مقالات الثورة والمشروع؟

Page 1

‫مقاالت الثورة‬ ‫والمشروع؟‬ ‫رؤية استراتيجية في ظل المشروع اإلسالمي‬ ‫بقلم‪ /‬حسن أحمد الدقي‬ ‫‪aldiqqi@hotmail.com‬‬ ‫المقاالت‪:‬‬ ‫‪ -١‬مصر في خارطة المشروع اإلسالمي ص‪٢‬‬ ‫‪ -٢‬األسود الليبي العنسي ص‪٩‬‬ ‫‪ -٣‬متالزمة حسني بن علي )حتمية السقوط( ص‪١٢‬‬ ‫‪ -٤‬زلزال الثورة العربية والمشروع اإلسالمي ص‪١٩‬‬ ‫‪ -٥‬عرش بلقيس بين االستالب والتمكين ص‪٣٣‬‬ ‫‪ -٦‬مقاومة التدخل األمريكي في الثورات العربية ص‪٤٢‬‬ ‫‪ -٧‬الثورات المنجزة وقيادة التغيير ص‪٥٢‬‬ ‫‪ -٨‬ثورة الشام في خارطة المشروع اإلسالمي ص‪٦٢‬‬ ‫‪1‬‬


‫مصر في خارطة المشروع اإلسالمي‬ ‫بقلم ‪ :‬حسن أحمد الدقي‬ ‫‪aldiqqi@hotmail.com‬‬ ‫‪٢٠١١/٢/١٠‬‬ ‫إن الحمد? تعالى والصالة والسالم على رسول الھدى محمد بن عبدﷲ وعلى آله وصحبه ومن‬ ‫وااله إلى يوم الدين‪ ،‬وبعد‪:‬‬ ‫فيكاد العقل الجمعي والعاطفة الجمعية لألمة أن ينبئانا ـ عند توقفھما أمام ما حصل في تونس ثم‬ ‫في مصرـ بأن لھذه األيام ما بعدھا من الفتح والتحول‪ ،‬وأن أمة اإلسالم توشك أن تنسل من حالة‬ ‫الغثائية التي أخبرنا عنھا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم إلى مقدمات مباركة من استعادة التوازن‬ ‫والفعل‪ ،‬وتوشك أن تستأصل بمبضع اإليمان ما ران على القلوب من الوھن ـ حب الدنيا وكراھية‬ ‫الموت ـ كما توشك األمة بھذه النقلة المباركة أن تفارق مرحلة الجبرية إلى مرحلة الرشد بإذن‬ ‫الواحد األحد‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫وتذكرنا األحداث في مصر بما قص علينا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم في صحيح مسلم‪:‬‬ ‫)كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر‪ (....‬إلى آخر الحديث‪ ،‬أما الشاھد في الحديث فھو ما‬ ‫أوضحه الراھب للغالم عندما جاءه يقص عليه ما حدث معه من قتل الدابة التي كانت تمنع‬ ‫الناس‪ ،‬فقال له الراھب‪ :‬أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك‬ ‫ستبتلى‪).‬انتھى( فكم في مقولة الراھب تلك من قراءة دقيقة لألحداث القادمة والتحوالت‬ ‫االجتماعية والسياسية الكبرى واألھم من ذلك ھو تسليم الراھب القيادة للغالم من خالل قوله‪:‬‬ ‫أفضل مني‪ .‬وكان توقع الراھب في مكانه حيث قاد الغالم المجتمع كله إلى أفياء التوحيد ولكن‬ ‫بعد أن قدم روحه فداء لعقيدته‪.‬‬ ‫وھاھم الفتية الجدد في مجتمعات المسلمين وقد رفع ﷲ عزوجل الوھن من قلوبھم يتھيأون‬ ‫لالنتظام في ھذه السنة الكونية )إنھم فتية آمنوا بربھم وزدناھم ھدى( اآلية‪ ،‬فلله دركم يا شباب‬ ‫وما أجمل أمھاتكم وھن يرضعنكم حليب الثورة والفداء فإنھا سنة أخرى أيضا اصطفت مع بقية‬ ‫السنن )وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه(اآلية و? در أمھاتكم اللواتي ألقين بكم في خضم‬ ‫الميادين تتلقون الرصاص بصدوركم العارية وھي سنة أخرى أيضا )فإذا خفت عليه فألقيه في‬ ‫اليم وال تخافي وال تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين(اآلية‪.‬‬ ‫وفي خضم األحداث المتوالية يحتاج قادة األمة الفتية منھم والرھبان إلى التعرف الدقيق على ھذه‬ ‫اللحظة التاريخية والبقعة التاريخية أين تقعان من الخارطة الكلية والسنن الجامعة؟ وما عالقة ما‬ ‫يجري في مصر بالمسيرة الكلية للمسلمين وبمستقبلھم؟ أو بلغة العصر أين تقع مصر في خارطة‬ ‫المشروع اإلسالمي؟ وذلك حتى نحسن توظيف ھذا الحراك لصالح المسيرة العامة وبلوغ ھذا‬ ‫األمر ما بلغ الليل والنھار‪ ،‬وإال فإن السنن جاھزة لصدم من ال يريد أن يراھا ومن تلك السنن‬ ‫الوقوع في التيه والضياع كما كان ذلك من نصيب بني إسرائيل في كل مرة يصلون فيھا إلى‬ ‫منعطف حاسم بل بلغ بھم األمر أن تاھوا وھم ال يزالون في مراحل الحراك األولى وذلك عندما‬ ‫زادت عليھم ضغوط المجتمع الفرعوني فاتجھوا باللوم إلى نبيھم عليه السالم‪) :‬قالوا أوذينا من‬ ‫قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا(اآلية فما كان من موسى عليه السالم إال أن نقلھم إلى معالم‬ ‫الخارطة الكلية للمسيرة‪) :‬قال عسى ربكم أن يھلك عدوكم ويستخلفكم في األرض فينظر كيف‬ ‫تعملون(اآلية‬ ‫وحتى يمكننا أن نحدد موقع مصر الثورة على خارطة المشروع اإلسالمي فإني سوف أتوقف‬ ‫عند المسألتين التاليتين‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬معايرة ثورة مصر استراتيجيا‬ ‫ثانيا‪ :‬إخراج الثورة من سجونھا‬

‫‪3‬‬


‫أوال‪ :‬معايرة ثورة مصر استراتيجيا‬ ‫وأقصد بالمعايرة االستراتيجية محاولة نسبة وقياس الحدث أو الثورة إلى المشروع اإلسالمي‬ ‫ومسطرته ذلك أني أزعم وبناء على أداء األمة الكلي خالل القرن العشرين خصوصا بُعيد سقوط‬ ‫الخالفة اإلسالمية فإن التقعيد النظري وھو ما يعرف باالجتھاد وما تال ذلك من تطبيقات عملية‬ ‫في الحراك اإلسالمي العام وخالل مراحل مختلفة وفي كل المواقع الجغرافية في العالم قد أفضت‬ ‫إلى تحديد دقيق للبناء اإلسالمي المأمول أو النھضة الشاملة التي تستھدف التمكين لدين ﷲ عز‬ ‫وجل في الكون كل الكون‪ ،‬وقد حاولت أن أستشرف وأحدد مالمح ذلك البناء بوضع كتاب‪:‬‬ ‫مالمح المشروع اإلسالمي‪ ،‬فإذا كان في تلك المحاولة الحد األدنى من الدقة ونور االستشراف‬ ‫فقد أصبح بإمكاننا أن نستخدم تلك المسطرة في قياس التجارب المختلفة بغية تحديد دقيق‬ ‫لألرضية التي تقف عليھا تلك التجارب قربا وبعدا من المسطرة وتموضعا في الخارطة الكلية‬ ‫للمشروع اإلسالمي‪.‬‬ ‫وعليه فإن المعايرة سوف تركز على رؤية الثورة المصرية من خالل أوزان ومسطرة المشروع‬ ‫الكلي وھي كما يلي‪:‬‬ ‫· إن الثورة المصرية لم تأت من فراغ وإنما ھي نتيجة تراكمات من الرؤية اإلسالمية وما‬ ‫ضخته تلك الرؤية من مبادئ وما بشرت به من آمال نظرية وتطبيقية وما رفعت من سقوف‬ ‫التطلعات في األمة في ميدان العلم والتربية واألخالقيات والتطبيقات اإليمانية وفي ميدان‬ ‫السياسة والمطالبة بالحقوق وفي ميدان الجھاد واستعادة األمجاد‪ ،‬وقد لعبت كافة المدراس‬ ‫اإلسالمية دورھا في كل أو بعض ھذه الميادين حتى أذن ﷲ عز وجل بھبوب رياح التغيير‬ ‫وخروج األجيال الجديدة والتي كسرت قواعد اللعبة المفروضة على األمة‪.‬‬ ‫· وجاءت الثورة المصرية لكي تنير وتستشرف مرحلة الرشد بعد أن طال ليل الجبرية‬ ‫وتطبيقاتھا في مشرق األمة ومغربھا ولعل مما يبشر باستشراف مرحلة الرشد ھو نھضة‬ ‫مكونات األمة المصرية كلھا وانتظامھا في مواجھة الجبرية دون أن تعوقھا االنتماءات‬ ‫االجتھادية في المدارس اإلسالمية المختلفة ودون أن تثقلھا حسابات الطبقية االجتماعية وقد جاء‬ ‫إجماع الشعب المصري بإشارته للطغمة الظالمة ونظامھما توبة عما أخبر عنه النبي صلى ﷲ‬ ‫عليه وسلم في الحديث‪) :‬إذا رأيت أمتي تھاب الظالم أن تقول إنك ظالم فقد تودع منھم(‪ .‬وعليه‬ ‫فإن متطلبات إدراك صفة الرشد ومرحلتھا تقتضي العمل على تقديم مبادئھا للناس والمجتمعات‬ ‫والتبشير بھا كنظام إسالمي سياسي في الحكم وشؤونه ومن ثم االلتزام بمتطلباتھا من قبل‬ ‫الداعين إليھا وھم قيادات العمل اإلسالمي خاصة في ظل التشويش الكبير الذي تعانيه‬ ‫الديمقراطية الغربية وتطبيقاتھا‪ [١].‬ولعل في تأخر بروز فئة من اإلسالميين بعينھا في ھذه‬ ‫الثورة من اآليات الشيء الكثير لعل أبرزھا أن القيادة في األمة لن تفرض فرضا وإنما ستختار‬ ‫اختيارا حرا‪.‬‬ ‫· كما أن الثورة المصرية جاءت نتيجة تراكمات أداء المرحلة الجبرية خصوصا في ظل النظام‬ ‫المصري العسكري وما أدراك مالنظام المصري؟ الذي عھد له االنجليز واألمريكان بعد‬ ‫استقرار العالم تحت الطغاة الخمسة بعيد انتھاء الحرب العالمية الثانية بإدارة أخطر البقاع‬ ‫‪4‬‬


‫اإلسالمية والعربية عام‪١٩٥٢‬م فكان نظاما يجمع بين خليط العقائدية العرقية )القومية العربية(‬ ‫وضالل االشتراكية وصنمية الناصرية وبين الجبروتية العسكرية والقبضة االستخباراتية‬ ‫والتابعية للنظام الدولي والذي بدوره كان قد انتھى من تثبيت النظام اليھودي في فلسطين كأحد‬ ‫معالم النظام السياسي في ما أسموه بالشرق األوسط‪ .‬ففي ھذه المرحلة ذاقت األمة سياط الجبرية‬ ‫كأوضح ما يكون القھر والعنت وبرغم تقلب النظام السياسي بين ثالثة رؤساء وعھود لكن‬ ‫المحصلة النھائية واإلرث النھائي قد آل في الداخل إلى انھيار اقتصادي وزعزعة اجتماعية وفي‬ ‫الخارج إلى ضياع للقدس وبغداد وعزل مصر عن محيطھا واستخدام النظام فيھا كعصا غليظة‬ ‫ضد شعبھا وضد عالمھا العربي واإلسالمي‪.‬‬ ‫· وإن الثورة المصرية لتنتمي إلى المالمح االستراتيجية والجھادية في ھرم مالمح المشروع‬ ‫اإلسالمي أي في قمته وتنتمي على وجه الخصوص إلى نظرية التغيير الشاملة والتي تستتبع‬ ‫إدارة استراتيجية وتعبوية تضمن بإذن العزيز الرحيم ضم طاقات األمة ونسجھا في مسيرة‬ ‫تدافعية تؤذن باستشراف مرحلة التمكين‪[٢].‬‬ ‫· وتأتي الثورة المصرية متجاوبة مع الحراك األھم في واقع المسلمين وھو الحراك الجھادي‬ ‫خاصة في فلسطين لكي يحيي بھا ﷲ عز وجل اآلمال ويسد بھا المسلمون أھم الثغرات في أدائھم‬ ‫االستراتيجي ويوازنون بھا اصطراع المشاريع األخرى على أرض الشام وفي قلب األمة‬ ‫المسلمة خصوصا مع الضبابية الشديدة التي ألقاھا المشروع الشيعي على حراك األمة في‬ ‫فلسطين والعراق وبقية المناطق‪.‬‬ ‫· وجاءت الثورة المصرية في ظل نجاح كبير لألمة المسلمة بعولمة األداء اإلسالمي وتنوع‬ ‫التطبيقات العالمية فعن يمين مصر يشتعل جھاد الفلسطينيين وعن شمالھا ينتفض الجزائريون‬ ‫وعلى وقع جنازير الدبابات األمريكية في أفغانستان والعراق تشتعل ملحمة جھادية قل نظيرھا‪،‬‬ ‫وفي جنبات الكرة األرضية ال يسمع إال صوت المسلمين وحراكھم السياسي والثقافي والعلمي‬ ‫ورفضھم للھيمنة األمريكية ورموز عولمتھا حتى أدى ذلك إلى قيام جماھير األمم شرقا وغربا‬ ‫برفع الكوفية الفلسطينية والعلم العراقي تعبيرا عن اإلعجاب والتضامن‪.‬‬ ‫· وجاءت الثورة المصرية كسرا لمرحلة االستضعاف وولوجا إلى مرحلة التدافع وھي السنة‬ ‫التي تتحقق غالبا ـ بحسب مسطرة معادلة التمكين واالستضعاف ـ دون نذير واضح ودون‬ ‫تخطيط دقيق من المعنيين بإدارة المرحلة وقد تبين في مسطرة المشروع أن األمة تقف حاليا في‬ ‫نھاية حلقات مرحلة االستضعاف وتوشك أن تندفع إلى مرحلة التدافع وھي التي تفصل بين‬ ‫االستضعاف والتمكين‪ ،‬ولھذه المرحلة أي التدافع من السنن ما ينبغي استيعابه وضبط البوصلة‬ ‫على اتجاھاته‪[٣].‬‬ ‫· وتأتي الثورة المصرية في ظل نفض األمة لتبعات الوھن والغثائية التي أخبرنا عنھا رسول ﷲ‬ ‫صلى ﷲ عليه وسلم في الصحيح مما يحتاج معه إلى دفع األمة نحو استكمال ھذه األشواط ال‬ ‫الوقوع في دائرة الوسواس والتخذيل ونسبة األمور دائما إلى األصابع اليھودية أو األمريكية‬ ‫الخفية كما يجيد كثير من الناس‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫· وتأتي الثورة المصرية لكي تعري وتفضح النفاق وأھله ونظمه تلك التي والت الكفار بأنواعھم‬ ‫وأذلت األمة واتكأت على القول بأنھا تمثل والة أمر المسلمين ونظام حكمھم وھي قد استلمت‬ ‫الحكم من أيدي االنجليز والفرنسيين ثم األمريكان من بعدھم‪ ،‬وھي التي نظرت إلى المصلحة‬ ‫العليا للمسلمين شرقا وغربا ثم عملت على نقيضھا وضربت األمة في صميم مصلحتھا‪ ،‬فقامت‬ ‫الثورة المصرية لكي تكشف الغطاء عن األعين المغمضة واآلذان المثقلة عن ھذه الحقائق‪.‬‬ ‫· وتأتي الثورة المصرية كإحدى القمم التي تمثل المشروع اإلسالمي وآماله الكبار والتي ترسي‬ ‫معلما أساسيا في صراع المشروع اإلسالمي ضد المشاريع األخرى كالمشروع اليھودي‬ ‫والمشروع الصليبي وبقية المشاريع‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬إخراج الثورة من سجونھا‬ ‫وأقصد بالسجون االنغالق العقلي والنفسي واالجتھادي الذي يحول دون دفع األداء اإلسالمي في‬ ‫معارج النھضة اإلسالمية الشاملة وھي ثالثة سجون‪:‬‬ ‫‪ -١‬سجن القطر والوطن‬ ‫‪ -٢‬سجن الجماعات اإلسالمية‬ ‫‪ -٣‬سجن النظام الدولي وتوابعه‬ ‫والسجون الثالثة تشكلت نتيجة االنغالق المرحلي في االجتھاد اإلسالمي خالل العقدين الماضيين‬ ‫ونتيجة للضغوط التي مارسھا كل من النظام الدولي متمثال في أمريكا وفي حلفائھا من األنظمة‬ ‫السياسية وليست الثورة المصرية وحدھا بحاجة إلى ھذا اإلخراج والزحزحة بل إن العمل‬ ‫اإلسالمي والحراك الدعوي والسياسي في األمة عموما ليحتاج مثل ھذا اإلخراج‪ ،‬وأزعم أنه‬ ‫بدون دفع األمور باتجاه الخالص والتحرر من تلك السجون فإنه لن يتمكن المسلمون من تحريك‬ ‫الواقع باتجاه مصالحھم فضال عن مناوشة األھداف الكبرى للمشروع اإلسالمي‪ ،‬ويمكن تحديد‬ ‫المراد من ھذه المفردة ببسط النقاط التالية‪:‬‬ ‫· يعتبر سجن القطر والوطن أحد مھددات الثورة المصرية من حيث رغبة البعض واتجاھھم‬ ‫بتأسيس الحراك العام للثورة ومتطلباتھا على الحدود الجغرافية والتاريخية لمصر وحدھا ونبذ‬ ‫االمتدادات الحيوية لھا وموقعھا المميز لألمة العربية واإلسالمية وبالتالي يستعجل الثوار في‬ ‫إعادة المارد إلى قمقمه الوطني ومفرداته‪ ،‬خاصة وأن المثبطين يضربون على وتر عدم تعريض‬ ‫البالد للمخاطر اإلقليمية والدولية‪ ،‬وال يعني ھذا أن ال تؤخذ العوامل الوطنية في الحسبان لكن‬ ‫األمر ليس بإطالقه فينبغي أن تستثمر أجواء الثورة والدفع الذي أحدثته في إعادة تأسيس الدور‬ ‫التاريخي واالستراتيجي لمصر وتحمل تبعاته وإعادة زرع ھذه القيم في نفوس الجيل الجديد من‬

‫‪6‬‬


‫المصريين‪ ،‬ومن ذلك أن ينص في الدستور الجديد على دور مصر في تحمل تبعات استرجاع‬ ‫فلسطين والمسجد األقصى من أيدي اليھود‪.‬‬ ‫· أن تكسر القوالب الوطنية أو بعضا منھا على أقل تقدير تلك التي ارتبطت بزيف القومية‬ ‫والعلمانية وأن ال يترك األمر لسحرة المرحلة الجبرية بأن يملوا رؤاھم على الساحة من جديد‪،‬‬ ‫وبالمقابل فعلى الدعاة أن يسعوا لوضع االجتھاد الجديد في المنھج السياسي اإلسالمي المعاصر‬ ‫أو بعض معالمه ضمن المبادئ التي يحتويھا الدستور خاصة في الحكم الرشيد وتحديد حقوق‬ ‫المسلمين السياسية وحقوق المواطنة واألقليات إلى غير ذلك من المعالم دون أن يترك المجال‬ ‫لألقليات أن تفرض وجودھا تحت مبرر احترام حقوقھا‪.‬‬ ‫· ومن الفرص التاريخية التي حدثت في الثورة المصرية فرصة اإلجھاز والقضاء على معالم‬ ‫المرحلة الجبرية في الحكم والسياسة وامتداد واستناد تلك الجبرية على النظام الدولي المعادي‬ ‫للمسلمين منذ نشأته عام ‪١٩٤٥‬م بعيد انتھاء الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وضرورة العمل على دفع‬ ‫مسار ھذا اإلجھاز على الجبرية إلى آخر الشوط وتصدير ھذه الرؤية لبقية نواحي األمة العربية‬ ‫واإلسالمية بل وللمستضفين في العالم‪.‬‬ ‫· أن يسعى الدعاة لتأكيد مبادئ التنمية وقواعد االقتصاد اإلسالمي والحد من ھيمنة النظام الدولي‬ ‫االقتصادي والعولمة ضمن قواعد الدستور الجديد قدر المستطاع كمقدمة لمستقبل التغيير‬ ‫اإلسالمي‪.‬‬ ‫· استدعاء كافة مفردات الخطاب اآلمن والمؤلف لقلوب مختلف شرائح المجتمع دون التنازل عن‬ ‫أسس الرؤية اإلسالمية والحقوق االجتماعية والسياسية قدر المستطاع‪.‬‬ ‫· فسح المجال للمدارس اإلسالمية المختلفة ألداء أدوارھا في المجتمع المصري دون الحجر‬ ‫واإلبعاد والحذر من التوظيف اإلقصائي لجماعة من الجماعات وذلك بإغرائھا بالموقع المتقدم‬ ‫مقابل اآلخرين‪ ،‬وضرورة اعتماد تقديم كل من يثبت كفاءته وأمانته لخدمة المجتمع‪.‬‬ ‫· اعتماد الحوار المباشر والمكثف بين مختلف الجماعات اإلسالمية لبلورة رؤية موحدة قدر‬ ‫المستطاع إلدارة المرحلة وعدم ترك االختالف في االجتھادات حتى ال تعصف بالمسيرة العامة‬ ‫ووضع االتفاقات التي تحدد طبيعة الساحة والمرحلة وتطبيق المبادئ التي تتناسب مع كل مرحلة‬ ‫فإذا اتفق على أنھا ساحة صفراء فحينئذ ال يجوز إال أن تطبق فيھا أسس الصراع السياسي‬ ‫والفكري والتربوي ويسھم الجميع في ھذا الصراع وإذا اتفق أنھا ساحة حمراء وفق معطيات‬ ‫الشرع ونتيجة لتدخل الكفار فيھا بالسالح فحينئذ تطبق فيھا أسس الجھاد والقتال وھكذا‪.‬‬ ‫· ضرورة البحث عن مساحات واسعة لتحريك الثورة وتوصيلھا إلى بر األمان والتأثير الحقيقي‬ ‫في واقع األمة وھذا يقتضي التخفف من انغالق التجارب خاصة التجربة الديموقراطية في ظل‬ ‫النظام القطري الذي يستمد وجوده من النظام الدولي فيوشك النظام الدولي أن ينقض على‬ ‫إنجازات الثورة المصرية من بوابة األداء الديموقراطي والذي يربطه بالمرجعية العسكرية‬ ‫واألمنية ومرجعية المعايير الغربية النصرانية التي أبانت عن وجھھا في تجربة الجزائر وتجربة‬ ‫‪7‬‬


‫فلسطين وعليه فإن التسليم للنظام الدولي بوضع أسس إرساء الثورة ليھدد إنجازتھا أيما تھديد‪،‬‬ ‫مما يقتضي غل اليد الدولية قدر المستطاع من خالل الحراك الشعبي وتفعيله كما حصل بغل‬ ‫النظام الجبري المصري وأن يستعد قادة الثورة لكل االحتماالت فحبل التغيير طويل ومساره‬ ‫معقد وشديد‪.‬‬ ‫· ضرورة قبول الدعاة للمرحلة االنتقالية والتي قد تطول والتدرج في تقديم التطبيقات اإلسالمية‬ ‫في مختلف المجاالت السياسية والقانونية واالجتماعية مع إدراك الفرق ما بين مرحلة التمكين‬ ‫وھذه المرحلة االنتقالية دون فسح المجال للمفسدين لكي يعاودوا نشاطھم وإفسادھم قدر‬ ‫المستطاع‪.‬‬ ‫· تحتاج الثورة في مصر وأھلھا أن يخرجوا معنويا وعقليا في المرحلة األولى من سجن النظام‬ ‫الدولي ومفرداته المتمثل في أمريكا وفي القوى اإلقليمية وإمالءاتھا والنظم السياسية وفسادھا فإن‬ ‫الوقوع في محاولة إرضاء واسترضاء النظام الدولي سيقود حتما إلى المربع األول من جديد وقد‬ ‫يقول قائل وھل بامكان الثوار في مصر أن يخرجوا من ھذا النظام؟ والجواب‪ :‬نعم ويتم ذلك من‬ ‫حيث المبدأ من خالل تبني الرؤية اإلسالمية الشاملة والتي تقضي خروجا من عباءة النظام‬ ‫الدولي وإن كان على المدى البعيد فإن اليھود والنصارى وھيمنتھم على النظام الدولي ال يمكن‬ ‫أن يترك فسحة لتطبيق الرؤى اإلسالمية على الصعيد السياسي فضال عن الصعيد الجھادي‬ ‫ومالم تتبع استراتيجية ممانعة ومقاومة لتبعية النظم السياسية للنظام الدولي فإن األمر سوف‬ ‫يراوح مكانه‪ ،‬ومما يعين المصريين على ھذه النقلة استعداد شعوب العالم المستضعفة من‬ ‫المسلمين وغيرھم للوقوف في وجه النظام الدولي الذي تقوده وتمثله أمريكا‪.‬‬ ‫· وتحتاج الثورة في مصر إلى استراتيجية يوسف عليه السالم في النھضة بالمجتمع المصري‬ ‫من كبوته االقتصادية وتبعيته الذليلة للنظام االقتصادي العالمي فإذا نجح الدعاة في طمأنة الشعب‬ ‫المصري على أقواتھم أمكن االنتقال بھم إلى سقوف أرفع وأعلى خاصة وأن نيل يوسف عليه‬ ‫السالم ھو ھو فينبغي تدراك الموقف قبل أن يحل موعد حروب المياه التي يبشر بھا اليھود‪.‬‬ ‫وﷲ يقول الحق وھو يھدي السبيل‬

‫]‪ [١‬يراجع في ھذا كتاب الحرية أو الطوفان وكتاب تحرير اإلنسان وتجريد الطغيان للشيخ حاكم‬ ‫المطيري‪.‬‬ ‫]‪ [٢‬يراجع الفصل األخير في كتاب مالمح المشروع اإلسالمي للمؤلف‪.‬‬ ‫]‪ [٣‬تراجع مفردة تحديات كسر المرحلة االستضعافية في فصل موقع المشروع اإلسالمي على‬ ‫مسطرة التمكين‪ .‬الكتاب السابق‬ ‫‪8‬‬


‫األسود الليبي العنسي‬ ‫بقلم‪ /‬حسن أحمد الدقي‬ ‫‪٢٠١١/٢/٢١‬‬ ‫أحمدك يامن خضعت له الجبابرة وانكسرت أمام عظمته األكاسرة وأصلي على من بعثته رحمة‬ ‫للعالمين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬ ‫فإن ما يحدث للمسلمين في ليبيا على يد الباطش المتجبر القذافي ليوجب علينا نصرة إخواننا‬ ‫المستضعفين بكل وجوه النصرة ومن ذلك إعمال العقول لتحليل الموقف ونسبته إلى أصوله التي‬ ‫تلقيناھا من الكتاب والسنة فإن األمر والنازلة إذا تكررت تحققت معھا وبجانبھا كل المترتبات‬ ‫ْ‬ ‫خلت ْ‬ ‫من قبْل ُك ْم سُنن فسيرُوا في ْاألرْ ض‬ ‫عليھا وھذا في القرآن والسنة كثير كقوله عز وجل‪) :‬ق ْد‬ ‫فا ْنظُروا كيْف كان عاقبةُ ْال ُمكذبين‪ ،‬ھذا بيان للناس وھُدى وموْ عظة ْلل ُمتقين(سورة آل‬ ‫عمران‪١٣٨ -١٣٧:‬‬ ‫وما ظاھرة القذافي إال تكرارا لسنة أخبرنا عنھا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم وھي ظاھرة‬ ‫ال ‪َ :‬س ِمع ُ‬ ‫ْت‬ ‫ﷲ ‪ ،‬قَ َ‬ ‫الكذابين فقد ورد عن الرسول صلى ﷲ عليه وسلم أنه قال‪) :‬ع َْن َجابِ ِر ب ِْن َع ْب ِد ﱠ ِ‬ ‫صلﱠى ﱠ‬ ‫صا ِحبُ ْاليَ َما َم ِة ‪َ ،‬و ِم ْنھُ ْم‬ ‫َي السﱠا َع ِة َك ﱠذابِينَ ‪ِ ،‬م ْنھُ ْم َ‬ ‫ي َ‬ ‫النﱠبِ ﱠ‬ ‫ﷲُ َعلَ ْي ِه َو َسلﱠ َم ‪ ،‬يَقُو ُل ‪ " :‬إِ ﱠن بَ ْينَ يَد ِ‬ ‫صا ِحبُ ِح ْميَ َر ‪َ ،‬و ِم ْنھُ ُم ال ﱠدجﱠا ُل َوھُ َو أَ ْع َ‬ ‫ال ‪َ :‬وقَا َل‬ ‫ظ ُمھُ ْم فِ ْتنَةً " ‪ ،‬قَ َ‬ ‫ص ْن َعا َء ْال َع ْن ِس ﱡي ‪َ ،‬و ِم ْنھُ ْم َ‬ ‫صا ِحبُ َ‬ ‫َ‬ ‫ال ‪ :‬ھُ ْم قَ ِريبٌ ِم ْن ثَالثِينَ َك ﱠذابًا (‪ .‬رواه ابن حبان‬ ‫أَصْ َحابِي ‪ :‬قَ َ‬ ‫‪9‬‬


‫وفي الحديث شاھد على تكرار نوعية خاصة من الكذابين الذين تطير بذكرھم الركبان ويُتابَعونَ‬ ‫وتكون مھمتھم ھي الكذب على الدين الحق من جھة وادعاء النبوة من جھة أخرى‪ ،‬ومما يميزھم‬ ‫أيضا وجود كتاب لديھم أو ادعاء وحي‪ ،‬ولعل من أظھر صفاتھم ھو أن شخصياتھم تختزل‬ ‫مزيجا مركبا من جنون العظمة والكبر وتلبس الشياطين وأخيرا البطش وسفك الدماء وقد بدأ‬ ‫األمر بظھور أولى نماذج الكذبة على عھد الرسول صلى ﷲ عليه وسلم كما ورد في صحيح‬ ‫البخاري أن عبيد ﷲ بن عبد ﷲ بن عتبة قال‪ :‬بلغنا أن مسيلمة الكذاب قدم المدينة فنزل في دار‬ ‫بنت الحارث وكان تحته بنت الحارث بن كريز وھي أم عبد ﷲ بن عامر فأتاه رسول ﷲ صلى‬ ‫ﷲ عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس وھو الذي يقال له خطيب رسول ﷲ صلى ﷲ عليه‬ ‫وسلم وفي يد رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم قضيب فوقف عليه فكلمه فقال له مسيلمة إن شئت‬ ‫خليت بيننا وبين األمر ثم جعلته لنا بعدك فقال النبي صلى ﷲ عليه وسلم لو سألتني ھذا القضيب‬ ‫ما أعطيتكه وإني ألراك الذي أُريت فيه ما أُريت وھذا ثابت بن قيس وسيجيبك عني فانصرف‬ ‫النبي صلى ﷲ عليه وسلم قال عبيد ﷲ بن عبد ﷲ سألت عبد ﷲ بن عباس عن رؤيا رسول ﷲ‬ ‫صلى ﷲ عليه وسلم التي ذكر فقال ابن عباس ذكر لي أن رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم قال بينا‬ ‫أنا نائم أريت أنه وضع في يدي سواران من ذھب ففظعتھما وكرھتھما فأذن لي فنفختھما فطارا‬ ‫فأولتھما كذابين يخرجان فقال عبيد ﷲ أحدھما العنسي الذي قتله فيروز باليمن واآلخر مسيلمة‬ ‫الكذاب‪).‬انتھى النقل من البخاري(‬ ‫وأزعم أن القذافي ما ھو إال أحد ھؤالء الكذابين وذلك النطباق صفات الكذابين انطباقا كامال‬ ‫عليه فقد وردت األخبار الموثقة عن القذافي بأنه كذب على ﷲ وعلى رسوله صلى ﷲ عليه وسلم‬ ‫ومن أمثلة ذلك‪ :‬تحريفه القرآن الكريم؛ وذلك بحذف جميع قول ﷲ تعالى‪) :‬قُل( التي جاءت في‬ ‫القرآن‪ ،‬وسب األنبياء عليھم السالم واستنقاصھم كقوله عن نبي ﷲ يعقوب عليه السالم‪ :‬إنه‬ ‫وعائلته من أحط العائالت وأشدھا كفرا ونفاقا ً وأنھا عائلة ملعونة‪ ،‬واستھزاؤه بالنبي محمد صلى‬ ‫ﷲ عليه وسلم مراراً وتكراراً؛ ومن ذلك وصفه لنبينا صلى ﷲ عليه وسلم بأنه "ساعي بريد"!‪،‬‬ ‫وإنكاره للسنة النبوية جملة وتفصيالً‪ ،‬وجعل التمسك بھا طريقا ً وبابا ً للشرك وعبادة األوثان‬ ‫واألصنام‪ ،‬وإدعاؤه النبوة لنفسه‪ ،‬وزعمه أن لجانه الثورية المخابراتية ھي نبي ھذا العصر‪،‬‬ ‫وتشريعه الكتاب األخضر وزعمه أنه بمثابة التوراة أو اإلنجيل‪.‬‬ ‫وبرجوعنا إلى أشھر الكذابين على عھد رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم وھو األسود العنسي نجد‬ ‫أن التشابه بين القذافي وبين األسود يكاد يبلغ حد التطابق ولنترك اإلمام ان كثير في البداية‬ ‫والنھاية يروي لنا بعضا من أخباره‪ :‬يقول‪) :‬واستوثقت اليمن بكمالھا لألسود العنسي‪ ،‬وجعل‬ ‫أمره يستطير استطارة الشرارة‪....‬واشتد ملكه واستغلظ أمره‪ ،‬وارتد خلق من أھل اليمن‪ ،‬وعامله‬ ‫المسلمون الذين ھناك بالتقية(‬ ‫ويتعلق تاريخ القذافي بأخطر فترة من االنحطاط والوھن الذي لحق بالمسلمين بل إنه في الحقيقة‬ ‫وبھيمنته على الساحل المترامي في شمال إفريقيه قد جدد عھد الدولة العبيدية الشيعية واإلفساد‬ ‫الشديد الذي كان على عھدھا وھو رمز للمشروع القومي العلماني والتبعية للغرب النصراني‬ ‫والذلة التي لحقت بالمسلمين نتيجة سقوط فلسطين تحت اليھود وعليه فإن سقوطه يمثل سقوط‬

‫‪10‬‬


‫أحد أھم أركان المرحلة والمشروع الصليبي اليھودي وما تميز به من مكر ودھاء لم يمر مثله‬ ‫على تاريخ المسلمين‪.‬‬ ‫والذي يتطلع إليه المسلمون اآلن أن يتمكن أھل ليبيا من سرعة التخلص من ھذا الكذاب ونظامه‬ ‫ولعل ﷲ يكرم المسلمين بنھاية للقذافي ھي أشبه ما تكون بنھاية األسود العنسي حيث قتله أقرب‬ ‫الناس إليه وھي زوجته التي كان قد قتل زوجھا وكانت مؤمنة صالحة فشاركت في قتله مشاركة‬ ‫مباشرة عبر العمل على تسريب المجاھدين إلى قصره ولنترك اإلمام ابن كثير من جديد يخبرنا‬ ‫عن قصة مقتل األسود العنسي على يد فيروز الديلمي رضي ﷲ عنه والذي مدحه رسول ﷲ‬ ‫صلى ﷲ عليه وسلم بقتله للعنسي‪ ،‬يقول اإلمام ابن كثير )بشيء من االختصار( ‪ :‬قالت إمرأته‬ ‫للثوار‪ :‬إنه ليس من الدار بيت إال والحرس محيطون به غير ھذا البيت‪ ،‬فإن ظھره إلى مكان كذا‬ ‫وكذا من الطريق‪ ،‬فإذا أمسيتم فانقبوا عليه من دون الحرس‪ ،‬وليس من دون قتله شيء‪ ،‬وإني‬ ‫سأضع في البيت سراجا وسالحا‪ ،‬فلما كان الليل نقبوا ذلك البيت فدخلوا‪ ،‬فوجدوا فيه سراجا‬ ‫تحت جفنة‪ ،‬فتقدم إليه فيروز الديلمي واألسود نائم على فراش من حرير قد غرق رأسه في‬ ‫جسده‪ ،‬وھو سكران يغط‪ ،‬والمرأة جالسة عنده‪ ،‬فلما قام فيروز على الباب أجلسه شيطانه وتكلم‬ ‫على لسانه ‪ -‬وھو مع ذلك يغط ‪ -‬فقال‪ :‬مالي ومالك يا فيروز؟ فخشي إن رجع يھلك وتھلك المرأة‬ ‫فعاجله وخالطه وھو مثل الجمل فأخذ رأسه فدق عنقه‪ ،‬ووضع ركبتيه في ظھره حتى قتله‪ ،‬ثم‬ ‫قام ليخرج إلى أصحابه ليخبرھم فأخذت المرأة بذيله وقالت‪ :‬أين تذھب عن حرمتك فظنت أنھا لم‬ ‫تقتله‪ ،‬فقال‪ :‬أخرج ألعلمھم بقتله‪ ،‬فدخلوا عليه ليحتزوا رأسه‪ ،‬فحركه شيطانه فاضطرب‪ ،‬فلم‬ ‫يضبطوا أمره حتى جلس اثنان على ظھره‪ ،‬وأخذت المرأة بشعره‪ ،‬وجعل يبربر بلسانه فاحتز‬ ‫اآلخر رقبته‪ ،‬فخار كأشد خوار ثور سمع قط‪ ،‬فابتدر الحرس إلى المقصورة فقالوا‪ :‬ما ھذا؟ ما‬ ‫ھذا؟‬ ‫فقالت المرأة‪ :‬النبي يوحي إليه‪ ،‬فرجعوا‪ ،‬وجلس قيس داذويه وفيروز يأتمرون كيف يُعلِمون‬ ‫أشياعھم‪ ،‬فاتفقوا على أنه إذا كان الصباح ينادون بشعارھم الذي بينھم وبين المسلمين‪ ،‬فلما كان‬ ‫الصباح قام أحدھم وھو قيس على سور الحصن فنادى بشعارھم فاجتمع المسلمون والكافرون‬ ‫حول الحصن‪ ،‬فنادى قيس‪ ،‬ويقال‪ :‬وبر بن يحنش األذان أشھد أن محمدا رسول ﷲ‪ ،‬وأن‬ ‫عبھلة)اسم األسود( كذاب وألقى إليھم رأسه‪ ،‬فانھزم أصحابه وتبعھم الناس يأخذونھم‪،‬‬ ‫ويرصدونھم في كل طريق يأسرونھم‪ ،‬وظھر اإلسالم وأھله‪ ،‬وقد أطلع ﷲ رسوله صلى ﷲ عليه‬ ‫وسلم على الخبر من ليلته‪).‬انتھى النقل من البداية والنھاية(‪.‬‬ ‫وإنه يحق للمسلمين في العالم أن يبتھلوا ? عز وجل أن يجعل نھاية القذافي كنھاية األسود‬ ‫العنسي وأن يحقن ﷲ دماء المسلمين في ليبيا ويتجدد فيروز الديلمي في تاريخ األمة من جديد‬ ‫كما تجدد األسود الليبي العنسي ويرفع ھذا البالء عن كاھل المسلمين في ليبيا في العالم أجمع‬ ‫ويوشك المھاجرون أن يعودوا إلى ديارھم بعد انقطاع ووحشة وغربة كما وعد رب العالمين‬ ‫) َو َع َد ﱠ‬ ‫ض َك َما ا ْستَ ْخلَفَ الﱠ ِذينَ ِم ْن‬ ‫ﷲُ الﱠ ِذينَ آ َمنُوا ِم ْن ُك ْم َو َع ِملُوا الصﱠالِ َحا ِ‬ ‫ت لَيَ ْستَ ْخلِفَنﱠھُم فِي األَرْ ِ‬ ‫ضى لَھُ ْم َولَيُبَ ﱢدلَنﱠھُ ْم ِم ْن بَ ْع ِد َخوْ فِ ِھ ْم أَ ْمنًا يَ ْعبُ ُدونَنِي ال يُ ْش ِر ُكونَ بِي‬ ‫قَ ْبلِ ِھ ْم َولَيُ َم ﱢكنَ ﱠن لَھُ ْم ِدينَھُ ُم الﱠ ِذي ارْ تَ َ‬ ‫ك ھُ ُم ْالفَا ِسقُونَ ( سورة النور‪٥٥:‬‬ ‫ك فَأُوْ لَئِ َ‬ ‫َش ْيئًا َو َم ْن َكفَ َر بَ ْع َد َذلِ َ‬ ‫‪11‬‬


‫متالزمة حسني بن علي‬ ‫)حتمية السقوط(‬ ‫بقلم‪ /‬حسن أحمد الدقي‬ ‫‪٢٠١١/٣/١٩‬‬ ‫ْ‬ ‫يتخذ ولداً ولم ي ُكن له شري ٌ‬ ‫)وقُ ِل الحم ُد? الذي ل ْم‬ ‫ك في الملك ولم يكن له ول ﱞي من الذ ﱢل وكبﱢرهُ‬ ‫تكبيرا(اإلسراء‪) ،١١١:‬ولم ت ُكن لهُ فئةٌ ينصرونه من ُدون ﷲِ وما كان ُمنتصرا‪ ،‬ھنالك ال َواليةُ ?ِ‬ ‫الحق ھو خي ٌر ثوابا ً وخي ٌر ُع ْقــبا(الكھف‪ ،٤٣-٤٢:‬وأصلي وأسلم على سيد األولين واآلخرين‬ ‫وبعد‪:‬‬ ‫فيطيب للمرء المسلم أن يطيل التأمل وأن يذھب بعيدا في استلھام العبر وھو يرى سنن ﷲ عز‬ ‫وجل تتحقق عيانا بعد أن آمن وصدق بما جعل ﷲ عز وجل فيھا من وجوب التحقق )سنةَ ﷲِ في‬ ‫الذين َخلَوا من قبل ولن تج َد لسنﱠ ِة ﷲ تبديال(األحزاب‪ ،٦٢:‬ولعل مما يوجب العجب في حال‬ ‫النظم السياسية وما تلبست به من سقوط متتابع ھو خضوع الساقطين لنفس المراحل وتشبثھم‬ ‫بنفس نوع األداء على ما بينھم من فروق ظاھرة في الظروف والمعطيات! وقد وقف المراقبون‬ ‫مذھولون من دقة مراحل السقوط وتشابھھا فالساقطون يبدأون مسيرتھم السريعة نحو الھاوية‬ ‫بتجاھل الثائرين واإلعراض عن رؤية فوران السيل وھو يتشكل‪ ،‬ثم ما يلبثوا أن يدخولوا في‬ ‫المرحلة الثانية وھي االستھزاء واإلنتقاص من قدرة الثائرين ووصفھم بكل نعوت النقص‬ ‫والعمالة ثم تبدأ المرحلة الثالثة وھي القمع الشديد مع أنھم يرون بأم أعينھم كيف أدى استخدام‬ ‫‪12‬‬


‫النظم الساقطة للقمع إلى دفع الثورة للقمة والفوران األكيد‪ ،‬ثم ما يلبثوا في المرحلة الرابعة وبعد‬ ‫أن تفرض الثورة وجودھا وتكتسب مساحات معتبرة أن يلبسوا جلود الضأن على فراء الذئاب‬ ‫ويتحدثوا بخطاب حلو متفھﱢم وعند ھذا الحد سرعان ما يقذف الساقطون أنفسھم في المرحلة‬ ‫الخامسة وھي باب مزبلة التاريخ كما يطيب للثائرين أن يصفوھا‪ ،‬فياللعجب! كيف ينزلقون كلھم‬ ‫إلى نفس الھاوية ويسيرون في ذات الطريق وال يلحظون اإلشارات الحمراء الخطيرة المحذرة؟‬ ‫وكيف يستعد النظام تلو اآلخر للدخول في شوط السباق وھو يعلم أن أخاه قد سبقه إلى الھاوية فال‬ ‫ُشرف الساقطون بأنفسھم‬ ‫ينصت لھدير الشعوب وھي تل ّوح بسوط العقاب التاريخي؟ وكيف ي ِ‬ ‫وبأيديھم وبمساعدة أركان حكمھم على نسج نھايتھم المحتومة؟ فكأن الطاغوت منھم‪ :‬مسافر‬ ‫يرتب حقيبته على عجل وصوت السقوط يناديه ويستحثه! فأي سوط يسوقه وأي معادلة تتحكم‬ ‫فيه؟‬ ‫في ھذا المقال المختصر سأحاول أن أجيب على تلك األسئلة الملحّة بقدر ما يفتح ﷲ عز وجل‬ ‫من علم وفھم من كتاب ﷲ وسنة نبيه صلى ﷲ عليه وسلم وما تلقيناه من مشايخنا جزاھم ﷲ عنا‬ ‫كل خير فأي علم وأي فھم إن لم يكن في ظاللھما وأي التماس لحكمة إن لم تكن على شواطيء‬ ‫الكتاب والسنة؟‬ ‫وليسمح لي األخوة الكرام أن أسمي ما يحدث للطغاة ھذه األيام بمتالزمة السقوط السنني أو‬ ‫)متالزمة حسني بن علي( أخذا مما ُعرف في عالم الطب بالمتالزمة‪ :‬والتي عرّفھا‬ ‫المتخصصون في الطب بأنھا مجموعة من العالمات واألعراض التي غالبا ما تحدث معا‪ ،‬والتي‬ ‫تعكس وجود مرض معين أو زيادة الفرص لتط ّور مرض معين ـ نسأل ﷲ لنا وللمسلمين العفو‬ ‫والعافيةـ وھناك كثير من المتالزمات لعل من أشھرھا متالزمة نقص المناعة المكتسبة‬ ‫)اإليدز‪ (AIDS‬وھي كلمة متكونة من أربعة كلمات أجد من لزوم ماال يلزم اإلشارة إلى كلماتھا‬ ‫باإلنجليزية ومعانيھا‬ ‫فالكلمة األولى‪ A: Acquired :‬مكتسب‬ ‫والكلمة الثانية‪ I: Immune :‬مناعة‬ ‫والكلمة الثالثة‪ D: Deficiency :‬نقص‬ ‫والكلمة الرابعة‪ S : Syndrome :‬مجموعة أعراض أو متالزمة‬ ‫ويمكن اكتشاف ھذا المرض الخبيث من خالل طريقتين األولى أن يالحظ الطبيب ظھور‬ ‫أعراض متسلسة ومترابطة على المريض تدل على احتمال كبير بوجود المتالزمة وأما الطريقة‬ ‫الثانية التي يمكن من خاللھا الجزم بوجود المرض من عدمه فھو التحليل المخبري‪.‬‬ ‫وبالعودة إلى متالزمة حسني بن علي والتي وضعت اسمھا تقليدا لما ُعرف بتسمية المتالزمة في‬ ‫عالم الطب نسبة إلى مكتشفھا أو نسبة إلى الحروف األولى المك ّونة لھا فإننا سنجد أن األعراض‬

‫‪13‬‬


‫والمراحل التي تمر بھا النظم السياسية حتى تسقط ھي مراحل وأعراض متشابھة وتكاد تنطبق‬ ‫في الحاالت المختلفة ظاھريا انطباقا كبيرا ومدھشا فمالذي يتحكم في ھذا النوع من السقوط؟‬ ‫إنه الوقوع في السنن والتي أخبرنا بھا وبنتائجھا الرب تباركت أسماؤه في كتابه العزيز وأخبرنا‬ ‫بھا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم في حديثه الشريف وما يترتب على ذلك من مخرجات حتمية‬ ‫ومن ھذه السنن‪:‬‬

‫أوال‪ :‬مواالة اليھود والنصارى‬ ‫ضھُ ْم أَوْ لِيَا ُء‬ ‫صا َرى أَوْ لِيَا َء بَ ْع ُ‬ ‫أخذا من قوله عز وجل‪) :‬يَا أَ ﱡيھَا الﱠ ِذينَ آ َمنُوا ال تَتﱠ ِخ ُذوا ْاليَھُو َد َوالنﱠ َ‬ ‫ْض َو َم ْن يَتَ َولﱠھُ ْم ِم ْن ُك ْم فَإِنﱠهُ ِم ْنھُ ْم إِ ﱠن ﱠ‬ ‫ﷲَ ال يَ ْھ ِدي ْالقَوْ َم الظﱠالِ ِمينَ ‪،‬فَتَ َرى الﱠ ِذينَ فِي قُلُوبِ ِھ ْم َم َرضٌ‬ ‫بَع ٍ‬ ‫ْ‬ ‫صيبَنَا دَائِ َرةٌ فَ َع َسى ﱠ‬ ‫ح أَوْ أَ ْم ٍر ِم ْن ِع ْن ِد ِه‬ ‫ار ُعونَ فِي ِھم يَقُولُونَ نَ ْخ َشى أَ ْن تُ ِ‬ ‫يُ َس ِ‬ ‫ﷲُ أَ ْن يَأتِ َي بِ ْالفَ ْت ِ‬ ‫فَيُصْ بِحُوا َعلَى َما أَ َسرﱡ وا فِي أَنفُ ِس ِھ ْم نَا ِد ِمينَ ( المائدة‪٥٢-٥١:‬‬ ‫وھو بالء ومرض ال عالج له البتة إال بتوبة شاملة تامة ومن أخطر آثار ھذا البالء‬ ‫بالضرورةوقوع ال ُمت َولّين لليھود والنصارى في بالء تابع له ومالزم وھو العمل ضد المصلحة‬ ‫العليا لألمة المسلمة بدليل قوله عز وجل في نفس اآلية‪) :‬ومن يتولھم منكم فإنه منھم( فقد أورد‬ ‫القرطبي في تفسيرھا قوله‪ :‬ومن يتولھم منكم أي ‪ :‬يعضدھم على المسلمين فإنه منھم بيّن تعالى‬ ‫أن حكمه كحكمھم‪.‬‬ ‫وھذا ما وقعت فيه النظم السياسية الحاكمة في العالم اإلسالمي والعالم العربي فلما مضوا في ھذا‬ ‫السبيل وھو معاضدة الكفار ومظاھرتھم على المسلمين كما حصل في أفغانستان والعراق وقبل‬ ‫ذلك في فلسطين كان البد أن يقعوا فيما يترتب عليه والذي يترتب عليه قوله عز وجل‪) :‬فعسى‬ ‫ﷲ أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على أسرّوا في أنفسھم نادمين(اآلية‪.‬وھذا الذي‬ ‫شاھدته الدنيا بأسرھا من سقوط األنظمة إنما ھو أمر من عنده عز وجل ْإذ لم يكن في الشعوب‬ ‫من المؤشرات والمقدمات ما يدل على قدرتھا على ھذا النوع من التغيير والتطلع له بعد أن‬ ‫رزحت تلك الشعوب تحت حكم الظالمين دھورا فتأمله فھو جدير بذلك‪.‬‬ ‫وقد ترتب على موضوع مواالة الكفار من اليھود والنصارى تحقق انھيار أربعة أركان مما تقوم‬ ‫وتنھض به األمة المسلمة أما الركن األول الذي انھار فھو مرجعية الشريعة اإلسالمية احتكاما‬ ‫والتزاما وأما الركن الثاني الذي انھار فھو وضع الجھاد في موضع التنفيذ متى احتاجته األمة‬ ‫المسلمة وأما الركن الثالث الذي انھار فھو قدرة النظم السياسية على النظر في المصلحة العليا‬ ‫لألمة وأما الركن الرابع الذي انھار فھو حتمية استقالل األمة المسلمة عن تدخل أمم الكفر في‬ ‫شؤونھا‪ ،‬وھو الذي يفسر عدم قدرة النظم السياسية على تحقيق أدنى مستوى من مستويات‬ ‫النھضة والقوة واالستقالل للعرب وللمسلمين طوال القرن العشرين الميالدي وما تاله حتى اآلن‪.‬‬

‫‪14‬‬


‫ثانيا‪ :‬قتل الذين يأمرون بالقسط من الناس‬ ‫وذلك أخذا وفھما من قوله عز وجل‪) :‬إن الذين يكفرون بآيات ﷲ ويقتلون النبيين بغير حق‬ ‫ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرھم بعذاب أليم‪ ،‬أولئك الذين حبطت أعمالھم في‬ ‫الدنيا واآلخرة وما لھم من ناصرين(آل عمران‪٢٢-٢١:‬‬ ‫وھاتين اآليتين وإن نزلتا تقص ما كان من أعمال بني إسرائيل في قتل أنبيائھم وقتل اآلمرين‬ ‫بالمعروف والناھين عن المنكر لكن العبرة بعموم اللفظ ال بخصوص السبب فحكم من يقتل‬ ‫اآلمرين بالقسط من الناس ھو ما اخبر به الرب تباركت اسماؤه من حبوط العمل وانتفاء النصرة‬ ‫لھم باي شكل من األشكال وھو ما يالحظ في سقوط األنطمة المتجبرة ھذه األيام فقد امتنعت‬ ‫عليھم النصرة من كل األنحاء خاصة وأن من كان ينصرھم أو يعد بنصرتھم وھو النظام‬ ‫األمريكي قد انغلقت أمامه امكانية التحرك لنجدة عبيده السباب كثيرة فتركھم لمصيرھم المحتوم!‬ ‫ونحن ھنا في غنى عن القول والتذكير بمن قتلتھم األنظمة السياسية من علماء األمة اآلمرين‬ ‫بالمعروف الناھين عن المنكر من سيد قطب المصري إلى مروان حديد السوري إلى غيرھم‬ ‫كثير وھم ألوف مؤلفة ال يحصيھم وال يعلمھم إال الحفيظ العليم‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬التفنن في تعذيب الناس‬ ‫وذلك أخذا من قوله صلى ﷲ عليه وسلم ‪ :‬عن أبي ھريرة قال‪ :‬قال رسول ﷲ صلى ﷲ عليه‬ ‫وسلم‪ :‬صنفان من أھل النار لم أرھما قوم معھم سياط كأذناب البقر يضربون بھا الناس ونساء‬ ‫كاسيات عاريات مميالت مائالت رءوسھن كأسنمة البخت المائلة ال يدخلن الجنة وال يجدن‬ ‫ريحھا وإن ريحھا ليوجد من مسيرة كذا وكذا‪.‬رواه مسلم‬ ‫فھذا البالء الذي سنه النظام الناصري من تعذيب الشعوب المسلمة ومن ثم تعميمه على بقية‬ ‫النظم السياسية وتسليط أجھزة األمن على المجتمعات تستحل منھا ما حرم ﷲ عز وجل من‬ ‫السجن والتعذيب والتفنن فيه حتى استعانت تلك األجھزة بآخر ما وصلت إليه أجھزة‬ ‫االستخبارات عند الكفار من شرق وغرب وشراء األدوات الالزمة بأموال المسلمين حتى‬ ‫تشكلت ملحمة تاريخية ھائلة ولعقود من الزمن في بالد المسلمين والعرب على وجه الخصوص‬ ‫حيث زج بالرجال في غياھب السجون فمنھم من أمضى قرابة الثالثين سنة وھو في العذاب‬ ‫ومنھم من مضى إلى ربه يشكو حال أمته على يد األنظمة الجبرية‪ ،‬بل وبلغ الحال أن كافأ الكفار‬ ‫نظام زين الدين بن علي بأن جعلوه رأس األمر وقيادته مما أوجب على األنظمة العربية إرسال‬ ‫وزراء داخليتھا بشكل منتظم ومعھم رؤساء أجھزة أمنھا لكي يتلقوا التوجيه تلو التوجيه من ذلك‬ ‫النظام واتخاذه قدوة بما فعله في أھل تونس من فتنة وبالء لم يخطر على بال أشد المفسدين في‬ ‫األرض من المالحدة والبالشفة‪ ،‬وللقراء أن يعجبوا معي‪ :‬كيف أن االختالف الشديد والقطيعة‬ ‫شبه الكاملة بين األنظمة السياسية العربية لم تمنع من ائتالفھم على وزير داخلية بن علي وجھاز‬ ‫أمنه؟‬

‫‪15‬‬


‫رابعا‪ :‬أكل أموال الناس بالباطل واستحالل الربا‬ ‫وذلك أخذا من قوله عز وجل‪) :‬فبظلم من الذين ھادوا حرمنا عليھم طيبات أحلت لھم وبصدھم‬ ‫عن سبيل ﷲ كثيرا ‪ ،‬وأخذھم الربا وقد نھوا عنه وأكلھم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين‬ ‫منھم عذابا أليما(النساء‪١٦١-١٦٠:‬‬ ‫وقوله عز وجل‪ ) :‬يا أيھا الذين آمنوا اتقوا ﷲ وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين‪ ،‬فإن لم‬ ‫تفعلوا فأذنوا بحرب من ﷲ ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم ال تظلمون وال‬ ‫تظلمون(البقرة‪٢٧٩-٢٧٨:‬‬ ‫يقول صاحب تفسير المنار الشيخ رشيد رضا عن اآلية األولى‪ :‬وتقديم فبظلم على حرّمنا يفيد‬ ‫الحصر ‪ ،‬أي ُحرّم عليھم ذلك بسبب الظلم ال بسبب آخر ‪ ،‬وقد أبھم ما حرم عليھم ھنا ؛ ألن‬ ‫الغرض من السياق العبرة بكونه عقوبة ال بيانه في نفسه ‪ ،‬كما أبھم الظلم الذي كان سببا له ؛‬ ‫ليعلم القارئ والسامع أن أي نوع من الظلم يكون سببا للعقاب في الدنيا قبل اآلخرة)انتھى(‬ ‫ويقول اإلمام ابن كثير في تفسير قوله عز وجل)فاذنوا بحرب(‪ :‬وھذا تھديد شديد ووعيد أكيد ‪،‬‬ ‫لمن استمر على تعاطي الربا بعد اإلنذار ‪ ،‬قال ابن جريج‪ :‬قال ابن عباس‪ :‬فأذنوا بحرب أي‬ ‫استيقنوا بحرب من ﷲ ورسوله ‪ .‬وعن ابن عباس قال ‪ :‬يقال يوم القيامة آلكل الربا ‪ :‬خذ سالحك‬ ‫للحرب ‪ .‬ثم قرأ‪ :‬فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من ﷲ ورسوله‪).‬انتھى(‬ ‫وعليه فقد اجتمع الربا وأكل أموال الناس بالباطل المتمثل في المكوس )الضرائب( المنظورة‬ ‫وغير المنظورة والتصرف في ثروات المسلمين بغير ما أنزل ﷲ لكي يشكل محقا تاما لما تدعي‬ ‫النظم من منجزات وسيطرة شبه تامة على األمة ومقدراتھا وفي زمن قياسي لم يكن يحلم به أكثر‬ ‫المتفائلين من المسلمين ولكنھا السنن‪.‬‬ ‫كما ترتب على أكل أموال الناس بالباطل أن ﷲ عز وجل لم يبارك في تلك األموال المنھوبة ولم‬ ‫يبارك في الزعم بالمنجزات المكذوبة فلم تتمكن دولة عربية أن تتقدم في مجال اقتصادي واحد‬ ‫ولم تتمكن من منافسة األمم األخرى ال في الزراعة وال في الصناعة وال في التجارة إال بعض‬ ‫األسواق المصطنعة ھنا وھناك وما سمي بالمناطق الحرة التي أدخلت الخمور والزنا إلى بالد‬ ‫المسلمين‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬إشاعة الفاحشة‬ ‫وذلك أخذا من قوله عز وجل‪) :‬إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لھم عذاب أليم‬ ‫في الدنيا واآلخرة وﷲ يعلم وأنتم ال تعلمون)النور‪١٩:‬‬ ‫ويورد القرطبي حول اآلية قوله‪ :‬إن الذين يحبون أن يذيع الزنا في الذين ص ّدقوا با? ورسوله‬ ‫ويظھر ذلك فيھم ‪ ) ،‬لھم عذاب أليم ( يقول ‪ :‬لھم عذاب وجيع في الدنيا)انتھى(‬

‫‪16‬‬


‫فقد عملت أغلب األنظمة السياسية على إشاعة الزنا وما يتعلق به من فساد أخالقي ومن خالل‬ ‫أدوات كثيرة كالتغيير في الشرع من خالل قوانين األحوال الشخصية كما فعل نظام تونس البائد‬ ‫وغيره من األنظمة حتى عد العلمانيون ما حصل في تونس نموذجا ينبغي احتذاؤه في جميع‬ ‫بلدان المسلمين‪ ،‬كما عملت األنظمة على إشاعة الفساد األخالقي عبر منع الحجاب والنقاب‬ ‫وتشجيع مسابقات الجمال كما حدث في مصر وغيرھا وعبر إشاعة االختالط في التعليم خاصة‬ ‫التعليم الجامعي وعبر تشجيع الفساد اإلعالمي واالنحطاط الفني في التلفزيون والسينما وعبر‬ ‫الزج بالمرأة في الجيش والشرطة وحتى البلدان التي يتحفظ أھلھا على ھذه الممارسات‬ ‫كالسعودية مارست حكوماتھا ھذا الفساد عبر دعم القنوات الفضائية الفاسدة كقنوات )روتانا(‬ ‫و)االم بي سي( وما أشبه وعبر تشجيع ودعم الفرق الفنية والمغنيين والمغنيات‪ ،‬كما شجعت‬ ‫األنظمة السياسية تسھيل تعاطي الخمور في بالد المسلمين ولم تسلم جزيرة العرب من بالء‬ ‫الخمور أم الخبائث بل إنھا أحيطت بھا من خالل البحرين واإلمارات و ُعمان وقطر وعبر فتح‬ ‫المجال لألندية الليلية والمھرجانات السنوية السينمائية والفنية وما أشبه من تشجيع الفساد‬ ‫األخالقي‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬الفرعونية‬ ‫وذلك أخذا من قوله عز وجل‪) :‬إن فرعون عال في األرض وجعل أھلھا شيعا يستضعف طائفة‬ ‫منھم يذبح أبناءھم ويستحيي نساءھم إنه كان من المفسدين(القصص‪٤:‬‬ ‫ولقد وردت لفظة فرعون في القرآن أربعا وسبعين مرة‪ ،‬ومن األدلة على أن فرعون ظاھرة‬ ‫بشرية تعاود الظھور مرة بعد مرة في تاريخ البشرية ما ورد عنه صلى ﷲ عليه وسلم في أبي‬ ‫جھل بقوله‪ :‬ھذا فرعون ھذه األمة‪ .‬فتظھر تلك الصفات الفرعونية أو بعض منھا في فرعون أو‬ ‫في مجموعة من الفراعنة‪.‬‬ ‫فإذا وقفنا على النظم السياسية في العالم العربي واإلسالمي في مرحلتھا الجبرية ھذه وجدنا‬ ‫صفات الفرعون تتحقق بشكل أو بآخر في رؤوس تلك النظم ومنھا‪:‬‬ ‫ال ِكبْر والجبروت‪ :‬أخذا من اآلية السابقة ومن قوله عز وجل‪) :‬واستكبر ھو وجنوده في األرض‬ ‫بغير الحق وظنوا أنھم إلينا ال يرجعون‪ ،‬فأخذناه وجنوده فنبذناھم في اليم فانظر كيف كان عاقبة‬ ‫الظالمين(القصص‪٤٠-٣٩:‬‬ ‫التفرّد بالرأي‪ :‬أخذا من قوله عز وجل‪) :‬قال فرعون ما أريكم إال ما أرى وما أھديكم إال سبيل‬ ‫الرشاد(غافر‪٢٩:‬‬ ‫محورية ال ُملك في ِمصر‪ :‬وذلك من قوله عز وجل‪) :‬ونادى فرعون في قومه قال ياقوم أليس لي‬ ‫ملك مصر وھذه األنھار تجري من تحتي أفال تبصرون(الزخرف‪ ٥١:‬وقد كانت كل األنظمة‬ ‫العربية تنقاد لھذه المحورية ومن مصر تم تعميم الفكر القومي العلماني ومنھا تم تعميم النموذج‬ ‫األمني الباطش ومنھا تم تعميم النموذج اإلعالمي المتھتك إلى غير ذلك‪.‬‬ ‫‪17‬‬


‫عدم إبصار العاقبة‪ :‬وذلك أخذا من قوله عز وجل‪) :‬فأتبعھم فرعون بجنوده فغشيھم من اليم ما‬ ‫غشيھم‪ ،‬وأضل فرعون قومه وما ھدى(طه‪ ،٧٩-٧٨:‬وھكذا فعلت النظم السياسية بأتباعھا من‬ ‫األجھزة األمنية والعسكرية والسحرة من رجال األعمال واإلعالميين فلم يتمكن أحدھم من أن‬ ‫يبصر العاقبة وھم ينزلقون إليھا حتى غشيتھم ثورة الجماھير وھم ال يبصرون‪.‬‬

‫سابعا‪ :‬النفاق المستحكم‪:‬‬ ‫وذلك أخذا من قوله عز وجل‪) :‬يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن األعز منھا األذل و?‬ ‫العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين ال يعلمون(المنافقون‪ ،٨:‬فاألنظمة السياسية تعتقد تمام‬ ‫االعتقاد أن العزة لھم بينما ھم أذل الخلق على األرض إلى الدرجة التي سيطر عليھم فيھا اليھود‬ ‫والنصارى حتى اضطروا السترضائھم والجري وراءھم ومن ھنا نفى ﷲ عز وجل عنھم العلم‬ ‫بعد أن نفى عنھم الفقه في اآلية التي قبلھا‪ ،‬فلما انغلقى عليھم الفقه والعلم أصبح تدبيرھم تدميرا‬ ‫لھم ولجبروتھم وھم يعتقدون تمام االعتقاد أنھم منصورون ونصرھم قاب قوسين أو أدنى كما‬ ‫يقول القذافي االبن ھذه األيام وقد قالھا قبله حسني مبارك وبن علي وسوف يقولھا علي عبدﷲ‬ ‫صالح وأضرابه من عبدة األمريكان والموالين لليھود‪ ،‬وھل كان بالء عبدﷲ بن ابي بن سلول إال‬ ‫مواالته لليھود؟‬ ‫ومن صفات النفاق التي تلبست بھا النظم السياسية وإال فھي كثيرة‪:‬‬ ‫الفرح بالبالء في المؤمنين‪ :‬أخذا من قوله عز وجل‪) :‬إن تصبك حسنة تسؤھم وإن تصبك مصيبة‬ ‫يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وھم فرحون(التوبة‪٥٠:‬‬ ‫القعود عن الجھاد‪ :‬أخذا من قوله عز وجل‪) :‬وإذا أنزلت سورة أن آمنوا با? وجاھدوا مع رسول‬ ‫ﷲ استئذنك أولوا الطول منھم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين‪ ،‬رضوا بأن يكونوا مع الخوالف‬ ‫وطُبع على قلوبھم فھم ال يفقھون(التوبة‪ ،٨٧-٨٦‬وقد اتضح ذلك من اليوم األول الذي أعلن فيه‬ ‫قيام دولة اليھود على أرض فلسطين فھم في انسحاب وھزيمة حتى وصلوا إلى الھرولة للتطبيع‬ ‫مع اليھود سرا وجھرا‪.‬‬ ‫العمل على تفريق الصف المؤمن‪ :‬أخذا من قوله عز وجل‪) :‬فمالكم في المنافقين فئتين وﷲ‬ ‫أركسھم بما كسبوا أتريدون أن تھدوا من أضل ﷲ ومنة يضلل ﷲ فلن تجد له سبيال(النساء‪،٨:‬‬ ‫وقد عملت األنظمة بكل ما أوتيت من طاقة لتفريق صفوف المسلمين والدعاة على وجه‬ ‫الخصوص ووثائق األمن المصرية شاھدة على ذلك‪.‬‬ ‫ھذا ما يسره ﷲ عز وجل من فھم وقراءة في واقع سقوط األنظمة السياسية السريع وانغالق الفھم‬ ‫والعلم والذين ال تلبث مسيرتھم حتى تقذف بھم على قارعة الطريق أو على مزبلة التاريخ كما‬ ‫طاب للثوار أن يصفوا نھاية حسني مبارك وبن علي وأضرابھم ‪.‬‬

‫‪18‬‬


‫زلزال الثورة العربية والمشروع‬ ‫اإلسالمي‬ ‫بقلم حسن أحمد الدقي‬ ‫‪٢٠١١/٤/٢٧‬‬

‫‪19‬‬


‫مفردات البحث‬ ‫أوال‪ :‬المقدمة‬ ‫ثانيا‪ :‬زلزال وثوابت الثورات العربية‬ ‫ثالثا‪ :‬اتجاھات الصراع بين المشاريع العالمية واإلقليمية‬ ‫رابعا‪ :‬ضرورات المشروع اإلسالمي‬

‫أوال‪ :‬المقدمة‬ ‫إن الحمد? تعالى ُمتم النﱢ َعم و ُمتو ّعد الظالمين بالنﱢــقَم وناصر المستضعفين من عدَم والصالة‬ ‫والسالم على رسول العالمين وقائد الغر المحجلين وبعد‪:‬‬ ‫فأجدد الحمد ? رب العالمين بما ّ‬ ‫من ع ّز وج ّل على أمة اإلسالم من تح ّول وتغيير وأشكره على‬ ‫تيسيره للمستضعفين أن ينطلقوا للتمكين بإذنه‪ ،‬فالفضل والمنّة له وحده ال من إرادة الشعوب وال‬ ‫من قدرتھا ـ نعوذ با? من الخذالن ـ فقد لبثت الشعوب العربية دھورا وھي ساقطة تحت وھم‬ ‫عنوانه‪ :‬سلطان الطغاة وسيطرتھم‪ ،‬فلما أذن الرب تباركت أسماؤه إذا بالمستضعفين ليسوا كما‬ ‫عھدوا أنفسھم فتجددت العزائم وتغيرت األحوال وظھر جيل جديد أبى أن يسير على ما سار‬ ‫عليه آباؤه من استكانة وضعف وھذا مصداق قوله عز وجل )ونريد أن نمن على الذين‬ ‫استضعفوا ونجعلھم أئمة ونجعلھم الوارثين‪ ،‬ونري فرعون وھامان وجنودھما منھم ما كانوا‬ ‫يحذرون(القصص‪ ،٦-٥:‬وال أظن أني أبالغ إذا قلت أن الثورات العربية لتمثﱢــ ُل من الناحية‬ ‫التاريخية في أھميتھا وإسقاطھا نظم التجبر في العالم العربي ما مثلته ھجرة رسول ﷲ صلى ﷲ‬ ‫عليه وسلم من خط فارق في تاريخ أمة اإلسالم وما مثلته من قبل نجاة موسى ومن معه من‬ ‫براثن فرعون ونظامه الطاغوتي‪.‬‬ ‫وفي ھذا البحث المختصر والقراءة األولى لزلزال الثورة العربية محاولة للوقوف باألخوة‬ ‫المھتمين على زوايا أحدد من خاللھا ما أثبتته تلك الزاالزل من حقائق وما أسقطته من أوھام وما‬ ‫يترتب على ذلك من تأثير في االجتھاد الكي لألداء اإلسالمي خاصة في مجال اختزال واختصار‬ ‫مسيرة المشروع اإلسالمي ومن كشف دقيق لبقية المشاريع المتصارعة في ساحة العرب‬ ‫والمسلمين وتأثير ذلك كله على معادلة االستضعاف والتمكين في أمة اإلسالم وبالد المسلمين‪.‬‬ ‫مع العلم بأن أھم ما أحدثته الثورات العربية أنھا كسرت آخر األطواق من مرحلة االستضعاف‬ ‫ودفعت باألمة إلى مقدمات مرحلة التدافع من أوسع األبواب ورسخت بذلك تفتيت آخر أطواق‬ ‫المرحلة الجبرية من تاريخ أمة اإلسالم السياسي والتي أخبرنا عنھا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه‬ ‫وسلم من حديث حذيفة بن اليمان رضي ﷲ عنه قال‪ :‬قال رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم‪) :‬تكون‬ ‫النبوة فيكم ما شاء ﷲ أن تكون‪ ،‬ثم يرفعھا ﷲ إذا شاء أن يرفعھا‪ ،‬ثم تكون خالفة على منھاج‬ ‫النبوة فتكون ما شاء ﷲ أن تكون‪ ،‬ثم يرفعھا ﷲ إذا شاء أن يرفعھا‪ ،‬ثم تكون مل ًكا عاضًا فيكون‬ ‫‪20‬‬


‫ما شاء ﷲ أن يكون‪ ،‬ثم يرفعھا إذا شاء ﷲ أن يرفعھا‪ ،‬ثم تكون مل ًكا جبرية فتكون ما شاء ﷲ أن‬ ‫تكون‪ ،‬ثم يرفعھا ﷲ إذا شاء أن يرفعھا‪ ،‬ثم تكون خالفة على منھاج النبوة‪ ،‬ثم سكت( رواه أحمد‪،‬‬ ‫فتوشك أمة اإلسالم بناء على ھذا أن تغادر مرحلة الحكم الجبري الذي أُجبرت عليه من قبل‬ ‫النصارى واليھود حيث لم يجلس حاكم في بالد المسلمين على كرسيه منذ سقوط الخالفة‬ ‫العثمانية إال من تحت أيديھم وبرضاھم‪ ،‬وھي بھذا تقترب وتدخل في مرحلة الخالفة والرشد‬ ‫بإذن الواحد القھار‪.‬‬ ‫وقد ثبت بأن ھذا االنتقال في تاريخ المستضعفين وفي معادلة االستضعاف والتمكين ال يحدث‬ ‫برغبة كاملة من المستضعفين وال بتخطيط دقيق منھم وإنما يقذف ﷲ عز وجل بالمستضعفين من‬ ‫مرحلة إلى مرحلة كما أخبرنا رب العزة بذلك في كتابه العزيز‪) :‬كما أخرجك ربك من بيتك‬ ‫بالحق وإن كثيرا من المؤمنين لكارھون‪ ،‬يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت‬ ‫وھم ينظرون(األنفال‪ ،٦-٥:‬وكأي حدث بھذا الثقل واالتساع والسرعة فإنه بال شك وبقدر ما‬ ‫أسعد المخلصين من رجال األمة وعلمائھا وأخيارھا فقد ألقى على الساحة قدرا من الرمادية‬ ‫ووضع أمام الدعاة عالمة استفھام كبرى حول طبيعة المستقبل القريب والبعيد مما يقتضي سرعة‬ ‫العمل على تحديد االتجاھات الرئيسة للتعامل مع المرحلة وتوظيفھا لصالح التغير الكلي وباتجاه‬ ‫التمكين بإذن رب العالمين‪.‬‬ ‫كما يھدف ھذا البحث إلى االطمئنان األ ّولي واختبار مسارات وفرضيات بحث المشروع‬ ‫اإلسالمي )إشارة إلى كتاب مالمح المشروع اإلسالمي للمؤلف والذي خرج للنور عام ‪٢٠٠٤‬م(‬ ‫وذلك من خالل الوقوف على الثورات العربية وعالقتھا بمسطرة المشروع ففي ھذه الثورات‬ ‫ومعطياتھا عالقة متينة ومترابطة بحلقات المشروع بل إنھا قد أثبتت من خالل عدة محاور ـ و?‬ ‫الحمد ـ دقة ما ذھب إليه المشروع من تركيز على معادلة االستضعاف ونظريات التغيير وتقويم‬ ‫الواقع السياسي في األمة والنظام العالمي وخاصة دور النظم السياسية والبالء الذي عم في األمة‬ ‫بسببھا‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬زلزال وثوابت الثورات العربية‬ ‫ويمكننا أن نستعرض ما زلزلته وما أثبتته الثورات العربية من رؤى ومعطيات في النقاط التالية‪:‬‬ ‫* عجلت الثورات العربية بكسر أھم وأخطر أطواق مرحلة االستضعاف وھو الطوق النفسي‬ ‫واألوھام العقلية كما عبر بنوإسرائيل عن ذلك في عدة مناسبات في القرآن الكريم ومنھا ما أخبر‬ ‫به الرب تباركت أسماؤه عنھم في قوله عز وجل‪) :‬قالوا ياموسى إن فيھا قوما جبارين وإنا لن‬ ‫ندخلھا حتى يخرجوا منھا فإن يخرجوا منھا فإنا داخلون(المائدة‪ ،٢٢:‬فلما كسرت الثورة العربية‬ ‫ھذا الطوق النفسي فإذا باإلنسان المسلم متحر ٌر ومتحم ٌل لبتعات التحرر من قيوده التي عملت‬ ‫األنظمة السياسية على نسجھا لعقود‪ ،‬وكذا ما عمل عليه سحرة تلك النظم من خالل بث ثقافات‬ ‫ورؤى محددة أبقت المسلمين تحت نيرھم دھرا ليس بالقليل‪.‬‬ ‫* عجلت الثورات العربية بكسر ثاني وأخطر أطواق مرحلة االستضعاف وھو طوق النظم‬ ‫السياسية وما تحتويه من نظم أمنية وعسكرية وعقائدية وثقافية وھي بذلك ألغت وأنھت األحالم‬ ‫‪21‬‬


‫الكاذبة التي عشعشت طويال في العقلية المسلمة بامكانية التعامل مع النظم والعيش على الھوامش‬ ‫التي يمكن أن تمنحھا تلك النظم للحركات اإلسالمية السياسية‪.‬‬ ‫* دفعت الثورات العربية أمة اإلسالم إلى ساحة التدافع بعد مرحلة االستضعاف وھي بذلك‬ ‫فتحت الباب واسعا للدخول في ساحات الجھاد سواء ضد النظم السياسية وذيولھا )ليبيا أنموذجا(‬ ‫أو ضد ما يمكن أن يقدم عليه النصارى من توسيع لدائرة الغزو ألراضي المسلمين كما حدث من‬ ‫قبل في العراق وأفغانستان‪.‬‬ ‫* وقد ترتب على النقطة التي تلت أمر كبير وھائل وھو حدوث مقدمة لكسر الحدود السياسية‬ ‫واألطواق الجغرافية التي ثبتھا المستعمر على بالد المسلمين مما ينذر بتواصل األمة ودخول‬ ‫األجيال المستجدة في مرحلة التدافع دون أن تحول تلك الحدود بينھم وبين نصرة قضاياھم‪.‬‬ ‫* غيرت الثورات العربية من قواعد اللعبة الدولية وتصارع المشاريع واالمبراطوريات العالمية‬ ‫ليس فقط على مستوى العالم العربي واإلسالمي بل وعلى مستوى العالم أجمع فقد تزلزل‬ ‫المشروع األمريكي في المنطقة كما تزلزل المشروع الصھيوني وبطبيعة الحال أصابت‬ ‫الزاللزل المشروع الشيعي الفارسي مما عجل بدخول ھذه المشاريع في مرحلة مباغتة لم تحسب‬ ‫لھا تلك المشاريع حساب مما يم ّكـن المسلمين من المشاغلة ثم التعامل الدقيق في مرحلة الحقة‬ ‫مع تلك المشاريع‪ ،‬ولعل من أھم المعادالت المائلة التي قامت الثورات العربية بتعديل ميالنھا ھو‬ ‫تعديل ميزان األمة بإرجاع ثقل أھل السنة إلى ساحة التوازنات من خالل ثورة مصر والثورات‬ ‫التي تلتھا خاصة بعدما أرھقت المسلمين حسابات النظم السياسية التابعة للنصارى واليھود والتي‬ ‫جعلت الساحة خالية للشيعة يلعبون فيھا لعبتھم المفضلة التي تعتمد على تھويل أعدادھم ودورھم‬ ‫وتلبسھم بقضية فلسطين والمسجد األقصى‪.‬‬ ‫* وأثبتت الثورات العربية أن األمة ال يمكن سلخھا من دينھا وال يمكن عزلھا عن المعطيات‬ ‫العقدية لھذا الدين وتاريخ األمة المجيد وأنه البد من خط لنھاية االستالب العقدي والتأثير الفكري‬ ‫العلماني الذي عملت النظم السياسية على وضع األمة تحت تأثيره بعصا األجھزة األمنية وسوط‬ ‫األجھزة العسكرية والمؤسسات الثقافية والتسبيح بحمد النظام جمھوريا كان أم ملكيا‪ ،‬وإذا بأجيال‬ ‫األمة المستجدة تھتف با? أكبر وال إله إال ﷲ وتتطلع لنصرة فلسطين وتتعلق بكل مفردات البناء‬ ‫العقدي لھذا الدين العظيم‪.‬‬ ‫* قامت الثورات العربية بوصل المنقطع واألجزاء المبعثرة في المشروع اإلسالمي سواء في‬ ‫بعده العملي أو النظري فبعد أن كانت العراق وأفغانستان وفلسطين جزائر منعزلة إذا بھا‬ ‫تتواصل مع مصر وشمال إفريقية وتوشك أن يتم التواصل في أخطر البقاع وھي الشام‪.‬‬ ‫* أثبتت الثورات العربية بأنه ال يمكن بناء مشروع حقيقي على قطع الوھم الوطني ومفرداته‬ ‫والتي أجادت النظم السياسية حبس الشعوب فيھا دھورا‪.‬‬ ‫* أثبتت الثورات العربية بأنه ال يمكن للمعنيين من إدارة شؤون األمة ومسائلھا الكبرى بدون‬ ‫مشروع واحد ورؤية استراتيجية واحدة ينطلق منھا الجميع لبناء مستقبل ھذه األمة وأن التفريط‬ ‫‪22‬‬


‫في ھذه المفردة من مفردات النھضة وعدم العناية به قد أوقع الجميع في ورطة الشتات والرمادية‬ ‫التي يعيشھا الجميع‪.‬‬ ‫* أثبتت الثورات العربية بأن مشاريع الحركات اإلسالمية المفصلة على حدود تنظيماتھا‬ ‫واجتھادھا في ناحية من نواحي ھذا الدين العظيم ـ على ما بذلت في جنب ﷲ تعالى ‪ -‬ال تصلح‬ ‫أبدا للتعامل والتعاطي مع المرحلة فضال عن صالحيتھا للتعاطي مع المستقبل وأنه مالم تستعجل‬ ‫تلك الحركات بناء رؤية مشتركة تعبر عن ھذه األمة العظيمة وتاريخھا المجيد وإال فالشتات‬ ‫والضياع في انتظار الجميع‪ ،‬وأنه ال يمكن أن تكون جھة ما وصية على األمة بعد اآلن فال مكان‬ ‫للعضوضية فضال عن الجبرية فمن أراد أن يعبد ربه ويخدم أمته فليفعل دون أن يح ﱢملھا معروفه‬ ‫وال سيطرته وأن الذلة بين المؤمنين تبدأ في االجتھاد والنظر قبل أن تنزل إلى ميادين التطبيق‬ ‫والعمل‪.‬‬ ‫* وأثبتت الثورات العربية أثر التراكم في البناء والعمل الصالح من كل المجتھدين في األمة‪ :‬فإن‬ ‫من مضى إلى الجھاد فقد قاد األمة إلى ذروة سنامه وأعطى األمة القدوة إذ غابت ألزمان خلت‪،‬‬ ‫ومن مضى إلى إصالح العقائد والتركيز على الوالء والبراء فقد أوقف األمة على مسار دقيق في‬ ‫عبادة ﷲ وحده والتفريق بين التوحيد وأضداده كما أوقفھا على فساد النظم السياسية بما والت‬ ‫أعداء ﷲ وأعداء المؤمنين‪ ،‬ومن مضى إلى التعليم الشرعي والتعمق فيه فقد أثبت بأن البناء بال‬ ‫أصل وال أساس ال قيمة له‪ ،‬ومن مضى إلى البناء األخالقي والقيمي فقد اصلح في األمة القلوب‬ ‫وعليھا عماد النھضة والثورات ) وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في‬ ‫اليم وال تخافي وال تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين(القصص‪ ،٧:‬فكان االلتصاق‬ ‫الجسماني والحنان القلبي من األم المستضعفة بوليدھا مقدمة ضرورية لنھضة المستضعفين‪،‬‬ ‫وعليه فال يمكن حبس أداء المجتھدين في دائرة واحدة فھي دوائر كثيرة ولكل مجتھد نصيب‪.‬‬ ‫* وأثبتت الثورات العربية دقة الرؤية في التركيز على نظريات التغيير التي سادت خالل العقود‬ ‫الماضية وھي خمس نظريات )يراجع فصل تقويم نظريات التغيير عند الحركات اإلسالمية من‬ ‫كتاب مالمح المشروع اإلسالمي( وأھمية المناقلة فيما بينھا حسب الحاجة فال يمكن اعتماد‬ ‫نظرية واحدة فقط في إدارة الصراع فبينما عمل الليبيون بنظرية الثورة وساروا في أشواطھا‬ ‫األولى إذا بھم يضطرون لالنتقال إلى نظرية الجھاد والمدافعة المسلحة وھم بحاجة ماسة إلى‬ ‫وضع نظرية األداء السياسي الديمقراطي عاجال وھم في واقع األمر يطبقون نظرية إدارة‬ ‫األزمات والتعامل مع االنھيارات‪ ،‬ولو أن األجيال استلمت ھذه النظريات ضمن ما تم إعدادھا‬ ‫عليه من قبل لكان األداء أكثر فاعلية وأشد نجاعة‪.‬‬ ‫* وأثبتت الثورات العربية دقة التوصيف في مالمح المشروع وملحقاته فيما يخصص اصطفاف‬ ‫المشاريع األممية )اإلمبراطوريات( وتحكم السنن فيھا واستسالمھا لثوابتھا االستراتيجية سواء‬ ‫كانت تلك المشاريع قديمة كأمريكا وأوربا أو مستجدة كإيران والھند وأن أمة اإلسالم ليس لھا من‬ ‫مستقبل إال أن تدلف بين تلك المشاريع باحثة عن موقع مميز لھا تحت الشمس حتى تصل في‬ ‫مسيرتھا إلى ما أمر به رب العزة ھذه األمة‪ ) :‬وقاتلوھم حتى ال تكون فتنة ويكون الدين كله ?‬

‫‪23‬‬


‫فإن انتھوا فإن ﷲ بما يعملون بصير(األنفال‪) ،٣٩:‬يراجع بحث التدافع األممي واالمبراطوري‬ ‫للمؤلف(‪.‬‬ ‫* وأثبتت الثورات العربية أن الشورى الملزمة ھي المخرج األساسي في إدارة شؤون الحكم‬ ‫واألمة وإن سميت بمصطلحاتھا العصرية من ديمقراطية وما أشبه‪ ،‬وھي صفة من صفات‬ ‫الخالفة الراشدة في النظام السياسي اإلسالمي وفيه أن األمة وعلماءھا إذا أجمعوا على موقف‬ ‫محدد فال يمكن لرأس النظام السياسي أن يتمسك برأيه المخالف‪.‬‬ ‫* وأثبتت الثورات العربية أن الحركات اإلسالمية والمستقلين من علماء األمة ورجالھا ھم طوق‬ ‫النجاة للمجتمعات المسلمة وعليھم المعول إلحداث التغييرات الكبرى وأنھم صمام أمان لمستقبل‬ ‫األمة ال كما روجت النظم ووصمتھم باإلرھاب والتطرف‪.‬‬ ‫* وأثبتت الثورات العربية أن التعددية االجتھادية والحزبية في ظل ثوابت األمة ركن من أركان‬ ‫نھضتھا وحراكھا العام وأنه ما لم تستوعب الحركات اإلسالمية ھذا المطلب قبل غيرھا فلن‬ ‫يكون ھناك مستقبل وال تمكين لدين اإلسالم‪ ،‬فقد أظل األمة زمان الخالفة وھي خالفة راشدة ولن‬ ‫يكون فيھا محل للعصبية واالنغالق االجتھادي فضال عن االنغالق الحزبي‪.‬‬ ‫* وأثبتت الثورات العربية أن النظم السياسية في العالم العربي واإلسالمي بكل ألوانھا‬ ‫الجمھورية والملكية ال تحمل أي مكون حقيقي للنظم السياسية التي تمثل األمم واألوطان فھي‬ ‫مسمى )نظام( بال جوھر وال سلطان حقيقي مستقل وھي ال تفھم شعوبھا وال مطالبھم وال تملك‬ ‫أن تستجيب لتلك المطالب ألنھا ال تملك القدرة على ذلك فھي كالماكنة التي ركبت لتسير في‬ ‫اتجاه واحد فقط حتى تتحطم وفي ھذا آية من آيات ﷲ عز وجل الذي أخبر عنھم أنھم )ولكن‬ ‫المنافقين ال يفقھون(المنافقون‪ ،٧:‬ثم أخبر عنھم في اآلية التي تلي بأنھم ) ولكن المنافقين ال‬ ‫يعلمون(المنافقون‪.٨:‬‬ ‫* وأثبتت الثورات العربية أن ﷲ عز وجل إذا أذن بالتغيير فال شيء يحول بين ذلك وحدوثه‪ ،‬بل‬ ‫ّ‬ ‫إن ما كان يُعرف بأنه أساس قيام وتأمين النظم السياسية وھي أجھزة األمن والعسكر باتت السبب‬ ‫الرئيسي في ثورة الشعوب ورفض الخنوع لفساد وقيود تلك النظم‪ ،‬ومن عجيب ما صنع رب‬ ‫العالمين بالنظم السياسية أن أخرج من صميم نظامھا التعليمي المغلق لصالح تلك النظم فتية‬ ‫تحرروا من أسرھا وقادوا عملية التغيير كما قادھا من قبل الفتى القرشي صلى ﷲ عليه وسلم‬ ‫وقبله موسى عليه السالم لما تقلب في أحضان فرعون فلما شب عن الطوق إذا بمصير فرعون‬ ‫يتقرر على يده بإذن جبار السموات واألرض‪.‬‬

‫‪24‬‬


‫ثالثا‪ :‬اتجاھات الصراع بين المشاريع العالمية واإلقليمية‬ ‫إن الذي فعلته الثورات العربية باتجاھات الصراع بين المشاريع العالمية ھو أنھا سرّعت بحركة‬ ‫ذلك الصراع وعجلت بكشف المستور ودفعت بالمشاريع إلى ساحة واضحة بعد الخفاء أو شبه‬ ‫الخفاء الذي استمر لعقد التسعينيات من القرن العشرين والعقد األول من األلفية الثالثة وإن شئت‬ ‫قلت العقدين الماضيين من القرن الخامس عشر الھجري‪ ،‬فالمشاريع األممية محكومة بسنن‬ ‫وقوانين التدافع وفق عقائد وتاريخ تلك األمم )يراجع بحث التدافع األممي واالمبراطوري‬ ‫للمؤلف(‪ ،‬وعليه فما يھمنا في ھذا البحث أن نركز على استشفاف طبيعة الصراع في المرحلة‬ ‫الحالية وما يتوجب استيعابه من متغيرات في األداء الكلي ألمة اإلسالم وخاصة لدى علمائھا‬ ‫وقادتھا‪.‬‬ ‫وسوف يكون استعراض ھذه الوحدة من خالل التوقف عند المشروع األمريكي واألوربي‬ ‫وخياراتھما )المشروع اليھودي مشمول إلى حد بعيد في المشروعين( وعند المشروع الشيعي‬ ‫الفارسي وخياراته‪.‬‬

‫خيارات المشروع األمريكي واألوروبي‬ ‫في التعامل مع معطيات الثورات العربية‬ ‫* سيبقى الخوف من أي نھضة شاملة ومرتقبة بين العرب وخروجھم من سيطرة الغرب الھاجس‬ ‫األساسي لدى أمريكا وأوروبا ومجمل ھذا الھاجس سوف يرتكز على خطورة حدوث استقالل‬ ‫حقيقي في أنظمة الحكم في العالم العربي وسقوط تلك األنظمة بيد اإلسالميين‪.‬‬ ‫* ويستتبع ھذا األمر ھو الخوف من خروج السيطرة على منابع النفط وثروات المنطقة من يد‬ ‫أمريكا وحليفتھا أوروبا واثر ذلك على التوازنات الدولية‪.‬‬ ‫* مھما اختلفت أمريكا وأوربا على تفاصيل التعامل مع الثورات العربية وتوابعھا فإنھا لن‬ ‫تختلف على الكليات فسوف تبقى أمريكا في طور الصدارة في إدارة األزمة وستبقى مظلة حلف‬ ‫األطلسي الناتو أساسا في التصدي لألزمة لكن قد تكلف أوروبا بإدارة األزمة في شمال إفريقية‬ ‫مع بقاء مصر والمشرق العربي أرضا أمريكية خالصة‪.‬‬ ‫* سيبقى المشروع الصھيوني اليھودي في قلب المشروع الغربي النصراني بفرعيه األمريكي‬ ‫واألوروبي ولن تقبل أمريكا من أي نظم قادمة إال أن تلتزم بأمن المشروع الصھيوني‪ ،‬كما‬ ‫ستبقى استراتيجية محاربة اإلرھاب )إقرأ الجھاد( في قلب تلك االستراتيجية مما يجعل النظم‬ ‫القادمة تحجل على رجل واحدة في تعاملھا مع الشعوب ومع العصا األمريكية الغليظة فھل‬ ‫سيقبل اإلسالميون خدمة ھذه االستراتيجية؟‬ ‫* تعمل أمريكا باستراتيجية االستدراك واالعتراف بالواقع وترك األنظمة لمصيرھا المحتوم‬ ‫ولكن بوضع استراتيجية استدراكية تعمل على إيجاد نظم سياسية تعمل لصالح أمريكا وتقبل‬ ‫‪25‬‬


‫بمظلتھا الدولية والخيارات لدى أمريكا في ھذه االستراتيجية مفتوحة على مصراعيھا وأخطر ما‬ ‫في األمر ھو قبول أمريكا بتبادل المصالح مع من يسمون بالمعتدلين في التجمعات اإلسالمية‬ ‫والذين يرضون بالتعاون مع أمريكا ومن ثم استالم الحكم من تحت يدھا كما فعلت بريطانيا‬ ‫بالمشروع القومي من قبل قرن من الزمان‪.‬‬ ‫* مسكت أمريكا العصا من الوسط فيما يخص تعاملھا مع الثورات العربية فھي تحاول أن تبقي‬ ‫الطواغيت في أمكنتھم قدر المستطاع إلى آخر رمق بينما تشن عليھم حملة دعائية في الظاھر‬ ‫فإذا تمكن الطاغية أن يثبت فبھا ونعمت )علي صالح أنموذجا( وإن سقط ادعت ھرولتھا في‬ ‫ركاب الثورات العربية بل وحتى القذافي وأبنائه على ما سفكوا من الدماء تخضعه أمريكا لھذه‬ ‫المعادلة‪.‬‬ ‫* محاولة أمريكا وأوربا التماھي مع الثورات العربية والتفضل عليھا بالدعم المعنوي بل‬ ‫والعسكري أيضا وذلك تيسيرا لسقوطھا في براثن السيطرة الغربية مجددا كما تلوثت ما سمي‬ ‫بالثورة العربية زورا وبھتانا بالمصالح النصرانية واليھودية إبان الحرب العالمية الثانية ‪،‬‬ ‫وتستخدم أمريكا الدعم العسكري والقرار األممي كمخدر للثورات العربية حتى تتدبر أمرھا‬ ‫وتحكم سيطرتھا وتطمئن إلى القادمين الجدد للحكم في العالمة العربي فإذا أبدى ھؤالء القادمين‬ ‫تمنعا ما أوغلت أمريكا بصمتھا أو بترك الطواغيت يؤدون المھمة بدال عنھا إلى أن تلين‬ ‫عريكتھم ويفرز من خاللھم الموالون الذي ال يشك في والئھم‪.‬‬ ‫* تلعب أمريكا وأوربا دورا قذرا بتدشين المشاركة العسكرية )ظاھريا( مع الثورات العربية‬ ‫فھي في الحقيقة تضع ثقلھا العسكري على األرض استباقا وتموضعا فإذا سارت رياح الثورات‬ ‫بما تشتھي وھو بالتحديد تجديد الحكومات الموالية للنصارى والمستجيبة إلمالءاتھا فبھا ونعمت‬ ‫وإن لم تھب الرياح في ھذا االتجاه فھي تملك على األرض تموضعا يسمح لھا بالتحرك في كل‬ ‫االتجاھات‪.‬‬ ‫* وفي ظل االنكسار المالي الذي تواجھه أمريكا نتيجة لسقوطھا في العراق وأفغانستان فإنھا لن‬ ‫تتمكن من النزول إلى الميادين المختلفة إلدارتھا عسكريا كما فعلت من قبل مما سوف يضطرھا‬ ‫للتعاون مع مسطرة واسعة من الراغبين بل وحتى الحروب التي سوف تضطر لھا فإنھا ستكلف‬ ‫بھا مقاولين من الباطن كما ھو متوقع أن تفعل في الخليج‪.‬‬ ‫* سوف يلعب المشروع اليھودي في المنطقة دورا فاعال بدفع دوران رحى الحرب ضد‬ ‫المشروع الشيعي الفارسي باعتباره المھدد األخطر للمشروع اليھودي خاصة في ظل سعي‬ ‫إيران المتالك السالح النووي مما سيحد من خيارات أمريكا وأوربا من امكانية تجنبھما لھذا‬ ‫النوع من الصدام‪.‬‬ ‫* تستخدم أمريكا الفزاعة اإليرانية وتوابعھا في المنطقة كنظام الحكم العراقي ونظام الحكم‬ ‫السوري وحزب ﷲ اللبناني وجماعة الحوثيين في اليمن إلعادة إدخال العرب في بيت الطاعة‬ ‫األمريكي وإلسقاط المشروع الشيعي الفارسي من عليائه النووية إلى قوة إقليمية متعاونة مع‬ ‫أمريكا وھي بذلك تصيد عدة غربان بحجر واحد‪ ،‬وتعتمد ھذه االستراتيجية على ما يلي‪:‬‬ ‫‪26‬‬


‫‪ -١‬الحفاظ على ما تبقى من النظم السياسية بدعوى دورھا الھام والخطير في مواجھة المشروع‬ ‫الشيعي خاصة نظم مجلس التعاون الخليجي والنظام األردني مع استعداد تلك النظم للذھاب في‬ ‫الشوط إلى آخره وذلك ھربا من استحقاق الثورات والقبول بمواجھة المشروع الشيعي ظنا منھم‬ ‫أنه األھون واأليسر وھو ما سوف يعجل بسقوطھم وﷲ أعلم‪.‬‬ ‫‪ -٢‬اعتبار أمريكا واوربا الصراع في سوريا أھم أحجار الزاوية في المشروع الشيعي وبالتالي‬ ‫التركيز عليه إلخراج أھم األوراق من يد االمبراطور الشيعي وفي ھذا الصدد قد يزداد التعاون‬ ‫مع ألوان الطيف المعارض السوري لتحقيق الھدف المشترك وقد نرى أمامنا مشروعا شبيھا‬ ‫بالمشروع السياسي األمريكي إبان سقوط بغداد تحت الحذاء العسكري األمريكي وھناك‬ ‫مرشحون كثر لھذا السقوط كما حدث في العراق بل قد تكون سوريا مقبلة على تشظيھا إلى‬ ‫دويالت كردية وعلوية وسنية عربية‪.‬‬ ‫‪ -٣‬إبقاء العراق تحت نوع من التوازن والمشاغلة بحيث كلما احتاج الطرف األمريكي أو‬ ‫الطرف الشيعي إلى الضغط على بعضھما في الصراع الكلي رجعا إلى العراق لممارسة ھذا‬ ‫الضغط ولكن مع ما يبديه شيعة العراق من محاولة إبقاء الدولة تحت أيديھم وتمسكھم بھا فإن‬ ‫انفراط العقد غير وارد في ھذه المرحلة فھناك خطوط حمراء يلتزم بھا الجانب األمريكي‬ ‫واإليراني والشيعي العراقي في إدارة العراق إال إذا ھبت رياح الثورة على العراق فعندھا‬ ‫سيبطل سحر األمريكان وإيران على السواء‪.‬‬ ‫‪ -٤‬قد تدفع أمريكا باتجاه حروب مفرقة وعلى عدة جبھات ضد المشروع الشيعي وقد تشتعل ھذه‬ ‫الحرب في أطراف سوريا أو داخلھا وفي لبنان وقد تندلع حربا شاملة في الخليج تمتد جبھتھا من‬ ‫مضيق ھرمز شماال إلى الكويت جنوبا‪ ،‬ومن المعطيات التي تؤكد قرب حدوث ھذه الحرب‬ ‫الحزم الذي أبدته دول التعاون الخليجي )على غير عادتھا( في التعامل مع الملف البحريني وكذا‬ ‫إصرار إيران على دعم الحكم النصيري في سوريا إلى آخر األشواط‪.‬‬

‫خيارات المشروع الشيعي الفارسي‬ ‫* تح ُكم المشروع الشيعي رؤاهُ العقائدية التي أعادت إنتاجه كما أنتجت تلك العقائد في ذاكرة‬ ‫التاريخ من قبل الدولة العبيدية والدولة الفاطمية والدولة البويھية والدولة الصفوية وما أمر إيران‬ ‫عنھا ببعيد وعليه فال يؤمل أن تتمكن إيران من عبور عقدة العقائد والتاريخ وإن تمنى بعض‬ ‫الناس غير ذلك‪.‬‬ ‫* ارتبط قيام الدول الشيعية بمرحلة ضعف أمة اإلسالم وھجوم الكفار عليھا بل وتعاون الشيعة‬ ‫دائما مع أعدائھا كما فعلت إيران الحديثة عند سقوط افغانستان والعراق‪ ،‬وإن الدرس التاريخي‬ ‫األھم في ذلك ھو استحالة تغلب أمة اإلسالم على أعدائھا االستراتيجيين ـ وھم ھنا اليھود‬ ‫والنصارى ـ دون أن تسقط قبل ذلك دول البدعة كما سقطت الدولة الفاطمية على يد صالح الدين‬ ‫قبل سقوط الصليبيين‪.‬‬ ‫‪27‬‬


‫* ال يمكن بأي حال من األحوال اعتبار ما يحدث بين الغرب النصراني وتوابعھم من اليھود‬ ‫وبين إيران مجرد لعبة دولية ومؤامرة أممية ـ مع قابلية إيران لذلك ـ ولكن األمر الذي تحكم في‬ ‫الموقف الكلي ھو محاولة إيران لتجاوز السقف المسموح لھا به نصرانيا ويھوديا )وھوھنا قوة‬ ‫إقليمية متعاونة( ووصولھا إلى التعملق النووي فقد أدخل األمر في مرحلة من صراع كسر‬ ‫العظم والذي ال يمكن التفاھم عليه بأي حال من األحوال مع العلم بأن الصراع قد أخذ مسارات‬ ‫باردة نسبيا تجنبا للمسارات الصدامية الشاملة لكن تلك المسارات لم تفلح في تبريد الموقف الكلي‬ ‫وال ننسى محاولة أمريكا إسقاط النظام اإليراني من الداخل عبر المحافظين دون جدوى‪.‬‬ ‫* في ظل تمزق المشروع الشيعي ودخوله في مرحلة عدم التوازن خاصة على ساحته الداخلية‬ ‫من خالل صراع االتجاھات الرئيسة فيه )المحافظون واإلصالحيون( وصراع المصالح ومراكز‬ ‫القوى في المحافظين أنفسھم وفي ظل التحديات الھائلة التي يواجھھا في الساحة الخارجية خاصة‬ ‫في عالقته باألمة المسلمة واالختبار األخير له في الشام فإنه من المرجح أن تدفع مراكز القوى‬ ‫في المحافظين باتجاه الحرب الخارجية حفاظا بظنھم على النظام وقد يخوض المشروع الشيعي‬ ‫حربين في آن واحد على ضفاف الخليج واألخرى على ساحة الشام‪.‬‬ ‫* لقد وصل المشروع الشيعي في الكشف عن وجھه البشع إلى مرحلة متقدمة وذلك من خالل‬ ‫دوره في العراق ودوره في لبنان ودوره في اليمن ودوره في البحرين ومن خالل فضائياته فلم‬ ‫يترك عورة من عوراته العقائدية إال وأظھرھا قوال وعمال ولم يعد له من أمل باستظالله‬ ‫بفلسطين والدفاع عنھا حيث اتضح مع مرور الوقت أن ذلك لم يكن سوى دعاية سمجة وأن‬ ‫أصل المشروع ھو مشروع شيعي قابل للتفاھم مع اليھود والنصارى في المسارات االستراتيجية‬ ‫غير أنه تقاطع مع مشاريع اليھود والنصارى في المنطقة تقاطعا ال يمكن التفاھم عليه فھذه‬ ‫منطقة أمريكية بحتة بالمفھوم االمبراطوري األمريكي فكأننا أمام نفس الموقف الذي شھدته‬ ‫جزيرة العرب يوم التقٮت فارس والروم فكانت اإلدالة على الروم لفارس ثم للروم على فارس‬ ‫في المرة الثانية كما أنبأنا بذلك العليم الخبير‪) :‬ألم‪ ،‬غلبت الروم‪ ،‬في أدنى األرض وھم من بعد‬ ‫غلبھم سيغلبون‪ ،‬في بضع سنين ? األمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون‪ ،‬بنصر ﷲ‬ ‫ينصر من يشاء وھو العزيزالرحيم(الروم‪٥-١:‬‬ ‫* وبعد االختبار الكبير للمشروع الشيعي في العراق وسقوطه الذريع فيه فھاھو االختبار األخير‬ ‫للمشروع الشيعي والذي سيكون في سوريا بل إن أمارات ذلك االختبار قد بدأت فمن المرجح بل‬ ‫من المحتم وقوف إيران الجعفرية مع نظام الحكم النصيري في سوريا ـ الذي يكفره الجعفرية‬ ‫أصال ـ ضد أھل السنة والشعب السوري فيھا وسيصل استعدادھم لحمايته وحماية نفوذھم في‬ ‫سوريا إرسال المقاتلين لكي يقمعوا أھلنا ھناك كما قمعوھم في العراق وغيرھا‪ ،‬مع العلم بأن‬ ‫الشام ال تقبل القسمة على اثنين فما ھي خطوط االستراتيجية التي سوف يلتزم بھا رجال األمة‬ ‫في التعامل مع ھذا التطور؟‬ ‫* يتوقع في ظل التوازنات الدولية أن تلجأ المشاريع الدولية المنافسة ألمريكا وأوربا إلى‬ ‫االقتراب من المشروع الشيعي ودعمه رغبة في استعماله كمستنقع نھائي لسقوط المشروع‬

‫‪28‬‬


‫األمريكي العالمي وسوف يترتب على ھذا عدة أمور منھا السقوط النھائي لما يسمى باألمم‬ ‫المتحدة وانفراط عقدھا النھائي ومنھا تيسير وصول السالح للشيعة من قبل الروس والصين‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬ضرورات المشروع اإلسالمي‬ ‫وحتى يتسنى لنا الوقوف الدقيق على ضرورات المشروع اإلسالمي في ظل زلزال الثورات‬ ‫العربية فإننا لن نتمكن من ذلك إال أن نتعرف أوال على مسطرة المشروع اإلسالمي والتي نتجت‬ ‫عن رؤية بعيدة المدى )استراتيجية( تلك التي أخذت في الحسبان دراسة تاريخ األداء اإلسالمي‬ ‫المعاصر منذ نشأته إبان سقوط الخالفة العثمانية عام ‪١٩٢٤‬م مرورا بالمحطات الكبرى‬ ‫األساسية كنشوء دولة الكيان اليھودي ونشوء النظم السياسية التي حكمت األمة منذ ذلك الوقت‬ ‫وخضوع العالم لنظام الحرب الباردة ونشوء النظام العربي اإلقليمي )جامعة الدول العربية(‬ ‫بتأسيس وإشراف بريطاني وصوال إلى سقوط القدس عام ‪١٩٦٧‬م وبدء تفكك وتحلل النظام‬ ‫السياسي العربي عام ‪١٩٧٥‬م بحرب لبنان وصوال إلى سقوط بيروت تحت اليھود عام ‪١٩٨٢‬م‬ ‫والحرب العراقية اإليرانية والحرب األفغانية الروسية ثم تأثر الساحة العربية المباشر بالتحوالت‬ ‫في النظام الدولي وغزو النظام البعثي للكويت عام ‪١٩٩٠‬م وسقوط االتحاد السوفيتي عام‬ ‫‪١٩٩٠‬م ونشوء النظام الدولي الجديد الموسوم بنظام القطب الواحد ومحاولة األمريكان إجراء‬ ‫تتغييرات جذرية في النظام اإلقليمي في الشرق األوسط ودفع العرب نحو الصلح مع اليھود‬ ‫خالل تسعينيات القرن العشرين إلى حادثة ‪ ١١‬سبتمبر عام‪٢٠٠١‬م ثم سقوط كابل تحت‬ ‫األمريكان عام ‪٢٠٠١‬م وسقوط بغداد تحتھم أيضا عام ‪٢٠٠٣‬م وتداعيات تحوالت العقد األول‬ ‫من األلفية الثالثة إلى وقتنا ھذا‪.‬‬ ‫وأعني بمسطرة المشروع اإلسالمي تلك التي تتكون من رصد التاريخ واألحداث ثم تفسير تلك‬ ‫التحوالت والتغيرات بناء على قواعد اإلسالم الكلية واإلشارات االستراتيجية التي تركھا لنا‬ ‫رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم ودراسة األداء التطبيقي للجماعات اإلسالمية وبقية فرقاء األمة‬ ‫تجاه مرحلة االنحطاط العامة والتعامل معھا ومقارنة جميع العوامل األساسية المشاركة في‬ ‫صناعة تاريخ األمة المعاصر وفق رؤية إسالمية تلم شعث األداء اإلسالمي بكل أطيافه‬ ‫وتستشرف المستقبل وصوال للتمكين لدين ﷲ عز وجل في األرض وتضع المنھجية‬ ‫واالستراتيجيات األساسية إلحداث التغيرات المطلوبة وعليه فھي مسطرة تمكننا ضمن مسارات‬ ‫اخرى من قياس التحوالت العالمية واإلقليمية نسبة إلى رؤية المشروع اإلسالمي العالمي‪.‬‬ ‫ومن البديھي أن نقول بأن مجال البحث ال يتسع الستعراض مسطرة المشروع اإلسالمي وإال‬ ‫لضاع ھدف البحث في ثنايا ذلك االستعراض الطويل فيرجع إليه في مضانه‪.‬‬

‫‪29‬‬


‫ي من نقاط تمثل ضرورات‬ ‫وفي النقاط التالية سوف أستعرض ما يفتح ﷲ عز وجل به عل ﱠ‬ ‫المشروع اإلسالمي في ظل زالزل الثورة العربية‪.‬‬ ‫‪ -١‬إن أول الضرورات لتقترن بأھمية االقتراب واإللتقاء من قبل علماء األمة ورجاالتھا على‬ ‫رؤية محددة في ساحة االجتھاد حول طبيعة نظام الحكم في اإلسالم وتخليص ھذه الساحة مما‬ ‫لحق بھا من غموض وإھمال وطمس للحقائق وصوال إلى صفات الحكم الراشد وضرورة دفع‬ ‫األمة الستكمال إسقاط أركان الحكم الجبري والذي أفسد علٮھا كل ساحاتھا الدعوية والسياسية‬ ‫والجھادية وحتى تتمكن األمة من عبور المرحلة الجبرية بأقل الخسائر‪ ،‬والواجب في سعي‬ ‫الدعاة للوصول إلى بيان مبادئ اإلسالم في منھج الحكم والسياسة أن ينظروا فيمن فتح ﷲ عليه‬ ‫ق اآلخرين في ھذا الباب الدقيق من العلم فإذا توافقوا على اجتھاد سابق وموافق للحق‬ ‫و َسبَ َ‬ ‫ولمتطلبات المسلمين في ھذه المرحلة الدقيقة فقد وجب عليھم التظافر لنصرته وإشاعته وزيادة‬ ‫خدمته ثم االلتقاء حوله والدعوة إليه حتى تثوب األمة إلى مساراته والعمل به‪ ،‬مع العلم بأنه قد‬ ‫اجتھد كثير من الدعاة في تبيان ھذا الجانب من المنھج اإلسالمي وأزعم أن ما وفق إليه الشيخ‬ ‫حاكم المطيري من كتابات واجتھاد في ھذه الساحة ليضع للمسلمين أرضية صلبة يمكن البناء‬ ‫عليھا والدعوة إليھا خاصة في ظل موافقة كثير من علماء وقيادات الجماعات اإلسالمية المختلفة‬ ‫على أغلب ما ذھب إليه الشيخ حاكم من اجتھاد ورؤية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬ويستتبع المسألة األولى ضرورة أخرى مرتبطة بھا وھي أن مجرد االجتھاد بال خطة‬ ‫وتصور عام دقيق ال يمكن أن يؤدي إلى دفع المشروع اإلسالمي صعدا في حلقاته المتتابعة مما‬ ‫يقتضي أن يبحث الناس والقادة على وجه الخصوص من الجيل القديم والجيل المستجد عن‬ ‫مشروع عالمي أو مالمح ذلك المشروع على أقل تقدير بحيث تقوم خارطة ھذا المشروع بوضع‬ ‫اللبنات األساسية باستواء واتزان بجانب بعضھا البعض وأقصد بذلك لبنات الشعوب المسلمة‬ ‫واألقاليم واألوطان وكذا لبنات الجماعات اإلسالمية والتجمعات الفكرية جنبا إلى جنب في بناء‬ ‫فريد ومحكم يستھدف ضم الطاقات وشد األعضاد لتحقيق األھداف الكبرى‪ ،‬كما يجيب ھذا‬ ‫المشروع على تحديات بقية المشاريع في العالم ويحدد مسارات النھضة الرئيسة حتى تتلقفھا‬ ‫األجيال الجديدة وتسير وفق رؤيتھا وبالجملة يقود المشروع األمة المسلمة في مسارات التدافع‬ ‫وصوال إلى قمم التمكين‪ ،‬ويكون ذلك إما بالبحث عن نواة مشروع صالحة للببناء عليھا أو‬ ‫التنادي لوضع مشروع جديد يتناسب وعظمة ھذا الدين والساحات التي تشغلھا أمة اإلسالم في‬ ‫الجغرافيا والتاريخ‪.‬‬ ‫‪ -٣‬ضرورة الدفع باتجاه سد أخطر الثغرات في األداء اإلسالمي المعاصر وھي ثغرة القيادة‬ ‫والمرجعية الموحدة وفق حلقات أفقية ورأسية تلك التي تغطي الجغرافيا وكذا العمق االجتھادي‬ ‫المعاصر فتلتقي وتتقاطع حتى يأذن ﷲ عز وجل بميالد ما تطلّع له المسلمون لعقود من الزمان‬ ‫من القيادة الرشيدة والتي يتوجب عليھا القيام بمھمة ضبط بوصلة األداء اإلسالمي العالمي ولن‬ ‫يتأتّـى ذلك إال بالحوارات الموسعة والمؤتمرات والتشاور الموسع وعبر عدة آليات انتقالية‬ ‫تفضي إلى اقتراب من ھذا الھدف األسمى في المشروع اإلسالمي‪).‬يمكن الرجوع لمفردة مالمح‬ ‫القيادة والمرجعية في كتاب مالمح المشروع اإلسالمي(‬

‫‪30‬‬


‫‪ -٤‬ضرورة دراسة المرحلة الرمادية التي دخلتھا األمة بناء على زلزال الثورات العربية‬ ‫ومحاولة توصيف مالمح ومستلزمات ھذه المرحلة ومتطلباتھا األساسية حتى ال تضيع الجھود‬ ‫واألوقات في فھم وتوصيف طبيعتھا وحتى ال تكون المشاريع المنافسة األخرى أقدر على‬ ‫استثمار المرحلة وما فيھا من تداخل واختالط خاصة المشروع األمريكي والمشروع اليھودي‬ ‫والمشروع الشيعي الذي اتضحت أبعاده وتناقضه مع مشروع األمة من خالل سقوطه في مستنقع‬ ‫العراق وأفغانستان من قبل ومستنقع سوريا حاليا وبناء على اصطراع المشاريع األممية على‬ ‫أرض اإلسالم وضرورة اعتماد مسطرة واسعة من االجتھاد للتعامل مع ھذه المرحلة وما يسع‬ ‫أھل كل ناحية من دفع العدو األقرب فاألقرب وما ينبغي أن تجتمع عليه كل الطاقات والجھود‬ ‫وتواجھه من أزمات مشتركة وعدو عالمي‪.‬‬ ‫‪ -٥‬ضرورة العمل على إعادة صياغة وبناء المنھج التربوي واإلعدادي لبناء أجيال األمة والذي‬ ‫يھدف إلى إزالة التناقضات التي صنعتھا إغالقات االجتھادات المختلفة في الجماعات اإلسالمية‬ ‫خالل العقود الماضية وما ميز تلك المرحلة من رؤية جزئية وداخلية لتلك الجماعات والتي أدت‬ ‫بدورھا إلى مخرجات متناقضة من الناحية التربوية والعلمية ـ حاشا المنھج اإلسالمي أن يكون‬ ‫متناقضا ـ وأقصد بذلك تناقض مناھج اإلعداد والتربية ما بين اإلخوان المسلمين والسلفية بألوانھا‬ ‫وبين ما ُعرف مؤخرا بالسلفية الجھادية وكذا الجماعات الصوفية وغيرھا من الجماعات‪ ،‬فإنه‬ ‫إن لم تتمكن قيادات األمة من العلماء والمجتھدين من طرح المنھج الشامل الذي يمثل صفاء‬ ‫اإلسالم الروحي ودقته العلمية وقوته الجھادية فلن تتمكن األمة من عبور ھذه المرحلة بسالم‬ ‫وجمع للشمل وصوال إلى المرحلة التي تليھا‪.‬‬ ‫‪ -٦‬ضرورة وضع مبدأ التعددية وفق ثوابت األمة العقدية وخياراتھا االجتھادية موضع اإليمان‬ ‫والتنفيذ العملي في األداء الكلي لألمة وذلك بكل ألوانھا من تعددية سياسية وتعددية دعوية‬ ‫وتعددية جھادية وتعددية فكرية ونزع العصبية من كل مواقعھا حتى يتوافق ذلك مع مرحلة‬ ‫الخالفة القادمة ألنھا خالفة راشدة تنبذ العصبية إال بنزع التصادم منھا واستبدال المنافسة في‬ ‫الخير به‪) :‬ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون(المطففين‪ ،٢٦:‬وفي سبيل الوصول إلى‬ ‫تحقيق ھذا المبدأ من مبادئ األداء السياسي في المنھج اإلسالمي وتحقيق الرشد ينبغي على‬ ‫قيادات الحركات والجماعات اإلسالمية أن تخفف كثيرا من القناعات التي سادت بينھا في‬ ‫الفترات السابقة بأنھا لھا وحدھا القياد والمستقبل في األمة حتى بلغ األمر حدا منع أدنى مستويات‬ ‫التفاھم والتعاون بينھا فضال عن االجتماع على األھداف الموحدة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬ضرورة تخليص األداء اإلسالمي ووحداته والجماعات المكونة له مما لحق به من اصفاف‬ ‫فكري أو التحاق عملي بمشاريع اآلخرين سواء كان المشروع األمريكي أو المشروع الشيعي أو‬ ‫المشاريع الملتحقة بھا بالضرورة وھي التي ُعرفت بالمشاريع الوطنية‪ ،‬كالمشروع الوطني في‬ ‫العراق في ظل االحتالل األمريكي‪ ،‬ولعل أولى المواقع حاجة للتخلص من ھذا االلتحاق لخطورة‬ ‫ذلك االلتحاق موقع الجھاد والمقاومة في فلسطين وضرورة القفز من سفينة الشيعة قبل أن تغرق‬ ‫وقبل أن يكلف ھذا االلتحاق األمة غاليا‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫‪ -٨‬ضرورة التقاء قيادات األمة وعلمائھا وبشكل عاجل لدراسة واعتماد االجتھاد الذي يتصدى‬ ‫للمستجدات والتحوالت في اتجاه الصراع العالمي واإلقليمي والذي ليس له من ساحة غير جزيرة‬ ‫العرب والشام على وجه الخصوص‪ ،‬بحيث يضع علماء األمة الخيارات االساسية لالستجابة‬ ‫الذي تفرضه تلك التحوالت على المسلمين‪ ،‬ولنا في ما أخبر به النبي صلى ﷲ عليه وسلم في‬ ‫الصحيح من أبواب الفتن مالذا ورؤية ذلك أن تسارع األحداث والتغيرات فيما عاد يعرف‬ ‫بالشرق األوسط قد تفرض على المسلمين والعرب على وجه الخصوص دخوال غير متزن وال‬ ‫مؤصل له في تلك الصراعات واالستقطاب الحاد الذي سوف يصاحبھا‪ ،‬وإذا كانت األوضاع‬ ‫السياسية السابقة في بالد العرب قد ألقت بشيء من الوھم والوھن للتعامل مع المستجدات عند‬ ‫علماء المسلمين فإن زالزل الثورات العربية وما يليھا من أحداث لتوجب ھذه الھبّـة العلمية‬ ‫االجتھادية قبل أن يعم الطوفان وال يسمع الناس ألحد وال ينتھون لراية واحدة وال لمنارة سامقة‪،‬‬ ‫وإن مقتضيات ھذه الضرورة أن ينتھي المسلمون والعرب على وجه الخصوص عما عاشوا‬ ‫عليه سنين طوال من أمل فيما يسمى بالنظم السياسية التي تحكمھم أو في النظام اإلقليمي أو‬ ‫النظام الدولي وأن يستبدلوا كل ذلك بنواة نظام إسالمي جامع ومرجعية خالصة تجمع شتاتھم‬ ‫وتوحد صفھم‪.‬‬ ‫وﷲ يقول الحق وھو يھدي السبيل‪،،،‬‬

‫‪32‬‬


‫عرش بلقيس بين االستالب والتمكين‬ ‫)رؤية استراتيجية مقترحة(‬

‫بقلم‪ /‬حسن أحمد الدقي‬ ‫‪٢٠١١/٦/١‬‬ ‫مفردات البحث‬ ‫أوال‪ :‬المقدمة‬ ‫ثانيا‪ :‬قائمة بالمخاطر االستراتيجية الملحّة‬ ‫ثالثا‪ :‬قائمة بمفردات المصلحة العليا لليمن‬ ‫رابعا‪ :‬مالمح االستراتيجية المقترحة إلرساء الثورة على بر األمان‬

‫‪33‬‬


‫أوال‪ :‬المقدمة‬ ‫إن الحمد? تعالى والصالة والسالم على رسول الھدى محمد بن عبدﷲ وعلى آله وصحبه ومن‬ ‫وااله إلى يوم الدين وبعد‪:‬‬ ‫فھذه خطوط عريضة في استراتيجية مقترحة أتقدم بھا بين يدي قادة الثورة اليمنية المظفرة من‬ ‫الشيب والشباب كاستشارة بل كواجب في إطار النصح ألولئك القادة الكرام حيث لم تعد‬ ‫التطورات ال في اليمن وال في غيرھا شأنا داخليا بحتا بل ھو من أعظم شؤون األمة وأخطرھا‬ ‫خاصة في ظل وحدة العوامل المحركة للثورات العربية في الداخل والخارج ومن أھم ھذه‬ ‫العوامل عنت وانغالق األداء في النظم السياسية في جانب والھجمة األمريكية األوروبية لتحريك‬ ‫الثورات باتجاه مصالحھما من جانب آخر‪ ،‬فكيف إذا أضفنا لتلك األھمية ما يمثله اليمن من أھمية‬ ‫استراتيجية في أمن جزيرة العرب وأقصد به األمن الذي ينتمي لثوابت األمة ـ ال أمن النظام‬ ‫الدولي وتوابعه النخرة ـ كما قال ﷲ عز وجل على لسان إبراھيم عليه السالم‪) :‬الذين آمنوا ولم‬ ‫يلبسوا إيمانھم بظلم أولئك لھم األمن وھم مھتدون(األنعام‪٨٢:‬‬ ‫وفي ھذه المقدمة أنبه المعنيين من األخوة الكرام إلى ثالث مسائل ھامة‪:‬‬ ‫أما المسألة األولى‪ :‬فھي اليقين الذي ال يتزعزع أن النظام ساقط ال محالة فھذا أوان سقوط جميع‬ ‫األنظمة السياسية التي جاء وصفھا في حديث رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم )بالملك الجبري(‬ ‫من حديث حذيفة بن اليمان في المسند‪ ،‬وكما تشابھت ھذه النظم في عوامل تشكلھا وعوامل‬ ‫استمرارھا من تدخل مباشر للنصارى في تأسيسھا ومن والء كامل لھم ومن ھيمنة وطاغوتية‬ ‫مستشرية فسوف تتشابه أيضا في عوامل سقوطھا وتخلّص أھلھا منھا بعد أن صبروا طويال‬ ‫عليھا‪ ،‬وفي اعتقادي بأن الحلقة األولى من ھذا السقوط قد مضت بتزعزع وانتكاس كل من‬ ‫تونس ومصر ودخلت األمة اآلن إلى الحلقة الثانية وھي حلقة اليمن وليبيا وسوريا وفي قائمة‬ ‫االنتظار الحلقة الثالثة وتشمل كل من السعودية والمغرب والجزائر وأما بقية األنظمة ھامشية‬ ‫كانت أم مركزية كالسودان واألردن فأمر الجميع متعلق بھؤالء الكبار حجما واستراتيجية فإذا‬ ‫سقطوا سقط اآلخرون على ھامشھم‪ ،‬ھذا فيما يخص العالم العربي وأما العالم اإلسالمي فنظمه‬ ‫السياسية على الطريق أيضا من إندونيسيا إلى السنغال ريثما ينتھي العرب من مھمتھم‪) .‬وﷲ‬ ‫غالب على أمره ولكن أكثر الناس ال يعلمون(يوسف‪٢١:‬‬ ‫المسألة الثانية في ھذه المقدمة‪ :‬أن تأخر سقوط نظام علي عبدﷲ صالح فيه خير كثير ألھل اليمن‬ ‫وذلك لحاجة أھل اليمن إلى الوحدة واالنصھار الحقيقي والشعور بوحدة المصير ووحدة الخطر‬ ‫والتھديد وقد أدى النظام دوره في ھذا المجال بشكل ممتاز‪ ،‬وكان ال بد أن تأخذ ھذه العملية وقتھا‬ ‫الالزم خاصة وأن اليمن يعاني من تفرق وشتات بين أھله على المذاھب والقبائل والمناطق‬ ‫واالجتھادات اإلسالمية المعاصرة أو ما يسمى بالجماعات اإلسالمية فكان ال بد من فترة لصھر‬ ‫ھذه المكونات تمھيدا للمرحلة التي تلي فلو أن الناس دخلوا سريعا إلى مرحلة الفتح أو سقوط‬ ‫النظام الستيقظت النعرات فيما بينھم وانطبق عليھم ما يردده الناس من أن الثورات تأكل أبناءھا‪،‬‬ ‫فما يكون من تأخير فھو خير ظاھره الشر والتعب وباطنه الرحمة والعقبى الحسنة‪ ،‬فينبغي على‬ ‫العقالء أن يلعبوا دورھم في التطمين والتثبيت حتى يقضي ﷲ أمرا كان مفعوال‪.‬‬ ‫‪34‬‬


‫المسألة الثالثة‪ :‬أن الخطر االستراتيجي والذي سوف يستمر لفترة طويلة على اليمن وأھله‬ ‫ونظامه السياسي الوليد بعد سقوط علي صالح ليتمثل في النظام الدولي )النصراني اليھودي(‬ ‫وتوابعه من النظم اإلقليمية وخاصة نظام الخليج حيث تنصرف استراتيجية ھذا النظام إلى‬ ‫التركيز على مرحلة ما بعد صالح وتحريك الشؤون باتجاه التدخل في صناعة النظام الجديد‬ ‫القادم الموالي لھم‪ ،‬وعليه فإنه كلما استھلك قادة الثورة وقتا في وضع أسس ما بعد صالح كلما‬ ‫تمكنوا من االستقالل الحقيقي والتصرف في شؤونھم الداخلية في المرحلة التالية بعيدا عن‬ ‫األيدي العابثة الخارجية‪.‬‬

‫الملحة‬ ‫ثانيا‪ :‬قائمة بالمخاطر االستراتيجية‬ ‫ّ‬ ‫وھي وقفة مھمة حتى ال تضيع ھذه القائمة في خضم تفاصيل الصراع وينشغل الناس مع مرور‬ ‫الوقت بمعالجة التفاصيل والتعقيدات واألعراض التي نشأت عن أصل الداء‪ ،‬ويمكن التقديم‬ ‫والتأخير في ھذه القائمة من حيث المخاطر حسب زاوية النظر لكني أحسب أنه ال يمكن للمعنيين‬ ‫بشؤون األمة في اليمن إال أن يقفوا عندھا مطوال وأن يؤسسوا رؤاھم واستراتيجياتھم بناء على‬ ‫ھذه القائمة‪.‬‬

‫الخطر االستراتيجي األول‪:‬‬ ‫بقاء على صالح على رأس النظام السياسي وما يستتبع ذلك من تحريك الساحة اليمنية باتجاه‬ ‫الفوضى وإعطاء أعداء الداخل والخارج فرصا عديدة للمشاركة في إدارة األزمة‪ ،‬ويستتبع ھذا‬ ‫الخطر أخطارا مترتبة عليه وھي‪:‬‬ ‫‪ -١‬الدخول في الصراع العسكري وخلط أوراق الثورة‪.‬‬ ‫‪ -٢‬التدخل اإلقليمي والدولي في إدارة األزمة في إطارھا السياسي ثم في إطارھا العسكري‬ ‫وفرض الحكومة الجديدة المرضي عنھا أمريكيا وإقليميا وفق أجندة متدرجة )ليبيا أنموذجا(‪.‬‬ ‫‪ -٣‬أن يقفز أھل كل ناحية على منطقتھم فيفرضوا عليھا حكما ذاتيا‪.‬‬ ‫‪ -٤‬شتات قيادات الثورة وقبولھم بالمشاريع التشطيرية‪.‬‬

‫الخطر االستراتيجي الثاني‪:‬‬ ‫إقدام النظام على التضحية برأسه )علي صالح( وأوالده مقابل إعادة التموضع وإبقاء جبل الجليد‬ ‫تحت الماء دون تغيير )موريتانيا أنموذجا( والعمل على اقتسام السلطة جزئيا مع بعض رؤوس‬ ‫الثورة )ترضية( وما يستتبع ذلك من تبريد الثورة وإعادة إنتاج النظام لنفسه من خالل التظاھر‬ ‫باالستجابة لمطالب الثوار ريثما يعاد تشكيل الساحة اليمنية لصالح النظام داخليا ولصالح النظام‬ ‫العالمي واإلقليمي )تونس أنموذجا(‪.‬‬

‫‪35‬‬


‫الخطر االستراتيجي الثالث‪:‬‬ ‫إسھام النظام الدولي )إقرأ األمريكي( وتوابعه في المنطقة )التعاون الخليجي( في تبديل رأس‬ ‫النظام برأس قبلي)عائلة األحمر( أو حزبي)اللقاء المشترك برأسيه األساسيين(‪ ،‬ومن الواضح‬ ‫بأن الرأس القبلي أوفر حظا من الرأس الحزبي في ھذه المرحلة مع امكانية توزيع الكراسي‬ ‫بينھما بحيث تكون الرئاسة قبلية وأجھزة الدولة حزبية‪ ،‬ولن يكون ذلك إال أن يعطي المرشح‬ ‫الجديد لعرش بلقيس الضمانات الكافية بإبقاء اليمن ضمن النظام الدولي واإلقليمي‪ .‬وسوف‬ ‫يترتب على ھذا الخطر أخطار أخرى مرتبطة به ومنھا‪:‬‬ ‫‪ -١‬عدم رضا بقية القبائل والمكونات اليمنية عن ھذا النظام مما يھيء الساحة النقسامات من‬ ‫أھمھا عودة مسألة الشمال والجنوب إلى مربعھا األول‪.‬‬ ‫‪ -٢‬سوف تعمل الجھات التي تم التفاھم معھا سرا ضمن ھذا الخيار على االستئثار بتشكيل النظام‬ ‫والحيلولة دون مشاركة اآلخرين )قبائل وتجمعات وأحزاب( في القرارات االستراتيجية وبناء‬ ‫الدولة وسوف يؤدي ذلك إلى إرجاع النظام السياسي إلى مربعه األول أيضا‪.‬‬ ‫‪ -٣‬سوف تدخل الحكومة الجديدة في ظل ھذا الخيار ضمن النظام اإلقليمي والدولي ومفرداته من‬ ‫محاربة اإلرھاب والتطرف وإبقاء اليمن رھنا بمزاج السيد األمريكي وأذنابه في المنطقة‪.‬‬ ‫‪ -٤‬قابلية الوضع القبلي والحزبي للتفتت والتنازع على السلطة في ظل ھذا الخيار خاصة بعض‬ ‫القبائل التي بدأت عملية التفتيت كالحوثيين وكذا قابلية االشتراكيين لتجديد أدوارھم المخزية‬ ‫والذين ھم أقرب إلى الرؤية األمريكية من غيرھم مع ما يحملون من تاريخ دامي في اإلقصائية‬ ‫واالستئثار بالسلطة واإلفساد العقدي واالقتصادي من خالل تاريخھم الذي امتد منذ عام ‪١٩٦٧‬م‬ ‫وحتى ‪١٩٩٤‬م ‪ ،‬وكان األولى بالمحاسبة التاريخية الشعبية أن تتوجه لالشتراكيين كما توجھت‬ ‫لعلي صالح ألنھما وجھان لعملة واحدة‪.‬‬ ‫‪ -٥‬كما وأنبه إلى خطر يتسلل عبر بعض رموز التجمعات اإلسالمية من اإلخوان والسلفية فھناك‬ ‫من رموز التجمع اليمني لإلصالح قد استجابوا للمسطرة األمريكية فانحازوا لالعتدال وھربوا‬ ‫من التطرف إلى الدرجة التي جعلت مؤسسا كالشيخ الزنداني غير مرغوب فيه في أوساطھم بل‬ ‫ومحارب نتيجة لھذا التقسيم النصراني اليھودي؟ وكذا ما وقع فيه بعض مشايخ السلفية كمقاولين‬ ‫من الباطن عندما عملوا على محاربة من يقاوم وكالء أمريكا من النظم السياسية بحجة الدفاع‬ ‫عن ولي أمر المسلمين؟‬

‫الخطر االستراتيجي الرابع‪:‬‬ ‫تنازع قيادات العمل اإلسالمي ودخولھم في نفق مظلم من تقدير الموقف الشرعي في اليمن وما‬ ‫يترتب عليه من رؤية استراتيجية في التعامل معه‪ ،‬وأقصد بقيادات العمل اإلسالمي كتلة اإلخوان‬ ‫المسلمين )التجمع اليمني لإلصالح( والكتلة السلفية )الحكمة واإلحسان( والكتلة الجھادية‬

‫‪36‬‬


‫)القاعدة ومؤيدوھم( وكتلة المستقلين‪ .‬وما سوف ينجم عن ھذا الخطر من أخطار أخرى تتمثل‬ ‫في‪:‬‬ ‫‪ -١‬ضعف الساحة اليمنية وشتاتھا بسبب ما تمثله ھذه الكتل من مرجعية للشعب اليمني‪.‬‬ ‫‪ -٢‬خلو الساحة من مالمح رؤية إسالمية يمنية واستقطاب الكتل اإلسالمية لصالح مشاريع‬ ‫اآلخرين بالضرورة نتيجة لذلك ومن نماذجه الجاھزة عودة االشتراكيين أصحاب التاريخ األسود‬ ‫في الجنوب اليمني لملء الفراغ المتحقق باصطراع الكتل اإلسالمية‪.‬‬ ‫‪ -٣‬تقاطع االجتھادات اإلسالمية وتعارضھا مما قد ينتج عنه من صراع محتوم وتخوين‬ ‫وانفضاض الجماھير عنھا ويأسھا من امكانية ترسية الثورة على شاطيء األمان واإلنجاز‬ ‫الحقيقي‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬قائمة بمفردات المصلحة العليا لليمن‬ ‫وھي القائمة التي ينبغي فرز مفرداتھا وإعالء مفاھيمھا فوق كل اعتبار وجعلھا نبراسا يھتدي به‬ ‫الثوار ويلتف حولھا الشعب اليمني وتقاس إليھا النجاحات والمنجزات في مسيرة الثورة على‬ ‫المدى القصير والبعيد‪ ،‬ولوال التشابه في الحاالت العربية نظما وأزمات وثورات لما تجرأ المرء‬ ‫أن يتقدم بين يدي أھل مكة بوصف شعابھا وإن األمل بنجاح الثورة اليمنية ليبشر بتمكن‬ ‫السوريين والليبيين من ضربة قاضية تنقل العرب إلى ساحة تاريخية أخرى لم يتذوقوا طعمھا‬ ‫منذ أيامھم األول كما قال شاعرھم وأجزل‪:‬‬ ‫إن كان بين صروف الدھر من رحم موصولة أو ذمام غير منقضب‬ ‫فبين أيامك الالتي نُصرت بھـــــــا وبين أيام بــ ْد ٍر أقــــربُ النسب‬

‫وأما قائمة مفردات المصلحة العليا لليمن فھي في تصوري كما يلي‪:‬‬ ‫‪ -١‬اإلسالم كعقيدة وشريعة مرجعية لليمنيين بال منازع‪.‬‬ ‫‪ -٢‬الشورى الملزمة أو ما يعبر عنه بالديمقراطية حديثا ومفرداتھا من كون األمة مصدر‬ ‫السلطات وحرية األمة في اختيار حاكمھا ومحاسبته وتثبيته وعزله وممارسة األمة لحقھا‬ ‫السياسي عبر اختيار ممثليھا الذين يعبرون عن إرادتھا الحرة ويراقبون أداء السلطة التنفيذية‬ ‫ويحرسون المسيرة العامة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬الفصل بين السلطات الثالث وتمكينھا من أداء دورھا بتوازن وفاعلية ومرجعية مؤسسات‬ ‫الدولة وأجھزتھا لنظام الدولة العام وفق مسطرة دستورية تؤسس لمرحلة بناء الوطن وخدمة‬ ‫المواطن‪.‬‬ ‫‪37‬‬


‫‪ -٤‬لليمنيين الحق في حريتھم كاملة دون نقص بالتجمع والتحزب وتكوين مؤسسات المجتمع‬ ‫المدني والمطالبة بالحقوق وحرية الكلمة في ظل ثوابت األمة‪.‬‬ ‫‪ -٥‬تنمية ثروات اليمن وتطوير قدرات األمة االقتصادية وحماية الثروة من الھدر والضياع‬ ‫واالستحواذ واجب تقوم به الدولة ويراقبه النواب ويدعمه اليمنيون كل في موقعه‪.‬‬ ‫‪ -٦‬افراد األمة ومكوناتھا القبلية والحزبية والمذھبية والمناطقية شركاء على قدم المساواة في‬ ‫الثروة وتوزيع خارطة التنمية لتشمل كل اليمن‪.‬‬ ‫‪ -٧‬الحفاظ على وحدة اليمن ولحمته أساس ليمن الثورة ْإذ بھذه الوحدة يضمن اليمنيون قوتھم‬ ‫واستقاللھم واستقرارھم وتنمية بالدھم‪.‬‬ ‫‪ -٨‬اليمن وطن ومظلة كل اليمنيين بحقوق وواجبات متساوية دون تفريق بين يمني وآخر بناء‬ ‫على أي اعتبار‪.‬‬ ‫‪ -٩‬اليمنيون معنيون بعالج ما خلفه نظام الھيمنة والجشع والتفرقة من فتنة وبالء بين أبناء البلد‬ ‫الواحد من خالل بث روح التواصل والعناية بجميع مكونات اليمن‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬اليمن امتداد لألمة العربية واإلسالمية يفرحه ما يفرحھا ويؤذيه ما يؤذيھا وعمق آمن‬ ‫ومتواصل مع أمته‪.‬‬ ‫‪ -١١‬لليمن عالقاته السياسية واالقتصادية مع العالم كله وفق احترام الستقالل اليمن ومصالحه‬ ‫دون قبول لفرض اإلرادات الدولية ومعادالت الصراع األممية‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬مالمح االستراتيجية المقترحة إلرساء الثورة على بر األمان‬ ‫وھي استراتيجية تأخذ من تاريخ اإلنجازات اليمنية الشعبية أرضيتھا ومن صد األخطار الملحّة‬ ‫جدرانھا وأبوابھا ومن اآلمال بنھضة عربية وإسالمية عالمية سقوفھا وتطلعاتھا‪ ،‬وإذا كانت‬ ‫مقاييس التنمية العالمية المفصلة لصالح الكبار في األمم المتحدة تضع اليمن في أسفل تلك‬ ‫المقاييس فإن فيما أنجزه الشعب اليمني من بناء وحدة بين الشمال والجنوب وفيما تميز به الفرد‬ ‫اليمني من وعي حضاري معاصر وفيما التزم به الشعب اليمني من معطيات الدين والتاريخ‬ ‫تعليما وتربية وفي امتصاص الشعب اليمني وتصديه لفصول المؤامرات الخارجية والتي تمثلت‬ ‫في التجربة الشيوعية الملحدة وفي مزجه بين المذھب الزيدي والشافعي وتالقحھما التاريخي‬ ‫وأخيرا وليس آخرا في ثورته السلمية الفريدة طلبا للحرية وآفاقھا الكريمة في كل ذلك ما يجعل‬ ‫اليمن موئال حقيقيا للحضارة ومدرسة عالمية تحتاجھا شعوب العالم أولئك الذين أذاقھم النظام‬ ‫الدولي الفقر والقھر ألوانا كما ھو حاصل في العراق وفلسطين وأفغانستان وباكستان وغيرھا‪.‬‬

‫‪38‬‬


‫الملمح األول‪ :‬إصالح ذات بين الدعاة‬ ‫وأقصد بذلك أن يعجل أصحاب المدارس اإلسالمية في اليمن وعلى وجه الخصوص مدرسة‬ ‫اإلخوان المسلمين والمدرسة السلفية بإصالح ذات بينھما فإن ﷲ عز وجل سائلھما عن اليمن‬ ‫وعن مستقبله ويوشك أعداء اليمن في الداخل والخارج أن يستثمروا ھذه القطيعة وخاصة في‬ ‫ظل قرب تقسيم تركة نظام علي صالح أن يبذروا بذور الشقاق والخالف الشديد بينھما‬ ‫والمبررات جاھزة لكل طرف من أصحاب ھاتين المدرستين فبعض اإلخوان يرون في المدرسة‬ ‫السلفية تشددا ال يمكن االقتراب منه والسلفيون يرون في مدرسة اإلخوان تساھال ال عالج له‬ ‫ولعمر الحق إنه لمكر الليل والنھار من قبل األعداء أن أصخنا األسماع لھم حتى وصلنا إلى ھذا‬ ‫التقسيم فإن كان في بعض اإلخوان ما يقوله السلفيون فإن في أكثرھم التزاما بالدين وبمصالح‬ ‫األمة وبذل األرواح في سبيل ﷲ وإن كان في بعض السلفيين ما يقوله اإلخوان فإن أكثرھم قد‬ ‫ثابوا إلى رؤية سياسية مستقلة تقف عند مصالح األمة العليا وال تقدم عليھا شيئا آخر ولعل واقع‬ ‫الثورة اليمنية خير دليل على ما ذھبت إليه‪ .‬فإن لم يعجل الدعاة والقادة بھذا اإلصالح وإال فإنھا‬ ‫الحالقة التي حذر منھا رسول الحق صلى ﷲ عليه وسلم قال‪ :‬ال أقول تحلق الشعر ولكن تحلق‬ ‫الدين‪ .‬ويعلم الدعاة أن تواصلھم أولى من التواصل مع ألوان الطيف اآلخر من االشتراكيين‬ ‫والعلمانيين فإن لم يفعلوا فال يلو ُم ّن إال أنفسھم‪.‬‬ ‫كما يتعلق إصالح ذات بين الدعاة أن يسعى الدعاة إلى تخليص الساحة اليمنية ـ أو تقليل‬ ‫المخاطر إلى أدنى مستوى ـ فيما لحق بھا من خالف وتجاذب حاد حول ما يسمى باإلرھاب فقد‬ ‫خضع ھذا المصطلح والممارسة إلى ظالل سميكة من طبيعة المرحلة والمعركة أما طبيعة‬ ‫المرحلة فإن حراك األمة المسلمة في ظل المشاريع األممية األخرى )اليھودية والنصرانية‬ ‫وغيرھا( وما وقع على المسلمين من انتھاك على جميع الصعد )العراق أنموذجا( قد أخضع‬ ‫األمة ومكوناتھا لرؤى متضاربة في التعامل مع ھذا االنتھاك وال يمكن أن توضع األمة واجتھاد‬ ‫أبنائھا في سلة واحدة يتحكم بھا جورج بوش أو النظم األمنية السياسية‪ ،‬وأعني بذلك الخالف‬ ‫حول الممارسات الجھادية وعولمة األداء الجھادي الذي وصمه األمريكان باإلرھاب فإذا سلمنا‬ ‫جدال بأن حراك جماعة القاعدة إرھاب فكيف يكون حراك جماعة حماس إرھابا؟ لكنھا المقاييس‬ ‫اليھودية والنصرانية والتي ال يمكن أن نضعھا مقياسا لنا نحن المسلمين‪ ،‬وأما من ناحية طبيعة‬ ‫المعركة فإنه ومنذ اشتعال ملحمة الجھاد المعاصر في فلسطين ثم ملحمة الجھاد في العراق‬ ‫وأفغانستان فقد خضعت المعركة لمعطيات اإلدارة األمنية البحتة كما وصف جورج بوش‬ ‫المعركة بقوله‪ :‬ستكون حربا طويلة وقاسية وقذرة‪ .‬ويقصد بالقذرة الصفة األمنية وال يجادل‬ ‫منصف بأن األنظمة السياسية في العالم العربي قد تجندت في ھذه الحرب مما جعل ساحة‬ ‫المصطلحات والممارسات في موضوع معالجة مسألة اإلرھاب غير بريئة‪ ،‬وعليه فإن خضوع‬ ‫الدعاة لمخرجات المعالجة األمنية فإنھم ال شك واقعون في المحذور من اصطفاف في المعسكر‬ ‫األمريكي األمني والسياسي‪ ،‬وإذا عدنا لممارسة النظام السياسي في اليمن تجاه ھذه القضية فإن‬ ‫الجميع يشھد بأن األمن اليمني قد اخترق جزءا من جماعة القاعدة على أقل تقدير وأنه يسھم في‬ ‫تسخين الموقف متى احتاج إليه؟ وبناء على ھذه المعطيات فيحتاج الدعاة في ھذا السبيل أن‬ ‫يسلكوا مسلكا مستقال بھم مما يمليه عليه دينھم ال ما تمليه السياسة األمريكية وذلك بأن يستوعبوا‬ ‫الموقف بتوازن يؤدي إلى عدم التفريط في أبناء المسلمين ممن تعلقت قلوبھم بالجھاد من جھة‬ ‫‪39‬‬


‫وأن يسعوا إلى نزع أشواك الصراع العسكري فيما بين اليمنيين والذي يمكن أن تقوده بعض تلك‬ ‫العناصر من الجھاديين خاصة في ظل تساقط وانھيار المؤسسة األمنية وعملياتھا القذرة‪ .‬ولعل‬ ‫في عملية زنجبار األخيرة ما كشف عورات تلك المؤسسة‪.‬‬

‫الملمح الثاني‪ :‬المحيط يسع الحيتان واألسماك معا!‬ ‫وليعذرني األخوة الكرام أن ذھبت في وصف ھذه االستراتيجية بھذا الوصف فھو أدعى للحفظ‬ ‫والتذكر والتصور‪ ،‬وأقصد بالحيتان الكتل الكبيرة قبلية كانت أو حزبية أو مناطقية وأقصد‬ ‫باألسماك الكتل الصغيرة من التجمعات والنواحي والمستقلين فإن مستقبل اليمن يقوم على ھذه‬ ‫الكتل الكبيرة كما يقوم على الصغار حجما ال ق ْدرا من التجمعات والمستقلين والقادمين الجدد‬ ‫للساحة الحزبية والسياسية والفكرية والدعوية‪ ،‬وإذا لم يتمكن النظام الجديد والذي ھو آخذ‬ ‫بالتشكل في رحم الثورة اليمنية من استيعاب كل مكونات المجتمع اليمني وفرز مساحة كافية‬ ‫للتعبير والنقد واإلسھام في الحياة العامة للجميع فذلك يعني أن المجتمع اليمني يرسي بيديه نظاما‬ ‫ثار عليه؟ وھل بالء النظم السياسية في العالم العربي إال االقصائية والتفرد واالستحواذ على كل‬ ‫شيء؟‬ ‫وتستوجب ھذه االستراتيجية أن يعتقد اليمنيون بضرورة التعددية الحزبية والدعوية والفكرية‬ ‫وتعددية التجمعات وفسح المجال أمام التحالفات الجديدة وعدم الخوف من تغير موازين القوى‬ ‫واتجاھات تلك التحالفات ذلك أن الناس بحاجة للتعبير عن وجودھم وعن متطلباتھم وعندھم‬ ‫رغبة أصيلة في المشاركة في الحياة العامة وإن إحدى طرائق ھذا التعبير إنما تتم عبر التجمع‬ ‫واختيار العرفاء والرؤساء لتلك التجمعات ثم المطالبة بالحقوق والتعبير عن الرأي والمشاركة‬ ‫السياسية‪ ،‬ومالم يفسح اليمنيون الجدد لھذا النوع من األداء في الساحة اليمنية فلن تؤتي الثورة‬ ‫أكلھا من وعود الحرية واألمان‪.‬‬

‫الملمح الثالث‪ :‬الشعب الثائر أقدر على المناورة في صراع اإلرادات‪.‬‬ ‫وتقتضي ھذه االستراتيجية أن يطيل الثوار النفس في معركتھم إلسقاط النظام فإن كل العوامل‬ ‫في صالحھم من حيث شيخوخة النظام والحصار الذي يعانيه والتخبط الذي يمارس به معركته‬ ‫فيوقعه التخبط في شر أعماله كل مرة وأخرھا تحريك أذنابه للسيطرة على زنجبار بدعوى‬ ‫التھديد الذي تفرضه القاعدة على الساحة فإذا بالعورة تنكشف وينقلب السحر على الساحر‪،‬‬ ‫والوقت يعمل لصالح الثورة‪ ،‬وإن العصيان المدني ليؤدي دورا خطيرا في خنق النظام ومن ثم‬ ‫إقصائه عن الساحة فإن النظام إنما يتمثل في قدرته على إدارة البالد من خالل مؤسساته فإذا‬ ‫توقفت تلك المؤسسات فقد مات النظام‪ ،‬ومما تستوجبه ھذه االستراتيجية أن يدرك قادة الثورة‬ ‫والشعب اليمني بأن ال مفر من خسائر مرحلية في مجال االقتصاد ومعيشة الناس وھو ما يحاول‬ ‫النظام أن يضخمه حتى يرتد الناس عن ثورتھم ولكن الشيء اإليجابي أن معظم الناس في اليمن‬ ‫لم يبق معھم ما يخسروه أصال فيكفي أن ‪ %٤٠‬منھم تحت خط الفقر فعن أي اقتصاد يتحدث‬ ‫النظام‪ ،‬وكذا ال بد من االستعداد للتضحية بمزيد من الشھداء أمام جبروت النظام القمعي‪ ،‬كما‬ ‫يلحق بھذه االستراتيجية عدم االنجرار إلى الصراع المسلح مع النظام والصبر على تفكيكه قطعة‬ ‫‪40‬‬


‫قطعة وإخراجه من السلطة بأقل الخسائر في مجال األرواح والدماء مما يتطلب معه من عملية‬ ‫دعائية قوية وواسعة لسحب الجنود المغرر بھم حول النظام ولعل أكثر األدوات فاعلية في ھذا‬ ‫السبيل ھو االعتماد على اإلذاعات المسموعة فھي أبسط وأسرع وسيلة للوصول إلى الناس في‬ ‫ظل األوضاع األمنية المتردية‪.‬‬

‫الملمح الرابع‪ :‬غل اليد الخارجية من العبث بمستقبل اليمن‬ ‫إن اليمنيين بثورتھم المباركة والمصريين والتوانسة والليبيين والسوريين قد أدخلوا العالم العربي‬ ‫واإلسالمي في مرحلة جديدة يتشكل في ظلھا نظام إقليمي جديد وال نبالغ إذا قلنا بأن ھذه‬ ‫التحوالت سوف تفرض تحوال في النظام الدولي على المدى البعيد وعليه فإن أھم ما ينبغي على‬ ‫الثوار والشعب اليمني أن يدركه أنه بفعلته ھذه قد غير قواعد اللعبة اإلقليمية بالمصطلح السياسي‬ ‫وأنه قد نسف النظام اإلقليمي فھاھي أمريكا تستجدي العون من األنظمة المشلولة الباقية وھاھي‬ ‫جامعة الدول العربية تعيش على ھامش أحداث ھذه الثورات المجيدة وھل كانت مبادرة دول‬ ‫مجلس التعاون إال )حصان طروادة( توسل بھا األمريكان للتعامل مع الثورة اليمنية للتدخل في‬ ‫صناعة النظام السياسي الجديد بما يحفظ مصالح أمريكا في المنطقة وفي ھذا السبيل لم يكن ھناك‬ ‫من بد إال أن يضحي األمريكان والخليجيون بصديقھم القديم مريضھم الجديد علي صالح لكن‬ ‫الرجل أبى إال أن يصمد إلى آخر مسمار في آلة نظامه المتھالكة وحسنا فعل كما سبقه إلى ذلك‬ ‫حسني مبارك حتى تضعضع نظامه بدرجة ممتازة لصالح الثوار‪.‬‬ ‫فال خوف وال قلق منذ اليوم على المصالح االستراتيجية اليمنية فرب العرش يحفظھا وشعوب‬ ‫العرب والمسلمين تضمنھا فلم تعد الدنيا أسيرة لصندوق النقد الدولي وال للبنك الدولي وال‬ ‫للدوالر فقد تعبت أسماع أھل اليمن والنظام السياسي يكرر عليھم ھذه الموعظة المملة حتى‬ ‫بادروا بأخذ زمام مصيرھم بأيديھم‪ ،‬وإذا كان لبقية الدول ما يجعلھا تخاف على مستقبلھا‬ ‫االقتصادي فإن لليمنيين من الثروات والخيرات واالتساع في البر والبحر ما يجعلھم أسيادا‬ ‫مستقلين غير خاضعين إال لرب األرض والسماء‪.‬‬ ‫وﷲ يقول الحق وھو يھدي السبيل‬

‫‪41‬‬


‫مقاومة التدخل األمريكي في الثورات‬ ‫العربية‬ ‫بقلم ‪ /‬حسن أحمد الدقي‬ ‫‪٢٠١١/٧/٢٢‬‬ ‫إن الحمد? تعالى والصالة والصالم على رسول الھدى محمد بن عبدﷲ وعلى آله وصحبه ومن‬ ‫وااله وبعد‬ ‫فإن أخوف ما يخافه المخلصون على واقع ومستقبل الثورات العربية أن تتمكن )الروم( أمريكا‬ ‫وتوابعھا من قطف نتاج الثورات المباركة فيتجدد وقوع األمة تحت نيرھا الجديد المع ّدل بعد أن‬ ‫سعت الشعوب لخلع ربق أنظمتھا السياسية المھترئة وقدمت في ذلك قائمة طويلة من الشھداء‬ ‫والسجناء والمشردين خالل القرن العشرين بأكمله فمن الغبن بمكان أن نركز على لحظة التغيير‬ ‫ھذه ونھمل مسيرة قرن كاملة‪.‬‬ ‫‪42‬‬


‫وفي وصفھا للخطة األمريكية تجاه الثورات العربية تقول ھيالري كلنتون وزيرة الخارجية‬ ‫األمريكية بعد قرابة اسبوعين فقط من سقوط عمود النظام األمريكي في بالد العرب حسني‬ ‫مبارك‪) :‬إن دعم عمليات االنتقال السياسية في العالم العربي ضرورة استراتيجية وليست مسألة‬ ‫مبادىء(‪ ،‬وللجميع أن يتساءل كيف تمكنت أمريكا خالل اسابيع قليلة أن تحدد رؤيتھا في التعامل‬ ‫مع التحوالت في العالم العربي؟ ذلك أنھا تعتمد بالدرجة األولى على عقول النابغين فيھا والذي‬ ‫يسيرون وفق رؤية استراتيجية طويلة المدى ال على ردود الفعل كما يفعل اآلخرون‪.‬‬ ‫ومع اليقين التام بأن ﷲ ناصر عباده الموحدين وأن ما يصيبھم إنما يقع في باب االختبار‬ ‫والتمحيص وأن كيد الشيطان ومن يتبعه في خسران وضالل كما قال رب العالمين ‪) :‬إنما ذلكم‬ ‫الشيطان يخوف أولياءه فال تخافوھم وخافون إن كنتم مؤمنين(آل عمران‪١٧٥:‬‬ ‫فقد وجب على الدعاة أن يديموا تفقد مواقع أقدامھم وما ھم مقبلين عليه فلست بالخب وال الخب‬ ‫يخدعني كما كان يقول عمر رضي ﷲ عنه‪.‬‬ ‫ولعل من أھم األدوات العلمية للتحقق من األمور واالنتقال من حالة الوھم والشك إلى حالة اليقين‬ ‫أن نسبر أغوار خطط المجرمين كبارھم وصغارھم فنتمكن بذلك من إبطال مكرھم وسبقھم‬ ‫وفرض خطتنا عليھم قبل أن يفرضوا خطتھم علينا فإن كان الطغاة السابقون يستخدمون السحر‬ ‫في فرض إراداتھم وحيلھم على الشعوب فإن طغاة العصر يستخدمون آخر نظريات التخطيط‬ ‫والتحليل واالستراتيجية‪ ،‬وفي ھذا المقال المختصر سأحاول الوقوف على رؤية األمريكان‬ ‫االستراتجية وخططھم على األرض في إدارة حالة التغيير التي تعم العالم العربي على وجه‬ ‫الخصوص لضمان أن تمضي األمور مجددا لصالحھم وصالح ھيمنتھم واستمرارھا‪.‬‬ ‫ويتكون ھذا البحث المختصر من المفردات التالية‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬التذكير بالثوابت االستراتيجية األمريكية‬ ‫ثانيا‪ :‬التكتيك األمريكي للتدخل في الثورات العربية‬ ‫ثالثا‪ :‬فرص ومھددات األداء الثوري العربي‬

‫أوال ‪ :‬التذكير بالثوابت االستراتيجية األمريكية‬ ‫‪ -١‬إن أول ملمح في ثوابت االستراتيجية االمريكية ھو تمثيلھا ألمم الروم أو النصارى الغربيين‬ ‫على وجه الخصوص )البروتستانت والكاثوليك( كما سماھم ﷲ عز وجل وسماھم رسول ﷲ‬ ‫صلى ﷲ عليه وسلم فقد ورد في الصحيح قوله صلى ﷲ عليه وسلم‪ :‬فارس نطحة أو نطحتان ثم‬ ‫يفتحھا ﷲ ‪ ،‬ولكن الروم ذات القرون كلما ھلك قرن قام قرن آخر "‪ .‬رواه ابن أبي شيبة في‬ ‫المصنف ونعيم بن حماد في الفتن وابن حجر في المطالب العلية وھو حديث حسن‪ .‬وعليه فإن‬ ‫النصارى وبقاءھم التاريخي على ھيئة أمم تتوارث القيادة فيما بينھم وتتوارث العداء والصراع‬ ‫‪43‬‬


‫ضد المسلمين ھو أمر تاريخي ثابت ال يمكن تجاوزه إال عند استكمال فتح الروم ويزاد عليه‬ ‫بالنسبة لألمريكان تميزھم بعقيدة النصارى البروتستانتية المتھودة مما يجعل أمر إسنادھم لليھود‬ ‫في فلسطين مسألة عقائدية صرفة ال يمكن تجاوزھا بأي حال من األحوال مھما حلم المسلمون‬ ‫بغير ذلك‪.‬‬ ‫‪ -٢‬تقوم الرؤية األمريكية على حق تمثيل العالم الغربي النصراني )المتحضر( وھي حصريا‬ ‫أمريكا وأوربا واستراليا وإحدى أھم غنائم الحرب العالمية الثانية وھي اليابان وبعض الذيول‬ ‫التابعة كتايوان وكوريا الجنوبية وغيرھا وقد قادت أمريكا ھذا العالم )المتحضر( بعدة مظالت‬ ‫دولية منھا العسكرية كالناتو واالقتصادية كاتفاقية التجارة الدولية واستخدام جمعية األمم المتحدة‬ ‫لفرض الرؤى والتصورات وبالتالي تحريك البرامج على األرض وفق استحقاق أمريكي‬ ‫بمشاركتھا في الحرب العالمية الثانية علما بأن الدور األخطر واألكبر في تلك الحرب كان من‬ ‫نصيب الشيوعيون الروس في إسقاط النازية مقارنة بدور أمريكا‪.‬‬ ‫‪ -٣‬حرصت أمريكا على عدم الوقوع ثانية في أسر مرحلة الحرب الباردة وتعدد األقطاب الدولية‬ ‫ودفعت باتجاه نظام القطب الواحد واألقطاب الثانوية‪ ،‬وھي تسعى لذلك عبر إعادة تصميم النظام‬ ‫الدولي وعبر إضعاف األمم المتحدة ومجلس األمن من خالل فرض استراتجيتھا العالمية‬ ‫ووضعھا قيد التنفيذ بشكل متتابع ومدروس وترك اآلخرين أمام األمر الواقع فإذا تعقدت األمور‬ ‫تظاھرت بالتفاھم الدولي واحترام األقطاب الكبيرة فإذا سارت األمور باتجاه رؤيتھا عادت‬ ‫لعادتھا وھكذا‪ ،‬وكان من المفاصل األساسية لتجاوز األمم المتحدة قيامھا بضرب العراق عام‬ ‫‪ ٢٠٠٣‬دون غطاء دولي مع العلم بأنه قد مضى على تطبيق ھذه االستراتيجية ما يقرب من‬ ‫عقدين منذ تمثيلية الكويت عام‪١٩٩٠‬م‪.‬‬ ‫‪ -٤‬تعتمد الرؤية االمبراطورية األمريكية على خطوط عريضة لعقيدة عسكرية تتناسب وأھداف‬ ‫اإلمبراطورية العالمية والقطب األوحد وقد تمثلت تلك الخطوط في نمو العتاد العسكري الذي ال‬ ‫يمكن أن يُنافس في العدد والفاعلية خاصة في الجوانب التقنية كما تمثلت في امكانية القيام بأكثر‬ ‫من حرب في المرة الواحدة وتمثل في استخدام التفوق الجوي والصاروخي وتمثلت في القيام‬ ‫بالضربات والحروب االستباقية والتي تحجم من قدرة الخصوم على الرد والتي توصل القوات‬ ‫األمريكية إلى تمركز استراتيجي على مستوى األرض كلھا وبالقرب من األعداء الحقيقيين أو‬ ‫المحتملين‪.‬‬ ‫‪ -٥‬عملت أمريكا على ضرب الصغار والضعاف في العالم لترھيب الكبار ولكي يقبل البشر‬ ‫بھمينتھا ودورھا الشرطي في الكرة األرضية ووضفت الرھاب من مستقبل المسلمين ونھضتھم‬ ‫كعامل أساسي في قبول العالم بضرب أفغانستان والعراق في بداية األلفية الثالثة‪.‬‬ ‫‪ -٦‬سعت أمريكا إلى احتواء القطب العالمي المھدد للھيمنة األمريكية وھو اإلمبراطور الصيني‬ ‫عبر عدة محاور كان من أھمھا مساعدته للخروج من أسر العقيدة الشيوعية والتخفيف من حالة‬ ‫العداء والمواجھة وعبر مسك خيوط أزمات اإلمبراطور الداخلية لتحريكھا وقت الحاجة وعبر‬ ‫استخدام تايوان واليابان لتنفيذ االستراتيجية وعبر الحصار التقني لما يسمى بالتكنلوجيا الحساسة‬ ‫وعبر الوجود العسكري على تخومه مؤخرا إثر غزوھا ألفغانستان عام‪٢٠٠١‬م‪.‬‬ ‫‪44‬‬


‫‪ -٧‬حرصت أمريكا على مسك أزمات العالم بيديھا واالقتراب من كل األزمات عالمية كانت أو‬ ‫إقليمية بل وصناعة األزمات في المواقع االستراتيجية التي ال توجد بھا أزمات كما حدث في‬ ‫أزمة ميدان )تيان امين( في الصين وأزمة التبت وھي بذلك تحافظ على صنعة ورثتھا من‬ ‫بريطانيا العظمى وتسمح لھا بتبريد أو تسخين األزمات متى شاءت‪.‬‬ ‫‪ - ٨‬يعتبر الوكالء اإلقليميون من أھم األدوات االستراتيجية التي يعتمد عليھا اإلمبراطور‬ ‫األمريكي في دفع ھيمنته الدولية قدما وفي إدارته المبراطوريته العالمية مما سمح بمرونة عالية‬ ‫لألداء األمريكي للتدخل في إعادة صناعة النظام الدولي ذو القطب الواحد‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يعتبر الشرق األوسط بما فيه من مقدرات اقتصادية خاصة النفط والغاز فضاء حيويا ألمريكا‬ ‫ال تقبل المنافسة فيه إال بما يخدم استراتجيتھا عبر السماح لإلمبراطور األوروبي بالتحرك فيه‬ ‫تحت المظلة األمريكية في المجال السياسي أو االقتصادي‪ ،‬كما تعتبر أمريكا أمن إسرائيل ركنا‬ ‫أساسيا في تلك االستراتيجية بما يعتبر امتداد للسياسة الغربية النصرانية يوم تم تثبيت إسرائيل‬ ‫بيد بريطانيا والحقا عبر األمم المتحدة‪ ،‬وبناء على ذلك فال مكان لمصالح شعوب وحكومات‬ ‫المنطقة إال بما يخدم الرؤية األمريكية‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تعتبر العولمة إحدى أھم األدوات العقائدية والفكرية للسيطرة العالمية وفرض النفوذ‬ ‫األمريكي والتي تتكون من خليط ثقافي وسياسي وتقني تبشر به أمريكا العالم بحضارة غير‬ ‫فاضلة وھذه الممارسة تذكر بتاريخ الھيمنة والنفوذ اإلمبراطوري في تاريخ البشرية سواء كان‬ ‫التاريخ التتري الغابر أو التاريخ الشيوعي المندثر‪.‬‬ ‫‪ -١١‬كما تعتبر الحساسية األمريكية البالغة من أي نھضة أو استقالل حقيقي لألمة المسلمة‬ ‫ومقاومة ھذه النھضة إحدي ركائز االستراتيجية األمريكية مما يجعل من التخويف من الخطر‬ ‫اإلسالمي أحد أھم معالم السياسة األمريكية الخارجية وعليه فقد ترتب المكر األمريكي على منع‬ ‫التغيير اإلسالمي الحقيقي سواء تم ذلك باستخدام الديموقراطية أو غيرھا في التغيير‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التكتيك األمريكي للتدخل في الثورات العربية‬ ‫ومع اعتراف أمريكا بالتغيير الصاعق الذي أحدثته الثورات العربية وحقيقته وعمقه وخطورته‬ ‫والتشكك في المستقبل وتھديد أسس السيطرة األمريكية كما قالت مجلة الديلي تلغراف‪) :‬إن‬ ‫الثورات العربية ضد أنظمتھا لم تسقط فقط الدكتاتوريات الحاكمة بل أسقطت معھا االمبراطورية‬ ‫األمريكية في الشرق األوسط( ومع ذلك فإن اإلدارة األمريكية سارعت باعتماد تكتيكات جديدة‬ ‫تمثلت في مرتكزات محددة إلدارة الثورات العربية تمھيدا لقطف ثمارھا‪ ،‬مع العلم بأن اإلدارة‬ ‫األمريكية قد عملت على زرع أنوية بعض تلك المرتكزات قبل حدوث الثورات بوقت طويل وما‬ ‫ذلك إال لوجود مراكز البحوث واالستشعار لديھم والتي تتابع التطورات الميدانية وتقترح ما‬ ‫يوائمھا في كل مرحلة زمنية وتتمثل ھذه المرتكزات بما يلي‪:‬‬ ‫‪ -١‬امتصاص الحركات اإلسالمية المتطلعة للمساھمة في تغيير واقع المسلمين عبر الحراك‬ ‫السياسي من خالل تطوير نظرية اإلسالم السياسي و)االعتدال( والتي تبلورت في منتصف‬ ‫‪45‬‬


‫تسعينيات القرن المنصرم والتي تتلخص في امكانية التقاء ألوان طيف الحراك اإلسالم السياسي‬ ‫بمفردات األجندة األمريكية ويتم ذلك عند تحقيق اإلسالميون لشرطين أساسيين‪ :‬األول‬ ‫االستظالل بكل مفردات الديمقراطية الغربية والتي ال تتيح لإلسالميين استخدامھا استخداما‬ ‫حاسما للتغيير والشرط الثاني استالم الديمقراطية بيد وتسليم الرضا بالھيمنة األمريكية باليد‬ ‫األخرى‪ ،‬وقد قطع األمريكان في ھذه التجربة شوطا كبيرا تمثل في استراتيجية تبريد ثورة‬ ‫االندونيسيين على طاغيتھم سوھارتو عام ‪١٩٩٨‬م حيث تمكنت أمريكا من استخدام جمعية‬ ‫نھضة العلماء الصوفية المتصاص الثورة ونقلھا عبر مراحل حتى عاد الحكم بعد ذلك لمربعه‬ ‫األول عبر تسلم الجنرال اودينيو الرئاسة عام ‪٢٠٠٤‬م عبر الديموقراطية األمريكية التي ظن‬ ‫أھل اندونيسيا أنھا ستقودھم إلى التحرر من الديكتاتورية والتسلط‪ ،‬وھي ليست التجربة الوحيدة‬ ‫فقد تلتھا تجربة تشجيع أبناء نجم الدين أربكان في تركيا لكسر الحدود والتقدم سريعا نحو تجربة‬ ‫اإلسالم السياسي الذي يقبل بالھيمنة النصرانية واليھودية المشتركة على قلب األمة )الشرق‬ ‫األوسط( مع العلم بأن فتح كل أقفال النظام األتاتوركي في اسطنبول لكي يقبل بھذا التطور إنما‬ ‫جاء في لحظة حاسمة وھي قرب تنفيذ جورج بوش لغزوته تجاه بغداد أو قبلھا بشھر واحد فقط‬ ‫فقد نجح أردوغان في شھر مارس ‪٢٠٠٣‬م ودخل جورج بوش بغداد في الشھر الذي يليه!‪،‬وكان‬ ‫أخطر اختراق سجلته أمريكا والنظام العربي الموالي لھا ھو محاولة إدخال حماس المجاھدة إلى‬ ‫بيت الطاعة عبر نفس النظرية والقبول بما سمي بمبادرة األمير عبدﷲ والتي قبلتھا حماس بعد‬ ‫أن قام اليھود بعمليات تجھيز للميدان الحمساوي عبر عمليات االغتيال المتتابعة لرموز العقيدة‬ ‫والجھاد داخل قيادة حماس والتي شملت الشيخ أحمد ياسين والرنتيسي عام ‪٢٠٠٤‬م‪ ،‬وما يھمنا‬ ‫في أمر الثورات أن أمريكا قد وسعت من قابليتھا إلدخال العبين جدد على ضوء التحوالت التي‬ ‫تشھدھا المنطقة وبالمقابل يتسابق عدد من التجمعات واألفراد إلبداء حسن نية واستعداد مبدئي‬ ‫لالستظالل بھذه النظرية‪ ،‬وإن أخطر ما في ھذا التكتيك أن يفرز متطلعين جدد الستالم السلطة‬ ‫من تحت يد أمريكا وبسبب ھذا اإلغراء سيبدي ھؤالء المتعاونين استعداد وافرا لضرب وتعويق‬ ‫من تريد أمريكا ضربھم وتعويقھم وعليه فسيكون العالم العربي في حال نجاح ھذا التكتيك في‬ ‫وضع يشبه الوضع الذي تم فيه نصب األنظمة السياسية عبر سايكس بيكو في بداية القرن‬ ‫العشرين‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يعمل التكتيك األمريكي على إبقاء آخر حلقة من حلقات الھيمنة على النظم وھي حلقتا الجيش‬ ‫واألمن والتظاھر بجعل المعركة تحتدم بعيدا عن ساحة ھاذين الجھازين فإذا َسلِ َمت ھذه الساحة‬ ‫فحينئذ يسھل إرجاع كل ما ضاع من )اكسسوارات( النظم السياسية )مصر وتونس أنموذجا(‬ ‫وتعويض الفقد المرحلي بالتعزيزات المادية والعسكرية واالستخباراتية‪ ،‬والعمل جاري لترتيب‬ ‫ليبيا واليمن على نفس المنوال‪ ،‬وھو األمر الذي لم تتمكن رموز الحكم المھترئة في العالم العربي‬ ‫أن تفھمه إذ كيف تضحي أمريكا بعبيدھا بھذه السھولة ومع بقاء ھؤالء في الحكم لعقود لكنھم ال‬ ‫يفقھون االستراتيجية األمريكية والتي ھي موروث خالص من االمبراطورية العجوز )خالتھا(‬ ‫بريطانيا والتي ضحت بالشريف حسين طمعا في عبيد أكثر قوة وصالبة ومواءمة للتطورات‪.‬‬ ‫‪ -٣‬ويقضي التكتيك األمريكي بتوزيع ساحة العرب إلى ثالث ساحات الساحة األولى نتيجتھا‬ ‫‪/١‬صفر لصالح العرب والساحة الثانية ‪ ١/١‬تعادل والساحة الثالثة إلغاء أصل اللعبة ومنعھا من‬ ‫الحدوث‪ ،‬أما الساحة األولى فھي مصر وتونس بقبول سقوط النظامين لتحقيق الرضا الشعبي في‬ ‫‪46‬‬


‫المنطقة والشعور بنجاح مزيف للثورات والتظاھر بعدم التدخل األمريكي دون أن نقلل من‬ ‫خطورة الحدث وآثاره القريبة والبعيدة والمفاجأة التي وقعت فيھا أمريكا‪ ،‬والساحة الثانية إبقاء‬ ‫الثورات الحالية المشتعلة )ليبيا سوريا اليمن( في دائرة التجاذب والنضج على نار ھادئة‬ ‫واستغالل حالة الميوعة في الموقف الكلي لتوجيه المنطقة ككل باالتجاه الذي ترغب به أمريكا‬ ‫وھي غير مستعجلة على أي شيء‪ ،‬وأما الساحة الثالثة والتي تحاول أمريكا أن تمنع حدوث‬ ‫الثورات فيھا فھي ساحة األربعة المھمين الباقين المغرب والجزائر واألردن والسعودية مع العلم‬ ‫بأن ھذه البلدان ال تقل احتقانا وتجمعا ألسباب الثورات عمن سبق‪.‬‬ ‫‪ -٤‬ويقتضي التكتيك األمريكي في محاولة التأثير على اتجاھات الثورات العربية بوضع‬ ‫الحكومات العربية الباقية في خدمة ھذا التأثير والتدخل بأبعاده السياسية واألمنية واإلعالمية‬ ‫واالقتصادية حيث تلعب كل من الجزائر والسعودية األدوار األبرز في ھذا التكتيك وذلك حتى‬ ‫تبدو الحلول عربية الوجه والوجھة ونتيجة لھذا التكتيك فقد دخلت الثورتين الناجزتين )تونس‬ ‫واليمن( مرحلة من الجمود والتخبط نتيجة تدخل الجارتين الجزائر والسعودية‪.‬‬ ‫‪ -٥‬استخدام المشروع الشيعي في اتجاھين االتجاه األول ھو اتجاه صناعة العدو )الحظ العدو‬ ‫الشيوعي سابقا( والتخويف منه إلى درجة الرعب فبحسب الدعاية األمريكية )ومعھا النظم‬ ‫السياسية الباقية خاصة في الخليج( فإيران مستعدة لبلع الدول العربية وھي مؤھلة لغزو عقائدي‬ ‫يھدد المسلمين وھي مستعدة للسيطرة العسكرية على منطقة الشرق األوسط بأكملھا مع العلم بأن‬ ‫نظام صدام العسكري ـ على ضعفه ـ كان كافيا إلبقاء إيران تحت السيطرة لعقد من الزمان ولم‬ ‫تتمكن إيران من تحقيق حلمھا في العراق إال بعد أن ھرول الشيعة خلف الدبابة األمريكية‪ ،‬ولكن‬ ‫التكتيك ناجح جدا حتى اآلن فليس للعرب من منجى من فزاعة الشيعة إال الحضن األمريكي بل‬ ‫إنه وبعد اشتعال الثورة في سوريا فيبدو أن أمريكا وإيران مرشحتان لتبادل األدوار بطريقة‬ ‫أقوى مما فعال إبان غزو جورج بوش ألفغانستان والعراق‪ ،‬وأما االتجاه الثاني في استخدام‬ ‫الشيعة فھو تكليف العرب بتقليم أظافر الدولة الشيعية إذا سارت الظروف بھذا االتجاه ونواة ھذه‬ ‫الحرب موجودة في سوريا كما البحرين‪ ،‬ولعل أھم نتيجة إيجابية ألمريكا بھذا االستخدام ھو‬ ‫إدارة الثورات تحت ھذا الغطاء والغبار الذي يثيره ذلك االستخدام‪ ،‬وكأني بأمريكا تريد أن تبقي‬ ‫إيران في منطقة ال ھي بالمسيطرة فعليا وال ھي بالمھزومة‪ ،‬مع العلم بأن استعراض ھذا التكتيك‬ ‫األمريكي ال يعني من جھة أخرى إلغاء العوامل واآلثار التي يخلفھا الحراك الشيعي في المنطقة‬ ‫والذي حرص قادته أن ال يلتقي بمسار األمة وتاريخھا بل ھو في تصادم متنامي منذ وضع‬ ‫عقيدته المعاصره الخميني‪.‬‬ ‫‪ -٦‬واقتضي التكتيك األمريكي استخدامھا لعضو الناتو القديم الجديد تركيا العلمانية‪/‬اإلسالمية في‬ ‫عدة اتجاھات فتركيا أردوغان‪/‬غل عضو فاعل في األسرة الدولية أو المجتمع الدولي )إقرأ‬ ‫النصراني اليھودي( فمتى احتاجت تلك األسرة تدخل األخ التركي لصالح استراتجيتھا وجدته‬ ‫جاھزا فھو في ليبيا يرتب لصالح أمريكا وأوروبا وھو في القضية الفلسطينية يرتب لصالح‬ ‫إسرائيل وھو في القضية السورية يرتب لصالح أمريكا وأوروبا مجتمعتين وھو في القضية‬ ‫العراقية يرتب ويتدخل لصالح التوازن الذي تريده أمريكا في بغداد‪ ،‬واألعجب من ذلك أن‬ ‫يالحظ بعض اإلسالميين اإلشارات اإلسالمية الخفيفة لالعب التركي وال يالحظون األرضية‬ ‫‪47‬‬


‫األمريكية التي يلعب فيھا ذلك الالعب؟ فقد كان آخر تصريح للرئيس التركي قبل فترة وجيزة‬ ‫نصيحته لحماس كي تعترف بإسرائيل! ويبدو أن الساحة اإلسالمية سوف تشھد تساقطا متتابعا‬ ‫باتجاه تطبيق اإلسالم السياسي حتى الثمالة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬ويقتضي التكتيك األمريكي إعطاء من يسمون بالليبراليين وھم كل من اليؤمن بصالحية أو‬ ‫أحقية اإلسالم بالحكم فرصا كبيرة ونصيبا معتبرا في الساحة السياسية والفكرية كضمان لعدم‬ ‫تفرد اإلسالميين بالسيطرة بل ھو أول الشروط األمريكية لقبول اإلسالميين في الساحة السياسية‬ ‫وتكليف ھؤالء بالعمل على خلخلة الساحة من أي اتجاه إسالمي حقيقي الستثمار الديموقراطية‬ ‫لصالح التطبيق اإلسالمي وتزويدھم باالمكانات والدعم اإلعالمي لترجيح أدوارھم في الساحة‬ ‫حتى وصل األمر ببعض اإلسالميين تقليد ھؤالء في أدائھم خوفا من صولتھم وتأثيرھم والتبرؤ‬ ‫من كل مطالبة بتطبيق إسالمي حتى ال يثور عليه ھؤالء‪ ،‬وتكمل اإلدارة األمريكية حلقات ھذا‬ ‫التكتيك عبر ترتيب مرحلة حضانة للديمقراطيات الناشئة في العالم العربي ومراقبتھا عن كثب‬ ‫لضمان الحصول على مخرجات محددة من تلك الحضانة‪.‬‬ ‫‪ -٨‬تستخدم أمريكا عصا االقتصاد والتحكم في المدخالت والمخرجات االقتصادية في العالم‬ ‫العربي والوعود بالنمو االقتصادي في حال خضعت الشعوب للديموقراطية المشروطة لكي تبقي‬ ‫الجميع تحت إطار السيطرة العملية والنفسية وضرورة الخضوع لمعطيات النظام االقتصادي‬ ‫العالمي كمدخل للسيطرة السياسية على النظم الجديدة ويبدو أن التشكيالت اآلخذة بالتبلور في‬ ‫النظم الجديدة )مصر وتونس وليبيا( قد خضعت أو ھي مستعدة للخضوع التام لھذه اإلمالءات‬ ‫ألن الموقف األمريكي ھو نوع من المقايضة تقضي بفتح صنبور االقتصاد مقابل االنصياع‬ ‫للديموقراطية األمريكية‪.‬‬ ‫‪ -٩‬والتكتيك القديم الجديد ألمريكا في التحكم بمعطيات الثورات العربية ھو بعبع اإلرھاب‬ ‫والتحذير الكبير من )التشدد اإلسالمي( حيث نجحت اآللة الدعائية األمريكية واآللة األمنية‬ ‫والسياسية في بلورة فلم رعب يحرم على العرب والمسلمين مجرد التفكير بالخروج من سيطرة‬ ‫النظام األمريكي وتوابعه فضال عن استخدام اآللية الجھادية ووضعھا موضع الدعم لمشروع‬ ‫التحول والتغيير ولوال ما من به ﷲ عز وجل من تحول في المشھد الليبي وامتشاق الشباب‬ ‫السالح للدفاع عن أعراضھم وأرواحھم وأموالھم وأرضھم ودينھم لشاھدنا ـ وحاشا أمة اإلسالم ـ‬ ‫سقوطا تاريخيا نفسيا يتجاوز ما دأب النصارى على ترديده من إدارة الخد األيسر بعد الخد‬ ‫األيمن‪ ،‬وبناء على ھذا التحول وخوفا من نمو روح الجھاد مجددا على أرض ليبيا الطاھرة فقد‬ ‫تظاھر األمريكان ومعھم أوروبا بالوقوف العسكري ضد القذافي حتى يتسنى لھم التحكم في‬ ‫المشھد الكلي ويكاد ھذا التكتيك أن ينجح مرحليا وھو تكتيك من المرجح تكراره في مواقع‬ ‫أخرى‪.‬‬

‫‪48‬‬


‫ثالثا‪ :‬فرص ومھددات األداء الثوري العربي‬ ‫وقبل أن أستعرض فرص ومھددات األداء الثوري العربي فمن الواجب أن أذكر بأن الثورات ال‬ ‫ترسو على بر األمان بيسر وبسرعة بل ال بد من مرحلة انتقالية )رمادية( حيث تتربص القوى‬ ‫المصادمة للتحول والتغيير إليقافھا وتبديدھا‪ ،‬ولعل من أھم مؤشرات النجاح في األداء الثوري‬ ‫ھو تبلور رؤية ومشروع متكامل على مستوى األمة يستھدي به الثوار وكذا فرز دوائر قيادية‬ ‫تضمن قيادة الثورات إلى نتائجھا المأمولة‪.‬‬ ‫ويأتي استعراض الفرص والمھددات لألداء الثوري العربي لكي يتمكن قادة الرأي في اوساط‬ ‫ھذه الثورات من استثمار ھذه الفرص والعض عليھا بالنواجذ والعمل على توسيع الخرق على‬ ‫الراتق األمريكي ومواليه والوقوف على المھددات للثورة والسعي لتحويلھا إلى نقاط ضعف‬ ‫وتھديد للعدو بدال من أن تبقى تحوم فوق رؤوس الثوار وساحاتھم‪.‬‬ ‫وسوف استعرض الفرص المتاحة مقرونة بالمھددات في نفس النقطة‪.‬‬ ‫‪ -١‬إن أول الفرص المتاحة لألداء الثوري العربي ھو عمق البعد العقائدي في ھذه الثورات فمھما‬ ‫عمل الكفار والمنافقون على طمس ھذه الحقيقة فھي كالشمس‪ ،‬وھل فجّر الثورات إال حب‬ ‫الشھادة في سبيل ﷲ تعالى وطلب االنعتاق من طواغيت العرب الذين منعوا أن يعبد ﷲ في‬ ‫األرض كما يحب ربنا ويرضى ومنعوا األمة من إقامة معالم ھذا الدين ومناراته السامقة؟ وھل‬ ‫أشعل فتيل الثورات إال شعور العرب بأمتھم وأنھم جسد واحد كما أخبر بذلك رسولھم صلى ﷲ‬ ‫عليه وسلم؟ ويتعلق بھذه الفرصة نقطة تھديد تتمثل في مسارعة البعض لمواالة أمريكا بطريقة‬ ‫مباشرة وغير مباشرة ويعلم العرب والمسلمون بأن الوالء في اإلسالم ال يتجزأ فھو ? ولرسوله‬ ‫وللمؤمنين وليس لألمريكان وال لغيرھم فيه أي نصيب وأن األمة ال يمكن أن تنھض إال على‬ ‫قلوب ذاكرة وسواعد متوضئة‪.‬‬ ‫‪ -٢‬وثاني الفرص المتاحة لألداء الثوري العربي إصرار العرب على طلب الحرية الحقيقية عبر‬ ‫سعيھم لتشكيل نظامھم السياسي بأيديھم واالستظالل باستقالل غير منقوص ويتعلق بھذه الفرصة‬ ‫تھديد مباشر يتمثل في سعي األمريكان لفرض ديمقراطيتھم المشروطة وال يتم مقاومة ھذا‬ ‫اإلغراء إال بالبحث عن أسس الحكم الراشد في مبادىء اإلسالم وقيمه وتاريخه الذي ورد فيه‬ ‫قول الخليفة الراشد األول‪ :‬أطيعوني ما أطعت ﷲ فيكم فإن عصيته فال طاعة لي عليكم‪.‬‬ ‫‪ -٣‬وثالث الفرص المتاحة لألداء الثوري العربي تتمثل في غياب األلوان واإلشارات‬ ‫واالنتماءات االجتھادية والقبلية والعرقية في ھذه الثورات حتى وجد أكراد العراق وأكراد‬ ‫سوريا وبربر تونس وليبيا وألول مرة ما يجمعھم مع العرب في بالدھم منذ غزا جورج بوش‬ ‫المنطقة وغرس مشاعر العداء المركز بين أھلھا‪ ،‬وحتى الشيعة العرب الذين لم تتلطخ أيديھم‬ ‫بظلم أھلھم في العراق يتطلعون لحالة سياسية تعبر عن أھل العراق غير التي فرضھا األمريكان‬ ‫وطبقھا شيعة إيران‪ ،‬ويتعلق بھذه الفرصة تھديد يتمثل في امكانية سرعة عودة الناس إلى‬ ‫انغالقھا وخوفھا والبحث عن اإلشارات الدقيقة التي تجمعھا بغيرھا وھذا ال يعالج إال أن تعتمد‬ ‫‪49‬‬


‫الثورات مسطرة المواطنة والعدالة والمساواة والالمركزية والحكم الذاتي وتوزيع عادل للثروات‬ ‫طلبا لقوة األمة وانسجامھا وأمنھا الحقيقي‪.‬‬ ‫‪ -٤‬ورابع الفرص المتاحة لألداء الثوري العربي تتمثل في تركز العداء لليھود واألمريكان‬ ‫والنظم السياسية التي أوجدوھا بين ظھراني األمة وما مارسه ھذا الثالوث من تآمر وقتل‬ ‫واستباحة للمقدسات ونھب للثروات وتقسيم لألوطان وتقزيم لألمة والقناعة الراسخة للثوار بأنه‬ ‫قد آن أوان تغيير ھذا الواقع المر عبر كسر أخطر حلقة فيه وھي حلقة النظام السياسي العربي‬ ‫والذي نام اليھود في أحضانه دھرا واستثمروه األمريكان إلذالل قلب األمة ما يقارب من نصف‬ ‫القرن‪ ،‬ويتعلق بھذه الفرصة تھديد يتمثل في رغبة جامحة لدى البعض في إعادة تقديم األمريكان‬ ‫لألمة وتجميل وجھھم القبيح ونسيان ما قتلتوا في العراق وأفغانستان وما أعانوا على قتله في‬ ‫فلسطين واعتبار اليھود خطرا متراجعا مقارنة بأخطار أخرى وقبول مشروع بيريز بشرق‬ ‫أوسط كبير وھو ما يقتضي من الثوار أن يفشلوا مساعيه وأن يركزوا بؤرة العداء على دائرتھا‬ ‫الحقيقية تجاه اليھود ومواليھم من النصارى فإن المسجد األقصى وفلسطين ليستا أرضا للھنود‬ ‫الحمر تناستھا أجيالھم وانقطعت صلتھم بھا وأن مسألة استرجاعھما ھي وقود نھضة األمة‬ ‫وطلبھا للحرية‪.‬‬ ‫‪ -٥‬وخامس الفرص المتاحة لألداء الثوري العربي سقوط المشروع الشيعي في اختبار التحوالت‬ ‫والصراع بين األمة وأعدائھا فقد سقط المشروع الشيعي في العراق وھاھو يسقط في سوريا‬ ‫الشام وأنه لم يعد من أمل كبير يعول عليه في صناعة مستقبل األمة وال في صراعھا مع اليھود‬ ‫والنصارى ويتعلق بھذه الفرصة تھديد آخر يتمثل في استغراق البعض بأمل في غير محله‬ ‫بامكانية استخدام المشروع الشيعي لصناعة المشروع اإلسالمي الكبير مما أضعف األداء وأدخله‬ ‫في صراع داخلي وشتات ينبغي إيقافه سريعا والعمل على تھيأة الساحة الكلية لألداء اإلسالمي‬ ‫الواسع في ظل مشروع يوحد األمة ويجمع شتاتھا‪ ،‬كما يتمثل التھديد في ھذا المجال برغبة‬ ‫األمريكان والنظم السياسية في المنطقة باستخدام الثورات العربية كحائط صد للمشروع الشيعي‬ ‫وإنجاز أھداف لصالح األمريكان واليھود والنظم التي لم تسقط بعد تتمثل في اإلنابة عن أولئك‬ ‫بأداء مھمة وقف المشروع الشيعي أو إضعافه وتوفير حماية لليھود من آثاره واستغالل التھديد‬ ‫الشيعي لتوفير حماية للنظم العربية القمعية الباقية وھو ما ينبغي رفضه من قبل الثوار العرب‪.‬‬

‫‪50‬‬


‫‪ -٦‬وسادس الفرص المتاحة لألداء الثوري العربي دخول المنطقة في مرحلة من الفراغ‬ ‫والفوضى واھتراء للنظم السياسية وارتخاء قبضتھا األمنية وھي فرصة ينبغي أن تستغل في‬ ‫جميع االتجاھات بتوسيع الخرق على الراتقين وتوسيع األداء الجماھيري وتكثير مؤسسات‬ ‫المجتمع المدني ودعوة المجتمعات لممارسة أدوارھا السياسية واالجتماعية والتقدم باألحزاب‬ ‫والتجمعات والجماعات فالتعددية مظھر حضاري في المجتمعات الناھضة واستثمار مبارك‬ ‫لطاقات تلك المجتمعات واعتبار سقوط النظم السياسية فرصة تاريخية نادرة الحدوث وھي إنجاز‬ ‫في حد ذاته‪ ،‬ويتعلق بھذه الفرصة تھديد يتمثل في رغبة التجمعات التقليدية حزبية كانت أو قبلية‬ ‫بتكريس االنغالق والخوف من زوال األنظمة القمعية ودعوة بقاياھا للتعاون والتكامل ويذھب‬ ‫البعض مذھبا آخر عبر ادعاء تدخل أمريكا وتحكمھا في كل شيء وما ينتج عنه عند ھؤالء‬ ‫الموسوسين من قبول كامل بھذا التحكم المزعوم مما يقتضي توبة من ھذا الرق الخالي من‬ ‫األغالل ومن األمل الخادع في ماض بائس قد تحطم وانتھى‪.‬‬ ‫وﷲ يقول الحق وھو يھدي السبيل‪٢٠١١/٧/٢٢‬‬

‫‪51‬‬


‫الثورات المنجزة وقيادة التغيير‬ ‫)تونس – مصر – ليبيا(‬ ‫بقلم ‪ /‬حسن أحمد الدقي‬ ‫‪28/10/2011‬‬

‫المفردات‪:‬‬ ‫أوال ‪ :‬المقدمة‬ ‫ثانيا‪ :‬حقائق الثورات المنجزة على األرض‬ ‫ثالثا‪ :‬إدارة التغيير الثوري أم قيادته؟‬

‫‪52‬‬


‫أوال ‪ :‬المقدمة‬ ‫إن الحمد= تعالى والصالة والسالم على رسول الھدى محمد بن عبد? وعلى آله وصحبه ومن‬ ‫وااله إلى يوم الدين‪ ،‬وبعد‪:‬‬ ‫فبعد أن أقر ? عز وجل عيون المسلمين بسقوط أنظمة البطش والتجبر وبعد أن شفى‬ ‫صدورھم بزوال طغاة أعتى النظم السياسية فقد وجب على المعنيين بشؤون مستقبل األمة أن‬ ‫يُعمِلوا عقولھم وأن يستحضروا ما علّمھم العليم الخبير من مفردات المنھج اإلسالمي وما‬ ‫خبروه من تحول في تاريخ المجتمعات اإلنسانية لتشكيل رؤية تتناسب وعظم المنھج اإلسالمي‬ ‫وتكاليفه من جھة وتستثمر آثار الزلزال التغييري العربي من جھة أخرى وتقوده إلى آفاق‬ ‫التمكين والتموضع اإلقليمي والعالمي‪ ،‬ولعل أكبر اختبار لعقول وامكانات الدعاة بكل ألوان‬ ‫طيفھم ليتمثل في تحديد ھذه الرؤية ثم مقاربة تنفيذھا ووضعھا قيد التطبيق والتجريب‪.‬‬ ‫وإن المتأمل في الصورة الكلية للحراك الذي يعم مناطق الثورات المنجزة ليجد أن أغلب الناس‬ ‫قد غرقوا في إدارة الثورات وتسيير شؤونھا والحفاظ على ما تم إنجازه وبآليات يرجع بعضھا‬ ‫إلى ما قبل مرحلة الثورات مما يعرض الوضع العام لھذه الثورات إلى المراوحة في المكان في‬ ‫أحسن األحوال إذا لم تنتكس مسيرتھا العامة إلى خلخلة تسمح بانقضاض أعداء الداخل والخارج‬ ‫عليھا ولو بعد حين مما يجعل الحاجة ماسة لإلمساك بزمام المبادرة والسيطرة على محاور‬ ‫التغيير ولن يتحقق ذلك إال بإفساح الطريق النبثاق رؤية وقيادة تنتمي إلى المستقبل ال إلى‬ ‫الماضي فقد علمنا الرب تباركت أسماؤه أن من سنن نجاح التغيير وتحقيق أھدافه الكبرى أن‬ ‫يقدم الناس على عالج عوارض التردد والتوقف عن رؤية المستقبل بعيون الماضي كما فعل‬ ‫بنو إسرائيل عندما بدأوا في سلوك مراحل التغيير فسقطوا في االمتحان سريعا عندما اعترضوا‬ ‫بادئ ذي بدء على قائد المرحلة‪) :‬وقال لھم نبيھم إن ? قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى‬ ‫يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن ? اصطفاه عليكم‬ ‫وزاده بسطة في العلم والجسم و? يؤتي ملكه من يشاء و? واسع عليم(البقرة‪٢٤٧:‬‬ ‫وبانبالج فجر التغيير الثوري فقد أعان ? عز وجل األمة على أخطر ما في التغيير وأسقط‬ ‫المعوق األكبر أمام نھضة األمة وھو معوق النظم السياسية وارتھانھا ألعداء المسلمين فمن‬ ‫نافلة القول أن مظلة النظم السياسية قد اقتاتت في ظلھا كل أنواع المعوقات وتحققت بھا كل‬ ‫التراجعات‪ ،‬وبسقوط النظام المصري سقطت مرجعية النظام اإلقليمي الذي كانت تدير به‬ ‫أمريكا المنطقة العربية وبسقوط النظام التونسي فقد انتكست مرجعية النظام األمني والذي مثل‬ ‫مرجعية أمنية لكل النظم العربية وبسقوط النظام الليبي توفرت لألمة ساحة عريضة متصلة‬ ‫وتكاملت نذر التغيير في بقعة تمثل قرابة ثلث العالم العربي وقلبه النابض فھي تمتد من حدود‬ ‫األردن وفلسطين شرقا إلى حدود الجزائر غربا ومن البحر األبيض المتوسط إلى إفريقيا‬ ‫الوسطى جنوبا‪ ،‬وبسقوط تلك النظم فقد تخلصت األمة في مصر وتونس وليبيا من أكبر عقدة‬ ‫‪53‬‬


‫كانت تحول دون نھضتھا والتي جعلت حراكھا العقائدي والسياسي يدور في حلقة مفرغة‬ ‫أحالت كل المتعلقين بالتغيير والنھضة إلى ھامش الحراك االجتماعي والسياسي في مجتمعاتھم‬ ‫لفترة زمنية امتدت منذ اتفاقية سايكس بيكو وحتى انھيار النظم السياسية األخير‪.‬‬ ‫وإن أھم ما في سقوط النظم السياسية أن ذلك السقوط قد حول الالعبين الذين كانوا على ھامش‬ ‫التغيير إلى العبين رئيسيين يحسب لھم الشرق والغرب كل الحسابات وإذا باألمة في ھذه البقعة‬ ‫تخضع لسنة من سنن التغيير لم تعھدھا من قبل ولم تطؤھا أقدامھم المعاصرة تماما كما مرت‬ ‫تلك السنة على بني إسرائيل وسقطوا مرة أخرى في اختبارھا القاسي فلم يستطيعوا التعامل‬ ‫معھا وكان نبيھم عليه السالم قد أنبأھم بھا قبل أن يداخلوھا‪) :‬قال موسى لقومه استعينوا با=‬ ‫واصبروا إن األرض = يورثھا من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين‪ ،‬قالوا أوذينا من قبل أن‬ ‫تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يھلك عدوكم ويستخلفكم في األرض فينظر كيف‬ ‫تعملون(األعراف‪١٢٩-١٢٨:‬‬ ‫وھنا يكمن السؤال األصعب‪ :‬ھل يتمكن الالعبون الذين يمثلون ضمير األمة وأملھا من مجرد‬ ‫إدارة التغيير ـ إذ ال نقلة كبيرة تحصل باإلدارة ـ إلى قيادة التغيير واستثمار قابلية األمة للمضي‬ ‫إلى آفاق التمكين واستكمال استخالص حق األمة المسلوب من أيدي المجرمين في الداخل‬ ‫والخارج دون أن يقعوا في شرك الوصاية على األمة؟ أم ستتكرر الدروس المأساوية كما‬ ‫تكررت في ثورة الجزائريين والمغاربة ضد الفرنسيين حتى إذا انقضى القرن العشرين وجدوا‬ ‫أنفسھم يراوحون في مكانھم قرابة نصف قرن‪ ،‬وكذا آلت ثورة األندونيسيين الحديثة ضد‬ ‫طاغيتھم سوھارتو حتى ورث إندونيسيا جنرال آخر وباسم الديموقراطية األمريكية؟‬

‫ثانيا‪ :‬الحقائق الكبرى للثورات المنجزة على األرض‬ ‫ويحتاج المتطلعون إلى رسم آفاق المستقبل القريب والبعيد والحالمون برؤية تليق بتاريخ وأداء‬ ‫العرب والمسلمين أن يتوقفوا طويال عند الحقائق الكبرى التي تجلت عنھا الثورات على‬ ‫األرض فإن معرفة حصاد األمس خير موجه لتحديد شكل المستقبل وآفاقه‪) :‬قال تزرعون سبع‬ ‫سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إال قليال مما تأكلون‪ ،‬ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد‬ ‫يأكلن ما قدمتم لھن إال قليال مما تحصنون‪ ،‬ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه‬ ‫يعصرون(يوسف‪٤٩-٤٧:‬‬

‫‪54‬‬


‫ويمكن استعراض الحقائق الكبرى التي تجلت عنھا الثورات المنجزة كما يلي‪:‬‬ ‫* الحقيقة الكبرى األولى التي تجلت عنھا الثورات المنجزة عض األمة بنواجذھا على ثوابتھا‪:‬‬ ‫من حب لھذا الدين وتمسك به بلغ حدا تجدد به الدين وھو حد التضحية بالنفس وبالمال والولد‬ ‫وبذل الشھادة في سبيل ? دون أن تحول الدنيا وزخارفھا من نيل ھذا المبتغى فإذا بمعادلة‬ ‫الغثائية )حب الدنيا وكراھية الموت( تنعكس وإذا بجھود الطغاة وما عملت له األنظمة القمعية‬ ‫العالمية منھا والقطرية من صد للناس عن سبيل ? يذھب ھباء منثورا‪.‬‬ ‫* الحقيقة الكبرى الثانية والتي تجلت عنھا الثورات المنجزة أن دخول مكونات األمة وألوان‬ ‫طيفھا في الحراك الثوري قد أعفى األمة من أن يحملھا أحد جميله ويطالبھا بحقوقه فال‬ ‫األحزاب السياسية وال الجماعات اإلسالمية وال القبائل وال الجھويات يمكن أن تتدعي استحقاقا‬ ‫وتفردا في صناعة الثورات المنجزة وھو الذي حد من تدخل العصبيات والوصاية على األمة‬ ‫أيا كان لونھا في صناعة المستقبل السياسي مما يمھد لمرحلة من الرشد في النظام السياسي ذلك‬ ‫الذي حرمت منه األمة لزمن ليس بالقصير‪.‬‬ ‫* الحقيقة الكبرى الثالثة والتي تجلت عنھا الثورات المنجزة وحدة عوامل تشكل وسقوط‬ ‫األنظمة السياسية في العالم العربي واإلسالمي وأخطر تلك العوامل أنھا نباتات غريبة في‬ ‫أرض األمة ال تنتمي إليھا وال تعبر عنھا وال تحمي مصالحھا جمھورية كانت أم ملكية وعندما‬ ‫اذن ? عز وجل بزوالھا لم يحمھا جبروتھا وال بطشھا وال صالتھا الخارجية مع أنھا‬ ‫استخدمت كل ما كان متاحا لھا لكن ? عز وجل أحكم حولھا طوق السنن بما عصت الرحمن‬ ‫واستحلت من محرمات المسلمين وبما أعطت من والء للكافرين وبما تجبرت في األرض وبما‬ ‫أتخمت من نھب ثروات األمة وبما أسرفت فحق عليھا قول جبار السموات واألرض‪) :‬كدأب‬ ‫آل فرعون والذين من قبلھم كفروا بآيات ? فأخذھم ? بذنوبھم إن ? قوي شديد‬ ‫العقاب(األنفال‪٥٢:‬‬ ‫* الحقيقة الكبرى الرابعة والتي تجلت عنھا الثورات المنجزة أن ? ال يضيع أجر من أحسن‬ ‫عمال فمن كان له نصيب تاريخي في مواجھة األنظمة المتجبرة وكشف زيفھا ودعوة‬ ‫المجتمعات المسلمة إلى أخذ زمام أمرھا بيدھا ومن تقدم على باب الحرية باأليدي المضرجة‬ ‫طوال عقود الھيمنة للنظم المتجبرة فقد كافأه ? عز وجل بنصيب يتناسب وتلك التضحيات‬ ‫وكافأته األمة بأن جددت ثقتھا فيه إذ لم ينسحب من الميدان عندما الذ الجميع بالصمت بل تحمل‬ ‫في سبيل قول كلمة الحق والصدع بھا القتل والسجن والھجرة في سبيل ? تعالى‪ ،‬فال ينبغي‬ ‫أمام ھذه الحقيقة أن يصرف بعض الناس أعينھم عن ھذه الحقيقة الكبرى والتعامل معھا‪) :‬ياأيھا‬ ‫الذين آمنوا كونوا قوامين = شھداء بالقسط وال يجرمنكم شنئان قوم على اال تعدلوا اعدلوا ھو‬ ‫أقرب للتقوى واتقوا ? إن ? خبير بما تعملون(المائدة‪٨:‬‬ ‫‪55‬‬


‫* الحقيقة الكبرى الخامسة والتي تجلت عنھا الثورات المنجزة بأن من تعلق بالنظم السياسية‬ ‫وأسرف في تملقھا من الجماعات اإلسالمية واألحزاب السياسية فقد سقطت مع أوليائھا خاصة‬ ‫من أفتى المسلمين بأن ھؤالء أولياء أمر وطاعتھم واجبة وھم يرون بأم أعينھم أن طاعة النظم‬ ‫السياسية إنما أدت إلى طاعة جورج بوش فھناك ينتھي الوالء ولم يكن لألنظمة يوما قدرة على‬ ‫النظر في مصلحة حقيقية لألمة فھي لم تزدھا إال وھنا على وھن‪ ،‬فكان جزاء أولئك في‬ ‫الثورات من األداء المعطل من جنس العمل الذي مارسوه طوال العقود‪.‬‬ ‫* الحقيقة الكبرى السادسة التي تجلت عنھا الثورات المنجزة أن صراع المشاريع العالمية‬ ‫واإلقليمية في المنطقة قد انعكس بشكل مباشر على تفعيل الثورات العربية من خالل‬ ‫الممارسات القمعية التي سلطھا النظام الدولي على العرب والمسلمين واختصھم وحدھم‬ ‫باستھداف عقائدھم ومقدراتھم فقد تعاون النظام الدولي بكل مفرداته العالمية واإلقليمية على‬ ‫افتتاح القرن األول في األلفية الثانية بضرب أضعف بقاع الكون وھي أفغانستان بينما كل‬ ‫المنظمات االقتصادية العالمية تصنفھا كأضعف منطقة في العالم من حيث القدرات والتنمية‬ ‫االقتصادية ثم وقف العالم متفرجا على ضرب العراق خارج قرارات األمم المتحدة وكذا وقف‬ ‫المشروع اإلقليمي اإليراني متفرجا بل ومتعاونا وھو يدعي حماية المستضعفين والعمل من‬ ‫أجلھم‪ ،‬ناھيك عن أداء النظام الدولي واالقليمي في القضية الفلسطينية وفتح المجال أمام‬ ‫إسرائيل لتمارس ما تشاء من سياسات االنتھاك للشعب الفلسطيني ومقدسات المسلمين‪.‬‬ ‫* الحقيقة الكبرى السابعة التي تجلت عنھا الثورات المنجزة عظم تأثير ھذه الثورات في الوضع‬ ‫اإلقليمي والدولي وتغييرھا لكثير من الحقائق والمسلمات السائدة عبر عقود من الزمن سواء في‬ ‫البعد السياسي أو االقتصادي مما حدى بالقوى الكبرى أن تسارع إلى تبني مقاربة استراتيجية‬ ‫عاجلة تھدف إلى احتواء ھذا التغيير الخطير رغبة في تخفيف مخاطره عليھا في مرحلة اولى‬ ‫ورغبة في استثماره باالتجاھات التي تريدھا في المستقبل القريب والبعيد مع تقسيم مناطق‬ ‫الثورات إلى ثالثة مواقع والتعامل معھا بطرق مختلفة فالموقع األول ھو موقع السير في ركاب‬ ‫الثوار بل ومساعدتھم عسكريا )ليبيا أنموذجا( ثم االنقضاض عليه والموقع اآلخر ھو موقع‬ ‫التفاوض والمساومة الدولية واإلقليمية )سوريا أنموذجا( خاصة في محاولة أمريكا وأوروبا‬ ‫احتواء التمرد اإليراني بغض النظر عن المعاناة الحقيقية للشعب السوري وليست روسيا‬ ‫والصين بمعزل عن ھذه اللعبة القذرة بل إنھما تستخدمان النموذج السوري لتأكيد الدور الدولي‬ ‫لھما والنموذج الثالث ھو نموذج التجميد ومنع حدوث التغيير وصول الثورة إلى نھاياتھا‬ ‫الحاسمة )اليمن أنموذجا(‪.‬‬

‫‪56‬‬


‫ثالثا‪ :‬إدارة التغيير الثوري أم قيادته؟‬ ‫* لعل مما أجمع عليه المتخصصون في قيادة التغيير ھو قدرة القائد أو القادة بمجموعھم على‬ ‫إظھار وتحديد رؤية وحلم يختزالن كل ما ھنالك من تطلعات األمة‪ ،‬وھو حلم ال بد وأن يتناسب‬ ‫مع ضخامة التغيير الثوري وجسامة التضحيات فيه بل إن الربيع العربي قد أصبح ملھما‬ ‫للمسحوقين تحت اآللة االقتصادية األمريكية وبناتھا الراسمالية شرقا وغربا فكيف ال يلھم‬ ‫الربيع العربي أھله؟ خاصة وأن الرؤية التي تحرك الثوار على وقعھا كانت تتلخص في‬ ‫ضرورة التخلص من الديكتاتور والنظام القمعي وليكن بعد ذلك ما يكون وھي رؤية كانت‬ ‫ناجحة وناجعة بل مثلت مفتاح السر في الثورات العربية في مرحلتھا لكنھا سرعان ما انعكست‬ ‫تساؤال حادا بعد انھيار النظام القمعي وماذا بعد؟‬ ‫إن الثورات تنتظرھا عدة سنن وھذه السنن تنتظم في مسارين متناقضين؟ فإما الوقوع في سنة‬ ‫الثورة تأكل أبناءھا! وإما سنة )ادخلوا األرض المقدسة التي كتب ? لكم وال ترتدوا على‬ ‫أدباركم فتنقلبوا خاسرين(اآلية‬ ‫والعرب في تاريخھم البعيد والقريب يحملون حلما ورؤية يتكون من ثالث حلقات طالما حدث‬ ‫األجداد به األحفاد وھو حلم تجده لدى القروي الجزائري كما تجده لدى الفالح المصري وكذا‬ ‫ستجده في لفائف عمامة العماني على ضفاف بحر العرب أما الحلقة األولى من الحلم فھو حلم‬ ‫الوطن الحر السعيد المستقل وأما الحلقة الثانية فھي حلقة النظام اإلقليمي الذي يشكل مظلة‬ ‫حامية من تالعب القوى العالمية واإلقليمية بھم وھذه الحلقة يعبر عنھا العرب بالنظام العربي‬ ‫القومي وأما الحلقة الثالثة في الحلم فھي حلقة االمتداد العقدي والتاريخي والتي تمثلھا مكة‬ ‫والمدينة والقدس ولمتعجب أن يعجب كيف التقى المسلمون طوال السنين العجاف من القرن‬ ‫العشرين على حمل ھذا الھم المشترك أينما حلوا وأينما ارتحلوا؟ إنھا القدس‬ ‫إذن تلك ھي قصة الحلم وقصة الرؤية فھل ينجح قادة الثورات المنجزة في مصر وليبيا وتونس‬ ‫أن ينسجوا خيوط تلك الرؤية؟ ولسائل ان يسأل ولمتعجب أن يطرق صامتا‪ :‬كيف أنجزت تلك‬ ‫الثورات على أرض متجاورة حتى أرجعت العرب إلى ما قبل سايكس بيكو عندما كان الليبي‬ ‫يرتحل شرقا وغربا ال يوقفه أحد!‬ ‫* ومن متطلبات قيادة التغيير الثوري أن يجيب القادة عن السؤال التالي‪ :‬في أي مرحلة وعلى‬ ‫أي أرضية تقف األمة اليوم نسبة إلى الكليات التاريخية والعقدية ومن ثم السياسية؟ وھي إجابة‬ ‫تحتاج إلى معايرة الزمان والمكان بأبعاده كلھا وال شك بأن الناس سوف يذھبون مذاھب شتى‬ ‫في إجابتھم على ھذا السؤال ولكني أزعم ونسبة إلى اشتغالي بما أسميته )المشروع اإلسالمي(‬ ‫أن ثمة منتھيات في القرآن والسنة تعيننا على تحديد موقع اقدامنا فقد أعطانا ? عز وجل فيھما‬ ‫عدة معادالت الحضارية منھا واالجتماعية ومن تلك المعادالت معادلة االستضعاف والتمكين‬ ‫‪57‬‬


‫وإن ربيع الثورات العربي قد كسر آخر األطواق في مرحلة االستضعاف ولكنه بالتأكيد لم‬ ‫يدخل األمة إلى مرحلة التمكين بل دفع بھا إلى المرحلة الوسطى وھي مرحلة التدافع والمدافعة‬ ‫وھذه مرحلة يمكن وصفھا بالمرحلة الرمادية ما بين المرحلة السوداء )االستضعاف( والبيضاء‬ ‫)التمكين( وللمرحلة الرمادية ھذه ظروفھا ومستلزماتھا ووقتھا الذي ال بد وأن يأخذ مداه وإن‬ ‫أھم ما يمكن رؤيته في ھذه المرحلة )التدافع والمدافعة( مايلي‪:‬‬ ‫ـ للمرحلة قياداتھا وأقطابھا وھذه القيادات تخرج على غير ما رتب الناس أنفسھم عليه ال‬ ‫عشائريا وال تراتبيا وال ماال وقد يجمع بعضھم مثل ھذه األوصاف لكنھم قادة مرحلة ينتمون‬ ‫إليھا والدرس األھم واألخطر ھنا‪ :‬إفساح المجال لھم لكي يقوموا بدورھم وال بد من تقاعد القادة‬ ‫التاريخيين وأفضالھم محفوظة‪.‬‬ ‫ـ وللمرحلة مجال للتنازع واالختالف الداخلي الواسع والمتنوع وحاجة الناس للتجريب واختبار‬ ‫أنفسھم قبل أن يختبروا ساحاتھم فال بد من إفساح الساحة للخالف وإدالء كل بدلوه فمن كان ذا‬ ‫حبل طويل فال شك سوف يسقي الناس والمتعين ھنا اتخاذ إدارة الخالف وقبوله ابتداء سياسة‬ ‫شاملة بل وتوظيف نتائجه‪.‬‬ ‫ـ وللمرحلة ضغطھا وحدتھا وسرعة تبدل الوانھا ما بين العسر واليسر وما بين الھزيمة‬ ‫والنصر وھو ما يحتاج القادة أن يوطنوا أنفسھم ومجتمعاتھم عليه فقد احتاج الصحابة رضوان‬ ‫? عليھم إلى الدفع بسبعين شھيد لكي يتعلموا طبيعة المرحلة ومقتضياتھا في معركة أحد‪.‬‬ ‫ـ وللمرحلة رماديتھا وضغطھا والذي ينتج ارتكاسا وتراجعا لدى البعض ورغبة بأيام الراحة‬ ‫والھدوء كما يتصورون وما ھي إال روح التعود على العبودية وعدم القدرة على ممارسة‬ ‫السيادة ومتطلباتھا وتنفس أجواء الحرية‪) :‬وإذ قلتم ياموسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا‬ ‫ربك يخرج لنا مما تنبت األرض من بقلھا وفومھا وعدسھا وبصلھا قال أتستبدلون الذي ھو‬ ‫أدنى بالذي ھو خير اھبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليھم الذلة والمسكنة وباءوا‬ ‫بغضب من ? ذلك بأنھم كانوا يكفرون بآيات ? وكانوا يقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما‬ ‫عصوا وكانو يعتدون(البقرة‪٦١:‬‬ ‫ولمتأمل أن يتأمل قول موسى عليه السالم‪):‬اھبطوا مصرا( مع العلم بأنھم لم يصرحوا برغبتھم‬ ‫العودة إلى مصر لكن مقتضى حديثھم ھو شوقھم إلى أجواء العبودية ورفضا لمتطلبات الحرية‬ ‫والسيادة‪.‬‬ ‫* ومن متطلبات التغيير الثوري أن يحدد القادة قائمة بأھم األخطار المحدقة بالثورة بغية تحديد‬ ‫استراتيجية التعامل معھا وفي ظني أن أھم خطرين متحققين بنسبة كبيرة ھما خطر االستالب‬ ‫وخطر االستقطاب‪ ،‬فأما خطر االستالب فھو الخطر الخارجي الذي يمثله المشروع األمريكي‬ ‫والمشروع األوروبي والمشروع التابع لھما وھو المشروع الصھيوني فالثورات العربية في‬ ‫‪58‬‬


‫موقف شبيه بما فعلته االمبراطورية اإلنجليزية متعاونة مع اإلمبراطورية الفرنسية في بداية‬ ‫القرن العشرين فھل يفلح قادة الثوارت المنجزة في التغلب على خطر االستقطاب ھذا والذي‬ ‫سينتھي إلى التوظيف في الحديقة الخلفية للبيت األبيض وھل كان حسني وبن علي والقذافي إال‬ ‫سعاة بريد في نظام الحرب الباردة ثم في نظام القطب األوحد؟ وال يغرنا التقاء المصالح المؤقتة‬ ‫على نقاط محددة لم يكن للشعوب وال لقادة الثورة يد في الوصول إليھا )فقد التقت مصلحة‬ ‫الشعوب ومصلحة أمريكا على ضرورة إحداث تحول ما في األنظمة المھترئة أو الفاشلة كما‬ ‫تسميھا أمريكا ولكن ال فضل ألمريكا في ھذا فقد دفعت الشعوب العربية فلذات أكبادھا بينما‬ ‫أمريكا تنتظر الحصاد المجاني للثورات‪ ،‬كما التقت المصلحة األمريكية األوروبية اليھودية‬ ‫ومصلحة الشعوب العربية في المنطقة على مواجھة )الخطر( الشيعي اإليراني في المنطقة وال‬ ‫تدري الشعوب العربية من يستخدم من في ھذه المعمعة فقد رأى العرب بأم أعينھم العمامة‬ ‫اإليرانية تنحني لصواريخ توما ھوك وھي تضرب أفغانستان ثم رأوھا مرة أخرى تعيث في‬ ‫العراق فسادا حتى اقامت للشيعة دولة ما كانوا ليحلموا بھا‪.‬‬ ‫صحيح بأن المكر ال بد وأن يواجه بمكر ودھاء وصحيح أن التعامل الدولي ال بد منه لكن‬ ‫التركيز ينبغي أن يوجه على عدم الذھاب في شوط االطمئنان إلى ما يسمى بالنظام الدولي بعيدا‬ ‫فمع ھذا التالقي المصلحي المؤقت فإن ألمريكا وأوربا وإسرائيل تاريخھا الذي ال تمحوه‬ ‫ضربات الناتو في ليبيا فھل يقدر قادة التغيير الثوري أن يقودوا شعوبھم بعيدا عن االستالب؟‬ ‫وأما خطر االستقطاب الداخلي فھو يتمثل في أكثر من بعد ومن أبعاده االستقطاب إما باتجاه‬ ‫حلم االستقرار الوافر الذي ال يعكر صفوه شيء! ويتبع ذلك حلم التنمية الوافرة والرفاه وإما‬ ‫استقطاب باتجاه العيش على وقع االستفزاز الدائم الذي يرى الخطر محدقا من كل مكان فال‬ ‫يترك اللتقاط األنفاس فرصة وال للتجارب أن تأخذ مجالھا في الزمان والمكان وال يعطي‬ ‫فرصة للتعايش واالطمئنان فھذا استقطاب مرفوض في االتجاھين فدون التنمية الوافرة عقبات‬ ‫ال بد من تذليلھا والصبر على حلقاتھا وكذلك استقطاب أصحاب البندقية الدائم مرفوض إال إذا‬ ‫اقتضت الضرورة ذلك وتلك تقدر بقدرھا‪.‬‬ ‫ومن أشكال االستقطاب الداخلي بروز بعض األقليات الفكرية والسياسية والمذھبية والدينية‬ ‫والعرقية ومن اصطلح على تسميتھم بالعلمانيين في المجتمعات العربية وتقدمھم بمطالب خاصة‬ ‫وتھويل لخطر التجاوز لحقوقھم حتى كادوا أن يصبغوا المشھد كله بھذه الصورة مع العلم بأنھم‬ ‫كانوا من أكبر المستفيدين من مظالت الحكم الديكتاتوري السابق وثمة أغلبية صامتة وحقوق‬ ‫واسعة تسع الجميع ووطنية تظلل الجميع وأداء شعبي قريب يشھد بالعدل واإلنصاف لھذه‬ ‫األقليات ولئن كان ھناك نوع من التعدي عليھا فقد كان من صنع أنظمة البطش والتجبر‬ ‫والخيانة والذي وصل إلى حد تفجير الكنائس في مصر ثم نسبتھا إلى المسلمين فلما تحرك‬ ‫الربيع العربي مقاوما للظلم بكل أنواعه أطل علينا بعض من ھؤالء مخوفين ومحذرين‬ ‫‪59‬‬


‫والعجيب في األمر أنه ليس من رؤية لدى كثير منھم إال تعطيل النھضة الكلية للمجتمع بحجة‬ ‫منع سيطرة اإلسالميين على المشھد السياسي وتلك حجة سمجة تھدف إلى تعطيل الحراك‬ ‫المجتمعي العام وتمنع االلتقاء على كلمة سواء ونظام عادل ينصف الناس أجمعين‪.‬‬ ‫* ومن متطلبات التغيير الثوري أن يتمكن قادته من إعادة تعريف ومن ثم محاوالت التطبيق‬ ‫الجادة لنظام الحكم في اإلسالم والذي أعيد تعريفه وتقديمه لألمة بناء على الحراك العلمي‬ ‫والسياسي الذي نشط له العرب والمسلمون منذ سقوط آخر خالفة إسالمية في القرن الرابع‬ ‫عشر الميالدي أو القرن العشرين الميالدي إن شئت إلى يومنا ھذا‪ ،‬فإذا بالنظام السياسي في‬ ‫اإلسالم شأنه شأن العقائد والعبادات وبقية النظام اإلسالمي له حدود ينتھي إليھا أھما الرشد‬ ‫وھي صفة تلغي كل استقطاب للعصبيات عرقية كانت أو اجتھادية فال وصاية ألحد على أحد‬ ‫في النظام السياسي اإلسالمي بشرط مرجعية الشريعة ال العقل البشري المجرد الذي لم يحتمل‬ ‫قطعة القماش على رؤوس النساء في حكم بن علي وأضرابه وبشرط أن تكون السلطة للشعب‬ ‫ولألمة تفوضھا من تشاء باختيار حر يكون الحاكم ونظامه في ھذا النظام أجراء يحق لألمة أن‬ ‫تحاسبھم وتقومھم وإذا شاءت عزلتھم‪ ،‬ومن مستلزمات الرشد في النظام السياسي اإلسالمي‬ ‫صفة التعددية سواء في استيعاب المجتمعات المسلمة للمخالفين لھا دينيا أو مذھبيا والتعددية‬ ‫السياسية والحزبية والفكرية التي تكفل حراكا مجتمعيا سليما‪ ،‬فھل يتمكن قادة الثورات المنجزة‬ ‫أن يتقدموا لألمة بھذا النظام وتطبيقاته والتي يؤمل أن تفتح عصرا جديدا ال للمسلمين وحدھم‬ ‫بل للبشرية في كل مكان؟‬ ‫* ومن متطلبات التغيير الثوري قدرة قادة التغيير الثوري على رسم مسطرة التعاون والتكامل‬ ‫بين الرؤى اإلسالمية والتجمعات اإلسالمية ووضع ميثاق للتكامل والتعاون والعمل المشترك‬ ‫وتقليل الفروقات والتناقضات إلى أدنى مستوى فھاھنا وقود نووي إن صح التعبير فإما أن‬ ‫يستغل في توليد الطاقة ودفع التنمية وإما أن يدخل في صناعة الكعكة الصفراء في صراع‬ ‫صفري ال يتوقف إال بإفساد كل شيء وھو ما أخبرنا به العليم الخبير‪) :‬وأطيعوا ? ورسوله‬ ‫وال تنازعوا فتفشلوا وتذھب ريحكم واصبروا إن ? مع الصابرين(األنفال‪٤٦:‬‬ ‫ويزيد األمر خطورة كثرة الجھات المستفيدة من ھذا التناقض والصراع وقدرتھم على توظيف‬ ‫التفرق وزيادة حدته مما يمكن أن يعرض التغيير الثوري إلى فشل تام وتوقف للمشروع برمته‪،‬‬ ‫مع ضرورة استيعاب سعة ساحات االختالف الفقھي والفكري والسياسي ولكن األمر ينصب‬ ‫حول الرؤية والمشروع للمرحلة مع توزيع للواجبات واألدوار‪.‬‬ ‫* ومن متطلبات التغيير الثوري مدى امكانية قادة التغيير الثوري على مصاولة المشروع‬ ‫األمريكي بالدھاء والمكر الذي تدير به أمريكا الموقف الكلي؟ وعدم االستسالم لمصطلحاتھا‬ ‫المجھزة تجھيزا تقنيا ونفسيا عاليا كمصطلح اإلرھاب الذي طاول استخدامه على العقد من‬ ‫الزمان وال زال يعمل‪.‬‬ ‫‪60‬‬


‫فأمريكا كالثعلب الذي وقف يوما في أعلى النبع ليشرب فجاء الديك اسفل منه طلبا للماء فخاطبه‬ ‫الثعلب قائال‪ :‬لقد عكرت علي الماء! فرد الديك متعجبا‪ :‬كيف أعكر عليك الماء وأنا في اسفل‬ ‫النبع؟ فقال الثعلب‪ :‬بل فعلت وكذا أخبرني جدي ان جدك كان يعكر عليه الماء فالبد من أن‬ ‫آكلك جزاء لك!!‬ ‫فھاھي أمريكا ومعھا أوروبا يستنسخون مصطلح اإلرھاب والقاعدة مجددا في ليبيا بعد نجاح‬ ‫الثورة فالتخويف بلغ حدا كبيرا من الدور المتصور لإلسالميين ومن قاتلوا على وجه‬ ‫الخصوص وخطورة األسلحة بين أيديھم‪ ،‬والحل لدى أمريكا واضح جدا فھي عصا غليظة على‬ ‫النظام السياسي الناشئ فإما أن يستجيب لشروط أمريكا األمنية وإال فالفوضى الخالقة تنتظر‬ ‫ليبيا؟ فكيف سيدير قادة التغيير الثوري ھذا الملف الحساس وبأي استراتيجية سوف يتعاملون‬ ‫معه خاصة وأن أمريكا قد جھزت نفسھا لھذا اليوم واستحقاقاته؟‬ ‫وھل يجرؤ قادة التغيير الثوري أن يحافظوا على استقاللھم الحقيقي مھما كلفھم األمر مع‬ ‫استخدامھم لمسطرة المرونة إلى آخر ما يمكن؟ وبعد ذلك ھل يجرأون على القول ألمريكا في‬ ‫مستقبل األيام‪ :‬إن الذي دفعنا للثورة على القذافي وأمثاله سوف يدفعنا للثورة عليك إذا أنت لم‬ ‫تنته عن أالعيبك والتدخل في شؤوننا فالجھاد الذي أحله ? لنا لدفع الظالم القريب من األولى‬ ‫أن نستخدمه لدفع الظالم البعيد‪ ،‬وھل كان القذافي إال صنيعة من صنائعھا‪ ،‬ثم أو ما كان ينبغي‬ ‫أن يقدم توني بلير لمحكمة العدل الدولية برفقة سيف القذافي والسنوسي؟‬ ‫* ومن متطلبات التغيير الثوري قدرة قادة التغيير التقدم بنظام إقليمي بديل عن النظام الميت بل‬ ‫الذي ولد ميتا وأعني به جامعة الدول العربية ألنھم بذلك يستفيدون من قرب الوحدات الجغرافية‬ ‫صاحبة الثورات الناجزة وثقلھا السياسي والسكاني واالقتصادي ويشكلون نواة لمظلة تحميھم‬ ‫من مخاطر االستقطاب اإلقليمي والدولي‪ ،‬فإن تعذر النظام اإلقليمي فال اقل من تكامل بيني إلى‬ ‫أن تنضج الظروف المواتية للنظام اإلقليمي‪.‬‬ ‫‪ ٢٠١١/١٠/٢٨‬اسطنبول‬

‫‪61‬‬


‫ثورة الشام في خارطة المشروع‬ ‫اإلسالمي‬ ‫بقلم‪ /‬حسن أحمد الدقي‬ ‫‪٢٠١٢/٢/٢٠‬‬ ‫مفردات البحث‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬المقدمة‬ ‫ثانيا‪ :‬ثورة الشام في خارطة المشروع اإلسالمي‬ ‫ثالثا‪ :‬ثورة الشام في خارطة النظام الدولي وتوابعه‬ ‫رابعا‪ :‬ثورة الشام ومؤشرات األداء االستراتيجي‬ ‫‪62‬‬


‫أوال‪ :‬المقدمة‬ ‫إن الحمد= تعالى قاصم الجبارين ومذل المتكبرين وناصر المستضعفين الذين قال عز وجل‬ ‫فيھم‪) :‬وأورثنا القوم الذين كانوا ُيستض َعـفون مشارق األرض ومغاربھا التي باركنا فيھا وتمت‬ ‫كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما‬ ‫كانوا يعرشون(األعراف‪١٣٧:‬‬ ‫أورد ابن كثير عن الحسن وقتادة في قوله عز وجل‪) :‬التي باركنا فيھا( يعني‪:‬الشام‬ ‫والصالة والسالم على نبي الملحمة محمد بن عبد? وعلى آله وصحبه ومن وااله إلى يوم‬ ‫الدين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬ ‫فإن اإلمام ابن تيمية رحمه ? لما سئل عن مدى فضل اإلقامة بالشام على غيرھا من البالد؟‬ ‫قال متمما إجابته بعد أن فصّل فيھا‪ :‬ولھذا كان المقام في الثغور بنية المرابطة في سبيل ?‬ ‫تعالى أفضل من المجاورة بالمساجد الثالثة باتفاق العلماء‪).‬مجموع الفتاوى(‬ ‫فاألمر في أفضلية الشام متعلق من جھة بأفضلية زمنية تدور مع دوران المصلحة العليا لألمة‬ ‫ومدى قدرة المقيمين على تطبيق النموذج التعبدي الذي أمر به الرب تباركت أسماؤه فإن انغلق‬ ‫عليھم األداء التعبدي وتطبيق الشرع وجبت عليھم الھجرة‪ ،‬وإن تكاملت نذر األداء الجھادي‬ ‫وجب عليھم التقدم للثغر مھما كانت التضحيات وھذا حكم عام لكل األمكنة واألزمنة‪ ،‬وللشام‬ ‫أفضلية خاصة وبركة جعلھا الرب عز وجل في الشام وأخبر عن ذلك النبي صلى ? عليه‬ ‫وسلم‪ ،‬فالشام على ھذا يأتي على رأس األمكنة التي فضلھا رب العالمين وبالوقوف على اآلثار‬ ‫الواردة وما ذكره العلماء في ھذا الباب يتضح أن من أسباب األفضلية وقوع الشام في بؤرة‬ ‫خطوط التدافع البشري على بيت المقدس وتخومه طوال عمر البشرية إلى قيام الساعة حسب ما‬ ‫أخبر به النبي صلى ? عليه وسلم في أحاديث كثيرة ومنه حديث سلمة بن نفيل السكوني رضي‬ ‫ﷲ عنه قال‪) :‬ال تزال طائفة من أمتي ظاھرين على الناس‪ ،‬يرفع ﷲ قلوب أقوام يقاتلونھم‪،‬‬ ‫ويرزقھم ﷲ منھم حتى يأتي أمر ﷲ عز وجل وھم على ذلك‪ ،‬أال إن عقر دار المؤمنين الشام‪،‬‬ ‫والخيل معقود في نواصيھا الخير إلى يوم القيامة( السلسلة الصحيحة‪ ،‬قال اإلمام األلباني‪:‬إسناده‬ ‫حسن ورجاله ثقات‪.‬‬ ‫وقد وعد ? رسوله صلى ? عليه وسلم بكفالة خاصة ألھل الشام كما ورد عنه صلى ? عليه‬ ‫وسلم بقوله في جزء من حديث ابن حوالة‪) :‬عليكم بالشام فمن أبى فليلحق بيمنه وليستق من‬ ‫ُغدره‪ ،‬فإن ﷲ عز وجل قد تكفل لي بالشام وأھله(‪.‬صححه اإلمام األلباني‪.‬‬

‫‪63‬‬


‫ولعل مما يشغل بال كثير من الدعاة المتابعين للشأن الكلي لألمة أنھم يتساءلون‪ :‬ھل ھذا ھو‬ ‫أوان ما أخبر عنه الرسول صلى ? عليه وسلم في باب الفتن بقوله‪) :‬ستصالحون الروم صلحا‬ ‫آمنا فتغزون أنتم وھم عدوا من ورائكم ‪ ،‬فتنصرون وتغنمون وتسلمون ثم ترجعون حتى تنزلوا‬ ‫بمرج ذي تلول ‪ ،‬فيرفع رجل من أھل النصرانية الصليب فيقول ‪ :‬غلب الصليب ‪ ،‬فيغضب رجل‬ ‫من المسلمين فيدقه ‪ ،‬فعند ذلك تغدر الروم وتجمع للملحمة(صحيح أبي داود‪.‬‬ ‫ولعل الحديث ورواياته المختلفة لتؤكد على ما يلي‪:‬‬ ‫ـ أزلية العداوة والحرب مع الروم إلى قيام الساعة مع وجود ھدنة مشھورة ومحدودة نتيجة‬ ‫استھداف األمة والروم عدوا مھددا للجميع مما يجعل خطورة الروم تتراجع أمام تھديد ھذا‬ ‫العدو‪ ،‬فامكانية وقوع ھذه الھدنة واردة ولكنھا لن تغير من طبيعة المعادلة وعالقة العداوة‬ ‫والقتال بين األمة المسلمة والروم‪.‬‬ ‫ـ تقتضي ھذه الھدنة قتاال مشتركا يجمع المسلمين والروم )الحظ الروم الغربيين وھم‬ ‫البروتستانت والكاثوليك( لعدو من وراء المسلمين‪ ،‬مع العلم بأن قتال األفغان للسوفيت في‬ ‫الثمانينيات لم يكن مشتركا وإنما قام النصارى بتسھيل مھمة المجاھدين عبر توجيه األنظمة‬ ‫التابعة لھم )باكستان والسعودية(‪.‬‬ ‫ـ اتضح أن النظام الدولي بعد محاوالت األمريكان االستفراد بالقيادة الدولية قد آل أمره مرة‬ ‫أخرى إلى معسكر غربي وشرقي وأن المشروع الفارسي الشيعي قد لعب على ھذا التناقض‬ ‫وتجاوب في مرحلة مع الصعود األمريكي طوال عقدين من الزمن منذ عام ‪١٩٩٠‬م ثم لما‬ ‫اتضحت الرغبة اإليرانية بالصعود نحو التعملق الدولي عبر القوة النووية انحازت إيران إلى‬ ‫المعسكر الشرقي )الصين وروسيا( وتكاملت مصلحتھا مع مصلحة ذلك المعسكر‪.‬‬ ‫ـ المشروع الفارسي الشيعي ھو الذي فرض معادلة الصراع على األمة المسلمة عبر أالعيبه‬ ‫ومشاركته في إسقاط كابل وبغداد وعبر محاولته فرض السيطرة النھائية على المعادلة السياسية‬ ‫والعسكرية في قلب األمة وبدعمه المطلق للنصيرية في الشام فقد وضع األمة المسلمة في عين‬ ‫االستھداف الذي ال مفر منه‪.‬‬ ‫ـ وأخيرا وليس آخرا فإن أحاديث أخرى في باب الفتن لتؤكد أن أمام األمة المسلمة في مرحلتھا‬ ‫ھذه خالفة راشدة ستعم األرض وظھور عالمي سيبلغ به الدين ما بلغ الليل والنھار ومن أھم‬ ‫مؤشرات ھذه الخالفة أمران؟ األول‪ :‬حدوث المالحم وھي معارك تشتعل في وقت متقارب‬ ‫وتعم مناطق واسعة من أراضي المسلمين )الحظ أفغانستان والعراق وفلسطين وليبيا والشام‬ ‫وغيرھا(‪ ،‬واألمر الثاني‪ :‬سقوط المرحلة الجبرية وكال األمرين قد بدأت تباشيرھما على‬ ‫األرض‪ ،‬وھي مرحلة خالفة راشدة كما وصف الرسول صلى ? عليه وسلم لكنھا ليست خالفة‬ ‫‪64‬‬


‫المھدي على األرجح فخالفة المھدي مرتبطة بتسلسل متتابع من عالمات الساعة الكبرى ونھاية‬ ‫الكون و? تعالى أعلم‪.‬‬ ‫فطوبى ألھل الشام وما ورثوا من المسيرة اإلسالمية سواء في مسارھا الكلي وذلك من بعثته‬ ‫صلى ? عليه وسلم إلى قيام الساعة أو في ظل المرحلة الحالية حيث تكاد الشام أن تؤول إليھا‬ ‫المسيرة اإلسالمية المعاصرة في دفعھا لصولة الباطل بكل ألوانه خاصة بعد أن قام أھل‬ ‫أفغانستان وأھل العراق وقبلھم أھل فلسطين بأدوراھم المباركة في منازلة المشاريع الثالثة‬ ‫المھيمنة على قلب األمة تلك المتمثلة في المشروع األمريكي والمشروع اليھودي وأخيرا وليس‬ ‫آخرا المشروع الفارسي الشيعي‪ ،‬وبعد أن ضرب الثوار العرب قلب النظام الجبري فأصابوه‬ ‫في مقتل في تونس ومصر وليبيا فجاءت ثورة الشام لكي يرتكز إليھا المشروع اإلسالمي في‬ ‫مسيرته نحوه التمكين والخالفة الراشدة‪.‬‬ ‫وفي ھذا المبحث سأبذل جھدي للوقوف باألخوة المھتمين على منارات المرحلة ومعالمھا‬ ‫األساسية حتى ال تشغلنا تفاصيلھا وضغوطھا المتالحقة عن التركيز على الرؤية الكلية وفھم‬ ‫المآالت الكبرى للصراع خاصة في الشام وما حولھا‪ ،‬وكما أدار أبوبكر الصديق رضي ? عنه‬ ‫مرحلة حروب الردة وبعدھا الفتوح وكذا فعل عمر رضي ? عنه حتى استقامت مسيرة تلك‬ ‫الفتوح في مرحلتھم والمراحل التي تلت‪ ،‬ولم يكن ليتأ ّتى ذلك لوال أن الصحابة رضي ? عنھم‬ ‫عضوا بالنواجذ على المنارات االستراتيجية التي أشار إليھا رسول ? صلى ? عليه وسلم من‬ ‫فتح لجزيرة العرب وفارس والروم بل وأبعد من ذلك فھا ھو قبر أبي أيوب األنصاري رضي‬ ‫? عنه في الناحية الغربية من اسطنبول ينبؤنا بمدى استجابة ذلك الجيل رضي ? عنھم‬ ‫والتزامھم بتلك اإلشارات االستراتيجية التي تركھا لھم رسول ? صلى ? عليه وسلم‪ ،‬بل إن‬ ‫قبر أبي أيوب ظل معلما ألجيال الفاتحين من بعده إلى أن تطلع محمد الفاتح إلى تلك الذروة‬ ‫والمجد الرفيع‪.‬‬ ‫ومما يتحتم ذكره في ھذه المقدمة أن أشير إلى الدرس األبلغ في اختالف أھل العراق المحدثين‬ ‫خالل العقد األول من األلفية الثالثة ونجاح العدو الظاھر والباطن في إيصالھم إلى حد االقتتال‬ ‫وتوجيه السالح إلى صدور بعضھم البعض وأن ذلك لم يكن ليحدث لوال غفلتھم عن منارات‬ ‫األداء الكلي أو االستراتيجي فاختلفوا على تفاصيل المرحلة حتى غاصوا في أوحالھا وأصبح‬ ‫ذلك االختالف مصيدة وقع الجميع فيھا وتعطل على إثر ذلك المسار العام وتبددت اآلمال دون‬ ‫أن نقلل من شأن منارات الجھاد التي أعالھا أھل العراق وإثخانھم في الصليبية العالمية‬ ‫وتعاملھم المبكر مع أخطر مقدمات التمدد للمشروع الفارسي الشيعي‪.‬‬ ‫ويتعلق باألمر السابق تفصيل مھم ودقيق وھو أن قدرة الصف المؤمن على تجنب التنازع‬ ‫وضمان عدم الوقوع في الفشل الذي حذر منه ? عز وجل‪) :‬وال تنازعوا فتفشلوا وتذھب‬ ‫ريحكم(اآلية‪ ،‬ال يتم عبر الوعظ وحده على أھميته وإنما أن يستجيب المؤمنون لكل ما أمر ?‬ ‫‪65‬‬


‫عز وجل به في نفس اآليات وھي خمس أمور‪) :‬ياأيھا الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا‬ ‫? كثيرا لعلكم تفلحون‪ ،‬وأطيعوا ? ورسوله وال تنازعوا فتفشلوا وتذھب ريحكم واصبروا إن‬ ‫? مع الصابرين(األنفال‪ ،٤٦-٤٥:‬فمن ضمانات عدم الوقوع في التنازع أمور كثيرة مھمة‬ ‫يأتي في مقدمتھا أمران أساسيان أما األول‪ :‬أن ال تضيع بوصلة الوالء في خضم التزلزل‬ ‫والصراع وأما األمر الثاني‪ :‬فھي مسألة االجتھاد الكلي في النظر للمرحلة وتحديد طبيعتھا‬ ‫ومآالتھا وعندھا تكون ھذه الرؤية ھي إحدى معالم المسيرة الكلية والجامعة لألمر من أطرافه‬ ‫وفي حال أھمل القادة ھذه المقدمة الالزمة ولم يوفروھا وقع الناس في حال من التجاذب الدائم‬ ‫والتذبذب بين االستراتيجية والتكتيك أو ما بين مسائل االجتھاد الكلي الثابت ومسائل التنفيذ‬ ‫المرن‪ ،‬وكلما أوغل الناس في مسيرة التنفيذ واألداء الميداني وھم ال يملكون الرؤية الكلية‬ ‫استيقظت عندھم في كل منعطف مسألة كبرى من مسائل االجتھاد فطفقوا يتجادلون فيھا وھكذا‬ ‫حتى تتشابك تلك النقاط تشابكا يفضي إلى التنازع الكلي ومن ثم الفشل‪.‬‬ ‫فإذا لم يتقدم القادة برؤيتھم واجتھادھم للتعامل مع المرحلة وتركوا ھذه المھمة للرويبضات‬ ‫يفتون في أمر العامة وقع الجميع في دائرة التذبذب والتنازع‪ ،‬ومما يعطل أداء ھذه المھمة‬ ‫اعتذار القادة المعنيون بحجج ظروف الميدان وضغوط المتطلبات وھو عذر غير مقبول ولھذا‬ ‫نبه الشارع الحكيم إلى ھذه المسألة الخطيرة بقوله عز وجل‪) :‬وما كان المؤمنون لينفروا كافة‬ ‫فلوال نفر من كل فرقة منھم طائفة ليتفقھوا في الدين ولينذروا قومھم إذا رجعوا إليھم لعلھم‬ ‫يحذرون(التوبة‪١٢٢:‬‬ ‫ولعل من أھم المسائل التي يحتاج القادة أن يقفوا عليھا وأن يتعمقوا في فھمھا ومن ثم تعليمھا‬ ‫للمسلمين القائمة التالية‪:‬‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫فقه المشروع اإلسالمي ومساراته الكلية‬ ‫فقه الجھاد ومسائله ما عظم منھا وما صغر‬ ‫فقه النظام السياسي في اإلسالم‬ ‫فقه عالقة األداء السياسي باألداء الجھادي‬ ‫فقه معادلة االستضعاف والتمكين‬ ‫فقه معادالت النظام الدولي وصراع المشاريع العالمية‬

‫وإن من مالمح الثورة الشامية المباركة التي تكفل ? عز وجل بأھلھا أن يتمكن المعنيون‬ ‫بالشأن اإلسالمي وھم يعالجون شؤون ثورة الشام المباركة من سد الثغرات الكبرى ومعالجة ما‬ ‫لم يمكن معالجته في أفغانستان والعراق‪.‬‬

‫‪66‬‬


‫ثانيا‪ :‬ثورة الشام في خارطة المشروع اإلسالمي‬ ‫وقبل محاولة اإلجابة على ھذا السؤال‪ :‬أين تقع ثورة الشام على خارطة المشروع اإلسالمي؟‬ ‫فنحن بحاجة أن نشير إلى بعض مالمح خارطة المشروع اإلسالمي تلك التي تبلورت من خالل‬ ‫اجتھادات الجماعات اإلسالمية المختلفة ومن خالل القضايا والساحات الساخنة التي خاضتھا‬ ‫األمة في العقود الماضية وخاصة في العقود الثالثة األخيرة ومن خالل الدروس الكبرى التي‬ ‫تمخضت عنھا ممارسات المجتھدين في األمة ومن خالل معاناة األمة المتطاولة على يد النظام‬ ‫السياسي الذي يحكمھا في المشرق والمغرب وھو الذي وسمه الرسول صلى ? عليه وسلم‬ ‫بالنظام الجبري ومن خالل حراك أمم الكفر على مستوى النظام الدولي واإلقليمي واتخاذھم أمة‬ ‫اإلسالم قصعة يتنادون عليھا كما ھو في حديث ثوبان مولى رسول ? صلى ? عليه وسلم‬ ‫حيث قال‪) :‬يوشك األمم أن تداعى عليكم كما تداعى األكلة إلى قصعتھا ‪ .‬فقال قائل ‪ :‬ومن قلة‬ ‫نحن يومئذ ؟ قال ‪ :‬بل أنتم يومئذ كثير ‪ ،‬ولكنكم غثاء كغثاء السيل ‪ ،‬ولينزعن ﷲ من صدور‬ ‫عدوكم المھابة منكم ‪ ،‬وليقذفن ﷲ في قلوبكم الوھن ‪ .‬فقال قائل ‪ :‬يا رسول ﷲ ! وما الوھن ؟‬ ‫وكيف أذن الرب تباركت أسماؤه بكسر‬ ‫قال‪ :‬حب الدنيا وكراھية الموت(صحيح أبي داود‪.‬‬ ‫النظام الدولي بسقوط االتحاد السوفيتي الملحد تمھيدا لدخول الموحدين في ثنايا النظام الدولي‬ ‫ووراثته في نھاية المطاف‪ ،‬وكيف تقلبت أمة اإلسالم على معادلة االستضعاف والتمكين حتى‬ ‫أذن ? عز وجل بكسر مرحلة االستضعاف ودخول الموحدين إلى مرحلة التدافع‪.‬‬ ‫ويلزم من يريد أن يقف على خارطة المشروع اإلسالمي أن يرجع إليھا في مظانھا من البحوث‬ ‫السابقة وأھمھا كتاب‪ :‬مالمح المشروع اإلسالمي للمؤلف وغير ذلك من البحوث والدراسات‪.‬‬ ‫وفيما يلي سوف أستعرض أھم النقاط التي تحدد موقع ثورة الشام في خارطة المشروع‬ ‫اإلسالمي‪:‬‬

‫• إحكام مرحلة التدافع‬ ‫إن ثورة الشام قد دفعت األمة المسلمة كي تتوغل عميقا في مرحلة التدافع حيث احتاجت األمة‬ ‫المسلمة قرابة ثالثة عقود وھي تقاوم جاذبية مرحلة االستضعاف فمنذ أن افتتح المسلمون قرنھم‬ ‫الخامس عشر الھجري وذلك عام ‪١٤٠٠‬للھجرة الذي وافق عام ‪١٩٨٠‬للميالد وھم بين جذبين‬ ‫كبيرين جذب مرحلة االستضعاف وسننھا وجذب مرحلة التدافع وسننھا ولوال لطف ? عز‬ ‫وجل بالمسلمين واضطرارھم خوض المعمعة تلو المعمعة لغلبھم جذب مرحلة االستضعاف‬ ‫حيث كادت مقولة بني إسرائيل أن تفشوا فيھم‪) :‬قالوا ياموسى إن فيھا قوما جبارين وإنا لن‬ ‫ندخلھا حتى يخرجوا منھا فإن يخرجوا منھا فإنا داخلون(المائدة‪ ،٢٢:‬فلوال معركة أفغانستان‬ ‫األولى في الثمانينيات ومعركة فلسطين وبقية المعارك في التسعينيات كالبوسنة وكشمير‬ ‫وطاجيكستان والفلبين والشيشان وغيرھا والمعركتين الفاصلتين في العشرية األولى من األلفية‬ ‫‪67‬‬


‫الثالثة وھما معركتا أفغانستان الثانية ومعركة بغداد فلوال تلك المعارك لبقي المسلمون يراوحون‬ ‫في متاھات مرحلة االستضعاف والقبول بمرجعية النظام الدولي وتعليق اآلمال الواھية عليه‬ ‫خاصة في ظل الحرب النفسية التي شنھا األمريكان عليھم تحت مسمى اإلرھاب لكن األمر‬ ‫استقام من خالل مسارين رئيسيين؟ المسار األول تمثل في اإلضافة المباركة بنموذج الثورة‬ ‫الليبية وأخيرا بنموذج الثورة الشامية‪ ،‬وأما المسار الثاني فھو تضعضع النظام الدولي الذي لم‬ ‫يعد قادرا على إدارة العالم بنفس الكفاءة السابقة وخاصة في ظل انتكاسة القطب األمريكي على‬ ‫يد األفغان والعراقيين وما أنفق من أموال طائلة في الحربين وفي ظل تنمر المشروع الفارسي‬ ‫الشيعي وخلطه ألوراق النظام الدولي‪.‬‬ ‫وعليه فإن الثورة الشامية تدخل باألمة إلى أعماق مرحلة التدافع ويعول عليھا أن تسھم بزيادة‬ ‫معدل عولمة األداء اإلسالمي من جھة وتولي مھمة كسر المشروع الفارسي الشيعي من جھة‬ ‫أخرى تمھيدا ألدوار أكبر وأقوى في تعامل األمة مع النظام الدولي‪ ،‬ولعل مما يحتاج القادة أن‬ ‫يقفوا عليه من سمات مرحلة التدافع عدم الخوف من كثرة الفراغات وتنازع االجتھادات في‬ ‫خارطة األداء اإلسالمي ككل ما بين من يفضل األداء السلمي ويعول عليه ومن يستقيم على‬ ‫متطلبات المرحلة فقد حدث ھذا على عھد الرسول صلى ? عليه وسلم‪) :‬أجعلتم سقاية الحاج‬ ‫وعمارة المسجد الحرام كمن آمن با= واليوم اآلخر وجاھد في سبيل ? ال يستون عند ? و?‬ ‫ال يھدي القوم الظالمين(التوبة‪١٩:‬‬

‫• كسر المرحلة الجبرية‬ ‫وتتعلق الثورة الشامية بأحد أھم معايير المشروع اإلسالمي وھو الدفع باتجاه كسر آخر أطواق‬ ‫المرحلة السياسية الجبرية وضعضعتھا بعد أن عمرت تلك المرحلة دھرا وھي تمنع األمة من‬ ‫كل حراك نحو حريتھا وكرامتھا وتطبيق دينھا ومدافعة عدوھا‪ ،‬خاصة وأن أطواق الجبرية قد‬ ‫تداخلت بشكل غريب حتى تعاون األعداء المتشاكسون على تثبيت قواعدھا وبينھم ما بينھم من‬ ‫العداء والخالف فمع توزع النظام السياسي العربي ما بين ملكية وجمھورية وادعاء كل طرف‬ ‫بأنه أحق بالملك من صاحبه واستعدادھم للذھاب في العداوة إلى آخر األشواط لكنھم متفاھمون‬ ‫كل التفاھم على تثبيت أطواق الجبرية في أعناق األمة ولذا رأيناھم يجلسون بين يدي صبي‬ ‫)السي آي إيه( التونسي )بن علي( مرجعھم األمني وھم متوافقون‪ ،‬وزاد من العنت دخول‬ ‫المشروع الفارسي الشيعي على خط النظام الجبري منذ ما يقرب من ثالثة عقود وتكامله مع‬ ‫النظام السياسي العربي بل واندفاعه لقضم أكبر حصة ممكنة من النظام السياسي في المنطقة‬ ‫ونتيجة الستظالل كال النظامين أعني العربي والفارسي بالمظلة األمريكية وبقية المظالت‬ ‫الدولية فقد عمل الجميع ضد مصالح األمة وقد حان أوان كسر ھذه األطواق طوقا بعد طوق بل‬ ‫إنه من البشريات أن يتزامن الكسر على أكثر من صعيد ومسار‪ ،‬ولكن الذي يعني الثورة‬ ‫الشامية أنھا أخرجت كثير من األوراق من أيدي الالعبين الرئيسيين في المنطقة ووضعتھا بيد‬ ‫‪68‬‬


‫الرجال في الميدان وھي قابلة للتطور في كل االتجاھات وأزاحت كل أوراق التوت عن‬ ‫عورات النظام الجبري وما تبقى منه في بالد العرب‪.‬‬

‫• المعايير العقدية‬ ‫وتأتي ثورة الشام لكي تعيد المسائل العقدية إلى نصابھا الصحيح وإلى معاييرھا الدقيقة فھذه أمة‬ ‫سنية موحِّ دة بتشديد الحاء وكسرھا وال يمكن أن يختلط أداؤھا العقدي بتخليط الشيعة وتقيتھم‬ ‫وتماھيھم مع النصارى في المنطقة وال بادعاء العمائم الفارسية تحرير المسجد األقصى من‬ ‫اليھود وھم يريقون دماء العبّاد الموحدين ويتجاوزن كل حقوقھم بل ويشاركون الصليبيين إذالل‬ ‫الموحدين في أفغانستان والعراق فكيف التقى المشروع الفارسي الشيعي مع المشروع الصليبي‬ ‫في كال المنطقتين وھو يزعم أنه يصادمه في فلسطين؟ فجاءت ثورة الشام لكي تميط آخر لثام‬ ‫عن وجه المشروع الفارسي الشيعي البشع وتؤكد وحدة العقيدة ووحدة األداء الميداني لألمة‪.‬‬

‫• نظريات استراتيجية‬ ‫وتأتي ثورة الشام في خارطة المشروع اإلسالمي لكي تؤكد حاجة األمة إلى النظريات األربع‬ ‫التي تبلورت على إثر تجارب األمة المتنوعة وخوضھا للمعارك التي غيرت وجه التاريخ‬ ‫والعالم وزلزلت النظام الدولي‪ ،‬تلك النظريات التي توحد الرؤية وتوحد القيادة وتستثمر األداء‬ ‫الكلي وترفع السقوف نحو أداء عالمي يليق بأمة اإلسالم وأدوراھا التي أرادھا ? لھا‪ ،‬وللتذكير‬ ‫فالنظريات ھي‪:‬‬ ‫النظرية األولى‪ :‬نظرية ألوان الطيف‪ :‬وتھدف إلى جمع كلمة المجتھدين والعاملين لنصرة ھذا‬ ‫الدين والتمكين له في األرض مع فسح المجال لتعددية إسالمية تلتقي على أھداف كبرى‬ ‫وشاملة‪.‬‬ ‫النظرية الثانية‪ :‬نظرية الدرع والقلب‪ :‬وتھدف إلى بلورة قائمة واضحة ومحددة بأخطر أعداء‬ ‫المسلمين والسعي لتفكيك ھيمنتھم بكل السبل التي أحلھا ? للمسلمين خاصة المشروع‬ ‫األمريكي والمشروع اليھودي وكل مشروع يعترض مسيرة األمة المسلمة‪.‬‬ ‫النظرية الثالثة‪ :‬نظرية الظھور والعولمة‪ :‬وتھدف إلى نقل آفاق األداء اإلسالمي إلى آفاقه‬ ‫العالمية حسب ما أراد ? عز وجل من ظھور لدينه وإعالء لكلمته‪.‬‬ ‫النظرية الرابعة‪ :‬نظرية التغيير الشاملة‪ :‬وتھدف إلى استخدام كافة مسارات التغيير لتحقيق‬ ‫األھداف الكبرى لألمة سواء على المستوى القطري أو اإلقليمي أو الدولي واستثمار سعة األمة‬ ‫وانتشارھا وقواھا الكامنة وأجيالھا المستجدة لتحقيق ذلك التغيير‪.‬‬

‫‪69‬‬


‫ومن أجزاء نظرية التغيير الشاملة ضرورة المناقلة بين نظريات التغيير األساسية والمجربة‬ ‫وھي للتذكير‪:‬‬ ‫ـ نظرية األداء السياسي الدستوري أو الديمقراطي‪.‬‬ ‫ـ نظرية إدارة األزمات والتعامل مع االنھيارات‬ ‫ـ نظرية االنقالب العسكري‬ ‫ـ نظرية الجھاد ضد الكفرة الذين ال خالف عليھم‬ ‫ـ نظرية الثورة الشعبية والعصيان المدني‬ ‫وأنه ال ينبغي االنغالق واالكتفاء بنظرية واحدة أو اثنتين‪ ،‬وجاءت الثورة الشامية لكي تكسر‬ ‫الحاجز النفسي الذي سعت كل القوى المناوئة لألمة لبنائه طوال السنين وھو أن تغيير وإصالح‬ ‫واقع العرب والمسلمين لن يتم إال من خالل المسار السياسي فقط وأن أي استخدام للقوة إنما‬ ‫يصب في إطار اإلرھاب والتطرف فجاءت الثورة الشامية لكي تعيد األمر إلى نصابه‪ ،‬ولعل‬ ‫من أھم إنجازات وبركات الثورة الشامية في ھذا الشأن أنھا أخرجت القضية اإلسالمية من‬ ‫ضيق االصطالحات والمسميات فاألمر والشأن شأن أمة وعقيدة ومصلحة عليا لھذه األمة‬ ‫وليست المسألة مسألة إخوان مسلمين وال تنظيم قاعدة كما سعت أجھزة االستخبارات العربية‬ ‫والعالمية أن تقنع به المسلمين طوال عقدين من الزمن‪.‬‬

‫• غايات المشروع اإلسالمي‬ ‫وتأتي ثورة الشام لكي تسھم بشكل أدق وأوضح من أي قضية أخرى في بيان منتھيات‬ ‫المشروع اإلسالمي وغاياته الكبرى فالموضوع ليس مجرد إسقاط نظام طاغوتي آخر من‬ ‫أنظمة العرب الجبرية ـ وإن كان ھذا الھدف المرحلي من األھمية بمكان ـ بل ھو مضي نحو‬ ‫المناطق الكلية ومن أھمھا موضوع بيت المقدس وتخليصه من أيدي اليھود وبدون استخالص‬ ‫الشام لصالح المشروع اإلسالمي فال يمكن مصاولة قلب المشروع الصليبي المتمثل في‬ ‫المشروع اليھودي‪ ،‬ومن غايات المشروع اإلسالمي استخالص قلب األمة المسلمة من ھيمنة‬ ‫وسيطرة النظام الدولي وتوابعه خاصة تمدد المشروع الفارسي الشيعي وكذا وراثة المسيرة‬ ‫الجھادية المباركة في األجنحة الثالثة التي صاولت المشاريع المناقضة لألمة وھي أفغانستان‬ ‫والعراق وفلسطين‪.‬‬

‫• المرجعية القيادية‬ ‫كما يتوقع أن تسھم الثورة الشامية في بلورة المرجعية القيادية لألمة من خالل دفع الرموز‬ ‫القيادية المستجدة والتي سوف تنتج من إدارة المعركة الجھادية والمعركة السياسية في الشام‬ ‫وإحداث التوازن في المعادلة القيادية ما بين الجناح الشرقي والجناح الغربي لألمة بما تتميز به‬ ‫الشام من موقع وسطي وتعلق ببيت المقدس وفق ما أشار إليه رسول ? صلى ? عليه وسلم‬ ‫بقوله‪) :‬في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس(‬ ‫‪70‬‬


‫ثالثا‪ :‬الشام في خارطة النظام الدولي وتوابعه‬ ‫إن مما يحتاجه المسلمون في تقويمھم للقضايا المختلفة أن يقفوا على القواعد الكلية في الرؤية‬ ‫االستراتيجية والسياسية تلك التي تجعلھم مستقلين في رؤاھم ومنطلقين من مبادئھم وبذلك‬ ‫يتمكنوا من التقدير الدقيق ألي قضية ھي قيد الدرس والنظر‪ ،‬ومنذ أن انطلق أداء األمة في‬ ‫مستوياته المتقدمة ومنذ أن تبلورت معالم الرؤية اإلسالمية الكلية وتفاعلت مع حراك األمم من‬ ‫حولھا فقد سارت عالقة األمة المسلمة بالنظام الدولي وفق معادلة دقيقة تحكمھا المعطيات‬ ‫العقائدية في المقام األول ثم ما يترتب على تلك المعطيات من مصالح اقتصادية ونھب لخيرات‬ ‫األمة أينما وجدت‪.‬‬ ‫وقبل أن نقف على موقع الشام في خارطة النظام الدولي فنحن بحاجة أن نستعرض باختصار‬ ‫أھم نقاط معادلة عالقة األمة المسلمة ككل بالنظام الدولي خالل العقود وھي كالتالي‪:‬‬ ‫• انتھك النظام الدولي محرمات األمة المسلمة بشكل منتظم منذ استقر العالم على نظام‬ ‫الحرب الباردة وتقاسم الخمسة )الكفار( الكبار لمقدراته‪ ،‬وكان من أوضح تلك االنتھاكات تحكم‬ ‫النظام الدولي التام بالنظام السياسي الذي يحكم المسلمين والذي انطبق عليه تعريف النبي صلى‬ ‫? عليه وسلم بالحكم الجبري‪ ،‬وانقسمت األمة إلى جناحين الجناح األول شرقي يتحكم في‬ ‫الشيوعيون )آسيا الوسطى( وجناح غربي )يمتد من إندونيسيا إلى طنجة( يتحكم فيه النظام‬ ‫النصراني الغربي وقد بقي زمام ذلك النظام بأيدي أولئك الكفار حتى أذن ? عز وجل بانھيار‬ ‫االتحاد السوفيتي عام‪١٩٩٠‬م وبانھيار النظام الجبري العربي على يد األحرار العرب‬ ‫المعاصرين عام ‪٢٠١١‬م‪.‬‬ ‫• وكان من أوضح انتھاكات النظام الدولي لمقومات األمة ھو منعھا من االحتكام لشريعتھا‬ ‫والحيلولة دون ذلك من خالل النظام السياسي ودعمه باالطروحات الثقافية المناقضة ألصول‬ ‫األمة واستبدال الشريعة بالقوانين الوضعية وإجبار األمة على االحتكام إليھا وحتى الدول التي‬ ‫تظاھرت باالحتكام إلى الشريعة فقد فرغ ھذا االحتكام من محتواه في ظل مواالة النظام‬ ‫السياسي للكفرة واستجابته لكل إمالءاته‪.‬‬ ‫• فرض النظام الدولي من خالل أدواته ومؤسساته المختلفة مناھج الضالل المناقضة لعقيدة‬ ‫األمة كبدائل عقائدية وتطبيقية ومن نماذجھا فرض النظام الشيوعي الملحد في الجزائر واليمن‬ ‫الجنوبي والنظام البعثي )الشيوعية المعدلة عربيا( في العراق والشام والنظام الناصري‬ ‫االشتراكي في مصر‪ ،‬ومن األدوات التي استخدمت في ھذا السبيل تمكين ودعم األقليات‬ ‫المناقضة لألمة كتمكين النصيرية في الشام وتمكين النصارى والدروز والشيعة في لبنان‬ ‫والشيعة في باكستان )نظام بوتو( والنصارى في نيجيريا وكينيا واألمثلة أكثر من أن تحصى‪.‬‬ ‫• فرض النظام الدولي الدولة اليھودية في قلب األمة )بيت المقدس( الذي ھو قلب الشام وأمد‬ ‫اليھود بكل أنواع الدعم وضمان التفوق في المنطقة‪.‬‬ ‫‪71‬‬


‫• تالعب النظام الدولي بكافة قضايا المسلمين في أروقة األمم المتحدة وأجاد الفرقاء اللعب‬ ‫والتحريك باتجاه تقويض تلك القضايا وإفراغھا من محتواھا سواء كانت تلك قضايا العرب‬ ‫وعلى رأسا فلسطين أم قضايا المسلمين في مشارق األرض ومغاربھا كقضية كشمير والبوسنة‬ ‫والشيشان وكوسوفا وغيرھا‪ ،‬وال ننس أن نذكر بالدور المباشر الذي لعبه النظام السياسي‬ ‫العربي في وأد تلك القضايا‪.‬‬ ‫• تنكر النصارى )الشق األول للنظام الدولي( لدور األمة المسلمة في إسقاط أكبر دولة ملحدة‬ ‫عرفھا التاريخ وتھديدھا الدائم لما بات يعرف بالسلم الدولي وتنكروا لما قدمه األفغان خالل‬ ‫الثمانينيات( من تضحيات حيث زاد عدد شھدائھم عن المليون والنصف شھيد والمھجرين قرابة‬ ‫خمسة ماليين مھاجر‪ ،‬بل وما كادت الحرب تضع أوزارھا حتى سارع النصارى باالنقضاض‬ ‫على الروح الجھادية التي سرت في أمة اإلسالم واتخذوا من ھذه المسألة فزاعة عالمية أطلقوا‬ ‫عليھا مصطلح )اإلرھاب( واستخدم النصارى كل مؤسسات النظام الدولي في ھذه الحرب حتى‬ ‫خسر المسلمون كل قضاياھم في الحراك الجھادي التي سادت في تسعينيات القرن العشرين‬ ‫الميالدي وعلى رأسھا قضية أفغانستان نفسھا حيث استخدموا المكر االستخباراتي لإليقاع بين‬ ‫فصائل المجاھدين األفغان وكذلك خسر المسلمون قضاياھم األخرى كالبوسنة وكشمير وارتريا‬ ‫وكوسوفا والشيشان والفلبين وطاجيكستان والصومال وجنوب السودان وغيرھا‪.‬‬ ‫• دشن النصارى ألفيتھم الثالثة بشن حرب عالمية غير مسبوقة على أضعف األمم في العالم‬ ‫تحت استراتيجية الحروب االستباقية وأعينھم على االمبراطوريات المھددة لقطبيتھم األحادية‬ ‫وھي الصين وروسيا ولكن الضغط الحقيقي وقع على المسلمين حيث استخدم جورج بوش‬ ‫صواريخه العابرة )التوما ھوك وكروز ( على بيوت الطين األفغانية وعلى بقايا الخردة‬ ‫العسكرية السوفيتية في النظام العراقي وقد نتج عن ھذه الحرب أخطر النتائج العالمية واإلقليمية‬ ‫وھو تمدد المشروع الشيعي الفارسي حيث منحت أمريكا العراق إليران على طبق من ذھب‬ ‫وضعضعت القوة السنية األفغانية كما ضعضعت باكستان لصالح إيران والھند الھندوسية على‬ ‫حد سواء وسمحت تلك الحرب وألول مرة بتشكل ما بات يعرف بالھالل الشيعي حيث اتصل‬ ‫النظام اإليراني بحليفة النصيري في الشام ولبنان وامتدت يده إلى شيعة باكستان وأفغانستان‬ ‫وشيعة الجزيرة العربية‪.‬‬ ‫• دعم النظام الدولي النظم الديكتاتورية القمعية في العالم العربي واإلسالمي من خالل‬ ‫المؤسستين االستخباريتين ‪ CIA‬و ‪ KGB‬وتوابعھما في العالم بكل أدوات القمع ومناھجه‬ ‫اإلدارية واإلعالمية والنفسية وأمام سمع وبصر النظام الدولي وتأييده رزح المسلمون تحت‬ ‫نظام عبدالناصر وبومدين وسوكارنو وسوھارتو وصدام وعبدالفتاح اسماعيل وحافظ أسد‬ ‫والحسن الثاني والحسين بن طالل وملوك آل سعود المتتابعين وغيرھم في مشارق األرض‬ ‫ومغاربھا حتى ملئت السجون باألحرار وملئت اآلفاق بالمھجرين‪.‬‬

‫‪72‬‬


‫• ھيمن النظام الدولي من خالل نظمه العسكرية والسياسية والمالية على ثروات المسلمين‬ ‫وفرض سيطرته على ممراتھم االستراتجية وكانت أخطر سيطرة على الذھب األسود والذي‬ ‫يملك المسلمون منه في أراضيھم أغلب احتياطياته العالمية خاصة جزيرة العرب والعراق‬ ‫وشمال إفريقيا ونيجيريا وغيرھا‪ ،‬ورھنوا بذلك مستقبل المسلمين لمعادلة التنمية التي توصف‬ ‫بمعادلة الشمال والجنوب ووقع المسلمون في جنوب ذلك النظام فلم يجنوا إال الفقر والتخلف‬ ‫على كل األصعدة‪.‬‬ ‫فإذا استوعبنا تلك الوقفة المختصرة في عالقة النظام الدولي باألمة المسلمة يمكننا أن نقف على‬ ‫موقع الشام في خارطة النظام الدولي وفيھا النقاط التالية‪:‬‬ ‫• انعكست سياسة التوازن القائمة في مرحلة الحرب الباردة على الوضع في الشام أيما‬ ‫انعكاس فقد أجمع القطبان المؤثران في النظام الدولي على تفضيل النظام اليھودي في المنطقة‬ ‫وضرورة دعمه وتقويته وأجمعا على دعم نظام حافظ أسد النصيري كأحد أركان حفظ‬ ‫المشروع اليھودي وصيانته‪.‬‬ ‫• كما انعكست سياسة التوازن الدولي على النظام النصيري في الشام عبر جمع ذلك النظام‬ ‫للمرجعية العقائدية البعثية )الشيوعية المعدلة عربيا( ومرجعيته االستراتيجية للمظلة األمريكية‬ ‫في آن واحد‪ ،‬فالنجمة الروسية الحمراء فوق القبعة والسجود الحقيقي يكون للصنم األمريكي‪،‬‬ ‫وما ترتب على ذلك من رسم صورة مزيفة للنظام الممانع والمناقض للوجود اليھودي في‬ ‫المنطقة بينما ھو أحد أھم عناصر الحماية للمشروع اليھودي ومنفذا للسياسة األمريكية في‬ ‫المنطقة‪.‬‬ ‫• غض النظام الدولي طرفه عن التحالف الذي أنشأه الخميني مع نظام حافظ أسد في المنطقة‬ ‫من أول يوم وصل فيه الخميني لرأس الحكم في إيران ومع التخوف الشكلي الذي كان يبديه‬ ‫النظام الدولي من ھذا التحالف لكنه سمح للنظامين باالستمرار في وضع أسس البنية التحتية‬ ‫لمستقبل الدولة الشيعية الموسعة في المنطقة‪.‬‬ ‫• كما كافأ النظام الدولي نظام حافظ أسد بجعل نظامه أحد أھم المرجعيات لنظام الشرق‬ ‫األوسط السياسي واألمني متقاسما الكعكعة مع كل من مصر والسعودية وإسرائيل‪ ،‬وعلى ضوء‬ ‫ذلك تم إطالق يده في لبنان عام ‪١٩٨٩‬م تحت ما يعرف باتفاق الطائف لضبط األوضاع في‬ ‫لبنان باتجاه البوصلة األمريكية واليھودية في المنطقة وعليه فقد عاثت اليد النصيرية في لبنان‬ ‫فسادا طوال عقد ونصف من الزمن وأشرفت على بناء النواة الشيعية األخطر في المنطقة وھي‬ ‫حزب ? الشيعي‪.‬‬ ‫• كافأ النظام الدولي النظام النصيري في الشام باستصحابه كجزء من التحالف الدولي‬ ‫إلحداث التغيير في المعادلة العالمية وقيام أمريكا بتدشين النظام الدولي الجديد )نظام القطب‬

‫‪73‬‬


‫الواحد( واتخاذ حربھا ضد النظام البعثي العراقي مسارا لذلك التغيير عام ‪١٩٩١‬م وھي بذلك‬ ‫أعطت للمعادلة الشيعية دفعة كبيرة من خالل ذلك االستصحاب‪.‬‬ ‫• كافأ النظام الدولي النظام النصيري في الشام متمثال ھذه المرة بشقه الروسي والصيني‬ ‫حيث أسھمت روسيا مباشرة وأسھمت الصين من خاللھا تأثيرھا في كوريا الشمالية بتدشين‬ ‫المشروع النووي الشيعي والمساھمة في بنائه ووضعه قيد التشغيل وقد انعكس ھذا الوضع على‬ ‫النظام النصيري في الشام حيث قوة النظام النصيري مستمدة من قوة النظام الفارسي الشيعي‪.‬‬ ‫• ويتحكم في موضوع التغيير وإسقاط النظام في الشام بعوامل أساسية لدى شق الناظم‬ ‫الغربي الصليبي ومن أھمھا ضمان أمن إسرائيل ولوال أن محاوالت النصارى السترداد والء‬ ‫النصيرية قد باءت بالفشل وطوال عقد من الزمن وإال فقد كان األفضل واألوفر للنصارى أن‬ ‫يستجيب النظام النصيري للضغوط ولكن يبدو أن الفرس كانوا قد سبقوا ولغموا ساحة النظام‬ ‫النصيري بحيث ال يستطيع الفكاك من حلف الخميني حافظ أسد ويبدو أن االبن الوريث مجرد‬ ‫واجھة والمتحكم األول والنھائي بنظام الحكم ھي طھران‪ ،‬وعليه فإن رغبة النصارى باستبدال‬ ‫نظام الحكم في دمشق يقابله تخوف كبير من طبيعة النظام الذي سيرث النظام النصيري ومدى‬ ‫ضمانته ألمن إسرائيل وقبوله لالستظالل بمظلة النصارى الغربيين؟ وأخطر ما في األمر أن‬ ‫النصارى سوف يسھمون في إطالة أمد األزمة في الشام حتى يضمنوا أحد أمرين فإما أن يحدث‬ ‫انقالب داخلي ضد والء النظام إليران وبالتالي يحصل حل ترقيعي وديموقراطية مقننة تحفظ‬ ‫المعادلة في المنطقة وإما أن تضمن أمريكا ضمانا كامال أو شبه كامل لمجيء نظام موالي لھم‬ ‫وإن كان ببعض الصفات اإلسالمية والتاريخ اإلسالمي القديم‪.‬‬ ‫• وفي ظل ھذه الرؤية يتحرك ما بقي من نظام سياسي عربي والذي لم يخضع لربيع الثورة‬ ‫العربية باتجاه محدد في الشأن الشامي وذلك وفق الرؤية األمريكية بل ويخدمھا في الصميم‬ ‫ويقوم بتمويلھا ويضع كافة امكانياته السياسية واالستخباراتية واإلعالمية في ھذا السبيل‪.‬‬ ‫• فما ھي مسائل االستراتيجية األمريكية الملحة في المنطقة والمتعلقة بالشأن الشامي؟ إنھا‬ ‫القضايا التالية‪:‬‬ ‫‪١‬ـ أولى المسائل االستراتيجية الملحة أمريكيا‪ :‬تحقيق اختراق أمريكي في الملف اإليراني‬ ‫النووي لثنيھا عن صناعة السالح النووي وأن يتم ذلك عبر تشجيع إيران لكي تقبل بدورھا‬ ‫كقوة إقليمية مھيمنة وبال أنياب نووية وضمن المظلة األمريكية في المنطقة وفي حال نجح ھذا‬ ‫الخيار فالمعادلة ستخضع حينئذ لعملية مقايضة كبرى من أھم معالمھا السماح إليران باالحتفاظ‬ ‫بكافة المساحات المسيطرة عليھا فعال وھي العراق وسوريا ولبنان والجزء الشمالي من اليمن‬ ‫وقد تعطيھا أمريكا قطعا جديدة كالبحرين وقطعا أخرى من الخليج‪ ،‬وفي حال عدم نجاح ھذا‬ ‫الخيار فسوف تبقى القضية الشامية خاضعة للمساومة واللعب األمريكي حسب تطور الوضع‬ ‫باالتجاه الذي تريده أمريكا‪ ،‬وھو الذي يفسر جمود القضية الشامية ومن قبلھا قضية الحوثيين‬ ‫والبحرين وأھم منھما العراق برمته‪.‬‬ ‫‪74‬‬


‫‪ ٢‬ـ ثاني المسائل االستراتيجية الملحة أمريكيا‪ :‬أن يتوقف التھديد اإليراني ضد المنطقة األولى‬ ‫عالميا في احتياطيات النفط في جزيرة العرب وضد عنق الزجاجة )مضيق ھرمز( حيث تعتبر‬ ‫أمريكا المنطقة خطا أحمر غير قابل لألخذ والعطاء أو للعب في محيطه وھي مسألة تتعامل‬ ‫معھا أمريكا بالوجود العسكري المباشر والتھديد الذي ال يقبل التفسير والتأويل خاصة في ظل‬ ‫االنھيار االقتصادي الذي تعانيه أوروبا وأمريكا‪.‬‬ ‫‪ -٣‬ثالث المسائل االستراتيجية الملحة أمريكيا‪ :‬إيقاف التردي واالنھيار في االستراتيجية‬ ‫األمريكية العالمية الموسومة بنظام القطب الواحد ومنع الصين وروسيا بتحقيق اختراق كبير‬ ‫ضد ھذا النظام عبر استخدام الطموح اإليراني للخروج من العباءة األمريكية في المنطقة وھو‬ ‫الذي يفسر الفيتو الصيني الروسي المزدوج في موضوع الشام‪.‬‬ ‫‪ -٤‬رابع المسائل االستراتيجية الملحة أمريكيا‪ :‬مسألة المحافظة على ما تبقى من النظام العربي‬ ‫)الملكيات في الشرق والغرب( حتى ال تجتاحھا حمى الثورة العربية خاصة جزيرة العرب‪،‬‬ ‫ومن ضمانات الحفاظ على ھذا النظام سعي أمريكا لتحريكه باتجاھين‪ ،‬االتجاه األول‪ :‬يتمثل في‬ ‫دعم وإدارة الدول الساقطة ثوريا حتى التخرج عن الخط األمريكي )اليمن أنموذجا( وتقديم‬ ‫نموذج مخيف لتداعيات الثورة العربية )قد تكون تونس أو ليبيا وإن كنت أرجح تونس ألنه ال‬ ‫نفط لديھا يخاف عليه الغرب(‪ ،‬واالتجاه الثاني‪ :‬بجعل المنظومة الباقية التي لم تصلھا الثورات‬ ‫حجر أساس في مواجھة التطورات في المنطقة وتفعيل دورھا في إدارة األزمات ومن أھمھا‬ ‫األزمة السورية وانتصاب ھذه المنظومة كحائط صد ضد التھديد اإليراني فتتوقف الشعوب عن‬ ‫المطالبة بالتغيير حفاظا على ھذا الدور! وتقتضي ھذه االستراتيجية فتح المجال للحرب‬ ‫اإلعالمية ضد الشيعة من جھة وفتح جزء من البوابات لتسرب المجاھدين )اإلرھابيين( إلى‬ ‫الشام ألنھم أي اإلرھابيين ھم األقدر على مواجھة المشروع العقائدي الشيعي على أن يبقى‬ ‫ھؤالء المجاھدين ضمن دائرة السيطرة والرقابة اللصيقة ريثما ينتھوا من مھمتھم وستعاد‬ ‫ضدھم نفس استراتيجية األفغان العرب أو صناعة الموت وفق قناة العربية التي صنعھا جورج‬ ‫بوش االبن‪.‬‬

‫‪75‬‬


‫رابعا‪ :‬ثورة الشام ومؤشرات األداء االستراتيجي‬ ‫وھي مؤشرات تنبع من األبعاد العقائدية وما أفرزه األداء اإلسالمي الكلي خالل العقود الثالثة‬ ‫الماضية والذي يمكن وصفه بالمشروع اإلسالمي‪ ،‬وما أفرزته المعارك الثالث الكبرى على‬ ‫الساحة اإلسالمية وھي معركة أفغانستان ومعركة العراق ومعركة فلسطين‪ ،‬كما أن ھذه‬ ‫المؤشرات تنبع من مالحظة معادالت الصراع بين المشاريع المتنافسة في المنطقة وفي العالم‬ ‫وأخطرھا المشروع األمريكي والمشروع اليھودي والمشروع الفارسي الشيعي‪ ،‬وكذلك ما‬ ‫أفرزه الربيع العربي من تحوالت ھامة في معادلة الحكم الجبري حيث دخلت الشعوب ألول‬ ‫مرة منذ عقود كعامل حاسم في التحوالت التي تحكم المنطقة وھو ما فاجأ جميع المراقبين‬ ‫وأربك حسابات المشاريع األخرى‪.‬‬ ‫وفيما يلي بلورة وتلخيص للمؤشرات االستراتيجية التي أقترح أخذھا بعين الحسبان في إدارة‬ ‫ثورة الشام بل وبقية الملفات الجامدة التي توشك أن تلقي ثورة الشام عليھا حراكا وتفعيال‬ ‫حاسما‪.‬‬

‫المؤشر االستراتيجي األول‪:‬‬ ‫على أھل الشام أن يوازنوا بين جذب الوطن السوري المتحرر من النظام الطاغوتي وجذب‬ ‫المشروع اإلسالمي‪.‬‬ ‫وتحكم ھذا المؤشر المعايير التالية‪:‬‬ ‫‪ -١‬السوريون ال يمكنھم أن يتحملوا وحدھم متطلبات المشروع اإلسالمي ولكنھم ماضون في‬ ‫أداء واجبھم نحو إسقاط أحد أخطر األنظمة الجبرية التي حكمت المنطقة العربية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬إسقاط النظام النصيري ھدف كبير ومتكامل للمرحلة المنظورة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬ال يمكن عزل المسألة السورية عن تقاطعات المشاريع في المنطقة وال يمكن عزلھا عن‬ ‫عمقھا العقائدي والتاريخي‪.‬‬ ‫‪ -٤‬ال يمكن عزل القضية السورية عن القضية العراقية وال القضية الفلسطينية وال القضية‬ ‫اللبنانية فھناك عوامل عقائدية وتاريخية في المقام األول تربط سوريا بھذه القضايا ثم تأتي‬ ‫العوامل الجيوسياسية والمصلحية والجوار لكي ترسم طبيعة عالقة السوريين بھذه القضايا‪.‬‬ ‫‪ -٥‬السوريون محتاجون لكل من يلقي لھم بحبل العون واإلسناد معنويا كان أم ماديا في ھذه‬ ‫المرحلة بشرط أن ال يستعبدوا مجددا ألي طرف خارجي أو داخلي وأن ال يحاول أحد أن يدخل‬ ‫الشعب السوري في مسار ضد مبادئه واستقالله‪.‬‬ ‫‪76‬‬


‫‪ -٦‬وكما يتناصر أبناء المشاريع العالمية واإلقليمية على قضاياھم المختلفة فمن حق السوريين‬ ‫أن يتقدم العرب والمسلمون لنصرتھم بكل أنواع النصرة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬ومن حق أبناء سوريا )العلماء والمجاھدين بالدرجة األولى( أن يحددوا أولويات الصراع‬ ‫واتجاھاته في المرحلة المعينة بناء على اجتھادھم ورؤيتھم في ظل توزان بين الرؤية المحلية‬ ‫والصراع الدولي وتدرج في قيام السوريين بدورھم دون وضع المسارين في تصادم وصراع‪،‬‬ ‫وعلى األخوة أصحاب األجندات العالمية في الصراع أن ال يعطوا الفرصة إلعادة فتنة العراق‬ ‫للساحة السورية وليدعوا األمور في مسارھا فإنھا مأمورة‪ ،‬وھذا يقتضي أن يعجل أھل الشام‬ ‫بدراسة النموذج العراقي وكيف تمكن األمريكان والنظام الشيعي العراقي أن يفسدوا المعادلة‬ ‫السنية من خالل المكر والدھاء وشراء الذمم حتى توجھت البنادق إلى صدور األخوة بدال من‬ ‫العدو الظاھر الواضح!‬ ‫ولعل أھل الشام يملكون مالم يملكه غيرھم ممن أداروا القضايا الساخنة من قبل وھو وضوح‬ ‫المعادلة الكلية للصراع فاألمر أمر أمة وعقيدة وتمكين ولم تعد مسألة عناوين ومصطلحات‬ ‫عزفت عليھا األجھزة األمنية واإلعالمية طويال‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يمكن االنقضاض على النظام النصيري إال بعقيدة الموحدين ورغبتھم في االنعتاق من‬ ‫سلطته ولن يتم ذلك إال بطلب الشھادة في سبيل ﷲ تعالى‪.‬‬ ‫‪ -٩‬الشعب السوري مدين لكل من أخذ زمام المبادرة في توحيد المعارضة السورية وبلورة رؤية‬ ‫واضحة في مسيرة إسقاط النظام النصيري وفي آن واحد فإنه ال يمكن عزل أحد من أھل سوريا‬ ‫عن المشاركة في ھذه المسيرة وفي إبراز القادة المناسبين لكل مرحلة وال ينبغي التوقف عند حد‬ ‫معين في بلورة آفاق أداء الشعب السوري ويعتبر تحدي النظام النصيري وجبروته من جھة وما‬ ‫بذله السوريون من تضحيات لدفع ھذا الجبروت والرغبة من جھة أخرى في بناء وطن لجميع‬ ‫السوريين دافعا لتشكل مظلة وطنية يلتقي تحتھا الجميع‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬يعتبر اإلسالميون حقوق جميع المقيمين بالعيش الكريم في أي وطن منطلقا عقائديا ولكن ال‬ ‫ينبغي اتخاذ ھذه المسألة تكئة لرفض مرجعية الشريعة اإلسالمية ورفض التقدم نحو بلورة‬ ‫المصلحة العليا للمجتمع المسلم في أي زمان ومكان‪.‬‬ ‫‪ -١١‬يحتاج اإلسالميون السوريون على اختالف توجھاتھم أن يحددوا رؤية للقضية السورية‬ ‫تمثل تلك الرؤية حدود اجتھادھم المجمع عليه ويحتاجون سقفا يجمعھم ويخفف من اختالفاتھم‬ ‫وكلما بادروا بإنجاز ھذين المھمتين كلما سھلت مھمتھم الكبرى في إسقاط النظام وإدارة مرحلة‬ ‫ما بعد النظام‪.‬‬

‫‪77‬‬


‫‪ -١٢‬ال يمكن تذويب الفوراق بين االجتھادات اإلسالمية وال إنھائھا ولكن يمكن االعتراف‬ ‫بتعددية إسالمية تؤدي للتعاون والتكامل وخدمة أھداف مشتركة وتمنع من االختالف المؤدي‬ ‫للصدام في المستقبل القريب والبعيد‪.‬‬

‫المؤشر االستراتيجي الثاني‪:‬‬ ‫ال بد ألھل الشام من استراتيجية إلدارة الصراع وتحقيق إسقاط النظام ودفع كل الجھود نحو‬ ‫إنجاز ھذا الھدف‪.‬‬ ‫وتحكم ھذا المؤشر المعايير التالية‪:‬‬ ‫‪ -١‬ينبغي تحديد دائرة قوة النظام والعوامل التي تتحكم فيھا ثم ينبغي ضبط مسارات االنقضاض‬ ‫األربعة إلسقاطه‪ ،‬وھذه المسارات حسب األداء االستراتيجي تتمحور في أربع مسارات‪ ،‬المسار‬ ‫األول ھو المسار العسكري الجھادي والمشار الثاني ھو المسار الدبلوماسي والمسار الثالث ھو‬ ‫المسار المعلوماتي وفيه جانب الدعاية وجانب التثقيف الداخلي وجانب األمن واالستخبارات‬ ‫والمسار الرابع ھو المسار االقتصادي والدعم المادي‪.‬‬ ‫‪ -٢‬وينبغي تحديد تقاطع الدوائر األربع التي تتحكم في معادلة الصراع وھي‪ :‬دائرة األصدقاء مع‬ ‫ضرورة تلوين األصدقاء باأللوان الثالثة فمنھم من ھو أخضر ومنھم من ھو برتقالي ومنھم من‬ ‫ھو أحمر وإن كان صديقا لكن صداقته خطرة ويمكن أن تنقلب في أي لحظة وال يدخل في ھذا‬ ‫اللون اصطفاف النصارى الغربيين كأصدقاء في سوريا في ھذه اللحظة بل إن النظام السياسي‬ ‫العربي يمكن أن يدخل ضمن ھذا اللون كما رأينا كيف انقض النظام الخليجي على ثورة اليمن‬ ‫بما سمي بالمبادرة الخليجية فأفرغ الثورة اليمنية من محتواھا وحولھا إلى ثورة معوقة‪.‬‬ ‫والدائرة الثانية‪ :‬ھي دائرة األعداء ووضعھم في قائمة حسب الخطورة الحالّـة )بتشديد الالم(‬ ‫والمتوقعة ويكفية التعامل مع تلك القائمة والبحث عما ينقض القوة لدى أولئك األعداء‪.‬‬ ‫والدائرة الثالثة‪ :‬ھي دائرة البيئة التي تعمل من خاللھا الثورة الشامية وظروف ومعطيات ھذه‬ ‫البيئة سواء كانت البيئة الداخلية أو البيئة اإلقليمية أو البيئة العالمية‪.‬‬ ‫الدائرة الرابعة‪ :‬ھي دائرة الزمن والمساحة الجغرافية التي تعمل الثورة الشامية في ظلھا‬ ‫وأبعادھا‪.‬‬ ‫فإذا تحددت الدوائر األربع بشكل دقيق أمكن تحديد ما يمكن فعله بناء على تقاطع تلك الدوائر‬ ‫فإنھا تحبس بين أقطارھا مساحة صغيرة ولكنھا دقيقة وحاسمة‪.‬‬ ‫‪78‬‬


‫المؤشر االستراتيجي الثالث‪:‬‬ ‫وضع التصورات االستراتيجية لمرحلة ما بعد سقوط النظام وتحديد طبيعة وصورة الوضع‬ ‫النھائي وكيفية التعامل معه وھو أمر يحتاج إلى رويّة وتبصر وطول نفس‪.‬‬ ‫وتحكم ھذا المؤشر المعايير التالية‪:‬‬ ‫‪١‬ـ ينبغي أن يكون للقيادات الثورية الميدانية موقعھا المتميز في بناء وإدارة مرحلة اإلجھاز على‬ ‫النظام والمرحلة التي تلي دون غمط لحق القيادات العاملة في اإلطار السياسي الخارجي‪.‬‬ ‫‪٢‬ـ تكون إدارة المرحلة االنتقالية بحكومة توافقية‬ ‫‪٣‬ـ الوطن السوري يسع كل مكوناته وأعراقه وطوائفه دون أن يطغى أحد على أحد‪.‬‬ ‫‪٤‬ـ الحرية والعيش الكريم ورفض الظلم أھم المبادئ التي يلتقي عليھا الجميع‪.‬‬ ‫‪٥‬ـ سوريا جزء أصيل من األمة العربية واإلسالمية وتلتقي معھا على ثوابتھا العقدية والتاريخية‬ ‫وتعمل في ظل مصلحتھا العليا‪.‬‬ ‫‪٦‬ـ التعددية الحزبية والفكرية حق مكفول ألھل سوريا بشرط أن يعمل في ظل المصلحة العليا‬ ‫للمجتمع وأن ال يتصادم مع ثوابت أھل الشام العقائدية‪.‬‬ ‫‪٧‬ـ االختيار الحر والنزيه للممثلين والنواب الذين يمثلون كل الشرائح في المجتمع السوري‪.‬‬ ‫‪٨‬ـ تفويض الممثلين والنواب الستكمال بناء سوريا الحرة من خالل وضع الدستور وتحديد آلية‬ ‫بناء الدولة وانتخاب الرئيس وبناء الحكومة ومؤسساتھا‪.‬‬ ‫‪٩‬ـ رفض الوصاية الخارجية والعمل على حماية مكتسبات الثورة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬إدراك طبيعة مرحلة ما بعد النظام من التنازع على الرؤية التي ينبغي أن يستقر عليھا‬ ‫المجتمع السوري وكذا على آليات إدارة الدولة‪.‬‬ ‫‪ -١١‬يتعين على السوريين أن يتعاملوا مع التحديات التي سوف تستجد ومن أھمھا محاولة أعداء‬ ‫الداخل والخارج لمسح آثار التحول اإلسالمي التي شھدتھا الشام في ظل مقاومة الطاغية‬ ‫وإسقاطه‪.‬‬ ‫‪ -١٢‬لن تتمكن إدارة الدولة ومكوناتھا من التجاوب التام مع آمال الناس في التنمية واالستقرار‬ ‫ولكن العمل على تولية األقوياء األمناء ينبغي أن يسير في مساره الصحيح وكذا الحفاظ على‬ ‫الثورة وقسمتھا بالسوية بين فئات المجتمع‪.‬‬

‫‪79‬‬


‫‪ -١٣‬ضرورة استعداد أھل الشام الحتمال الدخول في معركة أشمل وأوسع مع المشروع‬ ‫الفارسي الشيعي في المنطقة بعد سقوط النظام في دمشق إذ قد يتحول الصراع إلى مناطق‬ ‫متاخمة للشام ويمنع االستقرار فيھا‪.‬‬ ‫‪ -١٤‬ضرورة إعطاء المجتمع السوري فرصته للھدوء المرحلي وعدم تحميله كل أعباء االنكسار‬ ‫في معادلة األمة خاصة في الشام ومواجھة المشروع اليھودي وترك المراحل تمضي دون‬ ‫تعجل‪.‬‬

‫المؤشر االستراتيجي الرابع‪:‬‬ ‫على اإلسالميين في سوريا أن يتقدموا للناس برؤيتھم للنظام السياسي المستمد من الشريعة‬ ‫اإلسالمية وشرح لطبيعة المبادئ والحقوق التي يحتويھا ھذا النظام بغض النظر عن مدى‬ ‫جاھزية الشعب السوري لتقبل كل أو بعض معطيات ھذا النظام‪.‬‬ ‫وتحكم ھذا المؤشر المعايير التالية‪:‬‬ ‫‪ -١‬الشريعة اإلسالمية مصدر التشريع الوحيد ‪.‬‬ ‫‪ -٢‬األمة مصدر السلطة ‪.‬‬ ‫‪ -٣‬الحقوق والحريات الشرعية مصونة للجميع بما في ذلك حق إبداء الرأي‪ ،‬ونقد السلطة‪.‬‬ ‫‪ -٤‬وحدة األمة واتحادھا ضرورة شرعية وحق مشروع لجميع شعوبھا ‪.‬‬ ‫‪ -٥‬الشورى واالنتخاب والتزام رأي األكثرية‪ ،‬والتعددية والتداول السلمي للسلطة من أصول‬ ‫الحكم وحقوق األمة‪.‬‬ ‫‪ -٦‬اختيار األمة للحكومة حق شرعي مصون عن طريق الشورى والرضا ويتم بالوسائل‬ ‫المشروعة‪ ،‬ولألمة الحق في محاسبتھا ومراقبتھا وعزلھا‪.‬‬ ‫‪ -٧‬العدل بين الناس ورفض جميع أشكال الظلم والتفرقة العنصرية والطائفية والفئوية والطبقية‬ ‫من الواجبات الشرعية وأھم الحقوق اإلنسانية ‪.‬‬ ‫‪ -٨‬االرتقاء باإلنسان إيمانيا ً وأخالقيا ً وعلميا ً وثقافيا ً وتنمية مھاراته وقدراته العقلية والنفسية‬ ‫والجسدية وإشباع حاجاته الطبيعية ضرورة شرعية واجتماعية‪.‬‬

‫‪80‬‬


‫‪ -٩‬احترام كرامة اإلنسان وحريته وحقوقه اإلنسانية والدينية والفكرية والسياسية واالقتصادية‬ ‫والمھنية والعلمية ورفض كافة أشكال انتھاك كرامته‪ ،‬وصيانة كافة حقوق المرأة وتعزيز دورھا‬ ‫في المجتمع‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬حق األمة في المحافظة على ثرواتھا‪ ،‬وحمايتھا‪ ،‬وتنميتھا‪ ،‬اقتصادياً‪ ،‬وتوزيعھا توزيعا ً‬ ‫اجتماعيا ً عادالً‪ ،‬كل ذلك حقوق مشروعة ال يسوغ مصادرتھا‪ ،‬أو االفتئات فيه عليھا‪ ،‬وال‬ ‫التصرف فيه دون إذنھا وقبل الرجوع إليھا‪.‬‬ ‫‪ -١١‬حق األمة في الدفاع المشروع كوسيلة للمحافظة على سيادة األمة واستقاللھا وحماية‬ ‫ثرواته‪.‬‬ ‫‪ -١٢‬الوفاء بالعھود مع شعوب العالم والتعاون المشروع بما يحقق العدل والسلم واالستقرار‪.‬‬ ‫وﷲ يقول الحق وھو يھدي السبيل‪،،،‬‬

‫‪81‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.