Aqwas 4

Page 1

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫تصدر عن (كةوانة)‬ ‫صاحب األمتياز‬ ‫رئيس التحرير‬ ‫مدير التحرير‬

‫ساالر عمر نوري‬ ‫معتصم جنم الدين‬ ‫آوات حممد أمني‬

‫هيئة التحرير‪ :‬جنم الدين فقي عبداهلل‬ ‫عبدالرمحن كريم درويش‬

‫املدير الفين‬ ‫آزر عثمان‬

‫مسؤول املكتب فى اوروبا‪ :‬نهاد القاضي‬ ‫‪0031627621171 - 009647508606740‬‬

‫نسخة‬

‫‪1000‬‬

‫السعر ‪2500‬‬

‫طبع‬

‫مطبعة كارو‬


‫أقواس‬


‫المحتويات‬ ‫اإلفتتاحية‪8........................................................................................................................‬‬ ‫دراسات كوردولوجيا‪:‬‬ ‫‪.1‬اتفاقية التعاون بني اجلمهورية الفرنسية و إقليم كوردستان العراق أ‪ .‬د‪ .‬معروف عمر كول ‪11.......................‬‬ ‫‪.2‬القضية الكوردية من املنظور روسي‪ ...‬امحد خليل ارمتييت‪53.......................................................... .‬‬ ‫دراسات سياسية‬ ‫ٌ‬ ‫مدخل ملعاجلة أزمة االندماج يف الواليات املتحدة األمريكية‪ ....‬د‪ .‬حسام الدين علي جميد‪65.....‬‬ ‫‪.3‬التفضيل اإلجيابي‬ ‫‪.4‬روسيا االحتادية و الصني الشعبية سياسة الثوابت واملتغريات يف الشرق األوسط‪ .....‬املال أبو بكر زوركيزي‪86......‬‬ ‫‪.5‬دور النخبة السياسية يف التحديث السياسي‪ ....‬أ‪ .‬د‪ .‬عبدالقادر الصلباوي ‪109............................................‬‬ ‫‪.6‬دراسة السلوك االنتخابي ‪ ......‬الري بارتلز‪ ،‬ترمجة‪ :‬إبراهيم كريم‪127............................................ .....‬‬ ‫‪.7‬مناهج حتليل السلوك االنتخابي ‪ ....‬أ‪.‬م‪.‬د‪ .‬هلمت كريم ‪150................................................................‬‬ ‫‪.8‬ثقافة املهاجرين وإشكالية الرهانات‪ ....‬تأليف‪ :‬دوني كوش‪ ..‬ت‪ :‬د‪ .‬ساديار بادين‪165...................................‬‬ ‫‪.9‬الثقافة واهلوية بني إشكالية التمييز و التمايز‪ ...‬د‪ .‬سيناء مدحت الوندي‪179...........................................‬‬ ‫‪ .10‬انعكاسات السياسة املائية الرتكية على العراق‪ ....‬د‪ .‬براء عبد القادر‪193................................................‬‬ ‫‪ .11‬اثر بكر صدقي يف تطور الدور السياسي للجيش العراقي ‪ ....‬د‪ .‬عبدالرحيم درويش ‪220............................‬‬


‫دراسات قانونية‬ ‫‪.12‬التنظيم القانوني للمجال اجلوي إلقليم كوردستان ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬معروف كول و أ‪ .‬م‪.‬د‪ .‬جالل كريم اجلاف‪234......... .‬‬ ‫‪.13‬حتول يف أطر املسؤولية الدولية حلماية املدنيني «واجب» التدخل ! ‪ ...‬ملياء سليم سعيد ‪268..........................‬‬ ‫‪.14‬مفهوم الضرورة يف الفقه الدستوري املعاصر‪ ..‬دراسة نظرية‪ ....‬م‪ .‬شاالو صباح عبدالرمحن ‪278...................‬‬ ‫‪.15‬مفهوم املساهمة اجلنائية يف اجلرمية‪ ...‬دراسة يف األطر النظرية‪.....‬م‪ .‬سليمان كريم حممود‪289....................‬‬ ‫دراسات فلسفية‬ ‫‪.16‬مشكلة النفس اإلنسانية عند افلوطني ‪ ....‬مسلم حسن حمم ‪316...................................................... .‬‬ ‫‪.17‬نقد بوبر للمنهج التارخيي وتطبيقاتها من وجهة نظر فلسفة العلوم‪ .....‬د‪ .‬حسن حسني صديق ‪332..............‬‬ ‫‪.18‬مكانه روجري بيكون يف الفكر األوروبي‪ .....‬د‪ .‬سامان حسني امحد ‪344............................................... ..‬‬ ‫دراسات إعالمية‬ ‫‪.19‬مفهوم اإلعالم الرتبوي ودوره يف تطوير العملية الرتبوية والتعليمية‪ ....‬أمريه عبداهلل اجلاف‪356....................‬‬


‫اإلفتتاحية‬



‫أقواس‬

‫‪8‬‬

‫كثريا ما حيلو لنا احلديث عن التحول الدميقراطي واالنتقال الثوري وغريها من املصطلحات وكأننا نشرعن‬ ‫باستخدام تلك املصطلحات مجيع االنتهاكات اليت يرتكبها أناس لطاملا حبثوا ويبحثون عن ثغرات يف التماسك‬ ‫االجتماعي لكي يبثوا فيها مسوم عبثيتهم وحقدهم على اجملموعة أو اجملتمع الذي يعيشون فيه‪ ،‬وهذه‬ ‫اإلشكالية حتولت إىل معضلة اثر تلبس العبثيني والعدميني بالستائر املقدسة لألديان ومسلمات العصر من‬ ‫احلرية والدميقراطية وحقوق اإلنسان لكي يرتكبوا االنتهاكات ولعل احلصيف يدرك جيدا بان تلك الستائر‬ ‫لو اتضحت للناس ألنكشف زيف هؤالء وهم بالكاد يعرفون النطق ببعض اآليات حيث خيفون ضعفهم يف‬ ‫فهمها وتناقض االستدالل بها بالعصبية واحلركات البهلوانية والتمثيل وينطبق نفس الشيء على استخدام‬ ‫أي من شعارات احلرية واملساواة والدميقراطية‪ ،‬هكذا بدأنا نتجه وفق قواعد من مستوى ثقايف ومعريف‬ ‫متدني يتمظهر باملظاهر ويفرضه بالعنف‪ ،‬دون حماولة التنظري والتحكيم وإدانة أي طرف حتمل تلك‬ ‫الصفات السيئة وختفي إجرامها بالشعارات‪ .‬نعتقد بان جمتمعنا حباجة إىل انتشاله من الوقوع مبستنقعات‬ ‫الفوضى والصراعات‪ ،‬عرب ما جنده الوسيلة املثلى وهو نشر الثقافة العلمية وخاصة القانونية والسياسية‬ ‫والفكرية والفلسفية وغريها عرب نتاجاتها األكادميية لكي تؤسس لبناء ثقافة عملية رصينة تدفع إىل النقد‬ ‫الرفيع والرصني ً‬ ‫بدال من الطعن والتزييف والتأسيس للرصانة واإلتقان بدال من الفوضى والعنف‪ .‬وهذا‬ ‫ما حناول أن نصل اليه يف جملتنا عرب نشر الدراسات العلمية واألكادميية عرب أبواب حناول فيها االستمرار‬ ‫بالتمسك بها وإضافة أبواب جديدة‪ .‬يف هذا العدد توجد مخسة أبواب متثل حصيلة تطور اجمللة منذ صدور‬ ‫عددها األول يف بداية السنة وحتى صدور عددها الرابع اآلن يف نهايتها‪.‬‬ ‫تستهل أبواب هذا العدد من اجمللة بالدراسات الكوردولوجيه ومن ثم الدراسات السياسية والباب الثالث‬ ‫خمصص للدراسات القانونية وهي من األبواب اجلديدة يف اجمللة ونأمل باستمرارها وتطويرها كونها تشكل‬ ‫الركن األساس يف ترسيخ قيم الثقافة القانونية واخراج اجمللة اىل دائرة رحبة واسعة تشمل الوسط الثقايف‬ ‫العام بهدف توسيع وتعميق االطالع على العلوم القانونية لغري املتخصصني‪ ،‬والباب الرابع خمصص للدراسات‬ ‫الفلسفية اما الباب األخري فقط خصص للدراسات اإلعالمية‪.‬‬ ‫يتزامن صدور هذا العدد مع حلول الذكرى السنوية األوىل جمللتنا الفتية اليت ورثت من جملة (كوانه)‬ ‫الكوردية اجمللة األم خزينها املعريف والعلمي لتختص بنشر الدراسات املكتوبة باللغة العربية‪ ،‬ونأمل أن‬ ‫نتمكن من تطبيق خطتنا السنوية الثانية بأكمل وجه‪ .‬لكي تستمر كمجلة فصلية متخصصة بالدراسات‬ ‫الرصينة تهدف إىل إغناء اجملتمع املعريف بالنتاجات العلمية لكل الباحثني الذين يكتبون البحوث والدراسات‬ ‫باللغة العربية أو ممن يقومون بالرتمجة إىل اللغة العربية‪ .‬آملني ان نساهم يف تشجيع وترسيخ العقالنية‬ ‫والوسطية واالبتعاد عن السطحية والتحريضية‪ ،‬كي تكون منربا لألقالم احلرة اليت تتخذ من املناهج العلمية‬


‫ركيزة لتهذيب وعقلنة ما يكتبون‪ .‬تتلخص اخلطوط العامة للخطة السنوية الثانية من جملتنا‬ ‫باالستمرار يف تبويب اجمللة وفق الفروع العلمية السياسية والقانونية و اإلعالمية واالجتماعية‬ ‫والتارخيية‪ ،‬بشكل ثابت مع إجياد منافذ للدراسات األكادميية األخرى ضمن ما حيقق تكامال مع‬ ‫األبواب اليت ذكرناها يف اجمللة‪ ،‬وننتهز الفرصة يف دعوة مجيع الباحثني والكتاب يف املساهمة يف إغناء‬ ‫األعداد القادمة من جملتنا الغراء ببحوثهم ودراساتهم القيمة وكما أود أن اعرب عن شكري وتقديري‬ ‫البالغني جلميع الباحثني األكارم لنشرهم حبوثا قيمة يف األعداد السابقة جمللتنا ونأمل أن يتواصلوا‬ ‫معنا يف األعداد القادمة‪.‬‬

‫عن اهليئة التحريرية‬ ‫عبدالرمحن كريم‬

‫‪9‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪10‬‬

‫دراسات كوردولوجيا‬


‫اتفاقية التعاون بني الجمهورية الفرنسية‬ ‫و إقليم كوردستان العراق‬

‫أ‪ .‬د‪ .‬معروف عمر كول و أ‪.‬م‪.‬د‪ .‬جالل كريم رشيد اجلاف‬

‫‪11‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪12‬‬

‫املقدمة‬ ‫منذ نشوء حكومة اإلقليم عام ‪ 1992‬أخذ إقليم‬ ‫كوردستان العراق يلعب دوراً بارزاً يف العالقات‬ ‫اخلارجية‪ ،‬حيث نرى هذا الدور يف املشاركات‬ ‫الرمسية و شبه الرمسية و يف العالقات و السياسة‬ ‫اخلارجية‪ .‬و ان هذا النشاط جنم عن عوامل‬ ‫حملية و إقليمية و عاملية‪ ،‬يف أعقاب التحوالت‬ ‫اليت طرأت على الوضع يف العراق‪ .‬اال إن الوضع‬ ‫العراقي يف ظل النظام السابق أرجأ التحوالت يف‬ ‫إقليم كوردستان اىل أن تغريت احلياة الدستورية‬ ‫بعد سقوط هذا النظام يف ‪ .2003/4/9‬و قد تبنى‬ ‫قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة االنتقالية‬ ‫عام (‪ )2004‬و من ثم دستور مجهورية العراق‬ ‫عام (‪ )2005‬حتول الدول العراقية البسيطة اىل‬ ‫دول��ة ذات نظام فيدرالي‪ ،‬حيث مت االع�تراف‬ ‫ً‬ ‫دستوريا حبكومة اإلقليم و األعمال الصادرة‬ ‫عنها‪ ،‬و اقر شرعيتها لتمثيل شعب كوردستان‪.‬‬ ‫ان إقليم كوردستان أصبح اإلقليم الوحيد يف‬ ‫العراق الذي ظهر على الساحة الدولية‪ .‬و نظراً‬ ‫لكون اإلقليم غين بالثروات النفطية و الغاز‪،‬‬ ‫ً‬ ‫رمسيا الشركات‬ ‫فقد منحت حكومة اإلقليم‬ ‫األجنبية حق االستثمار يف جم��االت التنمية‬ ‫و البناء و التجارة و املشاريع االقتصادية و‬ ‫االجتماعية‪ ،‬مبا فيها الثقافية و التطور العلمي‪.‬‬ ‫هذا باإلضافة اىل حاجة اإلقليم للمواد الغذائية‬ ‫و مستلزمات التطور و البناء‪ .‬واألهم من كل‬ ‫ذلك‪ ،‬أن هذا اإلقليم حيتل موقعا اسرتاتيجيا‬ ‫يف املنطقة‪ ،‬مما جعله ذا فعالية على الساحتني‬ ‫اإلقليمية و الدولية‪ ،‬كما أن يف اإلقليم قدرات‬ ‫سياسية إلدارة شؤونه الداخلية و عالقاته‬ ‫ً‬ ‫داخليا‬ ‫اخلارجية‪ ،‬هذا رغم أن اإلقليم يعانى‬

‫من نواقص و عيوب يف جماالت خمتلفة‪ .‬و نظراً‬ ‫لكون العالقات اخلارجية إلقليم كوردستان‬ ‫العراق تتمتع بأهمية قانونية و سياسية يف‬ ‫الوقت نفسه‪ ،‬لذا حتتاج اىل دراس��ة طبيعتها‪،‬‬ ‫و باألخص عندما يدور البحث عن اتفاق بني‬ ‫اإلقليم و دولة عظمى لديها عضوية دائمة يف‬ ‫جملس األمن و هلا ثقلها يف الساحة األوربية ً‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫ونعين بذلك االتفاقية املوقعة بني اإلقليم و‬ ‫اجلمهورية الفرنسية‪.‬‬ ‫و لكون هكهذا النوع من االتفاقيات تربم ألول‬ ‫مرة‪ ،‬لذا تتميز بأهمية كبرية‪ ،‬كما تتميز هذه‬ ‫العالقة الدولية بطبيعة قانونية و سياسية‬ ‫ً‬ ‫أيضا‪ .‬و لكون دراس��ة هذا املوضوع تأتي ألول‬ ‫م��رة‪ ،‬ل��ذا نؤكد على أهمية موضوع البحث‬ ‫لإلقليم و دراسة جوانب االتفاقية املربمة بني‬ ‫إقليم كوردستان و فرنسا‪ .‬و من هنا جاء اختيار‬ ‫املوضوع‪.‬‬ ‫سبق أن قدمت دراس���ات يف جامعات إقليم‬ ‫كوردستان بشأن النظام الفيدرالي و الوضع‬ ‫القانوني لإلقليم‪ .‬و قد تطرقت هذه الدراسات‬ ‫يف بعض حماورها اىل جوانب عامة للعالقات‬ ‫اخلارجية لإلقليم دون الرتكيز على اتفاقية‬ ‫حم���ددة‪ .‬ل��ذا أن دراس��ت��ن��ا ختتلف ع��ن هذه‬ ‫الدراسات من حيث‪:‬‬ ‫‪ 1‬ان ال��دراس��ات السابقة تتعلق ح��ول طبيعة‬ ‫الدولة الفيدرالية و الوضع القانوني (أو املركز‬ ‫القانوني) لإلقليم بشكل ع��ام‪ ،‬ولكن هذه‬ ‫الدراسة تنحصر بالتحديد يف حبث دور أقاليم‬ ‫الدولة الفيدرالية و باألخص إقليم كوردستان‬ ‫يف إبرام االتفاقيات الدولية‪.‬‬ ‫‪ 2‬ان الدراسات السابقة ال تؤشر إطالقا اىل إبرام‬


‫اتفاقية معينة إلقليم كوردستان‪ ،‬ولكن دراستنا‬ ‫هذه خاصة بـ‪( :‬مذكرة التعاون بني حكومة‬ ‫اقليم كوردستان و احلكومة الفرنسية)‪ ،‬و اليت‬ ‫ً‬ ‫عنوانا للبحث‪.‬‬ ‫مسيناها باالتفاقية‪ ،‬و‬ ‫‪ 3‬ان ال��دراس��ات السابقة ال جت��د يف حماورها‬ ‫نصوص اتفاقية معينة بني اإلقليم و دولة‬ ‫أخرى‪ ،‬اال أن دراستنا هذه تقوم بتحليل فقرات‬ ‫اتفاقية التعاون بني اإلقليم و فرنسا‪ ،‬واملوقعة‬ ‫يف ‪.2010/6/15‬‬ ‫بدأت األنشطة الداخلية و الدولية لإلقليم بعد‬ ‫تشكيل حكومة إقليم كوردستان يف ‪ ،1992‬وقد‬ ‫استمرت اىل أن اعرتف الدستور العراقي اجلديد‬ ‫لعام (‪ )2005‬بها و بالتشريعات و القوانني‬ ‫واإلجراءات اإلدارية والقانونية الصادرة عنها‪.‬‬ ‫وقد تعززت هذه االنشطة مع تكثيف النشاطات‬ ‫اخلارجية و توثيق العالقات مع الدول األجنبية‪.‬‬ ‫لذا يهدف هذا البحث اىل اإلجابة على عدة أسئلة‬ ‫بشأن العالقات اخلارجية لإلقليم بصدد ابرام‬ ‫اتفاقيات دولية‪ ،‬و ترتكز ه��ذه األسئلة على‬ ‫احملاور اآلتية‪:‬‬ ‫‪ 1‬أهلية أقاليم الدولة الفدرالية‪.‬‬ ‫‪ 2‬أهلية إقليم كوردستان‪.‬‬ ‫‪ 3‬مشكلة الشخصية القانونية إلقليم كوردستان‪.‬‬ ‫‪ 4‬صالحيات اقليم كوردستان بناء على الدستور‬ ‫العراقي لعام (‪.)2005‬‬ ‫‪ 5‬الطبيعة القانونية ل��ـ‪( :‬مذكرة التعاون)‬ ‫املوقعة ب�ين إقليم ك��وردس��ت��ان و احلكومة‬ ‫الفرنسية يف ‪.2010/6/15‬‬ ‫‪ 6‬أشكال التعاون بني اإلقليم و فرنسا يف ضوء‬ ‫مذكرة التعاون‪.‬‬ ‫اعتمدت هذه الدراسة املنهج املقارن و املنهج‬

‫التحليلي القانوني‪ ،‬و ذلك يف دراسة اجلوانب‬ ‫ذات الصلة يف دستور مجهورية العراق لعام‬ ‫‪ 2005‬و يف دساتري بعض الدول الفدرالية‪ ،‬مع‬ ‫حبث طبيعة الصالحيات اخلارجية ألقاليم هذه‬ ‫ال��دول الفدرالية و الوصول اىل نتائج مفيدة‬ ‫من أجل تعزيز حماور البحث و تقوية األفكار‬ ‫املطروحة يف اخلطة‪ .‬إضافة اىل ذل��ك‪ ،‬يعتمد‬ ‫البحث على دراسة و حتليل مجيع هذه اجلوانب‬ ‫مع حتليل جوانب االتفاقية موضع البحث‪.‬‬ ‫ترتكز مشكلة البحث على معاجلة مشكلة‬ ‫األهلية البرام االتفاقيات الدولية ألقاليم الدولة‬ ‫الفدرالية‪ .‬حيث أن هذه املشكلة تتفاوت اآلراء‬ ‫الفقهية حوهلا‪ ،‬و مناقشة السؤال الذي يطرح‬ ‫موضوع أهلية األداء أو عدم قدرة أقاليم الدولة‬ ‫الفدرالية هلذه األهلية‪ .‬لذا أن احملور الرئيسي‬ ‫لبحثنا يناقش هذه املسألة و حياول أن يصل‬ ‫اىل نتائج ملعاجلة مسألة األهلية ألقاليم الدولة‬ ‫الفدرالية‪ ،‬و التأكيد على قدرة هذه األقاليم‬ ‫استناداً اىل جتارب دولية سابقة و جتربة اقليم‬ ‫كوردستان اجلديدة ال�تي ظهرت اىل الساحة‬ ‫الدولية بعد عام ‪ 1992‬عند تشكيل حكومة‬ ‫اقليم كوردستان يف نطاق ضيق و توسيع نطاق‬ ‫عالقاتها اخلارجية بعد سقوط النظام يف العراق‬ ‫يف ‪ 2003/4/9‬حيث جاء اعرتاف دستور العراق‬ ‫بشرعية السلطات الكردية يف ادارة اإلقليم‬ ‫وحقها يف ممارسة االختصاصات التشريعية و‬ ‫التنفيذية و القضائية‪.‬‬ ‫ان موضوع هذا البحث يطرح ألول مرة‪ ،‬لذا‬ ‫ال جند دراسات و مصادر ترتبط بهذا املوضوع‬ ‫بشكل مباشر‪ .‬وقد مت اختيار املوضوع بعد‬ ‫اإلع�لان الرمسي ملذكرة التعاون بني حكومة‬ ‫‪13‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪14‬‬

‫اقليم كوردستان و احلكومة الفرنسية‪ ،‬و هذا‬ ‫أدى اىل االعتماد على اجلهود الشخصية لدراسة‬ ‫احملاور املبوبة يف اخلطة‪ ،‬و االستفادة من جتارب‬ ‫الدول الفدرالية االخرى و دساتريها‪.‬‬ ‫ن��ظ��راً ألهمية م��وض��وع ال��ب��ح��ث‪ ،‬ال نرى‬ ‫ض��رورة للخروج من نطاق اخلطة املطروحة‬ ‫ل��دراس��ة إتفاقية التعاون املربمة بني اقليم‬ ‫كوردستان و فرنسا‪ .‬و هذا النطاق ينحصر يف‬ ‫دراسة اجلوانب و احملاور املتعلقة بأهلية إقليم‬ ‫كوردستان يف إبرام االتفاقية الدولية و طبيعة‬ ‫االتفاقية املعقودة بينهما‪ .‬و للوصول اىل نتائج‬ ‫علمية لدراسة مشكلة األهلية لدى اإلقليم‪،‬‬ ‫البد أن نبحث يف ماهية األهلية ألقاليم الدولة‬ ‫الفدرالية‪ ،‬ثم دراسة حمتوى االتفاقية موضوع‬ ‫البحث‪ .‬و قد ادرجنا هذه الفقرات و احملاور يف‬ ‫خطة البحث‪.‬‬ ‫املبحث األول‪:‬‬ ‫مفهوم األهلية إلبرام االتفاقية الدولية‬ ‫املطلب األول‪ :‬تعريف األهلية‬ ‫تنص اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات الدولية‬ ‫لعام ‪ 1969‬يف ديباجتها على تقدير ال��دول‬ ‫األط��راف فيها للدور األس��اس (للمعاهدات يف‬ ‫تأريخ العالقات الدولية و اذ تعرتف باألهمية‬ ‫املتزايدة للمعاهدات كمصدر للقانون الدولي و‬ ‫كوسيلة لتنمية التعاون السلمي بني الدول مهما‬ ‫كانت نظمها الدستورية و االجتماعية)‪ .‬كما‬ ‫وان الدول األطراف تؤكد على القاعدة املشهورة‪،‬‬ ‫(و اذ تالحظ أن مبادئ حرية االرادة و حسن‬

‫النية و قاعدة أن العقد شريعة املتعاقدين‬ ‫هي مبادئ معرتف بها عامليا) (‪ . )1‬نستخلص‬ ‫من هذه العبارات‪ ،‬أن للمعاهدات الدولية دوراً‬ ‫ً‬ ‫أساسيا يف تأريخ العالقات الدولية وهي وسيلة‬ ‫حضارية للتعاون السلمي بني ال��دول ً‬ ‫أيا كان‬ ‫النظام الدستوري و االجتماعي‪ ،‬و أداة للتنمية‬ ‫فيما بني الشعوب‪ ،‬وأن املبادئ اليت تستند عليها‬ ‫العالقات فيما بني الدول و الشعوب هي مبادئ‬ ‫معرتف بها ً‬ ‫عامليا‪ ،‬و باالستناد على املادة السادسة‬ ‫من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات (لكل دولة‬ ‫أهلية ابرام املعاهدات )‪.‬‬ ‫و املعاهدة مبوجب املادة الثانية من االتفاقية‬ ‫نفسها‪( :‬تعنى اتفاق دولي يعقد بني دولتني أو‬ ‫أكثر كتابة و خيضع للقانون الدولي سواء مت يف‬ ‫وثيقة واحدة أو أكثر و أيا كانت التسمية اليت‬ ‫تطلق عليه)‪.‬‬ ‫فاملعاهدة هي اتفاق دولي تربم بني الدول‪ ،‬مهما‬ ‫كانت التسمية اليت تطلق عليها‪ ،‬سوا كانت‬ ‫مذكرة أو اعالن أو تصريح أو ميثاق أو اتفاقية‬ ‫أو بروتوكول أو عهد‪ ........‬اخل‪.‬‬ ‫مبوجب هذه االتفاقية‪ ،‬تكون األهلية إلبرام‬ ‫املعاهدات الدولية للدول ذات السيادة الكاملة‪،‬‬ ‫و باعتبار املعاهدة تعرب عن سيادة الدولة‪،‬‬ ‫لذلك أن الدولة املقيدة السيادة أهليتها ناقصة‬ ‫أو منعدمة‪ ،‬لذا جيب الرجوع اىل الوثيقة اليت‬ ‫حتدد األهلية و مدى قدرتها إلبرام معاهدات‬ ‫معينة (‪ . )2‬على ضوء ذلك‪ ،‬أن األهلية‪ ،‬تظهر‬ ‫يف الشخصية القانونية الدولية‪ ،‬و انه « يلزم‬ ‫يف الوحدة القانونية حتى تتمتع بالشخصية‬ ‫القانونية الدولية‪ ،‬توافر صفتني‪:‬‬ ‫األوىل‪ :‬التمتع باألهلية القانونية الكتساب‬


‫احلقوق و حتمل االلتزامات الدولية‪.‬‬ ‫الثانية‪ :‬القدرة على التعبري عن إرادة ذاتية‬ ‫داخل اجملتمع الدولي(‪ .)3‬أما الكيانات األعضاء‬ ‫يف الدولة الفدرالية‪ ،‬فأهليتها تنبع ً‬ ‫أوال من‬ ‫دستور الدولة الفدرالية و ً‬ ‫ثانيا من ممارساتها و‬ ‫إمكانياتها الدبلوماسية و اإلدارية و االقتصادية‬ ‫إلثبات قدراتها من أجل كسب احلقوق و تنفيذ‬ ‫االلتزامات املرتتبة عن عالقاتها الداخلية و‬ ‫ً‬ ‫وطبقا لألهلية الوظيفية‪.‬‬ ‫اخلارجية‬ ‫من هنا‪ ،‬نؤكد على أن األهلية‪ ،‬هي القدرة‬ ‫اليت مينحها القانون مع قابليتها‪ ،‬للشخص الذي‬ ‫بإمكانه حتقيق أه��داف مشروعة وممارسة‬ ‫حقوقه الناجتة عن هذه األه��داف‪ ،‬إضافة اىل‬ ‫إمكانية حتمل مسؤولية االلتزامات الناجتة‬ ‫عن هذه املمارسة‪ .‬فالتقاء اإلرادات يسفر عن‬ ‫خلق حقوق و التزامات لألطراف املشاركة‪.‬‬ ‫يعرف شارل روسو املعاهدات بأنها (مهما كانت‬ ‫تسميتها‪ ،‬هي عبارة عن اتفاق بني أشخاص‬ ‫القانون الدولي املخصص ألحداث نتائج قانونية‬ ‫معينة)‪ .‬كما و يعرف ش��ارل روس��و املعاهدة‬ ‫الدولية مبفهومها الواسع و يقول‪( :‬ينبغي أن‬ ‫حنتفظ بتسمية املعاهدة لكل اتفاق مربم بني‬ ‫أعضاء األسرة الدولية ) (‪.)4‬‬ ‫مفهوما مطاطياً‬ ‫ً‬ ‫و جند يف ه��ذا التعريف‬ ‫ال حي��دد من هم أعضاء األس��رة الدولية‪ ،‬هل‬ ‫هي الدول أم الشعوب أم أي من الشعوب حتى‬ ‫اذا كان غري منظم يف اط��ار دول��ة مستقلة‪ ،‬أم‬ ‫كيانات دولية مستقلة و غري مستقلة‪ ،‬كل هذه‬ ‫االحتماالت واردة يف تعريف شارل روسو‪ .‬فاذا‬ ‫أخذنا بهذا التعريف‪ ،‬جند أن شعوب األقاليم أو‬ ‫الكيانات املكونة للدولة الفدرالية هم أجزاء من‬

‫االسرة الدولية‪ ،‬مهما كانت صالحيتها مبوجب‬ ‫دساتري ال��دول الفدرالية‪ ،‬هلا احلق يف ممارسة‬ ‫عالقاتها اخلارجية و إجياد السبل القانونية‬ ‫البرام االتفاقيات الدولية من أجل مصاحل سكان‬ ‫األقاليم و اليت ختدم بدورها ً‬ ‫أيضا مصاحل مجيع‬ ‫الشعوب و الوحدات املكونة للدولة الفدرالية‪.‬‬ ‫و السؤال ال��ذي يطرح نفسه هنا هو‪ :‬هل أن‬ ‫الكيانات املكونة للدولة الفدرالية تستمد‬ ‫أهليتها من الدستور الداخلي بشكل مطلق أم‬ ‫انها تستمدها باالستناد اىل املصلحة العامة و‬ ‫الضرورات الوظيفية و خدمة مواطنيها على‬ ‫املستويني الداخلي و اخلارجي ؟ من هنا علينا‬ ‫الوقوف على وضعية اإلقليم أو الكيان يف الدولة‬ ‫الفدرالية من أجل‪:‬‬ ‫‪ 1‬دراسة حالته السياسية و االقتصادية‪.‬‬ ‫‪ 2‬إمكانية النظام الذي يدير اإلقليم كحكومة‬ ‫منظمة تستند على ركائزها الرئيسة من‬ ‫السلطات الثالث‪ ،‬التشريعية و التنفيذية و‬ ‫القضائية‪ ،‬من أجل الدخول يف العالقات الدولية‪.‬‬ ‫‪ 3‬اجلهود اليت تبذهلا هذه احلكومة من أجل‬ ‫معاجلة املشاكل و القضايا السابقة مبا فيها حالة‬ ‫تعرض اإلقليم اىل االنتهاكات اخلطرية حلقوق‬ ‫اإلنسان و باألخص اجلرائم و اإلبادة و التدمري‪.‬‬ ‫‪ 4‬االمكانيات اإلدارية و القانونية و الدبلوماسية‬ ‫إلعادة البناء و التنمية على أساس مبدأ التعايش‬ ‫السلمي مع الشعوب و مكونات الدولة الفدرالية‬ ‫بأمجعها‪.‬‬ ‫كل ه��ذه االم��ور تشكل األرض��ي��ة الواقعية‬ ‫املستندة على األس���س ال��دس��ت��وري��ة للدولة‬ ‫الفدرالية و التجارب السابقة من أجل الدخول‬ ‫يف مباشرة ابرام االتفاقيات اليت ال تتعارض مع‬ ‫‪15‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪16‬‬

‫املصلحة العامة‪ .‬ومن هنا يكتسب اإلقليم األهلية‬ ‫من أجل حتقيق أهدافه الداخلية و الدولية و‬ ‫تنفيذ االلتزامات املرتتبة عليه‪ ،‬مبا فيها احرتام‬ ‫القواعد القانونية الدولية االتفاقية و العرفية‬ ‫من أجل محاية السلم و األمن الدوليني‪.‬‬ ‫كقاعدة عامة أن األهلية تتعلق بالشخصية‬ ‫الدولية‪ ،‬و طبيعة هذه االهلية ختتلف باختالف‬ ‫األشخاص الدولية‪ ،‬فأنها أهلية عامة بالنسبة‬ ‫للدول و حمددة بالنسبة للمنظمات الدولية و‬ ‫استثنائية بالنسبة للكيانات األخرى‪ .‬فاألهلية‬ ‫ال تتوسع أو ال تشمل أبداً األشخاص أو اجلماعات‬ ‫اليت ليست هلا نوع من وجود املرافق يف القانون‬ ‫العام (أو مؤسسات القانون العام) كاألقليات و‬ ‫الشعوب و الشركات العابرة للحدود و املنظمات‬ ‫غري الدولية‪ ،‬إال أن الوضع الدولي اجلديد قد رَ‬ ‫غي‬ ‫هذه القاعدة وساعد على دخول هذه الكيانات‬ ‫يف العالقات الدولية‪.‬‬ ‫و تشكل أهلية الدول قاعدة عرفية دولية‪،‬‬ ‫كما نصت عليها امل��ادة السادسة من اتفاقية‬ ‫فيينا لقانون املعاهدات‪ .‬و رغم هذا ال توجد‬ ‫رابطة بني التعاقد لدولة ما مع االع�تراف‬ ‫بشكل رمسي‪ ،‬هذا و ان عدم وجود االعرتاف ال‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قانونيا للمشاركة يف املعاهدة‪ .‬أما‬ ‫عائقا‬ ‫يشكل‬ ‫بالنسبة للدول أو األقاليم األعضاء يف االحتاد‬ ‫الفيدرالي و اجملموعات الالمركزية‪ ،‬كقاعدة‬ ‫عامة األمر يعود اىل دستور االحتاد ملنع أو رفض‬ ‫ً‬ ‫منوذجا‬ ‫هذه األهلية‪ .‬فان االحتاد السوفيتى قدم‬ ‫فريداً يف إقرار األهلية الدولية جلمهورياته‪ ،‬رغم‬ ‫انها بقيت شكلية (ماعدا مجهورييت اوكرانيا‬ ‫و روسيا البيضاء اللتني شاركتا يف العالقات‬ ‫اخلارجية و بعض االتفاقيات الدولية)‪.‬‬

‫ان االعرتاف الدولي باألهلية يؤدي بالتالي اىل‬ ‫عقد العالقات بني الدولة الفدرالية و الدول‬ ‫أو األقاليم األعضاء يف هذه الفيدرالية‪ .‬و ان‬ ‫ممارسة هذه األهلية تعتمد يف الوقت نفسه على‬ ‫الدستور و على رغبة أو ارادة اجلانب املتعاقد‬ ‫اليت يعرتف بهذه األهلية من تلقاء نفسها و‬ ‫ذلك بقبوهلا مشاركة الكيان العضو يف الدولة‬ ‫الفدرالية يف االتفاقية (‪.)5‬‬ ‫يذهب د‪ .‬صالح الدين عامر اىل أن املعاهدة‬ ‫الدولية هي‪( :‬اتفاق مكتوب بني شخصني من‬ ‫أشخاص القانون الدولي العام‪ ،‬أيا كانت التسمية‬ ‫ال�تي تطلق عليه‪ ،‬يتم إب��رام��ه ً‬ ‫وفقا ألحكام‬ ‫القانون الدولي‪ ،‬بهدف إحداث آثار قانونية)‬ ‫(‪ .)6‬بناء على هذا التعريف‪ ،‬يتعني أن يكون‬ ‫أطراف االتفاقية الدولية من أشخاص القانون‬ ‫الدولي‪ .‬و لكن يف حالة االحتاد الفيدرالي‪ ،‬اذا‬ ‫كان الدستور االحتادي يعرتف ألعضاء االحتاد‬ ‫بسلطة إبرام االتفاقيات الدولية‪ ،‬سواء بامسها‬ ‫اخلاص أو بوصفها ممثلة لدولة االحت��اد‪ ،‬ففي‬ ‫ه��ذه احل��ال��ة‪ ،‬أن االت��ف��اق��ي��ات ال�تي ت�برم بني‬ ‫دولة (أو عضو) من الدول الداخلة يف االحتاد‬ ‫الفيدرالي‪ ،‬و دول��ة أجنبية تعترب اتفاقيات‬ ‫ً‬ ‫فمثال‪ ،‬يف أملانيا و يف امليادين املتعلقة‬ ‫دولية (‪،)7‬‬ ‫باالختصاص الداخلي‪ ،‬و خاصة يف املسائل‬ ‫الثقافية‪ ،‬إن إج��راءات التفاوض يف االتفاقيات‬ ‫الدولية و إبرامها تتم من قبل املقاطعات‬ ‫(الن��در)‪ ،‬وتستطيع الالندر ضمن اختصاصها‬ ‫التشريعي و مبوافقة احلكومة الفيدرالية عقد‬ ‫االتفاقيات الدولية مع الدول األجنبية(‪ .)8‬اذن‪،‬‬ ‫اذا مسح الدستور أو احلكومة االحتادية إلقليم أو‬ ‫مقاطعة (أو دولة ) يف داخل االحتاد الفيدرالي‪،‬‬


‫بإبرام اتفاقية مع دولة اخرى سواء باسم دولة‬ ‫االحتاد أو باسم اإلقليم أو املقاطعة‪ ،‬فان املمارسة‬ ‫يف هذه احلالة هي تصرف ينتج عنه اتفاقية‬ ‫دولية‪ ،‬و هنا نرى بأن الشخصية القانونية‬ ‫الدولية هل��ذا اإلقليم يستند على الدستور‬ ‫الداخلي أو موافقة حكومة االحتاد ولكن يف كل‬ ‫احلاالت من دون قدرة اإلقليم الذاتية للدخول يف‬ ‫عالقات خارجية البرام اتفاقيات دولية‪ ،‬ليس‬ ‫ً‬ ‫دستوريا‪،‬‬ ‫من املمكن ممارسة هذا احلق املمنوح‬ ‫و هذه القدرة مرتبطة ب��االرادة و االعتبارات‬ ‫املوضوعية و جتاوز االعتبارات الشكلية‪ ،‬ألن‬ ‫الوحدات األعضاء يف الدولة الفيدرالية و دورها‬ ‫ً‬ ‫أحيانا‬ ‫يف العالقات القانونية الداخلية و الدولية‬ ‫تغلب ارادتها و مبادراتها السياسية استجابة‬ ‫ملقتضيات امل��رح��ل��ة ال�تي تعيش فيها هذه‬ ‫الوحدات‪.‬‬ ‫أن الوضع الدستوري يف الداخل يتميز بالثبات‪،‬‬ ‫ل��ذا ان العالقات القانونية الداخلية تتميز‬ ‫باالستقرار‪ ،‬بعكس العالقات القانونية الدولية‬ ‫و اليت ال تكون كذلك و تستجيب للتطورات اليت‬ ‫تطرأ على العالقات الدولية و األحداث السياسية‬ ‫ال�تي ت��ؤث��ر ب��دوره��ا على طبيعة العالقات‬ ‫القانونية‪ ،‬مما يؤدي اىل ظهور أطراف جديدة‬ ‫يف منط جديد من العالقات‪ ،‬قد ال تستوعبها‬ ‫أطراف داخلية أو دولية‪ ،‬نظراً للتقيد املفرط‬ ‫بالشكليات الثابتة يف شروط اب��رام االتفاقية‬ ‫الدولية‪.‬‬ ‫رغم أن الصالحيات ختتلف من دولة فيدرالية‬ ‫اىل أخرى‪ ،‬فالدستور السويسري يف املادة التاسعة‬ ‫يسمح للدويالت بعقد (اتفاقية ) دولية ذات‬ ‫العالقة باالقتصاد العام‪ ،‬أو عالقات اجلوار أو‬

‫األم��ن‪ .‬و هذا يدل على أن الدويالت مبوجب‬ ‫الدستور السويسرى هلا شخصية دولية حمددة‬ ‫ق��ادرة على التمتع باحلقوق الدولية الناجتة‬ ‫عن ممارسة هذه الشخصية(‪ .)9‬أي أن الدويالت‬ ‫حرة يف اطار الدستور يف ممارسة أهليتها اليت‬ ‫جتسد الشخصية القانونية الدولية‪ ،‬اال إنه‬ ‫البد و أن يستند على الدستور و التشريعات‬ ‫الداخلية من أج��ل ممارسة الطرف املشارك‬ ‫يف العالقات الدولية و العمل يف اطار القانون‬ ‫الدولي‪ ،‬هذا رغم علوية قواعد القانون الدوىل‬ ‫و عدم قبول احلجج املستندة على التشريعات‬ ‫ً‬ ‫تهربا من االلتزامات الدولية‪ ،‬ولكن‬ ‫الداخلية‬ ‫إجياد الشرعية للممارسات الدولية ينبع من‬ ‫التناسق و التوافق املوجود بني القانون الدولي‬ ‫و القانون الداخلي‪ .‬ان القانون الدولي ال ينظم‬ ‫فقط قضايا السياسة اخلارجية فحسب‪ ،‬و إمنا‬ ‫ً‬ ‫أيضا‪ ،‬وال�تي تعترب‬ ‫ينظم القضايا الداخلية‬ ‫قضايا داخلة يف اطار االتفاقيات الدولية او اليت‬ ‫عاجال أم ً‬ ‫ً‬ ‫آجال‪.‬‬ ‫تصبح مواضيع هذه االتفاقيات‬ ‫وبهذا للقانون الداخلي و القانون الدولي هدف‬ ‫واح��د‪ ،‬و هو تنمية األنسان‪ ،‬لذا هلما أشخاص‬ ‫مشرتكة ً‬ ‫أيضا‪ ،‬وم��ع ال��ف��وارق امل��وج��ودة فيما‬ ‫ً‬ ‫نظاما واحداً (‪.)10‬‬ ‫بينهما‪ ،‬إال أنهما يشكالن‬ ‫و برأينا أن ه��ذا النظام ذو أبعاد دولية و‬ ‫داخلية يستند على ال��ق��واع��د النابعة من‬ ‫التشريعات الداخلية و الوثائق الدولية يف آن‬ ‫واحد‪ .‬وهذا يقودنا اىل أن القانون الداخلي يف‬ ‫الدولة الفيدرالية عندما يستند على الدستور‪،‬‬ ‫فالدستور يعرتف بالواليات و أقاليم الدولة‬ ‫الفيدرالية كوحدات مستقلة يف ادارة شؤونها‬ ‫و ذات سيادة‪ ،‬عندما يرتك الصالحيات غري‬ ‫‪17‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪18‬‬

‫املثبتة للحكومة االحتادية‪ ،‬ملمارسة الواليات‬ ‫األع��ض��اء‪ .‬ه��ذا كما يف حتقيق امل��س��اواة بني‬ ‫الواليات دون األخذ بنظر االعتبار عدد السكان‬ ‫أو كرب أو صغر حجم و مساحة الوالية (‪.)11‬‬ ‫وهذا االعرتاف بالسيادة‪ ،‬أدى اىل قيام عدد من‬ ‫الوحدات الفيدرالية بتنمية عالقاتها اخلارجية‬ ‫مبا فيها ابرام االتفاقيات و توقيع املذكرات و‬ ‫الوثائق املشــرتكة يف جماالت التنمية و التطور‬ ‫االقتصادي و االجتماعي و الثقايف‪.‬‬ ‫وقد نرى هذا االعرتاف يف الدستور األمريكي‬ ‫يف املساواة بني الواليات‪ ،‬و الدستور العراقي يف‬ ‫االق��رار حبكومة إقليم كوردستان و املؤسسات‬ ‫املنشأة فيها‪ .‬فالدستور األملانى لعام (‪ )1949‬قد‬ ‫تناول مسألة االعرتاف باحلكم احمللي‪ ،‬و كذلك‬ ‫الدستور اإلسباني لعام (‪ )1987‬على الرغم من‬ ‫تركيزه على اجي��اد جمتمعات تتمتع باحلكم‬ ‫ال��ذات��ي‪ ،‬اال ان��ه أك��د أي��ض ً��ا على االستقاللية‬ ‫احمللية‪ .‬كما أن دستور الربازيل لعام (‪)1988‬‬ ‫منح محاية واسعة النطاق للحكومات احمللية‪،‬‬ ‫و العتبارات تنموية نص الدستور اهلندي لعام‬ ‫(‪ )1992‬على ترسيخ احلكم احمللي‪ ،‬بينما جاءت‬ ‫احلماية واسعة النطاق للحكم احمللي الذاتي‬ ‫يف دستور جنوب أفريقيا لعام (‪ )1996‬ألهداف‬ ‫دميقراطية و تنموية على حد سواء‪ ،‬و للغرض‬ ‫ذاته أكد الدستور النيجريي لعام (‪ً )1999‬‬ ‫أيضا‬ ‫على اعتبار احلكم احمللي أحد مستويات احلكم‪.‬‬ ‫كما ويعرتف الدستور السويسري لعام (‪)1999‬‬ ‫باحلكم احمللي و صالحيات الكانتونات (‪.)12‬‬ ‫وقد أدت استقاللية هيئات األقاليم الفيدرالية‬ ‫يف ممارسة بعض االختصاصات الدولية‪ ،‬اىل‬ ‫ً‬ ‫فمثال يف بلجيكا يؤكد دستور عام‬ ‫تقوية دورها‪،‬‬

‫‪ 1993‬يف املادة (‪ )167‬على أن امللك هو الذي يوجه‬ ‫العالقات الدولية‪ ،‬ولكن دون املساس بصالحية‬ ‫الوحدات و األقاليم يف تنظيم التعاون الدولي‬ ‫و من ضمنها عقد االتفاقيات يف األم��ور اليت‬ ‫تدخل ضمن صالحيتها وف��ق ً��ا للدستور أو‬ ‫مبوجبه (‪ .)13‬و بذلك تقوم الوحدات و األقاليم‬ ‫بتنفيذ االتفاقيات اليت متس أمورها‪ ،‬عندما‬ ‫ي��وزع الدستور صالحيات تنفيذ االتفاقيات‬ ‫الدولية بني امللك من جهة و الوحدات و األقاليم‬ ‫من جهة اخ��رى عندما يتعلق األم��ر بشؤون‬ ‫هذه الوحدات و األقاليم (‪ .)14‬و يف أملانيا‪ ،‬أن‬ ‫االتفاقيات اليت تدخل يف ميادين االختصاص‬ ‫احلصري للواليات‪ ،‬الميكن أن تعقد إال مبوافقة‬ ‫هذه الواليات (‪ )15‬كما أن التطبيقات السويسرية‬ ‫و الكندية قد استقرت على أن السلطة االحتادية‬ ‫تربم املعاهدات بعد التشاور مع اإلقليم ويشرع‬ ‫الربملان االحت��ادي بتنفيذها برتكه لألقاليم‬ ‫العناية اخلاصة بتنفيذ املعاهدات ضمن ميادين‬ ‫اختصاصها‪ ،‬وه��ذا أدى اىل تنفيذ املعاهدات‬ ‫ً‬ ‫وفقا للقواعد الدستورية لتوزيع‬ ‫الدولية‬ ‫السلطات ب�ين االحت���اد الفيدرالي واألقاليم‬ ‫(‪ .)16‬و يف ايطاليا‪ ،‬الدولة اليت تسري على غرار‬ ‫الفيدرالية‪ ،‬متنح املادة اخلامسة من الدستور‬ ‫صالحيات ذات حكم ذاتي للمقاطعات إلدارة‬ ‫شؤونها‪ ،‬كما أن املادة (‪ )124‬من الدستور االيطالي‬ ‫تؤكد على املشاركة الواسعة ملقاطعات احلكم‬ ‫الذاتي يف إصدار التشريعات على مستوى الدولة‬ ‫(‪ .)17‬و باالستناد على هذا االعرتاف الدستوري‬ ‫ملمارسة الشخصية القانونية الدولية‪ ،‬عقدت‬ ‫والية (‪ )Basse Sax‬يف أملانيا االحتادية يف ‪/26‬‬ ‫شباط‪ 1965/‬اتفاقية ثقافية مع دولة الفاتيكان‪،‬‬


‫كما أب��رم��ت والي��ة كوبيك يف كندا اتفاقية‬ ‫ثقافية مع وزير التعليم العالي الفرنسي يف ‪/27‬‬ ‫شباط‪ .)18( 1960/‬ومبا أن مؤسسات الوحدات‬ ‫الفيدرالية هي هيئات حاكمة تقرر تنظيم‬ ‫األمور الداخلية و اخلارجية لألقاليم‪ ،‬و ليست‬ ‫هيئات إداري���ة حبتة (‪ ،)19‬لذلك بناء على‬ ‫دساتري األقاليم و دساتري الدولة الفيدرالية‪،‬‬ ‫تتصف هذه األقاليم بكافة شروط الدولة‪ ،‬و امنا‬ ‫ينقصها اإلعالن و االنفصال عن دولة األصل‪ ،‬لذا‬ ‫حياول عدد من هذه األقاليم ممارسة شخصيتها‬ ‫القانونية الدولية عن طريق عالقاتها اخلارجية‬ ‫و تنظيم امورها الداخلية على ضوء أحكام‬ ‫القانونني الداخلي و الدولي‪ ،‬و بذلك متارس‬ ‫هذه الكيانات أهليتها بنا ًء على طبيعة الدساتري‬ ‫الداخلية و التشريعات اليت تسمح هلا بالدخول‬ ‫يف العالقات الدولية‪ ،‬مبا فيها ابرام االتفاقيات‬ ‫اليت ال تعارض األسس الدستورية و القانونية‬ ‫يف البلد‪ ،‬و السياسة االقتصادية و التنموية من‬ ‫أجل خلق تعاون سلمي يقوم على اسس التطور‬ ‫احل��ض��اري الح�ت�رام ح��ق��وق مكونات ال��دول��ة‬ ‫الفيدرالية يف رسم سياسة تنمية مستدامة‪.‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬أهلية أقاليم الدولة الفيدرالية‬ ‫إلبرام االتفاقية الدولية‬ ‫نظراً لوجود مشكلة األهلية بالنسبة ألقاليم‬ ‫الدولة الفيدرالية‪ ،‬لذا حيتل موضوع األهلية‬ ‫مكانا يف قدرة هذه األقاليم لالشرتاك يف إبرام‬ ‫اتفاقيات دولية‪ ،‬فقد اهتمت جلنة القانون‬ ‫الدولي يف األم��م املتحدة بهذا اجلانب وذلك‬ ‫عندما تضمن مشروعها لالتفاقية الدولية‬

‫لقانون املعاهدات نصا خي��ول أقاليم الدولة‬ ‫الفيدرالية حق ابرام املعاهدات اذا كان دستور‬ ‫الدولة الفيدرالية يعرتف هلا بهذه األهلية ويف‬ ‫النطاق الدستوري ولكن معارضة كثري من‬ ‫الدول هلذا النص‪ ،‬أدى اىل عدم درجه يف اتفاقية‬ ‫فيينا لقانون املعاهدات عام ‪.)20(1969‬‬ ‫ف��م��ادام خ�براء القانون ال ي��رون يف إب��رام‬ ‫املعاهدات من قبل أعضاء الدولة الفيدرالية‬ ‫عمال غري مشروعا‪ ،‬ل��ذا نؤكد على ض��رورة‬ ‫معاجلة هذا النقص يف اتفاقية فيينا لقانون‬ ‫املعاهدات‪ ،‬وسوف تؤدي هذه املعاجلة اىل اطالق‬ ‫صالحية أقاليم الدولة الفيدرالية للقيام بهذه‬ ‫املمارسات يف نطاق املشروعية‪.‬‬ ‫إن دستور الدولة الفيدرالية ميكن أن حيدد ما‬ ‫اذا كانت املقاطعات أو األقاليم األعضاء يف الدولة‬ ‫الفيدرالية تتمتع بالشخصية القانونية الدولية‬ ‫اجلزئية ومتلك احلق يف ابرام املعاهدات الدولية‬ ‫أم ال‪ ،‬ولكن الدول األخرى حرة يف مسألة التعاقد‬ ‫مع مثل هذه األقاليم (‪.)21‬‬ ‫جتيز دساتري بعض الدول الفيدرالية لألقاليم أو‬ ‫الوحدات األعضاء ابرام االتفاقيات بعد موافقة‬ ‫احلكومة الفيدرالية‪ ،‬فمثال تؤكد املادة األوىل‬ ‫‪ 10/‬من الدستور األمريكي على منح الواليات‬ ‫األعضاء يف الواليات املتحدة األمريكية حق ابرام‬ ‫االتفاقيات شريطة موافقة الكوجنرس (‪.)22‬‬ ‫وكان دستور فاميار األملاني لعام ‪ 1919‬يف املادة‬ ‫(‪ )78‬يسمح للوحدات األعضاء بعقد اتفاقات مع‬ ‫الدول األجنبية يف اطار الصالحية التشريعية‬ ‫(‪ ،)23‬ونص دستور (‪ )1949‬األملاني أيضا يف املادة‬ ‫(‪ )32‬منه «أنه بالقدر الذي يقع التشريع فيه‬ ‫ضمن اختصاص املقاطعات‪ ،‬فان هلذه املقاطعات‬ ‫‪19‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪20‬‬

‫أن تعقد املعاهدات مع الدول األجنبية مبوافقة‬ ‫احلكومة االحتادية» (‪.)24‬‬ ‫كما إن دس��ات�ير بعض ال���دول الفيدرالية‬ ‫متنح لألقاليم أو ال��دول و األعضاء يف الدولة‬ ‫الفيدرالية صالحية عقد بعض االتفاقات‪،‬‬ ‫وكانت الكانتونات السويسرية قد استخدمت‬ ‫صالحياتها الدستورية يف العالقات الدولية‪،‬‬ ‫واش�ترك��ت م��ع ال����دول األج��ن��ب��ي��ة يف ش��ؤون‬ ‫خارجية يف جماالت الثقافة و الطاقة والسياحة‬ ‫كما وعملت الكانتونات على الضغط على‬ ‫االحتاد السويسري من أجل زيادة املشاركة يف‬ ‫ال��ق��رارات املتعلقة بالسياسة اخلارجية‪ ،‬كما‬ ‫نصت املادة (‪ )56‬من الدستور السويسري على‬ ‫السماح للكانتونات مبتابعة عالقاتها اخلاصة‬ ‫مع السلطات األجنبية على مستوى منخفض‬ ‫مع االلتزام مبصاحل الكانتونات األخرى ومصاحل‬ ‫االحتاد السويسري (‪.)25‬‬ ‫و بوجه عام أن الدستور الفيدرالي حيتفظ‬ ‫للسلطة الفيدرالية بصالحيات حمدودة‪ ،‬واليت‬ ‫تتعلق مبصاحل جمموع ال��دول (أو األقاليم)‬ ‫األعضاء يف الفيدرالية وبالعكس فان الدول‬ ‫(أو األقاليم) األعضاء حتتفظ باالختصاص‬ ‫األساس‪ .‬فاملادة الثالثة من الدستور السويسري‬ ‫يف ‪ 1999/4/18‬مثال‪ ،‬تنص على أن الكانتونات هي‬ ‫((ذات سيادة طاملا مل يتم حتديد هذه السيادة‬ ‫من قبل الدستور الفيدرالي))‪ ،‬وهذا يعين أنها‬ ‫تبقى‪ ،‬بصورة عامة ذات االختصاص بالنسبة‬ ‫للمسائل اخلاصة و حتى بسن دساتريها اخلاصة‬ ‫(‪.)26‬‬ ‫و السؤال املطروح هنا‪ :‬هل أن ألقاليم الدولة‬ ‫الفيدرالية شخصية قانونية دول��ي��ة‪ ،‬لكي‬

‫تستطيع القيام بالعالقات اخلارجية وإبرام‬ ‫االتفاقيات و العقود مع ال��دول و املنظمات‬ ‫الدولية؟ اذا كان اإلقليم يستطيع أن يباشر‬ ‫أعماله مع أطراف القانون الدولي ويساهم يف‬ ‫إنشاء قواعد حبيث يضع على كاهله التزامات‬ ‫بصدد املشـاركة يف العالقات القانونية الدوليــة‪،‬‬ ‫ففي هذه احلالة اإلقليم يتمتع بــالشـخصية‬ ‫الدولـيـة‪ ،‬و ذل��ك حسب البعض أن ((صفة‬ ‫الشخص‪ ،‬تضفي تبعا ألحكام القانون الدولي‬ ‫ال��ع��ام على ك��ل م��ن يتصل على حن��و مباشر‬ ‫بقواعد القانون الدولي‪ ،‬ويكون صاحلا للتمتع‬ ‫باحلقوق الدولية‪ ،‬ويتحمل االلتزامات الدولية‬ ‫ول��ه احل��ق يف االدع��اء أم��ام اهليئات القضائية‬ ‫الدولية)) (‪.)27‬‬ ‫اذن‪ ،‬كل من ينشأ عالقة مع قواعـد القانـون‬ ‫الـدولي وم��ؤه�لا للتمتع حبقوقه ويتحمل‬ ‫االلتزامات الدولية كما هو احل��ال يف أقاليم‬ ‫الدول الفدرالية‪ ،‬يضفى عليه صفة الشخص‪،‬‬ ‫ويكون له شخصية قانونية وخماطبا لقواعد‬ ‫القانون ال��دول��ي‪ .‬و االتفاقية الدولية تنشأ‬ ‫احلقوق و االلتزامات لألطراف املشاركة‪ .‬وعند‬ ‫ابرام اتفاقية من قبل دولة مستقلة وصاحبة‬ ‫السيادة مع اقليم يف دول��ة فيدرالية‪ ،‬جيعل‬ ‫اعرتاف هذه الدولة بهذا اإلقليم واقعة حقيقية‬ ‫يف العالقات القانونية الدولية‪.‬‬ ‫و هناك رأي فقهي يرى بأن الدولة باعتبارها‬ ‫شخصا أساسيا من أشخاص القانون الدولي‬ ‫ال��ع��ام متلك ال��ق��درة على االع�ت�راف للطرف‬ ‫املتعاقد معها بالشخصية القانونية الدولية‪،‬‬ ‫وانها صاحبة السيادة حرة يف أن تلتزم مع كل‬ ‫شخص سواء كان من أشخاص القانون الدولي‬


‫أم ال‪ .‬وهذا االعرتاف سواء كان بفرد أو بوحدة‬ ‫ذات اختصاص حمدود على الصعيد الدولي يعد‬ ‫اعرتافا باألمر الواقع (ديفاكتو) (‪.)28‬‬ ‫إن ال��ت��ط��ورات األخ�ي�رة يف القانون الدولي‬ ‫ت��دل على قبول العالقات اجلديدة لألقاليم‬ ‫و ال��وح��دات األع��ض��اء يف ال���دول الفيدرالية‬ ‫والتعامل معها على أس��اس اح�ترام إرادة هذه‬ ‫الوحدات يف دخوهلا املتزايد يف العالقات الدولية‬ ‫مبا فيها العالقات القانونية الدولية وأحيانا‬ ‫الدبلوماسية‪ .‬وأحيانا حتى يف الدولة البسيطة‬ ‫متنح الصالحية لبعض الوزارات املهمة ما عدا‬ ‫وزارة اخلارجية إلب��رام اتفاقيات مع وزارات‬ ‫أخ��رى مثيلة يف دول��ة أخ��رى يف اط��ار التعاون‬ ‫الدولي‪ ،‬فمثال يف فرنسا ان وزارة املالية أو وزارة‬ ‫الصناعة أو وزارة الرتبية مدعوة إلبرام مثل‬ ‫هذه االتفاقات مع مثيالتها األجنبية (‪.)29‬‬ ‫ان دستور اإلمارات العربية املتحدة (‪)1971/7/18‬‬ ‫يعطي الصالحية لإلمارات األعضاء يف االحتاد‬ ‫إلبرام اتفاقيات دولية شريطة تقدير مصاحل‬ ‫وقوانني االحتاد الفيدرالي‪ ،‬حيث تنص املادة‬ ‫(‪ )123‬على أن��ه‪(( :‬جي��وز لإلمارات األعضاء يف‬ ‫االحت��اد عقد اتفاقيات حم��دودة ذات طبيعة‬ ‫إداري��ة حملية مع الدول و األقطار اجمل��اورة هلا‬ ‫على َ‬ ‫أال تتعارض مع مصاحل االحت��اد وال مع‬ ‫القوانني االحت��ادي��ة‪ ،‬وبشرط إخطار اجمللس‬ ‫األعلى لالحتاد مسبقا‪ .‬فإذا اعرتض اجمللس على‬ ‫ابرام مثل تلك االتفاقيات فيتعني أرجاء األمر‬ ‫اىل أن تبت احملكمة االحتادية بالسرعة املمكنة‬ ‫يف هذا االعرتاض )) (‪.)30‬‬ ‫و كذلك تنص املادة (‪ )124‬من دستور اإلمارات‬ ‫العربية املتحدة على اآلت��ي‪(( :‬على السلطات‬

‫االحتادية املختصة‪ ،‬قبل ابرام أية معاهدة أو‬ ‫اتفاقية دولية ميكن أن متس املركز اخلاص‬ ‫باحدى اإلم��ارات‪ ،‬استطالع رأي هذه اإلم��ارة‬ ‫مسبقا‪ ،‬وعند اخلالف يعرض األمر على احملكمة‬ ‫االحتادية العليا للبت فيه))‪.‬‬ ‫ففي هاتني املادتني‪ ،‬نرى أن االعرتاف وإعطاء‬ ‫الصالحية لإلمارات األعضاء قد مينح هؤالء‬ ‫األعضاء الشخصية القانونية الدولية ملمارسة‬ ‫األهلية يف اب��رام اتفاقيات دولية‪ ،‬ففي املادة‬ ‫(‪ )123‬متنح الصالحية لإلمارات األعضاء يف‬ ‫ابرام اتفاقيات دولية مع األخذ بنظر االعتبار‬ ‫مصاحل و قوانني االحت��اد‪ ،‬أم��ا يف امل��ادة (‪)124‬‬ ‫فتفرض على السلطات االحت��ادي��ة املختصة‬ ‫استطالع رأي اإلم��ارات األعضاء يف حالة ابرام‬ ‫اتفاقيات متس مركز ومصاحل هذه االعضاء‪.‬‬ ‫ففي هاتني احلالتني‪ ،‬يتوجب على حكومة‬ ‫االحتاد مراعاة اإلمارات األعضاء صاحبة األهلية‬ ‫وال جيوز التجاوز على حقوق هذه االمارات حتى‬ ‫يف ممارسة حق االحتاد عند ابرام االتفاقيات‬ ‫الدولية‪ ،‬م��ادام دستور االحت��اد نفسه قد قرر‬ ‫ذلك‪ .‬كما ان دستور احتاد جزر القمر الصادر يف‬ ‫‪ 2003/12/23‬حيدد يف الباب الثاني اختصاصات‬ ‫االحتاد واجلزر‪ ،‬حيث تنص املادة (‪ )7‬منه‪ ،‬على‬ ‫حرية اجلزر االعضاء يف االحتاد بادارة شؤونها‬ ‫واقرار كل اجلزر بوضع دستور خاص بها يف‬ ‫ظل احرتام دستور االحتاد وتشكيل املؤسسات‬ ‫احلكومية اخلاصة‪.‬‬ ‫كما وحتدد املادة التاسعة اختصاصات االحتاد‬ ‫باجملاالت اآلتية‪:‬‬ ‫الدين و اجلنسية والعملة والعالقات اخلارجية‬ ‫والدفاع اخلارجي و الرموز الوطنية‪ ،‬كما وحتدد‬ ‫‪21‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪22‬‬

‫املادة التاسعة الصالحيات املشرتكة بني االحتاد و‬ ‫اجلزر وتقول‪(( :‬يف املواد ذات االختصاص الذي‬ ‫يتقامسه االحت��اد و اجل��زر متلك اجل��زر سلطة‬ ‫التصرف طاملا ال يستخدم االحتاد سلطته وبهذا‬ ‫القدر‪ .‬وال يتدخل االحتاد سوى عند استطاعته‬ ‫التصرف بصورة أكثر فعالية من اجلزر‪ ...‬ويف‬ ‫هذه احلالة‪ ،‬متلك اجلزر‪ ،‬تبعا للمجاالت سلطة‬ ‫اختاذ التدابري الالزمة لتنفيذ املبادئ األساسية‬ ‫و القواعد ال�تي حيددها االحت��اد أو لتحقيق‬ ‫األهداف اليت قررها االحتاد))‪ .‬هذا كما ان املادة‬ ‫التاسعة تؤكد على أن االختصاصات املشرتكة‬ ‫ب�ين االحت���اد واجل���زر يتم حتديدها مبوجب‬ ‫قانون أساسي عند االقتضاء‪ ،‬وأما اجلزر تنفرد‬ ‫باالختصاص يف امل��واد اليت ال تدخل يف عداد‬ ‫االختصاص املنفرد لالحتاد وال يف االختصاص‬ ‫املشرتك بني االحتاد و اجلزر (‪.)31‬‬ ‫اذن نقرأ يف هذه النصوص أن اجلزر تتمتع‬ ‫بالشخصية القانونية ألداء مهامها والدخول يف‬ ‫العالقات اليت تراها ضرورية‪.‬‬ ‫ويف االحت��اد ال��روس��ي‪ ،‬ان ال��وح��دات املكونة‬ ‫لالحتاد هلا احلق يف ممارسة سلطات حصرية‬ ‫وسلطات متالزمة على ح��د س���واء‪ ،‬و متتد‬ ‫ه��ذه السلطات حتى اىل ال��ش��ؤون اخلارجية‪،‬‬ ‫حبيث تستطيع هذه الوحدات ابرام اتفاقيات‬ ‫اقتصادية دولية مع الوحدات األعضاء للبلدان‬ ‫األخ��رى‪ ،‬وحتى ومبوافقة االحت��اد الفيدرالي‬ ‫مع ال��دول األجنبية(‪ .)32‬حيث تنص امل��ادة‬ ‫‪ 73‬من دستور االحت��اد ال��روس��ي لعام (‪)1993‬‬ ‫على حق ممارسة ((األقاليم و املناطق التابعة‬ ‫لالحتاد الروسي سلطة الدولة بنطاقها الكامل‬ ‫خارج نطاق الوالية القضائية لالحتاد الروسي‬

‫وسلطات االحتاد الروسي فيما يتعلق بالقضايا‬ ‫اليت تندرج ضمن الوالية القضائية املشرتكة‬ ‫لالحتاد الروسي ولعناصره))‪.‬‬ ‫كما وتنص الفقرة الثانية من امل��ادة (‪)78‬‬ ‫من دستور االحت��اد الروسي على أنه‪(( :‬جيوز‬ ‫لألجهزة االحتادية للسلطة التنفيذية‪ ،‬باالتفاق‬ ‫مع أجهزة السلطة التنفيذية للعناصر اليت‬ ‫يتكون منها االحت��اد الروسي‪ ،‬أن تفوض اليها‬ ‫ج��زءا م��ن صالحياتها بشرط ع��دم تعارض‬ ‫ذلك مع دستور االحتاد الروسي أو مع القوانني‬ ‫االحت��ادي��ة))‪ .‬كما وت��ؤك��د الفقرة األوىل من‬ ‫امل��ادة (‪ )77‬من دستور االحت��اد الروسي على‬ ‫أن‪(( :‬تضع األقاليم و املناطق التابعة لإلحتاد‬ ‫ال��روس��ي‪ ،‬على حن��و مستقل وف��ق��ا للمبادئ‬ ‫األساسية للنظام الدستوري لإلحتاد الروسي‬ ‫واملبادئ العامة لتنظيم اهليئات التشريعية و‬ ‫التنفيذية للسلطة على النحو الذي ينص عليه‬ ‫القانون االحت��ادي‪ ،‬نظام هيئات سلطة الدولة‬ ‫يف اجلمهوريات و االقاليم و املناطق و املدن‬ ‫االحتادية و املناطق املستقلة ذاتيا))‪ .‬كما ان‬ ‫شعوب االحتاد الروسي يف اجلمهوريات و األقاليم‬ ‫و املناطق واملدن االحتادية و املناطق املستقلة‬ ‫ذاتيا‪ ،‬تتمتع مبوجب الفقرة الثالثة من املادة‬ ‫(‪ )5‬من الدستور االحتادي باملساواة و احلق يف‬ ‫تقرير املصري‪.‬‬ ‫وان مجيع هذه الوحدات الفيدرالية مبوجب‬ ‫الفقرة الرابعة من امل��ادة (‪ )5‬من الدستور‬ ‫االحت��ادي ((متساوية يف عالقاتها مع اهليئات‬ ‫االحتادية لسلطة الدولة)) (‪.)33‬‬ ‫ويؤكد القانون األس��اس جلمهورية أملانيا‬ ‫االحتادية بصيغته املعدلة يف عام (‪ )2002‬يف‬


‫الفقرة األوىل من املادة (‪ )32‬على أن االحتاد يدير‬ ‫العالقات مع الدول األجنبية‪ .‬ولكن يف احلاالت‬ ‫اليت يتعلق األمر مبصاحل األقاليم‪ ،‬فقد نصت‬ ‫الفقرة الثانية من املادة (‪ )32‬على معاجلة األمر‬ ‫بأنه‪(( :‬قبل عقد معاهدة تؤثر يف الظروف‬ ‫اخلاصة إلقليم‪ ،‬يستشار ذلك اإلقليم يف الوقت‬ ‫املناسب))‪ .‬كما وتنص الفقرة الثالثة من املادة‬ ‫نفسها على اآلت��ي‪(( :‬بقدر ما تكون لإلقليم‬ ‫سلطة التشريع‪ ،‬جيوز له أن يعقد معاهدات‬ ‫مع دول أجنبية مبوافقة احلكومة االحتادية))‬ ‫ً‬ ‫طبقا لدستور والية بافاريا‪ ،‬و هي من‬ ‫(‪ .)34‬و‬ ‫أكرب الواليات يف أملانيا االحتادية‪ ،‬الصادر عام‬ ‫‪ ،1946‬تؤكد الفقرة الثانية من املادة (‪ )72‬على أن‬ ‫املعاهدات تربم من قبل رئيس وزراء الوالية بعد‬ ‫موافقة مسبقة جمللس الوالية (الربملان) (‪.)35‬‬ ‫ويف الفيدرالية البلجيكية‪ ،‬مينح الدستور‬ ‫مبوجب املادة (‪ )127‬منه الصالحية لألقاليم‬ ‫وبالتعاون فيما بينها يف العالقات الدولية وعقد‬ ‫االتفاقيات مع ال��دول يف الشؤون الثقافية و‬ ‫التعليم‪ .‬وقد أعطت هذه املادة أهلية الدخول‬ ‫يف ابرام اتفاقيات مع الدول‪ ،‬أما الفقرة األوىل‬ ‫من املادة (‪ )167‬من الدستور فتؤكد على أن امللك‬ ‫هو الذي يدير العالقات الدولية دون املساس‬ ‫بصالحية الوحدات و االقاليم يف تنظيم التعاون‬ ‫الدولي مبا فيه ابرام اتفاقيات دولية يف املسائل‬ ‫الداخلة ضمن صالحياتها وفقا للدستور‪ .‬كما‬ ‫تنص الفقرة الثالثة من امل��ادة (‪ )167‬على أن‬ ‫تعقد حكومات الوحدات و األقاليم املعاهدات‬ ‫اليت تشمل األم��ور اخلاصة بصالحية جملسها‬ ‫ولن تكون هذه املعاهدات نافذة املفعول اال بعد‬ ‫تصديق اجمللس املذكور (‪.)36‬‬

‫و يالحظ ان دستور (‪ )1978‬االسباني أحدث‬ ‫المركزية يف السلطات السياسية أكثر من غريه‬ ‫من الدول الفيدرالية‪ .‬إذ مبوجب هذا الدستور‬ ‫تتمتع جمتمعات احلكم الذاتي بسلطات سياسية‬ ‫و إدارية ومالية هامة (‪ ،)37‬لذا أكد الدسـتور‬ ‫االسـباني على إجياد جمتمعات ذات احلكم الذاتي‬ ‫وأشار أيضا اىل االسـتقاللية احمللية (‪.)38‬‬ ‫و نرى أن اجملتمع الكاتالوني استنادا اىل الدستور‬ ‫االسباني‪ ،‬ومبوجب القانون األساس لكاتالونيا‬ ‫(االسبانية)‪ ،‬يتمتع باحلكم الذاتي‪ ،‬كما جاء هذا‬ ‫يف املادة األوىل من القانون األساس الكاتالوني‬ ‫لعام ‪.2006‬‬ ‫وت��ق��ر امل���ادة (‪ )196‬م��ن ال��ق��ان��ون األس��اس‬ ‫الكاتالوني‪ ،‬ب��أن اجلمعية العامة دفاعا عن‬ ‫املصاحل الكاتالونية تستطيع أن تربم اتفاقيات‬ ‫التعاون يف نطاق صالحياتها‪ .‬وعلى أجهزة‬ ‫الدولة اخلارجية أن تساند مقرتحات ومشاريع‬ ‫اجلمعية العامة هلذا الغرض (‪ .)39‬هذا وقد‬ ‫نصت امل���ادة (‪ )137‬م��ن ال��دس��ت��ور االسباني‬ ‫لعام (‪ )1978‬على أن‪(( :‬تنظم أراض��ي الدولة‬ ‫بالبلديات و احملافظات و األقاليم الذاتية املكونة‬ ‫منها‪ ،‬وتتمتع مجيع هذه اهليئات باستقاللية‬ ‫يف إدارة مصاحلها الذاتية)) (‪ .)40‬و على الرغم‬ ‫من أن هذه املادة متنح احلق لألقاليم الذاتية‬ ‫باالستقاللية يف إدارة أمورها دون ان تذكر‬ ‫منعها من ممارسة حقها يف العالقات اخلارجية‪،‬‬ ‫اال أن صالحيات احلكومات الذاتية تقررت‬ ‫مبوجب امل��ادة (‪ )148‬من الدستور اإلسباني يف‬ ‫جماالت عديدة ومنها مبوجب الفقرة األوىل من‬ ‫هذه املادة ((تنظيم هيئات احلكومة الذاتية))‪،‬‬ ‫ومبوجب الفقرة الثالثة عشرة من املادة نفسها‬ ‫‪23‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪24‬‬

‫((ترويج التنمية االقتصادية يف اإلقليم الذاتي‬ ‫ضمن األهداف اليت تقرها السياسة االقتصادية‬ ‫الوطنية))‪.‬‬ ‫كما أن امللك مبوجب الدستور االسباني يف املادة‬ ‫(‪ )63‬الفقرة الثانية له احلق ((يف املصادقة على‬ ‫املعاهدات الدولية وفقا للدستور و القوانني))‪،‬‬ ‫وأن القوانني املتعلقة بتطوير احلقوق األساسية‬ ‫و احل��ري��ات العامة‪ ،‬مبوجب امل���ادة (‪ )93‬من‬ ‫الدستور االسباني‪(( ،‬يعطي اإلذن للتوقيع على‬ ‫املعاهدات اليت يكون أحد أطرافها منظمة أو‬ ‫مؤسسة عاملية وتكون فيها ممارسة االختصاص‬ ‫ً‬ ‫منبثقا من الدستور‪ ،‬اجمللس النيابي أو احلكومة‬ ‫حسب احلالة يرجع اليهم ضمان تنفيذ هذه‬ ‫املعاهدات و االتفاقات املتعلقة باملنظمات العاملية‬ ‫اليت متلك حق شرعية احلقوق))‪.‬‬ ‫هذا ومبوجب املادة (‪ )94‬من الدستور االسباني‬ ‫((أن املعاهدات اليت توقعها الدولة جيب أن يؤذن‬ ‫بها من اجمللس النيابي وذلك يف احلاالت التالية‪:‬‬ ‫أ‌ املعاهدات ذات الصفة السياسية‪.‬‬ ‫ب‌ املعاهدات ذات الصفة العسكرية‪.‬‬ ‫ت‌ املعاهدات اليت تتـعلق بالوحدة الوطنية‬ ‫للدولة أو احل��ق��وق و ال��واج��ب��ات األسـاسـية‬ ‫املـقــررة يف الباب األول‪.‬‬ ‫ث‌ املعاهدات املتعلقة بالواجبات املالية لوزارة‬ ‫املالية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ج‌ املعاهدات اليت تعدل أو تلغي قانونا أو تتطلب‬ ‫تدابري شرعية لتنفيذها ))‪.‬‬ ‫فاملعاهدات األخرى خارج هذه القائمة ال حتتاج‬ ‫اىل موافقة اجمللس النيابي (الربملان االسباني)‬ ‫ل��ذا أن الدستور االسباني مينح احلكومات‬

‫الذاتية صالحيات واسعة‪ ،‬حيث أن املادة (‪)150‬‬ ‫منه تنص على ما يأتي‪(( :‬ميكن للربملان فيما‬ ‫يتعلق بصالحيات الدولة أن مينح جزءاً أو كل‬ ‫هذه الصالحيات للحكومات الذاتية ويسمح هلا‬ ‫بأن تقر لنفسها قواعد تشريعية يف إطار املبادئ‬ ‫واألسس والنهج املثبت قانونيا من قبل الدولة‬ ‫دون األض��رار بصالحيات احملاكم ضمن اطار‬ ‫القانون واليت تقرر حيثيات املراقبة التابعة‬ ‫للربملان حول هذه األسس التشريعية يف األقاليم‬ ‫الذاتية))‪.‬‬ ‫و احلالة هذه فأن احلكومات الذاتية تتمتع‬ ‫بصالحيات واسعة مبوجب ه��ذه امل��ادة دون‬ ‫األضرار بالتشريعات املرعية‪ ،‬ولذا فأن مجيع‬ ‫صالحيات الدولة مبوجب املادة (‪ )149‬متر دون‬ ‫ذك��ر حصر االختصاص يف اب��رام االتفاقيات‬ ‫الدولية يف صالحية الدولة أو احلكومة‪ ،‬كما‬ ‫و يؤكد يف فقرات عديدة من هذه امل��ادة على‬ ‫((خصوصية القانون يف األقاليم الذاتية))‬ ‫وتشريعات أخرى ((دون اإلضرار باالختصاصات‬ ‫املشتقة من التنظيم اخلاص باحلكومات الذاتية‬ ‫فيما يتعلق ب��امل��ص��ادرة اجل�بري��ة والتشريع‬ ‫األساسي حول العقود وما متنحه اإلدارات ونظام‬ ‫املسؤوليات يف كافة اإلدارات العامة))‪.‬‬ ‫هذا‪ ،‬وتنص املادة (‪ )149‬يف خامتتها على ((أن‬ ‫املواد اليت مل متنح يف هذا الدستور للدولة ميكن‬ ‫أن تكون للحكومات الذاتية حســب أنظـمتها‬ ‫األســاسـية و املواد اليت مل تأخذها احلكومات‬ ‫الذاتية تقوم بها الدولة‪ .))...‬و يتبني يف ذلك‪،‬‬ ‫بأن الدستور االسباني قد منح األقاليم الذاتية‬ ‫صالحيات ملمارسة أهليتها يف خدمة أمورها‬


‫اخلاصة بها واليت ال تتعارض مع املصاحل العامة‬ ‫للبلد و اختصاصات احلكومة‪.‬‬ ‫إن إيطاليا ليست دول��ة فيدرالية‪ ،‬و امنا‬ ‫مجهورية دميقراطية قائمة على العمل مبوجب‬ ‫املادة األوىل من دستورها‪ ،‬ولكن هذه اجلمهورية‬ ‫تتميز مبواصفات متميزة من ناحية تقسيم‬ ‫االختصاصات بني املركز و االقاليم املوجودة‬ ‫يف الدولة‪ .‬فقد أقر الدستور اإليطالي بوضوح‬ ‫يف املادة (‪ )117‬أهلية األقاليم وشخصيتها الدولية‬ ‫يف ممارسة عالقاتها الداخلية و اخلارجية‬ ‫بإبرام اتفاقيات دولية‪ ،‬حيث تنص على إقرار‬ ‫((القانون اإلقليمي اتفاقيات اإلقليم مع أقاليم‬ ‫أخ��رى م��ن أج��ل مم��ارس��ة أفضل ملهامها‪ ،‬مع‬ ‫حتديد األجهزة املشرتكة))‪ ،‬وتذهب هذه املادة‬ ‫اىل أبعد من هذه الصالحيات الداخلية مبنحها‬ ‫األقاليم احلق يف اب��رام اتفاقيات مع اخل��ارج‪،‬‬ ‫كما تؤكد على القضايا اليت هي من اختصاص‬ ‫اإلقليم‪ ،‬بأنه‪(( :‬لإلقليم ابرام اتفاقات مع الدول‬ ‫وتوافقات مع مؤسسات اقليمية داخلية لدولة‬ ‫أخ��رى‪ ،‬يف احل��االت و وفقا لألحوال املنصوص‬ ‫عليها يف قوانني ال��دول��ة))‪ .‬ففي ض��وء هذه‬ ‫املادة‪ ،‬لو أخذنا احلالة اخلاصة إلقليم سيسيليا‬ ‫(صقلية) كأحد أقاليم اجلمهورية اإليطالية‪،‬‬ ‫فإنها مبوجب املادة األوىل من دستور هذا اإلقليم‬ ‫((تتمتع بالشخصية القانونية))‪ ،‬وهلا مؤسساتها‬ ‫اخلاصة من اجلمعية واجمللس ورئيس اإلقليم‪،‬‬ ‫حيث يشكل الرئيس واجمللس حكومة اإلقليم‪،‬‬ ‫مبوجب املادة الثانية من الدستور (‪.)41‬‬ ‫ان دستور األمة األرجنتينية لعام ‪ 1994‬يؤكد‬ ‫يف امل��ادة اخلامسة على أن‪(( :‬يسن كل اقليم‬ ‫دس��ت��وره ضمن النظام التمثيلي اجلمهوري‬

‫وطبقا ملبادئ وحقوق و ضمانات الدستور‬ ‫الوطين ليضمن إدارته للقضاء ونظام البلديات‬ ‫والتعليم االبتدائي‪ .‬حتت هذه الشروط تضمن‬ ‫احلكومة االحتادية لكل إقليم السلطة الكاملة‬ ‫على مؤسساته)) (‪ .)42‬و تقر هذه املادة حبق‬ ‫كل األقاليم املكونة للفيدرالية يف األرجنتني يف‪:‬‬ ‫سن الدستور و السلطة الكاملة على املؤسسات يف‬ ‫اإلقليم‪ .‬وبذلك يتمتع كل إقليم يف االرجنتني‬ ‫بنوع من االستقاللية و الشخصية بناء على‬ ‫م��واد الدستور (‪ 123 ،122 ،121‬و ‪ )124‬مبا فيها‬ ‫العالقات اخلارجية مبوجب املادة (‪ ،)124‬حيث‬ ‫ختول اىل األقاليم صالحيات عديدة‪ ،‬منها‪ :‬انشاء‬ ‫مناطق للتنمية االقتصادية و االجتماعية‬ ‫والدخول يف اتفاقيات دولية مبعرفة الكونغرس‬ ‫(ال�برمل��ان) شريطة أن ت��ك��ون منسجمة مع‬ ‫السياسة اخلارجية القومية‪ ،‬ومن الصالحيات‬ ‫املهمة لألقاليم‪(( :‬السيادة األصيلة على املوارد‬ ‫الطبيعية املوجودة يف أراضيها))‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فضال عن هذا‪ ،‬إن إدارة املناطق االقتصادية و‬ ‫الدخول يف االتفاقيات الدولية وإدارة السيادة‬ ‫على املوارد الطبيعية متنح لألقاليم إمكانية‬ ‫ممارسة عالقاتها اخلارجية والتصرف داخليا‬ ‫يف إدارة أجهزتها املؤسساتية‪ ،‬ومن ذلك تقر‬ ‫املادة (‪ )125‬من الدستور األرجنتيين بصالحية‬ ‫األقاليم جواز الدخول يف معاهدات واتفاقيات‬ ‫جزئية ألغ���راض إدارة ال��ع��دال��ة و املصاحل‬ ‫االقتصادية وأعمال املنفعة املشرتكة مبعرفة‬ ‫الكونغرس الفيدرالي‪ ،‬مبا فيها تأسيس صناعات‬ ‫ج��دي��دة واس��ت�يراد ال��رس��ام��ي��ل األجنبية و‬ ‫استكشاف أنهارها وتشجيع الصناعة و السياحة‬ ‫وبناء السكك احلديدية والقنوات الصاحلة‬ ‫‪25‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪26‬‬

‫للمالحة واستيطان أراضي األقاليم‪.‬‬ ‫كما ان دستور مجهورية أثيوبيا الفيدرالية‬ ‫ل��ع��ام (‪ )1994‬ي��ع�ترف ب��األع��ض��اء يف ال��دول��ة‬ ‫الفيدرالية‪ ،‬حيث تقر الفقرة الثالثة من املادة‬ ‫الثالثة‪ ،‬بتأسيس املؤسسات اخلاصة لكل عضو‬ ‫(أو إقليم) مبا فيها العلم و الشعار‪ ،‬و تؤكد‬ ‫املادة (‪ )50‬من الدستور على تشكيل السلطات‬ ‫التشريعية و التنفيذية و القضائية لالحتاد و‬ ‫األقاليم األعضاء‪.‬‬ ‫و من هنا يبدأ اع�تراف الدستور األثيوبي‬ ‫بشخصية األقاليم األعضاء يف الفيدرالية‪ ،‬ومبا‬ ‫أن الفقرة الرابعة من املادة التاسعة من الدستور‬ ‫تؤكد على أن االتفاقيات امل�برم��ة م��ن قبل‬ ‫أثيوبيا تعد جزء ال يتجزأ من قانون البالد‪،‬‬ ‫فأن هذا التفضيل لالتفاقيات الدولية جيعلنا‬ ‫أم��ام حقيقة أن االتفاقيات الدولية ختاطب‬ ‫مجيع الشعوب و الكيانات يف العامل‪ ،‬باألخص‬ ‫االتفاقيات املتعلقة حبقوق االنسان و املبادئ و‬ ‫القواعد القانونية الدولية ذات الصلة‪ .‬كما تؤكد‬ ‫املادة (‪/39‬الفقرة االوىل) من الدستور األثيوبي‬ ‫على حق القوميات يف تقرير املصري مبا فيها‬ ‫االنفصال‪ ،‬و تؤكد الفقرة الثانية من نفس‬ ‫املادة على أن لكل قومية أو شعب حق استخدام‬ ‫لغتها واحلفاظ على تراثها وتعزيز ثقافتها‬ ‫ومساعدتها على النمو و االزدهار(‪.)43‬‬ ‫بعد أن الحظنا موقع وح��دات بعض الدول‬ ‫الفيدرالية يف دساتري دوهلا أو يف دساتري أقاليمها‬ ‫فيما يتعلق بأهلية هذه الوحدات‪ ،‬نؤكد على أن‬ ‫هذه الدساتري و التجارب التأرخيية والظروف‬ ‫العاملية امل��ع��اص��رة‪ ،‬ق��د س��اع��دت ك��ث�يرا هذه‬ ‫الوحدات يف ممارسة أهليتها لتجسيد شخصيتها‬

‫القانونية باالشرتاك يف العالقات اخلارجية‪،‬‬ ‫وباألخص يف ابرام اتفاقيات دولية متطابقة‬ ‫اهلدف واألغراض سواء مع الدساتري الفيدرالية‬ ‫أو م��ع ال��س��ي��اس��ة اخل��ارج��ي��ة هل���ذه ال��ب��ل��دان‪،‬‬ ‫وباألخص عندما يتوقف األم��ر على القدرة‬ ‫الذاتية ألعضاء الدولة الفيدرالية يف الدخول‬ ‫يف عالقات خارجية وإب��رام بعض االتفاقيات‬ ‫استجابة ألغراض تنموية واقتصادية مبنية‬ ‫على األسس املشروعة لكسب احلقوق وتنفيذ‬ ‫االلتزامات املرتتبة عن هذه املمارسات‪.‬‬ ‫لذا‪ ،‬نصل اىل أن قبول الدول التعامل مع أعضاء‬ ‫الدولة الفيدرالية يف إطار اتفاقيات دولية يعرب‬ ‫عن رغبة كل طرف يف استقبال الطرف اآلخر‬ ‫وتقدير القدرة املتبادلة‪ ،‬وهذا دليل على أهلية‬ ‫أقاليم الدولة الفيدرالية إلبرام اتفاقيات دولية‬ ‫سواء باالستناد على النصوص الدستورية أو‬ ‫باالعتماد على اإلمكانية الذاتية لإلقليم يف‬ ‫التعامل مع املبادرات اخلارجية‪ ،‬وباألخص يف‬ ‫السنوات األخرية اليت أعقبت التطورات اجلديدة‬ ‫يف القانون الدولي و العالقات الدولية‪.‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬أهلية اقليم كوردستان العراق‬ ‫إلبرام االتفاقية الدولية‬ ‫أن م��ش��ارك��ات ال��وح��دات امل��ك��ون��ة للدولة‬ ‫الفيدرالية يف العالقات اخلارجية س��واء مع‬ ‫الكيانات السياسية أو املنظمات الدولية أو‬ ‫م��ؤس��س��ات خ��اص��ة‪ ،‬ق��د توسعت م��ع ازدي���اد‬ ‫العالقات و التعامل الدولي يف نهاية القرن‬ ‫العشرين‪ ،‬و بداية ه��ذا القرن‪ ،‬وال��ذي يعود‬ ‫جزئيا اىل تطور االت��ص��االت اإللكرتونية و‬


‫املواصالت السريعة‪ ،‬وهذه التطورات السريعة‬ ‫ساعدت بدورها على تنامي املعامالت التجارية‬ ‫و االتصاالت البشرية عابرة احلدود بني الدول‪.‬‬ ‫ونتيجة هلذه التغيريات أصبحت الوحدات و‬ ‫األقاليم املكونة للدولة الفيدرالية أكثر نشاطا‬ ‫و مشاركة يف العالقات الدولية (‪ .)44‬وأصبحت‬ ‫دساتري ال��دول تتأثر بشكل متزايد بالعوملة‬ ‫و األح��داث الدولية‪ ،‬مبا فيها التدخالت اليت‬ ‫حصلت محاية للمجاميع البشرية يف أحناء‬ ‫خمتلفة من العامل‪ ،‬وباألخص بعد تزايد دور‬ ‫املنظمات الدولية وتفعيل دور منظمات اجملتمع‬ ‫املدني‪ .‬كما يالحظ جانب من الوحدات اإلدارية‬ ‫الذي يطالب بتوسيع الصالحيات لألقاليم و‬ ‫الوحدات يف الدول الفيدرالية من االستقاللية‬ ‫الداخلية اىل االستقاللية اخلارجية و باألخص‬ ‫التقارب و التداخل بني اختصاصات األنظمة‬ ‫القانونية الداخلية و االختصاصات الدولية‬ ‫أصبحت ع��ام�لا ف��ع��اال يف اخن���راط األقاليم‬ ‫الفيدرالية يف املسائل الدولية (‪.)45‬‬ ‫ومن هذه الوحدات‪ ،‬نرى أن إقليم كوردستان‬ ‫العراق ظهر على الساحة الدولية بعد التغيريات‬ ‫الدولية اليت طرأت بعد انتهاء احلرب الباردة‪،‬‬ ‫وب��األخ��ص فيما يتعلق بالوضع يف ال��ع��راق و‬ ‫املرتبطة بالوقائع الدامية و امل��دم��رة حبق‬ ‫الشعب الكردي يف العراق‪ .‬أن الوضع اجلديد يف‬ ‫هذا البلد قد أقر دستوريا‪ .‬لذلك‪ ،‬أن ممارسة‬ ‫إدارة اإلقليم للعالقات اخلارجية هي تعبري عن‬ ‫التطور السياسي لإلقليم والذي ميثل اإلرادة‬ ‫العامة لشعب اإلقليم‪ .‬ومبا أن لإلقليم ذاتية‬ ‫وطبيعة قانونية واقتصادية واجتماعية‬ ‫وسياسية خ��اص��ة‪ ،‬ل��ذا‪ ،‬ل��ه احل��ق يف ممارسة‬

‫حقوقه يف التنمية و التطور يف اجملال الدولي‪.‬‬ ‫هذا و نؤكد‪ ،‬على أن اإلقليم حامل للشخصية‬ ‫القانونية الدولية إذ له السيادة على حدوده‬ ‫اليت ميارس سلطاته عليها‪ ،‬كما أن ممارسة هذه‬ ‫الشخصية يعرب عنها‪ ،‬أوال‪ :‬يف اط��ار العالقات‬ ‫اخلارجية العراقية‪ ،‬ونتيجة املشاركة يف أجهزة‬ ‫الدولة‪ ،‬وثانيا‪ :‬يف العالقات اخلارجية احملدودة‬ ‫املمنوحة يف دستور مجهورية ال��ع��راق لعام‬ ‫‪ ،2005‬مبوجب املواد‪ 111( :‬و‪ 112‬و ‪ 113‬و ‪ 114‬و ‪115‬‬ ‫ً‬ ‫وتوضيحا ملركز الفرد يف‬ ‫و ‪ 117‬و‪ 120‬و‪.)46( )121‬‬ ‫القانون الدولي العام‪ ،‬يرى الدكتور حممد طلعت‬ ‫الغنيمي‪ « :‬أن التكييف السليم ملركز الفرد يف‬ ‫القانون الدولي هو أن نقر له بذاتية دولية و‬ ‫ليس بشخصية قانونية فنجعل منه بذلك‬ ‫وحدة ذات قدرة على كسب احلقوق وااللتزام‬ ‫بالواجبات الدولية دون أن نرتفع به اىل مستوى‬ ‫الشخصية القانونية الدولية»(‪.)47‬‬ ‫و تأييداً هلذا الرأي‪ ،‬لو قارننا مركز إقليم الدولة‬ ‫الفيدرالية مع مركز الفرد يف القانون الدولي‪،‬‬ ‫لتبني لنا أن األقاليم ذات إمكانية أكرب وأهلية‬ ‫أقوى المتالك إرادة دولية‪ .‬لذلك‪ ،‬أن التكييف‬ ‫القانوني ملركز إقليم كوردستان يف القانون‬ ‫الدولي‪ ،‬حسب رأينا‪ ،‬هو أن نقر له بذاتية دولية‬ ‫و ممارسة فعلية للشخصية القانونية الدولية يف‬ ‫ً‬ ‫واقعيا‬ ‫االطار احملدود‪ ،‬لكون اإلقليم يعترب أمرا‬ ‫ً‬ ‫وكيانا ذي قدرة على كسب احلقوق و االلتزام‬ ‫بالواجبات الدولية دون أن نرتفع به اىل مستوى‬ ‫الشخصية القانونية الدولية بشكل كامل‪.‬‬ ‫فمادام لإلقليم أهلية دولية حمدودة الكتساب‬ ‫احلقوق‪ ،‬لذا أن احلقوق اليت يكتسبها اإلقليم‬ ‫على الصعيد الداخلي‪ ،‬هي حقوق داخلية‬ ‫‪27‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪28‬‬

‫باعتباره شخصا من أشخاص القانون الداخلي‬ ‫العراقي يشرتك يف العالقات القانونية الوطنية‪.‬‬ ‫أما احلقوق اليت يكتسبها اإلقليم على الصعيد‬ ‫الدولي فهي حقوق دولية وتتمثل يف اآلتي‪:‬‬ ‫‪ 1‬وج���ود ق��واع��د دول��ي��ة خت��اط��ب ال��ش��ع��وب و‬ ‫الكيانات غري املستقلة‪ ،‬كاألحكام ال���واردة يف‬ ‫العهدين الدوليني لعام (‪ ،)1966‬وهما‪ :‬العهد‬ ‫الدولي اخل��اص باحلقوق املدنية و السياسية‬ ‫والعهد الدولي اخلاص باحلقوق االقتصادية و‬ ‫االجتماعية و الثقافية (‪ .)48‬و األحكام الواردة‬ ‫يف القواعد العرفية و االتفاقية املتعلقة حبماية‬ ‫حقوق اإلنسان أثناء النزاعات املسلحة الدولية‬ ‫وغري الدولية‪ ،‬كاتفاقيات جنيف لعام (‪)1949‬‬ ‫(‪.)49‬‬ ‫وك��ذل��ك احل���االت اخل��اص��ة بتدخل منظمة‬ ‫األمم املتحدة حلماية حقوق اإلنسان يف داخل‬ ‫الدول عندما يهدد الوضع االستثنائي األمن و‬ ‫السلم الدوليني‪ ،‬كما يف قرار جملس األمن رقم‬ ‫(‪ )1991/688‬اخلاص بالعراق (‪ )50‬وقرار جملس‬ ‫األم��ن رق��م (‪ ،) 1995 /986‬و املعروف بقرار‬ ‫النفط مقابل الغذاء‪ ،‬وقد أقرت الفقرة (‪/8‬ج)‬ ‫منه‪ ،‬ختصيص حصة بنسبة (‪ )130150‬مليون‬ ‫دوالر أمريكي لكل (‪ )90‬يوم ملناطق كوردستان‬ ‫(‪.)51‬‬ ‫‪ – 2‬وجود قواعد دولية ختاطب الشعوب يف حقها‬ ‫لتقرير املصري و استغالل ثرواتها الطبيعية‬ ‫و ذلك مبوجب قرارات اجلمعية العامة لألمم‬ ‫املتحدة املرقمة (‪ ) 1514‬يف ‪ 14‬كانون األول ‪1960‬‬ ‫و القرار (‪ ) 1803‬يف ‪ 14‬كانون األول ‪ 1962‬و القرار‬ ‫(‪ ) 2621‬يف ‪ 12‬تشرين األول ‪ 1970‬و القرار (‪) 2626‬‬ ‫يف ‪ 24‬تشرين األول ‪1970‬‬

‫‪ 3‬وجود قواعد دولية حلماية اجملاميع البشرية‬ ‫و معاقبة القائمني بالعمليات اإلجرامية‪،‬‬ ‫كاتفاقية منع جرمية اإلبادة اجلماعية و العقاب‬ ‫عليها لعام (‪ ،)52( )1948‬و االتفاقية اخلاصة‬ ‫بإزالة كافة إشكال التمييز العنصري لعام (‪)1965‬‬ ‫(‪ .)53‬هذا وقد اعرتف اجمللس الوطين العراقي‬ ‫(الربملان) يف ‪ 2008/4/14‬بارتكاب نظام صدام‬ ‫حسني جرمية اإلب��ادة اجلماعية حبق الشعب‬ ‫الكردي‪ ،‬ومصادقة رئاسة مجهورية العراق على‬ ‫بيان الربملان بقرارها املرقم ‪ 26‬لسنة ‪.)54( 2008‬‬ ‫‪ 4‬وجود قواعد دولية خاصة باجلرائم الدولية‬ ‫حلماية الشعوب اليت تعرضت هلذه اجلرائم‪،‬‬ ‫كالقواعد واملبادئ اليت نتجت عن حماكمات‬ ‫ن��ورن��ب�يرك وط��وك��ي��و‪ ،‬بعد احل���رب العاملية‬ ‫الثانية (‪ ،)55‬وفيما بعد انتهاء احلرب الباردة‪،‬‬ ‫قواعد احملكمة املختصة باجلرائم الدولية يف‬ ‫يوغسالفيا السابقة مبوجب قرار جملس األمن‬ ‫املرقم (‪ )808‬يف ‪.1993/2/22‬‬ ‫ومن ثم تشكيل حمكمة دولية خمتصة بشأن‬ ‫اجلرائم الدولية يف يوغسالفيا السابقة‪ ،‬مبوجب‬ ‫ال��ق��رار رق��م (‪ )827‬يف ‪ 1993/5/25‬و احملكمة‬ ‫اجلنائية املختصة يف رواندا مبوجب قرار جملس‬ ‫األمن املرقم (‪ )955‬يف ‪ .)56( 1994/11/8‬و احملكمة‬ ‫اجلنائية الدولية الدائمة (نظام روم��ا) لعام‬ ‫(‪.)57( )1998‬‬ ‫إذن‪ ،‬أن إقليم كوردستان‪ ،‬هو حمل خماطبة‬ ‫القواعد و امل��ب��ادئ القانونية الدولية‪ ،‬و له‬ ‫احل��ق يف كسب احل��ق��وق ال�تي متنحها ل��ه هذه‬ ‫القواعد‪ ،‬ويتحمل االلتزامات املرتتبة باحرتام‬ ‫هذه القواعد و املبادئ‪ .‬كما ان سكان اإلقليم‬ ‫خيضعون لسيادة حكومية اإلقليم و يعهدون‬


‫مبصاحلهم اىل ه��ذه احلكومة وال�تي تسمى يف‬ ‫القانون الداخلي و الدولي بالشخصية املعنوية‪.‬‬ ‫أن قواعد القانون الدولي ال ختاطب ال��دول‬ ‫فقط وإمنا ختاطب املنظمات الدولية و األفراد‬ ‫و ال��وح��دات احمل���ددة وال��ش��ع��وب و اجملاميع‬ ‫البشرية دون حتديد‪ ،‬باألخص يف جمال حقوق‬ ‫اإلنسان والتنمية والتطور االقتصادي و الثقايف‬ ‫و االجتماعي‪ .‬إذ أن قواعد القانون الدولي‬ ‫االقتصادي ال تتعلق بالدول فقط‪ ،‬وإمنا ختاطب‬ ‫مباشرة األشخاص‪ ،‬وان التقدم االقتصادي و‬ ‫االجتماعي الذي تسعى هذه القواعد لتحقيقه‬ ‫مي��س األش��خ��اص مباشرة وي�ترت��ب على ذلك‬ ‫ً‬ ‫أشخاصا مباشرين للقانون‬ ‫أن األف��راد يعدون‬ ‫الدولي االقتصادي و االجتماعي (‪.)58‬‬ ‫لذلك إذا كانت قواعد القانون الدولي ال تقتصر‬ ‫يف خماطبتها على ال���دول فقط وإمن��ا تشمل‬ ‫األشخاص بشكل عام‪ ،‬هل من مانع أمام الدولة أن‬ ‫تتعامل مع الوحدات املكونة للنظام الفيدرالي‬ ‫يف جمال التنمية و االقتصاد و التطور ؟ ولكون‬ ‫الدولة تتصرف بنا ًء على املصاحل املشرتكة من‬ ‫أجل تقديم أفضل اخلدمات لشعبها و للشعوب‬ ‫األخرى‪ ،‬لذا منطقيا ميكن قبول تعامل الدولة‬ ‫يف اطار املشروعية حتى مع الوحدات و األقاليم‬ ‫املكونة سواء للدولة الفيدرالية أو أقاليم ذات‬ ‫صالحيات حم��دودة‪ .‬لذلك مت يف ‪2010/6/15‬‬ ‫التوقيع يف وزارة اخلارجية الفرنسية على‬ ‫مذكرة التعاون بني رئيس إقليم كوردستان و‬ ‫وزير خارجية فرنسا‪.‬‬ ‫من هنا‪ ،‬نرى أن التعاون يف اجملال االقتصادي‬ ‫و التجاري و التنمية و التطور بني احلكومة‬ ‫الفرنسية وإقليم كوردستان العراق من خالل‬

‫مذكرة رمسية بني اجلانبني ومبشاركة أعلى‬ ‫املستويات الرمسية‪ ،‬يتمتع بصفة االتفاقية‬ ‫الثنائية اليت تلزم الطرفني املشاركني فقط‬ ‫واليت تسمى يف القانون الدولي باملعاهدة العقدية‬ ‫اليت ال تشمل آثارها غري األطراف املشاركة‪.‬‬ ‫فمادامت احلكومة الفرنسية قد قبلت توقيع‬ ‫(مذكرة تعاون) مع إقليم كوردستان‪ ،‬فهي ال‬ ‫تشك يف أهلية اإلبرام لدى حكومة اإلقليم‪ ،‬كما‬ ‫إن ((القانون الدولي ال يتضمن معايري قاطعة‬ ‫بشأن توافر مقومات شخص القانون الدولي‪،‬‬ ‫وهذا النقص يف القانون الدولي يرجع اىل أن‬ ‫اجملتمع الدولي مل يبلغ بعد درج��ة التنظيم‬ ‫الكافية)) (‪ ،)59‬وهذا دليل على أن إقليم الدولة‬ ‫الفيدرالية‪ ،‬يستند على الصالحية الدستورية‬ ‫وركائز قدرتها للدخول يف العالقات اخلارجية‬ ‫مبا فيها اب��رام العقود و االتفاقيات وتوقيع‬ ‫مذكرات التعاون‪ ،‬لذا يتمتع ببعض مظاهر‬ ‫الشخصية الدولية‪ ،‬وهنا ان ه��ذه األهلية ال‬ ‫تفرض‪ ،‬وامنا الدولة املقابلة حرة يف تقديرها‬ ‫و الدخول مع إقليم ما يف دول��ة فيدرالية يف‬ ‫عالقات تعاون وصداقة مشروعة و مبنية‬ ‫على احرتام القواعد الدستورية لكال الطرفني‬ ‫واحرتام قواعد القانون الدولي املتعلقة بالسلم‬ ‫و األمن الدوليني ومشروعية موضوع االتفاق‪.‬‬ ‫وإلجياد تسمية قانونية ملذكرة التعاون بني‬ ‫فرنسا و إقليم كوردستان‪ ،‬جند أنفسنا أمام‬ ‫اخليارات اآلتية‪:‬‬ ‫‪ 1‬تسمية ((مذكرة التعاون)) باالتفاقية‪ ،‬باعتبار‬ ‫أن األط��راف ح��رة يف اط�لاق أي��ة تسمية على‬ ‫االتفاق فيما بينهم‪ ،‬كما عربت عن ذلك املادة‬ ‫الثانية من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات‪.‬‬ ‫‪29‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪30‬‬

‫‪ 2‬تسميتها بـ(العقد) ال��ذي ي�برم بني دولة‬ ‫كشخص من أشخاص القانون الدولي و وحدة‬ ‫كشخص من أشخاص القانون الداخلي ذات‬ ‫صالحيات دولية مبوجب الدستور‪.‬‬ ‫‪ 3‬تسميتها بـ(تصرف قانوني) مشروع بني‬ ‫دولة و إقليم يتمتع بكافة ركائز و شروط كيان‬ ‫مستقل ضمن إطار نظام فيدرالي باالستناد‬ ‫على الدستور و الوثائق و املمارسات القانونية‬ ‫الداخلية و اخلارجية‪.‬‬ ‫وعلى الصعيد الدستوري جند أن دستور‬ ‫مجهورية العراق لعام ‪ 2005‬قد اعرتف بشكل‬ ‫واضح حبكومة إقليم كوردستان‪ ،‬وذلك يف املادة‬ ‫(‪/117‬أوال)‪ ،‬حيث تؤكد‪( :‬يقر هذا الدستور‪،‬‬ ‫عند نفاذه إقليم كوردستان و سلطاته القائمة‪،‬‬ ‫إقليما احتاديا)‪.‬‬ ‫هنا‪ ،‬علينا أن نرجع ونقول ب��أن حكومة‬ ‫إقليم كوردستان قد تشكلت عام ‪ 1992‬عندما‬ ‫كان النظام السابق يف العراق ميارس السلطة‬ ‫الفعلية وأصبحت حكومة إقليم كوردستان‪،‬‬ ‫حكومة األمر الواقع و خارجة عن إدارة السلطة‬ ‫العراقية القائمة آنذاك‪ ،‬وان العالقات اخلارجية‬ ‫هلذا اإلقليم قد بدأت منذ البداية عندما كانت‬ ‫مكاتب منظمة األم��م املتحدة يف العراق ويف‬ ‫إقليم كوردستان تتعاون مع ه��ذه احلكومة‬ ‫وذلك بعد إصدار قرار ‪ 1991/688‬جمللس األمن‪،‬‬ ‫اخلاص حبماية حقوق اإلنسان يف العراق ويف‬ ‫املناطق الكوردية (‪ ،)60‬وق��رار جملس األمن‬ ‫املرقم ‪ ،1995 /986‬املعروف بقرار النفط مقابل‬ ‫الغذاء‪ ،‬حيث يقر هذا القرار بتخصيص نسبة‬ ‫(‪ )130150‬مليون دوالر أمريكي لكل ثالثة أشهر‬ ‫اىل املناطق الكوردية عن طريق األمم املتحدة‬

‫مباشرة بالتعاون مع حكومة إقليم كوردستان‬ ‫(‪ ،)61‬كما أقامت حكومة اإلقليم عالقاتها مع‬ ‫منظمات حكومية وغري حكومية على املستوى‬ ‫العاملي‪.‬‬ ‫هذا فال ميكن أن نتصور بأن يكون لإلقليم‬ ‫مكاتب يف السفارات و البعثات الدبلوماسية‬ ‫َ‬ ‫طبقا ملا تنص عليها الفقرة الرابعة من املادة‬ ‫(‪ )121‬دون ان تقوم مبمارسة وظائفها بصورة‬ ‫كاملة (ملتابعة الشؤون الثقافية و االجتماعية‬ ‫َ‬ ‫طبقا‬ ‫و اإلمنائية)‪ .‬و هذا يعين بأن لإلقليم‬ ‫للدستور احلق يف العقد االتفاقيات الدولية يف‬ ‫املسائل الثقافية و االجتماعية‪ .‬و أن (اإلمنائية)‬ ‫تشمل كافة النشاطات حلكومة اإلقليم‪ ،‬هذا‬ ‫فلو امعنا جيدا يف ما تنص عليه امل��ادة (‪)110‬‬ ‫من الدستور العراقي الستخلصنا بأن اإلقليم‬ ‫احلق يف عقد اتفاقيات يف كل ما خيص األمور‬ ‫االقتصادية و التجارة اخلارجية مع مراعاة‬ ‫السياسة املرسومة من قبل احلكومة االحتادية‬ ‫مبوجب الفقرة األولي من املادة املذكورة‪ ،‬هذا‬ ‫إضافة اىل أن هناك مسائل مهمة أخ��رى مل‬ ‫ي��رد ذك��ره��ا ضمن االختصاصات احلصرية‬ ‫للحكومة االحتادية و منها املسائل الصحية‬ ‫و املواصالت الربية و اجلوية و االتصاالت و‬ ‫اإلعالم و الرياضة‪ ...‬اخل‪ .‬وبعد سقوط النظام‬ ‫يف ‪ ،2003/4/9‬وتشكيل جملس احلكم يف العراق‪،‬‬ ‫من الكتل و األح��زاب و الشخصيات العراقية‪،‬‬ ‫مت إص���دار (ق��ان��ون إدارة ال��دول��ة العراقية‬ ‫للمرحلة االنتقالية) (‪ )62‬والذي يقر يف املادة‬ ‫(‪ )53‬حبكومة إقليم كوردستان و مؤسساتها‪.‬‬ ‫وبعد إجراء االنتخابات يف عموم أحناء العراق‬ ‫مت تشكيل اجمللس الوطين العراق‪ ،‬وقد أصدر‬


‫هذا اجمللس دستور مجهورية العراق لعام ‪2005‬‬ ‫(‪ )63‬حيث يؤكد على النظام اجلديد يف العراق‬ ‫باعتباره نظاما فيدراليا يف امل��ادة األوىل منه‬ ‫بأن (مجهورية العراقية دولة احتادية واحدة‬ ‫مستقلة‪ ،‬ذات سيادة كاملة‪ ،‬نظام احلكم فيها‬ ‫مجهوري نيابي (برملاني) دميقراطي‪ ،‬وهذا‬ ‫الدستور ضامن لوحدة العراق)‪.‬‬ ‫ويف املادة (‪ )120‬مينح الدستور صالحية وضع‬ ‫دستور لإلقليم و يؤكد على أن‪( :‬يقوم اإلقليم‬ ‫بوضع دستور له‪ ،‬حيدد هيكل سلطات اإلقليم‪،‬‬ ‫وصالحياته‪ ،‬وآليات ممارسة تلك الصالحيات‪،‬‬ ‫على أن ال يتعارض مع هذا الدستور)‪ .‬وبناء‬ ‫على ذلك‪ ،‬فقد متت املصادقة من برملان إقليم‬ ‫ك��وردس��ت��ان على م��ش��روع دس��ت��ور اإلقليم يف‬ ‫‪ ،2009/6/24‬إال أن مشروع الدستور بقى دون‬ ‫إجراء استفتاء شعيب عليه‪ .‬و جتدر اإلشارة اىل‬ ‫أن املادة (‪/8‬ثالثا) من مشروع الدستور على حق‬ ‫اإلقليم يف إبرام اتفاقيات دولية سواء مع الدول‬ ‫أو إقليم يف داخ��ل ال��دول‪ ،‬فقد نصت على ما‬ ‫يأتي‪ :‬إلقليم كوردستان احلق يف عقد اتفاقيات‬ ‫مع دول أجنبية أو أقاليم داخل دول أجنبية‬ ‫بشأن املسائل اليت ال تدخل ضمن االختصاصات‬ ‫احلصرية للسلطات االحتادية املنصوص عليها يف‬ ‫املادة (‪ )110‬من الدستور االحتادي) (‪.)64‬‬ ‫إذن‪ ،‬اإلقليم يستند على الشرعية الدستورية‬ ‫يف إقامة عالقاته اخلارجية‪ ،‬مبا فيها إب��رام‬ ‫اتفاقيات غري متناقضة مع الدستور والسياسة‬ ‫اخل��ارج��ي��ة ال��ع��راق��ي��ة‪ ،‬وب��األخ��ص يف جم��االت‬ ‫التنمية والتطور‪ ،‬كما تؤكد الفقرة (رابعا) من‬ ‫املادة (‪ )121‬من الدستور االحتادي على تأسيس‬ ‫(مكاتب لألقاليم و احملافظات يف السفارات و‬

‫البعثات الدبلوماسية‪ ،‬ملتابعة الشؤون الثقافية‬ ‫و االجتماعية و اإلمنائية) كما متت اإلشارة اليه‪.‬‬ ‫كما وتؤكد امل��ادة (‪ )114‬على االختصاصات‬ ‫املشرتكة ب�ين السلطات االحت��ادي��ة وسلطات‬ ‫األقاليم واليت ترتكز على ما يأتي‪:‬‬ ‫‪ 1‬إدارة اجلمارك‪.‬‬ ‫‪ 2‬تنظيم مصادر الطاقة الكهربائية‪.‬‬ ‫‪ 3‬رسم السياسة البيئية‪.‬‬ ‫‪ 4‬رسم سياسات التنمية و التخطيط العام‪.‬‬ ‫‪ 5‬رسم السياسة الصحية العامة‪.‬‬ ‫‪ 6‬رسم السياسة التعلمية و الرتبوية العامة‪.‬‬ ‫‪ 7‬رسم سياسة املواد املائية الداخلية‪.‬‬ ‫و ت��أت��ي ه���ذه ال��ص�لاح��ي��ات م��ش�ترك��ة بني‬ ‫السلطات االحتادية و سلطات األقاليم‪ ،‬يف حني‬ ‫أن املادة (‪/121‬أوال) من الدستور االحتادي تؤكد‬ ‫على حق سلطات األقاليم يف ممارسة السلطات‬ ‫التشريعية و التنفيذية و القضائية‪ ،‬إذ مبوجب‬ ‫الفقرة (ثانيا) من املادة نفسها‪( :‬حيق لسلطة‬ ‫اإلقليم‪ ،‬تعديل تطبيق القانون االحت��ادي يف‬ ‫اإلقليم‪ ،‬يف حالة وجود تناقض أو تعارض بني‬ ‫القانون االحت��ادي وقانون اإلقليم‪ ،‬خبصوص‬ ‫مسألة ال تدخل يف االختصاصات احلصرية‬ ‫للسلطات (االحتادية)‪ .‬وجاء تأكيد املادة (‪)115‬‬ ‫من الدستور االحتادي على قوة قانون األقاليم‬ ‫واحملافظات غري املنتظمة يف إقليم‪ ،‬حيث تنص‬ ‫على أن‪( :‬كل مامل ينص عليه يف االختصاصات‬ ‫احل��ص��ري��ة للسلطات االحت���ادي���ة‪ ،‬ي��ك��ون من‬ ‫صالحية األقاليم و احملافظات غري املنتظمة‬ ‫يف إقليم‪ ،‬والصالحيات األخ��رى املشرتكة بني‬ ‫احلكومة االحتادية و األقاليم واحملافظات غري‬ ‫املنتظمة يف إقليم‪ ،‬يف حالة اخلالف بينهما)‪.‬‬ ‫‪31‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪32‬‬

‫كما وتؤكد املادتان (‪ )113،112‬من الدستور على‬ ‫بعض االختصاصات املهمة واليت تدار بالتعاون‬ ‫مع األقاليم و احملافظات‪ .‬فقد نصت املادة (‪)112‬‬ ‫على اآلت��ي‪( :‬أوال‪ :‬تقوم احلكومة االحتادية‬ ‫ب���إدارة النفط وال��غ��از املستخرج من احلقول‬ ‫احلالية م��ع حكومات األقاليم واحملافظات‬ ‫املنتجة على أن توزع وارداتها بشكل منصف‬ ‫يتناسب مع التوزيع السكانى يف مجيع أحناء‬ ‫البالد‪ ،‬مع حتديد حصة ملدة حمددة لألقاليم‬ ‫املتضررة‪ ،‬واليت حرمت منها بصورة جمحفة‬ ‫من قبل النظام السابق واليت تضررت بعد ذلك‪،‬‬ ‫مبا يؤمن التنمية و املتوازنة للمناطق املختلفة‬ ‫من البالد‪ .‬ثانيا‪ :‬تقوم احلكومة االحتادية‬ ‫وحكومات األقاليم واحملافظات املنتجة معا‬ ‫برسم السياسات االسرتاتيجية الالزمة لتطوير‬ ‫ث��روة النفط وال��غ��از‪ ،‬مبا حيقق أعلى منفعة‬ ‫للشعب العراقي‪ ،‬معتمدة أحدث تقنيات مبادئ‬ ‫السوق وتشجيع االستثمار )‪.‬‬ ‫كما و تؤكد املادة (‪ )113‬من الدستور االحتادي‬ ‫على التعاون مع األقاليم واحملافظات يف إدارة‬ ‫املواقع األثرية والبنى الرتاثية و املخطوطات‬ ‫واملسكوكات من الثروات الوطنية‪ .‬و تقر املادة‬ ‫(‪ )110‬من دستور مجهورية العراق لعام ‪2005‬‬ ‫االختصاصات احلصرية للسلطات االحتادية‬ ‫بالشكل اآلتي‪:‬‬ ‫((أوال‪ ،‬رس��م السياسة اخلارجية والتمثيل‬ ‫الدبلوماسي‪ ،‬والتفاوض بشأن املعاهدات و‬ ‫االت��ف��اق��ي��ات ال��دول��ي��ة‪ ،‬وس��ي��اس��ات االق�ت�راض‬ ‫و التوقيع عليها وإب��رام��ه��ا‪ ،‬ورس��م السياسة‬ ‫االقتصادية و التجارية اخلارجية السيادية‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬وضع سياسة األمن الوطين وتنفيذها‪،‬‬

‫مبا يف ذلك إنشاء قوات مسلحة وإدارتها‪ ،‬لتأمني‬ ‫محاية وضمان أمن حدود العراق‪ ،‬والدفاع عنه‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬رسم السياسة املالية‪ ،‬واجلمركية‪ ،‬وإصدار‬ ‫العملة‪ ،‬وتنظيم السياسة التجارية عرب حدود‬ ‫األقاليم و احملافظات يف العراق‪ ،‬و وضع امليزانية‬ ‫العامة للدولة‪ ،‬ورسم السياسة النقدية وإنشاء‬ ‫البنك املركزي وإدارته‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬تنظيم أمور املقاييس واملكاييل و األوزان‪.‬‬ ‫خامسا‪ :‬تنظيم أم��ور اجلنسية والتجنس و‬ ‫اإلقامة وحق اللجوء السياسي‪.‬‬ ‫سادسا‪ :‬تنظيم سياسة الرتددات البثية و الربيد‪.‬‬ ‫س��اب��ع��ا‪ :‬وض���ع م��ش��روع امل���وازن���ة ال��ع��ام��ة و‬ ‫االستثمارية‪.‬‬ ‫ثامنا‪ :‬ختطيط السياسات املتعلقة مبصادر‬ ‫املياه من خارج العراق‪ ،‬وضمان مناسيب تدفق‬ ‫املياه اليه وتوزيعها العادل داخل العراق‪ ،‬وفقا‬ ‫للقوانني واألعراف الدولية‪.‬‬ ‫تاسعا‪ :‬اإلحصاء والتعداد العام للسكان))‪.‬‬ ‫و مبا أن املادة (‪ )110‬من الدستور العراقي حتدد‬ ‫االختصاصات احلصرية للسلطات االحتادية‪،‬‬ ‫ومل مت��ن��ع اإلق��ل��ي��م م��ن مم��ارس��ة ال��ع�لاق��ات‬ ‫اخلارجية املتعلقة بتطور املناطق وخدمة‬ ‫شعب اإلقليم‪ ،‬وبالتالي أن احملاور املتفق عليها يف‬ ‫(مذكرة التعاون)بني إقليم كوردستان وفرنسا‪،‬‬ ‫ال تتعارض مع نصوص امل��ادة (‪ )110‬و كذلك‬ ‫املواد (‪ )114،113،112،111‬وتتفق متاما مع نص املادة‬ ‫(‪ ،)115‬كما أشرنا اليها‪.‬‬ ‫كما وتؤشر (مذكرة التعاون) يف بدايتها اىل‬ ‫الدستور العراقي حيث يعطي احلق لألقاليم‬ ‫بتنفيذ برامج تعاون للتنمية و التطور‪ .‬و لو‬ ‫اعتمدنا ما قدمناه‪ ،‬نرى بأن هناك معيارين‬


‫لالعرتاف بالشخصية القانونية الدولية إلقليم‬ ‫كوردستان يف إطار حمدود‪ ،‬وكاآلتي‪:‬‬ ‫‪ 1‬املعيار املوضوعي‪ ،‬والذي يقوم على قيام سلطة‬ ‫منظمة وحكومة تعتمد يف أداء واجباتها على‬ ‫سلطاتها الثالث‪ ،‬التشريعية و التنفيذية و‬ ‫القضائية‪ ،‬وقبول هذه احلكومة لقواعد القانون‬ ‫الداخلي و الدولي‪ .‬فالقوانني الداخلية تضم‬ ‫االحتادية (دستور مجهورية العراق) والقوانني‬ ‫ذات الصلة‪ .‬أم��ا القوانني الدولية‪ ،‬فتشمل‬ ‫االتفاقيات و املعاهدات الدولية‪ ،‬والوثائق اليت‬ ‫تفرض االلتزامات على كل الكيانات و أهليتها‬ ‫بقبوهلا واالخن��راط يف العالقات اخلارجية‪ ،‬مبا‬ ‫فيها املتعلقة بالسلم و األمن‪ ،‬وحقوق اإلنسان‬ ‫والتنمية و التطور‪.‬‬ ‫‪ 2‬املعيار الشكلي‪ :‬والذي يستند على جانبني‪:‬‬ ‫اجل��ان��ب األول‪ :‬اع�ت�راف احلكومة االحت��ادي��ة‬ ‫حبكومة إقليم كوردستان واألعمال واملمارسات‬ ‫والقوانني اليت تصدر من أجهزتها الرمسية‪ ،‬مبا‬ ‫فيها االع�تراف الصريح يف الدستور االحت��ادي‪،‬‬ ‫والتعامل الرمسي مع اإلقليم‪ ،‬مبا فيها مشاركة‬ ‫حكومة وشعب اإلقليم يف احلكومة االحتادية‪،‬‬ ‫ودعم احلكومة االحتادية لإلقليم‪.‬‬ ‫أما اجلانب الثاني‪ ،‬فهو التعامل الدولي املستمر‬ ‫م��ع اإلق��ل��ي��م م��ن خ�لال ال���زي���ارات الرمسية‬ ‫للمسؤولني البارزين للدول‪ ،‬وفتح جمموعة‬ ‫من القنصليات يف اإلقليم مبا فيها بعثة األمم‬ ‫املتحدة‪ ،‬هذا إضافة اىل الزيارات املتبادلة بني‬ ‫رئيس اإلقليم ورئيس احلكومة ورئيس برملان‬ ‫اإلقليم والوفود الرمسية مع الدول واملنظمات‬ ‫ال��دول��ي��ة واحل��ك��وم��ات اإلقليمية يف ال��دول‬ ‫الفيدرالية‪ ،‬وكذلك إب��رام (مذكرة التعاون)‬

‫بني فرنسا و إقليم كوردستان يف جمال التعاون‬ ‫والتنمية‪.‬‬ ‫إن هذين املعيارين‪ ،‬يثبتان سيادة حكومة‬ ‫وشعب اإلقليم وممارسة العالقات القانونية‬ ‫والدبلوماسية و الرمسية واليت بدورها تشكل‬ ‫الشخصية القانونية الدولية على مستويات‬ ‫حمدودة‪ ،‬ولكنها يف تطور مستمر وملحوظ‪.‬‬ ‫و يتميز إقليم كوردستان مبناطق تعرضت‬ ‫بشكل كامل للدمار والتخريب يف زمن النظام‬ ‫العراقي السابق والذي سقط يوم ‪ 2003/4/9‬بعد‬ ‫دخول قوات التحالف الدولية بغداد العاصمة‪،‬‬ ‫لذا أن حكومة اإلقليم تتحمل مسؤولية مشرتكة‬ ‫عراقية كوردستانية يف جمال التنمية و التطور‪،‬‬ ‫وهذه هي أمور حتتل مساحة واسعة من جدول‬ ‫أعمال مؤسسات حكومة اإلقليم‪ ،‬وبالتالي فأن‬ ‫هل��ذه احلكومة مصاحل حيوية يف االتفاقيات‬ ‫الدولية يف جماالت التعاون التنموي‪ ،‬واليت ختدم‬ ‫السياسة التنموية جململ أحناء العراق تتماشى‬ ‫مع االس��س و القواعد الدستورية االحتادية‪.‬‬ ‫استنادا على ذلك‪ ،‬يتبني لنا‪ ،‬انطباق قواعد‬ ‫القانون الدولي على اإلقليم‪ ،‬والذي يعترب منشئا‬ ‫للشخصية الدولية‪ ،‬وهذا ما يثبت أهلية اإلقليم‬ ‫يف إبرام اتفاقيات دولية‪.‬‬ ‫وبناء على ما قدمناه‪ ،‬نرى بأن مذكرة التعاون‬ ‫ب�ين حكومة إقليم ك��وردس��ت��ان واحلكومة‬ ‫الفرنسية تؤكد على العالقات اجليدة بني‬ ‫فرنسا والعراق الفيدرالي‪ ،‬كما تظهر يف االتفاقية‬ ‫املشرتكة بني فرنسا والعراق يف ‪ 2009/11/15‬يف‬ ‫اجملاالت الثقافية والعلمية والتقنية‪ ،‬والتعاون‬ ‫اإلمنائي‪ ،‬وبناء على الدستور العراقي يف إعطائه‬ ‫حق اإلقليم بإجراء برامج تعاونية يف اجملاالت‬ ‫‪33‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪34‬‬

‫الثقافية والرتبوية واالقتصادية والتنمية‬ ‫االجتماعية‪ .‬و هل��ذه االع��ت��ب��ارات املثبتة يف‬ ‫ديباجة املذكرة مت التوقيع عليها من قبل‬ ‫الطرفني‪.‬‬ ‫أن القدرات املؤسساتية واخلربة السياسية يف‬ ‫جمال العالقات اخلارجية ساعدت حكومة إقليم‬ ‫كوردستان على بذل جهودها ومشاركتها يف‬ ‫العالقات اخلارجية‪ ،‬مبا فيها احلرص الشديد‬ ‫على تعزيز التعاون و العالقات يف اجمل��االت‬ ‫االقتصادية والتجارية و الثقافية والتنموية‬ ‫بشكل عام و بغية استخدام الطاقات واإلمكانيات‬ ‫لدى اإلقليم ولدى سكانه و االخنراط يف املسرية‬ ‫احلضارية للبشرية‪.‬‬ ‫كما رأينا‪ ،‬أن الدستور العراقي ال حيظر على‬ ‫السلطات يف اإلقليم ممارسة نشاطاتها خلدمة‬ ‫اإلقليم واليت بدورها تساند التطور التنموي‬ ‫للبلد بشكل ع��ام‪ .‬و يالحظ إن هناك أقاليم‬ ‫يف الدول الفيدرالية‪ ،‬متنعها عدم قدرتها من‬ ‫املشاركة يف العالقات اخلارجية‪ ،‬وعلى سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬أن املقاطعات يف جنوب أفريقيا‪ ،‬مشاركتها‬ ‫حم��دودة ليس فقط ألسباب دستورية‪ ،‬وامنا‬ ‫ألن ع��دم توافر قدراتها املؤسساتية وضعف‬ ‫خرباتها السياسية لدى حكومات املقاطعات قد‬ ‫قيدت نشاطاتها اخلارجية(‪ .)65‬ان التغيريات‬ ‫املستمرة يف الوضع السياسي املستند على األسس‬ ‫الدميقراطية يف العراق بشكل عام ويف إقليم‬ ‫كوردستان بشكل خاص‪ ،‬قد وفرت اإلمكانية‬ ‫املتعلقة بالسياسة االقتصادية اخلارجية‬ ‫ومهدت للمزيد من العالقات اخلارجية‪ ،‬لذلك‬ ‫ميكن اعتبار حالة إقليم كوردستان وضعا‬ ‫جديدا متميزا وخاصا يف ميدان العالقات‬

‫الدولية‪ .‬لذا أن العوامل اليت أثرت على طبيعة‬ ‫العالقات اخلارجية إلقليم كوردستان ترتكز يف‪:‬‬ ‫‪ 1‬العامل الدستوري‪.‬‬ ‫‪ 2‬القدرة و األهلية السياسية و الدبلوماسية‪.‬‬ ‫‪ 3‬العامل الدولي‪.‬‬ ‫‪ 4‬العامل اجلغرايف اإلقليمي لدول اجلوار‪ ،‬وحاجة‬ ‫هذه الدول اىل األسواق و التعامل مع هذا اإلقليم‬ ‫بغية احلفاظ على مصاحلها املختلفة يف اجملال‬ ‫االقتصادي واألمين‪.‬‬ ‫‪ 5‬العامل السياسي‪.‬‬ ‫‪ 6‬العامل االقتصادي‪ ،‬الذي يظهر يف كثرة املصادر‬ ‫االقتصادية يف اإلقليم‪ ،‬وحاجة حكومة اإلقليم‬ ‫اىل استخدام ه��ذه امل��ص��ادر لتنمية عالقاتها‬ ‫اخلارجية وتطوير و تنمية املناطق وحتسني‬ ‫األوضاع املعيشية‪.‬‬ ‫‪ 7‬ان االنفتاح العاملي يف السنوات األخ�يرة و‬ ‫تأثرياته يف مكونات الدول الفيدرالية إلنشاء‬ ‫عالقاتها اخلارجية‪ ،‬قد ساعد أقاليم الدول‬ ‫الفيدرالية على ممارسة قدراتها وإمكانياتها‬ ‫يف هذا اجملال‪ ،‬لذا أن األسباب اليت أدت اىل ظهور‬ ‫إقليم كوردستان العراق على الساحة الدولية‬ ‫وأن يصبح من الالعبني فيها هي كاآلتي‪:‬‬ ‫‪ 1‬استقرار األمن يف اإلقليم‪.‬‬ ‫‪ 2‬وجود سلطة سياسية متارس إدارة احلكومة‬ ‫وتنظيم احلياة االجتماعية بسلطاتها الثالث‪،‬‬ ‫التشريعية و التنفيذية و القضائية‪.‬‬ ‫‪ 3‬البناء و اإلعمار املستمر جعل من اإلقليم أكثر‬ ‫تقدما من املناطق االخرى يف البلد‪.‬‬ ‫‪ 4‬فتح اجملال لالستثمار األجنيب بشكل رمسي و‬ ‫اصدار قانون خاص لتنظيم هذا اجملال‪.‬‬ ‫‪ 5‬تطور التنمية االقتصادية و العالقات التجارية‬


‫و االقتصادية يف الداخل ومع اخلارج‪.‬‬ ‫‪ 6‬عمل شركات عمالقة يف جماالت االستثمار يف‬ ‫حقول الثروات و املعادن كالنفط والغاز و البناء‬ ‫و االعمار‪.‬‬ ‫‪ 7‬توسيع العالقات الدبلوماسية و القنصلية‬ ‫يف اإلقليم ومن قبل عدد من الدول مبا فيها‪،‬‬ ‫الواليات املتحدة اإلمريكية‪ ،‬بريطانيا‪ ،‬فرنسا‪،‬‬ ‫الصني‪ ،‬روسيا‪ ،‬أملانيا‪ ،‬اوكرانيا‪ ،‬كوريا اجلنوبية‪،‬‬ ‫ايران‪ ،‬تركيا‪ ،‬مصر‪ ،‬األردن‪ ،‬االحتاد األوروبي و‬ ‫منظمة االمم املتحدة ‪ ...‬وغريها‪.‬‬ ‫‪ 8‬فتح مطارين دوليني يف اإلقليم يف السليمانية‬ ‫وأرب��ي��ل (والعمل يف مطار ده���وك) وتعامل‬ ‫اخلطوط اجلوية العاملية مع هذه املطارات‪.‬‬ ‫‪ 9‬توسيع اجملال العلمي والثقايف باألخص يف جمال‬ ‫اجلامعات و املعاهد‪.‬‬ ‫‪ 10‬تطور ملحوظ يف جم��ال احلريات الفردية‬ ‫واآلراء و املعتقدات السياسية وغري السياسية‪.‬‬ ‫‪ 11‬تطور ملحوظ يف ممارسة الدميقراطية يف‬ ‫شتى اجملاالت مبا فيها ظهور منظمات اجملتمع‬ ‫املدني‪.‬‬ ‫‪ 12‬ال���ت���داول السلمي للسلطة ع��ن طريق‬ ‫االنتخابات‪.‬‬ ‫‪ 13‬تطور العالقات اخلارجية يف اجملاالت الرمسية‬ ‫وغري الرمسية للقضايا االقتصادية والتجارية‬ ‫والثقافية و االجتماعية‪.‬‬ ‫‪14‬ع��دم التدخل يف الشؤون الداخلية للدول‬ ‫و حماولة حل املشاكل مع ال��دول األخ��رى عن‬ ‫طريق التعاون و احلوار املتبادل‪.‬‬ ‫‪ 15‬احرتام القواعد القانونية الداخلية و الدولية‬ ‫بشأن السلم و األمن‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬ان حكومة إقليم كوردستان العراق‪ ،‬تستند‬

‫على ركائز متينة إلنشاء عالقاتها اخلارجية‬ ‫ملمارسة أهليتها يف ابرام عقود واتفاقيات دولية‬ ‫من أجل إنشاء تعاون إقتصادي‪ ،‬ثقايف‪ ،‬تنموي‪.‬‬ ‫املبحث الثاني‬ ‫مضمون اتفاقية التعاون بني اجلمهورية‬ ‫الفرنسية واقليم كوردستان العراق‬ ‫شهدت العالقات الدولية بعد انتهاء احلرب‬ ‫العاملية الثانية عام ‪ 1945‬تطوراً ال مثيل له‬ ‫خاصة يف اجمل��االت االقتصادية واالجتماعية‬ ‫والثقافية‪ ،‬وبعد تفكك املعسكر االشرتاكي عام‬ ‫ً‬ ‫‪ 1990‬أخذت هذه العالقات اط��اراً‬ ‫عامليا بفعل‬ ‫العوملة ووسائل املواصالت واالتصاالت باألقمار‬ ‫الصناعية‪ ،‬وأخ��ذ القانون الدولي باالنطالق‬ ‫والتطور ليس بني الدول فحسب بل بني الدول‬ ‫من جهة والشركات العاملية والكيانات األخرى‬ ‫داخل الدول من جهة اخرى ومنها االقاليم يف‬ ‫الدول الفدرالية‪)66(.‬‬ ‫ل��و حبثنا يف ال��ق��ان��ون ال��دول��ي االق��ت��ص��ادي‬ ‫(‪)International Economic law‬‬ ‫لتبني أنه جمموعة املبادئ والقواعد القانونية‬ ‫القابلة للتطبيق على ال��ع�لاق��ات الدولية‬ ‫االقتصادية‪ ،‬وال�تي حتكم تنقالت األشخاص‬ ‫واستثماراتهم وال��ت��ج��ارة ال��دول��ي��ة لألموال‬ ‫واخلدمات ومتويل هذه النشاطات‪ .‬أي إن هذا‬ ‫القانون ينظم إق��ام��ة عناصر اإلن��ت��اج على‬ ‫األرض الوطنية م��ن أش��خ��اص وأم���وال آتية‬ ‫من اخل���ارج‪ ،‬مبا يف ذل��ك التبادالت ال�تي تتم‬ ‫بني اجمل��االت االقتصادية الوطنية املختلفة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫حتقيقا ملبدأ متتني أواصر التعاون االقتصادي‬ ‫‪35‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪36‬‬

‫بني األمم والشعوب‪ .‬ويتم ّيز مفهوم القانون‬ ‫الدولي االقتصادي باحلداثة‪ ،‬مع تزايد أهمية‬ ‫العالقات الدولية االقتصادية وتطورها يف‬ ‫عصرنا الراهن‪ .‬فالنظام القانوني الذي حيكم‬ ‫هذه العالقات تتصارعه منذ القرن التاسع عشر‬ ‫وجهتا نظر متعارضتان‪ :‬الليربالية أو حترير‬ ‫التجارة العاملية من جهة‪ ،‬و احلمائية أو تدخل‬ ‫الدولة يف تنظيم العالقات الدولية االقتصادية‬ ‫من جهة أخرى‪.‬‬ ‫إن الدور الذي تلعبه الدول يف االقتصاد الدولي‬ ‫يف الوقت املعاصر يتميز بطابعني‪ ،‬فمن جهة أن‬ ‫الدول تبقى هي املسؤولة عن االقتصاد الوطين‬ ‫ويف تنمية تعاونها مع الدول والكيانات االخرى‬ ‫ومن جهة اخرى فانها تتعامل وكأنها شخص‬ ‫خاص وبعبارة اخرى انها تتصرف كما لو كانت‬ ‫ً‬ ‫شخصا من أشخاص القانون اخل��اص‪ ،‬فتقوم‬ ‫باملعامالت االقتصادية والتجارية واالمنائية‬ ‫فتجمع بني الطابع العام كسلطة عامة وطابعها‬ ‫اخل��اص يف أداء وإدارة معامالتها التجارية‬ ‫واالقتصادية‪)67(.‬‬ ‫لقد كانت املصاحل املشرتكة لكل من العراق‬ ‫وفرنسا تقتضي إعادة العالقات الثنائية بني‬ ‫البلدين‪ )68(،‬وكانت زيارة رئيس اجلمهورية‬ ‫الفرنسية نيكوال ساركوزي يف‪ 11‬شباط ‪2009‬‬ ‫فاحتة لتطوير هذه العالقات‪ )69(،‬وأثناء زيارة‬ ‫رئيس مجهورية العراق لباريس يف شهر تشرين‬ ‫الثاني ع��ام ‪ 2009‬مت التوقيع يف ‪2009/11/15‬‬ ‫على عدة اتفاقيات تعاون يف جماالت التعاون‬ ‫االقتصادي والثقايف والعلمي‪ ،‬وتبعها بعد ذلك‬ ‫توقيع اتفاقية «مذكرة» التعاون بني احلكومة‬ ‫الفرنسية و اقليم كوردستان يف ‪،2010/6/15‬‬

‫وه��ذه االتفاقية تشمل ال��ت��ع��اون يف جم��االت‬ ‫األنشطة االجتماعية كافة‪.‬‬ ‫وتعد هذه االتفاقية وثيقة ذات أهمية ال‬ ‫يستهان بها‪ ،‬فباإلضافة اىل كونها اتفاقية‬ ‫للتعاون بني دول��ة ذات شأن ووزن يف احملفل‬ ‫الدولي باعتبارها دولة عضواً ً‬ ‫دائما يف جملس‬ ‫األمن‪ ،‬فإنها تثبت حق اإلقليم بعقد االتفاقيات‬ ‫الدولية يف اجمل��االت االقتصادية والتجارية‬ ‫والثقافية واإلمنائية وذلك ُ‬ ‫طبقا ملا ينص عليه‬ ‫ً‬ ‫وطبقا للفقرة‬ ‫الدستور يف املواد ‪ 1‬و ‪111‬و‪115‬و‪117‬‬ ‫الرابعة من املادة ‪ 121‬منه اليت أجازت لألقاليم‬ ‫ان تقوم بتأسيس مكاتب هلا يف السفارات و‬ ‫البعثات الدبلوماسية العراقية املتواجدة يف‬ ‫دول العامل اليت للعراق عالقات دبلوماسية‬ ‫معها ملتابعة الشؤون الثقافية و االجتماعية‬ ‫و اإلمنائية اخلاصة باإلقليم‪ ،‬مبعنى آخر ان‬ ‫الدستور أجاز له ان يقوم باالتصال مبؤسسات‬ ‫الدولة اليت يتواجد فيها ذلك املكتب بقدر تعلق‬ ‫األمر باهتمامات اإلقليم يف اجملاالت الثقافية و‬ ‫االجتماعية و اإلمنائية و إقامة عالقات مع تلك‬ ‫املؤسسات و املنظمات اليت تهتم بتلك اجملاالت‪،‬‬ ‫هذا إضافة اىل ما تتطلبه الضرورات الوظيفية‬ ‫لإلقليم من تطوير اإلقليم يف كافة جوانبها‪ ،‬وملا‬ ‫كان اإلقليم جزءاً من العراق الفدرالي فان ّأي‬ ‫تطور وتقدم يف اإلقليم يصب يف مصلحة العراق‬ ‫بشكل عام‪.‬‬ ‫إضافة هل��ذا ف��ان ع��دة وثائق دولية تؤكد‬ ‫على ح��ق الشعوب يف التنمية االقتصادية‬ ‫واالجتماعية والثقافية‪ ،‬إذ تنص ديباجة‬ ‫ميثاق منظمة االمم املتحدة على اآلتي‪:‬‬ ‫(‪ ...‬أن نستخدم األداة الدولية يف ترقية الشؤون‬


‫االقتصادية واالجتماعية للشعوب مجيعها‪)...‬‬ ‫وتنص الفقرة الثالثة من املادة األوىل من امليثاق‬ ‫على (حتقيق التعاون الدولي على حل املسائل‬ ‫الدولية ذات الصبغة االقتصادية واالجتماعية‬ ‫والثقافية واإلنسانية وعلى تعزيز اح�ترام‬ ‫حقوق اإلن��س��ان واحل��ري��ات األساسية للناس‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إطالقا بال متييز‬ ‫مجيعا والتشجيع على ذلك‬ ‫بسبب اجلنس أو اللغة أو الدين وال تفريق بني‬ ‫الرجال والنساء)‬ ‫أما املادة ‪ 55‬منها فتنص على «الرغبة يف تهيئة‬ ‫دواعي االستقرار والرفاهية الضروريني لقيام‬ ‫عالقات سليمة ودية بني األمم املتحدة مؤسسة‬ ‫على اح�ترام املبدأ ال��ذي يقضي بالتسوية يف‬ ‫احلقوق بني الشعوب وب��أن يكون لكل منها‬ ‫تقرير مصريها‪ ،‬وتعمل األمم املتحدة على‪:‬‬ ‫(أ ) حتقيق مستوى أعلى للمعيشة وتوفري أسباب‬ ‫االستخدام املتصل لكل فرد والنهوض بعوامل‬ ‫التطور والتقدم االقتصادي و االجتماعي‪.‬‬ ‫(ب) تيسري احللول للمشاكل الدولية االقتصادية‬ ‫واالجتماعية والصحية وما يتصل بها‪ ،‬وتعزيز‬ ‫التعاون الدولي يف أمور الثقافة و التعليم‪.‬‬ ‫(ج) أن يشيع يف العامل احرتام حقوق اإلنسان‬ ‫واحلريات األساسية للجميع بال متييز بسبب‬ ‫اجلنس أو اللغة أو الدين‪ ،‬وال تفريق بني الرجال‬ ‫والنساء‪ ،‬ومراعاة تلك احلقوق واحلريات ً‬ ‫فعال‪.‬‬ ‫هذا وقد نصت يف املادة األوىل من العهد الدولي‬ ‫للحقوق السياسية واملدنية على أن‪:‬‬ ‫‪1‬ـ جلميع الشعوب حق تقرير مصريها بنفسها‪،‬‬ ‫وهي مبقتضى هذا احلق حرة يف تقرير مركزها‬ ‫السياسي وح���رة يف السعي لتحقيق منائها‬ ‫االقتصادي واالجتماعي والثقايف‪.‬‬

‫‪2‬ـ جلميع الشعوب‪ ،‬سعيا وراء أهدافها اخلاصة‪،‬‬ ‫التصرف احلر بثرواتها ومواردها الطبيعية‬ ‫دومن���ا إخ�ل�ال ب��أي��ة ال��ت��زام��ات منبثقة عن‬ ‫مقتضيات التعاون االقتصادي الدولي القائم‬ ‫على مبدأ املنفعة املتبادلة وعن القانون الدولي‪.‬‬ ‫وال جيوز يف أية حال حرمان أي شعب من أسباب‬ ‫عيشه اخلاصة‪.‬‬ ‫إذن واحلالة ه��ذه إن االتفاقية املعقودة بني‬ ‫احلكومة الفرنسية و إقليم كوردستان تستمد‬ ‫شرعيتها ليس فقط م��ن نصوص القانون‬ ‫الداخلي و الضرورات الوظيفية لإلقليم وإمنا‬ ‫من الوثائق الدولية املهمة يف القانون الدولي‬ ‫العام‪)70(.‬‬ ‫وسيتم حتليل حمتوى هذه االتفاقية من خالل‬ ‫ثالثة مطالب كما يأتي‪:‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬التعاون يف اجمل��ال االقتصادي‬ ‫والتجاري‪.‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬التعاون يف اجمل��ال االجتماعي‬ ‫والثقايف‪.‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬التعاون الرمسي يف اجمل��االت‬ ‫األخرى‪.‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬التعاون يف اجمل��ال االقتصادي‬ ‫والتجاري‬ ‫اعتمدت حكومة إقليم كوردستان سياسة‬ ‫االقتصاد احلر واملفتوح كأساس للنمو االقتصادي‬ ‫لإلقليم وباشرت بعد سقوط النظام السابق‬ ‫وأثر تدفق العائدات النفطية بتشجيع الشركات‬ ‫الوطنية واألجنبية وتقديم تسهيالت كبرية‬ ‫إلجل االستثمار والدفع بتطوير اقتصاد اإلقليم‬ ‫‪37‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪38‬‬

‫وازده���ار احلركة التجارية فيها‪ ،‬واستجابت‬ ‫احلكومة الفرنسية للعمل على املشاركة يف هذا‬ ‫التطوير على أساس قانوني للتعاون املشرتك‬ ‫بني فرنسا واإلقليم مبوجب اتفاقية التعاون‬ ‫املذكورة‪ ،‬وال خيفى على احد ما للدولة الفرنسية‬ ‫من إمكانيات وكفاءات وخربات عالية يف خمتلف‬ ‫اجملاالت‪ ،‬وميكن بيان أوجه التعاون االقتصادي‬ ‫والتجاري بني الطرفني يف بعض اجلوانب املهمة‬ ‫من األنشطة اليت أوردتها االتفاقية على سبيل‬ ‫املثال وليس احلصر كما يأتي‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ اجملال الزراعي و الري‪:‬‬ ‫تنص املادة الثانية من االتفاقية على توفري‬ ‫واتباع افضل مناهج العمل والتقنية يف اجملال‬ ‫الزراعي وتتكفل احلكومة والشركات الفرنسية‬ ‫باملشاركة والعمل املشرتك يف املشاريع احلالية‬ ‫واملستقبلية يف استثمار القطاع اخلاص يف جمال‬ ‫األغذية من برادات التخزين وتربية املواشي‬ ‫وزراعة احلبوب بأنواعها كافة‪ ،‬وتدريب عمال‬ ‫وأصحاب احلقول وتأهيل مؤسسات التدريب‬ ‫والتأهيل الزراعي وكذلك كل ما يتعلق بتدريب‬ ‫اخل�ب�راء وامل��س��ت��ش��اري��ن املتقدمني يف اجمل��ال‬ ‫الزراعي وكذلك املشاركة يف تطوير املناهج‬ ‫اجلامعية يف جمالي الرتبية احليوانية والبحوث‬ ‫الزراعية‪ )71(،‬وهذا يعين كل ما يتعلق باجملال‬ ‫ال��زراع��ي مم��ا تتطلبه ال��ط��رق االقتصادية‬ ‫السليمة يف الزراعة من توفري الرتبة الصاحلة‬ ‫ومبيدات احلشرات واآلف��ات الزراعية وزيادة‬ ‫وحتسني نوعية احملاصيل الزراعية بكافة‬ ‫أنواعها من حبوب و فواكه وخضراوات وكذلك‬ ‫ماخيص تطوير وزي���ادة ال��ث��روة احليوانية‬

‫وحتسني نوعية منتجاتها واملساهمة يف انشاء‬ ‫مصانع لأللبان واجلنب وكذلك كل ما يتعلق‬ ‫حبفظ املنتوجات احليوانية واملساهمة يف‬ ‫الرعاية الصحية والبيطرية للثروة احليوانية‬ ‫من دواجن ومواش واحليوانات االخرى االليفة‬ ‫منها والوحشية‪.‬‬ ‫ونظراً ملا ملصادر املياه من اهمية حيوية ألي‬ ‫جمتمع سواء اكان للشرب أم اإلرواء اكدت املادة‬ ‫اخلامسة من االتفاقية على أهمية مصادر املياه‬ ‫إلقليم كوردستان والعراق لذا نصت على تعاون‬ ‫الطرفني برفع املستوى النوعي للمياه وتأسيس‬ ‫وحتديث مؤسسات معاجلة املياه والعمل على‬ ‫تعريف التقنيات احلديثة ل�ل�إرواء وتعليم‬ ‫املهنيني يف هذا اجملال وتدريب اخلرباء يف جمال‬ ‫االدارة التقنية للمياه و توعية املواطنني حول‬ ‫محاية املياه وعدم هدرها وادارة املياه بشكل‬ ‫تكاملي‪)72( .‬‬ ‫هذا وجتب اإلش��ارة اىل انه قد مت فتح بعثة‬ ‫فرنسية يف أربيل للزراعة والبيئة بتاريخ‬ ‫‪ 2010/11/1‬ومت إب���رام ع��دة عقود يف اجمل��ال‬ ‫الزراعي والري مع حكومة اقليم كوردستان‬ ‫منها عقد تصدير احلبوب من قبل احلكومة‬ ‫الفرنسية لإلقليم وعقد شركة القناة إلدارة‬ ‫امل��ي��اه (‪FASEP sue la gestion de‬‬ ‫‪.)73( )l'eau‬‬ ‫و مما الشك فيه أن كوردستان العراق يعاني‬ ‫من شحة املياه ويتسم مبواسم ال تتساقط فيها‬ ‫األمطار هذا إضافة اىل التدرج يف قلة منسوب‬ ‫مياه األنهار الصغرية‪ )74(،‬لذا فان من األولويات‬ ‫القصوى على املسؤولني يف اإلقليم االهتمام‬ ‫اجلدي بهذا اجملال احليوي ويكون برأينا من‬


‫احد متطلبات األمن القومي لإلقليم على املدى‬ ‫البعيد السيما ان دول اجل��وار تستعمل هذا‬ ‫املصدر احليوي كأداة ضغط فعال لتحقيق مآربها‬ ‫السياسية‪ ،‬لذا يتوجب العمل على احلفاظ على‬ ‫منسوب مياه األنهار والعمل على عقد اتفاقيات‬ ‫دولية عن طريق احلكومة الفدرالية مع دول‬ ‫اجلوار لتثبيت منسوب مياهها والعمل يف الوقت‬ ‫نفسه على إنشاء السدود خلزن مياه األمطار‬ ‫لالستفادة منها وعدم إهدارها‪.‬‬ ‫‪2‬ـ النفط والغاز‪:‬‬ ‫يعد النفط والغاز من املوارد األولية الطبيعية‬ ‫املهمة للطاقة للعراق وكوردستان‪ ،‬فبعد إقرار‬ ‫الدستور العراقي الفدرالي حبق اإلقليم يف‬ ‫استغالل النفط والغاز وباعتباره من الثروات‬ ‫الطبيعية جلميع الشعب العراقي‪ ،‬وقيامه‬ ‫بتوريد النفط عرب خطوط األنابيب النفطية‬ ‫اىل تركيا ومنها اىل دول ال��ع��امل وذل��ك بعد‬ ‫ُ‬ ‫رمسيا‬ ‫موافقة احلكومة العراقية الفدرالية‬ ‫بتأريخ اخلامس من شباط ‪ 2011‬على صحة‬ ‫العقود النفطية املربمة بني حكومة اإلقليم‬ ‫مع الشركات النفطية األجنبية‪ )75(،‬ونظراً‬ ‫للحاجة املاسة اىل العائدات النفطية وتوظيفها‬ ‫لإلعمار و حتسني وتطوير البنى التحتية‬ ‫لإلقليم‪ ،‬ولوجود احتياطيات ضخمة من النفط‬ ‫والغاز يف اإلقليم فالبد من االستعانة باخلربات‬ ‫والشركات األجنبية ودعوتهم للبحث والتنقيب‬ ‫عن هذين املصدرين املهمني للطاقة وملا كانت‬ ‫للجمهورية الفرنسية اخلربات الواسعة يف هذا‬ ‫امليدان وخاصة من قبل بعض من شركاتها ذات‬ ‫الشهرة العاملية يف جمال النفط والغاز كشركة‬

‫ايلف وت��وت��ال ل��ذا نصت االتفاقية املعقودة‬ ‫بني احلكومة الفرنسية واقليم كوردستان يف‬ ‫مادتها الثالثة على املشاركة يف املشاريع احلالية‬ ‫او املستقبلية يف وضع مصفى على مقربة من‬ ‫الزاب الكبري وتوسيع مصايف النفط املوجودة‬ ‫وكذلك العمل على تأسيس كلية أو جامعة‬ ‫رفيعة املستوى يف أربيل من القطاعني العام‬ ‫واخل���اص لغرض ال��دراس��ة يف جم��االت النفط‬ ‫والغاز واجليولوجيا‪ .‬وجتدر االشارة اىل ان أعمال‬ ‫التنقيب عن النفط والغاز من قبل الشركة‬ ‫الربيطانية هرييتاج اويل (‪)Héritage Oil‬‬ ‫يف منطقة مريان قد أدت اىل اكتشاف حقل للغاز‬ ‫الطبيعي بكميات ضخمة‪ ،‬وكان هذا االكتشاف‬ ‫خرباً سارا ملموىل املشروع االوروبي نبوكو لنقل‬ ‫الغاز اىل أوروب��ا وخاصة الشركة النمساوية‬ ‫(‪)l'énergéticien autrichien OMV‬‬ ‫(‪)76‬‬ ‫‪ 3‬ـ املواصالت الربية واخلدمات اجلوية‪:‬‬ ‫تتضمن االتفاقية مادتني تعاجلان اهمية‬ ‫املواصالت الربية واجلوية هما (املادتان الرابعة‬ ‫والسابعة) اذ الشك فيه بان اقليم كوردستان‪،‬‬ ‫رغ���م اجل��ه��ود احلثيثة امل��ب��ذول��ة م��ن قبل‬ ‫حكومتها‪ ،‬تعاني من رداءة طرق املواصالت‬ ‫الربية وعدم استيعابها الكم اهلائل من السيارات‬ ‫املستوردة وكثرة حوادث الطرق مما يستوجب‬ ‫العمل على اعادة هيكلية هذه الطرق وضرورة‬ ‫صيانتها بصورة دائمة وفرض رقابة شديدة‬ ‫على محولة الشاحنات الكبرية‪ ،‬كما تنعدم يف‬ ‫احملافظات التابعة لإلقليم السكك احلديدية‪،‬‬ ‫لذلك نصت املادة الرابعة على سبيل املثال على‬ ‫‪39‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪40‬‬

‫إيالء االهتمام بهذا اجلانب(‪ )77‬عن طريق وضع‬ ‫اخلطط وتنفيذ برامج ختص سكك احلديد يف‬ ‫حمافظات اإلقليم‪ ،‬كما ونصت يف فقرتها (ب)‬ ‫على بناء حمطات للحافالت وسيارات األجرة‪،‬‬ ‫ويالحظ أن صياغة هذه الفقرة ج��اءت غري‬ ‫سليمة فكان األجدر االهتمام بدقة صياغة هذه‬ ‫الفقرة‪ )78(،‬وكذلك استرياد حافالت حديثة‬ ‫ومنوذجية مع مراعاة شروط السالمة وحفظ‬ ‫البيئة من التلوث‪.‬‬ ‫أم��ا خبصوص اخل��دم��ات اجل��وي��ة‪ )79(،‬فان‬ ‫املادة السابعة تذكر وجود مطارين دوليني يف‬ ‫كل من السليمانية وأربيل و تؤكد على اخلربة‬ ‫الفرنسية يف جمال الطريان املدني ويف اجملال‬ ‫اهلندسي و اخلدمات املتعلقة بهذا اجملال‪ ،‬فتنص‬ ‫بعدها على مشاركة اجلمهورية الفرنسية‬ ‫وشركاتها يف املشاريع احلالية واملستقبلية وعلى‬ ‫سبيل املثال فيما خيص شحن احلموالت وتسيري‬ ‫رحالت جتارية اىل اإلقليم وتدريب وفتح دورات‬ ‫لتحديث املعلومات اخلاصة ب��إدارة الطائرة‬ ‫وتكنولوجيا الطريان وكيفية تسيري املالحة‬ ‫اجل��وي��ة وإدارة امل��ط��ارات وس�لام��ة الرحالت‬ ‫اجلوية‪ )80(.‬و من املعلوم بان ما مت ذكره جاء‬ ‫على سبيل املثال فيمكن ان يتم التعاون بني‬ ‫الطرفني على ماال يقل أهمية من هذه املسائل‬ ‫وخاصة فيما يتعلق بتأهيل وتدريب الكوادر‬ ‫الالزمة لقيادة الطائرات املدنية من اقالع‬ ‫وهبوط و صيانة الطائرات واملساهمة يف فتح‬ ‫معهد خاص يف اإلقليم لتعليم قيادة الطائرات‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ اجملال الصحي‪:‬‬ ‫تعترب فرنسا من الدول املتقدمة جدا يف اجملال‬ ‫الصحي من حيث العناية وتشخيص و معاجلة‬

‫األمراض و اجلراحة الطبية بفروعها كافة وما‬ ‫هلا من إمكانيات تقنية عالية يف جمال الطب‬ ‫واألم��ر كذلك فيما خيص الصيدلة واألدوي��ة‬ ‫الفعالة هذا إضافة اىل نظام التأمني الصحي‬ ‫جلميع املتواجدين على األراض��ي الفرنسية‪،‬‬ ‫وهلذا نصت املادة السادسة من االتفاقية على‬ ‫ضرورة التعاون واملشاركة يف املشاريع احلالية‬ ‫واملستقبلية يف جماالت اوردت على سبيل املثال‬ ‫ال احلصر كالتدريب وتنمية الطاقات وبناء‬ ‫املستشفيات والعيادات الطبية وتوفري أو بيع‬ ‫األجهزة واملستلزمات الطبية احلديثة وتعليم‬ ‫وفتح دورات لتدريب وتأهيل املوهوبني من‬ ‫طلبة الكليات الطبية ودعم اخلرباء الفرنسيني‬ ‫يف جامعات ومستوصفات اإلقليم‪ ،‬وكذلك فيما‬ ‫خيص عمل شركات األدوية الفرنسية يف اإلقليم‬ ‫وتأسيس مركز إلنتاج االدوية يف اإلقليم(‪)81‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬التعاون يف اجمل��ال االجتماعي‬ ‫والثقايف‬ ‫حتظى املسائل االجتماعية والثقافية بأهمية‬ ‫كبرية يف مجيع اجملتمعات اذ إن هذه املسائل ال‬ ‫تقل أهمية وحساسية عن األم��ور السياسية‬ ‫واالقتصادية وجيب القول هنا أن لالستقرار‬ ‫االجتماعي دوراً ب���ارزاً يف حتفيز وتعزيز‬ ‫االستقرار السياسي واالقتصادي وخاصة يف‬ ‫اجملتمعات النامية‪ ،‬وان التغريات احلالية اليت‬ ‫تشهدها دول املنطقة وخاصة العربية ماهي‬ ‫اال ردة فعل اجملتمع للفقر والعوز والشعور‬ ‫بعدم العدالة االجتماعية والرشاوى والفساد‬ ‫املستشري يف جمتمعاتنا وت��وس��ع اهل��وة بني‬


‫األغنياء والفقراء والبطالة وانعدام الضمان‬ ‫االجتماعي ونظام احلد األدن��ى ملعيشة الفرد‬ ‫كل ذلك أدى ويؤدي اىل زعزعة امن واستقرار‬ ‫اجملتمع حتى وصل األمر اىل اهليجان والثورة‬ ‫على احلكام يف الكثري من دول املنطقة‪ )82( .‬وقد‬ ‫أولت اتفاقية التعاون الفرنسية الكوردستانية‬ ‫االهتمام بهذه املسائل والعمل على دعم اجلانب‬ ‫االجتماعي والثقايف نظراً ملا لفرنسا من باع‬ ‫طويل ومعرفة يف معاجلة القضايا االجتماعية‬ ‫والثقافية فخصصت امل��ذك��رة املوقعة بني‬ ‫الطرفني عدة مواد هلاتني املسألتني (املواد من ‪8‬‬ ‫اىل ‪ )13‬وميكن حتليل نصوص املذكرة اليت جاءت‬ ‫على سبيل املثال ال احلصر كما يلي‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ التعاون يف اجملال االجتماعي‪:‬‬ ‫نصت املادة ‪ 12‬على سعي الطرفني املتعاقدين‬ ‫للبحث عن أساليب لضمان محاية أكثر حلقوق‬ ‫االنسان وخاصة حلقوق املرأة والطفل واملساواة‬ ‫بني اجلنسني وذلك بإلقاء احملاضرات يف جمال‬ ‫حقوق االنسان واملساواة بني اجلنسني يف أماكن‬ ‫العمل واألماكن العامة وكذلك األمر خبصوص‬ ‫العنف ضد امل��رأة ومحايتها وسيادة القانون‪،‬‬ ‫والعمل من جانب املهنيني الفرنسيني على‬ ‫حتليل النواقص واآلليات بغية محاية حقوق‬ ‫االنسان بشكل أفضل وتشجيع تكافؤ الفرص‬ ‫بني مواطين اإلقليم‪)83(.‬‬ ‫رغم أهمية األمثلة اليت تطرقت اليها هذه‬ ‫املادة فيما خيص محاية حقوق االنسان ومحاية‬ ‫املرأة والطفل نرى بان هذه املادة مل تتطرق اىل‬ ‫امور مهمة اخرى للفرد كالضمان االجتماعي‬ ‫وضمان احلد األدنى للمعيشة لكل فرد ال مورد‬ ‫له‪ ،‬كما هو معمول به يف دول االحتاد االوروبي‪،‬‬

‫وكيفية حل مشاكل العاطلني عن العمل‪ ،‬ونظام‬ ‫احلد االدنى لالجور‪ ،‬ومشاكل املعوقني والعجزة‪،‬‬ ‫واملعونات االجتماعية والسكنية من قبل الدولة‬ ‫ملن ال سكن له واملعونات القضائية وغريها من‬ ‫املشاكل االجتماعية املهمة للفرد‪)84(.‬‬ ‫‪ 2‬ـ التعاون الثقايف‪:‬‬ ‫يف عصر ثورة العلم والتقنية‪ ،‬تعد الثقافة‬ ‫العلمية املتمثلة يف معرفة احلقائق األساسية‬ ‫حول نتائج العلوم‪ ،‬جزءا أساسيا من الثقافة‬ ‫ال��ع��ام��ة‪ ،‬وه��ي ض��روري��ة لتنمية ال��ق��درات‬ ‫الستيعاب مفاهيم العلم والتقنية وجعلها سلوكا‬ ‫ومنهجا يف احلياة و قد أصبح نشر الثقافة على‬ ‫نطاق واسع‪ ،‬ضرورة بالغة األهمية واحليوية‪،‬‬ ‫خاصة يف اجملتمعات النامية اليت تواجه حتديات‬ ‫هائلة‪ ،‬منها التحديات العلمية اليت تتمثل يف‬ ‫تأخرنا العلمي الطويل بالقياس اىل جمتمعات‬ ‫سبقتنا كثريا يف جمال العلم واملعرفة‪ .‬واجملتمع‬ ‫املثقف علميا‪ ،‬يعرف ويفهم ويقدر دور العلم‬ ‫والعلماء حنو غد ومستقبل أكثر اشراقا‪ ،‬كما‬ ‫تزداد قدرة مجاهريه على املشاركة بفاعلية يف‬ ‫صنع القرار كما أدركت الدول املتقدمة أهمية‬ ‫الثقافة العلمية ألبنائها‪ ،‬فقامت بإعداد العديد‬ ‫من برامج الرتبية العلمية‪ ،‬مبا يف ذلك برامج‬ ‫تطوير مناهج العلوم‪ ،‬بهدف نشر الثقافة‬ ‫العلمية وحمو األمية العلمية بني أبنائها‪ ،‬وال شك‬ ‫أن وسائل اإلعالم املختلفة تلعب دورا متميزا يف‬ ‫نشر الثقافة وتنمية اخليال العلمي لدى األفراد‪،‬‬ ‫وذل��ك من خالل إع��داد م��واد وبرامج علمية‬ ‫وتعليمية وثقافية متميزة تنمي مدارك األفراد‬ ‫وتثري خياهلم‪.‬‬ ‫يف ضوء ذلك اهتمت االتفاقية املعقودة بني‬ ‫‪41‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪42‬‬

‫اجلمهورية الفرنسية وإقليم كوردستان باجلانب‬ ‫الثقايف إذ خصصت هلا عدة مواد وعاجلتها بنوع‬ ‫من التفصيل وميكن ترتيبها على الوجه االتي‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ التعليم العالي‪:‬‬ ‫تنص املادة الثامنة من إتفاقية التعاون على‬ ‫حماولة حبث الطرفني عن آلية ملشاركة فرنسية‬ ‫أكرب من أجل رفع املستوى النوعي للدراسات‬ ‫العليا يف اإلقليم وعلى سبيل املثال ال احلصر إبداء‬ ‫الدعم التقين واالكادميي والتبادل املعلوماتي‬ ‫واخل�برات والتخطيط للجامعات واملعاهد يف‬ ‫اجمل��االت الزراعية و التجارية والتكنولوجية‬ ‫واآلثار والعلوم االجتماعية واللغة الفرنسية‪...‬‬ ‫اخل وتشجيع مشاركة اجلامعات الفرنسية يف‬ ‫تعليم وتأهيل الكوادر املهنية الشابة يف اإلقليم يف‬ ‫القطاعني العام واخلاص وكذلك تنفيذ الربنامج‬ ‫ً‬ ‫كامال لصاحل طلبة اإلقليم الراغبني يف‬ ‫احلالي‬ ‫الدراسة يف اجملاالت التخصصية بفرنسا وفتح‬ ‫دورات تدريبية قصرية األجل من قبل االساتذة‬ ‫والباحثني الفرنسيني يف مؤسسات التعليم‬ ‫العالي لإلقليم ومصادقة احلكومة الفرنسية‬ ‫على شهادات خرجيي هذه املؤسسات‪)85(.‬‬ ‫‪ 2‬ـ الرتبية‪:‬‬ ‫اهتمت االتفاقية باجلانب الرتبوي للمراحل‬ ‫االبتدائية واملتوسطة‪ ،‬إذ تنص املادة التاسعة‬ ‫على سعي الطرفني إلجياد آليات ملشاركة فرنسية‬ ‫أكرب لرفع املستوى الكيفي للعملية الرتبوية‬ ‫االبتدائية واملتوسطة من حيث تدريب املعلمني‬ ‫واملدراء والكوادر االخرى لبناء وتنمية طاقاتهم‬ ‫و بالتنسيق مع وزارة الرتبية يف اإلقليم وإبداء‬ ‫الدعم الطويل االمد للغة الفرنسية من قبل‬ ‫الطرفني للمدارس الفرنسية امل��دارة من قبل‬

‫(‪.)Mission Laïque Française‬‬ ‫واملشاركة وتبادل الدروس التعليمية واملناهج‬ ‫اجليدة وذلك لرفع مستوى الكفاءة الرتبوية‬ ‫العامة‪)86( .‬‬ ‫‪ 3‬ـ التبادل الثقايف‪:‬‬ ‫تتطرق مذكرة التعاون يف مادتها العاشرة‬ ‫اىل اهمية التبادل الثقايف بني اجلانبني وتشري‬ ‫اىل ث���راء الثقافتني وطبيعتهما املتنوعة‬ ‫وتؤكد على سعي الطرفني اىل عقد الندوات‬ ‫والقاء احملاضرات يف كل من الدولة الفرنسية‬ ‫وإقليم كوردستان الجل رفع مستوى التوعية‬ ‫الثنائية حيال ثقافة وتأريخ الشعبني الفرنسي‬ ‫والكوردي‪ ،‬ويعمل الطرفان على تبادل اخلرباء‬ ‫يف اجملال الثقايف يف اجملالني الرتبوي و التدرييب‪.‬‬ ‫(‪)87‬‬ ‫‪4‬ـ اآلثار‪:‬‬ ‫عانت كوردستان من اإلهمال وطمس معاملها‬ ‫االثرية ونهبها كسياسة متبعة من احلكومات‬ ‫السابقة لتجريدها م��ن معاملها احلضارية‬ ‫واالث��ري��ة وذه��ب��ت ه��ذه احلكومات حتى اىل‬ ‫ازال��ة معاملها وعملت اىل تبديل امس��اء بعض‬ ‫من االماكن املهمة منها كمحافظة كركوك إذ‬ ‫امستها مبحافظة التأميم‪ ،‬ونظراً ملا لآلثار من‬ ‫أهمية يف حضارات االم��م فقد أول��ت املذكرة‬ ‫اهمية خاصة باملعامل االثرية القدمية‪ ،‬فنصت‬ ‫املادة العاشرة منها على السعي اجلدي واملساندة‬ ‫الفعالة من قبل احلكومة الفرنسية حلكومة‬ ‫اإلقليم و دعمها يف جم��االت اآلث��ار وترميمها‬ ‫وذلك بتأسيس مراكز للبحوث اخلاصة بعلم‬ ‫اآلثار والعلوم االنسانية واالجتماعية يف قلعة‬ ‫أربيل وحياول الطرفان صيانة وترميم منزلني‬


‫داخل القلعة‪ ،‬ويؤكد اجلانبان وبدعم مشرتك‬ ‫على توفري برنامج للزماالت لتأهيل املهنيني‬ ‫والطلبة يف اإلقليم وتدريبهم وفق أفضل املناهج‬ ‫وأشكال التكنولوجيا احلديثة على عمليات‬ ‫البحث والتنقيب عن اآلثار والنشاطات املتعلقة‬ ‫بعلم اآلث��ار‪ ،‬وكذلك دعم احلكومة الفرنسية‬ ‫ألقسام علم اآلثار يف جامعات إقليم كوردستان‬ ‫عن طريق اللقاء احملاضرات وتبادل اخلرباء‬ ‫املختصني يف جمال علم اآلثار‪ ،‬وتقديم املعونات‬ ‫املشرتكة خبصوص املواقع االثرية سواء يف قلعة‬ ‫أربيل أو التنقيبات يف عموم كوردستان‪)88(.‬‬ ‫‪5‬ـ اإلعالم‪:‬‬ ‫كما متت اإلشارة اليه سابقا بان وسائل اإلعالم‬ ‫املختلفة تلعب دورا متميزا يف نشر الثقافة‬ ‫وتنمية اخليال العلمي لدى األفراد‪ ،‬فقد أولت‬ ‫املذكرة أهمية للجانب اإلعالمي إذ تنص املادة‬ ‫الثالثة عشر على سعي اجلانب الفرنسي إلجياد‬ ‫آليات تؤدي اىل بناء مؤسسات حرة ومسؤولة‬ ‫لإلعالم املقروء واملرئي واملسموع (الصحف‬ ‫واجمل�ل�ات واإلذاع���ة والتلفزيون) وذل��ك عن‬ ‫طريق فتح دورات تدريبية وتأهيلية مع‬ ‫توفري املستلزمات من قبل املؤسسات اإلعالمية‬ ‫الفرنسية وبدعم من الطرفني املوقعني على‬ ‫املذكرة لرفع املستوى املهين لرصد األخبار‬ ‫ونشرها‪ ،‬وقيام املؤسسات اإلعالمية الفرنسية‬ ‫بإبداء الدعم للمؤسسات اإلعالمية يف اإلقليم‬ ‫وذلك عن طريق الدعوة للمختصني يف اإلقليم‬ ‫لالطالع حول كيفية حترير الصحف وإعداد‬ ‫الربامج اإلذاعية والتلفزيونية يف فرنسا‪)89(.‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬التعاون الرمسي يف اجمل��االت‬ ‫األخرى‬

‫أث��ر السياسات اخلاطئة للحكومات السابقة‬ ‫واحلروب املدمرة واحلصار االقتصادي‪ ،‬ونتيجة‬ ‫الفساد املالي واإلداري والسياسي املنتشر يف‬ ‫كافة مرافق الدولة بعد سقوط النظام السابق‪،‬‬ ‫يعاني العراق ومن ضمنه إقليم كوردستان‬ ‫ً‬ ‫تأخراً‬ ‫ونقصا شديداً يف البنى التحتية‪ ،‬ورغم‬ ‫احمل��اوالت املبذولة من قبل اإلقليم لتحسني‬ ‫وإصالح هذه املرافق وكيفية إدائها اال ان هذه‬ ‫اجل��ه��ود ت��واج��ه مصاعب ومتاعب مج��ة من‬ ‫قبل سلطات اإلقليم‪ ،‬لذا فان اتفاقية التعاون‬ ‫بني احلكومة الفرنسية وإقليم كوردستان قد‬ ‫جاءت لتسهيل مهمة سلطات اإلقليم يف إجراء‬ ‫هذه االصالحات اليت تهدف اىل تأمني خدمات‬ ‫ً‬ ‫حداثة للمواطنني وتضمنت اوجه‬ ‫أفضل وأكثر‬ ‫تعاون اخرى غري اليت مت التطرق اليها وذلك‬ ‫الن حاجات اإلقليم ومرافقها متعددة ومتشعبة‬ ‫لذا أوردت االتفاقية يف مادتها الرابعة عشر ً‬ ‫نصا‬ ‫له طابع ونطاق عام ليشمل أوجه التعاون يف‬ ‫كافة اجمل��االت األخ��رى وذل��ك بسعي احلكومة‬ ‫الفرنسية وبالتنسيق مع حكومة اإلقليم لوضع‬ ‫آليات ت��ؤدي اىل ختصيص برامج متعددة يف‬ ‫جمال التعاون يف جمال معني كالسياحة والقضاء‬ ‫بشقيه املدني واإلداري وخدمات الربيد أو مد‬ ‫أنابيب الغاز السائل للمساكن كما هو معمول‬ ‫به يف ال��دول االوروبية ً‬ ‫مثال وبرامج لتنمية‬ ‫الكفاءات والقدرات كالتعاون يف جمال مكافحة‬ ‫اجلرائم العادية واملنظمة ومكافحة املخدرات‪،‬‬ ‫ه��ذا اىل جانب التدريب والتأهيل وبرامج‬ ‫اخرى تسهل وتقود اىل إجياد املهارات وتنشئة‬ ‫االداء املتميز حلكومة اإلقليم‪ .‬كتدريب الفرق‬ ‫الرياضية للجنسني بكافة انواعها من كرة قدم‬ ‫‪43‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪44‬‬

‫وسباحة و تنس أو يف جم��ال الكومبيوترات‬ ‫وتكنلوجيا املعلومات واالتصاالت ً‬ ‫مثال‪.‬‬ ‫ومبوجب املادة اخلامسة عشر من االتفاقية‬ ‫فان احلكومة الفرنسية تسعى لدعم ومساندة‬ ‫وزارة املالية واالقتصاد والتخطيط حلكومة‬ ‫اإلقليم لتحسني إدائها من خالل فتح دورات‬ ‫تدريبية وتأهيلية داخ��ل اإلقليم ملسؤولي‬ ‫حكومة اإلقليم يف جماالت اوردتها هذه املادة‬ ‫على سبيل املثال كدعم وزارت���ي التخطيط‬ ‫واملالية واالقتصاد من حيث تشخيص اجملاالت‬ ‫اليت هي حباجة اليها وحتسني املهارات فيها‪،‬‬ ‫وفتح دورات تدريبية ملسؤولي وزارة التخطيط‬ ‫سواء يف فرنسا أو يف اإلقليم حول جماالت ختص‬ ‫االدارة وإع���داد امليزانية وتنفيذ االحصاء‬ ‫وتنمية املواهب وإجياد الكفاءات اضافة اىل كل‬ ‫ذلك حياول الطرفات اىل إبداء حماوالت مشرتكة‬ ‫لغرض معاينة األساليب االكثر تأثرياً من اجل‬ ‫مساعدة اإلقليم يف جم��االت ختص املؤسسات‬ ‫واخلربات بصورة عامة‪.‬‬ ‫هذا ونصت املادة السادسة عشر على ان الطرفني‬ ‫يبذالن كل اجلهود لتنفيذ مواد هذه االتفاقية‪.‬‬ ‫كما جتدر االشارة اىل أن االتفاقية تضمنت ً‬ ‫فصال‬ ‫حتت عنوان التنفيذ فكان من االجدر درج املادة‬ ‫السادسة عشر املذكورة حتت هذا الفصل لتعلقها‬ ‫بآلية تنفيذ االتفاقية‪ ،‬و خصصت املادة السابعة‬ ‫عشر للمشاورات الدائمة بني الطرفني يف الزمان‬ ‫واملكان املعينني وبواسطة القنوات الرمسية‬ ‫للطرفني يف حالة إعادة النظر جبميع جوانب‬ ‫هذا التعاون و نصت املادة الثامنة على إمكانية‬ ‫إح��داث التعديالت املطلوبة على االتفاقية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وختاما بينت املادة التاسعة عشر مكان تاريخ‬

‫حترير الوثيقة يف باريس يف ‪ 15‬حزيران ‪2010‬‬ ‫وبنسختني وباللغتني الفرنسية والكردية‪.‬‬ ‫هذا وجتب اإلشارة اىل أن هلذه الوثيقة أهمية‬ ‫تأرخيية عظمى ألنها تعد حسب علمنا الوثيقة‬ ‫الدولية االوىل املنشورة يف وسائل اإلعالم الدولية‬ ‫واليت عنونت مبذكرة التعاون ويف حقيقة األمر‬ ‫فانها اتفاقية دولية بكل معنى الكلمة إلنها‬ ‫موقعة من طرف السلطة العليا يف اإلقليم وهو‬ ‫رئيس اإلقليم ومن وزير اخلارجية الفرنسي‬ ‫وهذا األخري خمول مبوجب معاهدة فيينا لقانون‬ ‫املعاهدات لسنة ‪ 1969‬بإبرام االتفاقيات الدولية‬ ‫دون حاجة اىل تفويض مسبق‪ )90(،‬واألم��ر‬ ‫اآلخر هو ان هذه الوثيقة الدولية حررت نسخة‬ ‫منها وألول مرة باللغة الكردية‪ .‬وتثور عدة‬ ‫أسئلة حول كيفية تنفيذ االتفاقية فهل هي من‬ ‫االتفاقيات ذاتية التنفيذ ‪Selfexecuting‬‬ ‫‪ agreement‬؟ و ما هي آلية تعديلها ؟ ‪ .‬اذ مل‬ ‫حتدد املذكرة (االتفاقية) آلية التعديل؟ و عند‬ ‫حدوث نزاع ما من هي اجلهة املختصة بالنظر‬ ‫يف النزاع ؟ قضاء اإلقليم ام القضاء الفرنسي ؟ ام‬ ‫القضاء الدولي (حمكمة التحكيم) ؟‬ ‫اخلامتة‬ ‫تواجه الدول الدميقراطية بشكل عام والدول‬ ‫ذات األنظمة الفيدرالية بشكل خاص مشاكل‬ ‫كثرية تتعلق بأشكال املمارسة والتعامل مع‬ ‫السيادة‪ ،‬خصيصا عندما يتعلق األمر بالعالقات‬ ‫اخل��ارج��ي��ة‪ .‬وع��ن��دم��ا مت اإلق����رار بشرعية‬ ‫حكومة إقليم كوردستان يف قانون إدارة الدولة‬ ‫العراقية للمرحلة االنتقالية عام ‪ 2004‬ومن‬ ‫ثم يف الدستور العراقي ال��دائ��م لعام ‪،2005‬‬


‫ظهرت حكومة اإلقليم على الساحة الداخلية‬ ‫واإلقليمية والدولية ككيان ذي طبيعة قانونية‬ ‫و سياسية متميزة متارس األهلية بنشاطاتها‬ ‫على املستويات املختلفة‪ .‬مبا أن الفيدرالية‬ ‫تستند على مظهرين لتحقيق امل��س��اواة بني‬ ‫املكونات املؤسسة هلا‪ ،‬وهما‪ :‬االحتاد و االستقالل‪،‬‬ ‫لذا نؤكد على أن احتاد الواليات أو األقاليم أو‬ ‫املكونات املؤسسة للفيدرالية البد أن يؤسس على‬ ‫منح هذه املكونات نوعا من االستقالل حتى‬ ‫يستطيع كل مكون أن ميارس احلقوق الناجتة‬ ‫عن مستلزمات الواقع االجتماعي والثقايف وذلك‬ ‫إلدامة احلياة املرتبطة باملراكز االحتادية‪ ،‬مبا‬ ‫فيها األسس الدستورية للدولة الفيدرالية‪.‬‬ ‫أن القدرة الذاتية إلقليم كوردستان العراق‬ ‫يف إدارة شؤونها منذ تأسيس اإلقليم عام‬ ‫‪ 1991‬بعيدا عن سيطرة احلكومة املركزية يف‬ ‫بغداد‪ ،‬قد ك�� َون لإلقليم (شخصية قانونية‬ ‫تتمتع ببعض االس��ت��ق�لال يف ج��وان��ب من‬ ‫احلياة السياسية و االقتصادية إضافة للتطور‬ ‫الدميقراطي الذي شهده اإلقليم وهو بعيد عن‬ ‫سيطرة احلكومة املركزية مما مل تشهده سائر‬ ‫املناطق العراقية‪ ،‬كما جعل لإلقليم متميزاً‬ ‫عن مناطق العراق األخ��رى) (‪ )91‬وبعد عام‬ ‫‪ 2003‬تغريت األوضاع وأصبح لإلقليم نوعا من‬ ‫االستقاللية و االستمرارية يف إدارة األوض��اع‬ ‫االجتماعية والثقافية و الشؤون اخلاصة بها‪.‬‬ ‫وق��د ح��اول��ت حكومة اإلقليم إجي��اد الصيغ‬ ‫القانونية و الدستورية ملمارساتها الداخلية‬ ‫وعالقاتها اخلارجية‪ ،‬و جنحت يف ابرام مذكرات‬ ‫وبروتوكوالت مشرتكة يف القضايا الداخلة يف‬ ‫جمال اختصاصاتها‪ .‬بناء على ذلك‪ ،‬فقد أصبحت‬

‫ال��ع�لاق��ات ال�تي متثل اجل��وان��ب االقتصادية‬ ‫واالجتماعية و الثقافية تشغل حيزا متميزا يف‬ ‫التعاون املشرتك بني حكومة إقليم كوردستان‬ ‫و فرنسا‪.‬‬ ‫و لو قارننا أقاليم الدول الفيدرالية ببعضها‬ ‫البعض جند أن هذه األقاليم يف عالقاتها العالقات‬ ‫اخلارجية قد تطورت صالحياتها يف السنوات‬ ‫األخرية سواء يف دساتري الدول الفيدرالية أو يف‬ ‫الواقع العملي هلذه الدول‪ .‬واستنادا على الدساتري‬ ‫امل��ت��ع��ددة لبعض ال���دول‪ ،‬ن��رى ب��أن ممارسة‬ ‫الصالحيات ملكونات الدول الفيدرالية تنسجم‬ ‫مع االطار القانوني و الدستوري هلذه الدول من‬ ‫جهة وهلذه املكونات من جهة ثانية‪ .‬و نستنتج‬ ‫من هذا البحث‪ ،‬واستنادا على املادة (‪ )115‬من‬ ‫الدستور العراقي أن كل مامل ينص عليه يف‬ ‫االختصاصات احلصرية للسلطات االحتادية‪،‬‬ ‫يكون من صالحية األقاليم و احملافظات غري‬ ‫املنتظمة يف إقليم‪ ،‬وال��ص�لاح��ي��ات األخ��رى‬ ‫املشرتكة بني احلكومة االحتادية و األقاليم‪،‬‬ ‫تكون األولوية فيها لقانون األقاليم واحملافظات‬ ‫غري املنتظمة يف إقليم يف حالة اخلالف بينهما‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬الدخول يف عالقات خارجية‪ ،‬اذا كانت‬ ‫هذه العالقات تنسجم مع الدستور وتصب يف‬ ‫مسار املصلحة العامة للشعب والبلد‪ ،‬واذا كانت‬ ‫هذه العالقات ليست يف االختصاصات احلصرية‬ ‫للسلطات االحتادية‪ ،‬يكون هذا الدخول ضمن‬ ‫صالحيات اإلقليم‪ .‬م��ن هنا ج��اءت مذكرة‬ ‫التعاون بني اجلمهورية الفرنسية و إقليم‬ ‫كوردستان العراق‪ ،‬وقد مسينا هذه املذكرة‬ ‫باالتفاقية بناء على طبيعتها و باالستناد على‬ ‫اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات لعام ‪ .1969‬كما أن‬ ‫‪45‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪46‬‬

‫املذكرة تؤكد يف ديباجتها على اإلطار الدستوري‬ ‫للعالقات اجليدة بني العراق وفرنسا‪ ،‬كما يظهر‬ ‫يف االتفاقية املشرتكة بينهما يف (‪ )2009/11/15‬يف‬ ‫اجملاالت الثقافية و والعلمية و التقنية و التعاون‬ ‫اإلمنائي‪ ،‬و وفقا للشروط اليت وضعها دستور‬ ‫ال��ع��راق ال��ذي يعطي احل��ق لألقاليم بتنفيذ‬ ‫برامج تعاون خارجية يف اجملاالت املذكورة‪.‬‬ ‫و نرى أن تعزيز قدرة إقليم كوردستان على‬ ‫خلق منطقة تنمية اقتصادية واجتماعية عن‬ ‫طريق توقيع اتفاقيات دولية حبيث ال تتناقض‬ ‫مع السياسة الوطنية اخلارجية أو تؤثر على‬ ‫صالحيات احلكومة الفيدرالية‪ ،‬أدت اىل دخول‬ ‫حكومة اإلقليم يف عالقات تتعلق بالرفاهية‬ ‫االقتصادية وف��رص التنمية‪ .‬و نظرا لكون‬ ‫اجملاميع السكانية لألقاليم املختلفة‪ ،‬تتميز‬ ‫عن اجلماعات األخرى يف الدولة وذلك بعوامل‬ ‫قومية وثقافية ولغوية و اقتصادية‪ ،‬لذا تطالب‬ ‫هذه اجملاميع باالستقالل السياسي مع الرغبة‬ ‫يف البقاء يف االطار القانوني للدولة‪ ،‬لذلك ختتار‬ ‫هذه اجملاميع النظام الفيدرالي كي تعرب عن‬ ‫استقالهلا السياسي‪ .‬ومبا أن الفيدرالية تهدف اىل‬ ‫التوفيق بني التناقضات والتنوع يف اجملتمعات‬ ‫املوجودة داخل الدولة‪ ،‬فهي بذلك تسعى اىل‬ ‫حتقيق أغراضها عن طريق االستقالل الذاتي‬ ‫لألقاليم و كذلك مشاركتها يف السلطة و السيادة‪.‬‬ ‫أن االستقالل الذاتي إلقليم كوردستان مبوجب‬ ‫الصالحيات املمنوحة يف الدستور االحت��ادي‬ ‫يتجسد يف حق اإلقليم بإصدار قواعد قانونية‬ ‫عامة يف نطاق االختصاصات الدستورية مبا فيها‬ ‫أنشاء النظم القانونية من أجل التطور واألمناء‬ ‫وتشريع دستور لتنظيم آليات احلكم‪ .‬أذن‪ ،‬من‬

‫أجل محاية االستقالل الذاتي لإلقليم وتقوية‬ ‫مشاركته يف السلطات االحتادية‪ ،‬البد أن يدخل‬ ‫اإلقليم يف عالقات لغرض التنمية االقتصادية‬ ‫و التطور التجاري مع اجلهات اخلارجية خدمة‬ ‫ألغراض اإلقليم التنموية‪ .‬ومن هذا املنطلق‬ ‫حي��ق لإلقليم مم��ارس��ة ال��ع�لاق��ات اخلارجية‬ ‫يف إط��ار املبادئ األساسية املقررة يف الدستور‬ ‫االحتادي‪ ،‬وبشكل ال يتعارض مع املصلحة العامة‬ ‫للدولة االحتادية‪ ،‬كما أن اجلهود الراقية من‬ ‫أجل التعاون يف اجملال االقتصادي و التجاري‬ ‫ختدم تنمية البنية التحتية و التطور املطلوب‪.‬‬ ‫إن االتفاقية امل�برم��ة ب�ين حكومة إقليم‬ ‫كوردستان و احلكومة الفرنسية تؤكد على‬ ‫تنمية التعاون االقتصادي و التجاري و تنمية‬ ‫البنية التحتية على أساس أن حكومة اإلقليم‬ ‫تسري على سياسة تشجيع االستثمار األجنيب و‬ ‫املشاريع التجارية وتقديم التسهيالت الالزمة يف‬ ‫اجملال التجاري للدول الراغبة يف إنشاء العالقات‬ ‫املتبادلة‪ .‬لذلك‪ ،‬ن��رى أن اإلقليم يتطلع اىل‬ ‫مستقبل زاهر ومتطور من أجل حياة أفضل‬ ‫لسكان اإلقليم بشكل خ��اص وسكان العراق‬ ‫بشكل عام‪.‬‬ ‫و نستنتج م��ن االت��ف��اق��ي��ة أن احلكومة‬ ‫الفرنسية تتعامل مع حكومة اإلقليم من أجل‬ ‫النهوض العلمية ورف��ع ق��درة الكفاءات على‬ ‫أساس املصاحل املشرتكة يف اجمل��االت ذات الصلة‬ ‫مبواضيع االتفاقية‪ ،‬ويدل هذا التعاون املشرتك‬ ‫على قدرة إدارة اإلقليم يف العالقات اخلارجية‬ ‫املتعلقة بأمورها الداخلية من أجل التنمية‬ ‫و التطور يف اجمل���االت املدنية‪ .‬ان الدساتري‬ ‫الفيدرالية لألقاليم املكونة للنظام الفيدرالي‬


‫تسمح بإبرام اتفاقيات لصاحل الشعب‪ ،‬فمثال‬ ‫الدستور األمريكي يف املادة العاشرة‪ ،‬ودستور‬ ‫فاميار األملاني لعام ‪ 1919‬يف املادة (‪ )78‬و الدستور‬ ‫األمل��ان��ي لعام ‪ 1949‬يف امل��ادة (‪ ،)32‬والدستور‬ ‫البلجيكي يف املادة (‪ )127‬و دستور جزر القمر‬ ‫لعام ‪ 2003‬يف املادة (‪ )7‬وغريها‪ .‬كما وان بعض‬ ‫الدساتري األخرى تؤكد على سيادة أقاليم الدولة‬ ‫الفيدرالية والصالحية إلدارة األمور و الدخول‬ ‫يف العالقات اخلارجية بغية تقديم اخلدمات‬ ‫الضرورية من أجل التطور و االستقرار‪ ،‬كما يف‬ ‫الدستور السويسري لعام (‪ )1999‬يف املادة الثالثة‪،‬‬ ‫ودستور اإلمارات العربية املتحدة لعام (‪ )1971‬يف‬ ‫املادة (‪ ،)123‬و الدستور اإليطالي يف املادة (‪،)117‬‬ ‫والدستور األرجنتيين لعام (‪ )1994‬يف امل��ادة‬ ‫اخلامسة‪ ،‬والدستور األثيوبي لعام (‪ )1994‬يف‬ ‫املادة الثالثة وكذلك يف املادة (‪.)50‬‬ ‫كل هذه الدساتري وغريها‪ ،‬تؤكد على الشخصية‬ ‫القانونية وممارسة السيادة و االستقاللية‬ ‫يف إدارة األم��ور الذاتية والدخول يف العالقات‬ ‫اخلارجية‪ ،‬مبا فيها إبرام نوع من االتفاقيات ذات‬ ‫الفوائد املشرتكة واليت تدخل ضمن ممارسة‬ ‫الصالحيات املمنوحة دستوريا‪.‬‬ ‫وأخريا‪ ،‬نرى بأن املعايري اليت حتدد الشخصية‬ ‫القانونية الدولية إلقليم كوردستان هي‪:‬‬ ‫‪ 1‬وجود سلطة رمسية منظمة متارس واجباتها‬ ‫يف إدارة احلكومة‪.‬‬ ‫‪ 2‬إعرتاف احلكومة االحتادية يف العراق حبكومة‬ ‫إقليم كوردستان واالعمال و التشريعات الصادرة‬ ‫من أجهزة اإلقليم‪ ،‬مبا فيها االعرتاف الصريح يف‬ ‫الدستور العراقي لإلقليم ومشاركة اإلقليم يف‬ ‫احلكومة االحتادية‪.‬‬

‫‪ 3‬التعامل الدولي مع حكومة اإلقليم‪ ،‬مبا فيها‬ ‫فتح عدد من القنصليات واملكاتب الدولية‪،‬‬ ‫والزيارات الرمسية لقادة الدول لإلقليم‪.‬‬

‫‪47‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪48‬‬ ‫كلية القانون‪ ،‬موسكو‪ ،2010 ،‬ص‪( 400‬باللغة الروسية)‪.‬‬

‫اهلوامش و االحاالت‬

‫‪ 11‬د‪ .‬سعد عبد اجلبار العلوش‪ :‬الدولة املوحدة و الدولة‬ ‫‪1‬اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات الدولية لعام ‪.1969‬‬

‫الفدرالية‪ ،‬حبث منشور فى‪ :‬دراسات دستورية عراقية حول‬

‫ينظر‪ :‬د‪.‬عيسى دباح‪ :‬موسوعة القانون الدوىل‪ ،‬اجمللد االول‪،‬‬

‫موضوعات أساسية للدستور العراقى اجلديد‪ .‬املعهد الدوىل‬

‫الطبعة االوىل‪ ،‬عمان‪ ،2003 ،‬ص‪.151‬‬

‫حلقوق االنسان – كلية احلقوق جبامعة ديبول‪ ،‬الطبعة‬

‫‪ 2‬د‪.‬على صادق ابو هيف‪ :‬القانون الدوىل العام‪ ،‬الطبعة‬

‫االوىل‪ ،‬نيويورك‪ ،2005 ،‬ص‪.371397‬‬

‫الثانية عشرة‪ ،‬االسكندرية‪ 1975 ،‬ص‪ ،530‬د‪.‬حممد‬

‫‪ 12‬نيكو ستيتلر‪ :‬تامالت مقارنة حول احلكم احمللى و‬

‫اجمل��ذوب‪ :‬القانون ال��دوىل العام‪ ،‬الطبعة السادسة‪ ،‬بريوت‪،‬‬

‫مناطق املدن الكربى فى االنظمة الفدرالية‪ .‬منشور فى‪:‬‬

‫‪ ،2007‬ص‪.623‬‬

‫حوار عاملى حول الفدرالية‪ ،‬اجلزء السادس‪ ،‬حترير راوؤل‬

‫‪ 3‬د‪ .‬حازم حممد عتلم‪ :‬اصول القانون الدوىل العام – القسم‬

‫بليذر نباخر و شاندرا بامسا‪ ،‬ترمجة‪ :‬مها بسطامى‪ ،‬منتدى‬

‫الثانى‪ ،‬اشخاص القانون الدوىل‪ ،‬الطبعة االوىل‪ ،‬دار النهضة‬

‫االحتادات الفدرالية – كندا‪ ،2007 ،‬ص‪.35‬‬

‫العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،2011 ،‬ص‪.4‬‬

‫‪ 13‬دستور بلجيكا الفدرالي لعام ‪.1993‬‬

‫‪ 4‬شارل روسو‪ :‬القانون الدوىل العام‪ ،‬نقله اىل العربية‪ :‬شكر‬

‫‪ 14‬ب‪ .‬ا‪ .‬اومسينني‪ :‬ابرام و تنفيذ االتفاقيات الدولية فى‬

‫اهلل خليفة و عبد احملسن سعد‪ ،‬بريوت‪ ،1987 ،‬ص‪.34‬‬

‫القانون الداخلى للدولة‪ ،‬موسكو‪ ،2010 ،‬ص‪(292‬باللغة‬

‫‪Jean Combacau et Senge Sur: Droit 5‬‬

‫الروسية)‪.‬‬

‫‪international public 8ed، Moutchrestien،‬‬

‫‪ 15‬هيلني تورار‪ :‬تدويل الدساتري الوطنية‪ ،‬ترمجة باسيل‬

‫‪.paris، 2008، P.83‬‬

‫يوسف‪ ،‬مراجعة و تقديم‪ .‬د‪ .‬اكرم الوترى‪ ،‬منشورات بيت‬

‫‪ 6‬د‪ .‬صالح الدين عامر‪ :‬مقدمة لدراسة القانون الدوىل‬

‫احلكمة‪ ،‬بغداد‪ ،2004 ،‬ص‪.149‬‬

‫العام‪ ،‬القاهرة‪ ،2003 ،‬ص‪.158‬‬

‫‪ 16‬نفس املصدر‪ :‬ص‪.150‬‬

‫‪ 7‬د‪ .‬صالح الدين عامر‪ :‬نفس املصدر‪ ،‬ص ‪.159‬‬

‫‪ 17‬ب‪ .‬ا‪ .‬سرتاشون و آخرون‪ :‬القانون الدستورى للدول‬

‫‪L' Etat Federal et regional: Commission 8‬‬

‫االجنبية‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬موسكو‪ ،2008 ،‬ص‪608610‬‬

‫‪europeenne pour la democratie par le‬‬

‫(باللغة الروسية)‪.‬‬

‫‪droit، ed conseil de L Europe، Strasbourg،‬‬

‫‪ 18‬د‪ .‬سعد عبد اجلبار العلوش‪ :‬نفس املصدر‪ ،‬ص‪.396‬‬

‫‪Uyttendaele: Le‬‬ ‫‪Bruylat،‬‬

‫‪1997، P.32، Marc‬‬

‫'‪acheve، ed‬‬

‫‪in‬‬

‫‪federalism‬‬

‫‪ 19‬نفس املصدر‪ :‬ص‪.400‬‬ ‫‪ 20‬د‪ .‬حممد طلعت الغنيمى‪ :‬الغنيمى الوسيط فى قانون‬

‫‪.Bruxelles، 1991، P.177‬‬

‫السالم‪،‬منشأة املعارف‪ ،‬االسكندرية‪ ،1993 ،‬ص‪ ،153‬د‪.‬‬

‫‪ 9‬د‪ .‬عبد الكريم علوان‪ :‬النظم السياسية و القانون‬

‫حممد يوسف علوان‪ :‬القانون الدوىل العام‪ ،‬الطبعة الثالثة‪،‬‬

‫الدستورى‪ ،‬الطبعة االوىل‪ ،‬دار الثقافة للنشر و التوزيع‪،‬‬

‫عمان‪ ،2007 ،‬ص‪.253‬‬

‫عمان‪ ،2011 ،‬ص ‪.93‬‬

‫‪ 21‬د‪ .‬حممد يوسف علوان‪ :‬نفس املصدر‪ ،‬ص‪.253‬‬

‫‪ 10‬م‪ .‬ن‪ .‬مرجينكو‪ ،‬ا‪ .‬م‪ .‬دريابني‪ :‬قانون االحتاد االوروبى‬

‫‪ 22‬دستور الواليات املتحدة االمريكية‪ ،‬دساتري العامل‪،‬‬

‫– قضايا تارخيية و نظرية‪ ،‬منشورات جامعة موسكو –‬

‫ترمجة‪ :‬امانى فهمى‪ ،‬املركز القومى للرتمجة‪ ،‬الطبعة‬


‫االوىل‪ ،‬القاهرة‪ ،2007 ،‬ص‪.‬‬

‫‪ 31‬دستور احتاد جزر القمر‪ ،‬الدساتري العربية و دراسة‬

‫‪ 23‬القاضى نبيل عبد الرمحن حياوى‪ :‬الدول االحتادية‬

‫مقارنة مبعايري احلقوق الدستورية الدولية‪ ،‬املعهد الدوىل‬

‫الفدرالية – العالقات اخلارجية‪ ،‬الطبعة االوىل‪ ،‬املكتبة‬

‫حلقوق االنسان‪،‬كلية احلقوق جبامعة دى ب��ول‪ ،‬الطبعة‬

‫القانونية‪ ،‬بغداد‪ ،2004 ،‬ص‪.20‬‬

‫االوىل‪ ،‬نيويورك‪.2005 ،‬‬

‫‪ 24‬نفس املصدر‪ ،‬ص‪.49‬‬

‫‪ 32‬مارات ساليكوف‪ :‬روسيا‪ :‬فيدرالية متقلبة‪ ،‬حوار عاملى‬

‫‪ 25‬دانيال ث��ورو و مالكوم م��اك�لارن‪ :‬سويسرا‪ ،‬اهمية‬

‫حول الفدرالية‪ ،‬اجلزء االول‪ ،‬حترير‪ :‬راؤول بليند نباخر و‬

‫الرباغماتية‪ ،‬حوار عاملى حول الفدرالية‪ ،‬اجلزء اخلامس‪،‬‬

‫ابيغيل اوسكاين‪ ،‬ترمجة‪ :‬شركة‪:‬‬

‫حترير‪ :‬راؤول بليندنباخر و ش��ان��درا بامسا‪ ،‬ترمجة‪:‬‬

‫‪AMM Arabic translation، Interpretation‬‬

‫مها بصامى‪ ،‬منتدى االحت��ادات الفدرالية‪ ،‬كندا‪،2007 ،‬‬

‫‪Services Inc.،‬‬ ‫منتدى االحتادات الفدرالية‪ ،‬كندا‪ ،2007 ،‬ص‪.3739‬‬

‫ص‪.4951‬‬ ‫‪26 Frederic Rouvillois: Droit‬‬

‫‪ 33‬دستور االحتاد الروسى لعام ‪ ،1993‬دساتري العامل‪،‬‬

‫‪constitutionnel fondements et‬‬

‫اجلزء االول‪ ،‬ترمجة‪ :‬امانى فهمى‪ ،‬الطبعة االوىل‪ ،‬املركز‬

‫‪pratiques، Flammarion، Paris، 2002،‬‬ ‫‪P.65.‬‬ ‫‪27 Basdevant: Dictionnaire de la‬‬

‫القومى للرتمجة‪ ،‬القاهرة‪ ،2007 ،‬ص ‪.259‬‬ ‫‪ 34‬القانون االساسى جلمهورية املانيا االحتادية‪ ،‬دساتري‬ ‫العامل‪ ،‬نفس املصدر‪ ،‬ص‪.95‬‬

‫‪terminologie juridique de droit‬‬

‫‪ 35‬دستور والي��ة بافاريا فى املانيا االحتادية‪ ،‬ترمجة‪:‬‬

‫‪international، Paris، 1960، P.586.‬‬

‫د‪.‬شريزاد النجار‪ ،‬الطبعة االوىل‪ ،‬منشورات برملان كوردستان‬

‫نقال عن‪ :‬ا‪ .‬د‪ .‬حفيظة السيد احل��داد‪ :‬العقود املربمة بني‬

‫–العراق‪ ،‬اربيل‪.2009 ،‬‬

‫الدول و االشخاص االجنبية‪ ،‬بريوت‪ ،2003 .‬ص‪.688‬‬

‫‪ 36‬دستور بلجيكا الفدراىل‪ ،‬ترمجة‪ :‬خسرو بوتانى و‬

‫‪ 28‬ا‪ .‬د‪ .‬حفيظة السيد احلداد‪ :‬العقود املربمة بني الدول و‬

‫د‪.‬جالل جاف‪ ،‬الطبعة االوىل‪ ،‬دار اراس للطباعة و النشر‪،‬‬

‫االشخاص االجنبية‪ ،‬بريوت‪ ،2003 ،‬ص‪.692‬‬

‫اربيل‪.2008 ،‬‬

‫‪29 Paul Reuter، Le droit international:‬‬

‫‪ 37‬خافيري برينادى جيل و كالر فيالسكو‪ :‬اسبانيا‪ :‬منوذج‬

‫‪unite et deversite، Paris، 1981، P103.‬‬

‫فريد من نوعه لدولة احلكم ال��ذات��ى‪ ،‬ح��وار عاملى حول‬

‫نقال عن‪ :‬بيار مارى دوبوى‪ :‬القانون الدوىل العام‪ ،‬ترمجة‪:‬‬

‫الفدرالية‪ ،‬حترير‪ :‬راؤول بليند نباخر و اييغيل اوستاين‪،‬‬

‫د‪.‬حممد عرب صاصيال و د‪.‬سليم ح��داد‪ ،‬الطبعة االوىل‪،‬‬

‫اجلزء الثانى‪ ،‬منتدى االحت��ادات الفدرالية‪ ،‬كندا‪،2007 ،‬‬

‫املؤسسة اجلامعية للدراسات و النشر و التوزيع‪ ،‬بريوت‪،‬‬

‫ص‪.34‬‬

‫‪ ،2008‬ص‪.293‬‬

‫‪ 38‬نيكو ستيتلر‪ :‬تامالت مقارنة حول احلكم احمللى و‬

‫‪ 30‬دستور االمارات العربية املتحدة لعام ‪ ،1971‬الدساتري‬

‫مناطق امل��دن الكربى فى االنظمة الفدرالية‪ ،‬ح��وار عاملى‬

‫العربية و دراسة مقارنة مبعايري احلقوق الدستورية الدولية‪،‬‬

‫حول الفدرالية‪ ،‬حترير‪ :‬راؤول بليند نباخر و شاندرا‬

‫املعهد ال��دوىل حلقوق االنسان – كلية احلقوق جبامعة دى‬

‫بامسا‪ ،‬ترمجة مها بسطامى‪ ،‬اجلزء السادس‪ ،‬ص‪.35‬‬

‫بول‪ ،‬نيويورك‪ ،‬الطبعة االوىل‪ ،2005 ،‬ص‪.4575‬‬

‫‪ 39‬القانون االساسى الكاتالونى لعام ‪ ،2006‬منشورات‬ ‫‪49‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪50‬‬

‫برملان كوردستان العراق‪ ،‬اربيل ‪(.2007‬باللغة الكردية من‬

‫‪ 55‬ميثاق حمكمة نورنبريك ‪.1946‬‬

‫ترمجة حممد كاكى)‪.‬‬

‫‪ 56‬د‪ .‬عمران عبدالسالم الصفرانى‪ :‬جملس االمن و حق‬

‫‪ 40‬الدستور االسبانى‪ ،‬صادق عليه الربملان فى ‪/31‬تشرين‬

‫التدخل لغرض اح�ترام حقوق االن��س��ان‪ ،‬الطبعة االوىل‪،‬‬

‫االول‪ 1978/‬وحصل على املوافقة يف االستفتاء الشعبى فى‬

‫منشورات جامعة قاريونس‪ ،‬بنغازى‪ ،2008 ،‬ص ‪.304‬‬

‫‪/6‬كانون االول‪ ،1978/‬كما و اعتمده امللك خوان كارلوس‬

‫‪ 57‬ميثاق (معاهدة) احملكمة اجلنائية الدولية الدائمة‪،‬‬

‫االول امام الربملان فى ‪/27‬كانون االول‪،1978/‬و نشر فى‬

‫‪1998‬‬

‫اجلريدة الرمسية االسبانية فى ‪/29‬كانون االول‪.1978/‬‬

‫‪58 P.Vellas: Droit international‬‬

‫‪ 41‬احلالة اخلاصة القليم سيسيليا(صقلية) احد اقاليم‬

‫‪economique et social، T.1، Paris، 1965،‬‬

‫اجلمهورية االيطالية‪ ،‬مع منت الدستور االيطاىل‪ ،‬ترمجة‪:‬‬

‫‪P30.‬‬

‫د‪ .‬هه فال معروف رؤوف‪ ،‬من مطبوعات اجمللس الوطنى‬

‫نقال عن‪ :‬أ‪ .‬د‪.‬حفيظة السيد احل��داد‪ :‬العقود املربمة بني‬

‫لكوردستان – العراق جلنة الشؤون القانونية‪ ،‬اربيل‪.2006 ،‬‬

‫الدول و االشخاص االجنبية‪ ،‬بريوت‪ ،2003 ،‬ص‪.690‬‬

‫‪ 42‬دستور االمة االرجنتينية لعام ‪.1994‬‬

‫‪ 59‬د‪.‬عبد العزيز حممد سرحان‪ :‬القانون الدوىل العام‪،‬‬

‫‪ 43‬دستور أثيوبيا لعام ‪.1994‬‬

‫القاهرة‪ ،1991 ،‬ص‪.247‬‬

‫‪ 44‬هانز ج‪ .‬مايكمان‪ :‬تامالت مقارنة على العالقات‬

‫‪ 60‬قرار جملس االمن ‪.1991 / 688‬‬

‫اخلارجية فى الدول الفدرالية‪ ،‬حوار عاملى حول الفدرالية‪،‬‬

‫‪ 61‬قرار جملس االمن ‪1995/ 986‬‬

‫اجلزء اخلامس‪ ،‬ص‪.3‬‬

‫‪ 62‬قانون ادارة الدولة للمرحلة االنتقالية لعام ‪.2003‬‬

‫‪ 45‬هيلني تورار‪ :‬تدويل الدساتري الوطنية‪ ،‬ترمجة‪ :‬باسيل‬

‫‪ 63‬جمموعة القوانني العراقية – الدستور و جمموعة‬

‫يوسف‪ ،‬منشورات بيت احلكمة‪ ،‬بغداد‪ ،2004 ،‬ص‪.156‬‬

‫قوانني االقاليم و احملافظات‪ ،‬اع��داد‪ :‬صباح صادق جعفر‬

‫‪ 46‬مشروع دستور اقليم كوردستان لعام ‪.2009‬‬

‫االن��ب��ارى‪ ،‬ب��غ��داد‪ ،2009 ،‬ص ‪ 4‬نص دستور مجهورية‬

‫‪ 47‬د‪ .‬حممد طلعت الغنيمى ‪ :‬الغنيمى الوسيط فى قانون‬

‫العراق لسنة ‪.2005‬‬

‫السالم‪ ،‬ص‪.404‬‬

‫‪ 64‬برملان كوردستان ال��ع��راق‪ :‬مشروع دستور اقليم‬

‫‪ 48‬العهدين الدوليني الصادرين عن اجلمعية العامة لالمم‬

‫كوردستان – العراق‪ ،‬اربيل‪.2009 ،‬‬

‫املتحدة عام ‪.1966‬‬

‫‪ 65‬هانز ج‪ .‬مايكمان‪ :‬تامالت مقارنة على العالقات‬

‫‪ 49‬اتفاقيات جنيف لعام ‪.1949‬‬

‫اخلارجية فى ال��دول الفدرالية‪ ،‬ينظر‪ :‬حوار عاملى حول‬

‫‪ 50‬قرار جملس االمن ‪.1991 / 688‬‬

‫ال��ف��درال��ي��ة‪ ،‬اجل��زء اخل��ام��س – ح���وارات ح��ول العالقات‬

‫‪ 51‬قرار جملس االمن ‪1995 / 986‬‬

‫اخلارجية فى الدول الفدرالية‪ ،‬حترير‪ :‬راؤول بليند نباخر‬

‫‪ 52‬اتفاقية منع جرمية االبادة اجلماعية (اجلينوسايد)‬

‫و شاندرا بامسا‪ ،‬ترمجة‪ :‬مها بسطامى‪ ،‬منتدى االحتادات‬

‫لعام (‪.)1948‬‬

‫الفدرالية‪ ،‬كندا‪ ،2007 ،‬ص‪.46‬‬

‫‪ 53‬اتفاقية منع التمييز العنصرى لعام (‪.)1965‬‬

‫‪ 66‬حول القانون الدولي االقتصادي باللغة العربية ينظر‪:‬‬

‫‪ 54‬قرار رئاسة مجهورية العراق رقم ‪ 26‬بتأريخ ‪/ 9 /10‬‬ ‫‪ 2008‬حول اعتبار جرائم االنفال ابادة مجاعية‪.‬‬

‫حممد عبد الستار كامل نصار‪ ،‬دور القانون الدولي يف‬ ‫النظام االقتصادي العاملي اجلديد‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الفكر اجلامعي‪،‬‬


‫ومنذ عام ‪ 2007‬اخذت فرنسا تعدل من موقفها أزاء احلكم‬

‫االسكندرية‪2007 ،‬‬ ‫عماد حبيب‪ ،‬القانون االقتصادي الدولي‪ ،‬دار نينوى‬ ‫للدراسات والنشروالتوزيع‪ ،‬دمشق ‪.2001‬‬

‫اجلديد وذلك من خالل عدة زيارات قام بها مسؤولون كبار‬ ‫لكلتا الدولتني‪ .‬ينظر كذلك‪:‬‬

‫حازم حسن مجعة‪ ،‬القانون الدولي االقتصادي املعاصر‪،‬‬

‫‪David Styan: France and Iraq. Oil، arms‬‬ ‫‪and French policy making in the Middle‬‬

‫مصر‪ ،‬الزقازيق ‪.1999‬‬

‫‪East. Ed.‬‬

‫و ينظر كذلك باللغات االجنبية‪:‬‬ ‫‪V.D CARREAU، P.Juillard، Droit‬‬

‫‪I.B.Tauraus and Palgrave،. USA 2006، P‬‬

‫‪International économique، Dalloze،‬‬

‫‪356.‬‬

‫‪Précis، 3e édition، Paris‬‬

‫‪Jean François Poncet et Monique‬‬

‫‪2007، P 718.‬‬

‫‪Carisier – Ben guiga، rapport‬‬

‫‪P. Dillet، G.de la Pradelle et H. Gherari،‬‬

‫‪d'information Senat n° 630، Le Moyen‬‬

‫‪Droit de l'économie Internationale،‬‬

‫‪Orient à l'heur nuclaire.‬‬

‫‪Paris، pedone،‬‬

‫‪:‬ينظر ‪69‬‬

‫‪2004، P 1119.‬‬

‫‪http://www.lefigaro.fr/international/20‬‬

‫& ‪Barry E. CARTER،Philip R.TRIMBLE‬‬

‫‪09/02/10/0100320090210ARTFIG0030‬‬

‫‪Curtis A BRADLEY، International Law،‬‬

‫‪0nicolassarkozyenvisitesurpriseenirak.‬‬

‫‪Fourth edition،‬‬

‫‪php.‬‬

‫‪Aspen، New York، 2003، P137 & 483508‬‬

‫‪ 70‬جتدر االش��ارة هنا اىل أن دساتري عدة دول فدرالية‬

‫‪Anand Ram Prakash، International‬‬

‫اعطت احلق لإلقليم العضو يف الفدرالية يف ابرام االتفاقيات‬

‫‪Law and the Developing Conuntries:‬‬

‫الدولية منها على سبيل املثال‪:‬الدستور االملاني والسويسري‬

‫‪Confrontation or‬‬

‫والبلجيكي والكندي‪...‬اخل‪.‬‬

‫‪Cooperation، Kluwer Academic‬‬

‫‪ 71‬الفقرات (أ‪ ،‬ب‪،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ ) من املادة الثانية من االتفاقية‪،‬‬

‫‪Publisher، New Yourk، 1987، P 129.‬‬

‫انظر‪ :‬مذكرة التعاون بني حكومة اقليم كردستان و‬

‫‪ 67‬ينظر‪:‬‬

‫احلكومة الفرنسية يف ‪.15/6/2010‬‬ ‫‪Pierre Marie Dupuy، Droit‬‬

‫‪International، 9e édition،Dalloze، Paris‬‬

‫‪ 72‬الفقرات (أ‪ ،‬ب‪،‬ج‪ ،‬د ) من املادة اخلامسة من االتفاقية‪.‬‬ ‫‪ 73‬ينظر موقع االنرتنيت للحكومة الفرنسية‪:‬‬

‫‪2008، P713.‬‬

‫_‪http://www.ambafranceiq.org/france‬‬

‫‪ 68‬كانت احلكومة الفرنسية يف عهد الرئيس شرياك من‬

‫‪irak/spip.php?article653#ACCORDSSI‬‬

‫املعارضني للتدخل االمريكي الربيطاني لإلطاحة بالنظام‬

‫‪GNESPENDANTLAVISITE‬‬ ‫‪ 74‬ان زيارة بسيطة ّ‬ ‫لسدي دربندخيان ودوكان يف حمافظة‬

‫اجلديدة املدعومة من القوتني املذكورتني نظرة سلبية‪،‬‬

‫السليمانية يبني مدى نزول مستوى املياه يف هاتني البحريتني‬

‫السابق يف ال��ع��راق ع��ام ‪ ،2003‬وكانت تنظر للحكومة‬

‫‪51‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪52‬‬

‫واالمر كذلك بالنسبة للسدود االخرى يف كوردستان والعراق‪.‬‬ ‫‪ 75‬ينظر املوقع االلكرتوني باللغة الفرنسية‪:‬‬

‫‪ancien، L'Harmattan، Paris 2009،p 243.‬‬ ‫‪Gérard Cornu et Henri Capitant،‬‬

‫‪http://www.rfi.fr/‬‬

‫‪Vocabulaire juridique، Presses‬‬

‫‪:‬ينظر املوقع االلكرتوني باللغة الفرنسية ‪76‬‬

‫« ‪universitaires de France، coll.‬‬

‫‪http://www.rfi.fr/emission/20110127a‬‬

‫‪Quadridge »، Paris، 2005، 6e éd.، 970 p‬‬

‫‪pprovisionnementnerfguerregazoducse‬‬

‫‪ 85‬الفقرات (أ‪ ،‬ب‪،‬ج‪ ،‬د) من املادة الثامنة من االتفاقية‪.‬‬

‫‪urope‬‬

‫‪ 86‬الفقرات (أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج ) من املادة التاسعة من االتفاقية‬

‫‪ 77‬ينظر الفقرات (أ‪ ،‬ب‪،‬ج) من املادة الرابعة من االتفاقية‪.‬‬

‫‪ 87‬الفقرات (أ‪ ،‬ب) من املادة العاشرة من املذكرة‪.‬‬

‫‪ 78‬حيتمل ان تكون صياغة نص الفقرة االصلي باللغة‬

‫‪ 88‬الفقرات (أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج‪ ،‬د) من املادة العاشرة من املذكرة‪.‬‬

‫الكوردية والفرنسية قد جاء بصورة سليمة‪ ،‬اما الرتمجة‬

‫‪ 89‬الفقرتان (أ‪ ،‬ب) من املادة الثالثة عشر من االتفاقية‪..‬‬

‫بالعربية فجاءت غري موفقة‬

‫‪ 90‬ينظر اىل امل��ادة السابعة من اتفاقية فيينا لقانون‬

‫« ب ـ بناء حمطات للحافالت وس��ي��ارات االج��رة يف أربيل‬

‫املعاهدات لسنة ‪.1969‬‬

‫والسليمانية ودهوك وكذلك بناء حمطات للحافالت يف هذه‬

‫‪ 91‬القاضي فتحى اجل��وارى‪ ،‬الفدرالية كنظام سياسي و‬

‫املدن»‪.‬‬

‫مدى مالء متها للعراق اجلديد‪ ،‬انظر‪ :‬دراس��ات دستورية‬

‫‪ 79‬ينظر‪ :‬د‪ .‬معروف عمر كول و د‪ .‬جالل كريم شريف‪،‬‬

‫عراقية حول موضوعات اساسية للدستور العراقي اجلديد‪،‬‬

‫التنظيم القانوني للمجال اجلوي إلقليم كوردستان‪ ،‬قدم هذا‬

‫املعهد الدولي لقانون حقوق االنسان‪ ،‬كلية احلقوق‪ ،‬جامعة‬

‫البحث يف املؤمتر االول لكلية القانون يف جامعة دهوك للفرتة‬

‫ديبول‪ ،‬ط‪ ،1‬نيويورك‪ ،2005 ،‬ص ‪.407417‬‬

‫من ‪ 13‬لغاية ‪ 15‬تشرين االول ‪.2010‬‬ ‫‪ 80‬الفقرات (أ‪ ،‬ب ) من املادة السابعة من االتفاقية‪.‬‬ ‫‪ 81‬الفقرات (أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ ) من امل��ادة السادسة من‬ ‫االتفاقية‪.‬‬ ‫‪ 82‬ان ما حصل يف كل من تونس ومصر وما حيصل اآلن من‬ ‫مظاهرات يف اليمن وليبيا و اجلزائر واملغرب والعراق و ايران‬ ‫خلري دليل على ذلك‪.‬‬ ‫‪ 83‬الفقرات (أ‪ ،‬ب‪،‬ج‪ ،‬د) من املادة ‪ 12‬من االتفاقية‪.‬‬ ‫‪:‬حول الضمان االجتماعي الفرنسي ينظر ‪84‬‬ ‫‪Hébergement et Patrick Pelège‬‬ ‫‪P 123.، 2004، Paris،réinsertion sociale:‬‬ ‫‪les CHRS، Dunod،‬‬ ‫‪Aurélien Purière، Assistance sociale‬‬ ‫‪et contrepartie، Actualité d'un débat‬‬


‫القضية الكوردية من املنظور رويس‬

‫امحد خليل ارتيميت‬ ‫باحث يف الشؤون الدولية‬

‫‪53‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪54‬‬

‫يعترب موضوع العالقات الروسية الكوردية‬ ‫من املواضيع اهلامة والكثري اجلدل‪ ،‬فهي تعترب‬ ‫حمطة تساؤالت الكتاب واملؤلفني املختصني‬ ‫بقضايا املنطقة‪ ،‬سيما هنالك مساعي روسية‬ ‫إلع��ادة مكانتها الدولية بعد ال�تراج��ع الذي‬ ‫طرأ عليها اثر انفكاك االحتاد السوفيييت عام‬ ‫‪ ،1991‬وكما هو معلوم أن السياسة الروسية‬ ‫َ‬ ‫تراجع ألع��وام أثر‬ ‫على مستوى اخلارجي قد‬ ‫انشغاهلا بإعادة البيت الروسي من جديد ولكن‬ ‫بعد ان استطاعت الدولة الروسية من تثبيت‬ ‫اركانها الداخلية قامت بتحول يف منط سياستها‬ ‫اخلارجية ليأخذ منحى جديد يف نطاق عالقاتها‬ ‫اخلارجية‪ ،‬فقد سعت اىل تثبيت نفوذها وتعزيز‬ ‫دورها يف املنطقة والسعي لرتكيز عالقاتها مع‬ ‫شركائها االسرتاتيجيني‪ .‬وتأتي هذه الدراسة‬ ‫بفرضية مفادها أن روسيا تنظر للقضية‬ ‫الكوردية كنقطة حمورية يف منطقة شرق‬ ‫أوس��ط سيما اصبحت على دراي��ة من وجود‬ ‫خطط االمريكية يف البنتاغون وال���وزارة‬ ‫اخلارجية االمريكية إلعادة رسم حدود دول‬ ‫شرق أوسط أي أنشاء دولة كوردستان‪ ،‬اليت هي‬ ‫يف احملصلة للضغط على كل من النظام ايراني‬ ‫والرتكي‪ ،‬مما ادى بروسيا هي االخرى لسعيها‬ ‫يف توثيق عالقاتها مع االكراد بشكل عام وذلك‬ ‫لعدة االسباب منها املوقع اجلغرايف االسرتاتيجي‬ ‫ال��ذي يسكنون فيه االك���راد‪ ،‬ال�تي متتاز أيضا‬ ‫خبصائص جيوبولوتيكية وطبيعية مثل الغاز‬ ‫والنفط واخل‪ ،‬واملناخ املعتدل‪ ،‬والرتابط التارخيي‬ ‫بني الشعبني الروسي والكوردي اليت تعود اىل‬ ‫حوالي أكثر من ‪ 200‬ع��ام مما ميهد الطريق‬ ‫لتوثيق العالقات املستقبلية بني اجلانبني‬

‫والرؤية الروسية حنو كسب وح��دة اوسطية‬ ‫يف املنطقة من خالل ربطها بعالقات جتارية‬ ‫واقتصادية وثقافية‪..‬‬ ‫نبذه تارخيية العالقات الروسية‪-‬الكوردية‬ ‫لقد ت��ع��ددت طبيعة العالقات ب�ين اجلانب‬ ‫الروسي والكوردي اىل العديد من اجلوانب منها‬ ‫أ‪ -‬اجلانب الثقايف واالجتماعي‬ ‫تعود تاريخ العالقات الروسية – الكوردية إىل‬ ‫أوائل القرن التاسع عشر‪ ،‬خالل فرتة انضمام ما‬ ‫وراء القوقاز (جورجيا ومشال أذربيجان وشرق‬ ‫أرمنيا) إىل روسيا‪ ،‬واتسمت تلك العالقات بطابع‬ ‫العمل املشرتك ضد اإلمرباطوريتني الفارسية‬ ‫والعثمانية املعاديتني لروسيا واحملتلتني‬ ‫لكوردستان‪ ،‬فقد شارك الكورد إىل جانب اجليش‬ ‫الروسي يف فرتة احلروب الروسية‪ -‬الفارسية ‪-1804‬‬ ‫‪ 1813‬و‪ 1828- 1826‬واحلرب الروسية ‪-‬العثمانية‬ ‫‪ 1829- 1828‬وغريها من األح��داث الصراعية‬ ‫الساخنة يف املنطقة‪ ،‬وقد لعب الكورد دورا بارزا‬ ‫يف تاريخ وثقافة شعوب ما وراء القفقاس وقد‬ ‫برز منهم قادة عظام وادباء وشعراء وعلماء‪،‬‬ ‫كما كان للموقف الكوردي من أطراف الصراع‬ ‫خالل تلك احل��روب أهمية كبرية‪ ،‬فقد بذلت‬ ‫روسيا القيصرية على وجه اخلصوص جهودا‬ ‫كبرية الستمالة الكورد اىل جانبها‪ ،‬وجنحت يف‬ ‫ذلك اىل حد كبري‪ ،‬ألن الكورد كانوا يتعاطفون‬ ‫مع روسيا يف معظم األحيان بسبب اضطهاد‬ ‫اإلمرباطوريتني العثمانية والفارسية هلم‪ ،‬وقد‬


‫شهدت النهضة احلقيقة للكورد السوفييت أبان‬ ‫الثورة البلشفية يف روسيا عام ‪ ،1917‬خصوصا يف‬ ‫جماالت التعليم والثقافة والتطور االجتماعي‬ ‫وأع����داد امل��درس�ين واملعلمني وط��ب��ع الكتب‬ ‫الدراسية باللغة الكوردية ووضع أول أجبدية‬ ‫كوردية متكاملة باحلروف الالتينية يف عام‬ ‫‪ 1927‬و تطبيقها يف اجملاالت التعليمية و الثقافية‪،‬‬ ‫وإصدار أول جريدة كوردية (ريا تازه ) أما يف‬ ‫جمال استشراق فقد كان للمستشرقني الروس‬ ‫الدور الكبري يف جمال الكوردلوجيا مثل ديتل‬ ‫وبرزين ول��رخ وجابا ويوسيت وإيكيازاروف‬ ‫وبنزنكر وكارتسف وكوليوباكني وليخوتني‬ ‫ومورافييف وأوربيللي وفيلجيفسكي ونيكيتني‬ ‫وخالفني والزاريف وحسرتيان ‪...‬إخل‬ ‫ويعترب ال��ك��ات��ب (ج���ودت ه��وش��ي��ار) املهتم‬ ‫مقالته اليت‬ ‫بالشؤون الروسية الكوردية يف‬ ‫ِ‬ ‫بعنوان املستشرق األكادميي يوسف اوربيلى‬ ‫(‪ )1961-1887‬بالقول ان املستشرق اوربيلي كان‬ ‫من ابرز واشهر الكوردلوجني الذين ظهروا بني‬ ‫االرمن‪ ،‬فقد اهتم بالثقافة الكوردية بالدرجة‬ ‫اوىل وعمل على تدوين جمموعة من النصوص‬ ‫الفلكلورية الكوردية وتأليف املعجم الكوردي‬ ‫ً‬ ‫ملخصا لقواعد اللغة‬ ‫الروسي مع ملحق يتضمن‬ ‫الكوردية‪ ،‬ويف شباط عام ‪ 1913‬بعث عبدالرزاق‬ ‫بدرخان‪ ،‬عن طريق وكيل القنصل الروسي يف‬ ‫(خوى)‪ ،‬رسالة اىل احلكومة الروسية تضمنت‬ ‫يف وقتها اىل عدة مقرتحات‪ ،‬لتعزيز العالقات‬ ‫ٌ‬ ‫بشكل ع��ام و الرتكيز‬ ‫الكوردية – الروسية‬ ‫على جم��ال التعليم والثقافة‪ ،‬وم��ن بني تلك‬ ‫املقرتحات‪ ،‬إيفاد الكوردولوجي يوسف أوربيلى‬ ‫اىل كوردستان بغرض أعداد كتاب عن قواعد‬

‫اللغة الكوردية و املعجم الكوردي ‪-‬الروسي‪ ،‬وقد‬ ‫مت املوافقة على الطلب‪ ،‬ومت استحداث مقعد يف‬ ‫اجلامعة بطرسبورغ لتدريس اللغة الكوردية‬ ‫وآخر ألثنوغرافيا و مت تكليف يوسف أوربيلي‬ ‫لدراسة املادتني‪ ،‬ولكن يف عام ‪ 1930‬قام ستالني‬ ‫بإزالة اثار كل تلك اجنازات وقد تعرض أكراد‬ ‫السوفييت الضطهاد لسنوات طويلة دامت اكثر‬ ‫من عقدين ولكن يف فرتة اخلمسينات بعد عقد‬ ‫املؤمتر العشرين للحزب الشيوعي السوفيييت‬ ‫ع��ام ‪ 1956‬مت إدان��ة اجلرائم الستالينية ورد‬ ‫االعتبار اىل ضحايا النظام الشمولي وبضمنهم‬ ‫الكورد السوفييت‪ ،‬ومسيت تلك الفرتة كما أطلق‬ ‫عليها الكاتب الروسي الشهري ايليا ارنبورغ اسم‬ ‫(ذوبان الثلوج )‪ ،‬فقد مت تأسيس قسم مستقل‬ ‫علميا وإداريا للكوردلوجيا يف معهد االستشراق‬ ‫يف لينيغراد (بطرسبورغ حاليا) وفتحت‬ ‫اجلامعات السوفيتية أمام الطلبة االك��راد من‬ ‫كوردستان اجلنوبية‪ ،‬عالوة على ذلك البد ان‬ ‫ال ننسى أن روسيا كانت تعترب مالذاً ً‬ ‫آمنا للقادة‬ ‫االك���راد فقد ع��اش رئيس احلركة الكوردية‬ ‫التحررية امل�لا مصطفى ال��ب��ارزان��ي ورفاقه‬ ‫أكثر من ‪ 12‬عام يف روسيا‪ ،‬ناهيك عن وجود‬ ‫حاالت الزواج واملصاهرة بني الشعب الكوردي‬ ‫والروسي‪ ،‬ويذكر ان املال مصطفى قد دق باب‬ ‫الكرملني وق��ال للضابط ان الشعب الكوردي‬ ‫يدق باب الكرملني‪ .‬وحتدث مع مالنكوف عن‬ ‫القضية الكوردية‪ ،‬ويف العودة اىل بدايات قرن‬ ‫التاسع عشر عام ‪ 1914‬سافر عبدالرزاق بدرخان‬ ‫بصفته ممثال للجمعية الثقافية الكوردية‬ ‫(جى خاندن) أي دار التعليم اليت كانت متارس‬ ‫نشاطها يف مدينة خوى‪ ،‬اىل العاصمة الروسية‬ ‫‪55‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪56‬‬

‫(بطرسبورغ ) للعمل على وضع أجبدية كوردية‬ ‫على أس��اس احل���روف ال��روس��ي��ة‪ ،‬وق��د قامت‬ ‫أكادميية العلوم الروسية بتكليف أوربيلى‬ ‫ألعداد األجبدية املطلوبة‪ ،‬وقد أجنز العامل هذه‬ ‫األجبدية‪ ،‬ولكن نشوب احلرب العاملية األوىل حال‬ ‫دون تطبيقها عمليا‪ ،‬لكن بقى العامل املذكور‬ ‫مهتم بأدب وثقافة الكوردية‪ ،‬ففي عام ‪ 1927‬قام‬ ‫برحلة اىل املناطق الكوردية يف أرمينيا‪ ،‬ومتكن‬ ‫من تسجيل العديد من النصوص الكوردية‬ ‫الشفهية وف��ى مقدمتها النصوص الشعبية‬ ‫للقصة الشعرية (مم و زين) ألمحد خاني واليت‬ ‫ما زالت حتتفظ بقيمتها العلمية الكبرية وكان‬ ‫اوربيلى متضلعا يف اللغة الكوردية وأسرارها‬ ‫الدقيقة وحتت اشرافه صد َر يف العهد السوفيييت‬ ‫ال��ع��دي��د م��ن الكتب وامل��ع��اج��م (ال��ك��وردي��ة ‪-‬‬ ‫الروسية) و(الروسية ‪ -‬الكوردية)‪ ،‬نذكر منها‬ ‫املعجم ال��ك��وردي ‪ -‬الروسي ال��ذى وضعه (ج‪.‬‬ ‫باكاييف ) حيث كتب أوربيلى مقدمة علمية‬ ‫إضافية هلذا املعجم واشار اىل أهميته يف تطوير‬ ‫الدراسة الكوردية يف أرمينيا واملناطق الكوردية‬ ‫يف اجلمهوريات السوفيتية األخرى ويكفى أن‬ ‫نشري هنا اىل بعض األمس��اء الالمعة من الذين‬ ‫عملوا يف هذا القسم بأشراف اوربيلى (كوردييف‪،‬‬ ‫تسوكرمان‪ ،‬رودينكو‪ ،‬جليلى جليل‪ ،‬موسيليان‪،‬‬ ‫مسرينوفا‪ ،‬يوسوبوفا‪ ،‬دميينتيفا) وقد خترج‬ ‫على اي��دي ه��ؤالء الكوردلوجيني ع��دد من‬ ‫الطلبة الكورد العراقيني الذين أصبحوا اساتذة‬ ‫الدراسات الكوردية يف جامعات بغداد و جامعة‬ ‫صالح الدين يف اربيل وجامعة السليمانية‪،‬‬ ‫فقد كانوا متأثرين بأفكار واجنازات أساتذتهم‬ ‫السوفييت‪ ،‬ويتضح مما تقدم أن ألوربيلى كان‬

‫له ال��دور الكبري يف تطوير معظم اإلجن��ازات‬ ‫العلمية الكوردولوجية اليت حتققت يف العهد‬ ‫السوفيييت‪ ،‬ومما ال ريب فيه أن األعمال العلمية‬ ‫اجل��ادة اليت أجنزها خرية علماء الكوردلوجيا‬ ‫من منتسيب هذا القسم‪ ،‬تعد ذروة الدراسات‬ ‫الكوردية يف روسيا والعامل‪ ،‬وتوفى أوربيلى يف‬ ‫عام ‪،1961‬‬ ‫ب‪ :‬اجلانب السياسي‬ ‫يعود الفضل لالهتمام املتبادل ببني الشعبني‬ ‫اىل العامل اجلغرايف كشعبني جارين‪ ،‬ناهيك عن‬ ‫املصاحل املتبادلة يف مواجهة العدو املشرتك‪ ،‬ففي‬ ‫الوقت الذي اتسمت تلك العالقات من اجلانب‬ ‫الكوردي باملصداقية وبطابع اسرتاتيجي‪ ،‬وعلى‬ ‫مدار الزمن مل يكن لدى الروس أبدا خطة أو‬ ‫مشروع للتبين إزاء القضية الكوردية‪ ،‬فأن‬ ‫اخلطوط العريضة يف السياسة الروسية اجتاه‬ ‫الكورد مل تتغري بل حافظت على مساتها العامة‬ ‫يف عهدي القيصرية والسوفييتية‪ ،‬اليت كانت‬ ‫عبارة عن سياسة االستقواء بالكورد يف عملية‬ ‫التوازن وتركهم بني أنياب الوحوش يف اللحظات‬ ‫احلامسة‪ ،‬وميكننا إعطاء عدة أمثلة على ذلك‬ ‫كانت العالقات الكوردية ‪ -‬الروسية وطيدة‬ ‫خالل سنوات احلرب العاملية األوىل‪ ،‬ففي عام‬ ‫‪ 1911‬سيطرت القوات الروسية على اكثر املناطق‬ ‫الكوردية السيما يف شرق كوردستان‪ ،‬وساهم‬ ‫الروس يف فتح مدرسة كوردية يف مدينة خوي‬ ‫الواقعة حتت نفوذ الزعيم ال��ك��وردي مسكو‬ ‫شكاك‪ ،‬وك��ان يفرتض أن تقوم روسيا بإنشاء‬ ‫دول��ة ك��وردي��ة وضمها إىل ح��دود القيصرية‬ ‫مبجرد سقوط اإلم�براط��وري��ة العثمانية‪ ،‬إال‬


‫أن قيام ث��ورة أكتوبر االشرتاكية عام ‪ 1917‬يف‬ ‫روس��ي��ا غ�يرت م��وازي��ن ال��ق��وى‪ ،‬فقد انتقلت‬ ‫روس��ي��ا اجل��دي��دة (حبكم أوضاعها الداخلية‬ ‫الصعبة والضغوطات اخلارجية عليها) وحلماية‬ ‫مصاحلها القومية العلي‪ ،‬من ع��دوة ل��دودة‬ ‫للدولة العثمانية إىل صديقة محيمة لرتكيا‬ ‫الكمالية ووقعت معها مجلة من املعاهدات‪،‬‬ ‫ضحت بالقضية الكوردية‪ ،‬واستقوت روسيا‬ ‫يف عامي ‪ 1907‬و‪ 1941‬بالشعب الكوردي يف شرق‬ ‫كوردستان‪ ،‬حيث يف احلالتني وضعت روسيا‬ ‫مشال إيران حتت نفوذها‪ ،‬يف عملييت التوازن‬ ‫الروسي – الربيطاني‪ ،‬ومع بداية احلرب الباردة‬ ‫بني موسكو وواشنطن يف إطار املرحلة األوىل‬ ‫من تلك احلرب‪ ،‬تراجعت القيادة الستالينية‬ ‫ع��ن موقفها ال��داع��م جل��م��ه��وري�تي مهاباد‬ ‫الكوردية وأذربيجان‪ ،‬وخضعت للضغوطات‬ ‫الغربية لسحب قواتها من املنطقة‪ ،‬لكن ذلك‬ ‫مل يكن جمانا بل بعد أن جنحت الدبلوماسية‬ ‫السوفيتية مع حكومة طهران للحصول على‬ ‫امتيازات نفطية‪ ،‬وعقد معاهدة مع حكومة‬ ‫ق��وام السلطنة بتاريخ ‪ 4‬نيسان ‪ 1946‬نصت‬ ‫على انسحاب اجليش األمحر خالل ستة أشهر‪،‬‬ ‫ومرة اخرى فضلت القيادة الروسية مصاحلها‬ ‫القومية على املبادئ واألخالق واإلنسانية‪ ،‬أثناء‬ ‫قيام دول (تركيا وإيران) وبالتنسيق مع نظام‬ ‫بغداد بعملية « النمر» عام ‪ 1963‬ضد ثورة أيلول‬ ‫التحررية بهدف تصفيتها ومبساعدة من القوات‬ ‫السورية بقيادة العقيد فهد الشاعر‪ ،‬أرسل وزير‬ ‫خارجية االحتاد السوفياتي أندريه غروميكو‬ ‫مذكرة احتجاج إىل احلكومات األربعة طالب‬ ‫فيها باالنسحاب الفوري لتلك القوات ومت رفع‬

‫القضية الكوردية إىل جملس األمن الدولي عن‬ ‫طريق منغوليا الشعبية‪ ،‬كان ذلك يف املرحلة‬ ‫الثالثة من احلرب الباردة (‪ ،)1972-1949‬ولكن‬ ‫يف املرحلة الرابعة منها (‪ ) 1979 -1972‬مرحلة‬ ‫االنفتاح بني املعسكرين والوفاق الدولي اليت‬ ‫بدأت مع قمة نيكسون – برجينيف يف موسكو‬ ‫‪ 1972‬والتوقيع على معاهدة احلد من األسلحة‬ ‫االسرتاتيجية املعروفة بسالت (‪ )1‬ثم قمة كارتر‬ ‫– برجينيف يف فيينا عام ‪ 1979‬واليت أسفرت‬ ‫نتائجها التوقيع على اتفاقية سالت (‪ ،)2‬ويف‬ ‫خضم ذلك وعندما نسجت خيوط اتفاقية ‪6‬‬ ‫آذار ‪ 1975‬اليت كان عرابها وزير خارجية أمريكا‬ ‫هنري كيسنجر‪ ،‬مل حيرك اجلانب السوفياتي‬ ‫ساكنا‪ ،‬اليت على أساسها قوضت واحدة من أهم‬ ‫ثورات حركات التحرر يف العامل‪.‬‬ ‫أما اجلانب املشرق للموقف الروسي من الشعب‬ ‫ال��ك��وردي وحركته التحررية‪ ،‬روسيا كانت‬ ‫دول��ة عظمى ومهمة وستبقى‪ ،‬ويف احلقيقة‬ ‫كان للروس دوار ومواقف إجيابية يف مراحل‬ ‫تارخيية‪ ،‬إض��اف��ة إىل فتح م��راك��ز ال��دراس��ات‬ ‫الكوردية يف موسكو ولينينغراد ويريفان وباكو‪،‬‬ ‫والب��د من اإلش���ارة إىل أن��ه يف سنوات العجاف‬ ‫الكوردية‪ ،‬عندما أصبحت اسم كوردستان من‬ ‫املمنوعات‪ ،‬وك��ان االحت��اد السوفياتي حيتضن‬ ‫العشرات من الباحثني والطلبة واملقهورين‬ ‫الكورد وتهيئهم للمستقبل‪ ،‬وهناك املئات من‬ ‫الشخصيات (اجلنود اجملهولون) الذين كانوا‬ ‫يتعاطفون مع ابناء الكورد يف تلك السنوات املرة‪.‬‬ ‫وإذا حاولنا تقييم السياسة الروسية من القضية‬ ‫الكوردية من ال��ض��روري اإلش��ارة وباختصار‬ ‫إىل ع���دد م��ن امل��ع��ط��ي��ات‪ ،‬اجليوبوليتيكية‬ ‫‪57‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪58‬‬

‫واالسرتاتيجية واألمنية وتشابك املصاحل اليت‬ ‫تساهم يف تداخل وتشابك جمموعة قضايا‬ ‫خمتلفة اجل��ذور ومتناقضة املصاحل‪ ،‬فاخلرباء‬ ‫االسرتاتيجيون ال��روس ينظرون إىل املسألة‬ ‫الكوردية وك��وردس��ت��ان يف الشرقني األوس��ط‬ ‫واألدن��ى يف املنظور العام‪ ،‬كجزء من الكل أو‬ ‫مبعنى آخر كجزيرة صغرية يف حميط‪ ،‬وهذا‬ ‫بالذات مينع تبلور موقف روس��ي مؤيد من‬ ‫القضية الكوردية ويف حمصلة احلديث أن املصاحل‬ ‫هي فقط اليت تتحكم باملواقف السياسية وإليها‬ ‫ختضع األخالق واملبادئ السامية‪.‬‬ ‫العالقات الروسية الكوردية‬ ‫تسعى روسيا إىل اثبات مكانتها الدولية من‬ ‫خالل دورها الفعلي يف املنطقة وكما هو معروف‬ ‫التغيري ال��ذي حدث يف عهد الرئيس الروسي‬ ‫ف�لادمي�ير ب��وت�ين يف رس��م خ��ط��وط السياسة‬ ‫العامة الروسية وعلى وجها االخص اخلارجية‬ ‫للتحول من االهتمام بالشؤون الداخلية الهتمام‬ ‫بالشؤون اخلارجية ويظهر ذل��ك جليا من‬ ‫حديث فالدميري بوتني ومدفيدف عندما أكدوا‬ ‫على تعددية النظام الدولي ما يعين ان الواليات‬ ‫املتحدة هي ليست القطب أوح��د أمنا هنالك‬ ‫االقطاب العديدة مثل االحتاد االوروبي وروسيا‬ ‫والصني وما اىل ذلك‪ ،‬لكن الذي يهمنا هنا انه‬ ‫روسيا تسعى اىل زيادة دورها يف املنطقة لتعزيز‬ ‫مكانتها دوليا‪ ،‬لذا هي تقوم مبتابعة ما يتعلق‬ ‫باملشاكل املرجحة يف املنطقة‪ ،‬وتبنيها سياسة‬ ‫متوازنة ثنائية اجتاه االك��راد الذي يعيشونه‬ ‫يف اجزاء االربعة لتكون على مسارين يف ذاتها‪:‬‬ ‫ً‬ ‫اوال التعاون الوثيق مع سلطات الدول واجملتمع‬

‫الدولي‪ً ،‬‬ ‫ثانيا العمل على توطني عالقاتها مع‬ ‫االكراد لتشمل اجلوانب السياسية واالقتصادية‬ ‫والتجارية والثقافية وغ�يره��ا‪ ،‬واىل توثيق‬ ‫تعاونها مع شركائها اإلقليميني التقليديني‪:‬‬ ‫إيران وتركيا وسوريا‪ ،‬واستعادة كامل عالقاتها‬ ‫مع العراق‪ ،‬وتهدف اىل التوصل إىل حل سلمي‬ ‫جلميع النزاعات والصراعات‪ ،‬وتفضل أن يتم‬ ‫حتت إشراف األمم املتحدة اي بطرق قانونية‪،‬‬ ‫لتكون يف احملصلة ملصلحة اجملتمع الدولي‬ ‫واملسألة الكوردية يف حد ذاتها‪ ،‬وذلك من خالل‬ ‫وقف اعمال العنف واحل��رب األهلية الدامية‬ ‫يف سوريا‪ ،‬واستقرار الوضع األمين يف العراق‪،‬‬ ‫والسعي اىل حتويل املطالبة باحلقوق املدنية‬ ‫والقانونية من الكفاح املسلح اىل الطلب بالطرق‬ ‫السلمية والقانونية يف كل من تركيا وايران‪،‬‬ ‫والرتكيز على أسس القانون الدولي لصياغة‬ ‫ق��رارا فعلي للقضية الكوردية يف كل بلد من‬ ‫البلدان اليت يعيش فيها الشعب الكوردي‪.‬‬ ‫وع��ل��ى صعيد اخل��ارج��ي ف��أن روس��ي��ا تتبنى‬ ‫سياسات خمتلف ازاء القضية الكوردية يف كل‬ ‫من العراق وسوريا وتركيا وإيران‪.‬‬ ‫أ‪ .‬حيث تعقد مع حكومة كوردستان العراق‬ ‫العالقات وثيقة ومتبادلة‪ ،‬يف ظل النظام العراقي‬ ‫الدميقراطي ال��ذي فسح جم��ال وصالحيات‬ ‫واسعة لروسيا بالتنسيق مع احلكومة املركزية‬ ‫العراقية‪ ،‬فقد كانت السباقة بفتح قنصلية‬ ‫العامة يف عاصمة اقليم كوردستان يف عام ‪2007‬‬ ‫لتكون من أوىل ال��دول اليت تفتح قنصلية يف‬ ‫كوردستان‪ ،‬وسعت اىل زيادة عالقاتها التجارية‬ ‫واالقتصادية‪ ،‬أما من الناحية الثقافية فأنها‬ ‫تقدم سنويا منحا دراسية ألك��راد العراق يف‬


‫اجلامعات الروسية‪ ،‬وتركز يف جمال التعليم‬ ‫والعلوم والثقافة وات��ص��االت‪ ،‬وفتحت اذاع��ة‬ ‫(ص���وت روس��ي��ا) ال��روس��ي��ة ع��ام ‪ 2008‬لتبث‬ ‫صوتها بلهجات اللغة الكوردية ملعظم املدن‬ ‫الرئيسية يف مش��ال العراق (ارب��ي��ل‪ ،‬كركوك‪،‬‬ ‫ده��وك‪ ،‬السليمانية)‪ ،‬التابعة لشركة روسية‬ ‫حكومية‪ ،‬هذا ويف الوقت ذات��ه هنالك ممثل‬ ‫للحكومة االقليم يف اجلمهورية الروسية‪ ،‬كما أن‬ ‫العشرات من املستشرقني و اإلعالميني و املئات‬ ‫من السياح الروس زاروا اإلقليم خالل السنوات‬ ‫األخرية ونشروا انطباعاتهم الطيبة عن الشعب‬ ‫الكوردي وعن النهضة‪ ،‬اليت يشهدها اإلقليم يف‬ ‫كافة جماالت احلياة وزادت الزيارات العلمية‬ ‫ألساتذة اجلامعات للتعرف على النظام الرتبوي‬ ‫و التعليمي الروسي وعقدت العديد من الندوات‬ ‫والعروض املوسيقية والفنية وسعي الطرفان اىل‬ ‫تنشيط السياحة بني اجلانبني‪ ،‬والبدء برحالت‬ ‫الطريان املباشرة بني موسكو و أربيل ‪.‬‬ ‫وقد جرت العديد من الزيارات بني حكومة‬ ‫اقليم كوردستان وروسيا حيث شكلت زيارة‬ ‫رئ��ي��س ال�����وزراء ال��روس��ي األس��ب��ق يفغيين‬ ‫برمياكوف رئيس الغرفة التجارة والصناعة‬ ‫يف روسيا و سليم خان موتسايف نائب رئيس‬ ‫الشؤون الدولية يف جملس الدوما الروسي اىل‬ ‫اقليم كوردستان يف أيار عام ‪ ،2008‬بدعوة من‬ ‫القيادة الكوردية‪ ،‬اليت تعترب بدورها خطوة‬ ‫هامة يف تعزيز العالقات الثنائية بني اجلانبني‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فقد لعب برمياكوف دوراً‬ ‫فعاال يف التوصل‬ ‫اىل اتفاقية آذار ‪ 1970‬بني احلكومة العراقية‬ ‫و القيادة الكوردية يف ذلك احل�ين‪ ،‬وقد لقي‬ ‫ً‬ ‫ترحيبا ح��اراً من قبل حكومة و‬ ‫برمياكوف‬

‫شعب كوردستان والنخب السياسية و العلمية‬ ‫و الثقافية الكوردية على حنو الفت للنظر‪،‬‬ ‫وك��ان لتصرحيه ال��ذي ادىل به خ�لال الزيارة‬ ‫حول ض��رورة ضم حمافظة كركوك اىل اقليم‬ ‫كوردستان‪ ،‬صدى طيبا يف األوساط السياسية‬ ‫الكوردية واكد على اهمية توطني عالقات بني‬ ‫اقليم وروسيا احتادية‪ ،‬كما وقعت اتفاقيات بني‬ ‫غرفة التجارة والصناعة الروسية واحتاد الغرف‬ ‫التجارية يف كوردستان بشان التعاون يف تطوير‬ ‫تبادل املعلومات‪ ،‬وحبث خطط التعاون املمكن‬ ‫بني عالقات العمل الروسية ‪ -‬الكوردية الواسعة‬ ‫النطاق‪ ،‬مثل مد خطوط السكك احلديدية بني‬ ‫كوردستان وبقية مناطق العراق واجراء اعمال‬ ‫االستكشاف اجليولوجي وبناء مصنع لإلمسنت‬ ‫ومصنع للحديد والصلب و اخل‪.‬‬ ‫ويف عام ‪ 2010‬زار أمني العام ملكتب السياسي‬ ‫للحزب ال��دمي��ق��راط��ي الكوردستاني فاضل‬ ‫مرياني مجهورية روسيا احتادية‪ ،‬ومت التأكيد‬ ‫على أهمية زي���ادة العالقات ب�ين الطرفني‪،‬‬ ‫وتلتها زيارة رئيس إقليم كوردستان مسعود‬ ‫البارزاني لروسيا مع وزير الثروات الطبيعية‬ ‫حبكومة اإلقليم آشيت هورامي باملقابل استقبله‬ ‫رئيس االحتاد الروسي فالدميري بوتني وجرت‬ ‫حمادثات مع وزير اخلارجية الروسي سريغي‬ ‫الفروف‪ ،‬رئيس غازبروم اليكسي ميلر يف اطار‬ ‫منتدى بطرسبورغ االقتصادي الدولي يف ‪20‬‬ ‫حزيران من العام احلالي‪ ،‬وان الشركة الروسية‬ ‫ب��دأت ت��درس إمكانية التعاون مع اإلقليم يف‬ ‫جمال النفط والغاز‪ ،‬وناقش اجلانبان مسائل‬ ‫التعاون الثنائي يف جمال النفط والغاز‪ ،‬وخاصة‬ ‫يف التنقيب واالستخراج واستثمار املكامن‪ ،‬يذكر‬ ‫‪59‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪60‬‬

‫ان (غ��ازب��روم نفط) فرع شركة (غازبروم)‬ ‫دخلت العام املاضي يف مشروعني للتنقيب‬ ‫عن املواد اهليدروكربونية يف العراق‪ ،‬ووقعت‬ ‫الشركة الروسية مع حكومة اقليم كوردستان‬ ‫اتفاقيتني لتقاسم املنتجات يف حقلي كرميان‬ ‫وشاكال الواقعني يف جنوب االقليم‪ ،‬وتستمر يف‬ ‫احلقلني اعمال التنقيب اجليولوجي اليت من‬ ‫املقرر ان يبدأ يف اعقابها استخراج النفط‪ ،‬وذلك‬ ‫يف موعد الذي ال يتعدى عام ‪ ،2015‬وستبلغ حصة‬ ‫(غازبروم نفط) يف استثمار شاكال ما يعادل‬ ‫‪ ،%80‬وستدير الشركة هذا املشروع‪ ،‬اما استثمار‬ ‫حقل كرميان‪ ،‬فستحصل (غازبروم نفط) على‬ ‫حصة ‪ .%40‬وستبقى شركة «فيسرتن زاغروس»‬ ‫(‪ )WesternZagros‬الكندية اليت متلك‬ ‫حصة ‪ %40‬يف املشروع ايضا‪ ،‬الشركة املديرة له‬ ‫حتى بدء االعمال الرئيسية وفقا لالتفاقية‪،‬‬ ‫وتبلغ حصة حكومة اقليم كوردستان يف كل من‬ ‫املشروعني ‪ ،%20‬ويف بداية العام اجلاري وقعت‬ ‫«غازبروم نفط» اتفاقية حول تقاسم املنتجات‬ ‫يف حقل حلبجة‪ ،‬وحصلت على حصة ‪ %80‬يف‬ ‫املشروع‪ ،‬وتقدر احتياطيات النفط يف احلقل‬ ‫بنحو ‪ 90‬مليون طن من النفط‪.‬‬ ‫أما يف قنوات اتصال مع اجزاء االخرى من‬ ‫كوردستان (سوريا‪ ،‬تركيا‪ ،‬إيران) فأن االتصاالت‬ ‫ال��روس��ي��ة ال ت���زال حم����دودة ن��ظ��را ألس��ب��اب‬ ‫موضوعية معينة‪.‬‬ ‫ب‪ .‬عند نشوب الثورات ومظاهرات يف الدول‬ ‫العربية مطالبة بتغيري االنظمة استبدادية‬ ‫اليت عرفت بـ(الربيع العربي) مل تنجو منها‬ ‫سوريا‪ ،‬فقد عمت املظاهرات املطالبة باإلصالح‬ ‫ال�تي سرعانه ما تطورت للمطالبة بتنحي‬

‫بشار االسد‪ ،‬فسارعت اجملاميع واحزاب احلركة‬ ‫الوطنية الكوردية يف سوريا اىل اطالق مبادرة‬ ‫حلل االزمة يف ‪ 14‬ايار عام ‪ 2011‬اي يف بداية االزمة‬ ‫حيث دعت اىل محلة من املطاليب السياسية‬ ‫والقانونية تضمن بها حقوق املواطنني الكورد‬ ‫السوريني كنتيجة حتمية ملا ألت اليها اوضاع‬ ‫البالد رص��ت احلركة الوطنية الكوردية يف‬ ‫سوريا صفوفها بقيامها عقد مؤمتر وطين‬ ‫ك��وردي مبشاركة مناضلني أوائ��ل يف احلركة‬ ‫الكوردية السورية‪.‬‬ ‫وق��د اجت��ه الكورد يف سوريا اىل بناء عالقات‬ ‫سياسية واالنفتاح على العامل املؤثر بعد فشل‬ ‫اللقاء يف القاهرة على هامش اجتماعات املعارضة‬ ‫السورية‪ ،‬بني ائتالف الثورة السورية برئاسة‬ ‫معاذ اخلطيب‪ ،‬مع رئيس احتاد الشعب يف الثورة‬ ‫الكوردستانية يف سوريا صاحل مسلم‪ ،‬من خالل‬ ‫مكاتبها لإلشراف يف العواصم األوروبية‪ ،‬وهذا‬ ‫ما مت مؤخرا وكشف عنه مسؤول كوردي رفيع‬ ‫املستوى يف املعارضة‪ ،‬عن زيارة الوفد كوردي‬ ‫ملوسكو‪ ،‬بناء على دعوة وجهت اليهم من القيادة‬ ‫الروسية‪ ،‬بعد ان أبدت موسكو رغبتها يف بناء‬ ‫عالقات مع احلركة الكوردية يف سوريا وادراكها‬ ‫الدور الكوردي يف املستقبل‪.‬‬ ‫وق��د ملس الشعب ال��ك��وردي يف سوريا ب��وادر‬ ‫هذه االشارات من العواصم االوروبية وخاصة‬ ‫موسكو الذي بدأ ينكب على امللف الكوردي وكما‬ ‫اسلفنا هناك بوادر دعوة للقوى الكوردية للقاء‬ ‫القيادة الروسية واالنفتاح على االزمة السورية‬ ‫من خالل قوى الشعب الكوردي وقد مت مناقشة‬ ‫االوض��اع الكورد يف سوريا يف سياق املباحثات‬ ‫بني وزير اخلارجية الروسي سريغي الفروف‬


‫ورئ��ي��س اقليم ك��وردس��ت��ان ال��ع��راق مسعود‬ ‫بارزاني يف ‪ 20‬حزيران من العام احلالي‪ ،‬وقد‬ ‫جاء يف البيان ان «اجلانبني اعارا اهتماما خاصا‬ ‫للوضع يف منطقة الشرق االوس��ط‪ ،‬وقبل كل‬ ‫شيء فيما يتعلق باألزمة السورية وعدم وجود‬ ‫بديل لتسويتها سياسيا عن طريق عقد مؤمتر‬ ‫دولي حول سورية يف جنيف‪.‬‬ ‫وقد لبوا قادة الكورد السوريني الدعوة الرمسية‬ ‫من قبل وزارة خارجية الروسية بلقائهم يف‬ ‫موسكو حيث أكد رئيس املشرتك حلزب االحتاد‬ ‫الدميقراطي «ص��احل مسلم» بأنهم توجهوا اىل‬ ‫روسيا بنا ًء على طلب من ال��وزارة اخلارجية‬ ‫الروسية‪ ،‬وبأن هذه الدعوة دليل على اعرتاف‬ ‫رمسي باهليئة الكوردية العليا من قبل روسيا‪،‬‬ ‫واشاره اىل أنه مت أرسال رسالة اىل وزير اخلارجية‬ ‫الروسي سريغي الف��روف طلبوا فيها حضور‬ ‫مؤمتر جنيف ‪ 2‬كهيئة ك��وردي��ة عليا متثل‬ ‫الشعب الكوردي يف سوريا‪ ،‬ومشرياً بأنهم قالوا‬ ‫بأنهم يدعمون احلل السياسي لالزمة السورية‬ ‫وبأن الكورد الذين سيشاركون ضمن صفوف‬ ‫قوى املعارضة االخرى ميثلون الشعب الكوردي‬ ‫يف سوريا‪ ،‬وقد طالب اجمللس الوطين الكوردي يف‬ ‫سوريا (ممثلية روسيا االحتادية يف‪ 25‬اذار ‪)2012‬‬ ‫من السلطات الروسية ب��ان تقوم على ايالء‬ ‫االهتمام بالقضية الكوردية يف سوريا املستقبل‬ ‫انطالقا من كونها قضية شعب وارض واالخذ‬ ‫بعني االعتبار ب��ان املؤمتر الوطين الكوردي‬ ‫جزء اساسي من املعارضة الوطنية السورية‬ ‫كونه ميثل فعليا اكثر من ‪ %70‬من الشعب‬ ‫الكوردي يف سوريا وعليه سيكون من املفيد ان‬ ‫تقوم روسيا االحتادية باللقاء مبمثلي اجمللس‬

‫الوطين الكوردي و االستماع اىل وجهة نظرهم و‬ ‫تصوراتهم حلل االزمة السورية املتفاقمة ‪.‬‬ ‫وقد أكد أستاذ إمساعيل محه يف ‪ 2013/6/14‬يف‬ ‫لقاء صحفي مع صحيفة (كيفاتا الكوردية) يف‬ ‫لقاءه مع املمثل اخلاص لرئيس روسيا االحتادية‬ ‫ونائب وزير اخلارجية والوفد املرافق له‪ ،‬بالقول‬ ‫ك��ان ل��ق��اءاً اجيابيا ومثمرا وق��د ملسنا موقفا‬ ‫روسيا جديدا حيال القضية الكوردية فقد‬ ‫شدد اجلانب الروسي يف معرض شرحه للوضع‬ ‫السوري على أن الشعب الكوردي شعب أصيل‬ ‫ووج���وده تارخيي وعلى أهمية حل القضية‬ ‫القومية للشعب الكوردي واإلقرار بكافة حقوقه‬ ‫املشروعة يف دستور البالد‪ .‬وقد ادانت روسيا يف‬ ‫‪2013/8/7‬على لسان وزير خارجيتها (سريجي‬ ‫الف����روف) االم���م امل��ت��ح��دة واجمل��ت��م��ع ال��دول��ي‬ ‫للمجزرة اليت قامت بها اجلماعة االسالمية‬ ‫املسلحة (جبهة النصرة) اليت راح ضحيتها أكثر‬ ‫ً‬ ‫كورديا يف سوريا واليت كانت تضم يف‬ ‫من ‪450‬‬ ‫غالبيتها نساء واالطفال‪..‬‬ ‫ج‪ .‬أما على مستوى السلطات الرتكية واإليرانية‬ ‫فيذكر ستانيسالف ايفانوف مؤلف وم��ؤرخ‬ ‫وباحث ب��ارز يف معهد ال��دراس��ات الشرقية يف‬ ‫األكادميية الروسية للعلوم‪ ،‬ان روسيا بشكل‬ ‫قاطع ضد كل الروابط اخلارجية واتصاالت‬ ‫ألقليات الكوردية‪ ،‬حبيث اصبح على الدبلوماسي‬ ‫ال��روس��ي ان يأخذ احل��ذر وتيقن ال��ت��ام أو يف‬ ‫بعض االحيان االمتناع عن تفكري يف اقامة اي‬ ‫عالقات مع األكراد يف هذه البلدان‪ ،‬لكن بالرغم‬ ‫م��ن ذل��ك وم��ن أج��ل احل��ف��اظ على امل��زي��د من‬ ‫الشراكات االسرتاتيجية مع (أنقرة وطهران)‪،‬‬ ‫‪61‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪62‬‬

‫فأن املسؤولني الروس حياولون اجراء املفاوضات‬ ‫الثنائية ال تنطوي على مسألة التمييز على‬ ‫أساس اجلنسية الكوردية يف تركيا وإيران‪.‬‬ ‫وقد رحبت روسيا لالتفاق الذي مت التوصل‬ ‫إل��ي��ه ب�ين زع��ي��م ال��ك��وردي ال�ترك��ي عبداهلل‬ ‫أوجالن وممثلني احلكومة أردوغ��ان يف ابريل‬ ‫نيسان عام ‪ 2013‬ألنهاء االعمال العدائية بني‬ ‫حزب العمال الكوردستاني والقوات احلكومية‬ ‫والتسوية السلمية التدرجيي الحقة للقضية‬ ‫الكوردية يف تركيا‪ .‬وقد طالب احلزب العمال‬ ‫الكوردستاني مساعدة روسيا يف حل القضية‬ ‫الكوردية من خ�لال الرسالة ال�تي طالب بها‬ ‫القوى الدولية‪ ،‬خاصة الواليات املتحدة واالحتاد‬ ‫األوروبي وروسيا‪ ،‬لدعم خطوات النجاح يف حل‬ ‫القضية الكوردية‪ ،‬وقال مدير الفرع العراقي‬ ‫من املركز ال��دول��ي لبحوث السالم يف الشرق‬ ‫األوسط ‪ Chetiner‬جيتني‪ ،‬أن حزب العمال‬ ‫الكوردستاني ينتظر االهتمام السياسي الروسي‬ ‫يف عملية التسوية للقضية الكوردية‪ ،‬وأن احلزب‬ ‫العمال الكوردستاني يرى روسيا كالعب سياسي‬ ‫قوي ويريد أن يراها بصفة مراقب يف العملية‬ ‫كلها ليس عن الدعم املالي‪ ،‬ولكن فقط على‬ ‫االهتمام السياسي الروسي إىل ما حيدث اآلن‪.‬‬ ‫وقال جيتني أن روسيا اليوم هي الدولة الوحيدة‬ ‫ال��ق��ادرة على موازنة نفوذ ال��والي��ات املتحدة‬ ‫يف كل من العمليات ال�تي حت��دث يف املنطقة‪،‬‬ ‫وأشار اىل ان اوجالن يف عام ‪ 1987‬و ‪ 1999‬كان يف‬ ‫روسيا‪ ،‬ويعرف ما هو روسيا وما األثر الذي قد‬ ‫يرتتب على العملية برمتها من تسوية القضية‬ ‫الكوردية‪ ،‬ويف أكتوبر ‪ ،2012‬جرت السلطات‬ ‫الرتكية مفاوضات م��ع زعيم ح��زب العمال‬

‫الكوردستاني أوجالن‪ ،‬حوار مع رئيس حزب‬ ‫العمال الكوردستاني(‪ )pkk‬الرامية إىل حل‬ ‫الصراع ‪ 35‬عاما وأودى حبياة أكثر من ‪40،000‬‬ ‫شخص‪.‬‬ ‫عالوة على ذلك جيب االشارة اىل أن يف روسيا‪،‬‬ ‫الكثري من األك��راد الذين يعيشون يف موسكو‬ ‫وسانت بطرسبورغ‪ ،‬كراسنودار وستافروبول‬ ‫األراض��ي‪ ،‬اسرتاخان واملناطق تامبوف وعدد‬ ‫م��ن اجمل���االت األخ����رى‪ ،‬ول��دي��ه��م منظماتهم‬ ‫اخلاصة غري العامة والتجارية‪ ،‬وقنوات البث‪،‬‬ ‫ونشر الصحف بلغات الروسية والكوردية مثل‪،‬‬ ‫صحيفة «كوردستان احل��رة» وجملة أون الين‬ ‫(‪ )Kurdistan.ru‬وت��رى روسيا أن أكراد‬ ‫اي��ران جي��وز منحهم االستقالل الذاتي حتت‬ ‫(املظلة) األمريكية وترى أن قتال االكراد مع‬ ‫حكومات العراق‪ ،‬وسوريا‪ ،‬وتركيا وايران من‬ ‫أجل حقوقهم الوطنية واحلريات املتصلة هي‬ ‫مشاكل الداخلية هلذه الدول‪ ،‬وال تؤثر بشكل‬ ‫مباشر على مصاحل روسيا‪ ،‬حيث أن روسيا‬ ‫تتبنى سياسة برغماتية يف جماهلا اخلارجي‬ ‫لذا مع إضافة الصفة القانونية على األحزاب‬ ‫واحلركات الكوردية يف هذه البلدان ميكن لروسيا‬ ‫اقامة اتصال معهم من خالل جملسي الربملان‪،‬‬ ‫واألح���زاب السياسية‪ ،‬وامل��وض��وع��ات لالحتاد‬ ‫واحلكومات احمللية‪ ،‬واملنظمات غري احلكومية‬ ‫واجملتمع املدني‪ ،‬بطبيعة احل��ال‪ ،‬يف السياسة‬ ‫اخلارجية الروسية وأعمال وزراء اخلارجية‬ ‫الروسية جيب أن نأخذ يف االعتبار الدور املتزايد‬ ‫وأهمية املليون ‪ 40‬من الشعب الكوردي واألقلية‬ ‫الكوردية املتنامية يف كل بلد ترتكز فيه ومن‬ ‫هذا نرى ان العالقات بني اجلانبني هي ذات‬


‫جذور تارخيية قدمية تعود كما اسلفنا اىل اكثر‬ ‫من قرنني وكذلك نرى ان اجلانب الروسي مل‬ ‫يكن يهتم بالقضية الكوردية وال بآماهلا ولكن‬ ‫وبعد انتهاء احل��رب الباردة دخلت العالقات‬ ‫الروسية الكوردية منحى اخر ومبفهوم اخر‬ ‫اثر التغريات اليت حدثت يف املنطقة مما اعطى‬ ‫ً‬ ‫رونقا جديداً أكثر أهمية مما‬ ‫للقضية الكوردية‬ ‫سبق مما ادى بالساسة الروس االهتمام األكثر‬ ‫للقضية الكوردية باعتبارها نقطة مهمة يف‬ ‫مكان مهم ‪.‬‬

‫خندان‪ .248 ،2013/3/3،‬وايضا املستشرق يوسف‬ ‫اوربيلي والكوردلوجيا‪ ،‬ضمن هديته ملوقع‬ ‫جلجامش ‪.‬‬ ‫‪ .7‬صاحل مسلم‪ ،‬الدعوة الروسية‪ ،‬وكالة انباء‬ ‫ه����اوار‪ ،2013/2/14،‬ضمن ارشيف موقع وكالة‬ ‫انباء هاوار‪.‬‬ ‫‪.8voice of Kurdish in Russia:‬‬ ‫_‪Kurdistan.ru.news 15136_Koaliciya‬‬ ‫‪pravovogo28/3/2012‬‬ ‫‪9. Svargaman Июн 29، 2013 в Внешняя‬‬ ‫‪политика | Нет комментариев‬‬ ‫‪Больше информации на http://‬‬

‫اهلوامش واالحاالت‪:‬‬ ‫‪.1‬توركان امساعيل‪ ،‬البارزاني بعد لقائه بوتني‪،‬‬ ‫جريدة الزمن ‪/2013/2/20‬العدد‪. 27082‬‬ ‫‪.2‬خليل ك���ارده‪ ،‬ال��ك��ورد يف سوريا واالنفتاح‬ ‫الروسي‪ ،‬الوكالة اور االخبارية‪ 2013/3/7 ،‬املوقع‬ ‫االلكرتوني‪http://www.uragency. :‬‬ ‫‪..net/index.php‬‬ ‫‪.3‬يةكيةتى ميديا‪ ،‬كيفاتا كوردي‪ ،‬لقاء صحفي‬ ‫مع االستاذ امساعيل محه‪ ،‬ضمن ارشيف كيفاتا‬ ‫انفو‪ ،‬عربي ‪.2013/6/14 ،2132‬‬ ‫‪.4‬رسالة اجمللس الوطين الكوردي يف سوريا‪،‬‬ ‫ضمن ارشيف احلزب الدميقراطي الكوردي يف‬ ‫سوريا البارتي‪http://www.alparty. ،‬‬ ‫‪org/modulesphp?name=News&f‬‬ ‫‪.ile=article&sid‬‬ ‫‪.5‬د‪.‬امساعيل حصاف‪ ،‬ضمن ارشيف صحيفة‬ ‫باخرة الكورد‪،‬‬ ‫‪.6‬ج��ودت هوشيار‪ ،‬مرحلة جديدة يف تطوير‬ ‫العالقات الكوردستانية‪-‬الروسية صحيفة‬

‫‪voprosik.net/poziciya-rossii-po‬‬‫‪kurdskomu-voprosu/ © ВОПРОСИК‬‬ ‫‪http://voprosik.net/poziciya-rossii-po‬‬‫‪kurdskomu-voprosu/‬‬

‫‪63‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪64‬‬

‫دراسات سياسية‬


‫ٌ‬ ‫مدخل ملعالجة أزمة االندماج‬ ‫التفضيل اإليجايب‬ ‫يف‬ ‫الواليات املتحدة األمريكية‬ ‫د‪ .‬حسام الدين علي جميد‬ ‫كلية القانون والسياسة‬ ‫جامعة صالح الدين‪ /‬أربيل‬

‫‪65‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪66‬‬

‫ُت َّع ُد عملية االندماج مبثابة القضية اجلوهرية‬ ‫ملشروع بناء ال��دول��ة‪ -‬األم��ة‪ ،‬بدليل َج َريانها‬ ‫على َ‬ ‫خمتل ِف ُص ُع ِد الدولة‪ ،‬السياسية منها وغري‬ ‫السياسية‪ .‬حبيث َّأن استمرارية واتساع دائرة‬ ‫ً‬ ‫تدرجييا اىل بناء الوالء املشرتك‬ ‫االندماج ُتفضي‬ ‫والتنظيم ال��ع��ام م��ا ب�ين امل��ك ِّ��ون��ات الثقافية‬ ‫وال��وح��دات اإلداري���ة للدولة‪ .‬وهل��ذا‪ ،‬تشتمل‬ ‫تلك العملية على أبعا ٍد عدة؛ قومية وقيمية‬ ‫وإقليمية واقتصادية‪ُّ .‬‬ ‫فكل ُبعد على حدة‬ ‫آليات وإجراءات معينة تتكامل‬ ‫يستلزم بناؤ ُه ٍ‬ ‫مع بعضها البعض‪ ،‬من حيث الوظيفة والغاية‬ ‫النهائية املتمثلة يف معاجلة أزم��ة االندماج‪.‬‬ ‫فاألخرية تنجم ً‬ ‫عادة عن انبعاث اهلويات وبروز‬ ‫ِّحس التمايز الثقايف َّ‬ ‫معززاً برتاكم التفاوتات‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬نتيجة نقصان‬ ‫القدرات االستيعابية للدولة يف التعامل مع‬ ‫هذه الظاهرة والتجاوب مع مطالب ِّ‬ ‫املكونات‬ ‫الثقافية‪ .‬مما يدفع ذل��ك بالدولة عينها اىل‬ ‫مواصلة السعي يف تسوية تلك التفاوتات أو‬ ‫التقليص منها عرب استحداث اآلليات والسياسات‬ ‫املالئمة‪ .‬ومثال ذلك حالة الواليات املتحدة‬ ‫األمريكية يف تبنيها لسياسة التفضيل اإلجيابي‬ ‫‪. Affirmative Action Policy‬‬ ‫آليات‬ ‫لذا تنبع أهمية البحث من حيث بروز ٍ‬ ‫وإجراءات نوعية يف الواليات املتحدة األمريكية‬ ‫ٍ‬ ‫للتعامل مع تنوعها الثقايف‪ ،‬وذلك على أساس‬ ‫التمايزات العرقية واألثنية بذاتها‪ ،‬من منظور‬ ‫َّأن ُ��ه املدخل األمثل ملعاجلة احلرمان والظلم‬ ‫االجتماعي‪ .‬غري َّأن مثل هذه اآلليات وحتديداً‬ ‫سياسة التفضيل اإلجيابي تتعارض ربمَّ��ا مع‬ ‫ُ‬ ‫األس��س الفكرية للدولة وقد تدفع بها صوب‬

‫التصدع ُ‬ ‫واألف��ول يف قابل األي��ام‪ .‬هذه القضية‬ ‫نقاش واسع النطاق حول جدوى‬ ‫قد غدت َمدار ٍ‬ ‫االستخدام واآلثار النامجة ُ‬ ‫عنه لدى أنصار هذه‬ ‫السياسة ُ‬ ‫ومعارضيها‪ .‬بنا ًء عليه‪ ،‬تتمثل إشكالية‬ ‫البحث يف عدة تساؤالت وهي‪ :‬هل َّأن باإلمكان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وجنسيا من‬ ‫عرقيا‬ ‫بناء اجملتمع العادل واحملايد‬ ‫خالل اعتماد معايري عرقية وأثنية بذاتها؟ وما‬ ‫هو األساس الفكري لسياسة التفضيل اإلجيابي‬ ‫ه��ذه؟ وكيف يعمل الليرباليون ال��ي��وم على‬ ‫التكييف واملوائمة بني هذه السياسة ُ‬ ‫واألسس‬ ‫بدوان عليه من‬ ‫الفكرية لليربالية رغم ما َي ِ‬ ‫تعارض؟‬ ‫ويف سياق معاجلة هذه االشكالية ُتشري فرضية‬ ‫البحث اىل كون سياسة التفضيل االجيابي هي‬ ‫من آليات التعددية الثقافية اليت قد َّ‬ ‫تتسب ُب يف‬ ‫مأزق فكري حني تطبيقها‪ ،‬حبيث تقود‬ ‫إحداث ٍ‬ ‫الدولة اىل العمل على تفكيك ذاتها بذاتها بالرغم‬ ‫من كونها تستهدف من هذه السياسة حتقيق‬ ‫االن��دم��اج الثقايف واالجتماعي عرب تعويض‬ ‫اجلماعات الثقافية والتعامل معها على أساس‬ ‫العدالة واملساواة‪ .‬وبغية برهنة ذلك‪ ،‬سنعمل‬ ‫على انتهاج مدخل املركز‪ -‬االطراف من حيث‬ ‫دولة ٌ‬ ‫عليه أكثرية ثقافية‬ ‫مركز تسيطر ِ‬ ‫لكل ٍ‬ ‫َّأن ِ‬ ‫ٌ‬ ‫وأطراف متجسدة يف االقليات الثقافية‪.‬‬ ‫معينة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ألهميته‬ ‫سنعتمد منهج حتليل املضمون‬ ‫كذلك‬ ‫ِ‬ ‫يف حتليل وجهات النظر ثم مقارنتها لتبيان‬ ‫ً‬ ‫وتأسيسا على ذلك‪،‬‬ ‫جوهر إشكالية البحث‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫سنوز ُع بناء هذه الدراسة على ثالثة حماور؛‬ ‫يتم يف أوهلا تسليط الضوء على أشكال سياسة‬ ‫التفضيل االجيابي‪ .‬ويركز ثانيها على االساس‬ ‫الفكري هلذه السياسة‪ .‬أما ثالث احملاور ف ُيعنى‬


‫مبنظور ُمعارضي هذه السياسة و َّ‬ ‫نقادها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أوال‪ .‬أشكال سياسة التفضيل اإلجيابي‬ ‫يف املُستهل‪ ،‬جند أنه منذ عام ‪ 1961‬واحلكومة‬ ‫َْ ُ‬ ‫حنو غري مسبوق يف تبين‬ ‫االمريكية تش َرع على ٍ‬ ‫ثالثة مكونات لسياسة التعددية الثقافية‬ ‫وه��ي‪ :‬سياسة التفضيل االجي��اب��ي والتعليم‬ ‫ثنائي اللغة ‪،Bilingual Education‬‬ ‫واالقرتاع ثنائي اللغة ‪،Bilingual Ballots‬‬ ‫الفدرالي واحمللي دون‬ ‫وذل��ك على املستويني ِ‬ ‫ان تعمل على اس��ت��خ��دام مفهوم التعددية‬ ‫ً‬ ‫صراحة وبصورة رمس��ي��ة(‪ ،)1‬سوا ًء‬ ‫الثقافية‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫التعليم ثنائي‬ ‫الفدرالية‬ ‫حني َتبنت احلكومة ِ‬ ‫اللغة يف املدارس العامة عام ‪ ،)2(1968‬أو حتى‬ ‫حني اع�ترف الكونغرس األمريكي بالتعددية‬ ‫اللغوية للمجتمع االمريكي يف عام ‪ ،1975‬وذلك‬ ‫الفدرالي يشتمل على‬ ‫جبعل قانون االنتخابات ِ‬ ‫ِ‬ ‫إمكانية التصويت على أوراق اق�تراع ثنائية‬ ‫اللغة (اإلجنليزية واإلسبانية) أو متعددة اللغات‬ ‫‪ Multilingual‬يف املناطق اليت ال ِّ‬ ‫تق ُل فيها‬ ‫نسبة األقليات عن ‪ %5‬من إمجالي املُ ِّ‬ ‫صوتني‬ ‫فيها(‪ .)3‬و ُي َّع ُد التفضيل االجيابي يف أمريكا‬ ‫هو املفهوم الذي تنضوي يف ِظ ِّل ِه تلك املكونات‬ ‫الثالثة ً‬ ‫بدال من مفهوم التعددية الثقافية‪.‬‬ ‫وتعرف سياسة التفضيل اإلجيابي بأنها السياسة‬ ‫الرامية إىل معاجلة التفاوتات االجتماعية‬ ‫النامجة ع��ن احل��رم��ان امل���ادي ‪Material‬‬ ‫‪ Deprivation‬يف أوساط أعضاء األقليات‬ ‫احملرومة مبا فيها النساء‪ ،‬وذلك ْ‬ ‫بأن ُت َ‬ ‫تاح أمامهم‬ ‫فرص العمل والرتقية الوظيفية وفرص التعليم‬ ‫على قدم املساواة مع أعضاء األكثرية املهيمنة‬ ‫من الذكور‪ .‬وقد أُستخدم هذا املفهوم ألول مرة‬

‫يف املرسوم التنفيذي املرقم ‪ 10925‬الذي أصدره‬ ‫الرئيس االمريكي األسبق جون كيندي ‪John‬‬ ‫‪ F. Kennedy‬يف آذار عام ‪ .)4(1961‬إذ َد َعى‬ ‫املرسوم ّ‬ ‫كافة املُتعهدين واملقاولني إىل «العمل‬ ‫بالتفضيل االجي��اب��ي ال��ذي يتضمن توظيف‬ ‫بطلبات التعيني‪ ،‬وان يتم التعامل‬ ‫املُتقدمني‬ ‫ِ‬ ‫مع املوظفني منهم خالل فرتة العمل دون األخذ‬ ‫ب ِّ‬ ‫��أي اعتبار للعرق والعقيدة واللون واألصل‬ ‫القومي»(‪.)5‬‬ ‫ثم َت ِب َع ذلك املرسوم التنفيذي املرقم ‪11246‬‬ ‫وال��ذي صدر يف عهد الرئيس األسبق ليندون‬ ‫جونسون ‪ Lyndon B. Johnson‬يف أيلول‬ ‫سنة ‪ ،1965‬و ذلك بهدف توسيع نطاق التفضل‬ ‫االجيابي‪ .‬فقد أشار هذا املرسوم إىل َّأن من واجب‬ ‫احلكومة االمريكية ان توفر الفرص املتكافئة‬ ‫يف التوظيف ال ِ��ف��درال��ي لكافة األف���راد‪ْ « ،‬‬ ‫وأن‬ ‫حتظر التمييز العرقي يف التوظيف بدواعي‪:‬‬ ‫العرق والدين واللون واجلنس واألصل القومي‬ ‫« كذلك أن ُت ِّ‬ ‫عز َز من حتقيق تكافؤ الفرص وذلك‬ ‫بواسطة برنامج عمل متواصل يشمل كافة‬ ‫ال���وزارات وال��وك��االت احلكومية(‪ .)6‬وبالتالي‬ ‫فقد اتسع نطاق سياسة التفضيل االجيابي ً‬ ‫تبعا‬ ‫هلذا املرسوم‪ ،‬حبيث مشلت كافة احملرومني من‬ ‫األقليات والنساء‪ ،‬ويف عني الوقت مشلت مخُ تلف‬ ‫جوانب التوظيف‪ ،‬مثل توفري فرص العمل‪،‬‬ ‫والرتقية‪ ،‬ونقل اخلدمة وإنهائها‪ ،‬والتدريب‬ ‫ً‬ ‫فضال عن مشوله جم��ال التعليم‬ ‫وال��روات��ب‪،‬‬ ‫العالي‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ويتضح من ّ‬ ‫نصي املرسومني أنهما ُيركزان‬ ‫االه��ت��م��ا َم ب��امل��س��اواة الشكلية ‪Formal‬‬ ‫‪ Equality‬م��ا ب�ين ك ّ‬ ‫��اف��ة امل��واط��ن�ين أم��ام‬ ‫‪67‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪68‬‬

‫القانون‪ .‬وذل��ك لإلعتقاد ال��ذي س��ا َد يف بداية‬ ‫األم��ر ب��أن التشديد على امل��س��اواة القانونية‬ ‫واإللغاء املباشر للعقبات والقيود اليت تنجم عن‬ ‫التمييز العرقي سوف يقود إىل زيادة الفرص‬ ‫ً‬ ‫وخصوصا‬ ‫املتاحة أم��ام اجلماعات احملرومة‬ ‫األم�يرك��ان السود‪ .‬ولكن سرعان ما تبينََّ َّأن‬ ‫تشييد التفضيل االجي��اب��ي على أس��اس هذا‬ ‫النوع من املساواة سوف ُ‬ ‫تأثري‬ ‫مينع دون إحداث ٍ‬ ‫ملحوظ يف زيادة أعداد السود يف قطاعي العمل‬ ‫والتعليم العالي‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فقد ّ‬ ‫مت العمل يف‬ ‫نهاية الستينات على تفسري نصوص املراسيم‬ ‫ً‬ ‫عموما‪،‬‬ ‫ذات الصلة لصاحل اجلماعات احملرومة‬ ‫وذل��ك عرب منح األفضلية لألمريكان السود‬ ‫وغريهم يف عمليات املفاضلة واالختيار‪ .‬حبيث‬ ‫أضحى مفهوم التفضيل االجيابي ّ‬ ‫يفيد معنى»‬ ‫اإلجراء االجيابي املُتخذ لصاحل أعضاء اجلماعات‬ ‫احملرومة ً‬ ‫بدال من أن يعين جمرد السعي املبذول‬ ‫إللغاء ّ‬ ‫كافة أشكال التمييز العرقي»(‪ .)7‬وقد‬ ‫مشل ذلك الالتينو و االمريكان األصليني والنساء‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مجيعا من قبيل املستفيدين‬ ‫ايضا بوصفهم‬ ‫‪ Beneficiaries‬الذين يتم تمَ ُ‬ ‫كينهم من‬ ‫احلصول على منافع معينة‪ ،‬اليت ً‬ ‫عادة ما تتمثل‬ ‫يف املراكز واملناصب‪ ،‬كالوظائف والرتقيات‪ ،‬أو‬ ‫ً‬ ‫وأحيانا تتمثل تلك املنافع‬ ‫القبول يف اجلامعات‪،‬‬ ‫يف مصادر الثروة‪ ،‬كالقروض والعقود يف ِقطاع‬ ‫األعمال واملساعدات املالية‪ .‬فاإلنتماء إىل إحدى‬ ‫ه��ذه اجلماعات احمل��روم��ة يتم التعامل معه‬ ‫ٌ‬ ‫على ُ‬ ‫«عامل اجيابي ُ‬ ‫يزيد من فرص املرء يف‬ ‫أنه‬ ‫احلصول على هذه املنافع»(‪.)8‬‬ ‫وتبعا ملا تقدم‪ُ ،‬ي َ‬ ‫ً‬ ‫نظ ُر يف يومنا الراهن إىل‬ ‫ك��ون��ه آلية‬ ‫التفضيل اإلجي��اب��ي م��ن زاوي���ة‬ ‫ِ‬

‫رئيسية َّ‬ ‫للح ِد من التمييز العرقي املؤسساتي‬ ‫‪Institutional‬‬ ‫‪Discrimination‬‬ ‫(‪ .)9‬فبينما كانت اجلهود السابقة على تبين‬ ‫ً‬ ‫هادفة إىل التقليل من سلوك التمييز‬ ‫هذه اآللية‬ ‫العرقي على مستوى األف���راد‪ ،‬ف��ان التفضيل‬ ‫بات َم ً‬ ‫اإلجيابي َ‬ ‫عنيا بإزالة اإلجراءات املؤسساتية‬ ‫ناقض مبدأ تكافؤ ال��ف��رص ‪Equal‬‬ ‫ال�تي ُت ِ‬ ‫‪ ،Opportunity‬حتى ْ‬ ‫وإن مل تكن الغاية‬ ‫من هذه اإلجراءات ُمتم ِث ًلة يف التمييز العرقي‬ ‫ً‬ ‫صراحة‪ .‬حبيث ان الغاية من هذه اآللية قد‬ ‫اشتملت على «معاجلة كل من التمييز العرقي‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ور َس يف‬ ‫املمارس حاليا والتمييز العرقي الذي ُم ِ‬ ‫املاضي جتاه األقليات»(‪.)10‬‬ ‫ومعنى ذلك‪ّ ،‬أن التفضيل اإلجيابي يف الواليات‬ ‫املتحدة يستهدف التخلص من التمييز العرقي‬ ‫ً‬ ‫حاليا والذي مورس يف املاضي من قبل‬ ‫املمارس‬ ‫األكثرية املهيمنة جتاه األقليات باعتباره العامل‬ ‫االرتكازي للتفاوتات االقتصادية واالجتماعية‬ ‫ما بينهما‪ ،‬فهو بذلك قائم ً‬ ‫اصال على خطاب‬ ‫العرق السائد يف اجملال اخلاص بصورة عامة‪.‬‬ ‫أي أنه ال يستهدف استئصال التمييز العرقي يف‬ ‫ً‬ ‫هذا اجملال ُ‬ ‫ألنه ٌّ‬ ‫أساسا وال سلطان‬ ‫خاص باألفراد‬ ‫للحكومة على هذا اجملال‪ .‬ويف مقابل ذلك يعمل‬ ‫املركز على ّ‬ ‫احلد من التمييز العرقي يف اجملال‬ ‫العام وكل املؤسسات اخلاصة اليت تتعامل معه‬ ‫ً‬ ‫اقتصاديا؛ من شركات ومصارف ومقاولني‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫مجيعا‬ ‫ومتعهدين وجامعات‪ ،‬باعتبارها خاضعة‬ ‫لسلطان حكومة املركز وبإمكانها ْأن حترمها من‬ ‫املنافع املادية املرتتبة على تعامالتها االقتصادية‬ ‫مع اجملال العام إذا ما انتهجت التمييز العرقي‬ ‫جتاه أعضاء األقليات احملرومة‪.‬‬


‫واهلدف بعيد املدى من اعتماد التفضيل‬ ‫اإلجي��اب��ي ه��و بناء اجملتمع ال��ع��ادل واملحُ��اي��د‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وجنسيا‪ ،‬الذي تتمتع فيه كافة املكونات‬ ‫عرقيا‬ ‫بفرص متساوية لنيل‬ ‫الثقافية واالجتماعية‬ ‫ٍ‬ ‫املنافع املادية‪ .‬و ُبغية حتقيق ذلك ِّ‬ ‫يت ُم َّص ُب‬ ‫الرتكيز على معاجلة اجلوانب اآلتية من التمييز‬ ‫املؤسساتي‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‪ .‬معايري الطول وال��وزن اليت أعت ِمدت لصاحل‬ ‫البيض بهدف إقصاء األقليات والنساء من شغل‬ ‫الوظائف ذات العالقة‪.‬‬ ‫ب‪ .‬قواعد األقدمية ‪ ،Seniority‬واليت حني‬ ‫وظيفة ما شغلها الذكور البيض‬ ‫ُتطبق على‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫جعل أعضاء األقليات‬ ‫تارخييا فستؤدي إىل‬ ‫ِ‬ ‫والنساء أكثر ُع َ‬ ‫رض ًة لإلقالة ‪ ،Layoff‬مثل‬ ‫االستناد إىل قاعدة‪َّ :‬‬ ‫«أن َم ْن ُعينَِّ أخرياً ُي َ‬ ‫فص ُل‬ ‫ً‬ ‫أوال ‪ .”Last Hired First Fired‬ومن ّ‬ ‫ثم‬ ‫فإن مثل هذه القواعد ستجعل أعضاء األقليات‬ ‫والنساء من املوظفني أقل ً‬ ‫أهلية إلرتقاء درجات‬ ‫ُ‬ ‫الس َّلم الوظيفي‪.‬‬ ‫ج‪ .‬القوانني اليت ُت ِلز ُم املوظفني بالتحدث باللغة‬ ‫أماكن العمل رغم كون‬ ‫اإلجنليزية وحدها يف ِ‬ ‫هذه اللغة ليست من متطلبات أداء العمل‪ .‬فمثل‬ ‫هذه القوانني ُتفضي إىل ممارسات متييزية جتاه‬ ‫الذين ال ُت َّع ُد اإلجنليزية لغتهم األم‪.‬‬ ‫د‪ .‬التفضيالت اليت تمُ ارسها اجلامعات السيما يف‬ ‫كليات ِّ‬ ‫الطب والقانون‪ ،‬وذلك بقبوهلا املتقدمني‬ ‫ً‬ ‫وفقا ملعايري تعليمية عالية‬ ‫بطلبات القبول‬ ‫َ‬ ‫والذين ً‬ ‫غالبا ما يكونون من أبناء األثرياء وذوي‬ ‫ً‬ ‫خصوصا(‪.)11‬‬ ‫السلطة من البيض‬ ‫ب��ن��ا ًء على ذل��ك‪ ،‬ميكن ال��ق��ول ب��ان سياسة‬ ‫َ‬ ‫إح��راز نوعني من‬ ‫التفضيل اإلجيابي تبتغي‬

‫األهداف يتمثل احدهما يف األهداف اآلنية وهي‪:‬‬ ‫تقديم املساعدة والدعم للمحرومني من خالل‬ ‫معاجلة التمييز العرقي املُمارس جتاههم‪ .‬أما‬ ‫النوع اآلخ��ر فيتجسد يف بناء جمتمع محُ ايد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وجنسيا أي اجملتمع العادل‪ ،‬والذي «تكون‬ ‫عرقيا‬ ‫فيه املزايا وامل��وارد املرغوبة والقابلة للتوزيع‬ ‫ُم ً‬ ‫ولكال‬ ‫تاحة أم��ام اجلميع بصورة متساوية ِ‬ ‫اجلنسينَ »(‪.)12‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وسيلة‬ ‫عمليا‬ ‫وم��ن ثم تغدو ه��ذه السياسة‬ ‫لتحقيق امل��س��اواة ما بني األف���راد على املدى‬ ‫البعيد‪ ،‬حيث َي َّ‬ ‫تول ُد عنها اجملتمع الذي تنتفي‬ ‫فيه التفاوتات االقتصادية واالجتماعية سوا ًء‬ ‫ما بني األكثرية واألقليات‪ ،‬أو ما بني الذكور‬ ‫والنساء‪ .‬وذل��ك عرب توفري الدعم واملساندة‬ ‫للمحرومني يف امل���دى القصري وع��ل��ى أس��اس‬ ‫انتماءاتهم الثقافية واجلنسية‪ ،‬واليت تعرضوا‬ ‫بسببها حتديداً للحرمان االقتصادي س��وا ًء يف‬ ‫َ‬ ‫صعيدي اجملال‬ ‫املاضي أو يف يومنا الراهن وعلى‬ ‫العام واجملال اخلاص للدولة – األمة‪.‬‬ ‫يف ضوء ذلك‪ ،‬ميكن توزيع التفضيل اإلجيابي‬ ‫أشكال جوهرية وهي‪:‬‬ ‫على ثالثة ٍ‬ ‫��داع��م ‪Outreach‬‬ ‫‪ .1‬التفضيل االجيابي ال ِ‬ ‫‪: Affirmative Action‬‬ ‫ويعين َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫إختاذ اإلج��راءات الكفيلة ْ‬ ‫بان « َيتوف َر‬ ‫ُ‬ ‫للم َؤ َّهلني واملُ َؤ َّهالت من أبناء األقليات والنسوة‬ ‫رتشحات نفس فرص التعليم والعمل املُ ِّ‬ ‫توفرة‬ ‫املُ ِ‬ ‫للمرشحني البيض من غري أبناء األقليات»‪ ،‬وذلك‬ ‫بفعل استمرارية هيمنة البيض على قطاعي‬ ‫ً‬ ‫تارخييا وكذلك بفعل هيمنتهم‬ ‫التعليم والعمل‬ ‫َ‬ ‫واجلرية» على عملية‬ ‫عارف ِ‬ ‫من خالل «شبكات امل ِ‬ ‫التوظيف وبنسبة ‪ %80‬م��ن ال��وظ��ائ��ف(‪.)13‬‬ ‫‪69‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪70‬‬

‫ويعرف هذا الشكل ً‬ ‫أيضا من التفضيل االجيابي‬ ‫بتسمية «التعزيز ‪،“ Encouragement‬‬ ‫حبيث تخُ َّص ُص فيه بعض الوظائف واملقاعد‬ ‫ً‬ ‫حصريا ألبناء األقليات والنساء(‪.)14‬‬ ‫الدراسية‬ ‫‪ .2‬التفضيل االجيابي العالجي ‪Remedial‬‬ ‫‪:Affirmative Action‬‬ ‫و ٌيقصد به اإلجراءات املُ َ‬ ‫تخذة لضمان تعويض‬ ‫أعضاء األقليات والنساء عن التمييز العرقي‬ ‫ْ‬ ‫وإن مل يتعرضوا ُله بصور ٍة مباشرة‪ .‬فالغاية‬ ‫الرئيسية من التفضيل االجيابي يف هذا السياق‬ ‫مؤسسة ما على إنهاء العمل بالتمييز‬ ‫هي إرغام‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫العرقي جتاه ُموظفيها من األقليات والنساء‪ ،‬و‬ ‫ضرر وحرمان ّ‬ ‫جراء ذلك‬ ‫ُمعاجلة ما أصابهم من ٍ‬ ‫ً‬ ‫يف احلاضر واملاضي ً‬ ‫بيئة‬ ‫معا‪،‬‬ ‫فضال عن توفري ِ‬ ‫عمل يسودها تكافؤ الفرص(‪ .)15‬ومثال ذلك‬ ‫ٍ‬ ‫قيام شركة كوكا كوال األمريكية يف عام ‪2000‬‬ ‫بتعويض املوظفني ُ‬ ‫السود فيها نتيجة قيام األوىل‬ ‫منذ نشوئها بانتهاج التمييز العرقي جتاههم‬ ‫على صعيدي األجور وشغل املناصب الرئيسية‪.‬‬ ‫وكان مبلغ التعويض ق ْ‬ ‫َ��د ُر ُه ‪ 156‬مليون دوالر‬ ‫حبيث مشل ّ‬ ‫كافة السود من املوظفني احلاليني‬ ‫والسابقني(‪ .)16‬وقد يتخذ التعويض ضمن هذا‬ ‫السياق ً‬ ‫شكال آخراً ُي ْع َر ُف بإسم «نظام املحُ َ‬ ‫اص َصة‬ ‫نسبة‬ ‫‪ .”Quota System‬ويعين ختصيص ٍ‬ ‫معينة من إمجالي الوظائف املُتاحة لصاحل‬ ‫ُ‬ ‫ينسجم ونسبتها من‬ ‫اجلماعة احملرومة مبا‬ ‫إمجالي عدد السكان(‪.)17‬‬ ‫َ‬ ‫‪ .3‬التفضيل االجيابي التنويعي ‪Diversity‬‬ ‫‪:Affirmative Action‬‬ ‫ُ‬ ‫و ُي���را ُد ب��ه حت��دي��داً تنويع الكيان الطالبي‬ ‫‪ Student Body‬للجامعات وذلك عرب منح‬

‫األفضلية ألبناء األقليات والنساء ممن ُرشحوا‬ ‫للقبول فيها‪ ،‬لكي ال تكون جامعات معينة أو‬ ‫كليات بعينها حكراً على الذكور البيض ممن‬ ‫ً‬ ‫تعليما أفضل من غريهم حبكم التفاوت يف‬ ‫تلقوا‬ ‫اإلمكانات االقتصادية‪ .‬ويشتمل هذا الشكل من‬ ‫التفضيل اإلجيابي على َ‬ ‫شكلني فرع َيني‪:‬‬ ‫ أوهلما يعمل على جعل «ال ِعرق» أحد العوامل‬‫امل��س��اع��دة ل��ل��ق��ب��ول يف م��ؤس��س��ات التعليم‬ ‫العالي(‪ .)18‬و ُيعرف ذلك بتسمية «املُ َ‬ ‫وازنة ‪Tie -‬‬ ‫‪ .”Breaking‬فإذا تقدم الطالبان (س) و(ص)‬ ‫جامعة ما‪ ،‬وكان االثنان حيوزان نفس‬ ‫للقبول يف‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫املؤهالت املطلوبة‪ ،‬فان االختيار سيق ُع على‬ ‫مجاعة حمرومة(‪.)19‬‬ ‫الذي ينتمي منهما إىل‬ ‫ٍ‬ ‫بكيفية‬ ‫أو يتم اعتماد الفكرة نفسها و لكن‬ ‫ٍ‬ ‫أخرى‪ .‬حبيث ُي رَ َ‬ ‫شتط يف الذي ينتمي من (س)‬ ‫ً‬ ‫ثقافيا أن يكون‬ ‫أو(ص) إىل اجلماعة املهيمنة‬ ‫حائزاً على درجات أعلى من اآلخر الذي ينتمي‬ ‫إىل اجلماعة احملرومة‪ .‬ويطلق حتديداً على هذا‬ ‫الشكل من التفضيل االجيابي تسمية التعويق‬ ‫‪.)20(”Handicapping‬‬ ‫ أما ثانيهما ف َي َ‬‫عم ُد إىل التعامل مع «ال ِعرق»‬ ‫باعتباره العامل الرئيسي للقبول يف مؤسسات‬ ‫حال التفاوت يف الكفاءة‬ ‫التعليم العالي‪ ،‬حتى يف ِ‬ ‫واملؤهالت ما بني (ص) الذي ينتمي إىل اجلماعة‬ ‫احملرومة وبني (س) الذي ينتمي إىل اجلماعة‬ ‫املهيمنة (‪ .)21‬حبيث ُي َ‬ ‫رف ُض قبول (س) من أجل‬ ‫جامعة ما نظراً لالنتماء العرقي‬ ‫قبول (ص) يف‬ ‫ٍ‬ ‫نقص كفاءته ومؤهالته‬ ‫لألخري بالرغم من ِ‬ ‫مقارنة باألول‪.‬‬ ‫تض ُح من أشكال التفضيل االجيابي تلك‪ ،‬أنها‬ ‫َي ِ‬ ‫تستهدف من جهة حتسني املكانة االجتماعية‬ ‫ِ‬


‫واالقتصادية للسود واألقليات األخ��رى‪ ،‬وذلك‬ ‫على أساس فكر ٍة مفادها َّأن جمرد إيقاف العمل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ضمنا‬ ‫صراحة أو‬ ‫بالقوانني والسياسات القائمة‬ ‫شكلُ‬ ‫شرطا كافياً‬ ‫ً‬ ‫على التمييز العرقي ال ُي ِّ‬ ‫لتحقيق امل��س��اواة احلقيقية ما بني املكونات‬ ‫الثقافية للمجتمع‪ ،‬وذلك ألن استمرارية هيمنة‬ ‫ً‬ ‫تارخييا على مؤسسات الدولة مبجاليها‬ ‫البيض‬ ‫ْ‬ ‫العام واخل��اص قد أفضت بالنتيجة إىل رسوخ‬ ‫مراكزهم االجتماعية واالقتصادية على حساب‬ ‫السود واألقليات األخرى(‪.)22‬‬ ‫ومن ثم‪ ،‬فان حتقيق املساواة القانونية اجملردة‬ ‫عمليا يف ص��احل البيض ألنهم ً‬ ‫ً‬ ‫اص�لا‬ ‫ستصب‬ ‫يمنون على مؤسسات الدولة‪ .‬مما يستدعي‬ ‫ُم َه ِ‬ ‫ذلك اعتما َد ن��وع آخر من املساواة ُ‬ ‫بي ُ‬ ‫وسن ِّ‬ ‫نه‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫الحقا حبيث يتم فيه تغليب عامل االنتماء‬ ‫العرقي واحلرمان امل��ادي على عامل الكفاءة‬ ‫واملؤهالت‪ .‬ونتيجة كون أساس هيمنة البيض‬ ‫ٌ‬ ‫نامجة عن سيطرتهم على َق َ‬ ‫ناتي العمل‬ ‫هذه‬ ‫والتعليم‪َّ ،‬‬ ‫فإن من املنطقي إشراك أبناء األقليات‬ ‫َ‬ ‫و ُمقاسمَ​َ ُتهم للبيض يف هاتينَ‬ ‫القناتني‪ ،‬لكي‬ ‫ً‬ ‫أجيال جديدة‬ ‫تدرجييا إىل ب��روز‬ ‫يقود ذلك‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫مستقبال متتع بنفس الكفاءة واملؤهالت اليت‬ ‫يتمتع بها البيض‪ .‬وبالتالي س َي ُح ُ‬ ‫وز اجلميع‬ ‫ً‬ ‫مستقبال‬ ‫من أبناء األكثرية واألقليات احملرومة‬ ‫نفس فرص العمل والتعليم‪ ،‬ومن خالل ذلك‬ ‫يغدو باإلمكان ُ‬ ‫تقاسم مؤسسات الدولة على‬ ‫مرحلة الحقة‪ .‬ويف‬ ‫أساس املساواة القانونية يف‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫نفس هذا السياق‪ُ ،‬ت َ‬ ‫عام ُل النساء ُمعاملة األقليات‬ ‫اعتباره َّن من قبيل األقليات‪،‬‬ ‫احملرومة دون‬ ‫ِ‬ ‫حبيث يتم ذلك من منظور كون هيمنة البيض‬ ‫إمنا جتسدت يف هيمنة الذكور منهم حتديداً‬

‫دون النساء‪ ،‬كذلك فإن احلرمان الذي تعرضت‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫مقارنة‬ ‫وطأته َّأشد على النساء‬ ‫ُله األقليات كانت‬ ‫بالذكور‪.‬‬ ‫جهة أخرى‪ ،‬فان سياسة التفضيل االجيابي‬ ‫ومن ٍ‬ ‫ْ‬ ‫استهدفت حتقيق الصاحل العام‬ ‫تكون بذلك قد‬ ‫للمجتمع ب��أس��ر ِه‪ ،‬ألن إن��ص��اف احمل��روم�ين يف‬ ‫ً‬ ‫اجيابيا وذلك من حيث‬ ‫عليه‬ ‫اجملتمع سينعكس ِ‬ ‫رفعه ملستوى التضامن واالنسجام االجتماعي‬ ‫ِ‬ ‫ما بني شتى املكونات الثقافية واالجتماعية‪.‬‬ ‫أي ان إنصاف اجلماعات احملرومة س ُي ِّ‬ ‫ً‬ ‫عمليا‬ ‫وف ُر‬ ‫ً‬ ‫بيئة اجتماعية يسودها األمن والثقة املتبادلة‬ ‫ال ُّ‬ ‫التوتر وال��ع��داوة النامجة عن شعور تلك‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واجتماعيا‪ .‬ذلك «‬ ‫اقتصاديا‬ ‫اجلماعات بالظلم‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫لكون املشكلة األكثر خطو َرة يف اجملتمع األمريكي‬ ‫هي الواقع الراهن للتمييز العرقي‪ ،‬والذي يعمل‬ ‫على إقصاء السود واألقليات األخ��رى بصورة‬ ‫كبرية عن املَرا ِتب ال ُعليا للسلطة ‪Ranks Of‬‬ ‫‪ Power‬والثروة واملكانة؛ فالتمييز العرقي‬ ‫���ور َس يف املاضي وكذلك حلقة الفقر‬ ‫ال��ذي ُم ِ‬ ‫املُ ْف َر َغة اليت يعيش فيها أبناء السود واليت‬ ‫ً‬ ‫ستقبال ً‬ ‫قادة ناجحني‬ ‫متنعهم من أن يغدوا ُم‬ ‫وق��ادري��ن على املُ َ‬ ‫نافسة‪ ،‬قد عمال ً‬ ‫معا على‬ ‫ترسيخ ذلك الواقع الراهن وبصورة جوهرية»‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وفقا لتعبري رونالد دوركني (‪.)23‬‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪ .‬األساس الفكري للتفضيل االجيابي‬ ‫قد ال نجُ ا ِن ُب الصواب حني القول ّ‬ ‫بأن سياسة‬ ‫التفضيل االجيابي واحلقوق اجلماعية تقومان‬ ‫على عني الفكرة‪ ،‬وهي ضرورة إعادة النظر يف‬ ‫أساس‬ ‫أساس املساواة والعدالة عرب إقامتهما على ٍ‬ ‫جديد لصاحل اجلماعات احملرومة دون اخلروج‬ ‫‪71‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪72‬‬

‫من إطار الفكر الليربالي‪ .‬حبيث تعمل الدولة –‬ ‫األمة بذاتها على التدخل يف إقامة هذا التغيري‬ ‫منظور‬ ‫من خالل برامج وسياسات عملية ومن‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫أنه ليس من العدالة ان ُي َ‬ ‫عام َل ُف َرقا ٌء ُمتباينون‬ ‫على ق��دم امل��س��اواة وبنفس املعاملة حينما‬ ‫تضر ُر أحد ُ‬ ‫َي ّ‬ ‫الف َرقاء من ج ّ��راء هذه املعاملة‬ ‫املتساوية‪ ،‬وإمنا تقتضي العدالة ْأن ِّ‬ ‫يتم التعامل‬ ‫بصورة متباينة ولصاحل املُ َ‬ ‫تض َّررين واحملرومني‬ ‫ً‬ ‫من ُ‬ ‫مجيعا على‬ ‫الف َرقاء أنفسهم حتى يتساووا‬ ‫املدى البعيد‪.‬‬ ‫واب��ت��غ��اء ال��وص��ول إىل ه��ذا اهل���دف النهائي‪،‬‬ ‫ويف ظ��ل البيئة االجتماعية ال�تي تسودها‬ ‫املنافسة على املنافع ما بني َُف��رق��اء اجملتمع‬ ‫‪ ‬نتيجة ش��ي��وع ن��زع��ة ال��ف��ردي��ة األن��ان��ي��ة‬ ‫‪ ،Egoistic Individualism‬فان الشرط‬ ‫اجلوهري لتحقيق العدالة لدى الليرباليني يف‬ ‫مثل هذه البيئة يتجسد يف مبدأ “تكافؤ الفرص‬ ‫‪ .)24(”Equal Opportunity‬حيث ِّ‬ ‫يت ُم‬ ‫مبوجبه التخلص من املعوقات والظروف اليت‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ص��احل األق��ل انتفاعا من‬ ‫حت��ول دون حتقيق‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫يفسر السبب ال��ذي دعى‬ ‫األف��راد‪ .‬ول َع َّل ذلك‬ ‫املفكر االمريكي جون راولز للتعبري عن العدالة‬ ‫‪ Justice‬مبفهوم اإلنصاف ‪ .Fairness‬إذ‬ ‫أنه ُيعاجل موضوع العدالة يف مثل هذه البيئة‬ ‫التنافسية اليت ُي َ‬ ‫فت ُ‬ ‫قر فيها إىل ِ​ِّح��س اإلخوة‬ ‫َ‬ ‫والتضامن ‪ .Sense of Fraternity‬مما‬ ‫يقتضي ذلك انتهاج مبدأ تكافؤ الفرص من‬ ‫ً‬ ‫فرصا متساوية‬ ‫اجل جعل فرص حتقيق النجاح‬ ‫أمام مجيع األف��راد املُتنافسني‪ ،‬عدا ذلك فإن‬ ‫البيئة حينما تكون ً‬ ‫بيئة غري تنافسية ‪Non-‬‬ ‫باعث‬ ‫‪ Competitive‬فليس هناك من‬ ‫ٍ‬

‫للحديث عن تكافؤ الفرص‪َّ ،‬‬ ‫ألن اجلميع فيها‬ ‫ببساطة حيظون بالقدرة ذاتها على حتقيق‬ ‫أهدافهم وحيازة املنافع املتاحة(‪ ،)25‬وبالتالي‬ ‫متساوية ً‬ ‫ً‬ ‫أصال‪.‬‬ ‫تكون فرصهم‬ ‫اىل جانب ذلك‪ ،‬تقتضي العدالة َت ُّ‬ ‫شرط‬ ‫وف َر ٍ‬ ‫آخر حتى يتحقق التوازن وهو مبدأ «املساواة‬ ‫يف املَردود ‪ ،)26(”Equal Outcome‬وذلك‬ ‫لدرجة ما من‬ ‫اعتبار مفا ُد ُه أن إفساح اجملال‬ ‫على‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫املساواة يف املردود شرط ضروري لتحقيق تكافؤ‬ ‫ً‬ ‫وتبعا هلذا االعتبار يغدو التفضيل‬ ‫الفرص‪.‬‬ ‫بعينه «امل��ع��ام��ل��ة التفضيلية‬ ‫اإلجي��اب��ي ه��و‬ ‫ِ‬ ‫‪ .”Treatment Preferential‬حيث‬ ‫يتم مبوجبها منح املنفعة للجماعات احملرومة‬ ‫من اج��ل مساعدتها على االرت��ق��اء مبستواها‬ ‫االجتماعي واالقتصادي إىل مستوى اجلماعة‬ ‫املهيمنة على املركز‪ .‬وبذلك يصبح «احلرمان»‬ ‫بذاته هو ّ‬ ‫الداء الذي حيتاج إىل دواء(‪.)27‬‬ ‫وبغية عالج احلرمان‪ّ ،‬‬ ‫يتوج ُب األخذ باحلسبان‬ ‫فكرة « َم ْن أخطأ حبق َم ْن وماذا كانت العواقب‬ ‫املرتتبة على ذل��ك‪ ،‬ثم حن��اول وضع ُ‬ ‫األم��ور يف‬ ‫نصابها الصحيح» على حد تعبري جيمس ستريبا‬ ‫‪ .)28( James P. Sterba‬وذلك على أساس‬ ‫كون اجلماعة املهيمنة هي املسؤولة عن تدني‬ ‫واحنطاط املكانة االجتماعية واالقتصادية‬ ‫لألقليات‪ ،‬إذ يتم إلقاء اللوم واملسؤولية على‬ ‫الضحية ‪ Blaming the victim‬حينما‬ ‫ُت َّ‬ ‫صو ُر مشاكل األقليات العرقية و االثنية وكأن‬ ‫األخرية هي املسؤولة بذاتها عن تلك املشاكل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بدال من االعرتاف مبسؤولية اجلماعة املهيمنة‬ ‫عنها‪ .‬ألن املسؤولية األكرب عن مشاكل اجملتمع‬ ‫كواهل الذين حيوزون أكرب‬ ‫ينبغي أن تقع على‬ ‫ِ‬


‫ق ْ‬ ‫َ��د ٍر من السلطة واملنافع االقتصادية‪ ،‬وهم‬ ‫حتديداً أعضاء األكثرية املهيمنة(‪.)29‬‬ ‫و ُيضيف ويل كيملكا ‪Will Kymlicka‬‬ ‫َ‬ ‫نوعه‬ ‫��ج فريد م��ن‬ ‫ِ‬ ‫‪ ‬إىل ذل��ك ف��ك��رة إجي��اد ن��ه ٍ‬ ‫‪ Sui Generis Approach‬لعالج‬ ‫مشكلة السود حتديداً يف أمريكا‪ .‬حيث يشتمل‬ ‫هذا النهج على التفضيل االجيابي‪ ،‬والتمثيل‬ ‫السياسي املضمون وذل��ك بإعادة رسم حدود‬ ‫املناطق االنتخابية بهدف خلق مناطق ذات‬ ‫أكثرية س���وداء‪ ،‬كذلك توفري ال��دع��م ال�لازم‬ ‫ملختلف مؤسسات السود السيما مؤسساتهم‬ ‫التعليمية(‪ .)30‬والسبب يف ض��رورة اعتماد‬ ‫هذا النهج حسب اعتقاده هو وج��ود «عوامل‬ ‫أخالقية وعقالنية ينبغي النظر إليها بعني‬ ‫االهتمام‪ .‬فقد عانى االمريكان السود رمبا من‬ ‫ً‬ ‫مقارنة بغريهم من‬ ‫أشد أشكال الظلم قسوة‬ ‫اجلماعات االثنية الثقافية‪ ،‬سوا ًء من حيث إساءة‬ ‫ً‬ ‫تارخييا أم من حيث مأزقهم احلالي‬ ‫معاملتهم‬ ‫‪ .Current Plight‬وهلذا يقع على عاتقنا‬ ‫التزا ٌم ُم ِّل ٌح أخالقيا بتحديد ومعاجلة الظلم‬ ‫ً‬ ‫فضال عن ذل��ك‪ ،‬فان اإلقصاء‬ ‫ال��ذي أصابهم»‪.‬‬ ‫املتواصل للسود قد أفضى بهم إىل تطوير ثقافة‬ ‫فرعية ذات طبيعة انفصالية ومعارضة‪ .‬حتى‬ ‫غدت فكرة جناح السود يف العمل داخل مؤسسات‬ ‫البيض ً‬ ‫فكرة ينظر إليها الكثري من السود بشيء‬ ‫كبري من االرت��ي��اب وال��ش��ك‪ .‬ثم ان التكاليف‬ ‫املرتتبة على إتاحة السبيل أمام بروز مثل هذه‬ ‫ً‬ ‫تكاليفا‬ ‫الثقافة الفرعية وتبلورها ستصبح‬ ‫ّ‬ ‫جد كبرية‪ ،‬سواء بالنسبة للسود أنفسهم والذين‬ ‫ُح ِك َم على الكثري منهم بان يعيشوا حياة ملؤها‬ ‫الفقر والتهميش والعنف‪ ،‬أم بالنسبة للمجتمع‬

‫األمريكي ككل من حيث هدر الطاقات البشرية‬ ‫وتصعيد الصراع العرقي(‪.)31‬‬ ‫ويعين ذلك يف جوهره‪ ،‬ان كيملكا يشدد على‬ ‫عالج ملشكلة السود يتناسب مع طبيعة‬ ‫اعتما ِد ٍ‬ ‫مشكلتهم يف اجملتمع األم�يرك��ي‪ .‬إذ َّأن تراكم‬ ‫املظامل واحل��رم��ان حبقهم قد جعل السود يف‬ ‫نز َلة «األقليات القومية»‬ ‫منزلة تقع بني َم ِ‬ ‫نز َلة «املهاجرين»‪ .‬حيث أنهم يتمتعون‬ ‫وبني َم ِ‬ ‫ً‬ ‫خبصال مشرتكة مع هذه وتلك‪ ،‬دون ان‬ ‫عمليا‬ ‫ٍ‬ ‫تشملهم ٌّأي من املنزلتني‪ .‬مما دفع ذلك كيملكا‬ ‫بالنتيجة إىل امل��زج بني بعض آليات معاجلة‬ ‫ُمشكلتيَ األقليات القومية واملهاجرين ابتغاء‬ ‫تشخيص عالج مشكلة السود يف هذا اجملتمع‪.‬‬ ‫بدليل ان التمثيل السياسي املضمون ُيعنى ً‬ ‫أصال‬ ‫باألقليات القومية‪ ،‬بينما توفري الدعم احلكومي‬ ‫للمؤسسات االجتماعية والثقافية ذات الصلة‬ ‫أثنية ما إمنا ُيعنى باملهاجرين حتديداً‪.‬‬ ‫جبماعة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُيفهم من املتقدم تبيانه‪ ،‬ان التفضيل االجيابي‬ ‫بالرغم من كونه اليوم ً‬ ‫آلية من آليات التعددية‬ ‫الثقافية‪ ،‬اال أن ُدعاة األخرية خيتلف منظورهم‬ ‫بشأنها عن منظور االجتاه العام يف الليربالية‪:‬‬ ‫ف��م��ن ح��ي��ث أوج���ه ال��ش��ب��ه‪ ،‬جن��د ان سياسة‬ ‫التفضيل االجيابي واحلقوق اجلماعية تلتقيان‬ ‫يف جوانبهما التطبيقية وحت��دي��داً يف نظام‬ ‫املحُ َ‬ ‫اص َصة ‪ .Quota System‬حيث يتم يف‬ ‫ٍّ‬ ‫كل منهما ختصيص عد ٍد معني من الوظائف أو‬ ‫املقاعد لصاحل اجلماعة احملرومة داخل مؤسسة‬ ‫ما بغض النظر عن كون هذه املؤسسة عامة أو‬ ‫خاصة‪ .‬ففي اجملالس التشريعية القائمة على‬ ‫احملاصصة على سبيل امل��ث��ال‪ ،‬يعمل االجت��اه‬ ‫ال��ع��ام يف الليربالية االجتماعية على اجي��اد‬ ‫‪73‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪74‬‬

‫عالقة جدلية ما بني فكرة التمثيل املضمون‬ ‫للجماعات احملرومة وبني الدميوقراطية‪ .‬وذلك‬ ‫من زاوية كون ُمطالبة السود بأنهم يف حاجة إىل‬ ‫َم ْن ميثلهم من السود‪ ،‬ومطالبة النساء بأنهن يف‬ ‫ٌ‬ ‫مطالبة‬ ‫حاجة إىل من يمُ ثلهن من النساء‪ ،‬إمنا هي‬ ‫ً‬ ‫منطقيا من الفكرة القائلة بكون تكوين‬ ‫نابعة‬ ‫اجمللس التشريعي ينبغي ان يعكس الرتكيب‬ ‫العام للمجتمع‪ ،‬وان احلكومة النيابية تقوم على‬ ‫أساس وجود مرشحني يعربون عن التزاماتهم‬ ‫مجاعات بعينها(‪ .)32‬ومن جهة أخرى‬ ‫جتاه‬ ‫ٍ‬ ‫يعمل كال االجتاهني على النظر إىل التفضيل‬ ‫االجيابي من حيث انه وسيلة لتوزيع املنافع‬ ‫والفرص بصورة متباينة واستناداً إىل االنتماء‬ ‫اجلماعي‪ ،‬ويَ��ع��تَ�ِب�رِ ان ذل��ك من قبيل حقوق‬ ‫اجلماعات احملرومة‪ ،‬وانه «تعويض عن احلرمان‬ ‫وقلة احليلة» اللذين تتميز بهما هذه اجلماعات‪.‬‬ ‫أما من حيث أوجه االختالف‪ ،‬فيمكن مالحظة‬ ‫أنهما خيتلفان يف نَ��واح عدة‪ .‬اذ أن ً‬ ‫كال منهما‬ ‫ٍ‬ ‫أشكال متباينة من الظلم‬ ‫يدعو للتعويض عن‬ ‫ٍ‬ ‫واحلرمان‪ .‬فالتفضيل االجيابي لدى االجتاه العام‬ ‫لليربالية االجتماعية يهدف إىل دعم ومساعدة‬ ‫اجلماعات احملرومة لالندماج يف ثقافة األكثرية‬ ‫املهيمنة‪ ،‬عن طريق إزالة املعوقات غري العادلة‬ ‫واليت ُ‬ ‫متنع دون حتقيق االندماج الكامل‪ .‬بينما‬ ‫ستهد ُف منه أنصار التعددية الثقافية َ‬ ‫دعم‬ ‫َي ِ‬ ‫ومساعدة األقليات للحفاظ على خصوصياتها‬ ‫الثقافية‪ ،‬وذلك بواسطة محايتها وحتصينها‬ ‫من الضغوط اخلارجية لألكثرية املهيمنة اليت‬ ‫ترمي إىل استيعابها يف هويتها الثقافية‪ .‬مما‬ ‫يعين ذلك‪ ،‬كون التفضيل االجيابي لدى االجتاه‬ ‫األول ذا طبيعة مؤقتة‪ ،‬بينما يَ���را ُه أنصار‬

‫التعددية الثقافية ذا طبيعة دائمية(‪.)33‬‬ ‫بتعبري آخ��ر‪ ،‬ميكن القول بكون التفضيل‬ ‫ٍ‬ ‫االجيابي آلية مؤقتة من منظور االجتاه العام‬ ‫يف الليربالية االجتماعية‪ُ ،‬‬ ‫ألنه حاملا يزول الظلم‬ ‫والتفاوت االقتصادي يف اجملتمع سيتم إلغاء‬ ‫التفضيل الجيابي مباشرة النتفاء سبب وجوده‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫عال‬ ‫إذ تكون مكونات اجملتمع قد بلغت مستوى ٍ‬ ‫من املساواة يف املردود ُي ِّ‬ ‫ؤهلها بالتالي لالخنراط‬ ‫بصورة عادلة وف ّعالة يف البيئة التنافسية‬ ‫للمجتمع عينه‪ِّ ،‬‬ ‫ليتم يف أثر ذلك اعتماد مبدأ‬ ‫تكافؤ الفرص ومبدأ املساواة أمام القانون ليكونا‬ ‫ً‬ ‫الحقا ما بني ُ‬ ‫الف َرقاء يف‬ ‫وحسب أساس التنافس‬ ‫هذه البيئة‪.‬‬ ‫والبي ُ‬ ‫ِّ‬ ‫نة على ذلك‪ ،‬اعتقا ُد هوفمان وغراهام‬ ‫بأن أجدى منظور عن التفضيل االجيابي هو‬ ‫مكان وسط‬ ‫«أن ُيفهم من زاوية كونه يعمل يف ٍ‬ ‫بني تكافؤ الفرص وبني املساواة يف امل��ردود؛‬ ‫فهو من حيث املبدأ قائم بصورة مباشرة على‬ ‫املساواة يف املردود ولكنه يستهدف ضمان حتقيق‬ ‫تكافؤ الفرص»(‪ .)34‬ورمبا هلذا السبب حتديداً‬ ‫قد ُج ِع َل من التفضيل االجيابي آلية مؤقتة‪ .‬إذ‬ ‫وجد االجتاه العام لليربالية االجتماعية نفسه‬ ‫��ال من التناقض بني الليربالية وبنائها‬ ‫يف ح ٍ‬ ‫الفكري السيما ركيزتها املتمثلة باملساواة‪ ،‬وبني‬ ‫الواقع املُعاش والتطبيقي لليربالية والذي يتسم‬ ‫بالتفاوت االقتصادي ما بني األكثرية املهيمنة‬ ‫ال�تي تنتهج الليربالية فكراً وممارسة وبني‬ ‫األقليات احملرومة‪ ،‬فكان عالج هذا التناقض‬ ‫آلية التفضيل‬ ‫بني الفكر واملمارسة متجسداً يف ِ‬ ‫االجيابي وجعلها ذا طبيعة مؤقتة حتى زوال‬ ‫هذا التناقض‪.‬‬


‫ويف مقابل ذلك‪ ،‬فان دعاة التعددية الثقافية‬ ‫ً‬ ‫وسيلة من وسائل‬ ‫يتخذون التفضيل االجيابي‬ ‫حتقيق بنائهم الفكري‪ ،‬فهم جيعلونها ذات‬ ‫طبيعة دائمة وذل��ك من اجل معاجلة الظلم‬ ‫واحل��رم��ان الثقايف ال��ذي ُتعانيه اجلماعات‬ ‫احملرومة عينها‪ ،‬لكي يساعدها ذلك يف ترسيخ‬ ‫ك ٍّ��ل منها لكيانها الثقايف والسياسي بصورة‬ ‫دائمة‪ .‬وذلك على أساس فكرة مفادها أن آليات‬ ‫التعددية الثقافية ُت ِّ‬ ‫كم ُل بعضها البعض اآلخر يف‬ ‫سياق عملية اجتثاث احلرمان الثقايف‪ ،‬وبالتالي‬ ‫فان زوال األخري سيؤدي إىل زوال أشكال احلرمان‬ ‫األخرى االقتصادية منها واالجتماعية‪ ،‬طاملا‬ ‫يتم التعامل مع هذه اآلليات على أنها انعكاس‬ ‫مجاعة ثقافية‪ ،‬وأن هذه‬ ‫للحقوق الثقافية أل ّي ِة‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫أصيلة يف اجلوهر شأنها شأن احلقوق‬ ‫احلقوق‬ ‫الفردية‪.‬‬ ‫ويستشهد أنصار سياسة التفضيل االجيابي ومن‬ ‫َ‬ ‫الفريقني بفاعلية هذه السياسة وأنها قد‬ ‫ِكال‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫بإتيان أكلها منذ الثمانينات املنصرمة‪.‬‬ ‫أخذت‬ ‫ِ‬ ‫فقد عملت على توسيع نطاق الفرص املتاحة‬ ‫أم��ام السود ً‬ ‫مثال وبشكل ملموس يف َ‬ ‫جمالي‬ ‫التوظيف والتعليم‪ .‬ودليل ذلك اتساع الطبقة‬ ‫الوسطى السوداء‪ ،‬ففي عام ‪ّ 1960‬‬ ‫شك ْ‬ ‫لت هذه‬ ‫الطبقة نسبة ‪ %13.4‬فقط من جمموع تعداد‬ ‫السود مقارنة بالبيض الذين ّ‬ ‫شكلوا نسبة ‪.%44.1‬‬ ‫بينما شهد ع��ام ‪ 1981‬وبفضل ه��ذه السياسة‬ ‫ً‬ ‫ارتفاعا يف نسبة السود لتصل إىل ‪ %37.8‬يف حني‬ ‫َّ‬ ‫كو َن البيض نسبة ‪ .)35(53.3‬ويف عام ‪ 2002‬غدت‬ ‫نسبة الفقر يف صفوف السود مرتاوحة بني‬ ‫ً‬ ‫مقارنة باملعدل العام للفقر واملُعلن‬ ‫‪%24.1 - %23.9‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫رمسيا الذي بلغ ‪ .%12.1‬كذلك ازدادت نسبة‬ ‫عنه‬

‫السود املقبولني يف اجلامعات االمريكية‪ ،‬وهو‬ ‫َ ِّ‬ ‫حنو وثيق َّ‬ ‫بتح ُّس ِن ظروفهم‬ ‫ُمؤش ٌر يرتبط على ٍ‬ ‫االقتصادية‪ ،‬إذ ارتفعت نسبتهم من ‪ %7.2‬عام‬ ‫‪ 1960‬إىل ‪ %37.5‬عام ‪.)36(1995‬‬ ‫ً‬ ‫عارضيه‬ ‫ثالثا‪ .‬التفضيل االجيابي من منظور ُم‬ ‫ِ‬ ‫تع ْ‬ ‫َّ‬ ‫رضت سياسة التفضيل االجيابي للعديد‬ ‫من االنتقادات‪ ،‬وهي تدور يف أغلبها حول ما‬ ‫حتم َل ُه من خماطر على صعيد اهلوية‬ ‫ميكن أن ِ‬ ‫وفلسفة احلياة االمريكية ذاتها‪ .‬حيث ذهب‬ ‫البعض إىل إمكانية أن تتحول هذه السياسة إىل‬ ‫نقيضها فتعمل على تكريس التفضيل العرقي‪،‬‬ ‫بينما ُي��ش ِّ��د ُد آخ��رون على املخاطر احملتملة‬ ‫هلذه السياسة على منوذج العدالة الذي ُيعبرِّ‬ ‫عنه اجملتمع والنظام السياسي يف أمريكا‪ ،‬ورمبا‬ ‫أشد االتهامات وطأة تلك اليت عبرََّ عنها اليمني‬ ‫االمريكي‪ ،‬إذ يرى يف مثل هذه السياسة على أنها‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫الصعيدين الداخلي‬ ‫حت ٍد للثقافة االمريكية على‬ ‫واخلارجي‪ .‬وميكن تبيان التفاصيل كما يلي‪:‬‬ ‫كونه آلية للتعويض عن أخطاء‬ ‫‪ .1‬من حيث ِ‬ ‫املاضي‪:‬‬ ‫ويف هذا السياق يعتقد ك��ارل كوهني ‪Carl‬‬ ‫‪َّ Cohen‬‬ ‫بأن التفضيل االجيابي قد احنرف‬ ‫عن مسار ِه احلقيقي‪ ،‬فقد َّ‬ ‫«حتول من املعاملة‬ ‫امل��ت��س��اوي��ة إىل التفضيل ال��ع��رق��ي ‪Race‬‬ ‫‪ ... Preference‬وذلك باالستناد إىل القناعة‬ ‫اخلاطئة بكون التدابري االجتماعية ستكون‬ ‫حققت ال��ت��وازن م��ا بني‬ ‫ع��ادل ً��ة فقط إذا م��ا‬ ‫ِ‬ ‫األع���راق»‪ .‬مما أ ّدى ذل��ك إىل ان ينقلب معنى‬ ‫ً‬ ‫فبدال من‬ ‫التفضيل االجيابي ظهراً على َع ِقب؛‬ ‫اجتثاث ِّ‬ ‫َ‬ ‫كل أشكال التعامل‬ ‫ان تكون الغاية منه‬ ‫ً‬ ‫رمسيا‬ ‫به يعمل‬ ‫أساس عرقي‪ ،‬فإذا ِ‬ ‫القائم على ٍ‬ ‫‪75‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪76‬‬

‫على ترسيخ التفضيل العرقي والالمساواة يف‬ ‫الفرص بصورة مؤسساتية ويف كال َ‬ ‫اجملالني العام‬ ‫واخلاص(‪.)37‬‬ ‫ً‬ ‫وتبعا لذلك‪ ،‬فان التفضيل العرقي ال ميكن‬ ‫تعويضا ً‬ ‫ً‬ ‫عادال عن أخطاء املاضي‪ ،‬ألن‬ ‫ان يكون‬ ‫وم َض ِّلالً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫معيار العرق ‪ُ Race‬ي َّعد معيارا ناقصا ُ‬ ‫من الناحية األخالقية‪ .‬كذلك احلال بالنسبة‬ ‫إىل اللون واألصل القومي وغريها من اخلصائص‬ ‫ٌّ‬ ‫بثقل أخالقي‪.‬‬ ‫ال َع َرضية اليت ال حتظى أي منها ٍ‬ ‫«فاملظامل التارخيية اليت نسعى اليوم إىل معاجلتها‬ ‫ً‬ ‫اص�لا نتاج محاقة أخالقية‪Moral‬‬ ‫كانت‬ ‫‪َّ .... Stupidity‬‬ ‫ألن األعباء واملنافع كانت‬ ‫صلة ً‬ ‫ُ َّ ُ‬ ‫كليا باستحقاق‬ ‫أسس غري ذي ٍ‬ ‫توزع على ٍ‬ ‫املرء»‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فان اعتماد العرق معياراً لتوزيع‬ ‫املنافع يف يومنا الراهن ُي ِّ‬ ‫ول ُد الظلم نفسه الذي‬ ‫ور َس يف املاضي وبنفس الطريقة‪ ،‬وذلك من‬ ‫ُم ِ‬ ‫خالل إضفاء ثقل أخالقي على لون البشرة‪.‬‬ ‫وهذا العجز األخالقي للتفضيل العرقي يظهر‬ ‫ب��ارزاً للعيان ومن ِكال اجلان َبني‪« :‬فمن حيث‬ ‫َ‬ ‫اجلهة املُ َ‬ ‫املنفعة يف صاحل‬ ‫نت ِفعة‪ ،‬جند ُه َي ُّص ُب‬ ‫اجلماعة اخلطأ‪ .‬ومن حيث اجلهة املسؤولة‪ ،‬جنده‬ ‫يحُ ِّم ُل اجلماعة اخلطأ ِعبأ تلك املنفعة»(‪.)38‬‬ ‫مما يعين ذل��ك‪َّ ،‬أن التفضيل االجيابي ُي ُ‬ ‫فيد‬ ‫معنى التفضيل العرقي‪ُ ،‬‬ ‫ألنه ٌ‬ ‫قائم على أساس‬ ‫املعاملة املتباينة ال املعاملة املتساوية‪ .‬وهو ما‬ ‫يقودنا‪ً ،‬‬ ‫وفقا هلذا املنظور‪ ،‬إىل ترسيخ التباينات‬ ‫االثنية والعرقية ما بني أفراد اجملتمع ودخوهلا‬ ‫حنو مؤسساتي‪ .‬وبالتالي‪،‬‬ ‫إىل اجملال العام وعلى ٍ‬ ‫ب ً‬ ‫ً‬ ‫وسيلة‬ ‫��دال من أن يكون التفضيل االجيابي‬ ‫ملعاجلة التفاوتات االقتصادية واالجتماعية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يتحول إىل عامل ُمثري ُّ‬ ‫للتوتر والعداوة ما‬ ‫إذا به‬ ‫ٍ ٍ‬

‫بني ُمكونات اجملتمع ومن خالل النفخ يف َرما ِد‬ ‫ً‬ ‫املظامل التارخيية وجعلها ً‬ ‫النتفاع‬ ‫رئيسيا‬ ‫سببا‬ ‫ِ‬ ‫بعض اجلماعات على حساب اجلماعة املهيمنة‪.‬‬ ‫وبذلك يتفق كوهني مع رؤية كتاب اليمني‬ ‫االمريكي مثل روب��رت ترازنسكي ‪Robert‬‬ ‫‪ W. Tracinski‬وألفني مشيت ‪Alvin‬‬ ‫‪ .J. Schmidt‬اذ ُيشدد األخري على فكرة‬ ‫ك��ون املظامل ال�تي تعرض هلا السود والسكان‬ ‫استيعاب وقتل وتهجري مجاعي‪،‬‬ ‫األصليني؛ من‬ ‫ٍ‬ ‫ُيعد من قبيل «اخلطايا ‪ Sins‬اليت ارتكبها بعض‬ ‫األمريكان البيض يف املاضي‪ ،‬وهي ليست خطايا‬ ‫اجليل احلالي من البيض»‪ .‬ولذلك ينبغي بهم ان‬ ‫ال يشعروا بالذنب ّ‬ ‫جراء تلك املظامل التارخيية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فاملشاكل االجتماعية واالقتصادية اليت تعانيها‬ ‫األقليات يف يومنا الراهن ليست نامجة عن‬ ‫ممارسات خاطئة ارتكبتها األكثرية البيضاء‪.‬‬ ‫وحتى إذا كانت تلك املشاكل نامجة عن ذلك‪« ،‬‬ ‫فان مجُ رد إلقاء اللوم واملسؤولية على اآلخرين‬ ‫س��وف لن يساعد احمل��روم�ين يف معاجلة تلك‬ ‫املشاكل‪ .‬فاجلماعة اليت تنظر إىل ذاتها من زاوية‬ ‫كونها ضحية ‪ Victim‬سوف يؤدي بها ذلك‬ ‫إىل جمرد اإلشفاق والرثاء الذاتي ‪،Self-Pity‬‬ ‫وليس بناء الذات واحرتامها وتقرير املصري‪ ،‬ثم‬ ‫سيقودها ذلك إىل البحث عن املنافع و االمتيازات‬ ‫اخلاصة اليت ال تعمل اال على عرقلة التقدم‬ ‫والتطور»(‪.)39‬‬ ‫َ‬ ‫استمرارية َن َظ ِر األقلية‬ ‫بعبار ٍة أخ��رى‪ ،‬إن‬ ‫لذاتها ‪ Self‬على أنها ضحية ممارسات األكثرية‬ ‫املهيمنة س��ي��ؤدي بها إىل إذالل ذات��ه��ا بذاتها‬ ‫وإضعافها‪ ،‬وذل��ك م��ن اج��ل نيل االمتيازات‬ ‫اخلاصة ورمبا االستزادة منها‪ ،‬فكلما ْ‬ ‫نالت املزيد‬


‫من تلك االمتيازات كلما ازداد إذالهل��ا لنفسها‬ ‫بغية احلصول على املزيد منها‪ .‬وقد يكون يف‬ ‫ً‬ ‫جانبا من الصواب‪ ،‬لكون التفضيل‬ ‫هذا املنظور‬ ‫االجيابي ٌ‬ ‫بنائه على أساس‬ ‫قائم يف ج��ز ٍء من‬ ‫ِ‬ ‫أخالقي وهو «تعويض احملرومني عن أخطاء‬ ‫امل��اض��ي»‪ .‬وم��ن ثم ف��ان استمرارية التعويض‬ ‫نطاقه سيؤدي إىل إتكال األقليات على‬ ‫واتساع‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫هذه اآللية خصوصا من اجل استحصال املزيد‬ ‫من املنافع وامل��وارد لصاحلها‪ ،‬مما ُي َص ِّع ُب إلغاء‬ ‫ً‬ ‫مستقبال الن األقليات احملرومة‬ ‫ه��ذه اآللية‬ ‫ستكون قد اعت رَ َ‬ ‫َبتها من حقوقها اخلاصة فيزداد‬ ‫متسكها بها ودفاعها عنها‪ .‬لتكون بالتالي ُم ً‬ ‫عوقا‬ ‫ُ‬ ‫حيول دون الوصول إىل اجملتمع العادل‪.‬‬ ‫خللق‬ ‫‪ .2‬من حيث كون التفضيل االجيابي آلية ِ‬ ‫ً‬ ‫مستقبال‪:‬‬ ‫جمتمع عادل‬ ‫ٍ‬ ‫ويف ه��ذا اخل��ص��وص‪ ،‬يؤكد كوهني أن املثال‬ ‫االمريكي ‪ American Ideal‬يتجسد يف ذلك‬ ‫اجملتمع القائم عل احلياد ‪،Color-Blind‬‬ ‫وال��ذي ال ُي��ؤخ ُ��ذ فيه العرق وال��ل��ون واألص��ل‬ ‫القومي وغري ُه بعني االعتبار واالهتمام‪ .‬هذا‬ ‫«املثال ِّ‬ ‫يت ُم العمل على تدمري ِه من خالل منح‬ ‫التفضيالت العرقية وبصورة رمسية»‪ .‬وذلك‬ ‫لكون الظلم الناجم عن التفضيل العرقي إمنا‬ ‫هو جز ٌء من املشكلة ال جز ًء من حلها‪ .‬إذ ُ‬ ‫أنه ال‬ ‫يخُ ِّ ُل وحسب مببدأ املساواة أمام القانون بل انه‬ ‫يعمل ً‬ ‫ايضا على «تقويض االحرتام املتبادل ما‬ ‫بني األع��راق ويزيد من االنقسامات العرقية‪،‬‬ ‫ويزيد من الشك واالرت��ي��اب داخ��ل اجملتمع‪،‬‬ ‫وكذلك يثري التنافر والعداء»‪ .‬والسبب الرئيسي‬ ‫يف ذلك‪ ،‬هو كون التفضيل االجيابي يستند إىل‬ ‫الوعي بتصنيف اجملتمع إىل مجاعات عرقية‬

‫وأثنية‪ ،‬وذلك بالضرورة من اجل منح املنافع‬ ‫هلذه اجلماعة أو تلك‪ .‬ومن ثم ينبغي بكل فرد‬ ‫فا ً‬ ‫ان يكون ُم َص َّن ً‬ ‫إلنتمائه اجلماعي سوا ًء‬ ‫تبعا‬ ‫ِ‬ ‫من ِق َبل غري ِه أو من ِق َب ِله هو بعينه‪ .‬ومثل هذا‬ ‫التطبيق الفاعل للتصنيفات العرقية َّ‬ ‫يتسب ُب‬ ‫وإت�ل�اف‬ ‫يف ه�لاك ‪ Malignant‬اجملتمع‬ ‫ِ‬ ‫أواصر ِه‪« .‬فالذي ُي ِلز ُم األفراد بتصنيف أنفسهم‬ ‫ً‬ ‫تبعا النتمائهم اجلماعي هو عينه الذي ُي ِّ‬ ‫شت ُت‬ ‫نش ُئ احلواجز ما بينهم»(‪.)40‬‬ ‫اجلماعات و ُي ِ‬ ‫ومعنى ذلك بعبار ٍة أوضح‪ ،‬أن التفضيل االجيابي‬ ‫يعمل م��ن جهة على ترسيخ عقلية الفرز‬ ‫والتصنيف بني أعضاء اجلماعات الثقافية‪،‬‬ ‫وذلك بقيام أعضاء كل مجاعة منها بتصنيف‬ ‫غريهم من أعضاء اجلماعات األخرى استناداً إىل‬ ‫انتماءاتهم ومواقفهم من أعضاء اجلماعة األوىل‪.‬‬ ‫وبالتالي‪ ،‬ففي مثل هذا اجملتمع سيكون املرء‬ ‫فا ً‬ ‫صن ً‬ ‫ُم َّ‬ ‫النتمائه شا َء ذلك أم أبى‪ ،‬حبيث‬ ‫تبعا‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ويشيع فيه‬ ‫يغيب يف هذا اجملتمع مفهو ُم «الفرد»‬ ‫مفهوم «عضوية اجلماعة» لينعكس ذلك بصورة‬ ‫سلبية على ِّ‬ ‫احل ِس العام باملواطنة‪ ،‬الن األخرية‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫فهومة من خالل عضوية‬ ‫أمست َم‬ ‫تكون قد‬ ‫وانتمائه هلذه اجلماعة أو تلك‪ .‬ولكون‬ ‫امل��رء‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫عموما‬ ‫اجملتمع ال��ذي يعتقد به الليرباليني‬ ‫ٌ‬ ‫جمتمع تنافسي‪ ،‬فإن عقلية الفرز والتصنيف‬ ‫هذه ستؤدي إىل تعميق حدة التنافس والتعادي‬ ‫ً‬ ‫مجيعا إىل نيل‬ ‫ما بني اجلماعات بسبب سعيها‬ ‫املزيد من املنافع واملوارد‪.‬‬ ‫وما يؤكد هذه الرؤية فكرة ان نيل مجاعة‬ ‫ما ألحد املنافع االجتماعية سيرُ ا ِف ُ‬ ‫قه االهتمام‬ ‫الشديد بتوسيع نطاق َمطاحمها من تلك املنافع‪،‬‬ ‫ويف مقابل ذلك ستسعى اجلماعات األخرى ً‬ ‫ايضا‬ ‫‪77‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪78‬‬

‫إىل نيل عني املنافع اليت اكتسبتها اجلماعة األوىل‬ ‫عرب ديناميكية «حنن ً‬ ‫ايضا ‪ .”We Too‬مما‬ ‫يبعث ذلك األقليات على التنافس مع بعضها‬ ‫البعض‪ُّ ،‬‬ ‫أقلية منها تبتغي لنفسها املزيد‬ ‫فكل ٍ‬ ‫من املنافع حتى ْ‬ ‫وإن كان على حساب غريها من‬ ‫األقليات‪ .‬فيصبح مثل هذا التنافس مصدراً‬ ‫ً‬ ‫رئيسيا من مصادر عدم االستقرار يف اجملتمع‬ ‫ً‬ ‫نادرة‬ ‫والسيما يف حال ُندرة املنافع أو ُغ ُد ِّوها‬ ‫بعد ْأن كانت وفرية(‪.)41‬‬ ‫وم��ن ج��ه ٍ��ة أخ���رى‪ ،‬ف��ان سياسة التفضيل‬ ‫ً‬ ‫االجيابي َت َّ‬ ‫متييز عكسي‬ ‫إحداث‬ ‫عمليا يف‬ ‫تسب ُب‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫‪ Reverse Discrimination‬جتاه‬ ‫البيض من َذوي الكفاءة وامل��ؤه�لات الالزمة‬ ‫عقد حكومي‪،‬‬ ‫لشغل‬ ‫وظيفة ما‪ ،‬أو احلصول على ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مقعد دراس��ي‪ .‬إذ تعمل هذه السياسة‬ ‫أو نيل‬ ‫ٍ‬ ‫على استقطاع ال��ف��رص املتاحة أم��ام ه��ؤالء‬ ‫البيض ومنحها باملقابل لألقليات والنساء ْ‬ ‫ممن‬ ‫ُ‬ ‫يحَ��وز الكفاءة واملؤهالت املطلوبة(‪.)42‬‬ ‫قد ال‬ ‫ً‬ ‫خرق‬ ‫وبذلك تنطوي هذه السياسة عمليا على ِ‬ ‫مبدأ تكافؤ الفرص من اجل حتقيق املساواة يف‬ ‫املردود‪ ،‬فيتسبب ذلك يف حرمان أولئك البيض‬ ‫من َذوي الكفاءة‪.‬‬ ‫مبثابة تحَ ٍّد‬ ‫‪ .3‬من حيث كون التفضيل االجيابي‬ ‫ِ‬ ‫رئيس أمام اهلوية االمريكية ومستقبلها‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ينظر اليمني االم�يرك��ي إىل‬ ‫ويف ه��ذا اجمل��ال‬ ‫التفضيل االجيابي من زاوية كونه إحدى آليات‬ ‫ً‬ ‫مجيعا مبا‬ ‫التعددية الثقافية‪ ،‬حبيث يعتربها‬ ‫ً‬ ‫سؤولة عن تفتيت اهلوية‬ ‫فيها الثنائية اللغوية َم‬ ‫االمريكية‪ ،‬وذل��ك باإلضافة إىل غياب «اآلخ��ر»‬ ‫على الصعيد الدولي من ناحية واهلجرة الدولية‬ ‫ناحية أخرى‪.‬‬ ‫من أمريكا الالتينية وآسيا من‬ ‫ٍ‬

‫إذ يؤكد أتباع اليمني االمريكي على أن تفكك‬ ‫االحت��اد السوفييت وانهياره قد أضعف اهلوية‬ ‫االمريكية‪ ،‬من حيث افتقاد األخرية لقو ٍة ُمعادية‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫متييز‬ ‫فكريا ُيساعدها بالتالي يف‬ ‫ومتمايزة‬ ‫ِ‬ ‫هويتها وإظهارها َ‬ ‫مبظ َهر البديل األمثل‪ ،‬سوا ًء‬ ‫إلكساب هذه اهلوية املزيد‬ ‫على الصعيد الدولي‬ ‫ِ‬ ‫من القوة والنفوذ‪ ،‬أو على الصعيد الداخلي‬ ‫ً‬ ‫ووفقا لتعبري‬ ‫إلكسابها التماسك واالن��دم��اج‪.‬‬ ‫صموئيل هنتغتون « ُتبينِّ ُ اخل�برة التارخيية‬ ‫والتحليل السايكولوجي أن غياب «اآلخ��ر»‬ ‫قو ُ‬ ‫اخلارجي قد ُي ِّ‬ ‫ض الوحدة و ُي َغذي االنقسامات‬ ‫داخل اجملتمع»(‪ .)43‬ول َع َّل اصطناع هذا «اآلخر»‬ ‫املُعادي هو ما ُي ِّ‬ ‫فس ُر سبب انتهاج أمريكا للقوة‬ ‫والشدة جتاه دول مثل كوريا الشمالية وإيران‬ ‫أو احلركات اإلسالمية األصولية‪ ،‬فسياستها‬ ‫اخلارجية ذات الصلة امتدا ٌد لتباين تركيبتها‬ ‫الداخلية وتنوعها ال��ذي يدفعها إلصطناع‬ ‫«اآلخر» من أجل احلفاظ على ُ‬ ‫الل ْح َمة الداخلية‪.‬‬ ‫أما خبصوص التعددية الثقافية‪ ،‬فان بناءها‬ ‫الفكري واهتمامها باحلقوق اجلماعية يفضي‬ ‫من منظور اليمني االمريكي إىل التشكيك يف‬ ‫عناصر العقيدة االمريكية وتفكيكها‪ .‬ومن ثم‪،‬‬ ‫«اذا هيمنت التعددية الثقافية وإذا ما َت َّ‬ ‫فت َت‬ ‫اإلمج��اع على الدميوقراطية الليربالية‪ ،‬فان‬ ‫الواليات املتحدة ستغدو َك َ‬ ‫وم ًة من َرما ِد التاريخ‬ ‫ً‬ ‫جنبا إىل جنب االحتاد السوفييت»‪ .‬وذلك على‬ ‫اعتبار ان البناء الفكري للتعددية الثقافية ذو‬ ‫نزعة تفكيكية ومجاعية والذي يتناقض ً‬ ‫اصال‬ ‫ٍ‬ ‫مع العقيدة االمريكية القائمة على املساواة‬ ‫ستشه ُد ألفني‬ ‫والفردية بصورة خاصة(‪ .)44‬و َي ِ‬ ‫مشيت يف هذا اخلصوص بالقدرة «التفكيكية»‬


‫آللية الثنائية اللغوية‪ .‬فيؤكد على أنها «مل‬ ‫ً‬ ‫مطلقا يف تفتيت أ ّي��ة دول���ة»‪ ،‬ابتدا ًء‬ ‫تفشل‬ ‫ْ‬ ‫منحت اللغة‬ ‫باإلمرباطورية الرومانية حينما‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫رمسيا للغة الالتينية‬ ‫مكانة مساوية‬ ‫اليونانية‬ ‫وانتها ًء بيوغسالفيا (‪.)45‬‬ ‫ث��م أن دع��م وم��س��ان��دة اجل��م��اع��ات االثنية‬ ‫والعرقية لالحتفاظ خبصوصياتها بواسطة‬ ‫التعددية الثقافية والثنائية اللغوية‪ ،‬يعين‬ ‫عدم خضوع املهاجرين ُ‬ ‫اجل��دد لنفس األعباء‬ ‫واحل��واف��ز ال�تي مشلت املهاجرين إىل أمريكا‬ ‫ً‬ ‫تارخييا بغية دجمهم يف اهل��وي��ة االمريكية‪.‬‬ ‫وبالتالي ستصبح اهلويات االثنية والعرقية أكثر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بروزاً‬ ‫مقارنة‬ ‫وأهمية من منظور املُنتمني إليها‬ ‫باهلوية الوطنية(‪ ،)46‬والسيما أن املهاجرين‬ ‫اجلدد أنفسهم ذوي خلفيات ثقافية متباينة‬ ‫واصلون االلتزام‬ ‫ويرفضون االندماج التام كما ُي ِ‬ ‫بقيم وعادات جمتمعاتهم األصلية‪ .‬هذه الظاهرة‬ ‫ً‬ ‫بارزة يف اوساط «املسلمني‬ ‫ُيالحظها هنتغتون‬ ‫يف أوربا وهم أقلية صغرية على أية حال‪ ،‬كما‬ ‫أنها واضحة بني اهليسبان يف الواليات املتحدة‬ ‫وهم أقلية كبرية‪ .‬فعندما يفشل االستيعاب أو‬ ‫االندماج يف مثل هذه احلالة‪ ،‬ستصبح الواليات‬ ‫املتحدة ً‬ ‫دولة ُم ِّ‬ ‫ُ‬ ‫يستتبع ذلك‬ ‫تصدعة مع كل ما‬ ‫من احتماالت الصراع والتفكك الداخلي»(‪.)47‬‬ ‫وكذلك‪ ،‬ففي ظل ثورة االتصاالت واملواصالت‬ ‫سري أمام اجلماعات االثنية ْأن تبقى‬ ‫أصبح من ال َي ِ‬ ‫اتصال مع أوطانها األم‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬فقد‬ ‫على‬ ‫ٍ‬ ‫حتولت ه��ذه اجلماعات من مجاعات ثقافية‬ ‫‪ُ Cultural Communities‬‬ ‫تعيش داخل‬ ‫حدود الدولة إىل جاليات ‪ Diasporas‬تتجاوز‬ ‫تلك احل���دود‪“ .‬وال��دول��ة القائمة على أساس‬

‫اجلاليات‪ ،‬تصبح فيها هذه اجلماعات الثقافية‬ ‫ُم َّ‬ ‫تعدية الدولة ‪ ،Trans – State‬واليت‬ ‫ُتسيطر على دول ٍ��ة واح��دة على األق��ل‪ ،‬عبارةً‬ ‫عن مجاعات تجُ سد بصور ٍة متزايدة مصاحل‬ ‫دوهلا ُ‬ ‫أهمية كبرية بالنسبة‬ ‫األم‪ ،‬ولذلك فهي ذات‬ ‫ٍ‬ ‫إىل هذه الدول»(‪.)48‬‬ ‫ومن زاوية أخرى‪ ،‬ل َع َّل أكثر مل ُيق ِل ُق اليمني‬ ‫االمريكي هي إمكانية هيمنة دعاة التعددية‬ ‫الثقافية على البناء الفكري للدولة – األمة‬ ‫َ‬ ‫انتهاج آليات‬ ‫األمريكية‪ .‬وذلك من منظور ّأن‬ ‫مك ُن املهاجرين ُ‬ ‫التعددية الثقافية س ُي ِّ‬ ‫اجلدد‬ ‫ً‬ ‫بقيم وعادات وممارسات‬ ‫رمسيا من االحتفاظ ٍ‬ ‫ثقافية تكا ُد تتباين ً‬ ‫كليا عن هوية األكثرية‬ ‫��رج ُ‬ ‫املهيمنة‪ .‬وه��و م��ا ُي ِّ‬ ‫��ح احتمال تفكيك‬ ‫ال��والي��ات املتحدة وخ��ص��وص ً��ا يف ظ��ل ُن��زوع‬ ‫املهاجرين أنفسهم إىل االستيطان بصور ٍة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وتبعا النتماءاتهم االثنية‬ ‫جغرافيا‬ ‫متجاورة‬ ‫وال��ع��رق��ي��ة‪ ،‬ك��ذل��ك يف ظ��ل ال��ت��ط��ور املعاصر‬ ‫لالتصاالت واملواصالت اليت تمُ ِّكن ُهم من التمتع‬ ‫باملنافع وفرص احلياة الكرمية داخل أمريكا من‬ ‫جهة‪ ،‬وممارسة عاداتهم وتقاليدهم املوروثة‬ ‫عن أوطانهم األصلية والتواصل معها من جهة‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ودليل ب��روز هذا القلق يف صفوف األكثرية‬ ‫املهيمنة‪ ،‬هو تكاتف الكثري من البيض وانتظامهم‬ ‫يف حركة مناهضة التعددية الثقافية ‪Anti-‬‬ ‫‪ Multiculturalism‬وآلياتها الثالث يف‬ ‫أمريكا واملتمثلة بالتفضيل االجيابي والثنائية‬ ‫اللغوية والتصويت ثنائي اللغة‪ .‬حبيث أنهم‬ ‫ُيولون الرتكيز على سياسة جعل اإلجنليزية‬ ‫اللغة الرمسية ‪.Official English Policy‬‬ ‫‪79‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪80‬‬

‫وقد أخ َ‬ ‫َ��ذ ْت ضغوط البيض ومطالبتهم بهذه‬ ‫السياسة ُت ْؤتي مثارها‪ ،‬إذ َّأن الكونغرس االمريكي‬ ‫يف عام ‪ 1996‬قد َّأقر هذه السياسة على املستوى‬ ‫حنو غري مسبوق(‪ .)49‬ويف السنة‬ ‫ِ‬ ‫الفدرالي وعلى ٍ‬ ‫َّ‬ ‫نت اهليئات التشريعية يف ‪ 25‬والية من‬ ‫عينها متك ِ‬ ‫إصدار قوانني جعل اإلجنليزية اللغة الرمسية‬ ‫لكل منها وضمن حدودها اإلداري��ة‪« .‬ويرتبط‬ ‫تبين هذه القوانني بشكل وثيق الصلة َ‬ ‫بالس َخط‬ ‫واالستياء من جانب البيض جت��اه األقليات‬ ‫االثنية والعرقية»(‪ .)50‬فعلى سبيل املثال‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫باتت والي��ة كاليفورنيا وكأنها ساحة قتال‬ ‫‪ Battleground‬ما بني ُمؤيدي ُ‬ ‫ومناهضي‬ ‫سياسة التفضيل االجيابي عام ‪ ،1996‬فقد ُعر َ‬ ‫ض‬ ‫ِ‬ ‫قانون إلنهاء‬ ‫فيها لالستفتاء الشعيب مشروع‬ ‫ٍ‬ ‫العمل بالثنائية اللغوية ُع ِر َف بتسمية «املشروع‬ ‫رقم ‪ .»205‬واستطاع أنصار املشروع من احلصول‬ ‫على تأييد ‪ %60‬من املُ َص ِّوتني وكان معظمهم من‬ ‫البيض(‪.)51‬‬ ‫خامتة‬ ‫ميكن ُ‬ ‫اخللوص مما تقدم ُ‬ ‫بيان ُه إىل فكرة كون‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫رامية اىل معاجلة‬ ‫سياسة‬ ‫التفضيل االجيابي‬ ‫أزمة االندماج‪ ،‬عرب حماولة إجياد الثقة والرضا‬ ‫املتبادل ما بني املركز واجلماعات احملرومة‬ ‫ً‬ ‫خصوصا‪ ،‬على اساس حتقيق العدالة وتقليص‬ ‫مستويات احلرمان والتفاوتات االجتماعية‪،‬‬ ‫ِل��ي ُّ‬ ‫َ��ص��ب ذل���ك يف مت��اس��ك اهل��وي��ة االم�يرك��ي��ة‬ ‫وتوسيع نطاق مواالتها‪ .‬ومن َّ‬ ‫ثم‪ ،‬يؤكد ذلك‬ ‫بدوره ضرورة قيام الدولة باملزيد من التنويع‬ ‫ُّ‬ ‫والتخصص يف هياكلها التنظيمية وآليات العمل‬ ‫حنو ط��ردي مع تنامي التنوع يف ال ُبنية‬ ‫على ٍ‬

‫االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬بغية َ‬ ‫الت َم ُّكن من‬ ‫استيعاب مطالب اجلماعات املتنامية‪ ،‬على‬ ‫النحو الذي َت َ‬ ‫َّ‬ ‫وتتكيف مع‬ ‫تواك ُب فيه الدولة‬ ‫تزايد الضغوط واملطالب لمِ َ‬ ‫خت َل ِف اجلماعات‬ ‫ِّ‬ ‫املكونة للدولة عينها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫سس أثنية‬ ‫غري َّأن تشييد هذه السياسة على أ ٍ‬ ‫جهة أُخرى يف تصعييد‬ ‫وثقافية قد أسهم من ٍ‬ ‫عدائية السلوك السياسي لدى الكثري‬ ‫مستوى‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫نامجة‬ ‫من البيض األجنلوسكسون‪ .‬وهي عدائية‬ ‫كبري منها بفعل التغيريات الفكرية‬ ‫يف ج��ز ٍء ٍ‬ ‫ْ‬ ‫أخ��ذت تدفع املركز يف‬ ‫والدميوغرافية ال�تي‬ ‫ال��والي��ات املتحدة منذ الستينيات املنصرمة‬ ‫حنو تغيري األساس الفكري للتعامل مع التنوع‬ ‫الثقايف‪ ،‬أي تغيري املرجعية الفكرية للدولة –‬ ‫األمة‪ .‬فبعد ْأن تبنت التفضيل االجيابي ملعاجلة‬ ‫التفاوتات االقتصادية واالجتماعية‪َ ،‬و َ‬ ‫جَ��د ِت‬ ‫األكثرية املهيمنة بأنها تعمل بذاتها على إرخاء‬ ‫َّ‬ ‫فعل‬ ‫قبضتها عن األطراف‪ ،‬مما ولد ذلك ردود ٍ‬ ‫عكسية باجتاه الدعوة إلحكام القبضة جمدداً‬ ‫عرب مناهضة التعددية الثقافية وإلغاء آلياتها‪.‬‬ ‫بعينه‬ ‫وذلك على اعتبار َّأن هذا التغيري الفكري‬ ‫ِ‬ ‫ال جيسد تهديداً هليمنة البيض األجنلوسكسون‬ ‫على السلطة واملنافع فحسب‪ ،‬بل انه ميثل ً‬ ‫ايضا‬ ‫تهديداً لوجود أمريكا ومن الداخل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تأسيسا على ذلك‪َّ ،‬‬ ‫فإن اليمني االمريكي حينما‬ ‫َ‬ ‫اهتمام ُه اليوم على قضايا من مثل‪« :‬صدام‬ ‫َي ُّص ُب‬ ‫احل��ض��ارات» و»م ْ‬ ‫َ���ن حن��ن؟» و»خطر التعددية‬ ‫خطاب‬ ‫الثقافية»‪ ،‬فانه ُّرمبا يفصح بذلك عن‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ناجم يف املقام‬ ‫فكري موجه إىل داخل أمريكا‪،‬‬ ‫األول عن شدة بروز التباينات الثقافية ُ‬ ‫وع ْم ِق‬ ‫التغيريات الفكرية والدميوغرافية فيه‪ .‬وذلك‬


‫رامية منه إىل لمَ ِّ ُّ‬ ‫التشت ِت يف تركيبتها‬ ‫حماولة‬ ‫يف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الثقافية عرب الرتكيز على مبدأ احلياد العرقي‬ ‫حني التعامل مع األفراد واجلماعات‪ ،‬باعتباره‬ ‫البديل األمثل يف مواجهة التعددية الثقافية‬ ‫تشجيعه لفكرة‬ ‫ووسا ِئلها التفكيكية‪ .‬كذلك عرب‬ ‫ِ‬ ‫اصطناع األع��داء وإمكانية الدخول يف حروب‬ ‫ً‬ ‫خارجيا‪ ،‬سوا ًء من أجل احلفاظ‬ ‫مباشرة معهم‬ ‫على التماسك الداخلي للدولة أو لإلبقا ِء على‬ ‫خارجيا‪ .‬ويف ِكال َ‬ ‫ً‬ ‫احلالني‬ ‫ُع ُل ِّو مكانتها وقوتها‬ ‫َّ‬ ‫فإن احلفاظ على املصاحل القومية ألمريكا يعين‬ ‫أن سياستها اخلارجية تعكس ُع ْم َق ارتباطها‬ ‫الت ُّ‬ ‫صوب َ‬ ‫َ‬ ‫فكك‬ ‫بوضعها الداخلي وال��ذي ينحو‬ ‫ً‬ ‫غري بعيد‪.‬‬ ‫على مدى ِ‬

‫اهلوامش و اإلحاالت‬ ‫‪1 . Rodney E. Hero and Robert R. Preuhs،‬‬ ‫‪“Multiculturalism and welfare policies‬‬ ‫‪in the USA: a state level comparative‬‬ ‫‪analysis”ç، in، Keith Banting and Will‬‬ ‫‪Kymlicka، Multiculturalism and the‬‬ ‫‪welfare state، Oxford University Press،‬‬ ‫‪Oxford، 2006، p.123.‬‬ ‫‪ . 2‬انظر آرث��ر م��ان‪“ ،‬من اهلجرة إىل التثاقف”‪ ،‬يف‪ ،‬لوثر‬ ‫س‪ .‬لودتك (حترير)‪ ،‬بناء أمريكا‪ :‬اجملتمع وثقافة الواليات‬ ‫املتحدة‪ ،‬ترمجة إميان أنور ملحس‪ ،‬مركز الكتب األردني‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫عمان‪ ،1989 ،‬ص‪.78‬‬ ‫‪3 . Richard T. Schaefer، Racial ethnic‬‬ ‫‪groups، Pearson Education Inc.، New‬‬ ‫‪Jersey، 9th. edition، 2004، p.271.‬‬ ‫‪ . 4‬وتطلق على ه��ذه السياسة تسميات ع���دة‪ ،‬ففي‬ ‫ً‬ ‫أيضا بإسم «التمييز العكسي ‪reverse‬‬ ‫أمريكا ُتدعى‬ ‫‪ ”discrimination‬و” التمييز االجيابي ‪positive‬‬ ‫‪ ،“ discrimination‬ويف اوروب���ا ُت��ع��رف بتسمية‬ ‫“التفضيل االجيابي ‪ .”positive action‬للمزيد من‬ ‫التفاصيل انظر‪:‬‬ ‫‪Carol Lee Bacchi، «Affirmative action»،‬‬ ‫‪in، Paul Barry Clarke and Joe Foweraker‬‬ ‫‪(eds.) Encyclopedia of democratic‬‬ ‫‪thought، Rutledge، London، 2001،‬‬ ‫‪pp.4-5. See also John Hoffman and‬‬ ‫‪Paul Graham، Introduction to political‬‬ ‫‪theory، Pearson Education Limited،‬‬ ‫‪England، 2006، p.64.‬‬ ‫‪ . 5‬وقد ركز هذا املرسوم التنفيذي على جمال التوظيف‬ ‫داخ��ل مؤسسات القطاع اخل��اص حت��دي��داً‪ ،‬ويتم االش��راف‬ ‫‪81‬‬

‫أقواس‬


82 12 . See James P. Sterba، “Defending

‫أقواس‬

‫على تطبيقه من قبل “اللجنة الرئاسية لفرص التوظيف‬

affirmative action defending

:‫ للمزيد من التفاصيل انظر‬.”‫املتكافئ‬

preference”، in، Carl Cohen and James

Executive Order 10925، March-6-1961،

P. Sterba، Affirmative action and racial

from web site: www.presidency.ucsb.

preference: a debate، Oxford University

edu، on 4-3-2008، pp.2-4.

Press، Oxford، 2003، p.201.

:‫ للمزيد من التفاصيل انظر‬. 6

13 . Ibid.، p.205.

Executive Order 11246،

14 . See John Hoffman and Paul

September-24-1965، from web site:www.

Graham، Introduction to political

presidency.ucsb.edu، on 4-3-2008، pp.1-

theory، op.cit.، p.77.

2، 4.

15 . See James P. Sterba، Defending

7 . See Thomas E. Weisskopf،

affirmative action defending preference،

“Affirmative action”، in، William

op.cit.، pp.206، 208-209.

A. Darity Jr. (ed.)، International

16 . For more details see Ibid.، pp.207-

encyclopedia of the social science، Vol.1،

208.

Macmillan Reference USA، Detroit، 2d.

17 . See John Hoffman and Paul

edition، 2008، p.30.

Graham، Introduction to political

8 . See Ibid.، pp.30-31.

theory، op.cit.، p.78. 18 . See James P. Sterba، Defending affirmative action defending preference، op.cit.، pp.241-242، 247. 19 . See John Hoffman and Paul Graham، Introduction to political theory، op.cit.، p.78. 20 . See Ibid.، p.78. For more details see also Alvin J. Schmidt، The Menace

‫ ويعين «التمييز العرقي املؤسساتي» حرمان االفراد‬. 9 ‫واجلماعات من نيل الفرص واحلقوق املتساوية بسبب‬ ‫ حبيث يتم انتهاج ذلك داخل مؤسسات‬،‫انتمائهم الثقايف‬ ‫اجملتمع بصورة واعية أو غري واعية وكأنها ممارسات ُمعتادة‬ ‫ وذلك حبكم اعتماد املعايري واإلجراءات املتعارف‬،‫وطبيعية‬ ً ً ‫زمنيا دون ان تكون‬ ‫اجتماعيا وبصورة متواصلة‬ ‫عليها‬ ً ‫رمسيا‬ ‫ ألن اعتمادها‬.‫ُمنتهجة من لدن الدولة بصورة رمسية‬ ‫يعين حتول التمييز العرقي إىل سياسة الفصل العنصري‬ apartheid.

of multiculturalism: Trojan horse

:‫للمزيد من التفاصيل انظر‬

in America، Paeger Publishers،

Richard T. Schaefer، Racial and ethnic

Connecticut، 1997، pp.70-72.

groups، op.cit.، pp.76-78.

21 . See James P. Sterba، Defending

10 . Ibid.، p.91.

affirmative action defending preference،

11 . For more details see Ibid.، pp.91-92.


William A. Darity Jr. (ed.)، International

op.cit.، p.247.

encyclopedia of the social science، Vol.4،

22 . See Peter Kivisto، Multiculturalism

op.cit.، pp.239-240.

in a global society، Blackwell Publishing

27 . See Carol Lee Bacchi، Affirmative

Company، Oxford، 2002، p.66.

action، op.cit.، p.5.

23 . Ronald Dworkin، Affirmative

28 . See James P. Sterba، Defending

action is it fair?، The Journal of Blacks

affirmative action defending preference،

In Higher Education، The JBHE

op.cit.، p.202. 29 . Richard T. Schaefer، Racial and

Foundation، No.28، Summer 2000، p.87. ُ ‫ يعين تكافؤ الفرص ْإن تكون‬. 24 ‫الفرص ذات الصلة‬

ethnic groups، op.cit.، pp.17-18.

ً ً ‫عموما ُف‬ ً ً ‫متاحة أمام‬ ‫رصا‬ ‫خصوصا واملنافع‬ ‫بنيل الوظائف‬

30 . Will Kymlicka، “Western political

‫ حبيث يتم توزيع الفرص‬.‫كافة األفراد وبصور ٍة متساوية‬

theory and ethnic relations in Eastern

‫باإلعتماد على معيا َرين أوهلما ان تكون الوظيفة أو املنفعة‬ ً ‫ُم‬ ‫ وثانيهما ان يتم اختيار‬.‫تاحة للجميع دون استثناء‬

Europe”، in، Will Kymlicka and Magda Opalski (eds.) Can liberal pluralism be exported?: Western political theory

ُ ‫ واليت ُت‬competence ‫املتنافسني استناداً اىل الكفاءة‬ ‫قاس‬ ً ‫بدورها‬ ‫ للمزيد من‬.qualifications ‫وفقا إىل املؤهالت‬

and ethnic relations in Eastern Europe، Oxford University Press، Oxford، 2001،

:‫التفاصيل انظر‬ John Hoffman and Paul Graham،

pp.46-47.

Introduction to political theory، op.cit.،

31 . Will Kymlicka، Politics

pp.64، 75-76.

in the vernacular، nationalism

25 . See W.J. Stankiewicz، In Search of

multiculturalism and citizenship،

political philosophy: ideologies at the

Oxford University Press، Oxford، 2001،

close of twentieth century، Routledge،

p.185.

London، 1993، p.111. ‫ ْأن يتم‬،‫ وتعين املساواة يف امل��ردود أو تكافؤ امل��ردود‬. 26 ً ً ‫انتفاعا‬ ‫عموما بصورة عادلة ما بني األكثر‬ ‫توزيع املنافع‬

32 . See Carol Lee Bacchi، Affirmative action، op.cit.، pp.4-5. ‫ قارن مع‬. 33 Will Kymlicka، Politics in the vernacular، op.cit.، p.147. 34

. John Hoffman and Paul Graham،

ً less privileged ‫انتفاعا‬ ‫ واألقل‬more privileged ً ‫لص‬ ً‫عادة من حرية األكثر انتفاعا‬ ُ ‫ حبيث ُت َّق‬،‫من أفراد اجملتمع‬ ُ َّ ‫وت‬ ‫وز ُع الثروات واملوارد لصاحل احملرومني مبقادير مساوية أو‬ َ ً ‫شريطة أن ال‬ ‫انتفاعا‬ ‫تزيد على املقادير اليت يناهلا االكثر‬

Introduction to political theory، op.cit.،

ّ ‫ُيعانوا احلرمان من‬ :‫ للمزيد من التفاصيل انظر‬.‫جراء ذلك‬

p.65.

Michael Blim، «Distributive justice»، in،

‫أقواس‬

83


84 :‫ قارن مع‬. 41

35

‫أقواس‬

. For more details see Peter

Christian Joppke and Steven Lukes،

Kivisto، Multiculturalism in a global

“Introduction: multicultural questions”،

society، op.cit.، pp.66، 68.

in، Christian Joppke and Steven Lukes

36 . See John A. Perry and Erna K.

(ed.)، Multicultural questions، Oxford

Perry، Contemporary society: an

University Press، Oxford، 2d. published،

introduction to social science، Pearson

2002، p.15.

Education Inc.، Boston، 11th. edition،

42 . See John A. Perry and Erna

2006، p.199.

K. Perry، Contemporary society،

37 . Carl Cohen، “Why race preference

op.cit.، p.193. See also Peter Kivisto،

is wrong and bad?”، in، Carl Cohen and

Multiculturalism in a global society،

James P. Sterba، Affirmative action and

op.cit.، p.67.

racial preference، op.cit.، pp.19-20.

‫ َم ْن حنن؟ التحديات اليت‬،‫ هنتغتون‬.‫ انظر صموئيل ب‬. 43

38 . Ibid.، pp.26-27. See also Karen

‫ دار‬،‫ ترمجة حسام الدين خضور‬،‫تواجه اهلوية األمريكية‬

O’Conner and Larry J. Sabato، American

.33-34،145-146‫ ص ص‬،2005 ،‫ دمشق‬،‫الرأي للنشر‬

government: continuity and change،

44 . Samuel P. Huntington، The Erosion

Pearson Education Inc.، New York،

of American national interests، Foreign

2007، p.229.

Affairs Journal، Council of Foreign

39 . Alvin J. Schmidt، The Menace

Relations Inc.، New York، Vol.76، No.5،

of multiculturalism، op.cit.، p.189.

September-October 1997، pp.33-34، 35.

For more details see also Robert W.

See also Alvin Schmidt، The Menace of

Tracinski، Apology for slavery will

multiculturalism، op.cit.، p.30.

perpetuate racism، Ayn Rand Institute،

45 . For more details see Ibid.، pp.113-

from web site: www.aynrand.org، on 12-

114، 124.

11-2007، p.1.

46 . Samuel P. Huntington، The Erosion

40 . Carl Cohen، Why race preference

of American national interests، op.cit.،

is wrong and bad?، op.cit.، pp.164-165.

p.34.

See also Bernard R. Boxill، “Affirmative

‫ إعادة صنع‬:‫ صدام احلضارات‬،‫ هنتغتون‬.‫ صموئيل ب‬. 47

action”، in، Donald M. Borchert (ed.)،

،‫ القاهرة‬،‫ دار سطور‬،‫ ترمجة طلعت الشايب‬،‫النظام العاملي‬

Encyclopedia of philosophy، Vol.1،

.492-493‫ ص ص‬،1999 ،2‫ط‬

Thomson Gale، Detroit، 2d. edition،

48 . Samuel P. Huntington، The Erosion

2006، pp.81-82.


of American national interests، op.cit.، p.38. 49 . Antonia Darder and Rodolfo D. Torres، After race: racism after multiculturalism، New York University Press، New York، 2004، p.67. 50 . For more details see Rodney E. Hero and Robert R. Preuhs، Multiculturalism and welfare policies in the USA، op.cit.، pp.124، 127-128. 51 . For more details see Ibid.، pp.143144. See also Richard T. Schaefer، Racial and ethnic groups، op.cit.، pp.94، 270271.

‫أقواس‬

85


‫أقواس‬

‫‪86‬‬

‫روسيا االتحادية و الصني الشعبية‬ ‫سياسة الثوابت واملتغريات يف الرشق األوسط‬

‫املال أبو بكر زوركيزي‬ ‫باحث يف الشؤون الدولية‪ /‬كردستان العراق‬


‫رمبا تكون أوىل حصائل ثورات الربيع العربي‪،‬‬ ‫على الصعيد الدولي‪ ،‬أنها أدت إىل تغيري سياسات‬ ‫وتوجهات كل أو معظم القوى الكربى املهتمة‬ ‫بالشرق األوس��ط العربي – اإلسالمي مع ما‬ ‫يرافق ذل��ك من والدة قواعد لعبة جديدة‪،‬‬ ‫والعبني ج��دد‪ ،‬ب��أدوار جديدة‪ .‬فقد تباينت‬ ‫ردود فعل هذه القوى على األحداث اجلسام اليت‬ ‫تشهدها املنطقة‪ ،‬بعدما كانت األسرة الدولية‬ ‫تنعم بتقسيم أدوار وتقاسم مصاحل شبه‬ ‫َّ‬ ‫مستقرين‪ ،‬يف إطار مؤسسات التعاون والتشاور‬ ‫بينها‪ ،‬م��ن‪ -:‬جمموعة الثماني إىل جمموعة‬ ‫العشرين‪ .‬مروراً مبنطقة التجارة العاملية د ّرة‬ ‫تاج العوملة‪ ،‬أفرز هذا التباين فريقني‪-:‬‬ ‫روسيا والصني (وبقية دول الربيكس‪ ،‬وإن من‬ ‫ُبعد) يف جانب وال��والي��ات املتحدة وأوروب��ا يف‬ ‫اجلانب اآلخر‪.‬‬ ‫وأنعكس هذا « التباين» بوضح على جملس األمن‬ ‫الدولي الذي أصيب بالشلل أول مرة منذ نهاية‬ ‫احلرب الباردة‪ ،‬بعد انفجار األزمة السورية‪ .‬هذا‬ ‫التطور دفع الكثريين‪ ،‬وخباصة يف حمور إيران‬ ‫– سورية – لبنان‪/‬حزب اهلل‪ ،‬إىل االستنتاج‬ ‫إن النظام العاملي اجلديد ذا التعددية برز إىل‬ ‫ً‬ ‫مدفوعا بصعود القوى اجلديدة‬ ‫الوجود بالفعل‪،‬‬ ‫على الساحة العاملية‪ ،‬مجُ َّسدة بدول الربيكس‪،‬‬ ‫وممهورة خبتم معاهدة شنغهاي اليت ُيفرتض‬ ‫أن حتل مكان حلف األطلسي يف النفوذ العاملي‬ ‫اجلديد‪ .‬ال بل ذهب البعض يف التفكري الرغبوي‬ ‫إىل حد احلديث عن جتدد احلرب الباردة بني‬ ‫الشرق والغرب‪ .‬بيد أن مثل هذا التحليل كان‬ ‫ً‬ ‫متسرعا‪ ،‬فليس مثة دولة كربى يف العامل (حتى‬ ‫اآلن على األق��ل) ميكن أن ُتصنف بأنها دولة «‬

‫ُمراجعة ‪ “ Revisionist‬تريد نسف النظام‬ ‫الدولي الراهن من أساسه‪ ،‬وإقامة نظام جديد‬ ‫مكانه بقيادتها هي‪ ،‬أو باالشرتاك مع دول كربى‬ ‫أخرى‪ .‬صحيح أن روسيا والصني تدعوان‪ ،‬منذ‬ ‫سنوات إىل إقامة نظام عاملي متعدد األقطاب‬ ‫يستند إىل الشرعية الدولية وسيادة الدول –‬ ‫األمم‪ ،‬إال أنهما كانتا‪ ،‬وال ت��زاالن‪ ،‬تعمالن ً‬ ‫معا‬ ‫على جمرد حتسني مواقعهما يف النظام احلالي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وتعدان ذلك مقدمة “سلمية” لولوج النظام‬ ‫التعددي العتيد‪ .‬أفرز هذا األمر على الساحة‬ ‫الدولية سياسات خارجية بني ال��دول الكربى‬ ‫تقوم على ثنائية التعاون – املنافسة‪ً ،‬‬ ‫تبعا‬ ‫لظروف كل مرحلة وملصاحل كل طرف فيها‪،‬‬ ‫بانتظار أن تنضج ظ��روف والدة نظام عاملي‬ ‫جديد يف غضون العقدين أو الثالثة املقبلة‪،‬‬ ‫حني ميكن أن “ يغرق” االحتاد األوروبي يف مياه‬ ‫احمليط األطلسي لينتقل مركز العامل إىل منطقة‬ ‫آسيا – احمليط الباسيفيكي‪ .‬وتبدو توجهات‬ ‫روسيا اخلارجية يف الشرق األوسط وبقية العامل‬ ‫منذ سقوط االحتاد السوفياتي‪ ،‬أحد املؤشرات‬ ‫الدالة على هذا النمط من السياسات اخلارجية ‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬اسرتاتيجية األمن القومي الروسي يف الشرق‬ ‫األوسط الثوابت واملتغريات‬ ‫تدعو (اسرتاتيجية األم��ن القومي الروسية‬ ‫حتى عام ‪ ،)2020‬اليت صدرت عام ‪ 2009‬وحلت‬ ‫مكان «مفهوم األم��ن القومي ال��روس��ي» لعام‬ ‫‪ 1997‬الذي ُع ّدل عام ‪ ،2000‬إىل حتويل «روسيا‬ ‫املُنبعثة» إىل دولة كربى جمدداً‪ ،‬وإىل جعلها إحدى‬ ‫القوى اخلمسة األكرب اقتصادا يف العامل‪ .‬وهي‬ ‫‪87‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪88‬‬

‫حتدد األهداف الفرعية والتهديدات واملهمات‬ ‫واإلجراءات من أجل حتقيق هذا اهلدف على(‪-:)1‬‬ ‫املدى القصري(‪.)2012‬‬ ‫املدى املتوسط (‪.)2015‬‬ ‫املدى الطويل (‪.)2020‬‬ ‫لكنها تربط ه��ذا اهل��دف‪ ،‬ومعه مبدأ األمن‬ ‫ربطا محُ ً‬ ‫القومي‪ً ،‬‬ ‫كما بالنمو االقتصادي الثابت‪،‬‬ ‫ُمشددة على رفع مستويات معيشة املواطنني‬ ‫الروس‪ ،‬على أولوية اإلبداع و االبتكار التقانيني‬ ‫و»العلم» و « الثقافة» و « الصحة العامة» وحتى‬ ‫على الروحانية يف إط��ار «ال��ذاك��رة التارخيية‬ ‫الروسية»‪.‬‬ ‫احملاور الرئيسية لالسرتاتيجية‬ ‫ُّ‬ ‫تغلب روسيا على مضاعفات األزمة السياسية‬ ‫واالقتصادية – االجتماعية ال�تي ضربتها‬ ‫يف أواخ��ر القرن العشرين – انهيار االحت��اد‬ ‫السوفياتي – وصمودها يف وج��ه الضغوط‬ ‫القومية والنزعة االنفصالية واإلرهاب الدولي‪،‬‬ ‫و حمافظتها على وحدة أراضيها‪ ،‬ثم مباشرتها‬ ‫ً‬ ‫العبا‬ ‫الدفاع عن مصاحلها القومية بوصفها‬ ‫ً‬ ‫رئيسيا يف عالقات دويلة متعددة األقطاب‪.‬‬ ‫تركيز التوجهات الرئيسية لسياسة األمن‬ ‫القومي الروسية يف األول��وي��ات االسرتاتيجية‬ ‫ّ‬ ‫تتمثل التحوالت االجتماعية‬ ‫القومية‪ ،‬اليت‬ ‫والسياسية واالقتصادية املهمة اهلادفة إىل خلق‬ ‫ظروف آمنة لتحقيق حرية املواطنني الروس‬ ‫وحقوقهم الدستورية‪ ،‬واحلفاظ على سيادة‬ ‫الدولة الروسية ووحدة أراضيها‪.‬‬ ‫انتقال النظام العاملي من كتل متعارضة إىل‬ ‫ً‬ ‫جنبا‬ ‫مبادئ الدبلوماسية املتعددة التوجهات‪،‬‬ ‫إىل جنب مع قدرات وم��وارد روسيا والسياسة‬

‫الرباغماتية املطبقة الستخدامها‪ ،‬وهوما وسع‬ ‫ف��رص االحت��اد ال��روس��ي لتعزيز نفوذه على‬ ‫املسرح الدولي وبني قادة االقتصاد العاملي‪ ،‬على‬ ‫أساس املشاركة الفعالة يف تقسيم العمل الدولي‪،‬‬ ‫وحتسني التنافسية العاملية لالقتصاد الوطين‪،‬‬ ‫وقدرات الدفاع‪ ،‬ومستوى أمن الدولة واجملتمع‪.‬‬ ‫ال��ت��ه��دي��دات ال�تي ت��ع�ترض امل��ص��احل القومية‬ ‫الروسية‪ ،‬وهي تشمل العودة إىل استخدام القوة‬ ‫من جانب واحد يف العالقات الدولية واخلالفات‬ ‫ب�ين امل��ش��ارك�ين ال��رئ��ي��س��ي�ين يف السياسات‬ ‫العاملية‪ ،‬وخماطر إنتشار أسلحة الدمار الشامل‬ ‫واستخدامها من جانب إرهابيني‪ ،‬والعواطف‬ ‫القومية‪ ،‬وكره األجانب‪ ،‬والنزعة االنفصالية‬ ‫والتطرف العنيف الذي يرفع لواء الراديكالية‬ ‫الدينية‪ .‬وعلى املدى الطويل‪ ،‬سيرتكز اهتمام‬ ‫السياسات الدولية على ملكية مصادر الطاقة‪ ،‬يف‬ ‫كل من الشرق األدنى وطبقات حبر بارينتس‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وأجزاء أخرى من احمليط املتجمد‪ ،‬وحوض حبر‬ ‫قزوين‪ ،‬وآسيا الوسطى‪ .‬أما على املدى القصري‪،‬‬ ‫فسيواصل الوضع يف العراق وأفغانستان‪ ،‬وكذلك‬ ‫النزاعات يف الشرقني األدنى واألوس��ط‪ ،‬وعدد‬ ‫من بلدان إفريقيا وجنوب آسيا وشبه القارة‬ ‫ال��ك��وري��ة‪ ،‬يف مم��ارس��ة تأثري سليب يف الوضع‬ ‫الدولي‪.‬‬ ‫بقاء روسيا‪ ،‬يف إطار دفاعها عن مصاحلها القومية‪،‬‬ ‫داخ��ل ح��دود القانون الدولي‪ ،‬واالستمرار يف‬ ‫اعتمادها سياسة عقالنية وبراغماتية يتم‬ ‫فيها استبعاد املواجهات املكلفة‪ ،‬مبا يف ذلك سباق‬ ‫التسلح‪ .‬وهي ترى أن األم��م املتحدة وجملس‬ ‫األم��ن ال��دول��ي هما العامل الرئيسي لنظام‬ ‫مستقر من العالقات الدولية‪ ،‬استنادا إىل مبادئ‬


‫االحرتام املتبادل‪ ،‬واحلقوق املتساوية‪ ،‬والتعاون‬ ‫املفيد واملتبادل بني األم��م‪ ،‬وح��ل النزاعات‬ ‫اإلقليمية والدولية بالطرق السلمية‪ .‬وهي‬ ‫حتبذ تعزيز آليات التعاون مع االحتاد األوروبي‬ ‫بكل الوسائل و اجمل��االت‪ .‬أما املصاحل القومية‬ ‫الروسية البعيدة امل��دى فيخدمها خلق نظام‬ ‫مفتوح من األمن اجلماعي األوروبي – األطلسي‬ ‫على أسس قانونية واضحة‪ ،‬وروسيا مستعدة‬ ‫لتطوير عالقاتها حبلف مشال األطلسي على‬ ‫أساس املساواة‪ ،‬مقابل استعداد احللف لالعرتاف‬ ‫مبصاحل روسيا املشروعة حني يتم االخنراط يف‬ ‫التخطيط السياسي – العسكري‪ ،‬واحرتام قواعد‬ ‫القانون الدولي‪.‬‬ ‫بناء روسيا شراكة اسرتاتيجية متساوية مع‬ ‫الواليات املتحدة على أساس املصاحل املشرتكة‪،‬‬ ‫أخ��ذة يف احلسبان التأثري الرئيسي للعالقات‬ ‫الروسية – األمريكية يف الوضع الدولي ككل‪.‬‬ ‫ارتباط تنفيذ سياسة خارجية منفتحة –‬ ‫وه��ي ميكن توقعها على حنو ال فكاك فيه –‬ ‫بتحقيق تنمية مستقرة لروسيا‪ .‬واالندماج‬ ‫الناجح لروسيا يف الفضاء االقتصادي العاملي ويف‬ ‫ُ‬ ‫يعوقه اخلطوات الوئيدة‬ ‫تقسيم العمل الدولي‪،‬‬ ‫لالقتصاد القومي حنو توجه تنموي يستند إىل‬ ‫االبتكار واإلبداع‪.‬‬ ‫إنتهاج التنمية االقتصادية العاملية اليوم طريق‬ ‫العوملة يف كل جم��االت احلياة الدولية‪ ،‬وهي‬ ‫تتميز بدورها بدرجة عالية من الدينامية‬ ‫واالعتماد املتبادل‪ .‬لقد شهدت الدول – األمم‬ ‫ً‬ ‫تكثيفا للنزاعات املرتبطة بالنمو غري املتكافئ‬ ‫نتيجة عمليات العوملة هذه‪ ،‬وتعمقت الفجوة‬ ‫بني البلدان الفقرية والبلدان الغنية‪ ،‬وأصبحت‬

‫قيم التنمية ومناذجها موضع تنافس عاملي‪.‬‬ ‫إن ع��دم كفاية اهلندسة العاملية واإلقليمية‬ ‫الراهنة‪ُ ،‬‬ ‫املوجهة – خباصة يف املنطقة األوروبية‬ ‫– األطلسية – حنو حلف مشال األطلسي‪ ،‬ختلق‬ ‫تهديداً مطرداً لألمن الدولي‪.‬‬ ‫هذه هي إذاً القسمات الرئيسية السرتاتيجية‬ ‫األمن القومي الروسي اليت تنحو‪ ،‬كما هو واضح‪،‬‬ ‫إىل االندماج يف اقتصاد العوملة والنظام العاملي‪،‬‬ ‫وإن بشروط روسية تشدد على احرتام روسيا‬ ‫ومصاحلها كدولة كربى‪.‬‬ ‫العالقات الروسية – األمريكية كيف جرى‬ ‫تطبيق هذه االسرتاتيجية ؟‬ ‫ُ‬ ‫من خالل التغيريات األساسية اليت أدخلت على‬ ‫السياسية اخلارجية الروسية بعد ُّ‬ ‫تسلم « بوتني‬ ‫‪ “ Putin‬مقاليد السلطة‪ .‬و كان احلافز الكامن‬ ‫وراء هذه التغريات البحث عن أفضل الطرق‬ ‫لدمج روسيا بالنظام العاملي‪ ،‬ويف الوقت نفسه‬ ‫تعزيز الطموحات القومية الروسية‪ ،‬مبا يف‬ ‫ذلك‪-:‬‬ ‫االخنراط يف أنشطة الساحة الدولية مع الواليات‬ ‫املتحدة‪.‬‬ ‫استئناف حمادثات احلد من األسلحة النووية‪.‬‬ ‫تطوير العالقات مع كل من االحتاد األوروبي‬ ‫وحلف الناتو وبلدان الشرق األوسط‪.‬‬ ‫بيد أن هذه التوجهات الطموحة أحدثت قطعاً‬ ‫مع توجهات االحتاد السوفياتي الذي كان ينفذ‬ ‫سياسة خارجية لدولة عظمى تسعى بثبات‬ ‫لفرض هيمنتها على العامل‪ ،‬أو على األقل أن‬ ‫تكون على قدم املساواة مع الواليات املتحدة‬ ‫يف إطار ثنائية القطبية‪ .‬فبعد انهيار االحتاد‬ ‫‪89‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪90‬‬

‫ُ‬ ‫خليفته روسيا نفسها دولة‬ ‫السوفياتي‪ ،‬وجدت‬ ‫من الدرجة الثانية يف النظام العاملي‪ ،‬وهو أمر‬ ‫ُ‬ ‫رفضه “بوتني” و “القوميون” و” الشيوعيون “‬ ‫الروس بقوة‪ ،‬وط ّوروا بسرعة مفهوم “ التعددية‬ ‫القطبية “ يف النظام العاملي كوسيلة لوضع البالد‬ ‫على خريطة الدول الكربى جمدداً‪ .‬حظيت هذه‬ ‫السياسة بدعم واسع من اجملتمع الروسي الذي‬ ‫ورث ذاك��رة مجاعية جتمع بني جيوبولتيك‬ ‫اإلمرباطورية السوفياتية املرتامية األط��راف‬ ‫والتقاليد اإلمربيالية القيصرية‪ .‬وقد استندت‬ ‫هذه السياسة على التالي‪-:‬‬ ‫بذل اجلهود على الساحة الدولية لرتقية وضع‬ ‫روسيا‪ ،‬من خالل اجلمع بني حتدي الواليات‬ ‫املتحدة وحلف مشال األطلسي “الناتو”‪ً ،‬‬ ‫مثال عرب‬ ‫رفض مفهوم القطبية الوحيدة األمريكية‪ ،‬ويف‬ ‫الوقت نفسه التعاون مع النظام العاملي ككل‪.‬‬ ‫على املستوى اإلقليمي‪ ،‬وهو العرين املفضل‬ ‫لروسيا‪ ،‬مت استخدام خمتلف وسائل النفوذ‬ ‫ً‬ ‫جانبا‪ ،‬وتعزيز األجندة‬ ‫لنتحيه الواليات املتحدة‬ ‫الروسية اخلاصة (على سبيل املثال‪ ،‬االتفاقات‬ ‫ح��ول ال��ت��ع��اون م��ع جم��م��وع��ات “ال�بري��ك��س”‪2‬‬ ‫ومنظمة املؤمتر اإلسالمي ومنظمة شنغهاي‬ ‫للتعاون)‪،‬‬ ‫يف فضاء االحتاد السوفياتي السابق‪ ،‬الذي حتدده‬ ‫روسيا على أن ُ��ه جم��ال حيوي هل��ا‪ ،‬ألن ُ��ه يؤلف‬ ‫ح��اج��زاً يضمن أم��ن روسيا القومي‪ُ ،‬ط ِبقت‬ ‫سياسة ال تلني لصد التوغل الغربي وحماوالت‬ ‫تأثريه يف بلدان املنطقة‪ ،‬وللحفاظ على اهليمنة‬ ‫ال��روس��ي��ة‪ .‬وق��د مت ذل��ك م��ن خ�لال النشاط‬ ‫الدبلوماسي (روسيا البيضاء‪ ،‬كازاخستان‪،‬‬ ‫تركمنستان)‪ ،‬أو إثارة املتاعب (أوكرانيا‪ ،‬دول‬

‫البلطيق) أو استخدام القوة (جورجيا)‪)3(.‬‬ ‫ويبدو أن هذه السياسية اخلارجية النشطة‬ ‫ً‬ ‫سريعا مع الواليات املتحدة‪،‬‬ ‫والصارمة أتت أُكلها‬ ‫اليت اضطرت إىل االلتفات جبد إىل روسيا‪ ،‬أول‬ ‫مرة منذ نهاية احلرب الباردة‪ ،‬وبدأت تدرس‬ ‫عالقات خمتلفة معها‪ .‬وح�ين وص��ل “ ب��اراك‬ ‫أوباما “ إىل البيت األبيض‪ ،‬سارع إىل وضع هذا‬ ‫التغيري موضع التنفيذ‪ ،‬وأطلق يف خريف عام‬ ‫‪ 2009‬مبادرة (إع��ادة التنظيم ‪ )Reset‬اليت‬ ‫أعطت ال��روس‪ ،‬أول م��رة منذ عقدين‪ً ،‬‬ ‫حسا‬ ‫ً‬ ‫معروفان‬ ‫باالحرتام يف الساحة الدولية‪ .‬وكما بات‬ ‫عرض “أوباما” على “بوتني” مجلة تنازالت يف‬ ‫جمال الصواريخ االعرتاضية يف أوروبا الشرقية‪،‬‬ ‫وموافقة على مطالبها يف جمال تقليص األسلحة‬ ‫االسرتاتيجية واعرتافا بوضع روسيا اخلاص يف‬ ‫منطقة االحتاد السوفياتي السابق كأمر واقع‪،‬‬ ‫متعهدا عدم توسيع دور حلف الناتو يف هذه‬ ‫املنطقة‪ ،‬ودم��ج روسيا يف النظام العاملي ويف‬ ‫أنشطة البلدان الغربية يف عملية السالم يف‬ ‫الشرق األوسط‪ ،‬ويف مشاريع حلف األطلسي‪ .‬يف‬ ‫املقابل قبلت روسيا االنضمام إىل‪-:‬‬ ‫نظام العقوبات ضد إيران‪.‬‬ ‫والعمل املشرتك مع الواليات املتحدة وحلف‬ ‫األطلسي ضد العناصر اإلسالمية الراديكالية‪.‬‬ ‫وت��وف�ير ال��دع��م اللوجسيت حللف ال��ن��ات��و يف‬ ‫أفغانستان‪.‬‬ ‫ه��ذه الصفقة الرباغماتية ّ‬ ‫سجلت جناحات‬ ‫واضحة (وإن على حساب إيران مباشرة)‪ ،‬لكن‬ ‫هذا مل يكن ً‬ ‫كافيا جلعل موسكو تشعر بالرضى‬ ‫عن ال��ذات‪ ،‬يف إط��ار توقها القوي إىل استعادة‬ ‫موقع الدولة الكربى‪ ،‬من ناحية‪ ،‬ولشكها يف أن‬


‫بعض األط��راف يف اإلدارة األمريكية مل تلتزم‬ ‫مبادرة “ إعادة التنظيم “‪ ،‬ويف مقدمها “ وكالة‬ ‫االستخبارات األمريكية ‪ “ CIA‬وبقية أجهزة‬ ‫االستخبارات األمريكية اليت أتهمتها موسكو‬ ‫بالتحريض على إثارة “ ثورة مل ّونة “ يف الداخل‬ ‫ال��روس��ي‪ .‬ه��ذه االع��ت��ب��ارات‪ ،‬إضافة إىل إدراك‬ ‫“بوتني” أنه لن يستطيع إعادة هندسة النظام‬ ‫العاملي مبفرده باجتاه التعددية القطبية‪،‬‬ ‫بسبب الفجوة الكبرية يف اجملاالت االقتصادية‬ ‫والعسكرية بني روسيا وبني الواليات املتحدة‬ ‫وأوروبا والصني‪ ،‬أعادت النقاش يف موسكو حول‬ ‫أجنع السبل لتحقيق أهداف اسرتاتيجية األمن‬ ‫القومي‪ ،‬ويف مقدمها السؤال‪ :‬من هو الطرف‬ ‫الدولي األمثل ملشاركتها يف هذه اهلندسة؟ هنا‬ ‫ّ‬ ‫أطلت التيارات الروسية الثالثة‪ ،‬اليت أشرنا إليها‬ ‫ً‬ ‫آنفا (األطلسيون‪ ،‬واألورو‪ -‬آسيويون‪ ،‬والقوميون‬ ‫– الشيوعيون)‪ ،‬برأسها جم���دداً وطرحت‬ ‫اخليارات التالية‪-:‬‬ ‫منح االحتاد األوروبي األولوية‪ ،‬عرب اقرتاح إطار‬ ‫كل‬ ‫أحتادي روسي – أوروبي عليه كبديل من ٍ‬ ‫من االحتاد األوروبي وحلف األطلسي‪.‬‬ ‫عرض أحتاد مع الواليات املتحدة يف إطار معاهدة‬ ‫أمريكية – أوروبية – روسية‪ ،‬أو معاهدة ثنائية‬ ‫أمريكية – روسية‪.‬‬ ‫أو التوجه حنو التحالف مع الصني يف الشرق‪،‬‬ ‫على الرغم من أن ع��دداً من أعضاء النخبة‬ ‫الروسية يعتقدون أن « بكني» ستنافس روسيا‬ ‫يف املستقبل القريب‪)4(.‬‬ ‫يبدو حتى اآلن أن ُقرعة النخبة الروسية وقعت‬ ‫على اخليار األوروب���ي‪ .‬لكن ينبغي االنتظار‬ ‫ملعرفة نتائج وأبعاد األزمة املالية – االقتصادية‬

‫اليت تضرب االحتاد األوروبي بعنف ً‬ ‫راهنا واليت‬ ‫ستؤثر حصيتها بال شك يف خيارات موسكو‪.‬‬ ‫التوجهات الروسية قبل الربيع العربي وبعده‪:‬‬ ‫كان وضع روسيا يف لعبة النظام العاملي عشية‬ ‫اندالع ثورات الربيع العربي‪ .‬وهو وضع كان‬ ‫يضع الشرق األوس��ط – العربي – اإلسالمي‪،‬‬ ‫بإحكام‪ ،‬يف جم��ال ك ٍ��ل من اسرتاتيجية األمن‬ ‫ال��ق��وم��ي وال��س��ي��اس��ة اخل��ارج��ي��ة ال��روس��ي��ة‪،‬‬ ‫املستندتني إىل إقامة ال��ت��وازن بني مصاحلها‬ ‫اإلقليمية وبني ارتباطاتها يف النظام الدولي‪.‬‬ ‫لكن مع الربيع العربي‪ ،‬بدأت اهلندسة الشرق‬ ‫األوسطية‪ ،‬اليت حاكتها الدبلوماسية الروسية‪،‬‬ ‫تتداعى‪ ،‬أو – على األقل – تواجه صعوبات مجة‪،‬‬ ‫بفعل الثورات العربية اليت أربكت الكرملني‬ ‫– كما غريه من الدول – إىل حد بعيد‪ ،‬وأثرت‬ ‫بعمق يف تفاهماته مع الواليات املتحدة‪ ،‬وحتى‬ ‫ً‬ ‫جزئيا مع بعض األطراف األوروبية‪ .‬لقد كانت‬ ‫اهلندسة الروسية السابقة تستند إىل التالي‪ :‬يف‬ ‫عهد الرئيس الروسي «بوريس يلتسني» بدأت‬ ‫روسيا تشعر بقلق شديد على «بطنها الرخو»‬ ‫يف منطقيت القوقاز وآس��ي��ا الوسطى‪ ،‬وهما‬ ‫منطقتان يتهددهما اإلسالم الراديكالي‪ .‬على‬ ‫رأس القلق ال��روس��ي‪ ،‬ال��ذي تواصل بقوة مع‬ ‫الرئيس «بوتني»‪ ،‬حول األصولية اإلسالمية‬ ‫واإلره��اب‪ ،‬كانت أزمات بالد الشيشان يف مشال‬ ‫القوقاز‪ ،‬وإذا كان التطرف اإلسالمي قد هدد‬ ‫أمن الواليات املتحدة يف عقر دارها‪ ،‬فإن النزاع‬ ‫يف الشيشان هدد ً‬ ‫كال من أمن روسيا ووحدة‬ ‫أراضيها يف آن واح��د‪ .‬وق��د أزهقت احل��رب يف‬ ‫‪91‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪92‬‬

‫تلك اجلمهورية‪ ،‬اليت كانت تتمتع حبكم ذاتي‪،‬‬ ‫أكثر من ‪ 100‬ألف قتيل‪ ،‬مذ أمر يلتسني اجليش‬ ‫الروسي باجتياح الشيشان عام ‪ .1994‬وبعد وقف‬ ‫أطالق النار عام ‪ ،1996‬حتللت الشيشان وسقطت‬ ‫يف جلج الفوضى وأصبحت «صومال القوقاز»‪،‬‬ ‫وأخرتق اجملاهدون األجانب القيادة الشيشانية‪.‬‬ ‫(‪ )5‬ويف عام ‪ 1999‬دشن بوتني عهده كرئيس‬ ‫للوزراء حبمالت عسكرية رفعت من شعبيته‬ ‫يف الشيشان بني الروس إىل عنان السماء‪ ،‬وربط‬ ‫ً‬ ‫الحقا يف أفغانستان‬ ‫دعمه للحرب األمريكية‬ ‫مبساندة واشنطن له يف الشيشان‪ .‬وعلى الرغم‬ ‫ً‬ ‫نسبيا‪،‬‬ ‫من أن جهود بوتني العسكرية جنحت‬ ‫خالل حرب الشيشان الثانية‪ ،‬يف تهدئة هذه‬ ‫اجلمهورية الثائرة‪ ،‬فإن جتربته فيها ل ّونت‬ ‫على حنو عميق رؤيته‪ ،‬ورؤية النخبة الروسية‬ ‫احلاكمة‪ ،‬للشرق األوسط بوصفه مصدر تهديد‬ ‫أصولي رئيسي لألمن ال��روس��ي‪ .‬ه��ذا ما دفع‬ ‫روسيا آنذاك إىل إعادة االهتمام مبنطقة الشرق‬ ‫األوسط‪ ،‬كما كانت تفعل إبان االحتاد السوفياتي‪،‬‬ ‫لتحمي « بطنها الرخو» يف هاتني املنطقتني‬ ‫(القوقاز وآسيا الوسطى) من التطرف األصولي‬ ‫واالخ�تراق��ات الغربية‪ .‬لكن املدخل إىل هذا‬ ‫االهتمام املتجدد مل يكن األيديولوجيا هذه املرة‬ ‫بل اجليو – سياسة‪ ،‬اليت ارتسمت أولوياتها يف‬ ‫املنطقة على النحو التالي‪- :‬‬ ‫أألولوية األوىل‪ :‬لرتكيا وإيران لكونهما حماذيتني‬ ‫هلاتني املنطقتني‪ ،‬من جهة‪ ،‬وألنهما تتمتعان‬ ‫ب��ق��در كبري م��ن النفوذ ال��ت��ارخي��ي والثقايف‬ ‫واالقتصادي فيهما‪ ،‬من ناحية ثانية‪ .‬وقد‬ ‫وجدت روسيا نفسها مدفوعة إىل الرتكيز على‬ ‫طهران وأنقرة‪ ،‬ال على صعيد التجارة ومبيعات‬

‫األس��ل��ح��ة ف��ق��دن ب��ل على جبهة اجلغرافيا‬ ‫السياسية للقوقاز وآسيا الوسطى ً‬ ‫أيضا اللتني‬ ‫شهدتا‪ ،‬إض��اف��ة إىل احل��رب�ين املتتاليتني يف‬ ‫الشيشان‪ ،‬صعود حركة طالبان اإلسالمية‬ ‫الراديكالية يف أفغانستان‪ ،‬ومت��ردات إسالمية‬ ‫يف آسيا الوسطى‪ ،‬وتنافس أمريكي‪ -‬روسي حاد‬ ‫على موارد النفط والغاز يف حبر قزوين‪)6(.‬‬ ‫األولوية الثانية‪ :‬كان اخلليج العربي‪ ،‬حيث‬ ‫ً‬ ‫كانت موسكو تسعى ً‬ ‫حثيثا ملمارسة سياسة‬ ‫سعيا‬ ‫توازن صعبة‪ً ،‬‬ ‫أوال بني العراق وإيران‪ ،‬إبان عهد‬ ‫ً‬ ‫الحقا بني إيران والسعودية وبقية‬ ‫البعث‪ ،‬ثم‬ ‫دول اخلليج‪.‬‬ ‫األولوية الثالثة‪ :‬كانت منطقة الصراع العربي‬ ‫– اإلسرائيلي‪ ،‬اليت كانت حتظى باألولوية األوىل‬ ‫من جانب االحتاد السوفياتي‪ ،‬كجزء من احلرب‬ ‫الباردة ضد « الصهيونية واإلمربيالية « (وفق‬ ‫املصطلحات السوفيتية)‪ ،‬لكنها أصبحت اآلن‬ ‫جمرد ورقة من أوراق الضغط اليت تستخدمها‬ ‫موسكو لتحسني وضعها يف النظام الرأمسالي‬ ‫العاملي‪ .‬وهكذا‪ ،‬أقامت روسيا عالقات متينة‬ ‫جداً مع إسرائيل‪ ،‬فأصبحت من أهم شركائها‬ ‫التجاريني وحتى العسكريني (مشاريع تقانة‬ ‫العسكرية املشرتكة)‪ ،‬كما نسجت عالقات وطيدة‬ ‫جداً بنحو مليون يهودي ناطقني بالروسية‬ ‫كانوا قد هاجروا من االحت��اد السوفياتي إىل‬ ‫إسرائيل‪ .‬ويف ذات الوقت‪ ،‬كانت موسكو توطد‬ ‫عالقتها بسورية وتواصل مدها باألسلحة‪ ،‬لكن‬ ‫مع احل��رص على أال تؤثر هذه األسلحة على‬ ‫التفوق العسكري اإلسرائيلي‪ ،‬كما كانت تنسج‬ ‫عالقات حبركة محاس الفلسطينية‪.‬‬ ‫إىل جانب هذه األول��وي��ات الثالث‪ ،‬تعينّ على‬


‫روسيا – قبل اندالع الربيع العربي – أن تقوم‬ ‫مبناورات كربى ومعقدة للتوفيق بني مصاحلها‬ ‫الدولية واإلقليمية‪ ،‬أي بني صورتها كشريك‬ ‫ُيعتد به للغرب يف خدمة النظام العاملني وبني‬ ‫نشاطها على الصعيد اإلقليمي ال��ذي يهدف‬ ‫إىل تقليص النفوذ الغربي ملصلحتها‪ّ .‬‬ ‫تضمن‬ ‫هذا اهلدف األخري مبدأ إقامة عالقات تعاونية‬ ‫بكل الالعبني اإلقليميني يف سبيل كسب ميزة‬ ‫تفاضلية واض��ح��ة ّ‬ ‫متكنها م��ن التوسط بني‬ ‫كل األط��راف يف املنطقة وخارجها‪َ .‬ض ِمن هذا‬ ‫التوجه لروسيا عودة دخول سلسة إىل الشرق‬ ‫األوس��ط‪ ،‬وحقق بضربة قلم معظم أهدافها‬ ‫دفعة واح��دة‪ ،‬فهو مكنها من إحكام السيطرة‬ ‫ً‬ ‫نسبيا على منطقيت القوقاز وآسيا الوسطى‪،‬‬ ‫ومن فتح آفاق جتارية واقتصادية جديدة هلا‬ ‫يف الشرق األوسط‪ ،‬ورفع من شأن وقيمة دورها‬ ‫العاملي يف أعني األمريكيني واألوروبيني‪ .‬ومن‬ ‫رحم هذه السياسة أو بفضلها‪ُ ،‬ول��دت مبادرة‬ ‫«أوباما» إع��ادة التنظيم ‪ Reset‬اليت حددت‬ ‫أطر التعاون األمريكي – الروسي اجلديد واليت‬ ‫أ ّدت إىل أول تعديل جذري يف سياسة التوازن‬ ‫واالنفتاح على اجلميع يف الشرق األوسط‪ ،‬حني‬ ‫انضمت موسكو إىل مجهرة العقوبات الغربية‬ ‫ضد إيران‪ .‬لقد كانت إيران قبل هذا التطور‪،‬‬ ‫أقرب وأوثق حليف لروسيا يف الشرق األوسط‪.‬‬ ‫وقد زودت موسكو طهران مبفاعل نووي وعتاد‬ ‫عسكري متطور‪ ،‬ووفرت هلا الدعم الدبلوماسي‬ ‫يف احملافل الدولية يف وج��ه اجلهود الغربية‬ ‫لعزهلا وخنقها‪ .‬كما كان الطرفان حليفني يف‬ ‫أفغانستان ضد طالبان‪ ،‬واشرتكتا يف إحالل‬ ‫السالم يف طاجكستان‪ ،‬ويف منع أذربيجان من‬

‫حتويل أمتها إىل دول��ة قوية‪ .‬وح�ين أعلنت‬ ‫أذربيجان استقالهلا عن االحت��اد السوفياتي‬ ‫يف تشرين الثاني‪ ،1991/‬مل تعرتف إي��ران بهذا‬ ‫االستقالل‪ ،‬على العكس ما فعلت تركيا‪ ،‬إال‬ ‫بعدما أنهار احتاد السوفياتي‪ .‬وباملثل‪ ،‬مل تنشط‬ ‫ً‬ ‫حديثا يف آسيا الوسطى‪،‬‬ ‫إيران يف الدول املستقلة‬ ‫وال يف منطقة القوقاز‪ ،‬وال يف “ناغورنو كاراباخ”‪،‬‬ ‫ُمتشددة على الروابط االقتصادية والثقافية‬ ‫ً‬ ‫بدال من اإلسالم كحجر األساس للعالقات معها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وكل ذلك نزل برداً‬ ‫وسالما على روسيا‪ .‬ترك‬ ‫أتفاق “إعادة التنظيم“ الروسي – األمريكي‪ ،‬آثاراً‬ ‫سلبية كبرية يف التفاهمات اإليرانية – الروسية‬ ‫العميقة‪ ،‬ودفعها إىل وضع صعب‪ ،‬ففي عام ‪2010‬‬ ‫ألغت روسيا تسليم صواريخ ‪ S300‬أرض –‬ ‫جو إلي��ران‪ ،‬وانضمت (بعد كثري من ال�تردد)‬ ‫إىل العقوبات الغربية متذرعة ب��أن طهران‬ ‫نسفت جهودها عدة مرات للتوسط بينها وبني‬ ‫الغرب‪ .‬مل تخَ ْ َت ِف‪ ،‬بالطبع‪ ،‬مصلحة روسيا يف‬ ‫عالقتها املفضلة بإيران‪ ،‬وال ً‬ ‫أيضا مصلحة إيران‬ ‫يف التمتع بالدعم الروسي الدولي ويف جماالت‬ ‫األسلحة‪ ،‬وال يف رؤية موسكو تستبدل العالقات‬ ‫بها بأخرى بإسرائيل والسعودية‪ ،‬بيد أن هذا‬ ‫االن��ق�لاب ال��روس��ي على احللفاء اإليرانيني‪،‬‬ ‫بدفع من الصفقات مع الواليات املتحدة‪ ،‬اشعل‬ ‫كل ذكريات الذاكرة اجلماعية اإليرانية اليت‬ ‫تتضمن تظلمات مريرة من اهلجمات الروسية‬ ‫عليها طوال قرنني (مبا يف ذلك احتالل روسيا‬ ‫لشمال إي��ران وبريطانيا جلنوبها عام (‪،)1941‬‬ ‫ورس��م ص��ورة سلبية ملدى مصداقية موسكو‬ ‫كحليف يعتد به‪ .‬هذا الصدع األول يف السياسة‬ ‫اخلارجية الروسية يف الشرق األوس��ط‪ُ ،‬‬ ‫تلته‬ ‫‪93‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪94‬‬

‫تصدعات أخ��رى‪ ،‬مع ان��دالع ث��ورات الربيع‬ ‫العربي‪ ،‬لكن ليس يف الواقع كل الثورات‪ ،‬ففي‬ ‫عدد منها‪ ،‬كانت ردود فعل موسكو متطابقة‬ ‫ً‬ ‫غالبا ما‬ ‫مع ردود الدول الغربية‪ .‬فهي مثلها‬ ‫كانت مضطربة وغري متسقة‪ .‬وه��ي‪ ،‬مثلها‪،‬‬ ‫كانت تسعى إىل احلفاظ على املصاحل القومية يف‬ ‫املنطقة‪ ،‬ال بل يذهب البعض إىل القول إن روسيا‬ ‫حتالفت مع الغرب يف بعض احلاالت‪)7(.‬‬ ‫يف ت��ون��س‪ ،‬على سبيل امل��ث��ال‪ ،‬ق��ال الرئيس‬ ‫الروسي « ميدفيديف» يف املنتدى االقتصادي‬ ‫العاملي يف « دافوس» يف ‪ 26‬كانون الثاني ‪ُ ،2011‬‬ ‫إنه‬ ‫يعتقد أن ما حدث يف تونس هو درس كبري لكل‬ ‫احلكومات يف كل أحناء العامل‪ .‬فهذه احلكومات‬ ‫جيب أال تسرتخي فوق مقاعد أثريية‪ ،‬بل جيب‬ ‫أن تكرب وتتطور مع اجملتمع‪ ،‬بغض النظر عما‬ ‫إذا كانت هذه احلكومات يف أوروبا أو إفريقيا أو‬ ‫أمريكا الالتينية‪ .‬هنا بدت موسكو متحالفة مع‬ ‫الغرب‪ )8(.‬ويف مصر‪ ،‬وعلى الرغم من أن عدداً‬ ‫من املعلقني الروس بدأوا يصفون االنتفاضة‬ ‫فيها بأنها جزء من « الثورات املل ّونة» اليت ُتدبرها‬ ‫أمريكا‪ ،‬فقد أكتفى «ميدفيديف» بالتشديد على‬ ‫ض��رورة احل��ل السلمي للنزاع‪ .‬وبعد سقوط‬ ‫مبارك‪ ،‬أُعلن أن موسكو مستعدة للعمل مع مصر‬ ‫« قوية دميقراطية»‪ .‬هنا ً‬ ‫أيضا حتالفت موسكو‬ ‫مع الغرب يف قبول التغيري السياسي يف مصر‪.‬‬ ‫لكن موسكو تفاعلت‪ ،‬على حنو مغاير‪ ،‬مع الثورة‬ ‫يف ليبيا‪ .‬فحني تناهت إىل مسامعها الدعوات‬ ‫إىل التدخل العسكري الغربي ملنع القذايف من‬ ‫سحق املعارضة‪ ،‬سارعت إىل التحذير من وصول‬ ‫«متعصبني» إىل السلطة يف ال��ش��رق األوس��ط‪،‬‬ ‫وقال ميدفيديف إن « النريان ستتواصل لعقود‬

‫هناك مع أنتشار نفوذ التطرف»‪ .‬ال بل حتدث‬ ‫عن وجود «عناصر أجنبية تشعل فتيل هذه‬ ‫االنتفاضات‪ً ،‬‬ ‫قائال إن هدفهم احلقيقي النهائي‬ ‫هو حتقيق تغيري سياسي يف روسيا‪)9(.‬‬ ‫وبعدما دعت جامعة الدول العربية إىل فرض‬ ‫حظر ج��وي على ليبيا « حلماية املدنيني»‬ ‫أمتنعت روسيا‪ ،‬ومعها الصني عن التصويت‬ ‫على غرار قرار جملس األمن رقم ‪ 1873‬الذي‬ ‫جييز ذل��ك‪ ،‬لكنها مل تستخدم حق «النقض‬ ‫الفيتو»‪ .‬آن��ذاك قال حمللون غربيون إن هذه‬ ‫اخلطوة تعين أن روسيا حريصة على أن تضع‬ ‫العالقات الطيبة بأمريكا والغرب‪ ،‬واجلامعة‬ ‫العربية أي��ض ً��ا‪ ،‬ف��وق أي اعتبار آخ��ر‪ .‬لكن‪،‬‬ ‫بعدما بدأ التدخل العسكري الغربي‪ ،‬سارعت‬ ‫موسكو إىل انتقاده قائلة إنه « جتاوز حد محاية‬ ‫املدنيني»‪ 10.‬ويف وقت الحق‪ ،‬يف ‪ 27‬أيار‪ ،‬وعلى‬ ‫ال��رغ��م م��ن ان رئيس ال���وزراء آن���ذاك بوتني‬ ‫وصف احلملة العسكرية حللف األطلسي بأنها «‬ ‫حرب صليبية « أقرتب الرئيس ميدفيديف من‬ ‫املوقف الغربي وأعلن أن القذايف « جيب أن يرحل»‬ ‫وعرض الوساطة الروسية لتحقيق ذلك‪)11(.‬‬ ‫وباملثل‪ ،‬وكما مع ال��غ��رب‪ ،‬احتفظت روسيا‬ ‫مبسافة من املعارضة املتنامية للرئيس علي‬ ‫عبداهلل صاحل‪ .‬ففي نيسان‪ ،‬دعا وزير خارجية‬ ‫روسيا «الفروف» أحزاب املعارضة داخل اليمن‬ ‫إىل التوصل إىل تسوية مع صاحل‪ ،‬لكنه دعم بقوة‬ ‫يف حزيران مبادرة جملس التعاون اخلليجي اليت‬ ‫تنص على تنحي صاحل وحاشيته‪ .‬مرة أخرى مل‬ ‫خيتلف املوقف الروسي عن املوقف الغرب‪)12(.‬‬ ‫بيد أن موسكو وواشنطن وبروكسل وجدت‬ ‫نفسها ً‬ ‫وجها لوجه يف سوريا حني اندلعت فيها‬


‫االنتفاضة الشعبية يف آذار‪ .‬فقد قالت احلكومة‬ ‫الروسية إن الغرب (خدعها) يف ليبيا حني‬ ‫ح�� ّول تفويض جملس األم��ن حللف األطلسي‬ ‫حبماية املدنيني إىل عملية إلسقاط النظام‪،‬‬ ‫وإنها لن توافق على أي قرارات أخرى يف جملس‬ ‫األم��ن لفرض عقوبات على سورية أو القيام‬ ‫بعمليات عسكرية فيها‪ .‬انضمت الصني إىل‬ ‫روسيا يف إجهاض أي حترك دول��ي يف سورية‪،‬‬ ‫لكن العتبارات أخرى‪ .‬فاملوقف الصيين ُ‬ ‫أملته‬ ‫اعتبارات تكتيكية حبتة‪ ،‬ع�ّب�رّ عنها املعلق‬ ‫الصيين « يان صن « بقوله‪ « :‬يف الوقت الذي مل‬ ‫تر « بكني» أنها ستخسر سوى القليل من موقفها‪،‬‬ ‫فهي أشتمت يف املقابل أنها قد تربح الكثري من‬ ‫خالل ممارسة حق «النقض الفيتو» ضد القرار‬ ‫السوري‪ .‬ثم أن الفيتو الصيين أنقذ روسيا من‬ ‫عزلة دولية‪ ،‬وهو مجيل جيب أن ترد ُه روسيا‪.‬‬ ‫(‪)13‬‬ ‫اقرتح معهد الشرق األوسط (‪Middle East‬‬ ‫‪ )Institute‬ثالثة أسباب للتفسري الرفض‬ ‫الروسي حملاوالت أمريكا إلجناز التغيري يف سوريا‬ ‫(‪-:)14‬‬ ‫ً‬ ‫األول‪ ،‬أن موسكو تعتقد حقا أن واشنطن‬ ‫وحلفاءها الغربيني أس��اؤوا فهم ما جيري يف‬ ‫ً‬ ‫فبدال من أن يؤدي سقوط نظام األسد‬ ‫سورية‪.‬‬ ‫إىل قيام نظام دميقراطي يف سورية‪ ،‬كما يعتقد‬ ‫الغرب‪ ،‬فإن روسيا ختشى أن يسفر ذلك عن‬ ‫ً‬ ‫معاديا لغرب‬ ‫بروز نظام سنيُ راديكالي لن يكون‬ ‫فقط بل لروسيا أيضا‪ .‬وهي ّ‬ ‫تذكر مبا حدث‬ ‫غداة التدخالت اليت قادتها أمريكا يف أفغانستان‬ ‫وال��ع��راق وليبيا‪ ،‬وأ ّدت إىل ب��روز األصوليات‬ ‫والفوضى‪.‬‬

‫الثاني‪ ،‬أن روسيا ال تعتقد أن إدارة أوباما‪ ،‬وال‬ ‫حتى أي إدارة مجهورية قد تصل إىل البيت‬ ‫األبيض‪ ،‬مهتمة ً‬ ‫حقا بإسقاط النظام السوري‪.‬‬ ‫وهذا ال يعود إىل اعتبارات حملية أمريكية فقط‬ ‫(االنتخابات الرئاسية والتعب من احلروب) بل‬ ‫يعود ً‬ ‫أوال وأساسا إىل املضاعفات السلبية اليت قد‬ ‫تلقي بظالهلا على إسرائيل إذا ما سقط النظام‪.‬‬ ‫ول��و أن واشنطن كانت ج��ادة ً‬ ‫حقا يف إسقاط‬ ‫النظام‪ ،‬لكانت أقامت حتالف مريدين لضرب‬ ‫األسد‪ ،‬سواء مبوافقة جملس األمن الدولي أم ال‪.‬‬ ‫الثالث‪ ،‬أن موسكو ت��رى أن احلافز األساسي‬ ‫إلسقاط النظام السوري يأتي من السعودية‬ ‫وقطر‪ .‬وكانت أحداث الربيع العربي قد أشعلت‬ ‫جمدداً خماوف موسكو من الرياض‪ ،‬تلك املخاوف‬ ‫اليت كانت سائدة خالل التسعينيات‪ ،‬واليت مل‬ ‫تهدأ إال بعد بدء التقارب السعودي – الروسي‬ ‫عام‪ ،2003‬ثم بعدما أعلنت السعودية أنها تدعم‬ ‫احلل الروسي يف الشيشان‪ .‬لكن قبل هذا التاريخ‪،‬‬ ‫كانت موسكو تعتقد أن السعودية حتاول نشر‬ ‫اإلسالم السنيُ الراديكالي يف الشيشان‪ ،‬ومشال‬ ‫القوقاز‪ ،‬ومناطق أخرى يف االحتاد السوفياتي‬ ‫السابق‪ .‬واآلن ترى موسكو أن الرياض حتاول‬ ‫استخدام الربيع العربي لتحقيق مصاحلها‬ ‫اجليوسياسية اخلاصة‪ ،‬من خالل دعم السلفيني‬ ‫يف مصر وليبيا وسورية‪ ،‬وإح�لال نظام سنيُ‬ ‫موال هلا يف سورية مكان نظام األقلية العلوية‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫املوالي إليران‪ .‬كما ليس واضحا لروسيا حدود‬ ‫الطموحات السعودية‪ ،‬وهي تعتقد أن الواليات‬ ‫املتحدة ليست متن ّبهة هلذا اخلطر‪ .‬واحلصيلة‬ ‫يصوغها معهد الشرق األوسط كاآلتي‪« :‬تدعم‬ ‫موسكو األس��د ال للحفاظ على عقود التسلح‬ ‫‪95‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪96‬‬

‫واستثمارات النفط وال��ق��اع��دة البحرية يف‬ ‫ط��رس��وس فقط‪ ،‬وال ألنها ختشى أن تنتقل‬ ‫ً‬ ‫حليفا هلا إىل أن تكون حليفة‬ ‫سورية من كونها‬ ‫لواشنطن‪ .‬ما ختشاه ً‬ ‫حقا هو أن سقوط األسد‬ ‫سيزيل عقبة مهمة يف وجه احلركة األصولية‬ ‫ُ‬ ‫السنية بقيادة السعودية اليت تسعى ملواصلة‬ ‫االنتشار»‪ .‬لكن‪ ،‬إذا ما تبني أن األس��د ساقط‬ ‫ال حماله‪ ،‬فستفعل روسيا ما ستفعله الدول‬ ‫األخرى إقامة عالقات وطيدة مع املعارضة أو‬ ‫أي نظام جديد قد ينشأ‪ .‬فهل هذه احلصيلة يف‬ ‫حملها حيال خطر الربيع العربي واألصولية‬ ‫ُ‬ ‫السنية على أمن روسيا القومي ؟‬ ‫إذا ما عدنا إىل اسرتاتيجية األمن القومي الروسي‪،‬‬ ‫برتكيزها الشديد على مسألة وح��دة االحتاد‬ ‫الروسي‪ ،‬ومنع التدخالت اخلارجية يف شؤون‬ ‫روسيا الداخلية وحميطها اإلقليمي‪ ،‬سنسارع‬ ‫إىل القول إن هذه اخلالصة سليمة وتتطابق‬ ‫مع روح هذه االسرتاتيجية‪ .‬بيد أن املبالغات‬ ‫هنا واردة حيال مدى تأثري الربيع العربي يف‬ ‫منطقيت القوقاز وآسيا الوسطى‪ ،‬أو حتى يف‬ ‫الداخل الروسي نفسه‪ .‬وهي مبالغات كان من‬ ‫روداها على سبيل املثال‪ ،‬رئيس جورجيا األكثر‬ ‫مواالة للغرب «ميخائيل ساكاشفيلي» الذي قال‬ ‫يف آب‪ « :2012/‬أنا واثق أن الربيع العربي سيطيح‬ ‫ببوتني‪ ،‬ألن هذا األخري يرفض رغبات شعبه‬ ‫املطالبة بالدميقراطية احلقيقية‪ ،‬وألن الطبقة‬ ‫الوسطى الروسية بدأت تتمرد»‪ )15(.‬كما كان‬ ‫من أنصارها « السناتور األمريكي جون ماكني»‬ ‫الذي أعلن أن « الثورات العربية آتية إىل عتبة‬ ‫باب فالدميري بوتني»‪ )16(.‬ال تزال روسيا متر‬

‫بالفعل مبرحلة انتقالية‪ ،‬لكنها ال تشبه املرحلة‬ ‫االنتقالية يف عهد « يلتسني» على الرغم من‬ ‫استمرار سيطرة األوليكارشيات والفساد على‬ ‫االقتصاد الروسي‪ .‬فبوتني‪-:‬‬ ‫ّ‬ ‫وطد أركان الدولة جمدداً‪.‬‬ ‫وفرض األمن و النظام‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وحد من الفوضى‪.‬‬ ‫وحقق الكثري من آمال القوميني الروس بعودة‬ ‫وطنهم إىل تأدية دور بارز على الساحة الدولية‪.‬‬ ‫وهذا ما ضمن له – حتى اآلن على األقل – رضى‬ ‫أكثر من ‪ 50‬يف املئة من الشعب الروسي‪ ،‬كم‬ ‫ّ‬ ‫دلت على ذلك االنتخابات األخرية اليت أعادت‬ ‫بوتني إىل ع��رش الكرملني‪ .‬وه��ذا ما حصن‬ ‫ً‬ ‫نسبيا من لفحات هواء الربيع العربي‪،‬‬ ‫روسيا‬ ‫ً‬ ‫فضال عن عوامل أخرى‪ .‬يقول احمللل الروسي‬ ‫« دميرتي بابيش»‪ « :‬روسيا ليس فيها فقر مدقع‬ ‫كما يف مصر‪ ،‬ومعظم الروس ال يهتمون بالدين‬ ‫وهلم ثقافة أوروبية ّ‬ ‫مميزة مع تالوين مسيحية‬ ‫أرثوذكسية ناعمة‪ .‬لذا الفقر والتطرف الديين‬ ‫لن يقودا فيها إىل «ث��ورة الثلج» اليت يتمناها‬ ‫املعلقون الغربيون‪ .‬قد حتدث اضطرابات يف‬ ‫أجزاء من روسيا بفعل الضغوط االقتصادية‬ ‫– االجتماعية‪ ،‬لكن االحتمال ضئيل جداً‬ ‫بأن يساعد ذلك الثوريني الليرباليني الروس‬ ‫املدعومني من ال��غ��رب»(‪ .)17‬وكما يف الداخل‬ ‫ال��روس��ي‪ ،‬كذلك يف آسيا الوسطى‪ ،‬إذ يعتقد‬ ‫الباحث يف مؤسسة «كارنيجي» يف موسكو‬ ‫«أليكسي ماالشينكو» أن الربيع العربي لن يتكرر‬ ‫يف آسيا الوسطى‪ .‬فاألنظمة يف هذه املنطقة ال‬ ‫تقارن بتلك اليت وجدت يف الشرق األوسط‪ ،‬إذ‬


‫إن شعوب آسيا الوسطى تع ّودت العيش على منط‬ ‫احلياة احلالي ومل تعرف أي جتربة دميقراطية‪،‬‬ ‫وبالتالي فهي ال تتوق إىل تغيريات جذرية كاسحة‬ ‫يف أنظمتها‪ .‬وهذا ما يراه ً‬ ‫أيضا « زهاو هوشينغ‬ ‫«الزميل يف مركز ال��دراس��ات االسرتاتيجية‬ ‫والدولية‪ ،‬الذي يرى أن منوذج الربيع العربي‬ ‫غري مالئم آلسيا الوسطى وال يحُ تمل أن يتمدد‬ ‫إليها‪ ،‬بسبب ثقافتها اخلاصة وظروفها السياسية‬ ‫والتارخيية اخل��اص��ة‪ .‬فمنذ انهيار االحت��اد‬ ‫السوفياتي وحتى عام ‪ ،2005‬متتعت كل دول‬ ‫آسيا الوسطى‪ ،‬ما عدا طاجكستان بسبب حربها‬ ‫األهلية‪ ،‬باستقرار نسيب‪ .‬واألحداث اليت جرت‬ ‫بعد ‪ ،2005‬مثل ثورة التوليب يف قرغيزستان‬ ‫واضطرابات أندجيان يف أوزبكستان يف ذلك العام‬ ‫ً‬ ‫أيضا‪ ،‬والصراعات األثنية يف قرغيزستان عام‬ ‫‪ّ ،2010‬‬ ‫دلت على دخول هذه الدول يف مرحلة ال‬ ‫استقرار‪ ،‬لكن ليس وفق منوذج الربيع العربي‪،‬‬ ‫بل استنادا إىل الظروف الداخلية االجتماعية‬ ‫والسياسية وأثنية اخلاصة بكل دولة منها‪)18(.‬‬ ‫اخلالصة‬ ‫رمبا باتت الصورة واضحة اآلن‪ ،‬فالقلق الروسي‬ ‫من مآل الربيع العربي ومن احتمال حتويله‬ ‫الشرق األوس��ط العربي واإلس�لام��ي إىل مرتع‬ ‫للتطرف األصولي‪ ،‬الذي قد يلفح وجه القوقاز‬ ‫وآسيا الوسطى‪ ،‬هو قلق حقيقي وقائم‪ ،‬لكن‬ ‫ليس إىل الدرجة اليت ُتص ّور يف الغرب‪ ،‬وال حتى‬ ‫يف البيانات العنيفة اليت يصدرها بعض القادة‬ ‫ال��روس بني الفينة واألخ��رى لتحذير الغرب‬ ‫من مثل هذه احلصائل‪ .‬فروسيا أثبتت‪ ،‬طوال‬ ‫العقدين املاضيني‪ ،‬أنها ق��ادرة على استيعاب‬

‫التطورات يف هاتني املنطقتني‪ ،‬وعلى احلد من‬ ‫التدخالت الغربية فيهما‪ .‬كما أنها قادرة على‬ ‫التأقلم مع األنظمة العربية اجلديدة وحتى‬ ‫على اإلف���ادة م��ن التناقضات ال�تي ق��د تنشأ‬ ‫بينها وبني الغرب‪ ،‬وخباصة بسبب املوقف من‬ ‫إسرائيل‪ .‬وم��ع ذل��ك‪ ،‬تركت طبيعة املواقف‬ ‫الروسية والغربية املتباينة من الربيع العربي‪،‬‬ ‫بصمات سلبية على العالقات بني الطرفني‪،‬‬ ‫ً‬ ‫نسبيا يف سياسة “إع���ادة التنظيم“‬ ‫وأث���رت‬ ‫الروسية – األمريكية‪ .‬والدليل أن هذه السياسة‬ ‫ّ‬ ‫تعرضت عام ‪ 2012‬حلمالت عنيفة يف الداخل‬ ‫ّ‬ ‫األمريكي‪ ،‬كان أبرزها تلك اليت شنها املرشح‬ ‫اجلمهوري “ميت رومين“ الذي أتهم إدارة أوباما‬ ‫بتقديم “التنازالت اجملانية“ لبوتني‪ ،‬ووصف‬ ‫روسيا بأنها “ اخلصم اجليو‪ -‬سياسي الرقم واحد‬ ‫للواليات املتحدة”‪ .‬كل هذه العوامل‪ ،‬ستدفع‪ ،‬أو‬ ‫جيب أن تدفع‪ ،‬القيادة الروسية إىل إعادة نظر‬ ‫شاملة يف السياسة الشرق األوسطية اليت كانت‬ ‫تتبعها طوال العقد املاضي‪ .‬فاألزمة السورية‬ ‫ً‬ ‫صعبا‬ ‫جعلت التوازن الروسي بني تركيا وإيران‬ ‫بعد احنياز كل منهما بقوة إىل طرف من أطراف‬ ‫األزمة‪ .‬وكذا األمر بالنسبة إىل التوازن بني إيران‬ ‫ً‬ ‫والحقا بني مصر‪ -‬اإلخوان املسلمني‬ ‫والسعودية‪،‬‬ ‫وبقية أنظمة الربيع العربي وبني إسرائيل‪.‬‬ ‫هذا‪ ،‬ناهيك بالتوتر أو اجلمود اللذين ضربا‬ ‫العالقات األمريكية – الروسية‪ ،‬والروسية –‬ ‫الغربية بوجه عام بسبب سورية‪ .‬يف غياب أي‬ ‫احتمال لعودة احلرب الباردة‪ ،‬أو سياسة “ الكتل‬ ‫واحملاور الدولية” (كما أشارت إىل ذلك بوضوح‬ ‫اسرتاتيجية األم��ن القومي ال��روس��ي)‪ ،‬ومع‬ ‫ُّ‬ ‫حتول روسيا إىل عضو رمسي يف منطقة التجارة‬ ‫‪97‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪98‬‬

‫العاملية‪ ،‬درة تاج العوملة يف حلتها األمريكية‪،‬‬ ‫يف ‪ 22‬آب‪ ،2012/‬ال يبقى أمام موسكو سوى تلك‬ ‫السيناريوهات اليت تتمحور كلها حول مبدأ‬ ‫الرباغماتية‪ ،‬وقبول األم��ر الواقع اجلديد يف‬ ‫الشرق األوسط‪ ،‬مع العمل على انتهاز أي فرصة‬ ‫قد توفرها التناقضات احملتملة بني بعض دول‬ ‫الربيع العربي وبني الغرب‪ .‬وقد يرتسخ مثل‬ ‫هذا التوجه إذا ما متكنت موسكو وواشنطن‬ ‫يف مرحلة ما من مراحل األزمة السورية‪ ،‬من‬ ‫التوصل إىل أتفاق على كوندومينيوم (حكم‬ ‫مشرتك) لسوريا حتتفظ فيه كل دولة مبصاحلها‬ ‫يف أي نظام جديد ينشأ يف دمشق‪ .‬بيد أن مثل‬ ‫هذا االتفاق حيتاج ً‬ ‫أيضا إىل اتفاقات ثانوية‬ ‫كل من إي��ران والسعودية‬ ‫روسية مماثلة مع ٍ‬ ‫يتضمن تقديم هذه األخرية ضمانات‪-:‬‬ ‫ب��ع��دم إث���ارة أو تشجيع أو مت��وي��ل احل��رك��ات‬ ‫األصولية يف القوقاز وآس��ي��ا الوسطى‪ .‬ومع‬ ‫تركيا ح��ول نفوذها املقبل يف س��وري��ة‪ .‬ومع‬ ‫ً‬ ‫فضال‬ ‫إسرائيل حول املصاحل األمنية املتبادلة‪.‬‬ ‫عن ذلك‪ ،‬سيكون على القيادة الروسية بلورة‬ ‫اسرتاتيجية ج��دي��دة للتعاطي م��ع اإلس�لام‬ ‫السياسي والعامل اإلسالمي‪ .‬وهي خطوة كانت‬ ‫روسيا قد دشنتها حني طالبت بعضوية يف‬ ‫منظمة التعاون اإلسالمي (مل حتصل إال على‬ ‫عضوية مراقب)‪ ،‬وحني أعلن الرئيس بوتني يف‬ ‫خطاب أمام برملان الشيشان عام ‪ 2005‬أن “ أولئك‬ ‫الذين يقاتلون على اجلانب اآلخر(املتشددون‬ ‫الشيشان) ال يعرفون أن روسيا كانت ً‬ ‫دائما أكثر‬ ‫وأخلص املدافعني الذين يعتد بهم عن املصاحل‬ ‫اإلسالمية‪ .‬فهم بتدمري روسيا يدمرون واحدة‬ ‫من أهم القوى الداعمة للعامل اإلسالمي “‪)19(.‬‬

‫فعلى الرغم من أن هذا املنحى قد يكون اخليار‬ ‫الوحيد املتوافر لدى القيادة الروسية للتعاطي‬ ‫مع الربيع العربي‪ ،‬إال أن هذا اخليار سيعتمد‬ ‫على أمرين ً‬ ‫أيضا‪-:‬‬ ‫طبيعة السياسات األمريكية حنو روسيا غداة‬ ‫االنتخابات الرئاسية األمريكية‪ ،‬وما يتمخض‬ ‫عنه املناقشات يف الداخل الروسي بني التيارات‬ ‫الثالثة يف النخبة الروسية ح��ول خط سري‬ ‫العمالق ال��روس��ي‪ :‬حن��و ال��غ��رب األوروب����ي أو‬ ‫األمريكي‪ ،‬أو كليهما‪ ،‬أو حنو أوراسيا والشرق‪.‬‬ ‫أو حنو مواصلة التخبط واحل�يرة حول موقع‬ ‫روسيا يف العامل‪ .‬أما احلديث عن حتول روسيا إىل‬ ‫أحد أركان نظام عاملي جديد متعدد األقطاب ال‬ ‫تكون يف الواليات املتحدة األوىل بني ال متساوين‪،‬‬ ‫فهو جيب أن ينتظر عقداً أو أكثر كي تتبلور‬ ‫ٌ‬ ‫كل من األزمات االقتصادية الراهنة يف الغرب‪،‬‬ ‫ومعها موازين القوى بني هذا الغرب وبني القوى‬ ‫الصاعدة اجلديدة على الساحة الدولية‪ ،‬أو حتى‬ ‫تتضح احتماالت نشوب حرب باردة بني الصني‬ ‫والواليات املتحدة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وحتى ذلك احلني‪ ،‬ستبقى روسيا ً‬ ‫ثانويا يف‬ ‫العبا‬ ‫الشرق األوسط ‪.‬‬ ‫ثانيا‬ ‫سياسة الصني الشعبية بني مسرية اإلصالح‬ ‫الداخلي والدور اإلقليمي و الدولي‬ ‫ق��ال رئيس احلكومة الصينية ب��أن مطالب‬ ‫الشعوب يف دول ال��ث��ورات العربية باحلكم‬ ‫الدميقراطي جي��ب أن حت�ترم‪ ،‬وأن��ه��ا جي��ب أال‬ ‫تواجه بالقمع‪ .‬تزامن ذلك مع تصرحيه ً‬ ‫أيضا‬


‫بأن الصني تقف عند مرحلة مفصلية‪ ،‬يهدد‬ ‫فيها جتاهل ضرورات اإلصالح السياسي بإهدار‬ ‫كل ما أجنزته يف جمالي التنمية واالقتصاد‪ ،‬مما‬ ‫يعرض اجملتمع لتجارب ذات تداعيات كارثية‪،‬‬ ‫مثل الثورة الثقافية ال�تي عانتها الصني يف‬ ‫اخلمسينيات والستينيات من القرن املاضي‪.‬‬ ‫وقد كان رئيس احلكومة املعروف بتوجهاته‬ ‫اإلصالحية‪ ،‬قد تعاطف مع حركة الطالب‬ ‫االحتجاجية يف عام ‪ ،1989‬فيما عرف بـ(أحداث‬ ‫امليدان السماوي) وعارض بشدة استخدام العنف‬ ‫يف قمعها‪ ،‬والذي أدى إىل جمزرة مفزعة ُقتل فيها‬ ‫اآلالف من احملتجني‪.‬‬ ‫تأتي هذه التصرحيات يف ظل أج��واء سياسية‬ ‫متوترة تشهدها الصني‪ ،‬على خلفية انتقال‬ ‫واس��ع عند قمة السلطة إىل جيل جديد من‬ ‫القادة يف كل من‪-:‬‬ ‫احلزب الشيوعي احلاكم‪.‬‬ ‫احلكومة‪.‬‬ ‫ويف ظل حتديات اقتصادية تستدعي إجراء‬ ‫حتوالت هيكلية وجذرية يف سياساتها التنموية‪.‬‬ ‫وق��د أعلن رئيس احلكومة أن معدل النمو‬ ‫االقتصادي يف هذا العام قد تراجع إىل ‪5‬و‪،%7‬‬ ‫وذلك يف ظل‪:‬‬ ‫تباطؤ االقتصاد العاملي‪.‬‬ ‫وتراجع الطلب على املنتجات الصينية‪.‬‬ ‫خاصة من االحتاد األوروبي‪ ،‬الشريك التجاري‬ ‫األك�بر للصني‪ .‬تتطلب ه��ذه املرحلة التحول‬ ‫من النمو املعتمد على االستثمارات اخلارجية‬ ‫املباشرة والتصدير‪ ،‬إىل النمو املعتمد على‬ ‫االس��ت��ه�لاك احمل��ل��ي‪ ،‬والتخلي ع��ن املنتجات‬ ‫الرخيصة ملصلحة منتجات ذات مستوى‬

‫تكنولوجي أعلى‪ .‬وتأتي هذه التصرحيات على‬ ‫خلفية االحتجاجات الواسعة ال�تي تشهدها‬ ‫الصني‪ ،‬وال�تي تقدر بعشرات اآلالف كل عام‬ ‫بسبب‪:‬‬ ‫مطالب عمالية‪.‬‬ ‫تدهور البيئة‪.‬‬ ‫احتجاجا على الفساد املستشري يف نظم احلكم‬ ‫احمللية‪.‬‬ ‫انتهاكات حقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ومتثل ه��ذه الضغوط اجملتمعية جتسيدا ملا‬ ‫أمس��اه األكادميي والناشط السياسي املعارض‬ ‫(ليوشياوبا)‪ ،‬احلاصل على جائزة نوبل للسالم‬ ‫ع��ام ‪« ،2010‬تغيري النظام عن طريق تغيري‬ ‫اجملتمع»‪ .‬وقد رصد (ليو) يف مقال شهري بهذا‬ ‫العنوان‪ ،‬نشر عام ‪ ،2006‬تهاوي األس��س اليت‬ ‫أعتمد عليها النظام السلطوي يف الصني‪ ،‬نتيجة‬ ‫للتعددية واحل��ي��وي��ة‪ ،‬واملستوى األع��ل��ى من‬ ‫التعقيد الذي اصبح اجملتمع يتميز به‪ .‬فنتيجة‬ ‫لنمو حجم رأس املال اخل��اص‪ ،‬مل تعد الدولة‬ ‫هي جهة التوظيف الوحيدة‪ ،‬وبالتالي تراجعت‬ ‫سيطرتها على مقدرات مواطنيها‪ .‬من ناحية‬ ‫أخرى‪ ،‬فإن اجملتمع الصيين يشهد‪:‬‬ ‫تعددية ثقافية و فكرية‪ .‬تنتشر فيه أمناط‬ ‫معيشية خمتلفة بدرجة غري مسبوقة‪ .‬قد‬ ‫نشأت كلها بعيداً عن سيطرة البريوقراطية‬ ‫التقليدية‪ ،‬وبالتالي فقدت السلطة هيمنتها‬ ‫«األيديولوجية» على اجملتمع‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وبرغم أن اجملتمع املدني ال يزال مفتتا‪ ،‬فإن‬ ‫(ليو) يرى أن قوة اجملتمع تتزايد‪ ،‬وإن الشجاعة‬ ‫اليت يبديها أف��راد اجملتمع املدني يف مواجهة‬ ‫االستخدام التعسفي للسلطة تتصاعد كل يوم‪،‬‬ ‫‪99‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪100‬‬

‫وجتعل هذه املمارسات التعسفية أكثر صعوبة‬ ‫وتكلفة‪ .‬كما جنح اجملتمع املدني يف نزع الوصمة‬ ‫األخالقية ع��ن فعل املعارضة يف ح��د ذات��ه‪.‬‬ ‫فرغم أن السلطة قادرة على سجن املعارضني‪،‬‬ ‫والتنكيل بهم‪ ،‬فإنها مل تعد قادرة على تدمري‬ ‫ً‬ ‫أخالقيا أم��ام اجملتمع‪ ،‬ال��ذي أصبح‬ ‫صورتهم‬ ‫حيرتم ويساند رموز املعارضة‪ .‬ويذهب العديد‬ ‫من احملللني إىل أنه من الصعب التكهن بتطورات‬ ‫النظام الصيين‪ ،‬وذلك نتيجة الطبيعة املركبة‬ ‫واملعقدة للمجتمع واالقتصاد‪ ،‬بل ونظام الدولة‬ ‫واحلكم نفسه‪ .‬وترتاوح السيناريوهات املتوقعة‬ ‫بني أربعة احتماالت(‪-:)20‬‬ ‫حتول الصني إىل الدميقراطية‪.‬‬ ‫انهيار النظام وتفكك الدولة‪.‬‬ ‫ق��درة النظام احلالي على التكيف الناجح و‬ ‫االستمرار‪ .‬وأخرياً ما وصفه أكادميي صيين بارز‬ ‫بالوقوع يف املصيدة االنتقالية‪.‬‬ ‫قدم هذه الرؤية األخرية األكادميي (سن ليبنج)‪،‬‬ ‫الذي كان قد أشرف على رسالة الدكتوراه اليت‬ ‫كتبها نائب الرئيس احلالي‪ ،‬ويشرف على سلسلة‬ ‫أحباث عن تطور اجملتمع يف الصني‪ .‬ويؤكد أن‬ ‫الدولة واجملتمع يركزان بشكل مبالغ فيه على‬ ‫ضرورة « التحول التدرجيي»‪ ،‬وهو ما يعرف يف‬ ‫الصني بسياسة « عبور النهر عن طريق حتسس‬ ‫الصخور»‪ ،‬حبيث أن إرادة اجملتمع لعملية « عبور‬ ‫النهر» – أي اإلص�لاح السياسي – قد فقدت‬ ‫الزخم‪ .‬ويرى (سن) أن ذلك يرجع إىل حتالف‬ ‫بني أصحاب املصاحل من القطاع اخلاص وبعض‬ ‫قطاعات الدولة‪ ،‬الذين يستفيدون من الوضع‬ ‫القائم‪ ،‬وبالتالي يقاومون بشدة أي جهود‬ ‫لتغيريه‪ .‬وقد أكد أخ�يراً االقتصادي الصيين‬

‫البارز (ووجينجان) أهمية اإلصالح السياسي‪،‬‬ ‫الذي ينبغي – يف نظره – أن يعتمد على ثالثة‬ ‫حماور(‪:)21‬‬ ‫إرساء سيادة القانون‪.‬‬ ‫حتقيق التحول الدميقراطي‪.‬‬ ‫واحلكم الدستوري‪.‬‬ ‫وق��ال (وو) يف تصرحياته األخ�يرة‪ ،‬إن قضية‬ ‫ً‬ ‫تقدما يذكر‪ ،‬منذ أن‬ ‫اإلصالح السياسي مل حترز‬ ‫نادى مؤمتر احلزب الشيوعي احلاكم يف عام ‪1987‬‬ ‫بضرورة املضي ً‬ ‫ألقي‬ ‫قدما يف هذا الطريق‪ .‬وقد َّ‬ ‫باللوم على التحالف بني‪« :‬رأمسالية احملاسيب»‪.‬‬ ‫و بعض قطاعات الدولة املستفيدة من الوضع‬ ‫احلالي‪ ،‬واليت تقاوم بالتالي إرساء سيادة القانون‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تنافسا بني قوى اإلصالح‬ ‫كما حذر من أن هناك‬ ‫وقوى الثورة‪ ،‬وإن على السلطة أن متضي ً‬ ‫قدما‬ ‫يف اإلصالح‪ ،‬لكي تتالفى اندالع ثورة‪ ،‬ستكون هلا‬ ‫تداعيات سيئة على النمو االقتصادي‪.‬‬ ‫اخلصوصية الصينية‬ ‫كل ما يتعلق بالصني مبهر وحمري يف آن واحد‪.‬‬ ‫فكيف ميكن‪ ،‬يف عامل يضم حنو ‪ 200‬دول��ة‪ ،‬أن‬ ‫يعيش حنو مخس حجم البشرية يف دولة واحدة‬ ‫؟‬ ‫كيف تبقى هذه الدولة على وحدتها‪ ،‬رغم‪:‬‬ ‫أتساعها اجلغرايف الكبري‪.‬‬ ‫تعدد الثقافات‪.‬‬ ‫التعدد اإلثنيات‪.‬‬ ‫واللغات بني سكانها‪.‬‬ ‫وتباين البيئة اجلغرافية‪.‬‬ ‫ودرجة التطور االقتصادي ما بني أقاليمها ؟‬ ‫الصني يف نظر العديد من احملللني « حضارة‬


‫تتخفى يف صورة دولة قومية « تكاد مقومات‬ ‫قوتها و ازدهارها تتعادل مع مقومات انهيارها‬ ‫وتفككها‪ ،‬بشكل جيعل من التنبؤ بتطوراتها‬ ‫املستقبلية أمراً « يكاد يكون خارج إمكانيات‬ ‫« العلوم االجتماعية والسياسية برمتها‪ .‬ومل‬ ‫يشهد العامل من قبل حالة مثل حالة الصني‬ ‫احلديثة‪ ،‬سواء يف سرعة ودرجة و استمرارية‬ ‫صعودها االقتصادي يف ظل نظام سلطوي‪ ،‬أو يف‬ ‫أسلوب اإلدارة الذي يعتمد على‪:‬‬ ‫التجريب‪.‬‬ ‫و الالمركزية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وقد كان على حكامها تارخييا أن يوازنوا دائما ما‬ ‫بني متطلبات « وحدة الدولة والتنوع اجلغرايف‬ ‫والثقايف و االث�ني المتدادها ال��ق��اري»‪ .‬ورغم‬ ‫فرتات االضطراب والتفكك اليت شهدتها الصني‬ ‫على مدى تارخيها‪ ،‬فإن عوامل وحدة الدولة‬ ‫تتغلب مرة بعد أخرى‪)22(.‬‬ ‫حتتل الدولة مكانة خاصة يف التاريخ والثقافة‬ ‫الصينية‪ ،‬وتستمد شرعيتها م��ن تواصل‬ ‫وجودها عرب آالف السنني‪ ،‬ومن رؤية الشعب‬ ‫الصيين هلا بوصفها اجملسد لوحدة وسيادة‬ ‫وح��ض��ارة ال��ص�ين‪ .‬إن حم��وري��ة دور ال��دول��ة‬ ‫ومكانتها الرفيعة يف الصني ال ترتبطان بتارخيها‬ ‫احلديث كدولة قومية‪ ،‬بل هي ج��زء أصيل‬ ‫من احلضارة الصينية‪ ،‬يعود إىل عدة عوامل‬ ‫تارخيية‪ .‬فالدولة الصينية‪ ،‬على مدى تارخيها‪،‬‬ ‫مل تكن أبداً مضطرة لتقاسم السلطة مع أي قوة‬ ‫أو مؤسسة اجتماعية‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫الكنسية‪.‬‬ ‫أو طبقة التجار‪.‬‬ ‫كما أن العقيدة الكونفوشية ال متنح الشعب حق‬

‫مساءلة الدولة‪ .‬ولكن األخرية مطالبة‪ ،‬حبسب‬ ‫هذه العقيدة‪ ،‬بأن تطبق معايري أخالقية وقيمية‬ ‫يف حكمها للشعب‪ .‬وإذا ما اندلعت احتجاجات‬ ‫شعبية واسعة ضد حاكم أو أسرة حاكمة‪ ،‬فإن‬ ‫ذلك يصبح ً‬ ‫دليال‪ ،‬من وجهة النظر الكونفوشية‪،‬‬ ‫على أن هذا النظام قد فقد شرعيته‪ ،‬وتنتقل‬ ‫السيادة حينئذ للشعب الذي حيق له أن يسقط‬ ‫هذا احلاكم‪ .‬ومن هنا‪ ،‬ينبع حرص القيادة‬ ‫الصينية املعاصرة على احتواء االحتجاجات‬ ‫الشعبية‪ ،‬وتوصيفها كاحتجاجات ضد املسؤولني‬ ‫احملليني‪ ،‬وأن تتدخل السلطة املركزية يف الوقت‬ ‫املناسب ل��ص��احل امل��واط��ن�ين احملتجني‪ ،‬حتى‬ ‫حتتفظ بشرعيتها‪ .‬متيز جهاز الدولة يف الصني‬ ‫ً‬ ‫تارخييا بكفاءة عالية يف إدارة شؤون البالد‪ ،‬ويف‬ ‫تنفيذ مشروعات ضخمة بنجاح مشهود‪ .‬يرجع‬ ‫ذل��ك إىل نظامها البريوقراطي العتيد‪ ،‬الذي‬ ‫ً‬ ‫تارخييا على أساس‬ ‫قام اختيار املسؤولني فيه‬ ‫الكفاءة والقدرات الشخصية‪ ،‬ومل يكن لنفوذ‬ ‫املال أو اجلاه تأثري فيه‪ .‬عزز ذلك من فكرة أن‬ ‫كفاءة احلكومة وقدرتها على اإلجناز هما املعيار‬ ‫األساسي لشرعيتها‪ ،‬وليس طريقة وصوهلا إىل‬ ‫احلكم‪ .‬لذلك‪ ،‬تتميز الثقافة السياسية املعاصرة‬ ‫بالرتكيز على‪:‬‬ ‫الكفاءة‪.‬‬ ‫النزاهة‪.‬‬ ‫اإلجناز بشكل كبري‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أسلوبا‬ ‫وقد اعتمدت الدولة الصينية احلديثة‬ ‫فريداً يف إدارة التوازنات بني املركز واحملليات‪.‬‬ ‫فقد شجعت بشكل واض��ح وصريح اإلدارات‬ ‫احمللية على جتربة وتطوير من��اذج خمتلفة‬ ‫للتنمية‪ .‬وق��د أدت اإلص�لاح��ات ال�تي متت يف‬ ‫‪101‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪102‬‬

‫السبعينيات والثمانينيات من القرن املاضي إىل‬ ‫نقل صالحيات أوسع إىل احلكومات احمللية فيما‬ ‫يتعلق مبجموعة كبرية من القضايا مثل‪:‬‬ ‫الضمان االجتماعي‪.‬‬ ‫الرعايا الصحية‪.‬‬ ‫التعليم‪.‬‬ ‫احلفاظ على البيئة‪.‬‬ ‫وبينما تضع احل��ك��وم��ة امل��رك��زي��ة األه���داف‬ ‫الرئيسية‪ ،‬فإنها ت�ترك العنان للمحليات يف‬ ‫تطوير أساليب خمتلفة لتحقيق هذه األهداف‪.‬‬ ‫وعندما يثبت أحد هذه األساليب جدارته‪ ،‬يتم‬ ‫« اعتماده « من قبل احلكومة املركزية‪ ،‬وتعميمه‬ ‫يف مناطق أخرى‪ )23(.‬وهلذا األسلوب يف اإلدارة‬ ‫عدة فوائد‪ .‬فهو‪ ،‬من ناحية‪ ،‬قد أطلق الطاقات‬ ‫اإلبداعية للشعب الصيين مبختلف اجتاهاته‪ ،‬مبا‬ ‫يف ذلك طاقات « القطاع اخلاص»‪ ،‬مما مسح للصني‬ ‫بتحقيق معدالت عالية من النمو االقتصادي‪.‬‬ ‫فالصني يف الواقع دولة واحدة بداخلها «نظم»‬ ‫متعددة‪ .‬فهناك النظام «املختلف» يف هونك‬ ‫كونك اليت‪-:‬‬ ‫تتمتع بعملة قابلة للتحويل‪.‬‬ ‫ونظام سياسي خمتلف‪.‬‬ ‫وحريات أكرب يف التعبري عن الرأي ويف اإلعالم‪.‬‬ ‫وهناك ً‬ ‫أيضا على مستوى احملليات ما يطلق‬ ‫عليه «النماذج» املتعددة للتنمية‪ ،‬مثل (منوذج‬ ‫جوان دونك) القائم على‪-:‬‬ ‫الليربالية االقتصادية‪.‬‬ ‫درجة نسبية أكرب من الليربالية السياسية‪.‬‬ ‫فهي مقر أول مؤسسة فكرية خاصة وغري‬ ‫حكومية‪ ،‬تشكلت إلس��داء النصح للحكومة‬ ‫احمللية بشأن السياسات اليت جيب أن تتبعا‪.‬‬

‫ً‬ ‫كانت (ج��وان دون��ك) ً‬ ‫مسرحا لتجربة‬ ‫أيضا‬ ‫دميقراطية تعد فريدة يف الصني‪ ،‬حيث قام‬ ‫سكان قرية صغرية «ووك���ان» بانتفاضة ضد‬ ‫املسؤولني احملليني الذي تورطوا يف ممارسات‬ ‫ً‬ ‫مجيعا من القرية‪.‬‬ ‫قمعية وفاسدة‪ ،‬وطردوهم‬ ‫(‪ )24‬قامت قوات األمن مبحاصرة القرية‪ ،‬بل‬ ‫واقتحمتها بالفعل باألسلوب القمعي «املعتاد»‬ ‫للنظم السلطوية‪ .‬ولكن األم��ور أخذت منحى‬ ‫غري متوقع من ناحية اجملتمع والسلطة على‬ ‫حد سواء‪ .‬لقد قاوم سكان القرية قوات األمن‬ ‫وأجربوها على االنسحاب‪ .‬من ناحية أخرى‪،‬‬ ‫قامت السلطات احمللية – األعلى على مستوى‬ ‫احمل��اف��ظ��ة – ب��ال��ت��دخ��ل‪ ،‬وأرس����ال مسؤولني‬ ‫للتفاوض مع احملتجني‪ .‬اسفر ذلك يف النهاية‬ ‫ع��ن جتربة دميقراطية ف��ري��دة‪ ،‬حيث قام‬ ‫السكان بأنفسهم بتنظيم انتخابات حرة‬ ‫ونزيهة النتخاب قياداتهم احمللية‪ ،‬ف��از بها‬ ‫ً‬ ‫األشخاص الذين لعبوا دوراً‬ ‫حموريا يف قيادة هذه‬ ‫االنتفاضة الشعبية‪ .‬كما أقال احلزب الشيوعي‬ ‫ممثله الفاسد يف القرية‪ ،‬وعني مكانه الشخص‬ ‫الذي قاد مجوع سكان القرية يف هذه االنتفاضة‪.‬‬ ‫ظهرت يف مناطق صينية متعددة «من��اذج»‬ ‫خمتلفة يف السياسة واحلكم‪ ،‬كان من أبرزها‬ ‫(من���وذج تشونك تشينج)‪ ،‬وال���ذي ك��ان على‬ ‫النقيض من (منوذج جوان دونك)‪ ،‬كان يقوم‬ ‫على سياسات «شعبية» تسعى إلرضاء اجلماهري‪،‬‬ ‫دون أس��اس اقتصادي سليم‪ .‬كما متيز هذا‬ ‫النموذج بإحياء األغاني والشعارات والتجمعات‬ ‫اجلماهريية اليت ارتبطت بالقائد الراحل (ماو)‪،‬‬ ‫وبفرتة « الثورة الثقافية»‪ .‬فقد أقام (يو شي الي)‬ ‫حاكم هذه املدينة الصناعية الكربى‪ ،‬شهرته‬


‫السياسية على أساس حماربة اجلرمية املنظمة‬ ‫والفساد‪ ،‬ولكن ممارساته أتسمت بالتجاهل التام‬ ‫لقواعد القانون‪ ،‬واحرتام حقوق اإلنسان‪ .‬وبرغم‬ ‫أن (يو) سياسي يتمتع بشعبية واسعة‪ ،‬وصالت‬ ‫قوية مع اجليش والعديد من أصحاب القوة‬ ‫والنفوذ يف الصني‪ ،‬فقد جنح التيار اإلصالحي‬ ‫بقيادة الرئيس ورئيس احلكومة احلالي يف‬ ‫اإلطاحة به أخرياً‪ ،‬على خلفية اتهامات‪-:‬‬ ‫بالفساد‪.‬‬ ‫إساءة استخدام السلطة‪.‬‬ ‫شائعات باستغالل منصبه البتزاز رجال أعمال‪،‬‬ ‫ومصادرة أمواهلم عن غري وجه حق لتمويل‬ ‫سياساته الشعبية‪.‬‬ ‫تطلق احلكومة املركزية العنان للطاقات احمللية‬ ‫للتجربة و اإلبداع‪ ،‬وتطبيق أمناط خمتلفة من‬ ‫اإلدارة واإلنتاج‪ ،‬ثم تقوم بدعم وتعميم النماذج‬ ‫الناجحة‪ .‬ويتفادى هذا األسلوب «التجرييب» على‬ ‫املستوى احمللي‪ ،‬النتائج الكارثية اليت ترتتب‬ ‫على تطبيق سياسة واحدة على امتداد الدولة‬ ‫الصينية‪ ،‬ثم يثبت عدم جناحها‪ .‬و تتفادى‬ ‫ال��دول��ة سياسة اإلم�ل�اء م��ن أعلى يف حتقيق‬ ‫ً‬ ‫منهجا معتمداً يف‬ ‫التنمية والتغيري‪ ،‬بل تعتمد‬ ‫التعليم عن طريق العمل‪ .‬وقد أرخت القيادات‬ ‫الصينية العنان لـ(يوشي الي) لعدة سنوات‪،‬‬ ‫حتى أثبتت جتاوزاته‪ ،‬واخلطر ال��ذي تشكله‬ ‫ممارساته اخلارجة على القانون على االستقرار‪،‬‬ ‫ثم أطاحت به وانتقدت عالنية منوذج « املاوية‬ ‫اجلديدة « الذي طبقه‪.‬‬ ‫احلزب احلاكم‬ ‫ترتكز القوة يف النظام الصيين يف يد احلزب‬ ‫الشيوعي احلاكم‪ ،‬الذي قدر عدد أعضاءه‪ ،‬يف عام‬

‫‪ 2012‬بنحو ‪ 80‬مليون شخص‪ .‬و هو بذلك يعد‬ ‫أكرب حزب يف العامل‪ ،‬بعد حزب العمال يف كوريا‬ ‫ً‬ ‫الشمالية‪ .‬لعب احلزب دوراً‬ ‫حموريا‪:‬‬ ‫يف هزمية االستعمار الياباني للصني ‪.‬‬ ‫ويف إع���ادة وص��ل ال��ص�ين احل��دي��ث��ة مباضيها‬ ‫املزدهر‪.‬‬ ‫فقد أعاد إنشاء وتوحيد الدولة الصينية‪ ،‬بعد‬ ‫قرن من املهانة والتفكك‪ ،‬كما خطط وأدار‬ ‫االسرتاتيجية اليت أع��ادت الصني إىل مكانتها‬ ‫املرموقة على الصعيد العاملي‪ .‬وأظهر احلزب‬ ‫قدرة فائقة على «إعادة اخرتاع» نفسه‪ ،‬والتحول‬ ‫من حزب ميثل الطبقة العاملة الصينية إىل‬ ‫حزب ميثل الصني كمجتمع ودول��ة‪ ،‬وحتولت‬ ‫أسس شرعيته من األس��س األيديولوجية إىل‬ ‫أسس ترتبط بالنمو االقتصادي‪ .‬وهلذا السبب‪،‬‬ ‫ميثل تراجع معدالت النمو االقتصادي تهديداً‬ ‫ً‬ ‫حقيقيا لشرعيته وسيطرته على احلكم‬ ‫وقدرته على التكيف‪ .‬ال يسمح احلزب الشيوعي‬ ‫احلاكم بإنشاء أح��زاب سياسية منافسة‪ ،‬كما‬ ‫قمع بقسوة أي حركات دينية مثل ‪Falun‬‬ ‫‪ Gong‬وال�تي من املمكن أن تشكل قاعدة‬ ‫مستقلة ألنشطة مناهضة للحكم‪ .‬وحيكم‬ ‫احلزب سيطرته‪ ،‬من خالل‪-:‬‬ ‫التحكم يف تعيني املسؤولني احلكوميني على‬ ‫مجيع املستويات‪.‬‬ ‫والرقابة على اإلعالم اخلاص‪.‬‬ ‫والتحكم يف اخلطاب اإلعالمي “ الرمسي” ملواجهة‬ ‫ما ينشر عرب وسائل االتصال اإللكرتوني‪.‬‬ ‫والسيطرة على اجليش‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫واجلدير بالذكر أن هناك تراثا طويال من‬ ‫السيطرة املدنية على اجليش‪ ،‬وإن كان البعض‬ ‫‪103‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪104‬‬

‫يتخوف من تراجع هذه السيطرة مع النمو‬ ‫املطرد يف قوة القوات املسلحة الصينية‪ .‬وقد‬ ‫أظهر احل��زب درج��ة عالية من ال��ق��درة على‬ ‫التأقلم‪ ،‬خاصة بعد انهيار احل��زب الشيوعي‬ ‫احلاكم يف االحت��اد السوفياتي السابق‪ ،‬والذي‬ ‫مثل صدمة عميقة لقيادات احلزب الشيوعي‬ ‫الصيين‪ .‬فقد قامت هذه القيادات بدراسات‬ ‫موسعة عميقة ألسباب هذا االنهيار‪ ،‬حمددة ما‬ ‫يزيد على ‪ً 60‬‬ ‫سببا لذلك‪ ،‬من وجهة نظرها‪.‬‬ ‫وكان من أهم هذه األسباب استمرار القيادات‬ ‫الطاعنة يف السن يف مكانها‪ ،‬ال تغادر مناصبها‬ ‫إال باملوت‪ ،‬أو بسبب اهلزمية يف صراع للقوى بني‬ ‫أجنحة احلزب‪.‬‬ ‫وقد أدخل احلزب الشيوعي الصيين‪ ،‬ألول مرة‬ ‫يف تاريخ األحزاب الشمولية(‪:)25‬‬ ‫ً‬ ‫مبدأ تقاعد القيادات عند سن معينة (‪ 65‬عاما)‪.‬‬ ‫وإال يبقى أي مسؤول يف منصبه أكثر من مدتني‪،‬‬ ‫حت��دد ك��ل منهما خبمس س��ن��وات‪ .‬وحرصت‬ ‫قيادات احلزب ً‬ ‫أيضا على إرساء آليات النتقال‬ ‫السلطة بشكل سلمي من جيل ألخر‪ .‬وأن تكون‬ ‫اخلربة العملية الطويلة‪ ،‬والكفاءة املهنية معايري‬ ‫أساسية يف اختيار القيادات احلزبية و احلكومية‬ ‫يواجه احل��زب‪ ،‬ال��ذي يسيطر على مقدرات‬ ‫القوة يف الصني‪ ،‬معضلة إدارة جمتمع يتعدد‬ ‫يف الفاعلون واملصاحل وأمناط اإلنتاج‪ ،‬من قبل‬ ‫مؤسسة (هرياركية تقليدية ‪Complexity‬‬ ‫‪ .)Transition‬ه��ذه املعضلة‪ ،‬ه��ي اليت‬ ‫تواجهها أي مؤسسة أو شركة أو نظام يدير‬ ‫شؤونه بطريقة هرياركية مركزية‪ ،‬يف ظل‬ ‫أجتاه نظم الصناعة واإلنتاج والتوزيع واحلكم‪،‬‬ ‫واجملتمعات احلديثة بشكل عام إىل درجات أعلى‬

‫من التعقيد والتشابك‪( )26(.‬فبحسب نظريات‬ ‫اإلدارة‪ ،‬ال تستطيع النظم‪ ،‬اليت تركز عملية‬ ‫أختاذ القرار يف سلطة مركزية واحدة و إدارة‬ ‫أنشطة يتسم سلوك الفاعلني فيها بالتعقيد‪.‬‬ ‫و التعدد و سرعة التغيري‪.‬‬ ‫ال ميكن لسلطة مركزية‪ ،‬ناهيك عن شخص‬ ‫واح��د‪ ،‬اإلمل��ام بكل ت��ط��ورات وتعقيدات هذا‬ ‫النشاط ال�تي تتيح له أخت��اذ ق��رارات صائبة‬ ‫بشأنها‪.‬‬ ‫هلذا السبب اجتهت املؤسسات جبميع أنواعها‬ ‫إىل االعتماد على نظم تتسم بطابع «الشبكات»‬ ‫اليت تنتقل فيها املعلومات بسرعة بني مراكز‬ ‫م��ت��ع��ددة‪ ،‬تقوم ب��اخت��اذ ال��ق��رارات بطريقة‬ ‫تشاورية‪ .‬وقد ثبت أن االستمرار يف املمارسات‬ ‫اهلرياركية واملركزية يف صنع القرار يؤدي إىل‬ ‫عزل القيادات أكثر فأكثر عن فعاليات الواقع‬ ‫العملي الذي تديره‪ ،‬مبا يؤدي إىل فشل املنظمة‬ ‫كلها‪ .‬أب��دت قيادات احل��زب الشيوعي الصيين‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واضحا ملساوئ اهلرياركية و االنفراد‬ ‫إدراك���ا‬ ‫بالقرارات‪ .‬لذلك‪ ،‬حرصت على توسيع دائرة‬ ‫التشاور‪-:‬‬ ‫داخل احلزب وبني احلزب والفاعلني املختلفني‬ ‫يف اجملتمع وكان من أبرز مظاهر ذلك التحول‬ ‫املتعمد على ظاهرة القائد الواحد إىل ممارسة‬ ‫القيادة اجلماعية عن طريق ال��ت��واف��ق‪)27(.‬‬ ‫(وقد أشار املتابعون للشأن الصيين إىل تراجع‬ ‫الشكل الكاريزمي للقيادات الصينية باطراد‪،‬‬ ‫منذ رحيل (ماو تسي تونك) حيث تصاعدت‬ ‫قوة احلزب على حساب قوة قياداته‪ .‬واصبح‬ ‫من املسلم به أن الرئيس ما هو إال واحد من‬ ‫جمموعة تكاد تتساوى يف قوتها‪ ،‬تتحكم يف إدارة‬


‫احلزب واحلكومة‪ ،‬من خالل «اللجنة الدائمة‬ ‫للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيين‪،‬‬ ‫واملكونة من تسعة أفراد‪ .‬وعلى عكس اخللفية‬ ‫الثورية املقاومة اليت كانت متيز قيادات اجليل‬ ‫األول من قيادات احل��زب الشيوعي الصيين‪،‬‬ ‫اجتهت خلفيات األجيال اجلديدة إىل التنوع‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وجغرافيا‪ ،‬ومن حيث التجربة العملية‬ ‫طبقيا‬ ‫وجماالت الدراسة‪ .‬و تعدد التغريات يف القيادات‬ ‫احلزبية اليت متت خالل تشرين الثاني من‬ ‫‪ 2012‬هي األوسع على اإلطالق يف تارخيه‪ ،‬حيث‬ ‫مت صعود سبعة وجوه جديدة إىل اللجنة الدائمة‬ ‫دفعة واحدة‪ .‬وكما أن الصني هي دولة واحدة‪،‬‬ ‫تتعدد بداخلها «النظم»‪ ،‬فإن احلزب الشيوعي‬ ‫الصيين تتعدد بداخله االجتاهات والرؤى‪ ،‬وإن‬ ‫كانت ترتكز يف جمموعتني رئيسيتني‪-:‬‬ ‫اجملموعة اإلصالحية‪ ،‬اليت يرأسها رئيس الصني‬ ‫احلالي‪ ،‬وال�تي تأتي من خلفيات اجتماعية‬ ‫ً‬ ‫نسبيا‪ ،‬شقت طريقها إىل مراكز‬ ‫متواضعة‬ ‫القيادة عرب خربة عملية طويلة‪.‬‬ ‫اجملموعة الثانية هي جمموعة « األمراء الصغار»‬ ‫وتتشكل من أبناء القيادات احلزبية واحلكومية‬ ‫السابقة‪ ،‬واليت هلا خلفية اجتماعية و اقتصادية‬ ‫متميزة‪ ،‬وتتمتع بنفوذ سياسي واجتماعي‪،‬‬ ‫وعالقات وثيقة فيما بينها‪)28(.‬‬ ‫لذلك يوصف احل��زب الشيوعي الصيين بأنه‬ ‫“ح��زب واح��د” بداخله ائتالفان‪ ،‬أو حتالفان‪.‬‬ ‫ختتلف اجملموعتان يف الرؤية واخلربة العملية‪،‬‬ ‫حيث إن جلبهة “ األمراء” خربة أكرب يف‪-:‬‬ ‫أعمال البنوك و الشركات‪.‬‬ ‫وصالت أكرب بدوائر املال واألعمال داخل الصني‬ ‫وخارجها‪ .‬ويرى العديد من احملللني أنها من‬

‫اجلبهات “صاحبة املصلحة “ يف إعاقة التحول إىل‬ ‫الليربالية السياسية واالقتصادية بشكل كامل‪.‬‬ ‫ولكن اجملموعتني هلما مصلحة مشرتكة يف‬ ‫احلفاظ على مقدرات القوة يف يد احلزب وحده‪،‬‬ ‫ويف حتقيق معدالت النمو اليت تسمح بتاليف‬ ‫االضطرابات االجتماعية الواسعة‪ )29(.‬وتشكل‬ ‫هذه « التعددية» داخل احلزب فرصة ألن متثل‬ ‫فيه خمتلف االجت��اه��ات واملناطق اجلغرافية‬ ‫والتوجهات‪ ،‬لكنها من ناحية أخرى قد تشجع‬ ‫على تصاعد ال��ص��راع بداخله‪ ،‬وأت��س��اع هوة‬ ‫اخلالفات حول قضايا متعددة‪)30(.‬‬ ‫عندما حتكم الصني‬ ‫يراقب العامل التطورات احلالية يف الصني عن‬ ‫كثب‪ ،‬حيث إنها سوف حتدد شكل النظام الصيين‬ ‫يف املرحلة القادمة‪ ،‬ستكون له تداعيات على‬ ‫الدور الذي ستلعبه هذه الدولة على املستوى‬ ‫العاملي‪ .‬فعلى املستوى االقتصادي‪ ،‬ينظر العامل‪:‬‬ ‫إىل فوائض الصني النقدية الضخمة‪ .‬وإىل سوقها‬ ‫الكبري‪ ،‬كمفاتيح للخروج من األزمة االقتصادية‬ ‫العاملية‪ .‬كما أنه يراقب بقلق تصاعد القوة‬ ‫العسكرية الصينية‪ ،‬الذي واكبه تزايد واضح يف‬ ‫اإلنفاق على التسلح يف منطقة شرق آسيا‪.‬‬ ‫وعلى املستوى االسرتاتيجي‪ ،‬هناك توجس كبري‬ ‫بشأن مرحلة « حتول القوة» على الصعيد الدولي‬ ‫بني القوة الصاعدة الصني‪ ،‬والدولة املهيمنة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫نسبيا يف قوتها الواليات‬ ‫تراجعا‬ ‫اليت تعاني‬ ‫املتحدة األمريكية‪ ،‬حيث إن هذه املراحل قد‬ ‫ً‬ ‫تارخييا باندالع الصراعات‪.‬‬ ‫ارتبطت‬ ‫لذلك‪ ،‬فإن وزير اخلارجية األمريكي األسبق‪،‬‬ ‫هنري كيسنجر‪ ،‬وال��ذي له مؤلفات أكادميية‬ ‫‪105‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪106‬‬

‫عديدة عن النظام الدولي وحتوالت القوة فيه‪،‬‬ ‫خصص مؤلفه األخري لدراسة الصني‪ .‬وهو يؤكد‬ ‫يف كل كتاباته األخرية أن العالقة بني الواليات‬ ‫املتحدة والصني سوف تكون العالقة احملورية‬ ‫اليت حتدد شكل النظام العاملي يف القرن احلادي‬ ‫والعشرين‪ .‬ويؤكد كيسنجر ً‬ ‫أيضا ضرورة فهم‬ ‫اخلصوصية الصينية‪ ،‬واليت ستلعب دوراً كبرياً‬ ‫يف حتديد مالمح سلوك الصني كدولة عظمى‬ ‫على الصعيد العاملي يف املرحلة القادمة‪)31(.‬‬ ‫ويرى « مارتن جاك (مؤلف كتاب «عندما حتكم‬ ‫الصني العامل) أن مستقبل الصني سوف حتدده‬ ‫تفاعالت اجملتمع والسياسة واالقتصاد بداخلها‪.‬‬ ‫وسوف يرتكز هذا املستقبل بشكل كبري على‬ ‫جت��رب��ة ال��ص�ين التارخيية ال��ف��ري��دة‪ ،‬وعلى‬ ‫رصيدها الثقايف و احلضاري‪ .‬كما يرى أنها سوف‬ ‫تغري النظام العاملي احلالي بشكل أكثر راديكالية‬ ‫وجذرية من أي قوة عاملية عرب التاريخ‪)32(.‬‬ ‫ً‬ ‫توازنا ما بني‬ ‫ويف املقابل يرى كيسنجر أن هناك‬ ‫الصني والواليات املتحدة‪ ،‬من حيث‪:‬‬ ‫القوة‪.‬‬ ‫االمتداد اجلغرايف‪.‬‬ ‫اخلصوصية التارخيية و الثقافية‪.‬‬ ‫مم��ا جيعل م��ن املستحيل على أي منهما أن‬ ‫تسيطر على األخ����رى‪ .‬وي���رى كيسنجر أن‬ ‫اجلانبني لن جينيا سوى اخلسارة‪ ،‬إذا حتولت‬ ‫العالقة بينهما إىل ال��ص��دام‪ ،‬وأن عليهما أن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عامليا‪ ،‬يسمح لكل منهما باحلركة‬ ‫مناخا‬ ‫خيلقا‬ ‫والتطور دون صدام (‪.)Co-evolution‬لكن‬ ‫املسؤولني يف الصني أقل اهتماما بدورها العاملي‬ ‫من مواجهة التحديات‪ .‬فهناك عشرات اآلالف‬ ‫من االحتجاجات‪ ،‬اليت يتسم بعضها بالعنف‪،‬‬

‫حتدث كل عام يف الصني‪ ،‬حيث يعرب املواطنون‬ ‫عن غضبهم من‪:‬‬ ‫االختالالت االجتماعية واالقتصادية الكبرية‪.‬‬ ‫ومن الفساد‪ .‬ومن التدهور البيئي الشديد‪.‬‬ ‫وق��د ت��زاي��دت بشكل واض��ح أع��داد منظمات‬ ‫اجملتمع املدني الفاعلة يف خمتلف اجملاالت‪ ،‬حتى‬ ‫قدر عددها بنحو ثالثة ماليني‪ .‬كما أن التنمية‬ ‫االقتصادية قد خلقت مراكز ق��وة متعددة‬ ‫خ��ارج النظام احل��اك��م‪( :‬م��ن شركات خاصة‬ ‫وبنوك وحتى شركات البرتول اململوكة للدولة‪،‬‬ ‫واليت هلا مصاحلها اخلاصة‪ ،‬وتضغط بقوة من‬ ‫أجل احلفاظ عليها) وهناك حوار واسع وممتد‬ ‫بني املثقفني واألكادمييني حول‪:‬‬ ‫سياسات التنمية‪.‬‬ ‫العالقات اخلارجية‪.‬‬ ‫اإلصالح السياسي‪.‬‬ ‫الفساد‪.‬‬ ‫الدميقراطية‪ ،‬وغريها‪.‬‬ ‫وقد حدا ذلك بأحد املتابعني للشأن الصيين إىل‬ ‫أن يعلق بأنه ليس هناك أي نوع من االتفاق يف‬ ‫الصني حول أي من القضايا األساسية‪.‬‬ ‫تواجه القيادة الصينية اجل��دي��دة حتديات‬ ‫ضخمة يف إدارة ع�لاق��ة السلطة باجملتمع‬ ‫ومواجهه أصحاب املصاحل والفساد‪ ،‬أو التعايش‬ ‫معهم ويف حتديد كيفية ممارسة الصني لدورها‬ ‫كقوة صاعدة على املستوى العاملي‪.‬‬ ‫ويف إطار الرتاجع الكبري على مستوى االقتصاد‬ ‫ال��دول��ي‪ ،‬وتداعياته على االقتصاد الصيين‪،‬‬ ‫وتصاعد املطالب الشعبية بسقوط األنظمة‬ ‫السلطوية يف دول الثورات العربية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫واسعا بالداخل الصيين‪ ،‬فإن‬ ‫واليت جتد صدى‬


2012 .)1‫ ص‬،‫ (املصدر السابق نفسه‬. 8 .)2‫ (املصدر السابق نفسه ص‬. 9 10 Maksim Glikin، “ Quote of the Week”، Vedomasti، 22-3-2011، pp.4، and Current

‫قدرة املؤسسة احلاكمة على التكيف أصبحت على‬ ‫ وسوف تثبت السنوات القادمة ما‬.‫حمك خطري‬ ‫إذا كانت األجيال اجلديدة من القيادات الصينية‬ ‫ و التكيف‬،‫لديها الكفاءة والقدرة على االبتكار‬ !! ‫واللتان أظهرتهما األجيال السابقة أم ال‬

Digest of the Past Soviet Press، vol. 63، 21-27 March 2011، pp. 5. 11 . Sergey Strokan، “ Russia Seeks Out Island of Tranquility for Libya” June 2011، World New Connection

:‫اهلوامش و اإلحاالت‬

12 . Russia Backs Efforts to Start Dialogue between Opposing Political

1 . Russia’s National Security Strategy to

Forces in Yemen-Lavrov” Inrerfax-

2020”، Rustrans، no. 537، 12th May 2009.

AVN 29th June 2011، World News

‫ كل من الربازيل وروسيا واهلند‬،‫ (تضم منظمة الربيك‬. 2 ً ‫الحقا بضغط من‬ ‫ وقد انضمت جنوب إفريقيا إليها‬،‫والصني‬

Connection 13 . Yun Sun، “ Syria: What China Has

.)‫الصني وروسيا ليصبح أمسها الربيكس‬

Learned from its Libya Experience”، Asia

3 . Zvi Magen and Olena Bagno-

Pacific Bulletin، no. 152، February 2012

Moldavsky، “ New Directions in Russia’s

World News Connection.

Foreign Policy: Implications for the

14 . Katz، Russia and the Arab Spring.

Middle East”، Strategic Assessment، vol.

OP.

13، no. 4. January 2001).

15 Foreign Policy، 12 August، 2012.

.)77 ‫ ص‬،‫ (املصدر نفسه‬. 4

16 . Now Arab Spring in Russia، Daily

5 . Igor Khrestin and John Elliott، “Russia

Telegraph، 13th April 2012

and the Middle East”. Dm Middle East

)‫ (املصدرنفسه‬. 17

Quarterly، vol. 14، no. 1، winter 2007، pp.

18 . Aigerim Zikihayeva، “ What Does

21-17).

the Arab Spring Mean for Russia،

6. Freedman. “Russian Policy toward the

Central Asia، and the Caucasus ?” Center for Strategic and International

Middle East under Yeltsin and Putin. ً ‫عرضا‬ ً :‫ يف‬،‫مهما هلذا املوضوع‬ ‫ أنظر‬. 7

Studies، September 2011

Mark N. Katz، “Russia and the Arab

19 . Vladimir Putin Claims Russia

Spring”، Middle East Institute، 3rd April،

‫أقواس‬

107


108

‫أقواس‬

29. (Cheng Li، “ The Battle for

is the Major Support for the Islamic

China’s Top Nine Leadership Posts”،

Countries.

Washington Quarterly، Winter 2012.

20 China Experiments: From Local

30. (Yokon Huang، “ The Challenge for

Innovation to National Reform. Ann

China’s New Leaders:، Foreign Affairs،

Florini، Hairong Lai and Yeling Tan،

March 7th، 2012 .

Brookings Institute Press، 2012. see

31 (Henry Kissinger، «The Future of

chapter titled China at a Crossroads

US-Chinese Relations»، Foreign Affairs،

21 . South China Morning Post،

March/April 2012. Henry Kissinger، On

Monday March 20th 2012 )

China، USA. Penguin Press، 2011.

22 Lucien Pye، Quoted in، De-Facto

32 (Martin Jacque، « When China Rules

Federalism in China، Reforms and

the World، The Rise of the Middle

Dynamics of Central-Local Relations،

Kingdom and the End of the Western

Available at، www.worldscibooks.com/

World”. Penguin Books، 2009.

eastasianstudies/6230html. 23 China Experiment، op.cit. 24 On events in Wukan see Financial Times، Communist Party tested by village protests. December 18th 2011 25 Richard McGreger، The Party، the Secret World of China’s Communist Rules. The Penguin Group، 2010. 26 Yaneer Bar-Yam، “Dynamics of Complex System، Mass، Pursues Books، 1997. See chapter on “Human Civilization as a Complexity Transition”. 27 Cheng Li، “Preparing for the 18th Congress”، China Leadership، January، 2012 28 . (Prince Lings and the Gloom State. Economist، April 14th 2011


‫دور النخبة السياسية يف التحديث السيايس‬

‫أ‌‪ .‬د‪ .‬عبدالقادر الصلباوي‬ ‫استاذ علم االجتماع السياسي‬

‫‪109‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪110‬‬

‫املقدمة‬ ‫إن وجود السلطة كممارسة سياسية داخل‬ ‫الدولة واجملتمعات والنظم السياسية يؤسس‬ ‫لوجود جمموعة من األنساق واملؤسسات القائمة‬ ‫على أساس العالقة السلطوية فيما بينها مما‬ ‫يعزز على حنو جلي وجود احلاكم واحملكوم بني‬ ‫خمتلف املؤسسات االجتماعية مبفهومها الشامل‬ ‫داخ��ل وخ��ارج املنظومة السياسية متناغمة‬ ‫بذلك مع التقسيم الطبقي داخل اجملتمع ‪.‬‬ ‫وت��أت��ي النخبة السياسية كمفهوم ح��اول‬ ‫املختصون من خالله تسليط الضوء على مجاعة‬ ‫بشرية معينة‪ ،‬تعيش يف إطار النظام السياسي‬ ‫و مت��ارس ً‬ ‫منطا من أمن��اط العالقة السلطوية‬ ‫ب�ين احل��اك��م واحمل��ك��وم‪ ،‬إذا إن احل��اك��م الفرد‬ ‫ً‬ ‫(عمليا) وعرب مر التاريخ ال يستطيع ممارسة‬ ‫السلطة مب��ف��رده دون وج���ود جمموعة من‬ ‫األفراد يشاركونه بنسب متفاوتة يف ممارسته‬ ‫للسلطة على باقي مكونات الدولة اليت حيكمها‪،‬‬ ‫وقد اصطلح املختصون لذلك تسمية (النخبة‬ ‫السياسية )‪.‬‬ ‫أدى ذلك إىل إن تشارك هذه النخبة بفاعلية‬ ‫أكثر من غريها من طبقات اجملتمع يف رسم‬ ‫احل���راك السياسي داخ��ل ال��دول��ة و جمتمعها‬ ‫ً‬ ‫السياسي مبختلف االجت��اه��ات ً‬ ‫إجيابا‬ ‫سلبا أو‬ ‫انطالقا مما متتلكه من مميزات مقارنة بغريها‬ ‫من طبقات اجملتمع وم��ن مجلة ه��ذا احل��راك‬ ‫عملية التحديث السياسي‪ ،‬اليت تشهدها بعض‬ ‫اجملتمعات النامية يف أنظمتها السياسية‪.‬‬ ‫حياول هذا البحث اإلجابة على السؤال التالي‪:‬‬ ‫ما هو أثر النخبة السياسية يف عملية التحديث‬ ‫السياسي؟‪ ،‬ولإلجابة عن ه��ذا التساؤل جاء‬

‫البحث يف أربعة مطالب ركز األول منها على‬ ‫ً‬ ‫متناوال مفهوم النخبة العام‬ ‫النخبة السياسية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مبينا فيما‬ ‫وصوال إىل حتديد النخبة السياسية‬ ‫بعد خصائصها ووظائفها داخل إطار بيئتها‬ ‫العامة (اجملتمع وال��دول��ة)‪ ،‬أما املطلب الثاني‬ ‫فقد تناول مفهوم التنمية والتحديث السياسي‬ ‫ذاكراً ابرز العوامل املؤثرة فيها‪ ،‬ليأتي املطلب‬ ‫ً‬ ‫موضحا العالقة التفاعلية للنخبة‬ ‫الثالث‬ ‫ً‬ ‫حماوال‬ ‫السياسية مع عملية التحديث السياسي‬ ‫بيان الوظيفة التنموية للنخبة السياسية‬ ‫ذاك��راً املرتكزات التنموية للنخبة السياسية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مستعرضا دور النخبة يف هذه العملية لينتهي‬ ‫ببيان العوامل املؤثرة يف تفعيل الدور التنموي‬ ‫ً‬ ‫موضحا لعملية‬ ‫هلذه النخبة‪ ،‬وجاء املطلب الرابع‬ ‫تفاعل النخبة مع أزم��ات التحديث السياسي‬ ‫كأزمات اهلوية‪ ،‬الشرعية‪ ،‬التغلغل‪ ،‬االندماج‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مستعرضا الدور الذي ممكن‬ ‫املشاركة‪ ،‬والتوزيع‬ ‫أن تؤديه بصدد كل منها‪ ،‬وقد مت استخدام‬ ‫املنهج الوظيفي ومنهج التحليل النظمي يف‬ ‫عرض موضوع البحث لبيان الصورة املتكاملة‬ ‫للعالقة التفاعلية بني عناصر البحث (النخبة‬ ‫السياسية) و (التحديث السياسي)‪ ،‬يف حماولة‬ ‫لتغطية جانبا نظريا لدور فاعل من فواعل‬ ‫هذه العملية اليت شهدتها و ال تزال الكثري من‬ ‫اجملتمعات و النظم السياسية يف العديد من دول‬ ‫العامل‪ .‬وميثل هذا البحث حماولة متواضعة‬ ‫لطرق أبواب موضوعات مهمة يف ميدان النظم‬ ‫السياسية اليت ال تزال املكتباتنا فقرية ملزيد‬ ‫من املراجع العلمية فيها وهو جزء أساس من‬ ‫املشكالت اليت تواجه البحث يف هذا اجملال املهم‬ ‫من جماالت البحث يف العلوم السياسية ونسأله‬


‫تعاىل التوفيق والسداد يف كل شأن‪.‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬النخبة السياسية‬ ‫ً‬ ‫أوال‪ :‬مفهوم النخبة‬ ‫يرتبط مفهوم النخبة‪ Elite‬بتوزيع السلطة‬ ‫والقوة والنفوذ داخل اجملتمع‪ ،‬وتعرف بأنها‪:‬‬ ‫مجاعة من األشخاص يتم االع�تراف بعظمة‬ ‫تأثريها وسيطرتها يف شؤون اجملتمع الذي تؤلف‬ ‫النخبة فيه أقلية حاكمة ميكن متييزها عن‬ ‫الطبقة احملكومة ً‬ ‫وفقا ملعيار القوة والسلطة‬ ‫بداللة متتعها بسلطان القوة والنفوذ والتأثري‬ ‫يف اجملتمع أكثر مما تتمتع به الطبقة احملكومة‬ ‫فيه‪ ،‬وذلك بسبب ما متتلكه هذه األقلية من‬ ‫مم��ي��زات ال��ق��وة واخل�ب�رة يف مم��ارس��ة السلطة‬ ‫والتنظيم داخ��ل اجملتمع األم��ر ال��ذي يؤهلها‬ ‫لقيادته(‪. )1‬‬ ‫إن تربير وجود النخبة يستند على أمرين‬ ‫أساسيني هما(‪:)2‬‬ ‫إن اجملتمعات ال ميكن هلا أن تقاد وحتكم من‬ ‫خالل شخص واحد‪ ،‬إذ مهما بلغت إمكانات هذا‬ ‫الشخص فانه سيبقى عاجزاً عن السيطرة داخل‬ ‫جمتمعه دون وجود طبقة تعمل على فرض‬ ‫احرتام أوامره وتنفيذها‪ ،‬وان حاول االستغناء‬ ‫عنها فأنه سيستبق ذلك بتأمني بديل هلا يقوم‬ ‫بنفس مهامها ‪.‬‬ ‫إن اجلماهري غري قادرة على حكم نفسها بنفسها‬ ‫ألنها أغلبية‪ ،‬فهي تبقى عاجزة عن تنظيم‬ ‫نفسها والتحكم بدرجة متاسك تؤهلها حلكم‬ ‫نفسها‪ ،‬األم��ر ال��ذي ال يوجد يف األقلية اليت‬ ‫تستطيع بتالمحها وتنظيمها قيادة األغلبية‪،‬‬ ‫وذلك لكونها تتمتع بصفة األقلية اليت تسهل‬

‫تنظيمها إضافة إىل متتعها مبيزات السلطة‬ ‫ً‬ ‫ووفقا‬ ‫والقوة والنفوذ‪ .‬ويكون وجود النخبة‪،‬‬ ‫لذلك‪ ،‬مظهراً تشرتك فيه معظم اجملتمعات‬ ‫والنظم السياسية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وانطالقا من احلقيقة القائلة بانقسام اجملتمع‬ ‫إىل جمموعة م��ن اجمل���االت احلياتية اجملسدة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اجتماعيا‪،‬‬ ‫ثقافيا‪،‬‬ ‫اقتصاديا‪،‬‬ ‫للنشاط البشري‬ ‫ً‬ ‫سياسيا‪ ،‬وغريها من اجملاالت‪ ،‬فإن من املسلم به‬ ‫وجود خنبة مؤهلة بأفضل العناصر اليت متكنها‬ ‫من صياغة التفاعالت املتعلقة يف اط��ار هذه‬ ‫اجمل��االت‪ ،‬وبغض النظر عن سلبية أو إجيابية‬ ‫هذه النخبة يف حتقيق أهداف الفئة احملكومة‪،‬‬ ‫فإن مجاهري هذه الفئة من اجملتمع ليس أمامها‬ ‫سوى اخلضوع هلذه النخب األكثر فاعلية وقدرة‬ ‫على إدارة وصياغة التفاعالت احلاصلة يف إطار‬ ‫اجملتمع ككل يف جماالته املختلفة(‪ ،)3‬سواء كانت‬ ‫اقتصادية‪ ،‬اجتماعية‪ ،‬سياسية‪ ،‬أو غريها ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬تعريف النخبة السياسية‬ ‫ينظر إىل النخبة السياسية ‪political elite‬‬ ‫ع��ادة بداللة (الفئة احل��اك��م��ة)(‪ ،)4‬ويرتبط‬ ‫وجودها يف حتليل آلية عمل النظام السياسي‬ ‫من خالل فهم عالقة السلطة باجملتمع أو بشكل‬ ‫آخر عالقة القوة بني احلكام واحملكومني(‪.)5‬‬ ‫وبشكل عام مل يتم وضع تعريف موحد جامع‬ ‫وم��ان��ع ملفهوم النخبة السياسية ولكن مثة‬ ‫مشرتكات مت ذكرها يف التعريفات الرئيسية‬ ‫اليت تناولت هذا املفهوم تظهرها آراء املختصني‬ ‫من العلماء الذين درسوا هذا املفهوم وبدا من‬ ‫خالل كتاباتهم إن النخبة السياسية هي(‪:)6‬‬ ‫((اجملموعة احلاكمة ال�تي تتمتع بإمكانيات‬ ‫فكرية وإبداعية على تسيري الشؤون السياسية‬ ‫‪111‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪112‬‬

‫أكثر م��ن غريها م��ن أف���راد اجملتمع وتـأخذ‬ ‫ً‬ ‫أشكاال متعددة حسب التفسريات اليت قامت‬ ‫على أساسها انطالقا من احلالة االقتصادية أو‬ ‫االجتماعية أو التنظيمية أو التمثيلية هلذه‬ ‫اجملموعة‪ ،‬وختضع هذه النخبة لقانون التغيري‬ ‫والتبدل وفقا ملقتضيات التطور الذي متر به‬ ‫جمتمعاتها على أساس دورة انتقالية يتم من‬ ‫خالهلا استبدال خنب وإح�لال خنب جديدة‬ ‫وفقا إللية يكون اهلدف منها حتقيق التوازن‬ ‫االجتماعي مبفهومه الشامل و احملتوي للواقع‬ ‫السياسي‪ ،‬االقتصادي‪ ،‬االجتماعي‪ ،‬التنظيمي‪،‬‬ ‫وغريها‪ ،‬للمجتمع))‪ .‬إن النقطة اجلوهرية يف‬ ‫تعريف النخبة السياسية هو أنها أقلية من أبناء‬ ‫اجملتمع ومتمتعة بصفات إجيابية متكنها من‬ ‫حتقيق حد أدنى من الثبات والتماسك الذي‬ ‫يؤهلها الستالم صوجلان احلكم واالجت��اه حنو‬ ‫حتقيق أهدافها األساسية(‪ .)7‬إن حركة النخبة‬ ‫الدائبة حنو جتميع القوى اجملتمعية وحتريكها‬ ‫باجتاه معني من السلوك السياسي الذي خيدم‬ ‫مصاحلها ال يتم إال من خالل إجياد آلية منطقية‬ ‫تربر ذلك‪ ،‬مستندة على جمموعة متفاعلة من‬ ‫التقاليد االجتماعية وحتى األساطري واملصاحل‬ ‫وال��ق��وان�ين السياسية ب�ين البنى السياسية‬ ‫املختلفة(‪ ،)8‬وهي بذلك متثل اجملموعة اليت‬ ‫تصنع وتشكل السياسة اليت تؤمن بها اجلماهري‬ ‫ملواجهة املشكالت العامة وحتقيق األه��داف‬ ‫املتمثلة يف حلها(‪.)9‬‬ ‫وبذلك تكون النخبة السياسية هي النخبة‬ ‫(ال��ق��ائ��دة) و (امل��خ��ط��ط��ة) حل��رك��ة اجملتمع‬ ‫ومؤسسته الرئيسة (ال��دول��ة) بكل هياكلها‬ ‫ومسمياتها الفرعية‪.‬‬

‫ً‬ ‫ثالثا‪ :‬وظائف النخبة السياسية‪:‬‬ ‫إن القيام بأعباء التخطيط والقيادة وإدارة‬ ‫السلوك اإلنساني على مستوى الدولة هو أمر بالغ‬ ‫األهمية واخلطورة ألنه يتعلق باستيعاب املاضي‬ ‫والتعامل مع احلاضر والعمل للمستقبل‪ ،‬وهو‬ ‫ً‬ ‫خصوصا ومجاهري‬ ‫أمر خيص النخبة السياسية‬ ‫ً‬ ‫عموما يف إط��ار الدولة ومتثل عالقة‬ ‫اجملتمع‬ ‫أشبه بعالقة الروح بالبدن‪ ،‬فإذا كانت مجاهري‬ ‫الشعب متثل البدن فان النخبة السياسية متثل‬ ‫الروح اليت تعد ً‬ ‫سببا لفاعليته واستمراره(‪.)10‬‬ ‫وبذلك تتكون للنخبة السياسية وظائف مميزة‬ ‫ختتلف وتتميز بها عن باقي النخب األخرى‪،‬‬ ‫ويعود ذلك إىل إن هذه النخب األخ��رى مثلها‬ ‫كمثل اجلماهري ال تبالي بالسياسة وال تستطيع‬ ‫تشكيل رأي سياسي حول موضوعات السياسة‬ ‫العامة مثلما تقوم به النخبة السياسية من‬ ‫عملية تشكيل هلذا ال��رأي داخل اجملتمع(‪،)11‬‬ ‫والذي يتأسس على إدراك هذه النخبة لألهداف‬ ‫واملشكالت اليت ختص الدولة وجمتمعها‪ ،‬كما‬ ‫تقوم النخبة السياسية بوظيفة التنسيق‬ ‫واملوائمة بني أنشطة املؤسسات واهلياكل املختلفة‬ ‫داخل اجملتمع يف إطار الدولة وخارج هذا اإلطار‬ ‫يف بعض األحيان(‪ ،)12‬وذلك لغرض الوصول إىل‬ ‫أفضل صيغة مشرتكة وموحدة للعمل يف إطار‬ ‫اجملتمع ومواجهة مشكالته وأزماته املختلفة ‪.‬‬ ‫وتقوم النخبة السياسية من اجل حتقيق‬ ‫أهدافها مبحاولة التأثري على مجاهري اجملتمع‬ ‫لتغيري ال��واق��ع االجتماعي ال��ع��ام مب��ا حيقق‬ ‫ً‬ ‫إجيابا أو‬ ‫مصاحلها‪ ،‬حبيث إن التغيري قد يكون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حمققا ملصلحة اجلماهري أو غري حمقق هلا‬ ‫سلبا‪،‬‬ ‫عرب جمموعة من الوسائل املختلفة اليت توفرها‬


‫وظائف النخبة السياسية(‪.)13‬‬ ‫ويف إطار التأثري املتزايد هلذه النخبة يف إحداث‬ ‫التغيري فإنها تقوم بوظيفة حفظ التوازن داخل‬ ‫اجملتمع عن طريق اندماجها وجتددها الذي‬ ‫يكون التغيري حم��وره األس��اس‪ ،‬وهي ِرَ‬ ‫بتغيها‬ ‫(النخبة) تقوم بقيادة عملية التغيري والتطور‬ ‫داخل اجملتمع(‪ ،)14‬وتعد النخبة بذلك حموراً‬ ‫ً‬ ‫أساسيا من حماور عملية متثل مبتغى ومطمح‬ ‫مجاهري اجملتمع وهياكل ومؤسسات الدولة أال‬ ‫وهي عملية التنمية الشاملة‪ ،‬ويظهر ذلك ً‬ ‫جليا‬ ‫يف جمتمعات الدول النامية إذ متثل التنمية فيها‬ ‫ً‬ ‫خصوصا يف‬ ‫حمور احلياة واختصاراً ألهدافها‬ ‫اجلانب السياسي منها والذي يتمثل يف التحديث‬ ‫السياسي ‪.‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬التحديث السياسي‬ ‫ً‬ ‫أوال‪ :‬مفهوم التحديث‬ ‫ً‬ ‫مصطلحا اختلف املتخصصون‬ ‫تعد (التنمية)‪،‬‬ ‫يف م��ي��دان العلوم اإلنسانية يف مسألة وضع‬ ‫تفسري حمدد له‪ ،‬إذ مت إدراج مئات التعريفات‬ ‫اليت تناولت التنمية كمفهوم اصطالحي‪ ،‬وأي‬ ‫املعايري اليت جيب إتباعها لوصف هذا املصطلح‬ ‫وتفسريه‪ ،‬إذ ميكن النظر للتنمية من عدة أوجه‬ ‫اقتصادية‪ ،‬اجتماعية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬تكنولوجية‪،‬‬ ‫وسياسية‪ ،‬وميكن النظر إليها مبدلول الكل‬ ‫واجلزء أي حتليلها ككل متكامل أو إرجاعها إىل‬ ‫أجزائها األصلية بهدف فهمها(‪.)15‬‬ ‫إن التنمية شيء ال ميكن اختزاله يف حتقق منو‬ ‫اقتصادي أو تغيريات إجيابية يف مستوى الدخل‬ ‫ال��ف��ردي(‪ ،)16‬لكنها مفهوم يتضمن وحيتوي‬ ‫مجيع ج��وان��ب النشاط اجملتمعي األخ���رى‪.‬‬

‫وميكن بشكل عام تعريف التنمية على إنها(‪:)17‬‬ ‫((كل اجلهود البشرية اليت تبذل من اجل النمو‬ ‫والتقدم‪ ،‬وحتقيق الرفاهية للمواطن واجملتمع‪،‬‬ ‫وه��ي كلمة جامعة‪ ،‬ال تعين جم��رد خطة‪ ،‬أو‬ ‫جمرد برامج‪ ،‬أو مشروعات للنهوض بالشعوب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫اقتصاديا أو اجتماعيا‪ ،‬وإمنا تعين‪ ،‬كل عمل‬ ‫إنساني ّ‬ ‫بناء‪ ،‬يف مجيع القطاعات واملستويات‪،‬‬ ‫حيقق زيادة يف اإلنتاج وعدالة يف التوزيع‪ ،‬ووفرة‬ ‫يف اخلدمات ودعم لعالقة التعاون داخل اجملتمع‪،‬‬ ‫اليت حتقق اخل�برة العلمية‪ ،‬وتكتشف امل��وارد‬ ‫االقتصادية والبشرية وتوجهها باعتبارها قوة‬ ‫دافعة وموحدة لطاقات اجملتمع باجتاه حتقيق‬ ‫أهدافه الكربى))‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ومتثل التنمية حتقيقا إلرادة أفراد اجملتمع‬ ‫يف األخ��ذ بزمام امل��ب��ادرة يف استثمار طاقاته‬ ‫لتحقيق أه��داف��ه العامة وفقط خطة معدة‬ ‫لذلك(‪ .)18‬وهي (التنمية) مبوجب ذلك حتمل‬ ‫ببعدها الشامل أبعاد اقتصادية واجتماعية‬ ‫ً‬ ‫ممثلة ً‬ ‫ً‬ ‫متكامال‪.‬‬ ‫كال‬ ‫وثقافية وسياسية وغريها‬ ‫وتتفرع إىل التنمية الفرعية فتظهر التنمية‬ ‫االقتصادية‪ ،‬الثقافية‪ ،‬االجتماعية وكذلك‬ ‫التحديث السياسي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬تعريف التحديث السياسي‬ ‫متثل التحديث السياسي اجل��زء األه��م من‬ ‫أجزاء التنمية الشاملة ومت تعريفه ً‬ ‫وفقا ألحد‬ ‫الباحثني مبجموعة من التعريفات الرئيسة‬ ‫منها(‪:)19‬‬ ‫التحديث السياسي هو املتطلب السياسي للتنمية‬ ‫االقتصادية ‪.‬‬ ‫التحديث السياسي هو السياسة كما متتاز بها‬ ‫اجملتمعات الصناعية ‪.‬‬ ‫‪113‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪114‬‬

‫التحديث السياسي هو التنمية السياسية‪ .‬وهو‬ ‫أداء الدولة القومية‪ .‬التحديث السياسي هو‬ ‫التنمية اإلدارية والقانونية‪ .‬التحديث السياسي‬ ‫هو التعبئة واملشاركة اجلماهريية‪ .‬التحديث‬ ‫السياسي هو بناء الدميقراطية‪ .‬التحديث‬ ‫السياسي ه��و االس��ت��ق��رار والتغيري املنتظم‪.‬‬ ‫التحديث السياسي هي التعبئة والقوة ‪.‬‬ ‫التحديث السياسي هو جانب من جوانب عملية‬ ‫التغيري االجتماعي املتعددة األبعاد ‪.‬‬ ‫يتضح من خالل ذلك مسألة رئيسية‪ ،‬وهي‬ ‫إن التحديث السياسي مؤثرة ومتأثرة يف كافة‬ ‫اجلوانب البنائية للدولة و مع كافة بنى اجملتمع‪،‬‬ ‫حمققة لعملية (التعبئة) القومية ملقدرات القوة‬ ‫داخل الدولة‪ .‬ويرى بعض الباحثني إن للتنمية‬ ‫السياسية مخس مدلوالت(‪:)20‬‬ ‫مدلول قانوني‪ :‬يهتم بالبناء الدستوري للدولة‪،‬‬ ‫مبعنى األسس الدميقراطية بكل أبعادها ‪.‬‬ ‫مدلول اقتصادي‪ :‬يعين حتقيق منو اقتصادي‬ ‫يتوافق وتطلعات الشعب االقتصادية ‪.‬‬ ‫مدلول إداري‪ :‬ض��رورة وج��ود إدارة ملتزمة‬ ‫باحرتام مبادئ املشروعية اإلدارية والقانونية‬ ‫مع حتقيق شروط الفاعلية والكفاءة والعقالنية‬ ‫مدلول سياسي‪ :‬حتقيق االنصهار يف منظومة‬ ‫جمتمعية واملشاركة يف احلياة السياسية ‪.‬‬ ‫مدلول ثقايف‪ :‬ارتباط التنمية بالتحديث الناتج‬ ‫عن ثقافة سياسية معينة ‪.‬‬ ‫إن هذه املدلوالت تفرتض وجود عنصر التوحد‬ ‫بني اجلماهري والسلطة لتحقيق حالة انسجام‬ ‫وتكامل للحفاظ على استمرارية وبقاء التحديث‬ ‫السياسي‪ ،‬وان ذلك هو جوهر قيام هذه العملية‬ ‫حيث إن احلاجة لإلصالح والتنظيم الناتج عن‬

‫حتقق هذا االنسجام والتوحد هو الذي يدفع‬ ‫الدولة إىل تبين هذا النمط من التنمية والذي‬ ‫ينطلق من الضغوطات الوطنية ً‬ ‫أوال واملتطلبات‬ ‫الدولية ً‬ ‫ثانيا(‪ .)21‬وال متثل التنمية على أساس‬ ‫ً‬ ‫استجابة للتغيريات يف البيئة اجملتمعية‬ ‫ذلك إال‬ ‫والدولية‪ ،‬وبالذات استجابة النظام السياسي‬ ‫(اجملسد للسلطة) لتحديات بناء الدولة وبناء‬ ‫األمة(‪ .)22‬وبذلك تكون التحديث السياسي هي‬ ‫رغبة جمتمعية شاملة تقودها السلطة السياسية‬ ‫ممثلة بالنظام السياسي وباقي مؤسسات الدولة‬ ‫تتجه إىل حتقيق مزيد من التوائم واالنسجام يف‬ ‫سبيل بناء منوذج أو طراز للدولة حيقق تطلعات‬ ‫وطموحات اجلماهري داخل اجملتمع عن طريق‬ ‫استخدام املوارد اليت متتلكها الدولة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثالثا‪ :‬العوامل املؤثرة يف التحديث السياسي‬ ‫ميكن القول إن العوامل املؤثرة يف التنمية‬ ‫مبفهومها الشامل هي ذاتها اليت متارس تأثريها‬ ‫يف التحديث السياسي‪ ،‬وبذلك ف��ان التنمية‬ ‫الشاملة جبميع أجزائها الشاملة متثل البيئة‬ ‫احلاضنة للعوامل املؤثرة يف التحديث السياسي‬ ‫ً‬ ‫تفصيال حسب طبيعتها السياسية‪.‬‬ ‫بصورة أكثر‬ ‫ومبا إن التنمية هي عملية تطور متجهة لألمام‬ ‫وتسعى إلحداث تغيري شامل بصورة كلية وتقوم‬ ‫على ختطيط إرادي يؤسس على وجود التعبئة‬ ‫القومية (‪ ،)23‬فانه وم��ن خ�لال ذل��ك ميكن‬ ‫حتديد العوامل الرئيسة املؤثرة يف التحديث‬ ‫السياسي مبا يلي‪:‬‬ ‫العامل املتعلق بالرغبة اجملتمعية للتقدم‬ ‫والتطور السياسي واإلدارة احلقيقية للنهوض‬ ‫والتقدم بالواقع السياسي للمجتمع والدولة‬ ‫ونظامها السياسي ‪.‬‬


‫العامل الذي يتضمن السعي والعمل على الشروع‬ ‫بعملية التنمية وتهيئة املستلزمات كافة وتهيئة‬ ‫ً‬ ‫خصوصا والنظام االجتماعي‬ ‫النظام السياسي‬ ‫العام يف تقبل ومن ثم تنفيذ عملية التحديث‬ ‫السياسي ‪.‬‬ ‫وجود خطة تتم من خالهلا تنفيذ هذه العملية‪،‬‬ ‫وذلك بإعداد التخطيط الشامل‪ ،‬الذي يستوعب‬ ‫احلاجات السياسية العامة‪ ،‬وحيقق األه��داف‬ ‫السياسية للدولة‪ ،‬ويستغل الفرص واخليارات‬ ‫املتاحة كافة‪ ،‬وهذا ما ال تقوم به إال السلطة‬ ‫العامة ممثلة بالنخب اليت متسك بزمام هذه‬ ‫السلطة ‪.‬‬ ‫وجود التعبئة اجلماهريية اليت تعد من أهم‬ ‫عوامل جناح واستمرارية التحديث السياسي‪،‬‬ ‫وتتجسد التعبئة اجلماهريية بفاعلية السلوك‬ ‫السياسي ال��ذي تقوم قيادة اجملتمع بتعزيزه‬ ‫ً‬ ‫حمافظا‬ ‫وترسيخه وتنميته وتطويره‪ ،‬وإبقاءه‬ ‫على النهج املالئم خلدمة أهداف اجملتمع‪ ،‬ويتم‬ ‫ذلك من خالل احلفاظ على االلتحام والتعاون‬ ‫بني السلطة واجلماهري لضمان فاعلية توجيه‬ ‫السلوك اجملتمعي لألفراد واجلماعات مبا حيقق‬ ‫التحديث السياسي(‪.)24‬‬ ‫ويربز عند احلديث عن السلطة ودورها يف‬ ‫حتقيق التحديث السياسي‪ ،‬مسألة النخبة وقادة‬ ‫الرأي ودورهما يف حتشيد الطاقات اجملتمعية‬ ‫باجتاه تعبئتها يف خمتلف النواحي إلجناح عملية‬ ‫التعبئة اجلماهريية املهم توفرها لنجاح حتقيق‬ ‫هذه العملية‪ .‬يتضح من خالل ذلك إن للنخبة‬ ‫السياسية مكانة متميزة يف عملية التحديث‬ ‫السياسي‪ ،‬فهي متارس دوراً يف اإلعداد اهليكلي‬ ‫(البنائي) ملؤسسات ه��ذه العملية‪ ،‬ودوره��ا‬

‫ً‬ ‫فضال عن دوره��ا يف إجناح‬ ‫يف التخطيط هل��ا‪،‬‬ ‫تنفيذها‪ ،‬وذلك من خالل الوظيفة التنموية‬ ‫اليت تؤديها‪.‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬الوظيفة التنموية للنخبة‬ ‫السياسية‬ ‫ً‬ ‫أوال‪ :‬املرتكزات التنموية للنخبة السياسية‬ ‫يستند األث��ر التنموي ال��ذي متارسه النخبة‬ ‫السياسية يف اجملتمع على جمموعة من املرتكزات‬ ‫اليت تعرب عن اخلصائص املشرتكة بينهما وهي‪:‬‬ ‫إن ك�لا امل��ف��ه��وم�ين (ال��ن��خ��ب��ة ال��س��ي��اس��ي��ة) و‬ ‫(التحديث السياسي) يعربان عن وج��ود قوة‬ ‫سلطوية منظمة للنشاط السياسي‪ ،‬ومن ثم‬ ‫جممل النشاط االجتماعي‪ ،‬األمر الذي ال يتحقق‬ ‫إال بادراك بوجود ذات اجتماعية تنظم النشاط‬ ‫املشرتك جململ القوى داخل اجملتمع(‪ ،)25‬وهذا‬ ‫األمر هو من صميم عمل النخبة‪ ،‬وهو يف ذات‬ ‫الوقت عنصر أساس من عناصر التنمية حسب‬ ‫ما تشري إليه معانيها العامة واخلاصة ومنها‬ ‫املعنى السياسي‪ ،‬كما متت اإلشارة إليه يف املطلب‬ ‫الثاني‪.‬‬ ‫إنهما (املفهومني) مرتبطان بالنزعة البنيوية‬ ‫للتغيري املستمر‪ ،‬أي ان النخبة تتسم بطابع‬ ‫التغيري املتجسد الذي تشهده باستمرار مع تغري‬ ‫الظروف االجتماعية واالقتصادية والسياسية‬ ‫ً‬ ‫عمليا‬ ‫وغريها داخل اجملتمع(‪ ،)26‬والذي يعكس‬ ‫تفاصيل عملية التنمية حبذافريها واليت تعمل‬ ‫على إدامة النمو والتطور يف املؤسسات داخل‬ ‫اجملتمع‪ ،‬وبضمنها النخبة اليت تتغري من جهة‪،‬‬ ‫وتغري يف إط��ار عملية التنمية‪ ،‬مما يشري إىل‬ ‫ارتباط املفهومني بطابع احلركية واالستمرارية‬ ‫يف التحول والتطور املف َِعل لكل منهما‪ ،‬ومن ثم‬ ‫‪115‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪116‬‬

‫التأثري يف البيئة احمليطة بهما ‪.‬‬ ‫إن التنمية بشكل عام تتشكل بوجود عامل‬ ‫التعبئة بإطارها الواسع للموارد املختلفة اليت‬ ‫ميتلكها اجملتمع‪ ،‬وذل��ك بعد حتديد األه��داف‬ ‫ووض���ع اخل��ط��ط ل��ل��وص��ول إل��ي��ه��ا‪ ،‬ك��ذا احل��ال‬ ‫بالنسبة للنخبة اليت يستلزم استمرار قيامها‬ ‫اتصافها بقدرتها على التعبئة اجلماهريية‬ ‫باجتاه األهداف العامة اليت تصبوا إليها‪ ،‬بسبب‬ ‫ً‬ ‫استجابة للحد األدن��ى‪،‬‬ ‫اهتمامها بتحقيقها‬ ‫على األقل‪ ،‬ملطالب اجلماهري املتمثلة باألهداف‬ ‫املشرتكة العامة للمجتمع و املعربة عن العوامل‬ ‫التفاعل البنيوية بني النخبة ومجاهريها(‪.)27‬‬ ‫تعد ه��ذه ال��ع��وام��ل ه��ي اب���رز املشرتكات‬ ‫املفاهيمية بني النخبة والتحديث السياسي‪،‬‬ ‫األم��ر ال��ذي ال يعين تطابق املفهومني ً‬ ‫كليا‪،‬‬ ‫بسبب وجود العديد من االختالفات النظرية‬ ‫بينهما بغض النظر عن التطبيقية ‪ .‬ومن هذه‬ ‫االختالفات مسألة شروع التنمية يف خطوات‬ ‫إعادة البناء الطبقي للمجتمع بصورة حتاول‬ ‫إع���ادة ت��وزي��ع أفضل للثروة داخ��ل اجملتمع‪،‬‬ ‫وف��رض أمن��اط قانونية وسياسية معينة قد‬ ‫ال تنسجم ومكونات رئيسة من النخب داخل‬ ‫اجملتمع‪ ،‬األم��ر ال��ذي ي��ؤدي إم��ا إىل انشقاقات‬ ‫داخل البناء النخبوي للمجتمع‪ ،‬أو زيادة الفجوة‬ ‫بني اجلماهري وج��زء كبري من بنية السلطة‪،‬‬ ‫واليت بدورها قد تنعكس يف النهاية على جد َية‬ ‫ً‬ ‫مهددة‬ ‫النزعة التنموية للنظام السياسي‪،‬‬ ‫حمتوى التنمية بهدم احد أركانها األساسية‪،‬‬ ‫املتعلق ب��إح��داث اإلجيابية احلقيقية داخل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فارغة‬ ‫عمليا‬ ‫اجملتمع‪ ،‬لتصبح التنمية يف النهاية‬ ‫من حمتواها احلقيقي الذي وجدت ألجله‪ ،‬وهنا‬

‫قد تتحول النخبة ذاتها إىل عقبة تقف يف طريق‬ ‫حتقيق التنمية بكل أوجهها‪.‬‬ ‫وبذلك ميكن القول إن اخلاصية التنموية‬ ‫للنخبة السياسية ترتكز على ثالث حماور هي‪:‬‬ ‫السلطة والتغيري والتعبئة‪ ،‬ومن خالل هذه‬ ‫احملاور متارس النخبة دورها يف عملية التحديث‬ ‫السياسي ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬دور النخبة يف التحديث السياسي‬ ‫يعرف ال��دور ابتدا ًء على ان���ه(‪ :)28‬ترابط‬ ‫مواقف وتصرفات منتظرة من ف��رد بسبب‬ ‫وضعه أو موقعه يف امليدان االجتماعي‪ ،‬وجيسد‬ ‫بشكل عام ما ميكن إن يؤديه الفرد أو‬ ‫ال��دور‬ ‫ٍ‬ ‫اجلماعة أو الدولة يف إطار النشاطات املختلفة‬ ‫ومنها السياسية ال�تي تتم من خالهلا تأدية‬ ‫الوظيفة داخل اجملتمع والنظام السياسي‪ ،‬إذ‬ ‫يرتبط مفهوم الدور والوظيفة بالشكل الذي‬ ‫جيعل كل منهما معرباً عن اآلخر بصورة جتعل‬ ‫الوظيفة االجتماعية أو السياسية ما هي إال نتاج‬ ‫للدور الذي يؤديه الفرد أو اجلماعة أو املؤسسة‬ ‫داخل اجملتمع(‪ .)29‬وينطبق الدور على مفهوم‬ ‫االندماج يف هيئة اجتماعية تعني له النشاطات‬ ‫والوظائف اليت ينبغي أدائها(‪ ،)30‬ويتحدد دور‬ ‫النخبة من خالل درجة اندماجها يف اجملتمع‬ ‫ال��ذي تـكـون فيه‪ ،‬وميثل االندماج والتكامل‬ ‫اجملتمعي اجلزء األكرب من الدور التنموي للنخبة‬ ‫بشكل عام والسياسية منها بشكل خاص‪ ،‬إذ تقوم‬ ‫النخبة السياسية بأداء وظيفة حتقيق التكامل‬ ‫واالن��دم��اج بني اآلراء السياسية واالجتاهات‬ ‫ملعظم القوى داخل اجملتمع‪ ،‬مبختلف أمناطها‬ ‫وتأثرياتـــها‪ ،‬بهدف حتقيق استقرار اجملتمع‬


‫وثبات استمرارية أمناط العالقات البينية بني‬ ‫مؤسساته املختلفة‪ ،‬ويتوقف مستوى جناح‬ ‫النخبة السياسية يف أداء هذا اجلزء من الدور‬ ‫على مستوى اندماجها بذاتها مع مؤسسات‬ ‫وبنى اجملتمع األخرى(‪. )31‬‬ ‫إن قيام النخبة بأداء دور االندماج اجملتمعي‬ ‫يهيئ السبيل هلا ألداء دور التعبئة االجتماعية‬ ‫اليت متثل قاعدة انطالق أي فعل تنموي‪ ،‬إذ ال‬ ‫تتوحد موارد الدولة باجتاه حتقيق األهداف‬ ‫العامة إال بوجود التعبئة الشاملة اليت تضطلع‬ ‫النخب بأدائها يف ظل وجود خنبة (حاكمة)‪ ،‬هي‬ ‫النخبة السياسية املركزية اليت تدور النخب‬ ‫األخرى يف فلكها بشكل أو بأخر‪ ،‬وحتقق هذه‬ ‫النخبة املركزية حالة اإلمجاع الذي تلتزم به‬ ‫طوعا أو ً‬ ‫ً‬ ‫كرها(‪ ،)32‬وهذا ما يكفل‬ ‫باقي النخب‬ ‫حتقيق الوحدة واالنسجام والتكامل مبا يسهل‬ ‫عملية التعبئة القومية مل��وارد الدولة باجتاه‬ ‫حتقيق األهداف التنموية هلا ‪.‬‬ ‫ويتجسد كذلك الدور التنموي للنخبة من‬ ‫خالل مساهمتها يف التخطيط ورسم األهداف‬ ‫ً‬ ‫العامة‪ ،‬باعتبارها املؤسسة األكثر ً‬ ‫وخربة‬ ‫دراية‬ ‫يف أدارة شؤون اجملتمع‪ ،‬مبا متتلكه من إمكانات‬ ‫ذاتية ال تتوفر يف غريها من طبقات اجملتمع‬ ‫األخرى‪ ،‬إذ حتتوي النخب أكفأ الطاقات البشرية‬ ‫املؤثرة يف جمال عملها احل��ريف‪ ،‬وهو ما جيعلها‬ ‫معنية بصورة رئيسة يف رسم األهداف العامة‬ ‫للمجتمع‪ ،‬والتنموية منها على وجه اخلصوص‪،‬‬ ‫باإلضافة إىل إدارة عملية تنفيذ هذه األهداف‬ ‫وتقييمها(‪ ،)33‬وهو ما يتضح ً‬ ‫جليا يف املراحل‬ ‫الكربى لعملية التنمية الشاملة للدولة‪ ،‬وبذلك‬ ‫ً‬ ‫ممثال‬ ‫يكون دور النخبة يف التحديث السياسي‬

‫بأدائها لوظائف التعبئة والتخطيط والتنفيذ‬ ‫والرقابة‪ ،‬و تذليل العقبات واملشكالت اليت قد‬ ‫تقف يف طريقها‪ ،‬وذلك يعكس تدخل النخبة يف‬ ‫مجيع مراحل التنمية‪ ،‬مما يظهر دوراً بارزاً هلا‬ ‫ً‬ ‫حمكوما (أي الدور)‬ ‫يف هذه العملية‪ ،‬الذي يكون‬ ‫مبجموعة من العوامل ال�تي تتحكم بزيادة‬ ‫فاعليته أو ضعفها ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثالثا‪ :‬العوامل املؤثرة يف الدور التنموي للنخبة‬ ‫السياسية‬ ‫يتأثر الدور التنموي للنخبة السياسية بالعديد‬ ‫من العوامل الذاتية املتعلقة بالنخبة السياسية‬ ‫و طبيعتها التكوينية وعوامل البيئة اخلارجية‬ ‫هلا وكما يلي‪:‬‬ ‫العامل املتعلق بدرجة النضوج السياسي هلذه‬ ‫النخبة باعتبارها خنبة ممسكة بزمام فعل‬ ‫التغيري السياسي داخل النظام املسؤول عن أي‬ ‫عملية تنموية (النظام السياسي)‪ ،‬إذ يتأثر‬ ‫دوره��ا هنا بدرجة متاسك هذه النخبة ً‬ ‫أوال‪،‬‬ ‫ووج��ود العناصر الكفؤة فيها ممن ميتلكون‬ ‫مؤهالت القيادة والتعبئة والتغيري وحيازة‬ ‫ً‬ ‫إضافة إىل إمكانية توحيد الرؤى‬ ‫إرادة التنمية‪،‬‬ ‫داخ��ل مكونات ه��ذه النخبة باجتاه صياغة‬ ‫موقف موحد للنشاط التنموي(‪.)34‬‬ ‫العامل املتعلق بإمكانات الدولة ذاتها وقدرتها‬ ‫على توفري مسـتلزمات التحديث السياسي‪،‬‬ ‫وأهمها مسألة ال��وح��دة الوطنية والتالحم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أساسيا لنجاح أي‬ ‫شرطا‬ ‫االجتماعي الذي يعد‬ ‫دور تنموي وبضمنه دور النخبة السياسية(‪.)35‬‬ ‫العامل املتعلق باملرونة اليت تبديها النخبة‬ ‫السياسية يف التعامل مع أمناط النخب األخرى‬ ‫‪117‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪118‬‬

‫امل��وج��ودة داخ��ل اجملتمع كالنخب الثقافية‬ ‫واالقتصادية والدينية والعسكرية وغريها‬ ‫من جهة‪ ،‬وقابليتها على مد جسور التواصل‬ ‫لتوحيد الفعل املشرتك باجتاه إحداث أي تغيري‬ ‫جهة أخرى‪.‬‬ ‫على مستوى اجملتمع والدولة من ٍ‬ ‫عوامل أخرى تتعلق باالستقاللية السياسية‬ ‫للدولة ودرج��ة خضوعها لتأثريات خارجية‬ ‫قد تزيد أو تعيق أو َ‬ ‫توجه ال��دور التنموي‬ ‫للنخبة السياسية(‪ ،)36‬وتؤثر عوامل االستقرار‬ ‫االقتصادي واالجتماعي واألمين يف هذا الدور‬ ‫الذي تقوم به النخبة السياسية وسعيها لتحقيق‬ ‫ً‬ ‫إضافة إىل البيئة‬ ‫التنمية يف بعدها السياسي‪،‬‬ ‫الدولية للنظام السياسي و تطورات العالقات‬ ‫الدولية اليت قد تؤثر يف جممل الواقع العام‬ ‫للدولة و نظامها السياسي و متارس ضغوط ال‬ ‫ميكن اخلروج عن تأثريها‪.‬‬ ‫إن ال��دور التنموي للنخبة السياسية‪ً ،‬‬ ‫وفقا‬ ‫لذلك‪ ،‬يتحدد بنا ًء على األوض��اع السائدة يف‬ ‫اجملتمع الذي توجد فيه هذه النخبة‪ ،‬ويكون‬ ‫ً‬ ‫حمكوما خبصوصيات اجملتمع‪ ،‬ومن ثم التقاليد‬ ‫السياسية السائدة فيه‪ ،‬اليت إما أن تف ٌعل هذا‬ ‫ال��دور يف دعم عملية التحديث السياسي‪ ،‬أو‬ ‫ٌ‬ ‫حتجمه يف إط��ار حم��دود‪ ،‬وه��ذا يتوقف على‬ ‫مدى النضج السياسي للنخبة ذاتها و من ثم‬ ‫مجاهريها‪ ،‬اليت تدعم أو تعرقل هذا ال��دور‪،‬‬ ‫وإدراكها ملا تواجهه عملية التحديث السياسي من‬ ‫حتديات وأزمات قد تعرقل مسريتها أو تصيبها‬ ‫بالشلل‪ ،‬ويكمن دور النخبة هنا يف تهيئة األحوال‬ ‫العامة للدولة من خمتلف النواحي و بناء البيئة‬ ‫الصحية للتنمية السياسية‪ ،‬وتهيئة األرضية‬ ‫املناسبة للشروع يف هذه العملية‪ ،‬وجتاوز أية‬

‫أزمات تعرتض طريقها‪.‬‬ ‫املطلب ال��راب��ع‪ :‬النخبة السياسية وأزم��ات‬ ‫التحديث السياسي‬ ‫تتفاعل النخبة السياسية يف إطار عملها داخل‬ ‫النظام السياسي مع ما يعرتي عملية التحديث‬ ‫السياسي وما يواجهها من العقبات اليت تتجسد‬ ‫يف جمموعة من األزمات اليت تعيق سعيها حنو‬ ‫حتقيق أهدافها وتتمثل مبا يلي(‪-:)37‬‬ ‫أزمة اهلوية ‪:- Identity crisis‬‬ ‫وهي األزمة اليت تتعلق بتكوين الشعور املشرتك‬ ‫بني أفراد اجملتمع الواحد بأنهم متميزين عن‬ ‫غريهم من أبناء اجملتمعات األخرى‪ ،‬أي إنها متثل‬ ‫الشعور باالنتماء الوطين‪ ،‬وتعد هذه األزمة ذات‬ ‫ثقل يف التحديث السياسي يف اجل��زء املرتبط‬ ‫ببناء الدولة‪ ،‬وتتعلق بالتسامي على مجيع‬ ‫اهلويات األخرى الضيقة كاإلثنية والطائفية‬ ‫والقومية والعشائرية وتغليب اهلوية الوطنية‬ ‫األوسع‪.‬‬ ‫إن وجود هذه األزمة يصيب أي عملية تنمية‬ ‫سياسية بالشلل يف مسريتها لتحقيق أهدافها‪،‬‬ ‫ويبقيها حبيسة التجاذبات الفرعية اليت‬ ‫تنطلق من االنتماءات الضيقة لفئات اجملتمع‬ ‫مبا يشتت اجلهد العام للدولة يف سعيها إلجناح‬ ‫هذه العملية ‪.‬‬ ‫تؤثر النخبة السياسية يف تفاقم أو احتواء أزمة‬ ‫اهلوية‪ ،‬وذلك ً‬ ‫تبعا لتكوين النخبة ذاتها ومدى‬ ‫ما حتمله من مؤهالت للتأثري مبا متليه عليه‬ ‫ً‬ ‫فمثال إذا كانت النخب‬ ‫خصوصياتها التكوينية‪،‬‬ ‫ريفية وترتبط بقيم تقليدية معينة فإنها قد‬


‫تكون عاجزة عن التعامل مع احلس االجتماعي‬ ‫العام داخل اجملتمع(‪ ،)38‬وهذا يعود إىل طبيعة‬ ‫النخب ذاتها واليت ال متكنها من تكوين هوية‬ ‫موحدة (بفتح الدال) وموحدة (بكسر الدال) يف‬ ‫الدولة ان كانت تعرب عن طيف جمتمعي حمدد‪،‬‬ ‫وعلى العكس من ذلك فيما إذا كانت النخبة‬ ‫تتسم بالتنوع وباملستوى العالي من الثقافة‬ ‫السياسية امل��ت��ج��ددة‪ ،‬فإنها س��وف متتلك ما‬ ‫تستطيع من خالله بناء اهلوية الوطنية‪ ،‬إذ انه‬ ‫وحسب رأي احد املتخصصني ميكن أن تتجاوز‬ ‫الثقافة حدود القوميات الضيقة املتنازعة يف‬ ‫نقطة ما‪ ،‬و اليت يك ٌونها االقتصاد أو السياسة‬ ‫ً‬ ‫توازنا جديداً‬ ‫أو التاريخ املاضي العرقي‪ ،‬لتقيم‬ ‫بصورة شاملة‪ ،‬وتتجاوز الصراعات النامجة‬ ‫عن االنقسام(‪ .)39‬وهذا يعكس إمكانية الدور‬ ‫اإلجيابي الذي ميكن إن تلعبه النخبة السياسية‬ ‫احلاملة لثقافة واسعة يف إرساء اهلوية الوطنية‬ ‫للمجتمع وتقليل اآلث��ار السلبية لالنتماءات‬ ‫األخرى ‪.‬‬ ‫‪.2‬أزمة الشرعية ‪: legitimacy crisis‬‬ ‫تتعلق بتحقيق االتفاق ح��ول مشروعية‬ ‫السلطة القائمة واملسؤوليات اخلاصة باحلكم‪،‬‬ ‫وه��ي مشكلة دستورية ت��دور ح��ول حتقيق‬ ‫االتفاق العام والقبول بالسلطة السياسية القائمة‬ ‫واالع�ت�راف والرضا بها عرب إقناع احملكومني‬ ‫بالسند واملربر الذي تعتمد عليه هذه السلطة‬ ‫يف تفسري احتكارها إص��دار القوانني وإدارة‬ ‫شؤون اجملتمع الداخلية وعالقاتها اخلارجية‪،‬‬ ‫وتستفحل أزم��ة الشرعية عندما خترج عن‬ ‫أطرها الدستورية ويظهر ما يسمى بالشرعية‬ ‫(الثورية)‪ ،‬اليت جتعل السلطة حكرا على فئة‬

‫سياسية معينة وهو ما يعيق عملية التحديث‬ ‫السياسي (‪ .)40‬وميكن للنخبة السياسية تقليل‬ ‫األثر السليب هلذه األزمة عن طريق (تسويقها)‬ ‫للمجتمع‪ ،‬فإذا تعلق األم��ر‪ ،‬على سبيل املثال‪،‬‬ ‫بتدابري ذات طابع حكومي‪ ،‬فان جناحها أو فشلها‬ ‫ال خيضع فقط لقابلية تطبيقها يف امليدان‪ ،‬وإمنا‬ ‫أيضا للطريقة اليت ينجح القادة يف تقدميها‬ ‫(‪ ،)41‬وهذا األمر يتعلق بالعمل اجلماعي بني‬ ‫األط���راف املكونة للنخبة السياسية وم��دى‬ ‫حد كبري)‬ ‫الوحدة املوجودة داخلها بصفتها(إىل ٍ‬ ‫تعد القابض الرئيس على السلطة وبذلك ميكن‬ ‫القول بأنه‪ :‬إذا كانت هناك أرضية لقاء بني كل‬ ‫فاعلي امليدان السياسي‪ ،‬مهما كانت اخلالفات‬ ‫ال�تي تفصل بينهم‪ ،‬فإنها تتمثل يف تأمني‬ ‫مسو السلطة السياسية كعامل حمرك للحياة‬ ‫االجتماعية‪ ،‬واألم��ر يتعلق بالنسبة للحكام‬ ‫(النخبة)‪ ،‬بإضفاء طابع شرعي على وجودهم‬ ‫يف السلطة من خالل إرج��اع احلد األقصى من‬ ‫اآلثار رَ‬ ‫اخلية لنشاطهم(‪ .)42‬وبشكل عام حتدث‬ ‫أزمة الشرعية عندما تعترب النخبة احلاكمة‪،‬‬ ‫إن مطالب وسلوكيات األفراد واجلماعات اليت‬ ‫تسعى للمشاركة يف النظام السياسي هي مطالب‬ ‫وسلوكيات غري شرعية(‪. )43‬‬ ‫‪.3‬أزمة التغلغل ‪:penetration crisis‬‬ ‫وتسمى (أزمة اإلدارة) وتدور حول مدى كفاءة‬ ‫اجلهاز اإلداري للدولة للتغلغل يف أجزاء اجملتمع‬ ‫وبناه املختلفة‪ ،‬بقصد حتريكه وتنفيذ سياسات‬ ‫الدولة فيه‪ ،‬وما يعين ذلك من تأكيد لسطوة‬ ‫الدولة وسلطتها وحضورها ال��دائ��م‪ ،‬وشعور‬ ‫املواطن بقدرتها وجدية جهازها املؤسسي يف‬ ‫ممارسة مهماته‪ ،‬ويرتبط ذلك بقدرة النظام‬ ‫‪119‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪120‬‬

‫السياسي ذات��ه على النجاح يف أداء وظائفه‬ ‫املختلفة‪ ،‬واملتمثلة بعمليات استخالص املصادر‬ ‫والتوزيع لألدوار والعوائد بني فئات اجملتمع‪،‬‬ ‫وممارسة النظم والرقابة والضبط لسلوك‬ ‫اإلفراد واجلماعات(‪ .)44‬وميثل إخفاق الدولة‬ ‫ً‬ ‫ممثلة بنظامها السياسي ومؤسساته املختلفة‬ ‫يف أداء هذا الدور أزمة تؤثر يف تعطيل مسرية‬ ‫التحديث السياسي‪ ،‬وهو األم��ر ال��ذي تتحمل‬ ‫النخبة اجلزء األكرب منه كونها املكون األساس‬ ‫للقيادة يف هذا النظام‪ ،‬كما مت ذكره ً‬ ‫سلفا‪ ،‬وهنا‬ ‫تكون كفاءة النخبة واحتوائها على العناصر‬ ‫املؤهلة يف العمل التنفيذي‪ ،‬وهو ما يطلق عليه‬ ‫ً‬ ‫اصطالحا (التكنوقراط)‪ ،‬هو الفيصل يف حتديد‬ ‫إمكانية جناح النخبة يف جتاوز هذه األزمة من‬ ‫عدمه‪ ،‬وهو األم��ر ال��ذي يعتمد على تركيبة‬ ‫النخبة‪ ،‬وإميانها بالعلم والتطور والتغيري‪ ،‬أو‬ ‫حمافظته على الوضع القائم(‪ ،)45‬وعدم جتاوز‬ ‫ً‬ ‫عامال‬ ‫حالة اجلمود وشلل احلركة‪ ،‬الذي يعد‬ ‫ً‬ ‫معطال لعجلة التحديث السياسي ‪.‬‬ ‫‪.4‬أزمة املشاركة ‪:participation crisis‬‬ ‫تنشأ هذه األزمة عندما يعجز النظام السياسي‬ ‫عن إعادة رسم عملية التفاعالت السياسية بني‬ ‫القوى السياسية املختلفة داخ��ل اجملتمع من‬ ‫أحزاب ومجاعات ضغط وغريها‪ ،‬عندما تتزايد‬ ‫رغبتها يف العمل السياسي‪ ،‬وتدخل قوى جديدة‬ ‫إىل عملية التفاعل السياسي ه��ذه‪ ،‬مما يعين‬ ‫ازدياد املطالب السياسية مع ضعف يف احلراك‬ ‫السياسي للنظام يف استيعاب ه��ذه املطالب‬ ‫ً‬ ‫سياسيا‪ ،‬وهو أمر يتعلق مبرونة عمل‬ ‫ومتثيلها‬ ‫النظام السياسي وقابليته على التكييف مع‬ ‫األوضاع املتغرية بازدياد وجتدد عدد و مواقف‬

‫القوى السياسية املختلفة فيه‪ ،‬وهو أمر يؤدي‬ ‫إىل تهديد استمرارية عمله وحيويته‪ ،‬مما‬ ‫يؤثر على جممل مسرية التحديث السياسي اليت‬ ‫تتصف بطابع التغيري ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حتديا مباشراً تتحمل النخبة‬ ‫متثل هذه األزمة‬ ‫السياسية بشكل كبري نتائجه‪ ،‬إذ أنها ترتبط‬ ‫بقابلية النخبة على التجدد واستيعاب القوى‬ ‫السياسية املختلفة‪ ،‬واآلراء واالجتاهات السائدة‬ ‫يف اجملتمع‪ ،‬إذ يؤدي تزمتها يف تبين رؤى سياسية‬ ‫متصلبة إىل نتيجة سلبية‪ ،‬تتمثل يف غلق فرص‬ ‫احلراك‪ ،‬و غلق أبواب املشاركة السياسية أمام‬ ‫أع��داد كبرية من أبناء اجملتمع‪ ،‬مما ي��ؤدي إىل‬ ‫عملية تدوير بطيئة داخل النـــخبة‪ ،‬وجعل‬ ‫التغيري يف النمط السياسي فيها ً‬ ‫رهنا حبدوث‬ ‫انقالب عسكري أو موت زعيم كبري أو بثورة‬ ‫شعبية أو انتصار حرب أهلية(‪ ،)46‬على العكس‬ ‫من ذلك يف حالة وج��ود خنبة منفتحة وغري‬ ‫منغلقة على نفسها‪ ،‬مما جيعلها تسمح بعملية‬ ‫احل��راك والتجدد‪ ،‬وهو ما يزيد من إمكانية‬ ‫جت��اوز النظام السياسي هلذه األزم��ة املتعلقة‬ ‫باملشاركة‪ ،‬وفتح قنوات التواصل والتجدد مع‬ ‫اآلراء السياسية والقوى الصاعدة فيه‪.‬‬ ‫‪.5‬أزم���ة االندماج‪:Integration crisis‬‬ ‫وهي األزمة اليت تعد املفتاح الرئيس حلل كل‬ ‫من أزم�تي التغلغل واملشاركة‪ ،‬إذ إنها تتعلق‬ ‫بكيفية تنظيم الوحدات االجتماعية الوطنية‬ ‫بكل أشكاهلا االقتصادية والسياسية والعرقية‬ ‫وال��دي��ن��ي��ة وال��ط��ائ��ف��ي��ة‪ ،‬وإدم��اج��ه��ا يف كتلة‬ ‫متجانسة ومنسجمة‪ ،‬وحتدث هذه األزمة عادة‬ ‫عند حدوث االختالل يف الفعاليات الرامية حلل‬ ‫أزميت التغلغل واملشاركة‪ ،‬وتتطلب مواجهة هذه‬


‫األزم��ة وج��ود خنبة سياسية حاكمة تتجاوب‬ ‫ً‬ ‫إضافة إىل جتاوبها‬ ‫مع قيم األصالة واحلداثة‪،‬‬ ‫مع تنوعات اجملتمع املختلفة (‪ ،)47‬مما جيعل‬ ‫النخبة أم���ام حت��د االن��دم��اج األيديولوجي‬ ‫ً‬ ‫جناحا‬ ‫والثقايف‪ ،‬وجيعل جناحها يف القيام بذلك‬ ‫لعملية التحديث السياسي وفشلها انتكاسة كربى‬ ‫هلا ‪.‬‬ ‫‪.6‬أزمة التوزيع ‪:Distribution crisis‬‬ ‫وتدور حول االختالل احلاصل يف توزيع نسب‬ ‫املوارد والثروات واخلدمات على وحدات اجملتمع‬ ‫وأف���راده‪ ،‬وهي ع��ادة تربز حني يستأثر عدد‬ ‫قليل من األف��راد بثروات اجملتمع وخرياته‪،‬‬ ‫وتحُ رم الغالبية العظمى منها‪ ،‬ويعين ذلك أن‬ ‫النخبة حبد ذاتها تشكل جز ًء من هذه األزمة‪،‬‬ ‫إذ تستأثر‪ ،‬حسب الباحثني‪ ،‬بالسلطة والقوة‬ ‫والنفوذ يف عدد قليل وحم��دود من األشخاص‬ ‫وحترم الغالبية العظمى من التمتع ب��ه(‪،)48‬‬ ‫ولكن مع ذلك‪ ،‬ختتلف طريقة تعاطي النخبة‬ ‫مع ه��ذه األزم��ة باختالف طبيعتها بتمتعها‬ ‫بصفة االنفتاح من عدمه‪ ،‬ففي بعض اجملتمعات‬ ‫تعمل النخب الثقافية والنخب الرائدة يف حقوق‬ ‫اإلنسان والبيئة واألس��رة والتعليم بتضافر‬ ‫جهودها مع النخب القائدة (السياسية) يف‬ ‫نسق ف َعال يستطيع جتاوز‪ ،‬قدر اإلمكان‪ ،‬هذه‬ ‫األزم���ة(‪ ،)49‬وبعكس ذل��ك تبقى ه��ذه األزم��ة‬ ‫عقبة رئيسة يف طريق حتقيق عملية التحديث‬ ‫السياسي ‪.‬‬ ‫يتضح من خالل ذلك إن باستطاعة النخبة‬ ‫السياسية إزالة أزمات التحديث السياسي عن‬ ‫طريق إحالل الصفات اإلجيابية يف داخل النخبة‬ ‫ً‬ ‫وسلوكا مبا‬ ‫ذاتها‪ ،‬ومن ثم إشاعتها ثقافة سياسة‬

‫يضمن دميومة مسرية عملية التحديث السياسي‪،‬‬ ‫و ي��رى ع��امل السياسة األم��ري��ك��ي غابرييل‬ ‫آملوند‪ ،‬حسب ما يذكر أح��د الباحثني(‪:)50‬‬ ‫((إن منهج التحديث السياسي يقوم على فكرة‬ ‫التنمية باعتبارها عملية مواجهة مشكالت أو‬ ‫أزمات مبا يرتتب عليه ذلك من ضرورة اختاذ‬ ‫قرارات سياسية ترتبط بالظروف احلضارية‬ ‫و االجتماعية مما حيدد جمال االختيار أمام‬ ‫الصفوة(النخبة) السياسية ال�تي قد تتخذ‬ ‫القرارات‪ ،‬و هذا يرتكز على مفهوم القيادة و‬ ‫على مفهوم األزمة كمظهر من مظاهر عملية‬ ‫التحديث السياسي))‪ .‬إن ذلك يؤكد أهمية الدور‬ ‫الذي تؤديه النخبة السياسية يف جممل العملية‬ ‫التنموية بضمنها الشق السياسي منها و املتمثل‬ ‫بعملية التحديث السياسي‪.‬‬ ‫اخلـامتــة‬ ‫من خالل ما مت تناوله يف هذا البحث ميكن‬ ‫استنتاج ما يلي‪:‬‬ ‫ينقسم اجملتمع إىل فئة حاكمة وفئة حمكومة‬ ‫تسمى الفئة احلاكمة منها بالنخبة اليت متتلك‬ ‫من العناصر واملؤهالت اليت متكنها من السيطرة‬ ‫على شؤون اجملتمع والدولة وإدارت��ه والتحكم‬ ‫مب��وارده املختلفة‪ ،‬وال يستطيع حتى احلاكم‬ ‫الفرد من ممارسة السلطة مبفرده دون مشاركة‬ ‫النخب له يف ممارسة هذه السلطة ‪.‬‬ ‫ختضع النخبة بشكل عام إىل قوانني التبدل‬ ‫وال��ت��غ��ي�ير ح��س��ب امل��ت��غ�يرات داخ���ل البيئة‬ ‫االجتماعية العامة اليت تتواجد فيها وختتلف‬ ‫ه���ذه ال��ن��خ��ب ح��س��ب طبيعة ال����دور ال��ذي‬ ‫متارسه وطبيعتها التكوينية فتظهر هنالك‬ ‫‪121‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪122‬‬

‫خنب اجتماعية تهتم وتعمل يف إط��ار البنى‬ ‫االجتماعية وهنالك االقتصادية وكذا الثقافية‬ ‫وتعد النخبة السياسية هي النخبة املسيطرة‬ ‫ً‬ ‫نسبيا يف حركة النخب‬ ‫واملتحكمة بشكل كبري‬ ‫ً‬ ‫عموما بسبب سيطرتها على‬ ‫األخرى واجلماهري‬ ‫النظام السياسي الذي متثل قمة اهلرم فيه عادة‪ً.‬‬ ‫يشار إىل النخبة السياسية عادة بداللة الفئة‬ ‫احلاكمة ال�تي حتفظ ت��وازن اجملتمع ومتسك‬ ‫ب��زم��ام األم���ور فيه وحتقق عملية ال��ت��وازن‬ ‫االجتماعي داخل اجملتمع عن طريق ما متتلكه‬ ‫من وسائل التأثري والضغط على خمتلف القوى‬ ‫والشرائح االجتماعية ومتارس يف الوقت ذاته‬ ‫جمموعة من الوظائف اليت تعرب عن أهداف‬ ‫اجملتمع ‪.‬‬ ‫متثل التنمية حركة شاملة للمجتمع باجتاه‬ ‫حتقيق أه��داف��ه ع��ن طريق استثمار م��وارد‬ ‫الدولة اليت يتواجد فيها هذا اجملتمع وبوجود‬ ‫جهة خمططة ومنفذة وموجهة هلذه احلركة‬ ‫الشاملة اليت تندرج يف إطارها تنمية فرعية‬ ‫ذات إب��ع��اد خمتلفة اقتصادية واجتماعية‬ ‫وثقافية وسياسية‪ ،‬وتعد السياسية منها احملور‬ ‫األساس الذي تنبين عليه التنمية الشاملة‪ ،‬إذ‬ ‫ُتعرب التنمية الشاملة عن وجود السلطة داخل‬ ‫اجملتمع يف حتديد األهداف العامة ووضع اخلطط‬ ‫الالزمة لتحقيق هذه اخلطط ‪.‬‬ ‫إن جن��اح أي تنمية سياسية يستلزم وج��ود‬ ‫رغبة يف ذلك مع وجود ختطيط تسبقه تعبئة‬ ‫مجاهريية باجتاه حتقيقها‪ ،‬وهو ما يتطلب من‬ ‫القوى السلطوية األخذ بزمام املبادرة لتحقيق‬ ‫ذل��ك وتقع النخبة السياسية يف صميم هذه‬ ‫القوى ‪.‬‬

‫يرتكز ال��دور أو الوظيفة التنموية للنخبة‬ ‫السياسية على متتعها بالقوة السلطوية اليت‬ ‫متكنها من تنظيم النشاط السياسي والتنسيق‬ ‫يف عمل البنى االرتكازية املختلفة‪.‬‬ ‫داخ��ل اجملتمع يف إط��ار التحديث السياسي‪،‬‬ ‫وكذلك على نزعتها البنيوية حنو التغيري‬ ‫املستمر وال��ذي جيسد حقيقة التنمية ذاتها‬ ‫املرتبطة بالتغري من وضع سليب إىل وضع إجيابي‬ ‫وذلك عن طريق التعبئة ملوارد اجملتمع البشرية‬ ‫حنو حتقيق هذه األهداف وهو املرتكز املضاف‬ ‫للدور التنموي للنخبة السياسية ‪.‬‬ ‫تنطلق النخبة يف أداء دوره��ا النخبوي من‬ ‫اندماجها يف إطار اجملتمع لتأخذ على عاتقها‬ ‫بصفتها ال��ق��وة الرئيسة املرتبعة على هرم‬ ‫السلطة السياسية أداء الدور التنموي يف حتديد‬ ‫األه��داف ووض��ع اخلطط وتنفيذها والرقابة‬ ‫عليها من خالل سيطرتها وتعلقها يف البنى‬ ‫السياسية الرئيسة داخل اجملتمع ‪.‬‬ ‫يستند جناح أو فشل النخبة السياسية يف أداء‬ ‫وظيفتها أو دوره��ا التنموي على جمموعة‬ ‫من العوامل‪ ،‬أهمها درج��ة النضوج السياسي‬ ‫هلذه النخبة ومتاسكها وإدراكها ألهمية دورها‬ ‫يف حتقيق التنمية من خ�لال توحيد ال��رؤى‬ ‫السياسية داخ��ل اجملتمع باجتاه تبين موقف‬ ‫حمدد‪ ،‬ويستند هذا الدور على قوة الدولة ذاتها‬ ‫وإمكاناتها واستغالل هذه اإلمكانات لتحقيق‬ ‫التنمية مثل التماسك القومي وال��وح��دة‬ ‫الوطنية‪ ،‬ويرتبط الدور كذلك بعامل املرونة‬ ‫ال�تي تبديها النخبة السياسية يف االنفتاح‬ ‫والتعامل مع أمناط النخب األخرى (االقتصادية‬ ‫والثقافية والعسكرية وغريها)‪ ،‬واستيعابها‬


‫وتوحيد الفعل باجتاه إحداث التغيري التنموي‬ ‫املطلوب‪ ،‬كما يستند الدور التنموي على عوامل‬ ‫أخ��رى داخلية وخ��ارج��ي��ة منها اقتصادية‬ ‫واجتماعية وأمنية قد تساعد أو تعيق هذا‬ ‫الدور ‪.‬‬ ‫يف إطار تفاعلها مع مؤسسات النظام السياسي من‬ ‫جهة‪ ،‬و دورها يف التأثري على الظروف اجملتمعية‬ ‫من جهة أخرى‪،‬تقوم النخبة السياسية بأداء دور‬ ‫تفعيل أو عرقلة جتاوز النظام و اجملتمع أزمات‬ ‫التحديث السياسي املتعلقة باهلوية والشرعية‬ ‫والتغلغل واالندماج و املشاركة و التوزيع‪ ،‬وذلك‬ ‫ً‬ ‫تبعا لطبيعة النخبة التكوينية و كفاءتها و‬ ‫مرونتها وانفتاحها على اجملتمع و إرادتها يف‬ ‫حتقيق التحديث السياسي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وختاما يتضح إن للنخبة السياسية الدور‬ ‫األبرز يف عملية التحديث السياسي من خالل‬ ‫دوره��ا يف مؤسسات الدولة وخارجها يف إطار‬ ‫اجملتمع‪ ،‬إذ تعد هذه النخبة احمل��رك األساس‬ ‫لعمل النظام السياسي وحركة القوى السياسية‬ ‫املختلفة داخل اجملتمع الذي جيسد بيئة هذا‬ ‫النظام ‪ .‬يعد هذا البحث حماولة لتغطية نظرة‬ ‫أح��ادي��ة للقوى امل��ؤث��رة يف عملية التحديث‬ ‫السياسي وحماولة بيان ال��دور ال��ذي ميكن أن‬ ‫تلعبه النخبة السياسية يف أي دولة وجمتمع يف‬ ‫حتقيق التنمية ومنها بلدنا العراق‪ ،‬وعسى إن‬ ‫يكون هذا البحث حافزاً باجتاه كتابة حبوث‬ ‫أخرى يف هذا املضمار املهم ونسأله تعاىل التوفيق‬ ‫والسداد ‪.‬‬

‫اهلوامش و اإلحاالت‬ ‫‪ - 1‬للمزيد انظر‪:‬‬ ‫دينكن ميشيل‪ ،‬معجم علم االجتماع‪ ،‬ت‪ :‬د‪.‬‬ ‫إحسان حممد احلسن‪ ،‬دار الرشيد للنشر‪ ،‬بغداد‪،‬‬ ‫‪ ،1980‬ص‪. 118-117‬‬ ‫‪ - 2‬للمزيد من التفصيل انظر‪:‬‬ ‫د‪ .‬خضر اخلضر‪ ،‬مفاهيم أساسية يف علم‬ ‫السياسة‪ ،‬املؤسسة احلديثة للكتاب‪ ،‬طرابلس‪،‬‬ ‫لبنان‪ ،1999 ،‬ص ‪. 233‬‬ ‫‪ - 3‬انظر‪:‬‬ ‫د‪ .‬علي ليلة‪ ،‬دور الصفوة يف اط��ار النظام‪،‬‬ ‫املكتبة املصرية للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫اإلسكندرية‪ ،2006 ،‬ص ‪.110‬‬ ‫‪ - 4‬للمزيد انظر‪:‬‬ ‫د‪ .‬خضر اخلضر‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪-332‬‬ ‫‪. 334‬‬ ‫‪ - 5‬د‪ .‬إبراهيم أبراش‪ ،‬علم االجتماع السياسي‪،‬‬ ‫دار الشروق للنشر والتوزيع‪ ،‬عمار األردن‪،1998 ،‬‬ ‫ص ‪. 114‬‬ ‫‪- 6‬للمزيد انظر‪:‬‬ ‫د‪ .‬صادق األسود‪ ،‬علم االجتماع السياسي ‪ -‬أسسه‬ ‫وأبعاده‪ ،‬مطبعة دار احلكمة‪ ،‬بغداد‪ ،1990 ،‬ص‬ ‫‪. 450-438‬‬ ‫‪ - 7‬انظر‪ :‬دينيكن ميشيل‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪،‬‬ ‫ص ‪. 118‬‬ ‫‪- 8‬للمزيد انظر‪:‬‬ ‫حممد نصر مهنا‪ ،‬علم الساسة بني األصالة‬ ‫وامل���ع���اص���رة‪ ،‬امل��ك��ت��ب اجل��ام��ع��ي احل��دي��ث‪،‬‬ ‫اإلسكندرية‪ 2006 ،‬ص‪-406‬ص‪. 414‬‬ ‫‪ - 9‬انظر‪:‬‬ ‫اللجنة االقتصادية واالجتماعية لغربي أسيا‪،‬‬ ‫‪123‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪124‬‬

‫حنو سياسات اجتماعية متكاملة يف ال��دول‬ ‫العربية – إطار وحتليل مقارن‪ ،‬األمم املتحدة‪،‬‬ ‫نيويورك‪ ،2005 ،‬ص‪. 66‬‬ ‫‪- 10‬انظر‪:‬‬ ‫سليم مطر‪ ،‬دور إدارة النخبة وأفكارها يف صنع‬ ‫التاريخ‪ ،‬جنيف‪ ،200 ،‬مقالة منشورة يف شبكة‬ ‫اإلنرتنت على املوقع التالي ‪www.salim- :‬‬ ‫‪matar.com‬‬ ‫‪ - 11‬انظر‪:‬‬ ‫اللجنة االقتصادية واالجتماعية لغربي أسيا‪،‬‬ ‫حنو سياسات اجتماعية متكاملة يف ال��دول‬ ‫العربية – إطار وحتليل مقارن‪ ،‬مصدر سبق‬ ‫ذكره‪ ،‬ص‪. 66‬‬ ‫‪ - 12‬تتمثل املؤسسات واهلياكل هنا بكافة أمناطها‬ ‫من سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية‬ ‫وغريها‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫‪Corneliu Bjola . the impact‬‬ ‫‪of Symbolic politics» on‬‬ ‫‪foreign policy During the‬‬ ‫‪Democratization process، paper‬‬ ‫‪to be presented at the kokkalis‬‬ ‫‪Graduate student workshop on‬‬ ‫‪southeastern and east-central‬‬ ‫‪Europe، John F.kennedy school‬‬ ‫‪of Government، Harvard‬‬ ‫‪university .2000 . p14 .‬‬ ‫‪ - 13‬للمزيد حول هذه الوظائف انظر‪:‬‬ ‫هربرت أ ‪ .‬شيلر‪ ،‬املتالعبون بالعقول‪ ،‬ت‪ :‬عبد‬ ‫السالم رضوان‪ ،‬سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬الكتاب رقم‬ ‫‪ ،106‬اجمللس الوطين للثقافة والفنون واآلداب‪،‬‬ ‫الكويت‪ ،1999 ،‬ص ‪-7‬ص‪. 36‬‬

‫‪ - 14‬انظر‪ :‬د‪ .‬صادق األسود‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪،‬‬ ‫ص‪-‬ص‪. 440-439‬‬ ‫‪ - 15‬للمزيد انظر‪:‬‬ ‫اندرو ويبسرت‪ ،‬مدخل لسوسيولوجية التنمية‪،‬‬ ‫ت‪ :‬محدي محيد يوسف‪ ،‬سلسلة املائة كتاب‪ ،‬دار‬ ‫الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪ ،1986 ،‬ص ‪-32‬ص‬ ‫‪. 168‬‬ ‫د‪.‬ري��اض عزيز ه��ادي‪ ،‬املشكالت السياسية يف‬ ‫العامل الثالث‪ ،‬بيت احلكمة‪ ،‬بغداد‪ ،1989 ،‬ص ‪107‬‬ ‫– ص ‪. 123‬‬ ‫‪ - 16‬د‪ .‬إبراهيم مشورب‪ ،‬التخلف والتنمية –‬ ‫دراسات اقتصادية‪ ،‬دار املنهل مكتبة رأس النبع‪،‬‬ ‫بريوت‪ ،2002 ،‬ص ‪. 163‬‬ ‫‪ - 17‬انظر‪:‬‬ ‫د‪ .‬ع��ي��د ح��س��ن ع��ي��د‪ ،‬دراس����ات يف التنمية‬ ‫والتخطيط‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬ ‫‪ ،1996‬ص ‪ – 95‬ص ‪. 96‬‬ ‫‪ - 18‬انظر‪:‬‬ ‫اللجنة االقتصادية واالجتماعية لغربي آسيا‪،‬‬ ‫التنمية اليت يقودها اجملتمع كسياسة اجتماعية‬ ‫متكاملة على الصعيد احمللي‪ ،‬األم��م املتحدة‪،‬‬ ‫نيويورك‪ ،2004 ،‬ص ‪.2‬‬ ‫‪ - 19‬د‪ .‬حممد زاه��ي بشري املغريبي‪ ،‬التحديث‬ ‫السياسي والسياسة املقارنة ق��راءات خمتارة‪،‬‬ ‫منشورات جامعة قار يونس‪ ،‬بنغازي‪ ،1998 ،‬ص‬ ‫‪. 172‬‬ ‫‪ - 20‬د‪ .‬ناجي عبد النور‪ ،‬أزمة املشاركة السياسية‬ ‫يف اجل��زائ��ر – دراس���ة حتليلية لالنتخابات‬ ‫التشريعية ‪ ،2007‬حبث مقدم املؤمتر العاملي‬ ‫حول اللغة العربية والعوملة – حبث يف الواقع‬ ‫واملستقبل‪ ،‬جامعة احلاج خضر‪ ،‬باتنة‪ ،‬اجلزائر‪،‬‬


‫‪ ،2008‬ص ‪. 2‬‬ ‫‪ - 21‬د‪.‬صادق األسود‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.383‬‬ ‫‪ - 22‬انظر‪ :‬د‪ .‬حممد زاهي املغريبي‪ ،‬مصدر سبق‬ ‫ذكره‪ ،‬ص ‪. 171‬‬ ‫‪ - 23‬انظر‪ :‬د‪.‬رياض عزيز هادي‪ ،‬مصدر سبق‬ ‫ذكره‪ ،‬ص ‪ – 116‬ص‪. 117‬‬ ‫‪ - 24‬ان��ظ��ر‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬إح��س��ان حممد احل��س��ن‪ ،‬علم‬ ‫االجتماع السياسي‪ ،‬ط ح‪ ،‬دار وائل للنشر‪ ،‬عمان‪،‬‬ ‫‪ ،2008‬ص ‪ – 15‬ص ‪. 17‬‬ ‫‪ - 25‬انظر‪ :‬غلينا اندرييفا‪ ،‬البسيكولوجيا‬ ‫االجتماعية‪ ،‬ترمجة اليأس شاهني‪ ،‬دار التقدم‪،‬‬ ‫موسكو ‪ ،1988‬ص‪-318‬ص‪. 319‬‬ ‫‪ - 26‬للمزيد انظر‪:‬‬ ‫اميتاي اتزيوني و وايفا اتزيوني‪ ،‬التغيري‬ ‫االجتماعي مصادره –مناذجه –نتائجه‪ ،‬ج‪،2‬‬ ‫ترمجة حممد امح��د حنونة‪ ،‬مطابع وزارة‬ ‫الثقافة واإلرشاد القومي‪ ،‬دمشق‪ ،1984 ،‬ص‪. 107‬‬ ‫‪ - 27‬للمزيد انظر‪:‬‬ ‫فيليب ب��رو‪ ،‬علم االجتماع السياسي‪ ،‬ت‪:‬‬ ‫د‪ .‬حممد ع��رب صاصيال‪ ،‬املؤسسة اجلامعية‬ ‫للدراسات والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،1998 ،‬ص‪ -273‬ص‪274‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪ - 28‬فيليب برو‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪. 276‬‬ ‫‪ - 29‬للمزيد عن الدور والوظيفة انظر‪:‬‬ ‫مثنى فائق مرعي حسن العبيدي‪ ،‬دور الكيان‬ ‫الصهيوني يف اإلسرتاتيجية األمريكية ‪-1990‬‬ ‫‪ ،2003‬رسالة ماجستري غري منشورة‪ ،‬اجلامعة‬ ‫املستنصرية‪ ،‬بغداد‪ ،2005 ،‬ص‪-‬ص ‪. 7-4‬‬ ‫‪ - 30‬د‪ .‬صادق األسود‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪120‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪ - 31‬انظر‪:‬‬

‫د‪ .‬سليم ناصر بركات‪ ،‬علم االجتماع السياسي‪،‬‬ ‫ط ح‪ ،‬منشورات جامعة دمشق‪ ،‬دمشق‪،2001 ،‬‬ ‫ص‪-‬ص ‪. 158-157‬‬ ‫‪ - 32‬انظر‪:‬‬ ‫د‪ .‬امح��د زاي��د و د‪ .‬ع��روس ال��زب�ير‪ ،‬النخب‬ ‫السياسية واالجتماعية‪ :‬حالة اجلزائر ومصر‪،‬‬ ‫مكتبة مدبولي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص ‪. 52‬‬ ‫‪ - 33‬انظر‪:‬‬ ‫د‪ .‬امحد زايد و د‪.‬عروس الزبري‪ ،‬مصدر سبق‬ ‫ذكره‪ ،‬ص‪-‬ص ‪. 41-40‬‬ ‫‪- 34‬انظر‪:‬‬ ‫علي عباس مراد‪ ،‬مشكالت وجتارب التنمية يف‬ ‫العامل الثالث (جمموعة مؤلفني)‪ ،‬دار احلكمة‪،‬‬ ‫بغداد‪ ،1990 ،‬ص‪-‬ص ‪. 121-118‬‬ ‫‪ - 35‬يتضمن هذا املوضوع مسائل التالحم االثين‬ ‫والديين واللغوي والقومي وغريها‪ ،‬للمزيد عن‬ ‫ذلك انظر‪:‬‬ ‫د‪.‬ري���اض عزيز ه���ادي‪ ،‬مصدر سبق ذك��ره‪،‬‬ ‫ص‪-‬ص ‪. 257-249‬‬ ‫‪ - 36‬انظر‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪-‬ص ‪. 428-411‬‬ ‫‪ -37‬للمزيد انظر‪:‬‬ ‫ جمموعة مؤلفني‪ ،‬مشكالت وجتارب التنمية‬‫يف العامل الثالث‪ ،‬مركز دراسات العامل الثالث‪،‬‬ ‫جامعة بغداد‪ ،‬مطابع دار احلكمة‪ ،1990 ،‬ص‪123‬ـ‬ ‫ص‪.125‬‬ ‫‪ -38‬غازي بو دب��وز‪ ،‬إشكالية الدميقراطية يف‬ ‫اجلزائر وموقف النخب السياسية منها‪ ،‬دراسة‬ ‫حالة باجمللس الشعيب الوطين‪ ،‬رسالة ماجستري‬ ‫غري منشورة‪ ،‬جامعة اجلزائر‪ ،2005 ،‬ص‪.459‬‬ ‫‪ -39‬د‪ .‬برهان غليون‪ ،‬جمتمع النخبة‪ ،‬معهد‬ ‫اإلمناء العربي‪ ،‬بريوت‪ ،1986 ،‬ص‪.127‬‬ ‫‪125‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪126‬‬

‫‪ -40‬انظر‪:‬‬ ‫ شريف ي��وس��ف‪ ،‬أزم��ة الشرعية وخ��ي��ارات‬‫املعرضة‪ ،‬مقالة منشورة يف شبكة املعلمات‬ ‫الدولية (االنرتنيت) على موقع مركز القاهرة‬ ‫حلقوق اإلنسان على العنوان التالي‪www.:‬‬ ‫‪cihrs.org‬‬ ‫‪ - 41‬فيليب برو‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.488‬‬ ‫‪ -42‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.489‬‬ ‫‪ -43‬د‪.‬حممد زاهي املغريبي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪،‬‬ ‫ص‪ 328‬ـص‪.329‬‬ ‫‪ -44‬للمزيد انظر‪ :‬د‪ .‬إبراهيم درويش‪ ،‬النظام‬ ‫السياسي ـ دراس��ة فلسفية حتليلية‪ ،‬ج‪ ،1‬دار‬ ‫النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1968 ،‬ص‪.17‬‬ ‫‪ -45‬للمزيد‪ :‬د‪.‬علي ليلة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪،‬‬ ‫ص‪.124‬‬ ‫‪ -46‬د‪ .‬امحد زايد و د‪ .‬عروس الزبري‪ ،‬مصدر‬ ‫سبق ذكره‪ ،‬ص‪.50‬‬ ‫‪ -47‬انظر‪ :‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪. 50‬‬ ‫‪ -48‬للمزيد عن التمييز الطبقي انظر‪:‬‬ ‫ د‪ .‬إبراهيم أبراش‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪114‬‬‫ـ ص‪.127‬‬ ‫‪ -49‬للمزيد انظر‪:‬‬ ‫ د‪ .‬امحد زايد و د‪ .‬عروس الزبري‪ ،‬مصدر سبق‬‫ذكره‪ ،‬ص‪.39‬‬ ‫‪ -50‬حممد نصر مهنا‪ ،‬مصدر سبق ذك��ره‪ ،‬ص‬ ‫‪.337‬‬


‫دراسة السلوك االنتخايب‬

‫الري بارتلز‬ ‫ترمجة‪ :‬إبراهيم كريم‬

‫‪127‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪128‬‬

‫متهيد‪:‬‬ ‫إن الدراسات اخلاصة بالسلوك االنتخابي هلا‬ ‫تاريخ طويل وفعال وان هديف هنا تقديم ملخص‬ ‫انتقائي هلذا التاريخ حيث يركز على التطورات‬ ‫اليت تبدو لي بأنها يف غاية األهمية يف صياغة‬ ‫املالمح واخلطوط العريضة احلالية هلذا اجملال‪،‬‬ ‫وحيث أن هناك اهتمامات ورؤى قد ظهرت رداً‬ ‫على بعض أوجه هذا التاريخ فإنها يتم معاجلتها‬ ‫مبزيد من التفصيل يف مقام آخر‪.‬‬ ‫وقد قام كل من ب��رودك وب��رود بريك ‪1959‬م‬ ‫جبمع جمموعة غنية وفعالة من التقييمات‬ ‫النقدية لبحوث التصويت يف وق��ت مبكر يف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مفصال‬ ‫تارخيا‬ ‫تطويرها‪ ،‬وقد قدم كونفريس‬ ‫للبحث اإلحصائي حتى عام ‪1960‬م مع وجود‬ ‫ب��ع��ض ال��ف��ص��ول املخصصة ملكتب البحوث‬ ‫االجتماعية التطبيقية التابع جلامعة كولومبيا‬ ‫وفصول أخرى عن املركز البحثي اإلحصائي‬ ‫جلامعة ميتشجان حيث تقوم بوصف التاريخ‬ ‫التنظيمي لتلك املراكز املؤثرة وعرض ألهم‬ ‫إسهامات الدراسية يف عدة جماالت تشمل جمال‬ ‫السلوك االنتخابي (التصويت)‪ .‬وإن بونرب ‪1978‬م‬ ‫قد ق��ام بتحليل األث��ر األك��ادمي��ي على العمل‬ ‫الوحيد اهلام يف هذا اجملال (املصوت األمريكي)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫خليطا من االنعكاسات‬ ‫وإن كونفريس قد قدم‬ ‫النقدية والذاتية ح��ول تطوير ه��ذا اجملال‬ ‫يف ح�ين أن النجاحات واإلخ��ف��اق��ات املاضية‬ ‫امللحوظة لسابريو ‪1998‬م ذات تنظيم إحصائي‬ ‫وتسلسل زمين‪.‬‬ ‫مشروع ال��دراس��ات – نيمي ووس��ب�يرج ‪،1976‬‬ ‫‪1992 ،1983‬أ‪ 1992 ،‬ب‪ 2001 ،‬قد قدموا ملخصات‬ ‫ضرورية للتطورات األساسية يف إسهاماتهم‬

‫يف اجمل��ل��دات املتعاقبة للمقاالت اجملمعة عن‬ ‫سلوك االنتخاب والتصويت يف حني أن لويس‬ ‫باك ‪2008‬م قد قام بتقديم تعليقات مشابهة‬ ‫لتكرارها يف الفصول اليت مت احلصول عليها من‬ ‫كتاب املصوت أو الناخب األمريكي‪.‬‬ ‫وق��د جتاهلت بالطبع ع��دة إسهامات هامة‬ ‫وتركت التفاصيل ذات الصلة وإن ه��ذا يعد‬ ‫ً‬ ‫جماال للخربة وح��دوداً هلا‪ ،‬على أية حال فإني‬ ‫آمل أن تقدم لنا هذه الدراسة اليت سأعرضها يف‬ ‫الصفحات التالية مغزى وداللة ملا حققه وأجنزه‬ ‫العلماء يف السلوك االنتخابي على مدار السبعني‬ ‫ً‬ ‫عاما املاضية‪ ،‬لكي يكون مصدرا إلهلام وحتفيز‬ ‫املفكرين الذين سيحددوا املسار السائد للفكر‬ ‫االنتخابي يف املستقبل ملعاجلة بعض القضايا‬ ‫األساسية املتعددة اليت ما زالت بدون حل‪.‬‬ ‫دراسات كولومبيا‪:‬‬ ‫إن التاريخ احلديث للبحث االنتخابي األكادميي‬ ‫بدأ عام ‪ 1940‬يف جامعة كولومبيا حيث كان‬ ‫ً‬ ‫فريقا من علماء االجتماع قد مجعهم‬ ‫هناك‬ ‫ب��ول الزرز فيلد وق��د قاموا بتطبيق البحث‬ ‫اإلحصائي لدراسة السلوك االنتخابي وكما‬ ‫حي��دث مع اإلب��داع��ات الكربى ف��إن ه��ذا اجلهد‬ ‫الرائد يبدو يف ضوء االجنازات اليت كانت نتيجة‬ ‫له ب��أن ك��ان معقداً بشكل ملحوظ وق��د قدم‬ ‫لزرز فيلد وزمالؤه إحصائية حلوالي ستمائة‬ ‫ناخب يف جمتمع واح��د (وه��ي مقاطعة ايري‬ ‫مبدينة أوهيو) الذي يبلغ سبعة أضعاف مسار‬ ‫احلملة الرئاسية لعام ‪1940‬م مع وجود خليط‬ ‫معقد من التساؤالت اجلديدة واملتكررة يف كل‬ ‫لقاء متعاقب ومع ثالثة أقسام إضافية جديدة‬


‫لكي تعمل كأسس لتقييم آث��ار عقد لقاءات‬ ‫ومقابالت شخصية متكررة على من يتم عقد‬ ‫تلك اللقاءات معهم يف اجلدول األساسي‪.‬‬ ‫وقد مت نشر نتائج دراسة كولومبيا لعام ‪1940‬‬ ‫يف كتاب (اختيار الشعب كيف اختذ الناخب‬ ‫ق��راره يف محلة االنتخابات الرئاسية – الزرز‬ ‫لفيلد وبريين سون وجودت ‪1944‬م )‪ ،‬وإن دراسة‬ ‫اجلدول الثاني اليت أجراها فريق كولومبيا يف‬ ‫مقاطعة املريا بنيويورك يف عام ‪1948‬م قد قدمت‬ ‫ً‬ ‫أساسا لكتاب آخر وهو (التصويت‪ :‬دراسة تكوين‬ ‫الرأي يف محلة االنتخابات الرئاسية – بريلي‬ ‫سون – والزرز فيلد ومكفي ‪1954‬م)‪ ،‬وإن هذين‬ ‫اجمللدين قد ح��ددوا جمموعة من التساؤالت‬ ‫والطرق البحثية اليت كان هلا آثاراً عميقة على‬ ‫االعمال التالي يف هذا اجملال‪.‬‬ ‫وإن الدراسات اجلدولية ل�لازرز فيلد قد مت‬ ‫تصميمها بعناية لقياس التغريات يف نوايا‬ ‫التصويت الفردية على مسار احلملة االنتخابية‬ ‫وان ه��ذا ال�ترك��ي��ز يعكس األس���س الفكرية‬ ‫للمشروع يف البحث التسويقي على سلوك‬ ‫املستهلك وحتليالت آث��ار الدعاية‪ ،‬وإن الزرز‬ ‫فيلد يبدو قد عرض علم نفس االختيار بأنه‬ ‫هو موضوعه احلقيقي وقد حتول إىل دارسة‬ ‫احلمالت االنتخابية عندما كان الدعم األساسي‬ ‫غري ً‬ ‫كافيا من التحليل اجلدولي لسلوك املستهلك‬ ‫(روسي ‪1959‬م من صفحة ‪.)16-15‬‬ ‫وع��ل��ى ف���رض امل��ص��احل وتصميم ال��دراس��ة‬ ‫ف��إن باحثي جامعة كولومبيا قد اندهشوا‬ ‫مبا اكتشفوه وإن قياسهم الدقيق للمحتوى‬ ‫اإلع�لام��ي ق��د حت��ول إىل االس��ت��خ��دام الضئيل‬ ‫يف احملاسبة وذل��ك وف��ق ً��ا الختيار الناخبني‬

‫اليت تبدو معظمهما قائمة على ال��والء القوي‬ ‫املتأصل يف الدين والطبقة االجتماعية واملدعوم‬ ‫بالتفاعالت املباشرة مع املعارف متحدي الرأي‬ ‫وإن هذا التصميم اجلدولي قد أوضح مقداراً‬ ‫كبرياً للدعم اخل��اص باالفرتاضات السياسية‬ ‫ً‬ ‫مسبقا ومن ثم فإنه مبجرد إجراء‬ ‫املوجودة‬ ‫دراسة عام ‪1948‬م قد قام الزرز فيلد وزمالؤه‬ ‫بتوضيح دور األح��زاب ووسائل اإلع�لام‪ ،‬وقد‬ ‫ً‬ ‫حتليال للتأثريات ب�ين األش��خ��اص عن‬ ‫وض��ع‬ ‫طريق قياس تصورات من يتم إجراء لقاءات‬ ‫معهم بشأن اآلراء السياسية ألسرهم وأصدقائهم‬ ‫وزمالءهم يف العمل مما يؤكد على جتانس تلك‬ ‫الشبكات االجتماعية وميلهم لتكوين انسجام‬ ‫سياسي متزايد على مدار احلملة االنتخابية‪.‬‬ ‫وإن باحثي جامعة كولومبيا مل يستندوا‬ ‫على تصوراتهم املسبقة بشأن طبيعة االختيار‬ ‫االنتخابي ولكنهم تابعوا حتديد تلك البيانات‪،‬‬ ‫وكنتيجة لذلك قد وجدوا أنفسهم يستنتجوا‬ ‫بأن التشابه املعتاد بني قرار التصويت وبني‬ ‫القرارات احملسوبة للمستهلكني ورجال األعمال‬ ‫أو احملاكم قد تكون غري صحيحة‪ ،‬وبالنسبة‬ ‫لعدة مصوتني ف��إن املفضالت السياسية قد‬ ‫يتم اعتبارها متجانسة مع األذواق الثقافية يف‬ ‫املوسيقي واآلداب واألنشطة الرتفيهية وامللبس‬ ‫واألخالقيات واخلطاب والسلوك االجتماعي‪،‬‬ ‫حيث أن لكليهما تقاليده االثنية والقطاعية‬ ‫والطبقية واألسرية وإن كليهما له استقرار‬ ‫ومقاومة للتغيري بالنسبة لألفراد ولكن هناك‬ ‫مرونة وتعديل على مر األجيال للمجتمع ككل‪.‬‬ ‫وإن كليهما تبدو بأنها أموراً تتعلق بالوجدان‬ ‫أكثر من املفضالت املربرة‪ ،‬ويف حني أن كليهما‬ ‫‪129‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪130‬‬

‫يتالءم مع ال��ظ��روف املتغرية واحل��واف��ز غري‬ ‫العادية فإنهما ال يتعرضان بشكل مباشر للجدل‬ ‫ويتعرضان إىل ال��ت��أث�يرات االجتماعية غري‬ ‫املباشرة‪ ،‬وتتميز كال الطريقتني باإلخالص‬ ‫أكثر من اإلقناع‪ ،‬وتتميز ً‬ ‫أيضا بالتوقع املتفائل‬ ‫أكثر من التوقع احلريص والدقيق للعواقب‪.‬‬ ‫ومن ثم فإن الفريق الذي قد مت تشكيله بقيادة‬ ‫أحد أعظم علماء االجتماع يف هذا العصر قد‬ ‫جنح يف إجراء دراسة كالسيكية لعلم االجتماع‬ ‫االنتخابي‪ .‬ويف حالة أن التصويت كان هو املؤلف‬ ‫األه��م لعلم االجتماع أكثر من كتاب اختيار‬ ‫الشعب فإن يعد أكثر أهمية ً‬ ‫أيضا يف األوجه‬ ‫السياسية‪.‬‬ ‫وإن الزرز فيلد وزمالؤه قد حولوا االهتمام إىل‬ ‫دور القضايا السياسية والضغط الذي ميكن من‬ ‫خالله لألشخاص الذين يتم عقد لقاء معهم‬ ‫جتاهل موضوعات وقضايا املرشح املفضلة‬ ‫ً‬ ‫ووفقا لربيلسون وزمالؤه فإن بيانات املريا قد‬ ‫كشفت بأن احلمالت االنتخابية تشمل على‬ ‫املناقشة الصحيحة ومزيد من احل��وار أكثر‬ ‫من اجل��دل وأنها خمصصة إلع��داد كبرية من‬ ‫األشخاص لدفعهم يف احلياة السياسية هذا الدافع‬ ‫ً‬ ‫ضعيفا لو مل يكن غري موجود‬ ‫الذي قد يكون‬ ‫وذلك ً‬ ‫وفقا للتوقع الدميقراطي للمصوت الذي‬ ‫يعتقد بأنه سيتم إبالغه عن الشؤون السياسية‬ ‫(بريلي سون ‪ 1954‬ص ‪ )308‬ويف حالة أن النظام‬ ‫الدميقراطي يتعمد فقط على مؤهالت املصوت‬ ‫الفردي فإنهم قد استنتجوا بأنه من املالحظ أن‬ ‫األنظمة الدميقراطية قد بقت على مر القرون‬ ‫وقد قالوا بأن عدم وج��ود مصلحة من قبل‬ ‫بعض األشخاص يكون عند وجود تضارب مع‬

‫وجهات نظر هؤالء األشخاص‪.‬‬ ‫وإنهم قد أوضحوا مبزيد من التفصيل املدى‬ ‫الذي مثلت فيه املوجه األخرية لرتومان جتديد‬ ‫نشيد ال���والء ال��دمي��ق��راط��ي املسترت كظهور‬ ‫للطبقة التقليدية اليت جاءت يف مقدمة محلة‬ ‫السقوط‪ ،‬وأخرياً فإن الفصل اخلتامي الذي أعده‬ ‫برليسون على املمارسة الدميقراطية والنظرية‬ ‫الدميقراطية قد قدم تفسراً وانتقادات آلثار‬ ‫نتائج املؤلف لنظريته السياسية‪ ،‬وإن تلك‬ ‫األوجه السياسية لدراسات كولومبيا هي األوجه‬ ‫اليت كان هلا أثر كبري على حبث التصويت‪.‬‬ ‫منوذج ميتشجان‪:‬‬ ‫إن عمل وم��ؤل��ف الزرز فليد وزم��ل�اؤه يف‬ ‫ً‬ ‫احتماال ً‬ ‫قويا إلحصائيات‬ ‫كولومبيا قد أوضحوا‬ ‫االنتخابات بصفتها بيانات لفهم احلمالت‬ ‫االنتخابية واالنتخابات وإن التطور التالي‬ ‫واالهم يف دراسات االنتخابات قد ظهر يف العقد‬ ‫التالي يف جامعة ميتشجان‪.‬‬ ‫واملثري للسخرية هو أن فريق ميتشجان مثل‬ ‫نظريه يف كولومبيا مل حي��دد بشكل أصيل‬ ‫دراسة سلوك االنتخاب والتصويت‪ ،‬وإن اجنوس‬ ‫كامبل وروب���رت كهن صاحيب كتاب (ليس‬ ‫بدون فوائد)‪ ،‬حيث التقسيم الفاتر الذي ليس‬ ‫له معنى ألمريكا قد ساعد على حيازة نظام‬ ‫كلي وخفف من صدمة االختالف والتعديل‬ ‫والتغيري‪.‬‬ ‫وإن املركز البحثي اإلحصائي للجامعة قد‬ ‫قام بإجراء إحصائية قومية مليول السياسة‬ ‫اخلارجية يف أكتوبر ‪1948‬م ويف نهاية هذه‬ ‫اللقاءات لتحديد درج��ة املصلحة السياسية‬


‫ل�لأش��خ��اص ال��ذي��ن يتم عقد ل��ق��اءات معهم‬ ‫وتوجهاتهم السياسية العامة‪ ،‬حيث قاموا بسؤال‬ ‫هؤالء األشخاص ما إذا كانوا يعتزموا التصويت‬ ‫يف االنتخابات الرئاسية أم ال وألي حزب سيدلوا‬ ‫بأصواتهم‪ ،‬وبعد االنتخابات وبدافع اإلخفاق‬ ‫اخلاص جبالوب بول للتنبؤ بالنصر قد قرر عقد‬ ‫لقاء مع نفس األشخاص لتحليل سبب التصويت‬ ‫وتسجيل اخل��ص��ائ��ص الشخصية وامليولية‬ ‫والسكانية للذين أدل��وا بأصواتهم والذين مل‬ ‫يدلوا بأصواتهم واجلمهوريني والدميقراطيني‬ ‫ولتقييم أثر العوامل النفسية واالجتماعية‬ ‫والسياسية على حتديد التصويت (كامبل‬ ‫‪1952‬م) وميكنهم ختيل بأن هذا قد يكون بداية‬ ‫أحد املشروعات البحثية األقوى على مدى تاريخ‬ ‫العلوم االجتماعية األكادميية‪.‬‬ ‫وعلى مدار العقد التالي فإن دراسات االنتخابات‬ ‫التابعة مليتشيجان قد مت تنظيمها وتزويدها‬ ‫بإحصائيات قومية مت إجراءها يف عام ‪،1952‬‬ ‫‪ 1958 ،1956 ،1954‬ومت حتليلها من قبل فريق من‬ ‫الباحثني يف مركز البحوث اإلحصائية (كامبل‬ ‫وبورن وميلر ‪ 1954‬وكامبل وكوبر ‪ ،1956‬وكامبل‬ ‫وميلر ‪ ،)1957‬حيث أن ويرن ميلر وهو عامل‬ ‫سياسي ش��اب ت��درب يف جامعة سرياكيوز قد‬ ‫ً‬ ‫لعب دوراً‬ ‫حموريا يف هذا املشروع الذي اشتمل‬ ‫على طالبني جامعيني واع��دي��ن وهما دور‬ ‫استكوس من والية هيل وفيليب كونفريس من‬ ‫برنامج علم النفس االجتماعي اخلاص جبامعة‬ ‫ميتشجان‪ ،‬وقد حتوال ً‬ ‫كال من ميلر وكونفريس‬ ‫وستكوس إىل جوهر فريق ميتشيجان‪ ،‬حيث‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وتنظيميا اليت‬ ‫فكريا‬ ‫قاموا بطفرة مستقبلية‬ ‫أدت إىل وجود مثة هامة يف اإلطار الكلي للبحث‬

‫االنتخابي(الناخب األمريكي)‪.‬‬ ‫وإن البيانات األساسية للناخب األمريكي‬ ‫كانت مشتقة من إحصائيات ميتشجان اليت مت‬ ‫إجرائها خبصوص االنتخابات الرئاسية لعام ‪،52‬‬ ‫‪ 56‬وقد اتبعت تلك اإلحصائيات نفس التصميم‬ ‫األس��اس��ي ال���ذي مت تعديله يف ع��ام ‪ 1948‬مع‬ ‫األشخاص الذين عقدت معهم لقاءات شخصية‬ ‫خالل احلملة‪ ،‬ويتم إعادة عقد لقاءات معهم‬ ‫بعد االنتخابات وخب�لاف ال��دراس��ات السابقة‬ ‫لكولومبيا فإن دراس��ات انتخابات ميتشجان‬ ‫كانت قائمة على عينات إحصائية‪.‬‬ ‫ومن ثم مل تكن مالئمة فقط لتطوير واختبار‬ ‫نظريات السلوك االنتخابي وإمنا كانت مالئمة‬ ‫ً‬ ‫أي��ض��ا لتقديم سجل ت��ارخي��ي لالعتبارات‬ ‫اليت تشكل نتائج االنتخابات القومية وكما‬ ‫أوض��ح مؤلفو كتاب الناخب األم��ري��ك��ي‪ :‬إن‬ ‫هدفنا األساسي يف هذا البحث هو فهم قرارات‬ ‫التصويت جلمهور الناخبني بطريقة تتجاوز‬ ‫بعض العناصر احملددة للحالة التارخيية ولكن‬ ‫أي شخص يعمل ببيانات مكثفة عن أي عملية‬ ‫اجتماعية هلا نفس أهمية االنتخابات الرئاسية‬ ‫جي��ب أن يشعر باملسئولية لتقديم الوصف‬ ‫التارخيي هلا وان معظم هذا اجمللد خيدم هذا‬ ‫الغرض الوصفي والنظري‪.‬‬ ‫وكما ح��دث ف��إن ال��وص��ف والنظرية ق��د مت‬ ‫دجمهما يف النتيجة اليت مت إيضاحها يف كتاب‬ ‫الناخب األمريكي وذلك لتحديد الوالء طويل‬ ‫امل��دى لشعبية املصوتني األمريكيني باحلزب‬ ‫الدميقراطي وق��د أك��دت تلك النتيجة على‬ ‫األهمية السياسية للفرق األساسي بني القوى‬ ‫طويلة املدى والقوى قصرية املدى فمن ناحية‬ ‫‪131‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪132‬‬

‫تعد ه��ن��اك ع��وام��ل قليلة ذات اهمية اكرب‬ ‫النتخابات القومية اكثر من مرفقات مئات من‬ ‫ماليني االمريكيني واحنيازهم وانتمائهم الحد‬ ‫تلك االحزاب‪.‬‬ ‫وإن هذا الوالء قد حدد التقسيم االساسي للقوة‬ ‫االنتخابية اليت حتدث فيها منافسة احلمالت‬ ‫االنتخابية ومن ناحية أخرى إنه ليس صحيح‬ ‫بأن نقول بأن امليول حنو عدة عناصر للسياسة‬ ‫هي االنعكاسات الوحيدة للوالء احلزبي أو‬ ‫عضوية اجملموعات أو للعوامل االخ��ري اليت‬ ‫قد تؤدي اىل هذا التشتت الفكري‪ ......‬أو امليول‬ ‫حنو موضوعات السياسة اليت ختتلف مبرور‬ ‫الوقت ميكن أن تفسر التقلبات قصرية املدى يف‬ ‫التقسيم املؤيد للتصويت حيث ان الوالء احلزبي‬ ‫واخلصائص االجتماعية اليت تتغري بتغري الزمن‬ ‫تعتمد فقط بشكل ضعيف على تلك التحوالت‪.‬‬ ‫وع���ن ط���رق االع��ت��م��اد ع��ل��ى حتليل امل��ي��ول‬ ‫السياسية ذات املدة األكرب أو األقل فإن مؤلفي‬ ‫كتاب الناخب االمريكي قد كان لديهم ً‬ ‫أمال يف‬ ‫تقديم اطار تفسريي قادر على أن يشمل كل‬ ‫من االستقرار احلزبي املؤثر ونتائج االنتخابات‬ ‫املتغرية مبا يف ذلك بعض االنتخابات اليت جعلت‬ ‫إيسن هاور يتولي الرئاسة ومن ثم ففي حني‬ ‫االع�ت�راف باملعين اهل��ام ال��ذي يتم من خالله‬ ‫حتديد املعامل السياسية يف اخلمسينات قد عكس‬ ‫أثر الوالء احلزبي الذي ميكن ان يكون بسبب‬ ‫عهد الصفقات اجلديدة أو عهد احلروب االهلية‬ ‫ومن ثم فإنهم ركزوا االهتمام على املتغريات‬ ‫قصرية املدى يف التصورات واالهتمامات اليت‬ ‫اختلفت وميزت الدوائر االنتخابية والناخبني‬ ‫يف عام ‪.1956 ،1952‬‬

‫فعلي سبيل املثال قد الحظوا التوازن احلزبي‬ ‫للمفضالت اخلاصة ب��االزده��ار واالحنطاط يف‬ ‫عام ‪1956‬م‪ ،‬مقارنة بعام ‪1952‬م‪ ،‬والزيادة الكبرية‬ ‫للمفضالت الشخصية للمرشح الدميوقراطي‬ ‫ادالي استيفن سون وإن االهمية اخلاصة بالقوى‬ ‫الستة امليولية على نتيجة كل انتخابات قد‬ ‫أكدت على االهمية الكبرية للميول الشائعة يف‬ ‫االعتماد على نصره الساحق يف انتخابات ‪1956‬م‪.‬‬ ‫ويف ض��وء س��وء الفهم السابق فإنه ميكن أن‬ ‫نؤكد على ان ال��والء احلزبي يف كتاب الناخب‬ ‫ً‬ ‫نسبيا‬ ‫االمريكي قد مت تصويره على أنه مستقر‬ ‫ولكنه ثابت بكل تأكيد وغ�ير متغري‪( :‬وإن��ه‬ ‫عند فحص الدليل املتعلق بالطريقة اليت يتم‬ ‫تطوير االنتماء احلزبي فيها وتغيريه خالل‬ ‫حياة املواطن الفردي فإننا جند صورة تتميز‬ ‫باالستقرار اكثر من التغري وليس عن طريق‬ ‫الثبات اجلامد على أحد األحزاب عن االحزاب‬ ‫االخري ولكن بالتمسك الدائم ومقاومة التأثري‬ ‫العكسي‪.‬‬ ‫وإن ه��ذا النمط من التمسك واملقاومة قد‬ ‫مت استناطه من التقارير ذات االثر الرجعي‬ ‫لالحصائيات اليت مت اجراؤها على مستوى‬ ‫القطاعات يف اخلمسينات قد مت التأكيد عليه يف‬ ‫الدراسات التالية اعتماداً على املقياس املباشر يف‬ ‫اللقاءات املتكررة مع نفس االشخاص على مدار‬ ‫عدة سنوات‪ ،‬وإن جرين واسككلر ‪2002‬م قد قام‬ ‫بعمل مقارنات على مستوى االجيال لألباء‬ ‫واطفاهلم‪.‬‬ ‫وإن االس��ه��ام اآلخ���ر الكبري لكتاب الناخب‬ ‫االمريكي كان يؤكد على النتيجة اليت اوضحتها‬ ‫دراس���ات كولومبيا ب��أن املعلومات السياسية‬


‫والتربير االيدويلوجي مل يكن منتشراً على‬ ‫أكثر من الصفوة السياسية وإن بيانات جامعة‬ ‫ميتشجان ق��د اق�ترح��ت ب��أن هناك ع��دد من‬ ‫االشخاص قد عرفوا وجود القليل منها يف حالة‬ ‫أي من القضايا الرئيسية للرئاسة والتحوالت‬ ‫يف القوى اإلنتخابية تعكس االنتماء املتغري‬ ‫لالحزاب واملرشحني ذو االهداف االجتماعية‬ ‫العامة اكثر م��ن تفصيل العمل التشريعي‬ ‫واالداري وكما خلص العلماء مناقشتهم عند‬ ‫فحص ميول ومعتقدات مجهور الناخبني ككل‬ ‫بشأن النطاق الشامل لقضايا السياسة مثل‬ ‫احلرب والسياسة اخلارجية وبرامج االقتصاد‬ ‫الفيدرالي وحقوق االقليات واحلريات املدنية‬ ‫ً‬ ‫امناطا متماسكة من تلك املعتقدات‪.‬‬ ‫فإننا ال جند‬ ‫وإن االجتاه العام لتمييز تلك الكتل يف مجهور‬ ‫الناخبني يف بعض املصطلحات مثل ليربالي‬ ‫أو حمافظ يبالغ بشكل كبري يف املقدار الفعلي‬ ‫لتحديد النمط املتجانس الذي قد حيدده الفرد‪،‬‬ ‫وإن اخفاقنا لتحديد مسار الفكر االيدويولوجي‬ ‫يف مراسم احصائيتنا يؤكد على الضعف العام‬ ‫للفكر السياسي يف نسبة كبرية من مجهور‬ ‫الناخبني‪.‬‬ ‫وم��ن ث��م ف��إن الناخب االم��ري��ك��ي ق��د صور‬ ‫مجهور الناخبني الذين قد تأثرت توجهاتهم‬ ‫حنو السياسة بشكل كبري باالنتماءات احلزبية‬ ‫اليت قد تطورت يف بداية حياتهم اليت عكست‬ ‫اصواتهم يف انتخابات حم��ددة حتديد القوى‬ ‫قصرية امل��دى مثل الشعبية اخل��اص��ة بإسن‬ ‫هاور على تلك االثار طويلة املدى ومن لديهم‬ ‫االعتياد على االنتماء لإليدولوجيات اجملردة‬ ‫واجندات السياسة‪.‬‬

‫ويف نصف القرن التالي فإن كل عنصر اساسي‬ ‫من ه��ذه ال��ص��ورة املوضحة قد تعرض لنقد‬ ‫حاد والعادة تقييم شامل باستخدام البيانات‬ ‫اجلديدة والنظريات والطرق البحثية اجلديدة‬ ‫ومن وجهة نظري فإنه مل تنجح أي من تلك‬ ‫السجالت أو مئات الكتب االكادميية او املقاالت‬ ‫يف تقديم اط��اراً ً‬ ‫هاما يف املفاهيم الرئيسية‬ ‫والنتائج اليت تسمى منوذج ميتشجن للدراسات‬ ‫االنتخابية ويف حني ان التعديالت بالتفصيل‬ ‫ق��د ك��ان هل��ا ع��دة ط��رق واس��ال��ي��ب انتاجية‬ ‫واجيابية واليت حتولت بعد ذلك إىل اجياد اصل‬ ‫لتلك التحوالت والتغريات اليت كانت حمدودة يف‬ ‫بعض املنظورات اكثر من البعض االخر ً‬ ‫وفقا ملا‬ ‫اوضحه املؤلفون االصليون حول تلك احلقائق‪،‬‬ ‫وإن��ه عن طريق معايري العلوم االجتماعية‬ ‫التطبيقية فإن كتاب الناخب االمريكي كان‬ ‫ً‬ ‫كتابا ذات اهمية وتأثري كبري‪.‬‬ ‫هل يتغري الناخب االمريكي ؟‬ ‫ً‬ ‫أساسا للمجال‬ ‫إن الناخب االمريكي قد كان‬ ‫الكلي للبحث االنتخابي يف العقد الذي تال نشر‬ ‫هذا الكتاب وقد اعتمد مؤلفوا الفكر االنتخابي‬ ‫على بيانات وطرق ميتشيجان وقد قام كثرياً‬ ‫منهم بزيارة ميتشيجان للتعلم من اساتذتهم‬ ‫إما كطالب جامعيني أو يف ورش العمل الصيفية‬ ‫ويف الوقت ذاته فإن بيانات فريق ميتشيجان‬ ‫ً‬ ‫اعماال ومؤلفات هامة يف هذا اجملال‬ ‫أصبحت‬ ‫املتنامي‪.‬‬ ‫وخارج الربج العاجي فإن هذا التاريخ ما زال‬ ‫ً‬ ‫قائما ومستمراً على ق��دم وس��اق يف الواليات‬ ‫املتحدة االمريكية وإن حركة احلقوق املدنية‬ ‫واالضطراب العمراني واحلرب يف فيتنام تبدو‬ ‫‪133‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪134‬‬

‫بأنها قامت بإلغاء عهد الصفقات اجلديدة وقد‬ ‫قامت بتوضيح انهيار النظام االنتخابي املصور‬ ‫يف كتاب الناخب االمريكي‪ ،‬ويف العامل السياسي‬ ‫ميكن ان نقول بأن ما هو جيد كان هو االطار‬ ‫النظري الذي من خالله يتم تتبع أثر السلوك‬ ‫الطبيعي للتصويت وأن يكون بسبب ال��والء‬ ‫احلزبي الذي ينشأ من الكساد العظيم أو احلرب‬ ‫األهلية‪.‬‬ ‫ويف اجملال السياسي للستينات كان لدى النقاد‬ ‫احلماسة لتوضيح اوج��ه من��وذج ميتشيجان‬ ‫ال�تي تبدو بأنها تلقي بظالهلا على الكفاءة‬ ‫الدميقراطية للمواطن ال��ع��ادي وم��ع زحف‬ ‫عشرات أو مئات االالف من املواطنني اىل واشنطن‬ ‫للمطالبة باحلقوق املدنية او النزول للشوارع‬ ‫لالحتجاج على حرب فيتنام الذين يعتقدوا‬ ‫بأن هناك العديد من االشخاص يعملون بوجود‬ ‫قضايا رئيسية أخرى للسياسة أو أن الكتلة االكرب‬ ‫بريئة من أي مشاركة مباشرة يف تاريخ االفكار‬ ‫أو السلوك الذي تشكله‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كيف ك��ان ه��ذا ال��ك��ت��اب ت��ص��وي��را للناخب‬ ‫االمريكي؟ ً‬ ‫أوال قال اصحاب املذهب التعديلي ان‬ ‫القضايا اليت حنن بصددها تلعب دوراً متزايداً يف‬ ‫سلوك التصويت اكثر من دورها يف اخلمسينات‬ ‫وان حتديد هوية احلزب قد اصبحت أقل أهمية‬ ‫أو أكثر تأثراً بالتغريات يف املواقف احلزبية أو‬ ‫كليهما‪ً ،‬‬ ‫ثانيا أن هؤالء االشخاص قد قالوا بأن‬ ‫هيكل الفكر السياسي قد تغري بشكل كبري منذ‬ ‫اخلمسينات وذل��ك بدليل التزايد امللحوظ يف‬ ‫االنسجام االيدلوجي لالجتاهات السياسية من‬ ‫املستويات الدنيا يف كتاب الناخب االمريكي أو يف‬ ‫املقال اخلاص بطبيعة أنظمة املعتقدات يف الكتل‬

‫االنتخابية‪.‬‬ ‫وحبلول منتصف السبعينات اصبح االنسجام‬ ‫الفكري لنموذج ميتشيجان يف نهايته‪ ،‬وان‬ ‫ورثة وتابعي ميتشيجان كانوا يعملون بنفس‬ ‫الطريقة حيث يشريوا يف حتليلهم لالنتخابات‬ ‫الرئاسية لعام ‪ 1972‬إىل التطور اهلائل يف جودة‬ ‫ميول اجلمهور حنو قضايا السياسة العامة‬ ‫والتأكيد على أهمية سلوك القيادة الذي جيمع‬ ‫ما بني جوهر السياسة وبني الساحة العامة وإن‬ ‫هذا التحليل قد مت انتقاده ملبالغته يف أهمية‬ ‫ً‬ ‫متضمنا بأن املصوتني‬ ‫القضايا وااليدلوجية‬ ‫أكثر من النظرية واسرتاتيجية القياس قد تغري‬ ‫بشكل كبري‪.‬‬ ‫وإن بوبكني وزمالؤه قد استخدموا ردود على‬ ‫تساؤالت (حتب‪ ،‬ال حتب )ذات النهاية املفتوحة‬ ‫الحصائية ميتشيجان لتقييم مدى الرتاجع‬ ‫للنموذج املكون من ستة مكونات املقدم يف كتاب‬ ‫الناخب االمريكي يف مخسة انتخابات خمتلفة‬ ‫ووجد بأن تلك االختالفات كانت بسبب القضايا‬ ‫احمللية واخلارجية اليت مل تكن أكرب يف عام ‪1972‬م‬ ‫من السنوات االنتخابية السابقة‪.‬‬ ‫ويف الوقت ذاته فإن نظرية امليول املتزايدة‬ ‫كانت قد تعرضت لنقد منهجي الذي كان من‬ ‫قبل أولد نك وإن هؤالء النقاد قد الحظوا بان‬ ‫االرتباط املتوسط بني خمتلف أوضاع القضايا‬ ‫قد إزداد بني عامي ‪ 60‬إىل ‪ 64‬م أكثر من االزدياد‬ ‫ال��ت��درجي��ي رداً على االح���داث السياسية يف‬ ‫الستينات وان هذا االزدي��اد قد تالزم مع تغري‬ ‫هائل يف صيغة بعض بنود القضايا اهلامة‪ ،‬وإنه‬ ‫بالرتكيز على شبهات التهم املوجودة يف تلك‬ ‫الصيغة فإن النقاد قد قاموا باجراء احصائيات‬


‫جتريبية حيث قاموا بتقديم الصيغ القدمية‬ ‫واجلديدة فيها وذلك بالنسبة لعينات هؤالء‬ ‫االشخاص الذين مت اجراء مقابالت معهم‪ ،‬ويف‬ ‫كل حالة فإن منط االرتباطات عن تلك القضايا‬ ‫بني االشخاص الذين اجابوا عن التساؤالت من‬ ‫الطراز اجلديد قد كانت مشابهة ملا اوضحه نيي‬ ‫وفريبا وبرتو سيك ‪1967‬م عن الفرتة من ‪-1964‬‬ ‫‪1972‬م يف حني ان منط االرتباط بني االشخاص‬ ‫الذين اجابوا على التساؤالت من النمط القديم‬ ‫قد شابهت النمط الذي اعده نيي وفريبا للفرتة‬ ‫ما بني ‪1960-1952‬م‪.‬‬ ‫وإن االستنباط ال��واض��ح ك��ان هو ان معظم‬ ‫التمسك االيدلوجي املتزايد املوضح يف كتاب‬ ‫الناخب االم��ري��ك��ي املتغري ك��ان ه��و حقيقة‬ ‫التغيري املعين‪ ،‬وإن هذا اجلدل قد استمر حتى‬ ‫ً‬ ‫اسهاما‬ ‫يف الدوريات املدرسية لعدم سنوات مع‬ ‫ملحوظ من ني وراجب��ون وسيفيلن وآخ��رون‪،‬‬ ‫وق��ام مسيز ‪1979‬م بنشر النقد العام عن هذا‬ ‫اجل��دل وذل��ك بعنوان(الناخب االمريكي غري‬ ‫املتغري )‪.‬‬ ‫وإن صياغة التحول االساسي يف هيكل االجتاهات‬ ‫السياسية يعد هو أحد احمل��اور الرئيسية وإن‬ ‫االختبار الثاني هل��ذا االف�تراض هو ان هيكل‬ ‫امليول السياسية االمريكية قد مر بتغري كبري‬ ‫بني اخلمسينات والسبعينات املدعوم ببيانات‬ ‫من احصائيات دراسة االنتخابات القومية يف‬ ‫ع��ام ‪1976-1972‬م وال��دراس��ة اجلدولية االول��ي‬ ‫جلمهور الناخبني االمريكيني منذ ‪1960-1956‬م‬ ‫واليت كانت هي املصدر الرئيسي الثبات صحة‬ ‫حتليل كونفريس‪.‬‬ ‫وإن املالحظة املتكررة لالنتماءات احلزبية‬

‫والتفضيالت على مدار فرتة اربعة سنوات من‬ ‫‪ 1972‬إىل ‪ 1976‬قد جعلته أنه من املمكن قياس تلك‬ ‫امليول عن طريق مقارنتها بامليول املقابلة يف‬ ‫اخلمسينات وكان النتيجة هي ضربة هامة لتلك‬ ‫النظرية‪ ،‬وعلى الرغم من بعض االخنفاض يف‬ ‫متوسط الوالء احلزبي فإن االستقرار االنتمائي‬ ‫احلزبي الفردي كان بقدر كبري يف السبعينات‬ ‫كما كان احلال يف اخلمسينات ويف الوقت ذاته‬ ‫فإن استمرار املفضالت الفردية مل يكن اكرب يف‬ ‫السبعينات عنه يف اخلمسينات ومن ثم كان اقل‬ ‫من املستوى العادي للهوية احلزبية‪.‬‬ ‫وبالتالي فإن كونفريس وماركوس قد اوضحا‬ ‫بانه نادراً ما يوجد أي تغيري يف املواصلة املقارنة‬ ‫للوضع احلزبي بني عصرين على الرغم من‬ ‫االسباب املتعددة لتوقع وجود تغيري ليس جمرد‬ ‫تغيري عادي وامنا تغيري بنسب طويلة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وإن هناك استثناءاً‬ ‫ملحوظا يف مالحظة بويد‬ ‫بعد التأكيد على أهمية املوضوعات يف عام ‪1968‬م‬ ‫بأن الزمن قد أخربنا عن الطبيعة غري املعتادة‬ ‫النتخابات ‪1956‬م وأن املستقبل سيكشف عن ان‬ ‫االحزاب االمريكية متر مبرحلة انقسام وإننا‬ ‫علينا أن نتوقع بأن القضايا تكون أكثر اهمية يف‬ ‫هذه األوقات اكثر من فرتات االستقرار يف القوى‬ ‫احلزبية‪ ،‬وبعد ما يبدو بأنه فرتة انتقالية فإن‬ ‫عملية التصويت قد تنخفض مرة أخرى اىل‬ ‫املستوى اليت وصلت اليه يف اخلمسينات‪.‬‬ ‫ويف هذا الشأن يبدو بأن التحليل الدقيق يكشف‬ ‫عن االستمرارية أكثر من التغري يف طبيعة‬ ‫امليول السياسية بني اخلمسينات والسبعينات‬ ‫وعلى الرغم من االهمية الواضحة للمستجدات‬ ‫السياسية املتداخلة فإن االحنرافات عن منوذج‬ ‫‪135‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪136‬‬

‫ميتشيجان يبدو بأنه حمدود يف جماله ونطاقه‬ ‫أكثر من ما تضمنته املطالب التعديلية اليت‬ ‫ظهرت يف هذه اآلونة‪.‬‬ ‫وباالضافة إىل ذلك فإن أصحاب املذهب التعديلي‬ ‫قد قاموا بتطبيق رؤيتهم األساسية فيما يتعلق‬ ‫باالنسجام التارخيي بهيكل امل��ي��ول وامن��اط‬ ‫التصويت للخمسينات فيما يتعلق بنتائجنا‬ ‫اليت حصلنا عليها من احصائيات الستينات‬ ‫والسبعينات وقد أوضحت بعض الكتابات بأن‬ ‫هناك بعض التغيري يف التاريخ السياسي‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من تلك االخفاقات فإن اصحاب‬ ‫املذهب التعديلي قد يبدو بأنهم قدموا اسهامني‬ ‫اساسيني ل��دراس��ة س��ل��وك التصويت‪ ،‬حيث‬ ‫قد ح��ددوا التفاعل بني امل��واط�ني والصفوة‬ ‫السياسية وقد أكدوا على االجندة السياسية‪.‬‬ ‫وإن استعارة كي للعملية االنتخابية بأنها‬ ‫غرفة ذات صدى اليت ميكن أن يكون فيها حكم‬ ‫الشعب ليس أكثر من انعكاس اختياري من‬ ‫بني البدائل أو املنظورات املقدمة هلم اليت مت‬ ‫ً‬ ‫اختاذها ليس فقط كتفسرياً‬ ‫حمتمال لالمناط‬ ‫املتغرية لسلوك التصويت وامنا ً‬ ‫ايضا كانت دافعة‬ ‫للبحوث االبداعية حول سلوك الصفوة وآثارها‬ ‫وتداعياتها االنتخابية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثانيا أن اصحاب املذهب التعديلي ونقادهم‬ ‫ً‬ ‫اهتماما خطرياً لقضايا القياس وقد‬ ‫قد وجهوا‬ ‫اوضحوا السلطة احملتملة والعوائق احملتملة‬ ‫لتقديم آليات تطبيق االحصائية اجلديدة‬ ‫مدعومة باملستجدات السياسية والفكرية‪،‬‬ ‫ومن وجهة نظر االستمرارية فإن حقيقة بنود‬ ‫القضايا اجلديدة قد قدمت نتائج أق��وى من‬ ‫البنود القدمية اليت استبدلتها كانت نتيجة‬

‫حمرية ولكن من منظور حتديد مكان وحيز‬ ‫القضية من السياسة االمريكية املعاصرة فإنه‬ ‫قد مثلت خطوة هامة من االمام‪.‬‬ ‫وحيث أن احصائيات ميتشيجان قد استمرت‬ ‫ع�بر ال��ع��ق��ود وق��د ظ��ه��رت م��رة أخ���رى منذ‬ ‫اخلمسينات ك��دراس��ات لالنتخابات القومية‬ ‫وكانت مدعوة مبؤسسة العلوم القومية كمورد‬ ‫للعلوم االجتماعية – حيث أنها تتغري بتغري‬ ‫حمتوى االحصائية اليت هلا نفس الشخصية‬ ‫املزدوجة وبسبب تأثرها بالسلطة‪ ،‬وبعوائق‬ ‫تطبيق ومواد االحصائية اجلديدة فإن مؤلفوا‬ ‫ومفكروا السلوك االنتخابي قد مت تزويدهم‬ ‫ومتكينهم بشكل ج��ي��د الس��ت��غ�لال سلطة‬ ‫االبداعات يف حني التقليل من العوائق‪.‬‬ ‫ال��ن��م��اذج املكانية والتصويت ب��أث��ر رجعي‬ ‫واالختيار العقالني‪:‬‬ ‫إن االهتمام املتزايد يف قضية التصويت كان‬ ‫جزءاً من املوجه الشاملة لنظريات التعديلية يف‬ ‫حبث التصويت يف آواخر الستينات والسبعينات‬ ‫الذين جذبوا مصدراً مميزاً من االوجه الفكرية‬ ‫وهو منوذج االختيار العقالني الذي قام بتطبيق‬ ‫افرتاض احلد االقصي من املنفعة املطور يف علم‬ ‫االقتصاد لصنع القرار السياسي‪ ،‬وقد لعبت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ايضا دوراً‬ ‫هاما‬ ‫نظرية االختيار العقالني‬ ‫ً‬ ‫وملموسا يف دمج الرؤى التطبيقية الستوكس‬ ‫وكي وكرامل وآخ��رون فيما يتعلق باالهمية‬ ‫االنتخابية لتصورات وتقييمات السياسية‬ ‫واآلداء يف املسار السائد يف البحث االنتخابي‪.‬‬ ‫وإن هذا املوضوع الفكري قد مت حتديده يف‬ ‫حتليل وتني بريج لتوثيقه للفرتة من ‪ 1966‬إىل‬ ‫‪ 1987‬وفى أواخ��ر الستينات وجد وينت بريج‬


‫نظرية اقتصادية للتصويت ب��أث��ر رجعي‬ ‫(فيورينا ‪1981‬م)‪ ،‬ويف تلك االمثلة كما هو احلال‬ ‫يف النظريات الناجحة فإن نظرية االختيار‬ ‫العقالني اعادة تنظيم املعرفة احلالية وشجعت‬ ‫على االكتشافات اجلديدة وطرحت تساؤالت‬ ‫جديدة ملفكري السلوك االنتخابي‪.‬‬ ‫وأن العمل الفردي االهم يف ادبيات االختيار‬ ‫العقالني كان كتاب أنتوني داونز (النظرية‬ ‫االقتصادية للدميقراطية )‪ ،‬وان داون��ز الذي‬ ‫يعد عامل اقتصاد قد حاول وضع قاعدة سلوكية‬ ‫حقيقية معممة للحكم العقالني تشبه القواعد‬ ‫ً‬ ‫تقليديا للمستهلكني واملنتجني‬ ‫املستخدمة‬ ‫العقالنيني يف النظرية االقتصادية‪ ،‬وحيث أن‬ ‫حكومته العقالنية قد تكونت من االح��زاب‬ ‫السياسية العقالنية اليت تتنافس على ان تفوز‬ ‫باحلكم فإن نظرية داونز للدميقراطية كانت‬ ‫نظرية للسياسة االنتخابية‪.‬‬ ‫وبسبب منطها التحليلي غري التقليدي فإن‬ ‫كتاب دوان��ز ك��ان له اث��ر بسيط على علماء‬ ‫السياسة ومل يتم استعراضه يف جملة العلوم‬ ‫السياسية االمريكية حتى عام ‪ 1963‬ومل يتم‬ ‫نشره يف كتاب حتى عام ‪1965‬م ومع ذلك فإن‬ ‫استنلي كيلي كان صاحب توقع يف اقرتاحه يف‬ ‫كلمته التمهيدية يف نسخة غالف هذا الكتاب‬ ‫بأن مؤلف داونز قد حيدد بانه انطالقة للتطور‬ ‫اهلام يف دراسة السياسة وهو بالفعل كان ذلك‪.‬‬ ‫وإن اسهام داون��ز االول وااله��م ك��ان تقديم‬ ‫النماذج املكانية للمنافسة االنتخابية يف جمال‬ ‫العلوم السياسية وبالفعل فالنسبة للعقدين‬ ‫االول��ي�ين عقب نشر ه��ذا الكتاب ف��إن تأثري‬ ‫كتاب النظرية االقتصادية للدميقراطية قد‬

‫مت االستناد عليه مثل كتاب الناخب االمريكي‬ ‫ولكن يف نهاية الثمانينات قد مت االستناد عليه‬ ‫بشكل مزدوج‪.‬‬ ‫وقد أوضح داونز ‪1957‬م بأن توزيع الناخبني‬ ‫إىل جانب االستمرار االيديلوجي قد يكون له‬ ‫تداعيات كبرية لطبيعة النظام احلزبي مع‬ ‫وجود حزبني مميزن ناشئني يف حالة أن توزيع‬ ‫الناخبني يكون يف أنظمة حزبية متعددة أو‬ ‫مناذج ثنائية تنشأ يف حالة أن توزيع الناخبني‬ ‫كان يف منوذج متعدد وأن األحزاب اجلديدة تنشأ‬ ‫عندما تعدل التوسعات يف الدائرة االنتخابية‬ ‫توزيع الناخبني وهكذا‪ ،‬وان هذا الوجه من‬ ‫مناقشة داون��ز تبدو اعتماداً على استعداد‬ ‫الناخبني لالمتناع يف حالة عدم اقرتاب احلزب‬ ‫منهم بشكل كايف وذلك خبصوص االستمرارية‬ ‫االيدلوجية وذل��ك ً‬ ‫وفقا ملا يتم حتديده يف‬ ‫االنتخابات احلالية ال�تي يتم االعتماد فيها‬ ‫بشكل كامل على فصل واح��د يقوم بوصف‬ ‫(استاتيكا وديناميكا ) وإن هذا الفصل قد حدد‬ ‫النموذج الشائع الذي قام فيه املصوتون بتحديد‬ ‫االستمرارية االيدلوجية أحادية االبعاد ومن‬ ‫ثم خيتار األحزاب اليت تالءم هذه االستمرارية‬ ‫وخيتار الناخبون االح��زاب على اساس القرب‬ ‫االيديولوجي وق��د اوض��ح داون��ز بأنه كأحد‬ ‫تداعيات هذ النموذج بأن االح��زاب املتنافسة‬ ‫يف نظام ثنائي االح��زاب قد بتفق على مركز‬ ‫لتوزيع الناخبني يف حالة ان الناخبني انفسهم‬ ‫ً‬ ‫نسبيا‪.‬‬ ‫كان عددهم أقل‬ ‫وإن ه��ذا اجل��ان��ب م��ن مؤلف داون���ز ق��د قام‬ ‫ً‬ ‫شائعا لعلماء‬ ‫بتحديد اطار التربير الذي كان‬ ‫السياسة على الرغم من ذلك فإن هذا االطار كان‬ ‫‪137‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪138‬‬

‫ً‬ ‫جمديا فمن ناحية قد قام بإجياد ادبيات نظرية‬ ‫هامة عن خمتلف اوج��ه ما يسمى بنظرية‬ ‫املصوت املتوسط ومن ناحية أخ��رى قد قام‬ ‫بتغيري طريقة القضايا السياسية والتصويت‬ ‫على تلك القضايا‪ً ،‬‬ ‫أمال يف دعم احلزب االفضل يف‬ ‫االنتخابات املستقبلية وانه كان له اثر اقل على‬ ‫البحث النظري والتطبيقي املستقبلي‪.‬‬ ‫وكما هو موضح يف املؤلفات التطبيقية عن‬ ‫السلوك االنتخابي على سبيل امل��ث��ال ب��دأت‬ ‫احصائيات دراسات االنتخابات القومية يف ‪1968‬‬ ‫تطلب مما يتم عقد اللقاءات معهم بأن يضعوا‬ ‫انفسهم ومرشيحهم واحزابهم على معايري‬ ‫مكونة من ستة نقاط خاصة باالستمرارية‬ ‫والتواصل االيديولوجي وقد بدأ املفكرين يف‬ ‫جتربة طرق جديدة يف حتليل البيانات الناجتة‬ ‫واملسافات النسبية بني اوضاع الناخبني واوضاع‬ ‫املرشحني قد بدأت تبدو بأنها متغريات تفسريية‬ ‫يف النماذج االحصائية لالختيار االنتخابي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫رئيسيا آخر لتأثري داونز على‬ ‫توجها‬ ‫وإن هناك‬ ‫جمال السلوك االنتخابي ينبع من مالحظته‬ ‫بأنه بالنسبة ملقدار كبري من املواطنني يف النظام‬ ‫الدميقراطي يقوم السلوك العقالني باستثناء‬ ‫أي استثمار أي ك��ان يف املعلومات السياسية‬ ‫حيث ان اختيارتهم الفرية مل يكن فيها تغيري‬ ‫للتأثري على نتيجة االنتخابات ويف حني ان هذه‬ ‫املالحظة مل تكن مسبوقة فإن حتليل حدود‬ ‫الدميقراطية ميكن ان يوضح لنا بأن داونز قد‬ ‫ركز االهتمام على التداعيات السياسية معترباً‬ ‫ً‬ ‫سياسيا اليت قد تكون‬ ‫انواع املعلومات املتعلقة‬ ‫متاحة لبعض امناط الناخبني‪.‬‬ ‫وإن هذا الوجه يف كتاب داونز قد جذب قليالً‬

‫من االهتمام يف العقدين األوليني عقب نشر هذا‬ ‫ً‬ ‫الكتاب ولكنه كان له تأثرياً كبرياً‬ ‫وملحوظا يف‬ ‫السنوات األخرية‪.‬‬ ‫وقد كتابه (التصويت ذات األثر الرجعي يف‬ ‫االنتخابات القومية االمريكية) قد استخدام‬ ‫فيورينا رؤي��ة داون��ز كدعم نظري لتأكيده‬ ‫على التصويت االنتخابي‪ ،‬حيث أن فلورينا‬ ‫قد ق��ام بالتمييز بني التقييمات البسيطة‬ ‫ذات االثر الرجعي على اساس االنطباعات او‬ ‫اخلربات املباشرة لالحداث والظروف السياسية‬ ‫وبني التقييمات الوسيطة ذات االثر الرجعي‬ ‫واليت تشمل تقييمات للشخصيات واملؤسسات‬ ‫السياسية مثل االداء االقتصادي للحكومة‪.‬‬ ‫ويف التحليل الفرعي ق��د ح��دد ب��أن األخ�ير‬ ‫ً‬ ‫مل يكن احن��ي��ازاً‬ ‫شخصيا ولكنه يعكس اثر‬ ‫الواقع السياسي وعلى الرغم من ذلك فإن دور‬ ‫التقييمات ذات االثر الرجعي يف مناذج سلوك‬ ‫التصويت ما زالت مثرية للجدل‪ ،‬ويف حني ان‬ ‫التعقيدات اليت تتعلق باحلالة الطارئة ملفضالت‬ ‫القضايا والوالء احلزبي قد تلقي مقداراً كبرياً‬ ‫من االهتمام والتعقيدات املوازية اليت تتعلق‬ ‫باحلالة العارضة للتقييمات ذات االثر الرجعي‬ ‫قد مت جتاهله وإن اهمية التقييمات ذات األثر‬ ‫الرجعي الداء احل��زب يتعني حتديده بشكل‬ ‫واضح‪.‬‬ ‫وإن فيورينا قد وثق أهمية التصويت بأثر‬ ‫رج��ع��ي ع��ن ط��ري��ق ادخ���ال م��ت��غ�يرات حتدد‬ ‫تقييمات الناخبني للظروف االقتصادية‬ ‫والسياسة اخلارجية واالداء الرئاسي والظروف‬ ‫االخري ذات الصلة بالسياسة يف مناذج سلوك‬ ‫التصويت اليت اشتملت ً‬ ‫ايضا على تلك التغيريات‬


‫التفسريية التقليدية مثل حتديد هوية احلزب‬ ‫واوض���اع القضايا ال�تي يتم مناقشتها وقد‬ ‫استنتج بأن آثار التقييمات ذات األثر الرجعي‬ ‫على التصويت كانت هائلة على الرغم بانها‬ ‫كانت غري مباشرة من خالل أثرها على الوالء‬ ‫احلزبي او التوقعات املتعلقة باالداء املستقبلي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وإن هذا الكتاب قد قدم ً‬ ‫تطبيقيا الدعاء‬ ‫دعما‬ ‫ك��ي ب��أن املصوتني أو على االق��ل ع��دد كبري‬ ‫منهم يتحركوا ً‬ ‫وفقا لتصوراتهم وتقييماتهم‬ ‫للسياسة واالداء ومن ثم فإن االنتخابات تقدم‬ ‫صورة هامة للمسئولية السياسية وإنها تساعد‬ ‫ً‬ ‫أيضا على تكامل اجلوانب اهلامة للبحث املتعلق‬ ‫باالنتخابات السياسية‪.‬‬ ‫وإن الو وريد لوسك ‪ 2006‬قد قاموا بتحليل‬ ‫نفس االنتخابات باستخدام معايري خمتلفة‬ ‫ً‬ ‫نسبيا للتصويت الصحيح وقد وجدوا بأن نسبة‬ ‫من ‪ 58‬إىل ‪ % 80‬من املصوتني يف كل االنتخابات‬ ‫قد اختاروا املرشح الذي يالئم فكرهم احلزبي‬ ‫وميوهلم ومعتقداتهم وقد اوضح مؤلفي هذا‬ ‫الكتاب بأنهم كانوا مندهشني بتلك النتائج اليت‬ ‫قد اخذوها على انها تثبت صحة كفاءة اعداد‬ ‫املعلومات اعتماداً على االرشادات ومع ذلك فإن‬ ‫التصويت االقتصادي اخلاص باملؤلفات اليت مت‬ ‫حتديدها يف االحصائيات اليت تتعلق بالسلوك‬ ‫االنتخابي الفردي كان هلا أثر كبري يف هذا الشأن‪.‬‬ ‫وإن االهتمام الكبري يف التصويت ذات االثر‬ ‫الرجعي كان ميثل احد التفاعالت لتحديات‬ ‫منطقية املعلومات املنخفضة يف واقع السياسة‬ ‫االنتخابية ويف أوائل التسعينات قامت عدة كتب‬ ‫ومقاالت بفحص كيفية استخدام املصوتني‬ ‫الختصارات املعلومات لتحديد اختياراتهم‬

‫االنتخابية امل�بررة عند عدم وجود معلومات‬ ‫تفصيلية عن السياسات والربامج فعلي سبيل‬ ‫املثال قد اوضحت لوبيا ‪ 1994‬ب��أن املصوتني‬ ‫يف استفتاء التأمني ب��والي��ة كاليفورنيا قد‬ ‫استخدموا وضع شركات التأمني كقرينة يف‬ ‫صياغة مفضالتهم خبصوص القائمة املعقدة‬ ‫من املقرتحات البديلة وإن تصوير بيج وسابريو‬ ‫للمنطق العام قد أكد على ما أشار اليه كونفرس‬ ‫فيما يتعلق مبعجزة التكامل وه��و اجت��اه‬ ‫للعشوائية واخلطأ على املستوى الفردي‪.‬‬ ‫وإن البحث التالي قد اقرتح بأنه مل تعد تلك‬ ‫ً‬ ‫بديال ً‬ ‫فعاال للدائرة االنتخابية املزودة‬ ‫القرائن‬ ‫باملعلومات وقد اوضح بارتز بأن الناخبني غري‬ ‫املزودين باملعلومات يف ستة انتخابات رئاسية قد‬ ‫قاموا بأداء أفضل مما قد يقوموا به عن طريق‬ ‫املصادفة ولكنهم قاموا بذلك عن طريق حتديد‬ ‫املعلومات من الواقع الذي حييط بهم على الرغم‬ ‫من وفرة القرائن اخلاصة بذلك‪ ،‬ويف حني أن‬ ‫آثار املعلومات كانت اقل على املستوى الكلي من‬ ‫املستوى الفردي فإنها مل تقدم اجابة قاطعة‬ ‫عن التساؤل‪ :‬هل ‪ %70‬من املعلومات الصحيحة‬ ‫تكون كافية ؟ إن النتائج الفعلية لالنتخابات‬ ‫ليس هلا عالقة بالنتائج املتعلقة باملعلومات‬ ‫الكاملة اليت يتم دعمها بثالثة نقاط مئوية‬ ‫وان حتليل فورنيري لالنتخابات الكندية قد قدم‬ ‫نفس النتائج يف حني تقديم دليل بأن االحنياز‬ ‫اجلماعي يف املفضالت مل يتأثر يف الكشف عن‬ ‫تلك احلمالت االنتخابية‪.‬‬ ‫ويف الوقت ذات��ه فإن أتشن وبارتلز قد قالوا‬ ‫بأن التصويت املباشر ذات االثر الرجعي يتم‬ ‫اضعافه بشكل كبري بأخطاء مثل قصر النظر‬ ‫‪139‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪140‬‬

‫وسوء اسناد املسئولية لألوقات املناسبة وغري‬ ‫املناسبة وتوضح تلك النتائج بأنه يتعني تعلم‬ ‫املزيد عن طبيعة ومدى املنطق والعقالنية يف‬ ‫السلوك االنتخابي‪.‬‬ ‫البحث عن النظام الطارئ يف عامل االنتخابات‪:‬‬ ‫إن الرواية النظرية لسلوك االنتخابات اليت‬ ‫قد مت تقدميها يف كتاب الناخب االمريكي قد‬ ‫حددت استعارة اليت تؤثر على سلوك الناخبني‬ ‫اليت كانت عرضة خاضعة للتفسري من حيث‬ ‫القوى األولية بشكل مؤقت وعارض وان االولوية‬ ‫املؤقتة واألل��وي��ة العارضة كانت مرتبطتان‬ ‫ببضعهما البعض‪ :‬وإن احلالة النظرية لكل‬ ‫مقياس للمتغري املستقل كان يقال بأنها تشمل‬ ‫البعد الزماني مع االح��داث اليت تتبع بعضها‬ ‫البعض يف تسلسل متناغم من احللقات العارضة‬ ‫ال�تي تتحرك من البداية إىل النهاية يف هذا‬ ‫املسار احملدد ومن ثم فإن التقييمات الشخصية‬ ‫ملرشحي الرئاسة احلاليني لألحزاب قد يتم‬ ‫تفسريها إىل حد ما من حيث الوالء احلزبي العام‬ ‫الذي يوجد قبل املرشحني انفسهم الذي ظهر‬ ‫كموضوع هام للوعي السياسي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأن تلك الطريقة قد قدمت اطارا مناسبا ميكن‬ ‫من خالله اجراء برنامج شامل لالنتخابات عن‬ ‫طريق الرتكيز على بعض املعايري اليت تقرتب من‬ ‫السلوك التابع‪ ،‬ووجود اسرتاتيجية اختيارية‬ ‫للتفسري والشرح بعمق عن طريق حتديدها‬ ‫يف اطار زمين يف هذا النفق ً‬ ‫حبثا عن السوابق‬ ‫والقرائن التارخيية واالجتماعية واملؤسسية‬ ‫للميول اليت تتعلق باالنتخابات‪.‬‬ ‫وميكن ان يتم دمج هذا التغري االنتخابي من‬ ‫خالل الرتمجة السياسية للعوامل اخلارجية‬

‫غري السياسية يف اعتبارات أخ��رى ذات صلة‬ ‫بالسياسة كما يقوم املصوتون باعداد تقييماتهم‬ ‫عن فرتة الكساد العظيم يف الثالثينات أو املهمة‬ ‫العسكرية السن هاور يف االربعينات وذلك لكي‬ ‫يعتمدوا عليها يف خيارات التصويت لديهم يف‬ ‫اخلمسينات‪.‬‬ ‫وحبلول منتصف الستينات قد كانت هنناك‬ ‫ت��ط��ورات منهجية تتخلل م��ن خ�لال العلوم‬ ‫السياسية يف صحوة الثروة السلوكية اليت كانت‬ ‫يف بداية حتويل هذا النفق من اطار نظري إىل‬ ‫منوذج عارض ملموس ذات تداعيات احصائية‬ ‫ملموسة وميكن اختبارها وإن جولد بريج ‪1966‬‬ ‫قد قام بفحص عدة مناذج متعددة املعادالت‬ ‫بديلة تتعلق ب��اآلث��ار االساسية واخلصائص‬ ‫اجملتمعية واهلوية احلزبية وامليول احلزبية‬ ‫الختيارات التصويت وان تلك النماذج اليت قد‬ ‫الءمت تلك البيانات احملددة (الوضع احملوري‬ ‫هلوية االح����زاب) بأنها ه��ي احمل��ور االساسي‬ ‫للتواصل السياسي‪ ،‬وانها هي عصب التصويت‬ ‫واليت كانت فعالة يف جمموعة من االفرتاضات‬ ‫اخلاصة باهلوية احلزبية‪.‬‬ ‫ويف حني ان حتليل جولد بريج كان خمتصراً‬ ‫على النماذج العارضة يف مواكبة منطق هذه‬ ‫الطريقة ف��إن املفكرين يف العقد التالي قد‬ ‫ب��دأوا يف اختاذ احتمال وجود آثار كبرية بني‬ ‫خمتلف قرائن السلوك االنتخابي بشكل جدي‪،‬‬ ‫فعلي سبيل املثال حظر كل من برودي وبيج‬ ‫ضد اختاذ العالقة واالرتباط بني مدى القرب‬ ‫من القضية احملددة واختيارات الناخبني بأنه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بديهيا للتصويت على هذه القضية على‬ ‫دليال‬ ‫اساس ان هذا القرب احملدد قد يعكس التصور‬


‫النفسي لألوضاع اخلاصة بالناخبني فيما يتعلق‬ ‫مبرشحيهم املفضلني‪ ،‬أو اقناع املصوتني بشأن‬ ‫قضايا حم��ددة من قبل مرشحيهم املفضلني‬ ‫على أساس آخر أكثر من أثر التصويت على هذا‬ ‫املوضوع مبعين عارض‪.‬‬ ‫وبعد ببضعة سنوات قام جاكسون ‪ 1975‬بنشر‬ ‫التحليل االول لسلوك التصويت على أساس‬ ‫النموذج العارض الصريح‪ ،‬وإن منوذج جاكسون‬ ‫قد مسح بوجود آثار بني االنتماءات احلزبية‬ ‫والتقييمات احلزبية وقد استنتج بأن اهلويات‬ ‫احلزبية تتأثر بشكل كبري بتقييمات االشخاص‬ ‫ملا يدافع عنه كل ح��زب من سياسات ً‬ ‫وفقا‬ ‫ملفضالته الشخصية‪ ،‬وإن االنتماءات احلزبية هلا‬ ‫ً‬ ‫أثراً مباشراً‬ ‫ضئيال على القرار بالتصويت فيما‬ ‫عدا االشخاص اللذين ال يروا ً‬ ‫فرقا بني اوضاع‬ ‫االحزاب (جاكسون ‪.)1975‬‬ ‫وإن هذا كان التحدي االك�بر للوضع النظري‬ ‫هلوية االحزاب يف منوذج ميتشجان وان التحدي‬ ‫املنهجي للتحليالت اإلحصائية التقليدية اليت‬ ‫جتاهلت وجود احتمال آثار بني القرائن السابقة‬ ‫املتعددة لسلوك التصويت ال بد من مناقشته‬ ‫ومعاجلته بشكل علمي كيف ميكن التصدي لتلك‬ ‫التحديات؟ يكن القاء اللوم على املؤلفني الملهم‬ ‫بأن املنهجية االكثر تعقيداً قد تؤدي بسرعة اىل‬ ‫امجاع جديد ومدعوم ويف حالة السماح بوجود‬ ‫احتمال هلذه العالقة العارضة اليت تعمل على‬ ‫تالشي األولوية الواضحة لألولوية احلزبية يف‬ ‫هيكلة امليول والتصورات احلزبية فإنه يتضح‬ ‫لنا من مقارنة نتائج جاكسون بنتائج جولد‬ ‫ب�يرج وآخ��ري��ن وال�تي تبدو بأنها تقرتح بأن‬ ‫منوذج ميتشجان قد يتم مراجعته أو التخلي‬

‫عنه‪.‬‬ ‫ولألسف فإن تلك االشياء مل تثبت بأنها بتلك‬ ‫البساطة وأن التطور التالي امللحوظ يف البحث‬ ‫عن نظام عارض وطارىء يف سلوك التصويت‬ ‫يبدو بأنه ق��د ق��ام ببلورة الشك او تأنيب‬ ‫الضمري لدى عدد من املفكرين بشأن جدوى‬ ‫برنامج اعداد النموذج الطارىء برمته‪ :‬وإن‬ ‫النشر الذي مت يف نفس املوضوع اخلاص مبجلة‬ ‫العلوم السياسية االمريكية ملقاالت ماركوس‬ ‫وكونفريس وبيز وجونس اليت توضح مناذج‬ ‫املعادالت البديلة اليت تتعلق باهلويات احلزبية‬ ‫واملفضالت وتقييمات املرشحني واختيارات‬ ‫املصوتني‪ ،‬قد كانت قرينة على التطور املستمر‬ ‫هلذا اجملال‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من الفروق املتعددة يف مواصفات‬ ‫النماذج وذلك يف جوهر كل من تلك التحليالت‬ ‫إال أن��ه كانت هناك معادلة ال�تي فيها كانت‬ ‫التقييمات الشاملة للمرشحني كما يتم قياسه‬ ‫بالفرق برتموميرت الشعور ملرشحني متنافسني‬ ‫تتعلق بثالثة عوامل اساسية عارضة‪:‬‬ ‫ اهلوية احلزبية‪.‬‬‫ أوضاع القضايا املقارنة‪.‬‬‫ تقييمات الكفاءات الشخصية للمرشحني‪.‬‬‫ولسوء احلظ فإن اوجه التشابه اهليكلية بني‬ ‫التحليلني مل تكن كافية للتوصل إىل نفس‬ ‫النتائج وأن الفروق بني جمموعيت النتائج‬ ‫ً‬ ‫وضوحا يف حالة اهلوية احلزبية‬ ‫كانت أكثر‬ ‫ً‬ ‫هذا املتغري الذي يعد اساسا لنموذج ميتشجن‬ ‫واملستهدف االساسي لنقاد النظرية التعديلية‬ ‫ملدة عقد او يزيد‪.‬‬ ‫إن م��ارك��س وك��ون��ف�يرس ق��د اوض��ح��وا بأن‬ ‫‪141‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪142‬‬

‫اهلوية احلزبية كانت أثراً ً‬ ‫قويا على تقييمات‬ ‫شخصيات املرشحني مع وجود معامل تراجعي‬ ‫معياري مقدر بـ ‪ 0.44‬ومعدل ‪ T‬االحصائية ‪،15‬‬ ‫وقد عاجل بيج وجونسون ‪1979‬م اهلوية احلزبية‬ ‫والتقييمات الشخصية بأنها غ�ير متعلقة‬ ‫ببعضها البعض فيما عدا أن تقييمات الشخصية‬ ‫غري املتجانسة تؤثر على التقييمات العامة‬ ‫للمرشحني اليت تؤثر بدورها على االنتماءات‬ ‫احلزبية‪.‬‬ ‫وإن م��ارك��س وك��ون��ف�يرس مل يسمحوا بأي‬ ‫أثر لألوضاع اخلاصة بالقضايا بشأن اهلوية‬ ‫احلزبية ولكنهم مسحوا للهوية احلزبية بأن‬ ‫يكون هلا آثار غري مباشرة على اوضاع القضايا‬ ‫عن طريق التأثري على تقييمات املرشحني اليت‬ ‫تؤثر بدورها على اوضاع من مت اجراء لقاءات‬ ‫معهم بشأن القضايا وتصوراتهم بشأن اوضاع‬ ‫املرشحني من خالل عملية االقناع والعرض‬ ‫على التوالي‪.‬‬ ‫وأن بيج وجونسون قد قاما باعداد العالقة‬ ‫املباشرة وغري املباشرة بني االنتماءات احلزبية‬ ‫وب�ين ال��ف��روق يف السياسة امل��ق��ارن��ة وقاموا‬ ‫بتحديد االث��ار االق��وى البعاد السياسة على‬ ‫االنتماء احلزبي أكثر من آثار االنتماء احلزبي‬ ‫على ابعاد السياسة‪.‬‬ ‫وقد قام كل من ماركس وكونفريس بتقييم‬ ‫االث���ر املباشر للهوية احلزبية على سلوك‬ ‫التصويت عن أثرها على تقييمات املرشح يف‬ ‫املؤسسات اليت ختتلف فيها تقييمات الناخب‬ ‫ال��ذي من املفرتض ان خيتار اح��د املرشحني‬ ‫مبقدار يقل عن مخسني نقطة باملعيار املكون‬ ‫من مائة نقطة‪ ،‬وتوضح تلك النتائج بأن فرق‬

‫نقطة واحدة يف تأييد احلزب على سبيل املثال‬ ‫بني احلزب اجلمهوري القوي واحلزب اجلمهوري‬ ‫الضعيف كان له أث��راً كبرياً مقارنة بفارق ‪15‬‬ ‫نقطة يف معيار القياس‪.‬‬ ‫وإن بيج وجونسون مل يسمحوا بوجود أي أثر‬ ‫مباشر للهوية احلزبية على التصويت‪.‬‬ ‫وقد استنتج ماركس وكونفريس بأنه يف حني ان‬ ‫الفروض احلزبية ليست من احملتمل ان تسيطر‬ ‫على العملية باكملها يف مراحل معينة عند‬ ‫تقييم املرشحني فإن تلك االوجه تبدوا بأنها‬ ‫حتدد املدخالت املتكررة للمقدار الكبري على‬ ‫مدار تلك العملية برمتها وإن بيج وجونسون‬ ‫‪1979‬م ق��د استنتجوا ب��أن أث��ر تأييد احل��زب‬ ‫على التصويت خيتلف باختالف على مدار‬ ‫االنتخابات اعتماداً على أقران املرشحني واملدى‬ ‫الذي تتصارع عند قضايا السياسة احلالية وقد‬ ‫أضافوا بأنه عندما يدخل الوالء احلزبي يف هذا‬ ‫النمط ولكنه ال يعمل بشكل واضح كمحددات‬ ‫ثابتة للتصويت فإن هذا الوالء ميكن ان يتأثر‬ ‫بامليول حنو املرشحني احلاليني‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حتى االنتماءات احلزبية تعد اثاراً‬ ‫واسبابا يف‬ ‫الوقت ذاته يف العملية االنتخابية‪ ،‬وإن الذي‬ ‫كان يتعني القيام به يف تلك النتائج املتناقدة‬ ‫يف حالة أن فريقي احملللني يقوموا بطرح نفس‬ ‫التساؤالت عن نفس البيانات قد يتوصلوا اىل‬ ‫نتائج خمتلفة فإنه يبدو من الواضح ان نتائج‬ ‫التحليل العارض قد تعتمد على االق��ل على‬ ‫االفكار املسبقة النظرية للمحلل واالفرتاضات‬ ‫االحصائية اليت تتعلق بسلوك الناخبني ومل‬ ‫تكن أية جمموعة من الفروض أكثر منطقية‬ ‫م��ن االخ���ري وان نقاد التحليل ق��د يقوموا‬


‫باالشارة اىل الفروض التقيدية اليت تبدو بأنها‬ ‫تقيد منطقها‪.‬‬ ‫من رؤوسهم إىل العامل‪:‬‬ ‫إن االخفاق الواضح لصياغة النموذج العارض‬ ‫ل�لاج��اب��ة على ال��ت��س��اؤالت االس��اس��ي��ة بشأن‬ ‫سلوك التصويت قد أدت إىل وج��ود خمتلفة‬ ‫التفاعالت حيث استأنف بعض احملللني بأنه‬ ‫يسعى للحصول على نظام ع��ارض يستخدم‬ ‫النماذج والطرق اليت ميكن حتديدها على انها‬ ‫مناذج تابعة للنماذج اليت استخدمها ماركوس‬ ‫وكونفريس وبيج وجونسون‪.‬‬ ‫فعلي سبيل املثل استخدم جورن مناذج البيانات‬ ‫اجلدولية ومناذج املعادلة اهليكلية لتوضيح أن‬ ‫التأييد احلزبي يؤثر على آراء الناخبني وذلك‬ ‫عن طريق القيم االساسية مثل تكافىء الفرص‬ ‫والتسامح االخالقي‪ ،‬وقد حدد بعض احملللني‬ ‫االخرين تعقيدات هذا النموذج العارض عن‬ ‫طريق احياء افرتاض السببية املتجسدة يف هذا‬ ‫النفق تلك الطريقة اليت حددها مؤلفوا كتاب‬ ‫الناخب االمريكي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫منوذجا يقوم‬ ‫وقد طور ميلر وشانكس ‪1982‬‬ ‫بتصنيف معظم العوامل اهلامة احمل��ددة يف‬ ‫الدراسات السابقة لسلوك التصويت يف سبعة‬ ‫مراحل عارضة ومميزة وعن طريق االفرتاض‬ ‫بأن العوامل املخصصة لكل من تلك املراحل‬ ‫ميكن أن تؤثر على العوامل اليت تأتي يف املراحل‬ ‫ً‬ ‫صحيحا وان ميلر‬ ‫ال��ق��ادم��ة والعكس ليس‬ ‫ً‬ ‫وشانكس قد قدموا سرداً مفصال لآلثار املباشرة‬ ‫وغري املباشرة لكل عامل على التصويت‪.‬‬ ‫وإن ل��وي��س ب��ك ق��د أخ���ذ ال��ت��ك��رار احل��ريف‬ ‫واالستنساخ لكتاب الناخب االمريكي ليس‬

‫فقط بتطبيق االطار التحليلي االساسي للكتاب‬ ‫السابق ولكن باستنساخ اجلداول واالرقام احملددة‬ ‫باستخدام البيانات املشتقة م��ن احصائية‬ ‫عام ‪2004‬م ويف حني االق��رار بأن طرق حتليل‬ ‫البيانات قد تطورت بشكل كبري على مدار‬ ‫نصف قرن مضى وان النموذج املذكور مل يتم‬ ‫معاجلته بشكل جيد يف االدبيات املتلعقة بذلك‪،‬‬ ‫وقد اوضح املؤلفني بأن النموذج امليولي يف كتاب‬ ‫الناخب االمريكي اقل صحة من بدائله‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من ذلك فإن هذه النظرة للماضي‬ ‫ميكن ان تكون غري مالئمة حيث أن هناك بضعة‬ ‫علماء للسلوك االنتخابي قد كان لديهم القناعة‬ ‫إلعادة هيكلة النظريات والطرق السابقة‪ ،‬ومع‬ ‫ذلك فقد كان لدى القليل منهم الرغبة يف أن‬ ‫يكون لديه أمل يف ان النظريات اجلديدة قد‬ ‫تعمل على ختفيف التعقيد الطارىء الذي نشأ‬ ‫يف الستينات والسبعينات وان معظم الدوافع‬ ‫املشرتكة بني حمللي االنتخابات يف ربع القرن‬ ‫املاضي كان عليهم تغيري املوضوع‪.‬‬ ‫��دال من انشاء من��اذج اكثر تعقيدا ومشوالً‬ ‫وب ً‬ ‫لسلوك التصويت ال��ف��ردي فإنهم قد رك��زوا‬ ‫بشكل أكرب على القضايا اليت ميكن اتباع اثارها‬ ‫وكنتيجة لذلك فإن البحث االنتخابي املعاصر قد‬ ‫اصبح ً‬ ‫هاما حيث اعتمد املفكرون على جمموعة‬ ‫كبرية من البيانات ذات الصلة مبا يف ذلك تتابع‬ ‫احصائيات دراس��ات االنتخابات القومية اليت‬ ‫قام باجرائها مؤلفي كتاب الناخب االمريكي‬ ‫وتشمل ً‬ ‫ايضا جمموعة من االحصائيات الكبرية‬ ‫والصغرية والتجارب املعملية‪ ،‬وقد كانت ابداعية‬ ‫يف اخل��روج بنتائج ملموسة ودجمها يف العامل‬ ‫السياسي االمشل مما يساعد على اكمال البيانات‬ ‫‪143‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪144‬‬

‫الفردية عن امليول والتصورات مبقياس منطي‬ ‫للتغريات يف السياق السياسي للسلوك االنتخابي‪.‬‬ ‫وإن التأكيد على استخدام هذا التغري السياقي‬ ‫ق��د ق��دم دع��م ً��ا ع��ارض ً��ا ب�لا قيمة لتحليالت‬ ‫السلوك االنتخابي والسيما سلوك التصويت فقد‬ ‫مهد الطريق للتكامل الناجح لبحث التصويت‬ ‫ودجمه مع املسارات األمشل للمؤلفات اخلاصة‬ ‫بالسياسة االنتخابية االمريكية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فرصا‬ ‫وق��د ق��دم��ت ان��ت��خ��اب��ات ال��ك��وجن��رس‬ ‫الستكشاف السياقات السياسية على سلوك‬ ‫التصويت‪ ،‬وإن الدراسات الرائدة اليت اعدها‬ ‫ك��رم��ر وم��اي��ه��و وج��اك��ب��س��ون وآخ����رون قد‬ ‫اعتمدت بشكل كامل على املعلومات على‬ ‫مستوى املقاطعات ومع ذلك فإن دعم حمتوى‬ ‫الكوجنرس لتلك االحصائيات ال�تي ب��دأت يف‬ ‫‪1978‬م قد سهلت على اجراء حتليالت تفصيلية‬ ‫بشأن كيفية اسهام انشطة اعضاء الكوجنرس‬ ‫يف واشنطن وضواحيها يف االمن االنتخابي هلا‪،‬‬ ‫وقد استخدم فرانكلني بيانات االحصائية من‬ ‫الدراسات االنتخابية القومية اخلاصة بدراسة‬ ‫انتخابات جملس الشيوخ خلمسني والية لتحليل‬ ‫اثر احلمالت االنتخابية واسرتاتيجيات تلك‬ ‫احل��م�لات اخل��اص��ة باملرشحني على شفافية‬ ‫ووضوح تصورات املصوتني بشأن اوضاع اعضاء‬ ‫جملس الشيوخ‪.‬‬ ‫وإن كهن وكيين قد قاموا بدمج نفس البيانات‬ ‫االح��ص��ائ��ي��ة بالتحليل التفصيلي حملتوى‬ ‫االعالنات واألخبار لفحص كيفية تأثري احلمالت‬ ‫اإلنتخابية على سلوك التصويت يف انتخابات‬ ‫جملس ال��ش��ي��وخ‪ ،‬وق��د وج���دوا ب��أن احلمالت‬ ‫املكثفة قد جعلت املصوتني يعتمدوا بشكل أكرب‬

‫على االنتماء احلزبي وعلى االستحسان والقبول‬ ‫الرئيسي اكثر من املنافسات األخرى‪.‬‬ ‫وحتى على مستوى االنتخابات الرئيسية فإن‬ ‫التحليل السياقي قد مت دفعه ودعمه بالسلسلة‬ ‫املتزايدة من الدراسات اخلاصة باالنتخابات‬ ‫القومية اليت تشمل اكثر مما يقارب من نصف‬ ‫قرن للتاريخ السياسي االمريكي فعلي سبيل‬ ‫املثال قد استغل م��ارك��وس التغري املؤقت يف‬ ‫ال��ظ��روف االقتصادية على م��دار سلسلة من‬ ‫االحصائيات الثامنة املتتابعة لالنتخابات‬ ‫الرئيسية للتأثري على عملية ال��دم��ج بني‬ ‫التصويت على املستوى اجلماعي والتحليل‬ ‫اإلحصائي للتحليل االقتصادي‪.‬‬ ‫وإن التحليل اجلماعي ال��ذي اع��ده كرامر‬ ‫وآخرون قد اوضح بأن نتائج االنتخابات تتأثر‬ ‫بشكل أكرب حبالة االقتصاد‪ ،‬ولكنه ال يلقي ضوءاً‬ ‫ً‬ ‫حقيقيا على ما إذا كان التصويت االقتصادي‬ ‫متأصل يف اخل�ب�رات االقتصادية الشخصية‬ ‫للمصوتني أم يف تصوراتهم للظروف االقتصادية‬ ‫الكلية‪.‬‬ ‫وإن التحليالت ال�تي مت احلصول عليها من‬ ‫البيانات االحصائية من قبل كيندر وكويد‬ ‫وآخ����رون ت��ق�ترح ب���أن تقييمات ال��ظ��روف‬ ‫االقتصادية االجتماعية تعد ناجتة وليست‬ ‫ظروف اقتصادية شخصية ومع ذلك وحيث‬ ‫أن احلالة الفعلية لالقتصاد القومي يف أي وقت‬ ‫معني تكون ثابتة ف��إن التغري يف تقييمات‬ ‫الظروف االقتصادية داخل احصائية انتخابات‬ ‫واح��دة قد تعكس احنيازات حزبية او صور‬ ‫أخرى من الضوضاء الفكرية‪.‬‬ ‫وعن طريق حتديد البيانات االحصائية من‬


‫مثانية انتخابات فإن ماركس قد يستغين عن‬ ‫تقييمات الظروف االقتصادية القومية ويربط‬ ‫سلوك التصويت للظروف االقتصادية القومية‬ ‫الفعلية اليت ختتلف على مدار سنوات االنتخاب‬ ‫إىل جانب الظروف االقتصادية الفردية اليت‬ ‫ختتلف على مستوى االحصائيات وقد وجد‬ ‫واكتشف االث��ار لكل من االح���وال الشخصية‬ ‫واالقتصادية وإن املصوتني الذين قد يفضلوا‬ ‫بعض احل���االت وال��ذي��ن ل��ن تتغري ظروفهم‬ ‫االقتصادية للتصويت للمرشح الرئاسي حلزبهم‬ ‫فإن كل نسبة اضافية لنمو سنوات االنتخابات‬ ‫يف الدخل احلقيقي قد زاد من نصيب التصويت‬ ‫للحزب‪.‬‬ ‫وإن فار ريك قد استخدم تلك االحصائيات‬ ‫الستكشاف ً‬ ‫وجها آخر من التصويت االقتصادي‬ ‫وهو اخلاص باملدى الذي تؤكد عليه القرارات‬ ‫االق��ت��ص��ادي��ة ل��ل��م��رش��ح�ين ع��ل��ى ال��ق��ض��اي��ا‬ ‫االقتصادية تساعد على تعديل سلوك التصويت‬ ‫وقد اوضحت بأن مرشحي احل��زب يف سنوات‬ ‫االنتخابات اليت تشهد إزده��اراً واملتنافسني يف‬ ‫سنوات النمو البطىء يتعني ان تركز بشكل‬ ‫أساسي على االقتصاد يف حني ان املرشحني‬ ‫الذين مل يستفيدوا من الظروف االقتصادية‬ ‫عليهم اج��راء محالت تؤكد على املوضوعات‬ ‫األخرى املميزة‪.‬‬ ‫عن طريق دمج البيانات االحصائية لتحليل‬ ‫احمل��ت��وى التفصيلي إلع�لان��ات وخ��ط��اب��ات‬ ‫والتغطية االخ��ب��اري��ة للحمالت ق��د وج��دت‬ ‫فافريك ان املرشحني الذين اتبعوا االسرتاتيجيات‬ ‫ً‬ ‫جناحا‬ ‫املالئمة لظروفهم السياسية كانت اكثر‬ ‫يف صياغة اجندة احلملة االنتخابية وان جلينز‬

‫وكوهن ‪ 2007‬قد اوضحوا بأن الرتكيز املتغري‬ ‫للمفضالت وعدم املفضالت اخلاصة باملصوتني‬ ‫ملرشحي الرئاسة على مدار نصف قرن مضى‬ ‫تعكس احمل��ت��وى املتغري إلع�لان��ات احلمالت‬ ‫االنتخابية وأن حمتوى السياسة لإلعالنات‬ ‫قد أدى إىل وجود مجهور ناخبني يركز على‬ ‫السياسة بشكل اك�بر وذل��ك على ال��رغ��م من‬ ‫االخنفاض الكبري يف حمتوى السياسة للتغطية‬ ‫االخبارية للحمالت االخبارية‪.‬‬ ‫وعلى النطاق الزمين القصري ف��إن احملللني‬ ‫قد استخدموا التغري املؤقت داخ��ل احلمالت‬ ‫االنتخابية اللقاء الضوء على األثر االنتخابي‬ ‫لعدة أحداث سياسية مبا يف ذلك النتائج املبدئية‬ ‫لالنتخابات واع�لان��ات االنتخابات وان تلك‬ ‫املؤلفات األخرية قد استخدمت كل من التغري‬ ‫املؤقت الذي يركز على نوايا التصويت املتغرية‬ ‫على مدار االربعة شهور املاضية لالنتخابات‬ ‫الرئاسية لعام ‪ 2000‬والتغري على مستوى‬ ‫القطاعات‪.‬‬ ‫وإن توافق ردود فعل االحصائية من احصائية‬ ‫انتخابات ان ب�يرج القومية لعام ‪ 2000‬مع‬ ‫البيانات املتعلقة بأمناط االعالنات يف االصوات‬ ‫االعالمية احمل��ددة ف��إن جونيستون وهاجن‬ ‫وجاميسون قد قاموا بتتبع أثر ردود املصوتني‬ ‫وتفاعلهم م��ع التغريات يف م��ق��دار وحمتوى‬ ‫إعالنات احلملة االنتخابية اىل جانب التغطية‬ ‫االخبارية واوجه اخرى للحملة القومية وإن‬ ‫حتليله قد اوضح بأن انتصار جورج دبليو بوش‬ ‫قد استند على حقيقة ان اشارة االعالنات قد‬ ‫اصبحت غري متوازنة يف تلك االنتخابات‪.‬‬ ‫وإن هيل قد اوضح بأن حتليل جانيسون وهاجن‬ ‫‪145‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪146‬‬

‫وجونستون عن طريق الرتكيز على االهتمام‬ ‫الوثيق ال��ذي تتوقف عنده آث��ار االعالنات‬ ‫وان تلك النتائج قد دعمت هواية جونستون‬ ‫وهاجن وجانسون لألثر االنتخابي للموجه‬ ‫األخرية إلعالنات بوش‪ ،‬حيث أن معظم اثر أية‬ ‫اعالنات على نوايا التصويت قد تضح يف غضون‬ ‫اسبوع واحد وإن نفس املؤلفني قد وجدوا بعض‬ ‫االثار اخلاصة باالعالنات يف خمتلف منافسات‬ ‫الكوجنرس واملنافسات على مستوى الواليات مما‬ ‫يدعم انطباع ان املصوتني ميكن تغيري ارائهم‬ ‫بشكل قوي عن طريق االعالنات التليفزيونية‬ ‫يف االيام اليت تسبق االنتخابات‪.‬‬ ‫ومل يقوم املؤلفني باستخدام التغري يف السياق‬ ‫االنتخابي فقط وامنا قاموا بتحديد تغري سياقي‬ ‫من خالل املعاجلة التجريبية على سبيل املثال‬ ‫قد استخدم أينجر وكيندر ‪ 1985‬م االذاع��ات‬ ‫االخبارية التليفزيونية لفحص االثار االساسية‬ ‫للتغطية االخبارية وإن ايوجنر ‪ 1995‬م قد قام‬ ‫بقياس مدى اجيابية املوضوعات التجريبية‬ ‫بالنسبة ل�لاع�لان��ات االجي��اب��ي��ة والسلبية‬ ‫للحملة االنتخابية وان ميندل بريج ‪ 2001‬قد‬ ‫قام مبقارنة فاعلية نواحي اجل��ذب العرقية‬ ‫الضمنية والصرحية باستخدام كل من التجارب‬ ‫والتحليالت عن طريق املالحظة اليت تركز على‬ ‫حادث ويلي هورتون يف االنتخابات الرئيسية يف‬ ‫عام ‪1988‬م‪.‬‬ ‫ويف السنوات األخ�يرة قد مت تكميل التجارب‬ ‫املعملية بتجارب ميدانية واسعة النطاق وإن‬ ‫معظم حمتوى هذا الكتاب قد ركز على تقييم‬ ‫فاعلية جهود التصويت ومع ذلك ففي املراحل‬ ‫األوىل من احلملة االنتخابية يف والية تكساس‬

‫قد مت توزيع ‪ 2‬مليون من االع�لان��ات بشكل‬ ‫عشوائي على ‪ 20‬س��وق اع�لام��ي مم��ا يسمح‬ ‫باالختبار القوي واملباشر ألثر االعالنات على‬ ‫تطور نوايا التصويت وتصورات املرشحني وإن‬ ‫هذه التجربة واسعة النطاق قد كشف عن االثار‬ ‫القوية لالعالن التليفزيوني ولكن تلك االثار‬ ‫كانت واضحة اكثر يف كتاب هيل ‪2008 ،2007‬م‬ ‫الذي تضمن حتليلالت للبيانات غري التجريبية‪:‬‬ ‫حيث أن االعالنات الضخمة تقوم باجياد ‪%7‬‬ ‫من التحول يف نوايا التصويت بعد يوم ولكن ال‬ ‫يوجد اثر ملموس بعد يومني‪.‬‬ ‫االنتخابات والنظام السياسي‪:‬‬ ‫إن اجلملة االخرية من كتاب الناخب االمريكي‬ ‫قد جذبت االنتباه إىل عالقات التأثري اليت‬ ‫تتعلق بالعملية االنتخابية وتلزمها بوسائل‬ ‫أخ��رى للقرار يف النظام السياسي وان عنوان‬ ‫نفس اجملموعة لنفس املقاالت (االنتخابات‬ ‫والنظام السياسي) ق��د اش���ارت اىل االهتمام‬ ‫املستمر يف العالقة بني السلوك االنتخابي وبني‬ ‫االعمال الشاملة للحكومة وقد مت جتميع تلك‬ ‫االجزاء يف هذا اجمللد اليت اختلفت يف االسلوب‬ ‫والرتكيز مبا يف ذلك التفسريات القائمة على‬ ‫االح��ص��ائ��ي��ات النتخابات حم���ددة إىل جانب‬ ‫التحليالت التارخيية لديناميكيات املنافسة‬ ‫احلزبية باالضافة اىل حتليل التمثيل السياسي‬ ‫إىل جانب اسهمات اخرى‪.‬‬ ‫وقد أوضح احملللون النمط الرئيسي لكل من‬ ‫تلك اخلطوط االشاردية وعلى الرغم من ذلك‬ ‫ف��إن احياء وض��ع السلوك االنتخابي يف اطار‬ ‫الفهم العام للسياسة االمريكية يبدو لي بأنه مل‬


‫يتحقق بعد حتى بعد مخسة عقود‪.‬‬ ‫وإن التفسريات العلمية لنتائج االنتخابات‬ ‫تستمر بأنها تتم ببعض االنتظام ولكنها يتم‬ ‫اعاقتها بصعوبة احلصول على تقديرات مقنعة‬ ‫ألثر قضايا معينة او مرشحني او احداث معينة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تفصيال للتفسري االنتخابي‬ ‫وإن االعمال األكثر‬ ‫منذ السبعينات قد اعتمدت بشكل كبري على‬ ‫النماذج العارضة او على جدولة االسباب اليت‬ ‫قدمها الناخبون انفسهم لدعم وتأييد مرشح‬ ‫عن مرشح آخر‪.‬‬ ‫ويف حني ان كال الطريقتني هلا حددها اهلامة‬ ‫فإن كليهما هلا مسى مدعومة لتسهيل حتديد‬ ‫األس��س املميزة لالختيار االنتخابي الفردي‬ ‫واجل��م��اع��ي وه���و مطلب اس��اس��ي لتوضيح‬ ‫التداعيات االساسية االمشل لسلوك التصويت‪.‬‬ ‫ويف حالة ان العلماء يف السنوات االخ�يرة قد‬ ‫ً‬ ‫قليال من االهتمام لتفسري نتائج‬ ‫خصصوا‬ ‫ً‬ ‫االنتخابات فإنهم قد خصصوا م��ق��دارا اقل‬ ‫من االهتمام لفهم التفسريات األخرى لنتائج‬ ‫االنتخابات من قبل خمتلف الشعوب‪ ،‬وإن دراسة‬ ‫كونلي (منتدبي الرئاسة وحتليل بيرت سون‬ ‫واستمسون ‪ 2006‬سياسة االنتداب – تعد نادرة‬ ‫يف تركيزها على كيفية تفسري اجملتمع السياسي‬ ‫للصفوة اجلاهل بأحدث حتليالت الرتاجع حلكم‬ ‫مجهور الناخبني )‪ .‬وهنا فإن وفرة البيانات‬ ‫االحصائية املفصلة تبدو بأنها قد قامت بإلقاء‬ ‫الضوء على أوجه معينة من موضوعنا الذي‬ ‫يعول الناخبون فيه مبقدار كبري من االهمية‬ ‫خالل العملية االنتخابية‪ .‬وإن هناك نقطة‬ ‫أخرى ملحوظة ومل يتم توضيحها من قبل يف‬ ‫العالقة بني السلوك االنتخابي ونظام االحزاب‬

‫وان معظم املؤلفات اخلاصة بنظام االحزاب قد‬ ‫ركزت على االنتخابات النقدية واعادة االحنياز‬ ‫ال��ذي يعمل على اس��ت��خ��دام عصر البيانات‬ ‫االحصائية املفصلة ويف حني ان مايهو ‪2002‬‬ ‫قد قام بتحديد احلدود التجريبية هلذا التنوع‬ ‫التارخيي فإننا علينا ان نطور رواي��ة بديلة‬ ‫لكيفية أن التفاعل ما بني صفوة االح��زاب‬ ‫واجلماهري حتدد ما الذي تدور حوله االنتخابات‬ ‫يف وقت معني‪.‬‬ ‫وإن حتليل استمسون ‪1989‬م عن اعادة االحنياز‬ ‫العرقي للستينات كعملية تطور يقدم لنا البداية‬ ‫احلقيقية يف هذا االجتاه وان تطبيق آدمز ‪1997‬‬ ‫م لنفس االطار للدور الناشىء لالحباطات يف‬ ‫نظام االحزاب يف السبعينات والثمانينات يؤكد‬ ‫على اهمية استخدامه‪ ،‬ويف تلك احلالتني فإن‬ ‫الكاتب قد وجد ً‬ ‫دليال ً‬ ‫قويا بأن وجهات النظر‬ ‫املتغرية بني صفوة االحزاب قد ساهمت يف تغيري‬ ‫التأييد احلزبي جلمهور الناخبني‪.‬‬ ‫ولكن كيفية وسبب اختاذ الصفوة تلك االوجه‬ ‫وكيفية صياغة خياراتهم عن طرق املعتقدات‬ ‫الصحيحة او غري الصحيحة بشأن ردود فعل‬ ‫امل��ؤي��دي��ن وامل��ع��ارض�ين احملتملة وكيفية أن‬ ‫نشوء وت��ط��ور خبصوص أي م��وض��وع يعتمد‬ ‫على التغريات األخ��رى يف األس��س السياسية‬ ‫واالجتماعية لإلتالفات احلزبية تعد مجيعها‬ ‫موضوعات تستحق مزيد من البحث واالهتمام‬ ‫العلمي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وأخ�يرا فأن مؤلفي السياسة االنتخابية كان‬ ‫لديهم املزيد لالستفادة منه بشأن توقيت‬ ‫وكيفية ومدى صياغة نتائج االنتخابات ملسار‬ ‫السياسة العامة وعلى املستوى العام فإن علماء‬ ‫‪147‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪148‬‬

‫السياسة قد اوضحوا بأن االنتخابات هلا آثار‬ ‫كبرية‪ ،‬ومنذ السبعينات فإن احلوار االيديولوجي‬ ‫يف س��ل��وك التصويت ب�ين اف���راد الكوجنرس‬ ‫الدميقراطيني واجلمهوريني قد اتسعت اهلوة‬ ‫بينهم بشكل كبري وإن اعضاء جملس الشيوخ‬ ‫الدميقراطيني واجلمهوريني الذين ميثلوا نفس‬ ‫الواليات خيتلف يف سلوكيات تصويتهم اكثر من‬ ‫اعضاء جملس الشيوخ يف نفس احلزب مما ميثل‬ ‫الدول الليربالية واحملافظة يف الدولة‪.‬‬ ‫وإن ال��رؤوس��اء الدميقراطيني واجلمهوريني‬ ‫قد قدموا بعض الثروات االقتصادية للشعوب‬ ‫الفقرية واملتوسطة الطبقة ومع ذلك فإنه على‬ ‫الرغم من مالحظة تلك التناقدات احلزبية‬ ‫املؤثرة فإننا مل نتوصل إىل الفهم الكامل إلثار‬ ‫السياسة لنتائج االنتخابات على اساس قضية‬ ‫بقضية وسياق بسياق‪.‬‬ ‫وإن هناك حماولة من قبل املفكرين املعاصرين‬ ‫لدمج حتليالت الرأي العام والسلوك االنتخابي‬ ‫وسياسة األحزاب والسياسة العامة وهو جملد‬ ‫روبرت اريكسون وميخائيل ماكون واستمسون‬ ‫‪2002‬م (السياسة الكلية) واعتماداً على سلسلة‬ ‫ال��دارس��ات املتعلقة بالنمط العام ف��إن تأييد‬ ‫احلزب الكلي والتمثيل الديناميكي قد جعل‬ ‫استمسون يطور منوذج لألنظمة على ان يكون‬ ‫ً‬ ‫شامال حيث تعكس اختيارات السياسة الشاملة‬ ‫للمسؤولني املنتخبني وتعكس فيه صياغة‬ ‫التيارات الشاملة للرأي العام‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من تأكيد مؤلفي هذا الكتاب على‬ ‫التفاعل املباشر للسياسة احلكومية مع التغري يف‬ ‫الرأي العام إال ان نتائجه تتضمن بأن التغريات‬ ‫يف السياسة قد تكون بسبب التحول من منط‬

‫ليربالي عام إىل منط حمافظ الذي يتم توضيحه‬ ‫من خالل التغريات اليت تتم عندما يأتي رئيس‬ ‫دميقراطي ً‬ ‫بدال من رئيس مجهوري يف البيت‬ ‫األبيض‪.‬‬ ‫وان تلك االختالفات احلزبية يف السياسة تضع‬ ‫بعض الشكوك على األهمية السياسة لنظرية‬ ‫املصوت ال�تي ق��ام بتطويرها انطوني داون��ز‬ ‫ودنكن بالك وتابعيه‪ ،‬وقد ألقوا ضوءاً آخر على‬ ‫النتائج السياسية للسياسة االنتخابية يف الوضع‬ ‫االمريكي املعاصر وان موضوع االنتخابات له‬ ‫نفس االهمية اخلاصة بالسلوك االنتخابي ولكن‬ ‫يف حالة ان نتائج االنتخابات هي اليت تدفع‬ ‫السياسة بقوة إذاً فماذا يدفع نتائج االنتخابات؟‬ ‫إن حتليالت اريكسون وماكوين واستمسون‪،‬‬ ‫لنتائج االنتخابات قد ركزت على التصورات‬ ‫املنطقية ذات األثر الرجعي القائمة على حالة‬ ‫االقتصاد واحكام التقارب االيديلوجي والوالء‬ ‫احلزبي املتغري واالستحسان الرئاسي مما يعكس‬ ‫تلك العوامل اىل جانب عوامل أخرى ويف التحليل‬ ‫الذي يركز على ‪ 12‬نتيجة لالنتخابات الرئيسية‬ ‫فإن نسبة املتغريات التفسريية بالنسبة للبيانات‬ ‫ً‬ ‫منوذجا متميزاً‬ ‫عالية ج��داً وهي من ‪17 – 1‬‬ ‫ل��ل�تراج��ع مبتوسط ‪ 3.7‬لكل منهما لنتائج‬ ‫انتخابات الكوجنرس‪.‬‬ ‫ومع ذلك فباستثناء ضعف النتائج التطبيقية‬ ‫اليت يالحظها املؤلف فإن هناك ً‬ ‫سؤاال آخر يتعلق‬ ‫مبقدار ما يتم تفسريه بالفعل وان معظم االداء‬ ‫االحصائي لتلك النماذج قد يكون بسبب التأييد‬ ‫احلزبي الشامل املؤقت إىل جانب التحوالت يف‬ ‫امليول احلزبية على مسار سنوات االنتخابات‬ ‫ال�تي تعد متقلبة وغ�ير مرتبطة باملتغريات‬


‫األخرى هلذا النموذج وان تلك االسباب تفسر‬ ‫املقدار الكبري من النتائج‪.‬‬ ‫ويف حالة ان املسار املستقبلي للسياسة العامة‬ ‫يتم تكوينها بشكل كبري بتلك االسباب املتقبلة‬ ‫لنتائج االنتخابات فهل ان السياسة العامة قد‬ ‫تعمل بشكل كبري ً‬ ‫وفقا للمذهب الدميقراطي ؟‬ ‫وإن هذه هي إحدى النقاط اليت يتعني ان يعتمد‬ ‫التحليل املتكامل الشامل عندها على الفهم‬ ‫األفضل للسلوك االنتخابي‪.‬‬ ‫ولكي حيدث هذا فإن مؤلفي السلوك االنتخابي‬ ‫سيتعني عليهم توضيح صورة شاملة يف هذا‬ ‫الشأن ويف الفقرة االفتتاحية ملقدمة االحصائية‬ ‫االفرتاضية(‪ – )KEY، JR‬ال����رأي ال��ع��ام‬ ‫والدميقراطية االمريكية قد قالوا بأن علماء‬ ‫االجتماع وعلماء النفس االجتماعيني الذين قد‬ ‫تعهدوا بإجراء دراسة الرأي العام واالنتخابات‬ ‫منذ االربعينات قد قدموا جمموعة شاملة من‬ ‫النتائج البحثية اليت مل تتضح اهميتها ألعمال‬ ‫النظام احلكومي بشكل كامل‪.‬‬ ‫وإن العمل احلالي يتعرض للنقد بشكل كبري‪،‬‬ ‫ومع ذلك فإن افضل عمل معاصر يذكرنا بأن‬ ‫هذا قد خيتلف ً‬ ‫متاما يف بعض االوجه االخري‬ ‫وعلى الرغم من أن ‪ KEY‬مل يقل ذلك فإن‬ ‫من��وذج ما يسمى بالعلوم السياسية للسلوك‬ ‫االنتخابي ق��د يشبه دراس��ت��ه الكالسيكية‬ ‫للسياسة اجلنوبية يف الدولة وإن الكتابات اليت‬ ‫متت يف العصور املظلمة قبل البحث اإلحصائي‬ ‫املكثف والتكنولوجيا احلاسبات قد قام ‪KEY‬‬ ‫بتوضيح مالحظة مفصلة من خالل مخسمائة‬ ‫لقاء شخصي مع رج��ال السياسة ومراقبني‬ ‫سياسيني وحتديد حتليل المن��اط التصويت‬

‫الكلية لتوضيح صورة امشل للنظام السياسي‬ ‫الذي ينخرط يف السلوك االنتخابي مع سياسة‬ ‫االح��زاب والثقافة السياسية والواقع السائد‬ ‫للتسلسل االجتماعي واالقتصادي‪.‬‬ ‫وإن أي قارئ لكتاب كي ليس من احملتمل ان‬ ‫يشك يف اهمية السلوك االنتخابي العمال النظام‬ ‫احلكومي الذي قام بتصويره أو االهمية احملتملة‬ ‫للسلوك االنتخابي‪.‬‬ ‫وليس هناك مربر ان يقتصر املفكرين يف القرن‬ ‫احلادي والعشرين على البيانات والطرق من هذا‬ ‫النوع اليت كانت متاحة لـ ‪ KEY‬يف االربعينات‬ ‫وفيما يتعلق باالسلوب والنمط ف��إن افضل‬ ‫مؤلف مستقبلي يف هذا اجملال قد يشبه كتاب‬ ‫السياسة الكلية أكثر من كتاب سياسة اجلنوب‬ ‫ومع ذلك فإن االشخاص الذين يرغبون يف اعداد‬ ‫هذا الكتاب قد يقوموا مبا هو اسوأ لالعتماد‬ ‫على ما هو مشتق من العمق والتعقيد السياسي‬ ‫لتحليل ‪ KEY‬وان ه��ذا النوع من التعميق‬ ‫ً‬ ‫ضروريا يف حالة ان املؤلفني يف املستقبل‬ ‫يكون‬ ‫للسلوك االنتخابي يقوموا بتحقيق درجة‬ ‫معينة من التأثري الفكري واالهمية السياسية‬ ‫اليت كانوا يصبوا اليها من قبل عمالقة املاضي‬ ‫مثل كونفريس والزرز فيلد وميلر واستكوس‬ ‫وكي نفسه‪.‬‬

‫‪149‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪150‬‬

‫مناهج تحليل السلوك االنتخايب‬ ‫دراسة نظرية‬

‫أ‌‪ .‬م‪ .‬د‪ .‬هلمت كريم‬


‫تقديم‪:‬‬ ‫بهدف معرفة الكيفية اليت تتم بها العملية‬ ‫االنتخابية يف أي بلد فالبد من الوقوف عند‬ ‫معنى ال��س��ل��وك السياسي للناخب بوصفه‬ ‫مواطنا ميتلك حقوقا سياسية حسب الدساتري‬ ‫والقوانني املقرة عرب تناول مناهج حتليل‬ ‫السلوك االنتخابي حيث تهدف هذه العملية‬ ‫للوصول إىل معرفة طبيعة االنتخابات بشكل‬ ‫عام‪.‬‬ ‫اوال‪ :‬يف معنى السلوك السياسي‬ ‫ً‬ ‫كان صراع اإلنسان منذ القدم صراعا من أجل‬ ‫احل��ري��ة‪ ،‬ف��أخ��ذت يف اجمل��ال السياسي ص��ورة‬ ‫تأسيسية معينة من خالل السلطة السياسية‪،‬‬ ‫فتمكنت أن تعرب عن نفسها وذلك عرب املؤسسات‬ ‫السياسية‪ ،‬وتتغري مساحة هذا اجملال يف التعبري‬ ‫بتغري األنظمة السائدة اليت تدير تلك املؤسسات‬ ‫واختالف طبيعتها‪ ،‬قد متثلت ه��ذه احلرية‬ ‫مبشاركة الفرد وجتسيد رأيه يف اختيار احلكومة‬ ‫اليت يرى بأنها ق��ادرة على حتقيق مصاحله‪،‬‬ ‫واملصاحل العامة‪ .‬إن تثبيت ه��ذا االعتقاد يف‬ ‫الواقع يتم عرب آليات املشاركة السياسية تلك‬ ‫اليت ترتجم حريته إىل أمر واقع ومادي ملموس‪.‬‬ ‫فالسلوك السياسي إذن هو ظاهرة موجودة منذ‬ ‫أقدم األزمنة بوجود اجملتمع اإلنساني وبوجود‬ ‫السلطة واجملتمع‪ ،‬حيث يعكس مدى فاعلية‬ ‫الفرد يف املشاركة بشؤون جمتمعه ويتجسد هذا‬ ‫السلوك باملشاركة السياسية اليت مل خيلو منها‬ ‫جمتمع عرب االزمنة باستخدام هذا احلق‪ ،‬لكون‬ ‫املشاركة أساس تنظيم اجملتمعات والدول‪ .‬فما‬ ‫هو املقصود بالسلوك السياسي ؟ ‪.‬‬

‫حسب تعريف (إل��و) (ف��إن املقصود بالسلوك‬ ‫السياسي ليس فقط الفعل السياسي املباشر‬ ‫أو غري املباشر وإمنا هو ً‬ ‫أيضا الدوافع واملواقف‬ ‫اليت تساهم يف بناء التماثل واملطالب والرغبات‬ ‫السياسية وكذلك العقائد والقيم واأله��داف)‪،‬‬ ‫يف حني يرى (جان راجنر) أن السلوك السياسي‬ ‫هو‪(:‬كل تصرفات الفرد جتاه اجملتمع السياسي‬ ‫الذي يعيش فيه وال ميكن حصر أشكاله)‪)1(.‬‬ ‫ويذهب ج��ورج الفو اىل ان السلوك السياسي‬ ‫خيتلف عن املوقف‪ ،‬ويعرفه بانه (االستعداد‬ ‫النفسي ِل َ‬ ‫تم ّلكه ردود فعل متواصلة ودائمة‬ ‫ومنظمة ومندجمة وبشكل نسيب وباجتاه بعض‬ ‫ً‬ ‫أساسا للسلوك‬ ‫األهداف‪ ،‬وميكن اعتبار املوقف‪،‬‬ ‫البطيء حينما يتسم بالشدة‪ ،‬أما (آالن لونسيا)‬ ‫ً‬ ‫أساسا اجتماعيا فاملواقف‬ ‫فإنه يعطي للموقف‬ ‫السياسية بالنسبة له (هي مواقف اجتماعية‬ ‫مثبتة يف مقابل ح��االت سياسية وال�تي هي‬ ‫ح��االت اجتماعية منظور اليها م��ن زاوي��ة‬ ‫السلطة‪ ،‬مبعنى آخر من زاوية احلكومة أو من‬ ‫زاوية بقاء اجملتمع)(‪.)2‬‬ ‫إذن فالسلوك السياسي ه��و نشاط يقوم به‬ ‫الفرد او اجلماعة بقصد او بدون قصد مسبق‬ ‫(اجتماعي أو سياسي)‪ ،‬وهنا ميكننا ان نفرق‬ ‫بني السلوك السياسي للجماعات السلطوية‪،‬‬ ‫ويتم على أساسه يتم حتديد النسق السياسي‬ ‫والقوانني للمجتمع‪ ،‬وبني السلوك السياسي‬ ‫للجماعات السياسية العامة غري املباشرة واليت‬ ‫هلا مقاصد وإفرازات ختتلف‪ ،‬حيث متارس هنا‬ ‫كعامل ضغط‪ ،‬وهلا مآرب سياسية اجتماعية ‪.‬‬ ‫ان تأثري السلوك السياسي ومستوى درجاته يقف‬ ‫على مدى الوعي واإلمكانيات املادية واملعنوية‬ ‫‪151‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪152‬‬

‫للفرد او للجماعة‪ ،‬ودور التنشئة اليت تقوم‬ ‫بها اجلماعات واألف��راد‪ ،‬فللعوامل االجتماعية‬ ‫والنفسية وغريها‪ ،‬تأثري واضح على مستوى‬ ‫ومقاصد هذا السلوك السياسي‪ ،‬وبالتالي وحسب‬ ‫رأي (جورج الفو) الذي سبق ذكره فإن هناك‬ ‫ً‬ ‫فرقا بني السلوك السياسي واملوقف السياسي‪،‬‬ ‫فبفعل التنشئة يصبح للفرد او اجلماعات‬ ‫استعداد مسبق للسلوك السياسي‪ ،‬وذلك بسبب‬ ‫عامل طبيعي‪ -‬البيئي‪ -‬وسيكولوجية التنشئة؛‬ ‫ً‬ ‫اختالفا يف السلوك السياسي‬ ‫وعليه نرى أن هناك‬ ‫من شخص آلخر ومن مجاعة ألخ��رى‪ ،‬وهذا‬ ‫ما جيسده التصويت يف االنتخابات‪ ،‬واالنتماء‬ ‫لألحزاب املختلفة‪ ،‬وإبداء اآلراء املختلف‪ .‬فالبعد‬ ‫السلوكي السياسي هو مرحلة متقدمة يف حياة‬ ‫الفرد السياسية‪ ،‬ويعد ترمجة حقيقية لكل ما‬ ‫اكتسبه الفرد من معارف ومعلومات سياسية‬ ‫وما أفرزته هذه املعارف واملعلومات السياسية‬ ‫م��ن م��واق��ف وق��ي��م واجت��اه��ات وال�ت�ي تضمن‬ ‫املشاركة الفعالة يف احلياة السياسية‪.‬‬ ‫وتعد البيولوجية من العوامل املؤثرة على‬ ‫السلوك السياسي‪ ،‬ويقصد بها الفرق بني العمر‬ ‫واجلنس والسلوك السياسي لإلنسان‪ ،‬ففي عدد‬ ‫من البحوث اليت أجريت يف املدارس االبتدائية يف‬ ‫الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬وثبت لدى الطلبة‬ ‫الذين هم يف عمر السابعة إدراك��ه��م بوجود‬ ‫سلطة رئيس اجلمهورية ملساعدتهم ووجود‬ ‫سلطة الشرطي للقبض على اللصوص‪ ،‬يف حني‬ ‫مل يكن هلم ادراك بوجود السلطات األخرى ذات‬ ‫الرتكيبة املعقدة كالربملان واحلكومة والوزارات‬ ‫واحملاكم وما إىل ذلك من مؤسسات خمتلفة(‪.)3‬‬ ‫وللشباب مواقف ختتلف عن اآلخرين وتتسم‬

‫يف الغالب بالتطرف والعنف‪ ،‬على العكس من‬ ‫مواقف وسلوك كبار السن فهم أكثر اعتداال‬ ‫وعقالنية‪ ،‬لذا يتسم السلوك السياسي االنتخابي‬ ‫عند كبار السن بالنشاط واحليوية أكثر مما‬ ‫هو عند الشباب واملراهقني‪ ،‬أما من الناحية‬ ‫اجلنسية‪ ،‬فاملرأة أقل مشاركة يف احلياة السياسية‬ ‫او النشاطات السياسية من الرجل‪ ،‬وهنا تتحكم‬ ‫العوامل البيولوجية بني الرجل وامل��رأة‪ ،‬وال‬ ‫تعين هذه الفروق يف اإلمكانيات بني الرجل‬ ‫والنساء أنه ال توجد هناك أية حاالت شاذة أو‬ ‫خمتلفة يف العامل‪ .‬وخيتلف مدى تأثري التكوين‬ ‫البيولوجي على املرأة بني اجملتمعات واألنظمة‬ ‫االجتماعية‪ ،‬مبعنى أن هناك جمتمعات ال تعرتف‬ ‫ً‬ ‫أصال بهذا الفرق بني اجلنسني‪ ،‬بل إن اجملتمعات‬ ‫والتنظيمات فيها هي اليت تعزز ذلك أكثر مما‬ ‫هو أثر واقعي وحقيقي ‪.‬‬ ‫وه��ذا ما ذه��ب اليه الدكتور سويم العزي يف‬ ‫تفسريه لوضعية تنشئة الفرد منذ عهد الطفولة‬ ‫وحتى مراحله املتقدمة يف العمر‪ ،‬إذ ان عامل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الكبار يشكل يف نظر الطفل ً‬ ‫وغامضا‬ ‫خاصا‬ ‫عاملا‬ ‫جيذبه ويشده اليه بقوة سحر جاذبية ويدفع‬ ‫به للتماثل معه والتعود على االحتذاء بسلوكية‬ ‫وأوام��ر هذا العامل‪ ،‬ولكن مع تطور شخصيته‬ ‫وحماولته العيش يف هذا العامل على طريقته‬ ‫اخلاصة تتضارب مصاحله مع اإلطار االجتماعي‬ ‫املفروض عليه إتباعه‪ ،‬فتزداد درجة إحباطه‬ ‫وتزداد درجة عدوانيته يف الوقت نفسه ضد هذا‬ ‫العامل الذي طاملا سحره جباذبيته فيبدأ بالتمرد‬ ‫عليه‪ ،‬وتقود هذه السلوكية اىل خلق الشعور‬ ‫بالذنب لدى الفرد حيث يعكس هذا األخري‬ ‫عدم قدرته على الولوج اىل عامل الكبار معتمدا‬


‫على نفسه وهو شعور يدفعه يف الوقت نفسه اىل‬ ‫اخلضوع للكبار ومن بعده اىل السلطة عندما‬ ‫حتل هذه األخرية حمل سلطة الكبار مبطالبتها‬ ‫األف��راد التماثل مع أفكارها السياسية وقيمها‬ ‫كوسيلة لتحقيق استقالله‪ ،‬وعلى الرغم من ان‬ ‫هذا الشعور يبقى يف جمال الالوعي فان التطور‬ ‫العاطفي للفرد ال يؤثر يف تغري ما مت غرسه منذ‬ ‫بواكري الطفولة الن إسهام هذه املرحلة يف حتديد‬ ‫شيئا ً‬ ‫سلوكيته يبقى ً‬ ‫مهما يف التكوين العاطفي‬ ‫للشخصية وما عالقة الفرد بالقيادة إال ترمجة‬ ‫هلذه العالقة الالشعورية‪ ،‬وهذه املشاعر وكما‬ ‫يقول اريك فروم (تظهر السلوكية املتناقضة‬ ‫بالتمرد واخل��ض��وع باعتبار أن األب مصدر‬ ‫احلب واخلوف من خالل سلوكية األفراد اجتاه‬ ‫قادتهم)(‪ .)4‬إذن فالعامل النفسي له تأثري كبري‬ ‫على السلوك السياسي‪ ،‬فلقد ساعد علم النفس‬ ‫احلديث على معرفة الدوافع اليت حترك األفراد‬ ‫سياسيا وساعدت نظريات التحليل النفسي‬ ‫بشكل خاص على تفسري الكثري من الظواهر‬ ‫األساسية يف السياسية بل إن بعض الباحثني‬ ‫وألسباب إيديولوجية معروفة بالغوا يف التأكيد‬ ‫على أهمية العوامل النفسية يف تكوين املواقف‬ ‫واالجتاهات السياسية إىل حد اعتبار اإلحباطات‬ ‫النفسية ل��دى األف���راد تتحكم يف الصراعات‬ ‫الفردية أو اجلماعية‪ .‬ومن أهم العوامل املؤثرة‬ ‫يف علم النفس بالسلوك السياسي‪)5(:‬‬ ‫‪-1‬تأثري الطفولة املبكرة‪ :‬يرى بعض الباحثني‬ ‫وج��ود عالقة وثيقة بني النشئة املبكرة يف‬ ‫الوسط العائلي وبني النظام السياسي ذلك ان‬ ‫بنية السلطة يف العائلة ترتك أثرها على الطفل‬ ‫ً‬ ‫مستقبال‬ ‫من ناحية القيم واألدوار اليت تنعكس‬

‫على الوحدات االجتماعية والسياسية ‪.‬‬ ‫‪-2‬مبدأ اللذة واالحتياطات االجتماعية‪ :‬وهذا‬ ‫رأي عامل النفس الشهري (فرون ان) الذي يرى‬ ‫بأن حياة الطفل األوىل قائمة على طلب ذي‬ ‫حساسية يف جوهرها ومنتشرة يف كل تكوين‬ ‫ويشعها بإشكال خمتلفة‪ .‬ويكيف الطفل غرائزه‬ ‫ً‬ ‫تبعا للمحيط املؤثر عليه ولكن اللذة تبقى‬ ‫متأصلة لديه لذلك تدفعه اىل القيام بنشاطات‬ ‫اجتماعية وسياسية‪.‬‬ ‫‪-3‬نظرية غريزة املوت‪ :‬اذ يوجد يف كل إنسان‬ ‫ميالن‪:‬‬ ‫أ‪ -‬امليل األول ينطوي على أرادة احلياة وتتجه‬ ‫حنو البحث عن اللذة لديه وإشباعها‪.‬‬ ‫ب‪ -‬امليل الثاني ينطوي على الفناء على تدمري‬ ‫الذات حيث ما من خملوق يرضى باملوت لنفسه‬ ‫فأن اإلنسان ينقل إرادة تدمري ذاته إىل اآلخرين‪.‬‬ ‫‪-4‬التعويض نتيجة االحتياجات‪ :‬حياول الفرد‬ ‫ً‬ ‫متنفسا لطاقته املكبوتة يف جماالت‬ ‫أن جيد‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫‪ -5‬عقد أو دين‪ :‬يف السياسة لقد طبق فرون عقد‬ ‫األب (أو عقدة أوديب) على كل من صادفهم يف‬ ‫احلياة مبا يف ذلك الساسة وبالغ يف ذلك اىل حد‬ ‫اإلفراط فالثورات واحلروب األهلية واخلصومات‬ ‫احلزبية وحتى املذاهب السياسية كاالشرتاكية‬ ‫والشيوعية‪ ،‬فسرت على أنها مترد لسلطة األب‬ ‫أو عرضوا أن السلطة ذات صبغة أبوية وتقوم يف‬ ‫الشعور املرء على صورتي األب واألم‪.‬‬ ‫‪ -6‬الشخصية السلطوية لدى (ادورنو) وحسب‬ ‫ادورنو وزمالئه يف كتابهم املعنون (الشخصية‬ ‫السلطوية) فإن تلك الشخصية تتميز بانصياع‬ ‫ص��ارم وخضوع أعمى إىل القيم التقليدية يف‬ ‫‪153‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪154‬‬

‫اجملتمع والطاعة التامة للسلطات وبنظرة‬ ‫مقتضبة إىل ال��ع��امل األخ�لاق��ي واالجتماعي‬ ‫مقيمة أياه إىل طائفتني منفصلتني النفصال‬ ‫اخلري والشر‪ ،‬األسود واألبيض (األخيار واألشرار)‬ ‫عامل منظم يقوده األقوياء وما على الضعفاء‬ ‫سوى االنصياع والتبعية واخلضوع ‪.‬‬ ‫‪ -7‬الس��ول وتلكس‪ :‬الشخصية الدميقراطية‪/‬‬ ‫مقابل الشخصية السلطوية دفع بعض املؤلفني‬ ‫يف مفهوم الشخصية الدميقراطية باعتبارها‬ ‫خاصا ً‬ ‫ً‬ ‫أيضا كالشخصية السياسية إذ‬ ‫منوذجا‬ ‫أن الشخصية الدميقراطية تكون هي امليالة‬ ‫عندهم حنو التعاون مع اآلخرين اي ال��ود يف‬ ‫العالقات واملشاركة مع اآلخرين ‪.‬‬ ‫وميكن تقسيم السلوك السياسي لإلنسان اىل‬ ‫سلوك سياسي تنظيمي وهو السلوك السياسي‬ ‫الذي يلتزم به اإلنسان تلبية للقوانني واألنظمة‬ ‫والتعليمات والقرارات واألوامر مقابل مصاحل‬ ‫مادية ومعنوية ‪ .‬وسلوك سياسي غري تنظيمي‬ ‫وه��و السلوك ال��ذي يقوم ب��ه اإلن��س��ان طوعا‬ ‫ً‬ ‫حتقيقا لرغباته وأله���داف خاصة ب��ه‪ ،‬كأن‬ ‫يشارك يف ندوة سياسية او يشارك يف التصويت‬ ‫ً‬ ‫ملزما‬ ‫يف االنتخابات العامة من دون ان يكون‬ ‫بذلك‪ .‬لقد حتدثنا عن الوعي وتعريف الوعي‬ ‫السياسي يف الفصول السابقة (ضمن احلديث‬ ‫ً‬ ‫خاليا‬ ‫عن الوعي القومي)‪ ،‬حيث يولد اإلنسان‬ ‫من العمليات الذهنية والفكرية املعقدة وخالياً‬ ‫من املرتكزات األساسية لإلنسان كاملبادئ والقيم‬ ‫وغريها من األمور اليت تنظم احلياة اإلنسانية‬ ‫العامة أي االجتماعية والسياسية وغريها‪،‬‬ ‫يبدأ اإلنسان بالتعرف على بيئته والظروف‬ ‫واألح��داث احمليطة به ويكتسب شيئا فشيئا‬

‫الوعي ملا يدور حوله‪ ،‬وكل ما حيدث من األمور‬ ‫احلياتية العامة واخلاصة سوف يرتك أثرا يف‬ ‫ق��رارة فكر ونفس اإلن��س��ان‪ ،‬وم��ن املؤسسات‬ ‫األساسية املؤثرة يف هذا الوعي عند اإلنسان‪:‬‬ ‫ً‬ ‫اوال‪ :‬العائلة‪ ،‬إذ يساهم اخلطاب العائلي يف‬ ‫(توجيه وتكوين اهلوية‪ ،‬إذ حيدد موقع الطفل‬ ‫داخ��ل العائلة وخيطط ل��ه يف ال��وق��ت نفسه‬ ‫مستقبلة املنتظر من خالل اقرتاح صورة) هلذا‬ ‫املستقبل‪ )6(.‬وكما يقول زاليزنيك «ان ماضي‬ ‫ً‬ ‫عامال مهما يف تقرير سلوكه» (‪. )7‬‬ ‫الفرد يعد‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬تعد املدرسة فيعترب العامل الثاني يف‬ ‫التأثري على النشأة والوعي السياسي عند اإلنسان‬ ‫الن املدرسة هلا دور تربوي يف تقديم املعلومات‪،‬‬ ‫يعين ذل��ك ق��درة ه��ذه املؤسسة على تغيري‬ ‫وتعديل ما مت ترسيخه من أفكار وسلوكيات‬ ‫من قبل اجملتمع العائلي(‪ .)8‬وملناهج والكوادر‬ ‫املدرسية(املدرسني واألساتذة) أثر كبري حيث‬ ‫حيددان املفاهيم املدنية املهمة من اجل اكتساب‬ ‫الوعي السياسي الصحيح‪ ،‬وال��ك��ادر(امل��درس)‬ ‫هو جانب من الوسيلة لوصول هذه املفاهيم‪،‬‬ ‫فتخلف الكادر يؤثر على مستوى وعي الفرد يف‬ ‫املدرسة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثالثا‪ :‬اجلامعة‪ ،‬وه��ي من املؤسسات العالية‬ ‫التأثري وتقع عليها التزامات ومهام كثرية الن‬ ‫التعامل هنا يكون مع أف��راد مبستوى أعلى‬ ‫بسبب العمر وما حيملونه من وعي وجتارب يف‬ ‫العائلة واملدرسة‪ ،‬فاجلامعة هي أكثر املؤسسات‬ ‫اليت تتلقى االهتمام والرقابة السياسية ‪ .‬وتكمن‬ ‫أهمية املؤسسة التعليمية يف حاجة الفرد إىل‬ ‫املعرفة ومن هنا تولدت أهمية هذه املؤسسة‬ ‫يف نظر أيديولوجيات السلطة السياسية يف‬


‫استخدام هذه املؤسسة كوسيلة لتأطري الفرد أو‬ ‫لربطهم بها(‪.)9‬‬ ‫راب��ع ً��ا‪ :‬وق��د لعبت وسائل اإلع�لام من صحف‬ ‫ووس��ائ��ل ات��ص��االت اجل��م��اه�يري��ة م��ن صحف‬ ‫وجمالت ودور سينما و اإلذاعات وكتب يف بلورة‬ ‫اهلوية الشخصية للفرد‪ ،‬ولتأثري اإلعالم على‬ ‫الفرد يقول (بيري بادن) بان (أثر وقع االتصاالت‬ ‫اجلماهرية يذهب بشكل عام إىل تقوية وتصليب‬ ‫اآلراء امل��وج��ودة) وكذلك (برينارد بريلسون)‬ ‫و(ك���اري ستينيز) ب��ان (أج��ه��زة االت��ص��االت‬ ‫اجلماهرية وهي أكثر أهلية يف ًقولبة املواقف‬ ‫املوجودة للمواطنني يف أصالة خطابها بشكل‬ ‫حيادي او بشكل يتعارض مع مصاحل الظروف‬ ‫االجتماعية) (‪.)10‬‬ ‫ً‬ ‫خامسا‪ :‬األحزاب السياسية وتلعب هي األخرى‬ ‫دوراً ً‬ ‫مهما للفرد يف صياغة املفاهيم واألحداث‬ ‫ً‬ ‫سلبيا ألنها‬ ‫السياسية ويكون دورها يف الغالب‬ ‫ً‬ ‫مرتبطا مبصلحة‬ ‫جتعل ال��ف��رد يف ال��غ��ال��ب‬ ‫احلزب الذي ينتمي اليه‪ ،‬وكلما زادت األحزاب‬ ‫السياسية زادت معها الرؤى السياسية مما يرتك‬ ‫ً‬ ‫تأثرياً‬ ‫سلبيا على اجملتمع بسبب تشتت األفكار‬ ‫املختلفة؛ وعليه يصبح اكتساب الوعي السياسي‬ ‫ً‬ ‫تبعا الختالف األح��زاب واختالف اجملتمعات‬ ‫اليت تعمل فيها ولقد استخلص علماء االجتماع‬ ‫السياسي النقاط األربعة التالية حول العوامل‬ ‫الدافعة للمشاركة السياسية والعالقة اجلدلية‬ ‫بني درجة التحزب واملشاركة السياسية وهي‪.‬‬ ‫كلما اخنفضت درج��ة التحزب كلما اخنفضت‬ ‫درجة املشاركة السياسية‪.‬‬ ‫كلما زادت درج��ة االنضباط داخ��ل صفوف‬

‫احل��زب كلما زادت درج��ة املشاركة السياسية‬ ‫ألعضائه‪.‬‬ ‫كلما زاد التحصيل الدراسي للمواطن كلما زاد‬ ‫اهتمامه بالشؤون السياسية وكما زادت فرضية‬ ‫مشاركته يف احلياة السياسية‪ .‬ان اإلنسان يفكر‬ ‫سياسيا كما يفكر اجتماعيا وليس هنالك إنسان‬ ‫بالغ ويف كامل أهليته العقلية ال يهتم بالشؤون‬ ‫السياسية ً‬ ‫بتاتا ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عامال من‬ ‫وق��د تشكل ه��ذه املؤسسات نفسها‬ ‫عوامل إعاقة اكتساب الوعي بكل أشكاهلا اذا‬ ‫مل تقم مبهمات التنشئة السياسية‪ ،‬فكلما زادت‬ ‫نشاطات املؤسسات املؤثرة على الوعي يدرك‬ ‫امل��رء انه ام��ام مؤسسات دميقراطية‪ ،‬وهناك‬ ‫مؤسسات أخرى على العكس منها متتاز بكونها‬ ‫غري دميقراطية‪ ،‬وخاصة اجلانب السياسي‬ ‫منها فالدول غري الدميقراطية متنع حدوث‬ ‫الوعي السياسي لدى جمتمعاتها وتعمل وفق‬ ‫أيديولوجية مصلحية خاصة على العكس من‬ ‫الدول الدميقراطية‪ ،‬أما اجلماعات الضاغطة‬ ‫ً‬ ‫فهي تفرض ً‬ ‫معينا من السلوك السياسي‬ ‫منطا‬ ‫الكتساب وعي سياسي جتسد فيه مبتغاها يف‬ ‫التأثري املباشر او غري املباشر على احلكومات‪ ،‬مما‬ ‫يفرز ً‬ ‫نوعا من الوعي السياسي لإلفراد داخل‬ ‫وخ��ارج اجلماعات الضاغطة‪ ،‬وخيتلف تأثري‬ ‫اجلماعات الضاغطة حسب األنظمة واجملتمعات‪،‬‬ ‫ً‬ ‫واضحا ومؤثراً‬ ‫ففي الدول الدميقراطية يكون‬ ‫ً‬ ‫ضئيال ج��داً بل يكاد‬ ‫يف حني يكون تأثريها‬ ‫ً‬ ‫معدوما إذ تكون اجلماعات الضاغطة يف‬ ‫يكون‬ ‫الدول املتقدمة على شكل شركات او منظمات‬ ‫او مؤسسات إعالمية وما اىل ذلك‪ ،‬يف حني تكون‬ ‫الدول الشرقية ومنها الدول العربية حمصورة‬ ‫‪155‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪156‬‬

‫بيد رؤساء العشائر فقط إال انها ذات أهمية بالغة‬ ‫خاصة من حيث دورها وتأثريها على العمليات‬ ‫االنتخابية وصنع القرار السياسي‪ .‬وهنا ميكننا‬ ‫ان نؤكد مدى تأثري هذه املؤسسات على موضوع‬ ‫التنشئة اجلديدة الي جمتمع‪ ،‬ومن خالله ميكن‬ ‫لكل دولة ان حتصل على مستوى اجملتمع املراد‬ ‫له ان يكون ‪.‬‬ ‫فالقيم السياسية واليت حياول كل نظام سياسي‬ ‫تروجيها بني أبناء اجملتمع من اج��ل حتقيق‬ ‫االستقرار‪ ،‬منها قيم الوالء والطاعة للسلطات‬ ‫والقيم الوطنية واالل��ت��زام بالواجب‪ ،‬وهي‬ ‫إنتاج للثقافة السياسية السائدة كما ان القيم‬ ‫السياسية حتتوي على تصورات حضارية ملا هو‬ ‫مقبول وغري مقبول‪ ،‬كما انها وبصورة عامة‬ ‫تشمل مجيع فئات اجملتمع؛ وعليه فان “القيم‬ ‫السياسية كاحلرية واملساواة وحقوق االنسان‬ ‫وحقوق امل��رأة‪ ،‬وقيم سياسية اخرى مجيعها‬ ‫ض��روري لتحقيق االستقرار يف كل جمتمع‪،‬‬ ‫وهنا يأتي مدى دور وتأثري العائلة واملدرسة‬ ‫واجلامعة ووسائل االعالم واجلماعات الضاغطة‬ ‫لتقدم اجملتمعات وازدهارها‪ ،‬فكلما كانت القيم‬ ‫السياسية الزامية كانت املشاركة السياسية‬ ‫اكثر”(‪ .)11‬وهنا يأتي دور االنظمة السياسية‬ ‫يف العمل على ترويج القيم السياسية املعينة‬ ‫حسب ايديولوجية تلك االنظمة‪ ،‬لكي تعزز‬ ‫من دور األنظمة اليت تقوم برامج مؤسساتها‬ ‫التوعوية يف الرتكيز على القيم الوطنية واملهمة‬ ‫من اجل قيام جمتمع متقدم من حيث املشاركة‬ ‫السياسية وحسب رأي سيدني فريبا و نورمان‬ ‫ني فإن تلك (النشاطات اخلاصة للمواطنني‬ ‫اليت تهدف اىل التأثري على اختيار الشخصيات‬

‫احلكومية او على االعمال ال�تي يتخذونها)‪،‬‬ ‫ام��ا ماركريت كنوي وال�تي عرفت املشاركة‬ ‫السياسية على(إنها نشاطات املواطنني اليت‬ ‫تعرب عن حماولتهم بتأثري على أسس حكوماتهم‬ ‫او يف اختيار سلطات حكوماتهم أو سياسات‬ ‫حكوماتهم‪ ،‬وقد تذهب هذه النشاطات أما اىل‬ ‫دعم السياسات القائمة او السلطات املتواجدة‬ ‫او أسسها او تعمل على تغيري واح��د منها أو‬ ‫مجيعها) اما بالنسبة (لرسيل دالتون فان)‬ ‫للمشاركة السياسية وتعين تلك النشاطات‬ ‫اجلماعية للمحكومني اليت هلا قدرة على التأثري‬ ‫على عمل النظام السياسي» (‪. )12‬‬ ‫يف ال��واق��ع وق��د ارتبطت املشاركة السياسية‬ ‫بالدميقراطية ك��ون الدميقراطية تعطي‬ ‫املواطنني احل��ق يف املمارسة السياسية‪ ،‬ومل‬ ‫يتحصل ه���ذا احل���ق إال ب��ع��د ك��ف��اح مستمر‬ ‫للمواطنني من أجل احلرية ومن أجل ان يعرب‬ ‫كل واحد منهم عن رأيه بكل حرية بعيداً عن‬ ‫كل الضغوطات والتقيدات اي أن يتم ختفيف‬ ‫صالحيات السلطان يف أمة ما‪ ،‬وهذا يتم حسب‬ ‫ما ذهب اليه توكفيل «بوجود طريقتني‪:‬‬ ‫الطريقة االوىل‪ :‬تكمن يف إضعاف السلطان يف‬ ‫مبدئه‪ ،‬بالذات‪ ،‬عرب جتريد اجملتمع من حق‬ ‫او َ‬ ‫مل َكة الدفاع عن نفسه يف بعض األحوال‪ ،‬أن‬ ‫ً‬ ‫إمجاال‪ ،‬يسمى يف‬ ‫إضعاف السلطة على هذا النحو‪،‬‬ ‫أوربا إقامة احلرية على أسس راسخة ‪.‬‬ ‫الطريقة الثانية‪ :‬التخفيف من عمل السلطة‬ ‫وال يتحقق ذل��ك م��ن خ�لال جتريد اجملتمع‬ ‫من حقوقه بل يكمن يف توزيع حق استخدام‬ ‫القوة على اكثر من طرف واحد ويف زيادة عدد‬ ‫املوظفني ومنح كل منهم السلطة اليت حيتاج‬


‫اليها لتنفيذ ما يناط به‪ ،‬وهذا ما جيعل كل فعل‬ ‫بذاته حمدوداً واقل خطورة”(‪. )13‬‬ ‫إن فكرة احلقوق واحلريات األساسية تتضمن‪،‬‬ ‫احلق يف حرية الراي والتعبري‪ ،‬واحلق يف تكوين‬ ‫األحزاب السياسية ورفض حرمان بعضها من‬ ‫ً‬ ‫تعسفا‪ ،‬وكذلك رفض استئثار احلزب‬ ‫الرتشيح‬ ‫الواحد بالصفة الدستورية‪ ،‬واحلق يف حرية‬ ‫االعتقاد‪ ،‬واحلق يف حرية االجتماع‪ ،‬وسيادة‬ ‫القانون ورفض االعتقاالت غري املشروعة(‪.)14‬‬ ‫وم��ن اج��ل تفعيل ه��ذه احلرية وجعلها ام��راً‬ ‫وواقعا ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حيا َف َعاال‪ ،‬جيب توفري السبل‬ ‫ملزما‬ ‫واألليات لذلك‪ ،‬اي ان املمارسة السياسية حتتاج‬ ‫اىل تنظيمات سياسية مهنية تعمل من اجل‬ ‫توعية املواطنني سياسيا لغرض تأهيلهم‬ ‫للمشاركة السياسية‪ ،‬ومن باب ارتباط احلرية‬ ‫باحلق‪ ،‬فإن املشاركة السياسية ميكن ان يكون هلا‬ ‫وجهان‪:‬‬ ‫األول‪ :‬املشاركة التقليدية واملعروفة باملشاركة‬ ‫يف عملية االنتخابات وك��ل ما ينطوي حتت‬ ‫مفهومها من مشاركة يف النقاشات الدائرة حول‬ ‫االنتخابات واالجتماعات املتعلقة بها ‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬ويتمثل يف املشاركة غري التقليدية‬ ‫وامل��ق��ص��ود بها ح��ق امل��واط��ن يف مم��ارس��ة كل‬ ‫ال��ن��ش��اط��ات الشرعية ال�تي ميكن ان يلجئ‬ ‫اليها الفرد او مع اجملموعة للتعبري عن رأيها‬ ‫كالتظاهر واحتالل مواقع معينة واإلضراب‪،‬‬ ‫ويكون الغرض من هذا التصرف الضغط على‬ ‫السلطات السياسية لتحقيق املطالب ينظر اليها‬ ‫الفرد واجملموعة بأنها حيوية لوجودها (‪.)15‬‬ ‫ان املشاركة السياسية وعلى الرغم من كونها‬ ‫شرعيا فهي ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ايضا قوة ومساندة لشرعنة‬ ‫حقا‬

‫احلكومة املنتخبة مبعنى أنه من دون املشاركة‬ ‫السياسية للمواطنني ال ميكن ان نعرتف بشرعية‬ ‫ً‬ ‫دميقراطيا‪،‬‬ ‫احلكومة‪ ،‬هذا يف الدول املتقدمة‬ ‫وليس يف ال��دول املستبدة الديكتاتورية‪ ،‬الن‬ ‫ارتباط املشاركة هو ارتباط حياتي‪ ،‬اي اذا مت‬ ‫الغاء أحدهما فال يبقى أهمية لآلخر ويصبح‬ ‫يف ع��داد املوتى ‪ .‬وخي��رج االم��ر من أساسياته‬ ‫ومفهومه املعروف وهو الدميقراطية هو حكم‬ ‫الشعب لنفسه ‪.‬‬ ‫وعليه فالسلوك االنتخابي هو‪ »:‬تعبري ومتثيل‬ ‫حي للمشاركة السياسية وتتوفر فيه صفة‬ ‫اجلماعة النه سلوك مجاعي أحصائي»(‪.)16‬‬ ‫حيث ميكن للمرء من خالل حتليله أن يتعرف‬ ‫على أسس الناخبني ملختلف األحزاب وانتشار‬ ‫هذه االحزاب داخل هذه اجملموعات االحصائية‬ ‫املختلفة‪ ،‬ومن ثم ميكننا ان نفهم الصراع القائم‬ ‫بني هذه اجملموعات ودوافعها يف هذه املشاركة‬ ‫هلذا السبب‪ ،‬فاالنتخابات تعترب حسب ريشارد‬ ‫روز(ظاهرة متعددة اجلوانب وبعبارة اخرى‬ ‫ً‬ ‫متثيال‬ ‫فهي معقده اكثر مما هي جمرد تعد‬ ‫إلختيارات الفرد املفضلة لألحزاب‪ ،‬وهي تعكس‬ ‫مجلة من التأثريات الكبرية املمارسة على الفرد)‪،‬‬ ‫وإذا امكن التعرف على طبيعة هذه التأثريات‬ ‫فسوف يفهم طبيعة اخلريطة السياسية داخل‬ ‫اجملتمع وقواعد اللعبة السياسية‪ ،‬وكما «يقول‬ ‫كل من جان ماري كوتري و كلود يري‪ ،‬إن النظام‬ ‫اإلنتخابي حيدد نظام األحزاب السياسية والذي‬ ‫بدوره يقولب طبيعة النظام القائم» (‪.)17‬‬ ‫وتلعب االح��زاب دوراً ً‬ ‫مهما يف تفعيل وزيادة‬ ‫مستوى امل��ش��ارك��ة السياسية يف ظ��ل النظم‬ ‫احلزبية التنافسية‪ ،‬فهي تقوم بالعديد من‬ ‫‪157‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪158‬‬

‫الوظائف على رأسها ‪.‬‬ ‫تسمية املرشحني للوظائف العامة‪ ،‬وتعد عملية‬ ‫الرتشيح من أب��رز مراحل اختيار املوظفني‬ ‫العموميني يف الدولة‪ ،‬ومما يؤكد ذلك جتارب‬ ‫ال��دول الدميقراطية الغربية حبيث تشري اىل‬ ‫أن األح��زاب السياسية هي اليت حتتكر عملية‬ ‫الرتشيح يف االنتخابات العامة ‪.‬‬ ‫الدعاية االنتخابية‪ ،‬وه��ي عملية التمويل‬ ‫وادارة احلمالت االنتخابية والغاية منها ضمان‬ ‫انتخاب املرشح املعني‪ ،‬وتسهيل عملية االتصال‬ ‫املباشر بني الناخبني واملرشحني‪ ،‬وهذا يتم عن‬ ‫طريق(الندوات‪ ،‬واملتطوعني خلدمة املرشحني‪،‬‬ ‫والقيام بالدعاية االنتخابية املستمرة) ‪.‬‬ ‫‪ -3‬تطوير الوعي السياسي للناخبني‪ ،‬وتقوم‬ ‫كما يقول(دوفرجيه) على تأطري ايديولوجي‬ ‫للناخبني وال يستطيع اي حزب ان ينجح يف‬ ‫هذه العملية اذا مل يعرب عن املشاعر واألماني‬ ‫والطموحات واألفكار املوجودة لدى فئة معينة‬ ‫من املواطنني ‪.‬‬ ‫البند الثاني‪ :‬أه��م م���دارس تفسري السلوك‬ ‫االنتخابي‬ ‫هنالك مدرستان(‪ )18‬تتناوالن هذا‪:‬‬ ‫االوىل‪ :‬املدرسة الفرنسية‪ ،‬بدأت يف عام ‪ 1913‬مع‬ ‫(سيجفريد) الذي ركز على العامل اجلغرايف‬ ‫وال��ت��ارخي��ي يف تفسري ال��ظ��اه��رة السياسية‬ ‫لالنتخابات وتسميتها بالبيئة االنتخابية ‪.‬‬ ‫ال��ث��ان��ي��ة‪ :‬ف��ه��ي أجنلوسكسونية وه���ي ال�تي‬ ‫ركزت جل اهتماماتها على العاملني النفسي‬ ‫واإلجتماعي يف تفسري السلوك اإلنتخابي ‪.‬‬

‫املدرسة االنتخابية الفرنسية‬ ‫«تركزت هذه املدرسة يف حتليالتها على العالقة‬ ‫القائمة بني االنسان والبيئة اليت يعيش فيها‪،‬‬ ‫فهي ال تأخذ بعني اإلعتبار التأثريات البيئية‬ ‫على ال��س��ل��وك اإلج��ت��م��اع��ي للفرد فقط بل‬ ‫تبحث ً‬ ‫ايضا يف املعلومات اجلغرافية للوحدات‬ ‫اإلقليمية واجل��ه��وي��ة‪ ،‬فما ه��و تأثري العامل‬ ‫اجلغرايف على السلوك السياسي واالنتخابي‬ ‫باخلصوص؟ وحسب هذه املدرسة فان الرقعة‬ ‫اجلغرافية للمجتمع وطبيعتها حتدد وتقولب‬ ‫سلوكية ال��ف��رد‪ ،‬فصعوبة احلياة يف املناطق‬ ‫اجلبلية ً‬ ‫مثال ووع��ورة طرق املواصالت‪ ،‬تقود‬ ‫اىل انعزالية الوحدات اإلجتماعية اليت تضفي‬ ‫على اجملموعات السكانية املقيمة فيها صورة‬ ‫اجملموعات احملافظة على تكوينها الثقايف‪،‬‬ ‫ويفسر هذا اإلنعزال بتقلص اإلتصال اجلماعي‬ ‫للمجموعة مع العامل اخلارجي حيث يتحدد‬ ‫اتصاهلا جبماعات األصدقاء واالقارب املتواجدين‬ ‫على الرقعة اجلغرافية نفسها‪ ،‬ومن نتائج هذا‬ ‫االنعزال سيطرة الروح احملافظة على السلوك‬ ‫السياسي» (‪ . )19‬فكيف تفسر هذه الوضعية ؟ ‪.‬‬ ‫ميكن القول بان هذه الظاهرة ما هي إال نتيجة‬ ‫لعدم قدرة األفكار السياسية اجلديدة اإلنتشار‬ ‫والدخول يف صراع يف هذه املناطق مع االفكار‬ ‫السياسية السائدة‪ ،‬ويعود سبب ذلك اىل غياب‬ ‫االت��ص��ال اإلجتماعي اخل��ارج��ي ب�ين األف��راد‬ ‫وصعوبة تأثري االفكار اخلارجية عليها وهذا ما‬ ‫يفسر فوز املرشحني الذين تنحدر أصوهلم من‬ ‫هذه البيئة على حساب املرشحني املنحدرين‬ ‫من خارج هذه املناطق واملمثلني ألفكار سياسية‬ ‫جديدة‪ .‬ولكن القول بتأثري البيئة الطبيعية‬


‫على خلق السلوكية السياسية احملافظة فيه‬ ‫شيء من املبالغة‪ ،‬الن إعطاء البطاقة السياسية‬ ‫جملموعات خمتلفة حسب اإلختالف اجلغرايف‪،‬‬ ‫يعين طبع ه��ذه اجمل��م��وع��ات بهذه البطاقة‬ ‫وبصفة دائمة وغ�ير قابلة للتغيري‪ ،‬يف حني‬ ‫يثبت الواقع وعلى الرغم من أهمية العامل‬ ‫اجلغرايف بأن هنالك اجتاهات جديدة وخمتلفة‬ ‫عن اإلجتاهات السائدة جتد هلا بعض الصدى‬ ‫داخ��ل هذه املناطق وجتد هلا ارضية خصبة‬ ‫لإلنتشار فكيف ميكن تفسري ذلك ؟‬ ‫ميكن تفسري هذا اإلنتشار يف «رب��ط التكوين‬ ‫اإلجتماعي واإلقتصادي بالعامل اجلغرايف إذ‬ ‫يرجع (ج��ورج الن��و) سبب هذه الظاهرة اىل‬ ‫اخلصوصية السياسية لألقليم وليس اىل السكان‬ ‫حيث يستمر اإلقليم يف احملافظة على الروح‬ ‫السياسية على الرغم من تبدل األفراد وتبدل‬ ‫صفاتهم اإلجتماعية»(‪ )20‬فالثقافة املرتسخة يف‬ ‫هذا الوسط متارس تاثرياتها عرب القيم والعادات‬ ‫اليت يتمسك بها االفراد ويتبنونها فالسمعة اليت‬ ‫تتمتع بها املنطقة اجلغرايف اصبحت جزءاً من‬ ‫تاريخ حياة اجملتمع وبالتالي فكل سكان هذه‬ ‫املنظقة يتأثرون بهذا التاريخ ‪ -‬وعلى الرغم‬ ‫من تنوع ارضيتهم االجتماعية واالقتصادية –‬ ‫بسبب عمليات التنشأة السياسية اليت تستند يف‬ ‫ترسيخ جذورها على دور املنطقة يف السياسي‬ ‫يف حلظة زمنية معينة‪ .‬اال أنه جيب التاكيد هنا‬ ‫ً‬ ‫أيضا على ان هذا التاثري بدأ يفقد اشعاعاته‬ ‫بسبب تدخل تأثريات الثورة التكنولوجية‬ ‫واملعلوماتية يف اجملتمع وقدرتها على صياغة‬ ‫السلوك السياسي على منط خمالف للمتعارف‬ ‫عليه‪.‬‬

‫‪ -2‬املدرسة االنتخابية األنكلوسكسونية‬ ‫ت��ؤك��د ه���ذه امل��درس��ة ع��ل��ى ع��ام��ل اإلن��ت��م��اء‬ ‫اإلجتماعي والنفسي‪ ،‬فهي تعتمد يف حبثها على‬ ‫دراس��ات ال��رأي العام‪ ،‬من خ�لال أخ��ذ عينات‬ ‫خمتلفة وإق��ام��ة املقابالت ب��ص��ورة مباشرة‬ ‫للتعرف على دوافع مشاركة الفرد السياسية‪،‬‬ ‫فهذه املدرسة ترى ان اإلنتماء الفرد اإلجتماعي‬ ‫له تأثري كبري على سلوكيته اإلنتخابية‪ ،‬ويدخل‬ ‫يف نطاق هذا اإلنتماء‪ ،‬إنتماء الفرد اىل املنظمات‬ ‫اإلجتماعية اإلقتصادية‪ ،‬مثل انتماء الفرد اىل‬ ‫النقابة‪ ،‬وكذلك انتماؤه اىل اجملموعات األولية‬ ‫او االساسية ال�تي تتصف بعالقاتها الدائمة‬ ‫وامل��ب��اش��رة كإنتماء ال��ف��رد اىل العائلة او اىل‬ ‫جمموعة العمل‪ ،‬يضاف اىل ذلك ان هذه املدرسة‬ ‫تأخذ بعني االعتبار دور اجلنس(مرأة أو رجل)‬ ‫وتعطيه دوراً كبرياً يف التأثري على السلوكية‬ ‫االنتخابية(‪.)21‬‬ ‫بالنسبة اىل تأثري العامل النفسي فرتكز هذه‬ ‫املدرسة على الصفات الشخصية للفرد وتأثريها‬ ‫على السلوك االنتخابي‪ ،‬وعلى سبيل املثال‪:‬‬ ‫يكون البحث على مدى االنفتاح الفكري للفرد‬ ‫وثقته ب��ن��ف��س��ه‪...‬اخل‪ ،‬م��ن االم���ور املرتبطة‬ ‫بالصفات الشخصية‪ ،‬وال تقف ه��ذه املدرسة‬ ‫عند ح��د دراس���ة الصفات الشخصية للفرد‬ ‫فحسب وامن��ا تتجاوزه اىل البحث عن السبب‬ ‫الذي يدفع بالفرد اىل املشاركة السياسية وكيف‬ ‫يفسر تفضيله حلزب ما على آخر‪( .‬ويبدو ان‬ ‫هذا التفضيل يعتمد على جمموعة من العوامل‬ ‫حيددها لنا كل من (نلسون بولسيب وآرون‬ ‫ويلداورسكي) بالقول التالي (إن الناخب وهو‬ ‫يعيش يف حمتوى اجتماعي مع والديه يتلقى‬ ‫‪159‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪160‬‬

‫منهم هوية إجتماعية تتضمن بداخلها حمتوى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مجهوريا‬ ‫دميقراطيا او‬ ‫سياسيا‪ ،‬فالفرد يكون‬ ‫ً‬ ‫مثال اذا كانت عائلته وعالقاتها تتصف بهذه‬ ‫الصفة‪ ،‬وهكذا فكل فرد حياول ان يتقاسم مع‬ ‫أصدقائه ومع عائلته بعض الصفات احملددة‬ ‫مثل الدخل ودرج��ة التعليم واالمي��ان الديين‬ ‫ومكان السكن واخل‪ .‬فانه حياول ان يتقاسم معهم‬ ‫ً‬ ‫حزب ما) (‪. )22‬‬ ‫ايضال اإلنتماء اىل ٍ‬ ‫وقد تتغري بعض الصفات النفسية للفرد يف‬ ‫أزمان خمتلفة‪ ،‬فطاملا كان االنسان يتفاعل مع‬ ‫الطبيعة احمليطة به فإن هنالك امكانية تأثر‬ ‫حالته النفسية(العامل النفسي) بها وبالتالي‬ ‫يتأثر سلوكه االنتخابي‪ ،‬وال يعين هذا إلغاء‬ ‫تأثري الصفات الشخصية‪ ،‬ولكن هذه الصفات‬ ‫حسب اعتقادي جيب أخذها بنظر االعتبار مع‬ ‫عامل الزمن ومعطياته‪ .‬والسؤال املطروح هنا‬ ‫هو كيف يتجسد تأثري املدرستني املذكورتني‬ ‫يف عمل االح��زاب السياسية؟ ولالجابة على‬ ‫هذا التساؤل البد من تطرق موضوع الثقافة‬ ‫السياسية القائمة يف اجملتمع واليت من خالهلا‬ ‫ميكن التعرف على حالة السلوك السياسي يف‬ ‫لالحزاب‪.‬‬ ‫البند الثالث‪ :‬الثقافة السياسية والسلوك‬ ‫السياسي‬ ‫«الثقافة يف اللغة م��ن ثقف الشئ إذا لقفه‬ ‫ال��ق��اف��ة»(‪ .)23‬ت�� ّع��رف الثقافة يف القاموس‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫احمليط‪ ،‬ثقف ً‬ ‫خفيفا‬ ‫حاذقا‬ ‫ثقفا وثقافة‪ ،‬صار‬ ‫ً‬ ‫َفط ِن ًا‪َّ ،‬‬ ‫تثقيفا َّ‬ ‫سواه‪ ،‬وهي تعين تثقيف‬ ‫وثقفه‬ ‫الرمح‪ ،‬أي تسويته وتقوميه‪ ،‬أي أن الثقافة هي‬ ‫داللة على الرقي الفكري واألدبي واالجتماعي‬

‫لألفراد واجلماعات‪ ،‬والثقافة ليست جمموعة‬ ‫من األفكار فحسب‪ ،‬ولكنها نظرية يف السلوك‬ ‫طريقا للحياة إمج ً‬ ‫ً‬ ‫��اال‪ ،‬ومبا يتمثل فيه‬ ‫ترسم‬ ‫الطابع ال��ع��ام ال��ذي ينطبع عليه شعب من‬ ‫ً‬ ‫اصطالحا‪ :‬هي اإلملام بالعلوم‬ ‫الشعوب‪“ .‬والثقافة‬ ‫خل�برات‪ ،‬وهي كما يسميها بعظهم‬ ‫و االخبار وا ِ‬ ‫معرفة شئ عن كل شئ” (‪ .)24‬وهي الوجوه‬ ‫املميزة ملقومات األمة اليت يتميز بها عن غريها‬ ‫من اجلماعات مبا تقوم به من العقائد والقيم‬ ‫واللغة واملبادئ‪ ،‬والسلوك واملقدسات والقوانني‬ ‫والتجارب ويعرف التاريخ اإلنساني الثقافة‬ ‫اليونانية‪ ،‬والثقافة الرومانية ‪....‬اخل‪.‬‬ ‫أن االهتمام الكبري واحل��رص الواضح اللذين‬ ‫يبديهما اجملتمع الكوردي ازاء ما جيري على‬ ‫املشهد‪ ‬السياسي من متغريات‪ ،‬هو وليد تصور‬ ‫بان كل ماجيري على ارض الواقع بعد ‪ 1991‬هو‬ ‫أمر جديد وأن العملية االنتخابية هي ثقافة‬ ‫جديده ومهمة جداً‪ ،‬فاالنتخابات حدث وطين‬ ‫وحيوي يبادر فيه ماليني املواطنني ً‬ ‫عادة اىل‬ ‫اإلدالء بأصواتهم لصاحل مئات املرشحني وعد ٍد‬ ‫من االح���زاب‪ ،‬ويتوىل بعدها آالف املوظفني‬ ‫احلكوميني َّ‬ ‫عد األصوات وفرزها‪ .‬فاالنتخابات‬ ‫تعد مفردة ثقافية جديدة‪ ،‬تبلورت لتضاف‬ ‫اىل مفردات وتقاليد الثقافة الكوردستانية‬ ‫املعروفة وهي بال شك أبرز مفرداتها الغائبة‬ ‫ً‬ ‫وثقال ‪.‬‬ ‫أهمية‪ ‬‬ ‫تبدأ ثقافة االنتخاب يف اجملتمع الكوردي بدءاً‬ ‫من األس��رة‪ ،‬فاالنتخاب سلوك حيتاج اىل وعي‬ ‫وح��ري��ة‪ ،‬وتعترب االس���رة ه��ي اس��اس تكوين‬ ‫املقومات الذاتية واكتساب الوعي‪ ،‬أي أن االسرة‬ ‫هي بداية تنشئة الفرد أي أن الفرد يعرف من‬


‫داخل اسرته ان كان حراً ويشارك يف إبداء الرأي‪،‬‬ ‫وبعدها يتم صقل ذلك بالتدريج عن طريق‬ ‫التأثريات اخلارجية خارج حدود االسرة‪ ،‬عن‬ ‫طريق اخلربة والدراسة‪ ،‬فالدراسة ابتدا ًء من‬ ‫ً‬ ‫وصوال اىل اعلى املراحل تعد‬ ‫املرحلة االبتدائية‬ ‫ً‬ ‫جماال ً‬ ‫مهما يف امتام التنشئة والوعي‪ ،‬ومن ثم‬ ‫يرتقي الفرد اىل مستوى ميكنه معرفة االجيابي‬ ‫والسليب يف اختياراته وحسب قناعاته الشخصية‬ ‫كثقافة موروثة تقوم كل من األسرة واجملتمع‬ ‫برتسيخها يف نفسية األفراد واجلماعات‪ .‬وتقوم‬ ‫مهمة إحداث التوافق بني االجهزة املسؤولة يف‬ ‫عملية التنشئة وتطلعاتها حنو اعطاء احلق‬ ‫للفرد يف التعبري عن آرائه ‪.‬‬ ‫تتبلور عند الفرد الثقافة االنتخابية احلرة‬ ‫عندما يكون أس��اس نشأته يف داخ��ل األس��رة‬ ‫وممارسة حقه يف االختيار وكذلك خارج اسرته‬ ‫يف األمور اليت ختص مستقبله األمين االجتماعي‬ ‫السياسي واالقتصادي أي أن “الرأي العام يتأثر يف‬ ‫تكوينه بعوامل تتعدى احلساب الرشيد للقضايا‬ ‫كتأثري العائلة والتعليم”(‪ ،)25‬مبعنى أن هناك‬ ‫قوتني مؤثرتني االوىل‪ :‬القوة داخل االسرة(رب‬ ‫االس���رة او ال��رج��ل يف اجملتمعات املتخلفة)‬ ‫والثانية‪ :‬القوة خارج األسرة(السلطة احلكومة)‪،‬‬ ‫فإذا كانت تلك القوتني معا تشجعان الفرد على‬ ‫حق االختيار تصبح كالعادة يف الفرد وتتحول‬ ‫اىل عرف لديه ومن ثم اىل ثقافة االنتخاب او‬ ‫االختيار‪ .‬مبعنى آخر إن اساس ثقافة االنتخاب‬ ‫ض��رورة‪ ،‬وبدونها اليستطيع الفرد ان ميارس‬ ‫هذه الثقافة او قد ال يعرفها بسبب عدم امكانية‬ ‫ممارستها لعدم وجود احلرية‪ ،‬وقد سبق لفولتري‬ ‫ان أكد على هذه احلرية «ان يكون املرء حرا وان‬

‫يكون مساويا للجميع فتلك هي احلياة احلقة‪،‬‬ ‫حياة االنسان الطبيعية وكل حياة أخرى التعدو‬ ‫كونها خدعة حقرية‪ ،‬وملهاة رديئة يؤدي فيها‬ ‫أحدهم دور السيد واآلخر دور العبد» (‪.)26‬‬ ‫وعليه فحرية الفرد تساهم يف التأكيد على‬ ‫دور الثقافة الن الثقافة ختلق االنسان كما خيلق‬ ‫االنسان ثقافته يف زيادة وعيه وإدراكه مبجريات‬ ‫األم��ور السياسية‪ ،‬كما يقول مونتسكيو (إن‬ ‫احلرية تتمثل يف ممارسة االنسان إلرادت��ه)‪،‬‬ ‫مبعنى أن احلرية السياسية لديه (المتثل أبداً يف‬ ‫عمل ما يرغب املرء يف القيام به‪ ،‬ففي الدول او‬ ‫اجملتمع‪ ،‬حيث توجد قوانني المتثل احلرية‪ ،‬إال‬ ‫يف القدرة على ما ينبغي على املرء ان يرغب يف‬ ‫عمله‪ ،‬وان اليكون ابدا مكرها على عمل ما ال‬ ‫ينبغي على املرء ان يرغب يف عمله‪ ،‬ينبغي ان‬ ‫يكون ماثال يف الذهن‪ ،‬ما الذي ميكن ان يكونه‬ ‫االستقالل‪ ،‬وما الذي ميكن ان تكونه احلرية‪،‬‬ ‫بل ان احلرية هي احلق يف عمل كل ما تسمح به‬ ‫القوانني»(‪ .)27‬فاحلرية بالنسبة له هي ممارسة‬ ‫لإلرادة اليت جتسدها قوانني كل دولة ‪.‬‬ ‫فيما خيص الوضعية السياسية يف كوردستان فإن‬ ‫ثقافة االنتخابات ال تقتصر مسؤوليتها على بناء‬ ‫ذلك التصميم‪ ‬والعزم الوطين يف اختيار الناس‬ ‫ملرشحيهم املقبلني‪ ‬فحسب‪ ،‬بل تتعدى ذلك اىل‬ ‫رسم رؤية اسرتاتيجية بعيدة املدى ملا سيكون‬ ‫عليه مسار الدميقراطية و خماضها العسرية ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مستقبال زاه��راً ورفاهية للشعب‬ ‫وكي نضمن‬ ‫وحتقيق الدميقراطية‪ ،‬جيب ان نبحث عن‬ ‫النوعية وليس الكمية بالنسبة للناخبني‪ ،‬فما‬ ‫فائدة العدد الكبري من دون أن تكون لديهم‬ ‫ثقافة انتخابية‪ ،‬اي اننا حنتاج اىل مجاهري‬ ‫‪161‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪162‬‬

‫واعية للعملية االنتخابية‪ ،‬مبعنى آخر إن كل‬ ‫فرد جيب ان يعرف مدى أهمية صوته ً‬ ‫فضال عن‬ ‫ضرورة تكوين وعي ثقايف مبا هو مقبل عليه‬ ‫ومسؤوليته يف رسم املستقبل السياسي لبلده‪ ،‬او‬ ‫مستقبل مؤسسته على صعيد مؤسسات اجملتمع‬ ‫املدني؛ وعليه فالبد من وضع خطط لتثقيف‬ ‫الناخب حبقه يف التصويت وعدم تغييب أسس‬ ‫استحقاقه‪ ،‬ووعيه السياسي‪ ،‬إن اهمية خلق‬ ‫الوعي بهذا احلق هو يف املقام األول مسؤولية‬ ‫اجلهة املعنية للوصول للناخب وايضاح اهمية‬ ‫اختيار موفق‪،‬‬ ‫مشاركته لتحسني خدمته عرب‬ ‫ٍ‬ ‫ان جل��ان االنتخابات تقوم بذلك وق��د تقوم‬ ‫بتقديم نوع ما من االعالن هنا او هناك لكنه‬ ‫ال يرقى اىل املستوى املطلوب‪ ،‬وقد يكون هذا‬ ‫االع�لان مؤثراً نوعا ما على تشجيع الناخب‬ ‫على اجملئ لإلدالء بصوت ليس أكثر‪ ،‬وهنا تظهر‬ ‫اهمية تثقيف اجلماهري وتشجيعها على اعطاء‬ ‫صورة حقيقية عن كيفية االختيار وان يتم‬ ‫تسخري املؤسسات من اجل ذل��ك؛ وعليه ياتي‬ ‫دور املثقف الكوردي يف توعية اجلماهري الناخبة‬ ‫وأرى انه جيب إشاعة ثقافة االنتخابات بني‬ ‫الناخبني من أجل اإلختيار الصائب‪ .‬وميكن‬ ‫الفرق بني املثقف الكوردي وغري املثقف“ هو‬ ‫يف طبيعة ال��دور الذي يتطلب منه القيام به‬ ‫والذي ياتي كنتيجة طبيعية عن واقع معني‬ ‫وظ���روف حم���ددة ذات خصوصية ملموسة‬ ‫للواقع امل��ع�ني“(‪ .)28‬ويقع موقع املثقف بني‬ ‫االح��زاب السياسية واجلماهري املثقفة‪ ،‬حيث‬ ‫ميكن عدها الالعب الوسيط املؤثر اجيابا او‬ ‫سلبا من خالل تعريف ونقد االحزاب بصورة‬ ‫شفافة وحمايدة وبناءة وموضوعية للجماهري‬

‫الناخبة‪ ،‬فدور املثقف مهم جدا لربط مصريه‬ ‫باملصري التارخيي لشعبه بالوقوف معه والدفاع‬ ‫عن حقوقه ومصاحله‪ ،‬وهو املسؤول عن الوعي؛‬ ‫وعليه يفرتض ان يكون املثقف يف صحوة ثقافية‬ ‫ومعرفية قادرة على اخلوض يف جتربة التغيري‬ ‫والتطوير ف��دور التثقيفي والتوعوي اليقل‬ ‫اهمية عن الدور السياسي التوجيهي بل وقد‬ ‫يزيد عليه وخباصة يف بعض املراحل التارخيية‬ ‫اهلامة‪ ،‬وليس كل من ادعى أنه مثقف كان كذلك‬ ‫كما جند اليوم يف كثري من املظاهر وإمنا املثقف‬ ‫هو ذلك الذي ميتلك االدوات املعرفية والثقافية‬ ‫ال��ق��ادرة على التأثري االجيابي على اجلماهري‬ ‫وخاصة الناخبة منها باجتاه االرتقاء حبالة‬ ‫الوعي الراهن اىل الوعي املستقبلي املنشود‪ ،‬وعلى‬ ‫املثقف ان ال خيضع لتأثري االحزاب او املرشحني‬ ‫عليه‪ ،‬قد يكون هنالك اخنراط لبعض املثقفني‬ ‫يف االح���زاب ومم��ارس��ة دوره��م الثقايف ضمن‬ ‫املؤسسة احلزبية اليت ينتمون اليها‪ ،‬إذ اصبحت‬ ‫ثقافتهم مصبوغة فغابت عنه البلورة الثقافية‪،‬‬ ‫وحيصل هذا يف الغالب بسبب هيمنة احلزب‬ ‫السياسي عليهم‪ ،‬وعليها فإن حترير املثقف من‬ ‫هذه اهليمنة اصبح االم��ر معاكس اي هيمنة‬ ‫املثقف على السياسي‪ ،‬واحملافظة على طابعها‬ ‫النقدي والتنويري للواقع االجتماعي واستمرار‬ ‫يف الكشف عن مكامن اخللل واخلطأ ومواقع‬ ‫الثغرات ونقاط الضعف يف اجملتمع وهي تفتح‬ ‫ام��ام السياسة ال��دروب احلضارية والنهضوية‬ ‫وتسجل هلا فتوحات يف املعرفة وحتديد املسار‬ ‫السليم لتحريك الواقع االجتماعي باجتاه تقدم‬ ‫الشعب وتطويره وازدهاره» (‪. )29‬‬ ‫«ان دور املثقف يف الوقت احلالي ليس مبستوى‬


‫الطموح؛ وعليه تقع مسؤولية غياب فكر‬ ‫كوردي معاصر ً‬ ‫فضال عن الظروف االجتماعية‬ ‫االق��ت��ص��ادي��ة ال��ت��ارخي��ي��ة وال��ظ��رف الثقايف‬ ‫والسياسي(‪ ،)30‬ان اخنراط املثقف يف التنظيمات‬ ‫احلزبية يف مرحلة ملحة وم�بررة‪ ،‬افرز لباسا‬ ‫سياسيا قوميا وغاب معه كنتيجة حتمية البعد‬ ‫املعريف االسرتاتيجي عن ساحة النضال واختلفت‬ ‫الشعارات وتناقضت املقوالت وارتبكت الربامج‬ ‫وتغريت كثريا من ح��االت متشددة اىل حاالت‬ ‫مرتاخية م��ع حركة ال��زم��ن وال��ت��اري��خ‪ ،‬وقد‬ ‫أثرت هذه احلالة كثرياً يف غياب فكر كوردي‬ ‫اسرتاتيجي يرسم معامل النضال املستقبلي‬ ‫وحيدد اهداف الكورد ويبني رسالتهم احلضارية‬ ‫يف املنطقة‪ ،‬وعليه فإن من الضرورة مبكان بناء‬ ‫مؤسسات ثقافية تعتمد على املثقفني والكوادر‬ ‫االكادميية من اجل الدراسة والتوعية السياسية‬ ‫واالجتماعية واالقتصادية‪.‬‬ ‫ان املنظمات املدنية واجلمعيات الصحفية‬ ‫و االح���زاب السياسية وغريها من املنظمات‬ ‫تفرض ان تقدم املساعدة من اجل تواصل بني‬ ‫املتنافسني من االح��زاب واجلماهري الناخبة‬ ‫(امل��ق�ترع�ين) وذل���ك م��ن خ�لال نقل رسائل‬ ‫عرب الوسائل االعالمية هذا مع ضمان ابالغ‬ ‫املواطنني باملعلومات املطلوبة سعيا حنو اختاذ‬ ‫اخليارات السياسية الواعية‪ ،‬وإن مساعي كل‬ ‫هؤالء وخاصة االعالمية منها هي جهود تتخللها‬ ‫متاعب مجة وخماطر كبرية من خالل القيام‬ ‫بهذه النشاطات‪ .‬فالكل يتحدث عن الثقافة‬ ‫ً‬ ‫حديثا سطحيا‪ ،‬دون أن‬ ‫وعن الذاتية الثقافية‬ ‫ً‬ ‫ميتلكون ً‬ ‫علميا مبعنى الثقافة االجتماعية‬ ‫وعيا‬ ‫وتطورها ُ‬ ‫وضرورتها وأسس نشأتها َ‬ ‫وتراثها‪ .‬ثم‬

‫بعد هذا‪ ،‬وعلى الرغم من كل ذلك‪ ،‬الكثري يباهي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وتأصال وحركة‬ ‫تأرخيا‬ ‫بثقافة جمهولة ليس هلا‬ ‫اجتماعية‪ ،‬ومطلقة نزعة حمورية عصبوية‬ ‫دون أن يدرك‪ ،‬أو دون أن ندرك ومن ثم نقبل‪،‬‬ ‫تنوع الثقافات بوصفها ض��رورة اجتماعية‬ ‫ً‬ ‫أساسا للتسامح وتعزيزاً لديناميكية‬ ‫تارخيية‬ ‫ً‬ ‫وضمانا للنهوض وأن ارتقاء‬ ‫التطور االجتماعي‬ ‫حياة اإلنسانية يف شتى اجملتمعات وعلى مدى‬ ‫التاريخ رهن تنوع الثقافات وتفاعلها وتباين‬ ‫الرؤى واختالف اآلراء وتوافر آلية اجتماعية‬ ‫تكفل التفاعل اإلجابي احلر(‪. )31‬‬ ‫اهلوامش واالحاالت‪:‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ .‬العزي سويم سلوك السياسي يف اجملتمع‬ ‫العربي النشر دار األلفة مطبعة النجاح اجلديدة‬ ‫‪– 1992‬ص ‪.171‬‬ ‫(‪ )2‬نفس املصدر‪ ،‬ص ‪.172‬‬ ‫(‪ )3‬ابراهيم جعفر إمينكي‪ ،‬املشاركة السياسية‬ ‫للشباب يف اقليم كوردستان‪ ،‬دار سربيز للطباعة‪،‬‬ ‫‪– 2008‬ص‪.40‬‬ ‫(‪ )4‬د‪ .‬العزي سويم (علم النفس السياسي قراءة‬ ‫حتليلية نقدية) دار اثراء للنشر‪ -2010 ،‬ص ‪-35‬‬ ‫‪.36‬‬ ‫(‪ )5‬روستم شةنكالي دراس��ة يف علم السياسة‬ ‫وفنونها‪(..‬موقع التآخي أالكرتوني) ‪http://‬‬ ‫‪www.taakhinews.org/tasearch/‬‬ ‫‪10513=wmprint.php?ArtID‬‬ ‫(‪ )6‬جعفر ابراهيم مصدر السابق ص ‪40‬‬ ‫(‪ )7‬د‪.‬ال��ع��زي علم النفس السياسي‪ ،‬مصدر‬ ‫السابق ص ‪114‬‬ ‫‪163‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪164‬‬

‫(‪ )8‬نفس املصدر‪ ،‬ص‪120‬‬ ‫(‪ )9‬نفس املصدر ص ‪123‬‬ ‫(‪ )10‬د‪.‬العزي مصدر سابق علم النفس السياسي‬ ‫ص ‪133‬‬ ‫(‪ )11‬ابراهيم جعفر مصدر السابق‪ ،‬ص ‪45‬‬ ‫(‪ )12‬املصدر السابق د‪ .‬ال��ع��زي علم النفس‬ ‫السياسي ص ‪145‬‬ ‫(‪ )13‬ألكسي دوتوكفيل (والدميقراطية يف‬ ‫أمريكا) اعداد والرتمجة منى فياض‪ ،‬دار النشر‪،‬‬ ‫بغداد –اربيل‪-‬بريوت ‪ 2007‬ص ‪40‬‬ ‫(‪ )14‬النزاهة املنظمة العربية ملكافحة الفساد‬ ‫ص ‪517‬‬ ‫(‪ )15‬امل��ص��در السابق د‪ .‬ال��ع��زي علم النفس‬ ‫السياسي ص ‪146‬‬ ‫(‪ )16‬نفس املصدر السابق ص ‪158‬‬ ‫(‪ )17‬نفس املصدر السابق ص ‪173‬‬ ‫(‪ )18‬نفس املصدر السابق ص ‪174‬‬ ‫(‪ )19‬نفس املصدر السابق ص ‪173‬‬ ‫(‪ )20‬نفس املصدر السابق ص ‪174‬‬ ‫(‪ )21‬نفس املصدر السابق ص ‪176‬‬ ‫(‪ )22‬نفس املصدر السابق ص ‪177‬‬ ‫(‪ )23‬االبن املنظور املصري‪ ،‬لسان العرب اجلزء‬ ‫الثاني ط ‪ ،1‬دار صادر – بريوت‪ .1986 ،‬ص ‪183‬‬ ‫(‪ )24‬د‪ .‬حممد قصب‪ ،‬أزمة الثقافة العربية‪،‬‬ ‫مؤسسة الكتاب العربي‪-‬بريوت ط ‪ 1986- 1‬ص ‪26‬‬ ‫(‪)25‬د‪.‬ال��س��ي��د حممد سليم حتليل السياسة‬ ‫اخلارجية ط‪ ،2‬مكتبة النهضة املصرية‪1998 ،‬ص‬ ‫‪241‬‬ ‫(‪)26‬عبد الرضا الطعان‪ ،‬تاريخ الفكر السياسي‬ ‫احلديث) اجلزء الثاني‪ ،‬بغداد‪ ،‬ص ‪395‬‬ ‫(‪ )27‬نفس املصدر‪ ،‬ص ‪373‬‬

‫(‪ )28‬حممود حواس (املشهد الثقايف الكوردي‬ ‫والسبيل لبناء فكر قومي كوردي معاصر)مركز‬ ‫ال��دراس��ات الكوردية وحفظ الوثائق‪-‬جامعة‬ ‫دهوك ط‪-2010- 1‬ص‪14‬‬ ‫(‪ )29‬حممود حواس (املشهد الثقايف الكوردي‬ ‫والسبيل لبناء فكر قومي ك��وردي معاصر)‬ ‫مركز ال��دراس��ات الكوردية وحفظ الوثائق‪-‬‬ ‫جامعة دهوك ط‪-2010- 1‬ص‪16-15‬‬ ‫(‪ )30‬املشهد الثقايف الكوردي والسبيل لبناء فكر‬ ‫قومي كوردي معاصر‪-‬ص‪65‬‬ ‫(‪ )31‬كاريذرس مايكل‪( ،‬مل��اذا ينفرد اإلنسان‬ ‫بالثقافة)الثقافة البشرية وتنوعها‪ ،‬ترمجة‪:‬‬ ‫ش��وق��ي ج�ل�ال‪ ،‬دار ال��ن��ش��ر‪ ،‬ع���امل امل��ع��رف��ة‪-‬‬ ‫كويت‪ ،1998-‬ص(‪.)7‬‬


‫ثقافة املهاجرين وإشكالية الرهانات‬ ‫واالستخدامات االجتامعية‬ ‫دراسة يف األنرثوبولوجيا السياسية‬ ‫تأليف‪ :‬دوني كوش‬ ‫ترمجة‪ :‬د‪ .‬ساديار بادين‬

‫‪165‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪166‬‬

‫مقدمة‪:‬‬ ‫شهد مفهوم الثقافة منذ بضعة عقود جناحاً‬ ‫ً‬ ‫متناميا‪ .‬حيث طمح ه��ذا املصطلح إىل أن‬ ‫حيل حمل املصطلحات األخ��رى كثر استعماهلا‬ ‫يف امل��اض��ي م��ث��ل «ال��ع��ق��ل��ي��ة» ‪mentality‬‬ ‫وال���روح ‪ esprit‬والتقليد ‪ tradition‬و‬ ‫اإليديولوجيا‪ .‬ويعود سبب ه��ذا النجاح إىل‬ ‫شيء من تبسيط أنثروبولوجي‪ ،‬وهو تبسيط‬ ‫ً‬ ‫دائما من س��وء الفهم أو من تبسيط‬ ‫مل خيل‬ ‫ً‬ ‫بلغ حد اإلس��راف‪ .‬وغالبا ما نتذكر من هذا‬ ‫النوع املعريف أكثر األطروحات املختلف عليها يف‬ ‫بداياتها واليت هجرها غالبية األنثروبولوجيني‬ ‫منذ تلك الفرتة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫دخلت كلمة «ثقافة» حديثا يف جماالت داللية‬ ‫مل تعهدها من قبل‪ ،‬ودرج استخدام الكلمة‬ ‫اليوم يف املفردات السياسية‪ ،‬فيقال ً‬ ‫مثال «ثقافة‬ ‫احلكومة» اليت تتم مقارنتها بـ «ثقافة املعارضة»‬ ‫وحتدث أحد زعماء احلزب االشرتاكي يف تشرين‬ ‫األول من ع��ام ‪ 1995‬يف صحيفة لوموند عن‬ ‫ً‬ ‫ضمنا الثقافة‬ ‫«الثقافة الالمركزية»(اليت تقابل‬ ‫املركزية)‪ .‬وهناك مثال آخر‪ :‬خالل نشرة أخبار‬ ‫الساعة الواحدة بعد الظهر يف إذاعة فرانس إنتري‬ ‫بتاريخ ‪ 11‬أيلول ‪ 1995‬مت االستشهاد بالتصريح‬ ‫التالي ألحد كبار موظفي األمم املتحدة حول‬ ‫ال��ص��راع يف البوسنة‪( :‬ليس يف ثقافة األمم‬ ‫ً‬ ‫أكياسا من الرمل أمام مراكز‬ ‫املتحدة أن تضع‬ ‫القوات الدولية)‪ .‬ومنذ فرتة نشهد تكاثراً يف‬ ‫استخدام كلمة «ثقافة» يف دوائر السلطة‪.‬‬ ‫امل��ف��ردات الدينية نفسها مل تنج مم��ا يبدو‬ ‫ظاهرة لغوية خاصة باملرحلة احلالية‪ .‬ففي‬ ‫جممع الفاتيكان املسكوني الثاني الذي انعقد يف‬

‫الستينات‪ ،‬ابتدع الالهوتيون الكاثوليك مفهوم‬ ‫االندماج الثقايف ‪ inculturation‬الذي ال‬ ‫يعين‪ ،‬كما يعتقد البعض‪ ،‬نشر الالثقافة (مبعنى‬ ‫اجلهل)‪ ،‬بل دمج الرسالة اإلجنيلية يف كل ثقافة‬ ‫من ثقافات الشعوب اليت تتكون منها البشرية‪.‬‬ ‫وبعد أن حازت النسبية الثقافية على كل شيء‬ ‫فإن هؤالء الالهوتيني يريدون القول‪ ،‬من خالل‬ ‫هذا املفهوم‪ ،‬بواجب الكنيسة يف احرتام الثقافات‬ ‫األصلية‪.‬‬ ‫يف نيسان من عام ‪ 1995‬نشر البابا يوحنا بولس‬ ‫الثاني الرسالة البابوية ‪evangelism vitae‬‬ ‫حول «قيمة احلياة البشرية وحصانتها» وفيها‬ ‫يستنكر‪ ،‬عرب مفردات أرادها أن تكون حديثة‪،‬‬ ‫ما يسميه بـ»ثقافة املوت» أي «الثقافة اليت تدفع‬ ‫إىل اإلجهاض»‪ .‬ومبعزل عن أن البابا (وهو حدث‬ ‫مدهش يف حد ذاته) ال يستخدم تعبري «ثقافة‬ ‫امل��وت» يف ح��ال اللجوء إىل اإلجهاض وليس يف‬ ‫حاالت أخرى (مثل اإلفتاء حول عقوبة اإلعدام»‬ ‫فإننا نشري إىل أننا هنا أمام مبالغة لغوية تفضي‬ ‫إىل الالمعنى‪ .‬احلقيقة أن كل ثقافة‪ ،‬باملعنى‬ ‫األنثروبولوجي للكلمة‪ ،‬هي موجهة بشكل عام‬ ‫حنو إعادة إنتاج احلياة‪ .‬وهلذا تسعى كل ثقافة‬ ‫ً‬ ‫جوابا على سؤال املوت‪ .‬وتضع الثقافة‬ ‫ألن تكون‬ ‫ً‬ ‫نوعا من صيغة عالقات األحياء باملوت وباملوتى‪،‬‬ ‫وتسعى إىل منح معنى معني إىل خمتلف األشكال‬ ‫اليت ميكن للموت أن يكتسبها‪ ،‬وهذا يعين إعطاء‬ ‫معنى للحياة‪ .‬إن العبارة اليت ابتدعها البابا‬ ‫تنطوي على تناقض يف الكلمات‪ .‬وإذا كان البد‬ ‫لنا من إجياد معنى هلا جيب أن تصف الثقافات‬ ‫البشرية كلها بأنها «ثقافات موت» ألنه يندر أن‬ ‫جند جمتمعات مل تقبل ومل متارس هذا الشكل‬


‫أو ذاك من أشكال اإلجهاض و‪/‬أو قتل األطفال‬ ‫‪.infanticide‬‬ ‫مفهوم (الثقافة السياسية)‬ ‫كما أشرنا أعاله فإن كلمة «ثقافة» قد اجتاحت‬ ‫املشهد السياسي منذ ف�ترة قريبة وأصبحت‬ ‫إحدى املفردات السياسية املعاصرة الدارجة‪:‬‬ ‫فرجال السياسة يستخدمونها يف كل قول هلم‬ ‫ً‬ ‫لدرجة ميكنها أن تبدو من اآلن فصاعداً‬ ‫تقريبا‬ ‫مبثابة عادة لغوية‪ .‬وال شك أنهم باستخدامهم‬ ‫كلمة نبيلة كهذه يقصدون إضفاء ن��وع من‬ ‫الشرعية على تصرحياتهم ألن كلمة «ثقافة» مل‬ ‫تفقد حظوتها كما فقدتها كلمة «إيديولوجيا»‪.‬‬ ‫هذا االستخدام املفرط للكلمة جيب أال يقودنا‬ ‫إىل التنازل عن استخدامها يف علم االجتماع‬ ‫السياسي وال إىل طمس ال��ف��ائ��دة م��ن ربط‬ ‫الظواهر الثقافية بالظواهر السياسية‪ .‬هناك‬ ‫مسائل أساسية بالنسبة للمجتمعات املعاصرة‬ ‫تقود إىل ال��ت��س��اؤل ح��ول ه��ذه العالقة مثل‬ ‫مسألة عاملية «حقوق اإلنسان»‪ .‬وإلدراك البعد‬ ‫الثقايف يف السياسة يلجأ الباحثون إىل مفهوم‬ ‫«الثقافة السياسية»‪ .‬وقد تشكل هذا املفهوم يف‬ ‫سياق حصول الدول َ‬ ‫املست َ‬ ‫عمرة على استقالهلا‪.‬‬ ‫وقد بينّ تك ّون الدول اجلديدة يف العامل الثالث‬ ‫أن استرياد املؤسسات الدميقراطية غري كاف‬ ‫لتأمني عمل الدميقراطية‪ ،‬عندئذ وجد عامل‬ ‫ً‬ ‫متسائال عن األسس الثقافية‬ ‫االجتماع نفسه‬ ‫اليت تقوم عليها الدميقراطية‪ .‬كل منظومة‬ ‫سياسية تبدو مرتبطة مبنظومة من القيم‬ ‫وال��ت��ص��ورات‪ ،‬أي بالثقافة اخل��اص��ة مبجتمع‬ ‫معني‪ .‬عند هذا املستوى األول من التفكري فإن‬ ‫ً‬ ‫ارتباطا كبرياً‬ ‫مفهوم الثقافة السياسية يرتبط‬

‫ً‬ ‫سابقا بـ(اخلصوصية الوطنية)‪.‬‬ ‫مبا كان يسمى‬ ‫وكان السبب يف إجناح هذا املفهوم هو توجهه‬ ‫املقارن‪ ،‬فقد كان ينتظر منه أن يسمح يف فهم ما‬ ‫يساعد أو يعيق الفعالية الكاملة من أجل إقامة‬ ‫مؤسسات حديثة‪ .‬وقد قام باحثان أمريكيان‬ ‫هما غابرييل أملوند وسيدني فريبا بإخضاع‬ ‫مخسة بلدان (ال��والي��ات املتحدة‪ ،‬بريطانيا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫انطالقا من‬ ‫أملانيا‪ ،‬إيطاليا‪ ،‬املكسيك) إىل املقارنة‬ ‫حتليل أشكال متنوعة من السلوكيات السياسية‪،‬‬ ‫وتوصال إىل وض��ع تصنيف للثقافات والبنى‬ ‫السياسية املتكيفة مع تلك الثقافات من الناحية‬ ‫الوظيفية‪ :‬إذ ترتبط بالثقافة «الرعوية « اليت‬ ‫تهتم باملصاحل احمللية بنية سياسية تقليدية ال‬ ‫مركزية‪ ،‬وبثقافة «اخلضوع» اليت تنمي السلبية‬ ‫لدى األف��راد ترتبط ثقافة تسلطية‪ .‬وثقافة‬ ‫«املشاركة» يف نهاية األم��ر تنسجم مع البنية‬ ‫الدميقراطية‪ .‬والثقافة السياسية احملسوسة‬ ‫هي ثقافة خليطة حيث ميكن لنماذج الثقافة‬ ‫الثالثة أن تتعايش‪ .‬لكن التالؤم األك�بر بني‬ ‫النموذج املهيمن وبني البنية يفسر العمل املقنع‬ ‫إىل حد ما للمنظومة السياسية ال سيما منظومة‬ ‫املؤسسات الدميقراطية‪.‬‬ ‫لقد اجته البحث تدرجييا وب ً‬ ‫��دال من ضرورة‬ ‫السعي إىل وصف الثقافات السياسية الوطنية‬ ‫بشكل إمجالي فقد ازداد اهتمام علماء االجتماع‬ ‫مبختلف الثقافات الثانوية السياسية املوجودة‬ ‫يف كنف اجملتمع‪ ،‬نظراً ألن األمم املعاصرة تشهد‬ ‫تعددية يف من��اذج القيم ال�تي توجه املواقف‬ ‫والسلوكيات السياسية‪ .‬وهكذا جيهدون يف فرنسا‬ ‫لتوضيح النماذج الثقافية اليت تقع يف أساس‬ ‫التعارض بني اليمني واليسار‪ ،‬وبشكل أدق يف‬ ‫‪167‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪168‬‬

‫التمييز بني خمتلف مجاعات اليمني واليسار‪.‬‬ ‫لقد أدى تطور األنثروبولوجيا السياسية إىل‬ ‫إعادة النظر يف فكرة السياسي نفسها واليت ال‬ ‫حتمل املعنى نفسه يف خمتلف اجملتمعات‪ .‬إن‬ ‫مفهومي السلطة والقانون والنظام ميكن أن‬ ‫يكونا خمتلفني ألنهما حمددان بعالقاتهما مع‬ ‫العناصر األخرى للمنظومة الثقافية املعنية‪.‬‬ ‫ومبا أن مقولة السياسي هي مقولة مستقلة‬ ‫من مقوالت الفكر والفعل فهي ال توجد بشكل‬ ‫شامل‪ ،‬األمر الذي يقتضي اللجوء إىل التحليل‬ ‫املقارن‪ .‬ليس من الضروري أن جند يف كل جمتمع‬ ‫ثقافة سياسية معرتف بها ويتم نقلها على أنها‬ ‫كذلك‪ .‬والسعي إىل فهم دالالت األفعال السياسية‬ ‫يف جمتمع معني يعين بالنتيجة حتمية الرجوع‬ ‫إىل جممل منظومة ال��دالالت ال�تي هي ثقافة‬ ‫اجملتمع املدروس‪.‬‬ ‫ومب��وازاة هذه التساؤالت‪ ،‬جهد الباحثون من‬ ‫أجل توضيح آليات االنتقال من جيل إىل جيل‪.‬‬ ‫وك��ان موضوع التأهيل االجتماعي السياسي‬ ‫ً‬ ‫موضوعا لعدة أحب��اث اهتمت بالطفولة كما‬ ‫اهتمت بسن ال��ب��ل��وغ‪ .‬وبينت ه��ذه األعمال‬ ‫التشابه القوي بني السلوكيات السياسية لدى‬ ‫األطفال وبني سلوكيات األهل‪ .‬ومع هذا ال ميكن‬ ‫خلط التأهيل االجتماعي السياسي مبجرد‬ ‫التلقني العائلي‪ .‬وأوضحت آنيك بورشرون‬ ‫التأهيل االجتماعي السياسي عند األطفال ألنه‬ ‫ال ينطوي على سلسلة من التعليم الشكلي بل‬ ‫ألنه ينشأ عن تسويات دائمة وغري شكلية بني‬ ‫األطفال وبني القائمني على هذا التأهيل وأوهلم‬ ‫العائلة واملعلمون‪ .‬التأهيل االجتماعي السياسي‬ ‫يتخذ مظهر التوفيق بني طموحات الفرد وبني‬

‫خمتلف اجلماعات اليت يقيم معها عالقاته‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مكتسبا أبدأ بشكل نهائي‪،‬‬ ‫وهذا التأهيل ليس‬ ‫ً‬ ‫وغالبا بشكل غري‬ ‫لكنه ينتج بشكل تدرجيي‬ ‫مقصود‪ .‬وككل عملية تأهيل اجتماعي فإنه‬ ‫يساهم مباشرة يف تكوين هوية الفرد‪.‬‬ ‫مفهوم (ثقافة املؤسسة)‬ ‫إن مفهوم «الثقافة الصناعية» ال�تي سرعان‬ ‫ً‬ ‫جناحا كبرياً‪ ،‬ليس من إبداع العلوم‬ ‫ما شهدت‬ ‫االجتماعية ب��ل ج��اء م��ن ع��امل املؤسسات‬ ‫الصناعية والتجارية‪ .‬برز هذا التعبري للمرة‬ ‫األوىل يف الواليات املتحدة خالل السبعينات‪.‬‬ ‫حينئذ كانت املؤسسات األمريكية تريد مواجهة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فشيئا‬ ‫شيئا‬ ‫املنافسة اليابانية اليت أصبحت‬ ‫عدوانية بهدف إجياد وسيلة لتعبئة املواطنني‬ ‫من أجل هذه املواجهة‪ .‬وضن أصحاب الشركات‬ ‫أن موضوع الثقافة الصناعية سيتيح الرتكيز‬ ‫على أهمية العامل البشري يف اإلنتاج‪.‬‬ ‫وظهر هذا املفهوم يف فرنسا يف الثمانينات من‬ ‫خالل خطاب املسؤولني عن اإلدارة‪ .‬وانتشار‬ ‫موضوع الثقافة الصناعية يف وق��ت األزم��ة‬ ‫االقتصادية أمر له داللته‪ .‬وقد يعود السبب‬ ‫يف النجاح الذي حققه هذا املوضوع ‪theme‬‬ ‫ً‬ ‫جوابا على النقد الذي‬ ‫لكونه قد برز ليشكل‬ ‫كانت تثريه املؤسسات الصناعية يف أوج أزمتها‬ ‫حول العمل وإعادة البناء الصناعي‪ .‬وإزاء الشك‬ ‫واالشتباه فإن استخدام مفهوم الثقافة كان‬ ‫ميثل حينها‪ ،‬بالنسبة ملدراء املؤسسات‪ ،‬وسيلة‬ ‫اسرتاتيجية لكي يتماهى العمال وينخرطوا يف‬ ‫األهداف اليت سبق هلم وضعها‪.‬‬ ‫وبدا أن فكرة الثقافة الصناعية قد اعتمدت‬


‫من خالل النتائج النامجة عن ضم أو جتميع‬ ‫املؤسسات الصناعية الذي حدث بشكل كبري يف‬ ‫املرحلة اليت سبقت مرحلة النمو االقتصادي‪.‬‬ ‫وقادت الصعوبات العالئقية اليت كانت قد جنمت‬ ‫عنها إىل وضع صيغ جديدة للتفكري املتعلق‬ ‫بسري عمل املؤسسة‪ .‬والصورة اليت كان ميكن‬ ‫للمأجورين تكوينها حول مؤسستهم باعتبارها‬ ‫مؤسسة قوية واليت يراد هلا أن تستمر إىل ما‬ ‫النهاية قد ساءت بالتدريج ثم انهارت مع بروز‬ ‫األزمة االقتصادية وإعادة اهليكلة الصناعية‪.‬‬ ‫وبالتالي فاألمر‪ ،‬بالنسبة لفرقاء اإلدارة يف فرتة‬ ‫الثمانينات هو رد االعتبار للمؤسسة الصناعية‬ ‫ع�بر خ��ط��اب إن��س��ان��وي ل��ك��ي ي��ق��وم األج���راء‬ ‫بتصرفات وفية وفعالة‪ .‬يف اخلطاب اإلداري‬ ‫يتم اللعب على تعدد معاني كلمة «ثقافة» مع‬ ‫أن املعنى األنثروبولوجي هو املهيمن‪ .‬لكن‬ ‫أكثر االستخدامات األنثروبولوجيا املعمول بها‬ ‫على األغلب واملثرية للجدل هو ذلك االستخدام‬ ‫الذي حييل إىل مفهوم الثقافة باعتبارها نامجة‬ ‫عن عامل مغلق وثابت إىل حد ما مييز مجاعة‬ ‫بشرية مزعومة التجانس وذات معامل حمددة‪.‬‬ ‫ه��ذا املفهوم االختزالي للثقافة يفرتض أنها‬ ‫تقوم بتحديد مواقف األفراد وسلوكياتهم‪ .‬من‬ ‫هذا املنظور ينتظر من الثقافة الصناعية أن‬ ‫تفرض منظومة تصوراتها وقيمها على أعضاء‬ ‫التنظيم‪ .‬تتضح لنا اآلن الفائدة الرمزية اليت‬ ‫جتنيها إدارات املؤسسات الصناعية من مفهوم‬ ‫كهذا‪ .‬وترى هذه اإلدارات أن الثقافة الصناعية‬ ‫ال ترتبط مباشرة باملأجورين بل تسبقهم إىل‬ ‫حد ما وتفرض نفسها عليهم‪ .‬وعدم انضمام‬ ‫العامل إىل ثقافة املؤسسة الصناعية يعين إىل حد‬

‫ما استبعاد نفسه عن التنظيم‪ .‬وحتت غطاء‬ ‫الثقافة واخت��اذ ضمانة «علمية» هي ضمانة‬ ‫العلوم االجتماعية يعين أننا يف احلقيقة لسنا‬ ‫بعيدين عن العودة إىل الفكرة القدمية املتعلقة‬ ‫ب»العقلية البيتية» وق��د متيز أرب��اب العمل‬ ‫الفرنسيون باإلشادة بهذه «العقلية البيتية»‪،‬‬ ‫وهم يتميزون بروح العائلة وباملفهوم العائلي‬ ‫للسلطة‪ .‬اإليديولوجيا التحتية هي إيديولوجية‬ ‫االنسجام العائلي والتوافق وغياب التناقضات‬ ‫املنزلية اليت تلغي االختالفات(الطبقية) بني‬ ‫األفراد واجلماعات‪.‬‬ ‫بالتالي فإن املفهوم اإلداري للثقافة مل يأخذ‬ ‫من املفهوم األنثروبولوجي للثقافة إال ما خيدم‬ ‫أغراضه أي إعادة تفسري ثقافوي ‪culturist‬‬ ‫بالغ الفقر والقائل بأن الثقافة تهيمن (بكل‬ ‫معاني الكلمة) على الفرد‪ ،‬وقامت لتوضيح‬ ‫حقائق شديدة االختالف‪ ،‬وهي على كل حال‬ ‫ثقافة هجرها الباحثون منذ زم��ن طويل‪.‬‬ ‫الميكن بأي شكل من األشكال مقارنة املؤسسات‬ ‫الصناعية بالقبائل (على الرغم من شيوع‬ ‫الكلمة يف املفردات اإلداري��ة) أو بالعائالت‪ .‬يف‬ ‫نهاية املطاف‪ ،‬إذا نظرنا إىل ثقافة املؤسسة‬ ‫الصناعية من هذه الزاوية فسنرى أنها ليست‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تالعبا ‪manipulation‬‬ ‫حتليليا بل‬ ‫مفهوما‬ ‫باملفهوم اإليديولوجي للثقافة هدفه إضفاء‬ ‫الشرعية على تنظيم العمل يف كنف املؤسسة‬ ‫الصناعية‪ .‬وهذه املؤسسة تزعم حتديد ثقافتها‬ ‫كما حتدد استخداماتها‪ :‬بعبارة أخرى‪ ،‬إن قبول‬ ‫االستخدام يعين قبول ثقافة املؤسسة‪.‬‬ ‫واليوم تشكل (ثقافة املؤسسة) جزءاً من مفردات‬ ‫املدارس العليا الدارة األعمال وإدارة املؤسسات‪.‬‬ ‫‪169‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪170‬‬

‫ونظراً لغياب التأهيل يف لعلوم االجتماعية‪ ،‬فان‬ ‫املهنيني املنحدرين من هذه املدارس ال يأخذون‬ ‫يف أغلب األحيان من مفهوم الثقافة إال ما يبدو‬ ‫هلم ً‬ ‫قابال للتطبيق املباشر على إدارة املؤسسات‪،‬‬ ‫متجاهلني بذلك تطور األحباث اليت تبني تعقد‬ ‫كل منظومة ثقافية‪.‬‬ ‫املقاربة السوسيولوجية لثقافة املؤسسة‬ ‫لقد تطرق السوسيولوجيون بشكل مباشر أو‬ ‫غري مباشر إىل مسألة الثقافة يف املؤسسة دون‬ ‫اللجوء إىل مفهوم ثقافة املؤسسة‪ .‬حيث تظهر‬ ‫ً‬ ‫حتليالتهم ً‬ ‫ثقافيا غري متجانس يتعلق‬ ‫عاملا‬ ‫بعدم التجانس االجتماعي ملختلف فئات العمال‪.‬‬ ‫فهؤالء ال يأتون إىل املؤسسة وهم حمرومني وغري‬ ‫ً‬ ‫ثقافيا‪ .‬فهم حيملون إليها يف بعض‬ ‫مزودين‬ ‫ً‬ ‫احلاالت ثقافة املهنة وأحيانا ثقافة الطبقة‪ .‬وقد‬ ‫بينت عدد من الدراسات أهمية هذه الثقافات يف‬ ‫تنظيم تصرفات املأجورين لدى املؤسسة‪ ،‬وهذه‬ ‫ً‬ ‫جوهريا بهذه املؤسسة‬ ‫الثقافات ليست مرتبطة‬ ‫أو تلك‪.‬‬ ‫إن ك��ان (علماء االج��ت��م��اع) ي��رون يف ثقافة‬ ‫املؤسسة اهمية معينة فذلك لإلشارة إىل نتيجة‬ ‫املواجهات الثقافية بني خمتلف اجملموعات‬ ‫االجتماعية اليت تتكون منها املؤسسة‪ .‬و ثقافة‬ ‫املؤسسة ال توجد خارج األفراد املنتمني إليها‪،‬‬ ‫وال ميكن أن تسبقهم يف الوجود‪ ،‬إذ أنها تتكون‬ ‫من خالل األفعال املتبادلة فيما بينهم‪ .‬حتى‬ ‫اليوم‪ ،‬حيث متيل ثقافات املهنة حنو الضعف بل‬ ‫و االختفاء‪ ،‬فإن املأجورين ليسوا يف أي حال من‬ ‫األحوال مرتبطني ً‬ ‫متاما بالتنظيم من الناحية‬ ‫الثقافية‪ .‬ويتجلى إبداعهم الثقايف بأشكال‬

‫ً‬ ‫إبداعا ال حدود له‬ ‫متعددة ‪ .‬و هذا اإلبداع ليس‬ ‫ً‬ ‫جزئيا بوضعهم يف املنظومة‬ ‫بالتأكيد‪ ،‬ويرتبط‬ ‫االجتماعية للمؤسسة‪ .‬وق��د بني روت��و سان‬ ‫سوليو ‪ 1977 R.sainsaulieu‬أنه بوسعنا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وفقا للمجموعات االجتماعية‪-‬املهنية‪ ،‬وضع‬ ‫أشكال(ترسيمات) خمتلفة للسلوك يف املؤسسة‪،‬‬ ‫واختصر هذه األشكال إىل أربع مناذج ثقافية‬ ‫رئيسية ‪.‬‬ ‫الثقافة األوىل ه��ي م��ا تتميز بها املنظمات‬ ‫االجتماعية ‪ OS‬والعمال غري املؤهلني تتسم‬ ‫بالطابع االندماجي ‪ Fusionnel‬للعالقات‬ ‫ألن اجل��م��اع��ي ‪ collective‬يشكل امللجأ‬ ‫واحلماية ضد االنقسامات‪ .‬والثقافة الثانية‬ ‫هي اليت حتيل يف املقابل‪ ،‬إىل قبول االختالفات‬ ‫والتفاوض‪ ،‬وهي بشكل خاص من شأن العمال‬ ‫املهنيني‪ ،‬ولكننا جندها ً‬ ‫أيضا لدى بعض الفنيني‬ ‫الذين ميارسون مهنة حقيقية وكذلك لدى‬ ‫الكوادر الذين ميارسون وظائف تأطري فعلية ‪.‬‬ ‫الثقافة الثالثة ترتبط حباالت (أوضاع) املرونة‬ ‫‪ mobility‬املمتدة اليت ً‬ ‫غالبا ما تعيشها األطر‬ ‫اليت تعلمت ً‬ ‫ذاتيا أو الفنيني ‪.‬‬ ‫إن صيغة سري العمل العالئقي هي‪ ،‬يف هذه احلالة‬ ‫صيغة الصالت ‪ affinities‬االنتقائية واحلذر‬ ‫من اجلماعات املتكونة يف املؤسسة‪ .‬وأخ�يراً‪،‬‬ ‫الثقافة الرابعة املوجودة يف أوساط العمل تتسم‬ ‫بالعزلة و التبعية‪ .‬وجندها بشكل أساسي لدى‬ ‫العمال املؤهلني الذين يفتقرون إىل ذاك��رة‬ ‫عمالية‪ :‬العمال املهاجرون‪ ،‬العمال – الفالحون‪،‬‬ ‫والنساء والشباب ‪ .‬وهؤالء بشكل خاص يعيشون‬ ‫املؤسسة كوسيلة ملشروع خارجي ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫طبعا‪ ،‬هنا حنن إزاء من��اذج مثالية‪ ،‬باملعنى‬


‫الويبريي(من ماكس ويرب) للعبارة‪ ،‬ال تتعلق‬ ‫أب��دا بشكل ت��ام بهذه الفئة العمالية أو تلك‬ ‫القابلتني للتطور ‪ .‬وتكمن أهمية حتليل سان‬ ‫سوليو يف إظهاره أنه يف املؤسسة نفسها تتعايش‬ ‫ثقافات خمتلفة وتتقاطع ‪ .‬والفضيلة األخرى‬ ‫ألعمال سان سوليو هي أنها اوضحت أن التأهيل‬ ‫‪ Qualification‬مل يكن يعين غياب ثقافة‬ ‫خاصة و عجز أي مبادرة ذات طابع ثقايف يف‬ ‫املؤسسة ‪ .‬وبينت أحباث أخرى ً‬ ‫أيضا أن العامل‬ ‫ً‬ ‫مرتبطا بالتنظيم حتى يف‬ ‫مل يكن مت��ام ً��ا‬ ‫أشد احل��االت اغرتابا ً‪ .aliènantes‬وعلماء‬ ‫االجتماع املتخصصون بالعمل كانوا يف بداية‬ ‫يف اخلمسينات والستينات‪ ،‬ش��ددوا على طابع‬ ‫ّ‬ ‫املغرب للعمل التايلوري‪ .‬لكن االغ�تراب ليس‬ ‫ً‬ ‫كامال أب��داً‪ ،‬واالغ�تراب االجتماعي ال خيتلط‬ ‫بالضرورة مع االغ�تراب الثقايف‪ .‬فيليب برينو‬ ‫ً‬ ‫حتليال‬ ‫‪ 1981 Ph.Bernoux‬وضع من جهته‬ ‫لسلوكيات استمالك ‪ appropriation‬عامل‬ ‫العمل من قبل العمال األكثر افتقاراً للتأهيل‬ ‫وللسلطة‪ .‬واألم���ر يتعلق يف أغلب األحيان‬ ‫ً‬ ‫وأحيانا يصعب التعرف‬ ‫مبمارسات غري شرعية‪،‬‬ ‫عليها‪ ،‬لكنها تدل على مقاومة ثقافية ملا يقوم‬ ‫به التنظيم من نزع للملكية‪ .‬و (االستمالك)‬ ‫يظهر عرب اسرتاتيجيات خمتلفة تهدف كلها إىل‬ ‫احملافظة على حد أدنى من االستقالل الذاتي‪.‬‬ ‫وهي ليست ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خالصا وال رد فعل جمرداً‬ ‫فرديا‬ ‫فعال‬ ‫من قبل الطبقة‪ ،‬بل سلوك حييل إىل جمموعة‬ ‫انتماء أي جمموعة عمل حمسوسة تتقاسم‬ ‫ثقافة مشرتكة‪ ،‬مصنوعة من لغة مشرتكة‪ ،‬ومن‬ ‫طريقة تصرف مشرتكة‪ ،‬ومن عالمات للت ّعرف‪،‬‬ ‫ومن هوية مشرتكة‪ ،‬اخل‪...‬‬

‫إن مم��ارس��ات االستمالك ع��دي��دة ومتنوعة‬ ‫وتتعلق بالعمل نفسه وبتنظيمه ومبكان العمل‬ ‫وزمانه هذا العمل الذي يقوم الواحد منا بإعادة‬ ‫تكوينه على طريقته وحسب استطاعته‪ ،‬بل‬ ‫تتعلق حتى بناتج العمل‪ .‬األمر يتعلق مبقابلة‬ ‫املنطق التايلوري مبنطق ثقايف أخر للعمل قائم‬ ‫على االستقالل واملتعة‪ .‬وهناك مثال ذو داللة‬ ‫على إرادة االستمالك هذه نراها من خالل ما‬ ‫يسمى العمل الشخصي بأدوات املؤسسة‪ .‬وهذا‬ ‫العمل الشخصي كما يبني ميشيل دو سريتو ال‬ ‫يعين إعادة النظر يف العمل حبد ذاته‪ ،‬بل يعين‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫معينا هلذا العمل‪ .‬وليس التخلص من‬ ‫تنظيما‬ ‫ً‬ ‫(عموما ال تستخدم إال البقايا)‬ ‫األمالك واألشياء‬ ‫بل التخلص من الزمن يف املؤسسة حتى ال يسجن‬ ‫املرء نفسه يف زمن منظم وم ّوقت‪ .‬وهذا يعين‬ ‫أن ي��دل من خ�لال عمله على حنكة خاصة‪،‬‬ ‫وتأكيد القدرة على اخللق و اإلبداع ‪ .‬كما يعين‬ ‫وضع منطق الالمباالة واجملانية أي منطق اهلبة‬ ‫‪( don‬نادراً ما حيتفظ املرء لنفسه بإجنازات‬ ‫العمل الذي يقوم به على حساب املؤسسة) يف‬ ‫مقابل منطق الربح التجاري ‪ .‬لكن العمل املنجز‬ ‫على حساب املؤسسة غري ممكن إال بفضل تواطئ‬ ‫أعضاء اجلماعة اآلخرين‪ ،‬وال يصبح هذا العمل‬ ‫ً‬ ‫ممكنا‬ ‫الشخصي املنجز على حساب املؤسسة‬ ‫إال حينما تقوم ثقافة مشرتكة تربط أعضاء‬ ‫جمموعة العمل ببعضهم البعض‪ .‬وم��ن هنا‬ ‫فان هذا العمل الشخصي هو املعرب عن ثقافة‬ ‫اجملموعة‪.‬‬ ‫رمبا يكون من األصح احلديث عن ثقافة صغرى‬ ‫‪ micro culture‬للجماعة‪ .‬فإذا كان من‬ ‫الصعب وضع تعريف لثقافة مؤسسة معينة‪،‬‬ ‫‪171‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪172‬‬

‫فال شك أنه من املعقول بالنسبة للباحث أن‬ ‫مييز ثقافات صغرى ‪micro cultures‬‬ ‫يف كنف امل��ؤس��س��ة‪ .‬الثقافات الصغرى اليت‬ ‫خيرتعهاالعاملون تبني ب��وض��وح أن ثقافة‬ ‫ً‬ ‫سابقا ما على العمال إال‬ ‫املؤسسة ليست معطى‬ ‫اعتمادها‪ .‬فإذا كانت املؤسسة نفسها من ِتجة‬ ‫ملنظومات ثقافية‪ ،‬هذا ال يعين مع ذلك أن تكون‬ ‫الثقافة ص��ادرة عن اإلدارة‪ .‬من يصنع ثقافة‬ ‫ً‬ ‫طبعا مجيع املمثلني االجتماعيني‬ ‫املؤسسة؟‬ ‫الذين ينتمون إىل املؤسسة‪ .‬كيف تصنع ثقافة‬ ‫املؤسسة؟ بالتأكيد أن القرارات السلطوية هي‬ ‫اليت تصنعها‪ ،‬لكن عرب عملية معقدة من األفعال‬ ‫املتبادلة ب�ين اجملموعات ال�تي تتكون منها‬ ‫املؤسسة ‪.‬‬ ‫ولكي نتمكن من تعريف ثقافة مؤسسة ما‪،‬‬ ‫ال بد إذاً من االنطالق من الثقافات الصغرى‪،‬‬ ‫مثلها مثل التنظيم بذاته‪ ،‬تؤمن سري العمل‬ ‫اليومي يف املصانع ‪ ateliers‬واملكاتب وحتدد‬ ‫االختصاصات و إيقاعات العملوتقوم بتنظيم‬ ‫العالقة بني العمال وتتصور احللول الالزمة‬ ‫ً‬ ‫وحتما فإن‬ ‫للمشاكل الفنية املتعلقة باإلنتاج‪.‬‬ ‫هذه الثقافات الصغرى تخُ َل ُق أخذة باالعتبار‬ ‫اإلطار اخلاص باملؤسسة‪ ،‬ال سيما قيود التنظيم‬ ‫الشكلي للعمل والتكنولوجيا املستخدمة ‪ .‬ولكن‬ ‫هذه الثقافات ال تتحدد بهذين العنصرين ألنهما‬ ‫يرتبطان ً‬ ‫أيضا باألفراد الذين يشكلون جمموعة‬ ‫ً‬ ‫مدعوما‬ ‫العمل ‪ .‬إذ جند أن نفس التنظيم الشكلي‬ ‫بالتكنولوجيا نفسها ال ي��ؤدي بالضرورة إىل‬ ‫ثقافة صغرى مشابهة‪ :‬ألن خصائص جمموعة‬ ‫العمل تقوم بدور أساسي يف اإلنتاج الثقايف ‪ .‬هذه‬ ‫الثقافات الصغرى غري الشكلية ‪informally‬‬

‫ال�تي ينتجها األف���راد أنفسهم هي ال�تي تبدع‬ ‫الطوائف الصغرى ‪micro comminutes‬‬ ‫يف العمل وتنظمها يف الوقت نفسه‪.‬‬ ‫يف نهاية املطاف تقع ثقافة املؤسسة يف تقاطع‬ ‫خمتلف الثقافات الصغرى املوجودة يف كنفها‪،‬‬ ‫وهذه الثقافات الصغرى ال تنسجم بالضرورة‬ ‫ً‬ ‫حتما‬ ‫مع بعضها البعض‪ ،‬واحتكاكها ال يتم‬ ‫بال مصادمات‪ .‬تظهر عالقات قوة تبني هنا‬ ‫وهناك‪ ،‬الرهانات االجتماعية ‪ .‬بعبارة أخرى‪،‬‬ ‫إذا ك��ان ملفهوم ثقافة املؤسسة مثة مالءمة‬ ‫‪ pertinence‬سوسيولوجية‪ ،‬فليس هدفها‬ ‫بالتأكيد الداللة على منظومة ثقافية تستبعد‬ ‫منها ك��ل أن���واع التناقض وال��ص��راع��ات‪ .‬من‬ ‫جانب أخ��ر‪ ،‬ال ميكننا دراس��ة ثقافة املؤسسة‬ ‫مبعزل عن الوسط احمليط ‪ .‬فاملؤسسة ال تتكون‬ ‫من عامل مغلق من شأنه أن يفرز ثقافة كاملة‬ ‫االس��ت��ق�لال‪ .‬ب��ل على العكس ف��إن املؤسسة‬ ‫احلديثة شديدة االرتباط مبحيطها ‪ .‬سواء على‬ ‫الصعيد االقتصادي‪ ،‬أو على الصعيد االجتماعي‬ ‫والثقايف‪ .‬واليوم إن التحليل السوسيولوجي‬ ‫للمؤسسة مل يعد ق��ادراً على جتاهل السياق ‪.‬‬ ‫وبعبارة أخرى‪ ،‬ال ميكن اختزال ثقافة املؤسسة‬ ‫إىل جمرد ثقافة تنظيمية ‪ .‬هناك جمموعة من‬ ‫األحباث اليت بينت أثر الثقافات الوطنية على‬ ‫ثقافات املؤسسة‪ .‬وأوضحت البحوث املقارنة‬ ‫أن املؤسسات املوجودة يف بلدان خمتلفة كانت‬ ‫تعمل وفق منظومات ثقافية خمتلفة ‪ .‬وقد كان‬ ‫ميشيل كروزييه(‪ )1963‬من أوائل الذين ّ‬ ‫بينوا‬ ‫وجود منوذج ثقايف فرنسي لتنظيم املؤسسة‬ ‫وهذا النموذج يتميز بالشكالنية البريوقراطية‬ ‫واملركزية الشديدة للبنى املرتبطة مبيل عميق‬


‫لدى اجملتمع الفرنسي حنو هذا االجتاه ‪.‬‬ ‫ومن جانب آخر ‪ .‬طاملا حتدثنا خالل السبعينات‬ ‫عن النموذج الياباني للمؤسسة‪ .‬خمتصي اإلدارة‬ ‫‪ management‬املبهورون بالنجاح التجاري‬ ‫والصناعي ال��ذي حققته اليابان ظنوا أنهم‬ ‫منوذجا ً‬ ‫ً‬ ‫عامليا جديداً للتنظيم الفعال‪.‬‬ ‫اكتشفوا‬ ‫لكنهم سرعان ما خففوا من مغاالتهم إذ مل‬ ‫يكن من السهل نقل النموذج الياباني إىل بلدان‬ ‫أخرى بعد أن تنبهوا إىل إنشاء الشركات واملشاريع‬ ‫اليابانية يف الواليات املتحدة وأوروبا أي تلك اليت‬ ‫استلهمت بشكل مباشر املظاهر األساسية للثقافة‬ ‫اليابانية واملنسجمة مع البنى االجتماعية‬ ‫لليابان‪ .‬إن قولنا هذا ال يعين الوقوع مرة أخرى‬ ‫يف تفسري ثقافوي تبسيطي‪ .‬فالثقافات الوطنية‬ ‫ليست جامدة من جانب‪ ،‬ومن جانب أخر‪ ،‬فهي‬ ‫ال حتدد ثقافات املؤسسة بشكل مطلق‪ .‬فالعالقة‬ ‫بينهما سياسية ‪ .‬وهناك دراسات حديثة ّ‬ ‫بينت‪،‬‬ ‫يف فرتة األزمة االقتصادية وبالتالي االجتماعية‬ ‫يف الثمانينات أن النموذج الياباني الذي كان‬ ‫يبدو دون عيب مل يعد يعمل جيداً كما كان من‬ ‫قبل‪.‬‬ ‫األحباث السوسيولوجية و االثنولوج ّية أظهرت‬ ‫بالتالي تعقيد ما يسمى بـ(ثقافة املؤسسة)‪.‬‬ ‫فذلك يف مطلق األح��وال‪ ،‬ليس جمرد نتيجة‬ ‫للمنظومة التنظيمية‪ .‬ويف ال��وق��ت نفسه‬ ‫انعكاس للثقافة احمليطة وإنتاج جديد يتكون‬ ‫يف كنف املؤسسة عرب ع��دة ردود فعل توجد‬ ‫على كل املستويات بني أولئك الذين ينتمون إىل‬ ‫التنظيم نفسه‪ ،‬وإذا كان من النافل القول بأن‬ ‫احلديث عن ثقافة املؤسسة باملعنى االثنولوجي‬ ‫لكلمة «ثقافة» فذلك ل�لإش��ارة إىل النتيجة‬

‫املعقدة يف وقت معني من عملية البناء الثقايف‬ ‫غري املنتهي أبداً معرضا ًللخطر جمموعات من‬ ‫املمثلني والعناصر املتنوعة دون أن نشري إىل أن‬ ‫أية جمموعة هي الوحيدة اليت تقود اللعبة ‪.‬‬ ‫ثقافة املهاجرين‪:‬‬ ‫ظهرت يف الستينات يف فرنسا عبارة ثقافة‬ ‫ً‬ ‫املهاجرين وسرعان ما شهدت انتشاراً‬ ‫واسعا‪.‬‬ ‫وليس من غري املفيد أن نتساءل عن السبب يف‬ ‫عدم استخدام هذا املفهوم أبكر من هذا الوقت‪،‬‬ ‫وملاذا مل تشهد بعض النجاح يف ذلك الوقت‪ .‬سياق‬ ‫الفرتة يسمح باإلجابة على هذا التساؤل‪ .‬ما دمنا‬ ‫كنا نعترب أن اهلجرة مل تكن ّ‬ ‫إال مؤقتة الرتباطها‬ ‫بعجز يف األي���دي العاملة‪ ،‬فقد مت تعريف‬ ‫املهاجرين على أنهم ً‬ ‫أساسا عمال أجانب واألسئلة‬ ‫اليت كنا نطرحها كانت تدور آنذاك ً‬ ‫أساسا حول‬ ‫العمل‪ ،‬وعن اندماجهم يف العمل املعقلن وعن‬ ‫شروط العمل‪..‬اخل‪ .‬ومع القرار الرمسي املنظم‬ ‫للهجرة عام ‪ 1974‬اكتشفنا الوجه الدائم للهجرة‬ ‫إذ مل يعد املهاجرون إىل ديارهم على الرغم من‬ ‫أزمة العمل (االستخدام) اليت أصابتهم على وجه‬ ‫اخلصوص‪ .‬وأدركنا أن هجرة العمل قد حتولت‬ ‫إىل هجرة سكن و(إقامة ) نظراً ألن القانون كان‬ ‫حيمي التجمعات العائلية ويربز هذه احلركة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ممكنا اعتبار املهاجرين جمرد‬ ‫وعندها مل يعد‬ ‫قوة عمل تكميلية‪ .‬ومنذ الفرتة اليت أقاموا‬ ‫فيها يف بلد االستقبال مع عائالتهم‪ ،‬فقد صار‬ ‫ً‬ ‫لزاما أخذ كافة أبعاد وجودهم بعني االعتبار‪.‬‬ ‫وكما يف ممارساتهم اليومية (احلياة العائلية‪،‬‬ ‫االستهالك‪ ،‬التسلية‪ ،‬املمارسات الدينية) فقد‬ ‫أب��دى السكان املهاجرون خصوصية معينة‪،‬‬ ‫‪173‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪174‬‬

‫واضطرت السلطات العامة املهتمة بدجمهم يف‬ ‫احلياة احمللية إن مل تكن الوطنية‪ ،‬إىل االهتمام‬ ‫بهذه اخلصوصيات‪ .‬خالل فرتة رئاسة جيسكار‬ ‫ديستان مت إنشاء مكتب وطين للتنشيط الثقايف‬ ‫للمهاجرين‪ .‬وتقول إحدى وثائق وزارة الدولة‬ ‫املكلفة بشؤون املهاجرين‪ ،‬واليت حتمل عنوان‬ ‫السياسة اجل��دي��دة للهجرة ينبغي على هذا‬ ‫التشجيع أن يسمح للمهاجرين بوعي ثقافتهم‬ ‫اخلاصة مب��وازاة اكتشافهم للثقافة الفرنسية‬ ‫ويهدف هذا التشجيع ً‬ ‫أيضا إىل تعريف الشعب‬ ‫الفرنسي بثقافة البلدان ال�تي ينحدر منها‬ ‫أولئك امل��ه��اج��رون‪ .‬وم��ن إدارة اليد العاملة‬ ‫األجنبية ننتقل بالتالي إىل إدارة االختالف‬ ‫الثقايف‪ .‬فالسلم االجتماعي يفرتض السلم‬ ‫الثقايف‪ .‬وسياسة تشجيع ثقافات املهاجرين‬ ‫هي سياسة عرضية للغاية وترتبط حبالة‬ ‫معينة من حاالت اهلجرة إىل فرنسا‪ ،‬وهي حالة‬ ‫السبعينات ‪.‬‬ ‫وإدارة االختالف تعين ً‬ ‫نوعا ما رفض الدمج‬ ‫الكامل للمهاجرين يف األمة الفرنسية‪ .‬وقد بلغ‬ ‫األمر حد الزعم أن املهاجرين غري األوربيني‬ ‫غري قابلني لالندماج ألنهم خيتلفون كثرياً من‬ ‫الناحية الثقافية عن الفرنسيني‪ .‬ويف الوقت‬ ‫الذي يتم فيه تشجيع ثقافة املهاجرين‪ ،‬فإن‬ ‫احلكومات املتعاقبة يف تلك الفرتة قد جاهدت‬ ‫عرب كل أنواع اإلج��راءات غري الفعالة يف إثارة‬ ‫عودة املهاجرين إىل بلدانهم‪ .‬وهو أمر ينبغي‬ ‫أال نرى فيه أي تناقض فإبقاء املهاجرين يف‬ ‫االختالف وتأجيج وعيهم بثقافتهم األصلية‬ ‫يساهم يف حثهم على العودة ال�تي يؤمل أن‬ ‫عاجال أم ً‬ ‫ً‬ ‫أجال على الرغم من بداهة‬ ‫تتحقق‬

‫األمور‪ .‬لكن مفهوم ثقافة املهاجرين القى بعض‬ ‫التجاوب يف السبعينات ليس بسبب سياسة‬ ‫احلكومات فحسب بل ألن السياق األيديولوجي‬ ‫الفرنسي يف تلك الفرتة قد ساهم كثرياً يف هذا‬ ‫األمر‪ .‬واحلقيقة أن تلك السنوات متيزت بانبثاق‬ ‫احل��رك��ات اإلقليمية (بروتانيا‪ ،‬أوكسيتان‪،‬‬ ‫كورسيكا) املطالبة باالعرتاف بوجود هوية‬ ‫ثقافية خاصة واليت تدين املركزية الثقافية‬ ‫للدولة الفرنسية وصار يشاد باالختالف الثقايف‬ ‫لذاته‪ّ ،‬‬ ‫ونصب عدد كبري من املناضلني أنفسهم‬ ‫مبثابة شعراء التعددية الثقافية واملدافعني عن‬ ‫كل األقليات الثقافية املتواجدة على الساحة‬ ‫الفرنسية‪ .‬و تأكد احل��ق باالختالف الثقايف‬ ‫باعتباره أح��د احلقوق األساسية لإلنسان‪.‬‬ ‫وبذلك التقى اخلطاب التعددي وبشكل غري‬ ‫مسبوق‪ ،‬باخلطاب املركزي لتشجيع ثقافات‬ ‫املهاجرين‪ ،‬حتى لو كانت املكانة املمنوحة‬ ‫لالختالف تتعارض ً‬ ‫متاما يف هذه احلالة أو تلك ‪.‬‬ ‫وإن شهد هذا املفهوم ً‬ ‫شيئا من النجاح‪ ،‬فذلك‬ ‫ً‬ ‫طابعا إيديولوجيا يتفق مع رؤية‬ ‫ألنه اكتسب‬ ‫سياسية معينة‪ .‬هذا التجيري اإليديولوجي‬ ‫للمفهوم بلغ حد قيامه بنقل ّ‬ ‫متثل نوعي هلذه‬ ‫الثقافة أو تلك الثقافات‪ً .‬‬ ‫أوال استخدام عبارة‬ ‫تقريبا ً‬ ‫ً‬ ‫دائما إىل لثقافة‬ ‫ثقافة املهاجرين حييل‬ ‫األصلية للمهاجرين‪ .‬أي إىل ثقافة بلدانهم‬ ‫األصلية‪ .‬وهي طريقة ذكية إلنكار اخلصوصية‬ ‫الثقافية اليت يتمتع بها املهاجرون بالنسبة‬ ‫ألبناء وطنهم الذين بقوا يف البالد ‪ .‬وهي طريقة‬ ‫ً‬ ‫أيضا لسجنهم يف هوية جامدة الثقافة املعنية‬ ‫هنا يف استخدام هذا املفهوم تعترب مبثابة ثقافة‬ ‫منشئة‪ ،‬ونوعا من املعطى السابق يف وجوده‬


‫على أي شكل من أشكال العالقات االجتماعية‪.‬‬ ‫والفرد ال ميكنه اإلفالت من ثقافته (األصلية)‬ ‫مثلما ال ميكنه التهرب من خصائصه الوراثية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫غالبا ما‬ ‫ضمن هذا الفهم فإن مفهوم الثقافة‬ ‫يعمل كتورية لـ(العنصر ‪ race‬إنه ثقافته‬ ‫بشكل مضمر) وال أحد يستطيع تغيريها‪ .‬ومن‬ ‫شأن الفرد أن يتحدد ً‬ ‫متاما من خالل ثقافته‬ ‫األصلية‪ .‬األمر الذي يسمح بتأكيد أن املهاجرين‬ ‫املختلفني جداً من الناحية الثقافية هم غري‬ ‫قادرين على االندماج ‪.‬‬ ‫إن مماهاة ثقافات املهاجرين بـثقافاتهم األصلية‬ ‫هو خطأ قائم على سلسلة من التشويشات‪ً .‬‬ ‫أوال‬ ‫حنن خنلط ثقافة األص��ل بالثقافة الوطنية‪.‬‬ ‫ونفكر كما لو أن ثقافة البلد األصل هي ثقافة‬ ‫واحدة‪ ،‬يف الوقت الذي جند فيه األمم اليوم غري‬ ‫متجانسة من الناحية الثقافية‪ .‬وال نتساءل‬ ‫عن اخلصوصية الثقافية لكل جمموعة من‬ ‫املهاجرين القادمني من بلد واحد‪ ،‬وال عن عالقة‬ ‫كل فرد بالثقافة الوطنية يف بلده قبل إقامته يف‬ ‫بلد االستقرار ‪ .‬بعد هذا تعرف الثقافة الوطنية‬ ‫« األصلية « بشكل ضمين كثقافة جامدة أو على‬ ‫األقل إنها ضعيفة القابلية للتطور‪ .‬إن البلدان‬ ‫اليت يفر منها املهاجرون هي يف الغالب بلدان‬ ‫تشهد تغريات عميقة إن مل نقل اضطرابات‬ ‫اقتصادية واجتماعية وبالتالي ثقافية ً‬ ‫أيضا‬ ‫ً‬ ‫ممثال‬ ‫‪ .‬وبالتالي فإن املهاجر ال ميكن أن يكون‬ ‫ً‬ ‫ممثال لثقافته اخلاصة‬ ‫لثقافة بلده وال حتى‬ ‫األصلية اليت ينتمي إليها‪ ،‬ألنه جيد نفسه خارج‬ ‫تطور طائفته و بلده (ال سيما التطور الثقايف)‪.‬‬ ‫ومهما بلغت اجلهود اليت يبذهلا املهاجرون للبقاء‬ ‫أوفياء لثقافتهم األصلية فإنهم سيبقون بعيدين‬

‫إىل حد ما عما آلت إليه تلك الثقافة منذ رحيله‪.‬‬ ‫وهذا ما يشكل إحدى املشاكل الكربى اليت تقف‬ ‫ً‬ ‫عائقا أمام عودة املهاجرين إىل بلدانهم حيث‬ ‫ً‬ ‫غالبا ال يتعرفون على التغريات الثقافية أو‬ ‫املادية اليت حصلت فيها خالل غيابهم ‪.‬‬ ‫إن الثقافة املسماة بـثقافة املهاجرين هي يف‬ ‫الواقع ثقافة تتحدد من خالل اآلخرين ً‬ ‫تبعا‬ ‫ً‬ ‫انطالقا من معايري عرقية‬ ‫ملصاحل اآلخرين‬ ‫مركزية‪ .‬ثقافة املهاجرين هي كل ما جيعلهم‬ ‫خمتلفني وال شيء غري هذا‪ .‬إنها ثقافة تتشكل‬ ‫مما يتناقض مع املنظومة الثقافية الفرنسية‪.‬‬ ‫لقد تشكلت يف التصور االجتماعي املهيمن‬ ‫يف فرنسا فكرة أن تكون مهاجراً هو يف حد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫(عجيبا‬ ‫غريبا‬ ‫خمتلفا‪ ،‬أن تكون‬ ‫ذاته أن تكون‬ ‫‪ .)estrange‬ومبقدار ما تزداد النظرة إىل‬ ‫الفرد على أنه غريب مبقدار ما يزداد النظر‬ ‫إليه على أنه مهاجر‪.‬‬ ‫من النظم الثقافية اخلاصة باملهاجرين لن‬ ‫منسك إال بتلك اليت تشجع التصور املهيمن على‬ ‫ً‬ ‫وضوحا للعني‬ ‫هذه الثقافات أي األوجه األكثر‬ ‫ً‬ ‫إدهاشا‪ .‬وسنضع يف املقدمة التقاليد‬ ‫واألكثر‬ ‫و األع��راف و السمات الثقافية األكثر غرابة‬ ‫(مثل األمور اليت تتعلق باملغاربة‪ ،‬حتريم حلم‬ ‫اخلنزير‪ ،‬التضحية باخلرفان‪ ،‬اخلتان وما إىل‬ ‫ذلك)‪ .‬وتتحدد ثقافة املهاجرين انطالقا ًمن‬ ‫جمموعة من العالمات اخلارجية (املمارسات‬ ‫الغذائية‪ ،‬و اللباسية والدينية واالجتماعية اخل‬ ‫‪)...‬اليت ال ندرك داللتها العميقة وال جتانسها‬ ‫ولكنها تسمح لنا بالتعرف على املهاجر‪،‬‬ ‫والتذكري بأصوله و ً‬ ‫تبعا لعبارة س ّيد إعادته إىل‬ ‫أصوله وهي طريقة إلعادته إىل مكانه‪.‬‬ ‫‪175‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪176‬‬

‫التعريف العام الذي يعطى لـ((ثقافة املهاجرين‬ ‫هو بالتالي تعريف جزئي والسياسة املسماة‬ ‫بسياسة تشجيع ثقافات املهاجرين مل تكن يف‬ ‫الواقع سوى تشجيع ألبرز املظاهر الفلوكلورية‬ ‫يف هذه الثقافات))‪ .‬إذاً فـ» ثقافة املهاجرين تبقى‬ ‫حمصورة بالثقايف بأضيق معاني هذه الكلمة‬ ‫ً‬ ‫أساسا جبو التسلية‪ .‬نشجع إقامة‬ ‫اليت تتعلق‬ ‫روابط ثقافية يتم متويلها يف إطار هذه السياسة‬ ‫ً‬ ‫مكانا ملمارسة اللغة األم والفنون‬ ‫وتصبح‬ ‫التقليدية (موسيقا‪ ،‬غناء‪ ،‬رقص‪ )...‬واملطبخ‬ ‫التقليدي اخل‪....‬يف احل��االت األخ��رى للحياة‬ ‫ً‬ ‫غالبا ما تقدم ثقافة املهاجرين‬ ‫االجتماعية‬ ‫ً‬ ‫إجيابيا باعتبارها تشكل‬ ‫بعيداً عن تقييمها‬ ‫مشكلة ومصدراً للصعوبات واإلزعاج بالنسبة‬ ‫للسكان الفرنسيني‪ .‬خارج أماكن وأوقات التعبري‬ ‫الثقايف املتفق عليه يطلب إىل املهاجرين اكتشاف‬ ‫الثقافة الفرنسية والتنازل عن األوجه األكثر‬ ‫إغاضة يف ثقافاتهم اخلاصة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫صفحا عن اخلطاب االيديولوجي‬ ‫إذا ضربنا‬ ‫حول ثقافة املهاجرين إذا وضعنا أنفسنا على‬ ‫صعيد آخر هو صعيد التحليل االنثروبولوجي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫حتما أن ثقافات املهاجرين هي‪ ،‬يف‬ ‫سنالحظ‬ ‫إطار جمتمع االستقبال‪ ،‬ثقافات قلل من شأنها‪،‬‬ ‫وثقافات خاضعة‪ .‬وهناك ماهو أكثر من هذا‪.‬‬ ‫يرى عدد كبري من املهاجرين‪ ،‬باملعنى احلقيقي‬ ‫للكلمة‪ ،‬أي مهاجري اجليل األول أن الثقافة‬ ‫األصلية اليت جيهدون يف احملافظة عليها على‬ ‫الرغم من كل الظروف‪ ،‬مل تعد يف البلد املضيف‬ ‫إال «ثقافة مفتتة» ثقافة جم��زأة‪ ،‬مت اختزاهلا‬ ‫إىل بعض عناصرها‪ .‬إنها مل تعد إال ثقافة غري‬ ‫مندجمة‪ ،‬ومفككة ومل تعد تشكل منظومة‬

‫متجانسة وبعبارة أخرى مل تعد ثقافة تامة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فضال عن هذا‪ ،‬هذه األجزاء املفصولة عن الوسط‬ ‫الذي أنتجها‪ ،‬واملستوردة إىل جمتمع اهلجرة‪ ،‬هي‬ ‫أجزاء انفصلت عن سياقها األمر الذي أفقدها‬ ‫طابعها الوظيفي‪ .‬وأصبحت الزمنية وتعبري عن‬ ‫تقاليد لليأس هذه الثقافة املُب َعدة عن وطنها‬ ‫ّ‬ ‫واملفقرة ال ميكنها إال أن تكون ثقافة جامدة‪،‬‬ ‫قلت قدرتها على التطور وصعبت قدرتها على‬ ‫االنتقال إىل اجليل الثاني ‪ .‬وإذا كان املهاجرون‬ ‫يتعلقون بهذه األجزاء من الثقافة‪ ،‬فألن ذلك‬ ‫يسمح هلم بتأكيد هوية نوعية والربهنة على‬ ‫وفائهم جلماعتهم األصلية وهذا يسمح ً‬ ‫أيضا‬ ‫باحلفاظ على حد أدنى من االنسجام مع مجاعة‬ ‫املهاجرين ال�تي تتعرف على ذات��ه��ا يف اصل‬ ‫مشرتك‪.‬‬ ‫ول�لأس��ب��اب نفسها كما يشري (ص�� ّي��اد) يلعب‬ ‫املهاجرون لعبة سياسة الدولة يف رفع قيمة‬ ‫ثقافتهم‪ .‬فاملشاركة يف التظاهرات الثقافية‬ ‫ً‬ ‫املمولة من قبل هذه السياسة ليست ً‬ ‫فائضا‬ ‫ترفا‬ ‫بل حماولة للمحافظة على ما تبقى من الثقافة‬ ‫األصلية ولتعزيز التضامن يف جمموعات أبناء‬ ‫الوطن الواحد عرب الشعور املشرتك بالعيش‬ ‫ً‬ ‫مجاعيا‪ .‬إذاً يبدي املهاجرون مقاومة ثقافية‬ ‫على قدر ما يستطيعون ‪ .‬ومع هذا شائوا أم ابو‬ ‫فإن منظومتهم الثقافية تتطور‪ .‬حتى حني‬ ‫يعتقدون بأنهم أوفياء ً‬ ‫متاما لتقاليدهم‪ ،‬هناك‬ ‫تغريات تنشأ يف مرجعياتهم الثقافية‪ .‬ويستحيل‬ ‫عليهم البقاء أبداً ممانعني للتأثري الثقايف الذي‬ ‫يفرضه عليهم اجملتمع احمليط‪ .‬مبقدار ما‬ ‫تطول مدة إقامة املهاجر مبقدار ما يصبح هذا‬ ‫ً‬ ‫حامسا‪ ،‬وعلى هذا ال ميكن خلط ثقافات‬ ‫التأثري‬


‫املهاجرين بشكل اختزالي مع ثقافاتهم األصلية‬ ‫‪ .‬إنها ثقافات ح ّية وديناميكية حترك جمموعات‬ ‫املهاجرين‪ ،‬وهي جمموعات متعددة األجيال ‪.‬‬ ‫أولئك الذين نسميهم « مهاجري اجليل الثاني «‬ ‫(وهو تعبري غري مالئم ّ‬ ‫ألن هؤالء مل يهاجروا)‬ ‫كثرياً ما يساهمون يف تغيري ثقافة جمموعتهم‬ ‫نظراً الندماجهم االجتماعي املزدوج يف العائلة‬ ‫م��ن جهة ويف امل��درس��ة الفرنسية م��ن جهة‬ ‫واالحتكاك بالفتيات الفرنسيات من جهة‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫إن ثقافات خمتلف جتمعات املهاجرين مل تعد‬ ‫معطى يشبه أية ثقافة أخ��رى‪ .‬إنها خالصة‬ ‫عدة تفاعالت‪ ،‬يف داخل التجمع نفسه وبني كل‬ ‫جتمع والتجمعات األخرى وحميطها االجتماعي‬ ‫وإذا ما أُخذت ثقافات املهاجرين كلها مع بعضها‬ ‫كمنظومة فإنها مستمرة يف التطور‪ ،‬حتى لو‬ ‫أمكن االحتفاظ ببعض العناصر اخلاصة يف‬ ‫حالة شبه ثابتة إنها ثقافات تلفيقية هجينة‪،‬‬ ‫ق��ال عنها بعض املؤلفني بأنها تتشكل على‬ ‫طريقة الرتقيع كما هي يف األغلب حول الثقافات‬ ‫الناشئة عن احتكاكات ثقافية غري متناظرة‬ ‫ً‬ ‫متاما‪ .‬وتتبدى ابداعيتها ‪ creativity‬يف‬ ‫قدرتها على دمج عناصر مأخوذة من ثقافات‬ ‫يفرتض أنها متباعدة يف املنظومة نفسها وجعل‬ ‫ختطيطات ‪ schemas‬ثقافية غري متجانسة‬ ‫ً‬ ‫ظاهريا تتعايش مع بعضها البعض‪ .‬وبسبب‬ ‫مظهر هذه الثقافات الرتقيعي وكونها نشأت من‬ ‫أدوات متباعدة وأصول متنوعة‪ ،‬فإنها تشكل‬ ‫ً‬ ‫أصيال طاملا أن االقتباس ال يتم بدون‬ ‫إبداعا‬ ‫إع��ادة تأويله أي دون إع��ادة خلقه‪ ،‬لكي يتم‬ ‫إدخاله يف جمموعة جديدة ‪ « .‬الرتقيع « الثقايف ال‬

‫يتناقض مع إرادة الوفاء للثقافة األصلية ‪ .‬ففي‬ ‫حاالت كثرية‪ ،‬كما ترى دومينيك شنابر(‪)1986‬‬ ‫يتم الرتقيع اعتبارا من عناصر مقبوسة حول‬ ‫ما ّ‬ ‫تسميه « النواة الصلبة « للثقافة األصلية‪ ،‬أي‬ ‫القيم واملعايري واملمارسات اليت تبدو –بنظر‬ ‫املهتمني‪-‬الزمة للحفاظ على اهلوية اجلماعية‬ ‫والشرف كما يتصورونه ‪ .‬كل ما يك ّون « النواة‬ ‫الصلبة « ينتقل منذ الطفولة األوىل كمفهوم‬ ‫األدوار اجلنسية‪ ،‬على سبيل املثال أو التعليمات‬ ‫الغذائية‪ ،‬و مع هذا فإن دومينيك شنابر حتذرنا‬ ‫بقوهلا‪:‬‬ ‫التمييز بني ن��واة املنظومة الثقافية وبني‬ ‫ً‬ ‫حميطها ليس منجزاً‬ ‫نهائيا‪ ،‬ألن��ه يرتبط‬ ‫بالثقافات األصلية وبالظروف التارخيية اليت‬ ‫تقود اليت تقود اجلماعة إىل وعي ذاتها وبالنتيجة‬ ‫إىل وعي حدودها‪ ،‬إن الدراسات االثنوغرافية‬ ‫اجلدية وحدها القادرة يف نهاية املطاف على‬ ‫الكشف امل��ادي عن ماهية ثقافات املهاجرين‬ ‫نظراً لوجود عدة أمناط من املهاجرين‪ .‬ولوضع‬ ‫تصنيف م�لائ��م‪ ،‬ال ّ‬ ‫ب��د م��ن أخ��ذ سلسلة من‬ ‫املتغريات بعني االعتبار املكانة االجتماعية‬ ‫وال ُبنى العائلية األصلية للمهاجرين‪ ،‬وطابع‬ ‫مشروع اهلجرة ومنوذج الدمج اخلاص بالدولة‬ ‫املضيفة (فردي أم «مجاعي» على سبيل املثال)‬ ‫جتميع املهاجرين أم توزيعهم (فوق األراضي‬ ‫الوطنية‪ ،‬يف امل��دن ويف األح��ي��اء)‪ .‬وبالتالي ال‬ ‫ميكننا رسم لوحة وحيدة لثقافات املهاجرين‬ ‫ألنها ال توجد إال بشكل مجعي ويف تنوع احلاالت‬ ‫واألشكال والعالقات بَينْ ال ِعرقية‪ .‬هذه الثقافات‬ ‫ه��ي منظومات معقدة ومتطورة طاملا أنه‬ ‫يتم إعادة تأويلها باستمرار عن طريق أفراد‬ ‫‪177‬‬

‫أقواس‬


178 sociétés contemporaines، Presses du CNRS، Paris، 1988، p. 19-34. - Le Sens des autres، Fayard، Paris، 1993. 5- BADIE Bertrand، culture et politique، Economica، Paris، 1983. 6- BALANDIER Georges، «La notion de “ situation” colonial »، in ID.، Sociologie actuelle de l’Afrique noire، PUF، Paris، 1955، p. 3- 38. 7- BARTH Fredrik، « Les groupes ethniques et leurs frontières » (trad. franç. 1re éd En englais 1969) in Poutignat ph. et STREIFF- FENART J.، Théories de l’ethnicité، PUF، coll. « Le sociologue »، Paris، 1995، p. 203- 249 .

‫أقواس‬

‫ أن‬categories ‫ميكن ملصاحلهم الفئوية‬ ً ‫ختتلف‬ ‫تبعا للجنس واجليل واملكان يف البنية‬ .‫اخل‬...‫االجتماعية‬ ‫إن ال��ت��ص��ور التبسيطي لثقافة املهاجرين‬ ‫املزعومة(باملفرد)أوجدت وفرة من الكتابات‬ ‫واخلطابات ذات التوجهات اخلاضعة للمناقشة‬ ‫واملفتقرة إىل العلمية ال ينبغي أن يقود أخذ‬ ‫تعقيد خمتلف ثقافات املهاجرين بعن االعتبار‬ ‫الباحثني إىل ترك حتليل البعد الثقايف لظاهرة‬ ‫ وتفحص الشرط االجتماعي للمهاجرين‬. ‫اهلجرة‬ .‫غري كاف لكي ُتفهم ممارساتهم بشكل جيد‬ ‫التحليل الثقايف ضروري لفهم التجانس الرمزي‬ ‫جلملة ه��ذه املمارسات وللمعنى ال��ذي جيهد‬ ‫املهاجرون يف إعطائه لوجودهم إنهم يؤكدون‬ . ‫إنسانيتهم عرب إبداعهم الثقايف‬

8- BASTIDE Roger، «Le principe de coupure et le comportement afro-

:‫اإلحاالت واملصادر‬

brésilien »، Anais do XXXL Congresso

1-Abou sélim، L’Identité culturelle.

Internacional de Americanistas، Sao

Relations interethniques et problèmes

Paulo (1954 )، anhembi، Sao Paulo، 1955،

d’acculturtion، Anthropos، Paris، 1981.

vol. 1، p. 493 – 503

- Cultures et droits de l’homme، Hachette، coll. « pluriel »، Paris، 1992. 2-ALMOND Gabriel et VERBA Sidney، the Civic Culture، Little Brown، Boston، 1963. 3- AMSELLE Jean-Loup، Logiques métisses. Anthropologie de l’identité en Afrique et ailleurs، Payot، Paris، 1990. 4- AUGE Marc، « L’autre proche »، in SEGALEN Martine (éd. )، L’Autre et le semblable. Regards sur l’ethnologie des


‫الثقافة والهوية بني إشكالية التمييز و التاميز‬ ‫دراسة يف علم االجتامع السيايس‬

‫د‪ .‬سيناء مدحت الوندي‬

‫‪179‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪180‬‬

‫التمهيد‬ ‫يف الوقت الذي يشهد فيه مفهوم الثقافة‪ ،‬منذ‬ ‫ً‬ ‫جناحا خارج دائ��رة العلوم االجتماعية‬ ‫فرتة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الضيقة‪ ،‬جند مفهوما آخر هو مفهوم» اهلوية»‬ ‫–وهو غالبا ما يرتبط باألول‪ -‬يشيع استخدامه‬ ‫ً‬ ‫تدرجييا لدرجة جعلت بعض احملللني يرون‬ ‫فيه أثراً من آثار املوضة‪ .‬لكن ما الذي تعنيه‬ ‫«موضة» اهلويات هذه‪ ،‬وهي الغريبة يف جزء كبري‬ ‫منها عن تطور البحث العلمي السيما ذلك املعين‬ ‫باهلوية؟‪.‬‬ ‫ً‬ ‫غالبا ما حتيلنا التساؤالت الكربى املثارة اليوم‬ ‫حول اهلوية إىل مسألة الثقافة‪ .‬فنحن نرمي إىل‬ ‫رؤية األشياء الثقافية حيثما نظرنا‪ ،‬كما نريد أن‬ ‫حيظى كل منا بهويته‪ .‬وندين األزمات الثقافية‬ ‫كما ندين أزمات اهلوية‪ .‬فهل يعين هذا أنه علينا‬ ‫وضع تطور هذه اإلشكالية يف إطار الضعف الذي‬ ‫يشهده منوذج الدولة‪-‬األمة؟ ويف مدى الدمج‬ ‫السياسي ال��ذي يتجاوز احل��دود الوطنية ويف‬ ‫شكل معني من أشكال عوملة االقتصاد؟ وبشكل‬ ‫أكثر دقة نقول‪ :‬إن الشكل اهلويات احلديث هو‬ ‫امتداد لظاهرة متجيد االختالف اليت انبثقت‬ ‫يف السبعينات كنتيجة للتحركات اإليديولوجية‬ ‫املتنوعة‪ ،‬أي املتناقضة‪ ،‬س��واء كالت املديح‬ ‫للمجتمع املتعدد الثقافات من جهة أو نتيجة‬ ‫ً‬ ‫حمافظا على‬ ‫ملقولة «ليبق كل منا يف بيته‬ ‫هويته» من جانب آخر؟‬ ‫وم��ع ذل��ك‪ ،‬حتى لو ارتبط مفهوما الثقافة‬ ‫واهلوية الثقافية مبصري واحد‪ ،‬فليس من السهل‬ ‫خلط أحدهما باآلخر‪ .‬إذ ميكن للثقافة أن تعمل‬ ‫بدون وعي للهوية‪ ،‬بينما ميكن السرتاتيجيات‬ ‫اهلوية أن تعاجل الثقافة أو تغريها‪ ،‬وبالتالي ال‬

‫يبقى هناك شيء مشرتك مع ما كانت عليه يف‬ ‫السابق‪ .‬تنشأ الثقافة‪ ،‬يف جزء كبري منها‪ ،‬عن‬ ‫عملية الواعية‪ .‬أما اهلوية فتحيل إىل معيار‬ ‫انتماء جيب أن يكون ً‬ ‫واعيا‪ ،‬ألنها‪ ،‬أي اهلوية تقوم‬ ‫على متعارضات رمزية‪.‬‬ ‫يف جم��ال العلوم االجتماعية يتميز مفهوم‬ ‫اهلوية الثقافية بغموضه و تعدد معانيه‪.‬‬ ‫ونظرا حلداثة هذا املفهوم‪ ،‬فقد شهد عدداً من‬ ‫التعاريف و التأويالت املكررة‪ ،‬وحتولت فكرة‬ ‫اهلوية الثقافية إىل مفهوم يف الواليات املتحدة‬ ‫خالل اخلمسينات‪ .‬وكان فريق البحث يف علم‬ ‫ً‬ ‫مشغوال آنذاك بإجياد أداة‬ ‫النفس االجتماعي‬ ‫مناسبة تسمح بإيضاح املشاكل النامجة عن‬ ‫اندماج املهاجرين‪ .‬هذه املقاربة اليت كانت ترى‬ ‫يف اهلوية الثقافية حمدداً ً‬ ‫ثابتا لسلوك األفراد‪،‬‬ ‫قد جتاوزها الزمن حلساب مفاهيم‪ ،‬إىل حد ما‬ ‫ً‬ ‫مستقال‬ ‫ديناميكية ال جتعل من اهلوية معطى‬ ‫عن السياق العالئقي‪ .‬ومسألة اهلوية الثقافية‬ ‫ً‬ ‫منطقيا‪ ،‬وللوهلة األوىل‪ ،‬إىل املسألة األوسع‬ ‫حتيل‬ ‫وهي مسألة اهلوية االجتماعية اليت تعد اهلوية‬ ‫الثقافية إحدى مكوناتها‪.‬‬ ‫علم النفس االجتماعي يرى يف اهلوية أداة تسمح‬ ‫بالتفكري يف العالقة املفصلية بني السيكولوجي‬ ‫واالجتماعي عند الفرد‪ .‬إنها تعرب عن حمصلة‬ ‫خمتلف التفاعالت املتبادلة بني الفرد مع‬ ‫حميطه االجتماعي القريب و البعيد‪ .‬واهلوية‬ ‫االجتماعية للفرد تتميز مبجموع انتماءاته‬ ‫يف املنظومة االجتماعية‪ :‬كاالنتماء إىل طبقة‬ ‫جنسية أو عمرية أو اجتماعية أو مفاهيمية‬ ‫اخل‪ .‬واهلوية تتيح للفرد التعرف على نفسه‬ ‫يف املنظومة االجتماعية ومتكن اجملتمع من‬


‫التعرف عليه‪ .‬لكن اهلوية االجتماعية ال ترتبط‬ ‫ب��األف��راد فحسب‪ ،‬فكل مجاعة تتمتع بهوية‬ ‫تتعلق بتعريفها االجتماعي‪ ،‬وهو تعريف يسمح‬ ‫بتحديد موقعها يف اجملموع االجتماعي‪ .‬اهلوية‬ ‫االجتماعية هي احتواء وإبعاد يف الوقت نفسه‪:‬‬ ‫إنها حتدد هوية اجملموعة(اجملموعة تضم أعضاء‬ ‫متشابهني فيما بينهم بشكل من األشكال)‪ .‬يف‬ ‫هذا املنظور تربز اهلوية الثقافية باعتبارها‬ ‫صيغة حتديد فئوي للتمييز بني حنن‪/‬هم‪ ،‬وهو‬ ‫متييز قائم على االختالف الثقايف‪.‬‬ ‫املفاهيم املوضوعية والذاتية للهوية الثقافية‪:‬‬ ‫مثة عالقة وثيقة بني املفهوم الذي نتصوره‬ ‫عن الثقافة وبني مفهومنا للهوية الثقافية‪.‬‬ ‫أولئك الذين مياهون الثقافة بـ»طبيعة ثانية»‬ ‫تأتينا بالوراثة وال ميكننا اهلروب منها‪ ،‬يرون‬ ‫يف اهلوية معطى من شأنه أن حيدد الفرد بشكل‬ ‫ً‬ ‫تقريبا يف‬ ‫نهائي ويطبعه بطابعه ال يقبل اجلدل‬ ‫هذا املنظور‪ ،‬ميكن للهوية أن حتيل بالضرورة‬ ‫إىل اجملموعة األصلية اليت ينتمي إليها الفرد‬ ‫«واألصل» أو اجلذور اليت ً‬ ‫وفقا للتصور العادي‪،‬‬ ‫هو أس��اس اهلوية الثقافية أي ما حيدد الفرد‬ ‫بشكل أكيد وأصيل‪ .‬هذا التصور شبه الوراثي‬ ‫للهوية‪ ،‬والذي يستخدم كعماد إليديولوجيات‬ ‫التجذر‪ Racinement Ideology‬يقود‬ ‫ً‬ ‫طبيعيا‪ .‬بعبارة أخرى‬ ‫إىل جعل االنتماء الثقايف‬ ‫قد تكون اهلوية سابقة على الفرد الذي ال يسعه‬ ‫ً‬ ‫مهمشا أو «منبت‬ ‫إال االنضواء حتتها‪ ،‬وإال سيكون‬ ‫اجل��ذور»‪ .‬إذا نظرنا إىل اهلوية على هذا النحو‬ ‫فإنها تبدو مبثابة جوهر قابل للتطور مبعزل‬

‫عن سلطة الفرد أو اجملموع‪.‬‬ ‫إن إشكالية األصل املطبقة على اهلوية الثقافية‬ ‫ميكن أن ت��ؤدي إىل جعل األف���راد واجلماعات‬ ‫عنصرين ومب��ا أن اهل��وي��ة‪ ،‬كما تقول بعض‬ ‫األطروحات املتطرفة‪ ،‬حمفورة يف اإلرث الوراثي‬ ‫وراثته البيولوجية يولد‬ ‫ومبا أن الفرد بطبيعة‬ ‫ِ‬ ‫مع العناصر املكونة للهوية العرقية والثقافية‬ ‫ومنها الصفات النمطية الظاهرية واملزايا‬ ‫النفسية الناشئة عن (العقلية) و(العبقرية)‬ ‫اخلاصة بالشعب الذي ينتمي إليه الفرد فإن‬ ‫اهل��وي��ة ترتكز بالتالي على شعور غريزي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مالزما‬ ‫شرطا‬ ‫باالنتماء إىل حد ما‪ .‬وتعد اهلوية‬ ‫للفرد وحتدده بشكل ثابت ونهائي‪.‬‬ ‫يف الدراسات الثقافية حنن ال نستند إىل اإلرث‬ ‫ً‬ ‫حامسا بل على اإلرث‬ ‫البيولوجي الذي ال نعده‬ ‫الثقايف‪ .‬وعلى هذا فإن النتيجة تكون نفسها‬ ‫تقريبا ألن الفرد‪ً ،‬‬ ‫ً‬ ‫تبعا هلذه املقاربة‪ ،‬مضطر إىل‬ ‫استبطان النماذج الثقافية املفروضة عليه ألنه‬ ‫ال يستطيع إال التماهي جبماعته األصلية‪ .‬وهنا‬ ‫ً‬ ‫أيضا ّ‬ ‫تعرف اهلوية على أنها سابقة يف وجودها‬ ‫على وج��ود ال��ف��رد‪ .‬وت�برز اهل��وي��ة الثقافية‬ ‫مالزمة للثقافة اخلاصة‪ .‬و بالتالي فإننا نسعى‬ ‫إىل وضع قائمة باخلصائص الثقافية اليت ميكن‬ ‫ً‬ ‫أن ّ‬ ‫حامال للهوية اجلماعية‪ .‬وسنبذل‬ ‫تشكل‬ ‫جهدنا لتحديد الثوابت الثقافية اليت تسمح‬ ‫بتحديد جوهر اجلماعة‪ ،‬أي هويتها «األساسية»‬ ‫ً‬ ‫تقريبا‪.‬‬ ‫الثابتة‬ ‫هناك نظريات أخ��رى حول اهلوية الثقافية‬ ‫توصف بالنظريات «األ ّولية» وهي ترى أن اهلوية‬ ‫العرقية‪ -‬الثقافية هي هوية أولية «أساسية» ألن‬ ‫االنتماء للمجموعة العرقية هو أول االنتماءات‬ ‫‪181‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪182‬‬

‫االجتماعية وأكثرها جوهرية‪ .‬ففيها تنعقد‬ ‫أكثر الروابط حتديداً ألن األمر يتعلق بروابط‬ ‫قائمة على الساللة املشرتكة‪ .‬يف كنف اجلماعة‬ ‫يتم تقاسم أعمق املشاعر و التضامن وأكثرها‬ ‫ق���درة على حت��دي��د هيكل اجل��م��اع��ة‪ .‬وبهذا‬ ‫التعريف تبدو اهلوية الثقافية مبثابة ملكية‬ ‫أساسية الزمة للجماعة ألن هذه اجلماعة تقوم‬ ‫بنقلها عرب أف��راده��ا وإليهم دون الرجوع إىل‬ ‫اجلماعات األخرى‪ .‬ويكون اكتساب اهلوية مبثابة‬ ‫حتصيل حاصل ألن األمر يبدأ به‪.‬‬ ‫ما يربط هذه النظريات ببعضها هو املفهوم‬ ‫املوضوعي نفسه حول اهلوية الثقافية‪ .‬ويف كل‬ ‫األحوال‪ ،‬فإن األمر يتعلق بتحديد اهلوية والقيام‬ ‫ً‬ ‫انطالقا مم��ا ه��و مشرتك (ال��وراث��ة‬ ‫بوصفها‬ ‫والساللة) واللغة والثقافة والدين وعلم النفس‬ ‫اجلماعي(الشخصية األساسية) واالرتباط بأرض‬ ‫معينة‪...‬اخل‪ .‬ويرى املوضوعيون أن اجلماعة‬ ‫اليت تفتقر إىل لغة خاصة بها أو إىل ثقافة أو‬ ‫أرض ختتص بها‪ ،‬أي كما يقول البعض‪ ،‬اجلماعة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اليت ال متلك ً‬ ‫خاصا بها ال ميكنها أن‬ ‫ظاهريا‬ ‫منطا‬ ‫تكون مجاعة عرقية‪-‬ثقافية وال ميكنها املطالبة‬ ‫بهوية ثقافية أصيلة‪.‬‬ ‫لقد القت تعريفات اهلوية هذه نقداً شديداً‬ ‫من قبل املدافعني عن املفهوم الذاتي لظاهرة‬ ‫اهلوية‪ .‬فهم يرون أنه ال ميكن اختزال اهلوية‬ ‫ببعدها االستنسابي ‪ attributive‬وهي‬ ‫ليست هوية مكتسبة بشكل نهائي‪ .‬والنظر‬ ‫إىل تلك الظاهرة على هذا النحو يعين عدها‬ ‫مبثابة ظاهرة سكونيه جامدة حتيل إىل مجاعة‬ ‫حم��ددة بشكل ثابت‪ .‬وه��ي نفسها غري قابلة‬ ‫للتغري‪ .‬وي��رى «الذاتيون» أن اهلوية العرقية‪-‬‬

‫الثقافية ليست سوى شعور باالنتماء أو التماهي‬ ‫يف مجاعة خيالية إىل حد م��ا‪ .‬وم��ا يهم هذه‬ ‫التحليالت هو التصورات اليت يكونها األفراد عن‬ ‫الواقع االجتماعي وعن انقساماته‪.‬‬ ‫غري أن وجهة النظر الذاتية املتطرفة تؤدي‬ ‫إىل اخ��ت��زال اهل��وي��ة إىل جم��رد مسألة اختيار‬ ‫ف��ردي عشوائي حبيث يكون ّأي منا ح��راً يف‬ ‫متاهياته‪ .‬إن مثل هذه اهلوية اخلاصة‪ً ،‬‬ ‫وفقا‬ ‫لوجهة النظر السابقة‪ ،‬ميكن حتليلها باعتبارها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حمضا نشأ عن خيال بعض‬ ‫استيهاميا‬ ‫تكونا‬ ‫اإليديولوجيني ال��ذي��ن يتالعبون جبماهري‬ ‫ساذجة إىل حد ما أثناء حبثهم عن غايات ميكن‬ ‫اإلقرار بها‪ .‬إذا كان للمقاربة الذاتية من فضيلة‬ ‫فهي تلك اليت توضح الطابع املتغري للهوية‪،‬‬ ‫لكن هذه املقاربة اجتهت كثرياً إىل الرتكيز على‬ ‫املظهر املؤقت للهوية يف الوقت الذي ال يندر فيه‬ ‫ً‬ ‫نسبيا‪.‬‬ ‫أن تكون اهلويات ثابتة‬ ‫املفهوم العالئقي والظريف‪:‬‬ ‫إن اعتماد مقاربة موضوعية حبتة أو ذاتية‬ ‫حبتة يعين أن نضع أنفسنا يف طريق مسدود‪.‬‬ ‫والربهنة مبعزل عن السياق العالئقي لبحث‬ ‫مسألة اهلوية ال��ذي يعترب وح��ده هو القادر‬ ‫على تفسري السبب يف ترسخ هوية معينة يف‬ ‫فرتة معينة وكبتها يف فرتة أخ��رى‪ .‬إذا كانت‬ ‫اهلوية ً‬ ‫فعال اجتماعيا ّ‬ ‫بناء وناشئة عن التصور‬ ‫وليست ُمعطى‪ ،‬فهي ليست ً‬ ‫وهما يتعلق مبجرد‬ ‫ذاتية الفاعلني االجتماعيني‪ .‬إن تكوين اهلوية‬ ‫يتم داخل األطر االجتماعية اليت حتدد موقع‬ ‫ّ‬ ‫وتوجه تصوراتهم وخياراتهم‪ .‬ومن‬ ‫الفاعلني‬


‫جانب آخر‪ ،‬فإن تكون اهلوية ليس ً‬ ‫وهما ألنه‬ ‫يتمتع بفاعلية اجتماعية وله آثار اجتماعية‬ ‫حقيقية‪.‬‬ ‫اهلوية بناء يتكون ضمن عالقة تضع إحدى‬ ‫اجملموعات يف مقابل جمموعات أخ��رى على‬ ‫متاس معها وعلينا هنا أن نسجل ديننا ملا قام به‬ ‫بارث(‪ )1969‬من عمل طليعي حيث ّ‬ ‫عد مفهوم‬ ‫اهلوية هذا مبثابة جتل عالئقي يسمح بتجاوز‬ ‫خيار املوضوعية‪/‬الذاتية‪ .‬وهو يرى أن البحث‬ ‫معين بفهم ظاهرة اهلوية يف نظام العالقات‬ ‫القائمة بني اجلماعات االجتماعية‪ .‬وهو يعد‬ ‫اهلوية ً‬ ‫شكال من أشكال التقسيم إىل فئات‪ ،‬وهو‬ ‫التقسيم الذي تستخدمه اجملموعات من أجل‬ ‫تنظيم التبادالت فيما بينها‪ .‬ما يهمنا يف حتديد‬ ‫هوية معينة ليس وضع كشف جملموع السمات‬ ‫الثقافية املميزة لتلك اهلوية بل البحث يف‬ ‫هذه السمات اليت يستخدمها أعضاء اجملموعة‬ ‫لتأكيد التميز الثقايف واحملافظة عليه‪ .‬وبعبارة‬ ‫أخرى فإن اختالف اهلوية ليس نتيجة مباشرة‬ ‫لالختالف الثقايف‪ .‬الثقافة اخلاصة ال تنتج‬ ‫بذاتها هوية متميزة ألن هذه اهلوية ال ميكن أن‬ ‫تنشأ عن األفعال املتبادلة بني اجلماعات وعن‬ ‫طرائق التمييز اليت تستخدمها يف عالقاتها‪.‬‬ ‫وبالنتيجة‪ ،‬أن أفراد اجملموعة ال ميكن إدراكهم‬ ‫على أنهم حمددين بشكل مطلق من خالل‬ ‫انتمائهم العرقي‪-‬الثقايف ألنهم هم املمثلون‬ ‫الذين ينسبون الداللة إىل هذا االنتماء ً‬ ‫تبعا‬ ‫للحالة العالئقية اليت جي��دون أنفسهم فيها‪.‬‬ ‫وهذا يعين أن اهلوية تتشكل و يعاد تشكيلها‬ ‫باستمرار من خالل التبادالت االجتماعية‪ .‬هذا‬ ‫املفهوم الديناميكي للهوية يتعارض مع املفهوم‬

‫الذي جيعل منها صفة أصلية و دائمة غري قادرة‬ ‫على التطور‪ .‬و بالتالي فإننا إزاء تغري جذري‬ ‫يف اإلشكالية اليت تضع دراسة العالقة يف مركز‬ ‫التحليل‪ ،‬وليس البحث عن جوهر مفرتض‬ ‫حيدد اهلوية‪ .‬ليس هناك هوية يف حد ذاتها‬ ‫ومن أجل ذاتها فقط‪ .‬و بعبارة أخرى‪ ،‬اهلوية‬ ‫والغريية شريكان تربط بينهما عالقة جدلية‪.‬‬ ‫والتماثل يوازي االختالف‪ ،‬طاملا أن اهلوية هي‬ ‫حمصلة عملية مطابقة يف كنف حالة عالئقية‪.‬‬ ‫وطاملا أنها ً‬ ‫أيضا نسبية ألنها تتطور بتطور‬ ‫احلالة العالئقية فال شك أنه من األفضل أن‬ ‫نأخذ مبفهوم التماثل باعتباره مفهوما عمليا‬ ‫للتحليل ً‬ ‫بدال من مفهوم اهلوية‪.‬‬ ‫ميكن للتماثل أن يعمل كتأكيد للهوية أو تعيني‬ ‫هلا ‪ .Assignation‬اهلوية دائما عبارة عن‬ ‫حل وسط‪ ،‬وميكن القول أنها عملية تفاوض بني‬ ‫«هوية ذاتية» تتحدد بذاتها و»هوية متعددة» أو‬ ‫هوية «خارجية» حيددها اآلخرون‪ .‬ميكن للهوية‬ ‫املتعددة أن تقود إىل متاثالت متناقضة‪ ،‬ففي‬ ‫أمريكا الالتينية على سبيل املثال‪ ،‬يف نهاية‬ ‫القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين‪،‬‬ ‫كان يشار إىل املهاجرين السوريني واللبنانيني‪،‬‬ ‫وغالبيتهم من املسيحيني الذين هربوا من ظلم‬ ‫اإلمرباطورية العثمانية‪ ،‬كان يشار إليهم (وال‬ ‫يزالون) على أنهم أتراك ألنهم دخلوا جبوازات‬ ‫سفر تركية‪ .‬يف الوقت الذي كانوا فيه يرفضون‬ ‫ً‬ ‫أتراكا‪ .‬وكذلك األمر بالنسبة لليهود‬ ‫أن يكونوا‬ ‫الشرقيني الذين هاجروا إىل أمريكا الالتينية يف‬ ‫الفرتة نفسها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وفقا للحالة العالئقية‪ ،‬السيما عالقة القوة بني‬ ‫جمموعات التماس‪-‬اليت ميكن أن تكون عالقة‬ ‫‪183‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪184‬‬

‫قوى رمزية‪ -‬ميكن أن تتمتع اهلوية الذاتية‬ ‫(الفردية) بشرعية أكرب من اهلوية اجلماعية‪.‬‬ ‫وهذه اهلوية اجلماعية أو املتعددة تكون يف حالة‬ ‫هيمنة مميزة‪ ،‬ترتجم من خالل اآلث��ار اليت‬ ‫ً‬ ‫وغالبا ما تؤدي‬ ‫تعاني منها جمموعات األقليات‪.‬‬ ‫يف هذه احلالة إىل ما مسيناه باهلوية السلبية‪ .‬و‬ ‫نظراً ألن األغلبية ّ‬ ‫تعرف األقلية على أنها خمتلفة‬ ‫بالنسبة للمرجعية اليت تشكلها هذه األغلبية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سلبيا‪.‬‬ ‫اختالفا‬ ‫فإن األقلية ال ترى يف نفسها إال‬ ‫وغالبا ما نرى ً‬ ‫ً‬ ‫أيضا لدى األقليات ظواهر عادية‬ ‫عند اخلاضعني مثل احتقار ال��ذات‪ ،‬مرتبطة‬ ‫بقبول صورة الذات اليت كونها اآلخرون عنهم‬ ‫واستبطانها‪ .‬عندها تربز اهلوية السلبية كهوية‬ ‫تدعو للخجل وتكون مكبوتة إىل حد ما وهو‬ ‫ً‬ ‫غالبا ما يتبدى على شكل حماولة إللغاء‬ ‫أمر‬ ‫العالمات اخلارجية لالختالف السليب‪.‬‬ ‫ومع هذا ميكن لتغري حالة العالقات القائمة‬ ‫بني األع��راق أن يبدل بشكل عميق الصورة‬ ‫السلبية اليت تكونت عن جمموعة معينة‪ .‬وهذا‬ ‫ما حدث للهومونغ ‪ homong‬الذين جلئوا‬ ‫من الوس إىل فرنسا يف السبعينات‪ .‬يف الوس‪،‬‬ ‫حيث كانوا يشكلون أقلية عرقية ّ‬ ‫مهمشة‬ ‫جداً وكان يطلق عليهم اسم (ميو) من قبل‬ ‫األغلبية املسماة (ال�لاو) الذين ت��رادف كلمة‬ ‫ميو عندهم كلمة «متوحش» أو «متخلف»‪ .‬وما‬ ‫أن وصلت تلك األقلية إىل فرنسا حتى فرضت‬ ‫نفسها على املستوى الوطين حتت اسم همومونغ‬ ‫‪ Homong‬ال��ذي يعين بلغة تلك األقلية‬ ‫«إن��س��ان»‪ ،‬كما فرضت ص��ورة إجيابية ألبنائها‬ ‫كمشاركني مثل غريهم م��ن الجئي جنوب‬ ‫ً‬ ‫منوذجا لـ»األجنيب اجلديد»‬ ‫شرق آسيا وأصبحوا‬

‫القادر على التكيف والتعامل مع اآلخرين‪.‬‬ ‫وحصل أبناء هذه األقلية على فائدة رمزية‬ ‫أخرى من هذا املنفى املؤمل يف واقعه اجلوهري‬ ‫ً‬ ‫اجتماعيا لالويني‬ ‫وهي أنهم أصبحوا متساوين‬ ‫والصينيني الالووسيني الذين مل يكونوا يكنون‬ ‫هلم يف الوس سوى االحتقار‪.‬‬ ‫وم��ن هنا ف��إن اهلوية تشكل ره��ان صراعات‬ ‫طبقية‪ .‬إذ ال متلك اجملموعات كلها قوة التماثل‬ ‫نفسها ألن قوة التماثل هذه ترتبط بالوضعية‬ ‫اليت حنتلها يف منظومة العالقات اليت تربط‬ ‫اجملموعات فيما بينها‪ .‬وال متلك اجملموعات‬ ‫السلطة كلها لتسمي نفسها وتسمي غريها‪.‬‬ ‫هناك مقالة كالسيكية لبورديو عنوانها «اهلوية‬ ‫وال��ت��ص��ور» يقول فيها إن م��ن ميلك السلطة‬ ‫الشرعية‪ ،‬أي السلطة ال�تي متنحها القوة هو‬ ‫ال��ق��ادر على ف��رض تعريفه لنفسه ولغريه‪.‬‬ ‫وجممل تعريفات اهل��وي��ة يعمل كمنظومة‬ ‫تصنيف حتدد املواقع املتتالية لكل جمموعة‪.‬‬ ‫و السلطة الشرعية متلك القوة الرمزية جلعل‬ ‫اآلخرين يعرتفون مبقوالتها املتعلقة بتصور‬ ‫الواقع االجتماعي ومببادئها حول تقسيم العامل‬ ‫االجتماعي على أنها مربرة‪ ،‬ومن هنا قدرتها‬ ‫على تشكيل اجلماعات وتفكيكها‪.‬‬ ‫وعلى هذا فإن اجلماعة املهيمنة يف الواليات‬ ‫املتحدة األمريكية املسماة ‪( WASP‬البيض‬ ‫األجن��ل��وس��اك��س��ون ال�بروت��س��ت��ان��ت��ي��ون) تقوم‬ ‫بتصنيف األم�يرك��ي�ين اآلخ���ري���ن يف فئة‬ ‫«اجملموعات العرقية» أو يف فئة «اجملموعات‬ ‫الساللية»‪ .‬إىل الفئة األوىل ينتمي املنحدرون من‬ ‫مهاجرين أوربيني من غري الواسب‪ ،‬وإىل الثانية‬ ‫ينتمي األمريكان «امللونون» (س��ود‪ ،‬صينيون‪،‬‬


‫يابانيون‪ ،‬بورتوريكيون‪ ،‬مكسيكيون اخل)‪ً .‬‬ ‫وفقا‬ ‫هلذا التعريف‪ ،‬فإن «العرقيني» هم اآلخ��رون‬ ‫الذين يبتعدون بشكل أو بآخر‪ ،‬عن مرجعية‬ ‫اهلوية األمريكية‪ ،‬أما الواسب فيفلتون بعملية‬ ‫سحرية اجتماعية من هذا التصنيف العرقي‬ ‫والساللي‪ ،‬إنهم خارج أي تصنيف‪ ،‬أي «خارج‬ ‫الفئة» وبالتالي فهم فوق ّ‬ ‫املصنفني كلهم‪.‬‬ ‫إذاً القدرة على التصنيف ت��ؤدي إىل عرقنة‬ ‫‪ ethnisation‬اجملموعات التابعة (األدنى‬ ‫ً‬ ‫بينهم) فهم ّ‬ ‫انطالقا من خصائص‬ ‫يصنفون‬ ‫ثقافية خارجية تعد مالزمة هلم وشبه ثابتة‪.‬‬ ‫وه��ذا ما يشكل ذريعة لتهميشهم أي جلعلهم‬ ‫أقل ّية‪ :‬إن شدة اختالفهم متنعهم من املشاركة‬ ‫يف قيادة اجملتمع‪ .‬بل هو تأكيد هوية شرعية‬ ‫هي هوية اجملموعة املهيمنة وقد يتطور األمر‬ ‫ليتحول إىل سياسة فصل عرقي للجماعات‬ ‫األقل ّيات ّية احملكوم عليها‪ً ،‬‬ ‫نوعا ما‪ ،‬بأن تراوح‬ ‫يف مكانها وهو املكان ال��ذي وضعت فيه ً‬ ‫وفقا‬ ‫لتصنيفها‪.‬‬ ‫وإذا ما فهمت اهلوية على أنها رهان صراع فإنها‬ ‫تبدو قضية إشكالية‪ .‬وبالتالي علينا أال ننتظر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫صحيحا‬ ‫تعريفا‬ ‫من العلوم االجتماعية أن تقدم‬ ‫غري قابل للنقض‪ ،‬هل��ذه اهلوية الثقافية أو‬ ‫تلك‪ .‬وال يقع على عاتق علم االجتماع أو علم‬ ‫األناسة أو التاريخ أو أي فرع معريف آخر أن حيدد‬ ‫التعريف الدقيق للهوية البيوريتانية أو اهلوية‬ ‫القبائلية على سبيل املثال‪ .‬وليس من شأن‬ ‫العلوم االجتماعية أن تقرر الطابع األصيل أو‬ ‫غري األصيل هلذه اهلوية الثقافية أو تلك‪ .‬إن دور‬ ‫رجل العلم يقع يف موقع آخر هو تفسري عمليات‬ ‫التصنيف دون احلكم عليها‪ ،‬وم��ن واجبه‬

‫توضيح املنطق االجتماعي الذي يقود األفراد‬ ‫واجلماعات إىل حتديد (تصنيف‪ ،‬منح هوية)‬ ‫أو وضع مجاعة يف فئة معينة وتصنيفها بهذه‬ ‫الطريقة وليس بطريقة أخرى‪.‬‬ ‫اهلوية شأن من شؤون الدولة‪:‬‬ ‫مع نشوء الدول‪-‬األمم احلديثة أصبحت اهلوية‬ ‫ً‬ ‫شأنا من شؤون الدولة اليت تدير قضية اهلوية‬ ‫وتضع هلا القواعد و الضوابط‪ .‬يقول منطق‬ ‫ً‬ ‫الدولة‪-‬األمة أن تكون صارمة ً‬ ‫فشيئا يف‬ ‫شيئا‬ ‫موضوع اهلوية ألن الدولة احلديثة تسعى إىل‬ ‫توحيد اهلوية ‪mono-identification‬‬ ‫فإما أنها ال تعرتف إال بهوية ثقافية واح��دة‬ ‫لتحديد اهلوية الوطنية(مثل فرنسا) أو أنها‪،‬‬ ‫بعد قبوهلا لنوع معني من التعددية الثقافية يف‬ ‫كنف األمة‪ ،‬تقوم بتحديد هوية مرجعية تكون‬ ‫اهلوية الوحيدة الشرعية ً‬ ‫فعال مثل الواليات‬ ‫املتحدة األمريكية‪ .‬اهلوية الوطنية املتعصبة‬ ‫ه��ي دول��ة إيديولوجية تقوم على استبعاد‬ ‫االختالفات الثقافية‪ ،‬ويقوم منطقها املتطرف‬ ‫على منطق «التطهري العرقي»‪.‬‬ ‫يف اجملتمعات احلديثة تقوم الدولة بالتدقيق‬ ‫يف هوية املواطنني لدرجة أنها تقوم يف بعض‬ ‫األحيان بصناعة بطاقات هوية «غ�ير قابلة‬ ‫ً‬ ‫تدرجييا يف‬ ‫للتزوير»‪ .‬وتضاءلت حرية األفراد‬ ‫القيام بتحديد هويتهم‪ .‬و بعض ال��دول اليت‬ ‫ً‬ ‫أعراقا متعددة تفرض على رعاياها ذكر‬ ‫تضم‬ ‫اهلوية العرقية‪-‬الثقافية أو الدينية على بطاقة‬ ‫اهلوية يف الوقت ال��ذي ال يعرتف البعض بهذا‬ ‫التصنيف‪ .‬حني يقوم نزاع بني خمتلف مكونات‬ ‫األمة ميكن هلذا الفرز(التصنيف) أن يؤدي إىل‬ ‫‪185‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪186‬‬

‫نتائج مأساوية كما حدث يف النزاع اللبناني‬ ‫والنزاع الراوندي‪ .‬إن النزوع إىل توحيد اهلوية‬ ‫ً‬ ‫توسعا كبرياً يف عدد‬ ‫يف هوية خمصصة يشهد‬ ‫كبري من اجملتمعات املعاصرة‪ .‬وحتولت اهلوية‬ ‫اجلماعية إىل نزعة فردية س��واء على صعيد‬ ‫الذات أم على صعيد اآلخرين‪ .‬وتكثر التعميمات‬ ‫املفرطة حينما يتعلق األمر باآلخرين‪ .‬فأداة‬ ‫التعريف التخصيصية تسمح باختزال اجلماعة‬ ‫ً‬ ‫غالبا ما تعرض‬ ‫إىل شخصية ثقافية وحيدة‬ ‫بشكل يقلل من شأن اإلنسان كقولنا‪:‬هو كذا‬ ‫وكذا‪. .‬‬ ‫ال��دول��ة ‪ -‬األم��ة احلديثة تبدو أكثر صرامة‬ ‫يف مفهومها وضبطها للهوية من اجملتمعات‬ ‫التقليدية‪ .‬وعلى عكس الفكرة املسبقة‪ ،‬فإن‬ ‫اهلويات العرقية‪-‬الثقافية يف تلك اجملتمعات‬ ‫مل تكن حمددة بشكل نهائي‪ .‬وقد ُوصفت تلك‬ ‫اجملتمعات باجملتمعات ذات اهلوية املرنة وهذه‬ ‫اجملتمعات تفرد مكانة واسعة للجديد ولالبتكار‬ ‫االجتماعي‪ .‬ألن ظاهرتي االنصهار واالنقسام‬ ‫العرقيتني تشيع فيها وال تقتضي بالضرورة‬ ‫حدوث نزاعات حادة‪.‬‬ ‫لكن علينا أال نعتقد ب��أن عمل ال��دول��ة ال‬ ‫يستجر أي رد فعل م��ن قبل األق��ل��ي��ات اليت‬ ‫أُنكرت هويتها أو مت التقليل من شأنها‪ .‬وتنامي‬ ‫املطالبة باهلوية ال��ذي نالحظه يف كثري من‬ ‫ال���دول امل��ع��اص��رة ه��و نتيجة لبريوقراطية‬ ‫السلطة و مركزيتها‪ .‬وال ميكن لتمجيد اهلوية‬ ‫الوطنية إال أن جير إىل حماولة ختريب رمزية‬ ‫ضد تلقني اهل��وي��ة‪ ،‬كما يقول بيري بورديو‪:‬‬ ‫«إن األف��راد واجلماعات يستثمرون كينونتهم‬ ‫االجتماعية كلها يف صراعات التصنيف‪ ،‬وكل‬

‫ما حي��دد اهلوية ال�تي يكونونها عن أنفسهم‪،‬‬ ‫وكل ما ال ميكن التفكري فيه والذي من خالله‬ ‫يتشكلون ك»حنن» يف مقابل «هم» و»اآلخ��رون»‬ ‫ويتمسكون بهذا الذي ال ميكن التفكري فيه عن‬ ‫طريق التحام شبه جسدي‪ .‬وهو ما يفسر القوة‬ ‫التعبوية االستثنائية لكل ما ميس اهلوية‪ .‬ال‬ ‫تنطوي جهود األقليات كلها على استعادة ملكية‬ ‫ً‬ ‫غالبا ما متنحها‬ ‫هوية معينة –هوية نوعية‬ ‫اجلماعة املهيمنة‪ -‬بل على استعادة ملكية‬ ‫الوسائل اليت تسمح بتحديد هوية تلك األقليات‬ ‫بنفسها ً‬ ‫وفقا ملعايريها اخلاصة بها‪ .‬عندها يكون‬ ‫األمر بالنسبة هلذه األقليات هو حتويل اهلوية‬ ‫املتعددة‪ ،‬اليت ً‬ ‫غالبا ما تكون هوية سلبية‪ ،‬إىل‬ ‫هوية إجيابية‪ .‬يف املرحلة األوىل يتبدى التمرد‬ ‫ضد الوصم ‪ Stigmatization‬من خالل‬ ‫قلب معنى الوصمة كما يف املثال الشهري‪ :‬األسود‬ ‫مجيل‪ .‬ثم يف مرحلة ثانية‪ ،‬تقوم جهود تلك‬ ‫األقلية على فرض تعريف للهوية مستقل بقدر‬ ‫اإلمكان(مثل السود األمريكيني حيث نرى بروز‬ ‫املطالبة بهوية «أفرو أمريكية» أو السود املسلمون‬ ‫أو العربانيون السود)‪.‬‬ ‫إن اإلحساس بالظلم االجتماعي يؤدي بأعضاء‬ ‫جمموعة هي ضحية التمييز إىل شعور قوي‬ ‫باالنتماء إىل اجلماعة وإىل التماهي بها‪ .‬وقد‬ ‫ً‬ ‫قويا لدرجة‬ ‫أصبح التماهي بهذه اجلماعة‬ ‫ً‬ ‫أن تضامن اجلميع أضحى ض��روري��ا من أجل‬ ‫احلصول على االعرتاف‪ .‬ومع هذا يبقى خطر‬ ‫االنتقال من هوية مرفوضة أو ال حظوة هلا‬ ‫إىل هوية حصرية كأولئك الذين ينتمون إىل‬ ‫اجلماعة املهيمنة واليت ينبغي على كل فرد أن‬ ‫يتعرف على نفسه من خالهلا بشكل مطلق‪ .‬وإال‬


‫عومل هذا الفرد املعترب كأحد أعضاء األقلية‬ ‫معاملة اخلائن‪ .‬هذا السجن يف هوية عرقية‪-‬‬ ‫ثقافية الذي ميحو يف بعض احلاالت كل اهلويات‬ ‫االجتماعية األخرى للفرد ال ميكن إال أن يك ّون‬ ‫هوية مناضلة من أجله طاملا أنه يفضي إىل إنكار‬ ‫فرديته كما يقول جورج ديفريو‪« :‬حينما تقوم‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫فوقيا ‪hyper in‬‬ ‫املستثمرة‬ ‫اهلوية العرقية‬ ‫بطمس اهلويات األخرى للطبقة‪ ،‬فهي ال تعود‬ ‫أداة أو علبة أدوات‪ ،‬بل تصبح عبارة عن قميص‬ ‫قسري‪ .‬ال��واق��ع إن حتقيق قابلية االختالف‬ ‫اجلماعية ‪ differential collective‬من‬ ‫خ�لال اهلوية أل ‪ hyper investries‬أو‬ ‫اهلوية الـ ‪ hyperactualize‬ميكن أن تؤدي‬ ‫إىل طمس قابلية االختالف الفردية‪ ،‬حينما‬ ‫حيقق امل��رء هويته العرقية املوظفة مبغاالة‬ ‫ً‬ ‫تدرجييا إىل التقليل من شأن هويته‬ ‫فهو يسعى‬ ‫الفردية اخلاصة به بل وحتى إنكارها‪ .‬ومع هذا‬ ‫ً‬ ‫وظيفيا إلنسان بالنسبة‬ ‫فإن االختالف املتميز‬ ‫ً‬ ‫إنسانا‬ ‫إىل اآلخرين كلهم هو الذي جيعل منه‬ ‫ً‬ ‫مشابها لآلخرين بسبب تلك الدرجة العالية من‬ ‫االختالف اليت يتمتع بها‪ .‬وهذا ما يسمح لـه‬ ‫بأن يعزو لنفسه «هوية إنسانية» وبالتالي هوية‬ ‫شخصية‪.‬‬ ‫اهلوية ذات األبعاد املتعددة‪:‬‬ ‫طاملا أن اهلوية تنتج عن بناء اجتماعي فإنها‬ ‫تكتسب طابع التعقيد االجتماعي‪ .‬وإذا أردنا‬ ‫اخ��ت��زال اهلوية الثقافية إىل تعريف بسيط‬ ‫«صايف» فهذا يعين أننا ال نأبه بتنوع اجملموعة‬ ‫االجتماعية‪ .‬ليس هناك مجاعة أو فرد ال يسبق‬

‫له أن يكون حبيس هوية ذات بعد واحد‪ .‬اهلوية‬ ‫تتميز بطابعها املتقلب الذي ميكن أن خيضع‬ ‫لتأويالت واستخدامات خمتلفة‪ .‬إذا شئنا اعتبار‬ ‫اهلوية مبثابة كتلة واحدة ‪monolithium‬‬ ‫ف��ه��ذا مي��ن��ع ف��ه��م ظ��واه��ر اهل��وي��ة املختلطة‬ ‫الشائعة يف اجملتمعات كلها‪ .‬و»اهلوية املزدوجة»‬ ‫املزعومة للشباب املنحدرين من اهلجرة تنشأ‬ ‫يف الواقع من هوية خمتلطة‪ .‬وعلى عكس ما‬ ‫تؤكد التحليالت‪ ،‬فإن هؤالء الشباب ال حيملون‬ ‫هويتني تتواجهان فيما بينهما؛ تلك اهلوية‬ ‫اليت يشعر حاملهما بالتمزق بينهما‪ ،‬وهو األمر‬ ‫الذي يفسر ضيق هؤالء الشباب مبوضوع اهلوية‬ ‫وعدم استقرارهم النفسي و‪/‬أو االجتماعي‪ .‬هذا‬ ‫التصور اإلقصائي الواضح يعود إىل عدم القدرة‬ ‫على التفكري باالختالط الثقايف‪ .‬وميكن تفسريه‬ ‫ً‬ ‫أيضا باخلوف الوسواسي من الوالء املزدوج الذي‬ ‫حتركه اإليديولوجية الوطنية (القومية)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫انطالقا‬ ‫الواقع إن الفرد يصنع هويته الوحيدة‬ ‫من انتماءاته االجتماعية (اجلنس والعمر‬ ‫والطبقة االجتماعية واجلماعة الثقافية) من‬ ‫خالل إجراء عملية تركيب ذكية‪ .‬وبالتالي فهو‬ ‫حيصل على هوية تلفيقية وليست مزدوجة‪،‬‬ ‫إذا كان املقصود مجع هويتني يف شخص واحد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫سابقا فإن هذه «الصناعة» ال ميكن أن‬ ‫وكما قلنا‬ ‫تتم إال وفق إطار عالقة نوعية حلالة خاصة‪.‬‬ ‫واللجوء إىل مفهوم «اهلوية املزدوجة» يندرج يف‬ ‫ً‬ ‫سابقا‪ .‬واملفهوم‬ ‫إطار جهود التصنيف املذكورة‬ ‫«السليب» للهوية يسمح بالتقليل من شأن بعض‬ ‫اجلماعات من الناحية االجتماعية‪ ،‬ال سيما‬ ‫السكان املنحدرين من اهلجرة‪ .‬وعلى العكس‪،‬‬ ‫فإن من يريد رد االعتبار هلذه اجملموعات تراه‬ ‫‪187‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪188‬‬

‫ً‬ ‫خطابا يشيد باهلوية املزدوجة‬ ‫يبين‪ ،‬خطأ‪،‬‬ ‫باعتبارها تغين اهلوية‪ .‬لكن مهما كان التصور‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سلبيا‪ ،‬لـ (اهلوية املزدوجة) املفرتضة‬ ‫إجيابيا أم‬ ‫فإن مصدر اهلويتني ناتج عن اخلطأ التحليلي‬ ‫نفسه‪ .‬إن ال��ل��ق��اءات ب�ين الشعوب واهل��ج��رات‬ ‫العاملية ضاعفت ظواهر اهلوية التلفيقية اليت‬ ‫ً‬ ‫غالبا ما تتجاوز نتائجها التوقعات‪ ،‬ال سيما حني‬ ‫تكون قائمة على مفهوم خاص باهلوية‪ .‬وكمثال‬ ‫على هذا‪ ،‬نرى أنه يف املغرب التقليدي مل يكن‬ ‫نادراً وصف أعضاء العائالت اليهودية املوجودة‬ ‫منذ ق��رون باليهود ال��ع��رب» وهما عبارتني‬ ‫قلما تبدوان اليوم متوافقتني بسبب تصاعد‬ ‫االجتاهات القومية‪.‬‬ ‫يف سياق آخر‪ ،‬هو سياق البريو احلالية‪ ،‬هناك‬ ‫بريوفيون ال ميانعون من وصفهم بالصينيني‪.‬‬ ‫وهم املنحدر ون من املهاجرين الصينيني الذين‬ ‫وصلوا إىل البريو يف القرن التاسع عشر بعد إلغاء‬ ‫نظام الرق‪ .‬وهم يشعرون اليوم بأنهم بريوفيون‬ ‫مت��ام ً��ا م��ع احملافظة على تعلقهم بهويتهم‬ ‫الصينية‪ .‬وهو أمر ال يدعو إىل االستغراب يف‬ ‫البريو‪ ،‬وهو البلد الذي انتخب منذ فرتة قريبة‬ ‫وأعاد انتخاب أحد أبناء املهاجرين اليابانيني‬ ‫(من اجليل الثاني) لرئاسة اجلمهورية‪ .‬ومل تر‬ ‫غالبية البريوفيني (حتى الذين مل يصوتوا لـه)‬ ‫يف هذا االنتخاب تهديداً للهوية الوطنية‪.‬‬ ‫الواقع أن الفرد يدمج يف ذاته‪ ،‬بشكل تركييب‪،‬‬ ‫تعددية املرجعيات اخلاصة باهلوية املرتبطة‬ ‫بتاريخ هذا الفرد‪ .‬اهلوية الثقافية حتيل إىل‬ ‫جمموعات ثقافية مرجعية ال تتوافق حدودها‪.‬‬ ‫والفرد يعي أنه حيمل هوية ذات هندسة متغرية‬ ‫ً‬ ‫تبعا ألبعاد اجملموعة اليت يرجع إليها يف هذه‬

‫احلالة العالئقية أو تلك‪ .‬فالفرد‪ ،‬على سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬يعرف نفسه ً‬ ‫تبعا للحالة‪ ،‬على أنه من‬ ‫(ري��ن) أو من بيوريتانيا(أي أنه بيوريتاني‬ ‫مغالي) أو فرنسي أو حتى أوربي‪ .‬وميكن القول‬ ‫إن اهلوية تعمل على طريقة دمية األوالد (يف‬ ‫مسرح العرائس) حيث تتداخل الواحدة منها‬ ‫يف األخريات‪ .‬لكن حتى لو كانت اهلوية متعددة‬ ‫األبعاد فإنها ال تفقد وحدتها‪ .‬هذه اهلوية ذات‬ ‫األبعاد املتعددة‪ ،‬ال تسبب أي��ة مشكلة‪ ،‬وهي‬ ‫مقبولة‪ .‬املشكلة بالنسبة للبعض هي «اهلوية‬ ‫امل��زدوج��ة» ال�تي يقع قطبا مرجعيتها على‬ ‫املستوى نفسه‪ .‬ومع هذا فال نرى ً‬ ‫سببا يف أن‬ ‫القدرة على دمج عدة مرجعيات خاصة باهلوية‬ ‫يف هوية واحدة مينعها من العمل يف هذه احلالة‪،‬‬ ‫إال إذا قامت سلطة مهيمنة مبنعها باسم اهلوية‬ ‫اخلاصة‪ .‬حتى يف حال دمج مرجعيتني للهوية‬ ‫هلما املستوى نفسه يف هوية واحدة فإن املستويني‬ ‫ن��ادراً ما يكونا متساويني ألنهما حييالن إىل‬ ‫مستويات تكاد ال تكون ً‬ ‫دائما متساوية يف إطار‬ ‫حالة معينة‪.‬‬ ‫االسرتاتيجيات املتعلقة باهلوية‬ ‫إذا كان من الصعب حصر اهلوية وحتديدها‪،‬‬ ‫فهذا يعود إىل طابعها الديناميكي املتعدد‬ ‫األبعاد‪ ،‬وهو ما يضفي املرونة عليها كما ّأن‬ ‫اهلوية تشهد تنوعات وختضع إلعادة صياغات‬ ‫وت���داوالت‪ .‬يلجأ بعض املؤلفني إىل استخدام‬ ‫مفهوم «اسرتاتيجية اهلوية» لكي يشريوا إىل البعد‬ ‫املتغري للهوية الذي ال يعد أبداً ً‬ ‫ً‬ ‫نهائيا ‪ .‬يف‬ ‫حال‬ ‫هذا املنظور تبدو اهلوية مبثابة وسيلة لبلوغ‬ ‫هدف معني‪ .‬وبالتالي فهي ليست مطلقة بل‬ ‫نسبية‪ .‬ويشري مفهوم االسرتاتيجية إىل أن‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫اجتماعيا‪ ،‬ال يفتقر‬ ‫ممثال‬ ‫الفرد‪ ،‬باعتباره‬ ‫ً‬ ‫إىل شيء من هامش املناورة‪ .‬وتبعا لتقديره‬ ‫للحالة فهو يستخدم مصادره املتعلقة باهلوية‬ ‫بشكل اسرتاتيجي‪ .‬وطاملا أن اهلوية تشكل ً‬ ‫رهانا‬ ‫لصراعات التصنيف االجتماعية اهلادفة إىل‬ ‫إعادة إنتاج أو إىل قلب عالقات السيطرة‪ ،‬فإن‬ ‫اهلوية تتكون من خالل اسرتاتيجيات املمثلني‬ ‫االجتماعيني‪ .‬مع هذا فإن اللجوء إىل مفهوم‬ ‫االسرتاتيجية ال ينبغي أن يقود إىل الظن بأن‬ ‫املمثلني االجتماعيني يتمتعون حبرية كاملة يف‬ ‫حتديد هويتهم مبا يتفق مع مصاحلهم املادية‬ ‫والرمزية اآلنية‪ .‬البد لالسرتاتيجيات من أن‬ ‫تأخذ احلالة االجتماعية بعني االعتبار‪ ،‬وكذلك‬ ‫عالقة القوة القائمة بني اجلماعات ومناورات‬ ‫اآلخرين وغ�ير ذل��ك‪ .‬ف��إذا كانت اهلوية‪ ،‬عرب‬ ‫مرونتها‪ ،‬قابلة للتجيري(أي تستخدم كوسيلة)‪-‬‬ ‫كما يقول ديفريو ‪ Devereux‬فهي «أداة» بل‬ ‫«علبة أدوات»‪ ،-‬فال ميكن للجماعات واألف��راد‬ ‫أن يفعلوا ما حيلو هلم فيما يتعلق باهلوية ألن‬ ‫اهلوية هي ً‬ ‫دائما ناتج حتديد شخصية معينة‬ ‫يفرضها اآلخرون على املرء وعلى التحديد الذي‬ ‫يؤكده اإلنسان بنفسه‪.‬‬ ‫هناك منط أقصى من اسرتاتيجية حتديد‬ ‫الشخصية ينطوي على طمس اهل��وي��ة اليت‬ ‫يزعمها الفرد للهروب من التمييز ومن املنفى‬ ‫أو حتى من املذحبة‪ .‬هناك حالة تارخيية فريدة‬ ‫متثل ه��ذه االسرتاتيجية ه��ي حالة امل���اران‪.‬‬ ‫وامل��اران ‪ Maranes‬هم يهود شبه اجلزيرة‬ ‫ً‬ ‫ظاهريا إىل الكاثوليكية‬ ‫اإليبريية الذين حتولوا‬ ‫يف القرن اخلامس عشر للتخلص من االضطهاد‬ ‫واإلبعاد‪ ،‬لكنهم ضلوا أوفياء لعقيدة أجدادهم‬

‫وحافظوا على عدد من الطقوس التقليدية‬ ‫بشكل سري‪ .‬وبذلك استطاعت اهلوية اليهودية‬ ‫االنتقال بشكل سري إىل كل عائلة عرب القرون‬ ‫من جيل إىل جيل حتى متكنت من الرتسخ من‬ ‫جديد بشكل علين‪ .‬وسواء أكانت اهلوية شعاراً‬ ‫أم مسة فيمكن جتيريها يف العالقات القائمة‬ ‫بني اجلماعات االجتماعية‪ .‬اهلوية ال توجد‬ ‫يف حد ذاتها مبعزل عن اسرتاتيجيات التأكيد‬ ‫اهلوياتي للمثلني االجتماعيني الذين هم نتاج‬ ‫الصراعات االجتماعية والسياسية وعمادها يف‬ ‫الوقت نفسه‪ .‬والرتكيز على الطابع االسرتاتيجي‬ ‫األساسي للهوية يسمح بتجاوز القضية الزائفة‬ ‫املتعلقة بالصدق العلمي لتأكيدات اهلوية‪.‬‬ ‫إن الطابع االسرتاتيجي للهوية الذي ال يقتضي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كامال‬ ‫وعيا‬ ‫بالضرورة‪ ،‬كما يقول ب��وردي��و‪،‬‬ ‫بالغايات ال�تي يسعى األف���راد إليها يتميز يف‬ ‫أنه يسمح بتوضيح ظواهر اختفاء اهلويات‬ ‫وظهورها‪ ،‬وهي ظواهر كثرياً ما تثري تعليقات‬ ‫ً‬ ‫غالبا ما تتميز بشيء من‬ ‫قابلة للجدل ألنها‬ ‫النزعة الذاتية‪ .‬فما مسي خالل السبعينات‬ ‫ب»اليقظة اهلندية» سواء يف أمريكا الشمالية‬ ‫أو أمريكا اجلنوبية ال ميكن عده جمرد انبعاث‬ ‫ً‬ ‫كسوفا وبقيت ثابتة (بعضهم‬ ‫هلوية شهدت‬ ‫يتحدث بشكل غري مناسب عن «حالة سبات»‬ ‫لوصف مثل هذه الظاهرة)‪ .‬الواقع أن األمر‬ ‫يتعلق بإعادة خلق اسرتاتيجي هلوية مجاعية‬ ‫يف سياق جديد ً‬ ‫متاما هو سياق صعود حركات‬ ‫املطالبة ال�تي تقوم بها األقليات العرقية يف‬ ‫الواليات املتحدة اليوم‪. .‬‬ ‫وبشكل أوس��ع ميكن ملفهوم االسرتاتيجية أن‬ ‫يفسر تنوعات اهلوية وهو ما ميكن تسميته‬ ‫‪189‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪190‬‬

‫بانتقاالت اهلوية‪ .‬وه��ذا املفهوم يبني نسبية‬ ‫ظواهر التحقق حيث تنبين اهلوية وتتفكك‬ ‫ويعاد بناؤها ً‬ ‫تبعا للحاالت‪ .‬إنها دائمة احلركة‪،‬‬ ‫وكل تغري اجتماعي يقودها إىل إعادة صياغة‬ ‫نفسها بشكل خمتلف‪.‬‬ ‫يف دراسة مثرية عن هوية اهلايتيني املهاجرين‬ ‫ق��ام م���وران بتحليل إع����دادات تشكل هوية‬ ‫اهلايتيني املهاجرين يف نيويورك‪ .‬اجليل األول‬ ‫الذي ينتمي إىل موجة اهلجرة الكربى األوىل(يف‬ ‫الستينات) واملنحدرة من النخبة اخلالسية يف‬ ‫هايييت اختارت االندماج يف األمة األمريكية مع‬ ‫حمافظتها على اختالفها عن السود األمريكيني‬ ‫للتخلص من اإلبعاد االجتماعي مستفيدة من كل‬ ‫ما من شأنه اإلحياء بشيء من البياض والتميز‪.‬‬ ‫أما موجة اهلجرة الثانية (يف السبعينات) املكونة‬ ‫ً‬ ‫أساسا من عائالت الطبقة الوسطى (ذات اللون‬ ‫األس���ود) فقد اخ��ت��ارت بعد أن صعب عليها‬ ‫االندماج‪ ،‬اسرتاتيجية أخرى وهي اسرتاتيجية‬ ‫تأكيد اهلوية اهلايتية من أجل جتنب االختالط‬ ‫باألمريكيني ال��س��ود؛ لذلك جل��أت إىل التكلم‬ ‫املنتظم باللغة الفرنسية أم��ام امل�لأ‪ ،‬وبذلت‬ ‫جهداً الكتساب االعرتاف بها كمجموعة عرقية‬ ‫نوعية‪ .‬أما الشباب اهلايتيني‪ ،‬السيما أبناء اجليل‬ ‫الثاني الذين أحسوا مبوجة التقليل االجتماعي‬ ‫من قيمة هويتهم اهلايتية اليت اشتدت حدتها‬ ‫يف الواليات املتحدة خالل التسعينات بسبب‬ ‫مأساة ‪ Boat People‬القوارب اهلايتية اليت‬ ‫جنحت عند شواطئ فلوريدا‪ ،‬وبسبب تصنيف‬ ‫طائفتهم على أنها «جمموعة خطرية» تسبب‬ ‫انتشار اإليدز فقد كبتوا هذه اهلوية وطالبوا‬ ‫بهوية عرب وطنية كاريبية‪ ،‬منتهزين فرصة‬

‫كون نيويورك قد أصبحت أول مدينة كاريبية‬ ‫يف العامل بسبب هجرة الكاريبية إليها‪ .‬املثال‬ ‫السابق يبني بوضوح أن اكتساب اهلوية هو‬ ‫اختالف يف الوقت نفسه‪ .‬أن األه��م يف عملية‬ ‫اكتساب اهلوية هو إرادة وضع حد بني «هم»‬ ‫و»حنن» وبالتالي إقامة ما يسميه باحلد واحلفاظ‬ ‫عليه‪ .‬وبشكل أدق‪ ،‬فإن احلد املوضوع ينجم عن‬ ‫اتفاق بني ذلك احلد الذي تزعم اجلماعة بأنها‬ ‫وضعته لنفسها وبني احلد الذي يريد اآلخرون‬ ‫ً‬ ‫طبعا احلد املقصود هنا هو احلد‬ ‫وضعه هلا‪.‬‬ ‫االجتماعي الرمزي‪ .‬وميكن أن يكون هلذا احلد‪،‬‬ ‫يف بعض احلاالت‪ ،‬ما يقابله من األرض‪ .‬لكن ليس‬ ‫هذا هو املهم‪.‬‬ ‫اخلامتة (حدود) اهلوية‬ ‫إن م��ا يفصل ب�ين جمموعتني عرقيتني‪-‬‬ ‫ثقافيتني ليس االختالف الثقايف كما يتصور‬ ‫الثقافيون خطأ‪ .‬إذ ميكن للجماعة أن تعمل‬ ‫ً‬ ‫متاما ويف كنفها شيء من التعددية الثقافية‪.‬‬ ‫و يعود السبب يف هذا الفصل‪ ،‬أي وضع «احلد»‪،‬‬ ‫إىل إرادة اجلماعة يف التميز واستخدامها لبعض‬ ‫السمات الثقافية كمحددات هلويتها النوعية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثقافيا‬ ‫ومن شأن اجلماعات القريبة من بعضها‬ ‫ً‬ ‫أن ّ‬ ‫متاما عن بعضها بعض‬ ‫تعد نفسها غريبة‬ ‫ب��ل ومتعادية حينما ختتلف ح��ول عنصر‬ ‫منعزل يف اجملموعة الثقافية‪ .‬إن هذا التحليل‬ ‫يتيح التخلص من اخللط الشائع بني «الثقافة»‬ ‫واهل��وي��ة‪ .‬والتطبع بطابع ثقافة معينة ال‬ ‫يقتضي ام��ت�لاك ه��وي��ة خ��اص��ة بشكل آل��ي‪.‬‬ ‫اهلوية العرقية‪-‬الثقافية تستخدم الثقافة لكنها‬ ‫نادراَ ما تستخدم الثقافة كلها‪ .‬وميكن للثقافة‬


‫نفسها أن جتيرّ بشكل خمتلف‪ ،‬أي متعارض يف‬ ‫االسرتاتيجيات املختلفة الكتساب اهلوية‪.‬‬ ‫على عكس قناعة واسعة االنتشار‪ ،‬فإن العالقات‬ ‫اليت تدوم فرتة طويلة بني اجملموعات العرقية ال‬ ‫تؤدي بالضرورة إىل اإللغاء املتدرج لالختالفات‬ ‫ً‬ ‫غالبا ما تنتظم هذه العالقات‬ ‫الثقافية‪ .‬بل‬ ‫بشكل حتافظ معه على االختالف الثقايف‪ .‬بل‬ ‫ً‬ ‫أحيانا تزيد هذا االختالف عن طريق لعبة‬ ‫الدفاع(الرمزي) عن حدود اهلوية‪ .‬لكن هذا ال‬ ‫يعين أن «احلدود» ال تتبدل‪ .‬يعترب بارث أن احلد‬ ‫ً‬ ‫يشكل فرزاً‬ ‫اجتماعيا ميكن جتديده باستمرار‬ ‫من خالل التبادالت‪ .‬وكل تغري يصيب احلالة‬ ‫االقتصادية أو السياسية من شأنه التسبب يف‬ ‫انزياح احلدود‪ .‬ودراسة هذه االنزياح ضرورية‬ ‫إذا رمنا تفسري تنوعات اهلوية‪ .‬وبالتالي فإن‬ ‫حتليل اهل��وي��ة ال ميكن أن يكتفي مبقاربة‬ ‫ً‬ ‫أيضا أن خيضع ملقاربة‬ ‫تزامنية‪ ،‬بل عليه‬ ‫تطورية‪ .‬وبالتالي ليس هناك هوية ثقافية‬ ‫بذاتها هلا تعريف ثابت‪ .‬وينبغي على التحليل‬ ‫العلمي أن يكف عن زعمه يف إجي��اد تعريف‬ ‫صحيح للهويات اخلاصة اليت يقوم بدراستها‪.‬‬ ‫املسألة ليست معرفة من هم الكورسيكيون‬ ‫بالفعل على سبيل املثال‪ ،‬بل هي معرفة داللة‬ ‫اللجوء إىل اكتساب اهلوية «الكورسيكية»‪ .‬وإذا‬ ‫اتفقنا على أن اهلوية هي بناء اجتماعي فإن‬ ‫السؤال املالئم الوحيد الذي جيب طرحه هو‬ ‫كيف وملاذا وبواسطة من‪ ،‬ويف وقت ما ويف سياق‬ ‫معني حصلت‪ ،‬واحتفظ بها‪ ،‬أو أصبحت عرضة‬ ‫للنقاش واجلدل‪ ،‬إحدى اهلويات اخلاصة‪.‬‬

‫قائمة باملصادر‪:‬‬ ‫‪1.ALMOND Gabriel et VERBA Sidney،‬‬ ‫‪the Civic Culture، Littré Brown، Boston،‬‬ ‫‪1963. (trad. franc.)، Maspero، Paris، 1968‬‬ ‫‪(1re éd. en anglais 1944).‬‬ ‫‪2.BARTH Fredrik، « Les groupes‬‬ ‫‪ethniques et leurs frontières »(trad.‬‬ ‫‪franc. 1re éd En engrais 1969) in‬‬ ‫‪Putegnat ph. et STREIFF- FENART J.،‬‬ ‫‪Théories de l’ethnicité، PUF، coll. « Le‬‬ ‫‪sociologue »، Paris، 1995.‬‬ ‫‪3.GRIGNON Claude et PASSERON‬‬ ‫‪Jean¬-Claude، Le Savant et le Populaire،‬‬ ‫‪Gallimard/Le Seuil، Paris، 1989.‬‬ ‫‪4.Les Dynamiques de l’évolution‬‬ ‫‪culturelle (trad. Franc)، Payot، Paris،‬‬ ‫‪1970 (1re éd. en anglais1945).‬‬ ‫‪5.MARY André، « Bricolage afro‬‬‫‪brésilien et bris-collage post¬moderne‬‬ ‫‪»، in LABURTHE-TOL¬RA Ph.‬‬ ‫‪(sous la dir. de)، Roger Bas¬tide ou le‬‬ ‫‪réjouissaient de l’abîme، Le Harmattan،‬‬ ‫‪Paris، 1994، p. 85-98.‬‬ ‫‪6.MAUSS Marcel، « Les civilisations،‬‬ ‫‪éléments et formes »، in FEBVRE‬‬ ‫‪Lucien et al.، Civilisation، le mot et‬‬ ‫‪l’idée. La Renaissance du livre، Paris.‬‬ ‫‪1930. Reproduit in MAUSS Marcel،‬‬ ‫« ‪Œuvres، vol. II، Minuit، Paris، 1969.‬‬ ‫‪Les techniques du corps »، Journal de‬‬ ‫‪191‬‬

‫أقواس‬


192

‫أقواس‬

psychologie، XXXII n° 3- 4، mars-avril 1936. Reproduit in MAUSS Marcel، Sociologie et Anthropologie، PUE، Paris، 1950. 7.MORIN Edgar، L’Esprit du temps. Essai sur la culture de masse. Grasset، Paris، 1962. 8.MORIN Françoise، « Des Haïtiens à New York. De la visibilité linguistique à la construction d’une identité caribéenne »، in SIM0N- BAROCH I، et SIMON P. J. (sous la dir. de)، Les Etrangers dans la ville، Le Harmattan، Paris، 1990.


‫انعكاسات السياسة املائية الرتكية عىل العراق‬ ‫دراسة يف الجغرافية السياسية‬

‫د‪ .‬براء عبد القادر‬

‫‪193‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪194‬‬

‫مقدمة‪:‬‬ ‫ً‬ ‫غالبا ما ينشأ اجلوار اجلغرايف مصاحل متوافقة‬ ‫ً‬ ‫مبعثا‬ ‫او متناقضة‪ ،‬وهذه املصاحل أما إن تكون‬ ‫لعالقات تعاون وتفاهم مشرتك‪ ،‬او تكون سبباً‬ ‫بأثارة املخاوف واملشكالت بني الدول اجملاورة‪،‬‬ ‫وعلى الرغم من خصوصية رواب��ط التاريخ‬ ‫والدين والثقافة بني العراق وتركيا ملدة طويلة‪،‬‬ ‫إال أن التطورات املعاصرة يف العالقات العراقية‬ ‫– الرتكية أتسمت بالتميز تارة والفتور تارة‬ ‫أخ��رى‪ ،‬ومتثل ه��ذه املتناقضات يف العالقات‬ ‫بني الطرفني‪ .‬فرتاكمات السياستني اخلارجية‬ ‫والداخلية لكال البلدين منذ تأسيس اجلمهورية‬ ‫الرتكية احلديثة يف العام ‪ ،1923‬والدولة العراقية‬ ‫م��روراً بثالثة حروب طاحنة خاضها العراق‬ ‫على مدى أكثر من عقدين من الزمان‪ ،‬كان‬ ‫لرتكيا فيها مواقف سياسية متباينة جتاهه‪،‬‬ ‫متثل انعكاسا الجتاهات مراكز صنع القرار يف‬ ‫تركيا ‪.‬‬ ‫وقد أتسمت العالقات العراقية – الرتكية‬ ‫خالل مده احلكم امللكي يف العراق بالتميز فقد‬ ‫جرت تسوية مشكلة املوصل اليت فتحت ً‬ ‫آفاقا‬ ‫جديدة للعالقات بني البلدين‪ ،‬وأعلنت تركيا‬ ‫اعرتافها الرمسي بالدولة العراقية يف العام ‪1927‬‬ ‫ومت تبادل التمثيل الدبلوماسي بني البلدين‬ ‫يف العام ‪ ،1928‬ووقع العراق وتركيا وايران من‬ ‫العام ‪ 1937‬على ميثاق سعدآباد املتضمن تعهد‬ ‫الدول األطراف بعدم االعتداء وعدم التدخل‬ ‫يف الشؤون الداخلية‪ ،‬ويف العام ‪ 1946‬وقع نوري‬ ‫السعيد معاهدة صداقة وحسن اجل��وار بني‬ ‫العراق وتركيا ‪.‬‬ ‫وشهدت العالقات العراقية الرتكية من العام‬

‫‪ 1955‬مرحلة جديدة من التطور‪ ،‬إذ وقع البلدان‬ ‫على معاهدة دفاع مشرتك‪ ،‬انضمت اليها بعد‬ ‫مدة قصرية ايران وبريطانيا والباكستان‪ ،‬وقد‬ ‫مسيت ه��ذه املعاهدة بـ(حلف بغداد) وال��ذي‬ ‫أحدث نقله نوعية يف عالقات تركيا مع العراق ‪.‬‬ ‫وكان لثورة ‪ 14‬متوز من العام ‪ 1958‬وإعالن‬ ‫العراق انسحابه من حلف بغداد األثر الكبري‬ ‫على ح��دوث أزم��ة يف العالقات العراقية –‬ ‫الرتكية‪ ،‬إذ عدت تركيا انسحاب العراق سوف‬ ‫يقربه من االحتاد السوفييت مما سيجعله خطراً‬ ‫عليها وبذلك أعلنت موقفها السليب من ثورة‬ ‫عام ‪. 1958‬‬ ‫وشهد مطلع الستينيات بروز بعض املشكالت‬ ‫بني العراق وتركيا‪ ،‬إذ مسحت تركيا بتسرب‬ ‫األسلحة اىل التمرد الكردي يف العراق وإزاء ذلك‬ ‫قامت الطائرات العراقية بقصف القرى الرتكية‬ ‫ال�تي استخدمت كمأوى للمتمردين األك��راد‬ ‫وأسفرت تلك العملية عن سقوط طائرتني‬ ‫عراقيتني‪ ،‬أم��ا يف ف�ترة السبعينات فقد مت‬ ‫توقيع بروتكول التعاون االقتصادي بني العراق‬ ‫وتركيا يف عام ‪. 1972‬‬ ‫وم��ن أه��م االتفاقيات ال�تي وقعها العراق‬ ‫مع تركيا يف السبعينات هي اتفاقية ‪ 27‬آب‬ ‫من العام ‪ 1973‬لبناء خط أنبوب لنقل النفط‬ ‫العراقي من كركوك اىل ميناء (دوريتول) قرب‬ ‫االسكندرونة‪.‬‬ ‫أم��ا موقف تركيا من احل��رب العراقية –‬ ‫اإليرانية (‪ )1988- 1980‬فكان سياسة احلياد‬ ‫والتوازن يف عالقتها مع طريف احلرب العراق‬ ‫وايران ‪.‬‬ ‫وقد تغري املوقف الرتكي من العراق تغرياً‬


‫ً‬ ‫جذريا بعد اجتياح القوات العراقية الكويت يف‬ ‫الثاني من آب ‪ 1990‬وحتول من حالة احلياد اىل‬ ‫االحنياز الكامل واملشاركة يف احلرب على العراق‬ ‫مع التحالف الذي تزعمته الواليات املتحدة ‪.‬‬ ‫أما يف حرب اخلليج الثالثة على العراق من‬ ‫العام ‪ 2003‬فقد رفض الربملان الرتكي قرار يسمح‬ ‫باستخدام األراضي الرتكية للقوات األمريكية‬ ‫لدخوهلا اىل العراق ‪.‬‬ ‫وعن طريق ما تطرقنا اليه من أبرز األحداث‬ ‫اليت رافقت العالقات العراقية – الرتكية ومنذ‬ ‫عام ‪ 1923‬وحتى الوقت احلاضر نرى انه كانت‬ ‫هنا ملفات وقضايا عالقة بني البلدين ّ‬ ‫تعد من‬ ‫اهم القضايا اليت حتكم العالقات بني البلدين‬ ‫وهل��ا آث��اره��ا املهمة وتداعياتها على طبيعة‬ ‫العالقات بني العراق وتركيا‪.‬‬ ‫املياه من ابرز امللفات اليت تستخدمها تركيا كأداة‬ ‫للهيمنة على العراق وخاصة منذ ‪ 2003‬واىل ‪2009‬‬ ‫واملتمثلة من مده االحتالل االمريكي للعراق‬ ‫ً‬ ‫وايضا صعود حزب العدالة والتنمية السلطة‬ ‫يف تركيا من العام ‪ 2002‬وسياسات احلكومة‬ ‫الرتكية املتمثلة بـ(العدالة والتنمية) جتاه هذه‬ ‫امللفات العالقة بني البلدين‪ ،‬ودور تركيا يف‬ ‫العراق عن طريق هذه القضية الرئيسية اليت‬ ‫تربط البلدين واليت تستخدمها تركيا يف بعض‬ ‫االحيان ك��أوراق ضغط على العراق ‪ .‬ما هي‬ ‫جذور القضايا العالقة بني العراق وتركيا وما‬ ‫هي التطورات اليت حدثت حول هذه القضايا‬ ‫بعد صعود حزب العدالة والتنمية اىل السلطة‬ ‫واالح��ت�لال االمريكي للعراق‪ ،‬حتتل مسألة‬ ‫املوارد املائية قمة أولويات ومصاحل القسم االكرب‬ ‫من دول الشرق االوس��ط‪ ،‬وأصبح االمن املائي‬

‫يوازي أهمية االمن العسكري ان مل يتفوق عليه‪،‬‬ ‫ولذا فأن احلديث عن االمن الوطين او القومي او‬ ‫االمن الغذائي هلذه الدول هو جمرد حديث بال‬ ‫مضمون يف ظل غياب وفرة املوارد املائية خاصة‬ ‫اذا علمنا ان املوارد املائية يف غالبية هذه الدول‬ ‫تأتي من خارج حدودها السياسية ‪.‬‬ ‫وتركيا حبكم موقعها اجليوسرتاتيجي بني‬ ‫الشرق والغرب‪ ،‬وحبكم أرتباطاتها اجليوسياسية‬ ‫مع اط��راف وق��وى أقليمية متعددة سياسية‬ ‫وإقتصادية وعسكرية‪ ،‬يأتي عنصر املياه ليعزز‬ ‫من الدور الذي ميكن ان يؤديه وسط منظومتها‬ ‫هذه‪ ،‬فرتكيا تتطلع للعب دور أقليمي فاعل عن‬ ‫طريق إستخدام عناصر القوة املتاحة للقرار‬ ‫ً‬ ‫وخصوصا عنصر املياه يف تدعيم دورها‬ ‫الرتكي‬ ‫ً‬ ‫االقليمي فضال عن املزايا االقتصادية اليت‬ ‫ستؤمن هلا مواجهة مشكالتها االقتصادية ‪.‬‬ ‫وقد أصبحت قضية املياه من أهم القضايا‬ ‫املشرتكة بني تركيا والعراق‪ ،‬لذا سنحاول يف‬ ‫هذا املبحث إلقاء الضوء على هذه القضية عن‬ ‫طريق البحث يف اجلذور ملشكلة املياه بني تركيا‬ ‫وال��ع��راق ثم سنتناول موقف كل من تركيا‬ ‫ً‬ ‫وايضا‬ ‫وال��ع��راق من تقسيم املياه املشرتكة‪،‬‬ ‫سنبحث يف املشاريع املائية الرتكية وأثرها يف‬ ‫طبيعة العالقات العراقية – الرتكية اىل وقتنا‬ ‫احلاضر ‪.‬‬ ‫املطلب االول‪ :‬اجلذور التأرخيية ملشكلة املياه بني‬ ‫تركيا والعراق‬ ‫تعد املياه من أهم العناصر االساسية لدميومة‬ ‫احلياة‪ ،‬وهي نعمة أنعم اهلل بها على االنسان‪،‬‬ ‫ولكن هذه املياه أصبحت مشكلة من املشكالت‬ ‫‪195‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪196‬‬

‫املهمة يف الوقت احلاضر كما أدت التطورات‬ ‫التكنولوجيه واالجتماعية والزيادات املطردة‬ ‫يف اعداد السكان اىل التوسع الكبري يف استخدامات‬ ‫املياه‪ ،‬يف حني ان كمية املياه العذبة املتاحة‬ ‫لإلستخدام العاملي تبقى ثابتة وعلى ذلك‬ ‫ً‬ ‫مكانا ب��ارزاً يف صدارة‬ ‫فأن مشكلة املياه حتتل‬ ‫املشكالت احلديثة يف السياسة الدولية‪ ،‬فقد‬ ‫ظهرت خالفات ومشكالت بني دول عدة بسبب‬ ‫عدم كفاية امل��وارد املائية املشرتكة لتلبية كل‬ ‫احتياجاتها‪)1( .‬‬ ‫واحلقيقة ان حقوق الدول يف مياه االنهار قد‬ ‫شغلت بال اجلماعة الدولية منذ فجر التأريخ‬ ‫من أجل إستفادة االنسان مبياها‪ ،‬وإختلفت آراء‬ ‫املختصني يف القانون الدولي يف هذا املوضوع‪،‬‬ ‫وق��د توالت االتفاقيات يف طريقة االنتفاع‬ ‫مبياه االنهار الدولية‪ ،‬وإقامة املنشآت واملشاريع‬ ‫املختلفة عليها‪ ،‬إذ كان أهتمام ال��دول باالنهار‬ ‫ً‬ ‫وغالبا ما‬ ‫الدولية يقتصر على املالحة فيها‬ ‫تلجأ الدول اليت جيري النهر الدولي يف أقاليمها‬ ‫اىل االتفاق على كيفية االنتفاع من مياهه‬ ‫ألغراض الزراعة والصناعة‪ ،‬أو على بيان حقوق‬ ‫وواجبات كل منهما‪ ،‬وقد تولت هذه االتفاقيات‬ ‫تنظيم إستغالل االنهار الدولية بإن ال تدع‬ ‫ً‬ ‫جماال للشك او اخلالف حول القواعد القانونية‬ ‫الدولية الواجب أعماهلا‪ ،‬ولقد حرص معهد‬ ‫القانون الدولي يف القرار الذي أصدره يف انعقاده‬ ‫يف سالرببورغ يف عام ‪ ،1961‬والذي يتضمن بعض‬ ‫املبادىء االساسية يف تنظيم احلقوق والواجبات‬ ‫ال�تي جيب ان حترتمها من ال��دول ال�تي مير يف‬ ‫أراضيها فهو دولي ومن أهم هذه املبادىء‪:‬‬ ‫االنتفاع من مياه النهر ‪.‬‬

‫العدالة يف توزيع املياه ‪.‬‬ ‫التشاور عند إقامة مشروع على النهر ‪.‬‬ ‫التعويض عن االضرار ‪.‬‬ ‫تسوية املنازعات‪)2( .‬‬ ‫تتزايد اهمية املياه بالنسبة للبشرية وأثرها‬ ‫املباشر يف مستقبل السياسة الدولية‪ ،‬فقد جاء‬ ‫يف تقرير للبنك الدولي خبصوص املياه حمذراً‬ ‫‪ ..‬أن حروب القرن املقبل لن تكون سياسية وال‬ ‫أقتصادية‪ ،‬وإمنا ستكون ً‬ ‫حربا من أجل املياه مما‬ ‫ً‬ ‫حربا ذات طبيعة شرسة مل تشهدها‬ ‫سيجعلها‬ ‫ً‬ ‫صراعا من اجل‬ ‫البشرية من قبل‪ ،‬ألنها ستكون‬ ‫البقاء‪ ،‬خاصة ان الوضع ينتقل من سيء اىل‬ ‫أسوء مع زيادة املتطلبات الفردية والزراعية‬ ‫والصناعية ً‬ ‫يوما بعد يوم (‪. )3‬‬ ‫وهناك حقيقة مهمة وهي ان خالل اخلمسة‬ ‫عشر ً‬ ‫عاما القادمة من القرن احلادي والعشرين‬ ‫ستصبح املياه أهم وسيلة للضغط السياسي‪ ،‬أي‬ ‫مبعنى سيكون هناك صراع على املياه‪)4( .‬‬ ‫وميكن رد االسباب والدوافع وراء نشوب النزاعات‬ ‫بشأن املياه وأحتماالت حتوهلا اىل صراع مسلح اىل‬ ‫جمموعة اسباب منها‪)5( :‬‬ ‫وق���وع معظم منابع امل��ي��اه خ���ارج االراض���ي‬ ‫العربية‪ ،‬خاصة النيل ودجلة والفرات‪ .‬تناقص‬ ‫النصيب النسيب للدول العربية من املياه بسبب‬ ‫التلوث والتصحر والتملح واهلدر‪ ،‬إذ إن ‪ %97‬من‬ ‫جمموع املياه املستهلكة تستخدم يف الزراعة ‪.‬‬ ‫وم��ن هنا ف��أن امل��ي��اه أصبحت تشكل أهم‬ ‫املوضوعات اليت تشغل االمن القومي للدولة‪،‬‬ ‫ألن نقص املياه الشديد الصاحلة للشرب والري‬ ‫وطنيا ً‬ ‫ً‬ ‫تثري ً‬ ‫بالغا وإن بدون املياه ال ميكن ان‬ ‫قلقا‬ ‫تكون هناك فرص للتقدم والتطور االجتماعي‬


‫واالقتصادي والصحي وعندما تكون مصادر‬ ‫امل��ي��اه حم���دودة بفعل سياسات التحكم اليت‬ ‫متارسها دولة املنبع تعمل عن طريق احلد من‬ ‫تدفقها او عن طريق زيادة ملوحتها او حتى‬ ‫جزئيا ً‬ ‫ً‬ ‫سببا يف حدوث أزمات وكوارث‬ ‫قطعها‬ ‫داخلية تعرض النظام االقتصادي واالجتماعي‬ ‫والصحي واالمين للخطر بتهديد حياة السكان‬ ‫ب��اجمل��اع��ة واهل��ج��رة وال��ف��ق��ر وح��ي��اة ال��ث��روة‬ ‫ً‬ ‫فضال عن تلويث وزي��ادة‬ ‫احليوانية باملوت‪،‬‬ ‫امللوحة يف االراضي الزراعية‪)6( .‬‬ ‫إن مشكلة املياه بني تركيا والعراق تعود اىل‬ ‫بداية القرن العشرين‪ ،‬وبالتحديد يف فرتة أنهيار‬ ‫الدولة العثمانية‪ ،‬ككيان سياسي بعد احلرب‬ ‫العاملية االوىل‪ ،‬مما دخل العراق حتت االنتداب‬ ‫الربيطاني لتطول هذه التغريات ً‬ ‫ايضا الوضع‬ ‫ً‬ ‫متحوال‬ ‫القانوني لنهري دجلة وال��ف��رات‪)7(.‬‬ ‫ً‬ ‫طبقا لذلك اىل نهريني دوليني(‪ )8‬بعد ما كانا‬ ‫الثالثه يف ضمن اطار الدولة العثمانية ‪.‬‬ ‫وعند حتول هذه االنهار اىل دولية‪ ،‬أي أنه مل‬ ‫يعد أستغالل مياهها خيضع ألختصاص دولة‬ ‫واحدة‪ ،‬وإمنا حقوقه تشكل الدول املتشاطئة له‬ ‫او تلك اليت جتتازها يف جريانه او اليت تشرتك‬ ‫يف حوض تغذيته او مبا يشمله من مياه سطحية‬ ‫وجوفية وروافد اخرى‪ ،‬ومن هنا فاملياه دخلت‬ ‫يف اختصاصات القانون الدولي نظراً ملا نشب‬ ‫حوهلا من خالفات ونزاعات‪)9( .‬‬ ‫فبعد أستقالل العراق عن الدولة العثمانية‬ ‫ووض��ع��ه حت��ت االن��ت��داب الربيطاني ظهرت‬ ‫احلاجة اىل حفظ حقوقه إزاء تركيا مبوجب‬ ‫معاهدات بني دولة االنتداب (بريطانيا) نيابة‬ ‫عن العراق وتركيا‪ ،‬وه��ذه املعاهدات عقدت‬

‫ً‬ ‫تطبيقا ملبادىء حسن اجلوار وتنفيذاً للقواعد‬ ‫العامة للقانون الدولي يف جمال املياه وعلى وفق‬ ‫ترتيبها الزمين‪ )10( ،‬إذا من هنا يتبني لنا ان‬ ‫مسألة املياه بني تركيا والعراق ليست جديدة بل‬ ‫هي قدمية حيث نصت املادة الثالثة من االتفاق‬ ‫(الربيطاني – الفرنسي) يف ‪ 23‬كانون االول من‬ ‫العام ‪ 1920‬على أنه يف حالة ما اذا كان تنفيذ أي‬ ‫مشروع من جانب فرنسا لتنظيم الري يف سوريا‬ ‫يرتتب عليه نقص املياه يف الفرات‪ ،‬ويف دجلة‬ ‫بدرجة كبرية عند دخول النهرين العراق‪ ،‬فأنه‬ ‫جيب تأليف جلنة من اخلرباء لدراسة املشروع‬ ‫الفرنسي قبل تنفيذه (‪ )11‬وهو ما أكدته اتفاقية‬ ‫(لوزان) املعقودة بني احللفاء والدولة العثمانية‬ ‫يف ‪ 24‬متوز من العام ‪ 1923‬يف مادتها الثالثة على‬ ‫ذلك فقد نصت على ما يأتي ((ضرورة تأليف‬ ‫جلنة مشرتكة من تركيا وس��وري��ا وال��ع��راق‪،‬‬ ‫مهمتها معاجلة املشكالت اخلاصة مبياه نهري‬ ‫دجلة والفرات‪ ،‬السيما اذا ماأريد بناء منشآت‬ ‫هندسية يف أعالي هذين النهرين تؤثر تأثرياً‬ ‫كبرياً يف كمية وتوزيع تصريف هذين النهرين‬ ‫يف منطقة ما بني النهرين وأشارت املعاهدة اىل‬ ‫وضع تسوية ألي خالف على نظام توزيع املياه‪،‬‬ ‫وضرورة الوصول اىل إتفاق بني الدول املعنية‬ ‫يصون املصاحل واحلقوق املكتسبة لكل منها‪ ،‬ويف‬ ‫حل اخلالف ميكن اللجوء اىل مبدأ التحكيم(‪،)12‬‬ ‫وتشري املادة (‪ )109‬من معاهدة لوزان اىل ((اذا مل‬ ‫يكن هناك نص خيالف ذلك فأنه ان نتج تعيني‬ ‫احل��دود اجلديدة ان نظام املياه ((القنوات –‬ ‫الفيضانات – الري – الصرف)) وما شابه ذلك‬ ‫يف دول��ة فأنه يتوقف على االعمال املنفذة يف‬ ‫أقليم دولة أخرى او عنها ينتفع بأقليم أحدى‬ ‫‪197‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪198‬‬

‫الدول‪ ،‬مبقتضى عرف قائم جعل الري باملياه‬ ‫والطاقات ال�تي يكون منبعها يف أقليم دولة‬ ‫أخ��رى‪ ،‬فأنه اتفاق بني ال��دول صاحبة الشأن‬ ‫للمحافظة على املصاحل واحلقوق اليت أكتسبها‬ ‫كل منها ‪)13( .‬‬ ‫وهذا يعين‪ :‬انه ينبغي على الدول الثالث –‬ ‫العراق وسوريا وتركيا – وجوب عقد أتفاقيات‬ ‫بني الدول تضمن وضع حدود جديدة ترتبت‬ ‫على املعاهدة تضمن املصاحل واحلقوق املكتسبة‬ ‫لكل دولة (مبا فيها املياه)‪ ،‬أي ضرورة تسوية أي‬ ‫نزاع خيص بأقتسام املياه بني الدول املذكورة‬ ‫اعاله ‪)14( .‬‬ ‫ويف آذار من عام ‪ 1946‬عقدت معاهدة صداقة‬ ‫بني تركيا والعراق وافقت تركيا على ضوئها‬ ‫بإطالع العراق على ٍألي مشروع تقوم به على‬ ‫نهري دجلة والفرات وتنظيم االنتفاع باالنهار‬ ‫امل��ش�ترك��ة‪ ،‬إذ تضمنت امل���ادة (‪ )6‬منها ستة‬ ‫بروتوكوالت يتناول االول منها موضوع جريان‬ ‫مياه نهري دجلة والفرات مع روافدهما عن‬ ‫طريق التأكيد على حق العراق يف تنفيذ أية‬ ‫إنشاءات أو أعمال على النهرين تؤمن أنسياب‬ ‫املياه او للسيطرة على الفيضانات من االراضي‬ ‫العراقية او الرتكية‪ ،‬على ان يتحمل العراق‬ ‫ً‬ ‫أنسجاما مع مبادىء اجملاملة الدولية‬ ‫التكاليف‬ ‫ولكون تركيا خارجة لتوها من ضغوط احلرب‬ ‫العاملية الثانية وكان االتفاق قد تضمن ً‬ ‫أيضا‬ ‫تأسيس حمطة تسجيل ال��ق��راءات املائية يف‬ ‫منطقة بريه جك على نهر الفرات يف تركيا مع‬ ‫حق العراق بأيفاد هيئات من الفنيني اىل تركيا‬ ‫بأسرع وقت ألج��راء احلفريات وأعمال املسح‬ ‫ومجع املدلوالت املائية واجليولوجية‪ ،‬وقد جاء‬

‫هذا االتفاق لكي يشكل حالة دولية للتعاون‬ ‫وتوثيق عالقات حسن اجلوار‪ ،‬ولكن أقتصاره‬ ‫على العراق وإستبعاد سوريا شكل أهم عيوب‬ ‫هذه املعاهدة‪ )15(.‬لكن الغريب ان تركيا خالفت‬ ‫هذه املعاهدة بأقامتها سدود اتاتورك وبرية جك‬ ‫وخرمحيش دون االتفاق مع العراق ‪.‬‬ ‫ويعد تأريخ السابع من اكتوبر من العام ‪1957‬‬ ‫بداية مرحلة جديدة يف السياسة املائية الرتكية‬ ‫إذ وجهت السفارة الرتكية يف بغداد مذكرة اىل‬ ‫احلكومة العراقية تضمنت رغبتها يف أنشاء‬ ‫سد (كيبان) على الفرات موضحة املواصفات‬ ‫الفنية للمشروع وسعته تبلغ (‪ )4 ،9‬مليار مرت‬ ‫ً‬ ‫وتطبيقا للمادة (‪ )5‬من بروتوكول‬ ‫مكعب‪،‬‬ ‫رقم (‪ )1‬امللحق مبعاهدة عام ‪ ،1946‬اليت تنص‬ ‫على موافقة حكومة تركيا على اطالع العراق‬ ‫على أية مشاريع خاصة باالعمال اليت قد تقرر‬ ‫إنشائها على أحد النهرين او روافدها‪ ،‬وذلك‬ ‫لغرض جعل االعمال ختدم على قدر االمكان‬ ‫مصلحة العراق كما ختدم مصلحة تركيا ‪)16( .‬‬ ‫وعند بروز أهتمام العراق وتركيا وكذلك‬ ‫سوريا بأستخدام مياه نهري دجلة والفرات‬ ‫عقدت أجتماعات متعددة بني العراق وسوريا‬ ‫من العام ‪ 1962‬أتفاقاتها على متابعة التطورات‬ ‫حول موضوع املياه وكذلك تبادل املعلومات ‪.‬‬ ‫كذلك فأن أجتماعات اخرى عقدت خالل‬ ‫االع��وام ‪ 1966 – 1965 – 1964 – 1963‬ولكن مل‬ ‫يتوصل الطرفني خالهلا اىل اتفاق ألقتسام املياه‬ ‫اليت تسمح تركيا بعبورها اىل البلدين‪ )17( ،‬ومن‬ ‫أبرز اللقاءات اليت جرت بني الدول الثالث هو‬ ‫اللقاء الذي مجع الوفد الرتكي بالوفد العراقي يف‬ ‫العام ‪ ،1964‬والذي ناقش فيه الطرفان مشروع‬


‫سد (كيبان) وقد بني اجلانب الرتكي اهمية‬ ‫املشروع يف توفري الطاقة الكهربائية يف تركيا‬ ‫يف حني أكد الوفد العراقي عدم مراعة اجلانب‬ ‫الرتكي لألحتياجات الفعلية واحلقيقية للمياه‬ ‫لكل من سوريا والعراق ‪.‬‬ ‫وقد أقرتح العراق تأليف جلنة لدراسة املشروع‬ ‫ومدى تأثريه يف العراق تعاونها هيئة أستشارية‬ ‫عاملية لدراسة وجهات النظر املتباينة‪ ،‬ولكن‬ ‫اجلانب الرتكي وافق على تأليف جلنة لتبادل‬ ‫امل��ع��ل��وم��ات وأع�تراض��ه��ا على مسألة اهليئة‬ ‫االستشارية العاملية وعند بدء العمل يف السد‬ ‫من عام ‪ 1965‬عقد أجتماع فين يف بغداد يف ايلول‬ ‫من عام ‪ 1965‬بني الدول الثالث حول املوضوع‬ ‫اعاله‪ ،‬إال أن االتراك رفضوا حبث موضوع ملء‬ ‫اخل��زان��ات ال��ذي طرحه العراق بعده له حق‬ ‫مكتسب يف مشاريع ختزين سابقة على مشروع‬ ‫كيبان وهو‪( :‬الثرثار واحلبانية ودوك��ان) ويف‬ ‫حماولة االتراك متييع املوضوع طرحوا فكرة‬ ‫ان حوضي دجلة والفرات (حوض واحد) مما‬ ‫رفضه العراق مؤكداً ان لكل نهر حدوده اخلاصة‬ ‫املنفصلة عن حدود النهر االخر‪)18( .‬‬ ‫ويف عام ‪ 1971‬مت توقيع بروتوكول التعاون‬ ‫االقتصادي والفين بني العراق وتركيا الذي‬ ‫حيمل رقم ‪ 52‬لسنة ‪ ،1971‬إذ أجتمع ممثلو كلتا‬ ‫الدولتني يف انقره أبتداءاً من ‪ 15‬كانون الثاني‬ ‫من عام ‪ 1971‬ولغاية ‪ 19‬كانون الثاني من عام‬ ‫‪ 1971‬ومت االتفاق ومبوجب امل��ادة الثالثة من‬ ‫الربوتوكول املذكور على ما يأتي‪:‬‬ ‫جتري السلطات الرتكية املختصة أثناء وضع‬ ‫برنامج م��لء خ��زان كيبان مجيع املشاورات‬ ‫اليت تعد مفيدة مع السلطات العراقية املختصة‬

‫بغية تأمني حاجات العراق وتركيا من املياه مبا‬ ‫يف ذلك متطلبات ملء خزاني احلبانية وكيبان‪.‬‬ ‫يشرع الطرفان يف أسرع وقت ممكن‪ ،‬باملباحثات‬ ‫حول املياه املشرتكة أبتداءاً بالفرات ومبشاركة‬ ‫مجيع االطراف املعنية‪)19( .‬‬ ‫ومتت لقاءات خمتلفة بني سوريا والعراق وبني‬ ‫االط��راف الثالثة بعد توقيع هذا الربوتوكول‬ ‫ولبحث املسائل الفنية املتعلقة مبلء سد كيبان‪.‬‬ ‫ويف ‪ 25‬كانون االول عام ‪ 1980‬وقع بروتوكول‬ ‫أقتصادي وفين بني العراق وتركيا وأنضمت‬ ‫اليه سوريا من عام ‪ 1983‬وبذلك تكونت اللجنة‬ ‫الفنية املشرتكة للدول الثالث خبصوص املياه‪،‬‬ ‫وقد مشلت مباحثات اللجنة سلسلة واسعة من‬ ‫املسائل وكانت املياه مسألة سياسية أمنية ً‬ ‫فضال‬ ‫عن أهميتها االقتصادية فقد جاء يف الربوتوكول‬ ‫بأن يتعهد اجلانب الرتكي بأن يكون التوزيع‬ ‫النهائي ملياه نهر الفرات بني البلدان الثالثة‬ ‫ً‬ ‫سنويا يزيد عن ‪ 500‬م‪/3‬ثانية ‪)20( .‬‬ ‫وقد أبدت تركيا عام ‪ 1990‬إستعدادها للتوقيع‬ ‫على اتفاقيات تفاهم وتعاون مع سوريا والعراق‬ ‫حول مياه الفرات ودجلة إال أن واقع احلال أشار‬ ‫اىل عدم أخذها ملبدأ التعاون وأخذ مصاحل سوريا‬ ‫والعراق بنظر االعتبار‪ ،‬وقد بينت أزمة عام‬ ‫‪ 1990‬اليت قطعت فيها تركيا مياه الفرات ملدة‬ ‫شهر واح���د(‪ )21‬البعد السياسي واالقتصادي‬ ‫للمياه‪ ،‬إذ وعدت تركيا بأنها ستعيد تدفق مياه‬ ‫نهرا لفرات يف حال أستجابة سوريا ملطالبها اليت‬ ‫حددتها باالتي‪:‬‬ ‫إيقاف سوريا لدعمها الذي تقدمه حلزب العمال‬ ‫الكردستاني واحلركة الكردية يف تركيا ‪.‬‬ ‫ختلي سوريا عن دعم (االرمن) الذين يتدربون‬ ‫‪199‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪200‬‬

‫يف سهل البقاع للقيام بعمليات ضد الدبلوماسيني‬ ‫االتراك يف خمتلف دول العامل ‪)22( .‬‬ ‫وقد عقدت اللجنة الفنية املشرتكة الرتكية‬ ‫– العراقية – السورية أجتماعات متعددة طيلة‬ ‫فرتة التسعينات كانت هذه االجتماعات تناقش‬ ‫مواضع متعددة لعل أهمها تبادل املعلومات حول‬ ‫املياه وكذلك حصص كل من العراق وسوريا من‬ ‫املياه وأمكانية زيادتها عن معدل ‪ 500‬م‪ / 3‬ثانية‬ ‫ً‬ ‫وخصوصا يف فصل الصيف ويف أحد االجتماعات‬ ‫اليت عقدتها اللجنة يف عام ‪ 1997‬فشل املفاوض‬ ‫الرتكي بكسب التأييد حول مقرتح يعد نهر‬ ‫دجلة والفرات نهران عابران للحدود وليسا‬ ‫ً‬ ‫وأيضا طرح املفاوض الرتكي مرة أخرى‬ ‫دوليني‬ ‫مقرتح بالرفض ذلك أنه مفهوم خاطىء من‬ ‫اجلوانب الفنية والقانونية والطبيعية ً‬ ‫أيضا ‪.‬‬ ‫إذاً هنا ميكن القول‪ ،‬أن املفاوض الرتكي وعرب‬ ‫مجيع مراحل املفاوضات مياطل لكسب الزمن‬ ‫ملصلحته واحلصول على بعض املنافع على املدى‬ ‫الطويل‪ ،‬وذلك ألن وراء مسألة املياه مع العراق –‬ ‫بأعتقاد املسؤولني االتراك – مناورات سياسية‬ ‫جتعل املعارضة الرتكية تستغل أي تنازالت يف‬ ‫املياه لصاحلها وهو أمر جيعل املفاوض الرتكي‬ ‫فيه‬ ‫يتخوف منه ولن يتجرأ على توقيع أتفاق ِ‬ ‫مكاسب للعراق‪)23( .‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬موقف تركيا والعراق من تقسيم‬ ‫املياه املشرتكة‪:‬‬ ‫هناك تهديد مهم وحيوي لسالمة البشرية‬ ‫ينشأ من زيادة التنافس على املياه نتيجة لزيادة‬ ‫الطلب عليها‪ ،‬واليت تفوق خمزون املياه املتاح‬ ‫وقد ظهرت سياسات جديدة للندرة بعد ظهور‬ ‫التنافس بني الدول اجملاورة من أجل احلصول‬

‫على مقدار حمدود من املياه من خمزون يتقلص‬ ‫مع مرور الوقت ‪)24( .‬‬ ‫وهناك عدة عوامل تسهم يف خلق الندرة‬ ‫منها‪ :‬أستنفاذ املوارد والتزايد يف عدد السكان‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وايضا عدم املساواة يف توزيع املوارد او يف حرية‬ ‫الوصول أليها‪ ،‬وك��ان من املمكن لرتكيا جتنب‬ ‫مشكلة املياه مع العراق لو أنها أعرتفت مببدأ‬ ‫توزيع مياه دجلة والفرات وبضرورة التشاور‬ ‫عند أق��ام��ة ال��س��دود ووج���وب االت��ف��اق على‬ ‫املشروعات املشرتكة وتبادل املعلومات حول كل‬ ‫ما يتعلق مبياه دجلة والفرات‪ ،‬ولكن يبدو أن‬ ‫تركيا بعيدة عن تطبيق هذه املبادىء ‪.‬‬ ‫ومنذ أن بدأت التأثريات السلبية للمشاريع‬ ‫الرتكية الضخمة على نهري دجلة الفرات‬ ‫ً‬ ‫الحقا) على املوارد‬ ‫(واليت سنتناوهلا بالتفصيل‬ ‫املائية والزراعة يف العراق‪ ،‬وترافق مع عدم‬ ‫اكرتاث تركيا مبصاحل جارها والتشاور معه هذا‬ ‫بالنتيجة أدى اىل بلورة كل طرف موقف خمتلف‬ ‫عن االخر ‪.‬‬ ‫والسؤال هنا ما هي نظرة تركيا اىل مياه دجلة‬ ‫والفرات واليت جعلتها ال تريد االعرتاف بقسمة‬ ‫عادلة للمياه وكيف تنظر تركيا اىل هذا املورد‬ ‫الثمني؟ وباملقابل ما هي املربرات اليت حيملها‬ ‫العراق يف مقابل وجهة النظر الرتكية؟ هذا ما‬ ‫سنحاول حبثه يف هذا املطلب ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أوال‪ :‬املوقف الرتكي‪:‬‬ ‫تتثمل وجهة النظر الرتكية يف قضايا املياه‬ ‫املشرتكة بينها وب�ين ال��ع��راق ما يأتي‪ :‬عدم‬ ‫االعرتاف بالطابع الدولي لنهري دجلة والفرات‪.‬‬ ‫تدعي تركيا ان نهري دجلة وال��ف��رات ليسا‬ ‫نهرين دوليني‪ ،‬وإمنا نهرين عابرين للحدود‪.‬‬


‫ً‬ ‫وتبعا لذلك فهي ال تعرتف ب��أن دجلة‬ ‫(‪)25‬‬ ‫والفرات أنهار دولية تقع ضمن جماري املياه‬ ‫الدولية واليت نصت على تعريفها اتفاقية قانون‬ ‫إستخدام اجملاري املائية الدولية لألغراض غري‬ ‫املالحية لعام ‪)26( . 1997‬‬ ‫وترى تركيا ان جماري املياه الدولية ميكن‬ ‫تعريفها على أنها جماري تقع أحدى ضفتيها‬ ‫ضمن حدود دولة وتقع االخرى ضمن حدود‬ ‫دولة اخرى ويتم أقتسام املياه عرب خط الوسط‬ ‫احلدودي ‪)27( .‬‬ ‫وبهذا حتاول تركيا إضفاء الصفة الرتكية على‬ ‫النهرين‪ ،‬وهذا ظاهر ً‬ ‫جليا عن طريق تصرحيات‬ ‫ومواقف املسؤولني االتراك‪ ،‬ومن ذلك تصريح‬ ‫رئيس ال��وزراء تركيا السابق سليمان دميرييل‬ ‫ً‬ ‫قائال‪(( :‬ان لرتكيا السيادة على‬ ‫يف عام ‪1990‬‬ ‫مواردها املائية وجيب ان ال ختلق السدود اليت‬ ‫تنشأها تركيا على دجلة والفرات أي مشكلة‬ ‫دولية‪ ،‬وعلى اجلميع ان يدرك ان ال نهر الفرات‬ ‫وال نهر دجلة أنهار دولية ولكنها أنهار تركية‬ ‫وحتى عبورهما االقليم الرتكي‪ ،‬فالنهر ال ميكن‬ ‫ً‬ ‫عده نهراً‬ ‫دوليا إال أذا كان يشكل احلدود بني‬ ‫دولتني او أكثر ولكل دول��ة احلق يف أستغالل‬ ‫مواردها املائية كما تشتهي‪ ،‬وليس ألية دولة‬ ‫أخرى احلق يف االعرتاض على ذلك))‪)28( .‬‬ ‫رفض مبدأ تقسيم املياه‪:‬‬ ‫ترفض تركيا قسمة مياه الفرات ودجلة‬ ‫ب�ين ش��رك��ائ��ه��ا االخ���ري���ن‪ ،‬وه��م��ا‪( :‬ال��ع��راق‬ ‫وسوريا) وتطرح مفهوم (االستخدام األمثل‬ ‫للمياه) ولتطبيق مبدأها هذا قدمت تركيا‬

‫يف العام ‪ ،1984‬اىل كل من سوريا والعراق خالل‬ ‫اجتماعات اللجنة الفنية املشرتكة خطة حتت‬ ‫أسم (املراحل الثالث)‪ ،‬ثم ك��ررت تركيا هذا‬ ‫االق�تراح م��رة اخ��رى يف آذار ‪ ،1990‬وك��ان هذا‬ ‫املبدأ هو أستخدام تكنولوجيا متطورة والقيام‬ ‫بدراسة فيه موسعه للرتبة يف البلدان الثالثة‬ ‫وحتديد اصناف الرتبة وحتديد انواع احملاصيل‬ ‫الزراعية اليت يتوجب زراعتها دون غريها‪ ،‬ويف‬ ‫ذلك يتم حتديد االحتياجات املائية ‪)29( .‬‬ ‫فرتكيا تعلن وحسب خطتها هذه ان تربة‬ ‫اراضيها أجود من أصناف ترب االراضي يف كل‬ ‫ً‬ ‫وايضا العراق‪ ،‬وهكذا فمن االجدر‬ ‫من سوريا‬ ‫ان يستفاد من املياه يف سقي هذه الرتبة اجليدة‬ ‫ً‬ ‫ب��دال من تربة سوريا وال��ع��راق غري اجليدة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وتبعا لذلك ما على سوريا والعراق إال االعتماد‬ ‫يف غذائهما على ما تنتجه تركيا من حماصيل‬ ‫زراعية ‪)30( .‬‬ ‫عد حوضي نهري دجلة والفرات حوض واحد‪:‬‬ ‫تصر تركيا انه جيب النظر اىل حوضي دجلة‬ ‫والفرات على انهما حوض واحد‪ ،‬وأنهما رافدان‬ ‫لنهر واحد وهو شط العرب‪ ،‬وتعتقد تركيا‪ :‬ان‬ ‫مشكلة شحة املياه بالنسبة للعراق ميكن حلها‬ ‫اذا قام االخري بتمويل مياه نهر الفرات من مياه‬ ‫نهر دجلة بواسطة قناة الثرثار ‪)31( .‬‬ ‫ع��دم االع�ت�راف باحلقوق املكتسبة لسوريا‬ ‫والعراق بنهري دجلة والفرات‪:‬‬ ‫ترى تركيا يف عدم القبول بالطرح السوري‬ ‫والعراقي بضرورة االعرتاف حبقوقهما املكتسبة‬ ‫يف نهري دجلة والفرات أمراً ال غبار عليه وذلك‬ ‫حبجة ان هذا املبدأ غري معرتف به ً‬ ‫دوليا ‪)32( .‬‬ ‫‪201‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪202‬‬

‫التأكيد بأن املشروعات والسدود الرتكية ستكون‬ ‫ذات فائدة بالنسبة لسوريا وال��ع��راق‪ ،‬إذ أكد‬ ‫رئيس اجلمهورية الرتكية األسبق توركوت اوزال‬ ‫يف ‪ 18‬كانون االول من عام ‪ 1990‬على أنه ال ميكن‬ ‫قبول الزعم القائل‪ :‬بأن سد أتاتورك سيكون‬ ‫مصدر تأثري سليب بالنسبة اىل سوريا والعراق‬ ‫ألنه على العكس من ذلك سيكون مصدر حلسن‬ ‫النيات واخلصوبة واالزده��ار لكل من البلدين‬ ‫وتركيا‪ ،‬وملاذا ال يعامل سد اتاتورك كمشروع‬ ‫حيمي ماليني السكان يف البلدان الثالثة من‬ ‫خماطر الفيضانات كما فعلت السدود الرتكية‬ ‫االخرى يف املاضي ؟‪)33( .‬‬ ‫ع��د امل��ي��اه سلعة اقتصادية وجت��اري��ة ميكن‬ ‫مقايضتها او احلصول على مثن‪:‬‬ ‫وهذا ما ظهر بوضوح فوزير اخلارجية األسبق‬ ‫(صفا غريادي) أعلن يف بروكسل يف عام ‪( :1991‬أن‬ ‫تركيا ترغب يف إستخدام مياهها كسلعة جتارية‬ ‫ميكن مقايضتها) ‪)34( .‬‬ ‫وتأكيداً على االجتاه نفسه يف عد املياه سلعة‬ ‫جتارية‪ ،‬ما أعلنه وزير الدولة الرتكي املسؤول‬ ‫عن مشروع جنوب شرق االناضول (‪)GAP‬‬ ‫حني قال‪(( :‬أن تركيا ستباشر يف عرض مياهها‬ ‫يف (بورصة املياه) لبيعها للدول العربية والشرق‬ ‫االوس��ط‪ ،‬ألنها ليست مستعدة ألعطاء مياهها‬ ‫دون مقابل ولذلك ستعمل على تسويقها يف‬ ‫أسواق البورصة العاملية‪)35( .‬‬ ‫إستخدام املياه كسالح سياسي‪:‬‬ ‫تستخدم تركيا سالح املياه لغرض حتقيق‬ ‫مكاسب سياسية وإقتصادية وإسرتاتيجية‬

‫ً‬ ‫وإيضا سوريا‬ ‫وحماولة الضغط على العراق‬ ‫ع��ن ط��ري��ق امل��ط��ال��ب االق��ل��ي��م��ي��ة (امل��وص��ل‬ ‫وكركوك ولواء االسكندرونة) وأوضاع االقليات‬ ‫(ال�ترك��م��ان) وأم��ن احل��دود وح��رك��ات التمرد‬ ‫واالنفصال (حزب العمال الكردستاني) فهي‬ ‫تصر على عقد اتفاقيات تعاون سياسة شاملة‬ ‫على خمتلف االصعدة ختتلط فيه االرض واملاء‬ ‫والسياسة ‪)36( .‬‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬املوقف العراقي‪:‬‬ ‫تستند وجهة النظر العراقية من مسألة املياه‬ ‫املشرتكة اىل مبادىء القانون الدولي وعالقات‬ ‫حسن اجل��وار واملصاحل واحلقوق التأرخيية يف‬ ‫مياه نهري دجلة وال��ف��رات وتتلخص وجهة‬ ‫النظر العراقية بالنقاط اآلتية‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫تقود العراق رؤية ومفادها‪َ :‬عد دجلة والفرات‬ ‫نهرين دوليني حبوضني مستقلني تشرتك فيهما‬ ‫تركيا وسوريا والعراق‪ ،‬وبهذه الرؤية فقد طمح‬ ‫العراق اىل إجياد حلول منصفة عادلة تضمن‬ ‫حقوق االط��راف املتشاطئة حلوض النهرين‪.‬‬ ‫(‪ )37‬ان حقيقة كون دجلة والفرات نهرين‬ ‫دوليني تؤكده خمتلف قواعد ومبادىء القانون‬ ‫الدولي مما يؤكد بطالن االدعاء الرتكي بوطنية‬ ‫دجلة والفرات‪ ،‬وإنهما نهرين (عابرين للحدود)‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫فاضحا لقواعد‬ ‫أنتهاكا‬ ‫وموقعها ه��ذا ميثل‬ ‫القانون الدولي االتفاقي واالعراف الدولية ذات‬ ‫العالقة ‪)38( .‬‬ ‫إن مفهوم االستخدام االمثل للمياه لدى العراق‬ ‫يعين‪ :‬التنمية الشاملة للموارد املائية بهدف‬ ‫ضمان إستثمارها على أفضل وج��ه‪ ،‬وكذلك‬ ‫حسن توزيعها وم��ا يتطلبه ذل��ك من زي��ادة‬


‫كفاءة االرواء وتقليل الفواقد اىل جانب محايتها‬ ‫من التلوث واحلد من أسبابه عن طريق إختاذ‬ ‫التدابري واإلج��راءات الالزمة‪ )39( .‬إن هذا لن‬ ‫حيدث وحسب وجهة نظر العراق إال عن طريق‬ ‫قسمة عادلة للمياه‪ ،‬وان يؤطر هذا اتفاقية‬ ‫جتمع االطراف الثالث تركيا والعراق وسوريا‬ ‫واالتفاق على الكمية املناسبة من املياه وبصورة‬ ‫عادلة‪ ،‬وأكد العراق ً‬ ‫دائما أنه ليس ضد فكرة‬ ‫أنشاء السدود واملشاريع االروائية طاملا أنها تعم‬ ‫بالفائدة على اجلميع وال تسبب االضرار ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫طرفا يف بروتوكول‬ ‫يرى العراق‪ :‬أنه مل يكن‬ ‫عام ‪ ،1987‬الذي عقدبني سوريا وتركيا والذي‬ ‫حتددت فيه كمية تدفق املياه وعند احلدود‬ ‫السورية الرتكية ب��ـ(‪ )500‬م‪/3‬ثانية ومن ثم‬ ‫فهو مل يوافق عليها ألنه مل يكن حاضراً يف هذا‬ ‫االتفاق ويعتقد أن احلد االدنى للتصريف جيب‬ ‫ان ال يقل عن (‪ )700‬م‪/3‬ثانية حتى ال يلحق‬ ‫ضرراً بالعراق ‪)40( .‬‬ ‫يتمسك ال��ع��راق حبقوقه املكتسبة يف نهري‬ ‫دجلة والفرات‪ ،‬ويدعو تركيا اىل االعرتاف بهذه‬ ‫احلقوق املبنية على املساحات املزروعة ونوعية‬ ‫احملاصيل واملقنن املائي السائد والعوامل االخرى‬ ‫ً‬ ‫ووفقا لقواعد القانون الدولي ‪)41( .‬‬ ‫املتبعة‬ ‫يؤكد العراق على ضرورة التوصل اىل أتفاق عن‬ ‫طريق تفاهم الدول الثالث لتحديد احلصص‬ ‫ً‬ ‫رافضا بذلك عملية‬ ‫املائية من املياه املشرتكة‪،‬‬ ‫إستخدام املياه كسالح لتحقيق اهداف معينة‬ ‫ومنافع ذاتية‪ ،‬واليت تقود ً‬ ‫حتما اىل وضع حلول‬ ‫غري عادلة واخلروج عن أسس التعامل الدولي‬ ‫السليم ‪)42( .‬‬ ‫يؤمن العراق ان اعتبار املياه سلعة جتارية‬

‫هو أم��ر غري مقبول وم��رف��وض وعلى اساس‬ ‫هذا االعتقاد وحاول العراق وعن طريق عدة‬ ‫ً‬ ‫وخصوصا‬ ‫مشاريع مساعدة دول اخلليج‪،‬‬ ‫الكويت يف تأمني بعض أحتياجاتها املائية‬ ‫بدون مقابل‪ )43(.‬ضرورة إلتزام تركيا مببدأ‬ ‫(عدم االضرار بالغري) عند تنفيذها للمشاريع‬ ‫االروائية على جمرى النهرين‪ ،‬ألن ذلك املبدأ‬ ‫يلزم دول اجمل��رى املائي الدولي خاصة دول‬ ‫املنبع بضرورة التشاور املسبق مع دول اجملرى‬ ‫االخرى والتقيد بعدم االضرار مبصاحلها‪ ،‬وان‬ ‫تركيا مبشاريعها الضخمة يف حوضي النهرين‬ ‫قد أخرت كثرياً بالزراعة واحلياة البشرية يف‬ ‫العراق وسوريا ‪)44( .‬‬ ‫مما تقدم ميكن القول إن ال صحة وال سند‬ ‫قانوني ملوقف تركيا من املياه الدولية املشرتكة‬ ‫مع سوريا والعراق‪ ،‬إذ ترفض تركيا االعرتاف‬ ‫بالصفة الدولية لنهري دجلة والفرات وتعدهما‬ ‫نهرين تركيني عابرين للحدود مما يرتب‬ ‫سيادتها املطلقة عليهما وهذا يتنافى مع مبادىء‬ ‫القانون الدولي بشأن تعريف االنهار الدولية ‪.‬‬ ‫وإن مصطلح (عابرة للحدود) مل يرد ذكره من‬ ‫حوالي ‪ 300‬أتفاقية دولية حول املياه الدولية‬ ‫املشرتكة واليت جرى تسجيلها لدى االمم املتحدة‬ ‫كذلك فأن االتفاقية اخلاصة بأستخدام اجملاري‬ ‫املائية الدولية يف االغراض غري املالحية لعام‬ ‫‪ ،1997‬مل تعتمد أصطالح (املياه العابره للحدود)‬ ‫يف تعريفها للمجرى املائي ‪.‬‬ ‫وعليه ميكن القول إن تركيا حتاول حتقيق‬ ‫مشاريعها املائية على نهري دجلة والفرات دون‬ ‫النظر اىل مصاحل دول احل��وض خمالفة بذلك‬ ‫القواعد القانونية الدولية اليت طرحت مبدأ‬ ‫‪203‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪204‬‬

‫االنتفاع املعقول وال��ع��ادل ملياه اجمل��رى املائي‬ ‫الدولي‪ ،‬والذي يفرض على تركيا عدم إجراء أي‬ ‫تعديل او تغيري على االوضاع الطبيعية لنهري‬ ‫دجلة والفرات إال بعد التوصل ألتفاق مسبق مع‬ ‫شريكيتها العراق وسوريا ‪.‬‬ ‫وإن حل قضية املياه يتطلب وج��ود أرادة‬ ‫سياسية حقيقية لدى تركيا وتوفر مبدأ (حسن‬ ‫النية) لتحقيق أتفاق نهائي وع��ادل لتقاسم‬ ‫مياه نهري دجلة والفرات قسمة عادلة‪ ،‬وتكفل‬ ‫هذه القسمة حق شركاء تركيا كافة القواعد‬ ‫القانونية واالعراف الدولية ‪.‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬املشاريع املائية الرتكية وأثرها يف‬ ‫طبيعة العالقات الرتكية – العراقية‪:‬‬ ‫إن العقدين االخريين من القرن العشرين شكل‬ ‫فيهما موضوع املياه مشكلة سياسية أكثر من أي‬ ‫وقت مضى يف عالقة تركيا مع دول اجل��وار‪،‬‬ ‫ومنها‪ :‬العراق وأصبحت مياه الفرات حتظى‬ ‫بأهتمام دولي وأقليمي وتثري ً‬ ‫ً‬ ‫واسعا اذا ما‬ ‫جدال‬ ‫أدركنا عمق االبعاد االسرتاتيجية اخلاصة باملياه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأمنيا وخاصة وإن الدول‬ ‫وسياسيا‬ ‫اقتصاديا‬ ‫الثالث املشرتكة يف مياه نهر الفرات تعتمد اىل‬ ‫ً‬ ‫أقتصاديا‪ ،‬واحلق ان‬ ‫حد كبري على مياه النهر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وإيضا لسوريا هما االكثر إستخداما ملياه‬ ‫العراق‬ ‫الفرات وحاجتهما اليها أكثر من حاجة تركيا‬ ‫فلدى تركيا مياه وفرية من مصادر أخرى ‪.‬‬ ‫وسعت تركيا اىل بناء وضعها السياسي‬ ‫واالقتصادي واالسرتاتيجي وتعزيز مكانتها‬ ‫االقليمية والدولية عن طريق إستغالل عنصر‬ ‫املياه وإقامة مشاريع مائية طموحه وضخمة‪،‬‬ ‫ويعد مشروع جنوب شرق االناضول (‪)GAP‬‬

‫ً‬ ‫طموحا وإستثماراً وأكربها‬ ‫من أكثر املشاريع‬ ‫ً‬ ‫حجما‪ ،‬إذ تقوم البنية االساسية هلذا املشروع‬ ‫على إقامة عدد كبري من حمطات توليد الطاقة‬ ‫الكهربائية وإنشاء شبكة ضخمة ومتكاملة للري‬ ‫تستخدم فيها نهري دجلة والفرات لتحقيق أكرب‬ ‫منفعة هلا على خمتلف االصعدة غري مبالية‬ ‫باآلثار السلبية اليت سيرتكها هذا املشروع على‬ ‫شريكتيها وجارتيها (العراق – سوريا) يف نهري‬ ‫دجلة والفرات ‪.‬‬ ‫إذا سوف نتعرف هنا اىل مشروع الـ(‪)GAP‬‬ ‫وامل��ش��اري��ع املتفرعة منه على نهري دجلة‬ ‫والفرات‪ ،‬وسوف نتناول االهداف واملزايا اليت‬ ‫حرصت تركيا على حتقيقها عن طريق هذا‬ ‫املشروع وما هي النتائج السلبية اليت سيرتكها‬ ‫ً‬ ‫وإيضا سنسلط الضوء على‬ ‫املشروع على العراق‬ ‫مشروع مياه أنابيب السالم ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أوال‪ :‬مشروع جنوب شرق االناضول (‪:)GAP‬‬ ‫تشكل تركيا اخل��زان الطبيعي للمياه يف‬ ‫منطقة الشرق االوسط‪ ،‬نظراً اىل أرتفاع كمية‬ ‫املتساقطات السنوية على سطحها من أمطار‬ ‫وثلوج بالقياس اىل حاجتها الراهنة (‪ ،)45‬ويبلغ‬ ‫معدل تساقط سنوي املطر يف تركيا حنو (‪)670‬‬ ‫ملم‪ ،‬ويشكل هذا املعدل (‪ )518‬مليار م‪ 3‬من‬ ‫املياه املكتسبة‪ ،‬وتقدر املوارد املائية السطحية‬ ‫الناجتة منها حنو (‪ )167‬مليار م‪ 3‬من جمموع‬ ‫املياه املكتسبة (‪ )%2 ،32‬وهنالك أكثر املناطق‬ ‫غزارة من إذ املياه السطحية يف جتمعات نهري‬ ‫الفرات ودجلة ‪ )46( .‬ولطاملا شكلت املياه حمور‬ ‫اسرتاتيجية التنمية وخططها يف تركيا ملواكبة‬ ‫ً‬ ‫فضال عن ان تركيا‬ ‫النمو وزي���ادة معدالته‬ ‫منظورها االسرتاتيجي حول قضية املياه يف‬


‫اجلوانب االقتصادية والعسكرية والسياسية‬ ‫واالجتماعية ‪.‬‬ ‫ولذا مل تأ ِتي السياسة املائية الرتكية لنهري‬ ‫دجلة والفرات بشكل أعتباطي‪ ،‬بل أعتمدت على‬ ‫الكثري من املعطيات اجلغرافية واالسرتاتيجية‪،‬‬ ‫إذ ركزت تركيا ومنذ مخسينات القرن املاضي يف‬ ‫االفادة من املوارد املائية للنهرين ومنابعهما‪ ،‬إذ‬ ‫متثلت بشكل واضح مبشروع جنوب االناضول‬ ‫(‪)Guneydogu Anadolu Projesi‬‬ ‫والذي يسمى إختصاراً بالغالب (‪)47( . )GAP‬‬ ‫ّ‬ ‫ويعد مشروع جنوب شرق االناضول (‪)GAP‬‬ ‫أكرب مشروع للتنمية االقتصادية االقليمية يف‬ ‫تركيا وهو مشروع متكامل ومتعدد القطاعات‬ ‫يشمل الزراعة والصناعة والتطوير الريفي‬ ‫ً‬ ‫فضال عن إنشاء السدود وحمطات أنتاج الطاقة‬ ‫الكهربائية ومشروعات الري يف حوضي الفرات‬ ‫ً‬ ‫داخليا‬ ‫ودجلة‪ ،‬ناهيك عن ابعاده االسرتاتيجية‬ ‫ً‬ ‫وخارجيا‪ )48(.‬ويتضمن الـ(‪ )GAP‬إقامة(‪)21‬‬ ‫سداً منها (‪ )17‬سداً على نهر الفرات و(‪ )4‬سدود‬ ‫على نهر دجلة و(‪ )17‬وحمطة للطاقة الكهربائية‬ ‫ً‬ ‫فضال عن مشروعات‬ ‫على النهرين وروافدها‬ ‫اخرى متنوعة يف قطاعات الزراعة والصناعة‬ ‫واملواصالت وغريها‪)49( .‬‬ ‫يقع مشروع (‪ )GAP‬الذي بوشر بتنفيذه‬ ‫يف عام ‪ ،)50( 1983‬جنوب شرق تركيا يف االجزاء‬ ‫احملاذية للحدود الرتكية السورية والرتكية‬ ‫العراقية‪ ،‬ويغطي مجيع اراض مقاطعيت اورفه‬ ‫ً‬ ‫فضال عن أقسام كبرية من مقاطعات‬ ‫وماردين‬ ‫غازي عنتاب وبامتان واديامان وآمد وشريناخ‬ ‫وسعرت وكيلس ويغطي املشروع مساحة تبلغ‬ ‫(‪ 75358‬كم‪ )2‬أي ما نسبته ‪ %7 ،9‬من مساحة‬

‫تركيا الكلية وبكلفة مالية بلغت حتى العام‬ ‫(‪ )2003‬حنو ‪ 6 ،16‬مليار دوالر امريكي ومبعدل‬ ‫(‪ %)9 – 6‬من امليزانية العامة يف تركيا‪ ،‬وتتوقع‬ ‫االخ�ي�رة ان يصل حجم االن��ف��اق الكلي على‬ ‫املشروع حوالي ‪ 32‬مليار دوالر ‪)51( .‬‬ ‫ومن اجلدير بالذكر‪ :‬ان تركيا كانت تأمل‬ ‫ً‬ ‫كامال‬ ‫ان تنهي مشروع جنوب شرق االناضول‬ ‫يف نهاية العام ‪ 2003‬إال أنه جرى متديد هذه املدة‬ ‫لصعوبات أقتصادية وفنية اىل نهاية العام ‪2023‬‬ ‫‪)52( .‬‬ ‫ان السياسة املائية الرتكية يف حوض النهرين‬ ‫تعتمد اخلطط والربامج الواسعة اليت متكنها من‬ ‫السيطرة شبة التامة على مياه النهرين داخل‬ ‫أراضيها‪ ،‬وال سيما نهر الفرات ‪)53( .‬‬ ‫لذلك سنحاول ان نلقي الضوء على مجلة‬ ‫املشاريع املتفرعة من الـ(‪ )GAP‬على نهري‬ ‫دجلة والفرات‪ ،‬واليت تعزز من أهمية وحجم‬ ‫الـ(‪. )GAP‬‬ ‫املشاريع الرتكية على نهر الفرات‪:‬‬ ‫مشروع سد كيبان‪:‬‬ ‫هو أول السدود الرتكية الكبرية على نهر الفرات‪،‬‬ ‫أقيم عند إلتقاء رافديه فرات سو و مرادسو‬ ‫وقد مت إجن��ازه يف عام ‪ ،1974‬بطاقة ختزينية‬ ‫مقدارها (‪ )7 ،30‬مليار م‪ 3‬وبأرتفاع بلغ ‪ 211‬م‪،‬‬ ‫واهلدف االساس من إنشائه هو لتوليد الطاقة‬ ‫الكهربائية‪ ،‬إذ يضم حمطة كهرومائية سعة‬ ‫‪ 1340‬ميكاواط‪ ،‬وقد بلغ معدل انتاجه للطاقة‬ ‫ً‬ ‫سنويا ‪ 5870‬مليون كيلو واط‪/‬ساعة‪)54( .‬‬ ‫مشروع سد قره غايا‪:‬‬ ‫يقع جنوب سد كيبان مبسافة ‪ 166‬كم‪ ،‬ويبلغ‬ ‫‪205‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪206‬‬

‫مقدار اخلزن الكلي ‪ 54 ،9‬مليار م‪ 3‬منها ‪ 4‬مليار‬ ‫م‪ 3‬خزن ميت‪ ،‬وتبلغ مساحة حبريته ‪ 297‬كم‪2‬‬ ‫واهلدف الرئيس من املشروع هو انتاج الطاقة‬ ‫الكهربائية حب��دود ‪ 5 ،7‬مليون كيلو واط‪/‬‬ ‫ً‬ ‫سنويا‪ ،‬وارواء أراضي زراعية مساحتها‬ ‫ساعة‬ ‫‪ 1 ،1‬مليون هكتار يف سهول نصيبني‪ ،‬جزرة‬ ‫وسهول سفريك – هلفان بواسطة حمطات تبلغ‬ ‫تصريفها ‪ 800‬م‪/3‬ثا وبأجتياح مائي مقدر بـ ‪،9‬‬ ‫ً‬ ‫سنويا‪ ،‬وبدأ العمل باملشروع يف عام ‪1979‬‬ ‫‪ 1‬مليار‬ ‫وأجنز يف العام ‪ 1986‬وبكلفة بلغت ‪ 127‬مليار لرية‬ ‫تركية جرى تغطيتها بالتمويل اخلارجي‪)55( .‬‬ ‫مشروع الفرات االسفل‪:‬‬ ‫يعد اكرب املشاريع الرتكية على نهر الفرات‬ ‫وميثل اجلزء االكرب من مشروع تطوير جنوب‬ ‫شرق االناضول (‪ )GAP‬يشتمل هذا املشروع‬ ‫على‪:‬‬ ‫مشروع سد أتاتورك‪:‬‬ ‫يعد مشروع سد أتاتورك من أهم املشاريع‬ ‫االسرتاتيجية الرئيسة وأضخمها يف حوض‬ ‫الفرات االسفل فهو سد متعدد االغراض خيدم‬ ‫ً‬ ‫كال من أغراض الري والطاقة ـ يقع هذا املشروع‬ ‫يف اجلزء الشمالي الشرقي لرتكيا مشال مدنية‬ ‫اورفه على مسافة ‪ 60‬كم من احلدود الرتكية‬ ‫– السورية‪ ،‬وتقدر مساحة خزانه االصطناعي‬ ‫(‪ )817‬كم‪ 2‬ويتسع خلزن (‪ )48‬مليار م‪)56( . 3‬‬ ‫وتنتج حمطة السد الكهربائية (‪ )2400‬ميكا واط‬ ‫أي ثلث الطاقة اليت يتوقع ان ينتجها الغاب ‪.‬‬ ‫وإن متويل هذا السد الضخم مل يتم عن طريق‬ ‫البنك الدولي الذي أشرتط على تركيا االتفاق مع‬ ‫كل من سوريا والعراق على فكرة انشائه حتى ال‬ ‫يلحق الضرر بالدول املشرتكة يف حوض النهر إال‬

‫أن تركيا رفضت أشرتاط البنك الدولي وجلأت‬ ‫اىل عدة شركات وبنوك امريكية وسويسرية‬ ‫وأملانيه وإيطاليه لتمويل هذا املشروع وبكلفة‬ ‫بلغت ‪ 2 ،4‬مليار دوالر وحتت إشراف أمريكي‬ ‫على التنفيذ ‪)57( .‬‬ ‫نفق شانلي أورفة‪:‬‬ ‫إبتدأ العمل به يف عام ‪ ،1978‬وأجنزت مراحله‬ ‫االوىل يف عام ‪ ،1994‬وه��ذا املشروع عبارة عن‬ ‫نفقني كبريين يبلغ تصريفيهما ‪ 328‬م‪/3‬ثانية‪،‬‬ ‫والغرض منهما هو نقل مياه الفرات اىل سهول‬ ‫ماردين وشاتلي اورفه وحران وجيالن بنار من‬ ‫أجل ري مساحة تقدر بـ(‪ )535 ،141‬ألف هكتار‬ ‫باالحندار وحنو (‪ )939 ،334‬الف هكتار بالضخ‬ ‫من اراضي هذه املناطق‪ ،‬ويأخذ النفق والذي‬ ‫يعد من أهم املنشآت التابعة لسد أتاتورك مياهه‬ ‫من االخري‪ ،‬ويعد نفق أورفه املتوازيان من أطول‬ ‫املنظومات املائية يف العامل إذ يبلغ طول كل‬ ‫منهما ‪ 28‬كم وبقطر ‪5 ،7‬م وبقناة رئيسة بطول‬ ‫‪ 283‬كم وأخرى فرعية بطول ‪ 150‬كم والثانية‬ ‫بطول ‪200‬كم‪)58(.‬‬ ‫مشروع ري بوزوفا‪:‬‬ ‫هو مشروع للري ولتوليد الطاقة الكهربائية‪،‬‬ ‫إذ يروي املشروع مساحة أراض��ي تقدر بنحو‬ ‫(‪ )2 ،697‬الف هكتار‪ ،‬ويولد الطاقة من حمطتة‬ ‫الكهربائية اليت تبلغ سعتها ‪ 6‬ميكا واط ‪ /‬ساعة‬ ‫أما معدل الطاقة السنوي له فيبلغ ‪ 16‬الف ميكا‬ ‫ً‬ ‫سنويا ‪)59( .‬‬ ‫واط ‪ /‬ساعة‬ ‫مشروع سوروق حلوان‪:‬‬ ‫يعد من املشاريع املهمة ضمن مشاريع الفرات‬ ‫االسفل ويقع يف حمافظة اورفه الرتكية وحتتل‬


‫املرتبة الثانية بعد مشروع ماردين – جيالن‬ ‫بنار املساحة املروية تصل اىل ‪ 105 ،160‬الف هتار‬ ‫واليت يتم ريها بواسطة الضخ ‪)60( .‬‬ ‫مشروعات الفرات احلدودي‪:‬‬ ‫هو مشروع يتألف من سدين أساسيني هما‪:‬‬ ‫ً‬ ‫فضال عن‬ ‫(سد بريه جيم وسد قره قامش)‬ ‫حمطيت كهرباء يف منطقيت اورف���ه وغ��ازي‬ ‫عنتاب‪ ،‬ويعد سد بريه جيك السد الثاني ملشروع‬ ‫الفرات احلدودي فهو سد قره قامش والذي تبلغ‬ ‫القدرة الكهربائية له (‪ )625‬مليون كيلو واط‬ ‫ً‬ ‫سنويا ‪)61( .‬‬ ‫مشروعات اخرى‪:‬‬ ‫هناك مشروعات اخرى تقع على حوض نهر‬ ‫الفرات منها مشروع (سورق – يازكي) والذي‬ ‫صمم ألرواء ‪ 500 ،146‬ال��ف هكتار‪ ،‬ومشروع‬ ‫(اديامن – كاهته) ويقع ضمن مقاطعة اديامان‬ ‫ويهدف اىل تطوير املصادر املائية للجانب االمين‬ ‫من خزان اتاتورك‪ ،‬ويضم ‪ 4‬سدود توفر املياه‬ ‫ً‬ ‫وايضا‬ ‫لري (‪ )409 ،77‬الف هكتار من االراضي‪،‬‬ ‫انتاج الطاقة الكهربائية بطاقة (‪ )509‬مليون‬ ‫ً‬ ‫سنويا‪ ،‬ومن املشاريع االخرى مشروع‬ ‫كيلو واط‬ ‫غازي عنتاب وال��ذي يتكون من ثالثة سدود‬ ‫أهمها سد هانج أغر قرب مدينة بريجيك سعته‬ ‫اخلزنية (‪ )100‬مليون م‪ 3‬ويهدف املشروع اىل ري‬ ‫(‪ )670 ،81‬الف هكتار من أراضي حمافظة غازي‬ ‫عنتاب أراضي متتد على طول احلدود السورية‬ ‫ً‬ ‫وايضا مشروع اديامان – اوكصو –‬ ‫الرتكية‪،‬‬ ‫ارايان؛ والذي يغطي اجلزء الشمالي الغربي من‬ ‫حمافظة مرعش‪ ،‬ويهدف املشروع اىل ري (‪،71‬‬ ‫‪)598‬الف‪ ،‬ويزود املشروع مدينة غازي عنتاب‬ ‫مبياه الشرب وقد أكتمل ترقية املشروع يف العام‬

‫‪)62( . 1996‬‬ ‫املشاريع الرتكية على نهر دجلة‪:‬‬ ‫مشروع دجلة قره كيزي‪:‬‬ ‫ي��روي ه��ذا امل��ش��روع مساحة تقدر بنحو‬ ‫(‪ )08 ،126‬الف هكتار يف والية ديار بكر الرتكية‬ ‫احل��دودي��ة‪ ،‬وتقدر طاقته الكهربائية بنحو‬ ‫(‪ )200‬ميكا واط تنتج طاقة كهربائية سنوية‬ ‫تقدر بنحو (‪ )360‬مليون كيلو واط‪/‬ساعة‪،‬‬ ‫ويتألف ه��ذا امل��ش��روع من أربعة أقسام هي‪:‬‬ ‫(سدقره كيزي‪ ،‬مشروع ري دجلة‪ ،‬مشروع ري‬ ‫ميني دجلة) ‪)63( .‬‬ ‫مشروع بامتان‪:‬‬ ‫وحمطته الكهربائية تعمل بقوة ‪ 300‬ميغا‬ ‫واط ويقع على نهر بامتان‪ ،‬وي��روي مساحة‬ ‫(‪ )37744‬الف هكتار من االراضي الزراعية ‪)64( .‬‬ ‫مشروع بامتان – سليفان‪:‬‬ ‫هو مشروع للري ولتوليد الطاقة الكهربائية‬ ‫ً‬ ‫معا‪ ،‬تقدر املساحات اليت سريويها املشروع يف‬ ‫واليات ديار بكر وسعرت بـ(‪ )744 ،3‬الف هكتار‬ ‫وبأمكانية كهربائية تقدر ب��ـ(‪ )185‬ميكاواط‪،‬‬ ‫تنتج طاقة كهربائية سنوية تقدر ب��ـ(‪)483‬‬ ‫مليون كيلو واط ‪ /‬ساعة ‪)65( .‬‬ ‫مشروع كارزان‪:‬‬ ‫يروي هذا املشروع مساحة تقدر بـ(‪ )60‬الف‬ ‫هكتار من االراض��ي‪ ،‬كما يشتمل هذا املشروع‬ ‫على حمطة كهرمائية بقوة (‪ )90‬ميكا واط‬ ‫وتولد طاقة كهربائية قدرها (‪ )315‬مليون كيلو‬ ‫ً‬ ‫سنويا ‪)66( .‬‬ ‫واط ‪ /‬ساعة‬ ‫مشروع جزرة‪-:‬‬ ‫يقع السد على ُبعد ‪ 4‬كم من مشال مدينة جزرة‬ ‫قرب احلدود الرتكية – السورية وتبلغ سعته‬ ‫‪207‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪208‬‬

‫اخلزنية االمجالية ‪ 201‬مليون م‪ )67( ،3‬ويروي‬ ‫املشروع مساحات واسعة من والي��ة ماردين‬ ‫تقدر بنحو (‪ )121‬الف هكتار‪ ،‬ويتألف املشروع‬ ‫من ثالثة مشاريع هي‪( :‬سد جزره‪ ،‬مشروع ري‬ ‫سيلوبي‪ ،‬مشروع ري جزره نصيبني) ‪)68( .‬‬ ‫سد أليسو‪:‬‬ ‫هو أكرب السدود املزمع أقامتها على نهر دجلة‬ ‫ً‬ ‫وقريبا من احلدود العراقية بنحو ‪ 65‬كم والذي‬ ‫سيؤدي اىل إخنفاض املعدل السنوي لتدفق مياه‬ ‫نهر دجلة اىل العراق مبا يقدر بـ ‪ ،%10‬أما إكمال‬ ‫مشروع الـ(‪ )GAP‬فأنه خيتزل الكمية الواردة‬ ‫من احلدود لنهري دجلة والفرات اىل ‪ %40‬مما‬ ‫كان عليه خالل الفرتة ‪ 1970 – 1960‬واذا علمنا ان‬ ‫ً‬ ‫سنويا‬ ‫إخنفاض التدفق مبقدار عشرة مليار م‪3‬‬ ‫ميكن إن خيفض مساحة االراض��ي املروية يف‬ ‫العراق مبا يزيد على ‪ 600‬الف هكتار‪ ،‬أي حتويل‬ ‫‪ 3‬ماليني دومن من االراضي الزراعية يف وسط‬ ‫وجنوب العراق اىل اراضي جرداء‪ ،‬إذ ستنخفض‬ ‫الكمية من ‪ 93 ،20‬مليار م‪ / 3‬سنة اىل ‪ 7 ،9‬مليار‬ ‫م‪ / 3‬سنة يف حالة تنفيذ املشروع ‪)69( .‬‬ ‫وكان رئيس الوزراء الرتكي اردوغان هو الذي‬ ‫وضع حجر االساس للمشروع يف ‪ 5‬آب ‪ ،2006‬وقال‬ ‫يف كلمته ان هذا السد سيسهم يف إستغالل موارد‬ ‫الطاقة الرتكية ً‬ ‫بدال من إنفاق ‪ 300‬مليون دوالر‬ ‫على إستريادها وسيسهم يف إنتاج ‪ 1200‬ميكا‬ ‫واط للطاقة الكهربائية‪ّ ،‬‬ ‫ويعد السد ثاني أكرب‬ ‫سد بعد سد أتاتورك ورابع اكرب حمطة لتوليد‬ ‫الكهرباء يف تركيا ويؤمل االنتهاء منه حبلول‬ ‫عام ‪)70( . 2013‬‬ ‫وملشروع سد أليسو الكثري من اآلثار السلبية‬ ‫على العراق منها‪:‬‬

‫حبس كميات كبرية من املياه مما يؤثر على‬ ‫االراض���ي ال��زراع��ي��ة وم��ي��اه ال��ش��رب ‪ .‬تعرض‬ ‫مياه النهر خلطر التلوث الناجم عن كثرة‬ ‫إستخدام املزارعني االتراك للمبيدات واألمسدة‬ ‫الكيمياوية ‪.‬‬ ‫اجلزء املكمل هلذا املشروع هو االخطر مشروع‬ ‫(اليسو – جزره) وتكمن خطورته يف حتويل‬ ‫مجيع املياه املخزونة من نهر دجلة اىل تركيا‬ ‫قبل دخوهلا االراض��ي العراقية الواقعة قرب‬ ‫احلدود الدولية املشرتكة ‪.‬‬ ‫إخنفاض كبري يف انتاج الطاقة الكهرومائية‬ ‫ً‬ ‫خصوصا حمطيت سد املوصل وس��دة سامراء‬ ‫ان الكارثة ستحل عندما يأتي موعد إمالء‬ ‫خزان السد كما حصل يف عام ‪ ،1990‬عند قطع‬ ‫مياه الفرات ملدة ‪ً 30‬‬ ‫يوما ألمالء خزان اتاتورك‬ ‫العمالق ‪.‬‬ ‫احتمال تعرض مناطق السدود الرتكية هذه‪،‬‬ ‫وبالذات العمالقة منها‪ ،‬اذا ما ملئت بكامل‬ ‫طاقتها اخلزنية اىل موجات زلزالية قوية او‬ ‫انهيارات ارضية مفاجئة سيما ان هناك اشارات‬ ‫تدل على وجود أخطا هندسية يف بناء سد كيبان‬ ‫وقره قايا واتاتورك الذي ميكن ان ينطبق على‬ ‫سد اليسو العمالق ‪.‬‬ ‫إن تقليل كميات املياه الواردة اىل العراق يعين‬ ‫فقدان اآلالف من الفالحني واملزارعني ألعماهلم‬ ‫وإنضمامهم اىل جيش العاطلني واهلجرة اىل‬ ‫املدن وفقدان عوائلهم ملصدر رزقهم‪ ،‬ناهيك‬ ‫عن القضاء على الثروة السمكية وعودة اجلفاف‬ ‫اىل االهوار وإنتشار الكثبان والعواصف الرملية‬ ‫وزحفها حنو املدن ‪)71( .‬‬ ‫ل��ذل��ك وع��ل��ى ه��ذا االس���اس إخت���ذت وزارة‬


‫اخلارجية العراقية وبالتنسيق مع وزارة املوارد‬ ‫املائية عدة خطوات أهمها‪:‬‬ ‫إستدعاء السفري الرتكي يف بغداد وتسليمه‬ ‫مذكرة إحتجاج رمسية خبصوص سد أليسو ‪.‬‬ ‫فاحتت وزارة اخلارجية العراقية يف كانون‬ ‫الثاني من العام ‪ ،2007‬السفارة الرتكية يف بغداد‬ ‫موضحة مبذكرة تفصيلية التأثريات السلبية‬ ‫لسد أليسو يف ال��ع��راق‪ ،‬وطلبت م��ن اجلانب‬ ‫الرتكي إعادة النظر يف خططه ومشاريعه على‬ ‫نهري دجلة والفرات على النحو الذي ال يلحق‬ ‫الضرر مبصاحل العراق يف ضوء املعاهدات الدولية‬ ‫وم��ب��ادىء أحكام القانون الدولي ذات الصلة‬ ‫والدخول يف مفاوضات مع العراق وسوريا بشأن‬ ‫سد أليسو ‪.‬‬ ‫إستدعاء سفراء الدول اليت تسهم شركائها يف‬ ‫إعمال املشروع ‪.‬‬ ‫ويف تطور آخ��ر بالنسبة لقضية امل��ي��اه يف‬ ‫العالقات العراقية – الرتكية‪ ،‬فقد وقع اجلانبان‬ ‫الرتكي والعراقي مذكرة تفاهم يف ‪ 3‬تشرين االول‬ ‫من عام ‪ ،2009‬بشأن نهري دجلة والفرات وتركز‬ ‫يف إنشاء حمطة قياس مشرتكة عل نهري دجلة‬ ‫والفرات ويف تبادل املعلومات املناخية ومراقبة‬ ‫مستوى املياه اليت تذهب اىل سوريا والعراق‬ ‫ً‬ ‫فضال عن تقييم تأثري التغيري‬ ‫يف كل فصل‪،‬‬ ‫املناخي يف النهرين‪ ،‬وقد وقعت مذكرة التفاهم‬ ‫يف انقره حبضور وزير البيئة الرتكي (فيصل‬ ‫أرغلو) ووزي��ر امل��وارد املائية العراقي (لطيف‬ ‫رشيد) ووزير الري السوري (نادر البين) ‪)72( .‬‬ ‫توجيه رسالة اىل االحتاد االوربي تبني موقف‬ ‫العراق من املشاريع املائية الرتكية ‪.‬‬ ‫مفاحتة االمانة العامة جلامعة الدول العربية‬

‫للتدخل والطلب من الشركات عدم املساهمة يف‬ ‫مثل هذه املشاريع ‪.‬‬ ‫قيام وفد ممثلية العراق يف سويسرا مبقابلة‬ ‫املسؤولني يف وزارة اخلارجية السويسرية واليت‬ ‫متثل أح��د اجل��ه��ات املساهمة بتمويل السد‪،‬‬ ‫وإطالعهم على اآلث��ار السلبية لسد اليسو يف‬ ‫العراق ‪)73( .‬‬ ‫وعلى آثر هذا مت االتفاق على عقد أجتماع‬ ‫بني االطراف الثالثة (تركيا – سوريا – العراق)‬ ‫والذي عقد يف مدينة أنطاكيا الرتكية يف نهاية‬ ‫كانون الثاني من عام ‪ ،2007‬والذي ضم ً‬ ‫كال من‬ ‫وزيرالطاقة واملصادر الطبيعية الرتكية (حممد‬ ‫غولر) ووزير الري السوري (نادر النيب) وعن‬ ‫العراق وزير املوارد املائية (عبد اللطيف رشيد)‬ ‫وقد أوض��ح اجلانب الرتكي رداً على إحتجاج‬ ‫العراق على التأثريات السلبية لسد أليسو والذي‬ ‫مل خيل من املماطلة والتسويف بقول الوزير‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫معلوماتيا عن املشاريع‬ ‫عرضا‬ ‫((أننا قدمنا‬ ‫املقامة على مصادر املياه‪ ،‬ال سيما سد أليسو‬ ‫وإن املشاريع املقامة او اليت ستقام سيكون هلا‬ ‫دور بارز يف رفاهية املنطقة))‪ ،‬فيما أكد نظريه‬ ‫العراقي‪(( :‬أن العراق يشجع املشاريع التنموية‬ ‫يف تركيا وسوريا اذا كانت ال تضر باملصاحل‬ ‫العراقية)) ‪)74( .‬‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬أه��داف مشروع جنوب شرق االناضول‬ ‫(‪:)GAP‬‬ ‫تتطلع تركيا عن طريق مشروع جنوب شرق‬ ‫االناضول (‪ )GAP‬اىل أن تكون قوة ال يستهان‬ ‫بها عن طريق ثروة قوامها املياه‪ ،‬تستطيع معها‬ ‫ان حتقق مجلة اه��داف سياسية واقتصادية‬ ‫وإسرتاتيجية واض��ح��ة وإجتماعية‪ ،‬وميكن‬ ‫‪209‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪210‬‬

‫حتديدها مبا يأتي‪:‬‬ ‫أه��داف سياسية وأجتماعية‪ :‬فعلى الصعيد‬ ‫الداخلي سعت تركيا وعن طريق هذا املشروع‬ ‫لوضع حد للحركات املسلحة اليت يقوم بها الكرد‬ ‫عن طريق نشاطات حزب العمال الكردستاني‬ ‫(‪ )PKK‬وسيكون ذل��ك ع��ن طريق تنمية‬ ‫املنطقة وأحداث تغري دميوغرايف فيها اىل درجة‬ ‫ان اح��د الباحثني عد امل��ش��روع (أداة ترتيك‬ ‫إقتصادية) خاصة وان أعداد كبرية من السكان‬ ‫رحلوا عن قراهم كما ان العديد من الفالحني‬ ‫االك��راد باتوا بدون أرض‪ ،‬فاالراضي أصبحت‬ ‫بيد املالكني الغائبني ومعظمهم من أنقره‬ ‫وأسطنبول‪ )75( .‬أما على الصعيد اخلارجي‬ ‫فرغم حماوالت تركيا لنزع الصفة السياسية عن‬ ‫املشروع إال أنها تستخدم املياه كوسيلة سياسية‬ ‫للضغوط على سوريا والعراق (‪ )76‬وهذا ميهد‬ ‫هلا هليمنة إسرتاتيجية على دول املنطقة يعدها‬ ‫قوة أقليمية ينبع مصدر قوتها من املاء‪ ،‬وحتاول‬ ‫تركيا توظيف مشروعاتها املائية لتعزيز‬ ‫مكانتها االقليمية ودورها االقليمي ‪.‬‬ ‫أه��داف أقتصادية‪ :‬امل��ش��روع يهدف اىل دعم‬ ‫وتطوير االق��ت��ص��اد ال�ترك��ي وختطط تركيا‬ ‫لتصبح دولة زراعية وصناعية مصدرة‪ ،‬إذ أكد‬ ‫وزير اخلارجية الرتكي السابق (وحيد خلف‬ ‫اوغلو) سيكون مشروع الغاب من أعظم املراكز‬ ‫االنتاجية اليت تصدر احملاصيل الزراعية اىل‬ ‫الشرق االوسط ‪)77( .‬‬ ‫أه��داف أمنية‪ :‬إن تركيا تعاني فقدان االمن‬ ‫واالستقرار يف منطقة جنوب شرق االناضول‬ ‫بسبب طبيعة االوضاع السياسية واالقتصادية‬ ‫واالجتماعية املرتدية يف هذه املنطقة‪ ،‬مما سهل‬

‫لالكراد القيام بالعديد من احلركات والتمردات‬ ‫ضد احلكومة الرتكية‪ ،‬ومن ثم ترى احلكومة‬ ‫الرتكية ان ه��ذا امل��ش��روع سيخلق ن��وع ً��ا من‬ ‫االستقرار للمواطنني االكراد يف املنطقة ‪)78( .‬‬ ‫مما سبق ميكن القول ان تركيا ستغدو دولة‬ ‫أقوى يف حالة أنتهاء مشروع الغاب وعلى خمتلف‬ ‫االص��ع��دة السياسية واالقتصادية واالمنية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬واىل ذلك يشري (دميرييل) بقوله‪:‬‬ ‫ان الـ(‪ )GAP‬هو رمز املعركة املفتوحة مع‬ ‫البطالة والفقر واحلرمان وإن الـ(‪ )GAP‬ال‬ ‫خيرتق اجلبال بل العصر ‪ )79( .‬وذهب توركت‬ ‫اوزال اىل أبعد من ذل��ك عندما ق��ال (إن هذا‬ ‫األجناز (‪ )GAP‬هو رمز ملواجهة التأريخ الذي‬ ‫شهد هزميتنا قباله الغرب منذ تراجعنا قباله‬ ‫فينا اىل االن) ‪)80( .‬‬ ‫ً‬ ‫ثالثا‪ :‬اآلث��ار السلبية ملشروع الـ(‪ )GAP‬يف‬ ‫العراق‪:‬‬ ‫إن اآلث��ار السلبية للمشاريع املائية الرتكية‬ ‫ستنعكس على املتطلبات املائية للعراق فبعد‬ ‫ان تستكمل تركيا مشروع (‪ )GAP‬سيتوفر هلا‬ ‫القدرة على خزن اكثر من (‪ )100‬مليار م‪ 3‬من‬ ‫مياه دجلة والفرات‪ ،‬وهذه القدرة متثل ثالثة‬ ‫اضعاف القدرة التخزينية للسدود العراقية‬ ‫جمتمعة مما خيلف ض��رراً كبرياً على جممل‬ ‫االوضاع االقتصادية واالجتماعي والصناعية‬ ‫يف العراق ‪.‬‬ ‫أما أهم اآلثار السلبية ملشروع الـ(‪ )GAP‬يف‬ ‫العراق فهي‪:‬‬ ‫تعد التهديدات املوجهة لألمن القومي العربي‬ ‫من أهم التأثريات السلبية ملشروع جنوب شرق‬


‫االناضول‪ ،‬فاذا كان مشروع (‪ )GAP‬يدخل‬ ‫ضمن إسترياتيجية متكاملة جيري تنفيذها‬ ‫لتدعيم االمن القومي الرتكي‪ ،‬فأنه يشكل يف‬ ‫الوقت ذاته عنصر تهديد لألمن القومي العربي‬ ‫ومكمن اخلطورة يف ذلك انه عندما تتصادم‬ ‫عناصر ومفاهيم االمن القومي عند احلدود‬ ‫فأنه من غري املستبعد ان يقع صراع مسلح بني‬ ‫االطراف (تركيا – سوريا – العراق) خبصوص‬ ‫إمدادات املياه‪ )81( .‬وترى تركيا يف ورقة مياه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فعاال لتطويع‬ ‫سالحا‬ ‫نهري دجلة وال��ف��رات‬ ‫الدول اجملاورة إلرادتها ومسايرة سياستها‪ ،‬فلقد‬ ‫أدت الطريقة اليت أتبعتها تركيا يف إستغالل‬ ‫مياه النهرين اىل حرمان سوريا والعراق من‬ ‫جزء كبري من حقها القانوني واملكتسب من مياه‬ ‫ً‬ ‫سالحا يهدد‬ ‫حتى أصبح مشروع (‪)GAP‬‬ ‫حياة وأم��ن دولتني ويضر باملصاحل املشرتكة‬ ‫لدول احلوض ‪)82( .‬‬ ‫تهدف تركيا م��ن تنفيذ م��ش��روع (‪)GAP‬‬ ‫اىل إجراء تغيري دميوغرايف للسكان يف املنطقة‬ ‫وإنشاء جتمعات سكانية جديدة وجلب أيدي‬ ‫العاملة ألستثمار مشاريع االرواء املخطط هلا‬ ‫وما يرافقه من مشاريع صناعية وخدمات‪ ،‬وان‬ ‫مثل هذه االج��راءات هلا انعكاسات سلبية على‬ ‫نوعية مياه النهر الواردة اىل العراق وتؤدي اىل‬ ‫زيادة التلوث ‪)83( .‬‬ ‫إن وضع العراق اجلغرايف بوصفه دولة مصب‬ ‫يضعه يف موقف حمرج ألنه يتأثر ً‬ ‫سلبا بأجراءات‬ ‫(تركيا وسوريا) ال��دول الواقعة أعلى جمرى‬ ‫نهري دجلة والفرات وتؤثر تلك االج��راءات‬ ‫بدرجة كبرية يف كمية االي���رادات ال��واردة اىل‬ ‫العراق ونوعية تلك املياه‪ ،‬واملقصود بتلك‬

‫االج��راءات‪ :‬إنشاء السدود واملشاريع االروائية‬ ‫وإعادة املياه الراجعة جراء مياه البزل والصرف‬ ‫الصحي اىل النهرين مما يؤثر يف النشاطات‬ ‫املختلفة الصحية والزراعية والبيئية ‪)84( .‬‬ ‫يعد املاء من أهم عناصر احلياة ويف كل اجملاالت‪،‬‬ ‫وال خيفى علينا ان العجز املائي هو أحد اسباب‬ ‫العجز الغذائي ألن االنتاج الزراعي يعتمد بصفة‬ ‫اساسية على املوارد املائية‪ً ،‬‬ ‫علما ان زيادة عدد‬ ‫السكان ت��ؤدي اىل زي��ادة الطلب على املياه‪ ،‬ان‬ ‫م��وارد العراق املائية العام ‪ 1990‬كانت حبدود‬ ‫‪ 56 ،42‬مليار م‪ 3‬ومع تزايد عدد السكان عجرت‬ ‫عن تلبية إحتياجات العام ‪ 2000‬والبالغة ‪33 ،47‬‬ ‫مليار م‪ 3‬وكذلك سيكون احلال يف العام ‪،2025‬‬ ‫إذ سيبلغ االحتياج املائي للعراق وبنحو ‪27 ،15‬‬ ‫مليار م‪ ،3‬وبهذا فأن العراق بدأ باالنتقال من‬ ‫حالة االستقرار املائي اىل حالة العجز املائي‬ ‫املستقبلي وذلك بسبب خماطر املشاريع الرتكية‬ ‫وتأثرياتها يف نقص كمية املياه الواردة اىل العراق‬ ‫ً‬ ‫فضال عن تردي نوعيتها ‪)85( .‬‬ ‫ً‬ ‫رابعا‪ :‬مشروع أنابيب السالم‪:‬‬ ‫تعود فكرة مشروع انابيب السالم اىل (جيم‬ ‫دونا) مستشار رئيس ال��وزراء الرتكي للشؤون‬ ‫اخلارجية حينها (توركوت اوزال) عندما أعلن‬ ‫دونا يف مركز الدراسات االسرتاتيجية والدولية‬ ‫جبامعة جورج تاون االمريكية يف ‪ 25‬حزيران‬ ‫من عام ‪ 1987‬عن خطة اقتصادية وسياسية‬ ‫بعيدة املدى لبناء شبكة انابيب لنقل املياه من‬ ‫نهري سيهان وجيهان جنوب تركيا اىل دول‬ ‫اخلليج العربي وسوريا واالردن واسرائيل‪ ،‬إذ‬ ‫أكد (دونا) الدول ان املطلوب إقناع هذه الدول‬ ‫‪211‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪212‬‬

‫بأن مصلحتها تقتضي تأليف شريان احلياة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عوضا عن خلق مشكلة جديدة لنزاعات الشرق‬ ‫االوس��ط‪ ،‬وقد وصفت (جويس ستار) مديرة‬ ‫قسم الشرق االوس��ط يف ه��ذا املركز‪ ،‬مشروع‬ ‫االنابيب الرتكي بأنه ((أفضل خرب سيأتي من‬ ‫الشرق االوسط بعد اتفاقية كامب ديفد وهو‬ ‫يعزز دور تركيا االقليمي)) ‪)86( .‬‬ ‫ويتألف املشروع من خطني‪)87( :‬‬ ‫ً‬ ‫أوال‪ :‬اخلط الغربي‪ :‬تركيا – حلب – محاة –‬ ‫محص – دمشق – عمان – املدينة املنورة –‬ ‫ينبع – ملحة – جدة‪ ،‬ويبلغ إمجالي طول اخلط‬ ‫حنو (‪ )2650‬كيلو مرتاً ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬خط اخلليج‪ :‬تركيا – سوريا – االردن‬ ‫– الرياض – الكويت – اجلبيل – املنامة –‬ ‫الدوحة – أبو ظيب – دبي – عجمان – رأس‬ ‫اخليمة – مسقط‪ ،‬ويبلغ طول اخلط االمجالي‬ ‫حنو (‪ )3900‬كيلو مرتاً ‪.‬‬ ‫وتهدف تركيا من ه��ذا املشروع (يف حالة‬ ‫تنفيذه) اىل احلصول على عائدات كبرية تقدر‬ ‫ً‬ ‫سنويا نظري بيع املياه اىل‬ ‫حبدود مليار دوالر‬ ‫ال��دول العربية لتغطية حاجاتها من النفط‬ ‫والغاز ومبعنى أخ��ر‪ :‬مقايضة املياه الرتكية‬ ‫بالنفط العربي مبا يقدم متويل مشروع الغاب‪،‬‬ ‫وتتطلع يف ال��وق��ت نفسه اىل احل��ص��ول على‬ ‫منافع آنية يف مقدمتها‪ :‬النفط والغاز بأسعار‬ ‫تفضيلية وقروض عربية ميسرة وإستثمارات‬ ‫عربية يف املشروعات التنموية الرتكية وغريها‬ ‫ً‬ ‫فضال عن هدف تركيا يف تعزيز دورها االقليمي‬ ‫الذي تتطلع اىل ادائه يف منطقة الشرق االوسط‬ ‫احلافلة باالضطرابات واملرشحة يف املستقبل‬ ‫لنشوب صراعات مائية ‪)88( .‬‬

‫ً‬ ‫انسانيا‬ ‫وعلى الرغم من ان املشروع يبدو‬ ‫ً‬ ‫أقتصاديا إال وانه مشروع نظري حتى االن ومل‬ ‫ً‬ ‫محاسا لدى الدول العربية ألسباب منها‪:‬‬ ‫يلق‬ ‫ً‬ ‫رف��ض امل��ش��روع عربيا ألع��ت��ب��ارات سياسية‬ ‫بالدرجة االوىل‪ ،‬إذ وصفوا املشروع بأنه تسليم‬ ‫قدرهم املائي لرتكيا‪ ،‬اليت متضي ً‬ ‫قدما يف تقاربها‬ ‫مع اسرائيل‪ ،‬فهم يتخوفون من حلف تركي –‬ ‫اسرائيلي مائي يف الشرق االوسط يقلب خارطة‬ ‫املعادالت ً‬ ‫رأسا على عقب ‪)89( .‬‬ ‫ختشى الدول العربية املعنية من خماطر تعرض‬ ‫منشأت امل��ش��روع م��ن انابيب وحم��ط��ات ضخ‬ ‫لعمليات ختريبية من جانب بعض اجلماعات‬ ‫والتنظيمات املتطرفة اليت حتفل بها املنطقة‬ ‫ً‬ ‫فضال عن ان معارضة الدول‬ ‫وتركيا نفسها‪،‬‬ ‫العربية املعنية مشاركة اسرائيل يف املشروع‬ ‫لتقديرها م��ا ميكن ان تسببه االخ�ي�رة من‬ ‫مشكالت يف حالة تنفيذه دون وصول املياه اليه‬ ‫‪)90( .‬‬ ‫من الناحية االقتصادية فان املشروع ال يصب‬ ‫مباشرة يف مصب التنمية االقتصادية للبلدان‬ ‫العربية املعنية لكونه ال يستعمل يف ال��ري‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فضال عن ان حصول الطرف العربي على مياه‬ ‫الشرب قد يكون قصري االجل فمن إذ اجلدوى‬ ‫االقتصادية‪ ،‬رمبا تنخفض تكاليف املياه العذبة‬ ‫من مصادر اخرى‪ ،‬هلذا ختشى الكثري من البلدان‬ ‫العربية املعنية من عدم مواصلة مشاريعها‬ ‫املعتمدة على نهر الفرات‪ ،‬وإعتمادها على هذا‬ ‫املشروع الذي يكون عالي التكاليف ‪)91( .‬‬ ‫اذاً وعن طريق الطرح الذي قدمناه لقضية‬ ‫املياه بني تركيا والعراق مبا متثله من مصاحل‬ ‫واهداف تركية‪ ،‬نرى‪ :‬ان تركيا تأتي يف مقدمة‬


‫دول املنطقة اليت تهتم بقضية املياه سواء كأداة‬ ‫رئيسة يف سياستها إزاء العراق او كأداة لتعزيز‬ ‫دورها االقليمي ‪.‬‬ ‫اخلامتة‪:‬‬ ‫وميكن القول‪ :‬ان اهداف السياسة املائية الرتكية‬ ‫منذ العشرينات من القرن املاضي وحتى الوقت‬ ‫احلاضر قائمة على اساس استثمار مياه نهري‬ ‫دجلة والفرات عن طريق بناء جمموعة كبرية‬ ‫من املشاريع والسدود واخلزانات اليت تهدف اىل‬ ‫حتقيق العديد من االهداف‪ ،‬ويأتي يف مقدمتها‬ ‫حماولتهم لربط حوضي دجلة والفرات ضمن‬ ‫االقليم الرتكي عن طريق املشاريع اخلزنية يف‬ ‫سبيل احلصول على سيطرة مرنة وتامة على‬ ‫مياه النهرين‪ ،‬االمر الذي ميكنهم يف احملصلة‬ ‫النهائية م��ن إستغالل امل��ي��اه ك��ورق��ة ضغط‬ ‫سياسية وإقتصادية ضد العراق ‪.‬‬ ‫وإن اهلدف االخر املهم يف دور تركيا يف العراق‬ ‫ميكن يف سعي تركيا اىل حتقيقه عن طريق‬ ‫سياستها املائية‪ ،‬يتعلق مبشكالت داخلية‬ ‫مستعصية تشكل م��ص��در قلق واض��ط��راب‬ ‫وعدم إستقرار داخلي‪ ،‬وهي ترى يف املشاريع‬ ‫اليت ختطط هلا على نهر الفرات وسيلة حلل‬ ‫تلك املشكالت وإنهائها‪ ،‬وإن مشروع جنوب‬ ‫شرق االناضول والذي خصص له مبالغ كبرية‬ ‫يغطي ك��ل املناطق اجلنوبية الشرقية من‬ ‫تركيا اليت تشهد منذ وقت طويل إضطرابات‬ ‫مسلحة ألسباب داخلية تعود اىل طبيعة نظرة‬ ‫االتراك وتعاملهم مع االقليات القومية كاالكراد‬ ‫بالدرجة االساس‪ ،‬ويعتقد االتراك بأن أفضل‬ ‫السبل للقضاء على مصدر االضطربات هذا‪،‬‬

‫ميكن يف تنمية تلك املناطق اىل احلدود اليت تدفع‬ ‫االكراد بشكل خاص اىل التواطىء واالستقرار‬ ‫والذي ميكن ان يؤدي بالتنمية اىل عزوفهم عن‬ ‫أية مطالب انفصالية او قومية ‪.‬‬ ‫اذا أن مشكلة املياه سيكون هلا تأثري آني‬ ‫ومستقبلي يف العالقات العراقية – الرتكية‪،‬‬ ‫وتشكل امل��ي��اه أح��د أوراق الضغط السياسي‬ ‫االقتصادي ل��دى تركيا حيال ال��ع��راق‪ ،‬وهذا‬ ‫يفرض على العراق إختاذ التحوطات واإلجراءات‬ ‫ملواجهة هذا التحدي وإقناع االتراك بأن خري‬ ‫وسيلة لذلك هو التفاهم املشرتك والتعاون‬ ‫لضمان املصاحل املائية املشرتكة ‪.‬‬ ‫وكانت خطوة اجيابية عندما رفض جملس‬ ‫النواب العراقي يف جلسته املنعقدة يف ‪،2009/5/2‬‬ ‫املصادقة على إتفاقية الشراكة التجارية مع‬ ‫تركيا إال أذا تضمنت تأمني حصة العراق من‬ ‫مياه نهري دجلة والفرات والبالغة ‪700000‬م‪3‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ملحوظا‬ ‫جناحا‬ ‫‪ /‬ثا‪ ،‬واحلق فأن العراق حقق‬ ‫يف ثين بعض الدول املمولة ملشروع سد أليسو‬ ‫باالنسحاب من متويل املشروع‪ ،‬وه��ي‪ :‬املانيا‬ ‫وسويسرا والنمسا بعد ان أدركت تلك الدول ان‬ ‫السد املزمع اقامته يعرض العراق خلطر نقص‬ ‫املياه وي��ؤدي اىل تهجري (‪ )54‬ال��ف من اسكان‬ ‫احملليني ‪ .‬لذا وبتقدير الباحثة املتواضع هناك‬ ‫بعض املقرتحات قد تسهم يف وضع حلول لألزمة‬ ‫املائية يف العراق‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫ضرورة قيام احلكومة العراقية ببناء السدود‬ ‫وخزن املياه لصون حقوق العراق املائية‪ ،‬ولكي‬ ‫ال تتفاقم االزمة واليت تشري الدالئل اىل إنها يف‬ ‫طريقها ان تتحول اىل كارثة حقيقية ‪.‬‬ ‫تأليف جلنة عليا دائمة يف جملس ال��وزراء من‬ ‫‪213‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪214‬‬

‫اخل�براء العراقيني وم��ن خمتلف التخصصات‬ ‫(إقتصاد‪ ،‬قانون‪ ،‬زراع��ة‪ ،‬مياه) تسمى (جلنة‬ ‫امل��ي��اه)‪ ،‬تقدم اخل�برة وامل��ش��ورة وتتابع بدقة‬ ‫حقوق العراق يف املياه وتكون دائمة ل��وزارة‬ ‫املوارد املائية‪ ،‬على ان تكون بعيدة عن احملاصصة‬ ‫الطائفية واحلزبية ‪.‬‬ ‫على الدول اليت تشرتك يف االنتفاع مبياه هذين‬ ‫النهرين ان تسهم يف صنع السالم بني شعوبها عن‬ ‫طريق التمسك بأحرتام احلقوق وعدم السماح‬ ‫للتواترات السياسية ان تنعكس على حقوق‬ ‫ومصاحل هذه الشعوب‪ ،‬ألنها هي اليت ستكون‬ ‫الضحية‪ ،‬ما يؤثر على التعايش السلمي ويؤدي‬ ‫اىل توفري املناخ املناسب للحروب والنزاعات اليت‬ ‫لن تسبب إال املزيد من اآلآلم والكوارث ‪.‬‬ ‫االحاالت واملصادر‬ ‫‪ - 1‬ناجي علي حرج‪ ،‬مشكلة املياه يف العالقات‬ ‫العراقية – السورية – الرتكية‪ ،‬مظاهر التعاون‬ ‫وج��وه��ر اخل�ل�اف‪ ،‬م��ن أحب��اث امل��ؤمت��ر العلمي‬ ‫السنوي ملركز الدراسات الدولية ‪،1998 – 1997‬‬ ‫دراس���ات اسرتاتيجية‪ ،‬جامعة ب��غ��داد‪ ،‬مركز‬ ‫الدراسات الدولية‪ ،‬بغداد‪ ،‬العدد اخلامس‪،1998 ،‬‬ ‫ص‪. 467‬‬ ‫‪ - 2‬صبيح بشري ع��ذاب الشمري‪ ،‬أث��ر املتغري‬ ‫االوربي يف سياسة تركيا اخلارجية جتاه الوطن‬ ‫العربي للمدة من ‪ ،2002 – 1954‬مصدر سبق‬ ‫ذكره‪ ،‬ص‪ – 160‬ص‪. 161‬‬ ‫‪ - 3‬عدنان حسني احل��اج‪ ،‬التحدي احلضاري‬ ‫العربي‪ ،‬مؤسسة الرقابة احلديثة للطباعة‬

‫والنشر والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،1998 ،‬ص‪.269‬‬ ‫‪ - 4‬إبراهيم سلمان عيسى‪ ،‬أزمة املياه يف العامل‬ ‫ال��ع��رب��ي‪ ،‬املشكلة واحل��ل��ول املمكنة‪ ،‬دراس��ة‬ ‫جيوبوليتكية‪ ،‬دار الكتاب احلديث‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪ ،2001‬ص‪. 164‬‬ ‫‪ - 5‬ص�بري ف���ارس اهل��ي�تي‪ ،‬مشكلة امل��ي��اه يف‬ ‫الوطن العربي‪ ،‬دراسة جيوبوليتكية‪ ،‬دراسات‬ ‫اجتماعية‪ ،‬الدراسات االجتماعية‪ ،‬بيت احلكمة‪،‬‬ ‫بغداد‪ ،‬السنة الثانية‪ ،‬ع‪ ،2000 ،2‬ص‪. 20‬‬ ‫‪ - 6‬جون بولوك وعادل درويش‪ ،‬حروب املياه‬ ‫الصراعات القادمة يف الشرق االوسط‪ ،‬ترمجة‪:‬‬ ‫هاشم امح��د حممد‪ ،‬اهليئة املصرية للكتاب‪،‬‬ ‫القاهرة‪ 2007 ،‬ص‪ – 110‬ص‪. 120‬‬ ‫‪ - 7‬فكرت نامق عبد الفتاح‪ ،‬اخل�لاف املائي‬ ‫الرتكي‪ -‬السوري – العراقي‪ ،‬خلفياته وأبعاده‬ ‫وأحتماالته املستقبلية‪ ،‬جملة أم املعارك‪ ،‬بغداد‪،‬‬ ‫ع‪ ،1998 ،15‬ص‪. 16‬‬ ‫‪ – 98-8‬عز الدين خ�يرو‪ ،‬ال��ف��رات والقانون‬ ‫الدولي‪ ،‬دار احلرية للطباعة‪ ،‬بغداد‪،19 76 ،‬‬ ‫ص‪. 25– 24‬‬ ‫‪ – 109‬حممد ج��واد علي‪ ،‬يف التعامل الدولي‪،‬‬ ‫ال��ع��امل االس�لام��ي وتصفية قضية مياة نهر‬ ‫الفرات‪ ،‬مركز الدراسات الدولية‪ ،‬جامعة بغداد‪،‬‬ ‫‪ ،2000‬ص‪. 4‬‬ ‫‪ - 11‬عبد العزيز شحاذه منصور‪ ،‬املسألة املائية‬ ‫للسياسة السورية جتاه تركيا‪ ،‬مركز دراسات‬ ‫الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،2000 ،‬ص ‪ – 144‬ص‪145‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪ - 12‬امحد نوري النعيمي‪ ،‬الوظيفة االقليمية‬ ‫لرتكيا يف الشرق االوس��ط‪ ،‬دار اجلنان للنشر‬


‫والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،2010 ،‬ط‪ ،1‬ص‪.219‬‬ ‫‪ - 13‬عبد العزيز شحاذه منصور‪ ،‬املسألة املائية‬ ‫للسياسة السورية جت��اه تركيا‪ ،‬مصدر سبق‬ ‫ذكره‪ ،‬ص ‪ – 144‬ص‪. 145‬‬ ‫‪ - 14‬امحد نوري النعيمي‪ ،‬الوظيفة االقليمية‬ ‫لرتكيا يف الشرق االوس��ط‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪،‬‬ ‫ص‪.220‬‬ ‫‪ً - 15‬‬ ‫نقال عن صالح سليم علي‪ ،‬مشاريع تركيا‬ ‫االروائ��ي��ة على نهر ال��ف��رات وت��أث�يره��ا على‬ ‫املنظمة‪ ،‬مركز ال��دراس��ات الرتكية‪ ،‬جامعة‬ ‫املوصل‪ ،1993 ،‬ص‪. 37‬‬ ‫‪ - 16‬امحد يوسف امحد وآخرون‪ ،‬املشكالت املائية‬ ‫يف الوطن العربي‪ ،‬معهد البحوث والدراسات‬ ‫العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1994 ،‬ص‪. 35‬‬ ‫‪ - 17‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪. 36‬‬ ‫‪ - 18‬ن��ادر جرجيس‪ ،‬املياه الدولية املشرتكة‬ ‫وقوانينها‪ ،‬دراسة حالة حوضي دجلو الفرات‪،‬‬ ‫املنظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم‪،‬‬ ‫تونس‪ ،1994 ،‬ص‪.15‬‬ ‫‪ً - 19‬‬ ‫نقال عن‪ :‬امحد نوري النعيمي‪ ،‬الوظيفة‬ ‫االقليمية لرتكيا يف الشرق االوسط‪ ،‬مصدر سبق‬ ‫ذكرعه‪ ،‬ص‪ – 226‬ص‪. 227‬‬ ‫‪20 - Murhaf Jouejati; Water Politics‬‬ ‫‪as high policy. The caseof Turkey‬‬ ‫‪and Syria، From book of Turkey›s‬‬ ‫‪role in the middleeast، OP. Cit،‬‬ ‫‪P.138.‬‬

‫‪ - 2121‬لتفاصيل هذه االزم��ة ينظر اىل‪ :‬أمحد‬ ‫ن��وري النعيمي‪ ،‬الوظية االقليمية لرتكيا يف‬ ‫الشرق االوسط‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪– 236‬‬

‫ص‪. 261‬‬ ‫‪ - 2222‬أرنون سوفري‪ ،‬أنهار من النار – الصراع‬ ‫على املياه يف الشرق االوس���ط‪ ،‬ترمجة ال��دار‬ ‫العربية للدراسات والنشر والرتمجة‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪ ،1993‬ص‪. 110‬‬ ‫‪ - 23‬امحد نوري النعيمي‪ ،‬الوظيفة االقليمية‬ ‫لرتكيا يف الشرق االوس��ط‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪،‬‬ ‫ص‪ – 267‬ص‪. 268‬‬ ‫‪ - 24‬ساندرا بوستيل‪ ،‬تقسيم املياه االقليمية –‬ ‫االمن الغذائي وحجة النظام البيئي والسياسات‬ ‫اجلديدة جتاه الندرة‪ ،‬معهد مراقبة البيئة‬ ‫العاملية‪ ،‬ترمجة شويكار زكي‪ ،‬ط‪ ،1‬الدار الدولية‬ ‫للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،1998 ،‬ص‪. 59‬‬ ‫‪25 - Republic of Iraq، ministry of‬‬ ‫‪foreign affairs and ministry of‬‬ ‫‪irrigation، the division of water‬‬ ‫‪under the international law،‬‬ ‫‪Baghdad، 1999، P.31.‬‬

‫‪ - 26‬عباس سعدون رفعت‪ ،‬السياسة املائية‬ ‫الرتكية آزاء سوريا والعراق للمدة من ‪– 1990‬‬ ‫‪ ،2007‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪. 152‬‬ ‫‪ - 27‬حسن اجلنابي‪ ،‬املياه االقليمية – صراع أم‬ ‫تعاون‪ ،‬جملة الثقافة اجلديدة‪ ،‬العدد ‪ ،87‬بغداد‪،‬‬ ‫‪ ،1995‬ص‪. 65‬‬ ‫‪ - 28‬صربية امحد اليف‪ ،‬استثمار املوارد املائية‬ ‫السطحية يف العراق وأثرها يف االمن الوطين‪،‬‬ ‫أطروحة دكتوراه غري منشورة‪ ،‬كلية االداب‪،‬‬ ‫جلمعة بغداد‪ ،1996 ،‬ص‪ – 201‬ص‪. 202‬‬ ‫‪ - 29‬عبد العزيز شحاذة املنصور‪ ،‬املسألة املائية‬ ‫للسياسة السورية جت��اه تركيا‪ ،‬مصدر سبق‬ ‫‪215‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪216‬‬

‫ذكره‪ ،‬ص‪. 15‬‬ ‫‪ - 30‬حممد عبد اهلل ال��دوري‪ ،‬املركز القانوني‬ ‫لنهري دجلة والفرات يف ضوء احكام القانون‬ ‫الدولي‪ ،‬ندوة للمشكالت املائية يف الوطن العربي‪،‬‬ ‫مهد البحوث والدراسات العربية‪ ،‬القاهرة‪،1994 ،‬‬ ‫ص‪. 39‬‬ ‫‪ - 31‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪. 154‬‬ ‫‪ - 32‬حممد بديوي الشمري‪ ،‬التعطيش السياسي‪،‬‬ ‫تفصيل يف مسألة املياه يف العراق‪ ،‬دار الشئون‬ ‫الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪ ،2001 ،‬ص‪ – 76‬ص‪. 77‬‬ ‫‪ - 33‬محيد فارس حسن سليمان‪ ،‬السياسة املائية‬ ‫الرتكية وأثرها على دول اجلوار‪ ،‬مصدر سبق‬ ‫ذكره‪ ،‬ص‪. 57‬‬ ‫‪ - 34‬امحد نوري العيمي‪ ،‬تركيا والوطن العربي‪،‬‬ ‫اكادميية الدراسات العليا والبحوث االقتصادية‪،‬‬ ‫طرابلس‪ ،1998 ،‬ص‪. 231‬‬ ‫‪ - 35‬عوني عبد الرمحن السبعاوي‪ ،‬تركيا والكيان‬ ‫الصهيوني‪ ،‬ميادين الشراكة االسرتاتيجية‪ ،‬من‬ ‫كتاب العالقات العربية – الرتكية يف مواجهة‬ ‫القرن احل��ادي والعشرين‪ ،‬مركز ال��دراس��ات‬ ‫الرتكية‪ ،‬جامعة املوصل‪ ،2000 ،‬ص‪. 53‬‬ ‫‪ - 36‬عباس سعدون رفعت‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪،‬‬ ‫ص‪. 155‬‬ ‫‪ - 37‬عبد اللطيف مجال رشيد (وزي��ر املوارد‬ ‫املائية العراقي) من مقالة بعنوان السياسة‬ ‫املائية العراقية‪ ،‬جملة عطاء الرافدين‪ ،‬وزارة‬ ‫املوارد املائية‪ ،‬ع‪ ،2006 ،14‬ص‪. 26‬‬ ‫‪ - 38‬زكريا السباهي‪ ،‬املياه يف القانون الدولي‬ ‫وأزم��ة املياه العربية‪ ،‬دار ط�لاس للدراسات‬ ‫والرتمجة والنشر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪ ،1‬ع ‪ ،199‬ص‪. 133‬‬ ‫‪ - 39‬عايدة العلي سري الدين‪ ،‬دول املثلث بني‬

‫فكي الكماشة االسرائيلية‪ ،‬دار الفكر العربي‪،‬‬ ‫بريوت‪ ،‬ط‪ ،1998 ،1‬ص‪. 286‬‬ ‫‪ - 40‬فكرت نامق عبد الفتاح‪ ،‬اخل�لاف املائي‬ ‫الرتكي – السوري – العراقي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪،‬‬ ‫ص‪.446‬‬ ‫‪ - 41‬امحد عمر الراوي‪ ،‬مشكالت املياه يف العراق‬ ‫يف ظل السياسة املائية الرتكية وتأثرياتها يف‬ ‫االمن الغذائي‪ ،‬رسالة ماجستري غري منشور‪،‬‬ ‫كلية االدارة واالقتصاد‪ ،‬جامعة بغداد‪،1999 ،‬‬ ‫ص‪. 82‬‬ ‫‪ - 42‬حممد عبد اهلل ال��دوري‪ ،‬املركز القانوني‬ ‫لنهري دجلة والفرات‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪41‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪ - 43‬عباس سعدون رفعت‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪،‬‬ ‫ص‪. 160‬‬ ‫‪ - 44‬محيد فارس حسن سليمان‪ ،‬السياسة املائية‬ ‫الرتكية وأثرها على دول اجلوار‪ ،‬مصدر سبق‬ ‫ذكره‪ ،‬ص‪. 60‬‬ ‫‪ - 45‬سعد حقي توفيق‪ ،‬العالقات العربية الدولية‬ ‫يف مطلع القرن احلادي والعشرين‪ ،‬مصدر سبق‬ ‫ذكره‪ ،‬ص‪. 308‬‬ ‫‪ - 46‬جليل عمر علي‪ ،‬السياسة اخلارجية الرتكية‬ ‫حيال الشرق االوسط ‪ ،2006 – 1991‬مصدر سبق‬ ‫ذكره‪ ،‬ص‪. 119‬‬ ‫‪ - 47‬سليمان عبد اهلل امساعيل‪ ،‬السياسة املائية‬ ‫لدول حوضي دجلة والفرات وأنعكاستها على‬ ‫القضية الرتكية‪ ،‬مركز الدراسات االسرتاتيجية‪،‬‬ ‫السليمانية‪ ،2004 ،‬ص‪. 72‬‬ ‫‪ - 48‬حممود عبد الرمحن خلف الزيدي‪ ،‬سياسة‬ ‫تركيا اخلارجية مع دول اجلوار العربي ‪1980‬‬ ‫– ‪ ،1993‬رسالة ماجستري غري منشورة‪ ،‬املعهد‬


‫العالي للدراسات السياسية والدولية‪ ،‬اجلامعة‬ ‫املستنصرية‪ ،2002 ،‬ص‪. 171‬‬ ‫‪ - 49‬فتحي علي حسني‪ ،‬املياه وأوراق اللعبة‬ ‫السياسية يف الشرق االوسط‪ ،‬مكتبة مدبولي‪،‬‬ ‫القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1997 ،1‬ص‪. 115‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪ - 50‬ان الـ(‪ )GAP‬ليس مشروعا حديثا بل‬ ‫يعود التفكري فيه اىل اخلمسينات وهناك من‬ ‫يقول ان املشروع كان ضمن تفكري اتاتورك‪،‬‬ ‫وميكن عد سدي كيبان وقرقايا الذين بوشر‬ ‫يف إنشائهما يف العام ‪ 1956‬و‪ 1979‬على التوالي‬ ‫ضمن حوض الفرات االعلى جزءاً من (‪)GAP‬‬ ‫‪ .‬ينظر‪ :‬محيد فارس حسن سليمان‪ ،‬السياسة‬ ‫املائية الرتكية وأثها على دول اجل��وار‪ ،‬مصدر‬ ‫سبق ذكره‪ ،‬ص‪. 65‬‬ ‫‪51 – Republic of Turkey،‬‬ ‫‪Prime Ministry، GAP Regional‬‬ ‫‪Development administration، Juiy،‬‬ ‫‪2007، P.2.‬‬

‫‪ – 52‬جملة املياه االلكرتونية‪ ،‬ع‪ ،1‬يف ‪2006/8/26‬‬ ‫متوفر على الرابط اآلتي‪:‬‬ ‫‪http://www.almyah.com‬‬ ‫‪ - 53‬غدير محد سجاد عبد اهلل ‪ /‬االمن املائي‬ ‫العربي والتحديات االقتصادية والسياسية‪،‬‬ ‫دراسة مستقبلية حلوضي دجلة والفرات‪ ،‬رسالة‬ ‫ماجستري غري منشورة‪ ،‬كلية العلوم السياسية‪،‬‬ ‫جامعة النهرين‪ ،2002 ،‬ص‪. 52‬‬ ‫‪ - 54‬رمزي سالمة‪ ،‬مشكلة املياه يف الوطن العربي‬ ‫إحتماالت الصراع والتسوية‪ ،‬مطبعة اجلالل‪،‬‬ ‫مصر‪ ،2001 ،‬ص‪. 99‬‬ ‫‪ - 55‬محيد فارس حسن سليمان‪ ،‬مصدر سبق‬ ‫ذكره‪ ،‬ص‪ – 67‬ص‪. 68‬‬

‫‪ 56‬عباس سعدون رفعت‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪،‬‬ ‫ص‪. 178‬‬ ‫‪ - 57‬رم��زي س�لام��ة‪ ،‬مشكلة امل��ي��اه يف الوطن‬ ‫العربي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪. 100‬‬ ‫‪ - 58‬وليد رض��وان‪ ،‬مشكلة املياه بني سوريا‬ ‫وتركيا‪ ،‬شركة املطبوعات للتوزيع والنشر‪،‬‬ ‫بريوت‪ ،‬ط‪ ،2006 ،1‬ص‪ – 86‬ص‪. 87‬‬ ‫‪ - 59‬سليمان عبد اهلل سلمان‪ ،‬السياسة املائية‪،‬‬ ‫مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪. 92‬‬ ‫‪ - 60‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪. 92‬‬ ‫‪ - 61‬عباس سعدون رفعت‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪،‬‬ ‫ص‪. 180‬‬ ‫‪ - 62‬عباس سعدون رفعت‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪،‬‬ ‫ص‪ – 180‬ص‪. 181‬‬ ‫‪ - 63‬طارق اجملداوي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪. 88‬‬ ‫‪ - 64‬عبد القادر أرزي��ق املخادمي‪ ،‬األمن املائي‬ ‫العربي بني احلاجات واملتطلبات‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬ ‫دمشق‪ ،1999 ،‬ص‪. 122‬‬ ‫‪ - 65‬وليد رض��وان‪ ،‬مشكلة املياه‪ ،‬مصدر سبق‬ ‫ذكره‪ ،‬ص‪. 92‬‬ ‫‪ - 66‬حممد نور الدين‪ ،‬تركيا يف الزمن املتحول‪،‬‬ ‫مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪. 144‬‬ ‫‪ - 67‬محيد فارس حسن سليمان‪ ،‬مصدر سبق‬ ‫ذكره‪ ،‬ص‪. 93‬‬ ‫‪ - 68‬وليد رض��وان‪ ،‬مشكلة املياه‪ ،‬مصدر سبق‬ ‫ذكره‪ ،‬ص‪. 93‬‬ ‫‪ - 69‬أبي الوتار‪ ،‬بعض اآلثار املائية االقتصادية‬ ‫احملتملة الناجتة عن إنشاء سد اليسو‪ ،‬دراسات‬ ‫أقليمية‪ ،‬مركز الدراسات االقليمية‪ ،‬جامعة‬ ‫امل��وص��ل‪ ،‬ع ‪ ،2008 ،12‬ص‪ . 42‬وللمزيد من‬ ‫املعلومات ع��ن س��د أليسو‪ ،‬ينظر اىل‪ :‬عالء‬ ‫‪217‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪218‬‬

‫الالمي‪ ،‬تفاصيل مهمة عن السد الرتكي العمالق‬ ‫أليسو وخماطره املدمرة على الكيان العراقي‬ ‫والعراقيني‪ ،‬صحيفة البينة اجلديدة العراقية‪،‬‬ ‫ع‪ ،878‬يف ‪ ،2009/8/13‬ص‪. 6‬‬ ‫‪ - 70‬ري��ان ذن��ون العباسي‪ ،‬مشروع سد أليسو‬ ‫وتأثريه على الوضع االقتصادي للعراق‪ ،‬دراسات‬ ‫اقليمية‪ ،‬مركز الدراسات االقليمية‪ ،‬جامعة‬ ‫املوصل‪ ،‬ع ‪ ،2008 ،12‬ص‪. 205‬‬ ‫‪ - 71‬املصدر السابق نفسه‪ ،‬ص‪. 213‬‬ ‫‪http://www.aljazeera.net - 72‬‬ ‫‪ - 73‬وزارة اخلارجية العراقية‪ ،‬ملف املياه‪،‬‬ ‫مبوجب كتابها ذي العدد ‪ 35078‬يف ‪2007/1/24‬‬ ‫ً‬ ‫وايضا وزارة املوارد‬ ‫املعنون اىل جملس الوزراء‪،‬‬ ‫املائية العراقية‪ ،‬املديرية العامة للتخطيط‬ ‫والتنمية‪ ،‬مركز دراسات املياه الدولية‪ ،‬مبوجب‬ ‫كتابها املرقم (‪ )2854‬يف ‪ 2007‬مع تقرير مرفق‬ ‫عن سد اليسو على نهر جلة يف العراق‪ ،‬ص‪. 8‬‬ ‫‪ - 74‬جريدة الصباح العراقية يف ‪2007/1/26‬‬ ‫ً‬ ‫وايضا جريدة االحتاد يف ‪. 2007/6/4‬‬ ‫‪ - 75‬ابراهيم خليل العالف‪ ،‬مشكلة املياه واملوارد‬ ‫املائية يف الشرق االوسط‪ ،‬دار ابن االثري للطباعة‬ ‫والنشر‪ ،‬املوصل‪ ،‬ط‪ ،2005 ،1‬ص‪. 29‬‬ ‫‪ - 76‬حسني حافظ وه��ي��ب‪ ،‬تركيا وسياسة‬ ‫املساومة احلرجة بني النفط العربي واملياه‬ ‫الرتكية‪ ،‬جملة دراسات دولية‪ ،‬مركز الدراسات‬ ‫الدولية‪ ،‬جامعة بغداد‪ ،‬العدد ‪ ،2004 ،25‬ص ‪42‬‬ ‫‪.‬وللمزيد من التفاصيل حول االهداف السياسية‬ ‫ملشروع الـ(‪ ،)GAP‬ينظر اىل‪ :‬محيد فارس‬ ‫حسن سليمان‪ ،‬السياسة املائية الرتكية وأثرها‬ ‫على دول اجلوار‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪– 79‬‬ ‫ص‪. 85‬‬

‫‪ - 77‬حامت مهدي الدفاعي‪ ،‬العالقات الدولية‬ ‫وآثرها يف اسرتاتيجية املوارد املائية لدول نهر‬ ‫الفرات‪ ،‬أطروحة دكتوراه غري منشورة‪ ،‬كلية‬ ‫العلوم السياسية‪ ،‬اجلماعة املستنصرية‪،2006 ،‬‬ ‫ص ‪ . 141‬للمزيد من التفاصيل عن االه��داف‬ ‫االقتصادية للـ(‪ ،)GAP‬ينظر‪ :‬محيد فارس‬ ‫حسن سليمان‪ ،‬السياسة املائية الرتكية‪ ،‬مصدر‬ ‫سبق ذكره‪ ،‬ص‪ – 91‬ص‪. 98‬‬ ‫‪ - 78‬صبيح بشري ع��ذاب‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أمنيا عن‬ ‫ص‪ . 177‬وللمزيد من التفاصيل‬ ‫الـ(‪ ،)GAP‬ينظر‪ :‬كريم حممد محزة‪ ،‬االبعاد‬ ‫االجتماعية مل��ش��روع االن��اض��ول (‪)GAP‬‬ ‫اجل��وان��ب الفنية‪ ،‬جملة دراس���ات اجتماعية‪،‬‬ ‫بغداد‪ ،‬بيت احلكمة‪ ،‬السنة الثانية‪ ،‬ع ‪ ،7‬خريف‬ ‫‪ ،2000‬ص‪. 44‬‬ ‫‪ - 79‬ابراهيم خليل العالف‪ ،‬تركيا ومشروع‬ ‫جنوب ش��رق االن��اض��ول وت��أث�يرات��ه السلبية‬ ‫على العراق‪ ،‬مركز الدراسات الرتكية‪ ،‬جامعة‬ ‫املوصل‪ ،1998 ،‬ص‪. 1‬‬ ‫‪ - 80‬حممد نور الدين‪ ،‬تركيا يف الزمن املتحول‪،‬‬ ‫مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪. 148‬‬ ‫‪ - 81‬محيد فارس حسن سليمان‪ ،‬السياسة املائية‬ ‫الرتكية وأثرها على دول اجلوار‪ ،‬مصدر سبق‬ ‫ذكره‪ ،‬ص‪. 103‬‬ ‫‪ - 82‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪. 103‬‬ ‫‪ - 83‬عباس سعدون رفعت‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪،‬‬ ‫ص‪. 226‬‬ ‫‪ - 84‬املصدر السابق نفسه‪ ،‬ص‪. 220‬‬ ‫‪ - 85‬مقالة وزير املوارد املائية د‪ ،‬عبد اللطيف‬ ‫مجال رشيد‪ ،‬املياه املشرتكة مع تركيا‪ ،‬صحيفة‬ ‫املدى العراقية‪ ،‬ع ‪421‬يف ‪. 2006/10/1‬‬


‫‪ - 86‬صبيح بشري عذاب‪ ،‬االحتاد االوربي وأثره‬ ‫يف صنع القرار السياسي الرتكي جتاه الوطن‬ ‫العربي‪ ،‬سلسلة دراس��ات إسرتاتيجية‪ ،‬مركز‬ ‫الدراسات الدولية‪ ،‬جامعة بغداد‪ ،‬ع‪،2006 ،60‬‬ ‫ص‪ –153‬ص‪. 154‬‬ ‫للمزيد من التفاصيل عن مشروع انابيب‬ ‫السالم‪ ،‬ينظر اىل‪ :‬امحد نوري النعيمي‪ ،‬الوظيفة‬ ‫االقليمية لرتكيا يف الشرق االوسط‪ ،‬مصدر سبق‬ ‫ذكره‪ ،‬ص‪ – 280‬ص‪. 300‬‬ ‫‪ - 87‬جليل عمر علي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪125‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪ - 88‬عماد الضمريي‪ ،‬تركيا والشرق االوسط‪،‬‬ ‫مركز القدس للدراسات السياسية‪ ،‬أبو طيب‪،‬‬ ‫‪ ،2002‬ص‪. 59‬‬ ‫‪ - 89‬جليل عمر علي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪128‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪ - 90‬عماد الضمريي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪. 61‬‬ ‫‪ - 91‬سهى العزاوي‪ ،‬العالقات الرتكية ‪ 0‬الصهيونية‬ ‫ومشكلة املياه‪ :‬االطماع الرتكية الصهيونية يف‬ ‫املياه العربية‪ ،‬نشرة متابعات دولية‪ ،‬مركز‬ ‫الدراسات الدولية‪ ،‬جامعة بغداد‪ ،2002 ،‬ص‪. 6‬‬

‫‪219‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪220‬‬

‫اثر بكر صدقي يف تطور الدور السيايس للجيش‬ ‫العراقي‬

‫د‪ .‬عبدالرحيم درويش‬


‫املقدمة‪:‬‬ ‫تعترب الدولة العراقية من الدول احلديثة اليت‬ ‫تشكلت اثر نتائج احلرب العاملية االوىل‪ ،‬وقد‬ ‫اتسمت احلياة السياسية يف هذه الدولة بالتعقيد‬ ‫ساهمت يف تعقيدها جمموعة ع��وام��ل منها‬ ‫العامل العسكري‪ ،‬حيث اثر بشكل كبري يف اغلب‬ ‫املراحل التارخيية هلذه الدولة‪ ،‬فكان للجيش‬ ‫العراقي الذي أسس كجيش حريف أدوارا بالغة‬ ‫التعقيد يف احلياة السياسية وقد تطور كثريا‬ ‫يف خمتلف اجملاالت حتى اعترب اكرب اجليوش و‬ ‫أكثرها ديناميكية ومثرية للريبة يف الشرق‬ ‫األوسط والعامل العربي‪ ،‬اتسم الدور السياسي‬ ‫هلذا اجليش بالتعقيد وب��دأ هذا ال��دور يظهر‬ ‫للعلن بعد ان مت أول انقالب عسكري يف العراق‬ ‫أسقطت على اثره حكومة اهلامشي واعلن عن‬ ‫تشكيل حكومة موالية للجيش تنفذ أهداف‬ ‫االنقالب‪ .‬قاد االنقالب شخصية عسكرية مثرية‬ ‫للجدل‪ ،‬ال زال وحلد اآلن تثار حوله العديد من‬ ‫التساؤالت‪ .‬اتسم دور (بكر صدقي) العسكري‬ ‫باحلرفية ودوره السياسي بالتعقيد والتناقض‬ ‫والغموض‪ ،‬لكن هذا االنقالب رغم عمره القصري‬ ‫انتهى اثره املباشر بعد قتل منفذ االنقالب بكر‬ ‫صدقي من قبل ضباط اجليش كانوا قد اعدوا‬ ‫انقالبا عليه بدعم قوى داخلية ودولية‪ ،‬وبهذا‬ ‫بدأت مرحلة جديدة من الدور السياسي للجيش‬ ‫العراقي‪ ،‬ه��ذه املرحلة املعقدة من التاريخ‬ ‫السياسي للعراق انتجت على اثره سلسلة من‬ ‫االنقالبات الدموية يف العراق قادته اىل هاوية‬ ‫العنف املنظم‪.‬‬ ‫حتاول هذه الدراسة ان تبني الدور اهلام للقائد‬ ‫العسكري يف اجل��ي��ش ال��ع��راق��ي بكر صدقي‬

‫(الضابط السابق يف اجليش العثماني) يف تطور‬ ‫الدور السياسي للجيش العراقي‪ ،‬وتكمن أهمية‬ ‫الدراسة يف تناوهلا حلقبة تارخيية مهمة من‬ ‫التاريخ السياسي للعراق‪.‬‬ ‫ً‬ ‫اوال‪ :‬بدايات تأسيس اجليش العراقي‪:‬‬ ‫تأسس اجليش العراقي من ما تبقى من القوات‬ ‫العسكرية العثمانية ال�تي أث��رت ال���والء اىل‬ ‫بريطانيا ودخلت ضمن مشاريعه وقاتلت مع‬ ‫القوات الربيطانية يف فرض قبضة احتالله‬ ‫على املنطقة‪ ،‬اذ متركز اجليش الربيطاني‬ ‫باالعتماد على اسرتاتيجية تشكيل قوات شبه‬ ‫منظمة تقوم بتحمل بعض األعباء القتالية‬ ‫ضمن مديات حم��دودة كجزء مساعد ومكمل‬ ‫للقوات الربيطانية‪ ،‬ومن هذا املنطلق تأسس‬ ‫اجليش العراقي يف ‪ 1921‬على يد الربيطانيني‬ ‫بعد ان كلفوا بعض الضباط العراقيني والعرب‬ ‫واألك��راد من املوالني هلم يف تشكيل أول فوج‬ ‫عسكري مسي بفوج (موسى الكاظم) وزج يف‬ ‫عمليات قتالية ضد ثورة األكراد جنبا اىل جنب‬ ‫امليليشيات األخرى التابعة للجيش الربيطاني‬ ‫كالليفي وقوات القبائل وغريهم‪ ،‬وتطور هذا‬ ‫اجليش كثريا بعد االستقالل العراقي كدولة يف‬ ‫‪ 1932‬وانضمام العديد من الضباط احملرتفني‬ ‫اىل صفوفه‪ ،‬وقد سخر له العديد من القدرات‬ ‫االقتصادية‪ ،‬ودخل هذا اجليش يف صراع مرير‬ ‫مع امليليشيات القبلية وقوات الليفي املوالية‬ ‫للربيطانيني ومت على اثرها إزالة مجيع تلك‬ ‫امليلشيات لصاحله حبدود ‪ ،1936‬وكان قد وصل‬ ‫يف تلك السنة اىل مرحلة ج��دا متطورة من‬ ‫التنظيم القتالي‪ .‬قامت بريطانيا بتأسيس‬ ‫‪221‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪222‬‬

‫اجليش العراقي‪ ،‬وسعت اىل توسيعه وإم��داده‬ ‫باألسلحة ونظمته كقوة عسكرية برية قادرة‬ ‫على مسك االرض والسيطرة عليها يف عمليات‬ ‫العسكرية الصغرى واملتوسطة‪ ،‬اال ان بريطانيا‬ ‫كانت حتاول ان تبقي اجليش العراقي تابعا او‬ ‫مكمال لقطعاتها العسكرية يف العراق واملنطقة‪.‬‬ ‫(‪ )1‬بينما حاول جعفر العسكري وهو وزير دفاع‬ ‫وقائد عسكري عراقي ان جيعل اجليش العراقي‬ ‫قوة اسرتاتيجية ذات إرادة مستقلة تعمل وفق‬ ‫مقتضيات املصلحة العليا للدولة العراقية‬ ‫وتنتفي احلاجة اىل االعتماد على بريطانيا‬ ‫وهذا ما دفع التنافس بني التوجهني اىل خلق‬ ‫املزيد من املشاكل ومعضالت للحياة السياسية‬ ‫العراقية (‪.)2‬‬ ‫بالرغم من التطورات الكبرية ال�تي حدثت‬ ‫للجيش العراقي اال ان تطوراته القتالية جاءت‬ ‫على اثر اخل�برات اليت اكتسبها خالل إمخاده‬ ‫للتمرد اآلش���وري‪ ،‬عندما دف��ع الربيطانيني‬ ‫اجليش العراقي اىل عملية قتالية ضد مليشيات‬ ‫الليفي اليت كان قد أسسها الربيطانيني كقوة‬ ‫درك تساعدهم يف ترسيخ احتالهلم للعراق‪،‬‬ ‫وقاد الفريق بكر صدقي قطعات اجليش العراقي‬ ‫يف تلك املعارك وقد جنح يف القضاء على التمرد‬ ‫وإنهاء وجود الليفي اىل األبد وذلك يف عام‪1933‬‬ ‫ومبساعدة ميدانية قليلة من الربيطانيني‪)3(.‬‬ ‫على اثر تلك االنتصارات اصدرت أوامر اىل بكر‬ ‫صدقي بتولي قيادة قطعات اجليش العراقي‬ ‫يف معارك شرسة ضد قوات القبائل يف جنوب‬ ‫العراق وكانت هذه القوات كبرية ومتتلك أسلحة‬ ‫كثرية ومتمرسة يف القتال اال ان اجليش العراقي‬ ‫وبعد مصادمات وم��ع��ارك عديدة استطاع‬

‫ان يقمع انتفاضات العشائر وتضع حدا هلا‪.‬‬ ‫هذه العمليات جعلت من اجليش العراقي قوة‬ ‫عسكرية قادرة على تنفيذ مهمات اسرتاتيجية‬ ‫ضمن حدود أرضه الوطنية‪ ،‬واصبح اجليش‬ ‫العراقي منذ ذلك الوقت أقوى اجليوش العربية‬ ‫قاطبة ومن اقوى اجليوش اإلقليمية يف الشرق‬ ‫األوسط مما أدى إىل تعزيز دور العراق اإلقليمي‬ ‫والقومي(‪ .)4‬واصبح بكر صدقي اشهر قائد‬ ‫عسكري يف العراق و األكثر حرفية يف قيادة‬ ‫القطعات امليدانية وشن املعارك‪ )5(.‬و بنا ًء على‬ ‫التصورات االسرتاتيجية جلعفر العسكري مت‬ ‫قبول فكرة التجنيد اإللزامي لذا قام امللك غازي‬ ‫بإصدار اإلرادة امللكية بتنفيذ قانون الدفاع‬ ‫الوطين بالرقم (‪ )237‬يف عام ‪ ،1934‬وصدر بشكله‬ ‫النهائي يف الثاني عشر من حزيران عام ‪.1935‬‬ ‫(‪ )6‬وتضمن حتديد عمر املكلفني باخلدمة يف‬ ‫اجليش ملن بلغوا سن الثامنة عشرة‪ ،‬وحتديد‬ ‫مدة اخلدمة العسكرية بعشر سنوات‪ ،‬وإعفاء‬ ‫املكلف من خدمة العلم إذا ما دفع البدل النقدي‬ ‫البالغ مقداره (‪ )30‬ديناراً شريطة أن خيدم‬ ‫مدة التدريب(‪ . )7‬عارض الكثري هذه اخلطوة‬ ‫واعتربوها بداية لعسكرة العراق وحتطيم بنية‬ ‫اقتصاده وتكوينه االجتماعي‪ ،‬ومترد على اثر‬ ‫ذلك عشائر الفرات األوسط وكذلك االيزيديون‬ ‫وقمعهم بكر صدقي يف محالت تأديبية‪ .‬وقد‬ ‫اصدرت أوامر للجيش العراقي لقمع املنتفضني‬ ‫حتقيقا لدوافع سياسية وقام اجليش بقيادة بكر‬ ‫صدقي بقمع انتفاضة سنجار والفرات األوسط‪،‬‬ ‫خالل هذه العمليات اليت مشلت اغلب مناطق‬ ‫العراق تبني ان اجليش العراقي اصبح متمرسا‬ ‫يف قمع االنتفاضات الداخلية خالل الثالثينات‬


‫وق��د ق��اد مجيعها الفريق بكر صدقي‪ ،‬الذي‬ ‫اصبح ذو نفوذ كبري يف كافة األوس��اط خاصة‬ ‫داخ��ل اجليش اىل ان ق��ام بتخطيط وتنفيذ‬ ‫االنقالب االول يف ‪)8( .1936‬‬ ‫من املثري ان نتطرق اىل حقيقه مفادها ان اغلب‬ ‫الساسة العراقيني املؤسسني ملفاصل الدولة كانوا‬ ‫ضباطا لذا كانت اتصاالتهم باجليش متداخلة‪،‬‬ ‫لكن بكر صدقي كان اول قائد عسكري عراقي‬ ‫ق��د اقحم اجليش بشكل مباشر يف تشكيل‬ ‫اخلارطة السياسية للعراق‪ )9(.‬كان للجيش‬ ‫العراقي الدور البارز يف األحداث السياسية اليت‬ ‫شهدها تاريخ العراق املعاصر‪ ،‬وال سيما مع قيام‬ ‫أول انقالب عسكري يف تاريخ العراق املعاصر‬ ‫ً‬ ‫عمليا الفريق بكر صدقي ع��ام ‪،1936‬‬ ‫نفذه‬ ‫وق��ام ضباط آخ��رون باالنقالب عليه وقتله‬ ‫مع ضباط آخرين وإزالة حكومة األهالي‪ ،‬ومل‬ ‫ينتهي مسلسل االنقالبات يف العراق بل كانت‬ ‫الفاحتة لالنقالبات يف العراق‪ ،‬األمر الذي دلل‬ ‫على ضعف املؤسسة السياسية التقليدية‪ ،‬وعدم‬ ‫قيامها بواجباتها كما جيب‪ ،‬ناهيك عن املساحة‬ ‫الواسعة من النفوذ الذي حظي به قادة اجليش‬ ‫وضباطه من خالل إسهامهم يف حتريك األوضاع‬ ‫على النحو الذي حيقق هلم أهدافهم ‪ .‬لقد اصبح‬ ‫اجليش العراقي خالل بروز دور الفريق بكر‬ ‫صدقي حمط انظار القوى السياسية‪ ،‬واصبح‬ ‫فيما بعد احد ادوات احلسم الرئيسية يف احلياة‬ ‫السياسية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬بكر صدقي‪:‬‬ ‫ولد بكر صدقي يف قرية عسكر يف كردستان‬ ‫العراق من أبوين كرديني يف ‪ 1890‬وك��ان قد‬

‫التحق باملدارس العسكرية العثمانية كالعديد‬ ‫من اقرأنه من أبناء قريته واصبح احد الضباط‬ ‫اجليش العثماني وشارك يف العديد من العمليات‬ ‫القتالية مع احد أبناء عمومته جعفر العسكري‬ ‫الذي ارتبط معه يف عالقة متداخلة ومعقدة‬ ‫يف الرؤى والتوجهات السياسية ومتطابقة يف‬ ‫االقتدار العسكري والتنظيمي‪ ،‬ترفع يف املنزلة‬ ‫العسكرية بعد ابدى شجاعة وجراءة بالغة يف‬ ‫كافة املواقف والتحق باجليش العراقي بعد‬ ‫تشكيله وقد اثبت قدراته يف العديد من احلمالت‬ ‫العسكرية وخاصة أثناء قمعه لبقايا قوات‬ ‫الليفي‪ .‬ال تذكر املصادر عن انتماءه السياسي‬ ‫لكنه ابدى بوضوح أفكاره التقدمية والوطنية‬ ‫يف تشكيل وبلورة دولة قوية وصاحبة سيادة‪،‬‬ ‫عرف عنه ثقافة عالية ومعرفته للعديد من‬ ‫اللغات كما كان شخصا وسيما ذو لباقة ولياقة‬ ‫عالية‪ ،‬مما أهله كثريا يف ترقي مواقع اجتماعية‬ ‫متعددة وقد تصوره الكثريون بانه أهل لتولي‬ ‫اعلى وارفع املناصب‪ .‬كان بكر صدقي وبسبب‬ ‫شخصيته وقدراته العسكرية الكبرية حمط‬ ‫انظار مجيع الضباط العسكريني والساسة‬ ‫العراقيني وك��ان ق��ادرا على حتريك قطعات‬ ‫اجليش وتنفيذ محالت عسكرية كبرية(‪. )10‬‬ ‫حت��دث��ت الكثري م��ن امل��ص��ادر التارخيية عن‬ ‫دوافع شخصية لالنقالب‪ ،‬كاملنافسة بني نوري‬ ‫سعيد وبكر صدقي او مشاكل ب�ين جعفر‬ ‫عسكري وبكر صدقي او بني طه هامشي وبكر‬ ‫صدقي وما اثره يف نفسه من كراهية يف دفعه‬ ‫لالنقالب‪ ،‬إال إن األدلة التارخيية تؤكد املبالغة‬ ‫يف تصوير دوافع شخصية لالنقالب او وجود‬ ‫طموح شخصي من وراء االنقالب خاصة وان‬ ‫‪223‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪224‬‬

‫بكر صدقي اشتهر بااللتزام يف جماله املهين‬ ‫وحتى السياسي‪ ،‬والتحدث عن أسباب االنقالب‬ ‫قد يطول بنا كثرياً إىل متاهات عديدة حتى‬ ‫ت��دخ��ل يف ح��س��اب��ات إقليمية ودول��ي��ة‪ ،‬لكن‬ ‫السبب الذي اعلنه بكر صدقي يعد مهما جدا‬ ‫يف تلمس أسباب سياسية يف خطوة االنقالب‪ ،‬إذ‬ ‫اعترب االنقالب حماولة ردع النقالب آخر كان‬ ‫اعده ياسني اهلامشي رئيس الوزراء العراقي يف‬ ‫حينه اثر حماولته استخدام قطعات اجليش يف‬ ‫ضرب املعارضة وحتييد امللك او إزالته‪ ،‬واعترب‬ ‫ذلك كافيا وبتشجيع من املعارضة من القيام‬ ‫باالنقالب وحسم ال��ص��راع لصاحل املعارضة‬ ‫وإس��ق��اط احلكومة‪ )11( .‬وعلى ما يبدو فان‬ ‫امللك غازي كان على علم باالنقالب‪ ،‬وكان على‬ ‫اتصال مع القائمني به‪ ،‬ألنه كان ً‬ ‫راغبا يف إسقاط‬ ‫ياسني اهلامشي الشخصية القوية ذات التطلعات‬ ‫القومية كونه أخذ ينافسه يف شعبيته‪ ،‬ويعترب‬ ‫نفسه أوىل بالعرش من امللك غ��ازي‪ ،‬كما أن‬ ‫حكمت سليمان قابل امللك يف يوم االنقالب اذ‬ ‫يرى البعض بان االنقالب جاء لتلبية مصاحل‬ ‫بريطانية ويرى آخرون بانها على العكس كانت‬ ‫تلبية ملتطلبات تنامي الدور األملاني يف العراق‬ ‫(‪.)12‬‬ ‫ثالثا‪ :‬الصراع بني الضباط الوطنيني والقوميني‬ ‫داخل اجليش‪:‬‬ ‫كان لقادة الكتلة القومية موقف واض��ح من‬ ‫انقالب بكر صدقي‪ ،‬فقد عارضوا االنقالب ألنه‬ ‫حسب ما ادعو عنه بأنه ((كان ينكر الدين وال‬ ‫يعرتف بعروبة العراق))‪ ،‬ويف املقابل حاول بكر‬ ‫صدقي تشتيت قدرة قادة الكتلة القومية عن‬

‫طريق نقلهم إىل مناطق متفرقة‪ ،‬ووضعهم يف‬ ‫مواقع غري مؤثرة ‪ .‬فقد مت نقل املقدم حممود‬ ‫سلمان‪ ،‬من آمر للحرس امللكي إىل معاون آلمر‬ ‫الكتيبة الثانية‪ ،‬ونقل املقدم ص�لاح الدين‬ ‫ً‬ ‫معلما يف مدرسة األركان‬ ‫الصباغ من منصبه‬ ‫ً‬ ‫ومعلما للتعبئة يف الكلية العسكرية‪ ،‬ومديراً‬ ‫بالوكالة ملديرية الرتبية البدنية والتدريب‬ ‫العسكري إىل م��ع��اون ملدير امل�ي�رة‪ .‬لذلك مت‬ ‫ً‬ ‫شخصيا‪ )13(.‬كان بعد‬ ‫االتفاق على تصفيته‬ ‫اغتيال الفريق بكر صدقي ان اصبح لرجال‬ ‫الكتلة القومية دورهم املهم يف األحداث الالحقة‬ ‫اليت شهدها تاريخ العراق بعد نهاية انقالب‬ ‫بكر صدقي حينما أصبحوا البديل الطبيعي‬ ‫عن السياسيني التقليديني‪ .‬ويف أحيان معينة‬ ‫أجنر قادة الكتلة القومية‪ ،‬وألسباب متعددة‪،‬‬ ‫وراء اللعبة السياسية‪ ،‬األمر الذي كلفهم كثرياً‪،‬‬ ‫وأوقعهم يف أخطاء كانوا يف غنى عنها‪ .‬اذ اغتيل‬ ‫امللك غازي يف ظل هيمنتهم وانفردوا على اثر‬ ‫ذلك بالساحة السياسية وقادوا حربا خاسرة مع‬ ‫بريطانيا (‪.)14‬‬ ‫متثل ص��ورة بكر صدقي بالتعقيد إذ قامت‬ ‫القوى القومية بشن هجوم شرس ضد شخصيته‬ ‫وانتمائه السياسي والقومي واعتربوه الشخصية‬ ‫احملورية والوحيدة القادرة على محاية كتلة‬ ‫األهالي وما يعرف بالتقدميني واالشرتاكيني‬ ‫الذين تسلموا احلكم بفضل االنقالب‪ ،‬يف حني‬ ‫كانت تلك الكتل السياسية اليت استفادت من‬ ‫االنقالب تؤكد على عمقها اجلماهريي واتكاهلا‬ ‫على قوتها الذاتية يف احلكم‪ ،‬ومن جهة أخرى‬ ‫مل يقم بكر صدقي بالسيطرة على املناصب‬ ‫السيادية يف احلكومة العراقية‪ ،‬بل فضل البقاء‬


‫ضمن اجليش‪ ،‬بالرغم من إن العديد من الساسة‬ ‫ً‬ ‫ضباطا يف اجليش العراقي او‬ ‫بل اغلبهم كانوا‬ ‫قبله يف اجليش العثماني او يف اجليش الثورة‬ ‫العربية الكربى‪ ،‬كما ان بكر صدقي مل يقم بشن‬ ‫محله على من كان يتصيد له بالرغم من تعدد‬ ‫حماوالت قتله والتهديدات املتكررة الذي كانت‬ ‫تصله‪ ،‬بطريقة ما اتفق القوميني العرب رمبا‬ ‫بدافع من العنصرية او كما يؤكد بعض املصادر‬ ‫بتوجيه من بريطانيا باإلصرار على التخلص‬ ‫من بكر صدقي‪ ،‬ل��ذا قاموا ب��اإلع��داد لقتله‪.‬‬ ‫وباغتيال بكر صدقي انتقل مركز االستقطاب‬ ‫إىل الكتلة القومية يف اجليش العراقي اليت اصبح‬ ‫أف��راده��ا البديل املناسب عن أصحاب الرتب‬ ‫العالية الذين مل يثبتوا على موقفهم إبان‬ ‫انقالب بكر صدقي(‪ . )15‬وبهذا اصبح الضباط‬ ‫القوميني ذو حظوة سياسية كبرية ويسيطرون‬ ‫على اجليش وذو ق��درة كبرية يف التدخل يف‬ ‫الشؤون السياسية بل اصبحوا يراقبون احلياة‬ ‫السياسية ويضغطون عليها بالشكل ال��ذي‬ ‫يريدونه‪ ،‬ل��ذا قاموا بانقالب ثالث بعد ان‬ ‫اسقطوا وزارة مجيل املدفعي وأع��ادوا نوري‬ ‫سعيد اىل دفة احلكم‪ ،‬شريطة ان يقوم األخري‬ ‫بتصفية مجيع انصار بكر صدقي وإبعادهم‬ ‫عن احلياة السياسية والعسكرية واحلكومية‪.‬‬ ‫(‪ )16‬وبهذه الطريقة أسدل الستار على حياة‬ ‫بكر صدقي الشخصية عصر يوم احلادي عشر‬ ‫من آب ‪ 1937‬بعد تسعة أشهر وثالثة عشر ً‬ ‫يوما‬ ‫من انقالبه ‪ .‬وباغتيال بكر صدقي انتقل مركز‬ ‫االستقطاب إىل الكتلة القومية يف اجليش العراقي‬ ‫اليت اصبح أفرادها البديل املناسب عن أصحاب‬ ‫الرتب العالية الذين مل يثبتوا على موقفهم إبان‬

‫انقالب بكر صدقي(‪. )17‬‬ ‫كان لقادة الكتلة القومية موقف واض��ح من‬ ‫انقالب بكر صدقي‪ ،‬فقد عارضوا االنقالب ألنه‬ ‫((كان ينكر الدين وال يعرتف بعروبة العراق‬ ‫حسب ادعائهم ))‪ ،‬ويف املقابل حاول بكر صدقي‬ ‫تشتيت قادة الكتلة القومية عن طريق نقلهم‬ ‫إىل مناطق متفرقة‪ ،‬ووضعهم يف مواقع غري‬ ‫مؤثرة ‪ .‬لكن ذلك مل مينع من اتفاقهم على‬ ‫تصفيته جسديا ومقدرتهم على ذلك‪ ،‬األمر‬ ‫الذي مت ً‬ ‫فعال كما ذكرنا ً‬ ‫سابقا‪ .‬كان بعد اغتيال‬ ‫الفريق بكر صدقي ان اصبح لرجال الكتلة‬ ‫القومية دورهم املهم يف األحداث الالحقة اليت‬ ‫شهدها تاريخ العراق بعد نهاية انقالب بكر‬ ‫صدقي حينما أصبحوا البديل الطبيعي عن‬ ‫السياسيني التقليديني (‪.)18‬‬ ‫رابعا‪ :‬اغتيال بكر صدقي على يد الضباط‬ ‫القوميني يف اجليش العراقي‪:‬‬ ‫قررت الكتلة القومية يف العراق التخلص من‬ ‫بكر صدقي وقرر بأن يتم قتله أثناء مشاركته‬ ‫يف املناورات العسكرية للجيش الرتكي يف تراقيا‪،‬‬ ‫وان تتم عملية االغتيال يف املوصل‪ ،‬وبالفعل‬ ‫سافر بكر صدقي إىل مدينة املوصل ظهر يوم‬ ‫‪ 11‬آب ‪ ،1937‬وتوجه مباشرة إىل دار االسرتاحة‬ ‫التابع للجيش الواقعة يف حملة (ال��دواس��ة )‪،‬‬ ‫فاستقر رأي حممد فهمي سعيد مقدم لواء‬ ‫املنطقة الشمالية وأحد الضباط القوميني يف‬ ‫اجليش العراقي والضباط العاملني معه على‬ ‫تنفيذ خمطط الغتياله اثر موافقة بكر صدقي‬ ‫على حضور حفلة ساهرة يف ن��ادي الضباط‬ ‫يف املوصل(‪ . )19‬كان اجلو يف ذلك اليوم حاراً‪،‬‬ ‫فتضايق منه بكر صدقي‪ ،‬فأشار عليه صديقه‬ ‫‪225‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪226‬‬

‫حممد علي جواد أن يقضي الظهرية يف املطار‪،‬‬ ‫حيث اهلواء عليل واملكان مأمون(‪ . )20‬و بالفعل‬ ‫ً‬ ‫قسطا من‬ ‫انتقل بكر صدقي إىل املطار ليأخذ‬ ‫الراحة يف إحدى غرفه‪ .‬وعند ذاك أسرع أحد‬ ‫الضباط القوميني إلخبار فهمي سعيد بوجود‬ ‫بكر صدقي يف املطار‪ ،‬فوجد فهمي سعيد أن‬ ‫تصفية بكر صدقي يف املطار أفضل من تنفيذ‬ ‫(خطة الليل ) يف النادي العسكري يف املوصل(‪)21‬‬ ‫‪ .‬استقل فهمي سعيد سيارة حممود هندي الذي‬ ‫ابلغه باخلرب‪ ،‬وقصد ثكنة اخليالة‪ ،‬وهناك وضع‬ ‫خطة االغتيال اليت تضمنت قيام نائب العريف‬ ‫اخل��ي��ال حممد عبد التلعفري بعملية قتل‬ ‫بكر صدقي بسبب إجادته استخدام املسدس‪،‬‬ ‫ورميه الدقيق به ‪ .‬يصف التلعفري عملية‬ ‫االغتيال ً‬ ‫قائال‪(( :‬أن أهم شيء كنت أعتمد عليه‬ ‫هو عنصر املباغتة والسرعة‪ ،‬فتقدمت من‬ ‫بكر بسرعة خاطفة فذعر وارتبك فصوبت‬ ‫مسدسي إىل رأسه وأطلقته بطلقتني‪ ،‬فكانت‬ ‫إصابة موفقة‪ ،‬واتبعتها برصاصتني يف صدره‬ ‫ونهض حممد علي ج��واد حم ً‬ ‫��اوال القبض علي‬ ‫فهددته بإطالق النار‪ ،‬ولكنه كان ً‬ ‫وفيا لبكر‬ ‫فلم خيفه التهديد وعند ذاك مل أجد بداً من‬ ‫إطالق النار عليه ألنين كنت يف وضع ال يسمح‬ ‫لي بالتفكري والتدبري فأطلقت عليه رصاصة‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫صريعا‪ ،‬وح��اول ضابط خفر‬ ‫خر على أثرها‬ ‫املطار اهلجوم علي فهددته ثم لذت بالفرار))‬ ‫(‪ .)22‬وبهذه الطريقة أسدل الستار على حياة‬ ‫بكر صدقي الشخصية عصر يوم احلادي عشر‬ ‫م��ن آب ‪ 1937‬بعد تسعة أشهر وث�لاث��ة عشر‬ ‫ً‬ ‫يوما من انقالبه‪ .‬كان بعض ضباط اجليش‬ ‫العراقي خيططون الغتيال بكر صدقي‪ ،‬وعلى‬

‫راس مدبري خمطط االغتيال املقدم حممد‬ ‫فهمي سعيد مقدم لواء منطقة املوصل صالح‬ ‫الدين الصباغ وحممود سلمان وكامل شبيب‪،‬‬ ‫ويف اوائل شهر اذار ‪ ،1937‬فاتح هؤالء الضباط‬ ‫حممد ام�ين العمري آم��ر منطقة امل��وص��ل‪،‬‬ ‫فأبدى استعداده لتقديم املساعدة العسكرية يف‬ ‫حالة جناح اخلطة للسيطرة على لواء املوصل‬ ‫ومطالبة وزارة حكمت سليمان باالستقالة‪.‬‬ ‫وقد حاول املقدم عزيز ياملكي االتصال بطه‬ ‫اهلامشي يف تركيا باسم مستعار فقد اتفقوا‬ ‫مع رشيد عالي الكيالني يف شباط ع��ام ‪1941‬‬ ‫على ازاحة حكومة طه اهلامشي واعادة رشيد‬ ‫عالي اىل احلكم‪ ،‬ومتكنوا بعد هروب الوصي اىل‬ ‫الديوانية‪ ،‬من تشكيل (حكومة الدفاع الوطين)‬ ‫برئاسة الكيالني وإدارة العقداء االربعة ‪ .‬وبعد‬ ‫الصدام املسلح مع بريطانيا‪ ،‬هرب قادة احلرب‬ ‫اىل ايران‪ ،‬واصدر اجمللس العريف يوم السادس من‬ ‫كانون الثاني عام ‪ 1942‬أحكاما باإلعدام حبقهم‬ ‫وأعيدت حماكمتهم جم��ددا بعد اعادتهم اىل‬ ‫العراق يوم الرابع من ايار عام ‪ ،1942‬ومت تنفيذ‬ ‫حكم االعدام بهم يوم اخلامس من ايار من العام‬ ‫ذاته باستثناء صالح الدين الصباغ الذي فر اىل‬ ‫تركيا(‪.)23‬‬ ‫وتؤكد مصادر اخرى بأن اغتيال بكر صدقي‬ ‫جاء بعد ان وصف القوميني بكر صدقي بعدو‬ ‫القومية العربية واعالن معاداته اذ قامت بشن‬ ‫هجوم شرس ضد شخصيته واعتربوه الشخصية‬ ‫احملورية والوحيدة القادرة على محاية كتلة‬ ‫االه��ال��ي وم��ا يعرف بالتقدميني ل��ذا قاموا‬ ‫باإلعداد لقتله‪ ،‬وقرر الكتلة القومية التخلص‬ ‫من بكر صدقي و ان يتم قتله قبل مشاركته‬


‫يف املناورات العسكرية للجيش الرتكي يف تراقيا‬ ‫ومن ثم سفره يف زيارة رمسية اىل املانيا وايطاليا‪،‬‬ ‫وان يتم عملية االغتيال يف املوصل‪ ،‬وبالفعل‬ ‫سافر بكر صدقي إىل مدينة املوصل ظهر يوم ‪11‬‬ ‫آب ‪ ،1937‬فاستقر رأي حممد فهمي سعيد‪ ،‬وأحد‬ ‫الضباط القوميني يف اجليش العراقي والضباط‬ ‫العاملني معه على تنفيذ (خطة الليل)(‪)24‬‬ ‫‪ .‬و بالفعل انتقل بكر صدقي إىل املطار ليأخذ‬ ‫ً‬ ‫قسطا من الراحة يف إحدى غرفه‪ .‬وعند ذاك‬ ‫أس��رع أح��د الضباط القوميني إلخبار فهمي‬ ‫سعيد بوجود بكر صدقي يف امل��ط��ار‪ ،‬فوجد‬ ‫فهمي سعيد أن تصفية بكر صدقي يف املطار‬ ‫أفضل من تنفيذ العملية يف النادي العسكري‬ ‫يف امل��وص��ل(‪ . )25‬ن��زل الفريق بكر صدقي‬ ‫واملقدم حممد علي جواد يف الطريق اىل تركيا يف‬ ‫حديقة مقر القوة اجلوية يف معسكر الغزالني‬ ‫يف املوصل‪ ،‬فتقدم منه نائب العريف حممد عبد‬ ‫اهلل التلعفري‪ ،‬املكلف من املالزم حممود هنيدي‪،‬‬ ‫وكان التلعفري بهيئة خادم واطلق رصاصتني‬ ‫على بكر صدقي يف مؤخرة رأسه أردته قتيال‬ ‫يف احل��ال‪ ،‬وعنـدما حـاول حممد علي جواد‬ ‫التدخل‪ ،‬قتل يف احلال بثالث رصاصات متوالية‬ ‫‪ )26( .‬وعلى الرغم من عدم وجود اية وثيقة‬ ‫تؤكد ان للربيطانيني دوراً يف مقتل بكر صدقي‪.‬‬ ‫(‪ )27‬بينما يقول عبد الرزاق احلسين بان يزبك‬ ‫وه��و شخصية اجتماعية عراقية بانه كان‬ ‫جالسا يف تلك الليلة مع بكر صدقي حيث كان‬ ‫يتحدثون عن امكانية شن اجليش العراقي‬ ‫هجوم على الكويت واحتالله بهدف استعادته‬ ‫حتت السيطرة العراقية‪ ،‬وكان الضابط حممد‬ ‫خورشيد ق��د س���ارع بنقل ه��ذا األخ��ب��ار اىل‬

‫كتلة الضباط القوميني ونقلوها بدورهم اىل‬ ‫الربيطانيني وبدورهم اصدروا امرا بقتل بكر‬ ‫صدقي قبل مغادرته للعراق وحصوله على‬ ‫دع��م املاني لتنفيذ خمططه‪ .‬بينما يعتقد‬ ‫علي حممود الشيخ‪ ،‬وزي��ر العدلية يف وزارة‬ ‫االنقالب‪ ،‬ان ضابط االستخبارات الربيطانية‬ ‫هو ال��ذي دبر هذا االغتيال بأيدي عراقية‪.‬‬ ‫بينما يعزي الدكتور كمال مظهر امحد سبب‬ ‫اغتيال بكر صدقي اىل فشل حكومة االنقالب‬ ‫يف تبين برناجما إصالحيا فعاال وشامال‪ ،‬وحكمه‬ ‫الدكتاتوري الذي ادى دوراً يف عزلته القاتلة‪ ،‬مما‬ ‫ساعد على انهياره السريع‪ ،‬وكذلك استياء عدد‬ ‫غري قليل من الضباط االكراد من تصرفات بكر‬ ‫الشخصية ‪)28(.‬‬ ‫خامسا‪ :‬دور الصراع الربيطاني ‪ -‬األملاني يف‬ ‫تعقيد مضاعفات ال��دور السياسي للجيش يف‬ ‫العراق‬ ‫ان دراس��ة متأنية للتطورات ال�تي حدثت يف‬ ‫ً‬ ‫خافتا‬ ‫النصف الثاني من عام ‪ ،1937‬تلقي ضو ًء‬ ‫على املزيد من التساؤالت ‪ .‬ففي اخلامس من اب‬ ‫عام ‪ ،1937‬وافقت حكومة حكمت سليمان على‬ ‫إيفاد وفد عسكري برئاسة الفريق بكر صدقي‬ ‫اىل تراقيا حلضور مناورات اجليش الرتكي اليت‬ ‫تقرر أجراؤها يف الثامن عشر من اب عام ‪،1937‬‬ ‫استجابة لدعوة من احلكومة التـركية (‪. )29‬‬ ‫وقبل ان يسافر الوفد بيوم واحد‪ ،‬حضر الفريق‬ ‫بكر صدقي ومعه املقدم حممد علي جواد‪ ،‬قائد‬ ‫القوة اجلوية‪ ،‬ملقابلة امللك غازي ‪ .‬وقد سلم امللك‬ ‫غازي لبكر صدقي ختويال للتفاوض مع املانيا و‬ ‫ايطاليا حول تزويد العراق باألسلحة احلديثة‪،‬‬ ‫‪227‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪228‬‬

‫ومحله رسالتني أحداهما اىل ادول���ف هتلر‬ ‫ً‬ ‫اتفاقا‬ ‫والثانية اىل موسوليين‪ )30(.‬يبدو ان‬ ‫ً‬ ‫مشرتكا قد مت بني امللك غ��ازي والفريق بكر‬ ‫صدقي بشأن كسر طوق االحتكار الربيطاني‬ ‫على تسليح العراق‪ ،‬فطلب امللك من بكر صدقي‬ ‫ان يتصل بأملانيا يف اثناء سفرته االخرية وزوده‬ ‫برسالة وقائمة بالتجهيزات العسكرية اليت‬ ‫حيتاجها اجليش العراقي من املانيا وايطاليا‬ ‫‪ .‬وعند مساع امللك غازي مبقتل بكر صدقي‪،‬‬ ‫قلق كثريا وطلب فورا من قائد منطقة املوصل‬ ‫احلفاظ على احلقيبة اليت كانت مع بكر صدقي‬ ‫وارساهلا اىل بغداد‪ ،‬خشية ان تقع احلقيبة بيد‬ ‫الربيطانيني‪ ،‬غري ان ما كان خيشاه امللك قد وقع‬ ‫ووصلت احلقيبة اىل يد الربيطانيني عندها قال‬ ‫امللك غازي “أني انتهيت” ‪)31(.‬‬ ‫تشري بعض امل��ص��ادر نقال عن املقدم موسى‬ ‫علي‪ ،‬آمر القوة اجلوية يف املوصل اىل ان «رجال‬ ‫االس��ت��خ��ب��ارات الربيطانية ك��ان��وا يرغبون‬ ‫بالتوصل اىل ه��ذه النتيجة‪ ،‬وق��د اتصل به‬ ‫القنصل الربيطاني يف املوصل ملعرفة وجهة‬ ‫نظر بعض الضباط يف عهد االنقالب وماهي‬ ‫وسائل العمل إلسقاطه”‪ .‬فهل كان الربيطانيون‬ ‫يريدون اسقاط بكر صدقي ام التخلص منه؟‬ ‫يشري سركيس حوراني‪ ،‬صاحب جريدة الدفاع‬ ‫العراقية اليت كانت تصدر يف عهد االنقالب يف‬ ‫كراس نشر يف بريوت‪ ،‬إىل إن رجال االستخبارات‬ ‫الربيطانية هم الذين دبروا مقتل بكر صدقي‬ ‫بذريعة إن الربيطانيني كانوا يكرهون بكراً‪،‬‬ ‫بسبب سياسته يف امخاد مترد اآلثوريني عام‬ ‫‪ . 1933‬ويذكر ان ضابط االستخبارات الربيطاني‬ ‫يف املوصل الكابنت فوسرت‪ Foster‬قد سعى‬

‫إلجياد سوء تفاهم بني اللواء العمري والفريق‬ ‫بكر صدقي لغرض تنفيذ احملاولة‪ ،‬وجنح يف‬ ‫مساعيه ونقل هذا الضابط اىل بريطانيا بعد‬ ‫احل��ادث ‪ .‬ومهما اختلفت االراء حول املسؤول‬ ‫واملدبر الرئيس للقضاء على انقالب عام ‪،1936‬‬ ‫فقد كان للتنافس الربيطاني ‪ -‬االملاني يف العراق‬ ‫األثر الكبري فيما وصل اليه الوضع السياسي‪.‬‬ ‫ويف كل هذه االح��داث‪ ،‬كان الربيطانيون هم‬ ‫املستفيدون من افشال سياسة حكومة االنقالب‬ ‫بعد اتساع وكشف توجهاتها االملانية‪ .‬وهكذا‬ ‫تتضح حماولة حكومة االنقالب موازنة عالقات‬ ‫العراق اخلارجية‪ ،‬حيث ادركت هذه احلكومة‬ ‫عدم امكانية التضحية بالعالقات الربيطانية‪،‬‬ ‫على الرغم من ال�تردد واملماطلة الربيطانية‬ ‫املستمرة يف تزويد العراق حباجته من االسلحة‪.‬‬ ‫مع ذل��ك‪ ،‬وكما تؤكد ت��ط��ورات االح���داث‪ ،‬ان‬ ‫نهايتها كانت مثنا الندفاعها حنو االملان لتحقيق‬ ‫املتطلبات االقتصادية والعسكرية يؤكد املصادر‬ ‫الذي ذكرت تداعيات االنقالب بان بكر صدقي‬ ‫كان حيمل معه تفويض ورسائل من امللك اىل‬ ‫تركيا وإيطاليا وأملانيا ال��ذي ك��ان مقررا ان‬ ‫يزورها رمسيا يف زيارة تشمل هذه الدول ملدة‬ ‫شهرين‪ ،‬حتمل يف طيات هذه الرسائل العديد‬ ‫من األسرار‪ ،‬وما يثري من الشبهات حول نزاهة‬ ‫ووطنية الذين قاموا باالنقالب هو تسليمهم‬ ‫باحلقيبة إىل ضابط االستخبارات الربيطاني‪.‬‬ ‫اخلامتة واالستنتاجات‪:‬‬ ‫شهد اجليش العراقي أدوارا سياسية بالغة‬ ‫اخل��ط��ورة ب��دأت م��ع تنامي ال���دور العسكري‬ ‫للفريق بكر صدقي الذي قاد اجليش يف معارك‬


‫عديدة كلها كانت تلبية ألوام��ر سياسية يف‬ ‫سبيل ف��رض اهليمنة على القوى الداخلية‪،‬‬ ‫فكانت النتيجة تنامي دور اجليش سياسيا‪،‬‬ ‫وجاء التصرفات اليت قام بها ياسني اهلامشي‬ ‫باستخدام اجليش أداة لقمع معارضيه بنتائج‬ ‫سلبية إذ قام الفريق بكر صدقي حبسم املسألة‬ ‫وإسقاط الوزارة وبدعم من امللك غازي وإقامة‬ ‫حكومة بقيادة حكمت سليمان‪ ،‬لكن الكتلة‬ ‫القومية قامت باغتياله والسيطرة على اجليش‬ ‫واحلياة السياسية لكنهم اخفقوا كثريا دفعوا‬ ‫حياتهم وحياة األالف من العراقيني مثنا لذلك‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حقا إن تاريخ العراق املعاصر خ�لال حقبة‬ ‫الدراسة ال ميكن أن يقرأ قراءة تارخيية صحيحة‬ ‫من دون الرجوع إىل دراس��ة ال��دور السياسي‬ ‫للجيش العراقي خالل احلقبة نفسها اليت كانت‬ ‫حافلة باألحداث واملتغريات اليت تقتضي التأني‬ ‫يف إصدار األحكام التارخيية حبقها‪ .‬وتلك هي‬ ‫مهمة املؤرخ والباحث بأن تظل احلقيقة نرباسا‪،‬‬ ‫وتضل املوضوعية ابرز مسات للوصول إىل ما هو‬ ‫خفي من أحداث التاريخ‪ ،‬وليس ما هو ظاهرا‬ ‫فقط‪ ،‬فالكثري من أح��داث التاريخ السياسية‬ ‫واالجتماعية واالق��ت��ص��ادي��ة ق��د ال تكتفي‬ ‫بتفسريات معينة هلا وتظل حقائقها طامسه يف‬ ‫العمق‪ ،‬وحتتاج إىل من جيلو الغبار عنها‪.‬‬

‫اهلوامش واإلحاالت‪:‬‬ ‫‪ . 1‬د‪ .‬رج��اء حسني حسين اخلطاب‪ ،‬تأسيس‬ ‫اجليش العراقي وتطور دوره السياسي من (‪1921‬‬ ‫ـ ‪ ،)1941‬بغداد‪ ،1979 ،‬ص‪.114‬‬ ‫‪ . 2‬للمزيد عن توجهات واسرتاتيجية جعفر‬ ‫العسكري راجع‪:‬‬ ‫مذكرات جعفر العسكري‪ ،‬حتقيق وتقديم‪:‬‬ ‫جندة فتحي صفوة‪ ،‬لندن‪ ،1988 ،‬ص ‪،182 - 181‬‬ ‫ع�لاء جاسم حممد‪ ،‬جعفر العسكري ودوره‬ ‫السياسي والعسكري حتى ‪ ،1936‬بغداد ‪ 1987‬ص‬ ‫‪. 148‬‬ ‫‪ . 3‬عبد ال���رزاق احل��س�ني‪ ،‬ت��اري��خ ال���وزارات‬ ‫العراقية‪ ،‬ج‪ ،3‬ط‪ ،5‬بغداد‪ ،1988 ،‬ص‪.317‬‬ ‫‪ . 4‬رغيد الصلح‪ ،‬حربا بريطانيا والعراق ‪1941‬ـ‬ ‫‪ ،1991‬بريوت‪ ،1994 ،‬ص ‪. 136‬‬ ‫‪ . 5‬حممد مهدي كبة‪ ،‬مذكرات يف صميم األحداث‬ ‫‪ ،1958 -1918‬ط‪ ،1‬بريوت‪ ،1965 ،‬ص ‪. 270‬‬ ‫‪ . 6‬حممود الدرة‪ ،‬احلرب العراقية ‪ -‬الربيطانية‬ ‫‪ ،1941‬بريوت‪ ،1969 ،‬ص ص ‪. 244 -243‬‬ ‫‪ . 7‬للمزيد من التفاصيل انظر املصادر التالية‪:‬‬ ‫حممد كامل حممد عبد الرمحن‪ ،‬سياسة إيران‬ ‫اخلارجية يف عهد رضا شاه‪ ،‬البصرة‪ ،1988 ،‬ص‬ ‫ص ‪133‬ـ ‪140‬‬ ‫أسعد حممد زي���دان اجل���واري‪ ،‬سياسة إي��ران‬ ‫اخلارجية يف عهد أمحد شاه‪ ،‬البصرة‪ ،1990 ،‬ص‬ ‫ص ‪ 221‬ـ ‪. 223‬‬ ‫‪ . 8‬للمزيد من التفاصيل انظر‪:‬‬ ‫لطفي جعفر ف��رج‪ ،‬امللك غ��ازي ودوره يف‬ ‫السياسة العراقية يف اجملالني الداخلي واخلارجي‬ ‫‪ ،1939-1933‬بغداد ‪1987‬‬ ‫د‪ .‬رج��اء حسني حسين اخل��ط��اب‪ ،‬املسؤولية‬ ‫‪229‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪230‬‬

‫التارخيية يف مقتل امللك غازي‪ ،‬ط ‪ ،1‬بغداد ‪1985‬‬ ‫طالب حبر فياض البدراني‪ ،‬السياسة اخلارجية‬ ‫العراقية يف عهد امللك غ��ازي (‪،) 1939-1933‬‬ ‫بغداد ‪ ،1997‬ص ‪. 106-72‬‬ ‫‪ . 9‬صفاء عبد الوهاب املبارك‪ ،‬انقالب سنة‬ ‫‪ 1936‬يف العراق ((ممهداته وأحداثه ونتائجه‬ ‫))‪ ،‬رسالة ماجستري غري منشورة‪ ،‬كلية اآلداب ـ‬ ‫جامعة بغداد‪ ،‬بغداد –‪ ،1973‬ص ‪. 225-224‬‬ ‫‪ . 10‬عبد ال��رزاق ال��دراج��ي‪ ،‬جعفر أبو التمن‬ ‫ودوره يف احلركة الوطنية يف العراق ‪،1945-1908‬‬ ‫بغداد –‪ ،1978‬ص ص ‪. 417-416‬‬ ‫‪ . 11‬حممد محدي اجلعفري‪ ،‬بريطانيا والعراق‬ ‫حقبة من الصراع ‪ ،1958 -1914‬ط‪ ،1‬بغداد‪2000 ،‬م‪،‬‬ ‫ص‪. 62‬‬ ‫‪ . 12‬علي حميي الدين الشريف‪ ،‬حممد فهمي‬ ‫سعيد وأث��ره السياسي والعسكري يف تاريخ‬ ‫العراق املعاصر‪ ،‬رسالة ماجستري غري منشورة‪،‬‬ ‫كلية اآلداب ـ جامعة بغداد‪ ،1990 ،‬ص ‪.88‬‬ ‫‪ . 13‬جرت حماوالت عدة الغتيال الفريق بكر‬ ‫صدقي‪ ،‬اوالها احملاولة اليت رتب هلا يف قصر امللح‬ ‫‪ .‬للتفاصيل انظر‪:‬‬ ‫حممد عبد الفتاح اليايف‪ ،‬العراق بني انقالبني‪،‬‬ ‫بريوت‪،1932 ،‬ص‪55‬‬ ‫صفاء عبد الوهاب املبارك‪ ،‬ص‪. 293-290‬‬ ‫‪ . 14‬للمزيد من االراء املتباينة والتفاصيل راجع‪:‬‬ ‫د‪ .‬وميض مجال عمر نظمي‪ ،‬اجلذور السياسية‬ ‫والفكرية واالجتماعية للحركة القومية‬ ‫العربية (االستقاللية ) يف العراق‪ ،‬بريوت‪،1984،‬‬ ‫ص ص ‪. 378- 321‬‬ ‫جرالد دي غوري‪ ،‬ثالثة ملوك يف بغداد‪ ،‬ترمجة‬ ‫وتعليق‪ :‬سليم طه التكرييت‪ ،‬ط ‪ ،2‬بغداد‪،1990 ،‬‬

‫ص ‪.161‬‬ ‫‪ . 15‬د ‪ .‬فاضل حسني‪ ،‬الفكر السياسي يف العراق‬ ‫املعاصر ‪ ،1958-1914‬بغداد‪ ،1984 ،‬ص ‪. 12‬‬ ‫‪ . 16‬ملزيد من التفاصيل يراجع‪:‬‬ ‫رحيم حسني عبد ال��رض��ا النجفي‪ ،‬حممود‬ ‫سلمان ودوره العسكري والسياسي يف تاريخ‬ ‫العراق املعاصر‪ ،‬رسالة ماجستري غري منشورة‪،‬‬ ‫كلية الرتبية ـ اجلامعة املستنصرية‪ ،‬بغداد‪،‬‬ ‫‪ ،2000‬ص ص ‪. 102-101‬‬ ‫‪ . 17‬د ‪ .‬فاضل حسني‪ ،‬الفكر السياسي يف العراق‬ ‫املعاصر ‪ ،1958-1914‬بغداد‪ ،1984 ،‬ص ‪. 12‬‬ ‫‪ . 18‬للمزيد من االراء املتباينة والتفاصيل راجع‪:‬‬ ‫د‪ .‬وميض مجال عمر نظمي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‬ ‫‪. 378‬‬ ‫جرالد دي غوري‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.161‬‬ ‫‪ . 19‬عبد الرزاق حممد‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪. 213‬‬ ‫‪ . 20‬علي غامن حسني احليالي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‬ ‫‪. 47‬‬ ‫‪ . 21‬للمزيد من التفاصيل انظر‪:‬‬ ‫عبد الرمحن البزاز‪ ،‬العراق من االحتالل إىل‬ ‫االستقالل‪ ،‬ط ‪ ،3‬بغداد‪ ،1967 ،‬ص ‪. 238‬‬ ‫‪ . 22‬د‪ .‬فاضل ال�براك‪ ،‬دور اجليش العراقي يف‬ ‫حكومة الدفاع الوطين واحلرب مع بريطانيا‬ ‫سنة ‪ ،1941‬بغداد –‪ ،1977‬ص ‪. 194‬‬ ‫‪ . 23‬د‪ .‬فاضل ال�براك‪ ،‬دور اجليش العراقي يف‬ ‫حكومة الدفاع الوطين واحلرب مع بريطانيا‬ ‫سنة ‪ ،1941‬بغداد –‪ ،1977‬ص ‪. 194‬‬ ‫‪ . 24‬عبد الرزاق حممد اسود‪ ،‬موسوعة العراق‬ ‫السياسية‪ ،‬اجلزء الثالث‪ ،‬ط ‪ ،1‬بريوت‪ ،1986 ،‬ص‬ ‫‪. 213‬‬ ‫‪ . 25‬للمزيد من التفاصيل انظر‪:‬‬


‫عبد الرمحن البزاز‪ ،‬العراق من االحتالل إىل‬ ‫االستقالل‪ ،‬ط ‪ ،3‬بغداد‪ ،1967 ،‬ص ‪. 238‬‬ ‫‪ . 26‬علي غامن حسني احليالي‪ ،‬صالح الدين‬ ‫الصباغ حياته ودوره السياسي والعسكري‬ ‫(‪ ) 1945 -1899‬رسالة ماجستري غري منشورة‪،‬‬ ‫معهد التاريخ العربي وال�تراث العلمي‪ ،‬بغداد‪،‬‬ ‫‪ ،1998‬ص ‪. 47‬‬ ‫‪ . 27‬صفاء عبد الوهاب املبارك‪ ،‬املصدر السابق‪،‬‬ ‫ص‪. 304-303‬‬ ‫‪ 28‬للتفاصيل انظر‪:‬‬ ‫عبد الرزاق احلسين‪ ،‬تاريخ الوزارات العراقية‪،‬‬ ‫ج‪ ،4‬ص‪343-339‬؛‬ ‫كمال مظهر امحد‪ ،‬صفحات من تاريخ العراق‬ ‫املعاصر‪ ،‬ص‪. 128‬‬ ‫عزيز ياملكي‪ ،‬مذكراتي يف العراق ‪،1958-1924‬‬ ‫بغداد‪ ،1973 ،‬ص‪. 53-52‬‬ ‫‪ . 29‬صفاء عبد الوهاب املبارك‪ ،‬املصدر السابق‪،‬‬ ‫ص‪. 304‬‬ ‫‪ . 30‬ف��ؤاد ع��ارف‪ ،‬عندما كنت مرافقا للملك‬ ‫غازي‪ ،‬جملة افاق عربية‪ ،‬السنة العاشرة‪ ،‬كانون‬ ‫اول‪ ،1989 ،‬ص‪. 59‬‬ ‫‪ 31‬للتفاصيل انظر‪:‬عبد الرزاق احلسين‪ ،‬تاريخ‬ ‫الوزارات العراقية‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪. 291‬‬ ‫قائمة بأهم املصادر‪:‬‬ ‫(‪ .)1‬حممد محدي اجلعفري‪ ،‬بريطانيا والعراق‬ ‫حقبة من الصراع ‪ ،1958 -1914‬ط‪ ،1‬بغداد‪2000 ،‬م‪.‬‬ ‫(‪ .)2‬د ‪ .‬فاضل حسني‪ ،‬الفكر السياسي يف العراق‬ ‫املعاصر ‪ ،1958-1914‬بغداد‪.1984 ،‬‬ ‫(‪ .)3‬د‪ .‬فاضل ال�براك‪ ،‬دور اجليش العراقي يف‬ ‫حكومة الدفاع الوطين واحلرب مع بريطانيا‬

‫سنة ‪ ،1941‬بغداد‪.1977 ،‬‬ ‫(‪ .)4‬رحيم حسني عبد الرضا النجفي‪ ،‬حممود‬ ‫سلمان ودوره العسكري والسياسي يف تاريخ‬ ‫العراق املعاصر‪ ،‬رسالة ماجستري غري منشورة‪،‬‬ ‫كلية الرتبية ـ اجلامعة املستنصرية‪ ،‬بغداد ـ‬ ‫‪. 2000‬‬ ‫(‪ .)5‬صفاء عبد الوهاب املبارك‪ ،‬انقالب سنة‬ ‫‪ 1936‬يف العراق ((ممهداته وأحداثه ونتائجه‬ ‫))‪ ،‬رسالة ماجستري غري منشورة‪ ،‬كلية اآلداب ـ‬ ‫جامعة بغداد‪ ،‬بغداد –‪.1973‬‬ ‫(‪ .)6‬عبد الرمحن البزاز‪ ،‬العراق من االحتالل‬ ‫إىل االستقالل‪ ،‬ط ‪ ،3‬بغداد‪.1967 ،‬‬ ‫(‪ .)7‬عبد ال��رزاق الدراجي‪ ،‬جعفر أبو التمن‬ ‫ودوره يف احلركة الوطنية يف العراق ‪،1945-1908‬‬ ‫بغداد –‪.1978‬‬ ‫(‪ .)8‬عبد الرزاق حممد اسود‪ ،‬موسوعة العراق‬ ‫السياسية‪ ،‬اجلزء الثالث‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪.1986 ،‬‬ ‫(‪ .)9‬علي غامن حسني احليالي‪ ،‬صالح الدين‬ ‫الصباغ حياته ودوره السياسي والعسكري‬ ‫(‪ ) 1945 -1899‬رسالة ماجستري غري منشورة‪،‬‬ ‫معهد التاريخ العربي والرتاث العلمي‪ ،‬بغداد –‬ ‫‪.1998‬‬ ‫(‪ .)10‬لطفي جعفر فرج‪ ،‬امللك غازي ودوره يف‬ ‫السياسة العراقية يف اجملالني الداخلي واخلارجي‬ ‫‪ ،1939-1933‬بغداد ‪1987‬‬ ‫(‪)11‬أسعد حممد زيدان اجلواري‪ ،‬سياسة إيران‬ ‫اخلارجية يف عهد أمحد شاه‪ ،‬البصرة‪.1990 ،‬‬ ‫(‪ )12‬جرالد دي غوري‪ ،‬ثالثة ملوك يف بغداد‪،‬‬ ‫ترمجة وتعليق سليم طه التكرييت‪ ،‬ط ‪،2‬‬ ‫بغداد‪.1990 ،‬‬ ‫(‪ )13‬د‪ .‬رجاء حسني حسين اخلطاب‪ ،‬املسؤولية‬ ‫‪231‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪232‬‬

‫التارخيية يف مقتل امللك غازي‪ ،‬ط ‪ ،1‬بغداد ‪1985‬‬ ‫(‪)14‬د‪ .‬رجاء حسني حسين اخلطاب‪ ،‬تأسيس‬ ‫اجليش العراقي وتطور دوره السياسي من ‪ 1921‬ـ‬ ‫‪ ،1941‬بغداد ـ ‪ ،1979‬ص ‪ 114‬ـ ‪. 114‬‬ ‫(‪)15‬د‪ .‬حممد أنيس‪ ،‬ود ‪ .‬حممد حسني الزبيدي‪،‬‬ ‫أوراق ناجي شوكت‪ ،‬بغداد‪.1977 ،‬‬ ‫(‪ )16‬د‪ .‬وميض مج��ال عمر نظمي‪ ،‬اجل��ذور‬ ‫السياسية والفكرية واالجتماعية للحركة‬ ‫القومية العربية (االستقاللية ) يف العراق‪،‬‬ ‫بريوت‪1984،‬‬ ‫(‪)17‬رغيد الصلح‪ ،‬حربا بريطانيا والعراق ‪1941‬ـ‬ ‫‪ ،1991‬بريوت‪.1994 ،‬‬ ‫(‪ )18‬طالب حبر فياض ال��ب��دران��ي‪ ،‬السياسة‬ ‫اخلارجية العراقية يف عهد امللك غازي (‪-1933‬‬ ‫‪ ،) 1939‬بغداد ‪.1997‬‬ ‫(‪)19‬ع��ب��د ال���رزاق احل��س�ني‪ ،‬ت��اري��خ ال���وزارات‬ ‫العراقية‪ ،‬ج‪ ،3‬ط‪ ،5‬بغداد‪.1988 ،‬‬ ‫(‪)20‬عالء جاسم حممد‪ ،‬جعفر العسكري ودوره‬ ‫السياسي والعسكري حتى ‪ ،1936‬بغداد ‪.1987‬‬ ‫(‪ )21‬علي حميي الدين الشريف‪ ،‬حممد فهمي‬ ‫سعيد وأث��ره السياسي والعسكري يف تاريخ‬ ‫العراق املعاصر‪ ،‬رسالة ماجستري غري منشورة‪،‬‬ ‫كلية اآلداب ـ جامعة بغداد‪.1990 ،‬‬ ‫(‪ )22‬حممد كامل حممد عبد الرمحن‪ ،‬سياسة‬ ‫إيران اخلارجية يف عهد رضا شاه‪ ،‬البصرة‪.1988 ،‬‬ ‫(‪)23‬حم��م��د مهدي كبة‪ ،‬م��ذك��رات يف صميم‬ ‫االحداث ‪ ،1958 -1918‬ط‪ ،1‬بريوت‪.1965 ،‬‬ ‫(‪)24‬حممود الدرة‪ ،‬احلرب العراقية ‪ -‬الربيطانية‬ ‫‪ ،1941‬بريوت‪.1969 ،‬‬ ‫(‪)25‬مذكرات جعفر العسكري‪ ،‬حتقيق وتقديم‪:‬‬ ‫جندة فتحي صفوة‪ ،‬لندن‪. 1988 ،‬‬


‫دراسات قانونية‬

‫‪233‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪234‬‬

‫التنظيم القانوين للمجال الجوي إلقليم‬ ‫كوردستان‬

‫أ‪.‬د‪ .‬معروف عمر كول و أ‪ .‬م‪.‬د‪ .‬جالل كريم الجاف‬ ‫كلية القانون والسياسة ــ جامعة السليمانية‬


‫املقدمة‪:‬‬ ‫من املقرر أن يستعيد العراق سيادته الكاملة‬ ‫ً‬ ‫الح���ق���ا‪ )1(،‬ل��ذا ب��ات من‬ ‫على جم��ال��ه اجل���وي‬ ‫الضروري املشاركة الفعالة إلقليم كوردستان‬ ‫ب��اع��ت��ب��اره ج���زءاً م��ن ال��ع��راق م��ع احلكومة‬ ‫االحتادية باستالم هذا اجملال احليوي والقيام‬ ‫بالواجبات امللقاة على عاتقه كما هو منصوص‬ ‫عليها يف املادة ‪ 121‬من الدستور العراقي و ً‬ ‫طبقا‬ ‫ملفهوم الوظائف الضرورية لإلقليم‪.‬‬ ‫إذ يستدل من التجارب العملية للدول ذات‬ ‫القوميات املتعددة وخاصة بعد انهيار املعسكر‬ ‫االش�تراك��ي وانتشار العوملة إن هناك تراجع‬ ‫تدرجيي ملحوظ ومستمر لدور الدولة املوحدة‬ ‫البسيطة املتعددة القوميات لصاحل النظام‬ ‫الفدرالي‪ ،‬وأضحت أية حماولة لكبت رغبات‬ ‫هذه القوميات جتر اىل ما ال حيمد عقباه كما‬ ‫شهد العراق لغاية سقوط النظام السابق عام‬ ‫‪ )2(،2003‬وما يعانيه اليوم الكثري من الدول ذات‬ ‫احلكم املركزي من مشاكل واضطرابات داخلية‬ ‫كالسودان وإيران وتركيا وسوريا‪)3(.‬‬ ‫وب��دأت ال��دول املتعددة القوميات واألدي��ان‬ ‫متيل إىل التخلي عن نظام احلكم ذات الطابع‬ ‫املركزي يف الدولة املوحدة البسيطة و اختاذ‬ ‫النظام الفدرالي كبديل لنظام حكم متنح فيه‬ ‫للحكومات اإلقليمية سلطة إدارة شؤونها بنفسها‬ ‫وباملشاركة الفعلية يف احلكومة االحتادية‪ ،‬واملثال‬ ‫احلديث ملثل هذه التجربة هو بلجيكا وإسبانيا‬ ‫و دولة البوسنة واهلرسك والعراق منذ عام‬ ‫‪ .2004‬و على الرغم من وجود بعض اخلصائص‬ ‫العامة يف األنظمة الفدرالية مجيعها‪ ،‬فانه ال‬ ‫يوجد منوذج فدرالي واحد ميكن التعويل عليه‬

‫و تطبيقه يف كل مكان وعلى كل ال��دول‪ ،‬فال‬ ‫توجد فدراليتان متشابهتان كل التشابه إذ إن‬ ‫منوذج الفدرالية املركزية» املطبقة يف الواليات‬ ‫املتحدة األمريكية اليوم ً‬ ‫مثال ال ميكن األخذ‬ ‫به وتطبيقه يف العراق‪ ،‬ذلك إنها مرت بتجارب‬ ‫خاصة بها من الكونفدرالية إىل الفدرالية ومن‬ ‫ثم إىل الفدرالية املركزية(‪ )4‬إذ تتبنى كل‬ ‫دولة النظام الفدرالي الذي يتوائم مع ظروفها‬ ‫اخلاصة بها‪ .‬هذا وان جتربة العراق يف النظام‬ ‫ً‬ ‫نسبيا (‪ )5‬إذ مت‬ ‫الفدرالي هي جتربة حديثة‬ ‫تبين صيغة النظام الفدرالي من قبل برملان‬ ‫كوردستان يف سنة ‪ 1992‬ومت إق��راره من قبل‬ ‫عدة مؤمترات لألحزاب السياسية املعارضة (‪)6‬‬ ‫وبعد سقوط النظام السابق يف ‪ ،2003/4/19‬مت‬ ‫تبين الفدرالية كنظام حكم جلمهورية العراق‬ ‫يف قانون إدارة الدولة للمرحلة االنتقالية لعام‬ ‫‪ ،2004‬ويف دستور العراق لسنة ‪ .)7( 2005‬بعد‬ ‫أن كان العراق دولة بسيطة منذ تأسيسه عام‬ ‫‪ .1921‬ينطلق البحث من فرضية التنظيم‬ ‫القانوني إلقليم ك��وردس��ت��ان جملاله اجل��وي‪،‬‬ ‫وذلك ألن التجربة العراقية للفدرالية تتميز‬ ‫خبصائص وص��ف��ات خ��اص��ة بها مقارنة مع‬ ‫جتارب الدول األخرى‪ ،‬وملا كانت السيادة يف دولة‬ ‫العراق االحتادي هي سيادة جمزئة‪ ،‬وأن سلطات‬ ‫اإلقليم هي املكلفة بالدرجة األوىل حبفظ األمن‬ ‫وسالمة املواطنني يف اإلقليم خاصة فيما يتعلق‬ ‫مبكافحة اإلرهاب‪ ،‬فيجب واحلالة هذه أن تكون‬ ‫ممارسة هذه الوظيفة كاملة وبعكسها ستكون‬ ‫ناقصة بل» مشلولة « وذلك يف حالة عدم متكنها‬ ‫من القيام باملهام األمنية من الناحية اجلوية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ومتشيا مع املهام والضرورات الوظيفية لسلطات‬ ‫‪235‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪236‬‬

‫اإلقليم‪ ،‬وبغية حتقيق األم��ن للمواطنني لذا‬ ‫بات من الضروري أن متارس سلطات اإلقليم‬ ‫سيادتها اجلوية يف القضايا األمنية وبالتنسيق‬ ‫مع احلكومة االحت��ادي��ة إس��وة بسيادتها على‬ ‫اإلق��ل��ي��م األرض����ي‪ ،‬ه��ذا م��ن جهة وم��ن جهة‬ ‫أخ��رى ف��ان التطورات الكبرية ال�تي يشهدها‬ ‫عاملنا املعاصر يف جمال النقل اجلوي حتتم على‬ ‫سلطات اإلقليم توفري وتقديم خدمات املالحة‬ ‫ً‬ ‫عموما‪ ،‬ويف‬ ‫والنقل اجلوي للمواطنني يف العراق‬ ‫كوردستان بصورة خاصة‪ .‬أن موضوع البحث‬ ‫هذا يثري الكثري من املشاكل واملصاعب القانونية‬ ‫و السياسية وذلك لتمسك السلطات االحتادية‬ ‫باملفهوم الضيق والكالسيكي للسيادة‪ ،‬وان‬ ‫هذا املوضوع يثري أسئلة مهمة‪ ،‬منها‪ :‬هل حيق‬ ‫ً‬ ‫قانونيا أن ينظم إقليم كوردستان جماله اجلوي‬ ‫إسوة باإلقليم األرضي؟ و هل تدخل هذه املسألة‬ ‫ضمن سيادة الدولة ويف االختصاصات احلصرية‬ ‫للحكومة االحتادية ؟ و م��اذا نعين بالسيادة‬ ‫يف القانون الدولي؟ و إذا كان إقليم كوردستان‬ ‫وشعب كوردستان هو جزء من الدولة العراقية‬ ‫فهل يكون له احلق يف املشاركة يف سيادة الدولة‬ ‫العراقية ؟ و هل إن سيادة الدولة قابلة للتجزئة‬ ‫أم أنها وحدة واحدة غري قابلة للتجزئة ؟ و على‬ ‫أي أساس ميكن لإلقليم ممارسة اختصاصاته‬ ‫على جماله اجلوي ؟ سنحاول اإلجابة على كل‬ ‫ه��ذه األسئلة املهمة واحلساسة يف حبثنا هذا‬ ‫على ض��وء املصلحة العامة املشرتكة لإلقليم‬ ‫واحلكومة االحتادية‪ .‬هلذا البحث أهمية كربى‬ ‫من النواحي األمنية والعسكرية والبيئية‬ ‫واالقتصادية والتجارية إلقليم كوردستان‬ ‫خاصة‪ ،‬وللعراق عامة وهذا نابع عن الطبيعة‬

‫اجلغرافية « احلبيسة لإلقليم» لذا فان املنفذ‬ ‫املباشر والسريع لإلقليم يأتي من هذا اجملال‬ ‫اجل���وي‪ ،‬وخ��اص��ة بعد ال��ت��ط��ورات املهمة يف‬ ‫تكنلوجيا صناعة الطائرات واألقمار الصناعية‪،‬‬ ‫فان انفتاح وتطور اإلقليم يف جماالت كافة حنو‬ ‫العامل اخلارجي يتم عن طريق هذا املنفذ‪ ،‬وملا‬ ‫كانت سلطات اإلقليم هي املكلفة بأمن وسالمة‬ ‫اإلقليم‪ ،‬وهلا السلطات الدستورية على اإلقليم‬ ‫لذا بات من الضروري بل من األولويات القصوى‬ ‫االهتمام بهذا اجملال املهم طبقا ملا هو منصوص‬ ‫عليه يف الدستور‪،‬سواء من الناحية األمنية‬ ‫والعسكرية‪ )8(،‬أم يف كيفية استغالل هذا اجملال‬ ‫للمالحة اجلوية لألغراض املدنية (االقتصادية‬ ‫والتجارية) وتسويق املنتوجات احمللية وخاصة‬ ‫يف عاملنا ال��ي��وم ع��امل العوملة واالن��ف��ت��اح حنو‬ ‫اآلخرين وتشجيع املستثمرين األجانب‪ ،‬وأن‬ ‫يكون اإلقليم بوابة الستقطاب السواح إلقليم‬ ‫كوردستان خاصة وللعراق عامة‪ ،‬وذلك لزيارة‬ ‫املواقع األثرية حلضارة وادي الرافدين العريقة‪.‬‬ ‫وتثبت لنا احلقائق التارخيية بأنه ومنذ‬ ‫تشكيل الدولة العراقية فإن احلكومات العراقية‬ ‫املتعاقبة مل تكن هلا السلطة الفعلية على أجزاء‬ ‫كبرية من كوردستان ال بل يف بعض األوقات مل‬ ‫تتعد سلطاتها إال على بعض املدن منها‪ ،‬وقامت‬ ‫السلطات الكردية اعتبارا من عام ‪ 1992‬بإدارة‬ ‫إقليم كوردستان مباشرة ودام األمر لغاية ‪9‬‬ ‫نيسان ‪ ،2003‬واستطاعت‪ ،‬رغم بعض األحوال‬ ‫االستثنائية‪ ،‬من فرض األمن والقانون وإدارة‬ ‫شؤون اإلقليم بنجاح‪ .‬كما ان اعرتاف الدستور‬ ‫العراقي حبكومة اإلقليم أدى إىل استمرار وتطور‬ ‫الوضع اإلداري يف إقليم كوردستان مبا يف ذلك‬


‫االستقرار األمين‪.‬‬ ‫صعوبات البحث‪:‬‬ ‫حسب علمنا إن هذه هي املرة األوىل اليت يكتب‬ ‫فيها عن هذا املوضوع‪ ،‬لذلك القينا صعوبات يف‬ ‫جمال احلصول على املصادر العلمية‪ ،‬وبالذات‬ ‫ً‬ ‫فضال عن عدم‬ ‫املصادر القانونية بهذا الصدد‪،‬‬ ‫وجود مواد أولية حول اجملال اجلوي لإلقليم‬ ‫ك��وردس��ت��ان‪ ،‬ل��ذل��ك اعتمدنا على نصوص‬ ‫الدستور العراقي واملصادر ذات الصلة يف كتب‬ ‫القانون وباألخص مصادر القانون الدولي العام‬ ‫‪ .‬وتسهيال للجانب الفين ارتأينا من الضروري‬ ‫إدراج اهلوامش يف نهاية البحث‪ ،‬كما متبع لدى‬ ‫بعض الباحثني واجملاالت األكادميية ‪ .‬ستكون‬ ‫دراستنا ملوضوع البحث يف إطار القانون الدولي‬ ‫العام من جهة والقانون الداخلي من جهة أخرى‪،‬‬ ‫وان الفرق يف دراسة الدولة يف القانون الدولي‬ ‫العام عن القانون الداخلي هو أن القانون الدولي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫رئيسا‬ ‫قانونيا‬ ‫شخصا‬ ‫يهتم بالدولة باعتبارها‬ ‫من أشخاص هذا القانون أما القانون الداخلي‬ ‫(الدستوري واإلداري) فانه يهتم بدراسة الدولة‬ ‫باعتبارها جمموعة مرافق عامة و يبحث‬ ‫العالقة بني هذه املرافق‪ ،‬لذا كان ً‬ ‫الزما علينا‬ ‫التطرق للقانونني الدولي العام و الدستوري‪،‬‬ ‫وسنحاول حتديد الوضع القانوني للمجال‬ ‫اجلوي ً‬ ‫وفقا ملا تنص عليه االتفاقيات الدولية‬ ‫وخاصة اتفاقية شيكاغو لعام ‪ 1944‬املتعلقة‬ ‫بـ(اجملال اجلوي الدولي واجملال اجلوي الوطين)‪،‬‬ ‫اليت صادق عليها العراق بالقانون رقم ‪ 6‬لسنة‬ ‫‪ .1947‬وسنتطرق لوضع اجملال اجلوي يف العراق‬ ‫وما ينص عليه الدستور من أحكام قانونية‬ ‫فيما خي��ص معين س��ي��ادة ال��دول��ة كما ينظر‬

‫اليها يف القانون الدولي ومن ثم فيما يتعلق‬ ‫بالنصوص اخلاصة باالختصاصات احلصرية‬ ‫واالختصاصات املشرتكة و اختصاصات األقاليم‬ ‫« إقليم كوردستان» و البحث عما إذا كان موضوع‬ ‫املواصالت اجلوية خيضع لالختصاص احلصري‬ ‫للحكومة الفدرالية أم يعد من االختصاصات‬ ‫املشرتكة أو من االختصاصات اليت مل تتطرق‬ ‫اليها املادة ‪ 110‬من الدستور العراقي‪ .‬واستناداً ملا‬ ‫جاء أعاله سنعتمد يف منهجية حبثنا هذا على‬ ‫حتليل النصوص القانونية الدولية ونصوص‬ ‫الدستور العراقي املشار اليها ومن ثم االعتماد‬ ‫على األسباب التارخيية والدولية والداخلية‪،‬‬ ‫دون نسيان اجل��وان��ب التارخيية للموضوع‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وانطالقا من خصوصية التجربة العراقية‬ ‫وتفردها مقارنة مع النظم الفدرالية األخرى ‪.‬‬ ‫ املبحث األول‪:‬‬ ‫الوضع القانوني للمجال اجلوي‬ ‫ً‬ ‫خالفا ملا هو عليه احل��ال بالنسبة للمجال‬ ‫البحري فأن اجملال اجلوي والفضاء اخلارجي مل‬ ‫يثريا أهمية قانونية عملية اال بعد االكتشافات‬ ‫العلمية املتعلقة باملناطيد والطائرات يف بداية‬ ‫القرن املاضي‪ ،‬واألقمار الصناعية اعتباراً من‬ ‫سنوات الستينات من القرن ذاته‪ )9(.‬واكتسب‬ ‫ً‬ ‫تدرجييا أهمية كربى وبدأ اجملتمع‬ ‫اجملال اجلوي‬ ‫الدولي يفكر يف وضع تنظيم قانوني هلذا اجملال‪،‬‬ ‫وكان للفقه الدولي يف بداية القرن املاضي دوراً‬ ‫ف��ع ً‬ ‫��اال يف تنظيم ه��ذا اجمل���ال‪ ،‬ووض��ع قواعد‬ ‫قانونية دولية له‪ ،‬فلعب الفقيه الفرنسي بول‬ ‫فوشي (‪ )Fauchille Paul‬دوراً بارزاً وتبعه‬ ‫‪237‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪238‬‬

‫الفقيه نيس(‪ ) Nys‬يف ذلك‪ ،‬ففي جلسة معهد‬ ‫القانون الدولي املعقودة يف بروكسل عام ُ‬ ‫‪1902‬قدم‬ ‫ً‬ ‫متضمنا ‪ 32‬مادة‬ ‫مشروع تنظيم للمجال اجلوي‬ ‫متت صياغته من قبل فوشي‪ ،‬ومل تتدخل الدول‬ ‫ً‬ ‫رمسيا يف جمال هذا التنظيم إال بعد عبور حبر‬ ‫املانش و عد البداية الفعلية للمالحة اجلوية‬ ‫الدولية ‪ .‬ومببادرة من احلكومة الفرنسية مت‬ ‫عقد مؤمتر دولي للمالحة اجلوية بباريس يف‬ ‫شهر مايس وحزيران سنة ‪ 1910‬شاركت فيه ‪18‬‬ ‫دولة ومت حترير مشروع اتفاقية تتضمن ‪55‬‬ ‫مادة ولكن انتهى املؤمتر دون التوقيع على أية‬ ‫معاهدة بهذا الشأن‪ .‬و طرحت نظريات فقهية‬ ‫متعددة خبصوص الوضع القانوني للمجال‬ ‫اجل���وي‪ )10(،‬ومن أبرزها ما ن��ادى به الفقيه‬ ‫الفرنسي فوشي إذ اقرتح تقسيم اجملال اجلوي‬ ‫اىل منطقتني فاملنطقة الواقعة على ارتفاع‬ ‫معني من األرض ختضع لسيادة ال��دول��ة‪ ،‬أما‬ ‫الطبقة العليا فتكون حرة للطريان كما هو عليه‬ ‫األمر يف أعالي البحار‪ ،‬ونادى البعض اآلخر من‬ ‫الفقهاء حبرية الطريان الن اهلواء حر ال خيضع‬ ‫لسيادة الدولة ومن ثم فان حرية الطريان فوق‬ ‫إقليم الدولة تكون مكفولة لطائرات مجيع‬ ‫الدول‪ ،‬و قد انتقدت هاتان النظريتان آلن األخذ‬ ‫بهما يؤدي اىل تهديد أمن وسالمة الدولة‪ .‬أما‬ ‫الفريق الثالث من الفقهاء وهم كل من فون ليتز‬ ‫و ويستالك فذهبوا اىل القول بسيادة الدولة‬ ‫على إقليمها وامتدادها إىل طبقات اهلواء اليت‬ ‫تعلو إقليمها‪ ،‬فلها أن ترخص أو ترفض الطريان‬ ‫فوق إقليمها‪ )11(،‬وهذا ما مت إق��راره صراحة‬ ‫يف معاهدة باريس لعام ‪ 1919‬ومعاهدة شيكاغو‬ ‫لعام ‪ )12(.1944‬هذا وقد حرصت الدول منذئذ‬

‫على التأكيد على سيادتها على اجملال اجلوي‬ ‫الذي يعلو إقليمها الربي والبحري وما عداها‬ ‫يكون نظام الطريان» حراً « كما هو عليه احلال يف‬ ‫املالحة البحرية يف أعالي البحار‪ ،‬فاجملال اجلوي‬ ‫واحلالة هذه أما أن يكون ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫دوليا أو‬ ‫جويا‬ ‫جماال‬ ‫جم ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وطنيا وه��ذا ما سيكون موضوع‬ ‫جويا‬ ‫��اال‬ ‫دراستنا يف هذا املبحث إذ نتطرق يف املطلب‬ ‫األول منه لنشوء وتنظيم اجملال اجلوي على‬ ‫املستوى الدولي أما املطلب الثاني منة فسنقوم‬ ‫فيه مبعاجلة اجملال اجلوي الوطين‪.‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬نشوء وتنظيم اجملال اجلوي على‬ ‫املستوى الدولي‬ ‫ح��ال انتهاء احل��رب العاملية األوىل‪ ،‬ونتيجة‬ ‫التقدم احلاصل يف جم��ال صناعة الطائرات‬ ‫وتطورها‪ ،‬جنحت اجلهود املبذولة يف أثناء مؤمتر‬ ‫السالم عام ‪ ،1919‬فقامت جلنة احللفاء للطريان‬ ‫بكتابة وتقديم مشروع اتفاقية تضمنت ‪43‬‬ ‫م��ادة وث�لاث مالحق‪ ،‬وبعد أن أقرها اجمللس‬ ‫األعلى للحلفاء أصبحت االتفاقية الدولية‬ ‫املتعلقة بتنظيم املالحة اجلوية‪ ،‬وعرضت‬ ‫للتوقيع عليها يف باريس بتأريخ ‪1919/ 10 / 13‬‬ ‫ودخلت حيز النفاذ يف ‪ ،1922 / 7 / 11‬وتعد هذه‬ ‫االتفاقية احملاولة األوىل لتنظيم اجملال اجلوي‬ ‫من قبل اجملتمع الدولي (‪ .)13‬وأعطت هذه‬ ‫املعاهدة احلق للدول بإبرام االتفاقيات الثنائية‬ ‫فيما بينها بشرط احرتام القواعد املقررة فيها‪،‬‬ ‫وفيما خيص ال��دول األمريكية‪ ،‬فإنها أبرمت‬ ‫اتفاقية منفصلة يف هافانا بتأريخ ‪ 20‬شباط‬ ‫‪ 1928‬خب��ص��وص اجمل���ال اجل���وي‪ ،‬ومت تعديل‬


‫اتفاقية باريس مبوجب الربوتوكول املؤرخ يف ‪15‬‬ ‫حزيران عام ‪ 1929‬وذلك ألجل السماح ألملانيا‬ ‫باالنضمام إىل معاهدة باريس‪ ،‬واخت��ذت هذه‬ ‫املعاهدة طابع متعددة األط��راف ً‬ ‫فعال يف عام‬ ‫‪( 1933‬تاريخ دخول الربوتوكول حيز النفاذ)‬ ‫وأصبح عدد الدول األطراف يف معاهدة باريس‬ ‫‪ 53‬دولة‪ .)14( .‬ونتيجة للتقدم الفين لصناعة‬ ‫ال��ط�يران م��ن حيث السرعة وحجم وكفاءة‬ ‫الطائرات وازدياد املواصالت اجلوية خاصة يف‬ ‫أثناء احلرب العاملية الثانية‪ ،‬كان من الضروري‬ ‫إعادة النظر يف معاهدة باريس لعام ‪ ،1919‬لذا‬ ‫بادرت الواليات املتحدة األمريكية إىل الدعوة‬ ‫لعقد مؤمتر دولي يف شيكاغو بتأريخ ‪1944/12/7‬‬ ‫للبحث يف إع��ادة تنظيم املالحة اجلوية مبا‬ ‫يتالءم مع التطورات يف هذا اجملال‪ .‬فتم إبرام‬ ‫معاهدة شيكاغو يف ‪ 7‬كانون األول ‪ .1944‬وألغيت‬ ‫مبوجبه كل من اتفاقية باريس لعام ‪1919‬‬ ‫ومعاهدة هافانا املعقودة بني الدول األمريكية‬ ‫عام ‪ ،1928‬وقد أقرت معاهدة شيكاغو صحة‬ ‫االتفاقيات الثنائية املعقودة بني الدول واليت‬ ‫ال تتعارض أحكامها مع أحكام معاهدة شيكاغو‪.‬‬ ‫نظمت هذه املعاهدة املالحة يف اجملال اجلوي‬ ‫الدولي وذلك بعدم خضوعه لسيادة أية دولة‬ ‫و يكون مبدأ حرية املالحة اجلوية فيه هو‬ ‫األساس‪ ،‬وأن ما خيرج عن اجملال اجلوي للدولة‬ ‫يدخل ضمن اجمل��ال اجل��وي الدولي‪ ،‬ولكن مع‬ ‫ذلك نرى أن املالحة يف هذا اجملال تبقى ضمن‬ ‫عدة اختصاصات متزامنة ومتنافسة‪ ،‬فيأتي‬ ‫اختصاص منظمة ال��ط�يران املدني الدولية‬ ‫باملرتبة األوىل باعتبارها السلطة املنظمة‬ ‫للمالحة اجلوية‪ ،‬إذ تنظم كيفية ممارسة هذه‬

‫املالحة وشروطها يف اجملال اجلوي الدولي‪ ،‬وثم‬ ‫يأتي اختصاص الدولة اليت تقرتب الطائرة‬ ‫من جماهلا اجلوي اإلقليمي‪ ،‬وأخ�يراً فان هناك‬ ‫اختصاص دولة جنسية الطائرة املسجلة لديها‪.‬‬ ‫(‪ )15‬ولألسباب األمنية ف��ان حرية الطريان‬ ‫املطبقة يف اجملال اجلوي الدولي ليست مع ذلك‬ ‫مطلقة‪ ،‬فان املادة ‪ 12‬من معاهدة شيكاغو تنص‬ ‫على أن القواعد اليت تطبق يف الطريان فوق‬ ‫البحار العالية ستكون القواعد اليت تقررها‬ ‫منظمة ال��ط�يران املدنية الدولية يف كيفية‬ ‫ال��ط�يران وق��ي��ادة ال��ط��ائ��رة‪ ،‬ه��ذا وأن تدويل‬ ‫اجمل��ال اجل��وي يف ه��ذه املناطق يبقى مع ذلك‬ ‫ً‬ ‫ناقصا‪ ،‬ذلك ألن سلطة تنظيم هذه املنظمة‬ ‫حم��ددة بالطائرات املدنية فقط وال تشمل‬ ‫طائرات الدولة (الطائرات العسكرية واجلمارك‬ ‫والشرطة)‪ ،‬هذا من جهة ومن جهة أخرى فان‬ ‫الطائرات املتواجدة يف اجمل��ال اجل��وي الدولي‬ ‫تبقى حتت سيطرة الدولة اليت تريد الطائرة‬ ‫االق�تراب من جماهلا اجل��وي وعليها أن متتثل‬ ‫للتعليمات اليت تتلقاها منها‪ .‬وأخرياً فان منظمة‬ ‫الطريان املدنية الدولية ال تتمتع باي اختصاص‬ ‫تنفيذي يف أعالي البحار‪ ،‬إذ تعود سلطة اختاذ‬ ‫اإلجراءات التنفيذية للدولة الطرف يف املعاهدة‬ ‫ال�تي حتمل الطائرة جنسيتها عند تواجد‬ ‫الطائرة يف أعالي البحار أو املنطقة االقتصادية‬ ‫اخلالصة‪ .‬هذا وجيب التنويه هنا بأن التعريف‬ ‫القانوني للطائرة ال يأخذ بعني االعتبار وظيفة‬ ‫اآللة كونها آلة خمصصة للنقل التجاري أم لنقل‬ ‫األشخاص أو لنقل البضائع أو الربيد‪ ،‬بل يأخذ‬ ‫بنظر االعتبار فقط احمليط الذي حييط بهذه‬ ‫اآللة‪ ،‬فهناك عدة تشريعات وطنية داخلية ال‬ ‫‪239‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪240‬‬

‫تأخذ بعني االعتبار إال مقدرة اآللة لالرتفاع‬ ‫والطريان يف اهلواء كما هو احلال بالنسبة للواليات‬ ‫املتحدة األمريكية وفرنسا‪ .‬هذا وإن اتفاقية‬ ‫شيكاغو كما كان عليه احلال يف اتفاقية باريس‬ ‫تأخذ بنظر االعتبار عنصر مقاومة اآللة للهواء‬ ‫وتعرف الطائرة « بانها جهاز يستطيع البقاء يف‬ ‫اجلو بفعل ردود فعل اهلواء وليس بسبب ردود‬ ‫فعل اهل��واء املنعكسة من سطح األرض» (‪)16‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مشابها‬ ‫تعريفا‬ ‫وعرف املشرع العراقي الطائرة‬ ‫ملا ج��اء يف معاهدة شيكاغو إذ ي��ورد تعريف‬ ‫الطائرة يف قانون الطريان املدني بأنها « أي آلة‬ ‫يف استطاعتها أن تستمد بقائها يف اجل��و من‬ ‫ردود فعل اهلواء وليس بسبب ردود فعل اهلواء‬ ‫املنعكسة من سطح األرض وتشمل كافة املركبات‬ ‫اهلوائية مثل املناطيد والبالونات والطائرات‬ ‫الشراعية والطائرات ذات األجنحة الثابتة وما‬ ‫إىل ذلك‪ )17( ».‬ومتيز االتفاقيات الدولية املتعلقة‬ ‫باجملال اجلوي الطائرات استنادا إىل طبيعة هذه‬ ‫الطائرات إىل طائرات خاصة وطائرات عامة‪،‬‬ ‫إذ تستعمل تعبري طائرات الدولة والطائرات‬ ‫املدنية‪ ،‬ومتيزها كما هو احلال بالنسبة للبواخر‬ ‫ً‬ ‫تبعا للوظيفة اليت تقوم بها وليس على أساس‬ ‫صفة ملكيتها‪ ،‬وأن طائرات الدولة هي الطائرات‬ ‫املستعملة من قبل الدولة لألغراض العسكرية‬ ‫والشرطة واجل��م��ارك‪ .‬فحرية الطريان تكون‬ ‫فقط يف اجمل��ال اجل��وي الدولي‪ ،‬أما الطريان يف‬ ‫اجملال اجلوي الوطين فيكون ضمن نطاق سيادة‬ ‫الدولة‪ ،‬إذ ختضع الطائرات األجنبية لسيادة‬ ‫هذه الدول‪)18(.‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬اجملال اجلوي الوطين‬

‫نصت املادة األوىل من معاهدة باريس لسنة‬ ‫‪ 1919‬على السيادة الكاملة واحلصرية للدولة على‬ ‫اجملال اجلوي الذي يعلو إقليمها‪ ،‬وبهذا حسم هذا‬ ‫النص اخلالف الفقهي بشأن الوضع القانوني‬ ‫للمجال اجلوي للدولة‪ ،‬و « أقلمت « اجملال اجلوي‪،‬‬ ‫وأخذت االتفاقية مبا كان ينادي به فريق من‬ ‫الفقهاء وعلى رأسهم كل من الفقيهان فون‬ ‫ليتز و ويستالك (‪ )19‬وأك��دت عليها معاهدة‬ ‫شيكاغو لعام ‪ ،1944‬إذ مت إبرام ثالث اتفاقيات‬ ‫دولية بهدف وضع النظام العام للمجال اجلوي‪،‬‬ ‫فاالتفاقية األوىل تتعلق باملالحة اجلوية‬ ‫املدنية والثانية هي االتفاقية اخلاصة بالعبور‬ ‫(الرتانزيت) للخدمات اجلوية الدولية والثالثة‬ ‫هي االتفاقية اخلاصة بالنقل اجل��وي الدولي‬ ‫(‪ )20‬ودخلت االتفاقية اخلاصة باملالحة اجلوية‬ ‫واليت تعد أهم هذه االتفاقيات حيز النفاذ عام‬ ‫‪ .1947‬وتبنت معاهدة شيكاغو لعام ‪ 1944‬املبدأ‬ ‫نفسه الذي نصت عليه معاهدة باريس لعام‬ ‫‪ 1919‬بسيادة الدولة على جماهلا اجلوي إذ نصت‬ ‫املادة األوىل منها على أن «تعرتف الدول املتعاقدة‬ ‫بأن لكل دولة السيادة الكاملة واحلصرية على‬ ‫اجملال اجلوي الذي يعلو إقليمها‪ ».‬و جتدر اإلشارة‬ ‫إىل أن املعاهدتني (باريس وشيكاغو) مل تبينا‬ ‫قواعد حتديد اجملال اجلوي للدولة ال ً‬ ‫أفقيا وال‬ ‫ً‬ ‫عموديا‪ ،‬ولكن أكدتا على أن اجملال اجلوي للدولة‬ ‫يشمل إضافة لإلقليم األرضي إقليمها البحري‬ ‫ً‬ ‫أيضا‪ ،‬وهذا ما مت التأكيد عليه يف املادة الثانية‬ ‫من معاهدة جنيف خبصوص البحر اإلقليمي‬ ‫واملنطقة املتامخة لعام ‪ ،1958‬ويف الفقرة الثانية‬ ‫من امل��ادة الثانية من معاهدة قانون البحار‬


‫(مونتيغو باي) لسنة ‪ .1982‬إن أحكام اتفاقية‬ ‫شيكاغو ‪ 1944‬ختص فقط الطائرات املدنية‪،‬‬ ‫أم��ا ط��ائ��رات ال��دول��ة (العسكرية والشرطة‬ ‫واجلمارك) فال تشملها أحكام االتفاقية‪)21(.‬‬ ‫لذا فأن اجملال اجلوي للدولة هو ذلك احليز من‬ ‫اهلواء (اجلو) الذي يعلو إقليم الدولة األرضي‬ ‫والبحري واخلاضع للسيادة الكاملة واحلصرية‬ ‫للدولة‪ ،‬فلكل دولة إذن جماهلا اجلوي اخلاص بها‪.‬‬ ‫ومن هذا املنظار فان اجملال اجلوي للدولة يعد‬ ‫حيز اهلواء الذي يعلو إقليمها األرضي والبحري‪.‬‬ ‫(‪ )22‬وبهذا ميكن عد نصوص اتفاقيات شيكاغو‬ ‫لعام ‪ 1944‬و ما جاء يف معاهدة جنيف املتعلقة‬ ‫بالبحر اإلقليمي لسنة ‪ 1958‬ومعاهدة قانون‬ ‫البحار لسنة ‪ 1982‬ما ميثل القانون الدولي‬ ‫الوضعي للمجال اجلوي‪ ،‬فالسيادة اجلوية للدولة‬ ‫تتوقف عند إقليمها األرضي أو عند نهاية حدود‬ ‫البحر اإلقليمي «إذا كانت الدولة من الدول‬ ‫الساحلية» لذا فأن هذا اجملال ال يتعدى املناطق‬ ‫ذات احلقوق السيادية للدولة « اجلرف القاري‬ ‫واملنطقة االقتصادية اخلالصة»‪ )23(.‬واستنادا‬ ‫هلذه النصوص القانونية الدولية أصبح إقليم‬ ‫الدولة يشمل إضافة للرب والبحر اجملال اجلوي‬ ‫الذي يعلوهما وخيضع هذا اجملال لسيادة الدولة‪،‬‬ ‫وأث��ر التقدم التكنلوجي باألقمار الصناعية‬ ‫يف منتصف القرن املاضي‪ ،‬بدأ االهتمام وعلى‬ ‫نطاق عاملي بالفضاء اخلارجي‪ .‬وينتج عن هذا‬ ‫بأنه ما عدا يف حالة االلتزامات االتفاقية اليت‬ ‫تنص على خالف ذلك‪ ،‬فان الدولة هي حرة يف‬ ‫تنظيم الطريان فوق إقليمها‪ ،‬وأن كل طريان غري‬ ‫ً‬ ‫خرقا لسيادة‬ ‫مأذون بها من قبل دولة يشكل‬ ‫الدولة اإلقليمية‪ ،‬وهذا ما أكدته حمكمة العدل‬

‫الدولية يف قرارها املؤرخ يف ‪ 27‬حزيران ‪ 1986‬يف‬ ‫قضية النشاطات العسكرية وشبه العسكرية يف‬ ‫نيكاراغوا‪)24(.‬‬ ‫هذا وأن كل دولة تنظم جماهلا اجلوي بقانون‬ ‫تبني فيه كيفية الطريان وش��روط الطريان‬ ‫واملناطق املسموح فيها بالطريان وض��رورة‬ ‫االلتزام بتعليمات وتوجيهات سلطة طريان‬ ‫الدولة والطريان ضمن املمرات اجلوية املخصصة‬ ‫وعدم الطريان فوق املناطق احملرمة واخلطرة‬ ‫املبينة من قبل ال��دول��ة‪ ،‬فجمهورية العراق‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خاصا يسمى قانون الطريان‬ ‫قانونا‬ ‫مثال سنت‬ ‫املدني العراقي رقم ‪ 148‬لسنة ‪ 1974‬ألغي مبوجبه‬ ‫القانون السابق لعام ‪ .1939‬وأن خرق طائرة‬ ‫أجنبية للمجال اجلوي الوطين لدولة ما يسمح‬ ‫للدولة اليت خرقت جماهلا اجلوي بصد ومنع‬ ‫الطائرة من الطريان وبالتالي إجبارها على‬ ‫اهلبوط‪ ،‬وفيما خيص الطائرات املدنية فأن‬ ‫الدولة ال متلك سلطة مطلقة بالرد‪ ،‬فيجب أن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومعقوال وأن ال يعرض حياة‬ ‫مناسبا‬ ‫يكون الرد‬ ‫األشخاص املوجودين على منت الطائرة للخطر‪،‬‬ ‫فهذه القاعدة وفقت بني مبدأ السيادة واحلد‬ ‫األدنى من اإلنسانية املفروضة على اجلميع‪ ،‬ومت‬ ‫التأكيد عليها يف بروتوكول مونرتيال املؤرخ يف‬ ‫ً‬ ‫معدال بذلك معاهدة‬ ‫العاشر من مايس عام ‪1984‬‬ ‫شيكاغو لعام ‪ ،1944‬وذلك على أثر حادثة بوينغ‬ ‫‪ 747‬لكوريا إيراني‪ ،‬ففي األول من أيلول ‪1983‬‬ ‫قامت الطائرات املقاتلة السوفيتية بإسقاط‬ ‫طائرة اخلطوط اجلوية الكورية اجلنوبية واليت‬ ‫دخلت اجملال اجلوي لالحتاد السوفييت دون إذن‬ ‫ً‬ ‫شخصا‪.‬‬ ‫مسبق‪ ،‬فأدى هذا احلادث إىل مقتل ‪269‬‬ ‫(‪ )25‬وأكدت منظمة الطريان املدنية الدولية‬ ‫‪241‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪242‬‬

‫على أثر هذه احلادثة‪ ،‬بانه ال ميكن وضع أمن‬ ‫وس�لام��ة امل�لاح��ة اجل��وي��ة املدنية حم��ل شك‪،‬‬ ‫فطلبت املنظمة التحقيق يف ظروف احلادثة‬ ‫وأكدت الدول األعضاء يف املنظمة على ضرورة‬ ‫اح�ترام القاعدة العرفية بامتناع استخدام‬ ‫السالح ضد الطائرات املدنية‪ )26(.‬وبعد مدة‬ ‫قصرية قامت باخرة عسكرية أمريكية بتأريخ‬ ‫‪ 3‬مت��وز ‪1988‬ب��ت��دم�ير ط��ائ��رة إي��رب��اص تابعة‬ ‫للخطوط اجلوية اإليرانية يف اخلليج وأدى‬ ‫ً‬ ‫شخصا‪ )27(.‬وجتدر‬ ‫هذا احلادث إىل مقتل ‪290‬‬ ‫اإلشارة إىل أن اتفاقية شيكاغو لعام ‪ 1944‬املعمول‬ ‫بها ً‬ ‫حاليا متيز بني عدة أصناف من الطائرات‪:‬‬ ‫‪1‬ـ الطائرات املدنية اليت ال تقوم خبدمات النقل‬ ‫التجاري (نقل األشخاص والبضائع والربيد)‬ ‫وقد منحت االتفاقية طائرات الدول املتعاقدة‬ ‫احلريتني التاليتني للعبور (الرتانزيت )‪:‬‬ ‫أ ـ حرية ال��ط�يران ف��وق إقليم ال��دول��ة بدون‬ ‫هبوط‪.‬‬ ‫ب ـ حرية اهلبوط فوق اإلقليم ألغ��راض غري‬ ‫جتارية‪)28(.‬‬ ‫‪2‬ـ الطائرات اخلاصة خبدمات النقل التجاري‬ ‫غري املنتظم‪ ،‬وتتمتع هذه الطائرات باحلريتني‬ ‫املذكورتني لطائرات الصنف األول‪ ،‬مع بعض‬ ‫االمتيازات اخلاصة باهلبوط التجاري (املادة ‪ 5‬ف‬ ‫‪ 2‬من معاهدة شيكاغو)‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ الطائرات اخلاصة خبدمات النقل التجاري‬ ‫املنتظمة و بالنسبة هلذا الصنف من الطائرات‬ ‫تكون قواعد حرية املالحة اجلوية منظمة من‬ ‫قبل االتفاقيتني اجلويتني اآلخرتني ملعاهدة‬ ‫شيكاغو‪ ،‬و اتفاقية العبور(ترانزيت) واتفاقية‬ ‫النقل اجل��وي‪ ،‬ف��امل��ادة السادسة من معاهدة‬

‫شيكاغو أخ��ذت بقاعدة عامة وه��ي أن هذا‬ ‫الصنف من الطائرات ال يتمتع حبرية املالحة‬ ‫فوق إقليم الدولة إال إذا كانت دول جنسية هذه‬ ‫الطائرات أطراف يف االتفاقيتني املذكورتني‪.‬‬ ‫ومبوجب هذه االتفاقيات فان هذا الصنف‬ ‫من الطائرات يتمتع باحلريتني التقليديتني‬ ‫(العبور واهل��ب��وط غري التجاري )‪ .‬كما تقر‬ ‫اتفاقية النقل اجلوي بثالت حريات جتارية‬ ‫أخرى هي‪)29(:‬‬ ‫أ ـ حق ان��زال املسافرين (أو الركاب )والربيد‬ ‫والبضائع على إقليم الدولة اليت حتمل الطائرة‬ ‫جنسيتها‪.‬‬ ‫ب ـ حق محل املسافرين والربيد والبضائع إىل‬ ‫الدولة اليت حتمل الطائرة جنسيتها‪.‬‬ ‫ج ـ حق محل املسافرين والربيد والبضائع إىل‬ ‫أية دولة متعاقدة وحق إنزال املسافرين والربيد‬ ‫والبضائع يف أقاليم كل الدول األطراف املتعاقدة‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ الطائرات اخلاصة بالنقل التجاري داخل‬ ‫إقليم الدولة ذاتها عرب خطوط النقل اجلوي‬ ‫الداخلي من نقطة اىل أخرى يف إقليم الدولة‬ ‫نفسها‪ ،‬كقاعدة عامة جيب أن حيمل هذا الصنف‬ ‫من الطائرات جنسية الدولة ذاتها‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ طائرات الدولة‪ ،‬فهذا الصنف من الطائرات ال‬ ‫يتمتع باحلريتني التقليديتني (العبور واهلبوط‬ ‫غري التجاري ) الناجتتني عن العبور الربي ‪ .‬إن‬ ‫معاهدة شيكاغو ال تطبق إال على الطائرات‬ ‫امل��دن��ي��ة‪ ،‬ل��ذا ف��أن ط��ائ��رات ال��دول��ة وخاصة‬ ‫العسكرية منها ال ميكنها الدخول يف اجملال اجلوي‬ ‫لدولة أخرى اال بعد حصوهلا على اإلذن بذلك ‪.‬‬ ‫وجتدر اإلشارة اىل عدم وجود حتديد جغرايف‬ ‫للفصل بني اجملال اجلوي والفضاء اخلارجي‪،‬‬


‫وأن الصعوبة ال تأتي فقط من الناحية املادية‬ ‫بل ألن ذلك متالزم وغري قابل لالنفصال عن‬ ‫النظام القانوني للمجال اجلوي‪ )30(،‬فهل متتد‬ ‫سيادة الدولة اىل الفضاء اخلارجي ؟‬ ‫أن الصعوبة هنا متأتية من وجود ثغرة يف‬ ‫ع��دم حتديد الفاصل ب�ين اجمل��ال اجل��وي مع‬ ‫الفضاء اخلارجي وه��ذا ما يولد عدة مسائل‬ ‫معقدة ومتنازع عليها مرتبطة بالتكنلوجيا‬ ‫احلديثة لالتصاالت التلفونية والتلفزيونية‬ ‫ذات ال��ب��ث امل��ب��اش��ر ع���ن ط��ري��ق األق��م��ار‬ ‫االصطناعية املوضوعة يف امل��دار الثابت فوق‬ ‫خط االستواء‪ )31(،‬وهلذا يطالب عدد من الدول‬ ‫االستوائية بسيادتها على أجزاء من هذا املدار‬ ‫الثابت الذي يعلو إقليمها‪ ،‬فأصدرت مثانية من‬ ‫هذه الدول عام ‪ 1976‬إعالن بوغوتا وهذه الدول‬ ‫هي‪ :‬الربازيل وكولومبيا والكونغو واإلكوادور‬ ‫ً‬ ‫ووفقا‬ ‫وإندونيسيا وكينيا وأوغندا وزائ�ير‪.‬‬ ‫هلذا اإلعالن فان هذه الدول تطالب بالسيادة‬ ‫اإلقليمية على اجلزء الواقع على إقليمها اجلوي‬ ‫من هذا املدار‪ )32( .‬أن الوضع القانوني للفضاء‬ ‫اخلارجي هو مثار ج��دل بني ال��دول النامية‬ ‫ً‬ ‫صناعيا وحتكمه ثالثة مبادئ‬ ‫والدول املتقدمة‬ ‫مهمة وهي‪)33( :‬‬ ‫‪ 1‬ـ أن الفضاء اخلارجي هو ملك لإلنسانية ويعد‬ ‫من الرتاث املشرتك لإلنسانية‪.‬‬ ‫‪2‬ـ حرية االستعمال وهذا يعين بأن كل الدول‬ ‫تستطيع استعمال الفضاء اخلارجي دون احلاجة‬ ‫اىل طلب اإلذن من الدول األخرى‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ االستعمال السلمي للفضاء اخلارجي‪ ،‬إذ حيظر‬ ‫القانون الدولي على الدول وضع األسلحة النووية‬ ‫أو أسلحة الدمار الشامل يف الفضاء اخلارجي‪.‬‬

‫و بعد أن مت تنظيم اجمل��ال اجل��وي الدولي‬ ‫وال��وط�ني من قبل القانون الدولي ك��ان من‬ ‫الضروري العمل على مراقبة سالمة تطبيق‬ ‫اتفاقية شيكاغو واالستمرار بتوحيد وتطوير‬ ‫هذه القواعد واإلجراءات اليت تتطلبها مسائل‬ ‫سالمة وأم��ن الطريان‪ ،‬وه��ذه املسائل ال ميكن‬ ‫حتقيقها إال من قبل منظمة دولية متخصصة‬ ‫اال وهي منظمة الطريان املدني الدولية‪)34(،‬‬ ‫فكما كان عليه األمر بالنسبة التفاقية باريس‬ ‫عام ‪ ،1919‬إذ أنشأت مبوجبها اللجنة الدولية‬ ‫للمالحة اجلوية‪ ،‬ولكن منظمة الطريان املدني‬ ‫الدولية قد حلت حملها‪ ،‬واكتملت تشكيالتها‬ ‫النهائية يف ‪ 4‬نيسان عام ‪ ،1947‬وبتأريخ ‪ 13‬مارس‬ ‫‪ 1947‬أصبحت وكالة متخصصة تابعة ملنظمة‬ ‫األمم املتحدة‪ ،‬ومقرها يف مدينة مونرتيال يف‬ ‫كندا‪ ،‬وأن الدول األعضاء يف املنظمة هم الدول‬ ‫األطراف يف معاهدة شيكاغو‪ ،‬وأن جهازها العام‬ ‫هو مجعية ال��دول األع��ض��اء‪ ،‬جتتمع يف دورة‬ ‫عادية مرة واحدة كل ثالث سنوات‪ ،‬وختتص يف‬ ‫مجيع املسائل اليت تدخل يف اختصاص املنظمة‬ ‫ولكن الوظائف األساسية للمنظمة متارس من‬ ‫قبل جهاز حمدد وهو اجمللس‪ ،‬وتتألف منذ ‪1974‬‬ ‫من ثالث وثالثون عضو‪.‬‬ ‫باإلضافة اىل ه��ذه املنظمة الدولية جتدر‬ ‫اإلشارة اىل أن هناك منظمة غري حكومية تتألف‬ ‫من مجيع شركات النقل اجلوية العاملية وتسمى‬ ‫باجلمعية الدولية للنقل اجلوي (‪ )I.A.T.A‬إذ‬ ‫تلعب هذه اجلمعية دوراً ً‬ ‫مهما جداً يف التنسيق‬ ‫مع منظمة الطريان املدني الدولية وخاصة‬ ‫يف وضع تسعريات السفر والنقل‪ .‬إضافة اىل‬ ‫وظيفة املنظمة يف تقديم العون الفين (إنشاء‬ ‫‪243‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪244‬‬

‫امل��ط��ارات واملراقبة) تقوم املنظمة بواسطة‬ ‫ً‬ ‫طبقا للمادة ‪ 37‬من معاهدة شيكاغو‪،‬‬ ‫اجمللس‬ ‫«بتبين وتعديل القواعد واإلج��راءات الدولية‬ ‫املعمول بها» وتطبيقها على املالحة اجلوية‬ ‫ً‬ ‫وطبقا‬ ‫وعلى شكل ملحقات ملعاهدة شيكاغو‪.‬‬ ‫ألحكام املادة ‪ 84‬من املعاهدة فإنها وضعت قواعد‬ ‫ختص التسوية السلمية إذ متنح اجمللس سلطة‬ ‫قضائية يف حالة ن��زاع بني ال��دول املتعاقدة‬ ‫فيما خيص تفسري أو تطبيق املعاهدة‪ ،‬وتكون‬ ‫قرارات اجمللس قابلة للطعن سواء أمام حمكمة‬ ‫حتكيم خاصة أو أمام حمكمة العدل الدولية‪،‬‬ ‫وهذا ما حصل يف النزاع بني اهلند وباكستان‪،‬‬ ‫إذ منعت اهلند الطائرات الباكستانية من املرور‬ ‫عرب أجوائها اإلقليمية‪ ،‬فقدمت باكستان شكوى‬ ‫ضد اهلند أمام جملس منظمة الطريان املدني‬ ‫الدولية‪ ،‬واعرتضت اهلند على قرار اجمللس الذي‬ ‫كان لصاحل باكستان أمام حمكمة العدل الدولية‪،‬‬ ‫فقررت حمكمة العدل الدولية بتأريخ ‪ 18‬آب ‪1972‬‬ ‫باختصاص اجمللس يف املوضوع ‪ )35(.‬هذا وجتدر‬ ‫اإلش��ارة بان هناك عدة قضايا مهمة عرضت‬ ‫على حمكمة العدل الدولية ختص سالمة وأمن‬ ‫املالحة اجلوية منها قضية لوكربي وقضية‬ ‫إس��ق��اط ط��ائ��رة اي��رب��اص اإلي��ران��ي��ة م��ن قبل‬ ‫القوات األمريكية بتأريخ ‪ 3‬متوز ‪ ،1988‬فقدمت‬ ‫ايران ً‬ ‫طلبا أمام حمكمة العدل الدولية بتأريخ‬ ‫‪ 17‬مايس ‪1989‬ضد الواليات املتحدة األمريكية‪،‬‬ ‫وض��د ق��رار جملس منظمة ال��ط�يران املدني‬ ‫الدولية املؤرخ يف ‪17‬آذار ‪ 1989‬ألنها رفضت احلكم‬ ‫ضد الواليات املتحدة باعتباره خمالفة التفاقية‬ ‫مونرتيال لعام ‪ ،1971‬وأخرياً متت تسوية النزاع‬ ‫بالطرق الودية وأخذت احملكمة هذه التسوية‬

‫بنظر االعتبار يف عام ‪)36(.1996‬‬ ‫املبحث ال��ث��ان��ي‪ :‬جت��زئ��ة ال��س��ي��ادة يف دستور‬ ‫مجهورية العراق لسنة ‪2005‬‬ ‫أثر التطورات املهمة اليت حدثت بعد احلرب‬ ‫العاملية األوىل مل تعد سيادة الدولة كما كانت‬ ‫ً‬ ‫سابقا بل مت تقييدها وخضعت للقانون‬ ‫عليها‬ ‫الدولي‪ ،‬فالسيادة على هذا النحو أصبحت ليس‬ ‫هدفا ًحبد ذاتها بل وسيلة ألجل حتقيق احلد‬ ‫األقصى من العدالة سواء أكان ذلك داخل نطاق‬ ‫الدولة أم خارجها‪ ،‬وألجل أن تصبح دولة ما‬ ‫عندئذ‬ ‫عضواً يف اجملتمع الدولي‪ ،‬فان عليها‬ ‫ِ‬ ‫اح�ترام وتنفيذ التزاماتها الدولية طبقا ً ملا‬ ‫هو منصوص عليه يف قواعد القانون الدولي‬ ‫‪ )37(.‬ومتارس الدولة سيادتها على نطاق مادي‬ ‫معني (إقليم الدولة ) إذ متارس اختصاصاتها‬ ‫وسلطاتها يف حدود هذا النطاق‪ ،‬وهذا (النطاق‬ ‫املادي ) يشمل اإلقليم األرضي واإلقليم البحري‬ ‫للدولة كما حددتهما قواعد القانون الدولي‪،‬‬ ‫وم��ا يعلو ه��ذا اإلقليم األرض��ي والبحري من‬ ‫اهلواء فوقهما أي اجملال اجلوي ‪ .‬وقد طرح فقهاء‬ ‫القانون الدولي نظريات شتى لتكييف طبيعة‬ ‫العالقة القانونية اليت تربط الدولة بإقليمها‪،‬‬ ‫ومن هذه النظريات نظرية امللكية ونظرية‬ ‫اإلقليم باعتباره من العناصر املكونة للدولة‬ ‫وأخرياً نظرية االختصاص ‪ )38(.‬لقد مت انتقاد‬ ‫النظريتني األوليتني بشدة من قبل فقهاء‬ ‫القانون ال��دول��ي‪ )39(،‬أما نظرية االختصاص‬ ‫وال�تي ن��ادى بها أول األم��ر الفقيه رادنتزكي‬ ‫عام ‪ 1905‬ثم ناصرها بعد ذلك كل من كلسن‬ ‫وف���ردروس وج��ورج سيل وتناصرها أغلبية‬


‫فقهاء القانون الدولي املعاصر فتذهب اىل أن‬ ‫اإلقليم هو عبارة عن جزء من األرض يباشر‬ ‫وينفد فيه نظام قانوني معني‪ ،‬فهو اجملال‬ ‫املكاني الذي متارس فيه الدولة اختصاصاتها‬ ‫واالطار الذي تعد فيه تصرفاتها مشروعة‪ ،‬لذا‬ ‫ً‬ ‫صحيحا بالنسبة للدولة‪،‬‬ ‫فان كان هذا األم��ر‬ ‫فانه يكون األمر ذاته بالنسبة ملمارسة اإلقليم‬ ‫يف الدولة الفدرالية الختصاصاته (كوردستان‬ ‫ً‬ ‫مثال) وتعد التصرفات ال��ص��ادرة عن إقليم‬ ‫ك��وردس��ت��ان مشروعة ش��رط ع��دم خمالفتها‬ ‫لدستور ال��ع��راق‪ .‬فبجانب املفهوم السياسي‬ ‫للدولة باعتبارها سلطة سياسية مستقلة عن‬ ‫اجملتمع املدني‪ ،‬هناك املفهوم القانوني للدولة‬ ‫ً‬ ‫مجيعا‪،‬‬ ‫واليت تضم مكونات اجملتمع يف الدولة‬ ‫ويف هذه احلالة فان السلطة السياسية ليست‬ ‫اال عنصراً من عناصر الدولة‪ ،‬وحسب وجهة‬ ‫النظر القانونية‪ ،‬فان فقهاء القانون حاولوا‬ ‫حتديد خمتلف عناصر الدولة‪ ،‬وينظر للدولة‬ ‫باعتبارها « تكوين احلياة جلماعة إنسانية على‬ ‫إقليم معني وخاضعة لسلطة سياسية‪ ».‬فيظهر‬ ‫من هنا ثالثة عناصر مهمة للدولة وهي اإلقليم‬ ‫وجمموعة من السكان وسلطة سياسية‪)40(.‬‬ ‫فتحديد احلدود اإلقليمية له أهمية قصوى يف‬ ‫القانون الدولي‪ ،‬النه يشكل عامل سالم وأمن‬ ‫واستقالل لكيان ال��دول��ة وم��ن ثم للمجتمع‬ ‫ال��دول��ي‪ ،‬فاإلقليم هو سند قانوني جوهري‬ ‫ملمارسة الدولة الختصاصاتها‪.‬‬ ‫فالدولة ليست لوحدها الكيان الوحيد اليت‬ ‫تستطيع أن تدعي بأن هلا سكان وإقليم وسلطة‬ ‫سياسية» العناصر القانونية للدولة» إذ توجد‬ ‫جبانب الدولة بل وحتى داخ��ل الدولة ذاتها‬

‫كيانات هلا نفس العناصر القانونية للدولة من‬ ‫سكان وإقليم وسلطة سياسية‪ ،‬ومما الشك فيه‬ ‫أن هذه الكيانات تشكل إن صح التعبري ً‬ ‫نوعا من‬ ‫الكيان « املنافس» للدولة ولكن على الرغم من‬ ‫ذلك ال تتمتع بذات املكانة اليت تتمتع بها الدولة‬ ‫يف القانون الدولي العام‪ ،‬إذ تفتقد هذه الكيانات‬ ‫لصفة مهمة اال وهي صفة االستقالل أو السيادة‪،‬‬ ‫ورغ��م االنتقادات الشديدة املوجهة من قبل‬ ‫جانب من الفقه الدولي ملفهوم السيادة‪ )41(،‬إال‬ ‫أن الدول ال تزال متمسكة بهذا املفهوم بشدة‪،‬‬ ‫إذ مت إقراره يف القانون الدولي الوضعي‪ ،‬فنصت‬ ‫عليه الفقرة األوىل من املادة الثانية من ميثاق‬ ‫منظمة األمم املتحدة‪ .)42(،‬فال ميكن نفي وجود‬ ‫مبدأ السيادة بل هو معيار وجود الدولة‪)43(،‬‬ ‫فالقضاء الدولي يشبه السيادة باالستقالل‪،‬‬ ‫ففي قضية باملا بني الواليات املتحدة األمريكية‬ ‫وهولندا ذهب احملكم الدولي ماكس هوبر يف‬ ‫ق��راره املشهور يف هذه القضية اىل «أن سيادة‬ ‫الدولة يف العالقات الدولية تعين االستقالل»(‪)44‬‬ ‫وأك��دت حمكمة العدل الدولية على هذا املبدأ‬ ‫يف قضية مضيق كورفو بني اململكة املتحدة‬ ‫والبانيا يف قرارها املؤرخ يف ‪ 9‬نيسان ‪)45(،1949‬‬ ‫إذ جاء يف قرارها بان « اح�ترام سيادة الدولة‬ ‫اإلقليمية هو أحد املبادئ األساسية واجلوهرية‬ ‫اليت تقوم عليها العالقات الدولية ‪)46(.‬‬ ‫وللسيادة يف القانون الدولي العام مظهران‪،‬‬ ‫مظهر داخلي ويعين حرية الدولة يف اختيار‬ ‫ش��ك��ل ن��ظ��ام احل��ك��م ون��ظ��ام��ه االج��ت��م��اع��ي‬ ‫واالقتصادي وممارسة اختصاصاتها وسلطاتها‬ ‫وجتزئتها داخ��ل ح��دوده��ا‪ )47(،‬وذل��ك ضمن‬ ‫احرتام قواعد القانون الدولي‪ ،‬واملظهر اخلارجي‬ ‫‪245‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪246‬‬

‫وه��و استقالل الدولة يف سياستها اخلارجية‬ ‫ودون اخل��ض��وع لسلطة عليا أخ����رى‪ )48(،‬و‬ ‫بعبارة أخرى فان هلذه السيادة وجهان وجه‬ ‫إجيابي و يعين مبمارسة الدولة حصراً لكامل‬ ‫اختصاصاتها وحريتها يف كيفية ممارسة هذه‬ ‫االختصاصات‪ ،‬ووجه سليب هو رفض اخلضوع‬ ‫ألية إرادة خارجية أو سلطة عليا أخرى‪ ،‬فان‬ ‫كانت الدولة املوحدة البسيطة تنفرد يف إدارة‬ ‫شؤونها الداخلية واخلارجية طبقا لنظرية‬ ‫السيادة املوحدة الكالسيكية أي أن الدولة متارس‬ ‫السيادة لوحدها من قبل السلطة املركزية‪ ،‬فان‬ ‫هذه السيادة يف الدولة الفدرالية هي سيادة‬ ‫جمزئة يف مظهرها الداخلي فالسيادة تكون‬ ‫جمزئة بني احلكومة االحتادية واألقاليم يف‬ ‫الدولة الفدرالية املتعددة القوميات‪ ،‬كما هو‬ ‫عليه األمر يف العراق االحت��ادي‪ )49(.‬فنظرية‬ ‫جتزئة السيادة يف الدولة الفدرالية نادى بها‬ ‫كل من الكساندر هاملتون وجيمس ماديسون‬ ‫وجون جاي مؤلفو كتاب الفدرالية الصادر عام‬ ‫‪ )50( ،1788‬ونقلها اىل القارة األوروبية الفرنسي‬ ‫الكسي دو توكفيل يف كتابه عن الدميقراطية‬ ‫يف أمريكا املنشور يف جزئيني األول منه نشر‬ ‫عام‪ 1835‬والثاني عام ‪ )51(.1840‬وانتشرت هذه‬ ‫النظرية بعدها يف القارة األوروبية‪.‬‬ ‫ومبوجب هذه النظرية تعد السيادة وخاصة يف‬ ‫مظهرها الداخلي يف الدولة الفدرالية كمجموعة‬ ‫من السلطات واالختصاصات القابلة للتجزئة‪ ،‬إذ‬ ‫تقوم على توزيع هذه السلطات واالختصاصات‬ ‫بني احلكومة االحتادية وحكومات ال��دول أو‬ ‫األقاليم األعضاء يف الدولة الفدرالية‪ ،‬ويرتتب‬ ‫على ذلك جتزئة هذه السيادة بني احلكومة‬

‫االحتادية والدول أو األقاليم األعضاء يف الدولة‬ ‫االحتادية‪ .‬وان هذه النظرية هي أقرب إىل الواقع‬ ‫وخاصة يف الدول االحتادية غري املتجانسة وذات‬ ‫القوميات املتعددة وهناك دول احتادية ذهبت‬ ‫إىل أبعد من ذلك وذلك بالسماح للدول األعضاء‬ ‫او لبعض منها بالتمثيل السياسي املستقل على‬ ‫الصعيد اخلارجي كروسيا البيضاء واوكرانيا يف‬ ‫ً‬ ‫سابقا‪ )52(،‬إذ كانتا عضوين‬ ‫االحتاد السوفييت‬ ‫يف منظمة األم��م امل��ت��ح��دة‪،‬أو م��ا تنص عليه‬ ‫امل��ادة الثالثة من الدستور السويسري بتمتع‬ ‫الكانتونات بالسيادة اىل احلد الذي ال تقيد فيه‬ ‫سيادتها من قبل الدستور الفدرالي‪)53(.‬‬ ‫وليس موضوع هذا البحث اخلوض بالتفصيل‬ ‫يف دراسة الفدرالية وأنواعها‪ )54(،‬وكما قلنا يف‬ ‫مقدمة هذا البحث بان لكل نظام حكم فدرالي‬ ‫ظروفه اخلاصة به وتأرخيه واجملتمع املطبق‬ ‫فيه وخصوصياته االجتماعية واالقتصادية‬ ‫والتنوع والتعدد القومي‪ ،‬فال ميكن األخذ بنظام‬ ‫فدرالي يف دولة ما كنموذج وتطبيقه يف العراق‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فمثال على أثر الثورة األمريكية أقامت الواليات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كونفدراليا فيما بينها عام‬ ‫نظاما‬ ‫املستقلة‬ ‫‪ ،1781‬ويف مؤمتر فيالدليفيا عام ‪ 1787‬حتولت‬ ‫هذه الكونفدرالية إىل نظام فدرالي عام ‪،1789‬‬ ‫وحولت سويسرا نظامها الكونفدرالي املتأسس‬ ‫عام ‪ 1291‬اىل نظام فدرالي عام ‪1848‬على أثر‬ ‫حرب أهلية‪ ،‬وأصبحت كندا ثالث دولة فدرالية‬ ‫حديثة عام ‪ )55(،1867‬ويف عام ‪ 1871‬مت توسيع‬ ‫فدرالية مشال املانيا لتشمل املقاطعات األملانية‬ ‫األخ���رى‪ ،‬وأصبحت أسرتاليا ع��ام ‪ 1901‬دول��ة‬ ‫فدرالية كاملة‪ ،‬وشهد النصف الثاني من القرن‬ ‫ً‬ ‫واسعا لألنظمة الفدرالية ففي‬ ‫العشرين انتشارا‬


‫إسبانيا مت اعتماد النظام الفدرالي عام ‪ 1978‬ويف‬ ‫ً‬ ‫ورمسيا يف العراق مبوجب‬ ‫بلجيكا عام ‪)56(،1993‬‬ ‫قانون إدارة الدولة للمرحلة االنتقالية عام ‪2004‬‬ ‫ومن ثم يف دستور العراق لعام ‪ .2005‬وكما يقول‬ ‫املتخصص يف النظام الفدرالي رونالد واتس « ال‬ ‫يوجد منوذج فدرالي صاف ميكن تطبيقه يف‬ ‫كل مكان «‪ ،)57( ،‬فيمكن االستفادة من جتارب‬ ‫الدول األخرى يف هذا اجملال‪ ،‬فالتجربة العراقية‬ ‫قد تكون جتربة فريدة من الفدرالية وال ضري‬ ‫ً‬ ‫خمالفا لنظام القانون‬ ‫من ذلك‪ ،‬وال يكون ذلك‬ ‫الدولي وال لألنظمة القانونية األخرى‪ ،‬فدولة‬ ‫العراق دولة مستقلة وهلا أن تقرر ما يالئمها من‬ ‫نظام حكم‪ ،‬تشارك فيه مجيع القوى السياسية‬ ‫يف إدارة السلطة‪ ،‬وعلى أساس التفاهم والتوافق‪،‬‬ ‫فال ميكن تهميش قومية أو جانب باسم األغلبية‬ ‫أو املذهب او اىل غري ذلك من االدعاءات ‪.‬‬ ‫بعد هذه املقدمة السريعة للسيادة سنوزع‬ ‫هذا املبحث على مطلبني خنصص املطلب األول‬ ‫منهما لتوزيع اختصاصات السلطات االحتادية‬ ‫و سلطات األقاليم حسب الدستور العراقي‪ ،‬أما‬ ‫املطلب الثاني فنخصصه الختصاص سلطات‬ ‫إقليم كوردستان بتنظيم جماهلا اجلوي ضمن‬ ‫أحكام الدستور العراقي‪.‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬اختصاصات السلطات االحتادية‬ ‫وسلطات األقاليم‬ ‫يشهد عاملنا اليوم أثر التطورات االقتصادية‬ ‫ً‬ ‫حتوال‬ ‫والتجارية التكنولوجية وامل��واص�لات‬ ‫وت��غ�يراً يف أمن��اط احلكم بعد أن تغلب على‬ ‫ال��دول الطابع القومي اىل دول تتضاءل فيها‬

‫سيادة الدولة وتتزايد بني الدول روابط ذات‬ ‫طابع دستوري فدرالي‪ ،‬وهذا ما يشهده العراق‬ ‫احلديث بعد زوال النظام السابق ع��ام ‪2003‬‬ ‫وإق��رار الشعب العراقي بعربه وك��ورده وسائر‬ ‫مكوناته القومية والدينية األخرى‪ ،‬بدستور‬ ‫العراق لعام ‪ .2005‬نشأت دولة العراق عام ‪1921‬‬ ‫على شكل دولة موحدة بسيطة وأث��ارت قبل‬ ‫نشوئها وبعدها الكثري من املشاكل واملصاعب‬ ‫وخاصة برفض الشعب الكوردي ملثل هذا النوع‬ ‫من الدولة‪ ،‬وتوالت ثوراته ابتدا ًء من إنشاء‬ ‫احلكم امللكي وحتى بعد أسقاط ه��ذا احلكم‬ ‫وإقامة النظام اجلمهوري يف الرابع عشر من‬ ‫مت��وز ع��ام ‪ 1958‬لغاية سقوط النظام السابق‬ ‫يف ‪ )58( ،2003/4/9‬إذ أن أخطاء املاضي كلفت‬ ‫ال��ع��راق مئات اآلالف من الضحايا واملاليني‬ ‫من ال��دوالرات‪ ،‬وذلك نتيجة تعنت احلكومات‬ ‫السابقة بعدم حل القضية الكوردية‪ ،‬وسياساتها‬ ‫العقيمة املبنية على الفكر القومي األح��ادي‬ ‫وتفردها باحلكم وتهميشها للمكونات الرئيسية‬ ‫األخرى يف املشاركة الفعلية يف احلكم‪ .‬وأثبتت‬ ‫التجارب املاضية فشل احلكومات السابقة يف‬ ‫بناء جمتمع حضاري عراقي متجانس‪ ،‬لذا مت‬ ‫التفكري باألخذ بالنظام الفدرالي كبديل آخر‬ ‫وجديد للحكم‪ )59(،‬وقد أقر قانون إدارة الدولة‬ ‫العراقية للمرحلة االنتقالية املؤرخ يف ‪2004/3/8‬‬ ‫بهذا احلل‪ ،‬وتبناه الدستور العراقي اجلديد لعام‬ ‫‪ )60( ،2005‬إذ تنص املادة األوىل منه على أن «‬ ‫مجهورية العراق دولة احتادية واحدة مستقلة‬ ‫ذات سيادة كاملة‪ ،‬نظام احلكم فيها مجهوري‬ ‫نيابي (برملاني) دميقراطي‪ ،‬وه��ذا الدستور‬ ‫ضامن لوحدة العراق»‪.‬‬ ‫‪247‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪248‬‬

‫ميكننا إبداء بعض املالحظات على هذه املادة‬ ‫وصياغتها‪ ،‬أن الدستور أقر النظام االحتادي‬ ‫(ال��ف��درال��ي) ال���ذي سبق وان تبناه برملان‬ ‫كوردستان من جانب واحد عام ‪ ،1992‬وانه ألول‬ ‫مرة يف تأريخ العراق منذ تأسيسه كدولة عام‬ ‫‪ ،1921‬مت استبدال نظام احلكم فيه من نظام‬ ‫دول��ة موحدة بسيطة اىل نظام حكم احتادي‬ ‫(فدرالي) باعتباره دولة احتادية ميارس نظام‬ ‫احلكم فيه على مستويني‪ :‬مستوى احلكومة‬ ‫االحتادية ومستوى حكومات األقاليم‪ ،‬وملا كان ال‬ ‫وجود ألقاليم أخرى حلد كتابة هذا البحث غري‬ ‫إقليم كوردستان‪ ،‬لذا فان نظام احلكم ميارس‬ ‫عن طريق هذين املستويني‪ ،‬وخيضعان عند‬ ‫ممارسة احلكم إلحكام الدستور العراقي‪ .‬جاءت‬ ‫عبارة « واحدة « بعد دولة احتادية‪ ،‬غري موفقة‬ ‫وال داعي هلا ألنه يف القانون الدولي ال يوجد‬ ‫هناك إال دولة واح��دة ذات شخصية قانونية‬ ‫دولية وهي دولة مجهورية العراق‪ ،‬ثم تلتها‬ ‫عبارة «مستقلة ذات سيادة كاملة» وهذا يعين‬ ‫أن العراق دولة مستقلة عن األشخاص القانونية‬ ‫الدولية األخرى وال ختضع لسلطة عليا أخرى‪،‬‬ ‫ماعدا خضوعها للقانون الدولي‪ ،‬وأما عبارة «‬ ‫ذات سيادة كاملة « فإنها للتنويه بان سيادتها‬ ‫غري ناقصة و للتأكيد على سيادة العراق الكاملة‬ ‫جتاه قوات االحتالل واليت أصبحت فيما بعد‬ ‫«ق���وات اإلت�ل�اف»‪ .‬وأم��ا ع��ب��ارة « نظام احلكم‬ ‫فيها مجهوري نيابي(برملاني) دميقراطي «‬ ‫فهذا يعين بان احلكومة يتم انتخابها من قبل‬ ‫الشعب‪ ،‬وأن احلكم يتم تداوله بصورة سلمية‬ ‫وع��ن طريق انتخابات سرية مباشرة حرة‬ ‫ونزيهة تشارك فيه كافة القوى السياسية‪)61(،‬‬

‫وأم��ا اجلملة األخ�يرة « وه��ذا الدستور ضامن‬ ‫لوحدة العراق» فإنها تؤكد أمرين يف ذات الوقت‪:‬‬ ‫األمر األول وهو أن الدستور هو القانون األعلى يف‬ ‫العراق فان ممارسة السلطات فيه سواء من قبل‬ ‫احلكومة االحتادية أم حكومة اإلقليم ختضع‬ ‫إلحكام هذا الدستور‪ ،‬وال جيوز خمالفتها‪ ،‬وهذا‬ ‫ما أكدته املادة ‪ 13‬من الدستور ً‬ ‫أيضا‪ )62(،‬وأما‬ ‫األمر الثاني وهو بأن ال تستأثر قومية أو فئة‬ ‫أو مجاعة أو طائفة ما باحلكم‪ ،‬فأساس ممارسة‬ ‫احلكم يف العراق هو املشاركة الفعلية واحلقيقية‬ ‫من قبل اجلميع يف إدارة شؤون الدولة وخاصة‬ ‫القوميتني األساسيتني يف ال��ع��راق العربية‬ ‫والكوردية‪ ،‬وأن هذا األمر ال يتم اال ضمن توازن‬ ‫وتوافق يف املشاركة الفعلية يف السلطة‪ ،‬لذا فان‬ ‫تهميش أحدى هاتني القوميتني يف إدارة دفة‬ ‫ً‬ ‫خمالفا للدستور ويشكل‬ ‫حكم الدولة سيكون‬ ‫بالتالي عنصراً م��ن عناصر تصدع وح��دة‬ ‫اجلمهورية العراقية‪ ،‬وميكن االس��ت��دالل هنا‬ ‫بديباجة الدستور وباملادتني الثالثة والرابعة‬ ‫منه‪ )63(.‬لذا فان مشاركة إقليم كوردستان يف‬ ‫السلطات االحتادية (التشريعية والتنفيذية‬ ‫والقضائية) مشاركة فعلية هي من األم��ور‬ ‫اجلوهرية لصيانة وحدة العراق ً‬ ‫وفقا ملا ينص‬ ‫عليه الدستور‪. )64(.‬‬ ‫إن الصفة املميزة للنظام الفدرالي حسب‬ ‫بعض الفقهاء الدستوريني (‪ )65‬تكمن بان كل‬ ‫ً‬ ‫نظريا دولة حقيقية فعلية‪،‬‬ ‫دولة عضوة تبقى‬ ‫وذلك بدستورها اخلاص‪ ،‬وتنظيمها السياسي‪،‬‬ ‫وعاصمتها‪ ،‬وعلمها اخل��اص‪ ،‬وحتى هويتها‬ ‫اخل��اص��ة‪ ،‬وان ال��ف��ارق اجل��وه��ري ب�ين الدولة‬ ‫العضوة يف الفدرالية والدولة املوحدة البسيطة‬


‫(الكالسيكية) ه��و ب��أن األوىل ال متلك كامل‬ ‫سيادتها واليت تكون جمزئة أو مقسمة بينها‬ ‫وبني الدولة الفدرالية‪ .‬واحلالة هذه فان املسألة‬ ‫األساسية هي يف العالقة بني الدول األعضاء يف‬ ‫الفدرالية واحلكومة الفدرالية وبالطبع التوازن‬ ‫بني اجلانبني‪ ،‬فيجب لكي يدوم نظام الفدرالية‬ ‫ويكتب له النجاح‪ ،‬أن تستطيع احلكومة الفدرالية‬ ‫من اختاذ بعض القرارات املهمة دون إعاقة من‬ ‫دولة (أو اقليم) أو عدة دول (او عدة أقاليم)‬ ‫عضوة يف الفدرالية‪ ،‬وباملقابل فيجب أن حتتفظ‬ ‫الدول أو األقاليم العضوة يف الفدرالية بالسلطة‬ ‫والرقابة على الدولة الفدرالية‪ ،‬وبدونها فان‬ ‫هذه األخرية ستأخذ الحمالة العلو وستصبح من‬ ‫جديد دولة موحدة مركزية‪ .‬وألجل احلفاظ‬ ‫على هذا التوازن‪ ،‬فان الدساتري الفدرالية تقرتح‬ ‫نوعني من الوسائل‪ ،‬األول هو تنظيم توزيع‬ ‫االختصاصات بني الدولة الفدرالية وال��دول‬ ‫األعضاء يف الفدرالية والثاني هو ضمان مشاركة‬ ‫الدول األعضاء يف الفدرالية يف املمارسة الفعلية‬ ‫يف السلطة االحتادية‪ )66(.‬يف عراق اليوم إقليم‬ ‫واحد وهو إقليم كوردستان ومتكون من ثالث‬ ‫حمافظات هي أربيل والسليمانية ودهوك‪ ،‬ومن‬ ‫املؤمل أن يتم احلاق املناطق الكردية األخرى‬ ‫بهذا اإلقليم ً‬ ‫وفقا ملا تنص عليها املادة ‪ 140‬من‬ ‫الدستور العراقي وهذه املناطق هي حمافظة‬ ‫كركوك واملناطق الكردية يف كل من حمافظة‬ ‫املوصل ودي��اىل‪ .‬ونصت املادة ‪ 116‬من الدستور‬ ‫العراقي على أن النظام االحتادي يف مجهورية‬ ‫العراق يتكون من عاصمة وأقاليم وحمافظات‬ ‫المركزية وإدارات حملية وأقر الدستور يف املادة‬ ‫(‪ً /117‬‬ ‫أوال)‪ ،‬اعتبار إقليم كوردستان وسلطاته‬

‫ً‬ ‫احتاديا‪ .‬وخصص الدستور الباب‬ ‫القائمة إقليما‬ ‫الرابع منه الختصاصات السلطات االحتادية‪ ،‬إذ‬ ‫تنص مواده على اختصاصات عامة وحصرية‬ ‫ومشرتكة‪:‬‬ ‫فتنص املادة ‪ 109‬منه على حمافظة السلطات‬ ‫االحت���ادي���ة ع��ل��ى وح���دة ال��ع��راق وسالمته‬ ‫واستقالله وسيادته ونظامه االحت��ادي‪ ،‬وهذا‬ ‫يعين أن السلطات االحتادية تكون هي اجلهة ذات‬ ‫االختصاص العام باحملافظة على كيان العراق‬ ‫ككل وكدولة هلا سيادتها املستقلة جتاه الدول‬ ‫األخ��رى والتهديدات اخلارجية‪ ،‬وأن سلطات‬ ‫إقليم كوردستان تكون مكلفة بهذه الوظيفة يف‬ ‫نطاق حفظ األمن داخل اإلقليم بصورة خاصة‬ ‫وخارجها متى طلبت منها السلطات االحتادية‬ ‫ذلك‪ )67(،‬وجيب قراءة هذه املادة مع ما تنص‬ ‫عليه أحكام املادة ‪ 121‬من الدستور‪.‬‬ ‫ومبوجب املادة ‪ 110‬من الدستور ختتص السلطات‬ ‫االحتادية باالختصاصات احلصرية اآلتية‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أوال‪ =:‬رس��م السياسة اخل��ارج��ي��ة والتمثيل‬ ‫ال��دب��ل��وم��اس��ي‪ ،‬وال��ت��ف��اوض ب��ش��أن املعاهدات‬ ‫واالتفاقيات ال��دول��ي��ة‪ ،‬وسياسات االق�تراض‬ ‫والتوقيع عليها وإب��رام��ه��ا‪ ،‬ورس��م السياسة‬ ‫االقتصادية والتجارية اخلارجية السيادية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪:‬ـ وضع سياسة األمن الوطين وتنفيذها‪،‬‬ ‫مبا يف ذلك أنشاء قوات مسلحة وأدارتها‪ ،‬لتأمني‬ ‫محاية وضمان أمن حدود العراق‪ ،‬والدفاع عنه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثالثا‪:‬ـ رسم السياسة املالية‪ ،‬واجلمركية‪ ،‬وإصدار‬ ‫العملة‪ ،‬وتنظيم السياسة التجارية عرب حدود‬ ‫األقاليم واحملافظات يف العراق‪ ،‬ووضع امليزانية‬ ‫العامة للدولة‪ ،‬ورسم السياسة النقدية وأنشاء‬ ‫البنك املركزي‪ ،‬وإدارته‪.‬‬ ‫‪249‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪250‬‬

‫ً‬ ‫رابعا‪ :‬تنظيم أمور املقاييس واملكاييل واألوزان‪.‬‬ ‫ً‬ ‫خامسا‪ :‬تنظيم أم��ور اجلنسية والتجنس‬ ‫واإلقامة وحق اللجوء السياسي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫سادسا‪ :‬تنظيم سياسة الرتددات البتية والربيد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫س��اب��ع��ا‪ :‬وض���ع م��ش��روع امل���وازن���ة ال��ع��ام��ة‬ ‫واالستثمارية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثامنا‪ :‬ختطيط السياسات املتعلقة مبصادر‬ ‫املياه من خارج العراق‪ ،‬وضمان مناسيب تدفق‬ ‫املياه اليه وتوزيعها العادل داخل العراق‪ً ،‬‬ ‫وفقا‬ ‫للقوانني واألعراف الدولية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تاسعا‪ :‬اإلحصاء والتعداد العام للسكان‪.‬‬ ‫وأم��ا االختصاصات املشرتكة ب�ين احلكومة‬ ‫االحتادية وسلطات األقاليم‪ ،‬وقد أشارت اليها‬ ‫املادة ‪ 114‬من الدستور العراقي وحددتها كما يلي‪:‬‬ ‫‪.1‬إدارة اجلمارك وجعلت تنظيم ذلك بقانون‬ ‫سيصدر الحقا‪.‬‬ ‫‪.2‬تنظيم مصادر الطاقة الكهربائية الرئيسة‬ ‫وتوزيعها‪.‬‬ ‫‪.3‬رسم السياسة البيئية لضمان محاية البيئة‬ ‫من التلوث‪ ،‬واحملافظة على نظافتها‪.‬‬ ‫‪.4‬رسم سياسات التنمية والتخطيط العام‪.‬‬ ‫‪.5‬رسم السياسة الصحية العامة‪.‬‬ ‫‪.6‬رسم السياسة التعليمية والرتبوية العامة‪.‬‬ ‫‪.7‬رس���م سياسة امل����وارد امل��ائ��ي��ة الداخلية‪،‬‬ ‫توزيعا ً‬ ‫ً‬ ‫عادال هلا‪ ،‬وينظم‬ ‫وتنظيمها مبا يضمن‬ ‫ذلك بقانون‪.‬‬ ‫وجتب اإلش��ارة هنا اىل أن موضوع املواصالت‬ ‫سواء الربية منها أو البحرية أو اجلوية مل يرد‬ ‫ذكرها ضمن االختصاصات احلصرية للحكومة‬ ‫ً‬ ‫سادسا منها يتعلق‬ ‫االحت��ادي��ة‪ ،‬اال أن الفقرة‬ ‫جانب منها باجملال اجل��وي‪ ،‬فالرتددات البثية‬

‫هي الرتددات البثية لوسائل االتصاالت اخلاصة‬ ‫بالراديو والتلفزيون والسلكية والالسلكية‬ ‫منها اليت تغطي التقسيمات اجلوية العشرة‬ ‫ملناطق العراق‪ ،‬فاالتصال يف جمال اإلعالم يعين‬ ‫«العملية ال�تي يتفاعل مبقتضاها مستقبل‬ ‫ومرسل الرسالة‪( ،‬كائنات حية أو آالت) يف‬ ‫مضامني اجتماعية معينة‪ ،‬ويف هذا التفاعل‬ ‫يتم نقل أفكار ومعلومات ومنبهات بني األفراد‬ ‫عن قضية معينة أو معنى حمدد أو واقع معني»‪.‬‬ ‫(‪ )68‬أما مصطلح االتصاالت عند املتخصصني يف‬ ‫جمال االتصاالت فيقابلها بالفرنسية‬ ‫(‪ ) Télécommunication‬ويقصد بها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وفقا ملا أوردته لوائح الراديو ولوائح االتصاالت‬ ‫الدولية وهي الوثائق الدولية امللزمة للدول‬ ‫األعضاء يف االحت��اد الدولي لالتصاالت وتعين‬ ‫« كل إرس��ال أو بث أو استقبال للعالمات أو‬ ‫اإلش���ارات أو املكتوبات أو الصور أو األص��وات‬ ‫أو املعلومات‪ ،‬مهما كانت طبيعتها‪ ،‬بواسطة‬ ‫األنظمة السلكية أو ال��رادي��و أو البصرية أو‬ ‫س��واه��ا م��ن األن��ظ��م��ة الكهرومغناطيسية»‪.‬‬ ‫(‪ )69‬وتعتمد تقنية االتصاالت التكنولوجية‬ ‫احلديثة على خاصيتني من خصائص الطبيعة‬ ‫هما ال��ط��اق��ة الكهرومغناطيسية أو طيف‬ ‫ترددات الراديو واملدارات الفضائية‪ ،‬والرتددات‬ ‫البثية هي الوسيلة اليت ميكن من خالهلا نقل‬ ‫الرسالة واالتصال بني احملطة األرضية والقمر‬ ‫الصناعي‪ ،‬حيث تعتمد شبكات االت��ص��االت‬ ‫وحم��ط��ات ال��ت��ل��ف��زي��ون واإلذاع�����ة وشبكات‬ ‫الكومبيوتر يف تشغيلها على حتويل املعلومات‬ ‫إىل طاقة تشع يف الفضاء‪ .‬ويتطلب استخدام‬ ‫ً‬ ‫خاليا‬ ‫تردد معني يف االتصاالت أن يكون الرتدد‬


‫من التداخل الضار أي التشويش ‪Harmful‬‬ ‫‪ interference‬ال���ذي يقلل م��ن ج��ودة‬ ‫ً‬ ‫وحرصا على احلصول على‬ ‫االتصال وقدرته‪،‬‬ ‫خدمة اتصاالت مرضية فقد حتتم أن ينشأ‬ ‫نوع من التنظيم لطيف الرتددات البثية وذلك‬ ‫ً‬ ‫حتقيقا للمصلحة الدولية العامة‪ ،‬وقد أوكلت‬ ‫تلك املهمة اىل االحتاد الدولي لالتصاالت وتتوىل‬ ‫كل دولة تنفيذ لوائح وتوصيات االحتاد الدولي‬ ‫لالتصاالت يف حدود اختصاصها اإلقليمي‪)70(،‬‬ ‫وهذا ما تقوم به مجهورية العراق يف هذا اجملال‪.‬‬ ‫ونظراً ألهمية موضوع النفط والغاز فال بد‬ ‫لنا من التطرق للمادتني ‪111‬و ‪ 112‬من الدستور‪،‬‬ ‫إذ خصص الدستور املادتني املذكورتني للموارد‬ ‫الطبيعية املتعلقة بالنفط والغاز فقط‪ ،‬فاملادة‬ ‫‪ 111‬جاءت على شكل صياغة عامة بان النفط‬ ‫والغاز هو ملك كل الشعب العراقي يف كل األقاليم‬ ‫واحملافظات وأن الشعب العراقي متكون من‬ ‫القوميتني الرئيسيتني العربية والكردية‪)71( ،‬‬ ‫والقوميات األخ��رى واألدي��ان واملذاهب‪ ،‬وهذا‬ ‫يعين بأن شعب إقليم كوردستان يشمل إضافة إىل‬ ‫األكثرية الكوردية كل من األخوة العرب والكلد‬ ‫وآشوريني والسريان واألتراك ومجيع املذاهب‬ ‫األخ��رى‪ ،‬وان النفط والغاز يف منطقة إقليم‬ ‫كوردستان يعود إىل مجيع من هم يف اإلقليم‪ ،‬لذا‬ ‫فان استغالل هذه املوارد من قبل اإلقليم يكون‬ ‫لصاحل مجيع السكان يف اإلقليم ويف هذا االطار‬ ‫يرجع لصاحل مجيع سكان العراق‪ .‬ويتطابق مع‬ ‫مفهوم نص هذه املادة‪ .‬أما املادة ‪ 112‬فجاءت اكثر‬ ‫ً‬ ‫تفصيال ففي فقرتها األوىل ميزت بني نوعني من‬ ‫احلقول‪ :‬احلقول احلالية واحلقول «املستقبلية «‬ ‫ً‬ ‫ضمنا من سياق املادة‪ ،‬فبالنسبة للحقول‬ ‫يفهم‬

‫احلالية ويقصد بها احلقول املوجودة وقت نفاذ‬ ‫الدستور فتقوم احلكومة االحتادية وحكومة‬ ‫األقاليم واحملافظات املنتجة بإدارتها ً‬ ‫معا وأما‬ ‫ما يتعلق باحلقول املستقبلية‪ ،‬فهذه احلقول‬ ‫تقوم بإدارتها حكومات األقاليم أو احملافظات‬ ‫املنتجة هلا لوحدها‪ ،‬ولكن تتقيد يف كل ذلك‬ ‫بتنفيذ ما يوضع من سياسات اسرتاتيجية من‬ ‫قبل احلكومة االحتادية وحكومات األقاليم‬ ‫واحملافظات لتطوير ثروة النفط والغاز (الفقرة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وطبقا هلذه املادة فان من‬ ‫ثانيا من املادة ‪.)112‬‬ ‫حق حكومة إقليم كوردستان يف هذه احلالة‬ ‫القيام بعمليات استكشافات واستخراج واستثمار‬ ‫احلقول النفطية وإدارت��ه��ا وتسويقها‪ ،‬شرط‬ ‫مراعاة السياسة االسرتاتيجية املرسومة يف هذا‬ ‫اجملال ً‬ ‫معا مع احلكومة االحتادية‪ .‬هذا وجتدر‬ ‫اإلشارة هنا اىل أن العقود النفطية املعقودة بني‬ ‫سلطات إقليم كوردستان والشركات األجنبية‬ ‫هي من العقود القانونية املطابقة للدستور‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وتعد ه��ذه العقود عقوداً‬ ‫قانونية صحيحة‬ ‫وذلك استناداً اىل ما جاء يف املادة ‪ 112‬من الدستور‬ ‫واملادة ‪ 110‬منه‪ .‬هذا وإضافة اىل أن املادة (‪،)113‬‬ ‫قد جعلت إدارة املواقع األثرية والبنى الرتاثية‬ ‫واملخطوطات واملسكوكات من احلقول اليت تتم‬ ‫بالتعاون بني احلكومة الفدرالية وحكومات‬ ‫األقاليم‪.‬‬ ‫و مبوجب املادة (‪ )115‬من الدستور‪ ،‬أصبحت‬ ‫السلطات املتبقية م��ن صالحية األقاليم‬ ‫الفدرالية املكونة لالحتاد الفدرالي العراقي‪ ،‬كما‬ ‫أصبح أي تنازع يف الصالحيات املشرتكة‪ ،‬تكون‬ ‫األولوية فيه لقانون األقاليم الفدرالية‪ .‬وبقدر‬ ‫تعلق األمر مبوضوع حبثنا هذا وكما اشرنا اليه‬ ‫‪251‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪252‬‬

‫ً‬ ‫سابقا فان موضوع املواصالت سواء الربية منها‬ ‫أو اجلوية أو «البحرية» مل ي��رد ذك��ره ضمن‬ ‫االختصاصات احلصرية للحكومة االحتادية‪،‬‬ ‫لذا واحلالة هذه فانه يدخل ضمن نطاق املادة‬ ‫‪ 115‬من الدستور فهل حيق لإلقليم تنظيم هذا‬ ‫اجملال ؟ هذا ما نقوم بدراسته يف املطلب الثاني‬ ‫من هذا البحث ‪.‬‬ ‫املطلب ال��ث��ان��ي‪ :‬اخ��ت��ص��اص سلطات إقليم‬ ‫كوردستان بتنظيم جماهلا اجلوي ضمن أحكام‬ ‫الدستور العراقي‬ ‫ً‬ ‫بينا يف املبحث األول معنى اجملال اجلوي للدولة‬ ‫وأن للدولة السيادة على اجملال الذي يعلو إقليمها‬ ‫األرض��ي والبحري‪ ،‬وأم��ا فيما يتعلق بالفضاء‬ ‫اخلارجي فهناك نظام قانوني دولي آخر يطبق‬ ‫على هذا اجملال‪ ،‬ورأينا ماذا يعين مفهوم السيادة‬ ‫يف القانون ال��دول��ي‪ ،‬وأن الدولة هي صاحبة‬ ‫السيادة يف ما خيص العالقات اخلارجية‪ ،‬ويعين‬ ‫استقالل الدولة يف ممارسة هذه السيادة جتاه‬ ‫األشخاص الدولية األخرى وبأن هذه السيادة‬ ‫هلا مظهران مظهر داخلي ومظهر خارجي‬ ‫وان السيادة يف مظهرها الداخلي هي سيادة‬ ‫جمزئة يف الدولة الفدرالية‪ ،‬ومتارس باملشاركة‬ ‫والتعاون والتناسق مع األقاليم أو الدول العضوة‬ ‫يف الفدرالية‪ ،‬ووف��ق ً��ا ألحكام دستور الدولة‬ ‫الفدرالية‪ ،‬وعلى هذا األس��اس ميكن االستناد‬ ‫على هذا النوع من احلل لبيان اختصاص إقليم‬ ‫كوردستان يف تنظيم جماله اجلوي ضمن أحكام‬ ‫دستور العراق احلالي‪ ،‬وبالتنسيق مع احلكومة‬ ‫االحتادية‪ ،‬وجيب التمييز هنا بني مسألتني‪:‬‬

‫األوىل هي السيادة على اجمل��ال اجل��وي إلقليم‬ ‫ك��وردس��ت��ان يف القضايا األمنية والعسكرية‬ ‫والثانية هي تنظيم أمور املالحة اجلوية املدنية‬ ‫لألغراض التجارية واالقتصادية والسياحية‬ ‫عرب املطارين الدوليني يف اإلقليم مطار أربيل‬ ‫الدولي ومطار السليمانية الدولي‪ . )72( ،‬نورد‬ ‫فيما يلي األسباب القانونية الدولية والداخلية‬ ‫و التارخيية واإلنسانية واالقتصادية والتجارية‬ ‫اليت ميكننا االستناد عليها يف ممارسة سلطات‬ ‫اإلقليم لسيادتها على إقليمها من الناحية‬ ‫األمنية والعسكرية و املالحة اجلوية املدنية‪:‬‬ ‫‪ _ 1‬األسباب التارخيية واإلنسانية‪:‬‬ ‫ال خيفى على أح��د ما عاناه مواطنو اقليم‬ ‫كوردستان منذ تأسيس الدولة العراقية يف ‪1921‬‬ ‫ولغاية ‪ 1992‬من سوء استعمال اجملال اجلوي من‬ ‫قبل احلكومات العراقية‪ ،‬وكان أكثرها تدمرياً‬ ‫ما قامت به احلكومات العراقية املتعاقبة بعد‬ ‫متتال وباستعمال‬ ‫ثورة ‪ 14‬متوز ‪ 1958‬من قصف‬ ‫ِ‬ ‫كافة أنواع القنابل احلارقة منها قنابل النابامل‬ ‫يف الستينات من القرن املاضي وقصفهم للمدن‬ ‫والقرى واألرياف دون استثناء قصفهم املتكرر‬ ‫يف السبعينات من القرن املاضي وخاصة ملدينيت‬ ‫قلعةدزة و حلبجة عام ‪( ،1974‬إذ كان كاتبا هذا‬ ‫البحث شاهدي عيان ملا أحدثتها هذه هجمات‬ ‫اجلوية من قتل ملئات من املدنيني العزل منهم‬ ‫األطفال والنساء والشيوخ إضافة اىل الدمار‬ ‫يف امل���دن)‪ ،‬وت��وال��ت ه��ذه ال��غ��ارات اجلوية غري‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬اىل أن استعمل النظام السابق أسلحة‬ ‫ً‬ ‫دوليا وخاصة السالح‬ ‫الدمار الشامل واحملرمة‬ ‫الكيمياوي يف قصفه ملدينة حلبجة بتأريخ‬ ‫‪ ،1988/4/16‬مما أدى إىل مقتل اآلالف من املدنيني‬


‫العزل‪ ،‬وتكرر األمر يف مناطق بهدينان وغريها‬ ‫من املناطق األخرى‪ ،‬هذا وجيب التذكري باجلرائم‬ ‫األخرى اليت اقرتفها النظام السابق يف العمليات‬ ‫العسكرية املسماة بـ(األنفال) « إبادة مجاعية»‬ ‫ومقابر مجاعية وتهجري قسري وتشريد ذهب‬ ‫ضحيتها أكثر من نصف مليون مواطن كوردي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مستقبال‪ ،‬يكون من‬ ‫ودرئا لتكرار هذه املآسي‬ ‫الضروري أن تكون سلطات اإلقليم هي املكلفة‬ ‫باحلفاظ على اجملال اجلوي من الناحية األمنية‬ ‫ً‬ ‫وطبقا ملفهوم الضرورات الوظيفية‬ ‫والعسكرية‬ ‫لسلطات اإلقليم واستناداً ملا تنص عليه الفقرة‬ ‫ً‬ ‫خامسا من املادة ‪ 121‬من الدستور‪.‬‬ ‫وجتدر اإلشارة إىل أن قوات اإلقليم الكوردية‬ ‫« البيشمركه « هي جزء من القوات العسكرية‬ ‫العراقية‪ ،‬وه��ي املكلفة بالدفاع عن حدود‬ ‫وأمن اإلقليم مع دول اجلوار‪ )73(.‬لذا يتوجب‬ ‫تدريب هذه القوات بأحدث الطرق العسكرية‬ ‫أسوة بسائر القوات العراقية‪ ،‬وتسليحها بأحدث‬ ‫األسلحة الثقيلة احلديثة‪ ،‬للتمكن من الدفاع عن‬ ‫حدود اإلقليم « اليت هي جزء من العراق « جتاه‬ ‫أي خطر خارجي يهدد أمن وسالمة اإلقليم‬ ‫وتشكيل قوة جوية خاصة بها وبالتنسيق مع‬ ‫السلطات االحتادية للحفاظ على أمن وسالمة‬ ‫اإلقليم والدفاع عن احل��دود‪ ،‬باعتبار القوات‬ ‫العسكرية يف اإلقليم جزءاُ من القوات العسكرية‬ ‫ً‬ ‫سابقا فان القوات األمنية‬ ‫العراقية‪ ،‬وكما قلنا‬ ‫والعسكرية التابعة لإلقليم أثبتت قدرتها‬ ‫وجناحها يف ضبط األمن واالستقرار فيها‪ ،‬عالوة‬ ‫على ذلك ستكون هذه القوات يد عون للسلطات‬ ‫االحت��ادي��ة متى م��ا طلبت ذل��ك يف استتباب‬ ‫واالستقرار يف ّأي جزء من العراق‪ ،‬وهذا ما كان‬

‫عليه األمر عندما ساهمت هذه القوات يف تعزيز‬ ‫األمن واالستقرار يف بغداد عام ‪ )74(2007‬أو يف‬ ‫املناطق األخرى من العراق‪.‬‬ ‫هذا وجت��در اإلش��ارة إىل انه من املقرر إنشاء‬ ‫فرقتني عسكريتني ك��ردي��ت�ين يف اجليش‬ ‫العراقي ونرى وجوب اإلسراع يف تنفيذ ذلك‪،‬‬ ‫لكي يشعر الكردي كأخيه العربي بدوره الفعال‬ ‫يف التشكيالت العسكرية العراقية بكافة أصنافها‬ ‫ومن ضمنها القوة اجلوية العسكرية‪)75(.‬‬ ‫‪ 2‬ـ الضرورات الوظيفية املتعلقة حبفظ األمن‬ ‫واالستقرار ومكافحة اإلرهاب‪:‬‬ ‫لكي تقوم سلطات اإلقليم مبهامها الوظيفية‬ ‫ب��وج��ه سليم‪ ،‬جي��ب أن ت��ك��ون مم��ارس��ة هذه‬ ‫السلطات بوجه كامل سوا ًء على اجملال األرضي‬ ‫لإلقليم أو على جماله اجلوي وبعكسه فان هذه‬ ‫السلطات تكون غري قادرة على القيام بواجباتها‬ ‫كما يرام وخاصة جتاه مجيع أنواع التهديدات‬ ‫اليت تواجهها وخاصة اإلرهابية منها‪ ،‬إذ تلعب‬ ‫املنظمات اإلرهابية دوراً كبرياً يف زعزعة األمن‬ ‫واالستقرار يف العامل بصورة عامة ويف العراق‬ ‫بصورة خاصة ومن ضمنه إقليم كوردستان‪،‬‬ ‫إذ قامت هذه املنظمات اإلرهابية بالعديد من‬ ‫العمليات اإلرهابية اإلجرامية يف اإلقليم ذهب‬ ‫ضحيتها الكثري م��ن األب��ري��اء‪ ،‬وتتفنن هذه‬ ‫املنظمات اإلرهابية باستعمال أحدث الوسائل‬ ‫يف تنفيذ عملياتها‪ ،‬ومل��ا ك��ان اإلره���اب ميثل‬ ‫اخلطر احمل��دق لذا يكون من واج��ب السلطات‬ ‫األمنية لإلقليم صده وردعه بالسرعة القصوى‬ ‫وباستعمال أحدث األجهزة املتطورة‪ ،‬إذ تقع على‬ ‫عاتق هذه السلطات توفري األمن واالستقرار‬ ‫جلميع املواطنني‪ ،‬ونظراً ملا ميثله اإلرهاب من‬ ‫‪253‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪254‬‬

‫خماطر مجة على سالمة املواطنني وضرورة‬ ‫السرعة للتصدي هل��ذا اخلطر ف��ان م��ن أهم‬ ‫الوسائل السريعة لصد هذه األعمال اإلرهابية‬ ‫ومقاومتها هي الطائرات‪ ،‬لذا بات من الضروري‬ ‫أن متتلك القوات األمنية لإلقليم الطائرات‬ ‫املروحية احلديثة للقيام مبهماتها بالسرعة‬ ‫لصد اهلجمات اإلرهابية‪ ،‬وكذلك األمر بالنسبة‬ ‫ل��ق��وات الشرطة و ال��دف��اع امل��دن��ي (اإلط��ف��اء)‬ ‫وجتهيزهم باملروحيات اخل��اص��ة (ط��ائ��رات‬ ‫اهلليكوبرت ) لتسهيل أمر نقل اجلرحى واملصابني‬ ‫وإطفاء احلرائق النامجة عن مثل هذه األعمال‬ ‫اإلرهابية أو غري اإلرهابية (حوادث الطرق أو‬ ‫ً‬ ‫عامال‬ ‫احلرائق ألسباب أخرى ) فان ذلك يشكل‬ ‫ً‬ ‫مهما يف تسهيل عمل السلطات لواجباتها يف حفظ‬ ‫األمن واالستقرار داخل اإلقليم كما تنص عليها‬ ‫ً‬ ‫خامسا من املادة ‪ 121‬من الدستور‪ ،‬فيحق‬ ‫الفقرة‬ ‫لإلقليم حيازة الطائرات املخصصة للخدمات‬ ‫العامة كالطائرات املخصصة خلدمات الشرطة‬ ‫ً‬ ‫طبقا ملبدأ‬ ‫والدفاع املدني (احلريق ) والربيد‬ ‫الضرورات الوظيفية‪ ،‬إذ أن السرعة وحسن إداء‬ ‫الوظيفة من قبل سلطات اإلقليم تتطلب بان‬ ‫يكون لإلقليم مثل هذه الطائرات وذلك بغية‬ ‫إدائها لوظائفها على الوجه األكمل ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ القرارات الدولية‪:‬‬ ‫بعد غزو العراق للكويت واحتالله يف ‪ 2‬آب عام‬ ‫‪ 1990‬أصدر جملس األمن عدة قرارات مهمة منها‬ ‫القرار ‪ 660‬يف ‪ 2‬آب ‪ 1990‬و ‪ 661‬يف ‪ 6‬آب ‪ 1990‬والقرار‬ ‫املرقم ‪ 670‬واملؤرخ يف ‪ / 25‬أيلول ‪ 1990 /‬والقرار‬ ‫‪ 688‬يف ‪/5‬نيسان‪ )76( 1991/‬واستناداً على هذه‬ ‫القرارات وخاصة القرارين املرقمني ‪ 670‬و‪،688‬‬ ‫ق��ررت القوات الدولية إنشاء منطقة حظر‬

‫حتليق الطائرات العراقية‪ ،‬بني خطوط العرض‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مشاال‪ ،‬فمنذ ذلك احلني ولغاية‬ ‫جنوبا و‪36‬‬ ‫‪32‬‬ ‫سقوط النظام السابق يف ‪ 2003/4/9‬مل حتلق‬ ‫أي طائرة عراقية على هذه املناطق احملظورة‪،‬‬ ‫واستطاعت سلطات اإلقليم فرض سيطرتها‬ ‫على إقليم كوردستان وممارسة سلطاتها بشكل‬ ‫تام‪ ،‬وفرض األمن واالستقرار فيه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫سابقا يف مقدمة البحث بانه من‬ ‫وكما ب ّينا‬ ‫املقرر أن يتم تسليم السيادة يف اجملال اجلوي‬ ‫للقوات العراقية خ�لال األشهر املقبلة‪ ،‬وملا‬ ‫كان اإلقليم ج��زءاً من العراق ومبا أن القوات‬ ‫العسكرية الكردية (البيشمركه ) هي جزء من‬ ‫القوات املسلحة العراقية ووظيفتها احملافظة‬ ‫على ح��دود اإلقليم‪ ،‬لذا يكون من الضروري‬ ‫و»بالتنسيق مع احلكومة االحتادية» مشاركة‬ ‫هذه القوات يف استالم هذه السيادة‪.‬‬ ‫‪4‬ـ املادتان ‪ 110‬و ‪ 115‬من الدستور العراقي‪:‬‬ ‫مل يرد ضمن االختصاصات احلصرية للحكومة‬ ‫االحتادية أي ذكر للمواصالت سواء الربية منها‬ ‫أو اجلوية أو البحرية‪،‬فان أمر املواصالت هذه‬ ‫يدخل واحلالة هذه ضمن نطاق املادة ‪ 115‬من‬ ‫الدستور‪ ،‬فباالستناد اىل نص هاتني املادتني‬ ‫يكون لسلطات اإلقليم االختصاص القانوني‬ ‫الدستوري بتنظيم موضوع املواصالت الربية‬ ‫يف اإلقليم‪ ،‬واجلوية بالتنسيق مع احلكومة‬ ‫االحتادية فيما خيص املسائل األمنية والعسكرية‬ ‫‪.‬‬ ‫‪5‬ـ حرية تنقل األشخاص‪:‬‬ ‫تنص الفقرة ً‬ ‫أوال من امل��ادة ‪ 44‬من الدستور‬ ‫العراقي على إن « للعراقي حرية التنقل والسفر‬ ‫والسكن داخل العراق وخارجه» فهذه احلرية‬


‫من احلريات املهمة اليت نص عليها الدستور‪،‬‬ ‫وال خيفى أن هناك اآلالف من العراقيني الذين‬ ‫هاجروا من الوطن ويقيمون يف شتى أرجاء‬ ‫العامل فلهؤالء وكذلك للذين يسكنون العراق‬ ‫حرية السفر واخل���روج من ال��ع��راق والعودة‬ ‫اليه‪ .‬ويف إقليم كوردستان العراق اليوم مطاران‬ ‫ً‬ ‫وقريبا مطار‬ ‫دوليان (أربيل والسليمانية)‬ ‫دولي آخر يف ده��وك‪ ،‬وبافتتاح املطار اجلديد‬ ‫يف أربيل يكون مطار أربيل من أحدث املطارات‬ ‫الدولية العاملية وسيكون باستطاعته استقبال‬ ‫أضخم الطائرات لنقل األشخاص ولتسهيل سفر‬ ‫املواطنني والسواح من واىل العراق‪ )77(،‬فيكون‬ ‫من الضروري إنشاء شركة مالحة جوية مدنية‬ ‫لإلقليم متتلك أسطوال من الطائرات احلديثة‬ ‫تقوم مبهمة نقل األشخاص وبأسعار مناسبة‪،‬‬ ‫وليكون مبتناول كافة العراقيني من السفر عن‬ ‫طريق هذه الشركة للدول األخرى‪ ،.‬سواء أكان‬ ‫ذلك ألغ��راض السياحة أو املعاجلة الطبية أو‬ ‫لألغراض العلمية أو غريها‪.‬‬ ‫‪6‬ـ العوامل االقتصادية والتجارية‪:‬‬ ‫عاملنا اليوم هو عامل العوملة‪ ،)78(،‬إذ يتصف‬ ‫بسرعة التنقل و احلركة يف كافة اجمل��االت و‬ ‫باألخص ما يتعلق باالقتصاد والتجارة‪ ،‬و لو‬ ‫أردنا بناء اقتصاد قوي ومتقدم وجتارة مزدهرة‬ ‫فيكون من األولويات االهتمام بهذين النشاطني‬ ‫احليويني لتسهيل سرعة نقل البضائع ليس‬ ‫فقط عن طريق الرب بل عن طريق اجلو وهي‬ ‫الوسيلة األسرع للنقل وذلك لتشجيع االستثمار‬ ‫وانعاش االقتصاد والتجارة يف العراق عامة‬ ‫وإقليم كوردستان خاصة‪ ،‬فيجب من اآلن تهيئة‬

‫األرضية إلنشاء شركة نقل البضائع عن طريق‬ ‫اجلو وشراء طائرات (الكاركو) اخلاصة بنقل‬ ‫البضائع‪ ،‬فيجب على حكومة اإلقليم إنشاء هذا‬ ‫النوع من الشركات أو تشجيع أنشائها عن طريق‬ ‫القطاع اخل��اص وذل��ك لتأمني نقل البضائع‬ ‫للعراق ولبقية الدول اجملاورة‪ ،‬وكذلك لتسهيل‬ ‫تصدير املنتوجات العراقية اىل الدول األجنبية‬ ‫األخرى‪.‬‬ ‫هذا وجت��در اإلش��ارة إىل أن الطبيعة اخلالبة‬ ‫إلقليم كوردستان و املواقع األثرية القدمية يف‬ ‫العراق متثالن عاملني مهمني جيب استغالهلما‬ ‫لألغراض السياحية وألجل تنظيم السفرات‬ ‫السياحية إىل بغداد واآلثار التارخيية حلضارة‬ ‫وادي الرافدين‪.‬‬ ‫اس��ت��ن��اداً هل��ذه األس��ب��اب القانونية الدولية‬ ‫والداخلية وللضرورات الوظيفية وملا تتطلب‬ ‫الضرورات االقتصادية والتجارية والعملية‪ ،‬وملا‬ ‫كانت القومية الكوردية هي جزء من الشعب‬ ‫العراقي‪ ،‬وألجل املشاركة الفعالة هلذه القومية‬ ‫يف احلكم و يف سيادة الدولة العراقية وذلك‬ ‫على أس��اس التوافق وع��دم االن��ف��راد باحلكم‬ ‫كما كان األم��ر عليه يف األنظمة السابقة‪ ،‬وملا‬ ‫ً‬ ‫فدراليا اقر به قانون إدارة‬ ‫كان اإلقليم إقليما‬ ‫الدولة العراقية للمرحلة االنتقالية لسنة ‪2004‬‬ ‫ومن ثم دستور العراق لسنة ‪ ،2005‬وملا كان‬ ‫جمال املواصالت ال يدخل ضمن االختصاصات‬ ‫احلصرية للحكومة االحت��ادي��ة‪ ،‬ل��ذا ب��ات من‬ ‫ال��ض��روري لسلطات اإلقليم أن تنظم هذا‬ ‫اجمل��ال اجل��وي وتشرع قانون لتنظيم املالحة‬ ‫املدنية اجلوية لإلقليم وأنشاء شركة خاصة‬ ‫‪255‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪256‬‬

‫باملالحة اجلوية بها استناداً إىل أحكام املادة ‪115‬‬ ‫من الدستور العراقي‪ )79(،‬واملشاركة يف أعمال‬ ‫ومؤمترات منظمة الطريان املدني الدولية ً‬ ‫طبقا‬ ‫ملا جاء يف الفقرة ً‬ ‫رابعا من املادة ‪ 121‬من الدستور‬ ‫العراقي‪ )80(،‬واالنتماء اىل املنظمة الدولية غري‬ ‫احلكومية للنقل اجلوي (‪ .)I.A.T.A‬أما ما‬ ‫خيص اجلانب األمين و العسكري للمجال اجلوي‬ ‫فيتم تنظيمه بالتنسيق بني سلطات اإلقليم‬ ‫ً‬ ‫وطبقا ملبدأ الضرورات‬ ‫والسلطات االحتادية‬ ‫الوظيفية لإلقليم ‪.‬‬ ‫اخلامتة‬ ‫م��ن خ�لال دراستنا ه��ذه ميكننا استخالص‬ ‫االستنتاجات و إبداء التوصيات اآلتية‪:‬‬ ‫أ ـ االستنتاجات‪:‬‬ ‫‪1‬ـ تبنت معاهدة شيكاغو لعام ‪1944‬نفس املبدأ‬ ‫ال��ذي نصت عليه معاهدة باريس لعام ‪1919‬‬ ‫بسيادة الدولة على جماهلا اجلوي إذ نصت املادة‬ ‫األوىل منها على أن» تعرتف ال��دول املتعاقدة‬ ‫بأن لكل دولة السيادة الكاملة واحلصرية على‬ ‫اجملال اجلوي الذي يعلو إقليمها‪ ».‬و أكدت على‬ ‫أن اجمل��ال اجل��وي إلقليم الدولة يشمل إضافة‬ ‫لإلقليم األرضي إقليمها البحري ً‬ ‫أيضا‪ ،‬وهذا ما‬ ‫مت التأكيد عليه يف املادة الثانية من معاهدة‬ ‫جنيف خبصوص البحر اإلقليمي واملنطقة‬ ‫املتامخة لعام ‪ ،1958‬ويف الفقرة الثانية من املادة‬ ‫الثانية من معاهدة قانون البحار (مونتيغو‬ ‫باي) لعام ‪ ،1982‬وميكن اعتبار هذه املعاهدات‬ ‫مبثابة القانون الدولي الوضعي للمجال اجلوي‪.‬‬ ‫‪2‬ـ إن اجمل��ال اجل��وي اإلقليمي للدولة هو ذلك‬ ‫احليز من اهلواء (اجلو) الذي يعلو إقليم الدولة‬

‫األرض��ي والبحري واخلاضع للسيادة الكاملة‬ ‫واحلصرية للدولة‪ ،‬فلكل دول��ة جماهلا اجلوي‬ ‫اخلاص بها‪ .‬ومن هذا املنظار فان اإلقليم اجلوي‬ ‫للدولة يعد جزءاً من اإلقليم الوطين للدولة‪.‬‬ ‫فالسيادة اجلوية للدولة تتوقف عند إقليمها‬ ‫األرضي أو عند نهاية حدود البحر اإلقليمي (إذا‬ ‫كانت الدولة من الدول الساحلية)‪ ،‬وان اجملال‬ ‫اجلوي للدولة ال يتعدى املناطق ذات احلقوق‬ ‫السيادية للدولة (اجل��رف ال��ق��اري واملنطقة‬ ‫االقتصادية اخلالصة)‪ .‬أما اجملال اجلوي الدولي‬ ‫الذي ال خيضع لسيادة الدولة فهو اجملال الذي‬ ‫يتعدى حدود البحر اإلقليمي للدولة (إذا كانت‬ ‫الدولة من الدول الساحلية)‪ .‬وهناك صعوبة‬ ‫يف حتديد مدى هذا اجمل��ال ً‬ ‫أفقيا لعدم وجود‬ ‫ضوابط حم��ددة بني اجمل��ال اجل��وي للدولة و‬ ‫الفضاء اخلارجي ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ ل��ل��س��ي��ادة م��ظ��ه��ران يف ال��ق��ان��ون ال��دول��ي‬ ‫العام‪،‬مظهر داخلي ويعين حرية الدولة يف‬ ‫اختيار شكل نظام احلكم ونظامه االجتماعي‬ ‫واالقتصادي وممارسة اختصاصاتها وسلطاتها‬ ‫وجتزئتها داخل حدودها‪ ،‬وذلك ضمن احرتام‬ ‫قواعد القانون الدولي‪ ،‬واملظهر اخلارجي وهو‬ ‫استقالل الدولة يف سياستها اخلارجية دون‬ ‫اخلضوع لسلطة عليا أخرى‪ ،‬و بعبارة أخرى فان‬ ‫هلذه السيادة وجهان وجه إجيابي و يعين ممارسة‬ ‫الدولة حصراً لكامل اختصاصاتها وحريتها يف‬ ‫كيفية ممارسة هذه االختصاصات‪ ،‬ووجه سليب‬ ‫هو رفض اخلضوع ألية إرادة خارجية أو سلطة‬ ‫عليا أخرى‪ ،‬فان كانت الدولة املوحدة البسيطة‬ ‫تنفرد يف إدارة شؤونها الداخلية واخلارجية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫طبقا لنظرية السيادة املوحدة الكالسيكية‬


‫أي أن الدولة متارس السيادة لوحدها من قبل‬ ‫السلطة املركزية‪ ،‬فان هذه السيادة يف مظهرها‬ ‫الداخلي تكون جمزئة يف الدولة الفدرالية بني‬ ‫احلكومة االحتادية واألقاليم وخاصة يف الدولة‬ ‫االحتادية املتعددة القوميات‪.‬‬ ‫‪4‬ـ نشأت دولة العراق عام ‪ 1921‬على شكل دولة‬ ‫موحدة بسيطة وأثبتت التجارب املاضية فشل‬ ‫احلكومات العراقية السابقة يف بناء جمتمع‬ ‫حضاري عراقي متجانس‪ ،‬لذا مت التفكري باألخذ‬ ‫بالنظام االحتادي كبديل آخر وجديد للحكم‬ ‫يف الدولة العراقية‪ ،‬وتبناه الدستور العراقي‬ ‫اجلديد لعام ‪ .2005‬ففي الدولة االحتادية إن‬ ‫السيادة يف مظهرها الداخلي هي سيادة جمزئة‪،‬‬ ‫ومت��ارس باملشاركة والتعاون والتناسق بني‬ ‫احلكومة االحتادية واألقاليم أو الدول األعضاء‬ ‫يف الفدرالية‪ ،‬ووف��ق ً��ا ألحكام دستور الدولة‬ ‫الفدرالية‪ ،‬وعلى ه��ذا األس��اس يكون إلقليم‬ ‫كوردستان احلق يف تنظيم جماله اجلوي ضمن‬ ‫أحكام دستور العراق احلالي‪ ،‬وبالتنسيق مع‬ ‫احلكومة االحتادية‪ ،‬إذ جيب التمييز هنا بني‬ ‫مسألتني‪ :‬األوىل هي السيادة على اجملال اجلوي‬ ‫إلقليم كوردستان يف القضايا األمنية والعسكرية‬ ‫والثانية هي تنظيم أمور املالحة اجلوية املدنية‬ ‫لألغراض التجارية واالقتصادية والسياحية‬ ‫عرب املطارين الدوليني يف اإلقليم مطار أربيل‬ ‫الدولي ومطار السليمانية الدولي (أو غريهما‬ ‫ً‬ ‫مستقبال)‪.‬‬ ‫‪6‬ـ حددت املادة ‪ 110‬من الدستور االختصاصات‬ ‫احلصرية للسلطات االحتادية بتسع مسائل‪،‬‬ ‫وان م��وض��وع امل��واص�لات س���واء ال�بري��ة منها‬ ‫أو البحرية أو اجلوية مل يدخل ضمن هذه‬

‫االختصاصات احلصرية للحكومة االحتادية‬ ‫فإنها تدخل‪ ،‬واحلالة هذه‪ ،‬ضمن نطاق املادة‬ ‫‪ 115‬من الدستور‪ ،‬إذ ان إلقليم كوردستان احلق‬ ‫يف تنظيم املسائل اليت ال تدخل يف االختصاصات‬ ‫احلصرية للحكومة االحتادية ومن هذة املسائل‬ ‫موضوع التنظيم القانوني جملاله اجلوي فيما‬ ‫خيص املالحة اجلوية لألغراض املدنية‪،‬أما ما‬ ‫خيص القضايا األمنية والعسكرية وباالستناد‬ ‫ً‬ ‫خامسا من املادة ‪ 121‬من الدستور‪ ،‬فان‬ ‫اىل الفقرة‬ ‫سلطات اإلقليم تكون اجلهة املعنية بتنظيم هذا‬ ‫اجملال ً‬ ‫أيضا‪ ،‬باعتبارها السلطة املكلفة بتوفري‬ ‫األمن واالستقرار ملواطين اإلقليم‪ ،‬و»بالتنسيق‬ ‫مع احلكومة االحتادية»‪.‬‬ ‫ب ـ التوصيات‪:‬‬ ‫‪1‬ـ نظراً لألهمية احليوية للمجال اجلوي إلقليم‬ ‫كوردستان من الناحية األمنية والعسكرية‬ ‫والبيئية ول���ردع العمليات اإلره��اب��ي��ة على‬ ‫أراضي اإلقليم ولضرورة صيانة أمن وسالمة‬ ‫مواطين اإلقليم نرى من الضروري تشكيل قوة‬ ‫جوية خاصة بإقليم كوردستان وبالتنسيق‬ ‫مع احلكومة االحتادية‪ ،‬وفتح أكادميية خاصة‬ ‫بالقوة اجلوية إلعداد وتدريب الكوادر املؤهلة‬ ‫لقيادة الطائرات (املروحية منها واملقاتلة )‬ ‫واالستعانة باخلربات الوطنية واألجنبية بهذا‬ ‫اخلصوص تكون مهامها الوظيفية احملافظة على‬ ‫أمن واستقرار اإلقليم ج��واً‪ ،‬وخاصة ملكافحة‬ ‫ً‬ ‫خامسا من املادة‬ ‫اإلرهاب‪ ،‬باالستناد اىل الفقرة‬ ‫‪ 121‬من الدستور العراقي‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ فتح مكتب إلقليم كوردستان ضمن البعثة‬ ‫الدبلوماسية العراقية يف مونرتيال للمشاركة يف‬ ‫أعمال املنظمة الدولية للطريان املدني استناداً‬ ‫‪257‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪258‬‬

‫ألحكام الفقرة ُ‬ ‫رابعا من املادة ‪121‬من الدستور‬ ‫العراقي‪ ،‬واالنتماء اىل املنظمة غري احلكومية‬ ‫«اجلمعية الدولية للنقل اجلوي»‬ ‫‪I.A.T.A (The International Air‬‬ ‫‪Transport Association‬‬

‫وذلك لالستفادة من جتارب وخربات الشركات‬ ‫العاملية للنقل اجلوي‪.‬‬ ‫‪3‬ـ تشريع قانون خاص بالنقل اجلوي إلقليم‬ ‫كوردستان وإنشاء شركة خطوط جوية مدنية‬ ‫لنقل األش��خ��اص والبضائع خاصة باإلقليم‬ ‫لتكون نواة لشركة عاملية للنقل وذلك استناداً‬ ‫إلحكام املادة ‪ 115‬من الدستور العراقي‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ ت��زوي��د ق���وات ال��ش��رط��ة وال��دف��اع املدني‬ ‫بالطائرات املروحية وذلك لتسهيل مهام أداء‬ ‫أعماهلا يف مكافحة اجلرائم واحل��رائ��ق ونقل‬ ‫ً‬ ‫حرصا‬ ‫املصابني حبوادث الطرق إىل املستشفيات‬ ‫على أرواح وممتلكات املواطنني يف اإلقليم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫خامسا من امل��ادة ‪ 121‬من‬ ‫واستناداً اىل الفقرة‬ ‫الدستور‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ تشريع قانون لتنظيم اجملال اجلوي إلقليم‬ ‫كوردستان لالستخدامات السلمية ‪.‬‬ ‫اهلوامش واالحاالت‪:‬‬ ‫(‪ )1‬ـ نشر ه��ذا اخل�بر يف جريدة اإلي�لاف من‬ ‫خ�لال مقابلة مع الناطق الرمسي للحكومة‬ ‫العراقية علي ال��دب��اغ ب��ت��أري��خ ‪2010/5/6‬‬ ‫انظر املوقع اإللكرتوني جلريدة االي�لاف يف‬ ‫‪ 2010http://www.ilaf.org/5/6‬تولت‬ ‫السلطات العراقية السيطرة على اجملال اجلوي‬ ‫للبالد ما ف��وق ‪ 24‬ال��ف ق��دم (اكثر من سبعة‬ ‫كلم) فيما تواصل القوات االمريكية السيطرة‬

‫حتى ارتفاع ‪ 24‬الف قدم حتى نهاية العام ‪2011‬‬ ‫حني سيتوىل العراق السيطرة بشكل تدرجيي‬ ‫على اجمل��ال اجل��وي حتى ال��وص��ول اىل ارتفاع‬ ‫ص��ف��ر‪ .‬وك���ان اجمل���ال اجل���وي ال��ع��راق��ي خيضع‬ ‫لسيطرة مطلقة من قبل قوات التحالف بقيادة‬ ‫األمريكيني منذ اجتياح العراق يف آذار (مارس)‬ ‫‪ .2003‬انظر موقع جريدة اإليالف اإللكرتوني‬ ‫بتاريخ ‪http://www.ilaf. 2010/6/30‬‬ ‫‪org‬‬ ‫(‪ )2‬ـ األنفال واملقابر اجلماعية واستعمال أسلحة‬ ‫الدمار الشامل عن طريق اجلو يف كل من حلبجة‬ ‫وبهدينان‪ ،.‬و املناطق األخرى يف كوردستان‬ ‫(‪ )3‬ـ يكفي يف هذا الشأن االطالع على األخبار‬ ‫اليومية اليت تنشر من قبل الوسائل اإلعالمية‬ ‫املختلفة كاجلرائد واجملالت واإلذاعات وقنوات‬ ‫التلفزة العاملية واحمللية للتحقق فيما حيصل‬ ‫يف مثل هذه ال��دول من مآس وإزه��اق لألرواح‬ ‫وإهدار لألموال‪.‬‬ ‫(‪)4‬ـ أنظر حول جتربة الفدرالية األمريكية‪:‬‬ ‫د‪ .‬منذر الشاوي‪ ،‬القانون الدستوري (نظرية‬ ‫الدولة) منشورات مركز البحوث القانونية‪،‬‬ ‫بغداد‪ ،1981‬ص ‪.261‬‬ ‫(‪ )5‬ـ هناك اجتاه لدى بعض األحزاب السياسية‬ ‫بتطبيق هذا النوع من الفدرالية املركزية يف‬ ‫العراق‪ ،‬وحتاول العمل اىل إعادة سلطة احلكومة‬ ‫املركزية وتفريغ الفدرالية من حمتواها‪.‬‬ ‫(‪ )6‬ـ عقدت األحزاب السياسية العراقية قبل‬ ‫سقوط النظام السابق عدة مؤمترات وكان من‬ ‫أهمها مؤمتر صالح الدين بتاريخ ‪1992/10/30‬‬ ‫ومؤمتر لندن يف ‪.2002/12/14‬‬ ‫(‪ )7‬ـ نشر دستور العراق لسنة ‪ 2005‬يف جريدة‬


‫الوقائع العراقية بالعدد ‪ 4012‬يف ‪.2006/12/28‬‬ ‫(‪ )8‬ـ نشري هنا اىل خطر املنظمات اإلرهابية‬ ‫وهدفها لزعزعة األمن واالستقرار يف كوردستان‬ ‫وض���رورة جمابهة ه��ذه املخاطر ب��راً وج��واً‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وتفاديا ملا حدثت من أعمال إرهابية جوية يف‬ ‫بعض من ال��دول‪ ،‬واملثال احلي على مثل هذه‬ ‫األعمال اإلرهابية ما حدث يف ‪ 11‬سبتمرب ‪ 2001‬يف‬ ‫مدينة نيويورك يف الواليات املتحدة األمريكية ‪.‬‬ ‫(‪ )9‬ـ تعود أول جتربة للمنطاد اجلوي اىل عام‬ ‫‪ 1783‬وبعدها باملنطاد اجلوي املتحرك عام ‪1856‬‬ ‫وبعدها الطائرات يف عام ‪ 1890‬و االقمار الصناعية‬ ‫عام ‪ ،1957‬للمزيد حول اجملال اجلوي وتطورها‬ ‫ينظر‪ :‬د‪ .‬علي صادق أبو هيف‪ ،‬القانون الدولي‬ ‫العام‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬االسكندرية ‪ 1975‬ص ‪397‬‬ ‫وم��ا بعدها‪ ،‬د ‪ .‬عبد العزيز حممد سرحان‪،‬‬ ‫القانون الدولي العام‪ ،‬دار النهضة‪ ،‬القاهرة ‪1991‬‬ ‫ص ‪ ،11‬د‪ .‬حممد حافظ غامن‪ ،‬مبادىء القانون‬ ‫الدولي العام‪ ،‬القاهرة‪ 1967،‬ص ‪ 471‬وما يليها‪.‬‬ ‫(‪ )10‬للمزيد حول هذه النظريات انظر‪ :‬د ‪.‬‬ ‫صالح الدين عامر‪ ،‬مقدمة لدراسة القانون‬ ‫الدولي العام‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‬ ‫‪ 2002‬ص ‪ 657‬وانظر كذلك‪ :‬د‪ .‬عصام العطية‪،‬‬ ‫القانون الدولي العام‪ ،‬ط ‪ ،6‬بغداد‪( ،‬دون سنة‬ ‫طبع) ص ‪ 383‬و د‪ .‬سهيل حسني الفتالوي ود‪.‬‬ ‫غالب عواد حوامدة‪ ،‬القانون الدولي العام‪ ،‬اجلزء‬ ‫الثاني‪ ،‬حقوق الدول وواجباتها‪ ،‬دار الثقافة‪،‬‬ ‫عمان ‪ 2007‬ص ‪.142‬‬ ‫(‪ )11‬ينظر‪:‬‬ ‫‪Nicolas .Mateesco Matte، Traité‬‬ ‫‪de droit Aéronautique، «3ème éd.‬‬ ‫‪A.Pédone، Paris 1980، P 67.‬‬

‫‪Pierre-Marie‬‬ ‫‪Dupuy،‬‬ ‫‪Droit‬‬ ‫‪International Public، 9ème‬‬ ‫‪éd،‬‬ ‫‪Dalloz، 2008 P 803‬‬ ‫‪Patrick Dailler et Alin Pellet، Droit‬ـ‬ ‫‪International Public، éd D.G.D.J‬‬ ‫‪Paris 2002 P 1247.‬‬

‫(‪ )12‬ان أهم االتفاقيات الدولية املربمة واملتعلقة‬ ‫باجملال اجلوي هي‪:‬‬ ‫•معاهدة باريس للمالحة اجلوية يف ‪1/10/13‬‬ ‫‪.919‬‬ ‫•اتفاقية وارشو لتوحيد بعض قواعد النقل‬ ‫اجلوي الدولي الدولي يف ‪1929/10/12‬‬ ‫•اتفاقية الطريان املدني الدولي املعقودة يف‬ ‫شيكاغو بتأريخ ‪.1944/12/ 7‬‬ ‫•بروتوكول اله��اي املعدل التفاقية وارش��و‬ ‫اخلاصة بتوحيد بعض قواعد النقل اجلوي‬ ‫الدولي يف ‪ . 1955 /9/ 28‬واالتفاقية املتممة‬ ‫التفاقية وارش���و املتعلقة بتوحيد بعض‬ ‫القواعد اخلاصة بالنقل اجل��وي الدولي الذي‬ ‫يقوم به شخص غري الناقل املتعاقد ابرمت يف‬ ‫املكسيك عام ‪.1961‬‬ ‫•معاهدة طوكيو بشأن اجل��رائ��م واألف��ع��ال‬ ‫األخ��رى اليت ترتكب على منت الطائرات عام‬ ‫‪.1963‬‬ ‫•معاهدة قمع االستيالء غري املشروع على‬ ‫الطائرات‪ ،‬الهاي يف ‪. 1970 / 12/ 16‬‬ ‫•اتفاقية قمع جرائم االعتداء على سالمة‬ ‫الطريان املدني‪ ،‬مونرتيال يف ‪.1971 / 9 / 23‬‬ ‫•بروتوكول تعديل اتفاقية شيكاغو لعام ‪1944‬‬ ‫للطريان املدني الدولي‪ ،‬مونرتيال يف ‪/5 / 10‬‬ ‫‪. 1984‬‬ ‫‪259‬‬

‫أقواس‬


260 McCRINDEL، The Law of air، ed Stevens، London، 1953، P 37 . J KROELI، Traité de droit International public aérien، éd internationals، T 1، Paris 1934 p 367.

‫ القانون الدولي‬،‫ عصام العطية‬.‫ د‬:‫) ينظر‬20( .387 ‫ ص‬،‫ مرجع سابق‬،‫العام‬ ‫ واملادة‬1944 ‫ من إتفاقية شيكاغو لعام‬3 ‫) املادة‬21( .1919 ‫ من اتفاقية باريس لعام‬30 (22) ‫ينظر‬:

‫أقواس‬

1944 ‫ح���ول ن��ص ات��ف��اق��ي��ة ش��ي��ك��اغ��و ل��ع��ام‬ ‫واالتفاقيات االخ��رى املتعلقة باجملال اجلوي‬ ،‫ عيسى الدباح‬.‫والفضاء اخل��ارج��ي انظر د‬ ‫ دار‬،‫ اجمللد الثاني‬،‫موسوعة القانون الدولي‬ .‫ وما بعدها‬359 ‫ ص‬2003 ‫ عمان‬،‫الشروق‬ :‫) ينظر‬13( C. BEREZOWSKI، Le développement progressif du droit aérien، R.C.A.D.I، 1961، III Vol 3 p194 ‫ـ‬ R.Y.JENNINGS، some aspects of the

Nicolas Mateesco Matte، De la mer

International law of the air، R.C.A.D.I.،

territoriale à l’air territorial، éd Pédone،

1947، II vol 71، p 481.

1965 p 87

:‫) ينظر‬14(

‫ من قانون البحار « مونتيغو‬78‫ و‬58 ‫) املواد‬23( 1982 ‫باي» لسنة‬ ‫) انظر قضية النشاطات العسكرية وشبه‬24( ‫ نيكاراغوا‬،‫العسكرية يف نيكاراغوا أو ضدها‬ ‫ حمكمة العدل‬،‫ضد الواليات املتحدة االمريكية‬ ‫ جملد االحكام القضائية الدولية» باللغة‬،‫الدولية‬ 1986 ‫ القرار يف موضوع القضية لعام‬،»‫الفرنسية‬ .727‫ص‬ :‫) للمزيد حول احلادثة ينظر‬25( contre les V.J.C . PIRIS، L’interdiction du recours à la force aéronefs civils L’aménagement de 1984 à la convention de Chicago، A.F.D.I. 1984، p 187 :‫) ينظر‬26(

‫ ـ‬A. ROBERT، La convention International du 13 octobre 1919 portant réglementation de la Navigation aérien، Sirey، 1930، P 380.

:‫) ينظر‬15( Pierre-Marie Dupuy، Droit International Public، op cité، p 806

‫) امللحق الثاني الفصل االول من معاهدة‬16( .1944 ‫شيكاغو لسنة‬ ً ‫سادسا من قانون‬ ‫ املادة االوىل الفقرة‬:‫) ينظر‬17( 1974 ‫ لسنة‬148 ‫الطريان املدني العراقي رقم‬ ‫واملنشور يف جريدة‬ .1974 /11/ 18 ‫ يف‬2415 ‫الوقائع العراقية بعدد‬ :‫) ينظر‬18(

G. KYRIAKOPOULOS، La Sécurité de

Patrick Daillier et Alain Pellet، op cité، p

l’aviation civile en droit international

1249.

public، Brulant، Bruxelles 1999، p 54. G.KYRIAKOPOULOS، Statut des

:‫) ينظر‬19( A.McNAIR، M.KERR et


‫‪espaces maritimes et régime juridique de‬‬ ‫‪la navigation‬‬ ‫‪aérienne، R.G.D.I.P. 2001، p 307 – 331‬‬ ‫(‪ )27‬للمزيد حول احلادثة ينظر‪:‬‬ ‫‪G.GUILLAUME، Les suites‬‬ ‫‪Internationales de l’incident aérien‬‬ ‫‪américano-iranien de3 juillet 1988،‬‬

‫تفصيالت هذا املدار‪ :‬د‪ .‬حممود حجازي حممود‪،‬‬ ‫النظام القانوني الدولي لالتصاالت باالقمار‬ ‫الصناعية‪،‬دار النهضة العربية‪،‬القاهرة ‪ 2001‬ص‬ ‫‪. 272‬‬ ‫(‪ )32‬ينظر‪ :‬د‪ .‬حممود حجازي حممود‪ ،‬املصدر‬ ‫السابق‪ ،‬ص ‪.278‬‬ ‫(‪ )33‬ينظر‪:‬‬

‫‪Revue Français de droit aérien، 1988‬‬

‫‪Pierre-Marie Dupuy، Droit International‬‬

‫تنص املادة ‪ 96‬د من معاهدة )‪n°3 p 351 (28‬‬

‫‪Public، op.cité p 814‬‬

‫شيكاغو اخلاص باملالحة اجلوية الدولية على‬ ‫أن اهلبوط غري التجاري يعين اهلبوط دون‬ ‫هدف انزال او أخذ املسافرين أو البضائع أو‬ ‫‪.‬الربيد‬ ‫(‪ )29‬املادة األوىل من اتفاقية النقل اجلوي‪ ،‬حول‬ ‫نص االتفاقية انظر‪ :‬د‪.‬عيسى دباح‪ ،‬املصدر‬ ‫السابق‪ ،‬ص ‪.361‬‬ ‫(‪ )30‬حول طبقات اجلو ينظر‪ :‬رياض السندي‪،‬‬ ‫املسؤولية الدولية عن أنشطة الفضاء اخلارجي‪،‬‬ ‫مطبعة ه��اوار‪ ،‬دهوك ‪ 1998‬ص ‪ 28‬وما بعدها‬ ‫وكذلك د‪ .‬فريد العريين القانون اجلوي‬ ‫(النقل اجلوي الداخلي والدولي)‪ ،‬دار املطبوعات‬ ‫اجلامعية‪ ،‬االسكندرية ‪ 1997‬ص ‪.18‬‬ ‫(‪ )31‬أن أي قمر صناعي يدور حول األرض على‬ ‫ارتفاع ‪ 35800‬كم فوق خط االستواء سيكون‬ ‫دوران���ه ح��ول األرض بنفس سرعة واجت��اه‬ ‫دوران االرض حول نفسها‪ ،‬ويبدوهذا القمر‬ ‫الصناعي وكأنه ثابت بالنسبة لنقطة معينة‬ ‫على سطح األرض ويسمى بالقمر االصطناعي‬ ‫الثابت ويسمى امل��دار أو الفسحة من الفضاء‬ ‫الذي يسلكه هذا القمر باملدار الثابت ويوجد‬ ‫م��دار أرض��ي ثابت واح��د وحم��دود ‪ .‬أنظر يف‬

‫‪BROWNLIE . I، Principles of Public‬‬ ‫‪International Law، 6 edition، Oxford‬‬ ‫ـ ‪University press، 2003، p 742.‬‬ ‫(‪ )34‬للمزيد حول املنظمة ينظر‪:‬‬ ‫‪V.A Manin، l’OACI، LGDJ، éd‬‬ ‫‪Montchrestien، Paris 1970 P 127.‬‬ ‫‪N. Mateesco Matte، La convention‬‬ ‫‪de Chicago، quarante ans après، in‬‬ ‫‪Annuaire droit maritime et aérien،‬‬ ‫‪1984، p187-197.‬‬ ‫(‪ )35‬ينظر‪ :‬قرار حمكمة العدل الدولية (باللغة الفرنسية)‬ ‫‪Affaire aérien entre l’Inde et Pakistan،‬‬ ‫‪CIJ، recueil، 1972 p 46‬‬ ‫(‪ )36‬حول قضية لوكربي ينظر‪:‬‬ ‫‪P.M Eisemann، sur l’affaire Lockerbie،‬‬ ‫‪l’Observateur des N.U، 1998، n° 5 p 167‬‬ ‫‪- 184‬‬

‫‪G. de la Pradelle، le Monde‬‬ ‫‪diplomatique، n° 458 mai 1992، p21.‬‬ ‫‪Patrick Daillier et Alain Pellet، Droit‬ـ‬ ‫‪International Public، op cité p 1253.‬‬ ‫‪261‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪262‬‬

‫(‪ )37‬ينظر‪:‬‬ ‫‪D’AMATO، Anthony، “Domestic‬‬ ‫‪Jurisdiction”، Encyclopedia of Public‬‬ ‫‪International Law، ed. Par Rudolf‬‬ ‫‪Bernhardt، vol. I، Amsterdam، Londres‬‬ ‫‪Tokyo، North Holland، 1992، pp. 1090‬‬‫‪1096.‬‬

‫(‪ )38‬للمزيد حول هذه النظريات ينظر‪ :‬د‪.‬‬ ‫صالح الدين عامر‪ ،‬املرجع السابق ص ‪ 423‬ود‬ ‫علي صادق أبو هيف‪ ،‬املرجع السابق ص ‪ 281‬ود‪.‬‬ ‫عصام العطية‪ ،‬املرجع السابق‪،‬ص‪ 309 ،‬و سهيل‬ ‫حسني الفتالوي وغالب عواد‬ ‫حوامدة‪ ،‬املرجع السابق ص ‪ ،94‬وعبد العزيز‬ ‫حممد سرحان‪ ،‬مرجع سابق ص ‪ ،.310‬وينظر‬ ‫كذلك‪:‬‬ ‫‪Charles Rousseau، Droit International‬‬ ‫‪Public، 11ème éd، Dalloz، Paris 1987 p‬‬ ‫‪136.‬‬

‫فهو غري مملوك ألحد‪ ،‬وليس للدولة عليه حق‬ ‫امللكية بل هلا عليه حق اإلدارة واحلراسة هذا‬ ‫من جهة ومن جهة اخرى فان االقليم هو عنصر‬ ‫من عناصر الدولة حيث ينعدم وجودها عند‬ ‫فقدان االقليم وهذا االمر غري صحيح بالنسبة‬ ‫ً‬ ‫حمتفظا بشخصيته‬ ‫للفرد املالك ألن��ه يبقى‬ ‫القانونية وبوجوده بعد أن يفقد ما ميلكه‪.‬‬ ‫ومن أهم االنتقادات املوجهة لنظرية االقليم‬ ‫باعتباره من العناصر املكونة للدولة هي أنها‬ ‫ختلط بني االقليم وبني الشخصية القانونية‬ ‫للدولة‪ ،‬وتعجز عن تفسري بقاء هذه الشخصية‬ ‫القانونية بالرغم من التغريات العديدة اليت‬ ‫ميكن أن تطرأ على االقليم من تنازل ومشاركة‬ ‫يف االختصاصات أو تقامسها للمزيد حول هذه‬ ‫النظريات واالنتقادات ينظر‪ :‬د ‪ .‬عصام العطية‪،‬‬ ‫القانون الدولي العام‪ ،‬مرجع سابق ص ‪ 307‬ــ‬ ‫‪،309‬وكذلك د‪.‬حامد سلطان‪ ،‬القانون الدولي يف‬ ‫وقت السلم‪ ،‬القاهرة ‪ 1968‬ص ‪ 464‬وينظر كذلك‪:‬‬

‫‪Jean COMBACAU et Serge SURR،‬‬

‫‪Charles Rousseau، Droit International‬‬

‫‪Droit International Public، 8ème éd،‬‬

‫‪public، op cité، p 143.‬‬

‫‪Montchrestien، Paris 2008، P228 et‬‬

‫(‪ )40‬ينظر‪:‬‬

‫‪suites.‬‬

‫‪Claude Albert Coliard، Institutions des‬‬

‫‪Eric Canal-Fourgues et Patrick‬‬

‫‪relations international، Précis Dalloz‬‬

‫‪Rambaud، Droit international Public،‬‬

‫‪VIII‬‬

‫‪Flammarion، Paris‬‬ ‫‪2007، p 184.‬‬

‫(‪ )39‬من ضمن االنتقادات املوجهة للنظرية‬ ‫األوىل هي تشبيه ملكية الدولة مع ملكية األفراد‬ ‫للعقار تعارض ملكية الدولة لإلقليم مع ملكية‬ ‫األفراد واألشخاص املعنوية بأن حق امللكية هو‬ ‫حق مطلق وقاصر على املالك‪ ،‬أما الدومني العام‬

‫‪éd، paris 1985 p 93‬‬

‫(‪ّ )41‬شن الفقيهان الفرنسيان ليون دوكيه‬ ‫وجورج سيل محلة انتقادات حادة على بعض‬ ‫املفاهيم اجملردة يف القانون وكان من ضمن هذه‬ ‫املفاهيم مفهوم السيادة‪ ،‬و هذا النفي متأسس‬ ‫على رفضها ملفهوم السيادة‪ ،‬إذ يرى انصار هذا‬ ‫االجتاه «أن مفهوم السيادة يعطي التصور بأن‬ ‫الدولة هي حرة بالقيام بالتصرفات كما حتلو‬


‫هلا‪ ،‬ولكن احلقيقة غري ذلك‪ ،‬فالدولة هي طرف‬ ‫يف اجملتمع الدولي‪ ،‬ويف أي جمتمع كان فان حقوق‬ ‫كل شخص مقيدة حبقوق اآلخرين‪ ،‬فال ميكن‬ ‫إطالقا أن تكون هناك حرية مطلقة لتصرف‬ ‫أو عدم تصرف‪ ،‬دون األخذ باحلسبان احلرية‬ ‫فحينئذ فانه ال ميكن أن‬ ‫املتساوية لآلخرين‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يوجد هناك سيادة‪ ،‬وذلك ألن السيادة هو مفهوم‬ ‫مالزم ومطلق ومانع لكل التقيدات‪ ،‬لذا يذهب‬ ‫هذا االجت��اه اىل أنه ال وج��ود إال الختصاصات‬ ‫الدولة‪ ،‬وهذه االختصاصات متنح الدولة حرية‬ ‫احلركة داخ��ل القيود املرسومة هلا من قبل‬ ‫القانون الدولي‪ .‬ينظر يف ذلك‪:‬‬ ‫‪G. SELLE، Précis de droit des gens‬‬ ‫‪(principe et systématiques)، Sirey 1932‬‬‫‪1934، et‬‬ ‫‪Manuel de droit International public،‬‬ ‫‪Domat، Montchrestien، 1948، P 1008.‬‬

‫(‪ )42‬تنص الفقرة األوىل من املادة الثانية من‬ ‫امليثاق على أن « تقوم اهليئة على مبدأ املساواة‬ ‫يف السيادة بني مجيع أعضائها»‪.‬‬ ‫(‪ )43‬للمزيد حول مفهوم السيادة أنظر مؤلفات‬ ‫القانون الدولي العام باللغة العربية‪ :‬د‪ .‬صالح‬ ‫الدين عامر‪ ،‬مقدمة يف القانون الدولي العام‪،‬‬ ‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ،659‬و د‪ .‬عصام العطية‪،‬‬ ‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ،390‬د علي صادق أبو هيف‪،‬‬ ‫القانون الدولي العام‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪،101‬‬ ‫د‪ .‬منذر الشاوي‪ ،‬القانون الدستوري‪( ،‬نظرية‬ ‫الدولة)‪ ،‬منشورات مركز البحوث القانونية(‪)3‬‬ ‫بغداد ‪ 1981‬ص ‪ .89‬وينظر كذلك‪:‬‬ ‫‪Jean COMBACAU et Serge‬‬ ‫‪SUR، Droit International Public،‬‬

‫‪ 227 op cité، p‬ـ‬ ‫(‪ )44‬ينظر قرار احملكم ماكس هوبر بشأن جزر‬ ‫باملة بني الواليات املتحدة األمريكية وهولندا يف‬ ‫‪ 4‬نيسان ‪ 1928‬منشور يف جملد أحكام التحكيم‬ ‫الدولية اجل��زء الثاني‪ ،‬ال��ص��ادر ع��ن حمكمة‬ ‫التحكيم الدولية (باللغة االنكليزية ) ص ‪.839‬‬ ‫(‪ )45‬للمزيد حول القضية ينظر‪:‬‬ ‫‪L. Gardiner، The Eagle Spreads his‬‬ ‫‪Claws: a history of Corfu Channel‬‬ ‫‪Dispute and Albanian Relations with‬‬ ‫‪the West، 1945-1965، Blackwood&Sons،‬‬ ‫‪Edinburgh، London، 1966، p 286.‬‬

‫(‪ )46‬ق��رار حمكمة ال��ع��دل الدولية يف صلب‬ ‫القضية‪ ،‬جملد األح��ك��ام لسنة ‪ »1949‬باللغة‬ ‫الفرنسية» ص ‪.6‬‬ ‫(‪ )47‬أك��دت حمكمة العدل الدولية على هذه‬ ‫احلرية يف قرارها يف قضية النشاطات العسكرية‬ ‫وشبة العسكرية يف نيكاراغوا‪ ،‬بتاريخ ‪27‬‬ ‫حزيران ‪ ،1986‬نيكاراغوا ضد الواليات املتحدة‬ ‫األمريكية‪ ،‬جملد أحكام حمكمة العدل الدولية‬ ‫لسنة ‪( 1986‬باللغة الفرنسية )‪ ،‬ص ‪.14‬‬ ‫(‪ )48‬ينظر‪:‬‬ ‫‪Jean COMBACAU et Serge‬‬ ‫‪SUR، Droit International Public،‬‬ ‫‪éd Montchrestien، Paris 2008، p‬‬ ‫‪236.‬‬ ‫(‪ )49‬ليس بوسعنا التطرق اىل كل اخلالفات‬ ‫الفقهية ح��ول مفهوم ال��س��ي��ادة يف القانون‬ ‫العام‪،‬إضافة اىل نظرية السيادة املوحدة وجتزئة‬ ‫السيادة اجتاه يف الفقه القانوني يذهب حتى‬ ‫اىل نفي وجود مفهوم السيادة‪ ،‬باعتبارها من‬ ‫‪263‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪264‬‬

‫املفاهيم اجملردة يف القانون ومن ضمن هؤالء‬ ‫الفقهاء الفقيهان الفرنسيان ل��وي دوكيه و‬ ‫جورج سيل والفقيه األملاني املعاصر كرستيان‬ ‫تومشات ينظر يف كل ذلك‪:‬‬ ‫‪G.SELLE، Manuel de droit International‬‬ ‫‪Public، éd Montchrestien، Paris 1948،‬‬ ‫‪p1008‬‬ ‫‪Ch.A.MORAND، « La souvernaité،‬‬ ‫‪une concept dépassé à l’heure de la‬‬ ‫‪mondialisation »، In mélange Abi-Saab،‬‬ ‫‪Paris 1990، p153.‬‬ ‫‪« International Law: Ensuring the‬‬ ‫ـ ‪survival of Mainkind on the Eve of‬‬ ‫‪Christian Tomschat‬‬ ‫‪R.C.A.D.I، vol 281، 1999، P 233. Century‬‬ ‫(‪ )50‬ينظر‪:‬‬ ‫‪Hamilton and James Madison and‬‬ ‫‪John Jay، The Federalisme، edited‬‬ ‫‪by Benjamin Flecher Wright، The‬‬ ‫‪University of Texas، The Belknap Press‬‬ ‫‪of Harverd University press، Cambridge‬‬ ‫ـ ‪Massachusette 1966، p 282.‬‬ ‫(‪ ) 51‬ينظر‪:‬‬ ‫‪Alexandre de Tocqueville، « De la‬‬ ‫‪démocratie en Amérique» en deux livre‬‬ ‫‪publié en 1835 et 1840‬‬

‫(‪ )52‬حسب املذهب االشرتاكي‪ ،‬إن الدولة هي آلة‬ ‫لصيانة سيادة طبقة على طبقة اخرى‪ ....‬آلة‬ ‫الغرض منها أن ختضع لطبقة سائر الطبقات‬ ‫املط ّوعة االخ��رى وأن سيادة الدولة بالنسبة‬ ‫هلذا املذهب تعين السلطة الكاملة للدولة‪ ،‬وهي‬

‫استقالهلا السياسي داخل البالد‪ ،‬واستقالهلا يف‬ ‫عالقاتها الدولية ‪.‬أنظر كرافتسوف‪ ،‬عرض‬ ‫موجز لنظريات الدولة والقانون‪ ،‬دار التقدم‪،‬‬ ‫موسكو ‪ ،1969‬ص ‪.12‬‬ ‫(‪ )53‬للمزيد حول املوضوع ينظر‪ :‬د‪ .‬حممد‬ ‫عمر مولود‪ ،‬الفدرالية وإمكانية تطبيقها يف‬ ‫العراق املرجع السابق‪،‬ص ‪ 287‬وما بعدها‪.‬‬ ‫(‪ )54‬حول االحتادات الفدرالية ينظر املؤلفات‬ ‫باللغة العربية‪ :‬د‪ .‬صالح الدين عامر‪ ،‬مقدمة‬ ‫يف القانون الدولي العام‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪669‬‬ ‫ود‪ .‬عصام العطية‪ ،‬القانون ال��دول��ي العام‪،‬‬ ‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 403‬و د‪ .‬علي ص��ادق أبو‬ ‫هيف‪ ،‬القانون الدولي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪106‬‬ ‫و د‪ .‬منذر الشاوي‪ ،‬القانون الدستوري (نظرية‬ ‫الدولة) املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ،250‬شورش حسن‬ ‫عمر‪ ،‬خصائص النظام الفدرالي يف العراق‪،‬‬ ‫اطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة كويه‪ ،2009 ،‬و د‪.‬‬ ‫حممد عمر مولود‪ ،‬الفدرالية وإمكانية تطبيقها‬ ‫يف العراق ط‪ ،2‬مؤسسة موكرياني للطباعة‬ ‫والنشر‪ ،‬أربيل‪.2003 ،‬‬ ‫(‪ )55‬حول التجربة الكندية ينظر‪:‬‬ ‫‪Gil Rémillard، Le Fédéralisme‬‬ ‫‪canadien، Éditions‬‬ ‫‪Québec،‬‬ ‫‪Amérique، 1980، p. 50.‬‬ ‫(‪ )56‬للمزيد ح��ول ه��ذه الفدراليات ينظر‪:‬‬ ‫رونالد واتس‪ « .‬األنظمة الفدرالية» ترمجه من‬ ‫اإلنكليزية غالي برهومة ومها بسطامي ومها‬ ‫تكال‪ ،‬منشورات منتدى االحت��ادات الفدرالية‪،‬‬ ‫أوتاوا ‪ ،2006‬مقدمة الفصل األول ص ‪.1‬‬ ‫(‪ )57‬انظر رونالد واتس‪ ،‬املرجع السابق ص ‪27‬‬ ‫وما بعدها‪.‬‬


‫(‪ )58‬للمزيد من املعلومات حول تأريخ الشعب‬ ‫الكردي وثوراتهم هناك العديد من املصادر‬ ‫التارخيية ال ميكننا اال اإلش��ارة اىل عدد منها‬ ‫على سبيل املثال ال احلصر‪ :‬د‪ .‬كمال مظهر‬ ‫أمح��د‪ ،‬كوردستان يف سنوات احل��رب العاملية‬ ‫االوىل‪ ،‬ترمجة حممد املال عبد الكريم‪ ،‬مطبعة‬ ‫اجملمع العلمي الكوردي‪ ،‬بغداد ‪ ،1977‬و للمؤلف‬ ‫نفسه‪ :‬صفحات من تأريخ العراق املعاصر‪،‬‬ ‫دراسة حتليلية‪ ،‬منشورات مكتبة البدليسي‪،‬‬ ‫بغداد ‪ ،1987‬د‪ .‬شاكر اخلصباك‪ ،‬الكرد واملسألة‬ ‫الكردية‪ ،‬مطبعة الرابطة‪ ،‬بغداد ‪ ،1959‬باسيل‬ ‫نيكيتني‪ ،‬االكراد‪ ،‬دار الروائع‪ ،‬بريوت ‪ ،1967‬ف‪.‬‬ ‫مينورسكي‪ ،‬االك��راد مالحظات وانطباعات‪،‬‬ ‫ترمجة معروف خزندار‪ ،‬بغداد ‪ ،1968‬حممد‬ ‫أمني زكي‪ ،‬خالصة تأريخ الكرد وكوردستان‪،‬‬ ‫ترمجة‪ :‬حممد علي عوني‪ ،‬وله ً‬ ‫أيضا‪ :‬تأريخ‬ ‫الدول واإلمارات الكردية‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد علي‬ ‫عوني‪ ،‬د‪ .‬فؤاد محه خورشيد‪ ،‬القضية الكوردية‬ ‫يف املؤمترات الدولية‪ ،‬ط ‪ ،1‬مؤسسة موكرياني‬ ‫للطباعة والنشر‪ ،‬أربيل ‪.2001‬‬ ‫(‪ )59‬سبق وأن أعلن برملان كوردستان تبين‬ ‫النظام الفدرالي من جانب واح��د ع��ام ‪1992‬‬ ‫مبوجب قراره املرقم ‪ 22‬واملؤرخ يف ‪.1992/11/4‬‬ ‫(‪ )60‬مت االستفتاء العام على الدستور من‬ ‫قبل الشعب العراقي بتأريخ ‪ 2005/10/15‬ونشر‬ ‫يف جريدة الوقائع العراقية بالعدد ‪ 4012‬يف‬ ‫‪.2006/12/28‬‬ ‫(‪ )61‬املواد ‪ 5‬و‪ 6‬من الدستور العراقي لسنة ‪.2005‬‬ ‫(‪ )62‬تنص املادة ‪ 13‬من دستور العراق على « ً‬ ‫أوال‪:‬‬ ‫يعد هذا الدستور القانون االمسى واالعلى يف‬ ‫ً‬ ‫ملزما يف أحنائه كافة‪.‬‬ ‫العراق‪ ،‬ويكون‬

‫(‪ )63‬جاء يف نهاية ديباجة الدستور على أنه‬ ‫« حنن شعب العراق ال��ذي آىل على نفسه بكل‬ ‫مكوناته وأطيافه أن يقرر حبريته واختياره‬ ‫االحت��اد بنفسه‪ ،‬وأن يتعظ لغده بأمسه‪ ،‬وأن‬ ‫يسن من منظومة القيم واملثل العليا لرساالت‬ ‫السماء ومن مستجدات علم وحضارة االنسان‬ ‫هذا الدستور الدائم أن االلتزام بهذا الدستور‬ ‫حيفظ للعراق احتاده احلر شعبا وأرضا وسيادة»‬ ‫أما امل��ادة الثالثة فتنص على أن « العراق بلد‬ ‫متعدد القوميات واالدي���ان وامل��ذاه��ب‪...‬اخل»‬ ‫وتنص املادة الرابعة ً‬ ‫أوال على « أن اللغة العربية‬ ‫واللغة الكردية هما اللغتان الرمسيتان للعراق‪،‬‬ ‫ويضمن حق العراقيني بتعليم أبنائهم باللغة‬ ‫االم كالرتكمانية‪ ،‬والسريانية‪ ،‬واالرمنية يف‬ ‫املؤسسات التعليمية احلكومية‪....،‬اخل»‪.‬‬ ‫(‪ )64‬يف سويسرا ومنذ ‪ 1959‬هناك اتفاق ضمين‪،‬‬ ‫وشبه ع��ريف بني االح��زاب السياسية الكبرية‬ ‫االربع تتضمن ختصيص مقاعد ضمن اجلهاز‬ ‫التنفيذي االعلى يف الفدرالية السويسرية‬ ‫واملسماة باجمللس الفدرالي واملتكون من ‪7‬‬ ‫مقاعد‪ ،‬ينظر‪:‬‬ ‫‪Frédéric‬ـ‬ ‫‪Rouvillois، Droit‬‬ ‫‪constitutionnel fondement et‬‬ ‫‪pratique، Campus Université،‬‬ ‫‪Flamarion، Paris 2002، p 245.‬‬ ‫‪A.Auer، G.Malinverni et M‬ـ‬ ‫‪Hottelier، Droit constitutionnel‬‬ ‫‪suisse، Staempfli، Berne 2000، p‬‬ ‫‪47‬‬ ‫(‪ )65‬ينظر‬ ‫‪Frederique Rouvillios، op cité، p‬‬ ‫‪265‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪266‬‬

‫ـ‪68‬‬ ‫(‪ )66‬املرجع السابق ص ‪. 69‬‬ ‫(‪ )67‬شاركت وساهمت القوات املسلحة الكوردية‬ ‫يف استتباب األم��ن واالستقرار يف الكثري من‬ ‫املناسبات وال تزال تقوم‬ ‫بهذه املهمة يف الكثري من املناطق نذكر منها‬ ‫على سبيل املثال أرسال اإلقليم ملئات من هذه‬ ‫القوات عام ‪2007‬‬ ‫ومتركزوا يف معسكر التاجي يف بغداد للمشاركة‬ ‫‪:‬يف استتباب األمن فيها‪ .‬أنظر املوقع اإللكرتوني‬ ‫‪http://www.showthread.php‬‬ ‫‪2004-95‬‬ ‫(‪ )68‬للمزيد حول املوضوع ينظر‪ :‬د‪ .‬مجال‬ ‫النجار‪ ،‬اسرتاتيجية اإلعالم اإلسالمي‪ ،‬املطبعة‬ ‫احلديثة‪،‬‬ ‫القاهرة‪ 1995 ،‬ص ‪.18‬‬ ‫(‪ )69‬املادة األوىل قسم ‪ 1‬رقم ‪ 4‬من لوائح الراديو‪،‬‬ ‫أن لوائح الراديو ولوائح االتصاالت الدولية يطلق‬ ‫عليهما ً‬ ‫معا اللوائح اإلدارية‪ ،‬وهي حتوي القواعد‬ ‫واإلج����راءات التفصيلية املتعلقة بتنظيم‬ ‫االت��ص��االت الدولية‪ ،‬وهما مكمالن لدستور‬ ‫واتفاقية االحتاد الدولي لالتصاالت وذلك ً‬ ‫وفقا‬ ‫لنص املادة الرابعة من دستور االحتاد‪.‬‬ ‫(‪ )70‬للمزيد حول املوضوع ينظر‪ :‬د‪ .‬حممود‬ ‫احلجازي‪ ،‬النظام القانوني الدولي لالتصاالت‬ ‫باألقمار الصناعية‪ ،‬املرجع السابق ص ‪.14‬‬ ‫(‪ )71‬أك��دت الدساتري العراقية السابقة بعد‬ ‫ً‬ ‫فمثال‬ ‫الثورة على هذا األمر وبعبارات خمتلفة‬ ‫أن دستور ‪ 27‬متوز لسنة ‪ 1958‬استعمل يف مادته‬ ‫الثالثة عبارة « ويعترب العرب واألكراد شركاء يف‬ ‫هذا الوطن ‪...‬اخل» أما دستور ‪ 16‬متوز ‪ 1970‬املؤقت‬

‫فجاء يف مادته اخلامسة (ب) على أن «يتكون‬ ‫الشعب العراقي من قوميتني رئيسيتني‪ ،‬هما‬ ‫القومية العربية والقومية الكوردية ويقر هذا‬ ‫الدستور حقوق الشعب الكردي القومية ‪...‬اخل»‬ ‫وج��اء يف امل��ادة السادسة من مشروع دستور‬ ‫العراق لسنة ‪ ،1990‬على أن « يتكون شعب العراق‬ ‫من العرب واألك���راد‪ ،‬ويقر الدستور حقوق‬ ‫األكراد القومية ‪...‬اخل»‬ ‫(‪ )72‬يوجد يف العراق يف الوقت احلالي ستة‬ ‫مطارات دولية وهي‪ :‬مطارا أربيل و السليمانية‬ ‫حتت إدارة سلطات إقليم كوردستان‪ ،‬ومطارات‬ ‫بغداد والبصرة والنجف واملوصل‪ ،‬انظر موقع‬ ‫األنرتنيت جلريدة اإليالف بتاريخ ‪2010/6/30‬‬ ‫‪http://www.ilaf.org‬‬ ‫(‪ )73‬تتغاضى هذه القوات يف أغلب األحوال عن‬ ‫استفزازات دول اجلوار وتتجنب التصادم املسلح‬ ‫معها وتستدعي احلكومة االحتادية للتدخل‬ ‫حلل املشاكل العالقة بالطرق الدبلوماسية‬ ‫(‪ )74‬ينظر املوقع اإللكرتوني‪:‬‬ ‫‪h t t p ://w w w .s h o w t h r e a d .‬‬ ‫‪php2004 95‬‬ ‫‪ )75‬سحبت ه��ذه ال��ط��ائ��رات وع��دده��ا ‪(50‬‬ ‫طائرة مروحية من قيادة القوة اجلوية يف‬ ‫‪ 2010/5/10‬ومت تشكيل ق��ي��ادة ق��وة ط�يران‬ ‫خاصة بهذه الطائرات يف وزارة الدفاع وحتت‬ ‫امرة السيد رئيس الوزراء مباشرة انظر املوقع‬ ‫‪: www.iraqcenter.net.‬اإلل��ك�ترون��ي‬ ‫‪vb/5677html./ http://‬‬ ‫(‪ )76‬ـ ينظر نص ه��ذه ال��ق��رارات يف وثائق‬ ‫األمم املتحدة‪S/RES/670/1990، S/ :‬‬


‫‪RES/661/1990، S/RES/660/1990،‬‬ ‫‪ ،S/RES/688/1991‬املوقع االلكرتوني‬ ‫ملنظمة األمم املتحدة ‪org.com/Arabic/‬‬ ‫‪docs/Council http://www.un‬‬ ‫(‪ )77‬ـ أعلنت شركة طريان اخلطوط اجلوية‬ ‫األملانية «لوفتهانزا» (‪ )Lutfhansa‬اطالق‬ ‫رحالتها اىل مطار أربيل الدولي بواقع أربع‬ ‫رح�لات يف األسبوع‪ ،‬انظر املوقع االلكرتوني‪:‬‬ ‫‪http/www.‬‬ ‫‪Iraqhurr.org‬‬ ‫‪25/5/2010‬‬ ‫(‪ )78‬ـ باللغة اإلنكليزية (‪)Globalisation‬‬ ‫و ) (‪ Mondialisation‬باللغة الفرنسية‬ ‫(‪ )79‬ـ تنص امل���ادة ‪ 115‬على أن «ك��ل ما‬ ‫مل ينص عليه يف االخ��ت��ص��اص��ات احلصرية‬ ‫للسلطات االحت���ادي���ة‪ ،‬ي��ك��ون م��ن صالحية‬ ‫االقاليم واحملافظات غري املنتظمة يف أقليم‪،‬‬ ‫والصالحيات االخ��رى املشرتكة بني احلكومة‬ ‫االحتادية واالقاليم تكون االولوية فيها لقانون‬ ‫االقاليم واحملافظات غري املنتظمة يف اقليم‪ ،‬يف‬ ‫حالة اخلالف بينهما»‪.‬‬ ‫(‪ )80‬تنص الفقرتني الرابعة واخلامسة من‬ ‫املادة ‪ 121‬على ما يلي‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫مكاتب لالقاليم واحملافظات‬ ‫راب��ع ً��ا‪ :‬تؤسس‬ ‫يف السفارات والبعثات الدبلوماسية‪ ،‬ملتابعة‬ ‫الشؤون الثقافية واالجتماعية واالمنائية‪.‬‬ ‫خامسا‪:‬ـ ختتص حكومة االقليم بكل ما تتطلبه‬ ‫وبوجه خاص انشاء وتنظيم‬ ‫ادارة االقليم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫قوى االمن الداخلي لالقليم‪ ،‬كالشرطة واالمن‬ ‫وحرس االقليم»‪.‬‬

‫‪267‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪268‬‬

‫تحول يف أطر املسؤولية الدولية لحامية املدنيني‬ ‫«واجب» التدخل !‬

‫لمياء سليم سعيد – ليسانس حقوق‪.‬‬


‫مل يكن من املمكن أن يشهد الواقع الدولي املعاصر‬ ‫ما شهد ُه من حت��والت‪ ،‬وأن تربز على الساحة‬ ‫الدولية حتديات جديدة‪ ،‬دون أن يواكبها تطور‬ ‫يف املفاهيم املعتمدة‪ ،‬ودون أن تثري ً‬ ‫ً‬ ‫أكادمييا‬ ‫جدال‬ ‫ً‬ ‫عامليا‪ ،‬تتبلور على أثره مفاهيم حديثة تفرض‬ ‫نفسها على ساحة العالقات الدولية‪ ،‬وبالتالي‬ ‫تدخل صلب القانون الدولي‪.‬‬ ‫ويف هذا السياق األكادميي والعلمي‪ ،‬أثري جدل‬ ‫بني صفوف املفكرين‪ ،‬ويف أروقة األمم املتحدة‬ ‫حول مفاهيم‪-:‬‬ ‫‪-1‬التدخل‪.‬‬ ‫‪-2‬السيادة‪.‬‬ ‫ومن ابرزها مبدأ السيادة كمسؤولية ‪ .‬وكان‬ ‫لذلك اجلدل أبلغ األثر يف تطويرمفهوم احلق يف‬ ‫ً‬ ‫مفهوما آخر‪ ،‬هو‬ ‫التدخل اإلنساني‪ ،‬حبيث أنتج‬ ‫واجب التدخل أي املسؤولية الدولية يف احلماية‬ ‫اإلنسانية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أوال‪ -:‬تطور مفهوم « مسؤولية احلماية «‬ ‫بالرغم من بروز فكرة املسؤولية الدولية يف‬ ‫محاية املواطنني املدنيني منذ منتصف القرن‬ ‫العشرين‪ ،‬بأنشاء حماكم جرائم احل��رب‪ ،‬بعد‬ ‫احلرب العاملية الثانية‪ ،‬فإنها مل تتبلور وتتطور‬ ‫بشكل كبري إال يف تسعينيات القرن املنصرم‪ ،‬بعد‬ ‫سقوط األحتاد السوفياتي‪ .‬وكانت اخلطوة األهم‬ ‫بظهور مبدأ السيادة كمسؤولية‪ ،‬أي مسؤولية‬ ‫الدولة جتاه مواطنيها‪ ،‬الذي تطور إىل أن مسح‬ ‫بتفويض السيادة للمجتمع ال��دول��ي‪ ،‬يف حال‬ ‫كانت الدول غريقادرة أو غري راغبة يف القيام‬ ‫مبسؤوليتها‪ .‬بدأ مفهوم «السيادة كمسؤولية «‬ ‫خيطو أوىل خطواته الفكرية مع املفهوم اجلديد‬

‫الذي أطلقه‪-:‬‬ ‫‪-1‬املفكر الفرنسي « بيتاني»‪.‬‬ ‫‪-2‬السياسي « برنار كوشري»‪.‬‬ ‫يف أواخ��ر الثمانينيات‪ ،‬وهو احلق بالتدخل‪،‬‬ ‫فقاال حبق الدول بل و واجبها يف التدخل من‬ ‫أجل حصول الضحايا على املساعدات اإلنسانية‪،‬‬ ‫وأكدا « الواجب األخالقي» للمنظمات اإلنسانية‬ ‫بتأمني املساعدة‪ .‬ثم ق��ام املفكر الفرنسي «‬ ‫برتران ب��ادي» ببلورة هذا املفهوم من خالل‬ ‫الكتاب الذي أصدره « عامل بال سيادة «‪ ،‬والذي‬ ‫حتدث فيه عما مساه « وهو السيادة «‪ ،‬فقال‪ « :‬إن‬ ‫مبدأ السيادة مل يكن يف أي وقت من األوقات منذ‬ ‫مطلقا‪ ،‬ومل ينقطع عن كونه مبدأً‬ ‫ً‬ ‫نشأته مبداً‬ ‫ً‬ ‫وهميا‪ .‬فتاريخ الدول ليس يف الواقع‪ ،‬إال تاريخ‬ ‫أشكال وأنواع من التدخالت يف شؤون البلدان‬ ‫األخ���رى‪ ،‬وت��اري��خ ن��زاع��ات وح���روب مرتتبة‬ ‫على هذا التدخل»‪ .‬أما اليوم‪ ،‬فيدعو «ب��ادي»‬ ‫إىل منو الوعي العام بـ» املسؤولية املشرتكة جتاه‬ ‫اإلنسانية « فيما يتعلق‪-:‬‬ ‫‪-1‬موضوعات السالم‪.‬‬ ‫‪ -2‬البيئة‪.‬‬ ‫‪ -3‬الصحة‪.‬‬ ‫‪-4‬السكان‪.‬‬ ‫‪-5‬التنمية البشرية‪.‬‬ ‫‪-6‬األمن‪.‬‬

‫السيادة من « حق مطلق» إىل « حق واجب «‬ ‫يف اإلطار العملي‪ ،‬كان لسقوط األحتاد السوفياتي‬ ‫عام ‪ ،1991‬األثر األكرب يف تبديل الكثري من املفاهيم‬ ‫‪269‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪270‬‬

‫على الساحة الدولية‪ .‬فخالل عقد التسعينيات‬ ‫شرع جملس األمن التدخالت العسكرية بذرائع‬ ‫إنسانية مما أشار إىل حتول أساسي بدأ يطرأ على‬ ‫مفهوم السيادة الذي تنافس مع مبادئ حقوق‬ ‫اإلنسان‪ ،‬اليت حولته من مبدأ مطلق إىل مبدأ‬ ‫نسيب‪ .‬وقد عكس األمني العام لألمم املتحدة‬ ‫السابق (كويف عنان) طبيعة التحول يف تقريره‬ ‫السنوي إىل اجلمعية العامة عام ‪ ،1999‬والذي قال‬ ‫فيه‪ « :‬إن مفهوم سيادة الدولة مير يف جوهره‪،‬‬ ‫ويف معناه العميق‪ ،‬بعملية حتول كربى ال تعود‬ ‫فقط إىل وق��وع��ه حت��ت ضغط وق��وى العوملة‬ ‫والتعاون الدولي‪ ،‬فالدول جيب أن ينظرإليها‬ ‫اآلن بأعتبارها أدوات يف خدمة شعوبها وليس‬ ‫العكس»‪ .‬وأستخدم « كويف عنان» ألول مرة تعبري‬ ‫«سيادة الفرد أو اإلنسان»‪ ،‬وركزعليه بأعتباره‬ ‫ً‬ ‫مفهوما يتجدد ال��وع��ي ب��ه‪ ،‬وحيظى بدعم‬ ‫متزايد‪ ،‬نتيجة إنتشاراحلقوق الفردية وحق كل‬ ‫إنسان يف حتديد مصربه‪ ،‬إلن املفاهيم التقليدية‬ ‫للسيادة – أي سيادة الدولة – مل تعد توفر‬ ‫تطلعات الشعوب يف سعيها حنو احلرية‪ .‬والالفت‬ ‫للنظرأن األم�ين العام السابق لألمم املتحدة‬ ‫طالب بتعريف «ال��ت��دخ��ل» بطريقة واسعة‬ ‫ً‬ ‫أعماال ترتاوح بني األعمال التدخلية‬ ‫ليتضمن «‬ ‫ً‬ ‫األكثر إنسانية واألكثر قهرية» طالبا من جملس‬ ‫األمن أن « يكون على مستوى التحدي‪ ،‬عندما‬ ‫ً‬ ‫ضروريا «‪ ،‬كما طالب‬ ‫يصبح التدخل العسكري‬ ‫بتطويروتوسيع « مفهوم التدخل ليشمل محاية‬ ‫املدنيني من اجملازر واألنتهاكات»‪ .‬وأستجابة هلذا‬ ‫التحدي‪ ،‬أعلنت احلكومة الكندية إنشاء (اللجنة‬ ‫العاملية حول التدخل وسيادة الدول ‪) ICISS‬‬ ‫يف أيلول عام ‪ ،2000‬اليت أصدرت تقريرها بعد‬

‫عام واحد بعنوان (املسؤولية يف احلماية ) الذي‬ ‫تضمن الكثري من املفاهيم اجلديدة‪ ،‬والدعوة إىل‬ ‫التحول من مفهوم « السيادة كسلطة إىل مفهوم‬ ‫السيادة كمسؤولية «‪ .‬وفيه‪ ،‬رأت أن « التفكري يف‬ ‫السيادة كمسؤولية « يعين‪-:‬‬ ‫‪-1‬م��س��ؤول��ي��ة ال��دول��ة يف مح��اي��ة مواطنيها‬ ‫وسالمتهم وتأمني رفاهيتهم‪.‬‬ ‫‪-2‬إن وك�لاء ال��دول��ة يتحملون املسؤولية عن‬ ‫األعمال اليت يقومون بها‪.‬‬ ‫‪-3‬السلطات احمللية مسؤولة جتاه مواطنيها يف‬ ‫الداخل وجتاه اجملتمع الدولي‪ ،‬من خالل األمم‬ ‫املتحدة‪.‬‬ ‫وقبول هذا املفهوم « السيادة كمسؤولية « يعين‬ ‫أن��ه يف ح��ال ع��دم ق��درة الدولة أو ع��دم نيتها‬ ‫محاية مواطنيها‪ ،‬فإن هذه املسؤولية تتحول إىل‬ ‫اجملتمع الدولي‪ ،‬وبالتحديد إىل جملس األمن‪.‬‬ ‫معايري» املسؤولية «‪:‬‬ ‫كان هدف اللجنة بلورة مفهوم واسع للتدخل‬ ‫اإلنساني‪ ،‬وصياغة توافق عاملي حول كيفية‬ ‫الرد على األنتهاكات الكبرية واملمنهجة واملنظمة‬ ‫حلقوق اإلنسان‪ .‬فجاء يف تقريراللجنة أن السيادة‬ ‫تعد «حجرالزاوية لألمم املتحدة «‪ ،‬وأنه بالرغم‬ ‫من التحوالت اليت طرأت على ممارسة السيادة‬ ‫منذ أنتهاء احلرب الباردة‪ ،‬فأنه جيب األستمراريف‬ ‫محاية هذا املفهوم‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن السيادة – حبسب‬ ‫التقرير‪ -‬تفرتض مسؤولية مزدوجة‪:‬‬ ‫ً‬ ‫‪-1‬خارجيا على الدولة أح�ترام سيادة ال��دول‬ ‫األخرى‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪-2‬أم���ا داخ��ل��ي��ا‪ ،‬فعلى ال���دول أح�ت�رام حقوق‬ ‫والكرامة اإلنسانية ملواطنيها‪.‬‬


‫املسؤولية يف الوقاية‪:‬‬ ‫رأت اللجنة أن الوقاية من النزاعات املميتة‬ ‫وغريها من الكوارث اليت من صنع اإلنسان هي‬ ‫مسؤولية الدول ذات السيادة بالدرجة األوىل‪،‬‬ ‫ولكنها ليست مسؤوليتها مبفردها‪ ،‬بل هناك‬ ‫حاجة للتعاون من قبل اجملتمع الدول‪ ،‬لذلك‬ ‫جيب إنشاء مصادر رمسية لـ‪-:‬‬ ‫‪-1‬اإلنذار املبكر‪.‬‬ ‫‪ -2‬التحليل ‪.‬‬ ‫‪ -3‬لتفادي وقوع الكوارث‪.‬‬ ‫مسؤولية الرد‪:‬‬ ‫عندما تفشل اإلجراءات الوقائية يف حل النزاع‬ ‫أو أحتواءه‪ ،‬وعندما تعجز الدولة‪ ،‬او ال تنوي‬ ‫ً‬ ‫لزاما أختاذ‬ ‫القيام حبل النزاع‪ ،‬عندها يكون‬ ‫إج���راءات التدخل املناسبة من قبل أعضاء‬ ‫اجملتمع ال��دول��ي األوس���ع‪ .‬وه���ذه اإلج���راءات‬ ‫اإلكراهية ميكن أن تكون إما‪-:‬‬ ‫‪-1‬سياسية‪.‬‬ ‫‪-2‬اقتصادية‪.‬‬ ‫‪-3‬قضائية ‪.‬‬ ‫‪ -4‬ويف احل���االت القصوى تتطورإىل التدخل‬ ‫العسكري‪.‬‬ ‫التدخل العسكري جيب أن يشكل أستثنا ًء ال‬ ‫قاعدة‪ ،‬و «خياراً أخرياً « لوقف‪-:‬‬ ‫‪-1‬اجملازر‪.‬‬ ‫‪ -2‬اإلبادات‪.‬‬ ‫‪ -3‬التطهري العرقي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ففي هذه احلاالت‪ ،‬يكون التدخل مربرا‪ ،‬سواء‬ ‫أكانت ال��دول��ة هي املعتدي‪ ،‬أو متهمة بعدم‬

‫التصرف‪ ،‬على أن يكون جملس األمن هو اجلهة‬ ‫الوحيدة املخولة بأختاذ قرارالتدخل‪ ،‬وأن‬ ‫ميتنع األعضاء الدائمون عن أستخدام « الفيتو»‬ ‫يف حاالت تشريع التدخل العسكري من أجل‬ ‫محاية املواطنني‪ ،‬عندما ال متس هذه التدخالت‬ ‫مصاحلهم احليوية‪.‬‬ ‫مسؤولية إعادة البناء‪:‬‬ ‫بعد أن يتم التدخل العسكري‪ ،‬جيب أن يكون‬ ‫هناك ألتزام تام باملساعدة يف بناء‪-:‬‬ ‫‪-1‬سالم دائم‪.‬‬ ‫‪ -2‬وقيام حكم رشيد‪.‬‬ ‫‪ -3‬وتنمية مستدامة‪.‬‬ ‫‪-4‬ه��ذا باإلضافة للعمل على تأمني السالمة‬ ‫العامة‪.‬‬ ‫‪-5‬واألمن‪.‬‬ ‫‪-6‬ومحاية األقليات‪.‬‬ ‫‪-7‬وتأمني إع��ادة إدم��اج املتنازعني‪ ،‬أو حاملي‬ ‫السالح يف اجملتمع‪.‬‬ ‫‪-8‬وكل هذا يتطلب تأمني التمويل الالزم إلعادة‬ ‫بناء ما تهدم‪.‬‬ ‫‪-9‬وإع�������ادة ال�لاج��ئ�ين‪ ،‬وح��ف��ظ حقوقهم‬ ‫وتعويضهم‪.‬‬ ‫واألهم من ذلك كله هو ما شددت عليه اللجنة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫غالبا‬ ‫وهو‪ ،‬أن إيقاف األنتهاكات ال يكفي ألنه‬ ‫ما أستطاع هؤالء املنتهكون اإلفالت من العقاب‬ ‫بسبب فساد الشرطة وال��ق��ض��اة‪ ،‬لذلك جيب‬ ‫العمل على تفعيل العدالة داخل الدولة‪ .‬ويف‬ ‫حال مل تستطيع الدولة القيام مبسئوليتها يف‬ ‫توفري العدالة‪ ،‬فإنها – كما املسؤوليات األخرى‬ ‫– تنتقل إىل اجملتمع الدولي‪ .‬وهذا املبدأ هو ما‬ ‫‪271‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪272‬‬

‫أطلق عليه فيما بعد أسم « العدالة األنتقالية «‪.‬‬ ‫ثانيا – إقراراملفهوم يف األمم املتحدة‬ ‫تفاوتت ردود الفعل الدولية على التقرير‪:‬‬ ‫‪-1‬فالواليت املتحدة‪.‬‬ ‫‪-2‬ودول األحتاد األوروبي‪.‬‬ ‫‪-3‬ودول أوروبا الشرقية‪.‬‬ ‫‪-4‬باإلضافة إىل بعض الدول األفريقية‪.‬‬ ‫كانت من داعمي هذا التقرير‪ .‬لكن الكثري من‬ ‫الدول النامية مثل‪-:‬‬ ‫‪-1‬نيجرييا‪.‬‬ ‫‪-2‬واهلند‪.‬‬ ‫‪-3‬وجنوب أفريقيا‪.‬‬ ‫‪-4‬ودول أمريكا الالتينية‬ ‫ً‬ ‫تشاؤما حياله‪ ،‬وأشرتطت أن يكون‬ ‫كانت أكثر‬ ‫ً‬ ‫مشروطا بأستشارة‬ ‫تطبيق ما ورد يف املشروع‬ ‫الدول وموافقتها املسبقة‪ .‬كما أشرتطت متثيالً‬ ‫أوسع للدول يف جملس األمن – صاحب السلطة‬ ‫يف التدخل – وأعلن الكثريمن‪-:‬‬ ‫‪-1‬دول الشرق األوسط وأسيا‪.‬‬ ‫‪-2‬باإلضافة إىل روسيا‪.‬‬ ‫‪-3‬والصني‪.‬‬ ‫أنها ضد أي إضعاف ملبدأ السيادة لصاحل حقوق‬ ‫اإلنسان‪.‬‬ ‫أمناء األمم املتحدة‪:‬‬ ‫لقد تيقن األمناء العموميون ملنظمة األمم‬ ‫املتحدة‪ ،‬ومنذ أنيهار األحتاد السوفياتي السابق‪،‬‬ ‫من أن أعتماد اآلليات العادية حلماية حقوق‬ ‫اإلنسان ال ميكن أن يفضي إىل نتائج حممودة‬

‫لوقف األنتهاكات اجلسيمة لتلك احلقوق‪ .‬فنجد‬ ‫أن األم�ين العام األسبق (برييز دي كويالر)‬ ‫يف تقريره السنوي الصادريف ‪/16‬أي��ل��ول‪،1991/‬‬ ‫أك��د أن محاية حقوق اإلن��س��ان تشكل إحدى‬ ‫أهم الدعامات األساسية حلفظ السالم واألمن‬ ‫ال��دول��ي�ين‪ ،‬وأن مبدأ ع��دم التدخل ال ميكن‬ ‫عده حاجزاً ً‬ ‫واقيا‪ ،‬ميكن أن ترتكب من وراءه‬ ‫أنتهاكات جسيمة حلقوق اإلنسان‪ ،‬وأن املسألة‬ ‫ليست مسألة احل��ق يف التدخل‪ ،‬وإمن��ا واجب‬ ‫الدول جمتمعة لتحقيق اإلغاثة واإلنصاف يف‬ ‫ح��االت ال��ط��وارئ ال�تي متس حقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫فأنتهاكات حقوق اإلنسان تعرض السلم للخطر‪،‬‬ ‫باإلضافة إىل ذل��ك‪ ،‬ي��ؤدي جتاهل السيادة إىل‬ ‫الفوضى‪ .‬أما األمني العام األسبق بطرس غالي‪،‬‬ ‫فقد ع��ززه��ذا التوجه‪ ،‬م��ن خ�لال تقاريره‬ ‫ومقاالته‪ ،‬واليت من أهمها تقريره «خطة السالم‬ ‫‪ « Agenda for Peace‬الذي أعده بناء‬ ‫على طلب جملس األم��ن‪ ،‬وال��ذي ضمنه عدداً‬ ‫من املقرتحات اجلديدة لتوسيع مسؤوليات‬ ‫األمم املتحدة يف ميدان التدخل اإلنساني حلفظ‬ ‫السالم وصونه‪ ،‬حيث جاء يف تقريره املذكور‬ ‫أن « زمن السيادة املطلقة اخلالصة قد مضى‪،‬‬ ‫فالنظرية هنا مل تنطبق على الواقع‪ ،‬ومهمة‬ ‫قادة الدول اليوم هي تفهم هذا األمر‪ ،‬وإجياد‬ ‫توازن بني أحتياجات احلكم الداخلي الرشيد‬ ‫ترابطا ً‬ ‫ً‬ ‫يوما بعد يوم‪.‬‬ ‫ومتطلبات عامل يزداد‬ ‫فالتجارة واألت��ص��االت واألمورالبيئة تتحدى‬ ‫احل��دود اإلداري��ة‪ ،‬بينما يبقى األف��راد‪ ،‬داخل‬ ‫تلك احلدود‪ ،‬يقومون بأول مسؤوليات حياتهم‬ ‫األقتصادية والسياسية واألجتماعية‪ .‬ويف عام‬ ‫‪ ،2003‬شكل األمني العام السابق لألمم املتحدة‬


‫(ك��ويف عنان) جلنة من املتخصصني لدراسة‬ ‫األخطار ال�تي تهدد السلم واألم��ن الدوليني‪،‬‬ ‫ولتقديم أق�تراح��ات ح��ول السبل األفضل‬ ‫ملواجهتها‪ ،‬فأصدرت تقريراً بعنوان عامل أكثر‬ ‫ً‬ ‫أمنا‪ :‬مسؤوليتها املشرتكة‪ ،‬الذي ناقشته وأقرته‬ ‫اجلمعية العامة لألمم املتحدة يف دورتها التاسعة‬ ‫واخلمسني يف كانون األول عام ‪ ،2004‬والذي جاء‬ ‫ً‬ ‫متبنيا ملفهوم املسؤولية يف احلماية كما حددته‬ ‫جلنة (‪.)ICISS‬‬ ‫تقرير عامل أكثر أمنا‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أقر تقرير عامل أكثر أمنا‪ :‬مسؤوليتنا املشرتكة‬ ‫الصادر عام ‪ ،2004‬بلغة صرحية وواضحة مبدأ‬ ‫السيادة كمسؤولية كما أقرته اللجنة (‪)ICISS‬‬ ‫وقد جاء يف التقرير‪ :‬عندما توقع الدول ميثاق‬ ‫األمم املتحدة‪ ،‬فإنها ال تستفيد من أمتيازات‬ ‫السيادة‪ ،‬ولكنها تقبل ً‬ ‫أيضا مسؤوليتها‪ .‬ومهما‬ ‫تكن التصورات اليت س��ادت‪ ،‬عندما أدى نظام‬ ‫(ويستفاليا) إىل ظهورمفهوم سيادة الدولة‬ ‫ألول م��رة فمن ال��واض��ح أن��ه يتضمن اليوم‬ ‫ً‬ ‫ألتزاما من جانب الدولة حبماية رفاه شعبها‪،‬‬ ‫والوفاء بألتزاماتها إزاء اجملتمع الدولي األوسع‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مجيعا جبالء‬ ‫نطاقا‪ .‬ولكن التاريخ يعلمنا‬ ‫أنه ال ميكن أف�تراض أن كل دولة ستتمكن‪ ،‬أو‬ ‫ستكون مستعدة ً‬ ‫دائما للوفاء مبسؤوليتها جتاه‬ ‫شعبها‪ ،‬وجتنب إحلاق الضرر جبريانها‪ .‬ويف ظل‬ ‫تلك الظروف‪ ،‬فإن مبادئ األمن اجلماعي تعين‬ ‫أن ج��زءاً من تلك املسؤوليات سيضطلع به‬ ‫اجملتمع الدولي‪ ،‬الذي يتصرف ً‬ ‫وفقا مليثاق األمم‬ ‫املتحدة‪ ،‬واإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان‪ ،‬من‬ ‫أجل املساعدة يف بناء القدرة الالزمة أو توفري‬

‫احلماية الضرورية‪ ،‬حسبنا تكون احلال‪ .‬وقد‬ ‫أستخدم التقريربعض املقاطع اليت تطابقت‬ ‫ً‬ ‫كليا مع تقرير جلنة (‪ ،)ICISS‬وتبنى ما‬ ‫جاء فيه من مفاهيم حول السيادة والتدخل‪.‬‬ ‫ففي حتديد اجلهة املخولة بأختاذ قرارالتدخل‬ ‫وتفويضه وافق تقرير األمم املتحدة على ما‬ ‫جاء يف تقرير جلنة (‪ )ICISS‬بأن جملس األمن‬ ‫هو السلطة الوحيدة املخولة بهذا املوضوع‪ .‬ويف‬ ‫فقرة أخرى‪ ،‬رأى التقرير أن املسألة ال ينظر‬ ‫إليها من ناحية حق التدخل‪ ،‬بل من وجهة نظر‬ ‫املسؤولية يف احلماية‪ .‬وخيلص التقرير إىل تأييد‬ ‫املبدأ املستجد املتمثل يف جهود مسؤولية دولية‬ ‫مجاعية عن احلماية‪ ،‬ميارسها جملس األمن –‬ ‫مبوجب الفصل السابع – بأن يأذن بالتدخل‬ ‫العسكري ك��ـ(م�لاذ أخ�ير) عند ح��دوث إب��ادة‬ ‫مجاعية أو عمليات قتل أخرى واسعة النطاق‬ ‫أو ح��دوث تطهريعرقي أو أنتهاكات جسيمة‬ ‫للقانون اإلنساني الدولي‪ ،‬ثبت أن احلكومات‬ ‫ذات السيادة عاجزة عن منعها أو غري راغبة يف‬ ‫منعها‪.‬‬ ‫القمة العاملية ‪:2005‬‬ ‫خالل األجتماعات التحضريية للقمة العاملية‪،‬‬ ‫إنقسمت الدول إىل ثالث تيارات تراوحت بني‪-:‬‬ ‫‪-1‬مؤيد لتبين مفهوم «املسؤولية»‪.‬‬ ‫‪-2‬موافق على طرحه للنقاش‪.‬‬ ‫‪-3‬معرتض ً‬ ‫كليا عليه‪.‬‬ ‫وتقدم ممثلو مثان وثالثني دولة بأقرتاح جمللس‬ ‫األمن بتبين مفهوم املسؤولية يف احلماية‪ ،‬كما‬ ‫ورد يف تقرير األمني العام‪ ،‬لكن األعرتاض من‬ ‫دول الشرق األوس��ط وروسيا كان ً‬ ‫قويا جداً‪.‬‬ ‫‪273‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪274‬‬

‫وبالرغم من تأييد كثريمن ممثلي الدول على‬ ‫مفهوم املسؤولية‪ ،‬كما طرحه تقريراألمني العام‬ ‫التحضريي للقمة العاملي‪ ،‬وتأييده من قبل الكثري‬ ‫من املفكرين والعلماء وخرباء األمم املتحدة‪ ،‬فإن‬ ‫القمة العاملية املنعقدة عام ‪ 2005‬مل تتمكن من‬ ‫إق��راره كما هو جبميع مستلزماته‪ .‬فأعرتاض‬ ‫ال���دول األفريقية ودول أمريكا الالتينية‪،‬‬ ‫خالل مناقشة التصديق على مبدأ املسؤولية‬ ‫يف احلماية(‪ )R2P‬عطل إق��راره وإدراج��ه كما‬ ‫هو جبميع املعايري يف وثيقة نتائج مؤمتر القمة‬ ‫العاملي لعام ‪ . 2005‬وبسبب األعرتاضات أضطرت‬ ‫اجلمعية العام لألمم املتحدة إىل تبين مفهوم‬ ‫املسؤولية بعد تعديالت على النصوص األساسية‬ ‫ال��واردة‪ ،‬وذلك من خالل تعبريات وازنت بني‬ ‫وجهيت نظراملؤيدين واملعرتضني‪ ،‬فأقرت مبدأ‬ ‫املسؤولية‪ ،‬لكن مل تلتزم جبميع الشروط اليت‬ ‫وضعتها جلنة (‪ )ICISS‬كأشرتاط‪-:‬‬ ‫‪-1‬عدم أستخدام الفيتو يف جملس األمن‪.‬‬ ‫‪ -2‬وتوسيع مفهوم احلماية ليشمل مجيع‬ ‫أنتهاكات حقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫لكن املؤمتر التارخيي الضخم‪ ،‬الذي ضم قادة‬ ‫دول العامل‪ ،‬استطاع إق��رار مبدأ املسؤولية يف‬ ‫محاية الشعوب يف جرائم دولية أربع هي‪-:‬‬ ‫‪-1‬اإلبادة‪.‬‬ ‫‪-2‬جرائم احلرب‪.‬‬ ‫‪ -3‬التطهري العرقي‪.‬‬ ‫‪ -4‬اجلرائم اإلنسانية‪.‬‬ ‫وقد أقر تقرير» نتائج مؤمتر القمة العاملي لعام‬ ‫‪ 2005‬مبدأ السيادة كمسؤولية فجاء فيه‪ :‬تأكيد‬ ‫أحرتام حقوق اإلنسان كمبدأ أساسي يف العالقات‬ ‫الدولية‪ ،‬وإع�لان مسؤولية ال��دول األعضاء يف‬

‫محاية مواطنيها من اإلبادة‪ ،‬وجرائم احلرب‪،‬‬ ‫والتطهري العرقي‪ ،‬واجلرائم ضد اإلنسانية‪.‬‬ ‫كما تضمن مسؤولية األمم املتحدة يف محاية‬ ‫اجملتمعات‪ ،‬من خالل العمل اجلماعي جمللس‬ ‫األمن‪ .‬لكن التقرير أستدرك‪ ،‬فقال إن « تفويض‬ ‫أستخدام القوة من قبل جملس األمن‪ ،‬كرد على‬ ‫اإلبادات والتطهري العرقي‪ ،‬جيب أن يدرس كل‬ ‫(حالة على حده ‪ .)Case-by-Case‬وقد‬ ‫وقع القادة اجملتمعون يف القمة العاملية ‪2005‬‬ ‫تعهداً خبصوص مبدأ املسؤولية يف احلماية‪ ،‬أدرج‬ ‫يف بنود ثالثة‪-:‬‬ ‫‪-1‬البند (‪ )138‬ال��ذي تضمن عبارة «إننا نقبل‬ ‫املسؤولية وسوف نتصرف على أساسها»‪.‬‬ ‫‪-2‬البند (‪ )139‬ال��ذي تضمن تعهداً من قبل‬ ‫اجملتمع الدولي عرباألمم املتحدة بـ(املسؤولية يف‬ ‫أستخدام مجيع الوسائل املمكنة من دبلوماسية‬ ‫وإنسانية‪ ،‬حلماية الشعوب من اجلرائم األربع‬ ‫املتفق عليها‪.‬‬ ‫‪-3‬البند (‪ )140‬الذي تضمن دعم جهود إقرار‬ ‫أتفاقية مكافحة اإلبادة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ثالثا‪ :‬مبدأ املسؤولية يف جملس األمن‬ ‫بعد إق��راره يف «القمة العاملية‪ ،‬كان على مبدأ‬ ‫املسؤولية يف احلماية ‪ R2P‬أن ينتظر حتى‬ ‫‪ ،2006‬لكي يرد يف أول نص قرار صادر يف جملس‬ ‫األم��ن‪ .‬فقد ورد املبدأ كنص يف املسودة اليت‬ ‫تقدمت بها بريطانيا كمشروع قراريف جملس‬ ‫األم���ن ح��ول مح��اي��ة املدنيني يف الصراعات‬ ‫املسلحة‪ .‬وبعد تأخري دام أشهراً بسبب األنقسام‬ ‫يف جملس األمن‪ ،‬صدر القرار (‪ ،2006 )1675‬الذي‬


‫تضمن مبدأ املسؤولية ‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬أعتمد جملس‬ ‫األمن مبدأ «املسؤولية يف احلماية» يف القرارات‬ ‫اليت أصدرها حول الوضع يف دارفور‪ .‬فقد صدر‬ ‫هذا املبدأ بشكل قانوني رمسي يف القرار ‪1706‬‬ ‫الصادر يف عام ‪ 2006‬حول الوصع يف السودان‪،‬‬ ‫ال��ذي ف��وض فيه جملس األم��ن ق��وات حفظ‬ ‫السالم التابعة لألمم املتحدة يف القيام مبهامها‪،‬‬ ‫مشرياً إىل «مسؤولية كل عضو من أعضاء األمم‬ ‫املتحدة يف محاية مواطنيه‪ ،‬ومسؤولية اجملتمع‬ ‫الدولي يف املساعدة‪ ،‬يف حال عجزت تلك الدول‬ ‫عن القيام مبسؤولية احلماية مبفردها»‪ .‬ثم‬ ‫تواىل إقرار مبدأ «املسؤولية يف احلماية» يف العديد‬ ‫من ق���رارات جملس األم��ن‪ ،‬وك��ان من أبرزها‬ ‫قرارات تتعلق بدارفور وبورما‪ ،‬ويف العديد من‬ ‫تصرحيات األمني العام اجلديد (بان كي مون)‬ ‫الذي رأى تطبيق مفهوم املسؤولية يف احلماية‬ ‫(‪ )R2P‬له األولوية‪ .‬ويالحظ أنه منذ القمة‬ ‫العاملية ‪ ،2005‬مل يطرأ أي تفسري إضايف ملفهوم‬ ‫«مسؤولية»‪ ،‬إىل أن قام بتفسريه األم�ين العام‬ ‫لألمم املتحدة (بان كي مون) يف اخلطاب الذي‬ ‫ألقاه يف برلني يف ‪/15‬مت���وز‪ ،2008/‬والذي حدد‬ ‫فيه مبدأ املسؤولية كما يلي‪-:‬‬ ‫مفهوم «املسؤولية يف احلماية ليس تعبرياً جديداً‬ ‫للتدخل اإلنساني‪ ،‬بل هو مبين على مفهوم‬ ‫إجيابي للسيادة كمسؤولية‪ ،‬وهو مفهوم راسخ‬ ‫ً‬ ‫متاما يف مبادئ القانون الدولي احلالي أكثر من‬ ‫مفهوم التدخل اإلنساني»‪ .‬وخت��وف (ب��ان كي‬ ‫مون) من مطالبة البعض بتوسيع املفهوم‪ ،‬لكي‬ ‫ً‬ ‫أوضاعا أخرى غري اجلرائم األربع‪ ،‬وذلك‬ ‫يشمل‬ ‫بإضافة‪-:‬‬ ‫‪ -1‬التغري املناخي‪.‬‬

‫‪ -2‬مرض نقص املناعة‪.‬‬ ‫معترباً أن هذا سوف يؤدي إىل تفويض التوافق‬ ‫الذي مت حوله عام ‪ .2005‬ويدافع بان كي مون‬ ‫عن املفهوم جتاه خطأين يرتكبان حبقه‪:‬‬ ‫القول إن املفهوم هو غربي أو مشالي يفرض‬‫ً‬ ‫فرضا على دول اجلنوب‪ ،‬فيقول إن أنطالقة‬ ‫املفهوم كانت من قبل إفريقيني‪ ،‬هما األمينان‬ ‫العامان السابقان لألمم املتحدة – بطرس غالي‬ ‫و كويف عنان – اللذان كانا أول من حتدثا عن‬ ‫تطور مفاهيم السيادة والتدخل اإلنساني‪.‬‬ ‫القول إن مفهوم املسؤولية يف احلماية يتعارض‬‫مع مبدأ السيادةن فيؤكد أن هذا املفهوم هو‬ ‫ً‬ ‫خصما هلا‪ .‬فاحلماية كانت‬ ‫حليف للسيادة‪ ،‬وليس‬ ‫أحد األسباب الرئيسية يف تأسيس الدول لنظام‬ ‫(وستفاليا)‪ .‬لذا‪ ،‬من خالل مساعدة الدول على‬ ‫تأمني التزاماتها ومسؤولياتها‪ ،‬فإن هذا املفهوم‬ ‫يدعم السيادة ويقويها بدل أن يضعفها‪ .‬وينهي‬ ‫بان كي مون بعبارة تلخص مرحلة التطور اليت‬ ‫وصل إليها املفهوم اليوم‪ ،‬وهي‪« :‬املسؤولية يف‬ ‫احلماية ال يزال جمرد مفهوم‪ ،‬وهو طموح مل‬ ‫يرق إىل مستوى الواقع بعد»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫رابعا‪ :‬حاالت تطبيقية‬ ‫تنفرد احلالة الليبية عن دونها من حاالت‬ ‫ً‬ ‫لفظا وقانونا‬ ‫التدخل اإلنساني باألستناد‬ ‫للواجب يف احلماية‪ .‬وأستظلت قوات التحالف‬ ‫الدولي‪ ،‬ومن بعدها قوات حلف مشال األطلسي‪،‬‬ ‫بالقرارين الشهريين‪-:‬‬ ‫‪.1970-1‬‬ ‫‪.1973-2‬‬ ‫اللذين ص��درا عن جملس األم��ن يف آذار ‪2011‬‬ ‫‪275‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪276‬‬

‫كمسوغني شرعيني حلماية املدنيني العزل يف‬ ‫ليبيا‪ .‬بل إن كافة الفقهاء واحملللني السياسيني‬ ‫أمجعوا على أن احلالة الليبية تعد السابقة األوىل‬ ‫العملية إلنفاذ هذا املبدأ على األرض‪ .‬وإذا كان‬ ‫كثريمن الفقهاء واحملللني السياسيني قد أمجعوا‬ ‫على أن‪-:‬‬ ‫‪-1‬ال��ت��دخ��ل العسكري اإلنساني يف كردستان‬ ‫العراق يف عام ‪ ،1991‬حلماية املواطنني الكرد‬ ‫العزل من بطش اآللة العسكرية لنظام صدام‬ ‫حسني يف بغداد‪.‬‬ ‫‪ -2‬التدخل العسكري اإلنساني حلماية (ألبان‬ ‫كوسوفو) عام ‪.1999‬‬ ‫يعدان تطبيقات للمبدأ ذات��ه‪ ،‬فإنه يف ذلك‬ ‫الوقت مل يكن املبدأ املشار إليه – الواجب يف‬ ‫احلماية اإلنسانية – قد أبتدع بعد يف أروقة‬ ‫األم��م املتحدة‪ .‬لكن تظل احلالة الليبية هي‬ ‫اليت رسخت املفهوم الذي أُستخدم يف كردستان‬ ‫العراق عام ‪ ،1991‬وكوسوفو يف ‪ .1999‬يف املقابل‪،‬‬ ‫فإن األنتهاكات اجلسيمة حلوق اإلنسان يف سوريا‬ ‫تستدعي التدخل اإلنساني‪ ،‬وتوفر مسوغاته‬ ‫الشرعية‪ً ،‬‬ ‫متاما كما حدث يف‪-:‬‬ ‫‪-1‬كردستان العراق ‪.1991‬‬ ‫‪-2‬الصومال ‪.1992‬‬ ‫‪-3‬كوسوفو ‪.1999‬‬ ‫إال أن مفهوم الواجب يف احلماية اإلنسانية ال‬ ‫يزال يف طور النشأة‪ .‬فعلى الرغم من السوابق‬ ‫امل��ذك��ورة‪ ،‬ف��إن امل��ب��دأ مل يتحول إىل قاعدة‬ ‫قانونية دولية عرفية ملزمة‪ ،‬وذلك ألقتصار‬ ‫إنفاذ املبدأ من جانب األمم املتحدة على حالة‬ ‫واحدة‪ ،‬هي احلالة الليبية‪ ،‬وأن حداثة املصطلح‬ ‫واألخ��ت�لاف ح��ول حتديد املعايري والضوابط‬

‫للمصطلح مكنت الدول الكربى من أن تفرض‬ ‫رؤيتها اخلاصة املصلحية‪ ،‬بغض النظر عن‬ ‫اإلمجاع الدولي املتمثل يف قرار اجلمعية العامة‬ ‫الصادر يف ‪/16‬شباط‪ ،2012/‬حيث دعا إىل إدانة‬ ‫أنتهاك حقوق اإلنسان يف سوريا‪ ،‬ووقف العنف‬ ‫هناك‪ .‬أن أرتفاع أرق��ام عدد القتلى والصور‬ ‫الصادمة كفيالن بأن يؤججا حركة أحتجاج‬ ‫دولية للمناداة بوقف العنف والتدخل الدولي‬ ‫إمجاعا ً‬ ‫ً‬ ‫دوليا‬ ‫اإلنساني‪ .‬إال أن هذا اخلياريتطلب‬ ‫يتجسد يف قرار يعكس رغبة اجملتمع الدولي‬ ‫يف إدانة األنتهاكات‪ ،‬ويشرع للتدخل اإلنساني‬ ‫املستند إىل مفهوم الواجب يف احلماية اإلنسانية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫جذريا عن احلالة‬ ‫إال أن احلالة السورية ختتلف‬ ‫الليبية‪ ،‬رغم تشابه ظ��روف القمع‪ ،‬ودموية‬ ‫النظام يف قمع املظاهرات السلمية‪ ،‬ومع تكرار‬ ‫مطالب املعارضة بضرورة التدخل اإلنساني‪،‬‬ ‫ال يزال التدخل بعيد املنال‪ .‬إذن ميكن القول إن‬ ‫تركيبة وآلية عمل جملس األمن أستمرت على‬ ‫ال��دوام تعكس ميزان القوى الدولي‪ ،‬وتعكس‬ ‫مصاحل الدول اخلمس دائمةالعضوية يف جملس‬ ‫األمن‪ .‬ويأتي «الفيتو» الروسي – الصيين على‬ ‫مشروع قرارإلدانة النظام السوري يف جملس‬ ‫ً‬ ‫أنعكاسا ملصاحل ال��دول يف اجمللس‪ ،‬ورداً‬ ‫األم��ن‪،‬‬ ‫على تبين جملس األمن لقرار‪ ،‬عرب أمتناعهما‬ ‫ً‬ ‫الحقا‬ ‫عن التصويت يف احلالة الليبية‪ ،‬مسح‬ ‫حللف مش��ال األطلسي بشن ح��رب على ليبيا‬ ‫حتى سقط النظام وهو السيناريو الذي ال تريد‬ ‫موسكو تكراره يف احلالة السورية‪ ،‬رغم أنتهاكات‬ ‫حقوق اإلن��س��ان‪ ،‬ودم��وي��ة النظام‪ .‬ويستند‬ ‫النظام السوري لتحالفات إقليمية ودولية ال‬ ‫تزال تراهن على بقائه‪ ،‬وحماولة إنهاء األزمة‬


‫السورية‪ ،‬مع احلفاظ على التوازنات اإلقليمية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فضال عن األستغالل الناجح الفعال للنظام‬ ‫السوري‪ ،‬وحتى اللحظة اآلنية‪ ،‬خلشية دول‬ ‫اجلوار من التدخل الدولي يف سوريا‪ ،‬حبسبانه‬ ‫يفضي وال حمالة إىل زعزعة األستقرار الدقيق‬ ‫يف املنطقة‪ ،‬ومن شأنه ً‬ ‫أيضا أن يفسح اجملال‬ ‫لصراعات إقليمية‪ .‬فاحلفاظ على الوضع القائم‬ ‫يتطلب تنازالت سورية‪ ،‬والواقعية السياسية‬ ‫ً‬ ‫جانبا‪.‬‬ ‫تنحى خبيار التدخل اإلنساني الدولي‬ ‫ً‬ ‫ودوما‪-:‬‬ ‫‪ -1‬حني تتحدث السياسة‪.‬‬ ‫‪ -2‬تصمت حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫‪277‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪278‬‬

‫مفهوم الرضورة يف الفقه الدستوري املعارص‬ ‫دراسة نظرية‬

‫م‪ .‬شاالو صباح عبدالرحمن‬ ‫ماجستير في القانون‬


‫املقدمة‪:‬‬ ‫ان احلياة بني األمم ال تسري على منط واحد‪،‬‬ ‫إمنا تتخلل تلك احلياة من وقت آلخر فرتات‬ ‫عصبية واليت قد تهدد كيان الدولة‪ ،‬وان النظام‬ ‫القانون العادي قد وضع ليحكم حياة الدول‬ ‫يف فرتات طبيعية وعادية‪ ،‬وان هذا النظام قد‬ ‫يعجز اثناء األزمات عن تقديم احلماية الالزمة‬ ‫الستمرار حياة الشعوب واستقرارها‪ ،‬لذلك فقد‬ ‫وجدت نظرية الضرورة لتواجه تلك احلاالت‬ ‫واألزمات يف حياة الدول‪ .‬وان نظرية الضرورة‬ ‫رغم ذلك مل تكن دائما حمل قبول يف نطاق‬ ‫الفقه الدستوري‪ ،‬وكذلك فقد اختلفت الدساتري‬ ‫يف موقفها حيال نظرية الضرورة‪ ،‬ولكن نظرية‬ ‫الضرورة قد فرضت نفسها على حياة الدول مما‬ ‫مل يعد األمر معها امر ترحاب أو غري ترحاب‬ ‫بل اصبح األمر واقعا البد من مواجهته‪ .‬فمن‬ ‫خ�لال ه��ذا البحث حن��اول أن نتناول مفهوم‬ ‫الضرورة ومواقف امل��دارس املختلفة يف الفقه‬ ‫الدستوري حول هذه النظرية‪ .‬وتتجلى أهمية‬ ‫هذه الدراسة يف ب��روز مفهوم وحتديد نطاق‬ ‫الضرورة وما يفرضه واقع الضرورة على الدول‬ ‫وم��دى مشروعية األعمال والتصرفات اليت‬ ‫تتخذ يف ضلها‪ ،‬وان عدم حتديد نطاق الضرورة‬ ‫قد يؤدي اىل القيام بإعمال متس مصاحل الشعب‬ ‫العامة وقد متس القواعد الدستورية املنظمة‬ ‫لكيان ال��دول��ة من خ�لال ادع��اء وج��ود حالة‬ ‫الضرورة او واقع فرض نفسه على الدولة‪.‬‬ ‫ويف نطاق هذه الدراسة سنركز على حتديد‬ ‫مفهوم الضرورة يف اط��ار القانون الدستوري‬ ‫ونبني خصائصها وأركانها‪ ،‬ونتناول كذلك‬

‫مربرات األخذ بنظرية الضرورة ثم نتطرق اىل‬ ‫اجتاهات الفقه الدستوري حول األخذ بنظرية‬ ‫الضرورة بشكل عام‪ .‬وسنتبع يف حتديد منهجية‬ ‫هذه الدراسة األسلوب التحليلي وذلك من خالل‬ ‫حتليل مفهوم ال��ض��رورة يف نطاق القانون‬ ‫الدستوري مع بيان االجتاهات الفقهية املختلفة‬ ‫اليت قيلت بصددها‪ .‬وتطلبت هذه الدراسة‬ ‫تقسيمها اىل مطلبني‪ ،‬إذ سنتناول يف املطلب‬ ‫األول مفهوم الضرورة وخصائصها وأركانها‪،‬‬ ‫بينما سنخصص املطلب الثاني ملربرات األخذ‬ ‫بهذه النظرية وحتديد طبيعتها‪ ،‬ويف خامتة هذه‬ ‫الدراسة سنستعرض مجلة من االستنتاجات‬ ‫اليت تتمخض عن هذه الدراسة‪.‬‬

‫املطلب األول‬ ‫ماهية نظرية الضرورة‬ ‫مما الشك فيه إن كل دولة تتعرض خالل حياتها‬ ‫ألزمات أو ظروف استثنائية ختتلف صورها بني‬ ‫احلني واآلخر فهي ليست ً‬ ‫دائما متشابهة وكذلك‬ ‫فإن هذه الظروف مؤقتة و غري متوقعة‪ ،‬ولكن‬ ‫مهما اختلفت أن��واع هذه الظروف فجميعها‬ ‫متثل خطراً ً‬ ‫ً‬ ‫وجسيما على كيان الدولة‬ ‫حاال‬ ‫ومؤسساتها الدستورية‪ ،‬وعلى الدولة أن تسارع‬ ‫يف مواجهة ه��ذه ال���ظ���روف(‪ .)1‬وإن قواعد‬ ‫الدستور وضعت لتنظيم السلطات يف الدولة‬ ‫على أساس تقيد سلطة احلاكم وإجياد نوع من‬ ‫التوازن بينهما وذلك ألجل محاية مبدأ سيادة‬ ‫القانون وحقوق اإلنسان وحرياته األساسية(‪،)2‬‬ ‫إال إن هذه القواعد وضعت للظروف االعتيادية‪،‬‬ ‫أما يف حالة قيام نظرية الضرورة املتمثلة حبالة‬ ‫‪279‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪280‬‬

‫احلرب أو العمليات اإلرهابية املنظمة أو يف حالة‬ ‫مرور الدولة بأزمة اقتصادية حادة أو حدوث‬ ‫كوارث طبيعية كالزالزل والفيضانات أو انتشارا‬ ‫وباء عام يف الدولة‪ ،‬ففي ظل هذه الظروف ال تعد‬ ‫القواعد الدستورية املنظمة للمؤسسات العامة‬ ‫يف البالد كافية أو مالئمة ملواجهة اخلطر بل‬ ‫البد من اللجوء إىل اختاذ تدابري استثنائية(‪.)3‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬تعريف الضرورة‬ ‫ميكن القول ان مجيع فروع القانون ترى بان‬ ‫الضرورة أصبحت من النظريات العامة للقانون‪،‬‬ ‫و إن التطبيقات األوىل لنظرية الضرورة قد بدأت‬ ‫يف اطار القانون اجلنائي ثم ظهرت يف القانون‬ ‫املدني و مجيع فروع القانون‪ ،‬و أن جوهر فكرة‬ ‫الضرورة يتمثل يف وجود فعل او جمموعة أفعال‬ ‫تشكل خطرا يهدد مصلحة معتربة قانونا حبيث‬ ‫ال تكون إلرادة صاحب املصلحة املهددة دخل يف‬ ‫وقوع هذا الفعل او تلك األفعال‪ ،‬و صاحب احلق‬ ‫الذي حييق به اخلطر و يتهدده جيد نفسه يف‬ ‫وضع يتعني معه ان خيرق القانون لكي حيمي‬ ‫ذلك احلق أو أن يهدر ذلك احلق لكي حيافظ‬ ‫على النص‪ ،‬و صاحب احلق يف رد فعله يقوم‬ ‫بعملية موازنة بني أي األمرين أوىل بالرعاية‪،‬‬ ‫مصلحته املهددة باخلطر أو النص القانوني‬ ‫املهدد باملخالفة‪ .‬و بالنسبة لتعريف جامع مانع‬ ‫للضرورة فقد عرفت حالة الضرورة من قبل‬ ‫فقهاء و مفسري القانون الدستوري بتعريفات‬ ‫عديدة منها‪:‬‬ ‫فقد عرفها(د‪ .‬حييى اجلمل) بأنها “عبارة عن‬ ‫ً‬ ‫داخليا أم‬ ‫أخطار معينة سواء أكان مصدرها‬

‫ً‬ ‫خارجيا وال تستطيع الدولة أن تواجهها إال‬ ‫بالتضحية باالعتبارات الدستورية اليت ال ميكن‬ ‫جتاوزها يف األوضاع العادية”(‪ .)4‬أما (د‪ .‬سامي‬ ‫مجال الدين) فإنه يعرف الضرورة بأنها “عبارة‬ ‫عن وجود تهديد خبطر جسيم وحال موجه ضد‬ ‫الدولة واستحالة مواجهة هذا التهديد بالطرق‬ ‫العادية وع��ن طريق املؤسسات الدستورية‬ ‫املختصة”(‪ .)5‬وكذلك عرفها (د‪ .‬وجدي ثابت‬ ‫غربيال) بأنها “تلك احلالة من اخلطر اجلسيم‬ ‫واحلال واليت يتعذر تداركها بالوسائل العادية‪،‬‬ ‫مما يدفع السلطات القائمة على حالة الضرورة‬ ‫اللجوء إىل الوسائل القانونية االستثنائية لدفع‬ ‫هذا اخلطر ومواجهة األزم��ة”(‪ .)6‬وعرفها (د‪.‬‬ ‫حممد الوكيل) بأنها” عبارة عن وجود ضرورات‬ ‫عاجلة تستلزم من جانب السلطة التنفيذية‬ ‫التصرف السريع ملواجهة خطر داهم أو ضرر‬ ‫جسيم”(‪.)7‬‬ ‫وم��ن خ�لال التعريفات السابقة‪ ،‬ميكن أن‬ ‫حندد مفهوم الضرورة بأنها “عبارة عن قيام‬ ‫خطر جسيم وحال غري متوقع والذي يواجه‬ ‫الدولة و يتعذر مواجهته بالوسائل العادية‬ ‫بل جيب اللجوء اىل الوسائل االستثنائية وذلك‬ ‫بالتضحية باالعتبارات الدستورية من أجل‬ ‫سالمة الدولة ومؤسساتها”‪ .‬و جيب اإلشارة اىل‬ ‫إن هناك عدة مبادئ دستورية جيب على كل‬ ‫السلطات يف الدولة التمسك بها وعدم اخلروج‬ ‫منها ولكن يف ظل حالة الضرورة جيب التضحية‬ ‫بكل ه��ذه املبادئ السابقة من أج��ل مواجهة‬ ‫اخلطر واحلفاظ على سالمة الدولة‪ ،‬وإن مجيع‬ ‫السلطات يف الدولة ماهي إال وسيلة للوصول‬ ‫اىل اهل��دف احلقيقي أال وه��و تنظيم اجملتمع‪،‬‬


‫الذي كان هو اهلدف احلقيقي من إبرام العقد‬ ‫االجتماعي‪ ،‬وإن الشعب قد أبرم هذا العقد من‬ ‫أجل اخلروج من الفوضى وتنظيم اجملتمع‪ ،‬وإذا‬ ‫عمت الفوضى كل جوانب اجملتمع وزالت مسات‬ ‫الدولة فما هي الفائدة من التمسك بالدستور‪،‬‬ ‫لذلك فإن اخلروج عن قواعد الدستور يتطلبها‬ ‫الواقع املتمثل بوجود خطر حقيقي يهدد‬ ‫سالمة الدولة‪ ،‬وألجل مواجهة هذا اخلطر جيب‬ ‫إبقاء مؤسسات الدولة وقيامها بأعمال إضافية‬ ‫حتى زوال اخلطر‪.‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬خصائص الضرورة و أركانها‬ ‫ً‬ ‫أوال‪ :‬خصائص الضرورة‪:‬‬ ‫من خالل التعريفات السابقة نستطيع أن حندد‬ ‫خصائص الضرورة كاآلتي(‪:)8‬‬ ‫أ‪ /‬وجود خطر جسيم وحال‪ ،‬و بعبارة أخرى‬ ‫وجود تهديد خبطر جسيم و حال موجه ضد‬ ‫ال��دول��ة وسالمة كيانها أو إح��دى مؤسساتها‬ ‫الدستورية‪ ،‬واملقصود باخلطر اجلسيم هو الذي‬ ‫خيرج عن حدود املعتاد والذي حيدث بني وقت‬ ‫ً‬ ‫خالفا مع األخطار العادية مثل‬ ‫وآخر‪ ،‬وذلك‬ ‫التظاهرات الشعبية غري العنيفة واملؤقتة واليت‬ ‫تواجهها التنظيمات العادية‪.‬‬ ‫ب‪ /‬جيب أن يكون هذا اخلطر غري متوقع‪ ،‬أي أن‬ ‫يوجد عنصر املفاجأة يف اخلطر املهدد لسالمة‬ ‫الدولة ومؤسساتها الدستورية‪.‬‬ ‫ج‪ /‬استحالة إمكان اللجوء اىل استعمال الطرق‬ ‫القانونية ال��ع��ادي��ة ل���درء ذل��ك اخل��ط��ر‪ ،‬بل‬ ‫مواجهته تتطلب اللجوء اىل تدابري استثنائية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬أركان الضرورة‪:‬‬ ‫تقوم فكرة ال��ض��رورة على ركنني أحدهما‬

‫موضوعي واآلخر شخصي أو إرادي‪ ،‬ونتناول‬ ‫ذلك ً‬ ‫تباعا كاآلتي‪:‬‬ ‫أ‪ /‬الركن املوضوعي‪:‬‬ ‫يتمثل هذا الركن بوجود فعل أو جمموعة أفعال‬ ‫تشكل خطراً يهدد مصلحة جوهرية معتربة‬ ‫ً‬ ‫قانونا‪ ،‬حبيث ال يكون إلرادة صاحب املصلحة‬ ‫املهددة دخل يف وقوع تلك األفعال‪ ،‬ويف نطاق‬ ‫القانون الدستوري فإن الركن املوضوعي يتمثل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫دستوريا‪ ،‬وهذا‬ ‫موضوعا‬ ‫يف وجود خطر يهدد‬ ‫املوضوع قد يكون سلطة من سلطات الدولة و‬ ‫كما يكون التنظيم القانوني للحقوق أو احلريات‬ ‫على حنو صاغه دستور الدولة(‪ .)9‬إذن فإن وجود‬ ‫حالة حرب أو كارثة طبيعية يف دولة ما‪ ،‬يؤثر‬ ‫على حق االنتخاب للشعب وذلك بسبب وجود‬ ‫موانع مادية إلجراء االنتخابات املتمثلة بعدم‬ ‫متكن اإلش��راف على عملية االنتخابات بسبب‬ ‫انعدام األمن و تردي األوض��اع يف الدولة‪ .‬وإن‬ ‫اخلطر املهدد لكيان الدولة أو مؤسساتها جيب أن‬ ‫يكون ً‬ ‫ً‬ ‫وجسيما ألن األخطار العادية ال تؤدي‬ ‫حاال‬ ‫اىل قيام حالة الضرورة‪ ،‬وعلى سبيل املثال فإن‬ ‫األعمال التخريبية املتفرقة وغري املنتظمة وما‬ ‫شابه ذلك‪ ،‬ال تؤدي اىل قيام حالة الضرورة‪ ،‬ويتم‬ ‫مواجهة هذه األخطار عن طريق التنظيمات‬ ‫العادية‪ ،‬وإن جسامة اخلطر جيب أن تكون على‬ ‫درجة خترج عن حدود املعتاد‪ ،‬وميكن القول إن‬ ‫املوضوع الذي يلحقه التهديد من جانب ومدى‬ ‫اخلطر نفسه من جانب آخر‪ ،‬هما اللذان حيددان‬ ‫جسامة اخلطر(‪.)10‬‬ ‫وإذا ما قارنا هذا اخلطر مع احلياة النيابية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫متزامنا مع وق��ت جتديد‬ ‫حبيث ك��ان اخلطر‬ ‫اجمللس النيابي‪ ،‬جيب أن ترقى جسامة اخلطر‬ ‫‪281‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪282‬‬

‫اىل درج��ة ع��دم متكن اإلش���راف على عملية‬ ‫االنتخابات من قبل اجلهات املختصة من جانب‪،‬‬ ‫ومن جانب آخر جيب أن يؤدي اخلطر اىل عدم‬ ‫متكن الناخبني من اإلدالء بأصواتهم ً‬ ‫خوفا على‬ ‫أرواحهم بسبب وجود اخلطر‪.‬‬ ‫وإذا كان اخلطر ً‬ ‫قائما يف جزء معني من الدولة‪،‬‬ ‫فإن حالة الضرورة حتدث آثارها يف ذلك اجلزء‬ ‫فقط دون باقي أجزاء الدولة‪ ،‬لذلك ميكن إجراء‬ ‫االنتخابات يف الدولة ماعدا اجلزء الذي وجد‬ ‫فيه اخلطر‪ ،‬وإذا كانت حالة الضرورة تتطلب أن‬ ‫ً‬ ‫جسيما‪ ،‬فالبد أن يكون هذا اخلطر‬ ‫يكون اخلطر‬ ‫ً‬ ‫حاال ً‬ ‫أيضا حتى نقول بأن حالة الضرورة ظهرت‬ ‫ً‬ ‫فعال‪ ،‬لذلك ال يكون اخلطر ً‬ ‫حاال إذا كان اخلطر‬ ‫ً‬ ‫متوهما مل يتحقق بعد وكما ال يكون اخلطر‬ ‫ً‬ ‫حاال إذا كان من املمكن التنبؤ به قبل وقوعه‬ ‫بفرتة طويلة‪ ،‬ألنه جيري االستعداد ملواجهته‪،‬‬ ‫يكون اخلطر ً‬ ‫حاال اذا كان على وشك الوقوع‬ ‫على حنو مؤكد أو قد بدأ ً‬ ‫فعال ولكنه مل ينتهي‬ ‫بعد(‪.)11‬‬ ‫ونتيجة ملا سبق فإنه ال جيوز تأجيل االنتخابات‬ ‫لتجديد اجمللس على أس��اس إن فيضان ما قد‬ ‫جيتاح البالد يف األيام القليلة القادمة‪ ،‬ألن اخلطر‬ ‫مل يتحقق بعد بل كل ما يتعلق به هو توقعات‬ ‫فقط‪ ،‬و كما ال جيوز تأجيل االنتخابات على‬ ‫أساس إن بلد ما قد يهاجم على أساس إصدار‬ ‫تصرحيات نارية فقط مع إنه يف الواقع العملي‬ ‫ال يوجد أي خطر حال‪.‬‬ ‫ب‪ /‬الركن الشخصي أو اإلرادي‪:‬‬ ‫يتمثل هذا الركن يف رد فعل ضد الفعل املتمثل‬

‫باخلطر اجلسيم واحلال و إن صاحب احلق الذي‬ ‫يلحق به اخلطر ويهدده جيد نفسه يف وضع‬ ‫يتعني معه أن خيرق القانون لكي حيمي ذلك‬ ‫احل��ق‪ ،‬وصاحب احلق عند قيامه برد الفعل‬ ‫يقوم بعملية املوازنة بني أي من األمرين هو‬ ‫أوىل بالرعاية‪ ،‬مصلحته املهددة باخلطر أم النص‬ ‫القانوني املهدد باملخالفة(‪ .)12‬الدولة عندما‬ ‫يهددها خطر ما تقوم باملوازنة بني احلفاظ‬ ‫على سالمة كيانها السياسي أو خمالفة النصوص‬ ‫القانونية املنظمة هلذا الكيان‪ ،‬وإذا زالت الدولة‬ ‫ومؤسساتها الدستورية فإن النصوص القانونية‬ ‫ال تفيد بأي شيء لذلك فإن الدولة تفضل ً‬ ‫دائما‬ ‫احلفاظ على كيانها وسالمة أراضيها‪ ،‬لذلك من‬ ‫الطبيعي جداً أن متدد والية جملسها النيابي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫دستوريا من أجل احلفاظ‬ ‫فراغا‬ ‫حتى ال حيدث‬ ‫على كيانها حتى زوال اخلطر املهدد هلا‪.‬‬ ‫وإن اجلهاز املكلف برد اخلطر عليه التضحية‬ ‫بأحد األمرين‪ ،‬إما سالمة الدولة وإما تطبيق‬ ‫النصوص الدستورية‪ ،‬ومن هنا يبدأ االختيار‬ ‫وتقدير مدى الضرر ال��ذي سيتحقق نتيجة‬ ‫اختيار معني‪ ،‬ويف هذه النقطة يربز سؤال مهم‬ ‫وه��و‪ ،‬من ال��ذي يقوم بهذا التقدير؟ ألن هذا‬ ‫ً‬ ‫دقيقا‪ ،‬ألنه يف بعض‬ ‫التقدير جيب أن يكون‬ ‫األحيان قد ال يكون اخلطر من النوع الذي‬ ‫يستوجب انتهاك ُحرمة النصوص الدستورية‬ ‫لكن مع ذلك تقوم اجلهة املختصة برد اخلطر‬ ‫بانتهاك القواعد الدستورية‪ ،‬لذلك فإن اجلهة‬ ‫املختصة ب��رد اخل��ط��ر جي��ب أن ي��ك��ون حتت‬ ‫الرقابة سواء كانت سياسية عن طريق الربملان‬ ‫أم قضائية‪ ،‬واليت هي مبثابة الضمان احلقيقي‬


‫ضد التعسف واالحنراف بالسلطة(‪.)13‬‬ ‫املطلب الثاني‬ ‫مربرات األخذ بالضرورة وطبيعتها‬ ‫بينا يف امل��ط��ل��ب ال��س��اب��ق م��ف��ه��وم ال��ض��رورة‬ ‫وخصائصها وسنتناول يف هذا املطلب مربرات‬ ‫األخ��ذ بها وبيان طبيعتها وذل��ك من خالل‬ ‫الفرعني التاليني‪:‬ـــ‬ ‫الفرع األول‪ :‬مربرات الضرورة‬ ‫ميكن تربير خروج السلطات العامة على مقتضى‬ ‫مبدأ السمو الدستوري والشرعية الدستورية يف‬ ‫حالة الضرورة مبا يأتي(‪:)14‬‬ ‫أ‪ /‬إن سالمة الدولة فوق كل اعتبار‪ ،‬وعندما‬ ‫تهدد سالمة الدولة خبطر جسيم‪ ،‬حبيث ال‬ ‫جتدي القواعد القانونية اليت وضعت للظروف‬ ‫العادية يف مواجهته فتجد الدولة نفسها مضطرة‬ ‫ملخالفة الدستور ملواجهة هذا اخلطر الداهم ‪.‬‬ ‫ب‪ /‬إن إجبار السلطات العامة على التطبيق‬ ‫احلريف للدستور والقانون يف ظل حالة الضرورة‬ ‫يؤدي اىل زوال الدولة‪ ،‬يف حني إن مقتضى مبدأ‬ ‫السمو الدستوري ذاته هو إلبقاء الدولة‪ ،‬وعندما‬ ‫ً‬ ‫معرضا للخطر‪،‬‬ ‫يكون مصري الدولة ووجودها‬ ‫يصبح إجبار أجهزة الدولة بااللتزام بالنصوص‬ ‫الدستورية القائمة ال قيمة وال جدوى منه ألنه‬ ‫سيؤدي اىل التضحية بالكل من أجل البعض‪.‬‬ ‫و يف نطاق مربات األخذ بنظرية الضرورة يثور‬ ‫سؤال هام إال و هو هل تعين الضرورة االنفالت‬ ‫الكامل من مبدأ املشروعية ؟ أي هل يعين ان يف‬ ‫حالة الضرورة ان النظام القانوني ينتهي و إن‬

‫رد الفعل ضد التهديد املكون للضرورة ال يتقيد‬ ‫بالقيود و الضوابط؟‪ .‬الرأي الراجح عند غالبية‬ ‫الفقهاء هو إن قيام حالة الضرورة ال يؤدي اىل‬ ‫انهيار البنيان القانوني كله من قواعده و من‬ ‫ثم اىل انهيار مبدأ املشروعية‪ ،‬و إن أدى اىل وجود‬ ‫نوع من املشروعية االستثنائية اليت تؤدي اىل‬ ‫توسع دائرة املشروعية‪ ،‬و لعل هذا هو ما دعي‬ ‫الفقه اإلسالمي الذي يقول ان الضرورة تقدر‬ ‫بقدرها و ان ما وجد لضرورة يزول بزواهلا‪ ،‬و‬ ‫هكذا فإن مبدأ املشروعية يف الدولة القانونية ال‬ ‫تعطله حالة الضرورة و ان أثرت عليه و جعلته‬ ‫اق��ل أحكاما و اكثر مرونة مما ميكن اجلهة‬ ‫اليت توجد يف حالة من حاالت الضرورة من ان‬ ‫تتصرف على حنو ال يعرض وجودها للتلف‪،‬‬ ‫و من هنا امكن للقضاء ان يراقب مدى توافر‬ ‫حالة الضرورة و مدى ما تسمح به من اتساع يف‬ ‫نطاق مبدأ املشروعية‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬طبيعة نظرية الضرورة‬ ‫اختلف فقهاء القانون الدستوري حول طبيعة‬ ‫ً‬ ‫متاما‪،‬‬ ‫نظرية الضرورة‪ ،‬فمنهم من يرفضها‬ ‫ومنهم ما يقبل بهذه النظرية كنظرية واقعية‬ ‫أو نظرية سياسية‪ ،‬وأخرياً هناك من يراها بأنها‬ ‫نظرية قانونية‪ ،‬وللتعرف على أراء الفقهاء‬ ‫حول هذه النظرية سنبني آرائهم بالشكل اآلتي‪:‬‬ ‫أ‪ /‬الرافضون لنظرية الضرورة‪:‬‬ ‫ه��ذه الطائفة م��ن الفقهاء ال تهتم كثرياً‬ ‫ً‬ ‫مباشرة ملواجهة‬ ‫بالتفصيالت النظرية وتتجه‬ ‫املشاكل من الناحية العملية وه��ذه الطائفة‬ ‫تتضمن فقهاء النظام األجنلو سكسوني‪ ،‬ففقهاء‬ ‫‪283‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪284‬‬

‫اإلجنليز ال يرون يف مجع املزيد من السلطة يف‬ ‫يد السلطة التنفيذية يف ظل نظرية الضرورة‬ ‫ً‬ ‫عدوانا على‬ ‫ملواجهة اخلطر الداهم على البالد إال‬ ‫الربملان وعلى الدميقراطية‪ ،‬ويرون بان القاعدة‬ ‫الشرعية أو قاعدة سيادة القانون هي قاعدة‬ ‫مطلقة ال استثناء عليها وال جيوز اخلروج عليها‬ ‫س��واء يف األوق��ات العادية أم الضرورية‪ ،‬لذلك‬ ‫فأنهم ال يسمحون للسلطة التنفيذية يف أي وقت‬ ‫كان أن تقوم باإلجراءات خارج هذه القاعدة‬ ‫إال بعد موافقة الربملان وإن باستطاعة الربملان‬ ‫اإلجنليزي أن مينح للسلطة التنفيذية سلطات‬ ‫إضافية لكي تواجه حالة الضرورة من خالل‬ ‫تعديل قواعد الدستور الربيطاني الذي يعد‬ ‫من الدساتري املرنة وجيوز تعديل قواعده عن‬ ‫طريق القوانني العادية(‪ .)15‬وهكذا فإن الفقه‬ ‫اإلجنليزي (شأنه شأن القضاء) يرفض التسليم‬ ‫بأن تكون الضرورة يف ذاتها ودون تدخل من‬ ‫الربملان ً‬ ‫سببا لتعديل النظام القانوني القائم‪،‬‬ ‫ويرفض كذلك غالبية الفقهاء األمريكيني‬ ‫االعتداد مبا يسمى نظرية الضرورة باعتبارها‬ ‫بذاتها مصدراً للتحلل من قواعد املشروعية‪،‬‬ ‫وعلى أي��ة ح��ال ف��إن من امل��ع��روف إن الفقهاء‬ ‫ً‬ ‫مباشرة إىل املواجهة‬ ‫األجنلوسكسونيني يتجهون‬ ‫العملية للمشاكل‪ ،‬وقد أستقر العمل يف تلك‬ ‫البالد على مواجهة حاالت الضرورة واألزمات‬ ‫عن طريق التفويض التشريعي كلما كان ذلك‬ ‫ً‬ ‫ممكنا(‪.)16‬‬ ‫ب‪ /‬الضرورة نظرية واقعية أو نظرية سياسية‪:‬‬ ‫إن ً‬ ‫بعضا من الفقهاء الفرنسيني كالفقيه ايسمان‬ ‫(‪ )Esmein‬وبارتلمي (‪)Barthelme‬‬

‫وكاريه دي مالربج (‪)Carre demalberg‬‬ ‫ي���رون إن نظرية ال��ض��رورة جم��رد نظرية‬ ‫سياسية وليست نظرية قانونية‪ ،‬ويرفضون‬ ‫ً‬ ‫أساسا لتربير اخلروج على‬ ‫أن تكون الضرورة‬ ‫القواعد القانونية الدستورية‪ ،‬ولكن يرون إن‬ ‫الواقع ال ميكن أن جيرد من كل قيمة واقعية‪،‬‬ ‫وأن جترد من القيمة القانونية‪ ،‬إنهم يرفضون‬ ‫أن يبنوا على أساس الضرورة نظرية قانونية‬ ‫ولكنهم يقبلون أن يبنوا على أساسها نظرية‬ ‫واق��ع��ي��ة(‪ .)17‬ب��دأ (ايسمان) بتقدير موقف‬ ‫احملكمة العليا يف الواليات املتحدة األمريكية‬ ‫حيث قررت منذ عام ‪ 1866‬إن الدستور يبقى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ونافذا وقت احل��رب ووق��ت السلم على‬ ‫قائما‬ ‫حد سواء‪ ،‬وإن التنظيم الذي وضعه الدستور‬ ‫للسلطات العامة ال جيوز اخلروج عليه حبجة إن‬ ‫ذلك األمر اقتضته ضرورات احلرب وظروفها‬ ‫االستثنائية”(‪.)18‬‬ ‫وبعكس هذا املوقف وقفت احملكمة الفدرالية‬ ‫موقفا ً‬ ‫العليا يف سويسرا ً‬ ‫خمالفا ورفضه (ايسمان)‬ ‫وعده غري دستوري‪ ،‬وعند قيام احلرب العاملية‬ ‫ً‬ ‫قانونا عام ‪1914‬‬ ‫األوىل أصدرت اجلمعية االحتادية‬ ‫أعطت مبقتضاه للمجلس التنفيذي الفدرالي‬ ‫سلطات غري حم��دودة الخت��اذ كل اإلج���راءات‬ ‫ال��ض��روري��ة لسالمة ال��ب�لاد واحمل��اف��ظ��ة على‬ ‫حيادها ومحاية مصاحلها االقتصادية(‪.)19‬‬ ‫وال يرتدد (ايسمان) يف أن يطلق على هذا الوضع‬ ‫وصف (الدكتاتورية االستبدادية) ويرفض كل‬ ‫ً‬ ‫دستوريا على أساس نظرية‬ ‫حماولة لتربيره‬ ‫الضرورة(‪ ،)20‬ويرى (ايسمان) اىل إن ما ذهب‬ ‫اليه (ديكي) من التربير القانوني لنظرية‬ ‫ال��ض��رورة هو تربير حتكمي وال سند له من‬


‫القانون‪ ،‬ولكن مع ذلك فإن الفقيه (ايسمان)‬ ‫يلتفت اىل ال��واق��ع ويعطيه حكمه ولكنه ال‬ ‫يعطيه ذلك احلكم على أساس من القانون‪ ،‬بل‬ ‫على أساس إن الواقع هو التربير الوحيد للواقع‪،‬‬ ‫وإن��ه ينفي أن يذهب اىل ال��ق��ول بالتضحية‬ ‫بالدولة حلساب الشرعية‪ ،‬وإن��ه ال ينكر على‬ ‫احلكومة أن تتخذ من القرارات غري القانونية‬ ‫ً‬ ‫ضروريا للمحافظة على وجود الدولة‪،‬‬ ‫ما تراه‬ ‫ولكن احلكومة عندما تتخذ ه��ذه القرارات‬ ‫غري الشرعية تثري يف نفس الوقت مسؤوليتها‬ ‫اجلنائية اليت ال يعفيها منها إال إصدار قانون‬ ‫بالتضمينات(‪.)21‬‬ ‫ويذهب (بارتلمي) اىل إن مبدأ الشرعية هو املبدأ‬ ‫الذي جيب أن يسود حتى يف أوقات األزمات‪ ،‬وإنه‬ ‫ليس هناك شيء يقال له (حق الضرورة) فكل‬ ‫ما ميكن أن يقال يف هذه الظروف هو إن حكم‬ ‫الواقع يطغى بصفة مؤقتة على حكم القانون‪،‬‬ ‫وعلى ذلك فإن كل تصرف يتخذ يف فرتة األزمة‬ ‫ً‬ ‫تصرفا غري‬ ‫على خالف الدستور أو القانون يبقى‬ ‫مشروع من الناحية القانونية‪ ،‬ولكن احلكومة‬ ‫اليت تضطر اىل هذا التصرف غري املشروع حتت‬ ‫ضغط الواقع وحكمه يف فرتة األزم��ة ميكن أن‬ ‫تتقدم بعد ذلك للربملان ليعفيها من املسؤولية‬ ‫عن هذا التصرف غري املشروع‪ ،‬وهكذا تبقى‬ ‫ال��ض��رورة حالة م��ن احل���االت ال��واق��ع وليست‬ ‫نظرية من نظريات القانون(‪ .)22‬ويقول(كاري‬ ‫دي مالربج) «إن أحداً ال يستطيع أن ينكر على‬ ‫ال��دول��ة يف ح��االت اخلطر ال��داه��م أن تلجأ اىل‬ ‫إجراءات على مستوى ذلك اخلطر لوقاية كيانها‬ ‫واحملافظة على سالمتها‪ ،‬ولكن الدولة إذ تلجأ اىل‬ ‫تلك اإلجراءات املخالفة للدستور إمنا تتصرف‬

‫على أرض الواقع وليس ً‬ ‫وفقا للقانون وال بنا ًء‬ ‫على نظرية قانونية‪ ،‬وإنه ال جيوز لنا أن نعطي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قانونيا يف احلقيقة»(‪.)23‬‬ ‫لونا قانون ًيا ملا ليس‬ ‫ج‪ /‬الضرورة نظرية قانونية‪:‬‬ ‫إن الفقهاء األملان وعلى رأسهم جلينك (‪)Jelink‬‬ ‫و أهرنج (‪ )Ihernh‬وهيجل (‪ )Hegel‬مع‬ ‫بعض من الفقهاء الفرنسيني من أمثال العالمة‬ ‫(ديكي) و(هوريو)‪ ،‬يرون بإن الضرورة نظرية‬ ‫قانونية ومبوجبها يكون هناك (حق الضرورة)‬ ‫وه��و حق يعرتفون به رغ��م سكوت الدستور‬ ‫عنه‪ ،‬ويرون إن القانون ليس بذاته غاية بل هو‬ ‫وسيلة‪ ،‬وإن الغاية العليا للدولة هي احلفاظ على‬ ‫كيانها‪ ،‬فإذا كانت سالمة الدولة مهددة فإنها جتد‬ ‫نفسها بني خيارين إما التضحية بالقانون أو‬ ‫التضحية بالدولة‪ ،‬وإن الدولة هلا احلق أن تضحي‬ ‫بالقانون من أجل احملافظة على كيانها(‪ .)24‬وإن‬ ‫حق الضرورة ً‬ ‫وفقا للكلمة األملانية يقوم ويربر‬ ‫اخلروج على القاعدة القانونية من أجل احلفاظ‬ ‫على سالمة الدولة‪ ،‬وأي خ��روج على قواعد‬ ‫النظام القانوني القائم فإنه يف ذاته إجراء سليم‬ ‫ومشروع ألن��ه حيقق ه��دف النظام القانوني‬ ‫النهائي وهو احملافظة على سالمة الدولة‪ ،‬وذلك‬ ‫ألنه يوجد فوق القانون املكتوب قانون آخر غري‬ ‫مكتوب يقرر سالمة اإلج��راءات والتصرفات‬ ‫اليت تتخذ يف حالة الضرورة من أجل السالمة‬ ‫العامة‪ ،‬وإن حالة ال��ض��رورة ت��ؤدي اىل وجود‬ ‫ً‬ ‫متاما خيتلف عن النظام‬ ‫نظام قانوني جديد‬ ‫القانوني السابق القائم يف األحوال العادية(‪.)25‬‬ ‫ويوجز الفقيه (بارتلمي) موقف الفقه األملاني‬ ‫من نظرية الضرورة يف العبارة األتية‪»:‬ال ختضع‬ ‫الدولة للقانون إال عندما تريد‪ ،‬ويف احلدود اليت‬ ‫‪285‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪286‬‬

‫تريدها ويف الوقت الذي تريده”‪.‬‬ ‫وال شك إنه يف وقت اخلطر الذي يهدد الدولة‬ ‫ويكون دفعه غري ميسور إال ب��اخل��روج على‬ ‫النظام القانوني ف��إن ال��دول��ة “ل��ن ت��ري��د” يف‬ ‫ذلك الوقت أن ختضع للقانون وإمن��ا ستوجد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قانونيا جديداً يتناسب مع الظروف‬ ‫نظاما‬ ‫النامجة عن ال��ض��رورة(‪ .)26‬ونتيجة ملا سبق‬ ‫تعد الضرورة مصدراً غري مشروط للقواعد‬ ‫القانونية عند غالبية الفقهاء األملان‪ ،‬أما العالمة‬ ‫(ديكي) فيحذر من الوصول اىل نظرية الضرورة‬ ‫كما قال بها الفقهاء األملان ً‬ ‫معلنا إن ذلك املنحدر‬ ‫سريع وخطري‪ ،‬وإن األبواب جيب أن ال تفتح على‬ ‫مصراعيها حتى يف الظروف االستثنائية أمام‬ ‫احلاكمني مهما كانت صفاتهم الشخصية(‪.)27‬‬ ‫ومع إن (ديكي) يسلم بإن نظرية الضرورة هي‬ ‫نظرية قانونية ق��ادرة على أن تكون مصدراً‬ ‫للقواعد القانونية إال إنها مشروطة بشروط‬ ‫معينة‪ ،‬ك��أن تكون هناك ح��رب خارجية أو‬ ‫عصيان مسلح‪ ،‬أو أن تكون هناك استحالة مادية‬ ‫جلمع الربملان(‪.)28‬‬ ‫وإننا نؤيد ما ذهب اليه الفقهاء الفرنسيون‬ ‫حول الضرورة وإن الضرورة ال تؤدي اىل خلق‬ ‫نظام قانوني جديد كما قال بها الفقهاء األملان‪،‬‬ ‫بل إن املبادئ والقوانني القائمة هي اليت تسود‬ ‫يف حالة الضرورة ولكن حكم الواقع يفرض‬ ‫على الدولة اخل��روج على هذه القوانني ملدة‬ ‫مؤقتة للحفاظ على سالمة كيانها واليت هي‬ ‫الغاية النهائية للنظام القانوني‪ ،‬ولكن مع ذلك‬ ‫فإن خروج الدولة على القوانني القائمة تبقى‬ ‫غري شرعية ولكن الواقع يعفيها من املسؤولية‪،‬‬ ‫ونرى إن ما قاله الفقهاء األمل��ان بشأن أن حق‬

‫الضرورة يربر اخلروج عن القاعدة القانونية‬ ‫كان حمل نظر غري مستند على سند قانوني بل‬ ‫إنها قائمة على تصورات صوروها بأنفسهم‪.‬‬ ‫اخلامتة‪:‬‬ ‫يف ختام ه��ذه ال��دراس��ة توصلنا اىل مجلة من‬ ‫االستنتاجات واليت ميكن تلخيصها فيما يلي‪:‬‬ ‫هناك ع��دة مبادئ دستورية جيب على كل‬ ‫السلطات التمسك بها و عدم اخلروج عليها و لكن‬ ‫يف ظل حالة الضرورة جيب التضحية بكل هذه‬ ‫املبادئ من اجل مواجهة اخلطر و احلفاظ على‬ ‫سالمة الدولة‪ ،‬و إن مجيع السلطات يف الدولة‬ ‫ما هي إال وسيلة للوصول إىل اهلدف احلقيقي‬ ‫املتمثل يف تنظيم اجملتمع‪.‬‬ ‫ان حالة الضرورة عبارة عن قيام خطر جسيم‬ ‫و ح��ال غري متوقع و ال��ذي يواجه ال��دول��ة و‬ ‫يتعذر مواجهته بالوسائل العادية فيجب اللجوء‬ ‫إىل الوسائل االستثنائية و ذل��ك بالتضحية‬ ‫باالعتبارات العادية للدستور من اجل سالمة‬ ‫مؤسسات الدولة‪.‬‬ ‫فيما خيص حتديد طبيعة نظرية الضرورة‬ ‫فقد اختلف الفقهاء حول حتديدها‪ ،‬فمنهم‬ ‫من يرفضها متاما كالفقهاء اإلجنلوسكسونيني‪،‬‬ ‫الذين ال ي��رون يف مجع املزيد من السلطة يف‬ ‫يد السلطة التنفيذية يف ظل نظرية الضرورة‬ ‫ملواجهة اخلطر الداهم على البالد إال عدوانا على‬ ‫الدميقراطية وإرادة الشعب‪ ،‬ومن الفقهاء أمثال‬ ‫(آيسمن و بارتلمي) يرون إن نظرية الضرورة‬ ‫جمرد نظرية سياسية وليست نظرية قانونية‪،‬‬ ‫ويرفضون إن تكون ال��ض��رورة أساسا لتربير‬ ‫اخل��روج على القواعد القانونية الدستورية‪،‬‬


‫ولكن يرون إن الواقع ال ميكن ان جيرد من كل‬ ‫قيمة واقعية‪ ،‬وأخريا هناك من يرى من الفقهاء‬ ‫وخاصة الفقهاء األملان (جيلنك و اهرنج) مع‬ ‫بعض الفقهاء الفرنسيني مثل العالمة (ديكي)‬ ‫يرون ان الضرورة نظرية قانونية مبوجبها‬ ‫يتكون (حق الضرورة) وهو حق يعرتفون به‬ ‫رغم سكوت الدستور عنه‪ ،‬وان حق الضرورة‬ ‫يربر اخلروج على القاعدة القانونية من اجل‬ ‫احلفاظ على سالمة الدولة‪ ،‬واي خروج على‬ ‫قواعد القانون القائم فانه يف ذاته إجراء سليم‬ ‫ومشروع‪ ،‬ألنه حيقق هدف النظام القانوني‬ ‫النهائي وهو احملافظة على سالمة الدولة‪.‬‬ ‫جيب احلذر عند األخذ بنظرية الضرورة كما‬ ‫يقول العالمة (ديكي) ان األبواب جيب ان ال تفتح‬ ‫على مصراعيها حتى يف ظل حالة الضرورة أمام‬ ‫احلاكمني مهما كانت صفاتهم الشخصية‪ ،‬وان‬ ‫تطبيق هذه النظرية مشروطة بشروط معينة‬ ‫واليت سبق وان اشرنا اليها وعند حتققها عندئذ‬ ‫نستطيع التمسك بنظرية الضرورة‪.‬‬

‫اهلوامش و اإلحاالت‬ ‫‪ 1‬ينظر‪:‬‬ ‫مج��ي��ل ع��ب��د اهلل ال��ق��ائ��ف��ي‪ ،‬س��ل��ط��ات رئيس‬ ‫اجلمهورية يف الظروف االستثنائية‪ ،‬دار اجلامعة‬ ‫اجلديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬سنة ‪ ،2006‬ص ‪.113‬‬ ‫‪ 2‬ينظر‪:‬‬ ‫ف����ارس ح��ام��د‪ ،‬ال��رق��اب��ة ع��ل��ى دس��ت��وري��ة‬ ‫ال��ق��وان�ين‪ ،‬حب��ث منشور على امل��وق��ع االت��ي‪:‬‬ ‫‪http://www.iraker.dk/index/‬‬ ‫‪.php?opdion=com‬‬ ‫‪ 3‬ينظر‪:‬‬ ‫د‪ .‬ف���اال ف��ري��د‪ ،‬مح��اي��ة احل��ق��وق واحل��ري��ات‬ ‫الدستورية‪ ،‬ط‪ ،1‬مطبعة شهاب‪ ،‬أربيل‪ ،‬سنة‬ ‫‪ ،2009‬ص ‪.183‬‬ ‫‪ 4‬ينظر‪:‬‬ ‫د‪ .‬حييى اجلمل‪ ،‬نظرية الضرورة يف القانون‬ ‫الدستوري‪ ،‬ط‪ ،4‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫سنة ‪ ،2005‬ص‪.20‬‬ ‫‪ 5‬ينظر‪:‬‬ ‫د‪ .‬سامي مجال الدين‪ ،‬لوائح الضرورة وضمان‬ ‫الرقابة القضائية‪ ،‬منشاة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬ ‫سنة ‪ ،1982‬ص‪.24 -23‬‬ ‫‪ 6‬ينظر‪:‬‬ ‫د‪ .‬وجدي ثابت غربيال‪ ،‬السلطات االستثنائية‬ ‫لرئيس اجلمهورية‪ ،‬منشاة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬ ‫سنة ‪ ،2005‬ص‪.24 -23‬‬ ‫‪ 7‬ينظر‪:‬‬ ‫د‪ .‬حممد وكيل‪ ،‬حالة الطوارئ و سلطات الضبط‬ ‫اإلداري‪ ،‬ط‪ ،1‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬سنة‬ ‫‪ ،2003‬ص ‪.160‬‬ ‫‪ 8‬ينظر‪:‬‬ ‫‪287‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪288‬‬

‫د‪ .‬عبد احلميد متولي‪ ،‬القانون الدستوري‬ ‫والنظم السياسية‪ ،‬ط‪ ،2‬بدون ذكر دار النشر و‬ ‫مكان النشر‪ 1963 ،‬ص ‪.230‬‬ ‫حمي الدين حسن يوسف‪ ،‬اثر األزمات اخلاصة‬ ‫ع��ل��ى تعطيل ال��دس��ات�ير‪ ،‬مطبعة بينايي‪،‬‬ ‫السليمانية‪ ،‬سنة ‪ ،2009‬ص ‪.21‬‬ ‫‪ 9‬ينظر‪:‬‬ ‫د‪ .‬حييى اجلمل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.15‬‬ ‫‪ 10‬ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.21‬‬ ‫‪ 11‬ينظر‪:‬‬ ‫د‪ .‬امح��د فتحي س���رور‪ ،‬ال��ق��ان��ون اجلنائي‬ ‫ال��دس��ت��وري‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار ال��ش��روق‪،‬‬ ‫القاهرة‪ ،‬سنة ‪ ،2002‬ص‪158‬‬ ‫‪ 12‬ينظر‪ :‬د‪ .‬حييى اجلمل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.24‬‬ ‫‪ 13‬ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.21‬‬ ‫‪ 14‬ينظر‪:‬‬ ‫د‪ .‬إحسان محيد املفرجي و د‪ .‬كطران زغري‬ ‫نعمة و د‪ .‬رعد ناجي اجلدة‪ ،‬النظرية العامة‬ ‫يف القانون الدستوري والنظم الدستورية يف‬ ‫العراق‪ ،‬كلية القانون جامعة بغداد‪ ،‬سنة ‪،1990‬‬ ‫ص ‪ 167‬وما بعدها‪.‬‬ ‫فارس حامد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪3‬‬ ‫‪ 15‬ينظر‪ :‬د‪ .‬حييى اجلمل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬ ‫‪.29 -28‬‬ ‫‪ 16‬ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.31-30‬‬ ‫‪ 17‬ينظر‪:‬‬ ‫د‪ .‬حممد امحد عبد النعيم‪ ،‬شرط الضرورة‬ ‫امام القضاء الدستوري‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬ ‫القاهرة‪ ،‬سنة ‪ ،2002‬ص ‪.18‬‬ ‫‪ 18‬ينظر‪ :‬د‪ .‬حييى اجلمل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.33‬‬ ‫‪ 19‬ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.34‬‬

‫‪ 20‬ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪35‬‬ ‫‪ 21‬ينظر‪ :‬د‪ .‬حييى اجلمل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‬ ‫‪.36‬‬ ‫‪ 22‬ينظر‪:‬‬ ‫د‪ .‬عبد احلميد متولي‪ ،‬القانون الدستوري‬ ‫واألنظمة السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.230 -229‬‬ ‫‪ 23‬ينظر‪ :‬د‪ .‬حييى اجلمل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.40‬‬ ‫‪ 24‬ينظر‪:‬‬ ‫د‪ .‬احسان محيد املفرجي و آخرين‪ ،‬مرجع‬ ‫سابق‪ ،‬ص ‪ 168‬وما بعدها‪.‬‬ ‫د‪ .‬عبد احلميد املتولي‪ ،‬القانون الدستوري‬ ‫واألنظمة السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.229 -228‬‬ ‫‪ 25‬ينظر‪ :‬د‪ .‬حييى اجلمل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪44‬‬ ‫‪ 26‬ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.45 -44‬‬ ‫‪ 27‬ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.48‬‬ ‫‪ 28‬ينظر‪ :‬د‪ .‬عبد احلميد املتولي‪ ،‬القانون‬ ‫الدستوري واألنظمة السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫ص ‪.228‬‬


‫مفهوم املساهمة الجنائية يف الجرمية‬ ‫دراسة يف األطر النظرية‬

‫م‪ .‬سليمان كريم محمود‬ ‫ماجستير في القانون‬

‫‪289‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪290‬‬

‫املقدمـــة‬ ‫ان تعدد اجلناة يف ارتكاب اجلرمية الواحدة‬ ‫(املساهمة اجلنائية يف اجلرمية) هو تطبيق ملبدأ‬ ‫تقسيم العمل املشروع‪ ،‬فالضرر الذي يصيب‬ ‫اجملتمع ج��راء ذل��ك ليس مث��رة نشاط جاني‬ ‫واحد وال وليدة إلرادته مبفرده‪ ،‬بل هو نتاج‬ ‫تظافر وتعاون عدة أشخاص لكل منهم دوره‬ ‫يف حتقيق اجلرمية‪ .‬مبعنى آخر ان املساهمة‬ ‫يف اجلرمية هي ان يعمد شخصان أو اكثر على‬ ‫اقرتاف جرمية واحدة‪ ،‬وعلى هذا األساس فهي‬ ‫ً‬ ‫سلوكا إجراميا مل تقع بفعل جاني واحد‬ ‫تعد‬ ‫وإمنا ساهم يف اقرتافها عدد من اجلناة‪ ،‬وبالتالي‬ ‫فهي حالة لتعدد اجلناة الذين يرتكبون نفس‬ ‫اجلرمية‪ ،‬حبيث يكون لكل منهم دوره يف حتقيق‬ ‫النتيجة اإلجرامية يف اجلرمية‪ .‬مما سبق يتضح‬ ‫ان تعدد اجلناة يف ارتكاب اجلرمية الواحدة‬ ‫واليت يطلق عليها املساهمة اجلنائية يف اجلرمية‬ ‫يتكون من ركنني يتمثل األول يف تعدد اجلناة‪،‬‬ ‫اي ارتكاب اكثر من شخص واحد لذات اجلرمية‪،‬‬ ‫بينما يتمثل الركن الثاني هلا يف وحدة اجلرمية‬ ‫واليت تعين بدوره وحدة الركن املادي واملعنوي‬ ‫للجرمية املرتكبة‪.‬‬ ‫أن املساهمة اجلنائية يف ارتكاب اجلرمية هلا‬ ‫ص��ورت��ان تسمى ال��ص��ورة األوىل بـ(املساهمة‬ ‫األصلية) واليت تضم املساهمني الذين يقومون‬ ‫بدور فعال او رئيس يف تنفيذ اجلرمية وهم من‬ ‫يسمون بالفاعلني األصليني‪ .‬أما الصورة الثانية‬ ‫فيطلق عليها (املساهمة التبعية) واليت تضم‬ ‫ً‬ ‫املساهمني الذين يؤدون دوراً‬ ‫ثانويا يف تنفيذ‬ ‫اجلرمية مقارنة بالصورة األوىل وهم من يطلق‬

‫عليهم بالشركاء‪ .‬تتجلى أهمية هذه الدراسة‬ ‫يف بيان األحكام القانونية املتعلقة باملساهمة‬ ‫اجلنائية يف ارتكاب اجلرمية من حيث توضيح‬ ‫أركانها وبيان صورها ويف التمييز بني املساهم‬ ‫األصلي (الفاعل) واملساهم التبعي(الشريك) ويف‬ ‫كون بعض اجلرائم ال ميكن ان يتصور ارتكابها‬ ‫إال من قبل شخص له صفة معينة وتصبح‬ ‫عندئذ ً‬ ‫ركنا من أركان اجلرمية كجرمية الرشوة‬ ‫وجرمية الزنا‪ .‬وكما تتمثل أهمية هذه الدراسة‬ ‫يف التمييز بني الفاعل املعنوي واحملرض حيث‬ ‫ينظر األول اىل اجلرمية باعتبارها مشروعه‬ ‫اإلجرامي وانها ترتكب حلسابه بينما ينظر‬ ‫الثاني اىل اجلرمية باعتبارها مشروع غريه‪.‬‬ ‫كما تهتم هذه الدراسة بتوضيح إمكانية وقوع‬ ‫اجلرمية بطريق املساعدة باالمتناع من عدمه‪،‬‬ ‫إضافة اىل بيان واستجالء آراء الفقهاء حول‬ ‫إمكانية وق��وع اجلرمية بطريق االش�تراك يف‬ ‫االشرتاك وتوضيح مسألة الشروع يف االشرتاك‪.‬‬ ‫يف نطاق هذه الدراسة نأخذ بنظر االعتبار‬ ‫العمل على بيان مفهوم وأركان املساهمة اجلنائية‬ ‫يف اجلرمية مع بيان صورتيها املتمثلتني يف‬ ‫املساهمة األصلية والتبعية والتمييز بينهما مع‬ ‫ً‬ ‫ثانويا يف‬ ‫إيضاح دور كل منها سواء كان رئيسا او‬ ‫حتقيق النتيجة اجلرمية‪ .‬لقد اقتضت حتديد‬ ‫منهجية ه��ذه ال��دراس��ة االستعانة باالسلوب‬ ‫التحليلي وذل��ك م��ن خ�لال حتليل نصوص‬ ‫القواعد العقابية الواردة يف التشريعات العقابية‬ ‫سواء يف العراق او يف غريها من الدول األخرى‬ ‫إضافة اىل حتليل اآلراء الفقهية ال�تي قيلت‬ ‫بصدد املوضوع وترجيح إحداهما على غريها‬


‫قدر اإلمكان‪ .‬وتطلبت هذه الدراسة تقسيمها اىل‬ ‫مطلبني‪ ،‬حيث سنخصص املطلب األول لبيان‬ ‫مدلول تعدد اجلناة يف ارتكاب اجلرمية الواحدة‬ ‫(مدلول املساهمة اجلنائية)‪ ،‬وسنبينِّ يف املطلب‬ ‫الثاني صور تعدد اجلناة يف ارتكاب اجلرمية‬ ‫الواحدة (صور املساهمة اجلنائية)‪ .‬وسندرج‬ ‫يف خامتة هذه الدراسة أبرز االستنتاجات اليت‬ ‫سنتوصل اليها‪.‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬مدلول تعدد اجلناة يف ارتكاب‬ ‫اجلرمية الواحدة‬ ‫لبيان مدلول تعدد اجلناة يف ارتكاب اجلرمية‬ ‫ال��واح��دة‪ ،‬ينبغي يف بداية توضيح مفهومه‬ ‫وبيان أركانه يف فرعني‪ ،‬خنصص الفرع األول‬ ‫ملفهومه‪ ،‬ونبني يف الفرع الثاني أركانه‪ ،‬وكاآلتي‪:‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬مفهوم تعدد اجلناة يف ارتكاب‬ ‫اجلرمية الواحدة‬ ‫ال ميكن للجرمية ان تقع ما مل يوجد شخص‬ ‫ما يقوم بارتكابها ويربزها اىل حيز الوجود‪،‬‬ ‫فاجلرمية قد تقع من قبل شخص واحد‪ ،‬وهي‬ ‫الصورة العادية املألوفة(‪ ،)1‬ويف هذه احلالة فانه‬ ‫يتم تطبيق النص القانوني على هذا الشخص‬ ‫ويتحمل لوحده املسؤولية اجلنائية الناشئة‬ ‫عن ارتكابه هلا‪ )2(.‬وقـد يرتكبـها شخصان أو‬ ‫أكثـر‪ ،‬حيث يتعاونان علـى ارتكابها فيكون لكل‬ ‫واحـد منهم دور يؤديه‪ )3(.‬ان تعـاون اجلناة‬ ‫فيما بينهم الرت��ك��اب اجل��رمي��ة‪ ،‬يتخذ ص��وراً‬ ‫متبـاينة وخمـتلفة‪ ،‬وذل��ك بسـبب اختالف‬ ‫ظ��روف اجل��رمي��ة‪ ،‬وم��ا يرتكبه أو يؤديه كل‬

‫منهم ألجل تنفيذها(‪ ،)4‬فقد يباشر كل منهم‬ ‫ً‬ ‫دوراً‬ ‫رئيسا يف ارتكاب اجلرمية‪ ،‬وذلك من خالل‬ ‫قيامهم باألفعال اليت تدخل يف الركن املادي‬ ‫للجرمية‪ ،‬كما لو قذف عدة جناة اجملنى عليه‬ ‫من أحد الطوابق العليا يف بناء فارتطم باألرض‬ ‫ومات على اثره‪ )5(.‬أو قد يتخذ صورة أخرى‪،‬‬ ‫حيث يقوم بعض اجلناة بأعمال تدخل يف الفعل‬ ‫املكون للركن امل��ادي للجرمية‪ ،‬أي انه يساهم‬ ‫فيها بشكل مباشر‪ ،‬ويكون له فيها دور رئيس‪،‬‬ ‫ومنهم من يقتصر عمله على القيام بأعمال‬ ‫ال تدخل يف الفعل املكون للركن املادي‪ ،‬إال إنها‬ ‫تتصل به بطريقة غري مباشرة كالتحريض‬ ‫أو االتفاق أو تقديم املساعدة ألج��ل ارتكاب‬ ‫اجلرمية‪ )6(.‬يسمى اجلاني الذي يباشر الدور‬ ‫الرئيس يف اجلرمية (بالفاعل) وتكون مساهمته‬ ‫يف أحداثها مساهمة أصلية‪ ،‬أما إذا كان دوره فيها‬ ‫ً‬ ‫ثانويا فتوصف مساهمته بانها مساهمة تبعية‪،‬‬ ‫ويسمى هذا املساهم بـ (الشريك)‪ .‬تطلق غالبية‬ ‫التشريعات العقابية على تعدد اجلناة يف ارتكاب‬ ‫اجلرمية الواحدة مصطلح أو عبارة (املساهمة‬ ‫اجلنائية) مبعنى ان املساهمة اجلنائية تعين‬ ‫تعدد اجلناة يف ارتكاب اجلرمية الواحدة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تطبيقا ملبدأ تقسيم‬ ‫تعد املساهمة اجلنائية‬ ‫العمل غري امل��ش��روع‪ ،‬وه��ذا يعين ان ما يلحق‬ ‫اجملتمع من أض��رار وم��ا تتهدده من خماطر‬ ‫ليست مثرة نشاط شخص واحد‪ ،‬بل هي مثرة‬ ‫ونتاج تعاون عدة أشخاص تعاونوا على ارتكاب‬ ‫اجلرمية‪ )7(.‬لقد خصصت تشريعات العديد من‬ ‫ً‬ ‫نصوصا قانونية تتناول أحكام املساهمة‬ ‫الدول‬ ‫اجلنائية‪ ،‬وبيان صورها‪ ،‬ومدى تأثري الظروف‬ ‫على كل من املساهمني األصليني والتبعيني‪.‬‬ ‫‪291‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪292‬‬

‫ومن هذه التشريعات قانون العقوبات العراقي‬ ‫رقم ‪ 111‬لسنة ‪ ،1969‬إذ عاجل موضوع املساهمة‬ ‫اجلنائية يف الفصل اخلامس من الباب الثالث‬ ‫من الكتاب األول يف املواد ‪ 47‬اىل ‪ ،54‬حتت عنوان‬ ‫(املساهمة يف اجلرمية)‪ ،‬فيما خصص له قانون‬ ‫العقوبات املصري الباب الرابع من الكتاب األول‬ ‫يف امل��واد ‪ 39‬اىل ‪ 43‬حتت عنوان (اش�تراك عدة‬ ‫أشخاص يف جرمية واحدة)‪ ،‬يف حني نظم قانون‬ ‫العقوبات اللبناني أحكام املساهمة اجلنائية‬ ‫يف الفصل الثاني من القسم األول من الباب‬ ‫الرابع يف الكتاب األول من خالل املواد ‪ 212‬إىل‬ ‫‪ 222‬بعنوان (االش�ت�راك اجل��رم��ي)‪ ،‬أم��ا قانون‬ ‫العقوبات األردني فقد خصص املواد ‪ 75‬اىل ‪84‬‬ ‫لبيان أحكامه حتت عنوان (االشرتاك اجلرمي)‬ ‫ً‬ ‫أيضا‪ .‬تفرتض املساهمة اجلنائية حدوث أفعال‬ ‫متعددة م��ن اجل��ن��اة‪ ،‬وان ت��ؤدي مجيعها إىل‬ ‫وقوع نتيجة جرمية واحدة‪ ،‬مع قيام الرابطة‬ ‫السببية اليت تربط بني الفعل الذي أتاه املساهم‬ ‫وبني النتيجة الناشئة عنه‪ ،‬اما عند عدم وجود‬ ‫الرابطة السببية‪ ،‬فان اجلرمية ال تتحقق‪ ،‬أي ان‬ ‫انتفاء الرابطة السببية تؤدي إىل انتفاء وقوع‬ ‫اجلرمية‪ ،‬الن اجلرمية تدور مع الرابطة السببية‬ ‫ً‬ ‫وجوداً‬ ‫وعدما‪ ،‬إضافة إىل ذلك جيب ان ينصرف‬ ‫علم وإرادة كل مساهم حنو أفعال اجلرمية‪)8(.‬‬ ‫عرف فقهاء القانون املساهمة اجلنائية بعدة‬ ‫تعريفات‪ ،‬فمنهم من عرفها بانها‪« :‬تعدد اجلناة‬ ‫يف ارتكاب جرمية واحدة»‪ )9(.‬ومنهم من عرفها‬ ‫بانها‪« :‬حالة تعدد األشخاص الذين يرتكبون ذات‬ ‫اجلرمية سواء أكانت تامة أم يف مرحلة الشروع‪،‬‬ ‫مبعنى ان اجلرمية مل تكن وليدة نشاط جمرم‬ ‫واح��د فقط‪ ،‬وإمن��ا أسهم يف حتقيقها أشخاص‬

‫عديدون لكل منهم دوره الذي يتنوع يف صورته‬ ‫ويتفاوت يف أهميته» (‪ ،)10‬أو هي‪ « :‬ارتكاب عدة‬ ‫أشخاص جلرمية واح��دة‪ ،‬مبعنى تعدد اجلناة‬ ‫الذين خططوا ودبروا هلا ووزعوا األدوار فيما‬ ‫بينهم‪ ،‬فوقعت اجلرمية كثمرة هلذا التخطيط‬ ‫وال��ت��دب�ير االج��ت��م��اع��ي»‪ )11(.‬ان للمساهمة‬ ‫ً‬ ‫موضعا يف النظرية العامة للجرمية‪،‬‬ ‫اجلنائية‬ ‫فدراستها تتصل يف املقام األول بالبحث عن‬ ‫األحكام اليت خيضع هلا الركن املادي للجرمية‪ ،‬إذ‬ ‫ان هذا الركن يتخذ صورة غري صورته العادية‬ ‫املألوفة‪ ،‬املتمثلة يف حتقيقه من قبل شخص‬ ‫واح��د‪ ،‬أو تنحصر املسؤولية اجلنائية يف هذا‬ ‫الشخص وتوقع عليه وحده العقوبة املقررة‬ ‫ً‬ ‫قانونا للجرمية‪ ،‬وال يتصور ان حيمل عنه أو‬ ‫معه املسؤولية اجلنائية شخص آخر غريه‪ ،‬إال‬ ‫ان املساهمة اجلنائية تفرتض تعدد األشخاص‬ ‫القائمني بارتكاب اجلرمية‪ ،‬فريجع اىل نشاطهم‬ ‫حتقيق ماديات اجلرمية‪ ،‬وبذا تثور الصعوبات‬ ‫اليت ترد اىل حماولة حتديد نصيب كل شخص‬ ‫يف ارتكاب اجلرمية ومقدار العقاب الذي يوقع‬ ‫عليه‪ .‬إال ان ذلك ال يعين ان الركن امل��ادي هو‬ ‫وح��ده ميدان دراس��ة املساهمة اجلنائية‪ ،‬بل‬ ‫ان هلذه الدراسة صلة وثيقة بالركن املعنوي‪،‬‬ ‫وتفسري ذلك هو ان املسؤولية اجلنائية تتطلب‬ ‫توفر كافة أرك��ان اجلرمية‪ ،‬فال يسأل شخص‬ ‫ً‬ ‫مساهما يف اجلرمية جملرد انه تعاون مع‬ ‫بوصفه‬ ‫غريه يف ارتكاب ركنها املادي‪ ،‬بل جيب ان تتوفر‬ ‫لديه إرادة املساهمة يف هذه اجلرمية ‪ .‬وهذا يعين‬ ‫ان موضع املساهمة اجلنائية يف النظرية العامة‬ ‫للجرمية يكون يف أساس األحباث املتعلقة بالركن‬ ‫املادي للجرمية‪ ،‬دون إغفال أو جتاهل الصلة اليت‬


‫تربط بينه وبني الركن املعنوي للجرمية‪)12( .‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬أرك��ان تعدد اجلناة يف ارتكاب‬ ‫اجلرمية الواحدة‬ ‫من تعريف تعدد اجلناة يف ارتكاب اجلرمية‬ ‫الواحدة (املساهمة اجلنائية) املتمثل يف قيام‬ ‫عدة أشخاص بارتكاب جرمية واحدة‪ ،‬يتبني ان‬ ‫أركانه تنحصر يف تعدد اجلناة ووحدة اجلرمية‬ ‫وسنوضح ً‬ ‫كال منهما كاآلتي‪:‬‬ ‫ً‬ ‫اوال‪ -:‬تعدد اجلناة‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫والزما‬ ‫ضروريا‬ ‫أساسيا‬ ‫شرطا‬ ‫يعد تعدد اجلناة‬ ‫للقول بتوفر املساهمة اجلنائية‪ ،‬ألنه من غري‬ ‫املتصور ان يساهم شخص واحد مع نفسه ولو‬ ‫تعددت ج��رائ��م��ه‪ )13(.‬ويتحقق ه��ذا الشرط‬ ‫عندما يكون اجلناة أكثر من شخص واحد‪ ،‬يؤدي‬ ‫ً‬ ‫كل منهم دوراً‬ ‫معينا يف اجلرمية الواحدة‪ ،‬سواء‬ ‫أكانت اجلرمية تامة أم يف مرحلة الشروع‪ ،‬اما‬ ‫اجلاني الواحد الذي يقوم بارتكاب عدة جرائم‪،‬‬ ‫فانه ال يشكل بأفعاله هذه املساهمة اجلنائية‪،‬‬ ‫بل ميكن عد ذلك حالة (اجتماع اجلرائم)(‪،)14‬‬ ‫فاجتماع اجلرائم تعين وحدة اجلاني وتعدد‬ ‫جرائمه‪ .‬أما إذا تعدد اجلناة وتعددت جرائمهم‬ ‫نتيجة لذلك‪ ،‬حبيث قام كل واحد منهم بارتكاب‬ ‫جرمية قائمة بذاتها مستقلة بأركانها‪ ،‬فال يعد‬ ‫ذلك مساهمة جنائية ولو ارتكب يف مكان واحد‬ ‫أو زمان واحد‪ ،‬أو حتى صدر عن باعث واحد‪،‬‬ ‫كقيام املتظاهرين يف اجلمهور نتيجة انفعال‬ ‫سيطر عليهم باالعتداء على قوات األمن اليت‬ ‫أرادت تفريقهم(‪ ،)15‬وذل��ك الن هذه األفعال‬ ‫ال تؤدي إىل ارتكاب جرمية واح��دة‪ ،‬أي تنعدم‬ ‫وح��دة اجلرمية‪ ،‬مما تعين ان أفعاهلم تشكل‬

‫تعدداً للجرائم‪ .‬أما املقصود بتعدد اجلناة املكون‬ ‫للمساهمة اجلنائية فهو (التعدد االحتمالي)‬ ‫وليس (التعدد احلتمي) إذ ان التعدد احلتمي‬ ‫هو تعدد ضروري أو الزم لوقوع اجلرمية ذاتها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فمثال جرمية الرشوة ال تقع إال إذا ارتكبت من‬ ‫قبل عدة أشخاص كالراشي واملرتشي‪ ،‬وكذلك‬ ‫احلال يف جرمية الزنا‪ ،‬فهي ال تقوم إال من خالل‬ ‫وج��ود ال��زوج أو ال��زوج��ة أو شريكها‪ ،‬واألم��ر‬ ‫نفسه بالنسبة جلرمية االتفاق اجلنائي‪ ،‬فهي‬ ‫تتطلب لتحققها توفر أكثر من جاني واحد‪،‬‬ ‫مما يعين ان هذه اجلرائم املذكورة ال تقوم وال‬ ‫تتحقق إال بارتكابها من قبل عدد من اجلناة‪،‬‬ ‫أي ان تعدد اجلناة ال بد فيها كي تقع‪ ،‬إال ان‬ ‫ذلك ال يشكل املساهمة اجلنائية وإمن��ا يكون‬ ‫أرك��ان اجلرمية ذات��ه��ا‪ ،‬فتخلف ش��رط (تعدد‬ ‫اجلناة) يف صورة املساهمة اجلنائية يؤدي إىل‬ ‫وقوع جرمية ذات فاعل واحد‪ ،‬اما ختلفه عن‬ ‫املساهمة ذا التعدد احلتمي ي��ؤدي اىل انتفاء‬ ‫وقوع اجلرمية ذاتها(‪ .)16‬وبهذا فان املساهمة‬ ‫ذو التعدد احلتمي (املساهمة الضرورية) له‬ ‫وضع متميز عن املساهمة اجلنائية‪ ،‬فانه ال‬ ‫تطبق عليه بالضرورة أحكامها‪ ،‬إال إذا وصف‬ ‫اطراف اجلرمية استناداً اىل نص يف القانون أو اىل‬ ‫مبادئه العامة بانهم متساوون يف اجلرمية‪ ،‬سواء‬ ‫ً‬ ‫مجيعا مساهمني أصليني أم ّ‬ ‫عد أحدهم‬ ‫عدوا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مساهما اصليا والبقية شركاء يف اجلرمية‪.‬‬ ‫وميكن تصور املساهمة التبعية يف اجلرائم ذات‬ ‫املساهمة الضرورية‪ ،‬كالتحريض على إضراب‬ ‫املوظفني أو املساعدة على ارتكاب جرمية الزنا‬ ‫الزوجية‪ )17(.‬وميكن تصور املساهمة األصلية‬ ‫فيها أيضا كقيام فاعلني أصليني مبمارسة الزنا‬ ‫‪293‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪294‬‬

‫مع الزوجة الزانية‪ .‬ان تعدد اجلناة ال يعين‬ ‫بالضرورة ان يكون مرتكبو املساهمة اجلنائية‬ ‫كلهم فاعلني أصليني‪ ،‬فقد ينفرد فاعل واحد‬ ‫مع شريك واحد أو عدة شركاء‪ ،‬أو قد يتعدد‬ ‫الفاعلون والشركاء يف اجلرمية الواحدة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬وحدة اجلرمية‪:‬‬ ‫ان تعدد اجلناة لوحده غري كاف لقيام املساهمة‬ ‫اجلنائية يف اجلرمية املرتكبة‪ ،‬بل ال بد ان تكون‬ ‫اجلرمية املرتكبة جرمية واح��دة‪ )18(.‬ووحدة‬ ‫اجلرمية تتحقق إذا مجعت بني عناصرها وحدة‬ ‫مادية ووحدة معنوية‪ ،‬اي كان كل من الركن‬ ‫ً‬ ‫حمتفظا بوحدته‪ .‬ويقصد‬ ‫امل��ادي واملعنوي‬ ‫بالوحدة املادية «الرباط املادي بني نشاط كل‬ ‫مساهم واجل��رمي��ة ال�تي ارتكبت نتيجة هذا‬ ‫النشاط»‪ )19(.‬وتتطلب الوحدة املادية للجرمية‬ ‫ان تكون هناك نتيجة واحدة للجرمية املرتكبة‪،‬‬ ‫أما إذا تعددت النتائج فال جمال لتصور وحدة‬ ‫اجلرمية‪ ،‬بل تتعدد اجلرائم بتعدد مرتكبيها‬ ‫من اجلناة‪ ،‬إذ إن املساهمة اجلنائية تفرتض ان‬ ‫كل مساهم قام بأداء فعل من أجل حتقيق نتيجة‬ ‫واحدة(‪ ،)20‬كقيام ثالثة أشخاص بارتكاب عدة‬ ‫أفعال بقصد قتل اجملنى عليه‪ ،‬كأن يقوم األول‬ ‫بتقييد اجملنى عليه‪ ،‬ويطعنه الثاني ويراقب‬ ‫ً‬ ‫منعا لوصول اإلغ��اث��ة(‪،)21‬‬ ‫الثالث الطريق‬ ‫فالنتيجة اجلرمية هي واحدة تتمثل يف إزهاق‬ ‫روح اجملنى عليه‪ ،‬أي االعتداء على احلق احملمي‬ ‫ق��ان��ون ً��ا‪ ،‬وه��و ح��ق الشخص يف احل��ي��اة‪ .‬إال ان‬ ‫الوحدة املادية(وحدة الركن املادي للجرمية)‬ ‫ال تكتفي فقط بوحدة النتيجة اجلرمية‪ ،‬بل‬ ‫جيب لتحققها قيام رابطة سببية بني فعل كل‬

‫مساهم يف اجلرمية والنتيجة اجلرمية الناشئة‬ ‫عنه‪ ،‬وال شك يف توافر هذه الرابطة‪ ،‬طاملا ثبت‬ ‫ان فعل اي من اجلناة ك��ان له دور يف إح��داث‬ ‫النتيجة على النحو الذي وقعت عليه‪ ،‬وبعبارة‬ ‫أخرى تعد الرابطة السببية متوفرة‪ ،‬إذا ثبت‬ ‫انه لوال فعل املساهم يف اجلرمية حلدث تغيري‬ ‫يف نتيجتها‪ ،‬وهذا التغيري يتمثل يف عدم وقوع‬ ‫النتيجة أصال‪ ،‬أو انها وقعت ولكن بشكل خمتلف‬ ‫عما وقعت عليه‪ )22(.‬وتعد الرابطة السببية‬ ‫منتفية وغري متوفرة‪ ،‬إذا ثبت ان عدم قيام‬ ‫اجلاني بفعله أو نشاطه ما كان مينع من حتقق‬ ‫النتيجة اجلرمية على النحو الذي حتققت به‪،‬‬ ‫أي ما كان يطرأ عليها أي تغيري(‪ ،)23‬كمن أعطى‬ ‫سالحا ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ناريا ليقتل به غ�يره‪ ،‬إال انه‬ ‫شخصا‬ ‫ً‬ ‫سكينا حاداً بدل ذلك يف القتل‪ .‬وكما‬ ‫استخدم‬ ‫اسلفنا فان وحدة اجلرمية‪ ،‬تقتضي إىل جانب‬ ‫وحدة ركنها املادي‪ ،‬وحدة ركنها املعنوي‪ ،‬مبعنى‬ ‫توفر الوحدة املعنوية‪ ،‬اليت نعين بها‪« :‬الرابطة‬ ‫الذهنية أوالنفسية اليت جتمع بني املساهمني‬ ‫يف اجلرمية وانصراف هذه الرابطة إىل ارتكاب‬ ‫اجلرمية»(‪ ،)24‬اي قصد التدخل لدى املساهم يف‬ ‫ارتكاب اجلرمية‪ .‬امجع الفقه على ضرورة توفر‬ ‫الوحدة املعنوية لقيام املساهمة اجلنائية‪ ،‬إال‬ ‫انهم اختلفوا حول حتديد ماهيتها‪ .‬إذ ذهب رأي‬ ‫اىل القول إن الرابطة الذهنية (املعنوية) بني‬ ‫املساهمني يف اجلرمية ال تتحقق إال بوجود اتفاق‬ ‫سابق بني املساهمني‪ ،‬أو على األقل تفاهم سابق‬ ‫بينهم يف ارتكاب اجلرمية وال يهم ان يكون ذلك‬ ‫االتفاق أو التفاهم السابق قد مت قبل تنفيذ‬ ‫اجلرمية‪ ،‬أو كان معاصراً هلا‪ ،‬بل املهم ان يدرك‬ ‫كل مساهم بانه متضامن مع اآلخرين يف وقوع‬


‫اجلرمية وانه ال يستقل به حلسابه اخلاص‪)25(.‬‬ ‫بينما ذهب رأي آخر اىل القول بأن الرأي األول‬ ‫ً‬ ‫مؤديا يف اغلب األحوال اىل نتائج سليمة‪،‬‬ ‫وان كان‬ ‫إذ قد جيمع بني املساهمني أحيانا تعارف سابق‪،‬‬ ‫ويتفق بعضهم مع البعض اآلخر لغرض ارتكاب‬ ‫اجل��رمي��ة‪ ،‬وخ��اص��ة عندما ال يكون مبقدور‬ ‫أحدهم إظهارها اىل حيز الوجود مبفرده‪ ،‬إال ان‬ ‫ذلك ال يعين خلو هذا الرأي من العيوب والثغرات‬ ‫ال سيما يف األحوال اليت تقع فيها اجلرمية دون‬ ‫سابق تفاهم أو اتفاق بني املساهمني‪ ،‬ورغم‬ ‫ذلك يالحظ وجود تعاون بينهم‪ ،‬وانهم كانوا‬ ‫قد استهدفوا حتقيق هدف إجرامي واحد‪ ،‬وان‬ ‫ً‬ ‫مجيعا‪ ،‬مثل‬ ‫اجلرمية ارتكبت جراء نشاطهم‬ ‫اخلادم الذي يعلم بانعقاد عزم اللصوص على‬ ‫ً‬ ‫مفتوحا‬ ‫سرقة منزل خمدومه فيرتك هلم الباب‬ ‫دون ان يكون بينهم اتفاق أو تفاهم سابق‪ ،‬إال‬ ‫ان هذا الرأي (الرأي األول) يتعارض مع نصوص‬ ‫القانون اليت تعد املساعدة وسيلة للمساهمة‬ ‫اجلنائية‪ ،‬وانها متميزة عن االتفاق ومستقلة‬ ‫عنه‪ ،‬أي انه يتصور ان يكون اجلـاني مساعداً‬ ‫ً‬ ‫متفقا يف الوقـت ذات���ه‪)26(.‬‬ ‫دون ان يكون‬ ‫وبدورنا نؤيد ال��رأي األخ�ير‪ ،‬إذ انه ال يشرتط‬ ‫لقيام الرابطة الذهنية (ال��وح��دة املعنوية)‬ ‫وجود اتفاق أو تفاهم سابق بني املساهمني‪ ،‬إذ‬ ‫ان األخذ بالرأي األول والقائل بضرورة توفر‬ ‫اتفاق أو تفاهم سابق لقيام املساهمة اجلنائية‬ ‫ً‬ ‫فوفقا‬ ‫يؤدي اىل فقدان املساعدة الستقالليتها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫هلذا الرأي ال يعد اجلاني املساعد جانيا إال إذا‬ ‫ً‬ ‫متفقا يف الوقت نفسه مع بقية املساهمني‪،‬‬ ‫كان‬ ‫وهذا يعين عدم إمكانية عد املساعدة لوحدها‬ ‫وسيلة كافية لتحقيق املساهمة اجلنائية‪ ،‬وهذا‬

‫يتعارض بدوره مع النصوص القانونية اخلاصة‬ ‫باملساهمة اجلنائية بل ويتسبب يف تعطيلها‪،‬‬ ‫وذلك الن هذه النصوص تعد املساعدة لوحدها‬ ‫وسيلة للمساهمة اجلنائية دون ان تتطلب‬ ‫ً‬ ‫متفقا‪ ،‬وميكننا‬ ‫من اجلاني املساعد ان يكون‬ ‫االستناد يف هذا الرأي على نص م‪ 3/48‬من قانون‬ ‫العقوبات العراقي‪ ،‬فهي ال تتطلب من الشريك‬ ‫يف حالة املساعدة سوى ان يكون ً‬ ‫عاملا بقيام‬ ‫الفاعل بارتكاب اجلرمية‪ ،‬وان يساعده يف ذلك‬ ‫من خالل قيامه بإتيان األفعال اجملهزة أو املسهلة‬ ‫ً‬ ‫متفقا‪ ،‬مع األخذ‬ ‫أو املتممة دون اشرتاط كونه‬ ‫بنظر االعتبار إن اعتماد ال��رأي األول يؤدي‬ ‫اىل إفالت بعض اجلناة من العقاب عن جرائم‬ ‫أرادوا الدخول فيها وتعاونوا على حتقيقها لعدم‬ ‫وجود اتفاق أو تفاهم سابق بينه وبني غريه‬ ‫من املساهمني‪ .‬من الفقه من يرى‪ ،‬بان الوحدة‬ ‫املعنوية‪ ،‬ينبغي توفرها لقيام املساهمة اجلنائية‬ ‫سواء أكانت اجلرمية عمدية أم غري عمدية‪)27(.‬‬ ‫ففي اجلرائم العمدية‪ ،‬ينبغي ان ال يقتصر‬ ‫القصد اجلرمي لدى املساهم على األفعال اليت‬ ‫يقوم هو بارتكابها والنتيجة النامجة عنها‪ ،‬بل‬ ‫جيب ان ميتد هذا القصد وبعناصره إىل أفعال‬ ‫املساهمني اآلخرين معه يف اجلرمية‪ ،‬اي يتعني‬ ‫ان يعلم بهذه األفعال ويرغب يف وقوعها ويتوقع‬ ‫ويريد النتيجة اجلرمية اليت سوف ترتتب على‬ ‫ً‬ ‫مجيعا(‪ .)28‬فإذا حتقق هذا القصد‬ ‫هذه األفعال‬ ‫لدى مجيع اجلناة حتققت املساهمة اجلنائية‬ ‫وقامت مسؤوليتهم اجلنائية عن اجلرمية اليت‬ ‫ارتكبت‪ ،‬أما إذا حتقق هذا القصد لدى بعضهم‬ ‫دون البعض اآلخر من املساهمني منهم‪ ،‬أو إذا‬ ‫ختلف هذا القصد لدى مجيع املساهمني فال‬ ‫‪295‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪296‬‬

‫قيام للمساهمة اجلنائية وال للمسؤولية عنها‪،‬‬ ‫بل يسأل كل من اجلناة عن جرميته املستقلة‪.‬‬ ‫(‪ )29‬أما يف اجلرائم غري العمدية‪ ،‬فان الوحدة‬ ‫املعنوية (وحسب رأي الفقه) تتمثل يف إرادة‬ ‫املساهم لفعله اخلاطئ و أفعال غريه اخلاطئني‪،‬‬ ‫إضافة اىل انه مل يتوقع النتيجة اجلرمية مع انه‬ ‫كان يف استطاعته ومن واجبه توقع ذلك‪ ،‬أو انه‬ ‫توقعها وظن ان بإمكانه ان يتفادها(‪ ،)30‬كالذي‬ ‫يأمر قائد مركبة بتجاوز السرعة احمل��ددة‬ ‫ً‬ ‫قانونا‪ ،‬مما يتسبب يف دعس أحد املارة وقتله‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مساهما معه يف جرمية غري عمدية‪ ،‬حيث‬ ‫فيعد‬ ‫مشل خطأه فعله وفعل قائد املركبة‪ ،‬إذ هو‬ ‫يعلم مبا ينطوي عليه فعل األخري من خروج‬ ‫على قواعد احليطة واحلذر ويريد على الرغم‬ ‫من ذلك وقوعه ً‬ ‫علما انه كان باستطاعته ومن‬ ‫واجبه عندما أمر بذلك ان يتوقع النتيجة‬ ‫وهي إصابة أحد املارة يف الطريق‪ )31(.‬وتنتفي‬ ‫ال��وح��دة املعنوية يف اجل��رائ��م غ�ير العمدية‪،‬‬ ‫عندما تنتفي نية وإرادة التعاون يف السلوك بني‬ ‫املساهمني وهذا يعين تعدد اجلرائم بتعددهم‪،‬‬ ‫كمن يقود سيارة بسرعة جتاوز احلد املسموح به‬ ‫ً‬ ‫شخصا وينقل على أثره اىل املستشفى‬ ‫فيصيب‬ ‫للمعاجلة‪ ،‬فريتكب الطبيب خطأ يف أثناء العالج‪،‬‬ ‫ويؤدى ذلك اىل زيادة جسامة هذه اجلروح‪ ،‬فان‬ ‫ً‬ ‫كال من قائد املركبة والطبيب يسأل عن جرمية‬ ‫غري عمدية قائمة بذاتها‪ ،‬وال يعدان مساهمني يف‬ ‫جرمية غري عمدية واحدة‪ )32(.‬من كل ما سبق‬ ‫يتضح بانه يلزم لتحقيق املساهمة اجلنائية‪،‬‬ ‫تعدد اجلناة يف ارتكاب اجلرمية الواحدة‪ ،‬وان‬ ‫تكون اجلرمية املرتكبة جرمية واحدة‪ ،‬واملعيار‬ ‫يف وحدة اجلرمية هو وحدتها من حيث ركنيها‬

‫امل��ادي واملعنوي‪ ،‬ف��ان انتفى تعدد اجلناة‪ ،‬أو‬ ‫انتفت وح��دة اجلرمية بانتفاء وح��دة ركنها‬ ‫املادي أو املعنوي انتفى ً‬ ‫تبعا لذلك قيام املساهمة‬ ‫اجلنائية وحتققها ‪.‬‬ ‫املطلب الثاني‬ ‫صور تعدد اجلناة يف ارتكاب اجلرمية الواحدة‬ ‫ان لتعدد اجلناة يف ارتكاب اجلرمية الواحدة‬ ‫(املساهمة اجلنائية) صورتان‪ ،‬الصورة األوىل‬ ‫تسمى باملساهمة األصلية يف ارتكاب اجلرمية‪،‬‬ ‫بينما تسمى الصورة الثانية باملساهمة التبعية‬ ‫يف ارتكاب اجلرمية‪ ،‬لذلك سنقسم هذا املطلب اىل‬ ‫فرعني‪ ،‬وعلى الوجه اآلتي‪:‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬املساهمة األصلية يف ارتكاب اجلرمية‬ ‫يقصد باملساهمة األصلية‪ ،‬قيام املساهمني بدور‬ ‫رئيس يف تنفيذ اجلرمية‪ ،‬ومن أجل هذا يطلق‬ ‫على املساهم األصلي إسم (الفاعل)‪)33(.‬‬ ‫وق��د اجت��ه العديد من التشريعات العقابية‬ ‫احلديثة اىل األخ��ذ مببدأ وح��دة اجلرمية مع‬ ‫التفرقة ب�ين املساهمة األصلية واملساهمة‬ ‫التبعية‪ ،‬م��ع حتديد ك��ل منهما‪ ،‬وم��ن هذه‬ ‫التشريعات العقابية‪ ،‬القانون العراقي واملصري‬ ‫واألردني والسوري واللبناني واللييب وغريها من‬ ‫التشريعات العقابية األخرى‪.‬‬ ‫حددت املادة (‪ )47‬من قانون العقوبات العراقي‬ ‫املساهم األصلي بعد ان مسته بالفاعل بقوهلا‪:‬‬ ‫يعد ً‬ ‫فاعال للجرمية‪:‬‬ ‫‪.1‬من ارتكبها وحده أو مع غريه‪.‬‬ ‫‪.2‬م��ن ساهم يف ارتكابها إذا كانت تتكون من‬


‫مجلة أفعال فقام عمداً أثناء ارتكابها بعمل من‬ ‫األعمال املكونة هلا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫شخصا على تنفيذ‬ ‫‪ .3‬من دف��ع بأية وسيلة‪،‬‬ ‫الفعل املكون للجرمية إذا كان هذا الشخص غري‬ ‫ً‬ ‫جزائيا عنها ألي سبب‪.‬‬ ‫مسؤول‬ ‫ونصت املادة (‪ )49‬من القانون نفسه على ان‬ ‫«يعد ً‬ ‫فاعال للجرمية كل شريك حبكم املادة (‪)48‬‬ ‫كان حاضراً أثناء ارتكابها أو ارتكاب أي فعل‬ ‫ً‬ ‫تقريبا‬ ‫من األفعال املكونة هلا»‪ .‬وبصيغة مماثلة‬ ‫لصيغة الفقرتني األوىل والثانية من املادة (‪)47‬‬ ‫أعاله جاء كل من املادة (‪ )39‬عقوبات مصري‪،‬‬ ‫واملادة (‪ )99‬عقوبات لييب‪ ،‬وبنفس املعنى جاءت‬ ‫املادة (‪ )75‬عقوبات اردني واملادة (‪ )212‬عقوبات‬ ‫سوري‪ ،‬واملادة (‪ )213‬عقوبات لبناني‪ ،‬ومل يرد‬ ‫يف القوانني اخلمسة املذكورة نص مياثل الفقرة‬ ‫الثانية من املادة (‪ )47‬ونص مياثل املادة (‪)49‬‬ ‫من قانون العقوبات العراقي‪ )34(.‬إن الفاعل‬ ‫األص��ل��ي ه��و‪« :‬ك��ل م��ن يرتكب ال��رك��ن امل��ادي‬ ‫للجرمية أو يقوم على األقل بفعل يعد بدءاً يف‬ ‫ً‬ ‫شروعا فيها» ‪ )35(.‬أو هو‪ :‬من حيقق‬ ‫التنفيذ أي‬ ‫بسلوكه منوذج اجلرمية املوصوف يف القانون‪،‬‬ ‫ً‬ ‫حتقيقا ً‬ ‫ً‬ ‫جزئيا‪ )36(.‬يتمثل الركن املادي‬ ‫كليا أو‬ ‫للمساهمة األصلية يف النشاط ال��ذي يرتكبه‬ ‫املساهم األصلي لتنفيذ اجلرمية‪ ،‬واستناداً إىل‬ ‫نص م‪ 47‬من قانون العقوبات العراقي‪ ،‬يتبني ان‬ ‫املساهم األصلي ميكن ان يكون‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أوال‪ :‬مرتكب اجلرمية وحده أو مع غريه‪:‬‬ ‫وتتضمن ه��ذه الفقرة ص��ورت�ين للمساهمة‬ ‫األصلية‪ ،‬وهما‪:‬‬ ‫أ‌‪-‬صورة من يرتكب اجلرمية لوحده‪:‬‬

‫ويف هذه الصورة يقوم الفاعل مبفرده بإتيان‬ ‫مجيع األفعال املكونة للجرمية‪ ،‬حيث تكون هذه‬ ‫األفعال راجعة إىل نشاطه مبفرده‪ ،‬سواء حتقق‬ ‫ً‬ ‫شروعا فيها‪ ،‬وتقتضي‬ ‫بسلوكه جرمية تامة أم‬ ‫هذه احلالة إضافة اىل الفاعل األصلي‪ ،‬وجود‬ ‫شريك أو شركاء بوصفهم مساهمني ثانويني‬ ‫تبعيني‪ )37(.‬ويرى بعض الفقه ان نص الفقرة‬ ‫األوىل من م‪ 47‬عرب عن ص��ورة الفاعل الذي‬ ‫يرتكب اجلرمية لوحده حبيث يساهم معه‬ ‫شريك على أق��ل تقدير والقول خب�لاف ذلك‬ ‫جيعلنا أمام جرمية ذات فاعل واحد‪ ،‬أي انتفاء‬ ‫أحد األركان األساسية للمساهمة اجلنائية وهي‬ ‫املتمثلة بتعدد اجلناة‪ ،‬مما يعين بالتالي انتفاء‬ ‫حتقق املساهمة اجلنائية نفسها‪ ،‬فالصحيح‬ ‫ان القانون يتطلب إىل جانب الفاعل لوحده‬ ‫واملرتكب ملاديات اجلرمية‪ ،‬عدة شركاء أو شريك‬ ‫واحد على أقل تقدير للقول بتحقق املساهمة‬ ‫اجلنائية‪ )38(.‬ونعتقد بان نص هذه امل��ادة ال‬ ‫تنسجم مع ما ذهب اليه الفقه من حيث إنها‬ ‫تشمل إىل جانب الفاعل وجود شريك أو أكثر‪،‬‬ ‫إذ إن نص هذه املادة واضحة ال لبس فيها يف إنها‬ ‫تتحدث عن الفاعل وحده دون ان تتطرق إىل‬ ‫الشريك‪ ،‬والقول خبالف ذلك هو تأويل للقانون‬ ‫دون سند‪ ،‬إذ لو ان املشرع أراد ذلك(أراد ما قال‬ ‫به الفقه)ألضاف إىل نص هذه املادة ما يشري إىل‬ ‫ذلك كأن ينص ً‬ ‫مثال على‪ :‬من ارتكبها وحده‬ ‫بتحريض أو مساعدة من غريه أو باتفاق معه‪.‬‬ ‫ب‪ -‬مرتكب اجل��رمي��ة م��ع غ�يره (الفاعل مع‬ ‫الغري)‪)39(.‬‬ ‫تشمل هذه الصورة حالة ارتكاب عدة جناة‬ ‫‪297‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪298‬‬

‫جلرمية واحدة‪ ،‬بإتيان األفعال املكونة لركنها‬ ‫ً‬ ‫متكونا من فعل‬ ‫امل��ادي‪ ،‬سواء أكان هذا الركن‬ ‫ً‬ ‫مجيعا‪ ،‬أم من عدة أفعال‬ ‫واح��د ساهموا فيه‬ ‫ً‬ ‫ارتكب كل واحد منهم فعال منها‪ ،‬وتتحقق هذه‬ ‫الصورة بإحدى هاتني احلالتني‪:‬‬ ‫‪-1‬إن يكفي الفعل املرتكب م��ن قبل مجيع‬ ‫املساهمني على حدة لوقوع اجلرمية وحتققها‪،‬‬ ‫كما لو تعاون عدة أشخاص على سرقة منزل‪،‬‬ ‫فحمل كل واحد منهم جزءاً من املتاع املتواجد‬ ‫يف داخله‪.‬‬ ‫‪-2‬ان يكون الفعل املرتكب من قبل كل مساهم‪،‬‬ ‫��اف لذاته لقيام اجلرمية‪ ،‬بل إنها تقع‬ ‫غري ك ٍ‬ ‫نتيجة اجتماع ه��ذه األف��ع��ال ال�تي ارتكبها‬ ‫املساهمون‪ ،‬واملكونة مبجموعها للركن املادي‬ ‫ً‬ ‫ضربا على‬ ‫للجرمية‪ ،‬كما لو إنهال عدة أشخاص‬ ‫شخص آخر مما تسبب يف وفاته‪)40(.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬الفاعل ال��ذي يرتكب بسلوكه ب��دءاً يف‬ ‫التنفيذ احملقق للشروع يف اجلرمية‪:‬‬ ‫نصت م‪ 2/47‬عقوبات عراقي على هذه الصورة‪،‬‬ ‫وحسب الفقرة الثانية من هذه املادة‪ ،‬يعد ً‬ ‫فاعال‬ ‫للجرمية كل من يدخل يف ارتكابها بإتيان عمل‬ ‫من األعمال املكونة هلا عمداً أثناء ارتكابها‪،‬‬ ‫واملقصود بهذه األعمال‪ ،‬هي األعمال اليت ليست‬ ‫من الركن املادي للجرمية‪ ،‬ولكنها حتقق البدء يف‬ ‫التنفيذ احملقق للشروع‪ ،‬أي األعمال غري الداخلة‬ ‫يف ركنها املادي ولكنها متصلة به ومؤدية اليه‬ ‫مباشرة(‪ ،)41‬ويشرتط فيها ان يرتكب الفاعل‬ ‫فعله وقت تنفيذ اجلرمية‪ ،‬كمن يكسر باب منزل‬ ‫بقصد سرقته ويدخل زميله ويسرق‪ ،‬فكالهما‬ ‫فاعل اصلي‪ ،‬الثاني النه ارتكب الركن املادي‪،‬‬

‫واألول النه دخله عمداً بان أتى ً‬ ‫فعال عد بدءاً‬ ‫يف التنفيذ احملقق للشروع‪ )42(.‬وبعبارة أخرى‬ ‫إن الفاعل الذي ال يعد فعله ب��دءاً يف التنفيذ‬ ‫احمل��ق��ق ل��ل��ش��روع‪ ،‬ي��دخ��ل فعله ضمن نطاق‬ ‫األعمال املشروعة (األعمال التحضريية)غري‬ ‫املعاقب عليها‪ ،‬شرط ان ال تتوافر فيه شروط‬ ‫ً‬ ‫شريكا‬ ‫الشريك‪ ،‬وإال فانه يسأل عن فعله بوصفه‬ ‫يف اجلرمية‪ ،‬شريطة ان ال يكون حاضراً مسرح‬ ‫اجلرمية وقت ارتكابها‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬الفاعل املعنوي(الفاعل بالواسطة)‪:‬‬ ‫مل تنص قوانني كل من (مصر‪ ،‬لبنان‪ ،‬سوريا‪،‬‬ ‫األردن‪ ،‬ليبيا) على فكرة الفاعل املعنوي‪ ،‬إال ان‬ ‫قوانني العديد من الدول قد نصت عليها‪ ،‬منها‬ ‫(م‪ )3/44‬من قانون عقوبات اإلمارات العربية‬ ‫املتحدة‪ ،‬و(‪ )45‬عقوبات ج��زائ��ري‪ ،‬و(م‪)131‬‬ ‫عقوبات مغربي‪ ،‬و(م‪ )3/47‬ج��زاء كوييت‪،‬‬ ‫و(م‪ )43‬عقوبات حبريين‪ ،‬و(م‪ )3/47‬عقوبات‬ ‫عراقي‪ ،‬إذ نصت األخرية على الفاعل املعنوي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫شخصا على تنفيذ‬ ‫بقوهلا‪ :‬من دفع بأي وسيلة‬ ‫الفعل املكون للجرمية إذا ك��ان ه��ذا الشخص‬ ‫ً‬ ‫جزائيا عنها ألي سبب»‪ .‬ويقصد‬ ‫غري مسؤول‬ ‫بالفاعل املعنوي‪« :‬من يرتكب اجلرمية بواسطة‬ ‫شخص غري أهل للمسؤولية اجلزائية أو حسن‬ ‫النية‪ ،‬فيكون هذا أو ذلك يف يده آلة مسخرة‬ ‫تدفع إىل ارتكاب الفعل املكون للجرمية دون‬ ‫علم مباهية وطبيعة اآلثار املرتتبة عليها» ‪)43(.‬‬ ‫ومن هذا التعريف يتضح ان الفاعل املعنوي‬ ‫ال يقوم بنفسه بإجناز األفعال املادية املكونة‬ ‫للجرمية‪ ،‬بل يستعني يف ذلك بغريه ويسخره‬ ‫إلتيان هذه األفعال‪ ،‬شرط ان يكون هذا الغري‬


‫غري أهل لتحمل املسؤولية اجلنائية أو حسن‬ ‫النية‪ ،‬مبعنى ان يكون هذا الغري مبثابة آلة أو أداة‬ ‫بيد الفاعل املعنوي يوجهه كيف يشاء لتنفيذ‬ ‫اجلرمية‪ .‬إال انه ال جمال لتطبيق فكرة الفاعل‬ ‫املعنوي إذا استعمل الشخص اإلك��راه امل��ادي يف‬ ‫تنفيذ اجلرمية‪ ،‬إذ ينسب الفعل اخلاضع لإلكراه‬ ‫اىل من صدر عنه ذلك الفعل‪ ،‬وعندئذ ال يعد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ماديا وكأمنا ارتكب‬ ‫فاعال‬ ‫معنويا‪ ،‬بل‬ ‫فاعال‬ ‫اجلرمية بنفسه‪)44(.‬‬ ‫ويتمثل جمال تطبيق فكرة الفاعل املعنوي يف‬ ‫حالتني‪:‬‬ ‫‪.1‬حالة انتفاء األهلية اجلزائية لدى املنفذ عديم‬ ‫التمييز‪ ،‬مثل اجملنون والصغري غري املميز‪.‬‬ ‫‪.2‬حالة انتفاء القصد اجلرمي لدى املنفذ حسن‬ ‫النية‪)45(.‬‬ ‫ويتفق الفاعل املعنوي مع الفاعل املادي املرتكب‬ ‫للجرمية بنفسه‪ ،‬يف ان��ه يسيطر مثله على‬ ‫تنفيذ الفعل اإلجرامي‪ ،‬ولكالهما إرادة ارتكاب‬ ‫اجلرمية حلسابه اخلاص‪ ،‬وكالهما يعدان فاعلني‬ ‫أصليني‪ ،‬إال انهما خيتلفان فيما يأتي‪:‬‬ ‫‪.1‬ال يرتكب الفاعل املعنوي اجلرمية بنفسه‪ ،‬بل‬ ‫يسخر غريه يف ذلك‪ ،‬خبالف الفاعل املادي الذي‬ ‫يرتكبها بنفسه‪)46(.‬‬ ‫‪.2‬يتوفر لدى الفاعل املعنوي الركن املعنوي‬ ‫فقط‪ ،‬أما الفاعل امل��ادي فيتوفر له الركنان‬ ‫املادي واملعنوي‪)47(.‬‬ ‫ويتفق الفاعل املعنوي مع احمل��رض‪ ،‬يف انه ال‬ ‫يرتكب اجلرمية بنفسه إال انه يتميز عنه فيما‬ ‫يأتي‪:‬‬ ‫‪.1‬ينظر الفاعل املعنوي للجرمية على انها‬ ‫مشروعه اإلجرامي اخلاص به‪ ،‬وانها ترتكب‬

‫حلسابه‪ ،‬بينما ال ينظر اليها احملرض بوصفها‬ ‫مشروعه اإلجرامي اخلاص به وإمنا على أساس‬ ‫انها مشروع غريه‪)48(.‬‬ ‫‪.2‬يؤثر الفاعل املعنوي يف إرادة غري واعية (غري‬ ‫ً‬ ‫قانونا)‪ ،‬فيدفعها حنو ارتكاب اجلرمية‪،‬‬ ‫معتربة‬ ‫يف حني يؤثر احملرض يف إرادة واعية ومعتربة‬ ‫ً‬ ‫قانونا ‪)49(.‬‬ ‫‪.3‬وج���ود التطابق يف القصد والتصور لدى‬ ‫َ‬ ‫واحملرض‪ ،‬بينما ال وجود لذلك يف حالة‬ ‫احملرض‬ ‫الفاعل املعنوي‪)50(.‬‬ ‫ومن اجلدير باإلشارة ان الفقهاء اختلفوا حول‬ ‫وجود الفاعل املعنوي من عدمه يف التشريعات‬ ‫العقابية ال�تي مل تنص على فكرة الفاعل‬ ‫املعنوي‪ .‬فمن الفقه من أنكر فكرة الفاعل‬ ‫املعنوي(‪ ،)51‬إال ان اغلبهم ذهب اىل إقرارها‬ ‫مستندين يف ذلك على احلجج اآلتية‪:‬‬ ‫‌أ‪-‬اعتبارات العدالة‪ :‬فهي تأبى ان يفلت نشاط‬ ‫الفاعل املعنوي من العقاب‪ ،‬فهو ليس بشريك‬ ‫ً‬ ‫حمرضا‪ ،‬الن التحريض يوجه حنو‬ ‫وال ميكن عده‬ ‫شخص لديه اإلدراك والوعي‪ ،‬ويقدر خطورة‬ ‫فعله اجلرمي ونتائجه‪ ،‬وهذا ما يفتقده عديم‬ ‫التمييز وحسن النية‪ ،‬وبالتالي ال مفر من عده‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫معنويا‪.‬‬ ‫فاعال‬ ‫ً‬ ‫فوفقا هلذه املبادئ‪،‬‬ ‫‌ب‪-‬مبادئ القانون اجلنائي‪:‬‬ ‫تعد الوسائل املستخدمة يف ارتكاب اجلرمية‬ ‫واح��دة يف نظر القانون سواء استخدم اجلاني‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مفرتسا‪ ،‬أو‬ ‫حيوانا‬ ‫يده يف ارتكابها‪ ،‬أو آلة‪ ،‬أو‬ ‫استخدم أداة إنسانية كعديم التمييز وحسن‬ ‫النية‪ ،‬ومبا ان الفاعل املعنوي يسخر غريه يف‬ ‫تنفيذه للجرمية‪ ،‬لذلك فمن العدل ان ينسب‬ ‫اليه ارتكابها‪)52(.‬‬ ‫‪299‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪300‬‬

‫وبدورنا نؤيد الرأي األخري‪ ،‬للمسوغات القانونية‬ ‫اليت أخذ بها‪ ،‬إذ ال ميكن عد الفاعل املعنوي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حمرضا‪ ،‬لعدم توفر شروطهما فيه‪ ،‬وان‬ ‫شريكا أو‬ ‫عدم مساءلة الفاعل املعنوي عن اجلرمية حبجة‬ ‫انه مل يرتكبها بيده يؤدي اىل إفالته من العقاب‪،‬‬ ‫وعندئذ تبقى اجلرمية بال فاعل يسأل عنها‪،‬‬ ‫وهذا يتناقض مع السياسة اجلنائية الرامية اىل‬ ‫فرض العقوبة على كل من يرتكب اجلرمية دون‬ ‫النظر إىل األسباب والوسائل اليت استخدمها يف‬ ‫ارتكابها‪ ،‬فتنوع الوسيلة ال يؤثر يف توفر أركان‬ ‫اجلرمية وال تزيلها وال تعدمها‪ ،‬كما ان اخلطورة‬ ‫اإلجرامية لدى املخطط أكرب من املنفذ حسن‬ ‫النية والقانون اجلنائي يرمي إىل مواجهة هذه‬ ‫ً‬ ‫وحسنا فعل املشرع‬ ‫اخلطورة والقضاء عليها‪.‬‬ ‫العراقي عندما نص على فكرة الفاعل املعنوي‬ ‫يف ‪ 3/47‬عقوبات‪ ،‬فحسم بذلك اخلالف الدائر‬ ‫بني الفقه حول إمكانية أو عدم إمكانية األخذ‬ ‫بفكرة الفاعل املعنوي‪ ،‬الذي تكمن يف شخصيته‬ ‫خطورة إجرامية بالغة األث��ر‪ ،‬مما يستوجب‬ ‫مسائلته وفرض العقاب عليه‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬الشريك الذي حيضر مسرح اجلرمية‪:‬‬ ‫مل ينص على ه��ذه ال��ص��ورة‪ ،‬ك��ل م��ن قانون‬ ‫العقوبات املصري واللييب واألردن��ي‪ ،‬يف حني‬ ‫نص على ذلك قانون اجلزاء الكوييت(م‪،)2/47‬‬ ‫و(م‪ )25‬عقوبات س��ودان��ي‪ ،‬و(م‪ )49‬عقوبات‬ ‫عراقي‪ ،‬إذ نص القانون األخري على ان الشريك‬ ‫الذي حيضر مسرح اجلرمية يف أثناء ارتكابها أو‬ ‫ً‬ ‫فاعال هلا‪،‬‬ ‫ارتكاب اي فعل من األفعال املكونة هلا‬ ‫ذلك ان حضوره هذا بعد اشرتاكه فيها بإحدى‬

‫ً‬ ‫قانونا يدل على رغبته‬ ‫وسائل االشرتاك املقررة‬ ‫يف الدخول يف ارتكابها واستعداده الن خيطو‬ ‫خطوة أبعد من االش�تراك من خ�لال م��ؤازرة‬ ‫مرتكبيها ومساندتهم ان تطلب األمر ذلك‪ ،‬كما‬ ‫يكون هلذا احلضور أثر بالغ يف تعزيز معنويات‬ ‫الفاعل ودفعه جب��رأة أك�بر حنو اإلق���دام على‬ ‫ارتكاب اجلرمية‪ .‬ويكفي حسب النص جمرد‬ ‫ً‬ ‫فاعال‬ ‫احلضور اىل حمل اجلرمية ليعد الشريك‬ ‫ً‬ ‫اصليا فيها‪ ،‬حتى ان مل يقم مبباشرة أي عمل‬ ‫من األعمال املادية التنفيذية للجرمية‪ ،‬شرط ان‬ ‫يكون قاصداً احلضور‪ ،‬مبعنى ان يكون حضوره‬ ‫قد حصل بعلمه ورغبته دون إكراه أثناء ارتكاب‬ ‫اجلرمية‪ ،‬وليس على سبيل الصدفة‪)53(.‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬املساهمة التبعية يف ارتكاب‬ ‫اجلرمية‬ ‫ويقصد بها‪ :‬نشاط يرتبط بالفعل اإلجرامي‬ ‫ونتيجته برابطة السببية دون ان يتضمن‬ ‫َ‬ ‫قياما بدور رئيس يف ارتكابها‬ ‫تنفيذ اجلرمية أو‬ ‫‪)54(.‬‬ ‫فاملساهم التبعي يقوم بنشاط ثانوي وتبعي يف‬ ‫تنفيذ اجلرمية‪ ،‬فهو يستمد نشاطه اإلجرامي‬ ‫من املساهم األصلي‪ ،‬فإذا جرد نشاط املساهم‬ ‫األص��ل��ي م��ن صفته اجل��رم��ي��ة‪ ،‬انعكس ذلك‬ ‫على نشاط املساهم التبعي ‪ .‬وقد أطلق املشرع‬ ‫العراقي على املساهم التبعي لفظ (الشريك)‬ ‫وه��و اللفظ نفسه ال���ذي استخدمه املشرع‬ ‫املصري‪ ،‬إال ان املشرع اللبناني و األردني أطلقا‬ ‫على املساهم التبعي لفظ (املتدخل)‪ .‬تناولت‬ ‫املادة ‪ 48‬عقوبات عراقي املساهمة التبعية إذ‬ ‫ً‬ ‫شريكا يف اجلرمية‪:‬‬ ‫نصت على أن يعد‬


‫‪.1‬من حرض على ارتكابها فوقعت بناء على هذا‬ ‫التحريض‪.‬‬ ‫‪.2‬من اتفق مع غريه على ارتكابها فوقعت بناء‬ ‫على هذا االتفاق‪.‬‬ ‫ً‬ ‫سالحا أو آالت أو أي شيء‬ ‫‪.3‬من أعطى الفاعل‬ ‫آخر مما استعمل يف ارتكاب اجلرمية مع علمه‬ ‫بها أو ساعده عمداً بأي طريقة أخرى يف األعمال‬ ‫اجملهزة أو املسهلة أو املتممة الرتكابها‪.‬‬ ‫ويتضـح مـن هـذا النـص ان للمسـاهمة التبعـية‬ ‫ً‬ ‫أركـانا معيـنة‪ ،‬إذ تتمــثل هـذه األركــان فيمـا‬ ‫يأتـي‪:‬‬ ‫‌أ‪-‬فعل اصلي يعاقب عليه قانونا‪ً.‬‬ ‫‌ب‪-‬الركن امل��ادي‪ ،‬الذي يتمثل يف النشاط الذي‬ ‫ميارسه الشريك والنتيجة اجلرمية املرتتبة‬ ‫عليه والرابطة السببية بني هذا النشاط وتلك‬ ‫النتيجة اجلرمية‪.‬‬ ‫‌ج‪-‬الركن املعنوي‪ ،‬املتضمن قصد التدخل أو‬ ‫قصد االشرتاك يف اجلرمية ‪)55(.‬‬ ‫اما بصدد الفعل األصلي املعاقب عليه‪ ،‬فانه ال‬ ‫يكفي لقيام املساهمة التبعية صدور نشاط من‬ ‫الشريك بل يلزم ان يرتبط هذا النشاط بفعل‬ ‫ً‬ ‫قانونا‪ ،‬وإال فال‬ ‫صادر من الفاعل ومعاقب عليه‬ ‫قيام للمساهمة التبعية‪ ،‬باعتبار فعل الشريك‬ ‫ذا صفة مشروعة وال يفقد ه��ذه الصفة إال‬ ‫إذا ارتبط بفعل اصلي جيرمه القانون‪ .‬ويعد‬ ‫ً‬ ‫معاقبا عليه عند خضوعه لنص‬ ‫الفعل األصلي‬ ‫قانوني جيرمه من جهة وعدم خضوعه لسبب‬ ‫إباحة ينزع عنه الصفة اإلجرامية من جهة‬ ‫ً‬ ‫شخصا يف حالة الدفاع‬ ‫أخرى(‪ ،)56‬فمن يساعد‬ ‫الشرعي عن نفسه أو ماله‪ ،‬ال يعد فعله معاقباً‬ ‫ُ‬ ‫قانونا‪ .‬ويتوجب يف الفعل األصلي املعاقب‬ ‫عليه‬

‫عليه ان تتحقق به اجلرمية يف صورتها التامة‬ ‫أم بصورة الشروع‪ ،‬وال يلزم ملساءلة الشريك ان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جمهوال‬ ‫معاقبا كأن يكون األخري‬ ‫يكون الفاعل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫موقوفا أو متمتعا مبانع عقاب‪ ،‬لذلك يعاقب‬ ‫أو‬ ‫الشخص ال��ذي يقدم ال��ع��ون الم���رأة ملساعدة‬ ‫زوجها يف الفرار من يد العدالة على الرغم من‬ ‫عدم خضوع الزوجة للمساءلة لتمتعها مبانع‬ ‫ع��ق��اب(‪ ،)57‬فالعربة إذن يف حتقيق املساهمة‬ ‫التبعية بوصف الفعل املعاقب عليه ال مبسؤولية‬ ‫ً‬ ‫ووفقا لقانون العقوبات العراقي (م‪،)48‬‬ ‫الفاعل‪.‬‬ ‫وامل���ص���ري(م‪ ،)40‬وال��ل��ي�بي(م‪ ،)100‬واجلــزاء‬ ‫ال��ك��وي�تي (م‪ ،)48،49‬واجل���زائ���ري (م‪،)2/42‬‬ ‫واإليطالي(م‪ ،)2/42‬و اإلسباني(م‪ ،)12‬ميكن ان‬ ‫تقع املساهمة التبعية يف اجلرائم اليت من نوع‬ ‫اجلنايات أو اجلنح أو املخالفات‪ ،‬يف حني استبعد‬ ‫بعض التشريعات العقابية جرائم املخالفات‬ ‫ً‬ ‫حم�لا للمساهمة التبعية‪ ،‬كقانون‬ ‫لتكون‬ ‫العقوبات السـوري (م‪ ،)218‬واللبـناني(م‪،)219‬‬ ‫وال��ف��رن��س��ي(م‪ ،)7/121‬والبلجيكي(م‪)58(.)66‬‬ ‫أما الركن امل��ادي للمساهمة التبعية فيتمثل‬ ‫يف النشاط (السلوك) ال��ذي يباشره الشريك‬ ‫والنتيجة اجلرمية النامجة عنه والرابطة‬ ‫السببية ال�تي تربط بينهما‪ .‬وق��د ح��دد كل‬ ‫م��ن امل��ش��رع ال��ع��راق��ي(م ‪ )48‬وامل��ص��ري(م‪)40‬‬ ‫واللييب(م‪ )100‬والكوييت (م ‪ )48‬وسائل املساهمة‬ ‫التبعية وعلى سبيل احلصر‪ ،‬وهي(التحريض‪،‬‬ ‫االتفاق‪ ،‬املساعدة)‪ .‬أما قانون العقوبات اللبناني‬ ‫(م‪ )219‬والسوري (م‪ )218‬واألردن��ي (م‪ )80‬فقد‬ ‫إتبع خطة خمتلفة يف حتديد وسائل املساهمة‬ ‫التبعية(‪ ،)59‬إذ ح��ددت ه��ذه القوانني ست‬ ‫وسائل للمساهمة التبعية وعلى سبيل احلصر‪.‬‬ ‫‪301‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪302‬‬

‫وسنتناول وسائل املساهمة التبعية (نشاط‬ ‫الشريك) ً‬ ‫تباعا‪ ،‬وكما يأتي‪:‬‬ ‫‪-1‬التحريض‪:‬‬ ‫مل يعرف القانون العراقي كغالبية القوانني‬ ‫األخرى التحريض‪ ،‬بل ترك أمر توفره للقضاء‪،‬‬ ‫وإزاء هذا النقص تصدى الفقه لتعريفه‪ ،‬فعرفه‬ ‫بانه‪« :‬دفع اجلاني اىل ارتكاب جرمية بالتأثري‬ ‫على إرادت��ه وتوجيهها الوجهة اليت يريدها‬ ‫احملرض» ‪)60(.‬‬ ‫ان نشاط احمل��رض ذو طبيعة نفسية وليست‬ ‫م��ادي��ة‪ ،‬فهو ي��وج��ه حن��و معنويات الفاعل‬ ‫ونفسيته‪ ،‬ويؤثر يف تفكريه وتصميمه فيجعله‬ ‫ً‬ ‫مندفعا حنو ارتكاب اجلرمية‪ .‬ويلزم يف التحريض‬ ‫ان يكون مباشراً‪ ،‬بان يكون موضوعه هو ارتكاب‬ ‫اجلرمية أو جرائم معينة‪ ،‬أما التحريض غري‬ ‫املباشر كزرع العداوة والبغضاء بني شخصني‬ ‫ً‬ ‫حتريضا وان أفضى ذل��ك اىل وقوع‬ ‫فال يعد‬ ‫ً‬ ‫جرمية‪ ،‬ويلزم فيه أيضا ان يكون مؤديا اىل إنتاج‬ ‫أث��ره املتمثل يف وق��وع اجل��رمي��ة(‪ ،)61‬وه��ذا ما‬ ‫نصت عليه (م‪ )1/48‬عقوبات عراقي‪ ،‬و(م‪)1/40‬‬ ‫عقوبات مصري‪ ،‬و(م‪ )1/100‬عقوبات لييب‪ ،‬دون‬ ‫ان حتدد هذه القوانني صور التحريض على‬ ‫سبيل احلصر‪ ،‬خبالف بعض القوانني العقابية‬ ‫اليت حددت صور التحريض على سبيل احلصر‪،‬‬ ‫كقانون العقوبات الفرنسي (م‪ ،)7/121‬و(م‪)2/66‬‬ ‫عقوبات بلجيكي‪ ،‬و(م‪ )20‬عقوبات برتغالي‪،‬‬ ‫و(م‪ )129‬عقوبات مغربي‪ )62(.‬وإن كان االجتاه‬ ‫األخرياملتمثل يف حتديد صور التحريض على‬ ‫سبيل احلصر يوفر ضمانة أساسية للجاني‬ ‫تتمثل يف عدم اإلفتئات على حقوقه وحرياته‪،‬‬ ‫ويغين احملكمة مشقة البحث يف وقائع الدعوى‬

‫اجلزائية لالستدالل على النشاط التحريضي‪ ،‬إذ‬ ‫يكفي القاضي ان يورد صورته‪ ،‬إال انه يؤدي اىل‬ ‫إفالت احملرض من العقاب يف كثري من احلاالت‬ ‫رغم ان نشاطه كان له أبلغ األثر على احملرض‪،‬‬ ‫وكان الدافع اىل وقوع اجلرمية‪ .‬ان التحريض‬ ‫على نوعني هما التحريض الفردي (الشخصي)‬ ‫املوجه حنو شخص معني أو أشخاص معينني‬ ‫والتحريض العام (العلين) املوجه حنو مجهور‬ ‫من الناس وبإحدى الطرق العلنية‪ )63(.‬ويعد‬ ‫التحريض العام أشد خطورة من التحريض‬ ‫الفردي‪ ،‬ذلك ان التحريض املوجه اىل مجهور‬ ‫من الناس قد يكون من بينهم من هو سهل‬ ‫االنقياد والتأثر فيقوم بارتكاب اجلرمية‪ ،‬مبعنى‬ ‫ً‬ ‫جتاوبا من بعض األفراد مع فكرته‬ ‫انه يصادف‬ ‫‪-2‬االتفاق‪:‬‬ ‫عدت طائفة من التشريعات العقابية االتفاق‬ ‫وسيلة للمساهمة التبعية‪ ،‬منها م ‪ 2/48‬عقوبات‬ ‫عراقي‪ ،‬م‪ 2/40‬عقوبات مصري‪ ،‬م‪ 2/48‬جزاء‬ ‫كوييت‪ ،‬م‪ 219‬عقوبات لبناني‪ ،‬م‪ 218‬عقوبات‬ ‫سوري‪ ،‬إال ان هناك تشريعات عقابية استبعدت‬ ‫االتفاق من صور املساهمة التبعية‪ ،‬كالقانون‬ ‫الفرنسي واملغربي واجل��زائ��ري‪ )64(.‬ويقصد‬ ‫باالتفاق‪ :‬احت��اد إرادة شخصني أو اكثر على‬ ‫ارتكاب اجل��رمي��ة(‪ ،)65‬أي مبعنى تالقي إرادة‬ ‫شخصني أو اكثر واحتادهما على القيام بأمر‬ ‫معني حبيث ال تطغى إرادة احدهم على اآلخر‪،‬‬ ‫فاإلرادات تكون متطابقة ومتساوية‪ ،‬فاالتفاق‬ ‫يتمثل يف نشاط أو سلوك يأتيه الشريك لغرض‬ ‫التعبري عن رغبته وانصراف إرادته اىل املشاركة‬ ‫يف ارتكاب اجلرمية‪ ،‬وان��ه من غري املعقول ان‬


‫ينعقد االتفاق بإرادة منفردة من دون ان تكون‬ ‫هناك إرادة أخ��رى لشخص آخ��ر تقابله‪ .‬ان‬ ‫االتفاق يف جوهره حالة نفسية قوامها اإلرادة‪،‬‬ ‫ولكن له مظهر خارجي مستمد من وسائل‬ ‫التعبري عن ه��ذه اإلرادة فقد تكون الوسيلة‬ ‫كتابة أو ً‬ ‫قوال أو إميا ًء‪ )66(.‬وخيتلف االتفاق عن‬ ‫التحريض كون األخري تعلو فيه إرادة احملرض‬ ‫على إرادة الفاعل‪ ،‬بينما يف االتفاق فان األرادات‬ ‫تكون متكافئة و متعادلة‪ ،‬إذ ال وجود إلرادة‬ ‫تدفع و أخ��رى ترضخ كما هو احل��ال عليه يف‬ ‫التحريض‪ ،‬وخيتلف االتفاق بدوره عن التوافق‬ ‫يف ان األخري عبارة عن جمرد توارد خواطر على‬ ‫اإلج��رام‪ ،‬حبيث تنصرف إرادة كل واح��د من‬ ‫املساهمني وبصورة مستقلة يف نفس اجتاه إرادة‬ ‫بقية املساهمني دون ان يفاتح أحدهم غريه مبا‬ ‫عزم عليه اما االتفاق فهو التقاء إرادات اجلناة‬ ‫عند موضوع واح��د وه��و موضوع اجلرمية‪.‬‬ ‫(‪ )67‬ويشرتط يف االتفاق بوصفه إحدى صور‬ ‫املساهمة التبعية‪ ،‬ان تقع اجلرمية بناء عليه‬ ‫ً‬ ‫سابقا على ارتكابها ولو‬ ‫وان يكون االت��ف��اق‬ ‫بلحظات(‪ ،)68‬وهو بذلك خيتلف عن االتفاق‬ ‫اجلنائي املنصوص عليه يف م ‪ 55‬عقوبات عراقي‪،‬‬ ‫فهو ال يعد صورة من صور املساهمة التبعية‬ ‫بل هو جرمية مستقلة بذاتها ويعاقب عليها‬ ‫القانون مبجرد حصول االتفاق حتى وان مل‬ ‫يشرع املتفق يف ارتكابها‪ )69(.‬واجلدير باإلشارة‬ ‫إىل إن من الفقه من يستبعد االتفاق بوصفه‬ ‫وسيلة للمساهمة التبعية النه يصعب يف الواقع‬ ‫العملي قيام االشرتاك يف االتفاق دون ان يقرتن‬ ‫بتحريض أو مساعدة‪ ،‬إضافة إىل صعوبة إثبات‬ ‫الرابطة السببية بينه وبني اجلرمية‪ ،‬وهذا ما‬

‫دعى بعض التشريعات إىل استبعاده بوصفه‬ ‫وسيلة للمساهمة التبعية‪ ،‬إال ان ذلك ال يعين‬ ‫إغفال اخلطورة اإلجرامية يف الشخص املتفق بل‬ ‫جيب مواجهته بفرض عقوبة أو تدبري احرتازي‬ ‫مناسب‪)70(.‬‬ ‫ونرى من األجدر األخذ بهذا الرأي واستبعاد‬ ‫ً‬ ‫غالبا‬ ‫االتفاق من عداد وسائل املساهمة النه‬ ‫م��ا يقرتن االت��ف��اق بالتحريض أو املساعدة‪،‬‬ ‫وانه يصعب إثبات توفر الرابطة السببية بني‬ ‫االتفاق وبني اجلرمية املرتكبة‪ ،‬الن االتفاق‬ ‫جمرد تعبري عن نية كامنة يف النفس اإلنسانية‬ ‫وان استظهار تلك النية وإثباتها من قبل القضاء‬ ‫يعدان من األم��ور الصعبة واملعقدة النها من‬ ‫األمور النفسية اليت يضمرها اجلاني وال ميكن‬ ‫الكشف عنها بسهولة‪ ،‬وان كشف وإظهار احلقيقة‬ ‫هذه ال يقومان مبجرد الظن أو االحتمال أو‬ ‫التخمني بل جيب ان يقوما على االمتناع اجلازم‬ ‫واألكيد‪ ،‬وذلك الن فرض العقوبة على شخص‬ ‫فيه مساس حبريته واعتباره‪ ،‬أو حقه يف احلياة‬ ‫أحيانا ان وصلت العقوبة اىل حد اإلع��دام‪ ،‬إال‬ ‫ان ذل��ك ال يعين إهمال خطورته‪ ،‬بل ميكن‬ ‫مواجهتها بفرض تدابري احرتازية‪.‬‬ ‫‪-3‬املساعدة‪:‬‬ ‫وهي من أبرز صور املساهمة التبعية‪ ،‬لذلك نص‬ ‫عليها اغلب التشريعات العقابية‪ ،‬منها ما ذكرت‬ ‫صورها على سبيل املثال ال احلصر كقانون‬ ‫العقوبات العراقي(م ‪ ،)3/48‬واملصري (م‪،)3/40‬‬ ‫واللييب (م‪ ،)2/100‬ومنها ما ذكرت صوره على‬ ‫سبيل احلصر كقانون العقوبات اللبناني (م‪،)219‬‬ ‫والسوري (م‪ .)218‬ويهدف االجت��اه الذي حيدد‬ ‫‪303‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪304‬‬

‫وسائل املساعدة حرصه على ضمان احلرية‬ ‫الفردية‪ ،‬جلعله بيد املشرع ال بيد القاضي‪ ،‬ولكن‬ ‫يؤخذ عليه ان الشريك ميكنه املساعدة بغري هذه‬ ‫الوسائل فيفلت من العقاب على الرغم من حتقق‬ ‫اشرتاكه يف اجلرمية‪ ،‬لذلك نؤيد االجت��اه الذي‬ ‫يتجه حنو إطالق وسائل االش�تراك باملساعدة‪،‬‬ ‫فهو املسلك املتفق مع حسن السياسة التشريعية‬ ‫وي��ؤدي إىل استيعاب النص لكل الوسائل اليت‬ ‫يقدمها الشريك للفاعل‪ .‬ويقصد باملساعدة‪:‬‬ ‫األعمال اليت تعني اجلاني على ارتكاب اجلرمية‬ ‫أو تذليل ما يعرتضه من عقبات(‪ ،)71‬وهي قد‬ ‫تقع بوسيلة مادية‪ ،‬كإعطاء السالح للجاني أو‬ ‫بوسيلة معنوية كتقديم اإلرشادات واملعلومات‬ ‫ل��ه‪ ،‬وه��ي من حيث صلتها مبراحل اجلرمية‬ ‫أما ان تكون سابقة على ارتكابها كاملساعدة يف‬ ‫األعمال اجملهزة أو ان تكون معاصرة الرتكابها‬ ‫بان ترد على األعمال املسهلة أو املتممة الرتكاب‬ ‫اجلرمية‪ ،‬والفارق بينهما زمين‪ ،‬حيث تتحقق‬ ‫األع��م��ال املسهلة والفاعل م��ازال يف مراحله‬ ‫التنفيذية األوىل‪ ،‬أما األعمال املتممة فتتحقق‬ ‫عندما يكون الفاعل يف مراحله األخ�يرة يف‬ ‫تنفيذ اجلرمية ‪)72(.‬‬ ‫أما بشأن املساعدة الالحقة على ارتكاب اجلرمية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بعضا من التشريعات العقابية قد عدتها‬ ‫فان‬ ‫وسيلة للمساهمة التبعية‪ ،‬كقانون العقوبات‬ ‫اللبناني (م‪ ،)5،6/219‬وال��س��ـ��وري(م‪/218‬ه‪،‬د)‪،‬‬ ‫واألردني (م‪-3/80‬ه‪ ،‬و)(‪ ،)73‬واإلسباني(م‪،)3/17‬‬ ‫وال�����ن�����م�����س�����اوي(م‪ ،)6‬وال���ت��رك������ي(م‪،)65‬‬ ‫واألمل��ـ��ان��ي(م‪ ،)2/48‬والبلغاري(م‪ .)18‬يف حني‬ ‫مل تعد التشريعات العقابية لكل من (العراق‪،‬‬ ‫مصر‪ ،‬ليبيا‪ ،‬السودان‪ ،‬فرنسا) املساعدة الالحقة‬

‫على ارتكاب اجلرمية وسيلة للمساهمة التبعية‬ ‫بل عدتها جرمية مستقلة بذاتها‪ )74(.‬وبصـدد‬ ‫النشاط ال��ذي ميارسـه الشريك فيثار سؤال‬ ‫يتعلق مبدى إمكانية وقوع املساعدة بطريق‬ ‫سليب (بطريق االمتناع) ؟‪ .‬اختلف الفقه حول‬ ‫ذلك اىل اجتاهني‪ :‬اجتاه يرى عدم إمكانية حتقق‬ ‫االشرتاك إال عن طريق إتيان فعل إجيابي فقط‪.‬‬ ‫(‪ )75‬اما االجتاه الثاني‪ ،‬فيذهب اىل تصور وقوع‬ ‫نشاط الشريك باملساعدة بطريق سليب‪ ،‬وذلك‬ ‫يف حالة امتناع شخص عن أداء التزام قانوني‬ ‫ملقى على عاتقه بهدف تسهيل أو إمتام ارتكاب‬ ‫اجلرمية كالشرطي الذي ميتنع عن منع وقوع‬ ‫جرمية ترتكب أمامه وكان بوسعه منعها‪ ،‬إال انه‬ ‫مل يفعل‪)76(.‬‬ ‫وبدورنا نؤيد االجت��اه الثاني ألنه ال يشرتط‬ ‫يف املساعدة ان تتم بإمداد الفاعل بالوسائل‬ ‫واإلمكانيات اليت مل تكن متوفرة لديه‪ ،‬وإمنا‬ ‫تتحقق كذلك ب��إزال��ة العقبات ال�تي تعرتض‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قانونا‬ ‫ملزما‬ ‫تنفيذ اجلرمية فإذا كان الشخص‬ ‫مبنع وق��وع اجلرمية‪ ،‬فالقانون بهذا االلتزام‬ ‫ً‬ ‫عائقا أمام تنفيذ اجلرمية‪ ،‬واالمتناع عن‬ ‫يضع‬ ‫أداء هذا االلتزام الذي يفرضه القانون يعين‬ ‫إزالته مما يرتتب عليه تيسري تنفيذ اجلرمية‬ ‫ويف ذلك تسهيل أو مساعدة‪ ،‬وال يؤثر يف ذلك‬ ‫ع��دم ال��وج��ود امل��ادي هل��ذا العائق الن وج��وده‬ ‫ً‬ ‫وفضال‬ ‫القانوني يستمد من نصوص القانون‪،‬‬ ‫عن ذلك فان األخذ بهذا الرأي يتفق ونصوص‬ ‫قانون العقوبات العراقي ال��ذي يتجه صوب‬ ‫األخذ باالجتاه الذي يعرتف بصالحية االمتناع‬ ‫لقيام املساعدة كوسيلة للمساهمة التبعية يف‬ ‫اجلرمية‪ ،‬وذلك من مالحظة م ‪ 4/19‬اليت نصت‪:‬‬


‫«الفعل‪ :‬كل تصرف جرمه القانون سواء كان‬ ‫ً‬ ‫سلبيا‪ ،‬كالرتك واالمتناع مامل يرد‬ ‫إجيابيا أو‬ ‫نص على خالف ذلك»‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬إذا كان‬ ‫االش�تراك يتم يف الغالب بوسائل إجيابية‪ ،‬فأن‬ ‫ذلك ال يعين عدم تصور قيامه بوسائل سلبية‪،‬‬ ‫إذ ليس يف نصوص القانون ما حيول دون أن‬ ‫تكون وسيلة االشرتاك سلبية متى ما توفرت هلا‬ ‫الشروط الالزمة لقيامها‪ ،‬وهي شرط االمتناع أو‬ ‫اإلحجام عن القيام بفعل معني‪ ،‬ووجود واجب‬ ‫قانوني ملقى على عاتق املمتنع‪ ،‬وان يكون‬ ‫امتناعه عن أداء الفعل ً‬ ‫إراديا ‪ .‬ومن التشريعات‬ ‫العقابية اليت أقرت ً‬ ‫أيضا بصالحية االمتناع‬ ‫لتقوم به املساعدة كوسيلة للمساهمة التبعية‪،‬‬ ‫قانون العقوبات القطري(‪ ،)13‬والبحريين(م‪،)22‬‬ ‫واللبناني(م‪ ،)204‬وال��س��وري(م‪ ،)203‬واللييب‬ ‫(م‪ )77(.)58‬اجلدير بالذكر ان نشاط الشريك‬ ‫وح��ده غري كاف لقيام املساهمة التبعية من‬ ‫جانبه‪ ،‬بل جيب ان تتحقق النتيجة اجلرمية‬ ‫املتمثلة يف وقوع اجلرمية سواء وقعت بصورتها‬ ‫التامة أم بصورة الشروع‪ ،‬إضافة لذلك جيب ان‬ ‫تتوافر الرابطة السببية بني نشاط الشريك‬ ‫والنتيجة اجلرمية النامجة عنه‪ .‬ان الرابطة‬ ‫السببية تنتفي إذا ثبت ان اجلرمية ستقع‬ ‫بالشكل ال��ذي وقعت به ويف املكان والزمان‬ ‫والنطاق الذي حتققت فيه ولو مل يصدر من‬ ‫الشريك أي نشاط (‪ ،)78‬ولقد اشرتط القانون‬ ‫العراقي قيام العالقة السببية هذه يف (م‪)48‬‬ ‫عندما نص «‪ ...‬بناء على التحريض» أو «‪ ...‬بناء‬ ‫على االتفاق» ‪ )79(.‬مبعنى ان مسؤولية الشريك‬ ‫ال تقوم إذا انعدمت الرابطة السببية بني نشاطه‬ ‫والنتيجة املرتتبة على هذا النشاط‪ ،‬كمن يعطي‬

‫سـالحا ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ناريا ليقتل به غريه فريتكب‬ ‫شخصـا‬ ‫الفـاعل اجلـرمية ع��ن طـريق سكني ح��اد‪.‬‬ ‫وبصدد النتيجة اجلرمية والرابطة السببية‬ ‫يقتضي بنا اجمل��ال التطرق اىل أمرين وهما‬ ‫االشرتاك يف االشرتاك والشروع يف االشرتاك‪.‬‬ ‫اما االش�تراك يف االش�تراك فهو يعين ان يتجه‬ ‫نشاط الشريك إىل مح��ل شخص آخ��ر ليأتي‬ ‫ً‬ ‫نشاطا تقوم به املساهمة التبعية يف اجلرمية‪،‬‬ ‫وقد انقسم الفقه حول إمكانية مساءلة شريك‬ ‫الشريك إىل رأيني‪:‬‬ ‫الرأي األول‪ :‬يذهب اىل عدم تصور مساءلة شريك‬ ‫الشريك‪ ،‬النعدام العالقة املباشرة بينه وبني‬ ‫الفاعل لتوسط شخص ثالث بينهما مستندين‬ ‫يف رأيهم هذا على نصوص القانون اليت نصت‬ ‫«من حرض على ارتكابها‪ »...‬أو «من اتفق مع‬ ‫ً‬ ‫سالحا‪ »...‬إذ عدوا‬ ‫غريه‪ »...‬أو «من أعطى الفاعل‬ ‫ان الصياغة القانونية هذه تتطلب قيام عالقة‬ ‫مباشرة بني من حيرض أو يتفق أو يساعد وبني‬ ‫منفذ اجلرمية ‪)80(.‬‬ ‫أما الرأي الثاني‪ :‬فقد ذهب إىل إمكانية مساءلة‬ ‫شريك الشريك‪ ،‬الن القانون مل يتطلب توفر‬ ‫عالقة مباشرة بني سلوك الشريك والفاعل‬ ‫فكل ما تطلبه هو قيام الرابطة السببية بينهما‪،‬‬ ‫سواء أكانت مباشرة أم غري مباشرة‪)81(.‬‬ ‫وب��دورن��ا ن��ؤي��د ال���رأي ال��ث��ان��ي للمسوغات‬ ‫القانونية اليت أخذ بها إذ إن القانون مل يتطلب‬ ‫توفر عالقة مباشرة بني الشريك والفاعل‪ ،‬أي‬ ‫أن الرابطة السببية تكون متوفرة بغض النظر‬ ‫عن املركز الذي يشغله الشريك يف عالقته مع‬ ‫الفاعل‪ ،‬س��واء احتل الشريك املركز األول أم‬ ‫الثاني أم غري ذلك يف عالقته مع منفذ اجلرمية‬ ‫‪305‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪306‬‬

‫والقول بغري ذلك هو تأويل للقانون وتطلب‬ ‫ً‬ ‫فضال عن كل ذلك‬ ‫شرط مل يفرضه القانون‬ ‫ان األخذ بالرأي األول يؤدي اىل إفالت شريك‬ ‫الشريك من املسؤولية اجلنائية على الرغم‬ ‫من ثبوت مساهمته يف الفعل اإلجرامي واجتاه‬ ‫إرادت��ه اىل اإلسهام يف حتقيقه‪ .‬أما فيما يتعلق‬ ‫مبسألة الشروع يف االشرتاك‪ ،‬الذي يعين بدوره‬ ‫قيام الشريك بنشاط بقصد حتقيق النتيجة‬ ‫اجلرمية إال إنها مل تتحقق ألسباب ال دخل‬ ‫إلرادة الشريك فيها‪ ،‬كأن مل تقع اجلرمية أصال‬ ‫لعدم قيام اجلاني بتنفيذ اجلرمية كعدوله عن‬ ‫ً‬ ‫اختياريا أو إنها وقعت ولكن بنا ًء على‬ ‫ارتكابها‬ ‫أسباب ليست من بينها نشاط الشريك‪ ،‬فقد‬ ‫اختلف الفقه بشأن مساءلة الشريك عن الشروع‬ ‫يف االشرتاك وكما يأتي‪:‬‬ ‫ذه��ب رأي إىل إمكانية مساءلة الشريك عن‬ ‫الشروع يف االش�تراك لتوفر أرك��ان الشروع من‬ ‫ب��دء يف التنفيذ ووج��ود قصد جرمي وعدم‬ ‫حتقق النتيجة ألسباب ال دخل إلرادة الشريك‬ ‫فيها‪ )82(.‬ويذهب ال��رأي السائد يف الفقه اىل‬ ‫عدم تصور الشروع يف االشرتاك الن الشروع ال‬ ‫يكون إال يف جرمية واالش�تراك ال يعد جرمية‬ ‫وان القانون ال يعاقب الشريك على فعله بل ملا‬ ‫يؤدي اليه فعله‪ ،‬فعدم وقوع اجلرمية أو وقوعها‬ ‫مع انتفاء الرابطة السببية بني فعله والنتيجة‬ ‫ً‬ ‫شروعا‬ ‫اجلرمية ال جيعل من فعل الشريك‬ ‫يف االش�ت�راك مما يرتتب عليه ع��دم إمكانية‬ ‫مساءلة الشريك عنه‪ )83(.‬ويذهب رأي ثالث إىل‬ ‫ً‬ ‫مكونا‬ ‫إمكانية مساءلة الشريك ال باعتبار فعله‬ ‫للشروع يف االشرتاك‪ ،‬وذلك النتفاء أحد عناصر‬ ‫املساهمة التبعية واملتمثلة يف انعدام الرابطة‬

‫السببية بني نشاط الشريك واجلرمية ولكن‬ ‫مساءلة الشريك وف��رض العقاب عليه تكون‬ ‫ألجل مواجهة اخلطورة اإلجرامية الكامنة يف‬ ‫شخصيته‪ ،‬وانه من غري املناسب حسب السياسة‬ ‫اجلنائية ترك تلك اخلطورة اإلجرامية دون‬ ‫رد اجتماعي متمثل يف فرض عقوبة أو تدبري‬ ‫احرتازي‪)84(.‬‬ ‫ونرى بان الرأي السائد للفقه واملتمثل يف إنكار‬ ‫الشروع يف االشرتاك هو الذي يتفق مع نصوص‬ ‫قانون العقوبات العراقي اليت تتطلب لقيام‬ ‫املساهمة التبعية ان تكون اجلرمية املرتكبة‬ ‫وقعت بناء على نشاط الشريك‪ ،‬مبعنى ضرورة‬ ‫توافر الرابطة السببية بني نشاط الشريك‬ ‫والنتيجة اجلرمية‪ ،‬وإال عد فعله من األعمال‬ ‫التحضريية املشروعة‪ ،‬ولكننا نرى يف الوقت‬ ‫نفسه ضرورة فرض عقوبة أو تدبري احرتازي‬ ‫على الشريك النه استنفذ الوسائل من التحريض‬ ‫أو االتفاق أو املساعدة بقصد حتقيق اجلرمية‬ ‫إال إنها مل تقع أو وقعت ولكن لسبب ليس من‬ ‫بينها نشاط الشريك‪ ،‬فالفضل يف ذلك يعود اىل‬ ‫سلوك الفاعل ال الشريك مما يدل على اخلطورة‬ ‫اإلجرامية الكامنة يف نفسية الشريك واستعداده‬ ‫لتعريض املصاحل واحلقوق للخطر‪ ،‬فاملشرع‬ ‫اجلنائي ال جيرم السلوك لكونه يصيب احلق‬ ‫أو املصلحة باخلطر‪ ،‬بل تستطيل هذه احلماية‬ ‫فتشمل جمرد تعريض هذا احلق أو املصلحة إىل‬ ‫اخلطر‪ ،‬وهذا ما يتفق ومبادئ السياسة اجلنائية‬ ‫ً‬ ‫تدخال من املشرع‬ ‫احلديثة‪ ،‬مما يقتضي بدوره‬ ‫ملواجهة اخلطورة اإلجرامية الكامنة يف نفسيته‬ ‫ومنعه من تعريض احلقوق واملصاحل املضمونة‬ ‫للخطر‪ .‬ومن التشريعات اجلنائية اليت عدت‬


‫االش�تراك غري املتبوع بأثر جرمية مستقلة‬ ‫وقائمة بذاتها‪ ،‬قانون العقوبات األملاني (م‪،)30‬‬ ‫واإليطالي (م ‪ ،)115‬والبولوني (م‪ ،)2‬والنمساوي‬ ‫(م‪ ،)15‬والدامناركي (م‪ ،)21‬والسويسري (م‪،)24‬‬ ‫واللبناني(م‪ ،)1/219‬والسوري(م‪ )85(. )1/218‬ويف‬ ‫سياق هذا املوضوع يفرتض املقام التطرق إىل‬ ‫مسألة مهمة وهي عدول الشريك ومدى إمكانية‬ ‫مساءلة الشريك عن نشاطه بعد ان عدل عنه‪.‬‬ ‫ان الشريك ال يستفيد من عدوله إال إذا كان‬ ‫من شأنه ان ينفي أحد أركان املساهمة التبعية‬ ‫وبالتالي عدم حتقق اجلرمية بناء على نشاطه‬ ‫وهلذا فإذا اكتملت أركان املساهمة التبعية فان‬ ‫ع��دول الشريك بعد ذلك ال أهمية له ويبقى‬ ‫ً‬ ‫مسؤوال عن اجلرمية املرتكبة بنا ًء على‬ ‫الشريك‬ ‫سلوكه‪ ،‬اما إذا متكن بعدوله من منع حتقق أحد‬ ‫أركان املساهمة التبعية من خالل إزالة كل أثر‬ ‫الشرتاكه حبيث ميكن القول بان اجلرمية قد‬ ‫ارتكبت بصرف النظر عن االش�تراك فانه ال‬ ‫خيضع للعقاب‪)86(.‬‬ ‫ومبا ان اجلرمية ال تتحقق بتوفر ركنها املادي‬ ‫فقط‪ ،‬بل جيب ان يتوفر اىل جانبه ركنها املعنوي‬ ‫فاألمر كذلك بالنسبة للمساهمة التبعية فهي ال‬ ‫تقوم إال إن يتوفر إىل جانب ركنها املادي ركنها‬ ‫املعنوي الذي يتحقق بقيام رابطة ذهنية جتمع‬ ‫بني الفاعل والشريك على صعيد اجلرمية‪،‬‬ ‫وخيتلف معيار حتقق الركن املعنوي للمساهمة‬ ‫التبعية يف اجلرمية العمدية عنه يف اجلرمية‬ ‫غري العمدية‪ .‬ففي اجل��رائ��م العمدية يتخذ‬ ‫الركن املعنوي فيها صورة القصد اجلرمي لدى‬ ‫الشريك واملتمثل يف علم الشريك بنوع النشاط‬ ‫الذي يأتيه و بالنتيجة اجلرمية النامجة عنه‬

‫مع اجتاه إرادته اىل حتقيق هذا النشاط وهذه‬ ‫النتيجة اجلرمية‪ )87(.‬وبصدد املوضوع هذا‬ ‫ميكن إثارة سؤال يتعلق مبدى إمكانية مساءلة‬ ‫الشريك عن اجلرمية اليت ارتكبها الفاعل إال ان‬ ‫ً‬ ‫منصرفا اليها‪ ،‬أي بعبارة‬ ‫قصد الشريك مل يكن‬ ‫أخرى هل ميكن مساءلة الشريك عن اجلرمية‬ ‫اليت ارتكبها وان كان ال يرغب يف ارتكابها؟‪.‬‬ ‫األص��ل ان إج��رام الشريك مستمد من إجرام‬ ‫الفاعل األصلي‪ ،‬فإذا مل تقع اجلرمية أو وقعت‬ ‫جرمية أخ��رى مغايرة ملا حصل من حتريض‬ ‫أو اتفاق أو مساعدة عليه‪ ،‬فال وجود لالشرتاك‬ ‫فيها‪ ،‬اما إذا وقعت جرمية أخف من اجلرمية‬ ‫ال�تي قصد الشريك ان يشرتك فيها حتددت‬ ‫تبعا ملا وقع ً‬ ‫مسؤوليته ً‬ ‫فعال من جرمية‪ ،‬ال ملا‬ ‫قصد االش�تراك فيه‪ ،‬شرط ان تكون اجلرمية‬ ‫األخف املرتكبة قد وقعت بناء على االشرتاك‬ ‫وان تدخل ضمن قصد الشريك فيشملها القصد‪،‬‬ ‫ويتحقق الشمول إذا اشرتكت اجلرميتان يف‬ ‫اغلب مادياتهما‪ ،‬أما إذا ارتكبت جرمية أشد‬ ‫من اجلرمية اليت قصد الشريك االشرتاك فيها‬ ‫فعندئذ ينظر اىل اجلرمية املرتكبة فيما إذا‬ ‫ٍ‬ ‫كانت نتيجة حمتملة للمساهمة اليت حصلت‬ ‫فيسأل عنها الشريك ولو كانت اجلرمية املرتكبة‬ ‫غري اليت أراد االش�تراك فيها طبقا لنص م‪53‬‬ ‫عقوبات عراقي (‪ ،)88‬اما إذا مل تكن اجلرمية‬ ‫املرتكبة نتيجة حمتملة للمساهمة اليت حصلت‬ ‫فان الشريك ال يسأل عنها‪)89(.‬‬ ‫وقد انتقد الفقه مسؤولية الشريك عن النتيجة‬ ‫احملتملة‪ ،‬ألنها متثل استثناء على القواعد العامة‬ ‫ً‬ ‫مسؤوال‬ ‫للمساهمة اجلنائية إذ يصبح الشريك‬ ‫عن نتيجة مل يردها ومل يتجه اليها قصده وعلى‬ ‫‪307‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪308‬‬

‫الرغم من ذلك يسأل عنها كما لو كان أرادها‪ ،‬ال‬ ‫لشيء إال جملرد كونها نتيجة حمتملة لنشاطه‪،‬‬ ‫مبعنى انه ال جيوز ان يسأل شخص عمداً عن‬ ‫جرمية إال إذا توفر لديه القصد اجلرمي املتجه‬ ‫اليها‪ ،‬يف حني ان هذه النصوص جتعل الشريك‬ ‫ً‬ ‫مسؤوال عمداً عن جرمية مل يتجه اليها قصده‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تناقضا مع القواعد األساسية‬ ‫وهذا بدوره يعد‬ ‫للقانون اليت متيز بني املسؤولية العمدية وغري‬ ‫العمدية‪ )90(.‬اما الركن املعنوي يف اجلرمية‬ ‫غري العمدية فقد اختلف الفقه حول إمكانية‬ ‫االشرتاك فيها اىل اجتاهني‪:‬‬ ‫االجتاه ألول‪:‬‬ ‫ينكر ه��ذا االجت��اه االش�ت�راك يف اجلرمية غري‬ ‫العمدية الن املساهمة التبعية تتطلب توفر‬ ‫القصد اجلرمي فيها وبهذا يستحيل وجودها يف‬ ‫اجلرمية غري العمدية ً‬ ‫فضال عن ذلك ان املساهمة‬ ‫التبعية تتطلب لقيامها توفر االتفاق أو التفاهم‬ ‫السابق بني املساهمني يف اجلرمية وعلى الرغم‬ ‫من ذل��ك ان الشريك يعاقب يف اجلرمية غري‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فاعال‬ ‫شريكا‪ ،‬بل بوصفه‬ ‫العمدية ال بوصفه‬ ‫فيها‪)91(.‬‬ ‫االجتاه الثاني‪:‬‬ ‫ويذهب اىل إق��رار االش�ت�راك يف اجلرمية غري‬ ‫العمدية الن قصرها على اجلرمية العمدية‬ ‫فقط يضيق من نطاق تطبيق أحكام االشرتاك‬ ‫بال سند قانوني إذ ان أحكام املساهمة التبعية مل‬ ‫توجب توفر القصد اجلرمي لدى الشريك جتاه‬ ‫الفعل اإلجرامي الذي ساهم فيه وان كان املشرع‬ ‫قد تطلب العلم يف حالة االشرتاك باملساعدة‪ ،‬إال‬ ‫كاف لقيام القصد اجلرمي‬ ‫ان العلم لوحده غري ٍ‬

‫ما مل تقرتن به اإلرادة وان النصوص القانونية‬ ‫من العموم واإلطالق حبيث ميتنع معها التفرقة‬ ‫ً‬ ‫فضال‬ ‫بني اجلرمية العمدية وغ�ير العمدية‪،‬‬ ‫عن كل ذلك‪ ،‬فانه من غري املقبول ان يتطلب‬ ‫القصد اجلرمي لدى الشريك رغم عدم تطلبه‬ ‫لدى الفاعل(‪ ،)92‬وان اعتبار الشريك ‪ -‬حسب‬ ‫ً‬ ‫فاعال ي��ؤدي اىل إه��دار التمييز‬ ‫ال��رأي األول ‪-‬‬ ‫بني الشريك والفاعل وهذا أمر يأباه املنطق‬ ‫القانوني‪ )93(.‬ومع ذلك فقد تكون املساهمة‬ ‫التبعية يف اجلرائم غري العمدية صعبة التحقق‪.‬‬ ‫أما بالنسبة ملوقف املشرع العراقي‪ ،‬فيالحظ‬ ‫انه استخدم يف الفقرات الثالث من (م‪ )48‬لفظ‬ ‫(ارتكبها)‪ ،‬واالرت��ك��اب ينصرف اىل السلوك‬ ‫والنتيجة ً‬ ‫معا‪ ،‬وهذا يعين ان املشرع العراقي‬ ‫تطلب ص��راح��ة ان��ص��راف اإلرادة اىل الفعل‬ ‫والنتيجة‪ ،‬ويتأكد ذلك من الفقرة الثالثة من‬ ‫املادة املذكورة‪ ،‬إذ أورد املشرع عبارة (أو ساعده‬ ‫عمداً) وهذا يدل على تطلبه القصد اجلرمي‬ ‫لإلشراك‪ ،‬الن العمد يقتضي القصد اجلرمي‪،‬‬ ‫وهذا األخري ال يكون إال يف اجلرائم العمدية ‪)94.‬‬ ‫اخلامتـــة‬ ‫من خالل هذه الدراسة توصلنا اىل مجلة من‬ ‫االستنتاجات من أبرزها‪:‬ـــ‬ ‫‪ -1‬ان تعدد اجلناة يف ارتكاب اجلرمية الواحدة‬ ‫واليت يطلق عليه عبارة املساهمة اجلنائية ال‬ ‫تتحقق إال بارتكاب عدد من اجلناة للجرمية‬ ‫ذاتها وهي تتميز عن اجتماع اجلرائم واليت‬ ‫تعين وحدة اجلاني وتعدد جرائمه‪.‬‬ ‫‪ -2‬تتمثل أرك��ان املساهمة اجلنائية يف تعدد‬


‫اجلناة ووحدة اجلرمية من حيث وحدة ركنيها‬ ‫املادي واملعنوي‪.‬‬ ‫‪ -3‬للمساهمة اجلنائية صورتان تسمى األوىل‬ ‫باملساهمة األصلية حيث يقوم اجلاني بدور‬ ‫رئيس وبارز يف ارتكاب اجلرمية‪ ،‬بينما تسمى‬ ‫الصورة الثانية باملساهمة التبعية واليت يكون‬ ‫ً‬ ‫ثانويا‪.‬‬ ‫دور اجلاني فيها‬ ‫‪ -4‬يتمثل جم��ال تطبيق الفاعل املعنوي يف‬ ‫حالتني هما حالة انتفاء األهلية اجلزائية لدى‬ ‫املنفذ عديم التمييز ويف حالة انتفاء القصد‬ ‫اجلرمي لدى املنفذ حسن النية‪.‬‬ ‫‪ -5‬نص قانون العقوبات العراقي على صور‬ ‫املساهمة التبعية على سبيل احلصر وتتمثل يف‬ ‫التحريض واالتفاق واملساعدة‪.‬‬ ‫‪ -6‬ان ارت��ك��اب اجل��رمي��ة كما تقع ع��ن طريق‬ ‫ً‬ ‫ايضا‬ ‫املساعدة بطريق سليب ميكن ان تقع‬ ‫بطريق سليب(بطريق االمتناع) عند توافر‬ ‫شروطها‪.‬‬

‫اهلوامش واالحاالت‬ ‫(‪ )1‬د‪ .‬اكرم نشأت إبراهيم‪ ،‬األحكام العامة يف‬ ‫قانون العقوبات العراقي‪ ،‬ط‪ ،2‬مطبعة اسـعد‪،‬‬ ‫ب��غ��داد‪ ،1967 ،‬ص‪ ،78‬د‪ .‬ج�لال ث��روت‪ ،‬نظم‬ ‫القسم العام يف قانون العقوبات املصري‪ ،‬منشأة‬ ‫املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1989 ،‬ص‪. 313‬‬ ‫(‪ )2‬د‪ .‬ن��ظ��ام توفيق اجمل��ال��ي‪ ،‬ش��رح قانون‬ ‫العقوبات‪ ،‬الكتاب االول‪ ،‬النظرية العامة‬ ‫للجرمية‪ ،‬دراس��ة حتليلية يف ارك��ان اجلرمية‪،‬‬ ‫ط‪ ،1‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪،1998 ،‬‬ ‫ص‪.353‬‬ ‫(‪ )3‬د‪ .‬حم��م��ود جنيب ح��س�ني‪ ،‬ش��رح قانون‬ ‫العقوبات اللبناني‪ ،‬القسم العام‪ ،‬دار النهضة‬ ‫العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1984 ،‬ص‪ ،548‬د‪ .‬حممد سعيد‬ ‫منور‪ ،‬دراسات يف فقه القانون اجلنائي‪ ،‬ط‪ ،1‬دار‬ ‫الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،2004 ،‬ص ‪.213‬‬ ‫(‪ )4‬حمسن ناجي‪ ،‬االح��ك��ام العامة يف قانون‬ ‫العقوبات‪ ،‬شرح على متون النصوص اجلزائية‪،‬‬ ‫ط‪ ،1‬مطبعة العاني‪ ،‬بغداد‪ ،1974 ،‬ص‪.266‬‬ ‫(‪ )5‬د‪ .‬سامي النصراوي‪ ،‬املبادئ العـامة يف قانون‬ ‫العقوبات‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪ ،1‬مطبعة دار السـالم‪ ،‬بغـداد‪،‬‬ ‫‪ ،1977‬ص‪.254‬‬ ‫(‪ )6‬د‪ .‬ماهر عبد شويش الدرة‪ ،‬االحكام العامة‬ ‫يف قانون العقوبات‪ ،‬دار احلكمة للطباعة والنشر‪،‬‬ ‫املوصل‪ ،1990،‬ص ‪.232 – 231‬‬ ‫(‪ )7‬د‪ .‬حممود جنيب حسين‪ ،‬املساهمة اجلنائية‬ ‫يف التشريعات العربية‪ ،‬ط‪ ،2‬دار النهضة العربية‪،‬‬ ‫القاهرة‪ ،1992 ،‬ص‪.1‬‬ ‫(‪ )8‬د‪ .‬حممد صبحي جنم‪ ،‬قانون العقوبات‪،‬‬ ‫القسم العام‪ ،‬النظرية العامة للجرمية‪ ،‬ط‪ ،1‬دار‬ ‫‪309‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪310‬‬

‫الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،2006 ،‬ص‪.327‬‬ ‫(‪ )9‬د‪ .‬غ��ال��ب علي ال�����داووي‪ ،‬ش��رح قانون‬ ‫العقوبات العراقي‪ ،‬القسم العام‪،‬ط‪،1‬دارالطباعة‬ ‫احلديثة‪ ،‬البصرة‪ ،1968 ،‬ص‪ ،362‬د‪ .‬حممد زكي‬ ‫ابو عامر‪ ،‬قانون العقوبات اللبناني‪ ،‬القسم‬ ‫العام‪ ،‬الدار اجلامعية للطباعة والنشر‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫‪ ،1981‬ص‪.226‬‬ ‫(‪ )10‬د‪ .‬مسري عالية‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪،‬‬ ‫القسم العام(معامله‪ ،‬نطاق تطبيقه‪ ،‬اجلرمية‪،‬‬ ‫املسؤولية‪ ،‬اجلزاء )‪،‬دراسة مقارنة‪ ،‬جمد املؤسسة‬ ‫اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫‪ ،2002‬ص‪.310‬‬ ‫(‪ )11‬السيد حممد حسن شريف‪ ،‬النظرية العامة‬ ‫لإلثبات اجلنائي‪ ،‬دراس��ة مقارنة‪ ،‬أطروحة‬ ‫دكتوراه‪ ،‬كلية احلقوق‪ ،‬جامعة القاهرة‪،2002 ،‬‬ ‫ص‪.544‬‬ ‫(‪ )12‬د‪ .‬حممود جنيب حسين‪ ،‬املساهمة اجلنائية‬ ‫يف التشريعات العربية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.3-2‬‬ ‫(‪ )13‬د‪ .‬مجال عبد اجمليد الرتكي‪ ،‬املساهمة‬ ‫التبعية يف قانون العقوبات‪ ،‬دراس��ة حتليلية‬ ‫ن��ق��دي��ة‪ ،‬ط‪ ،1‬امل��ك��ت��ب اجل��ام��ع��ي احل��دي��ث‪،‬‬ ‫اإلسكندرية‪ ،2006 ،‬ص‪.41‬‬ ‫(‪ )14‬د‪ .‬مسرية عالية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.311‬‬ ‫(‪ )15‬د‪ .‬حممود جنيب حسين‪ ،‬قانون العقوبات‪،‬‬ ‫القسم العام‪ ،‬النظرية العامة للجرمية‪ ،‬دار‬ ‫النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1962 ،‬ص ‪.434-433‬‬ ‫(‪ )16‬د‪ .‬ج�ل�ال ث����روت‪ ،‬ال��ن��ظ��ري��ة العامة‬ ‫لقانون العقوبات‪ ،‬مؤسسة الثقافة اجلامعية‪،‬‬ ‫اإلسكندرية‪ ،‬ب‪.‬ت‪ .‬تاريخ النشر‪ ،‬ص‪.346‬‬ ‫(‪ )17‬د‪ .‬حممود جنيب حسين‪ ،‬املساهمة اجلنائية‬ ‫يف التشريعات العربية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.20-19‬‬

‫(‪ )18‬د‪ .‬علي حسني اخللف‪ ،‬الوسيط يف شرح‬ ‫ق��ان��ون العقوبات‪ ،‬النظرية العامة‪ ،‬دراس��ة‬ ‫نظرية وتطبيقية يف القانون العراقي والقانون‬ ‫املقارن‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪ ،1‬مطبعة الزهراء‪ ،‬بغداد‪،1968 ،‬‬ ‫ص‪ ،553‬د‪ .‬حممد علي السامل عياد احلليب‪ ،‬شرح‬ ‫قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬دار الثقافة للنشر‬ ‫والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،1997 ،‬ص‪.273‬‬ ‫(‪ )19‬د‪ .‬علي عبد القادر القهوجي‪ ،‬شرح قانون‬ ‫العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬منشورات‬ ‫احلليب احلقوقية‪ ،‬بريوت‪ ،2008 ،‬ص‪.466‬‬ ‫(‪ )20‬د‪ .‬كامل السعيد‪ ،‬شرح األحكام العامة‬ ‫يف قانون العقوبات‪ ،‬دراس��ة مقارنة‪ ،‬ط‪ ،1‬دار‬ ‫الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،2009 ،‬ص‪.352‬‬ ‫(‪ )21‬د‪ .‬واثبة داود السعدي‪ ،‬الوجيز يف شرح‬ ‫قانون العقوبات األردني‪ ،‬القسم العام‪ ،‬النظرية‬ ‫العامة للجرمية وال��ع��ق��اب‪ ،‬مؤسسة مح��ادة‬ ‫اجلامعية للنشر والتوزيع‪ ،‬أربد‪ ،2000 ،‬ص‪-128‬‬ ‫‪.129‬‬ ‫(‪ )22‬د‪ .‬حسني بين عيسى و د‪ .‬خلدون قندح‬ ‫و د‪ .‬علي طوالبة‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم‬ ‫ال��ع��ام‪ ،‬االش�ت�راك اجل��رم��ي والنظرية العامة‬ ‫للجزاء‪ ،‬ط‪ ،1‬دار وائل للطباعة والنشر‪ ،‬عمان‪،‬‬ ‫‪ ،2002‬ص‪.13‬‬ ‫(‪ )23‬د‪ .‬ماهر عبد شويش الدرة‪ ،‬األحكام العامة‬ ‫يف قانون العقوبات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.234‬‬ ‫(‪ )24‬د‪ .‬عبود السراج‪ ،‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم‬ ‫العام‪ ،‬ط‪ ،9‬منشورات جامعة دمشق‪ ،‬دمشق‪،‬‬ ‫‪ ،1999 – 1998‬ص‪ ،261‬د‪ .‬سليمان عبد املنعم‪،‬‬ ‫النظرية العامة لقانون العقوبات‪ ،‬دراس��ة‬ ‫مقارنة‪ ،‬منشورات احلليب احلقوقية‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫‪ ،2003‬ص‪.637‬‬


‫(‪ )25‬د‪ .‬رؤوف عبيـد‪ ،‬مبـادئ القسـم العـام‬ ‫مـن التشـريع العقـابي‪ ،‬ط‪ ،4‬دار الفكـر العـربي‪،‬‬ ‫القاهـرة‪ ،1979 ،‬ص‪.413‬‬ ‫(‪ )26‬د‪ .‬نظام توفيق اجمل��ال��ي‪ ،‬ش��رح قانون‬ ‫العقوبات‪ ،‬القسم ال��ع��ام‪ ،‬دراس��ة حتليلية يف‬ ‫النظرية العامة للجرمية واملسؤولية اجلزائية‪،‬‬ ‫ط‪ ،1‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪،2005 ،‬‬ ‫ص‪ ،282‬د‪ .‬حممود جنيب حسين‪ ،‬املساهمة‬ ‫اجلنائية يف التشريعات العربية‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫ص‪.27‬‬ ‫(‪ )27‬د‪ .‬عبد احلميد ال��ش��وارب��ي‪ ،‬التعليق‬ ‫املوضوعي على قانون العقوبات‪ ،‬الكتاب األول‪،‬‬ ‫األحكام العامة لقانون العقوبات يف ضوء الفقه‬ ‫والقضاء‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪،2003 ،‬‬ ‫ص‪.220 – 219‬‬ ‫(‪ )28‬د‪ .‬علي حسني اخل��ل��ف‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫ص‪.554‬‬ ‫(‪ )29‬د‪ .‬علي عبد القادر القهوجي‪ ،‬شرح قانون‬ ‫العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.472‬‬ ‫(‪ )30‬د‪ .‬كامل السعيد‪ ،‬شرح األحكام العامة يف‬ ‫قانون العقوبات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪،357-356‬‬ ‫د‪ .‬نظام توفيق اجملالي‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪،‬‬ ‫القسم العام‪ ،‬دراسة حتليلية يف النظرية العامة‬ ‫للجرمية واملسؤولية اجلزائية‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫ص‪.283‬‬ ‫(‪ )31‬د‪ .‬علي حسني اخل��ل��ف‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫ص‪.726-725‬‬ ‫(‪ )32‬د‪ .‬حممود جنيب حسين‪ ،‬املساهمة اجلنائية‬ ‫يف التشريعات العربية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.33‬‬ ‫(‪ )33‬د‪ .‬جالل ثروت‪ ،‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم‬ ‫العام‪ ،‬الدار اجلامعية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ب‪.‬ت‪ .‬تاريخ النشر‪،‬‬

‫ص‪ ،200‬د‪ .‬ذنون امحد‪ ،‬شرح قانون العقوبات‬ ‫العراقي‪ ،‬األحكام العامة‪ ،‬دراسة مقارنة‪،‬ج‪،1‬ط‪،1‬‬ ‫مطبعة النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1977 ،‬ص‪.148‬‬ ‫(‪ )34‬د‪ .‬اكرم نشأت إبراهيم‪ ،‬القواعد العامة يف‬ ‫قانون العقوبات املقارن‪ ،‬ط‪ ،1‬مطبعة الفتيان‪،‬‬ ‫بغداد‪ ،1970 ،‬ص‪.207-206‬‬ ‫(‪ )35‬د‪ .‬محيد السعدي‪ ،‬شرح قانون العقوبات‬ ‫اجل��دي��د‪ ،‬دراس���ة حتليلية م��ق��ارن��ة‪ ،‬مطبعة‬ ‫املعارف‪ ،‬بغداد‪ ،1970 ،‬ص‪.199‬‬ ‫(‪ )36‬د‪ .‬رمسيس بهنام‪ ،‬النظرية العامة للقانون‬ ‫اجلنائي‪ ،‬ط‪ ،3‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪،1997 ،‬‬ ‫ص‪.763‬‬ ‫(‪ )37‬د‪ .‬عباس احلسين‪ ،‬شرح قانون العقوبات‬ ‫اجلديد‪ ،‬مطبعة األزه��ر‪ ،‬بغداد‪،1970-1969 ،‬‬ ‫ص‪.144‬‬ ‫(‪ )38‬د‪ .‬علي حسني اخللف ود‪ .‬سلطان عبد‬ ‫القادر الشاوي‪ ،‬املبادئ العامة يف قانون العقوبات‪،‬‬ ‫ب‪.‬ت‪ .‬مكان النشر‪ ،1982 ،‬ص‪.192‬‬ ‫(‪ )39‬تطلق املادة ‪ 76‬عقوبات اردني اسم الشريك‬ ‫على «الفاعل مع الغري» د‪ .‬حممد صبحي جنم‪،‬‬ ‫قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫ص‪ ،328‬وكذلك امل��ادة ‪ 212‬عقوبات لبناني‪،‬‬ ‫د‪ .‬طه زاك��ي ص��ايف‪ ،‬املبادئ األساسية لقانون‬ ‫العقوبات اللبناني‪ ،‬القسم العام‪ ،‬ط‪ ،1‬املؤسسة‬ ‫احلديثة للكتاب‪ ،‬طرابلس‪ ،1993 ،‬ص‪. 173‬‬ ‫(‪ )40‬د‪ .‬ماهر عبد شويش الدرة‪ ،‬األحكام العامة‬ ‫يف قانون العقوبات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪،248–247‬‬ ‫د‪ .‬علي حسني اخللف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.587‬‬ ‫(‪ )41‬د‪ .‬ضاري خليل حممود‪ ،‬الوجيز يف شرح‬ ‫قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬ب‪.‬ت‪ .‬مكان‬ ‫وت��اري��خ النشر‪ ،‬ص‪ ،88‬د‪ .‬مصطفى كامل‪،‬‬ ‫‪311‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪312‬‬

‫شرح قانون العقوبات العراقي‪ ،‬القسم العام يف‬ ‫اجلرمية والعقاب‪،‬ط‪ ،1‬مطبعة املعارف‪ ،‬بغداد‪،‬‬ ‫‪ ،1929‬ص‪.133‬‬ ‫(‪ )42‬د‪ .‬علي حسني اخللف ود‪ .‬سلطان عبد‬ ‫القادر الشاوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.195-194‬‬ ‫(‪ )43‬د‪ .‬حممود داوود يعقوب‪ ،‬املسؤولية يف‬ ‫القانون اجلنائي االقتصادي‪ ،‬دراس��ة مقارنة‬ ‫بني القوانني العربية والقانون الفرنسي‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫منشورات احلليب احلقوقية‪ ،‬ب�يروت‪،2008 ،‬‬ ‫ص‪.424‬‬ ‫(‪ )44‬د‪ .‬جالل ثروت‪ ،‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم‬ ‫العام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.204-203‬‬ ‫(‪ )45‬د‪ .‬مسري عالية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.318‬‬ ‫(‪ )46‬عبد الستار البزركان‪ ،‬قانون العقوبات‪،‬‬ ‫القسم العام بني التشريع والفقه والقضاء‪،‬‬ ‫ب‪.‬ت‪ .‬مكان وتاريخ النشر‪ ،‬ص‪.295‬‬ ‫(‪ )47‬د‪ .‬رمسيس بهنام‪ ،‬النظرية العامة للقانون‬ ‫اجلنائي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪. 792‬‬ ‫(‪ )48‬د‪ .‬مصطفى العوجي‪ ،‬القانون اجلنائي‬ ‫العام‪ ،‬املسؤولية اجلنائية‪ ،‬ج‪ ،2‬ط‪ ،2‬ب‪.‬ت ‪ .‬مكـان‬ ‫النشـر‪ ،1992 ،‬ص‪.133‬‬ ‫(‪ )49‬د‪ .‬حممد عبد اجلليل احلديثي‪ ،‬جرائم‬ ‫التحريض وصورها املاسة بأمن الدولة اخلارجي‬ ‫ً‬ ‫وفقا للتشريع العراقي املقارن‪ ،‬ب‪.‬ت ‪ .‬مكان‬ ‫وتاريخ النشر‪ ،‬ص‪.75‬‬ ‫(‪ )50‬نسرين عبد احلميد نبيه‪ ،‬اجملرم املعنوي‪،‬‬ ‫منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2007 ،‬ص ‪. 85‬‬ ‫(‪ )51‬د‪ .‬رؤوف عبيد‪ ،‬مبادئ القسم العام من‬ ‫التشريع العقابي‪ ،‬ط‪ ،4‬دار الفكر العربي‪،‬‬ ‫القاهرة‪ ،1979 ،‬ص ‪.4359-434‬‬ ‫(‪ )52‬د‪ .‬حممد زكي ابو عامر‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬

‫ص‪ ،275-274‬د‪ .‬حممود جنيب حسين‪ ،‬شرح‬ ‫قانون العقوبات اللبناني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-575‬‬ ‫‪. 577‬‬ ‫(‪ )53‬د‪ .‬ماهر عبد شويش الدرة‪ ،‬األحكام العامة‬ ‫يف قانون العقوبات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.254-253‬‬ ‫(‪ )54‬د‪ .‬غالب علي ال���داوودي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫ص‪.389‬‬ ‫(‪ )55‬د‪ .‬ماهر عبد شويش الدرة‪ ،‬األحكام العامة‬ ‫يف قانون العقوبات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.260-259‬‬ ‫(‪ )56‬د‪ .‬حممد زكي ابو عامر‪ ،‬قانون العقوبات‪،‬‬ ‫القسم العام‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬ ‫‪ ،2007‬ص‪.388‬‬ ‫(‪ )57‬د‪ .‬علي عبد القادر القهوجي‪ ،‬شرح قانون‬ ‫العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-533‬‬ ‫‪.534‬‬ ‫(‪ )58‬د‪ .‬حممد رشاد أبو عرام‪ ،‬املساعدة كوسيلة‬ ‫للمساهمة التبعية يف اجلرمية‪ ،‬دراسة مقارنة‪،‬‬ ‫ط‪ ،1‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،2003 ،‬ص‬ ‫‪. 300-298‬‬ ‫(‪ )59‬د‪ .‬حسام حممد سامي جابر‪ ،‬املساهمة‬ ‫التبعية يف القانون اجلنائي‪ ،‬دار الكتب القانونية‪،‬‬ ‫القاهرة‪،2009 ،‬ص‪.182-181‬‬ ‫(‪ )60‬د‪ .‬علي حسني اخللف‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫ص‪.670‬‬ ‫(‪ )61‬د‪ .‬سعد إبراهيم األعظمي‪ ،‬موسوعة‬ ‫مصطلحات القانون اجلنائي‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪ ،1‬دار‬ ‫الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪ ،2002 ،‬ص‪.80‬‬ ‫(‪ )62‬د‪ .‬حسام حممد سامي جابر‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫ص ‪. 186‬‬ ‫(‪ )63‬د‪ .‬علي حسني اخللف ود‪ .‬سلطان عبد‬ ‫القادر الشاوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.212‬‬


‫(‪ )64‬د‪ .‬حسام حممد سامي جابر‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫ص‪.216-215‬‬ ‫(‪ )65‬جندي عبد امللك‪ ،‬املوسوعة اجلنائية‪ ،‬ج‪،1‬‬ ‫ط‪ ،1‬مكتبة العلم للجميع‪ ،‬بريوت‪ -‬القاهرة‪2004 ،‬‬ ‫– ‪ ،2005‬ص‪.712‬‬ ‫(‪ )66‬د‪ .‬حممود جنيب حسين‪ ،‬املساهمة اجلنائية‬ ‫يف التشريعات العربية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.296‬‬ ‫(‪ )67‬د‪ .‬حممد زكي ابو عامر‪ ،‬قانون العقوبات‪،‬‬ ‫القسم العام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.397-396‬‬ ‫(‪ )68‬د‪ .‬حممود حممود مصطفى‪ ،‬شرح قانون‬ ‫العقوبات‪ ،‬القسم العام‪،‬ط‪ ،6‬دار ومطابع الشعب‪،‬‬ ‫بغداد‪،1964 ،‬ص‪.299-298‬‬ ‫(‪ )69‬عبد الستار الربزكان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.355‬‬ ‫(‪ )70‬د‪ .‬حممود جنيب حسين‪ ،‬املساهمة اجلنائية‬ ‫يف التشريعات العربية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.295‬‬ ‫(‪ )71‬د‪ .‬عوض حممد‪ ،‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم‬ ‫العام‪ ،‬مؤسسة الثقافة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬ ‫‪ ،1983‬ص‪.372‬‬ ‫(‪ )72‬د‪ .‬مدحت حممد عبد العزيز إبراهيم‪،‬‬ ‫املسؤولية اجلنائية لالشرتاك باملساعدة‪ ،‬دراسة‬ ‫مقارنة بني التشريعني املصري والفرنسي‪ ،‬ط‪،2‬‬ ‫دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،2007 ،‬ص‪.52-45‬‬ ‫(‪ )73‬د‪ .‬حممود جنيب حسين‪ ،‬املساهمة اجلنائية‬ ‫يف التشريعات العربية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪-306‬‬ ‫‪. 307‬‬ ‫(‪ )74‬د‪ .‬حممد رشاد أبو ع��رام‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫ص‪. 629-612‬‬ ‫(‪ )75‬د‪ .‬رؤوف عبيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ ،461‬عبد‬ ‫الستار البزركان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.362‬‬ ‫(‪ )76‬د‪ .‬مدحت حممد عبد العزيز إبراهيم‪،‬‬ ‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪.19‬‬

‫(‪ )77‬حممد رشاد أبو عرام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬ ‫‪. 586-584‬‬ ‫(‪ )78‬د‪ .‬حممد زكي ابو عامر‪ ،‬قانون العقوبات‪،‬‬ ‫القسم العام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.400-399‬‬ ‫(‪ )79‬د‪ .‬علي حسني اخللف و د‪ .‬سلطان عبد‬ ‫القادر الشاوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ ،221-220‬د‪.‬‬ ‫محيد السعدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.214‬‬ ‫‪(80) Garson: code panal annote‬‬ ‫‪1952، art 60، no 27 .‬‬ ‫‪Bouzat et pinatel، I. no . 781، p.‬‬ ‫‪609 .‬‬ ‫ً‬ ‫نقال عن‪ :‬د‪ .‬حممود جنيب حسين‪ ،‬املساهمة‬ ‫اجلنائية يف التشريعات العربية‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫ص ‪. 338‬‬ ‫(‪ )81‬د‪ .‬غالب علي ال���داوودي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫ص‪. 397‬‬ ‫‪(82) Combaldieu: le problem de‬‬ ‫‪la tentative de complicite، revue‬‬ ‫‪sc.crim 1959. P. 454.‬‬ ‫ً‬ ‫نقال ع��ن‪ :‬حسام حممد سامي جابر‪ ،‬مرجع‬ ‫سابق‪ ،‬ص ‪. 289‬‬ ‫(‪ )83‬د‪ .‬ذن��ون امح��د‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪،175‬‬ ‫د‪.‬عوض حممد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ ،383‬د‪.‬علي‬ ‫حسني اخللف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.699‬‬ ‫(‪ )84‬د‪ .‬حممود جنيب حسين‪ ،‬املساهمة اجلنائية‬ ‫يف التشريعات العربية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-343‬‬ ‫‪.344‬‬ ‫(‪ )85‬د‪ .‬حسام حممد سامي جابر‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫ص ‪. 297-294‬‬ ‫(‪ )86‬د‪ .‬فخري عبد ال��رزاق صليب احلديثي‪،‬‬ ‫شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬مطبعة‬ ‫‪313‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪314‬‬

‫الزمان‪ ،‬بغداد‪،1992،‬ص‪.252-251‬‬ ‫(‪ )87‬د‪ .‬ماهر عبد شويش الدرة‪ ،‬األحكام العامة‬ ‫يف قانون العقوبات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.278‬‬ ‫(‪ )88‬د‪ .‬علي حسني اخللف ود‪ .‬سلطان عبد‬ ‫القادر الشاوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.224-223‬‬ ‫(‪ )89‬من التشريعات العقابية اليت نصت على‬ ‫مسؤولية الشريك عن اجلرمية املرتكبة واليت‬ ‫مل يشملها قصده (النتيجة احملتملة)‪ ،‬كل من‬ ‫قانون العقوبات املصري(م‪ )43‬واللييب(م‪)103‬‬ ‫واجلزاء الكوييت(م‪ ،)53‬وختتلف هذه التشريعات‬ ‫العقابية عن القانون العراقي(م‪ )53‬يف ان األخري‬ ‫نص على مسؤولية مجيع املساهمني(الفاعلني‬ ‫وال��ش��رك��اء) ع��ن النتيجة احملتملة خبالف‬ ‫التشريعات العقابية امل��ذك��ورة ال�تي قصرت‬ ‫املساءلة على الشريك دون الفاعل مع غريه‬ ‫‪ .‬بينما مل تنص التشريعات العقابية لكل‬ ‫من(لبنان‪ ،‬سوريا‪ ،‬األردن‪ ،‬املغرب) على حكم‬ ‫النتيجة احملتملة ‪.‬‬ ‫(‪ )90‬د‪ .‬حممود جنيب حسين‪ ،‬املساهمة اجلنائية‬ ‫يف التشريعات العربية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ ،474‬د‪.‬‬ ‫حممد رشاد أبو عرام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.419-418‬‬ ‫(‪ )91‬د‪ .‬سامي النصراوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪،277‬‬ ‫د‪ .‬مصطفى العوجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.188‬‬ ‫(‪ )92‬د‪ .‬عبد الفتاح مصطفى الصيفي‪ ،‬االشرتاك‬ ‫بالتحريض ووض��ع��ه م��ن النظرية العامة‬ ‫للمساهمة اجلنائية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار النهضة‬ ‫العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ب‪.‬ت‪ .‬تاريخ النشر‪ ،‬ص‪-269‬‬ ‫‪ ،272‬د‪ .‬جالل ثروت‪ ،‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم‬ ‫العام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.213‬‬ ‫(‪ )93‬د‪ .‬م��أم��ون حممـد س�لام��ـ��ة‪ ،‬قانـون‬ ‫العقـوبـات‪ ،‬القسـم العـام‪ ،‬مطبعـة جامعـة‬

‫القاهــرة‪ ،‬القاهــرة‪ ،1991-1990،‬ص‪.481‬‬ ‫(‪ )94‬د‪ .‬فخري عبد ال��رزاق صليب احلديثي‪،‬‬ ‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 254‬‬


‫دراسات فلسفية‬

‫‪315‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪316‬‬

‫مشكلة النفس اإلنسانية عند افلوطني‬

‫مسلم حسن محمد‬


‫املقدمة‬ ‫ميكن القول أن البحث يف أية مشكلة فلسفية‬ ‫عند أفلوطني إمن��ا ه��و يف ح��د ذات��ه حبثا يف‬ ‫نقطة فاصلة يف تاريخ الفكر الفلسفي‪ ،‬حيث أن‬ ‫أفلوطني ميثل النقطة ألفاصلة بني عصرين‪،‬‬ ‫عصر الفلسفة اإلغريقية والفلسفة األوربية‬ ‫يف العصر الوسيط‪ ،‬ليس هذا فحسب‪ ،‬بل ميثل‬ ‫حالة فريدة يف اندماج الفكر الفلسفي العقلي‬ ‫بالدين وذل��ك بعد ظهور الديانة املسيحية‬ ‫وقبلها الديانة اليهودية األق��ل ت��أث�يرا على‬ ‫مسار الفكر عند أفلوطني والفالسفة عمومآ‬ ‫وب��ذل��ك مي��ك��ن م�لاح��ظ��ة أك��ث��ر م��ن ت��ي��ار يف‬ ‫فلسفته كاالورفية والفيثاغورية واالفالطونية‬ ‫والدينية والصوفية فضال عن العقائد الشرقية‪،‬‬ ‫وهذا ما انعكس على منهجه الفلسفي وأسلوبه‬ ‫يف ألتدوين الفلسفي ذات الطابع الغامض‪.‬‬ ‫نتناول يف ه��ذا البحث‪ ،‬مشكلة فلسفية‬ ‫عند أفلوطني‪ ،‬وميكن أعتبارها مشكلة أبدية‬ ‫يف تاريخ الفكر الفلسفي وقد حاول الفالسفة‬ ‫قبل افلوطني إعطاء معاجلة دقيقة للمشكلة أذ‬ ‫تباين اآلراء واألفكار حوهلا‪ ،‬اىل أن جاء سقراط‬ ‫وحبث فلسفيأ يف املشكلة ويبدو كان ذلك تلبية‬ ‫لدعوة الرقيم الدلفوي(أعرف نفسك)‪ ،‬وحاول‬ ‫ربط املشكلة باجلانب األبستمولوجيا ومن ثم‬ ‫باجلانب األخالقي عند اإلنسان على اعتبار‬ ‫أن العلم فضيلة و الالعلم رذيلة‪ ،‬ه��ذا وقد‬ ‫طور أفالطون الرؤية السقراطية فيما يتعلق‬ ‫باملشكلة واعترب النفس اجلوهر اخلالد واألساس‬ ‫لتحديد اجلانب النظري والعملي لإلنسان كذلك‬ ‫تكوينه االجتماعي والسياسي‪ ،‬ومن ثم أصبحت‬

‫أملشكلة تتميز بطابع مستقل يف فلسفة أفلوطني‬ ‫دون أن يكون منعزأل عن الوجود وعن العامل‬ ‫ومن ذلك جعله حلقة الوصل واتصال بالوجود‬ ‫الالحمسوس والوجود احملسوس‪ ،‬فمن خالهلا‬ ‫ميكن فهم العاملني؛ عامل املوجودات من حيث‬ ‫القابلية لالنقسام وأخرى ليس من طبيعتها‬ ‫االنقسام‪ ،‬فالنفس جتمع بني الطبيعتني‪.‬‬ ‫لقد تتبعنا املنهج التحليلي والتارخيي مع إشارة‬ ‫اىل أوجه املقارنة للفالسفة السابقني والالحقني‬ ‫الفلوطني من أجل إعطاء صورة أمشل ومعاجلة‬ ‫أدق للمشكلة وك��ان هدفنا من دراستنا بيان‬ ‫اجلانب التارخيي للمشكلة وأهميتها يف فلسفة‬ ‫افلوطني واثر النفس اإلنسانية على اجلانب‬ ‫أخللقي واملعريف لإلنسان‪.‬‬ ‫هذا وقد توزع حبثنا اىل مباحث ثالث‪ ،‬تناولنا‬ ‫يف املبحث األول‪ ،‬النفس؛ طبيعتها وماهيتها‬ ‫وقد قسمنا املبحث اىل مطلبني‪ ،‬ففي املطلب‬ ‫تناولنا تعريف النفس عند الفالسفة السابقني‬ ‫ألفلوطني‪ ،‬أذ كان االختالف واضحآ يف ألرؤى‬ ‫حول النفس أالنسانية وذلك ألن طبيعة املشكلة‬ ‫ولكون أملوضوع خ��ارج ع��امل االختبار‪ ،‬فكان‬ ‫من غري ألسهل ألبت بتعريف جامع مانع حول‬ ‫ألنفس‪ ،‬كما تناولنا يف املطلب الثاني طبيعة‬ ‫النفس وماهيتها عند أفلوطني‪ ،‬ومل��ا كانت‬ ‫النفس جتمع يف طبيعتها بني عاملني فال بد من‬ ‫أن تتعلق بها إشكالية كيفية اهلبوط وعالقتها‬ ‫بالبدن‪ ،‬اذ تناولنا يف املطلب النفس الكلية‬ ‫واجلزئية يف حني تناولنا يف املطلب الثاني‬ ‫كيفية العالقة القائمة بني النفس والبدن‪ ،‬اما‬ ‫املبحث الثالث فبحثنا من خالهلا قوى النفس‬ ‫ومصريها‪ ،‬فمن حيث القوى تطرقنا اىل قوى‬ ‫‪317‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪318‬‬

‫الذاكرة واالنفعال وإلحساس وكذلك تناولنا‬ ‫مصري النفس بعد انفصاهلا عن البدن‪ ،‬فضال‬ ‫عن خالصة بالنتائج التى توصلنا اليها من‬ ‫خالل دراستنا‪.‬‬ ‫ ‬ ‫املبحث األول‬ ‫النفس‪ ،‬طبيعتها وماهيتها‬ ‫املطلب األول‪ :‬تعريف النفس‬ ‫أسم النفس يقع باالشرتاك على معاني‬ ‫كثرية‪،‬مثل اجلسد‪ ،‬وشخص اإلنسان‪ ،‬وذات الشيء‬ ‫واإلرادة‪ ،‬فوصف النفس على حقيقتها صعب‬ ‫جداً‪ ،‬والدليل على ذلك أن هلا عند الفالسفة‬ ‫تعريفات خمتلفة والنفس مبدأ احلياة‪ ،‬أو مبدأ‬ ‫الفكر‪ ،‬أو مبدأ احلياة والفكر ً‬ ‫معا (‪.)1‬‬ ‫وه��ي حقيقة متميزة عن البدن وأن كانت‬ ‫متصلة به‪ ،‬كما أن النفس مبدأ األخالق‪ ،‬ألن ال‬ ‫وجدان وال أرادة وال عزم ملن ال نفس له‪ ،‬وعلى‬ ‫قدر ما تكون النفس أقوى وأعظم وأكمل تكون‬ ‫أخالق صاحبها أثبت وأعز وأفضل‪ ،‬والنفس‬ ‫والروح لفظان مرتادفان‪ّ ،‬‬ ‫إال أن بعض الفالسفة‬ ‫يفرق بينهما‪ ، ،‬بقوله أن معنى النفس يتضمن‬ ‫معنى اجلوهرية الفردية وأن مفهومها أغنى من‬ ‫مفهوم الروح‪ ،‬وأن جماهلا أوسع من جمال الشعور‪،‬‬ ‫إال أن بعضهم اآلخ��ر يقول أن ال��روح قسمان‪،‬‬ ‫روح حيواني ينبث يف شرايني البدن من القلب‪،‬‬ ‫فيفعل احلياة‪ ،‬وروح نفساني‪ ،‬ينبث من الدماغ‬ ‫يف األع��ص��اب فيفعل احل��س واحل��رك��ة والفكر‬ ‫والذكر والروية (‪. )2‬‬

‫والنفس أسم مشرتك يقع على معنى يشرتك‬ ‫فيه اإلنسان واحليوان والنبات‪ ،‬وعلى معنى‬ ‫يشرتك فيه اإلنسان واملالئكة يف املعنى األول‪،‬‬ ‫انه كمال جسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة‬ ‫‪ )3(.‬وحد النفس باملعنى اآلخر‪ ،‬انه جوهر غري‬ ‫جسم‪ ،‬هو كمال حمرك له باالختيار عن مبدأ‬ ‫نطقي‪ ،‬أي عقلي بالفعل أو بالقوة‪ ،‬والذي بالقوة‬ ‫هو فصل النفس اإلنسانية والذي بالفعل هو‬ ‫أفضل أو خاصة للنفس املالئكية ‪)4( .‬‬ ‫هذا وقد ذهب بعض الفالسفة إىل أن النفس‬ ‫مادية (ن��ار‪ ،‬ه��واء‪ ،‬أو مزيج مركب) وآخرون‬ ‫ذكروا بإنهاء ال مادية‪ ،‬ووصفوها بشتى األوصاف‪،‬‬ ‫فقد ذك��ر طاليس املالطي (‪546_624‬ق‪.‬م)‬ ‫بان(العامل حافل باآلهلة)‪ ،‬وقد فسر أرسطو‬ ‫طاليس هذا القول ً‬ ‫قائال ويغلب‪ ،‬أن يكون معناه‬ ‫انه حافل بالنفوس‪ ،‬أي إن كل فعل إمنا هو من‬ ‫النفس‪ ،‬وان النفس منبثة يف العامل‪ )5(.‬يف حني‬ ‫اعترب هريفليطس (‪ 475 – 540‬ق ‪ .‬م )‪ ،‬أن للنفس‬ ‫قانونها أو عقلها الكلي‪ ،‬الذي يزيدها‪ ،‬أي ينميها‬ ‫وفق احتياجاتها‪ )6( ،‬وجند معنى آخر للنفس‬ ‫عند الفيثاغوريني فحواها أن النفس هي املبدأ‬ ‫الذي تتحرك به ال��ذرات‪ ،‬حبيث تكون النفس‬ ‫عندهم مبدأ أو علة توافق األض��داد يف البدن‬ ‫ً‬ ‫مجيعا ‪)7( .‬‬ ‫وعلة حركتها‬ ‫وميكن القول أن سقراط(‪399_470‬ق‪.‬م) أول‬ ‫ً‬ ‫فيلسوف حبث ً‬ ‫دقيقا يف معنى النفس‪ ،‬إذ‬ ‫حبثا‬ ‫أعطى سقراط للرقيم اللغوي (اعرف نفسك‬ ‫ً‬ ‫تأويال بالنسبة لسقراط حنو تزكية‬ ‫بنفسك)‪،‬‬ ‫اإلحساس بطاقاته وإمكانياته الستدراك فائدة‬ ‫احلكم املوضوعي املستند إليه هو ذاته‪ ،‬فاإلنسان‬ ‫الذي يعرف نفسه يعرف ما هو مفيد له‪ ،‬فقد‬


‫ً‬ ‫أخذت معنى النفس عند سقراط بعداً‬ ‫أخالقيا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫(عمليا ) أكثر مما هي بعداً‬ ‫نظريا ‪)8( .‬‬ ‫هذا وجند أن (أفالطون ) حيد النفس بأنها‬ ‫ً‬ ‫وأحيانا حيدها بأنها مبدأ احلياة‪،‬‬ ‫فكر جمرد‪،‬‬ ‫واحلركة للجسم‪ ،‬ففي حماورة (اجلمهورية)‪ ،‬يرد‬ ‫األفعال النفسية إىل ثالثة‪ ،‬املدركة‪ ،‬والشهوانية‪،‬‬ ‫يتوسطهما الغضبية‪ )9( ،‬وجتدر اإلشارة إىل أن‬ ‫رؤية أفالطون حول مشكلة النفس ال ختلو من‬ ‫غموض‪ ،‬إذ نراه يف حماورة اجلمهورية يؤكد على‬ ‫خلود النفس ومقتصراً على اجلانب العقالني‪،‬‬ ‫أم��ا يف حم���اورة مينون‪ ،‬فيؤكد على اجلانب‬ ‫األخالقي وهي الغالبة على احمل��اورة‪ )10( ،‬أما‬ ‫أرسطوطاليس(‪322_384‬ق‪.‬م)‪ ،‬فيعرف النفس‬ ‫على انه كمال أول جلسم طبيعي إلي ذو حياة‬ ‫بالقوة‪)11(.‬‬ ‫فمن خالل ما تقدم جند أن اختالفا يف الرؤى‬ ‫حول النفس اإلنسانية‪ ،‬إذ أن طبيعة املشكلة‬ ‫واملوضوع ولكونها حبث يف شيء خ��ارج نطاق‬ ‫التجارب‪ ،‬وإنها قد تتعلق أكثر بالشعور والدوافع‬ ‫واالنفعاالت‪ ،‬فمن الصعب البت برأي حمدد حول‬ ‫حد النفس ‪.‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬طبيعة النفس وماهيتها عند‬ ‫أفلوطني‬ ‫يصنف أفلوطني_‪( plotinus‬حنو‪270_205‬‬ ‫م)* امل��وج��ودات من حيث القابلية لالنقسام‬ ‫إىل موجودات من طبيعتها أن تكون منقسمة‬ ‫وأخرى ليس من طبيعتها أن تقبل االنقسام‪،‬‬ ‫وثالثة جتمع بني الطبيعتني‪ ،‬ومن قبيل النوع‬ ‫األول أي القابل لالنقسام بطبيعته‪ ،‬احلجوم‬

‫احلسية‪ ،‬والكتل املادية‪ ،‬أما النوع الثاني والذي‬ ‫ال يقبل االنقسام على اإلط�لاق فمن أمثلته‬ ‫األفكار العقلية واليت ال توجد يف حمل‪ ،‬وهناك‬ ‫ماهية ثالثة جتمع بني الطبيعتني وتتمثل يف‬ ‫(النفس)‪ ،‬فالنفس منقسمة وال منقسمة يف‬ ‫نفس أالن‪ ،‬وبهذا الشأن يقول أفلوطني «أن الذات‬ ‫ً‬ ‫حقا إمنا تكون يف العامل الروحاني و»الروح» **‪،‬‬ ‫ً‬ ‫نفوسا أيضا‪،‬‬ ‫أفضل شيء يف هذا العامل وان فيه‬ ‫منه ج��اءت إىل عاملنا‪ ،‬لكن النفوس يف العامل‬ ‫الروحاني ليس هلن أبدان أما يف هذا العامل فان‬ ‫هلن أبدانا‪ ،‬وأنهن موزعات على األبدان والروح‬ ‫كله هنالك‪ ،‬دفعة واحدة ال متييز فيه وال جتزؤ‬ ‫كما أن النفس (أو النفوس) كلها يف عامل واحد‬ ‫ليس ً‬ ‫قائما يف البعد املكاني‪ ،‬أما الروح فال سبيل‬ ‫للتمييز وال للتجزؤ إليه أبداً‪ ،‬وأما النفس‪ ،‬فال‬ ‫متييز فيها هنالك وال جتزؤ ولكنها قابلة للتجزؤ‬ ‫ً‬ ‫طبقا‪ ،‬ويتم جتزؤها بانسحابها من العامل‬ ‫الروحاني وبكونها يف البدن‪ ،‬فبالصواب يقال‬ ‫فيها إنها تتجزأ يف األبدان (‪)12‬‬ ‫واذا انتقلنا اىل الفلسفة األوربية يف العصر‬ ‫الوسيط وحتديدا عند القديس أوغسطني_‬ ‫‪ 430_354(st.augustine‬م)‪،‬جند أنه يرى‪،‬‬ ‫أن النفس قريبة من املعقوالت تليها مباشرة يف‬ ‫املرتبة وهي تستمد عدم انقسامها من املعقوالت‬ ‫لقربها منها‪ ،‬غري أن من طبيعته أال تظل ً‬ ‫دائما‬ ‫مع املعقوالت(الروحانيات)‪ ،‬وإال ملا اختلف‬ ‫عنها بل إنها حتل ض��رورة يف البدن‪ ،‬وهكذا‬ ‫يسري عليها االنقسام يف األب��دان فتجمع بني‬ ‫الطبيعتني‪ ،‬فهي منقسمة (متجزئة)‪ ،‬ألنها يف‬ ‫كل جزء من أجزاء البدن الذي توجد فيه وهي‬ ‫ال منقسمة ألنها توجد بأكملها يف مجيع األجزاء‬ ‫‪319‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪320‬‬

‫ويف كل جزء معني ذلك البدن‪ ،‬فورود النفس‬ ‫إىل األبدان هو الذي أدى إىل انقسامها‪ ،‬ال البدن‬ ‫املنقسم بطبيعته ال ميكن أن يقبل النفس غري‬ ‫منقسمة‪ ،‬وأما لو ظلت النفس يف ذاتها فستكون‬ ‫غري منقسمة بالضرورة ‪.‬‬ ‫ويأتي أفلوطني بالدليل على أن النفس غري‬ ‫تامة االنقسام‪ ،‬ودليله هو الوحدة العضوية‬ ‫والنفسية اليت تسود الكائن احلي حبيث حيس‬ ‫كله بأي مؤثر يقع على جزء معني من جسمه‬ ‫فما يقطع بان النفس ليست أج��زاء منفصلة‬ ‫متام االنفصال‪ ،‬وإمنا وحدة واح��دة ال امتداد‬ ‫فيها وال أج��زاء‪ ،‬والقول بعدم انقسام النفس‬ ‫ً‬ ‫حتما رفض الرأي‬ ‫إىل أجزاء منفصلة‪ ،‬يستتبع‬ ‫الرواقي‪ ،‬القائل بوجود جزء رئيسي أو مدبر‬ ‫للنفس‪ ،‬تنقل إليه كل اإلحساسات اليت تؤثر يف‬ ‫سائر أجزائها بالتدرج كما أن النفس ال ميكن أن‬ ‫تكون تامة الوحدة ألنها لو كانت كذلك ملا بعثت‬ ‫احلياة يف كل أجزاء البدن الذي تشغله وإذن فهي‬ ‫جامعة بني االنقسام وعدم االنقسام‪)13( .‬‬ ‫أن أهم نتيجة وذات جانب من األهمية يف‬ ‫مذهب أفلوطني هي مجعه بني طبيعتني يف‬ ‫النفس وهي الطبيعة املنقسمة والالمنقسمة‪،‬‬ ‫فالنفس بهذا املعنى حتتل املوقع األوس��ط يف‬ ‫تسلسل املوجودات‪ ،‬أي أنها حلقة االتصال بني‬ ‫العامل املعقول (الروحاني والعامل احملسوس‪،‬‬ ‫فالنفس مل تكن منقسمة وهي حتيا يف العامل‬ ‫املعقول‪ ،‬أما بعد هبوطها إىل األبدان فأنها تتخذ‬ ‫صفة ج��دي��دة جبانب صفتها السابقة وهي‬ ‫القابلية لالنقسام ‪ .‬وان احتفاظ النفس يف عاملنا‬ ‫هذا بالصفتني ً‬ ‫معا لدليل على أن النفس وان‬ ‫كانت قد هبطت إىل العامل احملسوس فإنها تظل‬

‫على صلة بالعامل املعقول الذي وردت منه‪ ،‬ففي‬ ‫ً‬ ‫مرتبطا مبصدره األعلى‪)14( .‬‬ ‫النفس جزء يظل‬ ‫وميكن القول انه ومن هنا يتبني لنا أهمية‬ ‫دراس���ة النفس عند أفلوطني ف��ان موضوع‬ ‫مشكلة النفس يف فلسفة أفلوطني متثل احلجر‬ ‫ال��زاوي��ة يف مذهبه‪ ،‬الن النفس حتتل املوقع‬ ‫الوسط بني العاملني‪ ،‬ف��ان أي��ة دراس��ة للعامل‬ ‫املعقول (الروحاني)دون دراسة النفس جيعل‬ ‫ً‬ ‫غائبا عن الذهن ولو اكتفينا‬ ‫العامل احملسوس‬ ‫بدراسة العامل احملسوس دون النفس فلن نرتقي‬ ‫ً‬ ‫مطلقا إىل العامل املعقول‪ ،‬يف حني بدراسة النفس‬ ‫جتعلنا على إدراك تام بالعاملني أو االجتاهني‪،‬‬ ‫إذن‪ ،‬إن دراسة النفس يكشف لنا ضرورة معرفة‬ ‫كل املبادئ املتدرجة عن طريق دراسة هذا املبدأ‬ ‫الوسط ‪ .‬هذا وال ميكن تعريف ماهية النفس‬ ‫أو يتعذر ذلك إال من خالل عالقتها بالعقل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫انطالقا من‬ ‫نظري ما يستحيل تعريف العقل إال‬ ‫عالقته بالواحد‪ ،‬ويؤكد أفلوطني أن النفس يف‬ ‫ً‬ ‫جسما وأنها بني األمور املنزهة عن‬ ‫ذاتها ليست‬ ‫اجلسمية‪ ،‬ليست حبال‪ ،‬أما القول يف هذه الذات‬ ‫أنها حقيقة روحانية وأنها من مقام الالهوت‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ق��وال على جانب من ال��وض��وح ال‬ ‫فقد يكون‬ ‫يستهان به (‪. )15‬‬ ‫وحبسب الرؤية األفلوطينية‪ ،‬ال بد أن يكون‬ ‫النفس واحدة وكثرية‪ ،‬منقسمة وال منقسمة‪،‬‬ ‫ويعتقد بأنه ليس وجود الشيء الواحد يف مواضع‬ ‫عدة باألمر املمتنع‪ ،‬فأننا أن مل نسلم بذلك لكنا‬ ‫ننكر وجود مبدأ حيفظ كل األشياء ويديرها‪،‬‬ ‫حيفظها ب��أن جيمعها كلها‪ ،‬ويديرها حبكمته‬ ‫أع�ني م��وج��وداً يتصف بالكثرة‪ ،‬ألن األشياء‬ ‫كثرية‪ ،‬ولكنه واحد‪ ،‬ألن املوجود الذي حيتوي‬


‫كل شيء ال بد أن يكون واح��داً‪ ،‬وهو بوحدته‬ ‫املتكررة يبعث احلياة يف كل األجزاء وبوحدته‬ ‫الال منقسمة يديرها حبكمته‪ ،‬فلألشياء اليت‬ ‫تفتقر إىل العقل كمبدأ مدبر هو ترديه وتقليد‬ ‫لوحدة النفس العاقلة ه��ذه‪ ،‬وذل��ك ما عرب‬ ‫ً‬ ‫عنه(أفالطون) تعبرياً‬ ‫عميقا حني قال بصورة‬ ‫مبهمة‪ ،‬لقد منح الصانع املاهية الال منقسمة‬ ‫اليت تظل يف هوية دائمة مع ذاتها‪ ،‬واملاهية اليت‬ ‫غدت منقسمة يف األجسام‪ ،‬فصنع منها ً‬ ‫نوعا‬ ‫ً‬ ‫ثالثا من املاهية (‪ )16‬وعلى ذلك فالنفس واحدة‬ ‫وكثرية‪ ،‬أما الصور اليت يف األجسام فهي كثرية‬ ‫وواحدة واألجسام ال تعرف إال الكثرة‪ ،‬أما املبدأ‬ ‫األعلى فال يعرف إال الوحدة (‪ . )17‬هذا وينبغي‬ ‫معرفة رأي أفلوطني حول مسألة أنواع النفوس‬ ‫ووحدة النفس وفيما إذا كانت النفوس كلها‬ ‫واحدة ‪ .‬وهلذا املوضوع أهميته ‪ .‬ذلك أنه أننا لو‬ ‫مل ندرك رأي أفلوطني بهذا الصدد لتوهمنا من‬ ‫كالمه عن أنواع خمتلفة من النفوس كالنفس‬ ‫الكلية والنفس اجلزئية (الفردية )‪ ،‬على أن كل‬ ‫هذه النفوس مستقلة بعضها عن البعض اآلخر‬ ‫ً‬ ‫متاما وان الكثرة املطلقة تسود عامل النفوس‬ ‫ويف احلقيقة هذا ابعد اآلراء عن تفكري أفلوطني‬ ‫وسنوضح ذلك يف املبحث الالحق‪.‬‬ ‫املبحث الثاني‬ ‫اإلشكاالت املتعلقة بالنفس‬ ‫املطلب األول‪ :‬النفس الكلية والنفس اجلزئية‬ ‫أن اجلواهر العلوية اليت حيتويها العقل الكلي‬ ‫(الكوني)‪ ،‬حتتاج إىل وسيلة تنقلها من حياة‬ ‫األزل إىل حياة الزمان‪ ،‬وذلك لتصبح كائنات‬

‫حتيا يف التاريخ‪ ،‬أي حباجة إىل واسطة عملية‬ ‫تتخذها مناذج خللق العامل وهذه الواسطة هي‬ ‫النفس الكلية (الكونية )‪ ،‬اليت تتوقف عندها‬ ‫الكائنات اإلهلية‪ ،‬فتكون أخر مرحلة فيضية‬ ‫من العامل الروحاني‪ ،‬وهي مشكلة وهي مشكلة‬ ‫الطرف األخري من املثلث املاورائي االفلوطيين‪،‬‬ ‫ويرجع أفلوطني حبثه يف النفس إىل تلبية‬ ‫لدعوة الواحد حيث يقول « انه إذا أقمنا بهذا‬ ‫البحث‪ ،‬إمنا نليب دعوة اهلل إىل أن يعرف كل منا‬ ‫نفسه « (‪. )18‬‬ ‫والنفس الكلية‪ ،‬كلمة العقل الكلي وفعله‪ ،‬كما‬ ‫أن العقل الكلي‪ ،‬كلمة الواحد وفعله‪ ،‬وكما أن‬ ‫الكلمة امللفوظة ص��ورة الكلمة الباطنة‪ ،‬وملا‬ ‫كانت النفس الكلية صورة العقل الكلي‪ ،‬فهي‬ ‫تنظر صوبه‪ ،‬كما ينظر العقل الكلي صوب‬ ‫ً‬ ‫عقال‪ ،‬فكل موجود مولود‬ ‫الواحد كي يكون‬ ‫يشتاق إىل املوجود الذي ولده وحيبه‪ ،‬فالنفس‬ ‫الكلية متحدة بالعقل الكلي ممتلئة منه‬ ‫مستمتعة به وهي تتعقل‪ ،‬إذ إنها حني تنظر‬ ‫إليه حنصل يف باطنها على معانيها ولكنها من‬ ‫جهة أخرى متصلة مبا يأتي بعدها‪ ،‬أو هي ً‬ ‫أيضا‬ ‫تلد موجودات أدنى منها ووصفت فيها النظام‬ ‫وأعطتها حركة دائرية راتبة ومتنحها احلياة‪،‬‬ ‫وإذا كان فني شيء اهلي‪ ،‬فبسبب هذه النفس‪،‬‬ ‫ثم أنها اشرف من هذه األحياء ال حمالة‪ ،‬فإنها‬ ‫أشياء تتقلب ويعرتيها الفساد‪ ،‬حسبما تنسحب‬ ‫النفس عنها أو متدها باحلياة‪ ،‬يف حني أن النفس‬ ‫باقية ً‬ ‫دائما على حاهلا ألنها ال تتخلى عن ذاتها‪،‬‬ ‫أما الوجه الذي تلجأ إليه لتكفل احلياة يف الكل‬ ‫ويف اجلزئيات ‪)19( .‬‬ ‫والنفس ال تظل ثابتة‪ ،‬بل تتحرك حركة‬ ‫‪321‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪322‬‬

‫مضادة حلركتها حنو العقل‪ ،‬لكي تلد صورة منها‬ ‫هي (الطبيعة )‪ ،‬يف عامل النبات‪ ،‬وهي(اإلحساس)‬ ‫يف عامل احليوان ومعنى ذلك انه ميكن التمييز‬ ‫يف النفس الكلية ب�ين مستويني‪ ،‬املستوى‬ ‫األعلى للنفس حني تعمل بوصفها تعبرياً عن‬ ‫العقل‪ ،‬واملستوى األدنى‪ ،‬عندما تعمل بوصفها‬ ‫مبدأ نشاط وفاعلية يف العامل احملسوس سواء‬ ‫يف مستواه احليواني أو النباتي أو العناصر‬ ‫الطبيعية ومركباتها فهذا املبدأ احملرك للعامل‬ ‫امل��ادي هو الذي يسميه بالطبيعة والطبيعة‪،‬‬ ‫بناء على ذلك هي قوة النفس السارية يف عامل‬ ‫احليوان والنبات واملعادن‪ ،‬فهي القوة الفاعلة‬ ‫أو(اللوغوس) املعرب عن النفس الكلية ‪ )20( .‬هذا‬ ‫ويفسر أفلوطني تأثري النفس يف العامل احملسوس‬ ‫ً‬ ‫تفسرياً‬ ‫مثاليا يستمده من وصف(أفالطون)‪،‬‬ ‫حلركة النفس بأنواع النشاط العقلي من تأمل‬ ‫وتفكري‪ ،‬فحركة النفس هي تأمل واخللق كله‬ ‫مصدره التأمل ‪)21( .‬‬ ‫ويؤكد(أفلوطني)‪ ،‬بأن النفس ليست ً‬ ‫كما‪،‬‬ ‫كأن نقول عن النفس الكلية إنها القشرة‪ ،‬وعن‬ ‫النفوس اجلزئية أنها هي الوحدات املكونة هلا‪،‬‬ ‫ويواصل حديثه‪ ،‬إذ يقول «انه لو قلنا ذلك لكان‬ ‫لقولنا ع��دة نتائج ممتنعة‪ ،‬فالعشرة ليست‬ ‫وح��دة‪ ،‬وعلى ذل��ك فإما إن كال من وحداتها‬ ‫املكونة نفس‪ ،‬أو أن هذه النفس الشاملة مركبة‬ ‫من وحدات ليست بذات نفس‪ ،‬ولنذكر هنا ً‬ ‫أيضا‬ ‫أن أجزاء النفس الكلية متجانسة مع الكل‪ ،‬غري‬ ‫انه ليس من الضروري يف حالة الكم املتصل‪ ،‬أن‬ ‫تكون األجزاء مماثلة للكل‪ ،‬أي أن تكون أجزاء‬ ‫الدائرة واملربع ً‬ ‫مثال دوائر ومربعات‪ ،‬وحني‬ ‫ميكن أن تكون األجزاء مشابهة للكل فليس من‬

‫الضروري أن يكون ذلك التشابه ً‬ ‫تاما‪ ،‬فأجزاء‬ ‫ً‬ ‫مثال ليست كلها مثلثات‪ ،‬بل أشكال‬ ‫املثلث‬ ‫خمتلفة‪ ،‬ومع ذلك فهم يسلمون بان النفس‬ ‫متجانسة مع أجزائها‪ ،‬فان قيل أن الفارق بني‬ ‫النفس الكلية والنفس اجلزئية فارق يف احلجم‪،‬‬ ‫كان معنى ذلك أننا جنعل من النفس‪ ،‬اليت لن‬ ‫تستمد عندئذ صفتها املتميزة إال من الكم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫جسما‪ ،‬ومع ذلك فقد افرتضنا‬ ‫كمية وبالتالي‬ ‫أن النفوس كلها متشابهة وتامة‪ ،‬فمن الواضح‬ ‫إذن أن النفس الكلية ليست مقسمة على النحو‬ ‫الذي يقسم به حجم» ‪ )22( .‬هذا ومع اختالف‬ ‫وظائف النفس الكلية‪ ،‬يرى(أفلوطني) بأنها‬ ‫وحدة ماثلة يف كل مكان‪ ،‬فإذا كانت األجزاء هلا‬ ‫مبثابة اإلحساسات (من الكائن احلي اجلزئي‬ ‫)‪ ،‬فعندئذ لن يتسنى لكل جزء أن يفكر وإمنا‬ ‫تستطيع ذلك النفس الكلية وحدها‪ ،‬أما إذا‬ ‫كان كل جزء قادراً على التفكري‪ ،‬لكان موجوداً‬ ‫يف ذاته‪ ،‬وإذن تكون النفس (اجلزئية) مفكرة‬ ‫شأنها شأن النفس الكلية‪ ،‬فهي يف هوية مع تلك‬ ‫النفس وال ميكن أن تكون جزءاً من كل ‪)23( .‬‬ ‫‪ _1‬كما ال ميكن أن تكون النفس اجلزئية جزء‬ ‫من الكلية باملعنى الرياضي للكلمة‪ ،‬الن اجلزء‬ ‫يف األع��داد اقل من الكل بالضرورة‪ ،‬واملقدار‬ ‫والكم يلعب فيها الدور األساسي و كما أن النفس‬ ‫ال تسري عليها مقولة الكم وأنها ال مقدار هلا‬ ‫وبالتالي فليس اجلزء فيها اصغر من الكل‪ ،‬وهكذا‬ ‫ينقد أفلوطني الرأي الفيثاغوري الذي جيعل‬ ‫عالقة النفوس بعضها ببعض عالقة عددية‪،‬‬ ‫وكما أن األع��داد أي الكم املنفصل ختتلف يف‬ ‫مقدارها فكذلك خيتلف الكم املنفصل يف املقدار‪،‬‬ ‫وقد خيتلف يف النوع فاجلزء من املستقيم هو‬


‫مستقيم ً‬ ‫حقا ولكنه اقل من األول يف املقدار‪ ،‬وان‬ ‫النفس اجلزئية ال ميكن أن تتصل بالكلية كما‬ ‫تتصل القوة الواحدة بالنفس الواحدة بالنفس‬ ‫الكاملة‪ ،‬أي ال ميكن أن تكون النفوس اجلزئية‬ ‫أشبه بقوى للنفس الكلية الن النفس اجلزئية‬ ‫متتلك يف ذاتها كل القوى ً‬ ‫وأيا كان املعنى لتفسري‬ ‫عالقة النفس الكلية بالنفس اجلزئية‪ ،‬فان هلذه‬ ‫العالقة شرطني أساسيني أوهلما أال تفقد النفس‬ ‫ذاتها فيما تنتجه‪ ،‬وثانيهما أن تكون النفس‬ ‫اجلزئية صادرة عن النفس الكلية وحدها وأال‬ ‫تكون مستقلة يف نشأتها عنها ‪)24( .‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬عالقة النفس بالبدن‬ ‫أن هبوط النفس إىل بدن خاص تدبره ضرورة‬ ‫حمتومة‪ ،‬وأفلوطني يعمم هذه الضرورة على‬ ‫كل مراتب الوجود ومجيع حوادث العامل‪ ،‬وقد‬ ‫نلمس ً‬ ‫رأيا آخر لدى بقية الفالسفة كأفالطون‪،‬‬ ‫إذ ي��رد هبوط النفس إىل خطيئة ارتكبها‬ ‫فاستحقت عليها هذا اجل��زاء‪ ،‬فاخلطيئة فعل‬ ‫إرادي وإال ملا عوقبت النفس عليه باهلبوط إىل‬ ‫العامل احملسوس‪ ،‬يف الواقع أن(أفلوطني)‪ ،‬ذاته قد‬ ‫تنبه إىل هذا االختالف ولكنه رأى أن من املمكن‬ ‫التوفيق بني الضرورة واحلرية يف هذا الصدد‪،‬‬ ‫فهو من جهة يعرتف بأن النفس قد أخطأت‪،‬‬ ‫وبأن هبوطها إىل هذا العامل إمنا هو جزاء هلا على‬ ‫خطيئة اقرتفتها‪ ،‬فاخلطيئة مزدوجة‪ ،‬هي تلك‬ ‫اليت تهتم بها النفس هلبوطها‪ ،‬وتلك اليت يكون‬ ‫قوامها األفعال املرذولة اليت ترتكبها حني تأتي‬ ‫هنا‪ ،‬فاالوىل هي حالة هبوطها ذاته ‪.‬‬ ‫ويف هذا ما يؤكد اعرتافه بأن هبوط النفس‬ ‫إىل هذا العامل خطيئة‪ ،‬بل فيه تلميح إىل فكرة‬

‫اخلطيئة األوىل‪ ،‬كما ظهرت فيما بعد عند‬ ‫املسيحية ‪ .‬إال أن أفلوطني يذكر إن احلرية‬ ‫متضمنة يف ال��ض��رورة‪ ،‬أي إنها إح��دى حاالت‬ ‫الضرورة‪ ،‬فقد ننظر إىل اخلطيئة على أنها فعل‬ ‫تام احلرية ولكن الواقع أن االنفعاالت اليت تؤدي‬ ‫بنا إىل اخلطيئة مرتبطة بالقانون الطبيعي‬ ‫األزلي الذي يتحكم فيها وحيددها‪ ،‬فاخلطيئة إذا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فرديا‪ ،‬كانت بالفعل‬ ‫حادثا‬ ‫نظر إليها بوصفها‬ ‫مظهراً من مظاهر احلرية‪ ،‬أما إذا ربطت بالنظام‬ ‫ً‬ ‫حادثا يتحكم فيه‬ ‫الكوني العام‪ ،‬كانت بدورها‬ ‫النظام الكوني العام‪ ،‬وبهذا يوفق أفلوطني بني‬ ‫فكرتي الضرورة واحلرية يف هبوط النفس ‪ .‬وما‬ ‫ينبغي اإلشارة إليه هو أن النفس عند أفلوطني‬ ‫والبحث عن كيفية هبوطها ومن ثم العالقة‬ ‫بني النفس والبدن أو النفس يف البدن‪ ،‬كل ذلك‬ ‫ترتبط بنظريته الفلسفية العامة يف الصدور‪،‬‬ ‫جب��رم وأنها ال‬ ‫فالنفس عند أفلوطني ليست‬ ‫ٍ‬ ‫متوت وال تفسد وال تفنى‪ ،‬بل هي باقية‪)25(.‬‬ ‫أما عن كيفية دخول النفس للبدن‪ ،‬فريى‬ ‫انه تتم على حنوين‪ ،‬فقد حيدث أن تكون النفس‬ ‫قد وجدت من قبل من جسم‪ ،‬وعندئذ تغري‬ ‫اجلسم وتنتقل ً‬ ‫مثال من جسم غازي أو ناري إىل‬ ‫جسم يابس‪ ،‬فإن قال قائل إن ما حدث يف هذه‬ ‫احلالة جمرد تغري يف اجلسم‪ ،‬فإمنا يرجع ذلك‬ ‫القول إىل أن اجلسم الذي انتقلت منه النفس إىل‬ ‫اجلسم اليابس يظل غري منظور‪ ،‬وقد تنتقل‬ ‫النفس ً‬ ‫ثانيا من حالة مل يكن هلا فيها جسم‬ ‫على اإلط�لاق إىل جسم معني‪ ،‬عندئذ تكون‬ ‫تلك أول مرة ترتبط فيها النفس جبسم يف هذه‬ ‫احلالة األخرية‪ ،‬ذلك أن اإلحساس الذي تستشعره‬ ‫النفس حني تتخذ جوهراً ً‬ ‫ماديا حوهلا بعد أن‬ ‫‪323‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪324‬‬

‫كانت بريئة ً‬ ‫متاما من كل عالئق البدن ‪)26( .‬‬ ‫هذا وجتدر اإلشارة إىل أن فكرة الضرورة حتتل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واضحا يف مذهب أفلوطني وهي اليت‬ ‫موقعا‬ ‫تتحكم يف انتقال كل مبدأ إىل املبدأ الذي يليه‬ ‫وهو يردد هذه الفكرة يف أسلوب يشبه كثرياً‬ ‫بأسلوب الرواقية فكل شيء يف العامل خاضع ملبدأ‬ ‫واحد وكل شيء فيه منظم وهذا ما ينطبق على‬ ‫مسألة هبوط النفس‪ ،‬فكل نفس ال تهبط إال إىل‬ ‫ً‬ ‫ومالئما لطبيعتها‬ ‫اجلسم الذي خلق على تلقيها‬ ‫اخلاصة‪ ،‬ويتم اهلبوط يف وقت معني فهي ليست‬ ‫يف حاجة إىل كائن يرسلها ويدفعها يف اللحظة‬ ‫املنشودة‪ ،‬بل إن هذه اللحظة إذا ما حانت هبطت‬ ‫ً‬ ‫تلقائيا‪ ،‬ودخلت حيث ينبغي هلا أن‬ ‫إليه النفس‬ ‫داع‪ ،‬حتى ليضن‬ ‫تدخل‪ ،‬وكأنها تستجيب لدعوة ٍ‬ ‫املرء أن قدرة سحرية قد حركتها وجذبتها بقوة‬ ‫ال تقاوم ‪ )27( .‬هذا وان هبوط النفس إىل البدن‬ ‫ملا كانت ضرورة حمتومة فإن أفلوطني قد عمم‬ ‫هذه احلتمية يف اجمل��ال االنطولوجي وكذلك‬ ‫مجيع ح��وادث العامل وبهذا الشأن يقول « فال‬ ‫ينبغي يف األمور أن يعتقد أن منها ما يندرج يف‬ ‫النظام الكلي ومنها ما يفلت منه ويرتك للتحكم‬ ‫الذاتي وإذا مل يكن بد لتوالي احلوادث يف الكون‪،‬‬ ‫من أن يتم مقيداً بأسباب ومبعنى واحد وترتيب‬ ‫واحد وجب االعتقاد يف هذا النظام املشرتك ويف‬ ‫هذا التشابك احملكم أن يشمل األمور كلها حتى‬ ‫أصغرها وأحقرها ً‬ ‫شأنا « (‪ )28‬وجتدر اإلشارة إىل‬ ‫أن أفلوطني يف حماولته معاجلة مشكلة النفس‪،‬‬ ‫قد وجد نفسه أمام ثالثة مذاهب خمتلفة تعاجل‬ ‫املوضوع‪ ،‬أما املذهب األول فهو املذهب الرواقي‬ ‫(وهذا ما اشرنا إليه)‪ ،‬الذي يعترب النفس قوة‬ ‫منظمة‪ ،‬وأم��ا الثاني فهو التقليد األورفلي‬

‫الفيثاغوري ال��ذي يعترب هبوط النفس إىل‬ ‫ً‬ ‫احنطاطا هلا‪ ،‬وأما الثالث الذي ال‬ ‫العامل احلسي‬ ‫خيلو من تأثري بالفيثاغورية فهو اعتبار العامل‬ ‫احملسوس شرا‪ ،‬وقد اخذ باملذهب األول وذهب‬ ‫فيه إىل أقصى نتائجه‪ ،‬واعترب كل قوة فاعلة‬ ‫ً‬ ‫نفسا أو مرتبطة بنفس‪ ،‬وذهب‬ ‫يف الطبيعة‬ ‫إىل أن للسماء ً‬ ‫نفسا‪ ،‬ولكل كوكب من الكواكب‬ ‫نفسا‪ ،‬ولألرض ً‬ ‫ً‬ ‫نفسا هي فيها القوة املولدة‪)29(،‬‬ ‫وقد وافق الفيثاغورية على اعتباره أن النفس‬ ‫تتدنى عند هبوطها إىل العامل احملسوس‪ ،‬لكنه‬ ‫خالف الغنوصية معترباً أن عامل احلس يبلغ من‬ ‫الكمال كل ما ميكن لعامل حمسوس أن يبلغه‪ ،‬فال‬ ‫تصبح النفس قوة منظمة يف جزئها األدنى إال‬ ‫ألنها قوة مشاهدة وتأمل يف قسمها األعلى ‪.‬‬ ‫املبحث الثالث‬ ‫قوى النفس ومصريها‬ ‫املطلب األول‪ :‬قوى النفس‬ ‫حتدث أفلوطني عن وحدة النفوس‪ ،‬كما‬ ‫أكد أن النفوس اجلزئية إمنا تستمد من النفس‬ ‫الكلية الشاملة وترجع يف النهاية إليها‪ ،‬وهذا ال‬ ‫يعين أن لكل النفوس قوى واحدة‪ ،‬وعلى هذا‬ ‫األساس سنعرض لقوى النفس املختلفة‪ ،‬ونرى‬ ‫إىل أي النفوس تنتمي هذه القوى‪ ،‬وان ارتباط‬ ‫النفس بالبدن‪ ،‬اقتضى وجود عدة قوى لتقوم‬ ‫بأفعاهلا‪ ،‬ويبدو انه لو ظلت النفس بعيدة عن‬ ‫اجلسم ملا احتاجت إىل هذه القوى‪ ،‬لقد منت إذاً‬ ‫على أساس هذا االرتباط باجلسم جمموعة قوى‪،‬‬ ‫وهي ثالث قوى‪:‬‬ ‫‪-1‬الذاكرة‪:‬‬


‫إن الذاكرة قوة من قوى النفس ال عالقة هلا‬ ‫بالبدن‪ ،‬ألننا ال نتذكر إال بعد غياب احملسوس‬ ‫عن آل��ة احل��س‪ ،‬ونتذكر املعارف اجمل��ردة عن‬ ‫احلس كما نتذكر الصور احلسية‪ ،‬ويرى أفلوطني‬ ‫أن الذاكرة ليست سوى ملكة تنطلق من النفس‬ ‫وحدها وال متت بأي صلة إىل املركب من النفس‬ ‫والبدن‪ ،‬وان البدن بنظره ليس له أي شأن مبا‬ ‫تتذكره النفس‪ ،‬وخاصة إذا كان هذا التذكر‬ ‫يعود إىل علم من العلوم ‪)30( .‬‬ ‫هذا ورمبا تصور امرؤ أن فعل التذكر متوقف‬ ‫بدوره على املركب حبجة أن تكويننا البدني هو‬ ‫الذي يتحكم يف قوة تذكرنا أو ضعفه ويعتقد‬ ‫ً‬ ‫عائقا لفعل‬ ‫أفلوطني ان��ه س��واء أك��ان البدن‬ ‫التذكر أم مل يكن فلن يقلل ذلك من انتماء هذا‬ ‫الفعل إىل النفس يف شيء‪ )31( .‬وتنتمي الذاكرة‬ ‫حسب رأي(أفلوطني) إىل حياة النفس يف عاملنا‬ ‫هذا‪ ،‬ويف كل حياة زمانية مرتبطة به وقريبة‬ ‫منه‪ ،‬أما إذا حبثنا ودققنا يف ملكة التذكر ذاتها‬ ‫يف النفس اإلنسانية‪ ،‬أما عن عالقة الذاكرة‬ ‫بامللكة املخيلة‪ ،‬فتختلف ً‬ ‫تبعا للموضوعات اليت‬ ‫تتخيل فاحملسوسات يكون تذكرها باملخيلة‪ ،‬أما‬ ‫املعقوالت فال صورة هلا إال من ناحية ألفاظها‬ ‫فحسب‪ ،‬وبالتالي تكون الذاكرة اخلاصة بها‬ ‫ملكة مستقلة عن املخيلة‪ )32(.‬ه��ذا وينفي‬ ‫(أفلوطني)‪ ،‬التذكر عن نفوس الكواكب فتلك‬ ‫النفوس تتعقل على الدوام‪ ،‬وتدرك موضوعات‬ ‫تعقلها م��ب��اش��رة‪ ،‬دون ح��اج��ة إىل اس��ت��دالل‬ ‫واستنباط‪ ،‬وهي حتيا حياة دائمة فال حاجة بها‬ ‫إىل تذكر حياة ماضية والزمان عندها ال وجود‬ ‫له‪ ،‬وإمنا حنن الذين نقسم الزمان إىل أيام وسنني‬ ‫ً‬ ‫تبعا لوجهة نظرنا اخلاصة‪ ،‬أما النجوم ذاتها‬

‫فتحيا حياة دائمة ال تغري فيها‪ ،‬وباملثل ينفي‬ ‫أفلوطني الذاكرة عن النفس الكلية‪ ،‬أي املبدأ‬ ‫املنظم للعامل (زيوس‪ ،‬كما يسميه ) إذ إن املبدأ‬ ‫املنظم ال يرتدد وال يعرف الريبة أو الشك‪ ،‬بل‬ ‫تظل إرادته ثابتة ال يتطرق إليها تغري ‪)33( .‬‬ ‫والذاكرة قد تكون شعورية أو غري شعورية‪،‬‬ ‫وقد فرق (أفلوطني)‪ ،‬بني هذين النوعني‪ ،‬فقال‬ ‫بوجود نوع من التذكر ال يدرك فيه املرء ً‬ ‫حاليا‬ ‫ً‬ ‫ميوال سابقة دون أن يشعر‬ ‫انه يتذكر‪ ،‬فيتابع‬ ‫بذلك‪ ،‬ثم الذاكرة اليت تتم عن وعي أقوى من‬ ‫األخ��رى‪ ،‬الن النفس حني تشعر بأنها تتذكر‪،‬‬ ‫حتتفظ باجتاهها اخل��اص حنو ذاتها‪ ،‬وتشعر‬ ‫بالفارق بينها وبني املوضوع الذي تتذكره‪ ،‬أما‬ ‫إذا جهلت أنها تتذكر‪ ،‬فمعنى ذلك إنها تنصرف‬ ‫كلية إىل موضوع تذكرها‪ ،‬وتنسى نفسها يف غمار‬ ‫هذا التذكر‪ ،‬وال جدال يف أن وصول (أفلوطني)‬ ‫إىل فكرة الوعي أو الشعور‪ ،‬يدل على تقدم كبري‬ ‫يف ميدان البحث النفسي لديه فاق به من سبقه‬ ‫من الفالسفة اإلغريق ‪)34( .‬‬ ‫‪-2‬االنفعال‪:‬‬ ‫يرى (أفلوطني) يف االنفعال قوة متوسطة‬ ‫بني العقل واحل��س‪ ،‬وان االنفعال ال يتفق أال‬ ‫بوجود البدن املادي خبالف الذاكرة لذا ال ميكن‬ ‫أن حيدث االنفعال للنفس إذا كانت هذه النفس‬ ‫مفارقة للبدن‪ ،‬فكلما متسك املرء بالبدن واهتم‬ ‫به ازداد تأثراً باالنفعال‪ ،‬وهذا ال يعين إن البدن‬ ‫وحده ميكن آن ينفعل إذ أن البدن بغري النفس‬ ‫حيا فال يستشعر ً‬ ‫ال يكون ً‬ ‫شيئا فاالنفعال إذن‬ ‫ينتمي إىل املركب من النفس والبدن وان كان‬ ‫بالطبيعة البدنية الصق‪ ،‬والدليل على ذلك‬ ‫أن الرغبات تتباين باختالف األعمار كرغبات‬ ‫‪325‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪326‬‬

‫الطفل والشاب والكهل‪ ،‬فرغباته ختتلف حبسب‬ ‫األعمار واختالف البدن وأح��وال��ه يف كل من‬ ‫هذه املراحل‪ )35( ،‬حيث يقول بهذا الصدد إن‬ ‫شئنا أن نكون معيبني‪ ،‬كان علينا أن نقر بان‬ ‫اإلحساسات تتم بتوسط أعضاء البدن‪ ،‬وذلك‬ ‫ناتج عن طبيعة النفس اليت ال ت��درك ً‬ ‫شيئا‬ ‫حمسوسا حني تكون مفارقة للبدن ً‬ ‫ً‬ ‫متاما (‪)36‬‬ ‫‪-3‬اإلحساس‪:‬‬ ‫يعتقد(أفلوطني)‪ ،‬أن اإلحساس ً‬ ‫أيضا يتطلب‬ ‫وجود البدن‪ ،‬الن دور أعضاء اجلسم أساسي‪ ،‬إذ أن‬ ‫إدراك احملسوسات يقتضي استخدام وسائط من‬ ‫حفظ املعارف أو اإلحساسات يف النفس عن نوع‬ ‫هذه احملسوسات‪ )37( ،‬هذا ويرى (أفلوطني)‪ ،‬بأن‬ ‫ً‬ ‫أشكاال وال عالمات تنطبع يف‬ ‫اإلحساسات ليست‬ ‫النفس‪ ،‬وبالتالي فليس قوام الذكريات هو حفظ‬ ‫العالمات غري موجودة‪ ،‬ويقول (أفلوطني)‪ ،‬بهذا‬ ‫ً‬ ‫الصدد «إننا عندما ندرك ً‬ ‫معينا بالبصر‪،‬‬ ‫شيئا‬ ‫فمن اجللي إننا نراه ً‬ ‫دائما عن بعد‪ ،‬ونتوجه إليه‬ ‫ببصرنا‪ ،‬وواضح أن التأثر يتم يف املكان الذي‬ ‫يوجد فيه الشيء‪ ،‬فالنفس ترى ما هو خارجها‪،‬‬ ‫وال تنطبع فيها عالمة‪ ،‬ورؤيتها ليست راجعة‬ ‫إىل كونها قد شكلت على مثال الشيء‪ ،‬كما يشكل‬ ‫الشمع باخلامت‪ ،‬إذ لو كانت يف داخلها صورة‬ ‫الشيء الذي تراه ملا كانت يف حاجة إىل التطلع‬ ‫خارجها‪ ،‬وألكتفي بالتطلع إىل العالمة املنطبعة‬ ‫فيها (‪ .)38‬وهنا ميكن أن نطرح السؤال‪ ،‬كيف‬ ‫يتم اإلحساس حبسب الرؤية االفلوطينية ؟‬ ‫أن اإلحساس حيتم على أشياء ال يشتمل عليها‬ ‫يف ذات��ه‪ ،‬إذ أن من شأن كل ملكة يف النفس أال‬ ‫تتلقى م��ؤث��رات‪ ،‬بل مت��ارس قوتها ونشاطها‬ ‫يف أشياء مناظرة هلا‪ ،‬وهكذا تستطيع النفس‬

‫أن متيز املوضوع الذي يرى من املوضوع الذي‬ ‫يسمع‪ ،‬وهذا التمييز كان يغدو ً‬ ‫حماال‪ ،‬لو كانت‬ ‫اإلحساسات عالمات منطبعة‪ ،‬وإمنا هو ممكن‬ ‫الن اإلحساسات ليست عالمات وال انطباعات‬ ‫سلبية‪ ،‬بل هي أفعال متعلقة باملوضوع الذي‬ ‫تناظره يف النفس ‪ )39( .‬إذن ميكن القول أن‬ ‫اإلحساس إمنا هو إدراك النفس أو الكائن احلي‬ ‫للمحسوسات عندما تدرك النفس الصفات اليت‬ ‫تنتمي إىل األجسام وتطبع يف ذاتها صورها‪ ،‬فال‬ ‫بد إذن أن تدرك النفس األشياء أما وحدها أو مع‬ ‫شيء آخر‪.‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬مصري النفس‬ ‫يناقش (أفلوطني)‪ ،‬قضية خلود النفس‪،‬‬ ‫وينفي أن تكون للنفس أية صفة مادية‪ ،‬ولعل‬ ‫نفي (أفلوطني)‪ ،‬لذلك من النفس هو أبعادها‬ ‫من التحلل والكون والفساد‪ ،‬وعلى هذا األساس‬ ‫يشرتط يف النفس أن تكون خالدة‪ ،‬ويعتقد بأن‬ ‫النفس تهب احلياة للبدن‪ ،‬وملا كانت النفس‬ ‫تستمد احلياة من ذاتها‪ ،‬فاحلياة كامنة فيها‪،‬‬ ‫فالنفس مبدأ احلياة الدائمة‪ ،‬وأنها لن تفقد‬ ‫هذه احلياة يف وقت من األوقات‪ ،‬وهي بذلك ال‬ ‫تفنى ‪ )40( .‬هذا وملا كانت املادة وحدها هي اليت‬ ‫يسري عليها التحلل والكون والفساد فإن النفس‬ ‫خ��ال��دة ب��ال��ض��رورة‪ ،‬ولقد ع�بر أفلوطني عن‬ ‫ً‬ ‫برهان البسيطة هذا تعبرياً‬ ‫واضحا بقوله« إن‬ ‫ً‬ ‫تركيبا ويتحلل‬ ‫كل ما يتضمن من اجل وجوده‬ ‫إىل العنصر اليت يرتكب منها‪ ،‬غري أن النفس‬ ‫طبيعية بسيطة ‪ .‬فهي إذن لن تفنى»‪ )41(.‬وهنا‬ ‫نشري إىل أن أفلوطني قد استمد رؤيته حول‬ ‫مسألة خلود النفس من الرتاث األفالطوني وهي‬


‫برهان احلياة‪ ،‬على اعتبار أن النفس تهب احلياة‬ ‫للبدن‪ ،‬إذ ليست حياة كل األحياء ومستفادة‪ ،‬وإال‬ ‫لسرنا هكذا إىل ماال نهاية‪ ،‬فال من طبيعة حية‬ ‫منذ البداية‪ ،‬ينبغي أن تكون غري فانية وأزلية‪،‬‬ ‫ألنها مبدأ احلياة لسائر األحياء‪ .‬فهنا تكرار‬ ‫لذلك الربهان املشهور الذي قال به أفالطون يف‬ ‫(فيدون) ألنه مادامت النفس هي مبدأ احلياة‬ ‫ال تستمدها من اخلارج‪ ،‬فمن احملال أن تفقد هذه‬ ‫احلياة وبهذا تثبت خلودها ‪)42(.‬‬ ‫وق��د استشهد أفلوطني باجلانب القيمي‬ ‫لإلنسان لرتسيخ رؤيته ح��ول مسألة خلود‬ ‫ً‬ ‫جسما‬ ‫النفس فيتساءل انه لو كانت النفس‬ ‫فكيف تكون هلا فضائل كاالعتدال أو العدالة أو‬ ‫الشجاعة أو غريها ؟ يف هذه احلالة أما أن نقول‬ ‫إن االعتدال والعدالة والشجاعة هم نفس أو دم‪،‬‬ ‫أو أن نعرف الشجاعة بأنها عدم تأثر النفس‬ ‫واالعتدال بأنه مزجيه املناسب واجلمال بأنه‬ ‫الصورة املالئمة للخطوط اخلارجية اليت جتعلنا‬ ‫نقول أن املوجودات رشيقة أو مجيلة وال جدال‬ ‫يف أن النفس احليوي قد يكون ً‬ ‫قويا وقد تكون‬ ‫خطوطه اخلارجية مجيلة ولكن ما شأن النفس‬ ‫واالعتدال؟ انه على العكس منه يسعى وراء‬ ‫اإلحساسات املالئمة بأن حييط باملوضوعات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫راغبا يف‬ ‫ساخنا أو‬ ‫أو ميسها وذلك حني يكون‬ ‫ً‬ ‫مقرتبا من أشياء لينة رخوة أو‬ ‫بارد مصقول أو‬ ‫مصقولة و أذن فما شأن النفس بالتقسيم تبعاً‬ ‫للمرتبة (‪ .)43‬وبهذا الصدد يتساءل أفلوطني‬ ‫فيما إذا كانت هنالك أم��ور أزلية هي مبادئ‬ ‫الفضيلة وبقية املعقوالت تتصل بها النفس‪ ،‬أم‬ ‫أن الفضيلة تظهر وتعيننا‪ ،‬ثم تفسد بدورها‪،‬‬ ‫ولكن من خالقها‪ ،‬ومن أين تأتي ؟ اخلالق‪ ،‬يف هذه‬

‫احلالة يظل موجوداً‪ ،‬فال بد إذن أن تكون هناك‬ ‫أشياء أزلية ثابتة‪ ،‬مثلها كمثل تصورات اهلندسة‬ ‫ولكن إن كانت الفضيلة من ضمن هذه األمور‬ ‫ً‬ ‫جسما فينبغي إذن أن‬ ‫األزلية الدائمة فهي ليست‬ ‫ً‬ ‫يكون املوجود الذي تكون فيه مماثال هلا أي ال‬ ‫ً‬ ‫جسما إذن أن طبيعة‬ ‫جيب أن يكون هذا املوجود‬ ‫اجلسم ال تدوم بل هي بأسرها زائلة (‪ )44‬كما أن‬ ‫أفلوطني يذكر بأن النفس من جنس الطبيعة‬ ‫اإلهلية األزلية ذاتها ودليل ذلك ما ثبت من أنها‬ ‫ً‬ ‫جسما وعلى ذلك فليس هلا شكل وال لون‬ ‫ليست‬ ‫وال ميكن أن حتس‪ )45( .‬والنتيجة اليت تستخلص‬ ‫من ذلك هي أن (أفلوطني)‪ ،‬قد اقتدى بأستاذه‬ ‫األول أفالطون‪ ،‬يف براهينه املشهورة على خلود‬ ‫النفس‪ ،‬وان البحث العقلي ينتهي إىل القول بأن‬ ‫احلياة والوجود صفة كامنة يف النفس‪ ،‬وما‬ ‫يتصف ً‬ ‫دائما باحلياة يكون خالداً بالضرورة‪ ،‬إذ‬ ‫أن «ما ميلك الوجود من ذاته ومنذ بداية األمر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫إمنا يكون موجوداً‬ ‫دائما‪ ،‬وطاملا ظل املوجود‬ ‫وحده فانه حييا حياة خالصة أما إذا احتد بغريه‪،‬‬ ‫فلن يكف عن احلياة‪ ،‬بل سيكون هذا االحتاد‬ ‫جمرد عقبة يف طريقة حياول خالهلا أن يستعيد‬ ‫حالته اخلالصة األوىل بأسرع ما يف استطاعته‪.‬‬ ‫والنفس ال تصل إىل الواحد عن طريق التفكري‬ ‫العقلي‪ ،‬الن األول غري معني‪ ،‬وغري املعني ال ميكن‬ ‫ً‬ ‫موضوعا لإلدراك وإمنا تصل النفس إىل‬ ‫أن يكون‬ ‫األول بنوع من اإلدراك ال ميكن وصفه وال يقال‬ ‫انه معرفة انه احتاد تام وفناء كلي‪ ،‬وهذا احلال‪،‬‬ ‫كما يرى(أفلوطني)‪ ،‬ال يستطيع أن يعرفها أال من‬ ‫ذاقها‪ ،‬وهم القلة من الناس‪ ،‬ويعتقد (أفلوطني)‪،‬‬ ‫إن الفلسفة هي السبيل الوحيد لوصول النفس‬ ‫إىل الواحد واالستغراق كلية فيه والفناء يف‬ ‫‪327‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪328‬‬

‫ذاته(‪ ،)46‬ولبلوغ هذه الغاية جلأ (أفلوطني)‪ ،‬اىل‬ ‫نظرية (تناسخ األرواح)‪ ،‬وقد يرتتب على هذه‬ ‫الضرية الكثري من القضايا االجتماعية وغريها‬ ‫كاملساواة بني اجلنسني والعدالة أالجتماعية‬ ‫وحسن املعاملة ال على أساس اجلنس والقومية‬ ‫والعقيدة‪ .‬ه��ذا وم��ن خ�لال دراستنا ملشكلة‬ ‫النفس اإلنسانية عند أفلوطني‪ ،‬توصلنا اىل‬ ‫مجلة نتائج‪ ،‬نستخلصها يف عدة نقاط‪_ :‬‬ ‫‪ -1‬أن��ه الميكن إع��ط��اء تعريف دقيق وكامل‬ ‫ملصطلح النفس‪ ،‬حيث أنها تأتي على معاني‬ ‫كثرية ومتغرية عرب العصور وكذلك ختتلف‬ ‫معناها عند الفالسفة يف العصر الواحد فضال‬ ‫عن اختالفهم عرب العصر الواحد‪.‬‬ ‫‪ -2‬أن أغلب ألفالسفة يلتقون عند نقطة‬ ‫جوهرية النفس من حيث أنها جمردة وخارج‬ ‫نطاق التجربة‪ ،‬وكذلك أزليتها عند ألذين‬ ‫يعتقدون بالثنائية كأفلوطني ‪.‬‬ ‫‪ -3‬النفس عند أفلوطني جتمع بني طبيعتني‪،‬‬ ‫وذلك ألنها حلقة الوصل واتصال بني عاملني‪،‬‬ ‫العامل املادي وعامل املعقوالت‪ ،‬و طبقآ لذلك فأن‬ ‫من طبيعتها االنقسام واالنقسام يف نفس أالن‪،‬‬ ‫فأنها مل تكن منقسمة حينما كانت يف العامل‬ ‫املعقول‪ ،‬أما بعد هبوطها اىل األبدان فأنها اختذت‬ ‫صفة جديدة أىل جانب صفتها ألسابقة وهي‬ ‫القابلية لالنقسام‪.‬‬ ‫‪-4‬برغم هبوط النفس اىل البدن‪ ،‬اال أنها وحبسب‬ ‫الرؤية االفلوطينية تبقى على صلة بالعامل‬ ‫املعقول ألذي وردت منه‪ ،‬فهي ترتبط مبصدره‬ ‫االعلى ‪.‬‬ ‫‪-5‬عند افلوطني النفس هي كلمة العقل الكلي‬ ‫وفعله‪ ،‬كما ان العقل الكلي كلمة الواحد وفعله‪،‬‬

‫وهنا جند أثر املسيحية على فلسفة افلوطني‪،‬‬ ‫على اعتبار ان املسيحية تعترب بأنه» يف البدء‬ ‫كانت الكلمة والكلمة كان عند اهلل وكان الكلمة‬ ‫هو اهلل»‪.‬‬ ‫‪-6‬يرى افلوطني بان النفس خارج نطاق مقوالت‬ ‫الكم والكيف وأنها وحدة ماثلة يف كل مكان‪.‬‬ ‫‪ -7‬يعتقد أفلوطني أن هبوط النفس اىل البدن‬ ‫ت��دب��ره ض���رورة حمتومة‪ ،‬حيث عمم هذه‬ ‫ال��ض��رورة على ك��ل م��رات��ب ال��وج��ود ومجيع‬ ‫ح��وادث العامل وه��ذا ما نالحظه من خالل‬ ‫نظريته يف الفيض‪.‬‬ ‫‪ -8‬النفس عند أفلوطني ليست جب��رم وأنها‬ ‫المتوت والتفنى والتفسد‪ .‬وهلا من القوى ثالث‬ ‫منه الذاكرة واالنفعال واإلحساس‪.‬‬ ‫‪-9‬ينفي أفلوطني عن النفس أية صفة مادية‪،‬‬ ‫وقد ابعد النفس من التحلل والكون والفساد‬ ‫ويشرتط بذلك أن تكون خالدة بل أنها تهب‬ ‫احلياة اىل البدن وأنها تستمد احلياة من ذاته‬ ‫ان فأن احلياة كامنة فيها‪ ،‬فهي التفند احلياة يف‬ ‫وقت من األوقات‪.‬‬ ‫‪-10‬لقد ترتب على الرؤية االفلوطينية يف مسألة‬ ‫خلود النفس معايري قيمية خاصة لإلنسان‬ ‫وكذلك معرفية‪ ،‬كما ان اعتقاده بتناسخ األرواح‬ ‫ترتب عليه الكثري من القضايا االجتماعية‬ ‫والسياسية والعدالة االجتماعية من عدم‬ ‫التمييز بني اجلنسني وكذلك املساواة والتطلع‬ ‫للجانب الروحاني لإلنسان‪.‬‬ ‫‪-11‬لقد أستمد افلوطني ألكثري من أرائه حول‬ ‫النفس من الرتاث الشرقي والديين وكذلك الرتاث‬ ‫اإلغريقي وخاصة االورف��ي��ة والفيثاغورية‬ ‫واالفالطونية‪.‬‬


‫‪-12‬الميكن فهم الفلسفة االفلوطينية يف جانبيه‬ ‫ألفيزيائي وامليتافيزيكي دون فهم النفس فهمآ‬ ‫دقيقآ‪.‬‬ ‫اهلوامش واالحاالت‪:‬‬ ‫(‪)1‬ص��ل��ي��ب��ا‪ ،‬مج��ي��ل‪ :‬املعجم الفلسفي‪ ،‬ج‪،2‬‬ ‫منشورات ذوى القربى‪ ،‬مطبعة سليمانزاده‪،‬‬ ‫ط‪ ،1‬قم ‪ ،1385‬ص‪. 481‬‬ ‫(‪)2‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪. 482‬‬ ‫(‪)3‬االعسم‪ ،‬عبد األمري‪ :‬املصطلح الفلسفي عند‬ ‫العرب (دراس��ة وحتقيق)‪ ،‬منشورات مكتبة‬ ‫الفكر العربي‪ ،‬ط‪ ،1‬بغداد ‪ ،1985‬ص ‪. 242‬‬ ‫(‪)4‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪. 243‬‬ ‫(‪)5‬كرم‪ ،‬يوسف‪ :‬تاريخ الفلسفة اليونانية‪ ،‬دار‬ ‫القلم‪ ،‬بريوت‪ ،‬ص‪13‬؛ وكذلك ال ياسني‪ ،‬جعفر‪:‬‬ ‫فالسفة يونانيون‪ ،‬من طاليس إىل سقراط‪،‬‬ ‫مكتبة الفكر العربي للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪،3‬‬ ‫بغداد ‪ ،1985‬ص‪. 22‬‬ ‫(‪)6‬هريقليطس‪ ،‬جدل احلب واحلرب‪ ،‬ترمجة‬ ‫وتقديم وتعليق‪ ،‬جماهد عبد املنعم جماهد‪ ،‬دار‬ ‫التنوير‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت ‪ ،2008‬ص ‪. 86‬‬ ‫(‪)7‬جديدي‪ ،‬حممد‪ :‬الفلسفة اإلغريقية‪ ،‬الدار‬ ‫العربية للعلوم ناشرون‪ ،‬منشورات االختالف‪،‬‬ ‫ط‪ ،1‬اجلزائر ‪ ،2009‬ص‪. 121‬‬ ‫(‪)8‬انظر؛ كيسيديس‪ ،‬ثيوكاريس‪ :‬سقراط‪،‬‬ ‫مسألة اجلدل‪ ،‬ت‪ ،‬طالل السهيل‪ ،‬دار الفارابي‪،‬‬ ‫ط‪ ،3‬بريوت ‪ ،2006‬ص‪. 167‬‬ ‫(‪)9‬انظر‪ ،‬أفالطون‪ :‬اجلمهورية‪ ،‬دراسة وترمجة‪،‬‬ ‫فؤاد زكريا‪ ،‬دار الوفاء للطباعة‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬ ‫ص‪ . 524‬وكذلك للمزيد؛ اليسوعي‪ ،‬األب جيمس‬

‫فينيكان‪ :‬أفالطون‪ ،‬دار املشرق‪ ،‬بريوت ‪،2002‬‬ ‫ص‪. 68‬‬ ‫(‪)10‬أفالطون و مينون (يف الفضيلة )‪ ،‬ت‪ ،‬عزت‬ ‫قرني‪ ،‬دار قباء‪ ،‬القاهرة ‪ 2001‬ص‪. 61‬‬ ‫(‪)11‬أرس��ط��و طاليس‪ :‬كتاب النفس‪ ،‬ت‪ :‬امحد‬ ‫فؤاد االهوائي‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪،‬‬ ‫القاهرة (د ‪ .‬ت )‪ ،‬ص‪. 45‬‬ ‫* ول��د أفلوطني – ‪ ،Plotinus‬على وجه‬ ‫التقريب يف(‪ 205‬م) مبصر ويصفه فورفوريوس‬ ‫ً‬ ‫قائال‪ ،‬كان أفلوطني‪ ،‬الفيلسوف الذي أدركناه‬ ‫ً‬ ‫ح��ي��ا‪ ،‬كمستحي م��ن ك��ون��ه يف ج��س��د‪ ،‬وتلك‬ ‫حالة نفسية كانت حتمله على أن ال يذكر‬ ‫ً‬ ‫شيئا ع��ن أس�لاف��ه أو أب��وي��ه أو وط��ن��ه‪ ،‬لذا‬ ‫ج��اءت اآلراء متضاربة ح��ول تاريخ ميالده‬ ‫وحياته‪ ،‬ويذكر انه مل يبدأ بالكتابة إال يف عام‬ ‫‪ ،254‬حني كان يف التاسعة واخلمسني من العمر‪،‬‬ ‫ويذكر بأنه تويف يف ‪ 270‬م (ينظر‪ ،‬احلنفي‪ ،‬عبد‬ ‫املنعم‪ :‬املوسوعة الفلسفية‪ ،‬دار ابن زي��دون‪،‬‬ ‫بريوت ط‪ ،1‬د ‪.‬ت‪ ،‬بريوت‪ ،‬ص ‪.) 57‬‬ ‫** أود اإلشارة إىل انه ويف نشوة الدكتور فؤاد‬ ‫زكريا‪ ،‬يف ترمجته للتساعية الرابعة يف النفس‪،‬‬ ‫قد استخدم مصطلح العقل‪ ،‬ويف حني جند أن‬ ‫فريد جرب يف ترمجته الكاملة لـ (تاسوعات‬ ‫أفلوطني)‪ ،‬استخدم مصطلح ال��روح = العقل‪،‬‬ ‫والروحاني أو العامل الروحاني = العامل املعقول‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ووفقا لسياق‬ ‫وأننا سنحاول األخذ باملصطلحني‬ ‫حبثنا‪.‬‬ ‫(‪)12‬أفلوطني‪ :‬التاسوعات‪ ،‬نقلة إىل العربية‬ ‫عن األصل اليوناني‪ ،‬د ‪ .‬فريد جرب‪ ،‬مراجعة‬ ‫د‪.‬جريار جهامي ومسيح دغيم‪ ،‬مكتبة لبنان‪،‬‬ ‫ط‪ ،1‬بريوت ‪ ،1997‬ص‪. 301‬‬ ‫‪329‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪330‬‬

‫(‪)13‬ان��ظ��ر؛ أفلوطني‪ :‬التساعية الرابعة يف‬ ‫النفس‪ ،‬دراسة وترمجة فؤاد زكريا مراجعة‬ ‫حممد سليم سامل‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للتأليف‬ ‫والنشر‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة ‪ ،1970‬ص‪. 94‬‬ ‫(‪)14‬أفلوطني‪ ،‬التساعية الرابعة يف النفس (نشرة‬ ‫فؤاد زكريا)‪ ،‬ص‪ ،96‬وكذلك ينظر بهذا الصدد؛‬ ‫ريان‪ ،‬حممد علي‪ :‬تاريخ الفكر الفلسفي (أرسطو‬ ‫وامل��دارس املتأخرة)‪ ،‬دار الوفاء للطباعة‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫اإلسكندرية‪ ،2007 ،‬ص‪. 269‬‬ ‫(‪)15‬أفلوطني‪ :‬التاسوعات (نشرة فريد جرب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وأيضا‪ ،‬خالد‪ ،‬غسان‪ :‬أفلوطني (رائد‬ ‫ص‪302‬؛‬ ‫الوحدانية ومنهل الفالسفة العرب )‪ ،‬منشورات‬ ‫عويدات‪ ،‬ط‪ ،1‬باريس ‪ ،1983‬ص‪. 127‬‬ ‫(‪)16‬أف��ل��وط�ين‪ :‬التساعية الرابعة يف النفس‬ ‫(نشرة فؤاد زكريا)‪ ،‬ص‪. 174‬‬ ‫(‪)17‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪. 174‬‬ ‫(‪)18‬أفلوطني‪ :‬التاسوعات (نشرة فريد جرب)‪،‬‬ ‫ص‪. 306‬‬ ‫(‪)19‬أفلوطني‪ :‬التاسوعات‪ ،‬التاسوع اخلامس‬ ‫ً‬ ‫وأيضا‪ ،‬كرم‪ ،‬يوسف‪:‬‬ ‫(نشرة فريد جرب)‪ ،‬ص‪426‬‬ ‫ً‬ ‫سابقا‪ ،‬ص‪. 292‬‬ ‫ذكر‬ ‫(‪)20‬مطر‪ ،‬أمرية حلمي‪ :‬الفلسفة عند اليونان‪،‬‬ ‫دار النهضة العربية‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة ‪ ،1968‬ص‪454‬‬ ‫(‪)21‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪. 454‬‬ ‫(‪)22‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪. 178‬‬ ‫(‪)23‬نفسه‪ ،‬ص‪. 180‬‬ ‫(‪)24‬ن��ف��س��ه‪ ،‬ص‪ ،177‬وكذلك ينظر؛ مح��ادة‪،‬‬ ‫حسني صاحل‪ :‬دراسات يف الفلسفة اليونانية‪ ،‬ج‪،2‬‬ ‫دار اهلادي‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت ‪ ،2005‬ص‪. 431‬‬ ‫(‪)25‬بدوي‪ ،‬عبد الرمحن‪ :‬أفلوطني عند العرب‪،‬‬ ‫وكالة املطبوعات‪ ،‬ط‪ ،3‬الكويت ‪ ،1977‬ص‪. 18‬‬

‫ً‬ ‫سابقا (نشرة فؤاد زكريا )‬ ‫(‪)26‬أفلوطني‪ :‬ذكر‬ ‫ص‪. 188‬‬ ‫(‪)27‬ينظر؛ أفلوطني‪ :‬التساعية الرابعة يف‬ ‫النفس (نشرة ف��ؤاد زكريا)‪ ،‬ص‪ ،107‬وكذلك‬ ‫للمزيد حول مقارنة آراء أفلوطني واملذهب‬ ‫الرواقي حول مشكلة النفس؛ ينظر؛ اجرو‪ ،‬ف‪:‬‬ ‫رسالة يف النظام الفلسفي للرواقيني‪ ،‬منشورات‬ ‫الفرات‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت ‪ ،2009‬ص‪ 115‬وما تالها ‪.‬‬ ‫(‪)28‬ينظر؛ افلوطني‪ :‬التاسوعات‪( ،‬نشرة فريد‬ ‫جرب )‪ ،‬ص‪. 320‬‬ ‫(‪)29‬فاخوري‪ ،‬حنا و(خليل اجلر)‪ :‬تاريخ الفكر‬ ‫الفلسفي عند العرب‪ ،‬مكتبة لبنان (ناشرون )‬ ‫ط‪ ،1‬بريوت ‪ ،2001‬ص‪. 112‬‬ ‫(‪)30‬فرحان‪ ،‬حممد جلوب‪ :‬النفس اإلنسانية‪،‬‬ ‫مديرية دار الكتب للطباعة والنشر – جامعة‬ ‫املوصل‪ ،‬ط‪ ،1‬املوصل ‪ ،1986‬ص‪. 146‬‬ ‫(‪)31‬أفلوطني‪ :‬التساعية الرابعة (نشرة فؤاد‬ ‫زكريا )‪ ،‬ص‪. 162‬‬ ‫ً‬ ‫سابقا‪ ،‬ص‪،146‬‬ ‫(‪)32‬فرحان‪ ،‬حممد جلوب‪ :‬ذكر‬ ‫وكذلك ينظر‪ ،‬بيصار‪ ،‬حممد‪ :‬الفلسفة اليونانية‬ ‫(مقدمات ومذاهب )‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫بريوت ‪ ،1973‬ص‪. 156‬‬ ‫(‪)33‬زكريا ف��ؤاد‪ :‬دراس��ة للتساعية الرابعة يف‬ ‫ً‬ ‫سابقا‪ ،‬ص‪. 125‬‬ ‫النفس‪ ،‬ذكر‬ ‫(‪)34‬مصدر نفسه ‪ .‬ص‪. 126‬‬ ‫(‪)35‬زكريا‪ ،‬فؤاد‪ :‬نفسه ص‪. 127‬‬ ‫(‪)36‬أفلوطني‪ :‬التساعية الرابعة(نشرة فؤاد‬ ‫زكريا)‪ ،‬ص‪. 46‬‬ ‫(‪)37‬نفسه‪ :‬ص‪. 294‬‬ ‫(‪)38‬نفسه‪ :‬ص‪. 295‬‬ ‫(‪)39‬نفسه‪. 295 :‬‬


‫(‪)40‬ينظر؛ ميت‪ ،‬كريم‪ :‬الفلسفة اليونانية‪،‬‬ ‫ب��غ��داد‪ ،1971 ،‬ص‪ ،293‬وكذلك فرنر‪ ،‬ش��ارل‪:‬‬ ‫الفلسفة اليونانية‪ ،‬ترمجة تيسري شيخ األرض‪،‬‬ ‫ط‪ ،1‬بريوت ‪ ،1968‬ص‪. 235‬‬ ‫ً‬ ‫سابقا‪ ،‬ص‪. 132‬‬ ‫(‪)41‬زكريا‪ ،‬فؤاد‪ :‬ذكر‬ ‫(‪)42‬أفلوطني‪ :‬التساعية الرابعة (نشرة فؤاد‬ ‫زكريا ) ص‪309‬‬ ‫(‪)43‬نفسه‪ :‬ص‪. 310‬‬ ‫ً‬ ‫سابقا‪ ،‬ص‪133‬‬ ‫(‪)44‬زكريا‪ ،‬فؤاد‪ :‬ذكر‬ ‫(‪)45‬للمزيد ينظر ‪WWW.isammemo.‬‬ ‫‪cc‬‬ ‫(‪)46‬زكريا‪ ،‬فؤاد‪ :‬ذكرسابقآ‪ ،‬ص‪.134‬‬

‫‪331‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪332‬‬

‫نقد بوبر للمنهج التاريخي وتطبيقاتها من‬ ‫وجهة نظر فلسفة العلوم‬ ‫دراسة تحليلية نقدية‬

‫د‪ .‬حسن حسني صديق‬ ‫دكتوراه فلسفة‪-‬جامعة رابرين‬


‫املقدمة‪.‬‬ ‫إن موضوع فلسفة التاريخ من وجهة نظر‬ ‫الفلسفة البوبرية هلا موقعها اخلاص يف الفلسفة‬ ‫امل��ع��اص��رة‪ .‬وذل��ك الن بوبر صاحب مشروع‬ ‫فلسفي خاص تسمى« العقالنية النقدية»‪،‬أي أن‬ ‫بوبر حيصر موضوعه قيد الدراسة يف زاوية‬ ‫ويستعرض مجيع االجوبة واحللول املقرتحة‬ ‫ثم يعطي رأيه حوهلا‪.‬وقد جاءت دراستنا حتت‬ ‫عنوان « نقد بوبر للمنهج التارخيي من وجهة‬ ‫نظر فلسفة العلوم»‪ ،‬الشك أن من أراد ان يفهم‬ ‫موقف بوبر من التاريخ فعليه أن يتطلع أو يقرأ‬ ‫بوبر من زواية فلسفة العلم واملنطق الرياضي‪.‬‬ ‫هلذا حاولت التوفيق بني اجلانبني قدر االمكان‬ ‫من اجل إعطاء واضحة ملوقفه‪.‬‬ ‫حيث ج��اءت دراستنا يف مبحثني رئيسني‪،‬‬ ‫تتناول يف املبحث االول موقف بوبر من املنهج‬ ‫التارخيي مستعرضني رأيه من خالل التمييز‬ ‫ب�ين منهج كتابة ال��ت��اري��خ ومنهج البحث‬ ‫العلمي يف العلوم الطبيعية حتت عناون فرعي‬ ‫« املنهج التارخيي ومس��ات العلم» الغاية منها‬ ‫االجابة عما إذا كان التاريخ تسمى ً‬ ‫علما أم ال؟‬ ‫وقد اعتمدنا على بعض املفاهيم املستخدمة‬ ‫يف العلوم من قبيل احلتمية ‪ -‬التنبؤات»‪.‬حنن‬ ‫نعلم أن العلوم الطبيعية كما يقال تعتمد يف‬ ‫تفسرياتها على مبدأ احلتمية والتنبؤات‪.‬وهذه‬ ‫يف الوقت احلاضر مسألة فيها نظر‪ .‬ثم عرضنا‬ ‫ملوقف بوبر من مذهب «التارخيانية» مذهب‬ ‫هؤالء الذين يؤمنون بالنزعة احلتمية لتفسري‬ ‫االح��داث التارخيية ونقد بوبر هلم‪.‬ومقارنة‬ ‫ذلك بالعلوم االجتماعية والطبيعية‪.‬‬ ‫ونتناول يف املبحث الثاني حتت عنوان « التاريخ‬

‫ومشكلة التنبؤات وقابلية تكذيب النظريات»‬ ‫موضوع عدم االمكان بالتنبؤات عن االحداث‬ ‫التارخيية وبيان أسبابها املنطقية‪.‬وعالقة‬ ‫ذلك بالتصور اخلاطئ للمنهج العلمي والتعميم‬ ‫واملوضوعية ومدى قابلية تطبيقها يف العلوم‬ ‫االجتماعية ومنها التاريخ‪ .‬ونعرض يف نهاية‬ ‫البحث موضوع البد من تناوله وهي « قابلية‬ ‫تكذيب النظريات» الن بوبر اشتهر من خالهلا‬ ‫وحاول أن ميييز بني العلم والالعلم عن طريق‬ ‫ذلك املعيار‪.‬‬ ‫اهلدف من البحث‪ :‬إن موضوع فلسفة التاريخ‬ ‫من زاوية بوبرية مهم جداً النه يعطينا تصور‬ ‫خاص مبين على املنطق والعلم عن التاريخ من‬ ‫جهة‪ ،‬ومن جهة اخرى‪ ،‬رأيت من الضروري أن‬ ‫نقدم كارل بوبر كفيلسوف معاصر للتاريخ فهو‬ ‫معروف يف االوس��اط العلمية والفلسفية بإنه‬ ‫فيلسوف علم ‪.‬إضافة إىل أهمية منهجه يف التفكري‬ ‫ذات االبعاد التطورية والنقدية والعقالنية‪.‬‬ ‫أما خبصوص منهج البحث الذي أعتمده الباحث‬ ‫فهي املنهج التحليل العرضي‪ .‬وقد ح��اول ان‬ ‫يعرض وجهة نظر بوبر ومن ثم حتليله وفق‬ ‫االطار العام لفلسفته‪.‬‬

‫املبحث االول‪ :‬موقف بوبر من املنهج التارخيي‬ ‫العلمي‪.‬‬ ‫‪ - 1‬املنهج التارخيي ومسات العلم‪:‬‬ ‫يستهل بوبر كتابه (عقم املذهب التارخيي)‬ ‫بهذه املقولة ليس هناك حتمية يف سري التاريخ‪،‬‬ ‫أي أن بوبر ال يؤمن بالنزعة التارخيية القائلة‬ ‫‪333‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪334‬‬

‫حبتمية التاريخ الن التاريخ عبارة عن تأويالت‬ ‫أو اجت��اه��ات أو رغ��ب��ات وه��ذه مجيعا بعيدة‬ ‫ع��ن املوضوعية وحتى ع��ن مبدأ احلتمية‪.‬‬ ‫ويقدم بوبر تعريفا للمذهب التارخيي بقوله‬ ‫« إن التارخيانية مذهب هؤالء الذين يؤمنون‬ ‫حبتمية التاريخ‪ ،‬أي ان التاريخ عبارة عن نزعة‬ ‫أو ميل )‪ .‬ولكن ما السبب يف قول التارخيانني‬ ‫باحلتمية؟ يرى بوبر ان النجاحات الباهرة يف‬ ‫جمال العلوم الطبيعية والتطورات اليت حصلت‬ ‫دفعت بكارل ماركس أن يقول ب (التطورية يف‬ ‫الواقع االجتماعي)‪ ،‬أي ان ما حدث يف جمال العلوم‬ ‫الطبيعية عكسها علماء العلوم االجتماعية على‬ ‫واقع علومهم من اجل إضفاء الطابع العلمي على‬ ‫تفسرياتهم‪ .‬ولكن بوبر جيد بان حجتهم يف هذا‬ ‫ضعيفة الن من مسات العلوم الطبيعية تكذيب‬ ‫وتصويب نظرياتها باستمرار وجوهر تطورها‬ ‫وتغريها تكمن يف صريورة واستمرارية تكذيب‬ ‫نظرياته‪ .‬والسؤال الذي يطرح نفسه هي‪ :‬هل‬ ‫العلوم االجتماعية تتسم بهذه امليزة؟‪.‬‬ ‫حيث تناول بوبر يف مؤلفاته التاريخ من حيث‬ ‫املعنى واملفهوم و املنهج ويف رأيه ان ما نسميه‬ ‫بفلسفة التاريخ يدور دائما حول ثالثة اسئلة‬ ‫كربى متمثلة ب‪ - 1:‬هل هناك خطة للتاريخ؟ ‪2‬‬ ‫ ما فائدة التاريخ؟ ‪ - 3‬كيف ينبغي علينا كتابة‬‫التاريخ‪ ،‬أو ما هو منهج التاريخ؟ (‪.)1‬‬ ‫وحنن الذي يهمنا يف هذا املبحث هو السؤال الثالث‬ ‫اخلاص باملنهج الذي يستخدمه التاريخ حتى‬ ‫يكون واضحا ما نبغي اليه من تبيان علمية‬ ‫التاريخ من ال علميته وفق املنظور البوبري‬ ‫للتاريخ‪.‬من هنا نطرح السؤال اجلوهري اخلاص‬ ‫بالعالقة بني العلم والتاريخ من حيث مسات‬

‫املنهج العلمي‪ ،‬ونقول ما املنهج ال��ذي ميكن‬ ‫للتاريخ ان يستخدمه يف كتابة احداثه؟ هل‬ ‫هي نفس املنهج املستخدم يف العلوم الطبيعية؟‬ ‫ولالجابة عن هذه االسئلة حناول أن نستعرض‬ ‫فلسفة (كارل بوبر ) يف هذه املسألة‪.‬‬ ‫إننا نعلم جيدا ان كتابة التاريخ يتطلب‬ ‫ً‬ ‫موضوعيا وان يوضح دائما‬ ‫من املؤرخ ان يكون‬ ‫متى أضاف ارءا شخصية حول أمور سياسية‬ ‫واخالقية الن آرائه واقرتاحاته ليست هلا نفس‬ ‫الطبيعة ملزاعمه حول الوقائع التارخيية (‪.)2‬‬ ‫أي أن املؤرخ عندما يريد ان يضيف شيئا من‬ ‫معلوماته الذاتية على احلدث اثناء كتابته يكون‬ ‫سببا يف غموض حقيقة احل��دث‪ ،‬وكما يكون‬ ‫سببا يف فقدان الدقة واملوضوعية مما يصعب‬ ‫بعد ذلك التحقق منه او اختباره مع وقائعه‬ ‫االصلية‪ .‬فعدم إمكانية اختبار النظريات‬ ‫التارخيية راجعة اىل الوقائع التارخيية نفسها‬ ‫النها غالبا ما تكون حم��ددة ج��دا وال تسمح‬ ‫بتكرارها او إحداثها مرة اخرى‪ ،‬كما تتم مجعها‬ ‫وفقا لوجهة نظر حمددة من قبل‪ .‬إذ بدون ما‬ ‫يعرف مبصادر التاريخ فقط تلك الوقائع اليت‬ ‫كان تدوينها مهما بشكل كاف حبيث غالبا ما‬ ‫تتضمن هذه الوقائع اليت تتفق مع نظرية‬ ‫حم��ددة من قبل‪،‬وما دام ال يوجد يف متناول‬ ‫أيدينا وقائع اخرى‪ ،‬فلن ميكننا إختبار هذه‬ ‫النظرية او نظرية اخرى (‪.)3‬‬ ‫ولكن االقرتاحات واالراء والفروض اليت يضعها‬ ‫املؤرخ كتنبؤات ال ميكن أن تكون موضوعية او‬ ‫علمية‪ ،‬الن من حيث املبدأ يكون من املمتنع‬ ‫إمكان وضع تنبؤات علمية غري مشروطة فيما‬


‫يتعلق بالتاريخ البشري‪ ،‬أم��ا فكرة ان جناح‬ ‫التنبؤ بالكسوف يقدم أم�لا يف جن��اح التنبؤ‬ ‫بتطور التاريخ البشري فقد تبني أنه يقوم على‬ ‫سوء فهم فادح‪،‬وانه مغلوط متاما‪ .‬يقول بوبر يف‬ ‫احلدوس االفرتاضية والتفنيدات إن واقعة أننا‬ ‫نتنبأ بظواهر الكسوف واخلسوف ال تقدم إذن‬ ‫مربرا صحيحا الن نتوقع أن بامكاننا أن نتنبأ‬ ‫بالثورات « (‪ .)4‬نعم صحيح أنه ال ميكننا معرفة‬ ‫املستقبل‪ ،‬لكن علماء االجتماع أمضوا الكثري‬ ‫من الوقت‪ ،‬وبذلوا الكثري من اجلهد الطالق‬ ‫التوقعات املختلفة‪ ،‬حيث أننا نلتمس من كالم‬ ‫(كارلوس فيالس) الذي يقول‪ :‬من اخلطري أن‬ ‫نقيم احتمال الثورة يف أي وضع معني‪ ،‬وال ميكن‬ ‫حسم املسألة اال يف حالة حصلت الثورة املتوقعة‪،‬‬ ‫ومن ثم القيام بذلك(‪ .)5‬يتبني من خالل ما‬ ‫تقدم ان مسألة التنبؤ أو التكهن حبدوث اية‬ ‫ثورة يف املستقبل مهما كان توقعات العلماء يف‬ ‫هذا اخلصوص تتمتع بالدقة واملوضوعية إال‬ ‫أنها مل تؤتى مثارها إن مل يقع احلدث كما هي‬ ‫حال توقعات العلماء حيال حدوث الثورات وهذا‬ ‫راج��ع اىل اسباب تتعلق باجلانب الشخصي أو‬ ‫االجتماعي أو السياسي للعامل‪.‬‬ ‫من هنا جند بوبر يف تفنيده للمذهب التارخيي‬ ‫يقول‪ :‬ومن ذلك احلني وفقت اىل تفنيد املذهب‬ ‫التارخيي‪ ،‬إذ بينت أنه يستحيل علينا التنبؤ‬ ‫مبستقبل سري التاريخ‪ ،‬وذلك السباب منطقية‬ ‫حبته‪ ...،‬وميكن حصر الدليل يف القضايا التالية‪:‬‬ ‫‪ - 1‬يتأثر التاريخ االنساني يف سريه تاثرا قويا‬ ‫بنمو املعرفة االنسانية‪.‬‬ ‫‪ - 2‬ال ميكن لنا بالطرقة العقلية أو العلمية‪ ،‬أن‬ ‫نتنبأ بكيفية منو معارفنا العلمية‪.‬‬

‫‪ - 3‬إذن فال ميكننا التنبؤ مبستقبل سري التاريخ‬ ‫االنساني‪.‬‬ ‫وه��ذا معناه أننا جيب أن نرفض إمكان قيام‬ ‫تاريخ نظري‪،‬أي قيام علم تارخيي اجتماعي‬ ‫يقابل علم الطبيعة النظري‪ .‬وال ميكن ان‬ ‫تقوم نظرية علمية يف التطور التارخيي تصلح‬ ‫أن تكون اساسا للتنبؤ التارخيي (‪ .)6‬والنقطة‬ ‫احلامسة يف هذه االدلة هي النقطة الثانية اليت‬ ‫تقول بأستحالة التنبؤ بنمو املعرفة‪ .‬وذلك‬ ‫أنه إذا أمكن التنبؤ باملعرفة املستقبلية فانها‬ ‫تكون حبوزتها االن ولن تكون مستقبلية‪ .‬إذا‬ ‫أمكننا التنبؤ باملكتشفات املستقبلية فانها تكون‬ ‫مكتشفات (حاضرة)‪ .‬من ذلك يرتتب أنه اذا‬ ‫كان املستقبل يشتمل على اية مكتشفات هامة‬ ‫على االطالق فان من احملال التنبؤ بها علميا‪،‬‬ ‫حتى لو كانت حمتمة مبعزل عن الرغبات‬ ‫االنسانية(‪ .)7‬ولكن إننا نعلم حتى يف العلوم‬ ‫الطبيعية ان العلماء كثريا م��ا يستخدمون‬ ‫تنبؤاتهم باملكتشفات والظواهر العلمية‪ ،‬فهل‬ ‫نستطيع أن نقول أن تلك املكتشفات إذا ما تنبأ‬ ‫به العامل تكون حاضرة امامه وال يعد بالتالي‬ ‫اكتشافا ومن ثم تقدما وتطورا؟‬ ‫إذن االختالف املوجود حلد االن بني التاريخ‬ ‫والعلم (العلم الطبيعي) من حيث املنهج هي‬ ‫يف مسألة املوضوعية والتنبؤات الننا نعلم أن‬ ‫يف العلوم الطبيعية يستطيع العامل أن يكون‬ ‫موضوعيا ومتنبأ حبدوث الظواهر‪ ،‬إضافة اىل‬ ‫أن هناك إختالفا أخر بني العلم والتاريخ من‬ ‫حيث املنهج ويرجع اىل ان املنهج املزعوم للعامل‬ ‫احمل�ترف ه��و‪ :‬يبدأ من مالحظات‪ ،‬ويالحظ‪،‬‬ ‫‪335‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪336‬‬

‫ويواصل املالحظة‪ .‬واملنهج املزعوم للمؤرخ‬ ‫احملرتف هو‪ :‬يبدأ من الوثائق‪ ،‬يقرأ الوثائق‪،‬‬ ‫يواصل قراءة الوثائق‪ .‬حيث جند بوبر يقول‬ ‫بهذا اخلصوص‪ :‬ينبغي علينا يف تفهمنا للتاريخ‬ ‫إعادة بناء موقف املشكلة الذي وجد الشخص‬ ‫الفاعل نفسه فيه‪ ،‬وان نرى كيف وملاذا شكل‬ ‫تصرفه حال للمشكلة كما تراءت له(‪ .)8‬إال أننا‬ ‫يف العلوم الطبيعية نبدأ من املالحظة ونسري يف‬ ‫طريق االستقراء اىل النظرية‪ .‬أال يبدو واضحا‬ ‫أننا يف التاريخ نسري يف مسار خمتلف متاما؟ نعم‬ ‫أننا نسري يف مسار خمتلف متاما وحتى يف العلوم‬ ‫الطبيعية ايضا‪ .‬إننا نبدا يف كليهما من اساطري‪،‬‬ ‫تكدرت بفعل خطا‪ ،‬ومنها نواصل املسري عن‬ ‫طريق النقد‪ :‬عن طريق االستبعاد النقدي‬ ‫لالخطأ (‪.)9‬‬ ‫‪ - 2‬التارخيانية وموقف بوبر منها‪.‬‬ ‫جند ان بوبر يستخدم مصطلح (التارخيانية)‬ ‫كثريا يف مؤلفاته ويراه يف صورتها الكلية خطرية‬ ‫على العلم عامة وعلى العلوم االجتماعية‬ ‫خاصة‪ ،‬حيث ميز بني اجتاه ينزع اىل معارضة‬ ‫تطبيق مناهج العلوم الطبيعية على العلوم‬ ‫االجتماعية وبني اجت��اه اخر ينزع اىل تأييد‬ ‫تطبيقها‪ .‬إن لفظة التارخيانية اليت اختارها‬ ‫بوبر هي حمل تأويالت خمتلفة بني املفكرين‪.‬‬ ‫فهي عند بعضهم تعين عدم االميان باية حتمية‬ ‫مطلقة او اية نزعة غائية‪ .‬فهي عند بوبر‬ ‫طريقة يف معاجلة العلوم االجتماعية تفرتض‬ ‫أن التنبؤ التارخيي هو غايتها الرئيسية‪ ،‬كما‬ ‫يفرتض إمكان الوصول اىل هذه الغاية بالكشف‬ ‫عن القوانني أو االجتاهات أو االيقاعات اليت يسري‬ ‫التطور التارخيي وفقها‪ .‬وبهذا يكون للتاريخ‬

‫معنى أو مفتاح‪ .‬ولكن عند بوبر أن التاريخ‬ ‫ال حيمل معنى وال مفتاحا‪ ،‬وان ما مييز العلم‬ ‫هو طابعه التكنلوجي التجرييب وليس الطابع‬ ‫الكلي كما تزعم التارخيانية(‪ .)10‬إذن ال معنى‬ ‫للتاريخ اال ما نضفيه عليه حنن من معنى‪.‬‬ ‫حيث جند بوبر يقول « إن كل ضروب سوء الفهم‬ ‫ميكن أن ترد اىل ضرب واحد‪ ،‬هو االعتقاد بأن‬ ‫((االتفاق)) يتضمن العشوائية؛ أي اننا اذا كنا‬ ‫احرارا يف اختيار أي منظومة حنبها من املعايري‬ ‫فان أي منظومة اتفاقي أو اصطناعي يدل على‬ ‫ان االمر سينطوي على عنصر عشوائي مؤكد؛‬ ‫أي ق��د يكون هناك منظومات خمتلفة من‬ ‫املعايري ليس بينها شي عظيم لكي خنتاره‪ ،‬غري‬ ‫أن االصطناعية ال تتضمن العشوائية التامة باي‬ ‫شكل من االشكال (‪.)11‬‬ ‫ولكن بوبر يف كتابه (حبث عن عامل افضل)‬ ‫يدعو اىل أن��ه م��ن املمكن أن يكون للتاريخ‬ ‫معنى ولكن ليس عن طريق قوانني تارخيية‬ ‫صارمة خيضع هلا مسرية التاريخ او يرسم‬ ‫للتاريخ مستقبله كما يدعي اصحاب النظرة‬ ‫التارخيانية‪ .‬وان هذه النظريات يرفضها بوبر‬ ‫حيث يقول‪ :‬إنين متفائل فقط بالنسبة لقدرتنا‬ ‫على ان نتعلم من املاضي واحلاضر‪ ،‬ان نتعلم ان‬ ‫كثريا من االشياء الطيبة واخلبيثة كانت ممكنة‬ ‫وستظل‪ ،‬وان ليس مثة من سبب يدعونا للتخلي‬ ‫عن االمل والكفاح والعمل من اجل عامل افضل‪.‬‬ ‫(‪ .)12‬من هنا جنده يرفض فكرة وجود قانون‬ ‫كلي صارم نفسر به التاريخ‪.‬‬ ‫ون��ف��س ه��ذه املشكلة جن��ده اي��ض��ا يف العلوم‬ ‫االنسانية عامة‪ ،‬الننا جند الصعوبة يف تطبيق‬


‫املنهج التجرييب يف العلوم االجتماعية والسبب‬ ‫هو عدم مقدرتنا‪ ،‬يف امليادين االجتماعية على‬ ‫حتقيق الظروف التجريبية نفسها املتكررة‬ ‫الواحدة تلو االخ��رى‪ ،‬وهذا يف نظر بوبر فيه‬ ‫شي من احلقيقة‪ ،‬على الرغم من اننا ال نشك يف‬ ‫وجود بعض االختالفات من هذه اجلهة بني كل‬ ‫من املنهج الطبيعي واملنهج االجتماعي(‪ .)13‬اال‬ ‫اننا جند ان اصحاب املنهج التارخيي اساءوا فهم‬ ‫مناهج التجربة يف العلوم الطبيعية حيث عرب‬ ‫بوبر عن هذا بقوله‪ « :‬إن ما اوكده ان ليس مثة‬ ‫وجود ملنهج علمي أو تارخيي أو فلسفي يساعدنا‬ ‫يف أن ننتج ما يشبه تلك التنبؤات التارخيية‬ ‫الطموحة اليت تسبب اشبنجلر يف زيادة املطالبة‬ ‫بها (‪.)14‬‬ ‫من هنا جند ان السبب يف عدم تكرار احلوادث‬ ‫يف التجارب االجتماعية راجعة بالدرجة االوىل‬ ‫اىل الظروف اخلاصة بكل حادثة‪ ،‬النها قد تتغري‬ ‫من وقت الخ��ر‪ ،‬فظروف التجربة الثانية ال‬ ‫تكون شبيهة بظروف التجربة االوىل‪ ،‬وليس يف‬ ‫االمكان تكرارها يف ظروف متماثلة‪ ،‬فنشبهه «‬ ‫بالكائن العضوي « إال انه من املمكن أن نطبق‬ ‫تكرار التجربة على « حياة االنسان البيولوجية‬ ‫« عند الكالم عن الكائن العضوي‪ ،‬ولكن ال ميكن‬ ‫لنا ان نطبقها على سري التاريخ والتنبؤ به يف‬ ‫املستقبل(‪ .)15‬من هنا جند ان بوبر يعرب عن‬ ‫ه��ذا امل��وض��وع بقوله‪ « :‬إن التكرار احلقيقي‬ ‫ممتنع يف التاريخ االجتماعي‪ ،...‬نعم إن التاريخ‬ ‫قد يعيد نفسه ‪ -‬ولكنه ال يعيد نفسه أبدا يف‬ ‫نفس املستوى(‪ .)16‬إضافة اىل رفض بوبر لوجود‬ ‫قوانني باالمكان صياغته للمجتمع والتنبؤ‬ ‫باملستقبل‪ ،‬فالتاريخ ال يقوم على العلل‪ « ،‬وذلك‬

‫النه قد ال يوجد من املواقف االجتماعية ما‬ ‫يصح تفسريه بتلك القوى املعينة اليت كشفنا‬ ‫عنها‪ ،‬غري املوقف الواحد املعني الذي وفقنا اىل‬ ‫تفسريه‪ .‬وقد تكون هذه القوة فريدة يف نوعها‪:‬‬ ‫أي أنها ال تظهر إال م��رة واح����دة(‪ .)17‬يظهر‬ ‫مما تقدم أن بوبر يبعد عن التاريخ كثري من‬ ‫مسات العلم من املوضوعية والقدرة على التنبؤ‬ ‫وعدمية تكرار حوادثها وقيامها على العلل‪،‬‬ ‫ولكن يف نفس الوقت حنن ال نستطيع ان نسلخ‬ ‫التاريخ من علميته‪ ،‬فهو علم كاي علم اخر‪،‬‬ ‫من حيث قدرته على عرض املعرفة بصورة‬ ‫منسقة ومرتبة وذات منهجية يف العرض حتى‬ ‫وإن كان فيه بعض املبالغات‪ ،‬من هنا نستطيع‬ ‫أن نضفي صفة العلم على التاريخ (أي النسقية‬ ‫والرتاتيبية يف عرض معلوماته) وان كان فيه‬ ‫شي من عدم الدقة‪ ،‬وحتى هذا جنده يف العلوم‬ ‫الطبيعية املعاصرة مثل النظريات اليت تتناول‬ ‫الذرة املعروفة ب(نظرية الكوانتم)‪.‬‬ ‫املبحث الثاني‬ ‫التاريخ ومشكلة التنبؤات وقابلية تكذيب‬ ‫النظريات‪.‬‬ ‫‪ - 1‬التاريخ ومشكلة التبؤات‪:‬‬ ‫إن االهمية القصوى والبالغة للتنبؤ يف دائرة‬ ‫العلوم الطبيعية الجنده يف العلوم االجتماعية‪،‬‬ ‫أي أننا نواجه صعوبه يف إمكانية حتقيق التنبؤ‬ ‫يف تلك العلوم‪ .‬وذل��ك بسبب تعقد االبنية‬ ‫االجتماعية‪ ،‬من هنا جند أن بوبر يوضح لنا‬ ‫موقفه من مسألة التنبؤ يف العلوم االجتماعية‬ ‫من عدمه‪ ،‬حيث يقول‪ « :‬حنن ب��ازاء نوعني‬ ‫م��ن التعقيد ‪ -‬تعقيد ناشئ ع��ن استحالة‬ ‫‪337‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪338‬‬

‫العزل الصناعي‪ ،‬وتعقيد راجع اىل ان احلياة‬ ‫االجتماعية ظاهرة طبيعية تفرتض احلياة‬ ‫النفسية لالفراد‪ ،‬أي علم النفس‪ ،‬وهذا بدوره‬ ‫يفرتض علم احلياة ال��ذي يفرتض هو االخر‬ ‫علمي الكيمياء والفيزياء(‪ .)18‬إذن من خالل‬ ‫هذا النص يتبني لنا أن صعوبة واستحالة التنبؤ‬ ‫يف العلوم االجتماعية راجعة اىل الرتابط املوجود‬ ‫بني اية حادثة اجتماعية كونها ترتبط باحلياة‬ ‫االنسانية من جهة‪ ،‬والتداخل املوجود بني‬ ‫العلوم االخرى من بيولوجيا وكيمياء وفيزياء‬ ‫واهلندسة الوراثية من جهة اخرى جيعل من‬ ‫حتقيق التنبؤ بوقوع احلادثة عمال صعبا إن‬ ‫مل يكن مستحيال‪ .‬وامل��وض��وع االساسي الذي‬ ‫يعارضه بوبر ه��و عنصر التنبؤ أو النبؤة‬ ‫التارخيية‪ ،‬فهناك ميال أو اجتاها معينا يف حركة‬ ‫تطور التاريخ‪ ،‬وبالتالي ميكن أن نتنبأ بوجهته‬ ‫يف املستقبل‪ ،‬ويتمثل هذا يف رأي (توينيب ) الذي‬ ‫يعتقد بأن اجملتمعات يف حالة تطور مستمر‪ ،‬أي‬ ‫يف حالة ديناميكية‪ ،‬وهذا هو قانون حركتها‪.‬‬ ‫واننا جند ان هذه االفكار مقلدة للعلوم الطبيعية‬ ‫مثل الديناميكا والتطور‪ ،‬وكلها نابعة من العلوم‬ ‫الطبيعية(‪.)19‬‬ ‫ويف رأي بوبر أن ه��ذه االراء تستند اىل سوء‬ ‫فهم جسيم ملنهج العلم‪ ،‬وخصوصا اىل جتاهل‬ ‫التمييز بني التنبؤ العلمي والنبؤة التارخيية‪.‬‬ ‫ولكن لو أننا تطرقنا اىل اساس العلوم الطبيعية‬ ‫وبني اختالفه عن اساس العلوم االجتماعية‬ ‫رمبا نصل اىل حقيقة ما يقوله بوبر بشأن هذا‬ ‫املوضوع‪ .‬إننا نعرف باالمجاع أن العلوم الطبيعية‬ ‫تقوم اساسا على املالحظة ومن ثم التجربة‪ ،‬أما‬ ‫التاريخ فال ميكن ان يصل اىل مرتبة التجربة‪،‬‬

‫كما انه يستحيل صياغة املالحظات اليت يقوم‬ ‫عليها علم االجتماع يف شكل قوانني دقيقة‪،‬‬ ‫فحوادث اجملتمع ليست إال تقرير زمين حلوادث‬ ‫أي وقائع سياسية واجتماعية‪ .‬من هنا جند‬ ‫أن بوبر يعلن عن استعداده لكي ينقد املذهب‬ ‫التارخيي ورف��ض مقارنته بالعلم الطبيعي‬ ‫فيقول‪ :‬أن��ا على استعداد الن انقد املذهب‬ ‫التارخيي باعتباره منهجا يعجز عن امدادنا مبا‬ ‫يدعيه من نتائج (‪ .)20‬كما أننا نواجه مشكلة‬ ‫اخرى يف التاريخ اال وهي مشكلة (التعميم)‪،‬‬ ‫الننا ال نستطيع ان نطبق التعميم على التاريخ‬ ‫مثلما نطبقه على العلوم الطبيعية وهذا يعتمد‬ ‫على اطراد احل��وادث الطبيعية بصورة عامة‪،‬‬ ‫الن كل االش��ي��اء ال�تي نفرتضها يف ه��ذا العامل‬ ‫تعتمد على العلة واملعلول‪ ،‬اما يف التاريخ فاننا‬ ‫جند ان الظروف املتماثلة ال تقوم اال يف الفرتة‬ ‫التارخيية الواحدة‪ ،‬وال تستمر على حالتها مدة‬ ‫من الزمن بشكل متتابع مثلما نالحظه يف‬ ‫تتابع احلوادث الطبيعية ‪ .‬من هنا جند ان بوبر‬ ‫يشري اىل‪ :‬ان مجيع التعميمات‪ ،‬أو أهمها‪ ،‬يف العلوم‬ ‫االجتماعية‪ ،‬ال تصدق اال على الفرتة التارخيية‬ ‫املعينة اليت اجريت فيها املشاهدات املتصلة‬ ‫بهذه التعميمات «(‪.)21‬‬ ‫ولكن هناك من يصر على ان باستطاعة العلوم‬ ‫االجتماعية ان تتبع طريقة التعميم‪ ،‬اال ان هذا‬ ‫االص��رار ينشأ عنه نظرية كاذبة ومضللة اىل‬ ‫حد كبري وذلك النها نظرية تنكر على اجملتمع‬ ‫ان يتطور‪ .‬ولكن هناك ايضا من يقول بقوانني‬ ‫اجتماعية ثابتة من حيث انها نتيجة حتمية‬ ‫لقوانني الطبيعة الثابتة‪ ،‬فلجأ البعض اىل ما‬ ‫امسوه ب(قوانني االقتصاد الصارمة ) للربهنة‬


‫على بطالن التدخل بالتشريع القانوني يف‬ ‫املساومة ح��ول االج��ور بني العامل وصاحب‬ ‫العمل‪ .‬ومنهم من قبل بفكرة ثبات القوانني‬ ‫االجتماعية لتربير الواقع على حنو اخر مثل‬ ‫حتمل االم��ور يف ه��دوء كونها حتمية‪.‬إال أن‬ ‫االطرادات االجتماعية ختتلف من فرتة تارخيية‬ ‫اىل اخ��رى‪ ،‬والنشاط االنساني هي القوة اليت‬ ‫تعمل على تغيريها‪ ،‬كونها من صنع االنسان‪.‬‬ ‫إذن نستطيع القول بان دراستنا للظواهر‬ ‫التارخيية واالجتماعية يفتقد اىل املوضوعية‬ ‫العلمية الن فيها جانب من ذاتية الباحث او‬ ‫العامل فتجعل من حدوث الظاهرة امرا حتميا‬ ‫ويظهر بالتالي قانون التتابع بني ظواهرها‬ ‫مما يدفعنا اىل القول بالتعميم‪ ،‬وهذا بعيد جدا‬ ‫من منطق العلم والعقل‪ .‬كما ان االدعاء القائل‬ ‫بالتعميم وثبات القوانني االجتماعية هي حبد‬ ‫ذات��ه خيالف احد السنن الكونية واالنسانية‬ ‫املتمثلة بقانون التغري او التحول او التبدل الذي‬ ‫نشهده ونالحظه باستمرار الننا ال نستطيع ان‬ ‫نتمسك بقانون وخنضع له مسرية اجملتمع او‬ ‫التاريخ دون االخذ باسباب التغري احلاصل يف‬ ‫حياة اجملتمع االنساني‪ .‬من هنا جند ان بوبر‬ ‫يقول بأن‪ « :‬االطرادات االجتماعية ختتلف متاما‬ ‫عن االط��رادات يف العلوم الطبيعية‪ ،‬وذلك الن‬ ‫فرتاتها التارخيية خمتلفة‪ ،‬والنشاط االنساني هو‬ ‫سبب تغريها‪ ،‬الختالفها عن الطبيعة االنسانية‪،‬‬ ‫الن االنسان هو الذي اوجدها «(‪.)21‬‬ ‫ويصر بوبر ايضا على عدم امكانية اجراء‬ ‫التجارب املفيدة يف علم االجتماع كما حيدث‬ ‫يف العلوم الطبيعية‪ ،‬باعتبار ان التجارب‬

‫االجتماعية ليست جتارب باملعنى الطبيعي‪،‬‬ ‫الن املطلوب منها ليس تطور املعرفة وتقدمها‪،‬‬ ‫بل ختدم حتقيق نصر سياسي‪ ،‬وال ميكن هلذه‬ ‫التجارب أن جتري يف املخترب بعيدة عن العامل‬ ‫اخلارجي‪ ،‬حيث يقول بوبر‪ « :‬ال ميكن اجراءها‬ ‫بنفس الظروف االجتماعية ذاتها‪ ،‬الن هذه‬ ‫الظروف تتغري بعد وقوعها ألول م��رة))(‪.)23‬‬ ‫من هنا جند أن بوبر يرى بأن التغري إمنا ينتج‬ ‫عن حماوالتنا حلل مشكالتنا‪ ،‬وأن حماوالتنا‬ ‫حلل مشكالتنا تتوقف على اشياء ال ميكن التنبؤ‬ ‫بها‪،‬منها‪ :‬االختيار‪ ،‬الصدفة‪ ،‬التطور‪ ،‬وحنن‬ ‫مسئولون من بني هذه االشياء عن اختيارنا‪ .‬فاذا‬ ‫كان هناك مسري حقيقي للتاريخ فانه حنن! حنن‬ ‫الذين نسري التاريخ يف تفاعلنا بعضنا مع البعض‬ ‫ومع البيئة املادية ومع العامل‪ .‬من هنا هاجم‬ ‫بوبر مجيع النظريات التارخيية(التارخيانية)‬ ‫وقد خص منها املاركسية اليت تدعي أن التاريخ‬ ‫ميضي وفقا لقوانني علمية‪ ،‬واننا مبعرفة هذه‬ ‫القوانني ميكننا أن نتنبأ باملستقبل‪.)24(.‬‬ ‫اال أن بوبر يدحض هذا الرأي ويقدم حجته‬ ‫بأنه يستحيل التنبؤ باملعرفة املستقبلية‪ ،‬الن‬ ‫التنبؤ باملستقبل يعين أن تكون املعرفة حبوزتنا‬ ‫االن‪ ،‬فمن هنا نستطيع أن نقول أن االكتشافات‬ ‫والنجاحات والتطورات السريعة اليت حدثت‬ ‫داخل النظريات العلمية يف العلوم الطبيعية وما‬ ‫أحدثته من تغيريات يف بينة معارفنا عن الكون‬ ‫والطبيعة واالنسان كانت سببا ودافعا منطقيا‬ ‫لكي تدفع (م��ارك��س) اىل ال��ق��ول ب(امل��ذه��ب‬ ‫االجتماعي العلمي) ومن اتى بعده كان ظنهم‬ ‫بأن العلوم االجتماعية موكولة بالكشف عن‬ ‫قانون تطور اجملتمع حتى يتنبأ مبستقبله‪ .‬الن‬ ‫‪339‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪340‬‬

‫(ماركس ) قد ظن أنه عثر على (قوانني حركة‬ ‫اجملتمع) مثلما عثر (نيوتن) على قوانني‬ ‫حركة االجسام الطبيعية‪ .‬وهو ظن يقوم فهم‬ ‫خاطئ للمجتمع‪ ،‬فاجملتمع ليس ل��ه حركة‬ ‫شبيهة حبركة االجسام أو مماثلة هلا على أي حنو‬ ‫من االحناء‪ ،‬فمثل هذه القوانني ال ميكن أن يكون‬ ‫هلا وجود‪.)25( .‬‬ ‫إذن التنبؤ يف جمال كال العلمني (الطبيعي‬ ‫واالجتماعي ) يتطلب من املشاهد املوضوعية‬ ‫واحليادية وعدم التحيز والتحزب آلية فكرة‬ ‫او جهة أو مؤسسة‪ ،‬وحتى ه��ذه املوضوعية‬ ‫املثالية ال جند له مثيل يف العلوم الطبيعية الننا‬ ‫لو اعتمدنا كل االعتماد على نزاهة العامل عن‬ ‫اهلوى والذاتية‪ ،‬آلستحال العلم متاما‪ ،‬مبا يف ذلك‬ ‫علم الطبيعة‪ .‬ولكن هناك اختالف يف الدرجة‬ ‫املوضوعية بني العلوم الطبيعية واالجتماعية‪،‬‬ ‫الن قيمة املوضوعية العلمية تكمن يف ادراك‬ ‫واختبار النظريات العلمية وإمكانية إعادة‬ ‫التجربة واحلكم عليها‪ .‬إال أن التنبؤ يف العلوم‬ ‫االجتماعية أو التاريخ يكون بعيدا جدا عن‬ ‫الدقة والتحديد‪.)26(.‬‬ ‫من هنا نستطيع أن نقول إن التنبؤات اليت‬ ‫حتدث يف جمال العلوم االجتماعية أو يف جمال‬ ‫التاريخ ال يتميز بالدقة واملوضوعية وال‬ ‫نابعة من خطوات املنهج العلمي‪ ،‬بل هي أمر‬ ‫صدفة حبتة ال ميد بصلة باملوضوعية العلمية‬ ‫بالنسبة للمؤرخ أو العامل االجتماعي‪ .‬الن املؤرخ‬ ‫يف تنبؤه قد يؤثر هو نفسه يف احلوادث املتنبأ‬ ‫به‪،‬وبالتالي تنتفي املوضوعية‪ ،‬إن امل��ؤرخ يف‬ ‫تنبؤه قد يسبب التسرع يف حدوث املتنبأ به‪،‬‬

‫أو قد مينع وقوع احلادث الذي يقول إنه أت ال‬ ‫ريب فيه‪ ،‬وهذا يعين إنه أحنرف عن املوضوعية‬ ‫العلمية‪ ،‬وذلك النه قد يكون عمل على االجتاه‬ ‫الذي يفضله شخصيا‪ .‬يف حني أن املطلوب من‬ ‫العلم هو احلكم على املوضوعات حكما حمايدا ال‬ ‫يتأثر بالتوجيهات الذاتية للباحث‪.)27(.‬‬ ‫‪ - 2‬قابلية تكذيب النظريات‪:‬‬ ‫اشتهر كارل بوبر بني الفالسفة والعلماء‬ ‫وامل��ؤرخ�ين مبعياره املتميز يف فلسفة العلم‬ ‫املسمى ب(قابلية ال��ت��ك��ذي��ب)‪ ،‬حيث طبق‬ ‫هذا املعيار على النظريات العلمية وفروضها‬ ‫وتوصل اىل أن النظرية تكون علمية فقط يف‬ ‫حالة تكذيبها‪ ،‬أي إذا ما كذبت فروضها فهي‬ ‫نظرية علمية‪ .‬ومعيار التكذيب عنده يرتبط‬ ‫بتصوره لكيفية منو العلم ومفهومه ملنهج‬ ‫العلم‪،‬ويرى أن هدف العلم االقرتاب من الصدق‪،‬‬ ‫وال يتأتى له ذلك عن طريق التحقق وال عن‬ ‫كثرة البينات املؤيدة‪،‬حيث أن التطور العلمي‬ ‫عنده‪ ،‬تطور ثوري وليس تراكمي‪ ،‬فالنظريات‬ ‫املكذبة ترفض وحتل بدال منها نظريات اخرى‬ ‫قابلة للتكذيب بدورها‪ ،‬وهكذا حتى يصل اىل‬ ‫اهلدف الذي ينشده وهو االقرتاب من احلقيقة‪،‬‬ ‫أي البحث عن النظريات اليت تتفق بطريق‬ ‫أفضل مع الوقائع‪ ،‬الن منهج العلم هو املنهج‬ ‫القائم على التخمينات اجلسورة واحمل��اوالت‬ ‫املتكررة لرفض تلك التخمينات(‪ .)28‬ان العلوم‬ ‫الطبيعية هي العلوم القابلة للتكذيب‪ ،‬حيث‬ ‫يقول بوبر إن املعيار قد أوض��ح أن العلماء‬ ‫الطبيعيني يصوغون فروضا للطبيعة‪ ،‬ثم‬ ‫حيالون تفسريها يف ضوء الواقع‪ ،‬وأن هذا االمر‬


‫ال ينطبق على العلوم التارخيية‪ ،‬فليس ممكنا‬ ‫ان يضع امل��ؤرخ فرضياته يف ض��وء االح��داث‬ ‫التارخيية‪ ،‬على الرغم من وجود االختالف بني‬ ‫طبيعة العلمني‪.‬‬ ‫الن قابلية التكذيب معيار يفرق بني النظريات‬ ‫العلمية وغري العلمية‪ ،‬فانه نظرية علمية هلا‬ ‫نتائج جتريبية حمددة‪ ،‬حبيث اذا مل حتدث هذه‬ ‫النتائج فيجب الغاء هذه النظرية أو مراجعتها‪،‬‬ ‫وبطريقة أخرى فأن النظريات العلمية ختضع‬ ‫لالختبار التجرييب‪ ،‬وعندما تظهر سلبية‬ ‫واح��دة عند االختبار فال ميكن للنظرية أن‬ ‫تستمر‪.)29(.‬‬ ‫إال أن موضوع علم التاريخ كما هو معروف لنا‬ ‫مجيعا عبارة عن احداث منفردة نهتم بأسبابها‬ ‫وبتفسريها وبنتائجها‪،‬وهي بهذا تناقض العلوم‬ ‫الطبيعية والبيولوجية‪ ،‬فهي علوم تعميمية‬ ‫ال تهتم بأية اح��داث م��ف��ردة‪ ،‬بل بالقوانني‬ ‫العامة الكلية اليت حتكمها‪ .‬والتاريخ مياثل هذه‬ ‫العلوم يف أنه يفرتض ضمنا قانونا عاما‪ ،‬ولكنه‬ ‫خيتلف عنها يف أنه حي��اول أن يفسر يف ضوئه‬ ‫احلدث املنفرد املطروح للدراسة(‪ .)30‬كما ان‬ ‫النظريات التارخيية غري القابلة لالختبار يف‬ ‫نظر بوبر‪ ،‬ما هي اال ((أشباه النظريات )) وهي‬ ‫خمتلفة متاما عن النظريات العلمية القابلة‬ ‫لالختبار والتكذيب‪ ،‬وهي جمرد سرد للحوادث‬ ‫التارخيية كان قد وضعها املؤرخ الذي اعدها ومن‬ ‫االستحالة إذن إختبارها أو تكذيبها‪ .‬من هنا‬ ‫مسى بوبر النظريات التارخيية باسم(تأويالت)‬ ‫وليس نظريات علمية‪ ،‬فهي نظريات غري قابلة‬ ‫للتكذيب‪،‬إال أنه من املمكن لوقائع تارخيية ما‬ ‫ان تالئم تأويالت عدة‪،‬لكن من جهة أخرى من‬

‫املستحيل احلصول على وقائع أكثر متثل جتربة‬ ‫فاصلة كالوقائع اليت تكذب النظريات الطبيعية‬ ‫كنظرية (كيبلر و نيوتن )(‪ .)31‬إذن من حيث‬ ‫املبدأ نرى ان بوبر يرفض علمية النظريات‬ ‫التارخيية وفق معياره يف التكذيب والسبب‬ ‫يف عدم إمكانية اختبار النظريات التارخيية‬ ‫راجعة اىل الوقائع التارخيية نفسها النها غالبا‬ ‫ما تكون حم��ددة جدا وال تسمح بتكرارها أو‬ ‫إحداثها م��رة أخ��رى ‪ .‬كما تتم مجعها وفقا‬ ‫لوجهة نظر حمددة من قبل‪ .‬إذ بدون ما يعرف‬ ‫مبصادر التاريخ فقط تلك الوقائع اليت كان‬ ‫تدوينها مهما بشكل كاف حبيث غالبا ما تتضمن‬ ‫هذه الوقائع اليت تتفق مع نظرية حمددة من‬ ‫قبل‪ .‬وما دام ال يوجد يف متناول أيدينا وقائع‬ ‫أخ��رى‪ ،‬فلن ميكننا اختبار هذه النظرية أو‬ ‫نظرية غريها(‪ .)32‬الوقائع التارخيية املوجودة‬ ‫لدينا حمددة ال ميكن ان تعاد أو أن ننجزها كما‬ ‫نشأ‪ ،‬أي ال ميكن اختبارها ال سيما وان هذه‬ ‫الوقائع نفسها قد مجعت تبعا لوجهة نظر‬ ‫سالفة‪.‬من هنا يستحيل أن يكون التاريخ علما‪،‬‬ ‫النه يستحيل أن يضع نظريات قابلة لالختبار‬ ‫والتكذيب‪ .‬والسبب يف هذا‪ ،‬هي أنه باالمكان‬ ‫لوقائع تارخيية معينة أن تالئم تأويالت عدة‪،‬‬ ‫فمثال‪ ،‬قد يتبنى مفكر تأويال يقول إن التاريخ‬ ‫يسري حنو مزيد من احلرية ويتخذ من حترير‬ ‫العبيد تأييدا لنظريته‪ ،‬وقد يتبنى مفكر أخر‬ ‫تأويال أخر يقول إن التاريخ يسري حنو مزيد‬ ‫من العبودية‪ ،‬ويتخذ من التفرقة العنصرية‬ ‫تأييدا لنظريته‪ .‬وهذين التارخيني ال يتنازعان‬ ‫بل هما مكمالن لبعضهما‪ ،‬فهما تاريخ منطقة‬ ‫واحدة هي الواليات املتحدة االمريكية‪ ،‬فقط‬ ‫‪341‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪342‬‬

‫منظورا اليه من زاويتني خمتلفتني‪ .‬وليس‬ ‫هناك أي تأويل حاسم ونهائي الن التاريخ ليس‬ ‫له أي معنى حمدد‪.)33(.‬‬ ‫اخلامتة‪.‬‬ ‫لقد حاولنا يف دراستنا املوسومة (نقد بوبر‬ ‫للمنهج التارخيي وتطبيقاتها من وجهة نظر‬ ‫فلسفة العلوم‪...‬دراسة حتليلية نقدية) أن نبني‬ ‫الفهم اخلاطئ للتاريخ بني العلم واالعالم‪ .‬وقد‬ ‫توصلنا من خالل عرضنا لسمات املنهج بني‬ ‫العلم والتاريخ وكانت النتيجة بإن التاريخ ً‬ ‫وفقا‬ ‫للمنهج العلمي التعترب ً‬ ‫علما بسبب االختالف‬ ‫بينهما يف امور عديدة اهمها خطوات البداية‬ ‫يف البحث التارخيي ختتلف عن خطوات البحث‬ ‫يف العلم الطبيعي‪.‬اضافة اىل مسالة التنبؤات‬ ‫ايضا‪،‬ففي التاريخ الميكن لنا ان نتنبئ بسري‬ ‫االح��داث التارخيية مثلما هي دارجة يف جمال‬ ‫البحث العلمي‪.‬‬ ‫ولنفس االسباب رفض بوبر النظرة التارخيانية‬ ‫ احلتمية لالحداث التارخيية واعتربها غري‬‫علمية وفقا ملعايريه اخلاصة‪.‬‬ ‫وتوصلنا اىل ان الفهم اخل��اط��ئ ب�ين العلماء‬ ‫االجتماعيني ونظرتهم اىل العلوم الطبيعية‬ ‫وقرأتهم لالحداث التارخية والسياسية‪...‬‬ ‫دفعهم اىل القول بان املؤرخ يستطيع ان يتنبئ‬ ‫باملستقبل وكيفية سري التاريخ‪.‬هذه النظرة‬ ‫احلتمية املستمدة من جناحات العلوم الطبيعية‬ ‫دفع بهم اىل قول ذلك‪ .‬وقد بني بوبر خطاهم‬ ‫فيها‪ .‬واخريا اثبت بوبر وفقا ملعياره (قابلية‬ ‫التكذيب) وهو معيار هدفه التمييز بني العلم‬

‫والالعلم أو القضايا العلمية وأشباه القضايا‬ ‫م��ن خ�لال ق���درة فرضيات تلك النظريات‬ ‫للتكذيب‪،‬فكلما كانت النظرية قابلة للتكذيب‬ ‫كلما كانت علمية وهذا ما مل جنده يف العلوم‬ ‫االجتماعية والتاريخ‪.‬‬

‫اهلوامش واالحاالت‪:‬‬ ‫‪ - 1‬بوبر‪ ،‬كارل‪ ،‬اسطورة االطار‪ ،‬ترمجة‪،‬مينى طريق‬ ‫اخلولي‪،‬عامل املعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،292،2003،‬ص ‪. 159‬‬ ‫‪ - 2‬بوبر‪ ،‬كارل‪ ،‬احلياة بأسرها حلول ملشاكل‪ ،‬ترمجة‪ ،‬د‪.‬‬ ‫بهاء درويش‪ ،‬منشأة املعارف باالسكندرية‪ ،‬بدون تاريخ‪،‬‬ ‫ص ‪. 183‬‬ ‫‪ - 3‬نفس املصدر‪. 191 ،‬‬ ‫‪ –4‬مصطفى‪ ،‬عادل‪ ،‬كارل بوبر مائة عام من التنوير‬ ‫ونضرة العقل‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪ ،2002‬ص ‪. 182‬‬ ‫‪ –5‬مستقبل الثورات‪ ،‬ص ‪. 11‬‬ ‫‪ - 6‬مصطفى‪ ،‬عادل‪ ،‬كارل بوبر مائة عام من التنوير‬ ‫ونضرة العقل‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪. 179‬‬ ‫‪ - 7‬ب��وب��ر‪ ،‬ك���ارل‪ ،‬عقم امل��ذه��ب ال��ت��ارخي��ي‪ ،‬ترمجة‪،‬‬ ‫عبداحلميد صربة‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬منشاة املعارف‪،1959 ،‬‬ ‫ص‪.8-7‬‬ ‫‪ - 8‬بوبر‪ ،‬كارل‪ ،‬اسطورة االطار‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪. 177‬‬ ‫‪ - 9‬نفس املصدر‪ ،‬ص ‪. 170‬‬ ‫‪ - 10‬خريبك‪ ،‬فؤاد حممود ناصيف‪ ،‬من االبستيمولوجيا‬ ‫اىل اجملتمع ‪ -‬التارخيانية واجملتمع املفتوح عند بوبر‪،‬‬ ‫دمشق‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة‪ ،2002 ،‬ص ‪. 119 - 118‬‬ ‫‪ - 11‬مصطفى‪ ،‬عادل‪ ،‬كارل بوبر مائة عام من التنوير‪،...‬‬ ‫مصدر سابق‪ ،‬ص ‪. 183 - 182‬‬ ‫‪ - 12‬بوبر‪ ،‬كارل‪ ،‬حبث عن عامل افضل‪ ،‬ترمجة‪ ،‬امحد‬


‫مستجري‪ ،‬القاهرة‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪،2001 ،‬‬ ‫ص ‪. 177‬‬ ‫‪ - 13‬علي‪ ،‬حنان عواضة‪ ،‬النزعة العلمية يف فلسفة كارل‬ ‫بوبر بني التجربة وامليتافيزيقا‪ ،‬دار اهلادي‪ ،‬بريوت ‪-‬‬ ‫لبنان‪ ،‬ط‪ ،2002 ،1‬ص ‪. 182‬‬ ‫‪ –14‬بوبر‪ ،‬كارل‪ ،‬حبث عن عامل افضل‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‬ ‫‪. 177‬‬ ‫‪ - 15‬عواضة‪ ،‬حنان علي‪ ،‬النزعة العلمية يف فلسفة كارل‬ ‫بوبر‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪. 185 - 184‬‬ ‫‪ - 16‬بوبر‪ ،‬كارل‪ ،‬عقم املذهب التارخيي‪ ،‬مصدر سابق‪،‬‬ ‫ص ‪. 20‬‬ ‫‪ - 17‬نفس املصدر‪ ،‬ص ‪. 22‬‬ ‫‪ - 18‬عواضة‪ ،‬حنان علي‪ ،‬النزعة العلمية يف فلسفة كارل‬ ‫بوبر‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪. 186‬‬ ‫‪ - 19‬نفس املصدر‪ ،‬ص ‪. 166‬‬ ‫‪ - 20‬بوبر‪ ،‬كارل‪ ،‬عقم املذهب التارخيي‪ ،‬مصدر سابق‪،‬‬ ‫ص ‪. 78‬‬ ‫‪ 21‬نفس املصدر‪ ،‬ص ‪. 123‬‬ ‫‪ - 22‬بوبر‪ ،‬كارل‪ ،‬عقم املذهب التارخيي‪ ،‬مصدر سابق‪،‬‬ ‫ص ‪. 17‬‬ ‫‪ - 23‬بوبر‪ ،‬كارل‪ ،‬عقم املذهب التارخيي‪ ،‬مصدر سابق‪،‬‬

‫وعالقتها بالواقع التجرييب‪ ،‬دار الوفاء لدنيا الطباعة‬ ‫والنشر‪ ،‬االسكندرية‪ ،2005 ،‬ص ‪. 272‬‬ ‫‪ - 29‬عوض‪ ،‬عادل‪ ،‬منطق النظرية العلمية املعاصرة‪،‬‬ ‫مصدر سابق‪ ،‬ص ‪. 272‬‬ ‫‪ - 30‬اخلولي‪ ،‬مينى طريف‪ ،‬فلسفة كارل بوبر (منهج‬ ‫العلم ‪ -‬منطق العلم )‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكاتب‪،‬‬ ‫‪ ،2003‬ص ‪. 467‬‬ ‫‪ - 31‬عواضة‪ ،‬حنان علي‪ ،‬النزعة العلمية يف فلسفة كارل‬ ‫بوبر‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪. 192 - 191‬‬ ‫‪ - 32‬بوبر‪ ،‬كارل‪ ،‬احلياة باسرها حلول ملشاكل‪ ،‬مصدر‬ ‫سابق‪ ،‬ص ‪. 191‬‬ ‫‪ - 33‬اخلولي‪ ،‬مينى طريف‪ ،‬فلسفة كارل بوبر‪ ،‬مصدر‬ ‫سابق‪ ،‬ص ‪. 469‬‬

‫ص ‪. 19‬‬ ‫‪ - 24‬مصطفى‪ ،‬عادل‪ ،‬كارل بوبر مائة عام من التنوير‬ ‫ونضرة العقل‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪. 178‬‬ ‫‪ - 25‬مصطفى‪ ،‬ع���ادل‪ ،‬ك���ارل ب��وب��ر م��ائ��ة ع��ام من‬ ‫التنوير‪ ،...‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.180‬‬ ‫‪ - 26‬عواضة‪ ،‬حنان علي‪ ،‬النزعة العلمية يف فلسفة كارل‬ ‫بوبر‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪. 188‬‬ ‫‪ - 27‬عواضة‪ ،‬حنان علي‪ ،‬النزعة العلمية يف فلسفة كارل‬ ‫بوبر‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪. 189‬‬ ‫‪ - 28‬عوض‪ ،‬عادل‪ ،‬منطق النظرية العلمية املعاصرة‬ ‫‪343‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪344‬‬

‫مكانة روجري بيكون يف الفكر األورويب‬

‫د‪ .‬سامان حسين احمد‬ ‫دكتوراه في التاريخ الحديث‬


‫املقدمة‬ ‫ً‬ ‫كان بيكون أريبا طلعة ذو اهتمامات عامة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫اطالعا من معاصريه وزمالئه وقد ملع‬ ‫اكثر‬ ‫يف تاريخ الفكر األوروبي واصبح قيمة أعماله‬ ‫اخذ و ر ٍد شديدين‪ ،‬فهناك من‬ ‫وآث��اره موضع ٍ‬ ‫يبالغ يف قيمة مامل يفعله ومن حيط من شأن‬ ‫ما فعله‪ ،‬لكن مع هذا كله فانه من احد رجال‬ ‫ً‬ ‫مرتبة رفيعة ويف أعماله شيء‬ ‫عصره الذي بلغ‬ ‫من اجلرأة خاصة ما قام به من محلة عنيفة‬ ‫على اجلهل وانتقاد العلم والفكر واحلياة الديين‬ ‫يف عصره وأش��اد إىل معامل وإره��اص��ات العصر‬ ‫احلديث‪ .‬إن ما قام به بيكون يف كتاباته أشبه‬ ‫مبا يكون بضياء ساطع خيطف أبصار يف ظلمة‬ ‫ليل حالك‪ ،‬حيث ترك أفكاره اثر كبري يف تاريخ‬ ‫فكر األوروب��ي يف مرحلة انتقاله من العصور‬ ‫الوسيطة إىل العصور احلديثة‪ .‬من هنا فتتناول‬ ‫دراستنا مدى تأثري فكر وأعمال روجري بيكون‬ ‫على خمتلف مفاصل الفكر األوروبي‪ ،‬وفيها قمنا‬ ‫بتقسيم تلك اآلثار إىل نواحي متعددة خاصة‬ ‫األح��داث التارخيية املهمة يف فرتة عبورها من‬ ‫العصور الوسطى إىل العصور احلديثة‪ ،‬وقد بدأنا‬ ‫دراستنا بعد اإلشارة إىل حياته وأعماله بالبحث‬ ‫يف مدى تأثري أعماله على العلم واملنهج العلمي يف‬ ‫تلك الفرتة وبعدها يتطرق البحث إىل دراسة ما‬ ‫قام به بيكون يف جمال الفلسفة وكيفية تأثريه‬ ‫على املسار العقلي والفكر الفلسفي لعصره‪.‬‬ ‫أم��ا بعد ه��ذا تتناول ال��دراس��ة أعمال روجري‬ ‫بيكون وتأثرياتها يف حركة النهضة األوروبية‬ ‫وحركة اإلصالح الديين كونهما اهم حركتني‬ ‫تارخييتني يف انتقال فكر األوروبي‪ .‬أما املبحث‬ ‫األخ�ير فانه حول مكانة بيكون يف الدراسات‬

‫االستشراقية ويبحث فيه ما قام به من أعمال‬ ‫كان هلا دور يف تطور االستشراق وتغيري نظرة‬ ‫الغربيني جتاه الشرق وخاصة اإلسالم‪ .‬املبحث‬ ‫األول‪ :‬حياته و أعماله‬ ‫حياته‬ ‫على الرغم من ان املعلومات ح��ول تفاصيل‬ ‫حدما‪،‬‬ ‫تاريخ حياته وشخصيته ضئيلة إىل ٍ‬ ‫حيث مل يتطرق املصادر التارخيية بشكل دقيق‬ ‫إىل تلك التفاصيل‪ ،‬ولكن من املعروف انه ولد‬ ‫من عائلة ثرية يف إجنلرتا‪ ،‬على ما يبدو يف سنة‬ ‫‪1214‬م‪ ،‬وتلقى منذ طفولته ثقافة جيدة وتعلم‬ ‫يف جامعة أكسفورد على أي��دي أكابر أساتذة‬ ‫ومفكري عصره وحصل فيها على األرجح على‬ ‫شهادة ماجستري(‪ ،)1‬بعد ذلك بعد ان أصبح‬ ‫لديه ميل للنزعة التجريبية‪ ،‬اجته يف سنة‬ ‫‪1245‬م إىل باريس وحصل فيها على شهادة دكتورا‬ ‫يف الالهوت‪ ،‬واخذ يعمل يف جامعة باريس وألقى‬ ‫فيها حماضرات حول فلسفة أرسطو طاليس‪،‬‬ ‫لكن ترك هذه املدينة عندما مل يعجبه انشغال‬ ‫وسطها باجلدل امليتافيزيقي وال��ذي اعتربه‬ ‫عديم اجل��دوى من الناحية العلمية‪ .‬فقصد‬ ‫جنوب إيطاليا لدراسة الطب واللغتني اليونانية‬ ‫والعربية فوجد هناك الكثري م��ن املصادر‬ ‫والكتب اليونانية والعربية يف الطب والطبيعة‬ ‫والكيمياء والفلسفة‪ ،‬وانكب على دراستها‬ ‫والتأثر بها اعمق التأثري(‪.)2‬‬ ‫رجع بيكون يف نهايات العقد الرابع من قرن‬ ‫الثالث عشر إىل جامعة أكسفورد وب��دأ يبدي‬ ‫ً‬ ‫اهتماما ك��ب�يراً بالعلوم الرياضية والفلك‬ ‫والكيمياء وانكب على دراس��ة علوم القدماء‬ ‫‪345‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪346‬‬

‫اليونانيني ودرس آث��ار العلماء والفالسفة‬ ‫املسلمني واص��ب��ح اشهر أس��ات��ذة أكسفورد يف‬ ‫ع��ص��ره(‪ .)3‬بعد ذل��ك التحق بيكون يف سنة‬ ‫‪1257‬م بطائفة الرهبان الفرنسيسكاني اال‬ ‫انه استمر يف أعماله الفكرية والعلمية وبقي‬ ‫مطلعا على العلوم ومولعا بالفلسفة لذا طلب‬ ‫منه البابا (كليمنت السابع) الذي كان صديقا‬ ‫شخصيا له أن يرسل اليه وبشكل سري وعاجل‬ ‫مؤلفاته وأعماله‪ ،‬فأرسل له بيكون عن طريق‬ ‫احد كارديناالت كتابه املسمى (الكتاب الكبري)‪،‬‬ ‫وبعده بسنة أرسل له كتابه (الكتاب الصغري)‬ ‫حيث يبحث فيها املنطق والرياضيات والفيزياء‬ ‫والفلسفة وغريها من املواضيع العلمية وبعدها‬ ‫يف سنة ‪1268‬م ارس��ل ل��ه ملخصا ع��ن أفكاره‬ ‫وطروحاته‪ .4‬رغم كل هذه الشهرة واجملهودات‬ ‫العلمية والفكرية لبيكون إال إن نقده لفكر‬ ‫عصره ومحلته على الكنيسة ورجال العلم‪ ،‬أدى‬ ‫إىل حماكمته يف باريس سنة ‪1278‬م حيث اتهم‬ ‫بأنه ينكر املعجزات وانه حليف الشيطان لذا‬ ‫امر بسجنه ملدة عشر سنوات(‪ .)5‬تويف بيكون‬ ‫على ما يبدو يف سنة ‪1292‬م وذلك قبل ان ينهي‬ ‫عمله األخ�ير وحت��ت العنوان (موجز دراس��ة‬ ‫الالهوت) ودفن يف الكنيسة الفرنسيسكانية يف‬ ‫أكسفورد(‪.)6‬‬ ‫أعماله‬ ‫كان روجري بيكون من الشخصيات الطليعية يف‬ ‫عصره وأحد أكثر املولعني بالعلم واملعرفة حتى‬ ‫انه كتب يف أحد نصوصه سنة ‪1267‬م انه انفق‬ ‫أمواال طائلة يف شراء الكتب واآلالت والوسائل‬ ‫الفلكية خالل عشرين سنة اليت أمضاه يف دراسة‬

‫الفكر‪ ،‬هذا باإلضافة اىل انه قد استأجره يهودا‬ ‫ليعلموه لغتهم العربية وليعاونه على قراءة‬ ‫التوراة بلغتها األصلية(‪ ،)7‬وكتب خالل حياته‬ ‫العلمية مؤلفات كثرية اليت صنف فيها رسائل يف‬ ‫النحو واملنطق والرياضيات والعلوم التجريبية‬ ‫والزراعة والالهوت وغريها من النواحي العلمية‬ ‫ونشر الكثري منهم‪.‬‬ ‫بدأ بيكون بأعماله منذ بدايات العقد الرابع‬ ‫من القرن الثالث عشر حيث ألف عن الطب‬ ‫والعالج يف العصور الوسطى واك��د فيها على‬ ‫علم الصحة والغذاء وبعدها كتب مؤلفه حول‬ ‫السحر والطبيعة‪ .8‬كتب روج�ير بيكون يف‬ ‫مخسينات القرن الثالث عشر عدة مؤلفات منها‬ ‫(مبادئ الفلسفة العلمية)‪( ،‬مبادئ الكربى لعلم‬ ‫الرياضيات)‪ ،‬وكذلك كتب حول التقويم‪ ،‬ويف‬ ‫الستينات أرسل تلك املؤلفات اىل بابا كما سبق‬ ‫واشرنا اىل ذل��ك‪ .‬باإلضافة اىل كتابه املسمى‬ ‫ب��ـ(رس��ائ��ل يف ال��ع��دس��ات احمل��رق��ة) ويف طاقة‬ ‫االخرتاع والطبيعة العجيبة ويف تقدير احلوادث‬ ‫الطبيعية وموجز للدراسات الفلسفية وموجز‬ ‫الدراسات الالهوتية‪ ،‬فضال عن ترمجاته لبعض‬ ‫أعمال العربية(‪ .)9‬عاجل بيكون يف أعماله نواحي‬ ‫من العلوم الرياضية والفلكية واجلغرافية‬ ‫والبصريات والتنجيم واكد على أهمية التجربة‬ ‫يف العلوم الطبيعية‪ ،‬كذلك حبث يف مسائل فكرية‬ ‫وفلسفية يف عصره وناقش العوائق اليت تعرتض‬ ‫العقل والفكر الصحيحني واجلهل العام وأهمية‬ ‫العودة إىل اإلجنيل األصلي‪ ،‬فضال عن انه انتقد‬ ‫وبشكل الذع رجال العلم والفلسفة يف عصره‬ ‫وكذلك انتقد رجال الدين والرهبنة والبالط‬ ‫الكنسي(‪.)10‬‬


‫املبحث الثاني‪ :‬مكانة بيكون يف العلم‬ ‫شهدت أوروبا أواخر العصور الوسطى تطورات‬ ‫كبرية من ناحية االقتصادية واالجتماعية‪،‬‬ ‫وبدأت الزارعة والتجارة ينتعش وظهرت عدة‬ ‫مدن مستقلة أو شبه مستقلة يف تلك الفرتة‪،‬‬ ‫مما أثرت هذه التطورات بدورها على الناحية‬ ‫الفكرية والعلمية أيضا حيث بدأ الفكر والعقل‬ ‫األوروب��ي تستعد لالنتعاش وارتفع املستوى‬ ‫التعليمي وانتشر بشكل أوسع ما بني العلمانيني‬ ‫وارت��ف��ع مستوى رج��ال ال��دي��ن أيضا وظهرة‬ ‫اجلامعات واخذ تتطور يوما بعد يوم‪.‬‬ ‫ه��ذا وف��ض�لا ع��ن ت��أث��ر األوروب���ي���ون يف تلك‬ ‫الفرتة وخاصة بعد احلروب الصليبية بالرتاث‬ ‫اإلسالمي وادت احلركة الرتمجة اليت شهدتها‬ ‫تلك الفرتة إىل تعرف األوروب��ي��ون على الفكر‬ ‫والعلوم اإلسالمية بشكل أوسع وشرعوا ينهلون‬ ‫من منابعه املختلفة‪ ،‬كذلك عاد األوروبيون‬ ‫يف تلك الفرتة إىل فلسفتهم وخاصة األرسطو‬ ‫طاليسية وتأثروا بأحباث قدامى علمائهم يف‬ ‫الكيمياء والفلك والعلوم األخرى وبدأت األحباث‬ ‫العلمية اليت كانت جزءاً من الرتاث اإلسالمي‬ ‫باالنتشار يف ك��ل امل��ك��ان‪ .‬حيث أدت ك��ل هذا‬ ‫بتوسيع آف��اق األوروب��ي��ون وظهرت حم��اوالت‬ ‫التحديث وت��س��اؤالت ومناقشات يف املسائل‬ ‫اجلوهرية‪ ،‬ه��ذا فضال عن إنها أدت برجال‬ ‫العلم والدين إىل مراجعة جهودهم يف العلوم‬ ‫الطبيعية والتجريبية‪ .‬عاش بيكون يف تلك‬ ‫الفرتة وك��ان من الذين هلم إط�لاع واس��ع على‬ ‫ال�تراث اإلسالمي وخاصة العلمية والفلسفية‬ ‫منها حيث تأثر بأعمال الفارابي والرازي وابن‬ ‫سينا وغريهم(‪ ،)11‬هذا فضال عن انه كما أشري‬

‫اليه سابقا تعلم يف جامعة أكسفورد‪ ،‬حيث‬ ‫ك��ان رج��ال ه��ذه اجلامعة منذ تأسيسها على‬ ‫علم مبحتوى الكتب العلمية املرتمجة من اللغة‬ ‫العربية وكان لديهم ميول إىل اجلوانب العلمية‬ ‫التجريبية‪ ،‬خاصة منهم روبرت جروستست‬ ‫(‪1253-1175‬م) الذي وضع أسس االجتاه العلمي‬ ‫الرياضي التجرييب يف هذه اجلامعة وترك أثراً‬ ‫عميقا على تلميذه روج�ير بيكون(‪ .)12‬أدت‬ ‫ذلك ببيكون إىل إصرار على احلاجة إىل التجربة‬ ‫واملراقبة واإلثبات املباشر ودعي إىل ضرورة‬ ‫العلم ومعرفة العامل ال��ذي من حوله‪ ،‬حيث‬ ‫دعي يف احد نصوصه إىل االبتعاد عن املذاهب‬ ‫االعتقادية وسلطات املتحكمة حيث قال‪« :‬كفوا‬ ‫عن ان حتكمكم املذاهب االعتقادية وسلطات‬ ‫املتحكمة‪ ،‬وانظروا إىل عاملكم(‪ ،)13‬من هنا يبدوا‬ ‫بأن بيكون كان من أوائل العلماء األوروبيون يف‬ ‫العصور الوسطى الذين حتس فيهم روح العلمية‬ ‫هذا باإلضافة إىل انه كان يؤكد كثريا على العلوم‬ ‫التجريبية وأهميته يف العلوم الطبيعية حيث‬ ‫قال يف هذا صدد‪ :‬ان مجيع العلوم ما عدا هذا‬ ‫العلم‪-‬يقصد التجرييب‪ -‬أما إنها تستعمل اجلدل‬ ‫لالستنتاج النتائج مثل العلوم النظرية وأما‬ ‫إنها هي نفسها استنتاجات عامة ناقصة‪ ،‬والعلم‬ ‫التجرييب وحده حيقق إىل درجة الكمال وصحة‬ ‫ما ميكن الطبيعة أو الفنون أو اخلداع عمله‪ ،‬فهو‬ ‫وحده يعلمنا كيف نقف على غباء السحرة كما‬ ‫يعلمنا املنطق كيف متيز بني صحيح واخلطأ‬ ‫من اجلدل(‪.)14‬‬ ‫هكذا فان بيكون يؤكد على ضرورة التجربة‬ ‫اعتقادا منه بان التأمل وحده ال يكفي‪ ،‬لكن‬ ‫مع ذلك كله‪ ،‬نقول بان عمله كان حمدودا‪ ،‬وال‬ ‫‪347‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪348‬‬

‫نستطيع ان نشدد على انه اخرتع املنهج العلمي‪،‬‬ ‫انه وضع أساسه بشكل واض��ح‪ ،‬وان ما قام به‬ ‫يف هذا املضمار مرتبط كل االرتباط باحلركة‬ ‫العلمية اليت ش��ارك فيها كل من (فرانسيس‬ ‫ب��ي��ك��ون) و(غ��ال��ي��ل��و) وغ�يره��م م��ن علماء‬ ‫والفالسفة العصور احلديثة(‪ .)15‬أي إن بيكون‬ ‫أشار إىل ذلك املنهج العلمي احلديث الذي جاء‬ ‫بها هؤالء العلماء والفالسفة قبلهم بكثري وانه‬ ‫من ناحية األخ��رى سبق أفكار عصر النهضة‬ ‫والعصور احلديثة بإشادته بالتجربة العلمية‬ ‫وفائدتها يف تقدم العلوم احلقيقية‪ .‬باإلضافة إىل‬ ‫أشادته باملنهج العلمي فان بيكون قد ولع بعلوم‬ ‫الرياضيات والفلك والكيمياء وانكب على دراسة‬ ‫علوم القدماء املثبتة يف الكتب وك��ان نتيجة‬ ‫دراساته تلك انه قام باخرتاعات وأعمال مهمة‬ ‫من الناحية العلمية‪ .‬فتنسب اليه أعمال علمية‬ ‫كثرية منها يف الكيمياء‪ ،‬فمع انه كان أعماله‬ ‫سطحية وثانوية يف هذا اجملال انه قدم دراسات‬ ‫جيدة يف التحليل والرتكيب والتبخر والتقطري‬ ‫واالحتكاك وان��ه قسم الكيمياء إىل التأملي‬ ‫والعلمي‪ ،‬كذلك له دراس��ات عن انكسار الضوء‬ ‫ويف العدسات والقوس القزح واملرايا املقعرة‬ ‫وكذلك اصلح التقويم الشمسي الذي كان معموال‬ ‫به‪ ،‬وله دراسات يف الطب والصحة الغذاء(‪.)16‬‬ ‫كذلك له نظرات مدهشة يف اخرتاعات علمية‬ ‫واآلالت حيث اخرتع آلة مايكروسكوب ومادة‬ ‫ال تشتعل يف املاء ونوع من البارود وأيضا يسر‬ ‫إىل إمكان التوصل إىل مصابيح تضيء بغري وقود‬ ‫ومحامات ساخنة بغري نار وآالت رافعة ألكرب‬ ‫أثقال ومفرقعات تبيد اجليوش دون احلاجة إىل‬ ‫االلتحام بالسيوف(‪ .)17‬باإلضافة إىل هذا تكهن‬

‫بيكون باكتشاف آالت وأجهزة عظيمة يف جماالت‬ ‫عدة فيقول يف هذا صدد‪ :‬يف اإلمكان وجود آالت‬ ‫متخر البحر دون جمداف حيركها ومن ثم فان‬ ‫السفن الكبرية الالئقة للنهر أو احمليط اليت‬ ‫يقودها رجل واح��د‪ ،‬رمبا سارت بسرعة اكرب‬ ‫مما لو كان مليئة بالرجال وكذلك ميكن صنع‬ ‫العربات حبيث ميكن حتريكها دون احتياج‬ ‫إىل دواليب البحر‪ ،‬وهي صورة اليت نتصورها‬ ‫للعربات ذات املناجل اليت كان القدماء حياربون‬ ‫فوقها‪ ،‬ثم إن يف اإلمكان وج��ود اآلت طائرة‪،‬‬ ‫يستطيع الرجل ان جيلس يف وسطها ويدير‬ ‫شيء ختفق به أجنحة صناعية يف اهلواء على‬ ‫منوار أجنحة الطري(‪ .)18‬هكذا فانه تنبأ بإجياد‬ ‫سفن كبرية وكذلك عربات الكبرية وطائرات‬ ‫قبل إجيادها بقرون عديدة وبهذا كانت آرائه يف‬ ‫العلوم الطبيعية واخرتاعاته إرهاصا بالنهضة‬ ‫العلمية اليت شهدتها أوروبا يف القرون املقبلة‬ ‫ولذا فلقب (باإلنسان املعجزة)‪.‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬بيكون والفلسفة‬ ‫اصبح التفكري األوروبي وذكاءه مع التطورات‬ ‫االقتصادية واالجتماعية ال�تي أش�ير اليه يف‬ ‫املبحث السابق يشعر بشيء من احلرية وبدأ‬ ‫العقل بصراعه مع اإلميان أو النقل‪ ،‬فبعد أن كان‬ ‫العقل والفلسفة يف العصور الوسطى حمبوستني‬ ‫داخ��ل سياج اإلمي��ان ويقتصر التجوال بني‬ ‫مفاهيمهما‪ ،‬مغلقا عليه داخل أسوار عقيدية‬ ‫كاثوليكية‪ ،‬بدأة مع تلك التطورات مبحاوالته‬ ‫لتؤكد كيانها ويبدأ خبطواتها حنو التحرر‪،‬‬ ‫حيث ظهرت هذه احملاوالت منذ القرن احلادي‬ ‫عشر وتطور اكثر فأكثر حتى أن اقبل القرن‬


‫الثالث عشر وبدى ميدان العقل اكثر حتديدا‬ ‫ويواكب قدما مع تطورات العصر وتأثريات‬ ‫أفكار أرسطو طاليسية وال�تراث اإلسالمي يف‬ ‫الفكر الغربي حيث ظهرت تيارات وأفكار عديد‬ ‫يف الفلسفة‪ .‬كانت احد روافد هذه األفكار ظهور‬ ‫الفلسفة الطبيعية واليت مثلها روجري بيكون‬ ‫حيث اخ��ذ وحت��ت تأثري أستاذه جروستست‬ ‫جيمع بني األفالطونية احلديثة وبني الفكر‬ ‫العلمي الرياضي‪ .‬كان الرياضيات عند بيكون‬ ‫أساس العلوم‪ ،‬ويعتقد بأن املادة العلمية تأتي‬ ‫عن احلواس والتجربة‪ ،19‬هكذا بدأة الفلسفة‬ ‫الطبيعية تسري صوب الفكر التجرييب أو املنطق‬ ‫الرياضي اخلالص حيث كان ألعمال بيكون أثرا‬ ‫كبريا فيها‪.‬‬ ‫فضال عن هذا ظهرت بدايات األوىل لفلسفة‬ ‫األخ�لاق عند روج�ير بيكون حيث ي��رى بأن‬ ‫األخالق تأتي لتنري العقل يف فهم احلقيقة هلذا‬ ‫وضع اإلمكانيات اهلائلة للعلوم الطبيعية حتت‬ ‫أشراف املبادئ األخالقية حتى ال جتلب الدمار‬ ‫والويالت لإلنسانية(‪ .)20‬ويف مشكلة الكليات‬ ‫أعطى بيكون األولوية للفردي على الشامل‬ ‫واجلزئي على الكلي(‪ ،)21‬ويف ما خيص بالعقل‬ ‫الفعال وعالقته بالروح الفردية فإنه اعتنق‬ ‫مذهب ابن رشد فأعتربهما شيئني خمتلفني يف‬ ‫طبيعتهما(‪ .)22‬أما بالنسبة ملوقفه من الفلسفة‬ ‫األرسطي فبالرغم من أعجاب بيكون بأرسطو‬ ‫إال انه مل يكن من تيار أرسطي العام وإمنا كما‬ ‫أش�ير اليه ان��ه ك��ان من تيار التجرييب‪ .‬هذا‬ ‫باإلضافة إىل إن بيكون مل يوافق فكر والفلسفة‬ ‫يف عصره فانه انتقد أعمال الفكرية والفلسفية‬ ‫يف عصره بشكل العام وهاجم رج��ال الدين‬

‫ورجال العلم وانتقد عالقة الفلسفة بالالهوت‬ ‫يف تلك الفرتة وكذلك انتقد التفاسري يف العصور‬ ‫الوسطى وفهمهم للكتاب املقدس ومل يكون‬ ‫راضيا على تلك الثقة املطلقة اليت كان يبدي‬ ‫ملقوالت مدرسني األوائل‪ ،‬فوجه انتقادا الذعا‬ ‫للجهل العام بالعلوم(‪.)23‬‬ ‫املبحث الرابع‪ :‬دعوة بيكون للنهضة‬ ‫يف احلقيقة إن حركة النهضة ال�تي شهدتها‬ ‫أوروب��ا منذ أواخر القرن الرابع عشر مل يكن‬ ‫وليدة الصدفة وليست هي حركة مفاجئة‪،‬‬ ‫بل كانت األفكار اليت ظهرت استمرارا لتطور‬ ‫أفكار القرون السابقة وجاءت نتيجة طبيعية‬ ‫لنمو حرية العقل األنسان وكسره لقيود القرون‬ ‫الوسطى‪.‬‬ ‫كانت أفكار وأعمال بيكون من الروافد املهمة‬ ‫يف مسرية تلك التطورات املستمرة وفيها البذور‬ ‫األوىل هلذه احلركة التارخيية‪ ،‬حيث ان بيكون‬ ‫يف كثري من أعماله أش��اد أو دع��ى إىل النهضة‬ ‫بشكل ضمين‪ ،‬فكما أشري اليه سابقا كان أعماله‬ ‫العلمية وإصراره على التجربة العلمية ودوره‬ ‫يف تطوير الفلسفة العلمية سبق لعصر النهضة‬ ‫يف أفكارها‪ ،‬فضال عن انه ساهم يف استمرار سري‬ ‫الفكر األوروبي حنو النهضة وكان أعماله له دور‬ ‫كبري يف نشر الرتاث الشرقي يف أوروبا وخاصة‬ ‫اإلس�لام��ي وه��و من أوائ��ل األوروب��ي�ين الذين‬ ‫دع��وا إىل دراس��ة اللغات الشرقية يف جامعات‬ ‫األوروبية وأك��دت على ض��رورة االستفادة من‬ ‫الرتاث اإلسالمي وكان من اكثر املطلعني على‬ ‫هذا الرتاث(‪ ،)24‬وكان تأثريات الرتاث الشرقي يف‬ ‫الفكر الغربي احد اهم أسباب ظهور النهضة كما‬ ‫‪349‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪350‬‬

‫أكدت عليه املصادر التارخيية‪.‬‬ ‫م��ن ناحية األخ���رى يعد بيكون م��ن أوائ��ل‬ ‫ال��ذي��ن أش���ادوا بالنهضة حب��د ذات��ه��ا‪ ،‬فبما أن‬ ‫النهضة بشكل العام يف مضمونها هي نقد أفكار‬ ‫القروسطية ودعوه إىل أحياء املصادر الالتينية‬ ‫القدمية‪ ،‬فان بيكون قد سبق رجال النهضة يف‬ ‫هذا اجملال‪ ،‬حيث إن بيكون كما أشري اليه سابقا‬ ‫قد وجه نقدا الذعا للفكر القروسطي وهاجم‬ ‫رجال العلم والدين والكنيسة وانتقد أسلوب‬ ‫املدرسني يف فهم الفلسفة وكذلك هامجة كيفية‬ ‫فهمهم للكتاب املقدس وانتقد الكنيسة واألديرة‬ ‫والرهبان بشكل العام‪ .‬هكذا فانه سبق رجال‬ ‫النهضة يف انتقاد أفكار قرون الوسطى‪.‬‬ ‫ومن ناحية أخرى فان بيكون قد سبق رجال‬ ‫النهضة يف مطالبة األوروب��ي�ين للرجوع إىل‬ ‫املصادر الالتينية القدمية أيضا فانه أشار إىل‬ ‫ذلك بشكل الواضح فيقول يف احد نصوصه‬ ‫يف هذا املضمار‪« :‬لو كان لي السلطان على كتب‬ ‫أرسطو املرتمجة إىل الالتينية ألمرت بإحراقها‬ ‫مجيعا وإحالتها رمادا‪ ،‬فليس من وراء دراستها‬ ‫س��وى تضييع ال��وق��ت فضال ع��ن إنها مصدر‬ ‫أخطاء ووسيلة لنشر اجلهالة بني الناس وملا‬ ‫كانت كتابات أرسطو أساس كل فلسفة فان احد‬ ‫ال يستطيع ان يقدر اخلسارة اليت حلقة بالغرب‬ ‫منذ ع�ني فالسفتها ب��دراس��ة ه��ذه الرتمجة‬ ‫املغلوطة(‪ .)25‬هكذا فانه يدعو إىل ابتعاد عن‬ ‫املصادر املرتمجة من اللغة العربية وبعدها‬ ‫يشري إىل دراسة هذه املصادر يف لغتها األصلية‬ ‫اليونانية ويقول مبا ان الذين يعرفون اليونانية‬ ‫م��وج��ودون يف أوروب���ا حيث يشري إىل اليهود‬ ‫واملسلمني واآلراميني وكذلك يقول يف فرنسا‬

‫أيضا هناك رجال يعرفون ما هو مطلوب لسد‬ ‫هذه احلاجة ويشري إىل إن اللغة اليونانية تتفق‬ ‫اتفاقا خاصا مع الالتينية ويف كل من إجنلرتا‬ ‫وفرنسا رجال كثريون يعرفون اليونانية متام‬ ‫املعرفة وكذلك يدعو إىل تأسيس إقسام لدراسة‬ ‫اللغة اليونانية(‪.)26‬‬ ‫باإلضافة اىل النهضة نرى يف آراء روجري بيكون‬ ‫بوادر حركة تارخيية أخرى اليت شهدتها أوروبا‬ ‫وهي حركة اإلصالح الديين اليت بدأت بإعمال‬ ‫(مارتن لوثر) سنة ‪ 1517‬واستمرت أحداثها ما‬ ‫يقارب قرنا ونصف من تاريخ أوروب��ا‪ ،‬فكان‬ ‫من األف��ك��ار األساسية هل��ذه احلركة هي نقد‬ ‫رج��ال الدين وحياتهم يف العصور الوسطى‬ ‫ودعوى إىل العودة إىل املصادر املسيحية األولية‬ ‫وإصالح احلياة الديين ونقد الكنيسة والبالط‬ ‫البابوي(‪ ،)27‬فنرى إن تلك األفكار نفسه قد‬ ‫سبق إن ذكره بيكون قبل ثالثة قرون‪ ،‬فانه‬ ‫ً‬ ‫سابقا نقد رجال الدين ورهبنة‬ ‫كما أشري اليه‬ ‫وكذلك اتهم البالط الكنسي بالفساد والرهبان‬ ‫بالفجور وأشار إىل األخطاء املوجود يف الكتاب‬ ‫املقدس الكاثوليكي واألخطاء يف التفسري اإلهلي‬ ‫للكتاب املقدس و دعي إىل العودة إىل املصادر‬ ‫املسيحية الالتينية األصيلة‪.‬‬ ‫املبحث اخل��ام��س‪ :‬مكانة بيكون يف دراس��ات‬ ‫االستشراقية‬ ‫االستشراق من احلركات التارخيية األخرى اليت‬ ‫أثرت فيها روجري بيكون وأعماله‪ ،‬فاملعروف‬ ‫ان االستشراق حركة فكرية معرفية يعرب عن‬ ‫نظرة الغرب جتاه الشرق عربة تاريخ العالقات‬ ‫بني الطرفني‪ ،‬وان هذه النظرة وكيفيتها تتغري‬


‫حسب نوع العالقات وزمنها‪.‬‬ ‫من الواضح ان نظرة الغرب جت��اه الشرق يف‬ ‫امل��راح��ل األوىل م��ن العصور الوسطى حيث‬ ‫تغلب املسيحية على الفكر األوروب���ي‪ ،‬كانت‬ ‫نظرة عقيدية أيدولوجية معادية للشرق‬ ‫وخاصة اإلسالم‪ ،‬وازداد هذه الرؤية مع احلروب‬ ‫الصليبية واالتصال املباشر بني الشرق والغرب‬ ‫وخاصة لدى العلماء املسيحيني‪ .‬إال إن بعد انتهاء‬ ‫احلروب الصليبية احس الغرب انه يف حاجة‬ ‫ماسة ملقارنة بني عقيدته واإلسالم الذي هزمه‬ ‫يف احلرب‪ ،‬لذا فبعد فشل الغرب عسكريا بدئوا‬ ‫بالتفكري بالتبشري الديين‪ ،‬واستلزم هذا التبشري‬ ‫على األوروب��ي�ين تطوير دراس���ات الشرقية‬ ‫وخاصة دراسات اإلسالمية لتكون عونا وسندا‬ ‫ألهدافهم‪ .‬هكذا فمع انتهاء احلروب الصليبية‬ ‫بدأت حماوالت الغرب تزداد اكثر فاكثر ملعرفة‬ ‫ش��رق م��ن الناحية الفكرية واالجتماعية‬ ‫والتارخيية و‪...‬اخل(‪.)28‬‬ ‫كما هو معروف ف��ان بيكون ع��اش يف أواخ��ر‬ ‫احل���روب الصليبية وك��ان م��ن ال��ذي��ن ب��ادروا‬ ‫يف ه��ذه اجمل��ال أي حماولة معرفة الشرق من‬ ‫الناحية الفكرية إذ انه كان من أوائل العلماء‬ ‫املسيحيني األوروبيني الذين دعوا إىل معرفة‬ ‫الشرق ودراسته فهو كما اشر اليه سابقا شجع‬ ‫أه��ل الغرب على تدريس اللغات الشرقية يف‬ ‫اجلامعات وألغراض علمية صرفة‪ ،‬وكان احد‬ ‫اكثر املطلعني على الرتاث اإلسالمي وأشاد إىل‬ ‫انه قد استفاد من الكتب وأعمال علماء املسلمني‬ ‫أمثال الرازي وابن اهليثم وابن رشد والفارابي‬ ‫وتأثر بهم اعمق تأثري(‪.)29‬‬ ‫فبيكون من أوائ��ل األوروبيون الذين اعرتفوا‬

‫باهلزمية العسكرية يف احلروب الصليبية حيث‬ ‫ي��ق��ول‪ :‬لقد كانت احل���روب املقدسة عدمية‬ ‫اجل��دوى وعدمية النجاح‪ .‬ويشري إىل التبشري‬ ‫والتعرض إىل املسلمني فيقول حتى لو حققت‬ ‫انتصارات عسكرية على األرض لضلت عدمية‬ ‫اجلدوى‪ ،‬فلم يكن ممكنا وال يف الوسع احتالل‬ ‫األرض كلها وان املسيحية لن تنتشر وتنتصر‬ ‫بغري التبشري السليب واملوعظة احلسنة(‪.)30‬‬ ‫هكذا فان بيكون من أوائل الذين ادركوا بضرورة‬ ‫التعرف على الشرق وخاصة اإلسالم بعد إن مل‬ ‫يقدر األوروبيني على االنتصار العسكري ومن‬ ‫هنا يدعوا إىل احد مراحل تطور الدراسات‬ ‫االستشراقية اال وهي التبشري اليت طغت على‬ ‫العالقات بني الشرق والغرب يف أواخر العصور‬ ‫الوسطى‪ .‬باإلضافة إىل هذا فان بيكون على‬ ‫األرجح قد زعم تغيريات متعددة األبعاد واليت‬ ‫طرأت على طبيعة العالقة الفكرية بني اإلسالم‬ ‫والغرب األوروب��ي منذ منتصف قرن الثالث‬ ‫عشر فاملعروف إن األفكار اإلسالمية وخاصة‬ ‫بعد حركة الرتمجة وكذلك أعماهلم وتقاليدهم‬ ‫الفلسفية يف متناول األوروبيني يف تلك الفرتة‬ ‫واهتم بها الكثريون وك��ان هلذا اث��ره يف توسع‬ ‫تطلع األوروبيني على احلضارة الشرقية‪ ،‬فقد‬ ‫شكل هذا اإلسناد إىل تقاليد فلسفية واحدة‬ ‫او متقاربة بني الشرق وال��غ��رب‪ ،‬فاملعروف‬ ‫بدأ بيكون أعماله يف تلك الفرتة حيث كانت‬ ‫تلك األعمال والتقاليد الفلسفية اإلسالمية‬ ‫ومصطلحاته متداولة ومعروفة يف الالهوت‬ ‫الالتينية لذا كان عالقته باإلسالم ذات طبيعة‬ ‫فلسفية بالدرجة األوىل وانه كان من املتأثرين‬ ‫بالتقاليد الفلسفة اإلسالمية وهذا أدن إىل إن‬ ‫‪351‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪352‬‬

‫يكن ص��ورة بيكون عن اإلس�لام خمتلفة عن‬ ‫صورته املوروث لدى السابقني له‪ ،‬فانهم ذهبوا‬ ‫إىل إن اإلسالم دين سليب يف التاريخ كله‪ ،‬فهو قد‬ ‫حال دون اعتناق الناس للمسيحية وهو إمارة‬ ‫لظهور املسيح الدجال وقيام القيامة(‪ .)31‬أما‬ ‫بيكون فقد رأى خالفا هلم ان احلركة اإلسالمية‬ ‫ذات دور غري خترييب يف العامل وليست إمارة‬ ‫للدجال أو القيامة وهلا وظيفة تقوم بها قبل‬ ‫نهاية الكون‪ .‬ورأى يف اإلسالم دينا ذا صلة وثيقة‬ ‫بالفلسفة(‪ ،)32‬هكذا فان أعماله على اإلسالم‬ ‫خيتلف عن سابقيه يف هذا اجملال وانه على ما‬ ‫يبدوا أثرت على رحالة والعلماء الذين كتبوا عن‬ ‫اإلسالم يف ما بعد(‪ )33‬وكانت آرائه تلك بدايات‬ ‫للتغيريات اليت بدأت تطرأ على رؤية الغرب اىل‬ ‫الشرق يف فرتة النهضة والعصور احلديثة‪.‬‬ ‫اىل جانب هذا كله فإن بيكون عندما كان يدعوا‬ ‫إىل التبشري إمنا كان يدعو إىل الركائز والوسائل‬ ‫اليت قام عليها االستشراق يف العصور املقبلة‬ ‫حيث انه يشري إىل تلك الركائز بشكل واضح‬ ‫فهو يقول ب��أن املسيحية عاجز عن التبشري‬ ‫وذلك ألسباب ثالثة‪ ،‬األول الن ال احد يعرف‬ ‫لغات الشعوب اليت يراد التبشري بينها والثاني ال‬ ‫يعرف عقائدهم ويف النهاية ال احد ميلك حججا‬ ‫مؤسسة على املعرفة لدعوى الغري املسيحيني‬ ‫للتبشري(‪ .)34‬هكذا فانه يدعوا األوروبيني إىل‬ ‫حماولة تعلم اللغات الشرقية وهي العملية اليت‬ ‫أصبحت فيما بعد احد اهم وسائل استشراق‬ ‫لفرتة تارخيية ال تقل عن أربعة قرون حيث‬ ‫فتحت ك��راس��ي وأق��س��ام يف خمتلف جامعات‬ ‫الدول الغربية للغات الشرقية ودراستها‪ .‬هذا‬

‫فضال عن انه يشري اىل معرفة عقائد الشرقيني‬ ‫وال�تي أصحبت بدورها أيضا اجل��زء األك�بر من‬ ‫الدراسات االستشراقية يف قرون املقبلة حيث‬ ‫ان األوروبيني ابدوا اهتماما كبريا يف القرون‬ ‫احلديثة بدراسة العقائد الشرقية اجلم إضافة‬ ‫إىل ه��ذا فانه يدعوا اىل حجج مؤسسة على‬ ‫املعرفة واليت هي االستشراق حبد ذاتها‪ .‬كذلك‬ ‫اك��د بيكون على ض���رورة إن��ش��اء علم جديد‬ ‫خمتص مبعرفة أشكال الكفر وحتليلها والوصول‬ ‫اىل أصوهلا وعللها واستمرارها(‪ ،)35‬حيث من‬ ‫املعروف تلك هي القواعد األساسية اليت قامت‬ ‫االستشراق عليها‪.‬‬ ‫االستنتاج‬ ‫يف نهاية حبثنا هذا وصلنا اىل عدت استنتاجات‪،‬‬ ‫منها ان بيكون كان من ابرز شخصيات عصره‬ ‫ورود بأفكاره تأثريا واضحا على سري احلركات‬ ‫التارخيية يف نهايات العصور الوسطى‪ ،‬ويف‬ ‫أعماله وأفكاره بذور أولية ألفكار ومبادئ اليت‬ ‫راجت يف العصور احلديثة من التاريخ األوروبي‪.‬‬ ‫فهو سبق حركة النهضة والعصر احلديث يف‬ ‫األش��ادة بأهمية التجربة والعلوم الطبيعية‬ ‫وكذلك كان يف أفكاره إرهاصات واضحة لفرتة‬ ‫النهضة وحركة اإلص�لاح الديين كما أثرت‬ ‫أفكاره يف هدم فكر وفلسفة العصور الوسطى‬ ‫ووضع بدايات ألساس الفكر والفلسفة احلديثة‪،‬‬ ‫هذا باإلضافة اىل تأثري أعماله وأفكاره يف تطور‬ ‫حركة االستشراق وتغيري الرؤية الغربية جتاه‬ ‫الشرق‪.‬‬


‫‪ 10‬انظر‪ :‬عبده فراج‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪236‬‬

‫‪:‬اهلوامش و اإلحاالت‬ ‫‪1 Encyclopedia Britannica، vol.2، 15th‬‬

‫‪Catholic Encyclopedia Roger Bacon،‬‬

‫‪Edition، 1974، p، 309; Roger Bacon and‬‬

‫‪www.newadrent.org; The Cambridge‬‬

‫‪the Scientific Method، www.charte.net‬‬

‫‪History of English and American‬‬

‫‪ 2‬عبده فراج‪ ،‬معامل الفكر الفلسفي يف عصور الوسطى‪،‬‬

‫‪Literate in 18 Volumes، vol.1، www.‬‬ ‫‪bartkeby.com‬‬

‫مكتبة االجنلو املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،1969 ،‬ص‪233‬؛‬ ‫‪Franciscan Schools of thought، www.‬‬ ‫‪ofm/fra/fratho03.html‬‬ ‫‪ 3‬جنيب العقيقي‪ ،‬املستشرقون‪ ،‬اجلزء االول‪ ،‬الطبعة‬

‫‪ 11‬انظر‪ :‬حمسن حممد حسني‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪97-‬‬ ‫‪98‬؛ عبده فراج‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪233-234‬؛‬ ‫‪Great Theosophists، op.cit، pp.50-56.‬‬

‫اخلامسة‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص‪120‬؛ حمسن حممد‬

‫‪ 12‬حسن حنفي‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.153-157‬‬

‫حسني (الدكتور)‪ ،‬االستشراق بالرؤية الشرقية‪ ،‬دار الوراق‪،‬‬

‫‪ 13‬هـ‪ .‬ج‪ .‬ويلز‪ ،‬موجز تاريخ العام‪ ،‬ترمجة عبدالعزيز‬

‫بريوت‪ ،2011 ،‬ص‪97‬؛‬

‫توفيق جاويد‪ ،‬مكتبة النهضة املصرية‪ ،‬القاهرة‪،1958 ،‬‬

‫‪Great Theosophists، Theosophy، vol.26،‬‬

‫ص‪.243‬‬

‫‪no.2، December، 1937، pp.50-56، www.‬‬

‫‪ 14‬سالمه موسى‪ ،‬حرية الفكر وأبطاهلا يف‬

‫‪wisdomworld.org‬‬

‫التاريخ‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪،‬‬

‫‪ 4‬جنيب العقيقي‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪120‬؛ عبداملنعم‬

‫‪،1959‬ص‪.139‬‬

‫احلفين‪ ،‬موسوعة الفلسفة‪ ،‬اجلزء االول‪ ،‬ص‪370‬؛‬

‫‪ 15‬عبدالرمحن البدوي‪ ،‬فلسفة العصور الوسطى‪ ،‬مكتبة‬

‫‪Roger Bacon from Wikipedia.org.‬‬

‫النهضة املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،1962 ،‬ص‪.194‬‬ ‫‪ 16‬انظر‪ :‬عبده فراج‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪235‬؛‬

‫‪ 5‬حمسن حممد حسني‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪98‬؛‬ ‫‪Great Theosophists، op.cit، pp.50-56.‬‬

‫‪Edmund Brehm، Roger Bacon place in‬‬

‫‪6 Encyclopedia International، vol.2،‬‬

‫‪History of Alchemy، www.levity.com‬‬

‫‪p.309; Britannica Encyclopedia، op.cit،‬‬ ‫‪p.568.‬‬ ‫‪ 7‬حمسن حممد حسني‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪97‬؛‬ ‫‪Great Theosophists، op.cit، pp.50-56‬‬ ‫‪8 Literary Encyclopedia، Roger Bacon،‬‬ ‫‪in: www.litencyc.com‬‬

‫‪ 17‬انظر‪ :‬عبده فراج‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.253‬‬ ‫‪ 18‬هـ‪ .‬ج‪ .‬ويلز‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.243‬‬ ‫‪ 19‬حسن حنفي‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪157‬؛ حممد اخلطيب‪،‬‬ ‫حضارة أوروبا يف العصور الوسطى‪ ،‬دار عالء الدين‪ ،‬دمشق‪،‬‬ ‫‪ ،2006‬ص‪.195‬‬ ‫‪ 20‬عبده ف��راج‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪235-236‬؛ حسن‬

‫‪ 9‬حول اعمال روجري بيكون انظر‪ :‬جنيب العقيقي‪،‬‬

‫حنفي‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.157‬‬

‫املصدر السابق‪ ،‬ص‪121‬؛ حسن حنفي (الدكتور)‪ ،‬مقدمة‬

‫‪ 21‬حسن حنفي‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.157‬‬

‫يف علم االستغراب‪ ،‬املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر‬ ‫والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،2006 ،‬ص‪.157‬‬

‫‪.‬عبده فراج‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪22 234-235‬‬ ‫‪ Catholic‬عبده فراج‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪236‬؛ ‪23‬‬ ‫‪353‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪354‬‬ ‫‪Encyclopedia Roger Bacon، www.‬‬

‫‪ The Cambridge History‬؛‪newadrent.org‬‬ ‫‪of English and American Literate in 18‬‬ ‫‪Volumes، vol.1، www.bartkeby.com‬‬ ‫‪ 24‬انظر‪ :‬حمسن حممد حسني‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪97‬؛‬ ‫حممد اخلطيب‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.195‬‬ ‫‪ 25‬امني مرسي قنديل وحممد مصطفى زيادة‪ ،‬تراث‬ ‫العصور الوسطى‪ ،‬جمموعة حبوث باشراف ج‪ .‬كرامب و‬ ‫أ‪ .‬جاكوب‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬مؤسسة سجل العرب‪،1965 ،‬‬ ‫ص‪.385‬‬ ‫‪ 26‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.385-386‬‬ ‫‪ 27‬للمزيد من املعلومات انظر‪ :‬حممد حممد صاحل‬ ‫(الدكتور)‪ ،‬تاريخ أوروبا من عصر النهضة وحتى الثورة‬ ‫الفرنسية (‪ ،)1500-1789‬من مطبوعات جامعة بغداد‪،‬‬ ‫‪ ،1982‬ص‪.180-232‬‬ ‫‪ 28‬للمزيد من املعلومات انظر‪ :‬امحد مسايلوفيتش‪،‬‬ ‫فلسفة االستشراق وأثرها يف األدب العربي املعاصر‪ ،‬دار الفكر‬ ‫العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،1998 ،‬ص‪.88-90‬‬ ‫‪ 29‬حمسن حممد حسني‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.97‬‬ ‫‪ 30‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.99-101‬‬ ‫‪ 31‬ريتشادر سودرن‪ ،‬صورة اإلسالم يف أوروبا يف القرون‬ ‫الوسطى‪ ،‬ترمجة رضوان السيد (الدكتور)‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬ ‫دار املدار اإلسالمي‪ ،‬بدون سنة طبع‪ ،‬ص‪.98-100‬‬ ‫‪ 32‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.100-103‬‬ ‫‪ 33‬للمزيد من املعلومات يف هذا اجملال انظر‪ :‬املصدر نفسه‪،‬‬ ‫ص‪.103-109‬‬ ‫‪ 34‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.101‬‬ ‫‪ 35‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.102-103‬‬


‫دراسات إعالمية‬

‫‪355‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪356‬‬

‫مفهوم اإلعالم الرتبوي ودوره يف تطوير العملية‬ ‫الرتبوية و التعليمية‬ ‫دراسة نظرية‬

‫أمريه عبداهلل اجلاف‬ ‫باحثة اعالمية‬


‫املقدمة‬ ‫ي��ع��ت�بر اإلع��ل�ام ال�ت�رب���وي اح����دى ال��دع��ائ��م‬ ‫االسرتاتيجية لتطوير البنية التحتية للمنظومة‬ ‫الرتبوية والتعليمية يف اجملتمع واليت حتتاجها‬ ‫ال��ب�لاد لبناء مشاريع التنمية االقتصادية‬ ‫واالجتماعية واحلضارية‪ .‬وكما حيظى بأهمية‬ ‫كبرية مقارنة بالفروع اإلعالمية األخ��رى‬ ‫باعتباره إعالما خياطب العقول بهدف الرتبية‬ ‫ويعمل على تشكيل اآلراء واملواقف واالجتاهات‬ ‫الرتبوية للفرد وبناء شخصيته‪.‬‬ ‫يقوم اإلع�لام ال�ترب��وي بعملية التكامل بني‬ ‫اإلعالم والتعليم ورفع درجة الوعي والثقافة‬ ‫واإلملام بالعلوم واملعارف واحملافظة على القيم‬ ‫واألخالق الفاضلة كما تقره املناهج الرتبوية‪،‬‬ ‫على اعتبار أن كل ذلك يعد ضرورات إنسانية‬ ‫لرقي اجملتمعات وتقدمها‪ .‬فالرتبية وسيلة‬ ‫للحفاظ على الرتاث الثقايف والقيمي وتشكيل‬ ‫الفرد وتكوين ثقافتهم‪ ،‬ولتحقيق التواصل بني‬ ‫األجيال‪ ،‬وهي بذلك تسهم يف تكوين احلضارة‬ ‫الثقافية واملناعة اليت تساهم على مواجهة‬ ‫حتديات الثقافات الوافدة‪.‬‬ ‫ظهر اإلع�لام الرتبوي كضرورة ملحة لتزايد‬ ‫كمية املعلومات ونوعيتها وملواكبة تطورات‬ ‫العصر ليسهم بتلبية ح��اج��ات اجملتمع من‬ ‫التجديد ال�ترب��وي املعتمد على األساليب‬ ‫التكنولوجية احلديثة كي يقوم بعملية التنشئة‬ ‫والتثقيف والتوجيه لألجيال القادمة بصيغة‬ ‫تكاملية مع امل���دارس مستفيدا من قدرتها‬ ‫لتجاوز عقبات املكان والزمان والوصول إىل اكرب‬ ‫عدد ممكن من الناس كما يعمل على بث املواد‬ ‫والربامج الرتبوية والتعليمية بشكل مباشر‬

‫وغري مباشر إىل كل األعمار وخمتلف الفئات‬ ‫مما يساهم يف زيادة القدرات الثقافية والعلمية‬ ‫للجميع ويزيد ف��رص الناس يف التمكن من‬ ‫املناهج الرتبوية‪ .‬سنحاول يف هذه الدراسة إبراز‬ ‫أهمية اإلعالم الرتبوي وتناول أهدافه وبيان‬ ‫دوره يف تنمية وتطوير العملية الرتبوية واهم‬ ‫االسرتاتيجيات املناسبة للنهوض به وترقيته‬ ‫ ‬ ‫أوال‪ :‬مفهوم اإلعالم الرتبوي ‪Concept of‬‬ ‫‪Educational Media‬‬ ‫ظهر اإلعالم الرتبوي يف أواخر السبعينات عندما‬ ‫بدأت املنظمة الدولية للرتبية والثقافة والعلوم‬ ‫(اليونسكو) باستخدامه كمصطلح للداللة على‬ ‫التطور الذي طرأ على نظم املعلومات الرتبوية‬ ‫وأساليب توثيقها وتصنيفها واالستفادة منها‪ .‬و‬ ‫تطور مفهوم اإلعالم الرتبوي مع التطور التقين‬ ‫اهلائل الذي طرأ على وسائل اإلعالم يف الفرتة‬ ‫األخرية‪ ،‬والذي متثل يف إلغاء احلواجز الزمانية‬ ‫واملكانية من خالل تقنية البث الفضائي عرب‬ ‫األقمار االصطناعية‪ ،‬وامتد ليشمل الواجبات‬ ‫الرتبوية لوسائل اإلع�لام العامة‪ ،‬املتمثلة يف‬ ‫السعي لتحقيق األه���داف العامة للرتبية يف‬ ‫اجملتمع‪ ،‬وااللتزام بالقيم األخالقية‪.‬‬ ‫ان مفهوم اإلعالم الرتبوي هو استثمار وسائل‬ ‫االتصال من أجل حتقيق أهداف الرتبية يف ضوء‬ ‫السياستني التعليمية واإلعالمية للدولة‪ .‬لكن‬ ‫ضل هناك اختالفا حول املفاهيم اخلاصة به‬ ‫حسب التصورات وامل��دارس الفكرية املختلفة‬ ‫فهناك من اعتربه عملية الرتكيز على معلومات‬ ‫تربوية وبذلك يكون اإلعالم الرتبوي هو اإلعالم‬ ‫عن اجلهود الرتبوية ويعرف حسب ذلك على انه‬ ‫‪357‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪358‬‬

‫(التطور الذي طرأ على نظم املعلومات الرتبوية‬ ‫وأساليب توثيقها وتصنيفها واالستفادة منها)‪.‬‬ ‫والبعض اآلخر يرى بأن مفهوم اإلعالم الرتبوي‬ ‫ينحصر يف مجع الوثائق والبيانات اإلحصائية‬ ‫وبثها وب��ذل��ك يعرف اإلع�ل�ام ال�ترب��وي على‬ ‫ان��ه (خ��دم��ة ف��ئ��ات معينة م��ن العاملني يف‬ ‫ميدان التعليم بينهم املخططون والباحثون‬ ‫واألخصائيون واملوجهون ومصمموا املناهج‬ ‫واملختصون يف اقتصاديات التعليم ويف شؤونه‬ ‫اإلداري���ة)‪ .‬بينما يرى فريق أخر أن اإلعالم‬ ‫ال�ترب��وي ه��و االس��ت��ف��ادة م��ن ع��ل��وم االت��ص��ال‬ ‫وتقنياته من اجل الوصول إىل أهداف الرتبية‪،‬‬ ‫وعلى هذا األساس عرف اإلعالم الرتبوي بأنه‬ ‫(االس��ت��ف��ادة من التقدم يف تقنيات االتصال‬ ‫وعلومه لتحقيق أهداف الرتبية)‬ ‫وكما يعرف األخ���رون اإلع�لام ال�ترب��وي بأنه‬ ‫(نظام إعالمي خي��دم اجل��وان��ب الرتبوية عن‬ ‫طريق تسخري الوسائل اإلعالمية‪ ،‬مبا وصلت‬ ‫إليه من تقنيات عالية يف إيصال املعلومة لنقل‬ ‫األسس واملفاهيم الرتبوية اليت من شأنها تعديل‬ ‫السلوك واالجتاهات لدى اجملتمع والوقوف يف‬ ‫وجه التدخالت اإلعالمية)‪.‬‬ ‫وحنن بدورنا نعرف اإلعالم الرتبوي بأنه (فرع‬ ‫من فروع اإلعالم املتخصص يستخدم الوسائل‬ ‫اإلعالمية املختلفة خلدمة األه��داف الرتبوية‬ ‫والتعليمية بطريقة تكاملية مبا ميكن من‬ ‫إجناز أهداف العملية الرتبوية بشكل أوسع واكثر‬ ‫فاعلية متجاوزا عقبات املكان والزمان)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬وظائف اإلعالم الرتبوي‬ ‫يقوم اإلع�لام الرتبوي بتحقيق جمموعة من‬ ‫الوظائف اهلامة للمجتمع ومنها‪:‬‬

‫‪.1‬التثقيف‪ :‬ويقصد به زيادة املعرفة فيما يتعلق‬ ‫بنواحي احلياة العامة مبا حيقق إشباع أفق‬ ‫الفرد وفهمه ملا يدور حوله من أحداث وقضايا‬ ‫واإلسهام يف التثقيف االجتماعي واألخالقي‬ ‫والرتبوي‪.‬‬ ‫‪.2‬التوجيه واإلرش��اد‪ :‬ويقصد بها تبادل اآلراء‬ ‫واملعلومات وش��رح وج��ه��ات النظر املختلفة‬ ‫من خالل وسائل اإلعالم والعمل على تكامل‬ ‫شخصياتهم ليصبحوا م��واط��ن�ين صاحلني‬ ‫ويقوموا بواجباتهم ومسؤولياتهم‪.‬‬ ‫‪.3‬تنمية الوعي اإلعالمي‪ :‬يقوم اإلعالم الرتبوي‬ ‫بتنمية القدرات املختلفة للمتلقي من خالل‬ ‫التعرض بوعي لوسائل اإلع�ل�ام ليتفهموا‬ ‫هذا االستخدام وهذا التعامل بعقول ناضجة‬ ‫متفتحة وأفكار واعية ونافذة من خالل معرفة‬ ‫أجبديات العمل اإلعالمي للتقييم والتحليل‬ ‫للرسائل اإلعالمية اليت تطرحها وسائل اإلعالم‬ ‫باإلضافة إىل السلوكيات الضارة والصحيحة‬ ‫السليمة إزاء التعرض اإلعالمي‪ .‬وترشيد عملية‬ ‫التعرض هذه من خالل بناء الفكر االتصالية و‬ ‫الفكر النقدي للعملية اإلعالمية‪.‬‬ ‫‪.4‬غرس القيم الرتبوية‪ :‬وذلك من خالل متابعة‬ ‫م��دى التمسك بالسلوك والقيم األخالقية‬ ‫والرتبوية يف املؤسسات الرتبوية‪.‬‬ ‫‪.5‬التفاهم والتكامل‪ :‬تقوم وسائل اإلع�لام‬ ‫الرتبوي مبساندة الربامج الرتبوية وهي مبثابة‬ ‫قنوات تستهدف الوصول بني الطلبة واملدرسني‬ ‫واإلدارة و بني طالب اجلامعات واألساتذة وبني‬ ‫املوظفني ومدراءهم وبني الشعب وقياداته‪.‬‬ ‫‪.6‬التسلية والرتفيه‪ :‬من وظائف اإلعالم الرتبوي‬ ‫التسلية والتثقيف اهل��ادف من خ�لال إعطاء‬


‫الربامج اجلادة ملسة ترفيهية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثالثا‪ :‬أهداف اإلعالم الرتبوي‬ ‫تتعدد أهداف اإلعالم الرتبوي‪ ،‬ويتزايد االهتمام‬ ‫بها‪ ،‬ملا هلا من أهمية يف توجيه النشاط الرتبوي‬ ‫وتهذيب النشاط اإلعالمي‪ ،‬إضافة لكونها معايري‬ ‫لتقويم أداء وسائل اإلعالم املختلفة‪ ،‬ومن أهمها‪:‬‬ ‫‪.1‬اإلسهام يف حتقيق أهداف سياسة التعليم عرب‬ ‫وسائل اإلعالم املختلفة‪.‬‬ ‫‪.2‬تنمية االجتاهات السلوكية لألفراد والنهوض‬ ‫باملستوى ال�ترب��وي و ال��ف��ك��ري و احل��ض��اري‬ ‫والوجداني للمتلقني‪.‬‬ ‫‪.3‬احملافظة على الرتاث الرتبوي للمجتمع ونشره‬ ‫والتعريف باجلهود الرتبوية والعلمية املبذولة‬ ‫من قبل الباحثني والعلماء واخل�براء وإب��راز‬ ‫منجزاتهم واحملافظة عليها‪.‬‬ ‫‪.4‬املشاركة يف نشر الوعي الرتبوي على مستوى‬ ‫القطاعات التعليمية املختلفة وعلى مستوى‬ ‫اجملتمع بوجه عام واألسرة بوجه خاص‪.‬‬ ‫‪.5‬التأكيد على أن اجليل اجلديد هم الثروة‬ ‫احلقيقية للمجتمع‪ ،‬وأن العناية واالهتمام بهم‬ ‫وتربيتهم مسؤولية عامة جيب أن يشارك فيها‬ ‫اجلميع‪.‬‬ ‫‪.6‬التنسيق بني املؤسسات اإلعالمية واملؤسسات‬ ‫ً‬ ‫سعيا لتحقيق التكامل يف األه��داف‬ ‫الرتبوية‬ ‫والربامج و األنشطة‪.‬‬ ‫‪.7‬التغطية امل��ت��وازن��ة واملوضوعية ملختلف‬ ‫جوانب العملية الرتبوية والتعليمية وتوثيق‬ ‫نشاطاتها‪.‬‬ ‫‪.8‬تبين قضايا ومشكالت الرتبية والرتبويني‬ ‫ً‬ ‫إعالميا‪.‬‬ ‫والطالب ومعاجلتها‬

‫‪.9‬تنمية الوعي برسالة املعلم و مكانته يف‬ ‫اجملتمع‪.‬‬ ‫‪.10‬إبراز دور املدرسة بصفتها الوسيلة األساسية‬ ‫للرتبية والتعليم والتأكيد على ضرورة دعمها‬ ‫ومساعدتها يف أداء رسالتها العظمى‪.‬‬ ‫‪.11‬إجي����اد ق��ن��وات إعالمية للتعليم املستمر‬ ‫والتعليم عن بعد‪.‬‬ ‫‪.12‬ت��وث��ي��ق الصلة ب�ين املسؤولني والعاملني‬ ‫واملهتمني بشؤون الرتبية و التعليم يف اجملتمع‪.‬‬ ‫‪.13‬التعريف بالتطورات احلديثة يف جماالت الفكر‬ ‫الرتبوي‪ ،‬والتقنيات التعليمية واملعلوماتية‪.‬‬ ‫‪.14‬تلمس مشكالت اجملتمع واإلسهام يف معاجلتها‬ ‫معاجلة تربوية إعالمية‪.‬‬ ‫‪.15‬االه��ت��م��ام بالفئات اخل��اص��ة كاملوهوبني‬ ‫واملعوقني ومعاجلة مشكالتهم و همومهم‪.‬‬ ‫‪.16‬العناية بالرتبية الوقائية و اإلمنائية و‬ ‫العالجية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫رابعا‪ :‬أهمية اإلعالم الرتبوي‪:‬‬ ‫ازدادت أهمية اإلع�لام الرتبوي يف اجملتمع مع‬ ‫زي��ادة منو صناعة اإلع�لام وأهمية املعلومات‬ ‫االتصالية يف العصر احلالي‪ ،‬و برز كضرورة‬ ‫ملحة للتعامل مع الواقع اجلديد لكسب التعلم‬ ‫والثقافة‪ ،‬يساعدها تعاظم ب��ث املعلومات‬ ‫واألحداث يف يف عصر ثورة املعلومات باستمرار‬ ‫ب��دون اي انقطاع وبشتى األشكال و الوسائل‬ ‫املرئية واملسموعة واملقروءة سواء كانت ورقية‬ ‫ام إلكرتونية‪ .‬وهنا تربز أهمية دور اإلعالم‬ ‫الرتبوي يف توجيه اجملتمع بكل فئاته و شرائحه‬ ‫املختلفة من خ�لال كيفية التعامل مع تلك‬ ‫الكميات اهلائلة من املعلومات بشكل حتث على‬ ‫‪359‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪360‬‬

‫اكتساب الثقافة االجتماعية واالقتصادية‬ ‫والسياسية والتعلم و اإلب���داع والبحث عن‬ ‫احلقائق وكيفية الوصول اليها وجتنب الوقوع‬ ‫يف املسالك غري املفيدة واملبددة للوقت‪.‬‬ ‫تكمن أهمية اإلعالم الرتبوي بدوره الكبري يف‬ ‫العملية الرتبوية والتعليمية باعتباره الوسيلة‬ ‫األكثر انتشارا‪ ،‬فمن خالل وسائطه املتعددة‬ ‫يتمكن من اإلسهام يف تصحيح وترسيخ القيم‬ ‫و األفكار واالرتقاء بتعليم األجيال‪ .‬حيث يقع‬ ‫على عاتق اإلعالم الرتبوي مهمة تنشئة وإعداد‬ ‫األج��ي��ال ومتكينها من التكيف والتأقلم مع‬ ‫مستجدات العصر من خالل التحكم يف التدفق‬ ‫املعلوماتي ملختلف اجملاالت الرتبوية‪ ،‬ألن تأثريه‬ ‫يصل إىل قطاعات واسعة من شرائح اجملتمع‪.‬‬ ‫يقوم اإلعالم الرتبوي بدور الرتبية يف اجملتمع‪،‬‬ ‫ويؤثر يف التفكري والقيم والسلوك والعواطف‬ ‫لكافة أف��راد اجملتمع‪ .‬وه��و احلقل الضروري‬ ‫لتكاتف جهود اإلعالميني والرتبويني لتعزيز‬ ‫مسرية التطوير الرتبوي واملعريف يف اجملتمع وكما‬ ‫تظهر أهمية اإلعالم الرتبوي يف جماالت التثقيف‬ ‫ومساندة عملية التنمية الشاملة‪.‬‬ ‫فاإلعالم الرتبوي يقوم ببناء واق��ع ملموس‬ ‫ينتج على ضوئه بناء فهم شخصي للعامل من‬ ‫قبل الفرد وكذلك يعمل على تكوين وتشكيل‬ ‫وج��ه��ات نظر م��ن خ�لال م��ا يبثه م��ن م��واد‬ ‫وبرامج توجيهية وتثقيفية وتعليمية مبنية‬ ‫على اخل�برة واخللفية ثقافية وجمموعة من‬ ‫القيم اليت توجه سلوك الفرد وتؤثر به بشكل‬ ‫إجي��اب��ي م��ن خ�لال م��ا حيتويه م��ن مضامني‬ ‫ثقافية واجتماعية وسياسية حتمل قيم‬ ‫وأيديولوجيات خمتلفة‪ .‬تربز أهمية اإلعالم‬

‫الرتبوي يف توفريه إلمكانية وصول الناس إىل‬ ‫املهارات واخل�برات اليت حيتاجونها يف كيفية‬ ‫تشكيل إدراكهم وتهيئتهم ملشاركة اجتماعية‬ ‫بصورة اكثر فاعلية وتأثري‪ .‬كما يعمل اإلعالم‬ ‫الرتبوي على دمج التقنيات احلديثة يف التعلم‪،‬‬ ‫و يشجع حركة اإلصالح الرتبوي‪ .‬كما يعمل على‬ ‫تنمية الشعور باملسؤولية والعمل اجلماعي كما‬ ‫حيث اإلعالم الرتبوي على االستهالك احلكيم‬ ‫للمواد والربامج اإلعالمية املختلفة من قبل‬ ‫الناس ويزيد من قدراتهم االتصالية والتعبريية‬ ‫وميكنهم من كيفية التعامل مع الثقافات وتوفري‬ ‫فرصة لتطوير املناهج الدراسية‪ ،‬وبناء مهارات‬ ‫املواطنة املطلوبة للمشاركة العامة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫خامسا‪ :‬اسرتاتيجيات اإلعالم الرتبوي‬ ‫توجد العديد من االسرتاتيجيات والوسائل‬ ‫اخلاصة بتفعيل برامج اإلع�لام الرتبوي عرب‬ ‫إنشاء ختصص علمي هلا ضمن ف��روع العلوم‬ ‫اإلعالمية حم��اول��ة دم��ج املناهج التعليمية‬ ‫والرتبوية يف الوسائل اإلعالمية املختلفة وإعادة‬ ‫منذجتها وفق الشروط اإلعالمية من خالل‬ ‫توظيف النموذج االستقرائي(‪Inquiry‬‬ ‫‪ )Approach‬ملا يفيد من تنمية مهارات‬ ‫التفكري الناقد والتحليل النقدي لدى املستقبل‬ ‫مما جيعل الطريقة الغري مباشرة أساسية للتعلم‬ ‫النشط (‪ )Active Learning‬بل ميكن‬ ‫اعتباره منوذج التعلم النشط معاصراً النه يبدأ‬ ‫مبرحلة الوعي بقضية معينة ثم التحليل ثم‬ ‫التعقيب (التأمل) وأخ�يرا االستجابة‪ .‬ونتاج‬ ‫هذه النشاطات هو اخلربة اليت يكونها الفرد‪.‬‬ ‫ل��ذا اعتقد ان التحليل اإلع�لام��ي ق��ادر على‬


‫دمج املناهج التعليمية يف رسائلها الن الرسائل‬ ‫اإلعالمية هي نتاج فرد او مؤسسة كما هي‬ ‫رسائل املناهج التعليمية كما ان الرسالتني‬ ‫اإلعالمية والتعليمية يتم إنتاجها يف سياقات‬ ‫اجتماعية واقتصادية وسياسية وتارخيية‬ ‫ومجالية‪ .‬وأن تفسري املعنى وبنائه يف كال‬ ‫الرسالتني يتكون من تفاعل بني املتلقي والنص‬ ‫والثقافة‪ .‬ومبا ان للوسائل اإلعالمية املختلفة‬ ‫رموزها اخلاصة بها يكون دورها التعبريي يف‬ ‫فهم الناس للحياة االجتماعية كبريا جدا وهذا‬ ‫ما جيعلها ناقال رمزيا مهما للرتبية والتعليم‪.‬‬ ‫ان مفهوم واسرتاتيجيات اإلعالم الرتبوي تعتمد‬ ‫بصورة خاصة على ما أتاحته تقنية اإلنرتنت‬ ‫وتطبيقاتها املختلفة من فرص املشاركة النشطة‬ ‫اليت يتعلم من خالهلا املشاركون ويكتسبون‬ ‫مهارات خمتلفة‪ .‬اذ ان األفراد انفسهم ممن يقوم‬ ‫بإنتاج احملتوى اإلعالمي عرب اإلنرتنت اليت‬ ‫تتيح بدورها فرص التعبري واإلبداع‪ ،‬واملشاركة‬ ‫احلضارية والدعم القوي‪ ،‬وتوفري تدريب غري‬ ‫رمسي تنتقل فيه معرفة اخلرباء إىل املبتدئني‪،‬‬ ‫و يشعر فيها املشاركون مبوقع مهم ملساهماتهم‪،‬‬ ‫وبروابط اجتماعية مع اآلخرين‪ .‬اسرتاتيجية‬ ‫تفعيل اإلعالم الرتبوي باالعتماد على مفهوم‬ ‫التفاعلية (‪ )Interactivity‬ال�تي متتلك‬ ‫خاصية للتقنية‪ ،‬ف��اإلع�لام ال�ترب��وي يتميز‬ ‫بالرتكيز الكبري على مفهوم التفاعلية الذي مييز‬ ‫وسائل اإلع�لام وتقنيات املعلومات احلديثة‪.‬‬ ‫فالشبكات الرقمية املعاصرة هي كونية الطابع‬ ‫ً‬ ‫خصوصا مع التوسع يف الشبكات التفاعلية‬ ‫الكونية واسعة النطاق(‪ )Broadband‬اليت‬ ‫تتيح لألفراد االنغماس (‪ )Immersion‬يف‬

‫بيئات تفاعلية كونية‪ .‬و لذا‪ ،‬فإن مهارات التفكري‬ ‫الناقد واملهارات التقنية ليست كافية للبقاء‬ ‫دون فهم طبيعة وقوة التفاعلية نفسها‪ ،‬وأن‬ ‫ً‬ ‫إعالميا يستطيع التفاعل بعمق‬ ‫الفرد املثقف‬ ‫مع املناهج الرتبوية عرب اإلعالم لذلك تصبح‬ ‫ثقافته اإلعالمية مفتاح وعيه التعليمي‪.‬‬ ‫اسرتاتيجية تفعيل اإلعالم الرتبوي من خالل‬ ‫االع��ت��م��اد على مفهوم الثقافة التشاركية‬ ‫(‪ )Culture Participatory‬اليت متتلك‬ ‫خاصية للثقافة‪ .‬إن أهم فوائد هذه الثقافة‬ ‫هي فرص التعلم بني األق��ران‪ ،‬وتغيري االجتاه‬ ‫حنو امللكية الفكرية‪ ،‬والتنوع يف التعبري الثقايف‪،‬‬ ‫وتطوير مهارات ذات قيمة يف مواقع العمل‪،‬‬ ‫وتطوير اجتاهات قوية حنو املواطنة‪ ،‬ولذا‪،‬‬ ‫ينبغي أن تكون الثقافة التشاركية اليت متثل‬ ‫منهجا ً‬ ‫ً‬ ‫خفيا قد حيدد جناح أو ختلف الشباب يف‬ ‫املدرسة أو موقع العمل أساس اإلعالم الرتبوي‬ ‫يف القرن احلادي والعشرين‪ .‬من الضروري جدا‬ ‫القيام باسرتاتيجية لتفعيل اإلع�لام الرتبوي‬ ‫مبنية على أسس ومبادئ عامة واضحة املعامل‪،‬‬ ‫حم��ددة األه��داف واإلج���راءات‪ ،‬حبيث تتضمن‬ ‫املبادئ األسس واملنطلقات اليت يلتزم بها اإلعالم‬ ‫الرتبوي‪ ،‬واأله��داف اليت يسعى إىل حتقيقها يف‬ ‫إطار السياستني التعليمية واإلعالمية للدولة‪،‬‬ ‫كما تتضمن اخلطة التنفيذية لإلعالم الرتبوي‬ ‫خالل مدة االسرتاتيجية‪.‬‬ ‫ان اإلقرار بدور اإلعالم وأهميته يف تعزيز نهضة‬ ‫اجملتمع وتنميته‪ ،‬باعتباره إح��دى الوسائل‬ ‫األساسية يف بناء الفرد واجملتمع‪ ،‬يفرض توسيع‬ ‫قاعدة التوعية لدى األفراد وإكسابهم املهارات‬ ‫الالزمة للتعامل مع اإلعالم بهدف التعلم وعدم‬ ‫‪361‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪362‬‬

‫اعتباره أداة تسلية فقط‪ ،‬كما يستوجب يف نفس‬ ‫الوقت جذب اهتمام األف��راد باعتبار الوسائل‬ ‫اإلعالمية اح��دى احلقول الرتبوية الواسعة‬ ‫تستلزم قدرة االختيار الذاتي يف انتقاء مدارات‬ ‫التعليم املناسبة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫سادسا‪ :‬متطلبات اإلعالم الرتبوي‬ ‫لإلعالم الرتبوي عدة متطلبات أهمها‪:‬‬ ‫‪.1‬التعرف على املقومات األساسية لفلسفة‬ ‫اجملتمع يف مجيع اجملاالت‪.‬‬ ‫‪.2‬مواكبة اجلهود واخلطط والربامج التنفيذية‬ ‫الرامية اىل حتقيق هذه الفلسفة وحتويلها اىل‬ ‫واقع‪.‬‬ ‫‪.3‬اإلعالم املستمر واملتصل باملتغريات السياسية‬ ‫واالقتصادية الدولية واحمللية لتنعكس على‬ ‫البناء االجتماعي والثقايف للمجتمع‪.‬‬ ‫‪.4‬التعرف على احل��اج��ات األساسية لألفراد‬ ‫واجملتمع من خالل مراحل التطور املختلفة‪.‬‬ ‫‪.5‬اإلع����داد و ال��ت��دري��ب والتوعية املستمرة‬ ‫للعناصر البشرية اليت تطلع مبهمة اإلعالم يف‬ ‫جمال الرتبية‪.‬‬ ‫‪.6‬تأكيد االلتزام األخالقي والرتبوي يف حمتوى‬ ‫الرسالة اإلعالمية خدمة لعملية الرتبية‬ ‫جبوانبها املتعددة‪ ،‬حيث تتم ه��ذه العملية‬ ‫من خالل التوجيه واإلرشاد اليت تساعد على‬ ‫تكوين املواقف وبلورة االجتاهات وزيادة الثقافة‬ ‫واملعلومات ونقل ال�تراث الثقايف من جيل اىل‬ ‫جيل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫سابعا‪ :‬وسائل اإلعالم الرتبوي‬ ‫لإلعالم الرتبوي وسائل متعددة‪ ،‬أهمها‪:‬‬ ‫‪.1‬ال��ق��ن��وات التلفزيونية‪ :‬و تعد الوسيلة‬

‫اإلعالمية األوىل من حيث الفعالية يف االتصال‬ ‫وال��ت��أث�ير و ينبغي االس��ت��ف��ادة م��ن القنوات‬ ‫التلفزيونية املتاحة‪ ،‬والسعي لتأسيس قناة‬ ‫تربوية تلفزيونية حيث أصبحت القنوات‬ ‫الرتبوية التعليمية ضرورة ملحة ينبغي املبادرة‬ ‫بها يف زيادة اإلعالم الوافد واملوجه واملتخصص‪.‬‬ ‫‪.2‬احملطات اإلذاعية‪ :‬وتتميز بانتشارها الواسع‪،‬‬ ‫وباخنفاض تكلفة إنتاج واستقبال الرسالة‬ ‫اإلع�لام��ي��ة‪ .‬وق��د تساهم اإلذاع���ة املدرسية‬ ‫باعتبارها من وسائل اإلع�لام الرتبوي األكثر‬ ‫أهمية وتواصال مع الطلبة وغريهم مع املناهج‬ ‫الدراسية ومؤسسة امل��درس��ة بشكل ع��ام‪ ،‬إذ‬ ‫ميكن أن تكون وسيلة جيدة الكتشاف القدرات‬ ‫التواصلية للطلبة وتبنيها‪.‬‬ ‫‪.3‬الصحف واجملالت‪ :‬و متتاز بإمكانية الطرح‬ ‫املتعمق وال��واس��ع‪ ،‬و امل��ش��ارك��ة اجلماهريية‪،‬‬ ‫وسهولة االحتفاظ بها و تداوهلا‪ ،‬و ميكن استثمار‬ ‫هذه الوسيلة بإصدارات صحيفة متخصصة يف‬ ‫اإلع�لام الرتبوي‪ ،‬أو بدعم و تشجيع الصحف‬ ‫واجمل�ل�ات إلص���دار صفحات وم�لاح��ق خاصة‬ ‫بالرتبية والتعليم‪ .‬وامللفات الصحفية اليت‬ ‫تتضمن أهم ما ينشر يف الصحف عن الرتبية و‬ ‫التعليم‪ ،‬و هي مهمة إذا أحسن االستفادة منها‪،‬‬ ‫من حيث كونها تبقي القائمني على أمر الرتبية‬ ‫و التعليم على اتصال دائ��م مبجال عملهم و‬ ‫اختصاصهم‪ ،‬و تربز هلم مدى تفاعل اجملتمع مع‬ ‫العملية التعليمية اليت ميارسونها‪.‬‬ ‫‪.4‬النشرات واملطويات واملطبوعات وامللصقات‪ :‬و‬ ‫ميكن هلذه الوسائل أن تؤدي دوراً على مستوى‬ ‫املدرسة و البيئة احمليطة بها‪ .‬وتعترب وسائل‬ ‫فعالة يف ح��ال االهتمام بها ً‬ ‫فنيا‪ ،‬و بانتقاء‬


‫مضامني تربوية ج��ي��دة‪ ،‬تسعى إىل غرس‬ ‫املفاهيم و القيم و السلوك اإلجيابي‪ ،‬وحماربة‬ ‫السلوك غري املرغوب فيه‪.‬‬ ‫‪.5‬الكتب و الدوريات املتخصصة‪ :‬و هي وسائل‬ ‫ض��روري��ة لتثقيف القائمني على الرتبية و‬ ‫اإلعالم الرتبوي‪ ،‬إذ ميكن من خالهلا مناقشة و‬ ‫حتليل و عرض النظريات الرتبوية و الوسائل و‬ ‫األهداف بشيء من التوسع و االستقصاء‪.‬‬ ‫‪.6‬التكنلوجيا احلديثة‪ :‬وميكن استثمار ثورة‬ ‫االخ�تراع��ات التكنلوجية وخاصة يف جماالت‬ ‫التواصل وجمال تطوير الكومبيوتر و االمتتة‬ ‫ضاعفت وطورت فاعلية جمال اإلعالم الرتبوي‬ ‫ً‬ ‫وتلعب دوراً‬ ‫حيويا ومؤثراُ‪.‬‬ ‫‪.7‬املدونات وشبكات التواصل االجتماعي‪ :‬اذ‬ ‫تعترب احدى اهم الوسائل اإلعالمية يف جماالت‬ ‫التخصصية بسبب تعدد احملررين اذ تفتح‬ ‫اجملال للمتخصصني يف املشاركة واملساهمة يف‬ ‫تطويرها والكتابة هل��ا‪ ،‬وبهذا يكون فائدته‬ ‫عميقة وسريعة‪.‬‬ ‫‪.8‬امل��ت��اح��ف و امل��ع��ارض‪ :‬املتاحف و املعارض‬ ‫بأنواعها (الثقافية واالجتماعية والعلمية‬ ‫والفنية) وسيلة مفيدة إذا أحسن التخطيط هلا‪،‬‬ ‫و إعدادها مبا يسهم يف حتقيق أهداف الرتبية‪.‬‬ ‫‪.9‬األن��ش��ط��ة الطالبية‪ :‬لألنشطة الطالبية‬ ‫املختلفة (النشاط الكشفي‪ ،‬الثقايف‪ ،‬االجتماعي‪،‬‬ ‫ال��ف�ني‪ ،‬ال��ري��اض��ي‪ ،‬امل��راك��ز الصيفية‪ ،‬مراكز‬ ‫األحياء) وسائلها اإلعالمية الرتبوية‪.‬‬ ‫‪.10‬يعد استخدام الفنون مبدياتها اجلماهريية‬ ‫أثناء العروض الفنية أح��دى أدوات اإلع�لام‬ ‫الرتبوي اذا ما مت تطبيقها على مستوى املدن و‬ ‫املناطق و اليت تقام يف أماكن عامة و تقدم فيها‬

‫عروض مسرحية و فنية و مشاركات أخرى‪،‬‬ ‫كذلك املسرحيات التعليمية والرتبوية اليت‬ ‫تقدم مبختلف الصيغ وكذلك السينما والدراما‬ ‫الن تلك الوسائل متتاز بالقدرة على إيصال‬ ‫األهداف الرتبوية بشكل غري مباشر‪ ،‬و بأسلوب‬ ‫مشوق‪ ،‬مما يساعد على استثمارها يف حتقيق‬ ‫أهداف العملية التعليمية‪.‬‬

‫ً‬ ‫ثامنا‪ :‬جماالت اإلعالم الرتبوي و براجمه‬ ‫تتنوع جماالت اإلعالم الرتبوي و براجمه‪ ،‬ومن‬ ‫أهمها‪:‬‬ ‫‪.1‬ب��رام��ج الرتبية الوقائية‪ :‬ملكافحة بعض‬ ‫السلوكيات والعادات واملمارسات غري املرغوب‬ ‫فيها‪ ،‬مثل‪ :‬التسرب‪ ،‬الغياب‪ ،‬املخدرات‪ ،‬التدخني‪،‬‬ ‫ال��غ��ش يف االخ��ت��ب��ارات‪ ،‬ال��س��ل��وك ال��ع��دوان��ي‪،‬‬ ‫االحنرافات األخالقية ‪...‬وغري ذلك‪.‬‬ ‫‪.2‬برامج الرتبية البيئية‪ :‬وتهدف إىل حتسني‬ ‫تفاعل اإلن��س��ان م��ع بيئته‪ ،‬وبصفة خاصة‬ ‫التوعية يف جماالت ترشيد استخدام املاء‪ ،‬ترشيد‬ ‫استخدام الطاقة‪ ،‬مكافحة التلوث بأنواعه‪،‬‬ ‫احملافظة على مكونات البيئة‪ ،‬احل��ث على‬ ‫النظافة‪ ،‬احملافظة على املمتلكات العامة ‪.‬‬ ‫‪ .3‬برامج اإلرشاد الرتبوي‪ :‬ملا متثله هذه الربامج‬ ‫من حتسني للعملية التعليمية ورفع كفاءتها‬ ‫وزيادة فعاليتها‪.‬‬ ‫‪.4‬برامج التوعية العامة‪ :‬و يقصد منها توعية‬ ‫احمليطني بالعملية التعليمية و ذوي العالقة‬ ‫بها مبا يضمن مشاركتهم يف توفري املناخ املالئم‬ ‫لتحقيق األه��داف الرتبوية ال�تي تسعى إليها‬ ‫املؤسسات ال�ترب��وي��ة‪ ،‬و يدخل يف ه��ذا اجمل��ال‬ ‫‪363‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪364‬‬

‫برامج التوعية األسرية وبرامج حمو األمية و‬ ‫تعليم الكبار وبرامج التوعية املومسية املتعلقة‬ ‫باملناسبات املختلفة و برامج للحث على الصحة‬ ‫و يوم الطفل وغري ذلك‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تاسعا‪ :‬دور اإلعالم الرتبوي يف عملية اإلصالح‬ ‫الرتبوي و التعليمي املعاصر‬ ‫يشكل اإلعالم الرتبوي أساس اإلصالح الرتبوي‬ ‫املعاصر من خالل ما ميتلكه من جمموعة من‬ ‫املهارات الثقافية املختلفة يف عصر املعرفة اليت‬ ‫ميكن توظيفها يف جمال اإلعالم الرتبوي للقيام‬ ‫بعملية اإلصالح الرتبوي‪:‬‬ ‫‪.1‬م��ه��ارات العصر الرقمي (‪Digital Age‬‬ ‫‪ :)Literacy Skills‬املقدرة على استخدام‬ ‫التقنية الرقمية وأدوات االتصال‪ ،‬والشبكات‬ ‫للوصول إىل املعلومات وإدارتها وتقوميها وإنتاجها‬ ‫للعمل يف جمتمع املعرفة‪ .‬وتشمل مهارات الثقافة‬ ‫األساسية و العلمية و االقتصادية و التقنية و‬ ‫البصرية واملعلوماتية و فهم الثقافات املتعددة‬ ‫والوعي الكوني‪ .‬استخدام تقنيات املعلومات‬ ‫يف حتديد مواقع و مصادر معلوماتية حول‬ ‫القضايا اإلعالمية و الوصول إليها‪ .‬و يف حتليل‬ ‫احملتوى اإلعالمي وتقوميه كذلك استخدام‬ ‫تقنيات املعلومات يف تكوين وجهات نظر معينة‬ ‫حول حمتوى إعالمي معني واستخدام األدوات‬ ‫التقنية ملعاجلة البيانات يف قضايا إعالمية‬ ‫معينة وعرض النتائج‪.‬‬ ‫‪.2‬م��ه��ارات التفكري اإلب��داع��ي (‪Inventive‬‬ ‫‪ :)Thinking Skills‬تشمل مهارات التكيف‬ ‫والتوجيه الذاتي واالبتكار ومهارات التفكري‬ ‫العليا‪ .‬إنتاج مواد إعالمية أصيلة على املستوى‬

‫الشخصي (أصيلة بالنسبة للفرد نفسه)‪،‬‬ ‫واملستوى الثقايف (إضافة هادفة جملال ثقايف‬ ‫معني)‪.‬‬ ‫‪.3‬م��ه��ارات االت��ص��ال ال��ف�� ّع��ال (‪Effective‬‬ ‫‪ :)Communication Skills‬تشمل‬ ‫م��ه��ارات العمل يف فريق وم��ه��ارات التواصل‬ ‫الشخصية واملسؤولية الشخصية واالجتماعية‬ ‫واالتصال التفاعلي‪ .‬استخدام تقنيات االتصال‬ ‫ع��ن بعد يف التعاون و النشر والتفاعل مع‬ ‫األقران واخلرباء وأفراداً آخرين يف جمال القضايا‬ ‫اإلعالمية ذات االهتمام الشخصي‪.‬‬ ‫‪.4‬م���ه���ارات اإلن��ت��اج��ي��ة ال��ع��ال��ي��ة (‪High‬‬ ‫‪ :)Productivity Skills‬تشمل مهارات‬ ‫التخطيط و اإلدارة و التنظيم واالستخدام‬ ‫الف ّعال لألدوات التقنية يف العامل الواقعي‪.‬‬ ‫‪.5‬م���ه���ارات ال��ث��ق��اف��ة ال��ب��ص��ري��ة (‪Visual‬‬ ‫‪ :)Literacy Skills‬حتليل ال��رس��ائ��ل‬ ‫اإلعالمية البصرية‪ ،‬وحتديد مكوناتها‪ ،‬وتفسري‬ ‫العالقة بني تلك املكونات والتعبري عن وجهة‬ ‫النظر ح��ول قضية معينة بصيغة بصرية‬ ‫وتقويم مغزى الرسائل اإلعالمية البصرية‬ ‫وإصدار احلكم حول مصداقيتها‪.‬‬ ‫‪.6‬مهارات الثقافة املعلوماتية ‪Information‬‬ ‫‪ :))Literacy Skills‬استخدام املعلومات‬ ‫بفاعلية وك��ف��اءة لتحقيق أه���داف حم��ددة‬ ‫واستخدام املصادر التقنية حلل املشكالت واختاذ‬ ‫قرارات منطقية واختيار مصادر معلوماتية‬ ‫وابتكاريه تقنية بنا ًء على مالئمتها إلجناز مهام‬ ‫حمددة‪.‬‬ ‫‪.7‬مهارات التفاعل الشبكي ‪Networking‬‬ ‫‪ :))Interaction Skills‬فهم وتقدير‬


‫التنوع واالختالف الثقايف على املستويات احمللية‬ ‫واإلقليمية والعاملية‪ .‬و املشاركة يف جمتمعات‬ ‫افرتاضية و حتليل واح�ت�رام وجهات النظر‬ ‫املتعددة ح��ول قضايا ثقافية أو اجتماعية‬ ‫و العمل كعضو يف فريق واكتساب املعرفة‬ ‫واملساهمة يف توليدها م��ن خ�لال التفاعل‬ ‫اإلجيابي مع أعضائه لتحقيق أهداف مشرتكة‪.‬‬ ‫‪.8‬مهارات التوجيه الذاتي (‪Self-Direction‬‬ ‫‪ :)Skills‬استخدام تقنيات املعلومات يف متابعة‬ ‫االهتمامات الشخصية حول القضايا املختلفة‬ ‫و حتديد أهداف واضحة لالهتمامات اخلاصة‬ ‫وإدارة الوقت واجلهود وتقويم فاعلية وكفاءة‬ ‫اإلجناز‪ .‬استخدام أدوات اإلنتاجية التقنية يف‬ ‫تطوير مهارات إنتاج حمتوى إعالمي بصيغ‬ ‫مبتكرة‪ .‬ف��اإلع�لام ال�ترب��وي ي��ق��دم ثقافة‬ ‫معلوماتية تتمثل مبهارات استخدام تقنيات‬ ‫املعلومات واالتصال احلديثة‪ ،‬وتنمية مهارات‬ ‫التفكري العليا أو التفكري الناقد‪ ،‬وم��ه��ارات‬ ‫االتصال‪ ،‬ان معايري املثقف املعلوماتي هي ان‬ ‫يصل إىل املعلومات بكفاءة وفاعلية‪ .‬ويق ّوم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫متمكنا‪ ،‬ويستخدم‬ ‫تقوميا ناقداً و‬ ‫املعلومات‬ ‫املعلومات بدقة و إب���داع‪ .‬ويتابع املعلومات‬ ‫اخلاصة و املتعلقة باالهتمامات الشخصية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ويقدر األدبيات التعليمية والصور االبتكارية‬ ‫األخ���رى م��ن امل��ع��ل��وم��ات وجي��اه��د للتميز يف‬ ‫احلصول على املعلومات و توليد املعرفة ويقر‬ ‫بأهمية املعلومات للمجتمع املعاصر وميارس‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أخالقيا بالنسبة للمعلومات وتقنية‬ ‫سلوكيا‬ ‫املعلومات ويشارك بفاعلية يف العمل اجلماعي‬ ‫ملتابعة املعلومات و توليدها‪.‬‬

‫عاشراً‪ :‬التوصيات‪:‬‬ ‫من اجل تفعيل وتطوير دور اإلعالم الرتبوي‬ ‫يف العملية الرتبوية والتعليمية نقرتح بعض‬ ‫التوصيات أهمها‪:‬‬ ‫‪.1‬التنسيق مع ال��وزارات والدوائر الرمسية من‬ ‫خالل فتح قنوات وحمطات تربوية مصممة‬ ‫ومنفذة من قبل وزارة الرتبية والتعليم العالي‬ ‫لتحقيق أهداف اإلصالح الرتبوي والتعليمي‪.‬‬ ‫‪.2‬التنسيق مع املؤسسات اإلعالمية كافة‪ ،‬خللق‬ ‫التوعية اإلعالمية‪ ،‬وتدريب اإلعالميني يف‬ ‫جمال اإلعالم الرتبوي‪.‬‬ ‫‪.3‬العمل على تدريب الكوادر التدريسية يف جمال‬ ‫اإلعالم الرتبوي من خالل برامج منظمة وذلك‬ ‫بدمج تقنية املعلومات يف التعليم مما يعمل‬ ‫على حتسني فاعلية النظام التعليمي وكفائتة‬ ‫الداخلية واخلارجية املتمثلة بتدريسيني‬ ‫قادرين على املساهمة اإلجيابية يف نهضة وتطور‬ ‫بلدهم‪.‬‬ ‫‪.4‬العمل على دمج تقنية املعلومات يف التعليم‬ ‫واليت تتطلب توفري البنية التقنية التحتية‬ ‫والربط الشبكي واألجهزة والربامج اليت تيسر‬ ‫وصول املتعلمني لإلنرتنت وأدواتها وتطبيقاتها‬ ‫املختلفة‪.‬‬ ‫‪.5‬إقامة برامج تدريب وتطوير مهين للمعلمني‬ ‫واملدرسني واألساتذة اجلامعيني على رأس العمل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وإلكرتونيا‪.‬‬ ‫تقليديا‬ ‫‪.6‬أتباع اسرتاتيجية تدريس اإلع�لام الرتبوي‬ ‫كمنهج يف املدارس واجلامعات باعتباره ضرورة‬ ‫يف عصر تتغري وتتنوع فيه املعرفة واملهارات‬ ‫بشكل كبري ومتسارع‪.‬‬ ‫‪.7‬عقد دورات يف املهارات الصحفية و التجارب‬ ‫‪365‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪366‬‬

‫اإلع�لام��ي��ة بالتنسيق م��ع م��راك��ز التدريب‬ ‫الرتبوي‪.‬‬ ‫‪.8‬تنظيم زي��ارات ملؤسسات و جهات إعالمية‬ ‫وحماولة االستفادة من براجمها لتطوير الربامج‬ ‫املنفذة و العمل على تقديم برامج متميزة‪.‬‬ ‫‪.9‬عقد ن��دوات نقاشية تتضمن دور اإلع�لام‬ ‫يف املدرسة و سلوكيات اجملتمع و بناء اجليل و‬ ‫تواصل اجملتمع مع املدرسة و جتسيد ذلك من‬ ‫خالل انعقاد جملس اآلباء و املعلمني‪.‬‬ ‫‪.10‬ال��ت��خ��ط��ي��ط ل�لإع�لام ال�ترب��وي باعتباره‬ ‫منظومة فرعية يف خطة شاملة لإلصالح‬ ‫الرتبوي املعتمد على دم��ج تقنية املعلومات‬ ‫يف التعليم‪ ،‬وأن تعتمد اسرتاتيجية منهجها‬ ‫وتدريسها على دجمها يف املنهج الدراسي من‬ ‫خ�لال مواقف تعلم تتناول قضايا إعالمية‬ ‫معينة‪.‬‬ ‫‪.11‬تأسيس أقسام لإلعالم الرتبوي يف اجلامعات‬ ‫والكليات من خالل التعاون بني هذه الكليات‬ ‫و أقسام اإلع�ل�ام‪ ،‬لتدريس اإلع�لام الرتبوي‬ ‫والتخطيط لتقديم برامج تدريبية‪.‬‬ ‫‪.12‬بناء شراكة بني مؤسسات التعليم الرمسي‬ ‫واملؤسسات اإلعالمية احمللية لنشر مفهوم‬ ‫اإلعالم الرتبوي يف البيئة احمللية‪ ،‬ودعم اخلطط‬ ‫املستقبلية اهلادفة لتفعيله يف بيئات التعليم‬ ‫الرمسية وغري الرمسية ‪.‬‬ ‫‪.13‬دراس���ة التجارب يف جم��ال تدريس اإلع�لام‬ ‫الرتبوي والتطبيقات املتميزة يف الدول املتقدمة‬ ‫واشتقاق الدروس املستفادة منها‪.‬‬ ‫‪.14‬السعي إىل إجياد الكوادر املتخصصة يف جمال‬ ‫اإلعالم الرتبوي‪.‬‬

‫‪.15‬تشجيع البحوث والدراسات يف جمال اإلعالم‬ ‫الرتبوي ودعمها‪.‬‬ ‫املصادر‪:‬‬ ‫‪.1‬د‪ .‬بدر بن عبداهلل الصاحل‪ ،‬مدخل دمج تقنية‬ ‫املعلومات يف التعليم للرتبية اإلعالمية ‪ -‬إطار‬ ‫مقرتح للتعليم العام السعودي‪ ،‬حبث منشور يف‬ ‫املؤمتر الدولي األول للرتبية اإلعالمية‪ ،‬الرياض‪،‬‬ ‫‪.2007‬‬ ‫‪.2‬يوسف بن حممد القبالن‪ ،‬وعبداهلل بن صاحل‬ ‫احلسيين‪ ،‬املدخل إىل العالقات العامة واإلعالم‬ ‫الرتبوي‪ ،‬الرياض‪.1980 ،‬‬ ‫‪.3‬د‪ .‬عقيل حممود رفاعي‪ :‬اإلع�لام الرتبوي‬ ‫دراسات مقارنة‪ ،‬بريوت‪.2008 ،‬‬ ‫‪.4‬أدي���ب خضور‪ ،‬اإلع�لام العربي على أب��واب‬ ‫القرن احلادي والعشرين‪ ،‬دمشق‪.2000 ،‬‬ ‫‪.5‬د‪ .‬أدي����ب خ��ض��ور‪ ،‬اإلع��ل�ام املتخصص‪،‬‬ ‫االقتصادي‪ ،‬الرياضي‪ ،‬الثقايف‪ ،‬السكاني‪ ،‬العلمي‪،‬‬ ‫دمشق‪.٢٠٠٣،‬‬ ‫‪.6‬حممد عطية خليل أبو ف��ودة‪ :‬دور اإلعالم‬ ‫الرتبوي يف تدعيم االنتماء الوطين لدى الطلبة‬ ‫اجلامعيني يف حمافظات غزة‪ ،‬رسالة ماجستري‬ ‫غري منشورة‪.2006 ،‬‬ ‫‪.7‬د‪ .‬انتصار إبراهيم عبدالرزاق و د‪ .‬صفد‬ ‫حسام الساموك‪ ،‬اإلع�لام اجلديد تطور اإلداء‬ ‫والوسيلة والوظيفة‪ ،‬بغداد‪.2011 ،‬‬ ‫‪.8‬رش��اد أمح��د عبد اللطيف‪ :‬تنمية اجملتمع‬ ‫وقضايا اإلع�لام ال�ترب��وي‪ -‬مؤشرات التنمية‬ ‫بني التطورات النظرية واملمارسة امليدانية‪،‬‬ ‫اإلسكندرية‪.1995 ،‬‬ ‫‪.9‬د‪ .‬خالد إبراهيم احملجوبي‪ :‬اإلعالم والتنمية‬


‫نظرة يف الرتابطية والتفاعلية‪ ،‬احلوار املتمدن‪،‬‬ ‫ع‪ 2010 ،2937‬موقع على األنرتنيت‪http://:‬‬ ‫‪www.ahewar.org‬‬ ‫‪.10‬امل���وق���ع اإلل��ك�ترون��ي‪http://www. :‬‬ ‫‪abegs.org‬‬ ‫‪.11‬املوقع اإللكرتوني‪http://telc.tanta. :‬‬ ‫‪edu‬‬ ‫‪.12‬امل��وق��ع اإلل��ك�ترون��ي‪http://www. :‬‬ ‫‪dardashchat.net‬‬ ‫‪.13‬امل���وق���ع اإلل��ك�ترون��ي‪http://www. :‬‬ ‫‪com.e3lam1‬‬ ‫‪.14‬امل���وق���ع اإلل��ك�ترون��ي‪http://www. :‬‬ ‫‪startimes.com‬‬

‫‪367‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪368‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.