kharab democracy

Page 1

‫مناظرة الحمامة والغراب‬ ‫في ديموقراطيات الخراب‬ ‫بقلم‪ /‬حسن أحمد الدقي‬ ‫‪٢٠١٢/٨/١‬‬ ‫نحتاج في مناقشة مقالة الدكتور تركي الدخيل األخيرة التي عنونھا )بديموقراطيات‬ ‫الخراب( أن نتفق معه ومع الذين يناصرونه على أرضية للحوار مشتركة ھي أقرب‬ ‫إلى لوازم المناظرة وقواعدھا التي يتفق عليھا المتناظرون فيتحقق بذلك العدل‬ ‫وتكافؤ الفرص في عرض الحجج‪ ،‬وقد يسأل سائل ولم كل ھذا العناء؟ وجوابي‪ :‬أن‬ ‫الذي اضطرني لذلك تأسيس الدكتور رأيه وقناعته على فرضتين يعتبرھما الدكتور‬ ‫ُمسلّمتين ليستا بحاجة إلى نقاش؟ أما المسلمة األولى‪ :‬فھي أن الديموقراطية رائعة‬ ‫للكينونة البشرية غير أن اإلسالميين سوف يستخدمونھا لقيادة المجتمع الخليجي على‬ ‫وجه الخصوص إلى الخراب‪ ،‬وأما ُمسلمة الدكتور الثانية‪ :‬فھي أن حكام الخليج‬ ‫وأنظمته السياسية بطبعھا وبأصل تكوينھا وبأدائھا قد قادت األمة )الخليجية( إلى‬ ‫واحة التنمية والسعادة البشرية فال حاجة للديموقراطية‪.‬‬ ‫وعليه وفي ظل تلكما الفرضيتين أو المسلّمتين لم يعد البحث مجديا إال أن نتوقف‬ ‫عندھما ونطمئن إلى مدى اعتمادھما على أسس علمية مما تعارف عليه األكاديميون‬


‫في المنطق وعلوم الفلسفة‪ ،‬ولھذا أردت أن أحاكم مقال الدكتور تركي إلى مسلماته‬ ‫ومسلمات البشر وصوال إلى مسلمات األمة المسلمة وثوابتھا‪.‬‬ ‫وليسمح لي القراء الكرام أن أحدد ھذه القواعد أو المسلمات أو اللوازم بما يلي‪:‬‬ ‫القاعدة األولى‪ :‬اإلقرار بالمصطلحات الفكرية االنسانية والتي تطورت مع تطور‬ ‫اإلنسان المعاصر والتي يفھمھا الصيني كما يفھمھا األمريكي والكوبي والتي‬ ‫أصبحت من المستلزمات اإلنسانية الالزمة الستقرار الحياة البشرية وزيادة االنتاج‬ ‫إلى غير ذك مما يطمح له البشر كمصطلح الحرية والكرامة والديموقراطية وحق‬ ‫الشعوب في تقرير المصير والمساواة والعدالة إلى غير ذلك من المصطلحات‪،‬‬ ‫وبااللتزام بھذه القاعدة فال ينبغي ألي طرف من المتناظرين أن يخضع تلك‬ ‫المصطلحات للتفسير القومي أو الجغرافي أو الفئوي مھما كانت المبررات‪.‬‬ ‫القاعدة الثانية‪ :‬اإلقرار بوحدة العوامل الكونية واالقليمية المؤثرة في المعادالت‬ ‫السياسية والنظم الحاكمة والتكتالت الدولية وتداخل تلك العوامل إلى الدرجة التي‬ ‫يصعب انغالق أي مجموعة بشرية أو أرض أونظام عن تأثير تلك العوامل‪.‬‬ ‫القاعدة الثالثة‪ :‬اإلقرار بحراك األمم العقدي كأحد أھم مكونات الصراع الدولي‬ ‫وأعني باألمم تلك التي تشارك وتتحكم في الشأن األممي بسبب انطباق المعايير‬ ‫الستة التالية عليھا‪:‬المعيار)‪(١‬العدد الملياري‪ ،‬المعيار)‪(٢‬المساحة الجغرافية القارية‪،‬‬ ‫المعيار)‪(٣‬العقيدة المشتركة‪ ،‬المعيار)‪(٤‬التحكم في الثروات العالمية‪،‬‬ ‫المعيار)‪(٥‬االمبراطوري التاريخي‪ ،‬المعيار)‪(٦‬العلمي التقني وأوضحه امتالك‬ ‫السالح النووي‪.‬‬ ‫القاعدة الرابعة‪ :‬اإلقرار بحق األمم والشعوب وقدرتھا على مقاومة رغبة بقية االمم‬ ‫بالسيطرة والھيمنة العالمية أو االقليمية‪.‬‬ ‫فإذا تم نصب تلك القواعد فوق رؤوس المتناظرين فإن امكانية الحوار والمناظرة‬ ‫باتت ممكنة‪.‬‬ ‫يطرح الدكتور تركي في بداية مقاله المسلمتين التاليتين‪:‬‬ ‫المسلمة األولى‪..) :‬من دون أن يدرك أن الغايات التي ستأتي بھا الديمقراطية‬ ‫موجودة ومتحققة أساسا ً في الخليج(‪.‬‬ ‫المسلمة الثانية‪..) :‬سنجد أن الدول التي اتخذت التنمية مساراً مثل دول الخليج ھي‬ ‫أغنى الدول وأكثرھا استقراراً(‪.‬‬


‫ويعلم الدكتور أن األمم وشعوب العالم في ظل نضالھا وحراكھا في تحصيل حقوقھا‬ ‫وانتزاعھا من النظم الديكتاتورية لم تصل إلى مصطلح )الديموقراطية( مجردا عن‬ ‫بقية المصطلحات بل تداخلت مجموعة من المصطلحات لكي تشكل نظاما يضمن‬ ‫عدم لعب النظم الحاكمة بمقدرات تلك الشعوب! وعليه فإن التنمية كمصطلح عالمي‬ ‫بالمفھوم اإلنساني ال يمكن عزله عن الديموقراطية وبقية منظومة المصطلحات‪،‬‬ ‫ويعلم الدكتور أن أساس التنمية إنما يتمثل في اطمئنان الشعوب كل الشعوب إلى‬ ‫وضع ثرواتھا في المكان الصحيح ومن أمكنتھا الصحيحة ھو ضمان مستقبل‬ ‫األجيال القادمة فال يھدر حقھا فيھا ومنھا االستثمار األمثل للموارد والثروات‬ ‫الناضبة ويعلم الدكتور أن أحد مسارات تأمين التنمية المستدامة في الخليج يعتمد‬ ‫على الماء وھو سلعة غالية ونادرة فلو توقفت محطات تحلية المياه في الخليج ألي‬ ‫سبب أو طواريء فإن التنمية كلھا تصبح مھددة! وھذا مثل واحد في مفردة تعرف‬ ‫في المصطلحات السياسية بالمصلحة العليا للشعوب وأحد أھم مھام الديموقراطية‬ ‫فرز مفردات تلك المصلحة وإجبار الحكومات على العناية بھا ورعايتھا‪ ،‬ألنه لو‬ ‫تركت الحكومات تدير خطط التنمية حسب ما تشتھي أو يتراءى لھا فإنھا حتما ستقع‬ ‫في إشكاليات كثيرة من ابسطھا الموازنة بين الموارد والمصارف وتحديد األولويات‬ ‫االستراتيجية فلزم وفق مصطلحات االنسانية أن تفرض عليھا الشعوب رقابة بل‬ ‫وأن تشارك الشعوب عبر ممثليھا في النظام الديموقراطي رسم المسارات‬ ‫االستراتيجية لحفظ حقوق األجيال الحالية وأجيال المستقبل‪ ،‬وھذا كله – كما يعلم‬ ‫الدكتور‪ -‬غير متحقق في منظومة دول الخليج‪.‬‬ ‫ويقرر الدكتور ضمن مسلمته )بتنمية دول الخليج( أنھا األكثر استقرار؟ واالستقرار‬ ‫حسب المصطلحات اإلنسانية إنما يعتمد على مجموعة من األسس االستراتيجية في‬ ‫األغلب ومنھا تكامل منظومة األداء االقتصادي واستغالل الثروات لألمم والشعوب‬ ‫بحيث تؤدي الدورة االقتصادية إلى بقاء الثروة في أرضھا وقابلة للتحور في كل‬ ‫االتجاھات‪ ،‬فماذا عن التنمية في دول الخليج ومعلوم حسب موازين التنمية العالمية‬ ‫أن تنمية الخليج تتصف بالصفتين التاليتين‪ ،‬األولى‪:‬اقتصاد استھالكي متخم‪ ،‬الصفة‬ ‫الثانية‪:‬اقتصاد ريعي دعك من صفات أخرى كثيرة ليس فيھا ما يسر‪.‬‬ ‫ويعلم الدكتور تركي أن التنمية عند الغرب أو في اليابان محروسة برقابة شعبية‬ ‫صارمة تؤدي إلى سقوط حكومات ونشوء أخرى كما حصل في األزمة المالية‬ ‫العالمية فالتنمية ال تعمل لوحدھا فمعھا الشفافية وصفات أخرى كثيرة فأين منھا‬ ‫تنمية الخليج؟ ھل سمعت بمحاسبة أحد أعمدة الحكم المتورطين في ذلك االنھيار؟‬ ‫يقول االقتصاديون ومنھم الدكتور عمر ھشام الشھابي )و بالرغم من ان كمية الدين‬


‫العام لدى كل مواطن في دبي تخطت ذلك في اليونان‪ ،‬فلم نسمع حتى اآلن عن‬ ‫مالحقة احد من "ھوامير" المنطقة( نقال عن مركز الخيج لسياسات التنمية‪.‬‬ ‫ومن أھم مؤشرات النجاح التنموي الشفافية وقدرة النظام الحاكم على تحقيق ھذه‬ ‫الشفافية‪ ،‬فما نصيب منظومات دول الخليج من ھذا المؤشر؟ والجميع يعلم أن أخطر‬ ‫الصفقات في المجال العسكري ال تتم إال بعموالت فما بالك بغيرھا‪.‬‬ ‫ومن أھم مؤشرات التنمية أن تدور أغلب عمليات التنمية داخل البالد ولكنھا في‬ ‫دول الخليج منكسرة نتيجة لوجود العمالة األجنبية التي تبلغ معدالت مخيفة تصل‬ ‫إلى ‪ %٩٠‬من العمالة الكلية في بعض الدول لخليجية حيث يبلغ مجمل التحويالت‬ ‫المالية لھذه العمالة من دول الخليج ‪٧٠‬مليار دوالر سنويا حسب البنك الدولي‪.‬‬ ‫ومن أھم مؤشرات التنمية ھو نسبة الشرائح المجتمعية المستفيدة من التنمية أي‬ ‫عدالة األداء التنموي‪ ،‬فما واقع ھذا المؤشر في دول الخليج خاصة إذا وقفنا على‬ ‫السعودية وعُمان والبحرين‪.‬‬ ‫ويستشھد الدكتور تركي بمتوسط دخل الفرد في دول الخليج كمؤشر على االستقرار‬ ‫التنموي وارتفاع معدلھا وإذا دققنا في األقارقام سنجد أن أقل معدل دخل ھو دخل‬ ‫الفرد السعودي الذي يصل إلى ‪١٦٧٨٨‬دوالر سنويا وعندما ننظر لعدد السكان في‬ ‫دول الخليج حيث يصل عدد سكان السعودية قرابة ‪٢٠‬مليون نسمة بينما مجموع‬ ‫عدد بقية دول الخليج فيصل سكانھا إلى ‪٥‬ماليين نسمة أو يزيد قليال مما يؤكد أن‬ ‫معادلة التنمية الخليجية مائلة ميال شديدا لسبب أن أقل معدل دخل للفرد ھو في‬ ‫السعودية التي تصل نسبة سكانھا إلى سكان الخليج ‪%٨٠‬‬ ‫فإذا أضفنا على ذلك ضياع ثروات أھل الخليج عبر السياسات النفطية خالل العقود‬ ‫الخمسة الماضية وخضوع تلك السياسة لھيمنة السوق العالمية واستئثار األسر‬ ‫الحاكمة بما يزيد عن ‪ %٥٠‬من الدخل الكلي للنفط فيمكننا أن نعرف حقيقة اتجاھات‬ ‫التنمية ومستقبلھا في دول الخليج‪.‬‬ ‫ويقول الدكتور تركي‪) :‬الدول الخليجية وصلت إلى التنمية من خالل أنظمة ذات‬ ‫طابع اجتماعي تعتمد على البيعة والمجالس المشرعة لمن يريد أن يشتكي أو يختصم‬ ‫أو يقترح‪ .‬لم يمر على الخليج حاكم واحد طغى وسفك الدماء(‪.‬‬ ‫الدكتور يسوق لنا نظاما سياسيا يحتاج أن نقيسه على مثال فيما وصله العالم من إدارة‬ ‫الشعوب والدول؟ خاصة وأننا قد توصلنا لمسلّمة تقول باستحالة فصل مسارات‬ ‫التنمية ومقاييس النجاح فيھا عن النظام السياسي فالبشر بشر أينما كانوا؟ ومن أھم‬


‫مرتكزات النظم السياسية الناجحة تنمويا ھو استقاللھا وتحكمھا في قرارھا فإذا‬ ‫رجعنا لفترة خروج االنجليز من منطقة الخليج بعد أن استقر العالم على مرتكزات‬ ‫الحرب الباردة وتقسيم العالم بين حلف الناتو وحلف وارسو فإنه ال يمكن انكار‬ ‫حقيقة من حقائق النظام العالمي وھي مرجعية المنطقة ألمريكا ووراثتھا لبريطانيا‬ ‫وعليه فلم تكن ايادي النصارى بعيدة عن التراتيب السياسية واالقتصادية فادعاء أن‬ ‫النظم الخليجية جاءت على خلفية بيعة يحتاج إلى إثبات وأدلة فالمعلوم أن األسر‬ ‫الحاكمة وبناء على معادلة الوجود البريطاني الذي كان يخلع كل من ال تعجبه‬ ‫سيرته من الحكام وفي معادلة من الھيمنة البريطانية أو األمريكية وتنافس داخلي في‬ ‫األسر يستقر األمر على وضع محدد ثم وبعد أن يقضى األمر في ھاتين الدائرتين‬ ‫ُيدعى بعض الممثلين لألسر والقبائل لإلقرار باألمر الواقع فال عالقة للبيعة بما تم‬ ‫التفاق عليه وال يملك المبايعون أي دور في التنصيب‪ ،‬وما دور البيعة باخ يقفز على‬ ‫أخيه بعد أن يرتب األمر مع السفارة البريطانية ثم الحقا السفارة األمريكية أو ولد‬ ‫يخطف الحكم من أبيه! وفي حال وجود غير ھذا النظام المعروف فعلى الدكتور‬ ‫تركي أن يطلعنا عليه‪.‬‬ ‫وعندما نقف على المصطلح البشري الذي تعارفت عليه الشعوب والدول وھو تقدير‬ ‫المصلحة العليا لألمة أو للشعب والذي ھو من أھم واجبات النظام السياسي فكيف‬ ‫كانت تطبيقات النظام الخليجي المتعلقة به؟ ھل النظام الخليجي وللعقود التي خلت‬ ‫كان قادرا على أن يمارس من خالل نظام الحكم تقدير وتحديد المصلحة العليا‬ ‫للشعب ثم العمل بموجب ما تقتضيه تلك المصلحة؟ مع أھمية ما تواطأت عليه‬ ‫البشرية من التفريق بين المصلحة العليا للشعب والمصلحة العليا للنظام فال تطابق‬ ‫بين المصلحتين إال إذا كان النظام السياسي مرتكزا على أسس من الرقابة والتوازن‬ ‫بين السلطات الثالث التنفيذية والتشريعية والقضائية فماھو نصيب أنظمة الخليج من‬ ‫تلك األسسس حتى يتعاطى مع المصلحة العليا للشعب؟‬ ‫ألم تبدأ إيران عام ‪١٩٩٥‬م حركتھا نحو مصلحتھا العليا بتدشين محطاتھا النووية ثم‬ ‫لكي تضع النظام الدولي على صفيح ساخن خالل ‪ ١٥‬عام؟ فماذا فعلت نظم الخليج‬ ‫لتمتين وضعھا االستراتيجي وحماية شعوبھا خالل ‪ ٤٠‬عام على من حراكھا‬ ‫االستراتيجي والتنموي؟‬ ‫وكحاالت تطبيقية في ما وصلت له أوضاع المجتمعات الخليجية والتي لم تكن لتصل‬ ‫إليھا لو كان ھناك نظاما سياسيا يرعى مصلحتھا العليا حق رعايتھا! فإليك نتائج‬ ‫اإلدارة الخليجية بعد ‪ ٥‬عقود؟‬


‫النتيجة األولى‪ :‬عدم القدرة على توظيف مصادر النفط لتأمين الشأن االقتصادي‬ ‫استراتيجيا )الحال والمستقبل(‪.‬‬ ‫النتيجة الثانية‪ :‬عدم القدرة على مواجھة تحديات النظام الدولي واالقليمي )الكويت‬ ‫والبحرين وجزر اإلمارات( كأنموذج‪.‬‬ ‫النتيجة الثالثة‪ :‬وضع ‪ ٣‬دول من دول الخليج في حالة من التھديد الديموغرافي نتيجة‬ ‫للسياسات العامة‪.‬‬ ‫النتيجة الرابعة‪ :‬عدم القدرة على وضع حلم الخليج الموحد أو المتحد على أرض‬ ‫الواقع بعد ‪ ٣٠‬سنة من بدء المسيرة‪.‬‬ ‫ويقول الدكتور تركي‪) :‬يلتقي األصوليون مع الواليات المتحدة في نظرتھا للمنطقة‬ ‫من ناحية اإلصرار على الديمقراطية(‪.‬‬ ‫ولكي أناقش ھذه المسلمة من قول الدكتور تركي احتاج أن استعيد ثالثا من القواعد‬ ‫التي تم االتفاق عليھا كمسلمات إلدارة الحوار وھي باختصار‪:‬‬ ‫القاعدة الثانية‪ :‬اإلقرار بوحدة العوامل الكونية واالقليمية المؤثرة في المعادالت‬ ‫السياسية والنظم الحاكمة‪.‬‬ ‫القاعدة الثالثة‪ :‬اإلقرار بحراك األمم العقدي كأحد أھم مكونات الصراع الدولي‪.‬‬ ‫القاعدة الرابعة‪ :‬اإلقرار بحق األمم والشعوب وقدرتھا على مقاومة رغبة بقية االمم‬ ‫بالسيطرة والھيمنة العالمية أو االقليمية‪.‬‬ ‫ماذا يفيدنا الوقوف على تلك القواعد في حوارنا ھذا؟ يفيدنا بأن نقوم باستدعاء‬ ‫األحداث والتحوالت على مدار ثالثة عقود فماذا سوف نرى؟‬ ‫الدكتور تركي ال يريد أن يرى حراك األمة العربية ومن ورائھا األمة العربية في‬ ‫تدافع األمم وصراعھا وامتداد ھذا التدافع على رقعة الكرة األرضية كلھا وال يريد‬ ‫أن يرى على وجه الخصوص الدور العقائدي في ھذا الصراع الذي سخن الكرة‬ ‫األرضية مجددا سواء تم ذلك الصراع بمبادرة من األمة أو دفعت إليه والنماذج‬ ‫أوسع من أن تحصى )فلسطين‪،‬أفغانستان‪...‬وغيرھا( وال يريد أن يرى العوامل التي‬ ‫تربط العرب كأمة كما ھو ارتباط اليھود وارتباط البروتستانت وارتباط الكاثوليك‪.‬‬ ‫والدكتور تركي ال يريد أن يرى عالقة منظومة الحكم في الخليج بمعطيات خضوع‬ ‫النظم السياسية في العالم العربي للنظام الدولي فالسفير األمريكي في أبوظبي ينفذ‬


‫نفس االستراتيجية التي ينفذھا السفير األمريكي في القاھرة وعليه فالنتائج‬ ‫والمخرجات واحدة‪.‬‬ ‫لكني أوافق الدكتور تركي في وقوفه مع التغير االستراتيجي األمريكي في قبولھا‬ ‫بدخول اإلسالميين على خط النظم السياسية في منطقة الثورات العربية الناجحة‬ ‫ولكننا بحاجة أن نقف مع الدكتور تركي على المنطلقات االستراتيجية التي غيرت‬ ‫الموقف األمريكي؟‬ ‫من الحقائق أن أمريكا قد خرجت من حرب أفغانستان والعراق وھي مضعضة‬ ‫بنسبة كبيرة وقد خسرت خسائر مالية معنوية في تلكما الحربين وأن ذلك قد اثر‬ ‫على استراتيجيتھا في نظام القطب األوحد فاضطرت فاستغلت كل من روسيا‬ ‫والصين الموقف بإعادة التموضع في النظام الجديد القديم‪.‬‬ ‫ومن الحقائق أن الثورات العربية قد فاجأت الجميع فلم تستأذن أحد وليس ألحد‬ ‫فضل في تفجيرھا وحتى أمريكا تفاجأت لكنھا تداركت بسرعة كبيرة ووضعت‬ ‫استراتيجية جديدة تتناسب والتطورات وتضمن ألمريكا تدخال فاعال في المتغير‬ ‫الخطير‪.‬‬ ‫وأھم الحقائق ھنا أن محاولة أمريكا للتفاھم مع الحركات اإلسالمية ال يأتي من‬ ‫منطلق الحب والتفاھم ولكن من منطلق االستيعاب والسيطرة كما كانت مسيطرة‬ ‫على النظم السابقة فھل ستقبل الحركات اإلسالمية أن تدخل في النظام األمريكي كما‬ ‫دخل مختارا الشريف حسين الذي أسس للنظام العربي في القرن الماضي؟ الفرق‬ ‫بين الحركات اإلسالمية ھنا وبين النظم السياسية العربية أن الحركات اإلسالمية‬ ‫تستمد شرعيتھا من حراك الشعوب فھي ليست كالنظم السياسية التي تستمد كامل‬ ‫شرعيتھا من مكماھون والذي ورثوه من بعد كما أنھا أي الحركات اإلسالمية لديھا‬ ‫مشروع لنھضة األمة كأمة‪ ،‬وحتى في اسوأ القراءات وھو نجاح أمريكا في إسقاط‬ ‫الوارثين لحكم حسني مبارك وبن علي في أحضانھا فھل ستقبل الشعوب وبقية‬ ‫الحركات اإلسالمية ھذا السقوط‪.‬‬ ‫والدكتور تركي ال يريد أن يرى تواطؤ النظام العربي كله ومن ضمنه منظومة‬ ‫الخليج في إفساد قضايا العرب منذ إعالن الھدنة عام‪١٩٤٨‬م والتي نتج عنھا‬ ‫االعتراف الضمني باسرائيل إلى سقوط القدس عام‪ ١٩٧٦‬في يد اليھود إلى تمويل‬ ‫الكتائب المارونية اللبنانية إلى التعاون الكامل مع نظام حافظ اسد وھو يقتل‬ ‫السوريين عام‪.١٩٨٢‬‬


‫والدكتور تركي ال يريد أن يقر بأن تعاون دول الخليج ال يقل قوة وارتباطا بأمريكا‬ ‫عن بقية الدول العربية فھي أي دول الخليج لم تقدم على تأسيس منظومة دول‬ ‫التعاون إال بناء على رؤية امريكا بعد سقوط الشاه وقد كان تجاوبھا مع تمثيلية‬ ‫الكويت وصدام اقوى من تجاوب حسني مبارك وحافظ اسد والتي كانت غطاء لنظام‬ ‫القطبية األحادية الجديد‪ ،‬وأما معركة اجتياح العراق وإسقاط بغداد فلم تكن‬ ‫المطارات وال موانئ الخليج لتمتنع عن جيوش النصارى وھي تلقي بحممھا على‬ ‫بغداد‪ ،‬ثم لكي تسلم العراق كلھا إليران فيؤدي ذلك إلى انكشاف أمن العرب انكشافا‬ ‫كليا‪ ،‬ولكن الدكتور تركي وأنظمة الخخليج ال تريد أن ترى اآلثار السلبية لمشاركتھا‬ ‫في غزو العراق وانعكاسه على شعوب المنطقة وعيا وحرااكا‪.‬‬ ‫كل ذلك ال يريد الدكتور تركي أن يقرره في مسار الصراع الدولي على المنطقة‬ ‫وتحديد من يقف مع من؟‬ ‫والدكتور تركي ال يريد أن يرى عالقة أداء النظم السياسية العربية ومنھا الخليجية‬ ‫على الشعوب وحراكھا السياسي واالجتماعي وكيف اختزن في باطن الوعي العربي‬ ‫سقوط العواصم وشالالت الدم وأثر سياسة الحديد والنار والقبضة األمنية لألنظمة‬ ‫العربية ومنھا األنظمة الخليجية عندما يجتمع وزراء الداخلية ورؤساء األجھزة‬ ‫األمنية العربية والخليجية تحت كرسي بن علي صبي السي آي إيه كل كذا شھر‬ ‫فيخرجون بمقررات واحدة ال تفرق بين المواطن المصري وال المواطن الخليجي‪.‬‬ ‫الدكتور تركي ال يرى شعب مصري الذي يقترب من ‪١٠٠‬مليون إنسان وحراكه‬ ‫التاريخي الذي اذھل األمم وال يرى الجيل الجديد الذي يقابل الرصاص بقميص‬ ‫)التي شيرت( في تونس ومصر واليمن وسوريا ھو فقط يرى حركة سياسية عقائدية‬ ‫عنوانھا اإلخوان المسلمون وكمستشار ثقافي وسياسي لنظم الخليج فھو يوصي‬ ‫بالتصدي لھذه الظاھرة كأنه لم يقرأ عن شعب رومانيا وسقوط شاوشيسكو ولم ير‬ ‫المطارق تنھال على جدار برلين نتيجة القمع المنظم الذي مارسه الشيوعيون‪.‬‬ ‫والدكتور تركي ال يقدر صوت ثمانية ماليين مصري يبايعون من خالل صناديق‬ ‫االقتراع ويفرضون معادلة جديدة في النظام االقليمي وال يعول على ھذا التغيير أن‬ ‫ينفع العرب بل يعتقد اعتقادا جازما أنه سيقودھم للخراب إنما ھو يعول على بيعة‬ ‫لإلمارة تتم اثناء تداول فناجين القھوة العربية!‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.