتيــة‬ ‫آنيــة أو بســبب قصــور يف التفكيــر و الرؤيــة االســتراتيجية‪ .‬ســنحاول تنــاول أهــم احملطــات األساســية لهــذه األحــداث يف‬ ‫مشــاهد مقتضبــة وكمــا يلــي‪:‬‬

‫د‪ .‬كمال عبد اهلل حسن اجلاف‬

‫أوالً‪ :‬مشهد تقسيم الوطن العربي‬ ‫إن اســتراتيجية تقســيم الوطــن العربــي مطلــع القــرن العشــرين‬ ‫مــن قبــل القــوى العظمــى الغربيــة‪ ،‬لغــرض تأســيس عــدد مــن الــدول‬ ‫الوطنيـــة بـــدالً مـــن الدولـــة العربيـــة الواحـــدة‪ ،‬مبوجـــب اتفاقيـــة "‬ ‫تس ــد "‪،‬‬ ‫س ــايكس‪ -‬بيك ــو" ‪ ،‬كان ــت جتس ــيدًا واقع ًي ــا ملب ــدأ " ف ــرق ُ‬ ‫بـــن أبنـــاء األمـــة‪ ،‬يف محاولـــة لتفتيـــت قـــدرات األمـــة وانعـــكاس‬ ‫ذل ــك عل ــى إرادته ــا يف التنمي ــة والتق ــدم لتحقي ــق مصاحله ــا وأمنه ــا‬ ‫القوم ــي‪ ،‬فكان ــت إرادة األم ــة م ــن خ ــالل إرادة املواط ــن أق ــوى م ــن‬ ‫تلــك اخلطــة االســتراتيجية‪ ،‬فرفــض اجلميــع فكــرة التقســيم وســعى‬ ‫اجلمي ــع للعم ــل حلماي ــة وح ــدة الوط ــن واألم ــة‪ ،‬ف ــكان تأثي ــر ذل ــك‬ ‫حاض ــر وفاع ــل يف الضغ ــط عل ــى احلكوم ــات العربي ــة‪ ،‬يف اتخ ــاذ‬ ‫املواق ــف والق ــرار الت ــي تلب ــي طم ــوح ومش ــاعر املواط ــن يف الكثي ــر‬ ‫م ــن األح ــداث الت ــي تعرض ــت له ــا البل ــدان العربي ــة الس ــيما قضي ــة‬ ‫الش ــعب الفلس ــطيني‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬مشهد االستيطان اإلسرائييل‬ ‫لــم يكتــف أعــداء األمــة بتنفيــذ خطــة تقســيم الوطــن العربــي‪،‬‬ ‫ب ــل عمل ــوا عل ــى تنفي ــذ خط ــة االس ــتيطان اإلس ــرائيلي عل ــى أرض‬ ‫فلســطن‪ ،‬اســتناداً لوعـ ٍـد منحهــا " بلفــور"‪ ،‬وكانــت هــي األخطــر يف‬

‫كافــة اخلطــط التــي أقدمــت علــى تنفيذهــا القــوى الغربيــة خدم ـ ًة‬ ‫ملصاحلهـــا‪ ،‬كونهـــا شـــردت شـــعب فلســـطن مـــن أرضـــه‪ ،‬مقابـــل‬ ‫اس ــتيطان املهاجري ــن اليه ــود م ــن كاف ــة بق ــاع األرض إلس ــكانهم يف‬ ‫فلس ــطن‪ ،‬ضم ــن خط ــة احلرك ــة الصهيوني ــة به ــدف تأس ــيس دول ــة‬ ‫" إســـرائيل"‪ ،‬وبالرغـــم مـــن اســـتخدام كافـــة الوســـائل العســـكرية‬ ‫والس ــلمية إلجن ــاز مش ــروع الدول ــة إال أنه ــا تعان ــي إل ــى يومن ــا ه ــذا‬ ‫م ــن أزم ــة األم ــن والهوي ــة‪ ،‬إضاف ــة إل ــى اإلدان ــة الدولي ــة ملمارس ــاته‬ ‫العدواني ــة والالإنس ــانية ض ــد حق ــوق الش ــعب الفلس ــطيني‪ ،‬نتيج ــة‬ ‫تأثي ــر إرادة األم ــة العربي ــة يف مقاوم ــة سياس ــة االحت ــالل وحت ــدي‬ ‫ممارســاته طــوال هــذه العقــود‪ ،‬الســيما تضحيــات الشــهداء وإرادة‬ ‫أبن ــاء ش ــعب فلس ــطن‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬مشهد المعارك العسكرية‬ ‫حتـــت تأثيـــر اإلرادة القوميـــة والشـــعبية مـــن أجـــل حمايـــة‬ ‫الشـــعب الفلســـطيني مـــن املمارســـات اإلرهابيـــة التـــي مورســـت‬ ‫ضــد املواطــن الفلســطيني‪ ،‬وحرمانــه مــن أبســط حقــوق العيــش يف‬ ‫وطن ــه‪ ،‬نف ــذت احلكوم ــات العربي ــة ع ــد ًدا م ــن املع ــارك العس ــكرية‬ ‫يف العـــام ‪ ،1948‬و‪ ،1967‬و‪1973‬م‪ ،‬ألهـــداف محـــددة لغـــرض‬ ‫امتصـــاص زخـــم املطالـــب الشـــعبية لتحريـــر فلســـطن‪ ،‬إذ كانـــت‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪31‬‬

‫ملف العدد‬

‫ضغوط المؤسسات الصهيونية واضحة داخل مراكز صنع القرار األمريكي‬ ‫وهذا سر دعم الساسة والرؤساء األمريكان للمشروع الصهيوني منذ رئاسة ولسون‬ ‫مجالــس خاصــة إلدارة شــؤونهم‪ ،‬والــذي اعتبــر صائــب عريقــات‬ ‫أمــن ســر اللجنــة التنفيذيــة ملنظمــة التحريــر الفلســطينية بأنــه‬ ‫قــرار ضــد الفلســطينين‪ ،‬وكذلــك لــم تديــن االعتــداءات املتكــررة‬ ‫واالقتحامــات مــن قبــل قــادات سياســية ودينيــة صهيونيــة لباحــات‬ ‫املســجد األقصــى‪.‬‬

‫راب ًعا‪ :‬الموقف الفلسطيني من الوساطة األمريكية‬ ‫أعربــت القيــادة الفلســطينية يف رام اهلل عــن عــدم تفاؤلهــا‬ ‫بزيــارة الوفــد األمريكــي اخلــاص بعمليــة الســالم‪ ،‬حيــث صــرح عضــو‬ ‫اللجنــة التنفيذيــة ملنظمــة التحريــر الفلســطينية "أحمــد مجدالنــي"‬ ‫بــأن الوفــد األمريكــي للســالم لــم يحمــل أي جديــد‪ ،‬كمــا أن عــدم‬ ‫حتديــد الوفــد موقفــه مــن احلــل السياســي يعــد "مراوغــة" لصالــح‬ ‫إســرائيل‪ ،‬مشــد ًدا علــى أن امتنــاع اإلدارة األمريكيــة عــن االلتــزام‬ ‫باملوقــف التقليــدي الــذي يؤكــد علــى حــل الدولتــن ووقــف االســتيطان‬ ‫"ســيغلق البــاب أمــام أي عمليــة سياســية‪ ،‬وســيضع اإلدارة األمريكيــة‬ ‫أمــام موقــف مينعهــا بالقيــام بــدور الراعــي للســالم"‪.‬‬ ‫مــن ناحيتهــا اعتبــرت اخلارجيــة الفلســطينية يف رام اهلل يف بيــان‬ ‫أصدرتــه مؤخـ ًرا أن تصريحــات رئيــس الــوزراء اإلســرائيلي بنيامــن‬ ‫نتنياهــو حــول املســتوطنات متثــل طعنــة يف ظهــر اجلهــود األمريكيــة‬ ‫الهادفــة الســتئناف املفاوضــات‪ ،‬وتقضــي علــى فرصــة التوصــل إلــى‬ ‫حــل سياســي للصــراع علــى أســاس حــل الدولتــن‪.‬‬ ‫وعلــى ذلــك‪ ،‬فــإن املوقــف الفلســطيني يــرى بعــدم نزاهــة‬ ‫الوســاطة األمريكيــة‪ ،‬فقــد صرحــت القيــادة الفلســطينية بأنهــا‬ ‫لــن تعــود إلــى املفاوضــات مــع اجلانــب اإلســرائيلي قبــل أن يحــدد‬ ‫الراعــي األمريكــي للســالم موقــف واضــح مــن حــل الدولتــن‪ ،‬مــع‬ ‫حتديــد ســقف زمنــي للمفاوضــات ووقــف االســتيطان‪ .‬كمــا صــرح‬ ‫الناطــق باســم احلكومــة الفلســطينية "يوســف احملمــود" أن الهجمــة‬ ‫االســتيطانية األخيــرة هدفهــا إنهــاء أيــة فرصــة للســالم‪ ،‬وحمــل‬ ‫املجتمــع الدولــي املســؤولية عــن تقاعســه يف محاســبة االحتــالل‬ ‫اإلســرائيلي علــى انتهاكاتــه‪.‬‬ ‫أمــا علــى مســتوى احلــراك الشــعبي الفلســطيني‪ ،‬فهنــاك رفــض‬ ‫شــعبي ضاغــط علــى القيــادة يطالــب بعــدم الثقــة والتعاطــي مــع‬ ‫اإلدارة األمريكيــة الراعــي "غيــر النزيــه" والداعــم لالحتــالل‪ ،‬وقــد‬ ‫جــاء هــذا املوقــف نتيجــة للمواقــف األمريكيــة املتتاليــة واملتزايــدة‬ ‫والتــي تدفــع باجتــاه اســتمرار االحتــالل اإلســرائيلي بشــتى الوســائل‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬ ‫تلتــزم الواليــات املتحــدة جتــاه إســرائيل بكامــل الضمانــات‪،‬‬ ‫وتقــدم لهــا الدعــم بــكل أشــكاله منــذ قيامهــا وحتــى يومنــا هــذا‪،‬‬ ‫وبغــض النظــر عــن احلــزب احلاكــم جمهــوري كان أم دميقراطــي‪،‬‬ ‫يف املقابــل‪ ،‬تتنصــل الواليــات املتحــدة مــن التزاماتهــا جتــاه حفــظ‬ ‫وحمايــة احلقــوق الفلســطينية‪ ،‬حتــى التــي قطعتهــا علــى نفســها؛‬ ‫واعتــرف بهــا املجتمــع الدولــي‪ ،‬مثــل قــرارات األمم املتحــدة وغيرهــا‬ ‫بشــأن القضيــة الفلســطينية‪ ،‬فــاإلدارة األمريكيــة تعمــل منــذ عقــود‬ ‫علــى إدارة للصــراع‪ ,‬وليــس حلــه بشــكل جــذري‪ ،‬وذلــك بهــدف منــح‬ ‫إســرائيل مزي ـدًا مــن الوقــت لفــرض واقــع جديــد علــى األرض‪ ،‬وال‬ ‫تســعى جد ًيــا للتوصــل إلــى حــل عــادل ودائــم للقضيــة الفلســطينية‪،‬‬ ‫حتــى أن كل إدارة أمريكيــة جديــدة تعلــن نيتهــا التوصــل إلــى تســوية‬ ‫سياســية‪ ،‬لكــن دون أي ضغــط علــى إســرائيل‪ ،‬بــل تظهــر انحيــاز‬ ‫واضــح للموقــف اإلســرائيلي‪ ،‬وذلــك لســببن همــا‪ :‬نفــوذ اللوبــي‬ ‫الصهيونــي يف الواليــات املتحــدة مــن جهــة‪ ،‬واملصالــح األمريكيــة يف‬ ‫الشــرق األوســط مــن جهــة أخــرى‪.‬‬ ‫وبالتالــي ميكــن القــول أن التجربــة العمليــة وعلــى مــدار‬ ‫عقــود أثبتــت أن الواليــات املتحــدة وســيط غيــر نزيــه جتــاه عمليــة‬ ‫الســالم الفلســطينية ‪ -‬اإلســرائيلية‪ ،‬وأن الــدول العربيــة عمو ًمــا لــم‬ ‫يجيــدوا التعامــل مــع السياســية األمريكيــة جتــاه القضايــا العربيــة‪،‬‬ ‫وحتديــدًا القضيــة الفلســطينية‪ ،‬وعليــه مــن الضــروري أن تتوقــف‬ ‫القيــادة الفلســطينية عــن االرتهــان للرؤيــة األمريكيــة لعمليــة‬ ‫الســالم‪ ،‬وأن تبــدأ تدريج ًيــا مبــد جســر العالقــات مــع أقطــاب دوليــة‬ ‫أخــرى؛ كروســيا والصــن‪ .‬كمــا نــرى بضــرورة تشــكيل لوبــي عربــي‬ ‫عبــر تنســيق املواقــف واجلهــود العربيــة وتغليــب املصالــح العربيــة‬ ‫املشــتركة‪ ،‬بهــدف االســتفادة مــن عناصــر القــوة التــي منتلكهــا‪ ،‬وإعادة‬ ‫النظــر يف املبــادرة العربيــة للســالم‪ ،‬مــع التركيــز علــى إعــادة القضيــة‬ ‫الفلســطينية حلضــن املجتمــع الدولــي واألمم املتحــدة‪ ،‬بحيــث ميكــن‬ ‫الضغــط علــى اإلدارة األمريكيــة داخل ًيــا وخارج ًيــا‪ ،‬والتأثيــر علــى‬ ‫املصالــح األمريكيــة‪ ،‬فالواليــات املتحــدة ال تــرى ســوى مصاحلهــا‪،‬‬ ‫عبــر فــرض الهيمنــة ونهــب مقــدرات الشــعوب‪ ،‬حتــى وإن بررتهــا‬ ‫مبســميات نشــر الدميقراطيــة وحقــوق اإلنســان‪.‬‬

‫* أﻛﺎدميﻲ وﺑﺎﺣﺚ ﺳﻴﺎﳼ ﺑﻮزارة اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ‬

‫‪30‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أمريكا استخدمت حق النقض "الفيتو" أكثر من أربعين مرة لمنع إصدار‬ ‫قرارات تدين الكيان الصهيوني واعتداءاتها يف األراضي الفلسطينية المحتلة‬ ‫تقريــر املصيــر للشــعب الفلســطيني‪ ،‬وهــو الفيتــو رقــم (‪ ،)43‬الــذي‬ ‫يســتخدمه األمريــكان يف الشــأن الفلســطيني حتــى ذلــك الوقــت‪.‬‬ ‫ويف عــام ‪2013‬م‪ ،‬دعــت الواليــات املتحــدة الطرفــن إلــى العــودة‬ ‫الســتكمال محادثــات الســالم‪ ،‬لكــن دون أي تغييــر علــى مســتوى‬ ‫الشــكل أو املضمــون التفاوضــي‪ ،‬يف ظــل التفــوق اإلســرائيلي والدعــم‬ ‫رئيســا للواليات‬ ‫األمريكــي الالمحــدود‪ .‬وبعــد تنصيــب دونالــد ترامب‬ ‫ً‬ ‫املتحــدة األمريكيــة أعلــن أنــه ســيعمل علــى حتقيــق الســالم العــادل‬ ‫بــن إســرائيل والفلســطينين‪ ،‬ســواء عبــر حــل الدولتــن أو الدولــة‬ ‫الواحــدة‪ ،‬برعايــة أمريكيــة‪ ،‬لكــن تلــك الوعــود ســرعان مــا تبخــرت‬ ‫مــن الناحيــة العمليــة‪ ،‬بعــد رفــض االحتــالل الصهيونــي جتميــد‬ ‫االســتيطان مقابــل العــودة للمفاوضــات‪ .‬وبهــذا لــم يتغيــر موقــف‬ ‫اإلدارة األمريكيــة وسياســتها جتــاه القضيــة الفلســطينية علــى مــدار‬ ‫عقــود‪ ،‬وهــذا ال يتوقــف علــى اإلدارة األمريكيــة فقــط‪ ،‬بــل ينســحب‬ ‫علــى املؤسســات األمريكيــة الداعمــة لالحتــالل الصهيونــي ً‬ ‫أيضــا‪.‬‬ ‫وعلــى ذلــك فــإن الــدور األمريكــي ميثــل عامـ ً‬ ‫ال مــن عوامــل فشــل‬ ‫املفاوضــات وعــدم اســتمراره‪ ،‬فالواليــات املتحــدة تســعى مــن خــالل‬ ‫املفاوضــات للحفــاظ علــى مكتســبات "إســرائيل" والضغــط علــى‬ ‫اجلانــب الفلســطيني للقبــول باملقترحــات التــي تقدمهــا‪ ،‬دون أي‬ ‫ضغــط يذكــر علــى "إســرائيل" للتراجــع عــن ممارســاتها االســتيطانية‬ ‫يف األراضــي احملتلــة‪ ،‬وهــذا يف حقيقــة األمــر يعنــي تثبيــت ودعــم‬ ‫الوجــود اإلســرائيلي علــى حســاب حــق العــودة وتقريــر املصيــر‬ ‫للشــعب الفلســطيني‪ .‬كمــا ترفــض الواليــات املتحــدة إعــادة القضيــة‬ ‫حرصــا منهــا علــى‬ ‫الفلســطينية إلــى األمم املتحــدة (التدويــل)‪ ،‬وذلــك‬ ‫ً‬ ‫مصلحــة الكيــان الصهيونــي والتــي تخــدم بشــكل مباشــر أهــداف‬ ‫الواليــات املتحــدة االســتراتيجية‪.‬‬

‫ثال ًث ـاً‪ :‬موق ــف الوالي ــات المتح ــدة م ــن االعت ــداءات اإلس ــرائيلية‬ ‫يف األراض ــي المحتل ــة‬ ‫تتماهــى السياســة األمريكيــة مــع االعتــداءات اإلســرائيلية يف‬ ‫األراضــي الفلســطينية‪ ،‬ويقــف األمريكيــون دو ًمــا موق ًفــا متصل ًبــا‬ ‫منحــازًا بشــكل واضــح للكيــان الصهيونــي‪ ،‬علــى الرغــم مــن محاولتهم‬ ‫إظهــار شــيء مــن التــوازن يف بعــض القضايــا‪ ،‬وبالتــوازي مــع هــذا فإن‬ ‫هنــاك األغلبيــة الطاغيــة علــى الكوجنــرس مــن الصهاينــة ووجــود‬ ‫أكبــر جتمــع يهــودي يف الواليــات املتحــدة‪ ،‬والــذي يجعــل املوقــف‬ ‫األمريكــي متعن ًتــا وصار ًمــا أمــام أي قــرار يصــدر عــن مجلــس األمــن‬ ‫ويتضمــن إدانــة "إســرائيل"‪ ،‬بــل واســتخدمت الواليــات املتحــدة حــق‬

‫النقــض الفيتــو مــرات عــدة يف ســبيل عــدم صــدور أي قــرار يديــن‬ ‫حليفتهــا األولــى يف املنطقــة‪ ،‬علــى الرغــم مــن ضخامــة مصاحلهــا‬ ‫لــدى الــدول العربيــة‪.‬‬ ‫ففــي عــام ‪1995‬م‪ ،‬أقــر الكوجنــرس األمريكــي قانــون نقــل‬ ‫الســفارة األمريكيــة إلــى القــدس‪ ،‬والــذي يعتــرف بالقــدس املوحــدة‬ ‫عاصمــة إلســرائيل‪ ،‬وذلــك خال ًفــا لالتفاقيــات والتعهــدات األمريكيــة‬ ‫الســابقة‪ ،‬التــي تتحــدث عــن الســالم وتعمــل باجتــاه معاكــس لــه‪،‬‬ ‫ويف ‪2016‬م‪ ،‬عــاد ترامــب ووعــد مــرة أخــرى بنقــل الســفارة إلــى‬ ‫القــدس‪ ،‬ثــم اضطــر إلــى التوقيــع علــى الوثيقــة اخلاصــة بتأجيــل‬ ‫نقلهــا‪ ،‬مدع ًيــا أنــه يعطــي فرصــة لأطــراف للتوصــل إلــى اتفــاق‬ ‫ســالم بــن الطرفــن وجتنــب إثــارة غضــب الفلســطينين والــدول‬ ‫العربيــة واحللفــاء الغربيــن‪ ،‬وإن كان هــذا التبريــر الشــكلي مقبــوالً‬ ‫إال أن احلقائــق وراء هــذا القــرار أكبــر مــن ذلــك بكثيــر ويف مجملهــا‬ ‫تصــب يف مصلحــة وحتقيــق أهــداف الواليــات املتحــدة األمريكيــة‬ ‫بشــكل خــاص‪.‬‬ ‫بشــكل عــام؛ اتخــذت السياســة األمريكيــة طاب ًعــا تبرير ًيــا حيــال‬ ‫االعتــداءات اإلســرائيلية يف األراضــي احملتلــة‪ ،‬مــا جعلهــا شــري ًكا‬ ‫مباشــ ًرا يف االنتهــاكات واجلرائــم التــي متارســها دولــة االحتــالل‬ ‫ضــد شــعب أعــزل‪ ،‬وبذلــك يظهــر التناقــض الكبيــر بــن مــا تعلنــه‬ ‫الواليــات املتحــدة ومــا تقــوم بــه علــى أرض الواقــع‪.‬‬ ‫واألمثلــة ال حصــر لهــا وال عــدد‪ ،‬فتــارة ترفــض تغييــر الوضــع‬ ‫القائــم يف القــدس الشــرقية‪ ،‬وتــار ًة أخــرى تعتــرف بالقــدس‬ ‫املوحــدة عاصمــة إلســرائيل‪ ،‬وقــد ظهــر ذلــك التناقــض جل ًيــا خــالل‬ ‫احلملــة االنتخابيــة عــام ‪2016‬م‪ ،‬وكذلــك فيمــا يتعلــق باملســتوطنات‬ ‫ففــي الوقــت الــذي طالــب ترامــب فيــه الكيــان الصهيونــي بإزالــة‬ ‫املســتوطنات املقامــة يف األراضــي احملتلــة عــام ‪1967‬م‪ ،‬وجتميــد‬ ‫االســتيطان عندمــا زار املنطقــة يف مايــو ‪2017‬م‪ ،‬إال أنــه لــم يتخــذ‬ ‫أي موقــف مــن إعــالن احلكومــة اإلســرائيلية بعــد هــذه الزيــارة بنــاء‬ ‫مئــات الوحــدات الســكنية اجلديــدة‪ ،‬ال بــل ووصــل العهــر السياســي‬ ‫حــد التباهــي مــن قبــل "نتنياهــو" بــأن حكومتــه حققــت أكثــر نســبة يف‬ ‫بنــاء املســتوطنات علــى األراضــي الفلســطينية احملتلــة عــام ‪1967‬م‪،‬‬ ‫وذلــك بعــد إبالغــه لــوزراء كبــار بإلغائــه القيــود علــى بناء مســتوطنات‬ ‫يف القــدس الشــرقية‪ ،‬وتصريحــه القائــل "بوســعنا البنــاء حيثمــا نشــاء‬ ‫وبقــدر مــا نريــد"‪.‬‬ ‫كمــا لــم تعلــق اإلدارة األمريكيــة علــى قــرار احلكومــة اإلســرائيلية‬ ‫غيــر املســبوق والــذي مينــح املســتوطنن يف اخلليــل حــق تشــكيل‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫قــوة ونفــو ًذا حــول العالــم‪ ،‬وأصبحــت واشــنطن املتحكــم األقــوى‬ ‫يف مجريــات السياســة الدوليــة‪ ،‬ومركــز اهتمــام وتواجــد جماعــات‬ ‫الضغــط‪ ،‬وأهمهــا (اللوبــي الصهيونــي)‪ ،‬الــذي حــول مركــز اهتمامــه‬ ‫إلــى الواليــات املتحــدة بــدالً مــن اململكــة املتحــدة فيمــا يخــص العمــل‬ ‫ً‬ ‫ضغوطــا كثيــرة علــى‬ ‫السياســي علــى املســتوى الدولــي‪ ،‬وبــدأ ميــارس‬ ‫السياســة األمريكيــة وساســتها لتأييــد ودعــم قيــام دولــة يهوديــة‪،‬‬ ‫وضوحــا يتمثــل يف التأثيــر (املــادي) علــى االنتخابــات‬ ‫وأكثرهــا‬ ‫ً‬ ‫األمريكيــة عبــر متويــل احلمــالت االنتخابيــة للمرشــحن ســواء‬ ‫الرئاســين أم البرملانيــن وحشــد األصــوات لهــذا أو ذاك‪.‬‬ ‫وعليــه‪ ،‬نشــأت عالقــة مصلحيــة عضويــة بــن الفكر االســتعماري‬ ‫الغربــي وبــن املشــروع الصهيونــي‪ ،‬حيــث عبــر عن ذلك "جابوتنســكي"‬ ‫بقولــه‪" :‬إن الدولــة الصهيونية‪-‬احملاطــة بالــدول العربيــة مــن كل‬ ‫جانب‪-‬ستســعى دائ ًمــا إلــى االعتمــاد علــى أي امبراطوريــة قويــة غيــر‬ ‫عربيــة وغيــر إســالمية"‪.‬‬ ‫مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬لــم تُخــف القــوى الغربيــة وعلــى رأســها‬ ‫الواليــات املتحــدة مطامعهــا يف الســيطرة علــى مقــدرات املنطقــة‬ ‫العربيــة‪ ،‬وإبقائهــا حتــت طائلــة التبعيــة للغــرب بأشــكالها املتعــددة‬ ‫عســكرية أم سياســية أم اقتصاديــة‪ ،‬لذلــك عمــدت الواليــات املتحــدة‬ ‫ومعهــا بريطانيــا إلــى توجيــه أنظــار البلــدان العربيــة إلــى مســائل‬ ‫أخــرى تشــغلها‪ ،‬فقــد اســتخدمت فزاعــة متــدد الفكــر الشــيوعي يف‬ ‫املنطقــة العربيــة‪ ،‬باإلضافــة إلــى زرع كيــان سياســي مــن نــوع جديــد‬ ‫منافســا للــدول العربيــة‪ ،‬وهــو الكيــان الصهيونــي‪ ،‬الــذي أعلــن‬ ‫ميثــل‬ ‫ً‬ ‫عــن قيامــه عــام ‪1947‬م‪ ،‬وال تــزال الواليــات املتحــدة تتبــع نفــس هــذه‬ ‫السياســة حتــى اللحظــة مــع اســتحداث أســاليب ووســائل ترتبــط‬ ‫بالتطــورات الدوليــة‪.‬‬ ‫وميكــن القــول أن الواليــات املتحــدة نظــرت خــالل احلــرب‬ ‫البــاردة إلــى املنطقــة العربيــة كحلقــة مــن حلقــات الصــراع بــن‬ ‫الشــرق والغــرب‪ ،‬وبالتالــي لــم تســتطع النــأي بنفســها عــن تطــورات‬ ‫القضيــة الفلســطينية‪ ،‬وذلــك بســبب تفــوق النفــوذ الصهيونــي‬ ‫يف دوائرهــا السياســية واالقتصاديــة‪ ،‬ومــا متارســه املؤسســات‬ ‫الصهيونيــة املترابطــة مــن ضغــوط واضحــة داخــل مراكــز صنــع‬ ‫القــرار األمريكــي‪ ،‬وهــذا هــو الســر وراء دعــم الساســة والرؤســاء‬ ‫األمريــكان للمشــروع الصهيونــي منــذ رئاســة (ولســون) وحتــى اآلن‪،‬‬ ‫باإلضافــة إلــى أن بعــض املســؤولن األمريــكان يؤمنــون مبــا جــاء يف‬ ‫اإلجنيــل مــن عــودة اليهــود إلــى أرض امليعــاد‪ ،‬فيمــا يرغــب البعــض‬ ‫اآلخــر يف عــدم بقائهــم يف الواليــات املتحــدة‪.‬‬ ‫مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬تــرى الواليــات املتحــدة يف الكيــان الصهيونــي‬ ‫حلي ًفــا قو ًيــا يعتبــر نقطــة ارتــكاز رئيســة يف منطقــة معاديــة‪ ،‬وهــذا مــا‬ ‫يفســر مســيرة السياســة األمريكية جتاه الصراع العربي‪-‬اإلســرائيلي‪،‬‬ ‫ويبــرر صــدور العديــد مــن الوثائــق واالتفاقــات التــي تضمــن لدولــة‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪29‬‬

‫ملف العدد‬

‫االحتــالل أمنهــا‪ ،‬وضــرورة تفوقهــا عســكر ًيا علــى البلــدان العربيــة‬ ‫مجتمعــة‪ ،‬فيمــا عــرف بورقــة الضمانــات األمريكيــة "إلســرائيل"‪ ،‬والتي‬ ‫صــدرت عــام ‪2004‬م‪ ،‬بعــد وصــول احملافظــن اجلــدد للحكــم‪ ،‬وتفــرد‬ ‫الواليــات املتحــدة بالســيطرة علــى النظــام الدولــي برمتــه‪.‬‬ ‫وعليــه؛ يتضــح تأثيــر دولــة االحتــالل يف السياســة الدوليــة‬ ‫واألمريكيــة بشــكل خــاص‪ ،‬حتــى أنــه لــم يصــدر أي قــرار ملــزم عــن‬ ‫مجلــس األمــن يديــن "إســرائيل"‪ ،‬أو يجبرهــا علــى تطبيــق قــرارات‬ ‫الشــرعية الدوليــة‪ ،‬أو علــى أقــل تقديــر وقــف اعتداءاتهــا املتكــررة‬ ‫علــى األراضــي الفلســطينية احملتلــة‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬الدور األمريكي خال المفاوضات الفلسطينية ‪-‬اإلسرائيلية‬ ‫احتكــرت الواليــات املتحــدة منــذ مؤمتــر مدريــد ‪1991‬م‪ ،‬دور‬ ‫الراعــي الرئيســي لعمليــة الســالم خــالل املفاوضــات الفلســطينية‪-‬‬ ‫اإلســرائيلية‪ ،‬وكانــت يف الواقــع تطــرح مشــاريع ومبــادرات تصــب‬ ‫يف صالــح احملتــل الصهيونــي حليفهــا االســتراتيجي علــى حســاب‬ ‫احلقــوق الفلســطينية‪ ،‬وذلــك حتقي ًقــا لأهــداف التاليــة‪.‬‬ ‫ احتــكار املرجعيــات التفاوضيــة‪ ،‬بحيــث منعــت أطــراف دوليــة‬‫أخــرى مــن التدخــل يف املفاوضــات‪ ،‬وبالتالــي جتســد دور الواليــات‬ ‫املتحــدة كمرجــع وحيــد للمفاوضــات‪.‬‬ ‫ تهميــش دور املنظمــات الدوليــة ‪-‬األمم املتحــدة علــى ســبيل املثــال‬‫يف حــل الصــراع‪ ،‬فقــد اســتخدمت الواليــات املتحــدة الفيتــو أكثــر‬‫مــن أربعــن مــرة إلحبــاط مشــاريع قــرارات تديــن إســرائيل‪ ،‬بينمــا‬ ‫دعمــت قــرارات أخــرى كانــت تصــب يف صالــح إســرائيل‪ ،‬وتتنكــر‬ ‫للحقــوق الفلســطينية‪.‬‬ ‫ تســويق منظومــة قيــم تفاوضيــة جديــدة خاصــة باملفاوضــات‬‫الفلسطينية‪-‬اإلســرائيلية‪ ،‬يف ظــل اختــالل موازيــن القــوى الواضــح‬ ‫وانحيــاز الوســيط األمريكــي لصالــح االحتــالل الصهيونــي ومحدودية‬ ‫التمثيــل الفلســطيني‪.‬‬ ‫ففــي عــام ‪2000‬م‪ ،‬فشــلت مباحثــات كامــب ديفيــد بســبب املوقف‬ ‫األمريكــي املنحــاز للكيــان الصهيونــي والضاغــط علــى اجلانــب‬ ‫الفلســطيني‪ ،‬يف حــن لــم تقــدم الكيــان الصهيونــي أي تنــازالت علــى‬ ‫مســتوى قضايــا احلــل النهائــي‪ .‬ويف عــام ‪2011‬م‪ ،‬حتــدث الرئيــس‬ ‫األمريكــي الســابق بــاراك أوبامــا عــن الرؤيــة األمريكيــة لقيــام دولتــن‬ ‫لشــعبن (حــل الدولتــن)‪ ،‬إال أنــه لــم يختلــف عــن أســالفه الذيــن‬ ‫جعلــوا القضايــا اجلوهريــة قضايــا مؤجلــة‪ ،‬دون ســقف زمني لها‪ ،‬كما‬ ‫عارضــت الواليــات املتحــدة حصــول منظمــة التحريــر علــى عضويــة‬ ‫كاملــة يف األمم املتحــدة‪ ،‬وهــددت باســتخدام الفيتــو يف مجلــس األمن‬ ‫يف حــال التقــدم مبشــروع قــرار‪ .‬مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬قامــت الواليــات‬ ‫املتحــدة باســتخدام الفيتــو يف ‪ 18‬فبرايــر‪ ،‬ضــد مشــروع قــرار عربــي‬ ‫يديــن االســتيطان اإلســرائيلي يف الضفــة الغربيــة ويؤكــد علــى حــق‬

‫‪28‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ال ــدور األمريك ــي يمث ــل عامــاً م ــن عوام ــل فش ــل المفاوض ــات وع ــدم اس ــتمرارها‬

‫الواليـــات المتحـــدة األمريكيـــة‪ :‬راعيـــة‬ ‫للســام أم داعمــة لاعتداءات اإلســرائيلية!؟‬ ‫لــم تنفــك الواليــات املتحــدة األمريكيــة عــن التدخــل يف القضايــا اخلاصــة بالصــراع الفلســطيني ‪ -‬اإلســرائيلي‪ ،‬باعتبارهــا‬ ‫ً‬ ‫ضغوطــا كبيــرة يف اجلمعيــة العامــة‬ ‫راع ًيــا ملشــروع التســوية السياســية للقضيــة الفلســطينية‪ ،‬وعلــى الرغــم مــن ممارســتها‬ ‫لــأمم املتحــدة لتمريــر قــرار التقســيم رقــم (‪ )181‬لعــام ‪1947‬م‪ ،‬إال أ ّنهــا يف الوقــت نفســه ال تخفــي انحيازهــا الكامــل‬ ‫للسياســات اإلســرائيلية‪ ،‬حيــث قدمــت وال تــزال تقــدم كل أوجــه الدعــم (السياســي والعســكري) لدولــة الكيــان الصهيونــي‪،‬‬ ‫فقــد اســتخدمت حــق النقــض "الفيتــو" أكثــر مــن أربعــن مــرة ملنــع إصــدار قــرارات تديــن الكيــان الصهيونــي واعتداءاتهــا‬ ‫املتكــررة يف األراضــي الفلســطينية احملتلــة‪ .‬وقــد متحــورت السياســية األمريكيــة يف املنطقــة حــول رغبتهــا احتــواء الصــراع‬ ‫العربي‪-‬اإلســرائيلي‪ ،‬وذلــك للمحافظــة علــى مصاحلهــا احليويــة يف الشــرق األوســط‪ ،‬ورأت يف زرع دولــة "إســرائيل" القويــة‬ ‫يف منطقــة الشــرق األوســط مصلحــة حيويــة ووطنيــة أمريكيــة‪ ،‬لذلــك يســتمد الكيــان الصهيونــي قوتــه مــن املقــدرات والدعــم‬ ‫األمريكــي‪ ،‬كمــا يلعــب دور احلامــي للمصالــح األمريكيــة يف املنطقــة واملمثــل لهــا‪ ،‬بــل ودخــل حــروب بالوكالــة عــن الواليــات‬ ‫املتحــدة ويخــدم مصاحلهــا يف املنطقــة العربيــة‪.‬‬

‫د‪ .‬ثري إبراهيم جابر‬ ‫وعليــه؛ تظهــر املواقــف األمريكيــة ملتبســة ومتناقضــة حيــال‬ ‫الصــراع الفلســطيني – اإلســرائيلي‪ ،‬فقــد عبــرت مــرا ًرا عــن متســكها‬ ‫باحللــول الســلمية للصــراع‪ ،‬وطرحــت عــدة مبــادرات حلــل القضيــة‬ ‫الفلســطينية حــ ً‬ ‫ال ســلم ًيا مبــا يتناســب والقــرارات الدوليــة‪ ،‬وقــد‬ ‫تبنــت الواليــات املتحــدة هــذا األمــر يف وثائــق كامــب ديفيــد ‪1978‬م‪،‬‬ ‫ومؤمتــر مدريــد للســالم عــام ‪1991‬م‪ ،‬والتــي اعتبــرت األســاس الــذي‬ ‫بُنــي عليــه اتفــاق أوســلو عــام ‪1993‬م‪ ،‬بــن دولــة احملتــل اإلســرائيلي‬ ‫ومنظمــة التحريــر الفلســطينية‪ ،‬ومت التوقيــع عليــه يف البيــت األبيــض‬ ‫يف واشــنطن‪.‬‬ ‫كمــا ال تُخفــي الواليــات املتحــدة انحيازهــا الكامــل للكيــان‬ ‫الصهيونــي‪ ،‬بــل باتــت تشــجع قيــام دولــة يهوديــة عنصريــة‪ ،‬فاملتتبــع‬ ‫للنهــج األمريكــي يــرى بوضــوح مــا تعنيــه املواقــف األمريكيــة املتناغمــة‬ ‫مــع املمارســات اإلســرائيلية والتــي تصاعــدت بشــكل ملحــوظ يف عهــد‬ ‫الرئيــس األمريكــي دونالــد ترامــب وإدارتــه التي متعــن يف التغطية على‬ ‫اجلرائــم اإلســرائيلية بحــق األرض الفلســطينية وســكانها األصليــن‪،‬‬ ‫فمنــذ تولــي الرئيــس دونالــد ترامــب إدارة البيــت األبيــض‪ ،‬أطلــق‬ ‫وعــو ًدا بدعــم الدولــة اليهوديــة الصديقــة ‪ ,‬بالنســبة لدولتــه ‪ -‬وحمايــة‬ ‫أمنهــا‪ ،‬وبــدل أن تأخــذ الواليــات املتحــدة دور الراعــي احلقيقــي لعملية‬

‫الســالم؛ راحــت تقــدم الدعــم حلكومــة نتنياهــو اليمينيــة املتطرفــة‬ ‫بشــكل ســيقضي متام ـاً علــى عمليــة الســالم التــي بــدأت مســيرتها‬ ‫منــذ أوســلو ‪1993‬م‪ ،‬وهــذا مــا يتناقــض متامــاً مــع القيــم واملبــادئ‬ ‫األمريكيــة‪ ،‬التــي تنــادي بهــا الواليــات املتحــدة مثــل الدميقراطيــة‬ ‫وحريــة الشــعوب‪ ،‬فالدعــم الدائــم املنحــاز إلســرائيل كدولــة احتــالل‪،‬‬ ‫لــن يوصــل املنطقــة إال إلــى مزيــد مــن الدمــاء واحلــروب‪.‬‬ ‫إلــى جانــب ذلــك تنكــرت "إســرائيل" لــكل التزاماتهــا كدولــة‬ ‫احتــالل‪ ،‬ولــم تســتطع أي جهــة دوليــة إلزامهــا بتطبيــق رؤيــة املجتمــع‬ ‫الدولــي حلــل الصــراع‪ ،‬وقــد تشــجعت علــى انتهــاج هــذا املوقــف‬ ‫املتعنــت بفضــل الدعــم الالمحــدود لهــا مــن الواليــات املتحــدة‬ ‫مدفوعــا باملصالــح‬ ‫األمريكيــة الراعــي الرســمي لعمليــة الســالم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫املشــتركة‪ ،‬وهــذا مــا أدركتــه دولــة االحتــالل مبكــ ًرا‪ ،‬واســتخدمته‬ ‫للتمــادي يف فــرض شــروطها‪ ،‬وتنفيــذ خططهــا دون رادع‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬الوالي ــات المتح ــدة والمش ــروع الصهيون ــي‪ :‬ج ــذور العاق ــة‬ ‫ووح ــدة المصال ــح االس ــتعمارية‬ ‫مــع نهايــة احلــرب العامليــة الثانيــة عــام ‪1945‬م‪ ،‬خرجــت‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة باعتبارهــا الدولــة الوحيــدة األكثــر‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ويف ظــل هــذا الصلــف اإلســرائيلي الــذي مــس مشــاعر املســلمن‬ ‫واملســيحين كان االنفجــار املقدســي‪ ،‬عل ًمــا بــأن منظمــة اليونســكو‬ ‫قــد أصــدرت قرارهــا رقــم ‪ 25/200‬لعــام ‪2016‬م‪ ،‬تؤكــد فيــه علــى أن‬ ‫املســجد األقصــى تــراث إســالمي مخصــص للعبــادة‪ ،‬وجــزء ال يتجــزأ‬ ‫مــن التــراث العاملــي الثقــايف‪ ،‬كذلــك قــرار مجلــس األمــن الدولــي‬ ‫‪ 2334‬لســنة ‪2016‬م‪ ،‬الــذي أكــد صراحــة عــدم شــرعية االســتيطان‬ ‫يف األراضــي الفلســطينية احملتلــة مبــا فيهــا القــدس الشــرقية‪ ،‬ولكــن‬ ‫إســرائيل تضــرب تلــك القــرارات عــرض احلائــط‪.‬‬

‫انتفاضة أهل القدس للمسجد األقصى‬ ‫إن سياســة األمــر الواقــع التي تفرضها إســرائيل‬ ‫وتقســيم املــكان خلــق حالــة من اإلحباط لدى الشــارع‬ ‫الفلســطيني يف ظــل ضعــف الســلطة الفلســطينية‬ ‫واالنقســام الفلســطيني والهرولــة اإلقليميــة للتطبيــع‬ ‫والوضــع الدولــي وانتخــاب الرئيــس األمريكــي‬ ‫دونالــد ترامــب الــذي ميثــل التيــار اليمينــي املتطــرف‬ ‫يف الواليــات املتحــدة واملؤيــد إلســرائيل‪ .‬لذلــك أخــذ‬ ‫الشــباب املقدســي وبشــكل عفــوي مقاومــة تهويــد‬ ‫القــدس واالعتــداء علــى املســجد األقصــى‪ ،‬ويكــون‬ ‫الرئيــس األمريكــي ترامــب أول رئيــس أمريكــي‬ ‫يصلــي كمــا يقــول اليهــود عنــد حائــط البــراق (املبكــى) عنــد اليهــود‪،‬‬ ‫واإلحبــاط يف األفــق السياســي وفقــدان األمــل يف حــل الدولتــن‪ ،‬كانــت‬ ‫املواجهــة بالســكاكن والدهــس وغيرهــا مــن املقاومــة التــي يف أغلبهــا‬ ‫فرديــة‪ ،‬وتواجههــا القــوة العســكرية اإلســرائيلية بالتعســف بالقمــع‬ ‫والقتــل واالعتقــال والســجن‪.‬‬ ‫وباالضافــة إلــى االعتــداءات علــى األراضــي يتزامــن ذلــك‬ ‫مــع صــدور قــرارات عنصريــة وخطيــرة مــن قبــل مــا تســمى جلنــة‬ ‫التشــريع الوزاريــة يف احلكومــة اإلســرائيلية وخاصــة قانــون القــدس‬ ‫املوحــدة الــذي ينــص علــى أنــه ال يجــوز التنــازل أو االنســحاب مــن‬ ‫أي جــزء مــن القــدس يف املفاوضــات أو أي تســوية سياســية مــن‬ ‫دون تأييــد ‪ 80‬عضــ ًوا مــن أعضــاء الكنيســت اإلســرائيلي ‪ ،‬وهــذا‬ ‫يعنــي أن ســلطة االحتــالل تريــد تكريــس واقــع قانونــي يحــول دون‬ ‫متريــر أي اتفــاق سياســي أو تســوية ســلمية تقــوم علــى االنســحاب‬ ‫اإلســرائيلي مــن القــدس‪ .‬ويف ظــل الســعي املتواصــل لســلطة‬ ‫االحتــالل لالنقضــاض علــى املســجد األقصــى ‪ ،‬فهــو يســعى مــن‬ ‫خــالل قراراتــه الكثيــرة التــي تنتظــر التنفيــذ ‪ .‬وهــي سياســة اتبعهــا‬ ‫يف املســجد اإلبراهيمــي يف اخلليــل الــذي تعــرض لعمليــة تقســيم‬ ‫واســتيالء بعــد العمليــة اإلرهابيــة التــي نفذهــا اليهــودي املتطــرف‬ ‫" جولدشــتاين" بحــق املصلــن يف املســجد اإلبراهيمــي‪ ،‬وأثبتــت‬ ‫ً‬ ‫مخططــا لــه‪.‬‬ ‫احلادثــة أن التقســيم كان‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪27‬‬

‫ملف العدد‬

‫وكشــف موخـ ًرا عنــد عمليــة تهويــد للمســجد األقصــى مثــل بنــاء‬ ‫طابــق جديــد حتــت باحــة حائــط البــراق‪ ،‬إضافــة للمســيرات الليليــة‬ ‫واملهرجانــات املتتاليــة واســتباحة آالف مــن عناصــر املســتوطنن‬ ‫للقــدس القدميــة‪ ،‬والترديــد املتكــرر لبنــاء الهيــكل الــذي لــم يوجــد لــه‬ ‫أثــر‪ .‬واســتغلت احلكومــة االســرائيلية حادثــة الشــبان الفلســطينين‬ ‫الثالثــة يف ســاحة املســجد األقصــى‪ ،‬فأعلنــت يف ‪ 14‬يوليــو ‪2017‬م‪،‬‬ ‫بإغــالق املســجد األقصــى أمــام املصلــن املســلمن‪ ،‬ونصبــت‬ ‫الكاميــرات االلكترونيــة والبوابات االلكترونية والكاميرات التجسســية‬ ‫علــى أبــواب احلــرم الشــريف‪ ،‬وهــي املــرة األولــى منــذ خمســن عا ًمــا‬ ‫يغلــق املســجد‪ ،‬وكأنــه اســتعداد للتقســيم املكانــي والزمانــي علــى غــرار‬ ‫املســجد اإلبراهيمــي يف القــدس‪.‬‬ ‫ويظهــر أن إســرائيل شــعرت بامكانيــة تنفيــذ‬ ‫مخططهــا يف ظــل األوضــاع اإلقليميــة والدوليــة‪،‬‬ ‫ولكنهــا تفاجــأت بــرد فعــل أهــل القــدس واملجتمــع‬ ‫الفلســطيني (املســلمن واملســيحين) الذيــن رفضــوا‬ ‫كل إجــراءات إســرائيل اجلديــدة ورفضــوا الدخــول‬ ‫للمســجد إال بعــد إزالــة كل اإلجــراءات اجلديــدة‬ ‫واســتمر الرفــض أســبوعن كاملــن كان الضغــط‬ ‫الشــعبي والرســمي مــن خطــورة الوضــع حلــرب دينيــة‬ ‫أدى يف النهايــة لتراجــع إســرائيل عــن مخططهــا‬ ‫فرصــا أخــرى‪.‬‬ ‫اجلديــد‪ ،‬وإن كانــت تتحــن‬ ‫ً‬ ‫اجلديــد بالنســبة النتفاضــة األقصــى بــروز قيــادة محليــة مــن‬ ‫العلمــاء يف القــدس ووجــدوا الطاعــة مــن اجلماهيــر لقــرارات‬ ‫القيــادة احملليــة‪ ،‬وهــذا أعطــى بعــدًا سياســ ًيا ونفســ ًيا أنــه ميكــن‬ ‫هزميــة االحتــالل مــن خــالل التضامــن والتكافــل بــن أهــل القــدس‬ ‫وفلســطن عامــة يف ظــل ضعــف الســلطة واالنقســام الفلســطيني‪.‬‬ ‫لقــد مــر علــى إعــالن إســرائيل ‪ 70‬عا ًمــا وعلــى احتــالل القــدس‬ ‫كاملــة ‪ 50‬عا ًمــا ومــا زال الصــراع قائ ًمــا ويأخــذ كل يــوم بعـدًا دين ًيــا‪،‬‬ ‫وخاصــة بعــد ســيطرة اليمــن املتطــرف منــذ ‪ 2009‬م‪ ،‬علــى احلكومة‪،‬‬ ‫وحيــث أن إســرائيل قامــت علــى جتمــع دينــي وليــس قوم ًيــا‪ ،‬ففيهــا‬ ‫يهــود مــن مختلــف األجنــاس مــن اليهــود الــروس لأوروبيــن ويهــود‬ ‫املشــرق والفالشــا فهــي متحــف لأجنــاس البشــرية‪ ،‬ومــع تكريــس‬ ‫االســتيطان واالجتياحــات املتكــررة للمســجد األقصــى يصعــب تصــور‬ ‫حــل سياســي‪ ،‬فــال يســتطيع أي زعيــم فلســطيني أو عربــي أو غيــره‬ ‫أن يتنــازل عــن القــدس واملقدســات اإلســالمية‪ ،‬وإســرائيل تكــرر أن‬ ‫القــدس عاصمتهــا املوحــدة‪ ،‬ويف ظــل هــذه املواقــف العقديــة ال ميكــن‬ ‫أن يكــون حــ ً‬ ‫ال سياســ ًيا بــل تريــد إســرائيل فــرض سياســة األمــر‬ ‫الواقــع‪ ،‬إنــه الســالم املســتحيل ؟؟‬

‫الـــقـــدس جــوهــر‬ ‫سياسة التهويد وهدف‬ ‫للس ــيطرة من ــذ قي ــام‬ ‫الكيان اإلسرائييل وليس‬ ‫منذ احتــال عــام ‪1967‬‬

‫* أﺳﺘﺎذ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ –ﺟﺎﻣﻌﺔ اﳌﻠﻚ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ‬

‫‪26‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫ســيارات اإلطفــاء متعمــدة حتــى أن ســيارات اإلطفــاء العربيــة مــن‬ ‫اخلليــل ورام اهلل وصلــت قبــل ســيارات اإلطفــاء مــن بلديــة القــدس‬ ‫التــي تســيطر عليهــا ســلطة االحتــالل‪.‬‬ ‫كان رد الفع ــل الش ــعبي ثائــ ًرا يف العال ــم العرب ــي واإلس ــالمي‪،‬‬ ‫أدت إلـــى عقـــد أول مؤمتـــر قمـــة إســـالمي (منظمـــة التعـــاون‬ ‫اإلســـالمي حال ًيـــا) يف مدينـــة الربـــاط يف ســـبتمبر ‪1969‬م‪ ،‬وكان‬ ‫خط ــاب املل ــك فيص ــل ب ــن عب ــد العزي ــر يف مؤمت ــر القم ــة مؤثـ ـ ًرا‬ ‫حي ــث خاط ــب القم ــة قائ ــال " إن الق ــدس يناديك ــم‪ ،‬ويس ــتغيث بك ــم‬ ‫أيه ــا اإلخ ــوة لتنق ــذوه م ــن محنت ــه‪ ،‬ومم ــا ابتل ــي ب ــه‪ ،‬فم ــاذا يخيفن ــا؟‬ ‫هــل نخشــى املــوت؟ وهــل هنــاك موتــة أفضــل وأكــرم مــن أن ميــوت‬ ‫اإلنس ــان مجاه ـدًا يف س ــبيل اهلل؟"‪ ،‬وكان ــت جول ــدا مائي ــر قلق ــة م ــن‬ ‫رد الفعــل فقالــت " عندمــا أحرقنــا املســجد األقصــى لــم أمن طــوال‬ ‫أفواجـــا مـــن‬ ‫الليـــل كنـــت خائفـــة مـــن أن يدخـــل العـــرب إســـرائيل‬ ‫ً‬ ‫كل م ــكان‪ ،‬ولك ــن عندم ــا أش ــرقت ش ــمس الي ــوم التال ــي علم ــت أن ــه‬ ‫باس ــتطاعتنا أن نفع ــل أي ش ــئ نري ــده"‪ .‬وصرح ــت يف لن ــدن ح ــول‬ ‫موق ــف إس ــرائيل م ــن الق ــدس بقوله ــا " ل ــن نتن ــازل ع ــن الق ــدس‬ ‫مهم ــا كانـــت األح ــوال ‪ ،‬وق ــد يك ــون م ــن اجلائ ــز أن نتن ــازل ع ــن‬ ‫ت ــل أبي ــب‪ ،‬ولك ــن م ــن غي ــر اجلائ ــز أن نتن ــازل ع ــن مدين ــة الق ــدس"؟‬ ‫وهــذا هــو املوقــف اإلســرائيلي الــذي لــم يتبــدل بــل اآلن هــم يريــدون‬ ‫الس ــيطرة عل ــى املس ــجد األقص ــى نفس ــه‪.‬‬

‫إتفاقية أوسلو والقدس‬ ‫يعتبــر اتفــاق أوســلو الــذي وقــع يف واشــنطن ‪ 13‬ســبتمبر ‪1993‬م‪،‬‬ ‫نقطــة حتــول يف الصــراع العربــي اإلســرائيلي‪ ،‬فاالتفــاق وقــع بــن‬ ‫منظمــة التحريــر الفلســطينية واحلكومــة اإلســرائيلية‪ ،‬حيــث اعترفت‬ ‫إســرائيل مبنظمــة التحريــر الفلســطينية‪ ،‬ولكــن مكاســب إســرائيل‬ ‫االســتراتيجية والسياســية أهــم‪ ،‬فإســرائيل كانــت تواجــه االنتفاضــة‬ ‫الشــعبية األولــى التــي بــدأت يف ديســمبر ‪1987‬م‪ ،‬وأصبــح اجلنــدي‬ ‫اإلســرائيلي املعــد لقتــال اجليــوش النظاميــة يواجــه النســاء واألطفــال‬ ‫والشــيوخ حتــى تعــرض اجلنــود ألمــراض نفســية وإثــارة الــرأي العــام‬ ‫مخرجــا إلســرائيل‬ ‫الدولــي ضــد إســرائيل‪ ،‬فــكان اتفــاق أوســلو‬ ‫ً‬ ‫مــن أزمــة داخليــة يف إدارتهــا لالراضــي احملتلــة‪ ،‬وباتفــاق أوســلو‬ ‫حققــت إســرائيل اعترا ًفــا مــن الــدول اإلفريقيــة واآلســيوية التــي‬ ‫مــا كانــت تعتــرف بهــا رســم ًيا ‪ ،‬ولكنهــا يف أوســلو همشــت القضايــا‬ ‫األساســية والهامــة يف الصــراع العربــي اإلســرائيلي بالنســبة للقضيــة‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬مثــل قضيــة القــدس والالجئــن واملســتوطنات واحلــدود‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫وامليــاه‪ ،‬واعترفــت منظمــة التحريــر الفلســطينية بحــق إســرائيل يف‬ ‫الوجــود وقــراري مجلــس األمــن الدولــي ‪ 242‬و‪ ،338‬ومت االتفــاق‬ ‫أن يتــم بحــث القضايــا املهمــة والرئيســية مــع حلــول عــام ‪1995‬م‪،‬‬ ‫وتنســحب إســرائيل مــن غــزة وأريحــا ويتــم تشــكليل ســلطة وطنيــة‬ ‫فلســطينية فيهمــا أوالً ‪ ،‬واجلديــر بالذكــر أن إســرائيل لــم تذكــر‬ ‫عمليــة انســحاب القــوات اإلســرائيلية ولكنهــا كانــت تعــول بإعــادة‬ ‫انتشــار القــوات وهــذا يعنــي أنهــا ال تعتــرف بأنهــا انســحبت مــن‬ ‫األراضــي الفلســطينية وكانــت املعابــر واحلــدود يف يــد إســرائيل وال‬ ‫يتــم الدخــول واخلــروج لأفــراد إال باملوافقــة اإلســرائيلية‪ ،‬وعندمــا‬ ‫عقدت االتفاقية اإلسرائيلية ـ األردنية عام ‪1994‬م‪ ،‬اتفقت إسرائيل‬ ‫مــع األردن علــى رعايــة األماكــن املقدســة يف القــدس والرعايــة غيــر‬ ‫الوصايــة‪ ،‬ورغــم الراعيــة ال يتــم تعيــن املوظفــن يف القــدس إال‬ ‫باملوافقــة اإلســرائيلية‪ ،‬وكأنهــا رعايــة شــكلية تضــرب إســرائيل بهــا‬ ‫عــرض احلائــط أحيانــا وتســتمر يف التهويــد واالســتيطان يف القــدس‬ ‫ومحاولــة تفريغهــا مــن أهلهــا العــرب والفلســطينين‪ ،‬خاصــة أنهــا‬ ‫منحتهــم اجلنســية اإلســرائيلية‪ ،‬فبعــد أوســلو تضاعــف االســتيطان‬ ‫يف القــدس حتــى تضــع العــرب والفلســطينين واملجتمــع الدولــي أمــام‬ ‫األمــر الواقــع‪ ،‬وأخــذ اليهــود يتــرددون علــى املســجد األقصــى‪ ،‬وكانــت‬ ‫االنتفاضــة الثانيــة عــام ‪2000‬م‪ ،‬عندمــا اقتحــم أريــل شــارون زعيــم‬ ‫حــزب ليكــود ورئيــس وزراء إســرائيل الســابق مــع اليهــود املتطرفــن‬ ‫ســاحة املســجد األقصــى حتــت حمايــة اجليــش اإلســرائيلي ممــا‬ ‫أدى لالنتفاضــة الثانيــة‪ ،‬وقــال أثنــاء اجتياحــه ‪:‬إن احلــرم القدســي‬ ‫ســيبقى منطقــة إســرائيلية‪.‬‬ ‫وإثــر انهيــار النظــام اإلقليمــي العربــي مــع احتــالل الواليــات‬ ‫املتحــدة للعــراق واحلــرب األهليــة وتراجــع االهتمــام العربــي والدولــي‬ ‫بالوضــع الفلســطيني‪ ،‬متــادت إســرائيل يف اقتحــام املســجد األقصــى‬ ‫وجتــرأ اليهــود إلــى الدخــول لســاحته حتــت حمايــة اجليــش والشــرطة‬ ‫اإلســرائيلية ويف ظــل االنتفاضــات العربيــة ومــا تبعهــا مــن عــدم‬ ‫إســتقرار ‪ ،‬زادت وتيــرة االنتكاســات بشــكل كبيــر يف عــام ‪2014‬م‪،‬‬ ‫حيــث تعــرض املســجد األقصــى إلــى أكثــر مــن ‪ 450‬اقتحا ًمــا مــن قبــل‬ ‫املســتوطنن واجلماعــات اليهوديــة‪ ،‬كمــا مت اإلعــالن عــن إضافــة ‪100‬‬ ‫حفريــة يف محيــط األقصــى‪ ،‬متهي ـدًا لهدمــه وبنــاء هيكلهــم املزعــوم‬ ‫علــى أنقاضــة ‪ .‬ويف عــام ‪2015‬م‪ ،‬قــاد الزراعــة اإلســرائيلي‪ ،‬أوري‬ ‫آرائيــل‪ ،‬مجموعــة مــن املســتوطنن اليهــود القتحــام املســجد األقصــى‪،‬‬ ‫فيمــا اعتــدت قــوات االحتــالل اخلاصــة علــى حراس املســجد األقصى‬ ‫واملصلــن بالضــرب وطردتهــم بســبب تصديهم لالقتحامــات اليهودية؟‬

‫سلطة االحتال تريد تكريس واقع قانوني يحول دون تمرير أي اتفاق‬ ‫سياســي أو تســوية ســلمية تقوم عى االنســحاب اإلســرائييل من القدس‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الفلســطينية وثائــق هويــة للفلســطينين يف هــذه األراضــي‪ ،‬لكنهــا ال‬ ‫تســتطيع فعــل أكثــر مــن ذلــك إال بالتنســيق مــع إســرائيل التــي ألغــت‬ ‫طلب ــات التس ــجيل ومب ــادرة ل ــم ش ــمل العائ ــالت ورفض ــت طلب ــات‬ ‫أكثــر مــن ‪ 230‬ألــف فلســطيني منــذ عــام ‪1967‬م‪ ،‬وكثيــر منهــم علــى‬ ‫أس ــاس بقائه ــم خ ــارج الضف ــة الغربي ــة وغ ــزة لفت ــرة طويل ــة‪.‬‬ ‫ويدفــع األثريــاء اليهــود مبالــغ خياليــة لالســتيالء علــى املنــازل‬ ‫الفلســطينية وحتــاول اإلغــراء باملــال لدفــع املقدســين بيــع منازلهــم‬ ‫وأحيا ًن ــا تت ــم ه ــذه ع ــن طري ــق صفق ــات م ــن سماس ــرة م ــن ذوي‬ ‫النف ــوس الضعيف ــة وبط ــرق ملتوي ــة عل ــى اعتب ــار أن ال ــذي يش ــتري‬ ‫ليـــس يهود ًيـــا‪ ،‬وتفـــرض الرســـوم العاليـــة علـــى تصاريـــح البنـــاء‬ ‫ب ــل غال ًب ــا م ــا ترف ــض البن ــاء بحج ــج واهي ــة بينم ــا تس ــهل عملي ــة‬ ‫اس ــتيالء اليه ــود عل ــى املن ــازل العربي ــة يف الق ــدس ب ــكل الوس ــائل‬ ‫ولكنه ــا تواج ــه بصم ــود الفلس ــطينين وعل ــى رأس ــهم أه ــل الق ــدس‪،‬‬ ‫فالق ــدس بالنس ــبة للفلس ــطينين ليس ــت باعتباره ــا مدين ــة مقدس ــة‬ ‫للمس ــليمن واملس ــيحين ب ــل باعتباره ــا أيض ــا هوي ــة وطني ــة أله ــل‬ ‫فلســطن وحمايــة املســجد األقصــى الــذي تريــد إســرائيل الهيمنــة‬ ‫علي ــه أو تقس ــيمه عل ــى غ ــرار م ــا ح ــدث يف املس ــجد اإلبراهيم ــي‬ ‫يف اخللي ــل‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪25‬‬

‫ملف العدد‬

‫الموقف العربي واإلسامي بعد حريق المسجد األقصى‬ ‫كانــت حادثــة إحــراق املســجد األقصــى يف ‪ 21‬أغســطس‬ ‫‪1969‬م‪ ،‬مدبــرة‪ ،‬فاملســجد األقصــى يعــد هد ًفــا لليهــود منــذ القــدم‪،‬‬ ‫فقــد أقــدم أحــد املســيحين املتصهــن يحمــل اجلنســية األســترالية‬ ‫ويدعــى دنيــس مايــكل روهــان علــى إشــعال النــار يف اجلانــب القبلــي‬ ‫مــن املســجد األقصــى والتهــم احلريــق أجــزاء واحتــرق منبــر نــور‬ ‫الديــن زنكــي‪ .‬وادعــت إســرائيل علــى عادتهــا أن اجلانــي مصــاب‬ ‫مختــل عقل ًيــا وهــي سياســة إســرائيلية متواتــرة باعتبــار مــن يرتكــب‬ ‫املجــازر ضــد العــرب مصــاب باجلنــون‪ ،‬ومت حتويلــه إلــى مصحــة‬ ‫عقليــة للتضليــل‪ ،‬أصــدرت محكمــة إســرائيلية بــأن الفاعــل غيــر‬ ‫مذنــب وتوصــي بوضعــه يف مستشــفى لأمــراض العقليــة‪ ،‬ثــم أطلــق‬ ‫ســراحه ويعيــش يف أســتراليا‪ .‬وقــد أكــد مفتــي القــدس آنذاك الشــيخ‬ ‫ســعدالدين العلمــي أن الســلطات اإلســرائيلية أخــذت منــه بالقــوة‬ ‫مفتــاح أحــد أبــواب املســجد‪ ،‬يف فتــرة ســابقة‪ ،‬وثبــت أن الفاعــل‬ ‫األســترالي قــد دخــل إلــى املســجد األقصــى مــن ذلــك البــاب بعــد‬ ‫فتحــه‪ ،‬وأن تعــدد أمكنــة احلريــق يف املســجد يــدل علــى أن هنــاك‬ ‫آخريــن مشــاركن يف حادثــة احلريــق وذكــر شــهود عيــان أنهــم خمســة‬ ‫وليــس االســترالي لوحــدة كمــا ادعــت إســرائيل‪ ،‬وخاصــة تأخــر‬

‫‪24‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تع ــرض المس ــجد األقص ــى إىل أكث ــر م ــن ‪ 450‬اقتحا ًم ــا كم ــا ت ــم‬ ‫اإلعــان عــن إضافــة ‪ 100‬حفريــة جديــدة يف محيط األقصــى عام ‪2014‬‬ ‫للعبــادة إال بعــد صــدور وعــد بلفــور عــام ‪1917‬م‪ ،‬ولــم يكــن احلائــط‬ ‫جـــز َءا ممـــا يســـمى الهيـــكل اليهـــودي‪ ،‬الـــذي لـــم يثبـــت تاريخ ًيـــا‬ ‫ً‬ ‫أصـــال ‪ ،‬عندمـــا صـــدر قـــرار التقســـيم يف ‪ 29‬نوفمبـــر‬ ‫وجـــوده‬ ‫‪1947‬م‪ ،‬كان ين ــص عل ــى أن تخض ــع الق ــدس إل ــى إش ــراف دول ــي‪،‬‬ ‫ولكــن مــع نشــوب حــرب ‪1948‬م‪ ،‬وإعــالن إســرائيل‪ ،‬قســمت القــدس‬ ‫إل ــى ش ــطرين الق ــدس الغربي ــة حت ــت س ــيطرة اليه ــود والت ــي تش ــكل‬ ‫‪ %84.13‬م ــن مس ــاحة الق ــدس بينم ــا أصبح ــت والق ــدس الش ــرقية‬ ‫حت ــت س ــيطرة األردن وتش ــكل ‪ %11.48‬م ــن الق ــدس وم ــع توحي ــد‬ ‫الضفتـــن الشـــرقية والغربيـــة أصبحـــت القـــدس الشـــرقية جـــز ًءا‬ ‫م ــن اململك ــة األردني ــة الهاش ــمية‪ .‬وم ــع ح ــرب اخلام ــس م ــن يوني ــو‬ ‫‪1967‬م‪ ،‬وســيطرة إســرائيل علــى الضفــة الغربيــة أصبحــت القــدس‬ ‫كامل ــة حت ــت االحت ــالل كم ــا ه ــو ح ــال الضف ــة الغربي ــة‪ ،‬وبالتال ــي‬ ‫أصبح ــت فلس ــطن حت ــت االحت ــالل‪ .‬وه ــرول اجلن ــود االس ــرائليون‬ ‫بدخوله ــم الق ــدس يبك ــون عن ــد حائ ــط الب ــراق‪ ،‬وقام ــت إس ــرائيل‬ ‫بتوســيع حــدود املدينــة بعــد إنتهــاء احلــرب‪ ،‬وبنــاء عــدد مــن األحيــاء‬ ‫الســـكنية واملســـتعمرات اليهوديـــة شـــرق اخلـــط األخضـــر (خـــط‬ ‫الهدن ــة)‪ ،‬وأخ ــذت تعم ــل عل ــى تهودي ــد املدين ــة‪ ،‬وس ــخرت وس ــائل‬ ‫اإلع ــالم اإلس ــرائيلية للتركي ــز عل ــى أن هن ــاك أماك ــن أثري ــة يهودي ــة‬ ‫وت ــردد عل ــى وج ــود الهي ــكل اليه ــودي‪.‬‬

‫إسرائيل ‪ :‬القدس عاصمة موحدة أبدية‬ ‫أعل ــن الكنيس ــت اإلس ــرائيلي يف ‪ 23‬يناي ــر ‪1950‬م‪ ،‬أن الق ــدس‬ ‫عاصمـــة دولـــة إســـرائيل‪ ،‬وكان حاييـــم وايزمـــان قـــد أدى اليمـــن‬ ‫القانوني ــة كأول رئي ــس لدول ــة إس ــرائيل يف الق ــدس يف ‪ 17‬فبراي ــر‬ ‫‪1948‬م‪ ،‬ونقلـــت الكنيســـت للقـــدس وبقيـــة الـــوزارات مـــا عـــدا‬ ‫اخلارجيـــة والدفـــاع وأعيـــد نقـــل وزارة اخلارجيـــة للقـــدس عـــام‬ ‫‪1953‬م‪ ،‬وتوســـعت إســـرائيل يف احلـــدود الغربيـــة ملدينـــة القـــدس‬ ‫الغربي ــة‪ ،‬ولك ــن ع ــدم اعت ــراف دول العال ــم بض ــم إس ــرائيل الق ــدس‬ ‫كعاصمـــة لهـــا فقـــد رفضـــت الـــدول أن يكـــون مقـــر ســـفاراتها يف‬ ‫القــدس أو تقــدمي أوراق االعتمــاد يف القــدس ممــا اضطــر إســرائيل‬ ‫إعـــادة نقـــل وزاراتهـــا إلـــى تـــل أبيـــب‪ ،‬ويظهـــر أنـــه منـــذ الهجـــرة‬ ‫اليهوديــة لفلســطن وقيــام احلركــة الصهيونيــة‪ ،‬فــإن القــدس كانــت‬ ‫يف جوه ــر سياس ــة التهوي ــد والس ــيطرة عل ــى املدين ــة كامل ــة‪ ،‬ورغ ــم‬ ‫مــا يقــال حــول حــرب ‪1967‬م‪ ،‬فــإن إســرائيل خططــت منــذ إنشــائها‬ ‫عل ــى الس ــيطرة عل ــى الق ــدس واحت ــالل فلس ــطن كامل ــة‪ ،‬وافتعل ــت‬ ‫أزم ــة ‪1967‬م‪ ،‬لتنفي ــذ سياس ــة التوس ــع‪ ،‬ودخ ــل موش ــيه دي ــان وزي ــر‬

‫الدف ــاع اإلس ــرائيلي للق ــدس ‪1967‬م‪ ،‬وإث ــر هزمي ــة ال ــدول العربي ــة‬ ‫أخ ــذت إس ــرائيل يف التهوي ــد وإع ــالن الق ــدس العاصم ــة األبدي ــة‬ ‫للدول ــة اليهودي ــة‪ .‬وق ــد ص ــدر ق ــرار الكونغ ــرس األمريك ــي يف ‪13‬‬ ‫أكتوب ــر ‪1995‬م‪ ،‬باالعت ــراف ب ــأن الق ــدس عاصم ــة لدول ــة إس ــرائيل‪،‬‬ ‫ويقض ــي القان ــون بنق ــل الس ــفارة األمريكي ــة للق ــدس ولك ــن رؤس ــاء‬ ‫الوالي ــات املتح ــدة من ــذ ‪1995‬م‪ ،‬كان ــوا يؤجل ــون تنفي ــذ ق ــرار النق ــل‬ ‫حلساس ــية املوض ــوع وخو ًف ــا م ــن ردود الفع ــل العربي ــة واإلس ــالمية‬ ‫علـــى ذلـــك‪ ،‬حتـــى أن دونالـــد ترامـــب الـــذي وعـــد يف حملتـــه‬ ‫االنتخابي ــة ع ــام ‪2016‬م‪ ،‬بنق ــل الس ــفارة األمريكي ــة للق ــدس تراج ــع‬ ‫ع ــن ذل ــك عندم ــا تول ــى الرئاس ــة واتخ ــذ ق ــرار التأجي ــل حلساس ــية‬ ‫الق ــدس للمصال ــح األمريكي ــة يف العال ــم اإلس ــالمي وخاص ــة ردود‬ ‫الفع ــل الش ــعبية‪.‬‬

‫سياسة تهويد المدينة المقدسة‬ ‫اتبعــت إســرائيل سياســة تهويــد القــدس مــن احتاللهــا للقــدس‬ ‫الشــرقية عــام ‪1967‬م‪ ،‬ســواء مــن االســتيالء علــى األراضــي‪ ،‬أو‬ ‫االســتيالء علــى أمــالك الغائبــن وإقامــة املســتوطنات حــول القــدس‬ ‫أو تشــجيع اليهــود للســكن بالقــدس وتفريغهــا مــن ســكانها العــرب‪،‬‬ ‫فقــد ضمــت إســرائيل مــن جانــب واحــد ‪ 72‬كيلــو مت ـ ًرا مرب ًعــا إلــى‬ ‫بلديــة القــدس‪ ،‬مــن ضمنهــا اجلــزء الشــرقي مــن القــدس و‪ 28‬قريــة‬ ‫محيطــة بالقــدس يف الضفــة الغربيــة‪ ،‬وهــذه املنطقــة يطلــق عليهــا‬ ‫بشــكل عــام القــدس الشــرقية‪ ،‬تضــم تقري ًبــا ‪ 66‬الــف فلســطيني‪ ،‬أي‬ ‫‪ %24‬مــن ســكان البلديــة اجلديــدة‪ ،‬وتطبــق إســرائيل قوانينهــا املدنيــة‬ ‫اخلاصــة علــى القــدس الشــرقية‪ ،‬ونقلــت إســرائيل منــذ عــام ‪1967‬م‪،‬‬ ‫االالف مــن اليهــود إلــى القــدس الشــرقية‪ ،‬وهــذا يعــد جرميــة حــرب‬ ‫يف القانــون الدولــي‪ .‬وتتبــع إســرائيل ً‬ ‫أيضــا سياســة هــدم املنــازل‪،‬‬ ‫فمنــذ عــام ‪2012‬م‪ ،‬مت هــدم ‪ 617‬مبنــى منهــا منــازل لعــدم وجــود‬ ‫تصاريــح وف ًقــا ملــا ذكــره مكتــب األمم املتحــدة لتنســيق الشــؤون‬ ‫اإلنســانية‪ .‬وألغــت إســرائيل قرابــة ‪ %80‬مــن اإلقامــات الدائمــة‬ ‫خــالل فتــرات االحتــالل علــى مــدار اخلمســن عا ًمــا املاضيــة وف ًقــا‬ ‫ألرقــام احلكومــة اإلســرائيلية‪ ،‬التــي بــدأت بالتوثيــق مــع بــدء وزارة‬ ‫الداخليــة بنــاء علــى قــرار محكمــة العــدل العليــا اإلســرائيلية لعــام‬ ‫‪1988‬م‪ ،‬مبطالبــة الفلســطينين ببرهنــة أن " محــور حياتهــم " يف‬ ‫القــدس الشــرقية للحفــاظ علــى إقاماتهــم‪.‬‬ ‫وتســـيطر دولـــة االحتـــالل علـــى ســـجل الســـكان الفلســـطيني‬ ‫يف الضف ــة الغربي ــة وقط ــاع غ ــزة بش ــكل فع ــال ‪ .‬وتص ــدر الس ــلطة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪23‬‬

‫ملف العدد‬

‫مــع العقديــة ال مجــال للحــل السياســي وإســرائيل تريــد فــرض األمــر الواقــع‬

‫الـمـسـجـد األقـصـى ‪ ..‬والـسـام الـمـسـتـحيل‬ ‫بـيـن الــعــرب وإســرائيـل‬ ‫متث ــل مدين ــة الق ــدس جوه ــر الص ــراع العرب ــي ‪ -‬اإلس ــرائيلي مل ــا حتمل ــه م ــن قدس ــية عن ــد املس ــلمن واليه ــود ‪ ،‬فمن ــذ أن‬ ‫طرح ــت فك ــرة جتمي ــع اليه ــود يف كي ــان سياس ــي‪ ،‬حت ــى وقب ــل عق ــد املؤمت ــر الصهيون ــي األول يف ب ــازل ‪1897‬م‪ ،‬كان ــت‬ ‫القــدس حتظــى باهتمــام كبيــر يف كتابــات املفكريــن الغربيــن الذيــن دعــوا لتأســيس مجتمــع لليهــود‪ ،‬فقــد أصــدر موشــي‬ ‫ه ــس كتاب ــه "روم ــا والق ــدس" ع ــام ‪1862‬م‪ ،‬وعندم ــا أص ــدر ثي ــودور هيرت ــزل كتاب ــه "الدول ــة اليهودي ــة " ‪1896‬م‪ ،‬كان البع ــد‬ ‫الدين ــي مه ًم ــا يف الدع ــوة إل ــى جتمي ــع اليه ــود يف فلس ــطن‪ ،‬عل ــى اعتب ــار مكان ــة الق ــدس عن ــد اليه ــود‪ ،‬فاليه ــودي ال ــذي‬ ‫يعي ــش يف أوروب ــا والوالي ــات املتح ــدة ال يدفع ــه للهج ــرة لفلس ــطن إال بإث ــارة البع ــد الدين ــي عن ــده‪ ،‬حت ــت ش ــعار الع ــودة‬ ‫للق ــدس عن ــد اليه ــود‪.‬‬

‫د‪ .‬أحمد سليم البرصان‬ ‫ويف اجلانــب اآلخــر فــإن الشــعب الفلســطيني والشــعوب‬ ‫اإلســالمية تعتبــر القــدس مدينــة لهــا أهميتهــا الدينيــة باعتبارهــا‬ ‫أولــى القبلتــن وثالــث احلرمــن الشــريفن وأرض اإلســراء واملعــراج‪.‬‬ ‫وكمــا جــاء يف ســورة اإلســراء ُسـبْ َحا َن ا َّلــذِ ي أَ ْسـ َرى ِب َعبْــدِ ِه لَيْـ ً‬ ‫ال ِّمـ َن‬ ‫ْامل َ ْسـ ِـجدِ ْ َ‬ ‫صــى ا َّلــذِ ي بَا َر ْكنَــا َح ْولَـ ُه ِلنُرِ يَـ ُه مِ ـ ْن‬ ‫احلـ َر ِام ِإلَــى ْامل َ ْسـ ِـجدِ األَ ْق َ‬ ‫الســمِ ي ُع البَ ِصي ـ ُر‪ .‬وبســبب البعــد الدينــي كان تأجيــل‬ ‫آيَا ِتنَــا ِإ َّن ـ ُه ُه ـ َو َّ‬ ‫قضيــة القــدس يف املفاوضــات العربيــة اإلســرائلية حتــى املرحلــة‬ ‫األخيــرة مــن املفاوضــات حلــل الصــراع العربــي اإلســرائيلي‪ ،‬خاصــة‬ ‫ألن قضيــة القــدس ليســت قضيــة فلســطينية فقــط فبعدهــا الدينــي‬ ‫عــن املســلمن واليهــود جعلهــا قضيــة إســالمية مســيحية للدفــاع ضــد‬ ‫تهويــد املدينــة‪.‬‬

‫القدس يف حرب ‪1948‬‬ ‫تعتب ــر اتفاقي ــة س ــايكس بيك ــو ماي ــو ‪1916‬م‪ ،‬اخلط ــوة الثاني ــة‬ ‫بع ــد املؤمت ــر الصهيون ــي األول يف س ــبيل الس ــيطرة عل ــى فلس ــطن‬ ‫وعاصمته ــا القـــدس‪ ،‬فقـــد ج ــاء يف املـــادة الرابعـــة م ــن االتفاقي ــة‬ ‫من ــح بريطاني ــا مينائ ــي حيف ــا وع ــكا عل ــى أن يك ــون لفرنس ــا حري ــة‬ ‫اس ــتخدام مين ــاء حيف ــا وأن تخض ــع اجل ــزء الباق ــي م ــن فلس ــطن‬ ‫لغـــدارة دوليـــة‪ ،‬وأصـــدرت يف الثانـــي مـــن نوفمبـــر ‪1917‬م‪ ،‬وعـــد‬ ‫بلف ــور إلقام ــة وط ــن قوم ــي لليه ــود يف فلس ــطن‪ ،‬وب ــررت س ــيطرتها‬

‫عل ــى فلس ــطن واحتل ــت الق ــوات البريطاني ــة الق ــدس يف ديس ــمبر‬ ‫‪1918‬م‪ ،‬وبذلـــك أصبحـــت فلســـطن حتـــت احلكـــم العســـكري‬ ‫البريطانـــي يلتقـــي مـــع األحـــالم الصيونيـــة يف إقامـــة الدولـــة‬ ‫اليهوديــة‪ ،‬وبــدأت سياســة تشــجيع الهجــرة اليهوديــة إلــى فلســطن‪،‬‬ ‫وق ــد ق ــدر ع ــدد اليه ــود يف الق ــدس ع ــام ‪1867‬م‪ ،‬م ــا ب ــن أربع ــة‬ ‫إل ــى خمس ــة آالف يه ــودي وأغل ــب س ــكان املدين ــة ه ــم م ــن املس ــلمن‬ ‫والنصـــارى‪ ،‬ومـــع الهجـــرة اليهوديـــة أخـــذ عـــدد ســـكان املدينـــة‬ ‫ي ــزداد حي ــث بل ــغ ع ــدد س ــكان املدين ــة ع ــام ‪1922‬م‪ 52000 ،‬وارتف ــع‬ ‫الع ــدد ‪ 165000‬ع ــام ‪1948‬م‪ ،‬وبالتال ــي زاد ع ــدد اليه ــود يف املدين ــة‬ ‫ممـــا أدى إلـــى الصـــدام بـــن املســـلمن واليهـــود يف عامـــي ‪1920‬‬ ‫و‪1929‬م ‪ ،‬فيم ــا عرف ــت بث ــورة الب ــراق الت ــي قت ــل فيه ــا ع ــدد م ــن‬ ‫املس ــلمن واليه ــود وتش ــكلت عل ــى أث ــر ذل ــك جلن ــة دولي ــة لتحدي ــد‬ ‫حقــوق املســلمن واليهــود يف حائــط البــراق‪ ،‬وكانــت اللجنــة برئاســة‬ ‫وزي ــر خارجي ــة الس ــويد األس ــبق " ألي ــل لوفغ ــرن"‪ ،‬وعضوي ــة نائ ــب‬ ‫رئيــس محكمــة العــدل الدوليــة األســبق السويســري "تشــارلز بــارد"‪،‬‬ ‫وبع ــد حتقي ــق قام ــت ب ــه اللجن ــة واس ــتماعها إل ــى وجهت ــي النظ ــر‬ ‫العربي ــة اإلس ــالمية واليهودي ــة‪ ،‬وضع ــت تقريـ ـ ًرا يف الع ــام ‪1930‬م‪،‬‬ ‫قدمتــه لعصبــة األمم أيــدت فيــه حــق املســلمن‪ ،‬الــذي ال شــبهة فيــه‬ ‫مبلكي ــة حائ ــط الب ــراق‪ ،‬ول ــم يتخ ــذ اليه ــود حائ ــط الب ــراق (ال ــذي‬ ‫يس ــمى عنده ــم بحائ ــط املبك ــي) يف أي وق ــت م ــن األوق ــات مكا ًن ــا‬

‫‪22‬‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫دراسة العدد‬

‫التعــاون العســكري! إال أن املصالــح غلبــت املواقــف‪ ،‬فعــاد مــا اختلــف‬ ‫عليــه يف العلــن إلــى الوفــاق يف الســر‪ ،‬ثــم ظهــر إلــى العلــن!‬ ‫أمــا املدخــل الرابــع فأخذتــه إيــران صاحبــة واليــة الفقيــه‪،‬‬ ‫فباســم فلســطن أنشــأت إيــران مليشــيات لهــا يف كل مــن لبنــان‬ ‫واليمــن‪ ،‬ظاهرهــا (احلــرب علــى إســرائيل) ورفعــت شــعارات (املــوت‬ ‫إلســرائيل وأمريــكا) يف الضاحيــة اجلنوبيــة يف بيــروت‪ ،‬ويف ســاحة‬ ‫الســبعن يف صنعــاء كمــا يف ســاحات طهــران! يف الوقــت الــذي‬ ‫تتعامــل إيــران الرســمية مــع إســرائيل يف أكثــر مــن مجــال ســاب ًقا‬ ‫والح ًقــا‪ ،‬ومــا ظهــر أخي ـ ًرا مــن اســتئجار إيرانــي لوقــت علــى القمــر‬ ‫الصناعــي اإلســرائيلي (امــوس) للبــث التلفزيونــي للعــرب! والــذي‬ ‫ُكشــف النقــاب عنــه مــن مصــادر روســية‪ ،‬هــو أخــر‬ ‫دليــل علــى اســتخدام اســم فلســطن يف العلــن‪،‬‬ ‫للتغريــر بالعامــة والبســطاء‪ ،‬والظهــور مبظهــر‬ ‫يجــذب بعــض العــرب للحلقــة اإليرانيــة‪ ،‬يف نفــس‬ ‫الوقــت التعامــل مــن خلــف الســتار مــع احملــرم عل ًنــا!‬ ‫معظــم الشــرور التــي ابتلــي بهــا املواطــن العربــي‬ ‫والوطــن العربــي كانــت بســبب االســتخدام االنتهازي‬ ‫واملبرمــج للقضيــة الفلســطينية‪ ،‬وقــد نتــج عــن ذلــك‬ ‫ً‬ ‫أيضــا موجــات مــن اإلرهــاب حتــت غطــاء اســم‬ ‫فلســطن‪ ،‬لتفريــغ املظلوميــة يف السياســية بشــكل‬ ‫عبثــي‪ ،‬صبــري البنــاء (أبــو نضــال) والــذي قتــل مــن الفلســطينين‬ ‫والعــرب أكثــر مــن أي عــدو آخــر‪ ،‬عبــد اهلل عــزام وأحمــد اخلاليلــة‬ ‫(الزرقــاوي)‪ ،‬حتــى مجموعــات (املقاومــة يف الضاحيــة اجلنوبيــة)‬ ‫والتــي هــي ال أكثــر مــن عصابــات مســلحة تؤجــر‪ ،‬كلهــا نتائــج مباشــرة‬ ‫أو غيــر مباشــرة الختطــاف القضيــة األم! ‪.‬‬ ‫أن يعــود الرئيــس املصــري‪ ،‬علــى الرغــم مــن كل مــا تواجــه مصــر‬ ‫اليــوم مــن حتديــات سياســية وتنمويــة‪ ،‬إلــى أصــل املشــكلة يعنــى‬ ‫أن هنــاك اعتــراف بــأن أصــل الشــرور مبــا فيهــا اإلرهــاب املنتشــر‬ ‫بــن‬ ‫يعــود إلــى تلــك القضيــة األم‪ ،‬التــي عانــى شــعبها مــن ظلــم ً‬ ‫واضطهــاد مســتمر علــى طــوال أكثــر مــن ســبعة عقــود حتــى اليــوم‪.‬‬ ‫كمــا أن الوجــه االنتهــازي يف اســتخدام تلــك القضيــة أصبــح واضــح‬ ‫ومفضوحــا‪ ،‬وحــل توقيــت تعريتــه‪ ،‬ســواء مــن أنظمــة ركبــت‬ ‫للجميــع‬ ‫ً‬ ‫املوجــة الضطهــاد شــعوبها وحرمانهــم مــن احلريــة ووضعهــم جمي ًعــا‬ ‫يف ســجون مفتوحــة‪ ،‬أو املزايــدة مــن دول إقليميــة تريــد أن متــرر‬ ‫طموحاتهــا التوســعية حتــت مظلــة اخليمــة الفلســطينية‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ً‬ ‫وأيضــا للدولــة اإلســرائيلية أن تســتفيد مــن هــذا‬ ‫املناصــرة إلســرائيل‬ ‫التشــرذم‪ ،‬ولــم يســتطع أحــد بعــد‪ ،‬مــن العــرب أو مــن غيرهــم‪ ،‬إقنــاع‬ ‫القــوى الفلســطينية أن خالفهــم احلــاد فيمــا بينهــم‪ ،‬هــو خــالف علــى‬ ‫(طريــدة لــم تصطــاد بعــد)! وأن املتغيــرات العامليــة علــى الســاحة‬ ‫الدوليــة تضــع (القضيــة) بشــكلها احلالــي و باالنقســام بــن أهلهــا‬ ‫يف زاويــة حرجــة‪ ،‬فيواجــه الفلســطيني اليــوم خال ًفــا حــا ًدا بــن‬ ‫(الســلطة الفلســطينية و فتــح) وبــن (حمــاس) يف بعــض مــن أوقاتــه‬ ‫يكــون التناقــض بينهــم أكبــر وأوســع حتــى مــن التناقــض بــن أحدهــم‬ ‫وإســرائيل (هكــذا يبــدو للمراقــب)! فليــس هنــاك مبــرر عقلــي أو‬ ‫سياســي أو ثقــايف أو مصلحــي يســوق هــذا اخلــالف‪ ،‬إال إذا حســبنا‬ ‫(اخلــالف علــى الكراســي واالمتيــازات وصــراع‬ ‫الشــخصيات) وهــو علــة ثقافيــة عربية مع األســف‪ ،‬يف‬ ‫الوقــت الــذي يعانــي الفلســطيني املواطــن مــن صلــف‬ ‫االحتــالل وتبعاتــه الكارثيــة‪ ،‬نــرى أن القيــادات يف واد‬ ‫آخــر متا ًمــا‪ ،‬وغيــر معنيــة إال بالشــعارات‪ ،‬وكل مــا مــر‬ ‫يــوم بــدا أن هــذا الشــقاق يكبــر‪ ،‬وتتدخــل يف مســاره‬ ‫قــوى إقليميــة ودوليــة مــن أجــل توســعة الشــقة‪ ،‬وإبعــاد‬ ‫الوفــاق‪ .‬وقــد قامــت دول عربيــة عديــدة مبحــاوالت‬ ‫مضنيــة جللــب الفريقــن إلــى مــكان مــن التوافــق‪ ،‬كمــا‬ ‫فعلــت اململكلــة العربيــة الســعودية‪ ،‬إلــى درجــة قيــام‬ ‫الفريقــن بحلــف أغلــظ األميــان أمــام الكعبــة املشــرفة‪ ،‬يف ‪ 8‬فبرايــر‬ ‫‪ 2007‬م‪ ،‬ومــع ذلــك فشــلت تلــك اجلهــود‪ ،‬كمــا فشــلت غيرهــا‪،‬‬ ‫ودون توحيــد اجلهــد الفلســطيني‪ ،‬ســوف تظــل القضيــة عائمــة يف‬ ‫وســط صــراع ثقيــل ‪ ،‬وســوف يبقــى الشــعب الفلســطيني‪،‬مع األســف‬ ‫الشــديد‪ ،‬يعانــي أكثــر أنــواع االضطهــاد يف القــرن الواحــد والعشــرين‪،‬‬ ‫ويؤســف املطلــع أن يقــول أن قر ًنــا جديــدًا مــن اآلالم أمــام شــعب‬ ‫عربــي هــو الشــعب الفلســطيني ‪ ،‬جزئ ًيــا بســبب اجلهــل العميــق‬ ‫يف فهــم الظــروف الدوليــة والنضاليــة املتســارعة حولنــا‪ ،‬مــن قبــل‬ ‫قيــادات اجلماعــات الفلســطينية‪ ،‬و جهــل لتاريــخ حــركات التحريــر‬ ‫الوطنــي يف العالــم‪ ،‬فلــم تســتطع أي حركــة حتريــر وطنــي يف العالــم‬ ‫احلديــث احلصــول علــى نتائحــج إيجابيــة‪ ،‬وهــي تدخــل يف الصــراع‬ ‫مــع مناوئيهــا برأســن!! وســوف تبقــى ردات الفعــل اللحظيــة علــى‬ ‫هــذا أو ذاك مــن أعمــال اإلســرائيلين يف األرض وعلــى البشــر‪،‬‬ ‫تظهــر ثــم تختفــي كمــا حــدث مؤخـ ًرا يف أزمــة (الصــالة يف املســجد‬ ‫األقصــى)! إن عــدم قــراءة املتغيــرات الدوليــة احلادثــة ســوف يؤخــر‬ ‫النضــال الفلســطيني‪ ،‬ومــا االســتجابة (علــى حيــاء) ملتطلبــات‬ ‫العصــر‪ ،‬إال دليــل علــى أن اخلطــوات املهمــة املطلوبــة تتخــذ مــن قبــل‬ ‫بعــض القــوى الفلســطينية يف الســاعة اخلامســة والعشــرين‪.‬‬

‫صادف العلم الجهل‬ ‫يف ملفات مسار القضية‬ ‫فمن الطبيعي أن ينتصر‬ ‫العلم ‪ .‬ودون التسلح به فإن‬ ‫معركة إحقاق الحق ستطول‬

‫العلة الداخلية‬ ‫أكبــر األخطــاء املرتكبــة يف مســيرة القضيــة هــي التــي‪ ،‬مــع‬ ‫األســف‪ ،‬ارتكبــت مــن أبنــاء القضيــة‪ ،‬فالتشــرذم الــذي أصــاب‬ ‫احلــركات السياســية الفلســطينية‪ ،‬جعــل مــن املناســب للقــوى الدوليــة‬

‫* ﻣﺪﻳﺮ ﻣﺮﻛﺰ دراﺳﺎت اﻟﺨﻠﻴﺞ واﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ـ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻜﻮﻳﺖ‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫القضيــة‪ ،‬فــكان عبــد الرحمــن عــزام و الزرقــاوي وسلســلة طويلــة‬ ‫مــن الذيــن قــادوا (اجلهــاد) يف أراض بعيــدة يــرون أن ذلــك هــو‬ ‫الطريــق الصحيــح لعــودة فلســطن‪ ،‬دخــل علــى اخلــط آخــرون‪ ،‬منهــم‬ ‫اجلمهوريــة اإلســالمية اإليرانيــة‪ ،‬فاســتغلت ذلــك الشــعار (القريــب‬ ‫ـروعا مــن اجليــوب‬ ‫إلــى القلــب العربــي) حتريــر فلســطن‪ ،‬لتنشــئ مشـ ً‬ ‫التابعــة لهــا (مثــل حــزب اهلل يف لبنــان) و تقــدمي مســاعدات لفصيــل‬ ‫مــن الفلســطينين (حمــاس) مــن أجــل كســب عواطــف بعــض العــرب ‪،‬‬ ‫ومــن ثــم التحكــم يف مقــدرات املنطقــة‪ .‬وقــد انطلــى ذلــك األمــر علــى‬ ‫كثيريــن‪ ،‬ورمبــا بعضهــم إلــى اليــوم‪ ،‬أمــا البعــض اآلخــر‪ ،‬فقــد اكتشــف‬ ‫أن (حــزب اهلل وأمثالــه) ليــس أكثــر مــن (مخلــب قــط) للطموحــات‬ ‫اإليرانيــة وواليــة الفقيــه ال غيــر‪.‬‬

‫العودة إىل القضية من جديد من زاوية الحريات‬ ‫مــا أن يحــدث حــدث يف فلســطن إال وتظهــر القضيــة مــن‬ ‫جديــد‪ ،‬وقــد حــدث ذلــك موخــ ًرا يف الصــراع الــذي انفجــر حــول‬ ‫(الصــالة يف احلــرم القدســي) (يوليــو ‪2017‬م) إال أن القضيــة هــي‬ ‫توهجــا عنــد انــدالع‬ ‫مشــعلة الســاحة السياســية العربيــة‪ ،‬تــزداد‬ ‫ً‬ ‫أزمــة ثــم تختفــي‪ ،‬إال أن كثيريــن يــرون أن أصــل الشــرور يف‬ ‫الشــرق األوســط يف املائــة ســنة األخيــرة هــو (اغتصــاب فلســطن)‬ ‫القضيــة األم التــي كنــا نتحــدث عنهــا يف الســابق كقضيــة مركزيــة‪،‬‬ ‫إنهــا قضيــة تختفــي مــن شاشــة الــرادار السياســي العربــي‪ ،‬لتعــود‬ ‫تظهــر مــن جديــد بصــور مختلفــة‪ ،‬إمــا بقــوة أو مــن خلــف الســتار‪،‬‬ ‫و لكنهــا موجــودة هنــاك يف خلفيــة أي صــورة سياســية يف شــرقنا‬ ‫املبتلــى‪ .‬منــذ (معاهــدة ســياكس بيكــو) التــي حلــت ذكراهــا املئويــة‬ ‫منــذ ســنة أي عــام (‪1916‬م)‪ ،‬والتــي كانــت ثالثيــة‪ ،‬أســقط منهــا‬ ‫التاريــخ اجلــزء اخلــاص بالطــرف الروســي‪ ،‬مــرو ًرا بوعــد بلفــور‪،‬‬ ‫وحتــى خطــب املســؤولن العــرب املعاصريــن‪ ،‬كخطــاب الرئيــس عبــد‬ ‫الفتــاح السيســي يف افتتــاح محطــة كهربــاء غــرب أســيوط (مايــو‬ ‫‪2016‬م)‪ .‬حيــث عــرج علــى املوضــوع الفلســطيني‪ ،‬وقــدم أفــكا ًرا حــول‬ ‫إمكانيــة الدفــع بهــذا امللــف إلــى شــيء مــن احلــوار الدولــي اجلــاد‪،‬‬ ‫علــى خلفيــة املبــادرة الفرنســية التــي أرجئــت وقــت ذاك إلــى وقــت‬ ‫آخــر‪ ،‬ثــم نســيت‪ .‬حديــث رئيــس اجلمهوريــة املصريــة عــن فلســطن‪،‬‬ ‫بعــد كل مــا حــدث يف الشــرق األوســط مــن تغيــرات ضخمــة‪ ،‬لــه داللــة‬ ‫يجــب التوقــف عندهــا‪ ،‬وهــي أنهــا صلــب التوتــر الهائــل الــذي أصــاب‬ ‫منطقتنــا وارتداداتهــا‪ ،‬ولكــن التوجــه إليهــا يجــب أن يكــون مــن منظــور‬ ‫آخــر‪ ،‬هــو احلريــات‪ ،‬والتطــور األخيــر ذو مداخــل أربعــة علــى األقــل‪.‬‬ ‫املدخــل األول أن كثيريــن ممــن كتبــوا عــن (الربيــع العربــي)‬ ‫أشــاروا إلــى ظاهــرة ملفتــة يف نظرهــم‪ ،‬وهــي أن كل الشــعارات التــي‬ ‫ظهــرت يف املياديــن مــن مصــر إلــى تونــس إلــى ليبيــا إلــى ســوريا‬ ‫إلــى اليمــن‪ ،‬لــم تــأت مــن قريــب أو بعيــد لذكــر (القضيــة األم) كان‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪21‬‬

‫ذلــك القفــز علــى القضيــة يف شــعارات النــاس‪ ،‬مدخــل إلــى أن يصــل‬ ‫املعلقــون غر ًبــا وشــر ًقا إلــى نتيجــة بــأن ( القضيــة الفلســطينية)‬ ‫لــم تعــد هــي مركــز اهتمــام املواطــن العربــي العــادي‪ ،‬أصبــح مركــز‬ ‫اهتمامــه احلصــول علــى لقمــة العيــش و احلريــة‪ ،‬التــي حــرم منهــا‬ ‫بســبب (ذريعــة فلســطن) كل تلــك التحليــالت كانــت بعيــدة عــن‬ ‫الواقــع‪ ،‬حتــى وإن لــم تظهــر كلمــة فلســطن يف الشــعارات امليدانيــة‪،‬‬ ‫كانــت يف خلفيــة الصــورة هــي احلاكمــة‪ ،‬كانــت الدافــع و احملــرك‬ ‫‪،‬ولكــن لــم يالحظهــا أحــد‪ ،‬فقــد كانــت املطالبــة باحلريــة‪ ،‬علــى أنهــا‬ ‫أحــد أهــم األســلحة حملاربــة إســرائيل فاملجتمــع غيــر احلــر ال‬ ‫يســتطيع أن ينــال حقوقــه الوطنيــة أو القوميــة ‪.‬‬ ‫املدخــل الثانــي إن كل االنقالبــات يف بــالد العــرب منــذ احلــرب‬ ‫العامليــة الثانيــة‪ ،‬بــدأت مــن مصــر إلــى ســوريا إلــى ليبيا إلى الســودان‬ ‫إلــى اليمــن‪ ،‬كمــا أســلفنا‪ ،‬و كل مــن ركــب الدبابــة العســكرية‪ ،‬و ذهــب‬ ‫إلــى مقــر احلكومــة للقفــز إلــى الســلطة مــن العــرب‪ ،‬كان شــعاره‬ ‫(حتريــر فلســطن) لقــد بــدأ تاريــخ العــرب مــع الثــورات العســكرية‬ ‫بفلســطن‪ ،‬وانتهــى بدونهــا‪ ،‬كمــا ظــن البعض‪ ،‬كانــت املراهنة االعتقاد‬ ‫أن هــؤالء العســكر الذيــن قــادوا الثــورات‪ ،‬ســوف يقومــون بتحريــر‬ ‫فلســطن مــن النهــر إلــى البحــر‪ ،‬قبــل أن يرتــد للمواطــن العربــي‬ ‫طرفــة!‪ ،‬بــل إن شــخصية مــن تلــك الشــخصيات امللتبســة ‪ ،‬وكان‬ ‫رئيــس جمهوريــة ســوريا يف وقــت مــا الســيد أمــن احلافــظ‪ ،‬أعلــن‬ ‫يف مبنــى اجلامعــة العربيــة‪ ،‬أن ي ُعطــى فقــط ( أســبوعن) لتحريــر‬ ‫فلســطن!! وأدخــل الشــعب العربــي يف كل تلــك البــالد (الثوريــة) يف‬ ‫قفــص شــبكات املباحــث والســجون املظلمــة و (املقاومــة أخيـ ًرا) مــن‬ ‫أجــل حتريــر فلســطن‪ ،‬فحــرم مــن احلريــة‪ ،‬وحــرم مــن اخلبــز م ًعــا‪،‬‬ ‫حتــت ذريعــة ذلــك الشــعار الــذي ُســوق للعامــة معجو ًنــا بالتســلط‬ ‫والقمــع‪ ،‬إنــه الطريــق إلــى فلســطن! فأصبحــت (فلســطن) حتــت‬ ‫تلــك األنظمــة (نقمــة) علــى الشــعوب‪ ،‬لذلــك كان مطلــب احلريــة‬ ‫الــذي نــادى بــه (أهــل الربيــع العربــي) هــو اجلســر إلــى التحريــر‪.‬‬ ‫املدخــل الثالــث اكتشــفت القــوى اإلقليميــة مركزيــة فلســطن‬ ‫يف ضميــر املواطــن العربــي ‪،‬فاســتخدمتها بالكثيــر مــن االنتهازيــة‬ ‫و املزايــدة السياســية‪ ،‬فقامــت تركيــا باســتدرار عطــف العــرب‬ ‫املتمســكن بقضيتهــم األم‪ ،‬فاســتخدمت هــذه البطاقــة يف القــول‬ ‫ويف الفعــل‪ ،‬القــول انســحاب الســيد طيــب اردوغــان ( كرئيــس وزراء‬ ‫تركيــا) مــن مناظــرة يف نــدوة دافــوس مــع شــيمون بيــرز‪ ،‬يف فبرايــر‬ ‫‪2009‬م‪ ،‬الــذي حققــت لــه شــعبية لــدى العــرب‪ ،‬إلــى درجــة أن معظــم‬ ‫أســماء املواليــد يف غــزة بعــد ذلــك الشــهر ُســمو باســمه‪ ،‬ومــن ثــم‬ ‫إرســاله إلــى شــواطئ غــزة مســاعدات يف ســفينة (مرمــرة) وفيهــا مــن‬ ‫املتطوعــن املتحمســن يف مايــو ‪2010‬م‪ ،‬والتــي صدتهــا إســرائيل‬ ‫بجالفــة‪ ،‬ثــم دخلــت اإلدارة التركيــة بعــد ذلــك يف جفــاء مــع إســرائيل‬ ‫التــي كانــت تقري ًبــا متحالفــة معهــا ولفتــرة طويلــة إلــى درجــة‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪20‬‬

‫دراسة العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫العصابات الصهيونية أسست باإلرهاب يف الشرق األوسط وانتعشت‬ ‫خــال االنتــداب البريطانــي لفلســطين طب ًقــا للموســوعة البريطانيــة‬ ‫(خو ًفــا) مــن تلــك الفعلــة‪ ،‬فــكان أن غــادر البعــض منازلهــم وقراهــم‬ ‫علــى أمــل عودتهــم لهــا يف القريــب بســبب تدخــل (القــوات العســكرية‬ ‫العربيــة) املرجــوة وقــت ذلــك‪ ،‬وهكــذا تعاملــت العصابــات الصهيونيــة‬ ‫باســتخدام العلــم االجتماعــي و العلــم الوضعــي لتوســيع ســيطرتها‬ ‫علــى األرض الفلســطينية يف مجــاالت شــتى‪ ،‬مــن العلــم العســكري‬ ‫إلــى العلــم االســتخباراتي يف مقابــل ردود فعــل عربيــة (فلســطينية)‬ ‫يف الغالــب عاطفيــة وقاصــرة عــن فهــم العمــل السياســي‪ ،‬أو أهميــة‬ ‫العلــم احلديــث يف املقاومــة‪ ،‬لقــد صــادف (العلــم) (اجلهــل) يف عــدد‬ ‫مــن امللفــات يف مســار القضيــة‪ ،‬فــكان مــن الطبيعــي أن ينتصــر العلــم‪،‬‬ ‫ودون التســلح بالعلــم احلديــث (االجتماعــي والبحثــي و التطبيقــي)‬ ‫واالعتمــاد عليــه‪ ،‬فــان معركــة (إحقــاق احلــق) ســوف تطــول‪ ،‬إال أنه ال‬ ‫بــد مــن القــول أن (املقاومــة) التــي أبداهــا الشــعب الفلســطيني طــوال‬ ‫هــذا الزمــن‪ ،‬وال زال يقدمهــا أبنــاؤه‪ ،‬تعنــي أنــه لدى هذا الشــعب قوى‬ ‫كامنــة علــى نخبتــه توظفهــا بالطــرق الصحيحــة والفعالــة والعلميــة!‬

‫الثورات العربية‬ ‫مــن أهــم نتائــج (الهجمــة اإلســرائيلية علــى فلســطن) أن‬ ‫جميــع الثــورات العربيــة التــي قامــت يف الــدول العربيــة (ســميتها‬ ‫وضوحــا هــو (فلســطن)‬ ‫ثــورات أو انقالبــات) كان شــعارها األكثــر‬ ‫ً‬ ‫‪ ،‬مــن الثــورة املصريــة عــام ‪1952‬م‪ ،‬إلــى العراقيــة يف اخلمســينات‪،‬‬ ‫إلــى الســودانية إلــى الليبيــة إلــى اليمنيــة‪ ،‬كلهــا كانــت أحــد أهــم‬ ‫تبريراتهــا يف االنقــالب علــى النظــام القائــم (ألن النظــام الســابق)‬ ‫ســاعد يف خســارة فلســطن‪ ،‬لذلــك يجــب تغييــره‪ ،‬يف مصــر علــى‬ ‫ســبيل املثــال‪ ،‬كان هنــاك مــا عــرف (بفضيحــة األســلحة الفاســدة)‬ ‫حيــث تصاعــدت احتجاجــات مــن احملاربــن علــى اجلبهــة املصريــة‪/‬‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬أنهــم زودوا مــن النظــام (امللكــي) بأســلحة فاســدة‪،‬‬ ‫ويف العــراق كان االتهــام املعلــن هــو أن النظــام الســابق (تقاعــس أو‬ ‫تآمــر) علــى فلســطن! أمــا يف ســوريا فقــد كان موضــوع فلســطن‬ ‫هــو مــا دار حولــه الصــراع بــن اجلماعــات املتنافســة للوصــول‬ ‫واالحتفــاظ باحلكــم يف دمشــق‪ ،‬أمــا يف ليبيــا فقــد كانــت (القضيــة‬ ‫الفلســطينية) هــي خبــز وزبــد نظــام الســيد معمــر القــذايف الطويــل!‬ ‫باســم فلســطن واالســتعداد الســترجاعها‪ ،‬اختفــت يف عــدد مــن‬ ‫الــدول العربيــة احلريــات العامــة وتالشــت خطــط التنميــة‪ ،‬وانتهكــت‬ ‫حقــوق اإلنســان‪ ،‬وعظــم بناء الســجون‪ ،‬وتفننــت األنظمة يف التعذيب‬ ‫لقطاعــات كبيــرة مــن الشــعوب وتهميــش النخــب‪ ،‬يف مقابــل قصــف‬ ‫غيــر منقطــع علــى الــدول التــي لــم تكــن يف هــذا الــوارد (وارد‬

‫القمــع) وســميت باحملافظــة أو الرجعيــة‪ ،‬ممــا شــق الصــف العربــي‪،‬‬ ‫وأضعــف مقاومتــه للمتغيــرات‪ ،‬وخاصــة (التوســع اإلســرائيلي) يف‬ ‫اجلــوار‪ .‬لقــد اعتقــدت النخــب العربيــة أو كثيــر منهــا أن (الثــورات‬ ‫العربيــة) ســوف تُعــد العــدة لتخليــص فلســطن مــن االحتــالل‬ ‫اإلســرائيلي‪ ،‬وتســامحت مــع االختــالل الداخلــي العميــق‪ ،‬اإلنســاني‬ ‫واالقتصــادي والثقــايف‪ ،‬يف ســبيل يــوم (التحريــر) املوعــود‪ ،‬حتــى‬ ‫جــاء عــام ‪1967‬م‪( ،‬أي منــذ خمســن عا ًمــا) تقري ًبــا لتقتنــع النخبــة‬ ‫العربيــة أو بعــض مســتنيريها علــى األقــل‪ ،‬أن مــا ظنتــه (أسـ ًدا) لــم‬ ‫يكــن أكثــر مــن (نعجــة)! وأن الشــعوب املغلوبــة داخل ًيــا ال ميكــن أن‬ ‫تنتصــر خارج ًيــا! وأن مــن يعتمــد علــى اجلهــل غيــر مــن يعتمــد علــى‬ ‫العلــم‪ ،‬بعــد ذلــك العــام ‪1967‬م‪ ،‬دخلــت (القضيــة) مرحلــة أخــرى‬ ‫شــبيهة مبــا مت يف الســابق‪ ،‬ولكــن بأيدولوجيــات أخــرى‪ ،‬تشــابه‬ ‫فيهــا املخبــر واختلــف املظهــر‪.‬‬

‫أراض أخرى!‬ ‫الحرب ضد المغتصب يف ٍ‬

‫بعــد هزميــة ‪1967‬م‪ ،‬التــي أحــدث زلــزاالً يف املنطقــة‪ ،‬و لــدى‬ ‫الشــعوب العربيــة‪ ،‬و خففــت إعالم ًيــا باســتخدام مفهــوم غامــض‬ ‫ومضلــل وهــو (النكســة) بعــد أن ســميت اخلســارة األولــى (‪1948‬م)‬ ‫ً‬ ‫أيضــا مبفهــوم غامــض (النكبــة)‪ ،‬توجــه كثيــر مــن النشــطاء إلــى البحث‬ ‫عــن ســاحات أخــرى و أيدولوجيــات تبحــث عــن مخــرج ‪ ،‬فــكان منــو‬ ‫وتصاعــد مــا عــرف ال ح ًقــا ب ( اإلســالم السياســي) علــى اختــالف‬ ‫قــوس القــزح الــذي اشــتمل عليــه (إخــوان‪ ،‬ســلف‪ ،‬ســلف جهــادي‪ ،‬والية‬ ‫الفقيــه) وغيرهــا مــن اجلماعــات النشــطة‪ ،‬يف صلــب شــعرات الكثيــر‬ ‫منهــا كانــت فلســطن أو (القضيــة الفلســطينية) مــن جديــد‪ ،‬لقــد كان‬ ‫(اإلخــوان يف مصــر وخارجهــا) ينظــرون إلــى جتربــة عبــد الناصــر‪،‬‬ ‫علــى أنهــا حكــم (قامــع لهــم ومعـ ٍـاد لإلســالم) لذلــك عوقــب نظامــه‬ ‫ومــا يدعــو إليــه بـــ (الهزميــة)‪ ،‬وأن اخلــروج مــن ذلــك املــأزق بالعــودة‬ ‫إلــى (اإلســالم وحمــل رايــة اجلهــاد) وتضافــر عــدد مــن األحــداث‬ ‫مــن أجــل إنعــاش مثــل ذلــك التصــور‪ ،‬خاصــة بعــد احتــالل االحتــاد‬ ‫الســوفيتي وقتهــا أفغانســتان املســلمة عــام ‪1979‬م‪ ،‬وانطــالق مقاومــة‬ ‫ضــد ذلــك االحتــالل‪ ،‬معظــم حاملــي إعالمهــا املختلفــن كان شــعارهم‬ ‫هــو اإلســالم‪ ،‬ووجــد عــدد مــن العــرب والفلســطينيون أن العــودة إلــى‬ ‫فلســطن هــي مــن خــالل حتريــر كابــل! وآخــرون مــن خــالل حتريــر‬ ‫القاهــرة أو أيــة عاصمــة عربيــة‪ ،‬هــو الطريــق إلــى فلســطن!‬ ‫وهكــذا أصبحــت القضيــة مــن خــالل بعــض ضحاياهــا‬ ‫(الفلســطينيون) يحملــون شــعار اإلســالم السياســي‪ ،‬كمدخــل حلــل‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪19‬‬

‫زيـــارة لـقـضــــية الـعــــرب عـلــــى ضـــوء املتغيـــرات العربيـــة والدوليـــة‬

‫دون توحيـــد الجهـــد الفلســـطيني تظـــل‬ ‫قضيتـــه عائمـــة وســـط الصـــراع‬ ‫يف نوفمب ــر ه ــذا الع ــام ‪2017‬م‪ ،‬يك ــون ق ــد م ــر عل ــى القضي ــة الفلس ــطينية ق ــرن كام ــل من ــذ إع ــالن وع ــد بلف ــور ‪2‬‬ ‫نوفمب ــر ‪1917‬م‪ ،‬من ــذ ذل ــك الوق ــت تصاع ــدت م ــا ع ــرف يف تاري ــخ األدب السياس ــي العرب ــي مبس ــمى (القضي ــة) وه ــي‬ ‫التـــي ســـادت علـــى جميـــع األحـــداث بعـــد ذلـــك التاريـــخ وحتـــى الســـاعة‪ ،‬و(القضيـــة) وبجانبهـــا (اكتشـــاف النفـــط‬ ‫وتس ــويقه) يف املنطق ــة العربي ــة‪ ،‬ش ــكال م ًع ــا الس ــمة الرئيس ــية ملجم ــل التداعي ــات والتط ــورات يف ه ــذا العال ــم املمت ــد‬ ‫مـــن احمليـــط إلـــى اخلليـــج تقري ًبـــا منـــذ مطلـــع القـــرن العشـــرين حتـــى اليـــوم‪ .‬لقـــد ســـاهمت تداعيـــات (القضيـــة)‬ ‫بش ــكل مباش ــر أو غي ــر مباش ــر بالكثي ــر م ــن األح ــداث والتط ــورات يف ه ــذه املنطق ــة‪ ،‬ث ــورات‪ ،‬ح ــروب أهلي ــة‪ ،‬قم ــع‪،‬‬ ‫ودكتاتوري ــات‪ ،‬وتغيي ــر أنظم ــة وانقالب ــات‪ ،‬واغتي ــاالت ‪،‬وظه ــور واختف ــاء أح ــزاب ‪،‬وحت ــى (إره ــاب)‪ ،‬و مت ــت تغيي ــرات‬ ‫يف ح ــدود ال ــدول العربي ــة‪ ،‬خاص ــة املج ــاورة إلس ــرائيل (الت ــي أعلن ــت وط ــن قوم ــي تنفيـ ـ ًذا لذل ــك الوع ــد يف ع ــام‬ ‫‪1984‬م‪ ،‬م ــع ع ــدد غي ــر قلي ــل م ــن األح ــداث الكب ــرى املتتابع ــة يف منطق ــة الش ــرق األوس ــط (العربي ــة) و الت ــي كان ــت‬ ‫عبــارة عــن تأثيــر ( ميكانزمــات القضيــة ومالبســاتها ) أثــرت يف حيــاة ماليــن العــرب واملســلمن يف هــذه املنطقــة‪،‬‬ ‫لقـــد أصبحـــت وال زالـــت هـــذه (القضيـــة الفلســـطينية) هـــي مبثابـــة (قميـــص عثمـــان احلديـــث) للبعـــض‪ ،‬مبعنـــى‬ ‫الكلم ــة ال باملج ــاز ‪ ،‬ورمب ــا تؤث ــر مفاعي ــل ه ــذه القضي ــة برمته ــا عل ــى األجي ــال العربي ــة القادم ــة‪ ،‬وحت ــى غي ــر العربي ــة‬ ‫الت ــي تعي ــش يف ه ــذه املنطق ــة م ــن العال ــم ‪.‬‬

‫د‪ .‬محمد غامن الرميحي‬

‫الـقـضـيـة‬ ‫مــن اجلانــب العربــي فــإن اإلشــارة إلــى (القضيــة) يف اإلعــالم‬ ‫ويف العمــل السياســي هــي يف الغالــب تعنــي (القضيــة الفلســطينية)‬ ‫ويف دارســة تطوراتهــا يتبــن لنــا اليــوم كــم مــن األخطــاء الكبــرى التــي‬ ‫ارتكبــت‪ ،‬يف تقديــري بســبب اجلهــل السياســي‪ ،‬وال زالــت ترتكــب‪،‬‬ ‫بســبب ذلــك العامــل‪ ،‬الــذي تتداخــل فيــه عوامــل أخــرى ً‬ ‫أيضــا‪ .‬وأثرت‬ ‫تلــك األخطــاء يف املســيرة التاريخيــة للقضيــة ويف تطــور الــدول‬ ‫العربيــة الناشــئة بعــد احلــرب العظمــى األولــى‪ ،‬وخاصــة ُقبيــل وبعــد‬ ‫احلــرب العامليــة الثانيــة‪ .‬نالحــظ هنــا حزمــة اقتصادية‪/‬اجتماعيــة‪/‬‬ ‫سياســية‪/‬ثقافية‪ ،‬ســاهمت يف تطور مســار القضية كما ســارت حتى‬ ‫اآلن‪ .‬فقــد اســتفاد (الصهيونــي املغتصــب) مــن علــوم مختلفــة تطورت‬ ‫يف القــرن التاســع عشــر يف أوروبــا (التــي صــدرت أولــى الهجــرات‬ ‫الصهيونيــة إلــى فلســطن) ‪ ،‬اســتفادمن تلــك العلــوم احلديثــة و منهــا‬ ‫العلــوم العســكرية و النفســية قبيــل وبعــد إنشــاء الدولــة اليهوديــة‪ ،‬كــي‬

‫يســتخدمها يف قضم األرض الفلســطينية‪ ،‬والتوســع و شــن احلروب‪،‬‬ ‫علــى ســبيل املثــال عنــد مراجعــة (مــا عــرف باإلرهــاب) وجــذوره‬ ‫يف منطقــة الشــرق األوســط‪ ،‬جنــد أن (املوســوعة البريطانيــة) يف‬ ‫طبعاتهــا األولــى تقــرر يف موضــوع (اإلرهــاب يف الشــرق األوســط)‬ ‫إنــه إرهــاب نابــع مــن عمــل (العصابــات الصهيونيــة) التــي انتعشــت‬ ‫إبــان االحتــالل البريطانــي لفلســطن (االنتــداب) بــن احلــرب‬ ‫العامليــة األولــى و حتــى خــروج بريطانيــا عــام ‪1948‬م‪ ،‬وكان ضحيــة‬ ‫ذلــك اإلرهــاب عــد ًدا مــن ضبــاط وجنــود االحتــالل البريطانــي يف‬ ‫ً‬ ‫وأيضا الفلســطينيون العرب الســكان األصليون يف البالد‪،‬‬ ‫فلســطن‪،‬‬ ‫مــن جهــة أخــرى لقــد اســتخدمت تلــك العصبــات (ثقافــة) (العــار)‬ ‫املترســخة لــدى املجتمــع الفلســطيني (املدنــي‪ ،‬وخاصــة الفالحــي)‬ ‫بإشــاعة التخويــف مــن عمليــات (االغتصــاب للفتيــات والنســاء)‪،‬‬ ‫فقامــت بالفعــل بعمليــات (قتــل واغتصــاب) وضخمتهــا دعايتهــا‪،‬‬ ‫ممــا جعــل قطــاع كبيــر مــن أهــل القــرى الفلســطينية يهجــر منازلهــم‬

‫‪18‬‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫قضية العدد‬

‫عبدالعزيــز مــع رئيــس وزارة بريطانيــا ونســتون تشرشــل بنفــس القــوة‬ ‫والوضــوح‪ ،‬بــل شــجع امللــك عبدالعزيــز الســعودين للتطــوع والقتــال‬ ‫يف فلســطن لنصــرة الشــعب الفلســطيني يف مواجهــة الصهاينــة‪،‬‬ ‫وخضــب الــدم الســعودي تــراب فلســطن‪ .‬قبــل وفاتــه قــال امللــك‬ ‫عبــد العزيــز ‪-‬رحمــه اهلل‪ -‬ألحــد أعضــاء جلنــة األمم املتحــدة بشــأن‬ ‫القضيــة الفلســطينية " إن أبنائــي ســيعكفون مــن بعــدي علــى إكمــال‬ ‫رســالتي إن شــاء اهلل"‪ .‬وصدقــت مقولــة امللــك املؤســس بأبنــاء أوفيــاء‬ ‫لفلســطن وللعــرب وللمســلمن ولإلنســانية‪.‬‬ ‫اســتمرت مواقــف امللــك املؤســس مــع األبنــاء البــررة‪ ،‬وكل لــه مآثره‬ ‫جتــاه فلســطن وشــعب فلســطن‪ ،‬متوجــن بخــادم احلرمن الشــريفن‬ ‫امللــك ســلمان ـ يحفظــه اهلل ـ صاحــب مقولــة " نحــن رفــاق مصيــر ال‬ ‫رفــاق طريــق" و"إننــي مــع فلســطن بــكل وجدانــي"‪ .‬وكان امللــك ســلمان‬ ‫مشــر ًفا علــى اللجــان الشــعبية ملســاعدة مجاهــدي فلســطن‪.‬‬ ‫إن احلديــث عــن الثوابــت يف السياســة الســعودية والتبنــي الكامــل‬ ‫للقضيــة الفلســطينية ال يعنــي ســرد األحــداث واللقــاءات‪ ،‬ولكــن‬ ‫للتاريــخ‪ ،‬فــإن امللــك فيصــل‪ -‬رحمــه اهلل ـ شــهيد القــدس‪ ،‬وأثنــاء‬ ‫لقائــه يف الريــاض مــع وزيــر خارجيــة أمريــكا آنــذاك " هنــري كســنجر"‬ ‫يــوم ‪1973/11/8‬م‪ ،‬أكــد أن األمــن والســالم واالســتقرار يف املنطقــة‬ ‫لــن يتحقــق إال بإقامــة دولــة فلســطن املســتقلة وعاصمتهــا القــدس‬ ‫الشــريف‪ .‬وكــم كان دائ ًمــا يؤكــد أمنيتــه الصــالة يف القــدس احملــرر‪.‬‬ ‫إن الدعــم العربــي الســعودي متواصــل علــى كل املســتويات‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫رســم ًيا وشــعب ًيا‪ ،‬رســم ًيا‪ :‬منهــا الدعــم السياســي‪ ،‬واالقتصــادي‪،‬‬ ‫واملــادي‪ ،‬واإلعالمــي‪ ،‬وعلــى الصعيــد الشــعبي‪ ،‬شــكلت اللجــان‬ ‫الشــعبية رافـدًا رئيسـ ًيا لدعــم ومســاعدة مجاهــدي فلســطن وأســر‬ ‫شــهداء فلســطن‪ ،‬واململكــة تفــي بالتزاماتهــا املاديــة بانتظــام دون‬ ‫ضجيــج ودون صخــب أو ابتــزاز‪.‬‬ ‫ومواقــف اململكــة جتــاه القــدس واألقصــى ســابقة علــى العــدوان‬ ‫اإلســرائيلي علــى املســجد األقصــى وتركيــب البوابــات اإللكترونيــة‬ ‫والكاميــرات الذكيــة‪ ،‬فقــد كان التصــاالت امللــك ســلمان بــن عبــد العزيــز‬ ‫بقــادة الــدول دور رئيســي إلزالــة البوابــات والكاميــرات‪ ،‬وهــذا مــا أعطى‬ ‫املقدســين زخ ًمــا يف االســتمرار باملواجهــة مــع جيــش االحتــالل‪.‬‬ ‫إن الشــعب العربــي الفلســطيني يعــول ويســتند دائ ًمــا علــى‬ ‫مواقــف اململكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬التــي متثــل بالنســبة لنــا مكانــة‬ ‫ومــكان علــى مســتوى العالــم‪ ،‬والســيد الرئيــس محمــود عبــاس دائــم‬ ‫التواصــل مــع خــادم احلرمــن الشــريفن‪ ،‬ســواء بخصــوص العــدوان‬ ‫األخيــر علــى املســجد األقصــى‪ ،‬أو يف كل املواقــف واملنعطفــات التــي‬ ‫متــس القضيــة الفلســطينية‪.‬‬ ‫للمملكــة العربيــة الســعودية مواقف إيجابية جتاه نصــرة الدول التي‬ ‫بحاجــة لنصرتهــا‪ ،‬ومواقــف اململكــة اإلنســانية عبــر العالــم مشــهود لهــا‪.‬‬ ‫* ﺳﻔري دوﻟﺔ ﻓﻠﺴﻄني ﻟﺪى اﳌﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الفلســطيني علــى حــق العــودة وعــودة القــدس عاصمــة فلســطن‪.‬‬ ‫لــن يتحقــق الســالم مــا لــم تطبــق العدالــة يف الوطــن العربــي‬ ‫واملنطقــة‪ ،‬بــل والعالــم إال إذا بزغــت شــمس دولــة فلســطن‪ ،‬والشــعب‬ ‫العربــي الفلســطيني يعلــن دو ًمــا ال للوطــن البديــل‪ ،‬وال للتوطــن‬ ‫والدمــج‪ ،‬وال يعــوض الوطــن إال الوطــن‪.‬‬ ‫إننــا نتــوق ملوقــف عربــي وإســالمي موحــد ‪,‬موقــف ذو رؤى‬ ‫اســتراتيجية حلمايــة القــدس‪ ..‬حلمايــة املســجد األقصــى مــن كل‬ ‫محــاوالت الســيطرة عليــه‪ ،‬بــل محاولــة العــدو الصهيونــي االســتيالء‬ ‫عليــه‪ ،‬وفــرض برنامــج التقســيم املكانــي والزمانــي مثلمــا فعلــوا باحلرم‬ ‫اإلبراهيمــي الشــريف يف اخلليــل‪ .‬وإن متكنــوا مــن ذلــك ســيتم فرضــه‬ ‫كأمــر واقــع ثــم يبــدأ برنامــج إقصــاء املســلمن عــن املســجد األقصــى‪.‬‬ ‫حمايــة األقصــى تتطلــب‪ :‬وحــدة فلســطينية‪ ،‬فســر قوتنــا يف‬ ‫وحدتنــا ملواجهــة هــذا اخلطــر الداهــم‪ ،‬لقــد جســد املقدســيون وحــدة‬ ‫يف أروع جتلياتهــا مبواجهــة جنــد االحتــالل‪ ،‬مــع االلتــزام باملرجعيــات‬ ‫ممــا أذهــل العــدو‪ ،‬وحقــق انتصــارات متتاليــة‪ .‬العــدو كان يتوقــع مــن‬ ‫هــذا اجليــل الالمبــاالة‪ .‬ولكــن خســئت ظنونهــم‪ ،‬مــن افترضــوا أنهــم‬ ‫ســوف يتنكــرون لوطنهــم‪ ..‬وقفــوا لقدســهم بصــدور عاريــة‪ ،‬بإميانهــم‪.‬‬ ‫وقــف املرابطــون واملرابطــات كالطــود يف مواجهــة شراســة الفاشــين‪،‬‬ ‫بــل النازيــن اجلــدد‪ ،‬ولقــد قــال صحفــي يهــودي للقــادة الصهاينــة‬ ‫وجلنــود االحتــالل‪ ":‬لــو صحــا النازيــون مــن قبورهــم ورأوا مــا تفعلــون‬ ‫لقالــوا لكــم اخجلــوا ممــا أنتــم فاعلــون"‪.‬‬ ‫لقــد شــكل وتبنــى املوقــف الدولــي أحــد عناصــر االســتراتيجية‬ ‫العربيــة باســتصدار مجموعــة مــن القــرارات‪ ،‬ســواء يف مجلــس األمــن‬ ‫أو اجلمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة‪ ،‬إضافــة إلــى قــرارات اليونســكو‬ ‫واملجموعــة األوروبيــة ودول عــدم االنحيــاز يف ذاك الزمــان‪ ،‬ومنظمــة‬ ‫التعــاون اإلســالمي والــدول اإلفريقيــة واملوقــف الروســي وقــرارات‬ ‫القمــة العربيــة ومبــادرة الســالم العربيــة والتــي مت إقرارهــا عرب ًيــا‬ ‫وإســالم ًيا‪ ،‬وإيداعهــا يف األمم املتحــدة‪ ،‬والتــي إن طبقــت فعل ًيــا‬ ‫ســيكون يف املنطقــة أمــن واســتقرار وتنميــة لــكل شــعوب املنطقــة‪.‬‬ ‫إن كافـــة القـــرارات الدوليـــة والعربيـــة ُجتمـــع علـــى اإلدانـــة‬ ‫لكاف ــة اإلج ــراءات اإلس ــرائيلية يف الق ــدس‪ ،‬ب ــل يف كاف ــة األراض ــي‬ ‫احملتلـــة واعتبرتهـــا أعمـــاالً غيـــر شـــرعية وباطلـــة‪ ،‬وطالبـــت‬ ‫احلكوم ــات اإلس ــرائيلية املتعاقب ــة بالتراج ــع ع ــن إجراءاته ــا‪ ،‬غي ــر‬ ‫أن املوق ــف اإلس ــرائيلي يتح ــدى املجتم ــع الدول ــي ومؤسس ــاته م ــن‬ ‫خــالل رفضــه لتلــك القــرارات واالســتمرار بخطــط تهويــد القــدس‬ ‫ونوعـــا ومـــع أن املجتمـــع الدولـــي‬ ‫ضمـــن خطـــط متصاعـــدة ك ًمـــا‬ ‫ً‬ ‫اتخ ــذ ق ــرارات ش ــديدة األهمي ــة‪ ،‬ولك ــن تظ ــل م ــع وق ــف التنفي ــذ‪،‬‬ ‫بس ــبب "الفيت ــو" األمريك ــي‪.‬‬ ‫وم ــع ذل ــك املوق ــف العرب ــي م ــازال داع ًم ــا للقضي ــة الفلس ــطينية‬ ‫يف األمم املتحـــدة وعلـــى الصعيـــد الدولـــي‪ ،‬وموقـــف اجلامعـــة‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪17‬‬

‫العربيـــة داعـــم باســـتمرار للقيـــادة الفلســـطينية‪ .‬كمـــا أن قضيـــة‬ ‫فلســـطن بالنســـبة للمملكـــة العربيـــة الســـعودية قضيـــة مركزيـــة‪،‬‬ ‫وداخلي ــة ل ــكل مواط ــن س ــعودي م ــن رأس اله ــرم حت ــى أصغ ــر طف ــل‬ ‫س ــعودي‪ ،‬وأس ــاس يف سياس ــتها اخلارجي ــة وعالقاته ــا الدولي ــة من ــذ‬ ‫عهــد امللــك املؤســس عبــد العزيــز آل ســعود‪-‬طيب اهلل ثراه‪-‬واألبنــاء‬ ‫البــررة متوجــن بخــادم احلرمــن الشــريفن امللــك ســلمان بــن عبــد‬ ‫العزي ــز ـ حفظ ــه اهلل ـ ولق ــد وق ــف املل ــك املؤس ــس يف مواجه ــة كل‬ ‫محــاوالت بريطانيــا وأمريــكا‪ ،‬ملباركــة االنتــداب البريطانــي‪ ،‬أو وعــد‬ ‫بلفــور وتقســيم فلســطن‪ ،‬وقــال قولتــه املشــهورة للضابــط االجنليــزي‬ ‫الكولوني ــل س ــينكتز " ع ــد إل ــى ب ــالدك وق ــل حلكومت ــك‪ :‬إن عب ــد‬ ‫العزيــز ال يبيــع حفنــة مــن تــراب فلســطن بــكل مــال الدنيــا" و ُقــذف‬ ‫بالضاب ــط االجنلي ــزي خ ــارج مجل ــس املل ــك بع ــد ث ــورة غضب ــه‪.‬‬ ‫كــم حاولــت بريطانيــا املســاومة أثناء مفاوضــات وادي (العقيق) يف‬ ‫‪1926/1345‬م‪ ،‬بشــأن إلغــاء معاهــدة القطيف املوقعــة يف عام ‪1915‬م‪،‬‬ ‫واســتبدالها مبعاهــدة جديــدة يكــون فيهــا امللــك عبــد العزيــز ‪-‬طيــب‬ ‫اهلل ثراه‪-‬النــد للنــد مــع احلكومــة البريطانيــة‪ .‬أراد البريطانيــون أن‬ ‫يعتــرف امللــك باالنتــداب البريطانــي علــى فلســطن‪ ،‬ويعتــرف بوعــد‬ ‫بلفــور املتضمــن صــك االنتــداب‪ ،‬ويكونــوا بذلــك قــد كســبوا حلي ًفــا‬ ‫قو ًيــا لهــم ألنــه أقــوى حــكام اجلزيــرة العربيــة احلــكام العــرب‪ ،‬لكــن‬ ‫امللــك عبــد العزيــز رفــض املســاومة علــى حقــوق أمتــه ومقدســاتها‬ ‫الدينيــة والوطنيــة‪ ،‬ويف ذلــك الوقــت هــب األهالــي يف دولــة امللــك عبــد‬ ‫العزيــز جلمــع التبرعــات يف حمــالت لصالــح الشــهداء واملجاهديــن‬ ‫الفلســطينين الذيــن استشــهدوا يف ثــورة البــراق‪.‬‬ ‫تؤكــد وثائــق وزارة اخلارجيــة األملانيــة أن امللــك عبــد العزيــز‬ ‫وضــع القضيــة الفلســطينية كنقطــة ارتــكاز لسياســته اخلارجيــة‪،‬‬ ‫وذهــب إلــى أبعــد احلــدود حيــث ســعى للحصــول علــى ســالح مــن‬ ‫أملانيــا إلرســاله للمجاهديــن الفلســطينين يف فلســطن‪.‬‬ ‫كمــا تؤكــد وثائــق وزارة اخلارجيــة األملانيــة أن امللــك عبــد العزيــز‬ ‫كان زعي ًمــا عرب ًيــا مســل ًما‪ ،‬اختــار أن تكــون فلســطن قضيتــه األولــى‬ ‫ونســج عالقــات مميــزة مــع أركان احلركــة الوطنيــة الفلســطينية‪ ،‬ويف‬ ‫طليعتهــم مفتــي القــدس احلــاج أمــن احلســيني‪.‬‬ ‫* ملاذا التركيز على تلك املرحلة؟؟‬ ‫ألنهــا كانــت حساســة بالنســبة لتأســيس اململكــة وتوحيدهــا‪ .‬فقــد‬ ‫اســتمر موقــف امللــك عبــد العزيــز ـ رحمــه اهلل ـ بنفس القوة والوضوح‬ ‫أثنــاء لقــاء روزفلــت يف ‪1945/2/14‬م‪ ،‬علــى ظهــر الســفينة احلربيــة‬ ‫صريحــا برفــض‬ ‫واضحــا‬ ‫األمريكيــة " كوينســي"‪ ،‬وكان لقــا ًء تاريخ ًيــا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وعــد بلفــور ورفــض التقســيم والهجــرة اليهوديــة ورفــض إقامــة دولــة‬ ‫إســرائيل‪ ،‬وتقريــر جلنــة بيــل‪ ،‬وقــرار التقســيم (‪ )181‬وإعــالن دولــة‬ ‫إســرائيل واملشــاركة يف مفاوضــات "رودس"‪ ،‬وكان موقــف امللــك‬

‫‪16‬‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫قضية العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الملــك عبــد العزيــز وضــع القضيــة الفلســطينية ورفــض التقســيم‬ ‫نقطــة ارتــكاز لسياســته الخارجيــة وســعى إلرســال الســاح للمجاهديــن‬ ‫بعــد دخــول اجلنــرال اللنبــي القــدس‪ ،‬رسـ ًما لريتشــارد قلــب األســد‪،‬‬ ‫يحــدق يف القــدس قائ ـ ً‬ ‫ال‪ " :‬وأخي ـ ًرا حتقــق حلمــي"‪.‬‬ ‫وممــا يذكــر ً‬ ‫أيضــا‪ ،‬أن الســير مــارك ســايكس‪ ،‬صاحــب ســايكس‬ ‫ـ بيكــو‪ ،‬مهنــدس النظــام اجلديــد يف املشــرق العربــي بعــد احلــرب‬ ‫العامليــة األولــى‪ ،‬قــد صمــم متثــاالً إلقامتــه علــى قبــره‪ ،‬وكان التمثــال‬ ‫درعــا ويشــهر ســي ًفا بينمــا يرقــد عــن‬ ‫حملــارب مــن الفرجنــة يرتــدي ً‬ ‫قدميــه محــارب مســلم قتيــل‪ ،‬ويعلــو النصــب لوحــة نقشــت عليهــا‬ ‫عبــارة " ابتهجــي يــا أورشــليم"‪.‬‬ ‫الشـعب العربـي الفلسـطيني حمـى بنضالـه وتضحياتـه اجلسـام‪،‬‬ ‫قضيته إلى أن استعادت زخمها وموقعها الطبيعي‪ ،‬باعتبار أن الشعب‬ ‫العربـي الفلسـطيني هـو الشـعب الوحيـد يف العالـم الذي ال يـزال يرزح‬ ‫يف القرن احلادي والعشـرين حتت نير االسـتعمار االسـتيطاني‪ ،‬األكثر‬ ‫صنوف االسـتيطان ظل ًما وقه ًرا ونه ًبا‪ ،‬ويعيش شـعبنا جراء ذلك حياة‬ ‫الشـقاء اإلنسـاني‪ ،‬الضنك‪ ،‬العذاب‪ ،‬األلم‪ ،‬السـخط‪.‬‬ ‫األرض بالنســبة للفلســطيني هــي املــكان‪ ،‬هــي األمومــة اخلالــدة‬ ‫للشــعب املنكــوب‪ ،‬والقــدس هــي روح الشــعب الفلســطيني‪ ..‬القــدس‬ ‫جــزء مــن نســيج األمــة العربيــة اإلســالمية‪ ،‬ورمــز لنضالنــا‪ ،‬وإلهــام‬ ‫متجــدد للمتجذريــن يف أرض الزيتــون والطهــارة يف مواجهــة‬ ‫العنصريــة الفاشــية وهيمنــة اإللغــاء وطمــس الهويــة والتهويــد‪،‬‬ ‫واملقدســيون لــن يتخلــوا عنهــا تصــدوا ومازالــوا يتصــدون بصدورهــم‬ ‫العاريــة للرصــاص‪.‬‬ ‫املقدسـيون‪ ،‬ورغـم املعانـاة‪ ،‬اثبتوا سـمو الـروح والوجدان ويبحثون‬ ‫عـن احلـب واجلمـال واحلريـة‪ ،‬ولـن نكـون كأعدائنـا يف قتـل األطفـال‬ ‫وحرقهـم‪ ،‬وقطـع أعنـاق أشـجار الزيتـون وحرقهـا‪ ،‬وبناء جـدار الفصل‬ ‫العنصـري‪ ،‬واسـتخدام الفسـفور األبيـض أثنـاء العـدوان علـى غـزة ‪،‬‬ ‫وهـدم البيـوت ونسـفها‪ ،‬وتهويـد القـدس ضمـن مخططـات وبرامـج‬ ‫لتفريغهـا مـن أهلهـا‪ .‬لقـد كان أكبـر حتـد لأمـة العربيـة واإلسـالمية‬ ‫واملجتمـع الدولـي برمتـه إعـالن " إسـرائيل" ضـم القـدس وتطبيـق‬ ‫سياسـات التهويـد الكاملـة عليهـا يف إطـار اسـتراتيجية صهيونيـة‬ ‫متكاملة سياسية‪ ،‬اقتصادية‪ ،‬اجتماعية‪ ،‬وحضارية‪ .‬ضم القدس يعني‬ ‫محاوالت إلغاء الهوية العربية واإلسـالمية عن املدينة املقدسـة‪ .‬ولكن‬ ‫لـم ولـن حتمـي دولـة الكيـان الصهيونـي قنابلـه النوويـة وال صواريخـه‬ ‫وال الفسـفور األبيـض‪ ،‬فمـاذا فعلـت القنابـل النووية يف مواجهة أطفال‬ ‫القـدس؟ مازلنـا نطلـب العدالـة‪ ...‬نبحـث عـن السـالم‪.‬‬ ‫صحيــح أن بعضنــا مــات‪ ،‬وبعضنــا ال يــزال ح ًيــا‪ ،‬ولكــن معظمنــا‬ ‫لــم يولــد بعــد‪ ،‬مــع قناعتنــا بــل إننــا علــى يقــن أن إســرائيل والســالم‬

‫ضــدان ال يلتقيــان‪ .‬حصــار غــزة املكلومــة حصــار خانــق رهيــب‪،‬‬ ‫والضفــة الغربيــة تئــن حتــت احلواجــز العســكرية‪ ،‬والقــدس عاصمــة‬ ‫قلوبنــا تُهــود‪ ،‬وحفريــات األنفــاق حتــت املســجد األقصــى واملــواد‬ ‫الكيماوية على أساســاته إلذابة أساســاته‪ ،‬حتى ينهار عند أول اهتزاز‬ ‫بفعــل زلــزال بســيط‪ ،‬أو طائــرة تختــرق حاجــز الصــوت‪ ،‬حلظتهــا تعلــن‬ ‫إســرائيل عــن انهيــار املســجد األقصــى كأنــه أمــر طبيعــي‪.‬‬ ‫لــن نتخلــى عــن القــدس رغــم املخططــات الصهيونيــة العامليــة‪،‬‬ ‫ولــن يخدعنــا أي بريــق يحــاول أن يثنينــا عــن قضيتنــا‪ ،‬علــى طريقــة‬ ‫مــا كان يفعــل املليونيــر اليهــودي األمريكــي مســكوفتش الــذي مــات‬ ‫منــذ عــام تقري ًبــا‪ ،‬وظــل علــى مــدار ســنوات طويلــة يحــاول شــراء‬ ‫القــدس مــن خــالل مؤسســته التــي لهــا حوالــي ألــف مكتــب يف‬ ‫أمريــكا وأوروبــا‪ ،‬وكان كلمــا كان يحضــر للقــدس يكــون معــه مــا ال‬ ‫يقــل عــن مليــار دوالر‪ .‬وكان عبــر مؤسســته يعــرض أن يشــتري منــازل‬ ‫يف القــدس‪ ،‬بقيمــة مضاعفــة عشــرات املــرات عــن القيمــة الفعليــة‬ ‫لثمــن أي بيــت واملهــم أن يســجل هــذا البيــت باســم يهــودي‪ ،‬بــل يقــال‬ ‫لصاحــب العقــار ابقــى يف بيتــك‪ ،‬و لــن يخرجــك منــه أحــد علــى‬ ‫اإلطــالق بضمانــات قانونيــة‪ ،‬والعــروض كثيــرة ألصحــاب العقــارات‬ ‫يف القــدس‪ .‬وهنــاك ً‬ ‫أيضــا مسكوفتشــات علــى شــاكلته‪ ،‬والســؤال‪...‬‬ ‫بصراحــة ال داعــي للســؤال‪ .‬هنــاك ســباق محمــوم مــن كل املؤسســات‬ ‫الصهيونيــة لشــراء القــدس‪ ...‬لشــراء مقدســاتنا‪ ...‬لشــراء روحنــا‪.‬‬ ‫إال أن املقدســيون يصــدون هــذه احملــاوالت بــكل تصميــم وعنــاد‬ ‫وحتــدي‪ ،‬ولــم يجــد مســكوفتش ومــن هــم علــى شــاكلته إال املواجهــة‬ ‫بالرفــض املطلــق‪ ،‬واملقدســيون الذيــن هــم جــزء مــن نســيج الشــعب‬ ‫العربــي الفلســطيني‪ ،‬والفلســطيني جــزء مــن نســيج األمــة العربيــة‬ ‫اإلســالمية‪ .‬يعيــش الفلســطيني املقدســي علــى أمــل‪ ،‬وال شــيء غيــر‬ ‫األمــل يف مواجهــة العــدو الصهيونــي احملتــل‪.‬‬ ‫إن العــدو اإلســرائيلي منــذ العــام ‪1967‬م‪ ،‬وحتــى اآلن‬ ‫وحفريــات األنفــاق مســتمرة بح ًثــا عمــا يثبــت أن القــدس لهــم‪ ،‬ولكــن‬ ‫دون جــدوى‪ ،‬وهــذا بشــهادة علمــاء آثــار يهــود يقولــون ال آثــار لوجودنــا‬ ‫هنــا ولــن جنــد مــا يثبــت أننــا كنــا هنــا‪.‬‬ ‫وهنــاك معلومــات تفيــد بــأن إســرائيل ســوف تــزرع قبــو ًرا‬ ‫يهوديــة وهميــة حتــت املســجد األقصــى ليثبتــوا للعالــم أن كان لهــم‬ ‫تاريــخ ووجــود وآثــار‪ .‬وهنــاك محــاوالت إلقامــة كنيــس يهــودي مقابــل‬ ‫املســجد املروانــي يف باحــة املســجد األقصــى‪ .‬لكــن وبعــد عقــود مــن‬ ‫احلــروب والتشــريد واملنــايف والشــقاء اإلنســاني وحيــاة املخيمــات‪،‬‬ ‫حيــث الضنــك والبــؤس‪ ،‬كل ذلــك لــم ولــن يغيــر مــن تصميــم‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ليــس مــن بــن األحيــاء بــل املوتــى‪ ،‬وليــس جديــ ًرا باحليــاة‪ ،‬لكــن‬ ‫الشــعب العربــي الفلســطيني يفيــض باحليــاة التــي اســتمدها مــن‬ ‫جــذوره اإلنســانية املمتــدة يف أعمــاق وطنــه وفجــر التاريــخ‪.‬‬ ‫يف تراثنــا الكنعانــي القــدمي‪ ،‬كان أجدادنــا يــرددون ملحمــة "بعــل"‬ ‫رمــز اخلصــب الــذي كان رقيــق القلــب يحــب الســالم ويكــره احلــرب‪،‬‬ ‫يأمــر باالبتعــاد عــن الســالح ونشــر احملبــة علــى األرض‪ ،‬ومــن أبيــات‬ ‫هــذه امللحمــة وبعــل يخاطــب أختــه‪:‬‬ ‫احلرب على األرض مخالف ملشيئتي‬ ‫بلقاح احملبة لقحي التراب‬ ‫اسكبي السالم يف كبد األرض‬ ‫والعسل يف قلب احلقول‬ ‫ابعدي عنك عصاك وسالحك‬ ‫تعالي الي ولتسرع خطاك نحوي‬ ‫ويحدث أن يعمل "موت" رمز القحط على قتل بعل‪ ،‬ولكن بع ًال‬ ‫يعود إلى احلياة مرة أخرى‪:‬‬ ‫وإذا السماء تقطر سمنًا‬ ‫واألودية تسيل عس ًال‬ ‫حيا‬ ‫وتصرخ اخلالئق أن بع ًال ً‬ ‫فمــا بالكــم بالفلســطيني املؤمــن بــاهلل وبالرســالة احملمديــة‪،‬‬ ‫احملــب للســالم والقيــم اإلســالمية‪ .‬ومــا حيلتــه وقــد انتزعــت منــه‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪15‬‬

‫أرضــه بفعــل املعادلــة الدوليــة‪ ،‬وعلــى رأســها بريطانيــا العظمــى يف‬ ‫ذاك الزمــن التــي ســلمت فلســطن للصهاينــة‪ ،‬ولقــد واجــه الشــعب‬ ‫العربــي الفلســطيني ذلــك بــكل أشــكال النضــال واملقاومــة‪ ،‬وعانــى‬ ‫مــر املعانــاة مــن االســتعمار البريطانــي قتــ ً‬ ‫ال‪ ،‬وتشــريدًا‪ ،‬وتعذي ًبــا‪،‬‬ ‫وســجنًا‪ ،‬ونسـ ًفا للمنــازل‪ ،‬وتعلي ًقــا علــى املشــانق‪ ،‬ورمــز ذلــك الشــيخ‬ ‫فرحــان الســعدي الــذي أعــدم شــن ًقا وهــو ذو التســعن حــوالً‪.‬‬ ‫هــذه بريطانيــا الدميقراطيــة واحلضــارة واإلنســانية وادعــاء‬ ‫حقــوق اإلنســان ‪ ..‬بريطانيــا التــي رفضــت حكومتهــا مؤخـ ًرا االعتــذار‬ ‫للشــعب الفلســطيني‪ ،‬بــل مجلــس الــوزراء البريطانــي يعلــن أنــه يفتخــر‬ ‫بإنشــاء دولــة إســرائيل‪ ،‬أي ال قيمــة وال وخــزة ضميــر لتشــريد شــعب‬ ‫يف املنــايف والقهــر والظلــم واإلجحــاف‪.‬‬ ‫ولعلنــا هنــا نذكــر موقــف إســالمي قــادم مــن أعمــاق التاريــخ‪،‬‬ ‫فقبيــل مغــادرة ريتشــارد قلــب األســد فلســطن‪ ،‬أرســل صــالح الديــن‬ ‫إليــه يقــول‪" :‬القــدس إرثنــا كمــا هــي إرثكــم‪ ،‬مــن القــدس عــرج نبينــا‬ ‫إلــى الســماء‪ ،‬ويف القــدس جتتمــع املالئكــة‪ ،‬ال تظــن إننــا نتخلــى‬ ‫ً‬ ‫عرضــا لضعــف‬ ‫عنهــا ابــ ًدا‪ ،‬أمــا األرض فاســتيالئكم عليهــا كان‬ ‫املســلمن فيهــا"‪.‬‬ ‫وإذا بــدا للبعــض أن الربــط بــن وعــد بلفــور واحلمــالت‬ ‫الصليبيــة (الفرجنــة) فيــه شــطح وشــطط فــال بــأس يف أن نذكــر بــأن‬ ‫مجلــة "بنــش" كبــرى املجــالت السياســية البريطانيــة املصــورة‪ ،‬نشــرت‬

‫‪14‬‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫قضية العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫جهــود امللــك ســلمان أزالــت البوابــات اإللكترونيــة والكاميــرات مــن األقصــى‬

‫الـــقــــــدس مــــديـــنـــــة الـــطــهــــــور‪..‬‬ ‫كــيـف نـحــمـيـهــا؟؟‬ ‫تاريخ ــا حاف ـ ً‬ ‫ً‬ ‫ـال ب ــكل دالئ ــل البطول ــة والصم ــود والهيب ــة واإلج ــالل‪ ،‬الق ــدس صم ــدت‬ ‫إن الق ــدس بهيبته ــا وجالله ــا تبس ــط‬ ‫طويـ ً‬ ‫ـال‪ ..‬أمــام كل موجــات األعــداء منــذ عصــر اليبوســين األوائــل حتــى يومنــا يف مواجهــة الصهاينــة‪ ،‬شــاء القــدر أن تظــل‬ ‫ـرحا ملواجهــات دمويــة مــع الغــزاة‪ ،‬وحائــط صــد أمــام الســيطرة عليهــا‪.‬‬ ‫القــدس علــى مــر التاريــخ مسـ ً‬

‫باسم عبد اهلل األغا‬ ‫ويظــل لــكل عاصمــة ســمة معينــة‪ ،‬وذكريــات خاصــة بهــا تنســجها‬ ‫األيــام‪ ،‬وتصنعهــا أحــداث التاريــخ‪ ،‬وتكــون الشــاهد األقــوى علــى مــا‬ ‫متثلــه مــن معــان وقيــم وتعبــر عنــه السياســات ‪ ،‬وال يوجــد يف العالــم‬ ‫عاصمــة واحــدة تتجســد فيهــا املعانــي الفكريــة الروحيــة والقيــم‬ ‫املطلقــة مثــل القــدس التــي تبــدو العاصمــة الروحيــة لإلنســانية‪،‬‬ ‫فالقــدس ليســت مجــرد مــكان شــهد أحدا ًثــا عظيمــة‪ ،‬بــل موطــن‬ ‫لإللهــام لدرجــة أن مبــادئ وأفــكار الثــورة الفرنســية يف احلريــة‬ ‫واإلخــاء واملســاواة لــم تكــن بعيــدة عــن النبــع القدســي‪ ،‬العاصمــة‬ ‫الوحيــدة يف تاريــخ اإلنســان التــي يتجــاوز تأثيرهــا حــدود الزمــان‬ ‫واملكان‪...‬إنهــا القــدس‪.‬‬ ‫وقــدر القــدس أن تكــون املدينــة التــي يشــع فيهــا أعظــم التــراث‬ ‫اإلنســاني املشــترك اإلســالمي واملســيحي م ًعــا‪ ،‬والتقيــا يف رحابهــا‬ ‫وجوامعهــا وكنائســها ومدارســها وأديرتهــا‪ ،‬ولقــد شــرف اهلل تعالــى‬ ‫مدينــة القــدس وذكرهــا وباركهــا يف القــرآن الكــرمي‪ :‬بســم اهلل‬ ‫الرحمــن الرحيــم" ســبحان الــذي أســرى بعبــده ليــ ً‬ ‫ال مــن املســجد‬ ‫احلــرام إلــى املســجد األقصــى‪ ،‬الــذي باركنــا حولــه لنريــه مــن آياتنــا‬ ‫إنــه هــو الســميع البصيــر" صــدق اهلل العظيــم‪ ،‬كمــا روى أبــو هريــرة‬ ‫ رضــي اهلل عنــه‪-‬أن رســول اهلل صلــى اهلل عليــه وســلم قــال " ال‬‫تشــد الرحــال إال إلــى ثالثــة مســاجد‪ :‬املســجد احلــرام‪ ،‬ومســجدي‬ ‫هــذا‪ ،‬واملســجد األقصــى"‪.‬‬ ‫وقــدر للقــدس أن تســتقبل صاحــب الرســول عليــه الســالم‪،‬‬ ‫اخلليفــة الراشــد الثانــي وأحــد أعظــم شــخصيات التاريــخ اإلســالمي‬ ‫"عمــر بــن اخلطــاب ـ رضــي اهلل عنــه وقــدم مــن القــدس للعالــم‬ ‫أســمى معانــي القيــم اإلنســانية‪ ،‬وأوضــح الوجــه احلقيقــي لعدالــة‬ ‫اإلســالم حيــث جســد الفــاروق ســماحة اإلســالم حــن قــاد جيــوش‬

‫املســلمن إلــى الفتــح والظفــر والنصــر‪ ،‬جعــل لغــة احلــرب بــر ًدا‬ ‫وســال ًما وعــدالً‪.‬‬ ‫وقـدر للقـدس أن تشـهد انتصـار صـالح الديـن األيوبـي‪ ،‬وإنهـاء‬ ‫سـيطرة الغزاة عليها‪ ،‬ونشـره الرحمة واحملبة واحللم يف سـاعة احلرب‬ ‫والنصـر‪ ،‬وأعطـى للفروسـية النبيلـة مئذنـة اخللـود يف حيـاة اإلنسـانية‪.‬‬ ‫قــدر للقــدس أن يرتبــط تاريخهــا بحيــاة املســيحي األول‪،‬‬ ‫والفلســطيني األول‪-‬عيســى بــن مــرمي‪ -‬وأن تكــون روايــة حياتــه‬ ‫شــاهدة علــى تعاليمــه وناقــوس مبادئــه‪.‬‬ ‫هكذا جمعت القدس أعظم ما يف التراث اإلسـالمي واملسـيحي‪:‬‬ ‫احلـب‪ ،‬املسـاواة‪ ،‬الرحمـة‪ ،‬اإلخـاء‪ ،‬التسـامح‪ ،‬العـدل‪ ،‬اجلمـال‪،‬‬ ‫الفروسـية‪ ،‬واحتـرام اخلصـم وقبـول اآلخـر‪ ،‬واخللـو مـن الضغينـة‪.‬‬ ‫القــدس اآلن‪ ،‬مهــددة يف صميــم عروبتهــا‪ ،‬وتقبــض علــى هويتهــا‬ ‫العربيــة كالقابــض علــى اجلمــر‪ ،‬يحتــدم الصــراع الفلســطيني يف‬ ‫مواجهــة العــدو الصهيونــي يف هــذه اآلونــة حــول مدينــة القــدس‪ ،‬مــع‬ ‫أن القــدس هــي مفتــاح الســالم احلقيقــي يف املنطقــة‪ ،‬بــل يف العالــم‪.‬‬ ‫تـراود العـدو الصهيونـي أفـكار‪ ،‬بـل أحـالم ترحيـل الفلسـطينين‬ ‫قصـ ًرا أو عبـر إجـراءات القهـر املقيتـة‪ ،‬لكي يقرر الفلسـطيني الرحيل‬ ‫عـن وطنـه‪ ،‬فمـا مـن وسـيلة إال واسـتخدمتها إسـرائيل ومـا مـن برنامج‬ ‫تعسفي إال وحاولت تطبيقه‪ ،‬ولسان حال االحتالل يقول للفلسطينين‪:‬‬ ‫هـذه األرض أرضنـا وحقنـا نحـن اليهـود‪ ،‬أيهـا الفلسـطيني إمـا تقبـل‬ ‫السـيادة اليهوديـة علـى البـالد أو تعيـش عبـدًا لنـا أو لترحـل‪.‬‬ ‫إن الشــعب العربــي الفلســطيني يعتقــد اعتقــا ًدا راسـ ً‬ ‫ـخا بــأن‬ ‫مقاومــة االحتــالل وبــكل أشــكال املقاومــة ليســت ح ًقــا فحســب‪ ،‬بــل‬ ‫واج ًبــا عليــه وواج ًبــا علــى أمتــه العربيــة واإلســالمية‪ ،‬وعلــى أحــرار‬ ‫العالــم‪ .‬فاإلنســان الــذي يرضــخ للظلــم والقهــر ويســكت عــن الطغيــان‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫حوار العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪13‬‬

‫عاقتنــا مــع المملكــة العربيــة الســعودية الشــقيقة تاريخيــة أخوية‬ ‫وننســق مواقفنــا كافــة مــع أشــقائنا وبالــذات مصر والســعودية واألردن‬ ‫عــام ‪ 2005‬و‪ 2006‬م‪ ،‬وحــن فــازت حمــاس باالنتخابــات البرملانيــة عــام‬ ‫‪2006‬م‪ ،‬احترمنا قرار الشــعب وقمت بتكليف إســماعيل هنية بتشــكيل‬ ‫احلكومــة لكنهــم فشــلوا يف إدارة شــؤون البــالد ثــم ذهبنــا إلــى مكــة‬ ‫املكرمــة عــام ‪2007‬م‪ ،‬ووقعنــا معهــم اتفا ًقــا برعايــة العاهــل الســعودي‬ ‫خــادم احلرمــن الشــريفن لتشــكيل حكومــة وحدة وطنيــة لكنهم انقلبوا‬ ‫علــى اتفــاق مكــة وعلــى حكومــة الوحــدة الوطنيــة بعــد أقــل مــن ثالثــة‬ ‫أشــهر ؛ األمــر الــذي أدخلنــا يف أزمــة كبيــرة ‪ ،‬وقــد كلفــت اجلامعــة‬ ‫العربيــة مصــر بإعــادة األمــور إلــى مــا كانــت عليــه قبــل االنقــالب حيــث‬ ‫مت االتفــاق عــام ‪2012‬م‪ ،‬علــى إنهــاء االنقســام واملصاحلــة لكــن ذلــك لــم‬ ‫يتحقــق حتــى عــام ‪2014‬م‪ ،‬حيــث مت االتفــاق على تشــكيل حكومة توافق‬ ‫وطنــي مــن املســتقلن وإجــراء االنتخابــات لكــن حمــاس منعــت احلكومة‬ ‫مــن ممارســة مســؤولياتها يف قطــاع غــزة ثــم قامــت بتشــكيل حكومــة‬ ‫ســمتها جلنــة إداريــة األمــر الــذي عقــد جهــود املصاحلــة‪ ،‬وقــد أعلنــا‬ ‫موقفنــا القائــم علــى ثالثــة أســس‪ ،‬األول حــل حكومــة االنفصــال التــي‬ ‫شــكلتها حمــاس‪ ،‬الثانــي متكــن حكومة التوافق من القيام مبســؤولياتها‬ ‫يف قطــاع غــزة‪ ،‬الثالــث املوافقــة علــى إجــراء االنتخابــات‪.‬‬ ‫ومؤخـــ ًرا جنحـــت اجلهـــود املصريـــة يف إقنـــاع حمـــاس بقبـــول‬ ‫هـــذه املبـــادرة ونأمـــل أن تلتـــزم حمـــاس بالتنفيـــذ حتـــى ال تـــزداد‬ ‫األمـــور تعقيـــدًا فالوحـــدة الوطنيـــة هـــي صمـــام األمـــان وركيـــزة‬ ‫النجـــاح ملشـــروعنا الوطنـــي‪.‬‬ ‫● بعـد انتشـار اجلماعـات اإلرهابيـة يف املنطقـة العربيـة ‪..‬كيـف‬ ‫تنظـرون إلـى أسـباب اإلرهـاب احلقيقيـة‪ ،‬وهـل تـرون أن املسـاس‬ ‫باملسـجد األقصـى املبـارك سـوف يزيـد اإلرهـاب يف املنطقـة العربيـة ؟‬ ‫ نح ــن م ــن حي ــث املب ــدأ نرف ــض اإلره ــاب أ ًي ــا كان ش ــكله وأ ًي ــا‬‫كان مص ــدره ونعتب ــره خطــ ًرا عل ــى اإلنس ــانية كله ــا ولذل ــك فنح ــن‬ ‫نتع ــاون م ــع دول ع ــدة عل ــى مس ــتوى العال ــم يف مكافح ــة اإلره ــاب‬ ‫ولدين ــا بروتوك ــوالت تع ــاون م ــع ه ــذه ال ــدول يف ذل ــك‪.‬‬ ‫لكــن محاربــة اإلرهــاب ال تتوقــف فقــط علــى الوســائل األمنيــة‬ ‫والعســكرية بــل البــد مــن جتفيــف منابعــه الفكريــة واملاليــة كمــا يجــب‬ ‫حــل كل القضايــا التــي تتاجــر بهــا اجلماعــات اإلرهابيــة ويف مقدمتها‬ ‫جتفيــف مســتنقع االحتــالل اإلســرائيلي ألرض دولــة فلســطن هــذا‬ ‫االحتــالل الــذي ميثــل أبشــع أشــكال ومصــادر وذرائــع اإلرهــاب‪.‬‬ ‫إنن ــا نب ــذل قص ــارى جهودن ــا م ــن أج ــل إرس ــاء أس ــس ثقاف ــة‬ ‫الســـالم بـــن أبنـــاء شـــعبنا‪ ،‬ونحـــن نقـــف ضـــد اإلرهـــاب بصـــوره‬ ‫وأش ــكاله كاف ــة‪ ،‬وندين ــه‪ ،‬م ــن أي ــة جه ــة كان مص ــدره‪ ،‬فمنطقتن ــا‬

‫ه ــي أكب ــر ضحاي ــاه‪ ،‬وتعي ــش يف خضم ــه من ــذ ع ــدة س ــنوات‪ ،‬ونح ــن‬ ‫ندعــم وحــدة الشــعب واألرض والتوصــل إلــى حــل سياســي‪ ،‬جلميــع‬ ‫الصراعـــات يف ســـوريا وليبيـــا والعـــراق وغيرهـــا‪ ،‬وندعـــم يف ذات‬ ‫الوق ــت اجله ــود الدولي ــة الت ــي تقوده ــا اململك ــة العربي ــة الس ــعودية‬ ‫الش ــقيقة لتعزي ــز أس ــس الش ــرعية يف اليم ــن الش ــقيق‪ ،‬ومواجه ــة‬ ‫قــوى اإلرهــاب والتطــرف والطائفيــة ودعــاة العنــف‪ ،‬وأدعــو اجلميــع‬ ‫للوق ــوف ص ًف ــا واحــدًا ض ــد اإلره ــاب‪ ،‬ال ــذي ال دي ــن ل ــه‪.‬‬ ‫يف هــذا الســياق أريــد التأكيــد مــرة أخــرى‪ ،‬بأنــه ال ميكن االنتصار‬ ‫علــى اإلرهــاب والتطــرف‪ ،‬وحتقيــق األمــن‪ ،‬واالســتقرار يف منطقتنــا‪،‬‬ ‫إال عبــر إنهــاء االحتــالل اإلســرائيلي‪ ،‬ونيل الشــعب الفلســطيني حريته‬ ‫واســتقالله‪ ،‬إ ًذا محاربــة اإلرهــاب تبــدأ مــن هنــا‪ ،‬بوجــود حــل سياســي‬ ‫للقضيــة الفلســطينية ســيختفي اإلرهــاب مــرة واحدة‪.‬‬ ‫● كيف تصفون العالقات الفلسطينية ‪ -‬السعودية يف الوقت احلالي؟‬ ‫ عالقتنـــا مـــع اململكـــة العربيـــة الســـعودية الشـــقيقة عالقـــة‬‫تاريخي ــة أخوي ــة ونح ــن ننس ــق مواقفن ــا كاف ــة م ــع أش ــقائنا وبال ــذات‬ ‫مص ــر واململك ــة العربي ــة الس ــعودية واألردن‪.‬‬ ‫● ماذا بعد خطابكم األخير يف األمم املتحدة ‪..‬إلى أين ذاهبون ؟‬ ‫ لق ــد أردن ــا وض ــع النق ــاط عل ــى احل ــروف فل ــم يع ــد بإمكانن ــا‬‫أن ننتظ ــر أكث ــر‪ .‬كان يج ــب وف ــق اتف ــاق أوس ــلو أن ينته ــي االحت ــالل‬ ‫اإلس ــرائيلي لدولتن ــا ع ــام ‪1999‬م‪ ،‬لك ــن ذل ــك ل ــم يح ــدث واحلكوم ــة‬ ‫اإلس ــرائيلية تتنك ــر لالتفاقي ــات املوقع ــة بينن ــا وبينه ــم ولذل ــك الب ــد‬ ‫أن يتحـــرك املجتمـــع الدولـــي إلنقـــاذ حـــل الدولتـــن الـــذي تعمـــل‬ ‫احلكوم ــة اإلس ــرائيلية عل ــى قتل ــه ويف ه ــذا الص ــدد‪ ،‬نؤك ــد بأنن ــا‬ ‫لـــن نقبـــل أبـــدًا باســـتمرار الوضـــع القائـــم‪ ،‬ولـــن نقبـــل بامتهـــان‬ ‫كرام ــة ش ــعبنا‪ ،‬ول ــن نقب ــل باحلل ــول املؤقت ــة واالنتقالي ــة‪ ،‬ول ــن يقب ــل‬ ‫ش ــعبنا التخل ــي ع ــن مؤسس ــاته وإجنازات ــه الوطني ــة الت ــي حققه ــا‬ ‫بالتضحيـــات واملعانـــاة واأللـــم‪ ،‬وســـنحافظ علـــى القـــرار الوطنـــي‬ ‫الفلســـطيني املســـتقل‪ ،‬وســـنعمل علـــى حتقيـــق أهـــداف شـــعبنا‬ ‫بالط ــرق السياس ــية والدبلوماس ــية‪ ،‬وباس ــتخدام القان ــون الدول ــي‪،‬‬ ‫وق ــرارات الش ــرعية الدولي ــة‪ ،‬م ــن خ ــالل األمم املتح ــدة واحملاف ــل‬ ‫الدولي ــة كاف ــة‪ ،‬وحش ــد اجله ــود العربي ــة والدولي ــة لذل ــك‪.‬‬ ‫وقــد قلنــا بوضــوح ‪ :‬إنــه إذا لــم يتــم تطبيــق حــل الدولتــن فــال‬ ‫من ــاص م ــن ح ــل يضم ــن حق ــوق الش ــعب الفلس ــطيني السياس ــية يف‬ ‫كل فلس ــطن التاريخي ــة‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫حوار العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الربيـع العربـي مؤامـرة وأقلقنـا عى القضية المركزية ودفع الحركات‬ ‫المرتبطة باألجندات االستعمارية كاإلخوان المسلمين إىل صدارة المشهد‬ ‫مبـادرة السـام العربيـة تقـدم حـ ًا خا ًقـا وإسـرائيل تصـر عـى أخـذ‬ ‫مــا تريــده إلقامــة عاقــات مــع الــدول العربيــة دون إنهــاء االحتــال‬ ‫جديــدة مــن التعايــش‪ ،‬ويســهم يف مــد اجلســور بــدالً مــن بنــاء اجلدران‪،‬‬ ‫وأعتقــد أن مبــادرة الســالم العربيــة تقــدم حـ ً‬ ‫ال خال ًقــا‪ ،‬ومــع ذلــك فــال‬ ‫زالــت إســرائيل تصــر علــى أخــذ مــا تريــده مــن تلــك املبــادرة‪ ،‬إلقامــة‬ ‫عالقــات مــع الــدول العربيــة أوالً‪ ،‬دون أن تنهــي احتاللهــا لفلســطن‪،‬‬ ‫وهــذا بحــد ذاتــه وصفــة أكيدة الســتمرار الصراع والنــزاع يف منطقتنا‪،‬‬ ‫وهــو مــا ال نقبــل بــه‪ ،‬وال يقبــل بــه أحــد‪.‬‬ ‫وأنا أقول بأن اعترافنا السياسي بوجود دولة إسرائيل‪ ،‬الذي صدر‬ ‫يف العـام ‪1993‬م‪ ،‬وال زال قائ ًمـا حتـى اآلن‪ ،‬ليـس اعترا ًفـا مجان ًيـا‪ ،‬فعلى‬ ‫إسـرائيل أن تقابلـه باعتـراف مماثـل بدولـة فلسـطن‪ ،‬وبإنهـاء االحتالل‬ ‫اإلسرائيلي ألرض دولتنا‪ ،‬لتعيش دولة فلسطن إلى جانب دولة إسرائيل‪،‬‬ ‫يف أمـن وسـالم‪ ،‬وحسـن جـوار‪ ،‬كل منهمـا يف حـدود آمنـة ومعتـرف بهـا‪.‬‬ ‫● كيـف تنظـرون إلـى العالقـات العربيـة ‪-‬العربيـة يف املرحلـة احلاليـة‬ ‫وتأثيرهـا علـى القضيـة الفلسـطينية؟‬

‫ نحــن نتمنــى دائ ًمــا أن تكــون العالقــات العربيــة ــــ العربيــة‬‫قويــة ومتماســكة ألن ذلــك ســيكون لــه تأثيــر إيجابــي علــى القضيــة‬ ‫الفلســطينية وقــد دعونــا دو ًمــا إلــى حــل أيــة خالفــات بالطرق الســلمية‬ ‫واحلــوار البنــاء‪ .‬إن سياســتنا تقــوم علــى احتــرام ســيادة الــدول وعلــى‬ ‫عــدم التدخــل يف الشــؤون الداخليــة أليــة دولــة وقــد حافظنــا علــى هــذا‬ ‫املوقــف منــذ قيــام الثــورة الفلســطينية‪ .‬نحــن ال نتدخــل يف شــؤون‬ ‫الــدول ونرفــض أن يتدخــل أحــد يف شــؤننا‪.‬‬ ‫● املصاحلة الفلسطينية ‪ -‬الفلسطينية تظل عقبة على طريق احلل‬ ‫النهائـي للقضيـة الفلسـطينية وتعطـي إسـرائيل املبـرر للتنصـل مـن‬ ‫التزاماتها‪ ...‬إلى متى تستمر اخلالفات بني فتح وحماس رغم اجلهود‬ ‫العربية واإلقليمية إليجاد هذه املصاحلة‪ ،‬وهل من جديد يف هذا امللف؟‬ ‫ لقــد آمنــا باخليــار الدميقراطــي واحتــرام إرادة الشــعب مــن‬‫خــالل صناديــق االقتــراع وقــد أجرينــا انتخابــات رئاســية وتشــريعية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫احت ــالل املدين ــة مباش ــرة‪ ،‬واس ــتولت عل ــى حائ ــط الب ــراق واملنطق ــة‬ ‫املقابل ــة ل ــه‪ ،‬باإلضاف ــة إل ــى مص ــادرة مفاتي ــح ب ــاب املغارب ــة‪.‬‬ ‫وقــد ظهــرت هــذه املخاطــر بوضــوح يف بدايــة االحتــالل بجرميــة‬ ‫إحــراق املســجد األقصــى عــام ‪1969‬م‪ ،‬علــى يــد أحــد اإلســرائيلين‪،‬‬ ‫لكــن دون أن جتــرؤ إســرائيل حينهــا علــى إظهــار نواياهــا احلقيقيــة‬ ‫جتــاه املســجد‪ ،‬حيــث ظلــت الســلطة داخــل املســجد لأوقــاف‬ ‫اإلســالمية‪ .‬لكــن النوايــا اإلســرائيلية بــدأت تظهــر بشــكل أكثــر‬ ‫خطــورة منــذ عــام ‪2000‬م‪ ،‬عندمــا بــدأت إســرائيل يف محاولــة تغييــر‬ ‫الوضــع التاريخــي القائــم يف املســجد األقصــى والــذي مبوجبــه تكــون‬ ‫إدارة املســجد ومرافقــه حتــت ســلطة األوقــاف اإلســالمية‪.‬‬ ‫ثــم بــدأت احملــاوالت اإلســرائيلية تتصاعــد‬ ‫إلــى أن وصلــت إلــى محاولــة فــرض تركيــب بوابــات‬ ‫إلكترونيــة لتفتيــش املصلــن املســلمن واملســلمات‬ ‫وكذلــك كاميــرات مراقبــة األمــر الــذي واجهنــاه‬ ‫بالرفــض وجنحنــا بفضــل اهلل ثــم بصمــود شــعبنا‬ ‫ومقاومتــه الشــعبية يف إســقاطه‪.‬‬ ‫ولكــن ليــس لدينــا ثقــة يف النوايــا اإلســرائيلية‬ ‫ولذلــك نحــن منتبهــون لــكل حركــة أو خطــوة حتــاول‬ ‫إســرائيل القيــام بهــا وســوف نتصــدى أليــة محاولــة‬ ‫لتغييــر الوضــع التاريخــي القائم يف املســجد األقصى‬ ‫ونحــذر إســرائيل مــن عواقــب أيــة حماقــات ترتكبهــا يف هــذا املوضــوع‪.‬‬

‫حوار العدد‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪11‬‬

‫● ماذا عن املوقف األمريكي من املسجد األقصى وملف االستيطان؟‬ ‫ هن ــاك مح ــاوالت ج ــادة تبذله ــا اإلدارة األمريكي ــة والرئي ــس‬‫ترام ــب إلط ــالق عملي ــة سياس ــية ش ــاملة وذات مغ ــزى عمل ــي تق ــوم‬ ‫عل ــى مب ــدأ ح ــل الدولت ــن ال ــذي تضمنت ــه مب ــادرة الس ــالم العرب ــي‪،‬‬ ‫ونح ــن نتع ــاون م ــع الرئي ــس ترام ــب يف ذل ــك ونأم ــل أن تتكل ــل ه ــذه‬ ‫اجله ــود بالنج ــاح ألن ــه إذا فش ــل ح ــل الدولت ــن فل ــن يك ــون هن ــاك‬ ‫بديـ ً‬ ‫ـال إال احلقــوق املتســاوية يف كل فلســطن التاريخيــة مــن البحــر‬ ‫إل ــى النه ــر‪ ،‬أو نظ ــام االبرتهاي ــد ال ــذي نرفض ــه ويرفض ــه العال ــم‪.‬‬ ‫● جاءت أحداث "الربيع العربي "على حســاب القضية الفلســطينية‪..‬‬ ‫كيف جاء هذا التأثير ‪ ،‬وهل ترون أن االهتمام العربي‬ ‫بالقضيــة الفلســطينية تراجــع بعــد مــا يســمى بثــورات‬ ‫هــذا الربيــع ؟ ومــا مظاهــر هــذا التراجــع ؟‬ ‫ منـذ اللحظـات األولـى ملا يسـمى بالربيع العربي‬‫شـعرنا بقلـق مـزدوج‪ ،‬فمـن جهـة شـعرنا بالقلـق علـى‬ ‫البـالد العربيـة التـي شـهدت أحـداث مـا سـمي بالربيع‬ ‫العربـي‪ ،‬الـذي لـم يكـن سـوى مؤامـرة اسـتهدفت أمـن‬ ‫واسـتقرار املنطقـة العربيـة وأدت إلـى مـا نـراه اليـوم‬ ‫يف عـدد مـن دول املنطقـة‪ ،‬ومـن جهـة ثانيـة شـعرنا‬ ‫بقلـق شـديد مـن صـرف أنظـار العـرب والعالـم عـن‬ ‫القضيـة املركزيـة وهـي القضيـة الفلسـطينية مـن خالل إشـغال البالد‬ ‫العربية مبشـاكلها الداخلية ودفع بعض احلركات املرتبطة باألجندات‬ ‫االسـتعمارية كاإلخوان املسـلمن إلى صدارة املشـهد السياسي العربي‬ ‫وهو ما يعني إدخال املنطقة يف دوامة ال نهائية من الفوضى والدمار‪.‬‬

‫استمرار االعتداءات‬ ‫اإلسـرائـيـلـيـ ــة عـلـ ــى‬ ‫مـقدساتنا لـعـب بالـنـار‬ ‫وال أحـــد يـعـــرف إلـــى‬ ‫أيــن سـتـصـــل األمـــور‬

‫● ما هي خياراتكم لوقف هذه التهديدات؟‬ ‫ موقفنــا جتــاه القــدس واألقصــى لــم ولــن يتغيــر‪ ،‬ونحــن نعتمــد‬‫علــى املقاومــة الشــعبية الســلمية يف مواجهــة االحتــالل وحمايــة‬ ‫شــعبنا وحقوقنــا ومقدســاتنا‪ ،‬وســوف نواصــل دعــم وحمايــة الوجــود‬ ‫الفلســطيني يف القــدس وتعزيــز صمــود شــعبنا يف املدينــة املقدســة‪،‬‬ ‫متمســكن يف ذلــك بحقنــا الــذي كفلتــه القوانــن الدوليــة وســوف‬ ‫نعمــل علــى جتنيــد كل إمكاناتنــا يف ســبيل ذلــك‪ ،‬وألن إمكاناتنــا‬ ‫املاديــة ضعيفــة‪ ،‬وألن ســلطة االحتــالل اإلســرائيلي تواصــل احتــالل‬ ‫أرضنــا والعــدوان علــى شــعبنا ومقدســاتنا فقــد طالبنــا بتوفيــر‬ ‫احلمايــة الدوليــة لشــعبنا إلــى أن يتــم اخلــالص نهائ ًيــا مــن االحتالل‪.‬‬ ‫وأريــد أن أشــير هنــا إلــى أحــد عناصــر اســتراتيجيتنا يف مقاومة‬ ‫االحتــالل يف القــدس مــن خــالل كســر احلصــار وفــك العزلــة التــي‬ ‫حتــاول إســرائيل فرضهــا علــى املدينــة املقدســة‪ ،‬وتشــجيع زيــارات‬ ‫العــرب واملســلمن واملســيحين للقــدس مــن أجــل زيــارة األماكــن‬ ‫املقدســة فذلــك مــن أهــم وســائل دعــم الصمــود الفلســطيني ماد ًيــا‬ ‫ومعنو ًيــا وأؤكــد هنــا أن اســتمرار االعتــداءات اإلســرائيلية علــى‬ ‫مقدســاتنا اإلســالمية واملســيحية هــو لعــب بالنــار‪ ،‬فــال أحــد يعــرف‬ ‫إلــى أيــن ســتصل األمــور إذا اســتمرت هــذه االعتــداءات‪.‬‬

‫● مــاذا عــن املوقــف العربــي واإلســالمي مــن قضيــة القــدس‪ ..‬وكيــف‬ ‫تنظــرون إلــى هــذا الــدور؟‬ ‫الـمـوقــــف الــعـربـــي واإلســالمــــي مــــن الــقـــدس الـمــحــتـلـــة‬‫والــمـســـجد األقـصـــى ثـابـــت ونـحـــن بـالـتـأكـيـــد نـعـــول كثي ـ ًرا علــى‬ ‫هــذا املوقــف ولكننــا نتطلــع إلــى ضــرورة جتنيــد دعــم عربــي‬ ‫وإســالمي فاعــل لتعزيــز صمــود الشــعب الفلســطيني يف القــدس فــال‬ ‫يكفــي الدعــم السياســي بــل البــد مــن تنفيــذ قــرارات القمــم العربيــة‬ ‫واإلســالمية املتعلقــة بتقــدمي الدعــم االقتصــادي للقــدس وأهلهــا‪.‬‬ ‫● ه ــل م ــا زال ــت املب ــادرة العربي ــة مطروح ــة للتف ــاوض م ــع إس ــرائيل‬ ‫إلحــالل الســالم يف املنطقــة‪ ،‬وهــل تتعامــل معهــا مبــا يتفــق مــع نــص‬ ‫وروح ه ــذه املب ــادرة؟‬ ‫ إن تــحـقـيـــق مـصـالـحـــة تـاريــخـيـــة بـيـــن الـفـلـسـطـيـنـيـيـــن‬‫واإلســرائيلين يقتضــي بــأن تعتــرف إســرائيل مبســؤوليتها عــن النكبــة‬ ‫التــي حلــت بشــعبنا الفلســطيني والزالــت‪ ،‬األمــر الــذي ســيفتح صفحــة‬

‫‪10‬‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫حوار العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الرئي ــس الفلس ــطيني محم ــود عب ــاس ف ــي ح ــوار لـــ "آلراء ح ــول الخلي ــج"‪:‬‬

‫نتصــدى ألية محاولة لتغيير وضع األقصى‬ ‫واعترافنــا بدولــة إســرائيل ليــس مجان ًيــا‬ ‫أكــد الرئيــس الفلســطيني محمــود عبــاس يف حــوار خــاص لـــ ( آراء حــول اخلليــج) أن خطابــه أمــام اجلمعيــة العامــة لــأمم‬ ‫املتحــدة مؤخـ ًرا كان محاولــة لوضــع النقــاط علــى احلــروف‪ ،‬مؤكـدًا اســتحالة ســماح الشــعب الفلســطيني اســتمرار الوضــع‬ ‫الش ــاذ القائ ــم يف الق ــدس واألراض ــي الفلس ــطينية احملتل ــة إل ــى األب ــد وخاص ــة يف ظ ــل مح ــاوالت إس ــرائيل املتواصل ــة‬ ‫موضح ــا أن االعت ــراف الفلس ــطيني‬ ‫لتهوي ــد املدين ــة املقدس ــة وابت ــالع أراض ــي دول ــة فلس ــطن مبس ــتعمرات اس ــتيطانية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بإس ــرائيل كدول ــة لي ــس اعترا ًف ــا مجان ًي ــا ول ــن يك ــون كذل ــك‪ ،‬مش ــد ًدا عل ــى أن ــه يف ح ــال فش ــل ح ــل الدولت ــن فل ــن يك ــون‬ ‫هن ــاك بدي ـ ً‬ ‫ـال إال احلق ــوق املتس ــاوية يف كل فلس ــطن التاريخي ــة م ــن البح ــر إل ــى النه ــر‪ ،‬مؤك ــدا عل ــى أن مب ــادرة الس ــالم‬ ‫العربي ــة تق ــدم ح ـ ً‬ ‫ـال خال ًق ــا ولك ــن إس ــرائيل تص ــر عل ــى أخ ــذ م ــا تري ــده م ــن املب ــادرة إلقام ــة عالق ــات م ــع ال ــدول العربي ــة‬ ‫إلنه ــاء احتالله ــا لفلس ــطن‪.‬‬

‫أجرى احلوار‪ :‬جمال أمني همام ‪ /‬منير أبو رزق‬ ‫وقــال أبــو مــازن يف حــواره لـــ (آراء‬ ‫حــول اخلليــج)‪ :‬إن عالقتنــا مــع‬ ‫اململكـــة العربيـــة الســـعودية‬ ‫الشـــقيقة عالقـــة تاريخيـــة‬ ‫أخوية‪ ،‬ونحن ننســق مواقفنا‬ ‫كافــة مــع أشــقائنا وبالــذات‬ ‫مصـــر واململكـــة العربيـــة‬ ‫السعودية واألردن‪ ،‬مشيدًا‬ ‫بـــدور مصـــر يف الدفـــاع‬ ‫ع ــن القضي ــة الفلس ــطينية‬ ‫وجهوده ــا فـ ــي الـمـصـ ــاحلة‬ ‫بـيــــن حـمــــاس والـسـلـطــــة‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬مضي ًفــا نحــن‬ ‫نـتـمـنــــى دائــــ ًما أن تـكــــون‬ ‫العالق ــات العربي ــة ــــ العربي ــة‬ ‫قــويـــة ومـتـمـاسـكـــة‬ ‫ألن ذلــــك‬

‫ســيكون له تأثير إيجابي على القضية الفلســطينية وقد دعونا دو ًما إلى‬ ‫حــل أيــة خالفــات بالطــرق الســلمية واحلــوار البنــاء‪ .‬وأن سياســتنا تقــوم‬ ‫علــى احتــرام ســيادة الــدول وعلــى عــدم التدخل يف الشــؤون الداخلية ألية‬ ‫دولــة وقــد حافظنــا علــى هــذا املوقــف منذ قيام الثورة الفلســطينية‪ ،‬نحن‬ ‫ال نتدخــل يف شــؤون الــدول ونرفــض أن يتدخــل أحــد يف شــؤننا‪.‬‬ ‫وقـــال أبـــو مـــازن ‪ :‬نـحـــن مـن حـيـــث الـمـبدأ نـرفـض اإلرهــاب أ ًيـا‬ ‫كـــان شـكـلـــه ومـصـــدره ونـعـتـبـــره خـطـ ًرا عـلـــى اإلنـسـانـيـة كـلـهـا لـكـن‬ ‫ال يـمـكـــن االنـتـصـــار عـلـــى اإلرهـــاب والـتـطـــرف‪ ،‬وتـحـقـيـــق األمـــن‪،‬‬ ‫واالسـتـقـرار فـي مـنـطـقـتـنـا‪ ،‬إال عـبـر إنــهـاء االحــتـالل اإلســرائـيـلـي‪،‬‬ ‫ونـيــ ــل الــشـــعـ ــب الـفـلـسـطـيـنـ ــي حـريـتـ ــه واسـ ــتقالله‪ ،‬إ ًذا محارب ــة‬ ‫اإلرهــاب تبــدأ مــن هنــا‪ ،‬وبإجــاد حــل سياســي للقضيــة الفلســطينية‬ ‫س ــيختفي اإلره ــاب م ــرة واح ــدة‪ .‬وفيم ــا يل ــي ن ــص احل ــوار‪:‬‬ ‫● كيــف تــرون حقيقــة وجديــة التهديــدات اإلســرائيلية ضــد املســجد‬ ‫األقصــى املبــارك ‪ .‬وهــل ســتمضي إســرائيل يف تنفيــذ مــا تهــدد بــه؟‬ ‫ لتهديـــدات اإلســـرائيلية واملخاطـــر التـــي حتيـــط باملســـجد‬‫األقص ــى املب ــارك‪ ،‬ب ــدأت من ــذ اللحظ ــات األول ــى الحت ــالل إس ــرائيل‬ ‫ملدين ــة الق ــدس الش ــرقية واإلع ــالن ع ــن ضمه ــا إلس ــرائيل بش ــكل‬ ‫يخالـــف ويتصـــادم مـــع مبـــادئ القانـــون الدولـــي‪ ،‬حيـــث قامـــت‬ ‫ســلطات االحتــالل بهــدم بيــوت الفلســطينين يف حــارة املغاربــة بعــد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫عمليــات قتــل جماعيــة وحشــية‪ ،‬بســبب الرغبــة األمريكيــة يف الهيمنــة‬ ‫واســتعراض القــوة‪ ،‬فضـ ً‬ ‫ال عــن اتســاع الرقعــة اجلغرافية للحــرب التي‬ ‫كان مــن املفتــرض أن تتركــز يف قتــال مجموعــات إرهابيــة مســلحة‪،‬‬ ‫وأنظمــة وحشــية بالتــوازي مــع الضغــوط السياســية‪ ،‬ليدمــر العــدوان‬ ‫األمريكــي ك ً‬ ‫ال مــن أفغانســتان والعــراق‪ ،‬ثــم تســليمه إليــران ملمارســة‬ ‫عبثهــا السياســي وحتقيــق طموحاتهــا القوميــة يف املنطقــة‪ ،‬وعليــه‪ ،‬لــم‬ ‫حتقــق احلــرب علــى اإلرهــاب األمــن للمنطقــة والعالــم‪ ،‬كمــا لــم تدعــم‬ ‫القيــادة األمريكيــة للعالــم بــل جــاءت نتائجهــا عكســية متا ًمــا‪ ،‬حيــث‬ ‫أســهم القــادة األميركيــون أحيا ًنــا يف تراجــع قــوة الواليــات املتحــدة‬ ‫الــذي جتســد أكثــر مــا يكــون يف إعــالن أوبامــا املتكــرر أبــان رئاســته‪،‬‬ ‫ازدرائــه للقــوة العســكرية وبشــكل علنــي‪ ،‬وجــاء‬ ‫اســتخدام القــدرات القتاليــة للواليــات املتحــدة يف‬ ‫املنطقــة دون املأمــول للحلفــاء‪ ،‬وغال ًبــا مــا صــب يف‬ ‫مصلحــة اخلصــوم كمــا يف ســورية والعــراق‪ ،‬كمــا لــم‬ ‫يعــد النمــوذج األميركــي األخالقــي مقن ًعــا يف مجــال‬ ‫احلريــات املدنيــة والدســتورية‪ ،‬وفقــدت الكثيــر مــن‬ ‫قوتهــا الناعمــة كمدافــع عــن حقــوق اإلنســان يف‬ ‫املنطقــة فض ـ ً‬ ‫ال عــن فشــلها يف عمليــة الســالم بــن‬ ‫العــرب وإســرائيل‪.‬‬ ‫ونســتنتج ممــا تقــدم‪ ،‬أن النظــام الــذي ســعت‬ ‫الواليــات املتحــدة إلــى إســقاطه علــى النظــام العاملــي ملــا بعــد احلــرب‬ ‫أساســا فيــه للحفــاظ‬ ‫البــاردة‪ ،‬والتــي كانــت القيــادة األمريكيــة‬ ‫ً‬ ‫علــى الســالم العاملــي لــم يســتطع الصمــود أمــام النظــام الدولــي‬ ‫اجلديــد‪ ،‬وتعقيــدات التاريــخ‪ ،‬إذ ثمــة الكثيــر مــن ردود األفعــال‬ ‫مــن قبــل الــدول التــي تشــعر باالســتياء مــن دور الواليــات املتحــدة‬ ‫القيــادي كمــا هــو احلــال يف روســيا والصــن‪ ،‬فضـ ً‬ ‫ال عــن متلــك كثيــر‬ ‫مــن دول العالــم مؤخــ ًرا‪ ،‬تكنولوجيــات متقدمــة خاصــة يف مجالــي‬ ‫التجــارة اإللكترونيــة واحلــروب الســيبرانية– ممــا ســمح باملزيــد‬‫مــن إعــادة توزيــع القــوة والنفــوذ خــارج تبعيــة وســطوة الهيمنــة‬ ‫والقيــادة األمريكيــة‪ ،‬كمــا بــات التحالــف واإلجمــاع النــووي الــذي‬ ‫تقــوده الواليــات املتحــدة‪ ،‬للحــد مــن التســلح النــووي متهالــ ًكا مــع‬ ‫متلــك كوريــا الشــمالية لأســلحة النوويــة‪ ،‬واقتــراب إيــران مــن‬ ‫متلــك الســالح النــووي يف ظــل الصفقــة النوويــة املجزيــة إليــران‬ ‫مــع مجموعــة الــدول (‪ ،)1+5‬ممــا يعنــي تراجــع قــدرة أمريــكا يف‬ ‫إقــرار الســلم العاملــي‪ ،‬وعجزهــا عــن حمايــة حلفائهــا يف ظــل الســبق‬ ‫العاملــي احملمــوم للتســلح النــووي‪ ،‬وتأتــي هــذه التحديــات بالتزامــن‬ ‫مــع توقعــات تقريــر مجلــس املخابــرات الوطنيــة األمريكيــة بنهايــة‬ ‫النظــام العاملــي القائــم‪ ،‬وعصــر الهيمنــة األمريكيــة املنفــردة علــى‬ ‫العالــم‪ ،‬وهــو مجلــس املخابــرات الوطنيــة األمريكيــة الــذي يضــم‬ ‫(‪ )17‬وكالــة اســتخباراتية‪ ،‬وســاد التقريــر الكثيــر مــن التشــاؤم‪ ،‬الف ًتــا‬

‫متابعات خليجية‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪9‬‬

‫إلــى أن املشــهد العاملــي يقتــرب مــن نهايــة عصــر الهيمنــة األمريكيــة‬ ‫التــي تلــت احلــرب البــاردة‪ ،‬ممــا يعنــي املزيــد مــن الطغيــان السياســي‬ ‫واألمنــي‪ ،‬كمــا أكــد رئيــس االســتخبارات الوطنيــة ‪ -‬جريجــوري‬ ‫تريفرتــون ‪ -‬املشــرف علــى املجلــس‪ ،‬أن التنبــؤات التــي توقعهــا‬ ‫فريقــه للنهايــة احملتملــة للواليــات املتحــدة كقــوة مهيمنــة علــى العالــم‪،‬‬ ‫يعــزى إلــى تراخــي اإلدارة األمريكيــة يف التمســك باملبــادئ األساســية‬ ‫لتلــك القــوة‪ ،‬مثــل االقتصــاد الدولــي املفتــوح والتحالفــات األمريكيــة‬ ‫العســكرية مــع آســيا وأوروبــا‪ ،‬واملؤسســات الليبراليــة مثــل منظمــة‬ ‫حمايــة حقــوق اإلنســان‪ ،‬ومنظمــة التجــارة العامليــة‪.‬‬ ‫اجلديــر بالذكــر‪ ،‬أن التراجــع األمريكــي العســكري والنــووي‬ ‫قابــل للتطــور يف ظــل اإلدارة األمريكيــة اجلديــدة‪،‬‬ ‫خصوصــا أن لــدى الرئيــس ‪ -‬دونالــد ترمــب ‪-‬‬ ‫ً‬ ‫أفــكاره اخلاصــة عــن إضعــاف النظــام الدولــي يف‬ ‫حقــل التجــارة‪ ،‬وهــو مــن ميثــل يف األصــل‪ ،‬مجموعــة‬ ‫التجــارة احلــرة يف العالــم‪ ،‬عبــر اســتصدار املزيــد‬ ‫مــن القيــود احلمائيــة اجلماعيــة‪ ،‬وفــرض الرســوم‬ ‫اإلضافيــة الصارمــة علــى واردات الواليــات املتحــدة‬ ‫ســيما مــن الصــن واملكســيك‪ ،‬األمــر الــذي قــد يســهم‬ ‫خصوصــا‬ ‫يف إشــعال حــرب جتاريــة عامليــة قادمــة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أن الشــركات املتعــددة اجلنســيات التــي متثــل القــوى‬ ‫الكبــرى يف العالــم باتــت حتــت التهديــد‪ ،‬ممــا ســيفقد هــذه الشــركات‬ ‫تدريج ًيــا نفوذهــا واحتكارهــا للســوق العاملــي وهــو مــا يدعــم مشــروع‬ ‫ ترمــب ‪ -‬يف الدفــاع عــن حقــوق أصحــاب الشــركات العمالقــة‬‫التــي تعمــل باألصــل باخلفــاء‪ ،‬لتحقيــق مصاحلهــا اخلاصــة بعي ـدًا‬ ‫عــن الشــعب والكوجنــرس‪.‬‬ ‫ويبــدو أن إســتراتيجية الرئيــس األميركــي ‪-‬دونالــد ترامــب‪ -‬يف‬ ‫حربــه التجاريــة لــم ولــن يحالفهــا احلــظ ‪ ،‬حيــث فشــل مؤخ ـ ًرا يف‬ ‫فــرض برنامجــه االقتصــادي والسياســي يف قمــة دول العشــرين‬ ‫املنعقــدة مؤخــ ًرا مبدينــة ‪-‬هامبــورغ األملانيــة‪ -‬بســبب توجهــه‬ ‫االنعزالــي وشــعاره ‪-‬أميــركا أوال‪ -‬وأجمــع قــادة الــدول الـــ (‪)19‬‬ ‫علــى تطبيــق اتفــاق باريــس حــول املنــاخ‪ ،‬ليبقــى صــوت الواليــات‬ ‫رئيســا‪ ،‬كمــا أكــدت قمــة‬ ‫املتحــدة وحيــدًا ألول مــرة منــذ انتخابــه‬ ‫ً‬ ‫العشــرين األخيــرة‪ ،‬أن العالــم لــم يعــد يتطلــع إلــى القيــادة األميركيــة‬ ‫ويف مقدمتهــم حلفــاء أمريــكا نفســها‪ ،‬ممــا يؤكــد مــرة أخــرى فشــل‬ ‫الرئاســة األمريكيــة اجلديــدة يف إدارة اســتراتيجيتها الدوليــة‪ ،‬لقيــادة‬ ‫العالــم عبــر بوابتهــا التجاريــة‪ ،‬كمــا يعــول عليهــا الرئيــس األمريكــي‬ ‫دونالــد ترمــب‪ ،‬األمــر الــذي يفاقــم من حجــم اإلشــكاليات والتحديات‬ ‫الدوليــة التــي تواجــه الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪.‬‬

‫لم يعد النموذج األخاقي‬ ‫ألمريكا مقن ًعا يف الحريات‬ ‫وفقدت واشنطن قوتها‬ ‫كمدافع عن حقوق اإلنسان‬ ‫وفشلت يف عملية السام‬

‫* ﺧﺒرية دراﺳﺎت ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ واﺳﱰاﺗﻴﺠﻴﺔ‬

‫‪8‬‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫خصوصــا أن هــذه‬ ‫الواليــات املتحــدة وعالقاتهــا اإلقليميــة والدوليــة‬ ‫ً‬ ‫األزمــة لــم تــؤ ّد إلــى االنهيــار التــام للرأســمالية الليبراليــة فحســب بــل‬ ‫ً‬ ‫مخططــا لهــا‪،‬‬ ‫إنهــا لــم تدفــع إلــى أي عمليــات إصــالح شــاملة‪ ،‬كمــا كان‬ ‫وبينمــا تتعثــر الرأســمالية الغربيــة يف مســيرتها‪ ،‬ظهــرت يف املنظومــة‬ ‫الدولية أمناط مختلفة من الرأســمالية ‪-‬الصينية والهندية والروســية‬ ‫ً‬ ‫ملحوظــا‪ ،‬وحت ّولــت‬ ‫وحتــى برازيليــة‪ -‬وبــدأت حتقــق كل منهــا تقد ًمــا‬ ‫ديناميكيتاهــا االقتصاديــة بشــكل ســريع إلــى قــوة ونفــوذ علــى الصعيــد‬ ‫السياســي والعســكري ممــا شــكل املزيــد مــن الضغــط واالنحســار‬ ‫للــدور األمريكــي القابــل للتصعيــد‪ ،‬إذا مــا قــررت الدخــول يف مواجهــة‬ ‫مــع الصــن يف املناطــق اجلغرافية االســتراتيجية التــي تتقابل وتتقاطع‬ ‫هاجســا لــدى الكثيــر مــن خبــراء‬ ‫فيهــا مصاحلهــا‪ ،‬األمــر الــذي شــكل‬ ‫ً‬ ‫السياســة اخلارجيــة األمريكيــة مؤخـ ًرا علــى اعتبــار أن هــذه املواجهــة‬ ‫قادمــة ال محالــة وقــد تكــون فيهــا نهايــة القيــادة األمريكيــة للعالم طب ًقا‬ ‫ملنطــق حتــول القــوة ‪ Power Transition‬لصالــح القــوى اإلقليميــة‬ ‫الصاعــدة أو يف احلــد األدنــى تقــدمي التنــازالت واملزيــد مــن سياســات‬ ‫االســترضاء ‪ Appeasement‬للتكيــف التدريجــي‪ ،‬واحلفــاظ علــى‬ ‫بعــض مكتســباتها مــع تصاعــد نفــوذ القــوى للنمــاذج االقتصاديــة‬ ‫اجلديــدة‪ ،‬وتالف ًيــا ألي مواجهــات محتملــة بــن الواليــات املتحــدة‬ ‫والقــوى الدوليــة الصاعــدة ســيما أن عــبء املواجهــة‪ ،‬ســيكون علــى‬ ‫أمريــكا بالدرجــة األولــى حتــى وإن كان خــارج أراضيهــا‪.‬‬

‫تراجع النفوذ األمريكي العسكري والنووي يف إحال السلم العالمي‬ ‫اســتطاعت الواليــات املتحــدة مــا بعــد احلــرب العامليــة الثانية تبني‬ ‫اســتراتيجية عامليــة‪ ،‬إلحــالل الســالم واالســتقرار العاملــي‪ ،‬وحمايــة‬ ‫حلفائهــا عســكر ًيا ونوو ًيــا‪ ،‬بقصــد تعزيــز مجتمعــات آمنــه ومزدهــرة‬ ‫نســب ًيا‪ ،‬وعلــى الرغــم مــن اإلخفاقــات الكثيــرة التــي منيــت بهــا الواليات‬ ‫املتحــدة يف الشــرق األوســط وأفغانســتان‪ ،‬إال أن تلــك االســتراتيجية‬ ‫للحكــم الرأســمالي الدميقراطــي جنحــت يف كل مــن أوروبــا واليابــان‪،‬‬ ‫مقابــل فشــل االحتــاد الســوفياتي‪ ،‬وفقــدان الشــيوعية مصداقيتهــا‪.‬‬ ‫ومــع تــآكل الدميقراطيــة األمريكيــة‪ ،‬وإنهــاك اقتصادهــا باحلــروب‬ ‫مهــددة أكثــر مــن قبــل‬ ‫غيــر املبــررة‪ ،‬أضحــت سياســتها اخلارجيــة‬ ‫َّ‬ ‫بانحســار نفوذهــا العاملــي‪ ،‬وأكثــر ُعرضــة للخضــوع للتأثيــر املتزايــد‬ ‫لالعبــن اجلـ ُدد علــى الســاحة الدوليــة كالهنــد والصــن وروســيا‪ ،‬علــى‬ ‫نحــو يُك ـ ِّرس مفهــوم البقــاء لأقــوى‪ ،‬املفارقــة يف األمــر‪ ،‬أن التحديــات‬ ‫الكبــرى التــي تواجــه النفــوذ العســكري األمريكــي‪ ،‬تنبــع بالدرجــة‬ ‫األولــى مــن ذات مناطــق نفوذهــا وســيطرتها وحتدي ـدًا حيثمــا تنتشــر‬ ‫فيهــا القــوات األمريكيــة بكثافــة‪ ،‬بــد ًءا مــن شــرق آســيا واحمليــط‬ ‫الهــادي‪ ،‬ومــرو ًرا بأوروبــا موطــن القــوة حللــف الناتــو‪ ،‬وانتهــا ًء بالشــرق‬ ‫األوســط حيــث القواعــد العســكرية األمريكيــة الدائمــة واملتحركــة‪ ،‬ففي‬ ‫شــرق آســيا بــات الوجــود العســكري األمريكــي‪ ،‬مهــد ًدا بقــدرات القــوة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫االقتصاديــة والعســكرية للصــن‪ ،‬وطموحاتهــا ببســط ســيطرتها علــى‬ ‫اإلقليــم اآلســيوي‪ ،‬بقصــد حتويلهــا ملنطقــة نفــوذ سياســي واقتصــادي‬ ‫وعســكري‪ ،‬موظفــة يف ذلــك الكثيــر مــن املؤسســات والسياســات املاليــة‬ ‫املتقدمة تتصدرها منظمة شــنغهاي للتعاون‪ ،‬وبنك االســتثمار اآلســيوي‬ ‫اللتــان تســتهدفا تنظيــم التجــارة البينيــة يف آســيا جلــذب االســتثمارات‬ ‫إلــى الصــن‪ ،‬وتوفيــر املــالءة اآلمنــة لها من التقلبــات املالية واالقتصادية‬ ‫منتجــا جلــذب الــدول‬ ‫الدوليــة‪ ،‬حيــث اســتصدرت الصــن مؤخــ ًرا‬ ‫ً‬ ‫املصــدرة للنفــط‪ ،‬واســتبدال قيمــة العقــود اآلجلــة للنفــط بالذهــب بــدالً‬ ‫مــن الــدوالر لكســر هيمنــة الــدوالر األمريكــي‪ ،‬فض ـ ً‬ ‫ال عــن نشــاطها‬ ‫يف جتــارة الســالح‪ ،‬وإحيــاء طريــق احلريــر التجــاري القــدمي‪ ،‬للوصــول‬ ‫إلــى أســواق الشــرق األوســط وأوروبــا فضـ ً‬ ‫ال عــن آســيا وغيرها بحســب‬ ‫أجندتهــا املوضوعــة لتلــك الســيطرة‪ ،‬والتــي غال ًبــا مــا تتقاطــع مــع أي‬ ‫حــراك أمريكــي يف اإلقليــم بقصــد التضيــق عليــه‪.‬‬ ‫ويف شــرق أوروبــا‪ ،‬يواجــه النفــوذ العســكري للواليــات املتحــدة‬ ‫متاعــب جمــه رصدهــا املفكــر األمريكــي تشوميســكي مؤخ ـ ًرا‪ ،‬علــى‬ ‫أثــر حــرب أوكرانيــا التــي تعــد مــن أعتــى حــروب اإلرادة بــن الشــرق‬ ‫والغــرب‪ ،‬بســبب رغبــة الواليــات املتحــدة يف توســيع حلــف الناتــو‬ ‫شــرقاً‪ ،‬ليضــم أوكرانيــا‪ ،‬األمــر الــذي أثــار حفيظــة موســكو التي تعتبر‬ ‫هــذا التوســع حتد ًيــا أمريك ًيــا ســاف ًرا للنفــوذ الروســي‪ ،‬وهنــاك العديد‬ ‫مــن املؤشــرات الدالــة علــى عمــق التراجــع األمريكــي أمــام القــوة‬ ‫الروســية‪ ،‬والتــي تكشــف إلــى حــد كبيــر حــدود العجــز األمريكــي يف‬ ‫مواجهــة مشــكالت العالــم والتعاطــي معهــا‪ ،‬ســيما مــع إعــالن روســيا‬ ‫رفضهــا القاطــع للهيمنــة األمريكيــة علــى العالــم يف حــرب جورجيــا‬ ‫األخيــرة‪ ،‬حيــث لــم تســتطع أمريــكا ردع قــوة أقــل منهــا مثــل روســيا‬ ‫عــن شــن حــرب مدمــرة علــى دولــة حليفــة لهــا يف منطقــة القوقــاز‪،‬‬ ‫بــل صعــدت روســيا مــن حتديهــا للغــرب وللواليــات املتحــدة‪ ،‬عبــر‬ ‫إعــالن اعترافهــا الرســمي باســتقالل إقليمــي ‪-‬أبخازيــا وأوســيتيا‪-‬‬ ‫اجلنوبيــة‪ ،‬والتهديــد باســتهداف الــدرع الصاروخيــة األمريكيــة يف‬ ‫حــال مت نشــرها يف بولنــدا أو جمهوريــة التشــيك‪ ،‬والوضــع قابــل‬ ‫للتصعيــد السياســي واالقتصــادي والعســكري علــى نحــو مياثــل‬ ‫احملــرك األساســي للحــرب الروســية اجلورجيــة عــام ‪2014‬م‪ ،‬مــع‬ ‫اســتمرار ضــخ أســلحة أمريكيــة إلــى منطقــة آســيا واحمليــط الهــادي‪،‬‬ ‫خصوصــا‬ ‫ومــا تنطــوي عليهــا مــن مخاطــر يف اإلقليــم اآلســيوي‬ ‫ً‬ ‫اخليــار األمريكــي يف تعزيــز القــدرات النوويــة لــدى طوكيــو وســيئول‪،‬‬ ‫ملواجهــة مــا تعتبــره واشــنطن تهديــدات مــن كوريــا الشــمالية‪.‬‬ ‫ويف ذات الســياق‪ ،‬يأتــي تراجــع النفــوذ العســكري والتأثيــر‬ ‫النــووي األمريكــي يف منطقــة الشــرق األوســط‪ ،‬اإلقليــم الثالــث للنفــوذ‬ ‫األمريكــي العاملــي بعــد شــرق أوروبــا وشــرق آســيا‪ ،‬ومســرح حربهــا‬ ‫ضــد اإلرهــاب ‪ ،‬ليشــكل التحــدي األصعــب لــإلدارة األمريكيــة كمــا‬ ‫يعتبــره تشوميســكي علــى خلفيــة حتــول ســاحات تلــك احلــرب إلــى‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪7‬‬

‫يقف العالم عى أعتاب نظام عالمي جديد بعي ًدا عن الهيمنة األمريكية‬ ‫والتب ــدالت الصناعي ــة والمعلوماتي ــة ب ــدأت تعي ــد تش ــكيل العال ــم‬ ‫دورهــا وغيرهــا مــن اإلشــكاليات األخــرى التــي تكشــفت لنــا حتــى مــع‬ ‫استراتيجية البيت األبيض يف استرضاء املنافسن واخلصوم‪ ،‬وحتفيز‬ ‫واســتجداء احللفــاء والشــركاء‪ ،‬ممــا ينبــئ بانحســار الــدور األمريكــي يف‬ ‫قيــادة العالــم‪ ،‬طب ًقــا لإلشــكاليات التــي ســنحاول البحــث فيــه تال ًيــا‪.‬‬

‫القيادة األمريكية العالمية وإشكالية التوازن الدويل الجديد‬ ‫يقــف العالــم أجمــع علــى أعتــاب نظــام عاملــي جديــد متا ًمــا بعيـدًا‬ ‫عــن هيمنــة القــوة االقتصادية والسياســية للواليات املتحــدة األميركية‪،‬‬ ‫ســيما أن التبــدالت يف املجــاالت الصناعيــة واملعلوماتيــة بــدأت تعيــد‬ ‫تشــكيل العالــم بشــكل يجعلــه أغنــى بالفــرص وإن كان أخطــر لناحيــة‬ ‫التهديــدات مبــا يعنيــه ذلــك مــن طــرق جديــدة للتفاعــل بن الــدول على‬ ‫املســتوين االقتصــادي والسياســي بشــكل ثنائــي‪ ،‬كمــا أحــدث التــوازن‬ ‫الدولــي اجلديــد حتــوالت جمــه يف املجتمــع الدولــي وتغيــر مســاراته‬ ‫علــى نحــو لــم يعــد يخــدم السياســة اخلارجيــة األمريكيــة وحتالفاتهــا‬ ‫كمــا كان ســاب ًقا‪ ،‬ممــا تســبب بالعديــد مــن التوتــرات بــن كتلــة العالــم‬ ‫املتقــدم بقيــادة الواليــات املتحــدة مــن جانــب‪ ،‬وكتلــة الــدول الناميــة‬ ‫بقيــادة الصــن مــن جانــب آخــر‪ ،‬جــراء السياســات احلمائيــة واملوانــع‬ ‫احلدوديــة املفروضــة يف الــدول التــي يع ّدهــا كل منهــم مناطــق نفــوذ‬ ‫خاصــة بــه‪ ،‬والتــي أتــت بالتزامــن مــع تراجــع ملحــوظ لــدور املؤسســات‬ ‫الدوليــة التــي تدعمهــا الواليــات املتحــدة ويف مقدمتهــا األمم املتحــدة‬ ‫التــي باتــت عاجــزة عــن طــرح مبادراتهــا‪ ،‬وصنــدوق النقــد الدولــي‬ ‫الــذي تراجــع نشــاطه وتقلــص دوره يف إقــراض األمــوال مــع توجــه‬ ‫كثيــر مــن الــدول إلــى ضــخّ صناديــق الثــروة الســيادية يف األســواق‬ ‫الناشــئة بدرجــة تفــوق مــا ضخّ ــه صنــدوق النقــد الدولــي والبنــك‬ ‫الدولــي مجتمعــن‪ ،‬فضـ ً‬ ‫ال عــن قــوة الصــن املاليــة التــي يتوقــع تزايــد‬ ‫قدرتهــا علــى منــح القــروض واملســاعدات بدرجــة هائلــة ‪-‬كمــا يف حالة‬ ‫إفريقيــا‪ -‬وعلــى نحــو يفــوق قــروض البنــك الدولــي ممــا يعنــي املزيــد‬ ‫مــن التهميــش لــدور البنــك الدولــي‪ ،‬وتدنــي تأثيــر الرعايــة األمريكيــة‬ ‫لــه علــى مســتوى العالــم‪.‬‬ ‫كمــا بــدأت منظمــة التجــارة العامليــة تفقــد ً‬ ‫بعضــا مــن أهميتهــا‬ ‫مــع منــو اســتراتيجية عقــد االتفاقيــات الثنائيــة يف شــرق آســيا علــى‬ ‫غــرار االتفاقــات التجاريــة الثنائيــة التــي تعقدهــا الصــن والهنــد منــذ‬ ‫عــام ‪2000‬م‪ ،‬ممــا أفقــد الواليــات املتحــدة الكثيــر مــن اســتراتيجياتها‬ ‫االقتصاديــة الهادفــة لتحريــر التجــارة يف شــرق آســيا‪ ،‬والدخــول يف‬ ‫حتالفــات سياســية وأمنيــة واقتصاديــة تخــدم حراكها املســتقبلي لشــرق‬ ‫ووســط قــارة آســيا‪ ،‬األمــر الــذي أضعــف قــدرة أمريــكا علــى قيــادة‬

‫العالــم والتعامــل مــع أزماتــه املختلفــة‪ ،‬الســيما مــع تفاقــم أزماتهــا املاليــة‬ ‫والسياســية‪ ،‬بشــكل جعــل كثيـ ًرا مــن احملللــن يتحدثــون منــذ وقــت عــن‬ ‫بدايــة تشــكيل نظــام عاملــي جديــد‪ ،‬ال يخضــع لتوجيــه وســيطرة القطــب‬ ‫األمريكــي كقــوة عظمــى وحيــدة يف العالــم‪ ،‬ومــن الواضــح إدراك اإلدارة‬ ‫األمريكيــة العميــق لتلــك التحــوالت الدوليــة يف القــوة االقتصاديــة‬ ‫والعســكرية‪ ،‬ومــا صاحبهــا مــن نفــوذ سياســي علــى الســاحة الدوليــة‪،‬‬ ‫حيــث ســبق أن وصفهــا الرئيــس األميركــي بــاراك أوبامــا بـــ ‪-‬الواقــع‬ ‫العاملــي اجلديــد‪ -‬الــذي أصبــح يهــدد قواعــد وأســس النظــام الدولــي‬ ‫الــذي تشــكل مــا بعــد نهايــة احلــرب البــاردة‪ ،‬ممــا يعنــي نهايــة حقبــة‬ ‫الســيطرة والصعــود الغربــي‪ ،‬يف مقابــل أكبــر وأســرع ثــورة صناعيــة‬ ‫شــهدها العالــم يف الصــن‪ ،‬والتــي مــن املقــرر أن تتجــاوز الواليــات‬ ‫املتحــدة كأكبــر اقتصــاد يف العالــم يف املســتقبل القريــب‪ ،‬والوضــع قابــل‬ ‫للتطــور إذا مــا قــررت أمريــكا املضــي قد ًما يف رفض التكيف مع املشــهد‬ ‫العاملــي‪ ،‬وعــدم القبــول بانحســار دورهــا يف االقتصــاد العاملــي‪.‬‬

‫التراجع األمريكي بنهاية الرأسمالية الغربية والتكامل االقتصادي‬ ‫يجمــع خبــراء السياســة كمــا أســلفنا أن عصــر األحاديــة القطبيــة‬ ‫قــد أنتهــى‪ ،‬كمــا يســتبعد أن يعــود العالــم إلــى حالــة مــن الثنائيــة‬ ‫القطبيــة أو حتــى التوافــق حــول منــوذج اقتصــادي واحــد يتحــدد‬ ‫بالرأســمالية الليبراليــة الدميقراطيــة‪ ،‬حيــث تتعــدد األشــكال والنماذج‬ ‫االقتصاديــة يف العالــم اجلديــد‪ ،‬والتــي غال ًبــا لــن تكــون ليبراليــة ســيما‬ ‫مــا بعــد تداعيــات األزمــة املاليــة العامليــة األخيــرة ومــا أفضــت إليــه مــن‬ ‫تغيــر وعــدم اســتقرار دائمــن وإبطــاء االقتصــادات العامليــة‪ ،‬وتراجــع‬ ‫االزدهــار املفتــرض بــن السياســات الدميقراطيــة والنمــو االقتصــادي‪،‬‬ ‫كمــا لــم تخلــق العوملــة كنظــام اقتصــادي رأســمالي بيئــة التعــاون‬ ‫واملصالــح املشــتركة واملفترضــة بــن دول العالــم لدعــم اســتقرار النظام‬ ‫الدولــي‪ ،‬أو تقــدمي أي مميــزات للــدول الكبــرى‪ ،‬بــل أســهمت يف تكريس‬ ‫التعــارض بــن اســتراتيجيات االقتصــادات العامليــة الكبــرى‪ ،‬كمــا‬ ‫عكــس الواقــع اجلديــد تدهــور فعاليــة املنتديــات والتحالفــات‪ ،‬وانهيــار‬ ‫املؤسســات الدوليــة التــي تعــول عليهــا الواليــات املتحــدة نظـ ًرا التســاع‬ ‫الفجــوة بــن مصالــح الــدول املتقدمــة والــدول الناميــة‪ ،‬ومــن ثــم‪ ،‬حــل‬ ‫التنافــس والنــزاع بــدالً مــن التعــاون‪ ،‬وســاد منطق "املعــادالت الصفرية"‬ ‫لالســتئثار بكامــل الربــح بــدالً مــن املشــاركة يف الفــرص واألربــاح‪ ،‬وال‬ ‫يفوتنــا تقــدم الــدول اآلســيوية الــذي أتــى علــى حســاب الواليــات‬ ‫املتحــدة‪ ،‬ممــا تســبب بإفــالس الكثيــر مــن الشــركات األمريكيــة‪،‬‬ ‫وصعــود الصــن االقتصــادي ممــا شــكل عاملــي ضغــط وتهديــد علــى‬

‫‪6‬‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫لــن يعــود العالــم أحــادي أو ثنائــي القطبيــة ولــن تهيمــن الرأســمالية الليبرالية‬

‫الواليــات المتحــدة ومســتقبل قيــادة العالم‪:‬‬ ‫انحسار الفرص وتنامي اإلشكاليات والتحديات‬ ‫يــدور املنظــور الفكــري والفلســفي للسياســة اخلارجيــة األمريكيــة مبجملــه يف فلــك الهيمنــة والزعامــة األمريكيــة العامليــة‪،‬‬ ‫فالهيمنــة أو الزعامــة حســب اخلطــاب األمريكــي‪ ،‬هــي اســتراتيجية واقعيــة تســعى إلــى إدامــة الســيطرة اجليوسياســية ســيما‬ ‫مــا بعــد احلــرب البــاردة وتراجــع االحتــاد الســوفياتي‪ ،‬حيــث ظهــرت الواليــات املتحــدة كقــوى عظمــى فارضــة علــى العالــم‬ ‫نظــام األحاديــة القُطبيــة‪ ،‬لقيــادة العالــم وف ًقــا ملصاحلهــا االســتراتيجية‪ ،‬مــع تطويــع املنظومــة الدوليــة عبــر مســاهماتها‬ ‫املاليــة للمؤسســات الدوليــة‪ ،‬وتقــدمي الدعــم العســكري‪ ،‬و نشــر مبــادئ الدميقراطيــة وحقــوق اإلنْ َســـان التــي وجــدت فيهــا‬ ‫مسـ ً‬ ‫ـوغا شــرع ًيا الحتــالل بعــض دول العالــم والســيطرة علــى ثرواتهــا دون أيــة مشــروعية قانونيــة دوليــة‪.‬‬

‫د‪ .‬أميرة الراشد الغامدي‬ ‫ويرى أنصار هذه االستراتيجية من املنظرين والساسة األمريكين‬ ‫أن علــى الواليــات املتحــدة ضــرورة الســعي إلــى مضاعفة قوتها النســبية‬ ‫إلــى أقصــى حــد لزيــادة قدرتهــا التنافســية‪ ،‬وتقــوم هــذه االســتراتيجية‬ ‫علــى افتــراض أن الــدول تكســب األمــن ليــس مــن خــالل تــوازن القــوى‪،‬‬ ‫بــل ِعبــر اختــالل القــوى ملصلحتهــا وتكريــس زعامتهــا‪ ،‬وتبنــت اإلدارة‬ ‫األمريكيــة مفهــوم الفوضــى اخلالقــة علــى أكثــر مــن مســتوى إلخــالل‬ ‫التــوازن النســبي يف الكثيــر مــن املناطــق احليويــة يف املنظومــة الدوليــة‬ ‫مبــا فيهــا منطقــة الشــرق األوســط‪ ،‬مســتغلة هيمنتهــا املتفــردة علــى‬ ‫مجلــس األمــن وغيــره مــن املؤسســات واملنظمــات والتحالفــات الدوليــة‬ ‫لعقــود‪ ،‬إمــا بتوجيــه قراراتهــا أَ ْو احباطهــا أَ ْو انتزاعهــا‪ ،‬فضال عن القيام‬ ‫مبمارســات دوليــة خــارج الشــرعية الدوليــة‪ ،‬ممــا فاقــم مــن عجــز األمم‬ ‫املتحــدة واملنظمــات الدوليــة عــن معاجلــة القضايــا الدوليــة‪ ،‬وإقــرار‬ ‫الســلم واألمــن الدوليــن‪ ،‬إذ يحفــل تاريــخ مجلــس األمــن الدولي بالعديد‬ ‫مــن التدخــالت واخلروقــات األمريكيــة‪ ،‬التــي جعلــت منــه أداة لتحقيــق‬ ‫مصاحلهــا االســتعمارية‪ ،‬وشــرعنة تدخالتهــا وجرائمهــا بحق الشــعوب‪،‬‬ ‫ـروب أمريــكا األَخيــرة يف‬ ‫والــدول الرافضــة للهيمنــة األمريكيــة‪ ،‬ومــا حـ ُ‬ ‫انعكاســا مباشـ ًرا‬ ‫كل من‪ :‬أفغانســتان‪ ،‬العراق‪ ،‬ليبيا‪ ،‬ســوريا‪ ،‬واليمن‪ ،‬إال‬ ‫ً‬ ‫للســطوة األمريكيــة علــى األمم املتحــدة وكافــة املنظمــات الدوليــة التــي‬ ‫ســعت لتأسيســها أو رعايتهــا‪.‬‬ ‫ويف ظل النظام الدولي اجلديد‪ ،‬وحتوالت ميزان القوى من الغرب‬ ‫إلــى الشــرق ‪-‬قــارة آســيا‪ -‬يبــدو أن النســق الفلســفي والفكــري املرســوم‬ ‫لقيــادة الواليــات املتحــدة األمريكيــة للعالــم لــم يعــد بــذات القــوة والزخــم‬

‫احملــدد لــه‪ ،‬واندفــع الكثيــر مــن احملللــن لرصــد التداعيــات املنتظــرة‬ ‫علــى مســتقبل قيــادة الواليــات املتحدة للعالم‪ ،‬حيث أثــار النقاش األخير‬ ‫بــن خبــراء السياســة الدوليــة ومستشــاري األمــن القومــي يف أمريــكا‬ ‫مبعهــد أســن ‪ ،Aspen Institute‬أهــم املخاطــر التــي ســتواجه اإلدارة‬ ‫األمريكيــة أمــام نظــام عاملــي جديــد متا ًمــا‪ ،‬مبــا يعنيــه ذلــك مــن طــرق‬ ‫جديــدة للتفاعــل بــن الــدول علــى املســتوين االقتصــادي والسياســي‪،‬‬ ‫والشــكوك حــول مــا اذا كانــت املتغيــرات الدوليــة املتســارعة تعــزز مــن‬ ‫االعتقــاد الســائد بــأن الهيمنــة األمريكيــة علــى شــؤون العالــم ال تــزال‬ ‫حقيقة أم واقع سياســي نســبي قابل للتغيير يف ظل التراجع األمريكي‪،‬‬ ‫ومــدى تدنــي قــدرة واشــنطن علــى فــرض إرادتهــا علــى قضايــا العالــم‬ ‫التــي باتــت رهينــة بجملــة من املتغيــرات واالعتبــارات والتوازنات العاملية‬ ‫خصوصــا مــع خســارة حتالفاتهــا يف أمريــكا الالتينيــة التــي باتــت خــارج‬ ‫ً‬ ‫هيمنــة وســيطرة أســطول البحريــة األمريكيــة وجهازهــا االســتخباراتي‬ ‫وصعوبــة الســيطرة علــى أوروبــا الشــرقية والهنــد والصــن والعالــم‬ ‫العربــي واإلســالمي وإفريقيــا‪.‬‬ ‫ولالســتفاضة يف استشــراف مســتقبل قيــادة الواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة للمنظومــة الدوليــة يف ظــل العالــم الدولــي اجلديــد‪ ،‬ومــا‬ ‫ناقشــه الكثيــر مــن اخلبــراء واملستشــارين ملجموعــة التحديــات التــي‬ ‫تكبــح جمــاح القيــادة األمريكيــة حال ًيــا ويف املســتقبل‪ ،‬ومــا متــر بــه مــن‬ ‫أزمــات عاصفــة يف العقــد األخيــر‪ ،‬تؤكــد املعطيــات أن قــدرة واشــنطن‬ ‫علــى التحكــم يف مجريــات األحــداث باتــت محدودة مع تســاقط حلفائها‬ ‫يف مختلــف مناطــق العالــم‪ ،‬وبــروز قــوى عظمــى أخــرى تتنافــس علــى‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫واالســـتمرار يف االســـتيطان‪ .‬عـــاد الـــرأي العـــام ليســـتيقظ ويثـــور‬ ‫يف وجـــه االعتـــداءات اإلســـرائيلية علـــى أولـــى القبلتـــن وثالـــث‬ ‫احلرمـــن الشـــريفن‪.‬‬ ‫عملي ــة األقص ــى أت ــت مب ــا ال تش ــتهي إس ــرائيل‪ ،‬فق ــد أع ــادت‬ ‫القضيــة الفلســطينية‪ ،‬والقــدس إلــى الصــدارة‪ ،‬بــل حشــدت الشــعب‬ ‫الفلس ــطيني خل ــف س ــلطته الوطني ــة‪ ،‬وتعام ــل الرئي ــس الفلس ــطيني‬ ‫بــذكاء مــع املشــاعر الشــعبية ووقــف يف خنــدق الدفــاع عــن القــدس‪،‬‬ ‫إحراج ــا حلرك ــة حم ــاس الت ــي ب ــدت وكأنه ــا غي ــر معني ــة‬ ‫م ــا س ــبب‬ ‫ً‬ ‫باألقص ــى يف بداي ــة األزم ــة األخي ــرة‪ ،‬ب ــل أن بع ــض قادته ــا هاجم ــوا‪،‬‬ ‫وتهكم ــوا عل ــى املدافع ــن ع ــن األقص ــى‪.‬‬ ‫وعلي ــه تقدم ــت حم ــاس بخط ــوات مهم ــة تأخ ــرت كثيـ ـ ًرا جت ــاه‬ ‫املصاحلـــة الفلســـطينية بعـــد أن ترجمـــت ذلـــك بفصـــل قيادتهـــا‬ ‫السياس ــية املوج ــودة يف اخل ــارج ع ــن قي ــادة الداخ ــل يف غ ــزة‪ ،‬كم ــا‬ ‫حلـــت اللجنـــة اإلداريـــة التـــي تقـــوم بـــدور احلكومـــة املوازيـــة يف‬ ‫ً‬ ‫وأيض ــا ذه ــب إس ــماعيل هني ــة إل ــى القاه ــرة وواف ــق عل ــى‬ ‫القط ــاع‪،‬‬ ‫املبـــادرة املصريـــة‪.‬‬ ‫وج ــاءت املتغي ــرات يف توجه ــات حم ــاس ض ــرورة ذاتي ــة للحرك ــة‬ ‫ملواكب ــة املتغي ــرات‪ ،‬فل ــم يع ــد الدع ــم اإليران ــي‪ ،‬والترك ــي‪ ،‬والقط ــري‬ ‫واق ًعــا حلمــاس‪ ،‬وجــاء مصــدر الدعــم مــن اململكــة العربيــة الســعودية‬ ‫ودولــة اإلمــارات العربيــة املتحــدة‪ ،‬وهــذا الدعــم للشــعب الفلســطيني‬ ‫ولي ــس للح ــركات أو التنظيم ــات املتصارع ــة‪ ،‬كم ــا أن مص ــر تدع ــم‬ ‫الش ــعب الفلس ــطيني وتق ــدم الع ــون واملس ــاعدة للش ــعب الفلس ــطيني‬ ‫عبـــر فتـــح املنافـــذ البريـــة لقطـــاع غـــزة‪ ،‬كمـــا أن القاهـــرة أعـــادت‬ ‫التنس ــيق م ــع حم ــاس وذه ــب إل ــى القاه ــرة إس ــماعيل هني ــة وقب ــل‬ ‫باملب ــادرة املصري ــة‪.‬‬ ‫أمـــا علـــى املســـتوى األمريكـــي واإلســـرائيلي‪ ،‬فقـــد أكـــدت‬ ‫اجتماعـــات األمم املتحـــدة خـــالل الشـــهر احلالـــي يف نيويـــورك‬ ‫انع ــدام االهتم ــام األمريك ــي بح ــل الدولت ــن‪ ،‬أو التعام ــل م ــع املب ــادرة‬ ‫العربي ــة‪ ،‬فل ــم يتط ــرق الرئي ــس األمريك ــي ترام ــب أو رئي ــس ال ــوزراء‬ ‫اإلس ــرائيلي بنيام ــن نتنياه ــو إل ــى ح ــل القضي ــة الفلس ــطينية بكلم ــة‬ ‫واحـــدة أمـــام اجلمعيـــة العامـــة لـــأمم املتحـــدة‪ ،‬مـــا يعنـــي فتـــور‬ ‫االهتمــام األمريكــي بالقضيــة الفلســطينية يف عهــد ترامــب‪ ،‬وتناســى‬ ‫مب ــادرة ح ــل الدولت ــن‪ ،‬ب ــل حت ــى ل ــم ي ــأت عل ــى أح ــداث املس ــجد‬ ‫األقصــى األخيــرة بكلمــة واحــدة‪ ،‬وعليــه فقــد اســتغل رئيــس الــوزراء‬ ‫اإلســرائيلي بنيامــن نتنياهــو الفرصــة ليتغنــى بإســرائيل ومــا حققتــه‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪5‬‬

‫مـــن إجنـــازات داخليـــة واحتضـــان دولـــي متزايـــد للدولـــة العبريـــة‬ ‫خ ــالل الع ــام يف مق ــر املنظم ــة الدولي ــة‪.‬‬ ‫وعلــى ضــوء ذلــك يتضــح أن مفاتيــح احلــل املتاحــة بــدأت تتجــه‬ ‫إل ــى الواقعي ــة‪ ،‬وأنه ــا تأت ــي م ــن داخ ــل فلس ــطن نفس ــها وم ــن دول‬ ‫االعتــدال العربــي التــي تســعى إلــى حتقيــق الســالم العــادل والشــامل‬ ‫ب ــدون ف ــرض ايدولوجي ــات‪ ،‬أو تنفي ــذ أجن ــدات‪ ،‬ب ــل دع ــم الش ــعب‬ ‫الفلســـطيني وحتقيـــق حلـــم إقامـــة دولتـــه علـــى حـــدود ‪ 4‬يونيـــو‬ ‫‪1976‬م‪ ،‬وعاصمته ــا الق ــدس الش ــرقية‪.‬‬ ‫هن ــا‪ ،‬عل ــى الفصائ ــل الفلس ــطينية اقتن ــاص الفرص ــة بترس ــخ‬ ‫وتفعيـــل املصاحلـــة بحلـــول عمليـــة علـــى األرض‪ ،‬وترجمتهـــا‬ ‫يف خطـــوات عمليـــة للمصاحلـــة بـــن فتـــح وحمـــاس‪ ،‬وإجـــراء‬ ‫االنتخابـــات الفلســـطينية‪ ،‬وحتقيـــق التواصـــل بـــن قطـــاع غـــزة‬ ‫والضفــة الغربيــة‪ ،‬والعمــل علــى إعــادة اإلعمــار مبــا يحقــق الفائــدة‬ ‫للشـــعب الفلســـطيني دون النظـــر إلـــى حتقيـــق مكاســـب فئويـــة أو‬ ‫فصائليـــة‪ ،‬بـــل مكاســـب وطنيـــة‪.‬‬ ‫وعل ــى ال ــدول العربي ــة‪ ،‬وال ــدول املؤي ــدة للس ــالم االس ــتفادة م ــن‬ ‫هــذه املعطيــات وتشــجيع خطــوات املصاحلــة الفلســطينية‪ ،‬والضغــط‬ ‫عل ــى إس ــرائيل لقب ــول ح ــل الدولت ــن وإقام ــة الدول ــة الفلس ــطينية‬ ‫وعاصمتهـــا القـــدس الشـــرقية جن ًبـــا إلـــى جنـــب دولـــة إســـرائيل‪،‬‬ ‫وه ــو م ــا تضمنت ــه وارتك ــزت إلي ــه املب ــادرة العربي ــة‪ ،‬وإذا حتق ــق ذل ــك‬ ‫ســوف تنتهــي مشــكلة القضيــة الفلســطينية وتعيــش إســرائيل بســالم‬ ‫يف محيطه ــا اإلقليم ــي وف ًق ــا لعالق ــات طبيعي ــة معلن ــة م ــع جيرانه ــا‬ ‫الع ــرب‪ ،‬وتق ــل أو تختف ــي مش ــكلة اإلره ــاب‪ ،‬وتتف ــرغ دول املنطق ــة‬ ‫للتنمي ــة والبن ــاء يف ظ ــل الس ــالم الع ــادل ال ــذي ط ــال انتظ ــاره‪ ،‬وعل ــى‬ ‫إســـرائيل أن تعـــي جيـــدًا ضـــرورة العيـــش بســـالم‪ ،‬وأن تـــدرك أن‬ ‫إقام ــة الدول ــة الفلس ــطينية ح ــق ولي ــس من ــة منه ــا‪ ،‬أو تفض ــال عل ــى‬ ‫الفلس ــطينين واملنطق ــة‪ ،‬وأن ذل ــك ه ــو املفت ــاح احلقيق ــي والوحي ــد‬ ‫للس ــالم الدائ ــم والع ــادل يف منطق ــة الش ــرق األوس ــط‪.‬‬ ‫وب ــدون ذل ــك س ــتراوح املنطق ــة يف الظ ــروف الت ــي س ــادت من ــذ‬ ‫منتصــف أربعينيــات القــرن العشــرين‪ ،‬وتظــل إســرائيل جسـدًا غري ًبــا‬ ‫يف املنطق ــة العربي ــة‪ ،‬ول ــن تنج ــح أي مح ــاوالت للتطبي ــع م ــع ال ــدول‬ ‫العربي ــة الت ــي تنش ــد الس ــالم واالس ــتقرار وإنه ــاء حال ــة العنصري ــة‬ ‫الت ــي متارس ــها إس ــرائيل ض ــد الش ــعب الفلس ــطيني‪.‬‬

‫*رﺋﻴﺲ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺨﻠﻴﺞ ﻟﻸﺑﺤﺎث‬

‫حول الخليج‬ ‫‪4‬‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫افـتتــاحــية ال ـعـدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الــقــضــيـة الـفـلـسـطـيـنـيـة‪..‬‬ ‫الــواقــع الــجــديــد‬

‫‪4‬‬

‫د‪ .‬عبد العزيز بن عثمان بن صقر‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪sager@grc.net‬‬

‫بـعـ ــد ‪ 70‬عـامـ ًــا هـ ــي عـمـ ــر الـقـضـيـ ــة الـفـلـسـطـيـنـيـ ــة‪ ،‬وقـيـ ــام‬ ‫دولــــة إسـرائـيــــل‪ ،‬وبـعــــد مـتـغـيــــرات طـــرأت علـــى هـــذه القضيـــة‪،‬‬ ‫وتأثـــر الســـلوك واخلطـــاب العربـــي والدولـــي بتطـــورات هـــذه‬ ‫القضي ــة‪ .‬ش ــهدت الفت ــرة األخي ــرة ع ــدة متغي ــرات‪ ،‬فبع ــد أن ظل ــت‬ ‫هـــذه القضيـــة ســـاخنة طيلـــة ســـنوات النصـــف الثانـــي مـــن القـــرن‬ ‫العشـــرين‪ ،‬وحتـــى اتفاقيـــة أوســـلو ومدريـــد يف بدايـــة التســـعينيات‬ ‫املاضي ــة‪ ،‬ظه ــرت حت ــوالت دولي ــة وإقليمي ــة‪ ،‬ج ــراء عوام ــل متش ــابكة‬ ‫منهـــا طبيعـــة العالقـــات العربيـــة‪ -‬العربيـــة‪ ،‬واملواقـــف الفلســـطينية‬ ‫الداخلي ــة‪ ،‬والتدخ ــل اإليران ــي يف القضي ــة الفلس ــطينية‪ ،‬ث ــم تفج ــر‬ ‫م ــا يس ــمى بث ــورات الربي ــع العرب ــي الت ــي كان له ــا تأثي ــر واض ــح عل ــى‬ ‫فتـــور االهتمـــام بالقضيـــة‪ ،‬ومـــن ثـــم إعـــادة ترتيـــب موقعهـــا علـــى‬ ‫قائمـــة األوليـــات العربيـــة والدوليـــة‪.‬‬ ‫ففـــي غمـــرة التحـــوالت الدوليـــة‪ ،‬واالســـتقطاب اإلقليمـــي‪،‬‬ ‫واالنشــغال العربــي‪ .‬انقســمت الفصائــل الفلســطينية‪ ،‬وجتلــى ذلــك يف‬ ‫انفص ــام العالق ــة ب ــن فت ــح وحم ــاس م ــا أدى إل ــى انفص ــال الضف ــة‬ ‫الغربي ــة وقط ــاع غ ــزة‪ ،‬وم ــن ث ــم تش ــتت الق ــرار الفلس ــطيني وحت ــول‬ ‫األمـــر إلـــى صـــراع داخلـــي‪ ،‬وفتـــور إن لـــم يكـــن ابتعـــاد عربـــي عـــن‬ ‫القضيـــة الفلســـطينية‪ ،‬أو الصـــراع الفلســـطيني ـ اإلســـرائيلي‪ ،‬يف‬ ‫مســـماه العربـــي اجلديـــد‪.‬‬ ‫يف الش ــهور القليل ــة املاضي ــة وحت ــى كتاب ــة ه ــذا املق ــال ظه ــرت‬ ‫حقائ ــق عل ــى األرض تعك ــس متغي ــرات جدي ــدة‪ ،‬فق ــد ج ــاءت محاول ــة‬ ‫إس ــرائيل تركي ــب كامي ــرات تفتي ــش الكتروني ــة عل ــى أب ــواب املس ــجد‬ ‫األقصـــى يف إطـــار احملـــاوالت اإلســـرائيلية التـــي ال تعـــرف اليـــأس‬ ‫لهــدم األقصــى وإقامــة الهيــكل املزعــوم‪ ،‬لتحــرك امليــاه الراكــدة‪ ،‬فبعــد‬ ‫أن اســـتفادت إســـرائيل كثيـــ ًرا مـــن االنشـــغال العربـــي‪ ،‬والتحـــوالت‬ ‫الدوليــة‪ ،‬ووصــول الرئيــس ترامــب إلــى احلكــم يف الواليــات املتحــدة‪،‬‬ ‫واحلـــرب الضـــروس ضـــد اإلرهـــاب يف منطقـــة الشـــرق األوســـط‪،‬‬ ‫وال س ــيما م ــا يُع ــرف باإلره ــاب اإلس ــالمي‪ ،‬إضاف ــة إل ــى االنقس ــام‬ ‫الفلس ــطيني الداخل ــي‪ ،‬كل ذل ــك س ــاعد عل ــى جتمي ــد عملي ــة الس ــالم‬

‫هذا العدد‬

‫ملف العدد‬ ‫د‪ .‬أحمد سليم البرصان‬ ‫د‪ .‬ثري إبراهيم جابر‬ ‫د‪ .‬كمال عبد الله حسن الجاف‬ ‫فايز أبو رزق‬ ‫توفيق أبو شومر‬ ‫دانية باسم عبد الله األغا‬ ‫د‪ .‬ظافر محمد العجمي‬ ‫د‪ .‬صدقه يحيى فاضـل‬ ‫د‪ .‬حمدي عبد الرحمن‬ ‫ماجد هديب‬ ‫د‪ .‬خضر محجز‬ ‫د‪ .‬محمد يوسف الحايف‬ ‫اللواء محمد إبراهيم‬ ‫د‪ .‬محمد البنا‬ ‫د‪ .‬عماد حمتو‬ ‫د‪ .‬إيمان رجب‬ ‫د ‪.‬عبد الكريم شبير‬ ‫د‪.‬كريستيان كوخ‬ ‫عفاف ربيع‬ ‫عامر محمود أبو شباب‬ ‫د‪ .‬رانيا عبد النعيم العشران‬ ‫بهاء أبو عمشه‬ ‫كريم عوض‬ ‫المستشار مهنا نعيم نجم‬ ‫د‪ .‬أسامة محمد أبو نحل‬

‫‪23www.araa.sa‬‬ ‫‪28‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪49‬‬ ‫‪54‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪65‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪74‬‬ ‫‪79‬‬ ‫‪83‬‬ ‫‪90‬‬ ‫‪93‬‬ ‫‪97‬‬ ‫‪101‬‬ ‫‪104‬‬ ‫‪109‬‬ ‫‪112‬‬ ‫‪114‬‬ ‫‪119‬‬ ‫‪122‬‬ ‫‪123‬‬

‫الع ــدد الماث ــل بي ــن أيديك ــم م ــن جل ــة (آراء ح ــول الخلي ــج) وال ــذي يحم ــل رق ــم ‪ 123‬م ــن‬ ‫العــدد ‪123‬‬ ‫‪ 3‬جــدة‪ ،‬أفــرد ملفً ــا متكامــا‬ ‫لألبحــاث يف‬ ‫سلســلة إصــدار المجلــة التــي تصــدر عــن مركــز الخلي‬ ‫سـبـتـمـبرــج‪2017‬‬ ‫لألح ــداث الت ــي ش ــهدها المس ــجد األقص ــى المب ــارك مؤخـ ـ ًرا‪ ،‬الرامي ــة إىل تدني ــس المس ــجد‬ ‫األقصـــى المبـــارك‪ ،‬بـــل هدمـــه مـــن جانـــب ســـلطات االحتـــال اإلســـرائييل ومحاولـــة بنـــاء‬ ‫الهي ــكل المزع ــوم ع ــى أنق ــاض أوىل القبلتي ــن وثال ــث الحرمي ــن الش ــريفين‪.‬‬ ‫لذلـــك جـــاء هـــذا العـــدد متميـــزًا‪ ،‬ركـــز عـــى القـــدس الشـــريف‪ ،‬والمســـجد األقصـــى تحـــت‬ ‫االحتـــال‪ ،‬وحـــاول الكشـــف عـــن مخططـــات إســـرائيل التـــي تحيكهـــا لتهويـــد القـــدس‬ ‫وتغيي ــر معالمه ــا الديموغرافي ــة‪ ،‬والجغرافي ــة‪ ،‬والتاريخي ــة‪ ،‬وتضم ــن ه ــذا الع ــدد ح ــوا ًرا م ــع‬ ‫الرئي ــس الفلس ــطيني محم ــود عب ــاس أب ــو م ــازن للوق ــوف ع ــى إج ــراءات الس ــلطة الوطني ــة‬ ‫الفلســطينية للدفــاع عــن المقدســات اإلســامية يف األراضــي المحتلــة‪ ،‬وكذلــك وجهــة نظــره‬ ‫حي ــال مس ــتقبل قضي ــة الع ــرب المركزي ــة‪ ،‬والمصالح ــة بي ــن الفصائ ــل الفلس ــطينية‪.‬‬ ‫وتضمـــن الملـــف قـــراءات ورصـــد لتاريـــخ القـــدس والمســـجد األقصـــى‪ ،‬ودور المقاومـــة‬ ‫الفلســـطينية والمرابطيـــن لحمايتـــه مـــن المهـــددات اإلســـرائيلية‪ ،‬كمـــا تـــم اســـتعراض‬ ‫تأثي ــر الواق ــع العرب ــي وال ــدويل الح ــايل ع ــى القضي ــة الفلس ــطينية‪ ،‬ومش ــروع ح ــل الدولتي ــن‬ ‫والمبــادرة العربيــة‪ ،‬وســبل إرســاء الســام الدائــم والعــادل‪ ،‬وتوحيــد الصــف الفلســطيني مــن‬ ‫خ ــال مصالح ــة حركت ــي فت ــح وحم ــاس وإنه ــاء ه ــذا الخ ــاف ال ــذي أث ــر س ــل ًبا ع ــى القضي ــة‬ ‫الفلســطينية وأخــر مشــروعات الحلــول المطروحــة‪ ،‬وكذلــك اســتعراض بــوادر هــذه المصالحــة‬ ‫وم ــا ال ــذي يج ــب أن تفعل ــه ه ــذه الفصائ ــل‪.‬‬ ‫كم ــا ت ــم اس ــتعراض مواق ــف دول ــة االحت ــال المتعنت ــة والرافض ــة للحل ــول المطروح ــة وم ــن‬ ‫بينه ــا المب ــادرة العربي ــة ومش ــروع الدولتي ــن إضاف ــة إىل ق ــرارات األم ــم المتح ــدة ومجل ــس‬ ‫األم ــن ال ــدويل الص ــادرة يف ه ــذا الش ــأن‪ ،‬وكذل ــك تأثي ــر م ــا يس ــمى بث ــورات الربي ــع العرب ــي‬ ‫ع ــى القضي ــة الفلس ــطينية‪ ،‬وتأثي ــر التدخ ــل الخارج ــي يف الش ــؤون الفلس ــطينية خاص ــة‬ ‫م ــن دول الج ــوار اإلقليم ــي تركي ــا وإي ــران‪ ،‬وتأثي ــر اإلره ــاب‪ ،‬والمواق ــف الدولي ــة وال ــدول‬ ‫الراعي ــة للس ــام‪.‬‬

‫إصدارات‬

‫‪127‬‬

‫محاور العدد المقبل‬

‫"المستقبل"‪ ...‬خارطة طريق يطرحها الدكتور نزار عبيد مدني‬ ‫آراء حول الخليج ـ جدة‬

‫يتنــاول العــدد المقبــل مــن مجلــة (آراء حــول الخليــج) ملــف العــراق مــا بعــد داعــش واالســتفتاء‬ ‫الكــردي‪ ،‬وســوف تركــز محــاوره عــى مــا يــيل‪:‬‬

‫وقفة‬

‫‪128‬‬

‫القضية الفلسطينية ‪ ..‬الفشل وبوادر االنفراج‬ ‫جمال أمين ه ّمام‬

‫ إىل أين تتجه فلول تنظيم داعش اإلرهابي بعد سحقه يف العراق‪.‬‬‫ كيف يكون التعايش بين مكونات الشعب العراقي يف المرحلة القادمة‪.‬‬‫ األمن العراقي وأمن منطقة الهال الخصيب بعد انتهاء مرحلة داعش‪.‬‬‫ ما مدى إمكانية احتفاظ تنظيم داعش اإلرهابي بجذوره يف العراق‪.‬‬‫‪ -‬استقرار العراق والمنطقة بعد االستفتاء الكردي والتعايش المشترك‪.‬‬

‫اإلسهامات‬ ‫٭ ترحــب مجلــة «آراء حــول اخلليــج» بإســهامات الكتــاب والباحثــني يف الشــؤون اخلليجيــة يف‬ ‫املجــاالت السياســية واالقتصاديــة واالجتماعيــة والدفاعيــة واألمنيــة‪.‬‬ ‫٭ المجلة غير ملتزمة بإعادة أي مادة تتلقاها للنشر‪.‬‬ ‫٭ جميع حقوق الترجمة والنشر محفوظة لمركز الخليج لألبحاث ‪.٢٠٠8‬‬ ‫٭ ال يســمح بإعــادة نشــر المــواد المنشــورة فــي المجلــة دون الحصــول علــى إذن خطــي مســبق مــن‬ ‫مركــز الخليــج لألبحــاث‪.‬‬ ‫٭ آراء الكتاب تعبر عن أصحابها وال تعبر بالضرورة عن اتجاهات يتبناها مركز الخليج أو مجلة آراء‪.‬‬

‫ هل الدولة الكردية المستقلة قابلة للعيش وكيف يكون ذلك‪.‬‬‫ تأثير الوضع الكردي الجديد عى األكراد يف إيران وتركيا وسوريا‪.‬‬‫ هل تكون سوريا المحطة الرئيسية لتنظيم داعش بعد طرده من العراق‪.‬‬‫ ما هي المخاطر التي تواجه المصالح اإليرانية يف العراق يف المرحلة المقبلة‪.‬‬‫‪ -‬الموقف األمريكي يف العراق بعد داعش وبعد الخطوات الكردية األخيرة‪.‬‬

‫افتتاحية العدد‬ ‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪2‬‬

‫مجلة شهرية تصدر عن‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬ ‫تعنى بالشؤون اخلليجية‬ ‫رئيس التحرير‬

‫د‪ .‬عبد العزيز بن عثمان بن صقر‬

‫‪4‬‬

‫القضيـة الفلسـطينية ‪ ..‬الواقع الجديد‬ ‫‪www.araa.sa‬‬ ‫د‪ .‬عبـد العزيـز بن عثمان بن صقر‬

‫متابعات خليجية‬

‫‪6‬‬

‫الواليـات المتحـدة ومسـتقبل قيـادة العالـم‪ :‬انحسـار الفـرص وتنامـي‬ ‫اإلشـكاليات والتحديـات‬ ‫د‪ .‬أميرة الراشـد الغامدي‬

‫‪sager@grc.net‬‬

‫مدير التحرير‬

‫جمال أمني همام‬ ‫‪jamal@araa.sa‬‬

‫حوار العدد‬ ‫الرئيــس الفلســطيني لـــ "آراء حــول الخليج"نتصــدى أليــة محاولــة‬ ‫لتغييــر وضــع األقصــى واعترافنــا بدولــة إســرائيل ليــس مجان ًيــا‬ ‫أجرى الحوار ‪ /‬جمال أمين همام ـ منير أبو رزق‬

‫‪10‬‬

‫سكرتير التحرير‬

‫سليمان مارديني‬ ‫‪suliman@araa.sa‬‬

‫التصميم الفني‬

‫منى فيصل‬

‫‪mona@grc.net‬‬

‫الهيئة االستشارية‬

‫د‪ .‬خالد اجلابر‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬عبد اخلالق عبد اهلل‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬عبد اهلل خليفة الشايجي‬ ‫د‪ .‬عبد اهلل بن علي عبد الرزاق باحجاج‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬صالح بن عبد الرحمن املانع‬ ‫د‪ .‬محمد عبد الغفار عبد اهلل‬ ‫الطباعة‬ ‫متت الطباعة يف مؤسسة‬ ‫املدينة للصحافة والطباعة والنشر‬

‫قضية العدد‬ ‫‪14‬‬

‫القدس مدينة الطهور ‪ ..‬كيف نحميها ‪ ..‬؟؟‬ ‫باسم عبد الله اآلغا‬

‫دراسة العدد‬ ‫دون توحيد الجهد الفلسطيني تظل قضيته عائمة وسط الصراع‬ ‫د‪ .‬محمد غانم الرميحي‬

‫‪19‬‬

‫اإلعالنات واملراسالت‬ ‫لإلعالن يف املجلة ميكن االتصال بقسم اإلعالن والتسويق على العنوان التالي‪:‬‬ ‫البريد االلكتروني‪info@araa.sa :‬‬ ‫توجه جميع املراسالت إلى مجلة «آراء حول اخلليج» على العنوان التالي‪:‬‬ ‫‪ 1٩‬شارع راية االحتاد‬ ‫ص‪.‬ب‪ 1٠٥٠1 .‬جدة ‪ ٢1٤٤٣‬اململكة العربية السعودية‬ ‫هاتف‪+٩٦٦ 1٢ ٦٥11٩٩٩:‬‬ ‫فاكس‪+٩٦٦ 1٢ ٦٥٣1٣٧٥ :‬‬ ‫البريد اإللكتروني‪info@araa.sa :‬‬

‫ثمن النسخة‬ ‫اململكة العربية السعودية‪ ٣٥ :‬ري ـ ــا ًال‬ ‫درهما‬ ‫اإلمارات العربية املتحدة‪٣٥ :‬‬ ‫ً‬ ‫‪ ٣٫٥‬دينا ًرا‬ ‫مملكة البحرين‪:‬‬ ‫دولة قطر‪:‬‬ ‫‪ ٣٥‬ري ـ ـ ــا ًال‬ ‫‪ ٣٫٥‬دينا ًرا‬ ‫دولة الكويت‪:‬‬ ‫سلطنة عمان‪:‬‬ ‫‪ ٣٫٥‬ري ـ ـ ــا ًال‬ ‫‪ ٤٫٥‬ديـنــا ًرا‬ ‫األردن‪:‬‬

‫االشتراك السنوي‬ ‫الدول العربية‪:‬‬ ‫الدول األوروبية‪:‬‬ ‫بقية دول العالم‪:‬‬

‫‪ 1٠٠‬دوال ًرا‬ ‫‪ 11٠‬دوال ًرا‬ ‫‪ 1٢٠‬دوال ًرا‬

‫يرسل طلب االشتراك إلى عنوان املجلة‬ ‫مــع حوالــة مصرفيــة أو شــيك بقيمــة‬ ‫االشــتراك باســم مركز اخلليج لألبحاث‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫العــدد ‪123‬‬ ‫سـبـتـمـبر ‪2017‬‬

‫‪1‬‬

‫الرئيسالفلسطينيلـ(آراءحولالخليج)‪:‬‬ ‫اعـتـرافـنـــا بإســرائيل ليــس مجا ًنــا ‪..‬‬ ‫واالعتــداءات عىل مقدســاتنا لعب بالنار‬ ‫العــــــدد ‪123‬‬ ‫ســبــتـــمــبــر ‪2017‬‬

‫الســفير الفلســطيني‪ :‬لــن ننســى قــول‬ ‫الملــك ســلمان "نحــن رفــاق مصيــر ال‬ ‫رفــاق طريــق"‬ ‫العال ــم ل ــن يع ــود أح ــادي القطبي ــة‬ ‫وأمريـــكا تواجـــه انحســـار الفـــرص‬ ‫وتنامي التحديات‬

‫ملف العدد‪:‬‬

‫مح ــاوالت إس ــرائيل ه ــز اس ــتقرار المنطق ــة عب ــر المس ــجد األقص ــى‬ ‫▀ ‪ 450‬اقتحا ًمـــا تعـــرض لهـــا األقصـــى و‪ 100‬حفريـــة يف محيطـــه خـــال عـــام ‪2014‬‬ ‫▀ ‪ 460‬ش ــهيدة و‪ 65‬أس ــيرة فلس ــطينية بينه ــن ‪ 19‬قاصــ ًرا يقبع ــن ف ــي س ــجون االحت ــال‬ ‫▀ بع ــد هزيم ــة ‪ 67‬توج ــه النش ــطاء إىل أيدولوجي ــات ومخ ــارج ف ــكان "اإلس ــام السياس ــي"‬ ‫▀ أمريـــكا زرعـــت إســـرائيل واســـتخدمت الفيتـــو ‪ 40‬مـــرة لتأييدهـــا فـــي مجلـــس األمـــن‬ ‫▀ تركي ــا براجماتي ــة ميكافللي ــة وإي ــران ت ــدرك أن فلس ــطين بوابته ــا للزعام ــة اإلس ــامية‬ ‫▀ مؤام ــرات حفري ــات األقص ــى م ــرت بيس ــر رغ ــم الضجي ــج والعم ــل مس ــتمر لتدمي ــر بنيت ــه‬ ‫▀ ‪ 40‬دول ــة إفريقي ــة له ــا عاق ــات م ــع إس ــرائيل والع ــرب يتحدث ــون ع ــن حتمي ــات التاري ــخ‬ ‫▀ انتفاضـــة األقصـــى‪ :‬غابـــت الفصائـــل وحمـــاس وحضـــرت الجماهيـــر ومحمـــود عبـــاس‬ ‫▀ ‪ %23‬مـــن األرض للفلســـطينيين و‪%77‬إلســـرائيل و‪ 6165‬كـــم مســـاحة دولـــة فلســـطين‬