الثورة العربية أداء وتحديات وآفاق

Page 1

‫عامان من الثورة العربية‬ ‫أداء وتحديات وآفاق‬

‫بقلم‪ /‬حسن أحمد الدقي‬ ‫‪٢٠١٣/١/٢٠‬‬

‫المفردات ‪:‬‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫منجزات الثورة وفق مسطرة المشروع اإلسالمي‬ ‫التقاطع في دائرة صراع المشاريع‬ ‫تحديات حكومات الربيع العربي والجماعات اإلسالمية‬ ‫مؤتمر األمة وآفاق الرؤية‬

‫ ‬


‫الحمد‪ 2‬الذي ربط على قلوب المؤمنين وأوجب لھم الظھور والغلبة‬ ‫بقوله‪) :‬وال تھنوا وال تحزنوا وأنتم األعلون إن كنتم مؤمنين(آل‬ ‫عمران‪١٣٩:‬‬ ‫والصالة والسالم على رسول الھدى محمد بن عبد‪ A‬وعلى آله وصحبه‬ ‫ومن وااله إلى يوم الدين‪ ،‬وبعد‪:‬‬ ‫فمع مرور عامين على ثورة الربيع العربي يمكن القول أن الثورة قد‬ ‫وضعت ركائزھا على األرض وأنھا قد اصبحت مرشحة بل ھي كذلك‬ ‫لتغيير وجه األرض كلھا كما تغيرت من قبل ببعثة محمد صلى ‪ A‬عليه‬ ‫وسلم وما ذلك إال ألن العرب يحملون أعظم األديان وأكثرھا تأثيرا في‬ ‫التاريخ وألنھم يمثلون أمة مرشحة ألن يبلغ سلطانھا ما بلغ الليل‬ ‫والنھار كما وعد بذلك المصطفى صلى ‪ A‬عليه وسلم في قوله‪) :‬إن ‪A‬‬ ‫زوى لي األرض فرأيت مشارقھا ومغاربھا وإن أمتي سيبلغ مل ُكھا ما‬ ‫ُزوي لي منھا(رواه مسلم‪.‬‬ ‫وبانطالق الثورة العربية في الجناح الغربي من تونس إلى مصر وليبيا ثم‬ ‫بنشوبھا مجددا في الجناح الشرقي من اليمن إلى الشام والعراق فقد دل‬ ‫ذلك على أن العرب قد وضعوا أيديھم على أخطر فرصة ومرحلة تاريخية‬ ‫كانوا بانتظارھا وأنھم لن يفرطوا بعد اليوم في التغيير الذي ُھدُوا إليه‬ ‫واآللية التي جاءتھم بعد طول انتظار وعظيم معاناة‪.‬‬ ‫• منجزات الثورة وفق مسطرة المشروع اإلسالمي‪:‬‬ ‫وقبل تحديد مالمح منجزات الثورة العربية خالل العامين الماضيين فال بد‬ ‫من تمييز مسطرة المشروع اإلسالمي التي ستقاس اإلنجازات إليھا وقد‬ ‫تم اختصار تلك المسطرة بخمس نظريات‪ :‬أما األولى فھي النظرية‬ ‫التطبيقية لنظام الخالفة والحكم الراشد والمطروحة في كتاب الحرية أو‬ ‫الطوفان وكتاب تحرير اإلنسان وتجريد الطغيان للدكتور حاكم المطيري‪،‬‬ ‫والنظريات األربع األخرى كما وردت في كتاب مالمح المشروع اإلسالمي‬ ‫وھي‪:‬‬ ‫ ‬


‫نظرية ألوان الطيف ‪ :‬وتدعو إلى تكامل األداء اإلسالمي والتقائه على‬ ‫ساحة واحدة من األھداف الكلية لألمة‬ ‫نظرية الدرع والقلب‪ :‬وتدعو إلى ضرورة مجابھة مشروع الغزو‬ ‫الصليبي ال ُمح َدث في ب ُعده المركزي المتمثل في سيطرة اليھود على‬ ‫فلسطين وفي بعده البنيوي المتمثل في آليات الحراك األمريكي من غزو‬ ‫للمنطقة وعبر تكامله مع المشروع اإليراني واستخدامه للنظام السياسي‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫نظرية التغيير الشاملة‪ :‬والتي تدعو إلى تطبيق كل أنواع نظريات التغيير‬ ‫واالستعداد لألسوأ‪.‬‬ ‫نظرية العولمة والظھور‪ :‬والتي تدعو إلى مالمسة المستوى العالمي‬ ‫سواء تعلق األمر باألمة المسلمة أم بعالقة المسلمين ببقية األمم في الب ُعد‬ ‫الدعوي والحضاري واالقتصادي‪.‬‬ ‫وبعد ُمضي عامان من الثورة العربية فيمكن الوقوف على المنجزات‬ ‫التالية‪:‬‬ ‫‪-١‬‬

‫‪-٢‬‬

‫أسقطت الثورة العربية كل ما تبقى من ادعاء لدى النظام العربي‬ ‫السياسي بإمكانية تصديه ألزمات األمة أو السعي لتحقيق أي‬ ‫مستوى من مصالحھا بل إن الثورة العربية عجلت بتسليط‬ ‫الضوء على خنجر النظام العربي المغروس في أحشاء العرب‬ ‫منذ صقلته اليد اإلنجليزية والفرنسية معا قبل ما يقرب من مائة‬ ‫عام وبھذا تكون الثورة العربية قد وضعت األجيال أمام‬ ‫مسؤولياتھا في استكمال شوط التغيير إلى نھايته‪ ،‬وھي‬ ‫بحراكھا الثوري وتضحياتھا الكبرى تكون قد استعادت السلطة‬ ‫من مغتصبيھا وھي تدرك أنھا لن تسلمھا إال لمن يستحق أن‬ ‫يمثلھا ويقوم بواجبھا كامال دون نقص وإال فالحساب ينتظره‪.‬‬ ‫كما أن األمة بإصرارھا على دفع كلفة التغيير الباھضة تكون قد‬ ‫أدركت أن سر تخلفھا بين األمم طوال قرن من الزمان إنما ھو‬ ‫ ‬


‫‪-٣‬‬

‫‪-٤‬‬

‫‪-٥‬‬

‫‪-٦‬‬

‫نابع من النظم السياسية التي كبلتھا واستعبدتھا ومنعتھا من‬ ‫قيامھا بدروھا الحضاري‪.‬‬ ‫عبرت الشعوب امتحان الغثائية بكل قوة وجدارة حين فضلت‬ ‫الموت على الحياة الذليلة وبذلك فقد أعطت شعوب الربيع‬ ‫العربي اإلشارة لعودة الحياة إلى األمة مجددا‪.‬‬ ‫بانتشار الروح الجھادية وتعمق ممارستھا في ليبيا ومن ثم في‬ ‫سوريا ومن قبل في العراق تكون األمة قد خطت خطى واسعة‬ ‫في طريق التغيير وبوصول الربيع العربي إلى سوريا وھي‬ ‫أخطر وحدات دول الطوق كما تسمى تكون األمة قد اقتربت‬ ‫اقترابا شديدا من قلب المشروع الصليبي ونواته الخطرة في‬ ‫فلسطين ولھذا التطور ما بعده‪ ،‬بل إن ھذا التطور يمس الدرع‬ ‫والقلب معا للمشروع الصليبي‪.‬‬ ‫بتفاعل شعوب األمة مع بعضھا البعض وبالروح الجمعية التي‬ ‫ارتفعت في ظل الربيع العربي تكون األمة قد تھيأت الستقبال‬ ‫آلية جديدة للتغيير وھي آلية األمة بعد آلية الشعوب وھي بذلك‬ ‫تكون أيضا قد عبرت جزءا من المنطقة المظلمة التي تحول‬ ‫دون نصرة بعضھا البعض وھي منطقة الفراغ والوھم الوطني‪،‬‬ ‫وأخطر أمر يمكن أن يرصد في ھذا الجانب ھو تجاوب األمة مع‬ ‫التوقيت الرباني لتداعي المراحل الثورية عند العرب فھاھي‬ ‫العراق تستجيب للحراك الثوري في وقت دقيق بعد أن صبغت‬ ‫الثورة السورية ساحة العرب بدمائھا ورفعت سقوفھم بشھدائھا‬ ‫فإذا بالعراقيين يدخلون كطرف ھام في المعادلة مع إخوانھم في‬ ‫مالعبة المشروع الصفوي وياله من توقيت قاتل‪.‬‬ ‫وقد أسھمت األمة بحراكه الثوري في كشف حقيقة خطرة‬ ‫حرص النظام السياسي العربي أن يبقيھا بعيدة عن األعين‬ ‫خاصة النظام الملكي وھي عدم اختالفه البتة عن شقه اآلخر‬ ‫الجمھوري فھو مسير بنفس أدوات النظام الدولي وھو الذي‬ ‫أسھم من قبل ومن بعد في إفساد قضايا األمة القديمة منھا‬ ‫‪٤‬‬


‫‪-٧‬‬

‫‪-٨‬‬

‫‪-٩‬‬

‫والحديثة مما حدد البوصلة لبقية الشعوب باتجاه الثورة وبقاء‬ ‫األعين مشدودة إليھا‪.‬‬ ‫لم تتردد األمة في كسر الحدود بينھا عندما احتاجت لذلك وإن‬ ‫كان كسرا جزئيا كما حدث على الحدود التونسية الليبية‬ ‫والجزائرية والمصرية والسودانية أثناء الثورة الليبية وكما‬ ‫حدث على الحدود السورية العراقية والتركية واللبنانية مما‬ ‫يؤشر على طبيعة التطورات في المرحلة القادمة في عالقة‬ ‫األمة أثناء اشتداد األوضاع وتطورھا الخطر‪.‬‬ ‫كما أن ثبات العرب على مسيرتھم الثورية وإصرارھم على‬ ‫الدفع باتجاه التغيير مھما كانت التضحيات فتحت أعين غير‬ ‫العرب من األمة المسلمة على طبيعة المستقبل وھاھي‬ ‫إندونيسيا وباكستان تتھيأ لالنتقال إلى ھذه الساحة‪ ،‬بل إن رياح‬ ‫الثورة العربية مرشحة لتجاوز األمة المسلمة والوصول إلى‬ ‫بقية األمم لكي تتجرأ على مجابھة تغول الرأسمالية من الصين‬ ‫إلى أمريكا الجنوبية‪.‬‬ ‫كما أثبتت الشعوب بإصرارھا على استكمال مسيرة الثورة‬ ‫سواء في بعدھا الجھادي أو في بعدھا السياسي على إدراك‬ ‫لطبيعة المعركة واالستعداد للذھاب في الشوط إلى آخره في‬ ‫سبيل تحقيق ما قامت من أجله وھو إسقاط النظم الجبرية‬ ‫وتحقيق حلمھا بالحرية وتطبيق شرع ربھا وقد تبين ھذا في‬ ‫النموذج المصري فيما بعد الثورة وفي النموذج السوري رغم‬ ‫الحصار والقتل الذي يتعرض له الشعب السوري‪.‬‬

‫• التقاطع في دائرة صراع المشاريع‬ ‫تزامنت الثورة العربية مع تحوالت كبيرة في النظام الدولي وتباين‬ ‫كبير مما يبشر بفرص أكبر سوف تلوح من خالل تطور الثورة‬ ‫ودخولھا في مراحل جديدة كما بشر ‪ A‬عز وجل نبيه والمؤمنين من‬ ‫قبل بالتحوالت في النظام الدولي‪) :‬ألم‪،‬غلبت الروم‪ ،‬في أدنى األرض‬ ‫‪٥‬‬


‫وھم من بعد غلبھم سيغلبون في بضع سنين ‪ 2‬األمر من قبل ومن‬ ‫بعد ويومئذ يفرح المؤمنون‪ ،‬بنصر ‪ A‬ينصر من يشاء وھو العزيز‬ ‫الرحيم(الروم‪٥-١:‬‬ ‫وتبين في ظل تقاطع دائرة صراع المشاريع ما يلي‪:‬‬ ‫‪-١‬‬

‫‪-٢‬‬

‫‪-٣‬‬

‫فشلت أمريكا وطوال عقدين منذ سقوط االتحاد السوفيتي وحتى‬ ‫وقتنا ھذا في وضع النظام البديل قيد التنفيذ وھو نظام القطب‬ ‫االمريكي األوحد فال ھي حققت حلمھا وال ھي بالتي حافظت‬ ‫على توازن القوى الدولية ومما يج ّير ھذا التغيير لصالح األمة‬ ‫المسلمة أن أمريكا لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه من ضعف‬ ‫إال بمعركتي كابل وبغداد مما رتب استحقاقا تاريخيا لصالح‬ ‫األمة المسلمة في صراع المشاريع الدولية‪.‬‬ ‫ولعل أوضح مظاھر ضعف النظام الدولي قد تبلورت في أمرين‬ ‫مھمين أما األول فھو جمود آليات النظام الدولي المتمثل في‬ ‫مجلس األمن وجمعية األمم المتحدة ففي عقد كامل لم تتمكن‬ ‫تلك اآللية من أن تعيد ترتيب أي أزمة دولية ناشبة سواء‬ ‫تمثلت في أزمة الصومال أو أزمة إيران أو أزمة كوريا أو‬ ‫غيرھا من األزمات‪ ،‬وأما األمر الثاني فھو االنھيار االقتصادي‬ ‫الذي ضرب عمالقة النظام الدولي خاصة أمريكا وأوروبا والحد‬ ‫من قدرتھما على تحريك األزمات باالتجاه المطلوب و ُيشار في‬ ‫ھذا الصدد إلى اإلنفاق الكبير الذي أنفقته أمريكا على الحربين‬ ‫في كل من أفغانستان والعراق‪ ،‬يضاف إليه بدء تصدع نظام‬ ‫النقد الدولي العتماده على الربا من جھة والرتباط التضخم‬ ‫النقدي بالعمالت الورقية‪.‬‬ ‫تمكن النظام الدولي حتى اآلن من التوازن النسبي حول المسألة‬ ‫السورية وعدم انجذابه للصراع ولكن على حساب دماء األمة‬ ‫وحرماتھا حيث سجل الجناح الشرقي )إيران وروسيا والصين(‬ ‫تفوقا في دعم النظام النصيري وفي الجانب اآلخر وقفت أمريكا‬ ‫‪٦‬‬


‫‪-٤‬‬

‫‪-٥‬‬

‫وأدواتھا في المنطقة متفرجة ومحاصرة للسوريين كي ال‬ ‫يصلھم الحد األدنى من متطلبات الصراع العسكري‪.‬‬ ‫تصدع النظام السياسي العربي )الجبري( بفعل انتھاء الصالحية‬ ‫وبفعل الثورة العربية واضطرار اليھود والنصارى إلى النزول‬ ‫الميداني إلدارة ھذا النظام خوفا من سقوطه النھائي خاصة في‬ ‫البعد األمني والذي يسيطر بدوره على جميع مرتكزات النظام‬ ‫الجبري‪ ،‬واألثر المباشر لھذه اإلدارة على انكشاف سوءات ذلك‬ ‫النظام للشعوب وتسريع سقوطه ووقوف األمة بالتالي وجھا‬ ‫لوجه أمام أعدائھا األزليين والتعجيل بالمستويات المتقدمة في‬ ‫الصراع‪.‬‬ ‫انتھاء مرحلة التماھي بين المشروع الصفوي والمشروع‬ ‫الصليبي واليھودي الغربي بسبب رغبة الصفويين بمستوى من‬ ‫الھيمنة غير مسموح به لدى أصحاب المشروع الصليبي وھو‬ ‫السالح النووي‪ ،‬واستنفاد المشروع الصليبي لكل أدوات‬ ‫اإلغراء ومحاوالت التفاھم لردع الصفويين الجدد عن سقفھم‬ ‫العالي واستثمار الصفويين لطبيعة التناقض الدولي والسعي‬ ‫لالستظالل بالمظلة الشرقية )روسيا والصين( لتحقيق األطماع‬ ‫الدولية مما يجعل النظام الدولي قريبا من انزالق نحو المجھول‪،‬‬ ‫وتزامن ھذا التحول مع وقوع االصطدام األول بين المشروع‬ ‫الصفوي وبين األمة المسلمة في العراق والتثنية باالصطدام‬ ‫الثاني في الشام واضطرار أمريكا لغض الطرف نسبيا عن‬ ‫محركات ھذا الصراع إلضعاف الطرفين ولتھديد الصفويين‬ ‫بالوكالة بدال من االصطدام المباشر بھم‪ ،‬وما شكلته ھذه‬ ‫الفرصة من الصدام لكشف زيف المشروع الصفوي بادعائه‬ ‫العمل على تحرير فلسطين والذي أدى إلى انقسام واضح بين‬ ‫مكونات األمة في فھم حقيقة دوافع الصفويين تلك إلى أن جاء‬ ‫الصدام الثاني ليضع الصفويين في مقدمة أعداء األمة في ھذه‬ ‫المرحلة‪.‬‬ ‫ ‬


‫‪-٦‬‬

‫‪-٧‬‬

‫ويترتب على الصدام الجديد بين المشروع الصفوي واألمة‬ ‫المسلمة في الشام اصطباغ المرحلة المنظورة بتبعات ھذا‬ ‫الصدام وامكانية امتداده لكي يشمل العراق مجددا بل وإيران‬ ‫نفسھا ودخول لبنان على خط الصراع‪.‬‬ ‫وبتزايد المؤشرات على قرب انتقال عدوى الربيع العربي‬ ‫وتوسعه شرقا وغربا حيث ترشح دوائر المراقبين كال من‬ ‫المغرب والجزائر واألردن والسعودية لاللتحاق بدائرة الربيع‬ ‫العربي وما سوف يسببه ذلك من قلق شديد لدى الدوائر الغربية‬ ‫تجاه ھذا التطور الخطير القريب‪ ،‬وعليه فقد بدأت مؤشرات‬ ‫محاولة القوى الغربية للتموضع القريب من ھذه الدول تحسبا‬ ‫للتطورات وفي كل االتجاھات ولعله السبب األظھر الذي دعا‬ ‫فرنسا الختراع قصة مالي والزج بقواتھا في تلك المنطقة أما‬ ‫أمريكا فقواعدھا في الخليج وبحر العرب والبحر األحمر تجعلھا‬ ‫قريبة من أي تطورات في ھذا االتجاه‪ ،‬مما يؤشر بطبيعة‬ ‫المرحلة القادمة في المنطقة‪.‬‬

‫• تحديات حكومات الربيع العربي والجماعات اإلسالمية‬ ‫ويعتبر وصول اإلسالميين إلى حكم الدفعة األولى من دول الربيع‬ ‫العربي من أوضح معالم المرحلة مع اختالف التوقعات حول المآالت‬ ‫القريبة فضال عن البعيدة لھذا التطور‪ ،‬كما يعتبر االستقطاب ما بين‬ ‫كتل األداء اإلسالمي )الجماعات( وھي كتلة اإلخوان والسلف والسلفية‬ ‫الجھادية من أھم التحديات التي تلف المرحلة‪ ،‬ويمكن رصد النقاط‬ ‫التالية في ھذا الباب‪:‬‬ ‫‪-١‬‬

‫يمكن تمييز الحاالت الثالث في الحكومات اإلسالمية ما بين‬ ‫تونس ومصر وليبيا فھي ليست منطبقة في مواصفاتھا وأدائھا‬ ‫فبينما نجح المصريون في لملمة شمل أداء المدرستين‬ ‫اإلسالميتين األبرز وھي مدرسة اإلخوان والسلف والتفافھما‬ ‫حول مبادئ محددة للمرحلة وإدراكھما خطورة التفرق وامكانية‬ ‫ ‬


‫خسارة كل التضحيات التي قدمتھا الثورة المصرية نجد أن‬ ‫النموذج التونسي لم يتمكن من التوصل إلى الحد األدنى من‬ ‫االلتقاء والتفاھم مما جعل األوضاع في تونس مھلھلة إلى‬ ‫درجة كبيرة كما يحسب للمصريين تقدم اإلخوان وبدعم من‬ ‫الشارع المصري لتفكيك أخطر مرتكزات الدولة العميقة‬ ‫والمتمثلة في الجيش واألمن والقضاء وإن كانت المھمة ال تزال‬ ‫صعبة وقاسية بينما لم تتمكن حركة النھضة في تونس من أن‬ ‫تؤدي أي دور بھذا االتجاه مما جعلھا في وضع ال تحسد عليه‬ ‫فھي تسير وفق توجيه مراكز الدولة العميقة ومطلوب منھا‬ ‫التجاوب مع متطلبات الشارع الذي جاء بھا إلى الحكم‪.‬‬ ‫بينما تخضع ليبيا لقواعد مختلفة فھي ومع سقوط أخطر قواعد‬ ‫الدولة العميقة من الجيش واألمن لكنھا وقعت في المعادلة الدولية‬ ‫المصممة إلدارة مثل ھذا النموذج وھو إغراء الدولة بتھديد‬ ‫اإلرھابيين واستقطاب كل شيء في الدولة لھذا االتجاه وبالتالي‬ ‫فبدال من عداء الشعب لنظام القذافي تم اختراع عدو جديد وتكاد‬ ‫الحكومة تسقط في األحابيل‪.‬‬ ‫‪-٢‬‬

‫كما يتضح من الوضع العام في دول الربيع العربي من مصر‬ ‫إلى تونس وقوع ھذه الحكومات بين استقطابين خطيرين األول‬ ‫ھو استقطاب األمة نحو ثوابتھا وحريتھا وتطبيق شريعتھا‬ ‫مھما كلفھا من أمر وبين استقطاب النظام الدولي الذي ال يريد‬ ‫لألمة أن تخرج من طوعه ولذلك فھو يستخدم كل ما تقع عليه‬ ‫يده لصرف األمة عن االستقالل الحقيقي عنه سواء ببقايا‬ ‫الدولة العميقة أو من خالل تسليط بقايا النظام العربي )الجبري(‬ ‫كدول الخليج خاصة ومن خالل تحكمه في أدوات االقتصاد‬ ‫الدولي‪ ،‬وقد نجحت مصر من تجاوز أعقد المراحل عندما‬ ‫تمكنت من إقرار الدستور بينما الوضع في ليبيا وتونس ال يزال‬ ‫غامضا بدرجة كبيرة‪.‬‬ ‫ ‬


‫‪-٣‬‬

‫‪-٤‬‬

‫‪-٥‬‬

‫لم تسجل حكومات الربيع العربي عناية كافية بالثورة السورية‬ ‫ولم تستثمر الزخم الثوري السناد األداء في سوريا ال في بعده‬ ‫المعنوي والسياسي كتسيير المظاھرات المليونية واتخاذ مواقف‬ ‫ضاغطة مقارنة مع الحراك الجماھيري الذي سجلته الجماعات‬ ‫والشعوب إبان الغزو األمريكي للعراق في العشرية الماضية‪،‬‬ ‫وكذلك لم تتمكن حكومات الربيع العربي وال الجماعات‬ ‫اإلسالمية من دعم الثورة السورية في البعد المادي من الدعم‬ ‫بألوانه عدا بعض المساعدات المحدودة من ليبيا‪ ،‬مقارنة مع‬ ‫البنية التحتية التي تمكنت الحركات اإلسالمية من إيجادھا‬ ‫بنھاية الثمانينات في دعم الجھاد ضد االتحاد السوفيتي مع‬ ‫فوارق الزمان والمعادالت الدولية لكن الفرصة مواتية لو‬ ‫استغلت‪.‬‬ ‫ويسجل للحكومة المصرية دورھا المميز في إسناد الوضع في‬ ‫غزة وإن لم يكن في أبعاده االستراتيجية لكنه وفر مظلة جيدة‬ ‫للمرحلة اتضحت أھميتھا في حرب األيام الثمانية التي خاضتھا‬ ‫حماس ضد العدو اإلسرائيلي في شھر نوفمبر من العام‬ ‫المنصرم‪ ،‬وتعتبر حكومة حماس في غزة متأثرة بشكل أو بآخر‬ ‫بمعادلة حكومات الربيع العربي مع فارق االستناد الجھادي‪ ،‬وال‬ ‫تزال القضية الفلسطينية برمتھا في وضع منغلق ال يلوح في‬ ‫أفقھا أي بعد استراتيجي يتعلق بمسار األمة الكلي ولوال التدخل‬ ‫الذي أجرته حماس في اللحظة األخيرة وانفصالھا عن المشروع‬ ‫الصفوي وحربه التي شنھا على األمة في سوريا لكانت األمور‬ ‫ساءت بشكل كبير وال تزال عالمات االستفھام قائمة حول طبيعة‬ ‫العالقة التي تربط حماس بإيران‪.‬‬ ‫دلت ممارسات الجماعات اإلسالمية في الثورة السورية على‬ ‫أنھا تعيش حلمھا الخاص بھا وأنھا لم تتمكن بعد من مالمسة‬ ‫سقوف األمة وال ھي أدخلت الحراك الثوري كمتغير تاريخي‬ ‫خطير في معادلة االجتھاد الكلي‪ ،‬فما بين معول على النظام‬ ‫الدولي في حراكه وأدواته االقليمية كدول الخليج وواقع في‬ ‫ ‬


‫‪-٦‬‬

‫‪-٧‬‬

‫حبائله كما رأينا من تطبيقات المجلس الوطني واالئتالف‬ ‫الوطني وما بين متھيئ إلعالن خالفة خاصة به ويعتقد أنه بذلك‬ ‫يضع لبنة في نظام الخالفة الشامل الجامع لألمة من مشرقھا‬ ‫إلى مغربھا وال يخطر على باله أن يفتئت على حق األمة‬ ‫الشرعي بفعله ھذا وما بين مھدد لبقية الفرقاء إن ھم لم‬ ‫يتجاوبوا مع رؤيته واجتھاده وما بين ھاجر للمسألة السياسية‬ ‫باعتبار أن ال عالقة لھا بالمرحلة‪ ،‬صحيح أن المجاھدين في‬ ‫سوريا قد أظھروا نضجا مميزا مقارنة بما كان عليه الحال في‬ ‫العراق طوال عقد من الزمن لكن األمر يحتاج إلى مشروع‬ ‫وتصور جامع وآليات في التنظيم السياسي والجھادي للتعامل‬ ‫مع المرحلة وتداعياتھا‪.‬‬ ‫ومع اشتداد الموقف في الثورة السورية وخطورة االنتھاك‬ ‫لحرمات األمة لكن الجماعات اإلسالمية لم تسجل أي اقتراب من‬ ‫بعضھا البعض وال سعي لحوار وتواصل وحرص على تفكيك‬ ‫العقد في العالقة بينھا مما يدل على بقاء نفس الرؤى التي‬ ‫حكمت العقود الماضية من انكفاء على الذات واعتبار األمة‬ ‫ميدان تجارب ال يحاسب فيھا طرف طرفا آخر‪ ،‬بل األخطر من‬ ‫ذلك أن المؤشرات تدل على أن سعي الجماعات اإلسالمية لدعم‬ ‫الثورة السورية يتم والعيون مشدودة على تحقيق مكاسب‬ ‫محددة من االستقطاب والحرص على دعم مشروع كل جماعة‬ ‫على حده‪.‬‬ ‫سجل المجاھدون تطورا مميزا بمضيھم في عولمة األداء وعدم‬ ‫الجمود في سقف القطر بينما سجل البعض اآلخر جمودا كبيرا‬ ‫بلزوم ما يلزم من سقوف القطر وحدود النظام الدولي مما أدى‬ ‫إلى التدابر والتقاطع وعدم االلتقاء على رؤية مشتركة إلدارة‬ ‫المرحلة‪.‬‬

‫ ‬


‫• مؤتمر األمة وآفاق الرؤية‬ ‫وتأتي مسؤولية مؤتمر األمة وحراكه الدعوي والسياسي في ھذه‬ ‫اللحظة الفارقة من تاريخ األمة لتضع قيادة المؤتمر على المستوى‬ ‫المركزي والمستوى القطري أمام تحديات كبيرة ودقيقة وتتمثل‬ ‫تلك التحديات فيما يلي‪:‬‬ ‫‪-١‬‬

‫‪-٢‬‬

‫‪-٣‬‬

‫مواصلة الدفع باتجاه تقديم الرؤية الشرعية والخطة‬ ‫االستراتيجية التي يحملھا مؤتمر األمة لألمة المسلمة والتي‬ ‫تھدف إلى جمع أبناء األمة وقيادات العمل اإلسالمي على‬ ‫كلمة سواء‪ ،‬وتھدف إلى استثمار كلي للحراك الدعوي‬ ‫والسياسي والجھادي لعقود خلت بحيث يتم وضع الجھود في‬ ‫مسارات متوازية ومتكاملة بدال من مساراتھا المتضاربة‬ ‫والمتناقضة‪ ،‬والتي تھدف إلى توحيد رؤية األمة حول آليات‬ ‫الصراع والتعامل مع المشاريع المناقضة لعقيدة األمة‬ ‫ومصالحھا‪.‬‬ ‫تقديم اآللية السياسية والعملية الناتجة عن اجتھاد مؤتمر‬ ‫األمة والمتمثلة في األحزاب السياسية في األقطار العربية‬ ‫والملتزمة برؤية المؤتمر والتي تسھم ميدانيا في تشخيص‬ ‫المصلحة العليا لألمة في بعدھا القطري واإلقليمي وبعدھا‬ ‫األممي كما تسھم تلك األحزاب في إدارة أزمات األمة والدفع‬ ‫بالحلول العملية والتصورات الميدانية لجلب المصالح ودفع‬ ‫المضار‪.‬‬ ‫القيام بدور الحسبة في األمة من خالل تمييز ونصب معايير‬ ‫المشروع اإلسالمي والرؤية الجامعة والتي ستحول بإذن ‪A‬‬ ‫أو تخفف من التناقضات اإلسالمية الداخلية ما ستمنع أو‬ ‫تقلص من االختراقات الخارجية للمشاريع المناقضة لألمة‬ ‫وھو الذي إن تحقق فسوف يوفر لألمة البيئة المباركة‬ ‫لإلنجاز الحضاري الكلي متبعين قوله عز وجل )الذين إن‬ ‫ ‬


‫‪-٤‬‬

‫‪-٥‬‬

‫مكناھم في األرض أقاموا الصالة واتوا الزكاة وأمروا‬ ‫بالمعروف ونھوا عن المنكر و‪ 2‬عاقبة األمور(الحج‪٤١:‬‬ ‫العمل مع كافة األطراف في األمة لتوليد اآلليات التي تتناسب‬ ‫وإدارة المرحلة في ظل أخطر التطورات داخل وخارج األمة‬ ‫أما داخل األمة فيتمثل في الربيع العربي وما أفرزه من واقع‬ ‫جديد وما يتوقع له من امتدادات وأما خارجھا فيتمثل في‬ ‫تدافع المشاريع المناقضة لألمة وسعيھا لفرض إرادتھا‬ ‫وتقويض نھضتھا‪ ،‬حيث من المتوقع أن تستمر ھذه المرحلة‬ ‫لمدة ال تقل عن عقد من الزمن مما يحتاج معه إلى آليات‬ ‫حراك جديدة توظف طاقات األمة بھذا االتجاه وتفتح أمامھا‬ ‫كل الخيارات لدفع األذى وجلب المصلحة‪.‬‬ ‫التخفيف من حالة االستقطاب التي تعاني منھا األمة بين‬ ‫مشروعين يغلفھما شيء من الحرج وعدم الوضوح خاصة‬ ‫في المآالت النھائية لھما وھما مشروع اإلخوان المسلمين‬ ‫والذي يبدى نوعا من المسايرة لضغوط األعداء خاصة‬ ‫المشروع األمريكي والذي يخشى إن بقي مستمرا في نفس‬ ‫االتجاه أن يكون أقصى سقوفه ھو تحسين شروط النظام‬ ‫الجبري الذي يحكم األمة دون أن يغير فيه كبير أمر وھو ما‬ ‫اصطلح عليه باإلسالم السياسي كما يعتبر سقف ھذا‬ ‫المشروع سقفا مھددا لمصلحة األمة العليا وھو السقف‬ ‫القطري الوطني‪ ،‬وأما المشروع الثاني فھو مشروع السلفية‬ ‫الجھادية أو مشروع القاعدة وعلى فضل ما في ھذا‬ ‫المشروع من تطبيق جھادي وتعلق مبارك به لكن محدودية‬ ‫التصورات النھائية فيه تجعل أقصى سقوفه ملكا عضوضا‪،‬‬ ‫وھو ما يتناقض مع ما وعد به ‪ A‬ورسوله من استخالف‬ ‫في األرض وفق السنن الراشدة والتي سيبلغ بھا ھذا الدين‬ ‫ما بلغ الليل والنھار‪.‬‬

‫ ‬


‫‪-٦‬‬

‫التنبه إلى تطور طبيعة الصراع وآلياته بين مشروع األمة‬ ‫والمشاريع المناقضة له وتمحور الصراع على أربع ساحات‬ ‫ال تخطئھا العين‪ :‬أما الساحة األولى فھي ساحة مدافعة‬ ‫المشروع الصفوي والتي تمتد من سواحل لبنان غربا إلى‬ ‫حدود أفغانستان شماال وارتكاز الصراع على الجناح‬ ‫السوري والعراقي في مراحله األولى‪ ،‬وأما الساحة الثانية‬ ‫فھي ساحة مدافعة المشروع اليھودي والتي ترتكز على‬ ‫الجناح المصري بالدرجة األولى ثم الجناح الشامي‪ ،‬وأما‬ ‫الساحة الثالثة فھي ساحة مدافعة المشروع األوروبي والذي‬ ‫يقوده الفرنسيون والتي تعتمد على الجناح الجزائري وما‬ ‫جاوره من شمال إفريقية‪ ،‬وأما الساحة الرابعة فھي ساحة‬ ‫مدافعة المشروع األمريكي والتي تعتمد على الجناح اليمني‬ ‫وجناح جزيرة العرب ككل‪.‬‬ ‫‪ -------‬تم بحمد ‪ A‬تعالى ‪------‬‬

‫‪ ٤‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.